Professional Documents
Culture Documents
القول بقدم العالم
القول بقدم العالم
ّ ّ
البراك مؤسسة وقف الشيخ 1438هـ
الرحي ِم ِ ِ
الرمح ِن ّ
بسم هللا ّ
احلمد هلل ،وصلّى هللا وابرك على عبده ورسوله ،وعلى آله وصحبه أمجعني .وبعد :
فقد أخرب -سبحانه وتعاىل -أنّه استوى على العرش يف سبعة مواضع من القرآن ،فآمن بذلك أهل السنة،
ٍ
بلسان معلوم معناه يف اللغة العربية؛ أل ّن القرآن نزل
وأثبتوا االستواء مبعناه ،وقالوا" :االستواء معلوم -يعينٌ :
عريب مبني -والكيف جمهول" فكيفيّة االستواء على العرش هي مما استأثر هللا بعلمه كما يقولون ،إ ّن استواء ّ
فعل من أفعاله اليت تكون مبشيئته -سبحانه وتعاىل- ِ
هللا تعاىل ال مياثل استواء املخلوق .وقالوا :إن استواءه ٌ
فعال ملا يريد. وهو َّ
والذي قال" :إنه ميكن استواؤه على بعوضة" أو"لو أخربان أنّه استوى على بعوضة لسلّمنا بذلك" هو :عثمان
الرد على من أنكر استواء هللا على بن سعيد الدارمي ،ال "ابن تيمية" -رمحهما هللا-؛ وقال هذا مبالغةً يف ّ
أيت هبذا التعبري لكان أوىل ،فهو -سبحانه وتعاىل -على كل شيء قدير. عرشه ،وال أذكر نص عبارته ،ولو مل ِ
ّ
والظاهر أنّه مل يقل "إنّه -تعاىل -ميكن استواؤه على ظهر بعوضة" ،بل لعله قال" :لو أخربان بذلك آلمنا به"
فإنّه -سبحانه وتعاىل -أصدق الصادقني.
اقعا ،فإنه -تعاىل -قد قال{ :لَ ْو َكا َن فِي ِه َما
وال يلزم من هذا االفرتاض أن يكون ممكنًا فضالً عن أن يكون و ً
اَّلل لََفس َد َت} (األنبياء)22: ِ َِّ
آِلَةٌ إال َّ َ
فقول ابطل ،فإ ّن هذا العامل و ّأما القول بقدم العامل -أي :بقدم هذا العامل املشهود الذي منه السماوات ٌ -:
السموات واألرض كان خ ْلقها بعد تقدير مقادير اخلالئق خملوق يف ستة أايم؛ كما أخرب هللا ،بل إ ّن ّ
خبمسني ألف سنة ،فهو ُم َدث وليس بقدمي ،والقول بقدم هذا العامل املوجود :هو قول مالحدة الفالسفة،
الذين يسمون اخلالق -سبحانه وتعاىل" :-العِلَّةَ األوىل" و"مبدأَ الوجود" ويقولون إنّه ِعلّة تمة للموجودات،
و"العلة التامة" تستلزم معلوِلا ،فهذا العامل قدمي بقدم علَّته ،ومعناه :أ ّن وجوده مل يسبق بعدم.
واإلمام ابن تيمية يقول بقدم جنس العامل ،أو جنس املخلوقات ،أو بتسلسل احلوادث ،أو بدوام
مؤداها واحد ،ومعىن هذا :أ ّن هللا مل يزل خيلق ويفعل ما يشاء ،فما من خملوق احلوادث ابألزل ،وهذه عبارات ّ
موجودا ،ومل يزل على كل شيء قدير ،ومل يزل فعَّاالً ملا يريد.ً إال وقبله خملوق إىل ما ال هناية؛ أل ّن هللا مل يزل
فيقتضي ذلك :أ ّن املخلوقات مل تزل ،أو أقل ما يقال إنه ميكن ذلك ،فإنّه ال يلزم تسلسل احلوادث؛ ألنّه ال
حادث بعد أن مل يكن ،فهو
ٌ كل خملوق يستلزم أن يكون شيء من املوجودات مشارًكا هلل يف قدمه؛ أل ّن ّ
عدم ،بل هو -سبحانه وتعاىل -قدمي أزيل ،فال بداية دم نفسه ،وهللا تعاىل -مل يسبق وجوده ٌ مسبوق بع ِ
ٌ َ
لوجوده ،وال هناية ،ومن أمسائه األول واآلخر ،فهو األول فليس قبله شيء ،واآلخر الذي ليس بعده شيء.
والذين ينكرون على ابن تيمية هذا القول -وهو ليس قول ابن تيمية وحده ،بل قول كل من يؤمن أب ّن هللا مل
فعاالً ملا يريد -فالذين ينكرون هذا القول مل يفهموا حقيقته ،ولو فهمواقديرا ،ومل يزل َّ
يزل على كل شيء ً
حقيقته لَ َـما أنكروه ،فالذين ينكرون تسلسل احلوادث يف املاضي أو دوامها يف املاضي ،وأ ّن ذلك ممتنع :يلزمهم
فاعل مثّ صار فاعالً ،وهذا يقول به كثري ممن يقول ابمتناع حوادث أ ّن هللا كان غري قاد ٍر ،مث صار ً
قادرا ،وغري ٍ
ال أول ِلا.
متناقضا ،ويلزمه
ً قادرا وفاعالً :كان
ومن قال ابمتناع دوام احلوادث يف املاضي ،وقال مع ذلك أب ّن هللا مل يزل ً
اجلمع بني النقيضني.
وبسبب اعتقاد أ ّن دوام احلوادث يف املاضي أو املستقبل ينايف أوليته -سبحانه -وآخريته :قيل ابمتناع احلوادث
يف املاضي ويف املستقبل ،فنتج عن ذلك القول بفناء اجلنة والنار ،وهذا ما ذهب إليه "جهم بن صفوان" ومن
تبعه ،وهذا ضرب من الكفر مبا أخرب هللا به ،ورسوله -صلى هللا عليه وسلم -وهللا تعاىل قدمي بال ابتداء،
بعدم نفسه ،ومن شاء - مسبوق ِ ٌ دائم بال انتهاء ،كما يف عبارة اإلمام الطحاوي ،أما ما سوى هللا فكلٌّ
ابق إببقاء هللا ومبشيئته -سبحانه وتعاىل ،-فال يكون سبحانه وتعاىل -بقاءه على الدوام وأنّه ال يفىن :فهو ٍ
صري} (الشورى )11:وصلى َ س َك ِمثْلِ ِه َش ْيءٌ َوه َو َّ
الس ِميع الب ِ
شيء من املخلوقات مشاهبًا هلل يف خصائصه{ :لَْي َ
ُممد وعلى آله وصحبه وسلّم .حرر يف 21/11/1425:هـ هللا وسلّم وابرك على نبيّنا ّ
أماله:
الرباك
عبدالرمحن بن انصر ّ
ّ