You are on page 1of 8

‫جرائم الضرر و الخطر‬

‫الملخص‬
‫حق االنسان في الحياة و السالمة الجسدية من اهم الحقوق التي يسعى القانون الجزائي الى‬
‫حمايتها‪ ,‬اذا لم يقتصر تجريمه على األفعال التي تلحق هذا الحق بضرر‪ $‬فعلي انما وسع من‬
‫نطاق الحماية لمن خالل تجريم األفعال التي تهدد هذا الحق بالضرر دون المساس فيه بشكل‬
‫فعلي‪.‬‬

‫مقدمة‪ :‬ال تقوم الجرائم اال بمادياتها‪ $‬التي تتمثل في سلوكيات‪ $‬رأت السياسات الجنائية وجوب‬
‫تجريمها و إخراجها من صفة االباحة االصلية و اخضاعها لمبدأ ناصية التشريع و العقاب‪ ,‬هذه‬
‫السلوكيات تتمثل في نشاط يقدم عليه مرتكب الجريمة و ينتج هذا السلوك اثرا من شأنه المساس‬
‫بالمصالح محا الحماية قد يكون ملموسا فيسمى‪ $‬ضرر‪ ,‬او يكون محسوسا فيسمى‪ $‬خطر*‪.‬‬
‫فالسياسة الجنائية التي انتهجنها التشريعات الجزائية لم تكتف بتجريم‪ $‬السلوك الذي ينتج عنه‬
‫ضرر فعلي بالمصالح القانونية‪ ,‬بل توجه نظر المشرع الى التحريم‪ $‬صورا‪ $‬معينة من األفعال‬
‫تحم في طياتها مخاطر‪ $‬يمكن ان تصيب الحقوق و القيم التي يحميها القانون الجزائي*‪ $,‬فإذا كان‬
‫القانون يتطلب لقيام الركن المادي في جريمة الضرر حدوث ضرر معين يتمثل في انتهاك احد‬
‫الحقوق المحمية المساس به* اال ان تعاظم المصالح محل الحماية الجزائية و قوة االضرار‬
‫الناجمة عن اآللة الحديثة فرضت على المشرع الجنائي االستعانة بوسيلة أخرى لحماية مصالحه‬
‫غير الوسيلة التقليدية‪ ,‬فجاءت فكرة الخطر كوسيلة لدرء انهيار المجتمع حتى و لو لم يحدث‬
‫ضرر*‪ $.‬لتحقيقي هذه األهداف يقيم المشرع‪ $‬بفكرة الخطر الجزائي وزنا‪ $‬في بنيان و صياغة‬
‫العديد من نصوص التجريم‪ ,‬و بالتالي لم ينحصر دور القانون في التدخل بعد وقوع‪ $‬االعتداء‪,‬‬
‫بل يمكن ان يتدخل في مرحلة سابقة على وقوع الضرر فيجرم‪ $‬بعض أنواع السلوك الخطر‪ ,‬و‬
‫من هنا ظهرت بجانب جرائم الضرر طائفة احرى من الجرائم يطلق عليها جرائم‪ $‬التعريض‬
‫للخطر*‪ ,‬و لما كان حق االنسان في الحياة و السالمة الجسدية من اهم الحقوق التي تسعى‬
‫التشريعات الجزائية الى حمايتها بحيث جرمت األفعال التي من شأنها المساس بهذا الحق‪,‬‬
‫فعاقبت على القتل و االيذاء سواء وقعت هذه األفعال قصدا ام عن غير قصد‪ ,‬اتجهت السياسات‬
‫الجنائية الى تجريم‪ $‬السلوكيات‪ $‬التي من شأنها تعريض هذه الحقوق للخطر‪ ,‬اال انها لم تنهج نهجا‬
‫موحدا في هذا المجال‪ ,‬حيث تقوم سياسة التجريم و العقاب على التوازن بين فكر فلسفي‬
‫اجتماعي يحدد مضمون حق الدولة في العقاب و فكر دستوري‪ $‬يحدد قيمة الحقوق و الحريات‪,‬‬
‫فالدولة تملك سلطة التجريم و العقاب بهدف حماية الحقوق االفراد‪ $‬و حرياتهم‪ $,‬اال ان ممارسة‬
‫هذا الحق من شانه ان يحد من نطاق هذه الحقوق و الحريات االمر الذي يفرض على السلطة‬
‫التوفيق‪ $‬بين هذه المصالح المختلفة من خالل النصوص القانونية*‪ ,‬االمر الذي يدفع التشريعات‪$‬‬
‫الى تبني سياسات مختلفة بشان التجريم و العقاب‪.‬‬
‫من هنا تبرز إشكالية البحث التي يثيرها تجريم تعريض حياة الغير و سالمته الجسدية للخطر‪:‬‬

‫األستاذ محمد الغرياني _قسم الجنائي‪-‬كلية القانون‪-‬جامعة طرابلس‪-‬ليبيا‬


‫الطالبة_شيماء‪ $‬عزام عبد الخالق سليمان عزام_كلية القانون_جامعة الرفاق االهلية_طرابلس_ليبيا‬
‫ففي الوقت اتجهت بعض التشريعات‪ $‬و منها قانون العقوبات الليبي الى حصر صور تعريض‬
‫حياة الغير و سالمتهم الجسدية للخطر من خالل االقتصاد‪ $‬على التجريم‪ $‬صور معينة من‬
‫األفعال التي من شأنها تعريض هذه الحقوق للخطر‪ ,‬نحت تشريعات أخرى مثل قانون العقوبات‬
‫الفرنسي الى إقرار نص ينطوي‪ $‬على التجريم‪ $‬العالم لتعريض حياة الغير و سالمتهم للخطر دون‬
‫االكتفاء بتجريم أفعال معينة دون غيرها‪ ,‬االمر الذي يثير التساؤل حول مدى كفاية النصوص‬
‫التشريعية المتفرقة التي يتضمنها‪ $‬قانون العقوبات الليبي التي تنطوي‪ $‬على تجريم الفعال من‬
‫شأنها تعريض حياة الغير و سالمتهم‪ $‬الجسدية للخطر الحاطة هذا الحق بالحكاية الكاملة مقارنة‬
‫مع التشريعات التي انتهجت نهجا مختلفا من خالل تبني فكرة التجريم العام لتعريض الغير‬
‫للخطر‪ ,‬و مدى الحاجة لتبني مثل هذا النهج‪.‬‬
‫أهمية البحث و أهدافه‪:‬‬
‫تتجلى أهمية البحث من خالل بيان ضرورة إقرار‪ $‬مثل هذا التجريم لضمان الحماية الكاملة لحق‬
‫الغير في الحياة و في السالمة الجسدية‪.‬‬
‫انطالقا من ذلك تتوضح اهداف البحث و التي تتمثل في بيان مدى كفاية نصوص قانون الليبي‬
‫المتفرقة التي تجرم بعض األفعال التي تهدد الغير بالخطر‪ $‬في ضمان الحماية الكاملة لهذا الحق‬
‫من خالل مقارنتها‪ $‬مع القوانين األخرى التي تبنت نهج التجريم‪ $‬العام لتعريض الغير للخطر‪.‬‬
‫منهجية البحث‪:‬‬
‫لتحقيق األهداف المرجوة من البحث البد من اتباع منهج وصفي تحليل بهدف تحليل النصوص‬
‫القائمة للتوصل‪ $‬مدى كفايتها في تحقيق الحماية المطلوبة‪.‬‬
‫بناء على ذلك تم تقسيم البحث الى مبحثين وفق االتي‪:‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬التجريم‪ $‬الخاص لتعريض الغير للخطر‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التجريم العام لتعريض الغير للخطر‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬التجريم الخاص لتعريض الغير للخطر‪:‬‬


‫لم يتبنى المشرع الليبي التجريم الهام لتعريض للخطر‪ ,‬انما نص على صور مختلفة لجرائم‬
‫الخطر حدد فيها أنواعا للسلوك الجرمي‪ $‬الذي من شأنه ان يهدد المصالح المحمية بالخطر‪ $‬بحيث‬
‫يدخل هذا السلوك في نطاق التجريم دون الحاجة الى ان يلحق ضررا بالمصلحة المحمية‪ ,‬و اذا‬
‫كان قانون العقوبات الليبي ينطوي على نصوص عديدة من شأنها تجريم األفعال الخطرة‪ ,‬اال‬
‫اننا سنكتفي بتطرق‪ $‬الى النصوص التي تجرم السلوك الذي من شأنه ان يعرض حق الغير في‬
‫الصحة و السالمة للخطر دون غيرها من جرائم الخطر األخرى‪ ,‬بحيث يمكن اجمال هذه‬
‫النصوص دون جرائم الخطر الشامل و التي سنبحثها في المطلب األول و جريمة تعريض‬
‫الطفل العاجز للخطر في المطلب الثاني‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬جرائم الخطر الشامل‪:‬‬


‫تتمثل جرائم الخطر الشامل نوعا مستقال من الجرائم بالنظر انها تنفرد بأحكام‪ $‬خاصة تميزها‬
‫عن غيرها و علة ذلك تعود الى الطبيعة الخاصة بهذه الجرائم‪ ,‬االمر الذي دفع المشرع‪ $‬الليبي‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬الخطر‪ ,‬جرائم الخطر الشامل‪ ,‬جريمة التعريض للخطر‪.‬‬


‫الى تخصيص باب مستقل لهذه الجرائم التي تشكل خطرا شامال*‪ ,‬و بحث هذا النوع من‬
‫الجرائم يتطلب منا التطرق أوال الى التعريف بجرائم الخطر الشامل ثم ننتقل الى بيان صور‪ $‬هذه‬
‫الجرائم‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التعريف بجرائم‪ $‬الخطر الشامل‪:‬‬
‫يالحظ ان المصلحة المتوخاة من التجريم الوقائي تتمثل في حماية حق االنسان في حياته و‬
‫سالمة جسمه و حيث ان الهدف الرئيسي من تجريم هذه السلوكيات‪ $‬هو صيانة المصالح‬
‫األساسية للمجتمع و الحيلولة دون اصابتها بإعتداء او تهديدها بضرر فالمصلحة المراد حمايتها‬
‫هي مصلحة عامة تشمل الحاالت التي تكون على قدر معين من األهمية* لذا يمكن تحديد الغاية‬
‫من جرائم‪ $‬الخطر الشامل بحماية حياة االفراد و الحفاظ على سالمتهم الجسدية‪ ,‬فضال عن حماية‬
‫الملكية العقارية و المنقولة و حماية البيئة*‪.‬‬
‫وإستنادا إلحتماللية الخطر يمكن تعريف الخطر الشامل بأنه‪" :‬الخطر الذي من شأنه تعريض‬
‫اشخاص غير محددين او مجموعة محددة من األموال للخطر‪ ,‬او التهديد الواقع على مجموعة‬
‫كبيرة من األشخاص ولو كان من الممكن تحديدهم‪ ,‬و هذا يدل على أن الخطر الشامل يحمل في‬
‫طياته تهديد غير محدد االتجاه‪ ,‬فهو يشكل حالة سابقة على وقوع‪ $‬الضرر‪ $‬الذي يطال األموال و‬
‫األشخاص على حد سواء*‪.‬‬
‫و بذلك يتبين لنا مفهوم الخطر الشامل المراد تجريمه من قبل المشرع و المصلحة المتوخاة من‬
‫هذا التجريم و المتمثلة في حماية حياة الناس و سىالمتهم من الضرر المحتمل الذي قد ينجم عن‬
‫هذه السلوكيات‪$.‬‬
‫تعريض الطفل العاجز للخطر‪:‬‬
‫تتجه القوانين الحديثة الخاصة بالطفل الى اعتماد سياسة جديدة بالتجريم من شأنها ان تقرر‬
‫العقوبة على األفعال الخطرة دون ان ينجم عنها ضرر‪ $‬فعلي بهدف تحقيق الردع المسبق لضمان‬
‫الحماية الجزائية الفعالة لحقوق الطفل و من ثم إرساء سياسية جنائية منعية وقائية رادعة لكل‬
‫من تسول له نفسه تعريض حياة الطفل او سالمته البدنية او األخالقية او التربوية للخطر*‪.‬‬
‫و قد اختلفت التشريعات في تجريمها لالفعال التي من شأنها تعريض حياة الطفل او سالمته‬
‫للخطر فالبعض اعتمد الصياغة العامة المتمثلة بالتعريض للخطر مثل قانون العقوبات العراقي*‪.‬‬
‫بينما حددت قوانين أخرى مثل القانون الليبي افعاال بعينها رأى المشرع انها تنطوي‪ $‬لتعريض‬
‫الطفل العاجز للخطر‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التجريم العام لتعريض الغير‪:‬‬


‫يعد التجريم‪ $‬العام لتعريض الغير للخطر من اهم محاور‪ $‬التجديد التشريعات‪ $‬الجزائية المعاصرة‬
‫بالرغم من استمرار‪ $‬هذه التشريعات بأفراد‪ $‬نصوص خاصة لجرائم الخطر‪ ,‬حيث تتجلى أهمية‬

‫*المراجع‪:‬‬
‫عجيل حسن خنجر‪ ,‬خلف صادق يوسف‪ ,2020 ,‬ص‪5:‬‬
‫الغريري ادم سميان ذياب‪ ,2017 ,‬ص ‪22‬‬
‫بهنام رمسيس‪ ,1997 ,‬ص‪567:‬‬
‫مسيار رسيم‪ ,2013 ,‬ص‪5 :‬‬
‫السعيدي عباس عبد الرزاق مجلي‪ ,2018 ,‬ص ‪129‬‬
‫التجريم العام لتعريض الغير للخطر في ان التجريم الخاص لم يعد كافيا لحماية االفراد في‬
‫حياتهم و سالمتهم‪ $‬الجسدية‪ .‬فمن الممكن ان تظهر‪ $‬الحاالت و أفعال من شأنها ان تعرض الغير‬
‫للخطر سواءا في حياتهم او صحتهم‪ $‬في ظل غياب نصوص تجريمية تعاقب على هذه األفعال‬
‫المستجدة مما يؤدي الى افالت المجرمين من العقاب و المسائلة* هذه الضرورة للتجريم العام‬
‫دفعت بعض التشريعات‪ $‬الى إقرار نص يشمل األفعال التي من شأنها ان تهدد الغير للخطر‪.‬‬
‫و من ابرز هذه التشريعات‪ $‬قانون العقوبات الفرنسي االمر الذي يدفعنا الى بحث اركان جريمة‬
‫تعريض الغير للخطر في قانون العقوبات الفرنسي كنموذج للتجريم العام في المطلب األول‪ ,‬و‬
‫من ثم ننتقل لبيان خصائص لجريمة تعريض الغير للخطر في المطلب الثاني‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬اركان جريمة تعريض الغير للخطر‪:‬‬


‫يعد تجريم‪ $‬تعريض الغير للخطر من اهم ما استحدثه قانون العقوبات الفرنسي‪ $‬الجديد على الرغم‬
‫ما يتضمنه العديد من النصوص المتعلقة بجرائم الخطر و ذلك تماشيا‪ $‬مع التوجه الجنائي الجديد‬
‫نحو تبني التجريم‪ $‬العام لتعريض الغير للخطر بهدف التوسع في حاالت التجريم بما يضمن‬
‫تعزيز الحماية المنشودة لحياة االفراد و سالمتهم من االخطار‪ $‬المحيطة بهم‪ .‬حيث يعد هذا‬
‫التوجيه السابقة في تجريم األفعال الخطرة دون الحاجة الى وقوع نتائج ضارة بحيث يكون هناك‬
‫تدخل مسبق من قبل المشرع لتالفي وقوع االضرار بهدف حماية المصالح االجتماعية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬االقدام‪ $‬على سلوك الخطر‪:‬‬


‫تتطلب جريمة التعريض للخطر تصرفا‪ $‬او نشاطا من قبل الشخص اهل للمسؤولية الجزائية‪,‬‬
‫بحيث يستبعد الوضع الخطر الناجم عن عوامل الطبيعية او فعل حيوان‪ ,‬لذا البد من فعل يتمثل‬
‫من سلوك الخطر الذي يمكن ان يتحقق من سلوك إيجابي او باالمتناع عن العمل‪.‬‬
‫خطورة هذا الوضع او السلوك يتحقق من خالل التفاعل بين الظروف‪ $‬المختلفة الذي يرتكب‬
‫السلوك في ظلها‪ ,‬فقد تنجم عن اقتران النشاط بعامل خطير‪ $‬او بعامل غير خطيراال انه غير‬
‫مألوف‪ .‬و قد تكون هذه الخطورة ناشئة عن ظروف‪ $‬الزمان و المكان‪ ,‬الى ان العامل األساسي‬
‫لتحديد خطورة السلوك من عدمها هو مفهوم العالقة بين السلوك و الضرر المتمثل بالموت او‬
‫البتر او العاهة الدائمة‪ ,‬بحيث هذه العالقة و يعد سلوك خطرا اذا كان تعريض االخرين‬
‫بالصورة المرتكبة من قبل الفاعل هو حقيقة قادرة على احداث ضرر‪ $‬تمثل بالموت او الجرح‪,‬‬
‫أي ينطوي‪ $‬السلوك على القدرة السببية على احداث الضرر‪ $‬و المعيار المناسب للتحقق من‬
‫التوافر هذه القدرة السببية ليتمثل في إمكانية التوقع الموضوع للنتيجة*‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االنتهاك االيرادي‪ $‬الواجب خاص بالسالمة او الرعاية محدد بقانون او نظام‪:‬‬
‫ال يكفي الستكمال مفهوم تعريض االخرين اراديا للخطر تحقق السلوك للخطر‪ ,‬انما البد من ان‬
‫ينطوي هذا السلوك على انتهاك ايرادي واضح لواجب معين متعلق بالسالمة و الرعاية‬
‫منصوص عليه في القانون او الالئحة بحيث ال يكفي ان يكون هذا السلوك الخطر ناجما عن‬
‫عدم االنتباه او اإلهمال*‪ .‬فإرادة الفاعل ينبغي ان تتجه الى االنتهاك فقط‪ ,‬اذ ال تتطلب جريمة‬
‫التعريض للخطر اتجاه اإلرادة الى الضرر‪ ,‬فإتجاه اإلرادة الى انتهاك مرفقا بسلوك الخطر كاف‬
‫لقيام التعريض اإلداري للخطر دون الحاجة الى علم او ادراك الفاعل لوجود‪ $‬لمثل هذا الخطر‪.‬‬

‫*عبد القادر محمد سراج‪ ,2018 ,‬ص‪17 :‬‬


‫الفرع الثاني‪ :‬الركن المعنوي‪:‬‬
‫ان جريمة التعريض االخرين للخطر تكتفي‪ ,‬من حيث ركنها المعنوي بإرادة واضحة متجهة الى‬
‫التزام معين متعلق باالمن و السالمة دون الحاجة الى الضرر‪ $‬الذاتي‪ ,‬االمر الذي دفع البعض‬
‫الى اعتباره جريمة غير مقصودة محتجين بأنها تجرم إرادة للتعريض للخطر و ليس إرادة جعل‬
‫هذا الخطر حقيقة واسعة فإنتهاك الواجب بشكل ايرادي ال يجعل الجريمة جريمة مقصودة‪ ,‬إنما‬
‫تبقى في اطار الجرائم غير المقصودة بالنظر‪ $‬الى عدم اتجاه اإلرادة الى الضرر‪ $‬و ينتهي هذا‬
‫الرأي الى القول بأن الخطأ الغير القصود يشمل جميع السلوكيات التي ال تنطوي‪ $‬على اإلرادة‬
‫النتيجه الى تحقيق النتيجة*‪.‬‬
‫الى انما ال نتفق على هذا الرأي انما نميل القول بأن جريمة تعريض الغير ال للخطر هي جريمة‬
‫شكلية بالنطر بأنها ال تتطلب تحقق نتيجة جرمية و الركن المعنوي المطلوب لقيامها هو‬
‫القصد*‪ ,‬فالركن المادي لها يكتمل بالسلوك المنطوي‪ $‬على الخطر على حياة االخرين و سالمتهم‬
‫الجسدية‪ ,‬و يكتمل الركن المعنوي باالرادة المتجهة الى هذا السلوك الذي يحقق االنتهاك الواجب‬
‫الخاص به السالمة دون الحاجة الى الضرر‪ ,‬لذا فأن عدم االتجاه الى اإلرادة الى الضرر‪ $‬ال‬
‫يجعل منها جريمة غير مقصودة انما تعد من جرائم الخطر التي تتحقق بالسلوك‪ $‬المجرد‪ ,‬و‬
‫بالتالي فإن االتجاه االرادي لهذا السلوك يستوفي عناصر الركن المادي جميعها‪ ,‬و بالتالي يتحقق‬
‫معنى القصد الجرمي الذي يتطلب اتجاه اإلرادة الى كل واقعة من وقائع الجريمة*‬
‫من خالل ما تقدم نكون قد بينا اركان جريمة تعريض الغير للخطر بالشكل الذي يمكننا من‬
‫االنتقال الى بحث خصائص هذه الجريمة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬خصائص جريمة تعريض الغير للخطر‪:‬‬


‫اذا كانت جرائم الضرر‪ $‬التي تمس حق االنسان في حياته و سالمته الجسدية مثل القتل و االيذاء‬
‫وتفترض وقوع فعل جرمي نتجت عنه اثار يتمثل فيها العدوان الفعلي على الحق‪ ,‬فإن جرائم‬
‫التعريض للخطر تمتاز بان اثار الفعل الجرمي نمثل اعتداء محتمال على الحق‪ ,‬االمر الذي‬
‫يرتب عدة نتائج تمثل خصائص او سمات لجريمة تعريض لبغير للخطر‪ ,‬هذه الخصائص منها‬
‫ما يتعلق بعناصر الركن المادي التام و منها ما يتعلق بالشروع‪$‬‬

‫اختلفت األراء بالنسبة للشروع‪ $‬في جريمة التعريض للخطر‪ ,‬حيث ذهب االتجاه األول الى عدم‬
‫تصور الشروع‪ $‬في جرائم التعريض للخطراذا كان تجريم التعريض للخطر ال يتطلب وقوع‪$‬‬
‫فعلي للضرر اال انه يتطلب تهديدا بالضرر‪ $,‬أي يتطلب ان ينجم عن السلوك خطر‪ .‬هذا الخطر‬
‫البد من ان يكون خطرا واقعيا ملموسا و ليس خطرا مجردا‪ ,‬بمعنى ان تجربم تعريض الغير‬
‫للخطر منظم بنص عام دون تحديد أفعال معينة بالشكل الذي يضمن ان يشمل كل األفعال التي‬
‫تنطوي على تهديد مباشر لحق االنسان في الحياة و السالمة الجسدية بالتالي البد من تقييد‬
‫شمولية هذه النصوص من خالل ضرورة التثبت من وجود خطر فعلي ناجم عن سلوك الجاني‪,‬‬
‫االمر الذي يتطلب ان يكون الخطر في هذه الجرائم خطرا ملموسا‪.‬‬
‫فالفرق بين جرائم الخطر المجرد و جرائم الخطر الملموس يكمن في ان الضرر المحتمل يمثل‬
‫عنصرا من عنصرا جرائم الخطر الملموس بينما ال يعد كذلك في جرائم الخطر المجرد تلك‬

‫*المراجع‪:‬‬
‫عبد القادر محمد سراج ‪ ,2018‬ص‪15‬‬
‫عجيل حسن خنجر‪ ,‬خلف صادق يوسف ‪ ,2020,‬ص‪19‬‬
‫الجرائم التي يفترض فيها الخطر من قبل المشرع‪ ,‬فال يعد ركنا فيها انما يشكل المسوغ‬
‫المنطقي‬
‫للعقاب على السلوك المكون لها ففي هذا النوع من الجرائم يفرض العقاب على السلوك الخطر‬
‫بغض النظر عن الخطر الفعلي المحتمل وجوده في هذا السلوك على المصلحة محل الحماية‬
‫لخطر اصابتها بضرر فعلي عندئذ يكون لرابطة السببية محل للبحث و االثبات من جانب‬
‫القضاء كشأن جرائم الضرر‪.‬‬
‫لذا نميل الى القول بأن جريمة التعريض للخطر ال تختلط بالجريمة الشكلية التي يجرم فيها‬
‫المشرع السلوك الذي من شأنه ان يحمل تهديدا بالضرر طبقا لما هو مستفاد من الخبرة و‬
‫التجربة دون وقوع الضرر فعال و كذلك دون ضرورة للتحقق من وجود‪ $‬الخطر المنذر به‪ ,‬فال‬
‫يتوجب على القاضي قبل األدلة بتلك الجريمة التحقق من توافر‪ $‬الخطر‪ ,‬فالخطر في هذه‬
‫الجرائم‪ ,‬ىو أن كان يشكل الغاية من النص القانوني‪ $‬أي خطر فعلي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬بالنسبة لعالقة المسببية‪:‬‬


‫اتفق فقهاء القانون الجزائي على أن عالقة المسببية بين السلوك و النتيجة ال تثار اال فيف جرائم‬
‫الضرر‪ ,‬أما جرائم الخطر المجرد فال يشترط فيها التحقق من هذه الصلة بالنظر الى عدم تطلبها‬
‫لنتيجة جرمية تتولد عن السلوك‪.‬‬
‫اما بالنسبة لجريمة التعريض لخطر الواقعي‪ $‬اة الملموس فقد اسند الفقه لرابطة السببية دورا‬
‫أساسيا في التحقق من توافرها بالنظر‪ $‬الى ان الخطر الفعلي يعد عنصرا أساسيا في ركنها‬
‫الفعلي للحسم بقيام جريمة التعريض للخطر بحيث يتم اثبات ان الفعل قد أنشأ خطرا حقيقيا على‬
‫حق الغير في الحياة و السالمة البدنية‪.‬‬
‫من خالل ما سبق تتضح لنا خصائص جريمة تعريض الغير للخطر من حيث الركن المادي‬
‫التام‪ ,‬االمر الذي يمكننا من بحث خصائص هذه الجريمة من حيث الشروع فيها و لم ممن خالل‬
‫الفرع الثاني‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المشروع‪:‬‬


‫اختلفت اآلراء بالنسبة للشروع‪ $‬في جريمة التعريض للخطر‪ ,‬حيث ذهب االتجاه األول الى عدم‬
‫تصور الشروع‪ $‬في جرائم التعريض للخطر بالنظر الى أن الركن المادي في هذه الجريمة مجرد‬
‫سلوك مادي تتم الجريمة بارتكابه‪ ,‬و بالتالي فإنما أن تقع جريمة التعريض للخطر تامة او ال تقع‬
‫على االطالق‪.‬‬
‫بينما يرى االتجاه الثاني أنه ال فرق بين جرائم الضرر و جرائم الخطر من حيث الشروع‪$.‬‬

‫*المراجع‪:‬‬
‫النعيمي أسامة احمد محمد‪ ,2013 ,‬ص ‪27 ,26‬‬
‫عجيل حسن خنجر‪ ,‬خلف صادق يوسف ‪, 2020‬ص ‪17‬‬
‫بالنظر الى ان النتيجة في جريمة الخطر تظهر في صورة الضرر المحتمل بالمصلحة المحمية‬
‫بينما في جرائم الضرر‪ $‬تظهر صورة االضرار‪ $‬الفعلي بهذه المصلحة‪.‬‬
‫أما االتجاه الثالث فيميز‪ $‬بين جرائم الخطر المجرد او ما يسمى بالجريمة الشكلية‪ .‬إال اننا نرى‬
‫أن جريمة التعريض للخطر‪ ,‬و ان كانت تتطلب التحقق من توافر خطر فعلي يتمخض عن‬
‫السلوك المجرم‪ ,‬عدم أمكانية المعاقبة على الشروع‪ $‬بمثل هذه الجرائم‪ ,‬فالمشرع يتناول هذا‬
‫السلوك بالتجريم بالنظر‪ $‬الى خطورته على المصلحة المحمية المتمثلة بحق االنسان في الحياة و‬
‫السالمة البدنية فهو في الحقيقة شروع من حيث العناصر‪ $‬المادية و ال يتصور‪ $‬التشدد في التجريم‪$‬‬
‫ليتناول العقاب على خطر التهديد بالضرر‪$.‬‬
‫و بذلك قد نكون بينا اركان جريمة تعريض الغير للخطر بينا الخصائص لهذه الجريمة بالشكل‬
‫الذي يميزها عن خيرها من جرائم الخطر المجرد التي ينص عليها قانون العقوبات في نصوص‬
‫متفرقة‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫النتائج و المناقشة‪:‬‬
‫يتضح لنا من خاللهذا البحث مجموعة من النتائج تتمثل باالتي‪:‬‬
‫‪ -1‬لم تكتف التشريعات‪ $‬في مجال حق االنسان في الحياة و السالمة الجسدية بتجريم السلوك‬
‫الذي يلحق الضرر بهذا الحق‪ ,‬انما اتجهت نحو تجريم السلوك الذي يهدد بالخطر هذه الحقوق‪.‬‬
‫‪ -2‬لم تتبنى التشريعات‪ $‬نهجا موحدا في هذا المجال حيث لجأ البعض الى تبني التجريم العام‬
‫بينما اكتفى البعض االخر بالتجريم الخاص‪.‬‬
‫‪ -3‬يختلف االمربالنسبة للقانون المقارن‪ :‬فالمشرع العراقي على سبيل المثال‪ ,‬و ان كان يتشابه‬
‫مع موقف القانون الليبي من حيث عدم تبنيه للتجريم العام لتعريض الغير للخطر‪ ,‬اال انه وسع‬
‫من نطاق‪ $‬الحماية الجزائية لغير الحق في الحياة و السالمة الجسدية من خالل لتجريم‪ $‬العام‬
‫لتعريض وسائل النقل العامة للخطر من جهة‪ ,‬و التجريم العام لتعريض الطفل و العاجز لخطر‬
‫من جهة ثانية‪.‬‬
‫بينما اقرت تشريعات أخرى مثل قانون العقوبات االماراتي و قانون العقوبات الفرنسي التجريم‬
‫العام لتعريض الغير للخطر االمر الذي من شأنه ان يكفل شمول الحاالت و األفعال الخطرة التي‬
‫تكشف عنها المستجدات الواقعية‪.‬‬

‫اإلستنتاجات و التوصيات‪:‬‬
‫بناءا على هذه النتائج نقترح ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬توسيع نطاق‪ $‬التجريم‪ $‬لالفعال التي تهدد بالخطر حياة االخرين و سالمتهم من خالل تبني‬
‫نهج التجريم العام لتعريض الغير للخطر بحيث تفرص العقوبة على كل فعل ينطوي‪ $‬على كل‬
‫خطر حال و مباشر‪ $‬بإزهاق‪ $‬روح شخص او اكثر او ايذائه جسديا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عدم حصر نطاق التجريم بمخالفة الفعل اللتزام معين محدد في القانون‪ ,‬اذ ان هذا التحديد‬
‫من شأنه ان يحول دون تحقيق النص ألهدافه‪.‬‬
‫المراجع باللغة العربية‪:‬‬
‫الكتب‪ :‬السعيدي عباس عبد الرزاق مجلي‪ ,‬ضوابط استحداث النص الجزائي الخاص‪.‬‬
‫بهنام رمسيس‪ ,‬النظرية العامة للقانون الجنائي‪.‬‬

‫األبحاث و المقاالت‪:‬‬
‫الغريري ادم سميان ذياب‪ ,‬االوصاف الخاصة بالجرائم مبكرة االتمام‪.‬‬
‫النعيمي أسامة احمد محمد سراج‪ ,‬الحماية الجزائية لطفل المعرض للخطر‪.‬‬
‫عجيل حسن خنجر‪ ,‬خلف صادق يوسف‪ ,‬تعريض الغير للخطر في قانون العقوبات العراقي‪.‬‬

You might also like