You are on page 1of 14

‫الوصية‬

‫ص ي (‪ :)3‬إذا وص ل‪ ،‬وَأوْ َ‬
‫صى‬ ‫ص ى يَ ِ‬ ‫ٌ‬
‫فالن (‪َ )2‬و َ‬ ‫ص ي‪ ،‬يق ال‪:‬‬‫ص ى يَ ِ‬
‫الوص ية من َو َ‬
‫ص َل (‪)4‬؛ ألن أص َل (‪ )5‬اإليصاء في اللغة‪ :‬اإليصال‪.‬‬ ‫صي‪ :‬إذا َأوْ َ‬
‫يُو ِ‬
‫‪ -‬الوصية‪ :‬هي التبرع بالمال بعد الموت‪ ،‬أو األمر بالتصرف بعد الموت‪.‬‬
‫‪ -‬الفرق بين الوصية والهبة‪:‬‬
‫الوصية‪ :‬تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع‪.‬‬
‫والهبة‪ :‬تمليك المال لغيره في الحال‪.‬‬
‫وكالهما يصح من مسلم وكافر‪.‬‬

‫‪ -‬حكمة مشروعية الوصية‪:‬‬


‫قد يغفل اإلنسان في حياته عن أعمال ال بر والخ ير‪ ،‬ومن رحم ة هللا بعب اده أن ش رع لهم‬
‫الوص ية؛ زي ادة في القرب ات والحس نات‪ ،‬وت داركا ً لم ا ف رط في ه اإلنس ان في حيات ه من‬
‫أعمال البر‪.‬‬
‫فجعل سبحانه للمسلم نصيبا ً من ماله يفرضه قبل ممات ه في أعم ال ال بر ال تي تع ود على‬
‫الفقراء والمحتاجين بالخير والفضل‪ ،‬وتعود على الموصي بالثواب واألج ر‪ ،‬واالس تزادة‬
‫من العمل الصالح‪.‬‬

‫‪ -‬حكم الوصية‪:‬‬
‫الوصية لها خمسة أحكام‪:‬‬
‫‪ - 1‬واجبة‪ :‬كالوصية برد الودائع والديون التي ال يعلمها إال الموصي‪ ،‬والوصية بقض اء‬
‫الحقوق الشرعية‪ ،‬سواء كانت هلل كالزكاة والكفارات‪ ،‬أو ك انت آلدمي كال ديون والودائ ع‬
‫ونحوهما‪ ،‬والوصية برد المغصوب أو المسروق ونحوهما‪.‬‬
‫‪ - 2‬مس تحبة‪ :‬كالوص ية لألق ارب غ ير ال وارثين‪ ،‬والفق راء والمس اكين‪ ،‬وجه ات ال بر‬
‫والخير‪.‬‬
‫‪ - 3‬محرمة‪ :‬كالوصية بمعصية كبناء كنيسة‪ ،‬أو مصنع خمر‪ ،‬أو دار لهو‪ ،‬أو نش ر كتب‬
‫الضالل‪ ،‬والوصية ألهل الفسوق والعصيان‪ ،‬أو ك ان فيه ا إض رار بالورث ة‪ ،‬أو الوص ية‬
‫لوارث محاباة له‪.‬‬
‫‪ - 4‬مكروهة‪ :‬كالوصية من فقير وارثه محتاج‪.‬‬
‫‪ - 5‬مباحة‪ :‬كالوصية من غني لألغنياء من األقارب واألجانب‪.‬‬
‫ُول هللاِ ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قَا َل‪َ « :‬م ا‬ ‫أن َرس َ‬ ‫‪َ -‬وع َْن َع ْب ِدهللاِ ب ِْن ُع َم َر َر ِ‬
‫ض َي هللاُ عَنهُ َما َّ‬
‫ص يَّتُهُ َم ْكتُوبَ ةٌ ِع ْن َدهُ»‪ .‬متف ق‬
‫يت لَ ْيلَتَ ْي ِن ِإال َو َو ِ‬ ‫ق ا ْم ِرٍئ ُم ْسلِ ٍم‪ ،‬لَهُ َش ْي ٌء ي ِ‬
‫ُوص ي فِي ِه‪ ،‬يَبِ ُ‬ ‫َح ُّ‬
‫عليه (‪.)1‬‬

‫‪ -‬حكم تعجيل الوصية‪:‬‬


‫تنفيذ الوصية يكون بعد الموت‪ ،‬واألفضل تعجيل الوصايا لجهات ال بر في الحي اة‪ ،‬وع دم‬
‫تأخيرها لما بعد الموت؛ ألنه ال يأمن الموصي أن يُفرَّط بها بعد موته‪.‬‬
‫فالص دقة في ح ال الحي اة أفض ل من الوص ية؛ ألن المتص دق يج د ث واب عمل ه أمام ه‪،‬‬
‫ويصرفه حال حياته‪.‬‬
‫ال‪َ :‬ج ا َء َر ُج ٌل ِإلَى النَّبِ ِّي ‪ -‬ص لى هللا علي ه وس لم ‪-‬‬ ‫ض َي هللاُ َع ْن هُ ق َ‬ ‫‪َ -‬وع َْن أبِي هُ َر ْي َرةَ َر ِ‬
‫ص ِحي ٌح َش ِحيحٌ‪،‬‬‫ق َوأ ْنتَ َ‬ ‫َص َّد َ‬
‫«أن ت َ‬‫الص َدقَ ِة أ ْعظَ ُم أجْ رًا؟ ق ال‪ْ :‬‬ ‫َّ‬ ‫ول هللاِ‪ ،‬أيُّ‬
‫فقال‪ :‬يَ ا َر ُس َ‬ ‫َ‬
‫ت الح ُْلقُو َم‪ ،‬قُ ْلتَ ‪ :‬لِفُال ٍن َك َذا‪َ ،‬ولِفُ ٍ‬
‫الن َك َذا‪،‬‬ ‫ت َْخ َشى الفَ ْق َر َوتَأ ُم ُل ِ‬
‫الغنَى‪َ ،‬وال تُ ْم ِه ُل َحتَّى ِإ َذا بَلَ َغ ِ‬
‫َوقَ ْد َكانَ لِفُال ٍن»‪ .‬متفق عليه (‪.)1‬‬

‫‪ -‬أركان الوصية‪:‬‬
‫أركان الوصية خمسة‪:‬‬
‫الموصي‪ :‬وهو من صدرت منه الوصية‪.‬‬
‫الموصي إليه‪ :‬وهو من صدرت إليه الوصية‪.‬‬
‫الموصى له‪ :‬وهو محل الوصية‪.‬‬
‫والموصى فيه‪ :‬وهو المال‪.‬‬
‫والصيغة‪ :‬وهي اإليجاب من الموصي‪ ،‬والقبول من الموصى إليه‪.‬‬

‫‪ -‬شروط الوصية‪:‬‬
‫يشترط لصحة الوصية ما يلي‪:‬‬
‫أن يكون الموصي أهالً للتبرع ‪ ..‬وأن يكون راضيا ً مختاراً ‪ ..‬وأن يكون مالكا ً لما يوصي‬
‫فيه‪.‬‬
‫ويشترط في الموصى له‪ :‬أن يكون موجوداً ‪ ..‬وأن يكون معلوم ا ً بنفس ه أو ص فته ‪ ..‬وأن‬
‫تك ون الجه ة الموص ى له ا جه ة ب ر ال جه ة معص ية ‪ ..‬وأن يك ون الموص ى إلي ه في‬
‫التصرف حسن التصرف ‪ ..‬وأن يكون الموصى له بالمال غير وارث‪.‬‬
‫ويشترط في الموصى فيه‪ :‬أن يكون م االً يب اح االنتف اع ب ه ش رعا ً ‪ ..‬وأن يك ون مملوك ا ً‬
‫للموصي ‪ ..‬وأن يكون مما يصح تملّكه شرعا ً ‪ ..‬وأال يكون الموصى به معصية أو محرم‬
‫ش رعا ً ‪ ..‬وأال يك ون ب أكثر من ثلث مال ه إن ك ان ل ه وارث ‪ ..‬حص ول اإليج اب من‬
‫الموصي بقول أو فعل أو كتابة قبل موته ‪ ..‬وقبول الموصى له‪.‬‬

‫‪ -‬ثبوت الوصية‪:‬‬
‫يستحق الموصى إليه الوص ية بع د م وت الموص ي‪ ،‬وبع د س داد ديون ه‪ ،‬ف إذا اس تغرقت‬
‫الديون التركة كله ا فليس للموص ى إلي ه ش يء؛ ألن اإلنس ان إذا م ات ُأخ رج من تركت ه‬
‫ال َّدين‪ ،‬ثم الميراث ثم الوصية‪.‬‬
‫واالعتبار بصحة الوصية وعدم صحتها بحال الم وت‪ ،‬فل و أوص ى ل وارث فص ار عن د‬
‫الموت غ ير وارث‪ ،‬ك أخ حُجب ب ابن تج دد ص حت الوص ية‪ ،‬ول و أوص ى لغ ير وارث‬
‫فصار عند الموت وارثاً‪ ،‬كما لو أوصى ألخيه مع وجود ابنه حال الوصية‪ ،‬ثم مات ابنه‪،‬‬
‫فإنها تبطل الوصية إن لم تجزها الورثة‪.‬‬
‫ك َأ ْز َوا ُج ُك ْم ِإ ْن لَ ْم يَ ُك ْن لَه َُّن َولَ ٌد فَ ِإ ْن َك انَ لَه َُّن َولَ ٌد فَلَ ُك ُم‬‫ف َما ت ََر َ‬‫{ولَ ُك ْم نِصْ ُ‬ ‫قال هللا تعالى‪َ :‬‬
‫صينَ بِهَا َأوْ َد ْي ٍن} [النساء‪.]12:‬‬ ‫صيَّ ٍة يُو ِ‬‫الرُّ بُ ُع ِم َّما تَ َر ْكنَ ِم ْن بَ ْع ِد َو ِ‬

‫‪ -‬ما يترتب على الوصية‪:‬‬


‫يترتب على ثبوت الوصية ثبوت الملك للموصى إليه من وقت وفاة الموصي‪.‬‬
‫وإن لم يقبل الموصى إليه لم يتملك الموصى فيه‪ ،‬وعاد الملك إلى الورثة‪.‬‬
‫وتنفذ وصية من ال َديْن عليه وال وارث له بكل ماله‪ ،‬من غير توقف على إجازة أحد‪.‬‬

‫‪ -‬الحكم إذا تزاحمت الوصايا‪:‬‬


‫إذا تزاحمت الوصايا‪ ،‬وضاق عنها الثلث‪ ،‬ولم يُجز الورثة‪ ،‬أو أجازوها ولم تتسع الترك ة‬
‫لتنفيذ جميع الوصايا فنعمل ما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬إن كان التزاحم في الوصايا بين األشخاص‪ ،‬كما لو أوص ى لزي د بخمس ين‪ ،‬ولعم ر‬
‫بعشرين‪ ،‬ولخالد بثالثين‪ ،‬فيُقسم الثلث بينهم حسب ما فرض لهم الموصي بحسب نسبته‪.‬‬
‫‪ - 2‬إن كان التزاحم في حقوق هللا تعالى كفرض الحج‪ ،‬والزكاة‪ ،‬وصدقة التطوع‪ ،‬فيق دم‬
‫الفرض على التطوع‪ ،‬فينفِّذ الوصية بأداء الحج عنه‪ ،‬وإخراج الزك اة الواجب ة عن ه‪ ،‬ف إن‬
‫بقي من الثلث شيء أدى التطوع من صدقات‪ ،‬وحج تطوع ونحوهما‪.‬‬
‫‪ - 3‬إذا تزاحمت في الوصية حقوق هللا وحقوق العباد قُ دِّم ح ق هللا على غ يره؛ ألن َديْن‬
‫هللا أحق بالوفاء‪.‬‬

‫‪ -‬مقدار الوصية المسنونة‪:‬‬


‫‪ - 1‬من كان ماله يسيراً فاألفضل أن يتركه لورثته‪.‬‬
‫‪ - 2‬من كان له مال كثير وله وارث فاألفضل أن يوصي بالخمس أو الرب ع‪ ،‬ويج وز ل ه‬
‫أن يوصي بالثلث من ماله‪ ،‬وال تنفذ وص يته ب أكثر من الثلث إال بإج ازة الورث ة له ا بع د‬
‫موت الموصي‪ ،‬ومن كان له مال كثير‪ ،‬وليس له وارث‪ ،‬وليس علي ه دين‪ ,‬فيج وز ل ه أن‬
‫يوص ي بجمي ع مال ه في ك ل م ا في ه منفع ة ومص لحة؛ ألن المن ع ب أكثر من الثلث لح ق‬
‫الورثة‪ ،‬وال وارث هنا‪.‬‬
‫ض َي هللاُ عَن هُ قَ ا َل‪َ :‬ك انَ َر ُس و ُل هللاِ ‪ -‬ص لى هللا علي ه وس لم ‪-‬‬ ‫ص َر ِ‬ ‫ع َْن َس ْع ِد ْب ِن َأبِي َوقَّا ٍ‬
‫ت‪ِ :‬إنِّي قَ ْد بَلَ َغ بِي ِمنَ ال َو َج ِع‪َ ،‬وَأنَ ا ُذو‬ ‫اش تَ َّد بِي‪ ،‬فَقُ ْل ُ‬
‫َاع‪ِ ،‬م ْن َو َج ٍع ْ‬ ‫يَعُو ُدنِي عَا َم َح َّج ِة ال َود ِ‬
‫ال‪« :‬الَ»‪.‬‬ ‫ط ِر؟ فَقَ َ‬ ‫الش ْ‬
‫ت‪ :‬بِ َّ‬ ‫ال‪« :‬الَ»‪ .‬فَقُ ْل ُ‬ ‫ق بِثُلُثَ ْي َمالِي؟ قَ َ‬ ‫ال‪َ ،‬والَ يَ ِرثُنِي ِإالَّ ا ْبنَةٌ‪َ ،‬أفََأت َ‬
‫َص َّد ُ‬ ‫َم ٍ‬
‫ث َكبِيرٌ‪َ ،‬أوْ َكثِيرٌ‪ِ ،‬إنَّكَ َأ ْن تَ َذ َر َو َرثَتَكَ َأ ْغنِيَا َء خَ ْي ٌر ِم ْن َأ ْن تَ َذ َرهُ ْم عَالَةً‬ ‫ث َوالثُّلُ ُ‬‫ثُ َّم قَا َل‪« :‬الثُّلُ ُ‬
‫هللا ِإالَّ ُأ ِجرْ تَ بِهَ ا‪َ ،‬حتَّى َم ا تَجْ َع ُل فِي‬ ‫ق نَفَقَةً تَ ْبت َِغي بِهَا َوجْ هَ ِ‬ ‫ك لَ ْن تُ ْنفِ َ‬ ‫يَتَ َكفَّفُونَ النَّ َ‬
‫اس‪َ ،‬وِإنَّ َ‬
‫فِي ا ْم َرَأتِكَ »‪ .‬متفق عليه (‪.)1‬‬
‫‪[-‬المعنى العام]‪-‬‬
‫إذا أمس يت فال تنتظر الص باح‪ ،‬وإذا أص بحت فال تنتظر المس اء‪ ،‬واعمل ل دنياك كأنك‬
‫تعيش أبدًا‪ ،‬واعمل آلخرتك كأنك تموت غدًا‪ ،‬وتأهب للم وت وما بع ده‪ ،‬وال تنتظر ح تى‬
‫ي أتي فتق ول‪{ :‬رب ل وال أخرت ني إلى أجل ق ريب فأص دق وأكن من الص الحين * ولن‬
‫يؤخر هللا نفسًا إذا جاء أجلها وهللا خبير بما تعملون} [المنافقون‪.]11 ،10 :‬‬
‫تصدق‪ ،‬واكتب وص يتك وأنت ص حيح ش حيح‪ ،‬تأمل الغ نى‪ ،‬وتخشى الفق ر‪ ،‬وال تهم ل‪،‬‬
‫ح تى إذا بلغت الحلق وم‪ ،‬قلت‪ :‬لفالن ك ذا‪ .‬ولفالن ك ذا‪ .‬ولفالن ك ذا‪ .‬وقد خ رج الم ال من‬
‫يديك‪ ،‬ولم يعد ملكك ولم يعد لك التصرف فيه‪ ،‬فقد صار لفالن وفالن وفالن من ورثتك‪.‬‬
‫إن مالك ما ق دمت‪ ،‬وم ال وارثك ما أخ رت‪ ،‬وليس م ال وارثك أحب إليك من مال ك‪،‬‬
‫فأوص في سبيل هللا وق دم آلخرتك ما ينفع ك‪ ،‬وكن مثل س عد بن أبي وق اص لما ع رض‬
‫على رسول هللا ص لى هللا عليه وس لم أن يتص دق بكل مال ه‪ ،‬فمنعه رس ول هللا ص لى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فعرض أن يتصدق بثلثي ماله‪ ،‬فمنعه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ .‬قال‪ :‬يا‬
‫رسول هللا ليس لي إال ابنة‪ ،‬هي التي ترثني؟ أأتص دق بنصف م الي؟ وأت رك لها نص فه؟‬
‫قال‪ :‬ال تص دق ب الثلث‪ ،‬والثلث كث ير‪ .‬إنك إن ت ترك ورثتك أغني اء ك ان لك أجر على ما‬
‫أبقيت لهم من م ال‪ ،‬وأنفق في حياتك من مالك على زوجك وبنتك واألق ربين‪ ،‬فما أنفقت‬
‫من نفقة تبتغي بها وجه هللا إال كان لك بها أجر حتى اللقمة ال تي تأكلها زوجتك أو بنت ك‪،‬‬
‫لك فيها أجر‪.‬‬
‫أرض ا زراعية في أحسن أرض‪ ،‬فك انت‬ ‫ً‬ ‫وهذا عمر بن الخط اب رضي هللا عنه يش تري‬
‫أحب أمواله إليه‪ ،‬فاستأذن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في خير السبل لتكون في س بيل‬
‫هللا‪ ،‬فأشار عليه بأن يوقف أصلها‪ ،‬ويتصدق بريعها ونتاجها‪.‬‬
‫فالكيس الكيس‪ ،‬والعقل العق ل‪ ،‬والمب ادرة المب ادرة‪ ،‬قبل أن تنتظر من ابنك أو ورثتك أن‬
‫يتصدق عليك بعد موتك‪ ،‬وإن وصلك أجر صدقته‪ ،‬فلن يكون مثل أجر ما تخرج يداك‪.‬‬
‫إن رسول هللا ص لى هللا عليه وس لم لم ي ترك دين ارًا وال دره ًما وال ش اة وال بع يرًا‪ ،‬وهو‬
‫ال ذي وزع آالف ال دنانير وآالف اإلبل والش اة على أص حابه‪ ،‬فك انت وص يته كت اب هللا‬
‫والعمل ب ه‪ ،‬وك انت وص يته "نحن معاشر األنبي اء ال ن ورث ما تركن اه ص دقة" وك انت‬
‫وص يته "ما حق ام رئ مس لم‪ ،‬له ش يء يوصي في ه‪ ،‬ي بيت ليل تين‪ ،‬إال ووص يته مكتوبة‬
‫عنده" صلى هللا عليه وس لم وب ارك عليه وعلى آله وأص حابه‪ ،‬ومن تبع ه داهم إلى ي وم‬
‫الدين‪.‬‬
‫‪[-‬المباحث العربية]‪-‬‬
‫(من وجع أش فيت منه على الم وت) الوجع اسم لكل م رض‪ ،‬ومع نى "أش فيت منه على‬
‫الموت" أشرفت منه على الموت‪ ،‬وقاربته‪ ،‬يقال‪ :‬شفت الشمس ش فوا‪ ،‬ق اربت الغ روب‪،‬‬
‫وشفى هللا العليل ش فاء‪ ،‬أب رأه من علت ه‪ ،‬وأش في الم ريض على الم وت قارب ه‪ ،‬وأش اف‬
‫الشيء‪ ،‬طال وأشرف‪.‬‬
‫(وال يرثني إال ابنة واحدة)‪ ،‬كان لسعد في ذلك الوقت‪ ،‬ورثة آخ رون‪ ،‬عص بات من ب ني‬
‫زهرة‪ ،‬وكانوا كثيرًا‪ ،‬لهذا وجه العلماء هذه العبارة توجيهًا يتفق مع الواقع‪ ،‬فقال النووي‪:‬‬
‫أي ال يرثني من الولد‪ ،‬وخواص الورث ة‪ ،‬إال ابن ة‪ ،‬وقيل‪ :‬معن اه‪ :‬ال يرث ني من أص حاب‬
‫الفروض إال ابنة‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه‪ :‬ال يرث ني ممن أخ اف عليه الض ياع والعجز إال ابن ة‪ ،‬أو‬
‫ظن أنها ترث جميع المال‪ ،‬أو استكثر عليها نصف الترك ة‪ ،‬أما بعد ه ذا ال وقت فقد ك ان‬
‫لسعد بنات أخريات‪ ،‬قيل‪ :‬إحدى عشرة بنتًا‪ ،‬أمهاتهن متأخرات‬
‫اإلس الم‪ ،‬كما ك ان له أبن اء‪ ،‬هم‪ :‬ع امر بن س عد‪ ،‬راوي الح ديث عن أبي ه‪ ،‬وإب راهيم‬
‫ومص عب وعمر ومحمد وعبد هللا وعبد ال رحمن وعم ران وص الح وعثم ان وإس حق‬
‫ويحيى وعمير‪ ،‬وغيرهم‪ .‬كذا وقع في كالم بعض الشيوخ‪.‬‬
‫وكان سعد أحد العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬وآخرهم موتًا‪ ،‬توفي س نة خمس وخمس ين على‬
‫األشهر‪ ،‬من السابقين إلى اإلسالم‪ ،‬وهو أحد الستة الذين رش حهم عمر للخالفة من بع ده‪،‬‬
‫وقال عنه عمر آنذاك‪ :‬إن أصابته اإلمرة فذاك‪ ،‬وإال فليس تعن به ال والي‪ ،‬وك ان رأس من‬
‫فتح العراق‪ ،‬وولي الكوفة لعمر‪ ،‬وهو الذي بناها‪ ،‬وهو الذي فتح مدائن كسرى‪ ،‬ولما قتل‬
‫عثمان اعتزل الفتنة‪ ،‬ولزم بيته‪ ،‬وكان مجاب الدعوة‪ ،‬مات ب العقيق‪ ،‬وحمل إلى المدين ة‪،‬‬
‫فصلى عليه في المسجد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫(أفأتصدق بثلثي مالي؟ ) المراد من الصدقة الوصية في وجوه البر‪ ،‬كما ج اء في الرواية‬
‫السادس ة‪ ،‬ولفظها "أفأوصي بم الي كل ه؟ " والف اء عاطفة على مح ذوف‪ ،‬والتق دير‪ :‬هل‬
‫ت دعني أقسم م الي حيث ش ئت فأتص دق بم الي كل ه؟ ق ال‪ :‬ال‪ .‬ق ال‪ :‬إذا لم تص رح لي‬
‫بالتصدق بمالي كله فهل تسمح لي بالتصدق بثلثي مالي؟ ‪.‬‬
‫(الثلث‪ .‬والثلث كثير) "كثير" بالثاء‪ ،‬وفي بعض النسخ "كبير" بالب اء‪ ،‬وكالهما ص حيح‪،‬‬
‫ق ال القاضي‪ :‬يج وز نصب "الثلث" األول ورفع ه‪ ،‬أما النصب فعلى اإلغ راء‪ ،‬أو على‬
‫تق دير فعل مح ذوف‪ ،‬نحو "أعط" وأما الرفع فعلى أنه فاع ل‪ ،‬أي يكفيك الثلث‪ ،‬أو أنه‬
‫مبتدأ‪ ،‬حذف خبره‪ ،‬أي الثلث كاف‪ ،‬أو خبر محذوف المبتدأ أي المرخص به الثلث‪.‬‬
‫وفي الرواية الرابعة "قلت‪ :‬ف الثلث؟ ق ال‪ :‬فس كت بعد الثلث" أي س كتة لطيفة "ثم ق ال‪:‬‬
‫الثلث‪ .‬والثلث كثير"‪.‬‬
‫(فكان ‪ -‬بعد ‪ -‬الثلث جائ ًزا) أي فكانت الوصية بالثلث جائزة بعد هذا التص ريح‪ ،‬وهو من‬
‫كالم سعد‪ ،‬وقيل‪ :‬هو كالم من دونه من الرواة‪.‬‬
‫(إنك أن ت ذر ورثتك أغني اء خ ير ‪ ) ....‬ق ال القاضي‪ :‬روينا "إن ت ذر" بفتح الهم زة‬
‫وكسرها‪ ،‬وكالهما صحيح‪ ،‬يعني بالفتح تكون للتعليل‪ ،‬وبالكسر تك ون للش رط‪ ،‬وج واب‬
‫الشرط تقديره فهو خير‪ ،‬فحذفت الفاء والمبتدأ‪.‬‬
‫قال الزين بن المن ير‪ :‬إنما ع بر له ص لى هللا عليه وس لم بلفظ "الورثة" ولم يقل‪ :‬أن ت ذر‬
‫بنتك‪ ،‬مع أنه لم يكن له يومئذ إال ابنة واح دة‪ ،‬لك ون ال وارث حينئذ لم يتحق ق‪ ،‬ألن س عدًا‬
‫إنما قال ذلك بناء على موته في ذلك المرض‪ ،‬وبقائها بعده حتى ترث ه‪ ،‬وك ان من الج ائز‬
‫أن تم وت هي قبل ه‪ ،‬فأج اب ص لى هللا عليه وس لم بكالم مط ابق لكل حال ة‪ ،‬وهو قوله‬
‫"ورثتك" ولم يخص بنتًا من غيره ا‪ ،‬وق ال الف اكهي‪ :‬إنما ع بر ص لى هللا عليه وس لم‬
‫بالورثة ألنه اطلع على أن سعدًا سيعيش‪ ،‬ويأتيه أوالد غير البنت المذكورة‪ ،‬وكان كذلك‪،‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪ :‬إن ميراث س عد لم يكن منحص رًا في بنته آن ذاك‪ ،‬فقد ك ان آلخيه‬
‫عتبة بن أبي وقاص ‪ -‬إذ ذاك ‪ -‬أوالد‪ ،‬منهم هاشم بن عتبة الصحابي‪ ،‬ال ذي قتل بص فين‪،‬‬
‫فجاز التعبير بالورثة لتدخل البنت وغيرها ممن يرث‪ ،‬لو وقع موته إذ ذاك‪ ،‬أو بعد ذلك‪.‬‬
‫وفي الرواية السادسة "وإنك إن تدع أهلك بخير" أو قال "بعيش"‪.‬‬
‫(من أن ت ذرهم عالة يتكفف ون الن اس) العالة الفق راء‪ ،‬جمع عائ ل‪ ،‬وهو الفق ير‪ ،‬من ع ال‬
‫يعيل إذا افتقر‪ ،‬والتكفف بسط الكف للسؤال‪ ،‬أو يسأل الناس كفافًا من الطعام‪ ،‬يقال‪ :‬تكفف‬
‫السائل إذا بسط كفه بالمسألة‪ ،‬وتكفف الرجل الشيء‪ ،‬إذا أخذه بكفه‪ ،‬وتكفف الناس سألهم‪.‬‬

‫‪ -‬حكم الوصية بأكثر من الثلث‪:‬‬


‫من كان ل ه وارث فال تج وز ل ه الوص ية لغ ير وارث ب أكثر من الثلث‪ ،‬ف إن أوص ى ل ه‬
‫بالزيادة على الثلث فال بد من إجازة الورثة لها بعد الموت وإال بطلت‪.‬‬
‫وال يجوز له الوصية لوارث بشيء إال بإجازة الورثة‪ ،‬ف إن لم يج يزوا بطلت‪ ،‬وإن أج از‬
‫بعضهم دون بعض نَفَ َذت في حق المجيز فقط‪ ،‬وال تك ون اإلج ازة مقبول ة وال ملزم ة إال‬
‫بعد موت الموصي‪.‬‬
‫ويشترط فيمن يجيز أن يكون من أهل التبرع‪ ،‬وأن يكون عالما ً بما يجيزه‪.‬‬

‫‪ -‬نص الوصية‪:‬‬
‫يستحب للموصي إن كان له مال أن يبادر لكتابة وصيته‪ ،‬وأن يُشهد عليه ا ش اهدين‪ ،‬وأن‬
‫يبينها ح تى يس هل تنفي ذها والعم ل به ا‪ ،‬وأن يكتب في ص درها الوص ية العظمى‪ ،‬وهي‬
‫الوصية بتقوى هللا‪ ،‬ثم يذكر ما يريد‪.‬‬

‫صى‬ ‫صايَاهُ ْم‪ :‬هَ َذا َما َأوْ َ‬ ‫ور َو َ‬ ‫ض َي هللاُ َع ْنهُ قَا َل‪َ :‬كانُوا يَ ْكتُبُونَ فِى ُ‬
‫ص ُد ِ‬ ‫ك َر ِ‬ ‫َس ْب ِن َمالِ ٍ‬ ‫ع َْن َأن ِ‬
‫ك لَ هُ‪َ ،‬وَأ َّن ُم َح َّمدًا َع ْب ُدهُ‬ ‫صى َأنَّهُ يَ ْشهَ ُد َأ ْن الَ ِإلَهَ ِإالَّ هللاُ َوحْ َدهُ الَ َش ِري َ‬‫بِ ِه فُالَ ُن اب ُْن فُالَ ٍن‪َ ،‬أوْ َ‬
‫ص ى َم ْن تَ َركَ‬ ‫ُور‪َ ،‬وَأوْ َ‬ ‫ث َم ْن فِى القُب ِ‬ ‫ْب فِيهَا‪َ ،‬وَأ َّن هللاَ يَ ْب َع ُ‬ ‫َو َرسُولُهُ‪َ ،‬وَأ َّن السَّا َعةَ آتِيَةٌ الَ َري َ‬
‫ُص لِحُوا َذاتَ بَ ْينِ ِه ْم‪َ ،‬ويُ ِطي ُع وا هللاَ َو َر ُس ولَهُ ِإ ْن‬ ‫ق تُقَاتِ ِه‪َ ،‬وَأ ْن ي ْ‬ ‫بَ ْع َدهُ ِم ْن َأ ْهلِ ِه َأ ْن يَتَّقُوا هللاَ َح َّ‬
‫اص طَفَى لَ ُك ُم‬ ‫ي ِإ َّن هَّللا َ ْ‬ ‫صاهُ ْم بِ َما َوصَّى بِ ِه ِإب َْرا ِهي ُم بَنِي ِه َويَ ْعقُ َ‬
‫وب‪{ :‬يَابَنِ َّ‬ ‫َكانُوا ُمْؤ ِمنِينَ ‪َ ،‬وَأوْ َ‬
‫ال ِّدينَ فَاَل تَ ُموتُ َّن ِإاَّل َوَأ ْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمونَ }‪ .‬أخرجه البيهقي والدارقطني (‪.)1‬‬

‫‪ -‬حكم تبديل الوصية‪:‬‬


‫يجب أن تكون الوصية بالمعروف‪ ،‬فإن قصد الموصي مضارة الوارث حرم علي ه ذل ك‪،‬‬
‫وهو آثم‪ ،‬ويحرم على الموصى إليه وغيره تبديل الوصية العادلة‪.‬‬
‫وينبغي لمن علم أن في الوصية َجنَفا ً أو إثما ً أن ينص ح الموص ي ويش ير علي ه باألحس ن‬
‫واألعدل‪ ،‬وينهاه عن الجور والظلم‪.‬‬
‫فإن لم يستجب أصلح بين الموصى إليهم؛ ليحصل العدل والتراضي‪ ،‬وبراءة ذمة الميت‪.‬‬
‫ص يَّةُ لِ ْل َوالِ َد ْي ِن‬
‫ت ِإ ْن تَ َركَ خَ ْي رًا ْال َو ِ‬‫ض َر َأ َح َد ُك ُم ْال َم وْ ُ‬
‫ب َعلَ ْي ُك ْم ِإ َذا َح َ‬
‫ق ال هللا تع الى‪ُ { :‬كتِ َ‬
‫ُوف َحقًّ ا َعلَى ْال ُمتَّقِينَ (‪ )180‬فَ َم ْن بَ َّدلَ هُ بَ ْع َد َم ا َس ِم َعهُ فَِإنَّ َم ا ِإ ْث ُم هُ َعلَى‬ ‫َواَأْل ْق َربِينَ بِ ْال َم ْعر ِ‬
‫ص لَ َح بَ ْينَهُ ْم‬ ‫ص َجنَفً ا َأوْ ِإ ْث ًم ا فََأ ْ‬‫الَّ ِذينَ يُبَ ِّدلُونَهُ ِإ َّن هَّللا َ َس ِمي ٌع َعلِي ٌم (‪ )181‬فَ َم ْن خَ افَ ِم ْن ُم و ٍ‬
‫فَاَل ِإ ْث َم َعلَ ْي ِه ِإ َّن هَّللا َ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم (‪[ })182‬البقرة‪.]182 - 180:‬‬

‫‪ -‬حكم الوصية لغير وارث‪:‬‬


‫تستحب الوصية للوالدين الَّ َذين ال يرثان كالوالدين من الرضاع‪ ،‬ولألقارب الفق راء ال ذين‬
‫ال يرثون؛ ألنها عليهم صدقة وصلة‪.‬‬
‫ص يَّةُ لِ ْل َوالِ َد ْي ِن‬
‫ت ِإ ْن تَ َركَ خَ ْي رًا ْال َو ِ‬
‫ض َر َأ َح َد ُك ُم ْال َم وْ ُ‬
‫ب َعلَ ْي ُك ْم ِإ َذا َح َ‬
‫ق ال هللا تع الى‪ُ { :‬كتِ َ‬
‫ُوف َحقًّا َعلَى ْال ُمتَّقِينَ (‪[ })180‬البقرة‪.]180:‬‬ ‫َواَأْل ْق َربِينَ بِ ْال َم ْعر ِ‬

‫‪ -‬حكم الرجوع في الوصية‪:‬‬


‫يجوز للموصي الرجوع في الوصية‪ ،‬ونقض ها‪ ،‬وزيادته ا‪ ،‬س واء كتبت أم ال‪ ،‬ف إذا م ات‬
‫الموصي استقرت‪.‬‬

‫‪ -‬ما تبطل به الوصية‪:‬‬


‫إما من الموصي كرجوعه عن الوصية‪ ،‬وإما من الموصى له‪ ،‬وهو رد الوصية‪ ،‬أو موته‬
‫قبل الموصي‪ ،‬أو قتل الموصي‪ ،‬أو جنون الموصي له بالتصرف‪ ،‬وإما من الموصى ب ه‪،‬‬
‫وهو هالك العين الموصى بها‪ ،‬أو استحقاقها‪.‬‬
‫وإما بانتهاء مدة الوصية‪.‬‬
‫هللا ‪ -‬صلى هللا علي ه وس لم ‪ -‬قَ ا َل‪َ « :‬م ا‬ ‫ُول ِ‬ ‫أن َرس َ‬ ‫ض َي هللاُ عَنهُ َما َّ‬‫‪َ -1‬وع َْن َع ْب ِدهللاِ ب ِْن ُع َم َر َر ِ‬
‫صيَّتُهُ َم ْكتُوبَ ةٌ ِع ْن َدهُ»‪ .‬متف ق‬
‫يت لَ ْيلَتَي ِْن ِإال َو َو ِ‬
‫صي فِي ِه‪ ،‬يَبِ ُ‬ ‫ق ا ْم ِرٍئ ُم ْسلِ ٍم‪ ،‬لَهُ َش ْي ٌء يُو ِ‬ ‫َح ُّ‬
‫عليه (‪.)1‬‬
‫‪[-‬المعنى العام]‪-‬‬
‫لكل أجل كتاب والموت يأتي غالبا فجأة أسبابه كال أسباب قد يشفى العجوز الم ريض وقد‬
‫يم وت الش اب الس ليم تلك حقيقة يعلمها جميع العقالء ومن هنا يجب االس تعداد له في أي‬
‫لحظة وتوقعه في كل حين إذا أمسيت فال تنتظر الصباح وإذا أص بحت فال تنتظر المس اء‬
‫واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل آلخرتك كأنك تموت غدا‬
‫ومن هنا كان الواجب على كل مس لم أن يب ادر بالوص ية الي وم قبل الغد والغد قبل ما بعد‬
‫الغد كان عليه أن ال يبيت ليلة أو ليلتين إال ووصيته جاهزة تامة موثقة فيرفع بها الخالف‬
‫بعد موته فيما خلف من ضياع أو تبعات ويحل بهذه الوصية عقدا ومشاكل تنشأ غالبا بين‬
‫الورثة وغيرهم فهو أعلم من غ يره بما يص لح في ماله وهو أعلم من غ يره بمن يس تحق‬
‫ومن ال يستحق وهو صاحب الم ال وص احب التص رف فعليه أن يص في ما له وما عليه‬
‫في حدود الشرع الحنيف ح تى إذا فاج أه الم وت لقي هللا وهو متخلص من تبع ات الحي اة‬
‫كأنك تعيش أبدا واعمل آلخرتك كأنك تموت غدا‬
‫ومن هنا كان الواجب على كل مس لم أن يب ادر بالوص ية الي وم قبل الغد والغد قبل ما بعد‬
‫الغد كان عليه أن ال يبيت ليلة أو ليلتين إال ووصيته جاهزة تامة موثقة فيرفع بها الخالف‬
‫بعد موته فيما خلف من ضياع أو تبعات ويحل بهذه الوصية عقدا ومشاكل تنشأ غالبا بين‬
‫الورثة وغيرهم فهو أعلم من غ يره بما يص لح في ماله وهو أعلم من غ يره بمن يس تحق‬
‫ومن ال يستحق وهو صاحب الم ال وص احب التص رف فعليه أن يص في ما له وما عليه‬
‫في حدود الشرع الحنيف حتى إذا فاجأه الموت لقي هللا وهو متخلص من تبعات الحياة‬

‫‪[-‬المباحث العربية]‪-‬‬
‫(ما حق امرئ مسلم) أي ال ينبغي المرئ مسلم وال يحق له إال أن يكتب وص يته فـ "ما"‬
‫نافية ولفظ مسلم خرج مخرج الغالب والمسلمون مخاطبون بالشريعة أوال فليس المقصود‬
‫إخراج غير المسلم من الحكم وقيل إن لفظ مسلم ذكر تهييجا وإثارة لالمتثال لما يش عر به‬
‫من أن من لم يفعل ال يكون مسلما‬
‫(له شيء) جملة من خبر ومبتدأ وقعت ص فة ثانية الم رئ وفي بعض الرواي ات له م ال‬
‫وفي رواية ش يء وهي أش مل ألنها تعم ما يتم ول وما ال يتم ول كاالختصاص ات فقد‬
‫يوصي باإلشراف مثال‬
‫(يوصي فيه) هو بفتح الصاد والجملة صفة لشيء‬
‫(يبيت ليلتين) الجملة صفة ثالثة الم رئ وق در بعض هم مح ذوفا آمنا أو ذاك را أو مريضا‬
‫وع دم التق دير أولى أي يقع منه الم بيت في حي اة وذكر الليل تين للتق ريب ال للتحديد ففي‬
‫بعض الروايات يبيت ليلة أو ليلتين وفي بعضها يبيت ثالث ليال والم راد ال يمضي عليه‬
‫زم ان وإن ك ان قليال إال ووص يته مكتوبة ق ال الطي بي في تخص يص الليل تين والثالث‬
‫بالذكر تسامح في إرادة المبالغة أي ال ينبغي أن يبيت زمانا ما وقد س امحناه في الليل تين‪.‬‬
‫(المنهل الحديث في شرح الحديث)‬
‫ض َي هللاُ َع ْنهُ قا َل‪َ :‬جا َء َر ُج ٌل ِإلَى النَّبِ ِّي ‪ -‬صلى هللا علي ه وس لم ‪-‬‬ ‫‪َ - 2‬وع َْن أبِي هُ َري َْرةَ َر ِ‬
‫ص ِحي ٌح َش ِحيحٌ‪،‬‬‫ق َوأ ْنتَ َ‬ ‫َص َّد َ‬
‫«أن ت َ‬‫الص َدقَ ِة أ ْعظَ ُم أجْ رًا؟ ق ال‪ْ :‬‬ ‫َّ‬ ‫ول هللاِ‪ ،‬أيُّ‬‫فقال‪ :‬يَ ا َر ُس َ‬‫َ‬
‫ت الح ُْلقُو َم‪ ،‬قُ ْلتَ ‪ :‬لِفُال ٍن َك َذا‪َ ،‬ولِفُ ٍ‬
‫الن َك َذا‪،‬‬ ‫الغنَى‪َ ،‬وال تُ ْم ِه ُل َحتَّى ِإ َذا بَلَ َغ ِ‬‫ت َْخ َشى الفَ ْق َر َوتَأ ُم ُل ِ‬
‫َوقَ ْد َكانَ لِفُال ٍن»‪ .‬متفق عليه (‪.)1‬‬
‫‪[-‬المعنى العام]‪-‬‬
‫يقول هللا تعالى {يا أيها ال ذين آمن وا ال تلهكم أم والكم وال أوالدكم عن ذكر هللا ومن يفعل‬
‫ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن ي أتي أح دكم الم وت فيق ول‬
‫رب لوال أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر هللا نفسا إذا جاء‬
‫أجلها وهللا خبير بما تعملون} وهكذا ينسى اإلنس ان الم وت في غم رة زينة الحي اة ال دنيا‬
‫من المال والب نين ينسى أن يتص دق أو يص عب عليه أن يتص دق ح تى إذا أحس ب الموت‬
‫وبمقدماته بدأ وأسرع في الصدقات ومثل هذا اإلنسان كمن ال يع رف ربه إال عند الغ رق‬
‫وما ينفقه في أواخر حياته ليس في الث واب كال ذي ينفقه وهو في زه رة حياته وفي ق وة‬
‫حرصه على جمع المال وفي طول آماله لعمارة دني اه وفي ث ورة ت زيين الش يطان له من‬
‫طول العمر والحاجة إلى المال وخشية الفقر إنها فرصة البخل وزمانه {الش يطان يع دكم‬
‫الفقر وي أمركم بالفحش اء وهللا يع دكم مغف رة منه وفضال وهللا واسع عليم} نعم الص دقة‬
‫بالقرش من الصحيح السليم خير من المائة من المريض المش ارف على الم وت وص دق‬
‫التشبيه المروي عن أبي ال درداء مرفوعا مثل ال ذي يعتق ويتص دق عند موته مثل ال ذي‬
‫يهدي إذا شبع وصدق ما رواه أبو س عيد الخ دري مرفوعا ألن يتص دق الرجل في حياته‬
‫وصحته بدرهم خير له من أن يتصدق عند موته بمائة‬
‫وهكذا يوضح الحديث فضل صدقة الصحة والحرص ويحذر من التراخي واإلمه ال فيها‬
‫حتى يقرب الموت وفي هذا المعنى يقول الحديث القدسي عب دي أنى تعج زني وقد خلقتك‬
‫من نطفة حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين ب ردين ولألرض منك وئيد فجمعت ومنعت‬
‫حتى إذا بلغت التراقي قلت لفالن كذا وتصدقوا بكذا أي أقر أن لفالن كذا أو تصدقوا على‬
‫فالن بك ذا أو أوصي لفالن من األق ارب من غ ير الورثة بك ذا ولفالن بك ذا وقد أص بح‬
‫لفالن عندي كذا تقول عند الموت ه ذا الق ول في حين أن الم ال ال ذي توزعه وتتكلم عنه‬
‫صار أمره إلى فالن من الورثة ولم يعد من حقك أن تتصرف فيه‬
‫‪[-‬المباحث العربية]‪-‬‬
‫(ج اء رجل) يحتمل أن يك ون أبا ذر ففي مس ند أحمد أنه س أل أي الص دقة أفضل وفي‬
‫الط براني عن أبي أمامة أن أبا ذر س أل عن أي الص دقة أفضل ف أجيب (أي الص دقة‬
‫أفضل) في رواية أي الصدقة أعظم أجرا (أن تص دق) بفتح الص اد مخففة وتش ديد ال دال‬
‫وأصله تتصدق فح ذفت إح دى الت اءين تخفيفا وفي رواية بتش ديد الص اد وال دال وأص له‬
‫تتصدق أيضا فأدغمت إحدى التاءين في الصاد بعد قلبها صادا (وأنت ص حيح ح ريص)‬
‫في رواية وأنت ص حيح ش حيح والشح بخل مع ح رص والح رص دافع إلى الشح‬
‫فالمعني ان متقارب ان والم راد من الص حة في ص حيح من لم ي دخل في م رض مخ وف‬
‫فيتصدق عند انقطاع أمله من الحياة وليس القصد أن الحرص أو الشح س بب في أفض لية‬
‫اإلنفاق فيكون ممدوحا ولكن أفضلية اإلنفاق حينئذ لما فيه من مجاهدة النفس على إخراج‬
‫المال مع قيام المانع وهو الص حة والشح أو الح رص (تأمل الغ نى) بضم الميم أي تطمع‬
‫في الغ نى (وال تمهل) بس كون الالم على الج زم بـ ال الناهية وبرفعها على أن ال نافية‬
‫وبالنصب بأن مضمرة (حتى إذا بلغت الحلقوم) الفاعل ض مير مس تتر تق ديره هي يع ود‬
‫على النفس والروح وإن لم يسبق لها ذكر اكتف اء بداللة الس ياق والحلق وم مج رى التنفس‬
‫وهو آخر مجرى النفس عند خروجها والم راد من بلوغها الحلق وم ق رب بلوغها ألنها لو‬
‫بلغت بالفعل لم يقبل منها (قلت لفالن كذا ولفالن كذا وقد كان لفالن) فالن األول والث اني‬
‫الموصى له وفالن الث الث ال وارث والمع نى قلت أوصي لفالن بك ذا ولفالن بك ذا وأنه‬
‫أص بح الم ال حقا لفالن ال وارث ولم يعد حقا لك ح تى توزعه ويحتمل أن يك ون األول‬
‫والثاني المورث والثالث الموصى له أي قلت لفالن الوارث من م الي ك ذا ولي من م الي‬
‫كذا ولفالن من األقارب غير الورثة كذا ويحتمل أن يكون بعضها وصية وبعضها إقرارا‬
‫أي أوصي لفالن من األقارب غير الورثة بكذا وأقر أن لفالن عندي كذا وقد آل األمر في‬
‫المال للورثة إن أجازوه نفذ وإال فال‪( .‬المنهل الحديث في شرح الحديث)‬
‫‪[-‬فقه الحديث]‪-‬‬
‫وضع البخ اري ه ذا الح ديث تحت ب اب الص دقة عند الم وت من كت اب الوص ية وق ال‬
‫الشراح أي جوازها وإن كانت في حال الص حة أفضل ووض عه تحت ب اب فضل ص دقة‬
‫الشحيح الصحيح من كتاب الزكاة وال خالف أن الصدقة عند الموت قبل الغرغرة مقبولة‬
‫فالكالم في المفاضلة بين الصدقة في الحالين‬
‫وال خالف أيضا أن الصدقة في حال الحرص أفضل منها في مرض الموت ألن اإلنس ان‬
‫في حال الص حة يص عب عليه إخ راج الم ال غالبا لما يخوفه به الش يطان وي زين له من‬
‫إمكان طول العمر والحاجة إلى المال فالس ماح في ه ذه الحالة بالص دقة أص دق في النية‬
‫وأعظم في األجر بخالف من يئس من الحياة ورأى مصير المال لغيره‬

‫‪[-‬ويؤخذ من الحديث‪-] :‬‬


‫‪ - 1‬حرص الصحابة على التسابق في الخيرات والمسارعة إلى األفضل من الطاعات‬
‫‪ - 2‬التحذير من التسويف باإلنفاق استبعادا لحلول األجل واشتغاال بطول األمل‬
‫‪ - 3‬الترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات األمنية‬
‫‪ - 4‬أن المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه وأن سخاوته بالمال في مرضه ال تمحو‬
‫عنه وصمة البخل والشح التي لحقته في صحته‬

‫ِّف قَا َل‪َ :‬س ْأل ُ‬


‫ت َع ْب َدهللاِ ْبنَ أبِي أوْ فَى َرض َي هللاُ عَن هُ‪ ،‬هَ لْ َك انَ‬ ‫صر ٍ‬‫‪َ - 3‬وع َْن طَ ْل َحة بن ُم َ‬
‫ص يَّةُ‪،‬‬ ‫ب َعلَى النَّ ِ‬
‫اس ال َو ِ‬ ‫صى؟ فَق ال‪ :‬ال‪ ،‬فَقُ ْل ُ‬
‫ت‪َ :‬ك ْي فَ ُكتِ َ‬ ‫النَّبِ ُّي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أوْ َ‬
‫ب هللاِ‪ .‬متفق عليه (‪.)1‬‬ ‫صى بِ ِكتَا ِ‬ ‫صيَّ ِة‪ ،‬قال‪ :‬أوْ َ‬ ‫أوْ ُأ ِمرُوا بِ َ‬
‫الو ِ‬

‫(أبي أوفى) بفتح الهم زة (أوصى بكت اب هللا) أي‪ :‬بالتمسك بما في كت اب هللا‪ ،‬ومن جملة‬
‫ما في كتاب هللا الوصية‪ ،‬فال ينافي قوله‪ :‬أوصى؛ ألنه نفى الوص ية بالم ال أو بما تزع ُمه‬
‫الرافض ية من جعل علي وص يّا له أو خليف ة‪ ،‬وإال فقد أوصى بأش ياء منها إخ راج‬
‫المشركين من جزيرة العرب واإلحسان إلى األنصار‪ ،‬وأن يجيزوا الوفد كما ك ان يج يزه‬
‫وبالمحافظة على الصالة وعلى ما ملكت أيمانهم‪.‬‬
‫فقه الحديث‪ :‬دل هذا الحديث على أن الوصية المالية إنما تندب لمن ترك (‪ )1‬ماالً يحتاج‬
‫إليه‪ ،‬ولذلك لم يوص النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬أي وصية بهذا المعنى‪ ،‬ألنّه لم ي ترك‬
‫بعده ماالً موروثاً‪ ،‬وإنما تنحصر وصيته في كتاب هللا وسنة نبيه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫وما أعظمها من وصية تتحقق بها سعادة ال دنيا واآلخ رة‪ .‬أخ رج ه ذا الح ديث‪ :‬الش يخان‬
‫والترمذي والنسائي‪ .‬والمطابقة‪ :‬في قوله " كيف كتب على الناس الوصية "‪.‬‬
‫ال‪َ :‬كانَ َرسُو ُل هللاِ ‪ -‬صلى هللا عليه وس لم ‪-‬‬ ‫ض َي هللاُ عَنهُ قَ َ‬ ‫ص َر ِ‬ ‫‪ -4‬ع َْن َس ْع ِد ب ِْن َأبِي َوقَّا ٍ‬
‫ت‪ِ :‬إنِّي قَ ْد بَلَ َغ بِي ِمنَ ال َو َج ِع‪َ ،‬وَأنَ ا ُذو‬ ‫اش تَ َّد بِي‪ ،‬فَقُ ْل ُ‬‫َاع‪ِ ،‬م ْن َو َج ٍع ْ‬ ‫يَعُو ُدنِي عَا َم َح َّج ِة ال َود ِ‬
‫ال‪« :‬الَ»‪.‬‬ ‫ط ِر؟ فَقَ َ‬ ‫الش ْ‬‫ت‪ :‬بِ َّ‬ ‫ال‪« :‬الَ»‪ .‬فَقُ ْل ُ‬ ‫ق بِثُلُثَ ْي َمالِي؟ قَ َ‬ ‫ال‪َ ،‬والَ يَ ِرثُنِي ِإالَّ ا ْبنَةٌ‪َ ،‬أفََأت َ‬
‫َص َّد ُ‬ ‫َم ٍ‬
‫ك َأ ْغنِيَ ا َء‪ ،‬خَ ْي ٌر ِم ْن َأ ْن تَ َذ َرهُ ْم‬ ‫ك َأ ْن تَ َذ َر َو َرثَتَ َ‬ ‫ث َكبِ يرٌ‪َ ،‬أوْ َكثِ يرٌ‪ِ ،‬إنَّ َ‬ ‫ث َوالثُّلُ ُ‬‫ال‪« :‬الثُّلُ ُ‬ ‫ثُ َّم قَ َ‬
‫ق نَفَقَةً تَ ْبتَ ِغي بِهَا َوجْ هَ هللاِ ِإالَّ ُأ ِجرْ تَ بِهَا‪َ ،‬حتَّى َما تَجْ َع ُل‬ ‫اس‪َ ،‬وِإنَّكَ لَ ْن تُ ْنفِ َ‬ ‫عَالَةً يَتَ َكفَّفُونَ النَّ َ‬
‫فِي فِي ا ْم َرَأتِكَ »‪ .‬متفق عليه (‪.)1‬‬
‫‪[-‬المعنى العام]‪-‬‬
‫إذا أمس يت فال تنتظر الص باح‪ ،‬وإذا أص بحت فال تنتظر المس اء‪ ،‬واعمل ل دنياك كأنك‬
‫تعيش أبدًا‪ ،‬واعمل آلخرتك كأنك تموت غدًا‪ ،‬وتأهب للم وت وما بع ده‪ ،‬وال تنتظر ح تى‬
‫ي أتي فتق ول‪{ :‬رب ل وال أخرت ني إلى أجل ق ريب فأص دق وأكن من الص الحين * ولن‬
‫يؤخر هللا نفسًا إذا جاء أجلها وهللا خبير بما تعملون} [المنافقون‪.]11 ،10 :‬‬
‫تصدق‪ ،‬واكتب وص يتك وأنت ص حيح ش حيح‪ ،‬تأمل الغ نى‪ ،‬وتخشى الفق ر‪ ،‬وال تهم ل‪،‬‬
‫ح تى إذا بلغت الحلق وم‪ ،‬قلت‪ :‬لفالن ك ذا‪ .‬ولفالن ك ذا‪ .‬ولفالن ك ذا‪ .‬وقد خ رج الم ال من‬
‫يديك‪ ،‬ولم يعد ملكك ولم يعد لك التصرف فيه‪ ،‬فقد صار لفالن وفالن وفالن من ورثتك‪.‬‬
‫إن مالك ما ق دمت‪ ،‬وم ال وارثك ما أخ رت‪ ،‬وليس م ال وارثك أحب إليك من مال ك‪،‬‬
‫فأوص في سبيل هللا وق دم آلخرتك ما ينفع ك‪ ،‬وكن مثل س عد بن أبي وق اص لما ع رض‬
‫على رسول هللا ص لى هللا عليه وس لم أن يتص دق بكل مال ه‪ ،‬فمنعه رس ول هللا ص لى هللا‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فعرض أن يتصدق بثلثي ماله‪ ،‬فمنعه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ .‬قال‪ :‬يا‬
‫رسول هللا ليس لي إال ابنة‪ ،‬هي التي ترثني؟ أأتص دق بنصف م الي؟ وأت رك لها نص فه؟‬
‫قال‪ :‬ال تص دق ب الثلث‪ ،‬والثلث كث ير‪ .‬إنك إن ت ترك ورثتك أغني اء ك ان لك أجر على ما‬
‫أبقيت لهم من م ال‪ ،‬وأنفق في حياتك من مالك على زوجك وبنتك واألق ربين‪ ،‬فما أنفقت‬
‫من نفقة تبتغي بها وجه هللا إال كان لك بها أجر حتى اللقمة ال تي تأكلها زوجتك أو بنت ك‪،‬‬
‫لك فيها أجر‪.‬‬
‫أرض ا زراعية في أحسن أرض‪ ،‬فك انت‬ ‫ً‬ ‫وهذا عمر بن الخط اب رضي هللا عنه يش تري‬
‫أحب أمواله إليه‪ ،‬فاستأذن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في خير السبل لتكون في س بيل‬
‫هللا‪ ،‬فأشار عليه بأن يوقف أصلها‪ ،‬ويتصدق بريعها ونتاجها‪.‬‬
‫فالكيس الكيس‪ ،‬والعقل العق ل‪ ،‬والمب ادرة المب ادرة‪ ،‬قبل أن تنتظر من ابنك أو ورثتك أن‬
‫يتصدق عليك بعد موتك‪ ،‬وإن وصلك أجر صدقته‪ ،‬فلن يكون مثل أجر ما تخرج يداك‪.‬‬
‫إن رسول هللا ص لى هللا عليه وس لم لم ي ترك دين ارًا وال دره ًما وال ش اة وال بع يرًا‪ ،‬وهو‬
‫ال ذي وزع آالف ال دنانير وآالف اإلبل والش اة على أص حابه‪ ،‬فك انت وص يته كت اب هللا‬
‫والعمل ب ه‪ ،‬وك انت وص يته "نحن معاشر األنبي اء ال ن ورث ما تركن اه ص دقة" وك انت‬
‫وص يته "ما حق ام رئ مس لم‪ ،‬له ش يء يوصي في ه‪ ،‬ي بيت ليل تين‪ ،‬إال ووص يته مكتوبة‬
‫عنده" صلى هللا عليه وس لم وب ارك عليه وعلى آله وأص حابه‪ ،‬ومن تبع ه داهم إلى ي وم‬
‫الدين‪.‬‬

‫‪[-‬المباحث العربية]‪-‬‬
‫(الوصية) جمعه وصايا‪ ،‬كهدية وه دايا‪ ،‬وتطلق على فعل الموص ي‪ ،‬وعلى ما يوصي به‬
‫من مال أو عهد‪ ،‬أو غير ذل ك‪ ،‬فتك ون بمع نى المص در‪ ،‬وهو اإليص اء‪ ،‬وتك ون بمع نى‬
‫المفعول‪ ،‬وهو االسم‪ ،‬وفي الشرع‪ :‬عهد خاص مضاف إلى ما بعد الم وت‪ ،‬وهو يص حبه‬
‫التبرع‪ ،‬كما في وصية سعد‪ ،‬ووصية عم ر‪ ،‬رضي هللا عنهم ا‪ ،‬ق ال األزه ري‪ :‬الوص ية‬
‫من وصيت الشيء‪ ،‬بالتخفيف‪ ،‬أوصيه‪ ،‬إذا وصلته‪ ،‬وسميت وص ية ألن الميت يصل بها‬
‫ما كان في حياته‪ ،‬ويقال‪ :‬وص ية بتش ديد الي اء‪ ،‬ووص اة‪ ،‬ب التخفيف بغ ير هم زة‪ .‬وتطلق‬
‫ش رعًا ‪ -‬في غ ير ه ذا الموض وع ‪ -‬على ما يقع به الزجر عن المنهي ات والحث على‬
‫المأمورات‪.‬‬
‫(ما حق امرئ مسلم) "ما" نافية و"الحق" لغة الشيء الث ابت‪ ،‬والحكم الث ابت أعم من أن‬
‫يكون واجبًا أو مندوبًا‪ ،‬والمرء هو الرجل‪ ،‬لكن التعبير به هنا خرج مخرج الغ الب‪ ،‬إذ ال‬
‫فرق في الوصية الصحيحة بين الرجل والم رأة‪ ،‬وك ذلك الوصف بالمس لم خ رج مخ رج‬
‫الغ الب‪ ،‬فال مفه وم ل ه‪ ،‬أو ذكر للته ييج‪ ،‬لتقع المب ادرة باالمتث ال‪ ،‬لما يش عر به من نفي‬
‫اإلسالم عن تارك ذلك‪.‬‬
‫(له ش يء يريد أن يوصي فيه) وفي ملحق الرواية األولى "له ش يء يوصي فيه" بكسر‬
‫الصاد‪ ،‬وعند أحمد "له ما يوصي فيه" وفي رواية "له م ال" ورواية "ش يء" أش مل من‬
‫رواية "مال" ألنها تعم ما يتمول‪ ،‬وما ال يتم ول‪ ،‬كالمختص ات‪ ،‬وجملة "يريد أن يوصي‬
‫فيه" أو "يوصي فيه" صفة "شيء"‪.‬‬

‫(إنك أن تذر) بفتح أن ( َو َرثتَك أغنيا َء خ ي ٌر من أن ت ذرهم عال ةً) جمع عائل وهو الفق ير‪،‬‬
‫من العيلة وهي الفقر (يتكففون الناس) أي‪ :‬يمدون أكفهم إلى الغير حين السؤال (وإنك لن‬
‫تنفق نفقة تطلب بها وجه هللا) أي‪ :‬من غ ير ري اء وس معة (إال ُأج رْ تَ بها حتَّى ما تجعل‬
‫في [في] امرأتك) وهذا أبع ُد ما يتصور من األش ياء ال تي ي ترتب عليها األج ر‪ ،‬ألن ه ذا‬
‫صر‬ ‫إنما يفعله من يَ ْه َوى امرأته غاية المحب ة‪ ،‬فنُبَّهَ على أنَّه إن قصد ب ذلك وجه هللا‪ ،‬وقَ َ‬
‫المحبة عليها دون النظر إلى المحرمات يؤجر عليه‪ .‬ومن هذا قال بعضُ الع ارفين‪ :‬يجب‬
‫على العاقل أن يجعل مباحاته كلها طاعات بقرينة النية الصالحة‪.‬‬

‫ص ايَاهُ ْم‪ :‬هَ َذا َم ا‬ ‫ور َو َ‬‫ص ُد ِ‬ ‫ال‪َ :‬ك انُوا يَ ْكتُبُ ونَ فِى ُ‬ ‫ض َي هللاُ َع ْنهُ قَ َ‬ ‫ك َر ِ‬ ‫‪ -5‬ع َْن َأن ِ‬
‫َس ْب ِن َمالِ ٍ‬
‫ك لَ هُ‪َ ،‬وَأ َّن‬ ‫ص ى َأنَّهُ يَ ْش هَ ُد َأ ْن الَ ِإلَ هَ ِإالَّ هللاُ َوحْ َدهُ الَ َش ِري َ‬ ‫ص ى بِ ِه فُالَ ُن اب ُْن فُالَ ٍن‪َ ،‬أوْ َ‬ ‫َأوْ َ‬
‫ور‪،‬‬ ‫ث َم ْن فِى القُبُ ِ‬ ‫ْب فِيهَ ا‪َ ،‬وَأ َّن هللاَ يَ ْب َع ُ‬ ‫الس ا َعةَ آتِيَ ةٌ الَ َري َ‬ ‫ُم َح َّمدًا َع ْب ُدهُ َو َر ُس ولُهُ‪َ ،‬وَأ َّن َّ‬
‫ق تُقَاتِ ِه‪َ ،‬وَأ ْن يُصْ لِحُوا َذاتَ بَ ْينِ ِه ْم‪َ ،‬ويُ ِطيعُوا‬ ‫صى َم ْن تَ َركَ بَ ْع َدهُ ِم ْن َأ ْهلِ ِه َأ ْن يَتَّقُوا هللاَ َح َّ‬ ‫َوَأوْ َ‬
‫ي ِإ َّن‬ ‫وب‪{ :‬يَ ابَنِ َّ‬‫صاهُ ْم بِ َما َوصَّى بِ ِه ِإ ْب َرا ِهي ُم بَنِي ِه َويَ ْعقُ َ‬ ‫هللاَ َو َرسُولَهُ ِإ ْن َكانُوا ُمْؤ ِمنِينَ ‪َ ،‬وَأوْ َ‬
‫هَّللا َ اصْ طَفَى لَ ُك ُم ال ِّدينَ فَاَل تَ ُموتُ َّن ِإاَّل َوَأ ْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمونَ }‪ .‬أخرجه البيهقي والدارقطني (‪.)1‬‬

You might also like