Professional Documents
Culture Documents
كانت اإلدارة وإلى زمن غير بعيد في منأى عن أية مساءلة في حالة عدم تنفيذها لألحكام الصادرة
ضدها والحائزة لقوة الشيء المقضي به ،إذ ظلت طلبات التنفيذ جاثمة في رفوف المحاكم .وباألخص
األحكام القاضية بإلغاء المقررات اإلدارية.
ومن بين األشخاص المعنوية العامة التي كانت تواجه القضاء بمقتضيات الفصل الثامن من ظهير
التنظيم القضائي لسنة 1913أو الفصل 25من قانون المسطرة المدنية ،المؤسسات والمكاتب
العمومية التي تتهرب من تنفيذ األحكام الصادرة ضدها سواء في قضايا اإللغاء أو التعويض متذرعة
بأن أموالها هي أموال عمومية ال يمكن الحجز عليها ،وال يمكن إجبارها على تنفيذ األحكام عن
طريق فرض الغرامة التهديدية باعتبارها تخضع في صرفها للمال العام لقواعد المحاسبة العمومية.
إال أنه لما أحدثت المحاكم اإلدارية بالمغرب وأصبح هناك قضاء إداري مستقل ،وجدت بعض
المؤسسات نفسها مضطرة لتنفيذ األحكام الصادرة ضدها.
ويتطلب مني هذا البحث الحديث عن تنفيذ األحكام القضائية اإلدارية قبل إحداث المحاكم اإلدارية ،ثم
أتطرق في الجزء الثاني منه إلى المشاكل التي يطرحها تنفيذ األحكام الصادرة عن هذه المحاكم.
وأختم بحثي هذا عن مناقشة مسطرة ظهير 1944/6/14وأثره على المتقاضين.
تنفيذ األحكام الصادرة ضد المؤسسات العمومية قبل إحداث المحاكم اإلدارية
لقد كان القضاء المغربي متمثال في المحاكم االبتدائية واالستئنافية ،وكذا الغرفة اإلدارية بالمجلس
األعلى يطبق مبدأ عدم قابلية األموال العمومية للحجز ،وعدم إجبار المؤسسات العمومية على
التنفيذ عن طريق حجز أرصدتها المالية المودعة باألبناك ،أو فرض غرامة تهديدية ضدها طبقا لما
تنص عليه مقتضيات الفصل 448من قانون المسطرة المدنية.
ولهذا فإن األحكام التي صدرت عن المحاكم المذكورة ضد المؤسسات العمومية ،وباألخص المكتب
الشريف للفوسفاط الذي لم يكن ينفذ منها إال النزر القليل وخاصة في األحكام المتعلقة بنزع الملكية.
وإذا كان بعض الفقهاء قد حاولوا قبل إحداث المحاكم اإلدارية االستئناس بالقانون واالجتهاد
الفرنسي للمطالبة بتطبيق طرق التنفيذ الجبري على المؤسسات العمومية ،إال أن تلك الكتابات على
قلتها لم يأخذ بها القضاء المغربي الذي كان دائما يطبق مبدأ عدم جواز حجز المال العام للمؤسسات،
رغم أنه ال وجود ألي نص قانوني يمنع ذلك.
إنه إذا كان المشرع الفرنسي قد أكد في المادة 9من قانون 1791/8/22على أنه يمنع الحجز على
األموال العامة للدولة والحكم بالغرامة التهديدية اعتمادا على المادة 87من القانون المدني الفرنسي
التي تنص على أنه "تعتبر أمواال عامة العقارات والمنقوالت التي للدولة ولألشخاص االعتبارية
العامة والتي تكون موجهة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار الوزير
المختص" .فإنه ال وجود في القانون المغربي ألي نص يمنع الحجز على األموال العامة أو يمنع
فرض الغرامة التهديدية على المؤسسة العمومية إذ أن الفصل 448من ق .م .م .لم يميز في الحكم
بالغرامة التهديدية بين الدولة واألشخاص العاديين.
وأمام سكوت المشرع كانت محكمة االستئناف بالرباط هي السباقة إلى إصدار قرار بتاريخ
56/08/14منشور بمجلة المحاكم المغربية العدد 1205بتاريخ 57/02/25جاء فيه :أنه ال يمكن
أن تتعرض أموال الدولة للحجز لكون هذه األخيرة يفترض فيها مالءة الذمة ،ولكون الديون التي
عليها ال تؤدى إال وفق قواعد المحاسبة العمومية ،وانه ال يمكن األمر بالتنفيذ المعجل ما دام التنفيذ
الجبري نفسه غير ممكن.
إن محكمة االستئناف في قرارها هذا أقرت مبدأين اثنين هما :عدم جواز الحجز على األموال العامة
وعدم إجراء التنفيذ الجبري ضد الدولة.
ولما أتيحت الفرصة للغرفة اإلدارية في قضية "جوزي كيرا" عمدت في قرارها الصادر بتاريخ
59/07/09إلى رد الطعن الموجه من طرف السيد كيرا ضد القرار الرافض لتنفيذ حكم صادر
لمصلحته ،وأعطت الحق للطاعن فقط في اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض.
وإن الغرفة اإلدارية قد أكدت اجتهادها المذكور في قرارها الصادر بتاريخ 61/5/18في قضية
"مادلين" ضد وزارة المالية الذي أوضحت فيه على أن تجاهل اإلدارة لحكم صادر ضد الدولة
ومكتسب لقوة الشيء المقضي به يعتبر شططا في استعمال السلطة.
ولم تقف الغرفة اإلدارية عند اعتبار عدم التنفيذ شططا في استعمال السلطة بل أوضحت في قرارها
الصادر بتاريخ 67/11/24في قضية أبي القاسم العلوي على أن عدم اعتبار اإلدارة لألحكام الحائزة
لقوة الشيء المقضي به والمختومة بصيغة األمر بالتنفيذ يعد – ماعدا في ظروف استثنائية – خرقا
لقوانين التنظيم األساسية ،واإلجراءات القضائية التي باحترامها يحترم النظام العام؛ وأن خرقا من
هذا النوع يمكن أن يكون أساسا لطلب اإللغاء وطلب التعويض معا طبقا للقواعد الخاصة بكل منهما.
وهو نفس االتجاه الذي أكدت عليه في قرارها الصادر بتاريخ 81/11/13في قضية "البير اصبان"
عندما اعتبرت امتناع المحافظ من تسجيل قرار المجلس األعلى على الرسم العقاري تجاهال لقرار
اكتسب قوة الشيء المقضي به ،وشططا في استعمال السلطة ،وخرقا للقوانين األساسية للمسطرة،
والتنظيم القضائي مما يفتح المجال لتقديم دعوى اإللغاء أمام المجلس ودعوى التعويض أمام
المحكمة المختصة.
فالغرفة اإلدارية اعتبرت أن االمتناع عن التنفيذ يترتب عنه مسؤولية اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ.
لكن هذا االتجاه الذي سارت عليه الغرفة اإلدارية لم يحسم في األمر ،إذ أنه حتى ولو استطاع
المتقاضي استصدار حكم يقضي له بالتعويض ،فمن سينفذه له خاصة وأن الحكم األصلي نفسه لم
يعرف مصيره إلى التنفيذ كما هو الشأن في قضية "أبي القاسم العلوي" التي ظلت تجوب مختلف
درجات المحاكم لسنوات عديدة.
وإذا كانت الغرفة اإلدارية قد اعتبرت عدم تنفيذ الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به سببا للمطالبة
بالتعويض ،إال أنني لم أعثر حسب تجربتي المتواضعة على قرار صادر عن الغرفة اإلدارية في فترة
ما قبل إحداث المحاكم اإلدارية ناقش مسألة جواز أو عدم جواز الحجز على أموال المؤسسات
العمومية أو الحكم عليها بالغرامة التهديدية.
إال أنه بالنسبة للمحاكم العادية فقد عرضت على القضاء العادي بعد قرار محكمة االستئناف بالرباط
المشار إليه سابقا قضايا ناقشت مسألة الحجز على األموال العامة ،وأن القرارات الصادرة في هذا
الشأن كانت تنصب كلها في عدم جواز الحجز على أموال المؤسسات العمومية وأورد هنا أهم قرار
في هذا الشأن ،وهو القرار الصادر عن محكمة االستئناف بالدار البيضاء الغرفة التجارية بتاريخ
87/2/17المنشور بالمجلة المغربية للقانون العدد ،14والذي جاء فيه ما يلي:
"حيث إن دعوى المستأنفين ترمي إلى إجراء الحجز على أموال الشركة الوطنية للنقل لدى البنك
المغربي للتجارة الخارجية ضمانا لدينها بمبلغ 17.000.000درهم.
وحيث استقر الفقه والقضاء على عدم إمكانية إجراء الحجز على أموال المؤسسات العمومية لما لها
من ضمانات في األداء ،وبالتالي فال يخشى على دين الطاعن من استيفائه وألجل ذلك يتعين تأييد
األمر".
لكن في 91/12/02صدر حكم استعجالي عن المحكمة االبتدائية بالرباط في الملف عدد 91/972
أوضح على أن عدم قابلية األموال العمومية للحجز ال يمكن أن يؤخذ على إطالقه ،وذلك كلما كان
هناك امتناع عن التنفيذ بدون أي مبرر ،والذي ال يمكن أن يفسر إال بالتعسف في استعمال هذه
اإلمكانية ،وبالتالي في غياب كل نص قانوني مانع من الحجز على هذه األموال أو بيعها.
وهكذا نالحظ أنه قبل إحداث المحاكم اإلدارية كانت المحاكم متجهة إلى عدم جواز الحجز على أموال
المؤسسات العمومية ،إما لكونها خاضعة لنظام المحاسبة العمومية وإما لكونها مليئة الذمة وال
يفترض فيها العسر.
ولهذا فإنه في هذه الفترة كان التنفيذ ضد بعض المؤسسات العمومية في حكم المستحيل ،إذ أنه أمام
عدم الحكم عليها بالفوائد القانونية أو بالغرامة التهديدية ،فإن المتقاضي يبقى تحت رحمة المسؤول
عن التنفيذ ،إن هو رق في حاله نفذ الحكم ،وإن هو رفض فال أحد يجبره على التنفيذ .ولهذا قال
بعض الفقهاء أن التنفيذ على الشخص المعنوي العام خاضع لحسن نية اإلدارة.
إنه إذا كان القضاء قد أقر في السابق عدم جواز الحجز على أموال المؤسسات العمومية ،فإن تطبيق
مقتضيات الفصل 448من ق .م .م .لم يكن متصورا في ذهن القضاة أو بالمحامين إذ أنه في حالة
االمتناع عن التنفيذ ال تتم المطالبة بتطبيق الفصل المذكور إما عن جهل أو عن اقتناع بأن الشخص
المعنوي العام ال يمكن تطبيق وسائل التنفيذ الجبرية ضده.
إنه إذا كان المبدأ العام أن األحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به يجب أن تنفذ مهما كانت الجهة
التي صدرت ضدها ،فهل الشخص العام يخضع لمسطرة التنفيذ الجبري؟.
فالفصل 448من ق .م .م .لم يميز بين األشخاص العاديين واألشخاص االعتباريين في تنفيذ الحكم
بالغرامة التهديدية.
وبالرجوع إلى ما أوضحه الفقه في هذا الميدان نجد األستاذ مارك لوز Marc Lozفي كتابه "مالية
الدولة" يوضح على أن دائني الدولة والمؤسسات العمومية ال يمكنهم ممارسة التنفيذ الجبري
ضدها ،ويستند في ذلك على قول األستاذ دوفرجي Duvergerبان أموال الدولة هي "أموال
عمومية وأنه من غير المعقول أن يلجأ شخص عادي إلى إجراء حجز على هذه األموال لمصلحته
الشخصية متجاهال المصلحة العامة ،كما يضيف على أنه ال يمكن للمستفيد من حكم أن يطالب
بالغرامة التهديدية".
لكنه إذا كان من المسلم به أنه ال يمكن الحجز على األموال العامة فإن قضية الغرامة التهديدية
الزالت محل جدل كبير بين الفقهاء لكون الفصل 448من ق .م.م .ترك الباب مفتوحا لالجتهاد.
وفي هذا الصدد ال بد من تسجيل خطوة جريئة أقدمت عليها المحكمة االبتدائية بمراكش في شخص
رئيسها األستاذ عبد النبي محترم الذي أصدر بتاريخ 85/10/17أمرا في إطار الفصل 148قضى
فيه بفرض غرامة تهديدية على بلدية مراكش في شخص رئيسها قدرها 500درهم عن كل يوم
تأخرت فيه عن التنفيذ لمدة سنة لرفضها تنفيذ حكم بإتمام البيع ،موضحا على أن الحكم يتعلق
بالقيام بعمل فإنه تعذر على مأمور التنفيذ االستعانة بالوسائل المادية لتنفيذ الحكم كاستعمال القوة
العمومية ،لذلك فقد يتعين اللجوء إلى مقتضيات الفصل 448من ق .م .م .المتعلقة بالغرامة
التهديدية التي يكون من شأنها جبر المحكوم عليها على التنفيذ.
تنفيذ األحكام الصادرة ضد المؤسسات العمومية بعد إحداث المحاكم اإلدارية.
إن قانون المحاكم اإلدارية لم ينظم أية مسطرة لتنفيذ األحكام الصادرة عنها ،وإنما أحال في طريقة
تنفيذ هذه األحكام على قانون المسطرة المدنية طبقا للفصل 7من قانون 41.90وبالتالي فالقانون
الواجب التطبيق في التنفيذ على المؤسسات العمومية هو قانون المسطرة المدنية الذي لم يستثن أي
شخص من تنفيذ األحكام الصادرة عن القضاء ،وفي تطبيق جميع طرق التنفيذ المنصوص عليها في
القانون المذكور وباألخص الفصل 448من ق .م .م.
إنه إذا كانت األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة ،أو الحائزة لقوة الشيء المقضي به يمكن أن
يسلك المستفيد منها جميع طرق التنفيذ الستيفاء حقه ،كالحجز التحفظي ،والحجز التنفيذي ،وحجز
ما للمدين لدى الغير ،والحجز العقاري ،فإن هذه اإلجراءات ال يمكن القيام بها تجاه المؤسسات
العمومية التي تعتبر أموالها أمواال عامة مرصودة لخدمة منفعة عامة.
ولذلك أمام العدد الهائل من األحكام الصادرة ضد المؤسسات العمومية واحتراما لمبدأ قوة الشيء
المقضي به ،ابتكر االجتهاد القضائي المغربي على نطاق المحاكم اإلدارية وسيلة إلجبار المؤسسات
العمومية على تنفيذ األحكام الصادرة ضدها ،وهي الحجز على األموال ،وفرض الغرامة التهديدية
عليها في حالة االمتناع عن التنفيذ ،بل ذهبت بعض المحاكم إلى الحكم على الشخص الممتنع عن
التنفيذ بالغرامة ،إال أن الغرفة اإلدارية ألغت ذلك الحكم.
إن المحاكم اإلدارية قد ناقشت مبدأ الحجز على أموال المؤسسات العمومية من وجهة نظر صائبة
تتمثل في أن هذا المبدأ ليس مطلقا ولذا عمدت في أحكامها إلى التمييز بين األموال الالزمة لسير
المرفق العام وهي التي ال تقبل الحجز بينما أجازت الحجز على األموال الخاصة بالمؤسسات.
وفي هذا االتجاه أصدرت المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ 1997/9/24حكما في قضية "فاطمة
العنصري" ضد مدير المكتب الجهوي لالستثمار الفالحي باللوكس حكما بالمصادقة على الحجز لدى
الغير وأمرت المحجوز بين يديه الخازن العام للمملكة بتسليم المبلغ المحجوز لديه في حساب
المحجوز عليه المكتب الجهوي لالستثمار الفالحي باللوكس .إلى كتابة الضبط لتسليمه إلى طالبة
الحجز.
وقد اعتمدت المحكمة في حكمها على ما يلي " :إن العلة في عدم جواز الحجز على أموال
المؤسسات العمومية ليس لكون هذه األموال غير قابلة للحجز ،ما دام ال يوجد أي نص قانوني
صريح يمنع ذلك ،وإنما لكون تلك المؤسسات مليئة الذمة وال يخشى عسرها حسب مقتضيات الفصل
138من قانون االلتزامات والعقود .لذا فإن عدم الجواز هذا ال ينبغي أن يفهم على إطالقه ،ويؤدي
إلى حرمان صاحب الحق من الحصول على هذا الحق ،بل في حالة امتناع المؤسسة العمومية عن
تنفيذ الحكم بدون أي مبرر كما في نازلة الحال ،إذ أصر المحجوز عليه على عدم تنفيذ الحكم
القضائي الصادر في مواجهته ،والحال أنه ال يوجد أي نص قانوني يعفي أي محكوم عليه من تنفيذ
األحكام القضائية سواء أكان مؤسسة عمومية أو غيرها ما دامت تلك األحكام مذيلة بالصيغة
التنفيذية".
وأنه أمام هذه المعطيات تكون مالءة الذمة المعتمدة في عدم جواز الحجز على المؤسسات العمومية
غير ذات جدوى بالنسبة للتنفيذ في نازلة الحالة.
وأن نفس المحكمة وبمناسبة قضية أحيلت عليها في إطار اإلنابة القضائية لتنفيذ حكم صادر عن
إدارية مكناس بين شركة حي هللا والوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير الالئق ،عمدت المحكمة إلى
إجراء مسطرة الحجز على أموال المؤسسة بالخزينة العامة ،إذا أصدرت المحكمة المذكورة حكما
بالمصادقة على الحجز موضحة أن األموال التي يشكل منها رأس مال المحجوز عليها على افتراض
أنها أموال عمومية ،فإن جزء منها قد رصد أصال لتسديد مستحقات أصحاب األراضي المنزوعة
ملكيتهم ،وهذا الحجز يشكل ضمانة بالنسبة لهؤالء وال ضرر فيه على مصلحة المحجوز عليها.
وأن المحكمة المذكورة قد أصدرت أمرا بالتصديق على الحجز في مواجهة المكتب الوطني لألبحاث
واالستثمارات النفطية بتاريخ 97/09/07مستندة هذه المرة على أن االمتناع بدون موجب عن
التنفيذ هو الذي يبرر الحجز اعتمادا على مقتضيات الفصل 138من ق .ل .ع والذي يشترط في ذلك
العسر.
ولم تقف باقي المحاكم اإلدارية مكتوفة األيدي في التصدي لظاهرة امتناع اإلدارة من تنفيذ األحكام
الصادرة ضدها .إذ أن إدارية مراكش في حكمها االستعجالي عدد 56بتاريخ 2001/10/24قد
سارت في نفس اتجاه إدارية الرباط ،وأمرت بالتصديق على الحجز موضحة أن الدفع بكون األموال
العامة غير قابلة للحجز ال يجد سندا له في النازلة ألن اإلدارة في مجال نزع الملكية ألجل المنفعة
العامة ترصد مسبقا أمواال لتغطية التعويضات الناتجة عن نزع ملكية أراضي الخواص ،وهي بذلك
تخرج هذه التعويضات لتصبح أمواال خاصة قابلة للتنفيذ عليها.
وأن نفس المحكمة قد أمرت بتعيين خبير لتحديد الثمن االفتتاحي لسيارة تابعة للمؤسسة الجهوية
للتجهيز والبناء لمنطقة تانسيفت ،وردت الطلب الرامي إلى إيقاف إجراءات البيع في حكمها الصادر
بتاريخ 2002/3/25في الملف االستعجالي عدد .02/25
أما إدارية وجدة فقد قضت هي بدورها بالمصادقة على الحجز لدى الغير وأمرت المحجوز بين يديه
مصرف المغرب بوجدة بتسليم المبلغ المحجوز لديه إلى كتابة الضبط بالمحكمة المذكورة لتسليمه
للحاجز في قضية توفيق محمد ضد المكتب الوطني للكهرباء معتمدة في ذلك على أن امتناع المكتب
الوطني للكهرباء من تنفيذ حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به بدعوى عدم قابلية أمواله
للحجز ،وبالتالي التصديق عليه بجعل قاعدة مالءة الذمة غير مجدية في التنفيذ .وأن المكتب الوطني
للكهرباء لئن كان يعد من أشخاص القانون العام فهو يتمتع بالشخصية المعنوية ،واالستقالل المالي
عن ميزانية الدولة ،وأعماله تكتسي صبغة تجارية ،وأن أمواله ال تعتبر من الديون العمومية حسب
المادة 7من مدونة التحصيل مما يعني أن أمواله تعتبر أمواال خاصة يجوز الحجز والتصديق على
الحجز المضروب عليها.
أما الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى فقد أكدت في قرارها الصادر بتاريخ 97/5/22جواز سلوك
مسطرة الحجز لدى الغير في مواجهة المؤسسات العمومية متى اعتبرت أمواال خاصة اعتمادا على
الحيثية التالية:
إن اإلدارة في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة ترصد مسبقا أمواال لتغطية التعويضات الناتجة عن
نزع ملكية أرض الخواص ،وهي بذلك تخرج بإرادتها هذه األموال من ذمتها لتخصصها للتعويض
عن نزع الملكية ،وبالتالي تضفي عليها صبغة خصوصية وتجعلها قابلة للتنفيذ عليها ،وأن يحق
للمنزوعة ملكيتهم القيام بتلك اإلجراءات القانونية على هذه األموال بما في ذلك مسطرة الحجز لدى
الغير ( قرار أشار إليه األستاذ محمد قصري موضوع الغرامة التهديدية والحجز في مواجهة اإلدارة
الممتنعة عن تنفيذ األحكام اإلدارية الصادرة ضدها .المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية العدد
34ص ،31وكذا األستاذ مصطفى التراب في مقاله المنشور بمجلة المحاكم اإلدارية العدد األول
تحت عنوان :إشكالية تنفيذ األحكام اإلدارية ).
إنه إذا كانت المحاكم اإلدارية قد أصدرت مجموعة من القرارات ترمي إلى حجز أموال الدولة
والبلديات والمؤسسات العمومية ،وللتصديق على الحجز احتراما لمبدأ حجية الشيء المقضي به،
فإن إدارية فاس في حكمها الصادر بتاريخ 2002/12/10قد سنت اجتهادا مفاده أن تخصيص المال
العام لخدمة الجمهور هو الذي يضفي عليه صبغة النفع العام المانع بطبيعته من كل تصرف فيه من
شأنه الحياد به عن الغرض المخصص له ابتداءا ،وبالتالي المانع بالضرورة من إيقاع أي حجز من
شأنه إخراجه من دائرة الملك أي النفع العام .وأن السيارات النفعية والشاحنات المرصدة لخدمة
المرفق العام تساهم في تحقيق النفع للجمهور بخالف السيارات المخصصة للتنقالت الشخصية التي
ليست من قبل األموال العامة المرصدة لخدمة المرفق وال يترتب عن حجزها وبيعها تعطيل المرفق.
لكن إذا كانت المحاكم اإلدارية قد استقرت على جواز الحجز على المال العام إذا لم يكن مخصصا
لخدمة الجمهور فإن المحاكم العادية مازالت ترفض إيقاع الحجز على أموال المؤسسات العمومية،
من ذلك حكم المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء في الملف التجاري عدد 98/224الذي جاء فيه على
أنه من المقرر قانونا وقضاءا وفقها أن الهدف من الحجز التحفظي والحجز لدى الغير هو حماية
الدائن من الخطر الذي ينجم عن احتمال إعسار المدين ،ومنع هذا األخير من التصرف في أمواله
تصرفا يضر بمصالح دائنه ،وأنه في النازلة ال وجود ألي خطر محتمل يهدد المدين الذي وقع بسببه
الحجز ،ذلك أن المدعية يفترض فيها اليسر وال العسر لكونها ال تؤدي ديونها إال وفق قواعد
المحاسبة العمومية حسب ما ورد النص عليه في المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 67/4/21وان لها
من الضمانات ما يكفي للوفاء بديونها.
وأن ما ذهبت إليه ابتدائية الدار البيضاء قد اعتمدته أيضا محكمة االستئناف التجارية في الملف
التجاري عدد 98/81إذ أيدت حكما ابتدائيا رفض إيقاع حجز على أموال مؤسسة عمومية موضحة
انه ال يوجد بالملف ما يفيد ان هناك خشية من المساس بالضمان العام للدائن إذ ان المستأنف عليها
موسرة ولم يصدر منها تصرف يؤشر على الضمان العام ويجعل تأمينات المدعية مهددة بالضياع لذا
فان ما سار عليه قاضي البداية كان في محله.
وان المحكمة التجارية بمراكش قد قضت برفع الحجز الواقع على حساب شركة التنمية الفالحية
بمراكش في الحكم االستعجالي الصادر بتاريخ 2001/1/16في الملف االستعجالي عدد 2000/166
ناصة في حكمها على أن شركة التنمية الفالحية شركة أسست من طرف الدولة المغربية إلدارة
وتسيير األراضي الفالحية المسترجعة والمنزوعة ملكيتها من أجل المصلحة العامة وأن أرباحها
تعود إلى الدولة وتدرج في ميزانيتها .وأنه بالنظر إلى هذا تكون أموالها أمواال عمومية وأن العمل
القضائي ذهب إلى عدم إجراء الحجز على األموال العمومية لتعلقها بإدارة مرفق عمومي وألن
الدولة مفترض فيها مالءة الذمة ،وال يمكن تصور اإلضرار بالدائنين من طرفها نتيجة تصرفها في
أموالها .
انه إذا كانت مسألة الحجز على المال العام قد حسم فيها القضاء على مختلف درجاته ،فان مسألة
الحكم على الشخص المعنوي العام بالغرامة التهديدية طبقا لما تنص عليه مقتضيات المادة 448من
ق .م .م .قد كانت محل نقاش بين رجال الفقه والقضاء ،إذ في الوقت الذي يذهب البعض إلى
المطالبة بتطبيق الغرامة التهديدية على الشخص المعنوي العام الممتنع عن التنفيذ ،فإن البعض
اآلخر لم يستحسن هذا االتجاه وخاصة المدافعين عن اإلدارة الذين يدفعون بعدم اختصاص المحاكم
اإلدارية للحكم بالغرامة التهديدية ،متمسكين بالفصل 25من قانون المسطرة المدنية تارة وتارة
أخرى بالمادة 8من قانون المحاكم اإلدارية معتبرين أن ما ورد على سبيل الحصر في المادة
المذكورة ال يتوسع في تفسيره وال يمكن أن يقاس عليه.
ذلك أنه إذا كان المشرع في الفصل 448من ق .م .م لم يعرف الغرامة التهديدية ،فيمكن االستئناس
بالتعريف الذي أعطته محكمة النقض الفرنسية والذي أشار إليه األستاذ أدولف ريولط والذي جاء
فيه أن الغرامة التهديدية وسيلة إكراه مختلفة كل االختالف عن التعويض ،وهي ليست في األخير إال
وسيلة لردع االمتناع عن تنفيذ حكم وليس من أهدافها تعويض األضرار أو التماطل ،وهي عادة
تستخلص حسب مدى خطورة غلط المدين الممتنع وحسب إمكانيته أيضا.
وما دامت الغرامة التهديدية ليست سوى وسيلة إكراه ،فهي ال تدخل في مجال دعاوى التعويض،
وأن القضاء احتراما لمبدأ فصل السلط يمنع على نفسه إعطاء أوامر لإلدارة أو ممارسة اإلكراه
عليها أو إجبارها على التنفيذ .
إال أن الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى لم تتقبل طلب تحديد الغرامة التهديدية في قضايا اإللغاء ،ألن
القاضي اإلداري يكتفي في حكمه بإلغاء القرار اإلداري المشوب بالشطط بسبب تجاوز السلطة دون
أن يقرر النتائج الحتمية لهذا اإللغاء ،ودون إمكان إجبارها بطريقة أو بأخرى على تنفيذ الحكم
باإللغاء ،وبالتالي ال يمكن اللجوء إلى الغرامة التهديدية ،وإنما يمكن لمن تضرر من عدم تنفيذ حكم
اإللغاء ،اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض فقط ،وحصرت طلبات الغرامة التهديدية في دعاوى
القضاء الشامل.
وسأكتفي في هذه النقطة إلى سرد بعض أحكام المحاكم اإلدارية وموقف الغرفة اإلدارية منها ،خاصة
وأن ابتكار الحكم بالغرامة التهديدية هو وليد اجتهاد المحاكم ،وليس وليد نص قانوني كما هو الشأن
في فرنسا.
إن أول حكم أثار النقاش بين فقهاء القانون اإلداري هو الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط
الصادر بتاريخ 97/3/6بين ورثة عبد القادر العشيري ووزير التربية الوطنية ،والذي كان هو أول
حكم يصدر عن القضاء اإلداري يحدد الغرامة التهديدية في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ،
وهو حكم صادر عن قضاة الموضوع وليس عن السيد رئيس المحكمة في إطار الفصل 148من ق.
م .م .وأن المحكمة قد ردت الدفع بعدم االختصاص للبت في الطلب ،موضحة أن الفصل 448من ق.
م .م .ينص على الغرامة التهديدية كوسيلة إلجبار المحكوم عليه على التنفيذ ،وقد ورد ضمن الباب
الثالث من القانون المذكور المتعلق بالقواعد العامة بشأن التنفيذ الجبري لألحكام .وأن المحاكم
اإلدارية تطبق القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية طبقا للمادة 7من قانون ،41/90وأنه ال
يوجد أي نص قانوني يستثني اإلدارة من فرض غرامة تهديدية عليها في حالة امتناعها عن تنفيذ
حكم قضائي صدر في مواجهتها يتعلق بااللتزام بعمل أو باالمتناع عن القيام بعمل وصرحت
باختصاصها للبت في الطلب وتم تأييد حكمها من طرف الغرفة اإلدارية بتاريخ 97/9/25حسب
القرار .1301وبعد اإلحالة قضت بتاريخ 99/9/21بتحديد غرامة تهديدية في مواجهة المدعى
عليهم قدرها 700درهم ابتداء من تاريخ االمتناع عن التنفيذ.
وقد كان حكم ورثة العشيري عبد القادر هي الشرارة التي اشعلت فتيلة المطالبة بتهديد اإلدارة بتنفيذ
األحكام عن طريق فرض الغرامة التهديدية وهذا يتبين من األحكام الصادرة في هذا الميدان نذكر
منها على سبيل الحصر ما يلي:
-الحكم االستعجالي الصادر بتاريخ 99/6/10عن السيد رئيس المحكمة اإلدارية بوجدة في قضية
ورثة الحدادي الحاج عيسى ضد إحدى المؤسسات العمومية إذ أمر السيد رئيس المحكمة المذكورة
بإيقاف جميع أعمال الحفر والبناء تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 500معلال حكمها بما يلي:
حيث إن الفقه والقانون المقارنين وإن كانا قد ترددا بداية في إعطاء مثل هذه الصالحية للقضاء
اإلداري ،إال أن المشرع الفرنسي تدخل بمقتضى قانون 1980/7/16وأجاز لمجلس الدولة ثم
للمحاكم اإلدارية إمكانية إصدار غرامة تهديدية على اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ الحكم ،في حين
أصدر قاضي المحاكم القضائية الفرنسية حتى قبل صدور هذا القانون غرامات تهديدية على اإلدارة
في نوازل االعتداء المادي.
وحيث إن القضاء اإلداري المصري وإن كان الزال مترددا في مدى إمكانية إجبار اإلدارة على التنفيذ
بمقتضى الغرامة التهديدية ،إال أن لديه إمكانيات أخرى أخطر من الغرامة التهديدية قد تصل إلى
تجريم عملية االمتناع عن التنفيذ.
وحيث إن المشرع المغربي وإن كان لم ينص صراحة في قانون المحاكم اإلدارية على إمكانية تهديد
اإلدارة على تنفيذ األحكام ،واألوامر اإلدارية بالغرامة التهديدية فإنه بإحالته في نفس القانون على
مقتضيات المسطرة المدنية ،يكون قد أجاز ضمنيا هذه اإلمكانية خاصة ،وأنه ال وجود ألي نص
خاص يخالف مقتضيات الفصل 448من قانون المسطرة المدنية.
وحيث إن األمر يتعلق في نازلة الحال بإيقاف أشغال تقوم بها اإلدارة فوق أرض الطالبين دون سلوك
المسطرة القانونية ،مما يكون تنفيذ األمر متوقفا على إرادتها الشيء الذي يستتبع االستجابة للطلب،
وبتحديد الغرامة التهديدية في منطوق األمر.
-الحكم الصادر عن نفس المحكمة بتاريخ 97/05/29بين التاقي أحمد والشركة الوطنية لمحاربة
السكن الغير الالئق ،حيث قضى بإيقاف األشغال تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 1000درهم.
-الحكم الصادر عن السيد رئيس المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ 98/03/11بين محمد الموساوي
والوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء في الملف االستعجالي عدد 98/16والذي قضى بإرجاع
التيار الكهربائي لمنزل المدعي بتطوان تحت طائلة غرامة تهديدية ،مبينا أن العمل المادي الذي
أقدمت عليه الوكالة بقطع التيار قد تسبب في حرمان المدعي من مادة الكهرباء التي تعتبر ضرورية
فقرن الحكم باإلرجاع بالغرامة التهديدية.
-الحكم الصادر بتاريخ 98/06/03عن السيد رئيس المحكمة اإلدارية بالرباط بين ناظر أوقاف
شفشاون وبين المكتب الوطني للكهرباء والقاضي بإيقاف أشغال البناء المقامة فوق أرض حبسية
مع غرامة تهديدية.
كما أن هناك أحكاما إدارية صادرة عن إدارية مراكش قضت بتسوية وضعية مجموعة من
المستخدمين مقرونة بالغرامة التهديدية.
وإذا كان طلب الحكم بالغرامة التهديدية على الشخص المعنوي العام كالمؤسسات العمومية قد تم
الحسم فيه من طرف القضاء على مختلف درجاته ،فهل من حق المستفيد من الحكم القاضي على
المؤسسة العمومية في حالة امتناع المسؤول عنها من تنفيذ مقتضياته ،أن يقاضيه شخصيا عن
طريق المطالبة بالحكم عليه بالغرامة التهديدية .
لقد اجتهدت المحكمة اإلدارية بمكناس في قضية محمد العطاوي عندما أصدرت حكما على رئيس
الجماعة القروية شخصيا بغرامة تهديدية قدرها 500درهم باعتباره ساهم في عرقلة تنفيذ الحكم
القاضي بإلغاء قرار العزل المتخذ ضد السيد العطاوي .وقد اعتمدت المحكمة في هذا الحكم على قرار
صادر عن المجلس األعلى بتاريخ 95/03/06في الملف اإلداري عدد .94/10206
إال أن الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى ألغت الحكم المذكور وتصدت بالرفض للطلب ال على أساس
أن الحكم صدر ضد المسؤول ولكن اعتمادا على أن القضاء قد اقتصر على إلغاء قرارها الذي اعتبره
متسما بالشطط في استعمال السلطة فيبقى أمام المعني باألمر الحق في اللجوء إلى القضاء اإلداري
بعد إدالئه بمحضر االمتناع لطلب تعويض عن األضرار الناتجة عن التصرف المذكور ( قرار الغرفة
بتاريخ 93/03/11تحت عدد 235منشور بالدليل العملي لالجتهاد القضائي في المادة اإلدارية
الجزء األول للدكتور أحمد بوعشيق ص .)565
وأن الغرفة اإلدارية في هذا القرار قد سكتت عن إمكانية مقاضاة المسؤول الممتنع عن التنفيذ
والمطالبة بمواجهته بالغرامة التهديدية وحولت المناقشة إلى اتجاه آخر وهو عدم قبول طلبات
الغرامة التهديدية في قضايا اإللغاء احتراما لمبدأ فصل السلطات.
ولقد أتيحت الفرصة للمحكمة اإلدارية بالدار البيضاء في قضية شركة تنظيف تطهير صناعي ضد
محمد طربوز رئيس المجلس البلدي لمدينة برشيد فأصدر رئيس المحكمة اإلدارية بالنيابة األستاذ
نعناني حكما استعجاليا قضى فيه بتحديد الغرامة التهديدية في مبلغ 500درهم في مواجهة السيد
محمد طربوز شخصيا :موضحا أن طلب الغرامة التهديدية في مواجهة المدعى عليه باعتباره ممتنعا
عن التنفيذ مبرر ووجيه :ومعتمدا على حكم محمد العطاوي الذي كرس فكرة المسؤولية الشخصية
للموظف الممتنع عن التنفيذ ،وعلى موقف الفقيه الفرنسي أندري هوريو الذي أكد أنه إذا امتنع
الموظف عن تنفيذ الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به يرتكب خطأ شخصيا ويسأل في ماله وعلى
القضاء المصري الذي اعتبر االمتناع عن تنفيذ الحكم خروجا سافرا عن القوانين ويشكل خطأ
شخصيا يستوجب المسؤولية.
وإذا كان الحكم بالغرامة التهديدية سواء ضد اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ أو ضد المسؤول عنها فان
تصفيتها تقدر كتعويض عن الضرر الحاصل من جراء عدم التنفيذ ،ويكون بالتالي من اختصاص
المحاكم اإلدارية البت في هذه الطلبات تمشيا مع مقتضيات المادة الثامنة من قانون المحاكم اإلدارية.
وقد قضت المحكمة اإلدارية بالرباط على الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالعرائش بأداء
مبلغ 6000درهم عن تصفية الغرامة التهديدية المحكوم بها .ولما استؤنف هذا الحكم أمام الغرفة
اإلدارية من طرف المدعي قضت الغرفة بتأييده مع رفع التعويض إلى مبلغ 15000بانية قرارها
كون المبلغ المحكوم به ابتدائيا ال يغطي الضرر الحاصل للمدعي ( .قرار عدد 29بتاريخ
2001/01/04بين النظام محمد والوكالة المستقلة ).
وهكذا يتبين على أنه وإن لم يكن هناك أي نص قانوني يعطي الحق للمحاكم في الحجز على أموال
المؤسسات العمومية ،وفرض الغرامة التهديدية عليها إلجبارها على التنفيذ ،فإن القضاء المغربي
قد ساير في جل أحكامه موقف الفقه والقضاء الفرنسي والمصري.
أثر ظهير 1944/06/14على تنفيذ األحكام الصادرة ضد المؤسسات العمومية
إن األحكام الصادرة ضد المؤسسات العمومية والمكتسبة لقوة الشيء المقضي به يجب أن تنفذ مهما
كانت الجهة التي صدرت ضدها تلك األحكام ،ذلك أنه إذا كان أحد أطراف الدعوى بمفهومه العام
يجب أن يمتثل لكلمة القضاء فإن اإلدارة تكون على رأس قائمة من يجب عليهم الخضوع ألحكام
القضاء.
وأن تنفيذ اإلدارة – سواء أكانت دولة أو مؤسسة عمومية – اللتزاماتها بشكل سريع ومباشر بمجرد
توصلها بقرار قضائي ،هو المثال األعلى والشعار الحقيقي الذي يمكن أن تتباهى به أي دولة
ديمقراطية وتعطي المثال على أن التبليغ باألحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة يجب أن يقابل
باالمتثال دون أي تردد أو خلق إجراءات تعقد ما حكم به باسم جاللة الملك الذي لم يتوان في التذكير
مرارا بأن إصالح اإلدارة هو على رأس األولويات .وأنه ال يمكن تصور هذا اإلصالح والحال أن
الدولة ومؤسساتها ال زالت تقوم بعرقلة تنفيذ األحكام القضائية النهائية الصادرة باسم جاللة الملك.
وهذا يشكل في حد ذاته تناقضا صارخا فيما يسمى بدولة الحق والقانون.
ولعل العقبة الكبرى التي تستعملها اإلدارة في مواجهة الحاملين ألحكام نهائية ضدها هو التمسك
بمقتضيات ظهير 1944/06/14هذا الظهير الذي الزالت فصوله على قلتها تقف سدا منيعا أمام
المتقاضين وعرقلة وضعتها الحماية الفرنسية الزالت مخالفتها جاثمة إلى حد اآلن.
إنه ال يعقل ونحن في القرن الواحد والعشرين أن يجبر طالب تنفيذ حكم ضد إدارة عمومية على
اإلدالء بكفالة بنكية تساوي المبلغ المحكوم به في حالة ما إذا كان الحكم موضوع التنفيذ قد تم الطعن
فيه بالنقض ،والحال أن قانون المسطرة المدنية لم يستثن اإلدارة العمومية من التنفيذ في حالة ما
إذا كان القرار المطلوب تنفيذه موضوع طعن بالنقض.
أال يفسر تطبيق مقتضيات هذا القانون الذي تجاوزه الزمن فوق القانون!
أال يفسر بأن اإلدارة ال يمكن تنفيذ األحكام الصادرة ضدها إطالقا بوضع هذا الحاجز الفوالذي أمام
المتقاضي!
أال يفسر بأن اإلدارة التي وقفت جنبا إلى جنب مع المتقاضي أمام العدالة ال يهمها منطوق الحكم إذا
كانت في حل من تنفيذه!
أال يفسر أن ميزان العدالة تميل كفته إلى جانب اإلدارة عندما تعمد إلى تنفيذ األحكام الصادرة
لصالحها ضد الخواص كيفما كانت طبيعتها مستعملة كافة طرق التنفيذ التي قد تؤدي إلى بيع
عقارات ومنقوالت المحكوم عليه بل وحتى الزج به في السجن .وال تنفذ هذه األحكام الصادرة ضدها
إال إذا كانت هناك كفالة بنكية!
إن هذه التعقيدات والتبريرات ال تهدف من ورائها اإلدارة العمومية سوى الوقوف في وجه القضاء
فالضمانة التي تفرضها مقتضيات 1944/06/14أساسها حماية حقوق المحجوز عليه في حالة
إلغاء الحكم موضوع التنفيذ .وما دامت هناك طرق قانونية أخرى يمكن للمحجوز عليه سلوكها
للحفاظ على حقه فإن العمل بهذا الظهير لفائدة اإلدارة وحدها فيه مساس لمبدأ المساواة بين
المتقاضين وضربا في الصميم لقوة الشيء المقضي به.
نتمنى أن يتدخل المشرع لسن مسطرة خاصة لتنفيذ األحكام الصادرة ضد اإلدارة العمومية وإلغاء
ظهير 1944/06/14الذي ليس إال قانونا من صنع المستعمر ،خاصة وأن المناشير الصادرة سواء
عن الوزير األول أو وزير العدل والتي تحث اإلدارة على اإلسراع بتنفيذ األحكام الصادرة ضدها ،ما
هي إال درء للرماد في العيون ألن أهم األحكام الصادرة عن المحاكم ،والقاضية على اإلدارة
بالتعويض تنتقل عن طريق اإلنابات القضائية من محكمة ألخرى دون أن يتوصل أصحابها بحقوقهم
وال تنفذ إال األحكام الصادرة ضد المؤسسات العمومية المتواجدة بنفس المدينة التي يوجد بها مقر
المحكمة اإلدارية المصدرة للحكم.
إنه لو طبق حكما إدارية مكناس والبيضاء وأصبح يساءل كل مسؤول ممتنع عن التنفيذ شخصيا عن
طريق الحكم عليه بالتعويض أو حجز أمواله بل حتى متابعته بتحقير قرارات قضائية لعرفت األحكام
القضائية طريقها إلى التنفيذ.