‫‪2022/06/05‬م‬

‫‪ 05‬ذو القعدة ‪1443‬هـ‬

‫املوقف الفقهي من التربع بالقرنية‬

‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫كرم اإلنسان‪ ،‬فقال سبحانه‪{ :‬ولق ْد ك َّرْمنا بِني آدم} [اإلسراء‪ ،]70 :‬فاإلنسان‬
‫فإن هللا تعالى ّ‬
‫بنيان هللا في أرضه‪ ،‬وجاءت نصوص شرعية عديدة‪ ،‬تؤكد أن تصرف اإلنسان بجسده ينبغي أن‬
‫يكون وفق التكريم واالحترام‪ ،‬يستوي في هذه األمر األحياء واألموات‪ ،‬وتعد العين والقرنية من هذه‬
‫األعضاء المحترمة‪.‬‬
‫طي الجزء األمامي من العين على شكل قبة‪ ،‬ووظيفتها‬
‫ويقصد بالقرنية الغشاء الشفاف الذي يغ ّ‬
‫الداخلة إلى العين‪،‬‬
‫الضوء ّ‬
‫التحكم في كمية ّ‬
‫الضارة‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫حماية العين من الجراثيم والغبار واألجسام‬
‫وترشيح األطوال الموجية للضوء‪.‬‬
‫والتبرع بالقرنية من المستجدات المعاصرة التي لم يبحثها الفقهاء القدامى‪ ،‬وإنما بحثها‬

‫المعاصرون‪ ،‬وقد َّ‬

‫توصلت غالبية المجامع الفقهية والمؤسسات الشرعية إلى جواز التبرع بالقرنية‪ ،‬مع‬
‫التزام الضوابط الشرعية‪ ،‬وقد شرعت معظم الدول اإلسالمية في سن تشريعات تنظم هذه العملية‪ ،‬وقد‬
‫صدر ببلدنا فلسطين قانون ينظم نقل األعضاء وزراعتها‪ ،‬ومما جاء فيه‪" :‬يجوز بطرق التبرع نقل‬
‫األعضاء من جثة ميت إلى إنسان حي؛ لضرورة تقتضيها المحافظة على حياة المتبرع إليه‪ ،‬أو‬
‫الستعادة وظيفة من وظائف أعضائه األساسية‪ ،‬أو الستكمال نقص حيوي في جسده‪ ،‬وفي األحوال‬
‫التي تكون الجثة فيها موضع تحقيق جنائي ال يجوز االستئصال منها إال بإذن من سلطة التحقيق"‪.‬‬
‫ويستدل لمشروعية التبرع بالقرنية بأدلة كثيرة منها‪:‬‬
‫تكميال لحياة النفس‬
‫ً‬ ‫‪ -1‬التبرع بالقرنية يدخل في باب إحياء األعضاء التي يعد إحياؤها‬
‫يعا} [المائدة‪ ،]32 :‬ألن في‬ ‫ِ‬ ‫البشرية‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وم ْن أ ْحياها فكأَّنما أ ْحيا َّ‬
‫الناس جم ً‬
‫التبرع بها إنقا ًذا لشخص من ضرر كبير‪.‬‬
‫‪ -2‬تقديم مصلحة اإلنسان الحي على مصلحة المتوفى‪ ،‬حيث راعت الشريعة المصالح‬
‫الغالبة‪ ،‬فقد قرر الفقهاء أن مصالح األحياء مقدمة على مصلحة األموات‪ ،‬وأنه ترتكب‬
‫أخف المفسدتين لتحصيل أعظمهما‪.‬‬
‫بابا من أبواب األجر والثواب‪ ،‬فهي صدقة‪ ،‬يؤجر عليها المرء‬
‫‪ -3‬يعد التبرع باألعضاء ً‬
‫بنيته‪ ،‬وهي من باب فك الكربات وتفريجها‪.‬‬
‫‪ -4‬يقاس جواز نقل العضو على جواز شق بطن المرأة الحامل إن ماتت‪ ،‬إلخراج الجنين‬
‫الذي في بطنها؛ للمصلحة المرجوة من ذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬ليس في التبرع باألعضاء ُمثلة‪ ،‬وال يراد بها إهانة الميت وتشويهه‪ ،‬بل فيها إكرام لإلنسان‪،‬‬
‫وفيها معنى التعاطف والتكافل‪.‬‬
‫وعليه يجوز لإلنسان أن يوصي بالتبرع بقرنيته بعد وفاته‪ ،‬ويجوز ألولياء المتوفى التبرع بها‬
‫ِ‬
‫يوص‪ ،‬مع التزام الضوابط اآلتية‪:‬‬ ‫وإن لم‬
‫أواال‪ :‬أن يتم التحقق من وفاة المتبرع وفق الضوابط الشرعية‪.‬‬
‫للمتبرع له‪ ،‬ويجوز أن يوصي لشخص بعينه‪ ،‬ويجوز أن‬
‫َّ‬ ‫ثانيا‪ :‬أن تكون هناك ضرورة أو حاجة‬
‫ا‬
‫يعطيها للبنك الخاص بها‪ ،‬وتعطى لمن هو بحاجة لها‪.‬‬
‫ثال اثا‪ :‬أن يوصي المتبرع وهو بأهلية كاملة‪ ،‬أو يتبرع بها األولياء حسب درجة القرابة‪.‬‬
‫ابعا‪ :‬أن يتم النقل تحت إشراف الجهات الطبية المختصة‪.‬‬
‫را‬
‫مادي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫خامسا‪ :‬أن يكون على جهة التبرع‪ ،‬وال يجوز أن يكون بمقابل‬
‫ا‬
‫هذا‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل أعلى وأعلم‬

‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬

‫أمانة جملس االجتهاد الفقهي‬