You are on page 1of 10

‫تنفيذ األحكام اإلدارية ضد المؤسسات العمومية‬

‫األستاذ عبد الوهاب رافع‬


‫محام بهيئة مراكش‬

‫كانت اإلدارة وإلى زمن غير بعيد في منأى عن أية مساءلة في حالة عدم تنفيذها لألحكام الصادرة‬
‫ضدها والحائزة لقوة الشيء المقضي به‪ ،‬إذ ظلت طلبات التنفيذ جاثمة في رفوف المحاكم‪ .‬وباألخص‬
‫األحكام القاضية بإلغاء المقررات اإلدارية‪.‬‬

‫ومن بين األشخاص المعنوية العامة التي كانت تواجه القضاء بمقتضيات الفصل الثامن من ظهير‬
‫التنظيم القضائي لسنة ‪ 1913‬أو الفصل ‪ 25‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬المؤسسات والمكاتب‬
‫العمومية التي تتهرب من تنفيذ األحكام الصادرة ضدها سواء في قضايا اإللغاء أو التعويض متذرعة‬
‫بأن أموالها هي أموال عمومية ال يمكن الحجز عليها‪ ،‬وال يمكن إجبارها على تنفيذ األحكام عن‬
‫طريق فرض الغرامة التهديدية باعتبارها تخضع في صرفها للمال العام لقواعد المحاسبة العمومية‪.‬‬
‫إال أنه لما أحدثت المحاكم اإلدارية بالمغرب وأصبح هناك قضاء إداري مستقل‪ ،‬وجدت بعض‬
‫المؤسسات نفسها مضطرة لتنفيذ األحكام الصادرة ضدها‪.‬‬
‫ويتطلب مني هذا البحث الحديث عن تنفيذ األحكام القضائية اإلدارية قبل إحداث المحاكم اإلدارية‪ ،‬ثم‬
‫أتطرق في الجزء الثاني منه إلى المشاكل التي يطرحها تنفيذ األحكام الصادرة عن هذه المحاكم‪.‬‬
‫وأختم بحثي هذا عن مناقشة مسطرة ظهير ‪ 1944/6/14‬وأثره على المتقاضين‪.‬‬
‫تنفيذ األحكام الصادرة ضد المؤسسات العمومية قبل إحداث المحاكم اإلدارية‬
‫لقد كان القضاء المغربي متمثال في المحاكم االبتدائية واالستئنافية‪ ،‬وكذا الغرفة اإلدارية بالمجلس‬
‫األعلى يطبق مبدأ عدم قابلية األموال العمومية للحجز‪ ،‬وعدم إجبار المؤسسات العمومية على‬
‫التنفيذ عن طريق حجز أرصدتها المالية المودعة باألبناك‪ ،‬أو فرض غرامة تهديدية ضدها طبقا لما‬
‫تنص عليه مقتضيات الفصل ‪ 448‬من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬
‫ولهذا فإن األحكام التي صدرت عن المحاكم المذكورة ضد المؤسسات العمومية‪ ،‬وباألخص المكتب‬
‫الشريف للفوسفاط الذي لم يكن ينفذ منها إال النزر القليل وخاصة في األحكام المتعلقة بنزع الملكية‪.‬‬
‫وإذا كان بعض الفقهاء قد حاولوا قبل إحداث المحاكم اإلدارية االستئناس بالقانون واالجتهاد‬
‫الفرنسي للمطالبة بتطبيق طرق التنفيذ الجبري على المؤسسات العمومية‪ ،‬إال أن تلك الكتابات على‬
‫قلتها لم يأخذ بها القضاء المغربي الذي كان دائما يطبق مبدأ عدم جواز حجز المال العام للمؤسسات‪،‬‬
‫رغم أنه ال وجود ألي نص قانوني يمنع ذلك‪.‬‬
‫إنه إذا كان المشرع الفرنسي قد أكد في المادة ‪ 9‬من قانون ‪ 1791/8/22‬على أنه يمنع الحجز على‬
‫األموال العامة للدولة والحكم بالغرامة التهديدية اعتمادا على المادة ‪ 87‬من القانون المدني الفرنسي‬
‫التي تنص على أنه "تعتبر أمواال عامة العقارات والمنقوالت التي للدولة ولألشخاص االعتبارية‬
‫العامة والتي تكون موجهة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار الوزير‬
‫المختص"‪ .‬فإنه ال وجود في القانون المغربي ألي نص يمنع الحجز على األموال العامة أو يمنع‬
‫فرض الغرامة التهديدية على المؤسسة العمومية إذ أن الفصل ‪ 448‬من ق‪ .‬م‪ .‬م‪ .‬لم يميز في الحكم‬
‫بالغرامة التهديدية بين الدولة واألشخاص العاديين‪.‬‬
‫وأمام سكوت المشرع كانت محكمة االستئناف بالرباط هي السباقة إلى إصدار قرار بتاريخ‬
‫‪ 56/08/14‬منشور بمجلة المحاكم المغربية العدد ‪ 1205‬بتاريخ ‪ 57/02/25‬جاء فيه‪ :‬أنه ال يمكن‬
‫أن تتعرض أموال الدولة للحجز لكون هذه األخيرة يفترض فيها مالءة الذمة‪ ،‬ولكون الديون التي‬
‫عليها ال تؤدى إال وفق قواعد المحاسبة العمومية‪ ،‬وانه ال يمكن األمر بالتنفيذ المعجل ما دام التنفيذ‬
‫الجبري نفسه غير ممكن‪.‬‬
‫إن محكمة االستئناف في قرارها هذا أقرت مبدأين اثنين هما‪ :‬عدم جواز الحجز على األموال العامة‬
‫وعدم إجراء التنفيذ الجبري ضد الدولة‪.‬‬
‫ولما أتيحت الفرصة للغرفة اإلدارية في قضية "جوزي كيرا" عمدت في قرارها الصادر بتاريخ‬
‫‪ 59/07/09‬إلى رد الطعن الموجه من طرف السيد كيرا ضد القرار الرافض لتنفيذ حكم صادر‬
‫لمصلحته‪ ،‬وأعطت الحق للطاعن فقط في اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض‪.‬‬
‫وإن الغرفة اإلدارية قد أكدت اجتهادها المذكور في قرارها الصادر بتاريخ ‪ 61/5/18‬في قضية‬
‫"مادلين" ضد وزارة المالية الذي أوضحت فيه على أن تجاهل اإلدارة لحكم صادر ضد الدولة‬
‫ومكتسب لقوة الشيء المقضي به يعتبر شططا في استعمال السلطة‪.‬‬
‫ولم تقف الغرفة اإلدارية عند اعتبار عدم التنفيذ شططا في استعمال السلطة بل أوضحت في قرارها‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 67/11/24‬في قضية أبي القاسم العلوي على أن عدم اعتبار اإلدارة لألحكام الحائزة‬
‫لقوة الشيء المقضي به والمختومة بصيغة األمر بالتنفيذ يعد – ماعدا في ظروف استثنائية – خرقا‬
‫لقوانين التنظيم األساسية‪ ،‬واإلجراءات القضائية التي باحترامها يحترم النظام العام؛ وأن خرقا من‬
‫هذا النوع يمكن أن يكون أساسا لطلب اإللغاء وطلب التعويض معا طبقا للقواعد الخاصة بكل منهما‪.‬‬
‫وهو نفس االتجاه الذي أكدت عليه في قرارها الصادر بتاريخ ‪ 81/11/13‬في قضية "البير اصبان"‬
‫عندما اعتبرت امتناع المحافظ من تسجيل قرار المجلس األعلى على الرسم العقاري تجاهال لقرار‬
‫اكتسب قوة الشيء المقضي به‪ ،‬وشططا في استعمال السلطة‪ ،‬وخرقا للقوانين األساسية للمسطرة‪،‬‬
‫والتنظيم القضائي مما يفتح المجال لتقديم دعوى اإللغاء أمام المجلس ودعوى التعويض أمام‬
‫المحكمة المختصة‪.‬‬

‫فالغرفة اإلدارية اعتبرت أن االمتناع عن التنفيذ يترتب عنه مسؤولية اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ‪.‬‬
‫لكن هذا االتجاه الذي سارت عليه الغرفة اإلدارية لم يحسم في األمر‪ ،‬إذ أنه حتى ولو استطاع‬
‫المتقاضي استصدار حكم يقضي له بالتعويض‪ ،‬فمن سينفذه له خاصة وأن الحكم األصلي نفسه لم‬
‫يعرف مصيره إلى التنفيذ كما هو الشأن في قضية "أبي القاسم العلوي" التي ظلت تجوب مختلف‬
‫درجات المحاكم لسنوات عديدة‪.‬‬
‫وإذا كانت الغرفة اإلدارية قد اعتبرت عدم تنفيذ الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به سببا للمطالبة‬
‫بالتعويض‪ ،‬إال أنني لم أعثر حسب تجربتي المتواضعة على قرار صادر عن الغرفة اإلدارية في فترة‬
‫ما قبل إحداث المحاكم اإلدارية ناقش مسألة جواز أو عدم جواز الحجز على أموال المؤسسات‬
‫العمومية أو الحكم عليها بالغرامة التهديدية‪.‬‬
‫إال أنه بالنسبة للمحاكم العادية فقد عرضت على القضاء العادي بعد قرار محكمة االستئناف بالرباط‬
‫المشار إليه سابقا قضايا ناقشت مسألة الحجز على األموال العامة‪ ،‬وأن القرارات الصادرة في هذا‬
‫الشأن كانت تنصب كلها في عدم جواز الحجز على أموال المؤسسات العمومية وأورد هنا أهم قرار‬
‫في هذا الشأن‪ ،‬وهو القرار الصادر عن محكمة االستئناف بالدار البيضاء الغرفة التجارية بتاريخ‬
‫‪ 87/2/17‬المنشور بالمجلة المغربية للقانون العدد ‪ ،14‬والذي جاء فيه ما يلي‪:‬‬
‫"حيث إن دعوى المستأنفين ترمي إلى إجراء الحجز على أموال الشركة الوطنية للنقل لدى البنك‬
‫المغربي للتجارة الخارجية ضمانا لدينها بمبلغ ‪ 17.000.000‬درهم‪.‬‬
‫وحيث استقر الفقه والقضاء على عدم إمكانية إجراء الحجز على أموال المؤسسات العمومية لما لها‬
‫من ضمانات في األداء‪ ،‬وبالتالي فال يخشى على دين الطاعن من استيفائه وألجل ذلك يتعين تأييد‬
‫األمر"‪.‬‬
‫لكن في ‪ 91/12/02‬صدر حكم استعجالي عن المحكمة االبتدائية بالرباط في الملف عدد ‪91/972‬‬
‫أوضح على أن عدم قابلية األموال العمومية للحجز ال يمكن أن يؤخذ على إطالقه‪ ،‬وذلك كلما كان‬
‫هناك امتناع عن التنفيذ بدون أي مبرر‪ ،‬والذي ال يمكن أن يفسر إال بالتعسف في استعمال هذه‬
‫اإلمكانية‪ ،‬وبالتالي في غياب كل نص قانوني مانع من الحجز على هذه األموال أو بيعها‪.‬‬
‫وهكذا نالحظ أنه قبل إحداث المحاكم اإلدارية كانت المحاكم متجهة إلى عدم جواز الحجز على أموال‬
‫المؤسسات العمومية‪ ،‬إما لكونها خاضعة لنظام المحاسبة العمومية وإما لكونها مليئة الذمة وال‬
‫يفترض فيها العسر‪.‬‬
‫ولهذا فإنه في هذه الفترة كان التنفيذ ضد بعض المؤسسات العمومية في حكم المستحيل‪ ،‬إذ أنه أمام‬
‫عدم الحكم عليها بالفوائد القانونية أو بالغرامة التهديدية‪ ،‬فإن المتقاضي يبقى تحت رحمة المسؤول‬
‫عن التنفيذ‪ ،‬إن هو رق في حاله نفذ الحكم‪ ،‬وإن هو رفض فال أحد يجبره على التنفيذ‪ .‬ولهذا قال‬
‫بعض الفقهاء أن التنفيذ على الشخص المعنوي العام خاضع لحسن نية اإلدارة‪.‬‬
‫إنه إذا كان القضاء قد أقر في السابق عدم جواز الحجز على أموال المؤسسات العمومية‪ ،‬فإن تطبيق‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 448‬من ق‪ .‬م‪ .‬م‪ .‬لم يكن متصورا في ذهن القضاة أو بالمحامين إذ أنه في حالة‬
‫االمتناع عن التنفيذ ال تتم المطالبة بتطبيق الفصل المذكور إما عن جهل أو عن اقتناع بأن الشخص‬
‫المعنوي العام ال يمكن تطبيق وسائل التنفيذ الجبرية ضده‪.‬‬
‫إنه إذا كان المبدأ العام أن األحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به يجب أن تنفذ مهما كانت الجهة‬
‫التي صدرت ضدها‪ ،‬فهل الشخص العام يخضع لمسطرة التنفيذ الجبري؟‪.‬‬
‫فالفصل ‪ 448‬من ق‪ .‬م‪ .‬م‪ .‬لم يميز بين األشخاص العاديين واألشخاص االعتباريين في تنفيذ الحكم‬
‫بالغرامة التهديدية‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى ما أوضحه الفقه في هذا الميدان نجد األستاذ مارك لوز ‪Marc Loz‬في كتابه "مالية‬
‫الدولة" يوضح على أن دائني الدولة والمؤسسات العمومية ال يمكنهم ممارسة التنفيذ الجبري‬
‫ضدها‪ ،‬ويستند في ذلك على قول األستاذ دوفرجي ‪ Duverger‬بان أموال الدولة هي "أموال‬
‫عمومية وأنه من غير المعقول أن يلجأ شخص عادي إلى إجراء حجز على هذه األموال لمصلحته‬
‫الشخصية متجاهال المصلحة العامة‪ ،‬كما يضيف على أنه ال يمكن للمستفيد من حكم أن يطالب‬
‫بالغرامة التهديدية‪".‬‬
‫لكنه إذا كان من المسلم به أنه ال يمكن الحجز على األموال العامة فإن قضية الغرامة التهديدية‬
‫الزالت محل جدل كبير بين الفقهاء لكون الفصل ‪ 448‬من ق‪ .‬م‪.‬م‪ .‬ترك الباب مفتوحا لالجتهاد‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد ال بد من تسجيل خطوة جريئة أقدمت عليها المحكمة االبتدائية بمراكش في شخص‬
‫رئيسها األستاذ عبد النبي محترم الذي أصدر بتاريخ ‪ 85/10/17‬أمرا في إطار الفصل ‪ 148‬قضى‬
‫فيه بفرض غرامة تهديدية على بلدية مراكش في شخص رئيسها قدرها ‪ 500‬درهم عن كل يوم‬
‫تأخرت فيه عن التنفيذ لمدة سنة لرفضها تنفيذ حكم بإتمام البيع‪ ،‬موضحا على أن الحكم يتعلق‬
‫بالقيام بعمل فإنه تعذر على مأمور التنفيذ االستعانة بالوسائل المادية لتنفيذ الحكم كاستعمال القوة‬
‫العمومية‪ ،‬لذلك فقد يتعين اللجوء إلى مقتضيات الفصل ‪ 448‬من ق‪ .‬م‪ .‬م‪ .‬المتعلقة بالغرامة‬
‫التهديدية التي يكون من شأنها جبر المحكوم عليها على التنفيذ‪.‬‬
‫تنفيذ األحكام الصادرة ضد المؤسسات العمومية بعد إحداث المحاكم اإلدارية‪.‬‬
‫إن قانون المحاكم اإلدارية لم ينظم أية مسطرة لتنفيذ األحكام الصادرة عنها‪ ،‬وإنما أحال في طريقة‬
‫تنفيذ هذه األحكام على قانون المسطرة المدنية طبقا للفصل ‪ 7‬من قانون ‪ 41.90‬وبالتالي فالقانون‬
‫الواجب التطبيق في التنفيذ على المؤسسات العمومية هو قانون المسطرة المدنية الذي لم يستثن أي‬
‫شخص من تنفيذ األحكام الصادرة عن القضاء‪ ،‬وفي تطبيق جميع طرق التنفيذ المنصوص عليها في‬
‫القانون المذكور وباألخص الفصل ‪ 448‬من ق‪ .‬م‪ .‬م‪.‬‬
‫إنه إذا كانت األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة‪ ،‬أو الحائزة لقوة الشيء المقضي به يمكن أن‬
‫يسلك المستفيد منها جميع طرق التنفيذ الستيفاء حقه‪ ،‬كالحجز التحفظي‪ ،‬والحجز التنفيذي‪ ،‬وحجز‬
‫ما للمدين لدى الغير‪ ،‬والحجز العقاري‪ ،‬فإن هذه اإلجراءات ال يمكن القيام بها تجاه المؤسسات‬
‫العمومية التي تعتبر أموالها أمواال عامة مرصودة لخدمة منفعة عامة‪.‬‬
‫ولذلك أمام العدد الهائل من األحكام الصادرة ضد المؤسسات العمومية واحتراما لمبدأ قوة الشيء‬
‫المقضي به‪ ،‬ابتكر االجتهاد القضائي المغربي على نطاق المحاكم اإلدارية وسيلة إلجبار المؤسسات‬
‫العمومية على تنفيذ األحكام الصادرة ضدها‪ ،‬وهي الحجز على األموال‪ ،‬وفرض الغرامة التهديدية‬
‫عليها في حالة االمتناع عن التنفيذ‪ ،‬بل ذهبت بعض المحاكم إلى الحكم على الشخص الممتنع عن‬
‫التنفيذ بالغرامة‪ ،‬إال أن الغرفة اإلدارية ألغت ذلك الحكم‪.‬‬
‫إن المحاكم اإلدارية قد ناقشت مبدأ الحجز على أموال المؤسسات العمومية من وجهة نظر صائبة‬
‫تتمثل في أن هذا المبدأ ليس مطلقا ولذا عمدت في أحكامها إلى التمييز بين األموال الالزمة لسير‬
‫المرفق العام وهي التي ال تقبل الحجز بينما أجازت الحجز على األموال الخاصة بالمؤسسات‪.‬‬
‫وفي هذا االتجاه أصدرت المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 1997/9/24‬حكما في قضية "فاطمة‬
‫العنصري" ضد مدير المكتب الجهوي لالستثمار الفالحي باللوكس حكما بالمصادقة على الحجز لدى‬
‫الغير وأمرت المحجوز بين يديه الخازن العام للمملكة بتسليم المبلغ المحجوز لديه في حساب‬
‫المحجوز عليه المكتب الجهوي لالستثمار الفالحي باللوكس‪ .‬إلى كتابة الضبط لتسليمه إلى طالبة‬
‫الحجز‪.‬‬

‫وقد اعتمدت المحكمة في حكمها على ما يلي‪ " :‬إن العلة في عدم جواز الحجز على أموال‬
‫المؤسسات العمومية ليس لكون هذه األموال غير قابلة للحجز‪ ،‬ما دام ال يوجد أي نص قانوني‬
‫صريح يمنع ذلك‪ ،‬وإنما لكون تلك المؤسسات مليئة الذمة وال يخشى عسرها حسب مقتضيات الفصل‬
‫‪ 138‬من قانون االلتزامات والعقود‪ .‬لذا فإن عدم الجواز هذا ال ينبغي أن يفهم على إطالقه‪ ،‬ويؤدي‬
‫إلى حرمان صاحب الحق من الحصول على هذا الحق‪ ،‬بل في حالة امتناع المؤسسة العمومية عن‬
‫تنفيذ الحكم بدون أي مبرر كما في نازلة الحال‪ ،‬إذ أصر المحجوز عليه على عدم تنفيذ الحكم‬
‫القضائي الصادر في مواجهته‪ ،‬والحال أنه ال يوجد أي نص قانوني يعفي أي محكوم عليه من تنفيذ‬
‫األحكام القضائية سواء أكان مؤسسة عمومية أو غيرها ما دامت تلك األحكام مذيلة بالصيغة‬
‫التنفيذية‪".‬‬
‫وأنه أمام هذه المعطيات تكون مالءة الذمة المعتمدة في عدم جواز الحجز على المؤسسات العمومية‬
‫غير ذات جدوى بالنسبة للتنفيذ في نازلة الحالة‪.‬‬
‫وأن نفس المحكمة وبمناسبة قضية أحيلت عليها في إطار اإلنابة القضائية لتنفيذ حكم صادر عن‬
‫إدارية مكناس بين شركة حي هللا والوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير الالئق‪ ،‬عمدت المحكمة إلى‬
‫إجراء مسطرة الحجز على أموال المؤسسة بالخزينة العامة‪ ،‬إذا أصدرت المحكمة المذكورة حكما‬
‫بالمصادقة على الحجز موضحة أن األموال التي يشكل منها رأس مال المحجوز عليها على افتراض‬
‫أنها أموال عمومية‪ ،‬فإن جزء منها قد رصد أصال لتسديد مستحقات أصحاب األراضي المنزوعة‬
‫ملكيتهم‪ ،‬وهذا الحجز يشكل ضمانة بالنسبة لهؤالء وال ضرر فيه على مصلحة المحجوز عليها‪.‬‬
‫وأن المحكمة المذكورة قد أصدرت أمرا بالتصديق على الحجز في مواجهة المكتب الوطني لألبحاث‬
‫واالستثمارات النفطية بتاريخ ‪ 97/09/07‬مستندة هذه المرة على أن االمتناع بدون موجب عن‬
‫التنفيذ هو الذي يبرر الحجز اعتمادا على مقتضيات الفصل ‪ 138‬من ق‪ .‬ل‪ .‬ع والذي يشترط في ذلك‬
‫العسر‪.‬‬
‫ولم تقف باقي المحاكم اإلدارية مكتوفة األيدي في التصدي لظاهرة امتناع اإلدارة من تنفيذ األحكام‬
‫الصادرة ضدها‪ .‬إذ أن إدارية مراكش في حكمها االستعجالي عدد ‪ 56‬بتاريخ ‪ 2001/10/24‬قد‬
‫سارت في نفس اتجاه إدارية الرباط‪ ،‬وأمرت بالتصديق على الحجز موضحة أن الدفع بكون األموال‬
‫العامة غير قابلة للحجز ال يجد سندا له في النازلة ألن اإلدارة في مجال نزع الملكية ألجل المنفعة‬
‫العامة ترصد مسبقا أمواال لتغطية التعويضات الناتجة عن نزع ملكية أراضي الخواص‪ ،‬وهي بذلك‬
‫تخرج هذه التعويضات لتصبح أمواال خاصة قابلة للتنفيذ عليها‪.‬‬
‫وأن نفس المحكمة قد أمرت بتعيين خبير لتحديد الثمن االفتتاحي لسيارة تابعة للمؤسسة الجهوية‬
‫للتجهيز والبناء لمنطقة تانسيفت‪ ،‬وردت الطلب الرامي إلى إيقاف إجراءات البيع في حكمها الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 2002/3/25‬في الملف االستعجالي عدد ‪.02/25‬‬
‫أما إدارية وجدة فقد قضت هي بدورها بالمصادقة على الحجز لدى الغير وأمرت المحجوز بين يديه‬
‫مصرف المغرب بوجدة بتسليم المبلغ المحجوز لديه إلى كتابة الضبط بالمحكمة المذكورة لتسليمه‬
‫للحاجز في قضية توفيق محمد ضد المكتب الوطني للكهرباء معتمدة في ذلك على أن امتناع المكتب‬
‫الوطني للكهرباء من تنفيذ حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به بدعوى عدم قابلية أمواله‬
‫للحجز‪ ،‬وبالتالي التصديق عليه بجعل قاعدة مالءة الذمة غير مجدية في التنفيذ‪ .‬وأن المكتب الوطني‬
‫للكهرباء لئن كان يعد من أشخاص القانون العام فهو يتمتع بالشخصية المعنوية‪ ،‬واالستقالل المالي‬
‫عن ميزانية الدولة‪ ،‬وأعماله تكتسي صبغة تجارية‪ ،‬وأن أمواله ال تعتبر من الديون العمومية حسب‬
‫المادة ‪ 7‬من مدونة التحصيل مما يعني أن أمواله تعتبر أمواال خاصة يجوز الحجز والتصديق على‬
‫الحجز المضروب عليها‪.‬‬
‫أما الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى فقد أكدت في قرارها الصادر بتاريخ ‪ 97/5/22‬جواز سلوك‬
‫مسطرة الحجز لدى الغير في مواجهة المؤسسات العمومية متى اعتبرت أمواال خاصة اعتمادا على‬
‫الحيثية التالية‪:‬‬
‫إن اإلدارة في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة ترصد مسبقا أمواال لتغطية التعويضات الناتجة عن‬
‫نزع ملكية أرض الخواص‪ ،‬وهي بذلك تخرج بإرادتها هذه األموال من ذمتها لتخصصها للتعويض‬
‫عن نزع الملكية‪ ،‬وبالتالي تضفي عليها صبغة خصوصية وتجعلها قابلة للتنفيذ عليها‪ ،‬وأن يحق‬
‫للمنزوعة ملكيتهم القيام بتلك اإلجراءات القانونية على هذه األموال بما في ذلك مسطرة الحجز لدى‬
‫الغير ( قرار أشار إليه األستاذ محمد قصري موضوع الغرامة التهديدية والحجز في مواجهة اإلدارة‬
‫الممتنعة عن تنفيذ األحكام اإلدارية الصادرة ضدها‪ .‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية العدد‬
‫‪ 34‬ص ‪ ،31‬وكذا األستاذ مصطفى التراب في مقاله المنشور بمجلة المحاكم اإلدارية العدد األول‬
‫تحت عنوان‪ :‬إشكالية تنفيذ األحكام اإلدارية )‪.‬‬
‫إنه إذا كانت المحاكم اإلدارية قد أصدرت مجموعة من القرارات ترمي إلى حجز أموال الدولة‬
‫والبلديات والمؤسسات العمومية‪ ،‬وللتصديق على الحجز احتراما لمبدأ حجية الشيء المقضي به‪،‬‬
‫فإن إدارية فاس في حكمها الصادر بتاريخ ‪ 2002/12/10‬قد سنت اجتهادا مفاده أن تخصيص المال‬
‫العام لخدمة الجمهور هو الذي يضفي عليه صبغة النفع العام المانع بطبيعته من كل تصرف فيه من‬
‫شأنه الحياد به عن الغرض المخصص له ابتداءا‪ ،‬وبالتالي المانع بالضرورة من إيقاع أي حجز من‬
‫شأنه إخراجه من دائرة الملك أي النفع العام‪ .‬وأن السيارات النفعية والشاحنات المرصدة لخدمة‬
‫المرفق العام تساهم في تحقيق النفع للجمهور بخالف السيارات المخصصة للتنقالت الشخصية التي‬
‫ليست من قبل األموال العامة المرصدة لخدمة المرفق وال يترتب عن حجزها وبيعها تعطيل المرفق‪.‬‬
‫لكن إذا كانت المحاكم اإلدارية قد استقرت على جواز الحجز على المال العام إذا لم يكن مخصصا‬
‫لخدمة الجمهور فإن المحاكم العادية مازالت ترفض إيقاع الحجز على أموال المؤسسات العمومية‪،‬‬
‫من ذلك حكم المحكمة االبتدائية بالدار البيضاء في الملف التجاري عدد ‪ 98/224‬الذي جاء فيه على‬
‫أنه من المقرر قانونا وقضاءا وفقها أن الهدف من الحجز التحفظي والحجز لدى الغير هو حماية‬
‫الدائن من الخطر الذي ينجم عن احتمال إعسار المدين‪ ،‬ومنع هذا األخير من التصرف في أمواله‬
‫تصرفا يضر بمصالح دائنه‪ ،‬وأنه في النازلة ال وجود ألي خطر محتمل يهدد المدين الذي وقع بسببه‬
‫الحجز‪ ،‬ذلك أن المدعية يفترض فيها اليسر وال العسر لكونها ال تؤدي ديونها إال وفق قواعد‬
‫المحاسبة العمومية حسب ما ورد النص عليه في المرسوم الملكي الصادر بتاريخ ‪ 67/4/21‬وان لها‬
‫من الضمانات ما يكفي للوفاء بديونها‪.‬‬
‫وأن ما ذهبت إليه ابتدائية الدار البيضاء قد اعتمدته أيضا محكمة االستئناف التجارية في الملف‬
‫التجاري عدد ‪ 98/81‬إذ أيدت حكما ابتدائيا رفض إيقاع حجز على أموال مؤسسة عمومية موضحة‬
‫انه ال يوجد بالملف ما يفيد ان هناك خشية من المساس بالضمان العام للدائن إذ ان المستأنف عليها‬
‫موسرة ولم يصدر منها تصرف يؤشر على الضمان العام ويجعل تأمينات المدعية مهددة بالضياع لذا‬
‫فان ما سار عليه قاضي البداية كان في محله‪.‬‬
‫وان المحكمة التجارية بمراكش قد قضت برفع الحجز الواقع على حساب شركة التنمية الفالحية‬
‫بمراكش في الحكم االستعجالي الصادر بتاريخ ‪ 2001/1/16‬في الملف االستعجالي عدد ‪2000/166‬‬
‫ناصة في حكمها على أن شركة التنمية الفالحية شركة أسست من طرف الدولة المغربية إلدارة‬
‫وتسيير األراضي الفالحية المسترجعة والمنزوعة ملكيتها من أجل المصلحة العامة وأن أرباحها‬
‫تعود إلى الدولة وتدرج في ميزانيتها‪ .‬وأنه بالنظر إلى هذا تكون أموالها أمواال عمومية وأن العمل‬
‫القضائي ذهب إلى عدم إجراء الحجز على األموال العمومية لتعلقها بإدارة مرفق عمومي وألن‬
‫الدولة مفترض فيها مالءة الذمة‪ ،‬وال يمكن تصور اإلضرار بالدائنين من طرفها نتيجة تصرفها في‬
‫أموالها ‪.‬‬

‫انه إذا كانت مسألة الحجز على المال العام قد حسم فيها القضاء على مختلف درجاته‪ ،‬فان مسألة‬
‫الحكم على الشخص المعنوي العام بالغرامة التهديدية طبقا لما تنص عليه مقتضيات المادة ‪ 448‬من‬
‫ق‪ .‬م‪ .‬م‪ .‬قد كانت محل نقاش بين رجال الفقه والقضاء‪ ،‬إذ في الوقت الذي يذهب البعض إلى‬
‫المطالبة بتطبيق الغرامة التهديدية على الشخص المعنوي العام الممتنع عن التنفيذ‪ ،‬فإن البعض‬
‫اآلخر لم يستحسن هذا االتجاه وخاصة المدافعين عن اإلدارة الذين يدفعون بعدم اختصاص المحاكم‬
‫اإلدارية للحكم بالغرامة التهديدية‪ ،‬متمسكين بالفصل ‪ 25‬من قانون المسطرة المدنية تارة وتارة‬
‫أخرى بالمادة ‪ 8‬من قانون المحاكم اإلدارية معتبرين أن ما ورد على سبيل الحصر في المادة‬
‫المذكورة ال يتوسع في تفسيره وال يمكن أن يقاس عليه‪.‬‬
‫ذلك أنه إذا كان المشرع في الفصل ‪ 448‬من ق‪ .‬م‪ .‬م لم يعرف الغرامة التهديدية‪ ،‬فيمكن االستئناس‬
‫بالتعريف الذي أعطته محكمة النقض الفرنسية والذي أشار إليه األستاذ أدولف ريولط والذي جاء‬
‫فيه أن الغرامة التهديدية وسيلة إكراه مختلفة كل االختالف عن التعويض‪ ،‬وهي ليست في األخير إال‬
‫وسيلة لردع االمتناع عن تنفيذ حكم وليس من أهدافها تعويض األضرار أو التماطل‪ ،‬وهي عادة‬
‫تستخلص حسب مدى خطورة غلط المدين الممتنع وحسب إمكانيته أيضا‪.‬‬
‫وما دامت الغرامة التهديدية ليست سوى وسيلة إكراه‪ ،‬فهي ال تدخل في مجال دعاوى التعويض‪،‬‬
‫وأن القضاء احتراما لمبدأ فصل السلط يمنع على نفسه إعطاء أوامر لإلدارة أو ممارسة اإلكراه‬
‫عليها أو إجبارها على التنفيذ ‪.‬‬
‫إال أن الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى لم تتقبل طلب تحديد الغرامة التهديدية في قضايا اإللغاء‪ ،‬ألن‬
‫القاضي اإلداري يكتفي في حكمه بإلغاء القرار اإلداري المشوب بالشطط بسبب تجاوز السلطة دون‬
‫أن يقرر النتائج الحتمية لهذا اإللغاء‪ ،‬ودون إمكان إجبارها بطريقة أو بأخرى على تنفيذ الحكم‬
‫باإللغاء‪ ،‬وبالتالي ال يمكن اللجوء إلى الغرامة التهديدية‪ ،‬وإنما يمكن لمن تضرر من عدم تنفيذ حكم‬
‫اإللغاء‪ ،‬اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض فقط‪ ،‬وحصرت طلبات الغرامة التهديدية في دعاوى‬
‫القضاء الشامل‪.‬‬
‫وسأكتفي في هذه النقطة إلى سرد بعض أحكام المحاكم اإلدارية وموقف الغرفة اإلدارية منها‪ ،‬خاصة‬
‫وأن ابتكار الحكم بالغرامة التهديدية هو وليد اجتهاد المحاكم‪ ،‬وليس وليد نص قانوني كما هو الشأن‬
‫في فرنسا‪.‬‬
‫إن أول حكم أثار النقاش بين فقهاء القانون اإلداري هو الحكم الصادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 97/3/6‬بين ورثة عبد القادر العشيري ووزير التربية الوطنية‪ ،‬والذي كان هو أول‬
‫حكم يصدر عن القضاء اإلداري يحدد الغرامة التهديدية في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ‪،‬‬
‫وهو حكم صادر عن قضاة الموضوع وليس عن السيد رئيس المحكمة في إطار الفصل ‪ 148‬من ق‪.‬‬
‫م‪ .‬م‪ .‬وأن المحكمة قد ردت الدفع بعدم االختصاص للبت في الطلب‪ ،‬موضحة أن الفصل ‪ 448‬من ق‪.‬‬
‫م‪ .‬م‪ .‬ينص على الغرامة التهديدية كوسيلة إلجبار المحكوم عليه على التنفيذ‪ ،‬وقد ورد ضمن الباب‬
‫الثالث من القانون المذكور المتعلق بالقواعد العامة بشأن التنفيذ الجبري لألحكام‪ .‬وأن المحاكم‬
‫اإلدارية تطبق القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية طبقا للمادة ‪ 7‬من قانون ‪ ،41/90‬وأنه ال‬
‫يوجد أي نص قانوني يستثني اإلدارة من فرض غرامة تهديدية عليها في حالة امتناعها عن تنفيذ‬
‫حكم قضائي صدر في مواجهتها يتعلق بااللتزام بعمل أو باالمتناع عن القيام بعمل وصرحت‬
‫باختصاصها للبت في الطلب وتم تأييد حكمها من طرف الغرفة اإلدارية بتاريخ ‪ 97/9/25‬حسب‬
‫القرار ‪ .1301‬وبعد اإلحالة قضت بتاريخ ‪ 99/9/21‬بتحديد غرامة تهديدية في مواجهة المدعى‬
‫عليهم قدرها ‪ 700‬درهم ابتداء من تاريخ االمتناع عن التنفيذ‪.‬‬
‫وقد كان حكم ورثة العشيري عبد القادر هي الشرارة التي اشعلت فتيلة المطالبة بتهديد اإلدارة بتنفيذ‬
‫األحكام عن طريق فرض الغرامة التهديدية وهذا يتبين من األحكام الصادرة في هذا الميدان نذكر‬
‫منها على سبيل الحصر ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬الحكم االستعجالي الصادر بتاريخ ‪ 99/6/10‬عن السيد رئيس المحكمة اإلدارية بوجدة في قضية‬
‫ورثة الحدادي الحاج عيسى ضد إحدى المؤسسات العمومية إذ أمر السيد رئيس المحكمة المذكورة‬
‫بإيقاف جميع أعمال الحفر والبناء تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها ‪ 500‬معلال حكمها بما يلي‪:‬‬
‫حيث إن الفقه والقانون المقارنين وإن كانا قد ترددا بداية في إعطاء مثل هذه الصالحية للقضاء‬
‫اإلداري‪ ،‬إال أن المشرع الفرنسي تدخل بمقتضى قانون ‪ 1980/7/16‬وأجاز لمجلس الدولة ثم‬
‫للمحاكم اإلدارية إمكانية إصدار غرامة تهديدية على اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ الحكم‪ ،‬في حين‬
‫أصدر قاضي المحاكم القضائية الفرنسية حتى قبل صدور هذا القانون غرامات تهديدية على اإلدارة‬
‫في نوازل االعتداء المادي‪.‬‬
‫وحيث إن القضاء اإلداري المصري وإن كان الزال مترددا في مدى إمكانية إجبار اإلدارة على التنفيذ‬
‫بمقتضى الغرامة التهديدية‪ ،‬إال أن لديه إمكانيات أخرى أخطر من الغرامة التهديدية قد تصل إلى‬
‫تجريم عملية االمتناع عن التنفيذ‪.‬‬
‫وحيث إن المشرع المغربي وإن كان لم ينص صراحة في قانون المحاكم اإلدارية على إمكانية تهديد‬
‫اإلدارة على تنفيذ األحكام‪ ،‬واألوامر اإلدارية بالغرامة التهديدية فإنه بإحالته في نفس القانون على‬
‫مقتضيات المسطرة المدنية‪ ،‬يكون قد أجاز ضمنيا هذه اإلمكانية خاصة‪ ،‬وأنه ال وجود ألي نص‬
‫خاص يخالف مقتضيات الفصل ‪ 448‬من قانون المسطرة المدنية‪.‬‬
‫وحيث إن األمر يتعلق في نازلة الحال بإيقاف أشغال تقوم بها اإلدارة فوق أرض الطالبين دون سلوك‬
‫المسطرة القانونية‪ ،‬مما يكون تنفيذ األمر متوقفا على إرادتها الشيء الذي يستتبع االستجابة للطلب‪،‬‬
‫وبتحديد الغرامة التهديدية في منطوق األمر‪.‬‬
‫‪-‬الحكم الصادر عن نفس المحكمة بتاريخ ‪ 97/05/29‬بين التاقي أحمد والشركة الوطنية لمحاربة‬
‫السكن الغير الالئق‪ ،‬حيث قضى بإيقاف األشغال تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها ‪ 1000‬درهم‪.‬‬
‫‪-‬الحكم الصادر عن السيد رئيس المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ ‪ 98/03/11‬بين محمد الموساوي‬
‫والوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء في الملف االستعجالي عدد ‪ 98/16‬والذي قضى بإرجاع‬
‫التيار الكهربائي لمنزل المدعي بتطوان تحت طائلة غرامة تهديدية‪ ،‬مبينا أن العمل المادي الذي‬
‫أقدمت عليه الوكالة بقطع التيار قد تسبب في حرمان المدعي من مادة الكهرباء التي تعتبر ضرورية‬
‫فقرن الحكم باإلرجاع بالغرامة التهديدية‪.‬‬
‫‪-‬الحكم الصادر بتاريخ ‪ 98/06/03‬عن السيد رئيس المحكمة اإلدارية بالرباط بين ناظر أوقاف‬
‫شفشاون وبين المكتب الوطني للكهرباء والقاضي بإيقاف أشغال البناء المقامة فوق أرض حبسية‬
‫مع غرامة تهديدية‪.‬‬
‫كما أن هناك أحكاما إدارية صادرة عن إدارية مراكش قضت بتسوية وضعية مجموعة من‬
‫المستخدمين مقرونة بالغرامة التهديدية‪.‬‬
‫وإذا كان طلب الحكم بالغرامة التهديدية على الشخص المعنوي العام كالمؤسسات العمومية قد تم‬
‫الحسم فيه من طرف القضاء على مختلف درجاته‪ ،‬فهل من حق المستفيد من الحكم القاضي على‬
‫المؤسسة العمومية في حالة امتناع المسؤول عنها من تنفيذ مقتضياته‪ ،‬أن يقاضيه شخصيا عن‬
‫طريق المطالبة بالحكم عليه بالغرامة التهديدية ‪.‬‬
‫لقد اجتهدت المحكمة اإلدارية بمكناس في قضية محمد العطاوي عندما أصدرت حكما على رئيس‬
‫الجماعة القروية شخصيا بغرامة تهديدية قدرها ‪ 500‬درهم باعتباره ساهم في عرقلة تنفيذ الحكم‬
‫القاضي بإلغاء قرار العزل المتخذ ضد السيد العطاوي‪ .‬وقد اعتمدت المحكمة في هذا الحكم على قرار‬
‫صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 95/03/06‬في الملف اإلداري عدد ‪.94/10206‬‬
‫إال أن الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى ألغت الحكم المذكور وتصدت بالرفض للطلب ال على أساس‬
‫أن الحكم صدر ضد المسؤول ولكن اعتمادا على أن القضاء قد اقتصر على إلغاء قرارها الذي اعتبره‬
‫متسما بالشطط في استعمال السلطة فيبقى أمام المعني باألمر الحق في اللجوء إلى القضاء اإلداري‬
‫بعد إدالئه بمحضر االمتناع لطلب تعويض عن األضرار الناتجة عن التصرف المذكور ( قرار الغرفة‬
‫بتاريخ ‪ 93/03/11‬تحت عدد ‪ 235‬منشور بالدليل العملي لالجتهاد القضائي في المادة اإلدارية‬
‫الجزء األول للدكتور أحمد بوعشيق ص ‪.)565‬‬
‫وأن الغرفة اإلدارية في هذا القرار قد سكتت عن إمكانية مقاضاة المسؤول الممتنع عن التنفيذ‬
‫والمطالبة بمواجهته بالغرامة التهديدية وحولت المناقشة إلى اتجاه آخر وهو عدم قبول طلبات‬
‫الغرامة التهديدية في قضايا اإللغاء احتراما لمبدأ فصل السلطات‪.‬‬
‫ولقد أتيحت الفرصة للمحكمة اإلدارية بالدار البيضاء في قضية شركة تنظيف تطهير صناعي ضد‬
‫محمد طربوز رئيس المجلس البلدي لمدينة برشيد فأصدر رئيس المحكمة اإلدارية بالنيابة األستاذ‬
‫نعناني حكما استعجاليا قضى فيه بتحديد الغرامة التهديدية في مبلغ ‪ 500‬درهم في مواجهة السيد‬
‫محمد طربوز شخصيا‪ :‬موضحا أن طلب الغرامة التهديدية في مواجهة المدعى عليه باعتباره ممتنعا‬
‫عن التنفيذ مبرر ووجيه‪ :‬ومعتمدا على حكم محمد العطاوي الذي كرس فكرة المسؤولية الشخصية‬
‫للموظف الممتنع عن التنفيذ‪ ،‬وعلى موقف الفقيه الفرنسي أندري هوريو الذي أكد أنه إذا امتنع‬
‫الموظف عن تنفيذ الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به يرتكب خطأ شخصيا ويسأل في ماله وعلى‬
‫القضاء المصري الذي اعتبر االمتناع عن تنفيذ الحكم خروجا سافرا عن القوانين ويشكل خطأ‬
‫شخصيا يستوجب المسؤولية‪.‬‬
‫وإذا كان الحكم بالغرامة التهديدية سواء ضد اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ أو ضد المسؤول عنها فان‬
‫تصفيتها تقدر كتعويض عن الضرر الحاصل من جراء عدم التنفيذ‪ ،‬ويكون بالتالي من اختصاص‬
‫المحاكم اإلدارية البت في هذه الطلبات تمشيا مع مقتضيات المادة الثامنة من قانون المحاكم اإلدارية‪.‬‬
‫وقد قضت المحكمة اإلدارية بالرباط على الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالعرائش بأداء‬
‫مبلغ ‪ 6000‬درهم عن تصفية الغرامة التهديدية المحكوم بها‪ .‬ولما استؤنف هذا الحكم أمام الغرفة‬
‫اإلدارية من طرف المدعي قضت الغرفة بتأييده مع رفع التعويض إلى مبلغ ‪ 15000‬بانية قرارها‬
‫كون المبلغ المحكوم به ابتدائيا ال يغطي الضرر الحاصل للمدعي‪ ( .‬قرار عدد ‪ 29‬بتاريخ‬
‫‪ 2001/01/04‬بين النظام محمد والوكالة المستقلة )‪.‬‬
‫وهكذا يتبين على أنه وإن لم يكن هناك أي نص قانوني يعطي الحق للمحاكم في الحجز على أموال‬
‫المؤسسات العمومية‪ ،‬وفرض الغرامة التهديدية عليها إلجبارها على التنفيذ‪ ،‬فإن القضاء المغربي‬
‫قد ساير في جل أحكامه موقف الفقه والقضاء الفرنسي والمصري‪.‬‬
‫أثر ظهير ‪ 1944/06/14‬على تنفيذ األحكام الصادرة ضد المؤسسات العمومية‬
‫إن األحكام الصادرة ضد المؤسسات العمومية والمكتسبة لقوة الشيء المقضي به يجب أن تنفذ مهما‬
‫كانت الجهة التي صدرت ضدها تلك األحكام‪ ،‬ذلك أنه إذا كان أحد أطراف الدعوى بمفهومه العام‬
‫يجب أن يمتثل لكلمة القضاء فإن اإلدارة تكون على رأس قائمة من يجب عليهم الخضوع ألحكام‬
‫القضاء‪.‬‬
‫وأن تنفيذ اإلدارة – سواء أكانت دولة أو مؤسسة عمومية – اللتزاماتها بشكل سريع ومباشر بمجرد‬
‫توصلها بقرار قضائي‪ ،‬هو المثال األعلى والشعار الحقيقي الذي يمكن أن تتباهى به أي دولة‬
‫ديمقراطية وتعطي المثال على أن التبليغ باألحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة يجب أن يقابل‬
‫باالمتثال دون أي تردد أو خلق إجراءات تعقد ما حكم به باسم جاللة الملك الذي لم يتوان في التذكير‬
‫مرارا بأن إصالح اإلدارة هو على رأس األولويات‪ .‬وأنه ال يمكن تصور هذا اإلصالح والحال أن‬
‫الدولة ومؤسساتها ال زالت تقوم بعرقلة تنفيذ األحكام القضائية النهائية الصادرة باسم جاللة الملك‪.‬‬
‫وهذا يشكل في حد ذاته تناقضا صارخا فيما يسمى بدولة الحق والقانون‪.‬‬
‫ولعل العقبة الكبرى التي تستعملها اإلدارة في مواجهة الحاملين ألحكام نهائية ضدها هو التمسك‬
‫بمقتضيات ظهير ‪ 1944/06/14‬هذا الظهير الذي الزالت فصوله على قلتها تقف سدا منيعا أمام‬
‫المتقاضين وعرقلة وضعتها الحماية الفرنسية الزالت مخالفتها جاثمة إلى حد اآلن‪.‬‬
‫إنه ال يعقل ونحن في القرن الواحد والعشرين أن يجبر طالب تنفيذ حكم ضد إدارة عمومية على‬
‫اإلدالء بكفالة بنكية تساوي المبلغ المحكوم به في حالة ما إذا كان الحكم موضوع التنفيذ قد تم الطعن‬
‫فيه بالنقض‪ ،‬والحال أن قانون المسطرة المدنية لم يستثن اإلدارة العمومية من التنفيذ في حالة ما‬
‫إذا كان القرار المطلوب تنفيذه موضوع طعن بالنقض‪.‬‬
‫أال يفسر تطبيق مقتضيات هذا القانون الذي تجاوزه الزمن فوق القانون!‬
‫أال يفسر بأن اإلدارة ال يمكن تنفيذ األحكام الصادرة ضدها إطالقا بوضع هذا الحاجز الفوالذي أمام‬
‫المتقاضي!‬
‫أال يفسر بأن اإلدارة التي وقفت جنبا إلى جنب مع المتقاضي أمام العدالة ال يهمها منطوق الحكم إذا‬
‫كانت في حل من تنفيذه!‬
‫أال يفسر أن ميزان العدالة تميل كفته إلى جانب اإلدارة عندما تعمد إلى تنفيذ األحكام الصادرة‬
‫لصالحها ضد الخواص كيفما كانت طبيعتها مستعملة كافة طرق التنفيذ التي قد تؤدي إلى بيع‬
‫عقارات ومنقوالت المحكوم عليه بل وحتى الزج به في السجن‪ .‬وال تنفذ هذه األحكام الصادرة ضدها‬
‫إال إذا كانت هناك كفالة بنكية!‬
‫إن هذه التعقيدات والتبريرات ال تهدف من ورائها اإلدارة العمومية سوى الوقوف في وجه القضاء‬
‫فالضمانة التي تفرضها مقتضيات ‪ 1944/06/14‬أساسها حماية حقوق المحجوز عليه في حالة‬
‫إلغاء الحكم موضوع التنفيذ‪ .‬وما دامت هناك طرق قانونية أخرى يمكن للمحجوز عليه سلوكها‬
‫للحفاظ على حقه فإن العمل بهذا الظهير لفائدة اإلدارة وحدها فيه مساس لمبدأ المساواة بين‬
‫المتقاضين وضربا في الصميم لقوة الشيء المقضي به‪.‬‬
‫نتمنى أن يتدخل المشرع لسن مسطرة خاصة لتنفيذ األحكام الصادرة ضد اإلدارة العمومية وإلغاء‬
‫ظهير ‪ 1944/06/14‬الذي ليس إال قانونا من صنع المستعمر‪ ،‬خاصة وأن المناشير الصادرة سواء‬
‫عن الوزير األول أو وزير العدل والتي تحث اإلدارة على اإلسراع بتنفيذ األحكام الصادرة ضدها‪ ،‬ما‬
‫هي إال درء للرماد في العيون ألن أهم األحكام الصادرة عن المحاكم‪ ،‬والقاضية على اإلدارة‬
‫بالتعويض تنتقل عن طريق اإلنابات القضائية من محكمة ألخرى دون أن يتوصل أصحابها بحقوقهم‬
‫وال تنفذ إال األحكام الصادرة ضد المؤسسات العمومية المتواجدة بنفس المدينة التي يوجد بها مقر‬
‫المحكمة اإلدارية المصدرة للحكم‪.‬‬
‫إنه لو طبق حكما إدارية مكناس والبيضاء وأصبح يساءل كل مسؤول ممتنع عن التنفيذ شخصيا عن‬
‫طريق الحكم عليه بالتعويض أو حجز أمواله بل حتى متابعته بتحقير قرارات قضائية لعرفت األحكام‬
‫القضائية طريقها إلى التنفيذ‪.‬‬

You might also like