You are on page 1of 5

‫التاريخ‪2021/01/21 :‬‬ ‫دروس عبر الخط‪:‬‬

‫األستاذ‪ :‬فريد زغالمي‪.‬‬ ‫المقياس‪ :‬التحميل النفسي لألدب‪.‬‬

‫تخصص‪ :‬نقد ومناىج‬ ‫الجمهور المستهدف‪ :‬السنة الثالثة ليسانس‬

‫المحاضرة السادسة‪ :‬التحليل النفسي للفن‪.‬‬

‫لعل من أقدم المحاوالت الرامية إلى ربط الفن عموما واألدب خصوصا بالمنحى‬
‫النفسي‪ -‬ودون مغاالة ‪ -‬تمك المحاوالت المبثوثة في التراث الفمسفي والنقدي منذ العصر‬
‫اليوناني‪ ،‬حيث يمكن أن " نجد في نظريات أفالطون عن أثر الشعراء عمى منظومات القيم‬
‫والحياة في مدينتو الفاضمة‪ .‬بداية ليذا االلتفات العميق لمجانب النفسي في بحث فمسفة األدب‪،‬‬
‫ووظائفو‪ ،‬كما يمكن أن نالحظ أن نظرية التطيير ذاتيا عند أرسطو إنما تربط اإلبداع األدبي‬
‫بوظائفو النفسية" ‪ ،‬وال يعدم المرء وجود مالمح لمتفكير النفسي في الحضارة العربية اإلسالمية‪،‬‬
‫كتمك اإلشارات حول الدوافع النفسية لإلبداع مثل الطمع والعشق‪ ،...‬أو مدى تأثير الشعر عمى‬
‫نفس الممتقى مثل حديثيم عن أسباب ربط الشعراء لممقدمة بالنسيب؛ و ذلك الستمالة القموب‬
‫إ لييم كما يحدثنا ببعض ذلك ابن قتيبة وابن رشيق القيرواني وغيرىم‪.‬‬
‫كانت اإلرىاصات أو البدايات المبكرة لمتحميل النفسي لألدب في العصر الحديث قد‬
‫عد من بين األصوات‬
‫أخذت تموح في كتابات الناقد الفرنسي سانت بيف (ت ‪ ،)1869‬الذي ّ‬
‫األولى المنادية باصطناع عمم النفس لممؤلفين من خالل دعوتو إلى التركيز عمى" شخصية‬
‫األديب تركي از مطمقا‪ ،‬إيمانا منو بأنو كما "تكون الشجرة يكون ثمارىا"‪ ،‬و أن النص تعبير عن‬
‫مزاج فردي؛ لذلك كان ولوعا بالتقصي لحياة الكاتب الشخصية و العائمية‪ ،" ...‬و يعد ىذا النقد‬
‫الس ِ‬
‫ِّيري من بين أىم اإلجراءات التي يعتمد عمييا المحممون النفسانيون؛ وذلك عن طريق‬
‫استثمار كل عناصر السيرة الذاتية التي تتيح " لممعالج أو الطبيب أن ُيِم َّم بأكبر المعمومات‬
‫التي تظاىره عمى معرفة خفايا المريض المعالج"‪ ،‬غير أن األكيد في كل ىذا أن االتجاه النفسي‬

‫‪1‬‬
‫في دراسة الظواىر اإلبداعية لم يتبمور بشكل عممي منظم وممنيج إال مع أوائل القرن العشرين‬
‫بعد ظيور مدرسة التحميل النفسي عمى يد الطبيب "سيغموند فرويد"‪.‬‬
‫يعد "فرويد" أول من صك مصطمح التحميل النفسي‪ ،‬ليشير بو إلى أحد مناىج عمم‬
‫النفس العيادي‪ ،‬ييدف إلى الكشف – باستخدام طرائق مختمفة‪ -‬عن " ىواجس النفس وعمميا‬
‫الباطنة‪ ،‬عبر إثارة الذكريات‪ ،‬والرغبات الجسمية والصور المتواشجة تحت أنظمة من األفكار‬
‫الالوعية‪ ،"...‬التي تظير آثارىا في سموك الشخص المصاب‪ ،‬وغاية ىذا التحميل إيجاد عالج‬
‫ما يخفف وطأة األمراض النفسية التي تصيب اإلنسان؛ وذلك بالغوص في أعماقيا‪ ،‬ومعرفة‬
‫حقيقتيا‪ .‬وقد كان فرويد يزعم لمناس أن ىذه الحقيقة ما ىي إال " دوافع وغرائز تؤثر عمى أفعال‬
‫اإلنسان‪ ،‬وأقوى ىذه الدوافع غريزة الجنس التي أطمق عمييا الميبيدو"‪ ،‬وحاول فرويد في دراساتو‬
‫النفسية تممس آثارىا في الطفولة المبكرة عند المصاب‪ ،‬وتأسس انطالقا من ىذه األبحاث‬
‫النفسانية إجراء نقدي ينصرف إلى دراسة الظواىر اإلبداعية والفنية اعتمادا عمى الحقائق‬
‫العممية التي توصل إلييا عمم النفس الكمينيكي‪.‬‬
‫وفي ضوء ىذه الرؤية َدلف فرويد إلى عالم الفن والفنانين‪ ،‬وطبق آراءه في التحميل‬

‫النفسي عمى شخصيات فنية عالمية‪ ،‬و ذلك من خالل ثالث دراسات‪:‬‬

‫ليوناردو دافنشي – دراسة نفسية جنسية لذكريات الطفولة‪ -‬كشف فييا عن الشذوذ‬ ‫‪-1‬‬

‫الجنسي المثمي أو البدائي عند ليوناردو دافنشي‪.‬‬

‫‪ - 2‬مقالة عن دوستيوفسكي وجريمة قتل األب من خالل روايتو "اإلخوة كرامازوف"‪َ :‬حسر‬

‫فييا عن الصدع اليستيري الذي كان يصيب دوستوفسكي‪ ،‬ورغبتو األوديبية في موت أبيو‪،‬‬

‫وشذوذه الجنسي الدفين‪.‬‬

‫دراسة لقصة ألمانية مغمورة عنوانيا "غراديفا" ومؤلفيا فميمم ينسن‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫‪2‬‬
‫إال أن فرويد لم يقف عند حدود تحميل شخصية الفنان وعممو‪ ،‬و بيان الصمة بينيما‪ ،‬بل‬

‫لقد اىتم أيضا بتحميل شخصيات وأبطال األعمال الروائية والمسرحية كشخصية "ىممت" وبطمة‬

‫قصة "غراديفا"‪.‬‬

‫قسم الدارسون مستويات التحميل النفسي لمفن عند "فرويد " إلى ثالثة مستويات‪:‬‬
‫لذا ّ‬
‫‪ -1‬االىتمام بالشخصية المبدعة‪.‬‬
‫‪ -2‬االىتمام باألثر اإلبداعي في ذاتو؛ حيث انطمق فرويد في تحميمو لمشخصية الروائية في‬
‫قصة "غراديفا" من بنية العمل الروائي نفسو‪.‬‬
‫‪ -3‬االىتمام بالقارئ؛ ألنو شخص متواطئ مع الكاتب يستسيغ المعبة الخيالية التي تستيدف‬
‫المذة في العمل األدبي‪ ،‬وتشبع لدية الرغبات الالشعورية مستخدمة المذة كمكافأة مغرية نابعة‬
‫من اإلدراك الحسي لمجمال الشكمي‪.‬‬
‫إن الفنان عند فرويد يمارس إبداعو نتيجة ضغط عقدة أوديب‪ ،‬فالغريزة الجنسية ىي الباعث‬
‫األول عمى الفن عنده‪ ،‬من ىنا افترض فرويد من خال تحميالتو النفسية أن الفنان أو المبدع‬
‫إنسان عصابي؛ أي مريض نفسيا إال أن مرضو يختمف ويتميز بقدرتو عمى تجنب عواقب ذلك‬
‫العصاب‪ ،‬حتى يتجنب الجنون وتدمير الذات‪ ،‬فيمجأ إلى الفن واإلبداع‪.‬‬

‫إن الفنان المبدع عند فرويد ىو إنسان محبط في الواقع؛ ألنو يريد الثروة والقوة والشرف‬
‫وحب النساء‪ ،‬لكن تنقصو الوسائل لموصول إلى ىذه اإلشباعات‪ ،‬ومن ثم فيو يمجأ لمتسامي‬
‫بيذه الرغبات وتحقيقيا خياليا‪ .‬فالفن لدى فرويد ىو منطقة وسطية بين عالم الواقع الذي يحبط‬
‫الرغبات‪ ،‬وعالم الخيال الذي يحققيا‪.‬‬

‫إذا كان فرويد قد رأى بأن الفن واإلبداع تعويض عن كبت جنسي يعاني منو المبدع‪،‬‬

‫وضربا من ضروب التنفيس في لحظات غياب األنا األعمى‪ ،‬فإن تمميذه ألفرد أدلر (ت‪1937‬م)‬

‫كان يرى بأن مركب النقص أو القصور ىو الذي يصبح " قوة َو َّى َ‬
‫اج ًة لتحريك مشاعر الفنان‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫وعامال فعاال لنشاطو اإلبداعي الناتج عن مبدأ قانون التعويض النفسي"‪ ،‬فمركب النقص يدفع‬

‫الفنان إلى " إرادة التفوق في محاولة إثبات الذات وتأكيد الوجود"؛ لذلك رأى أدلر أن عقدة‬

‫الجنس بكل مظاىرىا ال تفمح في تفسير اإلبداع‪ ،‬بقدر ما يبدو النقص عند المبدع ومحاولة‬

‫تعويضو بالفن‪ ،‬مقترحا إعادة تفسير سموك ليوناردو دافنشي (ت‪1519‬م) انطالقا من "واقع عدم‬

‫إشباعو عاطفة األمومة ورغبة ىذا الفنان في التعويض عن إحساسو المفقود كونو ابنا غير‬

‫شرعي أوال و لتعويض حرمانو من حنان أمو التي تزوجت برجل ثانيا"‪.‬‬

‫أما كارل غوستاف يونغ فيرى أن الفنان يعيد " تفصيل األساطير المستمدة من التجارب‬

‫الشعائرية عند اإلنسان البدائي‪ ،‬أحيانا عن وعي‪ ،‬وأحيانا من خالل عممية حممية"‪ ،‬فالفنان يدرك‬

‫أم ار في الالشعور الجمعي بغير إرادة منو‪ ،‬إدراكا فطريا وجدانيا مستمرا؛ مما يترتب عمى ذلك‬

‫ضغطا قويا يؤثر عمى حياتو النفسية‪ ،‬ومع ذلك فإن يونغ يرفض وصف فرويد لمفنان بأنو‬

‫مريض أعصاب؛ إذ المبدع عنده أىم بكثير من المريض في أعصابو‪ ،‬من ىنا جنحت‬

‫التفسيرات النفسية لمفن عند يونغ إلى تقصي مظاىر النماذج العميا البدائية في األدب والفن تمك‬

‫التي يعكسيا األدباء والفنانون في أعماليم‪ ،‬مع محاولة ىذه الدراسات فيم تمك النماذج‬

‫وتفسيرىا‪.‬‬

‫وأخي ار تبقى دراسة العممية اإلبداعية وسيكولوجية الفنان أو المبدع وسماتو ودوافع إبداعو‬

‫ومرضو أو صحتو دراسة معقدة كظاىرة إنسانية وجدت منذ وجد اإلنسان‪ ،‬وستظل ترافقو وال‬

‫تفنى مادامت الحياة‪ ،‬وسيظل الفن واإلبداع ذا طبيعة خالفية مفتوحا كعممية لمدراسة والبحث‪،‬‬

‫فيو من حيث المكانة يمثّل أعمق وأوسع وأعقد نوع من أنواع التفكير البشري‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫مراجع المحاضرة‪:‬‬

‫‪ )1‬عبد القادر فيدوح‪ :‬االتجاه النفسي في نقد الشعر العربي‪ ،‬دار صفاء‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪.2010 ،1‬‬
‫‪ )2‬صالح ىويدي‪ :‬النقد األدبي الحديث – قضاياه و منيجو ‪ ،-‬منشورات جامعة السابع أبريل‪ ،‬ليبيا‪ ،‬دط‪،‬‬
‫‪.2005‬‬
‫‪ )3‬زين الدين المختاري‪ :‬المدخل إلى نظرية النقد النفسي‪ ،‬سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد‬
‫(نموذجا)‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪.1998 ،‬‬
‫‪ )4‬ستانمي ىايمن‪ :‬النقد األدبي و مدارسو الحديثة‪ ،‬تر (إحسان عباس و محمد يوسف نجم)‪ ،‬دار الثقافة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د ط‪ ،1960 ،‬ج ‪.1‬‬
‫‪ )5‬أحمد كمال زكي‪ :‬النقد األدبي الحديث – أصولو و اتجاىاتو‪ ،-‬الشركة المصرية العممية لمنشر‪ ،‬لونجان‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ومكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1997 ،1‬‬

‫‪5‬‬

You might also like