You are on page 1of 133

‫ﺷﺒﻜﺔ‬

‫‪www.alukah.net‬‬

‫قواعد‬
‫في التواصؿ ِ‬
‫العممي والحضاري‬

‫بيف الثقافات‬

‫إعداد‬

‫أحمد بف محمد بف حممي بف عبده (آؿ ِ‬


‫الحتَّة)‬

‫دكتكراه الدعكة كالثقافة اإلسبلمية ػ ػ جامعة األزىر‬

‫إماـ كخطيب كمدرس بك ازرة األكقاؼ المصرية‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫َ َٰٓ َ ُّ َ َّ ُ َّ َ َ ۡ َ َٰ ُ ّ َ َ َ ُ ََٰ‬
‫﴿ يأحٓا ٱنلاس إُِا ريلنسً ٌَِ ذن ٖص وأَُث‬
‫سًۡ‬ ‫َ َ َ ۡ َ َٰ ُ ۡ ُ ُ ٗ َ َ َ ٓ َ َ َ َ ُ ْۚ ٓ ْ َّ َ ۡ َ َ ُ‬
‫وجػينسً ػػٔبا ورتانِو ِلِ ػارـٔا إِن أزصٌ‬
‫يً َرتي﴾ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َّ َ‬
‫غِِس ٱَّللِ أتلىَٰس ًْۚ إن ٱَّلل غي ِ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫[سورة الحجرات‪]31 :‬‬

‫«فتعارفوا ‪ ..‬تحقيقاً لمكرامة عند ا﵀ تعالى»‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِّمة‬
‫ُمقد َ‬
‫كسبلـ عمى عباده الذيف اصطفى؛ ال َّ‬
‫سيما عبده‬ ‫ه‬ ‫الحمد ﵀ ككفى‪ ،‬كصبلةه‬
‫بعد‪:‬‬
‫أما ي‬‫الشرفا ‪َّ ..‬‬ ‫ي‬ ‫محم ود ٍ‬
‫المجتبى‪ ،‬كآلو كصحبو المستكمميف َّ‬ ‫َّ‬

‫كي ييحقّْقيكا العبادةى المطمكبةى‬


‫طمب العمـ؛ ٍ‬
‫ى‬ ‫ض ا﵀ تعالى عمى المسمميف‬ ‫فقد فى ىر ى‬
‫كيزيمكا بو ما‬
‫منيـ بالقدر الذم أراده سبحانو‪ ،‬كيرفعكا بو كذلؾ عنيـ الجي ىؿ كالجيالةى‪ ،‬ي‬
‫عدكىـ‪ ،‬كال يككنكا عالةن عمى غيرىـ‪،‬‬ ‫حؿ بيـ مف الظبلـ كالعمى‪ ،‬فيأمنكا بذلؾ ىم ٍك ىر ّْ‬ ‫َّ‬
‫اإلنساف‬
‫ي‬ ‫يأم يف‬
‫العمـ خشيةن ﵀ تبارؾ كتعالى‪ ،‬فبالعمـ ى‬ ‫ي‬ ‫يدىـ ىذا‬
‫كفكؽ ىذا كذاؾ ىيز ي‬
‫ات النفس‪ ،‬كغكائ ىؿ الشيطاف‪.‬‬ ‫نزك ً‬

‫بعض مف لكازـ‬ ‫بعضيـ ل و‬ ‫ككذلؾ فقد جعؿ ا﵀ سبحانو كتعالى ًكالي ىة المؤمنيف ً‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُۡ ۡ ُ َ َ ُۡ ۡ َ ُ َ ۡ ُ ُ ۡ َۡ َٓ‬
‫إيمانيـ؛ فقاؿ‪﴿ :‬وٱلٍؤٌِِٔن وٱلٍؤٌِنَٰج بػقًٓ أو ِِلاء بػ ٖـ﴾ [التكبة‪]71:‬؛ كنياىـ‬
‫يَ أ َ ۡو ِِلَا ٓ َء ٌَِ ُدون ٱل ۡ ٍُ ۡؤٌِِ َ‬
‫ِي ن﴾ [آؿ‬
‫ُۡ ۡ ُ َ ۡ َ‬
‫ؽَٰفِص َ‬ ‫ٱى‬ ‫ٔن‬‫ِِ‬ ‫ٌ‬‫ؤ‬‫ٍ‬‫ٱل‬ ‫ش‬
‫ِ‬ ‫ز‬ ‫عف مكالة غيرىـ؛ فقاؿ‪ََّّ ﴿ :‬ل َحخَّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫غير المؤمنيف في صفكؼ مف تكَّالىـ؛‬ ‫عمراف‪ ،]27 :‬بؿ كجعؿ كذلؾ مف ييكالي ى‬
‫ُ َ َّ‬ ‫َّ‬
‫فقاؿ‪َ ﴿ :‬و ٌََ َح َخ َٔل ًُٓ ٌِِّس ًۡ ـإُِ ُّۥ ٌ ِِۡ ُٓ ًۡ﴾ [المائدة‪.]51:‬‬

‫مكاف‪ ،‬أوليما‪ :‬طمب العمـ كفى ٍر َّ‬


‫ضيتيو‪ ،‬وثانييما‪:‬‬ ‫َّ‬
‫األىمية ب ه‬ ‫فيينا أمراف؛ يى ىما مف‬
‫كفرضيتيو كذلؾ؛ كقد يحدث لدل كثير مف المسمميف اختبلط‬‫َّ‬ ‫عدـ مكالة غير المؤمنيف‬
‫أك خمطه بيف األمريف؛ ال سيما في ىذا المكضكع الذم نحف بصدده‪.‬‬

‫قدًـ ك ّْ‬
‫الرقي؛ الذم‬ ‫شؾ فيو‪َّ :‬أنو ىما ًمف ىم ٍ‬
‫ظيى ور مف مظاىر التٌ ُّ‬ ‫ككذلؾ مما ال َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫يتناسب مع الديف كالعقؿ كالفطرة ككاف مكجكدا عند غيرنا‪ ،‬أك ما مف فضيمة حازىا‬
‫عمييا ىؤالء كافتقدناىا؛ إال كنحف ُّ‬
‫أحؽ كأكلى الناس بيا‪ ،‬فذلؾ مف‬ ‫(‪) 2‬‬
‫أك استحكذ‬
‫أمة‬
‫األمة اإلسبلمية التي ن ٍش يرؼ باالنتساب إلييا؛ فيي خير َّ‬ ‫مقتضيات ىخ ٍيرَّية َّ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ي أ ٌَّث أ ۡرص َج ۡ‬
‫ج ل َّ‬ ‫أخرجت لمناس‪ ،‬كقد قاؿ ا﵀ تعالى‪ُ ﴿ :‬ن ُ‬
‫ِخ ًۡ َر ۡ َ‬
‫اس حأ ُم ُصون‬
‫ِيِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬

‫ضمو كممكو‪ .‬المعجـ الكسيط؛ مادة‪( :‬حاز)‪ .‬مجمع المغة العربية‪ ،‬القاىرة‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ييقاؿ‪ :‬حاز الشيء ًحيازة؛ أم‪َّ :‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱظ َخ ۡد َٔذ َغي ۡي ِٓ ًُ ٱلؼ ۡي َطَٰ َُ﴾‪ ،‬المرجع السابؽ؛‬
‫(‪ )2‬يقاؿ‪ :‬استحكذ عمى الشيء استكلى عميو‪ ،‬كمنو قكلو تعالى‪ۡ ﴿ :‬‬
‫ي‬
‫مادة (حاذ)‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُۡ‬ ‫ۡ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ۡ ۡ‬


‫وف َوت ِۡ َٓ ۡٔن غ َِ ٱل ٍُِه ِص َوحؤٌ ُِِٔن ةِٱَّلل ِ﴾ [آؿ ًعمراف‪ .]110 :‬فيي خيري هة‬ ‫ةِٱل ٍَػ ُص ِ‬
‫اإلسبلمي الزاىر‪ ،‬ككذلؾ تكجب عمينا‬
‫ّْ‬ ‫ً‬
‫مظاىر التاريخ‬ ‫السعي؛ السترداد‬ ‫تيكجب عمينا‬
‫ى‬
‫العم ىؿ لقيادة العالـ بمنيجيا الذم ال يأتيو الباطؿ مف بيف يديو كال مف خمفو؛ إ ٍذ ىك‬
‫تنزيؿ مف حكيـ حميد سبحانو كتعالى‪.‬‬

‫ككاقع المسمميف اليكـ يتنافى بؿ كيتنافر تمامان مع ىذه الخيرية‪ ،‬كالسبب الذم‬
‫الك ىىف كالضعؼ‪ ،‬كقد صاحب ذلؾ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫أدل بيـ إلى ىذه الحاؿ؛ ىك ما لحؽ بيـ مف ى‬
‫كفقر كجي هؿ؛ بؿ كاعتقد كثير مف المسمميف أف ال‬
‫كعجز‪ ،‬كاستكانةه‪ ،‬ه‬
‫ه‬ ‫أيضان خمك هؿ‪،‬‬
‫سبيؿ إلى النيكض مف ىذه الحاؿ‪ ،‬فضبلن عف يأسيـ مف التفكؽ عمى ىذا السراب‬
‫مرضو ً‬
‫كآثاره فقط‪ ،‬كأما‬ ‫ً‬ ‫عبلج ل ً‬
‫ظاىر‬ ‫اء كما فيو إال‬
‫ه‬ ‫الغربي؛ الذم يحسبو المريض دك ن‬
‫أصؿ المرض كمكنكنو فبل‪.‬‬

‫حؿ بالمسمميف مف آثاره؛ إنما ىك بالعكدة إلى ديف‬ ‫كعبلج ىذا الكاقع‪ ،‬كرفع ما َّ‬
‫ي‬
‫ي‬
‫ربيـ تبارؾ كتعالى أولً؛ ًع ٍممان كعمبلن‪ ،‬كعقيدة كسمككان‪ .‬كثانياً‪ :‬بطمب العمـ ػ ػ كىك‪:‬‬
‫غيرنا كصارت لو‬ ‫الد ً‬
‫ينية ػ ػ؛ ال سيما ذاؾ الذم َّ‬ ‫العكدة ّْ‬
‫تميز بو ي‬ ‫السبيؿ الكحيد إلى تمؾ ى‬
‫ألمةي كمُّيا‬
‫ضمف فركض الكفايات؛ التي تأثـ ا َّ‬ ‫الريادةي كالصدارةي بسببو‪ ،‬كغالبو كذلؾ ً‬
‫ي‬
‫بالتخمؼ عف تحصيمو‪ .‬وثالثاً‪ :‬بتنفيذ ىذا العمـ كبذؿ النفس كالنفيس في سبيؿ ذلؾ؛‬
‫قائـ عمى جيؿ‪ ،‬فإف طيرؽ المعرفة‬ ‫بعمؿ و‬
‫و‬ ‫إذ ال ييغني ًع همـ ببل عمؿ‪ ،‬كما ال يكثؽ‬
‫ّْي؛ كأسعد‬ ‫ً‬
‫اإلنسانية متنكعة؛ فمنيا ما ىك عقمي‪ ،‬كمنيا ىك خبرم‪ ،‬كمنيا ىك حس ه‬
‫قيان كتحض انر مف قامت نيضتييا عمى تمؾ الطرؽ مجتمعةن؛ يقكؿ ابف تيمية ػ ػ‬ ‫األمـ ير َّ‬
‫ً‬
‫األمـ عممان المقركف بالطرؽ الحسية كالعقمية‬ ‫عميو رحمة ا﵀ تعالى ػ ػ‪« :‬أ ٍكم يؿ‬
‫بحسب ما كذب بو مف تمؾ‬ ‫كذب بطريؽ منيا فاتو مف العمكـ‬ ‫كالخبرية؛ فمف َّ‬
‫ٍ‬
‫بل كقكتييـ تامةن؛‬
‫استعدادىـ كام ن‬
‫ي‬ ‫الطرؽ»(‪ .)1‬فالكاجب عمى المسمميف إذا‪« :‬أف يككف‬
‫كيقابمكف الريح باإلعصار‪ ،‬كيكاجيكف‬
‫يقارعكف الحديد بالحديد بؿ بأقكل مف الحديد‪ ،‬ي‬
‫يدىـ‪ ،‬كبكؿ ما اكتشفو‬ ‫ّْ‬
‫كبكؿ ما امتدت إليو ي‬ ‫الكفر كأىمو بكؿ ما يقدركف عميو‪،‬‬

‫(‪ )1‬درء تعارض العقؿ مع النقؿ (‪.)334 /7‬‬

‫‪2‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫و‬
‫كجياز كاستعداد حربي‪ ،‬ال‬ ‫سبلح‬
‫و‬ ‫اإلنساف ككصؿ إليو العمـ في ذلؾ العصر‪ ،‬مف‬
‫يقصركف في ذلؾ كال يعجزكف»(‪.)1‬‬

‫طمب العمـ‬
‫ي‬ ‫مفر منيا كال تسقط بحاؿ مف األحكاؿ؛‬ ‫فمف الكاجبات التي ال َّ‬
‫النافع الذم تميز بو ىؤالء‪ ،‬حتى كاف كاف بالترحاؿ‪ ،‬فالرحمةي مف لكازـ ىذا الطمب‪ ،‬ال‬
‫سيما كاف كاف ىذا العمـ ػ ػ كما سمؼ ًذكره ػ ػ مف فركض الكفايات‪ ،‬كىك كذلؾ ًع همـ مف‬
‫العمكـ التي ين ً‬
‫قارع بيا اآلخريف؛ كالتي أصبح الغرب يمحتك انر ليا‪.‬‬

‫نفر مف أبنائنا‬‫تجييز و‬
‫ي‬ ‫كعميو ‪ ..‬فقد كجب عمى ببلدنا ػ ػ حككمات كشعكب ػ ػ ػ‬
‫ً‬
‫اإلسبلمية في جكانبًيا‬ ‫األم ًة‬ ‫ً‬
‫لكفاية َّ‬ ‫ّْ‬
‫مظانيا‪ ،‬كذلؾ تحقيقان‬ ‫لطمب ىذه العمكـ مف‬
‫ً‬
‫التخمؼ الذم لحؽ بالمسمميف‪ ،‬إ ٍذ كاف مف آثاره ُّ‬
‫تقد يـ غيرنا‬ ‫كرٍفعان آلثار ىذا‬ ‫ً‬
‫الشاغرة‪ ،‬ى‬
‫كمتأثّْريف ال‬
‫كتأخ يرنا‪ ،‬فأصبحنا منتفعيف مف غيرنا ال نافعيف‪ ،‬كمستفيديف ال يمفيديف‪ ،‬ي‬ ‫ُّ‬
‫مؤثريف‪.‬‬

‫قت بنفسيا ػ ػ ػ كسط ىؤالء؛ البد ليا مف‬ ‫كلكف ىذه الثُّمةى التي ٍ‬
‫ألقيىنا بيا ػ ػ ػ أك أ ٍل ٍ‬ ‫َّ‬
‫و‬
‫بكجو‬ ‫دينيا كأخبلقىيا كمعامبلتًيا؛ فبل تذىب‬ ‫ضابط تسير في فمكو‪ ،‬يحفظ عمييا ى‬ ‫و‬
‫قمبيا‬
‫غيرةن ى‬ ‫كتأت بكجو مخالؼ لما كانت عميو؛ نابذةن ثقافتىيا اإلسبلميةى األصيمة‪ ،‬يم َّ‬
‫فأصبحت لذلؾ يشؤمان عمى نفسيا قبؿ ببلدىا‪ ،‬ككانت سببان في تغيير يى ّْكية‬
‫ٍ‬ ‫كقالىىبيا‪،‬‬
‫المسمـ يجمس عمى مقعد‬
‫ى‬ ‫َّ‬
‫الشاب‬ ‫األبرز ىنا أف‬
‫ي‬ ‫كثير مف المسمميف؛ ف ػػ‪« :‬اإلشكا يؿ‬
‫ميتـ بنشر بعض األفكار‬
‫غير مسمميف‪ ،‬كفييـ مف ىك ّّ‬ ‫التعميـ كالتمقي مف معمميف ً‬
‫اإللحادية‪ ،‬كقد تأثر بعض الطبلب بذلؾ حتى مف أصحاب الدراسات العميا‪ ،‬كلك كاف‬
‫الشاب قبؿ ذىابو إلى الدراسة ىناؾ عمى مستكل و‬
‫عاؿ مف اإليماف كاليقيف‪ ،‬ككاف‬ ‫ُّ‬
‫ن‬
‫ّْـ بيا‬
‫يممؾ قد انر ال بأس بو مف التأصيؿ الشرعي كاألدكات المعرفية التي ييقي ي‬

‫( ‪ )1‬ماذا خسر العالـ بانحطاط المسمميف؟‪ ،‬تأليؼ‪ :‬أبك الحسف الندكم‪ ،‬ص‪ .)121( :‬ط‪ :‬مكتبة اإليماف‬
‫بالمنصكرة‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ً‬
‫المعمكمات الجديدةى كيخضعيا لمنقد العممي؛ لكاف األمر أىكف مف ذىابو كىك ىع ًر ّّ‬
‫م‬
‫عف ذلؾ كمو»(‪.)1‬‬

‫صارمة عمى األنشطة السياحية‬ ‫و‬ ‫و‬


‫إسبلمية‬ ‫كلذلؾ فإف المناداة بكجكد‪ « :‬و‬
‫رقابة‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الد ىك ًؿ؛ أفرادان‬
‫أمر تفرضو المسؤكليةي اإلسبلميةي عمى ُّ‬ ‫)‬ ‫‪2‬‬ ‫(‬
‫كاالبتعاث إلى الخارج» ؛ ه‬
‫مقكمات الشخصية اإلسبلمية‪.‬‬ ‫و‬
‫كحككمات‪ ،‬كذلؾ مف أجؿ المحافظة عمى ّْ‬

‫ككاف ىذا ىك السبب في تسطير تمؾ القكاعد؛ التي تحفظ لنا ثقافتىنا كأبناءنا‬
‫أمتًنا اإلسبلمية‪.‬‬ ‫كتككف سببا في ُّ‬
‫تقدـ كرقي مجتمعاتنا ك َّ‬

‫ضع‬‫كىدؼ ك ً‬ ‫َّ‬
‫إشكاليةه تسعى في إيجاد حؿ ليا‪،‬‬ ‫َّ‬
‫كلكف ىذه الدراسة؛ كاف ليا‬
‫ه ي‬
‫ليا‪ ،‬كشريحةه يكجّْيت إلييا‪ ،‬كطبيعةه سارت بيا كعمييا‪ ،‬كدراسات سابقة كذلؾ‪ ،‬كبياف‬
‫ىذه األمكر؛ كالتالي‪:‬‬

‫‪ ‬مشكم ُة الدراسة‪.‬‬
‫صكر ّْ‬
‫متعدد؛ أبرزىا‪:‬‬ ‫تى ٍك يمف ىذه اإلشكالية في ي‬
‫المسمميف؛ بالبمداف الغربية بما عميو‬‫ناف كثير مف الباحثيف كالدارسيف ي‬ ‫ػ ػ ػ افتت ي‬
‫أىمييا مف الحضارة المادية التي برعكا فييا‪.‬‬
‫المتعم ًد؛ عند كثير مف ال يكتَّاب بيف التقدـ المادم‬
‫َّ‬ ‫غير‬
‫المتعم يد أك ي‬
‫َّ‬ ‫ػ ػ ػ الخمطي‬
‫نادكف بما نادل بو ىؤالء ًمف نب ٍذ ًىـ لمديف كفصمو عف‬ ‫في ي‬
‫كالجانب الديني؛ ي‬
‫الحياة؛ كصكالن إلى ما كصكلكا إليو مف ُّ‬
‫تقدميـ المادم ػ ػ!!‬ ‫ي‬
‫ػ ػ ػ عدـ التمييز بيف ّْ‬
‫الغث كالسميف في ثقافة اآلخريف‪.‬‬
‫ػ ػ ػ المكانة المرمكقة التي ىي ٍمقاىا ىؤالء الدارسيف في أكطانيـ؛ بعد عكدتيـ إلييا‪،‬‬
‫كغيرىـ بما جاءىـ بو ىؤالء؛ مبيكركف مشدكىكف‪.‬‬
‫فيـ الذيف يتكممكف‪ ،‬ي‬

‫( ‪ )1‬سابغات " كيؼ نتعامؿ مع الشبيات الفكرية المعاصرة" أحمد يكسؼ السيد‪ ،‬ص‪ ،)25( :‬إصدار مركز‬
‫تككيف لمدراسات كاألبحاث‪ ،‬ط الثالثة‪1438( /‬ق ػ ػ ػ ‪2017‬ـ)‬
‫صرح بيذه الرقابة ككصى بيا؛ مجمعي الفقو اإلسبلمي الدكلي المنبثؽ عف منظمة التعاكف اإلسبلمي‪ ،‬يينظر‪:‬‬
‫َّ‬ ‫( ‪)2‬‬
‫ق اررات كتكصيات المجمع‪ ،‬ص‪ )166( :‬ط‪1432 :1‬ق‪ ،‬في دكرتو الرابعة‪ ،‬المنعقدة بالمممكة العربية‬
‫السعكدية؛ َّ‬
‫بجدة‪1408 ،‬ق‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أىداؼ الدراسة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫ليذه الدراسة أىداؼ عامة‪ ،‬كأخرل خاصة‪:‬‬
‫اليامة في الثقافة اإلسبلمية؛ إذ‬
‫نشر لجزئية مف الجزئيات َّ‬
‫أما العامة؛ فمنيا‪ « :‬ه‬
‫َّ‬
‫أف التعامؿ مع ثقافة اآلخريف يحتاج إلى ضكابط كقكاعد تضبطو في ضكء‬
‫الكميات المحكمة كالم ّْ‬
‫حكمة في الشريعة اإلسبلمية»‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫كتبصير لمدارسيف كالمطَّمعيف عمى ثقافة اآلخر؛‬
‫ه‬ ‫تحذير‬
‫ه‬ ‫أما الخاصة؛ فيي‪:‬‬ ‫و َّ‬
‫بما فييا مف الميالؾ كالمزالؽ‪ ،‬ككذلؾ تحديد ما ىك النافع المرجك تحصيمو مف‬
‫الم ٍجتىنب‪ ،‬ككذلؾ تحديد ككنو اطبلعان كليس‬
‫ىؤالء‪ ،‬ككذلؾ ما ىك الضار ي‬
‫ىدفان كال غاية لذاتو؛ كانما ىك كسيمة لمحصكؿ عمى ما عندىـ مف العمـ‬
‫ٔن َظَٰٓ ٗصا ٌّ ََِ ۡ َ‬
‫ٱۡل َي َٰٔة ِ‬
‫ََُۡ َ‬
‫الدنيكم النافع؛ الذم كصفو ا﵀ تعالى بقكلو‪﴿ :‬حػيٍ‬
‫ِ‬
‫ُّ ۡ‬
‫ٱدلج َيا﴾ [الركـ‪.]7 :‬‬
‫‪ ‬دراس ٌة ‪ ..‬لِمف؟‪.‬‬
‫مكجيةه إلى جـ و‬
‫غفير مف الدارسيف كالباحثيف كغيرىـ؛ أمثاؿ‪:‬‬ ‫ىذه الدراسة َّ‬
‫الصناع كالتُّ َّجار‬
‫العماؿ ك َّ‬
‫ػ ػ مف تعايشكا مع اآلخريف طكعان أك كرىان؛ مف َّ‬
‫كالجنكد‪ ،‬كالسائحيف‪ ،‬كالجاليات الحككمية ػ ػ كالعامميف في السفارات كالييئات‬
‫الدبمكماسية التابعة لمدكلة المسممة ػ ػػ؛ في تمؾ الببلد‪.‬‬
‫كغيرىـ في مجاؿ مقارنة األدياف كالمذاىب الفكرية المعاصرة‪.‬‬
‫ػ ػ المتخصصكف ي‬
‫البمداف الغربية‪.‬‬
‫ػ ػ المبعكثكف إلكماؿ أعماليـ العممية في تمؾ ي‬
‫ً‬
‫عصر العكلمة أك عصر الدعكة إلى‬ ‫ػ ػ الدعاة إلى ا﵀ تعالى في ىذا العصر؛‬
‫بصركا‬
‫في ّْ‬
‫العالمية كي يككنكا عمى بصيرة بما ىيجرم أك ييجرل مف ىحكليـ؛ ي‬
‫المدعكيف بذلؾ عند الحاجة‪.‬‬
‫‪ ‬طبيعة البحث‪:‬‬
‫و‬
‫لكثير مف المسائؿ؛ كالتي ربما تناكليا كثير مف‬ ‫ً‬
‫متناكالن‬ ‫لما كاف البحث‬
‫أولً‪َّ :‬‬
‫اقتضت طبيعتوي أف أشير إلى تمؾ المسائؿ التي تناكليا السابقكف‬ ‫ٍ‬ ‫الباحثيف؛‬
‫يخص‬
‫ُّ‬ ‫عامة؛ يم ّْنكىا مف خبلليا عمى أبرز ما‬
‫إشارة ػ ػ ال أقكؿ خاطفةن؛ بؿ ػ ػ ػ َّ‬

‫‪5‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يبت في ّْ‬
‫كؿ مسألة منيا‪.‬‬ ‫أس ٍ‬ ‫ً‬
‫ىذه الدراسة؛ مع ذكر أبرز المراجع العممية التي ٍ‬
‫كذلؾ بيدؼ جمع تمؾ القكاعد في مكاف كاحد يسيؿ الرجكع إليو‪.‬‬
‫كمي ال يتجزأ؛ بمعنى أنو ال يينظر إلى مباحثو في ًداللتيا عمى‬
‫ثانياً‪ :‬البحث ّّ‬
‫المراد؛ نظرة فردية‪ ،‬بؿ إجمالية لجميع قكاعده كمباحثو؛ كذلؾ ألنني قد أضعي‬
‫اقتضتوي مف ًكجية نظرم؛ بينما يراه‬
‫ٍ‬ ‫كبلمان ما في قاعدة لمناسبة مف المناسبات‬
‫غيرم مناسبان في مكاف آخر‪ ،‬أك أف األمر كما قيؿ‪ :‬ال مشاحة في‬
‫االصطبلح‪.‬‬
‫‪ ‬الدراسات والبحوث السابقة‬
‫عمماء أجبلء؛ فمنيـ مف صرح‬ ‫ً‬
‫الكتاب كعمك ًميـ‬ ‫أىؿ‬ ‫ً‬
‫األخذ عف ً‬ ‫تناكؿ مسألةى‬
‫ي‬
‫بيذا المعنى؛ كمنيـ مف أ ٍل ىمح إليو إلماحان؛ فمف ىؤالء أصحاب الصّْحاح‬
‫كالسنف كالمسانيد‪.‬‬
‫فقد أشار البخاري في صحيحو إلى ىذه القضية تحت أبكاب‪ ،‬منيا؛ باب‪( :‬ال‬
‫ييسأؿ أىؿ الشرؾ عف الشيادة كغيرىا)‪ ،‬كباب‪( :‬ال تسألكا أىؿ الكتاب عف‬
‫شيء)(‪.)1‬‬
‫ككذلؾ أبو داود‪ :‬في سننو؛ في كتاب‪( :‬العمـ)؛ باب‪( :‬الحديث عف بني‬
‫إسرائيؿ)‪.‬‬
‫وأيضاً‪ :‬عبد الرزاؽ الصنعاني‪ :‬في مصنفو تحت ىذه األرقاـ‪ 10157( :‬ػ ػ ػ‬
‫‪.)10166‬‬
‫أما ابف عبد البر؛ فقد ذكر آثا انر في جامعو ليذه المسألة فقاؿ؛ باب‪( :‬في‬
‫و َّ‬
‫مطالعة كتب أىؿ الكتاب كالركاية عنيـ)(‪.)2‬‬
‫والذىبي‪ :‬كقد ىجمعت عنو بعض النقكالت في ىذا المكضكع‪ .‬تحت عنكاف‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫(التحذير مف مؤلفات أىؿ الكتاب)‬

‫(‪ )1‬كسيأتي ًذ ٍك ير ىذه المكاطف مف صحيحو مخرجةن‪.‬‬


‫(‪ )2‬جامع بياف العمـ كفضمو‪ ،‬بأرقاـ‪ 1483( :‬ػ ػ ػ ‪.)1500‬‬
‫(‪ )3‬طمب العمـ فكائد كنصائح ً‬
‫كحكـ؛ لئلماـ شمس الديف الذىبي مف تأليؼ‪ :‬خميؿ محمد العربي‪ .‬ص‪،)204( :‬‬
‫ط‪ :‬دار البخارم لمطباعة ػ الدكحة‪ ،‬قطر‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كغيرىـ كثير كما ذكرت ىذا إال لمتدليؿ عمى أف تمؾ القضية كاف ليا حضكر؛‬
‫ٌأيما حضكر في كبلـ السابقيف‪ ،‬ناىيؾ عف كبلـ المتأخريف فييا كالذم سكؼ يظير‬
‫مف خبلؿ البحث إف شاء ا﵀ تعالى‪.‬‬

‫يدم بحثي يجممةن‬


‫أكد أف أجعؿ بيف ٍ‬‫كقبؿ أف أدخؿ في ثنايا ىذه القكاعد كتضاعيفيا َّ‬
‫كية‪.‬‬
‫المر ٌ‬
‫مف اآليات القرآنية كاألحاديث النبكية كاآلثار ٍ‬
‫يمتبركان بيا‪ ،‬كاشفان مف خبلليا عف مقصكدم‪.‬‬

‫كىي‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بني يدي البحث‬


‫(آ ٌ‬
‫ايت وآحاديث وآاثر)‬
‫َّ َ َ ٓ ُ َ َ ۡ َ َ َ ٓ ُ َ َ َٰٓ ۡ َ َٰ َ ۡ َ َٰ َ‬ ‫قاؿ ا﵀ تعالى‪﴿ :‬كُٔل ُ ٓٔا ْ َء َاٌ َّ‬
‫ُضل إِِلِا وٌا أُضِل إِل إِةر ِهًۧ سِإَظؿػِيو‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫ٌ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ٱَّلل‬‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ا‬‫ِ‬
‫َّ ّ ۡ َ ُ َ ّ ُ‬ ‫ۡ َ َٰ َ َ َ ۡ ُ َ َ ۡ َ ۡ َ َ َ ٓ ُ َ ُ َ َٰ َ َ َٰ َ َ ٓ ُ َ َّ ُّ َ‬
‫وِت ٱنلبِئن ٌَِ رب ِ ًِٓ َّل جف ِصق‬ ‫وِت مَٔس وغِيَس وٌا أ ِ‬ ‫اط وٌا أ ِ‬ ‫سِإَظحق ويػلٔب وٱۡلظت ِ‬
‫َۡ َ َ َ ّ ۡ ُ ۡ َ َۡ ُ َُ ُ ۡ ُ َ‬
‫بي أخ ٖس ًٌِِٓ وَنَ َلۥ معي ٍِٔن﴾ [البقرة‪.]136 :‬‬
‫ون ٱىۡه َِٰ َٰ َ‬ ‫َ ّ ّ َّ ٓ َ َ ۡ َ ٓ َ ۡ َ َ ۡ َ َّ َ َ ۡ َ ُ َ‬ ‫كقاؿ سبحانو‪﴿ :‬ـَإن ُن َ‬
‫ب‬ ‫م مٍِا أُضنلا إِِلم ـسٔ ِو ٱَََِ حلصء‬ ‫ٖ‬ ‫ػ‬ ‫ِف‬ ‫ِ‬ ‫ِج‬ ‫ِ‬
‫يَ﴾ [يكنس‪ .]94 :‬كقاؿ‪:‬‬
‫ۡ‬
‫ٔج ََّ ٌ ََِ ٱل ٍُ ٍۡ ََت َ‬ ‫َّ ّ َ َ َ ُ َ‬
‫س‬ ‫ح‬ ‫َل‬
‫َ‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َِ‬ ‫ٌ‬ ‫ق‬ ‫ٌَِ َر ۡتي َِم ْۚ ىَ َل ۡس َجا ٓ َء َك ۡ َ‬
‫ٱۡل ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ٗ‬
‫ٱلصِنَٰمۡح َءال َِٓث ُح ۡػ َت ُسون﴾‬ ‫سٔ ۡو ٌَ َۡ أ ۡر َظ ۡي َِا ٌَِ َر ۡتي َِم ٌَِ ُّر ُظي َِِا ٓ أ َج َػي َِا ٌَِ ُدون َّ‬
‫ۡ‬ ‫﴿ َو ۡ َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫[الزخرؼ‪ .]45 :‬كقاؿ‪َ ﴿ :‬ظ ۡو ة َ ِ ٓ‬
‫ِن إ ِ ۡظ َرَٰٓءَِو ز ًۡ َءاتيۡ َن َٰ ًُٓ ٌّ َِۡ َءاََث ِۢ ةَيَِِّثٖ َو ٌََ ُحتَ ّسِل ُ ِۡػ ٍَث‬
‫َ ۡ َ َ ٓ َ ۡ ُ َ َّ َّ َ َ ُ ۡ َ‬ ‫َّ‬
‫اب ﴾ [البقرة‪]211 :‬‬ ‫ٱَّلل ِ ٌِ َۢ بػ ِس ٌا جاءحّ ـإِن ٱَّلل ػسَِس ٱى ِػل ِ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ ۡ َ ۡ ۡ َّ ٓ ُ َ َ ۡ َ َّ َ َ َ‬
‫يم‬ ‫ؾر َٰ ٖط ٌعخلِ ٖ‬ ‫وِح إِِلم ن إُِم لَع ِ‬ ‫ست أسماؤه‪﴿ :‬ـٱظخٍعِم ةِٱَِي أ ِ‬ ‫تقد ٍ‬ ‫كقاؿ َّ‬
‫ُ َّ َ ۡ َ‬ ‫َّ ُ َ ۡ ر َّ َ َ َ ۡ َ َ َ ۡ َ ُ ۡ َ ُ َ‬
‫ج َػي َنَٰم‬ ‫سٔئن ﴾ [الزخرؼ‪ ،]44 ،43 :‬كقاؿ‪﴿ :‬ثً‬ ‫سِإَُّۥ َِكص ىم وى ِلٔمِم ن وظٔف ت‬
‫َ َ َّ َ ۡ ْ َ َ‬ ‫َ َ َٰ َ َ ّ َ ۡ َ ۡ َ َّ ۡ َ َ َ َ َّ ۡ َ ۡ َ ٓ َ َّ َ َ‬
‫ََِ َّل َح ۡػي ٍُٔن إِج ُٓ ًۡ ىَ ُحؾ ُِٔا غِم ٌ ََِ‬ ‫َشيػ ٖث ٌَِ ٱۡلم ِص ـٱحتِػٓا وَّل حتتِع أْٔاء ٱَ‬ ‫لَع ِ‬
‫ي﴾ [الجاثية‪.]19 ،18 :‬‬ ‫ِل ٱل ۡ ٍُ َّخل َ‬
‫ِ‬ ‫ٱَّلل َو ُّ‬ ‫ي َب ۡػ ُق ُٓ ًۡ أ َ ۡو ِِلَا ٓ ُء َب ۡػـ َو َّ ُ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ ۡ ٗ َّ َّ‬
‫ٱىََٰٰيٍِ َ‬ ‫ٱَّلل ِ ػئا ْۚ سِإَن‬
‫ِ‬ ‫ٖ‬
‫ََِ َْ َسى َٰ ًُُٓ‬ ‫م َّٱَ َ‬ ‫َّ َ َ ۡ َ ُ َ ۡ َ ۡ َ َ َ َّ ُ َ َ ۡ َ َ ُ ٓ ُ ْ َ َٰٓ َ‬ ‫كقاؿ َّ‬
‫جؿ كعز‪﴿ :‬ٱَََِ يعخ ٍِػٔن ٱىلٔل ذيتتِػٔن أخعِّ ْۚۥ أوله ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ُ َ ُ ْ َ َ ُ ۡ ُ ْ ُ ْ ۡ َ ۡ‬
‫ب﴾ [الزمر‪.]18 :‬‬ ‫َٰ‬
‫ٱَّللن وأو َٰٓلهِم ًْ أولٔا ٱۡلىب ِ‬
‫ۡ ۡ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ٱۡلَ ّي َ‬‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َٓ ۡ‬ ‫ََ‬
‫ِِسًْ ٌّ ََِ ٱىػِي ًِ‬ ‫ج ـصِ ُخٔا ة ِ ٍَا غ‬ ‫كقاؿ سبحانو‪﴿ :‬ـي ٍَّا جا َءت ُٓ ًۡ ُر ُظي ًُٓ ة ِ ِ ِ‬
‫َٰ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َو َخاق ة ِ ًِٓ ٌَّا َكُٔا ةِِّۦ ي َ ۡع َخ ۡٓ ِض ُءون ﴾ [غافر‪]83 :‬‬

‫فإيماننا با﵀ رب العالميف‪ ،‬كبما أنزلو عمى أنبيائو كرسمو‪ً ،‬مف غير تفري و‬
‫ؽ بيف‬
‫أحد منيـ صمكات ا﵀ كسبلمو عمييـ؛ تمؾ عقيدة راسخة ال َّ‬
‫شؾ فييا كال ارتياب‪،‬‬ ‫و‬
‫اء الذيف ال يعممكف إال ظاى انر مف الحياة‬ ‫كألجؿ ذلؾ؛ كاف اتّْباعي و‬
‫نفر مف المسمميف أىك ى‬
‫عدًـ يقينيـ بما جاءىـ عف الرسكؿ الكريـ محمد صمى ا﵀ عميو‬ ‫بل عمى ى‬ ‫الدنيا؛ دلي ن‬

‫‪8‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كؿ ما لدييـ؛ حقَّان‬ ‫كسمـ؛ إ ٍذ لـ يأخذكا عف ىؤالء ًخيار ما في جاىميتيـ؛ بؿ أخذكا َّ‬
‫ى‬
‫قكؿ تى ٍع ًقؿ ػ ػ أم تي ٍح ًج يـ ػ ػ‬
‫كاف أك باطبلن‪ ،‬فكانكا في يب ٍع ود عف ىداية ا﵀ تعالى‪ ،‬كبغير يع و‬
‫عما ىي ىاكيةه إليو‪.‬‬ ‫أصحابيا َّ‬
‫ى‬
‫أحاديث؛ منيا‪:‬‬
‫ي‬ ‫كمف ًىدايات ًم ٍشكاة ُّ‬
‫النبكة‬

‫النبً ُّي صمَّى ا﵀ عمى ٍي ًو كسمَّـ ًفي ي ًد عمر ٍب ًف ا ٍل ىخطَّ ً ً‬ ‫أولً‪ :‬ىأرىل َّ‬
‫اب ىرض ىي ا﵀ي ىع ٍنوي‬ ‫ى ي ىى‬ ‫ي ى ىىى‬ ‫ى‬
‫صمَّى ا﵀ي ىعمى ٍي ًو ىك ىسمَّ ىـ‪ ،‬ىكتى ىغَّي ىر ىك ٍجييوي‪ ،‬ىحتَّى‬ ‫النبً ُّي ى‬
‫ب َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كأىرضاه ً ً‬
‫صحيفىةن م ىف التَّ ٍكىراة‪ ،‬فى ىغض ى‬ ‫ىٍ ى ي ى‬
‫اب؟»‬ ‫كف ىيا ٍاب ىف ا ٍل ىخطَّ ً‬ ‫ىمتىيى ّْك يك ى‬ ‫ؾ ىعمىى ىك ٍج ًي ًو ىعمى ٍي ًو الص ى‬
‫ض ىح ىذلً ى‬
‫اتَّ ى‬
‫َّبل يـ‪ ،‬ىكقىا ىؿ‪« :‬أ ي‬
‫َّبلةي ىكالس ى‬
‫يعنًي أىمتىحيّْركف «لىقى ٍد ًج ٍئتي يكـ بًيا ب ٍيض ً‬
‫كسى ىحِّيا ثيَّـ اتَّىب ٍعتي يمكهي‬ ‫اف يم ى‬ ‫اء ىنقَّيةن‪ ،‬ىكلى ٍك ىك ى‬
‫ٍ ى ى ى ى‬ ‫ي ىي ى‬ ‫ىٍ‬
‫(‪)1‬‬
‫اعي» ‪.‬‬ ‫كتىرٍكتيمكنًي لىضمىٍمتيـ»‪ .‬كًفي ًركاي وة‪« :‬كىلك ىكاف مكسى حِّيا ما ك ًسعو إً َّال اتّْب ً‬
‫ى‬ ‫ى ٍ ى ي ى ى ى ى ىي‬ ‫ىى‬ ‫ى ٍ ى‬ ‫ىى ي‬

‫كف التَّ ٍكىراةى‬ ‫ىى يؿ ا ٍل ًكتى ً‬


‫اب ىي ٍق ىريء ى‬ ‫اف أ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫وثانياً‪ :‬ىع ٍف أىبًي يى ىرٍي ىرةى ىرض ىي الموي ىع ٍنوي؛ قىا ىؿ‪ :‬ىك ى‬
‫صمَّى المَّوي ىعمى ٍي ًو ىك ىسمَّ ىـ ىال‬ ‫َّ ً‬
‫اإل ٍس ىبلـ فىقىا ىؿ ىر يسك يؿ المو ى‬
‫ىى ًؿ ًٍ ً‬ ‫كنيىا بًا ٍل ىع ىربًَّي ًة ًأل ٍ‬
‫ّْر ى‬ ‫ً ً ًً‬
‫با ٍلع ٍب ىرانَّية ىكييفىس ي‬
‫آمَّنا بًالمَّ ًو ىك ىما أ ٍين ًز ىؿ إًلى ٍيىنا ٍاآلىيةى(‪.)2‬‬ ‫اب ىكىال تي ىك ّْذ يب ي‬
‫كى ٍـ ىكقيكليكا ى‬
‫ىى ىؿ ا ٍل ًكتى ً‬
‫ص ّْدقيكا أ ٍ‬‫تي ى‬
‫ىى ىؿ ا ٍل ًكتى ً‬ ‫ض ىي المَّوي ىع ٍنيي ىما قىا ىؿ ىك ٍي ى‬ ‫اس ر ً‬
‫اب ىع ٍف‬ ‫كف أ ٍ‬ ‫ؼ تى ٍسأىلي ى‬ ‫ثالثاً‪ :‬عف ا ٍب ىف ىعَّب و ى‬
‫كنوي‬ ‫ث؛ تى ٍق ىريء ى‬ ‫صمَّى المَّوي ىعمى ٍي ًو ىك ىسمَّ ىـ أ ٍ‬
‫ىح ىد ي‬ ‫ً َّ ً‬ ‫ًَّ‬
‫ىش ٍيء ىككتى ياب يك ٍـ الذم أ ٍين ًز ىؿ ىعمىى ىر يسكؿ المو ى‬
‫و ً‬
‫اب المَّ ًو ىك ىغَّي يركهي ىك ىكتىيبكا بًأ ٍىي ًدي ًي ٍـ‬ ‫ً‬
‫اب ىب َّدليكا كتى ى‬ ‫ىى ىؿ ا ٍل ًكتى ً‬ ‫ب ىكقى ٍد ىح َّدثى يك ٍـ أ َّ‬
‫ىف أ ٍ‬ ‫ضا لى ٍـ يي ىش ٍ‬
‫ىم ٍح ن‬

‫(‪ )1‬أخرجو أحمد في مسنده (‪)387 /3‬؛ برقـ‪ .)15156( :‬كقد أخرج عبد الرزاؽ في مصنفو قصةى حصكؿ‬
‫عمر عمى ىذه الصحيفة؛ انظرىا برقـ‪ .)10164 ،10163( :‬كفي ركاية جابر رضي ا﵀ عنو؛ عند‬
‫الدارمي‪ :‬أنو أتى النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ بنسخة مف التكراة؛ باب‪( :‬ما ييتّّقى مف تفسير حديث النبي‬
‫صمى ا﵀ عميو كسمـ)‪ ،‬برقـ‪ .)449( :‬كأخرجو ابف عبد البر؛ في جامع بياف العمـ كفضمو؛ في األرقـ‪:‬‬
‫(‪ .)1497 ،1495‬كابف أبي عاصـ في السنة؛ برقـ‪ .)50( :‬كفي مشكاة المصابيح‪ ،‬ؾ‪( :‬اإليماف)‪ ،‬باب‪:‬‬
‫(االعتصاـ بالكتاب كالسنة)‪ ،‬برقـ‪ .)194 ،177( :‬كفي غالب الركايات أنو ق أر عمى النبي صمى ا﵀ عميو‬
‫كسمـ منيا‪ ،‬كلكنو عميو الصبلة كالسبلـ قد تغير كجيو منك انر لذلؾ حتى سكت عمر رضي ا﵀ عنو‪ ،‬كفي‬
‫الحديث أف أبا بكر قاؿ لعمر (ثكمتؾ الثكاكؿ!!)‪ .‬كقد استكفى طرقو األلباني في إركاء الغميؿ بتخرج‬
‫أحاديث منار السبيؿ؛ برقـ‪.)1589( :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجو البخارم في مكاضع‪ ،:‬ؾ‪( :‬التفسير ػ ػ تفسير سكرة البقرة)‪ ،‬باب‪( :‬قكلكا َّ‬
‫آمنا با﵀ كما أنزؿ إلينا)‪،‬‬
‫برقـ‪ ،)4485( :‬ؾ‪( :‬االعتصاـ)‪ ،‬باب‪( :‬ال تسألكا أىؿ الكتاب عف شيء)‪ ،‬برقـ‪ ،)7362( :‬كؾ‪:‬‬
‫(التكحيد)‪ ،‬باب‪( :‬ما يجكز مف تفسير لتكراة كغيرىا مف كتب ا﵀ بالعربية)‪ ،‬برقـ‪.)7542( :‬‬

‫‪9‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اء يك ٍـ ًم ٍف ا ٍل ًع ٍمًـ‬
‫ىما ىج ى‬ ‫ًم ٍف ًع ٍن ًد المَّ ًو لًىي ٍشتىيركا بً ًو ثى ىمننا ىقمً ن‬
‫يبل أ ىىال ىي ٍنيىا يك ٍـ‬ ‫اب ىكقىاليكا يى ىك‬ ‫ً‬
‫ا ٍلكتى ى‬
‫ىعمى ٍي يك ٍـ(‪.)1‬‬ ‫ىكالمَّ ًو ىما ىأرٍىيىنا ًم ٍنيي ٍـ ىر يج نبل ىي ٍسأىلي يك ٍـ ىع ٍف الًَّذم أ ٍين ًز ىؿ‬ ‫ىع ٍف ىم ٍسأىلىتً ًي ٍـ؟! ىال‬

‫صمَّى المَّوي ىعمى ٍي ًو‬


‫ى‬ ‫النبً َّي‬ ‫ورابعاً‪ :‬ىع ٍف ىع ٍب ًد المَّ ًو ٍب ًف ىع ٍم ورك رضي ا﵀ عنيما أ َّ‬
‫ىف َّ‬
‫ب ىعمى َّي‬ ‫ىك ىم ٍف ىك ىذ ى‬ ‫ىك ىسمَّ ىـ قىا ىؿ‪( :‬ىبمّْ يغكا ىعّْني ىكلى ٍك ىآيةن ىك ىح ّْدثيكا ىع ٍف ىبنًي إً ٍس ىرائًي ىؿ ىكىال ىح ىرىج‪،‬‬
‫يمتى ىع ّْم ندا ىف ٍمىيتىىب َّكٍأ ىم ٍق ىع ىدهي ًم ٍف َّ‬
‫الن ًار)(‪.)2‬‬

‫صمَّى‬ ‫َّ ً‬
‫ص ٍي وف رضي ا﵀ عنو‪ ،‬قىا ىؿ‪ ( :‬ىك ى‬
‫اف ىر يسك يؿ المو ى‬ ‫اف ٍب ًف يح ى‬
‫ً‬
‫وخامساً‪ :‬ىع ٍف ع ٍم ىر ى‬
‫ص ىبل وة)(‪.)3‬‬ ‫يؿ ىال ىيقيكـ إً َّال لًع ًٍ‬
‫ظـ ى‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫امةى لىٍيمً ًو ىع ٍف ىبنًى إً ٍس ىرائً ى‬
‫المَّوي ىعمى ٍي ًو ىك ىسمَّ ىـ يي ىح ّْدثيىنا ىع َّ‬

‫النبً ُّي َّ َّ‬ ‫ث َّ‬ ‫وسادساً‪ :‬عف ٍاب ىف ىعَّب و‬


‫صمى الموي‬ ‫ى‬ ‫اس رضي ا﵀ عنيما‪ ،‬قياؿ‪( :‬لى َّما ىب ىع ى‬
‫ىى ًؿ‬‫ؾ تى ٍق ىد يـ ىعمىى قى ٍكوـ ًم ٍف أ ٍ‬ ‫ىعمى ٍي ًو ىك ىسمَّ ىـ يم ىعا ىذ ٍب ىف ىجىب وؿ إًلىى ىن ٍح ًك أ ٍ‬
‫ىى ًؿ ا ٍلىي ىم ًف‪ ،‬قىا ىؿ لىوي‪ :‬إًَّن ى‬
‫ىخبً ٍريى ٍـ أ َّ‬
‫ىف‬ ‫ؾ‪ ،‬فىأ ٍ‬‫ّْدكا المَّوى تى ىعالىى فىًإ ىذا ىع ىرفيكا ىذلً ى‬ ‫كى ٍـ إًلىى أ ٍ‬
‫ىف يي ىكح ي‬ ‫ا ٍل ًكتى ً‬
‫اب‪ ،‬ىف ٍمىي يك ٍف أ َّىك ىؿ ىما تى ٍد يع ي‬
‫ىخبًرىـ أ َّ َّ‬ ‫ات ًفي يك ًم ًيـ كلىٍيمىتً ًيـ‪ ،‬فىًإ ىذا َّ‬ ‫المَّو قى ٍد فىرض عمى ٍي ًيـ ىخمس صمىك و‬
‫ىف الموى‬ ‫صم ٍكا‪ ،‬فىأ ٍ ٍ ي ٍ‬ ‫ى‬ ‫ىٍ ٍ ى ٍ‬ ‫ى ى ى ٍ ٍى ىى‬ ‫ى‬
‫ؾ‪،‬‬ ‫يرًى ٍـ فىًإ ىذا أىقىُّركا بً ىذلً ى‬
‫ض ىعمى ٍي ًي ٍـ ىزىكاةن ًفي أ ٍىم ىكالً ًي ٍـ تي ٍؤ ىخ يذ ًم ٍف ىغنًّْي ًي ٍـ‪ ،‬فىتيىرُّد ىعمىى فى ًق ً‬ ‫ا ٍفتىىر ى‬
‫اس)(‪.)4‬‬ ‫الن ً‬‫اؿ َّ‬ ‫ؽ ىكرائًـ أىمك ً‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫فى يخ ٍذ م ٍنيي ٍـ ىكتى ىك ى ى ٍ ى‬
‫ام ىة بً ٍن ًت ىك ٍى وب‬ ‫ً‬
‫وسابعاً‪ :‬عف أـ المؤمنيف ىعائ ىشةى رضي ا﵀ عنيا‪ ،‬ىع ٍف يج ىد ى‬
‫كؿ المٌ ًو صمى ا﵀ عميو كسمـ ىيقيك يؿ‪( :‬لىقى ٍد‬‫ت ىر يس ى‬‫ىس ًدٌي ًة رضي ا﵀ عنيا‪ ،‬أٌىنيىا ىس ًم ىع ٍ‬
‫األ ى‬

‫(‪ )1‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬الشيادات)‪ ،‬باب‪( :‬ال ييسأؿ أىؿ الشرؾ عف الشيادة كغيرىا)‪ ،‬برقـ‪ ،)2685( :‬كؾ‪:‬‬
‫(االعتصاـ)‪ ،‬باب‪( :‬ال تسألكا أىؿ الكتاب عف شيء)‪ ،‬برقـ‪.)7363( :‬‬
‫( ‪ )2‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬أحاديث األنبياء)‪ ،‬باب‪( :‬ما يذ ًكر عف بني إسرائيؿ) برقـ‪ ،)3461( :‬كأحمد في‬
‫مسنده‪ )158 /2( :‬برقـ‪ )6486( :‬كغيرىما‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجو أحمد في المسند (‪ ،)437 /4‬برقـ‪ ،)19921( :‬ك(‪ ،)444 /4‬برقـ‪ .)19990( :‬كأبك داكد‪ ،‬ؾ‪:‬‬
‫(العمـ)‪ ،‬باب‪( :‬الحديث عف بني إسرائيؿ)‪ ،‬برقـ‪ .)3663( :‬كفييا‪( :‬حتى ييصبح)‪ .‬كغيرىما‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجو البخارم‪ ،‬ؾ‪( :‬التكحيد)‪ ،‬باب‪( :‬ما جاء في دعاء النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ أمتو إلى التكحيد)‪،‬‬
‫برقـ‪ .)7372 ،7371( :‬كمسمـ‪ ،‬ؾ‪( :‬اإليماف)‪ ،‬باب‪( :‬الدعاء إلى الشيادتيف كشرائع اإلسبلـ ‪ ..‬نككم)‬
‫برقـ‪ .)19( :‬كغيرىما‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ض ٌر‬ ‫كف ىذلً ى‬


‫ؾ فىبلى ىي ي‬ ‫كـ ىكفى ًار ىس ىي ٍ‬
‫صىن يع ى‬ ‫الر ى‬
‫ىف ٌ‬ ‫ىف أ ٍىن ىيى ىع ًف ا ٍل ًغيمى ًة‪ ،‬ىحتٌى ىذ ىك ٍر ي‬
‫ت أٌ‬ ‫ت أٍ‬ ‫ىى ىم ٍم ي‬
‫أ ٍىكالى ىد يى ٍـ)(‪.)1‬‬

‫بؿ‬
‫حدث أصحابو عف بني إسرائيؿ‪ٍ ،‬‬ ‫فكاف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ كثي انر ما يي ّْ‬
‫كيبيح ألصحابو ذلؾ نافيان عنيـ الحرج؛ شريطىةى الصدؽ كالتحرم فيما يينقؿ عنيـ مف‬ ‫ي‬
‫بدلكا دينيـ كغيركه؛ كنسبكا تغييرىـ ىذا إلى ا﵀ تعالى؛ فمذلؾ‬ ‫أخبار‪ ،‬مع العمـ بأنيـ َّ‬
‫محم ود صمى ا﵀‬
‫عما أنزؿ عمييـ؛ ألف فيما جاءنا عف ا﵀ تعالى كرسكلو َّ‬ ‫ال ييسألكا َّ‬
‫عميو كسمـ كفايةن‪ .‬بؿ كيحممينا عمى ذلؾ؛ َّأنا ما رأينا أحدان منيـ سألنا عف الذم أنزؿ‬
‫شؾ كًر ىيبةه في أمر ديننا؛ فإف األنبياء جميعان عمييـ‬ ‫عمينا‪ ،‬كىذا إذا لـ يترتَّب عميو ّّ‬
‫الصبلة كالسبلـ؛ لك أدرككا بعثة النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ ما كسعيـ إال اتباعو؛‬
‫َ ٓ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫سِإَذ أ َ َر َش َّ ُ‬
‫ٱَّلل ٌِيث َٰ َق ٱنلَّت ِ ِيۧ ََ ل ٍَا َءاحيۡخُسً ٌَِّ‬
‫ۡ‬
‫فا﵀ قد أخذ عمييـ الميثاؽ بذلؾ‪﴿ :‬‬
‫َ َ َ ُ ُ َّ َ َ‬ ‫س ًۡ َِلُ ۡؤٌ ُ َّ‬‫َ َٰ َ ۡ َ ُ َّ َ ٓ َ ُ ۡ َ ُ ر ُّ َ ّ ر ّ َ َ َ ُ‬
‫ُِصُ ُّ ْۚۥ كال‬ ‫ُِن ةِِّۦ وِل‬ ‫ب وخِهٍ ٖث ثً جاءزً رظٔل ٌؿسِق ل ٍِا ٌػ‬ ‫نِٰ ٖ‬
‫ُ‬ ‫ْ ََ۠‬ ‫َ ُ ْ َۡ َ َ َ َ ۡ‬ ‫َ َ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ ۡ ُ ۡ َ َ َٰ َ َٰ ُ‬
‫ِس ًۡ إ ۡ‬
‫ۡصي كال ٓٔا أك َص ۡرُا ْۚ كال ـٱػ َٓ ُسوا َوأُا ٌَ َػسً ٌّ ََِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ءأكصرتً وأرشتً لَع ذى‬
‫ٱىشٓس َ‬ ‫َّ‬
‫ََِ﴾ [آؿ عم ارف‪.]81 :‬‬ ‫َٰ ِ‬

‫ثـ ييرشدنا عميو الصبلة كالسبلـ إلى أف نتسمح كنتدرع بالعمـ النافع الذم نكاجو‬
‫و‬
‫كتخمينات‬ ‫مبني عمى نظريات‬ ‫ّّ‬ ‫بو عمـ ىؤالء؛ فإنيـ يفرحكف بو؛ مع أف غالبو‬
‫أقصد العمكـ الفمسفية كاالجتماعية‬
‫ي‬ ‫كفمسفات قد جزـ العمـ اليقيني بفساد كثير منيا ػ ػ ػ‬
‫ؼ كالييكد كالنصارل‪ ،‬أك‬ ‫حر و‬
‫العمـ التجريبي عند قكـ ذم ديف يم َّ‬‫ػ ػ‪ ،‬حتى كاف كاف ىذا ي‬
‫عند آخريف ال ديف ليـ كالفرس‪.‬‬

‫أمٌر آخر؛ وىو‪.. :‬‬


‫ثَ َّم َت ْ‬
‫كىي نتيجة ألبحاث‬
‫عزب؛ ٍ‬‫أحب أف ل تَ ِغيب عنؾ أو أف تَ ُ‬
‫ىذه الصورة التي ُّ‬
‫مضنية كقر و‬
‫اءات ّْ‬
‫متأنية؛ عف تمؾ الكتابات التي كتبيا غير المسمميف إلخكانيـ في‬ ‫ي‬
‫الديف عف اإلسبلـ كأىمو؛ صكرةه ىي‪« :‬أف ىؤالء العرب المسمميف ىـ في‬ ‫ال ًج ٍم ً‬
‫دة ك ّْ‬

‫سمـ في صحيحو؛ ؾ‪( :‬النكاح)‪ ،‬باب‪( :‬جكاز الغيمة؛ كىي كطء المرضع ككراىة العزؿ)‪ ،‬برقـ‪:‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجو يم ه‬
‫(‪ ،)1442‬كأبك داكد؛ كتاب‪( :‬الطب)‪ ،‬باب‪( :‬في الغيؿ)‪ ،‬برقـ‪ .)3882( :‬كغيرىما‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫و‬
‫مجدبة‪ ،‬جاءىـ رجؿ مف‬ ‫األصؿ قكـ يبداةه يجيَّاؿ ال عمـ ليـ كاف‪ً ،‬جياعه في صحراء‬
‫فصدقكه‬
‫ٌ‬ ‫نبي مرس هؿ كلفَّؽ ليـ دينان مف الييكدية كالنصرانية؛‬
‫أنفسيـ؛ فادعى أنو ّّ‬
‫أف عاثكا بدينيـ ىذا في األرض يفتحكنيا‬ ‫بجيميـ كاتبعكه‪ ،‬كلـ يمبث ىؤالء الجياع ٍ‬
‫بسيكفيـ حتى كاف ما كاف كداف ليـ مف غكغاء األمـ ىمف داف‪ ،‬كقامت ليـ في‬
‫مسمكب مف ثقافات األمـ السالفة؛ كالفرس‬
‫ه‬ ‫األرض بعد قميؿ ثقافة كحضارة يجمُّيا‬
‫كاليند كاليكناف كغيرىـ‪ ،‬حتَّى لغتييـ كمُّيا مسمكبة كعالةه عمى العبرٌية كالسريانية‬
‫األمة‬
‫كاآلرامية كالفارسية كالحبشية‪ .‬ثـ كاف مف تصاريؼ األقدار أف يككف عمماء ىذه َّ‬
‫أف ىؤالء ىـ الذيف جعمكا ليذه الحضارة‬ ‫العربية مف غير أبناء العرب؛ (المكالي)‪ ،‬ك ٌ‬
‫اإلسبلمية كمّْيا معنى‪ .‬ىذا ىك جكىر الصكرة التي بثَّيا المستشرقكف في ّْ‬
‫كؿ يكتبيـ‬ ‫ن‬
‫عف ديف اإلسبلـ ‪ ..‬كأف ىذه الحضارة إنما ىي إحدل حضارات القركف الكسطى‬
‫المظممة؛ التي كاف العالـ يكمئذ غارقا فييا ػ ػ يعنكف عالى ىميـ ىـ ػ ػ يجرم عمييا حكـ‬
‫ؽ‪،‬‬‫قركنيـ الكسطى! بثٌكا تمؾ الصكرة في كؿ كتبيـ بميارة كحذؽ كخبث يم ٍعر و‬
‫ُّ‬
‫كبأسمكب يقنع القارئ األكربي المثقَّؼ اآلف كؿ اإلقناع كتنحط في نظره حضارةي‬
‫اإلسبلـ كثقافتيو انحطاط القركف الكسطى‪.)1(»..‬‬

‫َّ‬
‫صادان لمباحثيف عف البحث ػ ػ كىييات أف يصمكا إلى‬ ‫كلست بًذ ٍكر ىذه الصكرة‬
‫ي‬
‫كمف ّْ‬
‫يقدـ بيف يدم بحثو نتيج نة؛ ثـ يسعى‬ ‫ما ييشيف ركنؽ اإلسبلـ كبيائو ػ ػ؛ أك ى‬
‫جاىدا في االستدالؿ عمييا؛ َّليػ ػان ألعناؽ األدلة حينان أك طامسان ليا حينان آخر؛ كانما‬
‫لباحث(‪)2‬؛ أمضى يع يم ىره في نشر ثقافتو اإلسبلمية كاماطة ما لحؽ‬ ‫و‬ ‫كانت ىذه نتيجةن‬
‫بيا مف أذل‪.‬‬

‫كشيء آخر أقى ّْد يمو بيف يدم بحثي؛ عف‪:‬‬


‫ه‬

‫(‪ )1‬كتب ىذه الصكرةى؛ أبك ًفير محمكد محمد شاكر؛ في (رسالة في الطريؽ إلى ثقافتنا)‪ ،‬ص‪.)60 ،59( :‬‬
‫مكتبة الخانجي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط الثانية (‪1427‬ق‪2006 ،‬ـ)‬
‫(‪ )2‬المرجع السابؽ؛ ص‪.)24 ،23 ،8 ،7( :‬‬

‫‪12‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫(‪)1‬‬
‫اآلخريف وطبيعة ذلؾ‪.‬‬ ‫تعدد صور النقؿ لثقافة‬

‫أمر احتكاؾ الثقافات كنقمًيا مف قكـ إلى قكـ‪ ،‬كمف مجتمع إلى آخر؛‬
‫فإف ى‬
‫أصبح أم انر مف ضركريات الحياة‪ .‬فمف تجد مجتمعا مف المجتمعات إال كقد تعددت‬
‫فيو ثقافات مكاطنيو‪ ،‬كقد يمجأ ىذا المجتمع بثقافاتو إلى التعامؿ مع المجتمعات‬
‫األخرل بثقافاتيا‪ .‬فميس مف شػأف ىذا النقؿ أك ىذا االحتكاؾ أف يككف قاص ار عمى‬
‫الناحية العممية فقط؛ بؿ سيتعداىا إلى كافة مناحي الحياة؛ ال ًعممية كاالجتماعية‬
‫و‬
‫حينئذ‬ ‫كاألخبلقية كاالقتصادية‪ ،‬كالسياسية‪ ،..‬فاالقتباس مف ثقافات اآلخريف؛ ال شؾ‬
‫إما عف طريؽ النقؿ ً‬
‫العممي أك االحتكاؾ كالتعايش المجتمعي بيف‬ ‫أنو سيككف َّ‬
‫الثقافات‪.‬‬

‫كىذا مما يجعؿ ليذه القكاعد أىمية كبيرة في ىذا التعايش الثقافي ك ً‬
‫الحراؾ‬
‫الحضارم كاالحتكاؾ المعرفي‪.‬‬

‫التوفيؽ‬
‫َ‬ ‫ت وأسأؿ ا﵀ ِ‬
‫العصم َة و‬ ‫قصد ُ‬
‫ىذا ما ّ‬

‫كالحمد ﵀ أكالن كآخرا؛ كظاى ار كباطنا كصمى ا﵀ كسمَّـ عمى سيدنا محمد كآلو‪.‬‬
‫جمعت مف القكاعد كالضكابط كبا﵀ تعالى التكفيؽ‪.‬‬
‫ي‬ ‫فإلى ما‬

‫القواعد والضوابط‬

‫(‪ )1‬سيأتي تعريؼ الثقافة كالفرؽ بينيا كبيف العمـ؛ كلكني أشير ىنا‪ :‬إلى أف الثقافة أعـ مف العمـ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة األولى‬

‫وحدة ِديف األنبياء وعقائدىـ‬


‫في ْ‬
‫ا﵀ سبحانو كتعالى ىك الذم بعث األنبياء كالمرسميف؛ كأكحى إلييـ بما أكحى‪،‬‬
‫داف‬
‫رضي كأراد دينان كاحدا يي ي‬ ‫ى‬ ‫كي ييعبد كحده سبحانو كتعالى بما أراد‪ ،‬كىك سبحانو قد‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ َّ ۡ ۡ ََٰ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫ٱۡلظؾً﴾ [آؿ عمراف‪ ،]19 :‬بؿ كنفى القبكؿ‬ ‫بو؛ فيك القائؿ‪﴿ :‬إِن ٱدلََِ غِِس ٱَّلل ِ ِ‬
‫َ َۡ ۡ َ‬ ‫َ َ ََۡ‬
‫ٱۡل ۡظؾ َٰ ًِ‬
‫عمف جاءه بغيره؛ كجعمو في اآلخرة مف الخاسريف‪ ،‬فقاؿ‪﴿ :‬وٌَ َبخؼِ دي ِ‬ ‫َّ‬
‫خَٰ ِِس َ‬ ‫َ َ ۡ َ‬ ‫د َِِٗا ـَيََ ُح ۡلتَ َو ٌ ِِۡ ُّ َو ُْ َ‬
‫يرض‬‫ى‬ ‫كلف‬ ‫فمـ‬ ‫؛‬ ‫]‬‫‪85‬‬ ‫اف‪:‬‬ ‫ر‬‫عم‬ ‫[آؿ‬ ‫﴾‬‫يَ‬ ‫ِ‬ ‫ٱى‬ ‫َِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬‫ِص‬
‫ر‬ ‫ٱٓأۡل‬ ‫ِف‬ ‫ِ‬ ‫ٔ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ٱۡل ۡظؾ َٰ ًَ د َِِٗا ْۚ﴾‬
‫فيج ىسً ِ‬
‫ا﵀ سبحانو كتعالى بغير اإلسبلـ دينا؛ فيك القائؿ‪َ ﴿ :‬و َر ِ ُ‬
‫ن‬
‫ُۡ‬
‫[المائدة‪ .]3 :‬كقد قاؿ سبحانو كتعالى عف خاتميـ محمد عميو الصبلة كالسبلـ‪﴿ :‬كو‬
‫َّ ُ َ ُ َ َ َّ َ َ ۡ َ‬ ‫ِج ة ۡس ٗٗع ٌّ ََِ ُّ‬ ‫ٌَا ُن ُ‬
‫ِيص ُظ ِو‬‫ِيو ل ُّ‬ ‫ٱلص ُظ ِو﴾ [األحقاؼ‪ ،]9 :‬كقاؿ‪ٌ﴿ :‬ا حلال لم إَِّل ٌا كس ر‬ ‫ِ‬
‫ؽ‬‫غير مسبك و‬ ‫؛‬‫ا‬
‫ن‬ ‫حدث‬ ‫م‬ ‫ا‬
‫ن‬ ‫دع‬ ‫ٌَِ َر ۡتي َِمْۚ﴾ [فصمت‪ ،]43 :‬فمـ يكف صمى ا﵀ عميو كسمـ بً‬
‫ى‬ ‫ي‬
‫رسمييـ كاحد‪ ،‬كغايتيو كغايتييـ كذلؾ؛ فيؿ يرضى ا﵀‬ ‫رسميو كم ً‬ ‫بمثيؿ لو مف الرسؿ؛ فم ً‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫محم ود صمى ا﵀ عميو كسمـ ًدينا؛ لـ يرضو لمسابقيف مف األنبياء‬ ‫ألمة َّ‬ ‫سبحانو كتعالى َّ‬
‫ديف نك وح كابراىيـ كمكسى كعيسى؛ ككذلؾ كؿ الرسؿ‪ ،‬كقد‬
‫كأمميـ‪ ،‬خاصة كأنو ي‬
‫نطقت بذلؾ آيات الذكر الحكيـ؟!! فحاشاه سبحانو كتعالى أف يكصؼ بذلؾ أكالن‪،‬‬
‫ٍ‬
‫كثانيا‪ :‬فالعبرة بعمكـ المفظ ال بخصكص السبب‪.‬‬

‫كقد ذكر فخر الديف الرازم في تفسيره‪« :‬أف الديف ليس إال اإلسبلـ‪ ،‬كأف َّ‬
‫كؿ‬
‫مقبكؿ عند ا﵀‪ ،‬ألف القبكؿ لمعمؿ؛ ىك أف يرضى ا﵀‬ ‫و‬ ‫ديف سكل اإلسبلـ فإنو غير‬ ‫و‬
‫ذلؾ العمؿ‪ ،‬كيرضى عف فاعمو كيثيبو عميو‪ ،‬كلذلؾ قاؿ‪﴿ :‬إ َّج ٍَا َح َخ َل َّت ُو َّ ُ‬
‫ٱَّلل ٌ ََِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ي‬
‫كؿ مف لو ديف سكل اإلسبلـ فكما أنو ال يككف مقبكالن‪،‬‬ ‫ٱل ۡ ٍُ َّخل َ‬
‫ي﴾؛ ثـ َّبيف تعالى أف َّ‬ ‫ِ‬
‫فكذلؾ يككف مف الخاسريف‪ ،‬كالخسراف في اآلخرة يككف بحرماف الثكاب‪ ،‬كحصكؿ‬

‫‪14‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫العقاب‪ ،‬كيدخؿ فيو ما يمحقو مف التأسؼ كالتح ُّسر عمى ما فاتو في الدنيا مف العمؿ‬
‫تحممو مف التعب كالمشقَّة في الدنيا في تقريره ذلؾ الديف الباطؿ»(‪.)1‬‬
‫الصالح‪ ،‬كما َّ‬

‫كالناظر في القرآف الكريـ يرل ىذا األمر كاضحا كضك ىح الشمس؛ فديف األنبياء‬
‫جميعان ىك اإلسبلـ؛ فيا ىك نكح عميو السبلـ أك يؿ رسكؿ أرسمو ا﵀ تعالى إلى‬
‫َُ ۡ ُ َ ۡ َ ُ َ‬
‫ٔن ٌ ََِ ٱل ۡ ٍُ ۡعيٍِ َ‬
‫ي﴾ [يكنس‪ ،]72 :‬كعف‬ ‫ِ‬ ‫العالميف فقد قاؿ ا﵀ عنو‪﴿ :‬وأمِصت أن أز‬
‫أبي األنبياء إبراىيـ خميؿ الرحمف مع كلده إسماعيؿ ػ ػ عمييما السبلـ ػ ػ ػ؛ يقكؿ ا﵀‬
‫ُ ّ َّ َ ٓ ُ َّ ٗ ُّ ۡ َ ٗ َّ َ‬ ‫َ َّ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ ۡ َ ۡ َ َ‬
‫ي لم َوٌَِ ذرِيتِِا أٌث ٌعي ٍِث ىم﴾ [البقرة‪:‬‬ ‫تعالى عنيما‪﴿ :‬ربِا وٱجػيِا معي ٍِ ِ‬
‫ينيف؛ ما أذف سبحانو كتعالى في أف ييعبد بيما‪ٌَ ﴿ :‬ا‬ ‫كيبرئو ا﵀ تعالى مف ًد ٍ‬ ‫‪ ،]128‬ي‬
‫ِي﴾ [آؿ‬ ‫ِ‬ ‫ِيً َح ُٓٔد َِّٗا َو ََّل َُ ۡ َ‬
‫ُصاج ِّٗيا َو َلَٰسَ ََك َن َخِ ِٗيفا ٌُّ ۡعي ٍِٗا َو ٌَا ََك َن ٌ ََِ ٱل ۡ ٍُ ۡۡشك َ‬ ‫ََك َن إةۡ َرَْٰ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يعقكب عمييما السبلـ ألبنائيما أف‬ ‫عمراف‪ .]67 :‬بؿ كانت كصيتيو ككصيةي ً‬
‫حفيده‬
‫ى‬
‫ِن إ َّن َّ َ‬ ‫ََُۡ ُ َ َ‬ ‫الديف الذم اصطفاه‪َ ﴿ :‬و َو َّ َٰ َ ٓ ۡ َ ُ َ‬
‫ٱَّلل‬ ‫َّص ةِٓا إِةر َٰ ِهًۧ ةِِيِّ ويػلٔب يَٰت ِ َّ ِ‬ ‫يمكتكا عمى ذلؾ ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َ َ َ ُ ُ ّ َ َ َ َ ُ َّ‬
‫ََِ ـَل ت ٍُٔت ََّ إَِّل َوأُخًُ ٌُّ ۡعي ٍُِٔن﴾ [البقرة‪ .]132 :‬ككاف مف نسمًيما‬ ‫َف ىسً ٱدل‬ ‫ٱؾم َٰ‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ ُ َ َٰ َ َ‬
‫َٔس يَٰل ۡٔ ِم إِن نِخُ ًۡ َء َاٌِخًُ‬ ‫مف امتثؿ تمؾ الكصية؛ فقاؿ تعالى عف مكسى‪﴿ :‬وكال م‬
‫ي﴾ [يكنس‪]84 :‬؛ بؿ كقاؿ ا﵀ تعالى عف جممة مف‬ ‫ٱَّلل ِ َذ َػيَيِّۡ ح َ َٔ َّّك ُ ٓٔا ْ إن ُنِخًُ ٌُّ ۡعيٍِ َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ةِ‬
‫األنبياء أمرىـ أف يحكمكا بالتكراة التي أنزليا ا﵀ تعالى عمى مكسى عميو السبلـ‪:‬‬
‫َ ُ ر َ ۡ ُ ُ َ َّ ُّ َ َّ َ َ ۡ َ ُ ْ َّ َ َ ُ ْ‬ ‫َّ ٓ َ َ ۡ َ َّ ۡ َ َٰ َ َ ُ ٗ‬
‫﴿إِجا أُضنلا ٱِلٔرىث ذِيٓا ْسى ؤُر ْۚ َيسً ةِٓا ٱنلبِئن ٱَََِ أظئٍا ل َِّلََِ ْادوا‬
‫ُ َ َ ٓ َ (‪)2‬‬ ‫ۡ‬ ‫َّ َ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َّ ُّ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ َ ۡ ُ ۡ ُ ْ‬
‫ب ٱَّلل ِ وَكُٔا غييِّ ػٓساء ْۚ﴾ [المائدة‪:‬‬‫وٱلصبَِٰ ِئن وٱۡلختار ةٍِا ٱظخد ِفظٔا ٌَِ نِٰ ِ‬
‫َٰ‬
‫القائمة عف نفسيا كعف نبي ا﵀ تعالى سميماف عميو السبلـ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫الممً ىك ًة‬
‫‪ ،]44‬كفي قكؿ ى‬
‫ج ٌَ َع ُظيَ ۡي َؿ َٰ ََ ِ ََّّلل ِ َر ّب ٱىۡ َعَٰيٍَ َ‬
‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ََ ۡ َ‬ ‫َۡ‬ ‫ج َر ّب إ ّّن َظيَ ٍۡ ُ‬
‫﴿كَاىَ ۡ‬
‫ي﴾ [النمؿ‪،]44 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫جف َِس وأظي‬ ‫ج‬ ‫ِ ِِ‬

‫(‪ )1‬التفسير الكبير كمفاتيح الغيب‪ ،‬لئلماـ محمد الرازم فخر الديف‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ .)138( :‬ط‪ :‬األكلى؛ دار الفكر‬
‫بيركت (‪1401‬ق)‪.‬‬
‫(‪ )2‬قاؿ المفسركف‪« :‬إنا أنزلنا التكراة عمى مكسى عميو السبلـ‪ ،‬فييا إرشاد كداللة عمى الخير‪ ،‬كنكر ييستضاء‬
‫بو‪ ،‬يحكـ بو أنبياء بني إسرائيؿ الذيف انقادكا ﵀ بالطاعة‪ ،‬كيحكـ بيا العمماء كالفقياء الذيف ييربُّكف الناس‬
‫لما استحفظيـ ا﵀ عمى كتابو‪ ،‬كجعميـ أمناء عميو يحفظكنو مف التحريؼ كالتبديؿ‪ ،‬كىـ شيداء عميو بأنو‬
‫حؽ‪ ،‬كالييـ يرجع الناس في أمره»‪ .‬المختصر في تفسير القرآف الكريـ؛ تصنيؼ جماعة مف عمماء‬
‫التفسير‪ .‬ص‪ .115‬مركز تفسير لمدراسات القرآنية‪ .‬ط‪ :‬الثالثة ‪1436‬ق‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫َ ُ ْ‬
‫ِٔل كال ٓٔا َء َاٌَِّا‬ ‫ي ََ أ َ ۡن َءأٌُِِا ْ ِب َوب َص ُ‬ ‫ۡ َ ۡ َ ۡ ُ َ َۡ َ ّ‬
‫ظ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ۧ‬ ‫كعف عيسى عميو السبلـ‪﴿ :‬سِإَذ أوخيج إِل ٱۡلٔار ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ۡ‬
‫َوٱػ َٓ ۡس ةِأج َِا ُم ۡعي ٍُِٔن﴾ [المائدة‪.]111 :‬‬

‫لديف خاص؛ كانما ىك اسـ لمديف‬‫كعميو‪« :‬فاإلسبلـ في لغة القرآف ليس اسمان و‬
‫كؿ األنبياء كانتسب إليو ُّ‬
‫كؿ أتباع األنبياء ‪ ..‬كبالجممة نرل‬ ‫المشترؾ الذم ىتؼ بو ُّ‬
‫اسـ اإلسبلـ شعا انر عامان يدكر في القرآف عمى ألسنة األنبياء كأتباعيـ منذ أقدـ‬
‫العصكر التاريخية إلى عصر النبكة المحمدية»(‪.)1‬‬
‫ُ ّ ُ َّ َّ ُ ً َ‬ ‫كؿ األنبياء كالمرسميف‪َ ﴿ :‬و َى َل ۡس َب َػ ۡثَِ‬
‫ك أٌثٖ رظَّٔل أ ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِف‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫كقاؿ تعالى عف ّْ‬
‫َّ َ َ ُ‬ ‫َّ ُ َ ۡ ُ َّ ۡ َ َّ ۡ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ ُ ُ ْ َّ َ َ ۡ َ ُ ْ َّ ُ َ َ‬
‫ج غي ۡيِّ ٱلقؾَٰيث ْۚ ﴾‬ ‫ٱىطَٰؾٔت ن ـ ٍِ ِۡ ًُٓ ٌَّ َۡ ْ َسى ٱَّلل وًٌِِٓ ٌَ خل‬ ‫ٱختسوا ٱَّلل وٱجخِِتٔا‬
‫َ‬
‫َّ ُ ٓ َ َّ َ ٓ َ‬ ‫َ‬
‫[النحؿ‪ .]36 :‬كقاؿ أيضا‪َ ﴿ :‬و ٌَا ٓ أ ۡر َظيَِۡا ٌَِ َرتۡي َِم ٌَِ َّر ُ‬
‫ِٔح إِِلّۡ ِ أُ ُّۥ َّل إِل َٰ َّ‬ ‫ٔل إَِّل ُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬
‫َّص ةّ ِۦ ُُٔخاٗ‬ ‫َٰ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ٓ َ َ ۠ َ ۡ‬
‫ِ‬ ‫إَِّل أُا ـٱختسو ِن﴾ [األنبياء‪ .]25 :‬كقاؿ‪َ﴿ :‬شع ىسً ٌَِ ٱدل ِ‬
‫ََِ ٌا و‬
‫َ َّ ٓ َ ۡ َ ۡ َ ٓ َ ۡ َ َ َ َ َّ ۡ َ ٓ ۡ َ َ َ ُ َ َٰ َ َ َ ۡ َ ُ ْ ّ َ َ َ َ َ َ َّ ُ ْ‬
‫ِيَسن أن أرِئٍا ٱدلََِ وَّل تخفصكٔا‬ ‫وٱَِي أوخيِا إِِلم وٌا وؾيِا ةِِّۦ إِةرَِْٰيً ومَٔس وغ َٰٓ‬
‫ذِيِّ ﴾‪[ .‬الشكرل‪.]13 :‬‬

‫تكحيد ا﵀ تعالى كعبادتيو‪ ،‬كليس مع‬ ‫ي‬ ‫كؿ األنبياء دعكتييـ كاحدة؛ أال كىي‪:‬‬ ‫ف ُّ‬
‫َ‬
‫المخالؼ في ىذا األصؿ األصيؿ دلي هؿ ييعتمد عميو؛ إذ قد قاؿ ا﵀ سبحانو‪﴿ :‬أ ِم‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫س ًۡن َهَٰ َشا ذ ِۡن ُص ٌََ ٌَّ ِ َ‬ ‫ُ ٓ َ َ ٗ ن ُ ۡ َ ُ ْ ُ ۡ َ َٰ َ ُ‬ ‫َّ َ ُ ْ‬
‫ِع َوذِن ُص ٌََ ر ۡت ِِل ةَو‬ ‫ٱَّتشوا ٌَِ دوُِِّۦ ءال ِٓث كو ْاحٔا ةصهِ‬
‫َ‬ ‫َ ۡ َ ُ ُ ۡ َ َ ۡ َ ُ َ ۡ َ َّ َ ُ ُّ ۡ ُ َ‬
‫ٔن ‪َ ٢٤‬و ٌَا ٓ أ ۡر َظ ۡي َِا ٌَِ َر ۡتي َِم ٌَِ َّر ُظٔل إ ِ ََّّل ُُ ِ ٓ‬
‫ِٔح‬ ‫أزَثًْ َّل حػئٍن ٱۡلق ن ذًٓ ٌػ ِصف‬
‫ٍ‬
‫َ َ َّ َ ٓ َ َّ ٓ َ َ ۠ َ ۡ‬
‫إِِلِّۡ أُ ُّۥ َّل إِل َٰ َّ إَِّل أُا ـٱختُ ُسو ِن﴾ [سكرة األنبياء]‪ .‬فػػ‪« :‬قد اتفقت الكتب كالشرائع عمى‬

‫(‪ )1‬الديف (بحكث مميدة لدراسة تاريخ األدياف)؛ د‪ /‬محمد عبد ا﵀ دراز‪ ،‬ص‪ ،)175( :‬ط‪ :‬دار القمـ‪ ،‬الككيت‪.‬‬
‫كعمى ذلؾ؛ يفيمكف القكؿ بأف‪« :‬اإلسبلـ بالمعنى العاـ‪ :‬ىك التعبد ﵀ بما شرع منذ أف أرسؿ الرسؿ إلى أف‬
‫تدؿ عمى أف الشرائع السابقة كمُّيا إسبلـ ﵀ عز كجؿ‬
‫تقكـ الساعة‪ ،‬كما ذكر عز كجؿ ذلؾ في آيات كثيرة ُّ‬
‫يختص بما يب ًعث بو محمد صمى ا﵀‬
‫ُّ‬ ‫‪ ..‬كاإلسبلـ بالمعنى الخاص؛ بعد بعثة النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪:‬‬
‫نسخ جميع األدياف السابقة‪ ،‬فصار مف اتبعو مسممان كمف خالفو ليس بمسمًوـ؛‬
‫عميو كسمـ؛ ألف ما يب ًعث بو ى‬
‫فأتباع الرسؿ مسممكف في زمف رسميـ‪ ،‬فالييكد مسممكف في زمف مكسى صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ ،‬كالنصارل‬
‫أما حيف يب ًعث النبي محمد صمى ا﵀ عميو كسمـ فكفركا بو‬
‫مسممكف في زمف عيسى صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ ،‬ك َّ‬
‫فميسكا بمسمميف» شرح األصكؿ الثبلثة‪ ،‬لمشيخ محمد بف صالح العثيميف‪ ،‬ص‪ )21 ،20( :‬باختصار‪.‬‬
‫اىداء الرئاسة العامة لشئكف المسجد الحراـ كالمسجد النبكم‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫و‬
‫شيء بأدلتو العقمية‬ ‫ما قمت لكـ مف إبطاؿ الشرؾ؛ فيذا كتاب ا﵀ الذم فيو ًذ ٍكر ّْ‬
‫كؿ‬
‫النقمية‪ ،‬كىذه الكتب السابقة كميا براىيف كأدلة لًما ي‬
‫قمت‪ ،‬كل ٌما عمـ أنيـ قامت عمييـ‬ ‫ك َّ‬
‫الحجة كالبرىاف عمى بطبلف ما ذىبكا إليو؛ عمـ أنو ال برىاف ليـ‪ ،‬كأف البرىاف القاطع‬
‫ٌ‬
‫يجزـ أنو ال معارض لو كاال لـ يكف قطعيان‪ ،‬كاف يك ًجد معارضات فإنيا شبوه ال تغني‬
‫األمر‬
‫ي‬ ‫الحؽ شيئان ‪ ..‬فكؿ الرسؿ الذيف مف قبمؾ مع كتبيـ؛ يزبدة رسالتًيـ كأصمييا؛‬
‫ّْ‬ ‫مف‬
‫ُّ‬
‫الحؽ المعبكد‪ ،‬كأف عبادة ما سكاه‬ ‫ياف أنو اإللو‬
‫بعبادة ا﵀ كحده ال شريؾ لو‪ ،‬كب ي‬
‫باطمة»(‪.)1‬‬

‫فيذه المسألة؛ ىي أصؿ المسائؿ كقاعدة القكاعد‪ ،‬إذ أف ا﵀ سبحانو كتعالى‬


‫األنبياء كالرس ىؿ الكثيريف‬‫ى‬ ‫عبد بو‪ ،‬كبعث‬ ‫كىك الكاحد األحد‪ ،‬الذم قد رضي دينان كاحدان يي ي‬
‫تعد ًد الرسؿ ال يعني تعدد اآللية؛ كال يعني كذلؾ تعدد‬ ‫داعيف الناس إلى ذلؾ الديف‪ ،‬ف ُّ‬
‫نبيان كاحدان مف األنبياء؛ يمكذبان ليـ جميعان‪ ،‬فا﵀ تعالى‬ ‫كذب َّ‬ ‫الديف؛ كلذلؾ كاف مف َّ‬
‫َ َّ َ ۡ َ ُ‬
‫ج ث ٍُٔد‬ ‫ِي﴾‪﴿ ،‬نشة‬ ‫ج َٗع ٌد ٱل ۡ ٍُ ۡص َظي َ‬ ‫ِي﴾‪َ ﴿ ،‬ن َّشةَ ۡ‬ ‫ٔح ٱل ۡ ٍُ ۡص َظي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ َ ۡ َ‬
‫ج ك ۡٔ ُم ُ ٍ‬ ‫قاؿ‪﴿ :‬نشة‬
‫ه ِث ٱل ۡ ٍُ ۡص َظي َ‬
‫ۡ َ َٰ ُ ۡ َ ۡ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ج َك ۡٔ ُم لُٔط ٱل ۡ ٍُ ۡص َظي َ‬ ‫ِي﴾‪َ ﴿ ،‬ن َّشةَ ۡ‬ ‫ٱل ۡ ٍُ ۡص َظي َ‬
‫ِي﴾‬ ‫ِي﴾‪﴿ ،‬نش َب أؾحب لٔي‬ ‫ٍ‬
‫[الشعراء‪ .]176 ،160 ،141 ،123 ،105 :‬فكاف ظاى انر ككاضحان أنيـ إ ٍذ َّ‬
‫كذبكا‬
‫احد كىك ا﵀ سبحانو كتعالى‪،‬‬‫رسكلىيـ كانكا مكذبيف لجميع الرسؿ؛ ألف يمرسمىيـ ك ه‬
‫و‬
‫رسكؿ يي ّْ‬
‫صدؽ اآلخر كيقكؿ‪ :‬إنو‬ ‫دينيـ كاحد كىك اإلسبلـ؛ ككذلؾ فإف‪« :‬ك َّؿ‬
‫ككذلؾ ي‬
‫كذب رسكالن فقد كذب الذم صدقو‪ ،‬كمف عصاه‬ ‫رسكؿ صادؽ‪ ،‬كيأمر بطاعتو‪ .‬فمف َّ‬
‫فقد عصى مف أمر بطاعتو»(‪.)2‬‬

‫فمـ ييؤثر عف كاحد منيـ أنو انتقص نبيا مف األنبياء السابقيف لو؛ كانما مدح‬
‫ٗ ّ‬
‫السابؽ لو؛ فعيسى عميو السبلـ يقكؿ ا﵀ تعالى عنو‪َ ﴿ :‬و ُم َؿ ّسِكا ل ٍَِا‬
‫ى‬ ‫كؿ كاحد منيـ‬ ‫ُّ‬
‫ََ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ َّ َ ُ‬ ‫َب ۡ َ‬
‫ي ٌ ََِ ٱِلَّ ۡٔ َرىَٰثِ َو ِۡلخِو ىسً َب ۡػـ ٱَِي ُخ ّصِ َم غي ۡيس ۡ ًْۚ﴾ [آؿ عمراف‪]50 :‬؛‬
‫ي ََ َس َّ‬

‫يكسؼ عميو‬‫ى‬ ‫ً‬


‫برسالة‬ ‫آؿ فرعكف كالذم كاف تابع نا لمكسى عميو السبلـ‬ ‫مؤمف ً‬ ‫كي ّْ‬
‫ذك ير‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫المناف‪ ،‬تأليؼ اإلماـ‪ :‬عبد الرحمف بف ناصر السعدم‪ ،‬ص‪.)561( :‬‬


‫(‪ )1‬تيسير الكريـ الرحمف في تفسير كبلـ ٌ‬
‫ط‪ :‬دار الحديث القاىرة‪1422( ،‬ق)‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجمكع الفتاكل؛ البف تيمية‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪ .)180( :‬ط‪ :‬مجمع الممؾ فيد لطباعة المصحؼ‪1425 ،‬ق‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫َُۡ ۡ َ‬ ‫َََ ۡ َ َٓ ُ ۡ ُ ُ ُ‬
‫ج ﴾ [غافر‪ ]34 :‬ككذلؾ شعيب‬ ‫ٔظؿ ٌَِ رتو ةِٱۡلَيِّن َٰ ِ‬ ‫السبلـ قائبلن‪﴿ :‬وىلس جاءزً َ‬
‫َ َ َٰ َ ۡ َ َ ۡ َ َّ ُ ۡ َ ٓ َ ُ َ ُ ّ ۡ ُ َ ٓ‬
‫ؿيتسً ٌِثو ٌا‬ ‫اق أن َ ِ‬ ‫عميو الصبلة كالسبلـ يقكؿ لقكمو‪﴿ :‬ويلٔ ِم َّل َيصٌِِسً ػِل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ۡ َ ۡ َ ُ َ ۡ َ ۡ َ َ َٰ َ َ َ ۡ ُ ُ‬ ‫َ َ َ ََۡ ُ‬
‫ٔط ٌِِّسً ة ِ َتػِي ٖس﴾ [ىكد‪]89 :‬؛‬ ‫ٖ‬ ‫ل‬ ‫م‬‫ٔ‬ ‫ك‬ ‫ا‬‫ٌ‬‫و‬ ‫ِح‬
‫ٖ‬ ‫ي‬‫ص‬ ‫م‬ ‫ٔ‬ ‫ك‬ ‫و‬‫أ‬ ‫د‬
‫ٍ‬ ‫ٔ‬‫ْ‬ ‫م‬‫ٔ‬‫ك‬ ‫و‬‫أ‬ ‫ٍ‬
‫ٔح‬ ‫أؾاب كٔم ُ‬
‫فميس بينيـ ىذا التنافس الذم ػ ػ غالبان ما ػ ػ يقضي عمى الركابط األيسرَّية أك العائمية أك‬
‫(‪)1‬‬
‫اء لئلنسانية كممجأن ليا مف الميالؾ‪.‬‬ ‫احد جاء إيك ن‬ ‫االجتماعية ‪ ،‬كانما يىـ يبنياف ك ه‬

‫خ ٖس ٌَِّ ُّر ُظيِِّْۚۦ﴾ [البقرة‪ ،]285 :‬كمف‬ ‫ي أَ َ‬


‫فكاف مف صفاء عقيدتنا‪ََّ ﴿ :‬ل ُج َف ّص ُق َب ۡ َ‬
‫ِ‬
‫ُۡ َ‬
‫عقائد غيرنا الباطمة التي ابتدعكىا كالتي ما أنزؿ ا﵀ بيا مف سمطاف‪ََ﴿ :‬سف ُصون‬
‫َ ُۡ‬ ‫ُ ُ َ ُۡ‬ ‫َ ُ ُ َ َ ُ َ ّ ُ ْ َ ۡ َ َّ‬ ‫َّ‬
‫ي ٱَّلل ِ َو ُر ُظيِِّۦ َو َيلٔلٔن ُؤٌ َُِ ة ِ َت ۡػ ٖـ َوُسف ُص‬ ‫ةِٱَّلل ِ َو ُر ُظيِِّۦ وي ِصيسون أن حف ِصكٔا ب‬
‫ً‬ ‫َ ُ ُ َ َ َ َّ ُ ْ َ ۡ َ َ َ‬ ‫ۡ‬
‫ي ذَٰل ِم َظبِيَل﴾ [النساء‪]150 :‬؛ بؿ ك ًمف أقكاليـ‬ ‫زشوا ب‬‫ة ِ َتػ ٖـ وي ِصيسون أن حخ ِ‬
‫َ ُ ْ ُۡ ُ َ ٓ ُ َ َ ََۡ ََ ۡ ُ ُ َ‬
‫ون ة ٍَا َو َرا ٓ َءهُۥ َو ُْ َٔ ۡ َ‬
‫ٱۡل ُّق‬ ‫ِ‬ ‫ُضل غييِا ويسفص‬ ‫الصريحة في ىذا‪﴿ :‬كالٔا ُؤٌَِ ةٍِا أ ِ‬
‫ٗ ّ‬
‫ُّ‬
‫الحؽ‪،‬‬ ‫عدىـ ىو‬ ‫المنز يؿ عمى ىمف ىب ى‬ ‫ُم َؿ ّسِكا ل ٍَِا ٌَ َػ ُٓ ًۡ﴾ [البقرة‪]91 :‬؛ فحتَّى كاف كاف َّ‬
‫كالمحفكظ بًحفظ ا﵀ تعالى لو‪ ،‬كالذم ال يأتيو الباطؿ مف بيف يديو كال مف خمفو؛‬
‫عمماء بني‬
‫ي‬ ‫إذ قد اعترؼ بالقرآف كبالرسكؿ صمى ا﵀ عميو كسمـ‬ ‫كليس ىذا فقط‬
‫(‪)2‬‬ ‫َ ُ َّ ُ ۡ َ َ ً َ َ ۡ َ َ ُ ُ َ َ َٰٓ ُ ْ َ ٓ ۡ َ َٰٓ َ‬ ‫إسرائيؿ‪﴿ :‬أ َ َو لًَۡ‬
‫َسَ لًٓ ءاَث أن حػيٍّۥ غيمؤا ة ِِن إِظرءَِو﴾ [الشعراء‪ ]197 :‬؛‬
‫فكيؼ بيذه الحقائؽ كغيرىا؛ ال تكفييـ إزاء مكقفيـ ًمف كتاب ا﵀ تعالى القرآف الكريـ‪،‬‬
‫كرسكلو صمى ا﵀ عميو كسمـ!!‪.‬‬

‫( ‪ )1‬يينظر في ىذا المعنى؛ اإلجابة "القرآف كأسئمتؾ الكجكدية" د‪ :‬مياب السعيد‪ ،‬ص‪ )285( :‬مركز براىيف‬
‫لدراسة اإللحاد‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتاب لمنشر كالتكزيع‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬يراجع في تفسيرىا‪ :‬الجامع ألحكاـ القرآف؛ القرطبي‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص‪ )88 ،77( :‬تحقيؽ‪ :‬التركي‪ .‬كتفسير‬
‫القرآف العظيـ‪ ،‬البف كثير الدمشقي‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،)163( :‬ط دار طيبة‪ .‬كالمقصكد بالعمماء في اآلية؛ إما‬
‫أف يككف مف أسمـ منيـ؛ كعبد ا﵀ بف سبلـ كسمماف الفارسي رضي ا﵀ عنيما‪ ،‬أك تككف عامة لمف أسمـ‬
‫كغيرىـ؛ فإف كفار قريش كانكا يسألكف الييكد عف صفتو صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ ،‬كعف بعض الحجج؛ التي‬
‫الظيكر عمى النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ ،‬كفي كصؼ ىؤالء العمماء الذيف يىـ ًخيرةي أىؿ‬ ‫ى‬ ‫يريدكف بيا‬
‫َّ ۡ َ ۡ ۡ َ َٰ َ َ ُ ۡ ُ َّ َ َ ٓ ُ َ َ ۡ ُ ۡ َ َ ٓ‬
‫ب لٍَ َؤٌَِ ةِٱَّلل ِ وٌا أُضِل إِِلسً وٌا‬ ‫الكتاب؛ يينظر تفسير ابف كثير رحمو ا﵀ آلية‪﴿ :‬سِإَن ٌَِ أْ ِو ٱىهِٰ ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِِس َر ّبٓ ًۡ إن َ‬
‫ٱَّلل ََس ُ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ل ُٓ ًۡ أج ُصْ ًۡ غ َ‬‫َّ َ َ ٗ َ ً ُ ْ َ َٰٓ َ‬ ‫َ َّ َ َ ۡ َ ُ َ َ‬ ‫ُ َ َۡ ۡ َ‬
‫يع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ل‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ْۚ‬ ‫ِيَل‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫ا‬‫ِ‬‫ٍ‬ ‫ث‬ ‫ِ‬ ‫ٱَّلل‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫َٰ‬ ‫ي‬ ‫أَ‍ِب‬ ‫ون‬ ‫َت‬‫ؼ‬ ‫ي‬ ‫َّل‬ ‫ِ‬ ‫َّلل‬
‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ػ‬ ‫ؼِ‬‫َٰ‬ ‫خ‬ ‫ُضل إِِل ًِٓ‬
‫أ ِ‬
‫اب﴾ {آؿ عمراف‪.}199 :‬‬ ‫ۡ َ‬
‫ٱۡل ِع ِ‬

‫‪18‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كمف ىذا نعمـ‪« :‬أف ديف األكليف كاآلخريف مف األنبياء كأتباعيـ‪ ،‬ىك ديف‬
‫اإلسبلـ؛ كىك عبادة ا﵀ كحده ال شريؾ لو‪ .‬كعبادتيو تعالى في كؿ زماف كمكاف‬
‫بطاعة رسمًو عمييـ السبلـ‪ ،‬فبل يككف عابدا لو مف عبده بخبلؼ ما جاءت بو رسميو‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ۢ‬ ‫َ َۡ َۡ َ‬ ‫َش ُغٔا ْ ل َ ًُٓ ٌّ ََِ ّ‬ ‫َۡ َُ ۡ ُ َ َ‬
‫ك َٰٓ ُؤا ْ َ َ‬
‫ََِ ٌا لً َأذن ةِِّ ٱَّللْۚ﴾‬‫ِ‬ ‫ٱدل‬ ‫كالذيف قاؿ ا﵀ فييـ‪﴿ :‬أم لًٓ َش‬
‫[الشكرل‪ ،]21 :‬فبل يككف مؤمنا بو إال مف عبده بطاعة رسمو‪ ،‬كال يككف مؤمنا بو كال‬
‫رسكؿ إلى أف‬ ‫و‬ ‫فيطاع ُّ‬
‫كؿ‬ ‫عابدان لو إال مف آمف بجميع رسمو‪ ،‬كأطاع مف أرسمو إليو‪ ،‬ي‬
‫يأتي الذم بعده‪ ،‬فتككف الطاعة لمرسكؿ الثاني»(‪.)1‬‬

‫فالمشكاةي التي أخذ منيا جميع األنبياء كاحدةه‪ ،‬ككمُّيـ عمييـ الصبلة كالسبلـ‬
‫محم ود‬
‫تمامو كبياؤه ببعثة نبينا َّ‬ ‫و‬
‫اف كاحد أخذ في االكتماؿ شيئان فشيئان؛ حتى كاف ي‬ ‫كب ٍنىي و‬
‫ي‬
‫(‪) 2‬‬
‫كيشَّي ىد ما فعمو السابؽ‪ ،‬ال أف‬ ‫صمى ا﵀ عميو كسمـ ‪ .‬فيأتي البلحؽ منيـ يلي ّْ‬
‫كمؿ ي‬
‫بنيانو مف أصكلو كقكاعده؛ الميـ إال في بعض الطرؽ‬ ‫فيزيؿ ى‬ ‫ً ً‬
‫ييدـ ف ٍع ىؿ ىمف سبقو؛ ي‬
‫التي سمكيا ذاؾ النبي في بنائو مخالفان فييا أخكه مف األنبياء في طريقة البًناء كليس‬
‫بناء آخر‪ ،‬كما ذؾ إال الختبلؼ طبيعة قكمو في الزماف كالمكاف كاألشخاص‪،‬‬ ‫في و‬
‫كىذا كمُّو راجعه إلى ا﵀ تعالى الذم أرسؿ الجميع(‪.)3‬‬

‫أسماىا‪( :‬إرشاد الثقات إلى اتفاؽ‬ ‫َّ‬


‫كقد ألؼ الشككاني رحمو ا﵀ تعالى رسالة ٍ‬
‫ائع السماكية عمى ىذه‬
‫اتفاؽ الشر ً‬
‫ى‬ ‫الشرائع عمى التكحيد كالمعاد كالنبكات)(‪َّ .)4‬بيف فييا‬
‫كلما كانت ىذه الثبلثة‬
‫األمكر الثبلثة (التكحيد كالمعاد كالنبكات)؛ ككاف مما قالو‪َّ « :‬‬
‫المقاصد؛ مما اتفقت عميو الشرائع جميعان‪ ،‬كما حكى ذلؾ الكتاب العزيز في غير‬

‫(‪ )1‬الجكاب الصحيح لـ بدؿ ديف المسيح؛ ابف تيمية‪ ،‬تحقيؽ‪ :‬عمي بف حسف بف ناصر كآخركف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪:‬‬
‫(‪ ،.)84 ،83‬ط‪ :‬الثانية (‪1419‬ق) دار العاصمة‪ ،‬السعكدية‪.‬‬
‫(‪ )2‬كقد مثَّؿ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ ىذا المعنى في مثاؿ فقاؿ‪( :‬مثمي كمثؿ األنبياء؛ كمثؿ رجؿ بنى دا انر‬
‫ً‬
‫مكضع المبنة) أخرجو‬ ‫فأكمميا كأحسنيا إال مكضع و‬
‫لبنة‪ ،‬فجعؿ الناس يدخمكنيا كيتعجبكف كيقكلكف‪ :‬لكال‬
‫سمـ؛ كفيو‪( :‬فأنا‬
‫كم ه‬‫البخارم؛ ؾ‪( :‬المناقب)‪ ،‬باب‪( :‬خاتـ النبييف صمى ا﵀ عميو كسمـ)؛ برقـ‪ ،)3534( :‬ي‬
‫(ذكر ككنو صمى ا﵀ عميو كسمـ خاتـ‬ ‫مكضع المبنة؛ جئت فختمت األنبياء) في ؾ‪( :‬الفضائؿ)‪ ،‬باب‪ً :‬‬
‫النبييف)؛ برقـ‪ .)2287( :‬كغيرىما‬
‫(‪ )3‬كسكؼ يظير ىذا المعنى في القاعدة التالية إف شاء ا﵀ تعالى‪.‬‬
‫(‪ )4‬ط‪ :1‬دار الكتب العممية؛ بيركت (‪1404‬ق)‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫و‬
‫مقصد منيا بإيراد ما يكضّْح ذلؾ مف الكتب‬ ‫مكضع؛ أحببت أف أتكمَّـ ىاىنا عمى ّْ‬
‫كؿ‬
‫ّْ‬
‫المتقدميف‪ ،‬مما يدؿ عمى اتفاؽ أنبياء ا﵀ ككتبو عمى إثباتيا ‪..‬‬ ‫السابقة كعف الرسؿ‬
‫كال ريب أف مف آمف با﵀‪ ،‬كبما جاءت بو رسمو كنطقت بو كتبو‪ ،‬فإف إيمانو بيذه‬
‫أىـ ما يجب اإليماف بو‪ ،‬كأقدـ ما يتحتـ عميو اعتقاده‪ ،‬ألف‬‫الثبلثة المقاصد‪ ،‬ىك ُّ‬
‫يب‪ ،‬كينفي َّ‬
‫كؿ‬ ‫الكتب قد نطقت بيا‪ ،‬كالرسؿ قد اتفقت عمييا؛ اتفاقان يقطع كؿ ر و‬
‫ً‬
‫أصكؿ ّْ‬
‫الديانة‪.‬‬ ‫كؿ شؾ»(‪ .)1‬فيذا االتفاؽ إنما ىك في األصكؿ؛‬ ‫شبية‪ ،‬كي ً‬
‫ذىب َّ‬ ‫ي‬
‫أما الشرائع؛ فيناؾ نكع اتفاؽ في كمّْياتيا كأصكليا العممية؛ «فالرسؿ متفقكف‬
‫ٌ‬
‫في الديف الجامع لؤلصكؿ االعتقادية ك َّ‬
‫العممية؛ فاالعتقادية كاإليماف با﵀ كبرسمو‬
‫كباليكـ اآلخر‪ ،‬كالعممية؛ كاألعماؿ العامة المذككرة في سكرتي األنعاـ كاألعراؼ‬
‫ُ َ َ ُ َ َّ ُ ۡ ُ ْ‬ ‫ُۡ َ َ ْ َُۡ‬
‫كسكرة اإلسراء؛ كقكلو تعالى﴿كو ت َػال ۡٔا أحو ٌَا َخ َّص َم َر ُّبس ًۡ غي ۡيس ًۡن أَّل تۡشِكٔا ةِِّۦ‬
‫م َأ ََّّل َت ۡػتُ ُس ٓوا ْ إ ََّّلٓ إََّاهُ‬
‫َ َ َ َٰ َ ُّ َ‬
‫س ِٗان ﴾ [األنعاـ‪ 151 :‬ػ ػ ‪﴿ ،]153‬وكَض رب‬ ‫دلََۡ إ ِ ۡخ َ َٰ‬ ‫ئان َوبٱىۡ َـ َٰ ِ َ‬ ‫َ ۡٗ‬
‫ػ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ۡ َّ َ َ َّ َ َ ّ َ ۡ َ َ‬ ‫دلََۡ إ ِ ۡخ َ َٰ‬ ‫َوبٱىۡ َـ َٰ ِ َ‬
‫ّب ٱىف َـ َٰخِغ ٌَا ظ َٓ َص ٌِِۡ َٓا‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫م‬‫ص‬ ‫خ‬ ‫ا‬‫ٍ‬ ‫ج‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫﴿‬ ‫‪،‬‬ ‫]‬‫‪38‬‬ ‫ػ‬ ‫ػ‬ ‫‪22‬‬ ‫اء‪:‬‬‫ر‬‫اإلس‬ ‫[‬ ‫﴾‬ ‫ْۚ‬ ‫ا‬‫سًِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َۡ ٗ ََ َُ ُ ْ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ۡ ۡ َ َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ ۡ َ ّ َ َ ُ ۡ ُ ْ َّ َ َ ۡ ُ َ ّ ۡ‬
‫نل ةِِّۦ ظيطَِٰا وأن تلٔلٔا‬ ‫ۡشكٔا ةِٱَّلل ِ ٌا لً ح ِ‬
‫ي ٱۡل ِق وأن ت ِ‬ ‫ٱۡلثً وٱۡلۡغ ةِؾ ِ‬ ‫وٌا بمَ و ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫لَع ٱَّلل ِ ٌَا َّل ت ۡػي ٍُٔن﴾ [األعراؼ‪.)2(»]33 :‬‬

‫صدؽ النبي صمى ا﵀ عميو كسمٌـ امرأة مف الييكد في قكليا‪( :‬إف عذاب‬
‫كقد ٌ‬
‫القبر مف البكؿ)(‪.)3‬‬

‫ً‬
‫بالقيامة كالجنة كالنار مف أصكؿ اإليماف التي يشترؾ‬ ‫اإليماف‬ ‫ككذلؾ؛ ف ػػ‪« :‬‬
‫ي‬
‫األنبياء جميعا كأتباعيـ الصادقكف في معرفتيا كاإليماف بيا؛ كالقرآف كىك كتاب ا﵀‬
‫يدؿ ًداللة قاطعة عمى أف األنبياء جميعان َّ‬
‫عرفكا‬ ‫بدؿ ُّ‬
‫غير كلـ يي َّ‬
‫المحفكظ الذم لـ يي َّ‬
‫أمميـ بالقيامة‪ ،‬كبشركىـ بالجنة كأنذركىـ النار ‪ ..‬كال شؾ أف الكتب السماكية التي‬

‫(‪ )1‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.)4( :‬‬


‫(‪ )2‬قكاعد التعايش بيف أىؿ األدياف عند شيخ اإلسبلـ ابف تيمية‪ ،‬بقمـ‪ :‬محمد خير العبكد‪ ،‬ص‪ ،)8( :‬دار‬
‫رمادم لمنشر ط‪1416( :2‬ق)‬
‫(‪ )3‬أخرجو النسائي في سننو‪ ،‬ؾ‪( :‬االستعاذة)‪ ،‬باب‪( :‬االستعاذة مف حر النار)‪ ،‬برقـ‪ ،)5519( :‬كمسند أحمد‬
‫برقـ‪)24324( :‬‬

‫‪21‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫نصكصيا بذكر اليكـ اآلخر كالتخكيؼ منو‪،‬‬


‫ي‬ ‫ُّ‬
‫الحؽ تبارؾ كتعالى كانت تزخر‬ ‫أنزليا‬
‫التبشير بما َّ‬
‫أعده ا﵀ لممؤمنيف بو في جنات النعيـ‪ ،‬كالتحذير مف النار كأىكاؿ‬
‫القيامة‪ ،‬إال أف ىذه الكتب ط أر عمييا تحريؼ كثير‪ ،‬كذىب كثير مف نصكصيا التي‬
‫تتعرض لميكـ اآلخر»(‪.)1‬‬

‫صدؽ صاحب الرسالة كالنبكة؛‬ ‫فياؾ مسمىؾ مف المسالؾ التي يستدؿ بيا عمى ً‬
‫ي‬
‫َّ‬
‫نكعية ما يدعكا إليو ىذا الرسكؿ؛ مكافقان أك‬ ‫كىك المسمؾ النكعي؛ كالذم ىينظر في‬
‫مخالفان لمف سبقو مف الرسؿ عمييـ جميعان الصبلة كالسبلـ؛ يقكؿ ابف تيمية رحمو ا﵀‬
‫تعالى‪« :‬كقد يعمًـ جنس ما يدعك إليو الرسؿ‪ ،‬كجنس أحكاليـ‪ ،‬فالمدعي لمرسالة في‬
‫زمف اإلمكاف إذا أتى بما ظير بو مخالفتو لمرسؿ يعمًـ أنو ليس منيـ‪ ،‬كاذا أتى بما‬
‫ىك مف خصائص الرسؿ يعًمـ أنو منيـ؛ ال سيما إذا يعًمـ أنو البد مف رسكؿ يمنتظر‪،‬‬
‫كعمًـ أف لذلؾ الرسكؿ صفات تميزه عمف سكاه»(‪.)2‬‬
‫ي‬
‫كمف األصكؿ العممية المتفؽ عمييا بيف الشرائع؛ ىذه األركاف التي قاؿ عنيا‬
‫و‬
‫خمس شيادة أف ال إلو إال كأف‬ ‫(بني اإلسبلـ عمى‬ ‫النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ :‬ي‬
‫محمدان رسكؿ ا﵀ كاقاـ الصبلة كايتاء الزكاة كالحج كصكـ رمضاف)(‪ ،)3‬فاإلسبلـ الذم‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬القيامة الكبرل‪ ،‬د‪ /‬عمر سميماف األشقر‪ ،‬ص‪ 87( :‬ػ ػ ‪ ،)94‬فقد ذكر رحمو ا﵀ نصكصان مف القرآف‬
‫الكريـ جاءت عمى لساف أنبياء ا﵀ تعالى تدؿ عمى أف ىذه العقيدة ثابتة عندىـ كعند أتباعيـ‪ ،‬كذلؾ ذكر‬
‫مف النصكص الدالة عمى ذلؾ مما عند الييكد كالنصارل في التكراة كاإلنجيؿ‪ .‬ككما أنو مف أصناؼ الييكد‬
‫مف يقكلكف ال قيامة؛ أمثاؿ‪ :‬الصدكقيكف (انجيؿ متى ‪ ،)23 :22‬ككذلؾ قد جاء عف مصعب بف سعد بف‬
‫ىع ىم ناال} [الكيؼ‪]103 :‬؛ ىـ الحركرية؟ قاؿ‪"( :‬ال؛‬
‫يف أ ٍ‬ ‫سألت أبي {قي ٍؿ ىى ٍؿ ينىنبيّْئ يك ٍـ بً ٍاأل ٍ‬
‫ىخ ىس ًر ى‬ ‫ي‬ ‫أبي كقاص‪ ،‬قاؿ‪:‬‬
‫محمدا ػ ػ صمى ا﵀ عميو كسمـ ػ ػ كأما النصارل كفركا بالجنة‪ ،‬كقالكا‪:‬‬ ‫ن‬ ‫ىـ الييكد كالنصارل‪ ،‬أما الييكد فك ٌذبكا‬
‫يسمييـ الفاسقيف‪.‬‬
‫سعد ٌ‬‫ال طعاـ فييا كال شراب‪ ،‬كالحركرية الذيف ينقضكف عيد ا﵀ مف بعد ميثاقو)‪ .‬ككاف ه‬
‫أخرجو البخارم في صحيحو‪ ،‬ؾ (التفسير ػ ػ سكرة رقـ‪ ،)18 :‬باب‪( :‬قؿ ىؿ ننبئكـ باألػخسريف أعماال)‪ ،‬برقـ‪:‬‬
‫بتكس وع؛ كتاب‪( :‬يكـ القيامة بيف اإلسبلـ كالييكدية كالمسيحية‪ ،‬د‪ :‬فرج ا﵀ عبد البارم‪ ،‬ط‪:‬‬
‫كيراجع ُّ‬
‫(‪ .)4728‬ي‬
‫دار األفاؽ العربية‪ ،‬ط‪ :‬األكلى ‪2004‬ـ)‬
‫كينظر كتاب‪ :‬األدلة العقمية النقمية عمى أصكؿ االعتقاد؛ سعكد بف عبد‬
‫(‪ )2‬شرح األصفيانية؛ ص‪)93( :‬؛ ي‬
‫العزيز بف محمد العريفي‪ .‬ص‪ .)515( :‬ط‪ :‬دار عالـ الفكائد‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجو البخارم‪ ،‬ؾ‪( :‬اإليماف)‪ ،‬باب‪( :‬قؿ ما يعبأ بكـ ربي)‪ ،‬برقـ‪ )8( :‬كمسمـ‪ ،‬ؾ‪( :‬اإليماف)‪ ،‬باب‪( :‬بني‬
‫و‬
‫خمس) برقـ‪.)16( :‬‬ ‫اإلسبلـ عمى‬

‫‪21‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ىك ديف األنبياء جميعان؛ قد يبني عمى ىذه األركاف بما فييا اإليماف بنبينا محمد صمى‬
‫ا﵀ عميو كسمـ(‪.)1‬‬

‫كؿ الشرائع؛ إ ٍذ قد أكحى‬‫صمىةه بيف العبد كربو في ّْ‬ ‫ككذلؾ الصبلة؛ التي ىي ً‬
‫َّ ٓ َ َ‬
‫ا﵀ سبحانو كتعالى إلى نبيو مكسى صمى ا﵀ عميو كسمَّـ َّأك ىؿ ما أكحى‪﴿ :‬إُِ ِِن أُا‬
‫ٓ‬ ‫َّ َ َٰ َ ۡ‬ ‫َّ ُ َ ٓ َ َ َّ ٓ َ َ ۠ َ ۡ ُ ۡ َ َ‬
‫ٱَّلل َّل إِلَّٰ إَِّل أُا ـٱختس ِّن وأك ِ ًِ ٱلؿئة َِِكصِي﴾ [طو‪ ،]14 :‬بؿ ك ٍأكحى إليو كالى أخيو‬
‫ۡ َ ُُ ٗ َ ۡ َُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ ۡ ُ‬ ‫ََۡ َ َۡٓ َ ُ َ ََ‬
‫ىاركف قائبلن‪﴿ :‬وأوخيِا إ ِ َٰل م َٰ‬
‫ريِّ أن تتٔءا ى ِلٌِٔهٍا ة ِ ٍُِص بئحا وٱجػئا‬ ‫َٔس وأ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُ َ ُ ۡ ۡ َ ٗ َ َ ُ ْ َّ َ َٰ َ َ َ ّ ۡ ُ ۡ‬
‫ۡش ٱلٍؤ ٌِِِي﴾ [يكنس‪.]87 :‬‬ ‫بئحسً ك ِتيث وأرِئٍا ٱلؿئة وب ِ ِ‬
‫ۡ ُ‬
‫ينة الصبلة؛ قاؿ ا﵀ تعالى عف إسماعيؿ عميو السبلـ‪َ ﴿ :‬وٱذن ۡص‬ ‫الزكاة قر ً‬
‫ً‬ ‫كعف‬
‫َّ َ‬ ‫ََۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ٗ َّ ٗ َ َ‬ ‫َ ۡ ۡ َ َ‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫ۡ َ‬
‫ٱلؿي َٰٔة ِ‬ ‫ب إ ِ ۡظ َؿَٰػِيو ْۚ إُِ ُّۥ َكن َؾادِق ٱل َٔغ ِس َوَكن َر ُظَّٔل ُب ِ ّيا َوَكن ََأ ُم ُص أْي ُّۥ ِة‬ ‫َٰ‬
‫ِِف ٱىه ِ‬
‫ِٰ‬
‫َۡ ٗ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َّ َ‬
‫شعيب عميو السبلـ‪:‬‬ ‫و‬ ‫ف ّيا ﴾ [مريـ‪ ،]55 ،54 :‬ككذلؾ عف‬ ‫ٱلضن َٰٔة ِ َوَكن غِِس َربِِّۦ مص ِ‬ ‫و‬
‫َ ُ ْ َ ُ َ ۡ ُ َ َ َ َٰ ُ َ َ ۡ ُ ُ َ َ َّ ۡ ُ َ َ َ ۡ ُ ُ َ َ ٓ ُ َ ٓ َ ۡ َ َّ ۡ َ َ ٓ َ ۡ َ َ َ َ َ ُ ْ‬
‫ش نؤا‬ ‫﴿كالٔا يَٰؼػيب أؾئحم حأمصك أن جَتك ٌا حػتس ءاةاؤُا أو أن جفػو ِِف أٌـ َٰنلِ ا ٌا ن َٰٓ‬
‫ِيس﴾ [ىكد‪ .]87 :‬ككذلؾ ييخاطب ا﵀ سبحانو كتعالى بني‬ ‫ٱلصػ ُ‬ ‫ُج ۡ َ‬
‫ٱۡلي ُ‬
‫ِيً َّ‬ ‫م َۡلَ َ‬ ‫َّ َ‬
‫إُِ‬
‫ٱر َن ُػٔا ْ ٌَ َع َّ‬
‫ٱىرَٰنِػ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ َّ َ َٰ َ َ َ ُ ْ َّ َ َٰ َ‬
‫ي﴾(‪[ )2‬البقرة‪.]43 :‬‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫إسرائيؿ بقكلو‪﴿ :‬وأرِئٍا ٱلؿئة وءاحٔا ٱلضنٔ‬

‫ؾ لؤلنبياء جميعان عمييـ الصبلة كالسبلـ؛ فأعمالو مرتبطة‬ ‫ُّ‬


‫الحج‪ :‬فيك منس ه‬ ‫أما‬
‫كٌ‬
‫مر النبي صمى‬‫ارتباطان كثيقان بأبي األنبياء إبراىيـ ككلده إسماعيؿ عميميا السبلـ‪ ،‬كقد َّ‬
‫ا﵀ عميو كسمـ بكادم األزرؽ؛ فقاؿ‪( :‬كأني أنظر إلى مكسى عميو السبلـ ىابطان مف‬
‫الثنية؛ كلو جؤار إلى ا﵀ بالتمبية) ثـ أتى عميو الصبلة كالسبلـ إلى ثنية ىرشى ‪..‬‬

‫العيد باإليماف بو صمى ا﵀ عميو كسمـ؛ فقاؿ سبحانو‬ ‫ى‬ ‫( ‪ )1‬فقد أخذ ا﵀ سبحانو كتعالى عمى أنبيائو جميعان‬
‫َ َٰ َ ۡ َ ُ َّ َ ٓ َ ُ ۡ َ ُ ر ُّ َ ّ ر ّ َ َ َ ُۡ‬ ‫ّ‬ ‫ۡ َ َ َ َّ ُ َ َٰ َ َّ ّ َ َ َ ٓ َ َ ۡ ُ ُ‬
‫ب وخِهٍثٖ ثً جاءزً رظٔل ٌؿسِق ل ٍِا ٌػسً‬ ‫ٖ‬ ‫ِٰ‬ ‫ن‬ ‫َِ‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫س‬ ‫كتعالى‪﴿ :‬سِإَذ أرش ٱَّلل ٌِيثق ٱنلت ِ ِ ۧ‬
‫يَ لٍا ءاحيخ‬
‫ُ‬ ‫۠‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َّ ُ َ َ َ َ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ َ ۡ َٰ َٰ ُ‬
‫ِس ًۡ إ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َِلُ ۡؤٌ ُ َّ‬
‫ۡصي كال ٓٔا أك َص ۡرُا ْۚ كال ـٱػ َٓ ُسوا َوأُا ٌَ َػسً ٌّ ََِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُِن ةِِّۦ وِلُِصُّ ْۚۥ كال ءأكصرتً وأرشتً لَع ذى‬
‫ٱىشٓس َ‬ ‫َّ‬
‫ََِ﴾ {آل عمران‪}18 :‬‬ ‫َٰ ِ‬
‫(‪ )2‬قاؿ الفخر الرازم‪« :‬اعمـ أف ا﵀ سبحانو كتعالى لما أمرىـ باإليماف أكالن ثـ نياىـ عف لبس الحؽ بالباطؿ‬
‫َّ‬
‫كالمقدـ‬ ‫ككتماف دالئؿ النبكة ثانيان‪ ،‬ذكر بعد ذلؾ ما لزميـ مف الشرائع كذكر مف جممة الشرائع ما كاف‬
‫كاألصؿ فييا كىك الصبلة التي ىي أعظـ العبادات البدنية كالزكاة التي ىي أعظـ العبادات المالية»‬
‫التفسير الكبير كمفاتيح الغيب ج‪ ،3‬ص‪.)46( :‬‬

‫‪22‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فقاؿ‪( :‬كأني أنظر إلى يكنس ً‬


‫بف متى عميو السبلـ عمى ناقة حمراء جعدة؛ عميو يجٌبة‬
‫طاـ ناقتًو يخمبة كىك ييمبي)(‪ ،)1‬بؿ قاؿ عميو الصبلة كالسبلـ‪( :‬لقد سمؾ‬ ‫ً‬
‫مف صكؼ خ ي‬
‫فج الركحاء سبعكف نبيان يح َّجاجان عمييـ ثياب الصكؼ‪ ،‬كلقد صمى في مسجد الخيؼ‬
‫َّ‬
‫سبعكف نبيان)(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫ٱلؿيَ ُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ َ ُ‬
‫ام‬ ‫ب غييۡس ًُ ِ‬ ‫أما عف الصياـ؛ فقد قاؿ سبحانو‪﴿ :‬يأحٓا ٱَََِ ءأٌِا نخ ِ‬ ‫كٌ‬
‫ُ َ َّ ُ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫لَع َّٱَ َ‬
‫ََِ ٌَِ ر ۡتي ِس ًۡ ى َػيس ًۡ ت َّخلٔن﴾ {البقرة‪.}183 :‬‬
‫َ َ ُ َ ََ‬
‫نٍا نخِب‬

‫أما‬
‫كلكف ىذا التكافؽ بيف ىذه األركاف العممية إنما ىك جممتيا كفي فرضيتيا‪َّ ،‬‬
‫ظاىر كمعركؼ(‪.)3‬‬
‫ه‬ ‫تفصيبلتييا؛ مف حيث األركاف كالسنف كالييئات فاالختبلؼ فييا‬

‫بع و‬
‫ض مف التكافؽ بيف الشرائع السماكية في ىذه األمكر‬ ‫كقد جاء ما ُّ‬
‫يدؿ عمى ٍ‬
‫ػ ػ العقدية كالعممية ػ ػ في نصكص العيد القديـ؛ كالتي منيا ما قصَّو مكسى عميو‬
‫ب‬‫الر ُّ‬
‫السبلـ عمى مسامع إسرائيؿ مف الكصايا التي تكمـ بيا الرب؛ إذ قاؿ‪ « :‬أىىنا يى ىك َّ‬
‫ُخرى أَم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ؾ ًمف أىر ً ً‬ ‫ؾ الًَّذم أ ٍ‬ ‫إًليي ى‬
‫امي‬ ‫ص ىر م ٍف ىب ٍيت ا ٍل يع يبكدَّية لَ َي ُك ْف لَ َؾ آل َي ٌة أ ْ َ َ‬ ‫ضم ٍ‬ ‫ىخ ىر ىج ى ٍ ٍ‬
‫ض ِم ْف‬ ‫اء ِم ْف فَ ْوؽ َو َما ِفي األ َْر ِ‬ ‫السم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ورةً َّما‪ ،‬م َّما في َّ َ‬ ‫ص َ‬
‫ِ‬
‫ص َن ْع لَ َؾ ت ْمثَالً َم ْن ُحوتًا ُ‬ ‫لَ تَ ْ‬
‫ب‬ ‫س ُج ْد لَ ُي َّف َولَ تَ ْع ُب ْد ُى َّف‪ ،‬أل َِّني أََنا َّ‬
‫الر ُّ‬ ‫ض لَ تَ ْ‬ ‫اء ِم ْف تَ ْح ِت األ َْر ِ‬ ‫أَس َف ُؿ وما ِفي ا ْلم ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ََ‬
‫الر ِب ِع ِم َف الَّ ِذ َ‬
‫يف‬ ‫يؿ الثَّالِ ِث َو َّا‬ ‫اء َوِفي ا ْل ِج ِ‬ ‫اء ِفي األ َْب َن ِ‬ ‫لو َغيور‪ ،‬أَفْتَ ِق ُد ُذنُوب اآلب ِ‬
‫َ َ‬ ‫لي َؾ إ ٌ ُ ٌ‬
‫إِ ُ ِ‬
‫اسِـ‬‫ؽ ِب ْ‬ ‫اي‪ ،‬لَ تَ ْن ِط ْ‬ ‫ص َاي َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫سا ًنا إَِلى أُلُوؼ م ْف ُمح ِّب َّي َو َحافظي َو َ‬ ‫َص َنعُ إِ ْح َ‬
‫ضوَنني‪َ ،‬وأ ْ‬
‫ي ْب ِغ ُ ِ‬
‫ُ‬
‫ظ ىي ٍكىـ الس ٍَّب ًت‬ ‫اطبلن ػ ًا ٍحفى ٍ‬ ‫ؽ بًاس ًم ًو ب ً‬
‫طى ٍ ى‬ ‫ب الى يي ٍب ًرئي ىم ٍف ىن ى‬ ‫الر َّ‬
‫ىف َّ‬ ‫اطالً‪ ،‬أل َّ‬‫الر ِّب إِل ِي َؾ ب ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ؾ‪ً ،‬ل ىك ٍي‬ ‫ب ًإليي ى‬ ‫الر ُّ‬
‫ؾ َّ‬ ‫صا ى‬‫ُم َؾ ىك ىما أ ٍىك ى‬
‫اؾ َوأ َّ‬ ‫ب ًإليي ى‬
‫ؾ ػ ‪ ..‬ػ أَ ْك ِرْـ أ ََب َ‬ ‫الر ُّ‬
‫ؾ َّ‬ ‫صا ى‬ ‫ً‬
‫لتيقى ّْد ىسوي ىك ىما أ ٍىك ى‬
‫ب إًليي ىؾ ػ لَ تَ ْقتُ ْؿ‪،‬‬ ‫الر ُّ‬
‫يؾ َّ‬‫ض الَّتًي يي ٍع ًط ى‬ ‫ؾ ىخ ٍيهر عمىى األ ٍىر ً‬ ‫ام ىؾ‪ ،‬ىكلً ىك ٍي ىي يك ى‬
‫كف لى ى‬ ‫كؿ أَّىي ي‬
‫تىطي ى‬

‫مسمـ‪ ،‬ؾ‪( :‬اإليماف)‪ ،‬باب‪( :‬اإلسراء برسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ إلى السماكات كفرض‬ ‫ه‬ ‫( ‪ )1‬أخرجو‬
‫الصمكات)‪ ،‬برقـ‪ ،)269( :‬كابف ماجة‪ ،‬ؾ‪( :‬المناسؾ)‪ ،‬باب‪( :‬الحج عمى الرحؿ)‪ ،‬برقـ‪)2891( :‬؛ كمسند‬
‫أحمد؛ برقـ‪.)1854( :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجو الحاكـ في المستدرؾ‪ ،‬برقـ‪.)4228( :‬‬
‫الحسيني الندكم؛ ػ ػ ػ في كتابو‪( :‬األركاف األربعة‪ :‬الصبلة كالزكاة كالصكـ‬
‫سف أبك الحسف عمي ي‬
‫ىح ى‬
‫( ‪ )3‬كقد أ ٍ‬
‫كالحج؛ في ضكء الكتاب كالسنة؛ مقارنة مع الديانات األخرل) ط‪ :‬دار القمـ‪1974( ،‬ق) ػ ػ إذ ذكر بعضان‬
‫مف ىذه األمكر المتعمقّْة بيذه األركاف عند المسمميف كغيرىـ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ام َأرَةَ قَ ِري ِب َؾ‪َ ،‬ولَ‬ ‫ور‪ ،‬ولَ تَ ْ ِ‬ ‫ش َي ْد َع َمى قَ ِري ِب َؾ َ‬


‫شتَو ْ‬ ‫ادةَ ُز ٍ َ‬ ‫ش َي َ‬ ‫ؽ‪َ ،‬و َل تَ ْ‬ ‫س ِر ْ‬
‫َولَ تَْز ِف‪َ ،‬ولَ تَ ْ‬
‫َمتَ ُو َولَ ثَْوَرهُ َولَ ِح َم َارهُ َولَ ُك َّؿ َما لِقَ ِري ِب َؾ ػ‬ ‫تَ ْ ِ‬
‫شتَو َب ْي َت قَ ِري ِب َؾ َولَ َح ْقمَ ُو َولَ َع ْب َدهُ َولَ أ َ‬
‫اب‬‫الس ىح ً‬‫الن ًار ىك َّ‬ ‫اعتً يك ٍـ ًفي ا ٍل ىجىب ًؿ ًم ٍف ىك ىس ًط َّ‬ ‫ب يك َّؿ ىج ىم ى‬ ‫ات ىكمَّ ىـ بًيىا َّ‬
‫الر ُّ‬ ‫ىذ ًه ا ٍل ىكمً ىم ي‬
‫ً‬
‫ىع ى ً‬‫ص ٍك وت ىع ًظ ويـ ىكلى ٍـ ىي ًزٍد ػ ىك ىكتىىبيىا ىعمىى لى ٍك ىح ٍي ًف ًم ٍف ىح ىج ور ىكأ ٍ‬ ‫الضىب ً‬
‫اىا»(‪.)1‬‬ ‫طاني إًَّي ى‬ ‫اب‪ ،‬ىك ى‬ ‫ىك َّ‬

‫كتنكعيا في الجممة‪ ،‬ككذلؾ ً‬


‫نسخيا بشريعة نبينا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اختبلؼ الشرائع‬ ‫أم ير‬
‫أما ٍ‬
‫ك َّ‬
‫محمد صمى ا﵀ عميو كسمـ؛ فإف‪« :‬القرآف قد نسخ بعض األحكاـ العممية التي جاءت‬
‫آف؛ إنما ىك مف األحكاـ التي تختمؼ باختبلؼ‬
‫في الشرائع السابقة‪ ،‬كما نسخو القر ي‬
‫أما ما لو صفة العمكـ مف الفضائؿ كما يشتؽ مف الفطرة‬
‫الزماف كالمكاف كالعصر‪ ،‬ك َّ‬
‫اإلنسانية؛ فإنو غير قابؿ لمنسخ كالعقائد ألنو شريعة اإلنسانية األبدية»(‪ .)2‬كسكؼ‬
‫يأتي مزيد بياف لقضية النسخ ككقكعيا لمشرائع السابقة‪.‬‬

‫«ىذا كنظ انر لنسخ جميع شرائع الرسؿ عمييـ السبلـ بشريعة خاتميـ محمد‬
‫صؿ ا﵀ عميو كسمـ؛ فإنو لـ يبؽ ىناؾ ما يمزـ المؤمف إزاء أكلئؾ الرسؿ سكل‬
‫اإليماف بيـ كاعتقاد عصمتيـ ككماليـ‪ ،‬ككجكب تعظيميـ كاحتراميـ»(‪.)3‬‬

‫فكما أف إيماننا با﵀ تعالى ال يتج أز؛ فكذلؾ إيماننا بجميع األنبياء كبما نزؿ‬
‫عمييـ‪ ،‬كذلؾ ال نفرؽ بيف ا﵀ تعالى كرسمو عمييـ جميعان الصبلة كالسبلـ‪ .‬كذلؾ ألف‬
‫الطرؽ المكصمةي إلييا‬
‫ي‬ ‫احد‪ ،‬كمشكاتىيـ كاحدةه‪ ،‬كغايتىيـ كاحدة‪ ،‬كاف اختمفت‬
‫دينيـ ك ه‬
‫حسبما اقتضتو الحكمة اإلليية‪.‬‬

‫(‪ )1‬العيد القديـ (سفر التثنية ‪ 6 :5‬ػ ػ ػ ػ ‪.)22‬‬


‫(‪ )2‬أصكؿ الفقو‪ ،‬محمد أبك زىرة‪ ،‬ص‪ .)172( :‬دار الفكر العربي‪1436( ،‬ق)‪.‬‬
‫(‪ )3‬عقيدة المؤمف‪ ،‬أبك بكر الجزائرم‪ ،‬ص‪ .)161( :‬دار العقيدة؛ القاىرة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة الثانية‬

‫س ِخ َّ‬
‫الشرائع‬ ‫في َن ْ‬
‫الميمة؛ كالتي ينبغي عمى طالب المعرفة أف‬ ‫َّ‬ ‫نسخ الشرائع قاعدة مف القكاعد‬
‫حصؿ ًعممان ليس ببمده‪ ،‬ككاف ىذا ً‬
‫العمـ مكجكدان‬ ‫سيما المسمـ الذم أراد أف يي ّْ‬ ‫يي ًتقىنيا ال َّ‬
‫عند اآلخريف ممف خالفكه في الديف؛ عقيدةن كسمككان‪ ،‬فتباينكا معو في منيجو اإلسبلمي‬
‫ً‬
‫اإلسبلـ الخاتمةى التي جاء بيا نبينا‬ ‫جممةن‪ .‬كألف ىذه الشريع ىة الناسخةى ػ ػ ػ أعني‪ :‬شريعةى‬
‫محمد صمى ا﵀ عميو كسمـ ػ ػ ػ ال ىيقب يؿ ا﵀ تعالى أف ييداف لو بغيرىا‪.‬‬

‫كمعرفة ذلؾ في ىذا الزماف ضركريةه؛ كذلؾ ألف أصحاب ىذه العمكـ ػ ػ أعني‬
‫سخركف َّ‬
‫كؿ ما أكتكا لنصرة ثقافتيـ التي عمييا‬ ‫التي ليست بببلد اإلسبلـ قاطنةن ػ ػ يي ّْ‬
‫تن ٌشأكا كفي ظبلليا كبيف أ ٍفيائيا ترعرعكا‪.‬‬

‫مكانو‪.. ،‬‬
‫شيء كاثبات غيره ى‬ ‫و‬ ‫فالنسخ إذان‪ ..‬في أصؿ مادتو؛ يعكد إلى‪ « :‬رفع‬
‫و‬
‫بحادث غيره‬ ‫ثـ يينسخ‬
‫أمر كاف ييعم يؿ بو مف قب يؿ َّ‬ ‫و‬ ‫و‬
‫تحكيؿ شيء إلى شيء ‪ ..‬كالنسخ‪ :‬ه‬
‫(‪)1‬‬
‫ؼ شيئان فقد انتسخو» ‪ .‬ك َّ‬
‫أما الشريعة ػ ػ مفرد الشرائع؛ كالتي ىي‬ ‫و‬
‫شيء ىخمى ى‬ ‫‪ُّ ..‬‬
‫ككؿ‬
‫قرينة النسخ في تمؾ القاعدة ػ ػ ػ ففي أصؿ مادتيا ىي األخرل؛ تعكد إلى‪« :‬شيء ييفتح‬
‫ؽ مف ذلؾ ّْ‬
‫الشرعة في الديف كالشريعة»(‪ ..،)2‬فيك لفظ‪:‬‬ ‫و‬
‫امتداد يككف فيو‪ ..‬كاشتي َّ‬ ‫في‬
‫«استيعير‪ ..‬لمطريقة اإلليية»(‪ .)3‬كىذه الطريؽ؛ قد ارتضاىا ا﵀ تعالى كي ييداف بيا‬
‫أناس كمَّفيـ بيا‪ ،‬كعاقبيـ عمى عدـ سمككيا كاتباعيـ إياىا‪.‬‬
‫كييعبد؛ مف و‬

‫عز كجؿ بًحكـ‬


‫تدينا ﵀ َّ‬ ‫حينئذ؛ ىك‪ :‬رفع يح ٍكـ كاف معمكالن بو ُّ‬‫و‬ ‫سخ الشرائع‬
‫فىىن ي‬
‫آخر(‪ .)4‬كىذا الرفع أك ىذا التبدي يؿ؛ ليس عبثان كال لغكان مف القكؿ ػ ػ ػ تعالى ا﵀ َّ‬
‫كتنزه‬

‫(‪ )1‬معجـ مقاييس المغة‪ ،‬ألبي الحسيف أحمد بف فارس بف زكريَّا؛ ج‪ ،5‬ص‪ .)424( :‬تحقيؽ‪ :‬عبد السبلـ‬
‫محمد ىاركف‪ .‬ط‪ :‬دار الفكر (‪1399‬ىػػ‪1979 ،‬ـ)‬
‫(‪ )2‬المصدر السابؽ‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.)262( :‬‬
‫(‪ )3‬المفردات في غريب القرآف؛ الحسيف بف محمد "الراغب األصفياني"‪ ،‬ص‪ .)261( :‬ط‪ :‬التكقيفية‪ .‬مصر‪.‬‬
‫(‪ )4‬كلمعرفة أحكاـ النسخ كأنكاعو في الشريعة اإلسبلمية كما يتعمؽ بو؛ يينظر إلى‪( :‬الناسخ كالمنسكخ؛ تأليؼ‪:‬‬
‫عبد القاىر البغدادم؛ تحقيؽ‪ً :‬حممي كامؿ‪ ،‬ط‪ :‬دار العدكل؛ عماف؛ األردف)‬

‫‪25‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫َ َ َّ ۡ َ ٓ َ َ ٗ َّ َ َ َ َ َ َّ ُ َ ۡ َ‬
‫ٱَّلل أغي ًُ ة ِ ٍَا‬ ‫عف ذلؾ عمكا كبي انر ػ ػ ػ؛ فيك القائؿ سبحانو‪﴿ :‬سِإَذا ةسنلا ءاَث ٌَكن ءاَثٖ و‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ ّ ُ (‪َ ُ ُ َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ َ ٓ َ َّ ْ ٓ ُ َ )1‬‬
‫َثْ ًۡ َّل َح ۡػي ٍُٔن﴾ {النحؿ‪.}101 :‬‬ ‫َتۚ ِۢ ةو أز‬
‫حنِل كالٔا إِجٍا أُج ٌف ْۚ‬

‫قكـ في طريقتيـ كشريعتيـ التي كمّْفكا بيا؛ أدلةه كثيرة مف المعقكؿ‬ ‫تبايف ّْ‬
‫كؿ و‬ ‫كلً ي‬
‫عاقؿ تدريج العقكؿ إلى األفضؿ؛ بؿ األكمؿ‪ ،‬كذلؾ‬ ‫لكؿ و‬‫كالمنقكؿ؛ إذ أنو مف الكاضح ّْ‬
‫نتيج نة لما يكتنفيا مف العمكـ كالمعارؼ‪ ،‬كما يط أر عمى بيئتيا مف األحكاؿ كالظركؼ؛‬
‫و‬
‫بحكـ لقضية ما؛ ثـ بعد و‬
‫حيف‬ ‫المسمَّمة عند العقبلء إذا ما حكمكا‬
‫فمف البديييات ي‬
‫طرأت ظركؼ كأحكاؿ جعمتيـ يي ًسُّنكف حكم نا آخر غير الحكـ األكؿ؛ فإنيـ يعممكف‬
‫بالحكـ الثاني بغير غضاضة‪ ،‬مع عدـ كصفيـ لمحكـ األكؿ بما ييشيف عقكلىيـ أك‬
‫و‬
‫كطبيعة ما يناسبيما في أحكاليما (‪.)2‬‬ ‫لكؿ و‬
‫عقؿ‬ ‫ييسفّْو أحبلميـ فإف ّْ‬

‫ت أنفيسييـ إلييا؛ فأصبحت بمثابة‬


‫اطمأن ٍ‬
‫رؼ‪ ،‬ك ٌ‬ ‫لدييـ المعا ي‬
‫اكتممت ٍ‬
‫ٍ‬ ‫كحتى إذا ما‬
‫يقيني ًتيا؛ عند ذلؾ يضعكا‬
‫يقيني وة عندىـ ال تتزعزع‪ ،‬كقد أجمع العمماء معيـ عمى َّ‬ ‫َّ‬
‫و‬
‫حينئذ كلك بعد حي وف أف ينازعكىـ في‬ ‫حكمان أك أحكامان ال تتغير‪ ،‬كال يجكز لمعقبلء‬
‫يقينيتًيـ تمؾ؛ أك أف تتغير إلى ما يخالؼ ذلؾ المعقكؿ(‪ .)3‬كىذا ما ترتضيو العقكؿ‬
‫َّ‬
‫كتجنح إليو‪.‬‬

‫كتكبيخ لمكفار عمى‬


‫ه‬ ‫(‪ )1‬كىذه الجممة االعتراضية مف أحسف ما يككف في ىذا المقاـ ػ ػ كما قاؿ ابف عثيميف ػ ػػ‪،‬‬
‫قكليـ (إنما أنت مفتر) ػ ػ كما قاؿ الرازم؛ فإذا‪ « :‬كاف ىك أعمـ بما يينزؿ فما بالييـ ينسبكف محمدان صمى‬
‫ا﵀ عميو كسؿ إلى االفتراء؛ ألجؿ التبديؿ كالنسخ؛ كقكلو‪( :‬بؿ أكثرىـ ال يعممكف)‪ ،‬أم ال يعممكف حقيقة‬
‫مدة‬
‫القرآف كفائدة النسخ كالتبديؿ‪ ،‬كأف ذلؾ لمصالح العباد كما أف الطبيب يأمر المريض بشربة‪ ،‬ثـ بعد ٌ‬
‫ينياه عنيا؛ كيأمره بضد تمؾ الشربة»‪ ،‬يينظر‪ :‬شرح العقيدة الكاسطية البف عثيميف‪ ،‬ص‪ ،)286( :‬كتفسير‬
‫الرازم؛ مفاتيح الغيب ج‪ ،20‬ص‪.)118( :‬‬
‫ناسب ذلؾ تعريؼ بعض العمماء لمنسخ بقكليـ ػ ػ كعميو مآخذ ػ ػ‪« :‬بياف انتياء َّ‬
‫مدة التعبد»‪ .‬يينظر‬ ‫كلعؿ مما ي ً‬
‫َّ‬ ‫( ‪)2‬‬
‫ي‬
‫المرجع السابؽ؛ ص‪ 39( :‬ػ ػ ‪.)42‬‬
‫يات لمبحث كالقبكؿ‬
‫ككأمثمة لذلؾ؛ االكتشافات العممية الحديثة‪ :‬فبعد أف كانت بيف جدراف المعامؿ نظر ه‬ ‫و‬ ‫( ‪)3‬‬
‫كالرد؛ أصبحت يقينيَّات ال تيخالؼ؛ بؿ كال يجكز مخالفتيا؛ كحركة اإللكتركنيات‪ ،‬كقكانيف نيكتف‪ ،‬كالكيرباء‪،‬‬
‫كالذرة ‪ ..‬إلخ‪ .‬ككذلؾ ال ييعقؿ بعدىا حينئذ قمب تمؾ الحقيقة إلى ما ييخالؼ العقكؿ؛ كأف ييقاؿ‪ :‬تغيَّر قانكف‬
‫الجاذبية‪ ،‬تعطمت حركة االلكتركنات‪ ،‬أك تغيرت قكانيف الكيرباء ‪ ..‬كىكذا‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ّ‬ ‫ٌ ُ‬ ‫َ ُّ‬
‫ِك وِ ۡج َٓث ْ َٔ ُم َٔ ِِل َٓان﴾ [البقرة‪ ،]148:‬كقاؿ‪:‬‬
‫كقد قاؿ ا﵀ تعالى؛ بيانان لذلؾ‪﴿ :‬وى ٖ‬
‫َش َغ ٗث َوٌ ِِۡ َٓ ٗ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ُّ‬
‫اجا ْۚ ﴾ [المائدة‪.]47 :‬‬ ‫ِك َج َػي َِا ٌ‬
‫ِِس ًۡ ِ ۡ‬
‫﴿ى ٖ‬

‫أمر الشرائع السابقة عمى شريعتنا ػ ػ نحف المسمميف ػ ػ؛ يجد‬ ‫ثـ إف الناظر في ٍ‬
‫فييا ما يدعكا إلى ضركرة تغييرىا بؿ كرفعيا؛ كاستبداليا بغيرىا‪ ،‬إذ أنيا ال تتناسب‬
‫كلعؿ ىذا ىك السّْر في ً‬
‫نبذ‬ ‫َّ‬ ‫مع حياة الناس اآلف؛ في معامبلتيـ كأخبلقيـ كعباداتيـ‪.‬‬
‫ي‬
‫لمديف عف‬‫سمى العالىمانية؛ كالتي ىي فص هؿ ّْ‬‫كثير منيـ ليذه الشرائع‪ ،‬كمناداتًيـ بما يي َّ‬
‫الحياة‪.‬‬

‫نادل عمييا بضركرة التغيير كالتبديؿ؛ ككانت دليبل‬ ‫كمف ىذه الشرائع التي يي ى‬
‫بل قبؿ أف يككف شرعان ػ ػ‪ :‬أف زكاج اإلخكة بيف أبناء آدـ‬
‫عمى جكاز نسخ الشرائع ػ ػ عق ن‬
‫كاف مباحان لما تقتضيو الظركؼ؛ كقد يحّْرـ في التكراة(‪ ،)1‬ككذلؾ تعدد الزكجات ببل‬
‫عدد كال حصر كما عند الييكد(‪ ،)2‬كبيف الزكجة الكاحدة كحرمة الطبلؽ منيا؛ كما‬
‫ال تى ًعيفيكا)(‪.)4‬‬
‫اءليكا ىك ى‬
‫ى‬ ‫ى‬‫ف‬‫ى‬‫ت‬‫ت‬
‫ى‬ ‫ال‬
‫ى‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬‫التشاؤـ‬
‫ك‬ ‫التفاؤؿ‬ ‫عف‬ ‫النيي‬ ‫ككذلؾ‬ ‫‪.‬‬‫(‪)3‬‬
‫عند النصارل‬

‫(‪ )1‬العيد القديـ‪ ،‬سفر البلكييف (‪.)9 :18‬‬


‫(‪ )2‬كىذه ىي شريعة التكراة؛ كيشيد لذلؾ ما جاء عف كداكد‪( :‬صمكئيؿ الثاني‪)7 :12 ،‬؛ كفيو‪( :‬إذ أسمـ الرب‬
‫إليو نساء سيده)‪ ،‬ككذلؾ سميماف عميو السبلـ‪( :‬الممكؾ األكؿ ‪ :)3 :11‬فقد كاف لو سبعمائة امرأة مف‬
‫الحرائر‪ ،‬كثبلثمائة مف السرارم‪.‬‬
‫سمى "تفريؽ قضائي" كىك‪« :‬التفريؽ بيف الزكجيف تفريقان دائما أك مؤقتان‬
‫حدث ػ ػ أم الطبلؽ ػ ػ ‪ :‬يفي َّ‬
‫(‪ )3‬كاف ى‬
‫مضجعا كمسكنا كمائدة؛ بمكجب قرار صادر مف المحكمة الكنسية المختصة‪ ،‬مع بقاء الكثاؽ الزكجي قائما‬
‫‪ ..‬فمف خصائص الزكاج المسيحي الديمكمة كعدـ قابميتو لبلنحبلؿ؛ إال أف ىناؾ حاالت يتـ فييا التفريؽ‬
‫سمى بانفصاؿ الزكجيف‪ ،‬كقد يككف االنفصاؿ دائما أك‬ ‫بيف الزكجيف دكف أف تنتيي رابطة الزكجية؛ كىك ما يي َّ‬
‫مؤقتان‪ ».‬كأسباب االنفصا ؿ الدائـ بيف الزكجيف مع بقاء كثاؽ الزكجية قائما "عمة كاحدة؛ كىي‪ :‬الزنا"‪ ،‬كعمى‬
‫بشكؿ يمطمؽ؛ كانما ىك تفريؽ جسدم فقط‪ ،‬كأف مف أجاز‬‫و‬ ‫حرـ فسخ الزكاج‬‫كؿ فإف الطكائؼ الكاثكليكية تي ّْ‬
‫استثناء مف القاعدة العامة الكنسية كالتي تقضي بأبدية الرابطة الزكجية؛ يينظر في‬
‫ه‬ ‫الطبلؽ منيـ إنما ىك‬
‫ىذا‪ :‬دليؿ الزكاج لمطكائؼ المسيحية؛ ص‪ ،)20 ،9( :‬اعداد‪ :‬المجمس الكطني لشؤكف األسرة‪ ،‬مطبعة‬
‫الجامعة األردنية‪ ،‬كنظاـ الزكاج في الشرائع الييكدية كالمسيحية؛ د‪ /‬محمد شكرم سركر؛ ص‪،306( :‬‬
‫‪ .)307‬ط‪ :‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫نيي عف التفاؤؿ ككذا التشاؤـ!!‬ ‫ً‬
‫(‪ )4‬العيد القديـ سفر البلكييف‪ .)29 :19( ،‬فيك ه‬

‫‪27‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بدنو نجاسةه ػ ػ ك ىمني‬ ‫كمف ىذه الشرائع أيضان؛ ما يتعمؽ بطيارة مف أصاب ى‬
‫ب‬ ‫مما يينادل عمييا بضركرة التغيير‪ ( :‬ىك ىكمَّ ىـ َّ‬
‫الر ُّ‬ ‫ط ٍم ًث النساء ػ ػ؛ كىي َّ‬ ‫الرجاؿ!‪ ،‬أك ى‬
‫كف ىلوي ىسٍي هؿ ًم ٍف‬ ‫ال لىيي ٍـ‪ :‬يك ُّؿ ىر يج وؿ ىي يك ي‬ ‫يؿ ىكقيك ى‬‫بل‪ « :‬ىكمّْ ىما ىبنًي إً ٍس ىرائً ى‬ ‫كف قىائً ن‬ ‫كسى ىك ىى يار ى‬ ‫يم ى‬
‫كف ىن ًج نسا‪ ،‬ىك يك ُّؿ‬ ‫ً ًَّ‬ ‫لى ٍح ًم ًو‪ ،‬فى ىسٍيميوي ىن ًج هس ‪ ..‬يك ُّؿ ًف ىر و‬
‫ط ًجعي ىعمى ٍيو الذم لىوي السٍَّي يؿ ىي يك ي‬ ‫ضى‬ ‫اش ىي ٍ‬
‫و‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متى و ً‬
‫كف ىن ًج نسا‪ .‬ىك ىم ٍف ىم َّس ف ىار ىشوي ىي ٍغس يؿ ثىي ىابوي ىكىي ٍستىح ُّـ بً ىماء‪ ،‬ىكىي يك ي‬
‫كف‬ ‫اع ىي ٍجم يس ىعمى ٍيو ىي يك ي‬ ‫ى‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اء‪ .‬كمف جمىس عمىى ا ٍلمتى ً ًَّ‬ ‫ً‬
‫اع الذم ىي ٍجم يس ىعمى ٍيو يذك السٍَّي ًؿ‪ ،‬ىي ٍغس يؿ ثىي ىابوي‬ ‫ى‬ ‫ىن ًج نسا إًلىى ا ٍل ىم ىس ى ى ٍ ى ى ى‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫و‬ ‫ً‬
‫كف ىن ًج نسا ًإلىى ا ٍل ىم ىساء‪ .‬ىك ىم ٍف ىم َّس ىل ٍح ىـ ذم السٍَّي ًؿ ىي ٍغس يؿ ثىي ىابوي‬ ‫ىكىي ٍستىح ُّـ ًب ىماء‪ ،‬ىكىي يك ي‬
‫اى ور‪ ،‬ىي ٍغ ًس يؿ‬ ‫ط ً‬ ‫ؽ يذك السٍَّي ًؿ ىعمىى ى‬ ‫صى‬ ‫ً‬
‫كف ىن ًج نسا إًلىى ا ٍل ىم ىساء‪ .‬ىكًا ٍف ىب ى‬
‫و‬ ‫ً‬
‫ىكىي ٍستىح ُّـ بً ىماء‪ ،‬ىكىي يك ي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ب ىعمى ٍيو يذك السٍَّي ًؿ ىي يك ي‬
‫كف‬ ‫كف ىن ًج نسا إًلىى ا ٍل ىم ىساء‪ .‬ىك يك ُّؿ ىما ىي ٍرىك ي‬ ‫ثىي ىابوي ىكىي ٍستىح ُّـ بً ىماء‪ ،‬ىكىي يك ي‬
‫اء‪ ،‬ىك ىم ٍف ىح ىممىيي َّف ىي ٍغ ًس يؿ‬ ‫ىن ًجسا‪ .‬ك يك ُّؿ مف م َّس يك َّؿ ما ىكاف تى ٍحتىو ي يككف ىن ًجسا إًلىى ا ٍلمس ً‬
‫ىى‬ ‫ن‬ ‫يى ي‬ ‫ى ى‬ ‫ىٍ ى‬ ‫ن ى‬
‫اء‪ .‬ىك يك ُّؿ ىم ٍف ىمسَّوي يذك السٍَّي ًؿ ىكلى ٍـ ىي ٍغ ًس ٍؿ‬ ‫اء‪ ،‬كي يككف ىن ًجسا إًلىى ا ٍلمس ً‬
‫ىى‬ ‫ن‬
‫و‬ ‫ً‬
‫ثىي ىابوي ىكىي ٍستىح ُّـ بً ىم ى ى ي‬
‫ً‬
‫ؼ الًَّذم‬ ‫اء‪ .‬كًاىناء ا ٍل ىخ ىز ً‬ ‫ً‬
‫كف ىن ًج نسا إًلىى ا ٍل ىم ىس ى ي‬
‫و‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً و‬
‫ىي ىد ٍيو بً ىماء‪ ،‬ىي ٍغس يؿ ثىي ىابوي ىكىي ٍستىح ُّـ بً ىماء ىكىي يك ي‬
‫اء‪ .‬ىكًا ىذا طىييىر يذك السٍَّي ًؿ ًم ٍف ىسٍيمً ًو‪،‬‬ ‫اء ىخ ىش وب ي ٍغس يؿ بًم و‬
‫ي ى ى‬
‫يمسُّو يذك السٍَّي ًؿ ي ٍكسر‪ .‬ك يك ُّؿ إًىن ً‬
‫ي ىي ى‬ ‫ىى ي‬
‫طييير‪ .‬ىكًفي‬ ‫اء ىحي فىىي ٍ‬ ‫ي ٍحسب لىو س ٍبعةي أَّىي واـ لًطيي ًرًه‪ ،‬كي ٍغ ًس يؿ ثًيابو كيرحض جس ىده بًم و‬
‫ى ى ي ى ىٍ ى ي ى ى ي ى‬ ‫ٍ ىى‬ ‫ي ى ي ي ى ى‬
‫ب‪ ،‬إًلىى ىب ً‬ ‫ىم ًاـ َّ‬ ‫ً ً‬ ‫و‬ ‫ام ًف يأ ي ً ً ً‬ ‫ا ٍليكًـ الثَّ ً‬
‫اب‬ ‫الر ّْ‬ ‫امتىٍي ًف أ ٍىك فى ٍر ىخ ٍي ىح ىماـ‪ ،‬ىكىيأٍتي إلىى أ ى‬ ‫ٍخ يذ لىن ٍفسو ىي ىم ى‬ ‫ى‬ ‫ىٍ‬
‫يحةى ىخ ًطَّي وة‪ ،‬ىك ى‬
‫اآلخ ىر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬
‫اع‪ ،‬ىكيي ٍعطي ًي ىما ل ٍم ىكاى ًف‪ ،‬فىىي ٍع ىممييي ىما ا ٍل ىكاى يف‪ :‬ا ٍل ىكاح ىد ىذبً ى‬ ‫االجتً ىم ً‬
‫ىخ ٍي ىم ًة ٍ‬
‫ب ًم ٍف ىسٍيمً ًو»!) ككذلؾ أشياء أخرل عف المرأة(‪.)1‬‬ ‫الر ّْ‬
‫ىم ىاـ َّ‬ ‫ً‬ ‫ّْ‬
‫يم ٍح ىرقىةن‪ .‬ىكيي ىكف ير ىع ٍنوي ا ٍل ىكاى يف أ ى‬
‫كقد جاء في السنة الصحيحة عندنا؛ ما ييشير إلى ىذا التشدد الذم لقيو ىؤالء‬
‫القكـ في عباداتيـ؛ أمثاؿ‪:‬‬

‫(‪ )1‬العيد القديـ سفر البلكييف؛ اإلصحاح الخامس عشر بأكممو‪.‬‬


‫يد التحريؼ‪ ،‬أك أنيا صحيحةه لمف ين ًسبت إلييـ‪،‬‬‫كىذا كمُّو ‪ ..‬عمى فرض ثبكت ىذه األقكاؿ؛ كأنو لـ تن ٍميا ي‬
‫ناسبت طبيعةى الييكد‬
‫ٍ‬ ‫أحكاـ‬
‫ه‬ ‫المنكه عميو‪ .‬فيي‬
‫فمـ أ ٍذكرىا عمى سبيؿ التجريح أك القدح؛ بؿ ذكرتيا لميدؼ َّ‬
‫كتعنتىيـ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ثكب أحدىـ البك يؿ قرضو)(‪ .)1‬كفي ًركاية عند‬


‫(إف بني إسرائيؿ كاف إذا أصاب ى‬
‫عمي ام أرةٌ مف الييود؛ فقالت‪ :‬إف‬
‫(دخمت َّ‬
‫ٍ‬ ‫النسائي؛ قالت عائشة رضي ا﵀ عنيا‪:‬‬
‫الجمد كالثكب‪..‬‬
‫ى‬ ‫ً‬
‫كذبت‪ ،‬فقالت‪ :‬بمى؛ َّإنا لنقرض منو‬ ‫فقمت‪:‬‬
‫ي‬ ‫عذاب القبر مف البكؿ‪،‬‬
‫فقاؿ رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ صدقت)(‪.)2‬‬

‫كما قالو النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ عف فرض الصبلة ليمة اإلسراء كالمعراج‪:‬‬
‫فرجعت‪ ،‬فمررت عمى مكسى‪،‬‬
‫ي‬ ‫عمي الصبلة‪ :‬خمسيف صبلةن كؿ يكـ‪،‬‬
‫رضت ٌ‬
‫ٍ‬ ‫(ثـ في‬
‫فقاؿ‪ :‬بما أيمرت؟ قمت‪ :‬أمرت بخمسيف صبلة كؿ يكـ‪ .‬قاؿ‪ :‬إف أمتؾ ال تستطيع‬
‫خمسيف صبلة كؿ يكـ‪ ،‬واني وا﵀ قد جربت الناس قبمؾ‪ .‬وعالجت بني إسرائيؿ أشد‬
‫عني عش ار‪.‬‬
‫المعالجة‪ ،‬فارجع إلى ربؾ فاسألو التخفيؼ ألمتؾ‪ .‬فرجعت‪ ،‬فكضع ٌ‬
‫فرجعت إلى مكسى‪ ،‬فقاؿ مثمو‪ .‬فرجعت فكضع عني عش ار‪ .‬فرجعت إلى مكسى فقاؿ‬
‫مثمو‪ .‬فرجعت فأمرت بخمس صمكات كؿ يكـ‪ ،‬فرجعت إلى مكسى فقاؿ‪ :‬بما أمرت؟‬
‫قمت بخمس صمكات كؿ يكـ‪ .‬قاؿ‪ :‬إف أمتؾ ل تستطيع خمس صموات كؿ يوـ‪،‬‬
‫واني قد جربت الناس قبمؾ‪ ،‬وعالجت بني إسرائيؿ أشد المعالجة‪ ،‬فارجع إلى ربؾ‪،‬‬
‫فاسألو التخفيؼ ألمتؾ)(‪.)3‬‬

‫( ‪ )1‬أخرجو البخارم مف قكؿ أبي مكسى؛ ؾ‪( :‬الكضكء)‪ ،‬باب‪( :‬البكؿ عند سباطة القكـ)‪ ،‬برقـ‪.)226( :‬‬
‫جمد أحدىـ)‪ ،‬ؾ (الطيارة)؛ باب‪( :‬المسح عمى الخفيف)‪ ،‬برقـ‪.)273( :‬‬
‫مسمـ؛ كفيو‪( :‬إذا أصاب ى‬
‫كأخرجو ه‬
‫(‪ )2‬أخرجو النسائي؛ ؾ‪( :‬السيك)‪ ،‬باب‪( :‬نكع آخر مف الذمر بعد الدعاء كالتسميـ)‪ ،‬برقـ‪ .)1345( :‬كقاؿ‬
‫السيكطي‪« :‬قيؿ‪ :‬المراد بال ًج ٍمد؛ الذم يمبسكنو فكؽ أجسادىـ كبو جزـ القرطبي‪ ،‬قاؿ‪ :‬كسمعت بعض‬
‫أشياخنا يحمؿ ىذا عمى ظاىره كيقكؿ إف ذلؾ كاف مف اإلصر الذم حممكه‪ ،‬كنقؿ ابف سيد الناس عف ابف‬
‫دقيؽ العيد أنو كاف يذىب إلى ىذا‪ ،‬قاؿ الشيخ كلي الديف العراقي‪ ،‬كيؤيده ركاية الطبراني‪ :‬أف أحدىـ كاف‬
‫إذا أصاب شيئا مف جسده بكؿ قرضو بالمقاريض‪ ،‬قاؿ كالحديث إذا يج ًمعت طيرقو ٌ‬
‫تبيف المراد»‪ .‬سنف‬
‫النسائي مع حاشية السيكطي كالسندم‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،)173( :‬ط‪ :‬دار الحديث‪1431( ،‬ق)‪.‬‬
‫كمسمـ؛ ؾ‪( :‬اإليماف)‪ ،‬باب‪:‬‬
‫ه‬ ‫(‪ )3‬أخرجو البخارم‪ ،‬ؾ‪( :‬مناقب األنصار)‪ ،‬باب‪( :‬المعراج)‪ ،‬برقـ‪.)3788( :‬‬
‫(اإلسراء برسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ إلى السماكات كفرض الصمكات)‪ ،‬برقـ‪.)162( :‬‬

‫‪29‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اعتقاد غالبية الييكد في نصكصيـ‬ ‫ى‬ ‫كىذا بالنسبة لمعيد القديـ كالذم ييمثّْؿ‬
‫أما بالنسبة لمنصارل أصحاب العيد القديـ كالجديد معان؛ فقد مثَّمت ىذه‬ ‫(‪)1‬‬
‫َّ‬
‫المقدسة ؛ َّ‬
‫كغيرىا إشكاليةن في تطبيقيا؛ ألمكر‪:‬‬
‫النصكص ي‬
‫ض‬ ‫‪ ‬أف المسيح عميو السبلـ أيثً ىر عنو؛ أنو قاؿ‪( :‬لَ تَظُ ُّنوا أ َِّني ِج ْئ ُ‬
‫ت ألَ ْنقُ َ‬
‫اء‪َ .‬ما ِج ْئ ُ‬
‫َو األَ ْن ِب َي َ‬
‫وس أ ِ‬ ‫َّ‬
‫(‪) 2‬‬
‫ثـ فبل تجكز‬ ‫ض َب ْؿ ألُ َك ِّم َؿ) ‪ .‬كمف َّ‬ ‫ت ألَ ْنقُ َ‬ ‫ام َ‬
‫الن ُ‬
‫مخالفتيا‪ ،‬أك إلغاؤىا‪.‬‬
‫ت إلى ظيكر ما ييعرؼ بالدعكة إلى‬ ‫‪ ‬حكادث التاريخ األكربي المعاصر؛ التي َّ‬
‫أد ٍ‬
‫العالمانية‪ ،‬كقد كاف اليدؼ مف كرائيا؛ التخمص مف حكـ الرىباف كمف‬
‫ثـ ظيكر المذىب البركتستانتي المعارض‬
‫العصكر الكسطى المظممة‪ ،‬كمف َّ‬
‫لمكنائس القديمة‪.‬‬
‫‪ ‬التطكر السريع الذم يعيشو الناس كيألفكه في ّْ‬
‫كؿ و‬
‫يكـ؛ بؿ كفي كؿ ساعة؛‬
‫يجعؿ المناداةى إلى تطبيؽ تمؾ األحكاـ أم انر تأباهي النفكس؛ بؿ كمخالفان لمعقكؿ‪.‬‬

‫كحتَّى يخرجكا مف ىذا المأزؽ أك مف تمؾ اإلشكالية؛ جعمكا ليذه الشرائع‬


‫تفسيرات معنكية كركحية(‪ .)3‬فتكسعكا في أمر الطيارة مف النجاسة كغيرىا‪ ،‬كجعمكىا‬

‫أف فرؽ الييكد عمى خبلؼ فيما بينيـ في عدد أسفارىـ المقدسة‪.‬‬
‫(‪ )1‬إ ٍذ ٌ‬
‫(‪ )2‬العيد الجديد‪ ،‬إنجيؿ متى‪.)17 :5( ،‬‬
‫السر في الجمع بيف القرآف كالتكراة دكف اإلنجيؿ أك مكسى كمحمد دكف عيسى ػ ػ ػ عمييـ‬ ‫كلعؿ ىذا ىك ُّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ َ َ ۡ َ َ ٓ َّ َ ۡ َ َ ً ُ‬
‫جميعا السبلـ ػ ػ في غير ما آية مف القرآف الكريـ؛ أمثاؿ‪﴿ :‬كالٔا يَٰلٌِٔا إُِا ظ ٍِػِا ن َِٰٰتا أُضل ٌِ َۢ بػ ِس م َٰ‬
‫َٔس‬ ‫ِ‬
‫َٔس أ َ َو لًَۡ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ي ََ َسَِّۡ﴾ [األحقاؼ‪﴿ ،]30:‬ـَيَ ٍَّا َجا ٓ َء ُْ ًُ ۡ َ‬
‫ٱۡل ُّق ٌ َِۡ ِغِسَُِا كَالُٔا ْ ل َ ۡٔ ََّلٓ أ َ‬
‫وِت ٌ ِۡث َو ٌَا ٓ أ َ‬
‫وِت ُم َ َْٰۚٓ‬ ‫ُم َؿ ّس ِٗكا ل ّ ٍَِا َب ۡ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ ْ َّ‬ ‫َٔس ٌَِ َر ۡت ُو كَالُٔا ْ ظ ۡ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ُّ َ‬
‫ِد َصا ِن حََٰٰ َٓ َصا َوكال ٓٔا إُِا ةِس ٖو كَٰف ُِصون﴾ [القصص‪ .]48:‬فمـ يأت‬
‫ََ‬
‫ن‬ ‫س ُف ُصوا ْ ة ِ ٍَا ٓ أ َ‬
‫وِت ُم َ َٰ‬ ‫َ ۡ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أحؿ ليـ مما يحّْرـ عمييـ‪ .‬كىذا ظاىر اإلنجيؿ‬ ‫عيسى عميو السبلـ بشروع جديد؛ الميـ إال في بعض ما َّ‬
‫ض ىب ٍؿ ألي ىك ّْم ىؿ)؛ مع نصكص القرآف الكريـ اآلتية قريبان‪.‬‬ ‫الحالي كما في النص السابؽ‪ ( :‬ىما ًج ٍئ ي‬
‫ت أل ٍىنقي ى‬
‫(‪ )3‬كجاء في تفسير؛ الفقرة السابقة مف إنجيؿ متى‪« :‬فإزالة الجزء الطقسي مف الناموس ضرورية إلتماـ كؿ‬
‫الناموس ‪ ..‬كقصد المسيح بيذا الكبلـ أف يقينا الضبللة في المبادئ األدبية ال في الطقكس الخارجية‪ ،‬فبل‬
‫المسيح في‬
‫ي‬ ‫يجكز أف نستنتج مف ذلؾ أف المسيحييف مكمفكف بطاعة الشريعة الييكدية أك جزوء منيا‪ ،‬فسَّر‬
‫بقيَّة ىذا اإلصحاح كاإلصحاحيف التالييف ما ىك ركح ىذه الشريعة‪ ،‬ككـ ىي أكسع مما َّ‬
‫ظف الناس ػ ػ كبذلؾ‬
‫كؿ حرؼ كنقطة منيا يظير معناىا الكامؿ في حياة المسيحي كعممو» الكنز الجميؿ في تفسير‬ ‫جعؿ َّ‬
‫اإلنجيؿ‪ ،‬تأليؼ‪ :‬د‪ /‬كليـ إدم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .)63( :‬مجمع كنائس الشرؽ األدنى‪1973 .‬ـ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ببل رابط كال ضابط؛ بؿ لـ يمتزمكا بيا أصبلن‪ ،‬حتى جاء عف المسيح ػ ػ في أناجيميـ‬
‫ىف يك َّؿ ىما‬ ‫ًً‬
‫كف ىب ٍع يد؛ أ َّ‬
‫يف؟ أىالى تى ٍفيى يم ى‬‫اآلف ىغ ٍي ير فىاىم ى‬ ‫ضا ىحتَّى ى‬ ‫ػ ػ‪( :‬فىقىا ىؿ ىي يسكعي‪ « :‬ىى ٍؿ أ ٍىنتي ٍـ أ ٍىي ن‬
‫ىما ىما ىي ٍخ يريج ًم ىف ا ٍلفىًـ فى ًم ىف ا ٍل ىق ٍمب‬‫ؼ ىكىي ٍن ىد ًفعي إًلىى ا ٍل ىم ٍخ ىرًج؟ ىكأ َّ‬
‫ضي إًلىى ا ٍلجك ً‬
‫ىٍ‬
‫ي ٍد يخ يؿ ا ٍلفىـ يم ً‬
‫ى ىٍ‬ ‫ى‬
‫ؽ‪،‬‬‫نى‪ً ،‬ف ٍس ه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اإل ٍنساف‪ ،‬أل ً‬
‫ىف م ىف ا ٍل ىق ٍمب تى ٍخ يريج أى ٍف ىك هار شّْر ىيرةه‪ :‬قى ٍت هؿ‪ ،‬ز ن‬ ‫ٍ‬ ‫ّْس ً ى ى‬ ‫ؾ ييىنج ي‬‫ص يد ير‪ ،‬ىكىذا ى‬
‫ىي ٍ‬
‫ىما األى ٍك يؿ بًأ ٍىي ود ىغ ٍي ًر‬ ‫اف‪ .‬ىكأ َّ‬ ‫ىذ ًه ًىي الَّتًي تيىن ّْج يس ً‬
‫اإل ٍن ىس ى‬ ‫ى‬
‫يؼ‪ً .‬‬ ‫كر‪ ،‬تى ٍج ًد ه‬ ‫ًس ٍرقىةه‪ ،‬ىشيى ى‬
‫ادةي يز و‬
‫اف») (‪ .) 1‬فميس عندىـ مف أمر الطيارة كالنظافة ما عند‬ ‫اإل ٍن ىس ى‬ ‫بل ييىن ّْج يس ً‬‫ىم ٍغ يسكلى وة فى ى‬
‫غيرىـ مف الييكد أك المسمميف!!‪.‬‬

‫كما ًمف شؾ ػ ػ كلك قميؿ ػ ػ في أف عيسى عميو السبلـ قد جاء مصدقان لمتكراة‬ ‫ى‬
‫كمكمبلن ليا؛ بؿ ورافعاً لبعض اآلثار القاسية فييا عمى الييكد كالنصارل؛ فقد قاؿ‬ ‫ّْ‬
‫َ ُ َ ّ ٗ ّ َ َ ۡ َ َ َ َّ َ َّ ۡ َ َٰ َ ُ َّ َ ُ َ ۡ َ َّ‬
‫ا﵀ تعالى في ذلؾ عنو‪﴿ :‬ومؿسِكا ل ٍِا بي َسي ٌَِ ٱِلٔرىثِ و ِۡلخِو ىسً بػـ ٱَِي‬
‫ٱَّلل َوأَل ُ‬
‫ِيػٔ ِن﴾ [آؿ ًعمراف‪.]50 :‬‬ ‫ٱت ُلٔا ْ َّ َ‬
‫َ ّ َّ ّ ُ ۡ َ َّ‬ ‫ُ‬
‫ج ۡئخُسً أَ‍ِبَ ٖث ٌَِ ربِسً ـ‬ ‫ُ ّ َ َ َ ۡ ُ ۡ (‪َ )2‬‬
‫خصِم غييس ًْۚ و ِ‬
‫فأمر بعيد‬ ‫و‬ ‫ّْ‬
‫أما أف يككف الرفع ليذه اآلصار بتمؾ الصكرة التي تحممت مف كؿ شيء؛ ه‬ ‫َّ‬
‫كؿ البعد‪ ،‬فضبلن عف أف يككف عميو دليؿ‪.‬‬ ‫َّ‬

‫ً‬
‫حاجات الركح كتكاليؼ‬ ‫الرقي العقمي‪ ،‬كجمعان بيف‬
‫كاستكماالن لمتدرج ىن ٍح ىك ُّ‬
‫الخ ٍمؽ‪،‬‬
‫غياف ألحدىما عمى اآلخر؛ كتطبيقان لما أراده ا﵀ تعالى مف ى‬‫الجسد‪ ،‬بغير طي و‬

‫(‪ )1‬العيد الجديد‪ ،‬انجيؿ متى (‪17 :15‬ػ ػ ‪.)20‬‬


‫و‬
‫نجس يختمط بطعامنا؛ فإف الطبيعة سكؼ تعزلو‪ ،‬كتطرحو خارجان‪ ،‬كلف‬ ‫و‬
‫شيء‬ ‫جاء في تفسيرىا‪« :‬فإف أم‬
‫ييسبب لنا أيَّة نجاسة‪ ،‬كغسؿ األيدم مكضكع يتعمؽ بالنظافة‪ ،‬لكف ليس لمديف أيَّة عبلقة بو»‪ .‬التفسير‬
‫المقدس‪ ،‬متى ىنرم‪ ،‬العيد الجديد؛ ج‪ ،1‬ص‪ .)153( :‬مطبكعات إيجمز؛ القاىرة ‪2002‬ـ‪.‬‬ ‫الكامؿ لمكتاب ٌ‬
‫َ‬
‫َ َۡ َ ۡ ۡ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ّ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ُ‬
‫ج‬‫(‪ )2‬كقد قاؿ الشيخ محمد بف صالح العثيميف‪« :‬كقاؿ ا﵀ تعالى‪﴿ :‬ـتِظي ٖم ٌَِ ٱَََِ ْادوا خ َّصٌِا غييًِٓ ليِب َٰ ٍ‬
‫َّ َ‬
‫يو ٱَّلل ِ نث ِٗيا﴾ فمما يحرمت عمييـ ىذه الطيبات لظمميـ كعدكانيـ‪ ،‬كبعث ا﵀‬ ‫ب‬‫ظ‬ ‫أُخ َِّي ۡ‬
‫ج ل َ ُٓ ًۡ َوب َؿ ّ ِسْ ًِۡ َغَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحؿ ليـ بعض ما يحّْرـ عمييـ‪ ،‬كلـ ييذكر في القرآف بياف ىذا البعض فيككف‬ ‫عيسى صمى ا﵀ عميو كسمـ َّ‬
‫باقيان عمى إطبلقو‪ ،‬كلك كاف لنا مصمحة في تعييف ذلؾ لبيَّنو ا﵀»‪ .‬تفسير القرآف الكريـ لو‪ ،‬سكرة آؿ‬
‫يـ ىذه الطيبات إنما ىك‬ ‫عمراف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪َ .)292( :‬دار َّ ابف الجكزم‪ .‬كقد بيف ا﵀ تعالى أيضان أف تحر ى‬
‫ُ ُ َ َ ۡ َ َ َ ۡ َ َ َ َّ ۡ َ َ َ ۡ ۡ ُ ُ َ ُ َ ٓ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ََِ ْادوا َخ َّص ٌَِۡا ك ذِي ظفصٖ وٌَِ ٱۡللصِ وٱىؾِ ًِ خصٌِا غيي ًِٓ ػدٔمٍٓا‬ ‫ببغييـ كعدكانيـ؛ إذ قاؿ‪َ ﴿ :‬ولَع ٱَ‬
‫َّ َ َ ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ َ َ‬ ‫ۡ َ‬ ‫َّ َ َ َ َ ۡ ُ ُ ُ ُ َ ٓ َ ۡ ٓ َ‬
‫ٱۡل َٔاََا أ ۡو ٌَا ٱرخَي َك ة ِ َػظ ٖم ذَٰل ِم َج َض ۡي َنَٰ ًُٓ ةِتَؾي ِ ِٓ ًۡن سِإَُا ىصَٰسِكٔن﴾ [األنعاـ‪.]146 :‬‬
‫إَِّل ٌا ّميج ظٓٔرٍْا أو َ‬
‫ِ‬
‫كينظر في تفسيرىا كذلؾ ابف كثير في تفسيره(ج‪ ،3‬ص‪ 354 :‬ػ ػ ‪.)357‬‬

‫‪31‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كجؿ بغيرىا؛ كانت‬ ‫ككصكالن لمصكرة النيائية لمطريقة اإلليية؛ التي ال يرضى ا﵀ عز َّ‬
‫ۡ ّ َّ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األم ّْي؛ الذم قاؿ ا﵀ تعالى عنو‪﴿ :‬ٱَََِ َتتِػٔن ٱلصظٔل ٱنل َّ‬
‫ِب ٱۡل ِّم ٱَِي‬ ‫ِ‬ ‫بعثة النبي ّْ‬
‫َ ۡ َ‬ ‫ۡ ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ ۡ َ َٰ َ ۡ‬ ‫ِِس ُْ ۡ‬ ‫َ ُ َُ َ ۡ‬
‫وف َو َي ِۡ َٓى َٰ ُٓ ًۡ غ َِ ٱل ٍُِه ِص‬ ‫يو ََأ ُم ُصًْ ةِٱل ٍَػ ُص ِ‬ ‫جن‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ٱۡل‬ ‫و‬ ‫ث‬
‫ِ‬ ‫ى‬‫ر‬ ‫ٔ‬ ‫ٱِل‬ ‫ِف‬
‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ٔبا غ َ‬‫ه ُخ ً‬ ‫َيسوُّۥ ٌ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ۡص ُْ ًۡ َوٱۡلؽؾَٰو ٱىِت َكَُ ۡ‬‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ج‬ ‫د َو َي َق ُع َخ ِۡ ُٓ ًۡ إ ۡ َ‬ ‫ُ ُ َّ ّ َ َٰ َ ُ َ ّ ُ َ ۡ ُ َ َ َٰٓ َ‬
‫َو ُي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج ويد ِصم غيي ًِٓ ٱۡلبه ِ‬ ‫دو لًٓ ٱىميِب ِ‬
‫ََ‬
‫غي ۡي ِٓ ۡ ًْۚ﴾ [األعراؼ‪.]157 :‬‬

‫شر بو في كتب السابقيف مف التكراة‬


‫كبعيدان عف ككنو صمى ا﵀ عميو كسمٌ ىـ يمب ىان‬
‫كي ُّ‬
‫حؿ ليـ‬ ‫(‪)1‬‬
‫كاإلنجيؿ ؛ فقد كاف عميو السبلـ يأمرىـ بالمعركؼ‪ ،‬كينياىـ عف المنكر‪ ،‬ي‬
‫حؽ ا﵀ تعالى كما سبؽ‪،‬‬‫مت عمييـ بسبب ظمميـ كاعتدائيـ عمى ّْ‬ ‫حر ٍ‬ ‫الطيبات التي ّْ‬
‫كزيادة عمى ذلؾ ييخمّْصيـ مف األغبلؿ كالقيكد التي ما زالت عمييـ‪ ،‬كالتي ما خمٌصيـ‬
‫المسيح عميو السبلـ إال مف بعضيا‪ ،‬ككذلؾ ييحّْريـ عمييـ الخبائث‪.‬‬
‫َ َۡ ۡ‬
‫الداعيف في قكليـ‪َ ﴿ :‬ر َّب َِا َوَّل َت ٍِو‬ ‫كقد استجاب ا﵀ سبحانو كتعالى دعاء َّ‬
‫قمكبيـ‪ ،‬كذرفت‬ ‫مت‬ ‫ً‬
‫ج‬ ‫ك‬ ‫أف‬ ‫بعد‬ ‫‪.‬‬‫َ ۡ َ (‪)2‬‬
‫﴾‬ ‫ْۚ‬ ‫ا‬ ‫ِِ‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫َِ‬‫ٌ‬ ‫لَع َّٱَ َ‬
‫ََِ‬
‫َ ََۡٓ ۡ ٗ َ َ َََُۡ ََ‬
‫غييِا إِۡصا نٍا ّميخّۥ‬
‫ٍ ي‬ ‫ٍ‬
‫َّ ُ َ ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ُُۡ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫ٱَّللن ذيَؾفِ ُص‬ ‫دمكعيـ مف قكلو تعالى‪﴿ :‬سِإَن تتۡ ُسوا ٌَا ِِفٓ أُفعِس ًۡ أ ۡو َّتفٔهُ َيَاظِتۡسً ةِِّ‬
‫ي‬

‫(‪ )1‬فميس ىذا مح ٌؿ البحث؛ كمف أراد التكسع في ىذه البشارات كالتعميؽ عمييا فميرجع إلى‪( :‬محمد صمى ا﵀‬
‫عميو كسمـ كما كرد في كتب الييكد كالنصارل؛ لمبركفسير عبد األحد داكد)‪ ،‬ك(البشارة بنبي اإلسبلـ‪ ،‬د‪/‬‬
‫أحمد حجازم السقَّا)‪.‬‬
‫(‪ )2‬قاؿ القرطبي‪« :‬فا﵀ سبحانو بمطفو كانعامو؛ كاف كاف قد كمفنا بما ُّ‬
‫يشؽ كيثقؿ‪ :‬كثبكت الكاحد لمعشرة‪ ،‬كىجرة‬
‫اإلنساف كخرجو مف كطنو كمفارقة أىمو ككطنو كعادتو؛ لكنو لـ يكمفنا بالمشقَّات المثقمة‪ ،‬كال باألمكر‬
‫المؤلمة‪ ،‬كما كمَّؼ مف قبمنا بقتؿ أنفسيـ كقرض مكضع البكؿ مف ثيابيـ كجمكدىـ‪ ،‬بؿ سيَّؿ كرفؽ ككضع‬
‫َّ‬
‫عنا اإلصر كاألغبلؿ التي كضعيا عمى مف كاف قبمنا‪ .‬فممو الحمد كالمنة‪ ،‬كالفضؿ كالنعمة»‪ .‬الجامع‬
‫ألحكاـ القرآف؛ تحقيؽ‪ :‬عبد ا﵀ بف عبد المحسف التركي؛ ج‪ ،4‬ص‪.)500 ،499( :‬ط‪ :‬الرسالة‪2006.‬ـ‪.‬‬
‫ؼ بو؛ فقد ذكر رحمو ا﵀ في مكضع‬ ‫كال ييفيـ مف كبلـ القرطبي رحمو ا﵀ أف ثبكت الكاحد لمعشرة يمكمَّ ه‬
‫شؽ ذلؾ عمى الصحابة يخفؼ عنيـ إلى ثبكت الكاحد لبلثنيف‪ ،‬كذكر خبلفا‬ ‫لما َّ‬
‫األنفاؿ‪ :‬أنو كاف فرضان ثـ َّ‬
‫فميراجع‪ :‬ج(‪)10‬؛ ص‪.)71 ،70( :‬‬
‫عف السمؼ في تسمية ذلؾ تخفيفان أك نسخان؛ ي‬

‫‪32‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫َ ۡ‬
‫َشءٖ كَس ٌ‬
‫َِص﴾؛ فقاؿ ا﵀ تعالى كما في الحديث‬ ‫ك‬
‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ٱَّلل َ َ َٰ‬
‫لَع‬ ‫ِب ٌََ ي َ َؼا ٓ ُء َو َّ ُ‬
‫ل ٍََِ ي َ َؼا ٓ ُء َويُ َػ ّش ُ‬

‫فعمت)(‪.)1‬‬
‫ي‬ ‫القدسي؛ ىع ًقىبو‪( :‬نعـ ػ ػ ػ كفي ركاية ػ ػ ػ قد‬

‫كألجؿ ذلؾ كانت ىيمنة القرآف الكريـ عمى الكتب السابقة ًمف أبرز سمات‬
‫ب ة َۡ‬
‫ٱۡل ّق ُم َؿ ّس ِٗكا ل ّ ٍَِا َب ۡيَ‬ ‫م ٱىۡه َِٰ َٰ َ‬ ‫ََ ََۡٓ َۡ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫عقائدنا اإلسبلمية؛ ًإذ ا﵀ تعالى قاؿ‪﴿ :‬وأُضنلا إِِل‬
‫ٱَّللن﴾ [المائدة‪.]48 :‬‬ ‫ُض َل َّ ُ‬ ‫سً ةَ ۡي َِ ًُٓ ة ٍَا ٓ أ َ َ‬
‫َ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ ُ َ ۡ ً َ َ ۡ َ ۡ ُ‬
‫ب ومٓي ٍِِا غييِّ ـٱخ‬
‫ِ‬ ‫َسَِّ ٌَِ ٱىهِٰ ِ‬

‫لما ذكر ا﵀ تعالى التكراة التي أنزليا عمى‬‫قاؿ الحافظ ابف كثير في تفسيره‪ٌ « :‬‬
‫كميمو عميو السبلـ‪ ،‬كمدحيا كأثنى عمييا؛ حيث كانت سائغ ىة االتباع‪ ،‬كذكر‬ ‫مكسى ً‬
‫تقدـ بيانو؛ شرع في ًذ ٍكر القرآف‬
‫اإلنجيؿ كمدحو‪ ،‬كأمر أىمو بإقامتو كاتباع ما فيو كما َّ‬
‫العظيـ الذم أنزلو عمى عبده كرسكلو الكريـ ‪ ..‬فإف اسـ المييمف يتضمف ىذا كمَّو(‪)2‬؛‬
‫فيك أميف كشاىد كحاكـ عمى ّْ‬
‫كؿ كتاب قبمو‪ ،‬جعؿ ا﵀ ىذا الكتاب العظيـ الذم أنزلو‬
‫محاسف ما قبمو‪،‬‬
‫ى‬ ‫أحكميا‪ ،‬حيث جمع فيو‬
‫أعظميا ك ى‬
‫كخاتميا‪ ،‬أشممىيا ك ى‬
‫ى‬ ‫آخر الكتب‬
‫ى‬
‫كزاده مف الكماالت ما ليس في غيره؛ فميذا جعمو شاىدا كأمينا كحاكما عمييا‬
‫كميا»(‪.)3‬‬

‫أمر يتماشى مع الفطرة‪ ،‬كيتكافؽ مع العقكؿ؛‬ ‫و‬


‫حينئذ؛‬ ‫فالتدرج في نسخ الشرائع‬
‫ه‬
‫َّ‬
‫مكَّبمةن مغمغمةن ال قيمة ليا في نظر الخالؽ كال‬ ‫النفس البشرية ال ييصمحيا أف تككف‬
‫ي‬ ‫ًإذ‬
‫أف تككف ببل قيد كال ضابط تسير في ىفمى ًكو‬ ‫في نظر المخمكؽ‪ ،‬كذلؾ ال ييصمحيا‬
‫كالعجماء السائمة ببل صاحب يضبط حركتىيا؛ كال عقؿ ليا يحجميا عف الميالؾ‪.‬‬

‫لما كاف األنبياء صمكات ا﵀ كسبلمو عمييـ؛ في أصؿ دعكتيـ متفقكف‬ ‫كلكف َّ‬
‫كما ىك ك ً‬
‫اض هح في قكؿ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪( :‬أنا أكلى الناس بعيسى ابف مريـ‬
‫في الدنيا كاآلخرة‪ ،‬األنبياء أخكة مف عبلت‪ ،‬كأمياتيـ شتٌى‪ ،‬كدينيـ كاحد‪ ،‬كليس بيني‬

‫(‪ )1‬أخرجو مسمـ في صحيحو؛ ؾ‪( :‬اإليماف)‪ ،‬باب‪( :‬قكؿ ا﵀ تعالى كاف تبدكا ما في أنفسكـ)‪ ،‬رقـ‪،125( :‬‬
‫ميمة‪.‬‬
‫‪ .)126‬كالحديث لو قصة َّ‬
‫(‪ )2‬إشارة إلى ما ذكره مف أقكاؿ التابعيف في معنى كممة (مييمنان عميو)‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير القرآف العظيـ؛ ج‪ ،3‬ص‪ )128 ،127( :‬باختصار‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كبينو نبي)(‪ ،)1‬كانت قضيةي النسخ ىذه لؤلمكر الشرعية التعبدية التكميفية كلـ ت َّ‬
‫تعدىا‬
‫إلى ما سكل ذلؾ مف العقائد كاألمكر التي أجمعت عمييا الشرائع اإلليية في‬
‫َّ‬
‫عمكمياتيا؛ كاألخبار التي ال يدخميا النسخ‪ ،‬كالضركريات الخمس‪.‬‬

‫كلذلؾ فإطبلؽ نسخ الشريعة لشريعة ما َّ‬


‫كميا كجزئيان؛ ال يصح‪ ،‬كليس ىذا مرادان‬
‫لمحكيـ الخبير سبحانو كتعالى‪ .‬كقد نقؿ الشككاني عف القىرافي ػ ػ رحميما ا﵀ تعالى ػ ػ ػ؛‬
‫كثيرا‪ ،‬كىك غير يمسمَّوـ‪ ،‬كالمراد أف‬ ‫(‪) 2‬‬
‫قكلو‪« :‬كىذا اإلطبلؽ كقع في كتب العمماء ن‬
‫الشريعة المتأخرة قد تنسخ بعض أحكاـ الشريعة المتقدمة‪ ،‬أما كميا فبل؛ ألف قكاعد‬
‫العقائد لـ تنسخ» (‪ .) 3‬ككذلؾ حفظ الكميات الخمس ّْ‬
‫كالديف كالنفس كالعقؿ كالنسؿ‬
‫كالماؿ؛ مما تضافرت عميو الشرائع عمى اختبلفيا كتنكعيا‪.‬‬

‫فمست في حاجة حينئذ إلى أف أخكض ًغمار الخبلفات الفقيية‬ ‫ي‬ ‫كبعد ذلؾ‪..‬‬
‫ى‬
‫األصكلية؛ حكؿ شرع مف قبمنا‪ :‬ىؿ ىك شرعه لنا أـ ال(‪)4‬؟! فإف في شريعتنا يغنيةن عف‬
‫شرائع السابقيف؛ كقد قاؿ شيخ اإلسبلـ ابف تيمية؛ بعد كبلـ لو في عقيدتو الكاسطية‪:‬‬
‫« كتفاصيؿ ذلؾ مذككرة في الكتب المنزلة مف السماء‪ ،‬كاآلثار مف العمـ المأثكر عف‬
‫مد صمى ا﵀ عميو وسمـ مف ذلؾ ما يشفي‬ ‫األنبياء؛ وفي العمـ الموروث عف مح ٍ‬
‫ويكفي»(‪ ،)5‬ثـ إف األمر في َّأكلو كآخره عف ىذه القاعدة متكقؼ عمى ما كرد في‬
‫خالفت شريعتينا شريعتىيـ فبل ييعمؿ بشرعيـ‪ ،‬كاف كافقت فيك عم هؿ‬
‫ٍ‬ ‫شريعتنا؛ فإف‬

‫(‪ )1‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬أحاديث األنبياء)‪ ،‬باب‪( :‬كاذكر في الكتاب مريـ‪ ،)..‬برقـ‪ ،)3443( :‬كمسمـ؛ ؾ‪:‬‬
‫(الفضائؿ)‪ ،‬باب‪( :‬فضائؿ عيسى)‪ ،‬برقـ‪.)2365( :‬‬
‫(‪ )2‬قاؿ اإلماـ الزركشي‪« :‬شريعة نبينا محمد صمى ا﵀ عميو كسمـ ناسخة لجميع الشرائع باإلجماع»(‪)155 /3‬‬
‫البحر المحيط‪ .‬كقاؿ اإلماـ ابف قدامة رحمو ا﵀ تعالى‪« :‬كقد أجمعت األمةي عمى أف شريعة محمد صمى‬
‫نسخت ما خالفيا مف شرائع األنبياء» يجنة المناظر ج‪ ،1‬ص‪.)73( :‬‬
‫ا﵀ عميو كسمـ قد ى‬
‫الحؽ ًمف عمـ األصكؿ؛ محمد بف عمى الشككاني‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪)632( :‬؛ تحقيؽ‪:‬‬ ‫ّْ‬ ‫(‪ )3‬إرشاد الفحكؿ إلى تحقيؽ‬
‫سامي العربي‪ ،‬دار الفضيمة‪1421 ،‬ق‪.‬‬
‫(‪ )4‬يينظر‪ :‬التبصرة في أصكؿ الفقو‪ ،‬ألبي إسحاؽ الشيرازم‪ ،‬ص‪ 285( :‬ػ ػ ‪ )288‬تحقيؽ د‪ /‬محمد حسف‬
‫ىيتك‪ .‬دار الفكر بيركت‪ .‬كممف قاؿ بأنو ليس شرعان لنا؛ جميكر الشافعية‪.‬‬
‫(‪ )5‬العقيدة الكاسطية البف تيمية‪ ،‬شرح الشيخ محمد بف صالح العثيميف ص‪ ،)416 ،415( :‬ط‪ :‬دار ابف‬
‫الجكزم‪( ،‬الخامسة‪1435 :‬ق)؛ اىداء الرئاسة العامة لشئكف المسجد الحراـ كالمسجد النبكم‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بشريعتنا ال شريعتًيـ‪ ،‬كاف لـ تكافؽ كلـ تخالؼ فمسنا في حاجة إليو؛ فا﵀ تعالى قاؿ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ َّ َ َ ۡ َ َٰ َ َ َ َٰ َ َ ّ َ ۡ َ ۡ َ َّ‬
‫َشيػثٖ ٌَِ ٱۡلم ِص ـٱحتِػٓا﴾ [الجاثية‪ ،]18 :‬كقاؿ أيضا في‬ ‫لنبيو‪﴿ :‬ثً جػينم لَع ِ‬
‫َ ٓ َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ۡ َ َ َّ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ٱَّلل ٌِيث َٰ َق ٱنلَّت ِ ِيۧ ََ ل ٍَا ءَاحيۡخُسً ٌَِّ‬ ‫ؽ أخذه عمى جميع األنبياء‪﴿ :‬سِإَذ أرش‬ ‫ىع ٍي ود ك ًميثا و‬
‫َ َ َ ُ ُ َّ َ َ‬ ‫َ َٰ َ ۡ َ ُ َّ َ ٓ َ ُ ۡ َ ُ ر ُّ َ ّ ر ّ َ َ َ ُ‬
‫س ًۡ َِلُ ۡؤٌ ُ َّ‬
‫ُِصُ ُّ ْۚۥ كال‬ ‫ُِن ةِِّۦ وِل‬ ‫ب وخِهٍثٖ ثً جاءزً رظٔل ٌؿسِق ل ٍِا ٌػ‬ ‫نِٰ ٖ‬
‫َ‬
‫َ ُْٓ ۡ َ ۡ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ َ ۡ ُ ۡ َ َ َٰ َ َٰ ُ‬
‫َ‬
‫ۡصي كالٔا أكصرُا ْۚ﴾ [آؿ عمراف‪ ،]81 :‬كقد قاؿ عميو‬ ‫ءأكصرتً وأرشتً لَع ذى ِسً إ ِ ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫الصبلة كالسبلـ‪( :‬لك كاف مكسى حيان لما كسعو إال اتباعي) ‪ ،‬ثـ أيف ىي الشريعةي‬
‫أك العبادةي التي يتكقؼ عممينا بيا عمى شرع السابقيف!؟ أـ أنو فىرض مف فركض الفقو‬
‫َّ‬
‫الجدلية ال غير!!‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجو أحمد في مسنده؛ برقـ‪ .)15156( :‬كقد سبؽ تخريجو بأكثر مف ذلؾ في أكؿ البحث‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة الثالثة‬

‫في تبديؿ اآلخريف لثقافتيـ‬

‫بعد االتفاؽ عمى أف ديف األنبياء كاحد‪ ،‬كأف ىكحدة دينيـ ىذا؛ ال تعني اتفاؽ‬
‫قكمو بما‬ ‫كؿ ك و‬
‫احد منيـ صمكات ا﵀ كسبلمو عمييـ قد َّ‬ ‫شرائعيـ‪ ،‬بؿ ُّ‬
‫تعبده ا﵀ تعالى ك ى‬
‫ً‬
‫المحيطة بيـ‪ ،‬ثـ مجيئ تمؾ الشريعة الخاتمة ػ ػ شريعتنا‬ ‫الظركؼ‬
‫ى‬ ‫يناسب طبيعتىيـ ك‬
‫التعبدي ًة في الشرائع السابقة؛ ككاف ىذا في‬
‫َّ‬ ‫بنسخ كثير مف التكاليؼ‬
‫و‬ ‫نحف المسمميف ػ ػ ػ‬
‫غاية الكماؿ التشريعي الذم ييناسب العقؿ كالركح كالبدف‪ ،‬فميس ىذا لمرحمة مف‬
‫مراحؿ النفس البشرية ثـ تنتيي ىلي يح َّؿ محمَّيا شريعةه أخرل؛ بؿ إلى أف يرث ا﵀‬
‫نبي آخر‪ ،‬ككذلؾ ليس بعد‬
‫األرض كمف عمييا‪ ،‬فميس بعد نبينا صمى ا﵀ عميو كسمـ ه‬
‫شريعتنا شريعة أخرل‪ ،‬فالكماؿ العقمي لئلنساف مع الكماؿ التشريعي في شريعتنا قد‬
‫كصبل إلى درجة ليس بعدىا إال الخركج إلى الشطط العقمي كالخكاء الركحي كاإلرىاؽ‬
‫البدني‪.‬‬

‫البلزًـ معرفتييا لممطَّمع عمى ثقافات‬


‫كبعد ذلؾ كمّْو‪ ،‬تأتي قاعدةه ىي مف القكاعد ً‬
‫وعدـ ثباتيا عمى قواعد راسخة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اآلخريف؛ كىي‪ :‬إيما ُنو بتبديميـ ألصوؿ ثقافتيـ‪،‬‬
‫كانت ىذه األصكؿ؛ إلييةن أـ بشري نة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫سكاء‬

‫إ ٍذ قد جعؿ ا﵀‬ ‫أثر مف آثار عدـ حفظ ا﵀ تعالى ليذه األصكؿ؛‬ ‫كما ىذا إال ه‬
‫ُ ٓ‬ ‫ََ‬ ‫َّ َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ۡ ُ ۡ ُ‬
‫غي ۡيِّ ػ َٓ َسا َء ْۚ﴾‬ ‫ظيا بأيدييـ؛ فقاؿ‪﴿ :‬ةٍِا ٱظخدفِظٔا ٌَِ نِٰ َٰ ِ‬
‫ب ٱَّلل ِ وَكُٔا‬ ‫تعالى حف ى‬
‫[المائدة‪]44 :‬؛ كمع يكضكح ىذا التكميؼ إال أنيـ لـ يقكمكا بو؛ فمـ يحفظكىا (‪،) 1‬‬
‫َۡ‬ ‫َ‬
‫ق ًِٓ‬ ‫كبدلكا دينيـ فاستحقُّكا بذلؾ المعف‪ ،‬قاؿ ا﵀ تعالى‪﴿ :‬ـت ِ ٍَا جل ِ‬ ‫كنقضكا ميثاقيـ‪ٌ ،‬‬
‫َ ْ ّٗ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ ٗ َُ ُ َ ۡ َ‬ ‫ِيثَٰ َل ُٓ ًۡ ىَ َػ َّنَٰ ُٓ ًۡ َو َج َػ ۡي َِا كُيُ َ‬
‫ّ َ‬
‫افػِِّۦ َون ُعٔا َخظا ّم ٍَِّا‬
‫ٔب ُٓ ًۡ قَٰع َِيث ن َي ّ ِصـٔن ٱىَك ًَِ غَ ٌ َٔ ِ‬ ‫ٌ‬

‫(‪ « )1‬أم‪ :‬بسبب الذم استكدعكه مف كتاب ا﵀ أف يحفظكه مف التغيير كالتبديؿ كأف يقضكا بأحكامو‪ ،‬كالضمير‬
‫في استحفظكا لؤلنبياء كالربانييف كاألحبار جميعان كيككف االستحفاظ مف ا﵀؛ أم‪ :‬كمَّفيـ حفظو ‪ ..‬ككانكا‬
‫عميو شيداء؛ أم‪ :‬رقباء يحمكنو مف أيحكـ حكلو التغيير كالتبديؿ بكجو مف الكجكه» محاسف التأكيؿ؛ جماؿ‬
‫الديف القاسمي‪ ،‬ص‪ ،)1995(:‬ط دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬تعميؽ‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ُ ُّ ْ‬
‫يكميـ‪ ،‬كساء تصرفييـ في آيات ا﵀‪،‬‬ ‫ٍ ي ي‬‫ف‬ ‫فسدت‬ ‫أم‪:‬‬ ‫«‬ ‫]‪،‬‬‫‪13‬‬ ‫[المائدة‪:‬‬ ‫﴾‬ ‫ِۦ‬ ‫ذنِصوا ِ ْۚ‬
‫ّ‬ ‫ة‬
‫كتاب و عمى غير ما أنزلو‪ ،‬كحممكه عمى غير مراده‪ ،‬كقالكا عميو ما لـ يقؿ‪،‬‬ ‫كتأكلكا ى‬
‫َّ َ‬ ‫َ َ َّ َ َ ُ ْۛ ْ َ َّ َٰ ُ َ ۡ َ‬
‫ِب َظؿ َٰ ُػٔن‬ ‫ِ‬ ‫ش‬‫ه‬ ‫ًعياذا با﵀ مف ذلؾ»(‪ ،)1‬كقاؿ سبحانو‪﴿ :‬وٌَِ ٱَََِ ْادوا ظؿػٔن ل ِي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۢ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ َ َ َ َۡ َُۡ َ َُّ ُ َ ۡ َ‬
‫افػِّنِۦ﴾ [المائدة‪« .]41 :‬أم‪:‬‬ ‫ى ِلٔ ٍم ءار ِصيَ لً َأحٔكن َي ِصـٔن ٱىَك ًِ ٌَِ بػ ِس مٔ ِ‬
‫بدلكنو ًمف‬ ‫في ّْ‬ ‫(‪)2‬‬
‫كيبدلكنو مف بعد ما عقمكه كىـ يعممكف» ‪ .‬ي‬ ‫يتأكلكنو عمى غير تأكيمو‪ ،‬ي‬
‫فمككا ألسنتىيـ بكبلـ ا﵀‬ ‫(‪) 3‬‬
‫كحرـ حرامو ؛ ُّ‬ ‫أحؿ حبللو َّ‬ ‫فركضو؛ ك َّ‬ ‫ض ا﵀‬ ‫فر ى‬
‫ى‬ ‫بعد أف ى‬
‫ََ ٗ‬ ‫َّ‬
‫تعالى ىح ٍمبلن لو عمى غير مراده؛ كصدؽ ا﵀ تعالى في قكلو‪﴿ :‬سِإَن ٌ ِِۡ ُٓ ًۡ ىف ِصيلا‬
‫ُ ُ َ ُ‬
‫ب َو َيلٔلٔن ْ َٔ ٌ َِۡ‬ ‫َٰ‬ ‫َ ۡ َ ُ ُ َ ۡ َ َٰ َ َ ُ َ َ ۡ َ‬
‫ِٰ‬
‫ه‬ ‫ٱى‬ ‫َِ‬‫ٌ‬ ‫ٔ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬‫ٌ‬‫و‬ ‫ب‬ ‫ِٰ‬‫ه‬ ‫ٱى‬ ‫َِ‬
‫ٌ‬ ‫ٔه‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ِلِ‬ ‫ب‬ ‫َٰ‬ ‫ۡ َ‬
‫ِٰ‬
‫ه‬ ‫ٱى‬ ‫ة‬ ‫ً‬ ‫ۥن َألۡعَِِ َخ ُ‬
‫ٓ‬
‫َُۡ َ‬
‫َ ئ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َّ َ َ ُ ُ َ َ َ َّ ۡ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِب َوْ ًۡ َح ۡػي ٍُٔن ﴾ [آؿ ًعمراف‪:‬‬ ‫غِِ ِس ٱَّلل ِ َو ٌَا ْ َٔ ٌ َِۡ غِِ ِس ٱَّلل ِ ويلٔلٔن لَع ٱَّلل ِ ٱىهش‬
‫(‪)4‬‬
‫ثـ نسبكا ىذا الذم كتبكه ػ ػ زك انر كبيتانان ػ ػ إلى ا﵀ تعالى‪،‬‬ ‫‪ ، ]78‬ككتبكا ذلؾ بأيدييـ‪َّ ،‬‬
‫َ ۡ ُُ َ ۡ َ َ َ‬
‫ُ‬
‫ب ةِأَۡسَِ ِٓ ًۡ ث ًَّ‬ ‫ََِ َسختٔن ٱىهَِٰٰ‬ ‫فاستحقُّكا لذلؾ الكيؿ كالعذاب األليـ‪﴿ :‬ـَ َٔ ۡي رو ّى ََِّّل َ‬
‫ر َّ‬ ‫َ َ ٗ َ ٗ َ ۡ ر َّ ُ ّ َّ َ َ َ ۡ َ‬ ‫َّ َ ۡ َ ُ ْ‬ ‫ُ ُ َ َ َ‬
‫ج أَۡسَِ ِٓ ًۡ َو َو ۡيو ل ًُٓ‬ ‫َتوا ةِِّۦ ثٍِا كي ِيَل ن ـ َٔيو لًٓ مٍِا نخت‬ ‫َحلٔلٔن هَٰشا ٌ َِۡ غِِ ِس ٱَّللِ ى ِيؼ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ّم ٍَِّا ََسع ُِتٔن﴾ [البقرة‪.]79 :‬‬

‫(‪ )1‬تفسير القرآف العظيـ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.)66( :‬‬


‫كضعي سكرة المائدة في نكعي التحريؼ؛ المعنكم‬ ‫َّ‬
‫كلعؿ ىم‬ ‫( ‪ )2‬تفسير القرآف العظيـ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.)113( :‬‬
‫ٍ‬
‫كالمفظي؛ كاف كاف المفظ في المكضعيف يحتمميما؛ كقد نقؿ ىذيف القكليف كجمع بينيما؛ القاضي أبك محمد‬
‫ابف عطية األندلسي في تفسيره؛ فقاؿ‪« :‬كاختمؼ العمماء في معنى قكلو (يحرفكف الكمـ عف مكاضعو) فقاؿ‬
‫قكـ منيـ ابف عباس‪ :‬تحريفيـ ىك بالتأكيؿ كال قدرة ليـ عمى تبديؿ األلفاظ في التكراة كال يتمكف ليـ ذلؾ‬
‫كيدؿ عمى ذلؾ بقاء آية الرجـ كاحتياجيـ إلى أف يضع القارئ يده عمييا‪ ،‬كقالت فرقة‪ :‬بؿ حرفكا الكبلـ‬
‫حسب ما أمكنيـ ‪ ..‬قاؿ القاضي أبك محمد‪ :‬كألفاظ القرآف تحتمؿ‬ ‫كبدلكه‪ ،‬كفعمكا األمريف جميعان بً ٍ‬
‫ٌ‬
‫المعنييف»‪ ،‬المحرر الكجيز في تفسير الكتاب العزيز؛ ج‪ ،2‬ص‪ .)169( :‬دار الكتب العممية‪ ،‬بيركت‪.‬‬
‫الييكدييف الكاردة في‬
‫ٍ‬ ‫مكاف الرجـ في قصة زنا‬
‫ى‬ ‫الج ىمد‬
‫(‪ )3‬مفاتيح الغيب؛ الرازم؛ ج‪ ،11‬ص‪ .)239( :‬فيجعمكف ى‬
‫تفسير ىذه اآلية‪.‬‬
‫َ َ ُ ُ َ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ َ ۡ َ ۡ َ ۡ َ ُ ۡ َ َ َ َ َّ َۢ‬
‫(‪ )4‬كمف أمثمتو؛ كما في قكؿ ا﵀ تعالى عف الييكد‪﴿ :‬ويلٔلٔن ظ ٍِػِا وغؿيِا وٱظٍع دي معٍ ٖع ور َٰغِِا ِلا‬
‫عَِخِٓ ًۡ َو َل ۡػ ِٗا ِف ّ‬ ‫َۡ‬
‫اعنا) مف الرعكنة؛ كرج هؿ أرعف أم‪ :‬أىكج في منطقو؛‬ ‫ٱدلََِ﴾ [النساء‪ ]46 :‬كمعنى‪( :‬ر ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ةِأل‬
‫ِ‬
‫نيي‬
‫شريرنا‪ ،‬كلذلؾ جاء ي‬ ‫قدح النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ فمعناه في العبرية‪ّْ :‬‬
‫َ َُ ُ ْ َ َ َُ ُ ْ ُ َۡ َ ۡ َ ُ ْ‬
‫كيقصدكف بيذا الكصؼ ٍ‬
‫المسمميف عنيا في قكلو تعالى‪َّ﴿ :‬ل تلٔلٔا رَٰغِِا وكٔلٔا ٱُظصُا وٱظٍػٔا﴾ سكرة [البقرة‪ .]104 :‬يينظر‪ :‬معجـ‬
‫ألفاظ القرآف الكريـ؛ مادة‪( :‬ر ع ل)‪ ،‬كالمعجـ الكسيط؛ مادة‪( :‬رعف)‪ ،‬كبلىما مف إصدار مجمع المغة‬
‫العربية بالقاىرة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كقد أخرج الدارمي في سننو آثا انر تكضح بعض معالـ ىذا التبديؿ؛ فركل عف‬
‫كف بً ًو‪،‬‬ ‫ىف ًع ٍن ىد ىن و ً‬
‫اس كتى نابا يي ٍع ىج يب ى‬ ‫ضي ا﵀ي ىع ٍنوي‪ :‬أ َّ‬ ‫و ً‬
‫يـ الت ٍيم ّْي‪ ،‬قىا ىؿ‪ :‬ىبمى ىغ ٍاب ىف ىم ٍس يعكد ىر ى‬
‫اى َّ ً‬ ‫ً ً‬
‫إ ٍب ىر ى‬
‫ىى يؿ ا ٍل ًكتى ً‬
‫اب قىٍبمى يك ٍـ‪ :‬أَّىنيي ٍـ أى ٍقىبميكا‬ ‫ؾ أٍ‬ ‫ىفمى ٍـ ىي ىز ٍؿ بً ًي ٍـ ىحتَّى أىتى ٍكهي بً ًو‪ ،‬فى ىم ىحاهي‪ ،‬ثيَّـ قىا ىؿ‪( :‬إًَّن ىما ىىمى ى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اف قىٍبمى يك ٍـ‬‫اب ىرّْب ًي ٍـ) كركل عنو أيضان‪ً( :‬إَّن ىما ىىمى ىؾ ىم ٍف ىك ى‬ ‫ىعمىى يكتي ًب يعمى ىمائ ًي ٍـ‪ ،‬ىكتىىريككا كتى ى‬
‫ىف ىبنًي‬ ‫كرىكل عف أبي مكسى األشعرم‪( :‬أ َّ‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫ًً ً‬
‫ب‪ ،‬ىكتىٍركي ٍـ كتى ىابيي ٍـ) ‪ .‬ى‬
‫ً‬
‫بًاتّْىباع ًي يـ ا ٍل يكتي ى‬
‫عباد بف عباد‬ ‫إً ٍس ىرائًي ىؿ ىكتىيبكا ًكتى نابا؛ ىفتىبً يعكهي‪ ،‬ىكتىىريككا التَّ ٍكىراةى) (‪ .) 2‬كأخرج في رسالة َّ‬
‫يمكا بً ًو‪ ،‬ىك ىعمى ٍي يك ٍـ بًطىمى ًب أىثى ًر‬ ‫آف فىأٍتى ُّمكا بً ًو‪ ،‬ىكأ ُّ‬ ‫الخكاص الشامي (‪) 3‬؛ قكلو‪ ( :‬ىعمى ٍي يك ٍـ بًا ٍلقي ٍر ً‬
‫ام ًة‬ ‫ً ً ًً‬
‫اد ىم ٍن ًزلىتي ٍـ بإقى ى‬ ‫اف لى ٍـ ىيتَّقيكا ىزىكا ىؿ ىم ىراتًبً ًي ٍـ ىكفى ىس ى‬ ‫الرٍىىب ى‬
‫ىحىب ىار ىك ُّ‬ ‫يو‪ ،‬ىكلى ٍك أ َّ‬
‫ىف ٍاأل ٍ‬ ‫اضيف ًف ً‬ ‫ً‬
‫ا ٍل ىم ى‬
‫اب كتً ٍبيانً ًو ما ح َّرفيكه كىال ىكتىمكه؛ كلى ًكَّنيـ لى َّما ىخالىفيكا ا ٍل ًكتىاب بًأ ٍ ً‬ ‫ً ً‬
‫ىف‬‫ىع ىمال ًي ٍـ ا ٍلتى ىم يسكا أ ٍ‬ ‫ى‬ ‫ي ي ى يٍ‬ ‫ا ٍلكتى ى ى ى ى ي ى‬
‫اد يى ٍـ؛ ىف ىح َّرفيكا‬ ‫اس فى ىس ي‬ ‫ىف ىيتىىبَّي ىف لً َّمن ً‬ ‫ىف تى ٍف يس ىد ىمىن ًازلييي ٍـ ىكأ ٍ‬ ‫صىن يعكا؛ ىم ىخافىةى أ ٍ‬ ‫ىي ٍخ ىد يعكا قى ٍك ىميي ٍـ ىع َّما ى‬
‫ير؛ كما لىـ يستى ًطيعكا تى ٍح ًريفىو ىكتىمكه فىس ىكتيكا عف صنً ً ً‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫يع أ ٍىنفيس ًي ٍـ إً ٍبقى ن‬
‫اء‬ ‫ىٍ ى‬ ‫ي ي ي ى‬ ‫اب ِبالتَّ ْفس ِ ى ى ٍ ى ٍ ي‬ ‫ا ٍلكتى ى‬
‫ىخ ىذ المَّو ًميثى ى ًَّ‬
‫يف أيكتيكا‬‫اؽ الذ ى‬ ‫ي‬ ‫ص ىان ىع نة لىيي ٍـ‪ ،‬ىكقى ٍد أ ى‬ ‫ىعمىى ىمىن ًازلً ًي ٍـ‪ ،‬ىك ىس ىكتيكا ىع َّما ى‬
‫صىن ىع قى ٍك يميي ٍـ يم ى‬
‫يو)(‪.)4‬‬‫كنو ب ٍؿ مالىيئكا عمى ٍي ًو كرقَّقيكا لىيـ ًف ً‬ ‫اب لىتيىبي يّْنَّنوي لً َّمن ً‬ ‫ً‬
‫يٍ‬ ‫ى ىى‬ ‫اس ىكىال تى ٍكتي يم ى ي ى ى‬ ‫ا ٍلكتى ى‬
‫حممت عميو‪ ،‬ظير تبديميـ مف‬
‫ٍ‬ ‫كصكر‬
‫ه‬ ‫أسباب‬
‫ه‬ ‫فكاف ليذا التحريؼ كالتبديؿ؛‬
‫أما األسباب؛ فمرجعيا المحافظة عمى منزلتيـ مف الفساد والزواؿ‪ ،‬كأما‬
‫خبلليا‪ ،‬ف َّ‬
‫صكر ىذا التبديؿ؛ ف ػػ‪(:‬تفسيرىـ النصكص اإلليية عمى غير مراد ا﵀ تعالى‪ ،‬ككتابتيـ‬
‫الكتب كاتباعيا بدالن مف كتاب ا﵀‪ ،‬ككتمانيـ ما لـ يستطيعكا تحريفو‪ ،‬كسككتيـ عف‬
‫أمر الديف في‬ ‫صنيع أقكاميـ مصانعة ليـ‪ُّ .. ،‬‬
‫كؿ ىذا كغيره؛ َّ‬
‫أف رقٌقيكا ى‬
‫أدل إلى ٍ‬
‫المنزؿ عمى رسمو عمييـ جميعا الصبلة‬
‫ى‬ ‫ككبلمو‬
‫ى‬ ‫فبدلكا ديف ا﵀ تعالى‬
‫نفكسيـ ٌ‬
‫كالسبلـ‪.‬‬

‫(‪ )1‬سنف الدارمي‪ ،‬المقدمة‪ ،‬باب‪( :‬مف لـ ير كتابة الحديث)‪ ،‬أرقاـ‪ .)494 ،485( :‬تحقيؽ حسيف أسد‪.‬‬
‫(‪ )2‬المصدر السابؽ‪ ،‬نفسو رقـ‪.)497( :‬‬
‫(‪ )3‬عباد بف عباد أبو عتبة الخواص‪ ،‬مف أىؿ فارس‪ ،‬سكف الشاـ‪ ،‬كىك األرسكفي‪ ،‬مف العباد‪ ،‬ركل عف‪:‬‬
‫يحيى بف أبى عمرك كيكنس بف عبيد؛ روى عنو‪ :‬ضمرة كركاد بف الجراح كأبك مسير؛ قاؿ عنو‪ :‬يحيى بف‬
‫معيف‪ :‬عباد الخكاص الذم كاف ينزؿ الرممة ثقة‪ .‬يينظر‪ :‬ابف أبي حاتـ في (الجرح كالتعديؿ) (‪ ،)83/6‬كقاؿ‬
‫عنو ابف حجر في تقريب التيذيب‪« :‬صدكؽ ييـ؛ أفحش ابف ًحباف فقاؿ‪ :‬يستحؽ الترؾ»؛ ص‪.)482( :‬‬
‫(‪ )4‬نفسو‪ ،‬رقـ‪.)675( :‬‬

‫‪38‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قدسة؛ فمـ تشتمؿ ىذه‬


‫الم ٌ‬
‫كلكف ‪ ..‬ىؿ ىذا التبديؿ كاف عامان لجميع النصكص ي‬
‫يد التحريؼ تمؾ؟‬ ‫الكتب بعد ذلؾ عمى نصكص إليية أـ ما زاؿ فييا َّ‬
‫بقيةه لـ تن ٍميا ي‬ ‫ي‬
‫ييجيبنا الحافظ ابف حجر العسقبلني ػ ػ عميو رحمة ا﵀ ػ عف ذلؾ السؤاؿ بجكاب‬
‫اختبلؼ أىؿ العمـ في ىذه المسألة عمى أربعة أقكاؿ؛ كاجماؿ قكلو عنيا‪:‬‬
‫ى‬ ‫يكضّْح فيو‬
‫«األكؿ‪ :‬أنيا يب ّْدلت كميا ػ ػ ككصؼ ىذا القكؿ بأنو إفراط ػ ػ الثاني‪ :‬أف التبديؿ كقع في‬
‫تقي‬
‫معظميا‪ ،‬كثالثيا‪ :‬كقع في اليسير منيا كمعظميا باؽ عمى حالو كنصره الشيخ ُّ‬
‫الديف ابف تيمية‪ ،‬كالرابع‪ :‬إنما كقع التبديؿ كالتغيير في المعاني ال في األلفاظ»(‪.)1‬‬

‫قدسة‬
‫الم ٌ‬ ‫ًَّ‬ ‫َّ‬
‫كلكف المطمع اليكـ عمى ما في أيدم الييكد كالنصارل مف النصكص ي‬
‫أسفارىـ تشتمؿ‬
‫ي‬ ‫معظميا فيا ىي‬
‫ى‬ ‫ػ ػ تمؾ!! ػ ػ ال ييساكره شؾ في أف التحريؼ قد أصاب‬
‫عمى أكصاؼ ال تميؽ بمقاـ األلكىية كال بمقاـ النبكة كالرسالة؛ يكصؼ بيا ا﵀ي تعالى‬
‫ككذلؾ أنبياؤه صمكات ا﵀ كسبلمو عمييـ‪ ،‬ككذلؾ تشتمؿ تمؾ األسفار عمى تناقضات‬
‫في شتى أنكاع المعرفة التاريخية كالجغرافية ك ً‬
‫الع َّ‬
‫ممية ‪ ..‬كغير ذلؾ كثير جدان‪.‬‬

‫كىذا يجعؿ الجزـ بأف القكؿ الثاني ىك الذم تستحؽ أف تي ً‬


‫كصؼ بو تمؾ‬
‫ال يكتب‪« :‬كاذا كاف القكؿ األكؿ فيو إفراط ػ ػ كما قاؿ الحافظ ابف حجر ػ ػ ففي القكؿ‬
‫الرابع كالثالث تفريط‪.‬‬

‫كالقػػكؿ الثػػاني؛ كىػػك القػػكؿ بػػأف التبػػديؿ كالتحريػػؼ كقػػع فػػي معظميػػا تشػػيد لػػو أدلػػة‬
‫كثيرة؛ فقد كقع في التكراة تحريؼ كثير‪ ،‬كما أف فييا ما ىك حكـ ا﵀»(‪.)2‬‬
‫المذيف‬
‫كمما يشيد لككف التكراة لـ يزؿ فييا حكـ ا﵀ تعالى؛ قصةي رجـ الييكدييف ٍ‬
‫زنيا كقكؿ عبد ا﵀ بف سبلـ رضي ا﵀ عنو لمييكد‪( :‬كذبتـ إف فييا الرجـ)(‪ .)3‬كقد‬

‫(‪ )1‬يينظر‪ :‬فتح البارم بشرح صحيح البخارم؛ ج‪ ،13‬ص‪)523( :‬‬


‫( ‪ )2‬مباحث في اإليماف بالمبلئكة كالكتب كالرسؿ كاليكـ اآلخر؛ ص‪)71( :‬؛ مف مقررات الجمعية العممية‬
‫السعكدية لعمكـ العقيدة كاألدياف كالمذاىب‪( .‬برنامج التأصيؿ العقدم)‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخارم؛ ؾ‪( :‬المناقب)؛ باب‪( :‬قكؿ ا﵀ تعالى‪ :‬يعرفكنو كما يعرفكف أبناءىـ)‪ ،‬برقـ‪ )3635( :‬مع‬
‫سمـ؛ ؾ‪( :‬الحدكد)‪ ،‬باب‪( :‬رجـ الييكد أىؿ الذمة في الزنا)؛ برقـ‪:‬‬
‫الفتح‪ :‬ج (‪)12‬؛ ص‪)166( :‬؛ كم ه‬
‫(‪.)1699‬‬

‫‪39‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أىبًييىا‪،‬‬ ‫اب ىب ٍي ًت‬ ‫كف ا ٍلفىتىاةى إًلىى ىب ً‬ ‫جاء ىذا الحكـ في الكتاب المقدس؛ كفيو‪ « :‬يي ٍخ ًر يج ى‬
‫بً ًزىن ى‬
‫اىا‬ ‫احةن ًفي إً ٍس ىرائً ى‬
‫يؿ‬ ‫ت قىىب ى‬ ‫وت‪ ،‬ألَّىنيىا ىع ًممى ٍ‬‫َوَي ْر ُج ُم َيا ِر َجا ُؿ َم ِدي َن ِت َيا ِبا ْل ِح َج َارِة َحتَّى تَ ُم َ‬
‫ام ىأروىة ىزٍك ىج ًة ىب ٍعؿ‪،‬‬ ‫ض ىً‬
‫طج نعا ىم ىع ٍ‬ ‫ؾ‪ .‬إً ىذا يك ًج ىد ىر يج هؿ يم ٍ‬ ‫الش َّر ًم ٍف ىك ىس ًط ى‬
‫ًفي ىب ٍي ًت أىبًييا‪ .‬فىتىٍن ًزعي َّ‬
‫ى‬
‫(‪)1‬‬
‫الش َّر ًم ٍف إً ٍس ىرائًي ىؿ‪».‬‬
‫ط ًجع مع ا ٍلم أرًىة‪ ،‬كا ٍلم أرىةي‪ .‬فىتىٍن ًزعي َّ‬
‫ض ى ي ى ى ىٍ ى ىٍ‬ ‫الر يج يؿ ا ٍل يم ٍ‬ ‫اف‪َّ :‬‬ ‫ُي ْقتَ ُؿ ال ثْ َن ِ‬

‫المسػمميف فقػط؛‬ ‫كليس القػكؿ بػالتحريؼ الكاقػع فػي كتػب الييػكد كالنصػارل ىػك قػكؿ ي‬
‫بؿ قد جاء في الكتاب المقدس نفسو ما يدؿ عمى ىذا التحريؼ كالتبديؿ؛ أمثاؿ‪:‬‬
‫ىع ىمػػالييي ٍـ ًفػػي الظٍُّم ىمػ ًػة‪،‬‬
‫ػير أ ٍ‬ ‫ً‬
‫ب‪ ،‬فىتىصػ ي‬ ‫ػكف لًىي ٍكتي يمػكا ىأرىٍيييػ ٍػـ ىعػ ًػف الػ َّػر ّْ‬
‫يف ىيتى ىع َّمقيػ ى‬
‫ًَّ ً‬
‫أولً‪ ( :‬ىكٍيػ هؿ لمػػذ ى‬
‫ص يرىنا ىك ىم ٍف ىي ٍع ًرفيىنا؟»‪ .‬ىيا لىتى ٍح ًر ًيف يك ٍـ!)(‪.)2‬‬ ‫كيقيكليكف‪« :‬مف ي ٍب ً‬
‫ىى ى ى ٍ ي‬
‫ب ىم ىعىنػا؟ ىحقِّػا إًَّنػوي إًلىػى ا ٍل ىك ًػذ ًب ىح َّكلىيىػا‬ ‫اء ىك ىش ًر ى‬
‫يعةي ال َّػر ّْ‬ ‫كف‪ :‬ىن ٍح يف يح ىك ىم ي‬ ‫ؼ تىقيكلي ى‬ ‫ثانياً‪ ( :‬ىك ٍي ى‬
‫ب)(‪.)3‬‬ ‫ً ً‬
‫ىقمى يـ ا ٍل ىكتىىبة ا ٍل ىكاذ ي‬
‫ب بًفى ًمػ ًػو‪،‬‬ ‫ػي ىػ ىذا َّ‬
‫الشػ ٍػع ي‬ ‫ب إًلىػ َّ‬ ‫ً‬
‫كف! ىح ىسػ نػنا تىىنَّبػأى ىعػ ٍػن يك ٍـ إً ىشػ ٍػعىي ي‬
‫اء قىػػائبلن‪ :‬ىي ٍقتىػ ًػر ي‬ ‫اؤ ى‬ ‫ثالثػاً‪( :‬ىيػػا يمػ ىػر ي‬
‫ً‬ ‫ّْ‬ ‫ىمػػا ىق ٍمبػػو فىم ٍبتى ًعػ هػد عّْنػػي ب ًعيػ نػدا‪ .‬كبػ ً‬ ‫ً ً‬
‫يـ‬
‫ػكف تى ىعػػال ى‬‫كنني ىك يىػ ٍػـ يي ىعم يمػ ى‬ ‫ػاطبلن ىي ٍع يبػ يػد ى‬ ‫ىى‬ ‫ى ى‬ ‫ىكيي ٍك ًريمنػػي ب ىشػػفىتىٍيو‪ ،‬ىكأ َّ ي ي ي‬
‫اس)(‪.)4‬‬ ‫الن ً‬ ‫ص ىايا َّ‬ ‫ً‬
‫ى ىي ىك ى‬
‫ضػ يؿ ا ٍلىيييػكًدمّْ‪ ،‬أ ٍىك‬ ‫يؤكد بكلس ىذا المعنى عف الييكد فيقكؿ‪« :‬إً نذا ىمػا يى ىػك فى ٍ‬ ‫ورابعاً‪ّْ :‬‬
‫اؿ ً‬ ‫اسػػتي ٍؤ ًم ينكا ىعمىػػى أى ٍقػػك ً‬ ‫ػاف؟ ىكثًيػ هػر ىعمىػػى يكػ ّْػؿ ىك ٍجػ وػو! أ َّ‬ ‫ىمػػا يىػ ىػك ىن ٍفػػعي ا ٍل ًختىػ ً‬
‫ا﵀‪.‬‬ ‫ى‬ ‫ىمػػا أ َّىكالن فىؤلَّىنييػ يػـ ٍ‬
‫اء؟»(‪ .)5‬كمكاضع أخرل كذلؾ تؤيد ىذه المعاني‪.‬‬ ‫يمىن ى‬ ‫كنكا أ ى‬ ‫اف قى ٍكهـ لى ٍـ ىي يك ي‬ ‫فى ىما ىذا إً ٍف ىك ى‬
‫ػذب ألقػػبلـ الكتبػػة؛ الػػذيف لػػـ ييرسػػميـ‬ ‫فيػػي كصػػايا النػػاس؛ ال كصػػايا الػػرب‪ ،‬كىػػك كػ ه‬
‫الرب‪ ،‬كال أمرىـ بذلؾ‪ ،‬كبيا ػ ػ أم بكصاياىـ ػ ػ ػ ييضمكف الشعب‪.‬‬
‫ككاف ىذا التبديؿ كالتحريؼ مف ممككيـ كأحبارىـ كرىبانيـ‪:‬‬
‫فأما عند الييود؛ فقد ذكر ابف حزـ ػ ػ ػ رحمة ا﵀ عميو ػ ػ أثر الممكؾ الذيف غيركا‬
‫َّ‬
‫سرده لجزئية مف جزئيات تاريخ الييكد مع‬
‫كبدلكا في ديف ا﵀ تعالى؛ فقاؿ بعد ٍ‬

‫(‪ )1‬الكتاب المقدس‪ ،‬العيد القديـ؛ سفر التثنية (‪ 20 /22‬ػ ػ‪.)25‬‬


‫(‪ )2‬الكتاب َّ‬
‫المقدس‪ ،‬العيد القديـ‪ ،‬سفر إشعيا‪)16 ،15 :29( ،‬‬
‫(‪ )3‬الكتاب َّ‬
‫المقدس‪ ،‬العيد القديـ‪ ،‬سفر إرميا (إر‪.)8 :8‬‬
‫(‪ )4‬الكتاب َّ‬
‫المقدس‪ ،‬العيد الجديد‪ ،‬انجيؿ متى (‪.)9-7 :15‬‬
‫(‪ )5‬الكتاب المقدس‪ ،‬العيد الجديد؛ رسالة بكلس إلى أىؿ ركمية؛ (‪ 1 :3‬ػ‪)3‬‬

‫‪41‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ممككيـ‪ ،‬كما فعمو ىؤالء الممكؾ في عممية التحريؼ تمؾ‪« :‬فاعممكا اآلف أنو كاف يمذ‬
‫دخمكا األرض المقدسة إثر مكت مكسى عميو السبلـ؛ إلى كالية أكؿ ممؾ ليـ ػ ػ ػ كىك‬
‫شاكؿ المذككر ػ ػ ػ سبع ًرَّدات فارقكا فييا اإليماف كأعمنكا عبادة األصناـ»(‪.)1‬‬
‫أما عند النصارى؛ فقد جاء التحريؼ عمى أيدم األحبار كالرىباف‪ ،‬كدلي يؿ ذلؾ‬ ‫و َّ‬
‫ت النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‬ ‫أثر عدم بف حاتـ الطائي رضي ا﵀ عنو؛ إذ قاؿ‪( :‬أىتىٍي ي‬ ‫ي‬
‫ط ىرٍح ىع ٍن ىؾ ىذا ا ٍل ىكثى ىف‪ ،‬ىك ىس ًم ٍعتيوي ىي ٍق ىأير في‬ ‫ماٍ‬ ‫يب مف ىذ ىى وب‪ ،‬فقاؿ يا ىع ًد ُّ‬ ‫صمً ه‬ ‫ً‬
‫كفي يع ينقي ى‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ َ ُ ٓ ْ ۡ َ َ ُ ۡ َ ُ ۡ َ َٰ َ ُ ۡ ۡ َ ٗ ّ ُ‬
‫ىما إًنَّيي ٍـ لـ ىي يككنيكا‬
‫ى‬ ‫أ‬ ‫‪:‬‬‫قاؿ‬ ‫﴾‬ ‫ِ‬ ‫َّلل‬ ‫ٱ‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫اءةه ﴿ٱَّتشوا أختارًْ ورْبًِٓ أربابا ٌَِ‬ ‫كرًة ىب ىر ى‬
‫سى‬ ‫ي‬
‫(‪)2‬‬
‫استى ىحمُّكهي كاذا ىح َّريمكا عمييـ شيئا ىح َّريمكهي)‬ ‫ىحمكا ليـ شيئا ٍ‬
‫كنيـ كىل ًكَّنيـ ىك يانكا إذا أ ُّ‬
‫ى‬ ‫ىي ٍع يب يد ى ي ٍ ى ي ٍ‬
‫عباس رضي ا﵀ عنيما‪( :‬كانت‬ ‫و‬ ‫ككاف أيضان عمى أيدم الممكؾ؛ كما قاؿ عبد ا﵀ بف‬
‫ؾ بعد عيسى ابف مريـ ػ ػ عميو الصبلة كالسبلـ ػ ػػ؛ َّ‬
‫بدلكا التكراة كاإلنجيؿ)(‪.)3‬‬ ‫ممك ه‬
‫اختبلؼ الطبعات ػ ػ أك‬
‫ي‬ ‫ككأثر مف آثار ىذا التبديؿ كالتحريؼ المكجكد حتى اآلف؛‬ ‫و‬
‫قكـ تسعة كثبلثكف‬‫بعيديو؛ فالعيد القديـ مثبلن عند و‬
‫ٍ‬ ‫الم ٍعتى ىمدة لمكتاب المقدس‬
‫النسخ ػ ػ ي‬
‫سف انر كعند آخريف ستة كأربعكف سف انر‪ ،‬كالعيد الجديد كذلؾ عند طائفة سبعة كعشركف‬
‫سف انر‪ ،‬كعند آخريف خمسة كثبلثكف ًسف ار(‪.!!)4‬‬

‫(‪ )1‬الفصؿ في الممؿ كاألىكاء كالنحؿ‪ ،‬ابف حزـ األندلسي الظاىرم‪ .‬ج‪ ،1‬ص‪ )187( :‬ط‪ :‬دار إحياء التراث‬
‫الرَّدات؛ ما في‬
‫العربي؛ بيركت‪ ،‬كطبعة‪ :‬دار الجيؿ ج‪ ،1‬ص‪ 287( :‬ػ ػ ‪ .)290‬كمف األدلة عمى ىذه ّْ‬
‫الكتاب المقدس‪( :‬قض‪ 11 :2‬ػ ػ ‪( ،)23‬قض‪ 12 :3‬ػ ػ ‪( ،)14‬قض‪ 1 :4‬ػ ػ ‪( ،)3‬قض‪ )1 :13‬كينظر‬
‫كذلؾ‪ :‬مكايد ييكدية عبر التاريخ‪ ،‬عبد الرحمف حبنكة الميداني‪ ،‬ص‪ 21( :‬ػ ػ ػ ‪ ،)25‬ط‪ :‬دار القمـ‪ ،‬دمشؽ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجو الترمذم‪ ،‬كتاب‪( :‬تفسير القرآف عف رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ)‪ ،‬باب‪( :‬كمف سكرة التكبة)‪،‬‬
‫برقـ‪ .)3095( :‬كغيره‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجو النسائي في سننو؛ ؾ‪( :‬آداب القضاء)‪ ،‬باب‪( :‬تأكيؿ قكؿ ا﵀ تعالى‪ :‬كمف لـ يحكـ بما أنزؿ ا﵀‬
‫فأكلئؾ ىـ الكافركف)‪ ،‬برقـ‪ .)5415( :‬كلع ٌؿ مف األدلة الكاضحات عمى تدخؿ الممكؾ في تحريؼ ىذه‬
‫قدت في القركف األكلى بعد‬ ‫َّ‬
‫المقدسة بعد عيسى عميو الصبلة كالسبلـ؛ المجامع النصرانية التي هع ٍ‬ ‫الكتب‬
‫المسيح عميو السبلـ أمثاؿ‪( :‬مجمع نيقية عاـ‪325 :‬ـ‪ ،‬المجمع القسطنطيني األكؿ عاـ ‪381‬ـ‪ ،‬كمجمع‬
‫أىفى يسس األكؿ عاـ ‪431‬ـ‪ ،‬كمجمع خميكدكنية ‪451‬ـ) يينظر في أعماليا كما تمخضت عنو؛ كتاب‪:‬‬
‫محاضرات في النصرانية؛ تأليؼ‪ :‬محمد أبك زىرة ص‪ 146( :‬ػ ػ ‪ ،)173‬ط‪ :4‬الرئاسة العامة إلدارات‬
‫البحكث العممية كاإلفتاء كالدعكة كاإلرشاد (‪1404‬ق)‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعكدية‪.‬‬
‫( ‪ )4‬يينظر‪ :‬دائرة المعارؼ الكتابية‪ ،‬مادة‪( :‬إثيكبيا)؛ تأليؼ‪ :‬د القس‪ /‬صمكئيؿ حبيب كآخركف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪:‬‬
‫(‪ ،)83‬دار الثقافة‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫و‬
‫أصؿ إليي‪ ،‬كمع ذلؾ لـ يسمـ مف يد التغيير‬ ‫فيذا التغيير عند قكـ ليـ كتاب؛ ذك‬
‫كالتحريؼ كالتبديؿ‪ ،‬كاذا كاف ىذا ىك حاؿ كتابيـ الذم ىك أصؿ ثقافتيـ‪ ،‬كالتي فييا‬
‫ستتغير ُّ‬
‫بتغير األمكنة كاألزمنة‪ ،‬ككذلؾ‬ ‫ي‬ ‫يعيشكف‪ ،‬فبل شؾ حينئذ مف أف ىذه الثقافة؛‬
‫ستتغير ُّ‬
‫بتغير اإلنساف كتعاقبو عمييا‪ .‬فما رآه في زمف حسنان سيككف قبيح نا بعد حيف‪،‬‬
‫سيقاتؿ كذلؾ بعد و‬
‫حيف حتى‬ ‫ً‬
‫كالذم قاتؿ عميو في فترة حتى ىي ٍحمؿ الناس عميو؛ ي‬
‫يصرؼ الناس عنو‪.‬‬
‫و‬
‫أصؿ سماكم إليي ػ ػ ػ فما الظف‬ ‫كتاب ىذا كصفو ػ ػ ذك‬
‫ه‬ ‫كاذا كاف ىذا عند قكـ ليـ‬
‫الطامة عندىـ أكبر‪،‬‬‫َّ‬ ‫بقكـ ليس ليـ كتاب؛ بؿ ليس ليـ ديف أصبلن؛ فبل شؾ أف‬
‫أعظـ كأظير‪.‬‬
‫ي‬ ‫كالخطر عندىـ‬
‫خير ًمثاؿ عمى‬
‫فيذه المذاىب السياسية كالفمسفية كاالقتصادية كاالجتماعية؛ ي‬
‫المشاىد كالمممكس‪ ،‬فقد يجّْربت أنكاع مف ىذه السياسات‬
‫تغييرىا كتبديميا ىك الكاقع ي‬
‫النظـ‪ ،‬كفي ّْ‬
‫كؿ نكع مف ىذه التجارب تظؿ البشريةي ردحان مف الزمف حبيسةى ىذه‬ ‫كىذه ُّ‬
‫التجربة إلى أف يظير فشمييا كسقكطييا‪ ،‬ثـ تدخؿ في أخرل كىكذا دكاليؾ‪.‬‬
‫جرتٍو مف كيبلت عمى‬ ‫كالتاريخ الحديث ييحدثؾ عف مثؿ ىذه المصطمحات كما َّ‬
‫البشرية؛ ك ػ‪( :‬االشتراكية‪ ،‬كالشيكعية‪ ،‬كالفاشية‪ ،‬كالنازية‪ ،‬كالبيركقراطية‪ ،‬كالرأسمالية‪،‬‬
‫كالميبرالية‪ ،)..‬ككذلؾ مصطمحات‪( :‬كحدة الكجكد‪ ،‬كاألفبلطكنية الحديثة‪ ،‬كالمنفعة‪،‬‬
‫كاإللحاد‪ ،‬كالكجكدية‪ ،‬كالمثالية‪ ،‬كالفركيدية‪ ،‬كالعقبلنية‪ ،‬كالنزعة اإلنسانية‪ )..‬ككذلؾ‪:‬‬
‫(كالعدمية‪ ،‬كالعبثية‪ ،‬كالميتافيزيقية‪ ،‬كالبنيكية)‪ ،‬ك(الداركينية)(‪.)1‬‬

‫لعرفت بكؿ مصطمح مف تمؾ المصطمحات‪ ،‬كلكف ييرجع إلى‬ ‫(‪ )1‬كلكال خركج البحث عف مضمكنو كمحتكاه؛ َّ‬
‫الميسرة؛ في األدياف كالمذاىب كاألحزاب المعاصرة)؛ الندكة‬
‫ذلؾ في مصادره كمظانو مف أمثاؿ‪( :‬المكسكعة ي‬
‫العالمية لمشباب اإلسبلمي‪ .‬ط‪ :‬الخامسة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة الرابعة‬
‫يث عف بني إسرائيؿ‪ ،‬وغيرىـ‪.‬‬ ‫حد ِ‬
‫في التَّ ِ‬
‫ً‬
‫الع ٍم يـ‬ ‫اختبلؼ شرائعيـ‪ ،‬ثـ بعد ذلؾ‬ ‫ً‬ ‫ديف األنبياء كعقائدىـ‪ ،‬ك‬ ‫العمـ بك ٍح ً‬
‫دة ً‬ ‫بعد ً‬
‫ى‬
‫نحف‬ ‫العمـ بىن ٍس ًخيا كذلؾ بشريعتنا ػ ػ‬
‫ثـ ً‬ ‫ً‬
‫كتبديؿ ىذه الشرائع مف أصحابيا‪َّ ،‬‬ ‫بتحريؼ‬
‫عمى‬ ‫ً‬
‫السميـ الذم يخشى‬ ‫الصحيح‬
‫ً‬ ‫مكقؼ الرجؿ‬
‫ى‬ ‫المسمميف ػ ػػ؛ فيؿ كقؼ اإلسبلـ منيا‬
‫الجرب ممف أصيب بو؛ فاعتزليا!؟ أـ أنو أخذ منيا ما ينفعو كترؾ ما يضره؛‬
‫ى‬ ‫نفسو‬
‫ًإذ الحكمة ضالة المؤمف َّأنى كجدىا فيك ُّ‬
‫أحؽ الناس بيا(‪)1‬؟‪ .‬كفي ىذه القاعدة إف‬
‫و‬
‫بشيء مف التفصيؿ؛ فأقكؿ‪:‬‬ ‫شاء ا﵀ تعالى؛ سكؼ نبحث ىذه المسألةى‬

‫إف الناظر في اآليات كاألحاديث التي جعمتييا بيف يدم ىذا البحث؛ يرل‬
‫األخذ عف ىؤالء؛ بعيدنا عف دينيـ كعقائدىـ‪ ،‬طالما أف ىذا‬ ‫ً‬ ‫كبكضك وح جمي جك ىاز‬
‫(حدثكا عف بني إسرائيؿ كال حرج)؛ بؿ كاف‬ ‫المأخكىذ فيو نفعه لممسمميف؛ فقد قاؿ‪ّْ :‬‬
‫ظًـ صبلة‪َّ ،‬‬
‫كىـ صمى ا﵀‬ ‫لع ٍ‬
‫عامة ليمو عنيـ؛ ال يقكـ إال ي‬
‫حدث َّ‬ ‫صمى ا﵀ عميو كسمـ يي ّْ‬
‫عميو كسمـ أف ينيى عف ً‬
‫الغيمة ػ ػ كطء المرأة الحامؿ ػ ػ ألجؿ الكلد؛ فإذا الركـ كفارس‬
‫يفعمكف ذلؾ كال يضيرىـ شيئا فمـ ينو عنو(‪.)2‬‬

‫ث بو عف ىؤالء ال يخمكا حاليو مف حالتيف؛ إما أف يككف أم انر ًدينيان‪،‬‬ ‫الم َّ‬
‫حد ى‬ ‫كلكف ي‬
‫التحديث عنيـ بو شركط كضكابط ال بد مف‬ ‫ّْ‬ ‫كؿ ك و‬
‫احد منيما في‬ ‫أك أم انر يدنيكيان‪ ،‬كلً ّْ‬
‫المحد ًث لو‪ ،‬كىاؾ‬ ‫حدث ك َّ‬ ‫الم ّْ‬
‫مراعاتيا؛ كي ال تختمط األمكر بعضيا ببعض عمى ي‬
‫بيانيا لكؿ حالة‪:‬‬

‫الحالة األُوَلى‪ :‬التحديث باألمر الديني‪.‬‬

‫سبؽ الحديث عف خصكصية ّْ‬


‫كؿ قكـ بما فرض ا﵀ تعالى عمييـ مف الشرائع‬
‫التي ارتضاىا لعبادتو سبحانو كتعالى بيا؛ كقد جاء عف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‬

‫(‪ )1‬كرد في ىذا المعنى حديث عند الترمذم؛ ؾ‪( :‬العمـ)‪ ،‬باب‪( :‬ما جاء في فضؿ الفقو عمى العبادة)‪ ،‬برقـ‪:‬‬
‫(‪ )2687‬كابف ماجة؛ ؾ‪( :‬الزىد)‪ ،‬باب‪( :‬الحكمة)‪ ،‬برقـ‪ )4196( :‬كلكنو ضعيؼ‪.‬‬
‫(‪ )2‬يينظر‪ :‬تخريج ىذه اآلثار في المكاف المشار إليو‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اإلذف في التحديث عنيـ بتمؾ األمكر التي كقعت ليـ‪ ،‬كقد كضع العمماء رحميـ ا﵀‬
‫ي‬
‫استخبلصيا مف كمماتيـ؛ فمنيا‪:‬‬
‫ى‬ ‫تعالى لذلؾ ضكابط كشركطان نستطيع‬

‫قاؿ اإلماـ الخطابي في شرحو لحديث ّْ‬


‫(حدثكا عف بني إسرائيؿ كال حرج)‪« :‬ليس‬
‫معناه إباحة الكذب في أخبار بني إسرائيؿ‪ ،‬كرفع الحرج عمف نقؿ عنيـ الكذب‪،‬‬
‫كلكف معناه الرخصة في الحديث عنيـ عمى معنى البالغ‪ ،‬كاف لـ يتحقؽ صحة ذلؾ‬
‫بنقؿ اإلسناد‪ ،‬كذلؾ ألنو أمر قد تعذر في أخبارىـ لبعد المسافة كطكؿ المدة‪ ،‬ككقكع‬
‫الفترة بيف زماني النبكة‪ ،‬كفيو دليؿ عمى أف الحديث ال يجكز عف النبي صمى ا﵀‬
‫عميو كسمـ إال بنقؿ اإلسناد كالتثبت فيو ‪ ..‬كمعمكـ أف الكذب عمى بني إسرائيؿ ل‬
‫يجوز بحاؿ»(‪.)1‬‬

‫كقاؿ ابف كثير رحمو ا﵀ تعالى يم َّبينان أنكاع ما يينقؿ عنيـ مف العمـ‪« :‬كلكف ىذه‬
‫األحاديث اإلسرائيميةى تُذكر لالستشياد ل لالعتضاد؛ فإنيا عمى ثبلثة أقساـ‪:‬‬
‫ى‬

‫أحدىا‪ :‬ما عممنا صحتو مما بأيدينا مما ييشيىد لو بالصدؽ‪ ،‬فذاؾ صحيح‪.‬‬

‫كالثاني‪ :‬ما عممنا كذبو بما عندنا مما يخالفو‪.‬‬

‫كالثالث‪ :‬ما ىك مسككت عنو؛ ال مف ىذا القبيؿ كال مف ىذا القبيؿ‪ ،‬فبل نؤمف بو‬
‫تقدـ‪ ،‬كغالب ذلؾ مما ال فائدة فيو تعكد إلى أمر‬ ‫كال ّْ‬
‫نكذبو كتجكز حكايتو لما َّ‬
‫ديني»(‪.)2‬‬

‫ىم‬‫يؿ ىكىال ىح ىرىج) أ ٍ‬ ‫كقاؿ ابف حجر رحمو ا﵀ تعالى‪« :‬قى ٍكليوي‪ ( :‬ىك ىح ّْدثيكا ىع ٍف ىبنًي إً ٍس ىرائً ى‬
‫صمَّى المَّوي ىعمى ٍي ًو ك ىسمَّ ىـ َّ‬
‫الز ٍج ير‬ ‫ً‬
‫اف تىقى َّد ىـ م ٍنوي ى‬
‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬
‫يؽ ىعمى ٍي يك ٍـ في ا ٍل ىحديث ىع ٍنيي ٍـ؛ ألَّىنوي ىك ى‬‫ض ى‬ ‫ىال ً‬
‫ى‬
‫ص ىؿ التَّىكسُّعي ًفي ىذلً ى‬ ‫ً‬
‫النظى ًر في يكتيبً ًي ٍـ ‪ ،‬ثيَّـ ىح ى‬ ‫ىخ ًذ ىع ٍنيي ٍـ ىك َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ىف َّ‬
‫الن ٍي ىي ىكقى ىع‬ ‫ؾ‪ ،‬ىك ىكأ َّ‬ ‫ىع ًف ٍاأل ٍ‬

‫(‪ )1‬سنف أبي داكد كمعالـ السنف لئلماـ أبي سميماف الخطابي‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،)47( :‬تعميؽ عزت عبيد الدعاس‪،‬‬
‫ط‪ :‬دار ابف حزـ‪.‬‬
‫كينظر‪ :‬شرح ىذه المقدمة؛ د‪ /‬مساعد بف‬
‫( ‪ )2‬تفسير القرآف العظيـ‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،)9( :‬ط‪ :‬طيبة‪ ،‬ي‬
‫سميماف الطيار‪ ،‬ص‪ )256( :‬ط‪ :2‬دار ابف الجكزم‪.‬‬
‫(‪ )3‬كحديث عمر رضي ا﵀ عنو إ ٍذ نظر في صحيفة مف صحؼ التكراة‪ .‬كقد سبؽ تخريجو‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ً ً‬ ‫اع ًد ّْ ً ً‬ ‫اإلس ىبل ًمَّي ًة كا ٍلقىك ً‬ ‫قىٍب ىؿ استً ٍقر ًار ٍاأل ٍ ً‬
‫كر ىكقى ىع‬ ‫الدينَّية ىخ ٍشىيةى ا ٍلفتٍىنة‪ ،‬ثيَّـ لى َّما ىاز ىؿ ا ٍل ىم ٍح يذ ي‬ ‫ى ى‬ ‫ىح ىكاـ ًٍ ٍ‬ ‫ٍ ى‬
‫ت ًفي ىزىمانً ًي ٍـ ًم ٍف ًاال ٍعتًىب ًار‪ ،‬ىكًقي ىؿ‪:‬‬ ‫ىخىب ًار الَّتًي ىك ىان ٍ‬ ‫اع ٍاأل ٍ‬‫ؾ لً ىما ًفي ىس ىم ً‬ ‫اإل ٍذ يف ًفي ىذلً ى‬
‫ًٍ‬
‫يب فىًإ َّف ىذلً ىؾ‬ ‫ىعا ًج ً‬ ‫ً‬
‫كنوي ىع ٍنيي ٍـ م ىف ٍاأل ى‬ ‫كريك ٍـ بً ىما تى ٍس ىم يع ى‬ ‫ص يد ي‬ ‫يؽ ي‬ ‫ض ي‬ ‫معىنى قىكلً ًو " ىال حرج"‪ :‬ىال تى ً‬
‫ىى ى‬ ‫ٍ‬ ‫ىٍ‬
‫ىف قىكلىو أ َّىكنال‪" :‬ح ّْدثيكا" ً‬ ‫ىكقى ىع لىيي ٍـ ىكثً نيرا‪ ،‬ىكًقي ىؿ‪ :‬ىال ىح ىرىج ًفي أ َّ‬
‫يغةي‬ ‫ص ى‬ ‫ى‬ ‫ىف ىال تي ىح ّْدثيكا ىع ٍنيي ٍـ ًأل َّ ٍ ي‬
‫اح ًة بًقى ٍكلً ًو‪ " :‬ىكىال‬ ‫ئلىب ى‬
‫ىف ٍاألىمر ًف ً‬
‫يو لً ٍ ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كب فىأى ىش ىار إلىى ىع ىدـ ا ٍل يك يجكب ىكأ َّ ٍ ى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أ ٍىم ور تى ٍقتىضي ا ٍل يك يج ى‬
‫ؾ لً ىما ًفي‬ ‫اكي ىذلً ى‬ ‫اد رٍفع ا ٍلحرًج عف ح ً‬
‫يؿ‪ :‬ا ٍل يم ىر ي ى ي ى ى ى ٍ ى‬ ‫يث ىع ٍنيي ٍـ‪ .‬ىكًق ى‬ ‫حرج" أىم ًفي تىر ًؾ التَّ ٍح ًد ً‬
‫ٍ‬ ‫ىى ى ٍ‬
‫ؾ فىقىاتً ىبل) ىكقى ٍكلييي ٍـ‪ٍ ( :‬‬
‫اج ىع ٍؿ ىلىنا‬ ‫ت ىكىرُّب ى‬‫ب أ ٍىن ى‬ ‫يع ًة ىن ٍح ىك قى ٍكلً ًيًـ (ا ٍذ ىى ٍ‬ ‫ً َّ ً‬ ‫ً‬
‫ىخىب ًارًى ٍـ م ىف ٍاألىٍلفىاظ الشن ى‬ ‫أٍ‬
‫اد ىح ّْدثيكا‬‫كب‪ ،‬ىكا ٍل يم ىر ي‬ ‫اد بًبنًي إًسرائًي ىؿ أىكىال يد إًسرائً ى ً ً‬ ‫إًلىينا) ىكًق ى‬
‫يؿ ىن ٍفسو ىك يى ٍـ أ ٍىكىال يد ىي ٍعقي ى‬ ‫ٍى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍى‬ ‫يؿ‪ :‬ا ٍل يم ىر ي ى‬
‫ؼ‪ ،‬ىك ىى ىذا أ ٍىب ىع يد ٍاأل ٍىك يج ًو‪.‬‬ ‫كس ى‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫ىع ٍنيي ٍـ بًقصَّت ًي ٍـ ىم ىع أىخي ًي ٍـ يي ي‬
‫ً ً‬ ‫اف ًم ٍف أ ٍىم ور ىح ىس وف‪ ،‬أ َّ‬ ‫ً‬ ‫ىكقىا ىؿ ىمالً ه‬
‫ىما ىما يعم ىـ ىكذ يبوي‬ ‫اد ىج ىك ياز التَّ ىح ُّدث ىع ٍنيي ٍـ بً ىما ىك ى‬ ‫ؾ ا ٍل يم ىر ي‬
‫يث الص ً‬ ‫آف كا ٍلح ًد ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يح‪ .‬ىكًقي ىؿ ا ٍل يم ىر ي‬
‫اد‬ ‫َّح ً‬ ‫يؿ ا ٍل ىم ٍعىنى ىح ّْدثيكا ىع ٍنيي ٍـ بًم ٍث ًؿ ىما ىكىرىد في ا ٍلقي ٍر ً ى ى‬ ‫فى ىبل‪ .‬ىكًق ى‬
‫اؿ ًفي‬ ‫اع أىك ىب ىبل وغ لًتىع ُّذ ًر ًاالتّْص ً‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫ً‬
‫ت م ىف ٍانقطى و ٍ‬
‫ىم صكروة كقىع ٍ ً‬
‫ىج ىك ياز التَّ ىح ُّدث ىع ٍنيي ٍـ بًأ ّْ ي ى ى ى‬
‫ً‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ىح ىك ًاـ ًٍ ً ً‬ ‫التَّح ُّد ًث ع ٍنيـ‪ ،‬بً ًخ ىبل ً‬
‫صا يؿ‪ ،‬ىكىال‬ ‫ىص ىؿ في التَّ ىح ُّدث بًيىا االتّْ ى‬ ‫اإل ٍس ىبلمَّية فىًإ َّف ٍاأل ٍ‬ ‫ؼ ٍاأل ٍ‬ ‫ى يٍ‬ ‫ى‬
‫صمَّى المَّوي ىعمى ٍي ًو ىك ىسمَّ ىـ‬ ‫النبً َّي ى‬
‫ىف َّ‬ ‫كـ أ َّ‬‫الش ًاف ًع ُّي‪ً :‬م ىف ا ٍل ىم ٍعمي ً‬
‫اؿ َّ‬ ‫ؾ لًقي ٍر ًب ا ٍل ىع ٍي ًد‪ .‬ىكقى ى‬ ‫ىيتى ىع َّذ ير ىذلً ى‬
‫ىما‬‫كف ىك ًذىبوي‪ ،‬ىكأ َّ‬ ‫ث بًا ٍل ىك ًذ ًب‪ ،‬فىا ٍل ىم ٍعىنى ىح ّْدثيكا ىع ٍف ىبنًي إً ٍس ىرائً ى‬
‫يؿ بً ىما ىال تى ٍعمى يم ى‬ ‫ىال يي ًج ييز التَّ ىح ُّد ى‬
‫ىى يؿ‬ ‫كنوي فى ىبل ىح ىرىج ىعىم ٍي يك ٍـ ًفي التَّ ىح ُّد ًث بً ًو ىع ٍنيي ٍـ ىك يى ىك ىن ًظ يير قى ٍكلً ًو‪ :‬إً ىذا ىح َّدثى يك ٍـ أ ٍ‬ ‫ىما تي ىج ّْكيز ى‬
‫َّ ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫كى ٍـ ىكىال تي ىك ّْذ يب ي‬ ‫ا ٍل ًكتى ً‬
‫كى ٍـ ىكلى ٍـ ىي ًرد ٍاإل ٍذ يف ىكىال ا ٍل ىم ٍنعي م ىف الت ىح ُّدث ب ىما يي ٍقطىعي‬ ‫ص ّْدقي ي‬ ‫اب فى ىبل تي ى‬
‫ص ٍد ًق ًو»(‪.)1‬‬ ‫بً ً‬

‫مف ىذه المقكالت كغيرىا؛ نستطيع استخراج بعض الضكابط كالقكاعد البلزمة في‬
‫نقؿ عمك ًميـ ّْ‬
‫الدينية؛ كالتي منيا‪:‬‬

‫ص ًرؼ األمر‬
‫التحديث عنيـ مف قبيؿ الجواز ل مف قبيؿ الوجوب؛ فقد ي‬
‫ُ‬ ‫‪.1‬‬
‫بالتحديث عنيـ مف الكجكب في قكلو صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ّْ :‬‬
‫(حدثكا) إلى‬
‫الجكاز بقكلو‪( :‬كال حرج)‪.‬‬

‫(‪ )1‬فتح البارم‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.)576 ،575( :‬‬

‫‪45‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اإلذف في مطالعة يكتبيـ كأخبارىـ؛ كاف بعد استقرار أحكاـ الشريعة‬


‫ي‬ ‫‪.2‬‬
‫اإلسالمية‪ .‬كلذلؾ يجكز‬
‫‪ .3‬نقميا لمف ل تُخشى عميو الفتنة‪.‬‬
‫‪ .4‬جكاز نقميا حتى مع عدـ التثبت في صحة مف ينسبت إلييـ؛ لتعذر ذلؾ‪.‬‬
‫عمف َّ‬
‫حدث بذلؾ‪.‬‬ ‫‪ .5‬رفع الحرج ٌ‬
‫‪ .6‬تحريـ الكذب عمييـ بأي حاؿ مف األحواؿ؛ مقركف بنقؿ أخبارىـ مف‬
‫أما ما سكل ذلؾ مف الحاالت؛ فمر ًج يعو إلى تحقيؽ‬ ‫التيراث الديني‪َّ ،‬‬
‫المصمحة ػ ػ ػ العامة أك الخاصة ػ ػ ػ لئلسبلـ كالمسمميف؛ كحالة مف حاالت‬
‫كسبلمة الدكؿ اإلسبلمية‪ .‬ف ىع ٍف أ ّْيـ يك ٍمثي و‬
‫كـ‬ ‫ً‬ ‫الحرب‪ ،‬أك األمكر المتعمقة ً‬
‫بأمف‬
‫ص ًفي‬ ‫ً َّ‬
‫صمى الموي ىعمى ٍيو ىك ىسم ىـ ىرَّخ ى‬
‫كؿ المَّ ًو َّ َّ‬
‫ى‬ ‫ت ىر يس ى‬ ‫ت‪ ( :‬ىما ىس ًم ٍع ي‬ ‫بً ٍن ًت يع ٍقىب ىة قىالى ٍ‬
‫ص ىبل ىح‪،‬‬ ‫اإل ٍ‬ ‫يد بً ًو ًٍ‬ ‫ىش ٍي وء ًم ٍف ا ٍل ىك ًذ ًب إً َّال ًفي ثى ىبل وث‪َّ :‬‬
‫الر يج ًؿ ىيقيك يؿ ا ٍلقى ٍك ىؿ يي ًر ي‬
‫ام ىأىرتىوي ىكا ٍل ىم ٍ أرًىة تي ىح ّْد ي‬
‫ث‬ ‫ث ٍ‬ ‫الر يج ًؿ ىيقيك يؿ ا ٍلقى ٍك ىؿ ًفي ا ٍل ىح ٍر ًب‪ ،‬ىك َّ‬
‫الر يج ًؿ يي ىح ّْد ي‬ ‫ىك َّ‬
‫(‪) 1‬‬
‫محرمة؛ إال أف‬ ‫ىزٍك ىجيىا) ‪ .‬قاؿ العز بف عبد السبلـ‪« :‬الكذب مفسدةه َّ‬
‫مفسدة؛ فيجكز تارة‪ ،‬كيجب أخرل ‪..‬‬ ‫و‬ ‫دريء‬ ‫و‬
‫يككف فيو جمب مصمحة أك ٍ‬
‫كالتحقيؽ‪ :‬أف الكذب يصير مأذكنا فيو‪ ،‬كيثاب عمى المصمحة التي‬
‫تضمنيا‪ ،‬عمى قدر رتبة تمؾ المصمحة مف الكجكب؛ في حفظ األمكاؿ‬
‫كاألبضاع كاألركاح‪ .‬كلك صدؽ في ىذه المكاطف ألثً ىـ إثٍ ىـ المتسبب إلى‬
‫تحقيؽ ىذه المفاسد‪ ،‬كتتفاكت الرتب لو‪ ،‬ثـ التسبب إلى المفاسد بتفاكت‬
‫رتب تمؾ المفاسد»(‪.)2‬‬
‫‪ .7‬ال نصدقيـ كال ينكذبيـ فيما ال يخالؼ ديننا؛ كال يأتي في ديننا ما يي ّْ‬
‫كذبو‪.‬‬
‫عما في‬
‫‪ .8‬نقميا مف قبيؿ االستشياد ال االعتضاد؛ إذ أف في ديننا يغنيةن َّ‬
‫كتبيـ‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجو أحمد في مسنده‪ :‬برقـ‪ .)27275( :‬كصححو األلباني في الصحيحة‪ ،‬برقـ‪.)545( :‬‬
‫(‪ )2‬القكاعد الكبرل؛ المكسكـ بػ"قكاعد األحكاـ في إصبلح األناـ" شيخ اإلسبلـ العز بف عبد السبلـ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪:‬‬
‫حماد‪ ،‬ط‪1421( 1‬ق) دار القمـ‪ .‬دمشؽ‪ .‬كلًما قالو الشيخ رحمو ا﵀‬
‫(‪ 152‬ػ ػ ػ ‪ .)153‬تحقيؽ‪ :‬نزيو كماؿ ٌ‬
‫أدلة كثيرة يضيؽ المقاـ عف ذكرىا‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ .9‬عدـ االندىاش بما كقع ليـ مف األعاجيب كاألخبار؛ فإنيا كثيرة فييـ‪.‬‬
‫‪ .10‬نق يؿ أخبارىـ كما كقع ليـ؛ إنما ىك عمى سبيؿ العتبار‪ .‬فقد قاؿ ا﵀‬
‫ۡ ۡ َ ر ّ ُ ْ ۡ َ ۡ َ َٰ َ َ َ َ ٗ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ۡ َ َ‬
‫ب ٌا َكن خسَِثا‬ ‫سبحانو كتعالى‪﴿ :‬ىلس َكن ِِف كؿ ِ‬
‫ؿًِٓ غِۡبة ِۡلو ِِل ٱۡلىب ِ‬
‫َ َ َۡٗ‬ ‫َۡ َ َ َ ۡ َ َۡ َ ُّ َ ۡ َ ُ ٗ‬ ‫َ ۡ َ َّ‬ ‫ُ ۡ َ َ َٰ َ‬
‫ك َشءٖ وْسى ورّمث‬ ‫ٱَي بي َسَِّ وتف ِؿيو ِ‬ ‫سَ حؿسَِق ِ‬ ‫ى َول َٰ ِ‬ ‫حفَت‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬
‫ى ِل ۡٔ ٖم َُؤٌ ُِِٔن﴾(‪[ )1‬يكسؼ‪.]111:‬‬

‫الحالة الثانية‪ :‬التحديث باألمر الدنيوي‪.‬‬

‫مبني عمى تحقيؽ المصمحة العامة‬


‫ّّ‬ ‫كأما بالنسبة ليذه الحالة ُّ‬
‫الدنيكية؛ فاألمر فييا‬
‫أك الخاصة لممسمميف‪ ،‬سكاء كاف ىذا األمر الدنيكم مف قبيؿ الكسائؿ أـ مف‬
‫الغايات‪ ،‬فإف ىذه األمكر التي برعكا فييا؛ إنما ىي‪« :‬نتائج خبرة حياة‪ ،‬كتجارب‬
‫كينبني عمييا حياة كمكت‪ ،‬كصحة كعافية‪ ،‬كلسبلمة المنيج في‬
‫تكصمكا إلييا‪ ،‬ى‬
‫ٌ‬ ‫عديدة‬
‫األم ًة منيا؛ فيما فيو النفع كالمصمحة‪ ،‬فيي عمى أصؿ‬
‫التعامؿ معيا كاستفادة َّ‬
‫اإلباحة‪ ،‬فيتـ التعامؿ معيا بيذه الصكرة؛ كىذا ىك المنيج الحؽ كالصحيح»(‪.)2‬‬

‫كلعؿ ىذه األمكر مف قبيؿ األعاجيب التي ت ٍكثير فييـ كتقع ليـ‪ ،‬فميس أل ً‬
‫سماعنا‬
‫عيد‪ ،‬كال ر ٍأتيا كذلؾ عيكننا‪ ،‬فقد ذكر ا﵀ سبحانو كتعالى عف السابقيف أنيـ‬ ‫بيا ه‬
‫اتخذكا مف الجباؿ بيكتا فارىيف‪ ،‬ك ٌأنو تعالى َّ‬
‫أمدىـ بأنعاـ كبنيف َّ‬
‫كجنات كعيكف ككنكز‬
‫كمقاـ كريـ كنعمة كانكا فييا فاكييف‪ ،‬كأنيـ كانكا أقكياء كليـ آثار في األرض لـ تكف‬
‫لغيرىـ‪.‬‬

‫يف ىم ىع قى ٍك ًم ًي ٍـ‪ ،‬ىك ىك ٍي ى‬ ‫ً‬ ‫(‪ )1‬قاؿ ابف كثير رحمو ا﵀ تعالى في تفسيرىا‪ « :‬يقيك يؿ تىعالىى‪( :‬لىقى ٍد ىك ً‬
‫ؼ‬ ‫اف) في ىخىب ًر ا ٍل يم ٍر ىسم ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اف‬
‫ىم‪ :‬ىك ىما ىك ى‬ ‫اف ىحديثنا يي ٍفتىىرل) أ ٍ‬ ‫يف (ع ٍب ىرةه أليكلًي ٍاألىٍلىباب) ىكى ىي ا ٍل يعقيك يؿ‪ ( ،‬ىما ىك ى‬
‫ً‬ ‫ىىمى ٍكىنا ا ٍل ىكاف ًر ى‬
‫يف ىكأ ٍ‬‫أ ٍىن ىج ٍيىنا ا ٍل يم ٍؤ ًمن ى‬
‫ىم‪ً :‬م ىف ا ٍل يكتي ًب‬ ‫ً‬
‫يؽ الذم ىب ٍي ىف ىي ىد ٍيو) أ ٍ‬
‫ؽ‪( ،‬كلى ًك ٍف تىص ًد ى ًَّ‬
‫ٍ‬ ‫ب ىكيي ٍختىمى ى ى‬
‫َّ‬
‫ىم‪ :‬يي ىكذ ى‬
‫ىف ي ٍفتىرل ًم ٍف يد ً َّ ً‬
‫كف المو‪ ،‬أ ٍ‬ ‫آف أ ٍ ي ى‬ ‫لًيى ىذا ا ٍلقي ٍر ً‬
‫يؿ ىكتى ٍغيً و‬ ‫يؼ كتىٍب ًد و‬
‫و‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اء‪ ،‬ك يىك يص ّْد ي ً ً‬ ‫ا ٍلمىنَّزلى ًة ًمف الس ً‬
‫ير‪ ،‬ىكىي ٍح يك يـ‬ ‫ؽ ىما فييىا م ىف الصَّحي ًح‪ ،‬ىكىي ٍنفي ىما ىكقى ىع فييىا م ٍف تى ٍح ًر ى‬ ‫َّم ى ى ي ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬ ‫ي‬
‫ىعمىٍييىا بً َّ‬
‫الن ىس ًخ أ ًىك التَّ ٍق ًر ً‬
‫ير ‪.»..‬‬
‫حماد السمطاف الريس‪ ،‬ص‪ )297( :‬بحث‬
‫(‪ )2‬االستفادة مف مخترعات كتجارب غير المسمميف‪ ،‬د‪ /‬إبراىيـ بف َّ‬
‫مف مجمة "دراسات إسبلمية" العدد الثاني عشر‪ ،‬ذك القعدة‪1426 ،‬ق‪ ،‬تيصدرىا‪ :‬ك ازرة الشؤكف اإلسبلمية‬
‫كاألكقاؼ‪ ،‬السعكدية‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ُّ‬
‫كتشبثيـ بالدنيا كزخارفيا؛‬ ‫ً‬
‫استمساكيـ‬ ‫كىذه األمكر إنما برعكا كتفكقكا فييا ألجؿ‬
‫فيـ عمى الخمكد فييا حريصكف‪ ،‬كىـ كذلؾ عف اآلخرة كما إليو مصيرىـ بعيدكف‪،‬‬
‫كنعيميـ‪ ،‬فمقد‬ ‫ى‬ ‫كعذابيـ‬
‫ى‬ ‫اءىـ‬‫فمقد أركا في ىذه الحياة‪ :‬مبدأىـ كمنتياىـ‪ ،‬كعمىميـ كجز ى‬
‫فطكعكىا لشيكاتيـ كلنزكاتيـ كممذاتيـ؛ فكانكا فييا كما‬ ‫عاشكا فييا كبيا كليا!!!‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫َ َ َٰ َ َ َٰ َ َ َّ َ ۡ َ ُ ْ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ‬
‫َشك ْۚٔا َ َ َٔد‬ ‫اس لَع خئة ٖ وٌَِ ٱَََِ أ‬ ‫ج َسج ُٓ ًۡ أ ۡخ َص َص ٱنلَّ ِ‬
‫كصفيـ ا﵀ تعالى‪﴿ :‬وِل ِ‬
‫ي ۢ ةٍاَ‬ ‫ٱَّلل ةَ ِؿ ُ‬ ‫َ‬
‫خِّۦ ٌ ََِ ۡٱى َػ َشاب أن ُح َػ ٍَّ َص َو َّ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ ُ ۡ َ ۡ ُ َ َّ ُ َ ۡ َ َ َ َ َ ُ‬
‫َ‬
‫أخسًْ لٔ حػٍص أىؿ ظِثٖ وٌا ْٔ ةٍِضخ ِض ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ار‬‫ز ُو ۡٱۡلُۡ َع َٰ ًُ َوٱنلَّ ُ‬ ‫َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َّ ُ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ ُ‬
‫َح ۡػ ٍَئن﴾ [البقرة‪﴿ ]96 :‬وٱَََِ زفصوا حخٍخػٔن ويأزئن نٍا حأ‬
‫ُ َ‬
‫َّ‬ ‫ۡ‬
‫ٌَث ٗٔى ل ُٓ ًۡ﴾ [محمد‪.]12 :‬‬

‫أمر دنيا؛ ‪ ..‬فمما يشيد ليا‬ ‫أمر ىذه الحالة الدنيكية ػ ػ ى‬


‫األمر ػ ػ ي‬
‫ي‬ ‫كلكف لما كاف‬
‫الكجكب بيا‪ ،‬ػ ػ نظ انر لممصمحة المتعمقة‬
‫ي‬ ‫كأنيا عمى أصؿ اإلباحة؛ بؿ كربما ارتبط‬
‫صحابو مف‬
‫ي‬ ‫عمييا ػ ػ ػ ما جاء في آثار كثيرة استفادىا النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ كأ‬
‫ىؤالء؛ في مجاالت شتى‪:‬‬

‫«ففي مجاؿ الطب أمثمة كثيرة؛ منيا‪ :‬الغيمة (‪ ،) 1‬كالعبلج لدل الطبيب الكافر‬
‫(كعبلج سعد بف أبي كقَّاص عند الحارث بف ًكمدة)(‪.)2‬‬

‫كفي مجاؿ الحياة العامة كأنشطتيا نجد تمؾ األمثمة‪ :‬فقد كاف عميو الصبلة‬
‫كالسبلـ يمبس َّ‬
‫جبةن مف الصكؼ؛ مف جباب الركـ مف صنع النصارل‪ ،‬ككذلؾ‬
‫استخداـ اآلنية التي صنعكىا مع األمر بغسميا مما أصابيا مف النجاسات إذ أنيـ ال‬
‫يتحرزكف منيا‪ ،‬كاستمر اإلسبلـ عمى التعامؿ بالدراىـ كالدنانير التي كانت سائدة قبؿ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ۡ َ ٓ َ ۡ‬
‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ َ ُ ْٓ َ َ َ ُ‬
‫ذلؾ؛ كما في قصة أصحاب الكيؼ‪﴿ :‬ـٱبػثٔا أخسزً ةِٔرِك ِسً ه ِشه ِۦ إِل ٱلٍسَِِثِ﴾‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َۡ‬ ‫َ‬ ‫{الكيؼ‪ ،}19 :‬كقصة يكسؼ عميو السبلـ‪َ ﴿ :‬و َ َ‬
‫َش ۡوهُ ةِث ٍَِۢن َب ٖط د َرَْٰ ًَِ ٌَ ۡػ ُسودة ٖ﴾‬

‫(‪ )1‬كقد سبؽ ًذكر الحديث المتعمؽ بيا‪.‬‬


‫(‪ )2‬الذم أخرجو أبك داكد‪ ،‬في كتاب‪( :‬الطب)‪ ،‬باب‪( :‬في تمر العجكة)‪ ،‬برقـ‪ .)3875( :‬يينظر تحقيقو في‪:‬‬
‫االستفادة مف مخترعات غير المسمميف؛ ص‪ ،)294( :‬مجمة دراسات إسبلمية‪ ،‬األكقاؼ السعكدية‪.‬‬
‫قاؿ في بذؿ المجيود‪« :‬قاؿ الحافظ في اإلصابة‪ :‬قاؿ ابف أبي حاتـ ال يصح لو إسبلـ‪ ،‬كىذا الحديث يدؿ‬
‫الذمة في الطب» ج‪ ،16‬ص‪.)203( :‬‬ ‫عمى جكاز االستعانة بأىؿ ّْ‬

‫‪48‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫{يكسؼ‪ .}20 :‬ككذلؾ في صناعة الكرؽ فقد نشأت أكؿ ما نشأت في الصينييف ثـ‬
‫دخمت عمى أيدييـ ػ ػ إذ كانكا أسرل عند المسمميف ػ ػ إلى سمرقند ثـ إلى بغداد‪.‬‬

‫كمجاؿ النظـ اإلدارية والسياسية‪ :‬مثؿ استخداـ الدكاكيف كاإلدارات التي جاءت‬
‫لدكلة اإلسبلـ مف الفرس‪.‬‬

‫كفي مجاؿ الشؤوف العسكرية أمثمة؛ منيا‪ :‬استخداـ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‬
‫تيب الجند في مسير الجيكش ككقكفيـ في مكاجية العدك؛ ككذلؾ استخدـ‬
‫الخندؽ‪ ،‬كتر ى‬
‫ى‬
‫عميو السبلـ طريقةى العجـ في القتاؿ؛ كىي طريقة الزحؼ صفكفان (‪ ،) 1‬عمى طريقة‬
‫العرب كالتي ىي الكر كالفر‪ ،‬ككذلؾ استخداـ آالت غير المسمميف في الحركب»(‪.)2‬‬

‫المستقيمة؛ ػ ػ أقصد‬ ‫ً‬


‫طر ي‬‫أما التحديث بأمكرىـ التي خالفكا فييا العقك ىؿ السميمةى كالف ى‬
‫كٌ‬
‫قبائحيـ ػ ػ ػ كالمنكرات كالفكاحش التي يجيركف بيا في مجتمعاتيـ فبل يجكز ألحد‬
‫الذـ لو؛ ألف في ذلؾ إشاعة‬‫ىن ٍقمييا‪ ،‬كال ًحكايتييا مدحان! بؿ ػ ػ كاف حدث ػ ػ فعمى سبيؿ ّْ‬
‫اإلسبلمية الطاىرة‪ ،‬كقد قاؿ ا﵀ سبحانو كتعالى‪:‬‬ ‫ً‬ ‫لممنكر كالفكاحش في المجتمعات‬
‫ُّ ۡ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ََِ َء َاٌ ُِٔا ل َ ُٓ ًۡ َغ َش ٌ‬ ‫َّ‬
‫د َؼ ُث ِف ٱَ َ‬ ‫َّ َّ َ ُ ُّ َ َ َ َ ۡ َ‬
‫ٱدلج َيا َوٱٓأۡلر َِصة ِ﴾‬ ‫اب أ ِِل رً ِِف‬ ‫ِ‬ ‫َٰ‬
‫﴿إِن ٱَََِ َيِتٔن أن تؼِ يع ٱى ِ‬
‫ػ‬
‫[النكر‪.]19:‬‬

‫المسمميف‬ ‫يقكؿ الشيخ محمد رشيد رضا في ً‬


‫معرض حديثو عف مسألة ػ ػ ػ تقميد ي‬
‫لغير المسمميف ػ ػ ػ‪« :‬إف جممة ما يتأتى بو التقميد كاالحتذاء ينحصر في ثبلثة أمكر‪:‬‬

‫(‪ )1‬كال يمزـ مف ىذه الصكرة القتالية (الزحؼ صفكفان) تفضيمييا عمى ما سكاىا مف أنكاع القتاؿ؛ فإف قتاؿ الفارس‬
‫أفضؿ مف قتاؿ الراجؿ كما ىك معمكـ؛ ف ػػ‪« :‬قد ال يحتاج األمر إلى اصطفاؼ الصفكؼ؛ بؿ طبيعة‬
‫المعارؾ كما فييا مف الكر كالفر كاإلقباؿ كاإلدبار‪ ،‬كالميمنة كالميسرة‪ ،‬كالطبلئع كالكسط كالمؤخرات‪ ،‬كؿ‬
‫صفَّان﴾ عمى‬
‫قكلو تعالى‪ ﴿ :‬ى‬
‫ثـ فقد ييحمؿ في كثير مف األحياف ٍ‬
‫ىذه األمكر ال تتفؽ مع االصطفاؼ‪ ،‬كمف َّ‬
‫اتحاد الكممة كاجتماع الرأم» التسييؿ لتأكيؿ التنزيؿ؛ "تفسير جزء قد سمع" تأليؼ‪ :‬مصطفى ابف العدكم‬
‫ص‪ ،)201( :‬ط‪ :1‬مكتبة مكة‪ ،‬طنطا‪ .‬مصر‪.‬‬
‫حماد الريس ص‪ 291( :‬ػ ػ ػ ػ ‪ )318‬باختصار‪ ،‬مجمة‬
‫(‪ )2‬االستفادة مف مخترعات غير المسمميف؛ د‪ /‬إبراىيـ بف َّ‬
‫دراسات إسبلمية‪ ،‬األكقاؼ السعكدية‪ .‬كقد استشيد المؤلؼ ّْ‬
‫لكؿ حالة بما يناسبيا مف األدلة‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫األوؿ‪ :‬الفنكف كالصنائع المفيدة‪ ،‬كىذا ربما يصؿ طمب التقميد فيو إلى الوجوب‬
‫الشرعي‪ ،‬كذلؾ كالفنكف التي تتعمؽ بالقكل الحربية كالصحة الجسدية كسائر ما ال‬
‫ييستغنى عنو كالعمراف‪ ،‬كال كصكؿ إلييا أكالن إال بالتقميد كاالقتباس‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬ما ال نفع فيو كال ضرر‪ ،‬واألولى تركو واف كاف مباحاً‪ ،‬كاف لـ يكف يب ّّد‬
‫ُّ‬
‫التشبو بيـ كال ييتكخى احتذاؤىـ فيو‬ ‫مف ًفعمو فينبغي أال ييبلحظ‬

‫الحرمة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ما فيو ضرر لنا؛ كالحكـ الشرعي في إتياف المضرات المحققة‪ُ :‬‬
‫كالمظنكنة‪ :‬الكراىة‪ .‬كىناؾ شبيات ييخشى ضررىا كال ييرجى نفعيا‪ ،‬كربما ال يظير‬
‫ضررىا إال باستعماؿ السكاد األعظـ ليا‪ ،‬ال اآلحاد كال العشرات مثبلن أعني بيذا‪:‬‬
‫التيافت عمى استعماؿ أدكات الزينة كالترؼ الغالية األثماف‪ ،‬كىـ في كؿ آكنة‬
‫يخترعكف لنا زِّيا‪ ،‬كيبتدعكف لنا طر انز جديدان‪ ،‬يبطمكف بو ما سبقو‪ ،‬كنحف نتمك تمكىـ‬
‫كنحتذم شاكمتيـ ‪ ..‬ػ ػ إلى أف قاؿ ػ ػ ‪ ..‬مف نكاميس الككف كسنة ا﵀ تعالى في الخمؽ‬
‫أف االسترساؿ في الترؼ كالتكغؿ في الرفو كاالنغماس في التنعـ مبدأ النحبلؿ األمـ‪،‬‬
‫عبلجا ألبنائيا‪،‬‬
‫ن‬ ‫كعمة لسقكطيا في ىاكية العدـ‪ ،‬إذا لـ يقترف ذلؾ بعمـ كتربية يككناف‬
‫يقييـ أمراض تمؾ الصفات كأدكاءىا‪ ،‬كلقد كاف سمؼ األمة الذيف تنجمي بيدييـ كؿ‬
‫غمة متيقظيف لعمؿ الترؼ كأدكائو‪ ،‬محذريف مف فتنتو كببلئو»(‪.)1‬‬

‫أمر ال تعارضو‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬


‫كحسَّا كشرعان ه‬ ‫بل‬
‫نفعو عق ن‬ ‫فالتحدث باألمر الدنيكم الذم ظير ي‬
‫كالحذر كاألخذ منو بالقدر الذم‬ ‫الشريعة اإلسبلمية كال تأباه؛ كلكف ينبغي عمينا التَّ ٍكًقي‬
‫تنصمح بو حياتينا غير مسترسميف فيو؛ فإنو مف أسباب سقكط األمـ‪.‬‬

‫ككذلؾ ىذا التحدث ال يككف عمى سبيؿ التضخيـ كال التيكيؿ؛ فإف ذلؾ يؤدم‬
‫أقؿ مف جناح بعكضة‪ ،‬كيؤدم إلى أف يككف‬‫إلى استعظاـ مف ىـ في ميزاف الشرع ُّ‬
‫التبعية كالمسمـ ليس أىبلن ليذه األكصاؼ بؿ ىـ‬ ‫المسمـ في مكضع ّْ‬
‫الذلة كالصَّغار ك َّ‬
‫يـ ىي ٍكىـ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ليا أى هؿ؛ كقد قاؿ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ً( :‬إَّنوي لىيأتًي َّ‬
‫يف العظ ي‬
‫الر يج يؿ السَّم ي‬
‫(‪ )1‬مجمة المنار‪( :‬العدد‪ ،1‬المجمد ‪ ،29‬الصفحة‪ 552 ،551 :‬باختصار) كقد ذكر رحمو ا﵀ تعالى صك ار مف‬
‫ىذا الترؼ كالزينة في شتى نكاحي الحياة كالذم كاف مأخكذا عنيـ‪ ،‬كينظر‪ :‬مجمة دراسات إسبلمية؛ بحث‪:‬‬
‫االستفادة مف مخترعات كتجارب غير المسمميف‪ ،‬ص‪.)326 ،325( :‬‬

‫‪51‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ََ ُ ُ َ‬
‫يً ل ُٓ ًۡ ََ ۡٔ َم‬ ‫كض وة) كقاؿ اقرءكا إف شئتـ‪﴿ :‬ـَل ُ ِل‬
‫بع ى‬
‫اح ي‬ ‫يزف ًع ٍند المَّو ى‬
‫جن ى‬
‫ً ً‬
‫ا ٍلقيامة ال ي‬
‫ٗ‬ ‫ۡ‬
‫ٱىلِ َيَٰ ٍَثِ َو ۡزُا﴾)(‪.)1‬‬

‫( ‪ )1‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬التفسيرػ سكرة الكيؼ)‪ ،‬باب‪( :‬أكلئؾ الذيف كفركا بآيات ربيـ)‪ ،‬برقـ‪،)4729( :‬‬
‫كمسمـ‪ :‬في ؾ‪( :‬صفة القيامة كالجنة كالنار)‪ ،‬برقـ‪.)2785( :‬‬
‫ه‬

‫‪51‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة الخامسة‬

‫في طبائع المجتمعات‪.‬‬

‫المجتمع؛ ىك‪« :‬مكضع االجتماع» (‪ ،) 1‬لػ‪« :‬جماعة مف الناس تربطيا ركابط‬


‫كمصالح مشتركة‪ ،‬كعادات‪ ،‬كتقاليد‪ ،‬كقكانيف كاحدة»(‪.)2‬‬

‫ُّ‬
‫كؿ مجتمع مف المجتمعات ال شؾ بأف لو طبيعة تخالؼ غيره مف المجتمعات‬
‫نتيجة لمعكامؿ التي ساىمت في تككينو كاف ارزه؛ فالعادات كالتقاليد كالمصالح‬
‫الميف كالصناعات المتَّخ ىذ ًة في ىذا المكاف ال شؾ بأنيا ستؤثر فيو‬
‫المشتركة؛ بؿ ك ً‬
‫ؽ‪ ،‬كالفى ٍخ ير‬‫الم ٍش ًر ً‬
‫ٍس ال يك ٍف ًر ىن ٍح ىك ى‬
‫سمبان كايجابان كقد قاؿ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ ( :‬ىأر ي‬
‫الغىنًـ)(‪.)3‬‬
‫أى ًؿ ى‬ ‫أى ًؿ الكب ًر‪ ،‬كالس ً‬ ‫ً‬
‫َّك ىينةي في ٍ‬ ‫يف ٍ ى ى‬ ‫اإلبً ًؿ‪ ،‬كالفى ٌداد ى‬
‫الخٍي ًؿ ك ً‬
‫أى ًؿ ى‬
‫بلء في ٍ‬
‫الخىي ي‬
‫ك ي‬

‫كقاؿ الخطابي رحمو ا﵀ تعالى‪« :‬إنما يذ َّـ ىؤالء الشتغاليـ بمعالجة ما ىـ فيو‬
‫عف أمكر دينيـ؛ كذلؾ ييفضي إلى قساكة القمب‪ »..‬بؿ قاؿ الحافظ ابف حجر رحمو‬
‫ص أىؿ الغنـ بذلؾ؛ ألنيـ غالبان دكف أىؿ اإلبؿ في التكسع كالكثرة‬
‫ا﵀‪« :‬كانما يخ َّ‬
‫كىما سبب الفخر كالخيبلء» كقاؿ أيضان‪« :‬بؿ ىك المشاىد في كؿ عصر مف أحكاؿ‬
‫سكاف جية اليميف كجية الشماؿ؛ فغالب مف يكجد مف جية اليميف ًرقاؽ القمكب‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كغالب مف يكجد مف جية الشماؿ غبلظ القمكب كاألبداف»‬

‫كقد أشار كثير مف العمماء إلى اختبلؼ المجتمعات البشرية في أحكاليا كعاداتيا‬
‫قدمتيـ ابف خمدكف؛ كذلؾ في ّْ‬
‫مقدمتو‪ ،‬ىفب ٍعد أف ذكر رحمو ا﵀ تعالى‬ ‫كطبائعيا؛ كفي يم ّْ‬
‫تقسيـ العمماء لؤلرض ػ ػ ػ في ًعمـ الجغرافيا ػ ػ ػ إلى سبعة أقاليـ‪ ،‬كأىثىىر ىذه الطبيعة‬
‫ى‬

‫(‪ )1‬المعجـ الكسيط؛ مادة‪( :‬جمع)‪ ،‬مجمع المغة العربية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ط‪ :4‬الشركؽ الدكلية لمطباعة (‪1425‬ق)‪.‬‬
‫(‪ )2‬معجـ المغة العربية المعاصر‪ ،‬مادة (جمع‪ /‬مجتمع)‪ ،‬ص‪ ،)396( :‬د‪ /‬أحمد مختار عمر كآخركف‪ ،‬ط‪:1‬‬
‫عالـ الكتب (‪1429‬ق)‬
‫(‪ )3‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬بدء الخمؽ)‪ ،‬باب‪( :‬خير ماؿ المسمـ)‪ ،‬برقـ‪ ،)3301( :‬كؾ‪( :‬المغازم)‪ ،‬باب‪( :‬قدكـ‬
‫كمسمـ في صحيحو ؾ‪( :‬اإليماف)‪ ،‬باب‪( :‬فضؿ أىؿ اليمف)‪،‬‬
‫ه‬ ‫األشعرييف كأىؿ اليمف)‪ ،‬برقـ‪،)4389( :‬‬
‫برقـ‪ .)55( :‬كغيرىما‪.‬‬
‫المشار إلييما في التخريج السابؽ‪.‬‬
‫(‪ )4‬يينظر في ىذه األقكاؿ؛ فتح البارم شرح صحيح البخارم‪ ،‬في المكضعيف ي‬

‫‪52‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الحر أعظـ‬‫الجغرافية عمى الساكنيف فييا؛ يقكؿ‪ٍ « :‬بيد أف فساد التككيف مف جية ًشدة ّْ‬
‫الحر أسرع تأثي انر في التجفيؼ مف تأثير البرد في‬ ‫شدة البرد؛ ألف َّ‬ ‫منو مف جية ّْ‬
‫الج ىم ًد‪ ،‬فمذلؾ كاف العمراف في اإلقميـ األكؿ كالثاني قميبلن كفي الثالث كالرابع كالخامس‬
‫ى‬
‫الحر‪ ..‬ػ ػ‬
‫متكسطان العتداؿ الحر بنقصاف الضكء كفي السادس كالسابع كثي انر لنقصاف ّْ‬
‫ثـ قاؿ تحت عنكاف‪ :‬في المعتدؿ مف األقاليـ كالمنحرؼ كتأثير اليكاء في ألكاف البشر‬
‫الحر‬
‫كالكثير مف أحكاليـ ػ ػ ػ كلما كاف الجانباف مف الشماؿ كالجنكب متضاديف مف ّْ‬
‫كالبرد؛ كجب أف تتدرج الكيفية مف كمييما إلى الكسط؛ فيككف معتدالن فاإلقميـ الرابع‬
‫أعدؿ العمراف‪ ،‬كالذم حافاتو مف الثالث كالخامس أقرب إلى االعتداؿ كالذم يمييما‬
‫كالثاني كالسادس بعيداف مف االعتداؿ كاألكؿ كالسابع أبعد بكثير؛ فميذا كانت العمكـ‬
‫كالصنائع كالمباني كالمبلبس كاألقكات‪ ،‬كالفكاكو؛ بؿ كالحيكانات كجميع ما يتككف في‬
‫ىذه األقاليـ الثبلثة المتكسطة مخصكصة باالعتداؿ َّ‬
‫كسك يانيا مف البشر أعد يؿ أجسامان‬
‫كألكانان كأخبلقان كأديانان حتى النبكءات فإنما تكجد في األكثر فييا‪ ،‬كلـ نقؼ عمى خبر‬
‫و‬
‫بعثة في األقاليـ الجنكبية كال الشمالية كذلؾ أف األنبياء كالرسؿ إنما يختص بيـ أكمؿ‬
‫كمف ًسكل ىؤالء مف أىؿ تمؾ األقاليـ المنحرفة جنكبان‬ ‫أخبلقيـ ‪ ..‬ى‬‫النكع في ىخ ٍم ًقيـ ك ٍ‬
‫مفقكد بينيـ‪ ،‬كجميع أحكاليـ بعيدةه مف‬
‫ه‬ ‫كشماالن؛ ّْ‬
‫فالديف مجيك هؿ عندىـ (‪ ،) 1‬كالعمـ‬
‫األناسي قريبة مف أحكاؿ البيائـ‪.)1(» ..‬‬
‫ّْ‬ ‫أحكاؿ‬

‫(‪ )1‬كظاىر ىذا الكبلـ أف النبكة لـ تكف في غير ىذه األماكف التي أشار إلييا مف األقاليـ؛ كىذا في ّْ‬
‫حد ذاتو‬
‫شبية يثيرىا الذيف ينقدكف الديف كمية؛ إذ أنيـ يقكلكف إذا كانت النبكة أم انر ضركريا لحياة الناس ال يمكف‬
‫االستغناء عنيا؛ فمماذا تركزت ىذه النبكة في ىذه األقاليـ كلـ يكجد ليا أثر في أماكف أخرل كببلد الصيف‬
‫كاليند كغيرىا مف البمداف الخارجة عف تمؾ البقعة فأيف رحمة ا﵀ ككرمو عمى خمقو في ىذه األماكف؟!!!‬
‫(صاحب كتاب‪ :‬ظاىرة نقد الديف في الفكر الغربي الحديث ج‪ ،2‬ص‪ 339( :‬ػ ػ‬
‫ي‬ ‫بيف عوارىا؛‬
‫وي ِّ‬ ‫ُي ِّ‬
‫فند ىذه الشبية ُ‬
‫‪343‬؛ باختصار كتصرؼ‪ ،‬ط‪ :‬مركز تككيف لمدراسات) د‪ /‬سمطاف بف عبد الرحمف العميرم‪ .‬ككاف مما‬
‫قالو‪« :‬ىذا االعتراض غير صحيح؛ كىك مبني عمى مقدمات خاطئة كاستنتاجات باطمة ال يسندىا دليؿ؛‬
‫كبياف ما فيو مف غمط يتبيف باألمريف التالييف‪:‬‬
‫األوؿ‪ :‬عدـ العمـ ليس دليبلن عمى العدـ؛ كىذه القاعدة يي ُّ‬
‫رد بيا عمى الذيف لـ يجدكا في التاريخ القديـ ليذه األماكف‬
‫ًذك انر آلثار النبكة؛ فمف لـ يعمـ بكجكدىـ فميس معناه أنيـ غير مكجكديف‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كحدىا فقط في تأثير البيئة الجغرافية عمى أىميا مف‬


‫إف جعمناىا ى‬
‫كىذه الكممات ٍ‬
‫تغير األمزجة كالنفكس كالمعيشة؛ فيي كافيةه في أف يككف المطمَّع عمى تمؾ‬
‫حيث ُّ‬
‫الثقافات المتغيرة بتغير مناخيا عمى حذر مف ىذه البيئة كالقاطنيف فييا‪.‬‬

‫كحده ىك األساس في تغيير طبيعة المجتمع؛‬


‫افي؛ ليس ى‬
‫التغيير الجغر ى‬
‫ى‬ ‫كلكف ىذا‬
‫كنظمان كأساليب كمناىج ليذه‬
‫كانما كانت ىناؾ عكامؿ أخرل صنعت طيرقان ي‬
‫المجتمعات جعمتيا مختمفة اختبلفان كميان عف المجتمعات اإلسبلمية؛ مف ىذه العكامؿ‪:‬‬

‫و‬
‫شيء مف ذلؾ‪.‬‬ ‫الم َّ‬
‫بد ُؿ"‪ .‬كقد سبقت اإلشارة إلى‬ ‫ؼو ُ‬‫المحر ُ‬
‫الديني " َّ‬
‫‪ ‬العامؿ ّ‬
‫‪ ‬عامؿ العقمية الميبرالية التي تينادم بالحرية الم ً‬
‫طمقة؛ فبل تجعؿ أماـ‬ ‫ي‬
‫تتقيد بديف كال يخم و‬
‫ؽ كال يعرؼ يكافؽ‬ ‫حاجز يحجزىا؛ فمـ َّ‬ ‫و‬ ‫أم‬
‫أصحابيا َّ‬
‫العقكؿ السميمة‪ ،‬كذلؾ في المجاليف السياسي كاالقتصادم‪ ،‬ال َّ‬
‫سيما كاف‬
‫كاف ىذا العقؿ‪ « :‬ييدرؾ ما يفعمو؛ كال ييدرؾ ما يفعمو غيره‪ ،‬كعمى ىذا‬
‫اعتقاده عمى ما يقكؿ كيفعؿ ىك فحسب‪،‬‬ ‫حاكـ كي ً‬
‫جادؿ ف ٍك ىره ك ى‬ ‫يد أف ي ً‬
‫فير ي‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫أما اعتقاد كصحة فعؿ غيره فيذا ال يعنيو ما داـ ال يفعمو كيقكلو‪ ،‬كىذا‬
‫ك َّ‬
‫جي هؿ في أصكؿ األفكار كالعقائد‪ ،‬كىك أعظـ ما يحكؿ بينيـ كبيف فيـ‬
‫أصكليـ التي يندرج تحتيا مجمكع مف األفعاؿ كاألقكاؿ كالعقائد التي‬

‫وبخاصة ؛ أف النبي قد ال يككف معركفا كال مشيك ار بؿ يتبعو عمى دعكتو رجؿ أك رجبلف أك ال يتبعو أحد‪،‬‬
‫كالتاريخ كالمؤرخكف ال يركزكف في تأريخيـ إال عمى األحداث العظيمة كالشخصيات المشيكرة؛ ال غير‬
‫الميـ إال ناد انر لبعض الحكادث كالشخصيات المغمكرة في أقكاميـ‪.‬‬
‫ّ ۡ ُ َّ َّ َ َ‬
‫قدس عندنا أخبرنا بأنو ما مف أمة إال خبل فييا نذير؛ فقاؿ تعالى‪﴿ :‬سِإَن ٌَِ أٌ ٍث إَِّل رَل‬ ‫الم َّ‬
‫الثاني‪ :‬أف النص ي‬
‫ٱىط َٰ ُؾ َ‬ ‫ْ‬
‫ٱجخَِ ِتُٔا َّ‬
‫ٱَّلل َو ۡ‬ ‫ْ‬ ‫ۡ‬
‫ٱختُ ُسوا َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َ َ ۡ َََۡ‬ ‫َ َ ر‬
‫ٔت ن﴾ [النحؿ‪]36 :‬؛ ثـ‬ ‫ك أ ٌَّثٖ َّر ُظَّٔل أ ِن‬
‫ذِيٓا ُشَِص﴾ [فاطر‪﴿ ]24 :‬وىلس بػثِا ِِف ِ‬
‫إنو مف الناحية التاريخية؛ فإف الباحث إذا قاـ بالتنقيب في تاريخ األمـ القديمة فإنو ال يعدـ أف يجد إشارات‬
‫تدؿ ًداللة ال بأس عمى كجكد أصؿ النبكة كفكرتيا األساسية؛ كىي‪ :‬االتصاؿ بيف السماء كاألرض أك‬
‫مخاطبة ا﵀ لمف في األرض؛ ‪ ..‬ثـ ذكر ػ حفظو ا﵀ تعالى ػ ػ ما يي ّْ‬
‫عضد ىذا األمر تاريخيا عف الصينييف‬
‫ككنفكشيكس؛ ككذلؾ عف اليند؛ كقاؿ بأف النبكة في اليند أكثر ظيك ار مف ببلد الصيف كاإلغراؽ ‪»..‬‬
‫المسمى‪ :‬ديكاف المبتدأ كالخبر ص‪ 57( :‬ػ ػ ػ ‪ )106‬ضبط‬ ‫(‪ّْ )1‬‬
‫مقدمة ابف خمدكف‪ ،‬كىي الجزء األكؿ مف تاريخو ي‬
‫المتف أ‪ /‬خميؿ شحادة‪ .‬ط‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيركت (‪1420‬ق)‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يسكغيا كيصححيا مف غيرىـ أصؿ كاحد ىك الذم صحح ليـ أفعاليـ‬


‫كأقكاليـ»(‪.)1‬‬
‫مر عميو في‬
‫يخ َّ‬
‫‪ ‬العامؿ التاريخي‪ :‬فكؿ مجتمع مف المجتمعات يرتبط بتار و‬
‫صاحبتيا أحداث ّْ‬
‫مغيرةه كمبدلةه لمعالـ الحياة؛ كمف ىذه‬ ‫ٍ‬ ‫عصكر متبلحقة‬
‫الحكادث‪ :‬الحركب‪ ،‬كحركات االستقبلؿ‪ ،‬كميبلد أشخاص مؤثريف في‬
‫مجتمعيـ‪ ،‬كاالكتشافات العممية كالحديثة كغير ذلؾ‪.‬‬
‫‪ ‬العامؿ القتصادي‪ :‬كال شؾ أف ىذا العامؿ يؤثر سمبان كايجابا عمى بنية‬
‫المجتمع كطبيعتو التي تيميزه؛ فمجتمع فقير ال ماؿ لو سيؤثر سمبان عمى‬
‫مكاطنيو مف الناحية الصحية أك التعميمية أك المنظكمة االجتماعية العامة‬
‫في الدكلة‪.‬‬
‫أمر ال يحتاج إلى تدليؿ عميو إذ ىك مف‬‫‪ ‬العامؿ التعميمي‪ :‬كىذا ه‬
‫البديييات؛ كصدؽ القائؿ‪:‬‬
‫العمـ يبني بيكتا ال ًعماد ليا ‪ ..‬كالجيؿ ييدـ بيت ّْ‬
‫العز كالشرؼ‬ ‫ً‬
‫‪ ‬األخالؽ والعوائد العرفية والجتماعية؛ التي كاف ليا أثر كبير في ً‬
‫صبغة‬
‫تمؾ المجتمعات بصبغة غير إنسانية‪ ،‬فكانت نشا انز بذلؾ ًعند أصحاب‬
‫العقكؿ السميمة‪ ،‬فعبلقةي الرجؿ بالرجؿ‪ ،‬كالرجؿ بالمرأة‪ ،‬كالمرأة بالمرأة‪،‬‬
‫كاآلباء بأبنائيـ‪ ،‬كاألبناء بآبائيـ‪ ،‬ككذلؾ عبلقات األفراد بمجتمعاتيـ‬
‫عمكمان؛ كمُّيا عبلقات مفككة مخمخمة؛ بؿ ىي أقرب إلى ما قالو ابف‬
‫األناسي قريبة مف أحكاؿ‪.»!!..‬‬
‫ّْ‬ ‫خمدكف‪« :‬كجميع أحكاليـ بعيدةه مف أحكاؿ‬
‫ثـ إنو ػ ػ كبعيدان عف الحكـ الشرعي ػ ػػ؛ فإف‪« :‬العكائد أيضان ضرباف بالنسبة‬
‫إلى كقكعيا في الكجكد؛ أحدىا‪ :‬العكائد العامة التي ال تختمؼ بحسب‬
‫األعصار كاألمصار كاألحكاؿ؛ كاألكؿ كالشرب كالفرح كالحزف‪ ،‬كالنكـ‬
‫كاليقظة‪ ،‬كالميؿ إلى المبلئـ‪ ،‬ك ُّ‬
‫النفكر عف المنافر‪ ،‬كتناكؿ الطيبات‬
‫كالمستمذات‪ ،‬كاجتناب المؤلمات كالخبائث!!‪ ،‬كما أشبو ذلؾ‪ .‬كالثاني‪:‬‬

‫(‪ )1‬العقمية الميبرالية في رصؼ العقؿ ككصؼ النقؿ‪ ،‬د‪ /‬عبد العزيز بف مرزكؽ الطريفي‪ ،‬ص‪)32 ،31( :‬؛‬
‫ط‪1433( :3‬ق)‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬مكة المكرمة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫العكائد التي تختمؼ باختبلؼ األعصار كاألمصار كاألحكاؿ‪ ،‬كييئات‬


‫المباس كالمسكف‪ ،‬كالميف في الشدة ك ّْ‬
‫الش َّدة فيو‪ ،‬كالبطء كالسرعة في‬
‫األمكر‪ ،‬كاألناة كاالستعجاؿ‪ ،‬كما كاف نحك ذلؾ»(‪.)1‬‬

‫كمعرفة ىذه العكائد بضر ٍبييا سيجعؿ لمدراس كالمطمع عمى ثقافة ىؤالء مناعةن‬
‫التكيؼ مع أصحاب ىذه الثقافات؛ خاصة ك َّأنو كما قاؿ أبك‬ ‫ُّ‬ ‫كتميي انز بيما يستطيع‬
‫ات إًلىى ا ٍل ىم ىعانًي‪ ،‬ػ ػ ثـ دلؿ عمى ذلؾ‬
‫ات ًاال ٍلتً ىف ي‬
‫اد ً‬
‫ىص ىؿ ًفي ا ٍل ىع ى‬ ‫إسحاؽ الشاطبي‪« :‬أ َّ‬
‫ىف ٍاأل ٍ‬
‫رحمو ا﵀ تعالى ػ ػ بأمكر؛ منيا‪:‬‬

‫ً‬ ‫صالً ًح ا ٍل ًعىب ًاد‪ ،‬ىك ٍاأل ٍ‬ ‫الش ًار ى ً ً‬ ‫س ِت ْقراء‪ :‬فىًإَّنا ك ىج ٍدىنا َّ‬ ‫ِ‬
‫كر ىم ىعوي‬ ‫اـ ا ٍل ىعادَّيةي تى يد ي‬ ‫ىح ىك ي‬ ‫ع قىاص ندا ل ىم ى‬ ‫ى‬ ‫ال ْ َ ُ‬
‫يو مصمىحةه‪ ،‬ىفًإ ىذا ىكاف ًف ً‬
‫يو‬ ‫اؿ ىال تى يك ً ً‬ ‫اح ىد ييمىنع ًفي ىح و‬ ‫الشيء ا ٍلك ً‬ ‫ىح ٍيثيما ىدار؛ فىتىرل َّ‬
‫ى‬ ‫كف ف ى ٍ ى‬ ‫ي‬ ‫ٍ ي‬ ‫ٍى ى‬ ‫ى‬ ‫ى ى‬
‫اد ً‬‫كما ىك ىما فى ًي ٍمىناهي ًفي ا ٍل ىع ى‬ ‫اب ا ٍل ًعب ى ً‬ ‫ً‬
‫ات‪.. ،‬‬ ‫ادات ىم ٍفيي ن‬ ‫صمى ىحةه ىج ىاز ‪ ،..‬ىكلى ٍـ ىن ًج ٍد ىى ىذا في ىب ً ى‬ ‫ىم ٍ‬
‫ات إًلىى ا ٍل ىم ىعانًي ‪َ ..‬والثَّ ِاني‪:‬‬ ‫الش ًارعي ًفييىا ًاال ٍلتًفى ى‬
‫اعتىم ىد َّ‬
‫ادات م َّما ٍ ى‬
‫ىف ا ٍلع ى ً ً‬
‫ؾ ىعمىى أ َّ ى‬ ‫فى ىد َّؿ ىذلً ى‬
‫ات ىك ىما تىقى َّد ىـ تى ٍمثًيميوي‪،‬‬ ‫اد ً‬‫اب ا ٍل ىع ى‬‫يع ىب ً‬ ‫اف ا ٍل ًعمى ًؿ ىكا ٍل ًح ىك ىـ ًفي تى ٍش ًر ً‬
‫َّع ًفي ىبىي ً‬‫ع تىىكس ى‬
‫ىف َّ‬
‫الش ًار ى‬ ‫أ َّ‬
‫كؿ؛ فىفى ًي ٍمىنا ًم ٍف‬ ‫كؿ تىمىقَّتٍوي بًا ٍلقىيب ً‬
‫ض ىعمىى ا ٍلعقي ً‬
‫ي‬
‫ً ًَّ‬ ‫َّ ً‬
‫ىكأى ٍكثىير ىما ىعم ىؿ فييىا بًا ٍل يمىناس ًب الذم إً ىذا يع ًر ى‬
‫ث‪ :‬إً َّف‬ ‫كص‪َ .‬والثَّالِ ُ‬ ‫ص ً‬ ‫كؼ ىم ىع ُّ‬
‫الن ي‬ ‫اع ا ٍل ىم ىعانًي‪ ،‬ىال ا ٍل يكقي ى‬ ‫ص ىد ًفييىا اتّْىب ى‬ ‫ع قى ى‬
‫ىف ا َّ‬
‫لش ًار ى‬ ‫ؾ أ َّ‬‫ىذلً ى‬
‫ت‬‫اعتى ىم ىد ىعمى ٍي ًو ا ٍل يعقى ىبل يء؛ ىحتَّى ىج ىر ٍ‬
‫ات‪ ،‬ىك ٍ‬ ‫ات إًلىى ا ٍلمعانًي قى ٍد ىكاف معميكما ًفي ا ٍلفىتىر ً‬
‫ى‬ ‫ى ىٍ ن‬ ‫ىى‬ ‫ًاال ٍلتًفى ى‬
‫َّركا ًفي‬ ‫َّ‬
‫ً َّ‬
‫ت لىيي ٍـ‪ .. ،‬إال أَّىنيي ٍـ قىص ي‬ ‫ىع ىمميكا يكمَّّْياتًيىا ىعمىى ا ٍل يج ٍممى ًة؛ فىاط ىرىد ٍ‬
‫صالً يحيي ٍـ‪ ،‬ىكأ ٍ‬
‫ؾ ىم ى‬ ‫بً ىذلً ى‬
‫ىف ا ٍلم ٍشركع ً‬ ‫يعةي لًتيتً َّـ ىم ىك ًارىـ ٍاأل ٍ‬ ‫يؿ؛ فى ىج ً َّ‬ ‫جممى وة ًمف التَّفى ً‬
‫ات‬ ‫ؽ؛ فى ىد َّؿ ىعمىى أ َّ ى ي ى‬ ‫ىخ ىبل ً‬ ‫اءت الش ًر ى‬ ‫ى‬
‫اص ً‬ ‫ى‬ ‫يٍ‬
‫يصكًليىا‬ ‫يؿ ًفي ا ٍلع ى ً‬ ‫اص ً‬ ‫اف التَّفى ً‬ ‫ت يمتى ّْم ىم نة لً ىج ىرىي ً‬ ‫ًفي ىى ىذا ا ٍلىب ً‬
‫ادات ىعمىى أ ي‬ ‫ى‬ ‫اء ٍ‬
‫اب ىج ى‬
‫ات»(‪.)2‬‬ ‫كد ً‬
‫ا ٍل ىم ٍعيي ى‬
‫كبعد ‪ ..‬فيذه كمُّيا عكامؿ ليا تأثير كبير في ُّ‬
‫تميز المجتمع عف غيره؛ فينبغي‬ ‫ي‬
‫عمى الدارسيف أف يككف ىذا في قمكبيـ منقكشان كمفيكما‪.‬‬

‫(‪ )1‬المكافقات‪ ،‬ألبي إسحاؽ الشاطبي‪ ،‬ج‪ ،1‬الجزء الثاني‪ ،‬ص‪ ،)295( :‬ط‪ :‬دار الفضيمة القاىرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬المرجع السابؽ؛ ج‪2‬؛ ص‪ 302( :‬ػ ‪)304‬؛ باختصار‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كقد كثير في كتاب ا﵀ تعالى الحديث عف ىذا التميز بيف المجتمعات بصكرة‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫اج ُصوا ْ َو َ‬
‫ََ َء َأٌُِا ْ ٌِ َۢ َب ۡػ ُس َو َْ َ‬ ‫َّ‬
‫ج َٰ َٓ ُسوا ٌَ َػس ًۡ‬ ‫ضمنية؛ فقاؿ سبحانو‪َ ﴿ :‬و ِ‬
‫ٱَ َ‬ ‫صريحة أك ً‬
‫َ َ ۡ َ َ َ َّ َ َ َ َّ ۡ ْ َ ۡ ً َ َ َّ‬
‫ٱَّللُ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ْ َ َٰٓ َ‬
‫قب‬ ‫ـأولهِم ٌِِس ًْۚ ﴾[األنفاؿ‪]75 :‬؛ كقاؿ‪﴿ :‬ألً حص إِل ٱَََِ حٔىٔا كٌٔا ؽ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫غي ۡي ًِٓ ٌَّا ًْ ٌِِّس ًۡ َوَّل ٌ ِِۡ ُٓ ًۡ﴾ [المجادلة‪]14 :‬؛ فيذه إشارات إلى مجتمعيف‬
‫مختمفيف؛ بؿ كالى ثبلثة مجتمعات (ىـ ‪ ..‬منكـ ‪ ..‬منيـ)‪.‬‬

‫ككنتٍو‪ ،‬كىذه الطبيعة إنما ىي إفراز لكثير مف المعطيات‬ ‫ّْ‬


‫فمكؿ مجتمع طبيعة َّ‬
‫المكجكدة بداخمو؛ فينبغي عمى طالب العمـ أف يككف عمى بينة مف ىذا األمر‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة السادسة‬
‫وتقارب الثقافات‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تعايش‬
‫في ُ‬
‫الكبلـ في قضية التعايش كالتقارب بيف الثقافات‪ ،‬لو ًكجيات مختمفة؛ ما بيف‬
‫مبيح؛ بؿ كيراه مف الكاجبات الضركرية‪ ،‬فعمينا ػ ػ كما ُّ‬
‫يظف أك كما ييريد ىذا الرائي ػ ػ‬ ‫و‬
‫أف نختمط بغيرنا كأف نأخذ منيـ جميع ما في ثقافتيـ بخيرىا كشرىا‪ ،‬كآخر يقؼ منو‬
‫مكقفان مناىضان؛ فمـ يأخذ مف ىذا العطاء الذم َّ‬
‫أمد ا﵀ تعالى بو ىؤالء؛ بؿ ككاف ىذا‬
‫فضميـ ا﵀ تعالى بيا في الدنيا ال في اآلخرة؛ إذ قاؿ‬ ‫العطاء مف المظاىر التي َّ‬
‫ُ ّٗ ُّ ُّ َ َٰٓ ُ َ ٓ َ َ َٰٓ ُ َ ٓ ۡ َ َ ٓ َ ّ َ َ َ َ َ َ َ ٓ ُ َ ّ َ َ ۡ ُ ً ُ‬
‫ٱُظصۡ‬ ‫سبحانو‪ُ﴿ :‬ك ُ ٍِس هؤَّلءِ وهؤَّلءِ ٌَِ خماءِ ربِم ْۚ وٌا َكن خماء ربِم َمظٔرا‬
‫ََ ۡ َُ َۡ ٗ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َُ َ ۡ َُ َ‬ ‫َن ۡي َؿ ـَ َّق ۡي َِا َب ۡػ َق ُٓ ًۡ َ َ َٰ َ ۡ‬
‫قيَل﴾ [اإلسراء‪:‬‬‫ج وأزۡب تف ِ‬ ‫َٰ‬
‫لَع بػ ٖـ وىٓأۡلرِصة أزۡب درج ٖ‬
‫‪ .]20 ،19‬فضبط نا ليذه القضية كجمع نا لما فييا مف كجيات النظر؛ أقكؿ يمستعينان‬
‫با﵀ تعالى‪:‬‬

‫أولً‪ :‬تحرير مصطمح التقارب كالتعايش‪.‬‬

‫البعد‪،‬‬
‫يدؿ عمى خبلؼ ي‬ ‫قاؿ أبك عمي الفارسي‪« :‬القاؼ كالراء كالباء أص هؿ صحيح ُّ‬
‫شامو(‪ )1‬كلـ تمتبس بو»(‪ .)2‬كقاؿ ابف‬ ‫أقريبو؛ إذ لـ تي َّ‬ ‫‪ ..‬كتقكؿ ما قى ًرٍب ي‬
‫ت ىذا األمر كال ى‬
‫ؼ ألسباب المعيشة‬‫ش‪ :‬المتكمّْ ي‬ ‫المتى ّْ‬
‫عي ي‬ ‫ي‬ ‫ك‬‫«‬ ‫‪.‬‬‫(‪)3‬‬
‫عيش‪ :‬تكمُّؼ أسباب المعيشة»‬ ‫منظكر‪« :‬التَّ ُّ‬
‫عيش يمشترؾ بيف أقكاـ يختمفكف مذىبان أك‬ ‫التعايش‪ :‬ه‬
‫(‪) 4‬‬
‫كمكدة» ‪ «.‬ي‬ ‫َّ‬ ‫‪ ..‬كتعايشكا بألفة‬
‫دينان‪ ،‬أك بيف يد ىك وؿ ذات مبادئ مختمفة»(‪.)5‬‬

‫مشامة‪ :‬قاربتو كتعرفت ما عنده باالختبار كالكشؼ‪ .‬المرجع التالي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫(‪ )1‬شاممتو‬
‫(‪ )2‬معجـ مقاييس المغة البف فارس‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص‪ .)81 ،80( :‬مادة‪( :‬قرب) تحقيؽ عبد السبلـ ىاركف‪.‬‬
‫(‪ )3‬لساف العرب البف منظكر‪ ،‬مادة‪( :‬عيش)‪ ،‬ص‪.)3190( :‬‬
‫(‪ )4‬تاج العركس مف جكاىر القامكس‪ ،‬محمد مرتضى الزبيدم ج‪ ،17 :‬ص‪ .)286 ،285( :‬إصدار ك ازرة‬
‫اإلعبلـ بالككيت‪1397( .‬ق)‬
‫(‪ )5‬معجـ المغة العربية المعاصرة؛ ص‪.)1583( :‬‬

‫‪58‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫تعرؼ أخبارىا‪،‬‬ ‫كعمى ىذا؛ في ً‬


‫مك يننا القكؿ بأف التقارب بيف الثقافات؛ ىك‪ُّ :‬‬‫ي‬
‫أما تعايش الثقافات؛ فيك‪:‬‬ ‫و‬
‫اختبلط بيا‪َّ ،‬‬ ‫تمبس كال‬ ‫كاكتشاؼ ما فييا عف قي و‬
‫رب بدكف ُّ‬
‫تفاعميا؛ المبني عمى التكمُّؼ لتحصيؿ أسباب حياتيا جنبان إلى جنب‪.‬‬

‫أما التعايش‬
‫«فالتقارب ىك مع غير المسمميف الذيف يعيشكف خارج ديار اإلسبلـ‪َّ ،‬‬
‫سم ٍكف‬
‫الذمة الذيف يي َّ‬
‫فيك بيننا كبيف غير المسمميف المقيميف بيف ظيرانينا مف أىؿ َّ‬
‫سمى‬
‫اآلف بالمكاطنيف‪ ،‬كبيننا كبيف المعاىديف الذيف دخمكا ببلدنا بعيد أماف‪ ،‬كىك ما يي َّ‬
‫اليكـ بالتأشيرة»(‪.)1‬‬

‫كبير فرؽ يؤثر‬


‫المصطمحيف معان لف يجد بينيما ى‬
‫ٍ‬ ‫كعمى كؿ ‪ ..‬فإف الناظر في‬
‫عمى عممية االحتكاؾ الثقافي أك الحضارم‪ ،‬إذ أف المقصكد ىنا ىك كجكد الثقافتيف‬
‫اء كاف ىذا عمى سبيؿ االختيار أـ اإلجبار أك كاف مف‬ ‫جنبان إلى و‬
‫جنب كتفاعميما‪ ،‬سك ن‬
‫قبيؿ الطبيعة الحياتية أـ مف قبيؿ التَّكمُّؼ ليذا الكجكد التفاعمي بينيما‪ .‬كلذلؾ سيككف‬

‫ثانيا‪ :‬الكبلـ يمنصب عمى تعايش المسمميف مع غير المسمميف في المجتمعات‬


‫اإلسبلمية‪ ،‬كغير اإلسبلمية؛ سكاء كاف عمى سبيؿ التقارب أك عمى سبيؿ التعايش‪.‬‬

‫ثالثاً‪« :‬ليست قضية االقتباس مف حضارة سابقة أك حضارة معاصرة كاالستفادة‬


‫منيا قضية طريفة‪ ،‬كال قضية غير طبيعية؛ فيناؾ حضارات في كؿ زماف تقكـ‬
‫كتزدىر كتتكسع كتترقى‪ ،‬تسنح ألمـ كشعكب فرصة لتكجيو المجتمع كتنظيـ الحياة‬
‫كتذليؿ عقباتيا كترفيو معيشتيا‪ ،‬ثـ تأتي أمـ كمجتمعات فتستفيد مف ىذه التجارب‪،‬‬
‫كتقتبس مف ىذه المنجزات كالمعطيات لمعمـ البشرم‪ ،‬كىذه قصة الركـ‪ ،‬كقصة فارس‪،‬‬
‫كقصة العرب المسمميف‪ ،‬فميس في ذلؾ محظكر شرعي كشيء غير منطقي‪ ،‬كقد كاف‬
‫ىذا مكقؼ الجيؿ العربي اإلسبلمي الذم فتح المستعمرات الركمية كاإليرانية‪ ،‬كمراكز‬
‫حضارتيا كثقافتيا؛ ككاف عميو أف يحكـ ىذه الدكؿ الكبيرة كالببلد الكاسعة التي بمغت‬
‫كينظـ الحياة كاإلدارة فييا‪ ،‬إنو كاف مكقؼ اقتباس حر كريـ‬ ‫َّ‬
‫المدنيةي شأكان بعيدان‪ ،‬ي‬ ‫فييا‬
‫معتز بدينو كشخصيتو‪ ،‬كمعتز برسالتو كدينو الذم كاف يحمؿ‬ ‫و‬ ‫رجؿ قكم‬‫كاختيار و‬

‫(‪ )1‬التقارب كالتعايش مع غير المسمميف‪ ،‬د‪ :‬محمد مكسى الشريؼ‪ ،‬ص‪ .)9( :‬دار األندلس‪1424( ،‬ق)‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حضارة خاصة كنمطان لمحياة متمي انز؛ عمبلن بالكصية النبكية الكريمة‪( :‬الحكمةي ضالة‬
‫المؤمف حيث كجدىا فيك ُّ‬
‫أحؽ بيا)(‪ ،)1‬كتطبيقان لمحكمة العربية‪( :‬خذ ما صفا كدع ما‬
‫كدر)»(‪.)2‬‬

‫ستند التاريخي ليذا األمر؛ كىك يمعايشة المسمميف لغيرىـ في المجتمع‬


‫الم ى‬‫رابعاً‪ :‬ي‬
‫غير اإلسبلمي ػ ػ بعيدان عف ككنيـ أصحاب السمطة أـ ال ػ ػ؛ يظير في ىذه الكقائع‪.‬‬

‫‪ ‬كجكد النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ في َّ‬


‫مكة ثبلثة عشر عاما‪.‬‬ ‫ي‬
‫‪ ‬كجكد المياجريف بالحبشة أكثر مف عشر سنكات؛ حتى بعد استقرار األمر‬
‫لمنبي صمى ا﵀ عميو كسمـ في المدينة فقد رجعكا عاـ فتح خيبر(‪.!!)3‬‬
‫‪ ‬يكجكد المسمميف في المدينة النبكية قبؿ ىجرة النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪.‬‬
‫‪ ‬ككذلؾ يكجكدىـ في مكة بعد فتحيا(‪)4‬؛ كقبؿ حجة النبي صمى ا﵀ عميو‬
‫كسمـ؛ إذ أف مظاىر الشرؾ كميا لـ تكف قد انتيت بفتحيا؛ كارساؿ عمي‬
‫ابف أبي طالب بسكرة براءة؛ كنًداء أبي بكر‪( :‬ال يحج بعد العاـ مشرؾ كال‬
‫يطكؼ بالبيت عرياف)(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬أخرجو الترمذم‪ ،‬برقـ (‪.)2687‬‬


‫(‪ )2‬المسممكف تجاه الحضارة الغربية‪ ،‬تأليؼ‪ :‬أبك الحسف عمي الحسيني الندكم‪ ،‬ص‪ .)10 ،9( :‬ط‪ :1‬دار‬
‫المجتمع‪ ،‬جدة (‪1407‬ق)‪.‬‬
‫(‪ )3‬فقد كانت اليجرة األكلى إلى الحبشة العاـ الخامس مف النبكة؛ ككاف رجكعيـ إلى المدينة في غزكة خيبر في‬
‫العاـ السابع اليجرم؛ كقد بعث النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ عمرك بف أمية الضمرم إلى النجاشي يطمب‬
‫منو تكجيييـ إليو؛ فقدمكا!! الرحيؽ المختكـ؛ تأليؼ‪ :‬الشيخ صفي الرحمف المباركفكرم ص‪،107( :‬‬
‫‪ )410‬ط التاسعة‪ :‬رابطة العالـ اإلسبلمي‪.‬‬
‫(‪ )4‬قاؿ الحافظ ابف حجر العسقبلني ػ رحمو ا﵀ ػ في اإلصابة في تمييز الصحابة‪« :‬كقد استعمؿ النبي صمى‬
‫ا﵀ عميو كسمـ عمييا بعد فتحيا؛ عتٌاب بف أسيد أبك عبد الرحمف‪ ،‬أسمـ يكـ الفتح‪ ،‬كقيؿ‪ :‬إنما استعممو بعد‬
‫أقره أبك بكر عمى مكة إلى أف مات يكـ مات‪ ،‬ككاف‬ ‫وحج بالناس سنة الفتح‪ ،‬ك ٌ‬
‫ّ‬ ‫أف رجع مف الطائؼ‪،‬‬
‫عمره حيف استعمؿ ٌنيفنا كعشريف سنة» بتصرؼ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجو البخارم‪ ،‬في مكاضع منيا؛ ؾ‪( :‬الصبلة)‪ ،‬باب‪( :‬ما يستر مف العكرة)‪ ،‬برقـ‪ ،)369( :‬كأخرجو‬
‫مسمـ ؾ‪( :‬الحج)‪ ،‬باب‪( :‬ال يحج البيت مشرؾ‪ ،‬كال يطكؼ بالبيت عرياف)‪ ،‬برقـ‪ .)1347( :‬كغيرىما‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الرسؿ مف الصحابة رضكاف ا﵀ عمييـ إلى البمداف نش انر لمدعكة‬ ‫‪ ‬إرسا يؿ ُّ‬
‫ببلد إسبلـ؛ كبعث و‬
‫معاذ‬ ‫كتعميما ألىميا؛ كلـ تكف ىذه الببلد في غالبيتيا ى‬
‫رضي ا﵀ عنو إلى اليمف‪ .‬فقد قاؿ لو‪( :‬إنؾ تقدـ قكما أىؿ كتاب‪.)1()..‬‬
‫‪ ‬أيمراء النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ عمى األماكف التي بيا غير المسمميف؛‬
‫كإمرة العبلء بف الحضرمي عمى أىؿ البحريف كمجيئو بجزيتيا إليو؛‬
‫صمى ا﵀ عميو كسمـ كرضي ا﵀ عنو(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫مختمفةه‪ ،‬فيا‬ ‫وغير ذلؾ مف الشواىد التاريخية؛ كالتي يظير مف خبلليا أحكاؿ‬
‫سرا‪ ،‬ثـ يظيرىا مستضعفىان‪ ،‬ثـ يأذف ألصحابو باليجرة إلى و‬
‫بمد‬ ‫ىك القائد يكتيـ دعكتو ّْ‬
‫ى‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫كآذتيـ‬
‫ليس ىك بالبمد اإلسبلمي الذم ينشدكنو كال ىك بالبمد الذم ييشابو بمدةن طردتٍيـ ٍ‬
‫فتنةن لدينيـ؛ غاية األمر أنو بمد ال ييظمـ فيو أحد كلكف سيتعايشكف مع ً‬
‫غير المسمميف‬
‫بيذا البمد؛ بؿ كيزداد األمر كضكحا كظيك انر أف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ لـ‬
‫أركاف دكلتًو في المدينة مباشرة؛ كانما عند فتح‬ ‫َّ‬
‫يستقدميـ بعد أف كطد كأسس أعمدةى ك ى‬
‫ينضمكا في بدر كال أيحد كال غيرىا مف الغزكات كالسرايا إلى ىذا‬
‫َّ‬ ‫خيبر (‪7‬ق)!! فمـ‬
‫بعثو لؤلمراء عمى البمداف التي صالح أىميا عمى خراج‬ ‫الفتح‪ .‬كحاؿ أخرل؛ كىي ٍ‬
‫رسؿ إلييـ ػ ػ غير‬
‫الم ى‬
‫يبذلكنو‪ ،‬كأخرل بعثو لمدعاة يعممكف الناس اإلسبلـ فكانكا ػ ػ أم ي‬
‫كمكطّْنيف لدعكتيـ في‬‫مسمميف بؿ مف أىؿ الكتاب‪ ،‬ككذلؾ ييرسميـ معمميف لغيرىـ ي‬
‫مكاف آخر كما حدث في المدينة؛ كارساؿ مصعب بف عمير رضي ا﵀ عنو ليذا‬
‫األمر مع النفر الذيف أسممكا مف يثرب ككاف مما ترتَّب عمى ذلؾ بيعة العقبة مف‬
‫مكسـ الحج عاـ (‪ 12‬مف البعثة) كقد ترتَّب عمى ىذه البيعة كتمؾ البعثة خير‬
‫كثير(‪.)3‬‬

‫أخرجو البخارم في مكاضع منيا؛ ؾ‪( :‬الزكاة)‪ ،‬باب‪( :‬كجكب الزكاة)‪ ،‬برقـ‪ )1395( :‬كمسمـ؛ ؾ‪:‬‬ ‫( ‪)1‬‬
‫(اإليماف)‪ ،‬باب‪( :‬الدعاء إلى الشيادتيف‪ ،)..‬برقـ‪)31( :‬‬
‫ث أىىبا‬ ‫المَّوي ىعمىٍي ًو ىك ىسمَّ ىـ ىب ىع ى‬ ‫صمَّى‬ ‫َّ ً‬
‫ىف ىر يسك ىؿ المو ى‬ ‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬صحيح البخارم مع الفتح ج‪11‬؛ ص‪ )248( :‬كفيو‪« :‬أ َّ‬
‫ىى ىؿ ا ٍلىب ٍح ىرٍي ًف‬‫صالى ىح أ ٍ‬ ‫يى ىك ى‬ ‫صمَّى المَّوي ىعمىٍي ًو ىك ىسمَّ ىـ‬ ‫َّ ً‬
‫اف ىر يسك يؿ المو ى‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫يعىب ٍي ىدةى ٍب ىف ا ٍل ىجَّار ًح إًلىى ا ٍلىب ٍح ىرٍي ًف ىيأٍتي ِب ِج ْزَيت َيا ىك ىك ى‬
‫اؿ ًم ٍف ا ٍلىب ٍح ىرٍي ًف»‬
‫ضرًم ّْي فىقىًدـ أيىبك يعىب ٍي ىدةى بًم و‬
‫ى‬ ‫ى‬ ‫ىم ىر ىعمىٍي ًي ٍـ ا ٍل ىع ىبل ىء ٍب ىف ا ٍل ىح ٍ ى‬
‫ىكأ َّ‬
‫(‪ )3‬ييراجع في أحداث ىذه البيعة؛ الرحيؽ المختكـ‪ ،‬ص‪.)162 ،161( :‬‬

‫‪61‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫النظر في تمؾ األحكاؿ جميعيا كذلؾ سعيان الستنتاج‬


‫ي‬ ‫فكاف عمى الدعكة كالداعية؛‬
‫قكاعد كضكابط ينضبط بيا ىذا التقارب كىذا التعايش كالذم أصبح في بعض‬
‫األحكاؿ مفركضا عمينا حتى كنحف في ديارنا كأكطاننا؛ كىا ىي بعض القكاعد‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬قكاعد لمتقارب أك التعايش مع أرباب الثقافات األخرل‪.‬‬

‫فالمسمـ يتعامؿ مع غيره مف خبلؿ‬ ‫يماف (لئلنسانية أكالن؛ كلمتقكل ثانيان)‪ :‬ي‬ ‫‪ ‬تَ ْك ِر َ‬
‫َ ۡ‬ ‫َ َ َ ۡ َ َّ ۡ َ َ ٓ َ‬
‫ِن َءاد َم َوّمَي َن َٰ ُٓ ًۡ ِِف‬ ‫ىذا المنظكر؛ منظكر فيو قكؿ ا﵀ تعالى‪﴿ :‬وىلس نصٌِا ة ِ‬
‫ّ َّ ۡ َ َ ۡ َ َ ۡ ٗ‬ ‫َ َ َّ ۡ َ ُ ۡ َ َ َٰ َ‬ ‫ۡب َو ۡ َ‬
‫ٱۡل ۡدص َو َر َز ۡك َنَٰ ًُٓ ٌّ ََِ َّ‬
‫ٱىم ّي َ‬ ‫ۡٱى َ ّ‬
‫قيَل﴾‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ي‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ٍِ‬‫م‬ ‫ي‬
‫ٖ‬ ‫ِ‬ ‫ث‬ ‫ن‬ ‫لَع‬ ‫ً‬ ‫ٓ‬ ‫َٰ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ـ‬ ‫و‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫َٰ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِي ‪٧‬‬ ‫نس َِ ٌَِ ل ٖ‬ ‫ٱۡل َ َٰ‬ ‫ۡ َ ُ َََ َ َ‬
‫[اإلسراء‪﴿ ]70 :‬ٱَِي أخعَ ك َش ٍء ريلّ نۥ وبسأ ريق ِ‬
‫ٓ ۡ َ َ‬
‫ََ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َ ّ َّ ٓ َّ‬ ‫ُ َّ َ َ َ َ ۡ َ ُ‬
‫خّنِۦ‬‫ي ‪ ٨‬ث ًَّ َظ َّٔى َٰ ُّ َوجفذ ذِيِّ ٌَِ ُّرو ِ‬ ‫ثً جػو نعيّۥ ٌَِ ظؾَٰيثٖ ٌَِ ٌاءٖ م ِٓ ٖ‬
‫َ َ َ َ َ ُ ُ َّ ۡ َ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ َ ۡ َ ۡ َ َ َ ٗ َّ َ ۡ ُ ُ َ‬
‫وجػو ىسً ٱلعٍع وٱۡلةصص وٱۡلفِٔسة ْۚ كي ِيَل ٌا تؼهصون﴾ [السجدة] كلقد أقسـ‬
‫َ َ ۡ َ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ ٓ َ ۡ َ َ ۡ‬
‫يم﴾‬ ‫ٱۡلنسَ ِِف أخع َِ تلٔ ِ ٖ‬ ‫ا﵀ سبحانو عمى ىذه القضية بقكلو‪﴿ :‬ىلس ريلِا ِ‬
‫[التيف‪ ]4 :‬كمظاىر التكريـ اإلليي لئلنساف ػ ػ بعيدان عف دينو كعقيدتو ػ ػ كثيرة‬
‫جدان في القرآف الكريـ كفي السنة النبكية المطيرة(‪ .)1‬وتكريـ آخر؛ خص ا﵀‬
‫َ َ ُّ َ َّ ُ َّ َ َ ۡ َ ُ ّ َ َ‬
‫َٰ‬ ‫َٰٓ‬
‫تعالى بو المؤمنيف أى ىؿ التقكل فقاؿ‪﴿ :‬يأحٓا ٱنلاس إُِا ريلنسً ٌَِ ذنصٖ‬
‫َ َّ َ ۡ َ َٰ ُ ۡ َّ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ُ َ َٰ َ َ َ ۡ َ َٰ ُ ۡ ُ ُ ٗ َ َ َ ٓ َ َ َ َ ُ ْۚ ٓ ْ َّ َ ۡ َ َ ُ‬
‫وأَُث وجػينسً ػػٔبا ورتانِو ِِلػارـٔا إِن أزصٌسً غِِس ٱَّلل ِ أتلىس ًْۚ إِن‬
‫َّ َ َ ٌ َ‬
‫ِيً رتِير﴾ [الحجرات‪.]13 :‬‬ ‫ٱَّلل غي‬
‫سمـ يتعامؿ مع غير المسمميف مف خبلؿ التكريـ اإلنساني؛ فيك يتعامؿ‬
‫فالم ي‬
‫ي‬
‫بأخبلقو ىك كال يتعامؿ بأخبلقيـ؛ كىكذا كاف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ في‬
‫الخمؽ التي جبمو ا﵀ عمييا؛ حتى مع مف ناصبكه‬
‫جميع حاالتو ال يتحمؿ مف ي‬
‫العداء‪ ،‬بؿ كحتى مع الدكاب التي ال تعقؿ؛ كقد قاـ النبي صمى ا﵀ عميو‬

‫(‪ )1‬ينظر في ذلؾ عمى سبيؿ المثاؿ‪( :‬مظاىر تكريـ اإلنساف في القرآف الكريـ؛ د‪ /‬الشاىد البكشيخي)‪ ،‬ك ً‬
‫(عناية‬ ‫ي‬
‫السنة النبكية بحقكؽ اإلنساف؛ د‪ /‬حكمت بشير ياسيف ػ جائزة نايؼ بف عبد العزيز آؿ سعكد العالمية) ط‬
‫األكلى (‪1426‬ق ػ ‪2005‬ـ) فقد ذكر في الباب الثالث‪ :‬الحقكؽ السياسية؛ الفصؿ الثاني منو‪( :‬حقكؽ‬
‫المسمميف) مف (‪ 413‬ػ ػ ‪.)477‬‬
‫غير ي‬

‫‪62‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫(أليست‬
‫ٍ‬ ‫فمما سئؿ عف قيامو قاؿ‪:‬‬
‫ت عميو جنازةي ييكدم؛ َّ‬ ‫كسمَّـ عندما َّ‬
‫مر ٍ‬
‫نفسان)(‪.)1‬‬
‫تدنى ػ أم ىذا اإلنساف ػ ػ بنفسو إلى دركات اإلنسانية فأصبح كما‬ ‫حتى كاف َّ‬
‫َ ُ ُ ر َّ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫َ َ َ ۡ َ َ َ َ َ َّ َ َ ٗ ّ َ ۡ‬
‫نط ل ُٓ ًۡ كئب َّل‬ ‫ٱِل َِّ َوٱ ِۡل ِ‬
‫كصفو ا﵀ تعالى‪﴿ :‬وىلس ذرأُا ِِلًِٓ نثِيا ٌَِ ِ‬
‫َ ٓ ُ َ َ‬ ‫َ ر َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ َ ُ َ َ َ َ ُ ۡ َ ۡ ُ ر َّ ُ ۡ ُ َ‬
‫ُصون ة ِ َٓا َول ُٓ ًۡ َءاذان َّل ي َ ۡع ٍَ ُػٔن ة ِ َٓا ْۚ أ ْو َٰٓلهِم‬
‫حفلٓٔن ةِٓا ولًٓ أخي َّل حت ِ‬
‫ۡ ُ َ َ ُّ ُ َ َ ُ ۡ َ ُ َ‬ ‫َ ۡ ََۡ‬
‫نٱۡلُع َٰ ًِ ةَو ْ ًۡ أفو ْۚ أ ْو َٰٓلهِم ْ ًُ ٱىغَٰفِئن﴾ {األعراؼ‪ .}179 :‬فيذا بينو‬
‫كبيف خالقو؛ أما نحف فنتعامؿ بأخبلؽ اإلسبلـ ال بأخبلقيـ‪.‬‬
‫أما المسمـ مع إخكانو فيزداد في تمطُّفو ُّ‬
‫كتكدده كشفقتو كرحمتو بيـ‪ ،‬كىكذا‬ ‫َّ‬
‫النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪.‬‬
‫كاف‬
‫ِ‬
‫‪ِ ‬ذ ْك ُر‬
‫الطفة الظالميف‪ :‬كىذه مف قكاعد التعايش التي يفرضيا الكاقع‪ ،‬كقد قاؿ‬ ‫م‬
‫النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪( :‬إلى ىرقؿ عظيـ الركـ)(‪ ،)2‬كقاؿ لممؾ مصر‬
‫كاإلسكندرية‪( :‬إلى عظيـ القبط)‪ ،‬كقاؿ لممؾ فارس‪( :‬إلى كسرل عظيـ‬
‫فارس)‪ ،‬كقاؿ لمنجاشي في كتاب أرسمو إليو مع جعفر بف أبي طالب‪( :‬إلى‬
‫النجاشي األصحـ عظيـ الحبشة)‪ ،‬كأرسؿ إليو بعد صمح الحديبية؛ قائبلن‪:‬‬
‫الحكمة في ىذه المبلطفة أف‬‫كلعؿ مف ً‬
‫َّ‬ ‫(إلى النجاشي عظيـ الحبشة) (‪.) 3‬‬
‫المسمـ مع ىذا الظالـ كقد قاؿ النبي‬
‫ي‬ ‫شيء مف الحؽ الذم يتكافؽ فيو‬
‫ه‬ ‫ييذكر‬
‫أحمد إليؾ ا﵀ى الذم ال إلو‬
‫ي‬ ‫صمى ا﵀ عميو كسمـ لمنجاشي ممؾ الحبشة‪ّْ ( :‬‬
‫فإني‬
‫إال ىك الممؾ القدكس السبلـ المؤمف المييمف كأشيد أف عيسى ابف مريـ ركح‬

‫سمـ؛ ؾ‪( :‬الجنائز)‪،‬‬


‫كم ه‬‫(‪ )1‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬الجنائز)‪ ،‬باب‪( :‬مف قاـ لجنازة ييكدم)‪ ،‬برقـ‪ ،)1312( :‬ي‬
‫باب‪( :‬القياـ لمجنازة)‪ ،‬برقـ‪ )961( :‬كغيرىما‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجو البخارم أك ىؿ صحيحو؛ باب‪( :‬كيؼ كاف بدء الكحي إلى رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ)‪ ،‬برقـ‪:‬‬
‫(‪ ،)7‬كمسمً هـ؛ ؾ‪( :‬الجياد)‪ ،‬باب‪( :‬كتاب النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ إلى ىرقؿ) برقـ‪ .)1773( :‬كغيرىما‪.‬‬
‫(‪ )3‬يينظر في ىذه الكتب كالرسائؿ ما جاء في كتب السيرة حكؿ ىذا المكضكع كمنيا‪ :‬الرحيؽ المختكـ؛ ص‪:‬‬
‫(‪ 383‬ػ‪)395‬؛ ككذلؾ مف ىذه المصادر التي عنيت بيا‪ :‬مكسكعة نضرة النعيـ ج‪1‬؛ ص‪ 343( :‬ػ ‪)348‬‬
‫كاعتمد عميو في مصادر تمؾ الرسائؿ د‪ /‬عمي الصبلبي؛ في السيرة النبكية؛ ج‪ 2‬ص‪ 433( :‬ػ ‪.)442‬‬

‫‪63‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ا﵀ ككممتو ألقاىا إلى مريـ البتكؿ الطيبة الحصينة‪ ،‬فحممت بو‪ ،‬فخمقو مف‬
‫(‪)1‬‬
‫ركحو كنفخو‪ ،‬كما خمؽ آدـ بيده)‬
‫كقد قاؿ النككم رحمو ا﵀ تعالى في فكائده عمى كتاب ىرقؿ ػ آنؼ الذكر ػػ‪:‬‬
‫فرط ‪ ..‬كلـ‬
‫«كمنيا التكقي في المكاتبة كاستعماؿ الكرع فييا؛ فبل ييفرط كال يي ّْ‬
‫يقؿ إلى ىرقؿ فقط‪ ،‬بؿ أتى بنوع مف المالطفة؛ فقاؿ "عظيـ الركـ" أم الذم‬
‫(‪) 2‬‬
‫ييعظمكنو‪ ،‬كقد أمر ا﵀ تعالى بإالنة القكؿ لمف ييدعى إلى اإلسبلـ ‪»..‬‬
‫ككذلؾ رَّبما كاف مف المبلطفة؛ ما قالو النككم رحمو ا﵀ في أذكاره‪« :‬باب‬
‫ييعرؼ إال بيا‪ ،‬أك خيؼ‬ ‫جكاز تكنية الكافر‪ ،‬كالمبتدع‪ ،‬كالفاسؽ‪ ،‬إذا كاف ال‬
‫ل َ َٓب َوح َ َّ‬ ‫ٓ َ‬ ‫مف ًذكره باسمو فتنة؛ قاؿ ا﵀ تعالى‪َ ﴿ :‬ت َّت ۡ‬
‫ب﴾ كاسمو‪ :‬عبد‬ ‫ٖ‬ ‫ج ََ َسا أ ِِب‬
‫العزل‪ ،‬قيؿ‪ :‬يذكر بكنيتو ألنو يعرؼ بيا‪ ،‬كقيؿ‪ :‬كراىةن السمو حيث جعؿ‬
‫عبداي لمصنـ ‪ ..‬قمت ػ أم‪ :‬النككم ػ ػ‪ :‬تكرر في الحديث تكنية أبي طالب‪،‬‬
‫كاسمو عبد مناؼ‪ ،‬كفي الصحيح‪( :‬ىذا قبر أبي رغاؿ) كنظائر ىذا كثيرة‪،‬‬
‫ىذا كمو إذا كجد الشرط الذم ذكرناه في الترجمة‪ ،‬فإف لـ يكجد‪ :‬لـ يزد عمى‬
‫االسـ»(‪ .)3‬كقد يككف مف المبلطفة أحيانان تكسيعي المجالس كتييئتييا لو‪ :‬فعف‬
‫صمَّى المَّوي ىعمى ٍي ًو‬ ‫ً َّ ً‬
‫استىٍأ ىذ ىف ىر يج هؿ ىعمىى ىر يسكؿ المو ى‬ ‫ت ٍ‬ ‫ض ىي المَّوي ىع ٍنيىا قىالى ٍ‬ ‫عائً ىشةى ر ً‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ىك ىسمَّ ىـ فىقىا ىؿ (ا ٍئ ىذ ينكا لىوي بً ٍئ ىس أ ي‬
‫ىخك ا ٍل ىعش ىيرًة أ ٍىك ٍاب يف ا ٍل ىعش ىيرًة) ىفمى َّما ىد ىخ ىؿ (أ ىىال ىف لىوي‬
‫ىم ىعائً ىشةي‬ ‫ت لىوي ا ٍل ىك ىبل ىـ قىا ىؿ أ ٍ‬ ‫ت الًَّذم يق ٍم ى‬
‫ت ثيَّـ أىلى ٍن ى‬ ‫ت ىيا ىر يسك ىؿ المَّ ًو يق ٍم ى‬ ‫ا ٍل ىك ىبل ىـ) يق ٍم ي‬
‫اء في ٍح ًش ًو)(‪ )4‬كقاؿ النككم‬ ‫اس اتّْقى ى‬ ‫اس أ ٍىك ىكىد ىعوي َّ‬
‫الن ي‬ ‫الن ي‬‫اس ىم ٍف تىىرىكوي َّ‬ ‫الن ً‬‫(إً َّف ىش َّر َّ‬

‫(‪ )1‬المرجع السابؽ‪ .‬كقد أخرج اإلماـ يمسمـ عف أنس بف مالؾ أف النجاشي ىذا غير الذم صمى عميو النبي‬
‫صمى ا﵀ عميو كسمـ؛ ؾ‪( :‬الجياد)‪ ،‬باب‪ ( :‬يكتيب النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ إلى ممكؾ الكفار) برقـ‪:‬‬
‫(‪)1774‬‬
‫النص ىك الذم جعمني أستخدـ كممة‬
‫ُّ‬ ‫(‪ )2‬شرح النككم عمى مسمـ؛ ص‪ )1144( :‬ط‪ :‬األفكار الدكلية‪ .‬كىذا‬
‫اقتداء بإمامنا النككم رحمو ا﵀ تعالى‪.‬‬
‫ه‬ ‫(مبلطفة) في بداية ىذه الجزئية؛ فيك‬
‫(‪ )3‬األذكار لمنككم؛ ص‪ )252( :‬تحقيؽ‪ :‬عبد القادر األرنؤكط؛ ط‪ :‬دار المبلح‪ ،‬دمشؽ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجو البخارم في صحيحو؛ ؾ‪( :‬األدب)‪ ،‬باب‪( :‬ما يجكز مف اغتياب أىؿ الفساد)‪ ،‬برقـ‪،)6054( :‬‬
‫كمسمً هـ في ؾ‪( :‬البر كالصمة كاآلداب)‪ ،‬باب‪( :‬مداراة مف ييتَّقى فيحشو)‪ ،‬برقـ‪ .)2591( :‬كغيرىما‪ .‬كشرح‬
‫النككم؛ ص‪ .)1547( :‬ط‪ :‬األفكار الدكلية‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أسمـ‬
‫َ‬ ‫تعميقان عميو‪« :‬قاؿ القاضي‪ :‬ىذا الرجؿ ىك عيينة بف حصف ولـ يكف‬
‫حينئذ؛ كاف كاف قد أظير اإلسبلـ»‪ ،‬ثـ أليس مف أبرز الركايات التي ػ ػ كاف‬
‫لـ تصرح بمثؿ ىذه المبلطفة فقد ػ ػ أبرزت ىذا المعنى اإلجمالي المقصكد؛‬
‫كىي ما جاءت في ضحؾ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ لً ٍ‬
‫حب ور مف أحبار الييكد‬
‫رسكؿ ً‬
‫ا﵀ صمَّى‬ ‫ً‬ ‫حبر مف الييكًد إلى‬ ‫كذلؾ تصديقاً لو في خبره؛ فقد‪( :‬جاء ه‬
‫القيامة جعؿ ا﵀ السَّماك ً‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫أصبع‪،‬‬
‫و‬ ‫ات عمى‬ ‫ي‬ ‫ا﵀ي عميو كسمـ فقاؿ‪َّ :‬إنو إذا كاف ي‬
‫يكـ‬
‫الماء كالثَّىرل عمى‬
‫أصبع‪ ،‬ك ى‬ ‫و‬ ‫جر عمى‬ ‫َّ‬
‫أصبع‪ ،‬كالجبا ىؿ كالش ى‬
‫و‬ ‫األرضيف عمى‬
‫ك ٍ‬
‫ؾ‪،‬‬
‫ؾ أنا المم ي‬‫ثـ يقك يؿ‪ :‬أنا المم ي‬
‫ىف َّ‬ ‫ثـ ُّ‬
‫ييز َّ‬ ‫أصبع‪َّ ،‬‬
‫و‬ ‫الخبلئؽ كمَّيا عمى‬
‫ى‬ ‫أصبع‪ ،‬ك‬
‫و‬
‫ضحؾ حتَّى بدت نواج ُذه‪،‬‬ ‫ا﵀ صمَّى ا﵀ عميو كسمَّـ ِ‬ ‫قاؿ‪ :‬فمقد رأيت رسك ىؿ ً‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ََ ََ ُ ْ‬ ‫ثـ قاؿ رسك يؿ ً‬
‫ا﵀ صمَّى ا﵀ي عميو كسمَّـ‪﴿ :‬وٌا كسروا‬ ‫تعجنبا لو‪ ،‬كتصديقنا لو‪َّ ،‬‬ ‫ُّ‬
‫ِيػا َر ۡت َق ُخ ُّۥ ََ ۡٔ َم ۡٱىلِ َيَٰ ٍَثِ َو َّ‬ ‫َ‬
‫َ ۡ ُ‬ ‫َ‬
‫ت ٌَ ۡمٔ َّي َٰ ُ ۢ‬
‫ج ب ِ َي ٍِيِِِّْۚۦ‬ ‫ٱلع َؿ َٰ َـ َٰ ُ‬ ‫ۡرض َِم ٗ‬ ‫َّ َ‬
‫ٱَّلل َخ َّق ك ۡسرِه ِۦ وٱۡل‬
‫ِ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ُ ۡ َ َٰ َ ُ َ َ َ َٰ َ َٰ َ َّ ُ ۡ ُ َ‬
‫ۡشكٔن﴾)‬ ‫ظتحِّۥ وحعِل خٍا ي ِ‬
‫قائد دكلة لو جنكد‬ ‫خرجت مف ً‬ ‫ٍ‬ ‫وقد ُيقاؿ؛ إف ىذه النصكص كاآلثار إنما‬
‫كجيكش كلو يسمطاف ييخشى؛ فما شأنيا كالحالة التي نحف بصدد الحديث‬
‫قياس‬‫ى‬ ‫أردت مف ًذكرىا‬ ‫ُّ‬ ‫عنيا؟ أقكؿ‪ :‬لـ تكف كميا كذلؾ؛ كاف كانت‪ :‬فقد‬
‫األكلى؛ بمعنى إذا كاف ىذا كحالة النبي كما يكصؼ مف الدكلة كالسمطاف‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ككذلؾ قد فعؿ ىذا كىك في دكلتو؛ فمـ ىيخرج منيا إلييـ‪ .‬فإذا كاف األمر‬
‫فؤلكلىى بمف خرجكا مف ًديارىـ؛ كليس ليـ حاؿ كحاؿ النبي صمى ا﵀‬ ‫كذلؾ ٍ‬
‫عميو كسمـ السالفة أف يفعمكا ًفعمو‪ .‬ثـ إف ىذا مف قبيؿ التَّمطؼ الذم ال ًغنى‬
‫عنو ال سيما في عممية تبادؿ العمكـ النافعة كالتي أصبحت الحاجة يممً َّحةن بؿ‬
‫بدت نكاجذه‬ ‫ضركريةن إلييا؛ فمقد ضحؾ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ حتى ٍ‬
‫تصديقا و‬
‫لخبر قاؿ بو حبر مف ييكد‪ ،‬فما أحكجنا ػ ػ ال أقكؿ إلى الضحؾ بؿ ػ ػ‬
‫الخبر‬ ‫الحس بصدقيا كما شيد‬ ‫الدنيكية كالتي قد شيد ً‬ ‫إلى أف ين ً‬
‫ذع ىف ألخبارىـ ُّ‬
‫ي‬
‫الح ٍبر الييكدم‪.‬‬
‫بصدؽ ى‬

‫( ‪ )1‬أخرجو البخارم ؾ‪( :‬التفسير ػ ػ سكرة الزمر)‪ ،‬باب‪( :‬قكلو‪ :‬كما قدركا ا﵀ حؽ قدره)‪ ،‬برقـ‪،)4811( :‬‬
‫سمـ؛ ؾ‪( :‬صفة القيامة كالجنة كالنار) برقـ‪ ،)2786( :‬كغيرىما‪.‬‬
‫كم ه‬‫ي‬

‫‪65‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ثـ إنو قد ييطرح سؤاؿ آخر ىؿ ىذا‪ ..‬ػ ػ القاعدة التالية في التعايش ػػ‪.‬‬
‫‪ ‬مداىن ٌة أـ ُمدا ارةٌ؟‬
‫المداىنة في األصؿ المغكم؛ تدؿ‪ :‬عمى الميف كالسيكلة كالقمة؛ كالمداىنة‪ :‬ىي‬
‫داىنت الرجؿ أظيرت لو خبلؼ ما تضمر (‪) 1‬؛ كأما المداراة؛‬ ‫ى‬ ‫المصانعة‪،‬‬
‫لشره(‪)2‬؛‬
‫اتقاء ّْ‬
‫ن‬ ‫دارتىو مداراةن كداريتىو إذا اتقيتىو كالينتىو‪ :‬الطفتو كالينتو‬
‫فيقاؿ‪ :‬أ‬
‫َّ‬
‫المادتيف مف الناحية المغكية يشتركاف في الميف كالسيكلة‬ ‫كعمى ذلؾ فكبل‬
‫كالمبلطفة؛ كلكف إحداىما مف مكارـ األخبلؽ؛ كىي المداراة‪ ،‬كألخرل مف‬
‫ُّ ْ َ ُ‬
‫مساكييا كىي المداىنة؛ كقد قاؿ ا﵀ سبحانو كتعالى‪َ ﴿ :‬ودوا ل ۡٔ ح ۡسْ َُِ‬
‫َُۡ ُ َ‬
‫ٔن﴾ {القمـ‪ }9 :‬كلذلؾ َّ‬
‫فرؽ العمماء بينيما‪ ،‬بأقكاؿ كثيرة؛ منيا ما‬
‫الشبو َّ‬ ‫ذيسِِْ‬
‫معا‪،‬‬
‫المداراة‪ :‬بذؿ الدنيا لصبلح الدنيا أك الديف‪ ،‬أك ىما ن‬
‫أف َ‬ ‫قالو القرطبي‪َّ « :‬‬
‫كىي مباحة‪ ،‬كربما استيحبت‪ ،‬والمداىنة‪ :‬ترؾ الديف لصبلح الدنيا»(‪ .)3‬كما‬
‫المداراة كالمداىنة بالغرض الباعث عمى اإلغضاء؛‬
‫قالو الغزالي‪« :‬الفرؽ بيف ى‬
‫فإف أغضيت لسبلمة دينؾ‪ ،‬كلما ترل مف إصبلح أخيؾ باإلغضاء‪ ،‬فأنت‬
‫دار‪ ،‬كاف أغضيت لحظّْ نفسؾ‪ ،‬كاجتبلب شيكاتؾ‪ ،‬كسبلمة جاىؾ‪ ،‬فأنت‬‫يم و‬
‫يمداىف» (‪ .)4‬كقد ذكر البخارم رحمو ا﵀ تعالى في صحيحو تعميقان بصيغة‬
‫التمريض قك ىؿ أبي الدرداء‪( :‬إنا لنكشر في كجكه أقكاـ كاف قمكبنا لتمعنيـ)(‪.)5‬‬
‫وبعد سرد ىذه النصوص؛ فقد ظير مقصكدم مف إيرادىا بعد القاعدة السابقة‬
‫شيء مف الدنيا ليؤالء في سبيؿ‬ ‫و‬ ‫(مبلطفة الظالميف)‪ ،‬كأف ىذا مف قبيؿ بذؿ‬
‫تحقيؽ الكفاية كالحماية لممجتمعات اإلسبلمية أفرادان كشعكبان؛ كىذه الحماية‬
‫كالكفاية كاف كاف غالبيا في المجاؿ الدنيكم فإنما يرتبط بو صبلح الديف؛‬
‫عبادة كعقيدة ً‬
‫كرفعة لشأف اإلسبلـ قمبان كقالبان‪ ،‬فمـ يكف ذلؾ إشباعان لرغباتيـ‬

‫(‪ )1‬ييراجع‪ :‬معجـ مقاييس المغة البف فارس؛ مادة (دىف)‪ .‬ط‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫(‪ )2‬لساف العرب؛ البف منظكر؛ مادة (درأ) ‪ ،‬كالمصباح المنير لمفيكمي مادة (درم)‪.‬‬
‫(‪ )3‬نقمو عنو ابف حجر العسقبلني في فتح البارم ج‪ ،10‬ص‪.)454( :‬‬
‫(‪ )4‬إحياء عمكـ الديف لمغزالي؛ ج‪ ،2‬ص‪.)182( :‬‬
‫(‪ )5‬البخارم مع الفتح ج‪ ،10‬ص‪.)528( :‬‬

‫‪66‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الشخصية كال تحقيقان ألمر مف األمكر الدنيكية كانما ىك أمر مف أمكر‬


‫اإلسبلـ العظيـ؛ ال غير‪.‬‬
‫محم ٍد صمى ا﵀ عميو وسمـ‪.‬‬
‫ىدي ّ‬‫‪ ‬خير اليدي ُ‬
‫لـ أجعؿ ىذه القاعدة آخر تمؾ القكاعد ألف ىذا ىك مكانيا؛ ال‪ ،‬فمكانيا أكالن‬
‫ال آخ انر‪ ،‬كانما جعمتيا كذلؾ مف قبيؿ اإلجماؿ بعد التفصيؿ‪ ،‬فإف الناظر في‬
‫يجد ىديان يىك خير اليدم؛ فمقد قاؿ في مقاـ‬‫سيرة النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ ي‬
‫نذير لكـ بيف يدم عذاب شديد)(‪ ،)1‬كقاؿ في‬ ‫الدعكة كالمبارزة كالمجابية (إني ه‬
‫السمرة(‪ )2‬ػ‬ ‫َّ‬
‫مقاـ التثبيت ألصحابو في يحنيف إ ٍذ كل ٍك عنو مدبريف (يا أصحاب ي‬
‫بعض أصحابًو ش ه‬
‫(‪)3‬‬
‫ؾ‬ ‫ى‬ ‫ساكر‬
‫ى‬ ‫ذ‬‫ٍ‬ ‫إ‬ ‫كقاؿ‬ ‫)؛‬ ‫أنا النبي ال كذب أنا ابف عبد المطمب‬
‫(أنا رسكؿ ا﵀ كلست أعصيو كىك ناصرم)(‪ ،)4‬كقاؿ ػ ػ تكريةن ػ ػ في مكقؼ مف‬
‫مكاقؼ الحرب‪( :‬أنا مف ماء)(‪)5‬؛ بؿ كجاء عنو ترخيص الكذب في حاالت ال‬
‫أحكاـ كًف ٍقوه‬
‫ه‬ ‫اؿ‬
‫ك‬ ‫األح‬ ‫ذه‬ ‫ى‬ ‫مف‬ ‫مكؿ‬ ‫ف‬ ‫ػ‬ ‫ػ‬ ‫(‪)6‬‬
‫غنى عنيا في يمعايشتًنا تمؾ ػ ػ كالحرب‬
‫كأقكا هؿ ينبغي الكقكؼ عمييا كتنزيميا عمى مكاقعيا‪.‬‬

‫ميمة ػ ػ أحسبيا كذلؾ ػ ػ في عممية التقارب كالتعايش الذم‬


‫كبعد فيذه قكاعد َّ‬
‫سيفرض نفسو عمى الكاقع الذم يكاجيو المسممكف في بناء حضارتيـ كتشييدىا في‬
‫العصر الحديث‪.‬‬

‫( ‪ )1‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬المناقب)‪ ،‬باب‪( :‬مف انتسب إلى آبائو كفي اإلسبلـ كالجاىمية)‪ ،‬برقـ‪)3525( :‬‬
‫كمكاضع أخرل‪ ،‬كمسمـ؛ ؾ‪( :‬اإليماف)‪ ،‬باب‪( :‬في قكلو تعالى‪ :‬كأنذر عشيرتؾ األقربيف)‪ ،‬برقـ‪.)208( :‬‬
‫المسند برقـ‪.)1775( :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجو أحمد في ي‬
‫كم ٍسمً هـ؛ ؾ‪( :‬الجياد‬
‫( ‪ )3‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬الجياد كالسير) باب‪( :‬بغمة النبي البيضاء) برقـ‪ ،)2874( :‬ي‬
‫كالسير)‪ ،‬باب‪( :‬في غزكة هحنيف) برقـ‪)1776( :‬‬
‫(‪ )4‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬الشركط)‪ ،‬باب‪( :‬الشركط في الجياد كالمصالحة مع اىؿ الحرب) برقـ‪)2732( :‬؛‬
‫كمسمـ؛ ؾ‪( :‬الجياد كالسير)‪ ،‬باب‪( :‬صمح الحديبية) برقـ‪.)1785( :‬‬
‫ه‬
‫(‪ )5‬ذكر ذلؾ ابف ىشاـ في السيرة النبكية؛ ج‪ ،2‬ص‪.)255( :‬‬
‫يد رضي ا﵀ عنيا‬ ‫اء بًٍن ًت ىي ًز ى‬
‫ىس ىم ى‬
‫(‪ )6‬كما في الحديث الذم ركاه الترمذم (‪ )1939‬كأبك داكد (‪ )4921‬ىع ٍف أ ٍ‬
‫الرج يؿ ام أرىتىو لًير ً‬ ‫ب إً َّال ًفي ثى ىبل وث‪ :‬يي ىح ّْد ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً َّ‬ ‫ت‪ :‬قىا ىؿ رسك يؿ المَّ ًو َّ َّ‬
‫ضىييىا‪،‬‬ ‫ث َّ ي ٍ ى ي ي ٍ‬ ‫صمى الموي ىعمىٍيو ىك ىسم ىـ‪ ( :‬ىال ىيح ُّؿ ا ٍل ىكذ ي‬ ‫ى‬ ‫ىي‬ ‫قىالى ٍ‬
‫اس)‪.‬‬‫الن ً‬‫صمً ىح ىب ٍي ىف َّ‬ ‫كا ٍل ىك ًذب ًفي ا ٍلحر ًب‪ ،‬كا ٍل ىك ًذ ً‬
‫ب ليي ٍ‬
‫ي‬ ‫ى‬ ‫ىٍ‬ ‫ي‬ ‫ى‬

‫‪67‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة السابعة‬

‫طمب مف العمـ‪.‬‬
‫فيما ُي ُ‬
‫األلسف بذكرىـ‬ ‫الذ ٍكر‪ ،‬فأىميا ىـ األحياء؛ ً‬
‫إذ‬ ‫العمـ(‪)1‬؛ كممةه جميمة القدر‪ ،‬رفيعةي ّْ‬
‫ي‬
‫كالثناء عمييـ الىجةه‪ ،‬كبأقكاليـ كأعماليـ عيكف العباد كأسماعيـ كاعيةه‪ ،‬فبالعمـ كأىمو‬
‫ؤيد‪ ،‬كيندحر الباطؿ كيي َّ‬
‫بدد‪.‬‬ ‫األمـ ًع ى‬
‫مادىا كتي َّ‬ ‫ي‬ ‫كي َّ‬
‫كحد‪ ،‬كتىبني‬ ‫ييعبد ا﵀ تعالى ي‬
‫كمف رحمة ا﵀ تعالى بنا؛ أف لـ يكف العمـ مف حيث الكجكب كعدمو عمى درجة‬
‫كاحدة‪ ،‬فمف العمـ ما ىك كاجب عمى الجميع بذكاتيـ فردا فردان‪ ،‬كمنو ما ىك كاجب‬
‫األمة تحقيقو كايجاده‪.‬‬
‫عمى مجمكع َّ‬

‫اجب‪ ،‬كلـ يصح فيو الخبر (‪) 2‬؛ إال أف‬


‫قاؿ إسحاؽ بف راىكيو‪« :‬طمب العمـ ك ه‬
‫طمب ً‬
‫عمـ ما يحتاج إليو مف كضكئو كصبلتو كزكاتو إف كاف لو‬ ‫ي‬ ‫معناه‪ :‬أف يمزمو‬
‫ما هؿ‪ ،‬ككذلؾ الحج كغيره‪ ،‬قاؿ‪ :‬كما كجب عميو مف ذلؾ لـ يستأذف أبكيو في الخركج‬
‫إليو‪ ،‬كما كاف منو فضيمة لـ يخرج إلى طمبو حتى يستأذف أبكيو»(‪.)3‬‬

‫فرض‬
‫العمـ ما ىك ه‬ ‫أف مف ً‬ ‫العمماء عمى َّ‬ ‫كقاؿ أبك يعمر بف عبد البر‪« :‬قد أجمع‬
‫ي‬
‫ً‬
‫الكفاية إذا قاـ بو‬ ‫فرض عمى‬
‫ه‬ ‫ئ في خاصَّة ً‬
‫نفسو‪ ،‬كمنو ما ىك‬ ‫متعي هف عمى ّْ‬
‫كؿ امر و‬ ‫َّ‬
‫ً‬
‫تمخيص ذلؾ‪ ،‬كالذم يمزـ‬ ‫المكضع‪ ،‬كاختمفكا في‬
‫ً‬ ‫فرضو عف ً‬
‫أىؿ ذلؾ‬ ‫ي‬ ‫قائـ سقط‬‫ه‬
‫ائض المفتر ً‬
‫ضة عميو‬ ‫الجميع فرضو مف ذلؾ‪ :‬ما ال يسع اإلنساف جيميو مف ج ً‬
‫ممة الفر ً‬
‫ى‬ ‫ي‬ ‫ى‬ ‫ي‬ ‫ى ي‬

‫(‪ )1‬تكمـ العمماء قديما كحديثان عف العمـ؛ ما بيف مقؿ كمستكثًر‪ ،‬فتكممكا عف فضمو‪ ،‬كآدابو‪ ،‬كدرجاتو‪ ،‬كآفاتو‪،‬‬
‫يخمكا مف ًذ ٍكره ديكاف مف دكاكيف‬
‫كأىمو‪ ،‬كطمبتو‪ .. ،‬كما ذاؾ إال دليؿ عمى أف اإلسبلـ ديف العمـ؛ بؿ ال ٍ‬
‫المعتمدة المشيكرة؛ كالكتب الستة الحديثية‪ ،‬كقبميا اإلشارات كاآليات القرآنية الكثيرة عنو‪ .‬كغير‬
‫اإلسبلـ ي‬
‫ذلؾ مما يأتي في ىذه القاعدة مف المصادر كالمراجع؛ كىذا كمُّو دلي يؿ ًعمميَّة اإلسبلـ كعالميتو‪ ،‬كصبلحو‬
‫لكؿ زماف كمكاف؛ بؿ إف الزماف كالمكاف ال يصمحاف إال بو‪.‬‬
‫(‪ )2‬يقصد رحمو ا﵀ تعالى؛ أف حديث‪( :‬طمب العمـ فريضة عمى كؿ مسمـ ‪ )..‬ال يصح‪ ،‬كقد صحح األلباني‬
‫بعض طيرقو‪ ،‬كانظر المرجع التالي ج‪ ،1‬ص‪ 23( :‬ػ ػ ‪)62‬‬
‫( ‪ )3‬جامع بياف العمـ كفضمو‪ ،‬تأليؼ‪ :‬أبي عمر يكسؼ بف عبد البر‪ ،‬ص‪ )52( :‬برقـ (‪ .)31‬تحقيؽ أبي‬
‫األشباؿ الزىيرم‪ .‬دار ابف الجكزم ط‪ :‬أكلى (‪1414‬ق)‪ ،‬السعكدية‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ً‬
‫الناس إياه‪ ،‬كفتكاىـ بو في‬ ‫ً‬
‫كتعميـ‬ ‫العمـ كطمبًو كالتفقُّ ًو فيو‬
‫ثـ سائر ً‬
‫‪ ..‬إلى أف قاؿ ‪ َّ ..‬ي‬
‫قائـ‬ ‫ً‬
‫فرضو‪ ،‬فإذا قاـ بو ه‬
‫ي‬ ‫الكفاية يمزـ الجميع‬ ‫فرض عمى‬ ‫مصالح دينيـ ودنياىـ فيك ه‬
‫ً‬
‫ً‬
‫العمماء في ذلؾ»(‪.)1‬‬ ‫خبلؼ بيف‬ ‫فرضو عف الباقيف‪ ،‬ال‬
‫ى‬ ‫سقط ي‬
‫ف ً‬
‫الع ٍم يـ إذا نكعاف؛ أوليما‪ :‬فرض و‬
‫عيف؛ يجب عمى اإلنساف بذاتو الخركج في‬
‫ب الجميع بو‬
‫طي‬‫الديو‪ ،‬وثانييما‪ :‬فرض كفاية ييخا ى‬
‫طمبو كال يستأذف في ذلؾ ك ٍ‬
‫بمجمكعيـ ال بأفرادىـ شخصان شخصان؛ بؿ كتحص يؿ لمشخص الذم حقٌقو الفضيمةي‬
‫كالرفعةي بيف الناس؛ إذ مصالح الديف كالدنيا بو قائمة‪.‬‬

‫كعمك شأنو كمنزلتو؛ فبو ينجكا اإلنساف مف‬


‫ّْ‬ ‫األوؿ؛ فبل شؾ في فضمو‬ ‫أما َّ‬
‫َّ‬
‫الخسراف في الدنيا كاآلخرة؛ فتحقيؽ التكحيد الذم ىك ُّ‬
‫حؽ ا﵀ عمى العبيد‪ ،‬ككذلؾ‬
‫الصبلة التي ال تسقط فرضيتيا عف العبد في حاؿ مف أحكاؿ حياتو‪ ،‬ككذلؾ فركض‬
‫الزكاة كالحج كالصياـ؛ ىذه األركاف التي تجب عمى العبد في حاالت دكف أخرل‬
‫يسع في تحصيؿ ذلؾ يي ُّ‬
‫عد يمعرضان عف ديف ا﵀‬ ‫ُّ‬
‫ينبغي عميو تعمـ أحكاميا؛ كمف لـ ى‬
‫تعالى كلو عذاب عظيـ(‪.)2‬‬

‫يمات؛‬‫الم َّ‬
‫شرؼ الدرجات‪ ،‬كتكلٌى بنفسو ىح ٍم ىؿ ي‬ ‫ى‬ ‫أما الثاني‪ :‬فالقائـ بو؛ قد حاز‬
‫ك َّ‬
‫المأثـ‬
‫ي‬ ‫ممات‪ ،‬فمك تعطَّؿ ػ ػ أك يعطّْؿ ػ ػ ػ َّ‬
‫لعـ‬ ‫الم َّ‬
‫فحمؿ فئةن منيزمةن في كقت الشدائد ك ي‬
‫جميع العباد؛ بؿ كما عبد العابً يد رَّبو ال في العمف كال في الخمكات؛ إنو الفرض‬ ‫ى‬
‫نظر بالذات إلى فاعمو"‪ .‬كأصؿ‬ ‫قص يد حصكليو مف غير و‬ ‫الكفائي؛ الذم ىك‪ "« :‬يم ًي ّّـ يي ى‬
‫ُّ‬
‫كؿ ميـ ديني»؛ ف يح ًذؼ (ديني) ػ ػ كما قاؿ‬
‫معرفان‪ُّ « :‬‬
‫ىذا التعريؼ لمغزالي؛ إذ قاؿ فيو ّْ‬
‫كي ٍسعى‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ً‬
‫كيعتنى بو‪ ،‬ي‬
‫أمهر ذك أىمية‪ ،‬ي‬
‫ٍ‬ ‫فيك‬ ‫‪،‬‬ ‫الحرؼ‬
‫ى‬ ‫الصناعات ك‬ ‫في الشرح ػ ػ ليشمؿ‬
‫اء كاف في الديف أك في ُّ‬
‫الدنيا‪.‬‬ ‫في تحقيقو؛ سك ن‬

‫(‪ )1‬المصدر السابؽ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ 56( :‬ػ ػ ‪.)58‬‬


‫عد جمعه مف العمماء‪( :‬اإلعراض التاـ عف ديف ا﵀ ال يتعمَّ يمو كال يعمؿ بو) مف النكاقض العممية‬
‫( ‪ )2‬كقد َّ‬
‫لئليماف‪ ،‬يينظر‪ :‬نكاقض اإليماف القكلية كالعممية؛ د‪ /‬عبد العزيز بف محمد بف عمي العبد المطيؼ‪ ،‬ص‪:‬‬
‫(‪ 344‬ػ ػ ػ ‪ .)356‬ط‪ :‬مدار الكطف لمنشر‪ ،‬الثالثة‪1427( :‬ق)‪.‬‬
‫(‪ )3‬حاشية الشيخ حسف العطار عمى شرح جمع الجكامع لجبلؿ الديف المحمي؛ ج‪ ،1‬ص‪ )236( :‬بتصرؼ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كألىميتو كعمك منزلتو جعمو بعض العمماء مساكيان لمفرض العيني فمـ يفرقكا‬
‫إماـ الحرميف ػ ػ ػ أفض ىؿ مف الفركض العينية(‪)2‬؛ فقاؿ‪:‬‬ ‫الجكيني ػ ػ ي‬
‫ُّ‬ ‫بينيما(‪ ،)1‬بؿ كجعمو‬
‫الدرج ً‬ ‫كض ا ٍل ًكفىاي ً‬ ‫ىف ا ٍل ًقىياـ بً ىما يىك ًم ٍف فيير ً‬ ‫«ثيَّـ الًَّذم أ ىىراهي أ َّ‬
‫ىعمىى‬‫ات‪ ،‬ىكأ ٍ‬ ‫ىح ىرل بًًإ ٍح ىر ًاز َّ ى ى‬ ‫ات أ ٍ‬ ‫ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫اف فىًإ َّف ما تىعَّيف عمىى ا ٍلمتىعب ًّْد ا ٍلم ىكمَّ ً‬ ‫ىعىي ً‬ ‫ات ًم ٍف ىف ىرائً ً‬ ‫كف ا ٍلقيرب ً‬ ‫ً‬
‫ؼ‪ ،‬ىل ٍك تىىرىكوي‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي ى‬ ‫ى ى ى ى‬ ‫ض ٍاأل ٍ‬ ‫[في] فيين ً ي ى‬
‫ًً‬ ‫الش ًارًع ًف ً‬
‫يو بً ًاال ٍرتً ىس ًاـ‪ٍ ،‬‬ ‫كلىـ ييقىابً ٍؿ أىمر َّ‬
‫اب‪.‬‬‫اموي‪ ،‬فىيي ىك ا ٍل يمثى ي‬ ‫ص ا ٍل ىم ٍأثى يـ بو‪ ،‬ىكلى ٍك أىقى ى‬‫اختى َّ‬ ‫ٍى‬ ‫ىٍ‬
‫ات لى ىع َّـ ا ٍل ىم ٍأثى يـ ىعمىى ا ٍل ىكافَّ ًة ىعمىى‬ ‫كض ا ٍل ًكفىاي ً‬
‫ى‬ ‫ض ًم ٍف فيير ً‬ ‫ض تى ٍع ًطي يؿ فى ٍر و‬ ‫ىكلى ٍك في ًر ى‬
‫ً‬ ‫ات‪ ،‬فىا ٍلقىائًـ بً ًو ىك و‬
‫اؼ ىن ٍف ىسوي ىك ىكافَّةى ا ٍل يم ىخا ى‬ ‫الدرج ً‬ ‫اختً ىبل ً‬
‫اب‪،‬‬
‫يف ا ٍل ىح ىرىج ىكا ٍلعقى ى‬ ‫طبً ى‬ ‫ي‬ ‫الرتى ًب ىك َّ ى ى‬ ‫ؼ ُّ‬ ‫ٍ‬
‫يف ًفي ا ٍل ًقىي ًاـ لً يم ًيـ‬ ‫اب‪ ،‬كىال ييكف قى ٍدر مف يح ُّؿ مح َّؿ ا ٍلمسمً ًميف أ ٍ ً‬
‫ىج ىمع ى‬ ‫يٍ ى‬ ‫ض ىؿ الثَّىك ً ى ى ي ي ي ى ٍ ى ي ى ى‬
‫ً‬
‫ىكآم هؿ أى ٍف ى‬
‫ات‪ ،‬قى ٍد ىيتى ىعَّي يف ىعمىى‬ ‫كض ا ٍل ًكفىاي ً‬ ‫ضى ىعمى ٍي ًو بًأَّىنوي ًم ٍف فيير ً‬ ‫ات ّْ‬
‫الد ً‬ ‫ًمف م ًي َّم ً‬
‫ى‬ ‫يف‪ .‬ثيَّـ ىما يي ٍق ى‬ ‫ٍ ي‬
‫ات رًفيقيو ًفي ى ً ً‬ ‫ً‬ ‫اس ًفي ىب ٍع ً‬
‫ض ٍر ىم ٍكتىوي‬ ‫ط ًريقو‪ ،‬ىكلى ٍـ ىي ٍح ي‬ ‫ض ٍاأل ٍىكقىات‪ ،‬فىًإ َّف ىم ٍف ىم ى ى ي‬ ‫الن ً‬‫ض َّ‬ ‫ىب ٍع ً‬
‫ً ً ً (‪) 3‬‬ ‫ًً‬ ‫ًً‬ ‫ً ً‬
‫كيقرر الشاطبي رحمو ا﵀ تقري انر‬ ‫اـ بً ىغ ٍسمو ىكىد ٍفنو ىكتى ٍكفينو» ‪ ،‬ي‬ ‫ىغ ٍي يرهي‪ ،‬تى ىعَّي ىف ىعمى ٍيو ا ٍلقىي ي‬
‫ماتعان فيقكؿ عميو الرحمة‪« :‬لكف قد يصح أف يقاؿ‪ :‬أنو ػ ػ أم فرض الكفاية ػ ػ كاجب‬
‫عمى الجميع عمى كجو مف التجكز‪ ،‬ألف القياـ بذلؾ الفرض قياـ بمصمحة عامة‪ ،‬فيـ‬
‫مطمكبكف بسدىا عمى الجممة‪ ،‬فبعضيـ ىك قادر عمييا مباشرة كذلؾ مف كاف أىبلن‬
‫ليا‪ ،‬كالباقكف كاف لـ يقدركا عمييا قادركف عمى إقامة القادريف‪ ،‬فمف كاف قاد انر عمى‬
‫الكالية فيك مطمكب بإقامتيا‪ ،‬كمف ال يقدر عمييا مطمكب بأمر آخر‪ ،‬كىك إقامة ذلؾ‬
‫القادر كاجباره عمى القياـ بيا‪ ،‬فالقادر إذف مطمكب بإقامة الغرض‪ ،‬كغير القادر‬
‫مطمكب بتقديـ ذلؾ القادر‪ ،‬إ ٍذ ال يتكصؿ إلى قياـ إال بإقامة‪ ،‬مف باب ما ال يتـ‬

‫(‪ )1‬كىذا ما أشار إليو اآلمدم مف الشافعية؛ كنسبو إلى أكثر أصحابو مف الشافعية‪ ،‬يينظر‪ :‬اإلحكاـ في أصكؿ‬
‫األحكاـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .)137( :‬ط‪ :‬دار الصميعي‪ .‬السعكدية‪.‬‬
‫(‪ )2‬يينظر في تضعيؼ ىذا المذىب‪ :‬كأف األفضمية لفرض العيف؛ كتاب‪( :‬الميذب في أصكؿ الفقو المقارف‪،‬‬
‫عبد الكريـ النممة ص‪ .)217 ،216( :‬مكتبة الرشد ط ‪1420(1‬ق) كقد بيف الشيخ إبراىيـ البيجكرم في‬
‫حاشيتو عمى شرح ابف قاسـ في الفقو الشافعي ىذه األفضمية بقكلو‪« :‬كفرض العيف أفضؿ مف فرض‬
‫الكفاية عمى الراجح؛ ومعنى األفضمية كثرة الثواب لفاعمو» ج‪ ،2‬ص‪ ،)127( :‬ط‪ :‬دار الحديث القاىرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬غياث األمـ في التياث الظمـ‪ .‬عبد الممؾ بف عبد ا﵀ الجكيني ص‪ )138( :‬تحقيؽ‪ :‬د‪ /‬عبد العظيـ الديب‪،‬‬
‫ط‪ :‬دار الحرميف‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الكاجب إال بو فيك كاجب»(‪ ،)1‬ثـ يقكؿ عميو رحمة ا﵀ تعالى بعد و‬
‫كبلـ مقر ار في‬
‫الكفائي؛ فيقكؿ عف الفرض الكفائي‪« :‬إال أف ىذا‬
‫ّْ‬ ‫العيني ك‬
‫ّْ‬ ‫الفرضيف‬
‫ٍ‬ ‫ز ً‬
‫يادة عبلقةى‬
‫العيني إال‬
‫ُّ‬ ‫الحؽ بو في ككنو ضركريان؛ إذ ال يقكـ‬
‫ه‬ ‫مكم هؿ لؤلكؿ؛ فيك‬ ‫ً‬
‫القسـ ّْ‬
‫بالكفائي»(‪.)2‬‬

‫فيي‪« :‬كاجبات اجتماعية‪ ،‬أك تكاليؼ شرعية اجتماعية‪ ،‬المسؤكلية عنيا جماعية‬
‫تضامنية‪ ،‬حيث ال ينجك الفرد مف المسؤكلية عنيا‪ ،‬كال يخرج مف عيدة التكميؼ ما لـ‬
‫اإلنجاز ليا كالكفايةى لمجتمعيا‪ ،‬ككجية الفركض الكفائية‬
‫ى‬ ‫األمةي بمجمكعيا‬
‫تحقؽ َّ‬
‫بالدرجة األكلى المجتمع؛ بحيث تتحقؽ الكفاءة كالكفاية لمؤسساتو جميعان‪ ،‬السياسية‪،‬‬
‫كالتربكية‪ ،‬كاالقتصادية‪ ،‬كالتنمكية ‪ .)3(»..‬كىذا الكاجب الكفائي‪« :‬كاف كاف يقكـ بو‬
‫فمؤدل ذلؾ أف فركض الكفاية جممة مطمكبة‬ ‫البعض في سبيؿ التعاكف بيف الجميع؛ ٌ‬
‫مكزعةه عمى الطكائؼ كاآلحاد‪ ،‬فالتفقُّو في الديف فرض كفاية‪ ،‬كعمـ‬
‫مف الجميع كلكنيا َّ‬
‫ككؿ صناعة أك‬‫اليندسة فرض كفاية‪ ،‬كالزراعة فرض كفاية‪ ،‬ككذلؾ الجياد كالطب ُّ‬
‫عمؿ ال تستغني عنو الجماعة كيقكـ بو نظاميا االجتماعي كاالقتصادم ييخاطب بو‬
‫كيطالب بو عمى الخصكص مف الخاصة ىم ٍف ًعنده قيدرة عميو؛ فالجماعة كمُّيا‬ ‫الكافة ي‬
‫ُّناع‬ ‫طباء كالميندسكف ك ُّ‬
‫الزراع كالصٌ‬ ‫مطالبةه بتييئة األسباب ليككف مف بينيا األ ٌ‬
‫كالقضاة؛ كمف كانت عنده الكفاية ألف يككف قاضيان أك ميندسان أك طبيبان أك قائدان أك‬
‫متفقيان في الديف؛ مطالب عمى الخصكص فيما ىك أى هؿ لو‪ ،‬كبذلؾ يتحقؽ الطمب‬
‫َّ‬
‫كيتبيف السبب في إثـ الجميع إف لـ يتحقؽ الفعؿ المطمكب‪،‬‬ ‫العاـ كالطمب الخاص‪،‬‬
‫عد قائما بو بقياـ ىمف َّ‬
‫أدل؛ ألنو دخؿ‬ ‫كثبت أيضان أف مف لـ يقـ بالفرض الكفائي؛ يي ُّ‬
‫في تييئة األسباب»(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬المكافقات ألبي إسحاؽ إبراىيـ بف مكسى المخمي الشاطبي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،)246( :‬ط‪ :‬دار الفضيمة‬
‫(‪ )2‬السابؽ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.)173( :‬‬
‫( ‪ )3‬إحياء الفركض الكفائية سبيؿ تنمية المجتمع؛ تأليؼ‪ :‬عبد الباقي عبد الكبير‪ ،‬ص‪ .)16( :‬نقبلن عف‪:‬‬
‫الفركض الكفائية كأىميتيا في بناء المجتمع‪ ،‬د‪ :‬رشيد رياض رشيد كلكيؿ‪ ،‬ص‪ .)18( :‬جامعة النجاح‬
‫الكطنية‪ .‬فمسطيف‪.‬‬
‫(‪ )4‬أصكؿ الفقو‪ ،‬محمد أبك زىرة‪ ،‬ص‪ .)39 ،38( :‬ط‪ :‬دار الفكر العربي‪1436( ،‬ق)‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وخالصة ما سبؽ مف ىذه النقولت‪:‬‬

‫أف الكاجب عمينا إذان أف نتعمـ ما ينفعنا في ديننا كدنيانا؛ سكاء كاف ىذا العمـ أم انر‬
‫ًدينيان أك يدنيكيان يتعمؽ بآحادنا ٍ‬
‫عينان‪ ،‬أك بمجتمعاتنا كفايةن؛ ال َّ‬
‫سيما ىذا األمر الذم‬
‫الغالي كالرخيص؛‬
‫ى‬ ‫تنيض بو األمـ‪ ،‬كيتعمؽ بعمكـ الناس؛ كأف نبذؿ في سبيؿ ذلؾ‬
‫اء كاف ىذا العمـ في أقطارنا اإلسبلمية أـ عند اآلخريف المخالفيف لنا عقيدة‬‫سك ن‬
‫كسمككان‪.‬‬

‫َّع ىي في إقامة ىمف يقكمكف عمى تحصيؿ ىذه العمكـ الكفائية؛ إنما‬
‫ككذلؾ فإف الس ٍ‬
‫ي في إقامة الفركض العينية‪.‬‬ ‫سع ه‬
‫ىك ٍ‬
‫لع ٍيني مف ىذه الفركض العينية عمى آحاد المسمميف‬‫فإذا ما نظر المرء نظرة يك َّميةن ى‬
‫التبلزـ بينيما؛ كالصبلة مثبلن‪ :‬فيؿ يستطيع‬
‫ى‬ ‫كما يرتبط بو مف فركض الكفايات لعمـ‬
‫و‬
‫مسجد يؤدم فيو‬ ‫المرء تأديتيا بغير ثياب يستر عكرتو؛ أك ماء يرفع بو حدثىو‪ ،‬أك‬
‫فريضتو‪ ،‬أك مدرسةن يتعمـ فييا قرآنو ً‬
‫كحكمتىو؟‪ ،‬كىذه كميا أمكر البد ليا مف أرباب‬ ‫ي‬
‫مصنع لنسج ثيابو‪ ،‬أك ميندس ليبني‬
‫و‬ ‫يقكمكف عمييا ما بيف شيخ أك أستاذ ييعمّْمو‪ ،‬أك‬
‫لو مسجدا كمدرسة كمصنعا؛ أك طبيان ييداكيو مف أمراضو التي منعتو عف بعض‬
‫فرائضو ‪ ..‬كغير ذلؾ فكميا منظكمة حياتيةه ًكفائيةه دنيكية كلكنيا ػ ػ كما قيؿ ػ ػ ػ مف‬
‫يتـ الكاجب إال بو فيك كاجب)‪.‬‬
‫قبيؿ‪( :‬ما ال ُّ‬

‫بنكعيو‪ ،‬كتحصيمو كذلؾ مف‬ ‫ٍ‬ ‫كالبد في تحقيؽ ىذا الكاجب العيني؛ مف و‬
‫طمب لمعمـ‬
‫األشخاص؛ كفي سبيؿ ذلؾ ينبغي أف‬
‫ى‬ ‫األماكف ك‬
‫ى‬ ‫ّْ‬
‫المظاف؛‬ ‫ّْ‬
‫مظانو المعتبرة‪ ،‬كأعني بيذه‬
‫يككف أماـ عيكننا ىذه القاعدة‪( :‬شرؼ العمـ بشرؼ المعمكـ) (‪ً .)1‬إذ العمكـ تتفاكت‬
‫أعـ؛ كاف ً‬
‫بحيازة الشرؼ أكلى كأىـ‪.‬‬ ‫كتتفاضؿ‪ ،‬فمف كاف مف العمكـ نفعو َّ‬

‫يتحم يؿ في سبيؿ تحصيمو‬


‫َّ‬ ‫أم و‬
‫عمـ‬ ‫عمـ يرحؿ اإلنساف في تحصيمو؟ ك ُّ‬ ‫م و‬ ‫فأ ُّ‬
‫المسمـ بسببو‬
‫ي‬ ‫أم ًعمـ يجمس‬ ‫ً‬
‫التنقبلت‪ ،‬كأنكاعان كثيرةن مف اآلالـ كاآلىات؟‪ .‬ك ُّ‬ ‫المشقَّ ً‬
‫ات ك‬
‫كيتًو!!؟‬ ‫يمتعمّْما كمستفيدان حتى ممف خالفو في ثقافتو ي‬
‫كى َّ‬

‫(‪ )1‬ذكرىا؛ ابف أبي العز الحنفي في مقدمة شرحو عمى العقيدة الطحاكية‪ ،‬ص‪ )9( :‬ط‪ :‬دار الحديث القاىرة‬

‫‪72‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫استنياض لم ًيمـ ى و‬
‫لمميىج‬
‫كب ٍذؿ ي‬ ‫و ى‬ ‫ألم أمة مف األمـ البد فيو مف‬
‫إف البناء الحضارم ّْ‬
‫كالبد فيو مف و‬
‫عمكـ يقكـ بنياف الحضارة عمييا؛ فمـ كلف تقكـ حضارة مف الحضارات‬
‫نفعيا معمكمان مشيكدا‬
‫إال عمى تمؾ العمكـ النافعة‪ ،‬كقد تككف ىذه العمكـ التي أصبح ي‬
‫ال ًغنى لئلنساف عنيا في حياتو؛ ًعند غيره ممف خالفكه في دينو كثقافتو‪.‬‬

‫المستفيد) تككف مانعان مف‬


‫(المفيد ػ ػ ك ي‬
‫فيؿ ىذه المخالفة الثقافية بيف الطرفيف ي‬
‫كرقييا؛ أـ ماذا؟‬
‫استكماؿ يبنياف الحضارة ي‬
‫ّْ‬
‫المتقدمة؛ يرل بعض‬ ‫إف مف ينظر إلى حكادث التاريخ اإلسبلمي في عصكره‬
‫الدالة عمى تعمًُّـ العمـ عمى أيدم غير المسمميف‪ ،‬كحكاية ما يىـ عميو مف‬
‫اإلشارات ٌ‬
‫أحكاؿ كأعماؿ؛ فمف أمثمة ذلؾ‪:‬‬

‫ىس ىرل ىي ٍكىـ ىب ٍد ور؛ لى ٍـ‬ ‫ً‬ ‫ما جاء ع ًف ٍاب ًف ىعَّب و‬
‫اس م ٍف ٍاأل ٍ‬ ‫اف ىن ه‬ ‫اس رضي ا﵀ عنو قىا ىؿ‪ :‬ىك ى‬
‫ىف يي ىعمّْ يمكا أ ٍىكىال ىد‬ ‫ً‬ ‫َّ ً‬ ‫ً‬
‫اء يى ٍـ أ ٍ‬
‫اء‪ ،‬ىف ىج ىع ىؿ ىر يسك يؿ المو صمٌى ا﵀ عميو كسمٌـ ف ىد ى‬ ‫ىي يك ٍف لىيي ٍـ ف ىد ه‬
‫ض ىرىبنًي‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اء ىي ٍك نما يغ ىبل هـ ىي ٍبكي إًلىى أىبًيو‪ ،‬فىقىا ىؿ‪ :‬ىما ىشأ يٍن ىؾ؟ قىا ىؿ‪ :‬ى‬
‫ً‬
‫ص ًار ا ٍلكتى ىابةى‪ .‬فى ىج ى‬‫ٍاأل ٍىن ى‬
‫يو أىىب ندا)(‪.)1‬‬ ‫طميب بً ىذح ًؿ ب ٍد ور‪ ،‬ك ً‬
‫ا﵀ ىال تىأٍتً ً‬ ‫يم ىعمّْ ًمي! قىا ىؿ‪ :‬ا ٍل ىخبً ي‬
‫ى‬ ‫يث! ىي ٍ ي ٍ ى‬
‫غير مسمميف‪.‬‬ ‫ّْ‬
‫فالمعممكف ػ ػ معممكا أبناء المسمميف الكتاب ىة ػ ػ ػ ي‬
‫صمَّى المَّوي ىعمى ٍي ًو ىك ىسمَّ ىـ‬ ‫النبً ُّي ى‬‫ت‪( :‬لى َّما ا ٍشتى ىكى َّ‬ ‫ض ىي المَّوي ىع ٍنيىا قىالى ٍ‬ ‫كعف عائً ىشةى ر ً‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫ت أ ُّيـ ىسمى ىمةى ىكأ ُّيـ‬‫ض ا ٍل ىحىب ىش ًة ييقىا يؿ لىيىا ىم ًارىيةي‪ ،‬ىك ىك ىان ٍ‬‫يسةن ىأرٍىيىنيىا بًأ ٍىر ً‬ ‫ً ًً ً‬
‫ض ن ىسائو ىكن ى‬ ‫ت ىب ٍع ي‬
‫ىذ ىك ىر ٍ‬
‫ص ًاك ىير ًفييىا فى ىرفى ىع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ض ا ٍل ىحىب ىشة فى ىذ ىك ىرتىا م ٍف يح ٍسنيىا ىكتى ى‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫ىحبً ىيبةى ىرض ىي الموي ىع ٍنيي ىما أىتىتىا أ ٍىر ى‬
‫الرج يؿ الصَّالًح بىنكا عمىى قى ٍب ًرًه مس ًج ندا ثيَّـ ص َّكركا ًف ً‬
‫يو‬ ‫أرٍسو فىقىا ىؿ أيكلىئً ًؾ إً ىذا م ى ً‬
‫ى ي‬ ‫ىٍ‬ ‫ي ىٍ ى‬ ‫ات م ٍنيي ٍـ َّ ي‬ ‫ى‬ ‫ى ىي‬
‫ؽ ًع ٍن ىد المو) ‪.‬‬
‫َّ ً (‪)2‬‬
‫ُّكرةى أيكلىئً ًؾ ًش ىريار ا ٍل ىخ ٍم ً‬
‫ؾ الص ى‬‫تًٍم ى‬

‫( ‪ )1‬ركل اإلماـ أحمد في مسنده؛ برقـ‪ ،)2216( :‬كقاؿ محققكا المسند (حسف)‪ ،‬كالذحؿ‪ :‬الثأر أك العداكة‬
‫كالحقد‪ .‬كالجمع أذحاؿ كذحكؿ‪ .‬المسند‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪ 92‬ط‪ :‬الرسالة‪.‬‬
‫كمسمـ في ؾ‪( :‬المساجد‬
‫ه‬ ‫(‪ )2‬صحيح البخارم‪ ،‬ؾ‪( :‬الجنائز)‪ ،‬باب‪( :‬بناء المسجد عمى القبر)‪ ،‬برقـ‪.)1341( :‬‬
‫كمكاضع الصبلة)‪ ،‬باب‪( :‬النيي عف بناء المساجد عمى القبكر ‪ ..‬نككم)‪ ،‬برقـ‪.)528( :‬‬

‫‪73‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قاؿ ابف حجر‪ « :‬كفي الحديث جكاز حكاية ما ييشاىده المؤمف مف العجائب‪،‬‬
‫ككجكب بياف حكـ ذلؾ عمى العالـ بو‪ ،‬كذـ فاعؿ المحرمات»(‪.)1‬‬

‫صمَّى‬ ‫ً َّ ً‬
‫ت إًلىى ىر يسكؿ المو ى‬ ‫اؿ‪ :‬ىل َّما ىر ىج ىع ٍ‬ ‫ك ىع ٍف ىجابً ور بف عبد ا﵀ رضي ا﵀ عنيما‪ ،‬قى ى‬
‫ض ا ٍل ىحىب ىش ًة‪،‬‬ ‫يب ىما ىأرٍىيتي ٍـ بًأ ٍىر ً‬ ‫اج ً‬ ‫ىع ً‬ ‫ً َّ‬
‫الموي ىعمى ٍيو ىك ىسم ىـ يميىا ًج ىرةي ا ٍلىب ٍح ًر‪ ،‬قىا ىؿ‪( :‬أ ىىال تي ىح ّْدثيكنًي بًأ ى‬
‫َّ‬
‫كز ًم ٍف ىع ىجائً ًز‬ ‫ت بًىنا ىع يج ه‬ ‫كس ىم َّر ٍ‬ ‫َّ ً‬ ‫ً‬
‫قىا ىؿ فتْ َي ٌة م ٍنيي ٍـ‪ :‬ىبمىى ىيا ىر يسك ىؿ المو‪ ،‬ىب ٍيىنا ىن ٍح يف يجمي ه‬
‫ِ‬
‫ت بًفىتنى ًم ٍنيي ٍـ‪ ،‬فى ىج ىع ىؿ ًإ ٍح ىدل ىي ىد ٍي ًو ىب ٍي ىف‬ ‫اء‪ ،‬فى ىم َّر ٍ‬‫ٍسيا يقمَّةن ًمف م و‬
‫ٍ ى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ىرىىابيني ٍـ‪ ،‬تى ٍحم يؿ ىعمىى ىأر ى‬
‫ً ًً‬
‫ت إًلى ٍي ًو‪،‬‬ ‫ت‪ ،‬ا ٍلتىفىتى ٍ‬‫ت قيمَّتييىا‪ ،‬ىفمى َّما ٍارتىفى ىع ٍ‬ ‫ت ىعمىى يرٍكىبتىٍييىا‪ ،‬فى ٍان ىك ىس ىر ٍ‬ ‫ىكتًفى ٍييىا‪ ،‬ثيَّـ ىدفى ىعيىا‪ ،‬فى ىخ َّر ٍ‬
‫يف‪ ،‬ىكتى ىكمَّ ىم ًت‬ ‫ً‬
‫يف ىك ٍاآلخ ًر ى‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫ض ىع الموي ا ٍل يك ٍرس َّي‪ ،‬ىك ىج ىم ىع ٍاأل َّىكلً ى‬ ‫ؼ تى ٍعمى يـ‪ ،‬ىيا يغ ىد ير إً ىذا ىك ى‬ ‫ت‪ :‬ىس ٍك ى‬ ‫فىقىالى ٍ‬
‫ؼ أ ٍىم ًرم ىكأ ٍىم ير ىؾ‪ً ،‬ع ٍن ىدهي ىغ ندا‪ ،‬قىا ىؿ‪:‬‬ ‫ؼ تى ٍعمى يـ ىك ٍي ى‬ ‫كف‪ ،‬فى ىس ٍك ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ٍاأل ٍىيدم ىك ٍاأل ٍىر يج يؿ بً ىما ىك يانكا ىي ٍكس يب ى‬
‫يمةن ىال‬ ‫ؼ ييقى ّْد يس المَّوي أ َّ‬ ‫ت‪ ،‬ىك ٍي ى‬ ‫ص ىدقى ٍ‬‫ت ى‬ ‫ص ىدقى ٍ‬ ‫ً َّ‬
‫صمى الموي ىعمى ٍيو ىك ىسم ىـ‪ ( :‬ى‬
‫يقيك يؿ رسك يؿ المَّ ًو َّ َّ‬
‫ى‬ ‫ىي‬ ‫ى‬
‫ض ًع ًيف ًي ٍـ ًم ٍف ىشديدى ٍـ) ‪.‬‬
‫ً ً ً (‪)2‬‬ ‫ً‬
‫يي ٍؤ ىخ يذ ل ى‬
‫الحديث بيف يدم رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمَّـ عف ذلؾ؛ ًفتيةه‪.‬‬
‫ى‬ ‫فالذم تكلَّى‬
‫ككاف كما ىك ظاىر أف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ ىك الذم طمب منيـ ذلؾ‪.‬‬

‫فيذه اآلثار تدؿ عمى جكاز تعمًُّـ أكالدنا عمى أيدم غير المسمميف ً‬
‫المقيميف في‬ ‫ي‬
‫ُّ‬
‫كتدؿ كذلؾ‬ ‫ببلدنا ػ ػ كىـ في الحديث األسرل؛ أسرل بدر!! ػ ػ؛ إ ٍذ كانكا في المدينة‪،‬‬
‫عمى جكاز نقؿ ما ىـ عميو مف الباطؿ مع بياف بطبلنو خكفا مف االنخداع أك‬
‫االفتتاف بو؛ أك الكقكع في ًشراكو‪ .‬كذلؾ تدؿ عمى تصديؽ ما يقكلكف بو مف الحؽ؛‬
‫الح ٍب ًر الييكدم في آية الزمر‪.‬‬
‫كليس ىذا ػ ػ أعني األخير ػ بغريب؛ فقد سبؽ خبر ى‬
‫ائد كالنتائج المستخمصةى مف تمؾ اآلثار‪ ،‬ككذلؾ ً‬
‫الع ىمـ الذم ييطمب‬ ‫كلكف ىذه الفك ى‬
‫ى ي‬
‫يكف عمى صاحبو ىذه‬ ‫المسمميف البد كأف يي َّقيد ىذا كمُّو بقيكد؛ تي ّْ‬
‫تحصيمو مف غير ي‬
‫المختمفتيف‪.‬‬ ‫َّ‬
‫المشقات كاآلالـ التي سيكاجييا في تمؾ العممية التعميمية؛ ذات الثقافتيف ي‬

‫(‪ )1‬فتح البارم بشرح صحيح البخارم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .)626( :‬الرياف‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنف ابف ماجة‪ ،‬كتاب‪( :‬الفتف)‪ ،‬باب‪( :‬األمر بالمعركؼ كالنيي عف المنكر)‪ ،‬برقـ‪.)4010( :‬‬

‫‪74‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كره ػ ػ ىك في غاية‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫مم وح ػ ػ قد سبؽ ذ ي‬
‫كقبؿ ذ ٍكر ىذه القيكد‪ ،‬البد مف اإلشارة إلى ىم ى‬
‫عميـ األسرل ألطفاؿ المسمميف الكتابة؛ فقد كاف في ديار‬ ‫األىمَّية؛ في حديث ت ً‬‫ّْ‬
‫و‬
‫حينئذ؛‬ ‫المسمميف في المدينة النبكية‪ ،‬فمـ يرحؿ أبناء المسمميف إليو‪ ،‬فالكاجب عمينا‬
‫ىك أف تسعى الجماعة المسممة في استقداـ ىذه النماذج العممية إلى ديار المسمميف‬
‫ألجؿ تعميميـ أبناء المسمميف ما لدييـ مف العمكـ النافعة‪ .‬حتى كاف دفعنا في ذلؾ‬
‫تجنب لكثير مف المحاذير التي تترتب عمى كجكد أبنائنا في‬
‫ه‬ ‫أمكاالن طائمة؛ ففي ذلؾ‬
‫كسط ىؤالء كفي ديارىـ‪.‬‬

‫َّ‬
‫ولعؿ مف األدلة عمى ذلؾ‪( :‬معاممة النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ لييكد خيبر عمى‬
‫أف يزرعكا األرض كليـ شطر ما يخرج منيا)(‪ ،)1‬كقد ترجـ البخارم في كتاب اإلجارة‬
‫و‬
‫بترجمة؛ قاؿ فييا‪« :‬استئجار المشركيف عند الضركرة؛ أك إذا لـ يكجد أىؿ اإلسبلـ‪،‬‬
‫كعامؿ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ ييكد خيبر»(‪ ،)2‬كفي شرح ابف بطَّاؿ‪« :‬استئجار‬
‫جائز حسف؛ ألف ذلؾ ذلَّة كصغار ليـ‪ ،‬كانما قاؿ‬
‫المشركيف عند الضركرة وغيرىا ه‬
‫البخارم في ترجمتو‪ :‬إذا لـ يكجد أىؿ اإلسبلـ‪ ،‬مف أجؿ أف النبي ػ ػ عميو السبلـ ػ ػ‬
‫إنما عامؿ أىؿ خيبر عمى العمؿ في أرضيا إذ لـ يكجد مف المسمميف مف ينكب‬

‫منابيـ في عمؿ األرض‪ ،‬حتَّى ى‬


‫قكم اإلسبلـ كاستغنى عنيـ كأجبلىـ عمر بف‬
‫الخطاب‪ ،‬كعامة الفقياء ييجيزكف استئجارىـ عند الضركرة كغيرىا»(‪.)3‬‬

‫كىذا ليس مشركطا بالضركرة فقط؛ كما ىك ظاىر ترجمة اإلماـ البخارم؛ كانما‬
‫عركفيف‬ ‫َّ‬
‫كما قاؿ الفقياء "عند الضركرة وغيرىا" فقد كاف يكتاب الكحي مكجكديف ىم ي‬
‫(‪)4‬‬
‫فداء ليـ‬ ‫ً‬
‫كعندىـ ع ٍمـ بالقراءة كالكتابة بداىةن كمع ذلؾ كاف تعميـ األسرل ألبنائنا ن‬

‫(‪ )1‬صحيح البخارم‪ ،‬ؾ‪( :‬اإلجارة)‪ ،‬باب‪( :‬إذا استأجر أرضان فمات أحدىما)‪ ،‬برقـ‪.)2285( :‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخارم‪ ،‬ؾ (اإلجارة)‪ ،‬الباب المذككر‪ ،‬حديث رقـ‪.)2263( :‬‬
‫(‪ )3‬شرح صحيح البخارم‪ ،‬البف بطاؿ؛ أبي الحسف‪ :‬عمي بف خمؼ بف عبد الممؾ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،)387( :‬ط‪:‬‬
‫مكتبة الرشد‪ .‬الرياض السعكدية‪.‬‬
‫عمماء‬
‫ي‬ ‫تقدـ إسبلميـ عف حادث بدر ػ ػ؛ كذكرىـ مف يكتَّ ً‬
‫اب الكحي‬ ‫(‪ )4‬كمنيـ عمى األقؿ‪ :‬الخمفاء األربعة ػ ػ كقد َّ‬
‫السير يينظر‪( :‬الخبلصة البيية في ترتيب أحداث السيرة النبكية؛ كحيد بالي‪ ،‬ص‪ 110( :‬ػ ػ ‪ .)114‬ط‪ :‬دار‬‫ى‬
‫ابف رجب‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ضُّنكا بأنفسيـ‪ ،‬كتمسَّككا بأكطانيـ؛ فمـ يرحمكا عنيا يمعمّْميف رابحيف‬


‫أما إذا ى‬
‫ك َّ‬
‫رحؿ في‬‫مستفيديف؛ فيا ىي تمؾ القيكد التي سبقت اإلشارة إلييا عف ذلؾ العمـ الذم يي ى‬
‫سبيؿ تحصيمو‪ ،‬فأقكؿ يمستعينا با﵀ تعالى؛ منيا‪:‬‬

‫صح عف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ أنو سأؿ‬ ‫نفع شرعي‪ .‬فقد َّ‬
‫مـ ذو ٍ‬ ‫ِ‬
‫أوليا‪ :‬ع ٌ‬
‫ا﵀ تعالى ًعممان نافعان(‪)1‬؛ كتعكذ بو مف و‬
‫عمـ ال ينفع(‪)2‬؛ فالعمـ النافع كما قاؿ الذىبي؛‬
‫قكالن كًفعبلن‪ ،‬كلـ يأت‬
‫كفسره الرسكؿ صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ٍ ،‬‬ ‫ىك‪« :‬ما نزؿ بو القرآف‪َّ ،‬‬
‫نيي عنو»(‪ .)3‬كما كاف كذلؾ؛ يككف‪« :‬جالبان لمصالح العباد كدارئان لمفاسدىـ‪ ،‬كالبد‬ ‫ه‬
‫حافظ ىذا العمـ عمى كرامة اإلنساف كمكانتو كالغاية التي خمقو ا﵀ مف أجميا؛ فبل‬ ‫أف ي ً‬
‫ي‬
‫كتمي ًزه‪ ،‬كال يؤدم إلى‬
‫ييتخذ حقبلن لمتجريب‪ ،‬كال ىيعتدم عمى ذاتية الفرد كخصكصيتو ُّ‬
‫ستقر‪ ،‬أك يعصؼ بأسس القرابات كاألنساب كصبلت‬ ‫خمخمة الييكؿ االجتماعي الم ً‬
‫ي‬
‫األرحاـ‪ ،‬كاليياكؿ األسرية المتعارؼ عمييا عمى مدل التاريخ اإلنساني في ظبلؿ‬
‫شرع ا﵀ كعمى أساس كطيد مف أحكامو»(‪.)4‬‬

‫نيي عنو‪ ،‬كانما‬


‫كما كاف مف أمكر الدنيا التي ال ينصمح حالييا إال بو؛ كلـ يأت ه‬
‫جاء األمر بالسعي الدؤكب إلصبلحيا بما ال يتعارض مع أصكؿ الشريعة؛ فيو مف‬

‫ىعمى يـ بًأ ٍ‬
‫ىم ًر يد ٍنىيا يك ٍـ)(‪.)5‬‬ ‫العمـ النافع‪ .‬إ ٍذ قد قاؿ رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ‪( :‬أ ٍىنتي ٍـ أ ٍ‬
‫كمف ىذا القبيؿ كذلؾ؛ أى ٍم يرهي صمى ا﵀ عميو كسمـ أف يتعمـ أحد الصحابة لغةى ييكد‬
‫كؿ العمكـ‬ ‫فإنو ال يأمنيـ عمى كتابو؛ فتعمَّميا ىذا الصحابي في َّأياـ قبلئؿ(‪ .)6‬ككذلؾ ُّ‬

‫(‪ )1‬مسند اإلماـ أحمد بف حنبؿ‪ ،‬برقـ‪.)26521( :‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬صحيح مسمـ‪ ،‬ؾ‪( :‬الذكر كالدعاء كالتكبة كاالستغفار)‪ ،‬باب‪( :‬التعكذ مف شر ما يع ًمؿ كمف ّْ‬
‫شر ما‬
‫لـ ييعمؿ ‪ ..‬نككم)‪ ،‬برقـ‪ .)2722( :‬كغيره‪.‬‬
‫(‪ )3‬سير أعبلـ النببلء؛ ج‪ ،19‬ص‪.)340( :‬‬
‫(جدة)؛ ص‪)309( :‬‬
‫(‪ )4‬ق اررات كتكصيات مجمع الفقو اإلسبلمي الدكلي ٌ‬
‫(‪ )5‬أخرجو مسمـ؛ ؾ‪( :‬الفضائؿ)‪ ،‬باب‪( :‬كجكب امتثاؿ ما قالو شرعان‪ ،‬دكف ما ذكره صمى ا﵀ عميو كسمـ مف‬
‫معايش الدنيا عمى سبيؿ الرأم)‪ ،‬برقـ‪ 2361( :‬ػ ػ ‪ )2363‬أحمد في مسنده؛ برقـ‪ .)24920( :‬كفيو‪( :‬إً ىذا‬
‫اف ىش ٍي هء ًم ٍف أ ٍىم ًر ًدينً يك ٍـ فىًإلى َّي)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اف ىش ٍي هء م ٍف أ ٍىم ًر يد ٍنىيا يك ٍـ فى ىشأىٍن يك ٍـ بًو‪ ،‬ىك ىك ى‬
‫ىك ى‬
‫(‪ )6‬ذكره البخارم تعميقا‪ ،‬في ؾ‪( :‬األحكاـ)‪ ،‬باب‪( :‬ترجمة الحكاـ كىؿ يجكز ترجماف كاحد؟)‪ ،‬كعدد األياـ‬
‫مختمؼ فيو بيف الركايات‪ .‬ينظر في ذلؾ فتح البارم البف حجر العسقبلني‪ .‬ج‪ ،13‬ص ‪ .198‬كعند أبي‬

‫‪76‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كد ٍنيانا‪ ،‬كعمى أبداننا كعقكلنا كأرزاقنا؛ فكمُّيا‬


‫األمف عمى ًديننا ي‬
‫ى‬ ‫حص يؿ مف خبلليا‬
‫التي ين ّْ‬
‫عمكـ نافعة ال ًغنى لممسمميف عنيا‪.‬‬

‫الخكض‬
‫ى‬ ‫كقد َّبيف الشاطبي أبك إسحاؽ؛ أف كؿ مسألة ال ينبي عمييا عمؿ أف‬
‫خكض فيما لـ يدؿ عمى استحسانو دلي هؿ شرعي؛ ألنو يش ٍغؿ عما يعنيو مف أمر‬
‫ه‬ ‫فييا‬
‫التكميؼ‪ ،‬فبل ينبي عمى ذلؾ فائدة في أمر الدنيا كاآلخر‪ ،‬ألنو إف فُ ِرض أف فيو‬
‫فائدة في الدنيا؛ فشرطيا شيادة الشرع ليا بأنيا فائدة‪ ،‬فكـ مف و‬
‫لذة كفائدة ُّ‬
‫يعدىا‬
‫اإلنساف كذلؾ كليست في أحكاـ الشرع إال عمى الضد؛ كالزنا كالخمر كغيرىما(‪.)1‬‬

‫ومعتبرة‪ .‬فبلبد كأف يككف‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬


‫ميـ لؤلكؿ ػ ػ‪ :‬ع ْم ٌـ ذو مصمحة راجحة ُ‬
‫ثانييا ػ ػ كلعموي تتٍ ه‬
‫ىذا العمـ الذم ينحصمو ذا مصمحة‪ ،‬كشيد الشارع الحكيـ باعتبارىا‪ ،‬كأقاـ دليبلن عمى‬
‫رعايتيا؛ فما كاف مف قبيؿ‪ « :‬المنفعة التي قصدىا الشارع الحكيـ لعباده مف حفظ‬
‫دينيـ‪ ،‬كنفكسيـ‪ ،‬كعقكليـ‪ ،‬كأمكاليـ‪ ،‬كنسميـ‪ ،‬فكؿ ما يضمف ىذه األصكؿ الخمسة‬
‫ككؿ ما يفكت ىذه األصكؿ أك أحدىا فيك مفسدة‪ ،‬كدفعيا‬ ‫ُّ‬ ‫فيك مصمحة‪،‬‬
‫المنيي عنو ألجؿ تحقيؽ‬
‫ً‬ ‫مصمحة»(‪ .)2‬كفي سبيؿ ذلؾ فقد ييتسامح في نكع مف أنكاع‬
‫بناء عمى القاعدة الفقيية التي تقكؿ‪« :‬ما كاف منييان عنو لمذريعة فإنو‬
‫تمؾ المصمحة‪ .‬ن‬
‫ييفعؿ ألجؿ المصمحة الراجحة»‪ً ،‬إذ المأمكر بو أعظـ مف المنيي عنو(‪.)3‬‬

‫داكد‪ ،‬ؾ‪( :‬العمـ)‪ ،‬باب‪( :‬ركاية حديث أىؿ الكتاب)‪ ،‬برقـ‪ .)3645( :‬كركل البييقي في سننو الكبرل برقـ‪:‬‬
‫(‪ ،)12195‬عف خارجة بف زيد‪ ،‬عف أبيو قاؿ‪ :‬لما قدـ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ المدينة أيتً ىي بي إليو‪،‬‬
‫فقرأت عميو‪ ،‬فقاؿ لي‪ :‬تعمـ كتاب ييكد؛ فإني ال آمنيـ عمى كتابنا‪ ،‬قاؿ فما مر بي خمسة عشر حتى‬
‫تعممتو‪ ،‬فكنت أكتب لمنبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ ،‬كأق أر كتبيـ إليو)‪.‬‬
‫(‪ )1‬يينظر‪ :‬المكافقات لمشاطبي؛ المقدمة الخامسة ص‪.)102-90( :‬‬
‫(‪ )2‬الميذب في عمـ أصكؿ الفقو المقارف‪ ،‬د‪ /‬عبد الكريـ بف عمي بف محمد النممة‪ ،‬ص‪،)1007 ،1003( :‬‬
‫ط‪ :‬مكتبة الرشد (‪1420‬ق)‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعكدية‪.‬‬
‫(‪ )3‬ىذه القاعدة مف كممات شيخ اإلسبلـ بف تيمية؛ يينظر في معناىا كاألمثمة عمييا‪ :‬القكاعد كالضكابط الفقيية‬
‫عند شيخ اإلسبلـ بف تيمية في كتابي الطيارة كالصبلة‪ ،‬د‪ /‬ناصر بف عبد ا﵀ بف عبد العزيز الميماف‪،‬‬
‫رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة أـ القرل‪ ،‬كمية الشريعة كالدراسات اإلسبلمية‪ ،‬ص‪ 202( :‬ػ ػ ػ ‪ .)204‬كمف أمثمتيا‪:‬‬
‫فكت ذلؾ مصمحة‬
‫الصبلة في أكقات النيي‪ ،‬يحٌرمت ألجؿ التشبو بالكفار في سجكدىـ لمشمس؛ كلكف إذا ٌ‬
‫راجحة كقضاء الفكائت أك صبلة الجنازة في ىذا الكقت فإنيا تيباح ألجؿ ىذه المصمحة الراجحة‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ثالثيا‪ :‬ل يغفؿ طالبو عف اآلخرة؛ فقد كصؼ ا﵀ سبحانو كتعالى الذيف ال‬
‫َ ََُۡ َ ََُۡ َ‬
‫ٔن َظَٰٓ ٗصا ٌََِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َٰ َّ َ ۡ َ‬
‫ِ‬ ‫سَ أزَث ٱنل ِ‬
‫اس َّل حػئٍن حػيٍ‬ ‫يؤمنكف بو بأكصاؼ؛ منيا‪﴿ :‬ول ِ‬
‫ُ َ ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ۡ َ َ َٰ ُّ ۡ‬
‫ٱدلجيَا َوْ ًۡ غ َِ ٱٓأۡلر َِصة ِ ْ ًۡ غَٰفِئن ﴾ [الركـ‪]7 ،6 :‬؛ ف ػ‪« :‬ال يعممكف اإليماف‬ ‫ٱۡلئة ِ‬
‫كأحكاـ الشرع‪ ،‬كانما يعممكف ظاى انر مف الحياة الدنيا؛ يتعمؽ بكسب المعاش كبناء‬
‫الحضارة المادية كىـ عف اآلخرة التي ىي الدار الحقيقية معرضكف‪ ،‬ال يمتفتكف‬
‫(‪) 1‬‬
‫أساس ال ييغفؿ‪،‬‬
‫ه‬ ‫ـ‬‫العمك‬ ‫ىذه‬ ‫بطمب‬ ‫إليو‬ ‫التقرب‬
‫ك‬ ‫تعالى‬ ‫ا﵀‬ ‫مف‬ ‫فالخشية‬ ‫‪،‬‬ ‫إلييا»‬
‫طالبيا فيما انغمس فيو أىميا‪.‬‬
‫ينغمس ي‬
‫ي‬ ‫كعميو ‪ ..‬فبل‬

‫أىميتييا؛ فإف كانت‬ ‫رابعيا‪ :‬صح ُة النيَّة فيو‪ .‬إذ أف أثر النية في العمـ ال تخفى ٌ‬
‫النية فيو سميمة صحيحة كاف صاحبو مع النبييف كالصديقيف كالشيداء كالصالحيف؛‬
‫تسعر بيـ جينـ‪ ،‬فعف ىك ٍع ًب ٍب ًف ىمالً وؾ‬ ‫كاف كانت سكل ذلؾ فإف صاحبيا مع أكؿ مف ٌ‬
‫م بً ًو‬ ‫ً ً‬
‫ب ا ٍلع ٍم ىـ ل يي ىج ًار ى‬
‫ً َّ‬ ‫كؿ المَّ ًو َّ َّ‬
‫صمى الموي ىعمى ٍيو ىك ىسم ىـ ىيقيك يؿ‪ ( :‬ىم ٍف طىمى ى‬ ‫ى‬ ‫قىا ىؿ ىس ًم ٍع ي‬
‫ت ىر يس ى‬
‫الن ىار)(‪.)2‬‬‫اس إًلى ٍي ًو أ ٍىد ىخمىوي المَّوي َّ‬ ‫ؼ بً ًو يك يجكهى َّ‬
‫الن ً‬ ‫ص ًر ى‬
‫اء أ ٍىك ىي ٍ‬
‫ا ٍلعمىماء أىك لًيم ًار ً‬
‫م بًو السُّفىيى ى‬
‫ي ى ى ٍ يى ى‬
‫أما إف‬
‫خامسيا‪ :‬ل يوجد ليذا العمـ بالمسمميف سبيؿ‪ .‬فميس عندىـ قاطبة ػ ػ َّ‬
‫يكجد؛ فيرحؿ إلى مف عندىـ مف المسمميف ال إلى غيرىـ ػ ػ‪ .‬كىذا مستىنبط مف ترجمة‬
‫البخارم رحمو ا﵀ سالفة الذكر‪« :‬استئجار المشركيف عند الضركرة؛ أو إذا لـ يوجد‬
‫أىؿ اإلسالـ»(‪.)3‬‬

‫حاليف؛ األوؿ‪ :‬ما ذكرتو قب يؿ؛ كىي‬


‫ينكه ىنا عمى مقاميف أك ٍ‬ ‫كلكف ينبغي أف أ ّْ‬
‫المسمميف لًم ٍثؿ ىذا كغيره عند الضركرة كعدميا‪ ،‬فجاز استئجار‬
‫جكاز استئجار غير ي‬
‫المسمميف‪ ،‬والثانية‪:‬‬
‫المسمميف وىذه الحاؿ في ديار ُ‬
‫المشركيف مع كجكد غيرىـ مف ي‬ ‫ي‬
‫المسمميف؛ بيـ كبغيرىـ‪ ،‬كىذا ىك المقصكد مف ىذا الشرط؛ فمـ‬
‫ىي انعداـ ىذا عند ي‬

‫( ‪ )1‬المختصر في تفسير القرآف الكريـ‪ ،‬ص‪ .)405( :‬كأضيؼ قائبلن‪ :‬كلك تفكركا فيما بيف أيدييـ مف ىذه‬
‫أذكياء كحذاقان؛ لقادىـ ذلؾ إلى اإليماف با﵀ تعالى‪ ،‬فكثي انر ما‬
‫ن‬ ‫األمكر المادية التي برعكا فييا ككانكا فييا‬
‫ُّ‬
‫يستدؿ القرآف الكريـ عمى تكحيد األلكىية بتكحيد الربكبية‪ ،‬كلكنيا قساكة القمكب نسأؿ ا﵀ أف يعافينا‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجو االترمذم؛ ؾ‪( :‬العمـ)‪ ،‬باب‪( :‬ما جاء فيمف يطمب بعممو الدنيا)‪ ،‬برقـ‪.)2654( :‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخارم‪ ،‬ؾ (اإلجارة)‪ ،‬الباب المذككر‪ ،‬برقـ‪.)2263( :‬‬

‫‪78‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يبعث النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ أبناء المسمميف إلى قريش كي يتعممكا ً‬
‫الكتابة ىناؾ‪،‬‬ ‫ي‬
‫و‬
‫حرب بيف‬ ‫بيانو‪ً ،‬‬
‫أضؼ إلى ذلؾ؛ أف الحالةى حالةي‬ ‫كعنده يكتاب الكحي كما سبؽ ي‬
‫الفريقيف فكيؼ يككف ىذا اإلرساؿ‪ ،‬كالحالةي تمؾ!‪ .‬كاذا لـ تكف حرب بيف الفريقيف بؿ‬
‫أمف فسيأتي مزيد بياف لذلؾ‪.‬‬
‫ه‬

‫سادسيا‪ :‬شركطه ‪ ..‬فيمف ييتعمَّـ عمى يديو مف غير المسمميف‪.‬‬

‫‪3‬ػػػػ األمانة‪ :‬ييشترط فيمف ييعمّْـ أبناءنا أف يككف أمينان‪ ،‬فبل يككف خائنان؛ حتى‬
‫بعضان مف أىؿ الكتاب‬ ‫ى‬ ‫سمـ!!؛ فقد كصؼ ا﵀ سبحانو كتعالى‬ ‫كاف كاف غير م و‬
‫َۡ‬ ‫ى ي‬
‫َ َُ ّ ٓ َۡ َ‬
‫م َوٌِِۡ ًُٓ ٌََّۡ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ َ ۡ ۡ ََٰ‬
‫ب ٌَ إِن حأٌِّ ةِلِِمارٖ َؤدِه ِۦ إِِل‬‫باألمانة؛ فقاؿ‪﴿ :‬وٌَِ أْ ِو ٱىهِٰ ِ‬
‫ۡ‬ ‫َ‬
‫َ َّ ُ َ ّ ٓ َ ۡ َ َّ َ ُ ۡ َ َ َ ۡ َ ٓ ٗ َ َٰ َ َّ ُ ۡ َ ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َۡ‬
‫َ‬
‫إِن حأٌِّ ةِسَِِارٖ َّل َؤ ِده ِۦ إِِلم إَِّل ٌا دٌج غييِّ كانٍِا ذل ِم ةِأجًٓ كالٔا ىيط‬
‫ۡ ُ ّ ّ َ َ ر َ َ ُ ُ َ َ َ َّ ۡ َ َ َ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َ‬ ‫ََ‬
‫ً‬
‫ِيَ ظبِيو ويلٔلٔن لَع ٱَّلل ِ ٱىهشِب وًْ حػئٍن﴾ [آؿ عمراف‪:‬‬ ‫غي ۡيَِا ِِف ٱۡلٌ ِ ۧ‬
‫كيحذر المؤمنيف مف‬ ‫‪ ،]75‬فػ ػ‪ « :‬ييخبر تعالى عف الييكد بأف فييـ الخكنة‪ ،‬ي‬
‫االغترار بيـ؛ فإف منيـ "مف إف تأمنو بقنطار" أم مف الماؿ "يؤده إليؾ"؛‬
‫أم‪ :‬كما دكنو بطريؽ األكلى ‪ .)1(»..‬كقد جاء عف قبيمة مف قبائؿ المشركيف‬
‫ػ ػ نفر مف خزاعة ػ ػ ػ أنيـ‪( :‬كانكا عيبة نصح رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ‬
‫مف أىؿ تيامة)‪ ،‬كقد قاؿ الحافظ ابف حجر تعميقا عمى ىذا األثر‪« :‬أم أنيـ‬
‫سره ‪ ..‬كفيو جكاز استنصاح بعض‬ ‫مكضع النصح لو كاألمانة عمى ّْ‬
‫الذمة إذا دلَّت القرائف عمى نصحيـ كشيدت التجربة بإيثارىـ‬
‫المعاىديف كأىؿ ّْ‬
‫ى‬

‫(‪ )1‬يينظر‪ :‬تفسير ابف كثير‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ .)61 ،60( :‬كقد ذكر ابف كثير رحمو ا﵀ تعالى في تفسيره ليذه اآلية‬
‫حديثان مف أحاديث بني إسرائيؿ‪ ،‬كلعمَّو ييدلؿ بو عمى كجكد األمانة فييـ‪ ،‬كىك الرجؿ الذم استسمؼ ألؼ‬
‫دينار مف صاحبو فقاؿ لو (كفى با﵀ شييدا ‪ ..‬كفى با﵀ كفيبلن) كىك مف األحاديث المعمقة في البخارم؛‬
‫كقد ذكره بصيغة الجزـ‪ ،‬يينظر‪ :‬صحيح البخارم‪ ،‬كتاب‪ :‬الكفالة‪ ،‬باب‪( :‬الكفالة في القرض كالديكف باألبداف‬
‫كغيرىا)‪ ،‬برقـ‪ )2291( :‬كغيره مف المكاضع في صحيحو‪.‬‬
‫الخائف كاألميف‪ ،‬كالمؤمنكف‬
‫ى‬ ‫بينما نجد القرطبي رحمو ا﵀ تعالى؛ قد قاؿ‪« :‬أخبر تعالى أف في أىؿ الكتاب‬
‫كخص أىؿ الكتاب بالذكر ألف الخيانة فييـ أكثر‪ ،‬فخرج الكبلـ‬
‫َّ‬ ‫ال ييميّْزكف ذلؾ فينبغي اجتناب جميعيـ‪،‬‬
‫عمى الغالب‪ .‬كا﵀ أعمـ»‪ ،‬تفسير القرطبي‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ .)177( :‬التركي‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أىؿ اإلسبلـ عمى غيرىـ كلك كانكا مف أىؿ دينيـ»(‪ .)1‬كقد ً‬


‫أم ىف النبي صمى‬
‫الديؿ عمى الراحمتيف في حادث اليجرة‬‫ا﵀ عميو كسمـ كأبك بكر رجبلن مف بني ّْ‬
‫(كىك عمى ديف كفَّار قريش؛ ً‬
‫فأمىناهي فدفعا إليو راحمتييما)(‪ ،)2‬فمف لـ يكف ذا‬
‫أمانة ممف يجمس أبناؤنا تحت يديو؛ فبل حاجة لنا إليو‪ .‬إذ كيؼ يكثؽ بعممو‪،‬‬
‫كالحالة ىذه!!‬

‫‪2‬ػػػػ الميارة‪ :‬إذ ىي التي ألجأتنا إلييـ‪ ،‬كبسببيا تفكقكا عمينا؛ فمكالىا ما ترؾ‬
‫سنة النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ العممية؛ ًإذ‬ ‫ديارنا؛ كدليؿ ذلؾ مف ٌ‬‫الدنا ى‬
‫أك ي‬
‫عبد ا﵀ بف أريقط؛ ككاف عمى ديف‬‫استأجر عميو الصبلة كالسبلـ دليبلن لميجرة ى‬
‫كفار قريش‪ ،‬ككاف ىاديان ًخ ّْريتان ما ان‬
‫ىر باليداية(‪ .)3‬فإذا لـ يكف ليؤالء في ىذه‬
‫بل عف أف‬ ‫العمكـ مزَّيةه أك ميارة َّ‬
‫تفكقيكا بيا عمينا؛ أك تساكينا معيـ فييا‪ ،‬فض ن‬
‫نسبقيـ فييا فعند ذلؾ ال تجكز اليجرة إلييـ لطمب ىذا العمـ‪.‬‬

‫ً‬
‫سممات التي‬ ‫الم‬
‫‪ 1‬ػػػػ ل يأمر بمنكر ول ينيى عف معروؼ‪ .‬كىذا الشرط مف ي‬
‫ال غنى عنيا؛ كىك كذلؾ شرطه نً ٍسبً ّّي؛ بمعنى‪ :‬مراعاة المصالح كالمفاسد‬
‫ُّ‬
‫نيى عنو؛‬‫المترتّْبة عمى تعمـ ىذا العمـ أك الجيؿ بو‪ ،‬ككذلؾ بالمعركؼ الذم يي ى‬
‫فر؛ فبل طاعة‬ ‫أك المنكر الذم ييؤمر بو‪ ،‬فإذا ما أى ىم ىر ىذا الذم ييعمّْ يـ أبناءنا ب يك و‬
‫لو؛ َّأيان كاف ىذا العمـ الذم ييعمّْمو‪ ،‬ككذلؾ إذا ما ىنيى عف فريضة مف فرائض‬
‫أما إذا ىنيى عف يسَّنة مف السنف التي‬
‫الديف كالصبلة كالزكاة كالصياـ كالحج‪ .‬ك َّ‬
‫ييثاب فاعميا كال يعاقب تاركيا فاألمر في ىذا محتم هؿ؛ في سبيؿ تحقؽ تمؾ‬
‫المصمحة المترتٌبة عمى تعمُّـ ىذا العمـ؛ كقد سبقت اإلشارة إلى قاعدة مف‬
‫القكاعد؛ كىي أف المأمكر بو أعظـ مف المنيي عنو؛ ف ػ‪« :‬تنبغي مراعاة‬
‫الفروؽ بيف أحكاـ يعود تفويتيا بالضرر عمى المجتمع في مجممو‪ ،‬وبيف‬
‫األحكاـ التي يعود تفويتيا بالضرر عمى شخص المسمـ في خاصة نفسو‬

‫(‪ )1‬صحيح البخارم‪ ،‬ؾ‪( :‬الشركط)‪ ،‬باب‪( :‬الشركط في الجياد)‪ ،‬برقـ‪ .)2731( :‬كفتح البارم‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪:‬‬
‫(‪.)397‬‬
‫مكضعو‪.‬‬
‫ي‬ ‫(‪ )2‬سيأتي تخريج أثره في الشرط التالي؛ فيك‬
‫(‪ )3‬صحيح البخارم‪ ،‬ؾ‪( :‬اإلجارة)‪ ،‬باب‪( :‬استئجار المشركيف عند الضركرة)‪ ،‬برقـ‪.)2263( :‬‬

‫‪81‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ودينو ومروءتو؛ فإنو ُيستخؼ في األولى‪ ،‬ما ل ُيستخؼ في الثانية‪ ،‬والنوع‬


‫األمة في مجمميا والثاني‬
‫األوؿ ىو لحفظ مصالح جماعية تتحقؽ بامتثاؿ َّ‬
‫لحفظ مصالح تتعمؽ بامتثاؿ آحاد الناس ‪ ..‬ككبل النكعيف مطمكب امتثاال؛‬
‫لكف النظاـ العاـ لممجتمعات األكربية يرًسمت قكانينو عمى نظر آخر لمصبلح‬
‫كالفساد‪ ،‬كلذلؾ فتفكيت المسمـ لمنكع األكؿ في ىذه المجتمعات‪ ،‬ىك أقؿ‬
‫ضر ار مف تفكيت الثاني؛ كلذلؾ ينبغي أف تككف درجات المصالح بإزاء‬
‫الترخص متفاكتةن»(‪.)1‬‬

‫‪ 4‬ػػػػػ ل ُيظمـ عنده أحد‪ :‬فالعدؿ مف أىـ األخبلؽ التي تيبنى عمييا الدكؿ؛‬
‫كما أف الظمـ مف أسرع الطرؽ ىبلكان ليا‪ ،‬كال يرتبط العدؿ عند كثير مف‬
‫الظمـ فييا متفشيان‪،‬‬
‫أمةن مسممةن ك ي‬‫األشخاص بعقيدتيـ؛ صحةن كفسادان‪ ،‬فقد تجد ٌ‬
‫كأخرل كافرةن كالعدؿ فييا ظاىرا‪ .‬كقد كصؼ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‬
‫أرضو فقاؿ‪( :‬إف بأرض الحبشة ممكان ال ييظمـ أحد ًعنده‪،‬‬
‫اني ك ى‬
‫النجاشي النصر ى‬
‫ى‬
‫(‪)2‬‬
‫تعاقدت‬
‫ٍ‬ ‫فالحقكا بببلده حتى يجعؿ ا﵀ لكـ فرجان كمخرجان مما أنتـ فيو) ‪ .‬كقد‬
‫يش ػ ػ عمى كثنيتيا! ػ ػ فيما بينيا عمى نصرة المظمكـ في حمؼ‬
‫كتعاىدت قر ه‬
‫ٍ‬
‫شيدت ًحمؼ المطيبيف‬
‫ي‬ ‫الفضكؿ؛ الذم قاؿ عنو النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪( :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فإذا لـ‬ ‫مع عمكمتي كأنا غبلـ‪ ،‬فما أحب أف لي حمر النعـ‪ ،‬كاني أنكثيو)‬

‫المسممة؛ تأصيبلن‬
‫(‪ )1‬منطمقات لفقو األقميات؛ أ‪ /‬العربي البشيرم‪ ،‬ص‪ ،)241( :‬نقبلن عف‪ :‬فقو النكازؿ لؤلقميات ي‬
‫كتطبيقان‪ ،‬د‪ /‬محمد ييسرم إبراىيـ‪ ،‬ص‪ ،)516 ،515( :‬ط‪ :‬الشؤكف اإلسبلمية‪ .‬دكلة قطر‪.‬‬
‫األلباني في السمسة الصحيحة برقـ‪:‬‬ ‫( ‪ )2‬أخرجو البييقي في السنف (‪ )9 /9‬كغيره؛ كقد استقصى طيرقىو‬
‫ي‬
‫(‪ ،)3190‬كقاؿ‪( :‬إسناد جيد)‬
‫( ‪ )3‬أخرجو البخارم في األدب المفرد‪ ،‬باب‪( :‬حمؼ الجاىمية)‪ ،‬برقـ‪ .)567( :‬كأحمد في المسند؛ برقـ‪:‬‬
‫(‪ ،)1676 ،1655‬قاؿ السندم‪ً « :‬حمؼ عبد مناؼ كأسد كزىرة ٍ‬
‫كتيـ في المسجد عند الكعبة عمى أف ال‬
‫يتخاذلكا‪ ،‬كينصركا المظمكـ‪ ،‬كيصمكا الرحـ‪ ،‬كنحك ذلؾ فأخرجت بنك عبد مناؼ جفنةن مممكءة طيبان‪،‬‬
‫مح‬
‫كج ي‬‫فسمكا المطيبيف‪ ،‬كتعاقدت بنك عبد الدار ي‬
‫فكضعتيا ألحبلفيـ‪ ،‬ثـ غمس القكـ أيدييـ فييا كتعاقدكا‪ُّ ،‬‬
‫فسمكا األحبلؼ لذلؾ‪ ،‬ككاف الني صمى ا﵀ عميو كسمـ كأبك‬‫كسي هـ ًحمفان آخر مؤكدان ُّ‬
‫كمخزكـ كعدم ككعب ٍ‬
‫بكر مف المطيبيف كعمر مف األحبلؼ» مسند اإلماـ أحمد‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.)194 ،193( :‬‬

‫‪81‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫تكف في ىذه الببلد يعنصريةه َّ‬


‫ضد المسمميف؛ بحيث يمتنعي معيا تحصيؿ تمؾ‬
‫العمكـ فبل حاجة فييا حينئذ‪.‬‬

‫قد ُـ عند األمف وعدـ الضطرار (مف البالد والمؤسسات واألفراد)‬‫‪ 5‬ػػػ ُي ّ‬
‫الكتابي عمى غيره‪ .‬فإذا كاف ىذا العمـ الذم رحؿ أكالدنا في تحصيمو عند‬
‫ُ‬
‫قدـ أىؿ الكتاب عمى‬ ‫في َّ‬
‫أىؿ الكتاب مف الييكد كالنصارل كعند غيرىـ؛ ي‬
‫فرح المؤمنكف بانتصار الركـ عمى الفيرس ألنيـ أى يؿ و‬
‫ديف؛ بينما‬ ‫غيرىـ‪ ،‬فقد ً‬
‫حبكف أف يظير الفيرس عمى الركـ ألنيـ أىؿ أكثاف(‪ ،)1‬كقد‬
‫كاف المشرككف يي ُّ‬
‫اختار النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ النجاشي النصراني عمى غيره في حادث‬
‫اليجرة إلى الحبشة(‪ .)2‬كقد قاؿ جعفر بف أبي طالب رضي ا﵀ عنو لمنجاشي‬
‫ىف ال‬ ‫ؾ‪ ،‬ىكىرًغ ٍبىنا ًفي ًج ىك ًار ى‬
‫ؾ‪ ،‬ىكىر ىج ٍكىنا أ ٍ‬ ‫ؾ ىعمىى ىم ٍف ًس ىكا ى‬
‫اختىٍرىنا ى‬
‫رحمو ا﵀ تعالى‪( :‬فى ٍ‬
‫ؾ)(‪.)3‬‬ ‫ؾ أُّىييىا ا ٍل ىممً ي‬
‫ظمى ىـ ًع ٍن ىد ى‬
‫ين ٍ‬

‫انة لًمف رحؿ في سبيؿ تحصيؿ ىذا العمـ‬


‫فيذه الشركط الخمسة؛ ىي بمثابة ضم و‬
‫ىى‬
‫الم ْم ِقي‪ ،‬ككذلؾ ضماف لو في بيئة التَّمقي‪ ،‬ككذلؾ‬
‫النافع‪ ،‬فيي ضمانةه لو مف ناحية ُ‬
‫المتمقِّي‪.‬‬
‫ضماف لديف ُ‬
‫ه‬

‫فإذا لـ تتحقؽ ىذه الشركط؛ فبل ييطمب ىذا العمـ‪ً ،‬إذ المحافظة عمى رأس الماؿ‬
‫ً‬
‫المظنكف تحصيميو‪.‬‬ ‫الربح‬ ‫يم َّ‬
‫قدمة عمى ّْ‬

‫(‪ )1‬يينظر في ذلؾ‪ :‬سنف الترمذم‪ ،‬ؾ‪( :‬تفسير القرآف)‪ ،‬باب‪( :‬كمف سكرة الركـ)‪ ،‬برقـ‪ ،)3193( :‬كتفسير ابف‬
‫يخر لفرح المؤمنيف بيذا‬
‫كثير‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ 297( :‬ػ ػ ػ ػ ‪ .)303‬كينظر في تفسير القرطبي؛ كقد ذكر تعميبلت أ ى‬
‫النصر؛ أمثاؿ‪« :‬فرحيـ إنما كاف إلنجاز كعد ا﵀ تعالى؛ إذ كاف فيو دليؿ عمى النبكة‪ ،‬أك محبَّة أف يغمب‬
‫األكبر كثر الخكؼ منو كقد كاف الكفار يريدكف أف يرميو ا﵀‬
‫ي‬ ‫األصغر َّ‬
‫ألنو أيسر مؤكنة؛ كمتى غمب‬ ‫ي‬ ‫العدك‬
‫ُّ‬
‫بممؾ يستأصمو كيريحيـ منو‪ ،‬كقيؿ فرحيـ بنصر الرسكؿ صمى ا﵀ عميو كسمـ عمى المشركيف يكـ بدر؛ ثـ‬
‫قاؿ القرطبي‪ :‬كيحتمؿ أف يككف سركرىـ بالمجمكع مف ذلؾ‪ ،»..‬تفسير القرطبي ج‪ ،16‬ص‪،397( :‬‬
‫‪ .)398‬باختصار‪.‬‬
‫( ‪ )2‬في ىجرة الحبشة؛ صحيح البخارم‪ ،‬ؾ‪( :‬مناقب األنصار)‪ ،‬باب‪( :‬ىجرة الحبشة)‪ ،‬ك(مكت النجاشي)‪،‬‬
‫بأرقاـ‪ 3872( :‬ػ ػ ‪.)3881‬‬
‫(‪ )3‬أخرجو أحمد في مسنده (‪.)1740‬‬

‫‪82‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ؽ غير‬‫كس ٍب ي‬ ‫ً‬ ‫و‬


‫ككمثاؿ ليذا العمـ الذم ىس ييرحؿ مف أجمو ع يمـ األبداف (الطب)؛ ى‬
‫المسمميف فيو معركؼ مشيكر‪ ،‬حتى أصبح غير المسمميف فيو ًمثاال كنمكذجان‬
‫ييحتذل؛ فالتجأ أبناء المسمميف مف ذكم القدرة كالغنى إلى أحضانيـ كمستشفياتيـ‬
‫يخففكف بذلؾ آالميـ كأمراضيـ!! كقد قاؿ الشافعي رحمو ا﵀ تعالى عف ىذا العمـ‪:‬‬
‫«إنما العمـ عمماف‪ :‬عمـ الديف كعمـ الدنيا‪ ،‬فالعمـ الذم لمديف ىك الفقو كالعمـ الذم‬
‫لمدنيا ىك الطب‪ .‬وفي رواية ثانية عنو؛ قاؿ‪ :‬ال أعمـ بعد الحبلؿ كالحراـ أنب ىؿ مف‬
‫أف أىؿ الكتاب قد غمبكنا عميو‪ ،‬كفي رواية ثالثة عنو أنو‪ :‬كاف يتميؼ‬ ‫َّ‬
‫الطب‪ ،‬إال ٌ‬
‫عمى ما ضيع المسممكف مف الطب كيقكؿ‪ :‬ضيعكا ثمث العمـ كككمكه إلى الييكد‬
‫كالنصارل»(‪.)1‬‬

‫ككذلؾ ما يكازيو مف العمكـ؛ التي ال ًغنى لممسمميف عنيا في بنيانيـ الحضارم‬


‫اإلنساني؛ كعمكـ‪( :‬اليندسة‪ ،‬كاألسمحة‪ ،‬كالفمؾ‪ ،‬كالفيزياء‪ ،‬كالميكانيكا‪ ،‬كاألحياء‪).. ،‬‬

‫نفع‬
‫عي ذك و‬ ‫فإذا ما أردنا أف ينطبؽ عميو ىذه الشركط؛ فإنو ػ ػ كببل شؾ ػ ػ عمـ شر ّّ‬
‫المسمميف مف يقكمكف بتدريسو كتعميمو؛ بؿ كتطكيره؛‬ ‫يكجد في يبمداف ي‬
‫عظيـ‪ ،‬ككذلؾ ى‬
‫المسمميف؛ كال سبيؿ إلى تحصيمو إال بالرحمة إلييـ‬
‫قدر زائد منو عند غير ي‬
‫كلكف ىناؾ ه‬
‫كالجمكس تحت أيدييـ‪.‬‬

‫ثـ إف ىناؾ؛ مف ىذه البمداف ىمف يستخدمكف تمؾ العمكـ في فرض ىيمنتيا‬
‫ثـ فبل يبذلكنيا لطالبييا مف أجؿ استمرار ىيمنتيـ‬
‫كسيطرتيا عمى باقي الدكؿ؛ كمف َّ‬
‫المسمميف‬
‫تمؾ‪ ،‬ككذلؾ ىناؾ يد ىك هؿ ال يأمف فييا أى يؿ اإلسبلـ عمى دينيـ فبينيـ كبيف ي‬
‫أم وف كاطمئناف‪ ،‬ككماثؿ ليذا مف التاريخ‬ ‫ً‬
‫حركب أك شقاؽ أك نزاع؛ كأخرل ىي مح يؿ ٍ‬
‫اإلسبلمي؛ فاأليكلى‪( :‬المستضعفكف بم ٌكة بعد اليجرة)‪ ،‬كالثاني‪( :‬مياجركا الحبشة)‪.‬‬

‫ككذلؾ ىناؾ مف القائميف عمى العممية التعميمية في تمؾ البيئة؛ ىم ٍف ىـ مف‬


‫كجية عالىمانية‪.‬‬
‫المستشرقيف الذيف يكجيكف أبناءىـ ػ ػ أقصد‪ :‬تبلمذتيـ ػ ػ ٍ‬
‫ي‬
‫( ‪ )1‬يينظر‪ :‬مناقب اإلماـ الشافعي لمرازم‪ ،‬ص‪ .)325( :‬ط‪ :‬مكتبة الكميات األزىرية تحقيؽ‪ :‬أحمد حجازم‬
‫السقٌا‪1406( .‬ق) كترجمة الشافعي سير أعبلـ النببلء ج ‪ ،10‬ص‪ 5( :‬ػ ػ ‪)99‬؛ ط‪ :‬الرسالة‪ .‬كتيذيبيا لػ‪:‬‬
‫محمد بف عقيؿ مكسى؛ ص‪)738( :‬؛ ط‪ :‬دار األندلس‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫المتعمًّْـ‬ ‫ً‬
‫المسمـ ي‬
‫ابقاء ي‬
‫ي‬ ‫ال كأخي نار‪ :‬ىك الطعف في اإلسبلـ‪ ،‬ككذلؾ‪:‬‬
‫كاليدؼ منيا أك ن‬
‫ىناؾ‪ ،‬أك بعد يرجكعو إلينا؛ ببل إسبلـ‪.‬‬

‫جر ىؤالء المبعكثكف في تمؾ البمداف عمى بمدانيـ بعد يرجكعيـ إلييا مف‬ ‫ككـ َّ‬
‫المزيفة كالعادات كالعكائد كالتقاليد التي لـ‬
‫الكيبلت‪ ،‬فاألفكار المنحرفة‪ ،‬كاألخبلؽ ي‬
‫تعيدىا ببلد اإلسبلـ ال في القديـ كال في الحديث؛ ُّ‬
‫كؿ ىذا ػ ػ في األعـ األغمب ػ ػ ما‬ ‫ٍ‬
‫أثر مف آثار ىؤالء الذيف قامكا عمى تعميـ أبنائنا ممف ألقى ٍكا بأنفسيـ أك ألقينا‬
‫ىك إال ه‬
‫بيـ ىناؾ‪.‬‬

‫يسر ا﵀ تعالى تقييدىا في ىذه القاعدة أيراىا الزمةن‬


‫فيذه الضكابط كالشركط التي ٌ‬
‫في تشييد الحضارة اإلسبلمية إذا ما أردنا أف نقتبس مف غيرنا يعمكما كتمؾ التي‬
‫نكىت عمييا آنفان‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪84‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة الثامنة‬

‫في طبيعة البناء الحضاري لإلنسانية‬

‫يكر التفاعؿ الحضارم بيف الحضارات‪ ،‬كاقتباس بعضيا مف بعض‪ ،‬ككذلؾ‬‫ظي ي‬


‫الحسف في الشريعة اإلسبلمية‬
‫دكرانيا بيف التأثير كالتأثر؛ ىك مظير مف مظاىر ي‬
‫الغراء‪.‬‬

‫فكت عمييا كثي ار‬ ‫فمـ تقؼ الشريعة اإلسبلميةي مف الحضارات السابقة ليا؛ مكقفان يي ّْ‬
‫رت بيا‪،‬‬ ‫فييا كتأثٌ ٍ‬ ‫رت‬
‫تفاعمت معيا؛ فأثٌ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫المتعمقة بالبناء اإلنساني بؿ‬ ‫مف المصالح ي‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫اس إُِا‬ ‫يأ ُّح َٓا ٱنلَّ ُ‬‫كىذا ىك أساس التعارؼ الذم قاؿ ا﵀ تعالى عنو في كتابو‪َٰٓ َ ﴿ :‬‬
‫َ َّ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ ۡ َ َٰ ُ ّ َ َ َ ُ َ َٰ َ َ َ ۡ َ َٰ ُ ۡ ُ ُ ٗ َ َ َ ٓ َ َ َ َ ُ ْۚ ٓ ْ َّ َ ۡ َ َ ُ‬
‫ريلنسً ٌَِ ذن ٖص وأَُث وجػينسً ػػٔبا ورتانِو ِلِ ػارـٔا إِن أزصٌسً غِِس ٱَّللِ‬
‫ر‬ ‫َ ۡ َ َٰ ُ ۡ َّ َّ َ َ ٌ َ‬
‫أتلىس ًْۚ إِن ٱَّلل غي ِيً رتِي ﴾ [الحجرات‪.]13 :‬‬

‫ف التعارؼ القائـ بيف الشعكب كالقبائؿ في القديـ كالحديث؛ ىك الذم أفرز تمؾ‬
‫أمة مف األمـ تيراث مف سبقيا في خدمتيا‬ ‫ت ُّ‬
‫كؿ َّ‬ ‫الحضارة اإلنسانية العالمية؛ فمقد ً‬
‫كرثى ٍ‬
‫لئلنسانية‪ ،‬كنقمت ىذا المكركث إلى الحقييا‪.‬‬

‫يقكؿ أ‪ /‬عباس محمكد العقٌاد‪« :‬األصالة قدر يمشترؾ بيف جميع الحضارات؛ فكؿ‬
‫كنقمت؛ ككاف ليا ًسمةه تميزىا بيف الحضارات العالمية‪ ،‬كلـ تكجد قط‬
‫ٍ‬ ‫أبدعت‬
‫ٍ‬ ‫حضارة‬
‫الس ىم ًة التي تيميّْزىا بيف ًسمات‬
‫تفردت باإلبداع أك بالنقؿ أك خمت مف ّْ‬
‫ٍ‬ ‫حضارة‬
‫الحضارة» كيتساءؿ متعجّْبان‪« :‬أيف ىي الحضارة التي أبدعت كلـ تنتقؿ(‪)1‬؟‪ ،‬كأيف ىي‬
‫الحضارة التي ييقاؿ عف جميع عممائيا إنيـ مف عنصر محض خالص ينتمكف إليو‬
‫كال يمتزج بالعناصر األخرل؟ فاإلغريؽ نقمكا قبؿ أف ييبدعكا ‪ ..‬كيصدؽ ىذا عمى‬
‫أمة مف سبلالت األكربييف المحدثيف»‪،‬‬ ‫اليند كفارس كالصيف‪ ،‬كما يصدؽ عمى َّأية َّ‬
‫ثـ يقكؿ‪« :‬ليس ُّ‬
‫كؿ ما انتقؿ عمى أيدم الحضارة اإلسبلمية عربيان محض نا في الفركع‬
‫كاألصكؿ‪ ،‬كلكف حسبيا أنو لـ ينقطع عمى أيدييا فاتصمت بفضميا كشائجو بالتاريخ‬

‫(‪ )1‬ىكذا في األصؿ؛ كلعميا (تنقؿ) مف النقؿ‪ .‬ص‪.)29( :‬‬

‫‪85‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القديـ كالحديث فحفظت تراث اإلنسانية يكمّْيا كزادت عميو كنقمتو إلى مف تبلىا‪ُّ ،‬‬
‫ككؿ‬
‫تكرث‬
‫حضارة صنعت ذلؾ فقد صنعت ما ييطمب مف الحضارات‪ ،‬كمف طمب إلييا أال ّْ‬
‫الناس شيئان جديدا مف ابتداعيا فقد طمب إلييا أف تيمغي َّ‬
‫كؿ ما تىقى َّد ىميا أك ىك قد طمب‬
‫الحرص عمى‬ ‫إلييا ما يناقض الحضارة في فضيمتيا الكبرل؛ كىي فضيمة السماحة ك ً‬
‫ي‬
‫تراث بني اإلنساف»(‪.)1‬‬

‫فيذا التفاعؿ اإلنساني بيف الحضارات ىك طبيعة في بناء اإلنساف يأخذ ممف‬
‫سبقو؛ فينظر في صنيعو يمصححا يمدقٌقا يمضيفا‪ ،‬حتى كاف كاف في بعض أطكار‬
‫ضيعو‪.‬‬
‫اث مف سبقو فحسب؛ فيكفيو أنو حافظ عميو فمـ يي ٍ‬
‫حياتو ناقبلن تر ى‬

‫تمرسكا فييا كعمييا؛ فمقد أخذكا ىـ كذلؾ‬ ‫فالمسمـ قبؿ أف يأخذ مف ىؤالء يعمكمان َّ‬ ‫ي‬
‫سيما أخ يذىـ مف المسمميف ػ ػ فأضافكا كنقَّحكا كحققكا كزادكا‪ ،‬كعميو‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ممف سبقيـ ػ ػ كال ٌ‬
‫فمئف مُّنكا بعطائيـ ً‬
‫فمَّنتينا بؿ ك ًمَّنةي الحضارة اإلنسانية كميا عمييـ سابقة‬ ‫ى‬
‫ميزتٍيا عف غيرىا‪،‬‬
‫كؿ حضارة ليا خصكصياتييا التي ٍ‬‫كلكف كما ىك معمكـ؛ أف َّ‬
‫كالتي ال تقبؿ أف تنصير فتذكب في غيرىا‪ ،‬أك أف تنسمخ عنيا فتتزَّيف بمباس ليس‬
‫ب لثقافتيا؛ فما شأف ىذه الخصكصيات في مثؿ ىذه‬ ‫مف شأنيا كال ىك مك ً‬
‫اك ه‬
‫التفاعبلت الحضارية؟‬

‫المسمـ عف غيره أمر معركؼ مشيكر؛ كلكنو ُّ‬


‫تميهز في خصائصو التي‬ ‫ُّ‬
‫تميز ي‬
‫خصَّو ا﵀ تعالى بيا‪ ،‬فمقد َّ‬
‫تميز في‪:‬‬

‫عقيدتو‪ :‬في صفائيا كنقائيا‪ ،‬كمخاطبتيا لمكجداف كلمعقكؿ؛ فمـ تأت بما تأباهي‬
‫النفس البشرية مف عقائد كأحكاـ؛ بؿ كانت عقائدىا مع تمؾ النفكس البشرية في و‬
‫كئاـ‬
‫كانسجاـ‪.‬‬

‫(‪ )1‬أثر العرب في الحضارة األكربية‪ .‬عباس محمكد العقاد؛ ص‪ 28( :‬ػ ػ ‪ )32‬ط‪ :‬نيضة مصر‪.‬‬
‫المسمميف‪ ،‬كعمى المعابر التي عبرت عمييا الحضارة‬ ‫( ‪ )2‬كلئف أردنا شاىدا عمى استفادة الغرب مف عمكـ ي‬
‫اإلسبلمية إلى بمداف العالـ الغربي؛ فإف الشكاىد يطكؿ ًذكرىا في ىذا المجاؿ‪ ،‬كلمتكسع فيو ييراجع كتاب‪:‬‬
‫(ماذا َّ‬
‫قدـ المسممكف لمعالـ ػ إسيامات المسمميف في الحضارة اإلنسانية) د‪ /‬راغب السرجاني؛ ط‪ :‬مؤسسة‬
‫اقرأ‪ .‬كالكتاب حائز عمى جائزة مبارؾ لمدراسات اإلسبلمية بجميكرية مصر العربية‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كجكده‪،‬‬
‫ي‬ ‫تحدثت تمؾ الشريعة مع ىذه النفس عف ا﵀ تعالى مف حيث؛‬
‫ٍ‬ ‫فإذا ما‬
‫أذعنت ػ ػ إف لـ تتأثر بما يمكث‬
‫ٍ‬ ‫انقادت ك‬
‫ٍ‬ ‫كربكبيتيو‪ ،‬كأسماؤه كصفاتو‪ ،‬كألكىيتو؛‬
‫صفاءىا ػ ػػ؛ لخطاب ىك مف الخطابات التي ال تتنافر مع الفطرة التي فطر ا﵀ تعالى‬
‫بمحاالت العقكؿ كاف جاءت في بعض مفرداتيا‬ ‫الناس عمييا‪ ،‬فمـ تأت ىذه العقائد ي‬
‫بما تىحار فيو تمؾ العقكؿ(‪ .)1‬ككذلؾ إذا ما كاف حديثيا مع تمؾ النفس عف المبلئكة‬
‫بغض كاحدا منيـ عمييـ السبلـ‪ ،‬أك كاف حديثيا عف رسؿ ا﵀ تعالى‬ ‫في إيمانيا فمـ تي ً‬
‫عمييـ الصبلة كالسبلـ؛ فمقد آمنت بيـ جميعا‪ ،‬كلـ تكفر بك و‬
‫احد منيـ كما ذاؾ إال‬
‫لكحدة مصدرىـ‪ ،‬ككذلؾ اليكـ اآلخر كالقدر‪ ،‬كسائر مسائؿ العقيدة في خطابيا كذلؾ‪.‬‬

‫كأما عباداتيا وأخالقيا ومعامالتيا؛ فقد كانت فييا عمى العدؿ كالقسط الذم‬
‫اعى فيو المكازنة بيف الجانب التكميفي كالجانب اإلنساني؛ فمـ يطغ تكميفييا عمى‬ ‫ى‬ ‫يير‬
‫ۡ ُ ُ ٗ‬ ‫َ َ َ‬
‫إنسانية المكمؼ‪ ،‬كقد كصؼ ا﵀ تعالى ىذه األمة بقكلو‪َ ﴿ :‬وكذَٰل ِم َج َػي َنَٰس ًۡ أ ٌَّث‬
‫َ َ ُ َ َّ ُ َ َ ُ َ ٗ‬ ‫ٗ ّ ُ ُ ْ ُ ٓ ََ‬
‫ٱلص ُظٔل غي ۡيس ًۡ ػ ِٓيسا ﴾ [البقرة‪]143 :‬‬ ‫اس ويسٔن‬ ‫َو َظما ِِلَهُٔٔا ػ َٓ َسا َء لَع ٱنلَّ ِ‬

‫كلست بذلؾ مدعيان يمقمّْدا عقيدةن ادعاىا ييكد؛ مف ككنيـ شعب ا﵀ المختار ػ ػ‬
‫أحد عمييـ‪.‬‬
‫كقد كذبكا ػ ػ فقد جعمكا أنفسيـ في بكتقة منعكا دخك ىؿ كخرك ىج ه‬
‫تميز المسمـ عف غيره؛ ًسمةه في دينو ال في جنسو كال في لكنو؛‬ ‫كذلؾ ألف ُّ‬
‫التميز كصفان لو(‪ .)2‬كما‬
‫غير العربي لكاف ىذا ُّ‬
‫بحيث لك دخؿ في الديف اإلسبلمي ي‬
‫ذاؾ إال دليؿ عمى عمكمية ىذه الرسالة الخاتمة؛ فميست خاصةن و‬
‫بأحد؛ إذ ىي دعكة‬
‫لمعالميف‪ ،‬فإف‪ « :‬دعكة محمد صمى ا﵀ عميو كسمـ شاممة لمثقميف اإلنس كالجف عمى‬
‫ظف أنو خص العرب بحكـ مف األحكاـ أصبلن؛ بؿ إنما عمَّؽ‬
‫اختبلؼ أجناسيـ؛ فبل يي ُّ‬

‫َ‬ ‫ِل َول َ ًۡ َ ُ َ ۡ‬


‫ٔدل ‪َ ٣‬ول ًۡ‬ ‫ٱلؿ ٍَ ُس ‪ ٢‬ل َ ًۡ َ َ ِ ۡ‬ ‫خ ٌس ‪ُ َّ ١‬‬
‫ٱَّلل َّ‬ ‫ٱَّلل أ َ َ‬
‫(‪ )1‬فقد أتى فييا عف اإللو الحؽ سبحانو كتعالى‪﴿ :‬كُ ۡو ُْ َٔ َّ ُ‬
‫َ‬
‫تصكر آخر مف تصكرات‬ ‫أمر تحار فيو العقكؿ‪ ،‬كلـ تأت شريعتنا كذلؾ بأم ّْ‬ ‫َ ُ َّ ُ ُ ُ ً َ ُ ۢ‬
‫َسَ َلۥ نفٔا أخس ‪ ﴾٤‬كىك ه‬
‫البشر عف اإللو ألف تصكراتيـ كميا مف قبيؿ محاالت العقكؿ‪.‬‬
‫( ‪ )2‬كذلؾ ألف المجتمع اإلسبلمي‪« :‬ىك ذاؾ المجتمع الذم تميز عف المجتمعات األخرل بنظمو الخاصة‬
‫كقكانينو القرآنية كافراده الذيف يشترككف في عقيدة كاحدة كيتكجيكف إلى قبمة كاحدة؛ كليذا المجتمع ػ ػ كاف‬
‫تى ىك َّكف مف أقكاـ متعددة كألسنة متباينة ػ ػ ػ خصائص مشتركة كأعراؼ عامة كعادات مكحدة» المجتمع‬
‫اإلسبلمي د‪ /‬محمد أميف المصرم‪ ،‬ص‪ ،)17( :‬ط دار األرقـ الككيت؛ أكلى‪1400( :‬ق ػ ػ ‪1980‬ـ)‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫األحكاـ باسـ مسمـ ككافر كمؤمف كمنافؽ كبر كفاجر كمحسف كظالـ كغير ذلؾ مف‬
‫األسماء المذككرة كفي القرآف كالحديث؛ كليس في القرآف كال الحديث تخصيص‬
‫العرب بحكـ مف أحكاـ الشريعة‪ ،‬كلكف بعض العمماء ظف ذلؾ في بعض األحكاـ‬
‫كخالفو الجميكر ػ ػ ػ إلى أف قاؿ ػ ػ كالمقصكد ىنا‪ :‬أف بعض آيات القرآف كاف كاف‬
‫سببو أمك انر كانت في العرب فحكـ اآليات عاـ يتناكؿ ما تقتضيو اآليات لفظان كمعنى‬
‫في أم نكوع كاف»(‪.)1‬‬
‫فأم تفاعؿ مف ىذه التفاعبلت الحضارية يؤثر عمى شيء مف ىذه الخصائص‬
‫ُّ‬
‫كىذه المميزات التي ميزنا ا﵀ تعالى بيا فبل أىبلن بو كال سيبلن‪.‬‬
‫اقتباس ال‬
‫ه‬ ‫أحسف أبك الحسف الندكم إذ قاؿ‪« :‬مكقفنا مف الحضارة الغربية‬
‫كقد ٍ‬
‫تقميد كال اقتداء»؛ ثـ ذكر تحت ىذا العنكاف كبلما يؤيد قضية اقتباس الحضارات مف‬
‫أمر ال غضاضة فيو ثـ قاؿ‪« :‬كلكف ىذا االقتباس الكريـ‬
‫بعضيا البعض‪ ،‬كأف ىذا ه‬
‫يحتاج إلى عناصر كالى دعائـ كركائز‪ ،‬بدكنيا يتحكؿ ىذا االقتباس سريعا إلى‬
‫مكقؼ التقميد الخانع ‪ ..‬كمف أىـ ىذه العناصر أك الركائز االعتزاز بالديف كالرسالة‬
‫المقتبًس‪ ،‬كاالعتداد بالشخصية كالثقة بيا‪،‬‬ ‫ً‬
‫المقتبس أك المجتمعي ي‬‫التي يحمميا ىذا الفرد ي‬
‫َّ‬
‫عاضا عمييا بالنكاجذ‪ ،‬ال يعدؿ برسالتو رسالة كال‬ ‫المقتبس فخك ار بيا‬
‫كأف يككف ىذا ي‬
‫بشخصيتو شخصية»(‪.)2‬‬
‫فاالقتباس مف ىذه الحضارات دكف تقميد كاتباع إنما ىك المكقؼ الذم ينبغي أف‬
‫المقت ًبس ػ ػ شخصان كاف أك مجتمعان ػ ػ مف ىذه األمـ كؿ ما ىـ‬
‫ييسمؾ‪ ،‬أما أف يقتبس ي‬
‫عميو؛ فبل شؾ مف أف أمره سيككف إلى ىبلؾ كبكار في الدنيا كاآلخرة‪.‬‬
‫أما في الدنيا فؤلنو لـ يعمـ طبيعة الفركؽ الشخصية كاالجتماعية بيف‬
‫الحضارات اإلنسانية‪.‬‬
‫كأما في اآلخرة؛ فؤلف المسمـ قد ترؾ دينو كاستمسؾ بأىكاء ما أنزؿ ا﵀ بيا مف‬
‫سمطاف‪ ،‬فكاف في عاقبة أمره إلى بكار كخسراف‪.‬‬

‫(‪ )1‬إيضاح ّْ‬


‫الداللة في عمكـ الرسالة‪ ،‬البف تيمية‪ ،‬مف مجمكعة الرسائؿ المنيرية‪ .‬ص‪ 11( :‬ػ ػ ػ ‪.)22‬‬
‫المسممكف تجاه الحضارة الغربية‪ ،‬أبك الحسف عمي الحسني الندكم‪ ،‬ص‪ ،11 :‬دار المجتمع‪َّ .‬‬
‫جدة‪.‬‬ ‫( ‪ )2‬ي‬

‫‪88‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة التاسعة‬
‫في الثقافة والعمـ‬
‫يحسف أف‬
‫في حديثنا عف قضية االحتكاؾ الثقافي كالحضارم بيف الحضارات؛ ي‬
‫يككف مفيكـ العمـ كالثقافة كاضحان كضكحان جميان؛ فكثير ممف ينيمكف مف عمكـ ىؤالء‬
‫ال يستطيعكف التمييز بيف ىذيف المقاميف؛ مقاـ العمـ كمقاـ الثقافة؛ خاصَّة كأف ا﵀‬
‫آف الكر ًيـ‪ ،‬فيأخذ ىؤالء الناىمكف مف‬ ‫ً‬
‫كتابو القر ً‬ ‫تعالى كصفيـ بالعمـ في مكاطف مف‬
‫عمكميـ كيمدحكف ثقافتيـ بغير تمييز بيف المقاميف!! فما التفريؽ بينيما؟ أقكؿ‪:‬‬
‫الثقافة‪ ..‬ىي كممةه إذا ما أردنا البحث عنيا في معاجـ المغة العربية؛ فبل شؾ‬
‫أنو بحث سيكتنفيو شيء مف الغمكض؛ كذلؾ أف ىذا المصطمح بالصكرة المعاصرة لـ‬
‫ييعيد لو استعماؿ في استخدامات السابقيف‪ ،‬كذلؾ أف المادة ػ ػ كاف كاف ليا بعض‬
‫االشتقاقات في النص القرآني ػ ػ تدؿ في غالب أمرىا عمى تقكيـ االعكجاج‪ ،‬فالثِّقاؼ‬
‫ىك اآللة التي تسكل بيا الرماح‪ ،‬كالمبلعبة بالسيؼ‪ ،‬كالخصاـ كالجبلد‪ ،‬كاإلدراؾ‬
‫كالظفر‪ ،‬كضبط المعرفة المتمقاة‪ ،‬كالتأديب كالتيذيب كالحذؽ كالفيـ‪.‬‬
‫كلعؿ األقرب لمعنى الثقافة في ىذا السياؽ ىك ً‬
‫الحذؽ كالفيـ(‪ .)1‬فيي‪« :‬كؿ‬
‫ما فيو استنارة لمذىف‪ ،‬كتيذيب لمذكؽ‪ ،‬كتنمية لممكة النقد كالحكـ لدل الفرد أك‬
‫المجتمع‪ ،‬كتشتمؿ عمى المعارؼ كالمعتقدات كالفف كاألخبلؽ كجميع القدرات التي‬
‫ييس ًيـ بيا الفرد في مجتمعو‪ ،‬كليا طرؽ كنماذج عممية كفكرية كركحية‪ ،‬كلكؿ جيؿ‬
‫ثقافتيو التي استمدىا مف الماضي كأضاؼ إلييا ما في الحاضر‪ ،‬كىي عنكاف‬
‫المجتمعات البشرية»(‪.)2‬‬
‫كأما ِ‬
‫العمـ فأمره معركؼ مشيكر‪ .‬كقد سبؽ الحديث عنو ببعض ما يتعمؽ بو‪،‬‬
‫كعمى كؿ فالمقصكد بو ىنا ىك العمـ الذم رحؿ أبناؤنا في تحصيمو مف ىؤالء‪.‬‬
‫كبعد معرفة المقصكد منيما ىاىنا؛ فما ىك كجو التفريؽ بيف الثقافة كالعمـ؟؛‬
‫سمـ في اقتباسو مف ىؤالء عمى بينة مف أمره‪.‬‬
‫الم ي‬
‫حتى يككف ي‬

‫(‪ )1‬مفيكـ الثقافة في الفكر العربي كالفكر الغربي؛ أ‪ /‬جميمة بنت عيادة الشمرم‪ .‬ص‪ )4 ،3( :‬منشكر عمى‬
‫الشبكة الدكلية االنترنت‪.‬‬
‫(‪ )2‬المعجـ الفمسفي؛ ص‪ )58( :‬مجمع المغة العربية القاىرة‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ييجيبنا عمى ذلؾ بعد تكضيح كزيادة و‬


‫بياف لمعنى الثقافة؛ أبك فير ػ ػ رحمو ا﵀‬
‫تعالى ػ ػ بقكلو‪« :‬الثقافة في جكىرىا لفظ جامع ييقصد بيا الداللة عمى شيئيف أحدىما‬
‫مبني عمى اآلخر‪ ،‬أم ىما طكراف يمتكامبلف‪:‬‬
‫ّّ‬
‫الطور األوؿ‪ :‬أصك هؿ ثابتة يمكتسبةه ً‬
‫تنغرس في نفس اإلنساف منذ مكلده كنشأتو‬
‫ماعيا ُّ‬
‫كؿ ما يتمقَّاه عف أبكيو كعشيرتو‬ ‫البيف؛ ًج ي‬
‫حد اإلدراؾ ّْ‬‫األكلى حتى ييشارؼ َّ‬
‫َّ‬
‫يستقؿ بنفسو كبعقمو‪ .. ،‬فالكليد في‬ ‫كمعمّْميو كمؤدبيو حتى ييصبح قاد انر عمى أف‬
‫ي‬
‫نشأتو يككف كؿ ما ىك "لغة" أك "معرفة" أك "ديف" متقببل في نفسو تقبؿ الديف‪ ،‬أم‬
‫يتمقاه بالطاعة كالتسميـ كاالعتقاد الجازـ بصحتو كسبلمتو‬
‫المكتسبة بالنشأة‪ .‬كىي تنبثؽ‬
‫الطور الثاني‪ :‬فركع يمنبثقة عف ىذه األصكؿ ي‬
‫سميت الطور األوؿ‬
‫ي‬ ‫حيف يخرج الناشئ مف إسار التسخير إلى طبلقة التفكير؛ كانما‬
‫إسار التسخير ألنو طور ل انفكاؾ ألحد مف البشر منو منذ نشأتو في مجتمعو‪.. ،‬‬
‫سميو الناس اليكـ عممان (يعني العمكـ‬
‫ثـ يجمع رحمو ا﵀ تعالى الفرؽ بيف الثقافة كما يي ّْ‬
‫أمة كاحدة تديف بديف كاحد؛ ك ً‬
‫العمـ مشاع بيف‬ ‫بل ػ ػ فالثقافة‪ :‬مقصكرة عمى َّ‬
‫البحتة) قائ ن‬
‫ت الممؿ كالعقائد»(‪.)1‬‬
‫خمؽ ا﵀ جميعان؛ يشترككف فيو اشتراكا كاحدا ميما اختمف ٍ‬
‫كمف ال يكتَّاب الغربييف مف يستخدـ مفيكـ الثقافة بيذا المعنى الشامؿ ّْ‬
‫لكؿ ما‬
‫تينتجو الحضارة االجتماعية ألمة مف األمـ؛ فيذا مثبلن كؿ ديكرانت يستخدـ كممة‬
‫الثقافة لتدؿ عمى‪« :‬إما عمى ممارسة الناس فعبل مف ألكاف السمكؾ‪ ،‬كأنكاع الفنكف‪،‬‬
‫كاما عمى مجمكع ما لدل الشعب مف أنظمة اجتماعية كعادات كفنكف»(‪ ،)2‬كلعؿ مف‬
‫أقدـ التعاريؼ الغربية كالشارحة لمعنى الثقافة بالمفيكـ المعاصر ىك تعريؼ إدكارد‬
‫تايمكر (‪1871‬ـ)؛ إذ يقكؿ‪« :‬الثقافة‪ :‬ىي ذلؾ الكؿ المركب المشتمؿ عمى المعارؼ‬
‫كالمعتقدات كالفف كالقانكف كاألخبلؽ كالتقاليد‪ ،‬ككؿ القابميات كالعادات األخرل التي‬
‫(‪)3‬‬
‫يكتسبيا اإلنساف كعضك في مجتمع»‬

‫(‪ )1‬رسالة في الطريؽ إلى ثقافتنا؛ أبك فير‪ :‬محمكد محمد شاكر‪ ،‬ص‪ 73( :‬ػ ‪ )75‬بتصرؼ كاختصار يسير‪.‬‬
‫ط‪ :‬مكتبة الخانجي‪ .‬القاىرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬قصة الحضارة كؿ ديكرانت‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ )9( :‬ترجمة زكي نجيب محمكد‪ ،‬د‪ :‬محمد بدراف‪ ،‬اإلدارة الثقافية‬
‫جامعة الدكؿ العربية تقديـ محي الديف صابر‪ .‬ط‪ :‬دار الجيؿ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مفيكـ الثقافة في الفكر العربي كالفكر الغربي؛ أ‪ /‬جميمة بنت عيادة الشمرم‪ .‬ص‪.)11( :‬‬

‫‪91‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فالثقافة إذان ىي ما يكتسبو اإلنساف مف الكاقع المحيط بو يمنذ نشأتو األكلى‬


‫فيو‪ ،‬مف العقائد كاألخبلؽ كالعمكـ كاألحكاؿ كالعادات كالتقاليد‪ ،‬ككؿ شيء يكتسبو‬
‫َّ‬
‫أخركية كعمكـ‬ ‫اإلنساف كعضك في مجتمع؛ فيذه الثقافة إذا ىي نتاج عمكـ دينية‬
‫دنيكية حياتيو‪.‬‬
‫ميمان في‬
‫أمر آخر البد مف إظياره أيراه َّ‬‫ىذيف المقاميف؛ ىناؾ ه‬ ‫كبعد تكضيح ٍ‬
‫بياف ىذا الفرؽ الجكىرم بيف الثقافة كالعمـ‪ ،‬كىك‪ً :‬داللة كصفيـ بالعمـ في القرآف‬
‫الكريـ تارة؛ كلكنو عمـ تخمَّؼ أثره؛ فمـ ييتدكا بو‪ ،‬ككذلؾ ًداللة العمـ الذم نفاه ا﵀‬
‫و‬
‫مكطف آخر‪.‬‬ ‫سبحانو كتعالى عنيـ في‬
‫إ ٍذ أف ا﵀ سبحانو كتعالى كصؼ غير المسمميف بالعمـ في مكاطف؛ كجعؿ ىذا‬
‫ت بو‪ ،‬ففقد‬ ‫ألم ٍ‬
‫صحابو مف حيرتو التي َّ‬ ‫ى‬ ‫العمـ في مكاطف أخرل ال ييسمف كال ييغني‬
‫المكصكؼ بو ػ ػ ػ حياتىو أك فقد راحتو النفسية كالعقمية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بسببيا ػ ػ مع ىذا العمـ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ٓ‬ ‫َ‬
‫فقد قاؿ سبحانو كتعالى‪﴿ :‬ـَي ٍَّا َجا َء ۡت ُٓ ًۡ ُر ُظي ًُٓ ةٱۡلَيّ َنَٰج ـَص ُ‬
‫ِِسًْ ٌّ ََِ‬‫خٔا ة ِ ٍَا غ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫َۡ َۡ ُ َ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫فعندىـ عمـ كاجيكا بو ً‬
‫بينات‬ ‫ون﴾ [غافر‪ً ]83 :‬‬ ‫ٱىػِي ًِ َو َخاق ة ِ ًِٓ ٌَّا َكُٔا ةِِّۦ يعخٓضِء‬
‫األنبياء؛ كلكنو أماـ حجج األنبياء ال ييغنييـ كال يدفع عنيـ ما حاؽ بيـ مف العذاب‪،‬‬
‫َّ‬
‫الحجة‬ ‫مميـ في ىذا المقاـ ظيينكنان محضة‪ ،‬كأما الذم مع األنبياء فإنو‬ ‫ً‬
‫كانما كاف ع ي‬
‫َ َّ َ َّ َّ‬ ‫َ ُ ّ ۡ ۡ َُ ۡ ُ َ ٓ‬ ‫ُۡ َۡ‬
‫جٔهُ نلَا ن إِن حتت ِ ُػٔن إَِّل ٱىظ ََّ‬ ‫البالغة‪ ،‬فقد قاؿ تعالى‪﴿ :‬كو ْو غِِسزً ٌَِ غِي ٖم ذخز ِص‬
‫ُ ۡ َ َّ ۡ ُ َّ ُ ۡ َ َٰ َ ُ‬ ‫ۡ َ ُ ۡ َّ َ ۡ ُ ُ َ‬
‫ن‬
‫سِإَن أُخً إَِّل َّتصؾٔن ‪ ١٤٨‬كو ـي ِيِّ ٱۡلجث ٱىبي ِؾث ﴾ [سكرة األنعاـ]‪.‬‬
‫ََُۡ َ‬ ‫َ ََُۡ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َٰ َّ َ ۡ َ‬ ‫كفي و‬
‫اس َّل حػئٍن ‪ ٦‬حػئٍن‬ ‫سَ أزَث ٱنل ِ‬ ‫آيات أخر يقكؿ ا﵀ تعالى‪﴿ :‬ول ِ‬
‫ُفعًٓ ٌاَّ‬ ‫َ َ َ ۡ َ َ َ َّ ُ ْ ٓ َ ُ‬ ‫َ ُ ۡ َ ُ َ‬ ‫َ ٗ ّ َ ۡ َ َ َٰ ُّ ۡ َ َ ُ ۡ َ‬
‫ظَٰ ِٓصا ٌَِ ٱۡلئة ِ ٱدلجيا وًْ غ َِ ٱٓأۡلرِصة ِ ًْ غَٰفِئن ‪ ٧‬أو لً حخفهصوا ِِف أ ِ ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ٗ‬ ‫َّ َ‬ ‫ّ‬ ‫ۡ َ ّ َ َ َ ُّ َ ٗ‬ ‫َ َ َ َّ ُ َّ َ َ َ ۡ َ َ َ َ َ ۡ َ ُ َ ٓ َّ‬
‫اس‬ ‫ت وٱۡلۡرض وٌا ةيٍِٓا إَِّل ةِٱۡل ِق وأج ٖو ٌعم سِإَن نثِيا ٌَِ ٱنل ِ‬ ‫ريق ٱَّلل ٱلعؿَٰـ َٰ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َٓ‬
‫ةِي ِلاي َر ّب ِ ِٓ ًۡ ىؽَٰفِ ُصون ﴾ [سكرة الركـ]؛ فمع أف ا﵀ تعالى نفى عنيـ عممان إال أنو‬
‫أثبت ليـ آخر‪ ،‬كىـ مع ىذا العمـ اآلخر الذم أثبتو ا﵀ تعالى ليـ؛ لـ ييتدكا بو‬
‫يمتفكريف يمتدبريف في خالؽ السماكات األرض فكاف أكثرىـ بمقاء ا﵀ تعالى في اآلخرة‬
‫مف الكافريف‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كعميو ‪ ..‬فما مف شؾ؛ أف ىذه الثقافة التي بنى عمييا ىؤالء حضارتيـ؛ ما‬
‫الع ٍمميف‪ .‬سكاء في ىذا ً‬
‫العمـ الذم لـ ينفعيـ في اآلخرة‪ ،‬أك‬ ‫ىي إال نًتاج مف ىذيف ً‬
‫ن‬ ‫ى‬
‫العمـ الدنيكم الذم لـ ييتدكا بو إلى ا﵀ تعالى كالدار اآلخرة‪.‬‬
‫المسمـ إذا ما نظر في أحكاؿ ىؤالء مستفيدا مف عمكميـ التي طكركا بيا‬
‫فعمى ي‬
‫مت مجتمعاتيـ؛ فما‬ ‫متجنىبا فييا ثقافتيـ التي َّ‬
‫شك ٍ‬ ‫ّْ‬ ‫حياتيـ الدنيكية؛ أف ينظر نظرةن‬
‫كبحر مف الظممات‪ ،‬ىمف‬
‫ه‬ ‫ؾ‬
‫انينيـ كاجتماعياتيـ كأخبلقيـ إال خميطه شائ ه‬‫فنكنيـ كقك ي‬
‫ي‬
‫انغمس فيو فقد َّ‬
‫ىكيتو كذاتيتىو اإلسبلمية؛ فرجع يمتسرببلن بمباس غير الذم ذىب بو‪.‬‬
‫كعمى ذلؾ ييفسَّر ما جاء عف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ عند ذكره ألشراط‬
‫و‬
‫بشبر‪،‬‬ ‫الساعة؛ بقكلو‪( :‬ال تقكـ الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القركف قبميا شب انر‬
‫اع؛ حتى لك دخمكا جحر ضب تبعتمكىـ؛ فقيؿ يا رسكؿ ا﵀ كفارس‬
‫كذراعان بذر و‬
‫كالركـ؟ فقاؿ‪ :‬كمف الناس إال أكلئؾ؟)‪ ،‬كفي ركاية‪ :‬عف أبي سعيد‪ :‬قمنا‪ :‬يا رسكؿ ا﵀‬
‫الييكد كالنصارل؟ قاؿ‪( :‬فمف؟!)(‪.)1‬‬
‫فميس المقصكد مف الحديث ىك النيي عف ّْ‬
‫كؿ اتّْباع‪ ،‬كانما المقصكد ىك النيي‬
‫شأنو‪ ،‬فيككف األخذ منيـ منيجان‬
‫ضر ي‬ ‫أمره أك فيما َّ‬
‫عف االتباع المطمؽ‪ ،‬فيما نفع ي‬
‫كؿ صغير ككبير؛ كمف يقكؿ‪« :‬أف سبيؿ النيضة كاضحةه بينة مستقيمة‬‫متبعا في ّْ‬
‫ليس فييا عكج كال التكاء‪ ،‬كىي كاحدة فذة ليس فييا تعدد‪ ،‬كىى‪ :‬أف نسير سيرة‬
‫األكركبييف كنسمؾ طريقيـ في الحضارة‪ ،‬خيرىا كشرىا‪ ،‬حمكىا كمرىا‪ ،‬ما ييحب منيا‬
‫كما ييكره‪ ،‬ما ييحمد منيا كما ييعاب»(‪ .)2‬فيذا المنيج الحضارم ىك الذم يتكجو إليو‬
‫ىذا الحديث الشريؼ‪.‬‬
‫كيؤيد ىذا المعنى في الحديث كذلؾ‪:‬‬
‫ما قالو ابف بطاؿ‪« :‬أخبر النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ أف أمتو قبؿ قياـ الساعة‬
‫المحدثات مف األمكر كالبدع كاألىكاء كما اتبعتيا األمـ مف فارس كالركـ‬
‫يتبعكف ي‬

‫(‪ )1‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬االعتصاـ)‪ ،‬باب‪( :‬قكؿ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ :‬لتتبعف سنف مف كاف قبمكـ)‪،‬‬
‫كمسمـ؛ ؾ‪( :‬العمـ)‪ ،‬باب‪( :‬اتباع سنف الييكد كالنصارل)‪ ،‬برقـ‪.)2669( :‬‬
‫برقـ‪ )7320( :‬ي‬
‫(‪ )2‬مستقبؿ الثقافة في مصر؛ د‪ /‬طو حسيف‪ .‬ص‪ )43( :‬ط‪ :‬دار ىنداكم‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫(‪)1‬‬
‫كقد قاؿ النككم؛ كذلؾ‪ :‬ك«المراد بالشبر‬ ‫حتى يتغير الديف عند كثير مف الناس»‬
‫كالذراع كجحر الضب التمثيؿ بشدَّة الموافقة ليـ؛ كالمراد المكافقة في المعاصي‬
‫كالمخالفات ال في الكفر‪ ،‬كفي ىذا معجزةه ظاىرة لمنبي صمى ا﵀ عميو كسمـ فقد كقع‬
‫ما أخبر بو عميو الصبلة كالسبلـ»(‪.)2‬‬
‫ثـ إف ًذكر الشيء في ًعداد أشراط الساعة ال يعني ككنو محذك ار ممنكعان؛ فإف‬
‫ّْـ كاحد ليس بحراـ‬
‫تطاكؿ الرعاء في البنياف‪ ،‬كفشك الماؿ‪ ،‬كككف خمسيف امرأة ليف قي ه‬
‫ببل شؾ‪ ،‬كانما ىذه عبلمات كالعبلمة ال ييشترط فييا شيء مف ذلؾ‪ ،‬بؿ قد تككف‬
‫بالخير كالشر‪ ،‬كالمباح كالمحرـ كالكاجب كغير ذلؾ‪ .‬كا﵀ أعمـ(‪ .)3‬كعميو فميس ُّ‬
‫كؿ‬ ‫ي‬
‫بل في الممنكع كالمحذكر‪.‬‬
‫اتباع ليؤالء يككف داخ ن‬
‫ىـ أف ينيى عف الغيمة‬
‫كيشيد لذلؾ أيضا أف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ قد َّ‬
‫فمما ذكر لو فعؿ فارس كالركـ كأف ذلؾ ال يضر األكالد شيئا فمـ ينو عنو(‪.)4‬‬
‫كعمى ذلؾ فقد عاد األمر إلى يكجكب التفريؽ بيف الثقافة كالعمـ‪ ،‬كأف النيي‬
‫عف اتباعيـ إنما ىك يم َّقي هد بما يخالؼ ديننا ال بما يتكافؽ كمتطمبات حياتنا‪ .‬كأف‬
‫شاء أـ أبى‪.‬‬
‫المادح لثقافتيـ إنما ىك كاقع في دكائر الحظر الشرعي ال محالة‪ ،‬ى‬

‫(‪ )1‬شرح صحيح البخارم البف بطاؿ؛ ج‪ ،10‬ص‪ )366( :‬ط‪ :‬مكتبة الرشد؛ الرياض‪.‬‬
‫(‪ )2‬شرح النككم عمى صحيح مسمـ؛ ص‪ )1580( :‬ط‪ :‬األفكار الدكلية‪.‬‬
‫كينظر كذلؾ‪ :‬شرح النككم عمى صحيح مسمـ؛‬
‫(‪ )3‬أشراط الساعة‪ ،‬يكسؼ بف عبد ا﵀ الكابؿ‪ ،‬ص‪)80( :‬؛ ي‬
‫ص‪ )82( :‬ط‪ :‬األفكار الدكلية‪.‬‬
‫(‪ )4‬تخريج ىذا الحديث في مقدمة البحث‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة العاشرة‬
‫اطالعٌ لمضرورة ل غير‬

‫إما أف‬
‫استيطانيا؛ ف َّ‬
‫ي‬ ‫ال يخمكا حا يؿ المطَّمًع عمى ثقافة اآلخريف مف أمريف مف حيث‬
‫يككف مف مكاطنييا كلكف ا﵀ تعالى َّ‬
‫مف عميو باإلسبلـ‪ ،‬أك يككف كافدان عمييا فميس‬
‫إما أف يرحؿ إلى‬
‫مف أىميا‪ ،‬كىذا الكافد ال يخمكا حالو مف أمريف كذلؾ؛ أوليما‪َّ :‬‬
‫جنب ػ ػ حتى كاف اختمفت أسباب‬‫كيتعايش مع أىميا جنبان إلى و‬
‫ى‬ ‫مكطف ىذه الثقافة‬
‫حسيان‪ ،‬فيككف مطمع نا عمى‬
‫كفكده عمييا ػػ؛ ثانييما‪ :‬أك أف يككف يكفكده ذلؾ معنكي نا ال ٌ‬
‫مكطنو كلـ ييخالط قكمان آخريف‪.‬‬
‫ى‬ ‫تمؾ الثقافات كىك في مكطنو اإلسبلمي؛ فمـ ييغادر‬
‫كىذه األمكر ال شؾ أف الحكـ مف حيث المبدأ سكؼ يختمؼ عمييا‪ ،‬كاف كاف بعضيا‬
‫و‬
‫لغرض؛‬ ‫األك ىؿ الذم رحؿ عف بمده؛ فكاف مساف انر‬
‫بل‪َّ :‬‬
‫أكلى بالحكـ مف بعض؛ فمث ن‬
‫ينقضي سفره بانقضاء غرضو؛ فيذا يختمؼ حكمو عمف كاف مستكطنان لتمؾ البيئة‬
‫انضـ تحت لكائيا؛ فما خالؼ أىمىيا في قميؿ كال‬
‫الثقافية؛ فنيؿ منيا طكعان ككرىا‪ ،‬ك َّ‬
‫ألزـ كأشد‪.‬‬ ‫ّْ‬
‫كثير‪ .‬فكاف الحكـ في حقو ى‬
‫كمما سبؽ تقريره مف القكاعد السابقة فإف الطالع عمى ىذه الثقافات أمر جائز؛‬
‫ولكف ىذا الجواز لبد وأف يكوف منضبطا بما تقرر مف القيود التي أيشير إلييا في‬
‫القكاعد السابقة كما سيأتي في القكاعد البلحقة إف شاء ا﵀ تعالى؛ كمف مجمكع ىذه‬
‫القيكد ييمكننا القكؿ بأنو اطالعٌ لمضرورة ل غير‪.‬‬

‫كبياف ذلؾ فيما يمي‪:‬‬

‫ض ىي‬‫األمر األوؿ‪ :‬ىك سفرػ ػ حتى كاف كاف معنكيان ػ ػ؛ كقد جاء عف أىبًي ىرٍيرةى ر ً‬
‫يى ى ى‬ ‫ه‬
‫ً‬ ‫النبً ّْي صمَّى المَّو عمى ٍي ًو كسمَّـ قىا ىؿ‪( :‬السَّفىر ًق ٍ ً‬ ‫المَّوي ىع ٍنوي؛ ىع ٍف َّ‬
‫ط ىعةه م ٍف ا ٍل ىع ىذاب؛ ىي ٍمىنعي‬ ‫ي‬ ‫ي ى ىىى‬ ‫ى‬
‫ىىمً ًو)(‪.)1‬‬‫ضى ىن ٍي ىمتىوي ًم ٍف ىك ٍج ًي ًو؛ ىف ٍم يي ىع ّْج ٍؿ إًلىى أ ٍ‬
‫اموي ىك ىش ىرىابوي ىكىن ٍك ىموي فىًإ ىذا قى ى‬
‫ىح ىد يك ٍـ طى ىع ى‬
‫أى‬

‫( ‪ )1‬أخرجو البخارم في مكاضع‪ ،‬منيا؛ ؾ‪( :‬الجياد كالسىّْير)‪ ،‬باب‪( :‬السرعة في السير)‪ ،‬برقـ‪،)3001( :‬‬
‫كمسمـ‪ ،‬ؾ‪( :‬اإلمارة)‪ ،‬باب‪( :‬السفر قطعة مف العذاب كاستحباب تعجيؿ المسافر إلى أىمو‪ ..‬نككم)‪ ،‬برقـ‪:‬‬
‫ه‬
‫(‪.)1927‬‬

‫‪94‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اج وة‪،‬‬ ‫يث ىكراىةي التَّ ىغ ُّر ًب ع ًف ٍاأل ٍ ً‬


‫ىى ًؿ ل ىغ ٍي ًر ىح ى‬ ‫ى‬ ‫ى ى‬
‫قاؿ الحافظ بف حجر‪« :‬كًفي ا ٍلح ًد ً‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫الض ٍي ىعةي بًا ٍل ىغ ٍيىب ًة‪ ،‬ىكلً ىما ًفي‬
‫الر يجكًع؛ ىكىال ًسَّي ىما ىم ٍف يي ٍخ ىشى ىعمى ٍي ًي يـ َّ‬ ‫اؿ ُّ‬ ‫استً ٍع ىج ً‬
‫اب ٍ‬
‫ك ً‬
‫است ٍحىب ي‬
‫ى ٍ‬
‫ام ًة ًم ٍف‬ ‫ً ً ً‬
‫الد ٍنىيا‪ ،‬ىكل ىما في ٍاإلقى ى‬ ‫يف ك ُّ‬ ‫ّْ‬
‫ص ىبل ًح الد ً ى‬
‫الر ً ً ً‬
‫احة ا ٍل يمع ىينة ىعمىى ى‬
‫اإلقىام ًة ًفي ٍاأل ٍ ً‬
‫ىى ًؿ م ىف َّ ى‬ ‫ٍ ى‬
‫ً‬
‫ط ًم ٍنو ا ٍل ىخطَّابً ُّي تى ٍغ ًريب َّ ً‬ ‫ات كا ٍلقيَّكًة عمىى ا ٍل ًعب ى ً‬
‫يؿ ا ٍلجم ً‬ ‫ً‬
‫الزاني ًألَّىنوي‬ ‫ى‬ ‫استىٍنىب ى ي‬
‫ادة‪ .. ،‬ىك ٍ‬ ‫ى‬ ‫ى‬ ‫اع ى‬ ‫تى ٍحص ً ى ى ى‬
‫يو» (‪ .) 1‬فاستحباب‬ ‫اب ػ ػ كىال ي ٍخ ىفى ما ًف ً‬ ‫يمر بًتى ٍع ًذيبً ًو ػ ػ ػ كالسَّفىر ًم ٍف يجممى ًة ا ٍل ىع ىذ ً‬‫ً‬
‫ى‬ ‫ى ى‬ ‫ٍ‬ ‫ى ي‬ ‫قى ٍد أ ى‬
‫(‪)2‬‬
‫الكثير‪.‬‬
‫الكثير ك ي‬ ‫ي‬ ‫أمر فيو مف الفكائد‬ ‫استعجاؿ الرجكع إلى الكطف بعد قضاء الرغبة؛ ه‬
‫األمر الثاني‪ :‬خشيةى أف ييصيبكـ ما أصابيـ‪.‬‬

‫الناظر‬
‫ي‬ ‫أمر عجيب‪ ،‬كذلؾ إذا ما نظر‬‫يعيش فيو أىميا؛ ه‬
‫ي‬ ‫أم ير الثقافة الغربية كما‬
‫ٍ‬
‫قكـ قد نبذكا األدياف كاألخبلؽ‪ ،‬كعاثكا كيعيثكف في‬
‫إلييـ بعيف البصيرة كاإليماف؛ فييـ ه‬
‫كحادكا ا﵀ كرسكلو كالمؤمنيف‪ ،‬كأظيركا َّ‬
‫كؿ قبيح حتى كاف خالفتٍو‬ ‫ُّ‬ ‫األرض الفساد‪،‬‬
‫ً‬
‫الفطى ير كالعقكؿ السميمة‪.‬‬

‫ادع ٍكا ﵀ تعالى ما تكاد السمكات كاألرض كالجباؿ أف ت ٍندؾ‬


‫فياؾ نكعه مف البشر ى‬
‫ىدان‪ ،‬كعبدكا مف دكف ا﵀ تعالى ما ال تستسيغ النفكس السميمة أف تتعمَّؽ بو‬ ‫منو ً‬
‫كتخر َّ‬
‫فضبلن عف عبادتو كتألييو‪ .‬كأرخكا لعقكليـ العناف حتى جمبت عمييـ أنكاع الشقاء؛‬
‫فما كاف حاليـ إال التنعُّـ فيما جمبكه عمى أنفسيـ مف الشقاء؛ فيـ يمنعَّمكف بجيالتيـ‬
‫فيما حرـ ا﵀ تعالى عمييـ؛ مف الزنا‪ ،‬كالربا‪ ،‬كالخمر كالميسر‪ ،‬كالتبرج كالسفكر‪،‬‬
‫ّْ‬
‫بالحؽ كغير ذلؾ مف أنكاع البؤس‪.‬‬ ‫كالشقاؽ كالنفاؽ‪ ،‬كقتؿ النفس التي حرـ ا﵀ إال‬

‫إضافة إلى ذلؾ؛ ما َّ‬


‫حؿ بيـ مف أنكاع العذاب ك َّ‬
‫النكبات التي لـ تدع أخضر كال‬
‫النذر التي يينذر ا﵀ بيا عباده‬ ‫يابسان؛ كالزالزؿ كاألعاصير كالبراكيف‪ ،‬كالتي ىي مف ُّ‬
‫َ َ‬ ‫َََ ۡ َۡ َ َۡٓ َ ُ‬
‫ل أ َم ٖم ٌَِّ رتۡي ِم‬ ‫كي يعكدكا كيرجعكا إليو؛ فيك القائؿ سبحانو كتعالى‪﴿ :‬وىلس أرظيِا إ ِ َٰٓ‬
‫ٍ‬
‫ۡ َ ۡ َ ٓ َ َّ َّ ٓ َ َ َّ ُ ۡ َ َ َ َّ ُ َ َ َ ۡ َ ٓ ۡ َ ٓ َ ُ َ ۡ ُ َ َ َ َّ ُ ْ َ ََٰ‬ ‫َ َ َ ۡ َٰ َُ‬
‫سَ‬‫ـأرشنًٓ ةِٱۡلأظاءِ وٱلَّضاءِ ىػيًٓ حخَّضغٔن ـئَّل إِذ جاءًْ ةأظِا حَّضغٔا ول ِ‬

‫(‪ )1‬فتح البارم بشرح صحيح البخارم؛ ج‪ ،3‬ص‪ .)730 ،729( :‬ط‪ :‬دار الرياف لمتراث (‪1407‬ق)‪.‬‬
‫(‪ )2‬كقد فسَّر ابف حجر ترجمة البخارًم الثانية ليذا الحديث‪( :‬السرعة في السير) فقاؿ‪« :‬أم في الرجكع إلى‬
‫الكطف»‪ .‬فتح البارم‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.)161( :‬‬

‫‪95‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ََ َ ْ ُ ّ ْ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ج كُيُ ُ‬


‫كَ َع ۡ‬
‫ٔب ُٓ ًۡ َو َز َّي ََ ل ُٓ ًُ ٱلؼ ۡي َطَٰ َُ ٌَا َكُٔا َح ۡػ ٍَئن ـي ٍَّا ن ُعٔا ٌَا ذن ُِصوا ةِِّۦ ذ َخ ۡد َِا غي ۡي ِٓ ًۡ‬
‫َ‬ ‫ۡ ٗ َ َ ُ‬ ‫َ ۡ َ َٰ َ ُ ّ َ ۡ َ َّ َٰٓ َ َ ْ ٓ ُ ُ ْ َ َ ۡ َ‬
‫ِت إِذا ـصِ ُخٔا ة ِ ٍَا أوح ٓٔا أرشن َٰ ًُٓ َبؾخَث ـإِذا ًْ ٌُّ ۡتي ُِعٔن﴾ [األنعاـ‪42 :‬‬ ‫ك َش ٍء خ‬ ‫أةـب ِ‬
‫فمما لـ يعكدكا كنسكا؛‬
‫ػ ػ ػ ‪ ]44‬فا﵀ إ ٍذ أخذىـ بالبأساء كالضراء لـ يكف إال ليعكدكا إليو‪َّ ،‬‬
‫ييف الشيطاف ألعماليـ‪ ،‬كمع ذلؾ فتح عمييـ أبكاب ّْ‬
‫كؿ‬ ‫ً‬
‫القمكب‪ ،‬كتز ى‬ ‫كاف عقابيـ قساكةى‬
‫شيء؛ حتى إذا فرحكا لذلؾ فرحان شديا؛ أخذىـ ا﵀ تعالى بغتةن‪ ،‬فإذا يىـ آيسكف مف‬
‫كؿ خير‪ ،‬كلذلؾ كاف مف ىديو صمى ا﵀ عميو كسمـ إذا نزؿ منزالن مف منازؿ ىؤالء‬ ‫ّْ‬
‫َّ‬
‫المعذبيف أسرع السير حتى ال ييصيبو ما أصابيـ؛ بؿ كيأمر بالتباكي إف لـ تبؾ‬ ‫القكـ‬
‫العيكف ك ًج ن‬
‫بل‪.‬‬ ‫ي‬
‫فعف ابف عمر ػ ػ رضي ا﵀ عنيما ػ ػ قاؿ‪( :‬نزؿ رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ‬
‫بالناس في غزكة تبكؾ عمى ِ‬
‫الح ْجر عند بيوت ثمود‪ ،‬فاستسقى الناس مف اآلبار التي‬
‫كاف يشرب منيا ثمكد‪ ،‬فعجنكا منيا‪ ،‬كنصبكا القدكر بالمحـ؛ فأمرىـ رسكؿ ا﵀ صمى‬
‫عجنا منيا كاستقينا؛‬
‫ا﵀ عميو كسمـ أف ال يشربكا مف بئرىا كال يستقكا منيا‪ ،‬فقالكا‪ :‬قد ٌ‬
‫فأمرىـ رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ أف ييريقكا ما استقكا مف بئرىا‪ ،‬كأف يعمفكا‬
‫اإلبؿ العجيف‪ ،‬كأمرىـ أف يستقكا مف البئر التي كانت تردىا الناقة)(‪.)1‬‬

‫كفي نفس الحادثة؛ ػ ػ غزكة تبكؾ ػ ػ ػ عف ابف عمر ػ ػ رضي ا﵀ عنيما أيضا ػ ػ‬
‫قاؿ‪( :‬لما مر رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ بالحجر قاؿ‪ :‬ال تدخمكا مساكف الذيف‬
‫ظممكا أنفسيـ إال أف تككنكا باكيف فإف لـ تككنكا باكيف‪ ،‬فبل تدخمكا عمييـ فإني أخاؼ‬
‫أف يصيبكـ مث يؿ ما أصابيـ ثـ تقنع بردائو كىك عمى الرحؿ كأسرع السير حتى أجاز‬
‫الكادم)(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أخرجو البخارم‪ ،‬ؾ‪( :‬أحاديث األنبياء)‪ ،‬باب‪( :‬قكؿ ا﵀ تعالى‪ :‬كالى ثمكد أخاىـ صالحان)‪ ،‬برقـ‪،3378( :‬‬
‫‪ ،)3379‬كمسمً هـ في ؾ‪( :‬الزىد)‪ ،‬باب‪( :‬ال تدخمكا مساكف الذيف ظممكا أنفسيـ إال أف تككنكا باكيف)‪ ،‬برقـ‪:‬‬
‫(‪.)2981‬‬
‫( ‪ )2‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬الصبلة)‪ ،‬باب‪( :‬الصبلة في مكاضع الخسؼ كالعذاب)‪ ،‬برقـ‪ ،)433( :‬كؾ‪:‬‬
‫(المغازم)‪ ،‬باب‪( :‬نزكؿ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ الحجر)‪ ،‬برقـ‪ ،)4420 ،4419( :‬كمسمً هـ في ؾ‪:‬‬
‫(الزىد)‪ ،‬باب‪( :‬ال تدخمكا مساكف الذيف ظممكا أنفسيـ إال أف تككنكا باكيف)‪ ،‬برقـ‪.)2980( :‬‬

‫‪96‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كعف أبي أمامة الباىمي رضي ا﵀ عنو قاؿ‪ :‬قاؿ رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ‪:‬‬
‫(إذا مررتـ عمى أرض قد أىمكت بيا أمة مف االمـ‪ ،‬فأ ًغ ُّذكا السير)(‪.)1‬‬

‫فحتى ال ييصاب المطمعي عمى ثقافة ىؤالء بما أصيبكا بو عميو أف يعجؿ بالسير؛‬
‫يستقر فيو‪ .‬ك«ألف مف شاىد‬ ‫ُّ‬ ‫اطف لو كطنان يستكطنو‪ ،‬كال مستىق انر‬
‫فبل يجعؿ ىذه المك ى‬
‫ىذه األحكاؿ كجب عميو أف يعتبر؛ فإذا لـ يعتبر كاف مستكجبان لمذـ كالتقريع»(‪.)2‬‬

‫لممار في مثؿ ىذه المكاضع؛ المراقبة كالخكؼ‬


‫كقد قاؿ النككم رحمو ا﵀ «فينبغي ّْ‬
‫كالبكاء كاالعتبار بيـ كبمصارعيـ كأف يستعيذ با﵀ مف ذلؾ»(‪.)3‬‬

‫األمر الثالث‪ :‬في استيطاف بمداف غير المسمميف‪.‬‬

‫األكلى أف يي ٍف ىرىد ليذه المسألة قاعدة مف القكاعد؛ إذ ىي مف المسائؿ‬


‫كاف مف ٍ‬
‫الميمة كالتي شغمت أذىاف الكثيريف ممف ييقيمكف بيذه البمداف أك ممف يبحثكف عف‬
‫َّ‬
‫حكميا الشرعي (‪ .)4‬كلكني أحببت أف تككف‬
‫التكييؼ الفقيي ليا؛ كمف ثىَّـ ييبنى عميو ي‬
‫ىذه المسألة مف األمكر التي تجعؿ اإلقامة في ىذه البمداف أك االطبلع عمى ثقافة‬
‫أىميا مف األمكر الضركرية؛ كذلؾ‪:‬‬
‫َ َ ٓ ُ ُ ٓ ْ َّ‬
‫مأمكر بإقامة دينو كاظيار شعائره؛ كقد قاؿ ا﵀ تعالى‪﴿ :‬وٌا أمِصوا إَِّل‬ ‫ه‬ ‫المسمـ‬
‫ألف ي‬
‫َ َ ُ ّ َ ُ َ َ ٓ َ َ ُ ُ ْ َّ َ َٰ َ َ ُ ۡ ُ ْ َّ َ َٰ َ َ َ َٰ َ ُ ۡ َ‬ ‫َ ۡ ُ ُ ْ َّ َ ُ ۡ‬
‫ََِ ٱىل ّي ِ ٍَثِ﴾‬ ‫ٱَّلل ُمي ِِؿي َل ٱدلََِ خِفاء ويلِئٍا ٱلؿئة ويؤحٔا ٱلضنٔة ْۚ وذل ِم د‬ ‫ِِلػتسوا‬

‫قكاه بشكاىده‪.‬‬
‫(‪ )1‬ذكره األلباني في السمسة الصحيحة‪ ،‬برقـ‪)3941( :‬؛ كقد َّ‬
‫(‪ )2‬تفسير الرازم (مفاتيح الغيب)‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.)146( :‬‬
‫(‪ )3‬شرح النككم عمى صحيح مسمـ‪ ،‬ؾ (الزىد كالرقائؽ)‪ ،‬باب‪( :‬ال تدخمكا مساكف الذيف ظممكا أنفسيـ‪ )..‬حديث‬
‫رقـ‪ .)2980( :‬ط‪ :‬األفكار الدكلية‪.‬‬
‫(‪ )4‬كممف أفرد ليذه المسألة بحثان كفصؿ فييا‪ :‬الشيخ محمد بف صالح العثيميف رحمو ا﵀ تعالى؛ يينظر مجمكع‬
‫فتاكيو (فتكل رقـ‪ ،)388 :‬كشرحو كذلؾ عمى األصكؿ الثبلثة ص‪ 131( :‬ػ ػ ‪ )138‬مف إصدارات مؤسسة‬
‫الشيخ‪ .‬ككذلؾ أضاؼ رحمو ا﵀ تعالى في شرحو عمى األربعيف النككية (ص‪ ،23 :‬ط‪ :‬دار الثريا) تفريقان‬
‫آخر بيف الببلد الكافرة والبالد الفاسقة كىي التي تعمف الفسؽ كتظيره؛ فإف خاؼ المرء عمى نفسو مف أف‬
‫تنزلؽ نفسو مع أىميا في الفسؽ كجب عميو اليجرة كاف لـ يخؼ لـ يياجر؛ بؿ إف كاف في بقائو مصمحة‬
‫مف الدعكة إلى ا﵀ تعالى لحاجة البمد إليو في اإلصبلح كاألمر بالمعركؼ كالنيي عف المنكر) أ‪.‬ق‬
‫بتصرؼ‪ ،‬كبحث لمدكتكر‪ /‬عمي محمد كنيس بعنكاف‪( :‬حكـ اإلقامة في ببلد الكفار)؛ مركز ثبات لمدراسات‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫[البينة‪]5 :‬؛ كمعمكـ ما يترتب عمى ىذا األمر اإلليي‪ً ،‬مف رٍف وع لؤلذاف كا و‬
‫قامة لمجمع‬ ‫ى‬
‫ظيار لميىدم الظاىر في شؤكف الحياة لممجتمع‬ ‫كالجماعات كاألعياد كالجنائز‪ ،‬كا و‬
‫المسمـ بعمكمو‪ ،‬كالشخصية اإلسبلمية بمفردىا‪ .‬كىذه األمكر كغيرىا يصعب عمى‬
‫اإلسبلمي سكنان كممجأ يأكم إليو؛ أما إذا‬
‫و‬ ‫غير‬
‫المكطف ى‬
‫ى‬ ‫المسمـ أف يتخذ بسببيا ىذا‬
‫ي‬
‫المسمميف فبلشؾ مف أف األمر سيككف‬ ‫يكجد مع إخكانو ممف شارككه العقيدة في ببلد ي‬
‫يسي انر عميو‪ .‬ىذا ىك األصؿ الذم ينبغي الرجكع إليو‪ ،‬كىك كذلؾ األصؿ الذم تي َّنزؿ‬
‫المسمميف‪.‬‬
‫المسمـ بيف غير ي‬
‫حت بعدـ إقامة ي‬
‫صر ٍ‬
‫عميو األحاديث التي َّ‬

‫المغني عند حديثو عف اليجرة‬ ‫كأيضان؛ فقد ذكر ابف قدامة رحمو ا﵀ تعالى في ي‬
‫كأحكاؿ الناس فييا ما يدؿ عمى أف حكـ اليجرة كجكبان كاستحبابان إنما يعكد إلى‬
‫المسمـ مف ذلؾ فاليجرة في حقّْو‬ ‫التمكف مف إقامة الديف كاظياره فإف تمكف ي‬
‫َّ‬
‫يمستحبة (‪ ،) 1‬كاف لـ يتمكف فبلشؾ مف يكجكبيا عميو‪ ،‬كنكعان ثالثان ذكره كلـ ييصؼ‬
‫(‪)2‬‬
‫باالستحباب كال بالكجكب أصالة كىـ العجزة كالضعفة فبل تجب عمييـ اليجرة‬

‫كقد ذكر الشيخ ابف عثيميف في شركطو التي كضعيا تقييدان عمى ىذه المسألة‪:‬‬
‫«الشرط الرابع‪ :‬أف تدعك الحاجة إلى العمـ الذم أقاـ مف أجمو بأف يككف في تعمُّ ًمو‬
‫مصمحة لممسمميف كال يكجد لو نظير في المدارس في ببلدىـ‪ ،‬فإف كاف في فضكؿ‬
‫نظيره؛‬
‫العمـ الذم ال مصمحة فيو لممسمميف أك كاف في الببلد اإلسبلمية مف المدارس ي‬
‫لـ يجز أف ييقيـ في ببلد الكفر مف أجمو‪ ،‬لما في اإلقامة مف الخطر عمى الديف‬
‫كاألخبلؽ‪ ،‬كاضاعة األمكاؿ الكثيرة بدكف فائدة»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬كقد أخذ العمماء كا﵀ أعمـ ىذا االستحباب مف إقرار النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ نف ار مف أصحابو مكثكا‬
‫حممة بالطعاـ‬ ‫الم َّ‬
‫بأرض الشاـ كلـ تكف يكميا عمى اإلسبلـ؛ كىـ الذيف جاءكه صمى ا﵀ عميو كسمـ بالعير َ ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فمما رآىا أصحابو انفضكا إلييا‪ ،‬كترككه عمى المنبر قائما‪ ،‬كنزؿ فييـ قكؿ ا﵀ تعالى‪﴿ :‬سِإَذا َرأ ۡوا ح َِجَٰ َصة أ ۡو ل ۡٓ ًٔا‬
‫ٱَّلل َر ۡ ُ‬
‫ي َّ‬
‫ٱىرَٰزر َ‬ ‫َ َّ َ ۡ ر ّ َ َّ‬
‫ٱلي ۡٓٔ َوٌ ََِ ٱِلّ َِجَٰ َصة ِ َو َّ ُ‬ ‫َ ُّ ٓ ْ َ ۡ َ َ َ َ ُ َ َ ٓ ُ ۡ‬
‫ِي ﴾ [الجمعة‪]11 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٔك كان ِ ٍٗا ْۚ كو ٌَا غِِس ٱَّللِ ري ٌَِ‬ ‫ٱُفقٔا إِِلٓا وحصك‬
‫يينظر فتح البارم ج‪2‬؛ ص‪ )423( :‬كمعمكـ أف الشاـ قد فيتحت بعد زمف النبي عميو الصبلة كالسبلـ‪.‬‬
‫(‪ )2‬المغني البف قدامة ج‪ ،)8( :‬ص‪.)457( :‬‬
‫(‪ )3‬يينظر فتكل الشيخ رحمو ا﵀؛ السابؽ ًذ ٍك يرىا‬

‫‪98‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كلذلؾ فإف أىؿ السنة كالجماعة‪« :‬يعتقدكف بأف المكالة في ا﵀ ليا يمقتضيات‬
‫كيستثنى مف ذلؾ‬
‫المسمميف؛ ي‬
‫كحقكؽ ‪ ..‬منيا‪ :‬اليجرة مف ببلد الكفر إلى ببلد ي‬
‫المستضعؼ كمف ال يستطيع اليجرة ألسباب شرعية»(‪.)1‬‬
‫ي‬
‫المسمميف ممف ىـ داخؿ الببلد اإلسبلمية كخارجيا ػ ػ أعني‬ ‫ثـ الناظر في حاؿ ي‬
‫المقيميف بببلد الغرب كالمكصكفيف باألقمية اإلسبلمية ػ ػ كبما تحياهي األمة اإلسبلمية‬
‫اليكـ يستطيع القكؿ بأف‪:‬‬

‫بمداف إسبلمية يصدؽ عمييا كصؼ األقمية اإلسبلمية‪ ،‬كاف كانت في‬ ‫ه‬ ‫ػ ػ ىناؾ‬
‫ًعداد المجتمع الدكلي مف الدكؿ اإلسبلمية؛ كال يتمكف أىميا مف إقامة الديف كاظيار‬
‫شعائره كما ينبغي‪ ،‬أك أف ىيأمنكا عمى أنفسيـ إف أقامكه؛ فضبلن عف أف ييستأمنكا عمى‬
‫المسمـ الذم لـ ييمنع مف إظيار‬
‫غيرىـ إف ألزمنا غيرىـ بكاجب اليجرة إلييـ‪ ،‬فإبقاء ي‬
‫البمداف غير اإلسبلمية أكلى مف رحيمو يمياج انر إلى إخكانو‬ ‫شعائره في ىذه ي‬
‫المستضعفيف في ببلد اإلسبلـ(‪!!)2‬‬
‫ي‬
‫ػ ػ ىناؾ بمداف إسبلمية إذا ما نظر الناظر إلييا نظرة عامة سيجد أنو ليس مف‬
‫فارؽ كبير ييذكر بينيا كبيف غير اإلسبلمية فالمحرمات كالمنكرات ظاىرة فييا ظيك ار‬
‫كبي انر؛ بؿ كفي بعض أحيانيا تحارب مظاىر اإلسبلـ العظيـ دكف رقيب أك حسيب‪.‬‬

‫العباد أحيانا أخر‬ ‫ً‬


‫الببلد أحيانا ك ي‬ ‫اجز‬
‫ػ ػ أما عف إخكاننا ممف حاؿ بينيـ كبيننا حك ي‬
‫المستضعؼ الذم ال يستطيع أف يترؾ كطنو‬ ‫المسمميف بتمؾ الببلد؛ فمنيـ ي‬
‫أعني ي‬

‫(‪ )1‬الكجيز في عقيد السمؼ الصالح (أىؿ السنة كالجماعة)؛ عبد ا﵀ بف عبد الحميد األثرم‪ ،‬ص‪ .)142( :‬ط‪:‬‬
‫دار الغرباء‪ ،‬تركيا‪.‬‬
‫(‪ )2‬كفي حاؿ ىؤالء المقيميف بببلد الغرب الذيف لـ ييمنعكا مف إقامة دينيـ مقارنة مع حاؿ بمدانيـ اإلسبلمية‬
‫أصكؿ تكنسية كيعيش مف و‬
‫ست‬ ‫و‬ ‫ته َّنزؿ فتكل المجنة الدائمة لمبحكث العممية كاإلفتاء بشأف الشاب الذم ىك مف‬
‫كعشريف سنة في فرنسا مع أكالده (فتاكل المجنة الدائمة ػ ػ المجمكعة الثانية ػ ػ فتكل رقـ‪ ،19581 :‬ج‪ 1‬ص‪:‬‬
‫(‪ )242‬ط‪ :‬مؤسسة األميرة العنكد)‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫مياج انر فاليجرة عميو ليست بكاجبة كما قاؿ ابف قدامة‪ ،‬كمنيـ مف يستطيع إظيار‬
‫دينو كال يتعدل عميو أحد ألجؿ إسبلمو؛ بؿ كينشر إسبلمو بالحسنى بيف ىؤالء(‪.)1‬‬

‫المسمميف المكجكديف بتمؾ الببلد‬


‫ثـ ما ىك الشأف إذا ما عممنا أف أعداد ىؤالء ي‬
‫التي ليس السمطاف فييا لممسمميف قد تجاكز المبلييف في بعض البمداف كالصيف‬
‫كاليند كالكاليات المتحدة األمريكية‪..‬؟ فيؿ مع ىذه األعداد ييطمب مف ىؤالء أف‬
‫بعيد عف الكاقع الميـ إال في الفركض‬
‫المسمميف أظف أف األمر ه‬‫يياجركا إلى ببلد ي‬
‫الجدلية‪.‬‬

‫ثـ إنو كبفضؿ ا﵀ سبحانو كتعالى ثـ بما يي ّْ‬


‫قدمو ىؤالء كغيرىـ مف الدعكة إلى ا﵀‬
‫عدد الداخميف في اإلسبلـ زيادةن‬
‫مر السنكات الماضية ازداد ي‬ ‫سبحانو كتعالى عمى ّْ‬
‫مجيكلة كالكاقع خير دليؿ عمى ذلؾ‪ .‬كليس لنا مع ىؤالء ػ ػ عمى ما‬‫و‬ ‫غير‬
‫ممحكظةن ى‬
‫نحف فيو‪ ،‬كما ىـ فيو ػ ػ إال أف نقكؿ كما قاؿ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ لياسر أبي‬
‫اصبًر) ثـ قاؿ‪( :‬الميـ اغفر آلؿ ياسر كقد فعمت)(‪.)2‬‬
‫عمار ( ٍ‬
‫المسمـ مع إخكانو‪ ،‬تحت راية اإلسبلـ‬ ‫ّْ‬
‫كعمى كؿ حاؿ؛ فاألصؿ إذان‪ :‬ىك أف يككف ي‬
‫دينان كدكلة‪ ،‬كأما ما يذ ًكر ىنا ّْ‬
‫فمكؿ مقاـ مقاؿ كا﵀ تعالى أعمـ‪.‬‬

‫األمر الرابع‪ :‬اطّْبلعه ليس ّْ‬


‫لكؿ أحد‪.‬‬

‫المسممة ىي نظرةه شاممةه‪ ،‬فإذا ما‬


‫نظرةي فقياء اإلسبلـ إلى الحفاظ عمى العقمية ي‬
‫َّ‬
‫مصنفات ىؤالء أك في ثقافتيـ عمكما؛ فإنما ىي‬ ‫المسمـ أف ينظر في‬‫أباحكا لمفرد ي‬
‫أقداميـ في عقيدتو فأصبحكا في مأمف‬
‫ي‬ ‫رسخت‬
‫ٍ‬ ‫إباحة جعمكىا لفئة مف أىؿ اإلسبلـ‬

‫(‪ )1‬كفي حاؿ ىذا األخير؛ تينزؿ عميو فتكل الرممي شياب الديف أحمد بف حمزة مف الشافعية (ت‪957 :‬ق) لمف‬
‫سألكه مف أىؿ بمدة تحت سمطة سمطاف نصراني مف بقايا األندلس؛ بأف ىؤالء ال تجب اليجرة في حقيـ؛‬
‫ألنيـ قادركف عمى إظيار دينيـ؛ كقد بعث النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ عثماف يكـ الحديبية إلى قريش كىك‬
‫قادر عمى إظيار دينو فتاكل الرممي (‪ )182 /5‬نقبلن عف‪( :‬فقو االستضعاؼ في ضكء السيرة النبكية في‬
‫العيد المكي؛ د‪ /‬كامؿ رباع‪ ،‬ص‪ )180( :‬دار الجندم لمطباعةػ القدس‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجو أحمد في المسند برقـ‪ )439( :‬كذكر محققكا طبعة الرسالة لممسند؛ ركايةن أخرل كىي‪( :‬صب انر آؿ‬
‫ياسر فإف مكعدكـ الجنة) فمتراجع لمف أراد ىناؾ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أم دخيؿ عمييا‪ ،‬فكانكا في اطبلعيـ ىذا مميزيف لمغث كالسميف‪ ،‬كالنافع‬ ‫مف ّْ‬
‫كالضار‪ ،‬كالصالح كالطٌالح‪ ،‬فمـ تكف إباحة ّْ‬
‫لكؿ أحد‪.‬‬

‫كىذه نصكص الفقياء رحميـ ا﵀ تعالى ّْ‬


‫تكضح ىذا األمر‪:‬‬

‫قاؿ اإلماـ الذىبي رحمو ا﵀ تعالى‪« :‬ال ييشرع ألحد بعد نزكؿ القرآف أف يق أر‬
‫التكراة كال أف يحفظيا‪ ،‬لككنيا مبدلة محرفة منسكخة العمؿ‪ ،‬قد اختمط فييا الحؽ‬
‫بالباطؿ فمتجتنب‪ ،‬فأما النظر فييا لبلعتبار كلمرد عمى الييكد‪ ،‬فبل بأس بذلؾ لمرجؿ‬
‫العالـ قميبلن كاإلعراض أكلى»(‪.)1‬‬

‫كما قاؿ ابف حجر العسقبلني رحمو ا﵀ يمبيّْنان ًكجية النيي الكارد في بعض اآلثار‬
‫عف النظر في يكتب أىؿ الكتاب‪« :‬كالذم يظير أف كراىية ذلؾ لمتنزيو ال لمتحريـ‪،‬‬
‫كيص ٍر مف الراسخيف في اإليماف‬‫يتمكف ً‬
‫كاألكلى في ىذه المسألة التفرقة بيف مف لـ َّ‬
‫فبل يجكز لو النظر في شيء مف ذلؾ بخبلؼ الراسخ فيجكز لو‪ ،‬كال سيما عند‬
‫االحتياج إلى الرد عمى المخالؼ‪ ،‬كيدؿ عمى ذلؾ نقؿ األئمة قديما كحديثا مف التكراة‬
‫الييكد بالتصديؽ بمحمد صمى ا﵀ عميو كسمـ بما يستخرجكنو مف كتبيـ‪،‬‬ ‫ى‬ ‫كالزاميـ‬
‫كلكال اعتقادىـ جكاز النظر فيو لما فعمكه كتكاردكا عميو»(‪.)2‬‬

‫كجاء عف محمد رشيد رضا قكليو عف قراءة كتب الممؿ‪« :‬ينبغي منعي التبلميذ‬
‫تشكش عمييـ عقائدىـ كأحكاـ دينيـ؛ فيككنكا‬‫كالعكاـ مف قراءة ىذه ال يكتب لئبل ّْ‬
‫فنسي ًمشيتو كلـ يتعمـ ًم ٍشية‬
‫ى‬ ‫كالغراب الذم حاكؿ أف يتعمـ ًمشية الطاككس‬
‫الحجؿ»(‪.)3‬‬
‫ى‬
‫كقد جعؿ الشيخ أبك زىرة االطبلع عمى كتب أىؿ األدياف األخرل ممنكعان لمف‬
‫ليس أىبلن لذلؾ في سبيؿ تحقيؽ الحماية لمديف؛ فقاؿ‪« :‬كمف التحسينات بالنسبة‬
‫لحماية الديف منع الدعكات المنحرفة التي ال تمس أصؿ االعتقاد؛ كلكف بتكاثرىا‬

‫(‪ )1‬سير أعبلـ النببلء (‪.)86 /3‬‬


‫(‪ )2‬فتح البارم ج‪ ،13‬ص‪.)526 /525( :‬‬
‫(‪ )3‬مجمة المنار (‪)258 /7‬؛ نقبلن عف‪ :‬المراشد السديدة لمقراءة المفيدة‪ ،‬د‪ /‬أحمد بف عمي القرني‪ ،‬ص‪.)47( :‬‬

‫‪111‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫تك ًجد َّ‬


‫شكا في المقررات اإلسبلمية‪ ،‬كمنع االطبلع عمى كتب األدياف لمف ال يستطيع‬
‫المكازنة العقمية الدقيقة بيف الحقائؽ الدينية»(‪.)1‬‬

‫كىا أنت ترل أف العمماء المانعيف مف ذلؾ إنما َّ‬


‫يتكجو منعيـ إلى مف لـ تثبت‬
‫قدمو أك ترسخ عقيدتو مف العكاـ أك التبلميذ الصغار الذيف ييخاؼ عمييـ مف تشكيش‬
‫سماىا‬
‫المتعمقة بالحقائؽ الدينية ػ ػ كما َّ‬ ‫الم َّ‬
‫صنفات ي‬ ‫عقيدتيـ بذلؾ‪ ،‬ككذلؾ يتكجو إلى ي‬
‫أما إذا كاف في الحقائؽ الدنيكية فاألمر فييا ظاىر ك﵀ الحمد‪.‬‬
‫الشيخ أبك زىرة ػ ػ َّ‬

‫ً‬
‫المعصية‪.‬‬ ‫األمر الخامس‪ :‬يخطكرةي إ ٍل ً‬
‫ؼ‬

‫مأمكر‬ ‫سمـ‬ ‫َّ‬


‫ه‬ ‫الم ى‬ ‫ككذلؾ مف األمكر التي تجعؿ ىذا االطبلع اطبلعان ضركريا أف ي‬
‫في كتاب ا﵀ تعالى بأف ال ييجالس ىمف يكفركف بآيات ا﵀ أك يستيزئكف بيا؛ حتى ال‬
‫َ َ َ ََ ُ‬
‫يمحقو ما يمحقيـ مف الغضب كالمعنة‪ ،‬فقد قاؿ سبحانو كتعالى‪َ ﴿ :‬وك ۡس ُ َّضل غييۡس ًۡ ِِف‬
‫َّ ُ ۡ َ ُ َ َ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َ َ َ َ ۡ ُ ُ ْ َ َ ُ ۡ َ َّ َ ُ ُ ْ‬
‫ج ٱَّللِ َسفص ةِٓا ويعخٓضأ ةِٓا ـَل تلػسوا ٌػًٓ خ َٰ‬ ‫َٰ‬ ‫ۡ َ َٰ َ ۡ َ َ ۡ ُ ۡ َ َ‬
‫ِت َئفٔا‬ ‫ب أن إِذا ظ ٍِػخً ء ِ‬
‫اي‬ ‫ٱىهِٰ ِ‬
‫يَ ِف َج َٓ َِّ ًَ َِم ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ ۡ َ‬ ‫َّ ُ ۡ ٗ ّ ۡ ُ ُ ۡ َّ َّ َ َ ُ ۡ ُ َ‬ ‫َۡ‬ ‫َ‬
‫ِيػا﴾‬ ‫يه ِۦٓ إُِسً إِذا ٌِثيًٓ إِن ٱَّلل جاٌِع ٱلٍنَٰفِلِي وٱىؽَٰفِ ِص ِ‬ ‫َِد د ِ‬‫ِِف خس ٍ‬
‫ِف َء َايَٰخَِِا ـَأ َ ۡغص ۡض َخ ِۡ ًُٓۡ‬ ‫َ َ َ ۡ َ َّ َ َ ُ ُ َ‬
‫ٔن ِ ٓ‬ ‫[النساء‪ ،]140 :‬كقاؿ أيضان‪﴿ :‬سِإَذا رأَج ٱَََِ َئف‬
‫ِ‬
‫َۡ‬
‫ى ٌَ َع ٱىل ۡٔ ِم‬ ‫ٱَ ِۡن َص َٰ‬
‫َّ ُ َ َّ َ َّ ۡ َ َٰ ُ َ َ َ ۡ ُ ۡ َ ۡ َ ّ‬
‫يهْۚ ِۦ سِإٌَا َِعِيِم ٱلؼيطَ ـَل تلػس بػس‬ ‫ٔفٔا ْ ِف َخسَِد َد ۡ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ َٰ َ ُ ُ‬
‫خِت َي‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫ٱىََٰٰيٍِ َ‬
‫ي﴾ [األنعاـ‪.]68 :‬‬ ‫ِ‬

‫جعمت ىذا االطبلع ًمف قبيؿ الضركرة ال‬


‫ي‬ ‫كبعد ‪ ..‬فيذه خمسةي أمكر‪ ،‬ألجميا‬
‫غير‪ ،‬كىذه الضركرة إما أف تككف ضركرةن دينية ييدفع بيا الشبيات التي تيثار عمى‬
‫اإلسبلـ كأىمو‪ ،‬أك أف تككف مف قبيؿ الضركرة الدنيكية التي تكقفت عمييا حياتينا‬
‫النفس كالنس يؿ‬
‫الديف كالعق يؿ ك ي‬
‫ي‬ ‫في ٍحفظ بذلؾ ػ ػ أم‪ :‬االطبلع عمى تمؾ الثقافات ػ ػ‬
‫بسببيا‪ .‬ي‬
‫كالما يؿ‪.‬‬

‫(‪ )1‬أصكؿ الفقو‪ ،‬محمد أبك زىرة‪ ،‬ص‪ ،)335( :‬ط‪ :‬دار الفكر العربي‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة الحادية عشرة‬

‫في كيفية نقؿ ثقافة اآلخريف (الترجمة)‬


‫بداية‪ ..‬بيف يدم ىذه القاعدة البد مف مر ً‬
‫اعاة بعض الجزئيات الميمة‪:‬‬ ‫ي‬
‫ػ ػ التفريؽ بيف الثقافة كالعمـ‪ .‬كقد سبؽ الحديث عنيا‪.‬‬

‫ككتابي‪ ،‬فالشفيي‪ :‬لو أشكاؿ متعددة يشمميا ُّ‬


‫كؿ‬ ‫ّّ‬ ‫شفيي‬
‫ّّ‬ ‫ػ ػ نقؿ الثقافة لو حاالف؛‬
‫الكتابي‪ :‬كذلؾ لو صكر متعددة راجعة إلى ّْ‬
‫كؿ‬ ‫ُّ‬ ‫صكر اإلعبلـ المرئي كالمسمكع‪ ،‬و‬
‫مقركء‪ .‬كالمقصكد ىاىنا عمكـ عممية النقؿ بجانبييا‪.‬‬

‫ػ ػ اشت ارطي النفع في المنقكؿ مف ثقافة اآلخريف راجعه إلى شركط العمـ النافع شرعان‬
‫اء كاف دينيان‪ ،‬أك يدنيكيان‪.‬‬
‫سبقت ػ ػ؛ سك ن‬
‫ٍ‬ ‫ػ ػ كقد‬

‫نتحدث فيو ىك نقؿ ما عندىـ إلينا؛ كليس نق ىؿ ما ًعندنا إلييـ‪ ،‬كاف‬


‫ػ ػ المقاـ الذم َّ‬
‫كاف المقاماف يشتركاف في بعض الجزئيات‪ ،‬فميس ىذا محمٌيا‪.‬‬

‫المترتّْب عمييا؛‬ ‫ً‬


‫ػ ػ كذلؾ المقاـ ىنا ىك عف عممية النقؿ ذاتيا كليس عف األثر ي‬
‫المسمميف‪.‬‬
‫فمف يتطرؽ الحديث عف آثار الثقافة الغربية في ديار ي‬
‫التحدث بمغة و‬
‫قكـ آخريف أـ ال؛ فإف‬ ‫ُّ‬ ‫ػ ػ ككذلؾ المقاـ ىنا ليس مقاما إلثبات جكاز‬
‫ىذا أم انر أصبح مفركضا ككاقعان؛ بؿ إنو ككما قاؿ ابف تيمية رحمو ا﵀ تعالى‪« :‬كأما‬
‫مخاطبة أىؿ االصطبلح باصطبلحيـ كلغتيـ فميس بمكركه إذا احتيج إلى ذلؾ‪،‬‬
‫ككانت المعاني صحيحة‪ ،‬كمخاطبة العجـ مف الركـ كالفرس كالترؾ بمغتيـ كعرفيـ‬
‫فإف ىذا جائز حسف لمحاجة؛ كانما كرىو األئمة إذا لـ ييحتج إليو»(‪.)1‬‬

‫كبعد مراعاة ىذه األمكر أقكؿ يمستعينان با﵀ تعالى‪:‬‬

‫ت أم انر ضركريا ال ًفكاؾ‬‫عمميةي نقؿ الثقافة كالعمـ بيف الحضارات المختمفة أصبح ٍ‬
‫إما مف ناحية التأثير في اآلخريف أك تأثًُّره بيـ‪،‬‬
‫لئلنساف عنو بحاؿ مف األحكؿ‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬مجمكع فتاكل ابف تيمية ج‪ ،3‬ص‪.)306( :‬‬

‫‪113‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كمفيدا لغيره‪ ،‬كفي‬


‫سمـ في ىذا التكاصؿ الحضارم يمستفيدنا مف غيره ي‬ ‫الم ي‬
‫كلكي يككف ي‬
‫األىـ في عممية التكاصؿ تمؾ ىي‬‫ّْ‬ ‫ىم ٍأ ىم وف مف غكائمو؛ عميو أف يعمـ أف الكسيمة‬
‫المساف(‪ ،)1‬فبو ينقؿ المرء ما عندىـ كما عندنا‪.‬‬

‫كاذا ما قمٌبنا صفحات التاريخ فسكؼ نجده أم انر مف ضركريات الحياة دينان كدنيا؛‬
‫كمسمميف في ىذه الناحية الثقافية مثاالف مشيكراف؛ أوليما‪ :‬الصحابي الذم‬
‫كعندنا ي‬
‫تعمـ لغة الييكد في بضعة عشر يكما؛ إذ لـ يأمف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ الييكد‬
‫عمى كتابو(‪)2‬؛ كأما ثانييما‪ :‬فيك أثر ىرقؿ عظيـ الركـ مع أبي سفياف بف حرب؛‬
‫كالذم سأؿ فيو ىرقؿ أبا سفياف عف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ ككاف فيو عف‪ « :‬ىع ٍب ًد‬
‫ش‬ ‫ىف ًى ىرٍق ىؿ أ ٍىر ىس ىؿ إًلى ٍي ًو ًفي ىرٍك وب ًم ٍف قيىرٍي و‬ ‫اف ٍب ىف ىح ٍر وب أ ٍ‬
‫ىخىب ىرهي أ َّ‬ ‫اس أ َّ‬
‫ىف أىىبا يس ٍفىي ى‬ ‫المَّ ًو ٍب ًف ىعَّب و‬
‫اد ًفييىا أىىبا‬ ‫صمَّى المَّوي ىعمى ٍي ًو ك ىسمَّـ ىم َّ‬
‫ى ى‬
‫َّ ً‬
‫اف ىر يسك يؿ المو ى‬
‫ً َّ ً‬
‫الشأٍـ في ا ٍل يم َّدة التي ىك ى‬
‫ار بً َّ ً ً‬ ‫ىك ىك يانكا تً ىج نا‬
‫كـ ثيَّـ‬ ‫الر ً‬‫اء ُّ‬ ‫ظ ىم ي‬‫اى ٍـ ًفي ىم ٍجمً ًس ًو ىك ىح ٍكلىوي يع ى‬ ‫اء فى ىد ىع ي‬
‫ً‬
‫ش فىأىتى ٍكهي ىك يى ٍـ بًًإيمىي ى‬ ‫اف ك يكفَّ ىار قيىرٍي و‬
‫يس ٍفىي ى ى‬
‫اؿ أ يىبك‬ ‫الر يج ًؿ الًَّذم ىي ٍزيع يـ أَّىنوي ىنبً ّّي فىقى ى‬
‫ب ىن ىسنبا بًيى ىذا َّ‬ ‫ِِ‬
‫اى ٍـ ىكىد ىعا ِبتَْر ُج َمانو فى ىقا ىؿ أُّىي يك ٍـ أى ٍق ىر ي‬
‫ىد ىع ي‬
‫كى ٍـ ًع ٍن ىد ى‬
‫ظ ٍي ًرًه ثيَّـ‬ ‫اج ىعمي ي‬ ‫ىص ىح ىابوي فى ٍ‬ ‫ً‬
‫ت أىىنا أى ٍق ىريبيي ٍـ ىن ىسنبا فىقىا ىؿ أ ٍىد ينكهي مّْني ىكقىّْريبكا أ ٍ‬ ‫اف فى يق ٍم ي‬
‫يس ٍفىي ى‬
‫الر يج ًؿ فىًإ ٍف ىك ىذىبنًي فى ىك ّْذ يبكهي‪ ،)3(»..‬ككاف‬ ‫قىا ىؿ لِتَْر ُج َم ِان ِو يق ٍؿ لىيي ٍـ إًّْني ىسائً هؿ ىى ىذا ىع ٍف ىى ىذا َّ‬
‫ليذه الكاقعة األثر البيّْف عمى كؿ مف أبي سفياف بف حرب كىرقؿ‪ .‬كيظير في ىذيف‬
‫الحادثيف أثر ّْ‬
‫الديف كالدنيا‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫كقد ترجـ البخارم رحمو ا﵀ تعالى في صحيحو ترجمةن قاؿ فييا‪« :‬باب‪ :‬ما‬
‫يجكز مف تفسير التكراة كغيرىا مف كتب ا﵀ بالعربية كغيرىا» كقاؿ عمييا ابف حجر‬
‫فت ًحو شارحان‪« :‬كالحاصؿ‪ :‬أف الذم بالعربية مثبلن يجكز التعبير عنو بالعبرانية‬ ‫في ٍ‬
‫ْٔا ٓ إن ُنِخُ ًۡ َص َٰ ِسر َ‬
‫َّ ۡ َ َٰ َ ۡ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ۡ‬
‫ُۡ َ ُ‬
‫ِي﴾) ككجو‬ ‫ِ‬ ‫كبالعكس ‪( ..‬لقكؿ ا﵀ تعالى‪﴿:‬كو ـأحٔا ةِٱِلٔرىثِ ـٱحي‬

‫(‪ )1‬كىذا ال يعني أف المساف‪ :‬ىك الذم يقكـ بعممية النقؿ فقط‪ ،‬ألف اإلنساف قد ييترجـ عف غيره أك عما في نفسو‬
‫كلكني ذكرت ىنا الكسيمة األىـ كاألشير‪ .‬ككذلؾ ال يغيب َّ‬
‫عنا أف األحكاـ المذككرة ىنا قد‬ ‫باإلشارة مثبلن‪ّْ ،‬‬
‫تنطبؽ في غالب أحكاليا عمى الذيف يقكمكف بالتكاصؿ عف طريؽ اإلشارة‪.‬‬
‫(‪ )2‬يينظر اآلثار التي في مقدمة البحث‪.‬‬
‫( ‪ )3‬أخرجو البخارم؛ باب‪( :‬كيؼ كاف بدء الكحي)‪ ،‬برقـ‪ )7( :‬كأخرجو مسمـ؛ ؾ‪( :‬الجياد كالسير)‪ ،‬باب‪:‬‬
‫(كتاب النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ إلى ىرقؿ)؛ برقـ‪.)1773( :‬‬

‫‪114‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الداللة أف التكراة بالعبرانية‪ ،‬كقد أمر ا﵀ تعالى أف تيتمى عمى العرب كىـ ال يعرفكف‬
‫العبرانية‪ ،‬فقضية ذلؾ اإلذف في التعبير عنيا بالعربية»(‪.)1‬‬

‫ً‬
‫الترجمة‬ ‫رت بيا عمميةي‬
‫كينبغي أف نستحضر في أذىاننا كذلؾ تمؾ الصكرة التي أثٍ ٍ‬
‫ىذه حياتىنا الفكرية كالثقافية منذ عصر الخميفة األمكم خالد بف يزيد بف معاكية (ت‪:‬‬
‫عد عصره ىك أنشط عصكر الترجمة‬ ‫‪ 90‬ق) ثـ إلى الخميفة العباسي المأمكف كالذم يي ُّ‬
‫إذ ذاؾ‪ ،‬فيك الذم أسس بيت الحكمة‪ ،‬ككانت الترجمة مف أىـ أىدافو؛ فتيرجـ ُّ‬
‫كؿ ما‬ ‫ى‬
‫المسممكف‬
‫االطبلع عمييا‪ ،‬ككاف ي‬
‫ى‬ ‫العرب‬
‫ي‬ ‫ييـ‬
‫تكفر مف مؤلفات اليكناف‪ ،‬كالتي ُّ‬‫ىك يم ه‬
‫عمكـ األكائؿ؛ كقد أدخمت ىذه الكتب المترجمة عمى األمة اإلسبلمية خي ار‬ ‫ى‬ ‫ييسمكنيا‬
‫شرىا ففي الفمسفة‬
‫أما ُّ‬
‫كش انر؛ فأما خيرىا فمحصكر في العمكـ الطبيعة ػ ػ الدنيكية ػ ػ ك َّ‬
‫اإلليية كما يتعمؽ بالجانب العقدم(‪.)2‬‬

‫ً‬
‫الترجمة في نقؿ الثقافة عظيـ عقبلن كشرعان؛ كلذلؾ كاف مف‬ ‫إذا ‪ ..‬فشأف‬
‫الضركرم أف نقؼ معيا ًع َّدة كقفات(‪)3‬؛ كىي‪:‬‬

‫مظاف ىذه القاعدة كًدالالتيا‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫أولً‪:‬‬

‫فقياء الشريعة اإلسبلمية إلى ىذا األمر نظرةن ّْ‬


‫تكضح اىتماميـ بو؛ فكاف‬ ‫ي‬ ‫قد نظر‬
‫كر في معظـ أبكاب الشريعة‪ ،‬كمف أعظـ ما ييكضّْح ذلؾ أنو؛ قد‪« :‬ذىب‬ ‫ً‬
‫لو ذ ه‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬البخارم مع الفتح؛ ج ‪ ،13‬ص‪.)516( :‬‬


‫(‪ )2‬فضؿ اإلسبلـ عمى الحضارة الغربية؛ مكنتجمرم كات؛ نقمو إلى العربية‪ :‬حسيف أحمد أميف؛ ص‪،47( :‬‬
‫‪ )48‬ط‪ :‬دار الشركؽ‪ .‬بؿ إنو ومف العجيب‪ :‬أف ينتصر الخميفة المأمكف عمى الركـ سنة (‪215‬ىػ) ككاف‬
‫كتب الفمسفة كالعمـ مف المكتبات عندما انتشرت النصرانية في‬
‫قد عمـ ػ ػ أم المأمكف ػ ػ أف الركـ قد جمعكا ى‬
‫أراضييـ كألقكا بيا في السراديب؛ فطمب مف ممؾ الركـ أف ييعطييـ تمؾ الكتب مكاف الغرامة (الجزية) التي‬
‫المستقبؿ‪ ،‬د‪ /‬عبد الحميـ عكيس‪ ،‬ص‪:‬‬
‫قد فرضيا عمييـ فكافؽ!!‪ ،‬الحضارة اإلسبلمية إبداع الماضي كآفاؽ ي‬
‫(‪ ،)212‬ط‪ :‬دار الصحكة‪ .‬مصر‪ .‬كينظر‪ :‬صكف المنطؽ كالكبلـ عف فني المنطؽ كالكبلـ‪ ،‬السيكطي؛‬
‫ص‪ 39( :‬ػ ػ ‪ )45‬ط‪ :‬مجمع البحكث اإلسبلمية؛ القاىرة ‪.‬‬
‫كؿ مف‪ :‬د‪ /‬محمد عكض محمد في‪( :‬فف الترجمة)‪ .‬كد‪ /‬محمد بف‬ ‫(‪ )3‬ممف تناكؿ ىذه القضية بالبحث كالدراسة ّّ‬
‫المبرمة ببياف أحكاـ الترجمة = أحكاـ الترجمة)؛ كد‪ /‬محمد بف أحمد كاصؿ‬ ‫ً‬
‫عبد العزيز العقيؿ في‪( :‬الحباؿ ي‬
‫أكسعيا ػ ػ فيك رسالة دكتكراه بكمية الشريعة جامعة اإلماـ‬
‫ي‬ ‫في (أحكاـ الترجمة في الفقو اإلسبلمي) ػ ػ كلعمَّو‬
‫بالرياض‪ .‬كغيرىـ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫المترجـ ينقؿ إلى‬


‫الشافعية كىك المذىب عند الحنابمة إلى أف الترجم َة شيادةٌ‪ ،‬ألف ي‬
‫القاضي قكال ال يعرفو القاضي‪ ،‬كما خفي عميو فيما يتعمؽ بالمتخاصميف؛ كلذا فإنيا‬
‫كيعتبر فييا مف الشركط ما يعتبر في الشيادة‪ .‬فإف كاف‬ ‫تفتقر إلى العدد كالعدالة‪ ،‬ي‬
‫الحؽ مما يثبت برجؿ أك امرأتيف قيبًمت الترجمة مف رجؿ كامرأتيف‪ ،‬كما ال يثبت إال‬
‫برجميف ييشترط في ترجمتو رجبلف ‪.)1(»..‬‬

‫المسمميف مف القدر العظيـ؛ فبيا‪ :‬تيحفظ األركاح‬


‫كال يخفى ما لمشيادة عند ي‬
‫ؽ‪ ،‬كتحفظ األمكاؿ كتيسمب‪ ،‬كتيصاف األعراض كتنتيؾ‪ ،‬كتيمحؽ األنساب كتينفى‪،‬‬
‫كتيٍزىى ي‬
‫ت الحقكؽ كتىرتفع؛ بؿ كتثبت بيا حياة الفرد كمكتو كالمترتّْب عميو مف الحقكؽ(‪.)2‬‬
‫كتى يثب ي‬

‫المترجمة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬انتقاء األعماؿ ي‬
‫كىذا أمر يتفرع عمى ما تقرر قب يؿ؛ مف اشتراط العمـ النافع في عممية التكاصؿ‬
‫الحضارم ىذه‪ ،‬كمف األعماؿ التي ينبغي أف يي ٍمفىت النظر إلييا في ىذه األعماؿ‬
‫المنتقاة؛ ما يمي‪:‬‬
‫ي‬
‫‪ ‬األفكار البحثية التي يتفؽ عمى طرحيا أىؿ األدياف ػ ػ أعني المؤمنيف‬
‫بالكجكد اإلليي ػ ػ لمرد عمى قضايا اإللحاد‪ ،‬ككذلؾ األعماؿ التي اىتمت‬
‫بنقد النظريات الفمسفية المخالفة لمعقكؿ كلمذكؽ اإلنساني السميـ كالتي ليا‬
‫أثر عمى الساحة الدكلية؛ أمثاؿ‪( :‬الفركيدية‪ ،‬كالداركينية‪.) .. ،‬‬
‫ٍ‬
‫بقصد أو بغير‬ ‫‪ ‬األعماؿ البحثية التي اىتمت بإبراز اإلعجاز العممي ػ ػ‬
‫ٍ‬
‫قصد ػ ػ في القرآف الكريـ كالسنة النبكية المطيرة‪.‬‬
‫‪ ‬كذلؾ األعماؿ العممية كالمتعمقة بالعمكـ الككنية المحضة كالتي ثبت نفعيا‬
‫اضات ال يؤيدىا الكاقع ً‬
‫العممي‬ ‫تخمينات كال افتر و‬
‫و‬ ‫محض‬ ‫ِ‬
‫يقي َناً فمـ تكف‬
‫ى‬

‫( ‪ )1‬المكسكعة الفقيية الككيتية؛ مادة‪( :‬ترجمة) ج‪ ،)11( :‬ص‪ )175( :‬كينظر فيو أيضا؛ ص‪ 166( :‬ػ ػ‬
‫‪)175‬؛ فقد جاء فييا أحكاـ كثيرة لمترجمة في يمعظـ أبكاب الشريعة اإلسبلمية كاألحكاـ العقدية كالتكميفية‪.‬‬
‫(‪ )2‬يينظر أنكاع الشيادة كما ييقبؿ في كؿ نكع منيا المكسكعة الفقيية الككيتية؛ (مادة‪ :‬شيادة) ك(ج‪ ،26‬ص‪:‬‬
‫‪ 234‬ػ ػ ‪)235‬؛ فمثبلن شيادة السماع؛ عند بعض فقياء المالكية‪ :‬تيقبؿ في تسع كأربعيف مكضعان‬

‫‪116‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الم ٍع ىممي‪ ،‬كمنيا‪ :‬الفيزياء‪ ،‬كالكيمياء‪ ،‬كاألحياء‪ ،‬كالرياضيات‪ ،‬كالجيكلكجيا‪،‬‬


‫ى‬
‫كعمكـ الطب‪ ،‬كاليندسة‪ ،‬كالصيدلة ‪ ..‬كغير ذلؾ‪.‬‬

‫المترجمة؛ أف يينبو عمى المنيج الفكرم الثقافي‬ ‫ً‬


‫كال يينسى في خضـ ىذه األعماؿ ي‬
‫الذم ينتمي إليو مؤلّْفكا تمؾ األعماؿ؛ فكثي انر ما يي ىد ُّس الس ُّ‬
‫ُّـ في العس ًؿ؛ كقد قاؿ النبي‬
‫(‪)1‬‬
‫صمى ا﵀ عميو كسمـ‪( :‬كاف ا﵀ ليؤيد ىذا الديف بالرجؿ الفاجر)‬

‫(الم ٍعتى ىم ىدة)‪.‬‬


‫المترجمكف كدكر النشر ي‬
‫ثالثاً‪ :‬ي‬
‫ركف ركيف مف أركاف ىذه العممية؛ كىناؾ شركط البد مف تحققيا فيما‬
‫كىما ه‬
‫يقكماف بو مف عمؿ في عممية الشيادة (الترجمة) ىذه‪ :‬العدالة في الكتابة واإلمالء‬
‫س ًۡ ََكح ُ ۢ‬‫َّ ۡ َ ُ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫ِب‬ ‫والشيود؛ ألنيا شيادة ﵀ تعالى ل لغيره‪ ،‬إذ ا﵀ قاؿ‪َ ﴿ :‬وِلَه ُخب ةيِ‬
‫ََۡ ُ ْ ََ ۡ َ ۡ ّ ُ ۡ ََ ُ ْ‬ ‫ۡ‬ ‫َۡ ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ةِٱى َػ ۡس ِل ‪ ...‬ـييُ ٍۡي ِو َو ِِلُّ ُّۥ ةِٱى َػ ۡس ِل﴾ [البقرة‪﴿ ]282 :‬وأػِٓسوا ذوي غس ٖل ٌِِسً وأر ِئٍا‬
‫َّ َ َّ‬
‫ٱلؼ َف َٰ َسة َِّللِْۚ﴾ [الطبلؽ‪ ]2 :‬كىذا العدؿ ال يتغير كلك كاف مع أعدائنا؛ فقد قاؿ تعالى‪:‬‬
‫َٰ‬ ‫َ ُ ُۡ ۡ َ ۡ ُ ْ َ َۡ َ َ َ ُۡ َ‬
‫تكفرت فيو ىذه‬‫ٍ‬ ‫مف‬ ‫كعمى‬ ‫‪،‬‬‫]‬‫‪152‬‬ ‫[األنعاـ‪:‬‬ ‫﴾‬ ‫ّب‬ ‫﴿سِإَذا كيخً ـٱغسِلٔا ولٔ َكن ذا كص‬

‫يتأبى عندما ييطمب منو األداء؛ فقد كاف فرضان كفائيا عميو‬ ‫اآللة آلة الترجمة أف ال َّ‬
‫كنفع لممسمميف كقد قاؿ ا﵀‬ ‫يف و‬ ‫أمر ًد و‬
‫سيما كاألمر ي‬‫األمر إليو(‪ )2‬ال َّ‬
‫ي‬ ‫قبؿ أف يتكجو‬
‫َ َ َ ۡ ُ ُ ْ َّ َ َٰ َ َ‬ ‫َ َ َ ۡ َ ُّ َ َ ٓ ُ َ َ ُ ُ ْ‬
‫تعالى‪﴿ :‬وَّل َأب ٱلؼٓساء إِذا ٌا دغ ْۚٔا﴾ كقاؿ‪﴿ :‬وَّل حسخٍٔا ٱلؼفسة ْۚ﴾ [البقرة‪282:‬‬

‫(المتر ًجـ) أميناً عمى‬


‫‪ ]283/‬كمف األحكاـ المبلزمة لمعدالة أصالةن؛ ككف الشاىد ي‬
‫غير المسمميف ما ينفعنا(‪)3‬؛ فقد قاؿ‬
‫أساسي إذا ما ترجـ لنا ي‬
‫ه‬ ‫قكلو؛ كىك كذلؾ شرطه‬

‫(‪ )1‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬الجياد كالسير)‪ ،‬باب‪( :‬إف ا﵀ يؤيد الديف بالرجؿ الفاجر)‪ ،‬برقـ‪ ،)3062( :‬كمسمـ؛‬
‫ؾ‪( :‬اإليماف)‪ ،‬باب‪( :‬تحريـ قتؿ اإلنساف نفسو)‪ ،‬برقـ‪ ،)178( :‬كغيرىما‪.‬‬
‫(‪ )2‬يينظر األحكاؿ التي يككف فييا الفرض الكفائي فرضان عينيان في الميذب في عمـ أصكؿ الفقو المقارف؛ ص‪:‬‬
‫كلي األمر ػ ػ ػ بيذا األمر‪.‬‬
‫(‪ )215‬عبد الكريـ النممة‪ .‬كمنيا‪ :‬أف يأمره اإلماـ ػ ػ ُّ‬
‫المسمميف‪ .‬كفي‬ ‫ً‬
‫(‪ )3‬كقد سبؽ ذكر ىذا في الشركط التي يجب أف تتكفر فيمف يقكـ عمى تعميـ أبنائنا مف غير ي‬
‫ىذه اآلية ىنا‪ :‬أنيا عمى قكؿ مف قاؿ بأف شيادة أىؿ الذمة عمى المسمميف جائزة في السفر عند عدـ‬
‫المسمميف كىك مذىب أحمد رحمو ا﵀ خبلفان لمف قاؿ بنسخيا؛ تفسير القرطبي‪ :‬ج‪ ،8‬ص‪ .)260( :‬كقاؿ‬
‫ي‬

‫‪117‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫َ ۡ‬ ‫ِس ًۡ إذَا َخ َ َ َ َ َ ُ ۡ ُ‬ ‫َ َٰٓ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ َٰ َ ُ َ ۡ ُ‬


‫ؾيَّثِ‬
‫َّض أخسز ًُ ٱل ٍَ ۡٔت خِي ٱل َٔ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا﵀ تعالى‪﴿ :‬يأحٓا ٱَََِ ءأٌِا ػفسة ةيِ‬
‫َۡ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ۡ ّ ُ ۡ َۡ َ َ‬
‫ۡرض﴾ [المائدة‪:‬‬ ‫ار َصان ٌ َِۡ َد ۡي ُك ًۡ إ ۡن أُخُ ًۡ َ َ‬
‫َض ۡبخُ ًۡ ِِف ٱۡل ِ‬ ‫ان ذوا غس ٖل ٌِِسً أو ء‬ ‫َۡ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٱثِ ِ‬
‫‪ ]106‬كينبغي أف تككف شيادةه بالحؽ الذم ال ًمرية فيو‪ ،‬فيي داخمة في عمكـ قكؿ‬
‫َ َ‬ ‫َّ َ َ َ ۡ َ ُ‬
‫ٱۡل ّ ِق َوْ ًۡ َح ۡػي ٍُٔن ﴾ [الزخرؼ‪.]86 :‬‬‫ا﵀ تعالى‪﴿ :‬إَِّل ٌَ ػ ِٓس ة ِ‬

‫المترجـ منيا كالييا؛ حتى يستطيع‬


‫ى‬ ‫المتر ًجـ أف يككف‪« :‬متقنان لمغتيف‬
‫كينبغي في ي‬
‫التعبير عف ىذه المعاني تعبي انر دقيقان‪ ،‬كيككف عمى دراية تامة بأساسيات كأصكؿ ّْ‬
‫كؿ‬
‫لغة؛ كمعرفة القكاعد النحكية الصرفية‪ ،‬كمعرفة الجمؿ كالمفردات كمعانييا المتعددة‪،‬‬
‫حتى يتمكف مف كضع الجمؿ كالمفردات في مكاضعيا عارفان باأللفاظ كمقاصدىا‬
‫خبي ار بما يحيؿ المعنى كاال َّ‬
‫عز عميو أف يترجـ ترجمة صحيحة»(‪.)1‬‬

‫ك ىح ّْدث كما شئت عف اآلثار السيئة الناتجة عف تكلّْي و‬


‫قكـ لمترجمة كليسكا مف أىؿ‬
‫بالمسانيف‪ ،‬أك ليسكا مف أىؿ األمانة فيما ينقمكف(‪.)2‬‬
‫ٍ‬ ‫ً‬
‫الحذؽ‬

‫(معتمدة)؛ ألمريف‪:‬‬ ‫أما ما َّ‬


‫قيدت بو المسألة مف قكلي‪ :‬ي‬ ‫ك َّ‬

‫المذيف سبقا في أكؿ القاعدة؛ فقد كاف‬


‫األمر األكؿ‪ :‬أف ذلؾ مأخكذ مف األثريف ٍ‬
‫مف عادة الممكؾ كاألمراء أف يككف ليـ مث يؿ ىؤالء المترجميف‪ ،‬ككذلؾ القضاة كما ىك‬
‫معمكـ في باب القضاء؛ فيعممكف بأقكاليـ فيما ينقمكف ليـ مف المعاني‪.‬‬

‫المترجمة أثر‬ ‫َّ‬


‫األمر الثاني‪ :‬ال يخفى عمى بصير ممف اطمع عمى ىذه األعماؿ ي‬
‫إما‬
‫التدخبلت االعتقادية أك الشخصية أك السياسية عمى النصكص المترجمة ىذه؛ َّ‬

‫الشيخ عبد الرحمف بف ناصر السعدم‪(« :‬أك آخراف مف غيركـ)‪ :‬أم مف غير أىؿ دينكـ مف الييكد‬
‫كالنصارل أك غيرىـ‪ ،‬كذلؾ عند الحاجة كالضركرة كعدـ غيرىما مف المسمميف ‪ ..‬كلـ يأمر بإشيادىما إال‬
‫ألف قكليما في تمؾ الحاؿ مقبكؿ‪ .. ،‬كمنيا‪ :‬أف شيادة الكافريف في ىذه الكصية كنحكىا مقبكلة لكجكد‬
‫الضركرة‪ ،‬كىذا مذىب اإلماـ أحمد‪ ،‬كزعـ كثير مف أىؿ العمـ أف ىذا الحكـ منسكخ؛ كىذه دعكل ال دليؿ‬
‫عمييا ‪ »..‬تفسير الكريـ المناف؛ ص‪.)243 ،242( :‬‬
‫(‪ )1‬أحكاـ الترجمة؛ د‪ :‬عبد العزيز العقيؿ‪ .‬ص‪ .)23 /22( :‬باختصار‪.‬‬
‫(‪ )2‬كقد تحدث عف بعض ىذه اآلثار؛ عباس العقَّاد في‪( :‬أثر العرب في الحضارة األكربية عمى ص‪.)130( :‬‬
‫كد‪ /‬ماجد المضياف في‪ :‬دكر أىؿ الذمة في إقصاء الشريعة اإلسبلمية؛‪ .‬ص‪ 59( :‬ػ ػ ‪ )66‬دار الفضيمة‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بالزيادة أك الحذؼ أك تغيير المعاني عف كجيتيا التي أرادىا مؤلؼ النص‬


‫األجنبي(‪ .)1‬كىذا مما دعاني أف أقكؿ‪:‬‬

‫رابعاً‪ :‬ضركرة يمراقبة أعماؿ الترجمة الخاصة (باألشخاص أك الييئات)‪.‬‬

‫األفكار َّ‬
‫اليدامةي‪ ،‬كالتي مف شأنيا أف تفتؾ بأمف ببلدنا‬ ‫ي‬ ‫كذلؾ حتى ال تنتشر‬
‫كسبلمة أبنائنا دينا كدنيان‪ ،‬كخاصة تمؾ التي تتعمؽ بالجانب الديني كالفمسفي‪.‬‬

‫عمر بف‬ ‫الع ىم ًرٌية ػ ػ كثيقةي ى‬


‫المراقبة في الكثيقة ي‬
‫كقد جاء ما يؤيد ىذه المتابعة ك ي‬
‫الخطاب ألىؿ إيميا ػ ػ قكلو‪« :‬كأ ٌال ينخرىج صميبان كال ًكتابان في سكؽ المسمميف» (‪.) 2‬‬
‫المسمميف كثقافتيـ مف إظيار تمؾ‬
‫كالمقصكد مف ىذا اإليراد ىك الحفاظ عمى عقكؿ ي‬
‫ال يكتب التي فييا ما فييا مف التحريؼ كالتضميؿ‪.‬‬

‫كىذا أظير ما يككف في كتب الفكر كالفمسفة كالثقافة الدينية؛ أما ما سكاىا مف‬
‫ؼ عمى ىحسب ما يحتكيو كما ييرجى مف كرائو مف النفع‪.‬‬ ‫العممية ف يك ُّؿ مؤلَّ و‬
‫الكتب ً‬

‫كبعد ذلؾ ‪ ..‬فإف قضية الترجمة مف األمكر الميمة في التكاصؿ الثقافي‬


‫اليكـ إىمالييا بحاؿ مف األحكاؿ‪ ،‬فإف لـ‬
‫بالمسمميف ى‬
‫الحضارم كالعممي‪ ،‬كالتي ال يميؽ ي‬
‫المسممكف‬
‫يكف مف قبيؿ نقؿ العمكـ النافعة التي عند اآلخريف؛ فبل أقؿ مف أف يحمؿ ي‬
‫إسبلميـ ػ ػ الذم َّ‬
‫فضميـ ا﵀ تعالى بو ػ ػ إلى جميع أبناء المعمكرة كؿ بمسانو‪ ،‬كاظيا انر‬ ‫ى‬
‫َ‬ ‫َ َ ٓ َ ۡ َ ۡ َ َ َّ َ ۡ َ ٗ ّ ۡ َ َٰ َ‬
‫الميداة‪ ،‬كالتي قاؿ ا﵀ تعالى عنيا‪﴿ :‬وٌا أرظينَٰم إَِّل رّمث ى ِيعي ٍِي﴾‬‫لمرحمة ي‬
‫[األنبياء‪.]107 :‬‬

‫(‪ )1‬كقد كاف لي شخصيا مع ىذا األثر حادثةه؛ تبيَّف لي مف خبلليا أثر تمؾ التدخبلت؛ كذلؾ أنني ػ ػ كالحمد ﵀‬
‫رب العالميف ػ ػ قد حصمت عمى درجة الماجستير مف جامعة األزىر بكمية أصكؿ الديف (‪2010‬ـ)‪ ،‬ككاف‬
‫مكضكعيا‪( :‬التفسير التطبيقي لمكتاب المقدس ػ ػ أسفار مكسى الخمس دراسة كنقد) كىذا الكتاب لو أصؿ‬
‫تمت ترجمتو منو كعنكاف النص األجنبي‪)Life Application Study Bible( :‬؛ كمع أف دراستي‬
‫أجنبي َّ‬
‫أثر لجنة الترجمة في حذؼ بعض الفقرات‬‫تتعمؽ بالنص العربي إال أنو قد ظير لي مف خبلؿ البحث‪ :‬ي‬
‫كاضافة أخرل كذلؾ عند الرجكع إلى بعض أجزاء مف النص األجنبي‪ .‬كقد أيَّدني عمى ذلؾ أحد أعضاء‬
‫لجنة الترجمة أنفسيـ في ًحك وار أثبتُّو ىناؾ!!‪.‬‬
‫(‪ )2‬أحكاـ أىؿ الذمة البف القيـ؛ ص‪ )491 ،452( :‬ط‪ :‬دار الحديث‪ ،‬القاىرة‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة الثانية عشرة‬

‫عمف يأخذ مف ثقافة اآلخريف‬


‫في التحديث واألخذ َّ‬
‫ىذه القاعدة مف القكاعد الضابطة لمتعامؿ مع األشخاص الذيف نقمكا إلى ببلد‬
‫المسمميف تمؾ العمكـ‪ ،‬فإف كثي ار مف الدارسيف كالمطَّمعيف عمى ثقافات ىذه األمـ غير‬
‫ي‬
‫اإلسبلمية قد أصابيـ شيء مف التأثُّر بما اطمعكا عميو مف تمؾ الثقافات؛ سمبان أك‬
‫إيجابان كبقصد أك بغير قصد‪ ،‬فقضية التأثر في ّْ‬
‫حد ذاتيا أمرىا معركؼ‪ ،‬كيشيد ليا‬
‫كثير مف نصكص الشريعة اإلسبلمية(‪.)1‬‬

‫نسمعو عف ىؤالء الدارسيف‬


‫ي‬ ‫ككذلؾ يجعؿ ليذه القاعدة أىميةن كبيرة‪ :‬ما نراه أك ما‬
‫ًمف ناحية أخبلقيـ كأفعاليـ كعف ًش َّدة االفتتاف بيـ لدل كثير مف أبناء جيميـ‪ ،‬ككذلؾ‬
‫عدـ التمييز أك التفريؽ بيف الخير كالشر فيما يحممكنو‪.‬‬

‫كعند الرجكع إلى المنيج اإلسبلمي في ىذا الشأف؛ فسكؼ يظير ما ييثمج‬
‫كتطمئف بو النفكس مف ّْ‬
‫شدة العناية بو حرصان عمى ثقافة أبنائنا‪ ،‬كتخميصا‬ ‫ُّ‬ ‫الصدكر‬
‫عمكـ بأكمميا تتكلى ىذه القضية‪،‬‬
‫لما قد ييمقى فييا مف الغريب كالدخيؿ‪ ،‬بؿ لقد قامت ه‬
‫عمـ مصطمح الحديث‪ ،‬إذ أف فيو البحث عف الراوي بشخصو كما يحممو مف‬ ‫فعندنا ي‬
‫صفات تؤىمو لكي يككف مأخكذا عنو في ديف ا﵀ تعالى أـ ال‪ ،‬ككذلؾ فيو البحث عف‬
‫المروي مف األخبار كضكابط قبكليا كالعمؿ بيا‪ ،‬حتى كاف مف تمؾ الضكابط‪ :‬عدـ‬‫َ‬
‫مخالفتيا ألصكؿ كقكاعد عامة جاءت الشريعة بترسيخيا كتقريرىا؛ فبلبد كأف يككف‬
‫المركم خاليا مف الشذكذ كالعمة القادحة؛ كلذلؾ قاؿ محمد بف سيريف رحمو ا﵀‬
‫ُّ‬
‫فينظر‬
‫سمكا لنا رجالكـ ي‬
‫تعالى‪( :‬لـ يككنكا يسألكف عف اإلسناد فمما وقعت الفتنة قالكا ُّ‬
‫كينظر إلى أىؿ البدع فبل يؤخذ حديثيـ)(‪ ،)2‬كما أكثر‬
‫إلى أىؿ السنة فيؤخذ حديثيـ ي‬

‫كالنصكص التي تأمر بعدـ القعكد مع الذيف يستيزئكف بالديف‪ ،‬أك النصكص القاضية بعد مصاحبة‬ ‫( ‪)1‬‬
‫العصاة؛ إذ المرء عمى ديف خميمو‪ ،‬ككحديث قاتؿ المائة نفسان؛ ففيو بأف يمغادر تمؾ البمدة التي فعؿ فييا‬
‫الجرـ‪ .‬ككذلؾ تأثر االبف بييكدية أبكيو أك نصرانيتيما كقد كاف قب يؿ عمى اإلسبلـ‬
‫ىذا ي‬
‫(‪ )2‬أخرجو مسمـ في مقدمة صحيحو‪ ،‬باب‪( :‬اإلسناد مف الديف) برقـ‪.)27( :‬‬

‫‪111‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫المستغربيف كالمنخدعيف بتمؾ‬


‫الفتف التي كقعت في بمداف المسمميف ككاف منشأىا ىك ي‬
‫الثقافات كما عميو أىميا‪ ،‬فكجب النظر في أسماء حاممييا حذ ار كتحذيرا‪.‬‬

‫ككتطبيؽ ليذه القاعدة في قضية حكار الثقافات كتكاصميا البد مف طرح‬


‫مسألتيف‪:‬‬

‫أولىما‪ :‬في نظرة عممائنا لمف يأخذكف عف أىؿ الكتاب‪.‬‬

‫مر بيا الصحابة رضي ا﵀ عنيـ كالتي كاف‬ ‫اقتضت الظركؼ االجتماعية التي َّ‬
‫ٍ‬
‫جمع مف أىؿ الكتاب؛ إما في المدينة بعد اليجرة‪ ،‬أك في البمداف‬
‫جرائيا‪ :‬معاشرة و‬
‫مف َّ‬
‫التي فتحكىا‪ ،‬أك األسكاؽ التي كانكا ييتاجركف فييا‪ ،‬أك نظ انر لكجكد أحدىـ في بعض‬
‫ىذه البمداف بغض النظر عف سبب يكجكده فييا ال َّ‬
‫سيما بعد استقرار دكلة اإلسبلـ‬
‫كشيكع أمرىا لدل القاصي كالداني فاطمع بعضيـ عمى تراث السابقيف مف ىذه األمـ‬
‫ػ ػ كما سبؽ في شكاىد ذلؾ ػ ػ كال َّ‬
‫سيما يمسممة أىؿ الكتاب كعبد ا﵀ بف سبلـ رضي‬
‫ا﵀ عنو أك غيرىـ أمثاؿ عبد ا﵀ بف عمرك بف العاص رضي ا﵀ عنيما(‪ )1‬كشاع ىذا‬
‫األمر نكعا ما عند التابعيف رحميـ ا﵀ تعالى مثؿ كعب األحبار (‪ ،) 2‬كبعد شيكع‬
‫عصر تدكيف سنة النبي صمى ا﵀‬
‫ي‬ ‫صاحب ىذا كذاؾ‬
‫ى‬ ‫األمر أكثر كأكثر فيمف بعدىـ؛‬
‫عميو كسمـ؛ فقد تحرل عمماؤنا في تدكينيـ ىذا القك ىؿ كاألخذ عمف اشتير بيذا‬
‫كذب ال يتبيف‬
‫فاختبركا كبلمو؛ ال لتيمة فيو كانما خشية أف يككف فيما نقمو مف ىؤالء ه‬
‫إال بالبحث‪.‬‬

‫كىذا منيج سمكو أصحاب النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ أنفسيـ؛ فمثبلن‪ :‬قاؿ معاكية‬
‫لنبمك عميو الكذب)(‪ ،)3‬كقد اعترض عمى‬ ‫رضي ا﵀ عنو عف كعب األحبار‪( :‬كاف َّ‬
‫كنا ى‬
‫(‪ )1‬يينظر‪ :‬النكت عمى ابف الصبلح؛ ابف حجر العسقبلني‪ ،‬ص‪ 531( :‬ػ ػ ‪ .)533‬ط‪ :‬الجامعة اإلسبلمية‪.‬‬
‫ىسمى ىـ‬ ‫اف ىييي ً‬ ‫ًَّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ب ٍب يف ىماتً وع ا ٍل ًح ٍمىي ًر ُّ‬
‫كديِّا فىأ ٍ‬ ‫م الٍىي ىمان ُّي ا ٍل ىعبل ىمةي ا ٍل ىح ٍب ير‪ ،‬الذم ىك ى‬ ‫(‪ )2‬قاؿ عنو الذىبي رحمو ا﵀‪ « :‬يى ىك ىك ٍع ي‬
‫ض ىي المَّوي ىع ٍنوي‪ ،‬فى ىجالً ىس‬ ‫َّاـ عمر ر ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً َّ‬
‫صمى الموي ىعمىٍيو ىك ىسم ىـ ػ ػ ىكقىد ىـ ا ٍل ىمد ىينةى م ىف ا ٍلىي ىم ًف في أىي ي ى ى ى‬
‫النبً ّْي ػ ػ َّ َّ‬
‫ى‬ ‫ىب ٍع ىد ىكفى ًاة َّ‬
‫ٍخ يذ السىُّن ىف‬
‫ب ىكىيأ ي‬ ‫ً‬ ‫أىصحاب مح َّم ود ػ ػ صمَّى المَّو عمىٍي ًو كسمَّـ ػ ػ فى ىكاف يح ّْدثييـ ع ًف ا ٍل يكتي ًب ًٍ ً ً ً‬
‫اإل ٍس ىرائيميَّة‪ ،‬ىكىي ٍحفىظي ىع ىجائ ى‬ ‫ى ي ى يٍ ى‬ ‫ي ى ىىى‬ ‫ى‬ ‫ٍى ى يى‬
‫ً‬ ‫ّْ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يف الدىي ىانة‪ ».‬سير أعبلـ النببلء ج‪ ،3‬ص‪.)490( :‬‬ ‫اف ىح ىس ىف ٍاإل ٍس ىبلـ ىمت ى‬ ‫ىع ًف الص ى‬
‫َّح ىابة‪ .‬ىك ىك ى‬
‫ىم‬
‫(‪ )3‬البخارم مع الفتح؛ ؾ‪( :‬االعتصاـ)‪ ،‬باب‪( :‬ال تسألكا أىؿ الكتاب‪ )..‬برقـ‪)7361( :‬؛ «قى ٍكليوي‪( :‬لىىنٍبميك) أ ٍ‬
‫ً‬ ‫ؼ ىما يي ٍخبًيرىنا بً ًو‪ ،..،‬قىا ىؿ ىكا ٍل يم ىر ي‬
‫ىن ٍختىبًر‪ ،‬كقىكليو "عمىٍي ًو ا ٍل ىك ًذب" أىم يقىع بعض ما ي ٍخبًرىنا ع ٍنو بً ًخ ىبل ً‬
‫اد بًالٍ يم ىح ّْدث ى‬
‫يف‪:‬‬ ‫ى ٍ ى ي ىٍ ي ى ي ي ى ي‬ ‫ي ى ٍ ي ى‬

‫‪111‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كعب األحبار أيضا الصحابي الجميؿ أبك ىريرة ككاف الحؽ معو كما كاف مع معاكية‬
‫رضي ا﵀ عف الجميع(‪.)1‬‬

‫ت الركاية عف الصحابي الذم لـ يأخذ‬


‫كحتى كاف مف جراء ىذا المنيج؛ أف كثيىر ٍ‬
‫عف ىؤالء‪ ،‬كقمَّت عمف اشتيير باألخذ عنيـ كاف كاف أكثر منو حديثا كركاية عف‬
‫ّْف كاضح بيف الصحابييف الجميميف (عبد ا﵀‬
‫رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ؛ كىذا بي ه‬
‫ابف عمرك بف العاص كأبك ىريرة رضي ا﵀ عنيـ(‪.)2‬‬

‫فقد كاف عبد ا﵀ بف عمرك ممف لـ تىكثير الركايةي عنو؛ ألنو كاف يأخذ مف كتب‬
‫كيحدث بيا(‪)3‬؛ كقد قاؿ ابف حجر رحمو ا﵀ تعالى في األسباب التي‬‫ّْ‬ ‫أىؿ الكتاب‬
‫ال منو‪« :‬رابعيا‪ :‬أف عبد ا﵀ كاف قد ظفر في‬
‫ألجميا انتشر األخذ عف أبي ىريرة بد ن‬

‫ث ىع َّما‬ ‫ث ىع ٍنيي ٍـ‪ ،‬ىك ىك ىذا ىم ٍف ىنظى ىر ًفي يكتيبً ًي ٍـ فى ىح َّد ى‬‫اف يي ىح ّْد ي‬‫ىسمى ىـ فى ىك ى‬
‫اب ىكأ ٍ‬‫ىى ًؿ ا ٍل ًكتى ً‬
‫اف ًم ٍف أ ٍ‬ ‫ً‬
‫اد ىك ٍع وب م َّم ٍف ىك ى‬ ‫أ ٍىن ىد ي‬
‫كف ىك ًذنبا ىال أَّىنوي ىيتى ىع َّم يد‬ ‫ىى ًؿ ا ٍل ًكتى ً‬
‫اب ىي يك ي‬ ‫ض الًَّذم يي ٍخبً ير بً ًو ىك ٍع ه‬
‫ب ىع ٍف أ ٍ‬ ‫ىف ىب ٍع ى‬ ‫ًفييىا‪ ،..‬ىكقىا ىؿ ٍاب يف ا ٍل ىج ٍكًز ّْ‬
‫م ا ٍل ىم ٍعىنى أ َّ‬
‫ىحىب ًار» ج‪ ،13‬ص‪ )345( :‬باختصار‪.‬‬ ‫ب ًم ٍف أ ٍ‬
‫ىخىي ًار ٍاأل ٍ‬ ‫اف ىك ٍع ه‬ ‫ا ٍل ىك ًذ ى َّ‬
‫ب ىكًاال فىقى ٍد ىك ى‬
‫(‪ )1‬يقكؿ‪ :‬د‪ /‬محمد أبك شيبة بعد التعميؽ عمى حادثة معاكية كأبي ىريرة مع مركيات كعب‪« :‬كلك أف الصحابة‬
‫كلخمت كتب التفسير مف‬
‫ٍ‬ ‫راجعكا أىؿ الكتاب في مركياتيـ التي أخذكىا عنيـ لكاف مف كراء ذلؾ خير كثير‬
‫ىذا الركاـ مف اإلسرائيميات التي تصادـ العقؿ السميـ كالنقؿ الصحيح كلكف ىذا ما كاف» يينظر‪ :‬اإلسرائيميات‬
‫كالمكضكعات في كتب التفسير؛ ص‪ 99( :‬ػ ػ ‪ )101‬ط‪ :‬مكتبة السنة‪ ،‬القاىرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرج البخارم؛ ؾ‪( :‬العمـ)‪ ،‬باب‪( :‬كتابة العمـ)‪ ،‬برقـ‪ )113( :‬عف أبي ىريرة قاؿ‪( :‬ما مف أصحاب النبي‬
‫صمى ا﵀ عميو كسمـ أحد أكثر حديثا عنو مني إال ما كاف مف عبد ا﵀ بف عمرك فإنو كاف يكتب كال‬
‫أكتب)‪ .‬كقاؿ ابف حجر في شرحو عميو‪« :‬كيستفاد مف ذلؾ أف أبا ىريرة كاف جازما بأنو ليس في الصحابة‬
‫أكثر حديثا عف النبي ػ ػ صمى ا﵀ عميو كسمـ ػ ػ منو إال عبد ا﵀ ‪ ،‬مع أف المكجكد المركم عف عبد ا﵀ بف‬
‫عمرك أقؿ مف المكجكد المركم عف أبي ىريرة بأضعاؼ مضاعفة‪»..‬‬
‫(‪ )3‬كمف األمثمة عمى ذلؾ؛ حديثو رضي ا﵀ عنو عف صفة رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ في التكراة؛ عندما‬
‫لمكصكؼ في التكراة ببعض صفتًو في القرآف‪ :‬يا أييا‬
‫ه‬ ‫(أجؿ‪ ،‬كا﵀ إنو‬ ‫سألو عطاء بف يسار عف ذلؾ فقاؿ‪ :‬ى‬
‫سميتيؾ المتككؿ‪ ،‬ليس بفظ كال‬ ‫كمبش ار كنذيرا‪ً ،‬‬
‫كح ٍرناز لؤلمييف‪ ،‬أنت عبدم كرسكلي‪َّ ،‬‬ ‫ّْ‬ ‫شاىدا‬
‫ن‬ ‫النبي إنا أرسمناؾ‬
‫ُّ‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫غميظ‪ ،‬كال َّ‬
‫سخاب في األسكاؽ‪ ،‬كال يدفع بالسَّيئة السَّيئةى؛ كلكف يعفك كيغفر‪ ،‬كلف ىي ٍقبضو ا﵀ حتى ييقيـ بو‬
‫كقمكبا يغمفنا) أخرجو البخارم‬ ‫ص ِّما‪،‬‬ ‫ً َّ‬
‫ن‬ ‫آذانا ي‬
‫عميا‪ ،‬ك ن‬
‫أعيننا ن‬
‫الممة العكجاء‪ ،‬بأف يقكلكا‪ :‬ال إلو إال ا﵀‪ ،‬كيفتح بيا ي‬
‫في مكضعيف؛ ؾ‪( :‬البيكع)‪ ،‬باب‪( :‬كراىية السخب في األسكاؽ) برقـ‪ ،)2125( :‬ؾ‪( :‬التفسير)‪ ،‬باب‪( :‬إنا‬
‫أرسمناؾ شاىدا‪.)4838( )..‬‬

‫‪112‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ب األخ ىذ‬ ‫حدث منيا َّ‬


‫فتجن ى‬ ‫الشاـ بًحمؿ جمؿ مف كتب أىؿ الكتاب؛ فكاف ينظر فييا ي‬
‫كي ّْ‬
‫عنو لذلؾ كثير مف أئمة التابعيف‪ .‬كا﵀ أعمـ»(‪.)1‬‬

‫بؿ لقد بالغ أمير المؤمنيف عمر بف الخطاب رضي ا﵀ عنو في التنكيؿ برجؿ‬
‫كي ّْ‬
‫حدث بو الناس أك يقرأه عمييـ كقاؿ لو‪( :‬أنت الذم نسخت‬ ‫ً‬
‫كاف يكتب كتاب دانياؿ ي‬
‫فام يحو بالحميـ كالصكؼ‬
‫أتبعو‪ .‬قاؿ‪ :‬انطمؽ ٍ‬‫كتاب دانياؿ! قاؿ‪ :‬مرني بأمرؾ ٍ‬
‫األبيض؛ ثـ ال تقرأه كال تيقرئو أحدا مف الناس فمئف بمغني عنؾ أنؾ قرأتو أك أقرأتو‬
‫ألنيكنؾ عقكبة)(‪.)2‬‬
‫َّ‬ ‫أحدان‬

‫فيذا ىك منيج أصحاب النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ ككذلؾ التابعكف ليـ بإحساف‬
‫في التَّحرم كالتشديد لمنقؿ َّ‬
‫عمف يأخذ مف عمكـ أىؿ الكتاب؛ فيي مركيات تخضع‬
‫لمفحص كالتدقيؽ في مكافقتيا أك مخالفتيا لؤلصكؿ اإلسبلمية الثابتة(‪.)3‬‬

‫فإذا كاف ىذا التحرم كاقعان مف العمماء عف ىذا المركم الذم جاء عف ىذا‬
‫الصحابي أك التابعي؛ فما يأتي عمف دكنيـ مف باب أكلى‪ ،‬كما يأتي عمف يأخذكف ػ ػ‬
‫ال مف أىؿ الكتاب بؿ ػ ػ ممف ال يدينكف و‬
‫بديف أصبل؛ أحرل كأجدر بيذا الحكـ‪.‬‬

‫(‪ )1‬فتح البارم ج‪ ،1‬ص‪ .)250( :‬كقد ذكر ابف كثير رحمو ا﵀ تعالى أنو أصاب يكـ اليرمكؾ زاممتيف ػ ػ ػ‬
‫حدث منيا‪ .‬مقدمة تفسير ابف كثير ص‪:‬‬ ‫الز ً‬
‫اممةي‪ :‬ما ييحمؿ عميو مف اإلبؿ ػ ػ ػ مف كتب أىؿ الكتاب؛ فكاف يي ّْ‬
‫كفسرىا لو النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ؛ كقد‬ ‫(‪ ،)9‬ط‪ :‬دار طيبة‪ .‬كلعؿ ذلؾ تحقيؽ لمرؤيا التي رآىا‪ٌ ،‬‬
‫أخرجيا اإلماـ في مسنده برقـ‪)7067( :‬؛ كىي؛ قاؿ رضي ا﵀ عنو‪( :‬رأيت فيما يرل النائـ لكأف في إحدل‬
‫ذكرت ذلؾ لرسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ؟‬
‫ي‬ ‫إصبعي ىس ٍمىنان كفي األخرل عسبلن؛ فأنا ألعقيما‪ ،‬فمما أصبحت‬
‫فقاؿ‪« :‬تق أر الكتابيف‪ :‬التكراة كالفرقاف»‪ ،‬فكاف يقرأىما) كقاؿ محققك المسند (إسناده حسف)‪ .‬ط‪ :‬الرسالة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجو أبك يعمى في مسنده؛ كينظر‪ :‬تفسير ابف كثير مطمع سكرة يكسؼ؛ ج ‪ ،4‬ص‪.)368 ،367( :‬‬
‫كؿ ما جاء عف الصحابة في ىذا الباب؛ فيناؾ مركيات عنيـ ليا‬ ‫(‪ )3‬كليس المقصكد ىنا مف ىذا اإليراد دفع َّ‬
‫ي‬
‫َّ‬
‫حكـ المرفكع‪ ،‬فبل تيقاؿ مف قبيؿ الرأم‪ ،‬فيؿ ىك مأيخكهذ عف السابقيف أـ غير ذلؾ؟ فميس ىذا محمو ‪ ..‬كانما‬
‫كينظر في معنى ىذه الجممة؛ معالـ كمنارات؛ ـ‪ /‬عبد ا﵀ بف‬
‫القصد ىنا‪ :‬التحرم لقبكؿ ىذا المركم‪ .‬ي‬
‫صالح العجيرم؛ ص‪ 53( :‬ػ‪ )58‬ط‪ :‬الدرر السنية‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الم ٍستى ً‬
‫غرب بما يكافؽ المنيج االستغرابي‪.‬‬ ‫ثانييما‪ :‬في تحديث ي‬
‫كغيره‪ ،‬ككافقكا فيما نقمكه‬
‫ىذا المنيج يظير كاضحان عندما ينقؿ ىؤالء شيئا فيو نفعه ي‬
‫المنيج االستغرابي؛ إما بأقكاليـ أك بأفعاليـ أك بأم مظير مف مظاىر مكافقة ذلؾ‬
‫ى‬
‫المنيج‪ ،‬فيؤالء تأثَّركا بمنيج كأخذكا يدعكف الناس إليو دكف تمييز بيف الطيب‬
‫كالخبيث أك الغث كالسميف‪.‬‬

‫فكاف مف الكاجب عمينا‪ :‬أف نفرؽ بيف أقكاليـ فيما كافقكا فيو الحؽ فيؤخ يذ بيا‪،‬‬
‫كأقكاليـ فيما كافقكا فيو الباطؿ فبل يؤخذ بيا‪ ،‬كقد كضع عمماؤنا قكاعد كضكابط‬
‫ألمثاؿ ىذه االحتماالت صيانةن لؤلمة في ثقافتيا كعمكميا‪.‬‬
‫ٱغسِلُٔا ْ ُْ َٔ أَكۡ َصبُ‬
‫َ َ َ ۡ َ َّ ُ ۡ َ َ َ ُ َ ۡ َ َ َٰٓ َ َّ َ ۡ ُ ْ ۡ‬
‫كقد قاؿ ا﵀ تعالى‪﴿ :‬وَّل َيصٌِِسً ػنٔان كٔ ٍم لَع أَّل تػسِل ْۚٔا‬
‫(‪)1‬‬
‫ىن﴾ [المائدة‪ ،]8:‬كقاؿ رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ‪( :‬صدقؾ كىك كذكب)‬ ‫ِيخ ۡل َٔ َٰ‬
‫ل َّ‬

‫كقاؿ عمماء الجرح كالتعديؿ عف المبتدع‪ :‬إف كفر ببدعتو فبل إشكاؿ في ّْ‬
‫رد ركايتو‪،‬‬
‫كاف لـ يكفر بيا كلـ يستحؿ الكذب كلـ يكف داعية إلييا فتيقبؿ ركايتو(‪.)2‬‬

‫أحب أف أنبّْو إلى أف ىذه القاعدة ُّ‬


‫أشد لصكقا بالجانب‬ ‫كقبؿ يمغادرة ىذه القاعدة؛ ُّ‬
‫النظرم لمثقافة اإلسبلمية كأمكر العقيدة كاألخبلؽ كالقكانيف كالتشريعات التي تضبط‬
‫أما الجانب العممي المعممي البحت فتدخؿ فيو كذلؾ كلكف‬
‫حياة الناس كمعامبلتيـ‪ ،‬ك َّ‬
‫ليس كالصكرة النظرية‪.‬‬

‫التثبت مما ييقاؿ أمر ال َّ‬


‫شؾ في أىميتو‪ ،‬بغض النظر عف‬ ‫كعميو ‪ ..‬فالتحرم ك ُّ‬
‫ه‬
‫ىكيتيـ البد كأف يككف فكؽ ّْ‬
‫كؿ كبلـ ليس‬ ‫المسمميف كالحفاظي عمى َّ‬
‫قائميو؛ فثقافةي ي‬
‫مصدره الكحي اإلليي‪.‬‬
‫ي‬

‫(‪ )1‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬بدء الخمؽ)‪ ،‬باب‪( :‬صفة إبميس كجنكده) برقـ‪)3275( :‬‬
‫(‪ )2‬الباعث الحثيث‪ ،‬تأليؼ‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬ص‪ 94( :‬ػ ػ ‪ )95‬باختصار‪ .‬ط‪ :‬دار الكتب العممية‪.‬‬
‫كلـ أقصد بيذا االستنباط‪ :‬أف مف يأخذكف مف ىؤالء ً‬
‫مبتدعة‪ ،‬أك أنيـ في مرمى التجريح كالنقد‪ ،‬أك أنيـ‬
‫ذكك إجراـ؛ ال‪ .‬كلكف قصدت بذلؾ التثبُّت مما يبثكنو كيدعكف إليو؛ الميـ إال إف أقركا بمكازـ أقكاليـ السيئة‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة الثالثة عشرة‬

‫في سؤاليـ عف الدِّيف‬

‫المسمـ‬
‫إف الناظر في نصكص الكحييف يرل أدلةن كثيرةن تتحدث عف سؤاؿ ي‬
‫إما باألمر أك بالنيي عف ذلؾ؛ فجاءت بعض ىذه النصكص مبيحةن لسؤاليـ‬ ‫غيره‪َّ ،‬‬
‫ى‬
‫كبعضيا اآلخر مانعان‪ ،‬كفي ىذه القاعدة إف شاء ا﵀ تعالى تكضيح لكجو اإلباحة‬
‫كالمنع؛ فأقكؿ كبا﵀ التكفيؽ‪:‬‬

‫ما جاء في القرآف الكريـ‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ ّ ّ َّ ٓ َ َ ۡ َ ٓ َ ۡ َ َ ۡ َ (‪ۡ َ َّ )1‬‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ََِ َحل َص ُءون‬ ‫م مٍِا أُضنلا إِِلم ـسٔ ِو ٱَ‬ ‫قكؿ ا﵀ تعالى‪﴿ :‬ـإِن نِج ِِف ػ ٖ‬
‫َ‬ ‫َّ ّ َ َ َ َ ُ َ َّ َ ۡ ُ ۡ َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َۡ َ ََ ۡ َ َٓ َ ۡ‬ ‫ۡٱىه ََِٰٰ َ‬
‫ب ٌَِ رتي ِمْۚ ىلس جاءك ٱۡلق ٌَِ ربِم ـَل حسٔجَ ٌَِ ٱلٍٍَتِيَ﴾ [يكنس‪:‬‬
‫اء يك ٍـ ًم ٍف ا ٍل ًع ٍمًـ ىع ٍف‬
‫‪ .]94‬كفي التكفيؽ بيف خبر ابف عباس اآلتي‪( :‬أ ىىال ىي ٍنيىا يك ٍـ ىما ىج ى‬
‫ىم ٍسأىلىتً ًي ٍـ) كىذه اآلية؛ يقكؿ ابف حجر رحمو ا﵀ ما يمي‪« :‬فالمراد بو مف آمف منيـ‪،‬‬
‫كالنيي‪ ،‬إنما ىك عف سؤاؿ مف لـ يؤمف منيـ‪ ،‬كيحتمؿ أف يككف األمر يختص بما‬
‫يتعمؽ بالتكحيد كالرسالة المحمدية كما أشبو ذلؾ كالنيي عما سكل ذلؾ»(‪ .)2‬فيككف‬
‫السؤاؿ مأمك ار بو في األصكؿ كمنييان عنو في الفركع‪.‬‬

‫يغ‬
‫بعو مف في قمبو ز ه‬
‫(‪« )1‬ففي اآلية ما يكىـ كقكع الشؾ مف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ مما أنزؿ إليو؛ ىفيتٍ ي‬
‫فيدعي أف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ كقع منو ذلؾ؛ فيطعف في رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ ،‬كأما‬ ‫َّ‬
‫الراسخكف في العمـ فيقكلكف‪ :‬إف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ لـ يقع منو شؾ كال امتراء فيما أينزؿ إليو‪ ،‬كيؼ‬
‫ۡ ۡ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ٔن﴾ ‪ ..‬كمثؿ ىذا التعبير‬ ‫ٔل ة ٍَا ٓ أُض َل إ ِ َ ۡ‬
‫ِلّ ِ ٌَِ َّر ّبِّ ِۦ َوٱل ٍُؤٌِِ ْۚ‬
‫َ َ َ َّ ُ ُ‬
‫كقد شيد ا﵀ لو باإليماف في قكلو‪﴿ :‬ءاٌَ ٱلصظ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫َ ر َ َ۠‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫م﴾ ال يمزـ منو كقكع الشرط‪ ،‬بؿ كال إمكانو كقكلو تعالى‪﴿ :‬كُ ۡو إِن ََك َن ل َّ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬
‫ِيصِنَٰمۡح ودل ـأُا‬ ‫﴿ـإِن نِج ِِف ػ ٖ‬
‫ََِ﴾ {الزخرؼ‪}81 :‬؛ فإف كجكد الكلد ﵀ عز كجؿ ممتنع غاية االمتناع كما قاؿ تعالى‪َ ﴿ :‬و ٌَا‬ ‫أ َ َّو ُل ۡٱى َعَٰتس َ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ َ َّ َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ََ َ‬
‫ۢنت ِۡغ ل ِيصِنَٰمۡح أن حخزِش ودلا﴾ {مريـ‪ .}92 :‬فكذلؾ الشؾ كاالمتراء مف رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ‬
‫ممتنع غاية االمتناع‪ ،‬كلكف جاءت العبارة بيذه الصيغة الشرطية لتأكيد امتناع الشؾ كاالمتراء مف رسكؿ‬
‫ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ فيما أنزؿ إليو مف ا﵀ عز كجؿ»‪ .‬تقريب التدمرية‪ ،‬البف عثيميف‪ ،‬ص‪،86( :‬‬
‫‪ )87‬باختصار‪ ،‬ط‪1435( :‬ق)‪ ،‬اىداء‪ :‬الرئاسة العامة لشؤكف المسجد الحراـ كالمسجد النبكم‪.‬‬
‫(‪ )2‬فتح البارم‪ ،‬ج (‪ ،)13‬ص‪.)346 ،345( :‬‬

‫‪115‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫سٔ ۡو ة َ ِ ٓ‬
‫ِن‬ ‫َٔس ت ِۡع َع َء َايَٰج َب ّي َنَٰج ـَ ۡ َ‬‫َٰ‬ ‫كمف ذلؾ كقكلو تعالى‪َ ﴿ :‬وىَ َل ۡس َءاحَ ۡي َِا ُم َ‬
‫ِۢ ِ ٖ‬
‫د ٗ‬‫َٔس َم ۡع ُ‬ ‫ۡ َ َٰٓ َ ۡ َ ٓ َ ُ ۡ َ َ َ َ ُ ۡ َ ۡ ُ ّ َ َ ُ ُّ َ‬
‫م َي َٰ ٍُ َ َٰ‬
‫ٔرا ﴾ [اإلسراء‪]101 :‬‬ ‫إِظرءَِو إِذ جاءًْ ذلال َلۥ ـ ِصغٔن إ ِ ِّن ۡلظِ‬

‫قاؿ الرازم‪ « :‬أمر رسكؿ ا﵀ ػ ػ صمى ا﵀ عميو كسمـ ػ ػ بأف يسأؿ بني إسرائيؿ؛‬
‫معناه‪ :‬الذيف كانكا مكجكديف في زماف النبي ػ ػ صمى ا﵀ عميو كسمـ ػ ػ كالذيف جاءىـ‬
‫مكسى ػ ػ عميو الصبلة كالسبلـ ػ ػ ىـ الذيف كانكا في زمانو‪ ،‬إال أف الذيف كانكا في‬
‫زماف محمد ػ ػ صمى ا﵀ عميو كسمـ ػ ػ لما كانكا أكالد أكلئؾ الذيف كانكا في زماف‬
‫مكسى حسنت ىذه الكناية»‪ ،‬كقاؿ القرطبي‪« :‬أم سميـ يا محمد إذ جاءىـ مكسى‬
‫بيذه اآليات‪ ..،‬كىذا سؤاؿ استفياـ ليعرؼ الييكد صحة ما يقكؿ محمد ػ ػ ػ صمى ا﵀‬
‫عميو كسمـ ػ ػ ػ» (‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كمنو قكلو تعالى‪َ ﴿ :‬ظ ۡو ةَ ِ ٓ‬
‫ِن إ ِ ۡظ َرَٰٓءَِو ز ًۡ َءات ۡي َن َٰ ًُٓ ٌّ َِۡ َءاََث ِۢ ةَيَِِّثٖ﴾ [البقرة‪:‬‬
‫َ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ َ َّ َ َ ۡ َ َ َ ۡ‬
‫اَضة ٱۡلَ ۡد ِص﴾ [األعراؼ‪]163 :‬‬ ‫‪ .]211‬كقكلو‪﴿ :‬وسٔيًٓ غ َِ ٱىلصيثِ ٱى ِِت َكُج خ ِ‬

‫فقد أمر ا﵀ سبحانو كتعالى نبيو محمدان صمى ا﵀ عميو كسمـ أف يسأؿ بني‬
‫إسرائيؿ ػ ػ الييكد في المدينة ػ ػ ػ سؤاؿ تقرير كتقريع عف اآليات التي أظيرىا ا﵀ تعالى‬
‫عمى أيدم أنبيائو كرسمو ممف أيرسمكا إلييـ كقد تناقمكىا في كتبيـ كأيقنكا بيا(‪.)3( )2‬‬
‫َ‬ ‫َ َٰ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ ُۡ ۡ َ‬
‫سؿ يا‬ ‫ٌ‬
‫كمنو قكؿ ا﵀ تعالى‪﴿ :‬ظيًٓ أحًٓ ةِذل ِم زخِيً ﴾ [القمـ‪ ]40 :‬أم‪ٍ « :‬‬
‫عمي‪ُّ :‬أييـ كفي هؿ بما َّ‬
‫تقدـ ذكره‪ ،‬كىك َّ‬
‫أف ليـ في اآلخرة مف‬ ‫المتقكليف َّ‬
‫ّْ‬ ‫محمد ىؤالء‬
‫َّ‬
‫الخير ما لممسمميف»(‪.)4‬‬

‫ىع ٍف ىش ٍي وء‬ ‫ىى ىؿ ا ٍل ًكتى ً‬


‫اب‬ ‫كف أ ٍ‬‫ؼ تى ٍسأىلي ى‬ ‫ض ىي المَّوي ىع ٍنيي ىما قىا ىؿ‪ ( :‬ىك ٍي ى‬
‫اس ر ً‬
‫عف ا ٍب ىف ىعَّب و ى‬
‫ضا لى ٍـ‬‫ىم ٍح ن‬ ‫كنوي‬
‫ث تى ٍق ىريء ى‬ ‫صمَّى المَّوي ىعمى ٍي ًو ىك ىسمَّ ىـ أ ٍ‬
‫ىح ىد ي‬ ‫ً َّ ً‬ ‫ًَّ‬ ‫ً‬
‫ىككتى ياب يك ٍـ الذم أ ٍين ًز ىؿ ىعمىى ىر يسكؿ المو ى‬

‫(‪ )1‬يينظر‪ :‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪ ،)66( :‬كالجامع ألحكاـ القرآف‪ .‬ج‪ ،13‬ص‪ .)182( :‬ط‪ :‬الرسالة‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬معالـ التنزيؿ لمبغكم؛ ج‪ ،1‬ص‪ )242 ،241( :‬ط‪ :‬طيبة‪ .‬كالتحرير كالتنكير لمطاىر بف عاشكر‪ ،‬ج‬
‫(‪ ،)2‬ص‪ )289 ،288( :‬ط‪ :‬الدار التكنيسية‪.‬‬
‫(‪ )3‬كفي آية األعراؼ‪ :‬معالـ التنزيؿ‪ :‬ج‪ ،9‬ص‪ )293 ،292(:‬كالتحرير كالتنكير‪ :‬ج ‪ ،1‬ص‪)148 ،147( :‬‬
‫(‪ )4‬تفسير القرطبي‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪ .)174( :‬ط‪ :‬الرسالة‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫اب المَّ ًو ىك ىغَّي يركهي ىك ىكتىيبكا‬ ‫ً‬ ‫ىى ىؿ ا ٍل ًكتى ً‬
‫اب ىكقىاليكا‬ ‫بًأ ٍىيدي ًي ٍـ ا ٍلكتى ى‬ ‫اب ىب َّدليكا كتى ى‬ ‫ىف أ ٍ‬ ‫ب ىكقى ٍد ىح َّدثى يك ٍـ أ َّ‬
‫يي ىش ٍ‬
‫ا ٍل ًع ٍمًـ ىع ٍف ىم ٍسأىلىتً ًي ٍـ ىال‬ ‫اء يك ٍـ ًم ٍف‬
‫يبل أ ىىال ىي ٍنيىا يك ٍـ ىما ىج ى‬ ‫يى ىك ًم ٍف ًع ٍن ًد المَّ ًو لًىي ٍشتىيركا بً ًو ثى ىمننا ىقمً ن‬
‫ىكالمَّ ًو ىما ىأرٍىيىنا ًم ٍنيي ٍـ ىر يج نبل ىي ٍسأىلي يك ٍـ ىع ٍف الًَّذم أ ٍين ًز ىؿ ىعمى ٍي يك ٍـ)(‪.)1‬‬

‫كعف جابر بف عبد ا﵀ رضي ا﵀ عنو‪ ،‬قاؿ‪ :‬قاؿ رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو‬
‫إما أف‬ ‫و‬
‫شيء؛ فإنيـ لف ييدككـ كقد ضمكا‪ ،‬فإنكـ َّ‬ ‫كسمـ‪( :‬ال تسألكا أىؿ الكتاب عف‬
‫حؿ لو إال‬ ‫صدقكا بباطؿ أك تي ّْ‬
‫كذبكا بحؽ‪ ،‬فإنو لك كاف مكسى حيان بيف أظيركـ‪ ،‬ما َّ‬ ‫تي ّْ‬
‫أف يتبعني)(‪.)2‬‬

‫و‬
‫عباس في صحيحو‪ ،‬كترجـ لو برجمتيف في‬ ‫حديث ابف‬
‫ى‬ ‫كقد أخرج البخارم‬
‫مكضعيف‪ ،‬قاؿ في أوليما‪« :‬ال ييسأؿ أىؿ الشرؾ عف الشيادة كغيرىا»‪ ،‬كفي‬
‫ثانيتيما‪« :‬ال تسألكا أىؿ الكتاب عف شيء»‪.‬‬

‫فيؿ ىذا النيي الكارد في أثر ابف عباس كجابر بف عبد ا﵀ رضي ا﵀ عنيـ‪،‬‬
‫أم ور مف أمكر الديف كال‬
‫ترجمتيو عمى عمكمو؛ فبل ييسألكا في ٍ‬
‫ٍ‬ ‫كالذم ذكره البخارم في‬
‫في أمر مف أمكر الدنيا؟؛ إذ أف حديثىنا عنيـ أك نقمىنا لبعض العمكـ التي برعكا فييا‬
‫ال سبيؿ لنا إليو إال عف طريؽ سؤاليـ؛ بؿ كشيادتيـ أك استشيادىـ!!‪.‬‬

‫قاؿ ابف حجر العسقبلني في شرحو ألثر ابف عباس‪« :‬ىذه الترجمة ػ ػ أم‬
‫األيكلى منيما ػ ػ معقكدة لبياف حكـ شيادة الكفار‪ ،‬كقد اختمؼ في ذلؾ السمؼ عمى‬
‫ثبلثة أقكاؿ‪ :‬فذىب الجميكر إلى ردىا مطمقا‪ ،‬كذىب بعض التابعيف إلى قبكليا‬
‫مطمقا ػ ػ إال عمى المسمميف ػ ػ كىك مذىب الككفييف فقالكا تقبؿ شيادة بعضيـ عمى‬
‫بعض‪ ،‬كىي إحدل الركايتيف عف أحمد‪ ،‬كأنكرىا بعض أصحابو كاستثنى أحمد حالة‬
‫السفر فأجاز فييا شيادة أىؿ الكتاب‪ ،..‬كقاؿ الحسف كابف أبي ليمى كالميث كاسحاؽ‪:‬‬
‫َ‬
‫ال تقبؿ ممة عمى ممة كتقبؿ بعض الممة عمى بعضيا لقكلو تعالى‪﴿ :‬ـَأ ۡؽ َص ۡي َِا ةَ ۡي َِ ًُُٓ‬
‫ۡ‬ ‫َ ۡ ۡ َ ٓ َ‬ ‫ۡ‬
‫ٱى َػ َس َاوة َوٱۡلَؾقا َء إ ِ َٰل ََ ۡٔ ِم ٱىلِ َي َٰ ٍَثِ﴾ {المائدة‪ }14 :‬كىذا أعدؿ األقكاؿ لبعده عف التيمة‬

‫(‪ )1‬سبؽ تخريجو في أكؿ البحث‪.‬‬


‫(‪ )2‬أخرجو أحمد في المسند؛ برقـ‪ ،)14631( :‬كقاؿ محققكه‪( :‬إسناده ضعيؼ)‪ .‬ط‪ :‬الرسالة‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ ..‬كاذا كانت أخبارىـ ال تقبؿ فشيادتيـ مردكدة باألكلى؛ ألف باب الشيادة أضيؽ مف‬
‫باب الركاية»(‪.)1‬‬

‫كقد قاؿ ابف بطاؿ عف ىذا النيي‪« :‬إنما ىك في الشرائع ال تسألكىـ عف‬
‫شرعيـ فيما ال نعرفو مف شرعنا لنعمؿ بو ألف شرعنا مكتؼ بنفسو‪ ،‬كما ال نص فيو‬
‫أما سؤاليـ عف األخبار المصدقة‬
‫عندنا ففي النظر كاالستدالؿ ما يقكـ الشرع منو‪ ،‬ك َّ‬
‫لشرعنا كما جاء بو نبينا ػ ػ عميو السبلـ ػ ػ مف األخبار عف األمـ السالفة فمـ ننو‬
‫عنو»(‪.)2‬‬

‫حدث بو النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ عف و‬


‫تميـ الدارم ػ ػ‬ ‫َّ‬
‫كلعؿ مف ىذا القبيؿ ما ٌ‬
‫رضي ا﵀ عنو؛ ككاف نصرانيان فأسمـ ػ ػ بخبر الجساسة الذم ركاه اإلماـ مسمـ في‬
‫كحدثني حديثان كافؽ الذم كنت أحدثكـ عف‬
‫صحيحو؛ إذ قاؿ عميو الصبلة كالسبلـ‪ٌ ( :‬‬
‫مسيح الدجاؿ؛ َّ‬
‫حدثني أنو ركب في سفينة بحرية ‪.)3()...‬‬

‫صمَّى المَّوي ىعمى ٍي ًو‬ ‫النبً ّْي ى‬


‫م بً َّ‬‫اس قىا ىؿ ىم َّر ىيييكًد ّّ‬ ‫ككذلؾ منو ما جاء‪ ( :‬ىع ٍف ٍاب ًف ىعَّب و‬
‫ؼ تىقيك يؿ ىيا أىىبا‬ ‫م َح ِّدثْ َنا‪ :‬فىقىا ىؿ ىك ٍي ى‬ ‫صمَّى المَّوي ىعمى ٍي ًو ىك ىسمَّ ىـ ىيا ىيييكًد ُّ‬ ‫النبً ُّي ى‬ ‫ىك ىسمَّ ىـ فىقىا ىؿ لىوي َّ‬
‫اء ىعمىى ًذ ٍه ىكا ٍل ًجىبا ىؿ ىعمىى‬ ‫ً‬
‫ض ىعمىى ذ ٍه ىكا ٍل ىم ى‬
‫ً‬ ‫اسًـ إً ىذا كضع المَّو الس ً‬
‫َّم ىكات ىعمىى ذ ٍه ىك ٍاأل ٍىر ى‬ ‫ى ىى ي ى‬
‫ا ٍلقى ً‬
‫ص ًرًه أ َّىكنال ثيَّـ تى ىاب ىع‬ ‫ؽ عمىى ًذه كأى ىشار أىبك جعفى ور مح َّم يد ٍبف َّ ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الص ٍمت بًخ ٍن ى‬ ‫ي‬ ‫ٍ ى ى ي ىٍ يى‬ ‫ذ ٍه ىك ىسائ ىر ا ٍل ىخ ٍم ً ى‬
‫(‪)4‬‬
‫اإل ٍبيىاـ فىأ ٍىن ىز ىؿ المَّوي ك ىما قى ىد يركا المَّوى ىح َّ‬
‫ؽ قى ٍد ًرًه)‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫ى‬ ‫ىحتى ىبمى ىغ ٍ ى‬
‫بناء عمى ىذا؛ بالتفريؽ بيف األمكر الدنيكية كاألمكر‬‫كنستطيع أف نقكؿ ن‬
‫دث كمحفكظ عف التبديؿ كفيو‬‫أح ي‬
‫الدينية؛ فما كاف مف األمكر الدينية فالقرآف الكريـ ٍ‬

‫(‪ )1‬فتح البارم‪ ،‬ابف حجر العسقبلني‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.)345 ،344( :‬‬
‫(‪ )2‬شرح صحيح البخارم‪ ،‬ابف بطاؿ‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.)391( :‬‬
‫(‪ )3‬أخرجو مسمـ في ؾ‪( :‬الفتف كأشراط الساعة)‪ ،‬باب‪( :‬قصة الجساسة)‪ ،‬برقـ‪.)2942( :‬نككم‪.‬‬
‫( ‪ )4‬أخرجو أحمد برقـ‪ )2267( :‬كقاؿ محققكه‪( :‬حسف لغيره)‪ ،‬كالترمذم‪ ،‬ؾ‪( :‬التفسير)‪ ،‬باب‪( :‬كمف سكرة‬
‫الزمر)‪ ،‬برقـ‪ .)3240( :‬كالحديث جاء عف عبد ا﵀ بف مسعكد بألفاظ متقاربة وليس فييا قوؿ النبي صمى‬
‫ا﵀ عميو وسمـ (حدِّثنا)‪ ،‬بؿ فييا (أبمغؾ) فيو ضحؾ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ تصديقان لقكلو‪ ،‬ينظر‪:‬‬
‫مسند أحمد؛ برقـ‪ ،)3590( :‬كلو أص هؿ في البخارم‪ ،‬ؾ‪( :‬التكحيد)‪ ،‬باب‪ :‬قكؿ ا﵀ تعالى‪( :‬لما خمقت‬
‫بيدم)‪ ،‬برقـ‪ ،)7415 ،7414( :‬كمسمـ‪ ،‬برقـ‪.)2786( :‬‬

‫‪118‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الغ ٍنية‪ ،‬كاذا كاف مف سؤاؿ لآلخريف عف ىذا األمر الديني؛ فمف قبيؿ التثبيت ال‬‫ي‬
‫غير؛ بؿ كمف قبيؿ اعترافيـ بالحؽ الذم جاء بو النبي عميو الصبلة كالسبلـ‪.‬‬

‫فمثبلن‪ :‬ما جاء عف عبد ا﵀ بف عمر رضي ا﵀ عنيما ( َّ‬


‫أف الييكد جاءكا إلى‬
‫رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ ،‬فذكركا لو أف رجبلن منيـ كامرأة زنيا‪ ،‬فقاؿ ليـ رسكؿ‬
‫ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ‪« :‬ما تجدكف في التكراة في شأف الرجـ؟»‪ ،‬فقالكا‪ :‬نفضحيـ‬
‫كيجمدكف‪ ،‬فقاؿ عبد ا﵀ بف سبلـ‪ :‬كذبتـ َّ‬
‫إف فييا الرجـ‪ ،‬فأىتى ٍكا بالتكراة فنشركىا‪،‬‬
‫فكضع أحدىـ يده عمى آية الرجـ‪ ،‬فق أر ما قبميا كما بعدىا‪ ،‬فقاؿ لو عبد ا﵀ بف‬
‫سبلـ‪ :‬ارفع يدؾ‪ ،‬فرفع يده فإذا فييا آية الرجـ؛ فقالكا‪ :‬صدؽ يا محمد‪ ،‬فييا آية‬
‫فرجما‪.)1()..،‬‬
‫الرجـ‪ ،‬فأمر بيما رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ ي‬
‫فيذه الحادثة فييا ًداللة كاضحة عمى أمكر كثيرة؛ منيا‪ :‬إظيار صدؽ النبي‬
‫صمى ا﵀ عميو كسمـ كتكافؽ الشرائع اإلليية في بعض األحكاـ التكميفية‪.‬‬

‫فما كاف مف ىذه الناحية الدينية فبل حرج فيو أم في سؤاليـ عنو؛ كأف ييسألكا‬
‫عف‪ :‬البشارات المتعمقة بنبينا محمد صمى ا﵀ عميو كسمـ‪ ،‬أك داللة المعجزات‬
‫المتكاثرة عمى ربكبية ا﵀ تعالى كألكىيتو كعمى بشرية مف ظيرت عمى أيدييـ كذلؾ‪.‬‬
‫ي‬
‫فأمر عجيب!‪ ،‬إ ٍذ‬ ‫نتعبد ﵀ تعالى بيا؛ ه‬ ‫أما أف ييسألكا عف أمكر ديننا حتى َّ‬ ‫ك َّ‬
‫كيؼ ييسألكا أك ييعمّْمكا ديننا فميسكا مف أىمو‪ ،‬كليسكا مف الناطقيف بمغتو العربية‬
‫َٰ‬ ‫َّ َ َ ُّ َّ َ َ َ ُ ْ ۡ َ ۡ ۡ َ‬
‫ب‬ ‫الشريفة المنيفة؛ كانما ىيـ كما قاؿ ا﵀ تعالى‪ٌ﴿ :‬ا َٔد ٱَََِ زفصوا ٌَِ أْ ِو ٱىه ِ‬
‫ِٰ‬
‫َ ٓ‬ ‫َ َ ُ َ َّ َ َ َ ۡ ُ ّ ۡ َ ۡ ّ َّ ّ ُ ۡ َ َّ ُ َ ۡ‬
‫َي َخ ُّؽ ة َص ۡ َ‬ ‫ََ ُۡ ۡ‬
‫ّمخِِّۦ ٌََ يَؼا ُ ْۚء‬ ‫ِ‬ ‫ٱَّلل‬‫و‬ ‫ً‬ ‫س‬
‫ِ ْۚ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫َِ‬
‫ٌ‬ ‫ي‬
‫ٖ‬ ‫ر‬ ‫َِ‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ِي‬ ‫ك‬‫ۡش‬
‫وَّل ٱلٍ ِ‬
‫َ َّ ُ ُ ۡ َ ۡ ۡ‬
‫ٱَّلل ذو ٱىفق ِو ٱى َػ ِظي ًِ﴾ [البقرة‪]105 :‬‬ ‫و‬

‫( ‪ )1‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬المناقب)‪ ،‬باب‪( :‬قكؿ ا﵀ تعالى‪ :‬يعرفكنو كما يعرفكف أبناءىـ) برقـ‪،)3635( :‬‬
‫كمسمـ ؾ‪( :‬الحدكد)‪ ،‬باب‪( :‬رجـ الييكد أىؿ الذمة في الزنا) برقـ‪.)1699( :‬‬

‫‪119‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القاعدة الرابعة عشر‬

‫َّة المطَّمِع عمى ثقافات اآلخريف‬


‫في عد ِ‬
‫ُ‬
‫لممسمـ مف زواد ككسيمة ىيبمغ بيما مراده كغايتو في الدنيا كاآلخرة‪ ،‬كقد‬‫البد ي‬
‫كجكب غايتو؛ فالكسائؿ ليا أحكاـ المقاصد كالغايات‪ ،‬فاألمر‬
‫ى‬ ‫اد كاجبان‬
‫يككف ىذا الز ي‬
‫ً‬
‫المندكب مف‬ ‫ً‬
‫المأمكر ك‬ ‫العبادات؛ مف أركانيا‪ً :‬فع يؿ‬
‫بالتزكد مف التقكل كالتي ىي غاية ً‬
‫ّْ‬
‫العبادات‪ ،‬كترؾ المحظكر مف المحرمات كالمنييات‪ ،‬كىذا ال ُّ‬
‫ينفؾ عنو اإلنساف في‬
‫ًحمّْو كتًرحالو؛ بؿ كفي نكمو كيقظتو كذلؾ‬

‫المسمـ الذم قصد باطبلعو عمى ىذه الثقافات ىن ٍف ىع إخكانو في الديف كالعقيدة؛‬
‫ك ي‬
‫البد لو مف ع َّدة في ىذا الطريؽ‪ ،‬كيمكف تقسيميا إلى مقامات أر و‬
‫بعة؛ كىي‪:‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫األوؿ‪ :‬المقاـ الوجداني‪.‬‬

‫المسمـ؛ في عقيدتو كايمانو‪ ،‬كفي شعكره بيمكـ‬


‫الداخمي لمفرد ي‬
‫ُّ‬ ‫ياف‬
‫الب ٍن ي‬
‫كيقصد بو ي‬
‫ي‬
‫أمكر؛ مف أىميا‪:‬‬
‫أمتو كآالميا‪ ،‬كيدخؿ في ىذا المقاـ ه‬
‫َّ‬

‫حرج منو‪ .‬إ ٍذ ىك الحؽ ‪ ..‬كغيره ىك‬ ‫‪ ‬دي َنؾ ‪ ..‬دي َنؾ؛ فال يكف في صدرؾ ٌ‬
‫ضيؽ مف عقائده كتشريعاتو‬ ‫الباطؿ فبل يكف في صدرؾ حرج أك ً‬
‫َ َٰ ٌ ُ َ َ ۡ َ َ َ َ ُ‬
‫كمعامبلتو كأخبلقو كقد قاؿ سبحانو كتعالى‪﴿ :‬ن ِٰب أُضِل إِِلم ـَل َسَ‬
‫ِي﴾ [األعراؼ‪،]2 :‬‬ ‫ج ٌّ ِِۡ ُّ ِلِ ُِش َِر ةِِّۦ َوذ ِۡن َص َٰ‬
‫ى ل ِۡي ٍُ ۡؤ ٌِِ َ‬ ‫َ ۡ َ َ َ ر‬
‫ِِف ؾسرِك خص‬
‫واعمـ يقيناً أنو‪ :‬ما مف شبية يدخؿ مف خبلليا الطاعنكف فيو إال كمحاسف‬
‫اإلسبلـ فييا ظاىرة ككاضحة‪ ،‬كلكنيا أحقاد اشتعمت بيا نفكسيـ؛ ككما قيؿ‬
‫ت)!!‪.‬‬ ‫(رم ٍتنًي بدائيا كانسمَّ ٍ‬
‫ى‬
‫ت بؾ‬‫بع ىد ٍ‬
‫فرد مف مجمكع؛ كاف ي‬
‫‪ ‬الرابط العقدي اإلسالمي مع إخوانؾ‪ .‬فأنت ه‬
‫فإياؾ ثـ َّإياؾ أف تنقطع عف إخكانؾ في ي‬
‫البمداف‬ ‫الديار كاألقطار‪َّ ،‬‬

‫‪121‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫شذ َّ‬
‫شذ في‬ ‫اإلسبلمية‪ ،‬فقد قاؿ رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ (كمف َّ‬
‫النار)(‪ .)1‬كىذا المعنى قد تضافرت عميو نصكص الشريعة اإلسبلمية‪.‬‬
‫‪ ‬ل تكف عونا لمشيطاف عمى إخوانؾ‪ .‬فأخكة الديف ليا يمستمزماتيا؛ فالمسمـ‬
‫أخك المسمـ ال يظممو كال يسممو(‪ ،)2‬فبل تنقؿ إلييـ أخبار المسمميف ٍ‬
‫بعمد‪:‬‬ ‫يٍ‬
‫(كأف تككف جاسكسان كعينا ليـ عمينا)‪ ،‬أـ بجيؿ‪( :‬كأف تي ٍستىدرج لذلؾ) كال‬
‫المسمميف بيف ىؤالء؛ فا﵀ سبحانو كتعالى قاؿ‬ ‫تتقرب إلييـ بذ ٍكر مساكئ ي‬
‫َ‬
‫ى ٌ ََِ‬ ‫ه ُؤ ََّلٓءِ أ ْۡ َس َٰ‬
‫ز َف ُصوا ْ َ َٰٓ‬ ‫َ‬ ‫ٔن ل ََِّّل َ‬
‫ََِ‬
‫ََُ ُ َ‬
‫نفر فعمكا شبييان بذلؾ‪﴿ :‬ويلٔل‬ ‫عف و‬
‫َّ ُ َ َ َ َ‬ ‫ٱَّلل َو ٌََ ََ ۡي َ‬ ‫م َّٱَ َ‬
‫ََِ َى َػ َِ ُٓ ًُ َّ ُ‬ ‫ُ ْ َ َٰٓ َ‬ ‫َّ َ َ َ ُ ْ َ ً‬
‫َت َس َُلۥ‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ـ‬ ‫ٱَّلل‬ ‫َ‬‫ِ‬ ‫ػ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ل‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫‪٥١‬‬ ‫يَل‬‫ٱَََِ ءأٌِا ظب ِ‬
‫يا﴾ [سكرة النساء]‪ ،‬ككذلؾ ال تكف عينا ليـ في ببلدؾ بعد أف منحكؾ‬ ‫َُ ِؿ ً‬

‫ىذه العمكـ ُّ‬


‫الدنيكية(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫ُ ُّ َ َ َ‬
‫‪ُ ‬دنياىـ ىي وسيمتُيـ وغايتُيـ؛ كقد قاؿ ا﵀ عنيا‪﴿ :‬سِإَن ك ذَٰل ِم ل ٍَّا ٌَٰ َٰ ُع‬
‫م ل ِيۡ ٍُ َّخل َ‬
‫َ َّ َ‬ ‫ۡ َ َ َٰ ُّ ۡ‬
‫ي﴾ [الزخرؼ‪ ]35 :‬فينبغي أف تككف‬ ‫ِ‬ ‫ٱدلجيَا ْۚ َوٱٓأۡلر َِصةُ غِِس ر ِب‬ ‫ٱۡلئة ِ‬
‫أقدامؾ ػ ػ الباليةي المرقَّعة في نظرىـ!! ػ ػ ػ عمى أراضييـ كالفرس القصير أك‬
‫ي‬
‫ً (‪)4‬‬
‫كزخارؼ مجمسو ‪ ،‬فبل‬
‫ى‬ ‫رستـ‬
‫ى‬ ‫نمارؽ‬
‫ى‬ ‫كالرمح الذم مزؽ بو ًر ُّ‬
‫بعي بف عامر‬ ‫ُّ‬
‫شأف دنيا ال تزف عند ا﵀ جناح بعكضة؛ فيي كاف خرجنا في طمبيا‬ ‫كىمنؾ ي‬ ‫يي َّ‬
‫طغت الكسيمة عمى‬ ‫ٍ‬ ‫ال تى ٍع يد أف تككف كسيمةن إلى مرضاة ا﵀ تعالى‪ ،‬كاف‬
‫َ َّ َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َٰ ُ ۡ َ َ َٰ ُّ ۡ‬ ‫و‬
‫حينئذ بيا؛ ﴿ذٍا ٌٰع ٱۡلئة ِ ٱدلجيا ِِف ٱٓأۡلرِصة إَِّل كي ِيو﴾‬
‫ِ‬ ‫الغاية فبل عبرة‬
‫[التكبة‪ .]38 :‬كال تكف غايتيـ؛ بؿ كسيمتيـ ككسيمتؾ سببا في ً‬
‫ضيؽ‬
‫صدرؾ مف شريعتؾ كقد قاؿ ا﵀ تعالى لمنبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪:‬‬
‫َ ۡ ُ َ َ َ ُ ُ ْ ََۡ ٓ ُ َ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ ُ ۢ َ ۡ َ َ ُ َ َٰٓ َ ۡ َ‬
‫م َو َفآن ُ ۢ‬
‫ُضل‬
‫ِ‬ ‫أ‬ ‫َّل‬ ‫ٔ‬ ‫ل‬ ‫ٔا‬ ‫ٔل‬ ‫ل‬‫ح‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ك‬‫ر‬‫س‬‫ؾ‬ ‫ِۦ‬ ‫ّ‬ ‫ة‬
‫ِ ِ‬‫ق‬ ‫﴿ـيػيم حارِك بػـ ٌا َِٔح إِِل‬

‫(‪ )1‬أخرجو الترمذم؛ ؾ‪( :‬الفتف)‪ ،‬باب‪( :‬ما جاء في لزكـ الجماعة)‪ ،‬برقـ‪.)2167( :‬‬
‫المسمـ كال يسممو)‪ ،‬برقـ‪،)2442( :‬‬
‫ى‬ ‫المسمـ‬
‫ي‬ ‫( ‪ )2‬أخرجو البخارم‪ ،‬ؾ‪( :‬المظالـ كالغصب)‪ ،‬باب‪( :‬ال يظمـ‬
‫كمسمـ‪ ،‬ؾ (البر كالصمة)‪ ،‬باب‪( :‬تحريـ الظمـ)‪ ،‬برقـ‪.)2580( :‬‬
‫المستشرؽ جكمار؛‬
‫كطكره مف بعدىما ي‬ ‫( ‪ )3‬كشبيو بذلؾ مشركع نابميكف الذم َّ‬
‫أعده لخميفتو كميبر في مصر َّ‬
‫ينظر‪ :‬رسالة في الطريؽ إلى ثقافتنا‪ ،‬محمكد شاكر‪ ،‬ص‪ 108( :‬ػ ػ ػ ‪ 140 ،110‬ػ ػ ‪.)141‬‬
‫(‪ )4‬البداية كالنياية البف كثير؛ ج (‪ ،)7‬ص‪ ،)134( :‬ط‪ :‬أكقاؼ قطر‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ٌ‬ ‫ك َ ۡ‬‫َ َ ۡ َ ٌ َ ۡ َ ٓ َ َ َ ُ َ َ ٌ َّ َ ٓ َ َ َ ر َ َّ ُ َ َ َٰ ُ ّ‬
‫َشءٖ َوك ِيو﴾ [ىكد‪:‬‬ ‫غييِّ نن أو جاء ٌػّۥ ميم ْۚ إِجٍا أُج ُشَِص ْۚ وٱَّلل لَع ِ‬
‫كعدـ االنكباب عمييا؛ مع ما فيو مف ًعزة‬
‫ىدؾ في يدنياىـ ى‬‫‪ ،]12‬بؿ إف يز ى‬
‫النفس كرفعة شأنيا؛ ىك مف أكبر الدكاعي الستجبلب محبتيـ لؾ(‪.)1‬‬
‫‪ ‬التضرع واللتجاء إلى ا﵀ تعالى‪ .‬كىي حا هؿ إيمانية ينبغي عمى العبد ػ ػ ال‬
‫بابيا أك يترؾ ًفناءىا‪.‬‬
‫الغربة ػ ػ أف ال يبرح ى‬ ‫َّ‬
‫سيما حاؿ السفر ك ي‬
‫َّ‬
‫األقمية‬ ‫‪ ‬ثـ إنو كمف الكاجبات التي ينبغي عمى قاطني تمؾ ّْ‬
‫الديار مف‬
‫المسممة أف ييراعكىا‪« :‬االلتزاـ بمقتضى عيد األماف‪ ،‬كشرط اإلقامة‬
‫كالمكاطنة في الديار التي تستكطنيا‪ ،‬أك تعيش فييا‪ ،‬صيانة ألركاح‬
‫اآلخريف كأمكاليـ كمراعاة لمنظاـ العاـ في تمؾ الديار‪ ،‬كعمييـ أف يعممكا ػ ػ‬
‫كبكؿ ما أكتكا مف قدرة كامكانات ػ ػ عمى تنشئة الجيؿ الجديد عمى اإلسبلـ‪،‬‬
‫كتككيف المحاضف لذلؾ؛ مف مدارس كمراكز كأف يعتصمكا بحبؿ ا﵀ جميعان‬
‫في إطار أخكة اإلسبلـ‪ ،‬كأف يتحاكركا بيدكء عند معالجة القضايا التي يقع‬
‫الدكؿ التي يقيمكف فييا‬
‫فييا االختبلؼ‪ ،‬كأف يعممكا بجد مف أجؿ اعتراؼ ى‬
‫بيـ كبحقكقيـ؛ باعتبارىـ أقمية دينية ليا أف تتمتَّع بكامؿ حقكقيا كخاصة‬
‫األمكر األسرية كما ىك الحاصؿ لؤلقميات الدينية األخرل»(‪.)2‬‬

‫الثاني‪ :‬المقاـ الدَّعوي واألخالقي‬

‫‪ ‬بأخالقؾ ل بأخالقيـ‪ ،‬فقد كاف النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ ػ ػ كلؾ فيو أيسكةه‬
‫جربنا عميؾ كذبا قط) (‪« .) 3‬كبيذا‬
‫ػ ػ بيف مشركي قكمو مكصكفا ب ػ‪( :‬ما َّ‬

‫المسمـ «ال حرج عميو أف يطمب محبة‬ ‫(‪ )1‬كقد أشار ابف عثيميف رحمو ا﵀ تعالى إلى ىذا المعنى؛ كىك‪ :‬أف ي‬
‫َ ُ ۡ َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ۡ َ َٰ ُ ُ َّ ُ َ َّ َ َ ۡ ُ َ َٰ ُ ُ‬
‫جٔكً ٌَِّ دِيَٰصِكً أن‬
‫ٱدلََِ َول ًۡ َيص ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٔك ًۡ ِف ّ‬
‫ِ‬ ‫الكفار لو ألف ا﵀ عز كجؿ قاؿ‪َّ﴿ :‬ل حِٓىسً ٱَّلل غ َِ ٱَََِ لً َؼخ ِي‬
‫ْ َ‬ ‫ُۡ‬ ‫َ َ ُّ ُ‬
‫ۡبوْ ًۡ َوتلع ُِم ٓٔا إ ِ ِۡل ِٓ ۡ ًْۚ﴾ [الممتحنة‪ ]8 :‬كمف المعمكـ أنو إذا برىـ باليدايا أك الصدقات أك عدؿ فييـ فسكؼ‬ ‫ت‬
‫يحبكنو كالمحذكر أف تحبيـ أنت» شرح األربعيف؛ ص‪.)350( :‬‬
‫(‪ )2‬يينظر‪ :‬ق اررات المجمع الفقيي اإلسبلمي ػ ػ بمكة المكرمة ػ ػ؛ ص‪( )406( :‬الدكرة السادسة عشرة) ط‪ :‬رابطة‬
‫العالـ اإلسبلمي‪ ،‬اإلصدار الثالث ‪.‬‬
‫( ‪ )3‬صحيح البخارم؛ ؾ‪( :‬التفسير‪/‬سكرة الشعراء)‪ ،‬باب‪( :‬قكلو تعالى‪ :‬كأنذر عشيرتؾ)‪ ،‬برقـ‪،)4770( :‬‬
‫كمسمـ؛ ؾ‪( :‬اإليماف)‪ ،‬باب‪( :‬كأنذر عشيرتؾ األقربيف)‪ ،‬برقـ‪.)355( :‬‬

‫‪122‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كظمـ كضبل ىؿ أكلئؾ المغركريف الذيف يعتدكف عمى أمكاؿ‬


‫ى‬ ‫اف‬
‫ىنعرؼ عدك ى‬
‫الكفار المعاىديف سكاء كاف الكافر ًعندؾ في بمدؾ كىك معاىد أك أنت في‬
‫بمده؛ فإننا نسمع مف بعض الشباب الذيف في ببلد الكفر مف يقكؿ‪ :‬إنو ال‬
‫بأس مف أف نفسد أمكاؿ ىؤالء الكفار‪ ،‬فتجدىـ يعتدكف عمى أنكار الشكارع‬
‫كعمى المتاجر كعمى السيارات كىذا حراـ عمييـ ػ ػ سبحاف ا﵀ ػ ػ قكـ‬
‫احتضنككـ كأنتـ في عيدىـ كليسكا ىـ في عيدكـ كتخكنكف؛ ىذا أشد ما‬
‫يككف تشكييا لئلسبلـ كقدحا»(‪.)1‬‬
‫اجب(‪ )2‬الدَّعوة إلى اإلسالـ فال تنفؾ عنو ‪ ..‬الدعكة إلى ا﵀ سبحانو‬ ‫‪ ‬و ُ‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كتعالى أمرىا معركؼ ﴿ ُنِخُ ًۡ َر ۡ َ‬
‫ي أ ٌَّث أ ۡرص َج ۡ‬
‫وف‬ ‫ج ل َِّيِ ِ‬
‫اس حأ ُم ُصون ةِٱل ٍَػ ُص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُۡ‬ ‫ۡ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫َوت ِۡ َٓ ۡٔن غ َِ ٱل ٍُِه ِص َوحؤٌ ُِِٔن ةِٱَّلل ِ﴾ [آؿ عمراف‪ ] 110:‬فيـ ػ ػ أم‪:‬‬
‫المسممكف؛ كأنت كاحد منيـ ػ ػ خير الناس كأنفعيـ لمناس‪.‬‬
‫ثـ ىك مف أكبر‬
‫تمسؾ المسمـ بدينو وعبادتو‪ :‬كذلؾ كاجب عميو َّأكال‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫‪‬‬
‫األمكر كالكسائؿ التي تككف سببا في إيماف اآلخريف بدعكتو؛ فيذا أبك بكر‬
‫رضي ا﵀ عنو؛ فقد سعى المشرككف في منعو مف الصبلة بفناء داره؛ إذ‬
‫كاف النساء كاألطفاؿ مف قريش يتقصفكف ػ ػ أم‪ :‬يزدحمكف ػ ػ عميو متأثريف‬
‫بقراءتو القرآف(‪ ،)3‬كىذه ىند بنت عتبة التي قالت عند فتح مكة كقد رأت‬
‫المسمميف‪( :‬كا﵀ ما رأيت ا﵀ تعالى يعبد حؽ عبادتو في ىذا المسجد‬
‫صبلة ي‬
‫قبؿ الميمة‪ ،‬كا﵀ إف باتكا إال مصميف قيامان كرككعا كسجكدا)(‪ ،)4‬فما عميؾ‬
‫ائعو كأخبلقىو تسرم عميؾ بيف الناس‪.‬‬
‫ع شر ى‬
‫إال أف تتمسَّؾ بدينؾ‪ ،‬ثـ ىد ٍ‬
‫‪ ‬في محاوراتيـ ومجادلتيـ‪ :‬ال يخمكا التكاصؿ الثقافي كالحضارم في أغمب‬
‫محاسف نفسو‬
‫ى‬ ‫األحكاؿ مف محاكرات أك نقاشات ييظير ّّ‬
‫كؿ مف طرفى ٍييا‬

‫(‪ )1‬شرح األربعيف النككية البف عثيميف؛ ص‪.)270( :‬‬


‫(‪ )2‬ينظر في تفصيؿ حكميا ككجكبو عمى كؿ فرد مف أفراد األمة اإلسبلمية ُّ‬
‫كؿ بحسبو؛ أصكؿ الدعكة د‪ /‬عبد‬
‫الكريـ زيداف‪ ،‬ص‪ 298( :‬ػ ‪ .)301‬ط‪ :‬دار اإلماـ‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬الكفالة)‪ ،‬باب‪( :‬جكار أبي بكر في عيد النبي كعقده)‪ ،‬برقـ‪.)2297( :‬‬
‫(‪ )4‬اإلصابة في تمييز الصحابة؛ ج‪ ،8‬ص‪ .)347( :‬ط‪ :‬الكتب العممية‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫المسمـ في ىذه المقاـ أمكر يجمعيا‪ً :‬عممو بما ىك‬ ‫كمساكئ غيره‪ ،‬كعمى ي‬ ‫ى‬
‫عميو كيقينو باستقامة منيجو ثـ أخبلقو التي تميز بيا عف غيره؛ كقد قاؿ‬
‫َ َ ۡ َ ُ َّ َّ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َّ َّ‬ ‫َ َ ُ َ َٰ ُ ٓ ْ َ ۡ َ ۡ َ‬
‫ب إَِّل ةِٱى ِِت ِِه أخعَ إَِّل ٱَََِ ظئٍا‬ ‫َٰ‬
‫ا﵀ تعالى‪﴿ :‬وَّل حجسِلٔا أْو ٱىه ِ‬
‫ِٰ‬
‫ر َۡ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ ُ ۡ َ ُ ُ ٓ ْ َ َ َّ َّ ٓ ُ َ َ ۡ َ َ ُ َ َ ُ‬
‫ُضل إ ِ ِۡلس ًۡ سِإَل َٰ ُٓ َِا سِإَل َٰ ُٓس ًۡ َوَٰخِس َوَن َُ‬ ‫ُضل إِِلِا وأ ِ‬ ‫ًٌِِٓن وكٔلٔا ءاٌِا ةِٱَِي أ ِ‬
‫ّ ُ ّ ُ َّ َ َ ۡ َ َ َ ً ُ ۡ َ ُ ُ َ َ‬ ‫َُ ُ ۡ ُ َ‬
‫ِك أٌثٖ جػيِا ٌِعَك ًْ ُاظِهٔه ن ـَل‬ ‫ِ‬ ‫ى‬ ‫﴿‬ ‫]‬‫‪46‬‬ ‫[العنكبكت‪:‬‬ ‫﴾‬ ‫ٔن‬‫َلۥ معي ٍِ‬
‫ج َٰ َسل ُ َ‬ ‫ۡ ۡ َ ۡ ُ َ َٰ َ ّ َ َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫ٔك‬ ‫ِل ُْ ٗسى ٌُّ ۡع َخليم ‪ ٦٧‬سِإَن َ‬
‫ِ ٖ‬ ‫م ى َػ َ َٰ‬ ‫ُ َ‬
‫َُ َنَٰ ِضخ َِّم ِِف ٱۡلم ِص وٱدع إِل ربِم ن إُِ‬
‫َّ ُ َ ۡ َ ُ َ َ ۡ َ ُ َ‬ ‫َُ‬
‫ذل ِو ٱَّلل أغيً ةٍِا تػٍئن﴾ [الحج]‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬المقاـ ِ‬
‫العممي‪.‬‬

‫قاؿ الرسكؿ صمى ا﵀ عميو كسمـ لمعاذ بف جبؿ رضي ا﵀ عنو‪( :‬إنؾ ستأتي‬
‫قكما أىؿ كتاب)(‪.)1‬؛ كعميو ففي ىذا المقاـ ينبغي عميؾ؛ أف تتسمَّح‪:‬‬

‫‪ ‬بالمعرفة اإليمانية التي تككف سببا في تثبيت عقيدتؾ كزيادة إيمانؾ؛ فتككف‬
‫عمى معرفة بأساسيات دينؾ أكالن‪ ،‬فتيحصّْف نفسؾ مف شبية أك شيكة‬
‫تعرض عميؾ أك إليؾ‪ .‬فقد أرسؿ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ إلى اليمف‬
‫الم ٍنتىيى في‬ ‫ً‬
‫معاذا كىك مف ىك رضي ا﵀ عنو‪ ،‬كقد تيرج ىـ لو ب ػ‪« :‬كاف إليو ي‬
‫العمـ باألحكاـ كالقرآف»(‪.)2‬‬
‫لمثيرم الشبيات كالشككؾ‬ ‫ّْ‬
‫التصدم ي‬ ‫‪ ‬بمعرفة الجيكد اإلسبلمية المبذكلة في‬
‫حكؿ اإلسبلـ كأىمو‪ ،‬فبل بد كأف يككف عمى اتصاؿ كثيؽ بما يي ّْ‬
‫غذيو في ىذه‬
‫و‬
‫عصر كيذا الذم طغى فيو المجتمع الغربي‪.‬‬ ‫الجكانب ال َّ‬
‫سيما في‬
‫ثـ فعميو أف ال ينقطع عف جيكد أىؿ العمـ مف المؤسسات الحككمية‬
‫كمف َّ‬
‫أك الخاصة كالتي اتخذت الدعكةى إلى ا﵀ تعالى سبيبل ليا؛ كالمجامع‬
‫الفقيية كالمكاقع اإلسبلمية الدعكية لؤلفراد كالييئات عمى الشبكة العنكبكتية‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬الزكاة)‪ ،‬باب‪( :‬أخذ الصدقة مف األغنياء)‪ ،‬برقـ‪ )1496( :‬كمسمـ ؾ‪( :‬اإليماف)‪،‬‬
‫باب‪( :‬الدعاء إلى الشيادتيف كشرائع اإلسبلـ) برقـ‪.)29( :‬‬
‫(‪ )2‬يينظر‪ :‬تقريب التيذيب البف حجر العسقبلني‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪ ‬بمعرفة المناىج الغربية الثقافية (الدينية كالفكرية) السائدة في ىذه المكاطف؛‬


‫إسبلمي أصيؿ؛ فقد قاؿ حذيفة رضي ا﵀ عنو (كاف الناس‬
‫ّّ‬ ‫كىذا منيج‬
‫يسألكف رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ عف الخير ككنت أسألو عنو الشر‬
‫مخافة أف يدركني)(‪ .)1‬فيذا مف ًفقيو رضي ا﵀ عنو‪ ،‬كىك في كسط الخير‬
‫كمع أىمو كتحت سمطانو كظبللو؛ فما بالنا بمف أىٍلقى بنفسو أك أيٍلقي بو في‬
‫ىذه المكاطف التي ىي منبعه لمشركر كاآلثاـ؛ فبل شؾ أف الحاجة إلى ىذه‬
‫أشد‪.‬‬
‫المعرفة ٍأكلى ك ٌ‬
‫كليحذر َّ‬
‫كؿ الحذر مف ىذا المنيج ّْ‬
‫الديكارتي المزعكـ؛ كالذم يقضي بأف‬
‫و‬
‫شيء كاف يعممو مف ىقٍب يؿ كأف يستقبؿ بحثو خالي‬ ‫يتجرد الباحث مف ّْ‬
‫كؿ‬ ‫« َّ‬
‫كذب مصفٌى كىك‬
‫خمكا تامان مما قيؿ» فإنو شيء ال أصؿ لو بؿ ىك ه‬ ‫الذىف َّ‬
‫بيذه الصكرة خارج عف طكؽ البشر(‪ً ،)2‬إذ المسمـ قبؿ أف يي ّْ‬
‫فكر أك ينطمؽ‬ ‫ي‬
‫في ىذه العممية العقمية البد كأف ينطمؽ أكالن مف ككنو مسممان؛ كليس في ىذا‬
‫مصادرةه لمعقكؿ أك ىح ٍجهر ليا كانما ىك كضعه ليا فيما يناسب طبيعتيا التي‬
‫غير محدكد في‬ ‫المحدكد في ركافده ى‬
‫ي‬ ‫خمقيا ا﵀ تعالى عمييا؛ إ ٍذ كيؼ يككف‬
‫ال كم ّْ‬
‫فكهر‬ ‫ً‬ ‫ّْ‬
‫المسمـ‪ :‬ىك يمسم هـ أك ن ي‬
‫عممياتو المرتبطة بيذه الركافد‪ ،‬فػػ‪« :‬المفكر ي‬
‫ثانيان؛ أم أف عقمو يعمؿ في إطار مبادئو كمعتقداتو الكبرل‪ ،‬كىذا يي ّْ‬
‫شكؿ‬
‫فارقان جكىريان بينو كبيف الم ّْ‬
‫فكر العمماني أك البلديني»(‪.)3‬‬ ‫ي‬
‫الرابع‪ :‬مقاـ المحاذير العامة‪.‬‬

‫في بداية ىذه المحاذير ينبغي التذكر أكال بقكؿ النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ‪:‬‬
‫شيء ىف ٍ ً‬
‫و‬
‫ط ٍعتي ٍـ)(‪ )4‬فقد عمؽ‬ ‫ىم ٍرتي يك ٍـ بًأ ٍىم ور فىأٍتيكا منو ما ٍ‬
‫استى ى‬ ‫اجتىن يبكهي‪ ،‬كا ىذا أ ى‬ ‫(فىًإ ىذا ىنيى ٍيتي يك ٍـ عف‬

‫سمـ؛ ؾ‪( :‬اإلمارة)‪،‬‬


‫كم ه‬‫(‪ )1‬أخرجو البخارم؛ ؾ‪( :‬المناقب)‪ ،‬باب‪( :‬عبلمات النبكة في اإلسبلـ)‪ ،‬برقـ‪ ،)3606( :‬ي‬
‫المسمميف) برقـ‪.)1847( :‬‬
‫باب‪( :‬كجكب مبلزمة جماعة ي‬
‫(‪ )2‬رسالة في الطريؽ إلى ثقافتنا؛ ص‪.)30 ،29( :‬‬
‫(‪ )3‬تككيف المفكر‪ ،‬د‪ /‬عبد الكريـ َّ‬
‫بكار‪ ،‬ص‪ )200( :‬ط‪ :‬دار السبلـ‪ .‬القاىرة‪.‬‬
‫البخارم مع الفتح؛ ؾ‪( :‬االعتصاـ)‪ ،‬باب‪( :‬االقتداء بسنف رسكؿ ا﵀ صمى ا﵀ عميو كسمـ)‪ ،‬برقـ‪:‬‬ ‫( ‪)4‬‬
‫كمسمـ مع شرح النككم؛ ؾ‪( :‬الحج)‪ ،‬باب‪( :‬فرض الحج مرة في العمر)‪ ،‬برقـ‪.)1337( :‬‬
‫ه‬ ‫(‪،)7288‬‬

‫‪125‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫عدـ فكاف البد لو‬


‫إيجاد مف ى‬
‫ه‬ ‫النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ الفعؿ عمى االستطاعة ألنو‬
‫مف قدرة يتأتى بيا إيجاد ىذا الفعؿ المأمكر بو‪ ،‬أما في النيي فمـ يعمقو عمى‬
‫االستطاعة ألنو أمر ال ييطمب فعمو فمذا لـ تشترط لو القدرة عمى اإليجاد ألنو معدكـ‬
‫أصبلن كال ييراد يكجكده كذلؾ‪.‬‬

‫فكؿ منيي عنو ال يجكز لمعبد أف ي ً‬


‫قدـ عميو؛ كاف في بمده أـ في‬ ‫كعمى ذلؾ ُّ‬
‫ي‬
‫غيرىا‪ ،‬كذلؾ مع إخكانو أك مع غيرىـ‪ .‬كىناؾ أمكر لمضركرة فييا أحكاـ أيخرل ً‬
‫غير‬
‫ىذه(‪ ،)1‬كمف تمؾ المحاذير‪:‬‬

‫‪ ‬عدـ االستيانة بشيء مف ديننا أماـ ىؤالء‪.‬‬


‫شيء مف مظاىر دينيـ أك أعيادىـ‪.‬‬‫و‬ ‫‪ ‬عدـ المشاركة في‬
‫‪ ‬عدـ األكؿ أك الشرب مف المحرمات التي يتناكلكنيا‪.‬‬
‫ت بيا مجتمعاتيـ كاف كاف البيع‬ ‫‪ ‬عدـ المتاجرة في تمؾ المحرمات التي َّ‬
‫عج ٍ‬
‫كالشراء معيـ‪.‬‬
‫عدـ االقتداء بيـ في ًشعارىـ االجتماعي مف التَّزم بمباسيـ؛ أك اتخاذ‬
‫ي‬ ‫‪‬‬
‫المشاركة العامة في حفبلت الميك كالمجكف التي طفحت بيا‬‫األخداف‪ ،‬أك ي‬
‫مجتمعاتيـ‪ .‬كغير ذلؾ‪.‬‬

‫المسمـ الذم ال يتعمؽ بو ّّ‬


‫حؽ‬ ‫ي‬ ‫ب بيا الفرد‬
‫طي‬‫أمكر ييخا ى‬
‫كعمى كؿ ‪ ..‬فيناؾ ه‬
‫ييقتدل بو أك ىمف كاف ًمف ذكم‬ ‫مف حقكؽ اآلخريف‪ ،‬كأمكر ييخاطب بيا مف كاف قدكةن‬
‫عمى فعمو حفظ دماء كأركاح‬ ‫السمطاف أك الييئة مف ىذه األقميات كالذم يترتب‬
‫اآلخريف أك انتياكيا‪.‬‬

‫المسمميف في تمؾ الديار‪ ،‬أك الكقكؼ أماـ المحاكـ القضائية التي تحكـ‬
‫(‪ )1‬كالمشاركة في االنتخابات مع غير ي‬
‫بغير ما أنزؿ ا﵀ تعالى يبغية الكصكؿ إلى حؽ ال يتمكف الكصكؿ إليو إال عف طريقيا ما لـ يكف لدييـ‬
‫غيرىا‪ .‬كيينظر‪ :‬ق اررات مجمع الفقو اإلسبلمي بمكة المكرمة ص‪.)516 ،515 ،500 ،499( :‬‬

‫‪126‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الخاتمة‬
‫أحمد ا﵀ تعالى في آخره ػ ػ كما ً‬
‫حمدتيو في أكلو ػ ػ ػ حمدا كثي ار طيبا مباركا فيو‪،‬‬ ‫ي‬
‫كالصبلة كالسبلـ عمى رسكلنا محمد صمى ا﵀ عميو كسمـ اليادم البشير النذير؛ الذم‬
‫أرسمو ربو تبارؾ كتعالى رحمة لمعالميف‪ ،‬كارض الميـ عمى مف سار عمى نيجو‬
‫كاقتفى أثره إلى يكـ الديف‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫ً‬
‫كببلدىـ؛ فخرجكا‬ ‫فقد كتبت ىذه القكاعد لقكـ حممكا عمى أعناقيـ ًرفعة دينًيـ‬
‫ألجؿ ذلؾ مستكطنيف ديا انر ليس لئلسبلـ فييا الغمبة كالشككة‪ ،‬كال لممسمميف فييا‬
‫بضد ذلؾ فيـ فييا ًقمةه قميمة ػ ػ كصفان أك عددا ػ ػػ‪.‬‬
‫النفكذ كالسمطاف بؿ األمر ّْ‬

‫كلست في ىذه القكاعد ساعيان إلى إثبات االعتراؼ باآلخر أك اإلقرار بكجكده‬
‫قاش لبداىتو فضبل عف االستدالؿ لو أك‬‫كتأثيره‪ ،‬فيذا أمر ال ينبغي أف ييطرح في نً و‬
‫عميو‪ .‬ككذلؾ لـ أكتب ىذه القكاعد ساعيا مف كرائيا إلى اعتراؼ اآلخر بًنا إذ أف‬
‫اعترافو بي في ميزاف العقيدة اإلسبلمية ال يؤثر في قميؿ كال كثير‪ .‬كانما كتبتييا‬
‫عالـ أصبح اليكـ كالبيت الصغير ذم‬‫ضبطا لقضية التكاصؿ الثقافي كالحضارم في و‬
‫الغرؼ المتبلصقة في جدرانيا كليس ىذا كفقط بؿ ال تيكجد فيو أبكاب أك ستكر تحجز‬
‫عالـ ىك كالقرية الصغيرة‪ ،‬بسبب ىذا‬
‫غرفة مف أختيا‪ ،‬كليس كما كاف ييقاؿ قب يؿ‪ :‬ه‬
‫التطكر التكنمكجي كالمعمكماتي‪.‬‬

‫المسمـ أف خركجو ىذا إنما ىك الستجبلب أمكر يدنيكية‬


‫ي‬ ‫كقد كتبتيا كذلؾ ليعمـ‬
‫َّ‬
‫فضؿ ا﵀ تعالى بيا ىؤالء في الدنيا ال في اآلخرة؛ إذ ليس ليـ فييا نصيب‪ ،‬فقد نبذكا‬
‫الناس عنو‪.‬‬
‫صدىـ ى‬‫اإلسبلـ‪ ،‬بؿ كزادكا عمى ذلؾ َّ‬

‫ككضعنا فييا‬
‫كقد كتبتيا كذلؾ‪ :‬خركجا مف يعزلة كضعنا أنفسنا فييا حينان؛ ي‬
‫لتينا تمؾ ما شيده آباؤنا كأجدادنا مف قبؿ حتى استحكذ عميو‬
‫حينا آخر‪ ،‬فقدنا في يع ٍز ٍ‬
‫مف ذىبنا إلييـ في ىذا الطريؽ!!‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ًختاما‪:‬‬

‫أخي استشعر أنؾ تفتح بكجكدؾ ىذا يحصكنا قد يأتي مف كرائيا خير كثير‬
‫في ديننا كدنيا‪ ،‬كيذا الصحابي الجميؿ الذم ألقى بنفسو في حصكف األعداء بيف‬
‫سياميـ كأسمحتيـ ففتح ا﵀ عمى المسمميف بسببو فكانت ليـ العاقبة كالظفر‪.‬‬

‫ثـ في النياية أقكؿ لؾ‪:‬‬

‫ِ‬
‫أعمالؾ)‬ ‫اتيـ‬ ‫ِ‬ ‫ستَ ِ‬
‫ا﵀ دي َنؾ وخو َ‬
‫ودعُ َ‬ ‫(أَ ْ‬
‫كالسبلـ‪.‬‬
‫كتبو‬

‫أبك محمد‬

‫أحمد بف محمد بف حممي بف عبده (آؿ الحتّة)‬

‫دكتكراه‪ :‬الدعكة كالثقافة اإلسبلمية‬

‫بجامعة األزىر‬

‫إماـ كخطيب كمدرس بك ازرة األكقاؼ‬

‫جميكرية مصر العربية‬

‫ألؼ كأربعمائة‬ ‫وكاف الفراغ منو‪ :‬فجر االثنيف؛ التاسع مف شير شكاؿ‪ ،‬لعاـ و‬
‫ى‬
‫ككاحد بعد األربعيف مف ىجرة النبي صمى ا﵀ عميو كسمـ كقد كافؽ يكما يكلً ىد فيو‬
‫الرسكؿ صمى ا﵀ عميو كسمـ كىاجر فأسأؿ ا﵀ تعالى بذلؾ ف ٍأال حسنان‪.‬‬

‫ككاف مكافقان لميكـ األكؿ مف شير يكنيك لعاـ عشريف بعد األلفيف‪.‬‬

‫وا﵀ سبحانو مف وراء القصد‬

‫‪128‬‬
‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬
‫الفيرس‬
‫رقـ الصفحة‬

‫‪1‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪8‬‬ ‫بيف يدم البحث‬
‫‪14‬‬ ‫القاعدة األكلى‬
‫‪25‬‬ ‫القاعدة الثانية‬
‫‪36‬‬ ‫القاعدة الثالثة‬
‫‪43‬‬ ‫القاعدة الرابعة‬
‫‪52‬‬ ‫القاعدة الخامسة‬
‫‪58‬‬ ‫القاعدة السادسة‬
‫‪68‬‬ ‫القاعدة السابعة‬
‫‪85‬‬ ‫القاعدة الثامنة‬
‫‪89‬‬ ‫القاعدة التاسعة‬
‫‪94‬‬ ‫القاعدة العاشرة‬
‫‪103‬‬ ‫القاعدة الحادية عشرة‬
‫‪110‬‬ ‫القاعدة الثانية عشرة‬
‫‪115‬‬ ‫القاعدة الثالثة عشرة‬
‫‪120‬‬ ‫القاعدة الرابعة عشرة‬
‫‪127‬‬ ‫الخاتمة‬

‫تم ْت‬
‫ّ‬
‫الحمد و َّ‬
‫المنة والتوفيؽ‬ ‫ُ‬ ‫و﵀‬

‫‪129‬‬
‫‪‬‬

You might also like