You are on page 1of 20

‫ِ‬ ‫ِ‬

‫رين َوصَل ُت ُهم ِب ُك ِِّل م َ‬


‫نها‬ ‫اج َ‬‫رع َومسالِ ُك الم َه ِ‬
‫ُ‬ ‫الل َغ ِة و َّ‬
‫الش ِ َ َ‬
‫اله ْجَرُة ِفي ُّ‬
‫ِ‬

‫األصل اللغوي لكلمة الهجرة هو‪ :‬المصارمة والقطع والمفارقة والترك والبعد‪ ،‬يقال‪ :‬هاجر القوم من دار إلى دا‪،‬‬
‫أي‪ :‬تركوا األولى وفارقوها إلى الثانية‪ .‬والهجر بهذا المعنى‪ :‬منه ما يكون حسيا‪ ،‬ومنه ما يكون معنويا‪ ،‬ومنه ما يكون‬
‫بالبدن‪ ،‬ومنه ما يكون باللسان‪ ،‬ومنه ما يكون بالقلب‪.‬‬

‫وقد ذكر العالمة ابن فارس أن لكلمة الهجرة أصلين أولها ما ذكرناه‪ ،‬وثانيها‪ :‬بمعنى ربط شيء في شيء آخر‪،‬‬
‫حيث قال‪ :‬الهجار ككتاب؛ حبل يسوى في طرفيه عروتان؛ تشد إحداهما في يد الفرس‪ ،‬واألخرى في رجله؛ حتى يمشى‬
‫مثقالً متقارب الخطو‪ ،‬فيقال فيه‪ :‬فرس هجر؛ ككتف‪ ،‬وهو الذي يمشى مثقالً ضعيفا إذا شده صاحبه بالهجار كالزمام‬
‫والعقال‪.‬‬

‫وهذا األصل الثاني الذي أضافه ابن فارس؛ ال يبعد عن األصل األول وما يندرج تحته من معان‪ ،‬ألن الفحل إذا‬
‫شد بالهجار‪ :‬كان ذلك سببا في هجرانه اإلبل ومفارقتها والبعد عنها‪ .‬وكذلك السابقون األولون من الصحابة‪ :‬لما ارتبطت‬
‫بعد مفارقتهم‬
‫بع َراه؛ هجروا المشركين وفارقوهم في األقوال واألفعال‪ ،‬وإن لم تتيسر لهم ُ‬
‫قلوبهم باإليمان‪ ،‬وتوثقت نفوسهم ُ‬
‫باألبدان واألوطان‪.‬‬

‫اله ْج ُر وال ِه ْجران؛ مفارقة اإلنسان غيره‪ ،‬إما‬


‫جمع المناوي بين التعريف اللغوي والتعريف الشرعي للهجرة‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫بالبدن‪ ،‬أو باللسان‪ ،‬أو بالقلب‪ ،‬والهجرة في األصل‪ :‬مفارقة الغير ومتاركته ‪.... .‬‬

‫وقد ُس ّمى المهاجرون‪ :‬مهاجرين؛ ألنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نشأوا بها هلل‪ ،‬ولحقوا بدار ليس لهم بها أهل‬
‫وال مال حتى هاجروا إلى المدينة‪ ،‬فكان من فارق بلده من بدوي أو حضري أو سكن بلدا آخر فهو مهاجر‪.‬‬

‫طالئع المهاجرين وأوائلهم‬

‫ذكر موسى بن عقبة وابن إسحاق‪ :‬أن أبا سلمة بن عبداألسد هو أول من هاجر من مكة إلى المدينة قبل بيعة‬
‫ص َع ُب ْب ُن ُع َم ْي ٍر‪ ،‬و ْاب ُن أ ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُم َم ْكتُو ٍم وكانا‬ ‫العقبة بسنة‪ .‬وفي صحيح البخاري‪ ،‬عن البراء بن عازب قال‪َّ :‬أو ُل َمن َقد َم َعَل ْينا ُم ْ‬
‫النِب ِي ﷺ‪ ،‬ثُ َّم َق ِدم َّ‬
‫النِب ُّي‬ ‫أصحا ِب َّ‬ ‫ين من ْ‬
‫اب ِفي ِع ْش ِر ِ‬
‫َ‬ ‫ط ِ‬ ‫الخ ّ‬ ‫ِ‬ ‫الناس‪َ ،‬فَق ِدم ِبالَل وسعٌد وعمار بن ِ‬
‫ياس ٍر‪ ،‬ثُ َّم َقد َم ُع َم ُر ْب ُن َ‬ ‫َ ٌ َ ْ َّ ُ ُْ‬ ‫ئان ّ َ‬‫ُيْق ِر ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫َّللاِ ﷺ‪َ ،‬فما َق ِد َم َحتّى‬ ‫ول َّ‬ ‫ِ‬
‫اإلماء َيُقْل َن‪َ :‬قد َم َرُس ُ‬
‫ُ‬ ‫َّللاِ ﷺ‪َ ،‬حتّى َج َع َل‬ ‫ول َّ‬ ‫أهل الم ِد َين ِة َف ِرحوا ِب َشي ٍء َفرحهم ِبرس ِ‬
‫ْ َ َ ُْ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ﷺ‪َ ،‬فما َرْأي ُت ْ َ َ‬
‫ص ِل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َق َأر ُ ِ‬
‫األعلى في ُس َوٍر م َن ُ‬
‫المَف َّ‬ ‫ِك ْ‬ ‫اس َم َرّب َ‬
‫ْت‪َ :‬سّب ِح ْ‬

‫محاولة فاشلة إلعاقة الهجرة‬

‫طرق قريش في عرقلة هجرة المهاجرين إلى المدينة‪:‬‬

‫حجز أموالهم ومنعهم من حملها‪ ،‬وتارة بحجز زوجاتهم وأطفالهم‪ ،‬وتارةاالحتيال إلعادتهم إلى مكة‪.‬‬
‫بيت أبي سلمة أول من هاجر إلى المدينة‬

‫وح َم َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫قالت أم المؤمنين أم سلمة ﷺ‪َ :‬لما أجمع أبو سَلم َة الخروج إلى ِ ِ‬
‫المد َينة َر َح َل لي َبع َيرهُ ثُ َّم َح َمَلني َعَل ْيه‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ّ ْ َ َ ُ َ َ ُُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ود ِبي َب ِع َيره‪َ ،‬فَلما َأرْت ُه ِرجال َبِني الم ِغ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّللا ْب ِن ُع َم َر ْب ِن‬
‫يرة ْب ِن َع ْبد َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ّ‬ ‫َمعي ْابني َسَل َم َة ْب َن أِبي َسَل َم َة في ِح ْج ِري‪ ،‬ثُ َّم َخ َرَج ِبي َيُق ُ‬
‫الد؟ قاَل ْت‪َ :‬فَن َزُعوا‬ ‫م ْخ ُزو ٍم قاموا إَلي ِه‪َ ،‬فقالُوا ه ِذِه نْفسك َغَلبتنا عَليها‪ ،‬أرأيت صا ِحبتَك ه ِذِه؟ عالم ن ْترُكك تَ ِسير ِبها ِفي الِب ِ‬
‫َ َ َُ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََْ‬ ‫َ َ ُ َ ْ َْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ط أِبي سَلم َة‪َ ،‬فقالُوا‪ :‬ال َ َّ ِ‬
‫األس ِد‪َ ،‬رْه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أخ ُذوِني ِمنه‪ .‬قاَل ْت‪ِ َ :‬‬ ‫ِِ‬
‫ك ْابَننا‬
‫وَّللا‪ ،‬ال َن ْت ُر ُ‬ ‫َ َ‬ ‫وغض َب ع ْن َد َذل َك َب ُنو َع ْبد َ‬ ‫ُ‬ ‫ير ِمن َيده‪َ ،‬ف َ‬ ‫الب ِع ِ‬
‫طام َ‬ ‫خ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫صاحِبنا‪.‬‬ ‫ِع ْن َدها إ ْذ َن َزْعتُ ُموها ِمن‬

‫الم ِغ َيرِة ِع ْن َد ُه ْم‪ ،‬و ْان َ‬


‫طَل َق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سلِم َة بينهم حتّى خَلعوا يده‪ ،‬وان َ ِ ِ‬ ‫قاَل ْت‪َ :‬فتَجا َذ ُبوا َبِني‬
‫وح َب َسني َبُنو ُ‬‫األسد‪َ ،‬‬
‫طَل َق به َب ُنو َع ْبد َ‬ ‫َ َ َْ َ ُ ْ َ َ ُ ََ ُ ْ‬
‫ط ِح‪َ ،‬فما‬ ‫أجل ُس ِب ْ‬
‫األب ُ‬ ‫داة َف ِ‬
‫ْ‬
‫أخرج ُك َّل َغ ٍ‬ ‫ِ‬
‫وب ْي َن َزْو ِجي َ‬
‫وب ْي َن ْابني‪ .‬قاَل ْت‪َ :‬ف ُك ْن ُت ْ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫الم ِد َين ِة‪.‬‬
‫قاَل ْت‪َ :‬فَف َّر َق َب ْيني َ‬ ‫ِ‬
‫َزْوجي ُأبو َسَل َم َة إلى َ‬
‫ِ ِ‬ ‫أح ُد َبِني ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أز ِ‬
‫المغ َيرة‪َ ،‬ف َرأى ما ِبي َف َرح َمني َف َ‬
‫قال‬ ‫ُ‬ ‫أمسى َس َن ًة ْأو َق ِر ًيبا منها َحتّى َم َّر ِبي َر ُج ٌل من َبني َع ّمي‪َ ،‬‬ ‫ال ْأبكي‪َ ،‬حتّى ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫الحقي ِب َزْوج َك ْ‬
‫إن ش ْئت‪.‬‬ ‫وب ْي َن وَلدها! قاَل ْت‪َ :‬فقالُوا لي‪َ :‬‬ ‫ون َهذه الم ْسك َين َة‪َ ،‬ف َّرْقتُ ْم َب ْي َنها َ‬
‫وب ْي َن َزْوجها َ‬ ‫المغ َيرة‪ :‬أال تُ ْخ ِر ُج َ‬
‫ل َبني ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يد‬ ‫ِ‬
‫ض ْعتُ ُه في ِح ْج ِري‪ ،‬ثُ َّم َخ َر ْج ُت أ ُِر ُ‬ ‫فارتَ َحْل ُت َب ِعيرِي ثُ َّم َ‬
‫أخ ْذ ُت ا ْبني َف َو َ‬ ‫ورَّد َب ُنو َع ْبد َ‬
‫األسد إَل َّي ع ْن َد َذل َك ْابني‪ .‬قاَل ْت‪ْ :‬‬ ‫قاَل ْت‪َ :‬‬
‫يت َحتّى أ ْق َد َم َعَل َّي َزْو ِجي‪َ ،‬حتّى إذا ُك ْن ُت‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫زو ِجي ِبالم ِدين ِة‪ .‬قاَلت‪ :‬وما م ِعي أحد ِمن خْل ِق َّ ِ‬
‫َّللا‪ .‬قاَل ْت‪َ :‬فُقْل ُت‪ :‬أتََبل ُغ ِب َمن َلق ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الد ِار َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طْل َح َة ْب ِن أِبي َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُمَّي َة؟ قاَل ْت‪َ :‬فُقْل ُت‪ :‬أ ُِر ُ‬
‫يد‬ ‫قال لي‪ :‬إلى ْأي َن يا ب ْن َت أبي أ َ‬
‫َ‬ ‫طْل َح َة‪ ،‬أخا َبني َع ْبد ّ‬ ‫مان ْب َن َ‬ ‫ِبالتَّْنعي ِم َلق ُ‬
‫يت ُع ْث َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫زو ِجي ِب ِ ِ‬
‫المد َينة‪َ .‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫الب ِع ِ‬ ‫وَّللاِ ما َلك ِمن م ْترٍك‪َ ،‬ف َ ِ‬ ‫وَّللاِ‪ّ ،‬إال َّ‬
‫طَل َق‬
‫فان َ‬
‫ير‪ْ ،‬‬ ‫أخ َذ ِبخطا ِم َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫قال‪َّ َ :‬‬‫وب َن َّي َهذا‪َ .‬‬ ‫َّللاُ ُ‬ ‫أحٌد؟ قاَل ْت‪َ :‬فُقْل ُت‪ :‬ال َ َّ‬ ‫َأوما َم َع َك َ‬
‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫م ِعي يهوى بى‪ ،‬فو هللا ما ِ‬
‫ْخ َر‬
‫استَأ َ‬ ‫نزَل َ ِ‬
‫أناخ بي‪ ،‬ثُ َّم ْ‬ ‫الم ِ‬
‫كان إذا َبَل َغ َ‬
‫نه‪َ ،‬‬ ‫كان أ ْك َرَم م ُ‬ ‫الع َر ِب َقط‪ ،‬أرى َّأن ُه َ‬ ‫صح ْب ُت َر ُج ًال من َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ط َع ْن ُه‪ ،‬ثُ َّم َقي ََّده ِفي َّ‬ ‫يري‪َ ،‬فح َّ‬ ‫ْخ َر ِب َب ِع ِ‬ ‫ِ‬
‫ط َج َع تَ ْحتَها‪َ ،‬فإذا َدنا‬ ‫الش َج َ ِرة‪ ،‬ثُ َّم تََن ّحى َعّني إلى َش َج َ ٍرة‪ْ ،‬‬
‫فاض َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫استَأ َ‬ ‫َعّني‪َ ،‬حتّى إذا َن َ ْزل ُت ْ‬
‫طام ِه‪،‬‬
‫أخ َذ ِب ِخ ِ‬ ‫استََوْي ُت َعلى َب ِعيرِي أتى َف َ‬ ‫ِ‬
‫وقال‪ْ :‬ارَكبي‪َ .‬فإذا َرِك ْب ُت و ْ‬
‫ِ‬
‫ْخ َر َعّني‪َ ،‬‬ ‫استَأ َ‬ ‫ِ‬
‫قام إلى َبعيرِي َفَق َّد َم ُه َف َر َحَل ُه‪ ،‬ثُ َّم ْ‬ ‫اح‪َ ،‬‬ ‫الرو ُ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الم ِد َين َة‪َ ،‬فَل ّما َن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ظ َر إلى َق ْرَية َبني َع ْم ِرو ْب ِن َع ْوف ب ُقباء‪َ ،‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫ص َن ُع َذل َك بي َحتّى أ ْق َد َمني َ‬ ‫قادهُ‪َ ،‬حتّى َي ْن ِزَل بي‪َ .‬فَل ْم َي َزْل َي ْ‬ ‫َف َ‬
‫ول‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫َّللاِ‪ ،‬ثُ َّم ْانصر َ ِ‬
‫فاد ُخلِيها َعلى َب َرَك ِة َّ‬ ‫ًِ‬ ‫وكان ُأبو َسَل َم َة ِبها‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫كان ْت تَُق ُ‬
‫قال‪َ :‬ف َ‬
‫ف ارج ًعا إلى َمك َة‪َ .‬‬ ‫ََ‬ ‫نازال‪ْ -‬‬ ‫َزْو ُجك في َهذه الَق ْرَية‪َ -‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ُّ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َ َّ ِ‬
‫مان ْب ِن َ‬
‫طْل َح َة‪.‬‬ ‫آل أِبي َسَل َم َة‪ ،‬وما َرْأي ُت صاحًبا َقط َ‬
‫كان أ ْك َرَم من ُع ْث َ‬ ‫أصاب َ‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫أصاب ُه ْم‬
‫َ‬ ‫اإلسال ِم‬
‫أه َل َب ْيت في ْ‬
‫أعَل ُم ْ‬
‫وَّللا ما ْ‬

‫ثم أسلم عثمان بن أبي طلحة بعد صلح الحديبية في أول العام الثامن من الهجرة‪ ،‬إذ توجه مهاج ار من مكة إلى‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في المدينة‪ ،‬وقد التقى به في الطريق‪ :‬خالد بن الوليد وعمرو بن العاص‪ ،‬فأسلموا جميعا‪،‬‬
‫ثم شهدوا فتح مكة‪ ،‬وأعطى النبي ﷺ مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة؛ فلعل إشراق نور اإلسالم في قلبه بدأ منذ هذه الرحلة‬
‫مع المرأة المسلمة‪.‬‬

‫أول من فقه األنصار ‪ :‬مصعب بن عمير‬

‫يل َب َعثَ ُه إَل ْي ِه ْم َب ْع َد َذلِ َك‬ ‫ِ‬ ‫أن َِّ‬


‫ِي وِق َ‬ ‫ص َع َب ْب َن ُع َم ْي ٍر َ‬
‫الع ْب َدر َّ‬ ‫النب َّي ﷺ َب َع َث َم َع اال ْث َن ْي َع َش َر َر ُج ًال ُم ْ‬ ‫حاق َّ‬‫إس َ‬ ‫وَذ َك َر بن ْ‬
‫ص َع ِب ْب ِن‬ ‫النب َّي ﷺ َكتَ َب إلى ُم ْ‬
‫أن َِّ‬‫اس َّ‬ ‫أس َع ِد ْب ِن ُزرَارَة‪ ،‬وللدارقطني من َح ِديث بن َعّب ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫طَلِب ِه ْم ل ُيَفّق َه ُه ْم ُ‬
‫ويْق ِرَئ ُه ْم َف َن َزَل َعلى ْ‬ ‫ِب َ‬
‫صار على ي ِد مصع ِب ب ِن عمي ٍر ِبم ِ‬ ‫ِ‬
‫الم‬
‫اإلس ُ‬ ‫أس َع َد ْب ِن ُزرَارَة َحتّى َفشا ْ‬ ‫عاوَنة ْ‬ ‫األن ِ َ َ ُ ْ َ ْ ُ َ ْ ُ َ‬ ‫ير ِم َن ْ‬ ‫أسَل َم َخْل ٌق َكث ٌ‬ ‫أن ْ ِ ِ‬
‫اج َم ْع به ْم اه َف ْ‬ ‫ُع َم ْي ٍر ِ‬
‫ون ُم ْسلِ ًما ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِبالم ِدين ِة َفكان َذلِك سبب ِرحَلِت ِهم ِفي َّ ِ‬
‫باي ُعوا وحظوا بلقاء رسول‬
‫يادةٌ َف َ‬
‫وز َ‬ ‫الع َق َب َة َس ْب ُع َ‬ ‫المْقِبَلة َحتّى وافى م ُ‬
‫نه ُم َ‬ ‫الس َنة ُ‬ ‫َ َ َََ ْ ْ‬ ‫َ َ‬
‫هللا ﷺ‪.‬‬

‫ولقد كان مصعب بن عمير أحد السابقين‪ ،‬أسلم قديما والنبي ﷺ في دار األرقم وكتم إسالمه خوفا من أمه‪ ،‬فعلم‬
‫بإسالمه عثمان بن طلحة فأخبر أهله بإسالمه فأوثقوه‪ ،‬فلم يزل محبوسا إلى أن هرب مع من هاجر إلى الحبشة في الهجرة‬
‫األولى ثم رجع إلى مكة‪ ،‬وهاجر إلى المدينة‪ ،‬وشهد بد ار وأحدا‪ ،‬وكان معه لواء المسلمين يومئذ إلى أن استشهد بها‪.‬‬

‫تناصح المهاجرين وتعاونهم في هجرة عمر بن الخطاب‬

‫هاجر عمر بن الخطاب س ار مستخفيا آخذا باألسباب وفق سنن هللا الجارية‪ ،‬فيتفق مع غيره من المسلمين‬
‫المستضعفين (وكان عددهم عشرين نفرا) بمكة على موعد يجتمعون فيه محدد الزمان والمكان‪ ،‬فإذا تأخر عنه أحدهم‬
‫اتع ْد ُّت‪َ ،‬ل ّما َأرْدنا‬
‫فليمض الباقون دون أن ينتظروه حتى ال يكشف أمرهم‪ ،‬فعن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه قال‪َ :‬‬
‫أضاة َبِني ِغ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ناض َب ِمن‬
‫السه ِم ُّي التَّ ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫الهجرة إلى ِ ِ‬
‫فار‪َ ،‬ف ْو َق‬ ‫وعّياش بن أبي ربيعة‪ ،‬وهشام بن العاص ْب ِن وائل َّ ْ‬
‫المد َينة‪ ،‬أنا َ‬
‫َ‬ ‫ِ ْ ََ‬
‫اش بن أِبي ربِيع َة ِع ْند التَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫صِب ْح ِع ْن َدها َفَق ْد ُحبس َفْل َي ْم ِ‬
‫ناضب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫وعّي ُ ْ ُ‬
‫أص َب ْح ُت أنا َ‬
‫قال‪َ :‬ف ْ‬
‫ض صاحباهُ‪َ .‬‬ ‫َس ِرف وُقْلنا‪ :‬أيُّنا َل ْم ُي ْ‬
‫وحبس عنا هشام‪ ،‬وُفتن فافتتن‪.‬‬ ‫ُ‬

‫الحار ُث ْب ُن ِهشا ٍم إلى َعّياش‬


‫وخ َرَج ُأبو َج ْه ِل ْب ِن ِهشا ٍم و ِ‬ ‫ف ب ُقباء‪َ ،‬‬ ‫َفَلما َق ِدمنا الم ِدين َة ن َ ْزلنا ِفي بِني عمرو ب ِن عو ٍ‬
‫ْ َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ْ َ َ َ‬
‫َّ‬ ‫ب ِن أِبي ربِيع َة‪ ،‬وكان ابن ع ِم ِهما وأخاهما ِأل ُِم ِهما‪ ،‬حتّى َق ِدما عَلينا الم ِدين َة ورسول َّ ِ‬
‫أمك َق ْد‬
‫إن َّ‬‫َّللا ‪-‬ﷺ‪ِ -‬ب َم َّك َة‪َ ،‬ف َكلماهُ وقاال‪ّ :‬‬ ‫َ ْ َ َ َُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اك‪ ،‬وال تَ ْستَظ َّل من َش ْم ٍ‬
‫إن‬‫وَّللا ْ‬ ‫اك‪ ،‬فر َّق َلها‪َ ،‬فُقْل ُت َل ُه‪ :‬يا َعّي ُ‬
‫اش‪ّ ،‬إن ُه َ َّ‬ ‫س َحتّى تَر َ‬ ‫أسها ُمشط َحتّى تَر َ‬
‫أن ال َيمس ر َ‬ ‫َن َذ َر ْت ْ‬
‫ظَّل ْت‪.‬‬
‫الستَ َ‬ ‫اشتََّد َعَلْيها ُّ َّ‬
‫حر َمك َة ْ‬ ‫ط ْت‪ ،‬وَل ْو َق ْد ْ‬ ‫المتَ َش َ‬
‫القمل ْ‬ ‫ُ‬ ‫أمك‬‫وَّللاِ َل ْو َق ْد آذى َّ‬
‫فاحذرهم‪َ ،‬ف َ َّ‬
‫ْ‬ ‫وك َع ْن ِد ِين َك‬ ‫ِ ِ‬
‫ل َيْفت ُن َ‬ ‫ُي ِر َيد َ‬
‫ك الَق ْوُم ّإال‬
‫ف مالِي‬ ‫صُ‬
‫ِ‬
‫ماال‪َ ،‬فَل َك ن ْ‬
‫ش ً‬ ‫وَّللاِ ّإن َك َلتَ ْعَلم ِّأني َل ِمن أ ْكثَ ِر ُق َرْي ٍ‬
‫قال‪َ :‬فُقْل ُت‪َّ َ :‬‬
‫آخ ُذهُ‪َ .‬‬ ‫مال َف ُ‬ ‫ِ‬
‫ُمي‪ ،‬ولِي ُهنال َك ٌ‬
‫ِ‬
‫َق َس َم أ ّ‬ ‫قال‪َ :‬أب ُّر‬
‫قال‪َ :‬ف َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫أما إ ْذ َق ْد َف َعْل َت ما َف َعْل َت‪َ ،‬ف ُخ ْذ‬ ‫ِ‬
‫قال‪ُ :‬قْل ُت َل ُه‪ّ :‬‬
‫أن َي ْخ ُرَج َم َع ُهما؛ َفَل ّما أبى ّإال َذل َك؛ َ‬
‫قال‪َ :‬فأبى َعَل َّي ّإال ْ‬ ‫وال تَ ْذ َه ْب َم َع ُهما‪َ .‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫فانج َعَل ْيها‪.‬‬
‫إن رَاب َك من الَق ْو ِم رْيب‪ُ ،‬‬‫ظهرها‪َ ،‬ف ْ‬ ‫فالزْم َ‬ ‫ول‪َ ،‬‬ ‫نا َقتي َهذه‪َ ،‬ف َّإنها نا َق ٌة َن ِج َيب ٌة َذُل ٌ‬

‫استغلظت َب ِعيرِي َهذا‪،‬‬


‫ُ‬ ‫وَّللاِ َلَق ْد‬ ‫يق‪ ،‬قال َله أبو جه ٍل‪ :‬يابن ِ‬
‫أخي‪َّ َ ،‬‬ ‫ض الط ِر ِ َ ُ ُ َ ْ‬
‫َف َخرج عَليها معهما‪ ،‬حتّى إذا كانوا ِببع ِ َّ‬
‫ُ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ ََُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ورَبطاهُ‬
‫عدوا َعَل ْيه‪َ ،‬ف ْأوثَقاهُ َ‬‫ض َ‬ ‫أناخ‪ ،‬وأناخا ل َيتَ َحَّو َل َعَل ْيها‪َ ،‬فَل ّما استَ َوْوا ِب ْ‬
‫األر ِ‬ ‫قال‪َ :‬ف َ‬
‫قال‪ :‬بلى‪َ .‬‬ ‫أ َفال تُ ْعقبني َعلى نا َقت َك َهذه؟ َ‬
‫ثُ َّم َد َخال ِب ِه َم َّك َة‪ ،‬وَفتَناهُ فافتُتن‪.‬‬

‫وأما ما روي من إعالن عمر لهجرته وتهديده من يلحق به‪ :‬بثكل أمه‪ ،‬وتيتيم ولده‪ ،‬وترميل زوجه ‪ ...‬فلم يصح‪.‬‬
‫والذي صح عن عمر رضي هللا عنه في استخفائه بهحرته هو الموافق للعقل والنقل‪ ،‬فما كان عمر ليغتر بقوته وشجاعته‬
‫ِ‬ ‫ويفتح بذلك ثغرة يدخل منها األعداء لحرب أولياء هللا‪ ،‬وقد ورد في الحديث المتفق عليه قول رسول َّ ِ‬
‫َّللا ﷺ‪« :‬ال تَتَ َمَّن ْوا ل َ‬
‫قاء‬ ‫َُ ُ‬
‫صبة ‪ ،‬قبل َمْق َدم رسول هللا‪ ،‬وكان سالم بن معقل‬ ‫الع ُدِّو‪ ....‬وقد استقر كثير من المهاجرين في قباء في مكان يسمى‪ُ :‬‬
‫الع ْ‬ ‫َ‬
‫مولى أبي حذيفة يؤمهم في مسجد قباء‪ ،‬لكونه أكثرهم قرآنا‪.‬‬
‫هجرة المصطفى إلى المدينة‬

‫ولما انقضى موسم الحج ذي الحجة من العام الثالث عشر للبعثة‪ ،‬وبايع النبي ﷺ األنصار البيعة األخيرة عند‬
‫العقبة في أوسط أيام التشريق‪ :‬اعتزم رسول هللا ﷺ أن يهاجر‪ .‬وقد سبق أن علمنا‪ :‬أن جهره بالدعوة‪ ،‬واستخفاءه بها كان‬
‫من باب التلوين في الدعوة‪ ،‬والتنوع في أساليبها‪ ،‬وسلوك كل سبيل تؤدى إليها‪ ،‬ومن ثم‪ :‬تأخرت هجرة المصطفى ﷺ إلى‬
‫المدينة؛ حتى هاجر معظم القادرين على الهجرة من أصحابه الذين استجابوا لألمر بالهجرة‪ ،‬كما هاجر ﷺ مستخفيا‬
‫ليضرب المثل للمستضعفين من المؤمنين‪.‬‬

‫يوم الهجرة‬

‫ِ‬ ‫ش اجتَمعوا ِفي ال ِحج ِر‪َ ،‬فتَعاَقدوا ِب ّ ِ‬ ‫ِ‬


‫ُخرى‪،‬‬ ‫ناة الثّالِثَة األ ْ‬
‫وم َ‬ ‫الع ّزى‪َ ،‬‬‫الالت و ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫الم َأل من ُق َرْي ٍ ْ َ ُ‬ ‫إن َ‬ ‫قال‪َّ :‬‬ ‫اس‪َ ،‬‬ ‫َع ِن ْاب ِن َعّب ٍ‬
‫فارْقه حتّى نْقُتَله‪َ ،‬فأ ْقبَل ِت ابنتُه ِ‬
‫فاط َم ُة تَْب ِكي‪َ ،‬حتّى‬ ‫ٍ ٍِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َْ ُ‬ ‫يام َر ُجل واحد‪َ ،‬فَل ْم ُن ِ ُ َ َ ُ َ‬ ‫ونائَل َة وإساف‪َ :‬ل ْو َق ْد َرْأينا ُم َح َّم ًدا‪َ ،‬لَق ْد ُق ْمنا إَل ْيه ق َ‬
‫نه ْم‬ ‫ِ‬ ‫َّللاِ ﷺ‪َ ،‬فقاَل ْت‪ :‬هؤ ِ‬
‫الء الم َألُ ِمن ُق َرْي ٍ‬ ‫َد َخَل ْت َعلى رس ِ‬
‫وك‪َ ،‬فَل ْي َس م ُ‬
‫قاموا إَلْي َك َفَقَتلُ َ‬
‫ك‪َ ،‬لَق ْد ُ‬
‫ش‪َ ،‬ق ْد تَعا َق ُدوا َعَل ْي َك‪َ ،‬ل ْو َق ْد َرْأو َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ول َّ‬ ‫َُ‬
‫الم ْس ِج َد‪َ ،‬فَل ّما َرْأوهُ‪ ،‬قالُوا‪ :‬ها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضأ‪ ،‬ثُ َّم َد َخ َل َعَل ْيه ِم َ‬ ‫وءا» َفتَ َو َّ‬
‫وض ً‬ ‫قال‪« :‬يا ُب َنَّي ُة‪ِ ،‬أريني ُ‬ ‫ف َنص َيب ُه من َدم َك‪َ .‬ف َ‬‫َر ُج ٌل ّإال َق ْد َع َر َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ورِهم‪ِ ِ ،‬‬ ‫ط ْت أ ْذ ُ ِ‬
‫نه ْم‬
‫صًرا‪ ،‬وَل ْم َيُق ِم إَل ْيه م ُ‬ ‫وعق ُروا في َمجالسه ْم‪َ ،‬فَل ْم َي ْرَف ُعوا إَل ْيه َب َ‬ ‫ص ُد ِ ْ َ‬ ‫قان ُه ْم في ُ‬ ‫وسَق َ‬
‫صارُه ْم‪َ ،‬‬
‫ضوا ْأب َ‬ ‫وخَف ُ‬
‫ُه َو ذا‪َ ،‬‬
‫ص َب ُه ْم ِبها‪َ ،‬فما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ًة م َن التُّراب‪َ ،‬ف َ‬ ‫َّللاِ ﷺ َحتّى قام َعلى ُرء ِ‬
‫وس ِه ْم‪َ ،‬ف َ‬
‫الو ُجوهُ» ثُ َّم َح َ‬
‫«شاهت ُ‬ ‫َ‬ ‫قال‪:‬‬ ‫أخ َذ َق ْب َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ول َّ‬
‫َر ُج ٌل‪َ ،‬فأ ْقَب َل َرُس ُ‬
‫أصاب رج ًال ِمنهم ِمن َذلِك الحصى حصاةٌ ّإال ُقِتل يوم ب ْد ٍر ِ‬
‫كاف ًار‪.‬‬ ‫َ َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َُ‬
‫الدين‪ ،‬وَلم يم َّر عَلينا يوم ّإال يأِْتينا ِف ِ‬
‫يه‬ ‫ط‪ّ ،‬إال وهما ي ِد ِ ِ‬ ‫وعن أم المؤمنين عائشة ﷺ قاَل ْت‪َ :‬لم أعِقل أبو َّي َق ُّ‬
‫ينان ّ َ ْ َ ُ َ ْ َ ْ ٌ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ ْ ْ ََ‬
‫قال‬ ‫ِ ٍ َّ‬ ‫وع ِشَّي ًة ‪ ....‬إلى أن قالت رضي هللا عنها في ذاك الحديث‪ :‬و َّ‬
‫النِب ُّي ﷺ َي ْو َمئذ ِب َمك َة‪َ ،‬ف َ‬ ‫الن ِ‬
‫هار‪ُ ،‬ب ْك َرًة َ‬ ‫َّللاِ ﷺ َ‬
‫ط َرَف ِي َّ‬ ‫ول َّ‬
‫َرُس ُ‬
‫َّتان‪َ ،‬فهاجر من هاجر ِقبل ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ورَج َع‬
‫المد َينة‪َ ،‬‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫الحر ِ‬
‫وهما َ‬ ‫ذات َن ْخ ٍل َب ْي َن الََبتَْي ِن» ُ‬
‫دار ه ْج َرِت ُك ْم‪َ ،‬‬
‫يت َ‬ ‫ين‪ِّ :‬‬
‫«إني أ ُِر ُ‬
‫ِ ِِ‬
‫النِب ُّي ﷺ لْل ُم ْسلم َ‬
‫َّ‬
‫«على ِرْسلِ َك‪َ ،‬ف ِّإني‬ ‫ض الحب َش ِة إلى الم ِدين ِة‪ ،‬وتج َّهز أبو ب ْك ٍر ِقبل الم ِدين ِة‪َ ،‬فقال َله رسول َّ ِ‬
‫َّللا ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ َُ ُ‬ ‫َ َ ََ َ ُ َ ََ َ َ‬ ‫هاج َر ِب ْأر ِ َ َ‬ ‫كان َ‬ ‫عامةُ َمن َ‬ ‫َّ‬
‫َّللاِ ﷺ‬ ‫«نعم» َفحبس أبو ب ْك ٍر َنْفس ُه َعلى رس ِ‬
‫ول َّ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫قال‪َ ُ َ َ َ ْ َ َ :‬‬
‫ِ‬
‫وه ْل تَ ْر ُجو َذل َك ِبأِبي ْأن َت؟ َ‬ ‫قال ُأبو َب ْك ٍر‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫أن ُي ْؤَذ َن لي» َف َ‬ ‫ْأر ُجو ْ‬
‫أش ُه ٍر‪.‬‬ ‫ور َق َّ‬ ‫ِ‬ ‫لِيصحبه‪ ،‬وعَلف ر ِ‬
‫ط‪ْ ،‬أرَب َع َة ْ‬
‫الخ َب ُ‬ ‫الس ُم ِر ُ‬
‫وه َو َ‬ ‫احَلتَْي ِن َ‬
‫كانتا ع ْن َدهُ َ‬ ‫َ ْ ََ ُ َ َ‬

‫َّللاِ ﷺ‬ ‫ِ ِ‬
‫قال قائ ٌل ألِبي َب ْك ٍر‪َ :‬هذا َرُس ُ‬
‫ول َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس في َب ْيت أِبي َب ْك ٍر في َن ْح ِر الظ ِه َيرة‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫قاَل ْت عائ َشةُ‪َ :‬ف َب ْي َنما َن ْح ُن َي ْو ًما ُجلُ ٌ‬
‫وَّللاِ ما جاء ِب ِه ِفي هِذِه الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫أمٌر‪ ،‬قاَل ْت‪:‬‬
‫اعة ّإال ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُمي‪َّ ،‬‬ ‫قال ُأبو َب ْك ٍر‪ :‬ف ٌ‬
‫داء َل ُه أبي وأ ّ‬ ‫ساعة َل ْم َي ُك ْن َيأْتينا فيها‪َ ،‬ف َ‬ ‫ُمتََقّن ًعا‪ ،‬في َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفجاء رسول َّ ِ‬
‫قال ُأبو َب ْك ٍر‪َّ :‬إنما ُه ْم ْ‬
‫أهُل َك‪،‬‬ ‫ك»‪َ .‬ف َ‬ ‫النِب ُّي ﷺ ِألِبي َب ْك ٍر‪ْ :‬‬
‫«أخ ِرْج َمن ع ْن َد َ‬ ‫قال َّ‬
‫فاستَ ْأ َذ َن‪َ ،‬فأُذ َن َل ُه َف َد َخ َل‪َ ،‬ف َ‬‫َّللا ﷺ ْ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬
‫قال َرُس ُ‬ ‫َّللا؟ َ‬ ‫ول َّ‬
‫حابةُ بأبي ْأن َت يا َرُس َ‬ ‫قال ُأبو َب ْك ٍر‪َّ :‬‬
‫الص َ‬ ‫الخ ُرو ِج» َف َ‬
‫قال‪َ « :‬ف ّإني َق ْد أُذ َن لي في ُ‬ ‫َّللا‪َ ،‬‬ ‫ول َّ‬‫ِبأِبي ْأن َت يا َرُس َ‬
‫َّللاِ ﷺ‪ِ« :‬بالثَّ َم ِن»‪ .‬قاَل ْت‬ ‫ول َّ‬ ‫ِ‬
‫إحدى ارحَلتَ َّي هاتَْي ِن‪َ ،‬‬
‫قال َرُس ُ‬
‫َّللاِ ﷺ‪« :‬نعم» قال أبو ب ْك ٍر‪َ :‬فخ ْذ ‪ِ -‬بأِبي أنت يا رسول َّ ِ‬
‫َّللا ‪ْ -‬‬ ‫َْ َُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ََْ‬ ‫َّ‬
‫ط ْت ِب ِه‬ ‫طع ًة ِمن ِن ِ‬
‫طاقها‪َ ،‬ف َرَب َ‬ ‫ِ‬
‫ماء ِب ْن ُت أِبي َب ْك ٍر ق ْ َ‬
‫أس ُ‬‫ط َع ْت ْ‬
‫هاز‪ ،‬وص َن ْعنا َلهما سْفرًة ِفي ِجر ٍ‬
‫اب‪َ ،‬فَق َ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫أح َّث ال ِج ِ‬‫ناهما َ‬
‫ِ‬
‫عائ َشةُ‪َ :‬ف َج َّه ْز ُ‬
‫ذات ِّ‬
‫النطا َق ْي ِن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اب‪َ ،‬فِب َذلِ َك ُس ّم َي ْت َ‬
‫َعلى َف ِم ال ِجر ِ‬
‫َّللاِ ْب ُن أِبي‬
‫يت ِع ْن َد ُهما َع ْب ُد َّ‬
‫يال‪َ ،‬يِب ُ‬
‫غار ِفي جب ِل ثَوٍر‪َ ،‬ف َكمنا ِف ِ‬
‫يه ثَالَ َث َل ٍ‬
‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫َّللاِ ﷺ و ُأبو َب ْك ٍر ِب ٍ‬ ‫ول َّ‬ ‫ِ‬
‫ثُ َّم َلح َق َرُس ُ‬ ‫قاَل ْت‪:‬‬
‫تادان ِب ِه ّإال‬
‫أم ًرا‪ُ ،‬ي ْك ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ف َلِق ٌن‪َ ،‬ف ُي ْدلِ ُج ِمن ِع ْن ِد ِهما ِبس َح ٍر‪َ ،‬ف ُيصِب ُح مع ُق َرْي ٍ ِ َّ‬
‫ش ب َمك َة َكبائت‪َ ،‬فالَ َي ْس َم ُع ْ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ٌّ ِ‬
‫شاب‪ ،‬ثَق ٌ‬ ‫وه َو ُغالَ ٌم‬ ‫َب ْك ٍر‪ُ ،‬‬
‫نح ًة من َغَنمٍ‪َ ،‬فُي ِر ُ‬
‫يحها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وي ْرعى َعَل ْي ِهما عام ُر ْب ُن ُف َه ْي َرَة‪َ ،‬م ْولى أِبي َب ْك ٍر م َ‬
‫ِحين ي ْخَتلِ ُ َّ‬
‫ط الظالَ ُم‪َ ،‬‬ ‫َ َ‬ ‫وعاهُ‪َ ،‬حتّى َيأِْت َي ُهما ِب َخ َب ِر َذلِ َك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الع ِ‬
‫ِ‬ ‫ساع ٌة ِم َن‬ ‫ِ‬
‫ورضيف ِهما‪َ ،‬حتّى َي ْنع َق ِبها عام ُر ْب ُن ُف َه ْي َرَة‬ ‫نحت ِهما َ‬ ‫يتان في ِرْس ٍل‪ُ ،‬‬
‫وه َو َل َب ُن م َ‬ ‫شاء‪َ ،‬ف َيِب ِ‬ ‫ين تَ ْذ َه ُب َ‬ ‫َعَل ْي ِهما ح َ‬
‫وهَو ِمن َبِني‬ ‫ِ ِ‬ ‫الليالِي الثَّالَ ِث‪ ،‬واستأْجر رسول َّ ِ‬ ‫س‪ ،‬يْفعل َذلِك ِفي ُك ِل َليَل ٍة ِمن ِتْلك َّ‬
‫يل‪ُ ،‬‬ ‫َّللا ﷺ و ُأبو َب ْك ٍر َر ُج ًال ِمن َبني ّ‬
‫الد ِ‬
‫ْ َ ََ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ِب َغَل ٍ َ َ ُ َ‬
‫وهَو َعلى ِد ِ‬ ‫العاص ب ِن و ِائ ٍل َّ ِ‬ ‫الماهر ِبال ِهداي ِة‪َ ،‬ق ْد َغمس ِحْلًفا ِفي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع ْبد ْب ِن َعد ٍّي‪ ،‬هاديا ِخ ِّريتًا‪ ،‬وال ِخ ِّر ُ‬
‫ين ُكّف ِار‬ ‫الس ْهم ِّي‪ُ ،‬‬ ‫ِ ْ‬ ‫آل‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يت‬
‫طَلق معهما ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُقري ٍ ِ‬
‫عام ُر ْب ُن‬ ‫ص ْب َح ثَالَث‪ ،‬و ْان َ َ َ َ ُ‬‫غار ثَ ْوٍر َب ْع َد ثَالَث َليال‪ ،‬ب ارحَلتَْيهما ُ‬
‫اعداهُ َ‬‫ش‪َ ،‬فأمناهُ َف َد َفعا إَل ْيه ارحَلتَْي ِهما‪ ،‬وو َ‬ ‫َْ‬
‫السوا ِح ِل‪.‬‬
‫يق َّ‬ ‫أخ َذ ِب ِه ْم َ‬
‫ط ِر َ‬ ‫يل‪َ ،‬ف َ‬ ‫ُفهيرةَ‪ ،‬و َّ ِ‬
‫الدل ُ‬ ‫َ َْ‬

‫فهذا الحديث يستفاد منه ‪ :‬أنه ﷺ كان يتردد على بيت أبي بكر كل يوم في الصباح وفى المساء‪ ،‬ال يكاد يدع‬
‫ذلك‪ ،‬ومن ثم ترجم له البخاري في كتاب األدب بقوله‪ :‬باب ‪ :‬هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرة وعشيا‪.‬‬

‫فلما أذن له ﷺ بالهجرة جاء إلى بيت أبي بكر في وقت الظهيرة على غير عادته وهو مستخف‪ ،‬فأخبر أبا بكر‬
‫بذلك‪ ،‬واختياره ﷺ وقت الظهيرة‪ :‬ألن الناس تأوى إلى بيوتها للقيلولة ف ار ار من الحر‪ ،‬وتقنعه ﷺ يفيد شعوره بالخطر من‬
‫حوله‪ ،‬فقد اعتزمت قريش قتله‪ ،‬وال بد أنها ستعمد إلى رصد تحركه‪.‬‬

‫ليلة الهجرة‬

‫كان رسول هللا ﷺ يعتصم بكالم ربه دائما‪ ،‬وكثي ار ما يقرؤه ليستخفي به عن أعين المشركين‪ ،‬واستخفاؤه عن أعين‬
‫ين ال‬ ‫َّ ِ‬
‫وب ْي َن الذ َ‬
‫آن َج َعْلنا َب ْيَن َك َ‬
‫ْت الُق ْر َ‬‫أعدائه بقراءته للقرآن مخافة كيدهم له ثابت بصريح القرآن كقوله تعالى‪﴿ :‬وإذا َق َأر َ‬
‫ون إَليك وهم ال يب ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ون﴾‬ ‫ص ُر َ‬ ‫ظ ُر َ ْ َ ُ ْ ُ ْ‬ ‫اه ْم َي ْن ُ‬
‫ور﴾ وقوله تعالى‪﴿ :‬وتَر ُ‬ ‫ون ِباآلخ َرِة ح ً‬
‫جابا َم ْستُ ًا‬ ‫ُي ْؤ ِم ُن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وه ْم َعلى باِبه‪ّ :‬‬
‫إن ُم َح َّم ًدا َي ْزُع ُم‬ ‫اجتَ َم ُعوا َل ُه‪ ،‬وِفي ِه ْم ُأبو َج ْهل ْب ُن هشامٍ‪َ ،‬ف َ‬
‫قال ُ‬ ‫قال‪َ :‬ل ّما ْ‬‫فع ْن ُم َح َّمد ْب ِن َك ْعب الُق َرظ ِّي َ‬ ‫َ‬
‫نان َك ِجن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ان األ ُْرُد ِّن‪ ،‬و ْ‬
‫إن َل ْم‬ ‫الع َجمِ‪ ،‬ثُ َّم ُبع ْثتُ ْم من َب ْعد َم ْوِت ُك ْم‪َ ،‬ف ُجعَل ْت َل ُك ْم ِج ٌ‬ ‫ِ‬
‫الع َرب و َ‬ ‫وك َ‬ ‫أم ِِره‪ُ ،‬ك ْنتُ ْم ُملُ َ‬
‫تاب ْعتُ ُموهُ َعلى ْ‬ ‫َّأن ُك ْم ْ‬
‫إن َ‬
‫ون ِفيها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫كان َل ُه ِف ُ‬
‫يك ْم َذ ْب ٌح‪ ،‬ثُ َّم ُبع ْثتُ ْم من َب ْعد َم ْوِت ُك ْم‪ ،‬ثُ َّم ُجعَل ْت َل ُك ْم ٌ‬
‫نار تُ ْح َرُق َ‬ ‫تَْف َعلُوا َ‬

‫َّللاُ تَعالى‬
‫أخ َذ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫قال‪ :‬وخرج عَلي ِهم رسول َّ ِ‬
‫أح ُد ُه ْم‪ .‬و َ‬
‫ول َذل َك‪ْ ،‬أن َت َ‬
‫قال أنا أ ُق ُ‬
‫أخ َذ َحْف َن ًة من تُراب في َيده‪ ،‬ثُ َّم َ‬
‫َّللا ﷺ‪َ ،‬ف َ‬ ‫َ ََ َ َ ْ ْ َ ُ ُ‬
‫اآليات ِمن يس‪﴿ :‬يس والُق ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫وس ِهم وهو ي ْتلُو هؤ ِ‬ ‫ِ‬
‫آن‬ ‫الء‬ ‫اب َعلى ُرُء ِ ْ ُ َ َ َ ُ‬ ‫صارِه ْم َع ْن ُه‪َ ،‬فال َي َرْوَن ُه‪َ ،‬ف َج َع َل َي ْنثُُر َذل َك التُّر َ‬
‫َعلى ْأب ِ‬
‫أغ َشيناهم َفهم ال يب ِ‬ ‫ِ‬ ‫اط مستَ ِقيمٍ‪ .‬تَْن ِزيل الع ِز ِ ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون﴾‪َ .‬حتّى‬ ‫ص ُر َ‬ ‫يز الرَّحي ِم﴾… إلى َق ْولِه‪َ ﴿ :‬ف ْ ْ ُ ْ ُ ْ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫الم ْرَسلي َن‪َ .‬على صر ُ ْ‬ ‫الحكيمِ‪َّ .‬إن َك َلم َن ُ‬
‫َ‬
‫أن‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫غ رسول َّ ِ ِ‬
‫ف إلى َح ْي ُث أرَاد ْ‬ ‫ص َر َ‬ ‫وض َع َعلى َأرْسه تُرًابا‪ ،‬ثُ َّم ْان َ‬ ‫نه ْم َر ُج ٌل ّإال وَق ْد َ‬
‫َّللا ﷺ من َه ُؤالء اآليات‪ ،‬وَل ْم َي ْب َق م ُ‬ ‫َف َر َ َ ُ ُ‬
‫وَّللاِ َخ َرَج َعَل ْي ُك ْم ُم َح َّمٌد‪،‬‬
‫َّللاُ! َق ْد َ َّ‬
‫قال‪َ :‬خيََّب ُك ْم َّ‬ ‫ون ُ‬
‫هاهنا؟ قالُوا‪ُ :‬م َح َّم ًدا‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫قال‪ :‬ما تَْنتَظ ُر َ‬ ‫ٍ ِ‬
‫أتاه ْم آت م َّم ْن َل ْم َي ُك ْن َم َع ُه ْم‪َ ،‬ف َ‬
‫َي ْذ َه َب‪َ ،‬ف ُ‬
‫ٍ ِ‬ ‫طَلق لِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫نه ْم َي َدهُ‬
‫ض َع ُك ُّل َر ُجل م ُ‬ ‫قال‪َ :‬ف َو َ‬‫حاجته‪ ،‬أ َفما تَ َرْو َن ما ِب ُك ْم؟ َ‬ ‫َ‬ ‫وض َع َعلى َأرْسه تُرًابا‪ ،‬و ْان َ َ‬ ‫ك ِم ُ‬
‫نك ْم َر ُج ًال ّإال وَق ْد َ‬ ‫ثُ َّم ما تَ َر َ‬
‫َّللاِ ﷺ‪َ ،‬فيُقوُلون‪ِ َّ َ :‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫إن َهذا‬ ‫وَّللا ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ول َّ‬‫اش متَس ِجيا ِببرِد رس ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َف َي َرْو َن َعليًّا َعلى الفر ُ َ ّ ً ُ ْ َ ُ‬ ‫طَّل ُع َ‬
‫اب‪ ،‬ثُ َّم َج َعُلوا َيتَ َ‬‫َعلى َأرْسه‪َ ،‬فإذا َعَل ْيه تُر ٌ‬
‫ص َدَقنا َّالِذي َح َّدثَنا‪.‬‬ ‫اش َفقالُوا‪ِ َّ َ :‬‬ ‫نائما‪ ،‬عَلي ِه برده‪َ .‬فَلم يبرحوا َك َذلِك حتّى أصبحوا َفقام علِ ٌّي عن ِ‬
‫الفر ِ‬ ‫ِ‬
‫كان َ‬
‫وَّللا َلَق ْد َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َُ‬ ‫َ َ‬ ‫َل ُم َح َّمٌد ً َ ْ ُ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ‬
‫وهكذا أخذ رسول هللا ﷺ باألسباب وفق سنن هللا الجارية‪ .‬ومما يدل على أخذه ﷺ باألسباب‪ :‬أنه كان دائما يبدأ‬
‫باإلمكانات المتاحة‪ ،‬ويبذل قصارى جهده ما أمكنه ذلك‪ ،‬فإنه ﷺ لم يختر عند هجرته مكانا تجاه المدينة في شمال مكة من‬
‫أعالها؛ بل اختار أقصى جبل جنوب مكة من أسفلها‪ ،‬وحدد غا ار يكمن فيه ثالثة أيام حتى ينقطع طالبوه‪ ،‬بل لقد تواعد‬
‫رسول هللا ﷺ مع أبي بكر الصديق أن يتقابال عند مكان يسمى‪ :‬بئر ميمون في طريق منى‪ ،‬ثم ركبا منه إلى الغار في‬
‫الجهة المقابلة جنوب مكة‪.‬‬

‫ماء ِب ْن ِت أِبي‬
‫أس َ‬‫وقد حمل أبو بكر رضي هللا عنه في تلك الليلة ثروته ليضعها تحت تصرف رسول هللا ﷺ‪ ،‬فعن ْ‬
‫آالف ِد ْرَه ٍم‬
‫وخرج أبو ب ْك ٍر معه‪ ،‬احتَمل أبو ب ْك ٍر ماَله ُكَّله‪ ،‬ومعه َخمس ُة ِ‬ ‫ب ْك ٍر رضي هللا عنها قاَلت‪َ :‬لما خرج رسول َّ ِ‬
‫ُ ُ ََ ُ ْ َ‬ ‫َّللا ﷺ‪َ ُ َ َ ْ ُ َ َ َ ُ َ َ َ ،‬‬ ‫ْ ّ ََ َ َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫طَل َق ِبها َم َع ُه‪.‬‬
‫فان َ‬ ‫أو ِستَّةُ ٍ‬
‫آالف‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬

‫ماء ِب ْن ِت أِبي َب ْك ٍر َّأنها‬


‫أس َ‬‫وروي أن المشركين كانوا يعلمون محبة رسول هللا ﷺ ألبي بكر رضي هللا عنه‪ ،‬ف َع ْن ْ‬
‫باب أِبي َب ْك ٍر‪َ ،‬ف َخ َر ْج ُت‬ ‫َ‬ ‫َّللاِ ﷺ و ُأبو َب ْك ٍر‪ ،‬أتانا َنَفٌر ِمن ُق َرْي ٍ‬
‫ش‪ِ ،‬في ِهم ُأبو ج ْه ِل ْابن ِهشامٍ‪َ ،‬فوَقُفوا َعلى ِ‬ ‫ول َّ‬‫قاَل ْت‪َ :‬ل ّما َخ َرَج َرُس ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وَّللاِ أين أِبي؟ قاَل ْت‪َ :‬فرَفع أبو جه ٍل ي َده‪ ،‬وكان ِ‬
‫فاح ًشا َخِبيثًا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َْ َ ُ‬ ‫وك يا ِب ْن َت أِبي َب ْك ٍر؟ قاَل ْت‪ُ :‬قْل ُت‪ :‬ال ْأدرِي َ َّ ْ َ‬ ‫إَل ْي ِه ْم‪َ ،‬فقالُوا‪ْ :‬أي َن ُأب َ‬
‫ط ِرَح ِمنها ُق ْر ِطي‪.‬‬ ‫ط َم َخ ِّدي َل ْ‬
‫ط َم ًة ُ‬ ‫َفَل َ‬

‫الخ ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫يس ف َك َمَنا فيه ثالث ليال‬ ‫وكان خروج رسول هللا ﷺ بصحبة أبي بكر إلى غار ثور جنوب مكة في َس َح ِر َلْيَلة َ‬
‫بأيامها كاملة‪ ،‬بدأت بليلة الجمعة وانتهت بآخر يوم األحد‪ ،‬وقريش تطاردهما سحابة النهار‪ ،‬وتبحث عنها‪ ،‬وتقتفى آثارهما‬
‫‪ ...‬حتى انتهوا إلى باب الغار ووقفوا عليه؛ ولكن حال هللا بينهم وبين الوصول إلى الرسول ﷺ وصاحبه‪.‬‬

‫أما رسول هللا ﷺ فقد كان في معية هللا يرتل كالمه؛ ليستخفى به عن أعين المشركين‪ .‬وأما الصديق فقد كان قلقا‬
‫النِب ِي‬
‫ال يقر له قرار من شدة خوفه على رسول هللا ﷺ السيما بعد رؤيته ألقدام المشركين عند باب الغار فيقول‪ُ :‬ك ْن ُت َم َع َّ‬
‫ّ‬
‫«اس ُك ْت يا أبا‬
‫قال‪ْ :‬‬ ‫ص َرهُ َرآنا‪َ ،‬‬ ‫ط ْأ َ‬
‫طأ َب َ‬ ‫ض ُه ْم َ‬ ‫َّللاِ‪َ ،‬ل ْو َّ‬
‫أن َب ْع َ‬ ‫الغار‪َ ،‬ف َرَف ْع ُت َأر ِْسي َفإذا أنا ِبأ ْقدا ِم الَق ْومِ‪َ ،‬فُقْل ُت‪ :‬يا َنِب َّي َّ‬
‫ﷺ ِفي ِ‬
‫َّللاُ ثالِثُ ُهما»‬ ‫َب ْك ٍر‪ ،‬ا ْث ِ‬
‫نان َّ‬

‫التاريخ من بدء الهجرة‬

‫مان َخَل ْو َن من ربيع األول في العام األول من الهجرة النبوية‪،‬‬ ‫تواترت األخبار بورود النبي ﷺ قباء يوم االثنين لِثَ ٍ‬
‫ِ‬
‫الموافق ‪ 18‬سبتمبر سنة ‪٦٢٢‬م وكانت بداية العام الهجري في ليلة الجمعة ُغرَّةُ َش ْه ِر هللا ُ‬
‫المحرَّم للعام األول من الهجرة‬
‫الموافق ‪ 1٤‬يوليو سنة ‪٦٢٢‬م‪ ،‬وكان له ﷺ من العمر يوم هجرته ثالثة وخمسون عاما‪.‬‬

‫وبناء على ما سبق نسجل هنا‪ :‬أن هالل شهر صفر كان في ذاك العام ليلة السبت ‪ ۱۲‬أغسطس ‪٦٢٢‬م‪ ،‬وكان‬
‫خروجه ﷺ من مكة إلى الغار في ليلة الخميس العشرين من شهر صفر من العام نفسه‪ ،‬الموافق أول سبتمبر ‪٦٢٢‬م‪ ،‬ثم‬
‫كان خروجه من الغار في ليلة االثنين الرابع والعشرين من شهر صفر‪ ،‬الموافق ‪ 5‬سبتمبر ‪٦٢٢‬م‪ ،‬واستغرقت الرحلة من‬
‫الغار إلى قباء اثنى عشر يوما ‪ ،‬حيث كان وصوله ﷺ يوم السبت السادس من ربيع األول‪ ،‬الموافق ‪ 1٦‬سبتمبر ‪٦٢٢‬م‪.‬‬
‫وقد مكث ﷺ بقباء خمسة أيام كاملة بلياليها أسس فيها مسجد قباء‪ ،‬ثم استقر بالمدينة من ظهر يوم الجمعة‬
‫الثاني عشر من شهر ربيع األول‪ ،‬الموافق ‪ ٢٢‬سبتمبر ‪٦٢٢‬م‪ ،‬وهذا التأصيل التاريخي هو الموافق لوقفة عرفات في حجة‬
‫الوداع ‪ ٩‬من ذي الحجة في العام العاشر من الهجرة‪ ،‬الموافق ‪ 5‬مارس ‪٦٣٢‬م وكان يوم الجمعة‪.‬‬

‫ولما كانت خالفة عمر‪ ،‬وفي العام السابع عشر من الهجرة‪ ،‬وفي شهر شعبان على التقريب‪ :‬استشار الخليفة‬
‫الراشد عمر بن الخطاب أصحاب رسول هللا ﷺ‪ :‬من أين يبدءون التاريخ؟ فوفقهم هللا وهداهم إلى بدئه من أول يوم دخل فيه‬
‫النبي ﷺ مع أصحابه المدينة‪.‬‬

‫وقد أبدى بعضهم للبداءة بالهجرة مناسبة‪ ،‬فقال ‪ :‬كانت القضايا التي اتفقت له ﷺ ويمكن أن يؤرخ بها أربعة‪:‬‬
‫مولده‪ ،‬ومبعثه‪ ،‬وهجرته‪ ،‬ووفاته‪ .‬فرجح عندهم جعلها من الهجرة؛ ألن المولد والمبعث ال يخلو واحد منها من النزاع في‬
‫تعيين السنة‪ ،‬وأما وقت الوفاة فأعرضوا عنه لما يتوقع بذكره من األسف عليه‪ ،‬فانحصر في الهجرة‪.‬‬

‫ُس َس َعلى التَّْقوى ِمن َّأو ِل َي ْومٍ﴾ وهو‬


‫ِ ِ‬
‫وأفاد السهيلي‪ :‬أن الصحابة أخذوا التاريخ بالهجرة من قوله تعالى‪َ﴿ :‬ل َم ْسجٌد أ ّ‬
‫أول الزمن الذي عز فيه اإلسالم‪ ،‬وابتدأ بناء المسجد‪ :‬فوافق رأي الصحابة ابتداء التاريخ من ذلك اليوم ‪ ،‬وفهمنا من فعلهم‪:‬‬
‫أن قوله تعالى ﴿ ِمن َّأو ِل َي ْو ٍم ﴾ ‪ :‬أنه أول أيام التاريخ اإلسالمي‪ .‬وإنما أخروا البدء بالتاريخ من شهر ربيع األول إلى‬
‫شهر هللا المحرم ألن ابتداء عزمه على الهجرة كان في المحرم‪ ،‬إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي‪ :‬مقدمة الهجرة‪،‬‬
‫فكان أول هالل استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة‪ :‬هو هالل المحرم‪ ،‬فناسب أن يجعل مبتدأ التاريخ من أول السنة‪.‬‬

‫وذكروا في الباعث لعمر رضي هللا عنه على التاريخ من بدء الهجرة آثا ار عديدة‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫ون ُه ِمن عا ِم َكذا َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ .1‬عن ابن ِس ِ‬


‫وش ْه ِر َكذا‬ ‫ون ُه التّ ِار َ‬
‫يخ َي ْكتُُب َ‬ ‫قال َرْأي ُت ِب َ‬
‫الي َم ِن َش ْيًئا ُي َس ُّم َ‬ ‫الي َم ِن َف َ‬
‫قال‪َ :‬قد َم َر ُج ٌل م َن َ‬
‫ين َ‬ ‫ير َ‬
‫قال ُع َم ُر َهذا َح َس ٌن َف ِّأر ُخوا ‪....‬‬
‫َف َ‬
‫ض ُه ْم ِّأرْخ‬ ‫نك ُكتُ ٌب َل ْي َس َلها ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪ .٢‬عن َّ‬
‫الش ْعِب ِي َّ‬
‫قال َب ْع ُ‬
‫اس َف َ‬
‫الن َ‬
‫يخ َف َج َم َع ُع َم ُر ّ‬‫تار ٌ‬ ‫أن أبا ُموسى َكتَ َب إلى ُع َم َر َّإن ُه َيأْتينا م َ‬ ‫ّ‬
‫ِبالمبع ِث وبعضهم ِأرْخ ِبال ِهجرِة َفقال عمر ال ِهجرة َف َّرَقت بين الح ِق و ِ‬
‫الباط ِل َف ِّأر ُخوا ِبها‪.‬‬ ‫ْ َ ُ ْ َْ َ َ ّ‬ ‫َ ُ َُ‬ ‫َْ‬ ‫َْ ُ ُْ ّ‬ ‫َْ َ‬
‫الماضي ِأو َّال ِذي نحن ِف ِ‬
‫يه ِأو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ .٣‬عن م ْيم ِ‬
‫اآلتي‬ ‫َُْ‬ ‫بان‬
‫أي َش ْع َ‬
‫قال ُّ‬ ‫ص ٌّك َم َحل ُه َش ْع ُ‬
‫بان َف َ‬ ‫قال ُرف َع ل ُع َم َر َ‬
‫ان َ‬ ‫ون ْب ِن م ْهر َ‬ ‫َ ُ‬
‫ون ُه‪.‬‬ ‫ض ُعوا لِ ّلن ِ‬
‫اس َش ْيًئا َي ْع ِرُف َ‬ ‫َ‬

‫وعلِ ٌّي‪.‬‬
‫مان َ‬
‫وع ْث ُ‬
‫الم َح َّرِم ُع َم ُر ُ‬ ‫أن َّال ِذي َ ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلثار َّ‬ ‫فاستََف ْدنا ِمن َم ْج ُموِع َه ِذِه‬
‫أشار ب ُ‬ ‫ثم قال الحافظ‪ْ :‬‬

‫استقبال األنصار لرسول هللا ﷺ بالمدينة‬

‫وبعد أن أقام رسول هللا ﷺ بقباء أياما قالئل خرج إلى المدينة‪ ،‬وكان أهل المدينة حينما سمعوا بخروج رسول هللا‬
‫وقدومه عليهم كانوا يخرجون إلى الحرة ‪-‬وهي أرض ذات حجارة سود‪ ،‬كأنها أحرقت بالنار من شدة سوادها‪ -‬ينتظرون‬
‫مقدم رسول هللا ﷺ عليهم‪ ،‬فيظلون كذلك‪ ،‬حتى يردهم حر الظهيرة‪ ،‬يفعلون ذلك كل يوم‪ ،‬فانقلبوا يوما بعد أن طال‬
‫انتظارهم‪ ،‬فلما أووا إلى بيوتهم أطل رجل من اليهود من فوق حصن من حصونهم‪ ،‬فأبصر رسول هللا ﷺ ومن معه من‬
‫بعيد ‪ ،‬فنادى بأعلى صوته‪ :‬يا معاشر العرب! هذا ُّ‬
‫حظ ُكم الذي تنتظرون‪ ،‬فأسرع إلى رسول هللا ﷺ وأشراف بني النجار في‬
‫المدينة‪ ،‬فجاءوا متقلدين سيوفهم معلقيها على أكتافهم استعدادا للدفاع ورم از للنجدة‪ ،‬وركب رسول هللا ﷺ ناقته القصواء‪،‬‬
‫وأردف أبا بكر خلفه عليها‪ ،‬ومألُ بني النجار ووجهاؤهم حوله يحيطون بركبه تكريما وتشريفا‪.‬‬

‫وسار الركب حتى دخل المدينة‪ ،‬وكل يريد أن يتشرف بنزول رسول هللا ﷺ في داره أو بجوارها‪ ،‬يحاولون وقف‬
‫الناقة‪ ،‬فيقول رسول هللا ﷺ‪« :‬دعوها فإنها مأمورة» حتى وصلوا إلى بيت أبي أيوب‪ ،‬وفي فناء البيت بركت الناقة‪ ،‬فأخذ‬
‫جبَّار بن صخر ينخسها برجله لتقوم يبغي أن تصل إلى داره‪ ،‬ورآه أبو أيوب‪ ،‬فقال‪ :‬يا جبار! أعن منزلي تنخسها؟ أما‬
‫والذي بعثه بالحق لوال اإلسالم لضربتك بالسيف‪.‬‬

‫بناء المسجد وصفته‬

‫المسجد النبوي هو المسجد الثاني الذي بني في المدينة بعد مسجد قباء؛ وكالهما يصدق فيه قوله تعالى‪:‬‬
‫وَّللا ي ِح ُّب َّ‬ ‫﴿َلمس ِجد أ ُِسس على التَّقوى ِمن َّأو ِل يو ٍم أح ُّق أن تُق ِ ِ ِ ِ‬
‫المط ِّه ِر َ‬
‫ين﴾‬ ‫ُ‬ ‫ط َّه ُروا َّ ُ ُ‬
‫أن َيتَ َ‬ ‫جال ُي ِحُّب َ‬
‫ون ْ‬ ‫وم فيه فيه ِر ٌ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ٌ ّ َ َ‬

‫صِّلي‬
‫وفي صحيح البخاري أن رسول هللا ﷺ كان قد اعتزم بناء مسجد في المكان الذي بركت فيه ناقته‪ ،‬وكان ُي َ‬
‫َّللاِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍِ‬
‫ول َّ‬‫قال َرُس ُ‬ ‫أس َع َد ْب ِن ُزرَارةَ‪َ ،‬ف َ‬ ‫يم ْي ِن في َح ْج ِر ْ‬
‫وس ْهل ُغالَ َم ْي ِن َيت َ‬
‫وكان م ْرَب ًدا للت ْم ِر‪ ،‬ل ُس َهْيل َ‬
‫ين‪َ ،‬‬ ‫الم ْسلم َ‬
‫جال م َن ُ‬ ‫فيه َي ْو َمئذ ِر ٌ‬
‫الم ْرَب ِد‪ ،‬لَِيتَّ ِخ َذهُ َم ْس ِج ًدا‪،‬‬
‫الغالَمي ِن َفساومهما ِب ِ‬ ‫نزل»‪ .‬ثُ َّم دعا رسول َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َُ‬ ‫َّللا ﷺ ُ َ ْ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫الم ِ ُ‬ ‫َّللاُ َ‬
‫شاء َّ‬
‫إن َ‬ ‫«هذا ْ‬ ‫ين َب َرَك ْت ِبه ارحَلتُ ُه‪َ :‬‬ ‫ﷺحَ‬
‫ول‬ ‫َّللاِ أن يْقبَله ِمنهما ِهب ًة حتّى ابتاعه ِمنهما‪ ،‬ثُ َّم بناه مس ِجدا‪ ،‬و َ ِ‬ ‫َفقاالَ‪ :‬الَ‪ ،‬بل نهبه َلك يا رسول َّ ِ‬
‫طف َق َرُس ُ‬ ‫َ ُ َْ ً‬ ‫َ َ ْ َُ ُ‬ ‫ول َّ ْ َ َ ُ ُ‬ ‫َّللا‪َ ،‬فأبى َرُس ُ‬ ‫َ ْ ََُ ُ َ َ ُ َ‬
‫طهر‪ ،‬ويُقول‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الل ُه َّم‬ ‫مال َخ ْيَب ْر‪َ ،‬هذا َأب ُّر َربَّنا وأ ْ َ ْ َ ُ‬ ‫مال الَ ح َ‬ ‫«هذا الح ُ‬ ‫وه َو َي ْنُق ُل اللِب َن‪َ :‬‬
‫ول‪ُ ،‬‬ ‫َّللا ﷺ َي ْنُق ُل َم َع ُه ُم اللِب َن في ُب ْنيانه َ‬
‫ويُق ُ‬
‫ين َل ْم ُي َس َّم لِي‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المهاج َرْه» َفتَ َمث َل بش ْع ِر َر ُجل م َن ُ‬
‫الم ْسلم َ‬ ‫صار‪ ،‬و ُ‬
‫األن َ‬
‫فار َح ِم ْ‬
‫أج ُر اآلخ َرْه‪ْ ،‬‬
‫األج َر ْ‬
‫إن ْ‬ ‫َّ‬

‫َّللا ﷺ يعتزم بناء مسجد‪ ،‬ووقع اختياره على أرض لبني النجار فيها نخل وفيها قبور‬
‫وفي رواية أن رسول َّ‬
‫المشركين‪ ،‬وفيها آثار بناء محطم‪ ،‬وبها حفر‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني النجار‪ ،‬ساوموني على هذه األرض ألشتريها فأقيم عليها‬
‫ثمنا إنما هي ََّّلل تعالى‪.‬‬
‫وَّللا ال نأخذ لها ً‬
‫مسجدا نصلي فيه‪ .‬قالوا‪ :‬ال‪َّ ،‬‬
‫ً‬

‫ثم ب ني المسجد‪ ،‬فصفوا النخل حائطا جهة القبلة‪ ،‬جهة المسجد األقصى ببيت المقدس بطول مائة ذراع‪ ،‬وبنيت‬
‫ِ َِّ‬
‫ط ًة نحوا من سبعة أذرع‪ ،‬وجعل‬
‫وب ْس َ‬ ‫جدرانه باللب ِن فوق أساس من الحجارة ارتفاعه ثالثة أذرع‪ ،‬وجعل ارتفاع الجدار َ‬
‫قام ًة َ‬
‫ضْل ٍع مائة ذراع‪ ،‬فهو مربع الشكل‪ ،‬وجعل للمسجد ثالثة أبواب‪ :‬باب في مؤخرة المسجد من جهته الجنوبية‪ ،‬وباب‬‫طول ُك ِل ِ‬
‫ُ ُ ّ‬
‫الرحمة جهة الغرب‪ ،‬والباب الذي كان يدخل منه ﷺ من جهة الشرق‪ ،‬وهو الذي عرف ُ‬
‫بعد باسم باب جبريل‪ ،‬وجعل جانبي‬
‫كل باب من الحجارة‪ ،‬وجعل ُع ُمد المسجد من جذوع النخل‪ ،‬و َسْقُف ُه من الجريد‪.‬‬
‫تتابع المهاجرين إلى المصطفى ﷺ في مدينته‬

‫وبعد هجرة النبي ﷺ وأصحابه خلت مكة من المسلمين أو كادت‪ ،‬وأغلقت بعض الدور نتيجة لذلك‪ ،‬منها دار بنی جحش‬
‫‪ ...‬وكل ذلك حدث أو معظمه في فترة قصيرة بين موسم الحج وشهر ربيع األول ‪ ...‬األمر الذي أيقظ قريشا من غفلتها ‪..‬‬
‫ولعلها لم تهتم لألمر أوال‪ ،‬ثم فكرت فوجدت فيه الخطر عليها حسب زعمها‪.‬‬

‫وبعد أن استقر النبي ﷺ في المدينة بأيام قالئل‪ :‬وصل إليها علي بن أبي طالب مهاجرا‪ .‬قال ابن إسحاق ‪:‬‬
‫وتالحق المهاجرون إلى رسول هللا ﷺ فلم يبق بمكة منهم أحد‪ ،‬إال مفتون أو محبوس‪.‬ومن جملة هؤالء‪ :‬صهيب الرومي‪.‬‬

‫قصة هجرة صهيب الرومي‬

‫وح ْم َ ِرة َش ْع ِِره ‪،‬‬


‫لم يكن صهيب روميا وإنما كان عربيا خالصا‪ ،‬أطلق الناس عليه اسم صهيب الرومي لَل ْك َنة لسانه ُ‬
‫وقد حالف صهيب سيدا من سادات مكة هو عبدهللا بن جدعان وطفق يعمل في التجارة‪ ،‬فدرت عليه الخبر الوفير والمال‬
‫الكثير‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اس إلى‬‫الن َ‬
‫وقام َي ْد ُعو ّ‬ ‫يل َل ُه‪َّ :‬‬
‫إن ُم َح َّم َد بن َع ْبد هللا َق ْد ُبع َث َ‬ ‫ص َه ْي ٌب إلى َم َّك َة من ْ‬
‫إحدى َر َحالته َفق َ‬ ‫عاد ُ‬
‫وفي ذات َي ْو ٍم َ‬
‫شاء والم ْن َك ِر‪َ .‬فقال‪ :‬أَليس هو ال ِذي يَلِّقبونه ِب ِ‬‫سان‪ ،‬وي ْنهاهم ع ِن الَفح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫األمين؟!‬ ‫ُ ُ َُ‬ ‫َ ْ َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫اإلح ِ َ ُ ْ َ‬ ‫الع ْدل و ْ‬
‫ضهم َعلى َ‬ ‫ويح ّ‬ ‫اإليمان ِباَّلل ْ‬
‫وح َدهُ‪ُ ،‬‬
‫أحٌد ِمن‬
‫اك َ‬‫أن َير َ‬
‫ذار َمن ْ‬ ‫األرَق ِم ِع ْن َد َّ‬
‫الصفا‪ ،‬وَل ِك ْن َح ِ‬ ‫األرَق ِم بن أِبي ْ‬‫دار ْ‬‫يل َل ُه‪ِ :‬في ِ‬ ‫َفِقيل َله‪ :‬بلى‪َ ،‬فقال‪ :‬وأين م َ ِ‬
‫كان ُه‪َ ،‬فق َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬
‫ص ُر َ‬
‫ك تَْن ُ‬ ‫صِبَّي َة َلك تَ ْحم َ‬
‫يك‪ ،‬وال َعش َيرَة ع ْن َد َ‬ ‫ك َف َعلُوا ِب َك وَف َعلُوا‪ ،‬و ْأن َت َر ُج ٌل َغ ِر ٌ‬
‫يب ال َع َ‬ ‫إن َرْأو َ‬ ‫ُق َرْي ٍ‬
‫ش‪َ ،‬ف ْ‬

‫وكان َي ْع ِرُف ُه ِمن َقْب َل‪،‬‬ ‫ِ‬


‫الباب َع ّم َار بن ياس ٍر‪َ ،‬‬ ‫األرَق ِم ِح َذ ار َيَتَّلَف ُت‪َ ،‬فَلما َبَل َغها وج َد ِع ْن َد ِ‬
‫ص َه ْي ٌب إلى دا ِر ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َمضى ُ‬
‫ِ‬
‫أن ْأد ُخ َل َعلى َهذا‬ ‫ص َه ْي ٌب‪َ :‬أرْد ُت ْ‬
‫قال ُ‬
‫يد ْأن َت؟ َف َ‬ ‫قال َع ّم ٌار‪َ :‬ب ْل ما تُ ِر ُ‬
‫يد يا َع ّمار؟ َف َ‬ ‫وقال‪ :‬ما تُ ِر ُ‬
‫نه َ‬ ‫َفتَ َرَّد َد َل ْح َ‬
‫ظ ًة ثُ َّم َدنا م ُ‬
‫ص َه ْي ُب‬ ‫ِ ِ‬ ‫الرَّج ِل‪َ ،‬فأسمع ِمنه ما يُقول‪َ .‬فقال عمار‪ :‬وأنا أ ُِر ُ ِ‬
‫ص َه ْي ٌب‪ :‬إ َذ ْن َن ْد ُخ ُل َم ًعا َعلى َب َرَكة هللا‪َ ،‬د َخ َل ُ‬ ‫ضا‪َ .‬فقال ُ‬ ‫يد َذل َك ْأي ً‬ ‫َ َّ ٌ‬ ‫ََْ ُ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫سابقا ِفي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ْد َرْي ِهما‪ ،‬وتَ َ‬
‫اإليمان في َ‬ ‫ور‬‫أش َر َق نُ ُ‬
‫ول‪َ ،‬ف ْ‬ ‫بن ياس ٍر َعلى َرُسول هللا ؟ و ْ‬
‫استَ َمعا إلى ما َيُق ُ‬ ‫الرو ِم ُّي َ‬
‫وع ّم ُار ُ‬ ‫بن َسّن ٍ‬
‫ان ُّ‬
‫ِ‬
‫مان‬ ‫أن مح َّمدا عبده ورسولُه‪ ،‬وأمضيا سحاب َة يو ِم ِهما ِع ْنده‪ ،‬ي ْنه ِ ِ‬
‫الن من َه ْديِه َ‬
‫وي ْن ُع ِ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫ُ ْ َ َ َ َْ‬ ‫إله إال هللا و َّ ُ َ ً َ ْ ُ ُ‬
‫أن ال َ‬ ‫يهما إَل ْي ِه‪َ ،‬‬
‫وش ِهدا ْ‬ ‫م ِّد ْأي ِد ِ‬
‫َ‬
‫ص ْد ِِره ما‬ ‫نهما ِمن ُّ‬
‫الن ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ور في َ‬ ‫الح َرَك ُة‪َ ،‬خ َرجا من ع ْنده تَ ْح َت ُج ْن ِح الظالمِ‪ ،‬وَق ْد َح َم َل ُك ٌّل م ُ‬
‫أت َ‬‫وه َد َ‬
‫ص ْح َبته‪ .‬ولما أ ْقَب َل اللْي ُل‪َ ،‬‬
‫بُ‬
‫أس ِرها‪.‬‬ ‫َي ْكِفي إلضاء ِة ُّ ِ‬
‫الد ْنيا ب ْ‬ ‫َ‬

‫ين‪ ،‬ولما ِأذ َن‬ ‫ِ‬


‫الم ْؤ ِمن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغ ْي ِرهم من َع َشرات ُ‬ ‫اب َ‬ ‫وخّب ٍ‬
‫وع ّم ٍار ُ‬
‫وس َّم َي َة َ‬ ‫ش مع ِب ٍ‬
‫الل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص َه ْي ٌب َنص َيب ُه من أذى ُق َرْي ٍ َ َ‬ ‫تحم َل ُ‬ ‫َّ‬
‫ضي ِفي صحب ِة الرَّس ِ‬
‫ول وأِبي َب ْكر‪ ،‬وَل ِك َّن ُق َرْي ًشا َش َع َر ْت‬ ‫الرسول ألصحاِب ِه ِبال ِهج ِرة إلى المِدين ِة‪ ،‬ع َزم صهيب على أن يم ِ‬
‫َ َ َ َ ُ َْ ٌ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ َْ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫جارةُ من‬
‫وي ْحم َل َم َع ُه ما َد َّرْت ُه َعَل ْيه التّ َ‬
‫الرَقباء َحتّى ال َيْفل َت من ْأيديهم‪َ ،‬‬ ‫أقام ْت َعَل ْيه ُّ‬
‫غايته‪ ،‬و َ‬ ‫ص َّد ْت ُه َع ْن َ‬
‫ب َع ْزمه َعلى اله ْج َرة َف َ‬
‫ض ٍة وَذ َه ٍب‪.‬‬
‫ِف َّ‬

‫ساه َرًة َعَل ْي ِه‬


‫باء ِ‬ ‫حاق ِب ِهما َفَلم يْفلِح إ ْذ كان ْت أعين ال ُّرَق ِ‬
‫َ ُُْ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫ص لَِّل ِ‬ ‫الف َر َ‬
‫َّن ُ‬
‫تحي ُ‬
‫ِ‬ ‫ظ َّل صه ْي ٌب بع َد ِهجرِة الر ِ‬
‫َّسول وصاحِبه َي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ َْ َْ‬
‫الء َك َّأنه يْق ِ‬
‫الخ ِ‬ ‫ذات َليَل ٍة ِ ٍ‬
‫وء إلى ال ِحيَل ِة‪َ .‬فِفي ِ‬
‫ضي‬ ‫َُ‬ ‫الخ ُرو ِج إلى َ‬ ‫ص َه ْي ٌب ِمن ُ‬ ‫بارَدة أ ْكثَ َر ُ‬ ‫ْ‬
‫يال َغير ُّ‬
‫الل ُج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُمتََيِّق َ‬
‫ظ ًة َل ُه‪َ ،‬فَل ْم َيج ْد َسِب ً ْ َ‬
‫الع ّزى َش َغالهُ‬ ‫إن الال َت و ُ‬ ‫طِّيُبوا َنْف ًسا َف َّ‬
‫ض‪َ :‬‬‫بائ ِه لَِب ْع ٍ‬
‫الحاج َة‪َ ،‬فكان ال يرِجع ِمن َقضاء حاجِت ِه حتّى يعود إَليها‪َ .‬فقال بعض رَق ِ‬
‫َ َْ ُ ُ‬ ‫َ َ َ َُ َ ْ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫ط َر الم ِد َين ِة‪َ ،‬لم َي ْم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص َه ْي ٌب من َب ْين ِه ْم َ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫طنه‪ ،‬ثُ َّم َأوْوا إلى َمضا ِجع ِه ْم و ْأسَل ُموا ُع ُي َ‬
‫ِبب ْ ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫وج َه ُه َش ْ َ‬ ‫وي َّم َم ْ‬ ‫الكرى‪َ .‬فتَ َسل َل ُ‬ ‫ونهم إلى َ‬ ‫َ‬
‫طَلُقوا ِ‬ ‫باؤهُ‪َ ،‬ف َهُّبوا ِمن َن ْو ِم ِه ْم َم ْذ ُع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍِ‬
‫أعَّنتَها‬ ‫السواِب َق‪ ،‬وأ ْ‬
‫ط ْوا ُخُيوَل ُه ْم َّ‬ ‫امتَ َ‬
‫ورين‪ ،‬و ْ‬ ‫ص َه ْي ٍب َحتّى َفط َن َل ُه ُرَق ُ‬ ‫َغ ْي ُر َقليل َعلى َرحيل ُ‬
‫هام ِه ِمن ِك ِ ِ‬ ‫أخرج ِس ِ‬ ‫ف َعلى م ٍ ٍ‬
‫ش‪َ ،‬لَق ْد‬ ‫وقال‪ :‬يا م ْع َش َر ُق َرْي ٍ‬
‫َ‬ ‫ووتَ َر َق ْو َس ُه َ‬ ‫نانته َ‬ ‫َ‬ ‫كان عال و ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫أح َّس ِب ِه ْم‪ ،‬وَق َ‬
‫َخْلَف ُه َحتّى ْأد َرُكوه‪َ ،‬فَل ّما ْ‬
‫ون إَل َّي َحتّى أ ْقُت َل ِب ُك ِّل َس ْه ٍم َم ِع َي َر ُج ًال ِم ُ‬
‫نك ْم‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫صلُ َ‬ ‫اس وأح َك ِم ِهم إصاب ًة‪ .‬ووهللاِ ال تَ ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫َعلِ ْمتُ ْم ‪ -‬وهللا ‪ِّ -‬أني َمن ْأرمى ّ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫قائل ِمنهم‪ :‬وهللا ال ندعك تَُف ُ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وكا‬
‫ص ْعلُ ً‬ ‫وز مّنا ب َنْفس َك وبِمال َك َلَق ْد أتَْي َت َمك َة ُ‬ ‫َ ََ ُ َ‬ ‫قال ٌ ُ ْ‬ ‫نه‪َ ،‬ف َ‬ ‫أض ِرُب ُك ْم ِب َس ْيفي ما َبق َي في َيد ِي َش ْي ٌء م ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ون سِبيلِي؟ قالُوا‪ :‬نعم‪َ .‬فدَّلهم على مو ِ‬ ‫ُّ‬ ‫َفِق ًا‬
‫أخ ُذوهُ‬‫ض ِع مالِه َف ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ََْ َ‬ ‫ِ‬
‫إن تَ َرْك ُت َل ُك ْم مالي‪ ،‬أتُ َخل َ َ‬ ‫قال‪َ :‬أرْأيتُ ْم ْ‬‫وبَل ْغ َت ما َبَل ْغ َت‪َ ،‬ف َ‬‫فاغتََن ْي َت َ‬
‫ير ْ‬
‫اح ُه‪ .‬وأخذ صهيب يسرع السير نحو المدينة فا ار بدينه إلى هللا ‪ ،‬غير آسف على المال‪ ،‬فلما بلغ قباء رآه‬ ‫ِ‬
‫طَلُقوا َسر َ‬ ‫نه‪ ،‬ثُ َّم أ ْ‬‫م ُ‬
‫اس َمن َي ْشرِي َنْف َس ُه‬ ‫الرسول ﷺ مقبالً‪ ،‬فهش له وبش وقال‪ :‬ربح البيع أبا يحيى‪ .‬ونزل في صهيب قوله تعالى‪﴿ :‬و ِم َن ّ‬
‫الن ِ‬
‫الع ِ‬
‫باد﴾‪.‬‬ ‫وَّللا رءوف ِب ِ‬ ‫ضات َّ ِ‬
‫ابِتغاء مر ِ‬
‫َّللا َّ ُ َ ُ ٌ‬ ‫ْ َ َْ‬

‫المؤاخاة في عهد النبوة‬

‫اختلف العلماء في ثبوت المؤاخاة غي العهد المكي قبل الهجرة‪:‬‬

‫فذهب البال ُذري وتابعه ابن عبد البر وابن سيد الناس إلى أن النبي ﷺ آخى بين المسلمين في مكة قبل الهجرة‬ ‫•‬
‫على الحق والمساواة‬
‫وذهب بعضهم مثل ابن تيمية وابن كثير وابن قيم إلى عدم وقوع المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصا مؤاخاة النبي‬ ‫•‬
‫ﷺ لعلي‪ ،‬ألسباب؛‬
‫‪ .1‬ان المهاجرين كانوا مستغنين بأخوة اإلسالم وأخوة الدار وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة بخالف المهاجرين‬
‫مع األنصار‬
‫‪ .٢‬أن المؤاخاة شرعت إلرفاق بعضهم بعضا‪ ،‬ولتأبيف قلوب بعضهم على بعض‪ ،‬فال معنى لمؤاخاة النبي ﷺ‬
‫ألحد منهم وال لمؤاخاة مهاجري لمهاجري‬

‫ض الم ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ص ِب ِ‬
‫الق ِ‬ ‫وهذا َرٌّد لِ َّلن ّ ِ‬
‫كان‬
‫ين َ‬ ‫هاج ِر َ‬ ‫المؤاخاة أل َّن َب ْع َ ُ‬
‫فال َع ْن ح ْك َمة ُ‬‫إغ ٌ‬‫ياس و ْ‬ ‫وتعقب الحافظ ابن حجر بقوله‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫األدنى لَِي ْرتَِف َق ْ‬ ‫الع ِش َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ ْقوى ِمن َب ْع ٍ‬
‫األعلى‬
‫ين ْ‬ ‫وي ْستَع ُ‬ ‫األدنى ِب ْ‬
‫األعلى َ‬ ‫يرة والُقوى َفآخى َب ْي َن ْ‬
‫األعلى و ْ‬ ‫ض ِبالمال و َ‬
‫الب ْعثَ ِة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ظهر مؤاخاتُه ﷺ لِعلِ ٍي ِألَّنه هو َّال ِذي كان يُقوم ِب ِه ِمن عه ِد ِ ِ‬
‫الصبا من َقْبل َ‬
‫ّ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ّ ُ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ِهذا تَ ْ َ ُ ُ‬ ‫ِب ْ‬
‫األدنى وب َ‬

‫ومما يرجح ما ذهب إليه ابن القيم وابن كثير أن كتب السيرة األولى المختصة لم تشر إلى وقوع المؤاخاة بمكة‪،‬‬
‫كما أن البالذري وهو المصدر الوحيد القديم الذي أشار إليها ساق الخبر بلفظ (قالوا) دون إسناد مما يضعف الرواية‪ ،‬كما‬
‫أن البالذري نفسه صح النقاد‪ .‬وعلى فرض صحة وقوع هذه المؤاخاة بمكة فإنها تقتصر على المؤازرة والنصيحة بني‬
‫المتآخين دون أن تترتب عليها حقوق التوارث‪.‬‬

‫وأما وقوع المؤاخاة في المدينة‪ :‬فقد أجمع عليها العلماء؛ وذلك دفعا للمشكالت المتعددة التي واجهها المهاجرون‬
‫في الجوانب االقتصادية واالجتماعية والصحية‪ ،‬فمن المعروف أن المهاجرين تركوا أهليهم ومعظم ثرواتهم بمكة ‪ ،‬كما أن‬
‫مهاراتهم كانت في التجارة التي تمرست بها قريش‪ ،‬ولم تكن لهم خبرة في الزراعة والصناعة‪ ،‬وهما يشكالن أساسين مهمين‬
‫في اقتصاديات المدينة‪.‬‬

‫وكتَّاب السير على أن المؤاخاة قد وقعت في العام األول من الهجرة أثناء بناء المسجد أو‬
‫وقد أجمع المؤرخون ُ‬
‫بعده بقليل‪ ،‬وكان إعالن هذا التشريع في دار أنس بن مالك‪ ،‬وكانت المؤاخاة بين المهاجرين واألنصار؛ فآخى الرسول ﷺ‬
‫بين كل مهاجري وأنصاري اثنين اثنين‪ ،‬وشملت خمسة وأربعين رجالً من المهاجرين وخمسة وأربعين رجالً من األنصار‪،‬‬
‫وذكر ابن سعد أنهم كانوا مائة؛ خمسين من المهاجرين وخمسين من األنصار‪.‬‬

‫وقد ترتب على المؤاخاة حقوق خاصة بين المتآخيين كالمواساة المطلقة في كل أوجه العون على مواجهة أعباء‬
‫الحياة سواء كان عونا ماديا كالمعونة والرعاية‪ ،‬أو معنويا كالنصيحة والتزاور؛ بل‪ :‬ارتقت إلى ما هو أعلى وأعمق من أخوة‬
‫النسب والدم؛ فيتوارث المتآخون دون ذوي أرحامهم‪.‬‬

‫العفة واإليثار بين المهاجرين واألنصار‬

‫وقد بلغ كرم األنصار حدا عاليا عندما اقترحوا على الرسول ﷺ أن يقسم نخلهم بينهم وبين المهاجرين‪ ،‬ألن النخل‬
‫مصدر معيشة الكثيرين منهم‪ ،‬على أن الرسول ﷺ طلب من األنصار أن يقوموا بإدارة بساتين النخيل ويحتفظوا بها‬
‫ألنفسهم على أن يشركوا المهاجرين في التمر‪ .‬والظاهر‪ :‬أن رسول هللا ﷺ لم يرد أن يشغل المهاجرين بالزراعة لقلة خبرتهم‬
‫في هذا المجال‪ ،‬وذلك حتى ال يؤدى إلى خفض اإلنتاج وضعف االقتصاد‪ ،‬كما أنه ﷺ يحتاج المهاجرين في مهام الدعوة‬
‫والجهاد في تأسيس الدولة الفتية‪.‬‬

‫وقد أثرت هذه المعاملة الكريمة في نفوس المهاجرين فلهجت ألسنتهم بالثناء على األنصار والدعاء لهم لما بذلوه‬
‫اساة ِفي َقلِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س قال‪ :‬قال المها ِجرون‪ :‬يا رسول َّ ِ‬
‫يل‪ ،‬وال‬ ‫َّللا‪ ،‬ما َرْأينا م ْث َل َق ْو ٍم َقد ْمنا َعَل ْي ِه ْم ْ‬
‫أح َس َن ُمو ً‬ ‫َُ َ‬ ‫فع ْن َأن ٍ َ َ ُ ُ َ‬ ‫من جود وكرم‪َ ،‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أح َس َن َب ْذ ًال ِفي َكِث ٍ‬
‫قال‪« :‬ال‪ ،‬ما أ ْثَن ْيتُ ْم‬ ‫أن َي ْذ َهُبوا ِب ْ‬
‫األج ِر ُكّله َ‬ ‫الم ْه َنأ‪َ ،‬حتّى َلَق ْد َحس ْبنا ْ‬‫أش َرُكونا في َ‬
‫ون َة‪ ،‬و ْ‬
‫الم ُئ َ‬
‫ير‪َ ،‬لَق ْد َكَف ْونا َ‬ ‫ْ‬
‫َّللاَ َل ُه ْم»‪.‬‬ ‫َعَل ْي ِه ْم‪َ ،‬‬
‫ود َع ْوتُ ُم َّ‬

‫ومن النماذج الفريدة لهذا اإليثار الذي يصور عمق التزام األنصار بنظام المؤاخاة وتفانيهم في تنفيذه‪ ،‬ما روي‬
‫وب ْي َن َس ْع ِد ْب ِن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ف َق ِدم ِ‬ ‫أن عبد الرَّحم ِن بن عو ٍ‬ ‫َع ْن َأن ٍ‬
‫قال َل ُه َس ْعٌد‪:‬‬ ‫األنصارِّ‬
‫ِي‪َ ،‬ف َ‬ ‫الربِي ِع ْ‬ ‫ول هللا ﷺ َب ْي َن ُه َ‬‫المد َين َة‪َ ،‬فآخى َرُس ُ‬
‫َ َ‬ ‫س‪ْ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َّ ،‬‬
‫طّلَِقها‪،‬‬‫أع َج ُب إَل ْي َك َحتّى أُ َ‬
‫ُّهما ْ‬‫ظ ْر أي ُ‬ ‫ام َرأتا ِن‪ْ ،‬‬
‫فان ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط َر مالي‪َ ،‬ف ُخ ْذهُ‪ ،‬وتَ ْحتي ْ‬ ‫ظ ْر َش ْ‬ ‫فان ُ‬
‫ماال‪ْ ،‬‬‫الم ِد َين ِة ً‬
‫أهل َ‬
‫أي أ ِخي‪ ،‬أنا أ ْكثَر ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫الس ِ‬ ‫ُّ‬ ‫الس ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫أهل َك ومال َك‪ُ ،‬دلوِني َعلى ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جاء‬
‫ِح‪َ ،‬ف َ‬ ‫ورب َ‬ ‫فاشتَرى َ‬
‫وباع َ‬ ‫وق‪َ ،‬ف َذ َه َب ْ‬ ‫وق‪َ ،‬ف َدلوهُ َعلى ُّ‬ ‫ك هللاُ َل َك في ْ‬ ‫َّح َم ِن‪َ :‬‬
‫بار َ‬ ‫قال َع ْب ُد الر ْ‬
‫َف َ‬
‫ول‬ ‫ِ‬ ‫وعَل ْي ِه َرْدعُ َزْعَفر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِب َشي ٍء ِمن ِأق ٍط َ ٍ‬
‫قال‪ :‬يا َرُس َ‬ ‫«م ْهَي ْم» َف َ‬
‫ول هللا ﷺ‪َ :‬‬ ‫قال َرُس ُ‬
‫ان‪َ ،‬ف َ‬ ‫جاء َ‬
‫أن َيْل َب َث‪َ ،‬ف َ‬
‫شاء هللاُ ْ‬
‫وس ْمن‪ ،‬ثُ َّم َلب َث ما َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َّح َم ِن‪َ« :‬فَلَق ْد َرْأيتُني‬ ‫«أولِ ْم وَل ْو بشاة»‪َ ،‬‬
‫قال َع ْب ُد الر ْ‬ ‫قال‪ْ :‬‬‫وزَن َنواة من َذ َهب‪َ ،‬‬ ‫قال‪ْ :‬‬ ‫أص َدْقتَها؟» َ‬
‫قال‪« :‬ما ْ‬ ‫ام َرأةً‪َ ،‬ف َ‬
‫هللا تَ َزَّو ْج ُت ْ‬
‫يب َذ َهًبا ْأو ِف َّ‬
‫ض ًة»‬ ‫ِ‬
‫أن أُص َ‬
‫وَل ْو َرَف ْع ُت َح َج ًار َل َر َج ْو ُت ْ‬

‫ثم إن كرم األنصار وسخاءهم الكبير‪ ،‬قابله عفة وكرم نفس من المهاجرين قلما نجد له نظيرا‪ ،‬فهم لم يتركوا‬
‫أموالهم في مكة على أمل تعويضها من أموال إخوانهم األنصار‪ ،‬وإنها تركوها في سبيل عقيدتهم‪ ،‬وإذا ألجأتهم الحاجة في‬
‫هذه الفترة فقد كانوا يقتصرون على ما يقيم أ ََوَدهم‪ .‬بل ثبت أن بعض المهاجرين قد استطاع أن يحمل ماله أو بعض ماله‬
‫فتكفل بنفقات نفسه وعياله دون أن يكلف أحدا من األنصار شيئا‪ ،‬ومن هؤالء‪ :‬عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق‬
‫وعثمان بن مظعون‬

‫ولما ألف المهاجرون جو المدينة وعرفوا مسالك الرزق فيها‪ ،‬وأصابوا من غنائم بدر الكبرى ما كفاهم رجع‬
‫التوارث إلى وضعه الطبيعي المنسجم مع الفطرة البشرية على أساس الفروض المذكورة في كتاب هللا تعالى؛ فأبطل التوارث‬
‫بين المتآخين؛ ألنه كان قد شرع لمعالجة ظروف استثنائية تمر بها الدولة الناشئة‪ ،‬وذكر ابن سعد أن ذلك اإللغاء كان بعد‬
‫ض﴾‪ .‬وذكر ابن عباس أن ما ألغي من نظام المؤاخاة هو‬‫ض ُهم ْأولى ِب َب ْع ٍ‬
‫األرحا ِم َب ْع ُ ْ‬
‫غزوة بدر‪ ،‬بنزول قوله تعالى‪﴿ :‬وأُوُلو ْ‬
‫اإلرث‪ ،‬أما النصرة والرفادة والنصيحة‪ :‬فباقية‪ ،‬ويمكن أن يوصى ببعض الميراث بين المتآخيين‪.‬‬

‫اإلسالم وتربيته ألمثل مجتمع وإقامته ألكمل دولة في التعامل مع الغير‬

‫ود ِد ُين ُه ْم‪ ،‬ولِْل ُم ْسلِ َم ْي ِن ِد ُين ُه ْم» ألنه‬


‫أوحى هللا إلى رسوله ﷺ أن يعقد عهدا مع اليهود في المدينة وكتب فيه‪« :‬لِْلَيه ِ‬
‫ُ‬
‫تابا َب ْي َن‬ ‫وكتَب رسول َّ ِ ِ‬
‫َّللا ﷺ ك ً‬ ‫حاق‪ُ ُ َ َ َ :‬‬ ‫إس َ‬ ‫قال ْاب ُن ْ‬
‫عز وجل يعلم بحكمته أن اإلكراه على الدخول في اإلسالم قد يثمر نفاقا‪َ .‬‬
‫ط َعَلْي ِه ْم ‪ ....‬لِْلَي ُهوِد ِد ُين ُه ْم‪،‬‬ ‫ِ ِِ‬ ‫صار‪ ،‬واد ِ ِ‬
‫اشتََر َ‬
‫ط َل ُه ْم‪ ،‬و ْ‬ ‫أموالِ ِه ْم‪َ ،‬‬
‫وش َر َ‬ ‫َّه ْم َعلى دينه ْم و ْ‬ ‫وعاه َد ُه ْم‪ ،‬وأَقرُ‬
‫َ‬ ‫ود‬ ‫األن ِ َ َ‬
‫ع فيه َي ُه َ‬ ‫ين و ْ‬ ‫المها ِج ِر َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫أه َل َب ْيِته‪.‬‬ ‫يهم و ْأنُفسهم‪ّ ،‬إال من َ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظَل َم وأث َم‪َ ،‬ف َّإن ُه ال ُيوِت ُغ ّإال َنْف َس ُه‪ ،‬و ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُْ‬ ‫ولِْل ُم ْسل َم ْي ِن د ُين ُه ْم‪َ ،‬موال ْ‬

‫وبهذه المعاهدة أصبحت المدينة المنورة دار إسالم‪ ،‬وصار من فيها من اليهود أهل ذمة وعهد؛ لهم ما للمسلمين‬
‫وعليهم ما على المسلمين‪ ،‬فيحرم إيذاؤهم أو االعتداء عليهم أو قتلهم ونحو ذلك؛ إال بحق ما داموا ملتزمين بالعهد‬
‫«من َقَت َل‬
‫مستمسكين بما فيه‪ ،‬وعلى كل مسلم أن يرعى لهم ذلك‪ ،‬ومن خالف فقد استحق الوعيد الوارد في قوله ﷺ ‪َ :‬‬
‫عاما»‪ .‬فأمثال هؤالء ‪ :‬لهم حق األخوة في المواطنة واألخوة‬
‫ين ً‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وج ُد من َمس َيرِة ْأرَبع َ‬ ‫الجَّن ِة‪ ،‬و َّ‬
‫إن ِر َ‬
‫يحها تُ َ‬
‫ِ‬
‫عاه ًدا َل ْم َي ِرْح رائ َح َة َ‬
‫ُم َ‬
‫في القوميات ؛ ألنهم جميعا يعيشون في وطن واحد تحت حكم اإلسالم وإن لم يؤمنوا به‪.‬‬

‫خالصة الهجرة النبوية‬

‫قدم المهاجرون إلى ا لمدينة المنورة ثم استمرت الهجرة‪ ،‬وصار حقا على المسلمين الجدد في أرجاء الجزيرة أن‬
‫اليِت ِه ْم ِمن َشي ٍء َحتّى ُيها ِج ُروا﴾ وظل األمر كذلك حتى‬ ‫ِ‬ ‫ين آم ُنوا وَلم ُي ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ْ‬ ‫هاج ُروا‪ ،‬ما َل ُك ْم من و َ‬ ‫ْ‬ ‫يهاجروا إليها قال تعالى‪﴿ :‬والذ َ َ‬
‫أوقفت الهجرة بفتح مكة‪ ،‬عام ثمان من الهجرة‪ ،‬وكذلك ال هجرة من أي بلد يفتحه المسلمون‪ ،‬ويصير دار إسالم‪« :‬ال ِه ْج َرَة‬

‫َب ْع َد الَف ْت ِح وَل ِك ْن ِج ٌ‬


‫هاد وِنَّيةٌ»‬

‫والهجرة كانت وال تزال وستظل‪ :‬دليالً على اإلخالص والتفاني في سبيل العقيدة‪ ،‬حيث فارق المهاجرون وطنهم‬
‫الد ْنيا‬ ‫َّللاِ ِمن َب ْع ِد ما ُ‬
‫ظلِ ُموا َلنَُبِّوَئَّن ُه ْم ِفي ُّ‬ ‫هاج ُروا ِفي َّ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫ومالهم وأهليهم ومعارفهم استجابة لنداء هللا ورسوله قال تعالى‪﴿ :‬والذ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫حس َن ًة وَألجر ِ‬
‫وعلى َرِّب ِه ْم َيتََوَّكلُ َ‬
‫ون﴾‬ ‫ص َب ُروا َ‬ ‫ون (‪ )٤1‬الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫اآلخ َ ِرة أ ْك َب ُر َل ْو ُ‬
‫كانوا َي ْعَل ُم َ‬ ‫ُْ‬ ‫ََ‬
‫وهكذا فإن الهجرة اقترنت بظروف صعبة‪ ،‬كانت تمحيصا إليمان المؤمنين‪ ،‬واختبا ار لقوة عقيدتهم‪ ،‬واستعالء‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن رب َِّ ِ‬
‫جاه ُدوا‬
‫هاج ُروا من َب ْعد ما ُفتُنوا ثُ َّم َ‬
‫ين َ‬ ‫إيمانهم على األغراض والمصالح والعالئق الدنيوية قال تعالى‪﴿ :‬ثُ َّم َّ َ َ‬
‫َّك للذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن رب ِ‬
‫يم﴾ ومن هنا‪ :‬كانت الهجرة أم ار هاما إلعالء شأن الدين‪ ،‬ولحصول الحرية الكاملة‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫وص َب ُروا َّ َ َ‬
‫َّك من َب ْعدها َل َغُف ٌ‬ ‫َ‬
‫لطاعة هللا وعبادته لدى كل فرد من أفراد المؤمنين‪ ،‬كما أن الهجرة ال تقع إال بسبب الحرب والمضايقة من أعداء هللا‬
‫ألوليائه‪.‬‬

‫دار ِه ْج َرِت ُك ْم َرْأي ُت َس ْب َخ ًة‬


‫يت َ‬‫وقد اختار هللا تعالى المدينة لهجرة المسلمين لما صح عن رسول هللا ﷺ قال‪« :‬أ ُِر ُ‬
‫َّتان»‬ ‫ذات َن ْخ ٍل َب ْي َن البَّتَْي ِن ُ‬
‫وهما حار ِ‬ ‫َ‬

‫وتأخر الرسول ﷺ في الهجرة وأخر معه أبا بكر ختى أذن هللا تعالى له بالهجرة‪ ،‬وقد خرج االثنان إلى جبل ثور‬
‫حيث أ ََوَيا إلى غار فيه‪ ،‬وخرج االثنان بعد ثالثة أيام في طريقهما إلى المدينة يقطعان السحراء‪ ،‬ورسول هللا ﷺ قد بلغ‬
‫الثالثة والخمسين وأبو بكر بلغ الحادية والخمسين‪.‬‬

‫والهجرة شرع قديم ومستمر إلى أن يهاجر المسلمون في آخر الزمان إلى بالد الشام‪ ،‬حيث منع القرآن المسلمين‬
‫يم ُك ْنتُ ْم قالُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫القادرين على الهجرة من اإلقامة مع المشركين‪ ،‬قال تعالى‪ِ َّ َّ :‬‬
‫المالئ َك ُة ظالمي ْأنُفسه ْم قالُوا ف َ‬
‫اه ُم َ‬
‫ين تَ َوّف ُ‬
‫﴿إن الذ َ‬
‫ير (‪ )٩٧‬إالَّ‬ ‫ص ًا‬‫ُولئك م ْأواهم جهَّنم وساء ْت م ِ‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ض قاُلوا أَلم تَ ُكن أرض َّ ِ ِ‬ ‫األر ِ‬ ‫ُكّنا مستَضع ِف ِ‬
‫َ َ‬ ‫َّللا واس َع ًة َفتُهاج ُروا فيها َفأ َ َ ُ ْ َ َ ُ‬ ‫ْ ْ ْ ُ‬ ‫ين في ْ‬ ‫ُْ ْ َ َ‬
‫يال (‪َ )٩8‬فأ ِ‬ ‫ِ‬
‫وكان‬
‫أن َي ْعُفَو َع ْن ُه ْم َ‬ ‫َّللاُ ْ‬
‫ُولئ َك َعسى َّ‬ ‫ون َسِب ً‬ ‫ون ِحيَل ًة وال َي ْهتَ ُد َ‬
‫يع َ‬ ‫الوْل ِ‬
‫دان ال َي ْستَط ُ‬
‫الن ِ‬
‫ساء و ِ‬ ‫جال و ِّ‬
‫الر ِ‬‫ين ِم َن ِّ‬ ‫المستَ ِ‬
‫ض َعف َ‬
‫ُْ ْ‬
‫ورا﴾‪ .‬وذلك ألن اإلقامة مع المشركين فيها‪:‬‬
‫َّللاُ َعُف ًّوا َغُف ً‬
‫َّ‬

‫‪ .1‬تكثير سوادهم‬
‫‪ .٢‬وانتفاعهم بالمسلمين في صناعتهم وزرعهم‬
‫‪ .٣‬بل ربما اضطروهم للمشاركة معهم في حربهم ضد المسلمين كما وقع في غزوة بدر الكبرى‬
‫‪ .٤‬باإلضافة إلى تعرضهم للفتنة من قبل الكفار لصرفهم عن دينهم‬
‫‪ .5‬وال يخفى ما في بعدهم عن دولة اإلسالم من منع استفادة المسلمين منهم في سلمهم وحربهم ومصالحهم وتكثير‬
‫سوادهم‪.‬‬

‫وإلى هذا كله تشير خاتمة سورة األنفال حيث قسمت المجتمعات البشرية إلى أربعة أقسام‪ :‬الكفار بكافة أصنافهم‪،‬‬
‫والمؤمنون الذين لم يهاجروا‪ ،‬والمؤمنون الذين هاجروا وجاهدوا وآووا ونصروا‪ ،‬والمؤمنون الذين جاءوا بعد ذلك مقتدين‬
‫ين َآوْوا‬ ‫﴿إن َّال ِذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ِبأموالِ ِهم و ْأنُف ِس ِهم ِفي سِب ِ ِ َّ ِ‬ ‫بسلفهم في الهجرة والجهاد‪ ،‬قال تعالى‪َّ :‬‬
‫يل هللا والذ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َُ‬ ‫َُ‬ ‫َ َُ‬
‫اليِت ِه ْم ِمن َشي ٍء َحتّى ُيها ِج ُروا و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُولئك بعضهم أولِياء بع ٍ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫وك ْم‬
‫ص ُر ُ‬‫استَْن َ‬
‫إن ْ‬ ‫ْ‬ ‫آم ُنوا وَل ْم ُيها ِج ُروا ما َل ُك ْم من و َ‬
‫ين َ‬ ‫ض والذ َ‬ ‫ص ُروا أ َ َ ْ ُ ُ ْ ْ ُ َ ْ‬ ‫ون َ‬
‫َ‬
‫وَّللا ِبما تَعمُل َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ير﴾‬ ‫ون َبص ٌ‬ ‫َْ‬ ‫يثاق َّ ُ‬
‫وب ْي َن ُه ْم م ٌ‬
‫ص ُر إال َعلى َق ْو ٍم َب ْي َن ُك ْم َ‬ ‫ين َف َعَل ْي ُكم َّ‬
‫الن ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِفي ّ‬
‫الد ِ‬
‫لمحات حول بعض الغزوات‬

‫قد فصل القرآن الكريم أحداثا كثيرة في بعض الغزوات كغزوة بدر في سورة األنفال‪ ،‬وغزوة أحد وما تبعها من‬
‫وقائع في سورة آل عمران‪ ،‬وغزوة الخندق وإجالء يهود بني قريظة في سورة األحزاب‪ ،‬وإخراج يهود بني النضير وخذالن‬
‫من عاونهم من إخوانهم المنافقين في سورة الحشر‪ ،‬وما وقع مع يهود بني قينقاع ومن عاونهم من المنافقين في اآليات‪:‬‬
‫‪ 1٢‬و‪ 1٣‬من سورة آل عمران‪ ،‬واآليات ‪ 5٦ : 51‬من سورة المائدة‪.‬‬

‫غزوة بدر الكبرى وما يستفاد منها‬

‫وقعت أحداثها في يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان في العام الثاني من الهجرة‪ ،‬وقد سمى هللا يومها‪:‬‬
‫عان» من المؤمنين والمشركين‪ ،‬ومن المالئكة والشياطين‪ ،‬حيث كان التمحيص للمسلمين في‬ ‫الج ْم ِ‬ ‫«ي ْوم الُف ْر ِ‬
‫قان َي ْوَم التَقى َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫أن َغير ِ‬
‫أن‬
‫َّللاُ ْ‬ ‫وي ِر ُ‬
‫يد َّ‬ ‫ون َل ُك ْم ُ‬ ‫ذات َّ‬
‫الش ْوَكة تَ ُك ُ‬ ‫ُّون َّ ْ َ‬ ‫ط ِائَفتَْي ِن َّأنها َل ُك ْم وتَ َود َ‬
‫إحدى ال ّ‬ ‫أبدانهم باختيار الجهاد لهم‪﴿ :‬وإ ْذ َي ِع ُد ُك ُم َّ‬
‫َّللاُ ْ‬
‫ِ‬ ‫الكاف ِرين (‪ )٧‬لِي ِح َّق الح َّق ِ‬ ‫طع داِبر ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ون﴾ وكذلك كان التمحيص في‬ ‫الم ْج ِرُم َ‬
‫وي ْبط َل الباط َل وَل ْو َك ِرَه ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الح َّق ِب َكلماته َ‬
‫ويْق َ َ َ‬ ‫ُيح َّق َ‬
‫ون‬‫يد َ‬‫نفوسهم وقلوبهم بالغنائم؛ وقبول حكم رسول هللا ﷺ فيها حين رغبوا في أخذ الفداء من األسرى‪ ،‬قال سبحانه ‪﴿ :‬تُ ِر ُ‬
‫ِ‬ ‫يز ح ِكيم (‪َ )٦٧‬لوال ِكتاب ِمن َّ ِ‬
‫يم (‪َ )٦8‬ف ُكُلوا‬ ‫ذاب َعظ ٌ‬ ‫َّللا َسَب َق َل َم َّس ُك ْم ِفيما َ‬
‫أخ ْذتُ ْم َع ٌ‬ ‫ٌ َ‬ ‫ْ‬ ‫يد اآل ِخ َرَة َّ‬
‫وَّللاُ َع ِز ٌ َ ٌ‬ ‫وَّللاُ ُي ِر ُ‬ ‫ض ُّ‬
‫الد ْنيا َّ‬ ‫َع َر َ‬
‫يم﴾‬ ‫ِ‬
‫ور َرح ٌ‬
‫َّللاَ َغُف ٌ‬
‫إن َّ‬ ‫طِّيًبا واتَُّقوا َّ‬
‫َّللاَ َّ‬ ‫الال َ‬ ‫ِم ّما َغِن ْمتُ ْم َح ً‬

‫النماذج المثلى في هذه الغزوة‪:‬‬

‫فهذا أبو عبيدة بن الجراح؛ انظر ماذا صنع بأبيه المشرك لما حارب هللا ورسوله‪ ،‬ففي المعجم الكبير للطبراني‪:‬‬ ‫•‬
‫ِ‬
‫ص ّدى البنه أِبي ُع َب ْي َد َة َي ْوَم َب ْد ٍر‪َ ،‬ف َج َع َل ُأبو ُعَب ْي َد َة َي ِح ُ‬
‫يد َع ْن ُه‪َ ،‬فَل ّما أ ْكثَ َر‪،‬‬ ‫أن والد أبي عبيدة بن الجراح كان َيتَ َ‬
‫ون ِباَّللِ واليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر﴾‬ ‫ين َقَت َل أباهُ‪﴿ :‬ال تَ ِج ُد َق ْو ًما ُي ْؤ ِمُن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫َْ‬ ‫اآلي َة ح َ‬ ‫ص َدهُ ُأبو ُع َب ْي َد َة َفَقَتَل ُه‪َ ،‬ف ْأن َزَل هللاُ تعالى فيه َهذه َ‬
‫َق َ‬
‫اآلي ِة»‬ ‫ِ‬
‫[المجادلة ‪ ]٢٢‬إلى آخ ِر َ‬
‫وهذا أبو حذيفة‪ ،‬تأمل موقفه من أبيه الذي قتل ودفن في قليب بدر! فعن عائشة قالت‪ :‬لما ألقوا ‪-‬يعني قتلى‬ ‫•‬
‫المشركين‪ -‬يوم بدر‪ ،‬وقف رسول هللا ﷺ عليهم وقال ‪ « :‬يا عتبة‪ ،‬ويا شيبة‪ ،‬ويا أمية بن خلف‪ ،‬ويا أبا جهل ‪-‬‬
‫يعدد كل من في القليب‪ -‬هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؛ فقد وجدت ما وعدني ربي حقا؟ »‪ ،‬وقال ابن إسحاق‪:‬‬
‫فبلغني أن رسول هللا ﷺ نظر عند مقالته هذه في وجه أبي حذيفة بن عتبة فرآه كثيبا قد تغير‪ ،‬فقال رسول هللا ﷺ‪:‬‬
‫« لعلك دخلك من شأن أبيك شيء؟ » قال‪ :‬ال‪ ،‬وهللا ما شككت في أبي وال في مصرعه‪ ،‬ولكنى كنت أعرف من‬
‫وذكرت ما مات عليه من‬
‫ُ‬ ‫أبي رأيا وحلما وفضالً‪ ،‬فكنت أرجو أن يقربه ذلك إلى اإلسالم‪ ،‬فلما رأيت ما أصابه‬
‫كنت أرجو له‪ ،‬حزنني ذلك‪ ،‬فدعا رسول هللا ﷺ ألبي حذيفة بخير ‪ ،‬وقال له خيرا‪.‬‬ ‫الكفر بعد الذي ُ‬
‫خطر النفاق واليهود على الدولة الناشئة‬

‫ذكر الزهري أن إجالء بني قينقاع وقع في السنة الثانية للهجرة‪ ،‬وذكر الواقدي وابن سعد أنه كان يوم السبت‬
‫للنصف من شوال من السنة الثانية‪ ،‬واتفق معظم من كتب في مغازي رسول هللا ﷺ وسيرته على أن ذلك وقع بعد معركة‬
‫بدر‪ ،‬إذ لم يلتزم يهود بني قينقاع بالمعاهدة التي أبرمها الرسول ﷺ معهم‪ ،‬ولم يوفوا بالتزاماتهم التي حددتها‪ ،‬ووقفوا من‬
‫الرسول ﷺ والمسلمين مواقف عدائية‪ ،‬فأظهروا الغضب والحسد عندما انتصر المسلمون في بدر‪ ،‬وجاهروا بعداوتهم‬
‫للمسلمين‪.‬‬

‫وقد جمعهم النبي ﷺ في سوقهم بالمدينة ونصحهم‪ ،‬ودعاهم إلى اإلسالم‪ ،‬وحذرهم أن يصيبهم ماأصاب قريشاً في‬
‫بدر‪ ،‬غير أنهم واجهوا النبي ﷺ بالتحدي والتهديد رغم ما يفترض أن يلتزموا به من الطاعة والمتابعة لبنود المعاهدة التي‬
‫جعلتهم تحت رئاسته‪ ،‬فقد جابهوه بقولهم‪ :‬يا محمد اليغرنك من نفسك أنك قتلت نف اًر من قريش كانوا أغما اًر ال يعرفون‬
‫القتال‪ ،‬إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس‪ ،‬وأنك لم تلق مثلنا للقتال‪ ،‬فأنزل هللا سبحانه وتعالى فيهم قوله تعالى‪ُ﴿ :‬ق ْل‬
‫َّللاِ‬ ‫ِ‬
‫قاتل ِفي سِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ ِ‬
‫يل َّ‬ ‫َ‬ ‫كان َل ُك ْم َآي ٌة في فَئتَْي ِن التََقتا فَئ ٌة تُ ُ‬ ‫ون إلى َج َهَّن َم وبِ ْئ َس الم ُ‬
‫هاد (‪َ )1٢‬ق ْد َ‬ ‫ون وتُ ْح َش ُر َ‬
‫ين َكَف ُروا َستُ ْغَل ُب َ‬
‫للذ َ‬
‫األب ِ‬ ‫وَّللا يؤيِد ِبنص ِِره من يشاء َّ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫صار﴾‪.‬‬ ‫إن في ذل َك َلع ْب َرةً ألُولِي ْ‬ ‫ْي َ ِ‬
‫الع ْين َّ ُ ُ َ ّ ُ َ ْ َ َ ُ‬ ‫ُخرى كاف َرةٌ َي َرْوَن ُه ْم م ْثَل ْيه ْم َأر َ‬
‫وأ ْ‬

‫ولما انتصر المسلمون في بدر وقال اللہ ﷺ لليهود ما قال‪ ،‬أضمرت بنو قينقاع نقض العهد الذي بينهم وبين‬
‫المسلمين‪ ،‬وأخذوا يتحينون الفرصة السانحة لمناوشة المسلمين‪ ،‬حتى جاءتهم فرصتهم عندما جاءت امرأة من العرب بجلب‬
‫لها‪ ،‬فباعته بسوق بني قينقاع‪ ،‬وجلست إلى صائغ لها‪ ،‬فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت‪ ،‬فعمد الصائغ إلى طرف‬
‫ثوبها فعقده بشوكة إلى ظهرها‪ ،‬فلما قامت انكشفت سوءتها‪ ،‬فضحكوا بها‪ ،‬فصاحت‪ ،‬فوثب رجل من المسلمين على‬
‫الصائغ فقتله‪ ،‬وكان يهودياً‪ ،‬وشدت اليهود على المسلم فقتلوه‪ ،‬فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود‪ ،‬فغضب‬
‫المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع‪.‬‬

‫وحين علم رسول اللہ ﷺ بذلك سار إليهم على رأس جيش من المهاجرين واألنصار‪ ،‬وذلك يوم السبت للنصف‬
‫من شوال من السنة الثانية للهجرة‪ ،‬وكان الذي حمل لواء المسلمين يومئذ حمزة بن عبدالمطلب رضي هللا عنه‪ ،‬واستخلف‬
‫على المدينة أبا لبابة بن عبدالمنذر العمري واسمه بشير‪ ،‬وحين سار إليهم رسول اللہ ﷺ نبذ إليهم العهد كما أمره هللا تعالى‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫فانِب ْذ إَل ْي ِه ْم َعلى َسو ٍاء َّ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾‬
‫َّللاَ ال ُيح ُّب الخائن َ‬
‫إن َّ‬ ‫إما تَخا َف َّن من َق ْو ٍم ِخ َ‬
‫يان ًة ْ‬ ‫في قوله ‪﴿ :‬و ّ‬

‫وحين علم اليهود بمقدمه ﷺ تحصنوا في حصونهم‪ ،‬فحاصرهم النبي ﷺ خمس عشرة ليلة كما ذكر ابن هشام‪،‬‬
‫واستمر الحصار حتى قذف هللا في قلوبهم الرعب واضطروا للنزول على حكمه ﷺ‪ ،‬فأمر بهم فربطوا‪ ،‬فكانوا يكتفون أكتافاً‪،‬‬
‫واستعمل رسول هللا ﷺ على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي األوسي‪.‬‬

‫وحاول ابن سلول زعيم المنافقين أن يحل حلفاءه من وثاقهم‪ ،‬فعندما مر عليهم قال‪ :‬حلوهم‪ :‬فقال المنذر‪ :‬أتحلون‬
‫قوماً ربطهم رسول اللہ ﷺ؟ وهللا ال يحلهم رجل إال ضربت عنقه‪ ،‬فاضطر عبدهللا بن أبي بن سلول أن يتراجع عن أمره‬
‫ويلجأ إلى استصدار األمر من النبي ﷺ بفك أسرهم‪ ،‬فأتى رسول اللہ ﷺ فقال‪ :‬يامحمد! أحسن في موالي –وكانوا حلفاء‬
‫الخزرج‪ -‬قال ‪ :‬فأبطأ عليه رسول اللہ ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يامحمدا أحسن في موالي‪ ،‬قال‪ :‬فأعرض عنه‪ ،‬فأدخل ابن أَُبي يده في‬
‫جيب درع رسول اللہ ﷺ فقال له رسول اللہ ﷺ‪ « :‬أرسلني » وغضب رسول هللا حتى أروا لوجهه ظلالً‪ ،‬ثم قال ‪ « :‬ويحك‬
‫! أرسلني»‪ ،‬قال ‪ :‬ال وهللا‪ ،‬ال أرسلك حتى تحسن في موالي أربع مائة حاسر‪ ،‬وثالثة مائة دارع‪ ،‬قد منعوني من األحمر‬
‫واألسود‪ ،‬تحصدهم في غداة واحدة؟ إني وهللا امرؤ أخشى الدوائر‪ :‬فقال رسول اللہ ﷺ‪ « :‬هم لك »‪.‬‬

‫فخلى رسول اللہ ﷺ سبيلهم ثم أمر بإجالئهم‪ ،‬وغنم رسول اللہ ﷺ والمسلمون ما كان لديهم من مال‪ ،‬وقد تولى‬
‫جمع أموالهم وإحصاءها محمد بن مسلمة رضي هللا عنه وحاول ابن أبي بن سلول أن يحدث رسول اللہ ﷺ في يهود بني‬
‫قينقاع لكي يقرهم في ديارهم‪ ،‬فوجد على باب رسول اللہ ﷺ عويم بن ساعدة األنصاري األوسي‪ ،‬فرده عويم وقال‪ :‬ال تدخل‬
‫حتى يأذن رسول اللہ ﷺ لك‪ ،‬فدفعه ابن أبي‪ ،‬فغلظ عليه عويم حتى جحش وجه ابن أَُبي الجدار فسال الدم‪.‬‬

‫ولما تقرر جالء بني قينقاع أمر رسول اللہ ﷺ عبادة بن الصامت أن يجليهم‪ ،‬فجعلت قينقاع تقول‪ :‬يا أبا الوليد‬
‫من بين األوس والخزرج –ونحن مواليك– فعلت هذا بنا؟ قال لهم عبادة‪ :‬لما حاربتم جئت رسول اللہ ﷺ فقلت‪ :‬يارسول هللا‬
‫إني أب أر إليك منهم ومن حلفهم‪ ،‬وكان ابن أبي وعبادة بن الصامت منهم بمنزلة واحدة في الحلف‪ ،‬فقال عبدهللا بن أبي‪:‬‬
‫تبرأت من حلف مواليك؟ ما هذا بيدهم عندك‪ ،‬فذ ّكره مواطن قد أبَلوا فيها‪ ،‬فقال عبادة‪ :‬يا أبا الحباب‪ ،‬تغيرت القلوب‪ ،‬ومحا‬
‫اإلسالم العهود‪ ،‬أما وهللا إنك لمعتصم بأمر سنرى غيَّه غداً‪ ،‬فقالت قينقاع‪ :‬يا محمد‪ ،‬إن لنا دينا في الناس‪ ،‬قال النبي ﷺ‪:‬‬
‫« تعجلوا وضعوا » وأخذهم عبادة بالرحيل واإلجالء‪ ،‬وطلبوا التنفس‪ ،‬فقال لهم‪ :‬وال ساعة من نهار لكم ثالث ال أزيد عليها‬
‫هذا أمر رسول اللہ ﷺ ولو كنت أنا ما نفستكم‪ ،‬فال مضت ثالث‪ ،‬خرج في آثارهم حتى سلكوا إلى الشام‪ ،‬ولحقوا بأذرعات‪.‬‬

‫غزوة أحد وما يستفاد منها‬

‫وقعت في يوم السبت منتصف شهر شوال من العام الثالث للهجرة؛ حيث وصل إلى المدينة نحو ثالثة آالف من‬
‫المشركين بزعامة أبي سفيان يريدون محق النبي ﷺ وأصحابه انتقاما للسبعين الذين قتلوا منهم في بدر‪.‬‬

‫وقد كان على قيادة خيلهم‪ :‬خالد بن الوليد؛ الذي اهتبل فرصة نزول الرماة عن الجبل لجمع الغنائم مخالفين‬
‫وصية رسول هللا ﷺ لهم‪ :‬أن ال يبرحوا أماكنهم؛ سواء انتصر الجيش أو هزم‪ ،‬فاستدار خالد بخيل المشركين‪ ،‬وبغت‬
‫المسلمين وأربك صفوفهم؛ حتى قتل سبعون من المسلمين‪ ،‬فضال عمن جرح وأصيب‪ ،‬وأشيع أن رسول هللا ﷺ قد قتل‪،‬‬
‫ونزل في بيان ذلك نحو ستين آية من سورة آل عمران من اآلية ‪ 1٢1‬إلى اآلية ‪ 1٧٩‬منها قوله سبحانه‪﴿ :‬وال تَ ِهُنوا وال‬
‫َّللا ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الشاك ِر َ‬
‫ين﴾‬ ‫﴿وس َي ْجزِي َّ ُ‬ ‫إن ُك ْنتُ ْم ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ين﴾ إلى قوله تعالى‪َ :‬‬ ‫األعَل ْو َن ْ‬
‫تَ ْح َزُنوا و ْأنتُ ُم ْ‬

‫ثم أدب هللا المؤمنين الذين ما زال في قلوبهم حب الدنيا؛ حتى ال يعودوا لمخالفة أمر رسول هللا ﷺ مهما كان‬
‫أص ْبتُ ْم‬ ‫ِ‬
‫أصاب ْت ُك ْم ُمص َيبةٌ َق ْد َ‬
‫َ‬ ‫﴿أوَل ّما‬
‫الثمن؛ بعد ان اتخذ من خيرتهم وصفوتهم سبعين شهيدا‪ ،‬وذلك جلى في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َّللاِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِم ْثَل ْيها ُقْلتُ ْم ّأنى َهذا ُق ْل ُه َو ِمن ِعْن ِد ْأنُف ِس ُك ْم َّ‬
‫عان َفِبإ ْذ ِن َّ‬
‫الج ْم ِ‬‫أصاب ُك ْم َي ْوَم التَقى َ‬ ‫َ‬ ‫ير (‪ )1٦5‬وما‬ ‫َّللاَ َعلى ُك ِّل َش ْيء َقد ٌ‬
‫إن َّ‬
‫َّللاِ ِأو ْاد َف ُعوا قالُوا َل ْو َن ْعَل ُم ِق ً‬
‫تاال التََّب ْع ُ‬
‫ناك ْم ُه ْم‬ ‫يل َّ‬ ‫َ‬
‫ولِيعَلم المؤ ِمِنين (‪ )1٦٦‬ولِيعَلم َّالِذين نا َفُقوا وِقيل َلهم تَعاَلوا ِ‬
‫قاتلُوا ِفي سِب ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َْ َ ُ ْ َ‬
‫يمان يُقولُون ِبأ ْفو ِ‬
‫اه ِه ْم ما َل ْي َس ِفي ُقلُوبِ ِه ْم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫أعَل ُم ِبما َي ْكتُ ُم َ‬
‫ون﴾‬ ‫وَّللاُ ْ‬ ‫نه ْم لِ ْْل ِ َ َ‬ ‫ِ‬
‫لْل ُكْف ِر َي ْو َمئذ أ ْق َر ُب م ُ‬
‫من النماذج المشرقة في تلك الغزوة‪:‬‬

‫النِب ِي ﷺ‬
‫هاج ْرنا َم َع َّ‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫فع ْن َخّباب‪َ ،‬‬
‫استشهاد مصعب بن عمير الذي كان معه لواء المسلمين في غزوة أحد‪َ ،‬‬ ‫•‬
‫ِ‬ ‫َّللاِ‪َ ،‬ف ِمّنا من مضى‪ ،‬أو َذهب‪َ ،‬لم يأ ُ ِ‬ ‫ونحن نبت ِغي وجه َّ ِ‬
‫نه ْم‬
‫كان م ُ‬‫أج ِِره َش ْيًئا‪َ ،‬‬
‫ْك ْل من ْ‬ ‫ْ ََ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫أج ُرنا َعلى َّ‬
‫َّللا‪َ ،‬ف َو َج َب ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ ُ َْ َ‬
‫ْس ُه َخ َرَج ْت ِر ْجالَهُ‪ ،‬وإذا ُغ ِّ‬
‫ط َي ِبها ِر ْجالَهُ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مصعب بن عمي ٍر‪ُ ،‬قِتل يوم أ ٍ‬
‫ُحد‪َ ،‬فَل ْم َي ْت ُر ْك ّإال َنم َرًة‪ُ ،‬كّنا إذا َغط ْينا بها َأر َ‬
‫َ َْ َ ُ‬ ‫ُ ْ َ ُ ْ ُ ُ َْ‬
‫اج َعلُوا َعلى ِر ْجَلْي ِه اإل ْذ ِخ َر» ‪....‬‬
‫ْس ُه‪ ،‬و ْ‬ ‫النِب ُّي ﷺ‪ِ ُّ َ :‬‬
‫«غطوا بها َأر َ‬ ‫قال َلنا َّ‬‫ْس ُه‪َ ،‬ف َ‬
‫َخ َرَج َأر ُ‬
‫ما وقع من حنظلة غسيل المالئكة‪ ،‬كان حديث عهد بالزواج‪ ،‬فسمع الدعوة للجهاد‪ ،‬فخرج مسرعا دون أن يغسل‬ ‫•‬
‫من الجنابة إلى غزوة أحد‪ ،‬ثم استشهد بها‪ ،‬فغسلته المالئكة‪.‬‬

‫شهداء بئر معونة وأصحاب الرجيع‬

‫وبعد ما أصاب المسلمين من ابتالء في أحد‪ ،‬ظنت القبائل المتناثرة خارج المدينة في الجزيرة العربية أنها تستطيع‬
‫أن توقع بالمسلمين أمثالها‪ ،‬فأخذوا يکيدون ويمكرون‪ ،‬ويظهرون خالف ما يبطنون؛ فأبدت قبائل متعددة الرغبة في الدخول‬
‫في اإلسالم‪ ،‬وطلبوا من رسول هللا ﷺ أن يمدهم بما يعينهم على تحقيق ذلك‪.‬‬

‫فكانت واقعة الرجيع وبئر معونة بعد أحد بنحو أربعة أشهر‪ ،‬وبالتحديد‪ :‬في شهر صفر من العام الرابع للهجرة‪،‬‬
‫اله َّدة )‪ ،‬كانت الوقعة عنده فسميت به‪ .‬و( بئر معونة )‬
‫الهدأَة ) ويقال‪ُ ( :‬‬
‫( الرجيع ) ماء لقبيلة هذيل قرب بمكان يسمى ( َ‬
‫هي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم‪ ،‬حيث غدر بالقراء‪ :‬قبائل ِرعل‪ -‬بكسر الراء‪ -‬وذكوان وغيرهم‪ ،‬وهذه تعرف بسرية‬
‫القراء الذين كان عددهم سبعين صحابيا‪ ،‬و( الرجيع ) و( بئر معونة ) متقاربتان في الزمان والمكان؛ حتى إن بعض‬
‫مصنفي السير خلط بينها‪.‬‬

‫فوز القراء بالشهادة في سبيل هللا‬

‫َّللاِ ﷺ‬ ‫ول َّ‬ ‫ِ‬


‫ض َعَل ْيه َرُس ُ‬
‫َّللاِ ﷺ ِ‬
‫المد َين َة‪َ ،‬ف َع َر َ‬
‫َ‬ ‫ول َّ‬‫األسَّن ِة َعلى رس ِ‬
‫َُ‬
‫العب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫َقد َم ُأبو َبراء عام ُر ْب ُن مالك ْب ِن َج ْعَف ٍر ُم ُ‬
‫ِ‬

‫أه ِل َن ْج ٍد‪َ ،‬ف َد َع ْو ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫أصحاِب َك إلى ْ‬ ‫وقال‪ :‬يا ُم َح َّم ُد‪َ ،‬ل ْو َب َع ْث َت ِرج ًاال من ْ‬
‫اإلسالمِ‪َ ،‬‬ ‫ودعاهُ إَل ْيه‪َ ،‬فَل ْم ُي ْسل ْم وَل ْم َي ْب ُع ْد من ْ‬
‫الم‪َ ،‬‬‫اإلس َ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫قال ُأبو َبراء‪ :‬أنا َل ُه ْم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاب َع ْث ُه ْم‬
‫جار‪ْ ،‬‬ ‫أه َل َن ْجد‪َ ،‬‬
‫أخشى َعَل ْيه ْم ْ‬ ‫َّللا ﷺ‪ّ :‬إني ْ‬
‫ول َّ‬
‫قال َرُس ُ‬
‫أن َي ْستَج ُيبوا َل َك‪َ ،‬ف َ‬ ‫ك‪َ ،‬ر َج ْو ُت ْ‬‫أم ِر َ‬
‫إلى ْ‬
‫أم ِر َ‬
‫ك‪.‬‬ ‫اس إلى ْ‬
‫الن َ‬
‫َفْل َي ْد ُعوا ّ‬

‫طا إلى‬ ‫يحثُّْون ُ‬


‫الخ َ‬ ‫فلما أمرهم الرسول ﷺ بالمسير إلبالغ رساالت هللا‪ ،‬خرجوا‪ ،‬وما كانوا يعرفون أنهم ‪-‬جميعا‪ُ -‬‬
‫ِ‬
‫مصارعهم في أرض انتشر الغادرون في فجاجها‪ .‬وحين انتهى القراء إلى بئر معونة بعثوا أحدهم َحر َام ْب َن مْل َ‬
‫حان إلى‬
‫عامر بن الطفيل رأس الكفر في هذه البقاع‪ ،‬فأعطاه كتاب النبي ﷺ الذي يدعوه فيه إلى اإلسالم‪ ،‬فلم ينظر عامر في‬
‫نجالء تخترق ظهره وتنفذ من صدره‪،‬‬
‫َ‬ ‫الكتاب وأمر رجال من أتباعه أن يغتال حامل الرسالة‪ ،‬فما شعر حرام إال وطعن ًة‬
‫وكأن هذه الشهادة المفاجئة القت رجالً يتمناها من قديم فقد صاح حرام على أثر ذلك‪ :‬فزت ورب الكعبة!‪.‬‬
‫ومضى عامر في َغ َش ِمه‪ ،‬فاستصرخ أعوانه ليواصلوا العدوان على سائر القوم‪ ،‬فانضمت إليه قبائل ِرْعل وذكوان‬
‫والقارة فهجم بهم عامر على القراء الوادعين‪ .‬ورأى هؤالء الموت مقبالً عليهم من كل صوب‪ ،‬فهرعوا إلى سيوفهم يدفعون‬

‫عن أنفسهم دون جدوى‪ ،‬إذ استطاع األعراب َ‬


‫اله َم ُج أن يغشوهم في رحالهم وأن يستأصلوهم عن آخرهم‪.‬‬

‫وكان في سرح القراء اثنان لم يشهدا هذه المأساة منهم عمرو بن أمية الضمري ولم يعرفا النبأ المحزن‪ ،‬إال من‬
‫الم َع ْس َك ِر ُم َحِّومة حول الجثث الملقاة على الرمل األعفر‪ ،‬طامعة مما تستطيع اختطافه‬
‫أفواج الطير المتوحشة‪ ،‬تنطلق نحو ُ‬
‫بأظافرها ومناقرها‪ ،‬قاال‪ :‬وهللا إن لهذه الطير لشأنا‪ .‬فأقبال لينظ ار فإذا القوم مضرجون في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم‬
‫واقفة! قال زميل عمرو له‪ :‬ماذا ترى؟ قال عمرو‪ :‬أرى أن نلحق برسول هللا ﷺ نقص عليه الخبر‪ ،‬لكن زميله كره هذا الرأي‬
‫كنت ألرغب بنفسي عن‬ ‫وكان له بين من استشهدوا صديق حميم يدعى المنذر لذلك أجاب عمرو بن أمية قائال ‪ :‬ما ُ‬
‫موطن قتل فيه المنذر! وما كنت ألبقى حتى أقص خبره على الرجال! وهجم على األعراب يقاتلهم حتى ُقِتل وأ ِ‬
‫ُخذ عمرو‬
‫أسيرا‪ ،‬فأعتقه عامر بن الطفيل كبير الغادرين عن رقبة زعم أنها على أمه!‪ .‬ورجع عمرو إلى النبي ﷺ حامالً معه أنباء‬
‫المصاب الفادح‪ ،‬مصرع سبعين من أفاضل المسلمين‪.‬‬

‫عاصم بن ثابت ورفاقه واالقتداء بصنيعهم‬

‫َّللاِ ﷺ َع َش َرًة‬ ‫ول َّ‬‫«ب َع َث َرُس ُ‬


‫قال‪َ :‬‬‫فع ْن أِبي ُه َرْي َرَة‪َ ،‬‬ ‫ـ(اله ْدأَة)‪َ ،‬‬
‫وقعت هذه الحادثة في أول السنة الرابعة من الهجرة ب َ‬
‫اب» حتّى إذا كانوا ِب ِ‬
‫وم َّك َة‬
‫فان‪َ ،‬‬ ‫اله َدة َب ْي َن َع ْس َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ط ِ‬ ‫عاص ِم ْب ِن ُع َم َر ْب ِن َ‬
‫الخ ّ‬ ‫ِي ج َّد ِ‬
‫األنصار َّ َ‬‫عاص َم ْب َن ثاِب ٍت ْ‬ ‫أمر عَلي ِهم ِ‬
‫َع ْيًنا‪ ،‬و َّ َ َ ْ ْ‬
‫ْكَل ُه ُم التَّ ْم َر‬
‫وج ُدوا َمأ َ‬
‫آثارُه ْم َحتّى َ‬
‫صوا َ‬ ‫يب ِمن ِم َائ ِة َر ُج ٍل ارمٍ‪ ،‬فاْقتَ ُّ‬
‫يان‪َ ،‬ف َنَفروا َلهم ِبَق ِر ٍ‬
‫ُ ُْ‬
‫ِ‬
‫قال َل ُه ْم َب ُنو ل ْح َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُذك ُروا ل َح ٍّي من ُه َذْيل ُي ُ‬
‫ِفي م ِ ٍ‬
‫نزل َن َزُلوهُ‪َ ،‬فقاُلوا‪ :‬تَ ْم ُر َي ْث ِر َب‪ ،‬فاتََّب ُعوا َ‬
‫آثارُه ْم‪.‬‬ ‫َ‬

‫الع ْه ُد‬ ‫طوا ِب ْأي ِد ُ‬


‫يك ْم‪ ،‬وَل ُك ُم َ‬ ‫ط ِب ِه ُم الَق ْوُم‪َ ،‬فقالُوا َل ُه ْم‪ْ :‬ان ِزلُوا َف ْ‬
‫أع ُ‬ ‫ض ٍع َفأحا َ‬‫عاصم وأصحابه َلجئُوا إلى مو ِ‬
‫َْ‬ ‫ٌ ْ ُُ َ‬
‫َفَلما ح َّس ِب ِهم ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ َ‬
‫أخِب ْر َعّنا‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال‪ :‬الل ُه َّم ْ‬‫أما أنا َفالَ ْأن ِزُل في ذ َّمة كاف ٍر‪ ،‬ثَُّم َ‬ ‫قال عاص ُم ْب ُن ثابت‪ :‬أيُّها الَق ْوُم‪ّ :‬‬
‫أح ًدا‪َ ،‬ف َ‬
‫نك ْم َ‬
‫أن الَ َنْق ُت َل م ُ‬
‫يثاق‪ْ :‬‬
‫والم ُ‬
‫الدِث َن ِة‪ ،‬وَر ُج ٌل‬
‫نه ْم ُخَب ْي ٌب‪ ،‬وَزْي ُد ْب ُن َّ‬ ‫الم ِ ِ‬
‫يثاق‪ ،‬م ُ‬
‫عاصما‪ ،‬ون َزل إَلي ِهم ثَالَثَ ُة نَف ٍر على العه ِد و ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ً َ َ ْ ْ‬
‫النب ِل َفَقَتُلوا ِ‬
‫َّك ﷺ‪َ ،‬ف َرَم ْو ُه ْم ِب َّْ‬
‫َنِبي َ‬
‫إن لِي‬‫أص َحُب ُك ْم‪َّ ،‬‬ ‫طوهم ِبها‪ ،‬قال الرَّجل الثّالِ ُث‪ :‬هذا َّأول الغد ِر‪ِ َّ ،‬‬ ‫طَلُقوا أو َ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وَّللا الَ ْ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫تار قسّيه ْم‪َ ،‬ف َرَب ُ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫نه ْم أ ْ‬
‫استَ ْم َك ُنوا م ُ‬ ‫آ َخ ُر‪َ ،‬فَل ّما ْ‬
‫وهما َب ْع َد وْق َع ِة َب ْد ٍر‪،‬‬
‫باع ُ‬
‫طلِق ِبخبي ٍب‪ ،‬وزي ِد ب ِن َّ ِ ِ‬
‫الدثَنة َحتّى ُ‬ ‫َْ ْ‬ ‫فان ُ َ ُ َ ْ‬
‫ص َح َب ُه ْم‪ْ ،‬‬
‫أن َي ْ‬ ‫ُس َوًة‪ُ ،‬ي ِر ُ‬
‫يد الَق ْتلى‪َ ،‬ف َج َّرُروهُ وعاَل ُجوهُ َفأبى ْ‬
‫ِ ِ‬
‫ب َه ُؤالَء أ ْ‬
‫الحار ِث ب ِن ِ‬
‫عام ِر ْب ِن َن ْوَف ٍل ُخ َب ْيًبا‪.‬‬ ‫ِ ْ‬ ‫فابتاعَ َبنُو‬
‫ْ‬

‫ض‬‫عار ِمن َب ْع ِ‬ ‫فاستَ َ‬ ‫أج َم ُعوا َق ْتَل ُه‪ْ ،‬‬ ‫ير َحتّى ْ‬ ‫عام ٍر َي ْوَم َب ْد ٍر‪َ ،‬فَلِب َث ُخ َب ْي ٌب ِع ْن َد ُه ْم ِأس ًا‬
‫الحار َث بن ِ‬
‫ِ َْ‬ ‫وكان ُخ َب ْي ٌب ُه َو َقَت َل‬
‫َ‬
‫الموسى ِبَي ِدِه‪،‬‬ ‫ِِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعارْت ُه‪َ ،‬ف َد َرَج ُب َن ٌّي َلها وه َي غافَل ٌة َحتّى أتاهُ‪َ ،‬ف َو َج َد ْت ُه ُم ْجل َس ُه َعلى َفخذه و ُ‬
‫ِ‬
‫وسى َي ْستَح ُّد ِبها َف َ‬
‫ِِ‬
‫الحارث ُم ً‬
‫ب ِ‬
‫نات‬ ‫َ‬
‫ط َخ ْي ًار ِمن‬ ‫ير َق ُّ‬‫وَّللاِ ما َرْأي ُت ِأس ًا‬ ‫أن أْقتَُل ُه؟ ما ُك ْن ُت ِأل ْف َع َل َذلِ َك‪ ،‬قاَل ْت‪َّ :‬‬ ‫قاَل ْت‪َ :‬فَف ِزْع ُت َف ْزَع ًة َع َرَفها ُخ َب ْي ٌب‪َ ،‬ف َ‬
‫قال‪ :‬أتَ ْخ َش ْي َن ْ‬
‫ٍ‬ ‫َّ ِ‬ ‫طًفا ِمن ِعن ٍب ِفي ي ِدِه‪ ،‬و َّإنه َلموثَق ِب ِ ِ‬ ‫ْك ُل ِق ْ‬ ‫خبي ٍب‪ِ َّ ،‬‬
‫ول‪َّ :‬إن ُه َل ِرْز ٌق‬‫الحديد‪ ،‬وما ِب َمك َة من ثَ َم َرة‪ ،‬وكا َن ْت تَُق ُ‬ ‫ُ ُ ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وج ْدتُ ُه َي ْو ًما َيأ ُ‬
‫وَّللا َلَق ْد َ‬ ‫ُ َْ‬
‫ُصِّلي َرْك َعتَْي ِن‪َ ،‬فتَ َرُكوهُ َف َرَك َع َرْك َعتَ ْي ِن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قال َل ُه ْم ُخ َب ْي ٌب‪َ :‬د ُعوني أ َ‬ ‫الح َرِم ل َيْق ُتُلوهُ في الح ّل‪َ ،‬‬ ‫َّللاُ ُخ َب ْيًبا‪َ ،‬فَل ّما َخ َر ُجوا ِبه م َن َ‬ ‫َرَزَق ُه َّ‬
‫ِ‬ ‫الله َّم ِ‬ ‫َّ‬ ‫أن تَ ْح ِس ُبوا َّ‬ ‫َفقال‪ِ َّ :‬‬
‫أح ًدا‪.... ،‬‬ ‫نه ْم َ‬ ‫أحص ِه ْم َع َد ًدا‪ ،‬وا ْقُتْل ُه ْم َب َد ًدا‪ ،‬والَ تُْب ِق م ُ‬ ‫قال‪ْ ُ :‬‬ ‫أن ما ِبي َج َزعٌ َل ِزْد ُت‪ ،‬ثُ َّم َ‬ ‫وَّللا َل ْوالَ ْ‬ ‫َ‬
‫حاب ُه‬
‫أص َ‬‫أخ َب َر ْ‬
‫الصالَ َة‪ ،‬و ْ‬‫ص ْب ًار َّ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫وكان ُخ َب ْي ٌب ُه َو َس َّن ل ُك ّل ُم ْسل ٍم ُقت َل َ‬
‫ِِ‬
‫الحارث َفَقَتَل ُه‪َ ،‬‬ ‫قام إَل ْي ِه ُأبو ِس ْرَو َع َة ُع ْق َب ُة ْب ُن‬
‫ثُ َّم َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ناس ِمن ُق َرْي ٍ‬ ‫ِ‬
‫وكان‬
‫ف‪َ ،‬‬ ‫أن ُي ْؤتَ ْوا ِب َش ْيء م ُ‬
‫نه ُي ْع َر ُ‬ ‫ش إلى عاص ِم ْب ِن ثاِبت ‪ -‬ح َ‬
‫ين ُح ّدثُوا أَّن ُه ُقت َل ‪ْ -‬‬ ‫وب َع َث ٌ‬ ‫َي ْوَم أُص ُيبوا َخ َب َرُه ْم‪َ ،‬‬
‫الدب ِر‪َ ،‬فحم ْته ِمن رسلِ ِهم‪َ ،‬فَلم يْق ِدروا أن يْق َ ِ‬ ‫َُّّ ِ ِ‬ ‫مائ ِهم‪َ ،‬فبع َث َّ ِ ِ ِ‬ ‫َقَتل رج ًال ع ِظيما ِمن ع َ ِ‬
‫نه‬
‫ط ُعوا م ُ‬ ‫ُُ ْ ْ َ ُ ْ َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َّللاُ لعاص ٍم م ْث َل الظلة م َن َّ ْ‬ ‫ظ ْ ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ َُ َ ً‬
‫َش ْيًئا‪.‬اهـ‪.‬‬

‫وحمى هللا عاصما من أعدائه فلم ينتهك أحد منهم ُح ْرَمتَه‪ ،‬ولم يقدروا على مس شيء منه حيث أرادت هذيل قطع‬
‫ُح ٍد‬ ‫ِ‬
‫الع َبدرِي َ‬
‫وكان عاصم َقَتَل ُهما َي ْوَم أ ُ‬ ‫طْل َح َة َ‬ ‫وج ٍ‬
‫الس ْابَن ْي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رأسه بعد قتله ليبيعوه المرأة يقال لها‪ُ :‬سال َفةُ ِب ْن ُت َس ْعد؛ ُمساف ٍع ُ‬
‫الد ْب ُر حتى‬‫الخ ْم َر ِفي َق ْحِف ِه ‪ ،‬فأرسل هللا على جسده مثل الظلة من َّ‬ ‫ْس ِ‬
‫عاص ٍم َلتَ ْش َرَب َّن َ‬ ‫وكان ْت َن َذ َر ْت َلِئ ْن َق َد َر ْت َعلى َأر ِ‬
‫َ‬
‫حابةُ ‪ ،‬كلما اقتربوا منه طارت في وجوههم تلدغهم‪ ،‬فلما حالت بينه وبينهم الدبرة قالوا‪ :‬دعوه ُيمسي‪ ،‬فتذهب‬
‫كالس َ‬
‫صارت َّ‬
‫عنه فنأخذه‪ ،‬فبعث هللا الوادي سيالً فاحتمل عاصما فذهب به‪ ،‬وكان عمر يقول لما بلغه خبره ‪ « :‬يحفظ هللا العبد المؤمن‬
‫بعد وفاته كما حفظه في حياته »‪ ،‬وذلك ألن عاصما رضي هللا عنه قد أعطى هللا عز وجل عهدا أن ال يمس مشركا وال‬
‫يمسه مشرك‪.‬‬

‫الزبير‬
‫النبي ﷺ أرسل المقداد و ّ‬ ‫الضحاك‪ -‬أن‬‫قال الحافظ ابن حجر‪ :‬وذكر أبو يوسف في كتاب «اللطائف» عن ّ‬
‫ّ‬
‫الزبير على فرسه‪ ،‬وهو‬
‫في إنزال خبيب عن خشبته‪ ،‬فوصال إلى التنعيم‪ ،‬فوجدا حوله أربعين رجال نشاوى‪ ،‬فأنزاله‪ ،‬فحمله ّ‬
‫رطب لم يتغير منه شيء فنذر بهم المشركون‪ ،‬فلما لحقوهم قذفه الزبير فابتلعته األرض فسمي بليع األرض‪.‬‬

‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫الدِثَّن ِة فابتاعه صْفوان بن أ ِ‬


‫ان ْب ُن‬‫صْفو ُ‬ ‫ُمَّي َة ْب ِن َخَلف‪َ ،‬‬
‫وب َع َث به َ‬ ‫ُمَّي َة ل َيْق ُتَل ُه بأبيه‪ ،‬أ َ‬
‫ْ َُ َ ُ ُْ َ‬ ‫أما َزْي ُد ْب ُن َّ‬‫حاق‪ :‬و ّ‬
‫إس َ‬ ‫قال ْاب ُن ْ‬
‫َ‬
‫ط ِمن ُقري ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طاس‪ ،‬إلى التَّْن ِعي ِم‪ ،‬و ْ‬ ‫ِ‬
‫يان ْابن‬ ‫ش‪ ،‬في ِه ْم ُأبو ُس ْف َ‬ ‫َْ‬ ‫اجتَ َم َع َرْه ٌ‬
‫الح َرِم ل َيْقتُلُوهُ‪ .‬و ْ‬ ‫أخ َر ُجوهُ من َ‬ ‫قال َل ُه ن ْس ُ‬
‫ُمَّي َة َم َع َم ْوًلى َل ُه‪ُ ،‬ي ُ‬
‫أَ‬
‫ض ِر ُب ُعُنَق ُه‪ ،‬و َّأن َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن ُم َح َّم ًدا ع ْن َدنا اآل َن في َمكان َك َن ْ‬ ‫َّللاَ يا َزْي ُد‪ ،‬أتُ ِح ُّب َّ‬
‫ك َّ‬ ‫حر ٍب‪َ ،‬فقال َله أبو س ْفيان ِح ِ ِ‬
‫ين َقد َم ل ُيْقَت َل‪ْ :‬أن ُش ُد َ‬
‫َ ُ ُ ُ َ َ‬ ‫َْ‬
‫أهلِي‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وَّللاِ ما أُ ِح ُّب َّ‬ ‫ِفي ِ‬
‫اآلن في َمكانه الذي ُه َو فيه تُص ُيب ُه َش ْوَكة تؤذيه‪ ،‬و ّأنى جال ٌس في ْ‬
‫أن ُم َح َّم ًدا َ‬ ‫قال‪َّ َ :‬‬
‫أهل َك؟ َ‬
‫ْ‬

‫ويستفاد من هذه الحادثة فوائد كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ .1‬أن لألسير أن يمتنع من قبول األمان‪ ،‬وال ُي َم ِّكن من نفسه العدو ولو أدى ذلك إلى قتله حيا (حتى ال يجري عليه‬
‫حكم كافر‪ ،‬وهذا إذا أراد األخذ بالعزيمة‪ ،‬فإن رغب في الرخصة فله أن يقع في األسر)‪.‬‬
‫‪ .٢‬أن المؤمن يفي للمشركين بالعهد‪ ،‬ويتورع عن قتل أوالدهم‪ ،‬والدعاء عليهم بالتعميم‪ ،‬وأنهم مع كفرهم‪ :‬كانوا‬
‫يعظمون الحرم واألشهر الحرم‪.‬‬
‫‪ .٣‬ما كان عليه ُحبيب من قوة اليقين والصالبة في الدين‪ ،‬والثبات على المعتقد‪ ،‬حيث صلى ركعتين قبل القتل‪.‬‬
‫‪ .٤‬أن هللا عز وجل استجاب دعاء عاصم وأصحابه‪ ،‬وأكرمهم في حياتهم وبعد استشهادهم‪ ،‬وأظهر ذلك للعالمين‪.‬‬

‫غزوة الخندق وبداية االستقرار‬

‫وقعت غزوة األحزاب وهي الخندق سنة خمس من الهجرة‪ .‬وذلك أن المسلمين بعد أن استقروا بالمدينة‪ ،‬وأصبحت‬
‫لهم فيها دولة‪ ،‬أيقن عدوهم أنهم لن يستطيعوا القضاء على اإلسالم إذا حاربته كل طائفة على حدة‪ ،‬فأجمعوا أمرهم واتحدوا‬
‫على الرغم من اختالفهم‪ ،‬فقرروا رمي المسلمين عن قوس واحدة؛ ليستأصلوا شأفتهم ويقضوا على اإلسالم قضاء محققا‪،‬‬
‫وقد برز ذلك جليا في عدد الجيش الذي جاءوا به من قريش وغطفان وغيرهما؛ حيث كان عدده نحو عشرة آالف مقاتل‪،‬‬
‫فكيف إذا انضم إلى ذلك‪ :‬اليهود المتواطئون مع جحافل الشرك‪ ،‬ثم المنافقون المطلعون على أسرار المسلمين في المدينة‬
‫وما حولها !!!‬

‫فأخذ النبي ﷺ وأصحابه يفكرون في دفع هذا العدوان‪ ،‬ويعملون على درء ذلك الخطر الذي يتهددهم من الداخل‬
‫جاء ْت ُك ْم‬ ‫والخارج على السواء‪ .‬وصدق هللا إذ يصور لنا بعض هذه المشاهد‪﴿ :‬يا أيُّها َّال ِذين آمنوا ا ْذ ُكروا ِنعم َة َّ ِ‬
‫َّللا َعَل ْي ُك ْم إ ْذ َ‬ ‫ُ َْ‬ ‫َ َُ‬
‫َّللا ِبما تَعمُل َ ِ‬
‫ض ُه ْم وِد َ‬
‫يارُه ْم‬ ‫ون َبص ًيرا﴾ (‪ )٩‬إلى قوله تعالى‪﴿ :‬و ْأوَرثَ ُك ْم ْأر َ‬ ‫َْ‬ ‫وكان َّ ُ‬
‫ودا َل ْم تَ َرْوها َ‬
‫وج ُن ً‬ ‫ود َف ْأرَسْلنا َعَل ْي ِه ْم ِر ً‬
‫يحا ُ‬ ‫ُج ُن ٌ‬
‫َّللاُ َعلى ُك ِّل َشي ٍء َقِد ًيرا﴾‬
‫وكان َّ‬
‫ط ُؤها َ‬ ‫ضا َل ْم تَ َ‬ ‫أمواَل ُه ْم وأ ْر ً‬
‫وْ‬
‫ْ‬
‫ون ِفي‬‫صار َي ْحِف ُر َ‬
‫األن ُ‬ ‫ون و ْ‬‫المها ِج ُر َ‬ ‫َّللاِ ﷺ إلى َ ِ‬
‫الخ ْن َدق‪َ ،‬فإذا ُ‬ ‫ول َّ‬‫وعن أنس بن مالك رضي هللا عنه قال‪َ :‬خ َرَج َرُس ُ‬
‫ش ِ‬ ‫النص ِب والجوِع‪ ،‬قال‪َّ " :‬‬ ‫ِِ ِ‬ ‫يد يعمُل َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫داة ِ ٍ‬‫َغ ٍ‬
‫اآلخ َرْه‪،‬‬ ‫ش َع ْي ُ‬ ‫الع ْي َ‬
‫إن َ‬‫الل ُه َّم َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ون َذل َك َل ُه ْم‪َ ،‬فَل ّما َرأى ما به ْم م َن َّ َ‬ ‫بارَدة‪َ ،‬فَل ْم َي ُك ْن َل ُه ْم َعب ٌ َ ْ َ‬
‫هاجره‪َ ،‬فقالُوا م ِجيِبين َله‪ :‬نحن َّال ِذين بايعوا مح َّمدا … على ال ِج ِ‬
‫هاد ما َبِقينا َأبدا‪.‬‬ ‫فاغِف ْر لِ ْأل ْن ِ‬
‫َ‬ ‫َ َُ ُ َ‬ ‫ُ َ ُ َُْ‬ ‫الم ِ َ ْ‬
‫صار و ُ‬ ‫ْ‬

‫وفي أثناء تلك الشدائد يحدث رسول هللا ﷺ أصحابه بمستقبل هذه األمة وظهور ذلك الدين كما روي ذلك في‬
‫البراء بن عازب‪.‬‬

‫وهذه لمحة من الشدائد تعرض لها المسلمون في هذه الغزوة فيها تأديب وتعليم للخلف بعدم االجتراء بحضور تلك‬
‫َّللاِ‬ ‫مان‪ :‬يا أبا عب ِد َّ ِ‬
‫الي ِ‬ ‫المشاهد‪ ،‬ع ْن مح َّم ِد ب ِن َكع ٍب الُقر ِظ ِي قال‪ :‬قال َفتًى ِمّنا ِمن أه ِل ُ ِ ِ‬
‫ول َّ‬
‫َّللا‪َ ،‬رْأيتُ ْم َرُس َ‬ ‫َْ‬ ‫الكوَفة ل ُح َذ ْيَف َة ْب ِن َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ َ َ‬ ‫َ َُ ْ ْ‬
‫وَّللاِ َلَقد ُكنا نجهد‪ ،‬قال‪ِ َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وَّللا َل ْو ْأد َرْكناهُ ما تََرْكناهُ‬ ‫قال‪َ ُ َ ْ َ ّ ْ َّ :‬‬ ‫ون؟ َ‬ ‫ص َن ُع َ‬
‫ف ُك ْنتُ ْم تَ ْ‬
‫قال‪َ :‬ف َك ْي َ‬
‫قال‪َ :‬ن َع ْم يا ْاب َن أخي‪َ ،‬‬
‫وصح ْبتُ ُموهُ؟ َ‬
‫ﷺ َ‬
‫ول َّ ِ‬ ‫وَّللاِ َلَق ْد رْأيتُنا مع رس ِ‬
‫قال ُح َذ ْيَفةُ‪ :‬يا ْاب َن أ ِخي‪َّ ،‬‬ ‫ض‪ ،‬وَلجعْلناه على ِ‬ ‫ِ‬
‫َّللا ﷺ ِب َ‬
‫الخ ْن َد ِق‪،‬‬ ‫ََ َُ‬ ‫َ‬ ‫قال‪َ :‬ف َ‬‫أعناقنا‪َ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫األر ِ‬
‫َي ْمشي َعلى ْ‬
‫َّللاِ ﷺ َّأن ُه‬ ‫ول َّ‬
‫ط َل ُه َرُس ُ‬ ‫ظ َر َلنا ما َف َع َل الَق ْوُم َي ْش ُر ُ‬‫وم َفَي ْن ُ‬
‫«من َر ُج ٌل َيُق ُ‬
‫قال‪َ :‬‬
‫وصّلى رسول َّ ِ ِ َّ ِ‬
‫َّللا ﷺ م َن اللْيل َه ِويًّا‪ ،‬ثُ َّم التََف َت إَل ْينا َف َ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫َّللا الجَّن َة»‪َ ،‬فما قام رجل‪ ،‬ثُ َّم صّلى رسول َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ظ َر‬
‫وم َفَي ْن ُ‬
‫«من َر ُج ٌل َيُق ُ‬‫قال‪َ :‬‬ ‫َّللا ﷺ َه ِويًّا م َن اللْيل‪ ،‬ثُ َّم التََف َت إَل ْينا َف َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫َ ٌَُ‬ ‫َي ْرج ُع ْأد َخَل ُه َّ ُ َ‬
‫الجَّن ِة»‪،‬‬ ‫َّللا أن ي ُك َ ِ ِ‬
‫ون َرِفيقي في َ‬ ‫أل َّ َ ْ َ‬
‫أس ُ‬
‫َّج َع َة‪ْ ،‬‬
‫ط َله رسول َّ ِ‬
‫َّللا ﷺ الر ْ‬ ‫ِ‬
‫َلنا ما َف َع َل الَق ْوُم‪ ،‬ثُ َّم َي ْرج ُع َي ْش ِر ُ ُ َ ُ ُ‬

‫َّللاِ ﷺ‪َ ،‬فَل ْم َي ُك ْن‬


‫ول َّ‬ ‫ِ‬
‫أحٌد َدعاني َرُس ُ‬ ‫الب ْرِد‪َ ،‬فَل ّما َل ْم َيُق ْم َ‬
‫وش َّد ِة الجوِع‪ِ ِ ،‬‬
‫وش َّدة َ‬ ‫ُ‬ ‫ف‪ِ ،‬‬ ‫الخو ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قام َر ُج ٌل م َن الَق ْو ِم َم َع ش َّدة َ ْ‬
‫َفما َ‬
‫ون‪ ،‬وال تُ ْح ِدثَ َّن َش ْيًئا َحتّى تَأِْتَينا»‪،‬‬
‫ظ ْر ما َيْف َعلُ َ‬ ‫فاد ُخ ْل ِفي الَق ْو ِم ْ‬
‫فان ُ‬ ‫قال‪« :‬يا ُح َذ ْيَفةُ‪ ،‬فا ْذ َه ْب ْ‬ ‫ِ‬
‫ين َدعاني‪َ ،‬ف َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫لي ُبٌّد م َن القيا ِم ح َ‬
‫ِ‬
‫يان ْب ُن َح ْر ٍب‬‫قام ُأبو ُس ْف َ‬ ‫َّللاِ تَْف َع ُل ما تَْف َع ُل ال تَِق ُّر َل ُهم ِق ْد ًرا‪ ،‬وال ًا ِ‬ ‫قال‪َ :‬ف َذ َه ْب ُت َف َد َخْل ُت ِفي الَق ْومِ‪ ،‬و ِّ‬
‫ناء‪َ ،‬ف َ‬ ‫نار وال ب ً‬ ‫ْ‬ ‫ود َّ‬ ‫وج ُن ُ‬
‫يح ُ‬‫الر ُ‬ ‫َ‬
‫ظر امرؤ من جلِيسه‪َ ،‬فقال ح َذيَفةُ‪َ :‬فأخ ْذت ِبي ِد الر ِ َّ ِ‬ ‫َفقال‪ :‬يا مع َشر ُقري ٍ ِ‬
‫َّجل الذي إلى َج ْنِبي‪َ ،‬فُقْل ُت‪َ :‬من ْأن َت؟ َ‬
‫قال‪ :‬أنا‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ش‪ ،‬ل َي ْن ُ ْ ْ ُ ٌ َ َ ُ ُ‬ ‫َ ْ َ َْ‬ ‫َ‬
‫ظ َة‪،‬‬
‫أخَلَف ْتنا َب ُنو ُق َرْي َ‬ ‫أص َب ْحتُ ْم ِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫يان‪ :‬يا م ْع َش َر ُق َرْي ٍ‬
‫ش‪َّ ،‬إن ُك ْم َّ‬ ‫الن ْب ُن ُف ٍ‬
‫الكراعُ‪ ،‬و ْ‬
‫دار ُمقا ٍم َلَق ْد َهَل َك ُ‬ ‫وَّللا ما ْ‬ ‫َ‬ ‫قال ُأبو ُس ْف َ‬
‫الن‪،‬ثُ َّم َ‬ ‫ُف ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وَّللاِ ما تَ ْ ِ‬
‫يح ما تَ َرْو َن‪َّ ،‬‬ ‫وبَل َغنا َع ْن ُهم َّال ِذي َن ْك َرهُ‪ ،‬وَلِقينا ِمن َه ِذِه ِّ‬
‫ناء‪،‬‬
‫نار‪ ،‬وال َي ْستَ ْمس ُك َلنا ب ٌ‬ ‫ط َمئ ُّن َلنا ق ْدٌر‪ ،‬وال تَُق ُ‬
‫وم َلنا ٌ‬ ‫الر ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وهَو‬ ‫فارتَ ِحلُوا َف ِّإني مرتَ ِحل‪ ،‬ثُ َّم قام إلى جملِ ِه وهو معُقول َفجَلس عَلي ِه‪ ،‬ثُ َّم ضربه َفوثَب على ثَال ٍث‪َ ،‬فما أ ْ ِ‬
‫طَل َق عقاَل ُه ّإال ُ‬ ‫َ ََ ُ َ َ َ‬ ‫َ َ َُ َ ْ ٌ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ ٌ‬ ‫ْ‬
‫َّللاِ ﷺ‬
‫ول َّ‬‫َّللاِ ﷺ ال تُح ِد ْث َش ْيًئا حتّى تَأِْتيِني‪ ،‬ثُ َّم ِش ْئ ُت َلَقَتْلتُ ُه ِبسهمٍ‪ ،‬قال ح َذ ْيَفةُ‪ :‬ثُ َّم رجع ُت إلى رس ِ‬
‫َُ‬ ‫ََْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ول َّ‬ ‫قائم‪ ،‬وَلوال َعه ُد رس ِ‬
‫ٌ ْ ْ َُ‬
‫ِ‬

‫وس َج َد وإَّن ُه‬ ‫طر ِ ِ‬


‫ف الم ْرط‪ ،‬ثُ َّم َرَك َع َ‬ ‫َّل‪َ ،‬فَل ّما َآرِني ْأد َخَلِني إلى َر ْحلِ ِه‪ ،‬و َ‬
‫ط َرَح َعَل َّي َ َ َ‬ ‫سائ ِه مرح ٍ‬
‫َُ‬
‫ض ِن ِ‬ ‫قائم ُيصِّلي ِفي ِم ْر ٍط لِ َب ْع ِ‬ ‫ِ‬
‫وه َو ٌ َ‬ ‫ُ‬
‫الد ِه ْم‪.‬‬
‫فان َشمروا إلى ِب ِ‬ ‫وس ِم َع ْت َغ َ‬ ‫ِ‬
‫ش‪ُ َ ْ ،‬‬ ‫فان ِبما َف َعَل ْت ُق َرْي ٌ‬
‫ط ُ‬ ‫الخ َب َر‪َ ،‬‬ ‫َل ِفيه‪َ ،‬فَل ّما َسَّل َم ْ‬
‫أخ َب ْرتُ ُه َ‬

You might also like