Professional Documents
Culture Documents
جرائم الضرر و الخطر
جرائم الضرر و الخطر
الملخص
حق االنسان في الحياة و السالمة الجسدية من اهم الحقوق التي يسعى القانون الجزائي الى
حمايتها ,اذا لم يقتصر تجريمه على األفعال التي تلحق هذا الحق بضرر $فعلي انما وسع من
نطاق الحماية لمن خالل تجريم األفعال التي تهدد هذا الحق بالضرر دون المساس فيه بشكل
فعلي.
مقدمة :ال تقوم الجرائم اال بمادياتها $التي تتمثل في سلوكيات $رأت السياسات الجنائية وجوب
تجريمها و إخراجها من صفة االباحة االصلية و اخضاعها لمبدأ ناصية التشريع و العقاب ,هذه
السلوكيات تتمثل في نشاط يقدم عليه مرتكب الجريمة و ينتج هذا السلوك اثرا من شأنه المساس
بالمصالح محا الحماية قد يكون ملموسا فيسمى $ضرر ,او يكون محسوسا فيسمى $خطر*.
فالسياسة الجنائية التي انتهجنها التشريعات الجزائية لم تكتف بتجريم $السلوك الذي ينتج عنه
ضرر فعلي بالمصالح القانونية ,بل توجه نظر المشرع الى التحريم $صورا $معينة من األفعال
تحم في طياتها مخاطر $يمكن ان تصيب الحقوق و القيم التي يحميها القانون الجزائي* $,فإذا كان
القانون يتطلب لقيام الركن المادي في جريمة الضرر حدوث ضرر معين يتمثل في انتهاك احد
الحقوق المحمية المساس به* اال ان تعاظم المصالح محل الحماية الجزائية و قوة االضرار
الناجمة عن اآللة الحديثة فرضت على المشرع الجنائي االستعانة بوسيلة أخرى لحماية مصالحه
غير الوسيلة التقليدية ,فجاءت فكرة الخطر كوسيلة لدرء انهيار المجتمع حتى و لو لم يحدث
ضرر* $.لتحقيقي هذه األهداف يقيم المشرع $بفكرة الخطر الجزائي وزنا $في بنيان و صياغة
العديد من نصوص التجريم ,و بالتالي لم ينحصر دور القانون في التدخل بعد وقوع $االعتداء,
بل يمكن ان يتدخل في مرحلة سابقة على وقوع الضرر فيجرم $بعض أنواع السلوك الخطر ,و
من هنا ظهرت بجانب جرائم الضرر طائفة احرى من الجرائم يطلق عليها جرائم $التعريض
للخطر* ,و لما كان حق االنسان في الحياة و السالمة الجسدية من اهم الحقوق التي تسعى
التشريعات الجزائية الى حمايتها بحيث جرمت األفعال التي من شأنها المساس بهذا الحق,
فعاقبت على القتل و االيذاء سواء وقعت هذه األفعال قصدا ام عن غير قصد ,اتجهت السياسات
الجنائية الى تجريم $السلوكيات $التي من شأنها تعريض هذه الحقوق للخطر ,اال انها لم تنهج نهجا
موحدا في هذا المجال ,حيث تقوم سياسة التجريم و العقاب على التوازن بين فكر فلسفي
اجتماعي يحدد مضمون حق الدولة في العقاب و فكر دستوري $يحدد قيمة الحقوق و الحريات,
فالدولة تملك سلطة التجريم و العقاب بهدف حماية الحقوق االفراد $و حرياتهم $,اال ان ممارسة
هذا الحق من شانه ان يحد من نطاق هذه الحقوق و الحريات االمر الذي يفرض على السلطة
التوفيق $بين هذه المصالح المختلفة من خالل النصوص القانونية* ,االمر الذي يدفع التشريعات$
الى تبني سياسات مختلفة بشان التجريم و العقاب.
من هنا تبرز إشكالية البحث التي يثيرها تجريم تعريض حياة الغير و سالمته الجسدية للخطر:
*المراجع:
عجيل حسن خنجر ,خلف صادق يوسف ,2020 ,ص5:
الغريري ادم سميان ذياب ,2017 ,ص 22
بهنام رمسيس ,1997 ,ص567:
مسيار رسيم ,2013 ,ص5 :
السعيدي عباس عبد الرزاق مجلي ,2018 ,ص 129
التجريم العام لتعريض الغير للخطر في ان التجريم الخاص لم يعد كافيا لحماية االفراد في
حياتهم و سالمتهم $الجسدية .فمن الممكن ان تظهر $الحاالت و أفعال من شأنها ان تعرض الغير
للخطر سواءا في حياتهم او صحتهم $في ظل غياب نصوص تجريمية تعاقب على هذه األفعال
المستجدة مما يؤدي الى افالت المجرمين من العقاب و المسائلة* هذه الضرورة للتجريم العام
دفعت بعض التشريعات $الى إقرار نص يشمل األفعال التي من شأنها ان تهدد الغير للخطر.
و من ابرز هذه التشريعات $قانون العقوبات الفرنسي االمر الذي يدفعنا الى بحث اركان جريمة
تعريض الغير للخطر في قانون العقوبات الفرنسي كنموذج للتجريم العام في المطلب األول ,و
من ثم ننتقل لبيان خصائص لجريمة تعريض الغير للخطر في المطلب الثاني.
ثانيا :االنتهاك االيرادي $الواجب خاص بالسالمة او الرعاية محدد بقانون او نظام:
ال يكفي الستكمال مفهوم تعريض االخرين اراديا للخطر تحقق السلوك للخطر ,انما البد من ان
ينطوي هذا السلوك على انتهاك ايرادي واضح لواجب معين متعلق بالسالمة و الرعاية
منصوص عليه في القانون او الالئحة بحيث ال يكفي ان يكون هذا السلوك الخطر ناجما عن
عدم االنتباه او اإلهمال* .فإرادة الفاعل ينبغي ان تتجه الى االنتهاك فقط ,اذ ال تتطلب جريمة
التعريض للخطر اتجاه اإلرادة الى الضرر ,فإتجاه اإلرادة الى انتهاك مرفقا بسلوك الخطر كاف
لقيام التعريض اإلداري للخطر دون الحاجة الى علم او ادراك الفاعل لوجود $لمثل هذا الخطر.
اختلفت األراء بالنسبة للشروع $في جريمة التعريض للخطر ,حيث ذهب االتجاه األول الى عدم
تصور الشروع $في جرائم التعريض للخطراذا كان تجريم التعريض للخطر ال يتطلب وقوع$
فعلي للضرر اال انه يتطلب تهديدا بالضرر $,أي يتطلب ان ينجم عن السلوك خطر .هذا الخطر
البد من ان يكون خطرا واقعيا ملموسا و ليس خطرا مجردا ,بمعنى ان تجربم تعريض الغير
للخطر منظم بنص عام دون تحديد أفعال معينة بالشكل الذي يضمن ان يشمل كل األفعال التي
تنطوي على تهديد مباشر لحق االنسان في الحياة و السالمة الجسدية بالتالي البد من تقييد
شمولية هذه النصوص من خالل ضرورة التثبت من وجود خطر فعلي ناجم عن سلوك الجاني,
االمر الذي يتطلب ان يكون الخطر في هذه الجرائم خطرا ملموسا.
فالفرق بين جرائم الخطر المجرد و جرائم الخطر الملموس يكمن في ان الضرر المحتمل يمثل
عنصرا من عنصرا جرائم الخطر الملموس بينما ال يعد كذلك في جرائم الخطر المجرد تلك
*المراجع:
عبد القادر محمد سراج ,2018ص15
عجيل حسن خنجر ,خلف صادق يوسف ,2020,ص19
الجرائم التي يفترض فيها الخطر من قبل المشرع ,فال يعد ركنا فيها انما يشكل المسوغ
المنطقي
للعقاب على السلوك المكون لها ففي هذا النوع من الجرائم يفرض العقاب على السلوك الخطر
بغض النظر عن الخطر الفعلي المحتمل وجوده في هذا السلوك على المصلحة محل الحماية
لخطر اصابتها بضرر فعلي عندئذ يكون لرابطة السببية محل للبحث و االثبات من جانب
القضاء كشأن جرائم الضرر.
لذا نميل الى القول بأن جريمة التعريض للخطر ال تختلط بالجريمة الشكلية التي يجرم فيها
المشرع السلوك الذي من شأنه ان يحمل تهديدا بالضرر طبقا لما هو مستفاد من الخبرة و
التجربة دون وقوع الضرر فعال و كذلك دون ضرورة للتحقق من وجود $الخطر المنذر به ,فال
يتوجب على القاضي قبل األدلة بتلك الجريمة التحقق من توافر $الخطر ,فالخطر في هذه
الجرائم ,ىو أن كان يشكل الغاية من النص القانوني $أي خطر فعلي.
*المراجع:
النعيمي أسامة احمد محمد ,2013 ,ص 27 ,26
عجيل حسن خنجر ,خلف صادق يوسف , 2020ص 17
بالنظر الى ان النتيجة في جريمة الخطر تظهر في صورة الضرر المحتمل بالمصلحة المحمية
بينما في جرائم الضرر $تظهر صورة االضرار $الفعلي بهذه المصلحة.
أما االتجاه الثالث فيميز $بين جرائم الخطر المجرد او ما يسمى بالجريمة الشكلية .إال اننا نرى
أن جريمة التعريض للخطر ,و ان كانت تتطلب التحقق من توافر خطر فعلي يتمخض عن
السلوك المجرم ,عدم أمكانية المعاقبة على الشروع $بمثل هذه الجرائم ,فالمشرع يتناول هذا
السلوك بالتجريم بالنظر $الى خطورته على المصلحة المحمية المتمثلة بحق االنسان في الحياة و
السالمة البدنية فهو في الحقيقة شروع من حيث العناصر $المادية و ال يتصور $التشدد في التجريم$
ليتناول العقاب على خطر التهديد بالضرر$.
و بذلك قد نكون بينا اركان جريمة تعريض الغير للخطر بينا الخصائص لهذه الجريمة بالشكل
الذي يميزها عن خيرها من جرائم الخطر المجرد التي ينص عليها قانون العقوبات في نصوص
متفرقة.
خاتمة
النتائج و المناقشة:
يتضح لنا من خاللهذا البحث مجموعة من النتائج تتمثل باالتي:
-1لم تكتف التشريعات $في مجال حق االنسان في الحياة و السالمة الجسدية بتجريم السلوك
الذي يلحق الضرر بهذا الحق ,انما اتجهت نحو تجريم السلوك الذي يهدد بالخطر هذه الحقوق.
-2لم تتبنى التشريعات $نهجا موحدا في هذا المجال حيث لجأ البعض الى تبني التجريم العام
بينما اكتفى البعض االخر بالتجريم الخاص.
-3يختلف االمربالنسبة للقانون المقارن :فالمشرع العراقي على سبيل المثال ,و ان كان يتشابه
مع موقف القانون الليبي من حيث عدم تبنيه للتجريم العام لتعريض الغير للخطر ,اال انه وسع
من نطاق $الحماية الجزائية لغير الحق في الحياة و السالمة الجسدية من خالل لتجريم $العام
لتعريض وسائل النقل العامة للخطر من جهة ,و التجريم العام لتعريض الطفل و العاجز لخطر
من جهة ثانية.
بينما اقرت تشريعات أخرى مثل قانون العقوبات االماراتي و قانون العقوبات الفرنسي التجريم
العام لتعريض الغير للخطر االمر الذي من شأنه ان يكفل شمول الحاالت و األفعال الخطرة التي
تكشف عنها المستجدات الواقعية.
اإلستنتاجات و التوصيات:
بناءا على هذه النتائج نقترح ما يلي:
أوال :توسيع نطاق $التجريم $لالفعال التي تهدد بالخطر حياة االخرين و سالمتهم من خالل تبني
نهج التجريم العام لتعريض الغير للخطر بحيث تفرص العقوبة على كل فعل ينطوي $على كل
خطر حال و مباشر $بإزهاق $روح شخص او اكثر او ايذائه جسديا.
ثانيا :عدم حصر نطاق التجريم بمخالفة الفعل اللتزام معين محدد في القانون ,اذ ان هذا التحديد
من شأنه ان يحول دون تحقيق النص ألهدافه.
المراجع باللغة العربية:
الكتب :السعيدي عباس عبد الرزاق مجلي ,ضوابط استحداث النص الجزائي الخاص.
بهنام رمسيس ,النظرية العامة للقانون الجنائي.
األبحاث و المقاالت:
الغريري ادم سميان ذياب ,االوصاف الخاصة بالجرائم مبكرة االتمام.
النعيمي أسامة احمد محمد سراج ,الحماية الجزائية لطفل المعرض للخطر.
عجيل حسن خنجر ,خلف صادق يوسف ,تعريض الغير للخطر في قانون العقوبات العراقي.