Professional Documents
Culture Documents
130
مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية/المجلد (/)10العدد (/)38العام ()2021
بذلك عدة نظريات لتبين ذلك النطاق ،كذلك معرفة الجزاءات المترتبة على مخالفة هذا
الواجب.
ثالثاً :منهج الدراسة :اعتمدنا في كتابة هذه البحث على المنهج التحليلي القائم على أساس
تحليل النصوص القانونية ونقدها لمعرفة مدى استجابتها للواقع الوظيفي ،والمنهج المقارن
من خالل مقارنة التشريعات العراقية مع التشريع الفرنسي و المصري.
رابعاً :خطة الدراسة :ومن أجل توضيح الموضوع اآلنف الذكر جاءت الدراسة مقسمة إلى
مبحثين ،بحيث نتناول في المبحث األول التزام الموظف العام بكتمان األسرار الوظيفية
وموقف التشريعات منه ،ويتضمن مطلبين ،األول لدراسة تعريف الموظف العام والسر
الوظيفي ،والثاني لدراسة موقف التشريعات من السر الوظيفي ،أما المبحث الثاني لدراسة
نظريات السر الوظيفي وعقوبة اإلخالل به ،ويتضمن مطلبين األول لدراسة نظريات السر
الوظيفي وأنواعه ،والثاني لدراسة عقوبة اإلخالل بواجب كتمان السر الوظيفي واالستثناءات
التي ترد عليها.
المبحث األول
التزام الموظف العام بكتمان األسرار الوظيفية وموقف التشريعات منه
إن الموظف يطلع على الكثير من المعلومات عند قيامه بأعمال الوظيفة العام والتي تعد
من األسرار الوظيفية ويعد الحفاظ عليها من أهم الواجبات الوظيفية ،حيث تقتضي أصول
الشرف واألمانة االلتزام بعدم إفشاء األسرار الوظيفية.
لذا سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين ،نتناول في المطلب األول تعريف الموظف
العام والسر الوظيفي ،والثاني لدراسة موقف التشريعات من السر الوظيفي.
المطلب األول :تعريف الموظف العام والسر الوظيفي
أوالً :الموظف العام :إن اإلدارة تباشر مهمتها وأنشطتها بواسطة أشخاص آدميين يعملون
باسمها ولحسابها وتنظم مراكزهم القوانين واألنظمة المتعلقة بالوظيفة العامة ،حيث أن قوانين
ونظم الخدمة المدنية تعطي للموظف أهمية كبيرة ،ألن نجاح اإلدارة في أداء وظيفتها
وخدمتها للجمهور يتوقف على نوعية الموظفين ومدى كفاءتهم واحساسهم بالمسؤولية وخدمة
المصلحة العامة(.)1
ولم تتضمن التشريعات الفرنسية التي صدرت في مجال الوظيفة العامة تعريفاً محدداً
هذه التشريعات التي تعرضت لمصطلح للموظف العام ،يتسم بالعمومية والشمول ،وذلك ألن ِ
الموظف العام اكتفت بتحديد معناه في مجال انطباقها فقط ،وظل تعريف الموظف لفترة
طويلة يحدده قضاء مجلس الدولة دون تعريف تشريعي له حتى صدور تشريع 19أكتوبر
1946الذي نصت المادة األولى منه فقرة (أ) على أن ..." :يطبق هذا القانون على
األشخاص الذين يعينون في وظيفة دائمة ،ويكونون مثبتين في درجة في الحكومة ،في
إحدى كوادر اإلدارة المركزية للدولة أو المرافق الخارجية التابعة لها أو المؤسسات العامة
للدولة" ،ولم يختلف الوضع كثي اًر بعد صدور األمر رقم 244فبراير 1959بشأن النظام
العام للموظفين ،حيث ورد في مادته( )2األشخاص الذين ال يخضعون لهذا النظام وهم
قضاة القضاء العادي ،والعسكريون واألفراد العاملون في المرافق والمؤسسات العامة ذات
الطابع الصناعي أو التجاري الخاص بالدولة(.)2
أما المشرع المصري فقد أكتفى بذكر األشخاص الخاضعين ألحكام هذا القانون ،ولم
يعرف الموظف تعريفا محدداً شأنه شأن المشرع الفرنسي فقد عرف الموظف بأنه" :كل من
يولي وظيفة دائمة أو مؤقته في خدمة مرفق عام يدار بطريقة مباشرة"( ،)3والبعض اآلخر
فه بأنه" :من يعهد إلية بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو السلطات اإلداريةعر ُ
بطريقة مباشرة" (.)4
( )1د .ماهر صالح عالوي الجبوري ،مبادى القانون اإلداري (،بغداد-العراق :المكتبة القانونية ،بال سنة
نشر ،ص.)120
( )2أحمد قاسم علي شرهان السوداني ،التزام الموظف بالحياد السياسي بين النص والممارسة ،ط(،1
بيروت -لبنان :منشورات زين الحقوقية ،2019 ،ص.)48
( )3د.ماجد راغب الحلو ،القانون اإلداري( ،اإلسكندرية – مصر :دار المطبوعات الجامعية،1999 ،
ص.)233
( )4د.سلمان محمد الطماوي ،الوجيز في القانون اإلداري( ،القاهرة – مصر :دار الفكر العربي،1966 ،
ص.)430
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
132
مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية/المجلد (/)10العدد (/)38العام ()2021
أما في العراق فقد تصدت التشريعات المنظمة لشؤون الوظيفة إلى تعريف الموظف
فه قانون الخدمة المدنية العراقي رقم 24لسنة 1960بأن الموظف العام هو:
العام ،فقد عر ُ
()1
فه
"كل شخص عهدت إليه وظيفة دائمة داخلة في المالك الخاص بالموظفين" ،وقد عر ُ
كذلك قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14لسنة 1991على أن الموظف
هو" :كل شخص عهدت إليه وظيفة داخلة في مالك الو ازرة أو الجهة غير المرتبطة
بو ازرة"(.)2
ثانيا :السر الوظيفي :إن تحديد مفهوم السر يمثل معيا اًر أساسياً يهتدى به الموظف العام
حتى يتمكن من تقدير حقيقة المعلومات المتوافرة بين يديه وحتى يتمكن من تقييمها ليتبين
مدى سريتها ،واألسرار اإلدارية متعددة بطبيعتها فهي تختلف من إدارة إلى أخرى ومن مرفق
لمرفق وقد تتمتع المعلومة بصفة السرية سواء عن طريق النص على سريتها أو لكونها
بطبيعتها سرية أو حتى لمجرد صدور أمر إداري بعدم إفشائها ،ولم يورد المشرع سواء في
فرنسا و مصر والعراق تعريفاً للسر الوظيفي الذي يلتزم الموظف العام باحترامه ،وذلك ألن
تقدير مدى سرية المعلومات يترك لإلدارة وبالتالي حمايتها من اإلفشاء وتعريض الموظف
للعقوبة التأديبية في حالة إذاعتها( ،)3فسرية المعلومات قد ترجع لطبيعتها وأهميتها سواء للفرد
أو الوطن ،كأن يفصح صاحب الشأن في عدم إذاعتها أو تكون السرية بسبب النص على
سريتها بصدور قرار إداري أو الئحة تقتضي إفشائها وهذا يعني أنه على الموظف أن يتحرى
الدقة في المعلومات التي بين يديه وفي حوزته طالما لم يصدر ما يرفع عنها قيد السرية
مسترشداً في ذلك بالعادات والتقاليد واألعراف السائدة في المجتمع ويحكم ضميره ليحدد ما
يعد س اًر بحكم وظيفته وال يعتبر كذلك ما لم تصدر ق ار ارت تقتضي بعدم سريتها.
فقد عرف السر الوظيفي بأنه ":ما يكتم و األسرار خالف اإلعالن وهو ما يفضي به
شخص إلى شخص آخر مستكتماً إياه ويدخل فيه كل أمر تدل القرائن على طلب كتمانه أو
( )1ينظر :المادة ( )2من قانون الخدمة المدنية العراقي رقم ( )24لسنة 1960المعدل.
( )2ينظر :المادة ( /1ثالثاً) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام العراقي رقم ( )14لسنة 1991
المعدل.
( )3د.طارق حسن الزيات ،حرية الرأي لدى الموظف العام ،دراسة مقارنة مصر وفرنسا ،ط( ،2القاهرة –
مصر :دار النهضة العربية ،1998 ،ص.)291
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
133
واجب الموظف في كتمان السر الوظيفي -دراسة مقارنة -
كان العرف يقضي بكتمانه كما يدخل في الشؤون الشخصية والعيوب التي يكره صاحبها أن
يط لع عليها الناس ،ومنه األسرار الطبية الخاصة بالمرضى التي يطلع عليها الطبيب أو
غيرها ممن يمارسون المهنة الطبية"( ،)1وعرف كذلك بأنه ":معلومة يفترض في إفشائها
ضر اًر أو تفويت مصلحة وذلك خالل مدة معينة" ،وعرف أيضاَ بأنه ":أمر يتصل بشخص
أو بشيء ما من خاصيته أن يظل مجهوالً لكل شخص غير من هو مكلف قانوناً بحفظه أو
باستخدامه بحيث يكون العلم به ال يتجاوز عدداً محدداً من األفراد هم الذين كلفوا بحفظه أو
باستخدامه"( ،)2ونرى بأن السر الوظيفي هو ":شيء يخشى من كشفه اطالع اآلخرين عليه
وقوع ضر اًر أو تفويت مصلحة مشروعة".
إن المصلحة المحمية في حماية األسرار الوظيفية هي حماية المصالح اإلدارية وصيانة
ضرورات المرفق وحسن أدائه لوظيفته وتقدير هذه الضرورات منوط بجهة اإلدارة ،ولها دائماً
أن تفرض السرية على أية معلومة قد ترى في إفشائها إض ار اًر بهذه المصالح ،ويعتبر فرض
السرية على المعلومات الوظيفية من قبيل اإلجراءات الداخلية للمرفق فال يجوز للموظف أن
يهاجم هذه التعليمات أمام القضاء بفرض رفع حجب السرية عن هذه المعلومات حتى ولو
كان يرى مصلحة له في ذلك(.)3
إن الموظف يطلع بحكم عمله على الكثير من أسرار المرفق الذي يعمل به أو المرافق
األخرى التي يتعامل معها وكذلك على أسرار األفراد المتعاملين معه وخصوصاً الوظائف
التي تتعلق بخصوصيات المواطنين كاألطباء والصيادلة ورجال الشرطة ومكلفي الضرائب
وغيرهم أو أن يطلع على جانب من أسرار الدولة وخصوصاً تلك التي تتعلق بالمصالح العليا
في الدولة كمرفق الدفاع ،لذا يعد واجب المحافظة على األسرار المهنية واجب أساسي ،ألنه
يتعلق بالمقام األول بالخلق القويم الذي يجب أن يتحلى به الموظفين عموماً ممن خصتهم
الدولة بأسرارها وجعلتهم أهل ثقة الناس ،فهو يعد قيداً على حرية الموظف في التعبير عن
( )1د .حسني محمود نجيب ،شرح قانون العقوبات (،القاهرة – مصر :دار النهضة العربية،1982 ،
ص.)753
( )2د .السيد عبد الحميد محمد العربي ،ممارسة الموظف للحريات العامة في القانون اإلداري والقانون
الدولي ،دراسة مقارنة( ،بال مكان نشر -بال دار نشر ،2003 :ص.)31-30
( )3د.طارق حسن الزيات ،حرية الرأي لدى الموظف العام ،المرجع السابق ،ص.293
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
134
مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية/المجلد (/)10العدد (/)38العام ()2021
أرائه حيث ال يجوز له أن يفشي أسرار الوظيفة أو يستغل البيانات أو المعلومات التي يطلع
عليها بحكم وظيفته لمصلحته الشخصية ،وأن واجب كتمان األسرار الوظيفية هو واجب
مستمر يالحق الموظف داخل المرفق وخارجه ،فالتزام الموظف بعدم اإلفشاء ال ينفك عنه
حتى بعد تركه الخدمة أو هجر الوظيفة ،وهذا الواجب يعد تجسيداً لواجب التحفظ المقرر
على الموظفين ،وأن كتمان السر الوظيفي يحقق أمرين.:
-1مصلحة األفراد :التي تتمثل في صون أسرارهم والتي لو أذيعت ألضرت بهم ضر اًر مادياً
أو أدبياً وفي نفس الوقت فأن كتمان األسرار يزيد من ثقة الجمهور في التعامل مع المرافق
العامة.
-2مصلحة اإلدارة :إن المحافظة على األسرار المهنية تحمي مصلحة اإلدارة نفسها مما قد
يصيبها من أضرار من جراء إفشاء أسرارها بل ويعرقل نشاطها وسيرها المنتظم ويعوق
تقدمها(.)1
إن األسرار الوظيفية ليست ملكاً شخصياً للموظف فال يجوز له إطالع غيره عليها إال
إذا كان ذلك واجباً عليه بحكم القانون أو التعليمات واألضرار التي يمكن أن يسببها الموظف
ألسرار عمله قد تكون جسيمة على المصلحة العامة أو على األشخاص ،ويجب أن ال يترك
أمر خشية الضرر لتقدير الموظف ،ألن ذلك أمر نسبي يختلف من شخص إلى آخر ،لذلك
يجب وضع معيار موضوعي لخشية الضرر من إفشاء األمور التي يطلع عليها الموظف
بمقتضى وظيفته وهذه الحالة األولى ،أما الحالة الثانية التي تتمثل بواجب كتم األمور التي
يطلع عليها بحكم عمله هي األمور التي يوصيه رؤساؤه حتى بعد انتهاء خدمته(.)2
المطلب الثاني :موقف التشريعات من السر المهني
إن واجب الموظف في كتمان األسرار الوظيفية يجد سنده في النصوص الصريحة
الواردة في التشريعات الوظيفية المقارنة ،ففي فرنسا فقد نص القانون الوظيفي رقم 6-84أ
الصادر في 11يناير 1984على هذا الواجب في المادة ( )26التي نصت على التزام
( )1د .السيد عبد الحميد محمد العربي ،ممارسة الموظف للحريات العامة في القانون اإلداري والقانون
الدولي ،المرجع السابق ،ص.578-577
( )2د .ماهر صالح عالوي الجبوري ،مبادى القانون اإلداري ،المرجع السابق ،ص .119
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
135
واجب الموظف في كتمان السر الوظيفي -دراسة مقارنة -
الموظف في الحفاظ على األسرار الوظيفية والتي تصل إلى علمه ،كذلك نصت المادة ()26
من القانون رقم 63-83الصادر سنة 1983على ضرورة احترام األسرار المهنية وأحال
في تلك المادة على القواعد المقررة في القانون الجنائي لحماية األسرار الوظيفية ،كذلك
نصت المادة ( )226من القانون الصادر سنة 1992والتي عاقبت على إفشاء المعلومات
ذات الطبيعة السرية بواسطة شخص أودعت لديه بسبب الظروف أو المهنة وسواء بسبب
عمل أو مهمة مؤقتة( ،)1ونجد أن المشرع الفرنسي قد بالغ كثي اًر في واجب كتمان األسرار
الوظيفية ،حيت تلزمه النصوص بااللتزام بالمحافظة على سرية كافة الوقائع والمستندات
والمعلومات التي تتعلق باإلدارة والتي يقف عليها أثناء مباشرته لوظيفته أيا كان سبيله ،ولم
يشترط المشرع الفرنسي شكالً معيناً إلفشاء السر سواء كان عن طريق الحديث الشفوي أو
النشر أو كتابة المنشورات وتوزيعها أو التصريحات الصحفية.
وقد شدد مجلس الدولة الفرنسي حيث ذهب إلى أنه ال يغير من طبيعة اإلفشاء والمعاقبة
عليه أن يتم بناء على طلب أحد األفراد تحقيقاً لمصلحة مشروعة ،ففي قضية (
(Battonالذي كان يعمل سكرتي اًر في أحد أقسام الشرطة ثم أحيل إلى المعاش تأديبياً ،تقدم
بطلب لتسجيل أسمه بنقابة المحامين ،فأرسلت أسمه إلى و ازرة الداخلية لغرض معرفة بيانها
عن أسباب القرار الصادر بإحالته على المعاش لمعرفة ما إذا كان من شأن تلك األسباب أن
تحول دون طلبه بقيده في النقابة من عدمه ،إال أن و ازرة الداخلية رفضت اإلجابة على هذا
الطلب ،فأقام السيد ( (Battonدعوه أمام مجلس الدولة ضد و ازرة الداخلية عما أصابه من
ضرر ،إال أن مجلس الدولة قضى برفض الدعوى مؤسساً ذلك على عدم وجود نص قانوني
يلزم اإلدارة بالكشف عن أسباب الجزاءات التأديبية التي تتخذها ضد أي من أعضائها وعدم
أحقيتهم في استالم أوراق تتعلق بأسباب تلك الجزاءات الموقعة ضدهم ،كذلك ال يجوز
الكشف عن أي أوراق أو مستندات تتعلق بنشاط اإلدارة في غير الحاالت المقررة في ذلك
حتى تقرر اإلدارة نشرها والكشف عن سريتها ،حتى ولو كان ذلك بدافع نقابي(.)2
( )1د .السيد عبد الحميد محمد العربي ،ممارسة الموظف للحريات العامة في القانون اإلداري والقانون
الدولي ،المرجع السابق ،ص.580-579
( )2د.علي عبد الفتاح محمد خليل ،الموظف العام وممارسة الحرية السياسية ،ط( ،1القاهرة – مصر :دار
النهضة العربية ،2002 ،ص.)444-443
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
136
مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية/المجلد (/)10العدد (/)38العام ()2021
وفي مصر فقد نصت قوانين التوظف على هذا الواجب ،فقد نص قانون رقم 210
لسنة 1951على أنه ال يجوز لمستخدم الحكومة أن يقضي بمعلومات أو إيضاحات عن
المسائل التي ينبغي أن تبقى سرية بطبيعتها أو بمقتضى تعليمات خاصة ويبقى االلتزام
بالكتمان قائماً ولو بعد انفصال الموظف عن عمله" ،كذلك نص قانون رقم 46لسنة 1964
على أن يحظر على العامل أن يفشي األمور التي يطلع عليها بحكم وظيفته إذا كانت سرية
بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك ويبقى هذا االلتزام قائماً ولو بعد ترك العامل
الخدمة ،كذلك نص قانون العاملين بالدولة النافذ رقم 47لسنة 1978على حظر إفشاء
الموظف العام لألسرار التي يطلع عليها بحكم وظيفته إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب
تعليمات تقضى بذلك ويبقى واجب الكتمان قائماً حتى لو ترك العامل الخدمة بالمرفق(.)1
إن واجب كتمان األسرار الوظيفية في القانون المصري يظهر من خالل حظر النشر عن
طريق الصحف وغيرها ،حيث يحظر على الموظف العام اإلفضاء بأي تصريح أو بيان
أعمال وظيفته بطريق الصحف أو غير ذلك من طرق النشر ،فال يجوز له وهو في سبيل
ممارسته للحريات العامة أو السياسية منها اإلفضاء باألمور التي يطلع عليها بحكم وظيفته
وتخص المرفق الذي يعمل به ،فقد صدرت إحدى الفتاوى من مجلس الدولة بأنه ":ال يجوز
لمستخدمي الحكومة أن يعطوا أخبا اًر إلى الجرائد التي تنشر في القطر المصري وفي الخارج
وسواء كانت باللغة العربية أو بأية لغة أخرى وال أن يبدوا ملحوظات شخصية بواسطة
الجرائد ...وكل موظف يخالف هذا الحكم يكون قابالً للعزل" ،كذلك يظهر هذا الواجب من
خالل االحتفاظ لنفسه باألوراق الرسمية أو نزعها من الملفات المخصصة لحفظها ،فهو ملزم
بحفظ األوراق الرسمية بما يضمن سالمة وسرية تلك األوراق وعدم الكشف عنها أو تعرضها
للضياع ،وتظهر أهمية هذا الجانب في الحريات السياسية ،ألن الموظف يطلع بحكم وظيفته
على أدق األسرار الوظيفية التي تتضمنها الملفات والمستندات واألوراق الرسمية بصفة
عامة ،وقد يسيء الموظف العام استعمال هذه األوراق ،إذا ما تسربت إلى جهات تتربص
( )1ينظر :المادة ( )75من قانون موظفي الدولة المصري رقم ( )210لسنة 1951؛ المادة ( )56من قانون
موظفي الدولة المصري رقم ( )46لسنة 1964؛ المادة ( )8/77من قانون العاملين بالدولة المصري رقم
( )47لسنة .1978
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
137
واجب الموظف في كتمان السر الوظيفي -دراسة مقارنة -
باإلدارة وتتحين الفرص للنيل منها والكيد لها كاألحزاب السياسية ،والصحافة أو بعض
الجهات األجنبية وخصوصاً إذا كانت هذه األوراق تتعلق بأسرار إدارية ذات أهمية أمنية
واقتصادية ،كما قد يسرب الموظف هذه األوراق إلى خصوم اإلدارة السياسيين إذا كانت
ميوله السياسية منحازة إليهم(.)1
وفي العراق فقد نص قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14لسنة 1991
بأن يحظر على الموظف االحتفاظ لنفسه بأصل أي ورقة ثبوتية رسمية أو نزع هذا األصل
من الملفات المخصصة لحفظه للتصرف به لغير األغراض الرسمية ،وكذلك نص قانون
اإلثبات رقم 107لسنة 1979بأنه ال يجوز للموظفين والمكلفين بخدمة عامة إفشاء ما
وصل إلى علمهم أثناء قيامهم بواجباتهم من معلومات لم تنشر بالطريق القانوني ولم تأذن
الجهة المختصة في إذاعتها ولو بعد تركهم العمل ومع ذلك فلهذه الجهة أن تأذن لهم
بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم(.)2
بالشهادة ً
إن الموظف يلتزم بالكتمان في مواجهة كل ما هو غريب عن جهة اإلدارة التي يعمل
بها ،وكل من ليس له حق االطالع على أسرار ومستندات وأعمال وظيفته ،فالموظف ملزم
بهذا الكتمان قبل الغير سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات أو هيئات كالصحافة وغيرهما ،كما أنه
ملزم حتى في مواجهة نفس األفراد الذين يعملون معه في نفس اإلدارة طالما أنهم ال يحق له
االطالع أو الكشف على هذه األسرار ،كما أن هذا االلتزام يقوم في مواجهة الجهات اإلدارية
األخرى ،فال يجوز إفشاء سر وظيفي يخص مصلحة إلى العاملين في مصلحة أخرى،
وبذلك قضى مجلس الدولة المصري بأنه ال يجوز لمصلحة الضرائب إفشاء أسرار الممولين
ولو لجهة حكومية أخرى إال إذا نص قانون على ذلك صراحة ويذكر في ذلك (.)3
وال يتطلب المشرع في الدول المقارنة طريقة أو شكالً معيناً إلفشاء السر الوظيفي
فالموظف مطالب دائماً بتجنب كل األفعال التي قد تؤدي إلى إفشاء السر سواء أكان ذلك
( )1د .علي عبد الفتاح محمد خليل ،الموظف العام وممارسة الحرية السياسية ،المرجع السابق ،ص-450
.461-451
( )2ينظر :المادة ( )13/5من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام العراقي رقم ( )14لسنة 1991؛
المادة ( )88من قانون اإلثبات العراقي رقم ( )107لسنة . 1979
( )3د.علي عبد الفتاح محمد خليل،الموظف العام وممارسة الحرية السياسية،المرجع السابق،ص.465-464
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
138
مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية/المجلد (/)10العدد (/)38العام ()2021
عن طريق الحديث الشفوي أو عن طريق النشر أو الكتابة أو التصريحات الصحفية أو
اللقاءات اإلعالمية ،وينتج عن السر أثره سواء في مواجهة أحاد الناس أو تم في مواجهة
العاملين في المرفق ما دام ليس مصرحاً لهم باالطالع على هذه األسرار ،كما أن هذا
االلتزام يقوم في مواجهة الجهات اإلدارية األخرى فال يجوز إفشاء سر وظيفي إلى العاملين
في مصلحة أخرى ،إذا الفرض دائماً أن إفشاء السر يحقق ضر اًر أو يفوت مصلحة بغض
النظر عن ذاتية من أفشى إليهم السر(.)1
إن واجب كتمان األسرار الوظيفية يبقى مستم اًر حتى بعد ترك الوظيفة العامة ،فيبقى
الموظف ملتزماً بكتمان األسرار المهنية التي اطلع عليها أثناء مباشرته عمله والجهة اإلدارية
وحدها تمتلك تحديد مدة بقاء السر محتفظاً بالحماية من اإلفشاء طبقاً لطبيعة السر وما تراه
اإلدارة من ضرورة عدم نشره ،فالمعلومات العسكرية مثالً تبقى سرية ،ألن طبيعتها تقتضي
ذلك أما غيرها من األسرار فيرتفع عنها قيد السرية بعد استنفاذ الغرض منها حيث أن األمور
تتباين حسب طبيعتها وأهميتها فبعضها يبقى سرياً ما لم تقرر اإلدارة الحظر عنه ،والبعض
األخر يرتفع الحظر عنه بمجرد انتهاء الغاية من سريته(.)2
المبحث الثاني
نظريات السر الوظيفي وعقوبة اإلخالل به
إن العمل على تحديد نطاق السر الوظيفي يعد من األمور الصعبة والبالغة التعقيد ،ألن
مفهوم السر يختلف من شخص آلخر ،لذا سوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين ،نتناول في
المطلب األول نظريات السر الوظيفي وأنواعه ،والثاني لدراسة عقوبة اإلخالل بواجب كتمان
السر الوظيفي واالستثناءات التي ترد عليها.
المطلب األول :نظريات السر الوظيفي وأنواعه
يوجد اختالف حول مسألة تحديد نطاق السر الوظيفي ،لذا ظهرت عدت نظريات بهذا
الشأن ،منها.:
( )1د.طارق حسن الزيات ،حرية الرأي لدى الموظف العام ،المرجع السابق ،ص.294-293
( )2د .السيد عبد الحميد محمد العربي ،ممارسة الموظف للحريات العامة في القانون اإلداري والقانون
الدولي ،المرجع السابق ،ص.585
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
139
واجب الموظف في كتمان السر الوظيفي -دراسة مقارنة -
-1نظرية الضرر :لقد ذهب البعض إلى أن إفشاء السر الوظيفي ال يكون جريمة إال إذا
كانت الواقعة المفشاة ذات طبيعة ضارة باعتبار الغير ،فالسر هو ما يضر إفشاؤه بسمعة
مودعه وكرامته ،وهذا المفهوم جرى قبوله لدى الكثير من الشراح الذي ذهبوا إلى أن إفشاء
السر هو نوه من السب ،واشترط أن يكون ضا اًر بمصلحة من عهد به ،بينما يرى أخرون بأن
جريمة اإلفشاء هي وسط بين جريمة السب والقذف ،فلكي يعاقب على اإلفشاء وجب أن
تتضمن في طياته قذفاً أو سباً ،وقد انتقدت هذه النظرية.
-2نظرية التفرقة بين الوقائع السرية والوقائع العلنية :ويرى أنصار هذه النظرية أنه ال يعد
من يستحق الحماية القانونية صاحب الواقعة المعروفة للناس ،فاإلفشاء هو كل عمل ينقل
الواقعة المفشاة من واقع السرية إلى واقعة معروفة ،فال يكون اإلفشاء جريمة إذا انصب على
معلومة عرفت من قبل أو من المعلومات العامة ،إذ أن من الوقائع المعروفة ما يكون عاماً
بطبيعته تسمح للعلم بها منذ أول بادرة ،وال يحق الكالم عن سر بالنسبة لها ،كحالة الطبيب
الذي يقوم بعمل شهادة لشخص قطع ذراعه فهذه الحالة ال تعد س اًر ،وتوجد وقائع معروفة
ولكن يخيم عليها بعض الغموض ،فالمرض معروف كإشاعة ،واإلفشاء المعروف ال يضيف
جديداً سوى تأكيد أمر مشكوك فيه لصدوره من رجل متخصص ،فالواقعة المعروفة ال تكون
س اًر بأي حال(.)1
-3نظرية إرادة المودع في بقاء األمر س اًر :يرى أنصار هذه النظرية بأن تعريف السر يدخل
فيه ركن خاص وهو إرادة المودع في بقاء األمر س اًر ،وينبغي وجود تعبير صريح عن هذه
اإلرادة لكي تكون الواقعة س اًر ،فاألمر يكون كذلك إذا عهد به صاحبه إلى األمين على أنه
س اًر.
ويذهب بعضهم إلى أنه ال يمكن األخذ بأي نظرية من هذه النظريات بتعريف السر
المهني ،فالضرر وحده ال يكفي للتعريف كما أن تحديد السر قد يرجع إلى ما جرى به العرف
وظروف كل حادثة على انفراد مما يسمح للسلطة التقديرية للقاضي أن تحدد السر كل حالة
( )1أحمد كامل سالمة ،الحماية الجنائية ألسرار المهنة ،رسالة دكتوراه( ،القاهرة – مصر :جامعة القاهرة،
،1988ص.)43-42-40
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
140
مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية/المجلد (/)10العدد (/)38العام ()2021
على حدة( ،)1يمكن لألسرار الوظيفية أن تتعدد وتنقسم في إطار العمل الوظيفي بصورة عامة
حسب.:
-1أسرار الدولة :ويقصد بها هي كل األسرار المتعلقة بالمصالح العليا للدولة وتشمل
المعلومات والوثائق واألخبار التي تخص الدولة وسالمتها ،وأسرار الدولة هي معلومات
يؤدي إفشاء مضمونها ألشخاص ال تقتضي طبيعة عملهم االطالع عليها واالحتفاظ بها أو
حيازتها إلى حدوث أضرار خطيرة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو إلى فائدة عظيمة
ألية دولة أخرى من شأنها أن تشكل أو يحتمل أن تشكل خط اًر على الدولة.
-2أسرار األفراد :وهي األسرار التي تخص اإلنسان ويحرص على إخفائها من غيره ،وتشمل
عيوبه وأمراضه وأمواله ومسيرة حياته وقد عرفت األسرار الفردية على أنها خصوصيات
الفرد ،والتي يحق له أن يحتفظ بها لنفسه ،وتكون بعيدة عن أعين الناس وألسنتهم ،والتي ال
تمس واجباته نحو لمجتمع وليس لها تأثير في الصالح العام وال يتحقق بنشر هذه األسرار
سوى تشويه سمعته وزعزعة ثقة الناس به.
-3األسرار اإلدارية :إن الموظف يقوم عند مباشرته لمهام وظيفته باالطالع على كثير من
المعلومات والوثائق والبيانات التي في حوزته ،والتي يكون من المصلحة العامة أن ال يعلم
بها إال من يؤتمن عليها ،ويختلف مضمون األسرار الوظيفية من إدارة إلى أخرى ،بل أن
السر اإلداري يختلف بوجه عام عن األسرار الحكومية التي تهتم الدولة ككل وتختلف عن
األسرار الخاصة باألفراد ،ويشمل السر اإلداري كل ما يتعلق بعمل اإلدارة السري كخطة
إعادة تنظيم المرفق العام ،أو خطة اإلدارة في تخفيض العملة الوطنية ،واذا حدث تنازع بين
المصلحة العامة واإلدارة التي يعمل بها كان على المحكمة أن تفصل في هذا التنازع مع
تفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ،ويجب ممارسة شيء من الرقابة على هذه
السرية حتى ال تستخدم في غير الغرض الذي تقرر من أجله ،فالتزام الموظف بالسر
اإلداري مستقل تماماً على التزام الموظف بالسر المهني نحو الفرد(.)2
( )1أحمد كامل سالمة ،الحماية الجنائية ألسرار المهنة ،المرجع السابق ،ص.48
( )2أحمد مصبح الكتب ي ،المسؤولية الجنائية الناشئة عن إفشاء السر المهني ،بحث منشور في مجلة الشارق،
االمارات العربية المتحدة ،المجلد ،16العدد ،2019 ،2ص.310-309-307
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
141
واجب الموظف في كتمان السر الوظيفي -دراسة مقارنة -
ويمكن أن تظهر مظاهر السر الوظيفي من خالل االلتزام بالسر المهني في المجال
الطبي ،حيث أن االلتزام به يعد بمثابة ضمانة الثقة الواجبة في ممارسة المهنة الطبية
واإلخالل به يمس بأمن المريض ،نظ اًر لما يترتب على عدم كتمانه من أضرار جسيمة تمس
النظام العام ،فقد صدر حكم في 1971 /12/1من محكمة ليون الفرنسية في قضية
( ،)Gameحيث حصل أحد األطباء من إحدى الممرضات على ملف طبي لمريض لم تكن
تربطه أي صلة ،لتعتبر المحكمة بأن هذا لم يكن بوسعه تجاهل الطابع العام والمطلق للسر
الذي يحمي الملف المعد من األطباء المعالجين للمرضى ،بحيث أصبح هذا الطبيب شريكاً
بحكم إثارته وافشائه لهذه المعلومات خارق بذلك التزاماً معنياً معاقب عليه قانوناً.
كذلك يظهر هذا االلتزام في الوسط المهني عموماً ،فهو التزام عام يسري على جميع
العاملين باختالف نشاطهم ،فهم ملزمون بكتمان أية واقعة أو معلومة أو استعمال أي وثيقة
إال في حدود مقتضيات تنفيذ الخدمة بهدف تفادي إلحاق أي ضرر مادي أو معنوي بالجهة
المستخدمة أو مؤسسة ما ،كذلك يظهر هذا االلتزام في سرية المراسالت كالمراسالت
المكتوبة والتي يعتبر االعتداء عليها من قبيل الجنح ،كقيام شخص ذوي النوايا السيئة بفتح
أو تأخير أو تحويل مراسلة وصلت إلى وجهتها عن طريق البريد ،أو عن طريق أخر،
وكذلك المراسالت الصادرة أو الواردة عن طريق المواصالت(.)1
المطلب الثاني :عقوبة اإلخالل بواجب كتمان السر الوظيفي واالستثناءات التي ترد عليها
يطلع الموظف العام بحكم عمله على أسرار المواطنين وخصوصياتهم والتي كثي اًر ما
يضطرون للكشف عنها مكرهين لبعض الموظفين كاألطباء وموظفي مصلحة الضرائب
وغيرهم فمصلحة هؤالء تستوجب التزام الموظف العام بالمحافظة على مثل هذه األسرار حتى
تحتفظ بسريتها وأساس هذا االلتزام هو حماية مصلحة المواطنين من ناحية ومصلحة الدولة
من ناحية أخرى ،فمصلحة الدولة تقتضي المحافظة على األسرار الوظيفية لتوفير الثقة بين
المواطنين واإلدارة ،حتى ال يتهرب المواطن من الكشف عن البيانات الضرورية للعمليات
( )1طالبي كريمة ،مسؤولية الموظف عن اإلخالل بواجب كتمان السر المهني في التشريع الجزائري ،رسالة
ماجستير ( ،سعيدة –الجزائر :جامعة د .الطاهر موالي ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،2017 ،ص-24
.)25
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
142
مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية/المجلد (/)10العدد (/)38العام ()2021
اإلحصائية وحتى ال يعطي للدولة بيانات غير صحيحة خوفاً من استعمالها في أغراض
أخرى ،وال يخفى على أحد اآلثار الخطيرة التي تترتب على عدم دقة البيانات ،فالبيانات
الدقيقة هي أساس خطط الدولة العصرية كما أن المصلحة العامة تقتضي المحافظة على
أسرار كثيرة يترتب على الكشف عنها أضرار بالغة الخطورة بمصلحة المجتمع وسالمة
الدولة في أسرار الدفاع(.)1
إن كشف السر الوظيفي يعد في المقام األول جريمة تأديبية ،إال أن التشريعات في
الدول لم تكتف بالمسؤولية التأديبية بل قرروا لها عقوبة جنائية ،فقد كان قانون العقوبات
الفرنسي القديم يعاقب على هذه الجريمة بالحبس الذي ال يقل عن شهر وال يزيد عن ستة
أشهر والغرامة التي ال تقل عن ( )100فرنك وال تزيد عن( )500فرنك ،ثم بعد ذلك شدد
قانون العقوبات النافذ لسنة 1994العقوبة على جنحة إفشاء األسرار لتصبح الحبس لمدة
سنة والغرامة ( )100000فرنك فرنسي.
وفي مصر فقد نص قانون العقوبات المصري رقم 95لسنة 2003على كل من األطباء
أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل أو غيرهم مودعاً إليه بمقتضى صناعته أو وظيفته س اًر
خصوصياً اؤتمن عليه فأفشاه في غير األحوال التي يلزمه القانون فيها بتبليغ ذلك يعاقب
بالحبس مدة ال تزيد على ستة شهور أو بغرامة ال تتجاوز خمسمائة جنيه مصري(.)2
وفي العراق فقد نص قانون العقوبات رقم 111لسنة 1969على أن يعاقب بالحبس
مدة ال تزيد عن سنتين وبغرامة ال تزيد عن مائتي دينار أو بأحد هاتين العقوبتين كل من
علم بحكم وظيفته أو صناعته أو فنه أو طبيعة عمله بسر فأفشاه في غير األحوال المصرح
بها قانوناً أو استعمله لمنفعته أو منفعة شخص أخر ،كذلك نص قانون المحاماة رقم 173
لسنة 1965بأن ال يجوز للمحامي أن يفشي س اًر اؤتمن عليه أو عرفه عن طريق مهنته ولو
بعد انتهاء وكالته إال إذا كان ذلك من شأنه منع ارتكاب جريمة ،كذلك نص قانون العقوبات
العسكري رقم 19لسنة 2007على إنزال عقوبة االعدام على موظفي و ازرة الدفاع والقوات
( )1د.علي عبد الفتاح محمد خليل،الموظف العام وممارسة الحرية السياسية،المرجع السابق ،ص.440-439
( )2ينظر :المادة ( )622من قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1810؛ المادة ( )310من قانون العقوبات
المصري رقم ( )95لسنة .2003
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
143
واجب الموظف في كتمان السر الوظيفي -دراسة مقارنة -
المسلحة إذا ما ارتكب أحدهم جرم إفشاء السر أو سر الليل أو اإلشارة الخاصة أو التنبيهات
أو الوصاية السرية المختصة بالحراس والخفراء والمخافر والشفرات العسكرية أثناء زمن
النفير بقصد إعانة العدو واألضرار بالجيش أو إحدى قوات الحكومات المتحالف معها(.)1
ونرى بأن التشريعات تجمع على وجوب كتمان األسرار الوظيفية وحرمة إفشائها لما لها
من ضرر يصيب الدولة أو األشخاص المعنيين بها ،ويؤدي بأمنها وأمنهم الشخصي ما
يجعل األسرار الوظيفية أمانة في عنق الموظف الذي يحوزها أو يعرفها بحكم وظيفته أو
إثنائها ليس له إفشاؤها للغير ،ألن في اإلفشاء خيانة لألمانة التي عهدت إليه ،كما أن
حفظه لها مظهر من مظاهر أدائه لواجبات وظيفته بأمانة واخالص ،وتوجد حاالت ال
يتعرض فيها الموظف للمسائلة إذا خالف هذا الواجب ،وتتمثل بما يلي.:
-1الشهادة أمام المحاكم :يلتزم الموظف بالحضور إذا دعى للشهادة أمام المحاكم ،وفي
فرنسا فيمكن التمييز بين الشهادة أمام القضاء الجنائي أو الشهادة أمام القضاء المدني أو
اإلداري ،فالموظف في فرنسا ال يستطيع إفشاء األسرار المهنية في شهادته أمام القضاء
اإلداري أو المدني وأن كان األمر يختلف في الشهادة أمام القضاء الجنائي حيث ال يستطيع
الموظف التذرع بواجب الكتمان للتنصل من أداء الشهادة أمام القاضي الجنائي فهو ملزم
بالشهادة ،وهذا ما اتجهت إلية محكمة النقض الفرنسية ،وال يستطيع رفض اإلجابة عن أسئلة
القاضي المتعلقة بأسرار الدفاع واألسرار الطبية ،وفي مصر فهو ملزم بكتمان األسرار
الوظيفية وهو األصل ،ويبقى محظو اًر عليه إفشاء ما لديه من أسرار ومع ذلك فللسلطة
المختصة أن تأذن للموظف بالشهادة بناء على طلب من المحكمة أو أحد الخصوم ويكون
ً
اإلذن مقصور على األسرار الوظيفية التي وصلت إلى علمه بخصوص الواقعة محل
الشهادة دون غيرها وال يمكن أن يتطرق هذا اإلذن إلى األسرار المتعلقة باألفراد إذ أن اإلدارة
ال تمتلك هذه األسرار لكي تأذن بإفشائها ،فالموظف ملتزم عند أداء الشهادة بالمادة ()310
من قانون العقوبات المصري ،فإذا تعدى حدود هذه المادة تترتب مسئوليته وهذا يظهر مدى
( )1ينظر :المادة ( )437من قانون العقوبات العراقي رقم ( )111لسنة 1969؛ المادة ( )1/46من قانون
المحاماة العراقي رقم ( )173لسنة 1965؛ المادة ( )29من قانون العقوبات العسكري العراقي رقم ()19
لسنة .2007
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
144
مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية/المجلد (/)10العدد (/)38العام ()2021
أهمية المحافظة على األسرار حتى على حساب تحقيق العدالة ذاتها ،كما يوضح العبء
الذي يقع عاتق الموظف في هذا المجال والذي يحد بدرجة كبيرة من حريته في التعبير عما
لديه من معلومات يمكن أن تخدم العدالة وتظهر الحقيقة إال أن الهدف من ذلك هو تحقيق
هدف أسمى إال وهو بث ثقة الجمهور في الموظفين(.)1
-2األسرار المشتركة :وذلك في حالة ما إذا اشترك الموظف مع غيره في إعداد الموضوعات
وفي هذه الحالة تصبح األسرار شائعة فيما بينهم بحكم وظائفهم ويضطر كل منهم أن يطلع
األخرين على ما يقف عليه من معلومات متصلة بتلك الملفات ،في هذه الحالة ال تثريب
على الموظف على ما يقف عليه من معلومات وبيانات تتعلق بهذه الملفات طالما إفشاء
هذه البيانات قاصر على دائرة الموظفين ،وبالتالي تقع المسؤولية إذا هو أفشى تلك األسرار
لمن سواهم من الغير.
وقد استثنى القانون المصري الطبيب في اإلبالغ عن األمراض المعدية أو الخطيرة،
كذلك يجب على االطباء العاملين في اللجان الطبية المختصة بتوقيع الكشف الطبي على
المتقدمين لشغل الوظائف العامة أن يطلعوا أرباب العمل والجهات اإلدارية على التقارير
التي تقرر مدى صالحية المرشح للوظيفة من عدمه وذلك دون الخوض في تفصيل ما
يعانون منه من أمراض( ،)2حيث قضت محكمة النقض المصرية بتبرئة طبيب في قضية
تتلخص وقائعها بأن زوجة المدعي (المريض) طلبت من الطبيب المشرف على حالة زوجها
ورقة تبين حالة المريض الطبية لغرض عرضها على مجموعة من األطباء األجانب ،قام
الطبيب بمنح الزوجة بيانات عن الحالة الصحية ،وبعد أن قام المريض برفع دعوى على
الطبيب متهما إياه بإفشاء األسرار الطبية وحالته الصحية قررت المحكمة االبتدائية المصرية
بأنه ال عقاب بمقتضى المادة ( )310وذلك ألن الطبيب اعتقد أن طلب الزوجة للشهادة
( )1د .السيد عبد الحميد محمد العربي ،ممارسة الموظف للحريات العامة في القانون اإلداري والقانون
الدولي ،المرجع السابق ،ص.592-591
( )2المرجع ذاته ،ص.594-593
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
145
واجب الموظف في كتمان السر الوظيفي -دراسة مقارنة -
نيابة عن المريض إضافة إلى ما ذكرته برغبة المريض في عرضها على طبيب أخر،
فالطبيب ال يسأل عن إفشاء األسرار إذا سلمها إلى اسرته أو إلى السلطات العامة(.)1
-3اإلبالغ عن الجرائم :فقد نص قانون اإلجراءات الجنائية الفرنسي لسنة 1995على أن
أي فرد يصل إلى عمله سوء معاملة أو حجز موقع على صبي أقل من خمسة عشر عاماً
أو أي شخص في حالة ال تسمح له بحماية نفسه بسبب سنه أو مرضه أو ضعفه أو بسبب
إعاقة جسدية أو ذهنية أو بسبب حالة حمل وال يخطر السلطات اإلدارية أو القضائية يعاقب
بالسجن لمدة 3سنوات وغرامة قدرها 200000فرنك ،أما قانون العقوبات المصري فقد
نص على أن يلزم كافة األفراد باإلبالغ عن جرائم أمن الدولة وهذا االلتزام يسري في مواجهة
الكافة ،كذلك تنتفي مسئولية الموظف عن إفشاء األسرار التي أطلع عليها بحكم وظيفته إذ
أذن أو رضى صاحب السر أو من تقررت الحماية لمصلحته بهذا اإلفشاء ،ويكون للمؤتمن
بناء على هذا األذن كما له أن يرفض إفشاؤه غير أنه في حالةعلى هذا السر أن يفشيه ً
إفشائه للسر بناء على طلب صاحبه ال تقوم مسئوليته سواء الجنائية أو التأديبية ،ويجمع
الفقه سواء في فرنسا ومصر على أن رضاء صاحب السر باإلفشاء يعفى األمين عليه من
مسئولية إفشائه وقد تبنى القضاء الفرنسي هذا الرأي ،وتوجد حاالت أخرى ساهم في إنشائها
القضاء ويجوز فيها إفشاء السر غير الحاالت السابقة ودون مسئولية على المؤمن على هذا
السر إفشاء الموظف لسر مهني بسبب تعرضه للمحاكمة أو إفشائه إلثبات براءته حيث
تساهل القضاء الفرنسي بالنسبة لمثل هذه الحاالت(.)2
وهنالك شروط يجب توفرها لكي تتحقق الحماية الجنائية للسر المهني ،وتتمثل هذه الشروط
بما يلي.:
-1يجب أن يكون السر قد عهد بسبب المهنة :ويعني هذا الشرط بأن تكون المعلومة التي
وصلت إلى علم الجاني مكتسبة بسبب ممارسة مهنته أو بمناسبة هذه الممارسة.
( )1ينظر :قرار محكمة النقض في مصر ،في 21ابريل ،سنة ،1938اشار إلية أحمد مصبح الكتبي،
المسؤولية الجنائية الناشئة عن إفشاء السر المهني ،المرجع السابق ،ص.324
( )2د .السيد عبد الحميد محمد العربي ،ممارسة الموظف للحريات العامة في القانون اإلداري والقانون
الدولي ،المرجع السابق ،ص.595-594
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
146
مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية/المجلد (/)10العدد (/)38العام ()2021
-2يجب أن يكون السر منسوب لشخص معين :يجب أن ينسب إفشاء السر إلى شخص
معين فإذا اقتصرت اإلذاعة على اإلفشاء فقط سواء كانت أمراض أو وقائع دون نسبتها إلى
شخص معين لم يكن هناك إفشاء فإذا قال الطبيب فقط أنه عالج مرض ذا طبيعة معينة،
فإن هذا ال يعد إفشاء مكون للجريمة فالسر ليس هو مرض نفسه ولكن عالقة المرض
بشخص ما.
-3إن تكون الوقائع المراد إضفاء السرية عليها ذات صلة بمهنة من تلقاها :إن اعتراف
الفقه والقضاء بالصفة السرية ليس فقط بالنسبة للوقائع التي أفضى لهم بها ،أو تم لهم
معاينتها ،ولكن أيضاً بالنسبة لكل ما استطاعوا معرفته من خالل ممارستهم لمهنتهم ،وعلى
عكس ذلك فهناك وقائع قد يغرقها األمناء خالل ممارستهم لعملهم وال عالقة لها بمهنتهم
وهذه ال تعتبر سر يلتزمون بكتمانه(.)1
الخاتمة
في ختام هذا البحث الموسوم ب ( واجب الموظف في كتمان السر الوظيفي -دراسة
مقارنة) توصلنا إلى جملة من النتائج والتوصيات.
النتائج
-1لقد تبين لنا بأن الموظف العام هو عماد اإلدارة ووسيلتها في اإلصالح اإلداري الذي
يعد المنطلق الرئيس لإلصالحات األخرى السياسية والمالية واالجتماعية التي يمكن
للسلطات العامة تنفيذها ،لذا البد من ضمان المحافظة على واجب كتمان السر الوظيفي.
-2ت بين لنا بان السر المهني هو ":شيء يخشى من كشفه اطالع اآلخرين عليه وقوع
ضر اًر أو تفويت مصلحة مشروعة".
-3تبين لنا بأن مخالفة الموظف لهذا الواجب يترتب عليه مسؤولية جزائية.
-4تبين لنا بوجود ثالثة نظريات لتحديد نطاق واجب كتمان السر الوظيفي والتي تتمثل
بنظرية الضرر و نظرية التفرقة بين الوقائع السرية والوقائع العلنية و نظرية إرادة المودع في
بقاء األمر س اًر.
( )1طالبي كريمة ،مسؤولية الموظف عن اإلخالل بواجب كتمان السر المهني في التشريع الجزائري،
المرجع السابق ،ص.22-21
Journal of college of Law for Legal and Political Sciences
147
واجب الموظف في كتمان السر الوظيفي -دراسة مقارنة -
-5تبين لنا بأن األسرار الوظيفية تنقسم إلى أسرار الدولة وأسرار األفراد واألسرار اإلدارية.
التوصيات
-1ضرورة عقد ندوات ودورات متخصصة للموظفين في أخالقيات الوظيفة العامة لغرض
حماية األسرار الوظيفية.
-2يجب عدم االكتفاء بتنظيم السر المهني بموجب نصوص قانونية فقط بل يجب نشر
الوعي بهذا االلتزام ،حيث نجد الكثير من المجتمع يجهل هذا االلتزام الواقع على
اصحاب الوظائف.
-3توسيع النطاق الشخصي لاللتزام بعدم إفشاء السر الوظيفي ،بحيث ال تقتصر على
الموظف بل يجب أن يشمل كل مكلف بخدمة عامة وكل من يرتبط بعمل مع اإلدارة
لخطورة هذا االلتزام.
148
مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية/المجلد (/)10العدد (/)38العام ()2021
المصادر
أوالً :الكتب
-1أحمد قاسم علي شرهان السوداني ،التزام الموظف بالحياد السياسي بين النص والممارسة ،ط،1
( بيروت -لبنان :منشورات زين الحقوقية.)2019 ،
-2د .السيد عبد الحميد محمد العربي ،ممارسة الموظف للحريات العامة في القانون اإلداري والقانون
الدولي ،دراسة مقارنة( ،بال مكان نشر -بال دار نشر.)2003 :
-3د .حسني محمود نجيب ،شرح قانون العقوبات (،القاهرة– مصر :دار النهضة العربية.)1982 ،
-4د.سلمان محمد الطماوي ،الوجيز في القانون اإلداري( ،القاهرة – مصر :دار الفكر العربي.)1966 ،
-5د.طارق حسن الزيات ،حرية الرأي لدى الموظف العام ،دراسة مقارنة مصر وفرنسا ،ط( ،2القاهرة –
مصر :دار النهضة العربية.)1998 ،
-6د.علي عبد الفتاح محمد خليل ،الموظف العام وممارسة الحرية السياسية ،ط( ،1القاهرة – مصر :دار
النهضة العربية.)2002 ،
-7د.ماجد راغب الحلو ،القانون اإلداري( ،اإلسكندرية – مصر :دار المطبوعات الجامعية.)1999،
-8د .ماهر صالح عالوي الجبوري ،مبادى القانون اإلداري ( ،بغداد -العراق :المكتبة القانونية ،بال سنة
نشر).
ثانياً :الرسائل واالطاريح
-1أحمد كامل سالمة ،الحماية الجنائية ألسرار المهنة ،رسالة دكتوراه( ،القاهرة – مصر :جامعة
القاهرة.)1988 ،
-2طالبي كريمة ،مسؤولية الموظف عن اإلخالل بواجب كتمان السر المهني في التشريع الجزائري ،رسالة
ماجستير ( ،سعيدة –الجزائر :جامعة د .الطاهر موالي ،كلية الحقوق والعلوم السياسية.)2017 ،
ثالثاً :البحوث
-1أحمد مصبح الكتبي ،المسؤولية الجنائية الناشئة عن إفشاء السر المهني ،بحث منشور في مجلة الشارق،
االمارات العربية المتحدة ،المجلد ،16العدد .2019 ،2
رابعاً :القوانين
-1قانون الخدمة المدنية العراقي رقم ( )24لسنة 1960المعدل.
-2قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام العراقي رقم ( )14لسنة 1991المعدل.
-3قانون موظفي الدولة المصري رقم ( )210لسنة .1951
-4قانون موظفي الدولة المصري رقم ( )46لسنة .1964
-5قانون العاملين بالدولة المصري رقم ( )47لسنة .1978
-6قانون اإلثبات رقم العراقي 107لسنة .1979
-7قانون العقوبات الفرنسي لسنة .1810
-8قانون العقوبات المصري رقم ( )95لسنة .2003
-9قانون العقوبات العراقي رقم ( )111لسنة .1969
-10قانون المحاماة العراقي رقم ( )173لسنة .1965
-11قانون العقوبات العسكري العراقي رقم ( )19لسنة .2007
خامساً :القرارات
-1قرار محكمة النقض في مصر ،في 21ابريل ،سنة .1938