You are on page 1of 398

‫ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻟﻠﻨﺸﺮ ﻭﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻊ‪١٤٤٣ ،‬ﻫـ‬

‫ﻓﻬﺮﺳﺔ ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻓﻬﺪ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﻨﺸﺮ‬


‫ﺍﻟﺴﺤﻴﻢ‪ ،‬ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ‪.‬‬
‫ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﺮﺿﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺎﺩﻩ ﻣﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ‪ /‬ﻣﺤﻤﺪ‬
‫ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺴﺤﻴﻢ؛ ﺳﺎﻣﻲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﺨﻠﻴﻞ ‪ -‬ﻁ‪ . -٣‬ﺍﻟﺮﻳﺎﺽ‪ ١٤٤٣ ،‬ﻫـ‪.‬‬
‫‪ ٣٩٦‬ﺹ ‪ ،‬ﺳﻢ‬
‫ﺭﺩﻣﻚ‪٩٧٨ - ٦٠٣ -٩١٧٦٨ - ٧- ٩ :‬‬
‫‪ - ٣‬ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ‬ ‫‪ - ٢‬ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ‬ ‫‪ - ١‬ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ )ﺍﻹﺳﻼﻡ(‬
‫ﺏ ‪ -‬ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‬ ‫ﺃ ‪ -‬ﺍﻟﺨﻠﻴﻞ‪ ،‬ﺳﺎﻣﻲ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ )ﻣﺆﻟﻒ ﻣﺸﺎﺭﻙ(‬
‫‪١٤٤٣/٥٧٨٩‬‬ ‫ﺩﻳﻮﻱ‪٢٤٠ :‬‬

‫رﻗﻢ اﻹﻳﺪاع‪ ١٤٤٣/٥٧٨٩ :‬ردﻣﻚ‪٩٧٨-٦٠٣-٩١٧٦٨- ٧-٩ :‬‬

‫\’‪Ïm’]m’\;ϬeŞ‬‬
‫‪‹MKMM;H;;z·LOON‬‬

‫‪√ÁÜÊi’\Â;Öçfi÷’;ÎÅËŒ¬’\;Ñ\Ä‬‬
‫\’‪ô]ÁÖ’\;H;ÏÁÄʬâ’\;ÏËdÖ¬’\;Ï“÷⁄⁄‬‬
‫·]‪0503310067;Àh‬‬
‫‪5‬‬ ‫بين يدي الكتاب‬

‫بين يـدي الكتــاب‬


‫‪‬‬

‫عوجا‪ ،‬وأشهد أن‬


‫الحمد هلل الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له ً‬
‫ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء‬
‫قدير‪ ،‬وأشهد أن محمدً ا عبده ورسوله وأمينه على وحيه ﷺ‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإن علم االعتقاد هو أشرف العلوم وأج ُّلها؛ ألنه يتحدث عن‬
‫أشرف معلوم ‪ -‬وهو الحق ‪ - ‬وأشرف مقصود ‪ -‬وهو توحيده‬
‫واإليمان به ‪ -‬وأشرف ٍ‬
‫مآل ‪ -‬وهو رؤية الرب الكريم يف دار النعيم‪ ،‬ومتابعة‬
‫النبي الكريم ﷺ‪ ،‬وسلوك الصراط المستقيم؛ لذا رغبنا أن نؤ ِّلف كتا ًبا‬
‫يشمل مسائل االعتقاد نستهدي فيه بكتاب اهلل‪ ،‬وسنة نبيه‪ ‬ﷺ‪ ،‬بعيدً ا عن‬
‫المصطلحات الكالمية الحادثة والتعاريف واألركان والشروط‪ ،‬ونجعله‬
‫يف متناول الجميع؛ بحيث يستفيد منه العالِم و ُط اَّلب العلم يف الجامعات‬
‫وغيرها‪ ،‬وعامة المسلمين‪.‬‬

‫‪C C‬سبب التأليف‪:‬‬
‫لقد بذل سلفنا الصالح جهو ًدا كبير ًة يف بيان االعتقاد الصحيح‪ ،‬وبيان‬
‫ليقرب ما صنَّفه‬
‫ما يضا ُّده والر ّد على المخالفين‪ .‬وقد جاء هذا الكتاب ِّ‬
‫السلف لطالب العلم ولعامة المسلمين؛ حيث جمعنا مسائل االعتقاد يف‬
‫كتاب واحد شامل لها‪ ،‬وقمنا باالقتصار على تقرير االعتقاد الصحيح دون‬
‫‪6‬‬

‫ميسرة واضحة‪،‬‬
‫الخوض يف الردود‪ ،‬كما حرصنا على صياغته بعبارات َّ‬
‫وترتيبه ترتي ًبا موضوع ًّيا‪ ،‬ونرجو أن نكون بذلك قد ح َّققنا هدفين‪ :‬أحدهما‪:‬‬
‫المساهمة يف تقريب علوم السلف‪ .‬واآلخر‪ :‬سد حاجة شديدة يف المكتبة‬
‫ميسر العبارة‪ ،‬شامل لجميع مباحث االعتقاد‪.‬‬
‫العقدية‪ ،‬وهي‪ :‬إيجاد كتاب ّ‬

‫‪C C‬الـمنهج الذي اتبعناه يف التأليـف‪:‬‬


‫‪1)1‬استعراض اآليات واألحاديث المتعلقة بكل موضوع من موضوعات‬
‫االعتقاد‪ ،‬واستخالصه منها‪.‬‬
‫‪2)2‬استعراض جميع موضوعات كتب العقائد؛ سواء المسندة أو‬
‫المتون أو شروح المتون؛ للتأكُّد من أن استخالصنا لالعتقاد من‬
‫دونه مؤلفو كتب االعتقاد‪.‬‬
‫اآليات واألحاديث شامل لما َّ‬
‫‪3)3‬إذا وردت المسألة العقدية يف القرآن الكريم أو يف السنة النبوية على‬
‫وجه واحد؛ اكتفينا بدليل أو دليلين ورد فيهما ذكر هذه المسألة‪.‬‬
‫أما إذا وردت المسألة يف القرآن الكريم أو السنة النبوية على أوجه‬
‫والعلو‪ ،‬واليد‪ ،‬ورؤية المؤمنين لرهبم يف‬
‫ِّ‬ ‫متعددة ‪ -‬كصفة الكالم‪،‬‬
‫عرصات القيامة ويف الجنة ‪ -‬فنلتزم بذكر الدليل على كل وجه من‬
‫وجوه ورودها‪ ،‬وال نلتزم بإيراد كل ما ورد يف الباب‪.‬‬
‫‪4)4‬قد نضطر إليراد بعض جوانب المسألة يف باب‪ ،‬ثم نعيدها ونستكملها‬
‫يف باب آخر‪ ،‬كما أوردنا خرب خ ْلق المالئكة يف باب الخلق‪ ،‬واستكملنا‬
‫الحديث عنهم يف كتاب اإليمان بالمالئكة‪ ،‬وذكرنا يف باب اإليمان‬
‫بوجود اهلل بعض اآليات الدالة على وجوده‪ ،‬وقد ترد اآلية ذاهتا يف‬
‫باب الربوبية وذلك لتقارهبما‪ ،‬فالمقصود من باب اإليمان بوجود‬
‫‪7‬‬ ‫بين يدي الكتاب‬

‫اهلل إبراز أدلة وجود الرب التي ينكرها الملحد‪ ،‬بينما المقصود من‬
‫باب الربوبية إثبات الربوبية المستلزمة أللوهية اهلل التي يجادل فيها‬
‫المشرك‪ ،‬كما قد نورد اآلية الكريمة أو الحديث الشريف يف أكثر من‬
‫موضع بحسب وجه االستشهاد هبما‪ ،‬والحاجة إليهما‪.‬‬
‫‪5)5‬عند الحاجة قد نذكر بعض النقول عن أئمة السلف التي توضح‬
‫المراد من اآلية والحديث‪ ،‬ونقتصر على ما يبين القول الحق فيها‬
‫دون إيراد الشبهة أو قول المخالف؛ لئال يتلقى المتعلم الشبهة‪ ،‬أو‬
‫يتضلع من أقوال المخالفين قبل أن يتم َّكن من تأصيل هذا العلم يف‬
‫قلبه وفهمه‪ .‬ونرجو أن يمنح ذلك القارئ ‪-‬بإذن اهلل‪ -‬حصان ًة من‬
‫الزلل يف هذه المسألة؛ لما قد أحاط هبا من خالف عقدي مشهور‪،‬‬
‫كمسائل الصفات‪ ،‬والقدر‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪6)6‬تعمدنا أن نبتعد عن التعريفات والمصطلحات الكالمية الحادثة‬
‫التي ما أنزل اهلل هبا من سلطان‪.‬‬
‫‪7)7‬جعلنا الكتاب على هيئة كتب وأبواب‪ ،‬كما فعل أوائل المصنفين‬
‫يف العلم الشرعي الشريف‪ ،‬ولم نستخدم التقسيمات المعاصرة‪:‬‬
‫مبحث ومطلب‪ ،‬ورتبناه على أصول اإليمان‪ .‬قال ابن أبي العز‬
‫الحنفي‪( :‬وأحسن ما ير َّتب عليه كتاب أصول الدين ترتيب جواب‬
‫النبي ﷺ لجربيل ‪ ‬حين سأله عن اإليمان‪ ،‬فقال‪« :‬أن تؤمن‬
‫باهلل ومالئكته‪ »...‬فيبدأ بالكالم على التوحيد والصفات وما يتعلق‬
‫بذلك‪ ،‬ثم بالكالم على المالئكة‪ ،‬ثم ثم إلى آخره)(((‪.‬‬

‫((( شرح العقيدة الطحاوية (‪.)689 /2‬‬


‫‪8‬‬

‫‪8)8‬قمنا بوضع ملخص لكل كتاب يف بدايته نسرد فيه جميع مسائل‬
‫الكتاب بدون أدلة‪.‬‬
‫تخريجا‬
‫ً‬ ‫‪9)9‬وفيما يخص تخريج األحاديث فقد قمنا بتخريجها‬
‫مختصرا‪ ،‬فنبدأ بالكتب الستة حسب ترتيبها المعروف‪ ،‬ثم نرتب‬
‫ً‬
‫بحسب الوفيات‪ ،‬ولرغبتا يف تصغير حجم الكتاب فقد اكتفينا‬
‫بالتخريج بدون الكالم على األحاديث إال يف أضيق نطاق‪.‬‬

‫‪C C‬مميزات هذا الكتاب‪:‬‬


‫‪1)1‬ربط المسائل العقدية بالكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة‪،‬‬
‫واضحا للطالب مأخذ هذه المسائل‪.‬‬
‫ً‬ ‫بحيث يكون‬
‫‪2)2‬اإلحاطة بالمسائل العقدية الرئيسة المتعلقة بكل باب من أبواب‬
‫االعتقاد‪.‬‬
‫‪3)3‬الحرص على تأسيس العقيدة بطريقة مختصرة وشاملة َو ْفق عبارات‬
‫ميسرة أثناء البيان والتوضيح لمسائل االعتقاد؛ حتى يكون ذلك‬
‫أدعى للفهم واالستيعاب‪.‬‬
‫‪4)4‬سالمة الكتاب من المباحث الكالمية والفلسفية‪ ،‬وتقريب عباراته‪،‬‬
‫واالبتعاد عن األلفاظ التي وردت يف بعض كتب االعتقاد بعد ظهور‬
‫األهواء‪.‬‬
‫وال نزعم أننا استقصينا مسائل العقيدة؛ لكننا استفرغنا وسعنا يف ذلك‪،‬‬
‫ونحن نتطلع لكل إثراء لهذا الكتاب أو تقويم أو استدراك؛ حتى نفيد منه يف‬
‫طبعات الكتاب التالية‪ ،‬وحسبنا أننا وردنا على مورد الوحي‪ ،‬واستنبطنا منه‬
‫‪9‬‬ ‫بين يدي الكتاب‬

‫موضوعات أشرف العلوم‪ ،‬وقدمناها إلى طالب هذا الفن مستشهدين لكل‬
‫خالصا‬
‫ً‬ ‫مسألة بآية أو حديث أو هبما م ًعا‪ .‬ونسأل اهلل أن يجعل هذا العمل‬
‫لوجهه الكريم‪ ،‬مواف ًقا لسنة نبيه وخليله وأمينه على وحيه‪ ،‬ناف ًعا لعباده‪،‬‬
‫حجة وشاهدً ا لنا يوم أن نلقى ربنا‪.‬‬

‫ونشكر اهلل ‪ ‬الذي َّ‬


‫يسر لنا هذا العلم‪ ،‬وسخرنا لخدمة دينه‪،‬‬
‫وبسط مسائل أركان اإليمان باهلل‪ ،‬وبياهنا وذكر أدلتها من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫ْ‬
‫كل َم ْن أحسن إلينا‪ ،‬و َأ ْو َلى الناس بالشكر والدينا‪ ،‬فاللهم اغفر‬
‫ونشكر َّ‬
‫لهم وارحمهم واجزهم عنا خير ما جزيت والدً ا عن ولده‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مرئيات‬ ‫ثم نشكر أصحاب الفضيلة الذين ح َّكموا الكتاب وقدّ موا‬
‫ٍ‬
‫واستدراكات مباركة وهم‪ :‬األمير الدكتور سعود بن سلمان بن محمد‬
‫آل‪ ‬سعود‪ ،‬أستاذ العقيدة المشارك يف جامعة الملك سعود‪ ،‬والدكتور‬
‫سهل‪ ‬بن رفاع العتيبي‪ ،‬أستاذ العقيدة المشارك يف جامعة الملك سعود‪،‬‬
‫واألستاذ الدكتور عبدالعزيز بن أحمد الحميدي‪ ،‬أستاذ‪ ‬العقيدة يف جامعة‬
‫أم القرى‪ ،‬وقد قال عن هذا الكتاب‪( :‬هذا الكتاب المبارك َفت ٌْح من اهلل تعالى‬
‫وخ ّطته ثم‬
‫للشيخين الكريمين‪ ،‬وذخير ٌة ذخرها اهلل لهما‪ ،‬فوفقهما لفكرته ُ‬
‫جمعه وتحريره؛ ليقدّ م هذا الكتاب غايات الرسالة وأصول الدين من‬
‫معدهنما ومنبعهما كتاب اهلل وسنة رسوله ‪ .‬وإين أزعم أن مثل هذا‬
‫السنة‪ ،‬فو ّفق اهلل الشيخين‬
‫النوع من الكتب والتآليف كان َد ْينًَا على أهل ّ‬
‫الكريمين لوفائه)‪ .‬واألستاذ الدكتور عبداهلل بن صالح البراك‪ ،‬أستاذ العقيدة‬
‫يف جامعة الملك سعود‪ ،‬والدكتور عبداهلل بن عبدالعزيز العنقري‪ ،‬أستاذ‬
‫العقيدة المشارك يف جامعة الملك سعود‪ ،‬ونسأل اهلل أن يجزيهم عنَّا وعن‬
‫‪10‬‬

‫العلم وأهله خير الجزاء لقاء ما قدموا من نصح خالص ورأي سديد‪.‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على خير خلقه‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫مكة الـمكرمة‬
‫اليوم الثامن من ذي الحجة‬
‫لعام تسعة وثالثين وأربع مائة وألف من الهجرة النبوية‬
‫‪11‬‬ ‫المقدمة‬

‫المقدمة‬
‫‪‬‬

‫وبه نستعين‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‪.‬‬
‫الحمد هلل كما ينبغي لجالل وجهه وعظيم سلطانه‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬
‫إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‪،‬‬
‫كثيرا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫وأشهد أن محمدً ا عبده ورسوله ﷺ‬
‫فهذا كتاب نذكر فيه ما يجب على المسلم اإليمان به مما ورد يف الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وقد نذكر بعض أقوال الصحابة والتابعين وأتباعهم لشرح آية أو‬
‫حديث‪ ،‬أو إليراد قول يحدِّ د المراد من اآلية أو الحديث‪ .‬وقد قسمناه إلى‬
‫كتب وأبواب‪ ،‬والتزمنا فيه االختصار قدْ ر اإلمكان‪ ،‬واالقتصار على المسائل‬
‫الالزمة‪ ،‬وابتعدنا عن الخوض فيما خاض فيه المتأخرون من مصطلحات‬
‫وأتم‬
‫لم ترد يف الكتاب وال يف السـنة النبوية ‪-‬على صاحبها أفضل الصالة ّ‬
‫التسليم‪ -‬يقول اهلل ‪ ‬حا ًّثا على ا ِّتباع دينه‪ ،‬واالعتصام بحبله‪ ،‬واالقتداء‬
‫برسوله ﷺ‪( :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران‪:‬‬

‫‪ .]103‬وقال ‪( :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الزمر‪.]55 :‬‬
‫فنقول ‪ -‬وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫كتاب بدء ْ‬
‫الخلق‬
‫‪14‬‬

‫ملخــص الكـتـــاب‬

‫نؤمن أن اهلل خالق كل شيء‪ ،‬وأن اهلل كان ولم يكن شيء غيره‪ ،‬وال‪ ‬شيء‬
‫قبله‪ ،‬وكان عرشه على الماء‪ ،‬وخلق الماء قبل أن يخلق السماء واألرض‪،‬‬
‫ثم خلق السموات واألرض‪ ،‬وكانتا رت ًقا ففتقهما‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل جعل هذا الخلق شاهدً ا على ربوبيته المستلزمة أللوهيته‪،‬‬
‫فهو الخالق الحق‪ ،‬وما سواه مخلوق تبارك ربنا وتعالى‪ ،‬وهو اإلله الحق‪،‬‬
‫وما سواه مربوب ال يستحق أن ُي ْعبد‪ ،‬أو ُي ْرجى‪ ،‬أو ُي ْقصد‪.‬‬
‫ونؤمن أن العرش الكريم خلق عظيم من خلق اهلل‪ ،‬بل هو أعظم‬
‫مخلوقاته‪.‬‬
‫تحف بعرش الرحمن‪ ،‬وأن اهلل ‪ ‬فوق‬
‫ُّ‬ ‫ونؤمن أن المالئكة‬
‫عرشه‪ ،‬فوق سمواته‪ ،‬بائن من خلقه‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق القلم الذي كتب مقادير كل شيء‪ ،‬وأن أقالم التقدير‬
‫متعددة‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق الكرسي‪ ،‬وهو أعظم المخلوقات بعد العرش‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق السموات واألرض وما بينهما يف ستة أيام من أيام‬
‫ِ‬
‫المخلوقات‬ ‫اهلل‪ ،‬وأن اهلل رفع السموات بغير عمد‪ ،‬وأن اهلل خلق هذه‬
‫‪15‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫ِ ِ‬
‫العظيم َة لح َك ٍم عظيمة ال ُيحاط هبا‪ ،‬وقد أتقن اهلل خلقها ُ‬
‫وصنْعها‪.‬‬
‫ونؤمن أن هذا الكون بسمواته وأرضه وجباله وكل ما فيه سيكون له‬
‫حال آخر يوم القيامة‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق الشمس والقمر بالحق‪ ،‬وأنه ‪ ‬جعلهما‬
‫ٍ‬
‫مسخرات بأمره‪ ،‬وخلق النجوم والكواكب لحكم عظيمة‪ ،‬وأن النجوم‬
‫تضر‪ ،‬وال تؤثر يف الحوادث السماوية واألرضية‪،‬‬
‫والكواكب ال تنفع وال ّ‬
‫ومن اعتقد أهنا مؤثرة بذاهتا فقد كفر‪ ،‬أو أشرك‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق المالئكة من نور‪ ،‬وجعلهم متفاوتين يف الخلق‪.‬‬
‫َّ‬
‫الجان من مارج من نار‪ ،‬وأن خلق الجن متقدِّ م‬ ‫ونؤمن أن اهلل خلق‬
‫على خلق آدم‪ ،‬وأن رأس الشياطين إبليس‪ ،‬وأنه هو الذي أغوى‬
‫األبوين‪  ‬حتى أخرجهما من الجنة‪.‬‬
‫ونؤمن أن إبليس استكرب عن السجود‪ ،‬فغضب اهلل عليه‪ ،‬ولعنه‪ ،‬وطرده‪،‬‬
‫وأن الجن مخاطبون بالشرائع‪ ،‬ومكلفون‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل أخرب مالئكته أنه سيجعل يف األرض خليفة لعمارهتا‬
‫بالعبادة‪ .‬وب َّين الحق أن هذا الخليفة هو آدم‪ ،‬وأنه سيخلقه من تراب‪ ،‬وهذا‬
‫أطوارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الرتاب جعله اهلل طينًا‪ ،‬ثم خلقه‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق آدم بيده الشريفة‪ ،‬وأسجد له مالئكته‪ ،‬وخلق له من‬
‫زوجا ليسكن إليها‪ ،‬وهي حواء‪ ،‬وأسكنهما الجنة‪ ،‬ثم أهبطهما إلى‬
‫نفسه ً‬
‫األرض‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫ونؤمن أن الناس ك َّلهم من ذرية آدم‪ ،‬وآدم من تراب‪ ،‬فال فضل ألحد‬
‫على أحد إال بالتقوى‪.‬‬
‫ونشهد أن اهلل خلق الناس على الفطرة‪.‬‬
‫ونؤمن أن الروح من أمر اهلل‪ ،‬وأن البشر ال يعلمون من شأهنا إال ما‬
‫أطلعهم اهلل عليه‪ ،‬وأن األرواح مخلوقة هلل‪.‬‬
‫ونؤمن أن األرواح تموت‪ ،‬ومو ُتها مفارق ُة البدن‪.‬‬
‫أمم أمثا ُلنا‪.‬‬
‫يدب على األرض من دابة ٌ‬ ‫ونؤمن أن َّ‬
‫كل ما ُّ‬
‫ونعلم أن اهلل خلق كل دابة من ماء‪ ،‬وجعل من كل شيء زوجين‪ ،‬وكل‬
‫هذه المخلوقات إلى الهالك‪ ،‬إال ما استثناه اهلل‪ ،‬عز شأنه وتعالى‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫بــاب‬
‫اهلل خالق كل شيء‬

‫نشهد أن اهلل خالق كل شيء‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ‬


‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [األنعام‪:‬‬
‫‪ .]102‬وقال الحق َّ‬
‫جل يف عاله‪( :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ) [الزمر‪ ،]62 :‬وقال ‪( :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ) [الروم‪.]27 :‬‬
‫كان اهلل‬ ‫ونؤمن أن اهلل كان ولم يكن شيء غيره‪ ،‬وال شيء قبله‪ ،‬قال اهلل ‪:‬‬
‫ولم يكــن‬
‫(ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الحديد‪.]3 :‬‬
‫شيء قبله‬
‫ْت آْال ِخ ُر َف َل ْي َس‬
‫ك َش ْي ٌء‪َ ،‬و َأن َ‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬
‫ْت أْالَ َّو ُل َف َل ْي َس َق ْب َل َ‬
‫ْت ا ْل َباطِ ُن َف َل ْي َس ُدون َ‬
‫َك‬ ‫ك َش ْي ٌء‪َ ،‬و َأن َ‬ ‫ْت ال َّظ ِ‬
‫اه ُر َف َل ْي َس َف ْو َق َ‬ ‫َب ْعدَ َك َش ْي ٌء‪َ ،‬و َأن َ‬
‫َش ْي ٌء»(((‪.‬‬
‫وعن عمران بن حصين ‪ ‬قال‪ :‬إِنِّي ِعنْدَ النَّبِ ِّي ﷺ إِ ْذ َجا َء ُه َق ْو ٌم مِ ْن‬
‫يم‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ا ْق َب ُلوا ال ُب ْش َرى َيا َبنِي ت َِميمٍ»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬ب َّش ْر َتنَا َف َأ ْعطِنَا‪َ ،‬فدَ َخ َل‬ ‫َبنِي َت ِم ٍ‬
‫َاس مِ ْن َأ ْه ِل ال َي َم ِن‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ا ْق َب ُلوا ال ُب ْش َرى َيا َأ ْه َل ال َي َم ِن‪ ،‬إِ ْذ َل ْم َي ْق َب ْل َها َبنُو‬
‫ن ٌ‬
‫ين‪َ ،‬ولِن َْس َأ َل َك َع ْن َأ َّو ِل َه َذا األَ ْم ِر‪:‬‬ ‫ت َِميمٍ»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬قبِ ْلنَا‪ِ ،‬ج ْئن َ‬
‫َاك لِنَ َت َف َّق َه فِي الدِّ ِ‬
‫ِ‬
‫الماء‪ُ ،‬ث َّم َخ َل َق‬ ‫َان َع ْر ُش ُه َع َلى‬
‫َان اهَّللُ َو َل ْم َيك ُْن َش ْي ٌء َق ْب َل ُه‪َ ،‬وك َ‬
‫َان؟ َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫َما ك َ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2713‬وأبو داود (‪ ،)5051‬والترمذي (‪ ،)3400‬وابن ماجه‬


‫(‪.)3831‬‬
‫‪18‬‬

‫الذ ْكرِ ك َُّل َش ْي ٍء»(((‪ ،‬ويف رواية بلفظ‪« :‬ك َ‬


‫َان‬ ‫َب فِي ِّ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َوات َواألَ ْر َض‪َ ،‬و َكت َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الماء»(((‪.‬‬ ‫َان َع ْر ُش ُه َع َلى‬
‫اهَّللُ َو َل ْم َيك ُْن َش ْي ٌء َغ ْي َر ُه‪َ ،‬وك َ‬
‫أمم أمثا ُلنا‪ ،‬قال الحق جل‬
‫يدب على األرض من دابة ٌ‬ ‫ونؤمن أن َّ‬
‫كل ما ُّ‬ ‫خلق اهلل كل‬
‫دابة من ماء‬
‫يف عاله‪( :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [األنعام‪ .]38 :‬ونعلم أن اهلل خلق كل‬
‫دابة من ماء‪ ،‬قال الحق ‪( :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ) [النور‪ .]45 :‬وجعـل من كـل شيء زوجين‪ ،‬فقال اهلل تعالى‪:‬‬
‫(ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الذاريات‪ .]49 :‬وقال المولى عز‬
‫شأنه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [النجم‪.]45 :‬‬
‫ٌ‬
‫متوازن ال يطغى شيء منه‬ ‫تنوعه وكثرته‪-‬‬
‫ونؤمن أن هذا الخلق ‪-‬على ُّ‬ ‫ال��ت��وازن يف‬
‫خ��ل��ق اهلل‬
‫على شيء‪ ،‬وال نوع على نوع‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الحجر‪.]19 :‬‬
‫وكل هذه المخلوقات ستصير إلى فناء‪ ،‬قال اهلل جل يف عاله‪( :‬ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الرحمن‪ .]27 ،26 :‬إال ما استثناه اهلل‬
‫من الصعق يف قوله عز شأنه وتعالى سلطانه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ)‬

‫[الزمر‪.]68 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل جعل هذا الخلق شاهدً ا على ربوبيته المستلزمة أللوهيته‪،‬‬ ‫املخلوقات‬
‫شواهد عىل‬
‫فتارة يجعل خلقه لهذا الخلق دالاًّ على ذلك‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪( :‬ﯩ‬ ‫ربوبية اهلل‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)7418‬والترمذي (‪.)3951‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪.)3191‬‬
‫‪19‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ)‬
‫[لقمان‪ .]11 :‬وتارة يذكر الحق أن أكرب مخلوق فيها ‪-‬وهو العرش‪ -‬دل على‬
‫ذلك كما يف قول الحق سـبحانه‪( :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النمل‪:‬‬
‫‪ ،]26‬وقال ﷺ‪« :‬سبحان اهلل ِ عدَ د َخ ْل ِق ِه‪ .‬سبحان اهلل ِ ِر َضا َن ْف ِس ِه‪ .‬سبحان اهلل ِ‬
‫ُ ْ َ َ‬ ‫ُ ْ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ َ َ‬
‫ان اهلل ِ ِمدَ ا َد ك َِل َماتِ ِه»(((‪ .‬فزنة العرش أثقل األوزان‪ .‬وتارة‬ ‫ِز َن َة َع ْر ِش ِه‪ُ .‬س ْب َح َ‬
‫المخلوقات الكبير َة دليلاً على ذلك‪ ،‬كما يف قوله جل شأنه‪( :‬ﯬ‬ ‫ِ‬ ‫يجعل‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [البقرة‪ .]29 :‬وتارة يجعل فر ًدا من أفراد هذه المخلوقات‬
‫دليلاً على ذلك‪ ،‬كما يف قوله ‪( :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ) [فاطر‪.]27 :‬‬
‫وتارة يجعل أضعف مخلوق وأصغره دليلاً على ذلك‪ ،‬كما يف قوله‬
‫تعالى‪( :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [البقرة‪ .]26 :‬فهو الخالق الحق‪ ،‬وما‪ ‬سواه مخلوق‬
‫تبارك ربنا وتعالى‪ ،‬وهو اإلله الحق‪ ،‬وما سواه مربوب ال يستحق أن يعبد‪،‬‬
‫أو يرجى‪ ،‬أو يقصد‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2726‬والنسائي (‪ ،)1/1351‬والترمذي (‪ ،)3555‬وابن ماجه‬


‫(‪.)3808‬‬
‫‪20‬‬

‫بــاب‬
‫خلق العرش العظيم‬
‫ونؤمن أن العرش خلق عظيم من خلق اهلل‪ ،‬بل هو من أعظم مخلوقاتـه‪،‬‬
‫عظيم‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫وإذا وصفه العظيم بأنه عظيم فهو ‪ -‬ح ًّقا ‪-‬‬
‫(ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النمل‪ .]26 :‬ووصفه بأنه مجيد‪ ،‬فقال‬
‫المولى عز شأنه‪( :‬ﯓ ﯔ ﯕ) [الربوج‪ ،]15 :‬وهو مع عظمته مخلوق‬
‫مربوب‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)‬

‫قوائم؛ قال‬
‫ُ‬ ‫«‪...‬و َخ َل َق َع ْر َش ُه َع َلى الماء»(((‪ .‬وله‬
‫َ‬ ‫[المؤمنون‪ .]86 :‬وقال ﷺ‪:‬‬
‫ُون َأو َل من ي ِف ُيق‪َ ،‬فإِ َذا َأنَا بِموسى ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫آخ ٌذ‬ ‫ُ َ‬ ‫ون َي ْو َم الق َي َامة‪َ ،‬ف َأك ُ َّ َ ْ ُ‬
‫َّاس َي ْص َع ُق َ‬ ‫ﷺ‪« :‬الن ُ‬
‫ش»(((‪.‬‬ ‫بِ َقائِ َم ٍة ِم ْن َق َوائِ ِم ال َع ْر ِ‬
‫والعرش فوق السموات‪ ،‬واهلل فوق العرش‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬إِ َّن َع ْر َش ُه َع َلى‬ ‫العرش فوق‬
‫َس َم َواتِ ِه َل َهك ََذا ‪َ -‬و َق َال بِإِ ْص ُب ِع ِه مِ ْث َل ا ْل ُق َّب ِة َع َل ْي ِه ‪َ -‬وإِ َّن ُه َل َيئِ ُّط بِ ِه َأطِ َ‬
‫ا لسمو ا ت ‪،‬‬
‫الر ْح ِل‬
‫يط َّ‬ ‫واهلل فـــوق‬
‫ب»(((‪ .‬ويف رواية‪« :‬إِ َّن اهللَ َف ْو َق َع ْر ِش ِه‪َ ،‬و َع ْر ُش ُه َف ْو َق َس َم َواتِ ِه»(((‪.‬‬ ‫الراكِ ِ‬ ‫بِ َّ‬
‫ال���ع���رش‬

‫ونؤمن أن تحت العرش من الكنوز الربانية ما ال يقدر قدره إال اهلل‪ ،‬فقد‬ ‫الكنوز التي‬
‫حتت العرش‬

‫أخرجه الترمذي (‪ ،)3109‬وابن ماجه (‪ ،)182‬والطيالسي (‪ ،)1189‬وأحمد‬ ‫((( ‬


‫(‪ )16188‬وابن أبي عاصم في السنة (‪.)625‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)3398‬ومسلم (‪ ،)2374‬وأبو داود (‪.)4668‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)4726‬وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (‪،)24‬‬ ‫((( ‬
‫وابن أبي عاصم في السنة (‪ ،)587‬وابن خزيمة في التوحيد (‪.)147‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)4726‬وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (‪،)24‬‬ ‫((( ‬
‫وابن أبي عاصم في السنة (‪ ،)588‬وابن خزيمة في التوحيد (‪.)147‬‬
‫‪21‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫آخرِ ا ْل َب َق َر ِة ِم ْن َكن ٍْز ت َْح َ‬


‫ت ا ْل َع ْر ِ‬
‫ش‪َ ،‬ل ْم‬ ‫ات ِمن ِ‬
‫ْ‬
‫يت ه ِذ ِه آْالي ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫«و ُأ ْعط ُ َ‬ ‫قال ﷺ‪َ :‬‬
‫ُي ْع َط َها َنبِ ٌّي َق ْب ِلي»(((‪.‬‬
‫ويف حديث أبي ذر ‪ ‬قال‪ :‬أمرين خليلي ﷺ بسبع‪ ،‬وذكر منها‪:‬‬
‫ت‬‫«و َأ َم َرنِي َأ ْن ُأكْثِ َر ِم ْن َق ْو ِل‪ :‬اَل َح ْو َل َو اَل ُق َّو َة إِ اَّل بِاهَّللِ‪َ ،‬فإِن َُّه َّن ِم ْن َكن ٍْز ت َْح َ‬
‫َ‬
‫ش»(((‪.‬‬ ‫ا ْل َع ْر ِ‬
‫ال��رس��ول‬ ‫ونؤمن أن الرسول ﷺ يسجد تحت العرش يوم القيامة حتى يشفع‬
‫الشفاعة العظمى‪ ،‬ففي حديث الشفاعة الطويل أن النبي ﷺ قال‪َ « :‬ف َأ ْن َط ِل ُق‪،‬‬
‫ﷺ يسجد‬
‫حتت العرش‬
‫يوم القيامة‬ ‫اجدً ا لِ َر ِّبي ‪ُ ،‬ث َّم َي ْفت َُح اهَّللُ َع َل َّي ِم ْن َم َح ِام ِد ِه‬ ‫ش‪َ ،‬ف َأ َق ُع َس ِ‬ ‫ت ال َع ْر ِ‬ ‫َفآتِي ت َْح َ‬
‫َاء َع َل ْي ِه‪َ ،‬ش ْيئًا َل ْم َي ْفت َْح ُه َع َلى َأ َح ٍد َق ْب ِلي‪ُ ،‬ث َّم ُي َق ُال‪َ :‬يا ُم َح َّمدُ ‪ْ ،‬ار َف ْع‬‫وحس ِن ال َّثن ِ‬
‫َ ُ ْ‬
‫ول‪ُ :‬أ َّمتِي َيا َر ِّب‪ُ ،‬أ َّمتِي َيا‬ ‫ك َس ْل ُت ْع َط ْه‪َ ،‬و ْاش َف ْع ت َُش َّف ْع‪َ .‬ف َأ ْر َف ُع َر ْأ ِسي‪َ ،‬ف َأ ُق ُ‬ ‫َر ْأ َس َ‬
‫َر ِّب‪.(((»... ،‬‬
‫معلقة يف ظل العرش‪ ،‬فعن‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫قناديل‬ ‫ونؤمن أن أرواح الشهداء تأوي إلى‬
‫يب إِ ْخ َوا ُنك ُْم بِ ُأ ُح ٍد‬ ‫ِ‬
‫ابن عباس ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ل َّما ُأص َ‬
‫ار َها‪،‬‬ ‫ف َط ْيرٍ ُخ ْضرٍ‪َ ،‬ترِ ُد َأن َْه َار ا ْل َجن َِّة‪ ،‬ت َْأك ُُل ِم ْن ثِ َم ِ‬ ‫جع َل اهَّلل َأرواحهم فِي جو ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ َْ َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ش‪.(((»...‬‬ ‫ب ُم َع َّل َق ٍة فِي ظِ ِّل ا ْل َع ْر ِ‬ ‫يل ِم ْن َذ َه ٍ‬ ‫وت َْأ ِوي إِ َلى َقن ِ‬
‫َاد َ‬ ‫َ‬
‫وقيل البن المبارك‪ :‬كيف نعرف ربنا؟ قال‪« :‬بأنه فوق السماء السابعة‬

‫أخرجه مسلم (‪ )522‬دون موطن الشاهد‪ ،‬والطيالسي (‪ ،)418‬وابن أبي شيبة في‬ ‫((( ‬
‫المصنف (‪ ،)32306‬وأحمد (‪ )23251‬واللفظ له‪ .‬وغيرهم‪.‬‬
‫أخرجه البزار (‪ ،)3966‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ ،)35491‬وهناد في الزهد‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)1013‬وأحمد في المسند (‪ )21415‬واللفظ له‪ ،‬وفي الزهد (‪.)401‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)4712‬ومسلم (‪ ،)194‬والترمذي (‪ ،)2434‬وابن ماجه (‪.)3307‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)2520‬وابن المبارك في الجهاد (‪ ،)62‬وابن أبي شيبة (‪،)19678‬‬ ‫((( ‬
‫وأحمد‪.)2388( ‬‬
‫‪22‬‬

‫على العرش‪ ،‬بائن من خلقه»(((‪.‬‬


‫وقال اإلمام الدارمي ‪« :‬فاهلل ‪ ‬فوق عرشه‪ ،‬فوق سمواته‪،‬‬
‫بائن من خلقه‪ ،‬فمن لم يعرفه بذلك لم يعرف إلهه الذي يعبد‪ ،‬وع ْلمه من‬
‫فوق العرش بأقصى خلقه وأدناهم واحد‪ ،‬وال يبعد عنه شيء؛ (ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [سبأ‪  .]3 :‬عما يصفه‬
‫كبيرا»(((‪.‬‬
‫علوا ً‬
‫المعطلون ًّ‬
‫ونؤمن أن العرش تحمله المالئكة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬ ‫ال���ع���رش‬
‫حت���م���ل���ه‬
‫ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬ ‫ا لـمال ئكــة‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)‬

‫[غافر‪ .]7 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬


‫ﮏ) [الحاقة‪.]17  :‬‬
‫«أ ِذ َن لِي َأ ْن‬ ‫وقد أخرب النبي ﷺ عن بعض صفات حملة العرش فقال‪ُ :‬‬
‫ك ِم ْن َملاَ ئِك َِة اهَّلل ِ ِم ْن َح َم َل ِة ا ْل َع ْر ِ‬
‫ش‪ ،‬إِ َّن َما َب ْي َن َش ْح َم ِة ُأ ُذنِ ِه إِ َلى‬ ‫ث عن م َل ٍ‬
‫ُأ َحدِّ َ َ ْ َ‬
‫َعاتِ ِق ِه َم ِس َير ُة َس ْب ِع ِمائ َِة َعامٍ»(((‪.‬‬
‫تحف بعرش الرحمن‪ ،‬قال الحق‪( :‬ﭑ ﭒ‬
‫ُّ‬ ‫ونؤمن أن المالئكة‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ) [الزمر‪.]75 :‬‬
‫(( ( الرد على الجهمية‪ ،‬للدارمي (ص‪ ،)47 :‬واألسماء والصفات‪ ،‬للبيهقي (‪،)336/2‬‬
‫والفتوى الحموية الكبرى (ص‪ ،)333 :‬وشرح الطحاوية ‪ -‬ط دار السالم (ص‪:‬‬
‫‪.)219‬‬
‫((( الرد على الجهمية (ص‪.)47 :‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)4727‬والطبراني في األوسط (‪ ،)1709‬وأبو الشيخ في العظمة‬
‫(‪ ،)476‬وابن شاهين في الفوائد (‪.)19‬‬
‫‪23‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫َب‬‫والعرش مع الكتاب المذكور يف قوله ﷺ‪َ « :‬ل َّما َق َضى اهَّللُ الخَ ْل َق َكت َ‬
‫ت َغ َضبِي»((( هما أعلى‬ ‫ش‪ :‬إِ َّن َر ْح َمتِي َغ َل َب ْ‬
‫فِي كِتَابِ ِه‪َ ،‬ف ُه َو ِعنْدَ ُه َف ْو َق ال َع ْر ِ‬
‫المخلوقات‪ ،‬قال ﷺ‪َ ...« :‬فإِ َذا س َأ ْلتُم اهَّلل َفس ُلوه ِ‬
‫الف ْر َد ْو َس؛ َفإِ َّن ُه َأ ْو َس ُط‬ ‫َ ُ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجنَّة»(((‪.‬‬ ‫الر ْح َم ِن‪َ ،‬ومنْ ُه َت َف َّج ُر َأن َْه ُار َ‬ ‫الجنَّة‪َ ،‬و َأ ْع َلى َ‬
‫الجنَّة‪َ ،‬و َف ْو َق ُه َع ْر ُش َّ‬ ‫َ‬
‫اس��ت��واء اهلل‬ ‫ونؤمن أن اهلل ُم ْست ٍَو على عرشه استوا ًء يليق بجالله‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮅ‬
‫عىل العرش‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ)‬
‫[األعراف‪ ،]54 :‬وقال الحق جل يف عاله‪( :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الفرقان‪.]59 :‬‬
‫وقد سـئل ربيعة الرأي عن قـول اهلل ‪( :‬ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ) [طه‪ :]5 :‬كيف استوى؟ قال‪« :‬الكيف مجهـول‪ ،‬واالستواء غير‬
‫ُ‬
‫اإليمان بذلك كله»(((‪.‬‬ ‫علي وعليكم‬
‫معقول‪ ،‬ويجب َّ‬
‫وجاء رجل إلى مالك بن أنس فقال‪ :‬يا أبا عبداهلل‪( :‬ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫كو ْج ِد ِه من‬
‫ﮌ)‪ :‬كيف استوى؟ قال‪ :‬فما رأينا مال ًكا وجد من شيء َ‬
‫مقالته‪ ،‬وعلاَ ه ُّ‬
‫الر َح َضا ُء‪ ،‬وأطرق‪ ،‬وجعلنا ننتظر ما يأمر به فيه‪ ،‬قال‪ :‬ثم‬
‫ُس ِّري عن مالك‪ ،‬فقال‪« :‬الكيف غير معقول‪ ،‬واالستواء منه غير مجهول‪،‬‬
‫واإليمان به واجب‪ ،‬والسؤال عنه بدعة‪ ،‬وإين ألخاف أن تكون ضالاًّ ‪ ،‬ثم‬
‫أمر به‪ ،‬فأخرج»(((‪.‬‬

‫أخرجه البخاري (‪ ،)3194‬ومسلم (‪ ،)2751‬والترمذي (‪ ،)3543‬وابن ماجه (‪،189‬‬ ‫((( ‬


‫‪.)4295‬‬
‫أخرجه البخاري (‪.)7423‬‬ ‫(( (‬
‫األسماء والصفات للبيهقي (‪ ،)306/2‬وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‬ ‫((( ‬
‫(‪.)582/3‬‬
‫الرد على الجهمية‪ ،‬للدارمي (ص‪ ،)66 :‬وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة=‬ ‫((( ‬
‫‪24‬‬

‫وكان اإلمام أحمد يقول يف معنى االستواء‪« :‬هو العلو واالرتفاع‪،‬‬


‫ولم‪ ‬يزل اهلل تعالى عال ًيا رفي ًعا قبل أن يخلق عرشه‪ ،‬فهو فوق كل شيء‪،‬‬
‫ٍ‬
‫مخالف لسائر‬ ‫خص اهلل العرش لمعنًى فيه‬ ‫والعالي على كل شيء‪ ،‬وإنما ّ‬
‫األشياء‪ ،‬والعرش أفضل األشياء وأرفعها‪ ،‬فامتدح اهلل نفسه بأنه على العرش‬
‫استوى؛ أي‪ :‬عليه عال‪ ...‬وحكي عن عبدالرحمن بن مهدي عن مالك‪ :‬أن‬
‫ٍ‬
‫مستو على عرشه المجيد كما أخرب‪ ،‬وأن علمه يف كل مكان»(((‪.‬‬ ‫اهلل تعالى‬
‫وربوبية اهلل ‪ ‬للعرش دليل على استحقاقه للعبادة دون من‬ ‫ربوبيـــة اهلل‬

‫سواه‪ ،‬فقال اهلل تعالى‪( :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬


‫‪‬‬
‫ل��ل��ع��رش‬
‫ﯫ ﯬ) [األنبياء‪ ،]22 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬ ‫دليـل عــىل‬
‫ا ستـحـقا قه‬
‫ﯨ ﯩ) [المؤمنون‪ ،]86 :‬وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬ ‫ل��ل��ع��ب��ادة‬

‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [اإلسراء‪.]42 :‬‬

‫= (‪ ،)441/3‬وحلية األولياء وطبقات األصفياء (‪ ،)325/6‬واالعتقاد‪ ،‬للبيهقي (ص‪:‬‬


‫‪ ،)116‬وشرح السنة‪ ،‬للبغوي (‪ .)171/1‬واألسماء والصفات‪ ،‬للبيهقي (‪.)306/2‬‬
‫((( العقيدة رواية أبي بكر الخالل (ص‪.)108 :‬‬
‫‪25‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫بــاب‬
‫خـــلق الــمـــاء‬

‫ونؤمن بأن اهلل جل يف عـاله خلق الماء قبل أن يخلق السماء واألرض‪،‬‬
‫ِ‬
‫الماء‪ُ ،‬ث َّم َخ َل َق‬ ‫َان َع ْر ُش ُه َع َلى‬
‫َان اهَّللُ َو َل ْم َيك ُْن َش ْي ٌء َق ْب َل ُه‪َ ،‬وك َ‬
‫قال ﷺ‪« :‬ك َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫حي‪ ،‬قال الحق‬ ‫الس َم َوات َواأل ْر َض» ‪ ،‬وجعل اهلل من الماء كل شيء ٍّ‬
‫(((‬
‫َّ‬
‫سبحانه‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [األنبياء‪ ،]30 :‬وأن اهلل جعله آية من‬
‫آيات ربوبيته وألوهيته‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ) [البقرة‪.]22 :‬‬
‫عز من قائل‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫وقال َّ‬
‫ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الرعد‪ ،]4 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫(ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ)‬

‫[الفرقان‪]54 ،53 :‬؛ فجعل من الماء بحرين مختلفين‪ ،‬وجعل بينهما ِح ْج ًرا‬
‫بشرا‪ ،‬وجعل من‬ ‫ً‬
‫وبرزخا‪ ،‬فال يبغي أحدهما على اآلخر‪ ،‬كما جعل من الماء ً‬
‫وصهرا‪ ،‬فتبارك اهلل أحسن الخالقين‪ ،‬وأمثال هذه اآليات كثير‪.‬‬
‫ً‬ ‫البشـر نس ًبا‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2713‬وأبو داود (‪ ،)5051‬والترمذي (‪ ،)3400‬وابن ماجه‬


‫(‪.)3831‬‬
‫‪26‬‬

‫كما جعله اهلل دليلاً على البعث‪ ،‬فقال جل من قائل‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ج��ع��ل اهلل‬
‫الـمـاء اً‬
‫دليل‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ‬ ‫عىل البعــث‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [فصلت‪.]39 :‬‬
‫وجعله جندً ا من جنوده‪ ،‬فنصر به أولياءه‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﭲ‬
‫الـمـاء جند‬
‫ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬ ‫من جنود اهلل‬

‫‪،]11‬‬ ‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [األنفال‪:‬‬

‫وخذل به أعداءه‪ ،‬قال الولي الحميد‪( :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬


‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬
‫ﮃ) [القمر‪ ،]12-10 :‬إلى غير ذلك من األحوال التي جعل اهلل فيها الماء‬
‫سب ًبا لنصرة أوليائه أو ِخذالن أعدائه‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫بــاب‬
‫خلق القلم‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق القلم الذي كتب ال َقدَ ر‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬إِ َّن َأ َّو َل َما َخ َل َق‬
‫اهَّلل ا ْل َق َلم‪َ ،‬ف َق َال َله‪ :‬ا ْكتُب‪َ ،‬ق َال‪ :‬رب‪ ،‬وما َذا َأ ْكتُب؟ َق َال‪ :‬ا ْكتُب م َق ِ‬
‫اد َير ك ُِّل‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِّ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫َش ْيء َحتَّى َت ُقو َم َّ‬
‫السا َعةُ»(((‪.‬‬
‫ونؤمن أن األقالم متعددة‪ ،‬قال ﷺ ‪-‬وهو يخرب عن اإلسراء والمعراج‪:‬‬
‫« ُث َّم ُعرِ َج بِي َحتَّى َظ َه ْر ُت لِ ُم ْست ًَوى َأ ْس َم ُع فِ ِيه َصرِ َ‬
‫يف األَ ْقلاَ مِ»(((‪.‬‬
‫وتكرر يف القـرآن والسنة الخبر عن كتابة المالئكة ألفعال العباد‪ ،‬كما‬
‫(ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)‬ ‫يف قوله تعالى‪:‬‬
‫[االنفطار‪.]12- 10 :‬‬

‫وقال تعالى‪( :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬


‫ﭯ ﭰ ﭱ) [ق‪.]18 ،17 :‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [يونس‪]21 :‬‬

‫وقال تعالى‪( :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)‬

‫[الزخرف‪.]80 :‬‬

‫(( ( أخرجه أبو داود (‪ ،)4700‬والترمذي (‪ ،)3319 ،2155‬والطيالسي (‪ ،)578‬وأحمد‬


‫(‪ ،)22707 ،22705‬وابن أبي عاصم في السنة (‪.)115‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)349‬ومسلم (‪.)163‬‬
‫‪28‬‬
‫«ما ِمنْك ُْم ِم ْن َأ َح ٍد‪َ ،‬و َما ِم ْن َن ْف ٍ‬
‫س‬ ‫ويف «الصحيح» أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ :‬‬
‫ت َش ِق َّي ًة َأ ْو َس ِعيدَ ةً»(((‪.‬‬
‫َّار‪َ ،‬وإِ اَّل َقدْ كُتِ َب ْ‬
‫الجن َِّة َوالن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫منْ ُف ٍ‬
‫وسة إِ اَّل كُت َ‬
‫ب َمكَان َُها م َن َ‬ ‫َ َ‬
‫ٍ‬
‫‪-‬أيضا‪« :‬إِ َذا َأ ْح َس َن َأ َحدُ ك ُْم إِ ْسلاَ َم ُه‪َ ،‬فك ُُّل َح َسنَة َي ْع َم ُل َها ُت ْكت ُ‬
‫َب‬ ‫ً‬ ‫وقال‬
‫َب بِ ِم ْث ِل َها»(((‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫بِ َع ْشرِ َأ ْم َثال َها إِ َلى َس ْب ِع مائَة ض ْعف‪َ ،‬وك ُُّل َس ِّيئَة َي ْع َم ُل َها ُت ْكت ُ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)4948‬ومسلم (‪ ،)2647‬وأبو داود (‪ ،)4694‬والترمذي‬


‫(‪ ،)3344  ،2136‬وابن ماجه (‪.)78‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7501 ،42‬ومسلم (‪ ،)130 ،129 ،128‬والترمذي (‪.)3073‬‬
‫‪29‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫بــاب‬
‫خلق الكرسي‬

‫ونؤمن أن الكرسي هو أعظم المخلوقات بعد العرش‪ ،‬قال اهلل تعالى‬


‫مب ِّينًا عظمته‪( :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [البقرة‪.]255 :‬‬
‫والكرسي بين يـدي العرش‪ ،‬وهو موضع القدمين‪ ،‬فقد قال ابن عباس‬
‫ُ‬
‫والعرش ال ُيقدّ ُر‬ ‫ِ‬
‫القدمين‪،‬‬ ‫«الكرسي موضع‬ ‫‪ ‬يف تفسير هـذه اآلية‪:‬‬
‫ُّ‬
‫أحدٌ قدر ُه»(((‪ .‬وقال ﷺ‪« :‬ما السموات السبع يف الكرسي إال كحلقة ملقاة‬
‫بأرض فالة‪ ،‬وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفالة على تلك‬
‫الحلقة»(((‪.‬‬

‫(( ( أخرجه الدارقطني في الصفات (‪ )36‬مرفو ًعا وموقو ًفا‪.‬‬


‫وأخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على بشر المريسي (‪ ،)89 ،84‬وعبدالله‬
‫ابن أحمد في السنة (‪ ،)586‬وابن خزيمة في التوحيد (‪ ،)154‬وأبو الشيخ في العظمة‬
‫(‪.)217 ،216‬‬
‫((( أخرجه ابن حبان (‪ ،)361‬وفي المجروحين (‪ ،)130 /3‬والطبراني في الكبير‬
‫(‪ ،)1651‬وفي المكارم (‪ ،)1‬واآلجري في األربعين (‪ ،)40‬وأبو الشيخ في العظمة‬
‫(‪ ،)259‬وأبو نعيم في الحلية (‪ 18/1‬و ‪ ،)168 - 166‬والبيهقي في األسماء (ص‪:‬‬
‫‪ ،)511 - 510‬وفي الشعب (‪ 4325‬و ‪ ،)7668‬وابن عبدالبر في التمهيد (‪.)199/9‬‬
‫وهو حديث طويل‪ ،‬وحديثنا هنا جملة منه‪ ،‬والحديث له طرق كثيرة لكنها ضعيفة ال‬
‫أيضا ابن عدي‬
‫تصح‪ ،‬وقد ذكر العقيلي بعض هذه الطرق وأشار إلى ضعفها‪ ،‬وذكرها ً‬
‫وقال‪« :‬هذا حديث منكر من هذا الطريق عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن‬
‫أبي ذر‪ ،‬وهذا الحديث ليس له من الطرق إال من رواية أبي إدريس الخوالني والقاسم‬
‫ابن محمد عن أبي ذر والثالث حديث ابن جريج وهذا أنكر الروايات»‪ ،‬لكن هذا=‬
‫‪30‬‬

‫كما أخرج البيهقي عن العباس بن محمد قال‪ :‬سمعت أبا عبيد يقول‪:‬‬
‫«هذه األحاديث التي يقول فيها‪ :‬ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب ِغ َي ِر ِه‪،‬‬
‫وإن جهنم ال تمتلئ حتى يضع ربك قدمه فيها‪ ،‬والكرسي موضع القدمين‪،‬‬
‫وهذه األحاديث يف الرواية هي عندنا حق‪ ،‬حملها بعضهم عن بعض‪ ،‬غير‬
‫أنَّا إذا ُسئ ْلنا عن تفسيرها ال نفسرها‪ ،‬وما أدركنا أحدً ا يفسرها»(((‪.‬‬

‫= الحديث مشهور‪ ،‬ولم يرو غيره مرفو ًعا في الكرسي‪ ،‬ولهذا أوردناه مع ضعفه ونكارته‪.‬‬
‫((( األسماء والصفات‪ ،‬للبيهقي (‪.)198 /2‬‬
‫‪31‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫بــاب‬
‫ْ‬
‫خلق السموات واألرض‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق السموات واألرض وما بينهما يف ستة أيام من أيام‬
‫غوب‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﭯ ﭰ‬ ‫تعب وال ُل ٍ‬
‫مسه من ٍ‬ ‫اهلل‪ ،‬وما َّ‬
‫[ق‪:‬‬ ‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ)‬

‫‪ ،]38‬وقال تعالى‪( :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬


‫ﮜ) [األنبياء‪ ،]30 :‬وقال الحق جل يف عاله‪( :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯡﯢﯣﯤ‬
‫ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﭑﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [فصلت‪.]12-9 :‬‬
‫وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‪ ‬ﮕ‬
‫ﮖﮗﮘﮙﮚ ﮛﮜﮝﮞﮟ ﮠﮡﮢ‬
‫ﮣ ‪ ‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [النازعات‪.]33-27 :‬‬
‫اهلل رفــــع‬ ‫ونؤمن أن اهلل رفع السموات بغير عمد‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﭣ ﭤ‬
‫السمــوات‬
‫ب��غ�ير عمد‬ ‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ‬
‫‪،]2 ‬‬ ‫ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الرعد‪:‬‬

‫وقال تعالى‪( :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬


‫‪32‬‬

‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ)‬
‫[لقمان‪.]10 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل تعالى يمسك السموات واألرض أن تزوال‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫اهلل تعــــاىل‬
‫يمســــك‬
‫السمــوات (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ‬
‫واألرض ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [فاطر‪.]41 :‬‬
‫ونؤمن أنه سبحانه الذي يمسك السماء أن تقع على األرض إال بإذنه‪،‬‬
‫قال تعالى‪( :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الحج‪.]65 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل ‪ ‬يد ِّبر أمر هذه المخلوقات‪ ،‬ويحفظها‪ ،‬وال‬
‫يؤوده ذلك‪ ،‬قال الحق‪( :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ) [البقرة‪.]255 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق هذه المخلوقات العظيمة ل ِ ِ‬
‫ح َك ٍم عظيمة ال ُيحاط هبا‪،‬‬
‫وصنْعها‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫وقد أتقن اهلل خلقها ُ‬
‫ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [النمل‪،]88 :‬‬
‫(ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الدخان‪:‬‬ ‫وقال ‪:‬‬
‫‪ ،]38‬وقال الحق جل شأنه‪( :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الحجر‪.]21-19 :‬‬
‫احتج اهلل بخلقه للسموات واألرض على ربوبيته المستلزمة‬
‫َّ‬ ‫وقد‬ ‫َخ ْلـــــق‬
‫السمــوات‬
‫أللوهيته‪ ،‬فقال عز شأنه‪( :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬ ‫واألرض‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ‬ ‫دليـــل عىل‬
‫ربوبيــــــة‬
‫‪ ،]60‬وقال تعالى‪( :‬ﮭ ﮮ‬ ‫ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [النمل‪:‬‬ ‫اهلل املستلزمة‬
‫أللوهيتــــه‬
‫‪33‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫ﯛ)‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ‬
‫[العنكبوت‪ ،]61 :‬وقال ‪( :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ) [العنكبوت‪.]63 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل جعل األرض مكانًا لالبتالء‪ ،‬فقال اهلل تعالى‪( :‬ﭤ ﭥ‬
‫ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ‬
‫ومعاشا وكِفا ًتا‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ً‬ ‫مستقرا‬
‫ًّ‬ ‫ﭱ ﭲ ﭳ) [هود‪ ،]7 :‬كما جعلها‬
‫(ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [طه‪ .]55  :‬وقال جل شأنه‪:‬‬
‫(ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [المرسالت‪.]26 ،25 :‬‬
‫مت���ج���ي���د‬ ‫يمجد اهلل رب العالمين‪ ،‬قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫ونؤمن أن هذا الكون العظيم ِّ‬
‫ال����ك����ون‬
‫وتعظيمه هلل‬ ‫(ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [اإلسراء‪ ،]44 :‬ويخضع لعظمته‪ ،‬قال اهلل‬
‫تعالى‪( :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ) [فصلت‪.]11 :‬‬
‫وي ْفرق هذا الكون‪ ،‬ويخاف من تطاول العباد على الرب ‪،‬‬
‫قال المولى عز شأنه وتعالى سلطانه‪( :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [مريم‪.]91 ،90 :‬‬
‫‪34‬‬

‫بــاب‬
‫خلق الشمس والقمر‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق الشمس والقمر‪ ،‬قال الحق‪( :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [األنبياء‪.]33 :‬‬
‫ونؤمن أن الشمس والقمر يجريان‪ ،‬كما أخرب اهلل عن ذلك بقوله‬
‫‪( :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [يس‪ ،]40-38 :‬فتبارك اهلل‬
‫أحسن الخالقين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مسخرات بأمره؛ لتحقيق منافع العباد‪،‬‬ ‫ومن رحمته بعباده أن جعلهما‬
‫قال الحق جل يف عاله‪( :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ) [إبراهيم‪ ،]33 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ) [األعراف‪.]54 :‬‬
‫وقد خلق اهلل تعالى الشمس والقمر لحكم عظيمة ال ُيحاط هبا‪ ،‬ومن‬
‫تلكم الحكم ما جاء يف قول الحق عز شأنه‪( :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [األنعام‪ .]96 :‬قال ابن عباس‬
‫‪( :‬ﭬ ﭭ ﭮ) [األنعام‪ ،]96 :‬يعني‪ :‬عدد األيام والشهور‬
‫أيضا يف بيان بعض حكم خلق الشمس والقمر‪:‬‬
‫والسنين(((‪ .‬وقال اهلل تعالى ً‬
‫(ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬

‫((( تفسير الطبري (‪.)558 /11‬‬


‫‪35‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [يونس‪.]5 :‬‬


‫ال��ش��م��س‬ ‫ونؤمن أن اهلل جعلهما من آياته العظيمة الدالة على ربوبيته المستلزمة‬
‫وال��ق��م��ر‬
‫دل��ي��ل عىل‬ ‫أللوهيته‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ربوبيـــة اهلل‬ ‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ) [العنكبوت‪ ،]61 :‬وقال اهلل‬
‫‪( :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯩ ﯪ)‬ ‫ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ‬
‫ات اهَّللِ‪،‬‬
‫َان ِمن آي ِ‬
‫ْ َ‬
‫الش ْم َس َوال َق َم َر آيت ِ‬
‫َ‬ ‫[فصلت‪ .]37 :‬ويف الصحيح قال ﷺ‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫ف بِ َها ِع َبا َده»(((‪.‬‬
‫ت َأ َح ٍد َو اَل لِ َح َياتِ ِه‪َ ،‬و َلكِ َّن اهَّللَ َت َعا َلى ُيخَ ِّو ُ‬
‫ان لِمو ِ‬ ‫ِ‬
‫اَل َينْكَس َف ِ َ ْ‬
‫ونؤمن أن الشمس والقمر يسجدان هلل رب العالمين ‪-‬كما تسجد بقية‬
‫المخلوقات‪ -‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬
‫ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ) [الحج‪.]18 :‬‬
‫س���ج���ود‬ ‫ونؤمن بأن الشمس تسجد تحت العرش يف كل يوم‪ ،‬كما أخرب بذلك‬
‫الصادق المصدوق ﷺ‪ ،‬فعن َأبِي َذ ٍّر ‪َ ‬أ َّن النَّبِ َّي ﷺ َق َال َل ُه ِحي َن‬
‫ال��ش��م��س‬
‫حتت العرش‬
‫َغرب ِ‬
‫اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ق َال‪:‬‬
‫ب؟»‪ُ ،‬ق ْل ُت‪ُ :‬‬ ‫«أتَدْ ِري َأ ْي َن ت َْذ َه ُ‬ ‫الش ْم ُس‪َ :‬‬ ‫ت َّ‬ ‫ََ‬
‫ك َأ ْن‬ ‫ش‪َ ،‬فتَست َْأ ِذ َن َفي ْؤ َذ ُن َلها‪ .‬وي ِ‬
‫وش ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ت ال َع ْر ِ ْ‬ ‫ب َحتَّى ت َْس ُجدَ ت َْح َ‬ ‫« َفإِن ََّها ت َْذ َه ُ‬
‫ث‬ ‫ت َْس ُجدَ ‪َ ،‬فلاَ ُي ْق َب َل ِمن َْها‪َ ،‬وت َْست َْأ ِذ َن َفلاَ ُي ْؤ َذ َن َل َها‪ُ ،‬ي َق ُال َل َها‪ْ :‬ار ِج ِعي ِم ْن َح ْي ُ‬
‫ْت‪َ ،‬ف َت ْط ُل ُع ِم ْن َم ْغرِبِ َها‪َ ،‬ف َذلِ َك َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪( :‬ﯢ ﯣ ﯤ‬ ‫ِجئ ِ‬
‫ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [يس‪.(((»]38 :‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)1048‬والنسائي (‪.)1459‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)3199‬ومسلم (‪ ،)159‬وأبو داود (‪ ،)4002‬والترمذي (‪.)3227 ،2186‬‬
‫‪36‬‬

‫بــاب‬
‫خلق النجوم‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق النجوم والكواكب لحكم عظيمة‪ ،‬منها ما ذكره‬
‫الحق جل يف عاله يف قوله‪( :‬ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النحل‪،]16 :‬‬
‫قال قتادة ‪« :‬والعالمات‪ :‬النجوم‪ ،‬وإن اهلل ‪ ‬إنما خلق هذه‬
‫النجـوم لثالث خصالت‪ :‬جعلها زينة للسماء‪ ،‬وجعلها ُي ْهتَدَ ى هبا‪ ،‬وجعلها‬
‫رجو ًما للشياطين‪ ،‬فمن تعاطى فيها غير ذلك‪ :‬ف َقدَ رأي ُه‪ ،‬وأخطأ حظه‪،‬‬
‫وأضاع نصيبه‪ ،‬وتك َّلف ما ال علم له به»(((‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫وعن أبي موسى ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ص َّل ْينَا ا ْلم ْغ ِر َب م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ُق ْلنَا‪َ :‬ل ْو َج َل ْسنَا َحتَّى ن َُص ِّل َي َم َع ُه ا ْل ِع َشا َء‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َج َل ْسنَا‪َ ،‬ف َخ َر َج َع َل ْينَا‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬ص َّل ْينَا َم َع َك ا ْل َم ْغ ِر َب‪ُ ،‬ث َّم ُق ْلنَا‪ :‬ن َْجلِ ُس‬ ‫اهنَا؟» ُق ْلنَا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫«ما ِز ْلت ُْم َه ُ‬ ‫َ‬
‫«أ ْح َسنْت ُْم‪َ ،‬أ ْو َأ َص ْبت ُْم»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َر َف َع َر ْأ َس ُه إِ َلى‬‫َحتَّى ن َُص ِّلي َم َع َك ا ْل ِع َشا َء‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫َ‬
‫اء‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬النُّجوم َأمنَ ٌة لِلسماء‪ِ،‬‬ ‫َان كَثِيرا مِما ير َفع ر ْأسه إِ َلى السم ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫الس َماء‪َ ،‬وك َ ً َّ َ ْ ُ َ َ ُ‬ ‫َّ‬
‫ت َأتَى‬ ‫أِ‬
‫الس َما َء َما تُو َعدُ ‪َ ،‬و َأنَا َأ َمنَ ٌة لَ ْص َحابِي‪َ ،‬فإِ َذا َذ َه ْب ُ‬ ‫ِ‬
‫َفإِ َذا َذ َه َبت الن ُُّجو ُم َأتَى َّ‬
‫ب َأ ْص َحابِي َأتَى ُأ َّمتِي‬ ‫أِ ِ‬
‫ون‪َ ،‬و َأ ْص َحابِي َأ َمنَ ٌة لُ َّمتي‪َ ،‬فإِ َذا َذ َه َ‬ ‫َأ ْص َحابِي َما ُيو َعدُ َ‬
‫ون»(((‪.‬‬
‫َما ُيو َعدُ َ‬
‫وقـال الحق جـل شأنه‪( :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫ال��ن��ج��وم‬
‫رج�������وم‬
‫ﮏ) [الملك‪.]5 :‬‬ ‫للشيا طيــن‬

‫(( ( تفسير الطبري (‪.)185 /17‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪.)2531‬‬
‫‪37‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫اب النَّبِ ِّي‪ ‬ﷺ مِ َن‬ ‫وعن ابن عباس ‪ ‬قال‪َ :‬أ ْخ َب َرنِي َر ُج ٌل مِ ْن َأ ْص َح ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الأْ َن َْص ِ‬
‫اس َتن ََار‪،‬‬‫وس َل ْي َل ًة َم َع َر ُسول اهلل ﷺ ُرم َي بِن َْج ٍم َف ْ‬ ‫ار‪َ ،‬أن َُّه ْم َب ْين ََما ُه ْم ُج ُل ٌ‬
‫اه ِل َّي ِة‪ ،‬إِ َذا ُر ِم َي بِ ِم ْث ِل‬
‫ون فِي ا ْلج ِ‬ ‫َف َق َال َلهم رس ُ ِ‬
‫َ‬ ‫«ما َذا ُكنْت ُْم َت ُقو ُل َ‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫ُ ْ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪ُ ،‬كنَّا َن ُق ُ‬
‫ات‬ ‫يم‪َ ،‬و َم َ‬ ‫ول‪ُ :‬ولدَ ال َّل ْي َل َة َر ُج ٌل َعظ ٌ‬ ‫َه َذا؟» َقا ُلوا‪ُ :‬‬
‫ت َأ َح ٍد َو اَل لِ َح َياتِ ِه‪،‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪َ « :‬فإِنَّها اَل يرمى بِها لِمو ِ‬ ‫يم‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫َ ُْ َ َ َ ْ‬ ‫َر ُج ٌل َعظ ٌ‬
‫ش‪ُ ،‬ث َّم َس َّب َح َأ ْه ُل‬ ‫َو َلكِ ْن َر ُّبنَا ‪ْ ‬اس ُم ُه‪ ،‬إِ َذا َق َضى َأ ْم ًرا َس َّب َح َح َم َل ُة ا ْل َع ْر ِ‬
‫اء الدُّ ْن َيا‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪:‬‬ ‫اء ا َّل ِذين ي ُلونَهم‪ ،‬حتَّى يب ُلغَ التَّسبِيح َأه َل ه ِذ ِه السم ِ‬ ‫السم ِ‬
‫َّ َ‬ ‫ْ ُ ْ َ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َْ‬ ‫َّ َ‬
‫ش‪َ :‬ما َذا َق َال َر ُّبك ُْم؟ َف ُيخْ بِ ُرون َُه ْم َما َذا‬ ‫ش لِ َح َم َل ِة ا ْل َع ْر ِ‬ ‫ون َح َم َل َة ا ْل َع ْر ِ‬ ‫ين َي ُل َ‬ ‫ِ‬
‫ا َّلذ َ‬
‫ات َب ْع ًضا‪َ ،‬حتَّى َي ْب ُلغَ ا ْلخَ َب ُر َه ِـذ ِه‬ ‫َق َال»‪َ .‬ق َال‪َ « :‬فيستَخْ بِر بع ُض َأه ِل السمو ِ‬
‫َّ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ُ َْ‬
‫ون إِ َلى َأ ْولِ َيائِ ِه ْم‪َ ،‬و ُي ْر َم ْـو َن بِ ِه‪،‬‬
‫الس ْم َع‪َ ،‬ف َي ْق ِذ ُف َ‬‫ج ُّن َّ‬ ‫ف ا ْل ِ‬ ‫الس َما َء الدُّ ْن َيا‪َ ،‬فتَخْ َط ُ‬‫َّ‬
‫ون»(((‪.‬‬ ‫ون فِ ِيه‪َ ،‬و َي ِزيدُ َ‬ ‫َف َما َجاؤُ وا بِ ِه َع َلى َو ْج ِه ِه َف ُه َو َح ٌّق‪َ ،‬و َلكِن َُّه ْم َي ْقرِ ُف َ‬
‫وكان الشياطين يسرتقون السمع‪ ،‬فلما ُبعث نبينا محمدٌ ﷺ ُمنِعوا‬
‫مقاعدهم من السمع‪ ،‬قال المولى عز شأنه مخربًا عن ذلك‪( :‬ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الجن‪ ،]9 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫(ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الصافات‪.]10-6 :‬‬
‫ون إِ َلى السم ِ‬
‫اء‬ ‫الج ُّن َي ْص َعدُ َ‬ ‫َان ِ‬ ‫وعن ابن عباس ‪ ‬قال‪« :‬ك َ‬
‫َّ َ‬
‫الو ْحي‪َ ،‬فإِ َذا َس ِم ُعوا ال َكلِ َم َة َزا ُدوا فِ َيها تِ ْس ًعا‪َ ،‬ف َأ َّما ال َكلِ َم ُة َف َت ُك ُ‬
‫ون‬ ‫َ‬ ‫َي ْست َِم ُع َ‬
‫ون‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ ُمن ُعوا َم َقاعدَ ُه ْم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َباطلاً ‪َ ،‬ف َل َّما ُبع َث َر ُس ُ‬ ‫َح ًّقا‪َ ،‬و َأ َّما َما َزا ُدو ُه َف َي ُك ُ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2229‬‬


‫‪38‬‬

‫يس‪َ ،‬و َل ْم َت ُك ِن الن ُُّجو ُم ُي ْر َمى بِ َها َق ْب َل َذل ِ َك‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ْم‬ ‫ِ لإِ‬
‫َف َذك َُروا َذل َك ِ ْبلِ َ‬
‫ض‪َ ،‬ف َب َع َث ُجنُو َد ُه‪َ ،‬ف َو َجدُ وا‬ ‫ث فِي األَ ْر ِ‬ ‫يس‪َ :‬ما َه َذا إِ اَّل مِ ْن َأ ْم ٍر َقدْ َحدَ َ‬ ‫إِ ْبلِ ُ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َقائِ ًما ُي َص ِّلي َب ْي َن َج َب َل ْي ِن ‪ُ -‬أ َرا ُه َق َال‪ :‬بِ َم َّكةَ‪َ -‬ف َل ُقو ُه‪َ ،‬ف َأ ْخ َب ُرو ُه‪،‬‬ ‫َر ُس َ‬
‫ض»(((‪.‬‬ ‫ث فِي الأْ َ ْر ِ‬ ‫ث ا َّل ِذي َحدَ َ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬ه َذا ا ْل َحدَ ُ‬

‫ونؤمن أن النجوم والكواكب ال تنفع وال تضر‪ ،‬وال تؤثر يف الحوادث‬ ‫ال��ن��ج��وم‬
‫و ا لكو ا كب‬
‫السماوية واألرضية‪ ،‬ومن اعتقد أهنا مؤثرة بذاهتا فقد كفر أو‪ ‬أشرك‪ ،‬فعن‬ ‫ال‪ ‬ت��ن��ف��ع‬
‫َّاس َع َلى َع ْه ِد النَّبِ ِّي ﷺ‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي‬ ‫ِ‬
‫ابن عباس ‪ ‬قال‪ُ :‬مط َر الن ُ‬
‫وال تضــر‬

‫َّاس َشاكِ ٌر‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم كَافِ ٌر»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬ه ِذ ِه َر ْح َم ُة اهللِ‪َ ،‬و َق َال‬‫«أ ْص َب َح ِم َن الن ِ‬ ‫ﷺ‪َ :‬‬
‫ت َه ِذ ِه آْال َيةُ‪( :‬ﯼ ﯽ‬ ‫َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬ل َقدْ َصدَ َق ن َْو ُء ك ََذا َوك ََذا‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فنَ َز َل ْ‬
‫(ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ)‬ ‫ﯾ ﯿ) [الواقعة‪َ ،]75 :‬حتَّى َب َل َغ‪:‬‬
‫[الواقعة‪.(((»]82 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ان‬ ‫اف َع َلى ُأ َّمتي في آخرِ ز ََمان َها إِ َ‬
‫يم ٌ‬ ‫ف َما َأ َخ ُ‬‫«أ ْخ َو ُ‬‫وقال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫الس ْل َط ِ‬ ‫يب بِا ْل َقدَ ِر‪َ ،‬و َح ْي ُ‬ ‫ِ‬
‫ان»(((‪.‬‬ ‫ف ُّ‬ ‫بِالن ُُّجومِ‪َ ،‬و َتكْذ ٌ‬
‫«م ِن ا ْق َت َب َس ِع ْل ًما‬
‫وهنى النبي ﷺ عن النظر يف النجوم‪ ،‬قال النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫الس ْحرِ‪ ،‬زَا َد َما زَا َد»(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م َن الن ُُّجومِ‪ ،‬ا ْق َت َب َس ُش ْع َب ًة م َن ِّ‬
‫فال يجوز تع ُّلم النجوم إال بقدر ما ُي ْهتَدى به يف ٍّبر أو بحر؛ ألن تع ُّل َمها‬

‫أخرجه الترمذي (‪ ،)3324‬وأحمد (‪ ،)2482‬والنسائي في الكبرى (‪ ،)11562‬وأبو‬ ‫((( ‬


‫يعلى (‪.)2502‬‬
‫أخرجه مسلم (‪.)73‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه الروياني (‪ ،)1245‬والطبراني في الكبير (‪.)8113‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)3905‬وابن ماجه (‪ ،)3726‬وابن أبي شيبة (‪ ،)26159‬وأحمد‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)2000‬وعبد بن حميد (‪.)714‬‬
‫‪39‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫«جا َء َر ُج ٌل إِ َلى َع ْب ِداهَّللِ ْب ِن‬ ‫يدعو إلى الكهانة‪ ،‬فعن سعيد بن جبير َق َال‪َ :‬‬
‫اك َو ِذك َْر‬‫يك بِ َت ْق َوى اهَّللِ‪َ ،‬وإِ َّي َ‬
‫وص َ‬ ‫اس‪َ ،‬أو ِصنِي‪َ .‬ف َق َال‪ُ :‬أ ِ‬
‫اس‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َأ َبا َع َّب ٍ ْ‬ ‫َع َّب ٍ‬
‫اك َو َع َم َل‬ ‫اب النَّبِي ﷺ؛ َفإِ َّن َك لاَ َتدْ ِري َما َس َب َق َل ُه ْم مِ َن ا ْل َف ْضلِ‪َ .‬وإِ َّي َ‬ ‫َأ ْص َح ِ‬
‫ِّ‬
‫اك َو ُم َجا َل َس َة‬ ‫الن ُُّجو ِم إِ اَّل َما ُي ْهتَدَ ى بِ ِه فِي َب ٍّر َأ ْو َب ْح ٍر‪َ ،‬فإِ َّن َها َتدْ ُعو إِ َلى ك ََهان ٍَة‪َ .‬وإِ َّي َ‬
‫اب َد ْع َو ُت ُه‪َ ،‬و َأ ْن ُي َزكَّى َع َم ُل ُه‪،‬‬ ‫ب َأ ْن ُت ْست ََج َ‬ ‫ون بِا ْل َقدَ ِر‪َ ،‬و َم ْن َأ َح َّ‬‫ا َّل ِذي َن ُي َك ِّذ ُب َ‬
‫َو ُي ْق َب َل مِنْ ُه‪َ ،‬ف ْل َي ْصدُ ْق َح ِدي َث ُه‪َ ،‬و ْل ُي َؤ ِّد َأ َما َن َت ُه‪َ ،‬و ْل ُي ْسلِ ْم َصدْ َر ُه ل ِ ْل ُم ْسلِ ِمي َن»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه ابن بطة في اإلبانة (‪.)1987‬‬


‫‪40‬‬

‫بــاب‬
‫خلق الـمالئكة‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق المالئكة من نور‪ ،‬ففي الصحيح عن عائشة ‪‬‬
‫ان ِم ْن‬ ‫ت ا ْل َملاَ ئِ َك ُة ِم ْن ن ٍ‬
‫ُور‪َ ،‬و ُخ ِل َق ا ْل َج ُّ‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪ُ :‬‬
‫«خ ِل َق ِ‬ ‫قالت‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ف َلك ُْم»(((‪.‬‬ ‫َار‪َ ،‬و ُخ ِل َق آ َد ُم ِم َّما ُو ِص َ‬
‫ارجٍ ِم ْن ن ٍ‬
‫َم ِ‬

‫وجعل اهلل المالئكة متفاوتين يف الخلق‪ ،‬قال الحق ‪( :‬ﮟ‬


‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [فاطر‪.]1 :‬‬
‫وأخرب النبي ﷺ أنه رأى جربيل‪ ،‬وأن له ست مائة جناح؛ وأنه عظيم‬
‫الخ ْلق؛ فعن أبي إسحاق الشيباين قال‪ :‬سألت َّ‬
‫زر بن حبيش عن قول اهلل‬ ‫َ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [النجم‪،9 :‬‬ ‫تعالى‪( :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ود‪َ « :‬أ َّن ُه َر َأى ِج ْب ِر َيل َل ُه ِس ُّت مِائ َِة َجنَاحٍ »(((‪ ،‬وعن‬ ‫‪َ ]10‬ق َال‪ :‬حدَّ َثنَا ابن مسع ٍ‬
‫ْ ُ َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫عائشة ‪َ ‬قا َل ْت‪َ « :‬م ْن َز َع َم َأ َّن ُم َح َّمدً ا َر َأى َر َّب ُه َف َقدْ َأ ْع َظ َم‪َ ،‬و َلكِ ْن َقدْ‬
‫ورتِ ِه‪َ ،‬و َخ ْل ُق ُه َسا ٌّد َما َب ْي َن األُ ُف ِق»(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َر َأى ج ْب ِر َيل في ُص َ‬
‫وسنفصل القول يف الحديث عن المالئكة يف كتاب اإليمان بالمالئكة‪،‬‬
‫ِّ‬
‫بإذن اهلل‪ ،‬واقتصر الحديث هنا عن خلقهم فقط(((‪.‬‬

‫أخرجه مسلم (‪.)2996‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري (‪ ،)3232‬ومسلم (‪ ،)174‬والترمذي (‪.)3277‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)3234‬ومسلم (‪ ،)177‬والترمذي (‪.)3068‬‬ ‫((( ‬
‫انظر (ص‪ )149 :‬من هذا الكتاب‪.‬‬ ‫((( ‬
‫‪41‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫بــاب‬
‫(((‬
‫خلق الجن والشياطين‬
‫َّ‬
‫الجان من مارج من نار‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﯗ‬ ‫ونؤمن أن اهلل خلق‬
‫أيضا‪( :‬ﯖ ﯗ ﯘ‬ ‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الحجر‪ ،]27 :‬وقال ً‬
‫ت ا ْل َملاَ ئِ َك ُة ِم ْن‬
‫«خ ِل َق ِ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ) [الرحمن‪ ،]15 :‬وقال رسول اهلل ﷺ‪ُ :‬‬
‫ف َلك ُْم»(((‪.‬‬ ‫َار‪َ ،‬و ُخ ِل َق آ َد ُم ‪ِ ‬م َّما ُو ِص َ‬
‫ارجٍ ِم ْن ن ٍ‬
‫ان ِم ْن َم ِ‬
‫ُور‪َ ،‬و ُخ ِل َق ا ْل َج ُّ‬
‫ن ٍ‬

‫الغايــة مـن‬ ‫ونؤمن أن اهلل خلق الجن واإلنس لعبادته ‪ ،‬قال اهلل‪( :‬ﭳ‬
‫خلق الثقلني‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الذاريات‪ .]56 :‬والجن يكون فيهم ن ُُذ ٌر‪ ،‬وال‬
‫يكون فيهم رسل‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [األحقاف‪:‬‬

‫‪ .]29‬قال ابن عباس ‪« :L‬الرسل من بني آدم‪ ،‬ومن الجن نذر»(((‪.‬‬


‫وأما قوله تعالى (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ)‪ ،‬فالمقصود‪ :‬أي من جملتكم وليس من جميعكم‪ ،‬فهو‬
‫َك َق ْول ِ ِه تعالى‪( :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ)‪َ ،‬و َق ْول ِ ِه‪( :‬ﮊ ﮋ) مع‬
‫أن العاقر واحد منهم‪.‬‬
‫خ����ل����ق‬
‫ال��ـ��ج��ـ��ن‬ ‫ونؤمن أن خلق الجن متقدِّ م على خلق آدم؛ ولذا قال اهلل تعالى‪( :‬ﯗ‬
‫متقــدم عىل‬
‫خ��ل��ق آدم‬
‫(( ( سنتناول في هذا الباب كل ما يتعلق بالجن والشياطين ‪-‬أعاذنا الله وإياك منهم‪ -‬ألنه‬
‫لن يتكرر الحديث عنهم في موضع آخر‪.‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2996‬‬
‫((( تفسير ابن كثير (‪.)340/3‬‬
‫‪42‬‬

‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الحجر‪ ،]27 :‬ورأس الشياطين إبليس ‪-‬أعاذنا‬


‫اهلل منه‪ -‬خلقه اهلل من نار كما خلق سائر الجن والشياطين‪ ،‬قال تعالى مخربًا‬
‫عن إبليس أنه قال‪( :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [األعراف‪،]12 :‬‬
‫وأن إبليس كان من الجن‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الكهف‪.]50 :‬‬
‫وإبليس هو الذي أغوى األبوين ‪ ‬حتى أخرجهما من الجنة‪،‬‬
‫حيث وسوس لهما‪ ،‬وأقسم لهما إنه لمن الناصحين‪ ،‬اَّ‬
‫فدلهما بغرور‪،‬‬
‫فأكال من الشجرة‪ ،‬قال الحق‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ‬
‫ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﭑﭒﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [األعراف‪.]23-19 :‬‬
‫ونؤمن أن الشيطان استكرب عن السجود‪ ،‬فغضب اهلل عليه‪ ،‬ولعنه‪،‬‬
‫وطرده من جنة الخلد‪ ،‬وأنه طلب من اهلل أن ينظره إلى يوم القيامة؛ فأنظره‬
‫اهلل‪ ،‬وأنه أقسم بعزة اهلل ليفتنن جميع بني آدم إال عباد اهلل المخلصين‪ ،‬قال‬
‫الحق مخربًا عن كيده‪( :‬ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ‬
‫‪43‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ‬
‫ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ) [ص‪:‬‬

‫‪ .]83-71‬وقال الشيطان كما أخرب اهلل عنه‪( :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬


‫ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ) [األعراف‪.]17 ،16 :‬‬
‫ال���ـ���ج���ن‬ ‫والجن مخاطبون بالشرائع‪ ،‬ومكلفون‪ ،‬ولهم القدرة على سماع الوحي‬
‫خم��اط��ب��ون‬
‫ب��ال�شرائ��ع‬ ‫وفهمه من الرسل ومن النذر؛ ولذا قالوا لما سمعوا القرآن‪ ،‬كما أخرب اهلل‬
‫عنهم‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ)‬

‫[األحقاف‪.]30 ،29 :‬‬


‫ونعلم أن الجن منهم الصالحون‪ ،‬ومنهم دون ذلك‪ ،‬فمن آمن منهم‬
‫فمآله الجنة‪ ،‬ومن كفر منهم فمآله النار‪ ،‬قال الحق جل يف عاله‪( :‬ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الجن‪ ،]11 :‬ثم قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ) [الجن‪.]15 ،14 :‬‬
‫وقال تعالى مخربًا عن تبكيت المالئكة للفجار من اإلنس والجن يوم‬
‫القيامة‪( :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫أيضا‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ) [األنعام‪ ،]130 :‬وقال تعالى ً‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [األعراف‪.]38 :‬‬
‫وب َّين الحق ‪ ‬أن سبب دخولهم النار هو عدم سماعهم للهدى‬
‫‪44‬‬
‫سماع َق ُب ٍ‬
‫ول‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [األعراف‪:‬‬

‫‪ ،]179‬ودلت هذه اآلية على أن للجن قلو ًبا وآذانًا وعيونًا‪ .‬وللشياطين‬
‫أصوات يستفزون هبا الخلق‪ ،‬قال الحق جل يف عاله‪( :‬ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [اإلسراء‪.]64 :‬‬
‫غر أبويهـم‪ ،‬قال المولى‬
‫وقد وعظ اهلل البشر؛ لئال يغرهم الشـيطان كما َّ‬
‫عز شأنه‪( :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [األعراف‪.]27 :‬‬
‫ونؤمن أن الشيطان ‪-‬مع علمه أنه ال يستطيع إغواء عباد اهلل المخلصين‪-‬‬ ‫الشيطان ال‬
‫يستطيــــع‬
‫إغ�������واء يحاول هو وجنوده إغواءهم وإفساد عباداهتم عليهم‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪:‬‬
‫ع��ب��اد الله (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫المخلصيـن‬
‫ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [األنعام‪.]112 :‬‬
‫ار َح َة‬‫ت َع َلي ال َب ِ‬ ‫ويف الحديث أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َّن ِع ْفرِيتًا ِم َن ِ‬
‫الج ِّن َت َف َّل َ‬
‫َّ‬
‫الصلاَ ةَ‪َ ،‬ف َأ ْم َكنَنِي اهَّللُ ِمنْ ُه‪َ ،‬ف َأ َر ْد ُت َأ ْن َأ ْربِ َط ُه‬ ‫ِ‬
‫‪َ -‬أ ْو كَلِ َم ًة ن َْح َو َها‪ -‬ل َي ْق َط َع َع َل َّي َّ‬
‫ج ِد َحتَّى ت ُْصبِ ُحوا َو َتنْ ُظ ُروا إِ َل ْي ِه ُك ُّلك ُْم‪َ ،‬ف َذك َْر ُت‬ ‫المس ِ‬
‫ار َية م ْن َس َو ِاري ْ‬
‫إِ َلى س ِ ٍ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أِ‬ ‫ِ‬
‫ب لي ُم ْلكًا اَل َينْ َبغي لَ َحد م ْن َب ْعدي»‪َ ،‬ق َال َر ْو ٌح‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق ْو َل َأخي ُس َل ْي َم َ‬
‫ان‪َ :‬ر ِّب َه ْ‬
‫«ما ِمنْك ُْم‬ ‫َف َر َّد ُه َخاس ًئا ‪ ،‬وعن ابن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫ِ (((‬

‫ول اهللِ؟ َق َال‪:‬‬ ‫اك َيا َر ُس َ‬ ‫ج ِّن»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬وإِ َّي َ‬ ‫ِم ْن َأ َح ٍد‪ ،‬إِ اَّل َو َقدْ ُوك َِّل بِ ِه َقرِي ُن ُه ِم َن ا ْل ِ‬
‫اي‪ ،‬إِ اَّل َأ َّن اهللَ َأ َعانَنِي َع َل ْي ِه َف َأ ْس َل َم‪َ ،‬فلاَ َي ْأ ُم ُرنِي إِ اَّل بِخَ ْيرٍ»(((‪.‬‬ ‫«وإِ َّي َ‬
‫َ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)461‬ومسلم (‪.)541‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪.)2814‬‬
‫‪45‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫وعن سربة بن أبي فاكه ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إِ َّن‬
‫ال ْسلاَ مِ‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ت ُْس ِل ُم َوت ََذ ُر‬ ‫ان َق َعدَ اِل ْب ِن آ َد َم بِ َأ ْط ُر ِق ِه‪َ ،‬ف َق َعدَ َل ُه بِ َطرِ ِيق إْ ِ‬ ‫الش ْي َط َ‬
‫َّ‬
‫يك‪َ ،‬ف َع َصا ُه َف َأ ْس َل َم‪ُ ،‬ث َّم َق َعدَ َل ُه بِ َطرِ ِيق ا ْل ِه ْج َر ِة‪،‬‬ ‫اء َأبِ َ‬‫ِدين ََك و ِدين آبائِ َك وآب ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫س فِي‬ ‫اج ُر َوتَدَ ُع َأ ْر َض َك َو َس َما َء َك‪َ ،‬وإِن ََّما َم َث ُل ا ْل ُم َه ِ‬
‫اجرِ ك ََم َث ِل ا ْل َف َر ِ‬ ‫َف َق َال‪ :‬ت َُه ِ‬
‫اد‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬تُج ِ‬ ‫جه ِ‬
‫اهدُ ‪َ ،‬ف ُه َو َج ْهدُ‬ ‫َ‬ ‫اج َر‪ُ ،‬ث َّم َق َعدَ َل ُه بِ َطرِ ِيق ا ْل ِ َ‬ ‫ال ِّط َو ِل‪َ ،‬ف َع َصا ُه َف َه َ‬
‫ِ‬ ‫س َوا ْلم ِ‬
‫اهدَ »‪،‬‬ ‫ال‪َ ،‬ف ُت َقات ُل َف ُت ْقت َُل‪َ ،‬ف ُتنْك َُح ا ْل َم ْر َأةُ‪َ ،‬و ُي ْق َس ُم ا ْل َم ُال‪َ ،‬ف َع َصا ُه َف َج َ‬ ‫النَّ ْف ِ َ‬
‫َان َح ًّقا َع َلى اهَّلل ِ ‪َ ‬أ ْن ُيدْ ِخ َل ُه‬ ‫َف َق َال رس ُ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪َ « :‬ف َم ْن َف َع َل َذلِ َك ك َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫َان َح ًّقا َع َلى اهَّلل ‪َ ‬أ ْن ُيدْ ِخ َل ُه ا ْل َجنَّةَ‪َ ،‬وإِ ْن َغرِ َق ك َ‬
‫َان‬ ‫ا ْل َجنَّةَ‪َ ،‬و َم ْن ُقتِ َل ك َ‬
‫َان َح ًّقا َع َلى اهَّلل ِ َأ ْن ُيدْ ِخ َل ُه‬ ‫ِ‬
‫َح ًّقا َع َلى اهَّلل َأ ْن ُيدْ ِخ َل ُه ا ْل َجنَّةَ‪َ ،‬أ ْو َو َق َص ْت ُه َدا َّب ُت ُه ك َ‬
‫ا ْل َجنَّةَ»(((‪.‬‬
‫وإذا كان الخبيث ال ييأس من التس ُّلط على األنبياء ‪ ،‬فغيرهم‬
‫من باب َأ ْو َلى‪ ،‬فعن أبي العالء أن عثمان بن أبي العاص ‪ ‬أتى النبي‬
‫ان َقدْ َح َال َب ْينِي َو َب ْي َن َصلاَ تِي َوقِ َرا َءتِي‬ ‫ول اهللِ‪ ،‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬ ‫ﷺ فقال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َب‪َ ،‬فإِ َذا َأ ْح َس ْس َت ُه‬ ‫ِ‬
‫ان ُي َق ُال َل ُه خنْز ٌ‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪َ « :‬ذ َ‬
‫اك َش ْي َط ٌ‬ ‫َي ْلبِ ُس َها َع َلي‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫َّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َت َع َّو ْذ بِاهلل منْ ُه‪َ ،‬واتْفل َعلى َي َسارك ثلاَ ثا»‪ .‬قال‪ :‬فف َعل ُت ذل َك‪ ،‬فأذ َه َب ُه ُ‬
‫اهلل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َعنِّي(((‪.‬‬
‫ان َي ْجرِي ِم ِن ا ْب ِن‬ ‫ويف «صحيـح البخاري»‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬
‫وبوب ابن بطة ‪ ‬لهذا المعنى يف كتابه «اإلبانة»‪،‬‬ ‫آ َد َم َم ْج َرى الدَّ مِ»(((‪َّ .‬‬
‫فقال‪« :‬باب اإليمان بأن الشيطان مخلوق ُم َس َّلط على بني آدم يجري منهم‬

‫(( ( أخرجه النسائي (‪ )3134‬وفي الكبرى (‪ ،)4327‬وابن أبي شيبة (‪ ،)19675‬وأحمد‬


‫(‪ ،)15958‬وابن حبان (‪.)4593‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2203‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)7171 ،2038‬‬
‫‪46‬‬

‫مجرى الدم إال من عصمه اهلل منه‪ ،‬ومن أنكر ذلك فهو من الفرق الهالكة»(((‪.‬‬
‫ِ‬
‫ووار ٌد من الشيطان‪،‬‬ ‫ونعلم أن ابن آدم يتوارد عليه ِ‬
‫وار ٌد من الملك‪،‬‬ ‫وارد الشيطان‬
‫علـى القلـب‬
‫وب َّين لنا نبينا ﷺ كيف نتقي وارد الشيطان‪ ،‬فعن عبداهلل بن مسعود ‪‬‬
‫ان َلم ًة بِاب ِن آدم‪ ،‬ولِ ْلم َل ِ‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن لِ َّ‬
‫ك َل َّمةً‪َ ،‬ف َأ َّما‬ ‫لش ْي َط ِ َّ ْ َ َ َ َ‬
‫ك َفإِي َعا ٌد بِالخَ ْيرِ‬ ‫الشر و َتك ِْذيب بِالح ِّق‪ ،‬و َأما َلم ُة الم َل ِ‬ ‫الش ْي َط ِ‬
‫َ َّ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ان َفإِي َعا ٌد بِ َّ ِّ َ‬ ‫َل َّم ُة َّ‬
‫ك َف ْل َي ْع َل ْم َأ َّن ُه ِم َن اهَّللِ‪َ ،‬ف ْل َي ْح َم ِد اهَّللَ‪َ ،‬و َم ْن َو َجدَ‬ ‫الح ِّق‪َ ،‬ف َم ْن َو َجدَ َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫َوت َْصد ٌيق بِ َ‬
‫الر ِجيمِ‪ُ ،‬ث َّم َق َر َأ‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫ان َّ‬ ‫األُ ْخ َرى َف ْل َي َت َع َّو ْذ بِاهَّلل ِ ِم َن َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬
‫ﯗ ﯘ) اآل َي َة [البقرة‪.(((»]268 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل يحفظ عباده المؤمنين من كيد الشياطين ما داموا‬
‫ك َيا َر ِّب‪ ،‬اَل َأ ْب َر ُح‬‫ان َق َال‪َ :‬و ِعزَّتِ َ‬ ‫يستغفرون‪ ،‬ففي «المسند»‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬
‫الر ُّب‪َ :‬و ِعزَّتِي َو َجلاَ لِي‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اح ُه ْم في َأ ْج َساده ْم‪َ ،‬ق َال َّ‬ ‫ت َأ ْر َو ُ‬ ‫ُأ ْغ ِوي ِع َبا َد َك َما َد َام ْ‬
‫اَل َأز َُال َأ ْغ ِف ُر َل ُه ْم َما ْاس َت ْغ َف ُرونِي»(((‪.‬‬
‫ونعلم أن الشيطان يتمثل بصورة اآلدمي أو بما يأذن اهلل له فيه من الصور‪،‬‬ ‫ال��ش��ي��ط��ان‬

‫ول اهَّللِ ﷺ‬ ‫ففي «صحيح البخاري» عن أبي هريرة ‪ ‬قال‪َ :‬و َّك َلنِي َر ُس ُ‬
‫يتمثل بـمـا‬
‫ي�����أذن اهلل‬
‫آت َف َج َع َل َي ْح ُثو مِ َن ال َّط َعا ِم َف َأ َخ ْذ ُت ُه‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪:‬‬ ‫ان َف َأ َتانِي ٍ‬ ‫َاة َر َم َض َ‬ ‫ظ َزك ِ‬ ‫ح ْف ِ‬ ‫بِ ِ‬ ‫ل��ه فيه من‬
‫ال���ص���ور‬
‫يث‪َ -‬ف َق َال‪ :‬إِ َذا َأوي َت إِ َلى فِر ِ‬ ‫الح ِد َ‬ ‫لأَ َر َفعن ََّك إِ َلى رس ِ ِ‬
‫اش َك‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ول اهَّلل ﷺ ‪َ -‬ف َذك ََر َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ َ‬
‫ان َحتَّى‬ ‫ـك مِ َن اهَّللِ َحافِ ٌظ‪َ ،‬ولاَ َي ْق َر ُب َك َش ْي َط ٌ‬ ‫َفا ْق َر ْأ آ َي َة ال ُك ْر ِس ِّي‪َ ،‬ل ْن َي َز َال َع َل ْي َ‬

‫(( ( اإلبانة الكبرى‪ ،‬البن بطة (‪.)61/4‬‬


‫((( أخرجه الترمذي (‪ ،)2988‬وابن المبارك في الزهد (‪ ،)1435‬وأحمد في الزهد‬
‫(‪ ،)854‬وأبو داود في الزهد (‪.)164‬‬
‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)11237‬وعبد بن حميد (‪ ،)932‬وأبو يعلى (‪،)1399 ،1273‬‬
‫والطبراني في األوسط (‪ ،)8788‬وفي الدعاء (‪.)1779‬‬
‫‪47‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫اك َش ْي َط ٌ‬
‫ان»(((‪.‬‬ ‫وب‪َ ،‬ذ َ‬
‫ك َو ُه َو ك َُذ ٌ‬ ‫ُت ْصبِ َح‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ :‬‬
‫«صدَ َق َ‬
‫وقد كان أهل الجاهليـة ‪-‬لفرط جهلهم‪ -‬يعوذون بسادات الجن‪ ،‬فال‬
‫يزيدهم ذلك إال خو ًفا ورهقـًا‪ ،‬قال اهلل تعالى مخربًا عن ذلك‪( :‬ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الجن‪.]6 :‬‬
‫ونؤمن أن ُع َّباد األوثان إنما يعبدون الجن‪ ،‬قال تعالى مخربًا عن‬
‫حقيقة معبوداهتم‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ) [سبأ‪.]41 ،40 :‬‬
‫ونعلم أن الشـيطان يغـري اإلنسان بالكفر‪ ،‬ثم يتخلى عنه يف الدنيا‪،‬‬
‫كما قـال تعالى مخربًا عنه‪( :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الحشر‪ ،]16 :‬وكما يغريه‬
‫بالكفر يغريه بالسحر‪ ،‬ويع ّلمه إياه‪ ،‬قال الحق مخربًا عن ذلك‪( :‬ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [البقرة‪.]102 :‬‬
‫ال��ش��ي��ط��ان‬ ‫ونعلم أن الشيطان يتخلى عن أوليائه يف اآلخرة‪ ،‬ويلومهم على اتباعهم‬
‫يتخىل عــن‬
‫أول��ي��ائ��ه يف‬ ‫له‪ ،‬قال الحق مخربًا عن الشيطان أنه يقوم خطي ًبا فيهم يف نار جهنم‪( :‬ﮌ‬
‫اآلخ������رة‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [إبراهيم‪.]22 :‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5010 ،3275‬معل ًقا عن شيخه عثمان بن الهيثم في الموضعين‪.‬‬
‫‪48‬‬

‫بــاب‬
‫خلق اإلنسان‬
‫ونؤمن أن اهلل أخرب مالئكته أنه سيجعل يف األرض خليفة لعمارهتا‬
‫بالعبادة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة‪ ،]30 :‬وب َّين الحق أنه خلق‬
‫آدم من تراب‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [آل عمران‪ ،]59 :‬وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن اهَّللَ ‪َ ‬خ َل َق آ َد َم‬
‫ض‪َ .‬جا َء‬ ‫ض‪َ ،‬ف َجا َء َبنُو آ َد َم َع َلى َقدْ ِر أْالَ ْر ِ‬ ‫ِم ْن َق ْب َض ٍة َق َب َض َها ِم ْن َج ِمي ِع أْالَ ْر ِ‬
‫الس ْه ُل‬
‫ب‪َ ،‬و َّ‬ ‫ك‪َ ،‬وا ْلخَ بِ ُ‬
‫يث َوال َّط ِّي ُ‬ ‫ِمن ُْه ُم أْالَ ْب َي ُض َو أْالَ ْح َم ُر َو أْالَ ْس َو ُد َو َب ْي َن َذلِ َ‬
‫أطوارا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ك»(((‪ .‬وهذا الرتاب جعله اهلل طينًا‪ ،‬ثم خلقه‬ ‫َوا ْل َحز ُْن‪َ ،‬و َب ْي َن َذلِ َ‬
‫قال الحق‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ‬
‫‪ ،]30-26‬وقال تعالى‪( :‬ﮕ ﮖ‬ ‫ﯷ ﯸ ﯹ) [الحجر‪:‬‬

‫ﮗﮘﮙﮚﮛ) [المؤمنون‪ .]12 :‬وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﮋ‬


‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الصافات‪.]11  :‬‬
‫وقال اإلمام أحمد ‪ - ‬بعد أن ساق اآليات التي ورد فيها ذكر خلق‬

‫((( أخرجـه أبو داود (‪ ،)4693‬والترمذي (‪ ،)2955‬وعبدالرزاق في التفسـير (‪،)41‬‬


‫وأحمد (‪ ،)19582‬والبـزار (‪.)3026 ،3025‬‬
‫‪49‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫آدم ‪« :‬نقول‪ :‬هذا بدء خلق آدم‪ ،‬خلقه اهلل أول بدئه من تراب‪ ،‬ثم‬
‫من طينة‪ :‬حمراء‪ ،‬وسوداء‪ ،‬وبيضاء‪ ،‬ومن طينة طيبة وسبخة‪ ،‬فلذلك ذريت ُه‬
‫طيب‪ ،‬وخبيث‪ ،‬أسود وأحمر وأبيض‪ ،‬ثم َّبل ذلك الرتاب فصار طينًا‪ ،‬فذلك‬
‫ٌ‬
‫قوله‪( :‬ﮚ ﮛ) فلما لصق الطـين بعضه ببعض‪ ،‬فصار((( طينًا الز ًبا ‪ -‬يعني‬
‫مثل الطين‪ ،‬إذا ُعصر َّ‬
‫انسل من‬ ‫الص ًقا ‪ -‬ثم قال‪( :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)‪ ،‬يقول‪ُ :‬‬
‫جف صار‬ ‫بين األصابع‪ ،‬ثم نتن فصار ً‬
‫حمأ مسنو ًنًا‪ ،‬فخلق من الحمأ‪ ،‬فلما َّ‬
‫صلصالاً كالفخار‪ ،‬يقول‪ :‬صار له صلصلة كصلصلة الفخار‪ ،‬يقول‪ :‬له ٌّ‬
‫دوي‬
‫كدوي الفخار‪ .‬فهذا بيان خلق آدم‪ .‬وأما قوله‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ)‬ ‫ِّ‬
‫[السجدة‪ ،]8 :‬فهذا بدء خلق ذريته‪ ،‬من (ﯕ) يعني النطفة إذا انس َّلت من‬
‫الرجل‪ ،‬فذلك قوله‪( :‬ﯖ ﯗ)‪ ،‬يعني النطفة‪( ،‬ﯘ) يعني‪ :‬ضعيف»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫خلــق اهلل‬ ‫ونؤمن أن اهلل خلق آدم بيده الشريفة‪ ،‬وأسجد له مالئكته‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫آدم بيــده‬
‫( ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ‬
‫الق َي َام ِة‪،‬‬
‫ُون يوم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«ي ْجتَم ُع المؤمن َ َ ْ َ‬ ‫ﯸ ﯹ) [الحجر‪ ،]30 ،29 :‬وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫ْت َأ ُبو الن ِ‬
‫َّاس‪،‬‬ ‫ون‪َ :‬أن َ‬ ‫ون‪َ :‬ل ِو ْاست َْش َف ْعنَا إِ َلى َر ِّبنَا‪َ ،‬ف َي ْأت َ‬
‫ُون آ َد َم‪َ ،‬ف َي ُقو ُل َ‬ ‫َف َي ُقو ُل َ‬
‫ك َملاَ ئِ َك َت ُه»(((‪.‬‬
‫ك اهَّللُ بِ َي ِد ِه‪َ ،‬و َأ ْس َجدَ َل َ‬
‫َخ َل َق َ‬
‫ونؤمن بأن اهلل خلق آدم ‪ ‬على صورته‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪‬‬
‫ُّون ِذ َرا ًعا»(((‪ ،‬وعنه‬ ‫ورتِ ِه‪ُ ،‬طو ُل ُه ِست َ‬ ‫«خ َل َق اهَّللُ آ َد َم َع َلى ُص َ‬ ‫عن النبي ﷺ قال‪َ :‬‬
‫عن النبي ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َقات ََل َأ َحدُ ك ُْم َأ َخا ُه َف ْل َي ْجتَن ِ ِ‬
‫ب ا ْل َو ْج َه؛ َفإِ َّن اهللَ َخ َل َق آ َد َم‬

‫هكذا في المطبوع (فصار)‪.‬‬ ‫(( (‬


‫الرد على الجهمية والزنادقة (ص‪ )180-179 :‬ط‪ /‬دغش العجمي‪.‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)4476‬ومسلم (‪ ،)193‬وابن ماجه (‪.)4312‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)6227‬ومسلم (‪.)2841‬‬ ‫((( ‬
‫‪50‬‬

‫ورتِ ِه»(((‪ ،‬وعن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َض َر َب‬ ‫َع َلى ُص َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ك َو َو ْج َه َم ْن َأ ْش َب َه َو ْج َه َ‬ ‫َأ َحدُ ك ُْم َف ْل َيت ََجن ِ‬
‫َّب ا ْل َو ْج َه‪َ ،‬و اَل َي ُق ْل‪َ :‬ق َّب َح اهَّللُ َو ْج َه َ‬
‫ورتِ ِه»(((‪.‬‬ ‫َفإِ َّن اهَّللَ َت َعا َلى َخ َل َق آ َد َم َع َلى ُص َ‬
‫زوجا ليسكن إليها‪ ،‬وهي حواء‪ ،‬قال‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق آلدم من نفسه ً‬
‫الحق جل يف عاله‪( :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻﭼ) [األعراف‪ .]189 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ) [النساء‪.]1 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق آدم وحواء‪ ،‬وأسكنهما الجنة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة‪،]35  :‬‬
‫وهناهما عن األكـل من الشجرة فوسوس لهما الشـيطان ‪-‬حسدً ا لهما‪-‬‬
‫فأكال منها‪ ،‬فأخرجهما اهلل من الجنة‪ ،‬وأهبطهما إلى األرض‪ ،‬قال الحق‬
‫مخربًا عن ذلك‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﭑﭒﭓﭔﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ) [األعراف‪.]25-19 :‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)2559‬ومسلم (‪ )2612‬واللفظ له‪.‬‬


‫((( أخرجه عبدالرزاق (‪ ،)17952‬والحميدي (‪ ،)1153‬وأحمد (‪ ،)7420‬والبخاري في‬
‫األدب المفرد (‪ ،)173‬وابن أبي عاصم في السنة (‪.)531‬‬
‫‪51‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫جعل اهلل‬ ‫ونؤمن أن اهلل جعل آدم خليفة يف األرض‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ‬
‫اإلنسان‬
‫خليفة يف‬ ‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫األرض‬ ‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ‪ ‬ﭭ‪ ‬ﭮ) [البقرة‪.]30 :‬‬
‫وقد ابتاله فنسي ثم عصى‪ ،‬ثم اجتباه ربه وهداه‪ ،‬قال الحق‪( :‬ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [طه‪ ،]115 :‬ثم تلقى آدم من‬
‫ربه كلمات‪ ،‬فكانت سب ًبا لمغفرة اهلل له وتوبته عليه‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪:‬‬
‫(ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)‬

‫[البقرة‪.]38 ،37 :‬‬


‫ونؤمن أن كل ذلك قد كتبه اهلل على آدم قبل أن يخلقه بأربعين سنة‪ ،‬ففي‬
‫«احت ََّج آ َد ُم‬ ‫الحديث الصحيح عن أبي هريرة ‪ :‬عن النبي ﷺ قال‪ْ :‬‬
‫الجن َِّة‪َ ،‬ق َال َل ُه‬ ‫ِ‬
‫ْت َأ ُبونَا خَ َّي ْب َتنَا َو َأخْ َر ْج َتنَا م َن َ‬ ‫وسى‪َ :‬يا آ َد ُم َأن َ‬ ‫وسى‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ُم َ‬ ‫َو ُم َ‬
‫اك اهَّلل بِ َكلاَ ِم ِه‪ ،‬وخَ َّط َل َك بِي ِد ِه‪َ ،‬أ َت ُل ِ‬
‫ومني َع َلى َأ ْمرٍ َقدَّ َر ُه اهَّللُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اص َط َف َ ُ‬ ‫وسى ْ‬ ‫آ َد ُم‪َ :‬يا ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسى» َثلاَ ًثا(((‪.‬‬ ‫وسى‪َ ،‬ف َح َّج آ َد ُم ُم َ‬ ‫ين َسنَةً؟ َف َح َّج آ َد ُم ُم َ‬ ‫َع َل َّي َق ْب َل َأ ْن َيخْ ُل َقني بِ َأ ْر َبع َ‬
‫بدء خلق‬ ‫ونؤمن أن بدء خلق ذرية آدم هو كما أخرب اهلل عنه بقوله ‪:‬‬
‫ذرية آدم‬
‫(ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ‪‬‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ‬
‫ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6614‬ومسلم (‪ ،)2652‬وأبو داود (‪ ،)4701‬والترمذي‬


‫(‪ ،)2134‬وابن ماجه (‪.)80‬‬
‫‪52‬‬

‫ﯥ) [الحج‪ ،]5 :‬وقال الحق جل شأنه‪( :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬


‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬
‫ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ‬
‫ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [المؤمنون‪ .]14-12 :‬وعن عبد اهلل‬
‫وق ‪َ -‬ق َال‪« :‬إِ َّن‬ ‫الم ْصدُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬قال‪ :‬حدثنا رس ُ ِ‬
‫الصاد ُق َ‬ ‫ول اهَّلل ﷺ ‪َ -‬و ُه َو َّ‬ ‫َ ُ‬
‫ك‪ُ ،‬ث َّم‬‫ُون َع َل َق ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ َحدَ ك ُْم ُي ْج َم ُع َخ ْل ُق ُه في َب ْط ِن ُأ ِّمه َأ ْر َبع َ‬
‫ين َي ْو ًما‪ُ ،‬ث َّم َيك ُ‬
‫ات‪َ ،‬و ُي َق ُال َل ُه‪:‬‬‫ث اهَّلل م َلكًا َفي ْؤمر بِ َأرب ِع ك َِلم ٍ‬ ‫ُون ُم ْض َغ ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬
‫َ‬ ‫ُ َُ َْ‬ ‫ك‪ُ ،‬ث َّم َي ْب َع ُ ُ َ‬ ‫َيك ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وح»(((‪.‬‬ ‫الر ُ‬ ‫ُب َع َم َل ُه‪َ ،‬و ِر ْز َق ُه‪َ ،‬و َأ َج َل ُه‪َ ،‬و َشق ٌّي َأ ْو َسعيدٌ ‪ُ ،‬ث َّم ُينْ َف ُخ فيه ُّ‬‫ا ْكت ْ‬
‫وب َّين النبي ﷺ كيف ينزع الولد تارة إلى أبيه‪ ،‬وتارة إلى أمه‪ ،‬حينما سأله‬
‫عبداهلل بن سالم فقال‪ :‬إِنِّي سائِ ُل َك َعن َثلاَ ٍ‬
‫ث لاَ َي ْع َل ُم ُه َّن إِ اَّل َنبِ ٌّي‪َ ،‬ما َأ َّو ُل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اط السا َع ِة؟ وما َأو ُل َطعا ٍم ي ْأ ُك ُله َأ ْه ُل الجن َِّة؟ وما ب ُال الو َل ِد ين ِْزع إِ َلى َأبِ ِ‬
‫يه‬ ‫َأ ْشر ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫اك عَدُ و اليه ِ‬ ‫«أ ْخبرنِي بِ ِه ِجبرِ ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ود‬ ‫يل آن ًفا»‪َ ،‬ق َال ا ْب ُن َسلاَ ٍم‪َ :‬ذ َ ُّ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َأ ْو إِ َلى ُأ ِّمه؟ َق َال‪َ َ َ :‬‬
‫السا َع ِة َفن ٌَار ت َْح ُش ُر ُه ْم ِم َن المشرِ ِق إِ َلى‬ ‫ِ‬
‫«أ َّما َأ َّو ُل َأ ْش َراط َّ‬ ‫الملاَ ئِ َك ِة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫م َن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحوت‪َ ،‬و َأ َّما َ‬
‫الو َلدُ‬ ‫الجنَّة َف ِز َيا َد ُة َكبِد ُ‬‫المغرب‪َ ،‬و َأ َّما َأ َّو ُل َط َعا ٍم َي ْأ ُك ُل ُه َأ ْه ُل َ‬‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ِل‬ ‫الو َلدَ ‪َ ،‬وإِ َذا َس َب َق َما ُء المرأة َما َء َّ‬ ‫الر ُج ِل َما َء المرأة َنز ََع َ‬ ‫َفإِ َذا َس َب َق َما ُء َّ‬
‫ول اهَّللِ(((‪.‬‬ ‫الو َلدَ »‪َ .‬ق َال‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن لاَ إِ َل َه إِ اَّل ُ‬
‫اهَّلل‪َ ،‬و َأن ََّك َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫َن َز َعت َ‬
‫ونؤمن أن الناس كلهم من ذرية آدم‪ ،‬وآدم من تراب‪ ،‬فال فضل ألحد‬
‫على أحد إال بالتقوى‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)3208‬ومسلم (‪ ،)2643‬وأبو داود (‪ ،)4708‬والترمذي‬


‫(‪ ،)2137‬وابن ماجه (‪.)76‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)3938‬‬
‫‪53‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫ﮊ) [الحجرات‪ ،]13 :‬وعن أبي هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َّن‬
‫اج ٌر‬‫اء ُم ْؤ ِم ٌن ت َِقي‪َ ،‬و َف ِ‬
‫اه ِلي ِة‪ ،‬و َفخْ رها بِ آْالب ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ب َعنْك ُْم ُع ِّب َّي َة ا ْل َج َّ َ َ َ‬ ‫اهَّللَ ‪َ ‬قدْ َأ ْذ َه َ‬
‫ٌّ‬
‫اب‪.(((»...‬‬ ‫َش ِق ٌّي‪َ ،‬أ ْنت ُْم َبنُو آ َد َم‪َ ،‬وآ َد ُم ِم ْن ت َُر ٍ‬

‫خلق املسيح‬ ‫زوجا هي حواء‬


‫ونؤمن أن اهلل خلق آدم من تراب‪ ،‬وخلق له من نفسه ً‬
‫‪‬‬
‫‪ ،‬وخلق بقية البشر من ماء مهين‪ ،‬إال عيسى ‪ ‬فقد‪ ‬خلقه‬
‫اهلل من أم بال أب‪ ،‬كما أخرب اهلل عنه بقوله تعالى‪( :‬ﯮﯯﯰﯱ‬
‫ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ‬
‫ﰀ ﰁﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [آل عمران‪.]47-45 :‬‬
‫ونؤمن بأن عيسى ‪ - ‬وإن كان خلقه عجي ًبا ‪ -‬فهو عبداهلل‬
‫ورسوله‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ) [الزخرف‪ ،]59 :‬فهو بشر من البشر‪ ،‬يأكل الطعام‪ ،‬وليس بإله‪ ،‬قال‬
‫اهلل تعالى‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [المائدة‪.]75 :‬‬
‫ونجد يف كتاب ربنا أن اهلل رد على من زعم أن المسيح إله بأدلة كثيرة(((‪،‬‬
‫ومن هذه األدلة‪ :‬قول الحق ‪( :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬

‫(( ( أخرجه أبو داود (‪ ،)5116‬والترمذي (‪ ،)3956‬والمعافى بن عمران في الزهد‬


‫(‪ ،)147‬وابن وهب في الجامع (‪ ،)30‬وأحمد (‪.)8736‬‬
‫((( سنذكر بعضها ‪ -‬بإذن الله‪ -‬في كتاب اإليمان بالله من هذا الكتاب انظر (ص‪.)112 :‬‬
‫‪54‬‬

‫‪ ،]91‬وقوله تعالى‪( :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬ ‫ﭰ) [المؤمنون‪:‬‬

‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ) [المائدة‪.]17 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق الناس على الفطرة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫كل مولود‬
‫يولد عىل‬
‫ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ‬ ‫الفطـرة‬
‫‪ .]30‬قال ابن زيد‪،‬‬ ‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الروم‪:‬‬

‫ومجاهد‪ ،‬وعكرمة‪ :‬الفطرة‪ :‬اإلسالم(((‪.‬‬


‫وقال ابن عبـاس ‪ ،L‬وإبراهيم النخعي‪ ،‬وسعيد بن جبير‪ ،‬ومجاهد‪،‬‬
‫وعكرمة‪ ،‬وقتادة‪ ،‬والضحاك‪ ،‬وابن زيد يف قوله‪( :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ)‪« :‬أي‪:‬‬
‫وبوب البخاري يف «صحيحه»‪ ،‬فقال‪« :‬باب (ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫لدين اهلل»(((‪ّ .‬‬
‫ﯣﯤ) لدين اهلل‪( ،‬ﭔ ﭕ)‪ :‬دين األولين‪ ،‬والفطرة‪ :‬اإلسالم»‪.‬‬
‫ود ُيو َلدُ َع َلى‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ك ُُّل مو ُل ٍ‬
‫َْ‬
‫الف ْطر ِة‪َ ،‬ف َأبواه يهودانِ ِه‪َ ،‬أو ينَصرانِ ِه‪َ ،‬أو يمجسانِ ِه‪ ،‬كَم َث ِل الب ِه ِ‬
‫ِ‬
‫يمـة ُتنْت َُج ال َب ِه َ‬
‫يمةَ‪،‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ ِّ َ‬ ‫ْ ُ ِّ َ‬ ‫َ َ ُ ُ َ ِّ َ‬ ‫َ‬
‫َه ْل ت ََرى فِ َيها َجدْ َعا َء؟»‪ .‬ثم يقول أبو هريرة ‪( :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الروم‪.(((»]30  :‬‬
‫وعن عياض بن حمار المجاشعي ‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ قال ذات‬
‫«أل إِ َّن َر ِّبي َأ َم َرنِي َأ ْن ُأ َع ِّل َمك ُْم َما َج ِه ْلت ُْم‪ِ ،‬م َّما َع َّل َمنِي َي ْو ِمي‬
‫يوم يف خطبته‪َ :‬‬
‫ادي ُحنَ َفا َء ُك َّل ُه ْم‪َ ،‬وإِن َُّه ْم‬‫ت ِعب ِ‬ ‫َه َذا‪ ،‬ك ُُّل م ٍ‬
‫ال ن ََح ْل ُت ُه َع ْبدً ا َحلاَ ٌل‪َ ،‬وإِنِّي َخ َل ْق ُ َ‬ ‫َ‬

‫((( المصدر السابق‪ ،‬الموضع نفسه‪.‬‬ ‫(( ( تفسير الطبري (‪.)98/20‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4775‬ومسلم (‪ ،)2658‬وأبو داود (‪ ،)4714‬والترمذي (‪.)2138‬‬
‫‪55‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫ت َع َل ْي ِه ْم َما َأ ْح َل ْل ُ‬
‫ت َل ُه ْم‪،‬‬ ‫اجتَا َلت ُْه ْم َع ْن ِدين ِ ِه ْم‪َ ،‬و َح َّر َم ْ‬
‫ين َف ْ‬
‫َأ َتتْهم َّ ِ‬
‫الش َياط ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫َو َأ َم َرت ُْه ْم َأ ْن ُي ْشرِكُوا بِي َما َل ْم ُأن ِْز ْل بِ ِه ُس ْل َطانًا‪.(((»...‬‬
‫ونؤمن أن اهلل خصم منكري البعث بأن ذكّرهم ببداية خلقهم من تراب‪،‬‬
‫فقال تعالى‪( :‬ﮔﮕﮖ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [يس‪.]79 ،78 :‬‬
‫كما ذكّرهم بأنه خلقهم من ماء مهين‪ ،‬فكيف يسـتكربون على رهبم‪ ،‬ب��دء اخللق‬
‫م��ن ت��راب‬
‫ويسـتبعدون نشـرهم وحشرهم؟! قال الحـق ‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ دل��ي��ل عىل‬
‫ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ال���ب���ع���ث‬

‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹﯺ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ)‬

‫[السجدة‪.]11-7 :‬‬
‫ونؤمن أن َخ ْل َق اهلل تعالى للعباد دليل على أنه وحده المستحق للعبادة‪،‬‬
‫قـال اهلل تعالى‪( :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ) [البقرة‪.]21 :‬‬
‫نوحا ذكَّر قومه بأن اهلل خلقهم‬
‫كما أخربنا اهلل يف القرآن الكريم أن ً‬
‫وقارا؟! قال تعالى‪( :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫أطوارا‪ ،‬فكيف ال يرجون له ً‬
‫ً‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ) [نوح‪.]14 ،13 :‬‬
‫ولإلنسان أحـوال يف الربزخ ويف الدار اآلخرة سـيأيت تفصيلها ‪-‬إن شاء‬
‫اهلل‪ -‬يف كتاب اإليمان باليوم اآلخر(((‪.‬‬

‫((( انظر (ص‪ )241 :‬من هذا الكتاب‪.‬‬ ‫((( أخرجه مسلم (‪.)2865‬‬
‫‪56‬‬

‫بــاب‬
‫خلق الروح‬

‫ونعلم أن الروح من أمر اهلل‪ ،‬وأن البشر ال يعلمون من شأهنا إال ما أطلعهم‬
‫اهلل عليه‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [اإلسراء‪ ،]85 :‬وعن عبداهلل ‪ ‬قال‪:‬‬
‫ث‪َ ،‬و ُه َو ُمتَّكِ ٌئ َع َلى َع ِس ٍ‬
‫يب‪ ،‬إِ ْذ َم َّر ال َي ُهو ُد‪َ ،‬ف َق َال‬ ‫«بينَا َأنَا مع النَّبِي ﷺ فِي حر ٍ‬
‫َْ‬ ‫َ َ ِّ‬ ‫َْ‬
‫الروحِ ‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ما َر ْأ ُي ُك ْم إِ َل ْي ِه؟ َو َق َال َب ْع ُض ُه ْم‪ :‬لاَ‬ ‫ض‪َ :‬س ُلو ُه َع ِن ُّ‬ ‫َب ْع ُض ُه ْم ل ِ َب ْع ٍ‬
‫الروحِ ‪َ ،‬ف َأ ْم َس َك النَّبِ ُّي‬ ‫ٍ‬
‫َي ْس َت ْقبِ ُل ُك ْم بِ َش ْيء َت ْك َر ُهو َن ُه‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪َ :‬س ُلو ُه‪َ ،‬ف َس َأ ُلو ُه َع ِن ُّ‬
‫وحى إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف ُق ْم ُت َم َقامِي‪َ ،‬ف َل َّما ن ََز َل‬ ‫ﷺ َف َل ْم َي ُر َّد َع َل ْي ِه ْم َش ْي ًئا‪َ ،‬ف َعلِ ْم ُت َأ َّن ُه ُي َ‬
‫الو ْح ُي‪َ ،‬ق َال‪( :‬ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬ ‫َ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ)»(((‪.‬‬
‫ونؤمن أن األرواح مخلوقة‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﮏﮐﮑﮒﮓ‬ ‫األرواح‬

‫أتم اهلل خلق آدم ‪ ‬نفخ فيه‬


‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الزمر‪ .]62 :‬ولما ّ‬ ‫خملوقة‬

‫من روحه‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬


‫ﯳ ﯴ) [الحجر‪ .]29 :‬وإذا تم الجنين يف بطن أمه أربعـة أشهر أرسـل‪ ‬اهلل‬
‫ول اهَّللِ‬ ‫إليه الملك‪ ،‬فنفخ فيه الروح‪ ،‬فعن عبداهلل ‪ ‬قال‪َ :‬حدَّ َثنَا َر ُس ُ‬
‫وق ‪َ -‬ق َال‪« :‬إِ َّن َأ َحدَ ك ُْم ُي ْج َم ُع فِي َب ْط ِن ُأ ِّم ِه‬ ‫اد ُق المصدُ ُ‬ ‫ﷺ ‪ -‬و ُهو الص ِ‬
‫َ َ َّ‬
‫ث اهَّللُ‬ ‫ُون ُم ْض َغ ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬
‫ك‪ُ ،‬ث َّم َي ْب َع ُ‬ ‫ك‪ُ ،‬ث َّم َيك ُ‬‫ين َي ْو ًما‪ُ ،‬ث َّم َع َل َق ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْر َبع َ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4721‬ومسلم (‪ ،)2794‬والترمذي (‪.)3141‬‬


‫‪57‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬


‫وح»(((‪،‬‬ ‫َم َلكًا َف ُي ْؤ َم ُر بِ َأ ْر َبعٍ‪ :‬بِرِزْقه َو َأ َجله‪َ ،‬و َشق ٌّي َأ ْو َسعيدٌ ‪ُ ،‬ث َّم ُينْ َف ُخ فيه ُّ‬
‫الر ُ‬
‫إال المسيح ‪ ‬فكان بدء حمله من نفخة الملك‪ ،‬قال الحق ‪ -‬وقوله‬
‫الحق‪( :‬ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ‬
‫ﭚ ﭛ) [األنبياء‪ ،]91 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النساء‪.]171 :‬‬
‫األرواح‬ ‫ونؤمن أن األرواح تقبض أثناء النوم‪ ،‬ثم تعاد إلى الجسد‪ ،‬قال الحق جل‬
‫تقبض أثناء‬
‫شأنه‪( :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ‬
‫النـــــوم‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الزمر‪.]42 :‬‬
‫وعن عبداهلل ابن أبي قتادة عن أبيه ‪ ‬قال‪ِ :‬س ْرنَا َم َع النَّبِ ِّي ﷺ‬
‫اف َأ ْن َتن َُاموا‬ ‫«أ َخ ُ‬ ‫ول اهَّللِ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َل ْي َلةً‪َ ،‬ف َق َال َب ْع ُض ال َق ْو ِم‪َ :‬ل ْو َع َّر ْس َت بِنَا َيا َر ُس َ‬
‫اض َط َج ُعوا‪َ ،‬و َأ ْسنَدَ بِلاَ ٌل َظ ْه َر ُه إِ َلى‬ ‫الصلاَ ِة»‪َ ،‬ق َال بِلاَ ٌل‪َ :‬أنَا ُأوقِ ُظ ُك ْم‪َ ،‬ف ْ‬ ‫َع ِن َّ‬
‫س‪،‬‬ ‫الش ْم ِ‬ ‫ب َّ‬ ‫اج ُ‬ ‫اح َلتِ ِه‪َ ،‬ف َغ َل َب ْت ُه َع ْينَا ُه َفنَام‪َ ،‬فاس َت ْي َق َظ النَّبِي ﷺ‪َ ،‬و َقدْ َط َل َع َح ِ‬ ‫ر ِ‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت؟» َق َال‪َ :‬ما ُأ ْل ِق َي ْت َع َل َّي ن َْو َم ٌة مِ ْث ُل َها َق ُّط‪َ ،‬ق َال‪« :‬إِ َّن‬ ‫«يا بِلاَ ُل‪َ ،‬أ ْي َن َما ُق ْل َ‬‫َف َق َال‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َشا َء»(((‪.‬‬ ‫ين َشا َء‪َ ،‬و َر َّد َها َع َل ْيك ُْم ح َ‬ ‫احك ُْم ح َ‬ ‫اهَّللَ َق َب َض َأ ْر َو َ‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال النبي ﷺ‪« :‬إِ َذا َأ َوى َأ َحدُ ك ُْم إِ َلى‬
‫ول‪:‬‬ ‫َار ِه‪َ ،‬فإِ َّن ُه اَل َيدْ ِري َما َخ َل َف ُه َع َل ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َي ُق ُ‬
‫اخ َل ِة إِز ِ‬
‫اش ِه َف ْلينْ ُف ْض فِر َاشه بِدَ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫فِر ِ‬
‫َ‬
‫ْت َن ْفسي َف ْار َح ْم َها‪َ ،‬وإِ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ك َأ ْر َف ُع ُه‪ ،‬إِ ْن َأ ْم َسك َ‬ ‫ت َجنْبِي‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫ِ‬
‫ك َر ِّب َو َض ْع ُ‬ ‫اسم َ‬ ‫بِ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين»(((‪.‬‬‫الصالح َ‬ ‫اح َف ْظ َها بِ َما ت َْح َف ُظ بِه ع َبا َد َك َّ‬ ‫َأ ْر َس ْلت ََها َف ْ‬
‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)3208‬ومسلم (‪ ،)2643‬وأبو داود (‪ ،)4708‬والترمذي‬
‫(‪ ،)2137‬وابن ماجه (‪.)76‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)595‬وأبو داود (‪ ،)440 ،439‬والنسائي (‪.)846‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6320‬ومسلم (‪ ،)2714‬وأبو داود (‪ ،)5050‬والترمذي‬
‫(‪ ،)3401‬وابن ماجه (‪.)3874‬‬
‫‪58‬‬

‫ونؤمن أن الروح تفارق البدن عند الموت‪ ،‬قال الحق‪( :‬ﭽ ﭾ ﭿ‬ ‫مفارقــــة‬
‫الروح للبدن‬
‫ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [العنكبوت‪ .]57 :‬فهي تفارق البدن مفارقة تامة‬
‫ول اهللِ ﷺ َع َلى‬ ‫بالموت‪ ،‬ويتبعها البصر‪ ،‬فعن أم سلمة قالت‪َ :‬د َخ َل َر ُس ُ‬
‫وح إِ َذا ُقبِ َض َتبِ َع ُه‬ ‫َأبِي َس َل َمةَ‪َ ،‬و َقدْ َش َّق َب َص ُر ُه‪َ ،‬ف َأ ْغ َم َض ُه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪« :‬إِ َّن ُّ‬
‫الر َ‬
‫ا ْل َب َص ُر‪ ،(((»...‬فهي ال تموت كموت البدن‪ ،‬وإنما موهتا مفارقة البدن‪.‬‬
‫ونؤمن أن المالئكة تستخرج األرواح من األبدان عند الموت‪ ،‬ويقع‬ ‫األرواح‬
‫يف البـرزخ‬
‫عليها النعيم أو العذاب‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬ ‫يناهلا النعيم‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬ ‫أو‪ ‬العذاب‬

‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [األنعام‪.]93 :‬‬
‫فالملك يستخرج النفس‪ ،‬ثم يقع عليها العذاب أو النعيم‪ ،‬كما يقع على‬
‫الجسد‪ ،‬فعن الرباء بن عازب ‪ L‬قال‪َ :‬خ َر ْجنَا َم َع النَّبِ ِّي ﷺ فِي ِجن ََاز ِة‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‪،‬‬ ‫ار‪َ ،‬فا ْنت ََه ْينَا إِ َلى ا ْل َق ْب ِر‪َ ،‬و َل َّما ُي ْل َحدْ ‪َ ،‬ف َج َل َس َر ُس ُ‬ ‫َر ُج ٍل مِ َن الأْ َن َْص ِ‬
‫ض‪،‬‬ ‫وسنَا ال َّط ْي َر‪َ ،‬وفِي َي ِد ِه ُعو ٌد َينْ ُك ُت فِي الأْ َ ْر ِ‬ ‫وج َلسنَا حو َله‪ ،‬ك ََأ َّن َع َلى ر ُؤ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ ْ ُ‬
‫اب ا ْل َق ْب ِر َم َّر َت ْي ِن‪َ ،‬أ ْو َثلاَ ًثا‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪:‬‬ ‫يذوا بِاهَّللِ مِ ْن َع َذ ِ‬ ‫است َِع ُ‬ ‫َف َر َف َع َر ْأ َس ُه‪َ ،‬ف َق َال‪ْ :‬‬
‫ال ِم َن آْال ِخ َر ِة‪َ ،‬نز ََل إِ َل ْي ِه‬ ‫َان فِي ان ِْق َطا ٍع ِم َن الدُّ ْنيا َوإِ ْق َب ٍ‬
‫َ‬ ‫«إِ َّن ا ْل َع ْبدَ ا ْل ُم ْؤ ِم َن إِ َذا ك َ‬
‫الش ْم ُس‪َ ،‬م َع ُه ْم َك َف ٌن ِم ْن‬ ‫وه ُه ُم َّ‬ ‫ِ‬
‫يض ا ْل ُو ُجوه‪ ،‬ك ََأ َّن ُو ُج َ‬ ‫اء بِ ُ‬‫ملاَ ئِ َك ٌة ِمن السم ِ‬
‫َ َّ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُوط م ْن َحنُوط ا ْل َجنَّة‪َ ،‬حتَّى َي ْج ِل ُسوا منْ ُه َمدَّ ا ْل َب َصرِ‪ُ ،‬ث َّم‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان ا ْل َجنَّة‪َ ،‬و َحن ٌ‬ ‫َأ ْك َف ِ‬
‫ول‪َ :‬أ َّيت َُها ال َّن ْف ُس‬ ‫ت ‪َ ‬حتَّى َي ْج ِل َس ِعنْدَ َر ْأ ِس ِه‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫جيء م َل ُك ا ْلمو ِ‬
‫َْ‬ ‫َي ِ ُ َ‬
‫يل‬ ‫يل ك ََما ت َِس ُ‬ ‫ان»‪َ .‬ق َال‪َ « :‬فتَخْ ُر ُج ت َِس ُ‬ ‫اخ ُر ِجي إِ َلى َمغ ِْف َر ٍة ِم َن اهَّلل ِ َو ِر ْض َو ٍ‬ ‫ال َّط ِّي َبةُ‪ْ ،‬‬
‫وها فِي َي ِد ِه َط ْر َف َة َع ْي ٍن‬ ‫ِ‬
‫الس َقاء‪َ ،‬ف َي ْأ ُخ ُذ َها‪َ ،‬فإِ َذا َأ َخ َذ َها َل ْم َيدَ ُع َ‬
‫ِ ِ‬
‫ا ْل َق ْط َر ُة م ْن في ِّ‬
‫ُوط‪َ ،‬و َيخْ ُر ُج ِمن َْها‬ ‫حتَّى ي ْأ ُخ ُذوها‪َ ،‬فيجع ُلوها فِي َذلِ َك ا ْل َك َف ِن‪ ،‬وفِي َذلِ َك ا ْلحن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)920‬وأبو داود (‪ ،)3118‬وابن ماجه (‪.)1454‬‬
‫‪59‬‬ ‫كتاب بدء الخلق‬

‫ون بِ َها‪َ ،‬فلاَ‬ ‫ض»‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َي ْص َعدُ َ‬ ‫ب َن ْف َح ِة ِم ْس ٍك ُو ِجدَ ْت َع َلى َو ْج ِه أْالَ ْر ِ‬ ‫ك ََأ ْط َي ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ون ‪ -‬يعنِي‪ :‬بِها ‪ -‬ع َلى م إَ ٍ ِ‬
‫ب؟‬ ‫وح ال َّط ِّي ُ‬ ‫ل م َن ا ْل َملاَ ئكَة‪ ،‬إِ اَّل َقا ُلوا‪َ :‬ما َه َذا ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َي ُم ُّر َ َ ْ‬
‫ون‪ُ :‬فلاَ ُن ْب ُن ُفلاَ ٍن‪ ،‬بِ َأ ْح َس ِن َأ ْس َمائِ ِه ا َّلتِي كَانُوا ُي َس ُّمو َن ُه بِ َها فِي الدُّ ْن َيا‪،‬‬ ‫َف َي ُقو ُل َ‬
‫ون َل ُه‪َ ،‬ف ُي ْفت َُح َل ُه ْم‪َ ،‬ف ُي َش ِّي ُع ُه ِم ْن‬
‫اء الدُّ ْن َيا‪َ ،‬ف َي ْس َت ْفتِ ُح َ‬
‫حتَّى ينْتَهوا بِها إِ َلى السم ِ‬
‫َّ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫السابِ َع ِة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الس َماء َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الس َماء ا َّلتي تَل َيها‪َ ،‬حتَّى ُينْت ََهى بِه إِ َلى َّ‬ ‫وها إِ َلى َّ‬
‫ٍ‬
‫ك ُِّل َس َماء ُم َق َّر ُب َ‬
‫ض‪َ ،‬فإِنِّي‬ ‫ين‪َ ،‬و َأ ِعيدُ و ُه إِ َلى أْالَ ْر ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َاب َع ْبدي في ع ِّل ِّي َ‬
‫ِ‬
‫ول اهَّللُ ‪ :‬ا ْك ُت ُبوا كت َ‬ ‫َف َي ُق ُ‬
‫َار ًة ُأ ْخ َرى»‪َ .‬ق َال‪َ « :‬ف ُت َعا ُد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من َْها َخ َل ْقت ُُه ْم‪َ ،‬وف َيها ُأعيدُ ُه ْم‪َ ،‬ومن َْها ُأ ْخرِ ُج ُه ْم ت َ‬
‫وح ُه فِي َج َس ِد ِه‪ .(((»...‬فذكر النبي ﷺ يف هذا الحديث أن الروح تخرج‪،‬‬ ‫ُر ُ‬
‫وتسيل‪ ،‬و ُتقبض‪ ،‬و ُتكفن‪ ،‬و ُيعرج هبا‪ ،‬و ُتعاد‪ ،‬وهذا كله شأن المخلوق‪.‬‬
‫ونؤمن أن األرواح بعد مفارقة البدن‪ ،‬تستقر يف نعيم أو عذاب إلى يوم‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َق َال‪« :‬إِن ََّما ن ََس َم ُة‬ ‫القيامة‪ ،‬فعن كعب بن مالك ‪َ ،‬ع ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ا ْل ُم ْؤ ِم ِن َطائِ ٌر فِي َش َجرِ ا ْل َجن َِّة َحتَّى َي ْب َع َث ُه اهَّللُ ‪ ‬إِ َلى َج َس ِد ِه َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة»(((‪.‬‬
‫وعن مسروق قال‪ :‬سألنا عبداهلل بن مسعود ‪ ‬عن هذه اآلية‪:‬‬
‫ﮡ)‬ ‫(ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫«أرواحهم فِي جو ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫َ ْ‬ ‫ـال‪َ :‬أ َما إِنَّا َقدْ َس َأ ْلنَا َع ْن َذل َك‪َ ،‬ف َق َال‪ْ ُ ُ َ ْ َ :‬‬ ‫[آل‪ ‬عمران‪َ .]169 :‬ق َ‬
‫ث َشا َء ْت‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫ش‪ ،‬ت َْس َر ُح ِم َن ا ْل َجن َِّة َح ْي ُ‬
‫يل ُم َع َّل َق ٌة بِا ْل َع ْر ِ‬ ‫َطيرٍ ُخ ْضرٍ‪َ ،‬لها َقن ِ‬
‫َاد ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يل‪.(((»...‬‬ ‫ك ا ْل َقن ِ‬
‫َاد ِ‬ ‫ت َْأ ِوي إِ َلى تِ ْل َ‬

‫(( ( أخرجه أبو داود (‪ ،)3212‬والنسائي (‪ ،)2001‬وابن ماجه (‪ )1548‬وأبو داود‬


‫الطيالسي (‪ ،)789‬وعبدالرزاق (‪ ،)6737 ،6324‬وأحمد (‪ )18534‬واللفظ له‪.‬‬
‫((( أخرجه النسائي (‪ ،)2073‬والترمذي (‪ ،)1641‬وابن ماجه (‪ ،)4271‬وعبدالرزاق في‬
‫التفسير (‪ ،)2681 ،484‬والحميدي (‪ ،)897‬وأحمد (‪.)15777 ،15776‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)1887‬والترمذي (‪ ،)3011‬وابن ماجه (‪.)2801‬‬
‫كتاب ِّ‬
‫الدين‬
‫‪62‬‬

‫ملخص الكتاب‬

‫ونؤمن أن اهلل رضي اإلسالم دينًا‪ ،‬وهو دين كل األنبياء والمرسلين‬


‫‪ ،‬وهو الفطرة التي فطر اهلل الناس عليها‪ ،‬وهو الميثاق الذي أخذه‬
‫اهلل على آدم وذريته‪.‬‬
‫ونؤمن أن هذا اإلسالم هو وصية إبراهيم ‪ ‬لبنيه‪ ،‬وهو وصية‬
‫أيضا‪ ،‬وهو أحسن األديان وأكملها وأتمها‪ ،‬وأن اهلل‬
‫يعقوب ‪ ‬لبنيه ً‬
‫ال‪ ‬يقبل دينًا سواه‪.‬‬
‫ونؤمن أن هذا الدين هو الدين الذي نزل به جربيل األمين على محمد‬
‫ٍّ‬
‫ولكل منها أركان‪.‬‬ ‫ﷺ‪ ،‬وله مراتب هي‪ :‬اإلسالم‪ ،‬واإليمان‪ ،‬واإلحسان‪،‬‬
‫وأن هذا الدين جامع لكل خير‪ ،‬شامل ألعمال القلوب والجوارح‪.‬‬
‫ونعلم أن اإليمان قول وعمل واعتقاد‪ ،‬وأن أهله يتفاضلون يف أعمالهم‪.‬‬
‫ونؤمن أن اإليمان يزيد وينقص‪ ،‬يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية‪.‬‬
‫ونشهد أن أهل اإليمان هم أهل الفوز يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وأن أهل هذا‬
‫مآلهم الجنة على اختالف درجاهتم ومراتبهم‪.‬‬
‫الدين الحق‪ُ ،‬‬
‫ونعلم أنه قد تواردت اآليات الكريمة واألحاديث الشريفة على األمر‬
‫التفرق‬
‫والتمسك هبا‪ ،‬والتحذير من مخالفة ذلك كما هنت عن ُّ‬
‫ُّ‬ ‫بلزوم السنة‬
‫واالختالف‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫كتاب ِّ‬
‫الدين‬

‫بــاب‬
‫َّ‬
‫إن الـدين عند اهلل اإلسالم‬

‫ونؤمن أن اهلل رضي اإلسالم دينًا‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮂ ﮃ ﮄ‬


‫(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)‬ ‫ﮅ) [المائدة‪.]3 :‬وقال الحق ‪:‬‬
‫[آل‪ ‬عمران‪ ،]19 :‬وهو دين جميع األنبياء والمرسلين ‪ ،‬قال تعالى‬
‫مخربًا عن نوح ‪ ‬أنه قال‪( :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [يونس‪:‬‬

‫‪ ،]72‬وقال تعالى عن إبراهيم ‪( :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ‬


‫ﮣ ﮤ)‪.‬‬
‫كمـال‬ ‫ونؤمن أن اهلل تعالى قد أكمل لنا الدين‪ ،‬فليس فيه نقص بوجه من‬
‫الديـن‬
‫الوجوه‪ ،‬قال ‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫‪ ،]3‬وهو أحسن األديان وأكملها‪،‬‬ ‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [المائدة‪:‬‬

‫وأتمها‪ ،‬وهذا الدين هو الحنيفية‪ ،‬ملة إبراهيم ‪ ،‬قال الحق جل‬


‫شأنه‪( :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫‪ ،]125‬وقال‪( : ‬ﮆ‬ ‫ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [النساء‪:‬‬

‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ) [البقرة‪ .]130 :‬وقال الحق جل شأنه وتقدست أسماؤه‬
‫يف إبراهيم الخليل ‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [آل عمران‪.]67 :‬‬
‫‪64‬‬

‫وهو الفطرة التي فطر اهلل الناس عليها‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫الفطرة هي‬
‫الدين احلق‬
‫ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الروم‪.]30 :‬‬
‫الف ْط َر ِة‪َ ،‬ف َأ َب َوا ُه ُي َه ِّو َدانِ ِه‪َ ،‬أ ْو ُين َِّص َرانِ ِه‪،‬‬
‫ود يو َلدُ ع َلى ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫وقال‪ ‬ﷺ‪« :‬ك ُُّل َم ْو ُل ُ‬
‫يمةَ‪َ ،‬ه ْل ت ََرى فِ َيها َجدْ َعا َء»‪ ،‬ثم يقول‬ ‫َأو‪ ‬يمجسانِ ِه‪ ،‬كَم َث ِل الب ِه ِ‬
‫يمة ُتنْت َُج ال َب ِه َ‬‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ ِّ َ‬
‫أبو‪ ‬هريرة ‪( :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ) [الروم‪ .((( ]30 :‬وهو الميثاق الذي أخذه اهلل على آدم وذريته‪،‬‬
‫قال الحق جل شأنه‪( :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ) [األعراف‪.]172 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل ال يقبل دينًا سواه قال المولى ‪( :‬ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [آل عمران‪.]85 :‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1385‬ومسلم (‪ ،)2658‬وأبو داود (‪ ،)4714‬والترمذي‬


‫(‪.)2138‬‬
‫‪65‬‬ ‫كتاب ِّ‬
‫الدين‬

‫بــاب‬
‫اإلسالم‬
‫ونؤمن أن هذا الدين هو الدين الذي نزل به جربيل األمين على محمد‬
‫مراتب هي‪ :‬اإلسالم واإليمان واإلحسان‪ ،‬ولكل منها أركان‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ﷺ‪ ،‬وأن له‬
‫ات‬ ‫ول اهللِ ﷺ َذ َ‬ ‫فعن عمر بن الخطاب ‪ ‬قال‪َ :‬ب ْينَما ن َْح ُن ِعنْدَ رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫الش َع ِر‪ ،‬لاَ‪ُ  ‬ي َرى‬ ‫اد َّ‬ ‫اب‪َ ،‬ش ِديدُ سو ِ‬ ‫اض ال ِّث َي ِ‬ ‫َي ْو ٍم‪ ،‬إِ ْذ َط َل َع َع َل ْينَا َر ُج ٌل َش ِديدُ َب َي ِ‬
‫َ َ‬
‫الس َف ِر‪َ ،‬ولاَ َي ْع ِر ُف ُه مِنَّا َأ َحدٌ ‪َ ،‬ح َّتى َج َل َس إِ َلى النَّبِ ِّي ﷺ‪َ ،‬ف َأ ْسنَدَ‬ ‫ِ‬
‫َع َل ْيه َأ َث ُر َّ‬
‫خ َذ ْي ِه‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬يا ُم َح َّمدُ ‪َ ،‬أ ْخبِ ْرنِي َع ِن‬ ‫ر ْكب َتي ِه إِ َلى ر ْكب َتي ِه‪ ،‬وو َضع َك َّفي ِه َع َلى َف ِ‬
‫ُ َ ْ َ َ َ ْ‬ ‫ُ َ ْ‬
‫«ال ْسلاَ ُم َأ ْن ت َْش َهدَ َأ ْن اَل إِ َل َه إِ اَّل اهللُ َو َأ َّن ُم َح َّمدً ا‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪ :‬إْ ِ‬ ‫الإْ ِ ْسلاَ ِم‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫رس ُ ِ‬
‫ت‬ ‫ان‪َ ،‬وت َُح َّج ا ْل َب ْي َ‬ ‫الصلاَ ةَ‪َ ،‬وت ُْؤتِ َي ال َّزكَاةَ‪َ ،‬وت َُصو َم َر َم َض َ‬ ‫يم َّ‬
‫ِ‬
‫ول‪ ‬اهلل ﷺ‪َ ،‬وتُق َ‬ ‫َ ُ‬
‫ت إِ َلي ِه سبِيل»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬صدَ ْق َت‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َع ِ‬
‫ج ْبنَا َل ُه َي ْس َأ ُل ُه‪َ ،‬و ُي َصدِّ ُق ُه‪.‬‬ ‫إِ ِن ْاس َت َط ْع َ ْ َ‬
‫«أ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهللِ‪َ ،‬و َملاَ ئِكَتِ ِه‪َ ،‬و ُك ُتبِ ِه‪َ ،‬و ُر ُس ِل ِه‪،‬‬ ‫ان‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َق َال‪َ :‬ف َأ ْخبِرنِي َع ِن الإْ ِ يم ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َوا ْل َي ْو ِم آْال ِخرِ‪َ ،‬وت ُْؤ ِم َن بِا ْل َقدَ ِر َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬صدَ ْق َت‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْخبِ ْرنِي‬
‫اك»‪.‬‬ ‫َّك ت ََرا ُه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َتك ُْن ت ََرا ُه َفإِ َّن ُه َي َر َ‬ ‫«أ ْن َت ْع ُبدَ اهللَ ك ََأن َ‬ ‫ان‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َع ِن الإْ ِ حس ِ‬
‫ْ َ‬
‫السائِ ِل»‪َ .‬ق َال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ؤول َعن َْها بِ َأ ْع َل َم م َن َّ‬‫«ما ا ْل َم ْس ُ‬ ‫السا َعة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق َال‪َ :‬ف َأ ْخبِ ْرني َع ِن َّ‬
‫َف َأ ْخبِ ْرنِي َع ْن َأ َم َارتِ َها‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫«أ ْن ت َِلدَ أْالَ َم ُة َر َّبت ََها‪َ ،‬و َأ ْن ت ََرى ا ْل ُح َفا َة ا ْل ُع َرا َة ا ْل َعا َل َة‬
‫ان»‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم ا ْن َط َل َق‪َ ،‬ف َلبِ ْث ُت َملِ ًّيا‪ُ ،‬ث َّم َق َال لِي‪:‬‬ ‫ون فِي ا ْل ُبنْ َي ِ‬ ‫اء َي َت َط َاو ُل َ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِر َعا َء َّ‬
‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فإِ َّن ُه ِج ْبرِ ُ‬ ‫ِ‬
‫يل‬ ‫السائ ُل؟» ُق ْل ُت‪ُ :‬‬ ‫«يا ُع َم ُر‪َ ،‬أتَدْ ِري َم ِن َّ‬ ‫َ‬
‫َأتَاك ُْم ُي َع ِّل ُمك ُْم ِدي َنك ُْم»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)8‬وأبو داود (‪ ،)4695‬والترمذي (‪ ،)2610‬والنسائي (‪=،)4990‬‬


‫‪66‬‬

‫وقد ب َّين النبي ﷺ أركان اإلسالم يف أحاديث أخرى‪ ،‬فقال‪ُ « :‬بن ِ َي‬ ‫أركـان‬

‫ول اهَّللِ‪َ ،‬وإِ َقا ِم‬‫س‪َ :‬ش َها َد ِة َأ ْن اَل إِ َل َه إِ اَّل اهَّللُ‪َ ،‬و َأ َّن ُم َح َّمدً ا َر ُس ُ‬
‫اإلسـالم‬
‫اإل ْسلاَ ُم َع َلى َخ ْم ٍ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان»(((‪ .‬وعن طلحة بن عبيد اهلل‬ ‫الح ِّج‪َ ،‬و َص ْو ِم َر َم َض َ‬ ‫الصلاَ ة‪َ ،‬وإِيتَاء ال َّزكَاة‪َ ،‬و َ‬ ‫َّ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫س‪ُ ،‬ي ْس َم ُع‬ ‫‪ ‬قال‪َ :‬جا َء َر ُج ٌل إِ َلى َر ُسول اهَّلل ﷺ م ْن َأ ْه ِل ن َْجد َثائ َر َّ‬
‫الر ْأ ِ‬
‫اإل ْسلاَ ِم‪َ ،‬ف َق َال‬ ‫ول‪َ ،‬حتَّى َدنَا‪َ ،‬فإِ َذا ُه َو َيس َأ ُل َع ِن ِ‬
‫ْ‬ ‫َد ِو ُّي َص ْوتِ ِه‪َ ،‬ولاَ ُي ْف َق ُه َما َي ُق ُ‬
‫ات فِي ال َي ْو ِم َوال َّل ْي َل ِة»‪َ .‬ف َق َال‪َ :‬ه ْل َع َل َّي َغ ْي ُر َها؟‬ ‫«خمس ص َلو ٍ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫ول‪ ‬اهَّلل ﷺ‪َ َ ُ ْ َ :‬‬ ‫َ ُ‬
‫«ل‪ ،‬إِ اَّل َأن َت َطوع»‪َ .‬ق َال رس ُ ِ‬
‫ان»‪َ .‬ق َال‪َ :‬ه ْل َع َل َّي‬ ‫«و ِص َيا ُم َر َم َض َ‬ ‫ول اهَّلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ َّ َ‬ ‫َق َال‪ :‬اَ‬
‫الزكَاةَ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ه ْل‬ ‫«ل‪ ،‬إِ اَّل َأن َت َطوع»‪َ .‬ق َال‪ :‬و َذكَر َله رس ُ ِ‬ ‫َغ ْي ُر ُه؟ َق َال‪ :‬اَ‬
‫ول اهَّلل ﷺ َّ‬ ‫َ َ ُ َ ُ‬ ‫ْ َّ َ‬
‫ول‪َ :‬واهَّللِ لاَ‬ ‫«ل‪ ،‬إِ اَّل َأ ْن َت َط َّو َع»‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْد َب َر َّ‬
‫الر ُج ُل‪َ ،‬و ُه َو َي ُق ُ‬ ‫َع َل َّي َغ ْي ُر َها؟ َق َال‪ :‬اَ‬
‫«أ ْف َل َح إِ ْن َصدَ َق»(((‪.‬‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ‪َ :‬‬ ‫ص‪َ .‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َأ ِزيدُ َع َلى َه َذا َولاَ َأ ْن ُق ُ‬
‫وقال الحق جل شأنه‪( :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البينة‪ .]5 :‬وقال عز من قائل‪:‬‬
‫(ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)‬

‫[التوبة‪ ،]5 :‬وقال الحق ‪( :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬


‫ِ‬ ‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [التوبة‪ .]11 :‬وقال‪ ‬ﷺ‪ِ ُ :‬‬
‫َّاس‬‫«أم ْر ُت َأ ْن ُأ َقات َل الن َ‬
‫الصلاَ ةَ‪،‬‬ ‫حتَّى ي ْشهدُ وا َأ ْن اَل إِ َله إِ اَّل اهَّلل‪ ،‬و َأ َّن محمدً ا رس ُ ِ ِ‬
‫يموا َّ‬ ‫ول اهَّلل‪َ ،‬و ُيق ُ‬ ‫ُ َ ُ َ َّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ك َع َص ُموا ِمنِّي ِد َما َء ُه ْم َو َأ ْم َوا َل ُه ْم إِ اَّل بِ َح ِّق‬ ‫َو ُي ْؤتُوا ال َّزكَاةَ‪َ ،‬فإِ َذا َف َع ُلوا َذلِ َ‬
‫اإل ْسلاَ مِ‪َ ،‬و ِح َسا ُب ُه ْم َع َلى اهَّلل ِ»(((‪.‬‬
‫ِ‬

‫وابن ماجه (‪.)63‬‬ ‫ =‬


‫أخرجه البخاري (‪ ،)8‬ومسلم (‪ ،)16‬والترمذي (‪ ،)2609‬والنسائي (‪.)5001‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)46‬ومسلم (‪ ،)11‬وأبو داود (‪ ،)391‬والنسائي (‪.)458‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)25‬ومسلم (‪.)22‬‬ ‫((( ‬
‫‪67‬‬ ‫كتاب ِّ‬
‫الدين‬

‫ول اهَّللِ‪َ ،‬أ ُّي ِ‬


‫اإل ْسلاَ ِم َأ ْف َض ُل؟‬ ‫وعن أبي موسى ‪ ‬قال‪َ :‬قا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ون ِم ْن لِ َسانِ ِه َو َي ِد ِه»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المسل ُم َ‬ ‫«م ْن َس ِل َم‬ ‫َق َال‪َ :‬‬
‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َذا َأ ْس َل َم ال َع ْبدُ َف َح ُس َن إِ ْسلاَ ُم ُه‪ُ ،‬ي َك ِّف ُر اهَّللُ َعنْ ُه ك َُّل َس ِّيئ ٍَة ك َ‬
‫َان‬
‫القصاص‪ :‬الحسنَ ُة بِع ْشرِ َأم َثالِها إِ َلى سب ِع ِمائ َِة ِضع ٍ‬ ‫َان بعدَ َذلِ َ ِ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ك َ ُ‬ ‫َز َل َف َها‪َ ،‬وك َ َ ْ‬
‫الس ِّي َئ ُة بِ ِم ْث ِل َها إِ اَّل َأ ْن َيت ََج َاو َز اهَّللُ َعن َْها»(((‪.‬‬
‫َو َّ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)11‬ومسلم (‪ ،)42‬والترمذي (‪ ،)2504‬والنسائي (‪.)4999‬‬


‫((( أخرجه البخاري ‪ -‬معل ًقا‪ ،)41( -‬والنسائي (‪.)4998‬‬
‫‪68‬‬

‫بــاب‬
‫اإليمان‬
‫ونؤمن أن المرتبة الثانية من مراتب الدين هي‪ :‬اإليمان‪ ،‬وهو كما جاء يف‬
‫جواب النبي ﷺ لجربيل ‪ ‬حينما سأله عن اإليمان قال‪َ :‬ف َأ ْخبِ ْرنِي‬
‫«أ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهللِ‪َ ،‬و َملاَ ئِكَتِ ِه‪َ ،‬و ُك ُتبِ ِه‪َ ،‬و ُر ُس ِل ِه‪َ ،‬وا ْل َي ْو ِم آْال ِخرِ‪،‬‬ ‫َع ِن الإْ ِ يم ِ‬
‫ان‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫َوت ُْؤ ِم َن بِا ْل َقدَ ِر َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬صدَ ْق َت‪َ ... ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم ا ْن َط َل َق َف َلبِ ْث ُت َملِ ًّيا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫السائ ُل؟» ُق ْل ُت‪ُ :‬‬ ‫«يا ُع َم ُر َأتَدْ ِري َم ِن َّ‬ ‫ُث َّم َق َال لي‪َ :‬‬
‫يل َأتَاك ُْم ُي َع ِّل ُمك ُْم ِدينَك ُْم»(((‪.‬‬
‫« َفإِ َّن ُه ِج ْبرِ ُ‬
‫واإليمان وإن كان النبي ﷺ قد فسره يف حديث جربيل ‪ ‬السابق‬ ‫اإليامن له‬
‫ٍ‬
‫بمعنى خاص وهو قوله‪« :‬ت ُْؤ ِم َن بِاهللِ‪َ ،‬و َملاَ ئِكَتِ ِه‪َ ،‬و ُك ُتبِ ِه‪َ ،‬و ُر ُس ِل ِه‪َ ،‬وا ْل َي ْو ِم‬
‫معان كثري ٌة‬

‫أيضا بمعنى أعم فهو جامع‬ ‫آْال ِخرِ‪َ ،‬وت ُْؤ ِم َن بِا ْل َقدَ ِر َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه»؛ إال أنه يأيت ً‬
‫لكل خير‪ ،‬شامل ألعمال القلوب والجوارح‪ ،‬قال الحق ‪:‬‬
‫(ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ) [األنفال‪.]4-2 :‬‬
‫وفسره النبي ﷺ لوفد عبدالقيس بالشعائر الظاهرة‪ ،‬ففي الصحيح عن‬
‫ابن عباس ‪ L‬قال‪ :‬إِ َّن َو ْفدَ َع ْب ِد ال َق ْي ِ‬
‫س َل َّما َأ َت ُوا النَّبِ َّي ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫«م ِن‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)8‬وأبو داود (‪ ،)4695‬والترمذي (‪ ،)2610‬والنسائي (‪،)4990‬‬


‫وابن ماجه (‪.)63‬‬
‫‪69‬‬ ‫كتاب ِّ‬
‫الدين‬

‫الو ْف ِد‪،‬‬‫«م ْر َح ًبا بِال َق ْومِ‪َ ،‬أ ْو بِ َ‬ ‫الو ْفدُ ؟‪َ »-‬قا ُلوا‪َ :‬ربِي َعةُ‪َ .‬ق َال‪َ :‬‬ ‫ال َق ْو ُم؟ ‪َ -‬أ ْو َم ِن َ‬
‫يك إِ اَّل فِي‬ ‫يع َأ ْن ن َْأتِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َغير َخزَايا و اَل َندَ امى»‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهَّلل إِنَّا لاَ ن َْستَط ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫ار ُم َض َر‪َ ،‬ف ُم ْرنَا بِ َأ ْم ٍر َف ْصلٍ‪،‬‬ ‫الحي مِ ْن ُك َّف ِ‬ ‫َ‬ ‫الش ْه ِر َ‬
‫الح َرا ِم‪َ ،‬و َب ْينَنَا َو َب ْين ََك َهذا َ ُّ‬ ‫َّ‬
‫الجنَّةَ‪َ ،‬و َس َأ ُلو ُه َع ِن األَ ْش ِر َب ِة‪َ ،‬ف َأ َم َر ُه ْم بِ َأ ْر َبعٍ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ن ْ ِ‬
‫ُخبِ ْر بِه َم ْن َو َرا َءنَا‪َ ،‬ونَدْ ُخ ْل بِه َ‬
‫ان‬
‫يم ُ‬ ‫ون َما ِ‬
‫اإل َ‬ ‫«أتَدْ ُر َ‬ ‫ان بِاهَّللِ َو ْحدَ ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫اإليم ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم َع ْن َأ ْر َبع‪َ :‬أ َم َر ُه ْم بِ َ‬ ‫َون ََه ُ‬
‫«ش َها َد ُة َأ ْن اَل إِ َل َه إِ اَّل اهَّللُ‪َ ،‬و َأ َّن‬ ‫ِ‬
‫بِاهَّلل َو ْحدَ ُه؟» َقا ُلوا‪ُ :‬‬
‫اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫ان‪َ ،‬و َأ ْن‬ ‫َاة‪َ ،‬و ِص َيا ُم َر َم َض َ‬ ‫ول اهَّللِ‪ ،‬وإِ َقام الصلاَ ِة‪ ،‬وإِيتَاء ال َّزك ِ‬ ‫ُم َح َّمدً ا َر ُس ُ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫اء(((‪،‬‬ ‫ُتع ُطوا ِمن المغنَ ِم الخُ مس»‪ .‬ونَهاهم َعن َأربعٍ‪« :‬ع ِن الحنْ َت ِم(((‪ ،‬والدُّ ب ِ‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ ْ َْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وه َّن‪َ ،‬و َأ ْخبِ ُروا بِ ِه َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«اح َف ُظ ُ‬ ‫َوالنَّقير(((ِ‪َ ،‬والمز َّفت‪َ ،‬و ُر َّب َما َق َال‪ :‬المق َّيرِ» َو َق َال‪ْ :‬‬
‫َم ْن َو َرا َءك ُْم»(((‪.‬‬
‫وبوب البخاري ‪ ‬يف «صحيحه» با ًبا لهذا‪ ،‬فقال‪« :‬باب أمور‬
‫ّ‬
‫اإليمان‪ ،‬وقول اهلل تعالى‪( :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ‬

‫الحنتم‪ :‬جرار مدهونة كانت تحمل فيها الخمر‪ .‬النهاية في غريب الحديث (‪.)1/448‬‬ ‫(( (‬
‫الدباء‪ :‬القرع‪ ،‬وكانوا ينتبذون فيها فتسرع الشدة في الشراب‪ .‬النهاية في غريب الحديث‬ ‫((( ‬
‫(‪.)1/96‬‬
‫كرا‪.‬‬ ‫النقير‪ :‬أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر ويلقى عليه الماء؛ ليصير ً‬
‫نبيذا ُم ْس ً‬ ‫((( ‬
‫النهاية في غريب الحديث (‪)5/104‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)53‬ومسلم (‪ ،)17‬وأبو داود (‪ ،)3692‬والترمذي (‪،)2611‬‬ ‫((( ‬
‫والنسائي (‪.)5031‬‬
‫‪70‬‬

‫ﮇ) [البقرة‪.»]177 :‬‬


‫ان بِ ْض ٌع َو َس ْب ُع َ‬
‫ون‬ ‫يم ُ‬‫«ال َ‬ ‫ونؤمن أن اإليمان قول وعمل واعتقاد‪ ،‬قال ﷺ‪ :‬إْ ِ‬
‫ُّون‪ُ -‬ش ْع َبةً‪َ ،‬ف َأ ْف َض ُل َها َق ْو ُل اَل إِ َل َه إِ اَّل اهللُ‪َ ،‬و َأ ْدن َ‬
‫َاها إِ َما َط ُة أْالَ َذى‬ ‫‪-‬أو بِ ْض ٌع َو ِست َ‬
‫ْ‬
‫ان»(((‪.‬‬ ‫يم ِ‬ ‫ال َ‬‫يق‪َ ،‬وا ْل َح َيا ُء ُش ْع َب ٌة ِم َن إْ ِ‬
‫َع ِن ال َّطرِ ِ‬

‫ونؤمن أن أهل اإليمان يتفاضلون يف أعمالهم‪ ،‬فعن أبي سعيد الخدري‬ ‫أهل اإليامن‬
‫الج َّنةَ‪َ ،‬و َأ ْه ُل الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫يتفاضلون‬
‫َّار الن ََّار‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫الجنَّة َ‬ ‫«يدْ ُخ ُل َأ ْه ُل َ‬
‫‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫يف أعامهلم‬
‫َان فِي َق ْلبِ ِه ِم ْث َق ُال َح َّب ٍة ِم ْن َخ ْر َد ٍل ِم ْن‬
‫َّار َم ْن ك َ‬‫ول اهَّللُ َت َعا َلى‪َ :‬أ ْخرِ ُجوا ِم َن الن ِ‬‫َي ُق ُ‬
‫‪-‬ش َّك‬ ‫الح َي ِاة َ‬
‫الح َيا‪َ ،‬أ ِو َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون من َْها َقد ْاس َو ُّدوا‪َ ،‬ف ُي ْل َق ْو َن في ن ََهرِ َ‬
‫ان‪َ .‬فيخْ رج َ ِ‬
‫يم ٍ ُ َ ُ‬ ‫إِ َ‬
‫الس ْي ِل‪َ ،‬أ َل ْم ت ََر َأن ََّها تَخْ ُر ُج َص ْف َرا َء‬
‫ب َّ‬ ‫ت الح َّب ُة فِي َجانِ ِ‬ ‫َمال ِ ٌك‪َ -‬ف َينْ ُبت َ‬
‫ُون ك ََما َتنْ ُب ُ‬
‫ُم ْلت َِو َيةً؟!»(((‪.‬‬
‫وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أبا سعيد الخدري ‪‬‬
‫ون َع َل َّي‪َ ،‬و َع َل ْي ِه ْم‬
‫َّاس ُي ْع َر ُض َ‬
‫ت الن َ‬ ‫يقول‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ب ْينَا َأنَا نَائِ ٌم‪َ ،‬ر َأ ْي ُ‬
‫اب‪،‬‬ ‫ون َذلِ َك‪َ ،‬و ُعرِ َض َع َل َّي ُع َم ُر ْب ُن الخَ َّط ِ‬ ‫ي‪َ ،‬و ِمن َْها َما ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُق ُم ٌص‪ ،‬من َْها َما َي ْب ُلغُ ال ُّثد َّ‬
‫وع َلي ِه َق ِميص يجره»‪َ .‬قا ُلوا‪َ :‬فما َأو ْلت َذل ِ َك‪ ،‬يا رس َ ِ‬
‫ين»(((‪.‬‬ ‫ول اهَّلل؟ َق َال‪« :‬الدِّ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ٌ َ ُ ُّ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ونؤمن أن اإليمان يزيد وينقص‪ ،‬يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية‪ ،‬قال‬ ‫اإليامن يزيد‬
‫وينقـص‬
‫تعالى‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ) [الكهف‪ ،]13 :‬وقال‪( :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [المدثر‪.]31 :‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)9‬ومسلم (‪ )35‬واللفظ له‪ ،‬وأبو داود (‪ ،)4676‬والترمذي‬


‫(‪ ،)2614‬والنسائي (‪ ،)5005‬وابن ماجه (‪.)57‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)22‬ومسلم (‪.)184‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)23‬ومسلم (‪ ،)2390‬والترمذي (‪ )2285‬وفيه عن بعض أصحاب‬
‫النبي‪ ،‬والنسائي (‪.)5011‬‬
‫‪71‬‬ ‫كتاب ِّ‬
‫الدين‬

‫َّار َم ْن َق َال‪ :‬اَل إِ َل َه إِ اَّل اهَّللُ‪َ ،‬وفِي َق ْلبِ ِه َوز ُْن َش ِع َير ٍة‬ ‫«يخْ ُر ُج ِم َن الن ِ‬
‫وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫َّار َم ْن َق َال‪ :‬اَل إِ َل َه إِ اَّل اهَّللُ‪َ ،‬وفِي َق ْلبِ ِه َوز ُْن ُب َّر ٍة ِم ْن َخ ْيرٍ‪،‬‬
‫ِم ْن َخ ْيرٍ‪َ ،‬و َيخْ ُر ُج ِم َن الن ِ‬
‫َّار َم ْن َق َال‪ :‬اَل إِ َل َه إِ اَّل اهَّللُ‪َ ،‬وفِي َق ْلبِ ِه َوز ُْن َذ َّر ٍة ِم ْن َخ ْيرٍ»(((‪.‬‬
‫َو َيخْ ُر ُج ِم َن الن ِ‬

‫ان َف َرائِ َض‪،‬‬ ‫وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بن عدي‪« :‬إِ َّن لِلإْ ِيم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‪َ ،‬و َم ْن َل ْم‬ ‫اس َت ْك َم َل اإل َ‬
‫يم َ‬ ‫اس َت ْك َم َل َها ْ‬ ‫َو َش َرائ َع‪َ ،‬و ُحدُ و ًدا‪َ ،‬و ُسنَنًا‪َ ،‬ف َم ِن ْ‬
‫ان‪َ ،‬فإِ ْن َأ ِع ْش َف َس ُأ َب ِّين َُها َل ُك ْم َحتَّى َت ْع َم ُلوا بِ َها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْس َت ْكم ْل َها َل ْم َي ْس َت ْكم ِل اإل َ‬
‫يم َ‬
‫َوإِ ْن َأ ُم ْت َف َما َأنَا َع َلى ُص ْح َبتِ ُك ْم بِ َح ِر ٍ‬
‫يص»(((‪.‬‬
‫وكان معمر‪ ،‬وسفيان الثوري‪ ،‬ومالك بن أنس‪ ،‬وابن جريج‪ ،‬وسفيان بن‬
‫عيينة يقولون‪« :‬اإليمان قول وعمل‪ ،‬يزيد وينقص»(((‪.‬‬
‫ميدي‪ ..« :‬وأن اإليمان قول‬
‫ُّ‬ ‫الح‬
‫وقال الحافظ أبو بكر عبداهلل بن الزبير ُ‬
‫وعمل‪ ،‬يزيد وينقص‪ ،‬وال ينفع قول إال بعمل‪ ،‬وال عمل وقول إال بنية‪ ،‬وال‬
‫قول وعمل ونية إال بسنة»(((‪.‬‬
‫وقال الخالل‪« :‬أخربين عبدالملك الميموين قال‪ :‬قال لي يعلى بن عبيد‬
‫منذ أكثر من ستين سنة‪ :‬اإليمان قول وعمل‪ ،‬وإن الذي يصوم ويصلي‬
‫ويفعل الصالحات أكثر إيمانًا من الذي يسرق ويزين»(((‪.‬‬

‫أخرجه البخاري (‪ ،)44‬ومسلم (‪ ،)193‬والترمذي (‪.)2593‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري ‪-‬معل ًقا‪ ،)10 /1( -‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ )31084‬وفي‬ ‫((( ‬
‫اإليمان (‪ ،)135‬والخالل في السنة (‪ ،)1553 ،1162‬وابن بطة في اإلبانة (‪،)1166‬‬
‫والاللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪.)1572‬‬
‫اإلبانة الكبرى (‪ ،)806/2‬والشريعة‪ ،‬لآلجري (‪.)606/2‬‬ ‫(( (‬
‫أصول السنة للحميدي (ص‪.)37 :‬‬ ‫((( ‬
‫السنة‪ ،‬ألبي بكر بن الخالل (‪.)590/3‬‬ ‫((( ‬
‫‪72‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم‪« :‬سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة يف‬
‫أصول الدين‪ ،‬وما أدركا عليه العلماء يف جميع األمصار‪ ،‬وما يعتقدان من‬
‫‪-‬حجازا‪ ،‬وعرا ًقا‪ ،‬وشا ًما‪،‬‬
‫ً‬ ‫ذلك‪ ،‬فقاال‪ :‬أدركنا العلماء يف جميع األمصار‬
‫ويمنًا‪ -‬فكان من مذهبهم‪ :‬اإليمان قول وعمل‪ ،‬يزيد وينقص»(((‪.‬‬
‫وقال الاللكائي‪« :‬اإليمان قول وعمل‪ ،‬وبه قال من الفقهاء‪ :‬مالك بن‬
‫أنس‪ ،‬وعبدالعزيز بن أبي سلمة الماجشون‪ ،‬والليث بن سعد‪ ،‬واألوزاعي‪،‬‬
‫وسعيد بن عبدالعزيز‪ ،‬وابن جريج‪ ،‬وسفيان بن عيينة‪ ،‬وفضيل بن عياض‪،‬‬
‫ونافع بن عمر الجمحي‪ ،‬ومحمد بن مسلم الطائفي‪ ،‬ومحمد بن عبداهلل‬
‫ابن عمرو بن عثمان بن عفان‪ ،‬والمثنى بن الصباح‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وعبداهلل‬
‫ابن الزبير الحميدي‪ ،‬وأبو إبراهيم المزين‪ ،‬وسفيان الثوري‪ ،‬وشريك‪ ،‬وأبو‬
‫بكر بن عياش‪ ،‬ووكيع‪ ،‬وحماد بن سلمة‪ ،‬وحماد بن زيد‪ ،‬ويحيى بن سعيد‬
‫القطان‪ ،‬وعبداهلل بن المبارك‪ ،‬وأبو إسحاق الفزاري‪ ،‬والنضر بن محمد‬
‫المروزي‪ ،‬والنضر بن شميل‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬وإسحاق بن راهويه‪،‬‬
‫وأبو‪ ‬ثور‪ ،‬وأبو عبيد»(((‪.‬‬
‫وقال أبو عبداهلل بن أبي زمنين يف كتابه «أصول السنة»‪« :‬باب يف أن‬
‫اإليمان قول وعمل‪ :‬ومن قول أهل السنة‪ :‬إن اإليمان إخالص هلل بالقلوب‪،‬‬
‫وشهادة باأللسنة‪ ،‬وعمل بالجوارح‪ ،‬على نية حسنة‪ ،‬وإصابة السنة»(((‪.‬‬

‫(( ( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪ ،)198 /1‬وعقيدة السلف ‪ -‬مقدمة ابن أبي‬
‫زيد القيرواني لكتابه الرسالة (ص‪.)29 :‬‬
‫((( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‪ ،‬لإلمام الاللكائي (‪.)913 /4‬‬
‫((( أصول السنة (ص‪.)207 :‬‬
‫‪73‬‬ ‫كتاب ِّ‬
‫الدين‬

‫بــاب‬
‫اإلحــســـان‬
‫ونؤمن أن المرتبة الثالثة من مراتب الدين هي‪ :‬اإلحسان‪ ،‬وهو كما جاء‬
‫يف جواب النبي ﷺ لجربيل حينما سأله عن اإلحسان‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْخبِ ْرنِي َع ِن‬
‫اك‪.»...‬‬ ‫َّك ت ََرا ُه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َتك ُْن ت ََرا ُه َفإِ َّن ُه َي َر َ‬‫«أ ْن َت ْع ُبدَ اهللَ ك ََأن َ‬
‫ان‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫الإْ ِ حس ِ‬
‫ْ َ‬
‫السائِ ُل؟» ُق ْل ُت‪:‬‬ ‫«يا ُع َم ُر َأتَدْ ِري َم ِن َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـال‪ُ :‬ث َّم ا ْن َط َل َق َف َلبِ ْث ُت َمل ًّيا‪ُ ،‬ث َّم َق َال لي‪َ :‬‬ ‫َق َ‬
‫يل َأتَاك ُْم ُي َع ِّل ُمك ُْم ِدينَك ُْم»(((‪.‬‬ ‫ـال‪َ « :‬فإِ َّن ُه ِج ْبرِ ُ‬
‫اهلل َو َر ُسـو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ق َ‬
‫ُ‬
‫أهل هذا‬ ‫مآلهم الجن ُة على‬
‫وأخرب الحق جل شأنه أن أهل هذا الدين الحق‪ُ ،‬‬
‫الدين احلق‪،‬‬
‫اختالف درجاهتم ومراتبهم ‪-‬سواء منهم من كان من أهل اإلسالم‪ ،‬ومن‬
‫ُ‬
‫مآهلم اجلن ُة‬
‫كان من أهل اإليمان‪ ،‬ومن كان من أهل اإلحسان‪ -‬فقال المولى عز شأنه‬
‫وتعالى سلطانه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ‬
‫ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬
‫ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [فاطر‪.]34-31 :‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)8‬وأبو داود (‪ ،)4695‬والترمذي (‪ ،)2610‬والنسائي (‪،)4990‬‬


‫وابن ماجه (‪.)63‬‬
‫‪74‬‬

‫بــاب‬
‫األمر بـلـزوم السنـة والتمسـك بهـا‬

‫وقد تواردت اآليات الكريمة واألحاديث الشريفة على األمر بلزوم السنة‬
‫التفرق واالختالف‪،‬‬
‫والتمسك هبا‪ ،‬والتحذير من مخالفة ذلك والنهي عن ُّ‬
‫ُّ‬
‫قال اهَّلل تعالى‪( :‬ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ‬
‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [األحزاب‪ .]21 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [األنعام‪ ،]159 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الشورى‪.]13 :‬‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ :‬‬
‫«أ َّما َب ْعدُ ‪َ ،‬فإِ َّن‬ ‫و َع ْن َجابِ ِر ْب ِن َع ْب ِد اهللِ ‪َ ،L‬ق َال‪ :‬قال َر ُس ُ‬
‫ور ُم ْحدَ َثات َُها‪،‬‬ ‫َاب اهللِ‪َ ،‬و َخ ْي ُر ا ْل ُهدَ ى ُهدَ ى ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬و َش ُّر أْالُ ُم ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َخ ْي َر ا ْل َحديث كت ُ‬
‫َوك ُُّل بِدْ َع ٍة َضلاَ َلةٌ»(((‪.‬‬
‫وعن َأبِي هرير َة ‪َ :‬أ َّن رس َ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬ك ُُّل ُأ َّمتِي َيدْ ُخ ُل َ‬
‫ون‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫«م ْن َأ َطا َعنِي َد َخ َل‬ ‫ا ْلجنَّ َة إِ اَّل من َأبى» َقا ُلوا‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬و َم ْن َي ْأ َبى؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ا ْل َج َّنةَ‪َ ،‬و َم ْن َع َصانِي َف َقدْ َأ َبى»(((‪.‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ْو ًما َب ْعدَ‬ ‫ار َي َة ‪َ ‬ق َال‪َ :‬و َع َظنَا َر ُس ُ‬ ‫اض ْب ِن َس ِ‬ ‫وعن ا ْل ِع ْر َب ِ‬
‫ِ‬ ‫َصلاَ ِة ا ْل َغدَ ِاة َم ْو ِع َظ ًة َبلِي َغ ًة َذ َر َف ْت مِن َْها ا ْل ُع ُي ُ‬
‫وب‪َ ،‬ف َق َال‬ ‫ون َو َو ِج َل ْت من َْها ا ْل ُق ُل ُ‬

‫(( ( أخرجه مسلم في (‪ ،)867‬والنسائي (‪ ،)1578‬وأبو داود (‪ ،)2954‬وابن ماجه (‪.)45‬‬


‫((( أخرجه البخاري(‪.)7280‬‬
‫‪75‬‬ ‫كتاب ِّ‬
‫الدين‬

‫وصيك ُْم‬ ‫«أ ِ‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬‬ ‫َر ُج ٌل‪ :‬إِ َّن َه ِذ ِه َم ْو ِع َظ ُة ُم َو ِّدعٍ‪َ ،‬ف َما َذا َت ْع َهدُ إِ َل ْينَا َيا َر ُس َ‬
‫الس ْم ِع َوال َّطا َع ِة‪َ ،‬وإِ ْن َع ْبدٌ َح َب ِش ٌّي‪َ ،‬فإِ َّن ُه َم ْن َي ِع ْش ِمنْك ُْم َي َرى‬ ‫ِ‬
‫بِ َت ْق َوى اهلل‪َ ،‬و َّ‬
‫ك ِمنْك ُْم‬‫ور؛ َفإِن ََّها َضلاَ َلةٌ‪َ ،‬ف َم ْن َأ ْد َر َك َذلِ َ‬
‫ات أْالُ ُم ِ‬ ‫اختِلاَ ًفا كَثِيرا‪ ،‬وإِياكُم ومحدَ َث ِ‬
‫ً َ َّ ْ َ ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫اج ِذ»(((‪.‬‬ ‫ين‪َ ،‬ع ُّضوا َع َل ْي َها بِالن ََّو ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ا ْل َم ْهد ِّي َ‬
‫اء ِ ِ‬
‫الراشد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َف َع َل ْيه بِ ُسنَّتي َو ُسنَّة ا ْلخُ َل َف َّ‬
‫وقال البخاري يف «صحيحه» يف كتاب االعتصام بالكتاب والسنة‪ :‬باب‬
‫االقتداء بسنن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقول اهلل ‪( :‬ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ) [الفرقان‪ ،]74 :‬قال‪ :‬أئمة نقتدي بمن قبلنا‪ ،‬ويقتدي بنا من بعدنا‪ ،‬وقال‬
‫السنَّة أن يتعلموها ويسألوا‬
‫ابن عون‪« :‬ثالث أحبهن لنفسي وإلخواين‪ :‬هذه ُ‬
‫عنها‪ ،‬والقرآن أن يتفهموه ويسألوا عنه‪ ،‬و َيدَ عوا الناس إال من خير»(((‪.‬‬

‫(( ( أخرجه أبو داود (‪ ،)4607‬والترمذي (‪ ،)2676‬وابن ماجه (‪ ،)42‬وأحمد (‪،)17416‬‬


‫والدارمي (‪ ،)96‬والحديث صححه الترمذي‪.‬‬
‫((( صحيح البخاري (‪.)139 /8‬‬
‫كتـاب اإليمــان باهلل‬
‫‪78‬‬

‫ملخص الكتاب‬

‫ونؤمن بأن اهلل هو األول‪ ،‬فليس قبله شيء‪ ،‬وهو اآلخر فليس بعده‬
‫وعرفنا بنفسه أنه هو الذي خلق السموات واألرض‪ ،‬وأنه هو المالك‬
‫شيء‪ّ ،‬‬
‫الحق للسموات واألرض‪ ،‬وأنه يولج الليل يف النهار ويولج النهار يف الليل‬
‫ِ‬
‫الموجد الخالق‬ ‫‪ ،‬وأن هذا الكون المشهود شاهد على أنه هو‬
‫له وحده وال خالق معه‪.‬‬
‫َ‬
‫دالئل‬ ‫وذكر من آياته الدالة على أنه هو الموجد الخالق لهذا الكون‬ ‫دالئـــل‬

‫كثير ًة ال ُيحاط هبا‪ ،‬وأقام الحجة علينا بما نراه يف أنفسنا وبما نراه مِ ْن حولنا‪.‬‬
‫وجود اهلل‬

‫ونؤمن بما آمنت به األنبياء والمرسلون‪ ،‬ونستيقن بما أتوا به من األدلة‬


‫والرباهين الدالة عليه ‪.‬‬
‫كما‬ ‫ونؤمن أن اهلل هو الخالق‪ ،‬ولم يخلق خلقه عب ًثا؛ بل كان خل ًقا ْ‬
‫مح ً‬
‫لغاية عظيمة‪.‬‬
‫كثيرا يف القرآن الكريم ‪-‬كما يف «سورة األنعام»‬
‫إلى غير ذلك مما ورد ً‬
‫و«النحل» وغيرهما‪ -‬من الدالئل التي ال تحصى‪ ،‬والشواهد التي ال‪ ‬تحصر‪،‬‬
‫ُ‬
‫دالئل عقليةٌ‪ ،‬وبراهي ُن عظيمةٌ‪،‬‬ ‫وكلها دالة على وجوده وربوبيته‪ ،‬وهي‬
‫تنوعها مناسبة لجميع‬
‫ال‪ ‬يستطيع أحد أن يـأيت بمثلها أو قريب منها‪ ،‬وهي يف ُّ‬
‫الخلق‪ ،‬كافية يف إقامة الحجة عليهم‪ ،‬ولو جحد الكافرون‪ ،‬وكره المبطلون‪،‬‬
‫‪79‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫وهل عند الكافر دليل إال اإلنكار والجحود؟!‬


‫دالئــل‬ ‫ونؤمن بأن اهلل واحد يف ربوبيته‪ ،‬وبأنه هو الخالق وحده‪ ،‬وهو الذي‬
‫الربوبية‬
‫بدأ الخلق ولم يشاركه فيه أحد‪ ،‬وأن اهلل يخلق بأمره ‪ ،‬ويخلق‬
‫‪ ‬بما يشاء من األسباب‪ ،‬وأن كل ما سواه مخلوق‪.‬‬
‫ونؤمن بأن اهلل رب كل شيء وخالقه ومدبره‪ ،‬ومالكه‪ ،‬وهو المتصرف‬
‫فيه‪ ،‬وال يملك أي مخلوق تدبير أمر نفسه‪ ،‬أو تدبير أمر غيره إال ما أقدره‬
‫اهلل عليه‪.‬‬
‫ونؤمن بأنه هو المالك الحق‪ ،‬وما سواه مملوك‪ ،‬وكل ملِ ٍ‬
‫ك فملكه باطل‬ ‫َ‬
‫أو مؤقت زائل‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل هو المحيي المميت وحده سبحانه‪ ،‬وأنه هو الذي خلق‬
‫الموت والحياة‪ ،‬وأنه هو الذي يتوىف األنفس‪.‬‬
‫ونؤمن أنه هو الرزاق ذو القوة المتين‪ ،‬فال رازق غيره‪ ،‬وال كايف سواه‪.‬‬
‫علما‪ ،‬فال يعزب عن علمه صغير‬
‫ونؤمن بأنه سبحانه قد أحاط بكل شيء ً‬
‫أو كبير‪ ،‬وأنه ‪ ‬عالم الغيب والشهادة‪.‬‬
‫وحكما‪.‬‬
‫ً‬ ‫ونؤمن بأنه تعالى قد قهر كل شيء عزة‬
‫مشرع‬
‫ونؤمن بأن الرب جل شأنه له الخلق واألمر‪ ،‬فال رب سواه‪ ،‬وال ِّ‬
‫غيره‪ ،‬فهو الذي خلق الخلق‪ ،‬وشرع الشرائع‪ ،‬وفرض الفرائض‪ ،‬وب َّين الدين‪،‬‬
‫وهو المالك لهم‪ ،‬وهو القادر وحده على حساهبم وجزائهم‪.‬‬
‫ونؤمن بأن الرب جل شأنه خالق العباد‪ ،‬وخالق أفعالهم‪.‬‬
‫ونؤمن أن اإليمان بربوبية اهلل فقط ال يكفي اإلنسان ألن يكون مؤمنًا‪،‬‬
‫‪80‬‬

‫وهذا اإليمان ال يدخل صاحبه الجنة؛ ألنه لم يؤمن أن اهلل هو المعبود‬


‫الحق‪ ،‬وأال يعبد إال اهلل وحده‪.‬‬
‫ونؤمن بأن اهلل واحد يف ألوهيته‪ ،‬وأنه ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪،‬‬ ‫دالئــل‬
‫األلوهية‬
‫وأنه هو الحق‪ ،‬وأن ما يدعون من دونه الباطل‪ .‬وهذا األمر العظيم هو الذي‬
‫من أجله أنزل اهلل الكتب‪ ،‬وأرسل الرسل‪ ،‬وخلق الجنة والنار‪ ،‬وأجمعت‬
‫عليه جماهير علماء األمة‪ ،‬ودلت عليه الفطرة‪ ،‬وشهدت له العقول السليمة‪.‬‬
‫ونعلم علم اليقين أن أساس دعوة األنبياء ألقوامهم هي‪ :‬دعوهتم لعبادة اهلل‬
‫وحده‪ ،‬وترك عبادة ما سواه‪.‬‬
‫والعبادة الحقة هي ما كانت هلل رب العالمين‪ ،‬موافقة لهدي سيد‬
‫المرسلين؛ ألن عبادة كل معبود سواه باطلة‪.‬‬
‫وهذا الركن الركين واألساس المتين من دين اهلل ‪ -‬وهو إثبات األلوهية‬
‫هلل وحده ونفي العبادة عما سواه‪ -‬هو قطب َر َحا الدين‪ ،‬وعماد دعوة‬
‫المرسلين‪ ،‬ومعناها‪ :‬إفراد الخالق بأعمال الخلق‪.‬‬
‫يحتج اهلل على العباد بآيات ربوبيته التي تستلزم‬
‫ُّ‬ ‫كثيرا ما‬
‫ويف القرآن ً‬
‫عبادته وحده‪. ،‬‬
‫ونؤمن بأن الخالق لهذه اآليات الكونية الكربى هو وحده سبحانه‪،‬‬
‫وكما أنه ليس معه خالق فال ينبغي أن ُي ْعبد غيره‪.‬‬
‫وقد َّنوع اهلل يف األدلة التي نصبها شواهدَ على ألوهيته تنوي ًعا تقوم به‬
‫الحجة‪ ،‬وتتضح به المحجة؛ لئال يكون للناس على اهلل حجة‪.‬‬
‫واإلقرار هلل باأللوهية‪ ،‬مع الشهادة للرسول ﷺ بالرسالة هو الذي جعله‬
‫‪81‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫اهلل حدًّ ا يف عصمة الدماء‪ ،‬وحفظ األنفس‪.‬‬


‫وال بد مع اإليمان باهلل من الكفر بالطاغوت‪ ،‬والرباءة من الشرك وأهله‪.‬‬
‫وهذا اإليمان ال يكفي أن يكون يف القلب‪ ،‬بل ال بد أن ينطق به اللسان‪،‬‬
‫وال يتحقق اإليمان حتى تعمل به الجوارح‪ ،‬ويتفاوت اإليمان يف القلب‬
‫ونقصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫زيادة‬
‫مخلصا هلل رب العالمين‪ ،‬وأن‬
‫ً‬ ‫وهذا اإليمان ال بد أن يكون العبد فيه‬
‫شاك‪ ،‬وأن يكون إيمانه عن علم وإخالص وقبول‪،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫يكون مستيقنًا غير‬
‫واستسالم وانقياد وصدق يف قوله وفعله واعتقاده‪ ،‬مع الحب لهذا الدين‪،‬‬
‫و َم ْن شرعه‪ ،‬و َم ْن جاء به‪ ،‬و َم ْن دان به‪.‬‬
‫وكما ب َّين اهلل حقيقة اإليمان ومقتضاه وأركانه وشرائطه‪ ،‬فقد نقض‬
‫ُش َبه المشركين المعاندين‪ ،‬وبين أن ليس لهم حجة يف شركهم؛ ألن هؤالء‬
‫األنداد مخلوقون ُمدَ َّبرون ال يخلقون شي ًئا‪ ،‬وال يملكون مثقال ذرة يف‬
‫السموات وال يف األرض‪.‬‬
‫وبين الحق أن هؤالء األنداد المعبودين من دون اهلل ال يسمعون دعاء‬
‫من دعاهم‪ ،‬ولو سمعوا ما استجابوا لهم‪ ،‬ويوم القيامة يكفرون بشركهم‪،‬‬
‫ويتربؤون منهم‪.‬‬
‫كما بين الحق أن هؤالء األنداد المعبودين من دون اهلل ال ينفعون وال‬
‫يضرون‪ ،‬فكيف ُي ْعبدون من دون اهلل؟!‬
‫وأبطل اهلل عبادة المالئكة‪ ،‬وبين أهنم ‪-‬مع أهنم مقربون هلل‪ -‬ال يشفعون‬
‫إال من بعد إذنه‪ ،‬فإذا كانت هذه حال المالئكة‪ ،‬فكيف ُي ْعبدون من دون‬
‫اهلل؟!‬
‫‪82‬‬

‫واألنبياء والمرسلون ‪- ‬مع علو مقامهم يف الدنيا واآلخرة‪ -‬ال‬


‫ضرا‪ ،‬فكيف بمن دوهنم؟!‬
‫يملكون ألنفسهم نف ًعا وال ًّ‬
‫ونؤمن بأن اهلل واحد يف صفاته ونعوت كماله وجالله ‪،‬‬
‫وأن‪ ‬اهلل‪  ‬له األسماء الحسنى والصفات العلى‪ ،‬تشهد له بذلك‬
‫العقول الكاملة‪ ،‬وتسلم له بذلك ِ‬
‫الف َطر السليمة‪ ،‬وأجمع على ذلك علماء‬
‫أمة اإلسالم‪ ،‬بل كل الرساالت اإللهية جاءت ببيان صفات اهلل وأسمائه‬
‫وأفعاله ‪ ،‬وعاب اهلل آلهة المشركين بأهنا ال تسمع وال تبصر‪.‬‬
‫ونؤمن أنه كما وصف نفسه‪ ،‬وكما وصفه به رسوله ﷺ‪ ،‬فهو ‪‬‬ ‫صفات‬
‫اهلل ال ُعال‬
‫ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‪ ،‬فنثبت هلل ما أثبته لنفسه أو أثبته له‬ ‫وأسامؤه‬
‫احلسنى‬
‫رسوله ﷺ‪ ،‬وننفي عنه ما نفاه عن نفسه‪ ،‬أو نفاه عنه رسوله ﷺ‪ ،‬من غير‬
‫تعطيل وال تمثيل‪ ،‬وال تكييف وال تحريف‪.‬‬
‫ونعلم علم ايلقني أن ربنا متصف بصفاته قبل أن َي ْخلق الخلق‪ ،‬وأنه على‬
‫غاية الكمال والجالل والجمال منذ األزل إلى األبد؛ إذ هو األول واآلخر‪،‬‬
‫فهو أول ليس قبله شيء‪ ،‬وآخر ليس بعده شيء‪ ،‬فهو األول بأسمائه وصفاته‬
‫كمالاً ومجدً ا‪ ،‬وهو اآلخر بأسمائه وصفاته كمالاً ومجدً ا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صفات مالزم ًة لذاته‪ ،‬كالحياة‪ ،‬والعلم‪،‬‬ ‫ونؤمن أن من صفات اهلل‬
‫ٍ‬
‫صفات متعلق ًة‬ ‫والسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬واليد‪ ،‬واألصابع‪ ،‬وأن من صفاته‬
‫بمشيئته‪ ،‬كالغضب‪ ،‬والرضى‪ ،‬والنزول‪.‬‬
‫ونؤمن أنه الفعال لما يريد‪ ،‬فهو يفعل متى شاء ما يشاء كيفما يشاء‪ ،‬يعز‬
‫من يشاء‪ ،‬ويذل من يشاء‪ ،‬ال راد ألمره‪ ،‬وال معقب على قضائه وحكمه‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫ونؤمن أن صفات اهلل منها ما ورد مطل ًقا‪ ،‬فنصف اهلل به على إطالقه‪،‬‬
‫كالسمع‪ ،‬والحياة‪ ،‬والبصر‪ ،‬وغيرها‪ ،‬ومنها ما ورد مقيدً ا‪ ،‬فيبقى على تقييده‪،‬‬
‫كوصفه سبحانه بأنه يمكر بأعدائه إذا مكروا‪ ،‬وينسى أعداءه إذا نسوه‪.‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬العلم‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والحياة‪ ،‬والقيومية‪،‬‬
‫والكالم‪ ،‬وهو موصوف بالكالم قبل أن َي ْخلق الخلق ويكلمهم‪ ،‬وكالم ربنا‬
‫متعلق بمشيئته‪ ،‬فمتى شاء تكلم‪ .‬وقد ورد الخرب عن صفة الكالم هلل يف‬
‫القرآن على أوجه متعددة‪ ،‬فورد أنه يكلم عباده‪ ،‬ويناجي وينادي من شاء‬
‫منهم‪ ،‬ويكلم الخالئق يوم القيامة‪ ،‬وتسمع الخالئق يوم القيامة كالم اهلل‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل ‪ ‬قد احتجب عن خلقه بحجاب من نور‪ ،‬فال‬
‫يرونه يف الدنيا‪ ،‬وإن كان بعض أنبيائه سمعوا كالمه لما كلمهم من وراء‬
‫حجاب‪ ،‬كما كلم موسى ‪.‬‬
‫وكالم ربنا يوصف بأن بعضه أحدث من بعض‪ ،‬وبعضه أفضل من‬
‫بعض‪.‬‬
‫القرآن‪ُّ ،‬‬
‫وكل الكتب اإللهية المنزلة على رسله‪ ،‬كصحف‬ ‫ُ‬ ‫ومن كالمه‪:‬‬
‫إبراهيم وموسى ‪ ،‬والتوراة‪ ،‬واإلنجيل‪ ،‬والزبور ‪ -‬كلها كالم‬
‫تنزل هبا‬
‫اهلل‪ ،‬وكلها تكلم اهلل هبا‪ ،‬وسمعها جربيل منه بال واسطة‪ ،‬وجربيل ّ‬
‫على أنبياء اهلل ورسله ‪ .‬وتميزت التوراة بأن اهلل أنزلها مكتوبة يف‬
‫األلواح‪ -‬وكالم اهلل وكلماته غير مخلوقة‪ ،‬وكالم اهلل غير خلقه‪ ،‬أال ترى أنه‬
‫فصل بين الخلق واألمر‪ ،‬ونفرق بين كلمات اهلل الكونية‪ ،‬وكلماته الشرعية‪.‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬العزة‪ ،‬والقهر‪ ،‬والجربوت‪ ،‬والملكوت‪،‬‬
‫والكربياء‪ ،‬والعظمة‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والمشيئة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والرحمة‪ ،‬فهذه الرحمة‬
‫‪84‬‬

‫صفة من صفاته‪ ،‬وهي مضافة إلى اهلل إضافة الصفة إلى الموصوف‪.‬‬
‫ومن صفاته‪ :‬العلو‪ ،‬وهو علو القهر‪ ،‬وعلو القدر‪ ،‬وعلو الذات‪ ،‬فالثالثة‬
‫كلها صفته دالة على كماله‪ ،‬وقد دل القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة‬
‫والعقل والفطرة على العلو بأوجه متعددة‪ ،‬بل األدلة الدالة على أن اهلل يف‬
‫العلو أنواع كثيرة‪ ،‬وتحت كل نوع أفراد كثيرة ال‪ ‬تحصى‪.‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬االستواء على العرش وقد ذكره اهلل يف سبعة‬
‫مواضع من كتابه‪.‬‬
‫ومن صفاته سبحانه‪ :‬المحبة‪ .‬ومن صفاته‪ :‬الرضى‪ .‬ومن صفاته‪ :‬كراهيته‬
‫ألعدائه؛ ذلك ألهنم كرهوا رضوانه‪ ،‬وكرهوا ما أنزل اهلل على رسوله ﷺ‪.‬‬
‫ومن صفاته‪ :‬الغضب على أعدائه والمقت‪ :‬وهو مقته للكافرين‪.‬‬
‫ومن صفاته‪ :‬مكره بأعدائه الذين يمكرون بأوليائه‪ .‬ومنها‪ :‬األسف‪ ،‬وهو‬
‫أشد الغضب‪ .‬ومن صفاته‪ :‬مخادعة من يخادعه‪ ،‬فاهلل يخادع المنافقين الذين‬
‫يخادعونه‪ .‬ومن صفاته ‪ ،‬أنه يستهزئ بمن يهزأ به‪. ،‬‬
‫ومن صفاته‪ :‬الضحك‪ ،‬وال َع َجب‪ ،‬والمجيء واإلتيان يوم القيامة لفصل‬
‫القضاء بين الناس‪.‬‬
‫ونؤمن بصفة النزول‪ ،‬وأن ربنا ينزل إلى السماء الدنيا نزولاً حقي ًّقا يليق‬
‫بجالله وعظمته‪ ،‬وهو ليس كنزول المخلوقين‪ ،‬بل هو كسائر صفاته التي‬
‫نؤمن هبا‪ ،‬ونعلمها‪ ،‬وال نتمحل يف تكييفها‪ ،‬أو نتكلف يف ردها؛ بل نؤمن هبا‬
‫كما أخربنا هبا رسولنا الصادق المصدوق ﷺ‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫ونؤمن بصفة المعية هلل رب العالمين‪ ،‬وأن اهلل مع خلقه‪ .‬وهذه المعية‬
‫نوعان‪ :‬معية خاصة‪ ،‬وهذه تكون ألولياء اهلل ورسله ‪ ،‬ومقتضاها‬
‫النصر والتأييد‪ ،‬ومعية عامة مع الخلق كلهم‪ ،‬مؤمنهم وكافرهم‪ ،‬ومقتضاها‪:‬‬
‫العلم‪ ،‬واإلحاطة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والسلطان‪.‬‬

‫وهذه المعية ال توجب حلولاً وال اختال ًطا‪ ،‬وال تنايف َّ‬
‫علو اهلل تعالى؛‬
‫ألن معناها بإجماع أهل العلم‪ :‬العلم واإلحاطة؛ أي‪ :‬أن اهلل تعالى معنا‬
‫بعلمه وإحاطته وقدرته‪.‬‬
‫وجها يليق بجالله وعظمته‪ ،‬ويدً ا تليق بجالله وكماله‪ ،‬وقد‬
‫ونثبت هلل ً‬
‫ورد الخرب عنها يف القرآن والسنة على أوجه متعددة‪ ،‬فقد ورد ذكر اليد‬
‫مثناة‪ ،‬وأن اهلل يقبضها ويبسطها‪ ،‬وأن الرب يطوي هبا السموات‪ ،‬واألرض‬
‫يف قبضته ‪ ،‬وأن اليد موصوفة بأهنا ذات أصابع‪ .‬وكل ذلك يثبت‬
‫أن اليد التي ورد وصفها يف القرآن والسنة يد حقيقية تليق بجالله‪ ،‬ال نتكلف‬
‫يف تأويلها‪ ،‬أو تشبيهها‪ ،‬أو تحريف اآليات واألحاديث الدالة عليها‪ .‬ومن‬
‫صفاته‪ :‬صفة األصابع‪.‬‬
‫رؤيـــة‬ ‫ونؤمن برؤية المؤمنين لرهبم يوم القيامة‪ ،‬وهذا مما دل عليه الكتاب‪،‬‬
‫الـمؤمنني‬
‫لرهبم يوم‬ ‫وتواترت به األخبار عن رسولنا ﷺ فيما َّ‬
‫بشر به المؤمنين أهنم يرون رهبم‬
‫القيامــة‬
‫ِعيانًا يوم القيامة‪.‬‬
‫وكما وصف نفسه بصفات الكمال والجمال والجالل والعزة‬
‫والكربياء‪ ،‬فقد نفى عن نفسه صفات النقص‪ ،‬وليس النفي يف الصفات هو‬
‫األصل يف القرآن والسنة؛ ألن األصل هو إثبات الصفات‪ ،‬والقرآن والسنة‬
‫‪86‬‬

‫مملوءان ببيان صفات اهلل ‪ ‬كما ينبغي لجالله وعظمته وكماله‪ ،‬والرب‬
‫‪ ‬إذا نفى عن نفسه صفة فإنما ينفيها؛ لبيان الكمال يف ضدها‪،‬‬
‫أو ألن البشر نسبوا النقص إلى ذي العزة والكمال‪ ،‬فينفي الرب النقص‬
‫المنسوب إليه‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل ‪ ‬له األسماء الحسنى‪ ،‬وأن أسماءه قد بلغت‬
‫الغاية يف الحسن‪ ،‬فال أحسن منها‪ ،‬وكل اسم يشتق هلل منه صفة‪ ،‬وأسماؤه‬
‫ال حصر لها‪.‬‬
‫وحذرنا ربنا من اإللحاد يف أسمائه‪ ،‬أو إنكارها‪ ،‬أو جحود معانيها‪ ،‬أو‬
‫تعطيلها‪.‬‬
‫وما ورد يف القرآن والسنة من أسماء اهلل وصفاته أعظم من أن يحيط‬
‫به كتاب‪ ،‬ونحن نؤمن هبذه األسماء والصفات على مراد ربنا‪ ،‬وعلى مراد‬
‫رسولنا ﷺ‪ ،‬ونعلم أن حقائقها ال يعلم هبا البشر‪ ،‬وال يحيطون هبا‪ ،‬وال‬
‫تبلغها أفهامهم‪ ،‬وال نتكلف يف تأويلها‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫بــاب‬
‫(((‬
‫اإليمــان بوجـود اهلل‬
‫ونؤمـن بأن اهلل هـو األول فليس قبله شيء‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﯴ ﯵ‬
‫َان اهَّللُ َو َل ْم َيك ُْن َش ْي ٌء‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ) [الحـديد‪ ،]3 :‬وقال ﷺ‪« :‬ك َ‬
‫َان َع ْر ُش ُه َع َلى الماء»(((‪ ،‬أخرجه البخاري من حديث عمران بن‬ ‫َق ْب َل ُه‪َ ،‬وك َ‬
‫َان اهَّللُ َو َل ْم َيك ُْن َش ْي ٌء َغ ْي َر ُه‪َ ،‬وك َ‬
‫َان َع ْر ُش ُه‬ ‫‪-‬أيضا‪« :‬ك َ‬
‫ً‬ ‫حصين‪ ،‬ويف رواية له‬
‫ِ‬
‫واألرض‪ ،‬وأنه‬ ‫َ‬ ‫السموات‬ ‫وعرفنا بنفسه أنه هو الذي خلق‬ ‫َع َلى الماء» ‪ّ .‬‬
‫(((‬

‫مالك السموات واألرض‪ ،‬وأنه يولج الليل يف النهار‪ ،‬ويولج النهار يف الليل‬
‫‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ) [الحديد‪.]6 -4 :‬‬
‫الكــون‬ ‫وأكَّد الحق ‪ ‬أن هذا الكون المشهود شاهدٌ على أنه هو‬
‫شاهد عىل‬ ‫ِ‬
‫الموجد الخالق له وحده‪ ،‬وال خالق معه‪ ،‬قال اهلل‪( :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫وجود اهلل‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [لقمان‪]11 :‬؟! ولهذا فقد ذكر من آياته الدالة‬

‫(( ( المقصود من هذا الباب‪ ،‬إبراز أدلة وجود الرب التي ينكرها الملحد‪ ،‬وسيأتي بعده‬
‫باب الربوبية؛ حيث المقصود منه‪ :‬إبراز أدلة إثبات الربوبية المستلزمة أللوهية الله التي‬
‫يجادل فيها المشرك‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7418‬والترمذي (‪.)3951‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)3191‬‬
‫‪88‬‬
‫َ‬
‫دالئل كثيرةً‪ ،‬منها‪ :‬أنه يخـرج الحي‬ ‫ِ‬
‫الموجد الخالق لهذا الكون‬ ‫على أنه هو‬
‫من الميت‪ ،‬ويخرج الميت من الحي‪ .‬ومنها‪ :‬أنه خلق البشر من تراب‪.‬‬
‫أزواجا‪ .‬ومنها‪ :‬اختـالف األلسنة واأللوان يف‬
‫ً‬ ‫ومنها‪ :‬أنه خلق لنا من أنفسنا‬
‫المخلوقات‪ .‬ومنها‪ :‬منام العباد بالليل وابتغاؤهم الرزق يف النهار‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫أنه يجعل الربق سب ًبا للخوف والرجاء‪ ،‬وأنه ينزل الماء من السماء‪ .‬ومنها‪:‬‬
‫أنه هو الذي بدأ الخلق‪ ،‬كما قال جل ثناؤه‪( :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الروم‪.]27-19 :‬‬
‫‪-‬أيضا‪ :‬أنه أقام الحجة على الخلق بأنه خلقهم من نفس‬
‫ً‬ ‫ومن ذلك‬ ‫َخ ْلق البشـر‬
‫من نفس‬
‫واحدة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫واحــدة‬
‫ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬ ‫دليل عىل‬
‫وجود اهلل‬
‫ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ) [الزمر‪ ،]6 :‬فذكر‬ ‫‪‬‬

‫بدء الخلق‪ ،‬وأن األنعام كلها مخلوقة له سبحانه‪ ،‬ثم أقام الحجة علينا بأنه‬
‫‪89‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫خلقنا يف األرحام يف ظلمات‪ ،‬وأنه ال يستطيع غيره خلق النطفة إنسانًا‪.‬‬


‫فذكر يف اآليات السابقة دليلاً من أعظم األدلة على وجوده ‪ -‬وهو خلقه‬
‫للسموات واألرض وما فيهن وما عليهن‪.‬‬
‫دليــل‬ ‫‪-‬أيضا‪ :‬أنه أقام الحجة على الخلق بدليل عنايته هبم وبما‬
‫ً‬ ‫ومن ذلك‬
‫العنايــة‬
‫يجدونه يف أنفسهم وذرياهتم‪ ،‬وهو أنه أخرجهم من بطون أمهاهتم ال‬
‫يعلمون شي ًئا‪ ،‬وتعهدهم حتى تكامل خلقهم وع ْلمهم‪ ،‬قال جل من قائل‪:‬‬
‫(ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰﯱ ﯲ ﯳ) [النحل‪ .]78 :‬وكما أوجد كل شيء وأعدَّ ه‪ ،‬فقد‬
‫هدى جميع خلقه لما فيه صالحهم‪ ،‬قال تعالى مخربًا عن فرعون أنه قال‪:‬‬
‫(ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [طه‪ ،]49 :‬فكان الجواب اإللهي‪( :‬ﰎ ﰏ ﰐ‬
‫ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [طه‪.]50 :‬‬
‫التوازن يف‬ ‫رواسي‪ ،‬وأنبت‬
‫َ‬ ‫ونؤمن أنه ‪ ‬مدَّ األرض‪ ،‬وجعل الجبال فيها‬
‫الكـــون‬
‫دليل عـىل‬ ‫فيها من كل شيء موزون‪ .‬فالتوازن المشهود فيها خير شـاهد على أنه هـو‬
‫وجود اهلل‬ ‫ِ‬
‫الموجد‪ ،‬كما أن إنزال المطر على هيئة مخصوصة ال‪ ‬يستطيع البشـر أن‬
‫‪‬‬
‫ينزلوه‪ ،‬وال أن يخزنوا ما نزل من السماء‪ ،‬فهذا شاهد على أن الموجـد هو‬
‫اهلل الواحد القهار‪ ،‬قـال تعالى‪( :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الحجر‪.]22-19 :‬‬
‫ونؤمن بما آمنت به األنبياء والمرسلون‪ ،‬ونستيقن بما أتوا به من األدلة‬
‫والرباهين الدالة عليه سبحانه‪ ،‬كما أخرب الحق أن إبراهيم ‪ ‬استدل‬
‫‪90‬‬

‫على النمرود بأن اهلل يأيت بالشمس من المشرق وغيره ال يستطيع أن يأيت هبا‬
‫من المغرب‪ ،‬قال جل ثناؤه‪( :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [البقرة‪:‬‬

‫‪.]258‬‬
‫كما استدل على قومه بأن اهلل هو الذي هداه‪ ،‬وأطعمه وسقاه‪ ،‬وإذا َم ِرض‬ ‫دليـــل‬
‫اهلدايــة‬
‫شفاه‪ ،‬وهو الذي يميته ويحييه‪ ،‬فقال كما أخرب اهلل عنه‪( :‬ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ) [الشعراء‪ ،]81-78 :‬وقال مخربًا عن موسى ‪ ‬أنه‬
‫حاج فرعون قائلاً له‪ :‬إن ربه هو‪( :‬ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ)‬
‫وعرفنا بنفسه‪،‬‬
‫[طه‪ ،]50 :‬وجاء يف التنزيل أن اهلل س َّبح نفسه عن كل نقص‪َّ ،‬‬
‫فقال ‪( :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ)‬

‫[األعلى‪.]3-1 :‬‬
‫ِ‬
‫الموجد لهذا الكون وال خالق‬ ‫واحتج ‪ ‬على أنه هو الخالق‬
‫َّ‬
‫غيره ‪ -‬بأنه هو الذي أنبت الحدائق البهيجة‪ ،‬وأن البشر ال يستطيعون أن‬
‫ينبتوا شجرها‪ .‬كما احتج على ذلك بأنه جعل األرض مستقرة‪ ،‬وجعل فيها‬
‫حاجزا؛ لئال يختلط هذا مع‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫راسيات‪ ،‬وجعل بين البحرين‬ ‫أهنارا وجبالاً‬
‫ً‬
‫المضطر إذا دعاه ‪ -‬ولو كان غير مؤمن‬
‫َّ‬ ‫هذا‪ .‬وأنه هو وحده الذي يجيب‬
‫رب والبحر‪ ،‬وأنه هو الذي يرسل‬
‫‪ -‬وأنه هو الذي يهدي الناس يف ظلمات ال ِّ‬
‫الرياح مبشرات بين يدي الغيث‪ ،‬وأنه هو الذي يرزقنا‪ ،‬ال رازق غيره‪ ،‬وال‬
‫رب سواه‪ ،‬وال خالق غيره‪ ،‬قال الحق ‪( :‬ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄﮅﮆﮇﮈ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫‪91‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮨﮩﮪ‬
‫ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [النمل‪.]64- 60 :‬‬
‫وقال جل ثناؤه وتقدست أسماؤه‪( :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥﮦﮧ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الرعد‪ .]4 ،٣ :‬فأثبت‬
‫الحق‪  ‬أنه هو وحده َم ْن مدّ األرض‪ ،‬وخلق من كل األشجار‬
‫النهار‪ .‬واحتج‬
‫َ‬ ‫والثمرات زوجين اثنين‪ ،‬وأنه هو وحده الذي يغشي َ‬
‫الليل‬
‫ِ‬
‫على ذلك بأن الق َطع المتجاورة من األرض تخرج ً‬
‫ثمارا متشاهبة وغير‬
‫متشاهبة‪ ،‬وهي تسقى بماء واحد‪ ،‬فسبحان اهلل الذي ال رب غيره‪ ،‬وال خالق‬
‫سواه‪.‬‬
‫وب َّين أن الجبال ‪-‬مع صالبتها‪ -‬فيها من بديع الخلق ما يدل على إبداع‬
‫الخالق‪ ،‬فقال جل من قائل‪( :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ) [فاطر‪.]27 :‬‬
‫‪92‬‬

‫ومن ذلك ما بينه تعالى لنا من أنه هو الذي خلق هذه العوالم ك َّلها‪،‬‬ ‫الـخلق‬
‫والتسخري‬
‫ّ‬
‫وسخرها لإلنسان‪ ،‬ومن ذلك تسيير الفلك يف البحر‪ ،‬قال الحق جل‬ ‫دليل عىل‬
‫ثناؤه‪( :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬ ‫وجود اهلل‬
‫‪‬‬
‫ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ‬
‫ﰓ ﰔ) [الجاثية‪.]١٣ ،١٢ :‬‬
‫مراكب‬
‫َ‬ ‫ود ّلنا ‪ ‬على وجوده بأن جعل لنا من هذه األنعام‬
‫ومشارب‪ ،‬وأنه يمسك الطير يف جو السماء‪ ،‬قال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ومآكل‬ ‫ومالبس‬
‫َ‬
‫اهلل‪( : ‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱﭲﭳﭴ ﭵﭶﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ُ‬
‫دالئل شاهد ٌة على‬ ‫ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل‪ .]81-٧٩ :‬فكل هذه‬
‫وجـوده وربوبيته‪ ،‬فمن الذي أوجدها إال هو‪ ،‬سبحانه؟! فال موجد غيره‪،‬‬
‫وال رب سواه‪.‬‬
‫عظيما يتكرر يف كل يوم‪ ،‬يشهد على وجوده‬
‫ً‬ ‫وأقام لنا شاهدً ا‬ ‫فلـــق‬
‫اإلصباح‬
‫الحب‬
‫ّ‬ ‫وربوبيته‪ ‬؛ وهو‪ :‬أنه هو الذي فلق اإلصباح‪ ،‬وفلق‬ ‫والـحب‬
‫والنوى‪ ،‬قال‪( : ‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫والنـوى‬
‫دليل عىل‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬ ‫وجــوده‬
‫‪‬‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [األنعام‪.]٩٦ ،٩٥ :‬‬
‫‪93‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫وكما جعل الشمس والقمر آيتين‪ ،‬جعل الليل والنهار آيتين دالتين على‬
‫وجوده وربوبيته‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [اإلسراء‪.]12 :‬‬
‫أجاجا‪ ،‬ويخرج منهما لحما‬
‫ً‬ ‫وبين اهلل تعالى أن ج ْع َله البحر عذ ًبا أو‬
‫طر ًّيا وحل ًّيا ‪ -‬دليل على وجوده‪ ،‬قال ‪( :‬ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ) [النحل‪ ،]14 :‬وقال الحق جل شأنه‪( :‬ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الفرقان‪:‬‬

‫‪.]53‬‬
‫العقــول‬ ‫وقد ب َّين اهلل تعالى أن العقول السوية تدرك أنه ال يمكن أن ُيوجد هذا‬
‫شاهدة عىل‬
‫الكون بال موجد‪ ،‬فقال ‪( :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫وجـــوده‬
‫‪‬‬ ‫ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ) [المؤمنون‪ ،]٨٠ :‬وقال جل من قائل‪( :‬ﮗ‬
‫ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ) [األنبياء‪ .]٦٧ ،٦٦ :‬فهل رأيت أكرب‬
‫من هذه الدالئل الدالة على وجوده وربوبيته‪ ،‬؟!‬
‫وأنكر اهلل على من نسب الخلق إلى غيره‪ ،‬وسألهم سؤال توبيخ وإنكار‪:‬‬
‫هل ُخلقوا من عدم؟ أم هم الذين خلقوا أنفسهم‪ ،‬وخلقوا السموات‬
‫واألرض؟ أم هل عندهم خزائن اهلل؟ أم هل هم المسيطرون؟ قال اهلل‪:‬‬
‫(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الطور‪ .]٣٧-٣٥ :‬وهذه‬
‫اآلية من أعظم اآليات الدالة على وجود الخالق؛ ولهذا ثبت أن جبير بن‬
‫‪94‬‬

‫ور‪َ ،‬ف َل َّما َب َل َغ َه ِذ ِه اآل َيةَ‪:‬‬


‫ب بِال ُّط ِ‬
‫الم ْغ ِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مطعم قال‪َ :‬سم ْع ُت النَّبِ َّي ﷺ َي ْق َر ُأ في َ‬
‫(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) َق َال‪« :‬كَا َد َق ْلبِي َأ ْن‬
‫َيطِ َير»(((‪ ،‬وكان سماع جبير ‪ ‬لهذه اآلية قبل أن يسلم‪ ،‬فتبين أهنم‬
‫مخلوقون مربوبون مقهورون‪ ،‬فسبحان اهلل عما يصفون‪.‬‬
‫وقال الحق جل شأنه‪( :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الكهف‪ ،]51 :‬فإذا جهل اإلنسان‬
‫خلق السموات وجهل خلق نفسه‪ ،‬فكيف ينكر خالقه وموجده؟!‬
‫محكما لغاية عظيمة‪ ،‬قال‬
‫ً‬ ‫ونؤمن أن اهلل لم يخلق خلقه عب ًثا؛ بل خل ًقا‬ ‫الكـون‬
‫مل يوجد‬
‫اهلل جل شأنه‪( :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫مصادفة‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [األنبياء‪.]١٧ ،١٦ :‬‬
‫ور ّد على النصارى زعمهم أن المسيح إله خالق‪ ،‬ورب مد ِّبر لهذا‬
‫الكون‪ ،‬وبين أن اهلل ال يخفى عليه شيء يف األرض وال يف السماء‪ ،‬وأنه هو‬
‫الذي يصور البشر يف األرحام‪ .‬وممن خلقه اهلل وصوره يف الرحم‪ :‬المسيح‬
‫‪ ،‬فقال المـولى جل شـأنه‪( :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫كثيرا يف القرآن الكريم‬
‫ﮕ) [آل عمـران‪ ]٦ ،٥ :‬إلى غير ذلك مما ورد ً‬
‫‪-‬كما يف «سورة األنعام» و«النحل» وغيرهما‪ -‬من الدالئل التي ال تحصى‪،‬‬
‫والشواهد التي ال تحصر‪ ،‬وكلها دالة على وجوده وربوبيته‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4854‬ومسلم (‪ ،)463‬وأبو داود (‪ ،)811‬والنسائي (‪،)987‬‬


‫وابن ماجه (‪.)832‬‬
‫‪95‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫بــاب‬
‫اإليمـــان بـربوبـيـة اهلل‬
‫ونؤمن بأن اهلل واحد يف ربوبيته‪ ،‬وبأنه هو الخالق وحده‪ ،‬وهو الذي‬
‫بدأ الخلق لم يشاركه فيه أحد‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الروم‪ ،]11 :‬وقال ‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [يونس‪.]34 :‬‬
‫اهلل خيلق‬ ‫وأن اهلل يخلق بأمره سبحانه‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ‬
‫باألمر وبام‬
‫يشاء من‬ ‫ﯱ ﯲ ﯳ) [يس‪ .]82 :‬ويخلق ‪ ‬بما يشاء من األسباب‪ ،‬قال‬
‫األسباب‬ ‫الحق سبحانه‪( :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [طه‪ ،]53 :‬وقال المولى عز‬
‫شأنه‪( :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الرعد‪ ،]3 :‬وقال اهلل تعالى‪:‬‬
‫(ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الذاريات‪.]49 :‬‬
‫اهلل خالق‬ ‫وأخرب ‪ ‬أنه خالق كل شيء‪ ،‬فكل ما سواه فهو مخلوق‪ ،‬قال‬
‫كل يشء‬
‫اهلل تعالى‪( :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الزمر‪.]٦٢ :‬‬
‫اهلل هو‬ ‫ونؤمن بأن اهلل رب كل شيء وخالقه ومدبره‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﮜ‬
‫الـمدبر‬
‫ﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬
‫ﮩﮪ ﮫﮬﮭﮮ ﮯﮰ ﮱﯓﯔ ﯕﯖﯗ‬
‫ﯘ ﯙ) [البقرة‪ .]22 ،21 :‬وقال الحق جل شأنه‪( :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [يونس‪ ،]3  :‬فهو‬
‫‪ ‬خالق السموات واألرض ومالكهما‪ ،‬وهو المتصرف فيهما‪،‬‬
‫‪96‬‬

‫قال الحق جل شأنه‪( :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬


‫أي مخلوق تدبير أمر‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الزمر‪ ،]63 :‬وال يملك ُّ‬
‫نفسه أو تدبير أمر غيره إال ما أقدره اهلل عليه‪ ،‬فال المالئكة‪ ،‬وال األنبياء‬
‫‪ ،‬وال األولياء يستطيعون التصرف يف الكون أو جلب النفع أو دفع‬
‫الضر‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ‬
‫ﰉ) [سبأ‪.]22 :‬‬
‫ونؤمن بأنه هو المالك الحق‪ ،‬وما سواه مملوك‪ ،‬وكل َملِ ٍك فملكه مؤقت‬ ‫اهلل هـو‬
‫الـاملك‬
‫زائل‪ ،‬قال ‪( :‬ﭞ ﭟ ﭠ) [الفاتحة‪ ،]4 :‬وقال ‪:‬‬
‫(ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [آل عمران‪ ،]26 :‬وما سواه‬
‫مربوب مقهور‪ ،‬قال اهلل‪( :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ) [مريم‪.]93 :‬‬
‫ونؤمن بأن اهلل هو الذي خلق السموات واألرض‪ ،‬وأنه يكور الليل على‬
‫النهار‪ ،‬ويكور النهار على الليل‪ ،‬وأنه هو الذي سخر الشمس والقمر‪ٌّ ،‬‬
‫كل‬
‫مسمى‪ ،‬قال الحق ‪( :‬ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ًّ‬ ‫يجري ألجل‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ‬
‫‪ ،]5‬وأنه ‪‬‬ ‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الزمر‪:‬‬

‫نورا‪ ،‬وجعل اختالف الليل والنهار آي ًة‬


‫هو الذي جعل الشمس ضيا ًء والقمر ً‬
‫دال ًة على عظمة خلقه ُ‬
‫وح ْسن تدبيره‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫‪97‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [يونس‪ ،]6 ،5 :‬وأنه هو‬


‫الذي خلقنا من نفس واحدة‪ ،‬وجعل منها زوجها‪ ،‬وخلق األنعام كلها‪ ،‬قال‬
‫المولى جل ثناؤه وتقدست أسماؤه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الزمر‪.]6 :‬‬
‫اهلل هــو‬ ‫ونؤمن أنه هو الرزاق ذو القوة المتين‪ ،‬فال رازق غيره‪ ،‬وال كايف سواه‪،‬‬
‫الرزاق ذو‬
‫القوة املتني‬ ‫قال تعالى‪( :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الذاريات‪ ،]58 :‬وقال عز من‬
‫قائل‪( :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ) [هود‪.]6 :‬‬
‫علما‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﯢ ﯣ‬
‫ونؤمن بأنه سبحانه قد أحاط بكل شيء ً‬
‫ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪﯫﯬﯭ ﯮ ﯯﯰ) [البقرة‪،]255  :‬‬
‫فال يعزب عن علمه صغير أو كبير‪ ،‬قال المولى عز شأنه وتعالى سلطانه‪:‬‬
‫(ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [سبأ‪ ،]3 :‬وعلمه محيط بكل شيء‬
‫يف هذا الكون‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ‬
‫موضحا‬
‫ً‬ ‫‪-‬أيضا‪-‬‬
‫ﰄﰅﰆﰇ ﰈﰉﰊﰋﰌ) [األنعام‪ ،]59 :‬وقال ً‬
‫جان ًبا من هذا العلم المحيط‪( :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [األنعام‪.]38 :‬‬
‫اهلل عامل‬
‫الغيب‬ ‫ونؤمن بأنه سبحانه عالم الغيب والشهادة‪ ،‬قال الحق سبحانه‪( :‬ﮋ‬
‫والشهادة‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الرعد‪ ،]9 :‬وأنه ال ُيظهر على غيبه‬
‫‪98‬‬

‫أحدً ا من خلقه‪ ،‬إال من ارتضى من رسول‪ ،‬قال ‪( :‬ﯵ ﯶ‬


‫ﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ‬
‫ﰈ ﰉ) [الجن‪ ،]27 ،26 :‬وكل من ادعى علم الغيب فهو كاذب ُم ْفرت‪.‬‬
‫والرسل ال يعلمون الغيب‪ ،‬وأمر اهلل نبيه ‪ H‬أن يقول‪( :‬ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [األنعام‪.(((]50 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل هو المحيي المميت وحده سبحانه‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮤ ﮥ‬
‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ‬
‫ﯖ ﯗ) [التوبـة‪ ،]116 :‬وقـال الحق سبحانه‪( :‬ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الحج‪ .]66 :‬وأنه هو الذي‬
‫خلق الموت والحياة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الملك‪ ،]2 :‬وأنه هو الذي يتوىف األنفس‪ ،‬قال‬
‫المولى عز شأنه‪( :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الزمر‪.]42 :‬‬
‫وحكما‪ ،‬كما أخربنا ربنا تعالى‬
‫ً‬ ‫ونؤمن بأنه تعالى قد قهر كل شيء عز ًة‬
‫بقوله‪( :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ)‬

‫[الرعد‪ ،]15 :‬وقال الحق جل شأنه‪( :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬


‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [غافر‪.]16 :‬‬
‫ونؤمن بأنه تعالى خلق السماء‪ ،‬ورفعها بغير عمد‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [لقمان‪،]10  :‬‬
‫وسخر للخلق ما يف السموات وما يف األرض جمي ًعا منه‪ ، ‬قال‬
‫الحق جل شأنه وتقدس‪( :‬ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ‬

‫((( سيأتي توضيح ذلك في باب الرسل بإذن الله‪ .‬انظر (ص‪ )212 :‬من هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الجاثية‪.]13 :‬‬
‫اهلل له اخللق‬ ‫ونؤمن بأن الرب جل شأنه له الخلق واألمر‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫واألمــــر‬
‫وال‪ ‬مشرع غيره‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [األعراف‪ ،]54 :‬فال رب سواه‪،‬‬
‫(ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ)‬ ‫كما قال تعالى‪:‬‬
‫[الشورى‪ ،]13 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [المائدة‪،]48 :‬‬
‫فهو الذي يشرع الشرائع‪ ،‬ويفرض الفرائض‪ ،‬ويبين الدين‪ .‬وأنكر الحق على‬
‫من اتخذوا أحبارهم ورهباهنم أربا ًبا‪ ،‬وقبلوا منهم ما شرعوا لهم من الدين‪،‬‬
‫قال اهلل جل شأنه‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)‬

‫[التوبة‪ ،]٣١ :‬وقال الحق ‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬


‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الشورى‪.]21 :‬‬
‫اهلل هــو‬ ‫وكما أنه تعالى هو الذي خلق الخلق‪ ،‬وهو المالك لهم‪ ،‬هو الذي شرع‬
‫اخلالـــق‬
‫واملرشع‬ ‫لهم الشرائع‪ ،‬فهو القادر وحده على حسـاهبم وجزائهم‪ ،‬قال المولى جل‬
‫واملجازي‬ ‫شأنه‪( :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ) [الجاثية‪ ،]22 :‬وقال عز من قائل‪( :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [طه‪.]15 :‬‬
‫اهلل خالق‬ ‫ونؤمن بأن الرب جل شأنه خالق العباد وخالق أفعالهم‪ ،‬قال الحق‬
‫العبـــاد‬
‫وخالــق‬ ‫سبحانه‪( :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الصافات‪.]96 :‬‬
‫أفعاهلـم‬
‫ونشهد للحق شهادة صدق أنه ‪ ‬جعل كل آية من آياته الكونية‬
‫شاهدة ودالة على أنه هو الخالق‪ ،‬وأكد الحق ذلك بقوله تعالى‪( :‬ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النحل‪ .]17 :‬وقد أنكر الحق جل شأنه‬
‫على من جعل له شركاء يف ربوبيته أو ألوهيته؛ ألنه هو الخالق وحده جل‬
‫‪100‬‬

‫شأنه فقال‪( :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬


‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الرعد‪.]16 :‬‬
‫والمشركون كانوا يؤمنون بربوبية اهلل‪ ،‬ويعلمون أن اهلل الخالق الرازق‬ ‫ال ينفـــع‬
‫الـمرشكني‬
‫المحيي المميت‪ ،‬وأنه هو النافع الضار‪ ،‬وأن أصنامهم وآلهتهم ال تنفع وال‬ ‫إيمـاهنـــم‬
‫ُ‬
‫وسائل تقرهبم إلى اهلل زلفى‪ ،‬ومع ذلك لم يقبل اهلل ذلك منهم‪،‬‬ ‫تضر‪ ،‬وأهنا‬ ‫بربوبية اهلل‬
‫ما مل يؤمنـوا‬
‫قال اهلل تعالى‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫بألوهيتـــه‬

‫ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [العنكبوت‪-61 :‬‬

‫مسهم الكرب‪،‬‬
‫‪ ،]63‬ومع أهنم يستغيثون باهلل يف الضراء‪ ،‬ويلجـؤون إليـه إذا َّ‬
‫لم ينفعهم ذلك؛ حيث ال‪ ‬يزالون على شركهم وكفرهم‪ ،‬قال المولى جل‬
‫شأنه‪( :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ)‬ ‫ﭯﭰ‬
‫[العنكبوت‪.]66 ،65 :‬‬
‫‪101‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫بــاب‬
‫اإليمـــان بألــوهـيـة اهلل‬
‫ونؤمن بأن اهلل واحد يف ألوهيته‪ ،‬وأنه ال إله إال اهلل وحده ال شريك‬
‫له‪ ،‬وأنه هو الحق‪ ،‬وأن ما يدعون من دونه الباطل‪ ،‬وأن هذا األمر العظيم‬
‫هو الذي من أجله أنزل اهلل الكتب‪ ،‬وأرسل الرسل‪ ،‬وخلق الجنة والنار‪،‬‬
‫ودلت عليه الفطرة‪ ،‬وشهدت له العقول السليمة‪ .‬ونعلم علم اليقين أن‬
‫أساس دعوة األنبياء ألقوامهم هو‪ :‬دعوهتم لعبادة اهلل وحده‪ ،‬وترك عبادة‬
‫ما سواه‪ ،‬قال المولى جل شأنه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [األنبياء‪ .]25 :‬وقال ‪( :‬ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل‪ .]36 :‬وقال الحق‬
‫سبحانه‪( :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ) [الزخرف‪ ،]45 :‬وكل نبي قـال لقومـه‪ :‬اعبـدوا اهلل ما لكم من إله‬
‫غيره‪ ،‬من أولهم نـوح إلى آخرهم محمد ‪ ،‬فقـال اهلل مخربًا عن‬
‫نوح ‪ ‬أنه قال‪( :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [األعراف‪،]59 :‬‬
‫وأخرب عن آخرهم محمد ﷺ أنه قال‪( :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ) [ص‪ ،]65 :‬وقـال ‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [األنعام‪.]102 :‬‬
‫الغاية من‬ ‫وهذا األمر العظيم هو الذي من أجله خلق اهلل الخلق‪ ،‬قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫اخللـــق‬
‫ومعنى‪« :‬يعبدون»‪،‬‬ ‫(ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الذاريات‪]56 :‬‬

‫أي‪َ :‬يو ِّحدون‪ ،‬قال البخاري ‪ ‬عند تفسير هذه اآلية‪« :‬ما‪ ‬خلقت أهل‬
‫‪102‬‬

‫ليوحدون»(((‪.‬‬
‫السعادة من أهل الفريقين إال ِّ‬
‫وعن ابن عباس ‪ ‬قال‪َ :‬ل َّما َب َع َث النَّبِ ُّي ﷺ ُم َعا َذ ْب َن َج َب ٍل إِ َلى‬
‫َّك َت ْقدَ ُم َع َلى َق ْو ٍم ِم ْن َأ ْه ِل الكِت ِ‬
‫َاب‪َ ،‬ف ْل َيك ُْن َأ َّو َل َما‬ ‫ن َْح ِو َأ ْه ِل ال َي َم ِن َق َال َل ُه‪« :‬إِن َ‬
‫وبوب البخاري ‪ ‬على ذلك‬ ‫وه ْم إِ َلى َأ ْن ُي َو ِّحدُ وا اهَّللَ َت َعا َلى» ‪َّ ،‬‬ ‫تَدْ ُع ُ‬
‫(((‬

‫بقوله‪« :‬باب ما جاء يف دعاء النبي ﷺ أمته إلى توحيد اهلل ‪.»‬‬
‫والعبادة الح َّقة هي ما كانت خالصة هلل رب العالمين موافقة لهدي سيد‬
‫المرسلين؛ فعبادة كل معبود سواه باطلة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الحج‪ ،]62 :‬ومعنى‪:‬‬
‫«ال‪ ‬إله إال اهلل»‪ :‬ال معبود بحق إال اهلل؛ لداللة اآلية السابقة على ذلك‪.‬‬
‫واإليمان باهلل وحده وعبادته دون ما سواه هي مضمون‪« :‬ال إله إال اهلل»‪،‬‬ ‫معنى كلمة‬
‫التوحيــد‬
‫وهذه الكلمة العظيمة تضمنت نفي استحقاق العبادة عن كل معبود سوى‬
‫أيضا‪ ،‬وإثبات األلوهية‬
‫اهلل‪ ،‬ونفي األلوهية الحقة عن كل معبود سوى اهلل ً‬
‫الحقة هلل رب العالمين‪ ،‬وأن العبادة الصحيحة ال تكون إال هلل وحده‪ ،‬وهذه‬
‫كثيرا‪ ،‬ووردت آيات كثيرة بمعناها من‬
‫الكلمة جاءت بلفظها يف القرآن ً‬
‫النفي واإلثبات‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪( :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل‪ ،]36 :‬وقوله عز شأنه‪( :‬ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النساء‪.]36 :‬‬
‫وهذا الركن الركين واألساس المتين من دين اهلل ‪-‬وهو إثبات األلوهية‬
‫هلل وحده‪ ،‬ونفي العبادة عما سواه‪ -‬هو قطب رحى الدين‪ ،‬وعماد دعوة‬

‫(( ( هكذا في البخاري غير منسوب (‪ ،)49 /6‬وذكر ابن حجر في «الفتح» أنه قول الفراء‬
‫(‪.)600 /8‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1458‬ومسلم (‪.)19‬‬
‫‪103‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫المرسلين‪ ،‬ومعناها‪ :‬إفراد الخالق بأعمال الخلق‪ ،‬وال تكاد تجد سورة‬
‫تأسيسا أو تأكيدً ا‪ ،‬وقد أقام اهلل الحجة‬
‫ً‬ ‫من سور القرآن تخلو من هذا األمر‬
‫على الخلق بأدلة كثيرة‪ ،‬وشواهد عديدة ال يمكن حصرها أو اإلحاطة هبا‪،‬‬
‫وأعظم دليل على هذا األمر شهادته ‪‬؛ حيث يقول‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬
‫ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬
‫ﭻ) [األنعام‪.]19 :‬‬
‫الشهـادة هلل‬ ‫وشهد اهلل ‪ ،‬وشهد ُّ‬
‫أجل شاهد من خلقه‪ ،‬وهم المالئكة‬
‫بالوحدانية‬
‫وأولو العلم‪ ،‬على ِّ‬
‫أجل مشهود‪ ،‬وهو وحدانيته وألوهيته‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ) [آل عمران‪ ،]18 :‬فشهدت المالئكة وأولو العلم بما شهد‬
‫اهلل به لنفسه‪( :‬ﰗ ﰘ ﰙ) [النساء‪.]79 :‬‬
‫الكـــون‬ ‫واحتج على خلقه بأنه ‪ ‬هو الخالق لكل ما يف هذا الكون‪،‬‬
‫شاهد عىل‬
‫ألوهية اهلل‬ ‫بل جعل كل آية كونية شاهدة على استحقاقه األلوهية والعبادة؛ ولذا يكثر‬
‫سؤالهم يف القرآن عن هذا األمر وإقرارهم بأنه هو الخالق الرازق المحيي‬
‫المميت‪ ،‬ثم ينكر عليهم عد َم عبادته‪ ،‬أو عبادة ِ‬
‫غيره معه‪ ،‬قال‪ ‬اهلل تعالى‪:‬‬
‫(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [العنكبوت‪:‬‬

‫‪ ،]63 - 61‬وقال‪ ‬تعالى‪( :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬


‫ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫‪104‬‬

‫ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ) [الزخرف‪.]12-9 :‬‬
‫واحتج اهلل على عباده بأن َّقررهم بِن ِ َعمه عليهم التي توجب عليهم عبادة‬ ‫النعــم‬
‫توجـب‬
‫واهب النعم وموجدها‪ ،‬فقال ‪( :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬ ‫عبــادة‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬ ‫الـمنعـم‬

‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ) [يونس‪.]32 ،31 :‬‬
‫كثيرا ما يحتج اهلل على العباد بآيات ربوبيته التي تستلزم‬
‫ويف القرآن ً‬
‫عبادته وحده ‪ ،‬وأن الخالق لهذه اآليات الكونية الكربى هو‬
‫وحده ‪ ،‬وأنه كما أنه ليس معه خالق سواه‪ ،‬ال ينبغي أن يعبد‬
‫غيره؛ ولذا ختم هذه اآليات التالية بقوله‪( :‬ﮮ ﮯ ﮰ)‪ ،‬وهي قوله‬
‫تعالى‪( :‬ﮁ‪ ‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ‬
‫ﮜﮝﮞ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬
‫ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯘ‬
‫ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬
‫ﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ)‬

‫[النمل‪.]63-60 :‬‬
‫ولما ذكر المخلوقات العظيمة الدالة على ربوبيته التي تستلزم ألوهيته‬
‫‪105‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫يف سورة الروم‪ ،‬وهي قوله ‪( :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬


‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ‬
‫ﮝﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ‬
‫ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ‬
‫ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ‬
‫ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الروم‪ .]29-20 :‬استفتح كل‬
‫آية منها بقوله‪( :‬ﭽ ﭾ)؛ أي‪ :‬ومن األدلة الكونية الدالة على ربوبيته‬
‫المستلزمة أللوهيته ما ذكر‪ ،‬ثم أعقبها بذكر هذا المثل الذي ضربه اهلل لمن‬
‫عَدَ ل به شي ًئا من خلقه‪ ،‬يقول‪« :‬أكان أحدكم مشاركًا مملوكه يف فراشه‬
‫وزوجته؟! فكذلكم اهلل ال يرضى أن ُيعدل به أحد من خلقه»(((؛ قاله قتادة‪ .‬ثم‬
‫ختمها ببيان أن الفطرة السليمة تقتضي عبادته وحده ‪ ،‬ولذا قال‪:‬‬
‫(ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬

‫((( تفسير الطبري (‪.)95/20‬‬


‫‪106‬‬

‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الروم‪.]30 :‬‬
‫وقد َّنوع اهلل يف األدلة التي نصبها شواهدَ على ألوهيته تنوي ًعا تقوم به‬ ‫أمثال قرآنية‬
‫دالـة عــىل‬
‫الحجة‪ ،‬وتتضح به المحجة؛ لئال يكون للناس على اهلل حجة‪ ،‬وكما احتج‬ ‫األلوهيــة‬
‫اهلل على الناس باألدلة القاطعة‪ ،‬والحجج الساطعة‪ ،‬وأقام الشواهد الباهرة‬
‫الدالة على وحدانيته؛ فقد ضرب األمثلة‪ ،‬وجاء بالحق ‪ ،‬قال‬
‫المولى جل شأنه‪( :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [النحل‪ ،]76 :‬قال ابن جرير عند‬
‫تفسير هذه اآلية‪« :‬وهذا مثل ضربه اهلل تعالى لنفسه واآللهة التي ُتعبد‬
‫من دونه‪ ،‬فقال تعالى ذكره‪( :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ) يعني بذلك الصنم أنه ال يسمع شي ًئا‪ ،‬وال ينطق؛ ألنه إما‬
‫خشب منحوت‪ ،‬وإما نحاس مصنوع‪ ،‬ال يقدر على نف ٍع لمن خدمه‪ ،‬وال‬
‫ضر عنه‪ ،‬وهو ك ٌَّل على مواله‪ ،‬يقول‪ :‬وهو عيال على ابن عمه وحلفائه‬
‫دفع ٍّ‬
‫وأهل واليته‪ ،‬فكذلك الصنم ك َّل على من يعبده‪ ،‬يحتاج أن يحمله‪ ،‬ويضعه‬
‫ويخدمه‪ ،‬كاألبكم من الناس الذي ال يقدر على شيء‪ ،‬فهو ك َّل على أوليائه‬
‫من بني أعمامه وغيرهم (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) يقول‪ :‬حيثما يوجهه‬
‫ال يأت بخير؛ ألنه ال يفهم ما ُيقال له‪ ،‬وال يقدر أن يعرب عن نفسه ما يريد‪،‬‬
‫فهو ال يفهم‪ ،‬وال ُي ْف َهم عنه‪ ،‬فكذلك الصنم‪ ،‬ال يعقل ما يقال له‪ ،‬فيأتمر‬
‫ألمر من أمره‪ ،‬وال ينطق فيأمر وينهى‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪( :‬ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ) يعني‪ :‬هـل يستوي هذا األبكم ال َك ُّل على مواله الذي ال‬
‫بالحق‪ ،‬ويدعـو إليه‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫توجه‪ ،‬ومن هو ناطق متكلم يأمر‬
‫يأيت بخـير حيث َّ‬
‫اهلل الواحد القهار‪ ،‬الذي يدعو عباده إلى توحيده وطاعته؟ يقول‪ :‬ال يستوي‬
‫‪107‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫هو تعالى ذكره‪ ،‬والصنم الذي صفته ما وصف»(((‪.‬‬


‫أيضا مثلاً إلله الباطل وإله الحق‪ ،‬كما قاله مجاهد(((‪ ،‬فقال‬
‫وضرب اهلل ً‬
‫الحق ‪( :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الزمر‪.]29 :‬‬
‫وهذا األمر ‪-‬وهو اإلقرار هلل بالوحدانية‪ ،‬مع الشهادة للرسول ﷺ‬
‫بالرسالة‪ -‬هو الذي جعله اهلل حدًّ ا يف عصمة الدماء‪ ،‬وحفظ األنفس‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ‬
‫ﯞ ﯟ) [التوبة‪ ،]5 :‬وقال ‪( :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫‪ ،]11‬وعن ابن عمر ‪L‬‬ ‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [التوبة‪:‬‬

‫َّاس َحتَّى َي ْش َهدُ وا َأ ْن اَل إِ َل َه إِ اَّل‬ ‫ِ‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ قال‪ِ ُ :‬‬
‫«أم ْر ُت َأ ْن ُأ َقات َل الن َ‬ ‫أن َر ُس َ‬
‫الصلاَ ةَ‪َ ،‬و ُي ْؤتُوا ال َّزكَاةَ‪َ ،‬فإِ َذا َف َع ُلوا َذلِ َك‬ ‫اهَّلل‪ ،‬و َأ َّن محمدً ا رس ُ ِ ِ‬
‫يموا َّ‬ ‫ول اهَّلل‪َ ،‬و ُيق ُ‬ ‫ُ َ ُ َ َّ َ ُ‬
‫اإل ْسلاَ مِ‪َ ،‬و ِح َسا ُب ُه ْم َع َلى اهَّلل ِ»(((‪.‬‬
‫َع َص ُموا ِمنِّي ِد َما َء ُه ْم َو َأ ْم َوا َل ُه ْم إِ اَّل بِ َح ِّق ِ‬

‫وهذا اإليمان ال يكفي أن يكون يف القلب‪ ،‬بل ال بد أن ينطق به اللسان؛‬


‫ِ‬ ‫ولذا قال ﷺ‪ِ ُ :‬‬
‫«أم ْر ُت َأ ْن ُأ َقات َل الن َ‬
‫َّاس َحتَّى َي ُقو ُلوا‪ :‬اَل إِ َل َه إِ اَّل اهَّللُ»(((‪.‬‬
‫وال يتحقق اإليمان حتى تعمل به الجوارح‪ ،‬قال الحق ‪ -‬وقوله الحق‪:‬‬
‫(ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬

‫تفسير الطبري (‪.)262/17‬‬ ‫(( (‬


‫المصدر السابق (‪.)285/21‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)7284 ،1399‬ومسلم (‪ ،)20‬وأبو داود (‪ ،)1556‬والترمذي‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)2607‬والنسائي (‪.)2443‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)25‬ومسلم (‪.)22‬‬ ‫((( ‬
‫‪108‬‬

‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [األنفال‪ ،]4-2 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ‬
‫ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة‪.]177 :‬‬
‫«م ْن َر َأى ِم ْنك ُْم ُم ْنك ًَرا َف ْل ُي َغ ِّي ْر ُه بِ َي ِد ِه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َي ْستَطِ ْع َفبِ ِل َسانِ ِه‪،‬‬ ‫وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫ان»(((‪ ،‬فدل هذا الحديث على أن‬ ‫يم ِ‬ ‫ال َ‬ ‫ف إْ ِ‬
‫ك َأ ْض َع ُ‬ ‫َفإِ ْن َل ْم َي ْستَطِ ْع َفبِ َق ْلبِ ِه‪َ ،‬و َذلِ َ‬
‫اإليمان يتفاوت يف القلب‪.‬‬
‫وال بد مع اإليمان باهلل من الكفر بالطاغوت‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﰊ‬ ‫الكفـــر‬
‫بالطاغوت‬
‫ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ‬
‫ﰗ ﰘ ﰙ) [البقرة‪ ،]256 :‬والرباءة من الشرك وأهله‪ ،‬فال يكون موحدً ا‬
‫حتى يتربأ من الشرك وأهله‪ ،‬قال المولى جل شأنه‪( :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الزخرف‪.]26 :‬‬
‫مخلصا هلل رب العالمين‪ ،‬قال‬
‫ً‬ ‫وهذا اإليمان ال بد أن يكون العبد فيه‬ ‫اإلخــالص‬

‫تعالى‪( :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ) [غافر‪ ،]65 :‬وقال ‪( :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ول اهَّللِ‪،‬‬
‫ﮟ ﮠ) [البينة‪ ،]5 :‬وعن أبي هريرة ‪َ ‬أ َّن ُه َق َال‪ :‬قِ َيل‪َ :‬يا َر ُس َ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)49‬وأبو داود (‪ ،)1140‬والترمذي (‪ ،)2172‬والنسائي (‪،)5008‬‬


‫وابن ماجه (‪.)1275‬‬
‫‪109‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫ْت‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ‪َ « :‬ل َقدْ َظنَن ُ‬ ‫الق َيـا َم ِة؟ َق َال َر ُس ُ‬
‫َّاس بِ َش َفا َعتِ َك يوم ِ‬
‫َْ َ‬ ‫َم ْن َأ ْس َعدُ الن ِ‬
‫ت ِم ْن‬ ‫ْك؛ لِ َما َر َأ ْي ُ‬
‫يث َأ َحدٌ َأ َّو ُل ِمن َ‬
‫‪-‬يا ‪َ  ‬أبا هريرةَ‪َ -‬أ اَّل يس َأ ُلنِي عن ه َذا الح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ُ َ َْ‬
‫الق َي َام ِة‪َ ،‬م ْن َق َال‪ :‬اَل إِ َل َه‬
‫َّاس بِ َش َفاعتِي يوم ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫يث‪َ ،‬أ ْس َعدُ الن ِ‬ ‫ك ع َلى الح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫ح ْرص َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫إِ اَّل اهَّللُ َخالِ ًصا ِم ْن َق ْلبِ ِه‪َ ،‬أ ْو َن ْف ِس ِه»(((‪.‬‬
‫َّار َم ْن َق َال‪ :‬اَل إِ َل َه إِ اَّل اهَّللُ‪َ ،‬ي ْبت َِغي بِ َذلِ َ‬
‫ك‬ ‫وقال ﷺ‪َ « :‬فإِ َّن اهَّللَ َقدْ َح َّر َم َع َلى الن ِ‬
‫َو ْج َه اهَّلل ِ»(((‪.‬‬
‫اليقــني‬ ‫وأن يكون مستيقنًا غير ٍّ‬
‫شاك‪ ،‬قال الحق ‪( :‬ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الحجرات‪ ،]15 :‬وقال اهلل مخـربًا عن‬
‫صاحب الجنة الكافر أنه قال‪( :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الكهف‪.]36 :‬‬
‫العلــم‬ ‫وأن يكـون إيمانه عن علم‪ ،‬فيعلم حقيقة اإليمان ومقتضاه وما يضاده‪،‬‬
‫قال تعالى‪( :‬ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [محمد‪.]19 :‬‬
‫القبــول‬ ‫وال بد مع العلم واإلخالص من القبول لما جاء به الرسول ﷺ وبما‬
‫تضمنه اإليمان‪ ،‬ود ّلت عليه كلمة‪( :‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) من عبادة اهلل وحده‪،‬‬
‫وترك عبادة ما سواه‪ ،‬فمن قالها‪ ،‬ولم يقبل عبادة اهلل وحده‪ ،‬كان من الذين‬
‫قال اهلل فيهم‪( :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الصافات‪.]36 ،35 :‬‬
‫االستسالم‬ ‫وأن يستسلم وينقاد‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫واالنقيــــاد‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [لقمان‪.]22 :‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪.)6570 ،99‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)425‬ومسلم (‪ ،)33‬والنسائي (‪ ،)788‬وابن ماجه (‪.)754‬‬
‫‪110‬‬

‫بشر به النبي‪ ‬ﷺ‬ ‫وأن يكون صاد ًقا يف قوله وفعله واعتقاده حتى ينال ما َّ‬ ‫الصـــدق‬

‫ول اهَّللِ‪ِ ،‬صدْ ًقا‬


‫«ما ِم ْن َأ َح ٍد َي ْش َهدُ َأ ْن اَل إِ َل َه إِ اَّل اهَّللُ‪َ ،‬و َأ َّن ُم َح َّمدً ا َر ُس ُ‬
‫يف قوله‪َ :‬‬
‫َّار»(((‪.‬‬ ‫ِم ْن َق ْلبِ ِه‪ ،‬إِ اَّل َح َّر َم ُه اهَّللُ َع َلى الن ِ‬

‫وأن يكون مح ًّبا لهذا الدين‪ ،‬و َم ْن شرعه‪ ،‬ومن جاء به‪ ،‬ومن دان به‪ ،‬قال‬ ‫الـحب‬

‫تعالى‪( :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫«ل ُي ْؤ ِم ُن َأ َحدُ ك ُْم‬ ‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [البقرة‪ ،]165 :‬وقال َر ُس ُو ُل اهللِ ﷺ‪ :‬اَ‬
‫َّاس َأ ْج َم ِع ْي َن»(((‪ .‬و َق َال‪ ‬ﷺ‪:‬‬ ‫ب إِ َل ْي ِه ِم ْن َو َل ِد ِه َو َوالِ ِد ِه َوالن ِ‬‫ُون َأ َح َّ‬
‫َحتَّى َأك َ‬
‫ب إِ َل ْي ِه ِم َّما‬
‫ُون اهَّللُ َو َر ُسو ُل ُه َأ َح َّ‬
‫ان‪َ :‬أ ْن َيك َ‬‫يم ِ‬ ‫اإل َ‬‫ث َم ْن ك َُّن فِ ِيه َو َجدَ َحلاَ َو َة ِ‬ ‫« َثلاَ ٌ‬
‫ح ُّب ُه إِ اَّل لِ َّل ِه‪َ ،‬و َأ ْن َيك َْر َه َأ ْن َي ُعو َد فِي ال ُك ْفرِ ك ََما‬
‫حب المرء اَل ي ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫س َو ُاه َما‪َ ،‬و َأ ْن ُي َّ‬
‫ِ‬
‫ف فِي الن ِ‬
‫َّار»(((‪.‬‬ ‫َيك َْر ُه َأ ْن ُي ْق َذ َ‬
‫وكما ب َّين اهلل حقيقة اإليمان ومقتضاه وأركانه وشرائطه‪ ،‬فقد نقض ُش َبه‬ ‫إبطــال‬
‫دعـاوى‬
‫المشركين المعاندين‪ ،‬وبين أنه ليس لهم حجة يف شركهم؛ ألن هؤالء األنداد‬ ‫املرشكني‬
‫مخلوقون ُمدَ َّبرون ال يخلقون شي ًئا‪ ،‬وال يملكون مثقال ذرة يف السموات وال‬
‫يف األرض‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)128‬ومسلم (‪.)32‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)15‬ومسلم (‪ ،)44‬والنسائي (‪ ،)5013‬وابن ماجه (‪.)67‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)16‬ومسلم (‪ ،)43‬والترمذي (‪ ،)2624‬والنسائي (‪ ،)4987‬وابن‬
‫ماجه (‪.)4033‬‬
‫‪111‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [األعراف‪ ،]198-191  :‬وقال تعالى‪( :‬ﯯ‪ ‬ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ‪ ‬ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [سبأ‪ ،]23 ،22 :‬وهذه اآلية قطعت عالئق الشرك كله‪.‬‬
‫وبين الحق أن هؤالء األنداد المعبودين من دون اهلل ال يسمعون دعاء‬
‫من دعاهم‪ ،‬ولو سمعوا ما استجابوا لهم‪ ،‬ويوم القيامة يكفرون بشركهم‪،‬‬
‫ويتربؤون منهم‪ ،‬قال الحق جل شأنه وتعالى سلطانه‪( :‬ﮏﮐﮑﮒ‬
‫ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ‬
‫ﮡ ﮢ) [فاطر‪.]14 :‬‬
‫كما بين الحق أن هؤالء األنداد المعبودين من دون اهلل ال ينفعون‪،‬‬
‫وال يضرون‪ ،‬فكيف ُي ْعبدون من دون اهلل؟! قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الفرقان‪.]3 :‬‬
‫وأوضح الحق ‪ ‬أن األنداد ال يملكون ألتباعهم رز ًقا‪ ،‬قال‬
‫اهلل تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ) [النحل‪ ،]73 :‬فكيف يعبدون من ال يملك شي ًئا‪ ،‬وال‬
‫يستطيع أن يرزق‪ ،‬وال أن ينفع‪ ،‬أو يضر؟!‬
‫مسهم الضر‪ ،‬أو وقعوا يف الكرب؛ لجؤوا إلى اهلل‬
‫واحتج عليهم بأهنم إذا َّ‬
‫‪112‬‬

‫وحده مخلصين له الدين‪ ،‬فإذا نجاهم عادوا إلى شركهم‪ ،‬قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫(ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ) [العنكبوت‪.]65 :‬‬
‫وكما أبطل الحق دعوى المشركين يف اتخاذ األنداد‪ ،‬فقد أبطل كل‬
‫دعوى بأن اهلل اتخذ ولدً ا‪ ،‬فقال ‪( :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ) [المؤمنون‪ ،]91 :‬وقال ‪( :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [األنبياء‪ .]22 :‬وبين الحق جل‬
‫شأنه أن اليهود والنصارى زعمت أن هلل ولدً ا‪ ،‬فقال الحق ‪:‬‬
‫(ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ‬
‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [التوبة‪ ،]30 :‬ونقض اهلل اعتقادهم من‬
‫إلها؟! واإلله ال يأكل‪ ،‬وال‬
‫أصله؛ فكيف يكون البشر الذي يأكل الطعام ً‬
‫يشرب‪ ،‬وال يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر‪ ،‬قال المولى جل شأنه‪( :‬ﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [المائدة‪.]76 ،75 :‬‬
‫وأبطل اهلل عبادة المالئكة‪ ،‬وبين أهنم ‪-‬مع كوهنم مقربين هلل‪ -‬ال‪ ‬يملكون‬
‫الشفاعة إال من بعد إذنه‪ ،‬فقال ربنا جل ذكره‪( :‬ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬
‫‪،]26‬‬ ‫ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [النجم‪:‬‬

‫ويخافون رهبم من فوقهم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬


‫‪113‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯔﯕﯖﯗﯘ‬
‫ﯙ ﯚ) [النحل‪ ،]50 ،49 :‬وقال سبحانه عز من قائل‪( :‬ﮏ ﮐ‬
‫ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [النساء‪ ،]172 :‬فإذا كانت هذه‬
‫حال المالئكة‪ ،‬فكيف ُيعبدون من دون اهلل؟‬
‫وكذلك األنبياء والمرسلون ‪ ‬مع علو مقامهم يف الدنيا‬
‫ضرا‪ ،‬فكيف بمن دوهنم؟! قال‬
‫واآلخرة‪ ،‬ال يملكون ألنفسهم نف ًعا وال ًّ‬
‫‪ ‬مخربًا عن األنبياء أهنم يعبدون رهبم على سبيل الرغبة‬
‫والرهبة‪( :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ) [األنبياء‪ ،]90 :‬وأمر نبيه محمدً ا ﷺ أن يقول كما‬
‫أخرب اهلل عنه بقوله‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ‬
‫ﭮ) [األعراف‪ ،]188 :‬ولما دعا ﷺ على من آذاه من المشركين يف غزوة‬
‫أحد أنزل اهلل عليه قوله تعالى‪( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ) [آل عمران‪ .]128 :‬وعن الزهري قال‪ :‬حدثني سالم‬
‫الركُو ِع فِي‬ ‫ِ‬ ‫عن أبيه ‪َ ،‬أ َّنه س ِمع رس َ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ إِ َذا َر َف َع َر ْأ َس ُه م َن ُّ‬ ‫ُ َ َ َ ُ‬
‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم ال َع ْن ُفلاَ نًا َو ُفلاَ نًا َو ُفلاَ نًا»‪َ ،‬ب ْعدَ َما‬ ‫اآلخ َر ِة مِ َن ال َف ْج ِر َي ُق ُ‬
‫الر ْكع ِة ِ‬
‫َّ َ‬
‫اهَّلل‪( :‬ﮧ ﮨ ﮩ‬ ‫الح ْمدُ »‪َ ،‬ف َأن َْز َل ُ‬ ‫ك َ‬ ‫«س ِم َع اهَّللُ لِ َم ْن َح ِمدَ ُه‪َ ،‬ر َّبنَا َو َل َ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬‬
‫ﮪ ﮫ) إِ َلى َق ْول ِ ِه‪( :‬ﮱ ﯓ)(((‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4559‬والنسائي (‪.)1078‬‬


‫‪114‬‬

‫بــاب‬
‫اإليمان بأسماء اهلل وصفاته‬
‫ونؤمن بأن اهلل واحد يف صفاته ونعوت كماله وجالله سبحانه‪ ،‬وأن‬
‫اهلل‪  ‬له األسماء الحسنى والصفات العلى تواترت على ذلك‬
‫نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وتشهد له بذلك العقول الكاملة‪ ،‬وتس ِّلم له بذلك‬
‫الف َطر السليمة‪ ،‬وأجمع على ذلك علماء أمة اإلسالم‪ ،‬بل كل الرساالت‬‫ِ‬
‫اإللهية جاءت ببيان صفات اهلل وأسمائه وأفعاله ‪ .‬وعاب اهلل‬
‫على المشـركين عبادة األصنام؛ ألهنا مخلوقة مثلهم‪ ،‬بل هي أقل منهم‬
‫وأنقص‪ ،‬فهي ال تبصر وال تسمع‪ ،‬بل ليس لها أرجل تمشي هبا‪ ،‬وال ٍ‬
‫أيد‬
‫تبطش هبا‪ ،‬قال الحق سبحانه‪( :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ‬
‫ﰊ ﰋ) [األعراف‪:‬‬ ‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫‪ .]195 ،194‬وقال تعالى‪( :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ) [األعراف‪.]148 :‬‬
‫ونؤمن أنه كما وصف نفسه‪ ،‬وكما وصفه به رسوله ﷺ‪ ،‬فهو سبحانه‬ ‫الـمنهج‬
‫الـحق يف‬
‫ليس كمثله شيء‪ ،‬وهـو السـميع البصير‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭡ ﭢ ﭣﭤ‬
‫الصفات‬
‫ﭥﭦﭧ) [الشورى‪ .]11 :‬فنثبت هلل ما أثبته لنفسه‪ ،‬أو أثبته له رسوله‬
‫ﷺ‪ ،‬وننفي عنه ما نفاه عن نفسه‪ ،‬أو نفاه عنه رسوله‪ ‬ﷺ‪ ،‬من غير تعطيل وال‬
‫‪115‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫تمثيل‪ ،‬وال تكييف وال تحريف‪ ،‬ونعلم علم اليقين أن ربنا متصف بصفاته‬
‫قبل أن َي ْخلق الخلق‪ ،‬وأنه على غاية الكمال والجالل والجمال منذ األزل‬
‫إلى األبد؛ إذ هو األول واآلخر‪ ،‬فهو أول ليس قبله شيء‪ ،‬وآخر ليس بعده‬
‫شيء‪ ،‬فهو األول بأسمائه وصفاته كمالاً ومجدً ا‪ ،‬وهو اآلخر بأسمائه‬
‫وصفاته كمالاً ومجدً ا‪.‬‬
‫علما‪ ،‬فكذلك ال تدركه‬
‫ونؤمن أنه سبحانه كما ال يحيط الخلق به ً‬
‫(ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)‬ ‫أبصارهم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫[طه‪ ،]110 :‬وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ) [األنعام‪ .]103 :‬قال اإلمام ابن قتيبة ‪« :‬الواجب‬
‫علينا أن ننتهي يف صفات اهلل حيث انتهى يف صفته‪ ،‬أو حيث انتهى رسوله‬
‫ﷺ‪ ،‬وال نزيل اللفظ عما تعرفه العرب وتضعه عليه‪ ،‬ونمسك عما سوى‬
‫ذلك»(((‪.‬‬
‫الصفـــات‬
‫ٍ‬
‫صفات مالزم ًة لذاته‪ ،‬كالحياة‪ ،‬والعلم‪،‬‬ ‫ونؤمن أن من صفات اهلل‬
‫منها الالزمة‬
‫لذاته‪ ،‬ومنها‬ ‫والسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬واليد‪ ،‬واألصابع‪ ،‬ومنها صفات متعلقة بمشيئته‪،‬‬
‫املتعلقـــــة‬
‫كالغضب‪ ،‬والرضى‪ ،‬والنزول‪ .‬ونؤمن أنه الفعال لما يريد‪ ،‬فهو يفعل متى‬
‫بمشيئتــــه‬
‫شاء ما يشاء كيفما يشاء‪ ،‬يعز من يشاء‪ ،‬ويذل من يشاء‪ ،‬ال را ّد ألمره‪ ،‬وال‬
‫مع ّقب على قضائه وحكمه‪.‬‬
‫الصفــات‬ ‫ونؤمن أن صفات اهلل منها ما ورد مطل ًقا‪ ،‬فنصف اهلل به على إطالقه‪،‬‬
‫منها املطلق‬
‫ومنهـــــا‬ ‫كالسمع‪ ،‬والحياة‪ ،‬والبصر‪ ،‬وغيرها‪ ،‬ومنها ما ورد مقيدً ا‪ ،‬فيبقى على تقييده‪،‬‬
‫الـمقيـــد‬
‫كوصفه ‪ ‬بأنه يمكر بأعدائه إذا مكروا‪ ،‬وينسى أعداءه إذا نسوه‪.‬‬

‫((( االختالف في اللفظ والرد على الجهمية‪ ،‬البن قتيبة (ص‪.)44 :‬‬
‫‪116‬‬

‫ونؤمن أن بعض الصفات ورد وصف اهلل هبا على وجه واحد‪ ،‬كصفة‬ ‫الصفـــات‬
‫قد ترد عىل‬
‫الحياة‪ ،‬والقيومية‪ ،‬والعظمة‪ ،‬فرتد يف القرآن أو السنة على وجه واحد‪.‬‬ ‫وجه واحد‬
‫ونجد بعض الصفات ورد الخرب عنها يف القرآن الكريم أو السنة على أوجه‬ ‫وقد ترد عىل‬
‫أوجــــــه‬
‫متعددة‪ ،‬كصفة الكالم‪ ،‬والعلو‪ ،‬واليد‪ ،‬ورؤية المؤمنين لرهبم يف عرصات‬ ‫متعددة‬

‫القيامة ويف الجنة(((‪.‬‬


‫ومن صفاته ‪ :‬العلم والسمع‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭷ ﭸ ﭹ‬ ‫صفة العلم‬
‫والسمــع‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [األنبياء‪.]4 :‬‬
‫(ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [غافر‪:‬‬ ‫ومن صفاته‪ :‬البصر‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫صفــة‬

‫«س ِم ْع ُت‬
‫البرص‬
‫‪ ،]20‬وعن أبي يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة ‪ ‬قال‪َ :‬‬
‫َأ َبا ُه َر ْي َر َة ‪َ ‬ي ْق َر ُأ َهذه الآْ َيةَ‪( :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)‬
‫ِِ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َي َض ُع‬ ‫[النساء‪ ]58 :‬إِ َلى َق ْول ِ ِه َت َعا َلى‪( :‬ﯲ ﯳ) َق َال‪َ :‬ر َأ ْي ُت َر ُس َ‬
‫إِ ْب َها َم ُه َع َلى ُأ ُذنِ ِه‪َ ،‬وا َّلتِي َتلِ َيها َع َلى َع ْين ِ ِه‪َ ،‬ق َال َأ ُبو ُه َر ْي َر َة ‪َ :‬ر َأ ْي ُت‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َي ْق َر ُؤ َها‪َ ،‬و َي َض ُع إِ ْص َب َع ْي ِه‪َ ،‬ق َال ا ْب ُن ُيون َُس‪َ :‬ق َال ا ْل ُم ْق ِر ُئ‪َ :‬ي ْعنِي‪:‬‬
‫َر ُس َ‬
‫(ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)‪َ ،‬ي ْعنِي َأ َّن ل ِ َّل ِه َس ْم ًعا َو َب َص ًرا»(((‪.‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬العين‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﭬ ﭭ ﭮ) [طه‪:‬‬ ‫صفة العني‬

‫‪ ،]39‬وقال‪( :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الطور‪ ،]48 :‬وقال جل ثناؤه‪:‬‬


‫(ﰆ ﰇ ﰈ) [هود‪ ،]37 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮋ ﮌ) [القمر‪،]14 :‬‬

‫(( ( وقد حرصنا إذا ورد الخبر عن الصفة على أوجه متعددة أن نذكر أكثر من وجه في‬
‫إثباتها‪ ،‬وما ورد الخبر عنها على وجه واحد أن نكتفي بذكر دليل أو دليلين ورد فيهما‬
‫ذكر هذه الصفة أو تلك‪.‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)4728‬وحفص بن عمر في جزء قراءات النبي (‪ ،)33‬وابن خزيمة‬
‫في التوحيد (‪ ،)49‬وابن أبي حاتم في التفسير (‪.)5524‬‬
‫‪117‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫وعن نافع عن عبداهلل ‪ ‬قال‪ُ :‬ذكر الدجال عند النبي ﷺ فقال‪« :‬إِ َّن‬
‫المسيح‬
‫َ‬ ‫‪-‬و َأ َش َار بِ َي ِد ِه إِ َلى َع ْين ِ ِه‪َ -‬وإِ َّن‬
‫اهَّللَ اَل َيخْ َفى َع َل ْيك ُْم‪ ،‬إِ َّن اهَّللَ َل ْي َس بِ َأ ْع َو َر َ‬
‫الدَّ َّج َال َأ ْع َو ُر ال َع ْي ِن ال ُي ْمنَى‪ ،‬ك ََأ َّن َع ْينَ ُه ِعنَ َب ٌة َطافِ َيةٌ»(((‪.‬‬
‫صفة احلياة‬ ‫ومن صفاته ‪ :‬الحيـاة والقيوميـة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫والقيوميـة‬
‫ﭘ ﭙ) [آل عمران‪.]2 :‬‬
‫صفة الكالم‬ ‫ومن صفاته ‪ :‬الكالم‪ ،‬وهو موصوف بالكالم قبل أن َي ْخلق‬
‫الخلق ويكلمهم‪ ،‬وكالم ربنا متعلق بمشيئته‪ ،‬فمتى شاء تكلم‪ ،‬وقد ورد‬
‫الخرب عن صفة الكالم هلل يف القرآن على أوجه متعددة‪ُّ ،‬‬
‫فكل ما أخرب اهلل به‬
‫عن نفسه بأنه يأمر أو ينهى فهو ٌّ‬
‫دال على الكالم‪ ،‬كقوله تعالى‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النحل‪ .]90 :‬وكل ما أخرب اهلل به عن‬
‫نفسه أنه قال‪ ،‬أو يقول‪ ،‬فهو دال على الكالم‪ ،‬كقوله عز شأنه‪( :‬ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [آل عمران‪ .]55 :‬وكل ما ورد الخرب فيه عن‬
‫اإلنباء مضا ًفا إلى اهلل فهو دال على إثبات صفة الكالم هلل رب العالمين‪ ،‬قال‬
‫الحق‪( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [التحريم‪.]3  :‬‬
‫وكل ما ورد من النداء أو المناجاة مضا ًفا إلى اهلل فهو دال على صفة الكالم‬
‫هلل رب العالمين‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ)‬

‫[مريم‪ .]52 :‬وكل ما ورد من القول مضا ًفا إلى اهلل‪ ،‬أو‪ ‬ورد الكالم يف القرآن‬
‫موصو ًفا به اهلل‪ ،‬فهو دليل على صفة الكالم‪ .‬وهذا أكثر من أن يحصى‪ ،‬ومن‬
‫ذلك أنه تعالى كلم المالئكة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7407‬ومسلم (‪ ،)169‬وأبو داود (‪ ،)4757‬والترمذي (‪.)2241‬‬


‫‪118‬‬

‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [البقرة‪ ،]30 :‬وكلم آدم‪( :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬


‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة‪ ،]35 :‬وكلم موسى ‪( :‬ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [األعراف‪.]144 :‬‬
‫وكالم ربنا منه ما يكون مناداة‪ ،‬كما نادى إبراهيـم الخليل ‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﭖﭗﭘ) [الصافات‪ ،]104 :‬ومنه ما يكون مناجاة كما ناجى‬
‫ربنا موسى ‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [مريم‪،]52 :‬‬
‫«حتَّى َس ِم َع َص ِر َ‬
‫يف ا ْل َق َل ِم»(((‪َ ،‬و َق َال‬ ‫اس ‪ L‬يف هذه اآلية‪َ :‬‬ ‫قال ا ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫اء َف ُك ِّل َم»(((‪ .‬وكالم ربنا تسمعه‬ ‫السدِّ ي‪( :‬ﭖ ﭗ) َق َال‪ُ « :‬أد ِخ َل فِي السم ِ‬
‫َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ ُّ‬
‫المالئكة كما يف قوله تعالى‪( :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [سبأ‪ ،]23 :‬وعن‪ ‬مسروق عن عبداهلل ‪‬‬
‫اء لِلسم ِ‬
‫اء‬ ‫قال‪ :‬قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا َت َك َّلم اهَّلل بِا ْلوح ِي‪ ،‬س ِمع َأه ُل السم ِ‬
‫َّ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ ُ َ ْ‬
‫ون ك ََذلِ َك َحتَّى َي ْأتِ َي ُه ْم‬
‫ون‪َ ،‬فلاَ َيزَا ُل َ‬ ‫ِ ِ‬
‫الس ْلس َلة َع َلى َّ‬
‫الص َفا‪َ ،‬ف ُي ْص َع ُق َ‬ ‫َص ْل َص َل ًة ك ََج ِّر ِّ‬
‫ون‪َ :‬يا ِج ْبرِ ُ‬
‫يل‪،‬‬ ‫يل ُفز َِّع َع ْن ُق ُلوبِ ِه ْم‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َي ُقو ُل َ‬ ‫يل‪َ ،‬حتَّى إِ َذا َجا َء ُه ْم ِج ْبرِ ُ‬ ‫ِج ْبرِ ُ‬
‫ون‪ :‬ا ْل َح َّق‪ ،‬ا ْل َح َّق»(((‪.‬‬ ‫ول‪ :‬ا ْل َح َّق‪َ ،‬ف َي ُقو ُل َ‬ ‫َما َذا َق َال َر ُّب َك؟ َف َي ُق ُ‬

‫«ما ِم ْنك ُْم ِم ْن‬


‫ويكلم الخالئق يوم القيامة كما أخرب بذلك الرسول ﷺ‪َ :‬‬
‫اب َي ْح ُج ُب ُه»(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َأ َح ٍد إِ اَّل َس ُي َك ِّل ُم ُه َر ُّب ُه‪َ ،‬ل ْي َس َب ْينَ ُه َو َب ْينَ ُه ت ُْر ُج َم ٌ‬
‫ان‪َ ،‬و اَل ح َج ٌ‬

‫أخرجه ابن أبي شيبة (‪ ،)32506‬وهناد في الزهد (‪ ،)149‬وعبد الله بن أحمد في السنة‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)1231‬والطبري في التفسير (‪ ،)559/15‬والحاكم (‪.)3472‬‬
‫تفسير ابن كثير (‪ ،)238/5‬والدر المنثور في التفسير بالمأثور (‪.)515/5‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)4738‬وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (‪،)158‬‬ ‫((( ‬
‫وعبد‪ ‬الله بن أحمد في السنة (‪ ،)536‬ومحمد بن نصر في تعظيم قدر الصالة (‪.)217‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)7443‬ومسلم (‪ ،)1016‬والترمذي(‪ ،)2415‬وابن ماجه (‪.)185‬‬ ‫((( ‬
‫‪119‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫وتسمع الخالئق يوم القيامة كالم اهلل‪ ،‬كما يف الحديث عن عبداهلل بن‬
‫العباد‪َ ،‬فين ِ‬
‫َاد ِ‬ ‫ِ‬
‫يه ْم‬ ‫«ي ْح ُش ُر اهَّللُ َ َ ُ‬ ‫أنيس ‪ ‬قال‪ :‬سمعت النبي ﷺ يقول‪َ :‬‬
‫الملك‪َ ،‬أنَا الدَّ َّي ُ‬
‫ان»(((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بِصو ٍ‬
‫ت َي ْس َم ُع ُه َم ْن َب ُعدَ ك ََما َي ْس َم ُع ُه َم ْن َق ُر َب‪َ :‬أنَا‬ ‫َ ْ‬
‫ونؤمن أن اهلل ‪ ‬قد احتجب عن خلقه‪ ،‬فال يرونه يف الدنيا‪،‬‬
‫ويكلم من شاء من مالئكته ورسله ‪ ‬من وراء حجاب‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫(ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [الشورى‪.]51 :‬‬
‫س كَلِم ٍ‬ ‫وعن أبي موسى ‪ ‬قال‪َ :‬قام فِينَا رس ُ ِ‬
‫ات‪،‬‬ ‫ول اهلل ﷺ بِ َخ ْم ِ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫َف َق َال‪« :‬إِ َّن اهللَ ‪ D‬اَل َينَا ُم‪َ ،‬و اَل َينْ َب ِغي َل ُه َأ ْن َينَا َم‪َ ،‬يخْ ِف ُض ا ْل ِق ْس َط َو َي ْر َف ُع ُه‪،‬‬
‫ار َق ْب َل َع َم ِل ال َّل ْي ِل‪ِ ،‬ح َجا ُب ُه‬ ‫ار‪َ ،‬و َع َم ُل الن ََّه ِ‬ ‫ُي ْر َف ُع إِ َل ْي ِه َع َم ُل ال َّل ْي ِل َق ْب َل َع َم ِل الن ََّه ِ‬
‫ات َو ْج ِه ِه َما ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َب َص ُر ُه ِم ْن َخ ْل ِق ِه»(((‪.‬‬ ‫ت ُس ُب َح ُ‬ ‫ُّور َل ْو ك ََش َف ُه أَلَ ْح َر َق ْ‬ ‫الن ُ‬
‫وكالم ربنا يوصف بأن بعضه أحدث من بعض‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪:‬‬
‫(ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [األنبياء‪،]2 :‬‬
‫الخدْ ِر ِّي ‪َ :‬أ َّن َر ُجلاً َس ِم َع‬ ‫يد ُ‬ ‫وبعضه أفضل من بعض‪ ،‬فعن َأبِي س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ول‬‫ر ُجلاً َي ْقر ُأ‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ) َأ َحدٌ ‪ُ ،‬ير ِّد ُد َها‪َ .‬ف َلما َأ ْص َب َح َجاء إِ َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫«وا َّل ِذي‬ ‫اهَّللِ ﷺ َف َذكَر َذل ِ َك َله‪ ،‬وك ََأ َّن الرج َل ي َت َقا ُّلها‪َ ،‬ف َق َال رس ُ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ ُ َ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫آن»(((‪.‬‬‫ث ال ُق ْر ِ‬‫َن ْف ِسي بِ َي ِد ِه‪ ،‬إِن ََّها َل َت ْع ِد ُل ُث ُل َ‬

‫(( ( أخرجه البخاري معل ًقا (‪ ،)141 /9‬وفي األدب المفرد (‪ ،)970‬وفي خلق أفعال العباد‬
‫(‪ ،)90‬وأحمد (‪.)16042‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)179‬وابن ماجه (‪.)195‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5013‬وأبو داود (‪ ،)1461‬والنسائي (‪.)995‬‬
‫‪120‬‬

‫اعدٌ ِعنْدَ النَّبِ ِّي ﷺ‪َ ،‬س ِم َع‬ ‫اس ‪َ ‬ق َال‪ :‬بينَما ِجب ِر ُيل َق ِ‬
‫َْ َ ْ‬ ‫و َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اء ُفتِ َح ا ْل َي ْو َم َل ْم ُي ْفت َْح‬
‫يضا مِن َفوقِ ِه‪َ ،‬فر َفع ر ْأسه‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ه َذا باب ِمن السم ِ‬
‫َ َ ٌ َ َّ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ن َِق ً‬
‫ض َل ْم َين ِْز ْل َق ُّط‬ ‫ك َنز ََل إِ َلى أْالَ ْر ِ‬ ‫ك‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ه َذا َم َل ٌ‬ ‫َق ُّط إِ اَّل ا ْل َي ْو َم‪َ ،‬فنَز ََل ِمنْ ُه َم َل ٌ‬
‫ك‪َ :‬فاتِ َح ُة‬ ‫ُور ْي ِن ُأوتِيت َُه َما َل ْم ُي ْؤت َُه َما َنبِ ٌّي َق ْب َل َ‬ ‫ِ‬
‫إِ اَّل ا ْل َي ْو َم‪َ ،‬ف َس َّل َم‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬أ ْبش ْر بِن َ‬
‫اَّ‪ ‬أ ْعطِي َت ُه»(((‪.‬‬ ‫ف ِمن ُْه َما إِل ُ‬ ‫َاب‪ ،‬و َخواتِيم سور ِة ا ْلب َقر ِة‪َ ،‬لن َت ْقر َأ بِحر ٍ‬
‫ا ْلكت ِ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ‬
‫ِ‬

‫والقرآن وكل الكتب اإللهية المنزلة على رسل اهلل ‪ ،‬كصحف‬


‫إبراهيم وموسى ‪ ،‬والتوراة‪ ،‬واإلنجيل‪ ،‬والزبور‪ -‬كلها كالم اهلل‪،‬‬
‫وكلها تكلم اهلل هبا‪ ،‬وسمعها جربيل ‪ ‬منه بال واسطة‪ ،‬وأنزل اهلل التوراة‬
‫تنزل بالوحي على أنبياء‪ ‬اهلل ورسله ‪،‬‬ ‫مكتوبة على األلواح‪ ،‬وجربيل ّ‬
‫قال اهلل تعالى‪( :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الشعراء‪:‬‬

‫‪ ،]194 ،193‬وقـال المولى عز شأنه‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬


‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [األعراف‪.]158 :‬‬
‫وكالم اهلل وكلماته غير مخلوقة؛ ولذا استعاذ رسول اهلل ﷺ بكلمات اهلل‪،‬‬
‫ات اهلل ِ التَّام ِ‬
‫ات ِم ْن َش ِّر َما‬ ‫فقال ﷺ‪« :‬من َنز ََل من ِْز اًل‪ُ ،‬ثم َق َال‪َ :‬أعو ُذ بِك َِلم ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫َح َل ِم ْن َمن ِْزلِ ِه َذلِ َك»(((‪ ،‬ولو كانت كلمات اهلل‬ ‫َخ َل َق‪َ ،‬لم ي ُضره َشيء‪ ،‬حتَّى يرت ِ‬
‫ْ َ َّ ُ ْ ٌ َ َ ْ‬
‫مخلوقة لما استعاذ هبا نبينا محمد ﷺ‪ ،‬وكالم اهلل غير خلقه‪ ،‬أال ترى «أن اهلل‬
‫يسمه قولاً ‪ ،‬فقال‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ)‬ ‫قد فصل بين قوله وبين خلقه‪ ،‬ولم ّ‬
‫[األعراف‪ ،]54 :‬فلما قال‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ) لم يبق شيء مخلوق إال كان داخلاً يف‬
‫ذلك‪ ،‬ثم ذكر ما ليس بخلق فقال‪( :‬ﮡ) فأمره هو قوله‪ ،‬تبارك اهلل رب‬
‫العالمين أن يكون قوله خل ًقا»(((‪.‬‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪ ،)806‬والنسائي (‪.)912‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2708‬والترمذي (‪ ،)3437‬وابن ماجه (‪.)3547‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الرد على الجهمية‪ ،‬لإلمام أحمد (ص‪.)224 :‬‬
‫‪121‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫الكلامت‬ ‫ونفرق بين كلمات اهلل الكونية المذكورة يف مثل قوله تعالى‪( :‬ﯢ‬
‫الكونيــة‬
‫والرشعيـة‬ ‫ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ‬
‫ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ) [األنعام‪ ،]34 :‬وقوله تعالى‪( :‬ﯱﯲﯳﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الكهف‪،]109  :‬‬
‫وكالمه الشرعي الوارد يف مثل قوله ‪( :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [األنعام‪ ،]115 :‬وقوله جل ذكره‪( :‬ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [البقرة‪.]124 :‬‬
‫قال اإلمام الدارمي‪« :‬فال ينكر كالم اهلل ‪ ‬إال من يريد إبطال ما‬
‫أنزل اهلل ‪ ،‬وكيف يعجز عن الكالم من ع ّلم العباد الكالم‪ ،‬وأنطق‬
‫األنام؟!»(((‪.‬‬
‫صفة العــزة‬ ‫ومن صفاته ‪ :‬العزة‪ ،‬قال الحق‪( :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫(ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)‬ ‫ﯿ) [الصافات‪ ،]180 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫[فاطر‪.]10 :‬‬
‫صفة القهر‬ ‫ومن صفاته ‪ :‬القهر‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ) [ص‪.]65 :‬‬
‫صفـــــة‬ ‫ومن صفاته ‪ :‬الجربوت‪ ،‬والملكوت‪ ،‬والكربياء‪ ،‬والعظمة‪،‬‬
‫اجلربوت‪،‬‬
‫ُوت‬‫وت وا ْلم َلك ِ‬ ‫ان ِذي ا ْلجبر ِ‬ ‫«س ْب َح َ‬
‫وامللكوت‪،‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫وقد كان النبي‪ ‬ﷺ يقول يف ركوعه‪ُ :‬‬
‫والكربياء‪،‬‬
‫اء َوا ْل َع َظ َم ِة»(((‪ .‬وقال ﷺ‪« :‬قال اهلل ‪ :‬ا ْلكِ ْبرِ َيا ُء ِر َدائِي‪َ ،‬وا ْل َع َظ َم ُة‬
‫وا ْلكِبرِي ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫والعظمــة‬

‫(( ( الرد على الجهمية‪ ،‬للدارمي (ص‪.)155 :‬‬


‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)873‬والنسائي (‪ ،)1049‬وأحمد (‪ ،)23980‬والترمذي في‬
‫الشمائل (‪ ،)314‬والبزار (‪.)2750‬‬
‫‪122‬‬
‫احدً ا ِمن ُْه َما‪َ ،‬ق َذ ْف ُت ُه فِي الن ِ‬
‫َّار»(((‪.‬‬ ‫َاري‪َ ،‬فمن نَا َزعنِي و ِ‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫إِز ِ‬

‫ومن صفاته ‪ :‬اإلرادة والمشيئة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﯗ ﯘ‬ ‫صفة اإلرادة‬
‫واملشيئــــة‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البقرة‪ ،]185 :‬وقوله‪( :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [األنفال‪ ،]7 :‬وقوله‪( :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [التكوير‪.]29 :‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬القدرة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﯫ ﯬ ﯭ‬ ‫صفة القدرة‬

‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)‬

‫[الشورى‪ ،]29 :‬وقوله‪( :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة‪.]20 :‬‬


‫ومن صفاته ‪ :‬الرحمة‪ ،‬قال الرحيم الرحمن سبحانه‪:‬‬ ‫صفة الرمحة‬

‫(ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [األعراف‪ ،]156 :‬وقال ‪( :‬ﭫ‬


‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [األنعام‪ ،]54 :‬فهذه الرحمة صفة من صفاته‪،‬‬
‫وهي مضافة إلى اهلل إضافة الصفة إلى الموصوف‪ .‬وقد تأيت الرحمة يف‬
‫الكتاب والسنة مضافة إلى اهلل من إضافة المخلوق إلى خالقه‪ ،‬كما يف قوله‬
‫تعالى‪( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ) [الفرقان‪ .]48 :‬وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ‬
‫الر ْح َم َة َي ْو َم َخ َل َق َها ِما َئ َة َر ْح َم ٍة»(((‪ ،‬فهذه رحمة مخلوقة‬
‫يقول‪« :‬إِ َّن اهَّللَ َخ َل َق َّ‬
‫أضيفت إلى اهلل من إضافة المخلوق إلى خالقه‪.‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬العلو‪ ،‬وهو علو القهر‪ ،‬وعلو ال َقدْ ر‪ ،‬وعلو‬ ‫صفة العلو‬

‫(( ( أخرجه أبو داود (‪ ،)4090‬وابن ماجه (‪ ،)4174‬والحميدي (‪ ،)1183‬وابن أبي شيبة‬
‫(‪ ،)27111‬وأحمد (‪.)7382‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6469‬ومسلم (‪ ،)2752‬والترمذي (‪ ،)3541‬وابن ماجه‬
‫(‪.)4293‬‬
‫‪123‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫الذات‪ ،‬فالثالثة كلها صفته‪ ،‬وهي دالة على كماله‪ .‬وقد دل القرآن العظيم‬
‫والسنة النبوية الشريفة والعقل والفطرة على العلو بأوجه متعددة‪ ،‬فكل ما‬
‫أخرب اهلل به أو أخرب به رسوله ﷺ أنه العلي أو األعلى‪ ،‬أو يشار إليه بأنه يف‬
‫العلو‪ ،‬فهو دال على علوه‪ ،‬وكل خرب فيـه َتن َّزل منه تعالى كنزول الوحي‪،‬‬
‫وتنزل األمر‪ ،‬وأنـه يجيء ويأيت يوم القيامة لفصل القضاء‪ ،‬أو أنه ينزل يف كل‬
‫ليلة ويف عشية عرفة‪ ،‬وتنزل المالئكة‪ ،‬فهو دال على علوه‪ ،‬وكذلك كل خرب‬
‫فيه أنه يف السماء‪ ،‬أو أنه فوق السـماء‪ ،‬أو أنه فـوق العرش‪ ،‬أو أنه استوى‬
‫على العرش ‪ -‬فهو دال على علوه‪ ،‬وكذلك كل ما فيه صعـود إليه سبحانه‬
‫ونحوه فهو دال على علوه‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬أن المالئكة تخاف رهبا من فوقها‪ ،‬وأهنا تعرج إليه‪ ،‬وأن‬
‫األعمال ترفع إليه‪ ،‬وأنه يصعد إليه‪ ،‬وأن اهلل رفع عيسى ‪ ‬إليه‪،‬‬
‫وأسرى بنبينا محمد ﷺ‪ ،‬وعرج به إلى السماء‪ .‬كل ذلك دال على علوه‪،‬‬
‫بل إن األدلة الدالة على أن اهلل يف العلو أنواع كثيرة‪ ،‬وتحت كل نوع أفراد‬
‫كثيرة ال تحصى إال بالكلفة‪.‬‬
‫ومن هذه األدلة‪ :‬قوله تعالى‪( :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ) [الشورى‪ ،]4 :‬وقوله تعالى‪( :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الحج‪،]62 :‬‬
‫وقوله‪( :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [فاطر‪ ،]10 :‬وقول‬
‫(ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)‬ ‫الحق سـبحانه‪:‬‬
‫(ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [يوسف‪:‬‬ ‫‪ ،]155‬وقوله‪:‬‬ ‫[األنعام‪:‬‬

‫‪ ،]2‬وقوله سـبحانه‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النحل‪،]50 :‬‬


‫وقوله‪( :‬ﭧ ﭨ ﭩ) [آل عمران‪ ،]55 :‬وقوله‪( :‬ﯤ ﯥ‬
‫‪124‬‬

‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [المعارج‪ ،]4 :‬وقوله جل ثناؤه‪:‬‬


‫(ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ‬
‫ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [الطالق‪ ،]12 :‬وقـول الحق سبحانه‪:‬‬
‫(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [النساء‪ .]158 :‬وقول ربنا ‪:‬‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [اإلسراء‪.]1 :‬‬
‫ت‪َ ،‬أ ْو َق َال‪:‬‬ ‫َب كِتَا ًبا ِعنْدَ ُه‪َ :‬غ َل َب ْ‬ ‫وقال النبي ﷺ‪َ « :‬ل َّما َق َضى اهَّللُ الخَ ْل َق‪َ ،‬كت َ‬
‫او َية بن الحكم‬ ‫ش»(((‪ ،‬وعن ُم َع ِ‬ ‫ت َر ْح َمتِي َغ َضبِي‪َ ،‬ف ُه َو ِعنْدَ ُه َف ْو َق ال َع ْر ِ‬ ‫َس َب َق ْ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪ ،‬إِ ْذ َع َط َس َر ُج ٌل مِ َن‬ ‫لمي ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ب ْينَا َأنَا ُأ َص ِّلي م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ّ ّ‬
‫الس ِ‬
‫اره ْم‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬وا ُث ْك َل ُأ ِّم َيا ْه‪َ ،‬ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬ف َر َماني ا ْل َق ْو ُم بِ َأ ْب َص ِ‬
‫ا ْل َق ْو ِم‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬ي ْر َح ُم َك ُ‬
‫اذ ِه ْم‪َ ،‬ف َل َّما َر َأ ْيت ُُه ْم‬ ‫يهم َع َلى َأ ْف َخ ِ‬ ‫ون إِ َلي؟! َفجع ُلوا ي ْض ِرب َ ِ‬
‫ون بِ َأ ْيد ِ ْ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َّ‬
‫َش ْأ ُن ُك ْم َتنْ ُظ ُر َ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬فبِ َأبِي ُه َو َو ُأ ِّمي‪َ ،‬ما َر َأ ْي ُت‬ ‫ُي َص ِّمتُونَنِي َلكِنِّي َس َك ُّت‪َ ،‬ف َل َّما َص َّلى َر ُس ُ‬
‫يما مِنْ ُه‪َ ،‬ف َواهللِ‪َ ،‬ما ك ََه َرنِي‪َ ،‬ولاَ َض َر َبنِي‪َ ،‬ولاَ‬ ‫ِ‬
‫ُم َع ِّل ًما َق ْب َل ُه َولاَ َب ْعدَ ُه َأ ْح َس َن َت ْعل ً‬
‫َّاس‪ ،‬إِن ََّما ُه َو‬ ‫الصلاَ َة اَل َي ْص ُل ُح فِ َيها َش ْي ٌء ِم ْن كَلاَ ِم الن ِ‬ ‫ِِ‬
‫َشت ََمني‪َ .‬ق َال‪« :‬إِ َّن َهذه َّ‬
‫ِ‬
‫آن»‪َ ،‬أو كَما َق َال رس ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬ ‫ا‪ ‬ر ُس َ‬ ‫ول اهلل ﷺ‪ُ .‬ق ْل ُت‪َ :‬ي َ‬ ‫َ ُ‬ ‫يح َوال َّت ْكبِ ُير َوق َرا َء ُة ا ْل ُق ْر ِ ْ َ‬ ‫الت َّْسبِ ُ‬
‫ون‬‫اهلل بِالإْ ِ ْسلاَ ِم‪َ ،‬وإِ َّن مِنَّا ِر َجالاً َي ْأ ُت َ‬ ‫ِِ ٍ‬
‫يث َع ْهد بِ َجاهل َّية‪َ ،‬و َقدْ َجا َء ُ‬
‫ٍ‬ ‫اهللِ‪ ،‬إِنِّي َح ِد ُ‬
‫اك َش ْي ٌء َي ِجدُ و َن ُه‬ ‫ون‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ذ َ‬ ‫ان‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فلاَ ت َْأتِ ِه ْم»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ومِنَّا ِر َج ٌال َي َت َط َّي ُر َ‬ ‫ا ْل ُك َّه َ‬
‫الص َّباحِ ‪َ :‬فلاَ َي ُصدَّ َّن ُك ْم‪َ -‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪:‬‬ ‫فِي صدُ ِ ِ‬
‫وره ْم‪َ ،‬فلاَ َي ُصدَّ ن َُّه ْم»‪َ - ،‬ق َال ا ْب ُن َّ‬ ‫ُ‬
‫اء َيخُ ُّط‪َ ،‬ف َم ْن َوا َف َق َخ َّط ُه َف َذ َ‬ ‫َان َنبِي ِمن أْالَ ْنبِي ِ‬ ‫َومِنَّا ِر َج ٌال َي ُخ ُّط َ‬
‫اك»‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ون‪َ ،‬ق َال‪« :‬ك َ ٌّ َ‬
‫ات‬ ‫ار َي ٌة َت ْر َعى َغن ًَما لِي قِ َب َل ُأ ُح ٍد َوا ْل َج َّوانِ َّي ِة‪َ ،‬فا َّط َل ْع ُت َذ َ‬ ‫َق َال‪َ :‬وكَان َْت لِي َج ِ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7553‬ومسلم (‪ ،)2751‬والترمذي (‪ ،)3543‬وابن ماجه‬


‫(‪.)189‬‬
‫‪125‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َي ْو ٍم‪َ ،‬فإِ َذا ِّ‬


‫ف ك ََما‬ ‫آس ُ‬ ‫ب بِ َشاة م ْن َغنَم َها‪َ ،‬و َأنَا َر ُج ٌل م ْن َبني آ َد َم‪َ ،‬‬ ‫يب َقدْ َذ َه َ‬ ‫الذ ُ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ف َع َّظ َم َذل ِ َك َع َل َّي‪ُ ،‬ق ْل ُت‪:‬‬ ‫ون‪َ ،‬لكِنِّي َص َك ْكت َُها َص َّكةً‪َ ،‬ف َأ َت ْي ُت َر ُس َ‬ ‫َي ْأ َس ُف َ‬
‫«أ ْي َن اهللُ؟»‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬أ َفلاَ ُأ ْعتِ ُق َها؟ َق َال‪« :‬ائْتِنِي بِ َها»‪َ ،‬ف َأ َت ْي ُت ُه بِ َها‪َ ،‬ف َق َال َل َها‪َ :‬‬ ‫َيا َر ُس َ‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫«أ ْعتِ ْق َها‪َ ،‬فإِن ََّها‬ ‫«م ْن َأنَا؟» َقا َل ْت‪َ :‬أن َْت َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫الس َماء‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫َقا َل ْت‪ :‬في َّ‬
‫ُم ْؤ ِمنَةٌ»(((‪.‬‬
‫ون فِيك ُْم َملاَ ئِ َك ٌة‬ ‫وعن أبي ُه َر ْي َرة ‪َ ‬أن َر ُسول اهلل ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫«ي َت َعا َق ُب َ‬
‫ون فِي َصلاَ ِة ال َف ْجرِ َو َصلاَ ِة ال َع ْصرِ‪ُ ،‬ث َّم َي ْع ُر ُج‬ ‫ار‪َ ،‬و َي ْجت َِم ُع َ‬ ‫بِال َّل ْي ِل َو َملاَ ئِ َك ٌة بِالن ََّه ِ‬
‫ف تَر ْكتُم ِعب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‪:‬‬ ‫ادي؟ َف َي ُقو ُل َ‬ ‫ين َباتُوا فيك ُْم‪َ ،‬ف َي ْس َأ ُل ُه ْم‪َ ،‬و ُه َو َأ ْع َل ُم بِ ِه ْم‪َ :‬ك ْي َ َ ْ َ‬ ‫ا َّلذ َ‬
‫يث َأبِي َر ِز ٍ‬ ‫ون»(((‪ ،‬ويف ح ِد ِ‬
‫ين‬ ‫َ‬ ‫َاه ْم َو ُه ْم ُي َص ُّل َ‬ ‫ون‪َ ،‬و َأ َت ْين ُ‬‫َاه ْم َو ُه ْم ُي َص ُّل َ‬ ‫ت ََر ْكن ُ‬
‫ول اهَّللِ‪َ ،‬أ ْي َن ك َ‬
‫َان َر ُّبنَا َق ْب َل َأ ْن َي ْخ ُل َق َخ ْل َق ُه؟‬ ‫ا ْل ُع َق ْيلِي ‪َ ‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ِّ‬
‫َان في َع َماء َما ت َْح َت ُه َه َوا ٌء َو َما َف ْو َق ُه َه َوا ٌء‪َ ،‬و َخ َل َق َع ْر َش ُه َع َلى الماء» ‪،‬‬
‫(((‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َق َال‪« :‬ك َ‬
‫هذه وغيرها كثير من اآليات واألحاديث الدالة على العلو‪.‬‬
‫واألدلة الدالة على العلو أكثر من أن تحصر‪ ،‬فقد أجمع علماء اإلسالم‬
‫على إثباته‪ ،‬كما دل عليه العقل ِ‬
‫والف َط ُر السليمة‪ ،‬قال اإلمام ابن بطة ‪:‬‬
‫«وأجمع المسلمون من الصحابة والتابعين وجميع أهل العلم من المؤمنين‬
‫أن اهلل ‪ ‬على عرشه‪ ،‬فوق سمواته‪ ،‬بائن من خلقه‪ ،‬وعلمه محيط‬
‫بجميع خلقه»(((‪.‬‬
‫ونقل الدارمي ‪ :‬قول ابن المبارك لما سئل‪« :‬بم نعرف ربنا؟ قال‪:‬‬

‫أخرجه مسلم (‪ ،)537‬وأبو داود (‪ ،)930‬والنسائي (‪.)1218‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري (‪ ،)555‬ومسلم (‪ ،)632‬والنسائي (‪.)485‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه الترمذي (‪ ،)3109‬وابن ماجه (‪ ،)182‬والطيالسي (‪ ،)1189‬وأحمد‬ ‫((( ‬
‫(‪ )16188‬وابن أبي عاصم في السنة (‪.)625‬‬
‫اإلبانة الكبرى‪ ،‬البن بطة (‪.)136/7‬‬ ‫((( ‬
‫‪126‬‬

‫بأنه فوق العرش‪ ،‬فوق السماء السابعة على العرش‪ ،‬بائن من خلقه»(((‪.‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬االستواء على العرش‪ ،‬وقد ذكره اهلل يف سبعة‬ ‫صفــــة‬
‫االستواء‬
‫مواضع من كتابه‪ ،‬منها‪ :‬قوله تعالى‪( :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ‬
‫ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ)‬

‫[األعراف‪ ،]54 :‬وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ل َّما َق َضى‬
‫ت َر ْح َمتِي َغ َضبِي‪َ ،‬ف ُه َو‬ ‫َب كِتَا ًبا ِعنْدَ ُه‪َ :‬غ َل َب ْ‬
‫ت‪َ ،‬أ ْو َق َال‪َ :‬س َب َق ْ‬ ‫اهَّللُ الخَ ْل َق‪َ ،‬كت َ‬
‫ش»(((‪ .‬وأخرج الاللكائي عن ابن عيينة قال‪ :‬سئل ربيعة عن‬ ‫ِعنْدَ ُه َف ْو َق ال َع ْر ِ‬
‫قوله‪( :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [طه‪ :]5 :‬كيف استوى؟ قال‪« :‬االستواء‬
‫غير مجهول والكيف غير معقول‪ ،‬ومن اهلل الرسالة‪ ،‬وعلى الرسول البالغ‪،‬‬
‫وعلينا التصديق»(((‪ .‬ون ُِق َل مثل هذا القول عن إمام دار الهجرة اإلمام مالك‬
‫‪.(((‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬المحبة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫صفــة‬
‫املحبــة‬
‫ﮨ ﮩ) [المائدة‪ ،]54 :‬قال اإلمام الدارمي ‪« :‬فجمع بين‬
‫ب‬
‫الحبين‪ :‬حب الخالق‪ ،‬وحب المخلوق متقارنين‪ ،‬ثم ّفرق بين ما ُي َح َّ‬

‫الرد على الجهمية‪ ،‬للدارمي (ص‪.)98 :‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري (‪ ،)7553‬ومسلم (‪ ،)2751‬والترمذي (‪ ،)3543‬وابن ماجه‬ ‫((( ‬
‫(‪.)189‬‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪ ،)442/3‬والعرش‪ ،‬للذهبي (‪.)213/2‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه أبو نعيم في الحلية (‪ ،)326 ،325 /6‬والبيهقي في األسماء والصفات‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)2/304‬وابن عبدالبر في التمهيد (‪ ،)138 /7‬وقال الذهبي ‪« :‬وقد أخذ‬
‫العلماء من قول اإلمام مالك‪« :‬االستواء معلوم‪ ،‬والكيف مجهول‪ ،‬واإليمان به واجب‪،‬‬
‫والسؤال عنه بدعة»‪ ،‬قاعدة ساروا عليها في هذا الباب»‪ .‬ينظر‪ :‬العلو‪ ،‬للذهبي (‪.)117/1‬‬
‫‪127‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫وما‪ ‬ال‪ ‬يحب؛ ليعلم خلقه أهنما متضادان غير متفقين‪ ،‬فقال‪( :‬ﭒ ﭓ‬


‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [النساء‪ ،]148 :‬و(ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)‬

‫[األنعام‪.(((»]141  :‬‬
‫وقال‪( :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة‪ ،]222 :‬وعن سهل‬
‫ابن سعد ‪ ،‬قال‪ :‬قال النبي ﷺ يوم خيرب‪ :‬أَ ِ‬
‫«لُ ْعط َي َّن َّ‬
‫الر َاي َة َغدً ا َر ُجلاً‬
‫ح ُّب ُه اهَّللُ َو َر ُسو ُل ُه»(((‪ .‬وقال‪ ‬ﷺ‪« :‬لاَ‬ ‫حب اهَّلل ورسو َله‪ ،‬وي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُي ْفت َُح َع َلى َيدَ ْيه‪ُ ،‬ي ُّ َ َ َ ُ ُ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ب إِ َل ْي ِه ِم ْن َوالِ ِد ِه َو َو َل ِد ِه َوالن ِ‬ ‫ُي ْؤ ِم ُن َأ َحدُ ك ُْم‪َ ،‬حتَّى َأك َ‬
‫ين»(((‪.‬‬ ‫َّاس َأ ْج َمع َ‬ ‫ُون َأ َح َّ‬
‫صفــة‬ ‫ومن صفاته ‪ :‬الرضى‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﭑ‬
‫الرضـى‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ‬
‫ول اهللِ‬ ‫ﭜ ﭝ) [التوبة‪ ،]100 :‬وعن عائشة ‪َ ‬قا َل ْت‪َ :‬ف َقدْ ُت َر ُس َ‬
‫اش‪َ ،‬فا ْلت ََم ْس ُت ُه‪َ ،‬ف َو َق َع ْت َي ِدي َع َلى َب ْط ِن َقدَ َم ْي ِه‪َ ،‬و ُه َو فِي‬ ‫ﷺ َل ْي َل ًة مِ َن ا ْل ِف َر ِ‬
‫ك‪،‬‬ ‫اك ِم ْن َسخَ طِ َ‬ ‫«الله َّم َأ ُعو ُذ بِرِ َض َ‬
‫ول‪ُ :‬‬ ‫َان‪َ ،‬و ُه َو َي ُق ُ‬‫ج ِد‪ ،‬و ُهما منْصوبت ِ‬
‫ا ْل َم ْس ِ َ َ َ ُ َ‬
‫ْت ك ََما‬ ‫ك‪َ ،‬أن َ‬ ‫ْك اَل ُأ ْح ِصي َثنَا ًء َع َل ْي َ‬
‫ك ِمن َ‬ ‫ك‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫ك ِم ْن ُع ُقو َبتِ َ‬ ‫َوبِ ُم َعا َفاتِ َ‬
‫ك»(((‪.‬‬ ‫ت َع َلى َن ْف ِس َ‬ ‫َأ ْث َن ْي َ‬
‫ومن صفاته ‪ :‬كراهيته ألعدائه؛ ذلك ألهنم كرهوا رضوانه‪،‬‬
‫وكرهوا ما أنزل اهلل على رسوله ﷺ‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [محمد‪ ،]28 :‬وقوله‪:‬‬

‫نقض الدارمي (‪.)865 /2‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري (‪ ،)3009‬ومسلم (‪ ،)2406‬وأبو داود (‪.)3661‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)15‬ومسلم (‪ ،)44‬والنسائي (‪ ،)5013‬وابن ماجه (‪.)67‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه مسلم (‪ ،)486‬وأبو داود (‪ ،)879‬والترمذي (‪ ،)3493‬والنسائي (‪،)169‬‬ ‫((( ‬
‫وابن ماجه (‪.)3841‬‬
‫‪128‬‬

‫(ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ)‬

‫[التوبة‪ .]46 :‬وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ق َال اهَّللُ‪ :‬إِ َذا‬
‫ت لِ َقا َء ُه»(((‪.‬‬
‫ت لِ َقا َء ُه‪َ ،‬وإِ َذا َكرِ َه لِ َقائِي َكرِ ْه ُ‬
‫ب َع ْب ِدي لِ َقائِي َأ ْح َب ْب ُ‬
‫َأ َح َّ‬
‫ومن صفاته ‪ :‬الغضب على أعدائه‪ ،‬قـال اهلل ‪:‬‬
‫(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الفتح‪ ،]6 :‬وعن ابن عباس ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«اشتَدَّ َغضب اهَّللِ ع َلى من َق َت َله النَّبِي ﷺ فِي سبِي ِل اهَّللِ‪ْ ،‬اشتَدَّ َغضب اهَّللِ‬ ‫ْ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ُ ُّ‬ ‫َ ُ‬
‫َع َلى َق ْو ٍم َد َّم ْوا َو ْج َه َنبِ ِّي اهَّللِ ﷺ»(((‪.‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬المقت‪ ،‬وهو مقته للكافرين‪ ،‬قال الحق جل‬ ‫صفـة املقت‬

‫شأنه‪( :‬ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭹ ﭺﭻ)‬

‫[غافر‪.]10  :‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬مكره بأعدائه الذين يمكرون بأوليائه‪ ،‬قال‬
‫المولى جل شأنه‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [النمل‪،50 :‬‬

‫‪.]51‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬األسف‪ ،‬وهو أشد الغضب‪ ،‬قال الحق جل يف‬
‫عاله‪( :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الزخرف‪،]55 :‬‬
‫قال قتادة والسدي‪(« :‬ﮨ ﮩ) أي‪ :‬أغضبونا»(((‪.‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬مخادعة من يخادعه‪ ،‬فاهلل يخادع المنافقين‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)7504‬والنسائي (‪.)1835‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪.)4074‬‬
‫((( تفسير الطبري (‪.)622/21‬‬
‫‪129‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫الذين يخادعونه‪ ،‬قال اهلل عز شأنه وتعالى مجده وسلطانه‪( :‬ﭸ ﭹ‬


‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [البقرة‪ ،]9 :‬وقال‪( :‬ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النساء‪.]142 :‬‬
‫وب َّين الحق أنه ينسى أعداءه كما نسوا لقاءه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﯷ‬
‫ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [األعراف‪.]51 :‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬أنه يستهزئ بمن يهزأ به ‪ ،‬قال‬
‫الحق جل شأنه‪( :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [البقرة‪ .]15 :‬قال‬
‫ابن عباس‪« : ‬يسخر هبم للنقمة منهم»(((‪.‬‬
‫صفــــة‬ ‫ومن صفاته ‪ :‬الضحك‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ :‬أن‬
‫الضحك‬
‫اآلخ َر َيدْ ُخلاَ ِن‬
‫ك اهَّللُ إِ َلى َر ُج َل ْي ِن َي ْقت ُُل َأ َحدُ ُه َما َ‬
‫«ي ْض َح ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ قال‪َ :‬‬
‫الجنَّةَ»(((‪ ،‬ويف حديث أبي هريرة ‪ ‬الطويل يف رؤية اهلل تعالى يوم‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ول اهَّللُ‪َ :‬و ْي َح َ‬ ‫القيامة‪ ،‬وذكر فيه قصة آخر أهل الجنة دخولاً ‪َ ....« :‬ف َي ُق ُ‬
‫اق‪َ ،‬أ ْن اَل ت َْس َأ َل َغ ْي َر‬ ‫ت العهود و ِ‬
‫المي َث َ‬ ‫َيا‪ ‬ا ْب َن آ َد َم‪َ ،‬ما َأ ْغدَ َر َك‪َ ،‬أ َل ْي َس َقدْ َأ ْع َط ْي َ ُ ُ َ َ‬
‫ك اهَّللُ ‪‬‬ ‫ك‪َ ،‬ف َي ْض َح ُ‬ ‫ول‪َ :‬يا َر ِّب اَل ت َْج َع ْلنِي َأ ْش َقى َخ ْل ِق َ‬ ‫ا َّل ِذي ُأ ْعطِ َ‬
‫يت؟ َف َي ُق ُ‬
‫الجن َِّة‪.(((»...‬‬ ‫ول َ‬ ‫ِمنْه‪ُ ،‬ثم ي ْأ َذ ُن َله فِي ُد ُخ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َّ َ‬
‫قال وكيع‪« :‬إذا سئلتم‪ :‬هل يضحك ربنا؟ فقولوا‪ :‬كذلك سمعنا»(((‪.‬‬

‫تفسير الطبري (‪ ،)304/1‬وابن أبي حاتم في التفسير (‪.)143‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري (‪ ،)2826‬ومسلم (‪ ،)1890‬والنسائي (‪ ،)3166‬وابن ماجه (‪.)191‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري(‪.)806‬‬ ‫((( ‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪.)477/3‬‬ ‫((( ‬
‫‪130‬‬

‫وبوب الحافظ ابن بطة ‪ ‬يف كتابه «اإلبانة»‪« :‬باب اإليمان بأن‬
‫ّ‬
‫اهلل‪  ‬يضحك» وقال فيه‪« :‬اعلموا ‪-‬رحمكم اهلل‪ -‬أن من صفات‬
‫المؤمنين من أهل الحق تصديق اآلثار الصحيحة‪ ،‬وتلقيها بالقبول‪ ،‬وترك‬
‫االعرتاض عليها بالقياس‪ ،‬ومواضعة القول باآلراء واألهواء؛ فإن اإليمان‬
‫تصديق‪ ،‬والمؤمن هو المصدق‪ ،‬قال اهلل ‪( :‬ﯜﯝﯞﯟﯠ‬
‫ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬
‫ﯭ ﯮ) [النساء‪ .]65 :‬فمن عالمات المؤمنين‪ :‬أن يصفوا اهلل بما‬
‫وصف به نفسه‪ ،‬وبما وصفه به رسوله ﷺ مما نقلته العلماء‪ ،‬ورواه الثقات‬
‫من أهل النقل الذين هم الحجة فيما رووه من الحالل والحرام والسنن‬
‫واآلثار‪ ،‬وال يقال فيما صح عن رسول اهلل ﷺ‪ :‬كيف؟ وال‪ :‬ل ِ َم؟ بل يتبعون‬
‫وال يبتدعون‪ ،‬ويس ّلمون وال يعارضون‪ ،‬ويتيقنون وال يش ّكون وال يرتابون‪،‬‬
‫فكان مما صح عن النبي ﷺ رواه أهل العدالة‪ ،‬ومن يلزم المؤمنين قبول‬
‫روايته وترك مخالفته‪ :‬أن اهلل تعالى يضحك‪ .‬فال ينكر ذلك وال يجحده إال‬
‫مبتدع مذموم الحال عند العلماء»(((‪.‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬المجيء واإلتيان يوم القيامة لفصل القضاء‬ ‫صفة املجيء‬
‫واإلتيان يوم‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ)‬ ‫بين الناس‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫القيامـــــة‬
‫[األنعام‪ ،]158 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الفجر‪،]22 :‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [البقرة‪ .]210 :‬وعن أبي هـريرة ‪‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬يجمع اهلل الناس يوم القيامة‪ ،‬فيقول‪ :‬من كان يعبد‬
‫شيئًا فليتبعه‪ »...‬وساق الحديث إلى قوله‪« :‬وتبقى هذه األمة‪ ،‬فيقولون‪ :‬هذا‬

‫((( اإلبانة الكبرى‪ ،‬البن بطة (‪.)91/7‬‬


‫‪131‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫مكاننا حتى يأتينا ربنا‪ ،‬فإذا جاء ربنا عرفناه‪ ،‬فيأتيهم اهلل‪  ‬فيقول‪ :‬أنا‬
‫ربكم‪ ،‬فيقولون‪ :‬أنت ربنا فيتبعونه»(((‪.‬‬
‫وعن أبي العالية يف قوله تعالى‪( :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ) [البقرة‪ ]210 :‬يقول‪« :‬المالئكة يجيئون يف ظلل من‬
‫الغمام‪ ،‬واهلل ‪ ‬يجيء فيما يشاء»(((‪.‬‬
‫صفة النزول‬ ‫ومن صفاته ‪ :‬أنه ينزل إلى السماء الدنيا نزولاً حقيق ًّيا يليق‬
‫بجالله وعظمته‪ ،‬وهو ليس كنزول المخلوقين‪ ،‬بل هو كسائر صفاته التي‬
‫نؤمن هبا ونعلمها‪ ،‬وال نتمحل يف تكييفها‪ ،‬أو نتكلف يف ردها؛ بل نؤمن هبا‬
‫كما أخربنا هبا رسولنا الصادق المصدوق ﷺ فقال‪« :‬إِ َذا َم َضى َش ْط ُر ال َّل ْي ِل‪،‬‬
‫ول‪َ :‬ه ْل ِم ْن َسائِ ٍل ُي ْع َطى؟‬ ‫َأو ُث ُل َثاه‪ ،‬ين ِْز ُل اهلل ‪ ‬إِ َلى السم ِ‬
‫اء الدُّ ْن َيا‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫الص ْب ُح»(((‪.‬‬ ‫اب َل ُه؟ َه ْل ِم ْن ُم ْس َتغ ِْفرٍ ُي ْغ َف ُر َل ُه؟ َحتَّى َينْ َف ِ‬
‫ج َر ُّ‬
‫ِ‬
‫َه ْل م ْن َدا ٍع ُي ْست ََج ُ‬
‫وبوب إمام األئمة محمد بن خزيمة ‪ ‬يف كتابه «التوحيد» بقوله‪:‬‬
‫ّ‬
‫«باب أخبار ثابتة السند‪ ،‬صحيحة القوام رواها علماء الحجاز والعراق عن‬
‫مقر‬
‫النبي ﷺ يف نزول الرب ‪ ‬إلى السماء الدنيا كل ليلة‪ ،‬نشهد شهادة ٍّ‬
‫بلسانه‪ ،‬مصدق بقلبه‪ ،‬مستيقن بما يف هذه األخبار من ذكر نزول الرب‪ ،‬من‬
‫غير أن نصف الكيفية؛ ألن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا‬
‫إلى سماء الدنيا‪ ،‬وأعلمنا أنه ينزل‪ ،‬واهلل ‪ ‬لم يرتك وال‪ ‬نب ُّيه ‪‬‬
‫َ‬
‫بيان ما بالمسلمين الحاج ُة إليه من أمر دينهم‪ ،‬فنحن قائلون مصدقون بما‬
‫يف هذه األخبار من ذكر النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية؛‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)806‬ومسلم (‪ ،)182‬وأبو داود (‪ ،)4730‬والترمذي (‪،)2554‬‬


‫وابن ماجه (‪.)178‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)758‬‬ ‫((( األسماء والصفات‪ ،‬للبيهقي (‪.)370/2‬‬
‫‪132‬‬

‫إذ النبي ﷺ لم يصف لنا كيفية النزول»(((‪.‬‬


‫وبوب الحافظ ابن بطة ‪ ‬يف كتابه «اإلبانة» بقوله‪« :‬باب اإليمان‬
‫ّ‬
‫والتصديق بأن اهلل تعالى ينزل يف كل ليلة إلى سماء الدنيا من غير زوال‬
‫وال كيف‪ .‬ثم قال ‪« :‬اعلموا ‪-‬رحمكم اهلل‪ -‬أن اهلل قد فرض على‬
‫عباده المؤمنين طاعة رسوله ﷺ‪ ،‬وقبول ما قاله وجاء به‪ ،‬واإليمان بكل ما‬
‫صحت به عنه األخبار‪ ،‬والتسليم لذلك برتك االعرتاض فيها وضرب األمثال‬
‫«ين ِْز ُل‬ ‫ِ‬
‫والمقاييس إلى قول‪ :‬ل َم؟ وال كيف؟‪ ...‬وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال‪َ :‬‬
‫ث ال َّلي ِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ول‪:‬‬‫اآلخ ُر‪َ ،‬ي ُق ُ‬ ‫ين َي ْب َقى ُث ُل ُ ْ‬ ‫الس َماء الدُّ ْن َيا ح َ‬ ‫َر ُّبنَا ‪ ‬ك َُّل َل ْي َلة إِ َلى َّ‬
‫يب َل ُه َم ْن َي ْس َأ ُلنِي َف ُأ ْعطِ َي ُه‪َ ،‬م ْن َي ْس َتغ ِْف ُرنِي َف َأ ْغ ِف َر َل ُه»((( يف‬ ‫َم ْن َيدْ ُعونِي َف َأ ْست ِ‬
‫َج َ‬
‫حديث طويل سنذكره ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬بتمامه‪ ،‬رواه األئمة المحدثون الثقات‬
‫والمثبتون والفقهاء الورعون‪ ،‬الذين نقلوا إلينا شريعة اإلسالم ودعائمه‪ ،‬مثل‬
‫الصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج‪ ،‬والجهاد‪ ،‬وما يتلو ذلك من سائر األحكام‬
‫من النكاح‪ ،‬والطالق‪ ،‬والبيوع‪ ،‬والحالل والحرام»(((‪.‬‬
‫ونؤمن بصفة المعية هلل رب العالمين‪ ،‬وأن اهلل مع خلقه بعلمه وإحاطته‬ ‫صفـــة‬
‫الـمعيـة‬
‫ومشيئته‪ ،‬وقد دل على إثباهتا هلل تعالى الكتاب والسنة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [المجادلة‪.]7 :‬‬

‫(( ( التوحيد‪ ،‬البن خزيمة (‪.)289/1‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1145‬ومسلم (‪ ،)758‬وأبو داود (‪ ،)1315‬والترمذي (‪،)446‬‬
‫وابن ماجه (‪.)1366‬‬
‫((( اإلبانة الكبرى‪ ،‬البن بطة (‪.)201 /7‬‬
‫‪133‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫ون َأ َص َّم َو اَل َغائِ ًبا‪ ،‬إِ َّنك ُْم‬


‫«ار َب ُعوا َع َلى َأ ْن ُف ِسك ُْم‪ ،‬إِ َّنك ُْم اَل تَدْ ُع َ‬
‫وقال ﷺ‪ْ :‬‬
‫ون َس ِمي ًعا َقرِي ًبا‪َ ،‬و ُه َو َم َعك ُْم»(((‪.‬‬
‫تَدْ ُع َ‬

‫‪C C‬وهذه املعية نوعان‪:‬‬


‫معية خاصة‪ :‬وهذه تكون لرسل اهلل ‪ ‬وألوليائه‪ ،‬ومقتضاها‪ :‬النصر‬
‫والتأييد‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [طه‪.]46 :‬‬
‫ومعية اعمة؛ أي‪ :‬أن اهلل مع الخلق كلهم‪ ،‬مؤمنهم وكافرهم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫(ﭮﭯﭰﭱﭲ) [الحديد‪ ،]4 :‬ومعنى هذه المعية‪ :‬العلم واإلحاطة‬
‫والقدرة والسلطان‪.‬‬
‫وهذه المعية ال تنايف علو اهلل تعالى؛ ألن معناها ‪ -‬كما سبق بإجماع أهل‬
‫العلم‪ :‬العلم واإلحاطة؛ أي‪ :‬أن اهلل تعالى مع خلقه بعلمه وإحاطته‪.‬‬
‫صفـــة‬ ‫ومن صفاته تعاىل‪ :‬ال َع َجب‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫السلاَ ِس ِل»(((‪ .‬وعن عقبة بن عامر‬ ‫ِ‬ ‫ب اهَّللُ ِم ْن َق ْو ٍم َيدْ خُ ُل َ‬
‫ال َع َجب‬
‫الجنَّ َة في َّ‬ ‫ون َ‬ ‫« َع ِج َ‬
‫اعي َغنَ ٍم فِي‬ ‫‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬يعجب ربكُم ِمن ر ِ‬
‫َ ْ َ ُ َ ُّ ْ ْ َ‬
‫ول اهَّللُ ‪ :‬ا ْن ُظ ُروا إِ َلى َع ْب ِدي‬ ‫الصلاَ ِة‪َ ،‬و ُي َص ِّلي‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ر ْأ ِ ِ ٍ‬
‫س َشظ َّية بِ َج َب ٍل‪ُ ،‬ي َؤ ِّذ ُن بِ َّ‬ ‫َ‬
‫الصلاَ ةَ‪َ ،‬يخَ افُ ِمنِّي‪َ ،‬قدْ َغ َف ْر ُت لِ َع ْب ِدي‪َ ،‬و َأ ْدخَ ْل ُت ُه ا ْل َجنَّةَ»(((‪.‬‬ ‫يم َّ‬
‫ِ‬
‫َه َذا ُي َؤ ِّذ ُن‪َ ،‬و ُيق ُ‬
‫الـمؤمنون‬ ‫ونؤمن برؤية املؤمنني لربهم يوم القيامة‪ ،‬كما دل على ذلك الكتاب‪،‬‬
‫يرون رهبم‬
‫يوم القيامة‬ ‫وتواترت به األخبار عن رسولنا ﷺ فيما َّ‬
‫بشر به المؤمنين أهنم يرون رهبم‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)4205‬ومسلم (‪ ،)2704‬وأبو داود (‪ ،)1526‬والترمذي (‪.)3461‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)3010‬وأبو داود (‪.)2677‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)1203‬والنسائي (‪ ،)666‬وأحمد (‪ ،)17312‬وابن أبي عاصم في‬
‫السنة (‪ ،)584‬والروياني (‪.)232‬‬
‫‪134‬‬

‫ِعيانًا يوم القيامة ‪-‬وهذا ‪ -‬واهلل ‪ -‬أعظم نعيم أهل الجنة‪ -‬قال تعالى‪( :‬ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [القيامة‪ ،]23 ،22 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ) [يونس‪ ،]26 :‬وقوله جل شأنه‪( :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)‬

‫[المطففين‪ .]15 :‬وقد سئل اإلمام مالك فقيل له‪ :‬يا أبا عبداهلل‪ :‬هل يرى‬
‫المؤمنون رهبم يوم القيامة؟ فقال‪ :‬لو لم ير المؤمنون رهبم يوم القيامة لم‬
‫يع ّير اهلل الكفار بالحجاب فقال‪( :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)(((‪.‬‬
‫ول اهَّللِ‪َ ،‬ه ْل ن ََرى‬ ‫وعن أبي سعيد الخدري ‪َ ‬ق َال‪ُ :‬ق ْلنَا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َت‬ ‫س َوال َق َمرِ إِ َذا كَان ْ‬ ‫الش ْم ِ‬ ‫ون فِي ُرؤْ َي ِة َّ‬ ‫«ه ْل ت َُض ُار َ‬ ‫ِ ِ‬
‫َر َّبنَا َي ْو َم الق َيا َمة؟ َق َال‪َ :‬‬
‫ون فِي ُرؤْ َي ِة َر ِّبك ُْم َي ْو َمئِ ٍذ‪ ،‬إِ اَّل‬ ‫َص ْح ًوا؟»‪ُ ،‬ق ْلنَا‪ :‬لاَ ‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فإِ َّنك ُْم اَل ت َُض ُار َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كَما ت َُضار َ ِ‬
‫ب ك ُُّل َق ْو ٍم إِ َلى َما‬ ‫«ينَادي ُمنَاد‪ :‬ل َي ْذ َه ْ‬ ‫ون في ُرؤْ َيت ِه َما»‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ُ :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اب األَ ْو َث ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص ِل ِ‬
‫ان‬ ‫يب َم َع َصليبِ ِه ْم‪َ ،‬و َأ ْص َح ُ‬ ‫اب َّ‬ ‫ب َأ ْص َح ُ‬ ‫ون‪َ ،‬ف َي ْذ َه ُ‬ ‫كَانُوا َي ْع ُبدُ َ‬
‫اب ك ُِّل آلِ َه ٍة َم َع آلِ َهتِ ِهم‪َ ،‬حتَّى َي ْب َقى َم ْن ك َ‬
‫َان َي ْع ُبدُ اهَّللَ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َم َع َأ ْو َثان ِه ْم‪َ ،‬و َأ ْص َح ُ‬
‫َاب‪ُ ،‬ث َّم ُي ْؤتَى بِ َج َهن ََّم ُت ْع َر ُض ك ََأن ََّها‬ ‫ات ِم ْن َأ ْه ِل الكِت ِ‬ ‫اجرٍ‪َ ،‬و ُغ َّب َر ٌ‬ ‫ِم ْن َب ٍّر َأ ْو َف ِ‬
‫ون؟ َقا ُلوا‪ُ :‬كنَّا َن ْع ُبدُ ُعز َْي َر ا ْب َن اهَّللِ‪َ ،‬ف ُي َق ُال‪:‬‬ ‫ود‪َ :‬ما ُكنْت ُْم َت ْع ُبدُ َ‬ ‫سراب‪َ ،‬في َق ُال لِ ْليه ِ‬
‫َُ‬ ‫َ َ ٌ ُ‬
‫ون؟ َقا ُلوا‪ُ :‬نرِيدُ َأ ْن ت َْس ِق َينَا‪،‬‬ ‫اح َب ٌة َو اَل َو َلدٌ ‪َ ،‬ف َما ُترِيدُ َ‬ ‫ك ََذبتُم‪َ ،‬لم يكُن لِ َّل ِه ص ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ ْ َ ْ‬
‫ون؟‬ ‫ون فِي َج َهن ََّم‪ُ ،‬ث َّم ُي َق ُال لِلن ََّص َارى‪َ :‬ما ُكنْت ُْم َت ْع ُبدُ َ‬ ‫َف ُي َق ُال‪ْ :‬اش َر ُبوا‪َ ،‬ف َيت ََسا َق ُط َ‬
‫اح َبةٌ‪َ ،‬و اَل‬ ‫المسيح ابن اهَّللِ‪َ ،‬في َق ُال‪ :‬ك ََذبتُم‪َ ،‬لم يكُن لِ َّل ِه ص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون‪ُ :‬كنَّا َن ْع ُبدُ‬ ‫َف َي ُقو ُل َ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ ْ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ‬
‫ون فِي‬ ‫ون‪ُ :‬نرِيدُ َأ ْن ت َْس ِق َينَا‪َ ،‬ف ُي َق ُال‪ْ :‬اش َر ُبوا‪َ ،‬ف َيت ََسا َق ُط َ‬ ‫ون؟ َف َي ُقو ُل َ‬ ‫َو َلدٌ ‪َ ،‬ف َما ُترِيدُ َ‬
‫اجرٍ‪َ ،‬ف ُي َق ُال َل ُه ْم‪َ :‬ما َي ْحبِ ُسك ُْم‪،‬‬ ‫َان َي ْع ُبدُ اهَّللَ ِم ْن َب ٍّر َأ ْو َف ِ‬
‫َج َهن ََّم‪َ ،‬حتَّى َي ْب َقى َم ْن ك َ‬
‫َاه ْم‪َ ،‬ون َْح ُن َأ ْح َو ُج ِمنَّا إِ َل ْي ِه ال َي ْو َم‪َ ،‬وإِنَّا‬ ‫ون‪َ :‬ف َار ْقن ُ‬‫َّاس؟ َف َي ُقو ُل َ‬ ‫ب الن ُ‬ ‫َو َقدْ َذ َه َ‬

‫((( شرح أصول اعتقاد أهل السنة (‪.)468/2‬‬


‫‪135‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫ون‪َ ،‬وإِن ََّما َننْتَظِ ُر َر َّبنَا‪،‬‬ ‫َادي‪ :‬لِ َي ْل َح ْق ك ُُّل َق ْو ٍم بِ َما كَانُوا َي ْع ُبدُ َ‬‫َاديا ين ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َسم ْعنَا ُمن ً ُ‬
‫ول‪:‬‬‫ورتِ ِه ا َّلتِي َر َأ ْو ُه فِ َيها َأ َّو َل َم َّر ٍة‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫يهم الجبار فِي ص ٍ‬
‫ورة َغ ْيرِ ُص َ‬
‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫َق َال‪َ :‬ف َي ْأت ِ ُ َ َّ ُ‬
‫ول‪َ :‬ه ْل َب ْينَك ُْم َو َب ْينَ ُه‬ ‫ون‪َ :‬أن َ‬
‫ْت َر ُّبنَا‪َ ،‬فلاَ ُي َك ِّل ُم ُه إِ اَّل األَ ْنبِ َيا ُء‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫َأنَا َر ُّبك ُْم‪َ ،‬ف َي ُقو ُل َ‬
‫اق ِه‪َ ،‬ف َي ْس ُجدُ َل ُه ك ُُّل ُم ْؤ ِمن»(((‪.‬‬ ‫ف عن س ِ‬
‫اق‪َ ،‬ف َيكْش ُ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫الس ُ‬ ‫ون‪َّ :‬‬ ‫َآي ٌة َت ْعرِ ُفو َن ُه؟ َف َي ُقو ُل َ‬
‫ون فِي‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َّنك ُْم َست ََر ْو َن َر َّبك ُْم‪ ،‬ك ََما ت ََر ْو َن َه َذا ال َق َم َر‪ ،‬اَل ت َُض ُّام َ‬
‫ُرؤْ َيتِ ِه»(((‪.‬‬
‫ول اهَّللِ‪َ ،‬ه ْل ن ََرى َر َّبنَا‬ ‫َّاس َقا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫وعن أبي هريرة ‪َ :‬أ َّن الن َ‬
‫القيام ِة؟ َق َال‪« :‬ه ْل تُمار َ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب؟»‬ ‫ون في ال َق َمرِ َل ْي َل َة ال َبدْ ِر َل ْي َس ُدو َن ُه َس َح ٌ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َي ْو َم َ َ‬
‫الش ْم ِ‬ ‫ون فِي َّ‬ ‫َقا ُلوا‪ :‬لاَ يا رس َ ِ‬
‫اب»‬ ‫س َل ْي َس ُدون ََها َس َح ٌ‬ ‫ول اهَّلل‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َه ْل ت َُم ُار َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ول‪َ :‬م ْن‬ ‫الق َي َام ِة‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ك‪ ،‬يح َشر النَّاس يوم ِ‬
‫ُ َْ َ‬
‫ِ‬
‫َقا ُلوا‪ :‬لاَ ‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فإِ َّنك ُْم ت ََر ْو َن ُه ك ََذل َ ُ ْ ُ‬
‫الش ْم َس‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم َم ْن َي َّتبِ ُع ال َق َم َر‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم‬ ‫َان َي ْع ُبدُ َش ْيئًا َف ْل َي َّتبِ ْع‪َ ،‬ف ِمن ُْه ْم َم ْن َي َّتبِ ُع َّ‬
‫ك َ‬
‫ول‪َ :‬أنَا‬ ‫يه ُم اهَّللُ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫وها‪َ ،‬ف َي ْأتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يت‪َ ،‬و َت ْب َقى َهذه األُ َّم ُة ف َيها ُمنَاف ُق َ‬ ‫اغ َ‬ ‫من ي َّتبِع ال َّطو ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ ُ‬
‫يه ُم‬ ‫ون‪َ :‬ه َذا َمكَا ُننَا َحتَّى َي ْأتِ َينَا َر ُّبنَا‪َ ،‬فإِ َذا َجا َء َر ُّبنَا َع َر ْفنَا ُه‪َ ،‬ف َي ْأتِ ِ‬ ‫َر ُّبك ُْم‪َ ،‬ف َي ُقو ُل َ‬
‫اط َب ْي َن‬ ‫الص َر ُ‬ ‫وه ْم‪َ ،‬ف ُي ْض َر ُب ِّ‬ ‫ْت َر ُّبنَا‪َ ،‬ف َيدْ ُع ُ‬ ‫ون‪َ :‬أن َ‬‫ول‪َ :‬أنَا َر ُّبك ُْم‪َ ،‬ف َي ُقو ُل َ‬ ‫اهَّللُ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫الر ُس ِل بِ ُأ َّمتِ ِه‪َ ،‬و اَل َي َت َك َّل ُم َي ْو َمئِ ٍذ َأ َحدٌ‬ ‫ِ‬
‫ُون َأ َّو َل َم ْن َي ُجو ُز م َن ُّ‬ ‫َظ ْه َران َْي َج َهن ََّم‪َ ،‬ف َأك ُ‬
‫الر ُس ِل َي ْو َمئِ ٍذ‪ :‬ال َّل ُه َّم َس ِّل ْم َس ِّل ْم»(((‪.‬‬ ‫الر ُس ُل‪َ ،‬وكَلاَ ُم ُّ‬ ‫إِ اَّل ُّ‬
‫فأحاديث الرؤية ‪-‬بحمد اهلل‪ -‬متواترة عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وليس يف‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)7439‬ومسلم (‪.)183‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)554‬ومسلم (‪ ،)633‬وأبو داود (‪ ،)4729‬والترمذي (‪،)2551‬‬
‫وابن ماجه (‪.)177‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)806‬ومسلم (‪ ،)182‬وأبو داود (‪ ،)4730‬والترمذي (‪،)2554‬‬
‫وابن ماجه (‪.)178‬‬
‫‪136‬‬

‫قوله تعالى‪( :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬


‫نفي الرؤية؛ ألن هذا‬‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [األعراف‪ُ ،]١٤٣ :‬‬
‫يف الدنيا‪ ،‬وهو مماثل لقوله ﷺ يف جوابه ألبي ذر ‪ ،‬حينما سأل‬
‫ُور َأنَّى َأ َرا ُه»(((‪ ،‬فلم ير نبينا محمد‬
‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪ :‬هل رأيت ربك؟ قال‪« :‬ن ٌ‬
‫ﷺ ربه ليلة أسري به؛ وقد أخربنا تعالى عما أكرمه به من اآليات ليلة أسري‬
‫به‪ ،‬فقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)‬

‫[اإلسراء‪ .]1 :‬ولم يذكر تعالى أن النبي ﷺ رأى ربه‪ ،‬ولو رأى ربه لذكر اهلل‬
‫ذلك من باب االمتنان عليه ﷺ‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعالى‪( :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [األنعام‪:‬‬

‫وأيضا‪:‬‬
‫‪ ،]103‬ال يدل على نفي الرؤيـة؛ ألن اإلدراك معنًى زائدٌ على الرؤية‪ً .‬‬
‫فإن اآليات السابقة على هذه اآلية جاءت يف سـياق توكيد التوحيد ونفي‬
‫الولد‪ ،‬وليست يف أخبار المعاد حتى تكون اآلية متعلقة بالرؤية‪.‬‬
‫قال الدارمي ‪« :‬فهذه األحاديث كلها ‪-‬وأكثر منها‪ -‬قد رويت يف‬
‫ِ‬
‫والبصر من مشايخنا‪،‬‬ ‫الرؤية‪ ،‬على تصديقها واإليمان هبا أدركنا أهل الفقه‬
‫قديما وحدي ًثا يرووهنا ويؤمنون هبا‪ ،‬ال‪ ‬يستنكروهنا وال‬
‫ولم يزل المسلمون ً‬
‫ينكروهنا‪ ،‬ومن أنكرها من أهل الزيغ نسبوه إلى الضالل‪ ،‬بل كان من أكرب‬
‫النظر إلى وجه خالقهم حتى ما يعدلون‬
‫رجائهم وأجزل ثواب اهلل يف أنفسهم ُ‬
‫به شي ًئا من نعيم الجنة»(((‪.‬‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪ ،)178‬والترمذي (‪.)3282‬‬


‫((( الرد على الجهمية‪ ،‬للدارمي (ص‪.)122 :‬‬
‫‪137‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫وقال إمام المفسرين ابن جرير الطربي ‪« :‬وأما الصواب من‬


‫القول يف رؤية المؤمنين رهبم ‪ ‬يوم القيامة ‪-‬وهو ديننا الذي ندين اهلل‬
‫به‪ ،‬وأدركنا عليه أهل السنة والجماعة‪ -‬فهو‪ :‬أن أهل الجنة يرونه على ما‬
‫صحت به األخبار عن رسول اهلل ﷺ»(((‪.‬‬
‫قال ابن بطة ‪« :‬وإنما أرادوا بجحد رؤيتـه إبطال ربوبيته؛ ألهنم‬
‫متى أقروا برؤيته أقروا بربوبيته؛ ألن اهلل تعالى جعل ثواب من صدق به‬
‫بالغيب إيمانًا أن يراه هذا ِعيانًا»(((‪.‬‬
‫وقال الوليد بن مسلم‪ :‬سألت األوزاعي‪ ،‬ومالك بن أنس‪ ،‬وسفيان‬
‫الثوري‪ ،‬والليث بن سعد‪ ،‬عن هذه األحاديث التي فيها الرؤية وغير ذلك‪،‬‬
‫فقالوا‪« :‬أ ْم ِضها بال كيف»(((‪.‬‬
‫ً‬
‫صفة الوجه‬ ‫ونثبت هلل وجها يليق جبالهل وعظمته‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫للـــه رب‬
‫العالـمني‬ ‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [القصص‪ ،]88 :‬وقال جل شأنه‪( :‬ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ) [الرحمن‪ .]27 :‬وقال عز من قائل‪( :‬ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ) [الرعد‪ ،]22 :‬وقال‪( :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الليل‪ ،]20 :‬وقال‬
‫َان ِم ْن‬‫«جنَّت ِ‬ ‫تعالى‪( :‬ﯹ ﯺ) [األنعام‪ .]52 :‬وعن النبي ﷺ أنه قال‪َ :‬‬
‫ب‪ ،‬آنِ َيت ُُه َما َو َما فِ ِ‬
‫يه َما‪َ ،‬و َما َب ْي َن ال َق ْو ِم‬ ‫َان ِم ْن َذ َه ٍ‬
‫يه َما‪َ ،‬و َجنَّت ِ‬ ‫فِ َّض ٍة‪ ،‬آنِ َيت ُُه َما َو َما فِ ِ‬
‫َو َب ْي َن َأ ْن َينْ ُظ ُروا إِ َلى َر ِّب ِه ْم إِ اَّل ِر َدا ُء الكِ ْبرِ َع َلى َو ْج ِه ِه فِي َجن َِّة َعدْ ٍن»(((‪.‬‬

‫صريح السنة‪ ،‬للطبري (ص‪.)20 :‬‬ ‫(( (‬


‫اإلبانة الكبرى‪ ،‬البن بطة (‪.)7 /2‬‬ ‫((( ‬
‫الصفات‪ ،‬للدارقطني (ص‪.)75 :‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)4878‬ومسلم (‪ ،)180‬والترمذي (‪ ،)2528‬وابن ماجه (‪.)186‬‬ ‫((( ‬
‫‪138‬‬

‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن اهللَ ‪ ‬اَل َينَا ُم‪َ ،‬و اَل َينْ َب ِغي َل ُه َأ ْن َينَا َم‪َ ،‬يخْ ِف ُض ا ْل ِق ْس َط‬
‫ار َق ْب َل َع َم ِل‬ ‫ار‪ ،‬وعمل الن ََّه ِ‬ ‫َو َي ْر َف ُع ُه‪ُ ،‬ي ْر َف ُع إِ َل ْي ِه َع َم ُل ال َّل ْي ِل َق ْب َل َع َم ِل الن ََّه ِ‬
‫ات َو ْج ِه ِه َما ا ْنت ََهى إِ َل ْي ِه َب َص ُر ُه‬
‫ت ُس ُب َح ُ‬ ‫ِ‬
‫ال َّل ْي ِل‪ ،‬ح َجا ُب ُه الن ُ‬
‫ُّور َل ْو ك ََش َف ُه أَلَ ْح َر َق ْ‬
‫ِم ْن َخ ْل ِق ِه»(((‪.‬‬
‫وقال أبو عثمان الصابوين ‪« :‬وكذلك يقولون يف جميع الصفات‬
‫الصحاح من السمع‪ ،‬والبصر‪،‬‬
‫التي نزل بذكرها القرآن‪ ،‬ووردت هبا األخبار ِّ‬
‫والعين‪ ،‬والوجه‪ ،‬والعلم‪ ،‬والقوة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والعزة‪ ،‬والعظمة‪ ،‬واإلرادة‪،‬‬
‫والمشيئة‪ ،‬والقول‪ ،‬والكالم‪ ،‬والرضى‪ ،‬والسخط‪ ،‬والحياة‪ ،‬واليقظة‪،‬‬
‫والفرح‪ ،‬والضحك‪ ،‬وغيرها من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات‬
‫المربوبين المخلوقين‪ ،‬بل ينتهون فيها إلى ما قاله اهلل تعالى وقاله رسوله‬
‫ﷺ‪ ،‬من غير زيادة عليه‪ ،‬وال إضافة إليه‪ ،‬وال تكييف له‪ ،‬وال تشبيه‪ ،‬وال‬
‫تحريف‪ ،‬وال تبديل‪ ،‬وال تغيير‪ ،‬وال إزالة للفظ الخرب عما تعرفه العرب‪،‬‬
‫وتضعه عليه بتأويل منكر‪ ،‬ويجرونه على الظاهر‪ ،‬و َيكِ ُلون علمه إلى اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬ويقرون بأن تأويله ال يعلمه إال اهلل‪ ،‬كما أخرب اهلل عن الراسخين يف‬
‫العلم أهنم يقولونه يف قوله تعالى‪( :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [آل عمران‪.(((»]7 :‬‬
‫ومن صفاته ‪ :‬صفة اليد‪ ،‬وقد ورد الخرب هبا يف القرآن‬ ‫صفـة اليد‬

‫والسنة على أوجه متعددة‪ ،‬فتارة ذكرت مثناة‪ ،‬وتارة أخرب تعالى أنه يقبضها‬
‫ويبسطها‪ ،‬وأنه تعالى يقبض األرض بيده‪ ،‬ويطوي السموات بيمينه‬
‫‪ ،‬وتارة موصوفة بأهنا ذات أصابع‪ ،‬وكل ذلك يثبت أن اليد التي‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪ ،)179‬وابن ماجه (‪.)196 ،195‬‬


‫((( عقيدة السلف أصحاب الحديث‪ ،‬ألبي عثمان الصابوني (ص‪.)17 ،16 :‬‬
‫‪139‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫ورد وصفها بالقرآن والسنة يد حقيقية تليق بجالله‪ ،‬ال نتكلف يف تأويلها أو‬
‫تشبيهها أو تحريف اآليات واألحاديث الدالة عليها‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪:‬‬
‫(ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [ص‪:‬‬

‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)‬ ‫‪ ،]75‬وقال تعالى‪:‬‬


‫[الفتح‪ ،]10 :‬وقال الحق عز شأنه‪( :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬
‫ﯷ) [الزمر‪.]67 :‬‬
‫وسى‬ ‫«احت ََّج آ َد ُم َو ُم َ‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪ْ :‬‬
‫ك‬ ‫ْت آ َد ُم ا َّل ِذي َخ َل َق َ‬
‫وسى‪َ :‬أن َ‬ ‫وسى‪َ ،‬ق َال ُم َ‬ ‫‪ ‬عنْدَ َر ِّب ِه َما‪َ ،‬ف َح َّج آ َد ُم ُم َ‬
‫ِ‬
‫وسى‪َ ،‬ف َق َال َل ُه‬ ‫ِ ِ‬ ‫اهلل بِي ِد ِه‪ ،‬و َن َف َخ فِ َ ِ‬
‫«احت ََّج آ َد ُم َو ُم َ‬
‫يك م ْن ُروحه»(((‪ ،‬ويف رواية‪ْ :‬‬ ‫ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسى‬ ‫ْت َأ ُبونَا َخ َّي ْب َتنَا َو َأ ْخ َر ْج َتنَا م َن َ‬
‫الجنَّة‪َ ،‬ق َال َل ُه آ َد ُم‪َ :‬يا ُم َ‬ ‫وسى‪َ :‬يا آ َد ُم‪َ ،‬أن َ‬ ‫ُم َ‬
‫ك بِ َي ِد ِه»(((‪.‬‬‫اك اهَّللُ بِ َكلاَ ِم ِه‪َ ،‬و َخ َّط َل َ‬
‫اص َط َف َ‬ ‫ْ‬
‫ين ِعنْدَ اهلل ِ َع َلى‬ ‫ِ ِ‬
‫ويف الحديث الصحيح قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن ا ْل ُم ْقسط َ‬
‫ون فِي‬ ‫ين َي ْع ِد ُل َ‬ ‫ِ‬
‫ين‪ ،‬ا َّلذ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َم ِن ‪َ ،‬وك ْلتَا َيدَ ْيه َيم ٌ‬ ‫ُور َع ْن َي ِم ِ‬
‫ين َّ‬ ‫َمنَابِ َر ِم ْن ن ٍ‬
‫يه ْم َو َما َو ُلوا»(((‪.‬‬ ‫ُحك ِْم ِه ْم َو َأ ْه ِل ِ‬

‫وعن أبي موسى ‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬إِ َّن اهللَ ‪َ ‬ي ْب ُس ُط َيدَ ُه‬
‫ُوب ُم ِسي ُء ال َّل ْي ِل‪َ ،‬حتَّى‬ ‫ار‪ ،‬ويبس ُط يدَ ه بِالنَّه ِ ِ‬
‫ار ل َيت َ‬
‫ِ‬
‫ُوب ُمسي ُء الن ََّه ِ َ َ ْ ُ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫بِال َّل ْي ِل ل َيت َ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)6614‬ومسلم (‪ ،)2652‬وأبو داود (‪ ،)4701‬والترمذي‬


‫(‪ ،)2134‬وابن ماجه (‪.)80‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6614‬ومسلم (‪ ،)2652‬وأبو داود (‪ ،)4701‬والترمذي‬
‫(‪ ،)2134‬وابن ماجه (‪.)80‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)1827‬والنسائي (‪.)5379‬‬
‫‪140‬‬

‫الش ْم ُس ِم ْن َم ْغرِبِ َها»(((‪.‬‬


‫َت ْط ُل َع َّ‬

‫«أ َر َأ ْيت ُْم َما َأ ْن َف َق ُمن ُْذ َخ َل َق َّ‬


‫الس َما َء‬ ‫ويف الصحيح عن رسول اهلل ﷺ قال‪َ :‬‬
‫َان عر ُشه ع َلى الماء‪ ،‬وبِي ِد ِه ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫َان‬
‫الميز ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َواألَ ْر َض؟ َفإِ َّن ُه َل ْم َيغ ْض َما في َيده‪َ ،‬وك َ َ ْ ُ َ‬
‫َيخْ ِف ُض َو َي ْر َف ُع»(((‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ل َّما َخ َل َق اهَّللُ آ َد َم‪،‬‬
‫الح ْمدُ لِ َّل ِه‪َ ،‬ف َح ِمدَ اهَّللَ بِإِ ْذنِ ِه‪ »...‬إلى أن قال‪:‬‬ ‫وح‪َ ،‬ع َط َس‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫الر َ‬
‫ِ ِ‬
‫َو َن َف َخ فيه ُّ‬
‫ين َر ِّبي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ْت‪َ ،‬ق َال‪ْ :‬‬ ‫اخت َْر َأ َّي ُه َما ِشئ َ‬ ‫وضت ِ‬ ‫« َف َق َال اهَّللُ َل ُه َو َيدَ ا ُه َم ْق ُب َ‬
‫اخت َْر ُت َيم َ‬ ‫َان‪ْ :‬‬
‫ين ُم َب َار َكةٌ‪ُ ،‬ث َّم َب َس َط َها‪َ ،‬فإِ َذا فِ َيها آ َد ُم َو ُذ ِّر َّي ُت ُه»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ي َر ِّبي َيم ٌ‬
‫ِ‬
‫َوك ْلتَا َيدَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َم ِن‪،‬‬ ‫وب َبني آ َد َم ُك َّل َها َب ْي َن إِ ْص َب َع ْي ِن م ْن َأ َصابِ ِع َّ‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن ُق ُل َ‬
‫ث َي َشا ُء»(((‪.‬‬ ‫اح ٍد ُي َص ِّر ُف ُه َح ْي ُ‬ ‫بو ِ‬
‫َك َق ْل ٍ َ‬
‫وأخرج عبداهلل ابن اإلمام أحمد يف كتابه «السنة»‪ ،‬بسنده عن وكيع قال‪:‬‬
‫«نس ّلم هذه األحاديث كما جاءت‪ ،‬وال نقول‪ :‬كيف كذا؟ وال‪ :‬لم كذا؟‬
‫يعني مثل حديث ابن مسعود ‪« :‬إن اهلل ‪ ‬يحمل السموات على‬
‫وب َبنِي آ َد َم‬
‫أصبع‪ ،‬والجبال على إصبع»‪ ،‬وحديث أن النبي ﷺ قال‪« :‬إِ َّن ُق ُل َ‬
‫ِ‬
‫ُك َّل َها َب ْي َن إِ ْص َب َع ْي ِن م ْن َأ َصابِ ِع َّ‬
‫الر ْح َم ِن»(((‪ .‬ونحوها من األحاديث(((‪.‬‬

‫أخرجه مسلم (‪.)2759‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري (‪ ،)4684‬ومسلم (‪ ،)993‬والترمذي (‪ ،)3045‬وابن ماجه (‪.)197‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه الترمذي (‪ ،)3368‬وابن أبي عاصم في السنة (‪ ،)596‬والبزار (‪،)8194‬‬ ‫((( ‬
‫والنسائي في الكبرى (‪.)9977‬‬
‫أخرجه مسلم (‪.)2654‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه مسلم (‪.)2654‬‬ ‫((( ‬
‫السنة‪ ،‬لعبدالله بن أحمد (‪.)267/1‬‬ ‫((( ‬
‫‪141‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫وقال شريك ‪ ‬جوا ًبا لمن سأله عمن ينكر بعض أحاديث الصفات‪:‬‬
‫«إن الذين جاؤوا هبذه األحاديث هم الذين جاؤوا بالقرآن‪ ،‬وبأن الصلوات‬
‫خمس‪ ،‬وبحج البيت‪ ،‬وبصوم رمضان‪ ،‬فما نعرف اهلل إال هبذه األحاديث»(((‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن بطة ‪- ‬بعد أن ساق األحاديث الدالة على صفة‬
‫اليد هلل رب العالمين‪« :‬فهذه األحاديث وما ضاهاها‪ ،‬وما جاء يف معناها‪ ،‬يف‬
‫كمال الدين‪ ،‬وتمام السنة‪ :‬اإليمان هبا‪ ،‬والقبول لها‪ ،‬وتلقيها برتك االعرتاض‬
‫عليها‪ ،‬واتباع آثار السلف يف روايتها بال كيف‪ ،‬وال ل ِ َم»(((‪.‬‬
‫وكما وصف نفسه بصفات الكمال والجمال والجالل والعزة‬
‫والكربياء‪ ،‬فقد نفى عن نفسه صفات النقص‪ ،‬ولم يكن النفي يف الصفات‬
‫هو األصل يف القرآن والسنة؛ ألن األصل هو إثبات الصفات‪ ،‬والقرآن‬
‫والسنة مملوءان ببيان صفات اهلل ‪ ‬كما ينبغي لجالله وعظمته وكماله‪،‬‬
‫والرب ‪ ‬إذا نفى عن نفسه صفة‪ ،‬فإنما ينفيها؛ لبيان الكمال يف‬
‫ضدها؛ أو ألن البشر نسبوا النقص إلى ذي العزة والكمال‪ ،‬فينفي الرب‬
‫النقص المنسوب إليه‪.‬‬
‫السنَة‬
‫نفي ِّ‬ ‫السنَة‪ ،‬والنوم‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪( :‬ﮣ ﮤ‬
‫ومما نفاه الرب عن نفسه‪ِّ :‬‬
‫والنوم‬
‫والنسيان‬ ‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ)) [البقرة‪ ،]255 :‬ونفى النسيان‪،‬‬
‫واللغوب‬
‫فقال الحق‪( :‬ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [مريم‪ ،]64 :‬ونفى الحق ‪ ‬عن‬
‫عن اللــه‬
‫نفسه اللغوب؛ ألن اليهود ‪-‬عليهم لعنة اهلل‪ -‬نسبوا إلى اهلل التعب لما خلق‬
‫الخلق‪ ،‬ونفى الحق ‪ ‬أنه اسرتاح بعد تمام الخلق‪ ،‬فقال جل‬

‫(( ( السنة‪ ،‬لعبدالله بن أحمد (‪.)273/1‬‬


‫((( اإلبانة‪ ،‬البن بطة (‪.)313/3‬‬
‫‪142‬‬

‫يف عاله‪( :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬


‫ﭹ ﭺ ﭻ) [ق‪.]38 :‬‬
‫وأثبت ربنا أنه خلق الخلق لحكمة عظيمة‪ ،‬ولم يخلق خلقه عب ًثا‪،‬‬ ‫تنزيه اهلل عن‬
‫النقـــــص‬
‫فنفى ربنا عن نفسه العبث‪ ،‬وقال تعالى‪( :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [المؤمنون‪ ،]115 :‬وبين الحق أن حكمه العدل وقوله‬
‫الفصل‪ ،‬وأنه ال يظلم أحدً ا؛ لتمام عدله ‪ ،‬فقال ربنا ‪:‬‬
‫(ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الكهف‪ ،]49 :‬وقال‪( :‬ﰗ ﰘ‬
‫ﰙ ﰚ) [فصلت‪.]46 :‬‬
‫ونسبت اليهود والنصارى الولد إلى اهلل‪ ،‬مشاهبة للذين كفروا من قبلهم‪،‬‬
‫فنفى اهلل الولد عن نفسه‪ ،‬فقال المولى جل شأنه‪( :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [المؤمنون‪ ،]91 :‬وبين الحق ‪ ‬أن من كان له‬
‫ولد فال بد له من صاحبة‪ ،‬واهلل منزه عن الصاحبة والولد‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫(ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ) [األنعام‪ ،]101 :‬وقال‪( :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)‬

‫[الجن‪.]3 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل ‪ ‬له األسماء الحسنى‪ ،‬وأن أسماءه قد بلغت‬ ‫األسامء‬
‫احلسنى‬
‫الغاية يف الحسن‪ ،‬فال أحسن منها‪ ،‬قال الحق جل يف عاله‪( :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [طه‪ ،]8 :‬ومنها ما ورد يف قوله تعالى‪( :‬ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الفاتحة‪:‬‬

‫‪ ،]4-2‬ويف قوله ‪( :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬


‫ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ‬
‫‪143‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ‬
‫ﯡﯢ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الحشر‪.]24-22 :‬‬
‫وأسماء اهلل مشتقة‪ ،‬وليست جامدة‪ ،‬وكل اسم يشتق هلل منه صفة‪ ،‬فتشتق‬
‫صفة الرحمة من الرحيم‪ ،‬والعزة من العزيز‪ ،‬والحكمة من الحكيم‪ ،‬والحياة‬
‫من الحي‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ك‪،‬‬ ‫ت بِ ِه َن ْف َس َ‬
‫ك بِك ُِّل ْاس ٍم َس َّم ْي َ‬ ‫«أ ْس َأ ُل َ‬
‫وأسماؤه ال حصر لها‪ ،‬قال ﷺ‪َ :‬‬
‫ك‪َ ،‬أ ِو ْاست َْأ َث ْر َت بِ ِه فِي ِع ْل ِم‬ ‫ك‪َ ،‬أ ْو َع َّل ْم َت ُه َأ َحدً ا ِم ْن َخ ْل ِق َ‬‫َأ ْو َأ ْن َز ْل َت ُه فِي كِتَابِ َ‬
‫احدً ا‪،‬‬ ‫ب ِعنْدَ َك»(((‪ ،‬وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن لِ َّل ِه تِسع ًة وتِس ِعين اسما‪ِ :‬ما َئ ًة إِلاَّ و ِ‬ ‫ا ْل َغ ْي ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ ْ ً‬
‫الج َّنةَ»(((‪.‬‬ ‫َم ْن َأ ْح َص َ‬
‫اها َد َخ َل َ‬
‫اإللـحاد يف‬ ‫وحذرنا ربنا من اإللحاد يف أسمائه‪ ،‬فقال جل يف عاله‪( :‬ﭳ ﭴ‬
‫أسـمــائه‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)‬

‫[األعراف‪.]180 :‬‬
‫واإللحاد يف أسمائه أنواع؛ منها‪ :‬التسمي بأسمائه التي ال يجوز أن‬
‫يتسمى هبا البشر‪ ،‬كالخالق‪ ،‬والرحمن‪ ،‬وغيرها‪ .‬ومنها‪ :‬تسمية األصنام‬
‫بأسماء مشتقة من أسماء اهلل‪ ،‬كالالت من اسم اهلل‪ ،‬والعزى من العزيز‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬إنكارها‪ ،‬أو جحود معانيها‪ ،‬أو تعطيلها‪.‬‬

‫(( ( أخرجه الضبي في الدعاء (‪ ،)6‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ ،)29930‬وفي المسند‬
‫(‪ ،)329‬وأحمد (‪ ،)3712‬والحارث بن أبي أسامة في المسند‪ ،‬كما في بغية الباحث‬
‫(‪.)1057‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2736‬ومسلم (‪ ،)2677‬والترمذي (‪ ،)3506‬وابن ماجه‬
‫(‪.)3860‬‬
‫‪144‬‬

‫وما ورد يف القرآن والسنة من أسماء اهلل وصفاته أعظم من أن يحيط به‬
‫كتاب‪ ،‬ولكن يكفينا شر ًفا أننا أشرنا إلى ُج َم ٍل يف هذا الباب‪.‬‬
‫ونؤمن‪ ‬أن المسلم يجب عليه أال يصف اهلل‪ ،‬أو يسميه إال بما وصف به‬
‫نفسه أو‪ ‬سمى به نفسه‪ ،‬أو وصفه أو سماه به رسوله ﷺ‪ ،‬وينفي عنه ما‪ ‬نفاه‬
‫عن نفسه أو نفاه عنه رسوله ﷺ‪ ،‬ويسكت عما وراء ذلك‪.‬‬
‫وحنن نؤمن هبذه األسماء والصفات على مراد ربنا‪ ،‬وعلى مراد رسولنا‬
‫ﷺ‪ ،‬ونعلم أن حقائقها ال يعلم هبا البشر‪ ،‬وال يحيطون هبا‪ ،‬وال‪ ‬تبلغها‬
‫أفهامهم‪ ،‬وال نتكلف يف تأويلها؛ ألن اهلل أمر نبيه ﷺ أن يقول‪( :‬ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ) [ص‪ ،]86 :‬وكما أن يف الجنة من أصناف النعيم الوارد ذكرها يف‬
‫القرآن والسنة ما يشرتك مع أمثالها يف االسم من نعيم الدنيا‪ ،‬إال أن بينهما‬
‫من التفاوت والتباين ما ال يحيط به البشر‪ ،‬فإذا كنا نؤمن بنعيم الجنة‪ ،‬ونحن‬
‫لم نره‪ ،‬وال نعلم حقيقته وكيفيته ‪ -‬فاهلل أعظم من أن يشاهبه البشر لمجرد‬
‫االشرتاك يف الصفات أو األسماء‪ ،‬وال يلزم من ذلك نفي األسماء والصفات‬
‫عن اهلل لمجرد االشرتاك اللفظي‪.‬‬
‫وقد توارد أئمة الهدى والعلم على تقرير ذلك‪ ،‬قال ابن أبي زمنين‪:‬‬
‫«فهذه صفات ربنا التي وصف هبا نفسه يف كتابه‪ ،‬ووصفه هبا نبيه ﷺ‪ ،‬وليس‬
‫يف شيء منها تحديد وال تشبيه وال تقدير‪ ،‬فسبحان من ليس كمثله شيء‪،‬‬
‫وهو السميع البصير‪ .‬لم تره العيون فتحده كيف هو كينونيته‪ ،‬لكن رأته‬
‫القلوب يف حقائق اإليمان به»(((‪.‬‬
‫وقال عبدالرحمن بن القاسم‪« :‬ال ينبغي ألحد أن يصف اهلل إال بما‬
‫وصف به نفسه يف القرآن‪ ،‬وال يشبه يديه بشيء‪ ،‬وال وجهه بشيء‪ ،‬ولكن‬

‫((( أصول السنة‪ ،‬البن أبي زمنين (ص‪.)74 :‬‬


‫‪145‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫يقول‪ :‬له يدان‪ ،‬كما وصف نفسه يف القرآن‪ ،‬وله وجه كما وصف نفسه‪،‬‬
‫يقف عند ما وصف به نفسه يف الكتاب؛ فإنه ‪ ‬ال مثل له وال شبيه‪،‬‬
‫ولكن هو اهلل ال إله إال هو كما وصف نفسه‪ ،‬ويداه مبسوطتان كما وصفهما‪:‬‬
‫(ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)‬

‫[الزمر‪ ]٦٧ :‬كما وصف نفسه»(((‪.‬‬


‫وقال اإلمام الحميدي ‪« :‬وما نطق به القرآن والحديث‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المائدة‪ ،]٦٤ :‬ومثل‪( :‬ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ) [الزمر‪ ،]٦٧ :‬وما أشبه هذا من القرآن والحديث‪ ،‬ال‪ ‬نزيد‬
‫والسنَّة»(((‪.‬‬
‫فيه‪ ،‬وال نفسره‪ .‬نقف على ما وقف عليه القرآن ُّ‬
‫وقال اإلمام أحمد‪« :‬نعبداهلل بصفاته كما وصف به نفسه‪ ،‬قد أجمل‬
‫الصفة لنفسه‪ ،‬وال نتعدى القرآن والحديث‪ ،‬فنقول كما قال‪ ،‬ونصفه كما‬
‫وصف نفسه‪ ،‬وال نتعدى ذلك‪ ،‬نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشاهبه‪،‬‬
‫وال‪ ‬نزيل عنه تعالى ذكره صفة من صفاته َشنَا َع ًة ُشنِّ َع ْت‪ ،‬وال نزيل ما‪ ‬وصف‬
‫وخ ُل ّوه بعبده يوم القيامة‪ْ ،‬‬
‫ووضع كنفه عليه‪ ،‬هذا‬ ‫به نفسه من كالم‪ ،‬ونزول‪ُ ،‬‬
‫كله يدل على أن اهلل ُيرى يف اآلخرة‪ ،‬والتحديد يف هذا بدعة‪ ،‬والتسليم‬
‫غفورا عالم الغيب والشهادة عالم‬
‫ً‬ ‫عالما‬
‫ً‬ ‫متكلما‬
‫ً‬ ‫هلل بأمره‪ ،‬ولم يزل اهلل‬
‫الغيوب‪ ،‬فهذه صفات اهلل وصف هبا نفسه ال تدفع‪ ،‬وال‪ ‬ترد‪ ،‬وقال‪( :‬ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [البقرة‪( ،]255 :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الحشر‪ ،]23 :‬هذه صفات‬
‫اهلل وأسماؤه»(((‪.‬‬

‫(( ( أصول السنة‪ ،‬البن أبي زمنين (ص‪ ((( .)75 :‬العلو للعلي العظيم‪ ،‬للذهبي (ص‪.)168 :‬‬
‫((( اإلبانة الكبرى‪ ،‬البن بطة (‪.)326/7‬‬
‫‪146‬‬

‫وقال اإلمام قِوام السنة أبو القاسم ‪-‬وقد سئل عن صفات الرب تعالى‪-‬‬
‫فقال‪« :‬مذهب مالك‪ ،‬والثوري‪ ،‬واألوزاعي‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وحماد بن سلمة‪،‬‬
‫وحماد بن زيد‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬ويحيى بن سعيد‪ ،‬وعبدالرحمن بن‬
‫مهدي‪ ،‬وإسحاق بن راهويه‪ :‬أن صفات اهلل التي وصف هبا نفسه‪ ،‬أو وصفه‬
‫هبا رسوله‪ ،‬من السمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والوجه‪ ،‬واليدين‪ ،‬وسائر أوصافه‪ ،‬إنما هي‬
‫على ظاهرها المعروف المشهور‪ ،‬من غير كيف يتوهم فيه‪ ،‬وال تشبيه وال‬
‫تأويل»(((‪.‬‬

‫أيضا‪« :‬وأنا أذكر ‪ -‬بتوفيق اهلل تعالى ‪ -‬جماعة من أئمتنا من السلف‬


‫وقال ً‬
‫ممن شرعوا يف هذه المعاين‪ ،‬فمنهم‪ :‬أبو عبداهلل سفيان بن سعيد بن مسروق‬
‫الثوري؛ فإنه قد أظهر اعتقاده‪ ،‬ومذهبه يف السنة يف غير موضع‪ ،‬وقد أماله‬
‫على شعيب بن حرب‪ ،‬ومنهم‪ :‬أبو محمد سفيان بن عيينة الهاللي؛ فإنه قد‬
‫أجاب يف اعتقاده حين سئل عنه كما رواه محمد بن إسحاق الثقفي‪ ،‬ومنهم‬
‫أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو األوزاعي إمام أهل الشام؛ فإنه قد أظهر‬
‫اعتقاده يف زمانه‪ ،‬ورواه ابن إسحاق الفزاري‪ ،‬ومنهم‪ :‬أبو عبدالرحمن بن‬
‫عبداهلل بن المبارك إمام خراسان‪ ،‬والفضيل بن عياض‪ ،‬ووكيع بن الجراح‪،‬‬
‫ويوسف بن أسباط‪ ،‬قد أظهروا اعتقادهم ومذاهبهم بالسنن‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫شريك بن عبد اهلل النخعي‪ ،‬ويحيى بن سعيد القطان‪ ،‬وأبو إسحاق الفزاري‪،‬‬
‫ومنهم‪ :‬أبو عبد اهلل مالك بن أنس األصبحي المديني إمام دار الهجرة وفقيه‬
‫الحرمين؛ فإنه قد أظهر اعتقاده يف باب اإليمان والقرآن‪ ،‬ومنهم‪ :‬أبو‪ ‬عبد‪ ‬اهلل‬
‫محمد بن إدريس الشافعي المطلبي سيد الفقهاء يف زمانه‪ ،‬ومنهم‪ :‬أبو‬

‫((( العلو للعلي العظيم للذهبي (‪.)459/2‬‬


‫‪147‬‬ ‫كتاب اإليمان باهلل‬

‫عبيد القاسم بن سالم‪ ،‬والنضر بن شميل‪ ،‬وأبو يعقوب يوسف بن يحيى‬


‫البويطي من تالميذ الشافعي أظهر اعتقاده حين ظهرت المحنة يف باب‬
‫القرآن‪ ،‬ومنهم‪ :‬أبو عبداهلل أحمد بن حنبل سيد أهل الحديث يف زمانه‪.... ،‬‬
‫وكان أبو أحمد بن أبي أسامة القرشي الهروي مِ ْن أفاضل َم ْن بخراسان من‬
‫العلماء والفقهاء أملى اعتقا ًدا له‪ ،‬قال‪ :‬وينبغي لمن م َّن اهلل بعلم الهداية‬
‫والكرامة بالسنة ممن بقي من الخلف‪ ،‬القدو ُة ممن مضى من السلف‪ ،‬وأن‬
‫مذهبنا ومذهب أئمتنا من أهل األثر‪ :‬أن نقول‪ :‬إن اهلل ‪ ‬أحد ال‪ ‬شريك‬
‫إلها واحدً ا صمدً ا‪ ،‬لم يتخذ صاحبة وال‬
‫له‪ ،‬وال ضد له‪ ،‬وال ند‪ ،‬وال شبيه له‪ً ،‬‬
‫ولدً ا‪ ،‬ولم يشرك يف حكمه أحدً ا»(((‪.‬‬
‫أيضا ‪« :‬سبيل األخبار الواردة يف الصفات‪ :‬أن يؤمن هبا‪ ،‬وال‬
‫وقال ً‬
‫ُيتعرض لها‪ ،‬وتمضى كما أمضاها األسالف‪ ،‬من غير تمثيل‪ ،‬وال‪ ‬تأويل»(((‪.‬‬
‫وقال ابن قتيبة ‪« :‬وعدل القول يف هذه األخبار ‪-‬أي أخبار‬
‫الصفات‪ -‬أن نؤمن بما صح منها بنقل الثقات لها‪ ،‬فنؤمن بالرؤية والتجلي‪،‬‬
‫وأنه يعجب‪ ،‬وينزل إلى السماء الدنيا‪ ،‬وأنه على العرش استوى‪ ،‬وبالنفس‪،‬‬
‫واليدين‪ ،‬من غير أن نقول يف ذلك بكيفية‪ ،‬أو بحد‪ ،‬أو‪ ‬أن نقيس على ما جاء‬
‫ما لم يأت‪ ،‬فنرجو أن نكون يف ذلك القول والعقد على سبيل النجاة غدً ا‪،‬‬
‫إن شاء اهلل تعالى»(((‪.‬‬
‫وقال الزهري‪« :‬على اهلل البيان‪ ،‬وعلى الرسول البالغ‪ ،‬وعلينا التسليم»(((‪.‬‬

‫الحجة في بيان المحجة (‪.)508/2‬‬ ‫(( (‬


‫الترغيب والترهيب‪ ،‬لقوام السنة (‪.)253/1‬‬ ‫((( ‬
‫االختالف في اللفظ والرد على الجهمية‪ ،‬البن قتيبة (ص‪.)53 :‬‬ ‫((( ‬
‫الحجة في بيان المحجة (‪ ،)512/2‬وشرح السنة للبغوي (‪.)171/1‬‬ ‫((( ‬
‫كـتـــاب اإليمــان بالـمـالئكة‬
‫‪150‬‬

‫ملخص الكتاب‬
‫ونؤمن بالمالئكة‪ ،‬ونعلم علم اليقين أن اإليمان بالمالئكة هو الركن‬
‫الثاين من أركان اإليمان‪.‬‬
‫�  واإليمان بالمالئكة ينتظم معاين‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬التصديق بوجودهم‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬إنزالهم منازلهم‪ ،‬وإثبات أهنم عباد اهلل وخلقه‪ ،‬كاإلنس والج ِّن‪،‬‬
‫مأمورون مكلفون ال يقدرون إال على ما يقدرهم اهلل تعالى عليه‪ ،‬والموت‬
‫جائز عليهم‪ ،‬ولكن اهلل تعالى جعل لهم أمدً ا بعيدً ا‪ ،‬فال يتوفاهم حتى يبلغوه‪،‬‬
‫وال يوصفون بشيء يؤدي وصفهم به إلى إشراكهم باهلل ‪-‬تعالى َجدُّ ه‪ -‬وال‬
‫ُيدْ عون آلهة‪ ،‬كما ادعى ذلك المشركون‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬االعرتاف بأن منهم ُر ُس َل اهلل يرسلهم إلى من يشاء من البشر‪،‬‬
‫يجوز أن يرسل بعضهم إلى بعض‪ ،‬ويتبع ذلك االعرتاف بأن منهم‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫الصافون‪ ،‬ومنهم خزنة الجنة‪ ،‬ومنهم خزنة النار‪،‬‬
‫حملة العرش‪ ،‬ومنهم ّ‬
‫ومنهم كتبة األعمال‪ ،‬ومنهم الذين يسوقون السحاب‪ ،‬وقد ورد القرآن‬
‫بذلك كله أو بأكثره(((‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬اإليمان بالمالئكة على سبيل اإلجمال والتفصيل‪ ،‬فنؤمن بوجود‬

‫((( شعب اإليمان (‪.)296 /1‬‬


‫‪151‬‬ ‫كتاب اإليمان بالمالئكة‬

‫المالئكة إيمانًا مجملاً ‪ ،‬ونؤمن بمن علمنا من أسمائهم وصفاهتم وأعمالهم‬


‫كما ورد يف الكتاب والسنة إيمانًا مفصلاً ‪.‬‬
‫ونؤمن بمن علمنا منهم ومن لم نعلم‪ ،‬ونؤمن بأعمالهم وصفاهتم‪،‬‬
‫ونعلم أن ما خفي علينا من أعدادهم وأعمالهم وصفاهتم أكثر مما علمنا‪،‬‬
‫ولكننا نؤمن بكل ذلك‪ ،‬كما أخربنا اهلل ورسوله ﷺ‪ ،‬ال نطلب له كيفية‪،‬‬
‫وال نرده بعقولنا‪ ،‬وال نتوهمه بآرائنا‪ ،‬وال نتأوله باجتهاداتنا‪ ،‬بل نقول‪ :‬آمنا‪،‬‬
‫وصدقنا‪ ،‬وس ّلمنا‪.‬‬
‫خلق مِ ْن خ ْلق اهلل‪ ،‬خلقهم‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق المالئكة من نور‪ ،‬فهم ٌ‬
‫اهلل‪ ،‬وهم عباد مربوبون‪ ،‬خلقهم‬ ‫على هيئة مخصوصة ال يعلم حقيقتها إال ُ‬
‫لعبادته‪ ،‬والقيام بأوامره‪ ،‬فهم يعبدونه‪ ،‬وال يستنكفون عن عبادته‪.‬‬
‫ومن عباداتهم‪ :‬التسبيح‪ ،‬والسجود‪ ،‬والخوف‪ ،‬والوجل‪ ،‬وهم ‪-‬مع‬
‫عظيم عبادهتم‪ -‬يخافون رهبم أشد الخوف‪ ،‬ومن عباداهتم‪ :‬أهنم يوالون يف‬
‫اهلل‪ ،‬ويحبون يف اهلل‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل خلقهم على هيئة ال يحيط هبا إال الذي خلقهم عليها‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل جعل لهم أجنحة‪ ،‬وقد أذن لهم أن يأتوا إلى األنبياء‬
‫والرسل ‪ ‬على هيئة البشر‪ ،‬ومن زعم من المشركين أن المالئكة‬
‫بنات اهلل فقد أكذبه اهلل‪.‬‬
‫ونؤمن أن المالئكة ال يأكلون‪ ،‬وال يشربون؛ ألنه ليس لهم شهوات‪،‬‬
‫وأن من ُخلقهم الحياء‪ ،‬وأهنم يتأذون مما يتأذى منه بنو آدم‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل جعل فيهم من القوة والبأس ما ال يحاط به‪ ،‬والمالئكة‬
‫خلق كثير ال يحصي عددهم إال الذي خلقهم‪.‬‬
‫‪152‬‬

‫شرفهم‪ ،‬وكلفهم أعمالاً جليل ًة وكثيرة ومتنوعة‪ ،‬وأشرفها‬


‫ونؤمن أن اهلل ّ‬
‫والم َلك الموكَّل‬
‫أن يكونوا رسلاً بين اهلل وبين عباده‪ ،‬يبلغوهنم الوحي‪َ ،‬‬
‫بإنزال الوحي إلى أنبياء اهلل ورسله ‪ ‬هو جربيل ‪ .‬وقد‬
‫يرسلهم اهلل إلى غير األنبياء ابتالء وامتحانًا‪.‬‬
‫ومن أعماهلم‪ :‬حمل العرش‪ ،‬وكتابة القدر‪ ،‬والقيام على شؤون األرحام‬
‫ً‬
‫ونفخا ‪ -‬وتويف العباد‪ ،‬ونفخ األرواح يف األجساد‬ ‫وتصويرا‬
‫ً‬ ‫ومن فيها ‪ -‬خل ًقا‬
‫يف الدنيا ويف اآلخرة‪ ،‬والجهاد مع المؤمنين‪ ،‬والدعاء للمؤمنين واالستغفار‬
‫لهم‪ ،‬وشهود عبادات المؤمنين‪ ،‬ورفع كلماهتم الطيبة‪ ،‬وإخبار الرب عن‬
‫أعمالهم ‪-‬وهو الخبير العليم الذي ال يحتاج إلى من يخربه‪.‬‬
‫ومن أعماهلم‪ :‬النزول إلى األرض يف مواسم اإليمان‪ ،‬كيوم الجمعة ويوم‬
‫عرفة وليلة القدر‪.‬‬
‫ومن أعماهلم‪ :‬إبالغ النبي ﷺ صلوات أمته عليه‪.‬‬
‫ومن أعماهلم‪ :‬حفظ بني آدم‪ ،‬وكتابة الحسنات والسيئات‪ ،‬وحراسة‬
‫المدينة النبوية من الدجال‪ ،‬وسؤال الميت يف قربه‪ ،‬وتبشير المؤمنين عند‬
‫الموت بالفوز العظيم‪ ،‬واستقبالهم يف الدار اآلخرة‪ ،‬والدخول عليهم من‬
‫أبواب الجنة‪ ،‬وأهنم يتنزلون مع اهلل ص ًّفا ص ًّفا يوم القيامة‪.‬‬
‫ومن أعماهلم‪ :‬أن منهم خازن الجنة‪ ،‬وخازن النار‪.‬‬
‫مقاما‬ ‫ٍ‬
‫وأعظم المالئكة ً‬
‫ُ‬ ‫ومراتب‪،‬‬
‫َ‬ ‫مقامات‬ ‫ونؤمن أن اهلل جعل للمالئكة‬
‫ُ‬
‫جربيل وميكائيل وإسرافيل‪ ،‬ومن أشرافهم‪ :‬حملة العرش‪ ،‬وكذا من حضر‬
‫غزوة بدر من المالئكة‪ ،‬ويف كل سماء من المالئكة ما ال يحصي عددهم إال‬
‫اهلل‪ ،‬وهؤالء المالئكة ٍّ‬
‫لكل منهم مقام معلوم‪ ،‬وفيهم مقربون‪.‬‬
‫‪153‬‬ ‫كتاب اإليمان بالمالئكة‬

‫بــاب‬
‫وجوب اإليمان بالـمالئكة‬
‫ونؤمن بالمالئكة‪ ،‬ونعلم علم اليقين أن اإليمان بالمالئكة هو الركن‬
‫الثاين من أركان اإليمان‪ ،‬قال المولى جل شأنه‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [البقرة‪،]285 :‬‬
‫وقال الحق ‪( :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [البقرة‪:‬‬
‫ار ًزا لِلن ِ‬
‫َّاس‪،‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ َي ْو ًما َب ِ‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫‪ ،]177‬وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬ك َ‬
‫«أ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهللِ‪َ ،‬و َملاَ ئِكَتِ ِه‪،‬‬
‫ان؟ َق َال‪َ :‬‬
‫يم ُ‬ ‫ِ‬ ‫َف َأ َتاه رج ٌل‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬يا رس ُ ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬ما الإْ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫ث آْال ِخرِ»(((‪.‬‬‫وكِتَابِ ِه‪ ،‬ولِ َقائِ ِه‪ ،‬ورس ِل ِه‪ ،‬وت ُْؤ ِمن بِا ْلبع ِ‬
‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال البيهقي ‪« :‬واإليمان بالمالئكة ينتظم معاين‪ :‬أحدها‪ :‬التصديق‬
‫بوجودهم‪ .‬واآلخر‪ :‬إنزالهم منازلهم‪ ،‬وإثبات أهنم عباد اهلل‪ ،‬وخلقه كاإلنس‬
‫والجن‪ ،‬مأمورون مكلفون ال يقدرون إال على ما قدّ َرهم اهلل تعالى عليه‪،‬‬
‫والموت جائز عليهم‪ ،‬ولكن اهلل تعالى جعل لهم أمدً ا بعيدً ا‪ ،‬فال يتوفاهم‬
‫حتى يبلغوه‪ ،‬وال يوصفون بشيء يؤدي وصفهم به إلى إشـراكهم باهلل تعالى‬
‫جدُّ ه‪ ،‬وال ُيدْ عون آلهة كما ادعتهم األوائل(((‪ .‬والثالث‪ :‬االعرتاف بأن منهم‬
‫رسل اهلل يرسلهم إلى من يشاء من البشر‪ ،‬وقد يجوز أن يرسل بعضهم إلى‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)4777‬ومسلم (‪ ،)9‬وابن ماجه (‪.)64‬‬


‫((( يطلقون األوائل‪ ،‬ويقصدون بهم الفالسفة‪.‬‬
‫‪154‬‬

‫بعض‪ ،‬ويتبع ذلك االعرتاف بأن منهم حملة العرش‪ ،‬ومنهم الصافون‪،‬‬
‫ومنهم خزنة الجنة‪ ،‬ومنهم خزنة النار‪ ،‬ومنهم كتبة األعمال‪ ،‬ومنهم الذين‬
‫يسوقون السحاب‪ ،‬وقد ورد القرآن بذلك كله أو بأكثره»(((‪.‬‬
‫فذكر البيهقي ثالثة من معاين اإليمان بالمالئكة‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬اإليمان بالمالئكة على سبيل اإلجمال والتفصيل‪ ،‬فنؤمن‬
‫بوجود المالئكة إيمانًا مجملاً ‪ ،‬ونؤمن بمن علمنا من أسمائهم وصفاهتم‬
‫وأعمالهم كما ورد يف الكتاب والسنة إيمانًا مفصلاً ‪.‬‬
‫ونعلم أن ما خفي علينا من أعدادهم وأعمالهم وصفاهتم أكثر مما‬
‫علمنا‪ ،‬ولكننا نؤمن بكل ذلك كما أخربنا اهلل ورسوله ﷺ‪ ،‬ال نطلب له‬
‫كيفية وال نرده بعقولنا‪ ،‬وال نتوهمه بآرائنا‪ ،‬وال نتأوله باجتهاداتنا‪ ،‬بل نقول‪:‬‬
‫آمنا‪ ،‬وصدقنا‪ ،‬وس ّلمنا‪.‬‬

‫((( شعب اإليمان (‪.)296 /1‬‬


‫‪155‬‬ ‫كتاب اإليمان بالمالئكة‬

‫بــاب‬
‫ْ‬
‫خلق الـمالئكة وكثرة عددهم وصفاتهم‬
‫ت ا ْل َملاَ ئِ َك ُة ِم ْن‬
‫«خ ِل َق ِ‬
‫ونؤمن أن اهلل خلق المالئكة من نور‪ ،‬قال ﷺ‪ُ :‬‬
‫ُور»(((‪ ،‬فهم خلق من خلق اهلل خلقهم على هيئة مخصوصة‪ ،‬لكنهم ليسوا‬ ‫ن ٍ‬
‫قوى فقط‪ ،‬بل هم عالم غيبي‪ ،‬وعباد مربوبون‪ ،‬خلقهم‬
‫أرواحا فقط‪ ،‬وال ً‬
‫ً‬
‫لعبادته‪ ،‬والقيام بأوامره‪ ،‬فهم يعبدونه‪ ،‬وال يستنكفون عن عبادته‪.‬‬
‫ومن عباداتهم‪ :‬التسبيح‪ ،‬والسجود‪ ،‬والخوف‪ ،‬والوجل‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬قال‬
‫المولى جل شأنه‪( :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التحريم‪،]6 :‬‬
‫‪-‬أيضا‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ً‬ ‫وقال‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ) [النحل‪ ،]49 :‬وقال الحق جل شأنه‪( :‬ﭑ ﭒ‬
‫‪ ،]75‬وهم ‪-‬مع عظيم‬ ‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الزمر‪:‬‬

‫عبادهتم‪ -‬يخافون رهبم أشد الخوف‪ ،‬قال المولى جل شأنه‪( :‬ﯔ ﯕ‬


‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النحل‪.]50 :‬‬

‫ب اهَّللُ‬ ‫ومن عباداتهم‪ :‬أهنم يوالون يف اهلل ويحبون يف اهلل‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬إِ َذا َأ َح َّ‬
‫يل‪َ ،‬فين ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل‬ ‫َادي ِج ْبرِ ُ‬ ‫ب ُفلاَ نًا َف َأ ْحبِ ْب ُه‪َ ،‬ف ُيح ُّب ُه ِج ْبرِ ُ ُ‬
‫يل‪ :‬إِ َّن اهَّللَ ُيح ُّ‬ ‫ال َع ْبدَ نَا َدى ِج ْبرِ َ‬
‫حبه َأه ُل السم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وض ُع َل ُه‬ ‫اء‪ُ ،‬ث َّم ُي َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ب ُفلاَ نًا َف َأح ُّبو ُه‪َ ،‬ف ُي ُّ ُ ْ‬ ‫الس َماء‪ :‬إِ َّن اهَّللَ ُيح ُّ‬‫في َأ ْه ِل َّ‬
‫ض»(((‪ ،‬ويعادون‪ ،‬ويبغضون يف اهلل‪ ،‬ويغارون على محارم‬ ‫ول فِي األَ ْر ِ‬ ‫ال َق ُب ُ‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪.)2996‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)3209‬ومسلم (‪ ،)2637‬والترمذي (‪.)3161‬‬
‫‪156‬‬

‫اهلل‪ ،‬ويلعنون َم ْن لعنه اهلل‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬


‫‪ .]161‬وقال‬ ‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [البقرة‪:‬‬

‫او ُير»(((‪.‬‬ ‫«ل تَدْ ُخ ُل ا ْل َملاَ ئِ َك ُة َب ْيتًا فِ ِيه ت ََماثِ ُ‬


‫يل َأ ْو ت ََص ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ :‬اَ‬
‫ونؤمن أن اهلل خلقهم على هيئة ال يحيط هبا إال الذي خلقهم عليها‪ ،‬فعن‬ ‫للمالئكة‬
‫ث عن م َل ٍ‬ ‫جابر بن عبداهلل ‪ L‬عن النبي ﷺ قال‪ِ ُ :‬‬ ‫هيئات ال‬
‫ك‬ ‫«أ ِذ َن لي َأ ْن ُأ َحدِّ َ َ ْ َ‬ ‫يعلمها إال‬
‫ِم ْن َملاَ ئِك َِة اهَّلل ِ ِم ْن َح َم َل ِة ا ْل َع ْر ِ‬
‫ش‪ ،‬إِ َّن َما َب ْي َن َش ْح َم ِة ُأ ُذنِ ِه إِ َلى َعاتِ ِق ِه َم ِس َير ُة َس ْب ِع‬ ‫اللــــــه‬

‫ِمائ َِة َعامٍ»(((‪.‬‬


‫ونؤمن أن اهلل جعل لهم أجنحة‪ ،‬قال الحق‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [فاطر‪ ،]1 :‬وعن عبداهلل بن‬
‫مسعود ‪َ « :‬أ َّن ُم َح َّمدً ا ﷺ َر َأى ِج ْب ِر َيل َل ُه ِس ُّت مِائ َِة َجنَاحٍ »(((‪ ،‬وأن‬
‫لهم قلو ًبا‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [سبأ‪.]23 :‬‬
‫وأذن اهلل لهم أن يأتوا إلى األنبياء والرسل ‪ ‬على هيئة بشر‪،‬‬ ‫الـمالئكـة‬
‫قد يأتون إىل‬
‫فدخلوا على إبراهيم‪ ،‬وعلى لوط ‪ ‬يف هيئة أضياف ال يعرفوهنم‪،‬‬ ‫األنبياء عىل‬
‫قال اهلل تعالى مخربًا عن ذلك‪( :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫هيئة برش‬

‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الذاريات‪ ،]25 ،24 :‬وقال تعالى‪:‬‬


‫(ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ)‬
‫[هود‪ ،]77 :‬وجاء جربيل ‪ ‬إلى مريم ‪ ‬بصورة لم تعرفه ألول‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪.)2112‬‬


‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)4727‬وابن طهمان في مشيخته (‪ ،)21‬والطبراني في األوسط‬
‫(‪ ،)1709‬وأبو الشيخ في العظمة (‪.)313‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4857‬ومسلم (‪ ،)174‬والترمذي (‪.)3277‬‬
‫‪157‬‬ ‫كتاب اإليمان بالمالئكة‬

‫قص اهلل علينا بقوله تعالى‪( :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬


‫وهلة‪ ،‬كما َّ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‪ ‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)‬

‫َان ِج ْب ِر ُيل ‪َ ‬ي ْأتِي‬


‫«وك َ‬
‫[مريم‪ ،]19-17 :‬وعن ابن‪ ‬عمر ‪ L‬قال‪َ :‬‬
‫ور ِة ِد ْح َيةَ»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫النَّبِ َّي ﷺ في ُص َ‬
‫الـمالئكة ال‬ ‫ونؤمن أن المالئكة ال يأكلون وال يشربون؛ ألنه ليس لهم شهوات؛‬
‫يأكلون وال‬
‫يرشبــــون‬ ‫ولذا لما دخلوا على إبراهيم ‪ ‬وقدَّ م لهم الطعام لم يأكلوا‪ ،‬قال‬
‫الحق سبحانه مخربًا عن ذلك‪( :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ)‬

‫َحي ِم ْن َر ُج ٍل‬
‫«أ اَل َأست ِ‬
‫[الذاريات‪ ،]28-26 :‬وأن من خلقهم الحياء‪ ،‬قال ﷺ‪ْ َ :‬‬
‫َحي ِمنْ ُه ا ْل َملاَ ئِ َكةُ»(((‪.‬‬
‫تَست ِ‬
‫ْ‬
‫«م ْن َأك ََل ِم ْن َه ِذ ِه ا ْل َب ْق َل ِة‪،‬‬ ‫وأهنم يتأذون مما يتأذى منه بنو آدم‪ ،‬قال ﷺ‪َ :‬‬
‫جدَ نَا؛ َفإِ َّن‬ ‫اث‪َ -‬فلاَ َي ْق َر َب َّن َم ْس ِ‬
‫ال ُّثو ِم ‪-‬و َق َال َم َّرةً‪َ :‬م ْن َأك ََل ا ْل َب َص َل َوال ُّثو َم َوا ْلك َُّر َ‬
‫ا ْل َملاَ ئِ َك َة َتت ََأ َّذى ِم َّما َيت ََأ َّذى ِمنْ ُه َبنُو آ َد َم»(((‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل جعل فيهم من القوة والبأس ما ال ُيحاط به‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫(ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [التكوير‪ ،]20 :‬وقال المولى جل شأنه‪( :‬ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التحريم‪،]6 :‬‬
‫وأرسل اهلل مل ًكا إلى قرى قوم لوط‪ ،‬وهي سبع قرى‪ ،‬فقلبها عليهم‪ ،‬قال‬

‫(( ( أخرجه أحمد (‪ ،)5857‬ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصالة (‪،)372‬‬
‫وابن بطة في اإلبانة (‪.)831‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2401‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)854‬ومسلم (‪ )564‬واللفظ له‪ ،‬وأبو داود (‪ ،)3822‬والترمذي‬
‫(‪ ،)1806‬والنسائي (‪ ،)707‬وابن ماجه (‪.)3365‬‬
‫‪158‬‬

‫تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ) [هود‪.]82 :‬‬
‫ونؤمن أن المالئكة خلق كثير‪ ،‬ال يحصي عددهم إال الذي خلقهم‪،‬‬ ‫كثـــــرة‬

‫فعن النبي ﷺ قال‪َ « :‬ف ُرفِ َع لِي ال َب ْي ُ‬


‫الـمالئكة‬
‫يل‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ه َذا‬ ‫ت ِج ْبرِ َ‬ ‫ور‪َ ،‬ف َس َأ ْل ُ‬‫المعم ُ‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫ف م َل ٍ‬ ‫ور ُي َص ِّلي فِ ِيه ك َُّل َي ْو ٍم َس ْب ُع َ‬
‫ك‪ ،‬إِ َذا َخ َر ُجوا َل ْم َي ُعو ُدوا‬ ‫ون َأ ْل َ َ‬ ‫المعم ُ‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ال َب ْي ُ‬
‫آخ َر َما َع َل ْي ِه ْم‪.(((»...‬‬ ‫إِ َلي ِه ِ‬
‫ْ‬
‫وعن أبي ذر ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِنِّي َأ َرى َما اَل ت ََر ْو َن‪،‬‬
‫الس َما ُء‪َ ،‬و ُح َّق َل َها َأ ْن تَئِ َّط‪َ ،‬ما فِ َيها َم ْو ِض ُع َأ ْر َب ِع‬ ‫ِ‬
‫ون َأ َّطت َّ‬ ‫َو َأ ْس َم ُع َما اَل ت َْس َم ُع َ‬
‫اجدً ا لِ َّل ِه»(((‪.‬‬ ‫اض ٌع َج ْب َه َت ُه َس ِ‬ ‫كو ِ‬
‫َأ َصابِ َع إِ اَّل َو َم َل ٌ َ‬
‫ف ِز َمامٍ‪َ ،‬م َع ك ُِّل‬ ‫«ي ْؤتَى بِ َج َهن ََّم َي ْو َمئِ ٍذ َل َها َس ْب ُع َ‬
‫ون َأ ْل َ‬ ‫وعن النبي ﷺ قال‪ُ :‬‬
‫ف م َل ٍ‬ ‫ِز َما ٍم َس ْب ُع َ‬
‫ك َي ُج ُّرون ََها»(((‪.‬‬ ‫ون َأ ْل َ َ‬
‫وزعم المشركون أن المالئكة بنات اهلل‪ ،‬فأكذبهم اهلل بقوله‪( :‬ﯬ ﯭ‬
‫‪ .]150‬ورد عليهم قولهم‬ ‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الصافات‪:‬‬

‫بقوله ‪( :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ) [اإلسراء‪.]40 :‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)3207‬ومسلم (‪ ،)164‬والترمذي (‪ ،)3346‬والنسائي (‪.)448‬‬


‫((( أخرجه الترمذي (‪ ،)2312‬وابن ماجه (‪ ،)4190‬وابن أبي شيبة (‪ ،)27044‬وأحمد‬
‫(‪ ،)21516‬والبزار (‪.)3925 ،3924‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2842‬والترمذي (‪.)2573‬‬
‫‪159‬‬ ‫كتاب اإليمان بالمالئكة‬

‫بــاب‬
‫أعمال الـمالئكة‬
‫ومتنوعةً‪ ،‬وأشرفها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫شرفهم‪ ،‬وك َّلفهم أعمالاً جليل ًة وكثير ًة‬
‫ونؤمن أن اهلل ّ‬
‫والم َلك الموكَّل بإنزال‬
‫أن يكونوا رسلاً بين اهلل وبين عباده يبلغوهنم الوحي‪َ ،‬‬
‫الوحي إلى أنبياء اهلل ورسله ‪ ‬هو جربيل ‪ ‬كما قال المولى‬
‫عز شأنه‪( :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [النحل‪ ،]102 :‬وقال‬
‫تعالى‪( :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الشعراء‪.]195-192  :‬‬
‫وقد يرسلهم اهلل إلى غير األنبياء ابتالء وامتحانًا‪ ،‬كما يف قصة ثالثة النفر‬
‫من بني إسرائيل‪ ،‬فعن عبدالرحمن بن أبي عمرة أن أبا هريرة ‪ ‬حدثه‬
‫يل‪َ :‬أ ْب َر َص‪َ ،‬و َأ ْق َر َع‪،‬‬ ‫أنه سمع رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إِ َّن َثلاَ َث ًة فِي َبنِي إِ ْس َرائِ َ‬
‫ث إِ َل ْي ِه ْم َم َلكًا‪َ ،‬ف َأتَى األَ ْب َر َص‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫َو َأ ْع َمى‪َ ،‬بدَ ا لِ َّل ِه ‪َ ‬أ ْن َي ْبت َِل َي ُه ْم‪َ ،‬ف َب َع َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّاس‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ك؟ َق َال‪َ :‬ل ْو ٌن َح َس ٌن‪َ ،‬و ِج ْلدٌ َح َس ٌن‪َ ،‬قدْ َقذ َرني الن ُ‬ ‫ب إِ َل ْي َ‬ ‫ي َش ْيء َأ َح ُّ‬ ‫َأ ُّ‬
‫ِ‬
‫ب‬ ‫ي المال َأ َح ُّ‬ ‫ب َعنْ ُه‪َ ،‬ف ُأ ْعط َي َل ْونًا َح َسنًا‪َ ،‬و ِج ْلدً ا َح َسنًا‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ ُّ‬ ‫َف َم َس َح ُه َف َذ َه َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ك؟ َق َال‪ِ :‬‬
‫ص‪َ ،‬واألَ ْق َر َع‪،‬‬ ‫اإلبِ ُل ‪َ -‬أ ْو َق َال‪ :‬ال َب َق ُر‪ُ ،‬ه َو َش َّك في َذل َك‪ :‬إِ َّن األَ ْب َر َ‬ ‫إِ َل ْي َ‬
‫اآلخ ُر‪ :‬ال َب َق ُر‪َ -‬ف ُأ ْعطِ َي نَا َق ًة ُع َش َرا َء‪َ ،‬ف َق َال‪ُ :‬ي َب َار ُك‬ ‫اإلبِ ُل‪َ ،‬و َق َال َ‬‫َق َال َأ َحدُ ُهما‪ِ :‬‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫َل َ ِ‬
‫ك؟ َق َال َش َع ٌر َح َس ٌن‪،‬‬ ‫ب إِ َل ْي َ‬‫ي َش ْيء َأ َح ُّ‬ ‫ك ف َيها‪َ ،‬و َأتَى األَ ْق َر َع‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ ُّ‬
‫ب‪َ ،‬و ُأ ْعطِ َي َش َع ًرا‬ ‫َّاس‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َم َس َح ُه َف َذ َه َ‬
‫ِ ِ‬
‫ب َعنِّي َه َذا‪َ ،‬قدْ َقذ َرني الن ُ‬ ‫َو َي ْذ َه ُ‬
‫ك؟ َق َال‪ :‬ال َب َق ُر‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْع َطا ُه َب َق َر ًة َح ِاملاً ‪،‬‬ ‫ب إِ َل ْي َ‬‫ي المال َأ َح ُّ‬ ‫َح َسنًا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ُّ‬
‫ٍ‬ ‫و َق َال‪ :‬يبار ُك َل َ ِ‬
‫ك؟ َق َال‪َ :‬ي ُر ُّد‬ ‫ب إِ َل ْي َ‬‫ي َش ْيء َأ َح ُّ‬ ‫ك ف َيها‪َ ،‬و َأتَى األَ ْع َمى‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ ُّ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬
‫‪160‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ي‬ ‫َّاس‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َم َس َح ُه‪َ ،‬ف َر َّد اهَّللُ إِ َل ْيه َب َص َر ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ُّ‬ ‫اهَّللُ إِ َل َّي َب َصرِي‪َ ،‬ف ُأ ْبص ُر بِه الن َ‬
‫ان‪َ ،‬و َو َّلدَ َه َذا‪،‬‬ ‫ك؟ َق َال ال َغن َُم‪َ :‬ف َأ ْع َطا ُه َشا ًة َوالِدً ا‪َ ،‬ف ُأنْتِ َج َه َذ ِ‬ ‫ب إِ َل ْي َ‬‫المال َأ َح ُّ‬
‫اد ِم ْن َغنَمٍ‪ُ ،‬ث َّم إِ َّن ُه َأتَى‬ ‫اد ِمن ب َقرٍ‪ ،‬ولِه َذا و ٍ‬
‫َ َ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َان ل َه َذا َواد م ْن إِبِ ٍل‪َ ،‬ول َه َذا َو ْ َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫َفك َ ِ‬

‫الح َب ُال فِي‬ ‫ت بِي ِ‬


‫ين‪َ ،‬ت َق َّط َع ْ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ورته َو َه ْيئَته‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ر ُج ٌل م ْسك ٌ‬
‫ِِ‬ ‫األَبرص فِي ص ِ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َْ َ‬
‫الح َس َن‪،‬‬ ‫اك ال َّل ْو َن َ‬ ‫ك بِا َّل ِذي َأ ْع َط َ‬ ‫ك‪َ ،‬أ ْس َأ ُل َ‬ ‫َس َفرِي‪َ ،‬فلاَ َبلاَ َغ ال َي ْو َم إِ اَّل بِاهَّللِ‪ُ ،‬ث َّم بِ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ِ‬
‫وق‬ ‫الح َس َن‪َ ،‬والمال‪َ ،‬بع ًيرا َأ َت َب َّلغُ َع َل ْيه في َس َفرِي‪َ ،‬ف َق َال َل ُه‪ :‬إِ َّن ُ‬
‫الح ُق َ‬ ‫الج ْلدَ َ‬
‫اك‬‫َّاس‪َ ،‬ف ِق ًيرا َف َأ ْع َط َ‬ ‫ك‪َ ،‬أ َل ْم َتك ُْن َأ ْب َر َص َي ْق َذ ُر َك الن ُ‬ ‫كَثِ َيرةٌ‪َ ،‬ف َق َال َل ُه‪ :‬ك ََأنِّي َأ ْعرِ ُف َ‬
‫ْت كَا ِذ ًبا َف َص َّي َر َك اهَّللُ إِ َلى‬ ‫ت لِكَابِرٍ َع ْن كَابِرٍ‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ ْن ُكن َ‬ ‫اهَّللُ؟ َف َق َال‪َ :‬ل َقدْ َو ِر ْث ُ‬
‫ورتِ ِه َو َه ْيئَتِ ِه‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ِم ْث َل َما َق َال لِ َه َذا‪َ ،‬ف َر َّد َع َل ْي ِه‬ ‫ِ‬
‫ْت‪َ ،‬و َأتَى األَ ْق َر َع في ُص َ‬ ‫َما ُكن َ‬
‫ْت‪َ ،‬و َأتَى‬ ‫ْت كَا ِذ ًبا َف َص َّي َر َك اهَّللُ إِ َلى َما ُكن َ‬ ‫ِم ْث َل َما َر َّد َع َل ْي ِه َه َذا‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ ْن ُكن َ‬
‫ت بِي ِ‬ ‫ين َوا ْب ُن َسبِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫األَعمى فِي ص ِ ِ‬
‫الح َب ُال‬ ‫يل َو َت َق َّط َع ْ َ‬ ‫ورته‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ر ُج ٌل م ْسك ٌ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ك َب َص َر َك‬ ‫ك بِا َّل ِذي َر َّد َع َل ْي َ‬ ‫ك‪َ ،‬أ ْس َأ ُل َ‬ ‫فِي َس َفرِي‪َ ،‬فلاَ َبلاَ َغ ال َي ْو َم إِ اَّل بِاهَّلل ِ ُث َّم بِ َ‬
‫ْت َأ ْع َمى‪َ ،‬ف َر َّد اهَّللُ َب َصرِي‪َ ،‬و َف ِق ًيرا َف َقدْ‬ ‫َشا ًة َأ َت َب َّلغُ بِ َها فِي َس َفرِي‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬قدْ ُكن ُ‬
‫ك‬ ‫ْت‪َ ،‬ف َواهَّلل ِ اَل َأ ْج َهدُ َك ال َي ْو َم بِ َش ْي ٍء َأ َخ ْذ َت ُه لِ َّل ِه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ ْم ِس ْ‬ ‫َأ ْغنَانِي‪َ ،‬فخُ ْذ َما ِشئ َ‬
‫خ َط ع َلى ص ِ‬ ‫ْك‪ ،‬وس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك»(((‪.‬‬ ‫اح َب ْي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ك‪َ ،‬فإِن ََّما ا ْبتُليت ُْم‪َ ،‬ف َقدْ َرض َي اهَّللُ َعن َ َ َ‬ ‫َما َل َ‬
‫ومنهم حملة العرش‪ ،‬قال الرب جل شأنه وتعالى سلطانه‪( :‬ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الحاقة‪.]17 :‬‬
‫ومن أعماهلم‪ :‬كتابة القدر‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬إِ َّن َأ َحدَ ك ُْم ُي ْج َم ُع َخ ْل ُق ُه فِي َب ْط ِن‬ ‫من أعامهلم‬

‫ك‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫ُون ُم ْض َغ ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬ ‫ك‪ُ ،‬ث َّم َيك ُ‬ ‫ُون َع َل َق ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬
‫ين َي ْو ًما‪ُ ،‬ث َّم َيك ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُأ ِّمه َأ ْر َبع َ‬
‫كتابة القدر‬

‫ِ ٍ‬
‫ُب َع َم َل ُه‪َ ،‬و ِر ْز َق ُه‪َ ،‬و َأ َج َل ُه‪،‬‬‫ث اهَّللُ َم َلكًا َف ُي ْؤ َم ُر بِ َأ ْر َب ِع كَل َمات‪َ ،‬و ُي َق ُال َل ُه‪ :‬ا ْكت ْ‬
‫َي ْب َع ُ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)3464‬ومسلم (‪.)2964‬‬


‫‪161‬‬ ‫كتاب اإليمان بالمالئكة‬

‫َو َش ِق ٌّي َأ ْو َس ِعيدٌ »(((‪.‬‬


‫من أعامهلم‬ ‫وتصويرا‬
‫ً‬ ‫ومن أعماهلم‪ :‬القيام على شؤون األرحام ومن فيها ‪ -‬خل ًقا‬
‫القيام عىل‬
‫ث‬ ‫ون َل ْي َلةً‪َ ،‬ب َع َ‬ ‫ونفخا ‪ -‬فقد قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا َم َّر بِالنُّ ْط َف ِة ثِنْت ِ‬
‫َان َو َأ ْر َب ُع َ‬ ‫ً‬
‫شـــؤون‬
‫األرحــام‬ ‫اهللُ إِ َل ْي َها َم َلكًا‪َ ،‬ف َص َّو َر َها َو َخ َل َق َس ْم َع َها َو َب َص َر َها َو ِج ْلدَ َها َو َل ْح َم َها َو ِع َظ َام َها‪،‬‬
‫ك‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫ُب ا ْل َم َل ُ‬ ‫ك َما َشا َء‪َ ،‬و َي ْكت ُ‬ ‫ُث َّم َق َال‪َ :‬يا َر ِّب‪َ ،‬أ َذك ٌَر َأ ْم ُأ ْن َثى؟ َف َي ْق ِضي َر ُّب َ‬
‫ك»(((‪.‬‬ ‫ُب ا ْل َم َل ُ‬ ‫ك َما َشا َء‪َ ،‬و َي ْكت ُ‬ ‫ول َر ُّب َ‬‫ول‪َ :‬يا َر ِّب َأ َج ُل ُه‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ول‪:‬‬‫الر ِح ِم َم َلكًا‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫«وك ََّل اهَّللُ بِ َّ‬ ‫وعن أنس ‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪َ :‬‬
‫ي َر ِّب ُم ْض َغةٌ‪َ ،‬فإِ َذا َأ َرا َد اهَّللُ َأ ْن َي ْق ِض َي َخ ْل َق َها‪،‬‬‫ي َر ِّب َع َل َقةٌ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫ي َر ِّب ُن ْط َفةٌ‪َ ،‬أ ْ‬ ‫َأ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرز ُْق؟ َف َما األَ َج ُل؟‬ ‫ي َر ِّب‪َ ،‬أ َذك ٌَر َأ ْم ُأ ْن َثى؟ َأ َشق ٌّي َأ ْم َسعيدٌ ؟ َف َما ِّ‬ ‫َق َال‪َ :‬أ ْ‬
‫ك فِي َب ْط ِن ُأ ِّم ِه»(((‪.‬‬ ‫َب ك ََذلِ َ‬ ‫َف ُي ْكت ُ‬
‫ومن أعماهلم‪ :‬قبض أرواح العباد‪ ،‬قال الحق ‪ -‬وقوله الحق‪( :‬ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵﭶ ﭷﭸ ﭹ‪ ‬ﭺ) [األنعام‪ ،]61 :‬وقال المولى جل شأنه‪:‬‬
‫(ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [محمد‪.]27 :‬‬
‫من أعامهلم‬ ‫ومن أعماهلم‪ :‬نفخ األرواح يف األجساد يف الدنيا ويف اآلخرة‪ ،‬قال ﷺ‪:‬‬
‫نفــــــخ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ُون َع َل َق ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫«إِ َّن َأ َحدَ ك ُْم ُي ْج َم ُع َخ ْل ُق ُه في َب ْط ِن ُأ ِّمه َأ ْر َبع َ‬
‫ين َي ْو ًما‪ُ ،‬ث َّم َيك ُ‬
‫األرواح يف‬
‫ات‪َ ،‬و ُي َق ُال‬ ‫ث اهَّلل م َلكًا‪َ ،‬في ْؤمر بِ َأرب ِع ك َِلم ٍ‬ ‫ُون ُم ْض َغ ًة ِم ْث َل َذلِ َ‬
‫األجســـاد‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ َْ‬ ‫ك‪ُ ،‬ث َّم َي ْب َع ُ ُ َ‬ ‫ُث َّم َيك ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وح»(((‪،‬‬ ‫ُب َع َم َل ُه‪َ ،‬و ِر ْز َق ُه‪َ ،‬و َأ َج َل ُه‪َ ،‬و َشق ٌّي َأ ْو َسعيدٌ ‪ُ ،‬ث َّم ُينْ َف ُخ فيه ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫َل ُه‪ :‬ا ْكت ْ‬

‫أخرجه البخاري (‪ ،)3208‬ومسلم (‪ ،)2643‬وأبو داود (‪ ،)4708‬والترمذي‬ ‫((( ‬


‫(‪ ،)2137‬وابن ماجه (‪.)76‬‬
‫أخرجه مسلم (‪.)2645‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)6595‬ومسلم (‪.)2646‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)3208‬ومسلم (‪ ،)2643‬وأبو داود (‪ ،)4708‬والترمذي=‬ ‫((( ‬
‫‪162‬‬

‫وقال اهلل تعالى‪( :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الزمر‪.]68 :‬‬


‫ومن أعماهلم‪ :‬الجها ُد مع المؤمنين‪ ،‬وتثبيت المؤمنين يف ساحات‬
‫الوغى‪ ،‬ويف معرتك الحياة‪ ،‬قال المولى عز شأنه وتعالى سلطانه‪( :‬ﮉ ﮊ‬
‫ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [األنفال‪:‬‬
‫ان َلم ًة بِاب ِن آدم ولِ ْلم َل ِ‬ ‫‪ ،]12‬وقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن لِ َّ‬
‫ك َل َّمةً‪َ :‬ف َأ َّما‬ ‫لش ْي َط ِ َّ ْ َ َ َ َ‬
‫الح ِّق‪َ ،‬و َأ َّما َل َّم ُة الملك َفإِي َعا ٌد بِالخَ ْيرِ‬ ‫ِ‬ ‫ان َفإِي َعا ٌد بِ َّ‬ ‫الش ْي َط ِ‬
‫يب بِ َ‬ ‫الش ِّر َو َتكْذ ٌ‬ ‫َل َّم ُة َّ‬
‫ك َف ْل َي ْع َل ْم َأ َّن ُه ِم َن اهَّللِ‪َ ،‬ف ْل َي ْح َم ِد اهَّللَ‪َ ،‬و َم ْن َو َجدَ‬‫الح ِّق‪َ ،‬ف َم ْن َو َجدَ َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫َوت َْصد ٌيق بِ َ‬
‫الر ِجيمِ‪ُ ،‬ث َّم َق َر َأ‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫ان َّ‬ ‫األُ ْخ َرى َف ْل َي َت َع َّو ْذ بِاهَّلل ِ ِم َن َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬
‫ﯗ ﯘ) اآل َي َة [البقرة‪.(((»]268 :‬‬
‫ومن أعماهلم‪ :‬الدعاء للمؤمنين واالستغفار لهم‪ ،‬قال الولي الحميد‪:‬‬
‫ومن أعامهلم‬
‫الدعـــــاء‬
‫للمؤمنيـن (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [غافر‪.]7 :‬‬
‫ومن أعماهلم‪ :‬شهود عبادات المؤمنين يف مواسم اإليمان والخير‬ ‫ومن أعامهلم‬
‫شهــــــود‬
‫واألوقات الفاضلة‪ ،‬كيوم الجمعة‪ ،‬ويوم عرفة‪ ،‬وليلة القدر‪ ،‬وصاليت الفجر‬ ‫عبــــادات‬
‫والعصر‪ ،‬ورفع كلماهتم الطيبة‪ ،‬وإخبار الرب عن أعمالهم ‪-‬وهو الخبير‬ ‫املؤمنيــــن‬

‫العليم الذي ال يحتاج إلى من يخربه‪ -‬قال اهلل جل ذكره‪( :‬ﭴ ﭵﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [اإلسراء‪ ،]78 :‬وقال الحق سبحانه‪( :‬ﭤ‬

‫= (‪ ،)2137‬وابن ماجه (‪.)76‬‬


‫((( أخرجه الترمذي (‪ ،)2988‬وابن المبارك في الزهد (‪ ،)1435‬وأحمد في الزهد‬
‫(‪ ،)854‬وأبو داود في الزهد (‪.)164‬‬
‫‪163‬‬ ‫كتاب اإليمان بالمالئكة‬

‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [القدر‪.]4 :‬‬

‫ار‪َ ،‬و َي ْجت َِم ُع َ‬


‫ون‬ ‫ون فِيك ُْم َملاَ ئِ َك ٌة بِال َّل ْي ِل َو َملاَ ئِ َك ٌة بِالن ََّه ِ‬
‫«ي َت َعا َق ُب َ‬
‫وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َباتُوا فيك ُْم‪َ ،‬ف َي ْس َأ ُل ُه ْم َ‬
‫‪-‬و ُه َو‬ ‫في َصلاَ ة ال َف ْجرِ َو َصلاَ ة ال َع ْصرِ‪ُ ،‬ث َّم َي ْع ُر ُج ا َّلذ َ‬
‫ف تَر ْكتُم ِعب ِ‬
‫ون‪َ ،‬و َأ َت ْين ُ‬
‫َاه ْم‬ ‫َاه ْم َو ُه ْم ُي َص ُّل َ‬‫ون‪ :‬ت ََر ْكن ُ‬ ‫ادي؟ َف َي ُقو ُل َ‬ ‫َأ ْع َل ُم بِ ِه ْم‪َ :‬ك ْي َ َ ْ َ‬
‫َو ُه ْم ُي َص ُّل َ‬
‫ون»(((‪.‬‬
‫ون َأ ْه َل ِّ‬
‫الذ ْكرِ‪،‬‬ ‫ون فِي ال ُّط ُر ِق َي ْلت َِم ُس َ‬
‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن لِ َّل ِه َملاَ ئِ َك ًة َي ُطو ُف َ‬
‫اجتِك ُْم‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َي ُح ُّفون َُه ْم‬ ‫ون اهَّللَ َتنَا َد ْوا‪َ :‬ه ُل ُّموا إِ َلى َح َ‬
‫َفإِ َذا َو َجدُ وا َق ْو ًما َي ْذك ُُر َ‬
‫بِ َأجنِحتِ ِهم إِ َلى السم ِ‬
‫اء الدُّ ْن َيا»(((‪.‬‬ ‫َّ َ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫ومن أعامهلم‬ ‫وتشهد المالئكة مواسم اإليمان كيوم الجمعة ويوم عرفة وليلة القدر‪،‬‬
‫ت المالئِ َك ُة َي ْست َِم ُع َ‬
‫اإلمام ح َضر ِ‬
‫النزول إىل‬
‫األرض فـي‬ ‫ون ِّ‬
‫الذك َْر»(((‪.‬‬ ‫قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬فإِ َذا َخ َر َج ِ َ ُ َ َ‬
‫مواســــم‬
‫اإليمــــان‬ ‫ومن أعماهلم‪ :‬إبالغ النبي ﷺ صلوات أمته‪ ،‬عليه قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫ث ُكنْت ُْم»(((‪.‬‬‫«و َص ُّلوا َع َل َّي؛ َفإِ َّن َصلاَ َتك ُْم َت ْب ُلغُنِي َح ْي ُ‬‫َ‬
‫ض ُي َب ِّلغُونِي ِم ْن‬
‫ين فِي أْالَ ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن ل َّله َملاَ ئ َك ًة َس َّياح َ‬
‫ِ‬
‫السلاَ َم»(((‪.‬‬ ‫ُأ َّمتي َّ‬

‫أخرجه البخاري (‪ ،)555‬ومسلم (‪ ،)632‬والنسائي (‪.)485‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري (‪ ،)6408‬ومسلم (‪.)2689‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)881‬ومسلم (‪ ،)850‬وأبو داود (‪ ،)351‬والترمذي (‪،)499‬‬ ‫((( ‬
‫والنسائي (‪.)1388‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)204‬وأحمد (‪ ،)8804‬والطبراني في األوسط (‪ ،)8030‬والبيهقي‬ ‫((( ‬
‫في الشعب (‪.)3865‬‬
‫أخرجه النسائي (‪ ،)1282‬وعبدالرزاق (‪ ،)3116‬وابن أبي شيبة في المصنف‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)8797‬وفي المسند (‪ ،)269‬وأحمد (‪.)3666‬‬
‫‪164‬‬

‫ومن أعماهلم‪ :‬حفظ بني آدم‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬


‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الرعد‪ .]11 :‬وقال علي بن أبي طلحة‪ ،‬عن‬
‫«ه َي مِ ْن َأ ْم ِر اهَّللِ‪َ ،‬و ِه َي ا ْل َملاَ ئِ َكةُ»(((‪.‬‬
‫ات‪ِ :‬‬
‫ابن عباس ‪َ :L‬فا ْل ُم َع ِّق َب ُ‬
‫ومن أعماهلم‪ :‬كتابة الحسنات والسيئات‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮃ ﮄ)‬
‫ومن أعامهلم‬
‫كتابــــــة‬
‫احلسنــات [االنفطار‪ .]11 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫والسيئـات ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [ق‪ ،]18 ،17 :‬وقال‪( :‬ﭮ ﭯ ﭰ)‬

‫[األنعام‪ ،]61 :‬وقال تعالى فيهم‪( :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬


‫وها َع َل ْي ِه َحتَّى‬ ‫ول اهَّللُ‪َ :‬فلاَ َت ْك ُت ُب َ‬‫«ي ُق ُ‬
‫ﮈ ﮉ) [الزخرف‪ ،]80 :‬وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وها َل ُه َح َسنَةً‪،‬‬ ‫وها بِم ْثل َها‪َ ،‬وإِ ْن ت ََرك ََها م ْن َأ ْجلي َفا ْك ُت ُب َ‬ ‫َي ْع َم َل َها‪َ ،‬فإِ ْن َعم َل َها َفا ْك ُت ُب َ‬
‫ِ‬
‫وها‬‫وها َل ُه َح َسنَةً‪َ ،‬فإِ ْن َعم َل َها َفا ْك ُت ُب َ‬ ‫َوإِ َذا َأ َرا َد َأ ْن َي ْع َم َل َح َسنَ ًة َف َل ْم َي ْع َم ْل َها َفا ْك ُت ُب َ‬
‫ت ا ْلملاَئِ َكةُ‪َ :‬ر ِّب‪،‬‬ ‫ف»(((‪ .‬وقال ﷺ‪َ « :‬قا َل ِ‬ ‫َله بِع ْشرِ َأم َثالِها إِ َلى سب ِع ِمائ َِة ِضع ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ‬
‫‪-‬و ُه َو َأ ْب َص ُر بِ ِه‪َ -‬ف َق َال‪ْ :‬ار ُق ُبو ُه‪َ ،‬فإِ ْن َع ِم َل َها‬ ‫اك َع ْبدُ َك ُيرِيدُ َأ ْن َي ْع َم َل َس ِّي َئ ًة َ‬ ‫َذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اي»(((‪.‬‬ ‫وها َل ُه َح َسنَةً‪ ،‬إِن ََّما ت ََرك ََها م ْن َج َّر َ‬ ‫وها َل ُه بِم ْثل َها‪َ ،‬وإِ ْن ت ََرك ََها َفا ْك ُت ُب َ‬ ‫َفا ْك ُت ُب َ‬
‫ومن أعماهلم‪ :‬حراسة المدينة النبوية من الدجال‪ ،‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫ومن أعامهلم‬

‫اب المدين َِة َملاَ ئِ َك ٌة اَل َيدْ ُخ ُل َها ال َّطا ُع ُ‬


‫حراســـــة‬
‫ون‪َ ،‬و اَل الدَّ َّج ُال»(((‪.‬‬ ‫« َع َلى َأ ْن َق ِ‬ ‫املدينــــــة‬
‫النبويــــــة‬
‫ومن أعماهلم‪ :‬سؤال الميت يف قربه‪ ،‬فعن الرباء بن عازب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«وي ْأتِ ِيه َم َلك ِ‬
‫َان‬ ‫قال رسول اهلل ﷺ مخربًا عن حال اإلنسان إذا وضع يف قربه‪َ َ :‬‬
‫ومن أعامهلم‬
‫سؤال امليت‬
‫ول ِن َل ُه‪َ :‬ما ِدين َ‬
‫ُك؟‬ ‫ك؟ َف َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ر ِّب َي اهَّللُ‪َ ،‬ف َي ُق اَ‬ ‫َف ُي ْج ِل َسانِ ِه‪َ ،‬ف َي ُق اَ‬
‫ول ِن َل ُه‪َ :‬م ْن َر ُّب َ‬ ‫يف قبـــــره‬

‫أخرجه الطبري في التفسير (‪ ،)463 /13‬وابن أبي حاتم في التفسير (‪.)12198‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)7501‬ومسلم (‪ ،)128‬والترمذي (‪.)3073‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه مسلم (‪.)129‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)1880‬ومسلم (‪.)1379‬‬ ‫((( ‬
‫‪165‬‬ ‫كتاب اإليمان بالمالئكة‬

‫ث فِيك ُْم؟ َق َال‪:‬‬


‫الر ُج ُل ا َّل ِذي ُب ِع َ‬
‫ول ِن َل ُه‪َ :‬ما َه َذا َّ‬ ‫ول‪ِ :‬دينِي إْ ِ‬
‫ال ْسلاَ ُم‪َ ،‬ف َي ُق اَ‬ ‫َ‬ ‫َف َي ُق ُ‬
‫ول اهَّلل ِ ﷺ»(((‪.‬‬ ‫ول‪ُ :‬ه َو َر ُس ُ‬‫َف َي ُق ُ‬

‫ومن أعماهلم‪ :‬أن منهم خازن الجنة‪ ،‬فعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪:‬‬
‫فأستفتح فيقول الخازن‪:‬‬
‫ُ‬ ‫قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬آتي باب الجنة يوم القيامة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ألحد قبلك»(((‪.‬‬ ‫من أنت؟ فأقول‪ :‬محمد‪ ،‬فيقول‪ :‬بك أمرت ال أفتح‬
‫وخازن النار‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)‬

‫[الزخرف‪ .]77 :‬وقال الحق ‪( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬


‫ﮍ ﮎ ﮏ) [المدثر‪ ،]31 ،30 :‬وقد ثبت يف الصحيح عن عبداهلل بن مسعود‬
‫‪ ‬قال‪ :‬قال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف‬
‫يجرونها»((( ((‪.‬‬
‫زمام‪ ،‬مع كل زمام سبعون ألف ملك ُّ‬

‫أخرجه أبو داود (‪ ،)4753‬والنسائي (‪ ،)2001‬وابن ماجه (‪ ،)1548‬والطيالسي‬ ‫((( ‬


‫(‪ ،)789‬وعبدالرزاق (‪ ،)6737‬وابن أبي شيبة (‪.)12185‬‬
‫أخرجه مسلم (‪.)197‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه مسلم (‪ ،)2842‬والترمذي (‪.)2573‬‬ ‫((( ‬
‫تفسير القرطبي (‪.)80/19‬‬ ‫((( ‬
‫‪166‬‬

‫بــاب‬
‫مراتب الـمالئكة‬
‫ومراتب‪ ،‬قال الحق سبحانه مخربًا‬ ‫ٍ‬
‫مقامات‬ ‫ونؤمن أن اهلل جعل للمالئكة‬
‫َ‬
‫(ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ)‬ ‫عنهم‪:‬‬
‫[الصافات‪.]166-164 :‬‬
‫توسل النبي‬ ‫ُ‬
‫جربيل وميكائيل وإسرافيل؛ ولذا َّ‬ ‫وأعظم المالئكة مقا ًما‬
‫ُ‬ ‫أعظــــم‬
‫الـمالئكة‬
‫ﷺ بربوبية اهلل للثالثة األولين منهم‪ ،‬فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن‬ ‫مقامــــًا‬
‫َان َنبِ ُّي اهللِ ﷺ‬ ‫عوف قال‪ :‬سألت عائشة أم المؤمنين ‪ :‬بِ َأ ِّي َشي ٍء ك َ‬
‫ْ‬
‫َان إِ َذا َقا َم مِ َن ال َّل ْي ِل ا ْف َتت ََح َصلاَ َت ُه‪:‬‬
‫َي ْفتَتِ ُح َصلاَ َت ُه إِ َذا َقا َم مِ َن ال َّل ْيلِ؟ َقا َل ْت‪ :‬ك َ‬
‫ض‪َ ،‬عالِ َم‬ ‫ات َو أْالَ ْر ِ‬ ‫يل‪َ ،‬فاطِر السمو ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫يل‪َ ،‬وإِ ْس َرافِ َ‬
‫يل‪َ ،‬و ِميكَائِ َ‬ ‫«الله َّم َر َّب َج ْب َرائِ َ‬
‫ُ‬
‫ون‪ْ ،‬اه ِدنِي لِ َما‬ ‫يما كَانُوا فِ ِيه َيخْ ت َِل ُف َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ْت ت َْحك ُُم َب ْي َن ع َباد َك ف َ‬ ‫الش َها َد ِة‪َ ،‬أن َ‬
‫ب َو َّ‬ ‫ا ْل َغ ْي ِ‬
‫اط ُم ْست َِقيمٍ»(((‪.‬‬ ‫َّك تَه ِدي من ت ََشاء إِ َلى ِصر ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ك؛ إِن َ ْ‬ ‫ف فِ ِيه ِم َن ا ْل َح ِّق بِإِ ْذنِ َ‬
‫اخت ُِل َ‬ ‫ْ‬
‫ومن أشرافهم حملة العرش‪ ،‬وكذا َم ْن حضر غزوة بدر من المالئكة‪،‬‬ ‫أشـــرف‬
‫الـمالئكة‬
‫وعن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه ‪- ‬وكان أبوه من أهل‬
‫ون َأ ْه َل َبدْ ٍر فِيك ُْم‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بدر‪ -‬قال‪َ :‬جا َء ج ْب ِر ُيل إِ َلى النَّبِ ِّي ﷺ َف َق َال‪َ :‬‬
‫«ما َت ُعدُّ َ‬
‫ك َم ْن َش ِهدَ َبدْ ًرا ِم َن‬ ‫ين ‪َ -‬أ ْو كَلِ َم ًة ن َْح َو َها ‪َ -‬ق َال‪َ :‬وك ََذلِ َ‬ ‫ِِ‬
‫م ْن َأ ْف َض ِل المسلم َ‬
‫ِ‬

‫الملاَ ئِك َِة»(((‪.‬‬


‫َ‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪ ،)770‬وأبو داود (‪ ،)767‬والنسائي (‪ ،)1625‬وابن ماجه (‪.)1357‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪.)3992‬‬
‫‪167‬‬ ‫كتاب اإليمان بالمالئكة‬

‫ويف كل سماء من المالئكة ما ال يحصي عددهم إال اهلل‪ ،‬وهؤالء المالئكة‬


‫لكل منهم مقام معلوم‪ ،‬وفيهم مقربون؛ ولذا قال الرسول ﷺ عن صعود‬ ‫ٍّ‬
‫ون ‪َ -‬ي ْعنِي بِ َها‪-‬‬ ‫ون بِ َها‪َ ،‬ف َ‬
‫لاَ‪ ‬ي ُم ُّر َ‬ ‫روح المؤمن وعروجها بعد موته‪َ « :‬ف َي ْص َعدُ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ع َلى م إَ ٍ ِ‬
‫ون‪ُ :‬فلاَ ُن ا ْب ُن‬‫ب؟ َف َي ُقو ُل َ‬ ‫وح ال َّط ِّي ُ‬ ‫ل م َن ا ْل َملاَ ئكَة‪ ،‬إِ اَّل َقا ُلوا‪َ :‬ما َه َذا ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫َ َ‬
‫ُفلاَ ٍن‪ ،‬بِ َأ ْح َس ِن َأ ْس َمائِ ِه ا َّلتِي كَانُوا ُي َس ُّمو َن ُه بِ َها فِي الدُّ ْن َيا‪َ ،‬حتَّى َينْت َُهوا بِ َها إِ َلى‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اء الدُّ ْن َيا‪َ ،‬ف َي ْس َت ْفتِ ُح َ‬ ‫السم ِ‬
‫وها‬‫ون َل ُه‪َ ،‬ف ُي ْفت َُح َل ُه ْم‪َ ،‬ف ُي َش ِّي ُع ُه م ْن ك ُِّل َس َماء ُم َق َّر ُب َ‬ ‫َّ َ‬
‫اء ا َّلتِي ت َِل َيها»(((‪.‬‬ ‫إِ َلى السم ِ‬
‫َّ َ‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)3212‬والنسائي (‪ ،)2001‬وابن ماجه (‪ )1548‬وأبو داود‬


‫الطيالسي (‪ ،)789‬وعبد الرزاق (‪ ،)6737 ،6324‬وأحمد (‪ )18534‬واللفظ له‪.‬‬
‫كتاب اإليمان بالكتب‬
‫‪170‬‬

‫ملخص الكتاب‬

‫ونؤمن بالكتب‪ ،‬وهي‪ :‬كتب اهلل المنزلة على رسله وأنبيائه ‪‬‬
‫والذي نعلم منها هي‪ :‬صحف إبراهيم وصحف موسى‪ ،‬والتوراة‪ ،‬والزبور‪،‬‬
‫واإلنجيل‪ ،‬والقرآن‪ ،‬ونؤمن بما علمنا منها وما لم نعلم‪.‬‬
‫ونؤمن أن كل هذه الكتب هي كالم اهلل ووحيه‪ ،‬والتوراة كتبها اهلل بيده‪.‬‬
‫وهذه الكتب أنزلها على رسله ‪ ‬نزل هبا جربيل األمين‪ ،‬وتضمنت‬
‫الشرائع اإللهية‪ ،‬واألخبار والمواعظ واألوامر والنواهي‪ ،‬وكان كل كتاب‬
‫يف زمنه هو الوحي الذي يجب العمل به‪ ،‬والتحاكم إليه لألمة التي أنزل‬
‫عليها‪.‬‬
‫ونؤمن أن بعضها أفضل من بعض‪ ،‬فالتوراة كتبها اهلل بيده‪.‬‬
‫ونعلم علم ايلقني أن اإليمان بالكتب هو الركن الثالث من أركان‬
‫اإليمان‪ ،‬فنؤمن هبا كلها‪ ،‬وال نكون كالذين آمنوا ببعض‪ ،‬وكفروا ببعض‪.‬‬
‫ونؤمن أن كل الكتب التي سبقت القرآن لم يتكفل اهلل بحفظها؛ بل َوك ََل‬
‫حفظها إلى القوم الذين أنزلها اهلل عليهم؛ ولذا دخلها التحريف‪ ،‬وتعرضت‬
‫هذه الكتب اإللهية للضياع والنسيان‪ ،‬وكتبها المفرتون‪ ،‬ونسبوها إلى اهلل‬
‫زورا وهبتانًا‪ ،‬فهم يكتبوهنا ويتلوهنا بألسنتهم إمعانًا يف التلبيس على الخلق؛‬
‫ً‬
‫ليحسبوها من عند اهلل‪.‬‬
‫‪171‬‬ ‫كتاب اإليمان بالكتب‬

‫القــــــرآن‬
‫الكريم أعظم‬ ‫ونؤمن أن القرآن الكريم هو أعظم الكتب اإللهية وأكملها وأشرفها‪ ،‬وهو‬
‫الكتب اإلهلية‬ ‫آخرها‪ ،‬نزل به جربيل ‪ ‬على قلب رسولنا محمد ﷺ‪ ،‬بلسان عربي‬
‫مبين‪ ،‬واختار اهلل له أشرف اللغات؛ وذلك ألن لغة العرب أفصح اللغات‬
‫وأبينها وأوسعها‪ ،‬وأكثرها تأدية للمعاين؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف‬
‫اللغات‪ ،‬على أشرف الرسل‪ ،‬بسفارة أشرف المالئكة‪ ،‬وكان ذلك يف أشرف‬
‫بقاع األرض‪ ،‬وابتدئ إنزاله يف أشرف شهور السنة‪ ،‬وهو رمضان‪ ،‬فكمل‬
‫من كل الوجوه‪ ،‬وأول ما أنزل اهلل منه قوله تعالى‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)‬

‫[العلق‪ ،]1 :‬ومن أواخر ما نزل منه قوله تعالى‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬


‫منجما على‬
‫ً‬ ‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [المائدة‪ ،]3 :‬نزل‬
‫رسول اهلل ﷺ خالل سنوات نبوته‪ ،‬ومنه المكي والمدين‪ ،‬وعدد سوره مائة‬
‫وأربع عشرة سورة‪ ،‬وأعظم سوره «سورة الفاتحة»‪ ،‬و«سورة اإلخالص»‬
‫تعدل ثلث القرآن‪ ،‬وأعظم آياته آية الكرسي‪.‬‬
‫نورا وهدى ورحم ًة‬
‫وأثنى اهلل على هذا الكتاب العظيم‪ ،‬وجعله ً‬
‫للمؤمنين‪ ،‬وموعظ ًة وشفا ًء من أدواء القلوب واألبدان‪.‬‬
‫القرآن الكريم‬
‫أكمل الكتب‬ ‫ونؤمن أن هذا الكتاب العظيم هو أكمل الكتب اإللهية وأشملها‪ ،‬وتضمن‬
‫اإللـهيـــــة‬ ‫وض ْرب األمثال ما تقوم به الحجة على الخلق إلى‬ ‫من الحجج والرباهين‪َ ،‬‬
‫قيام الساعة ‪ -‬وقد احتوى على كل ما يف الكتب اإللهية السابقة وزاد عليها‪،‬‬
‫وتضمن كل ما يحتاج إليه الخلق من أصول اإليمان والشرائع والرباهين‬
‫والح َكم والمواعظ واألخبار‪ ،‬وهو يف غاية الفصاحة والبيان‪ .‬ومن أعظم‬‫ِ‬
‫أمي ال‬
‫الدَّ الالت على أن هذا القرآن كالم رب العالمين‪ ،‬أن الرسول ﷺ ٌّ‬
‫يقرأ وال يكتب‪ ،‬وأنزل عليه أعظم الكتب وأكملها فصاحة وبيانًا‪.‬‬
‫ونؤمن أن القرآن آية باهرة يف لفظه ومعناه‪ ،‬وتحدى اهلل الجن واإلنس‬
‫‪172‬‬

‫جمي ًعا أن يأتوا بمثله‪ ،‬أو بعشر سور‪ ،‬أو بسورة واحدة من مثله‪.‬‬
‫ونؤمن أن هذا القرآن هو كالم اهلل منزل غير مخلوق‪ ،‬وأنه محفوظ يف‬ ‫القــــرآن‬
‫الكـــريم‬
‫متلو يف المحاريب والمساجد‪ ،‬ال يخرجه‬
‫الصدور‪ ،‬مكتوب يف المصاحف‪ٌّ ،‬‬ ‫منزل مـن‬
‫ذلك عن أن يكون كالم اهلل‪ .‬وكال ُم اهلل صفة من صفاته‪ ،‬وما كان من صفات‬ ‫عنــد اهلل‬

‫اهلل فال يكون مخلو ًقا؛ إذ لو كان مخلو ًقا لجرى عليه ما يجري على سائر‬
‫المحدثات من الفناء والزوال والتغ ُّير‪.‬‬
‫ونؤمن أن هذا القرآن قد تكفل اهلل بحفظه‪ ،‬ولم يجعل ذلك إلى خلقه‪،‬‬ ‫ح��ف��ظ اهلل‬
‫ل��ل��ق��ـ��رآن‬
‫محكما غاية اإلحكام كما جعله متشاهبًا‪ ،‬وب َّين أن أهل الزيغ يتبعون‬
‫ً‬ ‫وجعله‬ ‫ال��ك��ـ��ري��م‬
‫و هيمنتــــه‬
‫المتشـابه منه‪ ،‬والمؤمنون يؤمنون به كله محكمه ومتشاهبه‪.‬‬
‫عىل الكتـب‬
‫ا لسا بقــــة‬
‫حاكما على جميع الكتب السابقة‪ ،‬ومهيمنًا عليها‪ ،‬وأن هذا‬
‫ً‬ ‫وجعله اهلل‬
‫صل بين أهل الكتاب فيما‬ ‫يقص علينا أخبار األمم الماضية‪ ،‬وي ْف ُ‬‫الكتاب ُّ‬
‫اختلفوا فيه‪.‬‬
‫ونؤمن أن هذا القرآن العظيم هو كالم رب العالمين نزل به الروح األمين‪،‬‬
‫وهذا أمر معلوم من دين المسلمين بالضرورة‪ ،‬وجميع المسلمين العلماء‬
‫منهم والعامة مجمعون على ذلك‪ ،‬ولم يخالف يف ذلك أحد منهم‪ ،‬وقد‬
‫شهد اهلل لهذا القرآن بأنه من عنده‪ ،‬وشهدت المالئكة أن هذا القرآن تنزيل‬
‫من حكيم حميد‪ .‬وشهد أهل الكتاب المعاصرون للرسول ﷺ‪ ،‬وذكر اهلل‬
‫هذه الشهادة يف محكم تنزيله‪ .‬وشهد شاهد الجن بأن هذا القرآن تنزيل من‬
‫عند اهلل وأنه موافق لما جاء به موسى ‪ ،‬وشهد كفار قريش أن هذا‬
‫القرآن ليس من كالم البشر‪ ،‬وأنه مخالف لكالمهم‪.‬‬
‫م���واف���ق���ة‬
‫ونؤمن أن ما تضمنه القرآن من علوم إلهية‪ ،‬وأحكام شرعية‪ ،‬وآداب‬ ‫ال����ق����رآن‬
‫ال��ك��ري��م‬
‫ل��ل��ف��ط��رة‬
‫ول��ل��ع��ق��ل‬
‫‪173‬‬ ‫كتاب اإليمان بالكتب‬

‫مرعية ‪ -‬أن ذلك مستقر يف ِ‬


‫الف َطر‪ ،‬موافق لما جاءت به األنبياء‪، ‬‬ ‫ٌّ‬
‫وكل األصول التي ورد التوكيد عليها يف القرآن هي التي دعا إليها المرسلون‪،‬‬
‫وأكدوا عليها‪.‬‬
‫والقرآن العظيم موافق لما يريده اهلل ‪ ‬من الخلق‪ ،‬وموافق‬
‫لما يريده الخلق من الخالق؛ ذلك ألن اهلل هو الخالق‪ ،‬فيعلم ما يحتاج إليه‬
‫العباد‪ ،‬ويعلم ما يصلح أدياهنم وأبداهنم وأموالهم وديارهم‪ ،‬وما أمر بشيء‬
‫إال ويف أمره غاية المصلحة‪ ،‬وال هنى عن أمر إال ويف هنيه غاية االحتياط‬
‫والحماية‪.‬‬
‫والقرآن الكريم موافق لما تقتضيه العقول‪ ،‬ولذا لما ذكر اهلل أصول‬
‫المحرمات يف «سورة األنعام» ختمها بقوله‪( :‬ﮔ ﮕ)‪.‬‬
‫واألدلة التي جاء بها القرآن الكريم أدلة يف غاية البيان والفصاحة‬
‫والقوة والقرب واليسر‪ ،‬يفهمها كل أحد‪ ،‬وال يستطيع أن ينقضها أحد أو‬
‫يردها‪ ،‬وهذا ال يعرف يف كالم أحد من البشر‪ ،‬وأدلته ال يمكن ‪-‬بحال من‬
‫األحوال‪ -‬أن تدل على باطل‪.‬‬
‫ميسر لكل أحد‪،‬‬
‫والقرآن العظيم هو كالم رب العالمين‪ ،‬ومع ذلك فهو ّ‬
‫ميسرا لكل‬
‫ً‬ ‫ولم يكن من معهود البشر أن يكتب الواحد منهم كتا ًبا‪ ،‬فيكون‬
‫أحد‪ ،‬ومخاط ًبا به كل أحد‪ ،‬فهذا ال يكون إال لهذا الكتاب الكريم‪.‬‬
‫والقرآن العظيم محفوظ من التغير واالختالف‪ ،‬وكتب اهلل له البقاء‬
‫والخلود إلى قيام الساعة‪ ،‬وهذا البقاء والخلود وعدم التغير يدل على أنه‬
‫تنزيل من حكيم حميد‪ ،‬ومع بقائه وخلوده وحفظه‪ ،‬ومع تجدُّ د العلوم‬
‫علما تضمن خالف ما جاء به القرآن‪،‬‬
‫والفنون والمكتشفات‪ ،‬لم نجد أن ً‬
‫‪174‬‬

‫بل العلوم توافق القرآن فيما ورد يف القرآن ذكره‪ ،‬كخلق السموات‪ ،‬وخلق‬
‫اإلنسان‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫والقرآن ٍ‬
‫هاد للتي هي أقوم‪ ،‬شامل لكل خير‪ ،‬فهو شامل للخرب عن‬
‫الخالق والمخلوق‪ ،‬والدنيا واآلخرة‪ ،‬والجن واإلنس‪ ،‬واألوامر والنواهي‬
‫واآلداب والواجبات‪ ،‬والجنة والنار‪ ،‬فهو شامل لإليمان والعمل والجزاء‪.‬‬
‫والقرآن الكريم شفاء لألدواء‪ ،‬وال يعرف يف كالم البشر كالم يكون فيه‬
‫الشفاء من أدواء القلوب واألبدان‪ ،‬كما يف هذا القرآن العظيم الذي هو كالم‬
‫رب العالمين‪.‬‬
‫والقرآن يقص علينا أخبار األمم الماضية كما وقعت‪ ،‬ولم تكن أخبارهم‬
‫منتشرة بين أهل مكة‪ ،‬فقصها اهلل علينا كما هي‪ ،‬وهذا شاهد على أن هذا التنزيل‬
‫من حكيم حميد‪.‬‬
‫والقرآن العظيم الذي تضمن غاية البيان والفصاحة واألخبار الغيبية‬
‫دال على‬‫والشرائع الربانية جاء به رسول أمي ال يقرأ وال يكتب‪ ،‬وهذا ٌّ‬
‫أنه تنزيل من حكيم حميد‪ .‬والسورة الواحدة من القرآن الكريم تنزل يف‬
‫ٍ‬
‫مختلفة‪ ،‬ومع ذلك تقرأ السورة كأنما أنزلت‬ ‫أوقات متباعدة‪ ،‬ويف أماك َن‬
‫مرة واحدة‪ ،‬وجرت العادة أن البشر تتفاوت ملكاهتم‪ ،‬وتختلف أساليبهم‬
‫إذا صنفوا الكتب يف أوقات متباعدة‪.‬‬
‫والرسول ﷺ قد آتاه اهلل السنة كما آتاه القرآن‪ :‬ومن نظر يف القرآن والسنة‬
‫علم أن بينهما من التفاوت ما ال يخفى‪.‬‬
‫وأن القرآن تضمن توجيه النبي ﷺ إلى ما ينبغي أن يكون‪ ،‬أو ما يجب‬
‫أن يفعله‪.‬‬
‫‪175‬‬ ‫كتاب اإليمان بالكتب‬

‫بــاب‬
‫وجوب اإليمــان بالكـتب‬
‫ونؤمن بالكتب‪ ،‬وهي كتب اهلل المنزلة على رسله وأنبيائه ‪.‬‬
‫والذي نعلم منها هي‪ :‬صحف إبراهيم‪ ،‬وصحف موسى‪ ،‬والتوراة‪،‬‬
‫والزبور‪ ،‬واإلنجيل‪ ،‬والقرآن‪.‬‬
‫ونؤمن بما علمنا منها وما لم نعلم‪.‬‬
‫ونؤمن أن كل هذه الكتب هي كالم اهلل ووحيه‪ ،‬أنزلها على رسله‬
‫‪ ‬نزل هبا جربيل األمين‪ ،‬وتضمنت الشرائع اإللهية‪ ،‬واألخبار‬
‫والمواعظ واألوامر والنواهي‪ .‬وكان كل كتاب يف زمنه هو الوحي الذي‬
‫يجب العمل به‪ ،‬والتحاكم إليه‪.‬‬
‫ونؤمن أن بعضها أفضل من بعض‪ ،‬فالتوراة كتبها اهلل بيده‪ ،‬قال الحق جل‬
‫يف عاله‪( :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ) [األعراف‪ ،]145 :‬وقال ﷺ مخربًا عن آدم أنه قال لموسى ‪:‬‬
‫ك بِ َي ِد ِه»(((‪ ،‬وقال اهلل يف التوراة‪:‬‬
‫اك اهَّللُ بِ َكلاَ ِم ِه‪َ ،‬و َخ َّط َل َ‬
‫اص َط َف َ‬
‫وسى ْ‬
‫«يا ُم َ‬
‫َ‬
‫(ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [المائدة‪:‬‬

‫‪ .]44‬وقال الحق يف اإلنجيل‪( :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬


‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المائدة‪.]46 :‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6614‬ومسلم (‪ ،)2652‬وأبو داود (‪ ،)4701‬والترمذي‬


‫(‪ ،)2134‬وابن ماجه (‪.)80‬‬
‫‪176‬‬

‫واإليمان بالكتب هو الركن الثالث من أركان اإليمان باهلل‪ ،‬قال المولى‬


‫جل شأنه‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة‪ ،]285 :‬وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪:‬‬
‫َّاس‪َ ،‬ف َأ َتا ُه َر ُج ٌل‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َر ُسول اهللِ‪َ ،‬ما‬ ‫ار ًزا لِلن ِ‬ ‫ول اهللِ ﷺ َي ْو ًما َب ِ‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫ك َ‬
‫«أ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهللِ‪َ ،‬و َملاَ ئِكَتِ ِه‪َ ،‬وكِتَابِ ِه‪َ ،‬ولِ َقائِ ِه‪َ ،‬و ُر ُس ِل ِه‪َ ،‬وت ُْؤ ِم َن‬
‫ان؟ َق َال‪َ :‬‬
‫يم ُ‬ ‫ِ‬
‫الإْ َ‬
‫ث آْال ِخرِ»(((‪ ،‬وال نكون كالذين آمنوا ببعضها‪ ،‬وكفروا ببعض‪ ،‬كما‬ ‫بِا ْلبع ِ‬
‫َْ‬
‫أخرب اهلل عنهم بقوله ‪( :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النساء‪ ،]150 :‬أو كالذين كذبوا‬
‫بالكتب التي أنزلها اهلل على رسله‪ ،‬حيث قال الحق مخربًا عنهم بقوله‬
‫تعالى‪( :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)‬

‫[غافر‪.]70 :‬‬
‫ونؤمن أن كل الكتب التي سبقت القرآن لم يتكفل اهلل بحفظها؛ بل َوك ََل‬ ‫مل يتكفـل اهلل‬
‫بحفــــــظ‬
‫حفظها إلى القوم الذين أنزلها اهلل عليهم‪ ،‬فقال تعالى‪( :‬ﮁ ﮂ ﮃ‬ ‫ال��ك��ت��ب‬
‫ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ‬ ‫ال��س��اب��ق��ة‬

‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [المائدة‪]44 :‬؛ ولذا دخلها‬


‫التحريف‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ)‬

‫[المائدة‪.]13 :‬‬
‫وتعرضت هذه الكتب اإللهية للضياع والنسيان‪ ،‬وكتب المفرتون ما‬
‫َّ‬ ‫ال��ك��ت��ب‬
‫ال��س��اب��ق��ة‬
‫دخ���ل���ه���ا ((( أخرجه البخاري (‪ ،)4777‬ومسلم (‪ ،)9‬وابن ماجه (‪.)64‬‬
‫التـــحريف‬
‫‪177‬‬ ‫كتاب اإليمان بالكتب‬

‫زورا وهبتانًا‪ ،‬قال الحق جل يف عاله‪( :‬ﭧ ﭨ‬


‫كتبوا ونسبوها إلى اهلل ً‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [البقرة‪ ،]79 :‬ويتلوهنا‬
‫بألسنتهم إمعانًا يف التلبيس على الخلق؛ ليحسبوها من عند اهلل‪ ،‬قال اهلل‬
‫مخربًا عن ذلك بقوله تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [آل عمران‪.]78 :‬‬
‫‪178‬‬

‫بــاب‬
‫اإليمان بالقرآن العظيم‬
‫ونؤمن أن القرآن الكريم هو أعظم الكتب اإللهية وأكملها وأشرفها‪،‬‬
‫وهو آخرها‪ ،‬نزل به جربيل ‪ ‬على قلب رسولنا محمد ﷺ‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ) [الشعراء‪ ،]194-192 :‬واختار اهلل له أشرف اللغات‪ ،‬فأنزله بلسان‬
‫عربي مبين‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [يوسف‪:‬‬
‫‪ .]2‬قال ابن قتيبة‪« :‬وإنما يعرف َ‬
‫فضل القرآن َم ْن َك ُث َر َن َظره‪ ،‬واتسع علمه‪،‬‬
‫خص اهلل به لغتها دون‬‫وفهم مذاهب العرب وافتناهنا يف األساليب‪ ،‬وما ّ‬
‫جميع اللغات؛ فإنه ليس يف جميع األمم أ ّمة أوتيت من العارضة والبيان‪،‬‬
‫خصيصي من اهلل؛ لما أرهصه يف الرسول‬ ‫واتساع المجال‪ ،‬ما أوتيته العرب ّ‬
‫نبوته بالكتاب‪ ،‬فجعله علمه‪ ،‬كما جعل‬ ‫ﷺ‪ ،‬وأراده من إقامة الدليل على ّ‬
‫علم كل نبي من المرسلين‪ ،‬من أشبه األمور بما يف زمانه المبعوث فيه»(((‪.‬‬
‫(ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [العلق‪:‬‬ ‫وأول ما أنزل اهلل منه‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬ ‫أول مــــــا‬
‫أن��ـ��زل اهلل‬
‫‪ ،]1‬فعن أم المؤمنين عائشة ‪ ‬أهنا قالت يف أول ما بدئ به رسول‬ ‫مــن القرآن‬
‫الملك‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ا ْق َر ْأ‪،‬‬‫ُ‬ ‫ار ِح َر ٍاء‪َ ،‬ف َجا َء ُه‬ ‫الح ُّق َو ُه َو فِي َغ ِ‬‫اهلل ﷺ‪َ :‬حتَّى َجا َء ُه َ‬ ‫ال��ع��ظ��ي��م‬

‫الج ْهدَ ‪ُ ،‬ث َّم َأ ْر َس َلنِي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ار ٍئ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ َخ َذني‪َ ،‬ف َغ َّطني َحتَّى َب َلغَ منِّي َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ما َأنَا بِ َق ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الج ْهدَ ‪،‬‬ ‫ار ٍئ‪َ ،‬ف َأ َخ َذني‪َ ،‬ف َغ َّطني ال َّثان َي َة َحتَّى َب َلغَ منِّي َ‬ ‫ت‪َ :‬ما َأنَا بِ َق ِ‬ ‫َف َق َال‪ :‬ا ْق َر ْأ‪ُ ،‬ق ْل ُ‬
‫ار ٍئ‪َ ،‬ف َأ َخ َذنِي‪َ ،‬ف َغ َّطنِي ال َّثالِ َثةَ‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫ُث َّم َأ ْر َس َلنِي‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ْق َر ْأ‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬
‫ت‪َ :‬ما َأنَا بِ َق ِ‬

‫((( تأويل مشكل القرآن (ص‪.)17 :‬‬


‫‪179‬‬ ‫كتاب اإليمان بالكتب‬

‫َأ ْر َس َلنِي‪َ ،‬ف َق َال‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬


‫ول اهَّللِ ﷺ َي ْر ُج ُ‬
‫ف ُف َؤا ُد ُه(((‪ .‬ومن أواخر‬ ‫ﮈ) [العلق‪َ ،]3-1 :‬ف َر َج َع بِ َها َر ُس ُ‬
‫ما نزل منه‪ :‬قوله تعالى‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [المائدة‪.»]3 :‬‬
‫القـــــرآن‬ ‫منجما على رسول اهلل ﷺ خالل سنوات نبوته‪ ،‬ومنه‬ ‫ً‬ ‫وقد نزل القرآن‬
‫العظيم نزل‬
‫منجــــمـًا‬ ‫المكي والمدين‪ ،‬وعدد سوره مائة وأربع عشرة سورة‪ ،‬وأعظم سوره «سورة‬
‫اعدٌ ِعنْدَ النَّبِ ِّي ﷺ‬ ‫الفاتحة»‪ ،‬فعن ابن عباس ‪ ‬قال‪ :‬بينَما ِجب ِر ُيل َق ِ‬
‫َْ َ ْ‬
‫اء ُفتِ َح ا ْل َي ْو َم‬ ‫يضا مِن َفوقِ ِه‪َ ،‬فر َفع ر ْأسه‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ه َذا باب ِمن السم ِ‬
‫َ َ ٌ َ َّ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َس ِم َع ن َِق ً‬
‫ض َل ْم‬ ‫ك َنز ََل إِ َلى أْالَ ْر ِ‬ ‫ك‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ه َذا َم َل ٌ‬ ‫َل ْم ُي ْفت َْح َق ُّط إِ اَّل ا ْل َي ْو َم‪َ ،‬فنَز ََل ِمنْ ُه َم َل ٌ‬
‫ك‪:‬‬ ‫ُور ْي ِن ُأوتِيت َُه َما َل ْم ُي ْؤت َُه َما َنبِ ٌّي َق ْب َل َ‬ ‫ِ‬
‫َين ِْز ْل َق ُّط إِ اَّل ا ْل َي ْو َم‪َ ،‬ف َس َّل َم‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬أ ْبش ْر بِن َ‬
‫ف ِمن ُْه َما إِ اَّل ُأ ْعطِي َت ُه»(((‪.‬‬ ‫َاب‪ ،‬و َخواتِيم سور ِة ا ْلب َقر ِة‪َ ،‬لن َت ْقر َأ بِحر ٍ‬
‫َفات َح ُة ا ْلكت ِ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ َ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫و«سورة اإلخالص» تعدل ثلث القرآن‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪َ :‬خ َر َج‬
‫ث ا ْل ُق ْر ِ‬
‫آن»‪َ ،‬ف َق َر َأ‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ول اهللِ ﷺ َف َق َال‪َ :‬‬
‫«أ ْق َر ُأ َع َل ْيك ُْم ُث ُل َ‬ ‫إِ َل ْينَا َر ُس ُ‬
‫ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‪َ )...‬حتَّى َخت ََم َها(((‪.‬‬
‫آية الكريس‬ ‫ول‬‫ب ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫وأعظم آياته آية الكرسي‪ ،‬فعن ُأ َبي ْب ِن َك ْع ٍ‬
‫ِّ‬
‫أعظــم آية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َأ ْع َظ ُم؟» َق َال‪:‬‬ ‫َاب اهلل َم َع َ‬ ‫ي َآية م ْن كت ِ‬ ‫«يا َأ َبا ا ْل ُمنْذ ِر‪َ ،‬أتَدْ ِري َأ ُّ‬
‫اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫َاب اهلل ِ‬
‫ي َآي ٍة ِم ْن كِت ِ‬ ‫ِ‬
‫«يا َأ َبا ا ْل ُمنْذ ِر َأتَدْ ِري َأ ُّ‬ ‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ .‬ق َال‪َ :‬‬
‫ُق ْل ُت‪ُ :‬‬
‫ك َأ ْع َظ ُم؟» َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪( :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [البقرة‪.]255 :‬‬ ‫َم َع َ‬
‫ك ا ْل ِع ْلم َأ َبا ا ْل ُمن ِْذ ِر»(((‪.‬‬‫«واهلل ِ لِ َي ْهن ِ َ‬ ‫ِ‬
‫َق َال‪َ :‬ف َض َر َب في َصدْ ِري‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬‬

‫أخرجه البخاري (‪ ،)3‬ومسلم (‪ ،)160‬والترمذي (‪.)3632‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه مسلم (‪ ،)806‬والنسائي (‪.)912‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه مسلم (‪.)812‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه مسلم (‪ ،)810‬وأبو داود (‪.)1460‬‬ ‫((( ‬
‫‪180‬‬

‫وأثنى اهلل على نفسه بإنزال هذا الكتاب‪ ،‬فقال جل ثناؤه‪( :‬ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ) [الكهف‪ .]1 :‬كما أثنى ‪‬‬
‫على هـذا الكتاب العظيم‪ ،‬فقال الحق جل شأنه وتعالى سلطانه‪( :‬ﮉ ﮊ‬
‫ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ‬
‫أيضا‪( :‬ﭸ ﭹ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الحشر‪ ،]21 :‬وقال‪ ‬سبحانه ً‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)‬

‫[الرعد‪ ،]31 :‬وجعله هدى ورحمة للمؤمنـين‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﯘ ﯙ‬
‫‪ ،]20 ‬وموعظة وشفاء من‬ ‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الجاثية‪:‬‬

‫أدواء القلوب واألبدان‪ ،‬فقال الحق جل شأنه‪( :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬


‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [يونس‪،]57 :‬‬
‫وقال ‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ) [اإلسراء‪.]82  :‬‬
‫ونؤمن أن هذا الكتاب العظيم هو أكمل الكتب اإللهية وأشملها‪ ،‬وتضمن‬ ‫القــــــرآن‬
‫العظيم أكمل‬
‫وض ْرب األمثال ما تقوم به الحجة على الخلق إلى‬
‫من الحجج والرباهين‪َ ،‬‬ ‫الكتب اإلهلية‬
‫قيام الساعة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬ ‫وأشملهــــا‬

‫ﯩ ﯪ) [النساء‪ ،]174 :‬وقال الحق جل يف عاله‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬


‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الفرقان‪ ،]33 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [اإلسراء‪ ،]89 :‬وقال‬
‫‪( :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [اإلسراء‪:‬‬

‫‪ ،]41‬قال ابن جرير‪« :‬يقول تعالى ذكره‪( :‬ﭲ ﭳ) لهؤالء المشركين‬


‫المفرتين على اهلل (ﭴ ﭵ ﭶ) العرب واآليات والحجج‪ ،‬وضربنا لهم‬
‫فيه األمثال‪ ،‬وحذرناهم فيه‪ ،‬وأنذرناهم (ﭷ) يقول‪ :‬ليتذكروا تلك‬
‫‪181‬‬ ‫كتاب اإليمان بالكتب‬

‫الحجج عليهم‪ ،‬فيعقلوا خطأ ما هم عليه مقيمون‪ ،‬ويعتربوا بالعرب‪ ،‬فيتعظوا‬


‫هبا‪ ،‬وينيبوا من جهالتهم‪ ،‬فما يعتربون هبا‪ ،‬وال يتذكرون بما يرد عليهم من‬
‫اآليات والنذر»(((‪.‬‬
‫وقد احتوى هذا القرآن العظيم على كل ما يف الكتب اإللهية السابقة‪،‬‬
‫وزاد عليها‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ) [األنعام‪ ،]115 :‬وتضمن كل ما يحتاج إليه الخلق من‬
‫أصول اإليمان والشرائع والرباهين والحكم والمواعظ واألخبار‪ ،‬قال‬
‫الحق جل شأنه‪( :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [اإلسراء‪ ،]9 :‬وقال‬
‫تعالى‪( :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)‬
‫[يوسف‪ ،]3 :‬وهو يف غاية الفصاحة والبيان‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ت بِ َج َو ِام ِع الك َِلمِ‪،‬‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الزمر‪ .]23 :‬وقال ﷺ‪ُ « :‬ب ِع ْث ُ‬
‫ِ‬
‫َونُص ْر ُت بِ ُّ‬
‫الر ْع ِ‬
‫ب»(((‪.‬‬
‫القرآن كالم‬ ‫ومن أعظم الدالالت على أن هذا القرآن كالم رب العالمين‪ :‬أن الرسول‬
‫رب العاملني‬
‫ﷺ أمي ال يقرأ وال يكتب‪ ،‬وأنزل عليه أعظم الكتب وأكملها فصاحة وبيانًا‪،‬‬
‫قال اهلل تعالى‪( :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ) [العنكبوت‪ ،]48 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ)‬

‫[األعراف‪.]158 :‬‬
‫ونؤمن أن القرآن آية باهرة يف لفظه ومعناه‪ ،‬وتحدى اهلل الجن واإلنس‬
‫جمي ًعا أن يأتوا بمثله‪ ،‬أو بعشر سور من مثله‪ ،‬أو بسورة واحدة‪ ،‬فتبارك اهلل‬

‫(( ( تفسير الطبري (‪.)453/17‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2977‬ومسلم (‪ ،)523‬والترمذي (‪ ،)1553‬والنسائي (‪.)3087‬‬
‫‪182‬‬

‫رب العالمين‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬


‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [اإلسراء‪:‬‬

‫‪ ،]88‬وقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬


‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [هود‪ .]13 :‬وقال المولى عز‬
‫شأنه‪( :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [البقرة‪.]23 :‬‬
‫ونؤمن أن هذا القرآن قد تكفل اهلل بحفظه‪ ،‬ولم يجعل ذلك إلى خلقه‪،‬‬ ‫القــــرآن‬
‫الكريـــم‬
‫قال تعالى‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الحجر‪ .]9 :‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫تكفـل اهلل‬
‫بحفظــــه‬
‫(ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [فصلت‪،]42 :‬‬
‫محكما كله من حيث اإلحكام العا ِّم‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﮔﮕ‬
‫ً‬ ‫وجعله‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [هود‪ ،]1 :‬كما جعله متشاهبًا‬
‫(ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)‬ ‫كله‪ ،‬فقال الحق سبحانه‪:‬‬
‫[الزمر‪ ،]23 :‬وجعل منه المحكم والمتشابه‪ ،‬فقال تعالى‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬
‫ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [آل‬

‫عمران‪ ،]7 :‬وبين أن أهل الزيغ يتبعون المتشابه منه‪ ،‬والمؤمنون يؤمنون به‬
‫كله محكمه ومتشاهبه‪.‬‬
‫حاكما على جميع الكتب السابقة‪ ،‬ومهيمنًا عليها‪ ،‬قال المولى‬
‫ً‬ ‫وجعله اهلل‬
‫عز شأنه‪( :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ) [المائدة‪ .]48 :‬وبين الحق أن هذا الكتاب يقص علينا أخبار‬
‫‪183‬‬ ‫كتاب اإليمان بالكتب‬

‫األمم الماضية‪ ،‬كما يف قول الحق جل شأنه‪( :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬


‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [يوسف‪ ،]102 :‬ومثلها كثير‪،‬‬
‫والقرآن ي ْف ُ‬
‫صل بين أهل الكتاب فيما اختلفوا فيه‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [النمل‪.]76  :‬‬
‫َّاس‪ ،‬إِ َّن َه َذا ا ْل ُق ْر َ‬ ‫ِ ِ‬
‫آن‬ ‫وقال عمر بن الخطاب ‪َ ‬ع َلى منْ َب ِره‪َ « :‬أ ُّي َها الن ُ‬
‫كَلاَ ُم اهَّللِ‪َ ،‬فلاَ َأ ْع ِر َف َّن َما َع َط ْفت ُُمو ُه َع َلى َأ ْه َوائِ ُك ْم؛ َفإِ َّن الإْ ِ ْسلاَ َم َقدْ َخ َض َع ْت‬
‫ِ‬
‫السنَ ُن‪َ ،‬و َل ْم ُيت َْر ْك‬‫َّاس‪َ ،‬فدَ َخ ُلو ُه َط ْو ًعا َوك َْر ًها‪َ ،‬و َقدْ ُوض َع ْت َل ُك ُم ُّ‬ ‫اب الن ِ‬ ‫َل ُه ِر َق ُ‬
‫لأِ َ َح ٍد َم َقالاً إِ اَّل َأ ْن َي ْك ُف َر َع ْبدٌ َع ْمدً ا َع ْينًا‪َ ،‬فا َّتبِ ُعوا َولاَ‪َ  ‬ت ْبت َِد ُعوا‪َ ،‬ف َقدْ ك ُِفيت ُْم‪،‬‬
‫ا ْع َم ُلوا بِ ُم ْح َك ِم ِه‪َ ،‬وآمِنُوا بِ ُمت ََشابِ ِه ِه»(((‪.‬‬
‫آن كَلاَ ُم اهَّللِ‪َ ،‬فلاَ َت ْص ِر ُفو ُه‬ ‫أيضا‪« :‬ا ْل ُق ْر ُ‬ ‫وقال عمر بن الخطاب ‪ً ‬‬
‫َع َلى َآرائِ ُك ْم»(((‪.‬‬
‫اب ْب ُن الأْ َ َر ِّت ‪ ‬لِي‬ ‫و َع ْن َف ْر َو َة ْب ِن ن َْو َف ٍل الأْ َ ْش َج ِعي َق َال‪« :‬ك َ‬
‫َان َخ َّب ُ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َج ًارا‪َ ،‬ف َق َال لي َي ْو ًما‪َ :‬يا َهنَا ْه‪َ ،‬ت َق َّر ْب إِ َلى اهَّلل َت َعا َلى َما ْ‬
‫اس َت َط ْع َت‪َ ،‬وا ْع َل ْم َأن ََّك‬
‫ب إِ َل ْي ِه مِ ْن كَلاَ مِ ِه»(((‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َل ْس َت َت َت َق َّر ُب إِ َل ْيه بِ َش ْيء ُه َو َأ َح ُّ‬
‫القــــرآن‬ ‫ونؤمن أن هذا القرآن هو كالم اهلل‪ ،‬منزل غير مخلوق‪ ،‬وأنه محفوظ‬
‫العظيـــم‬
‫تنزيــل رب‬ ‫يف الصدور‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫العالـمني‬

‫(( ( أخرجه أحمد في الزهد (‪ ،)191‬والدارمي (‪ ،)3398‬وعبدالله بن أحمد في السنة‬


‫(‪ ،)117‬واآلجري في الشريعة (‪ )155‬واللفظ له‪ ،‬وابن بطة في اإلبانة (‪.)23‬‬
‫((( أخرجه اآلجري في الشريعة (‪.)156‬‬
‫((( أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص‪ ،)77 :‬وابن أبي شيبة (‪ ،)30722‬وأحمد في‬
‫الزهد (‪ ،)192‬وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (‪ ،)160‬وعبدالله بن‬
‫أحمد في السنة (‪.)111‬‬
‫‪184‬‬

‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [العنكبوت‪ ،]49 :‬وسواء كان‬


‫متلوا يف المحاريب والمساجد‪ ،‬فال يخرجه‬
‫مكتو ًبا يف المصاحف‪ ،‬أو ًّ‬
‫ذلك عن أن يكون كالم اهلل‪ ،‬قال اهلل جل يف عاله‪( :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ‬
‫ﯹ) [فاطر‪ ،]29 :‬وقال اهلل تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الواقعة‪.]80-77 :‬‬
‫والقرآن العظيم كالم اهلل‪ ،‬والكمه صفة من صفاته‪ ،‬وما كان من صفات‬ ‫القــــــرآن‬
‫العظيم كالم‬
‫اهلل فال يكون مخلو ًقا؛ إذ لو كان مخلو ًقا لجرى عليه ما يجري على سائر‬ ‫اهلل‪ ،‬وكالمه‬
‫صفة مــــن‬
‫المحدثات من الفناء والزوال والتغير‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫صفاتـــــه‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النساء‪ ،]82 :‬وقال الحق جل يف‬
‫عاله‪( :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [التوبة‪.]6 :‬‬
‫الح َس ْي َن‪،‬‬ ‫َان النَّبِ ُّي ﷺ ُي َع ِّو ُذ َ‬
‫الح َس َن َو ُ‬ ‫وعن ابن عباس ‪ L‬قال‪ :‬ك َ‬
‫ات اهَّلل ِ‬‫اق‪َ :‬أعو ُذ بِك َِلم ِ‬ ‫َان يعو ُذ بِها إِسم ِ‬
‫َ‬ ‫يل َوإِ ْس َح َ ُ‬ ‫اع َ‬ ‫ول‪« :‬إِ َّن َأ َباك َُما ك َ ُ َ ِّ َ ْ َ‬ ‫َو َي ُق ُ‬
‫ان َو َه َّام ٍة‪َ ،‬و ِم ْن ك ُِّل َع ْي ٍن اَل َّم ٍة»(((‪.‬‬
‫الت ََّّام ِة‪ِ ،‬م ْن ك ُِّل َش ْي َط ٍ‬

‫وحكى إسماعيل بن أبي أويس إجماع أهل المدينة على أن القرآن‬


‫غير مخلوق‪ ،‬فقال‪« :‬كان مالك وعلماء أهل بلدنا يقولون‪ :‬القرآن من اهلل‪،‬‬
‫وليس من اهلل شيء مخلوق‪ ،‬وعلماء أهل المدينة يف وقت مالك بن أنس‪:‬‬
‫محمد بن عبدالرحمن بن أبي ذئب‪ ،‬وعبدالعزيز بن أبي سلمة الماجشون‪،‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)3371‬وأبو داود (‪ )4737‬وقال‪ :‬هذا دليل على أن القرآن ليس‬
‫بمخلوق‪ ،‬والترمذي (‪ ،)2060‬وابن ماجه (‪.)3525‬‬
‫‪185‬‬ ‫كتاب اإليمان بالكتب‬

‫وأبو بكر بن أبي سربة‪ ،‬وإبراهيم بن سعد الزهري‪ ،‬وسعيد بن عبدالرحمن‬


‫الجمحي‪ ،‬وحاتم بن إسماعيل‪ ،‬وعبداهلل بن عبدالعزيز العمري الزاهد‪،‬‬
‫وأبو ضمرة أنس بن عياض‪ ،‬ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك»(((‪.‬‬
‫وقال شعيب بن حرب‪ :‬قلت ألبي عبداهلل سفيان بن سعيد الثوري‪:‬‬
‫«حدثني بحديث من السنة ينفعني اهلل ‪ ‬به‪ ،‬فإذا وقفت بين يدي اهلل‬
‫‪ ‬وسألني عنه‪ ،‬فقال لي‪ :‬من أين أخذت هذا؟ قلت‪ :‬يا رب حدثني‬
‫هبذا الحديث سفيان الثوري‪ ،‬وأخذته عنه‪ ،‬فأنجو أنا‪ ،‬وتؤاخذ أنت‪ .‬فقال‪:‬‬
‫يا شعيب‪ ،‬هذا توكيد‪ ،‬وأي توكيد‪ ،‬اكتب‪ :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ :‬القرآن‬
‫كالم اهلل غير مخلوق‪ ،‬منه بدأ وإليه يعود»(((‪.‬‬
‫وقال اإلمام ابن جرير الطربي‪« :‬حدثنا ابن عيينة قال‪ :‬سمعت عمرو بن‬
‫دينار يقول‪ :‬أدركت مشايخنا منذ سبعين سنة يقولون‪ :‬القرآن كالم اهلل‪ ،‬منه‬
‫بدأ وإليه يعود»(((‪.‬‬
‫وعن الحسن بن أيوب قال‪« :‬سمعت أحمد بن حنبل يقول عن الفريابي‬
‫قال‪ :‬سمعت الثوري ‪ -‬يعني سفيان ‪ -‬يقول‪ :‬من قال‪ :‬القرآن مخلوق‪ ،‬فهو‬
‫زنديق»‪ .‬وعن عبداهلل بن أحمد بن حنبل قال‪ :‬سمعت أبي يقول‪ :‬بلغني‬
‫عن إبراهيم ابن سعد‪ ،‬وسعيد بن عبدالرحمن الجمحي‪ ،‬ووهب بن جرير‪،‬‬
‫وأبي النضر هاشم بن القاسم‪ ،‬وسليمان بن حرب قالوا‪ :‬القرآن ليس‬
‫بمخلوق»(((‪.‬‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪.)300/2‬‬ ‫(( (‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪.)170/1‬‬ ‫((( ‬
‫صريح السنة‪ ،‬للطبري (ص‪.)19 :‬‬ ‫((( ‬
‫شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪.)277/2‬‬ ‫((( ‬
‫‪186‬‬

‫وبوب إمام األئمة محمد بن خزيمة ‪ ‬على هذه المسألة‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫ّ‬
‫«باب من األدلة التي تدل على أن القرآن كالم اهلل الخالق‪ ،‬وقوله غير‬
‫مخلوق»(((‪.‬‬
‫وقال أبو سعيد الدارمي‪« :‬ففي هذه األحاديث بيان أن القرآن غير‬
‫مخلوق؛ ألنه ليس شيء من المخلوقين من التفاوت يف فضل ما بينهما كما‬
‫بين اهلل وبين خلقه يف الفضل؛ ألن فضل ما بين المخلوقين يستدرك‪ ،‬وال‬
‫يسـتدرك فضل اهلل على خلقه‪ ،‬وال يحصيه أحد‪ ،‬وكذلك فضل كالمه على‬
‫كالم المخلوقين‪ ،‬ولو كان كال ًما مخلو ًقا لم يكن فضل ما بينه وبين سائر‬
‫الكالم كفضل اهلل على خلقه‪ ،‬وال كعشر عشر جزء من ألف ألف جزء وال‬
‫قري ًبا وال قري ًبا‪ ،‬فافهموه؛ فإنه ليس كمثله شيء‪ ،‬فليس ككالمه كالم‪ ،‬ولن‬
‫يؤتى بمثله أبدً ا»(((‪.‬‬
‫وعن أبي يوسف ‪ ‬أنه قال‪« :‬أما القرآن فإنه كـالم اهلل تعالى‪،‬‬
‫وجدت أبا حنيفة واألئمةَ‪ ،‬ولم يكن عندهم‬ ‫ُ‬ ‫ووح ُيه وتنْزي ُله‪ ،‬على هذا‬
‫مخلو ًقا‪ ،‬وال خال ًقا»(((‪.‬‬

‫(( ( التوحيد‪ ،‬البن خزيمة (‪.)404/1‬‬


‫((( الرد على الجهمية‪ ،‬للدارمي (ص‪.)188 :‬‬
‫((( االعتقاد‪ ،‬للنيسابوري (ص‪.)135 :‬‬
‫‪187‬‬ ‫كتاب اإليمان بالكتب‬

‫بــاب‬
‫القرآن الكريم تنزيل رب العالـمين‬
‫ونؤمن أن هذا القرآن العظيم هو كالم رب العالمين‪ ،‬نزل به الروح‬
‫األمين‪ ،‬وهذا أمر معلوم من دين المسلمين بالضرورة‪ ،‬والمسلمون‬
‫مجمعون على ذلك‪ ،‬ولم يخالف يف ذلك أحد منهم‪ .‬وهذا األمر ‪-‬وهو‬
‫كونه من رب العالمين‪ -‬تدل عليه أدلة كثيرة ال يمكن حصرها‪ ،‬وال اإلحاطة‬
‫هبا‪ ،‬فمنها‪:‬‬

‫الشهادة‬ ‫شهادة اهلل لهذا القرآن بأنه من اهلل‪ ،‬قال الحق ‪ -‬وقوله الحق‪( :‬ﭑ ﭒ‬
‫للقـرآن‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫ﭥ) [األنعام‪ ،]19 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ‬
‫ﮗﮘ) [النساء‪.]166 :‬‬
‫ومنها‪ :‬شهادة المالئكة أن هذا القرآن تنزيل من حكيم حميد‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫(ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ) [النساء‪.]166 :‬‬
‫ومنها‪ :‬أنه موافق لما جاءت به األنبياء ‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪:‬‬
‫(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‪)...‬‬

‫[اإلسراء‪ .]23 :‬إلى قوله ‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ‬


‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [اإلسراء‪.]39 :‬‬
‫‪188‬‬

‫وقال تعالى‪( :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬


‫ﭥ) [آل عمران‪ .]3 :‬فكل هذه األصول التي ورد التوكيد عليها هي‬
‫التي دعا إليها المرسلون وأكَّدوا عليها‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬شهادة أهل الكتاب المعاصرين للرسول ﷺ‪ ،‬وذكر اهلل هذه الشهادة‬
‫يف محكم تنزيله‪ ،‬فقال جل من قائل‪( :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ‬
‫ﯛ) [األحقاف‪ .]10 :‬ويف «الصحيحين» من خرب ورقة بعدما أخربه الرسول‬
‫ِ‬
‫وسى»(((‪.‬‬‫اهَّلل َع َلى ُم َ‬
‫وس ا َّلذي ن ََّز َل ُ‬
‫ﷺ بما رأى « َف َق َال َل ُه َو َر َقةُ‪َ :‬ه َذا النَّا ُم ُ‬
‫ويف خرب جعفر ‪ ‬حينما سأله النجاشي‪ :‬هل معك شيء مما جاء‬
‫«واهَّللِ إِ َّن َه َذا ا ْل َكلاَ َم َوا ْل َكلاَ َم‬ ‫ِ‬
‫به الرسول ﷺ؟ فقرأ عليه‪ُ ،‬ث َّم َق َال الن ََّجاش ُّي‪َ :‬‬
‫احدَ ٍة»(((‪.‬‬
‫اة و ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وسى َل َي ْخ ُر َجان م ْن م ْش َك َ‬
‫ِ‬
‫ا َّلذي َجا َء ُم َ‬
‫ومنها‪ :‬شهادة الجن بأن هذا القرآن تنزيل من عند اهلل‪ ،‬وأنه موافق لما‬
‫جاء به موسى ‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭥﭦ‬
‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ) [األحقاف‪ .]30 ،29 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ‬
‫ﭨ) [الجن‪.]2 ،1 :‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)3392‬ومسلم (‪.)160‬‬


‫((( أخرجه إسحاق بن راهويه (‪ ،)1835‬وأحمد (‪ ،)22498‬وابن خزيمة (‪،)2260‬‬
‫والطحاوي في شرح مشكل اآلثار (‪ ،)5598‬وأبو نعيم في الحلية (‪ ،)115 /1‬وفي‬
‫دالئل النبوة (‪.)194‬‬
‫‪189‬‬ ‫كتاب اإليمان بالكتب‬

‫ومنها‪ :‬شهادة كفار قريش أن هذا القرآن ليس من كالم البشر‪ ،‬وأنه‬
‫مخالف لكالمهم‪ ،‬فعن ابن عباس ‪َ « :‬أ َّن ا ْل َولِيدَ ْب َن ا ْل ُم ِغ َير ِة َجا َء‬
‫آن‪َ ،‬ف َك َأ َّن ُه َر َّق َل ُه‪َ ،‬ف َب َل َغ َذل ِ َك َأ َبا َج ْهلٍ‪َ ،‬ف َأ َتا ُه‪،‬‬ ‫إِ َلى النَّبِي ﷺ‪َ ،‬ف َق َر َأ َع َل ْي ِه ا ْل ُق ْر َ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َق َال‪َ :‬يا َع ُّم‪ ،‬إِ َّن َق ْو َم َك َي َر ْو َن َأ ْن َي ْج َم ُعوا َل َك َمالاً ‪َ .‬ق َال‪ :‬لم؟ َق َال‪ :‬ل ُي ْع ُطو َك ُه‬
‫َفإِن ََّك َأ َت ْي َت ُم َح َّمدً ا ل ِ ُت ْع ِر َض ل ِ َما قِ َب َل ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬قدْ َعلِ َم ْت ُق َر ْي ٌش َأنِّي مِ ْن َأ ْك َث ِر َها‬
‫َار ٌه َل ُه َق َال‪:‬‬ ‫يه َق ْولاً َي ْب ُل ُغ َق ْو َم َك َأن ََّك ُمنْكِ ٌر َل ُه‪َ ،‬أ ْو َأ َّن َك ك ِ‬ ‫مالاً ‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف ُق ْل فِ ِ‬
‫َ‬
‫ار مِنِّي‪َ ،‬ولاَ َأ ْع َل َم بِ َر َج ٍز َولاَ‬ ‫ول؟! َف َواهَّللِ َما فِي ُك ْم َر ُج ٌل َأ ْع َل َم بِالأْ َ ْش َع ِ‬ ‫َو َما َذا َأ ُق ُ‬
‫ول َشيئا مِن ه َذا‪ ،‬وواهَّللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ار ا ْل ِ‬ ‫بِ َق ِصيدَ ٍة مِنِّي َولاَ بِ َأ ْش َع ِ‬
‫ج ِّن‪َ ،‬واهَّلل َما ُي ْشبِ ُه ا َّلذي َي ُق ُ ْ ً ْ َ َ َ‬
‫ول حلاَ َوةً‪َ ،‬وإِ َّن َع َل ْي ِه َل َطلاَ َوةً‪َ ،‬وإِ َّن ُه َل ُم ْث ِم ٌر َأ ْعلاَ ُه ُم ْغ ِد ٌق‬ ‫إِ َّن ل ِ َق ْول ِ ِه ا َّل ِذي َي ُق ُ‬
‫َأ ْس َف ُل ُه‪َ ،‬وإِ َّن ُه َل َي ْع ُلو َو َما ُي ْع َلى‪َ ،‬وإِ َّن ُه َل َي ْحطِ ُم َما َت ْح َت ُه»(((‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن القرآن العظيم موافق لما يريده اهلل ‪ ‬من الخلق‪،‬‬
‫قال المولى عز شأنه‪( :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [األنعام‪.]153 :‬‬
‫القــرآن‬ ‫ٍ‬
‫وآداب‬ ‫ٍ‬
‫شرعية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫إلهية‪ ،‬وأحكا ٍم‬ ‫معارف‬
‫َ‬ ‫ومنها‪ :‬أن ما تضمنه القرآن من‬
‫مرعيـ ٍَّة كله مما استقر يف الفطر‪ ،‬قال الحق جـل يف عـاله‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫العظيـم‬
‫موافــق‬
‫للفطـرة‬
‫ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الروم‪.]30 :‬‬
‫ومنها‪ :‬أن القرآن العظيم موافق لما فيه صالح الخلق؛ ذلك ألن اهلل هو‬
‫الخالق‪ ،‬فيعلم ما يحتاج إليه العباد‪ ،‬ويعلم ما يصلح أدياهنم وأبداهنم وأموالهم‬
‫وديارهم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الملك‪ .]14 :‬وما أمر‬

‫((( أخرجه الحاكم (‪ ،)3872‬والبيهقي في الشعب (‪ ،)133‬وفي دالئل النبوة (‪.)198 /2‬‬
‫‪190‬‬

‫إال ويف أمره غاية المصلحة‪ ،‬وال هنى إال ويف هنيه غاية االحتياط والحماية‪.‬‬
‫ومنها أن القرآن الكريم موافق لما تقتضيه العقول؛ ولذا لما ذكر اهلل‬
‫أصول المحرمات يف «سورة األنعام» ختمها بقوله‪( :‬ﰁ ﰂ)‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬
‫ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [األنعام‪.]151 :‬‬
‫كثيرا ما‬
‫وخطاب القرآن ألولي األلباب أكثر من أن يحصر‪ ،‬كما أن اهلل ً‬ ‫القرآن الكريم‬
‫خطاب ألويل‬
‫يطلب من العباد التف ُّكر والنظر واالعتبار فيما يأمر به‪ ،‬أو ينهى عنه‪.‬‬ ‫األلبـــــاب‬

‫ومنها‪ :‬أن األدلة التي جاء هبا القرآن الكريم أدلة يف غاية البيان والفصاحة‬
‫والقـوة والقرب واليسـر‪ ،‬يفهمها كل أحد‪ ،‬وهذا ال يعرف يف كالم أحد من‬
‫البشر‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪( :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [لقمان‪ ،]11 :‬ويف قوله ‪( :‬ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [األنبياء‪،]22 :‬‬
‫كما أن أدلته ال يمكن ‪-‬بحال من األحوال‪ -‬أن تدل على باطل‪ ،‬ومن قوة‬
‫أدلته أنه ال يمكن نقضها أو ردها‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [اإلسراء‪.]81 :‬‬
‫ميسر لكل أحد‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬أن القرآن العظيم ‪-‬وهو كالم رب العالمين‪َّ -‬‬
‫قال تعالى‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [القمر‪ .]17 :‬ولم يكن‬
‫ميسرا لكل أحد‪،‬‬
‫ً‬ ‫من معهود البشر أن يكتب الواحد منهم كتا ًبا فيكون‬
‫ومخاط ًبا به كل أحد‪ ،‬فهذا ال يكون إال لهذا الكتاب الكريم‪.‬‬
‫‪191‬‬ ‫كتاب اإليمان بالكتب‬

‫حفظ القرآن‬ ‫ومنها‪ :‬أن القرآن العظيم محفوظ من التغ ُّير والتبديل‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮗ‬
‫العظيــــم‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الحجر‪ .]9 :‬وكتب اهلل له البقاء والخلود إلى‬
‫قيام الساعة‪ ،‬فهذا البقاء والخلود وعدم التغ ّير يدل على أنه تنزيل من حكيم‬
‫حميد‪ ،‬قال الحق‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ) [النساء‪.]82 :‬‬
‫ومع بقائه وخلوده وحفظه ومع تجدُّ د العلوم والفنون والمكتشفات‪ ،‬لم‬
‫علما تضمن خالف ما جاء به القرآن‪ ،‬بل العلوم توافق القرآن فيما‬
‫نجد أن ً‬
‫ورد يف القرآن ذكره‪ ،‬كخلق السموات‪ ،‬وخلق اإلنسان وغير ذلك‪.‬‬
‫القـــرآن‬
‫ومنها‪ :‬أن القرآن ٍ‬
‫هاد للتي هي أقوم‪ ،‬شامل لكل خير‪ ،‬فهو شامل للخرب‬
‫العظيــــم‬
‫هيدي للتـي‬ ‫عن الخالق والمخلوق‪ ،‬والدنيا واآلخرة‪ ،‬والجن واإلنس‪ ،‬واألوامر‬
‫هي أقـــوم‬ ‫والنواهي واآلداب والواجبات‪ ،‬والجنة والنار‪ ،‬فهو شامل لإليمان والعمل‬
‫والجزاء‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [األنعام‪ ،]38 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫(ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [اإلسراء‪.]9  :‬‬
‫ومنها‪ :‬أن القرآن الكريم شفاء لألدواء‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [يونس‪:‬‬

‫‪ .]57‬وال يعرف يف كالم البشر كالم يكون فيه الشفاء من أدواء القلوب‬
‫واألبدان‪ ،‬كما يف هذا القرآن العظيم الذي هو كالم رب العالمين‪.‬‬
‫اهلل حتـدى‬ ‫ومنها‪ :‬أن اهلل تحدى اإلنس والجن أن يأتوا بمثلـه‪ ،‬أو بمثل سـورة منه‪،‬‬
‫اإلنــــس‬
‫واجلـن أن‬ ‫قال تعالى‪( :‬ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬
‫يأتوا بمثلـه‬ ‫ﯟ ﯠﯡ ﯢ) [يونس‪ ،]38 :‬وبين أنه ال ريب فيه‪ ،‬فقال الحق‪: ‬‬
‫(ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫‪192‬‬

‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [يونس‪.]37 :‬‬
‫ومنها‪ :‬أن هذا القرآن يقص علينا أخبار األمم الماضية كما وقعت‪ ،‬ولم‬
‫تكن أخبارهم منتشرة بين أهل مكة‪ ،‬فقصها اهلل علينا‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪:‬‬
‫(ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [يوسف‪ .]3 :‬وهذا شاهد على أن هذا التنزيل من‬
‫حكيم حميد‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن هذا القرآن العظيم الذي تضمن غاية البيان والفصاحة‬
‫واألخبار الغيبية والشرائع الربانية جاء به رسول أمي ال يقرأ وال يكتب‪،‬‬
‫قال المولى جل شأنه‪( :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ‬
‫‪ ،]48‬وقال تعالى‪( :‬ﭴ ﭵ‬ ‫ﮏ ﮐ ﮑ) [العنكبوت‪:‬‬

‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)‬

‫[األعراف‪.]157 :‬‬
‫ومنها‪ :‬أن السورة الواحدة من القرآن الكريم تنزل يف أوقات متباعدة‬
‫ويف أماكن مختلفة‪ ،‬ومع ذلك تقرأ السورة كأنما أنزلت مرة واحدة‪ ،‬وجرت‬
‫العادة أن البشر تتفاوت ملكاهتم‪ ،‬وتختلف أساليبهم إذا صنفوا الكتب يف‬
‫أوقات متباعدة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن الرسـول ﷺ قد آتاه اهلل السنة كما آتاه القرآن‪ ،‬قال ﷺ‪َ :‬‬
‫«أ اَل‬
‫َاب‪َ ،‬و ِم ْث َل ُه َم َع ُه»(((‪.‬‬ ‫إِنِّي ُأوتِ ُ ِ‬
‫يت ا ْلكت َ‬
‫ومنها‪ :‬أن القرآن تضمن توجيه النبي ﷺ إلى ما ينبغي أن يكون‪ ،‬أو ما‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)4604‬والترمذي (‪ ،)2664‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪)24816‬‬
‫وفي المسند (‪ ،)927‬وأحمد (‪.)17174‬‬
‫‪193‬‬ ‫كتاب اإليمان بالكتب‬

‫يجب أن يفعله‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪( :‬ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬


‫ﯹ ﯺ ﯻ) [األنفال‪ ،]68 :‬وقوله تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [التحريم‪ ،]1 :‬وقوله تعالى‪( :‬ﭑ‬
‫ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [عبس‪ ،]7-١ :‬وقوله‬
‫تعالى‪( :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [اإلسراء‪:‬‬

‫سجل هذا على نفسه؛‬


‫‪ ،]75 ،74‬ولو كان القرآن من عند الرسول ﷺ لما َّ‬
‫فلما ورد فيه مثل هذا التوجيه الكريم للنبي الكريم ﷺ؛ دل قط ًعا على أنه‬
‫ليس من عنده‪ ،‬بل هو من عند العليم الحكيم‪.‬‬
‫كتــاب الرســل واألنبـيــاء‬
‫‪‬‬
‫‪196‬‬

‫ملخص الكتاب‬

‫ونؤمن أن اإليمان بالرسل ‪ ‬هو الركن الرابع من أركان اإليمان‬


‫باهلل تعالى‪.‬‬
‫ونؤمن أن أساس دعوة الرسل ‪ ‬هو العلم باهلل تعالى وبأسمائه‬
‫وصفاته وأفعاله‪ ،‬وأهنم كلهم ُب ِعثوا بالتوحيد و َد َعوا إلى عبادة اهلل وحده‬
‫وترك عبادة ما سواه‪ ،‬فاألنبياء والمرسلون أكمل الناس توحيدً ا وإيمانًا‪ ،‬وهم‬
‫أعلم الخلق بالخالق ‪ ‬وما يجب له وما يمتنع عليه ‪.‬‬
‫وكل نبي دعا قومه إلى أصلين عظيمين‪ ،‬هما‪ :‬عبادة اهلل وحده‪ ،‬واإليمان‬
‫باليوم اآلخر وما أعد اهلل فيه من النعيم ألوليائه‪ ،‬والعذاب ألعدائه‪.‬‬
‫ونؤمن أن األنبياء ‪ ‬متفقون يف األصول الكربى التي دعوا‬
‫إليها‪ ،‬فكلهم دعا إلى اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪،‬‬
‫واإليمان بالقدر خيره وشره‪ ،‬وكلهم دعوا إلى أصول العبادات‪ ،‬كالصالة‪،‬‬
‫والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج‪ ،‬وأصول األخالق المحمودة‪ ،‬وهنوا عن أصول‬
‫األخالق المذمومة‪ ،‬فاألنبياء ‪ ‬متفقون يف األصول‪ ،‬أما الشرائع‬
‫التي دعوا إليها فمختلفة يف أحكامها وتفاصيلها‪.‬‬
‫ونؤمن أنه يجب اإليمان بجميع األنبياء ‪ ‬وتصديقهم يف كل‬ ‫جيب اإليامن‬
‫بجميــــع‬
‫ما أخربوا به من الغيب‪ ،‬وطاعتهم فيما أمروا به‪ ،‬واالنتهاء عن كل ما هنوا‬ ‫األنبيــــاء‬
‫‪‬‬
‫وتصديقهم‬
‫‪197‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫عنه‪ ،‬ومحبتهم وتوقيرهم واالقتداء هبم‪ ،‬والشهادة لهم بأهنم ب َّلغوا الرسالة‪،‬‬
‫وأدوا األمانة‪ ،‬ونصحوا هلل ولعباده‪ ،‬وجاهدوا يف اهلل حق جهاده‪ ،‬ويجب‬
‫على كل أمة العمل بشريعة الرسول الذي أرسل إليها‪ ،‬ويجب على هذه‬
‫األمة ‪-‬أمة محمد ﷺ‪ -‬من الجن واإلنس العمل بشريعة خاتم األنبياء‬
‫والمرسلين محمد ﷺ؛ ألنه مرسل إلى جميع الثقلين‪.‬‬
‫وكل األنبياء والرسل ‪ ‬جاؤوا إلخراج الناس من ظلمات‬
‫عز من الدنيا وسلطان وقوة وبأس‬
‫الكفر والشرك والجهل‪ ،‬وإن كانوا يف ٍّ‬
‫ومصانع‪.‬‬
‫َ‬ ‫وحرث‬
‫ونؤمن أن اهلل أرسلهم مبشرين ومنذرين؛ لئال يكون للناس على اهلل‬
‫حجة بعد الرسل‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل قد أرسل يف كل أمة رسولاً ‪ .‬فمن علمنا اسمه منهم وجب‬
‫اإليمان به‪ ،‬ومن لم نعلم اسمه منهم نؤمن به إجمالاً ‪ .‬فاإليمان بجميع‬
‫األنبياء والمرسلين ‪ ‬واجب على كل مسلم ومسلمة‪ ،‬ومن كفر‬
‫بنبي واحد فقد كفر بجميع األنبياء‪. ‬‬
‫ونؤمن أن اهلل يرسل رسله إلى من شاء من عباده َو ْفق ما تقتضيه حكمته‪،‬‬
‫فال معقب لحكمه‪ ،‬يفعل ما يشاء ويختار‪.‬‬
‫النبوة منة‬ ‫ونؤمن أن النبوة مِنَّة إلهية‪ ،‬ورحمة ربانية يهبها اهلل لمن شاء من عباده‪،‬‬
‫إلـــــهية‬
‫فاهلل يصطفي من المالئكة رسلاً ومن الناس‪.‬‬
‫تفاضل‬ ‫واألنبياء والرسل ‪ ‬فيما بينهم متفاضلون‪ ،‬وأفضلهم أولو العزم‪،‬‬
‫األنبيـاء‬
‫وأفضل أولي العزم الخليالن‪ :‬إبراهيم‪ ،‬ومحمد ‪ ،‬وهنى النبي ﷺ‬
‫عن التفضيل بين األنبياء إذا كان على سبيل الحمية والعصبية أو التنقص‪،‬‬
‫‪198‬‬

‫وكما اتخذ اهلل إبراهيم ومحمدً ا ‪ ‬خليلين‪ ،‬فقد اختار اهلل موسى‬
‫‪ ‬واصطفاه على الناس برساالته وبتكليمه‪ ،‬وكان نبينا محمد ﷺ‬
‫الخ َّلة‪ ،‬وشرف أن كلمه ربه من وراء حجاب ليلة أسري‬
‫قد نال شرف مرتبة ُ‬
‫به‪ ‬ﷺ‪ ،‬فيكون نبينا محمد ﷺ قد نال شرف الخلة‪ ،‬وشرف التكليم‪.‬‬
‫ولي وال‬
‫ونؤمن أن األنبياء أفضل البشر‪ ،‬وال يبلغ أحد مرتبة النبي‪ ،‬ال ٌّ‬
‫غيره‪ ،‬وال يجوز تفضيل أحد من البشر على أحد من األنبياء‪ ،‬وليست النبوة‬
‫كس ًبا‪ ،‬وال ينالها العبد باالجتهاد بالطاعة‪ ،‬وال بتزكية النفس والمجاهدة‬
‫وتطهير القلب وتنقيته وهتذيب السلوك‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل لم يرسل إال رجالاً ‪ ،‬ونعلم أن الرسل واألنبياء ‪‬‬
‫بشر كبقية البشر‪ ،‬وهم أكمل البشر يف أدياهنم وعقولهم وأخالقهم‪ ،‬لكنهم‬
‫يوحى إليهم‪ ،‬وهم معصومون فيما يبلغونه عن أمر اهلل‪ ،‬وإذا اجتهد النبي‬
‫فيما لم يوح إليه فيه شيء ولم يصب‪ ،‬فإن اهلل ال يقره على اجتهاده‪ ،‬بل‬
‫يتنزل عليه الوحي لتسديده‪.‬‬
‫وال‪ ‬ضرا‪ ،‬مع أن‬
‫ًَّ‬ ‫والرسل واألنبياء ‪ ‬ال يملكون ألنفسهم نف ًعا‬ ‫الرســـل‬
‫واألنبيـــاء‬
‫لهم المنزلة العالية‪ ،‬والدرجة الرفيعة‪ ،‬والمقام المحمود يف الدنيا واآلخرة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ضرا فال‪ ‬يملكون لغيرهم من باب‬ ‫ال يملكـون‬
‫وإذا كانوا ال يملكون ألنفسهم نف ًعا وال ًّ‬ ‫ألنفســهم‬
‫األولى‪ ،‬وإذا كانوا ال يملكون ألنفسهم وال‪ ‬لغيرهم ‪-‬حال حياهتم‪ -‬نف ًعا وال‬ ‫نفعــًا وال‬
‫ضــــــرا‬
‫ًّ‬
‫ضرا‪ ،‬بعد وفاهتم‪.‬‬‫ضرا فهم إ ًذا من باب األولى ال‪ ‬يملكون لغيرهم نف ًعا وال ًّ‬
‫ًّ‬
‫وال يعلمون الغيب إال على قدر ما أطلعهم اهلل عليه وأذن لهم فيه‪.‬‬
‫واألنبياء والمرسلون ‪ ‬يعبدون اهلل خو ًفا وطم ًعا‪ ،‬ويبتغون إليه‬
‫الوسيلة ويتقربون إليه ‪.‬‬
‫‪199‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫ونؤمن أن األنبياء والمرسلين ‪ ‬يتعرضون لما يتعرض له البشر‬


‫من البالء والمرض‪ ،‬ويصيبهم الحزن والموت‪ ،‬وأهنم لهم أزواج وذريةٌ‪،‬‬
‫وأهنم يأكلون الطعام ويمشون يف األسواق‪ ،‬ونعلم أن المسيح ‪‬‬
‫رفعه اهلل ح ًّيا لما أراد قومه قتله‪.‬‬
‫ونشهد أنهم قد نصحوا للخلق‪ ،‬وأدوا األمانة‪ ،‬وبلغوا رساالت رهبم‪،‬‬
‫وال يضرهم أن األتباع لم يستجيبوا‪ ،‬وال أن المأل استكربوا عليهم‪.‬‬
‫آيــات‬ ‫ونؤمن أن اهلل قد آتى كل نبي من اآليات والحجج ما على مثلها يؤمن‬
‫األنبيـاء‬
‫البشر‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل ما بعث نب ًّيا‪ ،‬إال ومعه آية تدل على صدقه‪ ،‬سواء علمناها‬
‫‪-‬أيضا‪-‬‬
‫أو لم نعلمها‪ ،‬وقد ذكر اهلل لنا جملة منها يف القرآن الكريم‪ .‬ونعلم ً‬
‫أن هناك ٍ‬
‫آيات كثير ًة أ َّيد اهلل هبا رسله السابقين‪ ،‬ولم يذكرها اهلل لنا‪ ،‬وتارة‬
‫يذكر اهلل اآليات البينات‪ ،‬وتارة يذكر السلطان‪ ،‬ونعلم أن اآليات والحجج‬
‫التي أ َّيد اهلل هبا رسله وأنبياءه ‪ ‬كثيرة جدًّ ا‪.‬‬
‫وأعظم األدلة الدالة على صدقهم هي ما يدعون إليه من التوحيد‬
‫ُ‬
‫المستقر يف الفطر الذي تشهد العقول على حسنه‪ ،‬وما‪ ‬جاؤوا به من العلم‬
‫النافع والعمل الصالح والهدى ودين الحق والميزان‪ .‬وشهادة اهلل لرسله‬
‫أهنم على الحق‪ ،‬وأن ما جاؤوا به هو الحق‪ .‬ومن أعظم آياهتم الوحي الذي‬
‫وأعظم الوحي هو القرآن العظيم آية نبينا محمد ﷺ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يتنزل عليهم من اهلل‪،‬‬
‫وهذا الوحي ال يمكن أن يأيت البشر بمثله؛ ألنه كالم اهلل ووحيه‪ ،‬ولما فيه‬
‫من األنباء الغيبية‪ ،‬ولما فيه من الهدى والنور والرحمة والحكمة‪.‬‬
‫ومما َّأيد اهلل به رسله ‪ ‬الرباهين العقلية التي يمدهم اهلل هبا‪،‬‬
‫‪200‬‬

‫فتبهت الكافر‪ ،‬وتزهق باطله‪.‬‬


‫ومن أعظم آياتهم إخبارهم بالغيوب التي يأذن اهلل لهم يف اإلخبار عنها‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬نجاة األنبياء السابقين ‪ ‬ونجاة أتباعهم من مكر أعدائهم‪،‬‬
‫وهالك المعاندين المستكربين‪ ،‬وتذكير اهلل للمدعوين بما فعل بالسابقين‪،‬‬
‫وح ْسن أخالقهم وأفعالهم‬
‫وأن سنة اهلل ماضية‪ .‬ومنها‪ :‬كمال خصالهم‪ُ ،‬‬
‫وسيرهتم‪ ،‬وصدق أقوالهم مما يمتنع معه عليهم الكذب‪ .‬ومنها‪ :‬التواتر‬
‫العظيم يف نقل آيات األنبياء‪ ،‬وما جاؤوا به من العلم والهدى ودين الحق‪،‬‬
‫مما يستحيل معه أن يتواطؤوا على نقل الكذب‪ .‬ومنها‪ :‬أهنم ال يطلبون‬
‫أجرا على رساالهتم‪ ،‬وال يبتغون مل ًكا‪ .‬ومنها‪ :‬أنه ال يوجد من قدح يف نبوة‬
‫ً‬
‫األنبياء إال جاهل لم ينظر فيما جاؤوا به من الدين والعلم والهدى‪ ،‬أو معاند‬
‫مستكرب‪.‬‬
‫ومن أعظم آياتهم ما يكون برهانًا حس ًّيا تراه العيون‪ ،‬وتسلم له العقول‪،‬‬
‫كغرق قوم نوح‪ ،‬وناقة صالح‪ ،‬وتحدي هود أن يكيده قومه أجمعون‪،‬‬
‫ونجاة إبراهيم من النار‪ ،‬وآيات موسى‪ ،‬ومنها‪ :‬العصا‪ ،‬والجراد‪ ،‬والقمل‪،‬‬
‫والضفادع‪ ،‬والدم‪ ،‬والطوفان‪ ،‬وغرق فرعون وقومه‪ ،‬وآيات داود ‪‬‬
‫كتسبيح الجبال وإالنة الحديد‪ ،‬وآيات سليمان ‪ ‬وتسخير الريح‬
‫والجن له‪ ،‬ومعرفته منطق الطير‪ ،‬وآيات المسيح ‪ ‬كشفاء األبرص‬
‫واألكمه واألعمى‪ ،‬وإحياء الموتى‪ ،‬وأنه كان يعمل من الطين كهيئة الطير‬
‫طيرا‪ ،‬وآيات نبينا محمد‪ ‬ﷺ‪ ،‬وهي كثيرة ال تحصى‬
‫فينفخ فيه بإذن اهلل فيكون ً‬
‫إال بالكلفة‪ ،‬كانشقاق القمر‪ ،‬واإلسراء والمعراج‪ ،‬وتكثير الطعام‪ ،‬وحديث‬
‫الدواب‪ ،‬وتسبيح الحصى‪ ،‬وحنين الجذع‪ ،‬ونصر اهلل له على أعدائه‪.‬‬
‫‪201‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫ومن آيات األنبياء‪ :‬حال النبي الداعي إلى الحق؛ فإن الناس يميزون‬
‫عي الكاذب يف قوله‪...‬إلى غير‬
‫بين الداعي إلى الحق الصادق يف قوله‪ ،‬والدَّ ِّ‬
‫ذلك من اآليات‪.‬‬
‫القــــرآن‬ ‫وآيات األنبياء كلها اندثرت عدا القرآن العظيم‪ ،‬وسنة نبينا محمد ﷺ‬
‫العظيم اآلية‬
‫الباقيـــــة‬ ‫فهما باقيان؛ ألهنما وحي تكفل اهلل بحفظه‪ ،‬وفيهما أعظم الدالئل والرباهين‬
‫على صدق الرسالة‪ ،‬وصدق الرسول ﷺ‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل يؤيد رسله ‪ ‬بما تقتضيه حكمته من اآليات‬
‫والرباهين الكونية والشرعية‪ ،‬فيهدي اهلل من شاء بفضله‪ ،‬ويضل من شاء‬
‫واستكبارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بعدله‪ ،‬ولكن المعاند ال تزيده اآليات إال عنا ًدا‬
‫ونؤمن أن اهلل لو أراد لهدى الناس جمي ًعا‪.‬‬
‫ونؤمن أن دالئل األنبياء واآليات التي جاؤوا هبا والرباهين التي أمدهم‬
‫اهلل هبا يستحيل أن يأيت هبا مدَّ ٍع للنبوة‪ ،‬أو ساحر أو كاذب؛ ألن اهلل قضى‬
‫أال ينصر المبطل بدليل صحيح‪ ،‬وال يصدّ ق الكاذب بربهان صادق؛ ألنه‬
‫الحكيم يف شرعه وأمره‪ ،‬وحكمة اهلل وسنته الجارية تمنع ذلك‪.‬‬
‫خــــاتم‬ ‫ونؤمن أن نبينا محمد بن عبداهلل هو رسول رب العالمين‪ ،‬وهو خاتم‬
‫األنبيــاء‬
‫واملرسلني‬ ‫األنبياء والمرسلين‪ ،‬وهو سيد ولد آدم‪ ،‬وهو خليل رب العالمين‪.‬‬
‫ت مث َله أحدٌ من الرسل ‪‬‬
‫‪‬‬
‫ونعلم أنه أويت من اآليات ما لم ُي ْؤ َ‬
‫وأعظم آياته القرآن الكريم‪ ،‬وأول ما بدئ به رسول اهلل ﷺ من الوحي‬
‫الرؤيا الصالحة يف النوم‪ ،‬فكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل َف َل ِق الصبح‪،‬‬
‫وأول ما أنزل عليه منه صدر «سورة العلق»‪ ،‬وأنزل عليه بعدها «المدثر»‪ ،‬ثم‬
‫حمي الوحي وتتابع‪ ،‬وأنه مكث يف مكة ثالثة عشر عا ًما يدعو إلى التوحيد‪،‬‬
‫‪202‬‬

‫وأقام بالمدينة عشر سنوات يبين شرائع اهلل‪ ،‬ويدعو إلى دينه‪ ،‬ويجاهد يف‬
‫سبيله‪ ،‬حتى توفاه اهلل عن ثالث وستين سنة ﷺ ‪ -‬بأبي هو وأمي‪.‬‬
‫ونعلم أن من أعظم آياته بعد القرآن العظيم اإلسراء والمعراج‪ .‬ومن‬
‫آياته ﷺ انشقاق القمر‪ ،‬وخصه اهلل بخصائص كثيرة‪ ،‬وهذه الخصائص‬
‫ٍ‬
‫مصنفات مستقلةً‪.‬‬ ‫ذكرها العلماء يف ثنايا مصنفاهتم تارة‪ ،‬وتارة يفردون لها‬
‫ونؤمن أنه يجب على كل أحد من الجن واإلنس اإليمان به‪ ،‬وتصديقه‬
‫فيما أخرب‪ ،‬وطاعته فيما أمر‪.‬‬
‫ونؤمن بأنه يجب أال يعبد اهلل إال بما شرع‪ .‬وقد حذر الحق من مخالفة‬
‫أمره ﷺ‪ ،‬وأمر الحق بتوقيره ومحبته‪ ،‬وأنه يجب أن يكون الرسول ﷺ‬
‫أحب إلى المرء من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين‪.‬‬
‫َّ‬
‫ونؤمن أن اهلل قرن ذكر نبينا محمد ﷺ بذكره سبحانه يف الشهادتين‬
‫ويف األذان‪ ،‬وقد استفاض ذكره ﷺ يف الكتب اإللهية السابقة‪ ،‬ويف القرآن‬
‫العظيم‪ ،‬وصنف أئمة اإلسالم المصنفات المتنوعة يف بيان سنته‪ ،‬وسيرته‪،‬‬
‫وشمائله‪ ،‬وأخالقه‪ ،‬وغزواته‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل أرسله إلى الخلق كافة‪ ،‬فهو رسول اهلل إلى الثقلين‪ :‬الجن‬ ‫رســــــالة‬
‫الرسول‪ ‬ﷺ‬
‫نفرا من الجن يستمعون إليه؛ ليكونوا منذرين َم ْن‬
‫واإلنس‪ ،‬وصرف اهلل إليه ً‬ ‫إىل اخللـــق‬
‫وراءهم من قومهم‪ ،‬ولتقوم الحجة عليهم‪ ،‬وأخذ اهلل الميثاق على كل نبي‬ ‫كافـــــــة‬

‫من األنبياء والمرسلين ‪ :‬لئن ُبعث محمد ﷺ وهو حي ليؤمنن‬


‫به‪.‬‬
‫ونؤمن أن األنبياء بشرت به أقوامها‪ ،‬ووردت صفاته ﷺ وصفات‬
‫أصحابه ‪ ‬يف التوراة واإلنجيل‪َّ ،‬‬
‫وبشر به المسيح ‪- ‬على‬
‫‪203‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫وجه الخصوص‪ -‬بني إسرائيل‪ ،‬وكان بنو إسرائيل يعرفونه كما يعرفون‬
‫أبناءهم‪ .‬ومن عالمات نبوته ﷺ التي كانت معروفة عند أهل الكتاب خاتم‬
‫النبوة على كتفه الشريف‪.‬‬
‫دالئل عموم‬ ‫ونؤمن بعموم رسالته ﷺ ولذا أرسل الكتب إلى الملوك والرؤساء‬
‫الرسالــــة‬
‫يدعوهم إلى عبادة اهلل وحده‪ ،‬واإليمان برسالته‪ ‬ﷺ وتصديقه‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل زوى لنبينا ﷺ األرض‪ ،‬فرأى منها ما سيبلغه ملك أمته‬
‫منها‪.‬‬
‫ومن أدلة عموم رسالته ﷺ أن نصارى نجران نكلوا عن مباهلته‪ ،‬وقبلوا‬
‫أداء الجزية إليه وهم صاغرون؛ لعلمهم أنه نبي‪.‬‬
‫ومن أدلة عموم رسالته ﷺ إسالم كثير من أحبار اليهـود ورهبان‬
‫النصارى‪ ،‬بل اآلالف المؤلفة من أهل الكتاب‪ .‬ومن أدلة عموم رسالته‪ ‬ﷺ‬
‫أنه غزا الروم‪ ،‬وأمر أصحابه بجهاد الفرس والروم من بعده‪.‬‬
‫ومن أدلة عموم رسالته ﷺ أنه وعد سراقة بأنه سيلبس سواري كسري‪،‬‬
‫فلبسهما يف خالفة عمر ‪.‬‬
‫اهلداية منة‬ ‫ونعلم علم اليقين أن اهلل اقتضت حكمته أن يهدي من يشاء بفضله‪ ،‬وأن‬
‫إهليــــــة‬
‫يضل من يشاء بعدله‪ ،‬كما اقتضت حكمته أن يكون لكل نبي عدو‪ ،‬وأن‬
‫ٍ‬
‫تواص على الباطل وتوافق يف مقاالهتم‪ ،‬فمقالة‬ ‫يكون بين هؤالء األعداء‬
‫المأل يف كل أمة متماثلة‪ :‬فتارة يقولون‪ :‬إنه ساحر أو كاهن أو كاذب‪ ،‬وتارة‬
‫ينكرون أن يكون أتاهم بآية‪ ،‬وتارة يزعمون أنه يفرتي الكذب على اهلل‪،‬‬
‫وتارة يصفونه بالجنون‪ ،‬وحاشا رسل اهلل ‪ - ‬وهم أكمل الناس‬
‫عقولاً وأزكاهم قلو ًبا‪ .‬وتارة يستعظمون ما يدعوهم إليه من الدعوة إلى‬
‫‪204‬‬

‫عبادة اهلل وحده‪ ،‬وتارة يردون على النبي دعوته؛ ألنه بشر مثلهم‪ ،‬وتارة‬
‫يطالبوهنم بأمور ليست يف قدرة الخلق ‪-‬ولكنه االستكبار والعناد‪ -‬فقد‬
‫طالبوا نبينا محمدً ا ﷺ بأن يفجر من األرض ينبو ًعا‪ ،‬أو يكون له جنة‪ ،‬أو‬
‫يسقط السماء عليهم كس ًفا‪ ،‬أو يأتيهم باهلل والمالئكة‪ ،‬أو يكون للنبي بيت‬
‫من زخرف‪ ،‬أو يرقى يف السماء‪ ،‬وينزل عليهم كتا ًبا‪ .‬وتارة يطالبون النبي‬
‫بأن يأتيهم بما يعدهم به‪ ،‬وتارة يصدون عن سبيل اهلل ويقولون ألتباعهم‪:‬‬
‫ال تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه‪ .‬وتارة يقابلون الرسول بالتكذيب‪ ،‬أو‬
‫يتهمون الرسول ﷺ بأن إنما ُي َع ِّل ُمه بشر‪ ،‬وليس الذي يأتيه وح ًيا من اهلل‪.‬‬
‫وقد ينصرفون عن الرسول؛ ألن الذين اتبعوه هم الضعفاء‪ ،‬وتارة‬
‫يسخرون ويستهزئون من الرسل‪ ،‬وتارة يخادعون الرسول‪ ،‬ويطمعون يف‬
‫مداهنته لهم أو الركون إليهم‪ ،‬وتارة بالتعيير بما يعلم المعاند أنه كاذب يف‬
‫قوله‪ ،‬كما يف تعيير فرعون لموسى بالكفر‪.‬‬
‫وتارة يهدد المأل النبي باإلخراج من األرض‪ ،‬وحاصر كفار قريش نبينا‬
‫محمدً ا ﷺ ومن معه وبني هاشم يف ِّ‬
‫الش ْعب ثالث سنين‪ ،‬وأخرجوه من بلده‬
‫ﷺ‪ .‬وحاول قوم إبراهيم ‪ ‬إحراقه بالنار‪ ،‬فنجاه اهلل ‪،‬‬
‫وحاول بنو إسرائيل قتل األنبياء‪ ،‬بل قتلوا منهم َم ْن قتلوا‪...‬‬
‫هذا هو َد ْيدَ ُن المستكربين مع المرسلين‪ ،‬وهذه سنة جارية يتبعها المأل‬
‫يف كل أمة مع المصلحين‪.‬‬
‫‪205‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫بــاب‬
‫اإليمان بالرسل عليهم الصالة والسالم‬
‫اإليمان بالرسل ‪ ‬هو الركن الرابع من أركان اإليمان‪ ،‬قال‬
‫المولى جل شأنه‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ‬
‫‪،]285‬‬ ‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [البقرة‪:‬‬

‫وقال الحق ‪( :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬


‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [البقرة‪:‬‬
‫ار ًزا لِلن ِ‬
‫َّاس‪،‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ َي ْو ًما َب ِ‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫‪ ،]177‬وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬ك َ‬
‫«أ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهللِ‪َ ،‬و َملاَ ئِكَتِ ِه‪،‬‬
‫ان؟ َق َال‪َ :‬‬
‫يم ُ‬ ‫ِ‬ ‫َف َأ َتاه رج ٌل‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬ما الإْ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫ث آْال ِخرِ»(((‪.‬‬‫وكِتَابِ ِه‪ ،‬ولِ َقائِ ِه‪ ،‬ورس ِل ِه‪ ،‬وت ُْؤ ِمن بِا ْلبع ِ‬
‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أســـــاس‬ ‫ونؤمن أن أساس دعوة الرسل ‪ ‬هو العلم باهلل تعالى وبأسمائه‬
‫وصفاته وأفعاله‪ ،‬وأهنم كلهم ُب ِعثوا بالتوحيد‪ ،‬و َد َعوا إلى عبادة اهلل وحده‬
‫دعوة الرسل‬
‫‪‬‬
‫وترك عبادة ما سواه‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [األنبياء‪ ،]25 :‬وكل نبي قال لقومه‪( :‬ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [األعراف‪ .]65 :‬فاألنبياء والمرسلون أكمل‬
‫الناس توحيدً ا وإيمانًا‪ ،‬وهم أعلم الخلق بالخالق ‪ ‬وما يجب له‪،‬‬
‫وما يمتنع عليه ‪.‬‬
‫وكل نبي دعا قومه إلى أصلين عظيمين‪ ،‬هما‪ :‬عبادة اهلل وحده‪ ،‬واإليمان‬
‫باليوم اآلخر وما أعدّ اهلل فيه من النعيم ألوليائه‪ ،‬والعذاب ألعدائه‪ ،‬قال‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4777‬ومسلم (‪ ،)9‬وابن ماجه (‪.)64‬‬


‫‪206‬‬

‫تعالى‪( :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [األعراف‪ ،]59 :‬وقال عز شأنه‪( :‬ﭩ‬
‫ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ‬
‫ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ‬
‫ﮅ) [هود‪ ،]84 :‬وقال الحق ‪( :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [األحقاف‪.]21 :‬‬
‫ونؤمن أن األنبياء ‪ ‬متفقون يف األصول الكربى التي دعوا‬ ‫األنبيـــــاء‬
‫‪‬‬
‫إليها‪ ،‬فكلهم دعا إلى اإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪،‬‬ ‫متفقون فيام‬
‫واإليمان بالقدر خيره وشره‪ ،‬وكلهم دعوا إلى أصول العبادات‪ ،‬كالصالة‪،‬‬ ‫يدعون إليه‬

‫والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬والحج‪ ،‬وأصول األخالق المحمودة‪ ،‬وهنوا عن أصول‬


‫األخالق المذمومة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ‬
‫ﮑ) [الشورى‪ .]13 :‬فاألنبياء ‪ ‬متفقون يف األصول‪ ،‬أما الشرائع‬
‫التي دعوا إليها فمختلفـة يف أحكامها وتفاصيلها‪ ،‬قـال المولى جـل شأنه‪:‬‬
‫(ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [المائـدة‪.]48 :‬‬
‫ونؤمن أنه يجب اإليمان بجميع األنبياء‪ ،‬وتصديقهم يف كل ما أخربوا به‬ ‫اإليــمـان‬
‫بجميــــع‬
‫من الغيب‪ ،‬وطاعتهم فيما أمروا به‪ ،‬واالنتهاء عن كل ما هنوا عنه‪ ،‬ومحبتهم‬ ‫األنبيــــاء‬
‫وتوقيرهم واالقتداء هبم‪ ،‬والشهادة لهم بأهنم بلغوا الرسالة‪ ،‬وأدوا األمانة‪،‬‬
‫ونصحوا هلل ولعباده‪ ،‬وجاهدوا يف اهلل حق جهاده‪ ،‬ويجب على كل أمة‬
‫‪207‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫العمل بشريعة الرسول الذي أرسل إليها‪ ،‬ويجب على هذه األمة ‪-‬أمة‬
‫ُ‬
‫العمل بشريعة خاتم األنبياء والمرسلين‬ ‫محمد ﷺ‪ -‬من الجن واإلنس‪،‬‬
‫محمد ﷺ؛ ألنه مرسل إلى جميع الثقلين‪.‬‬
‫وكل األنبياء والرسل ‪ ‬جاؤوا إلخراج الناس من ظلمات‬
‫عز من الدنيا وسلطان وقوة وبأس‬
‫الكفر والشرك والجهل‪ ،‬وإن كانوا يف ٍّ‬
‫وحرث ومصانع‪ ،‬قال تعالى يف موسى ‪( :‬ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [إبراهيم‪ ،]5 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ) [الشعراء‪ ،]130-128 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ‬
‫ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الروم‪.]9 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل أرسلهم مبشرين ومنذرين؛ لئال يكون للناس على اهلل‬
‫حجة بعد الرسل‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [النساء‪.]165 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل قد أرسل يف كل أمة رسولاً ‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل‪ ،]36 :‬وقال‬
‫ك َنبِ ٌّي َخ َل َف ُه َنبِ ٌّي‪،‬‬
‫وس ُه ُم األَ ْنبِ َيا ُء‪ُ ،‬ك َّل َما َه َل َ‬ ‫َت َبنُو إِ ْس َرائِ َ‬
‫يل ت َُس ُ‬ ‫النبي ﷺ‪« :‬كَان ْ‬
‫َوإِ َّن ُه اَل َنبِ َّي َب ْع ِدي»(((‪ ،‬بل قد أخربنا اهلل تعالى أنه أرسل إلى قرية من القرى‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)3455‬ومسلم (‪ ،)1842‬وابن ماجه (‪.)2871‬‬


‫‪208‬‬

‫ثالثة أنبياء يف وقت واحد‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬


‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [يس‪.]14 :‬‬
‫فمن عرفنا اسمه منهم وجب اإليمان به‪ ،‬ومن لم نعرف اسمه منهم‬
‫نؤمن به إجمالاً ‪ ،‬فيجب اإليمان بجميع األنبياء والمرسلين ‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [النساء‪ ،]164 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة‪:‬‬

‫‪ ،]285‬وقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬


‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [آل عمران‪.]84 :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل يرسل رسله إلى َم ْن شاء مِ ْن عباده َو ْفق ما تقتضيه‬
‫حكمته ‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ) [الفرقان‪ ،]51 :‬وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)‬

‫[المؤمنون‪ ،]44 :‬فال معقب لحكمه‪ ،‬يفعل ما يشاء ويختار‪ ،‬قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫(ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ) [القصص‪.]68 :‬‬
‫ومن كفر بنبي واحد؛ فقد كفر بجميع األنبياء ‪‬؛ ولذا قال‬
‫تعالى‪( :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الشعراء‪ .]105 :‬وهذه اآلية كقوله تعالى‪:‬‬
‫(ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [ق‪.]14 :‬‬
‫‪209‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫النبوة منة‬ ‫ونؤمن أن النبوة مِنَّة إلهية‪ ،‬ورحمة ربانية يهبها اهلل لمن شاء من عباده‪،‬‬
‫إهليــــة‬
‫فاهلل يصطفي من المالئكة رسلاً ومن الناس‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭼ ﭽ‬
‫‪،]75‬‬ ‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الحج‪:‬‬

‫وقال المولى عـز شأنه‪( :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [األنعام‪.]124 :‬‬


‫فليست النبوة كس ًبا‪ ،‬وال ينالها العبد باالجتهاد بالطاعة‪ ،‬وال‪ ‬بتزكية النفس‬
‫والمجاهدة وتطهير القلب وتنقية السلوك وهتذيبه‪.‬‬
‫تفاضـل‬ ‫ونؤمن أن األنبياء والرسل ‪ ‬متفاضلون فيما بينهم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫األنبيــاء‬
‫والرســل‬ ‫(ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ‬
‫‪‬‬ ‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [البقرة‪ ،]253 :‬وأن‬
‫فيام بينهـم‬
‫أفضل األنبياء هم أولو العزم‪ ،‬وهم المذكورون يف قوله تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ) [األحزاب‪ ،]7 :‬وأشار اهلل إليهم يف قوله تعالى‪( :‬ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [األحقاف‪ .]35 :‬وأفضل أولي العزم الخليالن‪ :‬إبراهيم‬
‫ومحمد ‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [النساء‪:‬‬

‫س‪،‬‬ ‫وت بِ َخ ْم ٍ‬ ‫‪ .]125‬وعن جندب ‪َ ‬ق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت النبي ﷺ َق ْب َل َأ ْن َي ُم َ‬


‫يل‪َ ،‬فإِ َّن اهلل َت َعا َلى َق ِد‬
‫ُون لِي ِمنْك ُْم َخ ِل ٌ‬ ‫ِ‬
‫ول‪« :‬إِنِّي َأ ْب َر ُأ إِ َلى اهلل َأ ْن َيك َ‬‫َو ُه َو َي ُق ُ‬
‫يم َخ ِليل»(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اتَّخَ َذني َخليلاً ‪ ،‬ك ََما اتَّخَ َذ إِ ْب َراه َ‬
‫ونشهد أن نبينا محمدً ا ﷺ أفضل الرسل واألنبياء‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬أنا سيد‬
‫ولد آدم يوم القيامة»(((‪.‬‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪.)532‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2278‬وأبو داود (‪.)4673‬‬
‫‪210‬‬

‫وهنى النبي ﷺ عن التفضيل بين األنبياء إذا كان على سبيل الحمية‬
‫َب َر ُجلاَ ِن‪َ :‬ر ُج ٌل‬ ‫است َّ‬ ‫والعصبية أو التن ُّقص‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ْ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اص َط َفى ُم َح َّمدً ا‬ ‫م َن المسلِمي َن‪َ ،‬و َر ُج ٌل م َن ال َي ُهود‪َ ،‬ق َال المسلِ ُم‪َ :‬وا َّلذي ْ‬
‫وسى َع َلى ال َعا َل ِمي َن‪َ ،‬ف َر َف َع‬ ‫اص َط َفى ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َلى ال َعا َلمي َن‪َ ،‬ف َق َال ال َي ُهود ُّي‪َ :‬وا َّلذي ْ‬
‫ودي‪َ ،‬ف َذ َهب اليه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ود ُّي إِ َلى النَّبِ ّي ِﷺ‪،‬‬ ‫َ َُ‬ ‫المسلِ ُم َيدَ ُه عنْدَ َذل َك‪َ ،‬ف َل َط َم َو ْج َه ال َي ُه ِّ‬
‫َان مِ ْن َأ ْم ِر ِه‪َ ،‬و َأ ْم ِر المسلِ ِم‪َ ،‬فدَ َعا النَّبِ ُّي ﷺ المسلِ َم‪َ ،‬ف َس َأ َل ُه‬ ‫َف َأ ْخ َب َر ُه بِ َما ك َ‬
‫ِ‬ ‫َع ْن َذل ِ َك‪َ ،‬ف َأ ْخ َب َر ُه‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪ :‬اَ‬
‫َّاس‬ ‫وسى؛ َفإِ َّن الن َ‬ ‫«ل تُخَ ِّي ُروني َع َلى ُم َ‬
‫ِ‬ ‫الق َي َام ِة‪َ ،‬ف َأ ْص َع ُق َم َع ُه ْم‪َ ،‬ف َأك ُ‬
‫ون يوم ِ‬
‫وسى‬ ‫ُون َأ َّو َل َم ْن ُيف ُيق‪َ ،‬فإِ َذا ُم َ‬ ‫َي ْص َع ُق َ َ ْ َ‬
‫َان ِم َّم ِن‬ ‫اق َق ْب ِلي َأ ْو ك َ‬ ‫يم ْن َص ِع َق‪َ ،‬ف َأ َف َ‬ ‫ش‪َ ،‬فلاَ َأد ِري َأك َ ِ‬
‫َان ف َ‬ ‫ْ‬ ‫ب ال َع ْر ِ‬ ‫ِ‬
‫َباط ٌش َجان َ‬
‫ِ‬

‫ب فِي‬ ‫ف ا ْل َغ َض ُ‬ ‫ول اهللِ ﷺ َحتَّى ُع ِر َ‬ ‫ب َر ُس ُ‬ ‫ِ‬


‫ْاس َت ْثنَى اهَّللُ؟»(((‪ ،‬ويف لفظ‪َ :‬ف َغض َ‬
‫اء اهلل ِ»(((‪.‬‬ ‫«ل ُت َف ِّض ُلوا بين َأ ْنبِي ِ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َو ْج ِه ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ :‬اَ‬
‫وكما اتخـذ اهلل إبراهيم ومحمدً ا ‪ ‬خليلين‪ ،‬فقد اختار اهلل‬
‫موسى ‪ ‬واصطفاه على الناس برساالته وبتكليمه‪ ،‬وإن كان نبينا‬
‫الخ ّلة‪ ،‬فقد ك ّلمه ربه من وراء حجاب ليلة‬
‫محمد ﷺ قد نال شرف مرتبة ُ‬
‫أسري به ﷺ‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [النجم‪ ،]10 :‬فيكون‬
‫نبينا محمد ﷺ قد جمع بين شرف الخلة‪ ،‬وشرف التكليم‪.‬‬
‫ال‪ ‬ولي‪ ،‬وال‬
‫ٌّ‬ ‫ونؤمن أن األنبياء أفضل البشر‪ ،‬وال يبلغ أحد مرتبة النبي‪،‬‬
‫غيره‪ ،‬وال يجوز تفضيل أحد من البشر على أحد من األنبياء‪ ،‬قال رسول اهلل‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)2411‬ومسلم (‪ ،)2373‬وأبو داود (‪ ،)4671‬والترمذي‬


‫(‪ ،)3245‬وابن ماجه (‪.)4274‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2373‬‬
‫‪211‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫ُون َخ ْي ًرا ِم ْن ُيون َُس ْب ِن َمتَّى»(((‪.‬‬


‫«ما َينْ َب ِغي أِلَ َح ٍد َأ ْن َيك َ‬
‫ﷺ‪َ :‬‬
‫ونؤمن أن اهلل لم يرسل إال رجالاً ‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ) [األنبياء‪.]7 :‬‬
‫الرســـل‬ ‫ونعلم أن الرسل واألنبياء ‪ ‬صفوة الخلق‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭼ‬
‫واألنبيـــاء‬
‫‪‬‬ ‫ﮅ ﮆ ﮇ) [الحج‪:‬‬ ‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ‬
‫أكمل اخللق‬
‫‪ .]75‬وهم أكمل البشر يف أدياهنم وعقولهم وأخالقهم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الكهف‪ .]110 :‬فهم بشر مثل بقية البشر‪ ،‬لكنهم يوحى‬
‫إليهم‪ ،‬وهم معصومون فيما يبلغونه عن أمر اهلل‪ ،‬قال تعالى مخربًا عن نبيه‬
‫وخليله محمد ﷺ‪( :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ) [النجم‪.]5-3 :‬‬
‫ال‪ ‬يقره‬ ‫ب؛ فإن اهلل‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫وإذا اجتهـد النبي فيما لم يوح إليه فيه بشيء‪ ،‬ولم ُيص ْ‬
‫على اجتهاده‪ ،‬بل يتنزل عليه الوحي لتسديده‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪( :‬ﯛ‬
‫ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [األنفال‪ .]67 :‬وقوله جل ثناؤه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [التحريم‪.]1 :‬‬
‫ومع أن لهم هذه المنزلة العالية والدرجة الرفيعة والمقام المحمود يف‬
‫ضرا‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮥ‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬فإهنم ال يملكون ألنفسهم نف ًعا وال ًّ‬
‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [يونس‪.]49 :‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪.)4804‬‬


‫‪212‬‬

‫ضرا فال يملكون لغيرهم من‬


‫وإذا كانوا ال يملكون ألنفسهم نف ًعا وال ًّ‬
‫باب األولى‪ ،‬قال تعالى يف نبيه وخليله محمد ﷺ‪( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [آل عمران‪ ،]128 :‬وقال يف المسيح‬ ‫الرســــل‬
‫واألنبيـــاء‬
‫‪ ( :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬ ‫‪‬‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [المائدة‪.]17 :‬‬ ‫ال‪ ‬يملكـون‬
‫ألنفســـهم‬
‫ش ‪َ -‬أ ْو‬ ‫«يا َم ْع َش َر ُق َر ْي ٍ‬
‫وقال الرسول ﷺ لعمته وابنته فاطمة ‪َ :‬‬
‫نفعــــــــًا‬
‫وال‪ ‬ضــــرا‬
‫ًّ‬
‫كَلِم ًة نَحوها‪ْ -‬اشتَروا َأ ْن ُفسكُم‪ ،‬اَل ُأ ْغنِي عنْكُم ِمن اهَّلل ِ َشيئًا‪ ،‬يا بنِي عب ِد من ٍ‬
‫َاف‬ ‫ْ َ َ َْ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫وال‪ ‬يملكون‬
‫ْك ِمن اهَّلل ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس ْب َن َع ْب ِد الم َّط ِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لغريهم من‬
‫ب اَل ُأ ْغني َعن َ َ‬ ‫اَل ُأ ْغني َعنْك ُْم م َن اهَّلل َش ْيئًا‪َ ،‬يا َع َّب ُ‬ ‫باب األوىل‬
‫ْت‬ ‫ْك ِم َن اهَّلل ِ َش ْيئًا‪َ ،‬و َيا َفاطِ َم ُة بِن َ‬
‫ول اهَّلل ِ اَل ُأ ْغنِي عن ِ‬
‫َ‬ ‫َشيئًا‪َ ،‬ويا َص ِفي ُة َعم َة رس ِ‬
‫َّ َّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْك ِم َن اهَّلل ِ َش ْيئًا»(((‪ .‬وإذا كانوا ال‬ ‫ْت ِمن مالِي اَل ُأ ْغنِي عن ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫محم ٍد س ِلينِي ما ِشئ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َّ َ‬
‫ضرا‪ ،‬فهم إ ًذا ال‬ ‫يملكون ألنفسهم وال لغيرهم ‪-‬حال حياهتم‪ -‬نف ًعا وال ًّ‬
‫ضرا بعد وفاهتم من باب األولى‪.‬‬
‫يملكون لغيرهم نف ًعا وال ً‬
‫ونؤمن أهنم ال يعلمون الغيب إال على قدر ما أطلعهم اهلل عليه‪ ،‬وأذن لهم‬
‫فيه‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [األنعام‪ ،]50 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [األعراف‪ ،]188 :‬وقال‬
‫تعالى‪( :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الجن‪.]27 ،26 :‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2753‬ومسلم (‪ ،)206‬والترمذي (‪ ،)3185‬والنسائي (‪.)3646‬‬


‫‪213‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫واألنبياء والمرسلون ‪ ‬يعبدون اهلل خو ًفا وطم ًعا‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬


‫(ﯦ ﯧﯨ ﯩﯪ ﯫﯬﯭﯮﯯ‬
‫ﯰ ﯱ) [األنبياء‪ ،]90 :‬ويبتغون إليه الوسيلة‪ ،‬ويتقربون إليه سبحانه‬
‫قال تعالى‪( :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [اإلسراء‪.]57 :‬‬
‫واألنبياء والمرسلون ‪ ‬يتعرضون لما يتعرض له البشر من‬
‫البالء والمرض والموت‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الزمر‪،]30 :‬‬
‫مسه الضر‪( :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬ ‫وقال تعالى مخربًا عن أيوب أنه َّ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [األنبياء‪ ،]83 :‬ولهم أزواج وذرية‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الرعد‪.]38 :‬‬
‫ويأكلون الطعام ويمشون يف األسواق‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الفرقان‪:‬‬

‫‪ ،]20‬ويصيبهم الحزن‪ ،‬كما قال تعالى مخربًا عن يعقوب ‪( :‬ﯞ‬


‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)‬
‫[يوسف‪ .]84 :‬ويف «الصحيحين» يف خرب وفاة ابن بنت رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اض ْت َع ْينَا‬ ‫َف َل َّما َق َعدَ ُرف َع إِ َل ْيه‪َ ،‬ف َأ ْق َعدَ ُه في َح ْج ِره‪َ ،‬و َن ْف ُس َّ‬
‫الصبِ ِّي ُج ِّئ ُث(((‪َ ،‬ف َف َ‬
‫«ه ِذ ِه َر ْح َم ٌة َي َض ُع َها‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ‪َ ،‬ف َق َال سعدٌ ‪ :‬ما ه َذا يا رس َ ِ‬ ‫رس ِ‬
‫ول اهَّلل؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫اهَّللُ فِي ُق ُل ِ‬
‫وب َم ْن َي َشا ُء م ْن ع َباده‪َ ،‬وإِن ََّما َي ْر َح ُم اهَّللُ م ْن ع َباده ُّ‬
‫الر َح َما َء»(((‪.‬‬

‫(( ( جئث؛ أي فزع‪ ،‬وجئث فهو مجئوث‪ ،‬أي‪ :‬مذعور‪ .‬فتح الباري (‪ ،)8/722‬والنهاية في‬
‫غريب الحديث (‪.)232 /1‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6655‬ومسلم (‪ ،)923‬وأبو داود (‪ ،)3125‬والنسائي (‪،)1868‬‬
‫وابن‪ ‬ماجه (‪.)1588‬‬
‫‪214‬‬

‫ونعلم أهنم قد نصحوا للخلق‪ ،‬وأدوا األمانة‪ ،‬وبلغوا رساالت رهبم‪،‬‬


‫وال يضرهم أن بعض األتباع لم يستجيبوا‪ ،‬وال أن المأل استكربوا عليهم‬
‫الر َه ْي ُط‪َ ،‬والنَّبِ َّي َو َم َع ُه‬ ‫ت َع َل َّي أْالُ َم ُم‪َ ،‬ف َر َأ ْي ُ‬
‫ت النَّبِ َّي ﷺ َو َم َع ُه ُّ‬ ‫قال ﷺ‪ُ « :‬عرِ َض ْ‬
‫الر ُجلاَ ِن‪َ ،‬والنَّبِ َّي َل ْي َس َم َع ُه َأ َحدٌ »(((‪.‬‬
‫الر ُج ُل َو َّ‬
‫َّ‬
‫ونؤمن أن اهلل تعالى قد رفع المسيح ‪ ‬ح ًّيا لما أراد قومه قتله‪،‬‬ ‫رفــع اهلل‬
‫املسيــــح‬
‫قال تعالى‪( :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬ ‫‪‬‬
‫حيـــــًّا‬
‫ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑ‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [آل عمران‪ ،]54-52 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الزخرف‪ ،]61 :‬وعن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وقتادة‪ :‬أن المراد هبا‪ :‬نزول عيسى ابن مريم‬
‫‪.(((‬‬
‫وقال جل ذكره‪( :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء‪ .]159 :‬قال ابن عباس ‪ :‬قوله‪(« :‬ﮧ‬
‫ﮨ) أي‪ :‬قبل موت عيسى ابن مريم»(((‪.‬‬
‫حكما عدلاً ‪ ،‬فعن أبي هريرة‪ ‬‬
‫ً‬ ‫ونؤمن أنه سينزل يف آخر الزمان‬ ‫نزول املسيح‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‪« :‬وا َّل ِذي َن ْف ِسي بِي ِد ِه‪َ ،‬لي ِ‬
‫وشك ََّن َأ ْن َين ِْز َل فِيك ُْم‬ ‫أنه قال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫‪‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫آخر الزمان‬
‫ابن مريم حكَما م ْق ِس ًطا‪َ ،‬فيك ِْسر الص ِليب‪ ،‬وي ْقت َُل ِ‬
‫الخن ِْز َير‪َ ،‬و َي َض َع ِ‬
‫الجز َْيةَ‪،‬‬ ‫َ َ َّ َ َ َ‬ ‫ُْ َََْ َ ً ُ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)5705‬ومسلم (‪ ،)220‬والترمذي (‪.)2446‬‬


‫((( أخرجه الطبري في التفسير (‪.)633 - 631 /20‬‬
‫((( تفسير الطبري (‪.)380/9‬‬
‫‪215‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫المال َحتَّى اَل َي ْق َب َل ُه َأ َحدٌ »(((‪.‬‬


‫يض ُ‬ ‫َو َي ِف َ‬
‫ك‬ ‫ويف خبر نزول المسيح ‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ف َب ْين ََما ُه َو ك ََذلِ َ‬
‫اء َش ْر ِق َّي ِد َم ْش َق‪َ ،‬ب ْي َن‬‫ث اهلل ا ْلم ِسيح ابن مريم‪َ ،‬فين ِْز ُل ِعنْدَ ا ْلمنَار ِة ا ْلبي َض ِ‬
‫َ َ َْ‬ ‫إِ ْذ َب َع َ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ‬
‫اض ًعا َك َّف ْي ِه َع َلى َأ ْجن ِ َح ِة َم َل َك ْي ِن‪ ،‬إِ َذا َط ْأ َط َأ َر ْأ َس ُه َق َط َر‪َ ،‬وإِ َذا‬
‫مهرود َتي ِن(((‪ ،‬و ِ‬
‫َ‬ ‫َُْ َ ْ‬
‫ان كَال ُّل ْؤ ُل ِؤ‪.(((»...‬‬ ‫َر َف َع ُه ت ََحدَّ َر ِمنْ ُه ُج َم ٌ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)2222‬ومسلم (‪ ،)155‬وأبو داود (‪ ،)4324‬والترمذي (‪،)2233‬‬


‫وابن‪ ‬ماجه (‪.)4078‬‬
‫((( أي في شقتين‪ ،‬أو حلتين‪ ،‬وقيل الثوب المهرود‪ :‬الذي ُصبغ بالورس ثم بالزعفران‪.‬‬
‫النهاية في غريب الحديث (‪.)258 /5‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2937‬وأبو داود (‪ ،)4321‬والترمذي (‪ ،)2240‬وابن ماجه‬
‫(‪.)4075‬‬
‫‪216‬‬

‫بــاب‬
‫آيات األنبياء ودالئل نبوتهم ‪‬‬
‫ونعلم أن اهلل قد آتى كل نبي من اآليات والحجج ما على مثلها يؤمن‬
‫اء َنبِ ٌّي إِ اَّل ُأ ْعطِ َي ِم َن‬
‫البشر‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ :‬قال ﷺ‪« :‬ما ِمن األَ ْنبِي ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َان ا َّل ِذي ُأوتِ ُ‬
‫يت َو ْح ًيا َأ ْو َحا ُه‬ ‫وم َن‪َ ،‬أ ْو َآم َن َع َل ْي ِه ال َب َش ُر‪َ ،‬وإِن ََّما ك َ‬
‫ات ما ِم ْث ُله ُأ ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اآلي َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهَّللُ إِ َل َّي‪َ ،‬ف َأ ْر ُجو َأنِّي َأ ْك َث ُر ُه ْم تَابِ ًعا َي ْو َم الق َي َامة»(((‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل ما بعث نب ًّيا إال ومعه آية تدل على صدقه‪ ،‬علمناها أو لم‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬أن‬
‫ً‬ ‫نعلمها‪ ،‬وقد ذكر اهلل لنا جملة منها يف القرآن الكريم‪ ،‬ونعلم‬
‫هناك ٍ‬
‫آيات كثير ًة أيد اهلل هبا رسله السابقين‪ ،‬لم يذكرها اهلل لنا‪ ،‬كما يف قوله‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ)‬ ‫تعالى‪:‬‬
‫[المائدة‪ ،]10 :‬وقوله تعالى‪( :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [آل عمران‪ .]11 :‬وتارة يذكر اهلل اآليات‬
‫البينات‪ ،‬ويذكر السلطان‪ ،‬كما يف قوله جل ثناؤه‪( :‬ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫‪ ،]96‬وقوله تعالى‪( :‬ﯰ ﯱ ﯲ‬ ‫[هود‪:‬‬ ‫ﯳ ﯴ ﯵ)‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [القصص‪ ،]35  :‬قال‬
‫عكرمة‪« :‬ما كان يف القرآن من سلطان فهو‪ :‬حجة»(((‪.‬‬
‫ِ‬
‫اآليات والحجج التي أ َّيد اهلل هبا رسله وأنبياءه ‪ ‬كثيرة‬ ‫ونعلم أن‬
‫جدًّ ا‪ ،‬وأعظم األدلة الدالة على صدقهم هي ما جاؤوا به من الوحي‪ ،‬ووحي‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)7274‬ومسلم (‪.)152‬‬


‫((( تفسير الطبري (‪ )30/8‬و (‪.)337/9‬‬
‫‪217‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫اهلل ألنبيائه ورسله ‪ :‬إما أن يكون وح ًيا بغير واسطة‪ ،‬كالرؤيا كقوله‬
‫‪ ‬مخربًا عن إبراهيم ‪ ‬أنه قال‪( :‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الصافات‪ ،]102 :‬أو أن يسمع الرسول كالم‬
‫اهلل ‪ ‬مباشرة ولكن من وراء حجاب‪ ،‬كما يف قوله جل ثناؤه‪( :‬ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الشورى‪ ،]51 :‬وكما يف تكليم‬
‫اهلل لموسى ‪ ‬كما يف قوله جل شأنه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [األعراف‪:‬‬

‫‪ ،]144‬أو يكلمه الملك‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪( :‬ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬


‫ﰊ ﰋ) [الشورى‪.]51 :‬‬
‫الدعـــوة‬ ‫ونعلم أن من أعظم األدلة الدالة على صدقهم هي ما يدعون إليه من‬
‫إىل التوحيد‬ ‫التوحيد المستقر يف ِ‬
‫الف َطر‪ ،‬الذي تشهد العقول على حسنه‪ ،‬وما جاؤوا‬
‫أعظم دالئل‬
‫النبــــــوة‬ ‫به من العلم النافع‪ ،‬والعمل الصالح‪ ،‬والهدى ودين الحق والميزان‪ ،‬ف َع ْن‬
‫اس ‪َ ‬أ ْخ َب َر ُه َق َال‪َ :‬أ ْخ َب َرنِي‬ ‫ُع َب ْي ِد اهَّللِ ْب ِن َع ْب ِداهَّللِ‪َ ،‬أ َّن َع ْبدَ اهَّللِ ْب َن َع َّب ٍ‬
‫ان‪َ « :‬أ َّن ِه َر ْق َل َق َال َل ُه‪َ :‬س َأ ْلت َُك َما َذا َي ْأ ُم ُرك ُْم؟ َف َز َع ْم َت‪َ :‬أ َّن ُه َأ َم َرك ُْم‬ ‫َأ ُبو ُس ْف َي َ‬
‫اء بِال َع ْه ِد‪َ ،‬و َأ َد ِاء األَ َمان َِة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َه ِذ ِه‬ ‫اف‪ ،‬والو َف ِ‬
‫َ َ‬
‫بِالصَّلاَ ِة‪ ،‬والصدْ ِق‪ ،‬والع َف ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ِّ‬
‫ِص َف ُة َنبِ ٍّي»(((‪.‬‬
‫وقال النجاشي لما تال عليه جعفر ‪ ‬صدر «سورة مريم»‪« :‬إِ َّن‬
‫احدَ ٍة»(((‪.‬‬ ‫اة و ِ‬‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وسى َل َي ْخ ُر َجان م ْن م ْش َك َ‬
‫ِ‬
‫َه َذا ا ْل َكلاَ َم َوا ْل َكلاَ َم ا َّلذي َجا َء ُم َ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)2681‬ومسلم (‪ ،)1773‬والترمذي (‪.)2717‬‬


‫((( أخرجه إسحاق بن راهويه (‪ ،)1835‬وأحمد (‪ ،)22498‬وابن خزيمة (‪،)2260‬‬
‫والطحاوي في شرح مشكل اآلثار (‪ ،)5598‬وأبو نعيم في الحلية (‪ )115 /1‬وفي‬
‫دالئل النبوة (‪.)194‬‬
‫‪218‬‬

‫ومنها شهادة اهلل لرسله أهنم على الحق‪ ،‬وأن ما جاؤوا به هو الحق‪ ،‬قال اهلل‬
‫تعالى‪( :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ) [النساء‪ ،]166 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ)‬

‫[الرعد‪.]43 :‬‬
‫ومن أعظم آياتهم‪ :‬الوحي الذي يتنزل عليهم من اهلل‪ ،‬وأعظم الوحي‬
‫هـو القرآن العظيم آية نبينا محمد ﷺ‪ .‬وهذا الوحي ال يمكن أن يأيت البشر‬
‫بمثله؛ ألنه كالم اهلل ووحيه‪ ،‬ولما فيه من األنباء الغيبية‪ ،‬ولما فيه من الهدى‬
‫والنور والرحمة والحكمة‪.‬‬
‫ومن آياتهم ابلينات‪ :‬الرباهين العقلية التي يمد اهلل هبا رسله وأنبياءه‬ ‫من آياهتم‬
‫الرباهيــن‬
‫‪ ،‬فتبهت الكافر وتزهق باطله كما يف قوله تعالى‪( :‬ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫العقليــــة‬
‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬
‫ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ‬
‫‪،]258‬‬ ‫[البقرة‪:‬‬ ‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ)‬
‫وقوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه‪( :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧﯨﯩﯪ ﯫﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱﯲﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ)‬
‫[الشعراء‪ ،]82-77 :‬وقوله عن موسى ‪ ‬أنه قال لفرعون‪( :‬ﰏ ﰐ ﰑ‬
‫ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [طه‪ ،]50 :‬ومنها قوله تعالى‪( :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [األنبياء‪ ،]22 :‬وقوله جل ثناؤه‪( :‬ﭗ‬
‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ‬
‫‪219‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [المؤمنون‪ .]91 :‬وهذه األدلة كثيرة جدًّ ا ذكرنا‬


‫بعضها يف باب الربوبية واأللوهية‪ ،‬ومن أجل آياهتم إخبارهم بالغيوب التي‬
‫يأذن اهلل لهم يف اإلخبار عنها‪.‬‬
‫ومــــــن‬ ‫ومن آياتهم ابلاهرة‪ :‬نجاة األنبياء السابقين ‪ ‬ونجاة أتباعهم من‬
‫آيــاهتــم‬
‫نجاهتــم‬ ‫مكر أعدائهم‪ ،‬وهالك المعاندين المستكربين‪ ،‬وتذكير اهلل للمدعوين بما‬
‫من مكــر‬ ‫فعل بالسابقين‪ ،‬وأن سنة اهلل ماضية‪ ،‬قال اهلل تعالى يف أول سورة األنبياء‪:‬‬
‫أعــدائهم‬
‫‪،]9‬‬ ‫(ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [األنبياء‪:‬‬

‫وقال يف خاتمتها‪( :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬


‫ﮆ ﮇ) [األنبياء‪ ،]105 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [القمر‪.]43-42  :‬‬
‫ويف «سورة الشعراء» كلما ذكر اهلل نجاة األنبياء السابقين‪  ‬وهالك‬
‫أعدائهم يعقب الحق على كل خرب من هذه األخبار بقوله ‪:‬‬
‫(ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الشعراء‪ .]67 :‬وقال الحق جل يف‬
‫‪،]13‬‬ ‫(ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [فصلت‪:‬‬ ‫عاله‪:‬‬
‫وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ)‬

‫[الروم‪.]9  :‬‬
‫وح ْسن أخالقهم وأفعالهم‬
‫ومن آياتهم ادلالة ىلع نبوتهم‪ :‬كمال خصالهم‪ُ ،‬‬
‫وسيرهتم‪ ،‬وصدق أقوالهم مما يمتنع معه عليهم الكذب‪ ،‬قال اهلل مخربًا عن‬
‫قوم صالح ‪ ‬أهنم قالوا‪( :‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ‬
‫ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ) [هود‪ ،]62 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫‪220‬‬

‫(ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [هود‪.]87 :‬‬
‫«و َس َأ ْلت َُك‪َ ،‬ه ْل‬ ‫وقال هرقل بعدما سأل أبا سفيان عن نبينا محمد ﷺ‪َ :‬‬
‫ول َما َق َال؟ َف َذك َْر َت َأ ْن لاَ ‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْع ِر ُ‬
‫ف َأ َّن ُه‬ ‫ُكنْت ُْم َت َّت ِه ُمو َن ُه بِال َك ِذ ِ‬
‫ب َق ْب َل َأ ْن َي ُق َ‬
‫َّاس‪َ ،‬و َي ْك ِذ َب َع َلى اهَّللِ»(((‪.‬‬
‫َل ْم َي ُك ْن ل ِ َي َذ َر ال َك ِذ َب َع َلى الن ِ‬

‫ومنها‪ :‬التواتر العظيم يف نقل آيات األنبياء وما جاؤوا به من العلم‬


‫والهدى ودين الحق مما يستحيل معه أن يتواطؤوا على نقل الكذب‪.‬‬
‫أجرا على رساالهتم‪ ،‬وال يبتغون مل ًكا‪ ،‬قال تعالى‬
‫ومنها‪ :‬أهنم ال يطلبون ً‬
‫مخربًا عن كثير من أنبيائهم أن كل واحد منهم قال لقومه‪( :‬ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [هود‪.]51 :‬‬
‫ٌ‬
‫جاهل لم ينظر فيما جاؤوا‬ ‫ومنها‪ :‬أنه ال يوجد َم ْن قدح يف نبوة األنبياء إال‬
‫به من الدين والعلم والهدى‪ ،‬أو معاند مستكرب‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [النمل‪ ،]14 :‬وقال الحق جل يف عاله‪( :‬ﮱ‬
‫ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬
‫ﯠ) [األنعام‪.]33 :‬‬
‫ومنها‪ :‬ما يكون برهانًا حس ًّيا تراه العيون‪ ،‬وتس ّلم له العقول‪ ،‬كغرق قوم‬
‫نوح‪ ،‬وناقة صالح‪ ،‬وتحدي هود قومه أن يكيدوه جمي ًعا‪ ،‬ونجاة إبراهيم من‬
‫النار‪ ،‬وآيات موسى‪ ،‬ومنها‪ :‬العصا‪ ،‬والجراد‪ ،‬والقمل‪ ،‬والضفادع‪ ،‬والدم‪،‬‬
‫والطوفان‪ ،‬وغرق فرعون وقومه‪ ،‬وآيات داود ‪ ‬كتسبيح الجبال‪،‬‬
‫وإالنة الحديد‪ ،‬وآيات سليمان ‪ ‬كتسخير الريح والجن له‪ ،‬ومعرفته‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7‬ومسلم (‪.)1773‬‬


‫‪221‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫منطق الطير‪ ،‬وآيات المسيح ‪ ‬كشفاء األبرص واألكمه واألعمى‬


‫وإحياء الموتى‪ ،‬وأنه كان يعمل من الطين كهيئة الطير‪ ،‬فينفخ فيه بإذن اهلل‬
‫طيرا‪ ،‬وآيات نبينا محمد‪ ‬ﷺ‪ ،‬وهي كثيرة ال تحصى إال بالكلفة‪،‬‬
‫فيكون ً‬
‫كانشقاق القمر‪ ،‬واإلسراء والمعراج‪ ،‬وتكثير الطعام‪ ،‬وحديث الدواب‪،‬‬
‫وتسبيح الحصى‪ ،‬وحنين الجذع‪ ،‬ونصر اهلل له على أعدائه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬حال النبي الداعي إلى الحق؛ فإن الناس يميزون بين الداعي إلى‬
‫عي الكاذب يف قوله؛ ولذا قال عبداهلل بن سالم‪:‬‬ ‫الحق الصادق يف قوله‪ ،‬والدَّ ِّ‬
‫ول‪ ‬اهَّللِ‬
‫َّاس إِ َل ْي ِه‪َ ،‬وقِ َيل‪َ :‬ق ِد َم َر ُس ُ‬ ‫« َلما َق ِدم رس ُ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ المدينَ َة ان َْج َف َل الن ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َّ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َع َر ْف ُت‬ ‫َّاس لأِ َ ْن ُظر إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف َلما اس َت َبن ُْت َو ْج َه رس ِ‬
‫ج ْئ ُت فِي الن ِ‬ ‫ﷺ‪َ ،‬ف ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ‬
‫اب»(((‪ ،‬إلى غير ذلك من اآليات‪.‬‬ ‫َأ َّن َو ْج َه ُه َل ْي َس بِ َو ْج ِه ك ََّذ ٍ‬

‫القـــــرآن‬ ‫ولم يبق من آيات األنبياء شيء عدا القرآن العظيم‪ ،‬وسنة نبينا محمد‪ ‬ﷺ‪،‬‬
‫العظيــــم‬
‫اآلية الباقية‬ ‫فهما باقيان؛ ألهنما وحي تكفل اهلل بحفظه‪ ،‬قال المولى عز شـأنه‪( :‬ﮗ ﮘ‬
‫واحلجــــة‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الحجر‪ ،]9 :‬وفيهما أعظم الدالئل والرباهين على‬
‫التامـــــة‬
‫صدق الرسالة‪ ،‬وصدق الرسول ﷺ‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل يؤيد رسله ‪ ‬بما تقتضيه حكمته من اآليات‬
‫والرباهين الكونية والشرعية‪ ،‬فيهدي اهلل من شاء بفضله‪ ،‬ويضل من شاء‬
‫واستكبارا‪ ،‬قال الحق‪( :‬ﭲ‬
‫ً‬ ‫بعدله‪ ،‬ولكن المعاند ال تزيده اآليات إال عنا ًدا‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [اإلسراء‪ ،]41 :‬وقال الحق جل‬
‫شأنه‪( :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المائدة‪،]68 :‬‬
‫قال تعالى‪( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫((( أخرجه الترمذي (‪ ،)2485‬وابن ماجه (‪ ،)1334‬وابن أبي شيبة (‪ ،)25898‬وأحمد‬
‫(‪ ،)23784‬وعبد بن حميد (‪.)496‬‬
‫‪222‬‬

‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [فاطر‪ ،]42 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯨ ﯩ‬


‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [األنعام‪ ،]109 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [اإلسراء‪.]59 :‬‬
‫«س َأ َل َأ ْه ُل َم َّك َة النَّبِ َّي ﷺ‪َ ،‬أ ْن َي ْج َع َل َل ُه ُم‬ ‫وعن ابن عباس ‪ L‬قال‪َ :‬‬
‫ج َب َال َعن ُْه ْم‪َ ،‬ف َي ْز َر ُعوا‪َ ،‬ف ِق َيل َل ُه‪ :‬إِ ْن ِش ْئ َت َأ ْن َت ْست َْأنِ َي‬
‫الص َفا َذ َه ًبا‪َ ،‬و َأ ْن ُين َِّحي ا ْل ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫بِ ِه ْم‪َ ،‬وإِ ْن ِش ْئ َت َأ ْن ن ُْؤتِ َي ُه ُم ا َّل ِذي َس َأ ُلوا‪َ ،‬فإِ ْن َك َف ُروا ُأ ْهلِ ُكوا ك ََما َأ ْه َل ْك ُت َم ْن‬
‫اهَّلل ‪َ ‬ه ِذ ِه الآْ َيةَ‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ِ‬
‫َق ْب َل ُه ْم‪َ ،‬ق َال‪ :‬لاَ ‪َ ،‬ب ْل َأ ْست َْأني بِ ِه ْم‪َ ،‬ف َأن َْز َل ُ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [اإلسراء‪:‬‬

‫‪.(((»]59‬‬
‫ونعلم أن اهلل لو أراد لهدى الناس جمي ًعا‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫‪.]93‬‬ ‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [النحل‪:‬‬

‫وقال الحق جل يف عاله‪( :‬ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ‬


‫ﰘ) [األنعام‪.]35 :‬‬
‫ونؤمن أن دالئل األنبياء واآليات التي جاؤوا هبا والرباهين التي أمدَّ هم‬ ‫آيــــــات‬
‫األنبيـــــاء‬
‫اهلل هبا يستحيل أن يأيت هبا مدع للنبوة‪ ،‬أو ساحر أو كاذب؛ ألن اهلل قضى‬ ‫يستحيل‬
‫أال ينصر المبطل بدليل صحيح‪ ،‬وال يصدّ ق الكاذب بربهان صادق؛ ألنه‬ ‫أن يأيت‬
‫هبا ُمدّ عي‬
‫الحكيم يف شـرعه وأمره‪ ،‬وحكمة اهلل وسنته الجارية تمنع ذلك‪ ،‬قال المولى‬ ‫النبـــــــوة‬

‫عز شأنه‪( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)‬

‫[الحاقة‪.]46-44 :‬‬

‫((( أخرجـه أحمد (‪ ،)2333‬والبزار (‪ ،)5036‬والنسائي في الكبرى (‪ ،)11226‬والحاكم‬


‫(‪ ،)3437‬والبيهقي في دالئل النبوة (‪.)605‬‬
‫‪223‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫بــاب‬
‫نبـوة نبينــا محمد ﷺ‬
‫ونؤمن أن نبينا محمد بن عبداهلل هو رسول رب العالمين‪ ،‬وهو خاتم‬
‫األنبياء والمرسلين‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ول‬ ‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [األحزاب‪َ .]40 :‬ع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ ‬أ َّن َر ُس َ‬
‫اء ِم ْن َق ْب ِلي ك ََم َث ِل َر ُج ٍل َبنَى َب ْيتًا َف َأ ْح َسنَ ُه‬ ‫اهللِ ﷺ َق َال‪« :‬إِ َّن م َث ِلي وم َث َل أْالَ ْنبِي ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫ون بِه َو َي ْع َج ُب َ‬
‫ون َل ُه‬ ‫ِ‬ ‫َّاس َي ُطو ُف َ‬ ‫ٍ‬ ‫َو َأ ْج َم َل ُه إِ اَّل َم ْو ِض َع َلبِنَة م ْن ز ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َاو َية‪َ ،‬ف َج َع َل الن ُ‬
‫ون‪ :‬هلاَّ و ِضع ْ ِ ِ‬
‫ين»(((‪.‬‬ ‫ت َهذه ال َّلبِنَ ُة َق َال َف َأنَا ال َّلبِنَ ُة َو َأنَا َخات َُم النَّبِ ِّي َ‬ ‫َو َي ُقو ُل َ َ ُ َ‬
‫«أنَا َس ِّيدُ َو َل ِد آ َد َم َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة‪َ ،‬و َأ َّو ُل َم ْن‬ ‫وهو سيد ولد آدم‪ ،‬قال ﷺ‪َ :‬‬
‫َين َْش ُّق َعنْ ُه ا ْل َق ْب ُر‪َ ،‬و َأ َّو ُل َشافِ ٍع َو َأ َّو ُل ُم َش َّفع»(((‪ ،‬وهو خليل رب العالمين‪،‬‬
‫َّخ ًذا ِم ْن ُأ َّمتِي َخ ِليلاً ‪ ،‬اَلتَّخَ ْذ ُت َأ َبا َب ْكرٍ‪َ ،‬و َلكِ ْن َأ ِخي‬ ‫ْت مت ِ‬
‫قال ﷺ‪َ « :‬ل ْو ُكن ُ ُ‬
‫احبِي»(((‪.‬‬ ‫وص ِ‬
‫َ َ‬
‫ونعلم أنه أويت من اآليات ما لم يؤت مثله أحد من الرسل ‪،‬‬
‫وأعظم آياته القرآن الكريم‪ ،‬وأول ما أنزل عليه منه صدر «سورة العلق»‪،‬‬
‫كما صح بذلك الحديث‪ :‬عن عائشة أم المؤمنين ‪ ‬أهنا قالت‪َ :‬أ َّو ُل‬
‫ان لاَ َي َرى‬‫الصال ِ َح ُة فِي الن َّْو ِم‪َ ،‬ف َك َ‬ ‫ِ‬ ‫ما ب ِدئ بِ ِه رس ُ ِ‬
‫الو ْح ِي ُّ‬
‫الر ْؤ َيا َّ‬ ‫ول اهَّلل ﷺ م َن َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ‬
‫َان َي ْخ ُلو بِ َغ ِ‬
‫ار‬ ‫الخلاَ ُء‪َ ،‬وك َ‬ ‫ب إِ َل ْي ِه َ‬ ‫ِ‬
‫ُر ْؤ َيا إِ اَّل َجا َء ْت م ْث َل َف َل ِق ُّ‬
‫الص ْبحِ ‪ُ ،‬ث َّم ُح ِّب َ‬

‫(( ( أخرجه البخاري(‪ ،)3535‬ومسلم(‪.)2286‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2278‬وأبو داود (‪.)4673‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)3656‬‬
‫‪224‬‬

‫ات ال َعدَ ِد َق ْب َل َأ ْن َين ِْز َع إِ َلى َأ ْهلِ ِه‪،‬‬‫يه ‪-‬و ُهو ال َّتعبدُ ‪ -‬ال َّليالِي َذو ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫َ َ َ‬ ‫ح َراء َف َيت ََحنَّ ُث ف َ َ َ ُّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الح ُّق َو ُه َو‬‫يج َة َف َيت ََز َّو ُد لم ْثلِ َها‪َ ،‬ح َّتى َجا َء ُه َ‬ ‫َو َيت ََز َّو ُد ل َذل َك‪ُ ،‬ث َّم َي ْر ِج ُع إِ َلى َخد َ‬
‫ار ٍئ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ َخ َذنِي‪،‬‬ ‫ار ِح َر ٍاء‪َ ،‬ف َجا َء ُه الم َل ُك َف َق َال‪« :‬ا ْق َر ْأ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ما َأنَا بِ َق ِ‬ ‫فِي َغ ِ‬
‫ار ٍئ‪،‬‬ ‫ت‪َ :‬ما َأنَا بِ َق ِ‬ ‫الج ْهدَ ‪ُ ،‬ث َّم َأ ْر َس َلنِي‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ْق َر ْأ‪ُ ،‬ق ْل ُ‬ ‫ِ‬
‫َف َغ َّطني َحتَّى َب َلغَ منِّي َ‬
‫ِ‬

‫الج ْهدَ ‪ُ ،‬ث َّم َأ ْر َس َلنِي‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ْق َر ْأ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َأ َخ َذني‪َ ،‬ف َغ َّطني ال َّثان َي َة َحتَّى َب َلغَ منِّي َ‬
‫ِ‬

‫ار ٍئ‪َ ،‬ف َأ َخ َذنِي‪َ ،‬ف َغ َّطنِي ال َّثالِ َثةَ‪ُ ،‬ث َّم َأ ْر َس َلنِي‪َ ،‬ف َق َال‪( :‬ﭻ ﭼ‬ ‫ت‪َ :‬ما َأنَا بِ َق ِ‬ ‫َف ُق ْل ُ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [العلق‪َ ،»]3-1 :‬ف َر َج َع‬
‫ف ُف َؤا ُد ُه(((‪ ،‬وأنزل عليه بعدها «المدثر»‪ ،‬فعن جابر‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ َي ْر ُج ُ‬ ‫بِ َها َر ُس ُ‬
‫ابن عبداهلل ‪ ‬أنه سمع رسول اهلل ﷺ يحـدث عن فرتة الوحي‪َ « :‬ف َب ْينَا‬
‫اء‪َ ،‬فإِ َذا الم َل ُ‬ ‫ت بصرِي ِقب َل السم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأنَا َأ ْم ِشي َس ِم ْع ُ‬
‫ك‬ ‫َ َّ َ‬ ‫الس َماء‪َ ،‬ف َر َف ْع ُ َ َ‬ ‫ت َص ْوتًا م َن َّ‬
‫ت ِمنْ ُه‬ ‫ض‪َ ،‬ف َجئِ ْث ُ‬ ‫اء َواألَ ْر ِ‬ ‫اعدٌ ع َلى كُر ِسي بين السم ِ‬
‫ْ ٍّ َ ْ َ َّ َ‬ ‫َ‬
‫اء َق ِ‬
‫حر ٍ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا َّلذي جا َءني بِ َ‬
‫ِ‬

‫ت‪ :‬ز َِّم ُلونِي ز َِّم ُلونِي َفز ََّم ُلونِي»‪،‬‬ ‫ْت َأ ْه ِلي َف ُق ْل ُ‬‫جئ ُ‬ ‫ض‪َ ،‬ف ِ‬ ‫ت إِ َلى األَ ْر ِ‬ ‫َحتَّى َه َو ْي ُ‬
‫ِِ‬
‫اهَّلل َت َعا َلى‪( :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [المدثر‪ ]2 ،1 :‬إِ َلى َق ْوله‪( :‬ﯚ)‬ ‫َف َأنـ َْز َل ُ‬
‫ِ‬ ‫الر ْج ُز‪ :‬األَ ْو َث ُ‬
‫الو ْح ُي َو َتتَا َب َع(((‪.‬‬ ‫ان‪ُ -‬ث َّم َحم َي َ‬ ‫[المدثر‪َ - ]5 :‬ق َال َأ ُبو َس َل َمةَ‪َ :‬و ِّ‬
‫ث ْب َن ِه َشا ٍم ‪‬‬ ‫ار َ‬‫الح ِ‬
‫وعن عائشة أم المؤمنين ‪َ ،‬أ َّن َ‬
‫الو ْح ُي؟ َف َق َال‬ ‫يك َ‬ ‫ف َي ْأتِ َ‬ ‫ول اهَّللِ‪َ ،‬ك ْي َ‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ َف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َس َأ َل َ‪ ‬ر ُس َ‬
‫س‪َ ،‬و ُه َو َأ َشدُّ ُه َع َل َّي‪،‬‬ ‫الج َر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫«أ ْح َيانًا َي ْأتيني م ْث َل َص ْل َص َلة َ‬ ‫ول‪ ‬اهَّللِ‪ ‬ﷺ‪َ :‬‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ك َر ُجلاً ‪،‬‬ ‫ت َعنْ ُه َما َق َال‪َ ،‬و َأ ْح َيانًا َيت ََم َّث ُل لِ َي الم َل ُ‬ ‫َف ُي ْف َص ُم َعنِّي‪َ ،‬و َقدْ َو َع ْي ُ‬
‫ول»‪َ ،‬قا َل ْت َعائِ َش ُة ‪َ :‬و َل َقدْ َر َأ ْي ُت ُه َين ِْز ُل َع َل ْي ِه‬ ‫َف ُي َك ِّل ُمنِي‪َ ،‬ف َأ ِعي َما َي ُق ُ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)3‬ومسلم (‪ ،)160‬والترمذي (‪.)3632‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4926‬ومسلم (‪ ،)161‬والترمذي (‪.)3325‬‬
‫‪225‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫يد ال َب ْر ِد‪َ ،‬ف َي ْف ِص ُم َعنْ ُه‪َ ،‬وإِ َّن َجبِينَ ُه َل َي َت َف َّصدُ َع َر ًقا(((‪.‬‬
‫الش ِد ِ‬
‫الو ْح ُي فِي ال َي ْو ِم َّ‬
‫َ‬
‫وأنه مكث يف مكة ثالثة عشر عا ًما يدعو إلى التوحيد‪ ،‬وأقام بالمدينة‬
‫عشر سنوات يبين شرائع اهلل‪ ،‬ويدعو إلى دينه ويجاهد يف سبيله حتى توفاه‬
‫اهلل عن ثالث وستين سنة ﷺ ‪ -‬بأبي هو وأمي‪.‬‬
‫اإلسـراء‬ ‫ونعلم أن من أعظم آياته ‪-‬بعد القرآن العظيم‪ -‬اإلسراء والمعراج‪ ،‬قال‬
‫واملعـراج‬
‫تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [اإلسراء‪.]1 :‬‬
‫يت بِا ْل ُب َر ِاق‪َ ،‬و ُه َو َدا َّب ٌة‬ ‫«أتِ ُ‬ ‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪ُ :‬‬ ‫وعن أنس ‪َ ‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ون ا ْل َبغ ِْل‪َ ،‬ي َض ُع َحافِ َر ُه ِعنْدَ ُمنْت ََهى َط ْرفِ ِه‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ار‪َ ،‬و ُد َ‬ ‫ح َم ِ‬ ‫يل َفو َق ا ْل ِ‬
‫َأ ْب َي ُض َط ِو ٌ ْ‬
‫س‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َر َب ْط ُت ُه بِا ْل َح ْل َق ِة ا َّلتِي َي ْربِ ُط بِ ِه أْالَ ْنبِ َيا ُء‪،‬‬ ‫ت ا ْل َم ْق ِد ِ‬ ‫ت َب ْي َ‬ ‫َف َركِ ْب ُت ُه َحتَّى َأ َت ْي ُ‬
‫يل‬ ‫ت َف َجا َءنِي ِج ْبرِ ُ‬ ‫ت فِ ِيه َر ْك َع َت ْي ِن‪ُ ،‬ث َّم َخ َر ْج ُ‬ ‫جدَ ‪َ ،‬ف َص َّل ْي ُ‬‫ت ا ْل َم ْس ِ‬ ‫َق َال‪ُ :‬ث َّم َد َخ ْل ُ‬
‫يل ﷺ‪:‬‬ ‫اخت َْر ُت ال َّل َب َن‪َ ،‬ف َق َال ِج ْبرِ ُ‬ ‫َاء ِم ْن َل َب ٍن‪َ ،‬ف ْ‬ ‫َاء ِمن َخمرٍ‪ ،‬وإِن ٍ‬
‫ْ ْ َ‬
‫‪ ‬بِإِن ٍ‬

‫ْت؟‬ ‫يل‪َ :‬م ْن َأن َ‬ ‫يل‪َ ،‬ف ِق َ‬ ‫اس َت ْفت ََح ِج ْبرِ ُ‬ ‫ِ‬
‫الس َماء‪َ ،‬ف ْ‬
‫ِ‬
‫اخت َْر َت ا ْلف ْط َرةَ‪ُ ،‬ث َّم ُعرِ َج بِنَا إِ َلى َّ‬ ‫ْ‬
‫ث إِ َل ْي ِه؟ َق َال‪َ :‬قدْ‬ ‫يل‪َ :‬و َقدْ ُب ِع َ‬ ‫يل‪َ :‬و َم ْن َم َع َك؟ َق َال‪ُ :‬م َح َّمدٌ ‪ِ ،‬ق َ‬ ‫يل‪ِ ،‬ق َ‬ ‫َق َال‪ِ :‬ج ْبرِ ُ‬
‫ب بِي‪َ ،‬و َد َعا لِي بِخَ ْيرٍ‪ُ ،‬ث َّم ُعرِ َج بِنَا‬ ‫ب ِع َ ِ ِ‬
‫ث إِ َل ْيه‪َ ،‬ف ُفت َح َلنَا‪َ ،‬فإِ َذا َأنَا بِآ َد َم‪َ ،‬ف َر َّح َ‬ ‫ُ‬
‫يل‪،‬‬ ‫ْت؟ َق َال‪ِ :‬ج ْبرِ ُ‬ ‫يل‪َ :‬م ْن َأن َ‬ ‫يل ‪َ ،‬ف ِق َ‬ ‫اس َت ْفت ََح ِج ْبرِ ُ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الس َماء ال َّثان َية‪َ ،‬ف ْ‬ ‫إِ َلى َّ‬
‫ث إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف ُفتِ َح‬ ‫ث إِ َل ْي ِه؟ َق َال‪َ :‬قدْ ُب ِع َ‬ ‫يل‪َ :‬و َقدْ ُب ِع َ‬ ‫يل‪َ :‬و َم ْن َم َع َك؟ َق َال‪ُ :‬م َح َّمدٌ ‪ِ ،‬ق َ‬ ‫ِق َ‬
‫ات اهلل ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يسى ا ْب ِن َم ْر َي َم‪َ ،‬و َي ْح َيى ْب ِن َز َكرِ َّيا َء‪َ ،‬ص َل َو ُ‬ ‫َلنَا‪َ ،‬فإِ َذا َأنَا بِا ْبن َِي ا ْلخَ ا َلة ع َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َت ْفت ََح‬ ‫الس َماء ال َّثال َثة‪َ ،‬ف ْ‬ ‫َع َل ْي ِه َما‪َ ،‬ف َر َّح َبا‪َ ،‬و َد َع َوا لي بِخَ ْيرٍ‪ُ ،‬ث َّم ُعرِ َج بِي إِ َلى َّ‬
‫يل‪َ :‬و َم ْن َم َع َك؟ َق َال‪ُ :‬م َح َّمدٌ ﷺ‪،‬‬ ‫يل‪ِ ،‬ق َ‬ ‫ْت؟ َق َال‪ِ :‬ج ْبرِ ُ‬ ‫يل‪َ :‬م ْن َأن َ‬ ‫يل‪َ ،‬ف ِق َ‬ ‫ِج ْبرِ ُ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2‬ومسلم (‪ ،)2333‬والترمذي (‪ ،)3634‬والنسائي (‪.)933‬‬


‫‪226‬‬
‫ث إِ َلي ِه؟ َق َال‪َ :‬قدْ ب ِع َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِق َ‬
‫ف ﷺ‪ ،‬إِ َذا‬ ‫وس َ‬ ‫ث إِ َل ْيه‪َ ،‬ف ُفت َح َلنَا‪َ ،‬فإِ َذا َأنَا بِ ُي ُ‬ ‫ُ‬ ‫يل‪َ :‬و َقدْ ُبع َ ْ‬
‫هو َقدْ ُاعطِي َش ْطر ا ْلحس ِن‪َ ،‬فرحب ودعا لِي بِخَ يرٍ‪ُ ،‬ثم عرِج بِنَا إِ َلى السم ِ‬
‫اء‬ ‫َّ َ‬ ‫ْ َّ ُ َ‬ ‫َ َّ َ َ َ َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ‬
‫يل‪َ :‬و َم ْن‬ ‫يل‪ِ ،‬ق َ‬ ‫يل‪َ :‬م ْن َه َذا؟ َق َال‪ِ :‬ج ْبرِ ُ‬ ‫يل‪ِ ، ‬ق َ‬ ‫اس َت ْفت ََح ِج ْبرِ ُ‬ ‫ِ‬
‫الرابِ َعة‪َ ،‬ف ْ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث إِ َل ْيه‪َ ،‬ف ُفت َح َلنَا َفإِ َذا‬ ‫ِ‬
‫ث إِ َل ْيه؟ َق َال‪َ :‬قدْ ُبع َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم َع َك؟ َق َال‪ُ :‬م َح َّمدٌ ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َقدْ ُبع َ‬
‫ال اهللُ ‪( :‬ﮂ ﮃ ﮄ) [مريم‪:‬‬ ‫ب َو َد َعا لِي بِخَ ْيرٍ‪َ ،‬ق َ‬ ‫يس‪َ ،‬ف َر َّح َ‬ ‫َأنَا بِإِ ْد ِر َ‬
‫يل‪َ :‬م ْن َه َذا؟‬ ‫يل‪ِ ،‬ق َ‬ ‫اس َت ْفت ََح ِج ْبرِ ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫الس َماء ا ْلخَ ام َسة‪َ ،‬ف ْ‬
‫ِ‬
‫‪ُ ،]57‬ث َّم ُعرِ َج بِنَا إِ َلى َّ‬
‫ث إِ َل ْي ِه؟ َق َال‪َ :‬قدْ‬ ‫يل‪َ :‬و َقدْ ُب ِع َ‬ ‫يل‪َ :‬و َم ْن َم َع َك؟ َق َال‪ُ :‬م َح َّمدٌ ‪ِ ،‬ق َ‬ ‫يل‪ِ ،‬ق َ‬ ‫َف َق َال‪ِ :‬ج ْبرِ ُ‬
‫ب‪َ ،‬و َد َعا لِي بِخَ ْيرٍ‪ُ ،‬ث َّم ُعرِ َج‬ ‫ون ﷺ‪َ ،‬ف َر َّح َ‬ ‫ث إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف ُفتِ َح َلنَا َفإِ َذا َأنَا بِ َه ُار َ‬ ‫ُب ِع َ‬
‫يل‪َ :‬م ْن َه َذا؟ َق َال‪:‬‬ ‫يل ‪ِ ،‬ق َ‬ ‫اس َت ْفت ََح ِج ْبرِ ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫الساد َسة‪َ ،‬ف ْ‬
‫ِ‬
‫الس َماء َّ‬ ‫بِنَا إِ َلى َّ‬
‫ث‬ ‫ث إِ َل ْي ِه؟ َق َال‪َ :‬قدْ ُب ِع َ‬ ‫يل‪َ :‬و َقدْ ُب ِع َ‬ ‫يل‪َ :‬و َم ْن َم َع َك؟ َق َال‪ُ :‬م َح َّمدٌ ‪ِ ،‬ق َ‬ ‫يل‪ِ ،‬ق َ‬ ‫ِج ْبرِ ُ‬
‫ب َو َد َعا لِي بِخَ ْيرٍ‪ُ ،‬ث َّم ُعرِ َج بِنَا إِ َلى‬ ‫وسى ﷺ‪َ ،‬ف َر َّح َ‬
‫ِ ِ‬
‫إِ َل ْيه‪َ ،‬ف ُفت َح َلنَا‪َ ،‬فإِ َذا َأنَا بِ ُم َ‬
‫يل‪َ :‬و َم ْن‬ ‫يل‪ِ ،‬ق َ‬ ‫يل‪َ :‬م ْن َه َذا؟ َق َال‪ِ :‬ج ْبرِ ُ‬ ‫يل‪َ ،‬ف ِق َ‬ ‫اس َت ْفت ََح ِج ْبرِ ُ‬ ‫ِ‬
‫السابِ َعة‪َ ،‬ف ْ‬
‫ِ‬
‫الس َماء َّ‬ ‫َّ‬
‫ث إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف ُفتِ َح َلنَا‬ ‫ث إِ َل ْي ِه؟ َق َال‪َ :‬قدْ ُب ِع َ‬ ‫يل‪َ :‬و َقدْ ُب ِع َ‬ ‫َم َع َك؟ َق َال‪ُ :‬م َح َّمدٌ ﷺ‪ِ ،‬ق َ‬
‫ت ا ْل َم ْع ُم ِ‬ ‫اهيم ﷺ مسنِدً ا َظهره إِ َلى ا ْلبي ِ‬ ‫ِ‬
‫ور‪َ ،‬وإِ َذا ُه َو َيدْ ُخ ُل ُه ك َُّل‬ ‫َْ‬ ‫َُْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َفإِ َذا َأنَا بِإِ ْب َر َ‬
‫السدْ َر ِة ا ْل ُمنْت ََهى‪،‬‬ ‫ب بِي إِ َلى ِّ‬ ‫ون إِ َل ْيه‪ُ ،‬ث َّم َذ َه َ‬
‫ف م َل ٍك اَل يعود َ ِ‬
‫َُ ُ‬ ‫ون َأ ْل َ َ‬ ‫َي ْو ٍم َس ْب ُع َ‬
‫ان ا ْل ِف َي َل ِة‪َ ،‬وإِ َذا َث َم ُر َها كَا ْل ِقلاَ ِل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َل َّما َغ ِش َي َها ِم ْن َأ ْمرِ اهلل ِ َما‬ ‫َوإِ َذا َو َر ُق َها كَآ َذ ِ‬
‫يع َأ ْن َينْ َعت ََها ِم ْن ُح ْسن ِ َها‪َ ،‬ف َأ ْو َحى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َغش َي َت َغ َّي َر ْت‪َ ،‬ف َما َأ َحدٌ م ْن َخ ْل ِق اهلل َي ْستَط ُ‬
‫ت إِ َلى‬ ‫ين َصلاَ ًة فِي ك ُِّل َي ْو ٍم َو َل ْي َل ٍة‪َ ،‬فنَ َز ْل ُ‬ ‫ِ‬
‫اهللُ إِ َل َّي َما َأ ْو َحى‪َ ،‬ف َف َر َض َع َل َّي َخ ْمس َ‬
‫ين َصلاَ ةً‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وسى ﷺ‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ما َف َر َض َر ُّب َك َع َلى ُأ َّمتِ َك؟ ُق ْل ُ‬
‫ت‪َ :‬خ ْمس َ‬ ‫ُم َ‬
‫ون َذلِ َك‪َ ،‬فإِنِّي َقدْ َب َل ْو ُت‬ ‫َك اَل ُيطِي ُق َ‬ ‫يف؛ َفإِ َّن ُأ َّمت َ‬ ‫اس َأ ْل ُه التَّخْ ِف َ‬ ‫ْار ِج ْع إِ َلى َر ِّب َك‪َ ،‬ف ْ‬
‫ف َع َلى‬ ‫ت‪َ :‬يا َر ِّب‪َ ،‬خ ِّف ْ‬ ‫ت إِ َلى َر ِّبي‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬ ‫يل َو َخ َب ْرت ُُه ْم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َر َج ْع ُ‬ ‫َبنِي إِ ْس َرائِ َ‬
‫ت‪َ :‬ح َّط َعنِّي َخ ْم ًسا‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫وسى‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬ ‫ت إِ َلى ُم َ‬ ‫ُأ َّمتِي‪َ ،‬ف َح َّط َعنِّي َخ ْم ًسا‪َ ،‬ف َر َج ْع ُ‬
‫‪227‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫يف‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َل ْم َأز َْل‬ ‫اس َأ ْل ُه التَّخْ ِف َ‬ ‫َك اَل يطِي ُق َ ِ‬
‫ون َذل َك‪َ ،‬ف ْار ِج ْع إِ َلى َر ِّب َك‪َ ،‬ف ْ‬ ‫إِ َّن ُأ َّمت َ ُ‬
‫وسى ‪َ ‬حتَّى َق َال‪َ :‬يا ُم َح َّمدُ ‪ ،‬إِن َُّه َّن‬ ‫َأ ْر ِج ُع َب ْي َن َر ِّبي ‪َ ،‬و َب ْي َن ُم َ‬
‫ون َصلاَ ةً‪،‬‬ ‫ات ك َُّل َي ْو ٍم َو َل ْي َل ٍة‪ ،‬لِك ُِّل َصلاَ ٍة َع ْش ٌر‪َ ،‬ف َذلِ َك َخ ْم ُس َ‬ ‫َخمس ص َلو ٍ‬
‫ْ ُ َ َ‬
‫ت َل ُه َع ْش ًرا‪،‬‬ ‫ت َل ُه َح َسنَةً‪َ ،‬فإِ ْن َع ِم َل َها كُتِ َب ْ‬ ‫َو َم ْن َه َّم بِ َح َسن ٍَة َف َل ْم َي ْع َم ْل َها كُتِ َب ْ‬
‫ت سي َئ ًة و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫احدَ ةً‪،‬‬ ‫َب َش ْيئًا‪َ ،‬فإِ ْن َعم َل َها كُت َب ْ َ ِّ َ‬ ‫َو َم ْن َه َّم بِ َس ِّيئَة َف َل ْم َي ْع َم ْل َها َل ْم ُت ْكت ْ‬
‫وسى ﷺ‪َ ،‬ف َأ ْخ َب ْر ُت ُه‪َ ،‬ف َق َال‪ْ :‬ار ِج ْع إِ َلى َر ِّب َك‬ ‫ت إِ َلى ُم َ‬ ‫ت َحتَّى ا ْنت ََه ْي ُ‬ ‫َق َال‪َ :‬فنَ َز ْل ُ‬
‫ت إِ َلى َر ِّبي َحتَّى‬ ‫ت‪َ :‬قدْ َر َج ْع ُ‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪َ « :‬ف ُق ْل ُ‬ ‫يف»‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫اس َأ ْل ُه التَّخْ ِف َ‬‫َف ْ‬
‫ت ِمنْ ُه»(((‪.‬‬ ‫ْاست َْح َي ْي ُ‬
‫انشقاق‬ ‫ومن آياته ﷺ‪ :‬انشقاق القمر‪ ،‬قال ‪( :‬ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ) [القمر‪ ،]1 :‬وعن ابن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬ان َْش َّق ال َق َم ُر َع َلى َع ْه ِد‬
‫القمــر‬

‫ول اهَّللِ ﷺ‪:‬‬ ‫الج َبلِ‪َ ،‬وفِ ْر َق ًة ُدو َن ُه‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رس ِ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ ف ْر َق َت ْي ِن‪ :‬ف ْر َق ًة َف ْو َق َ‬ ‫َ ُ‬
‫ْ‬
‫«اش َهدُ وا»(((‪.‬‬
‫ت‪:‬‬ ‫اء بِ ِس ٍّ‬‫ت ع َلى أْالَ ْنبِي ِ‬
‫َ‬ ‫بخصائص كثيرة‪ ،‬كقوله ﷺ‪ُ « :‬ف ِّض ْل ُ َ‬
‫ٍ‬
‫َ‬ ‫وخصه اهلل‬‫َّ‬
‫ت لِ َي‬ ‫ت لِ َي ا ْل َغنَائِ ُم‪َ ،‬و ُج ِع َل ْ‬ ‫ب‪َ ،‬و ُأ ِح َّل ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت َج َوام َع ا ْلكَلمِ‪َ ،‬ونُص ْر ُت بِ ُّ‬
‫الر ْع ِ‬ ‫ُأ ْعطِ ُ‬
‫ون»(((‪،‬‬ ‫ت إِ َلى ا ْلخَ ْل ِق كَا َّفةً‪َ ،‬و ُختِ َم بِ َي النَّبِ ُّي َ‬ ‫جدً ا‪َ ،‬و ُأ ْر ِس ْل ُ‬
‫ورا َو َم ْس ِ‬
‫أْالَ ْر ُض َط ُه ً‬
‫وهذه الخصائص ذكرها العلماء يف ثنايا مصنفاهتم تارة‪ ،‬وتارة يفردون لها‬
‫مصنفات مستقلةً‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫ونؤمن أنه يجب على كل مؤمن ومؤمنة اإليمان به‪ ،‬وتصديقه فيما أخرب‪،‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)7517‬ومسلم (‪ )162‬واللفظ له‪ ،‬والترمذي (‪ ،)3131‬والنسائي‬


‫(‪ ،)450‬وابن ماجه (‪.)1399‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4864‬ومسلم (‪ ،)2800‬والترمذي (‪.)3285‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)523‬والترمذي (‪.)1553‬‬
‫‪228‬‬

‫وطاعته فيما أمر‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬


‫ﯦ ﯧ ﯨ) [الفتح‪ .]9 :‬وقال عز شأنه‪ ،‬وتقدست أسماؤه‪:‬‬
‫(ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [التغابن‪.]8 :‬‬
‫ونؤمن أل يعبد اهلل إال بما شرع نبينا محمد ﷺ‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الحشر‪:‬‬

‫‪ .]7‬وحذر الحق من مخالفة أمره ﷺ‪ ،‬فقال عز شأنه‪( :‬ﮍ ﮎ‬


‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النور‪.]63 :‬‬
‫وجيب توقيره ومحبته‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران‪.]31 :‬‬
‫ومحبة النبي ﷺ من أصول اإليمان‪ ،‬وقد قرهنا اهلل بمحبته‪ ،‬وتو ّعد من‬ ‫حمبة النبي‬
‫ﷺ‬
‫قدَّ م عليها شي ًئا من األمور المحبوبة طب ًعا من األقارب واألموال واألوطان‬
‫وغير ذلك‪ ،‬فقال تعالى‪( :‬ﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮁ‬
‫ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ‬
‫ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ‬
‫ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [التوبة‪.]24 :‬‬
‫أحب إليه من نفسه ووالده‬ ‫َّ‬ ‫وجيب على المؤمن أن يكون الرسول ﷺ‬
‫وولده والناس أجمعين‪ ،‬فعن عبداهلل بن هشام ‪ ‬قال‪ُ :‬كنَّا َم َع‬
‫ول اهَّللِ‪،‬‬
‫اب‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ُع َم ُر‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫آخ ٌذ بِ َي ِد ُع َم َر ْب ِن َ‬
‫الخ َّط ِ‬ ‫النَّبِي‪ ‬ﷺ‪ ،‬و ُهو ِ‬
‫َ َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«ل‪َ ،‬وا َّلذي‬ ‫ب إ َل َّي م ْن ك ُِّل َش ْيء إ اَّل م ْن َن ْفسي‪َ ،‬ف َق َال النَّب ُّي ﷺ‪ :‬اَ‬ ‫لأَ َن َْت أ َح ُّ‬
‫َ‬
‫ك»‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ُع َم ُر‪َ :‬فإِ َّن ُه َ‬
‫اآلن‬ ‫ك ِم ْن َن ْف ِس َ‬ ‫ب إِ َل ْي َ‬ ‫َن ْف ِسي بِ َي ِد ِه‪َ ،‬حتَّى َأك َ‬
‫ُون َأ َح َّ‬
‫ب إِ َل َّي مِ ْن َن ْف ِسي‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫«اآلن َيا ُع َم ُر»(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪-‬واهَّلل‪ -‬لأَ َن َْت َأ َح ُّ‬
‫َ‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)6632‬‬
‫‪229‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫وقد قرن اهلل تعالى ذكر نبينا محمد ﷺ بذكره سبحانه يف الشهادتين‬
‫ويف األذان‪ ،‬وقد استفاض ذكره ﷺ يف الكتب اإللهية السابقة‪ .‬ويف القرآن‬
‫ِ‬
‫المصنفات المتنوع َة يف سنته‪ ،‬وسيرته‪،‬‬ ‫العظيم‪ ،‬وصنَّف أئمة اإلسالم‬
‫وشمائله‪ ،‬وأخالقه‪ ،‬وغزواته‪ ،‬ونكتفي هنا بما يتوجب اعتقاده بشأن‬
‫نبوته ‪ ‬ﷺ‪.‬‬
‫عياض ‪« :‬إذا كانت خصال الكمال والجالل‬
‫ٌ‬ ‫قال القاضي‬
‫ما‪ ‬ذكرناه‪ ،‬ورأينا الواحد منَّا يتشرف بواحدة منها‪ ،‬أو اثنتين إن اتفقت له يف‬
‫كل عصر‪ :‬إما من نسب‪ ،‬أو جمال‪ ،‬أو قوة‪ ،‬أو حلم‪ ،‬أو شجاعة‪ ،‬أو‪ ‬سماحة‪،‬‬
‫حتى يعظم قدره‪ ،‬ويضرب باسمه األمثال‪ ،‬ويتقرر له بالوصف بذلك يف‬
‫القلوب أ َث َر ٌة عظيمة‪ ،‬وهو منذ عصور خوال‪ِ ،‬ر َمم بوال‪ ،‬فما ظنك بِ َعظِ ِ‬
‫يم‬
‫َقدْ ِر َم ِن اجتمعت فيه ُّ‬
‫كل هذه الخصال‪ ،‬إلى ما ال يأخذه عدّ ‪ ،‬وال يعرب عنه‬
‫مقال‪ ،‬وال ينال بكسب‪ ،‬وال حيلة‪ ،‬إال بتخصيص الكبير المتعال‪ ،‬من فضيلة‬
‫النبوة‪ ،‬والرسالة‪ ،‬والخلة‪ ،‬والمحبة‪ ،‬واالصطفاء‪ ،‬واإلسراء‪ ،‬والرؤية(((‪،‬‬
‫والقرب‪ ،‬والدنو‪ ،‬والوحي‪ ،‬والشفاعة‪ ،‬والوسيلة‪ ،‬والفضيلة‪ ،‬والدرجة‬
‫الرفيعة‪ ،‬والمقام المحمود‪ ،‬والرباق‪ ،‬والمعراج‪ ،‬والبعث إلى األحمر‬
‫واألسود‪ ،‬والصالة باألنبياء‪ ،‬والشهادة بين األنبياء واألمم‪ ،‬وسيادة ولد‬
‫آدم‪ ،‬ولواء الحمد‪ ،‬والبشارة‪ ،‬والنذارة‪ ،‬والمكانة عند ذي العرش‪ ،‬والطاعة‬
‫والس ْؤل‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ثم‪ ،‬واألمانة‪ ،‬والهداية‪ ،‬ورحمة للعالمين‪ ،‬وإعطاء الرضى‬ ‫ّ‬
‫والكوثر‪ ،‬وسماع القول‪ ،‬وإتمام النعمة‪ ،‬والعفو عما تقدم وما تأخر‪ ،‬وشرح‬
‫الصدر‪ ،‬ووضع ِ‬
‫اإل ْص ِر‪ ،‬ورفع ِّ‬
‫الذكْر‪ ،‬وعزة النصر‪ ،‬ونزول السكينة‪ ،‬والتأييد‬

‫((( رؤية النبي ﷺ ليلة أسري به ُم ْختلف فيها‪ ،‬والصحيح أن رسولنا ﷺ لم ير ربه ليلة‬
‫اإلسراء‪.‬‬
‫‪230‬‬

‫بالمالئكة‪ ،‬وإيتاء الكتاب والحكمة‪ ،‬والسبع المثاين والقرآن العظيم‪،‬‬


‫وتزكية األمة‪ ،‬والدعاء إلى اهلل‪ ،‬وصالة اهلل تعالى والمالئكة‪ ،‬والحكم بين‬
‫الناس بما أراه اهلل‪ ،‬ووضع اإلصر واألغالل عنهم‪ ،‬والقسم باسمه‪ ،‬وإجابة‬
‫دعوته‪ ،‬وتكليم الجمادات والعجم‪ ،...‬وإسماع الصم‪ ،‬ونبع الماء من بين‬
‫أصابعه‪ ،‬وتكثير القليل‪ ،‬وانشقاق القمر‪ ،‬ور ّد الشمس‪ ،‬وقلب األعيان‪،‬‬
‫والنصر بالرعب‪ ...‬إلى ما ال يحويه محتفل‪ ،‬وال يحيط بعلمه إال مانِ ُح ُه‬
‫ومفضله به ال إله غيره‪ ،‬إلى ما أعدّ له يف الدار اآلخرة‪ ،‬من منازل‬
‫ِّ‬ ‫ذلك‪،‬‬
‫الكرامة‪ ،‬ودرجات القدس‪ ،‬ومراتب السعادة‪ ،‬والحسنى والزيادة التي تقف‬
‫دوهنا العقول‪ ،‬ويحار دون إدراكها الوهم»(((‪.‬‬

‫((( الشفا بتعريف حقوق المصطفى (‪.)57 - 55 /1‬‬


‫‪231‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫بــاب‬

‫عموم رسالته ﷺ للخلق كافة‬


‫ونؤمن أن اهلل أرسل رسوله محمدً ا ﷺ إلى الخلق كافة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫(ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯣ)‬ ‫ﯝﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫[األعراف‪ ،]158  :‬وقـال المولى ‪( :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [سبأ‪.]28 :‬‬
‫اء َق ْب ِلي‪:‬‬ ‫يت َخمسا َلم يع َطهن َأحدٌ ِمن األَ ْنبِي ِ‬ ‫وقال رسول اهلل ﷺ‪ِ ُ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫«أ ْعط ُ ْ ً ْ ُ ْ ُ َّ َ‬
‫ورا‪َ ،‬و َأ ُّي َما‬
‫جدً ا َو َط ُه ً‬‫ت لِي األَ ْر ُض َم ْس ِ‬ ‫ب َم ِس َير َة َش ْهرٍ‪َ ،‬و ُج ِع َل ْ‬ ‫ِ‬
‫نُص ْر ُت بِ ُّ‬
‫الر ْع ِ‬
‫ث‬ ‫ت لِي ال َغنَائِ ُم‪َ ،‬وك َ‬
‫َان النَّبِ ُّي ُي ْب َع ُ‬ ‫الصلاَ ُة َف ْل ُي َص ِّل‪َ ،‬و ُأ ِح َّل ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َر ُج ٍل م ْن ُأ َّمتي َأ ْد َر َك ْت ُه َّ‬
‫الش َفا َعةَ»(((‪.‬‬
‫يت َّ‬ ‫َّاس كَا َّفةً‪َ ،‬و ُأ ْعطِ ُ‬
‫ت إِ َلى الن ِ‬ ‫اصةً‪َ ،‬و ُب ِع ْث ُ‬ ‫ِِ‬
‫إِ َلى َق ْومه َخ َّ‬
‫ونبينا محمد ﷺ قد بعثه اهلل إلى الثقلـين‪ :‬اإلنس‪ ،‬والجن‪ ،‬باتفاق‬
‫المسلمين‪ ،‬وقد استمعت الجن إلى القرآن وو َّلوا إلى قومهـم منذرين‪ ،‬فأخرب‬
‫اهلل رسوله بذلك يف القرآن بقوله‏‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ‬
‫ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ‬
‫ﭴﭵﭶﭷﭸ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)438‬ومسلم (‪ ،)521‬والنسائي (‪.)432‬‬


‫‪232‬‬

‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [األحقاف‪.]32 -29 :‬‬
‫وأخذ اهلل الميثاق على جميع األنبياء والمرسلين ‪ ‬لئن ُب ِع َث‬ ‫أخــذ اهلل‬
‫امليثاق عـىل‬
‫محمد ﷺ ‪-‬وهم أحياء‪ -‬ليؤمن َّن به‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﮛ ﮜ‬ ‫النبييــــن‬
‫ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ‬ ‫‪‬‬

‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ‬
‫ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [آل عمران‪ .]81 :‬قال علي‬
‫اهَّلل ‪َ ‬نبِ ًّيا‪ ،‬آ َد َم َف َم ْن َب ْعدَ ُه إِ اَّل َأ َخ َذ‬ ‫ِ‬
‫ابن أبي طالب ‪َ « :‬ل ْم َي ْب َعث ُ‬
‫‪-‬و ُه َو َح ٌّي‪َ -‬ل ُي ْؤمِنَ َّن بِ ِه‪َ ،‬و َل َين ُْص َر َّن ُه‪َ ،‬و َي ْأ ُم ُر ُه‪،‬‬ ‫ٍ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َل ْيه ا ْل َع ْهدَ في ُم َح َّمد‪َ :‬لئ ْن ُبع َث َ‬
‫َف َي ْأ ُخ ُذ ا ْل َع ْهدَ َع َلى َق ْومِ ِه‪َ ،‬ف َق َال‪( :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ) الآْ َي َة [آل عمران‪.(((»]81 :‬‬
‫يسى َق ْو َم ُه‪َ ،‬و ُرؤْ َيا ُأ ِّمي ا َّلتِي‬ ‫ِ‬
‫يم‪َ ،‬وبِ َش َار ُة ع َ‬
‫ِ‬
‫وقال ﷺ‪َ « :‬د ْع َو ُة أبي إِ ْب َراه َ‬
‫ِ‬
‫الشامِ»(((‪ ،‬وقوله ﷺ‪« :‬أنا دعوة‬ ‫ور َّ‬ ‫ُور َأ َضا َء ْت َل ُه ُق ُص ُ‬
‫َر َأ ْت َأ َّن ُه َخ َر َج من َْها ن ٌ‬
‫أبي إبراهيم» يقصد هبا ما أخربنا به المولى عز شأنه من دعاء إبراهيم الخليل‬
‫‪ ‬وهو قوله‪( :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [البقرة‪.]129 :‬‬
‫ونؤمن أن األنبياء بشرت به ﷺ أقوامها‪ ،‬ووردت صفاته ﷺ وصفات‬ ‫األنبيــاء‬
‫بشـــرت‬
‫أصحابه ‪ ‬يف التوراة واإلنجيل‪ ،‬قال الحق ‪( :‬ﭑ‬ ‫بنبينا حممد‬
‫ﷺ‬
‫(( ( أخرجه الطبري في التفسير (‪.)540 /5‬‬
‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)17163‬وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (‪،)261‬‬
‫وابن أبي عاصم في السنة (‪ ،)418‬وعبدالله بن أحمد في السنة (‪ ،)865‬وابن حبان‬
‫(‪ ،)6404‬والطبراني في مسند الشاميين (‪.)1455‬‬
‫‪233‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ‬
‫ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ) [الفتح‪ ،]29 :‬وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ‬
‫ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)‬

‫[األعراف‪ .]157 :‬وبشر به المسيح ‪ ‬بني إسرائيل‪ ،‬قال تعالى مخربًا‬


‫عنه أنه قال لهم‪( :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ) [الصف‪ .]6 :‬وكان أهل الكتاب يعرفونه كما يعرفـون أبناءهم‪ ،‬قال‬
‫اهلل تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [البقرة‪.]146 :‬‬
‫خاتم النبوة‬ ‫ومن عالمات نبوته ﷺ التي كانت معروفة عند أهل الكتاب خاتم النبوة‬
‫ف‬‫على كتفه الشريف‪ ،‬فعن السائب بن يزيد ‪ ‬قال‪ُ « :‬ث َّم ُق ْم ُت َخ ْل َ‬
‫الح َج َل ِة»(((‪.‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َظ ْه ِره‪َ ،‬فنَ َظ ْر ُت إِ َلى َخا َت ِم النُّ ُب َّوة َب ْي َن كَت َف ْيه‪ ،‬م ْث َل ِز ِّر َ‬
‫«و َر َأ ْي ُت ا ْل َخا َت َم ِعنْدَ كَتِ ِف ِه مِ ْث َل َب ْي َض ِة‬
‫وعن جابر بن سمرة ‪ ‬قال‪َ :‬‬
‫ا ْل َح َما َم ِة ُي ْشبِ ُه َج َسدَ ُه»(((‪.‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)190‬ومسلم (‪ ،)2345‬والترمذي (‪.)3643‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2344‬والترمذي (‪ ،)3644‬والنسائي (‪.)5114‬‬
‫‪234‬‬

‫ونؤمن بعموم رسالته ﷺ ولذا أرسل الكتب إلى الملوك والرؤساء‬


‫يدعوهم إلى عبادة اهلل وحده واإليمان برسالته ﷺ وتصديقه‪ ،‬فعن أبى بردة‬
‫ض النَّج ِ‬ ‫عن أبيه ‪ ‬قال‪َ « :‬أمرنَا رس ُ ِ‬
‫اش ِّي‬ ‫ول اهَّلل ﷺ َأ ْن َننْ َطلِ َق إِ َلى َأ ْر ِ َ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‪َ ،‬و َأ َّن ُه ا َّل ِذي َب َّش َر بِ ِه‬ ‫اشي‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ َّن ُه َر ُس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ َ َ‬ ‫ََ‬
‫‪-‬فذك ََر َحديث ُه‪ -‬قال الن ََّج ُّ‬
‫ك لأَ َ َت ْي ُت ُه َحتَّى َأ ْح ِم َل َن ْع َل ْي ِه»(((‪.‬‬
‫يه مِن ا ْلم ْل ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِعيسى ابن مريم‪ ،‬و َلولاَ ما َأنَا فِ ِ‬
‫َ ْ ُ ََْ َ َ ْ َ‬
‫وقال هرقل بعدما ورد عليه كتاب رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬قدْ ُكن ُْت َأ ْع َل ُم َأ َّن ُه‬
‫وش ُك َأ ْن َي ْملِ َك‬ ‫ارج‪ ،‬و َلكِن َلم َأ ُظن َأ َّنه مِنْ ُكم‪ ،‬وإِ ْن ي ُك ما ُق ْل َت ح ًّقا‪َ ،‬في ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َخ ِ ٌ َ ْ ْ‬
‫ص إِ َل ْي ِه َلت ََج َّش ْم ُت ُل ِق َّي ُه‪َ ،‬و َل ْو ُكن ُْت‬ ‫ِ‬
‫َم ْوض َع َقدَ َم َّي َها َت ْي ِن‪َ ،‬و َل ْو َأ ْر ُجو َأ ْن َأ ْخ ُل َ‬
‫ِعنْدَ ُه َل َغ َس ْل ُت َقدَ َم ْي ِه»(((‪.‬‬

‫ان‪ ،‬إِ َلى‬ ‫اح َبا ن َْج َر َ‬ ‫َعن ح َذي َف َة ‪َ ‬ق َال‪ :‬جاء العاقِب والسيدُ ‪ ،‬ص ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َّ ِّ‬ ‫ْ ُ ْ‬
‫احبِ ِه‪ :‬لاَ َت ْف َع ْل‪،‬‬ ‫ان َأ ْن يلاَ ِعنَاه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َق َال َأحدُ ُهما لِص ِ‬ ‫ول‪ ‬اهَّللِ ﷺ ي ِريدَ ِ‬ ‫رس ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫يك‬ ‫َف َو‪ ‬اهَّللِ َلئِ ْن ك َ‬
‫َان َنبِ ًّيا َفلاَ َعنَّا لاَ ُن ْفلِ ُح ن َْح ُن‪َ ،‬ولاَ َع ِق ُبنَا مِ ْن َب ْع ِدنَا‪َ ،‬قالاَ ‪ :‬إِنَّا‪ُ  ‬ن ْعطِ َ‬
‫َما َس َأ ْل َتنَا‪َ ،‬وا ْب َع ْث َم َعنَا َر ُجلاً َأمِينًا‪َ ،‬ولاَ َت ْب َع ْث َم َعنَا إِ اَّل َأمِينًا‪َ .‬ف َق َال‪ :‬لأَ َ ْب َع َث َّن‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َف َق َال‪:‬‬ ‫اب رس ِ‬
‫ف َل ُه َأ ْص َح ُ َ ُ‬ ‫است َْش َر َ‬ ‫َم َع ُك ْم َر ُجلاً َأمِينًا َح َّق َأمِ ٍ‬
‫ين‪َ ،‬ف ْ‬
‫ين َه ِذ ِه‬ ‫ِ‬ ‫« ُقم يا َأبا عبيدَ َة بن الجراحِ »‪َ ،‬ف َلما َقام‪َ ،‬ق َال رس ُ ِ‬
‫«ه َذا َأم ُ‬ ‫ول اهَّلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫ْ َ َ ُ َ ْ ْ َ َ َّ‬
‫األُ َّم ِة»(((‪.‬‬

‫(( ( أخرجه أبو داود (‪ ،)3205‬وابن أبي شيبة (‪ ،)37795‬وعبد بن حميد (‪ ،)550‬وابن‬
‫أبي عاصم في اآلحاد والمثاني (‪ ،)366‬والروياني (‪ ،)502‬والحاكم (‪.)3268‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2941‬وأبو داود (‪.)5136‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4380‬ومسلم (‪ ،)2420‬والترمذي (‪ ،)3796‬وابن ماجه‬
‫(‪.)135‬‬
‫‪235‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫ونؤمن أن اهلل زوى لنبينا ﷺ األرض‪ ،‬فرأى منها ما سيبلغه ملك أمته‬
‫ار َق َها َو َمغ ِ‬
‫َار َب َها‪َ ،‬وإِ َّن‬ ‫منها‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬إِ َّن اهللَ ز ََوى لِي أْالَ ْر َض‪َ ،‬ف َر َأ ْي ُ‬
‫ت َم َش ِ‬
‫ي لِي ِمن َْها»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُأ َّمتي َس َي ْب ُلغُ ُم ْلك َُها َما ز ُِو َ‬
‫ومن أدلة عموم رسالته ﷺ إسالم كثير من أحبار اليهود ورهبان‬
‫النصارى‪ ،‬بل اآلالف المؤلفة من أهل الكتاب‪.‬‬
‫وأيضا‪ :‬فقد غزا ﷺ الروم‪ ،‬وأمر أصحابه بجهاد الفرس والروم من‬
‫ً‬
‫بعده‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2889‬وأبو داود (‪ ،)4252‬والترمذي (‪ ،)2176‬وابن ماجه‬


‫(‪.)3952‬‬
‫‪236‬‬

‫بــاب‬
‫مقاالت ُخصوِم الرساالت والرسل ‪‬‬
‫ِ‬
‫قال اهلل تعالى‪( :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)‬

‫[األنعام‪ ،]112 :‬وقال اهلل جل ذكره وتقدست أسماؤه‪( :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬


‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الفرقان‪.]31 :‬‬
‫اقتضت حكمة اهلل أن يهدي من يشاء بفضله‪ ،‬وأن يضل من يشاء‬
‫بعدله‪ ،‬كما اقتضت حكمته أن يكون لكل نبي عدو‪ ،‬وأن يكون بين هؤالء‬
‫ٍ‬
‫تواص على الباطل وتوافق يف مقاالهتم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮢ ﮣ ﮤ‬ ‫األعداء‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [فصلت‪.]43 :‬‬
‫فمقاالت المأل يف كل أمة متماثلة‪ ،‬فتارة يقولون‪ :‬إنه ساحر أو كاهن أو‬
‫كاذب‪ ،‬كما يف قول فرعون لموسى فيما أخرب اهلل عنه بقوله‪( :‬ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ) [غافر‪ .]24 ،23 :‬وتارة ينكرون أن يكون أتاهم بآية‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪( :‬ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ‬
‫ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [هود‪ .]53 :‬وتارة يزعمون أنه يفرتي الكذب على‬
‫اهلل‪ ،‬قال اهلل مخربًا عن مقالتهم الخبيثة‪( :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [سبأ‪.]43 :‬‬
‫‪237‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫وتارة يصفونه بالجنون‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬


‫ﮁ ﮂ) [الحجر‪ ،]6 :‬وقال سبحانه مخربًا عن مقالتهم‪( :‬ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الشعراء‪ .]27 :‬وحاشا رسل اهلل ‪ ،‬وهم‬
‫أكمل الناس عقولاً ‪ ،‬وأزكاهم قلو ًبا‪.‬‬
‫وتارة يستعظمون ما يدعوهم إليه من الدعوة إلى عبادة اهلل وحده‪ ،‬قال‬
‫تعالى مخربًا عن مقالتهم أهنم قالوا‪( :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [األعراف‪،]70  :‬‬
‫وقالوا‪( :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [ص‪.]5 :‬‬
‫رد الـخصـوم‬ ‫وتارة يردون على النبي دعوته؛ ألنه بشر مثلهم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯕ‬
‫للدعــــــوة‬
‫‪ ،]27‬وقال‬ ‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [هود‪:‬‬

‫تعالى‪( :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ‬


‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [األنبياء‪.]3 :‬‬
‫التعنــــت‬ ‫وتارة يطالبوهنم بأمور ليست يف قدرة الخلق ‪-‬ولكنه االستكبار‬
‫واالستكبار‬
‫والعناد‪ -‬فقد طالبوا نبينا محمدً ا ﷺ بأن يفجر لهم من األرض ينبو ًعا‪ ،‬أو‬
‫يكون له جنة‪ ،‬أو يسقط السماء عليهم كس ًفا‪ ،‬أو يأتيهم باهلل والمالئكة‪ ،‬أو‬
‫يكون للنبي بيت من زخرف‪ ،‬أو يرقى يف السماء‪ ،‬وينزل عليهم كتا ًبا‪ ،‬كما‬
‫يف قوله عز شأنه وتعالى سلطانه‪( :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ‬
‫‪238‬‬

‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ‬
‫ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ‬
‫ﯼ ﯽ) [اإلسراء‪.]95-90 :‬‬
‫وتارة يطالبون النبي بأن يأتيهم بما يعدهم به من العذاب‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫استعجال‬
‫العــذاب‬
‫(ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ) [األعراف‪ ،]70 :‬وقال عز شأنه‪( :‬ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)‬
‫[األعراف‪.]77 :‬‬
‫وتارة يتّهمون الرسول بالضاللة أو السفاهة‪ ،‬كما يف قولهم الذي قصه‬
‫اهلل علينا يف قوله الحكيـم‪( :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [األعراف‪.]66 :‬‬
‫وتارة يصدون عن سـبيل اهلل‪ ،‬ويقولون ألتباعهم‪ :‬ال تسمعوا لهذا‬ ‫الصد عن‬
‫سبيـل اهلل‬
‫القرآن‪ ،‬وا ْل َغ ْوا فيه‪ ،‬كما أخرب اهلل عنهم؛ قال تعالى‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [فصلت‪.]26 :‬‬
‫وتارة يقابلون الرسول بالتكذيب‪ ،‬كما أخرب اهلل تعالى أهنم قالوا‪( :‬ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ)‪ ،‬أو يتهمون الرسول ﷺ بأن الذي يعلمه بشر‬
‫وليس الذي يأتيه وح ًيا من اهلل‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ) [النحل‪.]103 :‬‬
‫وقد ينصرفون عن الرسول؛ ألن الذين اتبعوه هم الضعفاء‪ ،‬كما يف قوله‬
‫تعالى مخربًا عن قوم نوح‪( :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫‪239‬‬ ‫كتاب الرسل واألنبياء ‪‬‬

‫ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [هود‪ ،]27 :‬وقال هرقل ألبي‬
‫َّاس َي َّتبِ ُعو َن ُه َأ ْم ُض َع َف ُ‬
‫اؤ ُه ْم؟ َف َز َع ْم َت َأ َّن‬ ‫اف الن ِ‬ ‫«و َس َأ ْلت َُك‪َ :‬أ ْش َر ُ‬ ‫سفيان‪َ :‬‬
‫الر ُسلِ»(((‪.‬‬ ‫ُض َع َفا َء ُه ُم ا َّت َب ُعو ُه‪َ ،‬و ُه ْم َأ ْت َب ُ‬
‫اع ُّ‬
‫وتارة يسخرون‪ ،‬ويستهزئون من الرسل كما يف قوله تعالى‪( :‬ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [التوبة‪ ،]65 :‬وكما يف قوله تعالى‪:‬‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫‪ .]38‬وتارة يخادعون الرسول‪،‬‬ ‫[هود‪:‬‬ ‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ)‬
‫ويطمعون يف مداهنته لهم أو الركون إليهم‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪( :‬ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ) [القلم‪ .]9 :‬وقوله ‪( :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [اإلسراء‪.]74 :‬‬
‫وتارة يتطاولون على النبي بالتعيير كما قال فرعون لموسى ‪:‬‬
‫(ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الزخرف‪.]52 :‬‬
‫وقول أبي سفيان ‪-‬وهو يف الشام‪ -‬عن نبينا محمد ﷺ‪َ « :‬ف ُق ْل ُت لأِ َ ْص َحابِي‬
‫ِحي َن َخ َر ْجنَا‪َ :‬ل َقدْ َأمِ َر َأ ْم ُر «ا ْب ِن أبي َك ْب َشةَ»‪ ،‬إِ َّن ُه َل َي َخا ُف ُه َملِ ُك َبنِي األَ ْص َف ِر»(((‪.‬‬
‫التهديـــد‬ ‫النبي باإلخراج من األرض‪ ،‬كما قال اهلل تعالى يف قوم‬
‫وتارة يهدد المأل َّ‬
‫باإلخـراج‬
‫من األرض‬ ‫شعيب‪( :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [األعراف‪.]88 :‬‬
‫وقال الحق جـل شأنه‪( :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)7‬ومسلم (‪.)1773‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4553‬ومسلم (‪ ،)1773‬والترمذي (‪.)2717‬‬
‫‪240‬‬

‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [إبراهيم‪ ،]13 :‬وقال قوم لوط للوط ومن‬


‫آمن معه كما أخرب اهلل عنهـم‪( :‬ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ) [األعراف‪ .]82 :‬وحاصر كفار قريش نبينا محمدً ا ﷺ ومن معه‪،‬‬
‫وبني هاشم‪ ،‬يف ِّ‬
‫الش ْعب ثالث سـنين‪ ،‬وأخرجوه من بلده ﷺ‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪ ‬قال‪َ « :‬ل َّما َق َس َم النَّبِ ُّي ﷺ قِ ْس َم َة ُحنَ ْي ٍن‪َ ،‬ق َال‬
‫ار‪َ :‬ما َأ َرا َد بِ َها َو ْج َه اهَّللِ‪َ ،‬ف َأ َت ْي ُت النَّبِ َّي ﷺ َف َأ ْخ َب ْر ُت ُه‪َ ،‬ف َت َغ َّي َر‬
‫َر ُج ٌل مِ َن األَن َْص ِ‬
‫ي بِ َأ ْك َث َر ِم ْن َه َذا‪َ ،‬ف َص َب َر»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وسى‪َ ،‬ل َقدْ ُأو ِذ َ‬ ‫«ر ْح َم ُة اهَّلل َع َلى ُم َ‬
‫َو ْج ُه ُه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬‬
‫وحاول قـوم إبراهيم ‪ ‬إحراقه بالنار‪ ،‬فنجاه اهلل ‪،‬‬
‫قال المولى عز شأنه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [العنكبـوت‪ ،]24 :‬وقال اهلل مخربًا عما فعـل‬
‫بنو إسرائيل مع أنبيائهم‪( :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [البقرة‪.]87 :‬‬
‫هذا هو َد ْيدَ ُن المستكربين مع المرسلين‪ ،‬وهذه سنة جارية يتبعها المأل‬
‫يف كل أمة مع المصلحين‪.‬‬
‫وسنة اهلل جارية بنصر رسله وأنبيائه عليهم الصالة والسالم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫(ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [غافر‪:‬‬

‫‪ ،]51‬وقال تعالى‪( :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬


‫ﯞ) [األنبياء‪.]9 :‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4335‬ومسلم (‪ ،)1062‬والترمذي (‪.)3896‬‬


‫كتاب اليوم اآلخر‬
‫‪242‬‬

‫ملخص الكتاب‬

‫ونؤمن باليوم اآلخر‪ ،‬وأنه ركن من أركان اإليمان الستة‪ ،‬وسمي باليوم‬
‫أيضا ‪ -‬أسماء كثيرة ومن‬
‫اآلخر؛ ألنه آخر أيام الدنيا‪ ،‬فليس بعده يوم‪ ،‬وله ‪ً -‬‬
‫أسمائه‪ :‬يوم القيامة‪ ،‬ويوم البعث‪ ،‬ويوم الحساب‪ ،‬ويوم الدين‪ ،‬والطامة‪،‬‬
‫والحاقة‪ ،‬والواقعة‪ ،‬والصاخة‪ ،‬والغاشية‪ ،‬وقد ذكر اهلل اليوم اآلخر يف‬
‫ٍ‬
‫كثيرة من كتابه الكريم‪.‬‬ ‫مواط َن‬
‫ومن اإليمان باليوم اآلخر‪ :‬اإليمان بعالماته ‪ -‬أي‪ :‬عالمات الساعة‪-‬‬
‫وأيضا‪ :‬اإليمان بما يحصل بعد الموت‪ ،‬وسنبدأ بالكالم على عالمات‬ ‫ً‬
‫الساعة‪ ،‬ثم ما يحصل بعد الموت؛ لكوهنا تقع قبل اليوم اآلخر‪.‬‬
‫فعالمات الساعة‪ :‬هي العالمات الدالة على قرب اليوم اآلخر‪ ،‬وهي من‬ ‫عالمـات‬
‫الســاعة‬
‫الغيب الذي أمرنا باإليمان به‪.‬‬

‫‪C C‬وهي ثالثة أقسام‪:‬‬


‫أحدها‪ :‬ما ظهر من عالمات الساعة‪ ،‬وانتهى‪ ،‬وهي كثيرة جدًّ ا‪.‬‬
‫مستمرا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫الثاين‪ :‬ما ظهر من عالمات الساعة‪ ،‬لكنه لم ينته‪ ،‬وإنما ما زال‬
‫الثالث‪ :‬ما لم يقع َب ْعدُ منها‪ ،‬وإنما تكون بين يدي الساعة قري ًبا منها‪.‬‬
‫ومن اإليمان باليوم اآلخر‪ :‬اإليمان بأن كل شيء هالك إال وجهه‬
‫‪ ،‬وأن ملك الموت يقبض األرواح‪ ،‬واإليمان بما يحصل بعد‬
‫‪243‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫الموت‪ ،‬من سؤال الميت‪ ،‬وعذاب القرب ونعيمه‪.‬‬


‫النفخ يف‬ ‫الم َل َك‪ ،‬فينفخ‬
‫ونؤمن بأن اهلل إذا أذن بزوال هذه الدنيا وانقضائها‪ ،‬أمر اهلل َ‬
‫الصـــور‬
‫يف الصور النفخة األولى‪ ،‬فيصعق كل من يف السموات ومن يف األرض إال‬
‫مطرا تنبت منه أجساد الخلق‪ ،‬ثم يأذن اهلل للملك‬ ‫من شاء اهلل‪ ،‬ثم ُ‬
‫ينزل اهلل ً‬
‫فينفخ يف الصور النفخة الثانية؛ فيبعثون من قبورهم‪ ،‬ويقوم الناس لرب‬
‫العالمين‪ ،‬وأول من تنشق عنه األرض نبينا ﷺ‪ ،‬وأول من يفيق نبينا ﷺ‪،‬‬
‫وأول من يكسى نبي اهلل إبراهيم خليل الرحمن‪ ،‬ويحشر الناس حفاة عراة‬
‫ُغ ْرلاً ‪ ،‬وأرض الحشر بيضاء‪.‬‬
‫ونؤمن بشفاعة نبينا ﷺ‪ ،‬ونؤمن بالعرض والحساب والجزاء‪ ،‬وأنه‬
‫ٌ‬
‫وأحوال متباينةٌ‪،‬‬ ‫مراتب‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬سريع الحساب‪ .‬وحساب اهلل لعباده له‬
‫يسيرا‪،‬‬
‫عسيرا‪ ،‬ومنهم من يحاسب حسا ًبا ً‬
‫ً‬ ‫فمن العباد من يحاسب حسا ًبا‬
‫ومن المؤمنين من يدخل الجنة بال حساب‪.‬‬
‫وال ُيظلم أحد يف ذلك اليوم‪ ،‬وأول من يحاسب يوم القيامة أمة محمد‬
‫ﷺ‪ ،‬وأول ما يقضى بين الناس يف الدماء‪.‬‬
‫ونؤمن أنه يف هذا اليوم يؤتى بالشهداء‪ ،‬فتشهد المالئكة‪ ،‬وتشهد األرض‬
‫بما عمل العباد عليها‪ ،‬وتشهد الجوارح‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل تعالى يضع موازي َن حقيقي ًة لوزن أعمال العباد‪.‬‬
‫حوضا ترده أمته‪ ،‬ثم يساق العباد‪ :‬إما إلى‬
‫ً‬ ‫ونؤمن بأن لرسول اهلل ﷺ‬
‫الجنة‪ ،‬وإما إلى النار ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬ويضرب الجسر على جهنم‪ ،‬وبه‬
‫كالليب مثل شوك السعدان‪ ،‬فتخطف الناس بأعمالهم‪ ،‬وأول من يجيز‬
‫الجسر نبينا محمد ﷺ‪.‬‬
‫‪244‬‬

‫بــاب‬
‫دالئل اإليمان باليوم اآلخر‬
‫ونؤمن بايلـوم اآلخر‪ ،‬وهو ركن من أركان اإليمان السـتة المذكورة يف‬ ‫من أدلة‬
‫البعــث‬
‫قوله تعالى‪( :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة‪ ،]177 :‬ويف قوله جل ثناؤه‪( :‬ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀﰁ‬
‫ﰋ)‬ ‫ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ‬
‫[النساء‪.]162 :‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َي ْو ًما‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫ودل عليه حديث أبي ُه َر ْي َر َة ‪ ،‬أنه َق َال‪ :‬ك َ‬
‫«أ ْن ت ُْؤ ِم َن‬
‫ان؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ار ًزا لِلن ِ‬ ‫َب ِ‬
‫يم ُ‬‫َّاس‪َ ،‬ف َأ َتا ُه َر ُج ٌل‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َر ُسول اهلل‪َ ،‬ما الإْ َ‬
‫ث آْال ِخرِ»(((‪.‬‬ ‫بِاهللِ‪ ،‬وملاَ ئِكَتِ ِه‪ ،‬وكِتَابِ ِه‪ ،‬ولِ َقائِ ِه‪ ،‬ورس ِل ِه‪ ،‬وت ُْؤ ِمن بِا ْلبع ِ‬
‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ودلت عليه دالئل العقل‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪( :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ) [يس‪ ،]79 ،78 :‬ويف قوله عز شأنه‪( :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4777‬ومسلم (‪ ،)9‬وابن ماجه (‪.)64‬‬


‫‪245‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫‪ ،]5‬وقول‬ ‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الحج‪:‬‬

‫(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ) [النازعات‪:‬‬ ‫الحق جل شأنه وتقدست أسماؤه‪:‬‬


‫‪ ،]27‬وقوله ‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [فصلت‪،]39 :‬‬
‫وقوله عز شأنه وتقدست أسماؤه‪( :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ) [الروم‪ ،]27 :‬وقوله عز مـن قائل‪( :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ) [األنبياء‪.]104 :‬‬
‫‪-‬أيضا‪-‬‬
‫وسمي باليوم اآلخر؛ ألنه آخر أيام الدنيا‪ ،‬فليس بعده يوم‪ ،‬وله ً‬
‫أسماء كثيرة‪ ،‬ومن أسمائه‪ :‬يوم القيامة‪ ،‬ويوم البعث‪ ،‬ويوم الحساب‪ ،‬ويوم‬
‫الدين‪ ،‬والطامة‪ ،‬والحاقة‪ ،‬والواقعة‪ ،‬والصاخة‪ ،‬والغاشية‪ ،‬وقد ذكر اهلل‬
‫اليوم اآلخر يف مواطن كثيرة من كتابه الكريم‪ .‬كقوله تعالى‪( :‬ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ) [المطففين‪ .]6 :‬وقوله جل ثناؤه‪( :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫(ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ)‬ ‫ﭱ ﭲ ﭳ) [المعارج‪ ،]43 :‬وقوله جل ثناؤه‪:‬‬
‫[النازعات‪ .]34 :‬وقوله‪( :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ‬
‫ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [عبس‪،]37 - 33 :‬‬
‫وقوله‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ‬
‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)‬

‫[الحج‪ .]2 ،1 :‬وقوله ‪ ‬وتعالى سلطانه‪( :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬


‫ﯷ) [التغابن‪.]9 :‬‬
‫‪246‬‬

‫بــاب‬
‫في اإليمان بأشراط الساعة‬
‫ومن اإليمان بايلوم اآلخر‪ :‬اإليمان بعالماته ‪ -‬أي عالمات الساعة ‪-‬‬
‫وهي العالمات الدالة على قرب اليوم اآلخر‪ ،‬كما قال ‪( :‬ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [محمد‪ ،]18 :‬وهي من الغيب‬
‫الذي أمرنا باإليمان به‪.‬‬
‫ومن عالمات الساعة ما ظهر وانتىه‪ ،‬وهي كثيرة جدًّ ا‪ ،‬فمن ذلك قوله‬ ‫مـــــــن‬

‫الس َّبا َب ِة‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ﷺ‪ُ « :‬ب ِع ْث ُ‬


‫العالمات‬
‫السا َع َة ك ََهذه م ْن َهذه‪َ ،‬أ ْو‪ :‬ك ََها َت ْي ِن‪َ ،‬و َق َر َن َب ْي َن َّ‬ ‫ت َأنَا َو َّ‬ ‫الصغـرى‬
‫ت‬ ‫والوس َطى»(((‪ ،‬وقوله ﷺ‪« :‬اعدُ د ِستًّا بين يدَ ِي الساع ِة‪ :‬موتِي‪ُ ،‬ثم َفتْح بي ِ‬ ‫للســاعة‬
‫َّ ُ َ ْ‬ ‫َّ َ َ ْ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫المال َحتَّى‬ ‫ِ‬ ‫اض ُة‬‫اص ال َغنَمِ‪ُ ،‬ث َّم ْاستِ َف َ‬ ‫َان َي ْأ ُخ ُذ فِيك ُْم َك ُق َع ِ‬ ‫س‪ُ ،‬ث َّم ُم ْوت ٌ‬ ‫الم ْق ِد ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل ما َئ َة دين ٍ‬
‫السا َع ُة‬ ‫َار‪َ ،‬ف َي َظ ُّل َساخ ًطا‪ ، »...‬وقوله ﷺ‪« :‬لاَ َت ُقو ُم َّ‬ ‫ُي ْع َطى َّ‬
‫(((‬

‫احدَ ةٌ‪،‬‬ ‫ُون بينَهما م ْق َت َل ٌة عظِيمةٌ‪ ،‬دعوتُهما و ِ‬ ‫يمت ِ‬ ‫حتَّى َت ْقتَتِ َل فِ َئت ِ ِ‬
‫َ َ ََْ ُ َ َ‬ ‫َان‪َ ،‬يك ُ َ ْ ُ َ َ‬ ‫َان َعظ َ‬ ‫َ‬
‫ول اهَّللِ‪،‬‬ ‫ين‪ُ ،‬ك ُّل ُه ْم َي ْز ُع ُم َأ َّن ُه َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫يب م ْن َثلاَ ث َ‬
‫ون‪َ ،‬قرِ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ون ك ََّذا ُب َ‬ ‫ث َد َّجا ُل َ‬ ‫َو َحتَّى ُي ْب َع َ‬
‫ان‪ ،‬و َت ْظهر ِ‬ ‫ِ‬
‫الفت َُن‪َ ،‬و َي ْك ُث َر‬ ‫َو َحتَّى ُي ْق َب َض الع ْل ُم‪َ ،‬و َت ْك ُث َر الز اََّل ِز ُل‪َ ،‬و َي َت َق َار َب الز ََّم ُ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫المال‬ ‫يض َحتَّى ُي ِه َّم َر َّب‬ ‫المال‪َ ،‬ف َي ِف َ‬
‫اله ْر ُج‪َ ،‬و ُه َو‪ :‬ال َقت ُْل‪َ ،‬و َحتَّى َي ْك ُث َر فِيك ُُم ُ‬ ‫َ‬
‫ول ا َّل ِذي َي ْعرِ ُض ُه َع َل ْي ِه‪ :‬اَل َأ َر َب لِي‬ ‫َم ْن َي ْق َب ُل َصدَ َق َت ُه‪َ ،‬و َحتَّى َي ْعرِ َض ُه َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َي ُق َ‬
‫ان‪.(((»...‬‬ ‫َّاس فِي ال ُبنْ َي ِ‬ ‫بِه‪َ ،‬و َحتَّى َي َت َط َاو َل الن ُ‬
‫ِ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)5301‬ومسلم (‪.)2950‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)3176‬وابن ماجه (‪.)4042‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7121‬ومسلم (‪ ،)157‬والترمذي (‪.)2218‬‬
‫‪247‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫مستمرا‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫ًّ‬ ‫ومن عالمات الساعة ما وقع‪ ،‬لكنه لم ينته‪ ،‬وال يزال‬
‫السا َع ِة فِ َتنًا‬‫وقوع الفتن يف األمة ‪ ،‬وهي كثيرة‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬إِ َّن َب ْي َن َيدَ ِي َّ‬
‫(((‬

‫الر ُج ُل فِ َيها ُم ْؤ ِمنًا َو ُي ْم ِسي كَافِ ًرا‪َ ،‬و ُي ْم ِسي ُم ْؤ ِمنًا‬ ‫ِ‬
‫كَق َط ِع ال َّل ْي ِل ا ْل ُم ْظلمِ‪ُ ،‬ي ْصبِ ُح َّ‬
‫ِ‬
‫اعي‪،‬‬ ‫اشي فِيها َخير ِمن الس ِ‬ ‫اعدُ فِيها َخير ِمن ا ْل َقائِمِ‪ ،‬وا ْلم ِ‬ ‫ويصبِح كَافِرا‪ ،‬ا ْل َق ِ‬
‫َ ْ ٌ َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ٌْ َ‬ ‫ً‬ ‫َُ ْ ُ‬
‫ح َج َار ِة‪َ ،‬فإِ ْن ُد ِخ َل‬ ‫اضرِبوا سيو َفكُم بِا ْل ِ‬
‫ْ‬ ‫َارك ُْم‪َ ،‬و ْ ُ ُ ُ‬
‫ِِ‬
‫َفك َِّس ُروا قس َّيك ُْم‪َ ،‬و َق ِّط ُعوا َأ ْوت َ‬
‫‪َ -‬ي ْعنِي‪َ -‬ع َلى َأ َح ٍد ِمنْك ُْم‪َ ،‬ف ْل َيك ُْن كَخَ ْيرِ ا ْبن َْي آ َد َم»(((‪.‬‬
‫السا َع ِة فِت ٌَن ك َِق َط ِع ال َّل ْي ِل الم ْظ ِلمِ‪ُ ،‬ي ْصبِ ُح‬ ‫ُون َب ْي َن َيدَ ِي َّ‬ ‫وقال ﷺ‪َ « :‬تك ُ‬
‫يع َأ ْق َوا ٌم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل ف َيها ُم ْؤمنًا َو ُي ْمسي كَاف ًرا‪َ ،‬و ُي ْمسي ُم ْؤمنًا َو ُي ْصبِ ُح كَاف ًرا‪َ ،‬يبِ ُ‬ ‫َّ‬
‫ض ِم َن الدُّ ْن َيا»(((‪.‬‬ ‫ِدين َُه ْم بِ َع َر ٍ‬
‫يب ِم ْن‬ ‫ون َقرِ ٌ‬ ‫ون ك ََّذا ُب َ‬ ‫ث َد َّجا ُل َ‬ ‫السا َع ُة َحتَّى ُي ْب َع َ‬ ‫«ل َت ُقو ُم َّ‬ ‫وقال ﷺ‪ :‬اَ‬
‫ول اهللِ»(((‪.‬‬ ‫ين‪ُ ،‬ك ُّل ُه ْم َي ْز ُع ُم َأ َّن ُه َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫َثلاَ ث َ‬
‫ث ال َق ْو َم‪َ ،‬جا َء ُه‬ ‫س ُي َحدِّ ُ‬ ‫وقال أبو هريرة ‪َ :‬ب ْين ََما النَّبِي ﷺ فِي َم ْجلِ ٍ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫ث‪َ ،‬ف َق َال َب ْع ُض‬ ‫ول اهَّلل ﷺ ُي َحدِّ ُ‬ ‫السا َعةُ؟ َف َم َضى َر ُس ُ‬ ‫َأ ْع َرابِ ٌّي‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬متَى َّ‬
‫ال َق ْو ِم‪َ :‬س ِم َع َما َق َال‪َ ،‬ف َك ِر َه َما َق َال‪َ .‬و َق َال َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬ب ْل َل ْم َي ْس َم ْع‪َ ،‬حتَّى إِ َذا‬
‫ول‬ ‫السا َع ِة؟»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ها َأنَا‪َ ،‬يا َر ُس َ‬ ‫السائ ُل َع ِن َّ‬
‫ِ‬
‫«أ ْي َن ‪ُ -‬أ َرا ُه‪َّ -‬‬ ‫َق َضى َح ِدي َث ُه َق َال‪َ :‬‬
‫ف إِ َضا َعت َُها؟ َق َال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السا َعةَ»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ك ْي َ‬ ‫اهَّلل‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فإِ َذا ُض ِّي َعت األَ َما َن ُة َفا ْنتَظرِ َّ‬

‫في الصحيحين أحاديث كثيرة في الفتن‪ ،‬لكنها ليست صريحة في أن الفتن من أشراط‬ ‫((( ‬
‫الساعة؛ لهذا ذكرنا الحديثين اآلتيين من السنن؛ ألن فيهما التصريح بذلك‪.‬‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)4259‬والترمذي (‪ ،)2204‬وابن ماجه (‪ ،)3961‬وابن أبي شيبة‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)30978‬وأحمد (‪ ،)19662‬والروياني (‪.)585‬‬
‫أخرجـه الترمذي (‪ ،)2197‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ )31053‬وفي اإليمان‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)64‬والفريابي في صفة النفاق وذم المنافقين (‪.)97‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)7121‬ومسلم (‪ ،)157‬والترمذي (‪.)2218‬‬ ‫((( ‬
‫‪248‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫«إِ َذا ُو ِّسدَ األَ ْمرُ إِ َلى َغ ْيرِ َأ ْهله َفا ْنتَظرِ َّ‬
‫السا َعةَ»(((‪.‬‬
‫الج ْه ُل‪،‬‬ ‫اط الساع ِة‪َ :‬أ ْن ير َفع ِ‬
‫الع ْل ُم‪َ ،‬و َي ْث ُب َ‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن ِمن َأ ْشر ِ‬
‫ت َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ْ َ‬
‫َو ُي ْش َر َب الخَ ْم ُر‪َ ،‬و َي ْظ َه َر ال ِّزنَا»(((‪.‬‬
‫الج ْه ُل‪َ ،‬و ُي ْر َف ُع فِ َيها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن َب ْي َن َيدَ ِي َّ‬
‫السا َعة أَلَ َّي ًاما‪َ ،‬ين ِْز ُل ف َيها َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الع ْل ُم‪َ ،‬و َي ْك ُث ُر ف َيها َ‬
‫اله ْر ُج»(((‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن عالمات الساعة ما لم يقع بعد‪ ،‬وإنما يقع بني يدي الساعة قريبا‬ ‫األرشاط‬
‫الكبــرى‬
‫منها‪ ،‬ومنها‪ :‬نزول المسيح عيسى ابن مريم ‪ ،S‬قال تعالى‪( :‬ﮠ‬ ‫للساعــة‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء‪:‬‬

‫‪ ،]159‬وخروج يأجوج ومأجوج‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬


‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [األنبياء‪ ،]96 :‬وخروج الدابة‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ) [النمل‪.]82 :‬‬
‫وجاء يف حديث حذيفة بن أسيد الغفاري قال‪ :‬ا َّط َل َع النَّبِ ُّي ﷺ َع َل ْينَا‪،‬‬
‫السا َعةَ‪َ ،‬ق َال‪« :‬إِن ََّها َل ْن َت ُقو َم‬ ‫ون؟» َقا ُلوا‪ :‬ن َْذك ُُر َّ‬ ‫«ما ت ََذاك َُر َ‬
‫َون َْح ُن َنت ََذاك َُر‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬
‫حتَّى تَرو َن َقب َلها ع ْشر آي ٍ‬
‫وع‬‫ان‪َ ،‬والدَّ َّج َال‪َ ،‬والدَّ ا َّبةَ‪َ ،‬و ُط ُل َ‬ ‫ات‪َ - :‬ف َذك ََر‪ -‬الدُّ َخ َ‬ ‫َ ْ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫س ِمن م ْغرِبِها‪ ،‬و ُنز َ ِ‬
‫وج‪َ ،‬و َثلاَ َث َة‬‫وج َو َم ْأ ُج َ‬ ‫يسى ا ْب ِن َم ْر َي َم ﷺ‪َ ،‬و َي ْأ ُج َ‬ ‫ُول ع َ‬ ‫الش ْم ِ ْ َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ف بِ َج ِز َير ِة ا ْل َع َر ِ‬
‫ب‪َ ،‬و َخ ْس ٌ‬ ‫ف بِا ْل َم ْغرِ ِ‬ ‫ف بِا ْل َم ْشرِ ِق‪َ ،‬و َخ ْس ٌ‬
‫وف‪َ :‬خ ْس ٌ‬ ‫ُخس ٍ‬
‫ُ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪.)59‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)80‬ومسلم (‪ ،)2671‬والترمذي (‪ ،)2205‬وابن ماجه (‪.)4045‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7062‬ومسلم (‪ ،)2672‬والترمذي (‪ ،)2200‬وابن ماجه‬
‫(‪.)4050 ،3959‬‬
‫‪249‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫َّاس إِ َلى َم ْح َشرِ ِه ْم»(((‪.‬‬ ‫ِ‬


‫َار تَخْ ُر ُج م َن ا ْل َي َم ِن‪َ ،‬ت ْط ُر ُد الن َ‬
‫كن ٌ‬‫آخ ُر َذلِ َ‬‫و ِ‬
‫َ‬
‫الش ْم ُس ِم ْن َم ْغرِبِ َها‪َ ،‬فإِ َذا َط َل َع ْ‬
‫ت‬ ‫السا َع ُة َحتَّى َت ْط ُل َع َّ‬ ‫«ل َت ُقو ُم َّ‬‫وقال ﷺ‪ :‬اَ‬
‫ون‪َ ،‬ف َي ْو َمئِ ٍـذ (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬ ‫َّاس ُك ُّل ُه ْم َأ ْج َم ُع َ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َم ْغرِبِ َها َآم َن الن ُ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [األنعام‪.(((»]158 :‬‬
‫وشك ََّن َأ ْن َين ِْز َل فِيك ُْم ا ْب ُن َم ْر َي َم َحك ًَما‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬وا َّل ِذي َن ْف ِسي بِي ِد ِه‪َ ،‬لي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫المال‬ ‫يض‬ ‫الجز َْيةَ‪َ ،‬و َي ِف َ‬
‫الخن ِْز َير‪َ ،‬و َي َض َع ِ‬ ‫م ْق ِس ًطا‪َ ،‬فيك ِْسر الص ِليب‪ ،‬وي ْقت َُل ِ‬
‫َ َ َّ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫َحتَّى اَل َي ْق َب َل ُه َأ َحدٌ »(((‪.‬‬
‫اب‪ ،‬إِ َّن ُه َأ ْع َو ُر‬ ‫ِ‬
‫ث اهَّللُ م ْن َنبِ ٍّي إِ اَّل َأن َْذ َر َق ْو َم ُه األَ ْع َو َر الك ََّذ َ‬
‫«ما َب َع َ‬‫وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫ُوب َب ْي َن َع ْينَ ْي ِه‪ :‬كَافِ ٌر»(((‪.‬‬ ‫‪-‬وإِ َّن َر َّبك ُْم َل ْي َس بِ َأ ْع َو َر‪َ -‬م ْكت ٌ‬‫َ‬

‫أخرجه مسلم (‪ ،)2901‬وأبو داود (‪ ،)4311‬والترمذي (‪ ،)2183‬وابن ماجه‬ ‫((( ‬


‫(‪.)4041‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)4635‬ومسلم (‪ ،)157‬وأبو داود (‪ ،)4312‬وابن ماجه (‪.)4068‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)2222‬ومسلم (‪ ،)155‬وأبو داود (‪ ،)4324‬والترمذي (‪،)2233‬‬ ‫((( ‬
‫وابن‪ ‬ماجه (‪.)4078‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)7408‬ومسلم (‪ ،)2933‬وأبو داود (‪ ،)4316‬والترمذي‬ ‫((( ‬
‫(‪.)2245‬‬
‫‪250‬‬

‫بــاب في‬
‫اإليمان بما يكون بعد الـموت‬
‫ونؤمن أن من اإليمان باليوم اآلخر‪ :‬اإليمان بأن كل شيء هالك إال‬
‫(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [القصص‪:‬‬ ‫وجهه ‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫‪ ،]88‬وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ) [الرحمن‪ ،]27 ،26 :‬وأن ملك الموت يقبض األرواح‪ ،‬قال الحق‬
‫(ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ)‬ ‫جل يف عاله‪:‬‬
‫[السجدة‪.]11 :‬‬
‫ونؤمن بما يحصل بعد الموت‪ ،‬من سؤال الميت‪ ،‬وعذاب القرب ونعيمه‪،‬‬ ‫فتنة القرب‬
‫وعذابــه‬
‫كما يف قوله تعالى‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬ ‫ونعيمـــه‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [غافر‪ ،]46 :‬وقوله تعالى‪( :‬ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [التوبة‪ ،]101 :‬وقوله تعالى‪( :‬ﮯ ﮰ‬
‫ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ‬
‫ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [األنفال‪،50 :‬‬

‫‪ ،]51‬وقوله تعالى‪( :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬


‫ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [األنعام‪ ،]93 :‬وقوله تعالى‪ ( :‬ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الطور‪.]47 :‬‬
‫وعـن الرباء بن عازب ‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪( :‬ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫‪251‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫ت فِي َع َذ ِ‬
‫اب ا ْل َق ْبرِ‪َ ،‬ف ُي َق ُال‬ ‫ﭰ ﭱ ﭲ) [إبراهيم‪َ ]27 :‬ق َال‪َ « :‬ن َز َل ْ‬
‫ك َق ْو ُل ُه ‪:‬‬ ‫ول‪َ :‬ر ِّب َي اهللُ‪َ ،‬و َنبِ ِّيي ُم َح َّمدٌ ﷺ‪َ ،‬ف َذلِ َ‬
‫ك؟ َف َي ُق ُ‬
‫َل ُه‪َ :‬م ْن َر ُّب َ‬
‫(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ)‬

‫[إبراهيم‪.(((»]27  :‬‬
‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬
‫َان ُي َع ِّل ُم ُه ْم َه َذا الدُّ َعا َء‬ ‫وعن ابن عباس ‪َ :‬أ َّن َر ُس َ‬
‫اب‬ ‫ك ِم ْن َع َذ ِ‬ ‫الله َّم إِنَّا َن ُعو ُذ بِ َ‬
‫ول‪ُ « :‬قو ُلوا‪ُ :‬‬ ‫آن‪َ ،‬ي ُق ُ‬ ‫كَما يع ِّلمهم السور َة مِن ا ْل ُقر ِ‬
‫َ ُ َ ُ ُ ُ ُّ َ َ ْ‬
‫ال‪،‬‬ ‫ك ِم ْن فِ ْتن َِة ا ْلم ِسيحِ الدَّ َّج ِ‬ ‫اب ا ْل َق ْبرِ‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬‫ك ِم ْن َع َذ ِ‬ ‫َج َهن ََّم‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫َ‬
‫ك ِمن فِ ْتن َِة ا ْلمحيا وا ْلمم ِ‬
‫ات»(((‪.‬‬ ‫َ ْ َ َ َ َ‬ ‫َو َأ ُعو ُذ بِ َ ْ‬
‫ان‬‫ض ِحي َط ِ‬ ‫وعن ابن عباس ‪ ‬قال‪َ :‬خ َر َج النَّبِي ﷺ مِ ْن َب ْع ِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫«ي َع َّذ َبان‪َ ،‬و َما‬
‫وره َما‪َ ،‬ف َق َال‪ُ :‬‬
‫ِ‬ ‫ان فِي ُق ُب ِ‬ ‫الم ِدين َِة‪َ ،‬فس ِمع صو َت إِنْسا َني ِن يع َّذب ِ‬
‫َ ْ َُ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫اآلخ ُر‬
‫َان َ‬ ‫َان َأ َحدُ ُه َما اَل َي ْستَتِ ُر ِم َن ال َب ْو ِل‪َ ،‬وك َ‬ ‫ان فِي َكبِيرٍ‪َ ،‬وإِ َّن ُه َل َكبِ ٌير‪ ،‬ك َ‬‫ي َع َّذ َب ِ‬
‫ُ‬
‫يم ِة»‪ُ ،‬ث َّم َد َعا بِ َج ِريدَ ٍة‪َ ،‬ف َك َس َر َها بِكِ ْس َر َت ْي ِن َأ ْو ثِنْ َت ْي ِن‪َ ،‬ف َج َع َل كِ ْس َر ًة‬ ‫ِ‬
‫َي ْمشي بِالنَّم َ‬
‫ِ‬

‫ف َعن ُْه َما َما َل ْم َي ْي َب َسا»(((‪.‬‬ ‫فِي َق ْب ِر َه َذا‪َ ،‬وكِ ْس َر ًة فِي َق ْب ِر َه َذا‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ل َع َّل ُه ُيخَ َّف ُ‬
‫وعن أبي سعيد قال‪ :‬حدثني زيد بن ثابت ‪ ‬قال‪َ :‬ب ْين ََما النَّبِ ُّي‬
‫ار‪َ ،‬ع َلى َب ْغ َل ٍة َل ُه‪َ ،‬ون َْح ُن َم َع ُه‪ ،‬إِ ْذ َحا َد ْت بِ ِه‪َ ،‬ف َكا َد ْت‬
‫ط ل ِ َبنِي الن ََّّج ِ‬ ‫ﷺ فِي حائِ ٍ‬
‫َ‬
‫ول ا ْل ُج َر ْي ِر ُّي‪-‬‬ ‫يه‪َ ،‬وإِ َذا َأ ْق ُب ٌر ِس َّت ٌة َأ ْو َخ ْم َس ٌة َأ ْو َأ ْر َب َع ٌة ‪َ -‬ق َال‪ :‬ك ََذا ك َ‬
‫َان َي ُق ُ‬ ‫ُت ْل ِق ِ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)1369‬ومسلم (‪ )2871‬واللفظ له‪ ،‬والترمذي (‪ ،)3120‬والنسائي‬


‫(‪ )2057 ،2056‬وابن ماجه (‪.)4750 ،4269‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)590‬وأبو داود (‪ ،)1542‬والترمذي (‪ ،)3494‬والنسائي (‪،)2063‬‬
‫وابن ماجه (‪.)3840‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6055‬ومسلم (‪ ،)292‬وأبو داود (‪ ،)20‬والترمذي (‪،)70‬‬
‫والنسائي (‪ ،)31‬وابن ماجه (‪.)347‬‬
‫‪252‬‬

‫ات‬ ‫اب َه ِذ ِه أْالَ ْق ُبرِ؟» َف َق َال َر ُج ٌل‪َ :‬أنَا‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َمتَى َم َ‬ ‫ف َأ ْص َح َ‬ ‫«م ْن َي ْعرِ ُ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬‬
‫ور َها‪،‬‬ ‫اك‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬إِ َّن َه ِذ ِه أْالُ َّم َة ُت ْب َت َلى فِي ُق ُب ِ‬ ‫ه ُؤ اَل ِء؟» َق َال‪ :‬ما ُتوا فِي الإْ ِ ْشر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اب ا ْل َق ْبرِ ا َّل ِذي َأ ْس َم ُع‬ ‫َف َل ْو اَل َأ ْن اَل تَدَ ا َفنُوا‪َ ،‬لدَ َع ْو ُت اهللَ َأ ْن ُي ْس ِم َعك ُْم ِم ْن َع َذ ِ‬
‫َّار»‪َ ،‬قا ُلوا‪:‬‬ ‫اب الن ِ‬ ‫ِمنْ ُه»‪ُ .‬ث َّم َأ ْق َب َل َع َل ْينَا بِ َو ْج ِه ِه‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ت َع َّو ُذوا بِاهلل ِ ِم ْن َع َذ ِ‬
‫اب ا ْل َق ْبرِ»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬ن ُعو ُذ‬ ‫َّار‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ت َع َّو ُذوا بِاهلل ِ ِم ْن َع َذ ِ‬ ‫اب الن ِ‬ ‫َن ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن َع َذ ِ‬
‫اب ا ْل َق ْب ِر‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ت َع َّو ُذوا بِاهلل ِ ِم َن ا ْل ِفت َِن‪َ ،‬ما َظ َه َر ِمن َْها َو َما َب َط َن»‪،‬‬ ‫بِاهللِ مِ ْن َع َذ ِ‬
‫َقا ُلوا‪َ :‬ن ُعو ُذ بِاهللِ مِ َن ا ْل ِفت َِن َما َظ َه َر مِن َْها َو َما َب َط َن‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ت َع َّو ُذوا بِاهلل ِ ِم ْن فِ ْتن َِة‬
‫ال(((‪.‬‬ ‫ال»‪َ .‬قا ُلوا‪َ :‬ن ُعو ُذ بِاهللِ مِ ْن فِ ْتن َِة الدَّ َّج ِ‬ ‫الدَّ َّج ِ‬

‫الش ْم ُس‪-‬‬ ‫ت َّ‬ ‫وعن أبى أيوب ‪ ‬قال‪َ :‬خرج النَّبِي ﷺ ‪-‬و َقدْ وجب ِ‬
‫َ َ ََ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َ‬
‫ور َها»(((‪.‬‬ ‫«ي ُهو ُد ُت َع َّذ ُب فِي ُق ُب ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َسم َع َص ْو ًتا‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬
‫ان مِن ُعج ِز يه ِ‬
‫ود‬ ‫وز ِ‬ ‫وعن عائشة ‪ ‬قالت‪َ :‬د َخ َل ْت َع َل َّي َع ُج َ‬
‫ْ ُ َُ‬
‫ور ِه ْم‪َ ،‬ف َك َّذ ْبت ُُه َما‪َ ،‬و َل ْم ُأن ِْع ْم‬
‫ون فِي ُق ُب ِ‬ ‫ور ُي َع َّذ ُب َ‬‫المدين َِة‪َ ،‬ف َقا َلتَا لِي‪ :‬إِ َّن َأ ْه َل ال ُق ُب ِ‬
‫ِ‬
‫ول اهَّللِ‪ ،‬إِ َّن‬ ‫َأ ْن ُأ َصدِّ َق ُه َما‪َ ،‬ف َخ َر َجتَا‪َ ،‬و َد َخ َل َع َلي النَّبِي ﷺ‪َ ،‬ف ُق ْل ُت َل ُه‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫ون ع َذابا تَسمعه البهائمِ‬
‫«صدَ َقتَا‪ ،‬إِن َُّه ْم ُي َع َّذ ُب َ َ ً ْ َ ُ ُ َ َ ُ‬ ‫وز ْي ِن‪َ ،‬و َذك َْر ُت َل ُه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫َع ُج َ‬
‫اب ال َق ْب ِر(((‪.‬‬‫ُك ُّل َها»‪َ ،‬ف َما َر َأ ْي ُت ُه َب ْعدُ فِي َصلاَ ٍة إِلاَّ َت َع َّو َذ مِ ْن َع َذ ِ‬

‫وكما أن الكافر والمنافق وبعض أصحاب المعاصي من المسلمين‬


‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬
‫ك‬ ‫يعذبون يف قبورهم‪ ،‬فكذلك المؤمن ُينعم يف القرب‪ ،‬ف َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َق َال‪« :‬إِ َّن ال َع ْبدَ إِ َذا ُو ِض َع فِي َق ْبرِ ِه‬ ‫‪َ ،‬أ َّن ُه َحدَّ َث ُه ْم‪َ :‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ول ِن‪:‬‬ ‫َان َف ُي ْق ِعدَ انِ ِه‪َ ،‬ف َي ُق اَ‬
‫َوت ََو َّلى َعنْ ُه َأ ْص َحا ُب ُه‪َ ،‬وإِ َّن ُه َل َي ْس َم ُع َق ْر َع نِ َعالِ ِه ْم‪َ ،‬أتَا ُه َم َلك ِ‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪.)2867‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1375‬ومسلم (‪ ،)2869‬والنسائي (‪.)2059‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6366‬ومسلم (‪ ،)586‬والنسائي (‪.)2067‬‬
‫‪253‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫ول‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ َّن ُه‬ ‫الم ْؤ ِم ُن‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ِل ل ُم َح َّمد ﷺ‪َ ،‬ف َأ َّما ُ‬ ‫ول في َه َذا َّ‬
‫ْت َت ُق ُ ِ‬ ‫َما ُكن َ‬
‫ك اهَّللُ بِ ِه َم ْق َعدً ا‬ ‫َع ْبدُ اهَّلل ِ َو َر ُسو ُل ُه‪َ ،‬ف ُي َق ُال َل ُه‪ :‬ا ْن ُظ ْر إِ َلى َم ْق َع ِد َك ِم َن الن ِ‬
‫َّار َقدْ َأ ْبدَ َل َ‬
‫ْت‬ ‫المنَافِ ُق َوالكَافِ ُر َف ُي َق ُال َل ُه‪َ :‬ما ُكن َ‬ ‫«و َأ َّما ُ‬
‫ِ‬
‫الجنَّة‪َ ،‬ف َي َر ُاه َما َجمي ًعا»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫م َن َ‬
‫ِ‬
‫َّاس‪َ ،‬ف ُي َق ُال‪ :‬اَل‬ ‫ْت َأ ُق ُ‬
‫ول َما َي ُق ُ‬ ‫ول‪ :‬اَل َأ ْد ِري‪ُ ،‬كن ُ‬ ‫الر ُج ِل؟ َف َي ُق ُ‬ ‫َت ُق ُ ِ‬
‫ول الن ُ‬ ‫ول في َه َذا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ت‪ ،‬وي ْضرب بِم َط ِ ِ‬
‫يح َص ْي َح ًة َي ْس َم ُع َها‬ ‫ار َق م ْن َحديد َض ْر َبةً‪َ ،‬ف َيص ُ‬ ‫ت َو اَل َت َل ْي َ َ ُ َ ُ َ‬ ‫َد َر ْي َ‬
‫َم ْن َي ِل ِيه َغ ْي َر ال َّث َق َل ْي ِن»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1374‬ومسلم (‪.)7318‬‬


‫‪254‬‬

‫بــاب‬
‫في اإليمان بالبعث وما بعده‬
‫الم َل َك فينفخ‬
‫ونؤمن أن اهلل إذا أذن بزوال هذه الدنيا وانقضائها‪ ،‬أمر اهلل َ‬ ‫النفخة‬
‫األوىل‬
‫يف الصور‪ ،‬فيصعق كل من يف السموات ومن يف األرض إال من شاء اهلل‪،‬‬
‫قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الزمر‪ ،]68 :‬وقال‪ ‬ﷺ‪...« :‬‬
‫ور‪َ ،‬فلاَ َي ْس َم ُع ُه َأ َحدٌ إِ اَّل َأ ْصغَى لِيتًا‪َ ،‬و َر َف َع لِيتًا(((‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َأ َّو ُل‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫ُث َّم ُينْ َف ُخ في ُّ‬
‫ِِ‬
‫َّاس‪.(((»....‬‬ ‫وط َح ْو َض إِبِله‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َي ْص َع ُق‪َ ،‬و َي ْص َع ُق الن ُ‬ ‫َم ْن َي ْس َم ُع ُه َر ُج ٌل َي ُل ُ‬

‫الر ُجلاَ ِن َث ْو َب ُه َما َب ْين َُه َما‪َ ،‬فلاَ‬


‫السا َع ُة َو َقدْ ن ََش َر َّ‬ ‫وم َّن َّ‬ ‫«‪...‬و َل َت ُق َ‬
‫َ‬ ‫وقال ﷺ‪:‬‬
‫الر ُج ُل بِ َل َب ِن لِ ْق َحتِ ِه َفلاَ‬
‫ف َّ‬‫السا َع ُة َو َق ِد ان َْص َر َ‬
‫وم َّن َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫َي َت َب َاي َعانه‪َ ،‬و اَل َي ْط ِو َيانه‪َ ،‬و َل َت ُق َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫السا َع ُة َو ُه َو َي ِل ُ‬
‫السا َع ُة‬ ‫وم َّن َّ‬ ‫يط َح ْو َض ُه َفلاَ َي ْسقي فيه‪َ ،‬و َل َت ُق َ‬ ‫وم َّن َّ‬ ‫َي ْط َع ُم ُه‪َ ،‬و َل َت ُق َ‬
‫َو َقدْ َر َف َع َأ َحدُ ك ُْم ُأ ْك َل َت ُه إِ َلى فِ ِيه َفلاَ َي ْط َع ُم َها»‪.‬‬
‫ف ُيهلك اهلل َمن شاء مِن خلقه ممن كتب عليه الفناء والهالك‪ ،‬حتى ال‬
‫يبقى إال الحق سبحانه وتعالى‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [سورة الرحمن‪ ،]27 ،26 :‬وقال تعالى‪(:‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ) [سورة‬

‫القصص‪ ،]88 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬


‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ) [سورة غافر‪.]16 :‬‬

‫(( ( و«رفع ليتًا»‪ ،‬أي أمال صفحة عنقه إليه‪ .‬النهاية في غريب الحديث (‪.)33 /3‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2940‬‬
‫‪255‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫ِ‬
‫النفخة‬ ‫مطرا تنبت منه أجساد الخلق‪ ،‬كما قال ﷺ‪ُ ...« :‬ث َّم ُي ْرس ُل اهللُ‬ ‫ثم ُينزل اهلل ً‬
‫الثانيـة‬
‫ت‬ ‫الش ُّ‬
‫اك‪َ -‬ف َتنْ ُب ُ‬ ‫‪َ -‬أ ْو َق َال‪ُ :‬ين ِْز ُل اهللُ‪َ -‬م َط ًرا ك ََأ َّن ُه ال َّط ُّل ‪َ -‬أ ِو‪ :‬ال ِّظ ُّل ‪ُ -‬ن ْع َم ُ‬
‫ان((( َّ‬
‫ون‪.(((»...‬‬ ‫َّاس‪ُ ،‬ث َّم ُينْ َف ُخ فِ ِيه ُأ ْخ َرى‪َ ،‬فإِ َذا ُه ْم ِق َيا ٌم َينْ ُظ ُر َ‬
‫ِمنْ ُه َأ ْج َسا ُد الن ِ‬

‫ثم يأمر اهلل الملك فينفخ يف الصور النفخة الثانية‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [سورة الزمر‪.]68 :‬‬
‫وب َّين ﷺ مقدار ما بين النفختين‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال‬
‫ان‪،‬‬ ‫ون‪َ ،‬ق َال‪َ :‬وي ْب َلى ك ُُّل َشي ٍء ِم َن ِ‬
‫اإلن َْس ِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ب ْي َن النَّ ْفخَ َت ْي ِن َأ ْر َب ُع َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫َّب الخَ ْلق»(((‪.‬‬ ‫ب َذ َنبِه‪ ،‬فيه ُي َرك ُ‬ ‫إِ اَّل َع ْج َ‬
‫ونؤمن بما أخربنا به نبينا محمد ﷺ من أحوال السموات واألرض‬
‫«جا َء َح ْب ٌر مِ َن األَ ْح َب ِ‬
‫ار‬ ‫يوم القيامة‪ ،‬كما يف حديث ابن مسعود ‪ ‬قال‪َ :‬‬
‫ات َع َلى‬ ‫َجدُ ‪َ :‬أ َّن اهَّلل يجع ُل السمو ِ‬
‫َّ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ َف َق َال‪َ :‬يا م َحمدُ ‪ ،‬إِنَّا ن ِ‬ ‫إِ َلى رس ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫َ ُ‬
‫الش َج َر َع َلى إِ ْص َبعٍ‪َ ،‬والماء َوال َّث َرى َع َلى‬ ‫إِ ْص َبعٍ‪َ ،‬واألَ َر ِضي َن َع َلى إِ ْص َبعٍ‪َ ،‬و َّ‬
‫ح َك النَّبِ ُّي‪ ‬ﷺ‬ ‫الملك‪َ .‬ف َض ِ‬
‫ُ‬ ‫ول‪َ :‬أنَا‬ ‫الخلاَ ئِ ِق َع َلى إِ ْص َبعٍ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫إِ ْص َبعٍ‪َ ،‬و َسائِ َر َ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‪( :‬ﯦ ﯧ‬ ‫الح ْب ِر‪ُ ،‬ث َّم َق َر َأ َر ُس ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َحتَّى َبدَ ْت ن ََو ِ‬
‫اج ُذ ُه َت ْصدي ًقا ل َق ْو ِل َ‬
‫ﯨﯩﯪ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯱ‬
‫ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الزمر‪.(((»]67  :‬‬
‫البعــث‬ ‫ونؤمن بأن الناس يبعثون من قبورهم‪ ،‬فيحيي اهلل تعالى الموتى حين‬
‫والنشـور‬
‫ينفخ يف الصور النفخة الثانية؛ فيقوم الناس لرب العالمين‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬

‫وهو أحد رواة الحديث‪.‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه مسلم (‪.)2940‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)4814‬ومسلم (‪.)2955‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)4811‬ومسلم (‪ ،)2786‬والترمذي (‪.)3238‬‬ ‫((( ‬
‫‪256‬‬

‫(ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [المؤمنون‪،15 :‬‬

‫‪ ،]16‬وقال تعالى‪( :‬ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ‬


‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [يس‪.]53-51 :‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)‬

‫[الحجر‪.]25-23 :‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ‬
‫ﭑ‪ ‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ) [اإلسراء‪ ،]52-49 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮀﮁﮂ‬
‫ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ‬
‫ﮒ ﮓ) [اإلسراء‪ ،]99-97 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ)‬

‫[اإلسراء‪ ،]104 :‬واآليات الكريمة يف إثبات البعث والنشور كثيرة جدًّ ا‪.‬‬
‫وأول من تنشق عنه األرض نبينا ﷺ‪ ،‬ف َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ ،‬أ َّن النَّبِ َّي‬
‫«أنَا َس ِّيدُ َو َل ِد آ َد َم َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة‪َ ،‬و َأ َّو ُل َم ْن َين َْش ُّق َعنْ ُه ا ْل َق ْب ُر‪َ ،‬و َأ َّو ُل‬
‫ﷺ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫َشافِ ٍع َو َأ َّو ُل ُم َش َّفعٍ»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2278‬وأبو داود (‪.)4673‬‬


‫‪257‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫ِ‬
‫«‪...‬ل تُخَ ِّي ُروني َع َلى ُم َ‬
‫وسى‪،‬‬ ‫اَ‬ ‫وأول من يفيق نبينا ﷺ؛ حيث قال ﷺ‪:‬‬
‫وسى َباطِ ٌش بِ َجانِ ِ‬
‫ب ا ْل َع ْر ِ‬
‫ش‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ون َف َأك ُ‬
‫ُون َأ َّو َل َم ْن ُيف ُيق‪َ ،‬فإِ َذا ُم َ‬ ‫َفإِ َّن الن َ‬
‫َّاس َي ْص َع ُق َ‬
‫َان ِم َّم ِن ْاس َت ْثنَى اهللُ؟»(((‪.‬‬
‫اق َق ْب ِلي؟ َأ ْم ك َ‬ ‫يم ْن َص ِع َق َف َأ َف َ‬ ‫َفلاَ َأد ِري َأك َ ِ‬
‫َان ف َ‬ ‫ْ‬
‫«و َأ َّو ُل َم ْن‬ ‫وأول من يكسى نبي اهلل إبراهيم خليل الرحمن‪ ،‬قال ﷺ‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُيك َْسى َي ْو َم الق َي َامة إِ ْب َراه ُ‬
‫يم»(((‪.‬‬
‫َّاس َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة‬ ‫ويحشر الناس حفاة عراة ُغ ْرلاً ‪ ،‬كما قال ﷺ‪ُ :‬‬
‫«ي ْح َش ُر الن ُ‬
‫ُح َفا ًة ُع َرا ًة ُغ ْرل»(((‪.‬‬
‫األرض‬ ‫ونؤمن أن األرض التي يحشر عليها العباد أرض غير هذه األرض‪،‬‬
‫التي حيشــر‬
‫عليها العباد‬ ‫كما قال الحق جل شأنه‪( :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ) [إبراهيم‪.]48 :‬‬
‫ض‬ ‫الق َي َام ِة َع َلى َأ ْر ٍ‬
‫وأرض الحشر بيضاء‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬يح َشر النَّاس يوم ِ‬
‫ُ َْ َ‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫َب ْي َضا َء َع ْف َرا َء‪َ ،‬ك ُق ْر َص ِة ن َِق ٍّي»(((‪.‬‬
‫الق َي َام ِة‬
‫ُون األَر ُض يوم ِ‬
‫َْ َ‬ ‫وعن أبي سعيد الخدري‪َ ،‬ق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ « :‬تك ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫الس َفرِ‪.(((»...‬‬ ‫الج َّب ُار بِ َيده ك ََما َي ْك َف ُأ َأ َحدُ ك ُْم ُخ ْب َز َت ُه في َّ‬
‫ُخ ْب َز ًة َواحدَ ةً‪َ ،‬ي َت َك َّف ُؤ َها َ‬
‫وقد جاءت األحاديث الصحيحة يف بيان أين يكون الناس وقت التبديل‪:‬‬
‫ود َجا َء إلى رسول‬ ‫ارا ْليه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللِ ﷺ َّ‬
‫أن َح ْب ًرا م ْن َأ ْح َب ِ َ ُ‬ ‫ان م ْو َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫فعن َث ْو َب َ َ‬
‫َّاس َي ْو َم ُت َبدَّ ُل الأْ َ ْر ُض َغ ْي َر‬ ‫يسأله وفيه‪َ ...« :‬ف َق َال ا ْليه ِ‬
‫ود ُّي‪َ :‬أ ْي َن َي ُك ُ‬
‫ون الن ُ‬ ‫َُ‬

‫أخرجه البخاري(‪ ،)2441‬ومسلم(‪.)2373‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري (‪ ،)3349‬ومسلم (‪ ،)2860‬والترمذي (‪ ،)2423‬والنسائي (‪.)2082‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)6527‬ومسلم (‪ ،)2859‬والنسائي (‪ ،)2083‬ابن ماجه (‪.)4276‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)6521‬ومسلم (‪.)2790‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)6520‬ومسلم (‪.)2792‬‬ ‫((( ‬
‫‪258‬‬
‫ات؟ َف َق َال رس ُ ِ‬
‫ج ْسرِ»(((‪.‬‬ ‫ون ا ْل ِ‬‫ول اهلل ﷺ‪ُ :‬ه ْم فِي ال ُّظ ْل َم ِة ُد َ‬ ‫َ ُ‬ ‫او ُ‬
‫الس َم َ‬ ‫الأْ َ ْر ِ‬
‫ض َو َّ‬
‫ول اهللِ ﷺ َع ْن َق ْول ِ ِه ‪:D‬‬ ‫«س َأ ْل ُت َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫وعن َعائ َش َة ‪َ J‬قا َل ْت‪َ :‬‬
‫اس َي ْو َمئِ ٍذ َيا َر ُس َ‬
‫ول‬ ‫ون النَّ ُ‬ ‫(ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ) َف َأ ْي َن َي ُك ُ‬
‫اهللِ؟ َف َق َال‪ :‬ع َلى الصر ِ‬
‫اط»(((‪.‬‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ‬
‫ونعلم أن هذا اليوم عظيم جدًّ ا‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪( :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [المطففين‪ .]5 ،4 :‬وقال جل شأنه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الحج‪.]1 :‬‬
‫وأن مقداره خمسون ألف سنة‪ ،‬كما صح بذلك الخرب‪ ،‬فعن أبي هريرة‬
‫ب َكن ٍْز اَل ُي َؤ ِّدي َزكَا َت ُه إلى‬‫اح ِ‬‫‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ما ِمن ص ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ف َسن ٍَة ِم َّما‬
‫ين َأ ْل َ‬ ‫ِ‬ ‫اد ِه فِي يو ٍم ك َ ِ‬
‫َان م ْقدَ ُار ُه َخ ْمس َ‬ ‫َْ‬
‫أن قال‪ :‬حتَّى يحكُم اهلل بين ِعب ِ‬
‫َ َ ْ َ ُ َْ َ َ‬
‫ون‪ُ ،‬ث َّم َي َرى َسبِي َل ُه إِ َّما إِ َلى ا ْل َجن َِّة‪َ ،‬وإِ َّما إِ َلى الن ِ‬
‫َّار»(((‪.‬‬ ‫َت ُعدُّ َ‬
‫وفيه تدنو الشمس من األرض‪ ،‬فعن أبي أمامة ‪ ،‬أن رسول اهلل‬
‫ُون ِمن ُْه ْم ك َِم ْقدَ ِار‬ ‫الش ْم ُس َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ِم َن ا ْلخَ ْل ِق‪َ ،‬حتَّى َتك َ‬ ‫ﷺ قال‪« :‬تُدْ نَى َّ‬
‫ض‪،‬‬ ‫يل» ‪َ -‬ق َال ُس َل ْي ُم ْب ُن َعامِ ٍر‪َ :‬ف َواهللِ َما َأ ْد ِري َما َي ْعنِي بِا ْل ِميلِ؟ َأ َم َسا َف َة الأْ َ ْر ِ‬ ‫ِم ٍ‬
‫َّاس َع َلى َقدْ ِر َأ ْع َمالِ ِه ْم‬ ‫َأ ِم ا ْل ِم َيل ا َّل ِذي ُت ْكت ََح ُل بِ ِه ا ْل َع ْي ُن؟‪َ -‬ق َال‪َ « :‬ف َيك ُ‬
‫ُون الن ُ‬
‫ُون إِ َلى ُر ْك َب َت ْي ِه‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم‬
‫ُون إِ َلى َك ْع َب ْي ِه‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم َم ْن َيك ُ‬
‫فِي ا ْل َع َر ِق‪َ ،‬ف ِمن ُْه ْم َم ْن َيك ُ‬
‫ُون إِ َلى َح ْق َو ْي ِه‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم َم ْن ُي ْل ِ‬
‫ج ُم ُه ا ْل َع َر ُق إِ ْل َج ًاما»(((‪.‬‬ ‫َم ْن َيك ُ‬

‫أخرجه مسلم(‪.)315‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه مسلم (‪)2791‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)2371‬ومسلم (‪ ،)987‬وأبو داود (‪ ،)1658‬والترمذي (‪،)1636‬‬ ‫((( ‬
‫والنسائي (‪ ،)3563‬وابن ماجه (‪.)2788‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ ،)2864‬والترمذي (‪.)2421‬‬ ‫((( ‬
‫‪259‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫حر الشمس بما سبق لهم من الحسنى‪ ،‬فمنهم من‬ ‫ويتقي المؤمنون َّ‬
‫«س ْب َع ٌة ُيظِ ُّل ُه ُم اهَّللُ فِي ظِ ِّل ِه‪َ ،‬ي ْو َم اَل ظِ َّل‬
‫يستظل بظل العرش‪ ،‬كما قال ﷺ‪َ :‬‬
‫إِ اَّل ظِ ُّل ُه»(((‪.‬‬
‫وتحاجان عنه‪ ،‬قال ﷺ‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ومنهم من تظلله «البقرة» و«آل عمران»‪،‬‬
‫آن َفإِ َّن ُه َي ْأتِي َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة َش ِفي ًعا أِلَ ْص َحابِ ِه‪ .‬ا ْق َرؤُ وا الز َّْه َر َاو ْي ِن‬
‫«ا ْق َر ُءوا ا ْل ُق ْر َ‬
‫ان ي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ك ََأن َُّه َما َغ َم َامت ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫آل ِع ْم َر َ‬ ‫ا ْل َب َقرةَ‪َ ،‬وسور َة ِ‬
‫َان‪َ ،‬أ ْو‬ ‫ان‪َ ،‬فإِن َُّه َما ت َْأت َي َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ان َع ْن َأ ْص َحابِ ِه َما‪،‬‬ ‫اج ِ‬ ‫اف‪ ،‬ت َُح َّ‬ ‫ان ِم ْن َط ْيرٍ َص َو َّ‬‫َان‪َ ،‬أ ْو ك ََأن َُّه َما فِ ْر َق ِ‬
‫ك ََأن َُّه َما َغ َيايت ِ‬
‫َ‬
‫ور َة ا ْل َب َق َر ِة‪َ ،‬فإِ َّن َأ ْخ َذ َها َب َر َكةٌ‪َ ،‬وت َْرك ََها َح ْس َرةٌ‪َ ،‬و اَل ت َْستَطِي ُع َها‬ ‫ا ْق َرؤُ وا ُس َ‬
‫ا ْل َب َط َلةُ»(((‪ .‬ومنهم من يستظل بظل صدقته‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬ك ُُّل ْامرِ ٍئ فِي ظِ ِّل‬
‫َّاس»(((‪.‬‬ ‫َصدَ َقتِ ِه َحتَّى ُي ْف َص َل َب ْي َن الن ِ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)660‬ومسلم (‪.)1031‬‬


‫((( أخرجه مسلم(‪.)804‬‬
‫((( أحمد (‪ ،)17333‬وأبو يعلى (‪ ،)1766‬وابن خزيمة (‪ ،)2431‬وابن حبان (‪،)3310‬‬
‫وصححه ابن خزيمة وابن حبان‪.‬‬
‫‪260‬‬

‫بــاب‬
‫في الشفاعة يوم القيامة‬
‫ومجيء الرب وإتيانه لفصل القضاء بين عباده‬

‫ونؤمن أن الشفاعة هلل ‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﮔ ﮕ‬


‫ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الزمر‪.]44 :‬‬
‫ونؤمن أنه ال أحد يشفع عنده إال بإذنه‪ ،‬قال الحق جل يف عاله‪( :‬ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة‪ ،]255 :‬وال يشفع الشفعاء إال لمن رضي‬
‫الرحمن قوله وفعله‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [األنبياء‪ ،]28 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [طه‪.]109 :‬‬
‫ونؤمن أن أسعد الناس بشفاعة الشفعاء هم أهل اإلخالص والتوحيد‪،‬‬ ‫أسعد الناس‬
‫بالشفاعــة‬
‫ففي الحديث عن أبي هريرة ‪ ‬أنه قال‪ :‬قيل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬من أسعد‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‪َ « :‬ل َقدْ َظ َنن ُ‬
‫ْت َيا َأ َبا ُه َر ْي َرةَ‪،‬‬ ‫الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ َق َال َر ُس ُ‬
‫ك َع َلى‬ ‫ت ِم ْن ِح ْر ِص َ‬ ‫ْك؛ لِ َما َر َأ ْي ُ‬
‫يث َأ َحدٌ َأ َّو ُل ِمن َ‬
‫َأ ْن اَل يس َأ ُلنِي عن ه َذا الح ِد ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َْ‬
‫الق َي َام ِة‪َ ،‬م ْن َق َال‪ :‬لاَ‪ ‬إِ َل َه إِ اَّل اهَّللُ َخالِ ًصا‬
‫َّاس بِ َش َفاعتِي يوم ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫يث‪َ ،‬أ ْس َعدُ الن ِ‬ ‫الح ِد ِ‬
‫َ‬
‫ِم ْن َق ْلبِ ِه‪َ ،‬أ ْو َن ْف ِس ِه»(((‪.‬‬
‫ونؤمن أن الكافرين ال تنالهم شفاعة الشافعين‪ ،‬قال الحق جل يف عاله‪:‬‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [المدثر‪.]48 :‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪.)6570 ،99‬‬


‫‪261‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫الشفاعة‬ ‫ونؤمن أن اهلل يأذن لمن شاء من عباده بالشفاعة؛ إكرا ًما للشافع ورحمة‬
‫العظمى‬
‫يف فصل‬ ‫للمشفوع له‪ .‬ونعلم أن أعظم الشفعاء يوم القيامة هو نبينا محمد‪ ‬ﷺ‪،‬‬
‫القضـاء‬ ‫ٍ‬
‫شفاعات متعددةً‪ ،‬وأعظمها وأج ُّلها الشفاعة يف أهل الموقف‪،‬‬ ‫فيشفع‬
‫ل ِ ُي ْق َضى بينهم‪ ،‬وذلك هو المقام المحمود‪ ،‬وهي التي ذكرها اهلل يف كتابه‪،‬‬
‫فقال جل شأنه‪( :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ) [اإلسراء‪ ،]79 :‬ويف حديث ابن عمر ‪ L‬عند البخاري‪...« :‬‬
‫ٍِ‬ ‫َف َي ْش َف ُع ل ِ ُي ْق َضى َب ْي َن ا ْل َخ ْل ِق َف َي ْم ِشي َحتَّى َي ْأ ُخ َذ بِ َح ْل َق ِة ا ْل َب ِ‬
‫اب َف َي ْو َمئذ َي ْب َع ُث ُه ُ‬
‫اهَّلل‬
‫َم َقا ًما َم ْح ُمو ًدا َي ْح َمدُ ُه َأ ْه ُل ا ْل َج ْم ِع ُك ُّل ُه ْم»(((‪ .‬فذكر يف هذا الحديث الشفاعة‬
‫يف فصل القضاء‪ ،‬وأخرب الحق ‪ ‬أنه يتفضل لفصل القضاء كما يف‬
‫قوله تعالى‪( :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [البقرة‪ .]210 :‬وقوله جل شأنه‪( :‬ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الفجر‪ .]22 :‬وقوله عز شأنه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [األنعام‪.]158 :‬‬
‫الشفاعة يف‬
‫ِ‬
‫الجنة الجنةَ‪ ،‬وقد د َّلت على هذه الشفاعات‬ ‫ثم الشفاعة يف دخول أهل‬
‫دخول أهل‬
‫اجلنة اجلنة‬ ‫األحاديث الكثيرة المتواترة‪ ،‬منها حديث أنس ‪ ‬المشهور أنه ﷺ‬
‫ون‪:‬‬ ‫ض‪َ ،‬ف َي ْأت َ‬
‫ُون آ َد َم‪َ ،‬ف َي ُقو ُل َ‬ ‫َّاس َب ْع ُض ُه ْم فِي َب ْع ٍ‬‫اج الن ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫قال‪« :‬إِ َذا ك َ‬
‫َان َي ْو ُم الق َي َامة َم َ‬
‫يم‪َ ،‬فإِ َّن ُه َخ ِل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل‬ ‫ت َل َها‪َ ،‬و َلك ْن َع َل ْيك ُْم بِإِ ْب َراه َ‬ ‫ول‪َ :‬ل ْس ُ‬ ‫ك‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ْاش َف ْع َلنَا إِ َلى َر ِّب َ‬
‫وسى؛ َفإِ َّن ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ْح َم ِن‪َ ،‬ف َي ْأت َ‬
‫ت َل َها‪َ ،‬و َلك ْن َع َل ْيك ُْم بِ ُم َ‬ ‫ول‪َ :‬ل ْس ُ‬ ‫يم‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬‫ُون إِ ْب َراه َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وح‬ ‫يسى؛ َفإِ َّن ُه ُر ُ‬ ‫ت َل َها‪َ ،‬و َلك ْن َع َل ْيك ُْم بِع َ‬ ‫ول‪َ :‬ل ْس ُ‬ ‫وسى‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ُون ُم َ‬‫يم اهَّلل‪َ ،‬ف َي ْأت َ‬
‫كَل ُ‬
‫ت َل َها‪َ ،‬و َلكِ ْن َع َل ْيك ُْم بِ ُم َح َّم ٍد ﷺ‪،‬‬ ‫ول‪َ :‬ل ْس ُ‬ ‫يسى‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫اهَّللِ‪ ،‬وك َِلم ُته‪َ ،‬في ْأت َ ِ‬
‫ُون ع َ‬ ‫َ َ ُ َ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪.)1475‬‬


‫‪262‬‬

‫ول‪َ :‬أنَا َل َها‪َ ،‬ف َأ ْست َْأ ِذ ُن َع َلى َر ِّبي‪َ ،‬ف ُي ْؤ َذ ُن لِي‪َ ،‬و ُي ْل ِه ُمنِي َم َح ِامدَ‬
‫َف َي ْأتُونِي‪َ ،‬ف َأ ُق ُ‬
‫اجدً ا‪،‬‬‫المح ِام ِد‪َ ،‬و َأ ِخ ُّر َل ُه َس ِ‬
‫َ‬ ‫ك‬‫اآلن‪َ ،‬ف َأ ْح َمدُ ُه بِتِ ْل َ‬
‫َأ ْح َمدُ ُه بِ َها اَل ت َْح ُض ُرنِي َ‬
‫ك‪َ ،‬و َس ْل ُت ْع َط‪َ ،‬و ْاش َف ْع ت َُش َّف ْع‪،‬‬ ‫ك‪َ ،‬و ُق ْل ُي ْس َم ْع َل َ‬ ‫ول‪َ :‬يا ُم َح َّمدُ ‪ْ ،‬ار َف ْع َر ْأ َس َ‬ ‫َف َي ُق ُ‬
‫َان فِي َق ْلبِ ِه ِم ْث َق ُال‬ ‫ول‪ :‬ا ْن َط ِل ْق َف َأ ْخرِ ْج ِمن َْها َم ْن ك َ‬ ‫ول‪َ :‬يا َر ِّب ُأ َّمتِي ُأ َّمتِي‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫َف َأ ُق ُ‬
‫الم َح ِام ِد‪ُ ،‬ث َّم َأ ِخ ُّر َل ُه‬
‫ك َ‬ ‫ان‪َ ،‬ف َأ ْن َط ِل ُق َف َأ ْف َع ُل‪ُ ،‬ث َّم َأ ُعو ُد‪َ ،‬ف َأ ْح َمدُ ُه بِتِ ْل َ‬ ‫يم ٍ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫َشع َيرة م ْن إِ َ‬
‫ك‪َ ،‬و َس ْل ُت ْع َط‪َ ،‬و ْاش َف ْع‬ ‫ك‪َ ،‬و ُق ْل ُي ْس َم ْع َل َ‬ ‫اجدً ا‪َ ،‬ف ُي َق ُال‪َ :‬يا ُم َح َّمدُ ‪ْ ،‬ار َف ْع َر ْأ َس َ‬ ‫َس ِ‬
‫َان فِي‬ ‫ول‪ :‬ا ْن َط ِل ْق َف َأ ْخرِ ْج ِمن َْها َم ْن ك َ‬ ‫ول‪َ :‬يا َر ِّب ُأ َّمتِي ُأ َّمتِي‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ت َُش َّف ْع‪َ ،‬ف َأ ُق ُ‬
‫ان َف َأ ْخرِ ْج ُه‪َ ،‬ف َأ ْن َط ِل ُق‪َ ،‬ف َأ ْف َع ُل‪ُ ،‬ث َّم َأ ُعو ُد‬ ‫يم ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫َق ْلبِه م ْث َق ُال َذ َّرة ‪َ -‬أ ْو َخ ْر َد َلة ‪ -‬م ْن إِ َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ول‪َ :‬يا ُم َح َّمدُ ْار َف ْع َر ْأ َس َ‬ ‫اجدً ا‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫المح ِام ِد‪ُ ،‬ث َّم َأ ِخ ُّر َل ُه َس ِ‬ ‫ك َ‬ ‫َف َأ ْح َمدُ ُه بِتِ ْل َ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ول‪َ :‬يا َر ِّب ُأ َّمتِي ُأ َّمتِي‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ك‪َ ،‬و َس ْل ُت ْع َط‪َ ،‬و ْاش َف ْع ت َُش َّف ْع‪َ ،‬ف َأ ُق ُ‬ ‫َو ُق ْل ُي ْس َم ْع َل َ‬
‫يم ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ْن َط ِل ْق َف َأ ْخرِج من ك َ ِ‬
‫ان‪،‬‬ ‫َان في َق ْلبِه َأ ْدنَى َأ ْدنَى َأ ْدنَى م ْث َقال َح َّبة َخ ْر َدل م ْن إِ َ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫ض‬ ‫َس ُق ْل ُت ل ِ َب ْع ِ‬ ‫َّار‪َ ،‬ف َأ ْن َط ِل ُق َف َأ ْف َع ُل»‪َ .‬ف َل َّما َخ َر ْجنَا مِ ْن ِعن ِْد َأن ٍ‬ ‫َف َأ ْخرِ ْج ُه ِم َن الن ِ‬
‫الح َس ِن‪َ ،‬و ُه َو ُمت ََو ٍار فِي َمن ِْز ِل أبي َخلِي َفةَ‪َ ،‬ف َحدَّ ْثنَا ُه بِ َما‬ ‫َأ ْص َحابِنَا‪َ :‬ل ْو َم َر ْرنَا بِ َ‬
‫يد‪،‬‬ ‫ك‪َ ،‬ف َأ َتينَاه‪َ ،‬فس َّلمنَا َع َلي ِه‪َ ،‬ف َأ ِذ َن َلنَا‪َ ،‬ف ُق ْلنَا َله‪ :‬يا َأبا س ِع ٍ‬ ‫حدَّ َثنَا َأنَس بن مال ِ ٍ‬
‫ُ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ َ ْ‬ ‫ُ ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫الش َفا َع ِة‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫ك‪َ ،‬ف َل ْم ن ََر مِ ْث َل َما َحدَّ َثنَا فِي َّ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬
‫يك َأن ِ ْ َ‬ ‫َاك مِ ْن ِعن ِْد َأ ِخ َ‬ ‫ِج ْئن َ‬
‫المو ِضعِ‪َ ،‬ف َق َال‪ِ :‬هي ْه‪َ ،‬ف ُق ْلنَا َل ْم َي ِز ْد‬ ‫ِهيه‪َ ،‬فحدَّ ْثنَاه بِ ِ ِ‬
‫الحديث‪َ ،‬فا ْنت ََهى إِ َلى َه َذا ْ‬ ‫ْ َ ُ َ‬
‫يع‪ُ -‬من ُْذ ِع ْش ِري َن َسنَةً‪َ ،‬فلاَ َأ ْد ِري‬ ‫ِ‬
‫‪-‬و ُه َو َجم ٌ‬
‫ِ‬
‫َلنَا َع َلى َه َذا‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ل َقدْ َحدَّ َثني َ‬
‫ح َك‪َ ،‬و َق َال‪ُ :‬خلِ َق‬ ‫يد‪َ ،‬فحدِّ ْثنَا‪َ ،‬ف َض ِ‬ ‫َأن َِسي َأم ك َِره َأ ْن َتتَّكِ ُلوا؟ ُق ْلنَا‪ :‬يا َأبا س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ان َع ُجولاً ‪َ ،‬ما َذك َْر ُت ُه إِلاَّ َو َأنَا ُأ ِريدُ َأ ْن ُأ َحدِّ َث ُك ْم‪َ ،‬حدَّ َثنِي ك ََما َحدَّ َث ُك ْم‬ ‫اإلن َْس ُ‬‫ِ‬
‫اجدً ا‪َ ،‬ف ُي َق ُال‪:‬‬ ‫الم َح ِام ِد‪ُ ،‬ث َّم َأ ِخ ُّر َل ُه َس ِ‬ ‫ك َ‬ ‫الرابِ َع َة َف َأ ْح َمدُ ُه بِتِ ْل َ‬‫بِه‪َ ،‬ق َال‪ُ « :‬ث َّم َأ ُعو ُد َّ‬
‫ِ‬
‫ول‪َ :‬يا‬ ‫ك‪َ ،‬و ُق ْل ُي ْس َم ْع‪َ ،‬و َس ْل ُت ْع َط ْه‪َ ،‬و ْاش َف ْع ت َُش َّف ْع‪َ ،‬ف َأ ُق ُ‬ ‫َيا ُم َح َّمدُ ْار َف ْع َر ْأ َس َ‬
‫ول‪َ :‬و ِعزَّتِي َو َجلاَ لِي‪َ ،‬وكِ ْبرِ َيائِي‬ ‫يم ْن َق َال‪ :‬اَل إِ َل َه إِ اَّل اهَّللُ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫َر ِّب ائ َْذ ْن لي ف َ‬
‫‪263‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫َو َع َظ َمتِي أَلُ ْخرِ َج َّن ِمن َْها َم ْن َق َال‪ :‬اَل إِ َل َه إِ اَّل اهَّللُ»(((‪.‬‬
‫ومنها حديث أبي هريرة ‪ ،‬وهو نحو حديث أنس ‪ ،‬وقال‬
‫ول‬ ‫ْت َر ُس ُ‬ ‫ون‪َ :‬يا ُم َح َّمدُ ‪َ ،‬أن َ‬ ‫يف آخره‪...« :‬ا ْذ َه ُبوا إِ َلى ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬ف َي ْأتُوين َف َي ُقو ُل َ‬
‫ك َو َما ت ََأ َّخ َر‪ْ ،‬اش َف ْع َلنَا‬ ‫ك َما َت َقدَّ َم ِم ْن َذ ْنبِ َ‬ ‫اء‪َ ،‬و َغ َف َر اهللُ َل َ‬ ‫اهللِ‪ ،‬و َخاتَم أْالَ ْنبِي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ك‪َ ،‬أ اَل ت ََرى َما ن َْح ُن فِ ِيه؟ َأ اَل ت ََرى َما َقدْ َب َل َغنَا؟ َف َأ ْن َط ِل ُق‪َ ،‬فآتِي ت َْح َ‬ ‫إِ َلى َر ِّب َ‬
‫اجدً ا لِ َر ِّبي‪ُ ،‬ث َّم َي ْفت َُح اهللُ َع َل َّي َو ُي ْل ِه ُمنِي ِم ْن َم َح ِام ِد ِه‪َ ،‬و ُح ْس ِن‬ ‫ش‪َ ،‬ف َأ َق ُع َس ِ‬ ‫ا ْل َع ْر ِ‬
‫ك‪،‬‬ ‫َاء َع َل ْي ِه َش ْيئًا َل ْم َي ْفت َْح ُه أِلَ َح ٍد َق ْب ِلي‪ُ ،‬ث َّم ُي َق ُال‪َ :‬يا ُم َح َّمدُ ‪ْ ،‬ار َف ْع َر ْأ َس َ‬ ‫ال َّثن ِ‬

‫ول‪َ :‬يا َر ِّب ُأ َّمتِي ُأ َّمتِي‪َ ،‬ف ُي َق ُال‪:‬‬ ‫َس ْل ُت ْع َط ْه‪ْ ،‬اش َف ْع ت َُش َّف ْع‪َ ،‬ف َأ ْر َف ُع َر ْأ ِسي‪َ ،‬ف َأ ُق ُ‬
‫اب أْالَ ْي َم ِن ِم ْن‬ ‫اب َع َل ْي ِه ِم َن ا ْل َب ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َم ْن اَل ح َس َ‬ ‫َيا ُم َح َّمدُ ‪َ ،‬أ ْد ِخ ِل ا ْل َجنَّ َة ِم ْن ُأ َّمتِ َ‬
‫اب‪َ ،‬وا َّل ِذي َن ْف ُس‬ ‫ك ِم َن أْالَ ْب َو ِ‬ ‫يما ِس َوى َذلِ َ‬ ‫اب ا ْلجن َِّة‪ ،‬وهم ُشركَاء الن ِ ِ‬
‫َّاس ف َ‬ ‫َأ ْب َو ِ َ َ ُ ْ َ ُ‬
‫اري ِع ا ْل َجن َِّة َلك ََما َب ْي َن َم َّك َة َو َه َجرٍ‪،‬‬‫ُم َح َّم ٍد بِ َي ِد ِه‪ ،‬إِ َّن َما َب ْي َن ا ْل ِم ْص َرا َع ْي ِن ِم ْن َم َص ِ‬
‫َأ ْو ك ََما َب ْي َن َم َّك َة َو ُب ْص َرى»(((‪.‬‬
‫«أنَا َأ َّو ُل َش ِفي ٍع فِي‬ ‫ك ‪َ :‬ق َال النَّبِي ﷺ‪َ :‬‬
‫ُّ‬
‫َس بن مال ِ ٍ‬
‫حديث َأن ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ومنها‬
‫ت‪ ،‬وإِ َّن ِمن أْالَ ْنبِي ِ‬
‫اء َنبِ ًّيا َما ُي َصدِّ ُق ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا ْل َجنَّة‪َ ،‬ل ْم ُي َصدَّ ْق َنبِ ٌّي م َن أْالَ ْنبِ َياء َما ُصدِّ ْق ُ َ‬
‫احدٌ »(((‪.‬‬ ‫ِمن ُأمتِ ِه إِ اَّل رج ٌل و ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ْ َّ‬
‫ت َد ْع َوتِي َش َفا َع ًة‬ ‫يب‪َ ،‬ف َج َع ْل ُ‬ ‫ُج َ‬ ‫است ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال ﷺ‪« :‬لك ُِّل َنبِ ٍّي َد ْع َو ٌة َقدْ َد َعا بِ َها َف ْ‬
‫الق َي َام ِة»(((‪ ،‬وقال ﷺ‪« :‬لِك ُِّل َنبِ ٍّي َد ْع َو ٌة ُم ْست ََجا َب ٌة َيدْ ُعو بِ َها‪َ ،‬و ُأ ِريدُ‬ ‫أِلُمتِي يوم ِ‬
‫َّ َ ْ َ‬

‫أخرجه البخاري (‪ ،)7510‬ومسلم (‪ ،)193‬وابن ماجه (‪.)4312‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري (‪ ،)3340‬ومسلم(‪.)194‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه مسلم (‪ ،)196‬والدارمي(‪.)52‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪.)6305‬‬ ‫((( ‬
‫‪264‬‬

‫اآلخ َر ِة»(((‪.‬‬
‫َأ ْن َأ ْخ َتبِئ دعوتِي َش َفاع ًة أِلُمتِي فِي ِ‬
‫َ َّ‬ ‫َ ََْ‬
‫ونؤمن أن اهلل كما أكرم نبينا محمدً ا ﷺ بالشفاعة‪ ،‬فكذلك يكرم األنبياء‬
‫والمالئكة والمؤمنين‪ ،‬فعن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬قال ﷺ‪...« :‬‬
‫فيقول اهلل ‪ :‬شفعت المالئكة‪ ،‬وشفع النبيون‪ ،‬وشفع المؤمنون‪ ،‬ولم‬
‫قوما لم يعملوا‬
‫يبق إال أرحم الراحمين‪ ،‬فيقبض قبضة من النار‪ ،‬فيخرج منها ً‬
‫خيرا قط»(((‪.‬‬
‫ً‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)6304‬ومسلم (‪ ،)199‬والترمذي (‪ ،)3602‬وابن ماجه (‪.)4307‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7439‬ومسلم (‪.)183‬‬
‫‪265‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫بــاب‬
‫العرض والحساب وتوزيع الصحف‬
‫ونؤمن أن َّ‬
‫كل إنسان ُيؤتى كتابه‪ ،‬فآخذ كتابه بيمينه‪ ،‬قال الحق ‪ -‬وقوله‬
‫الحق‪( :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الحاقة‪.]19  :‬‬
‫ٌ‬
‫وآخذ كتابه بشماله‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ) [الحاقة‪ ،]25 :‬أو يأخذه من وراء ظهره‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪:‬‬
‫‪ ،]10‬ويقال له‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫(ﮊ‪  ‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [االنشقاق‪:‬‬

‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [اإلسراء‪ ،]14 :‬وقال الحق جل شأنه‪( :‬ﭾ ﭿ‬


‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‪ ‬ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)‬

‫[الكهف‪.]49 :‬‬
‫العـــرض‬ ‫ونؤمن بالعرض‪ ،‬قال الحق ‪ -‬وقوله الحق‪( :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ) [الحاقة‪ ،]18 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الكهف‪ .]48 :‬وعن عدي بن‬
‫«ما ِمنْك ُْم َأ َحدٌ إِ اَّل َس ُي َك ِّل ُم ُه َر ُّب ُه َل ْي َس َب ْينَ ُه َو َب ْينَ ُه‬
‫حاتم قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫ان‪َ ،‬ف َينْ ُظ ُر َأ ْي َم َن ِمنْ ُه َفلاَ َي َرى إِ اَّل َما َقدَّ َم ِم ْن َع َم ِل ِه‪َ ،‬و َينْ ُظ ُر َأ ْش َأ َم ِمنْ ُه َفلاَ‬
‫ت ُْر ُج َم ٌ‬
‫َي َرى إِ اَّل َما َقدَّ َم‪َ ،‬و َي ْن ُظ ُر َب ْي َن َيدَ ْي ِه َفلاَ َي َرى إِ اَّل الن ََّار تِ ْل َقا َء َو ْج ِه ِه‪َ ،‬فا َّت ُقوا الن ََّار‬
‫َو َل ْو بِ ِش ِّق ت َْم َر ٍة»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6539‬ومسلم (‪.)1016‬‬


‫‪266‬‬

‫ونؤمن بالحساب‪ ،‬وأن اهلل يحاسب عباده‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯲ ﯳ‬ ‫احلســـاب‬

‫خيرا فليحمد‬
‫ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الغاشية‪ ،]26 ،25 :‬فمن وجد ً‬
‫اهلل‪ ،‬ومن وجد غير ذلك فال يلومن إال نفسه‪ ،‬كما صح بذلك الخرب عن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫«‪...‬يا ع َبادي إِن ََّما ه َي َأ ْع َما ُلك ُْم ُأ ْحص َيها َلك ُْم‪ُ ،‬ث َّم ُأ َو ِّفيك ُْم إِ َّي َ‬
‫اها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫النبي‪ ‬ﷺ‪:‬‬
‫وم َّن إِ اَّل َن ْف َس ُه»(((‪.‬‬ ‫َف َم ْن َو َجدَ َخ ْي ًرا‪َ ،‬ف ْل َي ْح َم ِد اهللَ َو َم ْن َو َجدَ َغ ْي َر َذلِ َ‬
‫ك‪َ ،‬فلاَ َي ُل َ‬
‫وهو سبحانه سريع الحساب‪ ،‬قال جل شأنه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [غافر‪.]17 :‬‬
‫«يدْ ُخ ُل‬
‫ونؤمن أن بعض المؤمنين يدخلون الجنة بال حساب‪ ،‬قال ﷺ‪َ :‬‬
‫ون َأ ْل ًفا بِ َغ ْيرِ ِح َس ٍ‬
‫اب‪.(((»....‬‬ ‫ِم ْن ُأ َّمتِي ا ْل َجنَّ َة َس ْب ُع َ‬
‫ٌ‬
‫وأحوال متباينةٌ‪ ،‬فمن العباد من يحاسب‬ ‫مراتب‬
‫ُ‬ ‫وحساب اهلل لعباده له‬
‫يسيرا‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫عسيرا‪ ،‬ومنهم من يحاسب حسا ًبا ً‬
‫ً‬ ‫حسا ًبا‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [االنشقاق‪.]8 ،7 :‬‬
‫الق َي َام ِة‬
‫وعن عائشة ‪ ،‬أن النبي ﷺ قال‪َ « :‬ليس َأحدٌ يحاسب يوم ِ‬
‫ْ َ َ ُ َ َ ُ َْ َ‬
‫إِ اَّل َه َل َك»(((‪ .‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أليس قد قال اهلل تعالى‪( :‬ﭺﭻﭼﭽ‬
‫ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)؟ [االنشـقاق‪ ،]8 ،7 :‬فقال‪ ‬رسول‪ ‬اهلل‪ ‬ﷺ‪:‬‬
‫الق َي َام ِة إِ اَّل ُع ِّذ َب»(((‪.‬‬
‫الحساب يوم ِ‬
‫َ َ َْ َ‬
‫«إِنَّما َذلِ ِك العر ُض‪ ،‬و َليس َأحدٌ ينَا َق ُش ِ‬
‫َ ْ َ َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫وال ُي ْظلم أحد يف ذلك اليوم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [البقرة‪.]281 :‬‬

‫أخرجه مسلم (‪.)2577‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري (‪ ،)5811‬ومسلم (‪ )216‬واللفظ له‪.‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)6537‬ومسلم (‪.)2876‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪.)6537‬‬ ‫((( ‬
‫‪267‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫وأول من يحاسب يوم القيامة من األمم أمة محمد؛ لقوله ﷺ‪...« :‬‬
‫ون َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة‪ ،‬ا ْل َم ْق ِض ُّي َل ُه ْم َق ْب َل‬
‫ون ِم ْن َأ ْه ِل الدُّ ْن َيا‪َ ،‬و أْالَ َّو ُل َ‬
‫ن َْح ُن آْال ِخ ُر َ‬
‫ا ْلخَ لاَ ئِ ِق»(((‪.‬‬
‫وأول ما يقضى بين الناس يف الدماء؛ لقول النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫«أ َّو ُل َما ُي ْق َضى َب ْي َن‬
‫َّاس يوم ا ْل ِقيام ِة فِي الدِّ م ِ‬
‫اء»(((‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الن ِ َ ْ َ َ َ‬
‫الشهداء يوم‬ ‫ونؤمن أنه يف هذا اليوم يؤتى بالشهداء‪ ،‬فتشهد المالئكة‪ ،‬وتشهد األرض‬
‫القيامــــــة‬
‫بما عمل العباد عليها‪ ،‬وتشهد الجوارح‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [غافر‪ ،]51 :‬وقال الحق‪:‬‬
‫(ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الزمر‪ ،]69 :‬وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ) [الزلزلة‪ ،]4 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [يس‪.]65 :‬‬
‫شهـــادة‬ ‫ويف «الصحيح» من حديث أبي هريرة ‪ ‬ذك ُْر شهادة الجوارح على‬
‫اهدَ نَا َع َل ْي َك‪َ ،‬و َي َت َفك َُّر فِي َن ْف ِس ِه‪َ :‬م ْن‬
‫ث َش ِ‬
‫الـجوارح‬
‫عىل العباد‬
‫العباد‪ ،‬وفيه‪ُ ...« :‬ث َّم ُي َق ُال َل ُه‪ :‬آْال َن َن ْب َع ُ‬
‫خ ِذ ِه َو َل ْح ِم ِه َو ِع َظ ِام ِه‪ :‬انْطِ ِقي‪،‬‬ ‫َذا ا َّل ِذي ي ْشهدُ ع َلي؟ َفيخْ تَم ع َلى فِ ِيه‪ ،‬وي َق ُال لِ َف ِ‬
‫َُ‬ ‫َ َ َ َّ ُ ُ َ‬
‫خ ُذ ُه َو َل ْح ُم ُه َو ِع َظ ُام ُه بِ َع َم ِل ِه‪َ ،‬و َذلِ َك لِ ُي ْع ِذ َر ِم ْن َن ْف ِس ِه‪َ ،‬و َذلِ َك ا ْل ُمنَافِ ُق‪،‬‬ ‫َف َتنْطِ ُق َف ِ‬
‫َو َذلِ َك ا َّل ِذي َي ْسخَ ُط اهللُ َع َل ْي ِه»(((‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ٍك َق َال‪ُ :‬كنَّا ِعنْدَ رس ِ ِ‬
‫«ه ْل‬ ‫ول اهلل ﷺ َف َضح َك‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫و َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫«م ْن ُمخَ ا َط َب ِة ا ْل َع ْب ِد‬‫ون ِمم َأ ْضح ُك؟» َق َال‪ُ :‬ق ْلنَا‪ :‬اهلل ورسو ُله َأ ْع َلم‪َ ،‬ق َال‪ِ :‬‬
‫ُ ََ ُ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫تَدْ ُر َ َّ‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪.)856‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6864‬ومسلم (‪.)1678‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2968‬‬
‫‪268‬‬

‫ول‪َ :‬فإِنِّي‬ ‫ول‪َ :‬ب َلى‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َي ُق ُ‬ ‫ُج ْرنِي ِم َن ال ُّظ ْلمِ؟ َق َال‪َ :‬ي ُق ُ‬ ‫ول‪َ :‬يا َر ِّب‪َ ،‬أ َل ْم ت ِ‬ ‫َر َّب ُه‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ك َفى بِنَ ْف ِس َك ا ْل َي ْو َم َع َل ْي َك‬ ‫اهدً ا ِمنِّي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َي ُق ُ‬ ‫اَ‪ ‬أ ِجي ُز ع َلى َن ْف ِسي إِ اَّل َش ِ‬
‫َ‬ ‫لُ‬
‫ين ُش ُهو ًدا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ُيخْ ت َُم َع َلى فِ ِيه‪َ ،‬ف ُي َق ُال أِلَ ْركَانِ ِه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َش ِهيدً ا‪َ ،‬وبِا ْلك َرا ِم ا ْلكَاتبِ َ‬
‫ول‪:‬‬ ‫انْطِ ِقي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َتنْطِ ُق بِ َأ ْع َمالِ ِه‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم ُيخَ َّلى َب ْينَ ُه َو َب ْي َن ا ْل َكلاَ مِ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َي ُق ُ‬
‫َاض ُل»(((‪.‬‬ ‫ْت ُأن ِ‬ ‫ُب ْعدً ا َلك َُّن َو ُس ْح ًقا‪َ ،‬ف َعنْك َُّن ُكن ُ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2969‬‬


‫‪269‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫بــاب‬
‫اإليمان بالـموازين‬
‫ونؤمن بأن اهلل تعالى يضع الموازين لوزن أعمال العباد‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [األنبياء‪ ،]47 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫(ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [األعراف‪:‬‬

‫‪ ،]9 ،8‬وهو ميزان حقيقي له كفتان ولسان توزن به أعمال العباد‪.‬‬


‫وزن‬ ‫َان َع َلى‬‫َان َخ ِفي َفت ِ‬ ‫ونؤمن أن األعمال توضع يف الموازين‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬ك َِل َمت ِ‬
‫ان اهَّلل ِ َوبِ َح ْم ِد ِه‪،‬‬ ‫َان‪َ ،‬حبِي َبت ِ‬
‫الميز ِ‬‫َان فِي ِ‬ ‫ان‪َ ،‬ث ِقي َلت ِ‬ ‫ال ِّل َس ِ‬
‫األعمــال‬
‫الر ْح َم ِن‪ُ ،‬س ْب َح َ‬ ‫َان إِ َلى َّ‬
‫ان اهَّلل ِ ال َعظِيمِ»(((‪.‬‬
‫ُس ْب َح َ‬
‫َان‪.(((»...‬‬ ‫ان‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ لِ َّل ِه ت َْملأَ ُ ا ْل ِميز َ‬
‫يم ِ‬ ‫ور َش ْط ُر إْ ِ‬
‫ال َ‬ ‫‪-‬أيضا‪« :‬ال ُّط ُه ُ‬
‫وقال ﷺ ً‬
‫ونعلم أن العامل يوضع مع عمله يف الميزان‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ،‬عن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫النبي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َّنه َلي ْأتِي الرج ُل العظِيم ِ‬
‫اَ‪ ‬ي ِز ُن‪ ‬عنْدَ اهَّلل َجن َ‬
‫َاح‬ ‫ين َي ْو َم الق َي َامة‪ ،‬ل َ‬
‫السم ُ‬
‫َ ُ َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫وض ٍة»‪َ ،‬و َق َال‪ :‬ا ْق َر ُءوا‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الكهف‪ ،(((]105  :‬وكذلك‬ ‫َب ُع َ‬
‫توضع يف الموازين صحائف األعمال كما دل على ذلك حديث البطاقة(((‪.‬‬

‫أخرجه البخاري (‪ ،)6682‬ومسلم (‪ ،)2694‬والترمذي (‪ ،)3467‬وابن ماجه (‪.)3806‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه مسلم (‪ ،)223‬والترمذي (‪ ،)3517‬والنسائي (‪ ،)2437‬وابن ماجه (‪.)280‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)4729‬ومسلم (‪.)2785‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه الترمذي (‪ ،)2639‬وابن ماجه (‪ ،)4300‬وابن المبارك في المسند (‪،)100‬‬ ‫((( ‬
‫وفي الزهد (‪ ،)109 /2‬وأحمد (‪.)6994‬‬
‫‪270‬‬

‫بــاب‬
‫اإليمان بالحوض‬
‫حوضا ترده أمته‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮆ‬
‫ً‬ ‫ونؤمن بأن لرسولنا محمد ﷺ‬
‫ﮇ ﮈ) [الكوثر‪.]1 :‬‬
‫ول اهللِ ﷺ َذ َ‬
‫ات َي ْو ٍم َب ْي َن َأ ْظ ُه ِرنَا إِ ْذ‬ ‫َس ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ب ْينَا َر ُس ُ‬ ‫َو َع ْن َأن ٍ‬
‫ول اهللِ َق َال‪:‬‬ ‫َأ ْغ َفى إِ ْغ َفا َء ًة ُث َّم َر َف َع َر ْأ َس ُه ُم َت َب ِّس ًما‪َ ،‬ف ُق ْلنَا‪َ :‬ما َأ ْض َح َك َك َيا َر ُس َ‬
‫الر ِحي ِم (ﮆ ﮇ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫«أن ِْز َل ْ‬
‫ورةٌ» َف َق َر َأ‪« :‬بِ ْس ِم اهلل َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ت َع َل َّي آن ًفا ُس َ‬
‫ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الكوثر‪»]3-1 :‬‬

‫اهلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فإِ َّن ُه ن َْه ٌر َو َعدَ نِ ِيه‬‫ون َما ا ْلك َْو َث ُر؟» َف ُق ْلنَا‪ُ :‬‬ ‫«أتَدْ ُر َ‬ ‫ُث َّم َق َال‪َ :‬‬
‫َر ِّبي ‪َ ،‬ع َل ْي ِه َخ ْي ٌر كَثِ ٌير‪ُ ،‬ه َو َح ْو ٌض َترِ ُد َع َل ْي ِه ُأ َّمتِي َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة‪ ،‬آنِ َي ُت ُه َعدَ ُد‬
‫ول‪َ :‬ما تَدْ ِري َما‬ ‫ول‪َ :‬ر ِّب‪ ،‬إِ َّن ُه ِم ْن ُأ َّمتِي َف َي ُق ُ‬ ‫الن ُُّجومِ‪َ ،‬ف ُيخْ َت َل ُج ا ْل َع ْبدُ ِمن ُْه ْم‪َ ،‬ف َأ ُق ُ‬
‫ت َب ْعدَ َك»(((‪.‬‬ ‫َأ ْحدَ َث ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫«ح ْوضي َمس َير ُة َش ْهرٍ‪َ ،‬ماؤُ ُه َأ ْب َي ُض م َن ال َّل َب ِن‪َ ،‬و ِر ُ‬
‫يح ُه َأ ْط َي ُ‬ ‫وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫اء‪َ ،‬م ْن َشرِ َب ِمن َْها َفلاَ َي ْظ َم ُأ َأ َبدً ا»(((‪.‬‬
‫ك‪ ،‬وكِيزَا ُنه َكنُجو ِم السم ِ‬
‫َّ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫م َن الم ْس َ‬
‫اضا ِم َن ال َّث ْلجِ ‪،‬‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن َح ْو ِضي َأ ْب َعدُ ِم ْن َأ ْي َل َة ِم ْن َعدَ ٍن‪َ ،‬ل ُه َو َأ َشدُّ َب َي ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأ ْح َلى م َن ا ْل َع َس ِل بِال َّل َب ِن‪َ ،‬و آَلن َي ُت ُه َأ ْك َث ُر م ْن َعدَ د الن ُُّجومِ‪َ ،‬وإِنِّي أَلَ ُصدُّ الن َ‬
‫َّاس‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬أ َت ْع ِر ُفنَا‬
‫َّاس َع ْن َح ْو ِض ِه»‪َ .‬قا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫الر ُج ُل إِبِ َل الن ِ‬ ‫َعنْ ُه‪ ،‬ك ََما َي ُصدُّ َّ‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪.)400‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6579‬ومسلم (‪.)2292‬‬
‫‪271‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫ت أِلَ َح ٍد ِم َن أْالُ َممِ‪َ ،‬ترِ ُد َ‬


‫ون َع َل َّي ُغ ًّرا‪،‬‬ ‫يما َل ْي َس ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫َي ْو َمئذ؟ َق َال‪َ « :‬ن َع ْم‪َ ،‬لك ُْم س َ‬
‫محج ِلين ِمن َأ َثرِ ا ْلو ُض ِ‬
‫وء»(((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َّ َ ْ‬
‫وقال ﷺ‪َ « :‬ب ْينَا َأنَا َقائِ ٌم إِ َذا ز ُْم َرةٌ‪َ ،‬حتَّى إِ َذا َع َر ْفت ُُه ْم َخ َر َج َر ُج ٌل ِم ْن َب ْينِي‬
‫ت‪َ :‬و َما َش ْأن ُُه ْم؟‬ ‫َّار َواهَّللِ‪ُ ،‬ق ْل ُ‬ ‫ت‪َ :‬أ ْي َن؟ َق َال‪ :‬إِ َلى الن ِ‬ ‫َو َب ْين ِ ِه ْم‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ه ُل َّم‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬
‫ار ِهم ال َق ْه َق َرى‪ُ .‬ث َّم إِ َذا ز ُْم َرةٌ‪َ ،‬حتَّى إِ َذا َع َر ْفت ُُه ْم‬ ‫َق َال‪ :‬إِن َُّه ُم ْارتَدُّ وا َب ْعدَ َك َع َلى َأ ْد َب ِ‬
‫َّار َواهَّللِ‪،‬‬‫ت‪َ :‬أ ْي َن؟ َق َال‪ :‬إِ َلى الن ِ‬ ‫َخ َر َج َر ُج ٌل ِم ْن َب ْينِي َو َب ْين ِ ِه ْم‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ه ُل َّم‪ُ ،‬ق ْل ُ‬
‫ار ِهم ال َق ْه َق َرى‪َ ،‬فلاَ ُأ َرا ُه‬ ‫ت‪َ :‬ما َش ْأن ُُه ْم؟ َق َال‪ :‬إِن َُّه ُم ْارتَدُّ وا َب ْعدَ َك َع َلى َأ ْد َب ِ‬ ‫ُق ْل ُ‬
‫َيخْ ُل ُص ِمن ُْه ْم إِ اَّل ِم ْث ُل َه َم ِل النَّ َعمِ»(((‪.‬‬
‫السماء قال‪« :‬أتيت‬
‫بالنبي ﷺ إلى َّ‬‫ِّ‬ ‫وعن أنس ‪ ‬قال‪ :‬لما ُع ِر َج‬
‫ُ‬
‫جبريل؟ قال‪ :‬هذا‬ ‫فقلت‪ :‬ما هذا يا‬
‫ُ‬ ‫المجوف‪،‬‬‫َّ‬ ‫على نهرٍ حا َّفتا ُه ُ‬
‫قباب اللؤلؤ‬
‫الكوثر»(((‪.‬‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪. )247‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪.)6587‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)4964‬‬
‫‪272‬‬

‫بــاب‬
‫الصراط والجزاء‬
‫ونؤمن أن الصراط ُينْصب على َمتْن جهنم‪ ،‬وهو دحض َم َز َّلةٌ‪ ،‬يمر‬ ‫الصـــراط‬

‫كالليب مثل شوك السعدان‪ ،‬فتخطف‬ ‫ُ‬ ‫عليه العباد بحسب أعمالهم‪ ،‬وبه‬
‫الناس بأعمالهم‪ ،‬وأول من يجوز الجسر نبينا ﷺ‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪‬‬
‫َان‬
‫ول‪َ :‬م ْن ك َ‬ ‫الق َي َام ِة‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪...« :‬يح َشر النَّاس يوم ِ‬
‫ُ َْ َ‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫الش ْم َس‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم َم ْن َي َّتبِ ُع ال َق َم َر‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم‬ ‫َي ْع ُبدُ َش ْيئًا َف ْل َي َّتبِ ْع‪َ ،‬ف ِمن ُْه ْم َم ْن َي َّتبِ ُع َّ‬
‫ول‪َ :‬أنَا‬ ‫يه ُم اهَّللُ َف َي ُق ُ‬ ‫وها‪َ ،‬ف َي ْأتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يت‪َ ،‬و َت ْب َقى َهذه األُ َّم ُة ف َيها ُمنَاف ُق َ‬ ‫اغ َ‬ ‫من ي َّتبِع ال َّطو ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ ُ‬
‫يه ُم‬‫ون‪َ :‬ه َذا َمكَا ُننَا َحتَّى َي ْأتِ َينَا َر ُّبنَا‪َ ،‬فإِ َذا َجا َء َر ُّبنَا َع َر ْفنَا ُه‪َ ،‬ف َي ْأتِ ِ‬ ‫َر ُّبك ُْم‪َ ،‬ف َي ُقو ُل َ‬
‫اط َب ْي َن‬‫الص َر ُ‬ ‫وه ْم‪َ ،‬ف ُي ْض َر ُب ِّ‬ ‫ْت َر ُّبنَا‪َ ،‬ف َيدْ ُع ُ‬ ‫ون‪َ :‬أن َ‬ ‫ول‪َ :‬أنَا َر ُّبك ُْم‪َ ،‬ف َي ُقو ُل َ‬ ‫اهَّللُ َف َي ُق ُ‬
‫الر ُس ِل بِ ُأ َّمتِ ِه‪َ ،‬و اَل َي َت َك َّل ُم َي ْو َمئِ ٍذ َأ َحدٌ‬ ‫ِ‬
‫ُون َأ َّو َل َم ْن َي ُجو ُز م َن ُّ‬ ‫َظ ْه َران َْي َج َهن ََّم‪َ ،‬ف َأك ُ‬
‫الر ُس ِل َي ْو َمئِ ٍذ‪ :‬ال َّل ُه َّم َس ِّل ْم َس ِّل ْم»(((‪.‬‬‫الر ُس ُل‪َ ،‬وكَلاَ ُم ُّ‬ ‫إِ اَّل ُّ‬
‫وعن أبي سعيد الخدري ‪َ ‬ق َال‪ُ ...« :‬ث َّم ُي ْؤتَى بِا ْل َج ْسرِ َف ُي ْج َع ُل َب ْي َن‬
‫«مدْ َح َض ٌة َم ِز َّلةٌ‪َ ،‬ع َل ْي ِه‬ ‫َظهري جهنَّم»‪ُ ،‬ق ْلنَا‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫الج ْس ُر؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫ول اهَّلل‪َ ،‬و َما َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َْ ْ َ َ‬
‫ُون بِن َْج ٍد‪ُ ،‬ي َق ُال‬ ‫يب‪َ ،‬و َح َس َك ٌة ُم َف ْل َط َح ٌة َل َها َش ْو َك ٌة ُع َق ْي َفا ُء‪َ ،‬تك ُ‬ ‫ِ‬
‫يف َوكَلاَ ل ُ‬‫َخ َطاطِ ُ‬
‫او ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يد الخَ ْي ِل‬ ‫الم ْؤم ُن َع َل ْي َها كَال َّط ْرف َوكَا ْل َب ْر ِق َوك ِّ‬
‫َالريحِ ‪َ ،‬وك ََأ َج ِ‬ ‫ان‪ُ ،‬‬ ‫َل َها‪َّ :‬‬
‫الس ْعدَ ُ‬
‫َار َج َهن ََّم‪َ ،‬حتَّى َي ُم َّر‬ ‫وس فِي ن ِ‬ ‫وش‪َ ،‬و َم ْكدُ ٌ‬ ‫َاب‪َ ،‬فنَاجٍ ُم َس َّل ٌم‪َ ،‬و َناجٍ َمخْ دُ ٌ‬‫الرك ِ‬ ‫َو ِّ‬
‫ب َس ْح ًبا‪.(((»...‬‬ ‫ِ‬
‫آخ ُر ُه ْم ُي ْس َح ُ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)806‬ومسلم (‪ ،)182‬وأبو داود (‪ ،)4730‬والترمذي (‪،)2554‬‬


‫وابن‪ ‬ماجه (‪.)178‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)7439‬‬
‫‪273‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫ور ٌة بِ َأ ْخ ِذ َم ْن‬ ‫يب ُم َع َّل َق ٌة َم ْأ ُم َ‬


‫ِ‬
‫الص َراط كَلاَ ل ُ‬
‫ِ‬
‫«‪...‬وفي َحا َفت َِي ِّ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫وقال ﷺ‪:‬‬
‫َّار»(((‪.‬‬ ‫وس فِي الن ِ‬ ‫وش َناجٍ ‪َ ،‬و َم ْكدُ ٌ‬ ‫ُأ ِم َر ْت بِ ِه‪َ ،‬ف َمخْ دُ ٌ‬
‫الزبي ِر‪َ ،‬أ َّنه س ِمع جابِر بن َعب ِد اهللِ ‪ L‬يس َأ ُل َع ِن ا ْلور ِ‬
‫ود‪،‬‬ ‫ُُ‬ ‫ُْ‬ ‫ُ َ َ َ َ ْ َ ْ‬ ‫وعن َأبي ُّ َ ْ‬
‫َّاس؟‬ ‫ك َف ْو َق الن ِ‬ ‫َجي ُء ن َْح ُن َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة َع ْن ك ََذا َوك ََذا‪ ،‬ا ْن ُظ ْر َأي َذلِ َ‬ ‫َف َق َال‪« :‬ن ِ‬
‫َت َت ْع ُبدُ ‪ ،‬أْالَ َّو ُل َف أْالَ َّو ُل‪ُ ،‬ث َّم َي ْأتِينَا َر ُّبنَا َب ْعدَ‬ ‫َق َال‪َ :‬فتُدْ َعى أْالُ َم ُم بِ َأ ْو َثانِ َها‪َ ،‬و َما كَان ْ‬
‫ون‪:‬‬ ‫ول‪َ :‬أنَا َر ُّبك ُْم‪َ ،‬ف َي ُقو ُل َ‬ ‫ون‪َ :‬ننْ ُظ ُر َر َّبنَا‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ون؟ َف َي ُقو ُل َ‬ ‫ول‪َ :‬م ْن َتنْ ُظ ُر َ‬ ‫ك‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫َذلِ َ‬
‫ك‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َينْ َط ِل ُق بِ ِه ْم َو َي َّتبِ ُعو َن ُه‪َ ،‬و ُي ْع َطى‬ ‫ك‪َ ،‬ف َيت ََج َّلى َل ُه ْم َي ْض َح ُ‬ ‫َحتَّى َننْ ُظ َر إِ َل ْي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ُُّل إِنْس ٍ ِ‬
‫يب‬ ‫ُورا‪ُ ،‬ث َّم َي َّتبِ ُعو َن ُه َو َع َلى ِج ْسرِ َج َهن ََّم كَلاَ ل ُ‬ ‫ان من ُْه ْم ُمنَاف ًقا‪َ ،‬أ ْو ُم ْؤمنًا ن ً‬ ‫َ‬
‫ُون‪.(((»...‬‬ ‫ين‪ُ ،‬ث َّم َين ُْجو ا ْل ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫ِِ‬
‫ُور ا ْل ُمنَافق َ‬ ‫ك‪ ،‬ت َْأ ُخ ُذ َم ْن َشا َء اهللُ‪ُ ،‬ث َّم ُي ْط َف ُأ ن ُ‬ ‫َو َح َس ٌ‬
‫القنطرة‬ ‫وإذا نجا المؤمنون من الصراط فإهنم ُي ْحبسون على قنطرة بين الجنة‬
‫«يخْ ُل ُص‬ ‫والنار‪ ،‬فعن أبي سعيد الخدري ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬
‫َّار‪َ ،‬ف ُي َق ُّص لِ َب ْع ِض ِه ْم‬
‫الجن َِّة َوالن ِ‬ ‫ٍ‬
‫ون َع َلى َقنْ َط َرة َب ْي َن َ‬ ‫ُون ِم َن الن ِ‬
‫َّار‪َ ،‬ف ُي ْح َب ُس َ‬ ‫المؤ ِمن َ‬‫ْ‬
‫َت َب ْين َُه ْم فِي الدُّ ْن َيا‪َ ،‬حتَّى إِ َذا ُه ِّذ ُبوا َو ُن ُّقوا ُأ ِذ َن َل ُه ْم فِي‬
‫ض َم َظالِ ُم كَان ْ‬‫ِم ْن َب ْع ٍ‬
‫الجن َِّة‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ٍ ِِ‬ ‫ِ‬
‫الجنَّة‪َ ،‬ف َوا َّلذي َن ْف ُس ُم َح َّمد بِ َيده‪ ،‬أَلَ َحدُ ُه ْم َأ ْهدَ ى بِ َمن ِْزله في َ‬
‫ِ‬
‫ول َ‬ ‫ُد ُخ ِ‬
‫َان فِي الدُّ ْن َيا»(((‪.‬‬
‫ِمنْ ُه بِ َمن ِْزلِ ِه ك َ‬

‫(( ( أخرجه مسلم(‪.)195‬‬


‫((( أخرجه مسلم(‪.)191‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)6535‬‬
‫‪274‬‬

‫بــاب‬
‫الجنة والنار‬
‫ونؤمن أن الجنة والنار هما دار الجزاء‪ ،‬وورد يف القرآن والسنة صفة‬
‫أهل الجنة والنار‪ ،‬وذكر مساكنهم ومشارهبم ومطاعمهم ومالبسهم‪.‬‬
‫ونؤمن أهنما مخلوقتان اآلن‪ ،‬وأن آدم ‪ ‬كان يف جنة الخلد‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ) [األعراف‪ .]19 :‬وعن أبي هريرة ‪ ‬أن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫ْت َأ ُبونَا َخ َّي ْب َتنَا َو َأ ْخ َر ْج َتنَا ِم َن‬
‫وسى‪َ :‬يا آ َد ُم َأن َ‬ ‫وسى‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ُم َ‬ ‫«احت ََّج آ َد ُم َو ُم َ‬ ‫ْ‬
‫ومنِي‬ ‫اك اهَّلل بِ َكلاَ ِم ِه‪ ،‬و َخ َّط َل َ ِ ِ‬
‫ك بِ َيده‪َ ،‬أ َت ُل ُ‬ ‫َ‬ ‫اص َط َف َ ُ‬ ‫وسى ْ‬ ‫الجنَّة‪َ ،‬ق َال َل ُه آ َد ُم‪َ :‬يا ُم َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسى‪َ ،‬ف َح َّج‬ ‫ين َسنَةً؟ َف َح َّج آ َد ُم ُم َ‬ ‫َع َلى َأ ْمرٍ َقدَّ َر ُه اهَّللُ َع َل َّي َق ْب َل َأ ْن َيخْ ُل َقني بِ َأ ْر َبع َ‬
‫وسى» َثلاَ ًثا(((‪.‬‬ ‫آ َد ُم ُم َ‬
‫والجنة هي دار النعيم المقيم‪ ،‬قال الحق عز شأنه‪( :‬ﮅﮆﮇ‬ ‫الـجنة هي‬
‫دار النعيم‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)‬

‫[آل عمران‪ .]136 :‬وقال تعالى ُم َر ِّغ ًبا فيما فيها من النعيم‪( :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [السجدة‪.]17 :‬‬
‫ونؤمن أن أعظم نعيم الجنة هو النظر إلى وجه اهلل تعالى يف جنات‬
‫النعيم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [القيامة‪ ]23 ،22 :‬وقال‪:‬‬
‫(ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ) [المطففين‪ ]15 :‬وعن صهيب الرومي ‪‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6614‬ومسلم (‪ ،)2652‬وأبو داود (‪ ،)4701‬والترمذي‬


‫(‪ ،)2134‬وابن ماجه (‪.)80‬‬
‫‪275‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫ول اهللُ َت َب َار َك‬ ‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َد َخ َل َأ ْه ُل ا ْل َجن َِّة ا ْل َجنَّةَ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ي ُق ُ‬
‫وهنَا؟ َأ َل ْم تُدْ ِخ ْلنَا‬ ‫ون‪َ :‬أ َل ْم ُت َب ِّي ْض ُو ُج َ‬ ‫ون َش ْيئًا َأ ِزيدُ ك ُْم؟ َف َي ُقو ُل َ‬
‫َو َت َعا َلى‪ُ :‬ترِيدُ َ‬
‫َّار؟ َق َال‪َ :‬فيك َْش ُ ِ‬ ‫ا ْل َجنَّ َة َو ُتن َِّجنَا ِم َن الن ِ‬
‫اب‪َ ،‬ف َما ُأ ْع ُطوا َش ْيئًا َأ َح َّ‬
‫ب إِ َل ْي ِه ْم‬ ‫ف ا ْلح َج ُ‬ ‫ُ‬
‫ِم َن النَّ َظرِ إِ َلى َر ِّب ِه ْم ‪.(((»‬‬
‫منازل‪ ،‬وقد أخرب ﷺ بأدنى أهل الجنة منزلة وأعالهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ونؤمن أن الجنة‬
‫جي ُء‬ ‫الجن َِّة َمن ِْز َلةً؟ َق َال‪ُ :‬ه َو َر ُج ٌل َي ِ‬
‫وسى َر َّب ُه‪َ :‬ما َأ ْدنَى َأ ْه ِل َ‬ ‫«س َأ َل ُم َ‬ ‫فقال ﷺ‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي َر ِّب‪،‬‬ ‫ول‪َ :‬أ ْ‬ ‫الجنَّةَ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬‫الجنَّةَ‪َ ،‬ف ُي َق ُال َل ُه‪ :‬ا ْد ُخ ِل َ‬ ‫الجنَّة َ‬ ‫َب ْعدَ َما ُأ ْدخ َل َأ ْه ُل َ‬
‫َاز َل ُهم‪َ ،‬و َأ َخ ُذوا َأ َخ َذاتِ ِهم‪َ ،‬ف ُي َق ُال َل ُه‪َ :‬أت َْر َضى َأ ْن َيك َ‬
‫ُون‬ ‫َّاس َمن ِ‬‫ف َو َقدْ َنز ََل الن ُ‬ ‫َك ْي َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ك َذلِ َ‬ ‫ول‪َ :‬ل َ‬ ‫يت َر ِّب‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ول‪َ :‬ر ِض ُ‬ ‫ك ِمن م ُل ِ‬
‫وك الدُّ ْن َيا؟ َف َي ُق ُ‬ ‫ْ ُ‬
‫ك م ِل ٍ‬ ‫ِ‬
‫ك م ْث ُل ُم ْل َ‬
‫َل َ ِ‬
‫ك‬ ‫ول‪َ :‬ه َذا َل َ‬ ‫يت َر ِّب‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫َو ِم ْث ُل ُه َو ِم ْث ُل ُه َو ِم ْث ُل ُه َو ِم ْث ُل ُه‪َ ،‬ف َق َال فِي الخَ ِام َس ِة‪َ :‬ر ِض ُ‬
‫يت َر ِّب‪،‬‬ ‫ول‪َ :‬ر ِض ُ‬ ‫ُك‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ك‪َ ،‬و َل َّذ ْت َع ْين َ‬ ‫ك َما ْاشت ََه ْ‬
‫ت َن ْف ُس َ‬ ‫َو َع ْش َر ُة َأ ْم َثالِ ِه‪َ ،‬و َل َ‬
‫ين َأ َر ْد ُت‪َ ،‬غ َر ْس ُ‬ ‫َق َال‪ :‬رب‪َ ،‬ف َأعلاَ هم من ِْز َلةً؟ َق َال‪ُ :‬أو َلئِ َ ِ‬
‫ت ك ََر َامت َُه ْم‬ ‫ك ا َّلذ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ ْ َ‬ ‫َ ِّ‬
‫ب‬ ‫ت َع َل ْي َها‪َ ،‬ف َل ْم ت ََر َع ْي ٌن‪َ ،‬و َل ْم ت َْس َم ْع ُأ ُذ ٌن‪َ ،‬و َل ْم َيخْ ُط ْر َع َلى َق ْل ِ‬ ‫بِ َي ِدي‪َ ،‬و َخت َْم ُ‬
‫َب َشرٍ»‪ ،‬قال‪ :‬ومصداقه يف كتاب اهلل ‪( :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ) [السجدة‪ ]17 :‬اآلية(((‪.‬‬
‫ول َل ُه‪ :‬ت ََم َّن‬ ‫وقال رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن َأ ْدنَى َم ْق َع ِد َأ َح ِدك ُْم ِم َن ا ْل َجن َِّة َأ ْن َي ُق َ‬
‫ك َما‬ ‫ول َل ُه‪َ :‬فإِ َّن َل َ‬‫ول‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ت؟ َف َي ُق ُ‬ ‫َف َيت ََمنَّى‪َ ،‬و َيت ََمنَّى‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ول َل ُه‪َ :‬ه ْل ت ََمنَّ ْي َ‬
‫ت َو ِم ْث َل ُه َم َع ُه»(((‪.‬‬
‫ت ََمنَّ ْي َ‬
‫«م ْن َق َال‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن اَل‬
‫ونعلم أن أبواب الجنة ثمانية‪ ،‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬

‫(( ( أخرجه مسلم(‪.)181‬‬


‫((( أخرجه مسلم(‪.)189‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)182‬‬
‫‪276‬‬

‫يسى َع ْبدُ اهللِ‪،‬‬ ‫ِ‬


‫يك َل ُه‪َ ،‬و َأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه‪َ ،‬و َأ َّن ع َ‬
‫إِ َل َه إِ اَّل اهللُ َو ْحدَ ُه اَل َشرِ َ‬
‫الجنَّ َة َح ٌّق‪َ ،‬و َأ َّن الن ََّار‬ ‫وابن َأمتِ ِه‪ ،‬وك َِلم ُته َأ ْل َقاها إِ َلى مريم ور ِ‬
‫وح منْ ُه‪َ ،‬و َأ َّن َ‬ ‫َََْ َُ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ َ َ َ ُ‬
‫الجن َِّة ال َّث َمانِ َي ِة َشا َء»(((‪.‬‬
‫واب َ‬ ‫ي َأ ْب ِ‬ ‫ِ‬
‫َح ٌّق؛ َأ ْد َخ َل ُه اهللُ م ْن َأ ِّ‬
‫ونؤمن أن دار النعيم جنات متعددة‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ) [الرحمن‪ ،]46 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯪ ﯫ ﯬ) [الرحمن‪،]62 :‬‬
‫وقال ﷺ‪« :‬جنتان من فضة‪ ،‬آنيتهما وما فيهما‪ ،‬وجنتان من ذهب‪ ،‬آنيتهما‬
‫وما فيهما‪ ،‬وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إال رداء الكبر على وجهه‬
‫يف جنة عدن»‪.‬‬
‫ونؤمن أن نعيم الجنة دائم ال ينقطع‪ ،‬ف َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ ،‬ع ِن النَّبِ ِّي‬
‫«م ْن َيدْ ُخ ُل ا ْل َج َّن َة َي ْن َع ُم اَل َي ْب َأ ُس‪ ،‬اَل َت ْب َلى ثِ َيا ُب ُه َو اَل َي ْفنَى َش َبا ُب ُه»‪.‬‬
‫ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫َادي من ٍ‬
‫َاد‪ :‬إِ َّن َلك ُْم َأ ْن‬ ‫وعن َأبِي هرير َة ‪َ ،‬ع ِن النَّبِي ﷺ َق َال‪« :‬ين ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ َ َْ‬
‫ت َِص ُّحوا َفلاَ ت َْس َق ُموا َأ َبدً ا‪َ ،‬وإِ َّن َلك ُْم َأ ْن ت َْح َي ْوا َفلاَ ت َُموتُوا َأ َبدً ا‪َ ،‬وإِ َّن َلك ُْم َأ ْن‬
‫ك َق ْو ُل ُه‬ ‫ت َِش ُّبوا َفلاَ ت َْه َر ُموا َأ َبدً ا‪َ ،‬وإِ َّن َلك ُْم َأ ْن َتنْ َع ُموا َفلاَ َت ْبتَئِ ُسوا َأ َبدً ا‪َ .‬ف َذلِ َ‬
‫‪( :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ) [األعراف‪.»]43 :‬‬
‫وأخرب اهلل عن النار وما فيها من أصناف العذاب والنَّكال‪ ،‬فقال‪ ‬تعالى‪:‬‬ ‫النار دار‬
‫العذاب‬
‫(ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫‪ ،]29‬وقال الحق‬ ‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الكهف‪:‬‬

‫(ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الحج‪:‬‬ ‫سبحانه‪:‬‬


‫‪ ،]21 ،20‬وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)‬

‫[النساء‪.]56 :‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)3435‬ومسلم (‪.)28‬‬
‫‪277‬‬ ‫كتاب اليوم اآلخر‬

‫ونؤمن أن النار دركات مختلفة‪ ،‬وقد ب ّين الحق أن المنافقين يف دركات‬


‫الجحيم‪ ،‬فقال اهلل تعالى‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ) [النساء‪ .]145 :‬وجاء يف القرآن الكريم أن لها سبعة أبواب‪ ،‬فقال‬
‫الحق جل يف عاله‪( :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الحجر‪.]44 :‬‬
‫وهي دار العذاب المقيم‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯸ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [النساء‪.]169 ،168 :‬‬
‫كتاب اإليمان بالقـدر‬
‫‪280‬‬

‫ملخص الكتاب‬

‫ونؤمن بالقضاء والقدر‪ ،‬ونعلم علم اليقين أن اإليمان بالقضاء والقدر‬


‫هو الركن السادس من أركان اإليمان‪ ،‬فاإليمان بالقدر من اإليمان باهلل؛‬
‫ألن القدر من علم اهلل وتقديره وتدبيره ومشيئته وخلقه‪.‬‬
‫وأجمع المسلمون على أن اإليمان بالقدر ركن من أركان اإليمان‪.‬‬
‫ونعلم أن اإليمان بالقضاء والقدر يتضمن اإليمان بعلم اهلل الشامل‬ ‫ما يتضمنه‬
‫اإليمـــان‬
‫علما‪ ،‬وأن علمه محيط باألمور‬
‫المحيط‪ ،‬وأن اهلل قد أحاط بكل شيء ً‬ ‫بالقــــدر‬
‫العظيمة والجليلة‪ ،‬والكبيرة والصغيرة‪ ،‬وال شيء مما هو موجود أو مما‬
‫سيوجد‪ ،‬ولم يوجد بعد‪ ،‬إال وهو مثبت يف اللوح المحفوظ‪ ،‬مكتوب ذلك‬
‫فيه‪ ،‬ومرسوم عدده ومبلغه والوقت الذي يوجد فيه‪ ،‬والحال التي يفنى فيها‪.‬‬
‫وأنه سبحانه علم ما كان‪ ،‬وما سيكون‪ ،‬وما لو كان كيف سيكون‪ ،‬وأن‬
‫اهلل كتب مقادير الخالئق قبل أن يخلق السموات واألرض بخمسين ألف‬
‫سنة‪ ،‬وكان عرشه على الماء‪.‬‬
‫ونؤمن بأن اهلل كتب كل ما هو كائن يف كتاب محفوظ‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل يكتب ما يشاء‪ ،‬ويمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب‪.‬‬
‫ونؤمن بأنه ال يكون شيء إال بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬وال يدفع أمر إال‬
‫بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬فما قدره واقع ال محالة‪ ،‬وما صرفه ال يستطيع أحد أن‬
‫‪281‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫يوقعه‪ ،‬فالخلق كلهم ال يستطيعون فعل شيء لم يكتبه اهلل‪ ،‬وال َد ْف َع ما كتبه‬
‫‪ ،‬فما أخطأ العبدَ لم يكن ليصيبه‪ ،‬وما أصابه لم يكن ليخطئه‪.‬‬
‫ونؤمن بأن ما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وأن مشيئته تامة‪ ،‬وقدرته‬
‫نافذة‪ ،‬وال يكون يف ملكه إال ما يريد‪ ،‬ونؤمن بأن للعباد مشيئة على الحقيقة‪،‬‬
‫وهي تابعة لمشيئة اهلل تعالى‪.‬‬
‫اهلداية فضل‬ ‫ونؤمن بأن اهلل قد هدى من شاء بفضله‪ ،‬وخذل من شاء بعدله‬
‫مــــن اللـه‬
‫‪ ،‬ال يسأل عما يفعل وهم يسألون‪ ،‬وكل طاعة من مطيع فبتوفيق‬
‫اهلل له‪ ،‬وكل معصية من عاص فبخذالن اهلل السابق منه وله‪ ،‬والسعيد من‬
‫سبقت له السعادة‪ ،‬والشقي من سبقت له الشقاوة‪ ،‬وأفعال العباد من الخير‬
‫والشر فعل لهم‪َ ،‬خ ْلق لخالقهم‪.‬‬
‫ونؤمن بأن اهلل يحب الطاعات والمطيعين‪ ،‬ونؤمن أن اهلل يكره الفسوق‬
‫خيرا و َّفقه لمحا ِّبه وطاعته وما يرضى به‬
‫والفاسقين‪ ،‬وإن اهلل إذا أراد بعبد ً‬
‫عنه‪ ،‬ومن أراد به غير ذلك أقام عليه الحجة‪ ،‬ثم عذبه غير ظالم له‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل ال يأمر بالفحشاء‪ ،‬وال يرضى لعباده الكفر‪.‬‬
‫ونؤمن بأن اهلل خالق كل شيء‪ ،‬وأن اهلل خلق العباد‪ ،‬وخلق أفعالهم‪ ،‬ال‬
‫يشاركه أحد يف خلقه‪ ،‬كما ال يشاركه أحد يف ملكه‪ .‬واحتج اهلل على الخلق‬
‫بأنه هو الخالق وحده‪ ،‬و َم ْن تفرد بالخلق فليس ألحد أن يدعي مشاركته يف‬
‫الخلق‪.‬‬
‫ال تعارض‬ ‫ونؤمن أنه ال تعارض بين الشرع واألمر والخلق‪ ،‬فاهلل ‪ ‬له‬
‫بني الشــرع‬
‫واألمــــــر‬ ‫الخلق‪ ،‬وله األمر‪ ،‬فكما يفعل ما يشاء‪ ،‬وال يسأل عما يفعل‪ ،‬فهو يأمر‪ ،‬وال‬
‫واخللـــــق‬ ‫راد لقضائه‪ ،‬وال معقب ألمره‪.‬‬
‫‪282‬‬

‫ونؤمن أن اهلل قدر مقادير الخالئق قبل أن يخلق السموات واألرض‬


‫بخمسين ألف سنة‪ ،‬ومع ذلك أمر بطاعته وطاعة رسله وأنبيائه‪ ،‬وهنى عن‬
‫معصيته ومعصية رسله وأنبيائه‪ ،‬فجمع ‪ ‬يف كتابه بين اإلخبار عن‬
‫تقديره‪ ،‬واألمر باتباع وحيه وأمره‪ .‬وبين الحق أن الواجب اتباع الهدى‪ ،‬وأنه‬
‫ّ‬
‫وأضل من شاء بعدله‪ ،‬وجمع الحق بين إخباره عن‬ ‫هدى من شاء بفضله‪،‬‬
‫مشيئته العامة‪ ،‬وهتديده للمخالفين‪ ،‬وأمره لعباده المؤمنين بعبادته والتوكل‬
‫عليه‪ .‬والجمع بين اإليمان بالقدر والعمل بالشرع ممكن ومقدور عليه؛‬
‫نفسا إال وسعها‪.‬‬
‫وبين المولى عز شأنه أنه ال يكلف ً‬
‫ونؤمن بأنه كما ال يوجد تعارض بين الخلق واألمر والشرع‪ ،‬ال‪ ‬يوجد‬ ‫ال تعـارض‬
‫بني الرشع‬
‫تعارض بين الشرع واألمر والعقل‪ ،‬فكل ما أمر اهلل به ورسوله‪ ‬ﷺ‪ ،‬أو هنى‬ ‫واألمـــــر‬
‫والعقــــل‬
‫عنه اهلل ورسوله‪ ،‬أو قدّ ره اهلل‪ ،‬أو أخرب به‪ ،‬فال يعارض العقل‪ ،‬بل هو مقتضى‬
‫ما تأمر به العقول‪ ،‬وهو غاية الحكمة‪.‬‬
‫ونؤمن بأن اهلل أنزل الكتب‪ ،‬وأرسل الرسل ‪ ‬لتقوم الحجة‬
‫بعضا‪،‬‬
‫والشرع واألمر والقدر كل ذلك متكامل يكمل بعضه ً‬
‫ُ‬ ‫على الخلق‪.‬‬
‫وهو يف غاية الحسن‪ ،‬بل ال أحس َن منه‪.‬‬
‫وأثنى اهلل تعالى على كتابه الذي وصفه بأنه أحسن الحديث الذي تضمن‬
‫والح ْسن؛ سواء‬
‫الشرع واألمر‪ -‬فما شرعه اهلل أو قدّ ره‪ ،‬فهو يف غاية الكمال ُ‬
‫أدركته العقول أو عجزت عن إدراكه وفهمه‪ ،‬وال نجعل عقولنا وآراءنا‬
‫َح َك ًما على شرع اهلل وقدره‪ ،‬تارة بالتحسين وتارة بالتقبيح‪ ،‬بل كل ما قدره‬
‫الح ْسن والكمال‪.‬‬
‫اهلل وشرعه فهو تا ُّم ُ‬
‫‪283‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫القــــــدر‬ ‫ونؤمن بأن الشرع والقدر كله خير‪ ،‬واهلل ال يقدر الشر المحض‪ ،‬ولكن‬
‫والرشع كله‬
‫خيــــــــر‬ ‫يدخل الشر ضمن عموم المقدّ ر‪ ،‬ويرد يف القرآن مضا ًفا إلى من قام به‪ ،‬ومن‬
‫باب األدب أال يضاف الشر إلى اهلل تعالى‪.‬‬
‫فعــــل‬ ‫ونؤمن بأن فعل األسباب ال ينايف اإليمان بالقدر‪ ،‬بل مباشرة األسباب‬
‫األسباب‬
‫ال‪ ‬ينــايف‬ ‫من تمام اإليمان بالقضاء والقدر‪ ،‬وأمر ربنا بفعل األسباب‪ ،‬ومن أعظم‬
‫اإليمـان‬ ‫األسباب الدعاء‪ ،‬وأمرنا بالدعاء وقد سبق القضاء‪.‬‬
‫بالقــدر‬
‫وتقديرا‬
‫ً‬ ‫ونؤمن بأن اهلل ‪- ‬يأمر بالعدل‪ -‬ويحكم به شر ًعا‬
‫وجزا ًء‪ ،‬ونفى عن نفسه الظلم‪ ،‬وأثبت كمال العدل‪.‬‬
‫ونؤمن بأن س ْبق القدر ال يلزم منه ظلم للعباد؛ ألن اهلل أنزل الكتب‪،‬‬
‫وأرسل الرسل؛ لئال يكون للناس على اهلل حجة بعد الرسل‪ ،‬وجعل القدر‬
‫واختيارا‪ ،‬فمن اهتدى فلنفسه‪ ،‬ومن ضل‬
‫ً‬ ‫سرا مكتو ًما‪ ،‬وجعل للعباد مشيئة‬
‫ًّ‬
‫فعليها‪.‬‬
‫ال جيوز‬ ‫ونؤمن بأنه ال يجوز االحتجاج بالقدر على فعل المعاصي وال على‬
‫االحتجاج‬
‫بالقـــدر‬ ‫ترك الطاعات‪ ،‬وأن المشركين الذين احتجوا بالقدر على وقوعهم يف‬
‫عىل فعـل‬ ‫الشرك‪ ،‬بين اهلل كذهبم وأذاقهم بأسه‪ ،‬ولو كان القدر حجة لهم على شركهم‬
‫املعاصـي‬
‫ما أذاقهم اهلل بأسه‪.‬‬
‫ونؤمن بأنه يجوز للعبد أن يحتج بالقدر على الذنوب بعد التوبة منها‪،‬‬
‫وأن يحتج بالقدر على المصائب‪.‬‬
‫ونؤمن أن المؤمن إذا س َّلم األمر إلى اهلل‪ ،‬ورجع واسرتجع عند المصيبة‪،‬‬
‫كتب له ثالث خصال من الخير‪ :‬الصالة من اهلل‪ ،‬والرحمة‪ ،‬وتحقيق سبيل‬
‫الهدى‪.‬‬
‫‪284‬‬

‫بــاب‬
‫وجوب اإليمان بالقدر‬
‫ونؤمن بالقضاء والقدر‪ ،‬فهو ‪ ‬قد علم ما كان وما سيكون‪،‬‬
‫تقديرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وكتب كل ذلك وشاءه وخلقه وقدَّ ره‬
‫ونعلم علم اليقين أن اإليمان بالقضاء والقدر هو الركن السادس من‬
‫أركان اإليمان‪ ،‬قال الحق‪( : ‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [القمر‪،]49 :‬‬
‫وقال الحق جل يف عاله‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [األحزاب‪ ،]38 :‬وقال‬
‫المولى عز‪ ‬شأنه‪( :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الفرقان‪ ،]2 :‬وقال المولى‬
‫جل‪ ‬شأنه‪( :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ) [البقرة‪ ،]٢٨٥ :‬فاإليمان بالقدر من اإليمان باهلل؛ ألن‪ ‬القدر‬
‫من علم اهلل وتقديره وتدبيره‪.‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)‬

‫[غافر‪ ،]68 :‬وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ‬


‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [األنعام‪.]59 :‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬من حديث جربيل ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْخبِ ْرنِي‬
‫«أ ْن ت ُْؤ ِم َن بِاهللِ‪َ ،‬و َملاَ ئِكَتِ ِه‪َ ،‬و ُك ُتبِ ِه‪َ ،‬و ُر ُس ِل ِه‪َ ،‬وا ْل َي ْو ِم آْال ِخرِ‪،‬‬ ‫َع ِن الإْ ِ يم ِ‬
‫ان‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫َوت ُْؤ ِم َن بِا ْل َقدَ ِر َخ ْيرِ ِه َو َش ِّر ِه»‪َ .‬ق َال‪َ :‬صدَ ْق َت(((‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)8‬وأبو داود (‪ ،)4695‬والترمذي (‪ ،)2610‬والنسائي (‪،)4990‬‬


‫وابن ماجه (‪.)63‬‬
‫‪285‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫وقد أجمع المسلمون على أن اإليمان بالقدر ركن من أركان اإليمان‪،‬‬


‫قال الحافظ أبو القاسم الاللكائي‪« :‬فإن كان يف الدنيا إجماع بانتشار من غير‬
‫إنكار‪ ،‬فهو يف هذه المسألة «يعني القدر»‪ ،‬فمن خالف قوله فيها‪ ،‬فهو معاند‬
‫مشاقق‪ ،‬يلحق به الوعيد‪ ،‬وهو داخل تحت قوله‪( :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ‬
‫ﮁ ﮂ) [النساء‪.(((»]115 :‬‬
‫اب‬ ‫وسا بِ َب ِ‬ ‫وعن عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪َ :‬أ َّن َن َف ًرا كَانُوا ُج ُل ً‬
‫النَّبِ ِّي ﷺ‪َ ،‬ف َق َال َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬أ َل ْم َي ُق ِل ُ‬
‫اهَّلل ك ََذا َوك ََذا؟ َو َق َال َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬أ َل ْم َي ُق ِل ُ‬
‫اهَّلل‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ك ََذا وك ََذا؟ َفس ِمع َذل ِ َك رس ُ ِ‬
‫ب‬ ‫ول اهَّلل ﷺ‪َ ،‬ف َخ َر َج ك ََأن ََّما ُفق َئ في َو ْج ِهه َح ُّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫َاب اهَّلل ِ َب ْع َض ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر َّمان‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬بِ َه َذا ُأم ْرت ُْم؟ َأ ْو بِ َه َذا ُبع ْثت ُْم؟ َأ ْن ت َْضرِ ُبوا كت َ‬
‫ِ‬
‫ُّ‬
‫اهنَا فِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض؟ إِن ََّما َض َّلت أْالُ َم ُم َق ْب َلك ُْم في م ْث ِل َه َذا‪ ،‬إِ َّنك ُْم َل ْست ُْم م َّما َه ُ‬ ‫بِ َب ْع ٍ‬
‫َش ْي ٍء‪ ،‬ا ْن ُظ ُروا ا َّل ِذي ُأ ِم ْرت ُْم بِ ِه‪َ ،‬فا ْع َم ُلوا بِ ِه‪َ ،‬وا َّل ِذي ن ُِهيت ُْم َعنْ ُه‪َ ،‬فا ْنت َُهوا»(((‪.‬‬
‫وعن عبدالملك ‪-‬يعني ابن جريج‪ -‬عن عطاء بن أبي رباح قال‪« :‬أتيت‬
‫ابن عباس‪ ،‬وهو ينزع يف زمزم‪ ،‬وقد ابتلت أسافل ثيابه‪ ،‬فقلت له‪ :‬قد ُت ُك ِّل َم‬
‫يف القدر‪ ،‬فقال‪ :‬أوقد فعلوها؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬واهلل ما نزلت هذه اآلية إال‬
‫فيهم‪( :‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [القمر‪ ،]49 ،48 :‬ال تعودوا‬
‫مرضاهم‪ ،‬وال تصلوا على موتاهم‪ ،‬ولو أريتني واحدً ا منهم‪ ،‬فقأت عينه»(((‪.‬‬
‫ت ‪ ‬لاِ ْبن ِ ِه‪َ :‬يا ُبنَي‪ ،‬إِ َّن َك َل ْن َت ِ‬
‫جدَ َط ْع َم َح ِقي َق ِة‬ ‫و َق َال ُعباد ُة بن الصامِ ِ‬
‫َ َ ْ ُ َّ‬
‫َّ‬

‫(( ( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪.)726 /4‬‬


‫((( أخرجه ابن ماجه (‪ ،)85‬وأحمد (‪ )6845‬واللفظ له‪ ،‬والحارث بن أبي أسامة في‬
‫المسند ‪-‬كما في بغية الباحث (‪ ،)735‬وابن أبي عاصم في السنة (‪.)406‬‬
‫((( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪.)597/3‬‬
‫‪286‬‬

‫ان َحتَّى َت ْع َل َم َأ َّن َما َأ َصا َب َك َل ْم َي ُك ْن ل ِ ُي ْخطِ َئ َك‪َ ،‬و َما َأ ْخ َط َأ َك َل ْم َي ُك ْن‬ ‫الإْ ِ يم ِ‬
‫َ‬
‫ول‪« :‬إِ َّن َأ َّو َل َما َخ َل َق اهَّللُ ا ْل َق َل َم‪َ ،‬ف َق َال‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ َي ُق ُ‬ ‫ل ِ ُي ِصي َب َك‪َ ،‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫اد َير ك ُِّل َش ْي ٍء َحتَّى َت ُقو َم‬ ‫َله‪ :‬ا ْكتُب‪َ ،‬ق َال‪ :‬رب‪ ،‬وما َذا َأ ْكتُب؟ َق َال‪ :‬ا ْكتُب م َق ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِّ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ات َع َلى َغ ْيرِ َه َذا‬ ‫«م ْن َم َ‬ ‫ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫السا َعةُ»‪َ ،‬يا‪ُ  ‬بنَي إِنِّي َسم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ول‪َ :‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫َف َل ْي َس ِمنِّي»(((‪.‬‬
‫َان َأ َّو َل َم ْن َق َال فِي ا ْل َقدَ ِر بِا ْل َب ْص َر ِة َم ْع َبدٌ‬ ‫وعن َي ْح َيى ْب ِن َي ْع َم َر َق َال‪« :‬ك َ‬
‫اج ْي ِن ‪َ -‬أ ْو‪ُ  ‬م ْعت َِم َر ْي ِن‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َم ِن ا ْلح ْم َي ِر ُّي َح َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل ُج َهن ُّي‪َ ،‬فا ْن َط َل ْق ُت َأنَا َو ُح َم ْيدُ ْب ُن َع ْبد َّ‬
‫ول َه ُؤلاَ ِء‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪َ ،‬ف َس َأ ْلنَا ُه َع َّما َي ُق ُ‬ ‫اب رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ -‬ف ُق ْلنَا‪َ :‬ل ْو َلقينَا َأ َحدً ا م ْن َأ ْص َح ِ َ ُ‬
‫اخلاً ا ْلمس ِ‬ ‫اب د ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جدَ ‪َ ،‬فا ْك َتنَ ْف ُت ُه َأنَا‬ ‫َ ْ‬ ‫في ا ْل َقدَ ِر‪َ ،‬ف ُو ِّف َق َلنَا َع ْبدُ اهلل ْب ُن ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخ َّط ِ َ‬
‫احبِي َس َيكِ ُل‬ ‫احبِي‪َ :‬أحدُ نَا َعن ي ِمين ِ ِه‪ ،‬والآْ َخر َعن ِشمال ِ ِه‪َ ،‬ف َظنَن ُْت َأ َّن ص ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫وص ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آن‪،‬‬ ‫ؤون ا ْل ُق ْر َ‬ ‫َاس َي ْق َر َ‬ ‫الر ْح َم ِن‪ ،‬إِ َّن ُه َقدْ َظ َه َر ق َب َلنَا ن ٌ‬ ‫ا ْل َكلاَ َم إِ َل َّي‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬أ َبا َع ْبد َّ‬
‫ون َأ ْن لاَ َقدَ َر‪َ ،‬و َأ َّن الأْ َ ْم َر‬ ‫ون ا ْل ِع ْل َم‪َ ،‬و َذك ََر مِ ْن َش ْأنِ ِه ْم‪َ ،‬و َأن َُّه ْم َي ْز ُع ُم َ‬ ‫َو َي َت َق َّف ُر َ‬
‫يت ُأو َلئِ َك َف َأ ْخبِ ْر ُه ْم َأنِّي َب ِري ٌء مِن ُْه ْم‪َ ،‬و َأن َُّه ْم ُب َرآ ُء مِنِّي‪،‬‬ ‫ُف‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فإِ َذا َل ِق َ‬ ‫ُأن ٌ‬
‫ف بِ ِه َع ْبدُ اهللِ ْب ُن ُع َم َر َل ْو َأ َّن لأِ َ َح ِد ِه ْم مِ ْث َل ُأ ُح ٍد َذ َه ًبا‪َ ،‬ف َأ ْن َف َق ُه َما‬ ‫َوا َّل ِذي َي ْحلِ ُ‬
‫اهلل مِنْ ُه َحتَّى ُي ْؤمِ َن بِا ْل َقدَ ِر‪.(((»...‬‬ ‫َقبِ َل ُ‬
‫وعن أبي هارون األبلي ‪ -‬وكان ممن صحب سهل بن عبداهلل ‪ -‬وكان‬
‫صالحا‪ ،‬وكان يقرئنا القرآن يف المسجد الجامع‪ ،‬قال‪« :‬سئل سهل بن‬
‫ً‬ ‫رجلاً‬
‫عبداهلل عن القدر‪ ،‬فقال‪ :‬اإليمان بالقدر فرض‪ ،‬والتكذيب به كفر‪ ،‬والكالم‬
‫فيه بدعة‪ ،‬والسكوت عنه سنة»(((‪.‬‬

‫(( ( أخرجه أبو داود في سننه(‪ ،)4700‬والسنة‪ ،‬البن أبي عاصم (‪.)51/1‬‬
‫((( أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح (‪ ،)8‬والشريعة‪ ،‬لآلجري (‪.)851/2‬‬
‫((( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪.)786/4‬‬
‫‪287‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫وتم القدر‬
‫«جف القلم‪ ،‬وقضي القضاء‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫وعن الحسن البصري قال‪:‬‬
‫بتحقيق الكتاب‪ ،‬وتصديق الرسل‪ ،‬وسعادة من عمل واتقى‪ ،‬وشقاوة من‬
‫ظلم واعتدى‪ ،‬وبالوالية من اهلل للمؤمنين‪ ،‬وبالتربئة من اهلل للمشركين»(((‪.‬‬
‫قال ابن بطة العكربي‪« :‬ثم من بعد ذلك اإليمان بالقدر خيره وشره‪،‬‬
‫ومره‪ ،‬وقليله وكثيره مقدور واقع من اهلل ‪ ‬على العباد‪ ،‬ويف‬
‫وحلوه ّ‬
‫الوقت الذي أراد أن يقع‪ ،‬ال يتقدم وال يتأخر‪ ،‬على ما سبق بذلك علم‬
‫اهلل‪ ،‬وأن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه‪ ،‬وما‬
‫تقدم لم يكن ليتأخر‪ ،‬وما تأخر لم يكن ليتقدم‪ ...‬فاإليمان هبذا حق الزم‪،‬‬
‫فريضة من اهلل ‪ ‬على خلقه‪ ،‬فمن خالف ذلك‪ ،‬أو خرج عنه‪ ،‬أو طعن‬
‫فيه‪ ،‬ولم يثبت المقادير هلل ‪ ،‬ويضفها‪ ،‬ويضف المشيئة إليه‪ ،‬فهو أول‬
‫الزندقة»(((‪.‬‬

‫(( ( الشريعة‪ ،‬لآلجري (‪.)881/2‬‬


‫((( الشرح واإلبانة على أصول السنة والديانة‪ ،‬البن بطة (ص‪.)216 - 213 :‬‬
‫‪288‬‬

‫بــاب‬
‫ما يتضمنه اإليمان بالقدر‬
‫ونؤمن أن اإليمان بالقدر يتضمن اإليمان بعلم اهلل الشامل المحيط‪،‬‬ ‫مرتبـة العلم‬

‫وأنه ‪ ‬يعلم ما يف السموات وما يف األرض‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮡ ﮢ‬


‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ)‬

‫[الحج‪ ،]70 :‬وأن اهلل قد أحاط بكل شيء علما‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﰃ‬
‫ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ‬
‫ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [الطالق‪.]12 :‬‬
‫وأن علمه محيط باألمور العظيمة والجليلة‪ ،‬والكبيرة والصغيرة‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ‬
‫ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ) [األنعام‪ .]59 :‬قال ابن جرير ‪ ‬عند تفسير هذه اآلية‪« :‬وال‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬مما هو موجود‪ ،‬أو مما سيوجد ولم يوجد بعدُ ‪ ،‬إال‪ ‬وهو‬
‫ً‬ ‫شيء‬
‫مثبت يف اللوح المحفوظ‪ ،‬مكتوب ذلك فيه‪ ،‬ومرسوم عدده ومبلغه‪،‬‬
‫والوقت الذي يوجد فيه‪ ،‬والحال التي يفنى فيها‪ .‬ويعني بقوله‪( :‬ﰌ)‪:‬‬
‫أنه يبين عن صحة ما هو فيه بوجود ما رسم فيه على ما‪ ‬رسم»(((‪.‬‬
‫وقال ‪( :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬

‫((( تفسير الطبري (‪.)403/11‬‬


‫‪289‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [سبأ‪.]3 ،2 :‬‬
‫وعن عمران بن حصين ‪ ‬قال‪ :‬إِنِّي ِعنْدَ النَّبِ ِّي ﷺ إِ ْذ َجا َء ُه َق ْو ٌم مِ ْن‬
‫يم‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ا ْق َب ُلوا ال ُب ْش َرى َيا َبنِي ت َِميمٍ»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬ب َّش ْر َتنَا َف َأ ْعطِنَا‪َ ،‬فدَ َخ َل‬ ‫َبنِي َت ِم ٍ‬
‫َاس مِ ْن َأ ْه ِل ال َي َم ِن‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ا ْق َب ُلوا ال ُب ْش َرى َيا َأ ْه َل ال َي َم ِن‪ ،‬إِ ْذ َل ْم َي ْق َب ْل َها َبنُو‬ ‫ن ٌ‬
‫ين‪َ ،‬ولِن َْس َأ َل َك َع ْن َأ َّو ِل َه َذا األَ ْم ِر‪َ :‬ما‬ ‫ت َِميمٍ»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬قبِ ْلنَا‪ِ ،‬ج ْئن َ‬
‫َاك لِنَ َت َف َّق َه فِي الدِّ ِ‬
‫اء‪ُ ،‬ث َّم َخ َل َق‬ ‫َان عر ُشه ع َلى الم ِ‬
‫َ‬ ‫َان اهَّللُ‪َ ،‬و َل ْم َيك ُْن َش ْي ٌء َق ْب َل ُه‪َ ،‬وك َ َ ْ ُ َ‬ ‫َان؟ َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫ك َ‬
‫الذ ْكرِ ك َُّل َش ْي ٍء»‪ُ .‬ث َّم َأ َتانِي َر ُج ٌل‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫َب فِي ِّ‬ ‫الس َم َوات َواألَ ْر َض‪َ ،‬و َكت َ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫ان‪َ ،‬أد ِر ْك نَا َقت ََك‪َ ،‬ف َقدْ َذ َهب ْت‪َ ،‬فا ْن َط َل ْق ُت َأ ْط ُلبها‪َ ،‬فإِ َذا السراب ينْ َقطعِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ ُ َ ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َيا ع ْم َر ُ ْ‬
‫ُدون ََها‪َ ،‬وا ْي ُم اهَّللِ َل َو ِد ْد ُت َأن ََّها َقدْ َذ َه َب ْت‪َ ،‬و َل ْم َأ ُق ْم(((‪.‬‬
‫وقد علم ‪ ‬ما كان‪ ،‬وما سيكون‪ ،‬وما لو كان كيف سيكون‪،‬‬
‫قال تعالى ‪-‬مخربًا عن المنافقين أهنم لو خرجوا مع المؤمنين ما زادوهم‬
‫إال خبالاً ‪ ،‬وهم لم يخرجوا معهم بعد ‪( :-‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ) [التوبة‪.]47 :‬‬
‫وقال اهلل تعالى يف أهل النار‪( :‬ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ‬
‫ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [األنعام‪ .]28 ،27 :‬فذكر أهنم لو ردوا إلى‬
‫الدنيا لعادوا إلى كفرهم‪ ،‬وهم لم يعرضوا على النار بعد‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬
‫(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ) [سبأ‪.]3 :‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7418‬والترمذي (‪.)3951‬‬


‫‪290‬‬

‫ونؤمن بأن اهلل ‪ ‬كتب كل ما هو كائن يف كتاب محفوظ‪ ،‬قال‬ ‫مرتبـــة‬


‫الكتابـة‬
‫الحق جل شأنه‪( :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [يونس‪ ،]61 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ) [الحج‪ ،]70 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الحديد‪.]22 :‬‬
‫ول اهللِ ﷺ‬‫وعن عبداهلل بن عمرو بن العاص ‪ ‬قال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬ ‫َب اهللُ َم َقاد َير ا ْلخَ لاَ ئ ِق َق ْب َل َأ ْن َيخْ ُل َق َّ‬
‫الس َم َوات َو أْالَ ْر َض بِخَ ْمس َ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ول‪َ « :‬كت َ‬
‫ف سن ٍَة‪َ ،‬ق َال‪ :‬وعر ُشه ع َلى ا ْلم ِ‬
‫اء»(((‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ َ‬ ‫َأ ْل َ َ‬
‫ُب‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ما َأ ْكت ُ‬
‫ُب؟‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن َأ َّو َل َما َخ َل َق اهَّللُ ال َق َل َم‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ْكت ْ‬
‫َان َو َما ُه َو كَائِ ٌن إِ َلى األَ َب ِد»(((‪.‬‬ ‫َق َال‪ :‬ا ْكت ِ‬
‫ُب ال َقدَ َر َما ك َ‬
‫وعن أبي هريرة ‪َ ،‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪َ « :‬ل َّما َق َضى اهَّللُ الخَ ْل َق‪،‬‬
‫ت َر ْح َمتِي َغ َضبِي‪َ ،‬ف ُه َو ِعنْدَ ُه َف ْو َق‬ ‫َب كِتَا ًبا ِعنْدَ ُه‪َ :‬غ َل َب ْ‬
‫ت‪َ ،‬أ ْو َق َال‪َ :‬س َب َق ْ‬ ‫َكت َ‬
‫ش»(((‪.‬‬ ‫ال َع ْر ِ‬

‫ونؤمن أن اهلل يكتب ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت‪ ،‬وعنده أم‪ ‬الكتاب‪،‬‬


‫قال الحق ‪ -‬وقوله الحق‪( :‬ﯕﯖﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜ ﯝ)‬

‫[الرعد‪.]39 :‬‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪ ،)2653‬والترمذي (‪.)2156‬‬


‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)4700‬والترمذي (‪ ،)3319 ،2155‬والطيالسي (‪ ،)578‬وأحمد‬
‫(‪ ،)22707 ،22705‬وابن أبي عاصم في السنة (‪.)115‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7553‬ومسلم (‪ ،)2751‬والترمذي (‪ ،)3543‬وابن ماجه‬
‫(‪.)189‬‬
‫‪291‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫ونؤمن أنه ال يكون شيء إال بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬وال ُيدفع أمر إال‬
‫بقضاء اهلل وقدره‪ ،‬فما قدره واقع ال محالة‪ ،‬وما صرفه ال يستطيع أحد أن‬
‫يوقعه‪ ،‬فالخلق كلهم ال يستطيعون فعل شيء لم يكتبه اهلل‪ ،‬وال دفع ما كتبه‬
‫‪ ،‬فما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه‪ ،‬وما أصابه لم يكن ليخطئه‪،‬‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َي ْو ًما‪،‬‬ ‫ف رس ِ‬
‫فعن عبداهلل بن عباس ‪َ L‬ق َال‪ُ :‬كن ُْت َخ ْل َ َ ُ‬
‫ظ اهَّللَ ت ِ‬ ‫ك‪ ،‬اح َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫َف َق َال‪« :‬يا ُغلاَ م‪ ،‬إِنِّي ُأع ِّلم َ ِ ٍ‬
‫َجدْ ُه‬ ‫اح َفظ اهَّللَ َي ْح َف ْظ َ ْ‬ ‫ك كَل َمات‪ْ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استَع ْن بِاهَّلل‪َ ،‬وا ْع َل ْم َأ َّن األُ َّم َة َل ِو‬ ‫اس َأ ِل اهَّللَ‪َ ،‬وإِ َذا ْاس َت َعن َ‬ ‫ك‪ ،‬إِ َذا َس َأ ْل َ‬
‫ْت َف ْ‬ ‫ت َف ْ‬ ‫اه َ‬‫ت َُج َ‬
‫ك‪َ ،‬و َل ِو‬ ‫وك إِ اَّل بِ َش ْي ٍء َقدْ َك َت َب ُه اهَّللُ َل َ‬‫وك بِ َش ْي ٍء َل ْم َينْ َف ُع َ‬ ‫ت َع َلى َأ ْن َينْ َف ُع َ‬ ‫اجت ََم َع ْ‬‫ْ‬
‫ك‪،‬‬ ‫وك إِ اَّل بِ َش ْي ٍء َقدْ َك َت َب ُه اهَّللُ َع َل ْي َ‬ ‫وك بِ َش ْي ٍء َل ْم َي ُض ُّر َ‬ ‫اجت ََم ُعوا َع َلى َأ ْن َي ُض ُّر َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف»(((‪.‬‬ ‫الص ُح ُ‬ ‫ُرف َعت األَ ْقلاَ ُم‪َ ،‬و َج َّفت ُّ‬
‫مرتبــــة‬ ‫ونؤمن بأن ما شاء اهلل كان وما لم يشأ لم يكن‪ ،‬وأن مشيئته تامة‪ ،‬قال‬
‫الـمشيئة‬
‫اهلل تعالى‪( :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ) [القصص‪ ،]68 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ) [التكوير‪ .]29 :‬وقدرته نافذة‪ ،‬قال الحق‪( :‬ﰌ ﰍ ﰎ‬
‫ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [فاطر‪،]44  :‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [األنعام‪.]112 :‬‬
‫وال يكون يف ملكه إال ما يريد‪ ،‬قال الحق‪( :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‬
‫ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [البقرة‪.]253 :‬‬
‫ونؤمن بأن للعباد مشيئة على الحقيقة‪ ،‬وهي تابعة لمشيئة اهلل‪ ،‬قال المولى‬

‫((( أخرجه الترمذي (‪ ،)2516‬وابن وهب في القدر (‪ ،)28‬وأحمد (‪ ،)2669‬وعبد بن‬


‫حميد (‪.)636‬‬
‫‪292‬‬

‫عز شأنه‪( :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [اإلنسان‪،]30 :‬‬


‫وقال الحق جل شأنه‪( :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ) [التكوير‪ ،]29 ،28 :‬وقال عز شأنه‪( :‬ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [اإلنسان‪ .]29 :‬وقال ‪( :‬ﮇ ﮈ ﮉﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [النبأ‪.]39 :‬‬
‫ونؤمن بأن اهلل قد هدى من شاء بفضله‪ ،‬وخذل من شاء بعدله ‪،‬‬
‫ال يسأل عما يفعل وهم يسألون‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [األنعام‪:‬‬
‫‪ ،]39‬وقال عز شأنه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [األنعام‪:‬‬

‫‪ ،]125‬وقال الحق جل يف عاله‪( :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬


‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [السجدة‪.]13 :‬‬
‫وعن أبي بكر المروذي قال‪« :‬سمعت أبا عبداهلل ‪-‬يعني‪ :‬أحمد بن‬
‫حنبل‪ -‬يقول‪ :‬سألوا عبدالرحمن بن مهدي عن القدر‪ ،‬فقال لهم‪ :‬الخير‬
‫والشر بقدر»(((‪.‬‬
‫«سألت عن السنة ما هي؟ والسنة‪ :‬اسم‬
‫َ‬ ‫وقال أبو بكر بن أبي عاصم‪:‬‬
‫جامع لمعان كثيرة يف األحكام وغير ذلك‪ ،‬ومما اتفق أهل العلم على أن‬
‫نسبوه إلى السنة‪ :‬القول بإثبات القدر‪ ،‬وأن االستطاعة مع الفعل للفعل‪،‬‬
‫واإليمان بالقدر خيره وشره‪ ،‬وحلوه ومره‪ ،‬وكل طاعة من مطيع فبتوفيق اهلل‬
‫له‪ ،‬وكل معصية من عاص فبخذالن اهلل السابق منه وله‪ ،‬والسعيد من سبقت‬
‫له السعادة‪ ،‬والشقي من سبقت له الشقاوة‪ ،‬واألشياء غير خارجة من مشيئة‬

‫((( اإلبانة الكبرى‪ ،‬البن بطة (‪.)261/4‬‬


‫‪293‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫اهلل وإرادته‪ ،‬وأفعال العباد من الخير والشر فعل لهم‪ ،‬خ ْل ٌق لخالقهم»(((‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل يحب الطاعات والمطيعين‪ ،‬قال جل ثناؤه‪( :‬ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ) [الحجرات‪ ،]7 :‬وقال ‪( :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ‬
‫(ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ)‬ ‫ﮊ ﮋ) [النساء‪ ،]69 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫(ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة‪:‬‬ ‫[البقرة‪ ،]195 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫ِ‬
‫‪ ،]222‬وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن اهَّللَ ُيح ُّ‬
‫ب ال ُع َط َ‬
‫اس‪َ ،‬و َيك َْر ُه ال َّت َثاؤُ َب»(((‪.‬‬

‫وعن أبي هريرة ‪ ‬عـن النبي ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َأ َح َّ‬


‫ب اهَّللُ َع ْبدً ا نَا َدى‬
‫ب ُفلاَ نًا َف َأ ِح َّب ُه‪.(((»...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِج ْبرِ َ‬
‫يل‪ :‬إِ َّن اهَّللَ ُيح ُّ‬
‫ونؤمن بأن اهلل يكره الفسوق والفاسقين‪ ،‬وقال الحق سبحانه‪( :‬ﯨ‬
‫ﯩﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯷﯸﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [الحجرات‪ ،]11 :‬قال تعالى‪( :‬ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة‪ ،]190 :‬وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ) [البقرة‪.]205 :‬‬
‫وعن عثمان البتي قال‪ :‬دخلت على ابن سيرين‪ ،‬فقال لي‪« :‬ما يقول‬
‫الناس يف القدر؟ قال‪ :‬فلم أدر ما رددت عليه‪ ،‬قال‪ :‬فرفع شي ًئا من األرض‪،‬‬

‫(( ( السنة‪ ،‬البن أبي عاصم (‪.)645/2‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6223‬ومسلم (‪ ،)2994‬وأبو داود (‪ ،)5028‬والترمذي‬
‫(‪ ،)2746‬وابن‪ ‬ماجه (‪.)968‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6040‬ومسلم (‪ ،)2637‬والترمذي (‪.)3161‬‬
‫‪294‬‬

‫وقال‪ :‬ما ُأ ِريد على ما أقول مثل هذا‪ ،‬إن اهلل إذا أراد بعبد ً‬
‫خيرا و َّفقه لمحا ِّبه‬ ‫(((‬

‫وطاعته‪ ،‬وما يرضى به عنه‪ ،‬ومن أراد به غير ذلك اتخذ عليه الحجة‪ ،‬ثم‬
‫عذبه غير ظالم له»(((‪.‬‬
‫ونؤمن بأن اهلل ال يأمر بالفحشاء‪ ،‬وال يرضى لعباده الكفر‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫(ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [األعراف‪ ،]28 :‬وقال عز شأنه وتعالى سلطانه‪:‬‬
‫(ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الزمر‪.]7 :‬‬
‫ونؤمن بأن اهلل خالق كل شيء‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ‬ ‫مرتبــة‬
‫الـخلق‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الزمر‪ ،]62 :‬وأن اهلل خلق العباد‪ ،‬وخلق أفعالهم‪ ،‬قال اهلل‬
‫تعالى‪( :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الصافات‪ ،]96 :‬وال يشاركه أحد يف خلقه‬
‫كما ال يشاركه أحد يف ملكه‪ ،‬قال الحق جل يف عاله‪( :‬ﯞﯟﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ)‬

‫[الفرقان‪.]2 :‬‬
‫واحتج اهلل على الخلق بأنه هو الخالق وحده‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)‬

‫‪ .]59-57‬فهو‪ ،‬وإن كان برهانًا على البعث‪ ،‬دليل على تفرده‬ ‫[الواقعة‪:‬‬

‫‪-‬سبحانه‪ -‬بالخلق ‪.‬‬

‫(( ( في الشريعة لآلجري ما يزيد‪.)887 /2( .‬‬


‫((( القدر‪ ،‬للفريابي (ص‪.)263 :‬‬
‫‪295‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫بــاب‬
‫ال تعارض بين األمر والشرع والخلق والعقل‬
‫ونؤمن بأنه ال تعارض بين الشرع واألمر والخلق‪ ،‬فاهلل ‪‬‬
‫له الخلق‪ ،‬وله األمر‪ ،‬فكما يفعل ما يشاء وال يسأل عما يفعل‪ ،‬فهو يأمر‬
‫وال‪ ‬راد لقضائه‪ ،‬وال معقب ألمره‪ ،‬قال الحق سبحانه‪( :‬ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ) [األعراف‪.]54 :‬‬
‫ونؤمن بأن اهلل قدر مقادير الخالئق قبل أن يخلق السموات واألرض‬
‫بخمسين ألف سنة‪ ،‬ومع ذلك أمر بطاعته وطاعة رسله وأنبيائه‪ ،‬وهنى عن‬
‫معصيته ومعصية رسله وأنبيائه‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪ ،‬وتقدست أسماؤه‪:‬‬
‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ) [يونس‪ .]109-107 :‬فجمع ‪ ‬يف هذه اآليات بين‬
‫اإلخبار عن تقديره‪ ،‬واألمر باتباع وحيه وأمره‪ ،‬وقال الحق‪( : ‬ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [األنعام‪،]107-106 :‬‬
‫ّ‬
‫وأضل من‬ ‫فبين الحق أن الواجب اتباع الهدى‪ ،‬وأنه هدى من شاء بفضله‪،‬‬
‫‪296‬‬

‫شاء بعدله‪ ، ،‬وقال ‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬


‫ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬جمع‬ ‫ً‬ ‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [هود‪ .]123-118 :‬ويف هذه اآليات‬
‫‪ ‬بين إخباره عن مشيئته العامة‪ ،‬وهتديده للمخالفين‪ ،‬و َأ ْم ِره‬
‫لعباده المؤمنين بعبادته والتوكل عليه‪.‬‬
‫والجمع بين اإليمان بالقدر والعمل بالشرع ممكن ومقدور عليه؛ ولذا‬
‫ُ‬
‫قال المولى عز شأنه‪( :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة‪ ،]286 :‬وقال‬
‫الحق‪( : ‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المؤمنون‪.]62 :‬‬
‫وأمرنا اهلل بالصرب على أقداره المؤلمة‪ ،‬فقال الحق جل شأنه‪:‬‬ ‫الصرب عــىل‬
‫األقدار املؤملة‬
‫(ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ‬
‫ﭫ ﭬ) [البقرة‪ ،]155 :‬وقال ‪( :‬ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ‬
‫ﰘ) [الزمر‪.]10 :‬‬
‫ِ‬ ‫وقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن َأ َشدَّ الن ِ‬
‫َّاس َبلاَ ًء األَ ْنبِ َيا ُء‪ُ ،‬ث َّم ا َّلذ َ‬
‫ين َي ُلون َُه ْم‪ُ ،‬ث َّم‬
‫ين َي ُلون َُه ْم»(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َي ُلون َُه ْم‪ُ ،‬ث َّم ا َّلذ َ‬
‫ا َّلذ َ‬
‫«ما َيز َُال ال َبلاَ ُء‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬

‫((( أخرجه إسحاق بن راهويه (‪ ،)2413‬وأحمد في المسند (‪ ،)27079‬وابن أبي الدنيا‬


‫في المرض والكفارات (‪ ،)6‬والنسائي في الكبرى (‪.)7440‬‬
‫‪297‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫المؤ ِمن َِة فِي َن ْف ِس ِه َو َو َل ِد ِه َو َمالِ ِه َحتَّى َي ْل َقى اهَّللَ َو َما َع َل ْي ِه َخطِي َئةٌ»(((‪.‬‬
‫المؤ ِم ِن َو ْ‬
‫بِ ْ‬
‫وعن علي ‪ ‬قال‪ُ :‬كنَّا فِي َجن ََاز ٍة فِي َب ِقي ِع ال َغ ْر َق ِد‪َ ،‬ف َأ َتانَا النَّبِ ُّي‪ ‬ﷺ‬
‫َف َق َعدَ َو َق َعدْ نَا َح ْو َل ُه‪َ ،‬و َم َع ُه مِ ْخ َص َرةٌ‪َ ،‬فنَ َّك َس‪َ ،‬ف َج َع َل َينْ ُك ُت بِ ِم ْخ َص َرتِ ِه‪ُ ،‬ث َّم‬
‫الجن َِّة‬ ‫ِ‬
‫ب َمكَان َُها م َن َ‬
‫ِ‬ ‫س منْ ُف ٍ‬
‫وسة إِ اَّل كُت َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫«ما منْك ُْم م ْن َأ َحد‪َ ،‬ما م ْن َن ْف ٍ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق َال‪َ :‬‬
‫ول اهَّللِ‪َ ،‬أ َفلاَ َنتَّكِ ُل‬‫ت َش ِق َّي ًة َأ ْو َس ِعيدَ ةً»‪َ ،‬ف َق َال َر ُج ٌل‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َّار‪َ ،‬وإِ اَّل َقدْ كُتِ َب ْ‬
‫َوالن ِ‬
‫الس َعا َد ِة‪َ ،‬ف َس َي ِص ُير إِ َلى َع َم ِل‬ ‫َع َلى كِتَابِنَا‪ ،‬ونَدَ ع العم َل؟ َفمن ك َ ِ ِ‬
‫َان منَّا م ْن َأ ْه ِل َّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ ََ‬
‫او ِة‪َ ،‬ف َس َي ِص ُير إِ َلى َع َم ِل َأ ْه ِل‬ ‫َان مِنَّا مِ ْن َأ ْه ِل َّ‬
‫الشـ َق َ‬ ‫الس َعا َد ِة‪َ ،‬و َأ َّما َم ْن ك َ‬ ‫َأ ْه ِل َّ‬
‫الش َق َاو ِة‬
‫الس َعا َد ِة‪َ ،‬و َأ َّما َأ ْه ُل َّ‬ ‫«أما َأه ُل السعاد ِة َفييسر َ ِ‬
‫ون ل َع َم ِل َّ‬ ‫َّ َ َ ُ َ َّ ُ‬ ‫اوة‪َ .‬ق َال‪ْ َّ َ :‬‬
‫الش َق ِ‬
‫َّ َ‬
‫الش َق َاو ِة»‪ُ ،‬ث َّم َق َر َأ‪( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)‬ ‫ون لِ َع َم ِل َّ‬ ‫َف ُي َي َّس ُر َ‬
‫اآل َي َة [الليل‪.(((»]6 :‬‬
‫ف‬ ‫ول اهَّللِ‪َ ،‬أ ُي ْع َر ُ‬
‫وعن عمران بن حصين ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُج ٌل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ون؟ َق َال‪« :‬ك ٌُّل‬ ‫َّار؟ َق َال‪َ « :‬ن َع ْم»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فلِ َم َي ْع َم ُل ال َعامِ ُل َ‬ ‫الجن َِّة مِ ْن َأ ْه ِل الن ِ‬
‫َأ ْه ُل َ‬
‫َي ْع َم ُل لِ َما ُخ ِل َق َل ُه‪َ ،‬أ ْو‪ :‬لِ َما ُي ِّس َر َل ُه»(((‪.‬‬
‫ول‬ ‫ك ْب ِن ُج ْع ُش ٍم َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫وعن جابر ‪ ‬قال‪ :‬جاء سرا َق ُة بن مال ِ ِ‬
‫َ َ ُ َ ْ ُ َ‬
‫يما َج َّف ْت بِ ِه الأْ َ ْقلاَ ُم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬ب ِّي ْن َلنَا دينَنَا ك ََأنَّا ُخل ْقنَا الآْ َن‪ ،‬ف َ‬
‫يما ا ْل َع َم ُل ا ْل َي ْو َم؟ َأف َ‬
‫ت بِ ِه أْالَ ْقلاَ ُم‬ ‫يما َج َّف ْ‬ ‫ِ‬
‫«ل‪َ ،‬ب ْل ف َ‬ ‫يما ن َْس َت ْقبِ ُل؟ َق َال‪ :‬اَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َج َر ْت بِه ا ْل َم َقاد ُير‪َ ،‬أ ْم ف َ‬
‫الز َب ْي ِر بِ َش ْي ٍء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َج َر ْت بِه ا ْل َم َقاد ُير» َق َال‪َ :‬فف َ‬
‫يم ا ْل َع َم ُل؟ َق َال ُز َه ْي ٌر‪ُ :‬ث َّم َت َك َّل َم َأ ُبو ُّ‬

‫(( ( أخرجه الترمذي (‪ ،)7859‬وابن أبي شيبة (‪ ،)10916‬وأحمد في المسند (‪،)7859‬‬


‫وهناد بن السري في الزهد (‪.)402‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1362‬ومسلم (‪ ،)2647‬وأبو داود (‪ ،)4694‬والترمذي‬
‫(‪.)3344‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6596‬ومسلم (‪ ،)2649‬وأبو داود (‪.)4709‬‬
‫‪298‬‬

‫َل ْم َأ ْف َه ْم ُه‪َ ،‬ف َس َأ ْل ُت‪َ :‬ما َق َال؟ َف َق َال‪« :‬ا ْع َم ُلوا َفك ٌُّل ُم َي َّس ٌر»(((‪.‬‬
‫وعن سهل بن سعد الساعدي ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن‬
‫الجن َِّة‪َ ،‬وإِ َّن ُه َل ِم ْن َأ ْه ِل الن ِ‬
‫َّار‪،‬‬ ‫َّاس‪َ -‬ع َم َل َأ ْه ِل َ‬
‫ِ‬
‫ال َع ْبدَ َل َي ْع َم ُل ‪-‬ف َ‬
‫يما َي َرى الن ُ‬
‫الجن َِّة‪َ ،‬وإِن ََّما‬ ‫ِ‬
‫َّار‪َ ،‬و ُه َو م ْن َأ ْه ِل َ‬ ‫َّاس‪َ -‬ع َم َل َأ ْه ِل الن ِ‬‫يما َي َرى الن ُ‬
‫ِ‬
‫َو َي ْع َم ُل ‪-‬ف َ‬
‫األَعم ُال بِخَ واتِ ِ‬
‫يم َها»(((‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫«أحب الطاع َة من عباده َ‬
‫وأمر‬ ‫َّ‬ ‫قال اإلمام اآلجري مخربًا عن اهلل أنه‪:‬‬
‫كونَها من‬ ‫فجرت ممن أطاعه بتوفيقه لهم‪ ،‬وهنى عن المعاصي‪ ،‬وأراد ْ‬ ‫ْ‬ ‫هبا‪،‬‬
‫لألمر هبا‪ ،‬تعالى ‪ ‬عن أن يأمر بالفحشاء‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫غير محبة منه لها‪ ،‬وال‬
‫وعز من أن ِ‬
‫يجر َي يف ملكه ما لم ير ْد أن يجري‪ ،‬أو شيء‬ ‫يحبها‪َّ ،‬‬
‫وجل ربنا َّ‬
‫كونِه‪ ،‬قد علم ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم‪،‬‬ ‫ْ‬
‫يحط به علمه قبل ْ‬ ‫لم‬
‫وقدرا‪ ،‬قد جرى القلم بأمره تعالى‬
‫ً‬ ‫وبعد أن خلقهم‪ ،‬قبل أن يعملوا قضا ًء‬
‫يف اللوح المحفوظ بما يكون‪ ،‬من ٍّبر أو فجور‪ ،‬يثني على من عمل بطاعته‬
‫من عبيده‪ ،‬ويضيف العمل إلى العباد‪ ،‬ويعدهم عليه الجزاء العظيم‪ ،‬ولوال‬
‫توفيقه لهم ما عملوا بما استوجبوا به منه الجزاء؛ (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الحديد‪ ،]21 :‬وكذا ذم قو ًما عملوا بمعصيته‪،‬‬
‫وتوعدهم على العمل هبا‪ ،‬وأضاف العمل إليهم بما عملوا‪ ،‬وذلك بمقدور‬
‫جرى عليهم‪ ،‬يضل من يشاء‪ ،‬ويهدي من يشاء»(((‪.‬‬
‫ونؤمن بأنه كما ال يوجد تعارض بين الخلق واألمر والشرع‪ ،‬فكذلك ال‬ ‫ال تعارض بني‬
‫الـخلق واألمـر‬
‫يوجد تعارض بين الشرع واألمر والعقل‪ ،‬فكل ما أمر اهلل به ورسوله ﷺ‪،‬‬ ‫والرشع والعقل‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪.)2648‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6493‬ومسلم (‪.)112‬‬
‫((( الشريعة‪ ،‬لآلجري (‪.)702 /2‬‬
‫‪299‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫أو هنى عنه اهلل ورسوله‪ ،‬أو قدره اهلل‪ ،‬أو أخرب به ‪ -‬ال‪ ‬يعارض العقل؛ بل هو‬
‫مقتضى ما تأمر به العقول‪ ،‬وهو غاية الحكمة‪ ،‬قال الحكيم العليم‪( :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)‬

‫[اإلسراء‪ ،]39 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [القمر‪ ،]5 :‬وقال‬


‫الحق‪( :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [النساء‪ ،]113 :‬وبه تقوم الحجة‬
‫على الخلق‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ) [األنعام‪ .]149 :‬وهذا الشرع واألمر والقدر هو يف غاية الحسن‪ ،‬بل‬
‫ال أحسن منه‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈ) [المائدة‪.]50 :‬‬
‫ب‪َ ،‬ف ُق ْل ُت َل ُه‪َ :‬و َق َع فِي َن ْف ِسي‬ ‫وعن ابن الديلمي قال‪َ « :‬أ َت ْي ُت أبي ْب َن َك ْع ٍ‬
‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل َأ ْن ُي ْذه َب ُه م ْن َق ْلبِي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ل ْو َأ َّن َ‬
‫اهَّلل‬ ‫َش ْي ٌء م َن ا ْل َقدَ ِر‪َ ،‬ف َحدِّ ْثني بِ َش ْيء َل َع َّل َ‬
‫َع َّذ َب َأ ْه َل َس َم َواتِ ِه َو َأ ْه َل َأ ْر ِض ِه َع َّذ َب ُه ْم َو ُه َو َغ ْي ُر َظال ِ ٍم َل ُه ْم‪َ ،‬و َل ْو َر ِح َم ُه ْم‬
‫كَانَت رحم ُته َخيرا َلهم مِن َأعمال ِ ِهم‪ ،‬و َلو َأ ْن َف ْقت مِ ْث َل ُأح ٍد َذهبا فِي سبِي ِل اهَّللِ‬
‫َ‬ ‫ُ ًَ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ ًْ ُ ْ ْ ْ َ ْ َ ْ‬
‫اهَّلل مِن َْك َحتَّى ُت ْؤمِ َن بِا ْل َقدَ ِر‪َ ،‬و َت ْع َل َم َأ َّن َما َأ َصا َب َك َل ْم َي ُك ْن ل ِ ُي ْخطِ َئ َك‪،‬‬
‫َما َقبِ َل ُه ُ‬
‫َو َأ َّن َما َأ ْخ َط َأ َك َل ْم َي ُك ْن ل ِ ُي ِصي َب َك‪َ ،‬و َل ْو ُم َّت َع َلى َغ ْي ِر َه َذا َلدَ َخ ْل َت الن ََّار‪.‬‬
‫ود‪َ ،‬ف َق َال مِ ْث َل َذل ِ َك‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم َأ َت ْي ُت ُح َذ ْي َف َة ْب َن‬‫َق َال‪ُ :‬ثم َأ َتي ُت َعبدَ اهَّللِ بن مسع ٍ‬
‫ْ َ َ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ْ‬
‫ت‪َ ،‬ف َحدَّ َثنِي َع ِن النَّبِ ِّي ﷺ‬ ‫ان‪َ ،‬ف َق َال مِ ْث َل َذل ِ َك‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ثم َأ َتي ُت َزيدَ بن َثابِ ٍ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫َّ ْ‬
‫ا ْليم ِ‬
‫ََ‬
‫مِ ْث َل َذل ِ َك»(((‪.‬‬
‫وقال تعالى مثن ًيا على كتابه الذي تضمن الشرع واألمر أنه أحسن‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)4699‬وابن ماجه (‪ ،)77‬وأحمد (‪ ،)21589‬وعبد بن حميد‬


‫(‪ ،)247‬والفريابي في القدر (‪ ،)190‬وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‬
‫(‪.)676/4‬‬
‫‪300‬‬

‫الحديث‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الزمر‪ .]23 :‬فما شرعه‬


‫والح ْسن؛ سواء أدركته العقول أو عجزت‬
‫اهلل أو قدره فهو يف غاية الكمال ُ‬
‫حكما على شرع اهلل وقدره‬
‫ً‬ ‫عن إدراكه وفهمه‪ ،‬وال نجعل عقولنا وآراءنا‬
‫الح ِ‬
‫سن‬ ‫تارة بالتحسين‪ ،‬وتارة بالتقبيح‪ ،‬بل كل ما قدره اهلل وشرعه فهو تام ُ‬
‫والكمال‪.‬‬
‫ونؤمن بأن الشرع والقدر كله خير‪ ،‬واهلل ال يقدر الشر المحض‪ ،‬قال‪ ‬ﷺ‪:‬‬
‫ك»(((‪.‬‬ ‫الش ُّر َل ْي َس إِ َل ْي َ‬ ‫«وا ْلخَ ْي ُر ُك ُّل ُه فِي َيدَ ْي َ‬
‫ك‪َ ،‬و َّ‬ ‫َ‬
‫ويدخل الشر ضمن عموم المقدر‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ‬
‫ﰐ) [القمر‪ ،]49 :‬ويرد الشر يف القرآن مضا ًفا إلى من قام به‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الفلق‪.]2 ،1 :‬‬
‫ومن باب األدب أال يضاف الشر إلى اهلل تعالى‪ ،‬قال المولى مخربًا عن‬
‫(ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ)‬ ‫الجن أهنم قالوا‪:‬‬
‫[الجن‪ ،]10 :‬وقال اهلل تعالى مخربًا عن الخليل ‪ ‬أنه قال‪( :‬ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ) [الشعراء‪ ،]80 :‬فنسب المرض إلى نفسه‪ ،‬والشفاء إلى‬
‫اهلل ‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)771‬وأبو داود (‪ ،)761‬والترمذي (‪ ،)266‬والنسائي (‪.)897‬‬


‫‪301‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫بــاب‬
‫فـعـل األسبــاب من القـدر‬
‫ونؤمن أن فعل األسباب ال ينايف اإليمان بالقدر‪ ،‬بل مباشرة األسباب‬
‫من تمام اإليمان بالقضاء والقدر‪ ،‬وأمر ربنا بطلب الرزق‪ ،‬وقد أخربنا أنه‬
‫كتبه لنا‪ ،‬قال الحق‪( :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯﭰ ﭱ ﭲ) [الملك‪.]15 :‬‬
‫وقال ‪( :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الجمعة‪.]10 :‬‬
‫وقال اهلل مخربًا عن يعقوب أنه قال لبنيه‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ‬
‫السائِ ِ‬
‫ب ْب ِن‬ ‫ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [يوسف‪ .]67 :‬وعن َّ‬
‫َي ِزيدَ ‪َ « :‬أ َّن النَّبِ َّي ﷺ َي ْو َم ُأ ُح ٍد َأ َخ َذ ِد ْر َع ْي ِن‪ ،‬ك ََأ َّن ُه َظ َ‬
‫اه َر َب ْين َُه َما»(((‪ .‬وأمر اهلل‬
‫نوحا‪  ‬بصنع السـفينة‪ ،‬كما أمر موسى ‪ ‬بأن يضرب البحر‪،‬‬ ‫ً‬
‫وأمر مـريم ‪ ‬بأن هتز جـذع النخلـة لتساقط عليها الرطب‪ ،‬إلى غـير‬
‫ذلك مما أمر اهلل به عباده باتخاذ األسباب‪.‬‬
‫ان ْب ِن َب ِش ٍير « َع ِن النَّبِ ِّي ﷺ‬
‫ومن أعظم األسباب‪ :‬الدعاء‪ ،‬فع ِن النُّعم ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫فِي َق ْول ِ ِه َت َعا َلى‪( :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)‪َ .‬ق َال‪ :‬الدُّ َعا ُء ُه َو‬

‫((( أخرجه ابن ماجه (‪ ،)2806‬وسعيد بن منصور (‪ ،)2858‬وأحمد (‪ ،)15722‬والنسائي‬


‫في الكبرى (‪.)8529‬‬
‫‪302‬‬

‫ا ْل ِع َبا َدةُ‪َ ،‬و َق َر َأ‪( :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [غافر‪ ]60 :‬إِ َلى َق ْول ِ ِه‪:‬‬
‫(ﭪ)»(((‪.‬‬
‫يه ‪َ ‬ق َال‪:‬‬ ‫ومن األسباب‪ :‬الدواء والرقى‪ ،‬فعن أبي ِخ َزامةَ‪َ ،‬عن َأبِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ول اهَّللِ‪َ ،‬أ َر َأ ْي َت ُر ًقى ن َْست َْرقِ َيها َو َد َوا ًء‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َس َأ ْل ُت َر ُس َ‬
‫«ه َي ِم ْن َقدَ ِر اهَّلل ِ»(((‪.‬‬ ‫َنتَـدَ اوى بِ ِه و ُت َقا ًة َنت َِّقيها‪ ،‬ه ْل َترد مِن َقدَ ِر اهَّللِ َشي ًئا؟ َق َال‪ِ :‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ ُّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫(( ( أخرجه أبو داود (‪ ،)1479‬والترمذي (‪ ،)2969‬وابن ماجه (‪.)3828‬‬


‫((( أخرجه الترمذي (‪ ،)2065‬وابن ماجه (‪ ،)3437‬وابن وهب في الجامع في الحديث‬
‫(‪ ،)699‬وأحمد (‪ )15472‬وابن أبي عاصم في اآلحاد والمثاني (‪.)2610‬‬
‫‪303‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫بــاب‬
‫القدر ال يتعارض مع العدل‬
‫وتقديرا وجزا ًء‪،‬‬
‫ً‬ ‫نؤمن بأن اهلل ‪ ‬يأمر بالعدل‪ ،‬ويحكم به شر ًعا‬
‫قال تعالى‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [النحل‪ ،]90 :‬وقال المولى عز‬
‫شأنه‪( :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [النحل‪ ،]76 :‬وعن أبي ذر ‪ ‬عن النبي ﷺ‬
‫فيما روى عن اهلل ‪ ‬أنه قال‪« :‬يا ِعب ِ‬
‫ادي‪ ،‬إِنِّي َح َّر ْم ُ‬
‫ت ال ُّظ ْل َم َع َلى‬ ‫َ َ‬
‫َن ْف ِسي‪َ ،‬و َج َع ْل ُت ُه َب ْينَك ُْم ُم َح َّر ًما‪َ ،‬فلاَ َت َظا َل ُموا»(((‪.‬‬
‫ونفى عن نفسه الظلم‪ ،‬فقال تعالى‪( :‬ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ‬
‫ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ) [فصلت‪ ،]46 :‬وقال اهلل تعالى‪( :‬ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [النساء‪ ،]40 :‬وقال ‪:‬‬
‫(ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النساء‪ ،]124 :‬وقال عز شأنه‪( :‬ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [يونس‪ ،]44 :‬وقال الحق‬
‫جل شأنه‪( :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [األنعام‪ .]160 :‬إلى غير ذلك من اآليات الدالة على‬
‫كمال عدله‪ ،‬ونفي الظلم عن نفسه‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2577‬والترمذي (‪.)2495‬‬


‫‪304‬‬

‫ونؤمن بأن س ْبق القضاء والقدر ال يلزم منه ظلم للعباد؛ ألن اهلل أنزل‬ ‫س ْبــــق‬
‫القضــاء‬
‫الكتب‪ ،‬وأرسل الرسل؛ لئال يكون للناس على اهلل حجة بعد الرسل‪ ،‬قال‬ ‫والقدر ال‬
‫تعالى‪( :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ‬ ‫يلزم منـه‬
‫الظلـــم‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [النساء‪.]165 :‬‬
‫سرا مكتو ًما‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬ ‫وجعل القدر ًّ‬
‫واختيارا‪ ،‬قال المولى عز‬
‫ً‬ ‫ﯺ ﯻ) [الجن‪ ،]26 :‬وجعل للعباد مشيئة‬
‫شأنه‪( :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الكهف‪،]29 :‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [اإلنسان‪ ،]3 :‬وقال‬
‫الحق‪( :‬ﭬ ﭭ ﭮ) [الشمس‪.]8 :‬‬
‫‪305‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫بــاب‬
‫االحتجاج بالقدر‬

‫نؤمن بأن اهلل أرسل الرسل‪ ،‬وأنزل الكتب؛ لئال يكون للناس على اهلل‬
‫حجة‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [النساء‪ ،]165 :‬وقال تعالى‬
‫مخربًا عن المشركين أهنم احتجوا بالقدر على وقوعهم يف الشرك‪ ،‬فبين‬
‫اهلل كذهبم‪ ،‬وأذاقهم بأسه‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [األنعام‪ .]148 :‬ولو كان القدر حجة لهم على شركهم‬
‫ما أذاقهم اهلل بأسه‪.‬‬
‫وسا َم َع النَّبِ ِّي ﷺ‪َ ،‬و َم َع ُه ُعو ٌد َينْ ُك ُت فِي‬ ‫وعن علي ‪ ‬قال‪ُ :‬كنَّا ُج ُل ً‬
‫الجن َِّة»‪،‬‬ ‫ض‪ ،‬و َق َال‪« :‬ما ِمنْكُم ِمن َأح ٍد إِ اَّل َقدْ كُتِب م ْقعدُ ه ِمن الن ِ ِ‬
‫َّار َأ ْو م َن َ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫األَ ْر ِ َ‬
‫ول اهَّللِ؟ َق َال‪ :‬اَ‬
‫«ل‪ ،‬ا ْع َم ُلوا َفك ٌُّل ُم َي َّس ٌر»‪.‬‬ ‫َف َق َال َر ُج ٌل مِ َن ال َق ْو ِم‪َ :‬ألاَ َنتَّكِ ُل َيا َر ُس َ‬
‫ُث َّم َق َر َأ‪( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الليل‪ ]5 :‬اآل َيةَ»(((‪ ،‬فأمر النبي ﷺ بالعمل‪ ،‬وهنى‬
‫عن اال ِّتكال على القدر‪.‬‬
‫ونؤمن أنه يجوز للعبد أن يحتج بالقدر على الذنوب بعد التوبة منها‪،‬‬
‫فعن حميد بن عبدالرحمن أن أبا هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6605‬ومسلم (‪ ،)2647‬والترمذي (‪ ،)2136‬وابن ماجه (‪.)78‬‬


‫‪306‬‬

‫ُك ِم َن‬ ‫ْك َخطِي َئت َ‬ ‫ْت آ َد ُم ا َّل ِذي َأ ْخ َر َجت َ‬


‫وسى‪َ :‬أن َ‬ ‫وسى‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ُم َ‬ ‫«احت ََّج آ َد ُم َو ُم َ‬ ‫ْ‬
‫اك اهَّللُ بِرِ َس اَالتِ ِه َوبِ َكلاَ ِم ِه‪ُ ،‬ث َّم‬
‫اص َط َف َ‬ ‫ِ‬
‫وسى ا َّلذي ْ‬ ‫ْت ُم َ‬ ‫الجن َِّة‪َ  ،‬ف َق َال َل ُه آ َد ُم‪َ :‬أن َ‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫ومنِي َع َلى َأ ْمرٍ ُقدِّ َر َع َل َّي َق ْب َل َأ ْن ُأ ْخ َل َق»‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫ـول اهَّلل ﷺ‪َ « :‬ف َح َّج آ َد ُم‬ ‫َت ُل ُ‬
‫وسى»‪َ .‬م َّر َت ْي ِن(((‪.‬‬ ‫ُم َ‬
‫الش ِّخير ‪« :‬لم نوكل يف القرآن إلى‬
‫مطرف بن عبداهلل بن ِّ‬ ‫وقال ِّ‬
‫القدر‪ ،‬وقد أخربنا يف القرآن أنَّا إليه نصير»(((‪ ،‬وقال محمد بن سيرين‪: ‬‬
‫«إن لم يكن أهل القدر من الذين يخوضون يف آيات اهلل‪  ‬فال أدري ما‬
‫هم؟»(((‪.‬‬
‫قال ابن وهب‪ ،‬وغير واحد‪« :‬سئل مالك عن أهل القدر‪ :‬أيكف عن‬
‫كالمهم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬إذا كان عار ًفا بما هو عليه‪ .‬قال‪ :‬ويأمره بالمعروف‪،‬‬
‫وينهاه عن المنكر‪ ،‬ويخربهم بخالفهم‪ ،‬وال يواضع القول‪ ،‬وال يصلي‬
‫عليهم‪ ،‬وال ُت ْشهد جنائزهم‪ ،‬وال أرى أن يناكحوا‪ ،‬زاد يف رواية غيره‪:‬‬
‫قال اهلل‪( :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [البقرة‪ ،]221 :‬قال يف رواية أشهب‪:‬‬
‫وال يصلى خلفهم‪ ،‬وال يحمل عليهم الحديث‪ ،‬وإن وافيتموهم يف ثغر‬
‫فأخرجوهم منه»(((‪.‬‬
‫ونؤمن بأنه يجوز للعبد أن يحتج بالقدر على المصائب‪ ،‬فعن أبي هريرة‬ ‫جيـــــــوز‬

‫ب إِ َلى اهلل ِ ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫االحتجــاج‬


‫ي َخ ْي ٌر َو َأ َح ُّ‬
‫‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ا ْل ُم ْؤم ُن ا ْل َق ِو ُّ‬ ‫بالقــدر عىل‬
‫الـمصــائب‬

‫أخرجه البخاري (‪ ،)6614‬ومسلم (‪ ،)2652‬وأبو داود (‪ ،)4701‬والترمذي‬ ‫((( ‬


‫(‪ ،)2134‬وابن ماجه (‪.)80‬‬
‫السنة‪ ،‬لعبدالله بن أحمد (‪.)412/2‬‬ ‫(( (‬
‫السنة‪ ،‬لعبدالله بن أحمد (‪ ،)432/2‬وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‬ ‫((( ‬
‫(‪.)696/4‬‬
‫ترتيب المدارك وتقريب المسالك (‪.)91/1‬‬ ‫((( ‬
‫‪307‬‬ ‫كتاب اإليمان بالقدر‬

‫ك‪َ ،‬و ْاست َِع ْن بِاهللِ‪َ ،‬و اَل‬‫احرِ ْص َع َلى َما َينْ َف ُع َ‬ ‫ا ْلم ْؤ ِم ِن َّ ِ ِ ِ‬
‫الضعيف‪َ ،‬وفي ك ٍُّل َخ ْي ٌر‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬
‫َان ك ََذا َوك ََذا‪َ ،‬و َلكِ ْن ُق ْل‪:‬‬‫تك َ‬ ‫ك َش ْي ٌء َفلاَ َت ُق ْل‪َ :‬ل ْو َأنِّي َف َع ْل ُ‬ ‫َت ْع َجزْ‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصا َب َ‬
‫ان»(((‪.‬‬ ‫الش ْي َط ِ‬‫َقدَ ُر اهلل ِ َو َما َشا َء َف َع َل؛ َفإِ َّن َل ْو َت ْفت َُح َع َم َل َّ‬
‫وعن ابن عباس ‪ ‬قو َله يف تفسير قوله تعالى‪( :‬ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫اهَّلل َأ َّن ا ْل ُم ْؤمِ َن إِ َذا‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [البقرة‪ :]156 :‬قال‪َ :‬أ ْخ َب َر ُ‬
‫ال مِ َن‬ ‫ث ِخ َص ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َل ُه َثلاَ ُ‬ ‫َس َّل َم الأْ َ ْم َر إِ َلى اهَّلل َو َر َج َع َواست َْر َج َع عنْد ا ْل ُمصي َبة‪ ،‬كُت َ‬
‫ول‪ ‬اهَّللِ‬ ‫الر ْح َمةُ‪َ ،‬و َت ْح ِق ُيق َسبِي ِل ا ْلهدَ ى‪َ .‬و َق َال َر ُس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْلخ ْي ِر‪ :‬الصَّلاَ ُة م َن اهَّلل‪َ ،‬و َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حس َن ُع ْق َبا ُه‪َ ،‬و َج َع َل َل ُه‬‫«م ِن ْاست َْر َج َع عندَ ا ْل ُمصي َبة َج َب َر اهَّللُ ُمصي َب َت ُه‪َ ،‬و َأ َ‬
‫ﷺ‪َ :‬‬
‫َخ َل ًفا َصالِ ًحا َي ْر َضا ُه»(((‪.‬‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪ ،)2664‬وابن ماجه (‪.)79‬‬


‫((( أخرجه الطبري في التفسير (‪ ،)223 /3( ،)707 /2‬وابن أبي حاتم في التفسير‬
‫(‪ ،)1421‬والطبراني في الكبير (‪ ،)13027‬والبيهقي في الشعب (‪.)9240‬‬
‫كتاب العبادة‬
‫‪310‬‬

‫ملخص الكتاب‬

‫نؤمن بأن اهلل خلق الخلق ليعبدوه‪ ،‬والعبادة التي أمر اهلل هبا هي الحنيفية‪،‬‬
‫وهي ملة إبراهيم ‪ ،‬وهي التي أمر اهلل هبا جميع الثقلين‪ .‬والعبادة‬
‫أنواع كثيرة‪ ،‬وال يجوز صرف شيء منها لغير اهلل تعالى‪ .‬ومن أنواعها‪:‬‬
‫الدعاء‪ ،‬والتوكل‪ ،‬والخشية‪ ،‬والخوف‪ ،‬والرجاء‪ ،‬واالستعاذة‪ ،‬والذبح‪،‬‬
‫واالستعانة‪ ،‬واالستغاثة‪.‬‬
‫ونؤمن بأن اهلل خلق الخلق ليعبدوه‪ ،‬ونعلم أن أول أمر ورد يف القرآن‬ ‫الغاية من‬
‫اخللــــق‬
‫هو األمر بعبادة اهلل وحده دون ما سواه‪ ،‬وكل نبي قال لقومه‪( :‬ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [األعراف‪.]65 :‬‬
‫ونعلم أن العبادة ال تكون مقبولة حتى تكون خالصة هلل رب العالمين‪،‬‬ ‫رشط العبادة‬
‫اإلخـالص‬
‫موافقة لهدى سيد المرسلين ﷺ‪.‬‬ ‫واملتابعـــة‬

‫ّ‬
‫وحذر‬ ‫وجيب أن يكون المقصود بالعبادة هو اهلل وحده ال شريك له‪،‬‬
‫خالصا لكنه‬
‫ً‬ ‫‪ ‬من الشرك كله كبيره وصغيره‪ ،‬فمن عمل عملاً‬
‫غير موافق لهدي الرسول ﷺ؛ فعمله مردود عليه‪ ،‬ومن عمل عملاً مواف ًقا‬
‫لهدي الرسول ﷺ لكنه غير خالص هلل؛ فهو مردود عليه‪.‬‬
‫ونعلم أن أصول العبادة ثالثة هي‪ :‬كمال الحب‪ ،‬وكمال الرجاء‪ ،‬وكمال‬
‫الخوف‪ ،‬وأن األنبياء والمرسلين فازوا من ذلك بأوفر الحظ والنصيب‪.‬‬
‫‪311‬‬ ‫كتاب العبادة‬

‫وأعظم ما يرجوه المؤمنون هو رؤية وجه اهلل الكريم‪ ،‬ورؤية اهلل هي أعلى‬
‫ِ‬
‫الجنة الجنةَ‪،‬‬ ‫نعيم أهل الجنة‪ ،‬بل هي زيادة نعيم على نعيمهم‪ ،‬وإذا دخل أهل‬
‫زاد اهلل المؤمنين كرامة وإحسانًا إلى إحسانه إليهم تفضلاً منه وجو ًدا بإذنه‬
‫لهم بالنظر إليه‪ ،‬وأعظم ما يخافه أهل اإليمان هو حرماهنم من هذا النعيم‬
‫الذي خص به أولياءه من المؤمنين‪ ،‬وحرم منه أعداءه‪ ،‬وحجب جميع أعدائه‬
‫عن النظر إليه من المشركين واليهود والنصارى والمجوس والمنافقين‪.‬‬
‫والوسيلة((( هي التقرب إلى اهلل بكل ما يرضيه من واجب أو مستحب‪.‬‬
‫الوسيلة‬ ‫ونؤمن بأن اهلل أمر عباده بالدعاء‪ ،‬ووعدهم باإلجابة‪ ،‬ونعلم أن التوسل‬
‫والتوسل‬
‫إلى اهلل يكون بأسمائه الحسنى وصفاته العلى؛ ولهذا كانت دعوات األنبياء‬
‫والمرسلين أكثر ما تكون بالتوسل بأسماء اهلل الحسنى‪ .‬ومن مواطن الدعاء‬
‫أدبار الصلوات‪ ،‬ويف الثلث األخير من الليل‪ ،‬وعند الفطر من الصوم‪ ،‬ويف‬
‫الطواف‪ ،‬وعلى الصفا والمروة‪ ،‬ويف عرفات ومزدلفة‪ ،‬وبعد رمي الجمرات‪.‬‬
‫كما يكون التوسل باإليمان باهلل‪ ،‬يكون التوسل إلى اهلل بالعمل الصالح‬
‫بأنواع العبادات‪ .‬ويكون التوسل إلى اهلل بذكر الحال‪ ،‬وإظهار االفتقار إلى‬
‫اهلل‪ ،‬وأن العبد محتاج إلى عون اهلل ورحمته‪ .‬ويكون التوسل بأن يطلب‬
‫المسلم من الرجل الصالح الحي الحاضر أن يدعو له‪ ،‬كما طلب إخوة‬
‫يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم‪ ،‬وعَدَ َل الصحابة ‪ ‬عن االستسقاء‬
‫والتوسل بالرسول ﷺ بعد وفاته إلى التوسل بالعباس ‪‬؛ ألهنم‬
‫يعلمون أن هذا من التوسل المشروع‪.‬‬
‫وال يجوز التوسـل بغير ما شرع اهلل؛ فقد كان أهل الجاهلية يتقربون إلى‬
‫اهلل بالتوسل إليه بأوثاهنم وآلهتهم‪.‬‬

‫‪-‬أيضا‪ -‬وهو المذكور في قوله ﷺ‪« :‬سلوا الله لي الوسيلة»‪.‬‬


‫((( وتأتي الوسيلة بمعنى آخر ً‬
‫‪312‬‬

‫بــاب‬
‫قول اهلل تعــالى‪:‬‬
‫(ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)‬

‫نؤمن بأن اهلل خلق الثقلين لعبادته‪ ،‬قال عز من قائل‪( :‬ﭳ ﭴ ﭵ‬


‫ﭶ ﭷ ﭸ) [الذاريات‪]56 :‬؛ أي‪ :‬وما أمروا إال ليخلصوا العبادة هلل‬
‫رب العالمين‪ .‬والعبادة التي أمر اهلل هبا هي الحنيفية‪ ،‬وهي ملة إبراهيم‬
‫‪ ،‬قال عز من قائل‪( :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [األنعام‪.]161 :‬‬
‫والعبادة اليت أمر اهلل بها أنواع كثرية‪ ،‬وال يجوز صرف شيء منها لغير‬
‫اهلل‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الجن‪.]18 :‬‬
‫ومن أنواعها‪ :‬ادلاعء‪ ،‬قال عز من قائل‪( :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬ ‫أنواع العبادة‬

‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [المؤمنون‪،]117 :‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [غافر‪.]60 :‬‬
‫(ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [المائدة‪:‬‬ ‫ومنها اتلولك‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪ ،]23‬وقال تعالى‪( :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الطالق‪.]3 :‬‬
‫ومنها اخلشية‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ) [البقرة‪.]150 :‬‬
‫ومنها اخلوف‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)‬

‫[آل عمران‪.]175 :‬‬


‫‪313‬‬ ‫كتاب العبادة‬

‫ومنها الرجاء‪ ،‬قال الحق جل ثناؤه‪( :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬


‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ‬
‫ﯷ) [اإلسراء‪ ،]57 :‬وقال الحق عز شأنه‪( :‬ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬
‫ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ)‬

‫[الكهف‪.]110 :‬‬
‫ومنها االستعاذة‪ ،‬قال الحق جل ثناؤه‪( :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الناس‪.]1 :‬‬
‫ومنها اذلبح‪ ،‬قال الحق جل يف عاله‪( :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [األنعام‪.]162 :‬‬
‫ومنها االستعانة‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الفاتحة‪.]5 :‬‬
‫ومنها االستغاثة‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [األنفال‪.]9 :‬‬
‫ونعلم أن أول أمر ذكر يف القرآن هو األمر بعبادة اهلل وحده دون ما سواه‪،‬‬
‫قال جل ثناؤه وتقدست أسماؤه‪( :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [البقرة‪ .]21 :‬وكل نبي قال لقومه‪( :‬ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)‪ ،‬كما قال اهلل يف أول الرسل ‪( :‬ﭥ ﭦ‬
‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ‬
‫ﭷ ﭸ) [األعراف‪ ،]59 :‬وقال اهلل مخربًا عن آخرهم ﷺ أنه قال لقومه‪:‬‬
‫(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النساء‪ ،]36 :‬وقال اهلل جل يف عاله‪:‬‬
‫(ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)‬

‫[النحل‪.]36 :‬‬
‫‪314‬‬

‫ونعلم أن العبادة ال تكون مقبولة حتى تكون خالصة هلل رب العالمين‪،‬‬ ‫رشوط‬
‫العبادة‬
‫موافقة لهدى سيد المرسلين ﷺ‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ‬
‫ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الكهف‪.]110 :‬‬
‫ونعلم أنه يجب أن يكون المقصود بالعبادة هو اهلل وحده ال شريك له‪،‬‬
‫َت ِه ْج َر ُت ُه إِ َلى‬ ‫اِ‬
‫قال ﷺ‪« :‬إِن ََّما األَ ْع َم ُال بِالنِّ َّي ِة‪َ ،‬وإِن ََّما ل ْمرِ ٍئ َما ن ََوى‪َ ،‬ف َم ْن كَان ْ‬
‫اهَّلل ِ َو َر ُسولِ ِه‪َ ،‬ف ِه ْج َر ُت ُه إِ َلى اهَّلل ِ َو َر ُسولِ ِه‪َ ،‬و َم ْن كَان ْ‬
‫َت ِه ْج َر ُت ُه إِ َلى ُد ْن َيا ُي ِصي ُب َها َأ ِو‬
‫اج َر إِ َل ْي ِه»(((‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ْام َر َأة َي َتز ََّو ُج َها‪َ ،‬ف ِه ْج َر ُت ُه إِ َلى َما َه َ‬
‫َّ‬
‫وحذر ‪ ‬من الشرك كله كبيره وصغيره‪ ،‬فقال ‪( :‬ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ‪ ‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ) [النساء‪ .]48 :‬وعن أبى هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫الش ْر ِك‪َ ،‬م ْن َع ِم َل َع َملاً َأ ْش َر َك فِ ِيه‬ ‫الشرك ِ‬
‫َاء َع ِن ِّ‬ ‫« َق َال اهللُ ‪َ :‬أنَا َأ ْغنَى ُّ َ‬
‫َم ِعي َغ ْيرِي‪ ،‬ت ََر ْك ُت ُه َو ِش ْر َك ُه»(((‪.‬‬
‫خالصا لكنه غير موافق لهدي الرسول ﷺ فعمله‬
‫ً‬ ‫فمن عمل عملاً‬
‫مردود عليه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫«م ْن َع ِم َل َع َملاً‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [األحزاب‪ .]21 :‬وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»(((‪ ،‬وقال عز من قائل‪( :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النور‪ ،]63 :‬وقال عز من قائل‪:‬‬
‫(ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)‬

‫[آل عمران‪.]31 :‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)6689‬ومسلم (‪ ،)1907‬وأبو داود (‪ ،)2201‬والترمذي‬


‫(‪ ،)1647‬والنسائي (‪ ،)75‬وابن ماجه (‪.)4227‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)1718‬‬ ‫((( أخرجه مسلم (‪.)2985‬‬
‫‪315‬‬ ‫كتاب العبادة‬

‫أصـول‬ ‫ونعلم أن أصول العبادة ثالثة هي‪ :‬كمال الحب‪ ،‬و كمال الرجاء‪ ،‬وكمال‬
‫العبـادة‬
‫الخوف‪ ،‬وقد فاز األنبياء والمرسلون من ذلك بأوفر الحظ والنصيب‪،‬‬
‫قال تعالى مخربًا عن حالهم‪( :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [األنبياء‪ ،]90 :‬وقال عز من‬
‫قائل‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [المؤمنون‪ ،]61 ،60 :‬وقال ‪( :‬ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)‬

‫[السجدة‪ ،]16 :‬وقال الحق جل يف عاله‪( :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬


‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الزمر‪.]9 :‬‬
‫ول اهَّللُ َت َعا َلى‪:‬‬ ‫«ي ُق ُ‬ ‫وعن أبى هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫َأنَا ِعنْدَ َظ ِّن َع ْب ِدي بِي‪َ ،‬و َأنَا َم َع ُه إِ َذا َذك ََرنِي‪َ ،‬فإِ ْن َذك ََرنِي فِي َن ْف ِس ِه َذك َْر ُت ُه فِي‬
‫ل َخ ْيرٍ ِمن ُْه ْم‪َ ،‬وإِ ْن َت َق َّر َب إِ َل َّي بِ ِش ْبرٍ‬ ‫ل َذك َْر ُت ُه فِي َم إَ ٍ‬‫َن ْف ِسي‪َ ،‬وإِ ْن َذك ََرنِي فِي َم إَ ٍ‬
‫ت إِ َل ْي ِه َبا ًعا‪َ ،‬وإِ ْن َأتَانِي َي ْم ِشي‬ ‫ت إِ َل ْي ِه ِذ َرا ًعا‪َ ،‬وإِ ْن َت َق َّر َب إِ َل َّي ِذ َرا ًعا َت َق َّر ْب ُ‬
‫َت َق َّر ْب ُ‬
‫َأ َت ْي ُت ُه َه ْر َو َلةً»(((‪.‬‬
‫وقال الحق جل يف عاله‪( :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [البقرة‪ ،]165 :‬وقال ﷺ‪:‬‬
‫ب إِ َل ْي ِه ِم َّما‬
‫ُون اهَّللُ َو َر ُسو ُل ُه َأ َح َّ‬
‫ان‪َ :‬أ ْن َيك َ‬‫يم ِ‬ ‫اإل َ‬‫ث َم ْن ك َُّن فِ ِيه َو َجدَ َحلاَ َو َة ِ‬ ‫« َثلاَ ٌ‬
‫ح ُّب ُه إِ اَّل لِ َّل ِه‪َ ،‬و َأ ْن َيك َْر َه َأ ْن َي ُعو َد فِي ال ُك ْفرِ ك ََما‬
‫حب المرء اَل ي ِ‬
‫ْ َ ُ‬
‫ِ‬
‫س َو ُاه َما‪َ ،‬و َأ ْن ُي َّ‬
‫ِ‬
‫ف فِي الن ِ‬
‫َّار»(((‪.‬‬ ‫َيك َْر ُه َأ ْن ُي ْق َذ َ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)7405‬ومسلم (‪ ،)2675‬والترمذي (‪ ،)3603‬وابن ماجه‬


‫(‪.)3822‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)16‬ومسلم (‪ ،)43‬والترمذي (‪ ،)2624‬والنسائي (‪ ،)4987‬وابن‬
‫ماجه (‪.)4033‬‬
‫‪316‬‬

‫وعن أبي هـريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬ف َو ا َّل ِذي َن ْف ِسي بِ َي ِد ِه‪،‬‬
‫ب إِ َل ْي ِه ِم ْن َوالِ ِد ِه َو َو َل ِد ِه»(((‪ .‬وال ينال العبد‬ ‫اَ‪ ‬ي ْؤ ِم ُن َأ َحدُ ك ُْم َحتَّى َأك َ‬
‫ُون َأ َح َّ‬ ‫لُ‬
‫محبة اهلل حتى يتبع الرسول ﷺ‪ ،‬قال الحق جل يف عاله‪( :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران‪.]31 :‬‬
‫وأعظم ما يرجوه المؤمنون هو رؤية وجه اهلل الكريم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [القيامة‪.]23 ،22 :‬‬
‫ورؤية اهلل هي أعلى نعيم أهل الجنة‪ ،‬بل هي زيادة نعيم على نعيمهم‪،‬‬
‫قال تعالى‪( :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [يونس‪.]26 :‬‬
‫وعن صهيب ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َد َخ َل َأ ْه ُل ا ْل َجن َِّة ا ْل َجنَّةَ‪،‬‬
‫ون‪َ :‬أ َل ْم ُت َب ِّي ْض‬ ‫ون َش ْيئًا َأ ِزيدُ ك ُْم؟ َف َي ُقو ُل َ‬
‫ول اهللُ ‪ُ :‬ترِيدُ َ‬ ‫َق َال‪َ :‬ي ُق ُ‬
‫َّار؟ َق َال‪َ :‬فيك ِْش ُ ِ‬ ‫وهنَا؟ َأ َل ْم تُدْ ِخ ْلنَا ا ْل َجنَّةَ‪َ ،‬و ُتن َِّجنَا ِم َن الن ِ‬
‫اب‪َ ،‬ف َما‬ ‫ف ا ْلح َج َ‬ ‫َ‬ ‫ُو ُج َ‬
‫ب إِ َل ْي ِه ْم ِم َن النَّ َظرِ إِ َلى َر ِّب ِه ْم ‪.(((»‬‬ ‫ُأ ْع ُطوا َش ْيئًا َأ َح َّ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)14‬والنسائي (‪.)5015‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)181‬والترمذي (‪ ،)2552‬وابن ماجه (‪.)187‬‬
‫‪317‬‬ ‫كتاب العبادة‬

‫بــاب‬
‫التوسل والوسيلة‬
‫والوسيلة هي التقرب إلى اهلل بكل ما يرضيه من واجب أو مستحب‪.‬‬
‫ونؤمن بأن اهلل أمر عباده بالدعاء‪ ،‬ووعدهم باإلجابة‪ ،‬فقال جل‬
‫من قائل‪( :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [غافر‪ ،]60 :‬وقال جل ثناؤه وتقدست‬
‫أسماؤه‪( :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة‪.]186 :‬‬
‫أنـــواع‬ ‫ونعلم أن التوسل إلى اهلل يكون بأسمائه الحسنى وصفاته العلى‪ ،‬كما‬
‫التوسـل‬
‫قال تعالى‪( :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [األعراف‪ ،]180 :‬وقال تعالى‪( :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ) [اإلسراء‪.]110 :‬‬
‫ولهذا كانت دعوات األنبياء والمرسلين أكثر ما تكون بالتوسل بأسماء‬
‫اهلل الحسنى‪ ،‬كما قال تعالى مخربًا عن آدم وزوجه أهنما قاال‪( :‬ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [األعراف‪ ،]23 :‬وقال‬
‫الخليل ‪( :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ) [إبراهيم‪ ،]40 :‬وقال موسى ‪( :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [األعراف‪.]151 :‬‬
‫‪318‬‬

‫كما يكون التوسل باإليمان باهلل‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬


‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [آل عمران‪.]53 :‬‬
‫ويكون التوسل بالعمل الصالح‪ ،‬كما يف قصة الثالثة الذين انطبق عليهم‬
‫الغار‪ ،‬فعن عبداهلل بن عمر ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪:‬‬
‫ار‪َ ،‬فدَ َخ ُلو ُه‪،‬‬ ‫بيت إِ َلى َغ ٍ‬ ‫الم َ‬ ‫َان َق ْب َلك ُْم َحتَّى َأ َووا َ‬ ‫ط ِم َّم ْن ك َ‬ ‫«ا ْن َط َل َق َثلاَ َث ُة ره ٍ‬
‫َ ْ‬
‫َار‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪ :‬إِ َّن ُه اَل ُين ِ‬ ‫ِ‬
‫ْجيك ُْم‬ ‫الج َب ِل‪َ ،‬ف َسدَّ ْت َع َل ْي ِه ُم الغ َ‬ ‫َفان َْحدَ َر ْت َصخْ َر ٌة م َن َ‬
‫الصخْ َر ِة إِ اَّل َأ ْن تَدْ ُعوا اهَّللَ بِ َصالِحِ َأ ْع َمالِك ُْم‪َ ،‬ف َق َال َر ُج ٌل ِمن ُْه ْم‪ :‬ال َّل ُه َّم‪،‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫م ْن َهذه َّ‬
‫ْت اَل َأ ْغبِ ُق َق ْب َل ُه َما َأ ْهلاً ‪َ ،‬و اَل َم اًال‪َ ،‬فن ََأى‬ ‫ان‪َ ،‬و ُكن ُ‬ ‫ان َكبِ َير ِ‬ ‫ان َش ْيخَ ِ‬ ‫َان لِي َأ َب َو ِ‬ ‫ك َ‬
‫ت َل ُه َما َغ ُبو َق ُه َما‪،‬‬ ‫ب َش ْي ٍء َي ْو ًما‪َ ،‬ف َل ْم ُأ ِر ْح َع َل ْي ِه َما َحتَّى ن ََاما‪َ ،‬ف َح َل ْب ُ‬ ‫بِي فِي َط َل ِ‬
‫ت َوال َقدَ ُح َع َلى‬ ‫ت َأ ْن َأ ْغبِ َق َق ْب َل ُه َما َأ ْهلاً َأ ْو َم اًال‪َ ،‬ف َلبِ ْث ُ‬ ‫َف َو َجدْ ت ُُه َما نَائِ َم ْي ِن‪َ ،‬و َكرِ ْه ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس َت ْي َق َظا‪َ ،‬ف َشرِ َبا َغ ُبو َق ُه َما‪ ،‬ال َّل ُه َّم‬ ‫ي‪َ ،‬أ ْنتَظ ُر ْاستي َقا َظ ُه َما َحتَّى َب َر َق ال َف ْج ُر‪َ ،‬ف ْ‬ ‫َيدَ َّ‬
‫الصخْ َر ِة‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ك‪َ ،‬ف َف ِّر ْج َعنَّا َما ن َْح ُن فيه م ْن َهذه َّ‬ ‫ك ا ْبتِغَا َء َو ْج ِه َ‬ ‫ت َذلِ َ‬ ‫ْت َف َع ْل ُ‬ ‫إِ ْن ُكن ُ‬
‫اآلخ ُر‪ :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫«و َق َال َ‬ ‫وج»‪َ ،‬ق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ :‬‬ ‫ون الخُ ُر َ‬ ‫ت َش ْيئًا اَل َي ْستَطِي ُع َ‬ ‫َفا ْن َف َر َج ْ‬
‫ت‬ ‫َّاس إِ َل َّي‪َ ،‬ف َأ َر ْدت َُها َع ْن َن ْف ِس َها‪َ ،‬ف ْام َتنَ َع ْ‬ ‫ب الن ِ‬ ‫َت َأ َح َّ‬ ‫ْت َع ٍّم‪ ،‬كَان ْ‬ ‫َت لِي بِن ُ‬ ‫كَان ْ‬
‫ين َو ِما َئ َة ِدين ٍ‬
‫َار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪َ ،‬ف َجا َءتْني‪َ ،‬ف َأ ْع َط ْيت َُها ع ْشرِ َ‬
‫ت بِها سنَ ٌة ِمن ِ‬
‫السن َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫منِّي َحتَّى َأ َل َّم ْ َ َ‬
‫ِ‬
‫ت‪ :‬اَل‬ ‫ت َحتَّى إِ َذا َقدَ ْر ُت َع َل ْي َها‪َ ،‬قا َل ْ‬ ‫َع َلى َأ ْن تُخَ ِّل َي َب ْينِي َو َب ْي َن َن ْف ِس َها‪َ ،‬ف َف َع َل ْ‬
‫ت‬ ‫الو ُقو ِع َع َل ْي َها‪َ ،‬فان َْص َر ْف ُ‬ ‫ك َأ ْن َت ُف َّض الخَ اتَم إِ اَّل بِح ِّق ِه‪َ ،‬فتَحرج ُ ِ‬ ‫ُأ ِح ُّل َل َ‬
‫ت م َن ُ‬ ‫َ َّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ا َّل ِذي َأ ْع َط ْيت َُها‪ ،‬ال َّل ُه َّم إِ ْن‬ ‫ْت َّ‬
‫الذ َه َ‬ ‫َّاس إِ َل َّي‪َ ،‬وت ََرك ُ‬ ‫ب الن ِ‬ ‫ِ‬
‫َعن َْها‪َ ،‬وه َي َأ َح ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ت ا ْبتِغَا َء َو ْج ِه َ‬ ‫ْت َف َع ْل ُ‬
‫الصخْ َر ُة َغ ْي َر‬ ‫ك‪َ ،‬فا ْف ُر ْج َعنَّا َما ن َْح ُن فيه‪َ ،‬فا ْن َف َر َجت َّ‬ ‫ُكن ُ‬
‫ث‪ :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي‬ ‫«و َق َال ال َّثالِ ُ‬ ‫وج من َْها»‪َ ،‬ق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ :‬‬
‫ون الخُ ر ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َأن َُّه ْم اَل َي ْستَطِي ُع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ْاست َْأ َج ْر ُت ُأ َج َرا َء‪َ ،‬ف َأ ْع َط ْيت ُُه ْم َأ ْج َر ُه ْم َغ ْي َر َر ُج ٍل َواحد ت ََر َك ا َّلذي َل ُه َو َذ َه َ‬
‫ين‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َع ْبدَ‬ ‫َف َث َّم ْر ُت َأ ْج َر ُه َحتَّى َك ُث َر ْت ِمنْ ُه األَ ْم َو ُال‪َ ،‬ف َجا َءنِي َب ْعدَ ِح ٍ‬
‫‪319‬‬ ‫كتاب العبادة‬

‫اإلبِ ِل َوال َب َقرِ َوال َغنَ ِم‬‫ت َل ُه‪ :‬ك ُُّل َما ت ََرى ِم ْن َأ ْجرِ َك ِم َن ِ‬ ‫اهَّللِ‪َ ،‬أ ِّد إِ َل َّي َأ ْجرِي‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ت‪ :‬إِنِّي اَل َأ ْست َْه ِزئُ بِ َ‬ ‫يق‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َع ْبدَ اهَّللِ‪ ،‬اَل ت َْست َْه ِزئ بِي‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬ ‫الر ِق ِ‬
‫َو َّ‬
‫ك ا ْبتِغَا َء‬‫ت َذلِ َ‬ ‫استَا َق ُه‪َ ،‬ف َل ْم َيت ُْر ْك ِمنْ ُه َش ْيئًا‪ ،‬ال َّل ُه َّم َفإِ ْن ُكن ُ‬
‫ْت َف َع ْل ُ‬ ‫َف َأ َخ َذ ُه ُك َّل ُه‪َ ،‬ف ْ‬
‫الصخْ َرةُ‪َ ،‬فخَ َر ُجوا َي ْم ُش َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َو ْج ِه َ‬
‫ون»(((‪.‬‬ ‫ك‪َ ،‬فا ْف ُر ْج َعنَّا َما ن َْح ُن فيه‪َ ،‬فا ْن َف َر َجت َّ‬
‫ويكون التوسل إلى اهلل بأنواع العبادات‪ ،‬ومن أهمها الدعاء‪ ،‬كما قال‬
‫جل ثناؤه يف أنبيائه‪( :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [األنبياء‪ .]90 :‬ومن مواطن الدعاء أدبار‬
‫الصلوات‪ ،‬ويف الثلث األخير من الليل‪ ،‬وعند الفطر من الصوم‪ ،‬ويف الطواف‪،‬‬
‫وعلى الصفا والمروة‪ ،‬ويف عرفات‪ ،‬ومزدلفة‪ ،‬وبعد رمي الجمرات‪.‬‬
‫ويكون التوسل بذكر الحال‪ ،‬وإظهار االفتقار إلى اهلل‪ ،‬وأن العبد محتاج‬
‫إلى عون اهلل ورحمته‪ ،‬قال تعالى مخربًا عن موسى ‪ ‬أنه قال‪( :‬ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [القصص‪ ،]24 :‬وقال جل ثناؤه يف نبي اهلل أيوب‬
‫‪ ‬أنه دعا فقال‪( :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [األنبياء‪.]83 :‬‬
‫ويكون التوسل بأن يطلب المسلم من الرجل الصالح الحي الحاضر أن‬
‫يدعو له‪ ،‬كما طلب إخوة يوسف من أبيهم ‪ S‬يستغفر لهم‪ ،‬قال اهلل‬
‫تعالى مخربًا عن ذلك‪( :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [يوسف‪:‬‬

‫‪ ،]97‬وقال تعالى‪( :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬


‫‪ .]64‬وعن‬ ‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء‪:‬‬

‫ْت مِ ْل َح َ‬
‫ان‪َ ،‬قا َل ْت‪ :‬نَا َم النَّبِ ُّي ﷺ َي ْو ًما‬ ‫أنس بن مالك‪َ ،‬عن َخا َلتِ ِه ُأم حرا ٍم بِن ِ‬
‫ِّ َ َ‬ ‫ْ‬
‫َاس ِم ْن ُأ َّمتِي‬
‫«أن ٌ‬‫اس َت ْي َق َظ َي َت َب َّس ُم‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬ما َأ ْض َح َك َك؟ َق َال‪ُ :‬‬ ‫ِ‬
‫َق ِري ًبا منِّي‪ُ ،‬ث َّم ْ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2272‬ومسلم (‪.)2743‬‬


‫‪320‬‬

‫وك َع َلى األَ ِس َّر ِة»‪َ ،‬قا َل ْت‪:‬‬ ‫ون ه َذا البحر األَ ْخ َضر كَا ْلم ُل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُعرِ ُضوا َع َل َّي َي ْر َك ُب َ َ‬
‫اهَّلل َأ ْن َي ْج َع َلنِي مِن ُْه ْم َفدَ َعا َل َها‪ُ ،‬ث َّم نَا َم ال َّثانِ َيةَ‪َ ،‬ف َف َع َل مِ ْث َل َها‪َ ،‬ف َقا َل ْت مِ ْث َل‬
‫َفا ْد ُع َ‬
‫ْت ِم َن‬ ‫«أن ِ‬‫اهَّلل َأ ْن َي ْج َع َلنِي مِن ُْه ْم‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َق ْول َها‪َ ،‬ف َأ َجا َب َها م ْث َل َها‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪ :‬ا ْد ُع َ‬
‫ِ‬
‫ين»(((‪.‬‬ ‫األَ َّول َ‬
‫ولما فسر النبي ﷺ صفة السبعين أل ًفا الذين يدخلون الجنة بال‪ ‬حساب‪،‬‬
‫اش ُة ‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ا ْد ُع اهللَ َأ ْن َي ْج َع َلنِي ِمن ُْه ْم»(((‪.‬‬
‫َقا َم ُع َّك َ‬
‫َان إِ َذا َق َح ُطوا‬ ‫وعن أنس ‪ ‬أن عمر بن الخطاب ‪« ‬ك َ‬
‫ب‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ال َّل ُه َّم إِنَّا ُكنَّا َنت ََو َّس ُل إِ َل ْي َك‬ ‫اس ْب ِن َع ْب ِد الم َّطلِ ِ‬ ‫است َْس َقى بِال َع َّب ِ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اسقنَا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ُي ْس َق ْو َن»(((‪ ،‬فعدل‬ ‫بِنَبِ ِّينَا َفت َْسقينَا‪َ ،‬وإِنَّا َنت ََو َّس ُل إِ َل ْي َك بِ َع ِّم َنبِ ِّينَا َف ْ‬
‫الصحابة ‪ ‬عن االستسقاء والتوسل بدعاء الرسول ﷺ ‪-‬لكونه‬
‫قد مات‪ -‬إلى التوسل بدعاء العباس ‪‬؛ ألهنم يعلمون أن هذا من‬
‫التوسل المشروع‪ ،‬فعمر ‪ ‬يقصد التوسل بدعاء العباس‪ ،‬وليس‬
‫بالعباس نفسه؛ ألنه لو كان المقصود التوسل بالعباس نفسه لكان النبي‪ ‬ﷺ‬
‫أولى بذلك‪.‬‬
‫وال يجوز التوسل بغير ما شرع اهلل‪ ،‬فقد كان أهل الجاهلية يتقربون‬
‫إلى اهلل بالتوسل إليه بأوثاهنم وآلهتهم‪ ،‬قال تعالى مخربًا عن شنيع فعلهم‪:‬‬
‫(ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ)‬

‫[الزمر‪.]3 :‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)2799‬ومسلم (‪ ،)1912‬وأبو داود (‪ ،)2490‬والنسائي (‪،)3172‬‬


‫وابن‪ ‬ماجه (‪.)2776‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)218‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)1010‬‬
‫كتـاب‬
‫ما يـضـاد أصل اإليمــان‬
‫أو يـضـاد كمــاله‬
‫‪322‬‬

‫ملخص الكتاب‬

‫ونعلم أن مما يضاد اإليمان باهلل‪ :‬الكفر باهلل‪.‬‬


‫والكفر يكون أكبر وأصغر‪ ،‬واألكرب ُم ْخرج من الملة‪ ،‬وال يقبل اهلل من‬
‫صاحبه صر ًفا وال عدلاً ‪ ،‬وهو ُم ْحبط لجميع األعمال‪ ،‬والكافر خالد مخ َّلد‬
‫يف النار‪ .‬أما األصغر فيضاد كمال اإليمان‪.‬‬
‫ونعلم أن الكفر األكبر أنواع‪ ،‬أخرب اهلل عنها يف كتابه‪ ،‬وذكر أن كفر‬ ‫أنواع الكفر‬
‫األكــــــرب‬
‫واستكبارا عن الحق‪،‬‬
‫ً‬ ‫الكافرين تارة يكون جحو ًدا‪ ،‬وتارة يكون امتنا ًعا‬
‫وتارة يكون تكذي ًبا‪ ،‬وال فرق بين التكذيب باللسان‪ ،‬والتكذيب بالقلب‪،‬‬
‫وتارة يكون ش ًّكا وظنًّا‪ ،‬فهو مرتدد يف أمر الحق ٌّ‬
‫شاك يف البعث ولقاء اهلل‪،‬‬
‫إعراضا وصدًّ ا عن سبيل اهلل‪ ،‬وتارة‬
‫ً‬ ‫وتارة يكون س ًّبا واستهزا ًء‪ ،‬وتارة يكون‬
‫بغضا للحق‪.‬‬
‫يكون ً‬
‫كفرا دون الكفر األكبر‪ ،‬وهو الكفر األصغر‪،‬‬ ‫ونعلم أن من الكفر ً‬ ‫الكفــــر‬
‫األصغــر‬
‫وال‪ ‬يضاد أصل اإليمان‪ ،‬ولكنه يضاد كماله‪ ،‬وهو ال يخلد صاحبه يف النار‪،‬‬
‫وال يحبط جميع األعمال‪ ،‬وهو أنواع كثيرة‪.‬‬
‫ومنه‪ :‬قتال المسلم‪ ،‬فهذا كفر ال ُيخرج من الملة‪ ،‬وال ُيخلد صاحبه‬
‫يف النار؛ ألن اهلل سمى المؤمنين المتقاتلين إخوانًا فسماهم مؤمنين‪ ،‬وهم‬
‫يتقاتلون‪.‬‬
‫‪323‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫ونعلم أن مما يضاد اإليمان باهلل‪ :‬الشرك باهلل العظيم ‪ -‬وهو أعظم الظلم‬
‫‪ -‬والشرك يحبط جميع األعمال‪ ،‬والشرك ال يغفر اهلل لصاحبه إذا مات ولم‬
‫يتب‪ ،‬والمشرك إذا مات ولم يتب فالجنة عليه حرام‪ ،‬ومأواه جهنم خالدً ا‬
‫فيها‪.‬‬
‫إبطــال‬ ‫وقد أبطل اهلل الشرك‪ ،‬ونعى على المشركين شركهم‪ ،‬وبين فساد‬
‫الشــرك‬
‫اتخاذهم األنداد‪ ،‬وأهنا ال تنفع‪ ،‬وال تضر‪ ،‬فتارة يبين أن هؤالء الشركاء ال‬
‫يسمعون‪ ،‬ولو سمعوا ما استجابوا لمن دعاهم‪ .‬وتارة يبين الحق أن هؤالء‬
‫الشركاء ال ينفعون وال يضرون‪ ،‬وال يملكون مو ًتا وال حياة‪ .‬وتارة يبين‬
‫الحق أن هؤالء المعبودين من دون اهلل أنقص ممن عبدها؛ ألهنا ال تمشي‪،‬‬
‫وال تبطش‪ ،‬وال تسمع‪ ،‬وال ترى‪ .‬وتارة يبين المولى عز شأنه عجز هذه‬
‫المعبودات وضعفها‪ ،‬وتارة يحكم عليها المولى عز شأنه بالفقر والق ّلة‪،‬‬
‫وأهنا ال تملك مثقال ذرة يف السموات وال يف األرض مل ًكا تا ًّما‪ ،‬وال تملك‬
‫ظهيرا ومعينًا هلل ‪،‬‬
‫ً‬ ‫شراكة يف شيء من ذلك‪ ،‬وليس شيء منها‬
‫وال شفي ًعا عنده‪ .‬وتارة يبين الحق ‪ ‬أن وجود آلهة مع اهلل ممتنع‬
‫عقلاً ‪ ،‬ومستحيل كونًا‪ ،‬وباطل شر ًعا‪.‬‬
‫أنــواع‬ ‫ونعلم أن الرشك األكرب أنواع كثرية‪:‬‬
‫الشـرك‬
‫األكــرب‬ ‫ٌ‬
‫شريك يف ربوبيته وخلقه وملكه ورزقه وتدبيره‪،‬‬ ‫•منها‪ :‬أن ُي ْجعل مع اهلل‬
‫وبين الحق أنه هو المتفرد سبحانه بالخلق واألمر‪.‬‬
‫كبيرا‪.‬‬
‫علوا ً‬
‫•ومنها‪ :‬أن يجعل العبد هلل ولدً ا ‪-‬تعالى اهلل عن ذلك ًّ‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬االستسقاء‬
‫ً‬ ‫•ومنها‪ :‬اإليمان بالكواكب وعبادهتا‪ ،‬ومن ذلك‬
‫بالنجوم‪ ،‬واعتقاد أهنا تجلب الرزق‪.‬‬
‫‪324‬‬

‫•ومنها‪ :‬أن يجعل مع اهلل شري ًكا يف أسمائه أو صفاته ‪ ،‬كمن‬


‫يزعم أن أحدً ا غير اهلل يعلم الغيب‪ .‬وقد جاء الوعيد الشديد على‬
‫من سمى نفسه‪ ،‬أو سمى غيره باسم من أسماء اهلل التي ال تنبغي إال‬
‫هلل كلفظ الجاللة «اهلل»‪ ،‬أو «الرحمن»‪.‬‬
‫متصف بالكمال اإللهي‪ ،‬أو أنه على‬
‫ٌ‬ ‫•ومنها‪ :‬أن يعتقد أن أحدً ا من الخلق‬
‫كل شيء قدير‪ ،‬كيف؟! وقد أبان ‪ ‬عن العجز التام‬
‫للعابدين والمعبودين من دونه‪.‬‬
‫•ومنها‪ :‬أن يجعل مع اهلل آلهة أخرى‪.‬‬
‫•ومنها‪ :‬أن يصرف العبادة أو جز ًءا منها لغير اهلل‪.‬‬
‫•ومنها‪ :‬الذبح لغير اهلل على سبيل التقرب‪ ،‬كمن يذبح لألصنام أو الموتى‬
‫تقربا إليهم‪.‬‬
‫•ومنها‪ :‬النذر لغير اهلل‪ ،‬والنذر عبادة هلل ال يجوز صرفه لغير اهلل؛ ولذا مدح‬
‫اهلل المؤمنين الذين يوفون بالنذر‪.‬‬
‫•ومنها‪ :‬االستعاذة بغير اهلل‪.‬‬
‫•ومنها‪ :‬االستغاثة واالستعانة بغير اهلل فيما ال يقدر عليه إال اهلل‪ ،‬أو دعاء‬
‫غير اهلل تعالى‪.‬‬
‫•ومنها‪ :‬شرك الطاعة لغير اهلل‪ ،‬وذكر اهلل أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم‬
‫ورهباهنم أربا ًبا يشرعون لهم‪ ،‬ويحرمون عليهم ما أحل اهلل لهم‪.‬‬
‫•ومنها‪ :‬الشرك يف الصالة والركوع والسجود والطواف؛ ذلك أن هذه‬
‫العبادات وأمثالها ال يجوز صرفها لغير اهلل‪ ،‬وأمر اهلل خليله‬
‫والركَّع السجود‪ ،‬وذكر‬
‫‪ ‬أن يطهر بيته للطائفين والعاكفين ُّ‬
‫‪325‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫اهلل أنه ال يستنكف عن عبادته إال المتكربون‪ ،‬وذكر اهلل أن كل‬


‫المخلوقات تسجد هلل‪.‬‬
‫•ومنها‪ :‬الحكم بغير ما أنزل اهلل‪ ،‬والتحاكم إلى غير اهلل‪ ،‬كما فعل أهل‬
‫الكتاب وغيرهم؛ حيث جعلوا هلل شركاء يشرعون لهم الشرائع‪،‬‬
‫ظلما‪ ،‬وتارة يكون فسو ًقا‪.‬‬
‫كفرا‪ ،‬وتارة يكون ً‬
‫وهذا تارة يكون ً‬
‫•ومنها‪ :‬شرك المحبة‪ ،‬وهي أن يحب المرء مخلو ًقا محبة مقرتنة بالذل‬
‫والتعظيم والخضوع‪.‬‬
‫•ومنها‪ :‬شرك الخوف والخشية‪ ،‬وهو أن يخشى أو يخاف من مخلوق خو ًفا‬
‫مقرتنًا بالخضوع والذل والتعظيم‪ ،‬كأن يخافـه أن ُينْزل به البالء‪،‬‬
‫أو يمنع عنه الخير‪ ،‬أو أن يرتك ألجله واج ًبا‪ ،‬أو أن يفعل ألجله‬
‫محر ًما على سبيل التقرب‪ ،‬وبين الحق جل يف عاله أن أهل واليته‬
‫ال يخشون إال اهلل ‪.‬‬
‫•ومنها‪ :‬شرك الرجاء‪ ،‬وهو كمن يرجو من مخلوق حي حاضر أو غائب ما‬
‫ال يقدر عليه إال اهلل‪ ،‬أو يرجو من األموات تفريج الكربات وقضاء‬
‫الحاجات والشفاعة يوم القيامة‪.‬‬
‫•ومنها‪ :‬السحر‪.‬‬
‫•ومنها‪ :‬الكهانة والعرافة؛ ألن من يدّ عيها يدعي علم الغيب‪.‬‬
‫أنـــواع‬ ‫ونعلم أن من الشرك شركًا أصغر ال يخرج من الملة‪ ،‬وال يضاد أصل‬
‫الشــرك‬
‫األصـغر‬ ‫اإليمان‪ ،‬ولكنه يضاد كماله‪ ،‬وهو ال يخلد صاحبه يف النار‪ ،‬وال‪ ‬يحبط جميع‬
‫األعمال‪ ،‬وهو أنواع كثيرة‪.‬‬
‫‪326‬‬

‫•ومنه‪ :‬ال ِّط َيرة‪ ،‬وحدُّ الطيرة ‪-‬كما يف الحديث ‪ -‬ما أمضاك أو ردك‪.‬‬
‫•ومنه‪ :‬تعليق التمائم‪.‬‬
‫•ومنه‪ :‬يسير الرياء‪ ،‬أما من امتأل قلبه من الرياء‪ ،‬وصار يعمل الصالحات‬
‫بال نية وال إيمان وال خشية‪ ،‬فهو المنافق الخالص‪ ،‬وعمله حابط‬
‫السرائر‪ ،‬وبين ﷺ‬
‫مردود غير مقبول‪ ،‬والرسول ﷺ سماه شرك َّ‬
‫أن الرياء خفي جدًّ ا‪ ،‬وأنه ﷺ كان يخافه على أمته أشد من خوفه‬
‫عليها من المسيح الدجال‪.‬‬
‫•ومنه‪ :‬إرادة اإلنسان بعمله الدنيا‪ ،‬وهذا مرتدد بين أن يكون شركًا أكرب‪،‬‬
‫وأن يكون أصغر بحسب ما يقوم يف قلب العبد‪.‬‬
‫•ومنه‪ :‬التنجيم‪ ،‬والتنجيم قد يكون شركًا أكرب‪ ،‬وقد يكون شركًا أصغر‬
‫بحسب ما يقوم بالقلب‪.‬‬
‫•ومنه‪ :‬قول الرجل‪ :‬ما شاء اهلل وشئت وما شاهبها من األلفاظ‪.‬‬
‫•ومنه‪ :‬الحلف بغير اهلل‪.‬‬
‫ونعلم أن مما يضاد اإليمان باهلل‪ :‬النفاق‪ ،‬وهو إظهار اإلسالم‪ ،‬وإخفاء‬ ‫النفـــاق‬

‫الكفر‪ ،‬وهو أكرب وأصغر‪ ،‬والنفاق هو الكفر‪ ،‬أن يكفر باهلل ويعبد غيره‪،‬‬
‫ويظهر اإلسالم يف العالنية‪ ،‬مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول‪ ‬اهلل‬
‫ﷺ‪ ،‬والنفاق األكرب مخرج من الملة‪ ،‬ونشهد بشهادة اهلل أن المنافقين‬
‫كاذبون يف دعواهم اإليمان‪.‬‬
‫وال يقبل اهلل من المنافق صر ًفا وال عدلاً ‪ ،‬ومآل المنافق ‪ -‬إن مات على‬
‫النفاق ‪ -‬الخلود يف النار‪.‬‬
‫‪327‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫فرحا‬
‫بغضا للحق وكراهية له‪ ،‬ويكون ً‬ ‫ونعلم أن النفاق األكبر يكون ً‬
‫كفرا بعد‬‫نصرا لإلسالم‪ .‬ويكون ً‬‫هبزيمة اإلسالم وأهله‪ ،‬وحسرة إن رأوا ً‬
‫وإعراضا عن قبول التحاكم إلى الشرع‪ .‬ويكون ظنًّا باهلل ظن السوء‬
‫ً‬ ‫إيمان‪،‬‬
‫أنه لن ينصر نبيه ﷺ ودينه‪ ،‬ويكون سخرية من الحق وأهله‪ ،‬وس ًّبا لهم‬
‫لمزا للمسلمين ‪ -‬ويكون مخادعة ألهل اإليمان‬ ‫واستهزا ًء هبم ‪ -‬ويكون ً‬
‫وريا ًء باألعمال‪.‬‬
‫وأمر اهلل نبيه ﷺ والمؤمنين بجهاد المنافقين‪.‬‬
‫ونعلم أن النفاق األصغر ال يخرج من الملة‪ ،‬وال يحبط العمل‪ ،‬وال‬
‫يخلد صاحبه يف النار‪ ،‬وال يضاد أصل اإليمان ولكنه يضاد كماله‪ ،‬وأن‬
‫النفاق شعب أربع‪ ،‬من ك ّن فيه كان مناف ًقا‪ ،‬ومن كانت فيه خصلة من هذه‬
‫األربع كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها‪ :‬إذا حدث كذب‪ ،‬وإذا وعد‬
‫أخلف‪ ،‬وإذا عاهد غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر‬
‫* والبدعة كلها ضاللة‪.‬‬
‫وأتم علينا النعمة‪ .‬ومما يضاد كمال‬
‫ونؤمن أن اهلل قد أكمل لنا الدين‪َّ ،‬‬
‫اإليمان البدع يف الدين‪ ،‬ونعلم أن اهلل هنى عن التفرق واالختالف‪.‬‬
‫ونعلم أن من البدع تعظيم القبور والبناء عليها‪ ،‬وقد تصل إلى الشرك‪،‬‬
‫ومن البدع تصوير الصالحين رجاء االقتداء هبم بعد مماهتم‪.‬‬
‫ونعلم أن من البدع المنكرة‪ :‬االحتفاالت البدعية ومشاركة الكفار‬
‫أعيادهم‪.‬‬
‫ونعلم أن من البدع المنكرة‪ :‬طلب الربكة مما لم يجعله اهلل سب ًبا مباركًا‪،‬‬
‫وهذا قد يكون سب ًبا إلى الشرك‪.‬‬
‫‪328‬‬

‫بــاب‬
‫الكفر باهلل‬
‫نعلم أن مما يضاد اإليمان باهلل‪ :‬الكفر باهلل‪ ،‬وهو أكرب وأصغر‪ ،‬والكفر‬
‫األكرب يضاد أصل اإليمان‪ ،‬والكفر األصغر يضاد كماله‪ ،‬واألكرب مخرج من‬
‫الملة‪ ،‬وال يقبل اهلل من صاحبه صر ًفا وال عدلاً ‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [آل عمران‪ ،]85 :‬وقال‬
‫تعالى‪( :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [آل عمران‪،]91 :‬‬
‫وقال الحق جل يف عاله‪( :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [البقرة‪ .]48 :‬والكفر محبط لجميع‬
‫األعمال‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫ﰅ ﰆ ﰇ) [المائدة‪ ،]5 :‬وعن ابن عباس ‪ ‬قوله‪( :‬ﯽ ﯾ‬
‫ِ‬
‫ان ُه َو ا ْل ُع ْر َو ُة‬
‫يم َ‬‫اهَّلل ُس ْب َحا َن ُه َأ َّن الإْ َ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ)‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬أ ْخ َب َر ُ‬
‫ا ْلو ْث َقى‪َ ،‬و َأ َّن ُه لاَ َي ْق َب ُل َع َملاً إِ اَّل بِ ِه‪َ ،‬ولاَ‪ُ  ‬ي َح ِّر ُم ا ْل َجنَّ َة إِ اَّل َع َلى َم ْن َت َر َك ُه»(((‪.‬‬
‫والكافر خالد مخلد يف النار‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ‪ ‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [النساء‪.]169 ،168 :‬‬
‫والكفر األكبر أنواع‪ ،‬أخرب اهلل عنها يف كتابه‪ ،‬وذكر أن كفر الكافرين‬ ‫أنواع الكفر‬
‫األكـــــرب‬

‫((( تفسير الطبري (‪ )113/3‬و (‪ .)593/9‬وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (‪،)1307‬‬
‫ولكن في تفسير قوله‪( :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)‪.‬‬
‫‪329‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫تارة‪ ‬يكون جحو ًدا قال تعالى‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ‬


‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [األنعام‪ ،]33 :‬وقال الحق‬
‫جل شأنه‪( :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [لقمان‪ ،]32 :‬وقال عز‬
‫من قائل‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ) [النمل‪.]14 :‬‬
‫واستكبارا عن الحق‪ ،‬قال تعالى يف إبليس‬
‫ً‬ ‫وتارة يكون الكفر امتنا ًعا‬
‫‪-‬وهو إمام الكافرين‪( :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫‪ .]34‬وقال نوح‪( :‬ﯠ ﯡ‬ ‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [البقرة‪:‬‬

‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬
‫ﯭ) [نوح‪.]7 :‬‬
‫وتارة يكون الكفر تكذي ًبا‪ ،‬كما قال اهلل يف األمم السابقة‪( :‬ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)‬

‫[آل‪ ‬عمران‪ ،]11 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [االنشقاق‪.]22 :‬‬


‫وال‪ ‬فرق بين أن يكون التكذيب باللسان‪ ،‬وأن يكون بالقلب‪ ،‬قال الحق‬
‫يف المنافقين‪( :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الحشر‪ ،]11 :‬وقال عز شأنه‪( :‬ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ) [المنافقون‪.]1 :‬‬
‫وتارة يكون الكفر ش ًّكا وظنًّا‪ ،‬فهو مرتدد يف أمر الحق‪ ،‬شاك يف البعث‬
‫ولقاء اهلل‪ ،‬قال تعالى مخربًا عن صاحب الجنة أنه قال‪( :‬ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الكهف‪ ،]36  :‬فقال له‬
‫‪330‬‬

‫(ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ)‬ ‫صاحبه المؤمن‪:‬‬


‫[الكهف‪.]37 :‬‬
‫وتارة يكون الكفر س ًّبا واستهزا ًء‪ ،‬كما قال المولى عز شأنه مخربًا عن‬
‫الكافرين‪( :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [األنعام‪ ،]10 :‬وقال تعالى مخربًا عن قوم نوح‬
‫وسخريتهم به‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [هود‪.]38 :‬‬
‫إعراضا وصدًّ ا عن سبيل اهلل‪ ،‬قال تعالى مخربًا عن‬
‫ً‬ ‫وتارة يكون الكفر‬
‫إعراض الكافرين‪( :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ) [األنبياء‪ ،]24 :‬وقال عز‬
‫شأنه وتقدست أسماؤه‪( :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [األحقاف‪.]3 :‬‬
‫بغضا للحق‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﯦ ﯧ‬
‫وتارة يكون الكفر ً‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [محمد‪.]9 :‬‬
‫كفرا دون الكفر األكرب‪ ،‬وهو الكفر األصغر‪ ،‬وال‬
‫ونعلم أن من الكفر ً‬ ‫الكفــــر‬
‫األصغــر‬
‫يضاد أصل اإليمان‪ ،‬ولكنه يضاد كماله‪ ،‬وال يخلد صاحبه يف النار‪ ،‬وال‬
‫يحبط جميع األعمال‪ ،‬وهو أنواع كثيرة‪.‬‬
‫وق‪َ ،‬و ِقتَا ُل ُه ُك ْف ٌر»(((‪ ،‬ومنه قوله‪ ‬ﷺ‪:‬‬
‫المس ِل ِم ُف ُس ٌ‬
‫اب ْ‬
‫ِ‬
‫ومنه قوله ﷺ‪« :‬س َب ُ‬
‫ب‪ ،‬والنِّياح ُة ع َلى ا ْلمي ِ‬ ‫ِ‬ ‫َان فِي الن ِ‬
‫«ا ْثنَت ِ‬
‫ت»(((‪،‬‬ ‫َ ِّ‬ ‫َّاس ُه َما بِ ِه ْم ُك ْف ٌر‪ :‬ال َّط ْع ُن في الن ََّس ِ َ َ َ َ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)48‬ومسلم (‪ ،)64‬والترمذي (‪ ،)1983‬والنسائي (‪ ،)4108‬وابن‬


‫ماجه (‪.)69‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)67‬‬
‫‪331‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫ِ‬
‫ض»(((‪.‬‬ ‫«ل ت َْر ِج ُعوا َب ْعدي ُك َّف ًارا‪َ ،‬ي ْضرِ ُب َب ْع ُضك ُْم ِر َق َ‬
‫اب َب ْع ٍ‬ ‫وقوله ﷺ‪ :‬اَ‬
‫فهذا الكفر ال ُيخرج من الملة‪ ،‬وال ُيخلد صاحبه يف النار؛ ألن اهلل سمى‬
‫المؤمنين المتقاتلين إخوانًا‪ ،‬فقال تعالى‪( :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ) [الحجرات‪ ،]9 :‬فسماهم مؤمنين وهم يتقاتلون‪ ،‬وقال إمام‬
‫أهل السنة اإلمام أحمد ‪ - ‬بعد أن ساق جملة من هذه األحاديث‬
‫وأمثالها‪« :‬هذه األحاديث التي جاءت‪« :‬ثالث من كن فيه فهو منافق» هذا‬
‫على التغليظ‪ ،‬نرويها كما جاءت‪ ،‬وال نفسرها‪ ...‬ونحوه من األحاديث مما‬
‫وحفظ فإنا نسلم له‪ ،‬وإن لم ُيعلم تفسيرها‪ ،‬وال ُيتكلم فيه‪ ،‬وال‬
‫قد صح ُ‬
‫ُيجادل فيه‪ ،‬وال تفسر هذه األحاديث إال بمثل ما جاءت»(((‪.‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)121‬ومسلم (‪ ،)65‬والنسائي (‪ ،)4131‬وابن ماجه (‪.)3942‬‬


‫((( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (‪.)182 /1‬‬
‫‪332‬‬

‫بــاب‬
‫الشرك باهلل‬
‫نعلم أن مما يضاد اإليمان باهلل‪ :‬الشرك باهلل العظيم‪ ،‬وهو أكرب وأصغر‪،‬‬
‫والشرك األكرب يضاد أصل اإليمان‪ ،‬والشرك األصغر يضاد كماله‪ ،‬والشرك‬
‫األكرب أعظم الظلم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [لقمان‪ .]13 :‬والشرك األكرب يحبط‬
‫جميع األعمال‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الزمر‪ ،]65 :‬وقال عز‪ ‬من قائل‪:‬‬
‫(ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ) [األنعام‪.]88 :‬‬
‫والشرك األكرب ال يغفر اهلل لصاحبه إذا مات ولم يتب منه‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫(ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء‪ .]48 :‬والمشرك إذا مات ولم يتب فالجنة حرام‬
‫عليه‪ ،‬ومأواه جهنم خالدً ا فيها‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ) [المائدة‪ .]72 :‬وعن جابر ‪َ ‬ق َال‪:‬‬
‫ِ ِ‬ ‫َأ َتى النَّبِي ﷺ رج ٌل‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ات اَل‬ ‫ول اهلل‪َ ،‬ما ا ْل ُموج َبتَان؟ َف َق َال‪َ :‬‬
‫«م ْن َم َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُي ْشرِ ُك بِاهلل َش ْيئًا َد َخ َل ا ْل َجنَّةَ‪َ ،‬و َم ْن َم َ‬
‫ات ُي ْشر ُك باهلل َش ْيئًا َد َخ َل الن ََّار» ‪.‬‬
‫(((‬

‫وقد أبطل اهلل الشرك‪ ،‬ونعى على المشركين شركهم‪ ،‬وبين فساد اتخاذهم‬ ‫إبطـــال‬
‫الشــرك‬
‫األنداد‪ ،‬وأهنا ال تنفع وال تضر‪ ،‬فتارة يبين أن هؤالء الشركاء ال‪ ‬يسمعون‪،‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)93‬‬


‫‪333‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫ولو سمعوا ما استجابوا لمن دعاهم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮆ ﮇ ﮈ‬


‫ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ‬
‫ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [فاطر‪ .]14 ،13 :‬فبين الحق‬
‫أهنم ال يملكون أي شيء‪ ،‬وال يسمعون لمن دعاهم‪ ،‬ويوم القيامة يكفرون‬
‫بشركهم‪.‬‬
‫وتارة يبين الحق أن هؤالء الشركاء ال ينفعون وال يضرون‪ ،‬وال يملكون‬
‫مو ًتا وال حياة‪ ،‬كما قال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫ﭥ ﭦ) [الفرقان‪ ،]3 :‬وقال عز شأنه‪( :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ) [الشعراء‪.]73 ،72 :‬‬
‫نقصا ممن‬
‫وتارة يبين الحق أن هؤالء المعبودين من دون اهلل أعظم ً‬
‫عبدها؛ ألهنا ال تمشي‪ ،‬وال تبطش‪ ،‬وال تسمع‪ ،‬وال ترى‪ ،‬فهي‪« :‬خالية من كل‬
‫هذه األشياء التي هبا يوصل إلى اجتالب النفع ودفع الضر»(((‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫(ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [األعراف‪.]195 :‬‬
‫وتارة يبين المولى عز شأنه عجز هذه المعبودات وضعفها‪ ،‬قال الحق‬
‫جل يف عاله‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الحج‪ ،]73 :‬وقال عز من قائل‪:‬‬
‫(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ)‬

‫[األعراف‪.]197 :‬‬

‫((( تفسير الطبري (‪.)322/13‬‬


‫‪334‬‬

‫وتارة يحكم عليها المولى عز شأنه بالفقر والقلة‪ ،‬وأهنا ال تملك مثقال‬
‫ذرة يف السموات وال يف األرض مل ًكا تا ًّما‪ ،‬وال تملك شراكة يف شيء من‬
‫ظهير‪ ،‬وال معين‪ ،‬وال شفيع عنده‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ذلك‪ ،‬وليس هلل تعالى منها‬
‫(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﭑﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [سبأ‪.]23 ،22 :‬‬
‫وتارة يبين الحق ‪ ‬أن وجود آلهة مع اهلل ممتنع عقلاً ‪،‬‬
‫ومستحيل كونًا‪ ،‬وباطل شر ًعا‪ ،‬قال اهلل تعالى‪( :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫‪ ،]22‬وقال اهلل عز شأنه‬ ‫ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [األنبياء‪:‬‬

‫وتعالى مجده وسلطانه‪( :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬


‫ﮉ) [اإلسـراء‪ .]42 :‬وقال الحق عز شأنه‪( :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ) [المؤمنون‪.]91 :‬‬
‫ونعلم أن الرشك األكرب أنواع كثرية‪:‬‬ ‫أنـــواع‬
‫الشــرك‬
‫فمن أنواعه‪ :‬أن ُي ْج َع َل مع اهلل شريك يف ربوبيته وخلقه وملكه ورزقه‬ ‫األكــرب‬

‫وتدبيره‪ ،‬قال الحق مخربًا عن شركهم‪( :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬


‫منكرا‬
‫ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الرعد‪ ،]16 :‬وقال تعالى ً‬
‫على من جعـل هلل شري ًكا من الخلق‪ ،‬وهو مخلوق ال يخلق‪( :‬ﯩ ﯪ‬
‫[لقمان‪:‬‬ ‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ)‬
‫‪ ،]11‬وبين الحق أنه هو المتفرد ‪ ‬بالخلق واألمر‪ ،‬فقال جل‬
‫شأنه‪( :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫‪335‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ‬
‫ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [األعراف‪.]54  :‬‬
‫كبيرا‪ -‬قال‬ ‫ومن أنواعه‪ :‬أن ُي ْج َع َل هلل ولدٌ ‪-‬تعالى اهلل عن ذلك ًّ‬
‫علوا ً‬
‫المولى عز شأنه‪( :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ) [التوبة‪ ،]30 :‬وقال‬
‫عز من قائل‪( :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [األنعام‪ ،]100 :‬وقال الحق ‪:‬‬
‫(ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الزخرف‪.]16 ،15 :‬‬
‫ومن أنواعه‪ :‬اإليمان بالكواكب وعبادتها‪ ،‬قال تعالى مخربًا عن إبراهيم‬
‫الخليل ‪ ‬أنه حاج قومه يف عبادة الكواكب‪( :‬ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ‬
‫ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ‬
‫ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉ) [األنعام‪.]81-75 :‬‬
‫‪336‬‬

‫‪-‬أيضا‪ :‬االستسقاء بالنجوم‪ ،‬واعتقاد أهنا تجلب الرزق‪ ،‬قال‬


‫ً‬ ‫ومن ذلك‬
‫تعالى‪( :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الواقعة‪ .]82 :‬وعن ابن عباس ‪‬‬
‫«أ ْص َب َح ِم َن الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫َّاس َع َلى َع ْه ِد النَّبِي ﷺ‪َ ،‬ف َق َال النَّبِي ﷺ‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬مطِ‬
‫ُ‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫َشاكِ ٌر‪َ ،‬و ِمن ُْه ْم كَافِ ٌر‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬ه ِذ ِه رحمة اهلل‪َ ،‬و َق َال َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬ل َقدْ َصدَ َق ن َْو ُء‬
‫ت َهذه الآْ َيةُ‪( :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الواقعة‪:‬‬
‫ك ََذا وك ََذا»‪َ .‬ق َال‪َ :‬فن ََز َل ْ ِ ِ‬
‫َ‬
‫‪َ ،]75‬حتَّى َب َل َغ‪( :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الواقعة‪.(((]82 :‬‬
‫اه ِل َّي ِة‪ ،‬اَل َيت ُْركُون َُه َّن‪ :‬ا ْل َفخْ ُر فِي‬ ‫«أربع فِي ُأمتِي ِمن َأمرِ ا ْلج ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َّ‬ ‫وقال ﷺ‪ٌ َ ْ َ :‬‬
‫ِ‬ ‫اب‪َ ،‬وال َّط ْع ُن فِي أْالَن َْس ِ‬
‫احةُ»(((‪.‬‬ ‫اب‪َ ،‬و اْال ْست ْس َقا ُء بِالن ُُّجومِ‪َ ،‬والنِّ َي َ‬ ‫أْالَ ْح َس ِ‬

‫ول اهَّللِ ﷺ‬ ‫وعن زيد بن خالد الجهني ‪ ‬أنه قال‪َ :‬ص َّلى َلنَا َر ُس ُ‬
‫صلاَ َة الصبحِ بِالحدَ يبِي ِة َع َلى إِ ْث ِر سم ٍ‬
‫اء كَان َْت مِ َن ال َّل ْي َل ِة‪َ ،‬ف َل َّما ان َْص َر َ‬
‫ف َأ ْق َب َل‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫َ‬
‫اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪،‬‬
‫ون َما َذا َق َال َر ُّبك ُْم؟» َقا ُلوا‪ُ :‬‬ ‫«ه ْل تَدْ ُر َ‬‫َّاس‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫َع َلى الن ِ‬
‫ادي مؤ ِمن بِي وكَافِر‪َ ،‬ف َأما من َق َال‪ :‬مطِرنَا بِ َف ْض ِل اهَّلل ِ‬ ‫«أصبح ِمن ِعب ِ‬
‫ُ ْ‬ ‫َ ٌ َّ َ ْ‬ ‫ُْ ٌ‬ ‫َق َال‪َ ْ َ َ ْ َ :‬‬
‫َب‪َ ،‬و َأ َّما َم ْن َق َال‪ :‬بِن َْو ِء ك ََذا َوك ََذا‪،‬‬ ‫ك ُم ْؤ ِم ٌن بِي َوكَافِ ٌر بِالك َْوك ِ‬ ‫َو َر ْح َمتِ ِه‪َ ،‬ف َذلِ َ‬
‫َب»(((‪.‬‬ ‫ك كَافِ ٌر بِي َو ُم ْؤ ِم ٌن بِالك َْوك ِ‬ ‫َف َذلِ َ‬
‫ومن أنواعه‪ :‬أن ُي ْج َع َل مع اهلل شريك يف أسمائه أو صفاته ‪‬‬
‫كمن يزعم أن أحدً ا غير اهلل يعلم الغيب‪ ،‬واهلل أمر نبيه ﷺ أن يقول‪( :‬ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ) [األنعام‪ ،]50 :‬وقال‬
‫الحق جل يف عاله‪( :‬ﯿ ﰀ ﰁ) [يونس‪ .]20 :‬وعن أبي هريرة ‪‬‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪ ،)73‬والطبري في التفسير (‪.)154/23‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)934‬وابن ماجه (‪.)1581‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)846‬ومسلم (‪ ،)71‬وأبو داود (‪ ،)3906‬والنسائي (‪.)1525‬‬
‫‪337‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫وسى فِي َح ِديثِ ِه ‪َ -‬ف َصدَّ َق ُه بِ َما‬ ‫ِ‬ ‫َأ َّن رس َ ِ‬


‫«م ْن َأتَى كَاهنًا ‪َ -‬ق َال ُم َ‬ ‫ول اهَّلل ﷺ َق َال‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬
‫ول ‪ُ -‬ث َّم ا َّت َف َقا‪َ -‬أ ْو َأتَى ْام َر َأ ًة ‪َ -‬ق َال ُم َسدَّ ٌد‪ْ :‬ام َر َأ َت ُه ‪َ -‬حائِ ًضا‪َ ،‬أ ْو َأتَى ْام َر َأ ًة‬
‫َي ُق ُ‬
‫‪َ -‬ق َال ُم َسدَّ ٌد‪ْ :‬ام َر َأ َت ُه ‪ -‬فِي ُد ُبرِ َها‪َ ،‬ف َقدْ َبرِئَ ِم َّما ُأن ِْز َل َع َلى ُم َح َّم ٍد»(((‪ ،‬وقد‬
‫جاء الوعيد الشديد على من سمى نفسه‪ ،‬أو سمى غيره باسم من أسماء اهلل‬
‫التي ال تنبغي إال هلل‪ ،‬كلفظ الجاللة «اهلل»‪ ،‬أو «الرحمن»‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪:‬‬
‫(ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ) [األعراف‪ ،]180 :‬وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ‬
‫القيام ِة ِعنْدَ اهَّلل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﮪ ﮫ) [طه‪ ،]8 :‬وقال ﷺ َ‬
‫«أ ْخنَى األَ ْس َماء َي ْو َم َ َ‬
‫ك األَ ْملاَ ِك»(((‪.‬‬
‫َر ُج ٌل ت ََس َّمى َم ِل َ‬
‫وقال أبو عبيد ‪« :‬وكان سفيان بن عيينة يفسر قوله‪« :‬ملك‬
‫األمالك»‪ ،‬قال‪ :‬هو مثل قولهم‪ :‬شاهان شاه‪ ،‬أي‪ :‬أنه ملك الملوك‪ .‬وقال‬
‫غير سفيان‪ :‬بل هو أن يتسمى الرجل بأسماء اهلل‪ ،‬كقوله‪ :‬الرحمن‪ ،‬والجبار‪،‬‬
‫والعزيز‪ .‬قال‪ :‬فاهلل هو ملك األمالك‪ ،‬ال يجوز أن تسمي هبذا االسم غيره»(((‪.‬‬
‫ٌ‬
‫متصف بالكمال اإللهي‪ ،‬أو أنه‬ ‫ومن أنواعه‪ :‬أن ُي ْع َت َقدَ أن أحدً ا من الخلق‬
‫على كل شيء قدير‪ ،‬قال الحق جل يف عاله‪( :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)‬

‫[اإلخالص‪ ،]4 :‬وقال ‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬


‫ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [مريم‪ ،]65 :‬وقال تعالى مخربًا عن كمال‬
‫قدرته‪( :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [البقرة‪ ،]148 :‬وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﰌ‬

‫(( ( أخرجه أبو داود (‪ ،)3904‬والترمذي (‪ ،)135‬وابن ماجه (‪ ،)639‬والفضل بن دكين‬


‫في الصالة (‪ ،)15‬وإسحاق بن راهويه (‪ ،)482‬وأحمد (‪.)9536‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6205‬ومسلم (‪ ،)2143‬وأبو داود (‪ ،)4961‬والترمذي (‪.)2837‬‬
‫((( غريب الحديث‪ ،‬للقاسم بن سالم (‪.)18 /2‬‬
‫‪338‬‬

‫ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ)‬

‫[فاطر‪ .]44 :‬وأبان سبحانه عن العجز التام للعابدين والمعبودين من دونه‪،‬‬


‫فقال عز شأنه وتعالى سلطانه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الحج‪.]73 :‬‬
‫ومن أنواعه‪ :‬أن ُي ْج َع َل مع اهلل آله ٌة أخرى‪ ،‬كما أخرب اهلل عن قوم إبراهيم‬
‫‪ ‬أهنم اتخذوا آلهة من دون اهلل‪ ،‬فقال تعالى‪( :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [األنعام‪،]74 :‬‬
‫وأخرب الحق عن أصحاب الكهف أهنم اعتزلوا قومهم؛ ألهنم اتخذوا من‬
‫دون اهلل آلهة‪ ،‬قال اهلل تعالى وتقدس‪( :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇ) [الكهف‪ ،]15 :‬وقال سبحانه يف قوم موسى ‪ ‬أهنم طلبوا من‬
‫إلها كما للمشركين آلهة‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫موسى أن يجعل لهم ً‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ) [األعراف‪ ،]139 ،138 :‬وقال تعالى مبطلاً عبادة كل معبود من‬
‫دون اهلل‪( :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [المؤمنون‪.]91 :‬‬
‫موضحا‬
‫ً‬ ‫ف العبادة أو جزء منها لغير اهلل‪ ،‬قال تعالى‬
‫ومن أنواعه‪َ :‬ص ْر ُ‬
‫حال المشركين‪( :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ)‬

‫الش ْر ِك‪،‬‬ ‫الشرك ِ‬


‫َاء َع ِن ِّ‬ ‫[األنعام‪ ،]136 :‬وقال ﷺ‪َ « :‬ق َال اهللُ ‪َ :‬أنَا َأ ْغنَى ُّ َ‬
‫‪339‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫َم ْن َع ِم َل َع َملاً َأ ْش َر َك فِ ِيه َم ِعي َغ ْيرِي‪ ،‬ت ََر ْك ُت ُه َو ِش ْر َك ُه»(((‪.‬‬


‫ومن أنواعه‪ :‬الذبح لغير اهلل على سبيل التقرب‪ ،‬كمن يذبح لألصنام أو‬
‫موضحا أن الذبح ال يكون إال هلل‬
‫ً‬ ‫الموتى تقر ًبا إليهم‪ ،‬قال المولى عز شأنه‬
‫(ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [األنعام‪:‬‬ ‫‪:‬‬
‫‪ ،]162‬وقال تعالى‪( :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [النحل‪:‬‬

‫‪ .]115‬وعن أبى الطفيل قال‪ :‬قلنا لعلي بن أبى طالب ‪ :‬أخربنا بشيء‬
‫َّاس‪َ ،‬و َلكِنِّي‬
‫«ما َأ َس َّر إِ َل َّي َش ْيئًا َكت ََم ُه الن َ‬‫أسره إليك رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َس ِم ْع ُت ُه َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ل َع َن اهللُ َم ْن َذ َب َح ل َغ ْيرِ اهلل»(((؛ وألن هذا األمر عظيم جدًّ ا‪ ،‬هنى‬
‫النبي ﷺ عن الذبح بمكان يذبح فيه لغير اهلل‪ ،‬فعن ثابت بن الضحاك ‪‬‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َأ ْن َين َْح َر إِبِلاً بِ ُب َوا َن َة ‪-‬هي هضبة من‬ ‫قال‪« :‬ن ََذر ر ُج ٌل َع َلى َع ْه ِد رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫وراء ينبع قريبة من ساحل البحر‪َ -‬ف َأ َتى النَّبِ َّي ﷺ‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِنِّي ن ََذ ْر ُت َأ ْن َأن َْح َر‬
‫اه ِل َّي ِة ُي ْع َبدُ ؟»‬
‫ان ا ْلج ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِبِلاً بِبوا َنةَ‪َ ،‬ف َق َال النَّبِي ﷺ‪« :‬ه ْل ك َ ِ‬
‫َان ف َيها َو َث ٌن م ْن َأ ْو َث ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َُ‬
‫ول اهَّللِ‬ ‫اد ِه ْم؟»‪َ ،‬قا ُلوا‪ :‬لاَ ‪َ ،‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َان فِيها ِعيدٌ ِمن َأعي ِ‬
‫ْ َْ‬ ‫«ه ْل ك َ َ‬ ‫َقا ُلوا‪ :‬لاَ ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫يما اَل َي ْم ِل ُك ا ْب ُن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﷺ‪ِ َ :‬‬
‫«أ ْوف بِن َْذ ِر َك؛ َفإِ َّن ُه اَل َو َفا َء لن َْذ ٍر في َم ْعص َية اهَّلل‪َ ،‬و اَل ف َ‬
‫آ َد َم»(((‪.‬‬
‫ومن أنواعه‪ :‬النذر لغير اهلل؛ فالنذر عبادة هلل ال يجوز صرفه لغير اهلل؛ ولذا‬
‫مدح اهلل المؤمنين الذين يوفون بالنذر‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ) [اإلنسان‪ ،]7 :‬وقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪.)2985‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)1978‬والنسائي (‪.)4422‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪.)3313‬‬
‫‪340‬‬

‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة‪.]270 :‬‬
‫يع اهَّللَ َف ْل ُيطِ ْع ُه‪َ ،‬و َم ْن ن ََذ َر َأ ْن َي ْع ِص َي ُه َفلاَ َي ْع ِص ِه»(((‪.‬‬‫ِ‬
‫«م ْن ن ََذ َر َأ ْن ُيط َ‬
‫وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫ومن أنواعه‪ :‬االستعاذة بغير اهلل‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ‬قال‪« :‬ك َ‬
‫َان‬
‫اهلِ َّي ِة‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬أ ُعو ُذ‬ ‫ادي فِي ا ْلج ِ‬
‫َ‬
‫يت َأحدُ ُهم بِا ْلو ِ‬
‫ْس َيبِ ُ َ ْ َ‬ ‫ِر َج ٌال مِ َن الإْ ِ ن ِ‬
‫ادي‪َ ،‬ف َزا َد ُه ْم َذل ِ َك إِ ْث ًما»(((‪ ،‬قال تعالى مخربًا عن حال أهل‬
‫بِع ِز ِيز َه َذا ا ْلو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الجاهلية‪( :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الجن‪.]6 :‬‬
‫ات اهلل ِ التَّام ِ‬
‫ات ِم ْن َش ِّر‬ ‫«أعو ُذ بِك َِلم ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫وأخرب النبي ﷺ أن من نزل منزلاً وقال‪ُ َ :‬‬
‫ك»(((‪.‬‬ ‫َح َل ِم ْن َمن ِْزلِ ِه َذلِ َ‬
‫ما َخ َل َق‪َ ،‬لم ي ُضره َشيء حتَّى يرت ِ‬
‫ْ َ َّ ُ ْ ٌ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ومن أنواعه‪ :‬االستغاثة واالستعانة بغير اهلل فيما ال يقدر عليه إال اهلل‪ ،‬أو‬
‫دعاء غير اهلل‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الجن‪،]18 :‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [فاطر‪ ،]14 :‬وقال المولى‬
‫موضحا أن المشركين يستغيثون باهلل إذا مسهم الضر‪ ،‬ثم يعودون‬
‫ً‬ ‫عز شأنه‬
‫إلى شركهم إذا نجاهم اهلل‪( :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [العنكبوت‪ ،]65 :‬وقال عز شأنه‪( :‬ﯫ‬
‫ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ‬
‫ﯼ) [األحقاف‪ ،]5 :‬وقال اهلل تعالى مبينًا أنه هو الذي يغيث الملهوف‬
‫ويكشف الضر‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [النمل‪.]62 :‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)6696‬وأبو داود (‪ ،)3289‬والترمذي (‪ ،)1526‬والنسائي‬


‫(‪ ،)3806‬وابن ماجه (‪.)2126‬‬
‫((( أخرجه الطبري في التفسير (‪.)322 /23‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2708‬والترمذي (‪ ،)3437‬وابن ماجه (‪.)3547‬‬
‫‪341‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫ومن أنواعه‪ :‬شرك الطاعة لغير اهلل‪ ،‬قال تعالى مخربًا عن أهل الكتاب‬
‫أهنم اتخذوا أحبارهم ورهباهنم أربا ًبا يشرعون لهم‪ ،‬ويحرمون عليهم‬
‫ما أحل اهلل لهم‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التوبة‪ ،]31 :‬وقال‪ ‬تعالى‪( :‬ﮭ ﮮ‬
‫‪ .]21‬وأمر‬ ‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الشورى‪:‬‬

‫اهلل عباده باإليمان به والتحاكم إلى شرعه‪ ،‬وبين أن الشيطان يريدهم أن‬
‫يتحاكموا إلى الطاغوت‪ ،‬فقال جل من قائل‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النساء‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب‬ ‫‪ .]60‬وعن عدي بن حاتم ‪ ‬قال‪َ :‬أ َت ْي ُت النَّبِ ّي ﷺ َوفي ُعنُقي َصلِ ٌ‬
‫ور ِة‬
‫«س َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الو َث َن‪َ ،‬و َسم ْع ُت ُه َي ْق َر ُأ في ُ‬
‫ِ‬
‫ب‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َعد ُّي‪ ،‬ا ْط َر ْح َعن َْك َه َذا َ‬ ‫مِ ْن َذ َه ٍ‬
‫َب َرا َءة»‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [التوبة‪:‬‬

‫«أ َما إِن َُّه ْم َل ْم َيكُونُوا َي ْع ُبدُ ون َُه ْم‪َ ،‬و َلكِن َُّه ْم كَانُوا إِ َذا َأ َح ُّلوا َل ُه ْم َش ْيئًا‬
‫‪َ ،]31‬ق َال‪َ :‬‬
‫ْاست ََح ُّلو ُه‪َ ،‬وإِ َذا َح َّر ُموا َع َل ْي ِه ْم َش ْيئًا َح َّر ُمو ُه»(((‪.‬‬
‫ومن أنواعه‪ :‬الشرك يف الصالة والركوع والسجود والطواف؛ ذلك أن‬
‫هذه العبادات وأمثالها ال يجوز صرفها لغير اهلل‪ ،‬وأمر اهلل خليله ‪‬‬
‫والركَّع السجود‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭶ ﭷ‬
‫أن يطهر بيته للطائفين والعاكفين ُّ‬
‫ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ) [الحج‪ ،]26 :‬وأمر الحق أن يكون السجود‬

‫((( أخرجه الترمذي (‪ ،)3095‬وابن سعد (‪ ،)219 /6‬وابن أبي حاتم في التفسير‬
‫(‪ ،)10057‬والطبراني في الكبير (‪.)218 /92 /17‬‬
‫‪342‬‬

‫له وحده ‪ ،‬فقال جل من قائل‪( :‬ﯞ‪ ‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬


‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [فصلت‪ .]37 :‬وال‬
‫يستنكف عن عبادته إال المتكربون‪ ،‬قال الحق ‪( :‬ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [ص‪ ،]75 :‬وذكر‬
‫اهلل أن سائر المخلوقات تسجد له‪ ،‬فقال عز من قائل‪( :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [النحل‪.]49 :‬‬
‫ويف خرب جعفر ‪ ‬عندما دخل على النجاشي‪ ،‬فقال جعفر‪َ « :‬أنَا‬
‫اش ِّي َف َل ْم َي ْس ُجدُ وا َل ُه َف َق َال‪:‬‬ ‫َخطِيب ُكم ا ْليوم‪َ ،‬فا َّتبعوه حتَّى د َخ ُلوا َع َلى النَّج ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫ُ ُ َْ َ‬
‫اهَّلل‪َ  ‬ب َع َث إِ َل ْينَا َنبِ َّي ُه ﷺ َف َأ َم َرنَا‬ ‫ما‪َ  ‬ل ُكم لاَ َتسجدُ َ ِ ِ ِ‬
‫ون ل ْل َملك؟ َف َق َال‪ :‬إِ َّن َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َأ اَّل ن َْس ُجدَ إِ اَّل ل ِ َّل ِه»(((‪.‬‬
‫ومن أنواعه‪ :‬الحكم بغير ما أنزل اهلل‪ ،‬والتحاكم إلى غير اهلل‪ ،‬وب ّين اهلل‬
‫حكم بغير ما أنزل اهلل‪ ،‬فقال جل ثناؤه وتقدست‬
‫َ‬ ‫حكم من‬
‫َ‬ ‫‪‬‬
‫(ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [المائدة‪:‬‬ ‫أسماؤه‪:‬‬
‫‪ .]44‬وقال الحق جل يف عاله‪( :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ) [المائدة‪ .]45 :‬وقال المولى عز شأنه‪( :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [المائدة‪]47 :‬؛ ذلك ألن األمر كله هلل‪ ،‬قال الحـق‬
‫جل يف عاله‪( :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [األعراف‪،]54  :‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [النحل‪.]35 :‬‬

‫((( أخرجه الطيالسي (‪ ،)344‬وسعيد بن منصور (‪ ،)2481‬وأحمد (‪ ،)4400‬ولوين في‬


‫جزئه (‪ ،)4‬والطحاوي في أحكام القرآن (‪.)418‬‬
‫‪343‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫وقد نعى اهلل على أهل الكتاب اتخاذهم أحبارهم ورهباهنم أربا ًبا‬
‫يشرعون لهم‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التوبة‪ .]31 :‬وقال الحق جل يف عاله‪:‬‬
‫(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الشورى‪.]21 :‬‬
‫يب مِ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعن عدي بن حاتم ‪ ‬قال‪َ :‬أ َت ْي ُت النَّبِ َّي ﷺ َوفي ُعنُقي َصلِ ٌ‬
‫ور ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الو َث َن»‪َ ،‬و َسم ْع ُت ُه َي ْق َر ُأ في ُس َ‬ ‫ْك َه َذا َ‬ ‫ي ا ْط َر ْح َعن َ‬ ‫«يا َعد ُّ‬ ‫ب‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫َذ َه ٍ‬
‫َب َرا َءة‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [التوبة‪:‬‬

‫«أ َما إِن َُّه ْم َل ْم َيكُونُوا َي ْع ُبدُ ون َُه ْم‪َ ،‬و َلكِن َُّه ْم كَانُوا إِ َذا َأ َح ُّلوا َل ُه ْم َش ْيئًا‬
‫‪َ ،»]31‬ق َال‪َ :‬‬
‫ْاست ََح ُّلو ُه‪َ ،‬وإِ َذا َح َّر ُموا َع َل ْي ِه ْم َش ْيئًا َح َّر ُمو ُه»(((‪.‬‬
‫وأهل الكتاب يضاهئون يف ذلك المشركين الذين قال اهلل عنهم‪( :‬ﭑ‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ) [النحل‪.]35 :‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النساء‪.]65 :‬‬
‫وقال عز من قائل‪( :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ) [الشورى‪ .]21 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ) [المائدة‪.]50 :‬‬

‫((( أخرجه الترمذي (‪ ،)3095‬وابن سعد (‪ ،)219 /6‬وابن أبي حاتم في التفسير‬
‫(‪ ،)10057‬والطبراني في الكبير (‪.)218 /92 /17‬‬
‫‪344‬‬

‫ومن أنواعه‪ :‬شرك المحبة‪ ،‬وهي أن يحب مخلو ًقا محبة مقرتنة بالذل‬
‫والتعظيم والخضوع‪ ،‬قال تعالى يف محبة المشركين ألندادهم‪( :‬ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة‪ .]165 :‬وعن‬
‫عبداهلل ‪ ‬قال‪ :‬سألت النبي ﷺ‪ :‬أي الذنب أعظم؟ قال‪« :‬أن تجعل‬
‫هلل ندًّ ا وهو خلقك‪.(((»...‬‬
‫ومن أنواعه‪ :‬شرك الخوف والخشية‪ ،‬وهو أن يخشى‪ ،‬أو يخاف من‬
‫مخلوق خو ًفا مقرتنًا بالخضوع والذل والتعظيم‪ ،‬كأن يخاف أن ينزل به‬
‫البالء‪ ،‬أو يمنع عنه الخير‪ ،‬أو أن يفعل ألجله محر ًما على سبيل التقرب‪،‬‬
‫قال عز من قائل‪( :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ) [آل عمران‪ .]175 :‬والمشركون يعتقدون أن آلهتهم تضر وتنفع؛ ولذا‬
‫ظنوا أن آلهتهم أصابت نبي اهلل هو ًدا ‪ ‬بسوء حيث قالوا‪( :‬ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)‬

‫‪ .]54‬قال مجاهد‪(« :‬ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ)‪ ،‬قال‪  :‬أصابتك‬ ‫[هود‪:‬‬

‫األوثان بجنون»(((‪ .‬وقال الحق يف صاحب الملة الحنيفية‪  ‬أنه قال‪:‬‬


‫(ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ) [األنعام‪.]81 :‬‬
‫وكان أهل الجاهلية يستعيذون بسادات الجن خو ًفا من سفهائهم‪ ،‬قال‬
‫عز من قائل‪( :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الجن‪.]6 :‬‬
‫وقال تعالى‪( :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)4477‬ومسلم (‪ ،)86‬وأبو داود (‪ ،)2310‬والترمذي (‪،)3182‬‬


‫والنسائي(‪.)4013‬‬
‫((( تفسير الطبري (‪.)361/15‬‬
‫‪345‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫ﮠ ﮡ) [النساء‪ .]77 :‬وبين الحق جل يف عاله أن أهل واليته ال يخشون‬


‫إال اهلل ‪ ‬كما قال عز شأنه‪( :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫أيضا‪( :‬ﮙ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [األحزاب‪ ،]39 :‬وقال ً‬
‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [التوبة‪:‬‬

‫السحرة بعد إيماهنم آثروا الخوف من اهلل على الخوف من‬


‫‪ .]18‬وأخرب أن َّ‬
‫فرعون وبطشه‪ ،‬قال تعالى مخربًا عن مقالتهم‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [طه‪.]73 ،72 :‬‬
‫ومن أنواعه‪ :‬شرك الرجاء‪ ،‬وهو أن يرجو من مخلوق حي حاضر أو‬
‫غائب ما ال يقدر عليه إال اهلل‪ ،‬أو يرجو من األموات تفريج الكربات‪،‬‬
‫وقضاء الحاجات‪ ،‬والشفاعة يوم القيامة‪ ،‬قال الحق مخربًا عن سبب‬
‫(ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ) [الزمر‪:‬‬ ‫عبادة المشركين آللهتهم‪:‬‬
‫‪ ،]3‬وقال‪ ‬تعالى‪( :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [فاطر‪ ،]14 :‬وبين اهلل‬
‫أن هؤالء الشركاء ال يملكون شي ًئا‪ ،‬قال عز من قائل‪( :‬ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [فاطر‪،]40 :‬‬
‫وقال تعالى يف األتباع أهنم يقال لهم يوم القيامة‪( :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [القصص‪ .]64 :‬وكل ما ورد يف‬
‫القرآن من ذكر لدعوة المشركين آللهتهم فهو دليل على شرك الرجاء‪ ،‬قال‬
‫‪346‬‬

‫تعالى‪( :‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [غافر‪ .]43 :‬ولو‪ ‬لم‪ ‬يكونوا‬
‫يعتقدون أهنم يجيبوهنم لما نفاها مؤمن آل فرعون‪.‬‬
‫ومن أنواعه‪ :‬السحر‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [البقرة‪ .]102 :‬وعن أبي هريرة‬
‫ول اهَّللِ‪،‬‬ ‫ات» َقا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬اجتَنِبوا السبع الموبِ َق ِ‬
‫َّ ْ َ‬ ‫ْ ُ‬
‫«الشر ُك بِاهَّللِ‪ ،‬والسحر‪ ،‬و َقت ُْل النَّ ْف ِ ِ‬
‫الح ِّق‪،‬‬‫س ا َّلتي َح َّر َم اهَّللُ إِ اَّل بِ َ‬ ‫َ ِّ ْ ُ َ‬ ‫َو َما ُه َّن؟ َق َال‪ْ ِّ :‬‬
‫ف المحصن ِ‬
‫َات‬ ‫ف‪َ ،‬و َق ْذ ُ‬ ‫ال اليتِيمِ‪ ،‬والتَّو ِّلي يوم الزَّح ِ‬ ‫َو َأك ُْل الر َبا‪َ ،‬و َأك ُْل م ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫الم ْؤ ِمنَات الغَافلاَ ت»(((‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫الشع َث ِ‬ ‫َار‪َ ،‬س ِم َع َب َجا َل َة ُي َحدِّ ُ‬
‫و َع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ِدين ٍ‬
‫اء‪،‬‬ ‫س‪َ ،‬و َأ َبا َّ ْ‬ ‫ث َع ْم َرو ْب َن َأ ْو ٍ‬
‫ِ‬ ‫اوي َة َعم الأْ َحن ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َاب ُع َم َر‬ ‫س إِ ْذ َجا َءنَا كت ُ‬ ‫َف ْب ِن َق ْي ٍ‬ ‫َق َال‪ُ « :‬كن ُْت كَات ًبا ل َج ْزء ْب ِن ُم َع ِ َ ِّ ْ‬
‫اح ٍر‪.(((»...‬‬ ‫َقب َل موتِ ِه بِسن ٍَة‪ :‬ا ْق ُت ُلوا ك َُّل س ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َْ َ‬
‫الس ْحرِ زَا َد َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫«م ِن ا ْق َت َب َس ع ْل ًما م َن الن ُُّجومِ‪ ،‬ا ْق َت َب َس ُش ْع َب ًة م َن ِّ‬
‫وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫زَا َد»(((‪.‬‬
‫ومن أنواعه‪ :‬الكهانة والعرافة؛ ألن من يدعيها يدعي علم الغيب‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪( :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)2766‬ومسلم (‪ ،)89‬وأبو داود (‪ ،)2874‬والنسائي (‪.)3671‬‬


‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)3043‬وعبدالرزاق (‪ ،)9972‬وسعيد بن منصور (‪،)2180‬‬
‫وأحمد (‪.)1657‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)3905‬وابن ماجه (‪ ،)3726‬وابن أبي شيبة (‪ ،)26159‬وأحمد‬
‫(‪ ،)2000‬وعبد بن حميد (‪.)714‬‬
‫‪347‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الجن‪ .]27 ،26 :‬وعن صفية َع ْن َب ْع ِ‬


‫ض‬
‫«م ْن َأتَى َع َّرا ًفا َف َس َأ َل ُه َع ْن َش ْي ٍء‪َ ،‬ل ْم ُت ْق َب ْل‬
‫َأ ْز َواجِ النَّبِ ِّي ﷺ َع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ين َل ْي َلةً»(((‪.‬‬ ‫َل ُه َصلاَ ٌة َأ ْر َبع َ‬
‫َاهنًا‪،‬‬ ‫وعن أبي هريرة والحسن ‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬من َأتَى ك ِ‬
‫َ ْ‬
‫ول؛ َف َقدْ َك َف َر بِ َما ُأن ِْز َل َع َلى ُم َح َّم ٍد»(((‪.‬‬
‫َأ ْو َع َّرا ًفا‪َ ،‬ف َصدَّ َق ُه بِ َما َي ُق ُ‬

‫ونعلم أن من الشرك شركًا أصغر ال يخرج من الملة‪ ،‬وال يخلد صاحبه‬


‫يف النار‪ ،‬وال يحبط جميع األعمال‪ ،‬وهو أنواع كثيرة‪:‬‬
‫ِّ‬
‫أنــــواع‬ ‫الطرية‪ ،‬وحدُّ الطيرة‪ :‬ما أمضاك أو ردك‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭑ‬ ‫ومنه‪:‬‬
‫الشــرك‬
‫األصــغر‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [األعراف‪ ،]131 :‬وقال الحق‬
‫(ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)‬ ‫جل يف عاله‪:‬‬
‫«ل َعدْ َوى َو اَل طِ َي َرةَ‪َ ،‬و اَل َه َام َة َو اَل َص َف َر»(((‪.‬‬
‫[يس‪ .]19 :‬وقال ﷺ‪ :‬اَ‬
‫ت ال ِّط َي َر ُة ِعنْدَ النَّبِ ِّي ﷺ‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫و َعن ُعرو َة ب ِن َعامِ ٍر ‪َ ‬ق َال‪ُ :‬ذكِر ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ َ ْ‬
‫«أ ْح َسن َُها ا ْل َف ْأ ُل‪َ ،‬و اَل ت َُر ُّد ُم ْس ِل ًما‪َ ،‬فإِ َذا َر َأى َأ َحدُ ك ُْم َما َيك َْر ُه َف ْل َي ُقل‪ :‬ال َّل ُه َّم اَل َي ْأتِي‬
‫َ‬
‫ْت‪ ،‬و اَل يدْ َفع السيئ ِ‬
‫َات إِ اَّل َأن َ‬ ‫ِ‬
‫ْت‪َ ،‬و اَل َح ْو َل َو اَل ُق َّو َة إِ اَّل بِ َك»(((‪.‬‬ ‫بِا ْل َح َسنَات إِ اَّل َأن َ َ َ ُ َّ ِّ‬

‫أخرجه مسلم (‪.)2230‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه أحمد (‪ )9536‬عن أبي هريرة‪ ،‬والحسن‪ ،‬وأخرجه أبو داود (‪،)3904‬‬ ‫((( ‬
‫والترمذي (‪ ،)135‬وابن ماجه (‪ ،)639‬وابن أبي شيبة (‪ ،)17077‬وإسحاق بن راهويه‬
‫(‪ ،)482‬وأحمد (‪ )9290‬من حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)5707‬ومسلم (‪ ،)2220‬وأبو داود (‪.)3911‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)3919‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ )26920‬وفي األدب (‪،)162‬‬ ‫((( ‬
‫والخالل في (‪.)1405‬‬
‫‪348‬‬

‫«م ْن َر َّد ْت ُه‬


‫وعن عبد اهلل بن عمرو ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫«أ ْن‬ ‫ول اهَّللِ‪َ ،‬ما َك َّف َار ُة َذل ِ َك؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫اج ٍة‪َ ،‬ف َقدْ َأ ْش َر َك»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫ال ِّط َي َر ُة م ْن َح َ‬
‫ول َأ َحدُ ُه ْم‪ :‬ال َّل ُه َّم اَل َخ ْي َر إِ اَّل َخ ْي ُر َك‪َ ،‬و اَل َط ْي َر إِ اَّل َط ْي ُر َك‪َ ،‬و اَل إِ َل َه َغ ْي ُر َك»(((‪.‬‬
‫َي ُق َ‬
‫ومنه‪ :‬تعليق التمائم‪ ،‬فعن أبي بشير األنصاري ‪َ « ‬أ َّن ُه ك َ‬
‫َان َم َع‬
‫َّاس فِي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ض َأس َف ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اره‪َ ،‬ق َال َع ْبدُ اهَّلل‪َ :‬حس ْب ُت َأ َّن ُه َق َال‪َ :‬والن ُ‬ ‫َر ُسول اهَّلل ﷺ في َب ْع ِ ْ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َر ُسولاً ‪َ :‬أ ْن لاَ َي ْب َق َي َّن فِي َر َق َب ِة َب ِع ٍير قِلاَ َد ٌة مِ ْن‬
‫َمبِيتِ ِه ْم‪َ ،‬ف َأ ْر َس َل َر ُس ُ‬
‫َو َت ٍر‪َ ،‬أ ْو قِلاَ َد ٌة إِ اَّل ُقطِ َع ْت»(((‪.‬‬

‫وعن عبداهلل ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إِ َّن ُّ‬
‫الر َقى‪،‬‬
‫َوالت ََّمائِ َم‪َ ،‬والت َِّو َل َة ِش ْر ٌك»(((‪.‬‬
‫«م ْن َت َع َّل َق َش ْيئًا ُوكِ َل إِ َل ْي ِه»(((‪.‬‬
‫وقال النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫ومنه‪ :‬يسير الرياء‪ ،‬أما من امتأل قلبه من الرياء‪ ،‬حتى صار يعمل‬
‫الصالحات بال نية وال إيمان وال خشية فهو المنافق الخالص‪ ،‬وعمله حابط‬
‫مردود غير مقبول‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ‬
‫ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الكهف‪ ،]110 :‬وقال ﷺ‪َ « :‬ق َال اهللُ ‪َ :‬أنَا َأ ْغنَى‬
‫الش ْر ِك‪َ ،‬م ْن َع ِم َل َع َملاً َأ ْش َر َك فِ ِيه َم ِعي َغ ْيرِي‪ ،‬ت ََر ْك ُت ُه َو ِش ْر َك ُه»(((‪.‬‬ ‫الشرك ِ‬
‫َاء َع ِن ِّ‬ ‫ُّ َ‬

‫أخرجه ابن وهب في الجامع (‪ ،)658‬وأحمد (‪ ،)7045‬واللفظ له‪ ،‬والطبراني في‬ ‫((( ‬
‫الكبير (‪ ،)14622‬وابن السني في عمل اليوم والليلة (‪.)292‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)3005‬ومسلم (‪ ،)2115‬وأبو داود (‪.)2552‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)3883‬وابن ماجه (‪ ،)3530‬ومعمر في الجامع (‪ ،)20343‬وابن‬ ‫((( ‬
‫أبي شيبة (‪ ،)23924‬وأحمد (‪.)3615‬‬
‫أخرجه الترمذي (‪ ،)2072‬وابن أبي شيبة في المصنف (‪ ،)23923‬وفي المسند‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)786‬وأحمد (‪.)18781‬‬
‫أخرجه مسلم (‪.)2985‬‬ ‫((( ‬
‫‪349‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫َّاس ُي ْق َضى َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة َع َل ْي ِه َر ُج ٌل ْاست ُْش ِهدَ ‪،‬‬ ‫وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن َأ َّو َل الن ِ‬
‫يك َحتَّى‬ ‫ت فِ َ‬ ‫ت فِ َيها؟ َق َال‪َ :‬قا َت ْل ُ‬ ‫َف ُأتِ َي بِ ِه َف َع َّر َف ُه نِ َع َم ُه َف َع َر َف َها‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َما َع ِم ْل َ‬
‫يل‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫ت؛ أِلَ ْن ُي َق َال‪َ :‬جرِي ٌء‪َ ،‬ف َقدْ ِق َ‬ ‫َّك َقا َت ْل َ‬‫ت‪َ ،‬و َلكِن َ‬ ‫ْاست ُْش ِهدْ ُت‪َ ،‬ق َال‪ :‬ك ََذ ْب َ‬
‫َّار‪َ ،‬و َر ُج ٌل َت َع َّل َم ا ْل ِع ْل َم‪َ ،‬و َع َّل َم ُه‬ ‫ب َع َلى َو ْج ِه ِه َحتَّى ُأ ْل ِقي فِي الن ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُأم َر بِه َف ُسح َ‬
‫ت‬ ‫ت فِ َيها؟ َق َال‪َ :‬ت َع َّل ْم ُ‬ ‫آن‪َ ،‬ف ُأتِ َي بِ ِه َف َع َّر َف ُه نِ َع َم ُه َف َع َر َف َها‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َما َع ِم ْل َ‬ ‫َو َق َر َأ ا ْل ُق ْر َ‬
‫ت ا ْل ِع ْل َم‬ ‫َّك َت َع َّل ْم َ‬‫ت‪َ ،‬و َلكِن َ‬ ‫آن‪َ ،‬ق َال‪ :‬ك ََذ ْب َ‬ ‫ا ْل ِع ْل َم‪َ ،‬و َع َّل ْم ُت ُه‪َ ،‬و َق َر ْأ ُت فِ َ‬
‫يك ا ْل ُق ْر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ارئٌ ‪َ ،‬ف َقدْ ِق َ‬ ‫آن؛ لِ ُي َق َال‪ُ :‬ه َو َق ِ‬ ‫لِ ُي َق َال‪َ :‬عالِ ٌم‪َ ،‬و َق َر ْأ َت ا ْل ُق ْر َ‬
‫ب‬ ‫يل‪ُ ،‬ث َّم ُأم َر بِه َف ُسح َ‬
‫َّار‪ ،‬ورج ٌل وسع اهلل ع َلي ِه‪ ،‬و َأع َطاه ِمن َأصن ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َاف‬ ‫َع َلى َو ْج ِهه َحتَّى ُأ ْلق َي في الن ِ َ َ ُ َ َّ َ ُ َ ْ َ ْ ُ ْ ْ‬
‫ْت‬ ‫ت فِ َيها؟ َق َال‪َ :‬ما ت ََرك ُ‬ ‫ال ُك ِّل ِه‪َ ،‬ف ُأتِ َي بِ ِه َف َع َّر َف ُه نِ َع َم ُه َف َع َر َف َها‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َما َع ِم ْل َ‬ ‫ا ْلم ِ‬
‫َ‬
‫َّك‬ ‫ت‪َ ،‬و َلكِن َ‬ ‫ك‪َ ،‬ق َال‪ :‬ك ََذ ْب َ‬ ‫ت فِ َيها َل َ‬ ‫ب َأ ْن ُينْ َف َق فِ َيها إِ اَّل َأ ْن َف ْق ُ‬ ‫ِمن سبِ ٍ ِ‬
‫يل تُح ُّ‬ ‫ْ َ‬
‫ب َع َلى َو ْج ِه ِه‪ُ ،‬ث َّم ُأ ْل ِق َي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يل‪ُ ،‬ث َّم ُأم َر بِه َف ُسح َ‬ ‫ت؛ لِ ُي َق َال‪ُ :‬ه َو َج َوا ٌد‪َ ،‬ف َقدْ ِق َ‬ ‫َف َع ْل َ‬
‫َّار»(((‪.‬‬ ‫فِي الن ِ‬

‫«م ْن َس َّم َع َس َّم َع اهَّللُ بِ ِه‪َ ،‬و َم ْن ُي َرائِي ُي َرائِي اهَّللُ بِ ِه»(((‪.‬‬ ‫وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫َّاس بِ َع َم ِل ِه‪َ ،‬س َّم َع اهَّللُ بِ ِه‬ ‫«م ْن َس َّم َع الن َ‬ ‫وعن ابن عمر ‪ ،‬قال ﷺ‪َ :‬‬
‫َس ِام َع َخ ْل ِق ِه‪َ ،‬و َح َّق َر ُه َو َصغ ََّر ُه»(((‪.‬‬
‫ول‬‫وعن أبي موسى ‪َ ‬ق َال‪َ :‬جا َء َر ُج ٌل إِ َلى النَّبِي ﷺ َف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ِّ‬
‫القت َُال فِي سبِي ِل اهَّللِ؟ َفإِ َّن َأحدَ نَا ي َقاتِ ُل َغ َضبا‪ ،‬وي َقاتِ ُل ح ِميةً‪َ ،‬فر َفع إِ َليهِ‬
‫اهَّللِ‪ ،‬ما ِ‬
‫َ َّ َ َ ْ‬ ‫ً َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫«م ْن َقات ََل لِ َتك َ‬
‫ُون‬ ‫ر ْأسه ‪َ -‬ق َال‪ :‬وما ر َفع إِ َلي ِه ر ْأسه إِ اَّل َأ َّنه ك َ ِ‬
‫َان َقائ ًما‪َ -‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ َ ُ‬ ‫َ َ ُ‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪ ،)1905‬والترمذي (‪ ،)2382‬والنسائي (‪.)3137‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6499‬ومسلم (‪ ،)2987‬وابن ماجه (‪.)4207‬‬
‫((( أخرجه ابن المبارك في الزهد (‪ ،)141‬وابن أبي شيبة (‪ ،)36448‬وهناد في الزهد‬
‫(‪ ،)872‬وأحمد (‪ )6509‬وفي الزهد (‪.)238‬‬
‫‪350‬‬

‫يل اهَّلل ِ ‪.(((»‬‬


‫ك َِل َم ُة اهَّلل ِ ِه َي ال ُع ْل َيا‪َ ،‬ف ُه َو فِي َسبِ ِ‬

‫ونعلم أن الرسول ﷺ سماه شرك السرائر‪ ،‬فعن محمود بن لبيد قال‪:‬‬


‫الس َرائِ ِر؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َق َال رس ُ ِ‬
‫الس َرائرِ»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬و َما ش ْر ُك َّ‬ ‫ول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّياك ُْم إِ َّياك ُْم َوش ْر َك َّ‬ ‫َ ُ‬
‫ك ِش ْر ُك‬ ‫َّاس إِ َل ْي ِه‪َ ،‬ف َذلِ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫«أ ْن َي ُقو َم َأ َحدُ ك ُْم ُيز َِّي ُن َصلاَ َت ُه َجاهدً ا؛ ل َينْ ُظ َر الن ُ‬
‫َق َال‪َ :‬‬
‫الس َرائِرِ»(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫وبين ﷺ أن الرياء خفي جدًّ ا‪ ،‬وأنه ﷺ كان يخافه على أمته أشد من‬
‫ف َع َل ْيك ُْم‬‫«أ اَل ُأ ْخبِ ُرك ُْم بِ َما ُه َو َأ ْخ َو ُ‬
‫خوفه المسيح الدجال عليها‪ ،‬حيث قال‪َ :‬‬
‫«الش ْر ُك ا ْلخَ ِف ُّي‪َ ،‬أ ْن‬
‫ال؟»‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْلنَا‪َ :‬ب َلى‪َ ،‬ف َق َال‪ِّ :‬‬ ‫ِعن ِْدي ِم َن ا ْلم ِسيحِ الدَّ َّج ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل ُي َص ِّلي‪َ ،‬ف ُيز َِّي ُن َصلاَ َت ُه‪ ،‬ل َما َي َرى م ْن َن َظرِ َر ُج ٍل»(((‪.‬‬
‫َي ُقو َم َّ‬
‫ومن الرشك األصغر‪ :‬إرادة اإلنسان بعمله الدنيا‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮕ ﮖ‬
‫ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الشورى‪ ،]20 :‬وقال جل ثناؤه‪( :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [هود‪ .]15 :‬وهذا مرتدد‬
‫بين أن يكون شركًا أكرب‪ ،‬وبين أن يكون أصغر بحسب ما يقوم يف قلب‬
‫العبد‪ ،‬قال الحق جل شأنه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [اإلسراء‪.]18  :‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)123‬ومسلم (‪ ،)1904‬وأبو داود (‪ ،)2517‬والترمذي (‪،)1646‬‬


‫والنسائي (‪ ،)3136‬وابن ماجه (‪.)2783‬‬
‫((( أخرجه ابن أبي شيبة (‪ ،)8489‬وابن خزيمة (‪ ،)937‬والطبراني في الكبير (‪)4301‬‬
‫والبيهقي في السنن الكبرى (‪ ،)3629‬وفي الشعب (‪.)2872‬‬
‫((( أخرجه ابن ماجه (‪ ،)4204‬وأحمد (‪ ،)11252‬وحنبل بن إسحاق في الفتن (‪،)30‬‬
‫والطبري في تهذيب اآلثار (‪.)1117‬‬
‫‪351‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫الر ُج ُل‬‫وعن أبي موسى ‪ ‬قال‪َ :‬جا َء َر ُج ٌل إِ َلى النَّبِ ِّي ﷺ‪َ ،‬ف َق َال‪َّ :‬‬
‫الر ُج ُل ُي َقاتِ ُل ل ِ ُي َرى َم َكا ُن ُه‪َ ،‬ف َم ْن فِي‬
‫لذك ِْر‪َ ،‬و َّ‬ ‫الر ُج ُل ُي َقاتِ ُل ل ِ ِّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُي َقات ُل ل ْل َم ْغن َِم‪َ ،‬و َّ‬
‫يل اهَّلل ِ»(((‪،‬‬
‫ُون ك َِل َم ُة اهَّلل ِ ِه َي ال ُع ْل َيا َف ُه َو فِي َسبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫«م ْن َقات ََل لِ َتك َ‬ ‫َسبِي ِل اهَّلل؟ َق َال‪َ :‬‬
‫ودعا المصطفى ﷺ على من كانت الدنيا هي همه وغايته‪ ،‬فعن أبي هريرة‬
‫َار‪َ ،‬والدِّ ْر َهمِ‪َ ،‬وال َقطِي َف ِة‪،‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ت َِع َس َع ْبدُ الدِّ ين ِ‬
‫يص ِة‪ ،‬إِ ْن ُأ ْعطِ َي َر ِض َي‪َ ،‬وإِ ْن َل ْم ُي ْع َط َل ْم َي ْر َض»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َوالخَ م َ‬
‫ومنه‪ :‬قول الرجل‪ :‬ما شاء اهلل وشئت‪ ،‬وما شاهبها من األلفاظ‪ ،‬فعن ابن‬
‫اهَّلل َو ِش ْئ َت‪َ ،‬ف َق َال َل ُه النَّبِ ُّي‬ ‫ِ‬
‫عباس ‪َ :‬أ َّن َر ُجلاً َق َال للنَّبِ ِّي ﷺ‪َ :‬ما َشا َء ُ‬
‫َ‬
‫اللفظ‬ ‫«أ َج َع ْلتَنِي َواهَّللَ َعدْ اًل‪َ ،‬ب ْل َما َشا َء اهَّللُ َو ْحدَ ُه»(((‪ ،‬ويماثل هذا‬ ‫ﷺ‪َ :‬‬
‫قو ُلهم‪ :‬هذا من اهلل ومنك‪ ،‬ولوال اهلل وفالن لم يكن كذا‪.‬‬
‫ف إِ اَّل بِاهَّللِ‪،‬‬ ‫َان َحالِ ًفا َفلاَ َي ْح ِل ْ‬ ‫«م ْن ك َ‬ ‫ومنه‪ :‬احللف بغري اهلل‪ ،‬قال ﷺ‪َ :‬‬
‫ف بِآ َبائِ َها‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬اَل ت َْح ِل ُفوا بِآ َبائِك ُْم»(((‪ .‬وعن ابن‬ ‫َت ُق َر ْي ٌش ت َْح ِل ُ‬
‫َفكَان ْ‬
‫ف بِ َغ ْيرِ اهَّلل ِ َف َقدْ َك َف َر‪َ ،‬أ ْو َأ ْش َر َك»(((‪.‬‬
‫«م ْن َح َل َ‬
‫عمر‪ ، ‬قال ﷺ‪َ :‬‬

‫أخرجه البخاري (‪ ،)2810‬ومسلم (‪ ،)1904‬وأبو داود (‪ ،)2517‬والنسائي (‪.)3136‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري (‪ ،)2886‬وابن ماجه (‪.)4135‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه ابن أبي شيبة (‪ ،)27227‬وأحمد (‪ ،)1839‬والبخاري في األدب المفرد‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)783‬وابن أبي الدنيا في الصمت (‪ ،)342‬والباغندي في أماليه (‪.)36‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)3836‬ومسلم (‪ ،)1646‬والنسائي (‪.)3764‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه الترمذي (‪ ،)١٥٣٥‬وأحمد (‪ )٦٠٧٢‬وأبو عوانة (‪ ،)٦٤٠١‬والحاكم (‪.)٧٨٩٥‬‬ ‫((( ‬
‫‪352‬‬

‫بــاب‬
‫النفاق‬
‫ومما يضاد اإليمان باهلل‪ :‬النفاق األكبر؛ وهو إظهار اإلسالم وإخفاء‬
‫الكفر‪ ،‬وهو أكرب وأصغر‪ .‬والنفاق األكرب يضاد أصل اإليمان‪ ،‬والنفاق‬
‫األصغر يضاد كماله‪ ،‬قال اإلمام أحمد يف «أصول السنة»‪« :‬والنفاق هو‬
‫الكفر أن يكفر باهلل‪ ،‬ويعبد غيره‪ ،‬ويظهر اإلسالم يف العالنية‪ ،‬مثل المنافقين‬
‫الذين كانوا على عهد رسول اهلل ﷺ»(((‪ ،‬واألكرب مخرج من الملة‪.‬‬
‫ونشهد بشهادة اهلل أن المنافقين كاذبون يف دعواهم اإليمان‪ ،‬قال عز‬
‫شأنه وتعالى سلطانه‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [التوبة‪ .]107 :‬وقال عز من قائل‪:‬‬
‫(ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [المنافقون‪.]1 :‬‬
‫وال يقبل اهلل من المنافق صر ًفا وال عدلاً ‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [التوبة‪.]54 ،53 :‬‬
‫ومآل المنافق ‪-‬إن مات على النفاق‪ -‬الخلود يف النار‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النساء‪ .]145 :‬وقال‬
‫تعالى‪( :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ‬

‫((( أصول السنة‪ ،‬ألحمد بن حنبل (ص‪.)٥٥ :‬‬


‫‪353‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [التوبة‪.]68 :‬‬
‫أنواع النفاق‬ ‫بغضا للحق وكراهية له‪ ،‬قال تعالى مخربًا‬
‫ونعلم أن النفاق األكبر يكون ً‬
‫عن حال المنافقين‪( :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [محمد‪.]30-28 :‬‬
‫نصرا لإلسالم‪،‬‬
‫فرحا هبزيمة اإلسالم وأهله‪ ،‬وحسرة إن رأوا ً‬
‫ويكون ً‬
‫قال الحق جل يف عاله مبينًا ما تكنُّه صدورهم‪( :‬ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ) [التوبة‪.]50 :‬‬
‫كفرا بعد إيمان‪ ،‬وتول ًيا عن قبول التحاكم إلى الشرع‪ ،‬قال‬
‫ويكون ً‬
‫المولى عز شأنه‪( :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ) [النور‪.]48 ،47 :‬‬
‫ويكون ظنًّا باهلل ظن السوء أنه لن ينصر نبيه ﷺ ودينه‪ ،‬قال الحق جل‬
‫يف عاله‪( :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ) [األحزاب‪.]12 :‬‬
‫ويكون سخرية من الحق وأهله‪ ،‬وس ًّبا لهم واستهزا ًء هبم‪ ،‬قال الحق‬
‫جل شأنه‪( :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)‬

‫[التوبة‪.]65 ،64 :‬‬


‫‪354‬‬

‫لمزا للمسلمين‪ ،‬قال المولى عز شأنه‪( :‬ﯧ ﯨ‬


‫ويكون ً‬
‫ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [التوبة‪.]79 :‬‬
‫ويكون مخادعة ألهل اإليمان وريا ًء باألعمال‪ ،‬قال اهلل تعالى وتقدس‪:‬‬
‫(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [البقرة‪،]9 :‬‬
‫‪-‬أيضا‪( :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ً‬ ‫وقال‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [النساء‪ .]142 :‬وعن النبي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ﷺ يقول‪« :‬تِ ْل َ‬
‫الش ْم َس َحتَّى إِ َذا كَان ْ‬
‫َت َب ْي َن‬ ‫ب َّ‬ ‫ك َصلاَ ُة ا ْل ُمنَاف ِق‪َ ،‬ي ْجل ُس َي ْر ُق ُ‬
‫ان‪َ ،‬قا َم َفنَ َق َر َها َأ ْر َب ًعا‪ ،‬اَل َي ْذك ُُر اهللَ فِ َيها إِ اَّل َق ِليل»(((‪.‬‬‫الش ْي َط ِ‬
‫َق ْرن َِي َّ‬
‫ف َعن َْها‬ ‫«و َل َقدْ َر َأ ْي ُتنَا َو َما َيت َ‬
‫َخ َّل ُ‬ ‫وقال عبد اهلل بن مسعود ‪َ :‬‬
‫اق»(((‪.‬‬ ‫إِ اَّل‪ ‬منَافِ ٌق م ْع ُلوم النِّ َف ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫وعن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ﷺ قال‪َ « :‬ف َوا َّل ِذي َن ْف ِسي بِ َي ِد ِه‬
‫ون فِي ُرؤْ َي ِة َأ َح ِد ِه َما‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َي ْل َقى‬ ‫ون فِي ُرؤْ َي ِة َر ِّبك ُْم‪ ،‬إِ اَّل ك ََما ت َُض ُّار َ‬ ‫لاَ‪ ‬ت َُض ُّار َ‬
‫ول‪َ :‬يا‬ ‫ك‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ول َل ُه ِم ْث َل َذلِ َ‬
‫ث‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ول‪ ...‬إلى أن قال‪ُ :‬ث َّم َي ْل َقى ال َّثالِ َ‬ ‫ا ْل َع ْبدَ ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ت‪َ ،‬و ُي ْثنِي‬ ‫ت‪َ ،‬وت ََصدَّ ْق ُ‬ ‫ت‪َ ،‬و ُص ْم ُ‬ ‫ك‪َ ،‬و َص َّل ْي ُ‬ ‫ك‪َ ،‬وبِ ُر ُس ِل َ‬ ‫ك‪َ ،‬وبِكِتَابِ َ‬ ‫ْت بِ َ‬ ‫َر ِّب‪َ ،‬آمن ُ‬
‫ث َش ِ‬ ‫اهنَا إِ ًذا‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم ُي َق ُال َل ُه‪ :‬آْال َن َن ْب َع ُ‬
‫اهدَ نَا‬ ‫ول‪َ :‬ه ُ‬ ‫بِخَ ْيرٍ َما ْاس َت َط َ‬
‫اع‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ك‪َ ،‬و َي َت َفك َُّر فِي َن ْف ِس ِه‪َ :‬م ْن َذا ا َّل ِذي َي ْش َهدُ َع َل َّي؟ َف ُيخْ ت َُم َع َلى فِ ِيه‪َ ،‬و ُي َق ُال‬ ‫َع َل ْي َ‬
‫ك‬ ‫خ ُذ ُه َو َل ْح ُم ُه َو ِع َظ ُام ُه بِ َع َم ِل ِه‪َ ،‬و َذلِ َ‬ ‫خ ِذ ِه و َلح ِم ِه و ِع َظ ِام ِه‪ :‬انْطِ ِقي‪َ ،‬ف َتنْطِ ُق َف ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫لِ َف ِ‬
‫ك ا َّل ِذي َي ْسخَ ُط اهللُ َع َل ْي ِه»(((‪.‬‬ ‫ك ا ْل ُمنَافِ ُق‪َ ،‬و َذلِ َ‬‫لِ ُي ْع ِذ َر ِم ْن َن ْف ِس ِه‪َ ،‬و َذلِ َ‬

‫(( ( أخرجه مسلم (‪ ،)622‬وأبو داود (‪ ،)413‬والترمذي (‪ ،)160‬والنسائي (‪.)511‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)654‬وأبو داود (‪ ،)550‬والنسائي (‪ ،)849‬وابن ماجه (‪.)777‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)2968‬‬
‫‪355‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫وأمر اهلل نبيه ﷺ والمؤمنين بجهادهم‪ ،‬فقال عز من قائل‪( :‬ﭑ‬


‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ‬
‫ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [التوبة‪.]74 ،73 :‬‬
‫النفاق‬ ‫ونعلم أن النفاق األصغر ال يخرج من الملة‪ ،‬وال يحبط العمل‪ ،‬وال‪ ‬يخلد‬
‫َان ُمنَافِ ًقا‬
‫«أ ْر َب ٌع َم ْن ك َُّن فِ ِيه ك َ‬
‫األصغر‬
‫ب‪ ،‬قال ﷺ‪َ :‬‬ ‫صاحبه يف النار‪ ،‬وأن النفاق ُش َع ٌ‬
‫اق َحتَّى َيدَ َع َها‪:‬‬ ‫َت فِ ِيه َخ ْص َل ٌة ِم َن النِّ َف ِ‬ ‫َت فِ ِيه َخ ْص َل ٌة ِمن ُْه َّن كَان ْ‬‫َخالِ ًصا‪َ ،‬و َم ْن كَان ْ‬
‫اص َم َف َج َر»(((‪.‬‬ ‫اهدَ َغدَ َر‪َ ،‬وإِ َذا َخ َ‬ ‫ث ك ََذ َب‪َ ،‬وإِ َذا َع َ‬ ‫إِ َذا اؤْ ت ُِم َن َخ َ‬
‫ان‪َ ،‬وإِ َذا َحدَّ َ‬
‫«المؤ ِم ُن ا َّل ِذي َي ْق َر ُأ‬
‫ْ‬ ‫وعن أبي موسى ‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫المؤ ِم ُن ا َّل ِذي‬‫ب‪َ ،‬و ْ‬ ‫يح َها َط ِّي ٌ‬ ‫ب َو ِر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آن‪َ ،‬و َي ْع َم ُل بِه‪ ،‬كَاألُت ُْر َّجة َط ْع ُم َها َط ِّي ٌ‬ ‫ال ُق ْر َ‬
‫يح َل َها‪َ ،‬و َم َث ُل المنافِ ِق‬ ‫ب َو اَل ِر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آن‪َ ،‬و َي ْع َم ُل بِه‪ ،‬كَالت َّْم َرة َط ْع ُم َها َط ِّي ٌ‬ ‫اَل َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬
‫ب َو َط ْع ُم َها ُم ٌّر‪َ ،‬و َم َث ُل المنافِ ِق ا َّل ِذي‬ ‫يح َها َط ِّي ٌ‬
‫ِ‬
‫َالر ْي َحانَة ِر ُ‬
‫آن‪ ،‬ك َّ‬ ‫ا َّل ِذي َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬
‫يح َها ُم ٌّر»(((‪.‬‬‫يث‪َ -‬و ِر ُ‬ ‫‪-‬أ ْو َخبِ ٌ‬ ‫َالحنْ َظ َل ِة َط ْع ُم َها ُم ٌّر َ‬
‫آن‪ ،‬ك َ‬ ‫اَل َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)34‬ومسلم (‪ ،)58‬وأبو داود (‪ ،)4688‬والترمذي (‪،)2632‬‬


‫والنسائي (‪.)5020‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5059‬ومسلم (‪ ،)797‬والترمذي (‪ ،)2865‬والنسائي (‪،)5038‬‬
‫وابن ماجه (‪.)214‬‬
‫‪356‬‬

‫بــاب‬
‫البدعة‬
‫نعلم أن من البدع ما يضاد أصل اإليمان‪ ،‬ومنها ما يضاد كمال اإليمان‪،‬‬
‫فالبدع ِّ‬
‫الشركية والكفرية تضاد أصل اإليمان‪ ،‬أما البدع التي دون الشرك‬
‫والكفر فتضاد كمال اإليمان‪.‬‬
‫ونؤمن أن اهلل قد أكمل لنا الدين‪ ،‬وأتم علينا النعمة‪ ،‬قال الحق جل‬
‫شأنه‪( :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)‬

‫ث فِي َأ ْمرِنَا َه َذا َما َل ْي َس فِ ِيه‪َ ،‬ف ُه َو َر ٌّد»(((‪.‬‬


‫«م ْن َأ ْحدَ َ‬
‫[المائدة‪ .]3 :‬وقال النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫«وإياكم‬
‫ونعلم أن مما يضاد كمال اإليمان البدع يف الدين‪ ،‬قال ﷺ‪َّ :‬‬
‫األمور؛ فإن ك َُّل ُمحدَ َث ٍة بدْ َعةٌ‪ ،‬وكل بد َع ٍة َضاللةٌ»(((‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ومحدَ ِ‬
‫ثات‬ ‫ُ ْ‬
‫«م ْن َد َعا إِ َلى ُهدً ى ك َ‬
‫َان َل ُه‬ ‫وعن أبى هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ :‬‬
‫ور ِه ْم َش ْيئًا‪َ ،‬و َم ْن َد َعا إِ َلى‬
‫ور َم ْن َتبِ َع ُه‪ ،‬اَل َينْ ُق ُص َذلِ َك ِم ْن ُأ ُج ِ‬ ‫ِم َن أْالَ ْجرِ ِم ْث ُل ُأ ُج ِ‬
‫ال ْث ِم ِم ْث ُل آ َثا ِم َم ْن َتبِ َع ُه‪ ،‬اَل َينْ ُق ُص َذلِ َك ِم ْن آ َث ِام ِه ْم َش ْيئًا»(((‪.‬‬
‫َان َع َل ْي ِه ِم َن إْ ِ‬
‫َضلاَ َل ٍة ك َ‬
‫وبوب البخاري ‪ ‬يف «صحيحه» با ًبا‪ ،‬فقال‪« :‬باب إثم من دعا إلى‬ ‫َّ‬
‫ضاللة؛ أو س َّن سنة سيئة» وأورد فيه قول النبي ﷺ‪َ « :‬ل ْي َس ِم ْن َن ْف ٍ‬
‫س ُت ْقت َُل‬
‫ان‪ :‬مِ ْن َدمِ َها‪-‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َان َع َلى ا ْب ِن آ َد َم األَ َّو ِل ك ْف ٌل من َْها َ‬
‫‪-‬و ُر َّب َما َق َال ُس ْف َي ُ‬ ‫ُظ ْل ًما‪ ،‬إِ اَّل ك َ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)2697‬ومسلم (‪ ،)1718‬وأبو داود (‪ ،)4606‬وابن ماجه (‪.)14‬‬


‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)4607‬والترمذي (‪ ،)2676‬وابن ماجه (‪ ،)42‬وأحمد (‪،)17144‬‬
‫وابن أبي عاصم في السنة (‪ ،)26‬وابن وضاح في البدع (‪.)54‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)2674‬وأبو داود (‪ ،)4609‬والترمذي (‪ ،)2674‬وابن ماجه (‪.)206‬‬
‫‪357‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫أِلَ َّن ُه َأ َّو ُل َم ْن َس َّن ال َقت َْل َأ َّول»(((‪.‬‬


‫وعن أبي سعيد ‪ ‬أن النبي ﷺ قال‪َ « :‬ل َت َّتبِ ُع َّن َسن ََن َم ْن َق ْب َلك ُْم ِش ْب ًرا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬‫ب َل َس َل ْكت ُُمو ُه»‪ُ ،‬ق ْلنَا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫بِش ْبرٍ‪َ ،‬و ِذ َرا ًعا بِذ َراعٍ‪َ ،‬حتَّى َل ْو َس َلكُوا ُج ْح َر َض ٍّ‬
‫اهَّللِ‪ ،‬ال َي ُهود‪َ ،‬والن ََّص َارى؟ َق َال‪َ « :‬ف َم ْن» ؟!(((‪.‬‬
‫ونعلم أن اهلل هنى عن التفرق واالختالف‪ ،‬فقال جل شأنه وتقدست‬
‫أسماؤه‪( :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [آل عمران‪ ،]105 :‬وقال عز من قائل‪( :‬ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النور‪.]63 :‬‬
‫ونعلم أن من البدع تعظيم القبور والبناء عليها ‪-‬وهذا قد يكون سب ًبا إلى‬
‫أيضا تصوير الصالحين رجاء االقتداء هبم بعد مماهتم‪،‬‬ ‫الشرك‪ .‬ومن البدع ً‬
‫ح ِ‬‫ون ُقبور َأ ْنبِيائِ ِهم وصالِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال ﷺ‪َ ...« :‬أ اَل َوإِ َّن َم ْن ك َ‬
‫يه ْم‬ ‫َان َق ْب َلك ُْم كَانُوا َيتَّخ ُذ َ ُ َ َ ْ َ َ‬
‫ك»(((‪.‬‬ ‫اجدَ ‪ ،‬إِنِّي َأن َْهاك ُْم َع ْن َذلِ َ‬
‫ور َم َس ِ‬ ‫ِ‬ ‫َم َس ِ‬
‫اجدَ ‪َ ،‬أ اَل َفلاَ َتتَّخ ُذوا ا ْل ُق ُب َ‬
‫ِ‬
‫وعن عائشة ‪َ :‬أ َّن ُأ َّم َحبِي َبةَ‪َ ،‬و ُأ َّم َس َل َم َة َذك ََر َتا كَن َ‬
‫يس ًة َر َأ ْين ََها‬
‫يه ُم‬‫َان فِ ِ‬ ‫ك إِ َذا ك َ‬ ‫او ُير‪َ ،‬ف َذك ََر َتا لِلنَّبِ ِّي ﷺ َف َق َال‪« :‬إِ َّن ُأو َلئِ َ‬‫الح َب َش ِة فِ َيها َت َص ِ‬
‫بِ َ‬
‫الص َو َر‪،‬‬ ‫ك ُّ‬ ‫جدً ا‪َ ،‬و َص َّو ُروا فِ ِيه تِ ْل َ‬ ‫ات‪َ ،‬بن َْوا َع َلى َق ْبرِ ِه َم ْس ِ‬‫الصالِ ُح َف َم َ‬
‫الر ُج ُل َّ‬ ‫َّ‬
‫ك ِشرار الخَ ْل ِق ِعنْدَ اهَّلل ِ يوم ِ‬
‫الق َي َام ِة»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َْ َ‬ ‫َف ُأو َلئ َ َ ُ‬
‫وأمر النبي ﷺ بطمس التماثيل‪ ،‬وتسوية القبور‪ ،‬فعن أبى الهياج األسدي‬
‫ب ‪َ :‬ألاَ َأ ْب َع ُث َك َع َلى َما َب َع َثنِي َع َل ْي ِه‬
‫قال‪َ « :‬ق َال لِي َعلِي ْب ُن أبي َطال ِ ٍ‬
‫ُّ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)7321‬ومسلم (‪ ،)1677‬والترمذي (‪ ،)2673‬والنسائي‬


‫(‪ ،)3985‬وابن ماجه (‪.)2616‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)532‬‬ ‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)3456‬ومسلم (‪.)2669‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)427‬ومسلم (‪ ،)528‬والنسائي (‪.)704‬‬
‫‪358‬‬

‫ول اهللِ ﷺ؟ َأ اَّل َتدَ َع تِ ْم َثالاً إِ اَّل َط َم ْس َت ُه‪َ ،‬ولاَ َق ْب ًرا ُم ْش ِر ًفا إِ اَّل َس َّو ْي َت ُه»(((‪.‬‬
‫َر ُس ُ‬
‫ونعلم أن من البدع المنكرة االحتفاالت البدعية‪ ،‬ومشاركة الكفار‬
‫ول اهَّللِ ﷺ ا ْل َم ِدينَةَ‪،‬‬ ‫أعيادهم‪ ،‬فعن أنس بن مالك ‪ ‬قال‪َ :‬ق ِد َم َر ُس ُ‬
‫يه َما‬‫ب فِ ِ‬ ‫ان؟» َقا ُلوا‪ُ :‬كنَّا َن ْل َع ُ‬ ‫ان ا ْل َي ْو َم ِ‬
‫«ما َه َذ ِ‬ ‫ون فِ ِ‬
‫يه َما‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫ان َي ْل َع ُب َ‬ ‫و َلهم يوم ِ‬
‫َ ُ ْ َْ َ‬
‫ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪« :‬إِ َّن اهَّللَ َقدْ َأ ْبدَ َلك ُْم بِ ِه َما َخ ْي ًرا ِمن ُْه َما‪َ :‬ي ْو َم‬ ‫اهلِ َّي ِة‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫فِي ا ْلج ِ‬
‫َ‬
‫أْالَ ْض َحى‪َ ،‬و َي ْو َم ا ْل ِف ْطرِ»(((‪.‬‬
‫وقال جل ثناؤه‪( :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الحج‪ .]67 :‬وعن ابن عباس‬
‫‪ ،L‬يف قوله تعالى‪( :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)‪:‬‬
‫ول‪ِ :‬عيدً ا»(((‪ ،‬وقال ﷺ‪« :‬إِ َّن لِك ُِّل َق ْو ٍم ِعيدً ا‪َ ،‬و َه َذا ِعيدُ نَا»(((‪.‬‬
‫« َي ُق ُ‬
‫ونعلم أن من البدع المنكرة طلب الربكة مما لم يجعله اهلل سب ًبا مباركًا‪،‬‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‬ ‫وقد يكون وسيلة إلى الشرك‪ ،‬فعن أبي واقد الليثي ‪َ :‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ات َأنْو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ون َع َل ْي َها‬
‫اط‪ُ ،‬ي َع ِّل ُق َ‬ ‫َل َّما َخ َر َج إِ َلى ُحنَ ْي ٍن َم َّر بِ َش َج َرة ل ْل ُم ْش ِركي َن ُي َق ُال َل َها‪َ :‬ذ ُ َ‬
‫ات َأنْو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َأسلِحتَهم‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫اط‪،‬‬ ‫ات َأن َْواط ك ََما َل ُه ْم َذ ُ َ‬ ‫اج َع ْل َلنَا َذ َ‬ ‫ول اهَّلل‪ْ ،‬‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ْ َ ُ ْ‬
‫ِ‬
‫وسى‪( :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫ان اهَّلل! َه َذا ك ََما َق َال َق ْو ُم ُم َ‬ ‫َف َق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪ُ :‬‬
‫«س ْب َح َ‬
‫َان َق ْب َلك ُْم»(((‪.‬‬‫ﭣ ﭤ) [األعراف‪َ ]138 :‬وا َّل ِذي َن ْف ِسي بِ َي ِد ِه َلت َْر َك ُب َّن ُسنَّ َة َم ْن ك َ‬

‫أخرجه مسلم (‪ ،)969‬وأبو داود (‪ ،)3218‬والترمذي (‪ ،)1049‬والنسائي (‪.)2031‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه أبو داود (‪ ،)1134‬والنسائي (‪ ،)1556‬وإسـماعيل بن جعفر في حديث علي‬ ‫((( ‬
‫ابن حجر (‪ ،)62‬وأحمد (‪ ،)12827‬وعبد بن حميد (‪.)1392‬‬
‫تفسير الطبري (‪ ،)679/18‬وابن أبي حاتم في التفسير (‪.)14718‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)952‬ومسلم (‪ ،)892‬وأبو داود (‪ ،)1593‬وابن ماجه (‪.)1898‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه الترمذي (‪ ،)2180‬ومعمر في الجامع (‪ ،)20763‬وعبدالرزاق في التفسير‬ ‫((( ‬
‫(‪ ،)931‬وابن أبي شيبة (‪.)38530‬‬
‫‪359‬‬ ‫كتاب ما يضاد أصل اإليمان أو يضاد كماله‬

‫بــاب‬
‫كبائرالذنوب‬
‫نعلم أن الذنوب منها كبائر وصغائر‪ ،‬قال ‪( :‬ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫أيضا‪( :‬ﮒ ﮓ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النجم‪ ،]32 :‬وقال ‪ً ‬‬
‫ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ‬
‫ﮝ) [النساء‪.]31 :‬‬
‫وعن عبداهلل بن مسعود ‪ ‬قال‪ :‬قال رجل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أي‬
‫الذنب أكرب عند اهلل ؟ قال‪« :‬أن تدعو هلل ندًّ ا وهو خلقك»‪ ،‬قال‪ :‬ثم أي؟‬
‫قال‪« :‬أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك»‪ ،‬قال‪ :‬ثم أي؟ قال‪« :‬أن تزاين‬
‫حليلة جارك»؛ فأنزل اهلل تصديقها‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)(((‪.‬‬
‫ونعلم أن اإليمان يزيد وينقص‪ ،‬قال تعالى‪( :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ) [التوبة‪ .]124 :‬فالطاعات تزيد اإليمان وتثبته ‪ ،‬والذنوب تنقص‬
‫اإليمان وتضعفه‪ ،‬فالمعصية ‪-‬التي دون الكفر والشرك‪ -‬تضاد كمال‬
‫اإليمان‪ ،‬ومرتكب الكبيرة ال ُيسلب مطلق اإليمان‪ ،‬وال يستحق وصف‬
‫«ل َيزْنِي‬ ‫اإليمان المطلق؛ ألنه جاء بما ينقص إيمانه‪ ،‬ولهذا َق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪ :‬اَ‬
‫ين َي ْش َر ُب َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َيزْني َو ُه َو ُم ْؤم ٌن‪َ ،‬و اَل َي ْش َر ُب ا ْلخَ ْم َر ح َ‬
‫ِ ِ‬
‫الزَّاني ح َ‬
‫َّاس إِ َل ْي ِه فِ َيها‬ ‫ِ‬
‫ين َي ْسرِ ُق َو ُه َو ُم ْؤم ٌن‪َ ،‬و اَل َينْت َِه ُ‬
‫ب ن ُْه َبةً‪َ ،‬ي ْر َف ُع الن ُ‬
‫ِ‬
‫َو اَل َي ْسرِ ُق ح َ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ )6001‬ومسلم (‪.)86‬‬


‫‪360‬‬

‫«م ْن َر َأى ِمنْك ُْم ُمنْك ًَرا‬ ‫ِ‬


‫ين َينْت َِه ُب َها َو ُه َو ُم ْؤم ٌن» ‪ ،‬وقال ﷺ‪َ :‬‬
‫(((‬ ‫ِ‬
‫َأ ْب َص َار ُه ْم‪ ،‬ح َ‬
‫ف‬‫ك َأ ْض َع ُ‬ ‫َف ْل ُي َغ ِّي ْر ُه بِ َي ِد ِه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َي ْستَطِ ْع َفبِ ِل َسانِ ِه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َي ْستَطِ ْع َفبِ َق ْلبِ ِه‪َ ،‬و َذلِ َ‬
‫ان»(((‪ ،‬وقال ﷺ مخربًا عما يكون يف يوم القيامة‪َ ...« :‬ف َي ُق ُ‬ ‫يم ِ‬ ‫إْ ِ‬
‫ول اهللُ‬ ‫ال َ‬
‫ان َف َأ ْخرِ ُجو ُه‪، (((»...‬‬ ‫يم ٍ‬ ‫َتعا َلى‪ :‬ا ْذهبوا َفمن وجدْ تُم فِي َق ْلبِ ِه ِم ْث َق َال ِدين ٍ ِ‬
‫َار م ْن إِ َ‬ ‫َُ َ ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫فدلت هذه األحاديث على أن الذنوب ُتضعف اإليمان‪.‬‬
‫وصاحب الكبيرة ُمت ََو َّعد بالعقوبة على كبيرته ما لم يتب منها‪ ،‬أو يقام‬
‫عليه الحد‪ -‬إن كانت الكبيرة مما يرتتب عليه الحد‪ ،‬أو يغفر اهلل له بأحد‬
‫أسباب المغفرة وهي كثيرة‪ .‬قال جل شأنه‪( :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء‪.]48 :‬‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)2475‬ومسلم (‪.)57‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪.)49‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7493‬ومسلم (‪.)183‬‬
‫كتاب الصحابة واإلمامة‬
‫‪362‬‬

‫بــاب‬
‫الصحــابة وآل البيت ‪‬‬

‫نؤمن أن اهلل ‪ ‬اختار صحابة نبيه ﷺ‪ ،‬وجعلهم صفوة خلقه بعد‬ ‫فضــــل‬
‫الصحابة‬
‫األنبياء ‪ ،‬وذكر صفاهتم‪ ،‬وأثنى عليهم يف التوراة واإلنجيل‪ ،‬قال‬ ‫‪‬‬
‫تعالى‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الفتح‪ ،]29 :‬وذكر الحق رضاه عنهم‪ ،‬فقال عز من‬
‫قائل‪( :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [التوبة‪.]100 :‬‬
‫وب ّين النبي ﷺ أن الصحابة الكرام خير القرون على اإلطالق‪ ،‬فعن‬
‫ين َي ُلون َُه ْم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عبداهلل قال‪ُ :‬سئِ َل النَّبِي ﷺ‪َ :‬أ ُّي الن ِ‬
‫َّاس َخ ْي ٌر؟ َق َال‪َ « :‬ق ْرني‪ُ ،‬ث َّم ا َّلذ َ‬ ‫ُّ‬
‫ين َي ُلون َُه ْم»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُث َّم ا َّلذ َ‬
‫ونؤمن أن المهاجرين أفضل من األنصار ‪‬؛ لذا قدمهم اهلل يف‬ ‫املهاجـرون‬
‫أفضل مـن‬
‫ِّ‬
‫الذكر يف محكم كتابه كما يف آية «التوبة» السابقة‪ ،‬وأثنى اهلل جل يف عاله على‬ ‫األنصـــار‬
‫المهاجرين‪ ،‬فقال‪( :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الحشر‪.]8 :‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6658‬ومسلم (‪ ،)2533‬والترمذي (‪ ،)3859‬وابن ماجه (‪.)2362‬‬


‫‪363‬‬ ‫كتاب الصحابة واإلمامة‬

‫وقال ‪ ‬يف األنصار‪( :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬


‫ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الحشر‪.]9 :‬‬
‫ونؤمن أن خير هذه األمة بعد نبيها ﷺ‪ :‬أبو بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثمان‪ ،‬ثم‬
‫علي ‪ ،‬فرتتيبهم يف الفضل كرتتيبهم يف الخالفة‪.‬‬
‫العشــرة‬ ‫ونشهد للعشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬كما شهد لهم هبا النبي ﷺ؛ حيث قال‬
‫الجن َِّة‪َ ،‬و َع ِل ٌّي‬ ‫«أبو ب ْكرٍ فِي الجن َِّة‪ ،‬وعمر فِي الجن َِّة‪ ،‬وع ْثم ُ ِ‬
‫املبرشون‬
‫باجلنة‬ ‫ان في َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ َ ُ َُ‬ ‫رسول‪ ‬اهلل ﷺ‪َ ُ َ :‬‬
‫‪‬‬ ‫ف فِي‬ ‫فِي الجن َِّة‪ ،‬و َط ْلح ُة فِي الجن َِّة‪ ،‬وال ُّزبير فِي الجن َِّة‪ ،‬وعبدُ الرحم ِن بن عو ٍ‬
‫َ َ َ ْ َّ ْ َ ْ ُ َ ْ‬ ‫َ َ َُْ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجنَّة»(((‪.‬‬ ‫الجنَّة‪َ ،‬و َأ ُبو ُع َب ْيدَ َة ْب ُن َ‬
‫الج َّراحِ في َ‬ ‫الجنَّة‪َ ،‬و َسعيدٌ في َ‬
‫الجنَّة‪َ ،‬و َس ْعدٌ في َ‬
‫َ‬
‫فضل أهل‬ ‫ونؤمن أن ألهل بدر ‪ ‬منقب ًة ليست لغيرهم‪ ،‬قال ﷺ كما يف‬
‫ُون َق ِد ا َّط َل َع َع َلى َأ ْه ِل َبدْ ٍر‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬
‫بـــــــدر‬
‫الحديث‪َ ...« :‬و َما ُيدْ ِر َ‬
‫يك‪َ ،‬ل َع َّل اهَّللَ َأ ْن َيك َ‬
‫ا ْع َم ُلوا َما ِش ْئت ُْم؛ َف َقدْ َغ َف ْر ُت َلك ُْم»(((‪.‬‬
‫وعن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه ‪-‬وكان أبوه من أهل بدر‪ -‬قال‪:‬‬
‫ون َأ ْه َل َبدْ ٍر فِيك ُْم؟» َق َال‪ :‬مِ ْن َأ ْف َض ِل‬ ‫ِ‬
‫َجا َء ج ْب ِر ُيل إِ َلى النَّبِ ِّي ﷺ‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬
‫«ما َت ُعدُّ َ‬
‫الملاَ ئِك َِة»(((‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«وك ََذل َك َم ْن َش ِهدَ َبدْ ًرا م َن َ‬
‫ِ‬
‫المسلِمي َن‪َ ،‬أ ْو كَلِ َم ًة ن َْح َو َها‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫فضــــل‬ ‫ونشهد بما شهد به رسول اهلل ﷺ ألهل بيعة الرضوان؛ حيث قال ﷺ‪:‬‬
‫الش َج َر ِة»(((‪ ،‬وأهنم فازوا ببيعتهم هذه‬ ‫«ل َيدْ ُخ ُل الن ََّار َأ َحدٌ ِم َّم ْن َب َاي َع ت َْح َ‬
‫أهل بيعة‬
‫الرضوان‬ ‫ت َّ‬ ‫اَ‬

‫أخرجه الترمذي (‪ ،)3747‬وأحمد في المسند (‪ ،)1675‬وفي فضائل الصحابة‬ ‫((( ‬


‫(‪ ،)278‬وابن أبي عاصم في اآلحاد والمثاني (‪.)232‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)3007‬ومسلم (‪ ،)2494‬وأبو داود (‪ ،)2650‬والترمذي (‪.)3305‬‬ ‫(( (‬
‫أخرجه البخاري (‪.)3992‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه أبو داود (‪ ،)4653‬والترمذي (‪ ،)3860‬وأبو الجهم في جزئه (‪ ،)1‬وأحمد=‬ ‫((( ‬
‫‪364‬‬

‫(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)‬ ‫حتى قال اهلل فيها‪:‬‬


‫[الفتح‪ .]10 :‬ونعلم أن اهلل قد ّ‬
‫أحل عليهم رضوانه‪ ،‬كما قال سبحانه يف محكم‬
‫تنزيله‪( :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الفتح‪.]18  :‬‬
‫ٍ‬
‫وحقوق‪ ،‬فتجب‬ ‫َ‬
‫بفضائل‬ ‫ونؤمن أن اهلل ‪ ‬اختص آل بيته ﷺ‬ ‫فضل‬
‫آل البيت‬
‫محبتهم‪ ،‬ومواالهتم‪ ،‬ورعاية حقهم‪ ،‬فمن حقوقهم أن اهلل جعل لهم ح ًّقا يف‬
‫الخمس‪ ،‬والفيء‪ ،‬وأمر النبي ﷺ بالصالة عليهم مع الصالة على رسول اهلل‬ ‫ُ‬
‫ﷺ‪ ،‬فقال لنا‪« :‬قولوا‪ :‬اللهم صل على محمد وعلى آل محمد‪ ،‬كما صليت‬
‫على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ .‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما‬
‫باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد»‪.‬‬
‫ومن فضائلهم ما ذكر تعالى يف قوله جل ثناؤه‪( :‬ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ‬
‫ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [األحزاب‪ .]33 ،32 :‬وقال تعالى‪( :‬ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [األحزاب‪.]6 :‬‬
‫وعن عائش َة ‪ ‬قالت‪ :‬خرج النَّبِي ﷺ غدا ًة وعليه مِ ْر ٌط ُم َر َّحل مِن‬
‫ثم‬
‫الحسين فدخل معه‪َّ ،‬‬ ‫ثم جاء ُ‬ ‫َشعر أسود‪ ،‬فجاء الحسن بن علي فأدخله‪َّ ،‬‬
‫ِ ِ‬
‫ب‬ ‫ثم قال‪« :‬إِن ََّما ُيرِيدُ اهللُ ل ُي ْذه َ‬
‫علي فأدخله‪َّ ،‬‬ ‫ثم جاء ٌّ‬ ‫جاءت فاطم ُة فأدخ َلها‪َّ ،‬‬
‫ت َو ُي َط ِّه َرك ُْم َت ْط ِه ًيرا»(((‪.‬‬ ‫عنكُم الرجس َأه َل البي ِ‬
‫َ ُ ِّ ْ َ ْ َ ْ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َي ُق ُ‬
‫ول‪« :‬إِ َّن‬ ‫وعن َواثِ َل َة ْب ِن الأْ َ ْس َق ِع ‪َ ‬‬
‫قال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2424‬‬ ‫= (‪ ،)14778‬والنسائي في الكبرى (‪.)11444‬‬


‫‪365‬‬ ‫كتاب الصحابة واإلمامة‬

‫اص َط َفى ِم ْن‬ ‫ِ ِ‬


‫اص َط َفى ُق َر ْي ًشا م ْن كنَا َن َة َو ْ‬ ‫يل َو ْ‬ ‫اع َ‬‫اهَّلل اص َط َفى كِنَا َن َة ِمن و َل ِد إِسم ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫اش ٍم واص َط َفانِي ِمن بنِي ه ِ‬ ‫ش بنِي ه ِ‬
‫اشمٍ»(((‪.‬‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُق َر ْي ٍ َ َ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ يوما فِينَا َخطِيبا بِم ٍ‬
‫اء‬ ‫وعن َز ْي ِد ْب ِن َأ ْر َق َم ‪َ ‬ق َال‪َ :‬قا َم َر ُس ُ‬
‫ً َ‬ ‫َْ ً‬
‫اهَّلل َو َأ ْثنَى َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َو َع َظ‪َ ،‬و َذك ََّر‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُيدْ َعى ُخ ًّما َب ْي َن َم َّك َة َوا ْل َمدينَة‪َ ،‬ف َحمدَ َ‬
‫َار ٌك‬ ‫ول َر ِّبي َف ُأ ِج َ‬
‫يب َو َأنَا ت ِ‬ ‫وش ُك َأ ْن َي ْأتِ َي َر ُس ُ‬ ‫«أما بعدُ َأ اَل َأيها النَّاس َفإِنَّما َأنَا ب َشر ي ِ‬
‫َ َ ٌ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ َ‬ ‫َ َّ َ ْ‬
‫َاب اهَّلل ِ َو ْاست َْم ِسكُوا‬‫ُّور َفخُ ُذوا بِكِت ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َاب اهَّلل فيه ا ْل ُهدَ ى َوالن ُ‬
‫ِ‬
‫فيك ُْم َث َق َل ْي ِن َأ َّو ُل ُه َما كت ُ‬
‫ِ‬
‫«و َأ ْه ُل َب ْيتِي‪ُ ،‬أ َذك ُِّرك ُُم اهَّللَ فِي‬ ‫َاب اهَّللِ ور َّغ ِ ِ‬ ‫بِ ِه»‪َ .‬ف َح َّث َع َلى كِت ِ‬
‫ب فيه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬‬ ‫ََ َ‬
‫َأ ْه ِل َب ْيتِي‪ُ ،‬أ َذك ُِّرك ُُم اهَّللَ فِي َأ ْه ِل َب ْيتِي‪ُ ،‬أ َذك ُِّرك ُُم اهَّللَ فِي َأ ْه ِل َب ْيتِي»(((‪.‬‬
‫وقد عرف أصحاب النبي ﷺ لقرابته ﷺ حقهم وفضلهم‪ ،‬حتى َّ‬
‫إن أبا‬
‫بكر ‪ ‬قال لعلي ‪« :‬والذي نفسي ِ‬
‫بيده َلقراب ُة رسول اهلل ﷺ‬ ‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫أن َأ ِص َل من قرا َبتي» ‪.‬‬
‫أحب إلي ْ‬
‫ُّ َّ‬
‫(((‬

‫النهــــي‬ ‫وهنى النبي ﷺ عن سب الصحابة ‪ ،‬فقال‪« :‬لاَ َت ُس ُّبوا َأ ْص َحابِي‪،‬‬


‫َف َل ْو َأ َّن َأ َحدَ ك ُْم َأ ْن َف َق مِ ْث َل ُأ ُح ٍد َذ َه ًبا َما َب َل َغ ُمدَّ َأ َح ِد ِه ْم‪َ ،‬ولاَ ن َِصي َف ُه»(((‪ .‬وبين‬
‫عن سب‬
‫الصحابـة‬
‫‪‬‬ ‫النبي الكريم ﷺ أن حب األنصار عالمة اإليمان‪ ،‬وبغضهم عالمة النفاق‬
‫اق ُبغ ُْض األَن َْص ِ‬ ‫ار‪َ ،‬وآي ُة النِّ َف ِ‬ ‫يم ِ‬ ‫فقال ﷺ‪« :‬آي ُة ِ‬
‫ار»(((‪.‬‬ ‫ب األَن َْص ِ َ‬ ‫ان ُح ُّ‬ ‫اإل َ‬ ‫َ‬
‫وقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ‪َ « :‬ل َم ْش َهدُ َر ُج ٍل مِن ُْه ْم َم َع‬
‫ول‪ ‬اهَّللِ ﷺ ي ْغبر فِ ِ‬
‫يه َو ْج ُه ُه‪َ ،‬خ ْي ٌر مِ ْن َع َم ِل َأ َح ِدك ُْم ُع ُم َر ُه‪َ ،‬و َل ْو ُع ِّم َر ُع ُم َر‬ ‫رس ِ‬
‫َ َ ُّ‬ ‫َ ُ‬
‫ُنوحٍ »(((‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2408‬‬ ‫أخرجه مسلم (‪.)2276‬‬ ‫(( (‬


‫أخرجه البخاري(‪ ،)3508‬ومسلم(‪.)1759‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)3673‬ومسلم (‪ ،)2541‬وأبو داود (‪ ،)4658‬والترمذي (‪.)3861‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)17‬ومسلم (‪ ،)74‬والنسائي (‪.)5019‬‬ ‫((( ‬
‫أخرجه أبو داود (‪.)4650‬‬ ‫((( ‬
‫‪366‬‬

‫باب‬
‫وجوب طاعة والة األمر‬
‫نعلم أن السمع والطاعة واجب لوالة أمور المسلمين؛ لقوله تعالى‪:‬‬
‫(ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [النساء‪ ،]59 :‬ولقوله‬
‫«الس ْم ُع َوال َّطا َع ُة َح ٌّق َما َل ْم ُي ْؤ َم ْر بِا ْل َم ْع ِص َي ِة َفإِ َذا ُأ ِم َر بِ َم ْع ِص َي ٍة َفلاَ َس ْم َع‬
‫ﷺ‪َّ :‬‬
‫َو اَل َطاعة»(((‪.‬‬
‫ول‪ ‬اهللِ‬ ‫ويف « الصحيحين» عن عبادة بن الصامت ‪ ‬قال‪َ « :‬با َي ْعنَا َر ُس َ‬
‫ط َوا ْل َم ْك َر ِه‪َ ،‬و َع َلى َأ َث َر ٍة‬ ‫ﷺ َع َلى السم ِع وال َّطا َع ِة فِي ا ْلعس ِر وا ْليس ِر‪ ،‬وا ْلمن َْش ِ‬
‫ُ ْ َ ُْ َ َ‬ ‫َّ ْ َ‬
‫اف‬ ‫َخ ُ‬ ‫ول بِا ْل َح ِّق َأ ْين ََما ُكنَّا‪ ،‬لاَ ن َ‬ ‫َع َل ْينَا‪َ ،‬و َع َلى َأ اَّل ُنن ِ‬
‫َاز َع الأْ َ ْم َر َأ ْه َل ُه‪َ ،‬و َع َلى َأ ْن َن ُق َ‬
‫فِي اهللِ َل ْو َم َة لاَ ئِ ٍم»(((‪.‬‬
‫قال أبو زرعة ‪ ...« :‬ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة‬
‫المسلمين يف كل دهر وزمان‪ ،‬وال نرى الخروج على األئمة وال القتال يف‬
‫الفتنة‪ ،‬ونسمع ونطيع لمن اَّ‬
‫وله اهلل ‪ ‬أمرنا‪ ،‬وال ننزع يدً ا من طاعة‪،‬‬
‫ونتبع السنة والجماعة»(((‪.‬‬
‫وطاعة والة األمر إنما تجب يف المعروف وتحرم يف المعصية لقوله ﷺ‬
‫«‪...‬ما َل ْم ُي ْؤ َم ْر بِا ْل َم ْع ِص َي ِة‪َ ،‬فإِ َذا‬
‫َ‬ ‫‪-‬كما يف حديث ابن عمر ‪ ‬السابق‪:‬‬
‫«ل َطا َع َة فِي َم ْع ِص َي ٍة‪ ،‬إِن ََّما‬ ‫ُأ ِم َر بِ َم ْع ِص َي ٍة َفلاَ َس ْم َع َو اَل َطاعة»؛ ولقوله ﷺ‪ :‬اَ‬

‫(( ( أخرجه البخاري (‪ ،)2955‬ومسلم (‪.)1839‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7055‬ومسلم (‪.)1709‬‬
‫((( شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‪ ،‬لإلمام الاللكائي (‪)175/1‬‬
‫‪367‬‬ ‫كتاب الصحابة واإلمامة‬

‫ال َّطاع ُة فِي ا ْلمعر ِ‬


‫وف»(((‪.‬‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬
‫قال اإلمام أبو إبراهيم المزين‪« :‬وال َّطاعة ألولي الأْ َمر فيما كان ِعنْد اهلل‬
‫واجتناب ما كان عنْد اهلل مسخ ًطا‪ ،‬وترك الخروج عنْد‬ ‫عز وجل مرض ًّيا‪ْ ،‬‬
‫وجورهم‪ ،‬والت َّْوبة إِلى اهلل ‪َ ‬ك ْيما ي ْعطف هبم على رعيتهم»(((‪.‬‬ ‫تعديهم ْ‬

‫(( ( أخرجه البخاري(‪ ،)7257‬ومسلم(‪.)1840‬‬


‫((( شرح السنة للمزني (ص‪.)84 :‬‬
‫‪368‬‬

‫الخاتمة‬

‫الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات‪ ،‬ونصلي ونسلم على المبعوث‬
‫رحمة للعالمين‪ ،‬ونشكر المولى جل شأنه على ما م ّن به علينا من إتمام‬
‫الس ْفر العظيم المبارك‪ ،‬ونقول كما يقول أهل الجنة‪( :‬ﮃ ﮄ ﮅ‬ ‫هذا ِّ‬
‫ﮆ ﮇ) [يونس‪ .]10 :‬وكما أمر ربنا جل شأنه‪( :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [النمل‪.]59 :‬‬
‫خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬مواف ًقا لهدي سيد‬
‫ً‬ ‫ونسأله أن يجعل هذا العمل‬
‫المرسلين ﷺ‪ ،‬ناف ًعا لعباده‪ ،‬شاف ًعا لنا يوم لقائه‪.‬‬
‫ونعلم أننا مهما اجتهدنا فلن نحيط هبذا الموضوع الشريف؛ ذلك ألنه‬
‫حديث عن اهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقضاء والقدر‪،‬‬
‫ولكننا نختم الكتاب بقول الحق جل شأنه وتعالى سلطانه‪( :‬ﯦ ﯧ‬
‫ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ‬
‫ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الزمر‪.]67 :‬‬
‫‪369‬‬ ‫قائمة المراجع‬

‫قائمة المراجع‬
‫‪1 -1‬اآلحاد والمثاين‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر بن أبي عاصم‪ ،‬وهو أحمد‪ ‬بن عمرو بن الضحاك‬
‫ابن مخلد الشيباين «المتوىف‪287 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪  :‬د‪.‬باسم فيصل أحمد الجوابرة‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الراية ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1411 ،‬هـ‪1991-‬م‪.‬‬
‫‪2 -2‬اإلبانة الكربى‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عبداهلل عبيد اهلل بن محمد بن محمد بن حمدان‬
‫ال ُع ْك َبري المعروف بابن َب َّطة العكربي «المتوىف‪387 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬رضا معطي‪،‬‬
‫وعثمان األثيوبي‪ ،‬ويوسف الوابل‪ ،‬والوليد بن سيف النصر‪ ،‬وحمد التويجري‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الراية للنشر والتوزيع ‪ -‬الرياض‪.‬‬
‫‪3 -3‬األدب المفرد‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عبداهلل محمد بن إسماعيل البخاري‪« ،‬المتوىف‪:‬‬
‫‪256‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬علي عبدالباسط مزيد‪ ،‬وعلي عبدالمقصود رضوان‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫مكتبة الخانجي ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1423 ،‬هـ‪2003-‬م‪.‬‬
‫‪4 -4‬األدب المفرد‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عبداهلل محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة‬
‫البخاري‪« ،‬المتوىف‪256 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬محمد فؤاد عبدالباقي‪ ،‬النا�شر‪  :‬دار البشائر‬
‫اإلسالمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪1409 ،‬هـ‪1989-‬م‪.‬‬
‫‪5 -5‬األسماء والصفات‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي‪،»458 - 384« ،‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبداهلل بن محمد الحاشدي‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة السوادي ‪ -‬جدة‪.‬‬
‫‪6 -6‬أمالي الباغندي‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬الباغندي الكبير محمد بن سليمان بن الحارث‬
‫الواسطي‪ ،‬أبو بكر البا َغندي‪ ،‬والد الحافظ محمد بن محمد البا َغندي «المتوىف‪:‬‬
‫‪283‬هـ»‪ ،‬حتقيق‪ :‬أشرف صالح علي‪ ،‬النا�شر‪ :‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1417 ،‬هـ‪1997-‬م‪.‬‬
‫‪370‬‬

‫‪7 -7‬البدع والنهي عنها‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عبداهلل محمد بن وضاح بن بزيع المرواين القرطبي‬
‫«المتوىف‪286 :‬هـ»‪ ،‬حتقيق ودرا�سة‪ :‬عمرو عبدالمنعم سليم‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة ابن‬
‫تيمية‪ ،‬القاهرة‪ -‬مصر‪ ،‬مكتبة العلم‪ ،‬جدة ‪ -‬السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪8 -8‬بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو محمد الحارث بن محمد بن‬
‫داهر التميمي البغدادي الخصيب المعروف بابن أبي أسامة «المتوىف‪282 :‬هـ»‪،‬‬
‫المنتقي‪ :‬أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر الهيثمي‬
‫«المتوىف‪807 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬د‪ .‬حسين أحمد صالح الباكري‪ ،‬النا�شر‪ :‬مركز خدمة‬
‫السنة والسيرة النبوية ‪ -‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1413 ،‬هـ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪9 -9‬تاريخ مدينة السالم وأخبار محدثيها وذكر قطاهنا العلماء من غير أهلها ووارديها‬
‫«المعروف بتاريخ بغداد»‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب‬
‫البغدادي‪« ،‬المتوىف‪463 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬بشار عواد معروف‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1422 ،‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫الم ْر َو ِزي‬
‫‪10 10‬تعظيم قدر الصالة‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عبداهلل محمد بن نصر بن الحجاج َ‬
‫«المتوىف‪294 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬د‪ .‬عبدالرحمن عبدالجبار الفريوائي‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة‬
‫الدار ‪ -‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪11 11‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي‬
‫الدمشقي‪« ،‬المتوىف‪774 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬سامي بن محمد السالمة‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار‬
‫طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية ‪1420‬هـ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪12 12‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو محمد عبدالرحمن بن محمد بن إدريس بن‬
‫المنذر التميمي‪ ،‬الحنظلي‪ ،‬الرازي ابن أبي حاتم «المتوىف‪327 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬أسعد‬
‫محمد الطيب‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة نزار مصطفى الباز ‪ -‬المملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬الثالثة‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪371‬‬ ‫قائمة المراجع‬

‫‪13 13‬تفسير عبدالرزاق‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر عبدالرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماين‬
‫الصنعاين «المتوىف‪211 :‬هـ»‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ :‬د‪ .‬محمود محمد عبده‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪14 14‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬محمد بن جرير بن يزيد بن كثير‬
‫ابن غالب‪ ،‬أبو جعفر الطربي «المتوىف‪310 :‬هـ»‪ ،‬حتقيق‪ :‬الدكتور عبداهلل بن‬
‫عبدالمحسن الرتكي‪ ،‬بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات اإلسالمية بدار‬
‫هجر بإشراف الدكتور عبدالسند حسن يمامة‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار هجر للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع واإلعالن‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1422 ،‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪15 15‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول اهلل ﷺ وسننه وأيامه‪،‬‬
‫امل�ؤلف‪ :‬محمد بن إسماعيل أبو عبداهلل البخاري الجعفي‪ ،‬املحقق‪ :‬محمد زهير‬
‫ابن ناصر الناصر‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار طوق النجاة «مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم‬
‫محمد فؤاد عبدالباقي»‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪16 16‬الجامع يف الحديث البن وهب‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو محمد عبداهلل بن وهب بن مسلم‬
‫المصري القرشي «المتوىف‪197 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬د مصطفى حسن حسين محمد أبو‬
‫الخير‪ ،‬أستاذ الحديث وعلومه المساعد ‪ -‬كلية أصول الدين ‪ -‬القاهرة‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار ابن الجوزي ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1416 ،‬هـ‪1995-‬م‪.‬‬
‫‪17 17‬الجامع لشعب اإليمان‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي‪ ،‬ا«لمتوىف‪:‬‬
‫‪458‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬عبدالعلي عبدالحميد حامد‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة الرشد بالرياض‪،‬‬
‫بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1423 ،‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫‪18 18‬جزء فيه حديث المصيصي لوين‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو جعفر محمد بن سليمان بن حبيب‬
‫ابن جبير األسدي المصيصي المعروف بـ لوين «المتوىف‪245 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬أبو‬
‫عبدالرحمن مسعد بن عبدالحميد السعدين‪ ،‬النا�شر‪ :‬أضواء السلف ‪ -‬الرياض‪،‬‬
‫‪372‬‬

‫الطبعة‪ :‬األولى‪1418 ،‬هـ‪1997 -‬م‪.‬‬


‫‪19 19‬الجهاد البن أبي عاصم‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو‬
‫ابن الضحاك بن مخلد الشيباين «المتوىف‪287 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬مساعد بن سليمان‬
‫الراشد الجميد‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة العلوم والحكم ‪ -‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪20 20‬حلية األولياء وطبقات األصفياء‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو نعيم أحمد بن عبداهلل بن أحمد‬
‫ابن إسحاق بن موسى بن مهران األصبهاين «المتوىف‪430 :‬هـ»‪ ،‬النا�شر‪ :‬السعادة‬
‫‪ -‬مصر‪1394 ،‬هـ‪1974-‬م‪.‬‬
‫‪21 21‬الدعاء‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عبدالرحمن محمد بن فضيل بن غزوان بن جرير الضبي‬
‫موالهم الكويف «المتوىف‪195 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬د عبدالعزيز بن سليمان بن إبراهيم‬
‫البعيمي‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة الرشد ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1419 ،‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬
‫‪22 22‬الدعاء‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي‪ ،‬أبو القاسم‬
‫الطرباين «المتوىف‪360 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬مصطفى عبدالقادر عطا‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪23 23‬دالئل النبوة‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو نعيم أحمد بن عبداهلل بن أحمد بن إسحاق بن موسى‬
‫ابن مهران األصبهاين «المتوىف‪430 :‬هـ»‪ ،‬حققه‪ :‬الدكتور محمد رواس قلعه‬
‫جي‪ ،‬عبدالرب عباس‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار النفائس‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1406 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫‪24 24‬دالئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أحمد‪ ‬بن الحسين بن‬
‫الخ ْس َر ْو ِجردي الخراساين‪ ،‬أبو بكر البيهقي «المتوىف‪458  :‬هـ»‪،‬‬
‫علي بن موسى ُ‬
‫النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪373‬‬ ‫قائمة المراجع‬

‫ِ‬
‫الجهم َّية‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي‪ ،‬املحقق‪ :‬أبو‬ ‫‪25 25‬الرد على‬
‫عاصم الشوامي األثري‪ ،‬النا�شر‪ :‬المكتبة اإلسالمية‪ ،‬القاهرة ‪ -‬مصر‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1431 ،‬هـ‪2010-‬م‪.‬‬
‫‪26 26‬الزهد‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬اإلمام أبو عبداهلل أحمد بن محمد بن حنبل‪ ‬بن هالل بن أسد‬
‫الشيباين «المتوىف‪241 :‬هـ»‪ ،‬و�ضع حوا�شيه‪ :‬محمد عبدالسالم شاهين‪ ،‬النا�شر‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة‪  :‬األولى‪1420 ،‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬
‫الس ِري بن مصعب بن أبي بكر بن شرب بن‬
‫الس ِري َهنَّاد بن َّ‬
‫‪27 27‬الزهد‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو َّ‬
‫صعفوق بن عمرو بن زرارة بن عدس بن زيد التميمي الدارمي الكويف «المتوىف‪:‬‬
‫‪243‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬عبدالرحمن عبدالجبار الفريوائي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الخلفاء للكتاب‬
‫اإلسالمي ‪ -‬الكويت‪ ،‬الطبعة‪  :‬األولى‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪28 28‬الزهد والرقائق‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عبدالرحمن عبداهلل بن المبارك بن واضح الحنظلي‪،‬‬
‫المروزي «المتوىف‪181 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪،‬‬
‫الرتكي ثم ْ‬
‫النا�شر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪29 29‬السنة‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر أحمد بن عمرو المعروف بابن أبي عاصم‪« ،‬المتوىف‪:‬‬
‫‪287‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬باسم بن فيصل الجوابرة‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الصميعي ‪ -‬الرياض‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪1419 ،‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪30 30‬السنة‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عبدالرحمن عبداهلل بن أحمد بن محمد‪ ‬بن حنبل الشيباين‬
‫البغدادي «المتوىف‪290 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬أبو عبداهلل عادل بن عبداهلل آل حمدان‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬يطلب من جوال «‪ ،»0544892772‬الطبعة‪ :‬األولى‪1433 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪2012‬م‪.‬‬
‫‪31 31‬السنة‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد َ‬
‫الخ اَّلل البغدادي‬
‫الحنبلي «المتوىف‪311 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬د‪ .‬عطية الزهراين‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الراية ‪-‬‬
‫‪374‬‬

‫الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1410 ،‬هـ‪1989 -‬م‪.‬‬


‫‪32 32‬سنن أبي داود‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو داود سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشير بن‬
‫شداد بن عمرو األزدي الس ِ‬
‫ج ْستاين «المتوىف‪275 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬ش َعيب األرنؤوط‬ ‫ِّ‬
‫‪ -‬محمد كامل قره بللي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الرسالة العالمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1430 ،‬هـ‬
‫‪2009 -‬م‪.‬‬
‫‪33 33‬سنن الرتمذي‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬محمد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى‪ ‬بن الضحاك‪،‬‬
‫الرتمذي‪ ،‬أبو عيسى «المتوىف‪279 :‬هـ»‪ ،‬حتقيق وتعليق‪ :‬أحمد محمد شاكر «جـ‬
‫‪ ،»2 ،1‬ومحمد فؤاد عبدالباقي «جـ ‪ ،»3‬وإبراهيم عطوة عوض المدرس يف األزهر‬
‫الشريف «جـ‪ ،»5 ،4‬النا�شر‪ :‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ‪ -‬مصر‪،‬‬
‫الطبعة‪  :‬الثانية‪1395 ،‬هـ‪1975-‬م‪.‬‬
‫‪34 34‬سنن ابن ماجه‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬ابن ماجه أبو عبداهلل محمد بن يزيد القزويني «المتوىف‪:‬‬
‫‪273‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬شعيب األرنؤوط ‪ -‬عادل مرشد ‪ -‬محمد كامل قره بللي ‪ -‬عبد‬
‫ال ّلطيف حرز اهلل‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الرسالة العالمية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1430 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫‪35 35‬سنن سعيد بن منصور‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عثمان سعيد بن منصور‪ ‬بن شعبة الخراساين‬
‫الجوزجاين «المتوىف‪227 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬النا�شر‪ :‬الدار‬
‫السلفية ‪ -‬الهند‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1403 ،‬هـ‪1982-‬م‪.‬‬
‫‪36 36‬السنن الكربى‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب‪ ‬بن علي الخراساين‪،‬‬
‫النسائي «المتوىف‪303 :‬هـ»‪ ،‬حققه وخرج �أحاديثه‪ :‬حسن عبدالمنعم شلبي‪،‬‬
‫أشرف عليه‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬النا�شر‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1421 ،‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬
‫‪37 37‬السنن الكبير‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي‪« ،‬المتوىف‪:‬‬
‫‪375‬‬ ‫قائمة المراجع‬

‫‪458‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬عبداهلل بن عبدالمحسن الرتكي ‪ -‬بالتعاون مع مركز هجر‬


‫للبحوث والدراسات العربية واإلسالمية‪ ،‬بإشراف الدكتور عبدالسند حسن‬
‫يمامة‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار هجر ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1432 ،‬هـ‪2011-‬م‪.‬‬
‫‪38 38‬شرح مشكل اآلثار‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو جعفر أحمد بن محمد بن سالمة بن عبدالملك‬
‫ابن سلمة األزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي «المتوىف‪321 :‬هـ»‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬النا�شر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1415 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1494‬م‪.‬‬
‫اآلج ِّر ُّي البغدادي‬
‫‪39 39‬الشريعة‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر محمد بن الحسين بن عبداهلل ُ‬
‫«المتوىف‪360 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬الدكتور عبداهلل بن عمر بن سليمان الدميجي‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار الوطن ‪ -‬الرياض ‪ -‬السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1420 ،‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪40 40‬صحيح ابن خزيمة‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة‬
‫ابن صالح بن بكر السلمي النيسابوري «المتوىف‪311  :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬د‪ .‬محمد‬
‫مصطفى األعظمي‪ ،‬النا�شر‪ :‬المكتب اإلسالمي ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪41 41‬صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬محمد بن حبان بن أحمد بن حبان‬
‫ابن معاذ بن معبد‪ ،‬التميمي‪ ،‬أبو حاتم‪ ،‬الدارمي‪ ،‬ال ُبستي «المتوىف‪354 :‬هـ»‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬النا�شر‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪،‬‬
‫‪1414‬هـ‪1993-‬م‪.‬‬
‫‪42 42‬الصالة‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو نعيم الفضل بن عمرو بن حماد بن زهير بن درهم القرشي‬
‫التيمي بالوالء المالئي‪ ،‬المعروف بابن ُد َك ْين «المتوىف‪219 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬صالح‬
‫ابن عايض الشالحي‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة الغرباء األثرية ‪ -‬المدينة‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1417 ،‬هـ ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪43 43‬صفة النفاق وذم المنافقين‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر جعفر بن محمد‪ ‬بن الحسن‬
‫‪376‬‬
‫ابن المستَفاض ِ‬
‫الف ْريابِي «المتوىف‪301 :‬هـ»‪� ،‬شرحه وحققه وعلق عليه‪ :‬أبو‬ ‫ُ ْ‬
‫عبدالرحمن المصري األثري‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الصحابة للرتاث‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1408 ،‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪44 44‬الصمت وآداب اللسان‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر عبداهلل بن محمد‪ ‬بن عبيد بن سفيان‬
‫ابن قيس البغدادي األموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا «المتوىف‪281 :‬هـ»‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬أبو إسحاق الحويني‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الكتاب العربي ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪45 45‬العظمة‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو محمد عبداهلل بن محمد بن جعفر بن حيان األصفهاين‬
‫المعروف بأبِي الشيخ‪ ،‬المتوىف‪369 :‬هـ‪ ،‬املحقق‪ :‬رضاء‪ ‬اهلل بن محمد إدريس‬
‫المباركفوري‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار العاصمة ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪46 46‬عمل اليوم والليلة سلوك النبي مع ربه ‪ ‬ومعاشرته مع العباد‪ ،‬امل�ؤلف‪:‬‬
‫أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط بن عبد‪ ‬اهلل بن إبراهيم بن ُبدَ ْيح‪،‬‬
‫السنِّي» «المتوىف‪364 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬كوثر الربين‪،‬‬
‫ري‪ ،‬المعروف بـ «ابن ُّ‬
‫الدِّ ْين ََو ُّ‬
‫النا�شر‪ :‬دار القبلة للثقافة اإلسالمية ومؤسسة علوم القرآن ‪ -‬جدة ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪47 47‬فضائل الصحابة‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عبداهلل أحمد بن محمد بن حنبل بن هالل بن أسد‬
‫الشيباين «المتوىف‪241 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬د‪ .‬وصي اهلل محمد عباس‪ ،‬النا�شر‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1403 ،‬هـ‪1983-‬م‪.‬‬
‫‪48 48‬فضائل القرآن‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو ُعبيد القاسم بن سالّم بن عبداهلل الهروي البغدادي‬
‫«المتوىف‪224 :‬هـ»‪ ،‬حتقيق‪ :‬مروان العطية‪ ،‬ومحسن خرابة‪ ،‬ووفاء تقي الدين‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار ابن كثير «دمشق ‪ -‬بيروت»‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1415 ،‬هـ‪1995-‬م‪.‬‬
‫‪49 49‬القدر وما ورد يف ذلك من اآلثار‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو محمد عبداهلل بن وهب بن مسلم‬
‫المصري القرشي «المتوىف‪197 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬د‪.‬عبد‪ ‬العزيز عبدالرحمن العثيم‪،‬‬
‫‪377‬‬ ‫قائمة المراجع‬

‫النا�شر‪ :‬دار السلطان ‪ -‬مكة المكرمة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1406 ،‬هـ‪.‬‬


‫‪50 50‬القضاء والقدر‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي‪384« ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪458‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬محمد بن عبداهلل آل عامر‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة العبيكان ‪ -‬الرياض‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪1421 ،‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬
‫‪51 51‬كتاب اإليمان‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر بن أبي شيبة‪ ،‬عبداهلل بن محمد بن إبراهيم‬
‫ابن عثمان بن خواستي العبسي «المتوىف‪235 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬محمد ناصر الدين‬
‫األلباين‪ ،‬النا�شر‪ :‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪52 52‬كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب ‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر محمد بن إسحاق‬
‫ابن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري «المتوىف‪311 :‬هـ»‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬عبدالعزيز بن إبراهيم الشهوان‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة الرشد ‪ -‬الرياض ‪-‬‬
‫السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬الخامسة‪1414 ،‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫الم ْستَفاض‬
‫‪53 53‬كتاب القدر‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن بن ُ‬
‫ِ‬
‫الف ْريابِي «المتوىف‪301 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬عبداهلل بن حمد المنصور‪ ،‬النا�شر‪ :‬أضواء‬
‫السلف ‪ -‬السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1418 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪54 54‬المجتبى من السنن = السنن الصغرى للنسائي‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عبدالرحمن أحمد‬
‫ابن شعيب بن علي الخراساين‪ ،‬النسائي «المتوىف‪303 :‬هـ»‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبدالفتاح أبو‬
‫غدة‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتب المطبوعات اإلسالمية ‪ -‬حلب‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1406 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫‪55 55‬اسم مختصر قيام رمضان‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬محمد بن نصر المروزي‪« ،‬المتوىف‪:‬‬
‫‪294‬هـ»‪ ،‬املخت�صر‪ :‬المقريزي‪ ،‬النا�شر‪ :‬حديث أكاديمي فيصل آباد ‪ -‬الهند‪.‬‬
‫‪56 56‬المرض والكفارات‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر عبداهلل بن محمد بن أبي الدنيا‪« ،‬المتوىف‪:‬‬
‫‪281‬هـ»‪ ،‬طبع‪ :‬ضمن الجزء الخامس من موسوعة ابن أبي الدنيا‪ ،‬املحقق‪ :‬فاضل‬
‫‪378‬‬

‫ابن خلف الحمادة الرقي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار أطلس الخضراء ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1433 ،‬هـ‪2012-‬م‪.‬‬
‫‪57 57‬المستدرك على الصحيحين للحاكم‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عبداهلل الحاكم محمد بن‬
‫عبداهلل بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماين النيسابوري‬
‫المعروف بابن البيع «المتوىف‪405 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬أبو عبدالرحمن مقبل بن هادي‬
‫الوادعي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الحرمين ‪ -‬القاهرة؛ الطبعة‪1417 :‬هـ‪1997-‬م‪.‬‬
‫‪58 58‬المسند‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر عبداهلل بن الزبير القرشي الحميدي‪« ،‬المتوىف‪:‬‬
‫‪219‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬حسين سليم أسد‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار السقا ‪ -‬دمشق‪.‬‬
‫‪59 59‬المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول اهلل ﷺ‪ ،‬امل�ؤلف‪:‬‬
‫مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري «المتوىف‪261 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫محمد فؤاد عبدالباقي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي ‪ -‬بيروت‪.‬‬
‫‪60 60‬مسند أبي داود الطيالسي‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو داود سليمان بن داود بن الجارود‬
‫الطيالسي البصرى «المتوىف‪204 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬الدكتور محمد بن عبدالمحسن‬
‫الرتكي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار هجر ‪ -‬مصر‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1419 ،‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬
‫‪61 61‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عبداهلل أحمد بن محمد بن حنبل بن‬
‫هالل بن أسد الشيباين «المتوىف‪241 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬شعيب األرنؤوط ‪ -‬عادل‬
‫مرشد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬إشراف‪ :‬د عبداهلل بن عبدالمحسن الرتكي‪ ،‬النا�شر‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1421 ،‬هـ‪2001-‬م‪.‬‬
‫‪62 62‬المسند‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬عبداهلل بن المبارك المروزي «المتوىف‪181 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫صبحي البدري السامرائي‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة المعارف ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1407‬هـ‪1987-‬م‪.‬‬
‫‪63 63‬مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر أحمد بن عمرو بن‬
‫‪379‬‬ ‫قائمة المراجع‬

‫عبدالخالق بن خالد بن عبيد اهلل العتكي المعروف بالبزار «المتوىف‪292 :‬هـ»‪،‬‬


‫املحقق‪ :‬محفوظ الرحمن زين اهلل‪ ،‬وعادل بن سعد‪ ،‬وصربي عبدالخالق الشافعي‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬مكتبة العلوم والحكم ‪ -‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪« ،‬بدأت‬
‫‪1988‬م‪ ،‬وانتهت ‪2009‬م»‪.‬‬
‫‪64 64‬المسند الصحيح المخرج على صحيح مسلم‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو عوانة يعقوب بن‬
‫إسحاق اإلسفرائيني‪« ،‬المتوىف‪316 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬رباح بن رضيمان بن تركي‬
‫العنزي‪ ،‬النا�شر‪ :‬الجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫‪65 65‬مسند ابن أبي شيبة‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر بن أبي شيبة‪ ،‬عبداهلل بن محمد بن إبراهيم‬
‫ابن عثمان بن خواستي العبسي «المتوىف‪235 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬عادل بن يوسف‬
‫العزازي و أحمد بن فريد المزيدي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الوطن ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪66 66‬مسند إسحاق بن راهويه‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن‬
‫إبراهيم الحنظلي المروزي المعروف بـ ابن راهويه «المتوىف‪238 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫د‪ .‬عبدالغفور بن عبدالحق البلوشي‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة اإليمان ‪ -‬المدينة المنورة‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪1412 ،‬هـ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫الروياين «المتوىف‪307 :‬هـ»‪،‬‬
‫‪67 67‬مسند الروياين‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر محمد بن هارون ُّ‬
‫املحقق‪ :‬أيمن علي أبو يماين‪ ،‬النا�شر‪ :‬مؤسسة قرطبة ‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪68 68‬مسند الشاميين‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي‪،‬‬
‫أبو القاسم الطرباين «المتوىف‪360 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬حمدي بن عبدالمجيد السلفي‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1405 ،‬هـ‪1984 -‬م‪.‬‬
‫‪69 69‬مشيخة ابن طهمان‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو سعيد إبراهيم بن طهمان بن شعبة الخراسانى‬
‫‪380‬‬

‫الهروي «المتوىف‪168 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬محمد طاهر مالك‪ ،‬النا�شر‪ :‬مجمع اللغة‬
‫العربية ‪ -‬دمشق‪ ،‬سنة النشر‪1403 :‬هـ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪70 70‬المصنف‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر عبداهلل بن محمد بن أبي شيبة‪ ،‬المتوىف‪235 :‬هـ‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬محمد عوامة‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار القبلة ‪ -‬جدة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1427 ،‬هـ‪-‬‬
‫‪2006‬م‪.‬‬
‫‪71 71‬المصنف‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر عبدالرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماين الصنعاين‬
‫«المتوىف‪211 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬حبيب الرحمن األعظمي‪ ،‬النا�شر‪ :‬المجلس العلمي‪-‬‬
‫الهند‪ ،‬يطلب من‪ :‬المكتب اإلسالمي ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثانية‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪72 72‬المعجم األوسط‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي‪،‬‬
‫أبو القاسم الطرباين «المتوىف‪360 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬طارق بن عوض اهلل بن محمد‪،‬‬
‫عبدالمحسن بن إبراهيم الحسيني‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار الحرمين ‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫‪73 73‬معجم الشيوخ‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬ثقة الدين‪ ،‬أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة اهلل‬
‫المعروف بابن عساكر «المتوىف‪571 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬الدكتورة وفاء تقي الدين‪،‬‬
‫النا�شر‪ :‬دار البشائر ‪ -‬دمشق‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى ‪1421‬هـ‪2000-‬م‪.‬‬
‫‪74 74‬مكارم األخالق ومعاليها ومحمود طرائقها‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر محمد بن جعفر بن‬
‫محمد بن سهل بن شاكر الخرائطي السامري «المتوىف‪327 :‬هـ»‪ ،‬تقديم وحتقيق‪:‬‬
‫أيمن عبدالجابر البحيري‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار اآلفاق العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1419‬هـ‪1999-‬م‪.‬‬
‫‪75 75‬المنتخب من مسند عبد بن حميد‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو محمد عبدالحميد بن حميد‬
‫ابن نصر ال َك ّسي ويقال له‪ :‬ال َك ّشي بالفتح واإلعجام «المتوىف‪249 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫صبحي البدري السامرائي‪ ،‬محمود محمد خليل الصعيدي‪ ،‬النا�شر‪ :‬مكتبة السنة‬
‫‪ -‬القاهرة‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪1408 ،‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪381‬‬ ‫قائمة المراجع‬

‫‪76 76‬نقض ِ‬
‫اإلمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما‬
‫افرتى على اهلل ‪ ‬من التوحيد‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو سعيد عثمان بن سعيد بن خالد‬
‫ابن سعيد الدارمي السجستاين «المتوىف‪280 :‬هـ»‪ ،‬املحقق‪ :‬أبو عاصم الشوامي‬
‫األثري‪ ،‬النا�شر‪ :‬المكتبة اإلسالمية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة ‪ -‬مصر‪ ،‬الطبعة‪:‬‬
‫األولى‪1433 ،‬هـ ‪2012 -‬م‪.‬‬
‫‪77 77‬الهواتف‪ ،‬امل�ؤلف‪ :‬أبو بكر عبداهلل بن محمد بن أبي الدنيا‪« ،‬المتوىف‪281 :‬هـ»‪،‬‬
‫طبع‪ :‬ضمن الجزء السادس من موسوعة ابن أبي الدنيا‪ ،‬املحقق‪ :‬فاضل بن خلف‬
‫الحمادة الرقي‪ ،‬النا�شر‪ :‬دار أطلس الخضراء ‪ -‬الرياض‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪،‬‬
‫‪1433‬هـ ‪2012 -‬م‪.‬‬
‫‪382‬‬

‫فهرس الموضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫بين يدي الكتاب‪5 ...........................................................‬‬
‫سبب التأليف ‪5 ..........................................................‬‬
‫ما المقصود بباب وجود الله ‪5 .................................... ‬‬
‫الـمنهج الذي اتبعناه في التأليـف ‪6 .......................................‬‬
‫مميزات هذا الكتاب ‪8 ...................................................‬‬
‫المقدمة ‪11...................................................................‬‬

‫كتاب بدء ْ‬
‫الخلق‬
‫ملخــص الكـتـــاب ‪14........................................................‬‬
‫بــاب الله خالق كل شيء ‪17..................................................‬‬
‫كان الله ولم يكــن شيء قبله‪17...............................................‬‬
‫خلق الله كل دابة من ماء ‪18..................................................‬‬
‫التوازن في خلق الله ‪18.......................................................‬‬
‫المخلوقات شواهد على ربوبية الله‪18........................................‬‬
‫بــاب خلق العرش العظيم ‪20.................................................‬‬
‫العرش فوق السموات‪ ،‬والله فـــوق العرش‪20................................‬‬
‫الكنوز التي تحت العرش ‪20.................................................‬‬
‫الرسول ﷺ يسجد تحت العرش يوم القيامة ‪21...............................‬‬
‫العرش تحمله الـمالئكــة ‪22..................................................‬‬
‫‪383‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬

‫استواء الله على العرش‪23....................................................‬‬


‫ربوبيـــة الله ‪ ‬للعرش دليـل عــلى استـحـقاقه للعبادة ‪24...........‬‬
‫بــاب خـــلق الــمـــاء ‪25......................................................‬‬
‫جعل الله الـمـاء اً‬
‫دليل على البعــث ‪26........................................‬‬
‫الـمـاء جند من جنود الله‪26...................................................‬‬
‫بــاب خلق القلم‪27...........................................................‬‬
‫بــاب خلق الكرسي‪29........................................................‬‬
‫بــاب خ ْلق السموات واألرض‪31.............................................‬‬
‫الله رفــــع السمــوات بغير عمد ‪31...........................................‬‬
‫الله تعــــالى يمســــك السمــوات واألرض ‪32................................‬‬
‫خَ ْلـــــق السمــوات واألرض دليــل على ربوبيـــة الله المستلزمة أللوهيتـــه ‪33...‬‬
‫تمجيد الكون وتعظيمه لله‪33.................................................‬‬
‫بــاب خلق الشمس والقمر‪34.................................................‬‬
‫الشمس والقمر دليل على ربوبيـــة الله‪35.....................................‬‬
‫سجود الشمس تحت العرش ‪35..............................................‬‬
‫بــاب خلق النجوم ‪36.........................................................‬‬
‫النجوم رجوم للشياطيــن ‪36..................................................‬‬
‫النجوم والكواكب ال‪ ‬تنفع وال تضــر‪38.......................................‬‬
‫بــاب خلق الـمالئكة‪40.......................................................‬‬
‫بــاب خلق الجن والشياطين ‪41...............................................‬‬
‫الغايــة مـن خلق الثقلين ‪41...................................................‬‬
‫خلق الـجـن متقــدم على خلق آدم ‪41.........................................‬‬
‫الـجن مخاطبون بالشرائع‪43..................................................‬‬
‫‪384‬‬

‫الشيطان ال يستطيــــع إغواء عباد الله المخلصيـن ‪44..........................‬‬


‫وارد الشيطان علـى القلـب‪46.................................................‬‬
‫الشيطان يتمثل بما يأذن الله له فيه من الصور‪46...............................‬‬
‫الشيطان يتخلى عــن أوليائه في اآلخرة ‪47....................................‬‬
‫بــاب خلق اإلنسان ‪48........................................................‬‬
‫خلــق الله آدم بيــده‪49........................................................‬‬
‫جعل الله اإلنسان خليفة في األرض ‪51.......................................‬‬
‫بدء خلق ذرية آدم ‪51................................................ ‬‬
‫خلق المسيح ‪53..................................................... ‬‬
‫كل مولود يولد على الفطـرة ‪54...............................................‬‬
‫بدء الخلق من تراب دليل على البعث ‪55......................................‬‬
‫بــاب خلق الروح ‪56.........................................................‬‬
‫األرواح مخلوقة‪56...........................................................‬‬
‫األرواح تقبض أثناء النـــــوم ‪57..............................................‬‬
‫مفارقــــة الروح للبدن ‪58.....................................................‬‬
‫األرواح في البـرزخ ينالها النعيم أو‪ ‬العذاب ‪58................................‬‬

‫كتاب ِّ‬
‫الدين‬
‫ملخص الكتاب ‪62...........................................................‬‬
‫إن الـدين عند الله اإلسالم ‪63...........................................‬‬
‫بــاب َّ‬
‫كمـال الديـن ‪63..............................................................‬‬
‫الفطرة هي الدين الحق ‪64....................................................‬‬
‫بــاب اإلسالم‪65..............................................................‬‬
‫أركـان اإلسـالم ‪66...........................................................‬‬
‫‪385‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬

‫بــاب اإليمان ‪68..............................................................‬‬


‫ٍ‬
‫معان كثير ٌة ‪68......................................................‬‬ ‫اإليمان له‬
‫أهل اإليمان يتفاضلون في أعمالهم‪70........................................‬‬
‫اإليمان يزيد وينقـص ‪70.....................................................‬‬
‫بــاب اإلحــســـان‪73..........................................................‬‬
‫الجنة ‪73.........................................‬‬
‫ُ‬ ‫مآلهم‬
‫أهل هذا الدين الحق‪ُ ،‬‬
‫بــاب األمر بـلـزوم السنـة والتمسـك بهـا‪74....................................‬‬

‫كتـاب اإليمــان باهلل‬


‫ملخص الكتاب ‪78...........................................................‬‬
‫دالئـــل وجود الله‪78.........................................................‬‬
‫دالئــل الربوبية ‪79............................................................‬‬
‫دالئــل األلوهية ‪80...........................................................‬‬
‫العال وأسماؤه الحسنى ‪82........................................‬‬
‫صفات الله ُ‬
‫رؤيـــة الـمؤمنين لربهم يوم القيامــة‪85........................................‬‬
‫بــاب اإليمــان بوجـود الله‪87.................................................‬‬
‫الكــون شاهد على وجود الله‪87..............................................‬‬
‫َخ ْلق البشـر من نفس واحــدة دليل على وجود الله ‪88............ ‬‬
‫دليــل العنايــة ‪89.............................................................‬‬
‫التوازن في الكـــون دليل عـلى وجود الله ‪89......................‬‬
‫دليـــل الهدايــة ‪90............................................................‬‬
‫الـخلق والتسخير دليل على وجود الله ‪92........................ ‬‬
‫فلـــق اإلصباح والـحب والنـوى دليل على وجــوده ‪92........... ‬‬
‫العقــول شاهدة على وجـــوده ‪93................................. ‬‬
‫‪386‬‬

‫الكـون لم يوجد مصادفة‪94...................................................‬‬


‫بــاب اإليمـــان بـربوبـيـة الله ‪95...............................................‬‬
‫الله يخلق باألمر وبما يشاء من األسباب ‪95...................................‬‬
‫الله خالق كل شيء ‪95........................................................‬‬
‫الله هو الـمدبر‪95.............................................................‬‬
‫الله هـو الـمالك ‪96...........................................................‬‬
‫الله هــو الرزاق ذو القوة المتين ‪97...........................................‬‬
‫الله عالم الغيب والشهادة ‪97.................................................‬‬
‫الله له الخلق واألمــــر ‪99....................................................‬‬
‫الله هــو الخالـــق والمشرع والمجازي ‪99....................................‬‬
‫الله خالق العبـــاد وخالــق أفعالهـم ‪99........................................‬‬
‫ال ينفـــع الـمشركين إيمـانهـــم بربوبية الله ما لم يؤمنـوا بألوهيتـــه‪100........‬‬
‫بــاب اإليمـــان بألــوهـيـة الله ‪101............................................‬‬
‫الغاية من الخلـــق ‪101.......................................................‬‬
‫معنى كلمة التوحيــد‪102.....................................................‬‬
‫الشهـادة لله بالوحدانية ‪103..................................................‬‬
‫الكـــون شاهد على ألوهية الله‪103...........................................‬‬
‫النعــم توجـب عبــادة الـمنعـم ‪104...........................................‬‬
‫أمثال قرآنية دالـة عــلى األلوهيــة ‪106........................................‬‬
‫الكفـــر بالطاغوت‪107.......................................................‬‬
‫اإلخــالص‪108..............................................................‬‬
‫اليقــين ‪109..................................................................‬‬
‫العلــم‪109...................................................................‬‬
‫‪387‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬

‫القبــول‪109..................................................................‬‬
‫االستسالم واالنقيــــاد‪109...................................................‬‬
‫الصـــدق ‪109................................................................‬‬
‫الـحب ‪110..................................................................‬‬
‫إبطــال دعـاوى المشركين ‪110...............................................‬‬
‫بــاب اإليمان بأسماء الله وصفاته ‪114........................................‬‬
‫الـمنهج الـحق في الصفات ‪114..............................................‬‬
‫الصفـــات منها الالزمة لذاته‪ ،‬ومنها المتعلقـــــة بمشيئتــــه ‪115...............‬‬
‫الصفــات منها المطلق ومنهـــــا الـمقيـــد ‪115................................‬‬
‫الصفـــات قد ترد على وجه واحد وقد ترد على أوجــــــه متعددة‪116.........‬‬
‫صفة العلم والسمــع‪116.....................................................‬‬
‫صفــة البصر ‪116............................................................‬‬
‫صفة العين‪116...............................................................‬‬
‫صفة الحياة والقيوميـة ‪117...................................................‬‬
‫صفة الكالم ‪117.............................................................‬‬
‫الكلمات الكونيــة والشرعيـة ‪121............................................‬‬
‫صفة العــزة‪121..............................................................‬‬
‫صفة القهر‪121...............................................................‬‬
‫صفـــــة الجبروت‪ ،‬والملكوت‪ ،‬والكبرياء‪ ،‬والعظمــة‪121....................‬‬
‫صفة اإلرادة والمشيئــــة ‪122.................................................‬‬
‫صفة القدرة‪122..............................................................‬‬
‫صفة الرحمة‪122.............................................................‬‬
‫صفة العلو‪122...............................................................‬‬
‫‪388‬‬

‫صفــــة االستواء ‪126.........................................................‬‬


‫صفــة المحبــة‪126...........................................................‬‬
‫صفــة الرضـى‪127...........................................................‬‬
‫صفـة المقت ‪128............................................................‬‬
‫صفــــة الضحك‪129.........................................................‬‬
‫صفة المجيء واإلتيان يوم القيامـــــة‪130.....................................‬‬
‫صفة النزول ‪131.............................................................‬‬
‫صفـــة الـمعيـة‪132...........................................................‬‬
‫الع َجب‪133...........................................................‬‬
‫صفـــة َ‬
‫الـمؤمنون يرون ربهم يوم القيامة‪133.........................................‬‬
‫صفة الوجه للـــه رب العالـمين ‪137..........................................‬‬
‫صفـة اليد ‪138...............................................................‬‬
‫الس َنة والنوم والنسيان واللغوب عن اللــه‪141............................‬‬
‫نفي ِّ‬
‫تنزيه الله عن النقـــــص ‪142.................................................‬‬
‫األسماء الحسنى ‪142........................................................‬‬
‫اإللـحاد في أسـمــائه ‪143....................................................‬‬

‫كـتـــاب اإليمــان بالـمـالئكة‬


‫ملخص الكتاب ‪150.........................................................‬‬
‫بــاب وجوب اإليمان بالـمالئكة ‪153.........................................‬‬
‫بــاب خ ْلق الـمالئكة وكثرة عددهم وصفاتهم ‪155...........................‬‬
‫للمالئكة هيئات ال يعلمها إال اللــــــه ‪156....................................‬‬
‫المالئكة قد يأتون إلى األنبياء على هيئة بشر ‪156.............................‬‬
‫الـمالئكة ال يأكلون وال يشربــــون ‪157......................................‬‬
‫‪389‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬

‫كثـــــرة الـمالئكة ‪158........................................................‬‬


‫بــاب أعمال الـمالئكة ‪159...................................................‬‬
‫من أعمالهم كتابة القدر‪160..................................................‬‬
‫من أعمالهم القيام على شـــؤون األرحــام ‪161...............................‬‬
‫من أعمالهم نفــــــخ األرواح في األجســـاد‪161..............................‬‬
‫ومن أعمالهم الدعـــــاء للمؤمنيـن ‪162.......................................‬‬
‫ومن أعمالهم شهــــــود عبــــادات المؤمنيــــن ‪162..........................‬‬
‫ومن أعمالهم النزول إلى األرض فـي مواســــم اإليمــــان ‪163...............‬‬
‫ومن أعمالهم كتابــــــة الحسنــات والسيئـات ‪164............................‬‬
‫ومن أعمالهم حراســـــة المدينــــــة النبويــــــة ‪164...........................‬‬
‫ومن أعمالهم سؤال الميت في قبـــــره ‪164...................................‬‬
‫أعظــــم الـمالئكة مقا ًما‪166..................................................‬‬
‫بــاب مراتب الـمالئكة ‪166...................................................‬‬
‫أشـــرف الـمالئكة ‪166.......................................................‬‬

‫كتاب اإليمان بالكتب‬


‫ملخص الكتاب ‪170.........................................................‬‬
‫القــــــرآن الكريم أعظم الكتب اإللهية ‪171...................................‬‬
‫القرآن الكريم أكمل الكتب اإللهية‪171.......................................‬‬
‫القــــرآن الكـــريم منزل مـن عنــد الله‪172....................................‬‬
‫حفظ الله للقـرآن الكـريم وهيمنتــــه على الكتـب السابقــــة ‪172..............‬‬
‫موافقة القرآن الكريم للفطرة وللعقل‪172.....................................‬‬
‫بــاب وجوب اإليمــان بالكـتب ‪175..........................................‬‬
‫لم يتكفـل الله بحفــــــظ الكتب السابقة‪176..................................‬‬
‫‪390‬‬

‫الكتب السابقة دخلها التـــحريف ‪176........................................‬‬


‫بــاب اإليمان بالقرآن العظيم‪178.............................................‬‬
‫أول مــــــا أنـزل الله مــن القرآن العظيم ‪178..................................‬‬
‫منجــــما‪179...........................................‬‬
‫ً‬ ‫القـــــرآن العظيم نزل‬
‫آية الكرسي أعظــم آية ‪179...................................................‬‬
‫القــــــرآن العظيم أكمل الكتب اإللهية وأشملهــــا ‪180.......................‬‬
‫القرآن كالم رب العالمين ‪181...............................................‬‬
‫القــــرآن الكريـــم تكفـل الله بحفظــــه‪182...................................‬‬
‫القــــرآن العظيـــم تنزيــل رب العالـمين‪183..................................‬‬
‫القــــــرآن العظيم كالم الله‪ ،‬وكالمه صفة مــــن صفاتـــــه ‪184................‬‬
‫بــاب القرآن الكريم تنزيل رب العالـمين ‪187.................................‬‬
‫الشهادة للقـرآن ‪187.........................................................‬‬
‫القــرآن العظيـم موافــق للفطـرة‪189..........................................‬‬
‫القرآن الكريم خطاب ألولي األلبـــــاب‪190..................................‬‬
‫حفظ القرآن العظيــــم ‪191...................................................‬‬
‫القـــرآن العظيــــم يهدي للتـي هي أقـــوم ‪191................................‬‬
‫الله تحـدى اإلنــــس والجـن أن يأتوا بمثلـه ‪191.............................‬‬

‫كتــاب الرســل واألنبـيــاء ‪‬‬


‫ملخص الكتاب ‪196.........................................................‬‬
‫يجب اإليمان بجميــــع األنبيــــاء ‪ ‬وتصديقهم ‪196.................‬‬
‫تفاضل األنبيـاء ‪197..........................................................‬‬
‫ضــــــرا‪198....‬‬
‫ًّ‬ ‫نفعا وال‬
‫الرســـل واألنبيـــاء ‪ ‬ال يملكـون ألنفســهم ً‬
‫آيــات األنبيـاء ‪199...........................................................‬‬
‫‪391‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬

‫القــــرآن العظيم اآلية الباقيـــــة ‪201..........................................‬‬


‫خــــاتم األنبيــاء والمرسلين ‪201.................................. ‬‬
‫رســــــالة الرسول ﷺ إلى الخلـــق كافـــــــة ‪202.............................‬‬
‫دالئل عموم الرسالــــة‪203...................................................‬‬
‫الهداية منة إلهيــــــة‪203......................................................‬‬
‫بــاب اإليمان بالرسل عليهم الصالة والسالم ‪205.............................‬‬
‫أســـــاس دعوة الرسل ‪205........................................ ‬‬
‫األنبيـــــاء ‪ ‬متفقون فيما يدعون إليه ‪206............................‬‬
‫اإليــمـان بجميــــع األنبيــــاء ‪206............................................‬‬
‫النبوة منة إلهيــــة ‪209........................................................‬‬
‫تفاضـل األنبيــاء والرســل ‪ ‬فيما بينهـم ‪209.........................‬‬
‫الرســـل واألنبيـــاء ‪ ‬أكمل الخلق ‪211..............................‬‬
‫ضــــرا‬
‫ًّ‬ ‫نفعا وال‬
‫الرســــل واألنبيـــاء ‪ ‬ال‪ ‬يملكـون ألنفســـهم ً‬
‫وال يملكون لغيرهم من باب األولى ‪212.....................................‬‬
‫حيـــــا ‪214.....................................‬‬
‫ًّ‬ ‫رفــع الله المسيــــح ‪‬‬
‫نزول المسيح ‪ ‬آخر الزمان‪214.......................................‬‬
‫بــاب آيات األنبياء ودالئل نبوتهم ‪216............................. ‬‬
‫الدعـــوة إلى التوحيد أعظم دالئل النبــــــوة‪217..............................‬‬
‫من آياتهم البراهيــن العقليــــة‪218............................................‬‬
‫ومــــــن آيــاتهــم نجاتهــم من مكــر أعــدائهم ‪219...........................‬‬
‫القـــــرآن العظيــــم اآلية الباقية والحجــــة التامـــــة ‪221......................‬‬
‫آيــــــات األنبيـــــاء يستحيل أن يأتي بها ُم ّدعي النبـــــــوة ‪222.................‬‬
‫بــاب نبـوة نبينــا محمد ﷺ ‪223..............................................‬‬
‫‪392‬‬

‫اإلسـراء والمعـراج ‪225......................................................‬‬


‫انشقاق القمــر‪227...........................................................‬‬
‫محبة النبي ﷺ‪228...........................................................‬‬
‫بــاب عموم رسالته ﷺ للخلق كافة ‪231......................................‬‬
‫أخــذ الله الميثاق عـلى النبييــــن ‪232.............................. ‬‬
‫األنبيــاء بشـــرت بنبينا محمد ﷺ ‪232........................................‬‬
‫خاتم النبوة ‪233..............................................................‬‬
‫مقاالت ُخصو ِم الرساالت والرسل ‪236...................... ‬‬ ‫ِ‬ ‫بــاب‬
‫رد الـخصـوم للدعــــــوة‪237.................................................‬‬
‫التعنــــت واالستكبار‪237....................................................‬‬
‫استعجال العــذاب ‪238......................................................‬‬
‫الصد عن سبيـل الله ‪238.....................................................‬‬
‫التهديـــد باإلخـراج من األرض‪239..........................................‬‬

‫كتاب اليوم اآلخر‬


‫ملخص الكتاب ‪242.........................................................‬‬
‫عالمـات الســاعة‪242........................................................‬‬
‫النفخ في الصـــور ‪243.......................................................‬‬
‫بــاب دالئل اإليمان باليوم اآلخر‪244.........................................‬‬
‫من أدلة البعــث‪244..........................................................‬‬
‫بــاب في اإليمان بأشراط الساعة ‪246.........................................‬‬
‫مـــــــن العالمات الصغـرى للســاعة‪246.....................................‬‬
‫األشراط الكبــرى للساعــة ‪248..............................................‬‬
‫بــاب في اإليمان بما يكون بعد الـموت ‪250..................................‬‬
‫‪393‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬

‫فتنة القبر وعذابــه ونعيمـــه ‪250..............................................‬‬


‫بــاب في اإليمان بالبعث وما بعده ‪254.......................................‬‬
‫النفخة األولى ‪254...........................................................‬‬
‫النفخة الثانيـة‪255............................................................‬‬
‫البعــث والنشـور ‪255........................................................‬‬
‫األرض التي يحشــر عليها العباد ‪257........................................‬‬
‫بــاب في الشفاعة يوم القيامة ومجيء الرب وإتيانه لفصل القضاء بين عباده ‪260..‬‬
‫أسعد الناس بالشفاعــة ‪260..................................................‬‬
‫الشفاعة العظمى في فصل القضـاء ‪261.......................................‬‬
‫الشفاعة في دخول أهل الجنة الجنة‪261......................................‬‬
‫بــاب العرض والحساب وتوزيع الصحف ‪265...............................‬‬
‫العـــرض‪265................................................................‬‬
‫الحســـاب‪266...............................................................‬‬
‫الشهداء يوم القيامــــــة‪267...................................................‬‬
‫شهـــادة الـجوارح على العباد‪267............................................‬‬
‫بــاب اإليمان بالـموازين ‪269.................................................‬‬
‫وزن األعمــال‪269...........................................................‬‬
‫بــاب اإليمان بالحوض ‪270..................................................‬‬
‫بــاب الصراط والجزاء‪272...................................................‬‬
‫الصـــراط ‪272...............................................................‬‬
‫القنطرة ‪273..................................................................‬‬
‫بــاب الجنة والنار‪274........................................................‬‬
‫الـجنة هي دار النعيم‪274.....................................................‬‬
‫النار دار العذاب ‪276.........................................................‬‬
‫‪394‬‬

‫كتاب اإليمان بالقـدر‬


‫ملخص الكتاب ‪276.........................................................‬‬
‫ما يتضمنه اإليمـــان بالقــــدر ‪276............................................‬‬
‫الهداية فضل مــــن اللـه‪277..................................................‬‬
‫ال تعارض بين الشــرع واألمــــــر والخلـــــق‪277.............................‬‬
‫ال تعـارض بين الشرع واألمـــــر والعقــــل ‪278...............................‬‬
‫القــــــدر والشرع كله خيــــــــر‪279...........................................‬‬
‫فعــــل األسباب ال ينــافي اإليمـان بالقــدر‪279...............................‬‬
‫ال يجوز االحتجاج بالقـــدر على فعـل المعاصـي ‪279........................‬‬
‫بــاب وجوب اإليمان بالقدر‪280.............................................‬‬
‫بــاب ما يتضمنه اإليمان بالقدر‪284...........................................‬‬
‫مرتبـة العلم‪284..............................................................‬‬
‫مرتبـــة الكتابـة‪286...........................................................‬‬
‫مرتبــــة الـمشيئة ‪287.........................................................‬‬
‫مرتبــة الـخلق ‪290...........................................................‬‬
‫بــاب ال تعارض بين األمر والشرع والخلق والعقل ‪291.......................‬‬
‫الصبر عــلى األقدار المؤلمة ‪292............................................‬‬
‫ال تعارض بين الـخلق واألمـر والشرع والعقل ‪294...........................‬‬
‫بــاب فـعـل األسبــاب من القـدر ‪297.........................................‬‬
‫بــاب القدر ال يتعارض مع العدل ‪299........................................‬‬
‫سبــــق القضــاء والقدر ال يلزم منـه الظلـــم ‪300..............................‬‬
‫ْ‬
‫بــاب االحتجاج بالقدر ‪301..................................................‬‬
‫يجـــــــوز االحتجــاج بالقــدر على الـمصــائب ‪302..........................‬‬
‫‪395‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬

‫كتاب العبادة‬
‫ملخص الكتاب ‪306.........................................................‬‬
‫الغاية من الخلــــق‪306.......................................................‬‬
‫شرط العبادة اإلخـالص والمتابعـــة ‪306.....................................‬‬
‫الوسيلة والتوسل ‪307........................................................‬‬
‫بــاب قول الله تعــالى‪( :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) ‪308.........‬‬
‫أنواع العبادة ‪308.............................................................‬‬
‫شروط العبادة ‪310...........................................................‬‬
‫أصـول العبـادة‪311...........................................................‬‬
‫بــاب التوسل والوسيلة ‪313..................................................‬‬
‫أنـــواع التوسـل‪313..........................................................‬‬

‫كتـاب ما يـضـاد أصل اإليمــان‬


‫أو يـضـاد كمــاله‬
‫ملخص الكتاب ‪318.........................................................‬‬
‫أنواع الكفر األكــــــبر‪318....................................................‬‬
‫الكفــــر األصغــر‪318........................................................‬‬
‫إبطــال الشــرك ‪319..........................................................‬‬
‫أنــواع الشـرك األكــبر ‪319...................................................‬‬
‫أنـــواع الشــرك األصـغر ‪321.................................................‬‬
‫النفـــاق ‪322.................................................................‬‬
‫بــاب الكفر بالله‪324.........................................................‬‬
‫أنواع الكفر األكـــــبر ‪324....................................................‬‬
‫الكفــــر األصغــر‪326........................................................‬‬
‫‪396‬‬

‫بــاب الشرك بالله‪328........................................................‬‬


‫إبطـــال الشــرك ‪328.........................................................‬‬
‫أنـــواع الشــرك األكــبر ‪330..................................................‬‬
‫أنــــواع الشــرك األصــغر‪343................................................‬‬
‫النفاق ‪348...................................................................‬‬
‫أنواع النفاق ‪349.............................................................‬‬
‫النفاق األصغر‪351...........................................................‬‬
‫بــاب البدعة ‪352.............................................................‬‬
‫بــاب كبائرالذنوب ‪355......................................................‬‬

‫كتاب الصحابة واإلمامة‬


‫بــاب الصحــابة وآل البيت ‪358..................................... ‬‬
‫فضــــل الصحابة ‪358............................................... ‬‬
‫المهاجـرون أفضل مـن األنصـــار ‪358.......................................‬‬
‫العشــرة المبشرون بالجنة ‪359...................................... ‬‬
‫فضل أهل بـــــــدر‪359.......................................................‬‬
‫فضــــل أهل بيعة الرضوان‪359...............................................‬‬
‫فضل آل البيت‪360...........................................................‬‬
‫النهــــي عن سب الصحابـة ‪361.....................................‬‬
‫باب وجوب طاعة والة األمر‪362.............................................‬‬
‫الخاتمة‪364..................................................................‬‬
‫قائمة المراجع‪365...........................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات‪378.....................................................‬‬

You might also like