You are on page 1of 15

‫الاقتراب الشبكي للظواهر الاجتماعية كاالتجاه نظري جديد في‬

‫علم الاجتماع الحضري‬

‫ألاستاذ‪ :‬عبد الكريم ياسف‬


‫ملحق بالبحث بمركز البحث في الاقتصاد املطبق للتنمية‬
‫قسم‪ :‬التنمية البشرية و الاقتصاد الاجتماعي‬
‫فريق‪ :‬الديناميكيات الحضرية‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫تعتبر الحياة الاجتماعية في املدينة نسيجا متشابكا من العالقات املعقدة‪ ،‬الناتجة‬
‫عن تجمع أفراد وجماعات من بيئات وفئات وانتماءات مختلفة ‪ ،‬وينجم عن هذا‬
‫التفاعل املستمر ممارسات اجتماعية متنوعة نتيجة تأثير ألافراد في بعضهم البعض‬
‫بصورة مباشرة و غير مباشرة من خالل املعامالت والعالقات التي تربطهم ‪.‬‬
‫وقد جرت عدة محاوالت لفهم الظواهر الاجتماعية في الوسط الحضري‪ ،‬ولكن مع‬
‫تطور الحياة الحضرية وازدياد حجمها وتعقد حياتها‪ ،‬حدث نوع من العجز في تقديم‬
‫صورة كافية وفهم سليم ملجتمع املدينة جراء استعمال مفاهيم كالسيكية في علم‬
‫الاجتماع عامة وعلم الاجتماع الحضري خاصة ملواكبة التطورات التي تشهدها‬
‫‪1‬‬
‫املجتمعات الحضرية‪.‬‬
‫لذلك اتجهت ألانظار‪ ،‬ومنذ حوالي ‪ 04‬سنة إلى مفاهيم جديدة مثل "الشبكات‬
‫الاجتماعية "‪ ،‬والتي أصبحت نقطة انطالق جديدة للتحليل السوسيولوجي‪ ،‬ومع‬
‫مرور الوقت اكتسب مفهوم "شبكة العالقات الاجتماعية" باملعنى التحليلي شعبية‬
‫واسعة خالل أواخر الخمسينات وبداية الستينات من القرن العشرين‪ ،‬حيث انتشر‬
‫استعماله بعد إذن على نطاق واسع بين علماء الاجتماع وألانثروبولوجيا‪.‬‬
‫هذا الانتشار راجع بالدرجة ألاولى إلى إمكانية تحليل الشبكات الاجتماعية تقديم‬
‫نظرة جديدة للمجتمع وذلك " بقلب املنطق املسلم به في علم الاجتماع‪ ،‬أي بالتركيز‬
‫على العالقات بين ألافراد الاجتماعيين بدال من الانطالق بتصنيف مسبق للمجتمع‬
‫على أساس أنه فئات وطبقات‪ ،‬حيث يفترض تحليل الشبكات الاجتماعية‬

‫‪1‬‬
‫استراتيجية معاكسة وهي الانطالق من مجموعة من العالقات املالحظة ومن ثمة‬
‫استخراج تصنيف وخريطة لبنية الجماعات‪ ..،‬وذلك راجع إلى كون العالقات‬
‫الاجتماعية املهيكلة مصدر هام وأكثر قوة للشروح السوسيولوجية مقارنة‬
‫‪2‬‬
‫باإلسهامات الفردية ألعضاء النسق ‪.‬‬
‫ذلك أن الناس ينتمون إلى فئات اجتماعية‪ ،‬ولكن ينتمون أيضا إلى شبكات عالقات‪،‬‬
‫والفئات ماهي إال انعكاس للعالقات املبنية الرابطة بين ألافراد‪ ،‬وبالتالي فإن نظرية‬
‫شبكات العالقات الاجتماعية تتعارض منهجيا مع النظريات الكليانية املبنية على‬
‫أساس (الجنس‪،‬الطبقة الاجتماعية‪ ،‬املهنة‪...،‬وغيرها من التصنيفات املسبقة ألفراد‬
‫املجتمع) وتتعارض أيضا مع النماذج الفردانية التي تدرس مجموع املمارسات الفردية‬
‫على أنها عقالنية ‪.3‬‬
‫‪ -1‬ألاصول النظرية لتحليل شبكة العالقات الاجتماعية ‪:‬‬
‫إن تمثيل مجموعة معقدة من العالقات املتبادلة في نظام اجتماعي كشبكة من‬
‫العالقات الاجتماعية ليس بأمر جديد تماما في علم الاجتماع‪ ،‬بل له جذور علمية‬
‫قديمة‪ ،‬حيث من املمكن إيجاد في أعمال قورفيتش وجورج زيمل وحتى إيميل‬
‫دوركايم الاهتمامات النظرية ألاولى للجماعاتية‪ ،‬وفي هذا يقول زيمل " إن محتوى‬
‫العالقات الاجتماعية يؤثر على الوجود‪ ،‬لكن اليكون الفرد الاجتماعي‪ ،‬بينما نمط‬
‫العالقات الاجتماعية وألافعال املتبادلة تكون الفرد الاجتماعي‪ ،‬إذن اليوجد مجتمع‬
‫إال حيث يوجد فعل متبادل‪....‬وعلم الاجتماع هو علم البنى والعالقات الاجتماعية"‪.4‬‬
‫كما يجد تحليل الشبكات الاجتماعية جذوره املباشرة في مدرسة علم الاجتماع‬
‫إلامبريقي املسمات مدرسة شيكاقو‪ ،‬والتي اهتمت باملبادالت بين ألافراد‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫‪5‬‬
‫العالقات الجماعاتية املميزة لالنتقال بين الريف والحضر‪.‬‬
‫ثم نجد أيضا أصوال نظرية في ألانثروبولوجيا تضمنت باألساس أعمال مدرسة‬
‫"مانشستر" البريطانية‪ ،‬خاصة أعمال بارنر (‪ )4590‬وبوت (‪ .)4591‬التي اهتمت‬
‫‪6‬‬
‫بدراسة العالقات الاجتماعية املتشابكة واملعقدة في الوسط الحضري‪.‬‬
‫حيث تضمنت إسهامات بارنر في إقترابها لتحليل الشبكات باعتماده على مؤشر كثافة‬
‫وانتقالية العالقات بين ألافراد من أجل وصف وتحديد شبكة العالقات غير الرسمية‬
‫املتكونة مثال من ألاصدقاء‪ ،‬املعار‪ ،،‬ألاقرباء‪ ...‬باإلضافة إلى دراسة بوت في دراسهها‬
‫الكالسيكية الرائدة بعنوان "ألاسرة وشبكة العالقات الاجتماعية"‬
‫والتي تعتبر من أهم الدراسات السوسيولوجية وألانثروبولوجية التي استعملت اتجاه‬
‫‪2‬‬
‫شبكة العالقات الاجتماعية في مجال ألاسرة‪ ،‬والتي أظهرت بصفة عامة أن أدوار‬
‫الزوجين تحدد بكثافة شبكات عالقات الزوجين‪.‬‬
‫وتميز هذا التيار في البحث بتفضيل املناهج ألانثروبولوجية أي على وصف ألافعال‬
‫الفردية قبل تحديد موقف بنيوي‪ ،‬لذلك تعتبر مدرسة "مانشستر" البريطانية‬
‫املحاولة ألاولى الجادة لتحديد املميزات الواضحة للشبكات‪7 ،‬وقد استمر تطور هذا‬
‫الاتجاه ليصبح أحد أهم التيارين لتحليل الشبكات الاجتماعية‪.‬‬
‫وابتداء من السبعينات تحدد اتجاه بحث متخصص وهو الشبكات الاجتماعية‪،‬‬
‫واحتل مكانا واسعا في مجال العلوم إلانسانية والاجتماعية‪ ،‬وخالل هذا التطور‬
‫ازدادت الدراسات حول الشبكات الاجتماعية‪ ،‬باإلضافة إلى تحسين مستمر للمناهج‬
‫وتدقيق في املفاهيم ‪.‬‬
‫فتبنى عدة سوسيولوجيون هذا الباراديقم أو الاتجاه النظري الجديد متخذين من‬
‫مالحظة وتحليل العالقات والتبادالت بين الفاعلين الاجتماعيين القاعدة ألاساسية‬
‫للتحليل السوسيولوجي‪ ،‬مخالفين في ذلك السوسيولوجيا الكالسيكية التي تعمل‬
‫على تفسير الظواهر الاجتماعية من خالل تصنيفات الفئات الاجتماعية‪ ،‬ومخالفين‬
‫أيضا التفسيرات املبنية على املميزات والصفات الفردية (الفردانية املنهجية)‬
‫واستطاع علم اجتماع الشبكات أن يشق طريقه كحقل معرفي مستقل في علم‬
‫الاجتماع ‪ .8‬وذلك من خالل بناء مفاهيم ومصطلحات خاصة به‪ ،‬كما ظهر علماء‬
‫وباحثين متخصصين بهذا الحقل‪ ،9‬كما تم إنشاء معاهد ومؤسسات خاصة مثل‬
‫"‪( "INSNA‬الشبكة العاملية لتحليل الشبكات الاجتماعية)‪ ،‬وتخصيص ندوات‬
‫وملتقيات عاملية ودورية حول موضوع الشبكات مثل ملتقى‪ ،10 Sunbelt‬باإلضافة إلى‬
‫مواقع الكترونية متخصصة على شبكة الانترنت‪.11‬‬
‫وقد انبثق من كل هذا التراكم املعرفي لعلم اجتماع الشبكات‪ ،‬تياران للتحليل‪،‬‬
‫يفسران بطرق مختلفة الاقتراب الشبكي للظواهر الاجتماعية‪.‬‬
‫ألاول يسمى تيار التحليل البنيوي للشبكات الاجتماعية‪ ،‬والثاني يطلق عليه تيار‬
‫مدرسة مانشستر أو التيار ألانتروبولوجي لتحليل الشبكات‪ ،‬بالرغم من أن هذان‬
‫التياران في تحليل الشبكات الاجتماعية يتفقان على جعل تحليل العالقات‬
‫والتبادالت بين الفاعلين الاجتماعيين القاعدة ألاساسية للتحليل السوسيولوجي إال‬
‫أنهما يختلفان في نقاط معينة سنستعرضها بالتفصيل ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -2‬التياران ألاساسيان في تحليل شبكات العالقات الاجتماعية ‪:‬‬
‫أ‪ -‬تيار التحليل البنيوي للشبكات الاجتماعية ‪:‬‬
‫يمثل تيار التحليل البنيوي للشبكات الاجتماعية التيار ألاكثر انتشارا في حقل علم‬
‫اجتماع الشبكات‪ .‬ينطلق أصحاب هذا التيار من قناعة أنه البد من دراسة الفاعل‬
‫الاجتماعي وعقالنيته كنتيجة للعالقات التي يكونها مع ألافراد آلاخرين املكونين‬
‫للشبكة الاجتماعية املنتمي إليها‪ ،‬ولذلك يهتم أصحاب هذا التيار بدراسة الشبكات‬
‫"الكاملة" أو "الكلية" أي شبكات العالقات داخل جماعة معينة أو تنظيم محدد‪،‬‬
‫يمكنهم بواسطته تعيين حدود الشبكة بالعالقات املمكن تكونها بين أفراد هذا‬
‫التنظيم‪ .‬وتمثل الشبكة الكاملة نسق مغلق من العالقات مرتبطة بنشاط ما أو‬
‫‪12‬‬
‫هد‪ ،‬مشترك مثال ملؤسسة أو املصنع أو العائلة‪.‬‬
‫كما يعتبر الباحثون في التيار البنيوي لتحليل الشبكات" أن أنساق القيم واملعايير‬
‫تكون مستقلة تماما عن نسق العالقات الاجتماعية "‪ 13‬أي أنه ال يوجد تأثير تماما‬
‫بين القيم واملعايير التي يتبناها الفاعل الاجتماعي وبين العالقات الاجتماعية التي‬
‫يقيمها مع آلاخرين مثال ال يوجد تأثير بين دين الفرد أو عاداته وتقاليده‬
‫وبين ألافراد والعالقات التي يقيمها مع ألافراد آلاخرين‪.‬‬
‫ويرفض أصحاب هذا التيار تماما التصنيفات والتقسيمات الكالسيكية في علم‬
‫الاجتماع كالجنس والطبقة والفئة ‪ ،...‬وينكرون تأثيرها‪ ،‬ويجعلون من بنية العالقات‬
‫‪14‬‬
‫املفسر الوحيد للظواهر الاجتماعية‪.‬‬
‫إذ يقتض ي على الباحث تحليل شبكة العالقات املكونة من طر‪ ،‬ألافراد داخل‬
‫تنظيم أو مؤسسة أو هيكلما‪ ،‬وترتيب هذه العالقات من أجل فهم الطريقة التي تأثر‬
‫وتمارس بنية شبكة العالقات الاجتماعية نوعا من الجبر على ألافعال الاجتماعية‬
‫لألفراد‪ ،‬وتفسير هذه ألافعال في ضوء مكانته في الشبكة الاجتماعية‪.‬‬
‫وهذا الفهم ال يتم إال من خالل معرفة الاتصاالت والعالقات داخل الشبكة ودراسهها‬
‫عن طريق مجموعة من ألادوات إلاحصائية والرياضية‪.‬‬
‫رغم الانتشار الواسع لتيار التحليل البنيوي في تحليل الشبكات الاجتماعية‪ ،‬فقد‬
‫سجلت عليه مآخذ وانتقادات عديدة‪ ،‬أهمها صعوبة دراسة الشبكة الكاملة‪ ،‬إذ أنه‬
‫من الصعب جدا " أن نعلم من أين تبدأ الشبكة الاجتماعية وال أين تنتهي" ‪ ،15‬وإذا‬
‫حصرناها في فئة معينة مرتبطة بنشاط ما أو هد‪ ،‬معين فهذا يعني السقوط في‬
‫التصنيفات املسبقة التي ادعى أصحاب هذا التيار رفضها وإنكار تأثيرها‪" ،‬وفي هذا‬
‫‪4‬‬
‫الجانب بالتحديد‪ ،‬أي تجاوز التصنيفات املسبقة‪ ،‬فشل التحليل البنيوي للشبكات‬
‫‪16‬‬
‫الاجتماعية "‬
‫كما أن تركيز هذا التيار على نوع واحد من العالقات املتعلقة باملؤسسة أو التنظيم‬
‫املدروس‪ ،‬فيه إهمال لتأثير العالقات ألاخرى التي يقيمها الفرد خارج هذا التنظيم‪،‬‬
‫فمثال دراسة شبكة اجتماعية ألفراد مؤسسة ما ال يأخذ بعين الاعتبار العالقات‬
‫ألاخرى التي يقيمها ألافراد خارج هذه املؤسسة‪ ،‬كالعالقات العائلية‪ ،‬وعالقات الجيرة‬
‫والصداقة ‪ ،....‬وبالتالي من الصعب فهم تأثير الشبكات عند فصلها‪ ،‬وذلك نظرا‬
‫لتشابك شبكات العالقات الاجتماعية‪.‬‬
‫كما أن تركيز التحليل البنيوي على ألادوات إلاحصائية والرياضية والنتائج الرقمية‬
‫يهمل وجهة النظر الفهمية للفاعل الاجتماعي‪.‬‬
‫ورغم هذه النقائص‪ ،‬حاول أصحاب التحليل البنيوي للشبكات تجاوز بعضها‪،‬‬
‫فتطور وأصبح ألاكثر انتشارا خاصة في دول وراء املحيط ألاطلس ي كالواليات املتحدة‬
‫ألامريكية‪ ،‬كندا وبعض الدول ألاوربية‪ ،‬وأصبح له نظريات خاصة به‪ ،‬نذكر أهمها‪:‬‬
‫نظرية العالم الصغير للعالم ألامريكي في علم النفس الاجتماعي ميلغرون ‪Stanley‬‬
‫‪ ،)4590-4511 (Milgram‬نظرية الثقوب البنيوية ‪ 17:‬التي وضعها روبرت بورت‬
‫(‪ )Ronald Stuart Burt ( ) -4505‬سنة ‪، 4594‬نظرية الروابط الضعيفة والروابط‬
‫القوية ‪ :‬للعالم مارك قرانوفيتر (‪) -4505()Mark Granovetter‬‬
‫ب‪ -‬التيار ألانثروبولوجي لتحليل الشبكات الاجتماعية ‪:‬‬
‫التيار الثاني لتحليل الشبكات الاجتماعية تطور في خضم أعمال ألانثروبولوجيا‬
‫الاجتماعية‪ ،‬ممثال في مدرسة مانشستر‪ ،‬ابتداء من أعمال " بارنر‪ ،4590‬بوت ‪،4591‬‬
‫ميتشال ‪ ،4595‬وأعمال قريبودي‪ " 4559‬التي اهتمت بدراسة العالقات الاجتماعية‬
‫املتشابكة واملعقدة في الوسط الحضري‪.‬‬
‫يتميز هذا التيار بأداته املرجعية في تحليل الشبكات الاجتماعية‪ ،‬وهي الشبكات‬
‫املتمحورة حول الفرد أو الشبكات الفردية» ‪،18 «réseaux ego-centrique‬إذ أنه بدال‬
‫من فصل أنساق العالقات وأنساق القيم – مثلما يفعله أصحاب تيار التحليل‬
‫البنيوي للشبكات‪ -‬فإن الاتجاه ألانثروبولوجي لتحليل الشبكات الاجتماعية يحاول‬
‫إظهار كيف تتداخل هذه ألانساق وتأثر في بعضها البعض ولكن بحصر مستوى‬
‫‪19‬‬
‫املالحظة والتحليل على مستوى ألافراد‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وفي هذا يصف قريبودي خصائص الاقتراب ألانثروبولوجي لتحليل الشبكات‬
‫الاجتماعية " إن أفعال ألافراد املالحظة‪ ،‬مثلها مثل أشكال العالقات‪ ،‬ال ينظر إليها‬
‫كثمرة للقيم واملعايير الثابتة واملستقرة‪ ،‬بل كنتيجة للتفاعالت الاجتماعية‪ ،‬حيث أن‬
‫ألافعال الاجتماعية تكون محددة بخاصية السياق العام الذي ظهرت فيه‪20 ".‬أي أن‬
‫ألافعال وأنواع العالقات التي يكونونها ليست النتيجة الحتمية والحصرية النتمائه‬
‫لطبقة معينة أو لقيم ومعايير نشأ عليها‪ ،‬إنما هي نتيجة لتداخل وتشابك وتفاعل‬
‫عوامل اجتماعية متنوعة‪ ،‬ابتداء بالقيم واملعايير إلى العالقات الاجتماعية إلى‬
‫املميزات والخصائص الفردية انههاء بالسياق العام التي ظهرت فيه‪.‬‬
‫ولإلحاطة بهذه ألامور تبنى أصحاب التيار ألانثروبولوجي لتحليل الشبكات الاجتماعية‬
‫أداة " الشبكات الفردية" ‪ ،‬ويقصد بها شبكة عالقات الفرد املرتبطة به بصفة‬
‫مباشرة‪ ،‬فبدال من استعمال الشبكات الكاملة كما في التيار البنيوي لتحليل‬
‫الشبكات الاجتماعية واملأخوذة من تنظيم أو هيكل قائم من قبل‪ ،‬فإن التيار‬
‫ألانثروبولوجي ينطلق من الفرد ويحاول ترسيم واستخراج العالقات التي يقيمها مع‬
‫ألافراد آلاخر ينفي املجتمع وبالتالي يكون شبكته الفردية ‪.‬‬
‫وفي هذا يقول قريبودي " إن الشبكات الفردية تقدم صورة دقيقة ملختلف ألاشكال‬
‫التي يتكون ويترابط بها املجال الاجتماعي‪ ،‬حيث يحاول الباحث بواسطهها ( الشبكات‬
‫الفردية) تجاوز التصنيفات والتقسيمات املستعملة لتصنيف املجتمع‪ ،‬والتي تعتبر‬
‫‪21‬‬
‫جزئية وغير كافية‪".‬‬
‫إن اختيار باحثي التيار ألانثروبولوجي لتحليل الشبكات الاجتماعية تركيز تحليلهم‬
‫للشبكات الاجتماعية على مجموعة العالقات للفاعل الاجتماعي (الشبكة الفردية)‬
‫ليس من قبيل الصدفة أو الاعتباط‪ ،‬وإنما ألسباب منطقية وتحليلية‪ " ،‬إذ أن شبكة‬
‫عالقات الفرد تعتبر الوسيلة ألاساسية التي تسمح بمالحظة آليات‬
‫و ميكانيزمات بناء املجال الاجتماعي في الواقع‪ ،...‬ومن خالل مالحظة وتحليل بناء‬
‫واستعمال الفرد لهذه العالقات‪ ،‬وموارده الاجتماعية‪ ،‬والقيم واملعايير املختلفة‪،‬‬
‫‪22‬‬
‫يمكن معرفة آلاليات والقواعد التي تأثر على تحديد الفعل الاجتماعي"‪.‬‬
‫أي أنه من خالل الشبكات الفردية تظهر لنا امليكانيزمات وألاساليب التي يبنىبها‬
‫الفعل الاجتماعي‪ ،‬فعندما ندرس شبكة عالقات الفرد وكيفية تأسيسها واستعماالتها‬
‫في ضوء إلامكانيات املتاحة للفرد سواء الشخصية كاملستوى التعليمي أو القوة‬
‫البدنية‪ ،‬أو إلامكانيات الاجتماعية كالطبقة أو الانتماء‪ ،‬وفي ضوء القيم واملعايير التي‬
‫‪6‬‬
‫يعيش بها الفرد‪ ،‬فمن خالل كل هذا يمكننا فهم الفعل الاجتماعي وكيف يساهم في‬
‫بنائه ‪.‬‬
‫وكل هذا ما كان ممكنا لوال شمولية الشبكات الفردية على عدة مجاالت ومستويات‬
‫معيارية وعالئقية (عالقات العائلية‪ ،‬العالقات الحميمية‪ ،‬عالقات العمل‪ ،‬عالقات‬
‫الحي ‪ )...‬مما يسمح باختراق حدود املؤسسات‪ ،‬الجماعات أو الفئات الضيقة‬
‫والاحتفاظ باملميزات املحلية للمجال الذي تتطور فيها لعالقات الفردية‪ ،‬خاصة تلك‬
‫التي تنشأ في الوسط الحضري املعقد‪.‬‬
‫ولترسيم الشبكة الفردية وتحديد أفرادها طور الباحثون أدوات وتقنيات متنوعة‬
‫لتحديد أكبر قدر ممكن من املعلومات حول الشبكة الفردية‪ ،‬أي بوضع قائمة‬
‫لألفراد الذين تتكون منهم الشبكة‪.‬‬
‫ومن أهم هذه ألاساليب والطرق لترسيم الحدود التجريبية للشبكات الفردية يوجد ‪:‬‬
‫أسلوب املالحظة املباشرة‪ ،23‬أسلوب الجرد الشخص ي أو املذكرة اليومية‪ 24‬ولدينا‬
‫أيضا أسلوب مولدات ألاسماء‪،25‬هذه ألاخيرة هي التقنية ألاكثر استعماال في مجال‬
‫‪26‬‬
‫التحليل الشبكي للظواهر الاجتماعية‪.‬‬
‫ومع ازدياد دراسات التحليل ألانثروبولوجي للشبكات الاجتماعية باستخدام الشبكات‬
‫الفردية‪ ،‬تطور عدد من املفاهيم واملصطلحات ألاساسية التي كونت البناء النظري‬
‫لهذا الاتجاه‪ ،‬مثال لكثافة‪ ،‬الترابط‪ ،‬التنوع‪ ،‬التكتل‪ ،‬والتي سمحت بوصف‬
‫الخصائص الهيكلية للشبكات الفردية‪ ،‬وبتحليل تأثير هذه املتغيرات على الظواهر‬
‫الاجتماعية‪ .‬ومن أهم هذه املفاهيم ‪:‬‬
‫‪ -4‬نوع أو نمط الشبكة فردية‪ :‬والتي تحدد حسب نوع العالقات الغالبة بين‬
‫الفرد وأعضاء شبكته الاجتماعية‪ ،‬كأن يغلب عليها عالقات العمل أو‬
‫‪27‬‬
‫عالقات القرابة‪ ،‬أو عالقات الجيرة ‪....‬‬
‫‪ -2‬حجم الشبكة الفردية ‪ :‬نقصد بها مجموع عدد أفراد الشبكة الذي يرتبط‬
‫‪28‬‬
‫معهم املبحوث بعالقة ما‪.‬‬
‫‪ -1‬الكثافة ‪ :‬هي شدة الارتباط بين أفراد الشبكة ودرجة معرفههم ببعضهم‬
‫البعض وتفاعلهم فيما بينهم فنقول مثال أن شبكة اجتماعية كثيفة إذا‬
‫كان أفراد هذه الشبكة من ألاقارب‪ ،‬وأصدقاء وجيران‪ ،‬وزمالء العمل‬
‫‪29‬‬
‫يعرفون بعضهم البعض ويتفاعلون مع بعضهم البعض‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ -0‬تجانسية الشبكة ‪ :‬نقول عن الشبكة الفردية أنها متجانسة إذا كان‬
‫أفرادها متقاربون من حيث خصائصهم الفردية والاجتماعية مثل العمر‪،‬‬
‫‪30‬‬
‫الجنس‪ ،‬الفئة السوسيومهنية‪ ،‬مع الفرد صاحب الشبكة‪.‬‬
‫خالصة يمكننا القول أن التحليل ألانثروبولوجي للشبكات الاجتماعية يسمح بتحليل‬
‫دور وتأثير الشبكات الاجتماعية على أفعال وطرق تفكير الفاعلين مع إلابقاء على‬
‫الفرد الاجتماعي في قلب التحليل من خالل الشبكات الفردية‪ ،‬وألاخذ بعين الاعتبار‬
‫وسطه الاجتماعي املندمج فيه دون إذابته في هذا الوسط‪.‬‬
‫‪ -3‬أهم الشبكات الاجتماعية املكونة للمجتمع الحضري الجزائري ‪:‬‬
‫بعد هذا الاستعراض السريع لعلم اجتماع الشبكات الذي شق طريقه كحقل معرفي‬
‫مستقل في علم الاجتماع‪ ،‬وأهم التيارات التحليلية به‪ ،‬ارتأينا أن نوضح أهم‬
‫الشبكات الاجتماعية املكونة للمجتمع الحضري الجزائري‪ ،‬والتي تصلح كنماذج‬
‫للبحوث الحضرية مستقبال‪.‬‬
‫تتنوع الشبكات الاجتماعية لألفراد بتنوع انتماءاتهم واهتماماتهم‪ ،‬وكما ذكرنا سابقا‬
‫ال يوجد تحديد واضح لحدود الشبكة وال ألنواعها وال لتقسيماتها‪ ،‬ولكن وبصفة‬
‫عامة هناك شبه اتفاق بين الدارسين للشبكات الاجتماعية على تقسيمات نوعا ما‬
‫تقليدية مبنية على أساس نوع العالقات التي تربط أفراد الشبكة‪ ،‬فهناك شبكات‬
‫عالقات أولية أي التي تتكون من عالقات القرابة والعائلة‪ ،‬وشبكات عالقات‬
‫الجيران‪ ،‬شبكات اجتماعية خاصة باملراهقين‪ ،‬شبكات عالقات العمل‪ ،‬الشبكات‬
‫الاجتماعية إلاجرامية ‪......‬‬
‫وفي مقالنا هذا ارتأينا أن نقسم الشبكات الاجتماعية املوجودة في املدينة الجزائرية‬
‫إلى ثالثة أنواع هي ‪ :‬شبكة العالقات العائلية‪ ،‬شبكة العالقات الشخصية‪ ،‬الشبكات‬
‫الاجتماعية على الانترنت‪.‬‬
‫إن تقسيمنا هذا للشبكات الاجتماعية نابع في جزء كبير من أنماط العالقات‬
‫الاجتماعية املميزة للمجتمعات واملتعار‪ ،‬عليها في علم الاجتماع ( بالنسبة لشبكة‬
‫العالقات العائلية والشخصية)‪ ،‬ونظرا النتشار الشبكات الاجتماعية على الانترنت‬
‫الذي أحدثه التطور التكنولوجي الكبير وتأثيرها الكبير على املجتمع‪.‬‬
‫فنجد مثال في ثنائية إيميل دوركايم(‪ )4541-4999‬الشهيرة التي تقارن بين املجتمعات‬
‫البسيطة القائمة على التضامن آلالي والذي يتميز بالعالقات ألاولية (القرابية) وبين‬

‫‪8‬‬
‫املجتمعات الصناعية الحضرية املبنية على التضامن العضوي القائم باألساس على‬
‫العالقات الشخصية‪.‬‬
‫ونجد أيضا التصنيف الكالسيكي الشهير لفيردينالد تونيز(‪ ) 4519-4900‬ألنماط‬
‫العالقات الاجتماعية إلى نوعين‪ :‬عالقات اجتماعية تعاطفية بين أعضاء الجماعة‬
‫(ألاسرة‪ ،‬العائلة‪ ،‬القبيلة) التي تسودها إلارادة الطبيعية‪ ،‬وعالقات اجتماعية‬
‫‪31‬‬
‫العمدية أو القصدية أو الرشيدة والتي تسود في املجتمعات الحضرية‪.‬‬
‫ونجد أيضا تقسيم ألاستاذ سليمان مظهر الذي يؤكد أن الشبكات العالقاتية في‬
‫املجتمع الجزائري تتكون من نوعين متكاملين‪ ،‬هما الشبكات العائلية املتكونة من‬
‫عالقات القرابة املنحدرة من الزواج‪ ،‬ومن الشبكات الاجتماعية املكونة من عالقات‬
‫‪32‬‬
‫خارجا ملنزل وهي غير قرابية‪.‬‬
‫دون أن ننس ى الشبكات الاجتماعية على الانترنت املنتشرة حاليا في مجتمعنا التي‬
‫مافتأت تزداد أهمية وتأثيرا‪ .‬وملزيد من التوضيح والتفصيل سنتحدث عن هذه‬
‫ألانواع الثالثة ‪.‬‬
‫‪ -1‬شبكة العالقات العائلية ‪:‬‬
‫وهي عبارة عن نسيج من العالقات الاجتماعية القائمة على أساس الدموي أي‬
‫الانحدار من أصول مشتركة‪ ،‬ومن عالقات الزواج واملصاهرة‪ ،‬ويمكن تسميهها‬
‫بالعالقات القرابية‪ ،‬وتتفرع شبكة العالقات العائلية حسب درجة القرابة‪ ،‬فهناك‬
‫قرابة من الدرجة ألاولى وتتمثل في ألاسرة‪ ،‬وقرابة من الدرجة الثانية وتتمثل في‬
‫العائلة الكبيرة‪ ،‬وقرابة من الدرجة الثالثة حيث يحس الفرد أنه منتمي إلى جماعة‬
‫القبيلة أو العشيرة‪ ،‬وله معهم عالقات اجتماعية‪.‬‬
‫إن اهتمامنا بهذا الصنف من الشبكات الاجتماعية راجع إلى موضوع العائلة بحد‬
‫ذاتها وإلى تأثيرها الكبير في مجتمعنا‪ ،‬فرغم التغيرات الكبرى التي مست بنية العائلة‬
‫والتصنيع‬ ‫التحضر‬ ‫جراء‬ ‫املختلفة‬ ‫القرابية‬ ‫ووحداتها‬
‫( تفكك العائلة املمتدة‪ ،‬تنوية ألاسر‪ ،‬الانتشار املكاني املتباعد للعائلة في املدينة)‬
‫فقد أثبت الدراسات السوسيولوجية استمرار العالقات الاجتماعية العائلية‬
‫واستمرار نمط العائلة املوسعة بشكل جديد من خالل التضامن الاجتماعي‬
‫‪33‬‬
‫والتواصل القرابي بين أفراد العائلة املوسعة في املدينة‪.‬‬
‫لذلك ال يمكن التغاض ي عن شبكة العائلية لتحليل الظواهر الاجتماعية في املدينة‬
‫الجزائرية‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ -2‬شبكة العالقات الشخصية ‪:‬‬
‫‪ -1‬كون املدينة تجمع سكان كبير يجمع سكانا من مختلف الجهات وألاصول‬
‫والفئات الاجتماعية‪ ،‬هذا التنوع ينتج عنه بالضرورة نوع في العالقات من‬
‫املصالح‬ ‫تبادل‬ ‫و‬ ‫والتعايش‬ ‫التواصل‬ ‫أجل‬
‫والتنافس‪ ،‬امليزة ألاساسية لهذه العالقات أنها غير عائلية‪ ،‬وبالتالي هي‬
‫شخصية‪ ،‬يكونها الفرد باالحتكاك املباشر والتعامل مع الغير بشكل مباشر‬
‫وغير مباشر‪ .‬هذه العالقات الشخصية تتطور مع الوقت لتشكل شبكات‬
‫عالقات متنوعة‪ ،‬قد تشمل عالقات الصداقة‪ ،‬الزمالة‪ ،‬الجيرة‪ ،...،‬قد‬
‫يكون منتميا لشبكة واحدة أو عدة شبكات‪ ،‬هذا التحكم الشخص ي‬
‫والحرية في اختيار هذه الشبكات تشكل ميزة أخرى من ميزات الشبكات‬
‫الشخصية (على العكس من ذلك فإن الفرد في الشبكات العائلية ال يملك‬
‫حرية اختيار أفرادها)‪.‬‬
‫هذا التحكم وهذه الحرية تعتبر خاصية حضرية بالدرجة ألاولى‪ ،‬نظرا ملا تسمح به‬
‫حياة املدينة من تحرر من القيود العائلية‪ ،‬ولتنوع الفئات الاجتماعية القاطنة بها‪.‬‬
‫ولذلك فإن الاهتمام بالشبكات الشخصية أمر ال مناص منه في الدراسات الحضرية‪.‬‬
‫‪ -4‬الشبكات الاجتماعية على الانترنت أو شبكات التواصل الاجتماعي ‪:‬‬
‫مع بداية التسعينات زاد انتشار الانترنت لتغطي رقعة واسعة من العالم‪،‬هذا الانتشار‬
‫كان النتيجة الحتمية " لسمة الطابع الانتشاري آلثار التكنولوجيا الجديدة‪ ،‬ونظرا أن‬
‫املعلوماتية جزء أساس ي في كل هذه ألانشطة إلانسانية‪ ،‬فإن كل العمليات املتعلقة‬
‫‪34‬‬
‫بوجودنا الفردي والجماعي تتشكل مباشرة بواسطهها"‪.‬‬
‫وبالتالي فقد أثرت وغيرت التكنولوجيا بشكل عام و وسائط الاتصال و الانترنت‬
‫بشكل خاص حياة املجتمعات البشرية‪،‬فحسب مانويل كاستلز ( ‪Manuel‬‬
‫‪ ) -4502( )CastellsOliván‬فإن التأثير ألاكثر وضوحا هو " املنطق الشبكي ألي‬
‫‪35‬‬
‫نظام أو مجموعة من العالقات التي تستخدم تكنولوجيا املعلومات الجديدة "‬
‫فكل وسيلة تكنولوجية جديدة تزيد من ربط الناس مع بعضهم و تشبيك العالقات‬
‫فيما بينهم‪ ،‬خاصة الهاتف النقال والانترنت والبريد الالكتروني وأخيرا شبكات‬
‫التواصل الاجتماعي على الانترنت‪.‬‬
‫فبعد أن كانت الانترنت عند ظهورها مجرد قاعدة معلومات ووثائق علمية متاحة‬
‫لكل شخص بحرية‪ ،‬أصبحت منذ بداية التسعينات أهم وسيلة لالتصال وتبادل‬
‫‪10‬‬
‫املعلومات والرسائل الالكترونية بين ألافراد في مختلف أنحاء العالم‪ ،‬حيث سمح‬
‫‪36‬‬
‫بتكوين روابط اجتماعية جديدة بين الناس‪.‬‬
‫و لعل الشبكات الاجتماعية كانت املساهم ألاكبر فيتغير تأثير الانترنت على املجتمع‬
‫بتغييرها للعالقات الاجتماعية بين الناس‪ ،‬حيث تعد هذه الشبكات التواصلية‬
‫فاتحتا عهدا جديدا من العالقات الاجتماعية‪.‬‬
‫لقد كانت بداية الشبكات الاجتماعية على الانترنت عبارة عن منتديات (‪)les blogs‬‬
‫وهي عبارة عن صفحات شخصية على الانترنت أشبه ماتكون باملذكرات الشخصية‪،‬‬
‫تطورت فيما بعد لتصبح مواقع إلكترونية متخصصة تسمح ملرتاديها بتكوين‬
‫صفحات خاصة حسب الهواية وألافكار املشتركة‪ ،‬تسمح بالتفاعل املباشر بين‬
‫أفرادها بوضع التعليقات ونشر الصور والتعليقات وألاخبار‪ ،‬وسرعان ما تحول‬
‫الدور ألاساس ي لهذه املواقع هو إنشاء شبكات عالقات لكل فرد وتوسيعها بإيجاد‬
‫‪37‬‬
‫أصدقاء سابقين أو تكوين عالقات جديدة لتقاسم اهتماماتهم املشتركة‪.‬‬
‫وقد تنامى عدد وحجم هذه الشبكات الاجتماعية على الانترنت بشكل بارز نتيجة‬
‫التحسن التكنولوجي مما سهل قيام املستخدمين إدخال املحتويات الخاصة بهم على‬
‫الشبكة وتفاعلهم مع بعضهم البعض‪ ،‬فمواقع مثل فايسبوك و تويتر وغيرها تمددت‬
‫وتطورت من مجرد مجتمعات محصورة في أماكن محددة وفئات اجتماعية خاصة‪،‬‬
‫لتنتشر وتصبح قوة فاعلة منتشرة على شبكة الانترنت‪ ،‬تضم في عضويهها مئات‬
‫املاليين من البشر على مستوى العالم‪. 38‬‬
‫ويعتبر الشباب املالكين واملستخدمين واملتحكمين الفعليين في الشبكات الاجتماعية‬
‫على الانترنت‪ ،‬والتي أصبحت أشبه ما يكون بمجتمع آخر قائم بحد ذاته‪.39‬‬
‫وقد تعددت استخدامات هذه الشبكات‪ ،‬فهناك من يستخدمها في املجال السياس ي‬
‫لتعبئة الناخبين‪ ،‬وفي مجال إلاشهار والتسويق‪ ،‬تستعمل أيضا لربط عالقات‬
‫حميمية‪ ،‬البحث عن أصدقاء قدامى وغيرها‪.‬‬
‫إن هذا الانتشار الكبير الستخدام الشبكات الاجتماعية على الانترنت طرح تساؤالت‬
‫واستفسارات عديدة حول الشكل الجديد للعالقات الاجتماعية التي تعيشها‬
‫البشرية‪ ،‬وتساؤالت حول " املجتمع الافتراض ي على شبكات التواصل الاجتماعي في‬
‫الانترنت "‪ ،‬هذا املجتمع العابر الفئات والطبقات والثقافات والحدود‪.‬‬
‫كل هذا يحتم علينا أخذ هذه ألاخذ بعين الاعتبار هذه الشبكات الاجتماعية في‬
‫دراستنا‪ ،‬كونها تنقل وتوسع شبكة عالقات الشاب الحضري من دائرة العائلة‬
‫‪11‬‬
‫للجماعات‬ ‫عابرة‬ ‫جديدة‬ ‫عالقاتية‬ ‫شبكات‬ ‫ومجال الحي إلى‬
‫والتكوينات التقليدية‪.‬‬
‫خاتمة ‪:‬‬
‫تكمن أصالة نظرية شبكات العالقات في ألاخذ بعين الاعتبار العالقات الاجتماعية‬
‫بين ألافراد‪ ،‬وبالتالي فهي تختلف من الاقترابات املركزة على خصائص الفاعلين‬
‫الاجتماعيين فقط‪ ،‬إذ أن هذا الاتجاه من التحليل يأخذ بعين الاعتبار أن ألافراد ال‬
‫يتصرفون بمفردهم أو لوحدهم بطريقة منعزلة‪ ،‬لكن يتصرفون داخل شبكة من‬
‫العالقات التي تسهل وتقيد أفعالهم في نفس الوقت‪.‬‬
‫فبدال من رؤية الفرد في املجتمع على أنه منعزل مطموس الهوية‪ ،‬ال معياري ووحيد‪،‬‬
‫فإن نظرية شبكة العالقات الاجتماعية تقترح أن النظام الاجتماعي املتغير قد‬
‫استبدل مجموعة من ألاواصر التي كانت تقوم على أساس الاشتراك في املنطقة‬
‫السكنية الواحدة بأخرى جديدة تقوم على أساس الاشتراك في املصلحة وأيضا على‬
‫أساس أن مجتمع املستقبل سيكون مجتمعا عالئقيا ال إقليميا‪.‬‬
‫إن استعمال هذا الاقتراب في علم الاجتماع الحضري‪ ،‬أي الانتقال من تحليل الفئات‬
‫الاجتماعية في املدينة إلى شبكة العالقات املوجودة فيها يسمح بإلقاء نظرة مغايرة‬
‫للظواهر الحضرية‪ ،‬إذ أن اعتبار العالقات الاجتماعية في املدينة كشبكة‪ ،‬وأن‬
‫خصائص هذه الشبكة يمكن استعمالها لتفسير بعض جوانب ممارسات ألافراد‬
‫املنخرطين فيها‪ ،‬هذه الفكرة ‪ -‬بحد ذاتها ‪ -‬تعد ثورة في مجال التحليل السوسيولوجي‬
‫للمدينة والفاعلين الاجتماعيين املتواجدين فيها‪ ،‬وآلية جديدة تفتح آفاق جديدة‬
‫لفهم و دراسة الظواهر الاجتماعية في املدينة الجزائرية‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫‪ - .1‬حمدوش‪ ،‬رشيد (‪ ،)9002‬مسألة الرباط االجتماعي في الجزائر المعاصرة إمتدادية أم‬
‫قطيعة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دارهومة‪ ،‬ص‪.969.‬‬
‫‪2.‬‬ ‫‪-Michael, E.(2002) ,‬‬ ‫‪« Deux traditions d'analyse des réseaux sociaux » ,in‬‬
‫‪Réseaux, n° 115, p. 183-212.‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪- Colondomos,A. (1995), sociologie des‬‬ ‫‪réseaux transnationaux,‬‬
‫‪communauté, entreprises et individu : lien sociale‬‬ ‫‪et système internationale,‬‬
‫‪Paris,Ed le Harmattan, pp.24-25.‬‬
‫‪4.‬‬ ‫‪- Lacroix,M .(2003), « Littérature, analyse‬‬ ‫‪de réseaux et centralité :‬‬
‫‪esquisse d’une théorisation du lien socialconcret en‬‬ ‫‪littérature »,in Recherches‬‬
‫‪sociographiques, vol. 44, n° 3, p. 475-497.‬‬

‫‪12‬‬
5. - ibid .
6. - Mercklé, P. (2003-2004 ), « les réseaux sociaux : les origines de
l’analyse des réseaux sociaux », in CNED / ens-lsh, http://eco.ens-
lyon.fr/sociales/reseaux_merckle_03_origines.pdf, p10. Consulté le 06/11/2010
7. - Marcanti,M. (2010)analyse des réseaux sociaux et communautés en
ligne :quelles application en marketing, inManagement & Avenir 2/2010 (n°
32) , p. 132-153.
8. - Degenne, A.Fournier,I. (1991), Les relations au cœur du marché du
travail, in Sociétés contemporaines, Année 1991, Volume 5, Numéro 1,pp76-
78. url :http://www.persee.fr/web/revues/home/prescript/article/socco_1150-
1944_1991_num_5_1_988
‫ لالطالع على أهم المراجع والباحثين المتخصصين في علم اجتماع الشبكات يمكن االطالع‬- .2
‫على‬
Mercklé Pierre, les réseaux sociaux conseils de lecture,© CNED / ens-lsh 2003-
2004,
http://eco.ens-lyon.fr/sociales/reseaux_merckle_01_biblio.pdf .
‫هو ملتقى عالمي يقام كل سنتين لجمع وطرح مختلف البحوث والدراسات حول مواضيع‬-* .10
‫ بما فيها النظريات و األساليب و التطبيقات لتحليل الشبكات‬،‫تتعلق بتحليل الشبكات االجتماعية‬
.‫ و الذي أقيم والية كاليفورنيا بالواليات المتحدة األمريكية‬9019 ‫ آخر ملتقى كان سنة‬،‫االجتماعية‬
: ‫ لالطالع على أهم هذه المواقع اإللكترونية على االنترنت يمكن االطالع على‬-* .11
Mercklé Pierre, L’analyse des réseaux sociaux pour les nuls, ENS Lettres &
Sciences Humaines,2008, Ressources électroniques utiles,
http://socio.ens-lyon.fr/merckle/ merckle_communications_ 2008_cargese_
reseaux_nuls_biblio.pdf
12. - FRIBOURG, B. (2007), Dynamiques des réseaux relationnels et
trajectoires sociales d’usage des TIC au moment du passage à la vie adulte,
Thèse de doctorat en sociologie, UniversitéAix Marseille Université de
Provence, p131.
13. -Michael, E. (2002), op.cit.
14. - ibid.
15. -Forsé, M. (2008),« Définir et analyser les réseaux sociaux », in
Informations sociales, 3/2008 (n° 147), p. 10-19.
16. - Michael, E. (2002),op.cit.
17. -Burt,R .( 1995) « Le capital social, les trous structuraux et
l'entrepreneur », In: Revue française de sociologie. 1995, 36-4. Analyses de
réseaux et structures relationnelles. Etudes réunies et présentées par Emmanuel
Lazega. pp. 599-628.
‫ لقد استعملنا في هذه المقالة مصطلح الشبكات المتمحورة حول الفرد أو الشبكات الفردية‬-* .11
‫ « المستعمل في التيار األنثروبولوجي لتحليل الشبكات‬réseaux égocentrique »‫كترجمة لمصطلح‬
‫ هذه الترجمة هي اجتهاد شخصي ألنني لم أجد لها ترجمة باللغة العربية سواء في قواميس‬،‫االجتماعية‬
.‫اللغة أو قواميس علم االجتماع‬
19. -Michael, E. (2002), op.cit.
20. -Bidet,J .(2003)« Espaces, Temporalités, Stratifications. Exercices sur
les réseaux sociaux »,fiche de lecture, Paris, Editions de l’Ecole des Hautes
Etudes en Sciences Sociales,http://socio.ens-
lyon.fr/agregation/reseaux/reseaux_fiches_gribaudi_1998.php

13
21. - ibid.
22. - ibid.
23. - Chollet,B.( 2008),« L’analyse des réseaux personnels dans les
organisations : quelles données utiliser ?»in Finance Contrôle Stratégie
,volume 11, n° 1, mars 2008, p. 105 – 130.
24. - ibid.
25. - Lévesque,M.et White,D.(2001), « Capital social, capital humain et
sortie de l’aide sociale pour des prestataires de longue durée », in Canadian
Journal of Sociology , n° 26/ 2 (2001), 167-192.
26. -Berrou,J.P . « Une analyse des réseaux personnels des entrepreneurs
de l’économie populaire de Bobo-Dioulasso (Burkina Faso) : choix théoriques,
implications méthodologiques et premiersrésultats, Journée d’études du
Réseau Thématique 26 de l’Association Française de Sociologie,NOUVELLES
APPROCHES, NOUVELLESTECHNIQUESEN ANALYSE DE RESEAUX
SOCIAUX, pp35-66.
27. -Ferrand, A.(1991), « La confidence : des relations au réseau »,
In: Sociétés contemporaines N°5, Mars 1991. Réseaux sociaux. pp. 7-20.
28. - ibid.
29. - Fribourg, B.(2007), op.cit.
30. - ibid.
‫ ص‬،1 ‫ ط‬،‫ منشأة المعارف‬،‫ التفاعل االجتماعي و المنظور الظاهري‬،)9000(‫ علي‬،‫ الشتا‬- .11
.56-54‫ص‬
‫ ص‬،‫ الجزائر‬،‫ منشورات ثالة‬،‫ نظرية المجابهة النفسية االجتماعية‬،)9001(‫ سليمان‬،‫ مظهر‬- .19
. 61-69‫ص‬
33. - BOUTEFNOUCHET,M.9004(), la famille algérienne quel modèle ?,
publications de la faculté des sciences Humaines et Sociales Université d’Alger
2005-2006 , deuxièmes partie, pp 7-21.
‫ أحمد أبو‬،"‫ الواقع و اآلفاق‬،‫"المعلوماتية في الوطن العربي‬،)9009(‫رضوان‬،‫ رأفت‬- .15
.119‫ ص‬،1‫ط‬،‫ األردن‬،‫دار المسيرة للطباعة والنشر‬،)‫الهيجاء(تنسيق‬
.115 ‫ ص‬،‫ نفس المرجع‬-1 .14
36. - LEFEBRE ,A.(2005),les réseaux sociaux pivot de l’internet2.0, M2
édition, Paris,.p15.
37. - WARBESSON, K.(2009),Internet, ed MICRO APPLICATION, Paris,
p12 .
‫ منشورات دار‬،‫ تأثير االنترنت على العمل السياسي أوباما نموذجا‬،)9002(‫ محمد‬،‫ لعقاب‬- .11
.11‫ص‬، ‫ الجزائر‬،‫الصبح‬
39. - PISANIE,F. PIOLET, D.(2011),comment le web change le monde,
Ed :Pearson Education France, Parie, p 17.

14
15

You might also like