You are on page 1of 27

‫رحلة اإلمام الشافعي‬ ‫‪5‬‬

‫مقدمة‬
‫الشيخ محب الدين الخطيب‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله‬
‫كثريا‪.‬‬
‫تسليما ً‬
‫وصحبه ومن سار على سنته من أئمة اهلدى‪ ،‬وسلم ً‬
‫وبعد فإين اقتنيت‪ – 1‬وأنا مبكة سنة ‪1337‬هـ ‪ -‬نسخة من‬
‫مسند إمامنا حممد بن إدريس الشافعي املطليب – رمحه اهلل ورضي‬
‫اهلل عنه ‪ ،-‬مطبوعة باملطبع اخلليلي يف اهلند‪ ،‬وبأوهلا رحلة اإلمام يف‬
‫طلب العلم رواها عنه تلميذه الربيع بن سليمان اجليزي‪ ،‬وهي –‬
‫كثريا من‬
‫من اخلطأ والتحريف – حبيث ال يكاد القارئ يفهم ً‬
‫مواضعها‪ ،‬وقد اعتذر عن ذلك حممد عبد العزيز البانكرموي‪1‬‬
‫التالكرامي فقال‪:‬‬
‫«اعلموا يا أيها اخلالن‪ ،‬من أويل النهى واأليقان‪ ،‬أن يف هذه‬
‫الرسالة املسماة برحلة الشافعي كم من مقام عجزت عن درك‬
‫مطالبها عند كتابتها وصحتها من كثرة أغالطها فرتكتها على حاهلا‬
‫كما وجدهتا من املنقول‪ 1‬عنه‪ .‬فاصفحوا عين وال تنسوين عن‬
‫دعائكم باخلري» اهـ‪.‬‬
‫ومنذ اقتنيت هذه الرحلة وأنا يف شوق شديد إىل نشرها يف‬
‫أيدي القراء صحيحة ساملة من التشويه‪ ،‬وكنت أريد – لذلك –‬
‫أن أقف على نسخ منها خمطوطة أحل هبا طالسم تلك األخطاء‪.‬‬
‫وملا يئست من العثور على بغييت رجعت إىل نسخة حممد عبد العزيز‬
‫رد الكلمات احملرفة‬
‫البانكرموي‪ 1‬فأعدت النظر فيها واجتهدت يف َّ‬
‫‪6‬‬ ‫رحلة اإلمام الشافعي‬

‫إىل ما اعتقدت أهنا حمرفة عنه من الكلمات املناسبة للمقام‪،‬‬


‫واستطعت‪ 1‬بذلك أن استخرج نسخة منها صحيحة – وهلل احلمد –‬
‫بقدر اإلمكان‪ 1،‬ومل تبق إال كلمات قليلة استعصت‪ 1‬علي فأشرت‬
‫إليها يف اهلامش‪ .‬وإمنا ركبت هذا املركب ألن يف قليب حرقة منذ‬
‫عاما إىل اآلن من بقاء هذه الرحلة جمهولة من مجهور‬
‫ثالثة عشر ً‬
‫القراء‪ ،‬مع أهنا من دفائن تركة السلف اليت ال جيوز بقاؤها يف زوايا‬
‫النسيان‪ 1،‬واهلل املعني‪.‬‬

‫محب الدين الخطيب‬

‫***‬
‫رحلة اإلمام الشافعي‬ ‫‪7‬‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫أخربنا اإلمام العامل أبو زكريا حيىي بن علي بن عبد الرمحن‬
‫القلسي قراءة عليه قال‪ :‬حدثنا الفقيه أبو القاسم عبد العزيز بن‬
‫يوسف املقري يف اجلامع العتيق مبصر يف شهور سنة ثالث ومخسني‬
‫ومخسمائة قال‪ :‬أخربنا الشيخ أبو حممد بن فتح املعروف بأيب احلسن‬
‫املقري يف سنة ثالثني ومخسمائة‪ ،‬قال‪ :‬أخربنا الشريف الرضي‬
‫املوسوي‪ 1‬أبو إمساعيل موسى بن احلسني بن علي بن إمساعيل بن‬
‫علي احلسيين املقري (‪ )1‬يف سنة أربع ومثانني وأربعمائة باجلامع‬
‫العتيق مبصر قال‪ :‬أخربنا الشيخ أبو العباس أمحد بن إبراهيم الفارسي‬
‫يف ربيع األول سنة إحدى ومخسني وأربعمائة قال‪ :‬أخربنا أبو‬
‫القاسم حيىي بن عبد اهلل الرجل الصاحل قراءة عليه وأنا أمسع وحيىي‬
‫بن موسى العدل مبصر قاال‪ :‬حدثنا أبو احلسن أمحد بن حممد املقري‬
‫الواعظ‪ 1‬الكوار قال‪ :‬حدثنا أبو الفرج عبد الرزاق محران البطني‬
‫قال‪ :‬حدثنا أبو بكر حممد بن املنذر قال‪ :‬حدثين الربيع بن سليمان‬
‫قال‪ :‬مسعت الشافعي يقول‪:‬‬
‫فارقت مكة – وأنا ابن أربع عشرة سنة ال نبات يعارضين –‬
‫من األبطح إىل ذي طوى‪ ،‬وعلي بردان ميانيان‪ ،‬فرأيت ركبًا منيخة‬
‫سلمت عليهم فردوا علي السالم‪ ،‬فوثب إيل شيخ كان فيهم فقال‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬سألت مبن ألقيت علينا سالمه إال ما حضرت طعامنا‪ ،‬وما‬
‫مسرعا غري حمتشم‪،‬‬
‫ً‬ ‫طعاما‪ .‬فأجبت‬
‫كنت علمت أ‪،‬هم أحضروا ً‬
‫‪1‬‬
‫(?) وهو غري الشريف الرضي الشاعر‪ ،‬فإن امسه حممد بن احلسني (‪.)406-359‬‬
‫‪8‬‬ ‫رحلة اإلمام الشافعي‬

‫فرأيت القوم بدوا يأخذون الطعام باخلمس ويدفعون بالراحة‪،‬‬


‫فأخذت كأخذهم كيال يستشنع عليهم مأكلي‪ .‬قال‪ :‬والشيخ ينظر‬
‫إيل ساعة بعد ساعة‪ .‬مث أخذت السقاء وشربت ريَّا‪ ،‬ومحدت اهلل‬
‫تعاىل وأثنيت عليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأقبل علي الشيخ وقال‪:‬‬
‫‪ -‬مكي أنت؟‬
‫قلت‪ :‬مكي‪.‬‬
‫قال‪ :‬قرشي أنت؟‬
‫قلت‪ :‬قرشي‪.‬‬
‫مث أقبلت عليه وقلت له‪:‬‬
‫‪ -‬يا عم مب استدللت علي؟‬
‫‪ -‬فقال‪ :‬أما يف احلضر طعام؟ من أحب أن يأكل طعام الناس‬
‫خصوصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أحب أن يأكلوا طعامه‪ ،‬وذلك يف قريش‬
‫قال الشافعي‪ :‬فقلت‪ :‬من أين؟‬
‫قال‪ :‬من يثرب مدينة النيب ‪.‬‬
‫فقلت‪َ :‬م ْن العامل هبا واملتكلم يف نص كتاب اهلل واملفيت بأخبار‬
‫رسول اهلل ‪‬؟‬
‫سيد أصبح‪ ،‬مالك بن أنس – رضي اهلل عنه ‪.-‬‬
‫فقال‪ُ :‬‬
‫فقال الشافعي‪ - :‬رمحه اهلل – فقلت‪ :‬واشوقاه إىل مالك!‬
‫رحلة اإلمام الشافعي‬ ‫‪9‬‬

‫فقال يل جميبًا‪ :‬عدل اهلل شوقك‪ ،‬أال ترى إىل البعري األورق؟‬
‫قيادا‪ ،‬وأسهلها مشيًا‪ ،‬وحنن‬
‫فقلت‪ :‬أجل‪ .‬قال‪ :‬هو أحسن مجالنا ً‬
‫مثانية نفر‪ ،‬ذلك مما حسن الصحبة حىت تصل إىل مالك‪.‬‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه ‪ :-‬فقلت‪ :‬مىت ظعنكم؟‬
‫فقالوا‪ :‬يف وقتنا هذا‪.‬‬
‫فما كان غري بعيد حىت قطروا بعضها إىل بعض وأركبوين البعري‬
‫الذي كانوا وعدوين بركوبه‪ .‬قال الشافعي – رمحه اهلل عليه ‪:-‬‬
‫فعلوت على ظهره وأخذ القوم يف السري وأخذت أنا يف الدرس‬
‫فختمت من مكة إىل املدينة‪ 1‬ست عشرة ختمة‪ :‬ختمة بالليل وختمة‬
‫ودخلت املدينة‪ 1‬يف اليوم‪ 1‬الثامن بعد صالة العصر‪ ،‬فأتيت‪1‬‬
‫ُ‬ ‫بالنهار‪.‬‬
‫فسلمت على رسول اهلل ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫مسجد رسول اهلل ‪ ‬ودنوت من القرب‬
‫متشحا بأخرى‬
‫ً‬ ‫مؤتزرا بربدة‬
‫فرأيت مالك بن أنس ً‬ ‫ُ‬ ‫ولذت بقربه‪،‬‬
‫ُ‬
‫وهو يقول‪ :‬حدثين نافع عن ابن عمر عن صاحب هذا القرب –‬
‫ويضرب بيده على قرب رسول اهلل ‪ - ‬قال الشافعي – رضي اهلل‬
‫عنه ‪ :-‬فلما رأيت ذلك هبته اهليبة‪ 1‬العظيمة‪ ،‬وجلست حيث انتهى‬
‫مالك‬
‫عودا من األرض فجعلت كلما أملى ٌ‬ ‫يب اجمللس‪ ،‬فأخذت ً‬
‫حديثًا كتبته بريقي على يدي ومالك ينظر إيل من حيث ال أعلم –‬
‫حىت انقضى اجمللس‪ ،‬وجلس مالك ينتظر العشاء املغرب ومل ير أين‬
‫انصرفت فيمن انصرف فأشار إيل بيده‪ ،‬فدنوت منه فنظر إيل ساعة‬
‫مث قال يل‪:‬‬
‫مي أنت؟‬
‫أحَر ٌّ‬
‫‪َ -‬‬
‫‪10‬‬ ‫رحلة اإلمام الشافعي‬

‫قلت‪ :‬وقرشي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬كملت صفاتك‪ ،‬فلم رأيتك سيئ األدب‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬وما الذي رأيت من سوء أديب؟‬
‫فقال‪ :‬رأيتك وأنا أملي األلفاظ لرسول اهلل ‪ ‬وأنت تلعب‬
‫بريقك على يدك‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬عدم الورق‪ ،‬وكنت أكتب ما تقول‪.‬‬
‫فجذب مالك يدي فقال‪ :‬ما يل ال أرى عليها شيًئا؟‬
‫وعيت مجيع ما‬
‫ُ‪1‬‬ ‫فقلت‪ :‬إن الريق ال يثبت على اليد‪ ،‬ولكن قد‬
‫حدثت به منذ وقت جلست إىل حني قطعت‪.‬‬
‫واحدا‪.‬‬
‫فعجب مالك من ذلك وقال‪ :‬أع ْد علي ولو حديثًا ً‬
‫قال الشافعي – رمحه اهلل – فقلت‪ :‬حدثنا مالك عن نافع عن‬
‫ابن عمر – وأشرت بيدي إىل القرب كإشارته – عن النيب ‪ ‬حىت‬
‫حد ث هبا من وقت جلس إىل‬ ‫أعدت عليه مخسة وعشرين حديثًا َّ‬
‫وقت قطع اجمللس‪ .‬وسقط القرص وصلى مالك املغرب فأقبل على‬
‫عبده فقال‪:‬‬
‫‪ -‬خذ بيد سيدك إليك‪.‬‬
‫فقمت‬
‫ُ‬ ‫وسألين النهوض‪ 1‬معه‪ .‬قال الشافعي – رضي اهلل عنه ‪:-‬‬
‫أتيت الدار أدخلين الغالم‪ 1‬إىل‬
‫غري ممتنع إىل ما دعا من كرامة‪ .‬فلما ُ‬
‫خمدع وقال يل‪:‬‬
‫رحلة اإلمام الشافعي‬ ‫‪11‬‬

‫‪ -‬القبلة من البيت هكذا‪ ،‬وهذا إناء فيه ماء‪ ،‬وهذا اخلالء من‬
‫الدار (وأشار إليه)‪.‬‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه ‪ :-‬فما لبث مالك غري بعيد حىت‬
‫حامل طب ًقا فوضعه من يده‪ .‬وسلَّم َّ‬
‫علي مالك مث قال‬ ‫أقبل والغالم ٌ‬
‫للعبد‪:‬‬
‫‪ -‬اغسل علينا‪.‬‬
‫علي أوالً‪ ،‬فصاح عليه‬
‫فوثب الغالم إىل اإلناء وأراد أن يغسل َّ‬
‫مالك وقال‪:‬‬
‫‪ -‬يف أول الطعام لرب البيت‪ 1،‬ويف آخر الطعام للضيف‪.‬‬
‫فاستحسنت ذلك من مالك‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه ‪:-‬‬
‫وسألته‪ 1‬عن ذلك فقال‪:‬‬
‫‪ -‬إنه يدعو الناس إىل طعامه فحكمهُ أن يبتدئ بالغسل‪ ،‬ويف‬
‫آخر الطعام ينتظر من يدخل ليأكل معه‪.‬‬
‫قال الشافعي – رمحه اهلل ‪ :-‬وكشف مالك الطبق وكان فيه‬
‫صحفتان يف إحدامها لنب ويف األخرى متر‪ ،‬فسمى ومسيت‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬فأتيت‪ 1‬أنا ومالك على مجيع الطعام‪ ،‬وعلم مالك‬
‫أنا مل نأخذ من الطعام الكفاية‪ 1‬فقال يل‪:‬‬
‫‪ -‬يا أبا عبد اهلل هذا جه ٌد من ُم ِق ًّل‪ ،‬إين فقريٌ ُمعدم‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬ال عذر على من أحسن‪ ،‬إمنا العذر على من أساء‪.‬‬
‫‪12‬‬ ‫رحلة اإلمام الشافعي‬

‫قال الشافعي‪ :‬فأقبل مالك يسألين عن أهل مكة حىت دنا العشاء‬
‫اآلخرة مث قال‪:‬‬
‫‪ -‬حكم املسافر أن حيمل نفسه باالضطجاع‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬فنمت ليليت‪ .‬فلما كان يف الثلث األخري من الليل‬
‫عند انفجار الصبح قرع مالك علي الباب‪ ،‬فأقرعت فقال يل‪:‬‬
‫‪ -‬الصالة يرمحك اهلل!‬
‫فرأيته حامالً إناء فيه ماء ليُسبغ علي ذلك‪ ،‬فقال يل‪:‬‬
‫‪ -‬ال يرعاك ما رأيت مين‪ ،‬فخدمة الضيف فرض‪.‬‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه ‪ :-‬فتجهزت للصالة‪ ،‬وصليت‬
‫الفجر مع مالك بن أنس يف مسجد رسول اهلل ‪ ،‬والناس ال يعرف‬
‫بعضا من الغَلَس‪ ،‬وجلس كل واحد منا يف مصاله‪ 1‬نسبح‬ ‫بعضهم ً‬
‫اهلل إىل أن طلعت الشمس على رؤوس اجلبال كالعمائم على رؤوس‬
‫الرجال‪ ،‬فصلى كل امرئ منا ما قسم له مث جلس يف جملسه باألمس‬
‫وناولين املوطأ أمليه وأقرأه على الناس وهم يكتبون‪ .‬قال الشافعي –‬
‫رضي اهلل عنه ‪ :-‬فأتيت‪ 1‬على حفظه من أوله إىل آخره من القراءة‬
‫وأقمت ضيف مالك مثانية أشهر‪ ،‬فما علم أح ٌد من األنس الذي‬
‫كان بيننا أينا الضيف‪ .‬مث قدم على مالك املصريون بعد قضاء‬
‫وتسمعوا املوطأ‪ ،‬قال الشافعي – رضي اهلل‬
‫حجهم زائرين لنبيهم َّ‬‫َّ‬
‫عنه ‪ :-‬فأمليته عليهم‪ :‬حفظًا‪ ،‬منهم عبد اهلل بن عبد احلكم‬
‫وأشهب‪ 1‬وابن القاسم – قال الربيع‪ :‬وأحسب أ‪،‬ه ذكر الليث بن‬
‫سعد – مث قدم بعد ذلك أهل العراق زائرين لنبيهم‪ ،‬قال الشافعي‬
‫رحلة اإلمام الشافعي‬ ‫‪13‬‬

‫– رضي اهلل عنه ‪ :-‬فرأيت بني القرب واملنرب فىت مجيل الوجه نظيف‬
‫خريا‪ ،‬فسألته عن امسه فأخربين‪،‬‬
‫الثوب حسن الصالة‪ ،‬فتومست فيه ً‬
‫سألته عن بلده فقال‪ :‬يف العراق‪.‬‬
‫أي العراق؟‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه ‪ :-‬فقلت‪ُّ :‬‬
‫قال‪ :‬الكوفة‪1.‬‬
‫فقلت‪ِ :‬م َن العامل فيها واملتكلم يف نص كتاب اهلل واملفيت بأخبار‬
‫رسول اهلل ‪‬؟‬
‫فقال‪ :‬حممد بن احلسن وأبو يوسف صاحبا أيب حنيفة – رضي‬
‫اهلل عنه ‪:-‬‬
‫فقال الشافعي – رضي اهلل عنه – فقلت‪ :‬ومىت عزمتم‬
‫تظعنون؟‬
‫فقال‪ :‬يف غداة ٍ‬
‫غد عند انفجار الفجر‪.‬‬
‫فعدت إىل مالك فقلت له‪ :‬قد خرجت من مكة يف طلب العلم‬
‫بغري استئذان العجوز فأعود إليها أو أرحل؟ ويف طلب العلم فائدة‬
‫يرجع منها إىل عائدة‪.‬‬
‫رضا مبا‬
‫فقال‪ :‬أمل تعلم بأن املالئكة تضع أجنحتها لطالب العلم ً‬
‫يصنع؟‬
‫قال الشافعي رضي اهلل عنه‪ :‬فلما أزمعت السفر زودين مالك‬
‫بصاع من أقط وصاع من شعري وصاع من متر وسقاء فيه ماء؛ فلما‬
‫كان يف السحر وانفجر الفجر محل بعض اإلداوة وسار معي إىل‬
‫‪14‬‬ ‫رحلة اإلمام الشافعي‬

‫البقيع‪ ،‬فصاح بعلو صوته‪:‬‬


‫‪ -‬من معه كراء راحلة إىل الكوفة؟‬
‫فأقبلت عليه وقلت له‪ :‬مبَ تكرتي وال شيء معك وال شيء‬
‫معي؟‬
‫فقال يل‪ :‬انصرفت البارحة عنك‪ ،‬وبعد العشاء اآلخرة قرع‬
‫فأصبت ابن القاسم فسألين قبول‬
‫ُ‬ ‫علي قارع الباب فخرجت إليه‬ ‫َّ‬
‫إيل صر ًة فيها مائة مثقال‪ ،‬وقد أتيتك‪ 1‬بنصفها‬
‫هدية فقبلتها‪ ،‬فدفع َّ‬
‫وجعلت النصف لعيايل‪.‬‬
‫وودعين‬
‫إيل باقي الدنانري َّ‬
‫فاكرتى يل بأربعة دنانري ودفع َّ‬
‫وانصرف‪ ،‬فسرت يف مجلة احلاج حىت وصلت إىل الكوفة يوم أربعة‬
‫وعشرين من املدينة‪ 1،‬فنزلت املسجد بعد صالة العصر وصليت‬
‫غالما قد دخل املسجد‪ ،‬فصلى‬ ‫العصر؛ فبينا أنا كذلك إذ رأيت ً‬
‫ناصحا له ومشف ًقا فقلت له‪:‬‬
‫العصر‪ ،‬فما أحسن يصلي؛ فقمت ً‬
‫‪ -‬أحسن صالتك‪ ،‬ال َّ‬
‫يعذب اهلل هذا الوجه اجلميل بالنار‪.‬‬
‫فقال يل‪ :‬أنا أظنك من أهل احلجاز؛ فيكم الغلظة واجلفاء‪،‬‬
‫وليس فيكم رأفة أهل العراق‪ ،‬وأنا أصلي هذه الصالة مخس عشرة‬
‫علي صاليت‬
‫سنة بني يدي حممد بن احلسن وأيب يوسف فما عابا َّ‬
‫قط‪.‬‬
‫وخرج معجبًا ينفض‪ 1‬رداءه يف وجهي‪ ،‬فلقي – للتوفيق –‬
‫رحلة اإلمام الشافعي‬ ‫‪15‬‬

‫حممدا بن احلسن وأبا يوسف بباب املسجد‪ ،‬فاستخربمها وال علم يل‬
‫ً‬
‫هبما‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪ -‬هل علمتما يف صاليت من عيب؟‬
‫فقاال‪ :‬اللهم ال‪.‬‬
‫قال‪ :‬ففي مسجدنا من قد عاب على صاليت‪.‬‬
‫فقاال‪ :‬اذهب إليه فقل له‪ :‬مب تدخل يف الصالة؟‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه ‪ :‬فأتاين فقال يل‪:‬‬
‫‪ -‬يا من عاب علي صاليت‪ ،‬مب تَدخل يف الصالة؟‬
‫وسنة‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬بفرضني ُ‬
‫فعاد إليهما وأعلمهما باجلواب‪ ،‬فعلما أنه جواب من قد نظر يف‬
‫العلم‪ ،‬فقاال له‪:‬‬
‫‪ -‬اذهب فقل‪ :‬ما الفرضان وما السنة؟‬
‫فقلت‪ :‬أما الفرضان؛ األول النية‪ 1‬والثاين تكبرية‪ 1‬اإلحرام‪ ،‬والسنة‬
‫رفع اليدين‪.‬‬
‫إيل‬
‫فعاد إليهما وأعلمهما بذلك‪ ،‬فدخال املسجد؛ فلما نظرا َّ‬
‫أظنهما ازدرياين فجلسا ناحية وقاال له‪:‬‬
‫‪ -‬اذهب وقل له‪ :‬أجب الشيخني‪.‬‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه‪ :‬فلما جاءين علمت أين مسؤول‬
‫عن شيء من العلم‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫‪16‬‬ ‫رحلة اإلمام الشافعي‬

‫‪ -‬من ُحكم العلم أن يؤتى إليه وال يأيت‪ ،‬وما علمت يل إليهما‬
‫من حاجة‪ ،‬فإن كان هلما إيل حاجة فليأتياين‪.‬‬
‫إيل؛ فلما‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه‪ :‬فقاما من جملسهما َّ‬
‫علي قمت إليهما وأجلست كل واحد منهما يف جملسه‬‫سلَّما َّ‬
‫وأظهرت البشاشة هلما وجلست بني أيديهما؛ فأقبل علي حممد بن‬
‫احلسن وقال يل‪:‬‬
‫أحرمي أنت؟ قلت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫‪-‬‬
‫عريب أم موىل؟ قلت‪ :‬عريب‪.‬‬
‫قال‪ٌ :‬‬
‫فقال‪ :‬من أي العرب؟ فقلت‪ :‬من َولَد املطلب‪.‬‬
‫قال‪ :‬من ولد من؟ قلت‪ :‬من ولد شافع‪.‬‬
‫قال‪ :‬رأيت مال ًكا؟ قلت‪ :‬من عنده أتيت‪1.‬‬
‫قال يل‪ :‬نظرت يف املوطأ؟ فقلت‪ :‬أتيت‪ 1‬على حفظه‪.‬‬
‫فعظم عليه ذلك‪ ،‬ودعا بدواة وبياض‪ ،‬وكتب مسألة يف‬
‫الطهارة ومسألة يف الصالة‪ 1‬ومسألة يف الصالة‪ 1‬ومسألة يف الزكاة‬
‫ومسألة يف البيوع ومسألة يف الفرائض ومسألة يف الرهن واحلج‬
‫واإليالء‪ 1،‬ومن كل باب يف الفقه مسألة‪ ،‬وجعل بني كل مسألتني‬
‫بياضا ودفع إيل الدرج وقال يل‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬أجب عن هذه املسائل من املوطأ‪1.‬‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه‪ :‬فأجبت بنص كتاب اهلل ومن‬
‫سنة الرسول ‪ ‬وإمجاع املسلمني حىت أجبت على املسائل كلها‪ ،‬مث‬
‫رحلة اإلمام الشافعي‬ ‫‪17‬‬

‫دفعت إليه الدرج‪ ،‬فتأمله ونظر فيه مث قال لعبده‪:‬‬


‫‪ -‬خذ بيد سيدك إليك‪.‬‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه‪ :‬مث سألين النهوض مع العبد؛‬
‫فنهضت‪ 1‬غري ممتنع وقد محلت بعض أدايت ومحل الغالم‪ 1‬بعضها‪ ،‬فلما‬
‫صرت إىل باب املسجد قال يل العبد‪:‬‬
‫‪ -‬إن سيدي أمرين أن ال تصري إىل املنزل إال راكبًا‪.‬‬
‫َّم!‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه‪ :‬فقلت له‪ :‬قّد ْ‬
‫إيل بغلة بسرج حملي‪ ،‬فلما علوت على ظهرها رأيت‬ ‫فقدم َّ‬
‫نفسي باكيًا‪ ،‬وطاف يب أزقة الكوفة إىل منزل حممد بن احلسن‬
‫فرأيت أبوابًا واسعة ودهاليز منقوشة‪ 1‬بالذهب والفضة‪ ،‬فذكرت‬
‫وقلت‪ :‬أهل العراق ينقشون بيوهتم‬
‫ضيق أهل احلجاز وما هم فيه ُ‬
‫بالذهب والفضة‪ 1‬وأهل احلجاز يأكلون القديد وميصون النَّوى! مث‬
‫أقبل علي حممد بن احلسن وأنا يف بكائي‪ ،‬فقال يل‪:‬‬
‫‪ -‬ال يرعك أبا عبد اهلل ما رأيت؛ فما هو إال من قُ ٍ‬
‫نية حالل‬
‫وبكسب‪ 1‬ما يطالبين اهلل فيه بفرض‪ ،‬وأنا ُأخرج زكاهتا يف كل عام‪،‬‬
‫وأكبت هبا العدو‪.‬‬
‫ُ‪1‬‬ ‫فأسر هبا الصديق‬
‫ُّ‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه‪ :‬فما بات حىت كساين حممد بن‬
‫احلسن خلعة بألف درهم بغلية‪ ،‬قال الشيخ أبو القاسم ‪ -‬يعين‬
‫وازنة‪ :‬ودخل إىل خزانته فأخرج يل الكتاب األوسط تأليف أيب‬
‫حنيفة – رضي اهلل عنه‪ ،‬فنظرت يف أوله وآخره مث ابتدأت الكتاب‬
‫‪18‬‬ ‫رحلة اإلمام الشافعي‬

‫يف ليليت أحتفظه‪ ،‬فما أصبحت إال وقد حفظته‪ ،‬وحممد بن احلسن ال‬
‫يعلم بشيء من ذلك‪ ،‬وكان املشهور بالكوفة بالفتوى واجمليب يف‬
‫النوازل؛ فبينما أنا ذات يوم قاعد عن ميينه إذ ُسئل عن مسألة‬
‫تقليدا وقال‪:‬‬
‫أجاب عنها ً‬
‫هكذا قال أبو حنيفة – رضي اهلل عنه‪« :‬ووهم عليه يف‬
‫اجلواب»‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬اجلواب غري هذا؛ فلوال أن قلت فيه بالتقليد‬
‫ألحسنت أدب اجملالسة؛ ولكنك ومهت‪ ،‬واجلواب من قول الرجل‬
‫يف هذه كذا وكذا‪ ،‬وحتتها املسألة‪ 1‬الفالنية‪ 1‬وفوقها املسألة‪ 1‬الفالنية‪ 1‬يف‬
‫الكتاب الفالين‪.‬‬
‫فأمر حممد بن احلسن بالكتاب فأحضر‪ ،‬فتصفحه ونظر فيه‬
‫فأصاب القول ما قلت‪ ،‬فرجع عن جوابه إىل ما قلت‪ ،‬ومل خيرج‬
‫إيل كتابًا بعدها‪ ،‬وقال‪ :‬لقد أمعنت‪ 1‬النظر‪.‬‬
‫َّ‬
‫علي منه‬
‫قلت‪ :‬أتيت على حفظ الكتاب وما علمت أنه سقط َّ‬
‫حرف وال سنة وال ألف‪.‬‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه‪ :‬فاستأذنته يف الرحيل‪ ،‬فقال‪ :‬ما‬
‫كنت آلذن لضيف يرحل عين وال ‪ ...‬له مشاطرة نعميت (‪.)1‬‬
‫فقلت‪ :‬ما هلذا قصدت‪ ،‬وال له أردت‪ ،‬وال رغبة يل إال السفر‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأمر غالمه أن يأيت بكل ما يف خزائنه من بيضاء ومحراء‬

‫‪1‬‬
‫(?) يف األصل تصحيف مل نتبني صوابه‪.‬‬
‫رحلة اإلمام الشافعي‬ ‫‪19‬‬

‫وأقبلت‬
‫ُ‬ ‫ومن الورق فدفع إيل ما كان فيها؛ وهو ثالثة آالف درهم‬
‫أطوف العراق وأرض فارس وبالد األعاجم وألقى الرجال حىت‬
‫كنت ابن إحدى وعشرين سنة‪ ،‬ودخلت العراق يف أول خالفة‬
‫الرشيد؛ فعند دخويل بغداد وتقدم رجلي للمشي انطلق يف أثري‬
‫غالم فالطفين وقال‪ :‬ما امسك؟‬
‫قلت‪ :‬حممد‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ابن من؟‬
‫فقلت‪ :‬ابن إدريس‪.‬‬
‫قال‪َ :‬م ْن تكون؟‬
‫قلت‪ :‬شافعي‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال يل‪ :‬مطَّ ٌّ‬
‫ليب؟ قلت‪ :‬أجل‪.‬‬
‫فكتب ذلك يف ألواح كانت يف كمه وخلَّى سبيلي‪.‬‬
‫فدخلت إىل بعض املساجد أفكر يف عاقبة ما فعل‪ ،‬حىت إذا‬
‫ذهب من الليل النصف ُكبس املسجد‪ ،‬فأرعب من كان فيه‪،‬‬
‫إيل‪ ،‬فقلت هلم‪ :‬ال بأس‬
‫وأقبلوا يتأملون‪ 1‬وجه رجل رجل حىت أتوا َّ‬
‫عليكم‪ ،‬هذه احلاجة والغاية‪ 1‬املطلوبة‪.‬‬
‫مث أقبلوا إيل وقالوا‪ :‬أجب أمري املؤمنني‪.‬‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه‪ :‬فقمت غري ممتنع‪ ،‬فلما أبصرت‬
‫أمري املؤمنني سلَّ ُ‬
‫مت عليه السالم السنَّة‪ ،‬فاستحسن األلفاظ والسياق‬
‫علي اجلواب‪ ،‬مث قال يل‪:‬‬
‫ورد َّ‬
‫وميَّز ذهنه بني اخلطأ والصواب َّ‬
‫‪20‬‬ ‫رحلة اإلمام الشافعي‬

‫‪ -‬تزعم أنك من بين هاشم؟‬


‫فقلت‪ :‬يا أمري املؤمنني كل زعم يف كتاب اهلل باطل‪.‬‬
‫‪ -‬فقال يل‪ :‬فتقول؟ قلت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فقال يل‪ :‬أبن يل عن نفسك‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬فانتسبت‪ 1‬حىت بلَّ ُ‬
‫غت آدم عليه السالم بالطني‬
‫فقال يل الرشيد‪:‬‬
‫‪ -‬ما تكون‪ 1‬هذه البالغة‪ 1‬إال يف رجل من دار عبد املطلب؛ هل‬
‫لك أن أولِّيك قضاء املسلمني وأشاطرك ما أنا فيه وينفذ حكمك‬
‫فيهم وحكمي على ما اشرتط وجاء به الرسول ‪ ‬وأمجعت عليه‬
‫األمة؟‬
‫قلت‪ :‬لو سألتين يا أمري املؤمنني أن أفتح باب القضاء بالغداة‬
‫أبدا‪.‬‬
‫وأغلق بالعشي بنعمتك هذه ما فعلت ذلك ً‬
‫قال‪ :‬فبكى‪ 1‬الرشيد وقال‪ :‬هل تقبل من َعَرض دنيانا شيًئا؟‬
‫فقلت‪ :‬يكون‪ 1‬معجالً‪.‬‬
‫برحت من مقامي حىت قبضتها‪ .‬مث‬‫ُ‬ ‫فأمر يل بألف دينار‪ ،‬فما‬
‫سألين بعض الغلمان واحلشم أن أصلهم من صليت‪ ،‬فلم تسع املروءة‬
‫علي به‪ ،‬فخرج يل‬‫إذ كنت مسؤوالً إال أن قامستهم مما أنعم اهلل َّ‬
‫قسم كأقسامهم‪ ،‬وعدت إىل املسجد الذي كنت فيه ليليت‪ ،‬فلما‬
‫غالم صالة الفجر يف مجاعة وأجاد القراءة‪،‬‬‫أصبحت تقدم فصلى بنا ٌ‬
‫وحلقه سهو يف الصالة فلم يدر كيف الدخول وال كيف اخلروج‪.‬‬
‫رحلة اإلمام الشافعي‬ ‫‪21‬‬

‫فقلت له بعد السالم‪:‬‬


‫‪ -‬أفسدت علينا وعلى نفسك فأع ْد‪.‬‬
‫مسارعا وأعدنا‪ ،‬مث قلت له‪:‬‬
‫ً‬ ‫فأعاد‬
‫‪ -‬ائتين ببياض أعمل لك فيه باب السهو يف الصالة والدخول‬
‫إيل بذلك‪ ،‬ففتح اهلل قرحييت وكشف‬ ‫فيها واخلروج منها‪ ،‬فسارع َّ‬
‫عن صدري‪ ،‬فألفت له كتابًا ملا رأيت من رغبته يف العلم من نص‬
‫كتاب اهلل تعاىل وسنة الرسول ‪ ‬وإمجاع املسلمني‪ ،‬ومسيته بامسه‪،‬‬
‫وهو أربعون‪ 1‬جزءًا‪ ،‬ويعرف‪« :‬كتاب الزعفراين»‪ .‬وهو الذي‬
‫وضعت بالعراق حىت تكامل يف ثالث وستني‪.‬‬
‫ووالين الرشيد صدقات جنران وقدم احلاج فخرجت أسأهلم عن‬
‫احلجاز فرأيت فيها قبة فلما أشرت إليه بالسالم أمر قائد القبة أن‬
‫إيل بالكالم‪ 1،‬فسألته عن مالك وعن احلجاز‪ ،‬فقال يل‪:‬‬ ‫يقف وأشار َّ‬
‫‪ -‬قد أربع وأخرف مبصنف‪.‬‬
‫أشرح لك وأختصر‪.‬‬
‫مث عاودته إىل السؤال فقال يل‪ُ :‬‬
‫قلت‪ :‬يف االختصار البالغة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬إنه صحيح اجلسم وإن له ثالث مائة جارية يبيت عند‬
‫اجلارية وال يعود إليها إال إىل السنة‪ ،‬وقد اختصرت لك خربه‪ .‬قال‬
‫الشافعي – رضي اهلل عنه‪ :‬فاشتهيت أن أراه يف حال غناه كما‬
‫رأيته يف حال فقره‪ ،‬فأتيت الزعفراين فقلت له‪:‬‬
‫‪ -‬مثَّ من املال ما يصلح للسفر؟‬
‫‪22‬‬ ‫رحلة اإلمام الشافعي‬

‫فقال‪ :‬إنك لتوحشين خاصة والعراق عامة بظعنك عنه‪ ،‬ومجيع‬


‫مايل فيه لك‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬مبَ تعيش؟‬
‫قال‪ :‬اجلاه أوسع من املال‪.‬‬
‫مث نظر إيل وحكمين يف ماله وأخذت منه على حسب احلاجة‪،‬‬
‫حران دخلتها يوم‬
‫وسرت على ديار ربيعة ومضر‪ ،‬فلما أتيت إىل َّ‬
‫اجلمعة فذكرت فضل الغسل وما جاء فيه فقصدت إىل احلمام‪ ،‬فلما‬
‫سكبت‪ 1‬املاء على رأسي رأيت شعر رأسي شعثًا فقلت‪ :‬أحيي سنَّة‬
‫يف سنَّة‪ .‬فدعوت املزين‪ ،‬فلما بدأ يف رأسي وأخذ القليل من شعري‬
‫دخل قوم من رؤساء البلد فسارع إىل خدمتهم وتركين؛ فلما قضوا‬
‫ما أرادوا منه عاد إىل ما أردته وخرجت من احلمام فدفعت إليه‬
‫أكثر ما كان معي من الدنانري وقلت له‪:‬‬
‫‪ -‬خذ هذه؛ إذا وقف بك غريب فال حتقره‪.‬‬
‫إيل متعجبًا مما صنعت معه‪ ،‬ويرى الناس؛ فاجتمع على‬
‫فنظر َّ‬
‫باب احلمام خلق كثري‪ ،‬فلما خرجت عاتبين الناس على فعلي به‪،‬‬
‫فقلت‪:‬‬
‫‪ -‬إنه لو أمكن أكثر مما فعلت لسارعت‪.‬‬
‫فبينا أنا كذلك إذ خرج بعض من كان يف احلمام من الرؤساء‬
‫ف ُقدمت له بغلة فركبها‪ ،‬فسمع خطايب هلم فاحندر عن البغلة بعد أن‬
‫استوى عليها وقال يل‪:‬‬
‫رحلة اإلمام الشافعي‬ ‫‪23‬‬

‫‪ -‬أنت الشافعي! فقلت‪ :‬نعم‪.‬‬


‫َّ‬
‫فمد الركاب مما يليين وقال يل‪ :‬حبق سيدك؛ أال ركبت‪.‬‬
‫ومضى يب الغالم‪ 1‬مطرقًا بني يدي حىت أتيت‪ 1‬إىل منزل الفىت مث‬
‫أتى‪ ،‬وقد حصلت يف منزله‪ ،‬فأظهر البشاشة‪ ،‬مث دعا بالغسل‪ ،‬مث‬
‫حضرت املائدة فسمى وحبست يدي‪ .‬فقال‪:‬‬
‫‪ -‬مالك يا أبا عبد اهلل؟‬
‫فقلت‪ :‬طعامك علي حرام حىت أعرف من أين هذه املعرفة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أنا ممن كنت مسعت منك الكتاب الذي وضعت ببغداد‬
‫وأنت يل أستاذ‪.‬‬
‫قال الشافعي ‪ -‬رمحه اهلل‪ :‬فقلت‪ :‬العلم بني أهل العلم َر ِح ٌم‬
‫متصلة؛ فأكلت بفرحة إذ مل يعرفين اهلل إال بيين وبني أبناء جنسي‬
‫وأقمت ضيفه ثالثًا‪ ،‬فلما كان بعد ثالث عرض عن نفسه مكارم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫مث قال‪:‬‬
‫أشهد أنه إن‬
‫حبران أحسن منها‪ُ ،‬‬
‫حول َحَّران أربع ضياع ما َّ‬
‫اخرتت املقام فإهنا هدية مين إليك‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬فبم تعيش؟‬
‫ُ‬
‫وأشار بيده إليها ‪ -‬أربعون‪ 1‬ألف‬
‫فقال‪ :‬يف صناديقي تلك ‪َ -‬‬
‫درهم أجتر هبا‪ ،‬فتكون‪ 1‬لك الضياع وأعيش‪ 1‬أنا يف التجارة‪.‬‬
‫خرجت إال بنية‬
‫ُ‬ ‫قصدت‪ ،‬وال عن بلدي‬ ‫ُ‬ ‫فقلت‪ :‬ليس إىل هذا‬
‫علما يورث حسن الثناء يف الدنيا والعافية يف اآلخرة‬
‫أتعوض‪ً 1‬‬
‫‪24‬‬ ‫رحلة اإلمام الشافعي‬

‫حمسودا عليها بغبطة‪.‬‬


‫ً‬ ‫حممودة صحبته‬
‫فقال يل‪ :‬فاملال إذن من شأن املسافر‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬فقبضت‪ 1‬األربعني األلف وخرجت من مدينة‬
‫حران وبني يدي أمحال الدنانري والدراهم يلقاين الرجال وأصحاب‬ ‫َّ‬
‫احلديث‪ :‬منهم أمحد بن حنبل‪ ،‬وسفيان‪ 1‬بن عيينة‪ ،‬واألوزاعي؛ فما‬
‫زلت أجيز كل إنسان منهم على قدر ما قسم له ومعرفته حىت‬
‫الر ْملة وليس معي إال عشرة دنانري فاشرتيت هبا راحلة‬
‫دخلت مدينة َّ‬
‫واستويت على كورها وقصدت احلجاز؛ فما زلت من منهل إىل‬
‫يوما بعد‬
‫منهل حىت وصلت مدينة الرسول ‪ ‬بعد سبعة وعشرين ً‬
‫صالة العصر‪ ،‬فأخنت راحليت بإزاء املسجد‪ ،‬وصليت العصر فائتًا‬
‫ورأيت كرسيًا من احلديد عليه خمدة من قباطي مصر مكتوب عليها‬
‫باحلرير‪« :‬ال إله إال اهلل حممد رسول اهلل هارون أمري املؤمنني»‪ .‬قال‬
‫الشافعي‪ :‬وحوله أربع مائة دفرت أو يزيدون‪ .‬فبينما أنا كذلك إذ‬
‫رأيت مال ًكا بن أنس قد دخل من باب النيب ‪ ‬وقد فاح عطره يف‬
‫املسجد وحوله أربع مائة أو يزيدون حيمل ذيوله أربعة‪ ،‬فلما وصل‬
‫قاعدا وجلس على الكرسي وألقى مسألة يف خراج‬ ‫قام إليه من كان ً‬
‫العمل‪ .‬قال الشافعي – رمحه اهلل‪ :‬فلما مسعت ذلك مل يسعين‬
‫قائما يف سور احللقة ورأيت إنسانًا بطاالً فقلت له‪:‬‬
‫الصرب؛ فقمت ً‬
‫‪ -‬قل‪ :‬اجلواب كذا وكذا‪.‬‬
‫فبادر باجلواب قبل فراغ مالك من السؤال‪ ،‬فأطرق عنه مالك‬
‫وأقبل على أصحابه فسأهلم عن اجلواب‪ ،‬فخالفوه‪ ،‬فقال هلم‪:‬‬
‫‪ -‬أخطأمت وأصاب الرجل‪.‬‬
‫رحلة اإلمام الشافعي‬ ‫‪25‬‬

‫ففرح اجلاهل بإصابته‪ ،‬فلما ألقى السؤال الثاين أقبل علي‬


‫اجلاهل يطلب مين اجلواب‪ ،‬فأقبلت عليه وقلت له‪:‬‬
‫‪ -‬اجلواب كذا وكذا‪.‬‬
‫‪ -‬فبادر باجلواب‪ ،‬فلم يلتفت إليه مالك‪ ،‬وأقبل على أصحابه‬
‫واستخربهم عن اجلواب‪ ،‬فخالفوه‪ ،‬فقال هلم‪:‬‬
‫‪ -‬أخطأمت وأصاب الرجل‪.‬‬
‫قال الشافعي – رضي اهلل عنه‪ :‬فلما ألقى السؤال الثالث‪ 1‬قلت‬
‫له‪:‬‬
‫‪ -‬اجلواب كذا وكذا‪.‬‬
‫فبادر باجلواب‪ ،‬فأعرض مالك عنه وأقبل على أصحابه فخالفوه‬
‫يف اجلواب فقال‪:‬‬
‫‪ -‬أخطأمت وأصاب الرجل‪.‬‬
‫فنادى مالك بأعلى صوته أن ادخل‪ ،‬ليس هذا موضعك‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬فدخل الرجل طاعة منه ملالك وجثا بني يديه‬
‫فقال له مالك‪:‬‬
‫‪ -‬قرأت أو مسعت املوطأ؟ قال‪ :‬ال‪.‬‬
‫قال‪ :‬فنظرت يف مسائل ابن جريج؟ قال‪ :‬ال‪.‬‬
‫جعفرا بن حممد الصادق؟ قال‪ :‬ال‪.‬‬
‫قال‪ :‬فلقيت ً‬
‫قال‪ :‬فهذا العلم من أين لك؟‬
‫‪26‬‬ ‫رحلة اإلمام الشافعي‬

‫قال له‪ :‬إىل جانيب غالم شاب يقول يل‪ :‬قل اجلواب كذا وكذا‪.‬‬
‫فكنت أقول ما يقول‪.‬‬
‫فالتفت مالك والتفت‪ 1‬الناس بأعناقهم اللتفات مالك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فكسرت احللقة عليه‪ .‬فقال للجاهل‪:‬‬
‫وم ْر صاحبك بالدخول علينا‪.‬‬
‫‪ -‬قم‪ُ ،‬‬
‫فدخلت عليه‪ ،‬فإذا أنا من مالك باملوضع الذي كان فيه اجلاهل‬
‫جالسا بني يديه‪ ،‬فتأملين ساعة فقال يل‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬أنت الشافعي؟ فقلت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فضمين إىل صدره ونزل عن كرسيه وقال‪:‬‬
‫‪ -‬اقعد فأمِتَّ هذا الباب الذي حنن فيه حىت أنصرف إىل املنزل‬
‫وأثوب إليك‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬فألقيت‪ 1‬أربع مائة مسألة يف خراج العلم‪ ،‬فما‬
‫أجابين أحد جبواب‪ ،‬فاحتجت أن آيت بأربع مائة جواب وقلت‪:‬‬
‫األول كذا وكذا‪ ،‬والثاين كذا وكذا‪ ،‬وسقط القرص (‪ )1‬وصلينا‬
‫العشاء املغرب‪ ،‬فضرب مالك بيده إيل؛ فلما وصلت املنزل رأيت‬
‫بناءً غري البناء األول فبكيت‪ ،‬فقال يل‪:‬‬
‫مم بكاؤك؟ كأنك خفت يا أبا عبد اهلل – مما ترى – أين‬ ‫‪َّ -‬‬
‫قد بعت اآلخرة بالدنيا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هو – واهلل – ذاك‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) أي غابت الشمس‪.‬‬
‫رحلة اإلمام الشافعي‬ ‫‪27‬‬

‫وقر عينًا؛ هذه هدايا خراسان وهدايا مصر‬


‫نفسا ّ‬
‫قال‪ :‬فطب ً‬
‫جتيء من أقاصي الدنيا‪ ،‬وقد كان ‪ ‬يقبل اهلدية ويكره الصدقة‪،‬‬
‫وإن يل ثالث مائة خلعة من رق خراسان وقباطي مصر‪ ،‬وعندي‬
‫جوار مثلها مل تستكمل احللم؛ فهي هدية مين إليك‪ ،‬ويف صناديقي‬
‫تلك مخسة آالف دينار‪ ،‬وأخرج منها زكاهتا عند كل حول حيول‬
‫عليها؛ فلك مين نصفها هدية مين إليك‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬إنك موروث وأنا موروث؛ فال يثبت مجيع ما وعدتين‬
‫إال حتت ختمي ليجري ملكي عليه؛ فإن حضرين أجلي كان لورثيت‬
‫دونك‪ ،‬وإن حضرك أجلك كان يل دون ورثتك‪.‬‬
‫أبيت إال العلم‪.‬‬
‫فتبسم يف وجهي وقال‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫فقلت‪ :‬ال يستعمل أحسن منه‪.‬‬
‫بت إال ومجيع ما وعدين به حتت خامتي‪،‬‬‫قال الشافعي‪ :‬فما ُّ‬
‫فلما كان يف غداة صليت الفجر يف مجاعة وانصرفت إىل املنزل أنا‬
‫كراعا على بابه‬
‫وهو‪ ،‬وكل واحد منا يده يف يد صاحبه‪ ،‬إذ رأيت ً‬
‫جلودهن ألوقدت‪،‬‬
‫َّ‬ ‫من مهاري خراسان (‪ )1‬لو قدمت املصابيح إىل‬
‫قلت‪:‬‬
‫كراعا أحسن من هذا‪.‬‬
‫‪ -‬ما رأيت ً‬
‫فقال‪ :‬هو هدية مين إليك يا أبا عبد اهلل‪.‬‬
‫فقلت له‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) الكراع هنا‪ :‬مجاعة اخليل‪.‬‬
‫‪28‬‬ ‫رحلة اإلمام الشافعي‬

‫‪ -‬دع منها دابة‪.‬‬


‫فقال‪ :‬أنا أستحي من اهلل تعاىل أن أطأ قرية فيها قرب نيب اهلل ‪‬‬
‫حبافر دابة‪.‬‬
‫فقال الشافعي‪ :‬فعلمت أن ورع مالك على حاله‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأقمت عنده ثالثًا مث ارحتلت إىل مكة وأنا أشرق بنعم اهلل‬
‫وأنعمه والقرب ويزين العلم حنيزيت (‪ .)1‬فلما وصلت إىل احلرم‪،‬‬
‫خرجت العجوز – رمحها اهلل تعاىل – ونسوة معها فلقيتين وضمتين‬
‫كنت آلفها وأمسَّيها خاليت وقالت‪:‬‬
‫إىل صدرها‪ ،‬وضمتين عجوز ُ‬
‫‪ -‬أليس أمك صاحبة أمل يأكل فؤادها عليك (‪.)2‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬وهي أول كلمة مسعتها يف ‪ ...‬من امرأة (‪ )3‬فلما‬
‫مهمت بالدخول قالت يل العجوز‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬إىل أين عزمت؟‬
‫قلت‪ :‬إىل املنزل‪.‬‬
‫فقريا ال مال لك‬
‫قالت يل‪ :‬هيهات‪ ،‬خترج من مكة باألمس ً‬
‫مفتخرا علي؟‬
‫ً‬ ‫وتعود إليها مثريًا‬
‫فقلت هلا‪ :‬ما أصنع؟‬
‫قالت‪ :‬اضرب قبابك يف األبطح‪ ،‬وناد يف العرب إنك تشبع اجلائع‬
‫‪1‬‬
‫(?) هذا املوضع كان يف األصل يف غاية الغموض والتحريف‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫جدا يف األصل‪.‬‬
‫أيضا مضطربة ً‬
‫‪ )?(3‬هذه العبارة ً‬
‫جدا‪.‬‬
‫(?) الكلمات اليت كانت يف مكان البياض سقيمة ً‬
‫رحلة اإلمام الشافعي‬ ‫‪29‬‬

‫وحتمل املنقطع وتكسو العاري‪ ،‬تربح ثناء الدنيا وثواب اآلخرة‪.‬‬


‫ت وسار بذلك الفعل الرجال على آباط اإلبل‪،‬‬ ‫ففعلت ما َأمَر ْ‬
‫وبلغ ذلك مال ًكا – رضي اهلل عنه – فكتب إيل يستحثين على هذا‬
‫الفعل ويعدين أنه حيمل يل يف كل عام مثل ما ‪ )1( ......‬منه وما‬
‫دخلت مكة وأنا ال أقدر على شيء مما كان معي إال نعلي ومخسني‬
‫دينارا فوقعت قربة من يدي فناولتين إياها أمةٌ على كتفيها قربة‬
‫ً‬
‫فأخرجت ما معي وأجزهتا مخسة دنانري فقالت يل العجوز‪:‬‬
‫‪ -‬ما أنت صانع؟‬
‫فقلت هلا‪ :‬أجيزها على فعلها‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬ادفع إليها مجيع ما معك‪.‬‬
‫بت تلك الليلة إال مديونًا‪.‬‬
‫ودخلت مكة فما ُّ‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فدفعته إليها‪،‬‬
‫وأقام مالك – رضي اهلل عنه – حيمل إيل كل عام مثل ما كان‬
‫دفع إيل أول مرة وظي ًفا إحدى عشرة سنة‪ ،‬فلما مات – رمحه اهلل‬
‫ورضي اهلل عنه – ضاق يب احلجاز‪ ،‬وخرجت إىل مصر؛ فعوضين‬
‫اهلل عبد اهلل بن عبد احلكم فقام بالكلفة‪.‬‬
‫لقيت يف سفري‪ ،‬فافهم ذلك يا ربيع‪.‬‬
‫فهذا مجيع ما ُ‬
‫قال الربيع‪ :‬فسألين املزين إمالء ذلك حبضرته فما وجدنا باجمللس‬
‫فرصةً؛ فما وقع كتاب السفر ألحد غريي من أصحابه‪ :‬ال حرملة‬
‫وال غريه‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) بياض باألصل‪.‬‬
‫‪30‬‬ ‫رحلة اإلمام الشافعي‬

You might also like