Professional Documents
Culture Documents
محاضرات الفقة الشافعي الفرقة الثانية ١
محاضرات الفقة الشافعي الفرقة الثانية ١
المحاضرة األولـى
إن الحمد هلل تعالى نحمده ،نستعينه ونستغفره ،نعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،إنه من يهده اهلل فال مضل له،
ومن يضلل فال هادي له.
وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
ٍ
محمد وعلى ٍ
محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حمي ٌد مجيد ،وبارك على ٍ
محمد وعلى آل اللهم صل على
ٍ
محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حمي ٌد مجيد. آل
أيها األحبة في اهلل ،طلبة وطالبات كلية العلوم الشرعية والعربية ،الفرقة الثانية.
مرحبا بكم في هذا اللقاء األول المبارك من لقاءات دراسة الفقه الشافعي.
ٍ
محاضرات متتالية في كتاب[ :اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع] في المذهب الشافعي. ونحن إن شاء اهلل تعالى سندور في
وفي لقاء اليوم إن شاء اهلل تعالى هي تقدمه بين يدي المذهب.
نتعرف على صاحب المذهب اإلمام الشافعي.
ثم نتكلم عن أصول المذهب الشافعي.
ونثلث بالمصطلحات المشهورة في المذهب.
ثم نتكلم عن المتن الذي سنقوم بشرحه ،وصاحب المتن.
ثم نعلق على الكتاب الذي يشرح المتن ،وصاحب هذا الكتاب.
فإن كان من بقية من ٍ
وقت ،فسنأخذ المقدمة.
فنقول مستعينين باهلل عز وجل:
اإلمام «الشافعي» ،صاحب المذهب ،هو ثالث األئمة األربعة بعد اإلمام أبو حنيفة واإلمام مالك.
جاء اإلمام الشافعي ،صاحب المذهب المغوار ،وهو « :أبو عبداهلل؛ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن
السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كالب».
يجتمع مع الرسول ﷺ في «عبد مناف بن قصي».
وقيل :هو ابن عم النبي محمد ﷺ ،وهو ممن تحرم عليه الصدقة من ذوي القربي ،الذين لهم سهم مفروض في الخمس؛
وهم «بنو هاشم ،وبنو المطلب».
ولد الشافعي بغزة من فلسطين ،عام مائة وخمسون من هجرة النبي ﷺ.
2
وحملته أمه إلى مكة عندما كان عمره سنتين.
نشأ الشافعي من ٍ
اسرة فقيرة ،كانت تعيش في فلسطين ،وكانت مقيمة باألحياء اليمنية منها ،وقد مات أبوه وهو صغير،
فانتقلت أمه به كما ذكرنا آنفا إلى مكة ،خشية أن يضيع نسبه الشريف.
حفظ الشافعي القرآن الكريم ،وهو ابن السابعة من عمره ،مما يدل على ذكائه وقوة حفظه ،ثم اتجه إلى حفظ الحديث
النبوي على صاحبه الصالة والسالم ،فحفظ موطأ اإلمام مالك.
وكذلك اتجه الشافعي إلى التفصح في اللغة العربية ،فخرج في سبيل هذا إلى البادية ،والزم قبيلة هزيل.
كذلك بدأ الشافعي رحلته في طلب العلم مبكرا ،فكانت أول رحلة إلى المدينة المنورة عندما انتشر اسم إمام المدينة
اإلمام «مالك بن أنس» في اآلفاق ،وتناقلته الركبان ،وبلغ مبلغا عظيما ،في العلم والحديث.
سمت همة الشافعي الذي ما زال شابا يافعا صغيرا في السن ،إلى الهجرة الى المدينة المنورة في طلب العلم.
ومما روي عنه في هذا المقام أنه قال :فارقت مكة وأنا بن أربع عشرة سنة ،ال نبات بعارضي من األبطح إلى ذي طوى ،فرأيت
ركبا ،فحملني شي ٌخ منهم إلى المدينة ،فختمت من مكة إلى المدينة ست عشرة ختمة (أي للقرآن) ،ودخلت المدينة يوم
الثامن من بعد صالة العصر ،فصليت العصر في مسجد رسول اهلل ﷺ؛
فرأيت «مالك بن أنس» متزرا ببردةٍ ،متشحا بأخرى؛ يقول« :حدثني نافع ،عن بن عمر ،عن صاحب هذا القبر»؛ يضرب
بيده قبر رسول اهلل ﷺ؛ فلما رأيت ذلك هبته الهيبة العظيمة.
ومالك من أعلى األئمة األربعة إسنادا ،حيث بينه وبين النبي ﷺ واسطتين؛
«عن نافع ،عن ابن عمر ،عن النبي ﷺ».
وذهب الشافعي إلى االمام مالك ،ولما رآه قال له :إذا ما جاء من الغد تجيء ويجيء ما يقرأ لك.
أي تأتي ٍ
بأحد يقرأ لك الموطأ.
يقول الشافعي :فغدوت عليه ،وابتدأت أن اقرأ ظاهرا ،والكتاب في يدي ،فكلما تهيبت مالكا وأردت أن أقطع ،أعجبه حسن
قراءتي وإعرابي ،فيقول :يا فتى زد؛ حتى قرأته عليه في أيام يسيرة.
أي الموطأ.
وفي ٍ
رواية أخرى قال :وقدمت على مالك وقد حفظت الموطأ؛
فقال لي :احضر من يقرأ لك.
فقلت :أنا قارئ.
فقرأت الموطأ حفظا.
فقال مالك :إن يكن أحد يفلح فهذا الغالم.
3
انظر إلى ثناء اإلمام مالك بن أنس على اإلمام الشافعي[ :إن يكن أحد يفلح فهذا الغالم].
قال :وبعد أن روى الشافعي الموطأ عن اإلمام مالك ،الزمه يتفقه عليه ،ويدارسه المسائل التي يفتي فيها اإلمام ،إلى أن مات
اإلمام مالك سنة مائة وتسع وسبعون.
ثم انتقل في الرحلة إلى بغداد ،ألن بغداد كانت عاصمة بني العباس ،وكانت في هذا الزمان هي صرح العلم.
واتهم الشافعي بأنه مع العلوية ،وأرسل إليه هارون الرشيد ،ألنه كان قد وقع بين والي العباسيين والشافعي في بعض البلدان
شيءٌ ما ،ألن الشافعي كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر جهارا جهارا ،ال تأخذه في اهلل لومة الئم.
فأوشى به هذا الوالي إلى الخليفة ،فأرسل هارون الرشيد أن يحضر الشافعي ،وكان معه تسعة نفر من العلوية ،ويقال أنه قتل
التسعة ،ونجى الشافعي بقوة حجته ،وشهادة القاضي محمد بن الحسن الشيباني.
وسبحان اهلل؛ هذا مالك يثني على الشافعي ،وهذا محمد بن الحسن ينقذ الشافعي.
وسنرى طرفا من أقوال أحمد في الثناء على الشافعي.
وهذا ما كان بين أهل العلم ،وما كان بين العلماء.
أما ما يقع اآلن من صغار الطالب ،والوقوع في العلماء ،وفي المشايخ ،وفي الدعاة إلى اهلل عز وجل ،بالسب ،والهمز ،واللمز؛
بخلق ألهل اإلسالم ،وليس ٍ
بخلق للنبي ﷺ ،وال الصحابة ،وال األئمة الكبار ،إنما هذا حجة من ال حجة له. فهذا ليس ٍ
ولذلك قال :نجا الشافعي بقوة الحجة ،وشهادة القاضي محمد بن الحسن الشيباني.
وتعلمون أن «محمد بن الحسن الشيباني» هو إمام المذهب الحنفي بعد أبي حنيفة ،وبعد أبو يوسف بن ابراهيم.
وقوة الحجة كانت بقوله للرشيد وقد وجه إليه التهمة بين النطع والسيف ،قال« :يا أمير المؤمنين؛ ما تقول في رجلين ،أحدهما
يراني أخاه ،واآلخر يراني عبده ،أيهما أحب إلي؟
قال :الذي يراك أخاه.
قال :فذاك أنت يا أمير المؤمنين ،إنكم ولد العباس وهم ولد علي ،ونحن بنو المطلب ،فأنتم وولد العباس تروننا إخوانكم ،وهم
يروننا عبيدهم.
قال :فألزمه الحجة.
وكان له من العلم حظ كبير ،ولذا رفع هارون الرشيد شأنه ،وقال :فخذه إليك حتى أنظر في أمره.
أي :القاضي محمد بن الحسن.
كان قدوم الشافعي بغداد في هذه المحنة سنة مائة وأربع وثمانون من هجرة النبي ﷺ ،وكان عمره أربع وثالثون سنة،
ف كانت هذه المحنة خيرا له؛ وجهته إلى طلب العلم بدل الوالية وتدبر شؤون السلطان ،وجلس على كتب محمد بن الحسن
فحفظها وقرأها.
وبدأ يدرس فقها للعراقيين ،وكذلك اجتمع له فقه الحجاز ،وفقه العراق.
4
فاجتمع لهما يغلب عليه النقل كفقه المدينة ،والذي يغلب عليه العقل كفقه العراق ،وتخرج بذلك على كبار الفقهاء في زمانه.
ولذلك قال ابن حجر :انتهت رئاسة الفقه في المدينة إلى مالك بن أنس ،فرحل إليه والزمه وأخذ عنه؛
وانتهت رئاسة الفقه في العراق إلى أبي حنيفة ،فأخذ عن صاحبه محمد بن الحسن حمال ليس فيه شيءٌ إال وقد سمعه عليه.
فاجتمع له ع لم أهل الرأي ،وعلم أهل الحديث ،فتصرف في ذلك حتى أصل األصول ،وقعد القواعد ،وأذعن له الموافق
والمخالف ،واشتهر أمره ،وعلى ذكره ،وارتفع قدره ،حتى صار منه مع صار .
ثم عاد الشافعي إلى مكة ،ووضع أول كتاب ،وهو كتاب [الرسالة في أصول الفقه].
أخذ يلقي الدروس في الح رم المكي ،والتقى به أكبر العلماء في موسم الحج ،واستمعوا إليه ،وفي هذا الوقت التقى به «أحمد
بن حنبل» .
يج ٍ
وقد أخذت شخصية الشافعي تظهر بفقه جديد ،ال هو فقه أهل المدينة وحدهم ،وال هو فقه أهل العراق وحدهم؛ بل هو مز ٌ
منهما ،وخالصة عقل الشافعي الذي أنضجه علم الكتاب والسنة ،وعلم العربية ،وأخبار الناس ،والقياس ،والرأي.
ولذلك كل من يلتقي به من العلماء يرى فيه عالما هو نسيج وحده.
ثم كانت رحلة الشافعي الثانية إلى بغداد ،ثم بعد ذلك رحل إلى مصر ،فلم يمكث في بغداد طويال حتى عاد إلى مصر.
وكان له في بغداد في الرحلة التي لم تستمر أكثر من سنتين ،كتب في الفقه ،وصنف في بغداد؛
ثم قدم إلى مصر سنة مائة وخمسة وتسعون من هجرة النبي ﷺ.
وصار له طريقةٌ في الفقه لم يُسبق بها ،وجاء وهو ال ينظر إلى الفروع فيفصل أحكامها ،وإلى المسائل الجزئية يفتي فيها فقط؛
بل جاء وهو يحمل قواعد كلية ،أصل أصولها ،وضبط بها المسائل الجزئية ،فقد جاء إذن بالفقه علما كليا ،ال فروع جزئية.
وكتب كتاب [الرسالة] ،وأعاد وضعه ،ثم أعاد النظر في المسائل الفقهية التي جمعها ،وبدأ يستدل بالقرآن ،والسنة،
واإلجماع ،والقياس ،وبيان الناسخ والمنسوخ ،ومراتب العموم.
فوضع الشافعي هذه األصول في كتاب [الرسالة] ،ولذلك لما قرأ عبدالرحمن بن مهدي قال :ما أظن أن اهلل عز وجل خلق
مثل هذا الرجل.
وقيل أن الشافعي قد صنف كتاب [الرسالة] وهو ببغداد ،ولما رجع إلى مصر أعاد تصنيف الرسالة.
ومكث في هذه المرة سنتين ،ثم عاد بعد ذلك إلى مصر ،ثم عاد إلى بغداد سنة مائة وثمانية وتسعون؛ وأقام أشهرا فيها ،ثم
سافر ورجع إلى مصر مرًة أخرى ،وقد وصل سنة مائة وتسعة وتسعين ،وظل بمصر حتى مات.
الشافعي كان يسافر إلى بغداد يريد طلب العلم ،ولما أراد السفر إلى مصر ،وظل بها كما قال الربيع بن سليمان.
قال الربيع بن سليمان :وقال لي يوما (يقصد الشافعي) ،كيف تركت أهل مصر؟
فقلت :تركتهم على ضربين ،فرقةٌ منهم قد مالت إلى قول مالك ،وأخذت به ،واعتمدت عليه ،وذبت عنه ،وناضلت عنه؛
وفرقةٌ قد مالت إلى قول أبي حنيفة ،فأخذت به ،وناضلت عنه.
5
ٍ
بشيء أشغلهم به عن القولين جميعا. فقال :أرجو أن أقدم مصر إن شاء اهلل ،وآتيهم
قال الربيع :ففعل ذلك واهلل حين دخل مصر.
ولما قدم الشافعي مصر على أخواله (األسد) ،نزل عليهم؛ ولذلك قال العلماء فعل كما فعل النبي ﷺ لما قدم المدينة
فنزل على أخواله.
وظل الشافعي مجادال لمخالفيه من المالكية ،ومن الحنفية بأسلوبه ،حتى مال إليه كثير من الناس.
لكنه لما نقض مذهب اإلمام مالك وقع في المتاعب والمصاعب ،ألن اإلمام مالكا كان له المكان األول بين المجتهدين
في مصر ،فثاروا على الشافعي ينتقضونه ،ويجرحونه ،ويطعنون عليه؛ حتى ذهب جمهرتهم إلى الوالي يطلبون إخراجه.
ولما وضع الشافعي كتابه على مالك ،ذهب أصحاب مالك إلى السلطان والتمسوا منه إخراجه ،أي الشافعي.
ولم ينتقد الشافعي آراء مالك فقط ،بل نقد من قبل آراء العراقيين ،أبي حنيفة وأصحابه ،وغيرهم من فقهاء العراق؛ كما نقد
آراء األوزاعي.
وكان ينابذ ،ويجد المتعصب من هؤالء المذاهب ،ويجادلهم بالحجة ،حتى صار هو اإلمام المعتبر.
وكان الشافعي غزير العلم ، أوتي العربية مع الكتاب والسنة ،وأصول المسائل ،ولقي علم الحديث فحفظ موطأ مالك،
وضبط قواعد السنة ،وكذلك علم بالناسخ والمنسوخ ،وتفقه في الرأي ،والقياس ،ووضع ضوابط القياس ،التي هي ستكون
أصول المذهب.
ومع هذا العلم ،كان الشافعي متواضعا مع كثرة علمه وتنوعه.
ومما يدل على ذلك قوله « :ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ؛ وما في قلبي من علم إال وددت أنه عند كل أحد وال ينسب
إلي».
اهلل أكبر..هذا هو اإلخالص بعينه.
ولذلك قال أحمد بن حنبل :قال لنا الشافعي؛ أنتم أعلم بالحديث والرجال مني ،فإذا كان الحديث صحيحا فأعلموني ،كوفيا
كان أو بصريا ،أو شاميا ،حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا.
وإذا انتقلنا إلى عبادة الشافعي وورعه ،فإنه كان ورعا كثير العبادة.
فقد كان يختم القرآن في كل ليلة ختمة؛ فإذا كان شهر رمضان ختم في كل ليلة منه ختمة ،وفي كل يوم ختمة ،فكان يختم في
شهر رمضان ستين ختمة للقرآن.
قال الحسن بن علي الكرابيسي :بت مع الشافعي ثمانين ليلة ،كان يصلي نحو ثلث الليل ،وال يمر بآية رحمة إال سأل اهلل
لنفسه وللمؤمنين أجمعين؛ وال يمر بآية عذاب إال تعوذ باهلل منها وسأل النجاة لنفسه ولجميع المسلمين ،وكأنما جمع له الرجاء
والرهبة.
كذلك للشافعي أقوال كثيرة ،وأحوال ،كثيرة ،نأخذ طرفا منها ،ومن أراد االستزادة فسنضع إن شاء اهلل تعالى ترجمة كاملة له.
6
أنا أختصر اختصارا حتى ال أطيل ،فالكالم عن اإلمام الشافعي يحتاج إلى محاضرات ومحاضرات.
سأضع هذه الترجمة إن شاء اهلل تعالى إلى اإلدارة ليطلعوكم عليها.
قال :طلب العلم أفضل من صالة النافلة.
ومن أقواله المأثورة :من أراد الدنيا فعليه بالعلم ،ومن أراد اآلخرة فعليه بالعلم.
وقال :ما تقرب إلى اهلل تعالى بشيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم.
نسا َن لَِفي ُخ ْس ٍر﴾ ص ِر * إِ َّن ِْ
اإل َ وقال :الناس في غفلة عن هذه السورةَ ﴿ :وال َْع ْ
قال أحمد بن حنبل عنه :كأن اهلل تعالى قد جمع في الشافعي كل خير( .اهلل أكبر).
هذا قول إمام من األئمة األربعة ،إمام المذهب الحنبلي أحمد بن حنبل.
قال :كأن اهلل تعالى قد جمع في الشافعي كل خير.
وقال الشافعي :ما كذبت قط؛ وال حلفت باهلل تعالى صادقا وال كاذبا.
وقال :ما تركت غسل الجمعة في برد ،وال سفر ،وال غيره.
وقال :ما شبعت منذ ست عشرة سنة ،إال شبعة طرحتها من ساعة.
وقال :من ال تعزه التقوى فال عز له.
وقال :خير الدنيا واآلخرة في خمس خصال :غنى النفس ،وكف األذى ،وكسب الحالل ،ولباس التقوى ،والثقة باهلل
تعالى على كل حال.
أقوال كثيرة لإلمام الشافعي .
وإذا أردنا أن نتكلم عن شيوخ الشافعي ،فحدث وال حرج.
نذكر طرفا يسيرا منهم :فإذا قلنا من المكيين ،فهذا سفيان بن عيينة ،ومسلم بن خالد ،وسعيد بن سالم القداح ،وداوود بن عبد
الرحمن العطار ،وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داوود.
وإذا قلنا من أهل المدينة ،فهذا مالك بن أنس ،وإبراهيم بن سعيد الزهري ،وعبدالعزيز بن محمد الداوردي ،وإبراهيم بن
محمد األسلمي ،وعبد اهلل بن نافع.
وإذا أردنا من أهل اليمن ،فهذا مطرف بن مازن الصنعاني ،وهشام بن يوسف الصنعاني ،وعمرو بن أبي سلمة التنيسي ،وغيرهم.
واذا قلنا من أهل العراق ،فهذا محمد بن الحسن الشيباني ،وهذا وكيع بن الجراح أمير المؤمنين ،وهذا حماد بن أسامة بن
زيد ،وإسماعيل بن إبراهيم بن مخصم.
وغيرهم من العلماء الذين ال حصر لهم.
جمع من العلماء ،منهم أحمد بن حنبل حيث قال :إن اهلل يبعث لهذه األمة على رأس كل مائة سنة من يقرر لها
وأثنى عليه ٌ
دينها ،فكان عمر بن عبد العزيز على رأس المائة ،وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة األخرى.
7
وقال عبد اهلل بن أحمد بن حنبل :قلت ألبي؛ أي رجل كان الشافعي؟ ،فإني أسمعك تكثر من الدعاء له.
فقال له :يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا ،وكالعافية للناس ،فانظر هل لهذين من خلف أو فيهما عوض.
وذكر العلماء ثناء كثيرا على الشافعي.
نذكر طرفا منه أيضا :فهذا أبو عبيد القاسم بن سالم قال :ما رأيت رجال أعقل من الشافعي.
وقال :ما رأيت رجال قط أعقل ،وال أورع ،وال أفصح من الشافعي.
وهذا يونس بن عبد األعلى قال :ما رأيت أحدا أعقل من الشافعي ،لو جمعت أمة فجعلت في عقل الشافعي لوسعهم عقله.
وتوفي الشافعي آخر ليلة من رجب ،سنة مئتين وأربع؛ وقد بلغ من العمر أربعة وخمسين عاما.
توفي ليلة الجمعة ،بعد العشاء اآلخرة ،بعدما صلى المغرب ،في آخر يوم م ٍن رجب؛ ودفن يوم الجمعة.
وقال :فانصرفنا ،فرأينا هالل شعبان ،سنة أربع ومئتين.
ومات الشافعي منذ أكثر من ألف ومئتي وثالثين سنة ،وما زال يذكر ،وينتشر مذهبه في البالد.
فها هو ينتشر في بالد الشام ،وفي مصر ،والسودان ،والعراق ،والحجاز ،واألحساء ،واليمن ،والبحرين ،وفارس ،وخراسان ،وما
ورائهما ،وكردستان ،وأرمينيا ،والقوقاز؛ وكذلك شرق آسيا ،والهند ،وغيرها من البالد.
بل انتشر في إفريقيا الشرقية فقه اإلمام الشافعي .
هذا باختصا ٍر شديد ما أردت أن أشير إليه ،وأعتذر عن هذا االختصار ،ولكن هذا من باب اإلشارة ،وليس من باب الحديث
عن اإلمام الشافعي .
ثم ننتقل إلى العنصر الثاني :وهو األصول التي أصل عليها اإلمام الشافعي كتابه أو مذهبه.
بنى الشافعي مذهبه على أربعة أصول:
8
األصل الثاني :هي السنة النبوية الصحيحة الصريحة ،فكان يأخذ بسنة رسول اهلل ﷺ.
وقد اشتهر عن اإلمام الشافعي أنه كان يقول :كل قول لي رأيتم قول رسول اهلل ﷺ يخالفه فاضربوا بقولي عرض
الحائط ،وخذوا بقول النبي ﷺ.
واشتهر عنه أنه قال :إذا صح الحديث فهو مذهبي.
ولذلك كان اإلمام البيهقي وهو شافعي يقول :وهذا مذهب الشافعي ألنه قال إذا صح الحديث فهو مذهبي.
9
«والجديد» :هو الذي ألفه في مصر.
والمحققون في المذهب الشافعي يرون أن المذهب الجديد المتأخر ينسخ المتقدم ،فعندهم الفتوى على المذهب
الجديد؛ إال في عشرين مسألة فقط ،يفتون فيها على المذهب القديم.
ثانيا من المصطلحات المشهورة في المذهب الشافعي أنه يقول« :في المسألة وجهان».
-إذا األولى :في المسألة قوالن.
-الثانية :في المسألة وجهان.
فالمراد «بالوجه» :هو تخريج األصحاب ،أي أصحاب الشافعي ،على أصول الشافعي.
وأبرع الناس الذين يخرجون على أصل الشافعي «القفال وطبقته».
فيخرجون على أصل الشافعي.
مثال توجد مسألة لم يرد فيها قول عن الشافعي؛ فيأتي القفال فينظر في أصول الشافعي التي أصلها في كتابه
[الرسالة] مثال؛ والتي كان الشافعي يمشي عليها؛ فيخرج له قوال في هذه المسألة على أصول الشافعية.
فيسمى هذا في المذهب وجها ،وال يسمى قوال.
«فالقول» :ما ينسب للشافعي بلسانه.
«والوجه» :ما ينسب المخرج المجتهد في المذهب ،ويعتبر وجها معتمدا للشافعي ،ولو لم يقل به الشافعي.
10
المصطلح الخامس« :المشهور».
وهذا المصطلح فيه داللة على أن في هذه المسألة خالفا ضعيفا.
بخالف الصحيح ،أو األظهر.
مهجور ،وما يهجره أحد إال لضعفه.
ٌ أي هما قوالن ،ولكن القول الثاني
ننتقل إلى الكتاب الذي بين أيدينا[ :اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع].
هذا الكتاب يحتوي على كتاب شرح ،ومتن أيضا.
والمتن هو متن «الغاية والتقريب»؛ للقاضي «أبي شجاع؛ أحمد بن الحسين».
أما نسبه :فهو القاضي أبو شجاع ،أحمد بن الحسين.
وبعضهم يقول :الحسن بن أحمد األصفهاني العباداني الشافعي.
ولد سنة أربعمائة وثالث وثالثون من هجرة النبي ﷺ.
واشتهر هذا العالم بأنه إمام من أئمة المذهب الشافعي.
قال اإلمام الباجوري :وهو إمام الناس ،كان عابدا صالحا ،واشتهر في اآلفاق بالعلم والديانة.
وتولى الوزارة سنة أربعمائة وسبع وأربعون من هجرة النبي ﷺ؛ فنشر العدل والدين.
وكذلك روي عنه أنه كان ال يخرج من بيته حتى يصلي ويقرأ من القرآن ما أمكنه؛ وال تأخذه في الحق لومة الئم.
وكان له عشرة أنفار يفرقون على الناس الزكوات ،ويتحفونهم بالهبات ،يصرف على يد الواحد منهم مائة وعشرين ألف دينار؛
فعم إنعامه الصالحين واألخيار ،ثم زهد في الدنيا.
11
درس القاضي أبو شجاع بالبصرة أزيد من أربعين سنة في مذهب اإلمام الشافعي .
َّ
ثم أقام بالمدينة المنورة ،يكنس المسجد الشريف ،ويفرش الحصر ،ويشعل المصابيح ،إلى أن مات أحد خدام الحجرة
الشريفة ،فأخذ وظيفته إلى أن مات ،سنة خمسمائة وثالث وتسعون من هجرة النبي ﷺ.
وقيل دفن بمسجده الذي بناه عند باب جبريل؛ والصحيح أنه دفن بالبقيع ،قرب إبراهيم ولد النبي ﷺ.
وقد عاش أبو شجاع مائة وستين سنة ،ولم يختل له عضو من أعضائه؛ فقيل له في ذلك ،قال :ما عصيت اهلل بعضو
منها ،فلما حفظتها في الصغر عن المعاصي ،حفظها اهلل في الكبر.
وال يعرف له تأليف غير كتاب «غاية االختصار».
وقال عن هذا الكتاب شارحه اإلمام شمس الدين «محمد بن أحمد الخطيب الشربيني» ،قال« :إن اهلل تعالى قد علم من
مؤلفه خلوص نيته في تصنيفه ،فعم النفع به ،فقل من متعلم إال ويقرأه أوال ،إما بحفظ ،وإما بمطالعة.
كثير من العلماء ،ففي ذلك داللة على أنه كان من العلماء العاملين ،القاصدين بعلمهم وجه اهلل تعالى ،جعل
وقد اعتنى بشرحه ٌ
اهلل تعالى قراه الجنة ،وجعله في أعلى عليين ،إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وألهمية هذا الكتاب ،أي كتاب «غاية االختصار» ،قال :تناوله العلماء بخدمته شرحا ،وتحشيةً ،وتعليقا ،وتقريرا ،ونظما ،كثير
من األئمة.
مثل:
« -الموجز في شرح مختصر أبي شجاع»؛ لجمال الدين ،وجمال اإلسالم ،الكرابيسي النيسابوري.
« -تحفة اللبيب في شرح التقريب».
« -الكفاية في شرح الغاية»؛ للحافظ محمد بن علي ،الملقب بابن دقيق العيد.
« -كفاية األخيار في حل غاية االختصار»؛ لإلمام تقي الدين أبي بكر بن محمد الدمشقي.
-كذلك «شرح مختصر ابن أبي شجاع»؛ ألحمد البخصاصي.
« -فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب».
« -حاشية القليوبية على شرح أبي شجاع».
شروح كثيرة موجودة لهذا الكتاب.
ٌ
ومن شروحه« :اإلقناع في حل ألفاظ متن أبي شجاع»؛ لمحمد بن أحمد الخطيب الشربيني؛ الذي هو معنا اليوم إن شاء
اهلل تعالى ،وسنعلق عليه.
ولهذا المتن نظم مختصر ،وهو «الكفاية في نظم الغاية»؛ نظم مختصر أبي شجاع ،وغيرها من المختصرات.
بل ترجم هذا المتن إلى الفرنسية ،وإلى األلمانية كذلك.
12
ثم نترجم لصاحب هذا الكتاب اإلقناع:
هو اإلمام «شمس الدين؛ محمد بن أحمد الخطيب الشربيني القاهري الشافعي».
هو الشيخ اإلمام العالم العالمة الهمام« ،شمس الدين؛ محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي القاهري»؛ الفقيه المفسر
المتكلم النحوي ،ولد في شربين ،بمحافظة الدقهلية ،وإليها ينسب.
ثم انتقل إلى القاهرة ،واستوطنها حتى توفي.
أجازه شيوخه باإلفتاء والتدريس ،فدرس وأفتى في حياة أشياخه ،وانتفع به خالئ ٌق ال يحصون.
أجمع أهل مصر على صالحه ،ووصفوه بالعلم والعمل ،والزهد والورع ،وكثرة النسك والعبادة.
كان من عادته أن يعتكف من أول رمضان ،فال يخرج من الجامع إال بعد صالة العيد.
وكان إذا حج ال يركب إال بعد تعب شديد ،وكان يمشي كثيرا عن الدابة.
وكان إذا خرج من بركة الحاج ،لم يزل يعلم الناس المناسك ،وآداب السفر ،ويحثهم على الصالة ،ويعلمهم كيف القصر
والجمع.
كان يكثر من تالوة القرآن في الطريق وغيره.
وكان إذا كان بمكة أكثر من الطواف ،ومع ذلك كان يصوم بمكة ،والسفر ،أكثر أيامها ،ويؤثر على نفسه.
وقال عنه كثير من العلماء ،ومنهم الشعراني ،قال :ما رأت عيني في الثالث سفرات التي سافرتها أحدا حج من العلماء وتورع
في مأكله وملبسه مثل أخي الشيخ الصالح شمس الدين الخطيب الشربيني ،المفتي بجامع األزهر ،فسح اهلل في أجله ،فإني
رأيته ال يقبل من ٍ
أحد شيئا لنفقته في الطريق ،وكان يكري له جمال وال يكاد يركب.
شرح لمتن أبي شجاع ،وألفه وفرغ منه
وجمع الخطيب الشربيني كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ متن أبي شجاع] ،وهو ٌ
سنة تسعمائة واثنين وسبعين من هجرة النبي ﷺ ،وله ٌ
شرح مطول ،واختصر هذا الشرح.
وظل كذلك حتى توفي بعد العصر يوم الخميس ،الثامن من شعبان ،سنة سبع وسبعين وتسعمائة ،ودفن بالقاهرة .
وأما العنصر األخير وهو الكتاب الذي بين أيدينا [اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع].
شروح كثيرة.
فمتن [الغاية والتقريب] ،أو [متن أبي شجاع] له ٌ
لكن تميز هذا الشرح دون غيره ،أنه أتى بعد أن شرح مؤلفه كتب أبي اسحاق الشيرازي ،وكذلك المنهاج للنووي ،ثم أتى
اإلقناع كمختص ٍر للشرحين السابقين ،بل خالصةٌ لهما ،فهو يحيل دائما لطالب التوسع لشرحيه المذكورين.
ويعد فقهاء الشافعية أن الفتوى تدور على «شرح المنهاج» بعد «تحفة المحتاج» البن حجر الهيثمي،
و [نهاية المحتاج] للرملي ،وكالم القاضي زكريا في شرحه الصغير على [البهجة] ،ثم [شرح المنهاج].
وهذه األهمية األولى ،أن كتاب اإلقناع جاء بعد أن شرح مؤلفه كتابين في المذهب.
13
األهمية الثانية :أن هذا الكتاب من كتب الخطيب الشربيني الذي رزق الصدق ،واإلخالص ،وصفاء النية ،والتواضع؛ وكلها
صفات ترزقه الصواب والقبول.
ٌ
قال الشيخ محمد بن سليمان الكردي في «الفوائد المدنية» :وقد رزق الخطيب في كتبه الحالوة في التعبير وإيضاح
العبارة كما هو مشاه ٌد محسوس في كالمه في كتبه؛ وهلل در العالمة.
حتى قال فيه أبيات.
واعتمدت هذه الطبعة من الكتاب ،وسوف نقوم إن شاء اهلل تعالى بالتعليق على هذا الكتاب تعليقا يسيرا.
إن شاء اهلل تعالى سنبدأ اليوم بشرح المقدمة ،والمقصود بالمقدمة أي مقدمة المتن ،متن أبي شجاع ،والتعليق عليها من كتاب
الخطيب الشربيني.
وأنا سوف أختصر ،ال أقول أني ازعم أني استفرغ الوسع في قراءة الكتاب كامال.
ولكن ستوضع نسخة من الكتاب لمن أراد أن يتوسع.
قال الماتن؛ إذا قلت «الماتن» فهو أبو شجاع؛
وإذا قلت «الشارح» فهو اإلمام الخطيب الشربيني.
قال الماتن [ :بسم اهلل الرحمن الرحيم ،الحمد هلل رب العالمين ،وصل اللهم على سيدنا محمد النبي ،وآله وصحبه
أجمعين .أما بعد؛ فقد سألني بعض األصدقاء حفظهم اهلل تعالى ،أن أعمل مختصرا في الفقه على مذهب اإلمام الشافعي رضي
اهلل تعالى عنه ،في غاية االختصار ،ونهاية اإليجاز ،يقرب على المتعلم درسه ،ويسهل على المبتدأ حفظه ،وأن أكثر فيه من
التقسيمات ،وحصر الخصال؛ فأجبته إلى ذلك ،طالبا للثواب ،راغبا إلى اهلل تعالى في التوفيق للصواب ،إنه على ما يشاء
طيف خبير].
قدير ،وبعباده ل ٌ
هذه هي مقدمة الماتن.
قال الشارح :قال[ :بسم اهلل الرحمن الرحيم].
أي :أبتدئ أو أفتتح أو أؤلف هذا الكتاب بالبداءة ببسم اهلل الرحمن الرحيم.
وبسم اهلل أبدأ ،أو أبدأ بسم اهلل؛ كما كان المعنى.
قال العرب :بسم اهلل أرحل ،أو بسم اهلل أرتحل.
و «االسم» :مشت ٌق من السمو ،وهو العلو ،و «اهلل» :علم على ذات اهلل الواحد األحد.
ِ
قال تعالىَ ﴿ :ه ْل تَـ ْعلَ ُم لَهُ َسميًّا﴾ ،قال تعالى﴿ :قُ ْل ُه َو اللَّهُ أ َ
َح ٌد﴾
علم على ذات اهلل تعالى ،ال يتسمى به أحد ،وهو من جملة األسماء التي يختص بها اهلل وحده
فلفظ الجاللة «اهلل» ٌ
سبحانه وتعالى.
14
«الرحمن الرحيم» :صفتان متشابهتان ،بينهما توافق ،ويبنيان للمبالغة من مصدر رحم.
والرحمن أبلغ من الرحيم ،ألن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى ،ورحمن الدنيا واآلخرة ،رحيم اآلخرة.
«الحمد هلل» :بدأ بالبسملة ،ثم بالحمدلة ،اقتداء بالكتاب العزيز ،وعمال بخبر" :كل أمر ذي بال (أي حال يهتم به)
ال يبدأ ببسم اهلل الرحمن الرحيم ،فهو أقطع".
والحديث وإن كان ضعيفا ،إال أن معناه صحيح ،وجرى عليه أهل العلم ،وجمع المصنف كغيره بين االبتداءين
عمال بالروايتين؛ رواية البسملة ،ورواية الحمد.
«الحمد اللفظي» :هو الثناء باللسان على اهلل تعالى ،والثناء الجميل على وجه التعظيم؛
سواء تعلق «بالفضائل» وهي النعم القاصرة ،أو «بالفواضل» وهى النعم المتعدية.
فدخل في «الثناء» الحمد وغيره؛
وخرج «باللسان» الثناء بغيره ،كالحمد بالقلب وغيره.
كذلك «الشكر» :هو الحمد.
وعرفا :صرف العبد جميع ما أنعم اهلل تعالى به عليه من السمع وغيره إلى ما خلق ألجله.
«والمدح» :هو الثناء باللسان على الجميل مطلقا على جهة التعظيم.
وعرفا :ما يدل على اختصاص الممدوح بنوع من الفضائل.
وجملة «الحمد هلل» خبرية لفظا ،إنشائية معنى ،لحصول الحمد بالتكلم مع اإلذعان بمدلولها.
ويجوز أن تكون موضوعة شرعا لإلنشاء ،فالحمد مختص هلل تعالى كما أفادته الجملة ،سواء جعلت فيه األلف والالم
لالستغراق كما عليه الجمهور ،وهو ظاهر؛ أم للجنس كما عليه الزمخشري.
ك ِذ ْك َر َك﴾
قال« :وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد» :وهذا من باب قول اهلل تعالىَ ﴿ :وَرفَـ ْعنَا لَ َ
فإذا ذكر اهلل تعالى ،ذكر النبي ﷺ.
وفي صحيح ابن حبان ،يقول الشافعي :أحب أن يقدم المرء بين يدي خطبته الثناء على اهلل ،والصالة على
النبي ﷺ ،والصالة من اهلل تعالى رحمةٌ مقرونةٌ بتعظيم ومن المالئكة استغفار ،ومن اآلدميين تضر ٌ
ع ودعاء.
قال «وعلى آله» :وهم على األصح مؤمنو بني هاشم وبني المطلب.
15
وقيل :كل مؤم ٍن تقي ،وقيل :أمته؛ واختاره ٌ
جمع من المحققين.
«وصحبه أجمعين» :صحبه جمع صاحب ،والصحابي من اجتمع مؤمنا بالنبي ﷺ في حياته ولو ساعة واحدة ،ثم مات
على اإلسالم.
وقوله «وصحبه أجمعين» :تأكيد.
قال «أما بعد» :وهذه كلمة يؤتى بها لالنتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر.
وقال «فقد سألني» :أي طلب مني.
«بعض األصدقاء» :واألصدقاء جمع صديق ،وهو الخليل.
«أن أعمل مختصرا» :أي أصنف.
«مختصرا» :وهو ما قل لفظه وكثر معناه ،ال مبسوطا مطوال ،وال مخال ال يفهم.
قال «في علم الفقه» :الذي هو المقصود بين العلوم بالذات ،وباقيها كاآلالت ،ألنه به يعرف الحالل والحرام واألحكام.
وإذا أردنا أن نتكلم في الفقه وتعريفه سيأتي ان شاء اهلل تعالى.
َّ ِ َّ ِ
ين َال يَـ ْعلَ ُمو َن﴾ وفضل «الفقه» كما قال تعالى﴿ :قُ ْل َه ْل يَ ْستَ ِوي الذ َ
ين يَـ ْعلَ ُمو َن َوالذ َ
شى اللَّ َه ِمن ِعب ِ
ادهِ الْعُلَ َماءُ﴾ ب ِز ْدنِي ِعل ًْما﴾ ،وقال تعالى﴿ :إِنَّ َما يَ ْخ َ وقال تعالىَ ﴿ :وقُل َّر ِّ
ْ َ
وقال النبي ﷺ" :من يرد اهلل به خيرا يفقه في الدين".
16
«مذهب» :أي ما ذهب إليه اإلمام الشافعي من األحكام والمسائل التي ذهب إليها.
وقد تكلمنا في ترجمة إمام المذهب قبل قليل.
«في غاية االختصار» :أي بالنسبة لهذا المتن.
«ونهاية اإليجاز ،يقرب على المتعلم درسه ،ويسهل على المبتدئ حفظه وأن اكثر فيه من التقسيمات»:
«نهايةٌ في اإليجاز» :أي في القصر ،ال يكون طويال ممال ،وال قصيرا مخال.
«يقرب» :أي لوضوح العبارة.
«على المتعلم» :أي المبتدئ في التعليم.
«درسه» :بسبب االختصار.
«ويسهل» :أي يتيسر على المبتدئ ،أي طالب الفقه «حفظه».
قال« :وأن أكثر فيه من التقسيمات» :يحتاج إلى تقسيمه من األحكام الفقهية اآلتية؛ كالمياه وغيرها.
قال «وحصر الخصال» :أي ضبط الخصال الواجبة والمندوبة.
«فأجبته إلى ذلك» :أي السائل ،إلى تصنيف هذا المختصر بالكيفية المطلوبة.
«طالبا» :أي مريدا للثواب والجزاء من اهلل عز وجل.
صالح يدعو له".
ٌ قال ﷺ" :إذا مات ابن آدم انقطع عمله إال من ثالث ،صدقةٌ جارية ،أو ٌ
علم ينتفع به ،أو ول ٌد
«وراغبا» :ملتجئا إلى اهلل تعالى في اإلعانة على فضله وحصول التوفيق.
لطيف خبير»:
«إنه على ما يشاء قدير سبحانه ،وبعباده ٌ
اسم من أسماء اهلل تعالى ،واللطف أي الرأفة والرفق؛ وهو من اهلل تعالى.
اللطيفٌ :
والتوفيق والعصمة :بأن يخلق قدرة الطاعة على العبد.
عالم بعباده ،وبأفعالهم ،وبأقوالهم ،وبمواضع حوائجهم ،وما تخفيه صدورهم ،إنه ولي
وقوله «خبير» :من أسمائه أيضا سبحانهٌ ،
ذلك والقادر عليه.
أحبتي في اهلل؛ وبذلك تنتهي المقدمة ،وينتهي الدرس األول من دروس الفقه الشافعي.
أسأل اهلل العظيم ،رب العرش الكريم ،أن يجمعنا بنبيه ،وبأئمة العلم والفقه والحديث وغيرهم به ﷺ.
هذا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أال إله إال أنت نستغفرك ونتوب إليك.
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
17
المحاضرة الثـانيــة
اليوم إن شاء اهلل تعالى نبدأ في شرح هذا الكتاب.
قال الماتن [ :كتاب الطهارة].
قال الشارح« :الكتاب» أي هذا بيان أحكام الطهارة.
قال :واعلم أن الكتاب لغ ًة معناه :الضم والجمع.
يقال :كتبت كتابًا وكتابةً وَك ْتبا.
ومنه قولهم «تكتب بنو فالن» ،إذا اجتمعوا.
وكتب :إذا خط بالقلم ،لما فيه من اجتماع الكلمات والحروف.
ٍ
مختصة من العلم ،ويعبر عنها بالباب ،وبالفصل أيضا ،فإن جمع بين الثالثة قيل الكتاب. ٍ
لجملة اسم
واصطالحاٌ :
ٍ
فصول ومسائل غالبًا. ٍ
مشتملة على ٍ
مختصة من الكتاب ٍ
لجملة اسم
والبابٌ :
والباب لغةً :ما يتوصل منه إلى غيره.
والفصل لغةً :الحاجز بين الشيئين.
18
ثم قال الماتن [ :أنواع المياه التي يجوز التطهر بها].
المياه :جمع ماء.
والمقصود بالتي يجوز التطهر بها :أي بك ٍل منها عن الحدث والخبث.
والحدث في اللغة :الشيء الحادث.
وفي الشرع :يطلق على أم ٍر اعتباري يقوم باألعضاء يمنع من صحة الصالة ،حيث ال مرخص.
وصف قائم بالبدن ال يُعلم إال إذا أخبر صاحبه عنها.
ٌ أمر اعتباري :أي
ومعنى ٌ
اء لِّيُطَ ِّه َرُكم بِ ِه﴾ أما ماء السماء فلقوله تعالى﴿ :ويـنـ ِّز ُل علَي ُكم ِّمن َّ ِ
الس َماء َم ً َ َ َُ َ ْ
19
وبدأ به ألنه كما قال أهل العلم أشرفها ،أي أشرف أنواع المياه.
والذي ينزل من السماء قالوا أنه أشرف من الذي ينبع من األرض.
قال في المجموع :وهو األصح.
والمراد بالسماء في اآلية :الجرم المعهود ،أو السحاب.
قوالن حكاهما النووي.
هل ينزل من السماء أم ينزل من السحاب؟
20
ألن النبي ﷺ قال" :ماء زمزم طعام طعم".
وقال" :ماء زمزم لما شرب له".
فضل على غيره.
وله ٌ
21
يخل عن تقييد.
فإنه مطلق ،مع أنه لم ُ
كذلك أعطي جواز التطهر به ضرورًة ،وهو مستثنى من غير المطلق.
وكذلك ال يرد الماء القليل الذي وقعت فيه نجاسة فلم تغيره وهو دون القلتين؛ وال الماء المستعمل ألنه غير مطلق.
فهذه القيود وهذه األنواع تخرج عن كونها مطلق ،ال يجوز التطهر بها.
ضا الماء تنز ًيها ،إذا اشتد البرودة أو السخونة ،في الطهارة ،لمنعه اإلسباغ.
قال :ويكره أي ً
وكذا كره بعض أهل العلم مياه ثمود ،أي أبيار ثمود وديار ثمود.
ٍ
مغصوب على أهله فإنه مكروه. وكذلك كل
22
قال[ :وهو الماء المستعمل] ،أي وكان قليال ،واستعمل في فرض الطهارة عن ٍ
حدث كالغسلة األولى.
طاهر في نفسه قال الشارح :ألن السلف الصالح كانوا ال يتحرزون عما يتطاير عليهم منه.
أما كونه ٌ
وفي الصحيحين من حديث جابر ،أنه ﷺ عاده في مرضه ،فتوضأ وصب عليه من وضوئه.
وأما كونه غير مطه ٍر لغيره ،فألن السلف الصالح كما قال الشارح ،كانوا مع قلة مياههم لم يجمعوا المستعمل
لالستعمال ثانيًا ،بل انتقلوا إلى التيمم.
يعني كان الماء قليال ،فلم يجمعوه لكي يتوضؤوا به مرةً أخرى ،إنما إذا فرغ الماء انتقلوا إلى التيمم.
فدل ذلك على أنه غير مطه ٍر لغيره.
وهنا اختلف العلماء كما قال الشارح في علة منع استعمال الماء المستعمل.
فقيل :األصح أنه غير مطلق ،وصححه النووي.
وقيل :بل مطلق ،لكن ُمنع من استعماله تعب ًدا ،كما جزم به الرافعي.
وقال النووي إنه الصحيح عند األكثرين.
إ ًذا المنع منه إما ألنه صار ماء غير مطلق ،وإما ألن العلة تعبدية.
قال[ :والمتغير؛ سواء تغير اللون ،أو تغير الطعم ،أو تغيرت الرائحة ،بما خالطه» :أي من األعيان.
«الطاهرات» :التي ال يمكن فصلها عنه؛ كالمسك ،والزعفران ،وماء الشجر ،والملح الجبلي.
ماء مقيدا.
كثيرا فإنه ال يسمى ماء مطلقا ،إنما صار ً
قليال أو ً
وإذا تغير اسمه؛ كالمرق ،والشاي ،فهنا سواء كان ً
23
يقال :ماء ورد ،ماء الشجر ،ماء زعفران.
أو يخرج عن إطالقه ويغير االسم بالكلية.
يقال :هذا مرق ،هذا شاي ،هذا كذا ،هذا عصير.
هذا ماء وضع فيه شيء فصار كلون العصير ،أو كطعم الرمان ،أو كريح المسك.
ماء طاهرا في نفسه ،غير مطه ٍر لغيره.
فكل هذا يصير ً
يستثنى من ذلك «الملح المائي» فإنه ال يضر ،ألنه منعق ٌد من الماء.
تغير يسي ٍر بطاه ٍر ال يمنع االسم ،لتعذر صون الماء عنه ،فهذا يظل على طهوريته.
¤كذلك ال يضر ٌ
ٍ
بمكث وإن فحش التغير. تغير
¤كذلك ال يضر ٌ
¤كذلك لو تغير بطي ٍن ،وطح ٍ
لب ،وفي مقره وممره؛ ككبريت وغيرهم ،ال يضر.
¤كذلك ال يضر إذا تغير الماء بأوراق الشجر المتناثرة والمتفتتة المختلطة به ،فهو ال يضر ،ألنه يتعذر صون
الماء عنها ،ألن طرحت فإنهم اختلفوا فيها.
كثيرا فتغير].
نجس ،وهو الذي حلت فيه نجاسةٌ وهو دون القلتين ،أو كان ً
قال[ :وماءٌ ٌ
هذا هو النوع الرابع من أنواع المياه.
ونذكر بالثالثة األول ،قال:
مطهر لغيره.
طاهر في نفسه ٌ
ماءٌ مطلق ،يرفع الحدث ويزيل الخبثٌ ،
وماءٌ يكره على المذهب ،والراجح أنه ال يكره ،وهو الماء المشمس.
وماء طاهر في نفسه غير مطهر لغيره ،وهو الماء المستعمل أو المتغير بوصف؛ ٍ
كلون ،أو ٍ
طعم ،أو رائحة. ٌ ٌ
24
معناه أن ما كان دونهما فإنه يحمل الخبث.
ولذلك قال العلماء :إن مفهوم الحديث ،أن الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة فإنه ينجس وإن لم يتغير.
أما الماء الكثير إذا وقعت فيه نجاسة فإنه ال ينجس إال إذا تغير أحد أوصافه الثالثة؛ إما لون ،وإما طعم ،وإما رائحة.
ضا بقول النبي ﷺ ،لما جاء في الصحيحين" :إذا استيقظ أحدكم من نومه فال يغمس يده في
واستدلوا لذلك أي ً
اإلناء حتى يغسلها ثالثًا فإنه ال يدري أين باتت يده".
ضا قالوا إن النبي ﷺ نهى عن الغمس خشية النجاسة.
أي ً
نجسا باإلجماع ،وإن بلغ ما بلغ.
أما الكثير ،فإذا تغير أحد األوصاف صار ً
والمخصص بالقلتين أو بما دونهما هو الذي يستثنى من هذا القيد.
وألن النبي ﷺ لما سئل عن بئر بضاعة قال" :الماء ال ينجسه شيءٌ".
وهذا يقولون خصصه مفهوم خبر القلتين.
ومع ذلك نقول :إن الماء على المذهب ،إذا وقعت فيه نجاسة ،فإنه ال ينجس ،إنما يُمنع من استعماله في رفع
الحدث.
لكن ترد علينا مسألة ،إذا شك في الماء هل بلغ القلتين أم ال ،ووقعت فيه نجاسة فلم تغيره!!
هنا في المذهب رأيان؛ أصحهما الثاني :األول :أنه ينجس ،والثاني :أنه ال ينجس.
واختاره النووي ،أي الثاني ،حيث قال في شرح المهذب :الصواب أنه ال ينجس إذ األصل الطهارة ،وشككنا في
ٍ
نجاسة متنجسة ،وال يلزم من حصول النجاسة التنجيس.
هنا هذا هو النوع الثاني.
سائل أصالة؛
لكن استثنى العلماء من الماء النجس ميتة ال دم لها ٌ
ٍ
وبرغوث؛ ٍ
ووزغوذباب ،وقمل، كزنبوٍر ،وعقرب،
إذا وقعت في الماء فماتت فيه ،فإنه ال ينجس.
لماذا؟ لحديث البخاري" :إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء ،وإنه
يتقى بجناحه الذي فيه الداء".
وقد يفضي غمسه إلى موته ،فلو نجس المائع لما أمر به ﷺ.
ضا نجس ال يشاهد بالبصر لقلته؛ كنقطة ٍ
بول ،وخم ٍر ،وما يعلق بنحو رجل ذباب ،لعسر االحتراز عنه، ويستثنى أي ً
ٌ
فأشبه دم البراغيث.
كذلك يُعفى عن الدم الباقي على اللحم والعظم ،فإنه يعفى عنه.
حيوان طاه ٍر من هرةٍ أو غيرها ثم غاب وأمكن فإنه طاهر.
ٍ ولو تنجس فم
25
ثم ذكر قال[ :والقلتان خمسمائة ٍ
رطل بالبغدادي].
واختلفوا في القلتين :وقدرها بعض العلماء بمقدار عصرنا أنها :ذراعٌ وربع ،طوال وعرضا وعمقا.
قليال أو تنقص.
وقدرها بعضهم بأنها مئتي لتر تزيد ً
إذًا خالصة ما سبق:
26
قال[ :إال جلد الكلب والخنزير ،وما تولد منهما أو من أحدهما].
نجس إال شعر اآلدمي].
[وعظم الميتة وشعرها ٌ
هنا يذكر المصنف ،أنواع النجاسات.
قوال واح ًدا في المذهب ،أن جلد الكلب والخنزير ال يطهر بالدباغ.
قال :إال جلد الكلب والخنزير ،وهو ً
قال :ألن الحياة في إفادة الطهارة أبلغ من الدبغ ،والحياة ال تفيد الطهارة ،فكذلك ال يطهر الجلد بالدباغ.
أما الشعر المنفصل من اآلدمي ،سواء انفصل منه حال حياته ،أو بعد موته ،فإنه طاهر.
لقوله تعالىَ ۞﴿ :ولََق ْد َك َّرْمنَا بَنِي َ
آد َم﴾
وقضية التكريم أال يحكم بنجاسته للموت .ويستوي في ذلك المسلم وغير المسلم ،ألنه قال اآلدمي.
27
أما قوله تعالى﴿ :يَا أَيُّـ َها الَّ ِذين َ ِ
آمنُوا إنَّ َما ال ُْم ْش ِرُكو َن نَ َج ٌ
س﴾ َ
المراد نجاسة االعتقاد ال نجاسة األبدان.
ضا يستثنى من الميتة :السمك ،والجراد ،فإنهما طاهران حالل.
أي ً
لقوله ﷺ" :أُحلت لنا ميتتان ودمان :السمك والجراد ،والكبد والطحال".
وكذلك كل الجمادات طاهرة ،فكل ٍ
جماد طاهر ،ألنه ُخلق لمنافع العباد ولو من بعض الوجوه.
واهلل عز وجل يقولُ ﴿ :ه َو الَّ ِذي َخلَ َق لَ ُكم َّما فِي ْاأل َْر ِ
ض َج ِم ًيعا﴾
وإنما يحصل االنتفاع أو يكمل بالطهارة ،إال ما نص الشارع على نجاسته ،وهو كل مسك ٍر خمر ،وكل خم ٍر حرام.
ضا ،كالكلب والخنزير.
وكذا الحيوان كله طاهر ،إال ما استثناه الشارع أي ً
والكلب ولو معلما.
لقول النبي ﷺ" :طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع ٍ
مرات أُوالهن بالتراب" .رواه مسلم.
حاال من الكلب ،وما تولد منهما أو من أحدهما.
وهذا إنما أمر به لخبثه ،والخنزير ألنه أسوأ ً
ت َعلَْي ُك ُم ال َْم ْيتَةُ َّ
والد ُم﴾ كذلك من النجاسات الدم المسفوح .لقوله تعالىُ ﴿ :ح ِّرَم ْ
دم مستحيل.
ومنه القيح ألنه ٌ
والقيءٌ ،وإن لم يتغير ،وهو الخارج من المعدة.
ضا من النجاسات بول اآلدمي.
وأي ً
ألن النبي ﷺ أمر بإراقة الماء على بول األعرابي.
والمذي :ألنه أمر ﷺ بغسله ،قال" :توضأ واغسل ذكرك".
ثخين ،يخرج عقب البول" .وهذا قياسا على ما قبله".
كدرٌ ،
والودي :وهو ماءٌ أبيضٌ ،
ٌ
28
وهنا يؤخذ فائدة :أن االستحالة عند الشافعي غير مطهرة ،إال في الجلد عند الدبغ ،وفي الخمر إذا تخللت بنفسها ،أما
إذا تخللت بفعل فاعل فتظل على نجاستها.
وقال :والنجاسة إما مخففة ،كبول الصبي الذي لم يتناول شيئا قبل مضي حولين.
لقول النبي ﷺ" :بول الغالم ينضح وبول الجارية يغسل".
ولحديث أم قيس ،أنها جاءت بابن لها صغير لم يأكل الطعام ،فأجلسه رسول اهلل ﷺ في حجره ،فبال عليه ،فدعا ٍ
بماء
فنضحه ولم يغسله".
ٍ
بغسلة واحدة ،أو بإزالة النجاسة. وأما ما نُجس بغير الكلب ونحو الصبي فإنه نجاسةٌ متوسطة ،تزال ولو
وأما ما تنجس بنحو ٍ
كلب وغيره ،فهي نجاسةٌ مغلظة ،يغسل سبع مرات إحداها بالتراب.
المسألة األخيرة معنا اليوم إن شاء اهلل تعالى هي[ :فص ٌل في بيان ما يحرم استعماله من األواني وما يجوز].
طاهر].
ٍ قال الماتن [ :وال يجوز استعمال أواني الذهب والفضة ويحل استعمال كل ٍ
إناء
إذن :استثنى فقط آنية الذهب والفضة.
فقال[ :وال يحل استعمال أواني الذهب والفضة].
قال[ :وال يجوز لذك ٍر أو غيره].
وانتبه؛ يجوز للمرأة أن تلبس الذهب والفضة ،ويجوز للرجل أن يلبس الفضة دون الذهب؛
لكن هنا نتكلم عن االستعمال في الطعام والشراب أو غيرهما.
قال[ :وال يجوز لذك ٍر أو غيره استعمال شيء من أواني الذهب أو أواني الفضة باإلجماع].
لقوله ﷺ" :ال تشربوا في آنية الذهب والفضة ،وال تأكلوا في صحافهما".
ولقوله ﷺ في الذي يشرب في آنية الفضة" :إنما يجرجر في بطنه نار جهنم".
ثم اختلف العلماء؛ فهل يقاس غير األكل والشرب عليهما؟
المذهب أنه يقاس ،وإنما خص األكل والشرب بالذكر ألنهما أظهر وجوه االستعمال وأغلبها.
ولذلك قال[ :وال فرق بين اإلناء الصغير والكبير ،وال بين ما يخلل به أسنانه ،والميل الذي يُكتحل به ،إال للضرورة].
29
لكن بعض العلماء استثنى اآلنية الثمينة ،لوقوع الخيالء وكسر قلوب الفقراء.
والصحيح أن ذلك يختص بالذهب والفضة ،أما ما عداهما فيجوز فيه االستعمال.
ٍ
بذهب ،هل يجوز استعماله؟ ضبب ٍ
ثم فرع فرعا على آنية الذهب والفضة في إناء ُ
المذهب على أنه ال يجوز ،أما إذا ضبب بالفضة فالصحيح الجواز واهلل أعلم.
هذا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ال إله إال أنت ،نستغفرك ونتوب إليك.
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
30
المحاضرة الثـالثــة
فصل في السواك)
كنا قد وقفنا عند قول المصنف في متن أبي شجاعٌ ( :
مستحب في كل ٍ
حال إال بعد الزوال للصائم .وهو في ثالثة مواضع أشد استحبابًا: ٌ قال :والسواك
-عند تغير الفم من ٍ
أزم وغيره.
-وعند القيام من النوم.
-وعند القيام إلى الصالة.
والسواك :مشت ٌق من ساك إذا دلك.
والسواك لغةً :الدلك وآلته.
عود من ٍ
أراك أو نحوه كأُشنان في األسنان وما حولها إلذهاب التغير ونحوه. وشرعا :استعمال ٍ
ً
مستحب مطل ًقا كما قاله الرافعي :عند الصالة وغيرها.
ٌ مستحب في كل ٍ
حال» :أي أنه ٌ «والسواك
لصحة الحديث في استحبابه كل ٍ
وقت ،كما صح عن النبي ﷺ أنه قال" :السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب".
فيستحب للمسلم أن يستاك في أي ٍ
وقت. ُ
قال :إال بعد الزوال (أي بعد زوال الشمس وميلها عن كبد السماء) فإنه حين ذلك يُكره كراهةً تنزيهية،
صائما فإنه يستاك من الصباح إلى الزوال ،فإذا زالت الشمس فإنه يُكره.
نفال ،أي إذا كان المسلم ً
قال :للصائم ولو ً
لماذا؟ لقول النبي ﷺ” :لخلوف فم الصائم أطيب عند اهلل من ريح المسك“.
ِ
والخلوف :تغير رائحة الفم.
مكروها من الزوال إلى غروب الشمس ،فإذا غربت الشمس زالت
ً وإذا استاك اإلنسان أزال هذه الرائحة ،فيظل السواك
ٍ
بصائم ،إال أن يوصل الصيام .وحتى لو واصل الصيام انتفت الكراهة. الكراهة ألنه ليس
وهذا مذهب الشافعي ،
حديث ال يصح.
ٌ والجمهور على خالفه ألن الحديث الذي استدل به
ضا أن ال ُخلوف إنما يخرج من المعدة وال يخرج من الفم.
كذلك أي ً
وقوله" :ويستحب أن يكون في أوله" وهذا الكالم ال دليل عليه ،إنما استحبه بعض العلماء من الشافعية «اللهم بيّض به أسناني
وشد به لثتي وثبت به الهاتي وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين».
قال النووي :وهذا ال بأس به.
ظاهرا وباطنًا في طول الفم.
قال :ويُسن أن يكون السواك في عرض األسنان ً
عرضا“
لخبر” :إذا استكتم فاستاكوا ً
31
وإن كان الخبر من مراسيل أبي داود لكنه ال يثبت.
طوال وال شيء فيه.
ولذلك يجزئ ً
قال :وهو في ثالثة مواضع أشد استحبابًا.
أي يتأكد استحباب السواك في ثالثة مواضع:
« -عند تغير الفم من ٍ
أزم وغيره»
تغير :أي رائحة الفم.
عند ُ
إمساك عن الكرام ،ومن غيره كأكل ما له رائحةٌ كريهة ٍ
كثوم أو غيره. ٍ ٍ
سكوت ،أو من ٍ
أزم :أي
ودليلهُ قول النبي ﷺ” :السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب“
« -وعند القيام من النوم» لما جاء في الصحيحين من حديث حذيفة أنه قال” :كان ﷺ إذا قام من النوم
يشوص فاه“ .أي يدلكه بالسواك.
وكذلك عند القيام من الليل للصالة:
كما في ٍ
رواية في الصحيحين أن النبي ﷺ ”كان إذا قام من الليل ليتهجد“
قيام يستحب ِ
فيه السواك ،إنما يستحب عند القيام للتهجد والصالة. فليس كل ٍ
ٍ
لوضوء ،لقوله ﷺ” :لوال أن أشق على أمتي ألمرتهم بالسواك عند كل وضوء“. ضا فيما ذكر
قال الشارح :ويُتأكد أي ً
علم شرعي. ٍ
حديث أو ٍ ضا لقراءة ٍ
قرآن أو قال :وأي ً
وكذلك لذكر اهلل تعالىٍ ،
ولنوم ،ولدخول ٍ
منزل ،وعند االحتضار ،ويقال إنه يسهل خروج الروح.
ِ
وللصائم قبل وقت الخلوف. ِ
ولألكل ،وبعد الوتر، وفي السحر،
هذه أوقات استحباب السواك على قول الشارح وعلى قول الماتن.
32
--- فصل في الوضوء)
ٌ ( --- ثم قال الماتن :
قال :وفروض الوضوء ستةٌ:
-وغسل اليدين. -وكذلك غسل الوجه. -النية.
-والترتيب على ما ذكرنا. -وغسل الرجلين إلى الكعبين. -ومسح الرأس.
فصل في الوضوء
قال ٌ :
ومعنى المقصود بفصل في الوضوء :أي صفة وضوء النبي ﷺ.
اسم للفعل.
والوضوء :بضم الواوٌ :
ُ -
اسم للماء.
والوضوء :بفتح الواوٌ :
َ -
33
ولم يذكر الماتن الشروط لكن ذكرها الشارح فقال:
-ومعرفة أنه مطلق ولو ظن -ماءٌ مطلق
-وجري الماء على العضو -وعدم الحائل
وعدم الصارف
َ - -وعدم المنافي من نحو ٍ
حيض ونفاس ومس ذكر
ٍ
وإسالم - -ويعبر عنه بدوام النية
-ومعرفة كيفية الوضوء كنظيره اآلتي في الصالة -وتميي ٍز
ِ
بالمغسول ويحيط به لتحقيق استيعاب المغسول. جزءا يتصل
-وأن يغسل مع المغسول ً
هذه شروط ذكرها الشارح لكي يبدأ المتوضئ في الوضوء.
والمقصود بها :تمييز العبادات عن العادات ،كالجلوس في المسجد لالعتكاف تارة ،ولالستراحة تارةً أخرى،
نفال.
فرضاً وتارة تكون ً
أو لتمييز رتبها كالصالة تكون ً
34
وشرطها :أي شرط النية:
-إسالم الناوي
-وتمييزه وعلمه بالمنوي
حكما
-وعدم إتيانه بما ينافيها بأن يستصحبها ً
-وأال تكون معلقة ،فلو قال :إن شاء اهلل ،فإن قصد التعليق لم تصح ،وإن قصد التبرك صحت.
بقلبه.
ضا إنه ال يتلفظ بها وإن كان المذهب ال بأس أن يتلفظ بالنية.
قال أي ً
صح.
ولو نوى الطهارة عن الحدث َّ
وكذلك من دام حدثه يستحب أن ينوي ذلك.
وال يشترط في النية اإلضافة إلى اهلل تعالى ،كأن يقول :نويت الوضوء هلل أو نويت الصالة هلل.
ٍ
كتنظيف ولو في أثناء وضوئه تبردا أو شيئًا يحصل بدون ٍ
قصد ولذلك النية هي التي تستبيح الفعل ،ومن نوى بوضوئه ً
مستحضرا عند نية التبرد أو نحو نية الوضوء أجزأ ،لحصول ذلك من غير نية.
ً مع نية معتبرة ،أي
كذلك إذا فُقدت النية المعتبرة :كأن ينوي التبرد وقد غفل عنها لم يصح غسل ما غسله بنية التبرد.
خالصة القول في هذه المسألة :أنه يستحب استصحاب النية في الوضوء من أوله إلى آخره.
والعلماء يفرقون في النية بين [الثواب] وبين [األمر الدنيوي].
اختلفوا فيما لو نوى التبرد والوضوء ،فهل يحصل على الثواب أم ال؟
35
قال الشارح ( أي الخطيب الشربيني) قال :وكالم الغزالي هو الظاهر ،أي التفصيل.
ٍ
بحدث أو غيره فيحتمل أن يثاب على الماضي أو غير ذلك. قال :وإذا بطل وضوؤه في أثنائه
فروعا :لو نوى أن يصلي بوضوئه وال يصلي به لم يصح وضوؤه لتالعبه وتناقضه.
وفرع للنية ً
ّ
وكذا لو نوى به الصالة بمكان نجس
فانغمست في الغسلة الثانية أو الثالثة بنية التن ُفل..
ولو نسي لمعةً في وضوئه أو غسله َ
هذه مسائل يعني يذكرها في النية.
قال :واإلتيان بها عند غسل الوجه .هذا وجوبًا أن يأتي بالنية عند أول غسل الوجه ،ألن الوجه هو أول ٍ
فرض ،فيأتي
بها وإن كان المستحب أن يأتي بها من أول الوضوء ،أي عند غسل الكفين أو عند التسمية.
قال :وغسل الوجه :أي الفرض الثاني :غسل ظاهر كل الوجه =.
وه ُك ْم﴾ ِ
لقوله تعالى﴿ :فَا ْغسلُوا ُو ُج َ
ولإلجماع على ذلك ،ولفعل النبي ﷺ.
طوال :ما بين منابت شعر رأسه وتحت منتهى لحييه.
وحد الوجه ً
وعرضا :ما بين أذنيه.
ً
يبقى من األذن اليمنى إلى اليسرى ،ومن منبت الشعر المعتاد إلى أسفل اللحيين.
قال :وخرج بظاهر وجه داخل األنف والفم والعين ،فال يجب غسل ذلك ،وال يُشكل ذلك بما لو سلخ جلد الوجه،
فانه يجب غسل ما ظهر منه ،ألن هذا محل ما يجب غسله.
قال :وال يُسن غسل داخل العينين ،ولكن يجب غسل ذلك إن تنجس،
وأما ملق العين فيغسل بال خالف.
قال :ومنتهى اللحيين من الوجه كما تقرر،
وضابطه كما قال اإلمام :أن يضع طرف ٍ
خيط على رأس األذن والطرف الثاني على أعلى الجبهة ،ويفرد هذا الخيط
مستقيما فما نزل عنه إلى جانب الوجه فهو موضع التحذيف.
ً
قال :ويُسن غسل موضع الصلع والتحذيف والنزعتَين والصدغين مع الوجه للخالف في وجوبهما.
قال :ويجب غسل ٍ
جزء من الرأس ومن الحلق ومن تحت الحنك ،ومن األذنينِ ،
ومن الوجه البياض الذي بين العذار،
واألذن لدخوله في حده وما ظهر من حمرة الشفتين ومن األنف بالجدع.
قال :واللحية من الرجل ،وهي بكسر الالم ،الشعر النابت على الذقن خاصة ،وهو مجمع اللحيين ،فإن خفت وجب
غسل ظاهرها وباطنها ،وإن كثفت وجب غسل ظاهرها وال يجب غسل باطنها لعسر إيصال الماء إليه.
ظاهرا وباطنًا.
لكن يُسن التدليك وخرج بقوله "الرجل" .أما المرأة فيجب غسل ذلك منها ً
36
قال :واعلم أن التفصيل المذكور في شعر الوجه إذا كان في حده ،أما الخارج عنه فيجب غسل الظاهر.
قال :وغسل اليدين إلى المرفقين
غسل جميع اليدين من كفه وذراعيه" ،إلى" بمعنى "مع" المرفقين أو قدرهما إن فقد الماء.
عن أبي هريرة في صفة وضوء رسول اهلل ﷺ ”أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ،ثم غسل يده اليمنى
حتى أشرع في العضد ،ثم اليسرى حتى أشرع في العضد“ إلى آخره.
ولإلجماع.
َ
ولقوله تعالى ﴿ َوأَيْ ِديَ ُك ْم إِلَى ال َْم َرافِ ِق﴾
صا ِري إِلَى اللَّه﴾ أي مع اهلل.
وإلى بمعنى مع كما قال اهلل عز وجل على لسان عيسى ﴿ َم ْن أَنْ َ
وقوله تعالى ﴿ َويَ ِز ْد ُك ْم قُـ َّوةً إِلَى قُـ َّوتِ ُك ْم﴾ أي مع قوتكم.
قال :فإن قَطع بعض ما يجب غسله من اليدين ،كأن يُقطع الكف أو نصف الذراع ،وجب غسل ما بقي منه.
ٍ
وسلعة ،سواء جاوزت األصلية أم ال. قال :وغسل ٍ
يد زائدة إن نبتت بمحل الفرض ،كإصب ٍع زائدة
قال :وإن نبتت بغير محل الفرض وجب غسل ما حاز منها محله لوقوع اسم اليد عليه.
فحش وقص ٍر ونقص
ٍ قال :فإن لم تتميز الزائدة عن األصلية بأن كانتا أصليتين ،أو إحداهما زائدةٌ ولم تتميز بنحو
أصابع وضعف بط ٍ
ش قال غسلهما وجوبًا ،أي يغسل اليدين ،وسواء أخرجهما من المنكب أو من غيره.
وهذه مسألة مهمة :إذا كان للرجل يدين في الجهة اليمنى ،ويدين في الجهة اليسرى ،وال تتميز األصلية من الزائدة وجب غسل
الجميع،
أما إذا تميزت األصلية من الزائدة فيجب غسل األصلية فقط.
قال :ولو توضأ فقطعت يده ،أو تثقبت لم يجب غسل ما ظهر إال بعد الحدث.
مثال وجب عليه أن يُحصل من يوضئه ولو بأجرة.
قال :ولو عجز من الوضوء لقطع يده ً
37
هنا ليست للتبعيض بل لإللصاق،
أما في اآلية معنا فهي للتبعيض ﴿وامسحوا بِرء ِ
وس ُك ْم﴾َ ْ َ ُ ُُ
ولذلك قال العلماء :إن الماسح يجب عليه مسح الرأس ،ويستحب له مسح جميع الرأس كما سيأتينا في سنن
الوضوء.
ولذلك قال العلماء :إذا كان ال شعر له مر بيديه على رأسه.
ِ
بإجماعه. قال الماتن :وغسل الرجلين مع الكعبين :أي غسل جميع الرجلين وهذا بإجماع من يعتد
ضا.
خالفًا للروافض الذين يرون المسح على الرجلين أي ً
قال :مع الكعبين من كل ٍ
رجل أو قدرهما،
والكعبان هما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم ،ففي كل ٍ
رجل كعبان أي العظمان البارزان.
ألن اهلل عز وجل قالَ ﴿ :وأ َْر ُجلَ ُك ْم إِلَى الْ َك ْعبَـ ْي ِن﴾
وهنا يُستثنى البس الخف أو الجورب من الغسل فإنه يمسح عليهما،
كذلك إذا كان في الرجل شقوق وغيرهما،
أو عليها حائل كشم ٍع ٍ
وحناء وغيرهما يمنع وصول الماء،
أو في الشقوق طين يجب ازالة ما تحت ذلك كله،
وكذا لو تجمع الوسخ تحت األظافر وجب إزالته.
ولو قطع بعض القدم غسل الباقي.
قال :والترتيب على ما ذكرنا :أي من فروض الوضوء وهو الفرض السادس الترتيب على ما ذكرنا من البداءة بغسل الوجه
واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين ،قالوا :ألن إدخال الممسوح بين المغسوالت دل على الوجوب.
ممسوحا بين مغسوالت ،وتفريق المتجانسين ال ترتكبه العرب إال لفائدة وهي هنا [وجوب
ً قال الشارح :وألنه تعالى ذكر
الترتيب].
لكن هنا مسألة :إذا اغتسل ،هل يرفع األكبر الحدث األصغر؟
الجواب :نعم ،ولذلك قال الشارح :ولو أحدث وأجنب أجزأه الغسل عنهما الندراج األصغر تحت األكبر.
هذا بالنسبة لفرائض الوضوء ،إذن هي:
-وغسل اليدين مع المرفقين. -وغسل الوجه. -النية.
-والترتيب. -وغسل الرجلين مع الكعبين. -ومسح بعض الرأس.
هذه هي فروض الوضوء على مذهب اإلمام األعظم اإلمام الشافعي .
38
قال[ :وسننه عشرة أشياء]:
أي سنن الوضوء ،وفي بعض النسخ عشر خصال:
أحد منكم ماء؟ فأُتي ٍ
بماء ،فوضع يده في التسمية أي أول الوضوء ،لخبر النسائي أن النبي ﷺ قال« :هل مع ٍ
ً
اإلناء الذي فيه الماء ،ثم قال :توضؤوا باسم اهلل،
(أي قائلين ذلك) قال :فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ﷺ حتى توضأ نحو سبعين ً
رجال".
وأما خبر "ال وضوء لمن لم يدخل اسم عليه" فهو عندهم ضعيف.
قال :وأقلها أن يقول :بسم اهلل،
طهورا.
وأكملها أن يقول :بسم اهلل الحمد هلل على اإلسالم ونعمته ،والحمد هلل الذي جعل الماء ً
وزاد الغزالي :رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون،
ثابت عليها بل األصل التسمية فقط.
والحقيقة هذه األدعية كلها ال دليل ٌ
ولذلك قال :وتسن التسمية لكل أم ٍر ذي بال ،والمراد بأول الوضوء :أي أول غسل الكفين فيَنوي الوضوء ويَسمي اهلل
ثم يبدأ في غسل الكفين.
قال بعض أهل العلم من علماء الشافعية :ويستحب التلفظ بالنية.
وهذا ال دليل عليه كما قال شيخ اإلسالم :والنية محلها القلب.
قال :وغسل الكفين قبل إدخالهما اإلناء ثالثًا،
غسل الكفين :أي إلى كوعيه قبل المضمضة ،وأن يتيقن طهارتهما فإن شك في طهارتهما أو في طهرهما غسلهما قبل
إدخالهما اإلناء.
أوال لفعل النبي ﷺ أنه أكفأ من إنائه فغسل كفيه.
ً
ولقوله ﷺ ”إذا استيقظ أحدكم من نومه فال يغمس يده في اإلناء حتى يغسلها ثالثًا ،فإنه ال يدري أين باتت يده“
فالعلة هنا احتمال نجاسة اليد في النوم،
أما إذا تيقن عدم نجاسة اليد فال يجب الغسل على المذهب.
39
تنبيه (من الشارح) :تقديم غسل اليدين على المضمضة وهي على االستنشاق مستح ٌق ال مستحب ،عكس تقديم اليمنى على
اليسرى.
قال :ومسح جميع الرأس.
أخذنا في الفروض مسح بعض الرأس .هنا قال :ومسح جميع الرأس لالتباع ،أي لفعل النبي ﷺ أنه مسح رأسه
فبدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه،
هذا هو فعل النبي ﷺ ،وهذا هو الكمال وهذا هو األفضل ،وإن اقتصر على مسح بعض الرأس أجزأه.
ضا.
قال :وتخليل أصابع اليدين والرجلين أي ً
لخبر لقيط بن صبرة أنه قال :سمعت النبي ﷺ يقول” :أسبغ الوضوء ،وخلل بين األصابع“.
والتخليل في أصابع اليد :بالتشبيك بينهما،
وفي أصابع الرجلين :يبدأ بخنصر اليمنى ويختم بخنصر الرجل اليسرى ،لحديث المستورد بن شداد .
40
كدخول الخالء واالستنجاء واالمتِخاط وخلع الثياب وإزالة القذر وعكسه.
ِ قال :والتياسر في ضده
إذن معنى هذا الكالم :أن اليد اليمنى تقدم لكل ما فيه تكر ٍيم وخير واليسرى لعكس ذلك.
قال :والطهارة ثالثًا ثالثًا :أي فيما يثلث كاليدين والوجه والرجلين،
لحديث ابن عباس أن النبي ﷺ ”توضأ مرةً مرة ،وكذلك توضأ مرتين مرتين“ .متفق عليه.
فدل على أن األولى فقط هي الواجبة ،والزيادة على الثالث تكون مستحبة،
هذا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ال إله إال أنت ،نستغفرك ونتوب إليك.
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
41
المحاضـرة الـرابعــة
أحبتي في اهلل طلبة وطالبات كلية العلوم الشرعية والعربية الفرقة الثانية ،مرحبًا بكم في هذا الدرس المبارك من دروس الفقه
الشافعي ،وهذا هو المجلس الرابع ،وكما تعلمون فنحن نقرأ متن ابن أبي شجاع ونشرح كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ أبي
شجاع].
فصل في االستنجاء"
قال الماتن ٌ " :
واجب من البول والغائط ،واألفضل أن يستنجي باألحجار ثم يتبعها بالماء ،ويجوز أن يقتصر على الماء؛ أو
ٌ قال[ :واالستنجاء
على ثالثة أحجا ٍر ينقي بهن المحل].
قال [ :إذا أراد االقتصار على أحدهما فالماء أفضل].
قال[ :ويتجنب استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء].
قال[ :ويتجنب البول في الماء الراكد وتحت الشجرة المثمرة وفي الطريق والظل والثقب].
قال[ :وال يتكلم على البول والغائط وال يستقبل الشمس والقمر وال يستدبرهما].
هذه مسائل باب االستنجاء.
قال الشارح [ :واالستنجاء :استفعال من طلب النجاء ،وهو الخالص من الشيء .وهو مأخوذ من نجوت الشجرة
وأنجيتها إذا قطعتها ألن المستنجي يقطع به األذى عن نفسه].
42
قال[ :ثم يتبعها بالماء].
هذا إذا كان سيستنجي بالحجر وبالماء؛ فيبدأ بالحجارة ثم يتبع الحجارة بالماء،
وإن كانت الطهارة تزول بأحدهما فال بأس من الجمع بينهما ،ألن العين تزول بالحجر ،واألثر يزول بالماء من غير
حاجة إلى مخامرة النجاسة.
والظاهر أن هذا يحصل به فضيلة الجمع.
قال[ :ويجوز أن يقتصر على الماء ،أو على ثالثة أحجار ينقي بهن المحل].
ويجوز للمستنجي أن يقتصر على الماء فقط ألنه األصل في إزالة النجاسة.
لحديث أنس" :كنت أحمل أنا وغالم نحوي إداوةٍ من ماء وعنزة .وحينما يقضي النبي ﷺ حاجته فيستنجي
بالماء".
ولذلك قال الشارح :والسنة بعد اإلنقاء إن لم يحصل الوتر أن يوتر بواحدةٍ ،كأن حصل بر ٍ
ابعة فيأتي بخامسة.
لماذا؟
لما روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال" :إذا استجمر أحدكم فليستجمر ً
وترا".
لكن هذا أمر ،فما الذي صرفه؟
صرفه قوله ﷺ في رواية أبي داود" :من استجمر فليوتر ،من فعل فقد أحسن ،ومن ال فال حرج".
لكن العلماء يضعفون هذا األثر
43
ٍ
وخذف لحصول الغرض به كالحجر". ٍ
كخشب كذلك في معنى الحجر قال الشارح" :كل جامد طاه ٍر قال ٍع غير محترم
قال :فخرج "بالجامد" :المائع غير الماء الطهور ،كماء الخل وماء الورد.
قال :والقالع نحو الزجاج والقصب األملس فإنه ال يطهر.
قال" :وغير محترم" كمطعوم آدمي فال يجوز ،كالخبز ،أو جني (مطعوم جني) كالعظم فال يجوز.
لحديث" :نهي عن االستنجاء بالعظم ،وقال إنه زاد إخوانكم (أي من الجن)".
ومطعوم اآلدمي من باب أولى .أما مطعوم البهائم كالحشيش فيجوز.
علم كحديث أو فقه أو غير ذلك .وشرط االستنجاء بالحجر وما ألحق به ألن
معظم أو ٌ
اسم ٌقال[ :ومن المحترم ما كتب عليه ٌ
يجزئ ،أن ال يجف .فإن جف تعين الماء].
وحكم الغائط كالبول في ذلك ،وأن ال ينتقل عن المحل الذي أصابه عند خروجه واستقر فيه.
فإن كان الخارج فوق العادة فال يجزئ إال الماء.
وكذلك في دم الحيض والنفاس ،إذا انقطع جاز االستجمار بالحجر إن تيممت .واألصل أن عليها الغسل.
قال[ :ولو ندر الخارج كالدم والودي والمذي أو انتشر فوق عادة الناس أو عادة نفسه ،فإنه ال يجزئ إال الماء].
قال[ :فإذا أراد المستنجي االقتصار على أحدهما (أي الماء) أو الحجر وما في معناه ،فالماء أفضل].
أ ي عنده ماء وعنده حجر وسيقوم باالستنجاء بأحدهما فقط ،فالماء أفضل ألنه يزيل العين واألثر .أما الحجر فال يزيل
األثر إنما يزيل العين فقط.
كذلك من مسائل االستنجاء :أنه ال يجب االستنجاء من النوم ،أو من الريح ،إنما يجب عند البول والغائط وما خرج
من السبيلين فقط.
44
قال[ :ويكفي إرخاء ذيله ،ولكن يكون ذلك خالف األولى].
قال[ :ويحرمان في البنيان غير المعد لقضاء الحاجة ،وفي الصحراء بدون ساتر].
إذن :إذا كان البنيان غير معد فيحرم.
معنى هذا الكالم أنه لو كان مع ًدا لجاز له ذلك.
ويحرم كذلك في الصحراء.
واألصل في ذلك قول النبي ﷺ كما رواه البخاري ومسلم" :إذا أتيتم الغائط فال تستقبلوا القبلة وال تستدبروها
ٍ
ببول وال غائط ولكن شرقوا أو غربوا".
هذا نهي عام لكن صرفه حديث ابن عمر أنه "رأى النبي ﷺ يقضي حاجته في بيت حفصة مستقبل الشام مستدبر
الكعبة".
وقال جابر" :نهى النبي ﷺ أن نستقبل القبلة ٍ
ببول ،فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها" .رواه الترمذي وحسنه.
¤فيحمل األول على الفضاء.
¤ويحمل الثاني على البنيان واهلل أعلم.
قال الشارح [ :وأما المعد لذلك فال حرمة فيه وال كراهة وال خالف األولى كما قاله في المجموع (أي النووي :)لو
أعد حمام ،أو حش ،أو كنيف في بيته واستقبل به القبلة فالمذهب أنه ال شيء عليه وال حرمة].
قال[ :ويستثنى من الحرمة ما لو كانت الريح تهب عن يمين القبلة وشمالها (أي إذا أراد أن يقضي حاجته والريح تهب) ال
يحرمان للضرورة ،وال يحرم وال يكره استقبال القبلة وال استدبارها حال االستنجاء ،أو الجماع ،أو إخراج الريح ،إذ النهي عن
االستقبال واالستدبار مقيد بالبول والغائط].
كالم منضبط.
وهذا ٌ
قال الماتن[ :ويتجنب البول في الماء الراكد].
قال الشارح[ :ويتجنب ندبًا البول والغائط في الماء الراكد].
وإذا كان النهي عن البول ،فالغائط من باب أولى ألن البول أخف.
لحديث مسلم" :أن النبي ﷺ نهى أن يبال في الماء الراكد".
45
وذكر النووي في المجموع عن جماعة الكراهة في القليل منه دون الكثير ،ولكن قال" :يكره أيضا في الليل لما مر"،
لكنه يرى أن البول في الماء الراكد القليل يحرم مطلقا.
46
ويستدلون بالخبر وإن كان فيه ضعف أن النبي ﷺ قال" :ال يخرج الرجالن يضربان الغائط كاشفين عن عوراتهما يتحدثان
فان اهلل يمقت على ذلك".
وإن كان صححه البيهقي وغيره لكن هو إلى التضعيف أقرب
لكن يغني عنه فعل النبي ﷺ أن رجال مر عليه وهو يبول فسلم عليه فلم يرد حتى انتهى وأتى الجدار وضرب يديه به ثم رد
.
قال[ :وال يستقبل الشمس والقمر وال يستدبرهما] أي ٍ
ببول وال غائط.
أي يكره له ذلك وهذا جرى عليه بعض علماء الشافعية ل كن نقل النووي عن الجمهور أنه يكره االستقبال دون االستدبار .قال
في المجموع :وهو الصحيح المشهور.
وهذا هو المعتمد أنه ال أصل للكراهة ،فالمختار اإلباحة،
ألن النبي ﷺ قال" :ولكن شرقوا أو غربوا".
فبين هنا ﷺ جواز أن يشرق أو يغرب.
كذلك يسن أن يبتعد عن الناس في الصحراء ،أو ما ألحق بها من البنيان؛ حيث ال يسمع للخارج منه صوت ،وال يشم له ريح،
فإن تعذر عليه اإلبعاد عنهم سن لهم اإلبعاد عنه.
كذلك قال[ :ويستتر عن أعينهم بمرتفع ثلثي ذراع فأكثر بينه وبينه ثالثة أذرع فأقل ،ويفصل الستر براحلة أو إرخاء ذيله].
مكان واسع .فإن كان في ٍ
مكان يمكن تسقيفه، كذلك إذا كان في الصحراء أو بنيان ال يمكن تسقيفه ،كأن جلس في وسط ٍ
قال[ :وال يبول في موضع هبوب الريح ،وإن لم تكن هابة ،إذ قد تهب بعد شروعه في البول ،وال في ٍ
مكان صلب؛ حتى ال
يرد عليه البول .وال يبول قائما].
وال يبول قائما .لماذا؟
لحديث عائشة قالت" :من حدثكم أن النبي ﷺ كان يبول قائما فال تصدقوه".
أي :يكره له ذلك إال لعذر؛ فال يكره وليس خالف األولى.
وما ذاك إال لحديث حذيفة ،وإن لم يذكره الشارح" :أن النبي ﷺ أتى سباطة ٍ
قوم فبال قائما".
47
ثم ذكر بعض المسائل :قال[ :ويعتمد في قضاء الحاجة يساره .ويندب أن يرفع لقضاء الحاجة ثوبه عن عورته شيئا فشيئا ،إال
بماء في مجلسه؛ إن لم يكن معدا لذلك .ويكره أن يبول في أن يخاف أن يتنجس ثوبه فيرفعه بقدر حاجته .وال يستنجي ٍ
المغتسل].
لقول النبي ﷺ" :وال يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه .فإن عامة الوسواس منه".
قال[ :ويسن أن يستبرئ من البول عند انقطاعه بنحو تنحنح ونتر ذكره].
قال النووي:
والمختار أن ذلك يختلف باختالف الناس والقصد أن يظن أنه لم يبق بمجرى البول شيء يخاف خروجه.
قال[ :ويندب أن يقول عند وصوله إلى مكان قضاء الحاجة" :بسم اهلل (أي أتحصن من الشيطان) اللهم إني أعوذ بك من
الخبث والخبائث"].
لما رواه الشيخان من حديث أنس أن النبي ﷺ كان إذا دخل الخالء قال" :اللهم إني أعوذ بك من الخبث
والخبائث ،وإذا انتهى وخرج يقول" :غفرانك ،الحمد هلل الذي أذهب عني األذى وعافاني".
أما قول "غفرانك" :فصحيح.
وأما "الحمد هلل الذي أذهب عني األذى" :فضعيف ال يثبت عن النبي ﷺ.
نوحا كان يقول" :الحمد هلل الذي أذاقني لذته وأبقى
ذكر آخر ضعيف ،ضعفه األلباني في الضعيفة ،أن ً
وهناك ٌ
في منفعته وأذهب عني أذاه".
ّ
هذا ال يثبت.
وتنتهي بذلك مسائل االستنجاء.
48
فصل في بيان ما ينتهي به الوضوء (نواقض الوضوء)
قال الشارح[ :والذي ينقض الوضوء (أي ينتهي به الوضوء) خمسة أشياء فقط .وال يخالف من جعلها أربعة "كالمنهاج"
ألنه مفهوم قول المنهاج إال نومٌ ممكن مقعده هو منطوق الثاني].
قال[ :أما المشكل (الخنثى) ،فإن خرج الخارج من فرجيه جميعا فهو محدث ،وإن خرج من أحدهما فال ينقض].
قال[ :أو من دبر المتوضئ الحي سواء كان الخارج عينا أم ريحا ،طاهرا أم نجسا ،جافا أم رطبا ،معتادا كبول أو نادرا ٍ
كدم،
انفصل أم ال ،قليال أم كثيرا ،طوعا أم كرها].
معنى هذا الكالم :أن أي شيء يخرج من القبل أو من الدبر يخرج طوعا أو كرها يعني رغما عنك ،قليال أو كثيرا،
معتادا أو نادرا:
فإنه ينقض الوضوء.
َح ٌد ِّمن ُكم ِّم َن الْغَائِ ِط﴾
اء أ َ
لقوله تعالى﴿ :أ َْو َج َ
ومعنى الغائط :المكان المطمئن من األرض الذي يقضى فيه الحاجة ،وسمي الخارج باسمه للمجاورة.
ولما سئل النبي ﷺ عن المذي فقال" :يغسل ذكره ويتوضأ" .متف ٌق عليه.
هذا بالنسبة للعين.
وأما غير العين،
فلحديث الصحيحين أيضا أنه اشتكى إلى النبي ﷺ الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصالة فقال" :ال ينصرف
يحا".
حتى يسمع صوتًا أو يجد ر ً
والمراد هنا العلم بخروج الشيء،
فال يشترط السماع وال الشم ،وال حصر الناقض في الصوت والريح.
بل هنا قصد أن يتعين عليه العلم واليقين أنه قد انتقض وضوؤه.
والتعبير "بالسبيلين" جرى على الغالب.
قال[ :ويستثنى من ذلك خروج مني الشخص نفسه الخارج منه أوال ألنه يوجب الغسل ،وهو أعظم األمرين ،فيشمل كذلك
الوضوء بعمومه .وكذلك الحيض والنفاس يوجبان الغسل والوضوء ولو انسد فرجه األصلي]
49
وانتبه من هذه المسألة ألنه يقع فيها الخالف:
مخرج بَ َدلُه تحت معدته
ٌ قبل أو دب ٍر؛ إن لم يخرج منه شيء ،وإن لم يلتحم ،وانفتح
إذا انسد فرجه األصلي من ٍ
(مستقر الطعام) ،وهي من السرة إلى الصدر ؛
فخرج منه المعتاد خروجه كبول ،أو النادر ٍ
كدود ودم نقض لقيامه مقام األصل.
إذن متى ينقض الخارج من غير السبيلين على مذهب الشافعي؟
إذا انسد المخرج األصلي.
أما إذا لم ينسد األصلي فالخارج من غيره ال ينقض.
منفتحا كما قال الشارح ،فال ينقض الخارج منه.
ً فإذا كان األصلي
ويستدلون بقول النبي ﷺ فيما رواه أبو داود وحسنه األلباني" :العينان وكاء ّ
السه فمن نام فليتوضأ".
وكذلك يستدلون بأن الصحابة كانوا ينامون وهم جلوس ،ثم يصلون وال يتوضؤون ،فيما رواه مسلم من حديث أنس:
"كان أصحاب رسول اهلل ﷺ ينامون ثم يصلون وال يتوضؤون".
ومعنى (ينامون) :تخفق رؤوسهم األرض.
كما في رواية أبي داود،
وجمعا بين الحديثينُ ،حمل على غير المتمكن من األرض ولذلك قالوا إن من خصائص النبي ﷺ :أنه ال ينتقض
ً
وضوؤه ،ولو نام مضطجعا.
لكن هنا قال :ويسن الوضوء من النوم ممكنًا ،خروجا من الخالف؛ ألن جمهور العلماء غير الشافعية يرون أن النوم
ناقض على أي صفة كانت ،سواء متمكن أو غير متمكن.
بسكر أو مرض]،
قال[ :ومعنى زوال العقل ُ
ُسكر عارض ،وإن لم يأثم به ،كان يشرب شيئا يظنه ماء فبان خمرا.
50
فهنا قال العلماء :ينتقض الوضوء.
بنجا إلجراء جراحة كل
أو مرض؛ وهذا يكون عارض كإغماء ،أو تناول دواء فيه نوم ألن ذلك أبلغ من النوم ،أو أخذ ً
هذا ينقض الوضوء.
فائدة :قال الغزالي :الجنون يزيل العقل .واإلغماء يغمره ،والنوم يستره.
قال الشارح [ :وال فرق في ذلك بين أن يكون :بشهوةٍ وإكراه أو نسيان ،أو يكون الرجل ممسوحا ،أو خصيا ،أو عنينًا،
عجوزا شوهاء ،أو كافرة بتمجس أو غيره ،أو حرة ،أو رقيقة ،أو أحدهما ميتا]
ً أو المرأة
لكن ال ينتقض وضوء الميت.
واللمس :الجس باليد.
يعني هنا المصنف يحمل األمر على العموم ،أي رجل وأي أمرأة ،ال فرق بين الصغيرة والكبيرة ،الكافرة
والمسلمة ،الحرة واألمة ،الشوهاء والجميلة ،ال فرق في ذلك كله.
هنا العلماء قالوا :ألن اللمس مظنة ثوران الشهوة.
وفي هذا الناقض ضوابط:
األول :إذا كان بين اللمس ساتر ،أو حائل ولو رقيقا ،فإنه ال ينقض.
كذلك إذا كثر الوسخ على البشرة من العرق فإن لمسه ينقض.
أما إذا لمس السن ،والشعر ،والظفر ،فإنه ال ينقض.
51
لكن هنا اختلفوا :ماذا لو لمست المرأة رجال أجنيا ،أو امرأة ،أو الرجل مس امرأة أجنبية ،هل ينقض وضوء
اآلدمي أو ال؟
قال :ينبني هذا على صحة مناكحتهم.
وفي ذلك خالف يأتي في النكاح إن شاء اهلل.
قال[ :وال ينقض لمس محرم له بنسب ،أو رضاع ،أو مصاهرة ،ولو بشهوة .فلو لمس الرجل امرأته ،أو لمس أخته ،أو أمه ،أو
بنته ،أو عمته ،أو خالته ،أو ابنة أخيه ،أو ابنة أخت من نسب ،أو رضاعة ال ينقض ذلك كله ،إنما قصد بالنقض :المرأة
األجنبية] هذا هو المذهب وإن كان الجمهور على خالفه.
قال[ :فثبت النقض في فرج نفسه بالنص ،فيكون في فرج غيره أولى]
ذكرا فليتوضأ".
وهناك رواية عامة تقول" :من مس ً
قال ابن حبان :عن خبر عدم النقض بمس الفرج أنه منسوخ.
كذلك لو كان له أصبع زائدة فمس بها فإنها إن كانت في مستوى األصابع نقض وإال فال.
كذلك إذا كانت له يد زائدة ،نقول إذا كانت في مستوى الكف الثاني ،سواء كانت أصلية ،أو زائدة انتقض بها ،واهلل
أعلم.
قال :ومن كان له ذكران نقض المس ٍ
بكل منهما ،سواء أكانا عاملين ،أم غير عاملين (ال زائد مع عامل) ،فإن كان
زائ ًدا فال ينتقض به.
كذلك قال[ :ينقض فرج الميت والصغير ،ومحل الجب والذكر األشل ،وباليد الشالء].
هذه هي نواقض الوضوء على مذهب اإلمام الشافعي .
وبذلك نكون قد وصلنا إلى نهاية هذا الدرس الذي تناولنا فيه :االستنجاء ،ونواقض الوضوء.
نذكر بعض األسئلة:
52
األسئ ـلة
-السؤال األول :أيهما أفضل :االستنجاء بالماء أم االستجمار بالحجارة؟
-السؤال الثاني :تكلم بالتفصيل عن استقبال القبلة واستدبارها أثناء قضاء الحاجة.
-السؤال الثالث :إذا انسد الفرج األصلي فهل ينقض الخارج من الفرج الفرعي؟
-السؤال الرابع :ما الدليل على نقض الوضوء بمس الذكر؟
هذا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ال إله إال أنت ،نستغفرك ونتوب إليك،
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
53
المحاضرة
سـةالمسح على الخفين" الخام
وباب اليوم إن شاء اهلل تعالى سوف نتناول" :باب موجب الغسل"" ،
فصل في موجب الغسل"
قال الماتن ٌ " :
قال الشارح :والغسل لغةً :سيالن الماء على الشيء مطل ًقا،
ويقال الغُسل والغَسل ،قال :والفتح أشهر كما قاله النووي.
ولكن الفقهاء أكثرهم يستعمله بالضم فيقول الغُسل ،أي يجوز أن تقول الغَسل ويجوز أن تقول الغُسل.
وشرعا :سيالنه على جميع البدن مع النية.
ً
ِ
والغسل بالكسر :ما يغسل به الرأس نحو سد ٍر وخطمي.
صبي ومجنو ٌن أولجا أو أُولج فيهما ،ويجب عليهما الغسل بعد الكمال أي بعد البلوغ أو العقل من المجنون.
ويجنب ٌ
قالّ :
قال :وفي الخنثى خالف ،والراجح الذي رجحه الشارح أنه ال يوجب الغسل.
54
إذن الموجب األول من موجبات الغسل هو التقاء الختانين.
المني،
المني :أي والذي يشترك فيه الرجال والنساء من موجبات الغسل :إنزال المني ،أي :خروج ّ
ال ّ إنز ُ
المني بتشديد الياء ،وقيل بتخفيفها.
ّ
مني الشخص نفسه الخارج منه أول مرة ،وإن لم يتجاوز فرج الثيب.
بالمنيّ :
ّ والمقصود
المني إذا خرج سواء كان ذلك في اليقظة أو في النوم فإنه يوجب الغسل.
ومعنى هذا الكالم :أن ّ
أما النوم فحمل العلماء:
حديث أبي سعيد ”إنما الماء من الماء“
وكذلك حديث أم سليم المتفق عليه:
أنها جاءت إلى رسول اهلل ﷺ فقالت” :إن اهلل ال يستحيي من الحق هل على المرأة من ٍ
غسل إذا هي احتلمت
قال :نعم إذا رأت الماء“.
ماء في ثيابه وجب عليه الغسل،
فهنا نقول إذا نام الرجل أو المرأة ،ثم استيقظا فوجد ً
ماء وإن رأى أنه احتلم ال غسل عليه.
كذلك إذا لم يجد ً
احتالما؟ قال:
ً لما روت عائشة أم المؤمنين أنها قالت” :سئل النبي ﷺ عن الرجل يجد البلل وال يذكر
يغتسل“.
احتالما وال يجد البلل؟ قال” :ال غسل عليه“.
ً وسئل ﷺ عن الرجل يذكر
المني من أحد فرجيه فال غسل عليه ،الحتمال أن يكون زائ ًدا مع
ثم يختلف المذهب في الخنثى المشكل :إذا خرج ّ
انفتاح األصلي.
قال :فإن أمنى منهما أو من أحدهما وحاض من اآلخر وجب الغسل.
والمني ،ويغتسل من الثاني للحيض.
ّ لماذا؟ ألنه يغتسل من األول للجنابة
55
مني غيره منه ،وال بخروج منيه منه بعد استدخاله.
كذلك ال يجب بخروج ّ
ومعنى ذلك أن الرجل إذا أتى أهله ثم اغتسل ،ثم بعد الغسل خرج مني الرجل من المرأة،
هل يجب عليها إعادة الغسل؟ الجواب ال.
المني ،وانكسرت الشهوة وانفترت، ٍ
كذلك إذا خرج من الرجل بلذة ودفق فاغتسل ،ثم بعد ما استرخى خرج باقي ّ
دجاج ثم ذكر الشارح أنه حتى وإن خرج على لون الدم ،أو ريح عين ح ٍ
نطة أو نحوها ،أو ريح طل ٍع رطبًا ،أو ريح بيض ٍ
جافًا ،وإن لم يتلذذ أو يتدفق وجب الغسل.
قالوا :يجب عليها الغسل ،أو قد يكون هذا المني منها أو لشهوتها.
ٍ
حشفة منه لزمها الغسل ذكره في «الروضة»، مقطوعا أو قدر ذكرا
ً قال :ولو استدخلت المرأة ً
استدخاله من رأسه ،أو من أصله ،أو من وسطه بجميع طرفيه.
َ ومقتضاه أنه ال فرق بين
قال :ولو رأى في فراشه أو ثوبه ولو بظاهره منيًا ال يحتمل أنه من غيره لزمه الغسل.
هذا على ما ذكرنا قبل قليل في االحتالم.
صالة ال يحتمل خلوها عنه ،ويُسن إعادة كل صالةٍ احتمل خلوها عنه.
قال :وإعادة كل ٍ
ومعنى هذا الكالم :أن الرجل نام القيلولة بعد صالة الظهر ،ثم قَام فصلى العصر ،ثم صلى المغرب ،ثم صلى العشاء،
وبعد العشاء وجد في ثوبه منيًا.
هذا الرجل وجب عليه أن يغتسل ثم يعيد كل صالةٍ صالها بعد آخر ٍ
نومه أو أحدث نومه ،فعلى هذا يصلي العصر
والمغرب والعشاء.
لماذا؟ ألن هذا قد يكون من آخر ٍ
نومة نامها.
56
مثال ،كأن يكون نام مع زوجته أو مع ٍ
رجل آخر ،فوجد المني على الفراش، قال :وإن احتمل كونه من آخر نام معه في فراشه ً
هل هو من األول أم من الثاني؟
قال الماتن :وثالثةٌ تختص بها النساء وهي :الحيض ،والنفاس ،والوالدة.
اء فِي ال َْم ِح ِ
يض﴾ [البقرة]222 : أما الحيض :لقوله تعالى﴿ :فَا ْعتَ ِزلُوا الن َ
ِّس َ
والمحيض أي :الحيض.
َ
ولحديث البخاري :أن النبي ﷺ قال لفاطمة بنت أبي حبيش” :إذا أقبلت الحيضة فدعي الصالة ،وإذا أدبرت
فاغتسلي وصلي“.
مجتمع ،ويعتبر مع خروج ٍ
كل منهما وانقطاعه القيام إلى الصالة. ٌ والنفاس :ألنه دم ٍ
حيض
هل يجب الغسل بالنزول أم يجب باالنقطاع؟
قال :موجبهُ االنقطاع فقط ،فطالما أن المرأة نُفساء أو عليها دم حيض فال يجب عليها االغتسال.
إنما متى يجب الغسل؟
إذا انقطع الحيض ،أو إذا انقطع النفاس.
وبعض العلماء يقول :يجب بالنزول وال يصح إال باالنقطاع ،وال فرق بين المصطلحين في ذلك.
مني منعقد ،وألنه ال يخلو عن بلل غالبًا ،فأقيم مقامه كالنوم مع ٍ
والوالدة :ولو علقة أو مضغة ،ولو بال بلل ،ألنه ّ
الخارج.
دما ،وجب عليها الغسل ،وهو روايةٌ واحدة في المذهب.
وهذا هو الصحيح أن المرأة إذا ولدت وإن لم تنزل ً
57
قال الشارح :يحرم على الجنب والحائض والنفساء ،ما حرم بالحدث األصغر ألنهما أغلظ منه ،والمقصود ما حرم
بالحدث األصغر :الصالة ،والطواف ،ومس المصحف.
كما ذكرنا قبل ذلك.
58
وللحائض والنفساء بعد انقطاع دم ِهما.
ِ قال :ويسن للجنب غسل الفرج والوضوء لألكل والشرب والنوم والجماع،
إذن على ذلك موجبات الغسل ستةٌ:
ثالثة يشترك الرجال والنساء وهي:
-التقاء الختانين.
-وإنزال المني.
-والموت( .وبعض العلماء يقول :الموت تعب ًدا ،ألن الميت ال يلزمه الغسل ،إنما يلزم على من حضر عنده).
األول« :النية»
أي ينوي رفع الحدث ،أو تنوي المرأة الطهارة من الحيض.
لحديث” :إنما األعمال بالنيات ،وإنما لكل امر ٍئ ما نوى“.
فمن نوى رفع الجنابة ارتفع
طاهرا،
أي :ارتفع حكمها وصار ً
ضا أو لتوطأ ،أو الغسل من الحيض،
أو رفع حدث الحيض ،إذا كانت المرأة حائ ً
طاهرا،
نواهما صح وصار ً
كل ذلك نية ،ولو اجتمع أكثر من موجب ،ونوى أحدهما أو ُ
ولو اكتفى بنية رفع الحدث األكبر عن كل البدن صح.
59
كذلك لو نوى رفع الحدث فقط عن البدن أجزأ ،لكن لو قال :نويت رفع الحدث األكبر كان تأكي ًدا وكان أولى.
ضا على المذهب.
لكن لو نوى رفع الحدث األصغر فقط عم ًدا ،لم ترتفع الجنابة ،أو غلطًا لم ترتفع أي ً
قطعا. ٍ قال النووي في المجموع :ولو اجتمع على المرأة غسل ٍ
حيض وجنابة كفت نية إحداهما ً
ومن النية أن ينوي استباحة مفتق ٍر إلى غسل ،كأن ينوي استباحة الصالة والطواف وهو جنب ،فهذا نوى رفع الحدث
مما يتوقف على ٍ
غسل،
فإن نوى ما ال يفتقر إليه ،كالغسل ليوم العيد لم يصح ،ولم يرتفع حدث،
كذلك قال في المجموع :وإذا اغتسل من ٍ
إناء كإبر ٍيق ينبغي له أن ينوي عند غسل محل االستنجاء بعد فراغه منه.
وهذا يدل على متى ينوي رفع الحدث.
إذن هذا الفرض األول« :النية».
ٍ
نجاسة غير معف ٍو عنها، ذهب أو فضة ،وجب عليه غسله من ٍ
حدث أكبر أو أصغر ،ومن فائدة :لو اتخذ له أنملةً أو أن ًفا من ٍ
للمع ِّذور فصارت األنملة واألنف كاألصليين.
ألنه وجب عليه غسل ما ظهر من األصبع واألنف بالقطع ،وقد تعذر َ
60
إذن هذه فرائض الغسل وهي:
-وايصال الماء إلى جميع أجزاء الشعر والبشرة. -وإزالة النجاسة. -النية.
قال :وسننه خمسة أشياء:
-إمرار اليد على الجسد -الوضوء قبله -التسمية
-وتقديم اليمنى على اليسرى. -والمواالة.
قال« :وسننه» :أي :سنن الغسل وهي كثيرة ،كما قال الشارح ،المذكور منها خمسة أشياء:
أوال« :التسمية»
وقياسا على الوضوء.
وهي مقرونةٌ بالنية كما صرح به في المجموعً ،
رابعا« :المواالة»
وهي غسل العضو قبل جفاف ما قبله كما مر في الوضوء.
61
هذه األغسال الخمسة التي ذكرها الماتن وشرحها الشارح ،لكن الشارح ذكر سننًا أخرى.
قال :وقدمنا أن سنن الغسل كثيرة فمنها:
-التثليث تأسيًا به ﷺ كما في الوضوء ،أي يغسل ثالثًا .وكيفية ذلك:
-أن يتعهد ما ذكر،
-ثم يغسل رأسه ويدلكه،
-ثم باقي جسده كذلك بأن يغسل ويدلك شقه األيمن المقدم ثم المؤخر،
-ثم األيسر كذلك،
-ثم مرًة ثانية،
-ثم مرًة ثالثة.
فإن كان يغتسل في نهر فيكفي إمرار اليد على الجسد.
ٍ
لحيض أو نفاس أثر الدم مس ًكا قال( :وهذه عبارةٌ رائعة من الشارح :)ويسن أن تُتبِع المرأة غير المحرمة والمحدة
فتجعله في ٍ
قطنة وتدخلها الفرج بعد غُسلها.
زوج ألنها ممنوعة من وضع الطيب.
أمر جيد من الشارح ،أنه استثنى :المحرمة ،والمعتدة من وفاة،أو المحدة على ٍ
وهذا ٌ
ثم ذكر بعض الفوائد المتعلقة بالغسل:
ويكره أن يغتسل في الماء الراكد وإن كثر.
جزءا وهو جنب ،إذ يرد إليه سائر أجزائه في
دما ،أو يبين من نفسه ً أيضا ال ينبغي أن يحلق أو يقلم أو يستحد أو يخرج ً
اآلخرة فيعود جنبًا.
هذه الفائدة ال دليل عليها نعلمه من السنة أن كل ٍ
شيء سيرد إليه وسيرد جنبًا.
ويجوز أن ينكشف للغسل في خلوةٍ أو بحضرةٍ من يجوز له نظره إلى عورته كالزوجة و األمة ،قال والستر أفضل.
وجمعة ونحوها ٍ
كعيد حصل غسلهما ولو نوى الفرض وتحية المسجد. ٍ ٍ
كحيض ٍ
لجنابة ونحوها ضا من الفوائد :ومن اغتسل
أي ً
يعني يريد أن يقول :إنه يجوز أن يجمع النية في الغسل،
وللجمعة هذا يجوز وال حرج في ذلك.
رجل أصبح يوم الجمعة جنبًا فاغتسل للجنابة ُ
ٌ
62
قال :ومن األمور المباحة :يباح للرجال دخول الحمام ،ويجب عليهم غض البصر عما ال يحل لهم ،وصون عوراتهم عن
الكشف بحضرة من ال يحل لهم النظر إليها.
والمقصود هنا بالحمام :حمام البخار أو السونة ،الذي يجتمع فيه الرجال وال حرج في دخوله.
وأما النساء فيكره لهن بال عذر ،لحديث” :ما من امرأةٍ تخلع ثيابها في غير بيتها إال هتكت ما بينها وبين اهلل“.
إذن هذه سنن الغسل.
63
الغسل الثاني والثالث :غسل العيدين.
عيد الفطر واألضحى لكل ٍ
أحد ،وإن لم يحضر الصالة ،ألنه يوم زينة فالغسل له بخالف الجمعة.
ولما سئل علي عن الغسل قال” :يوم الفطر ويوم األضحى ويوم عرفة ويوم الجمعة“.
قال :وإن كان مستحب فعله بعد الفجر ،أي االغتسال للعيدين.
تعظيما لإلسالم،
ً والثامن :غسل الكافر ولو مرت ًدا ،إذا أسلم
وألنه ﷺ ”أمر قيس بن عاصم لما أسلم أن يغتسل“.
وبعض العلماء يرى وجوب اغتسال الكافر إذا أسلم لهذا الحديث.
لكن المذهب أنه يستحب ألن جماع ًة من الصحابة أسلموا ولم يأمرهم ﷺ بالغسل ،كذلك أن هذا لم يعرض له
متزوجا وجامع أهله ،أو امرأة بالغة
ً رجال
في كفره ما يوجب الغسل ،لكن لو كان عرض له ما يوجب الغسل كأن يكون ً
وحاضت،
فقال :وجب على األصح أن يغتسل .وهو الصحيح.
64
والتاسع :المجنون من باب أولى.
لحج أو عمرةٍ أو بهما ،ولو في حال الحيض أو النفاس من المرأة ،لفعل النبي ﷺ.
الحادي عشر :الغسل عند اإلحرام ٍ
الثاني عشر :الغسل لدخول مكة ،لفعل ابن عمر ونقله عن النبي ﷺ.
الثالث عشر :الغسل للوقوف بعرفة ،واألفضل كونه بنمرة ،ولما سئل علي عن الغسل قال :يوم الفطر ،ويوم األضحى ،ويوم
عرفة ،ويوم الجمعة .وقيل يسن الغسل يوم عرفة قبل الزوال.
65
الغسل من الحجامة ،ومن الخروج من الحمام عند إرادة الخروج ،ولالعتِكاف ،ولكل ٍ
ليلة من رمضان ،وقيده األزرعي بِأن
ِ
ولحلق العانة ،ولبلوغ الصبي بالسن ،ولدخول المدينة المشرفة ،وعند سيالن الوادي، ِ
ولدخول الحرم، يحضر الجماعة ،قال
اجتماع من مجامع الخير.
ٍ ولتغيُر رائحة البدن ،وعند كل
هذه كلها أغسال ال دليل من السنة على استحبابها ،وإن قلنا مباحة فال حرج في ذلك.
تنبيه :قال الزركشي :قال بعضهم :إذا أراد الغسل للمسنُونات نوى أسبابها ،إال الغسل من الجنون فإنه ينوي الجنابة وكذا
َنزل.
المغمى عليه ،ألنه سبق قول الشافعي :قَ َّل َمن ُج َّن إال وأ َ
وروى ابن المنذر عن الحسن البصري أنه قال :حدثني سبعون من الصحابة ”أن النبي ﷺ مسح ُ
علو الخفين“.
بدال من غسل الرجلين ،فمن لبس الخفين بشروط ِهما جاز له المسح عليهما،
جائز في الوضوء ً
والمسح على الخفين ٌ
والمسح على الخفين في الوضوء دون الجنابة.
66
والثاني« :أن يكونا ساترين لمحل غسل الفرض من القدمين»
ومحل غسل الفرض أو القدم بالكعبين،
ساترا أعلى الكعبين.
تبعا للقدم فال بد أن يكون ً
فيدخل الكعبان ً
ومعنى ذلك الخالف:
هل يجوز المسح على الخف المخرق؟
الجواب :ال.
قصر عن محل الفرض أو كان به تخرق في محل الفرض ضر.
لذلك قال :فإن ُ
أي عدم الجواز ،لكن لو تخرقت البطانة دون الظهارة ،أو الظهارة دون البطانة ،لم يضر إذا تخرق في موضعين
مختلفين.
قال :والمراد بالستر هنا الحيلولة.
قال :وال يجزئ منسوج ال يمنع نفوذ الماء إلى الرجل من غير محل الفرض.
ثم ذكر الشارح الشرط الرابع :الذي أسقطه المصنف (أي الماتن أبي شجاع)« :أن يكونا طاهرين» ،أي الخفين،
خف اتُخذ من جلد ٍ
ميتة قبل الدباغ لعدم إمكان الصالة فيه ،ألنه نجس العين. فال يكفي المسح على ٍ
يوما وليلة.
ثم قال الماتن :ويمسح المقيم ً
قال الشارح :ولو عاصيًا بإقامته ،والمسافر ثالثة ٍ
أيام بلياليهن.
ويوما وليلة للمقيم“. وهذا لخبر علي أنه قال” :جعل رسول اهلل ﷺ ثالثة ٍ
أيام ولياليهن للمسافر ً
قال :وابتداء المدة من حين يحدث بعد لبس الخفين ،فإن َمسح في الحضر ثم سافر أو مسح في السفر ثم أقام أتم مسح
مقيم.
أول مسألة :ابتداء المدة :تبدأ مدة المسح من حين الحدث بعد لبس الخف.
رجل توضأ لصالة الفجر ،ثم لبس الخفين ،ثم أحدث في الساعة السادسة ،ثم أراد أن يتوضأ في الثامنة،
وصورتهاٌ :
فمتى تبدأ المدة هل من الرابعة عندما لبس الخف؟
أم من السادسة عندما أحدث؟
67
أم من الثامنة إذا أراد المسح؟
اختار المصنف أنه يبدأ من السادسة أي حين الحدث.
قال :ألن وقت جواز المسح يدخل بذلك ،فاعتبرت مدته منه.
قال :ولو أحدث ولم يمسح حتى انقضت المدة انتهى يومه.
وهذا فيه نظر ألن النبي ﷺ علق المدة بالمسح فقال” :يمسح المقيم ً
يوما وليلة“
فالذي يترجح واهلل أعلم أن بعد تقرير المذهب ،أنه يبدأ من الحدث أن المدة تبدأ من المسح.
ثم ذكر عدة مسائل فقال« :فإن مسح في الحضر ثم سافر ،أو مسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم».
سفرا تقصر فيه الصالة ،هل يتم؟
رجال ابتدأ المسح مقي ًما ،فمسح لصالة الفجر ،ثم سافر ً
لو أن ً
مقيما ،أو مسح المسافر في السفر ثم أقام
قالوا :ال يمسح مسح مسافر بل يقتصر على مسح مقيم ،ألنه ابتدأ المسح ً
قبل استيفاء مدة المقيم.
مسح لصالة الفجر وهو مسافر ثم عاد بعد صالة العصر قبل أن يتم اليوم والليلة.
ِ
ألصالته ،ألنه حاضر. قال :مسح مقيم تغليبًا للحضر
وخالصة القول في ذلك :أن اإلنسان إذا انتهت المدة ،أو خلع الخفين ،أو أجنب :ال يجوز له المسح بعد ذلك إال أن
وضوءا ويغسل رجليه ثم يلبس الخف مرة أخرى.
ً ينزعهما ويغتسل إن كان جنبًا ،أو يتوضأ
أحبتي في اهلل بذلك تنتهي هذه المحاضرة ،وبقي لنا بعض األسئلة:
68
األسئـ ـلة
-السؤال األول :اذكر موجبات الغسل الخاصة بالنساء مع الدليل.
-السؤال الثاني :اذكر عشرة من األغسال المسنونة.
-السؤال الثالث :اذكر صفة الغسل.
-السؤال الرابع :كم يمسح المقيم؟ وكم يمسح المسافر؟ مع الدليل.
هذا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ال إله إال أنت ،نستغفرك ونتوب إليك.
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
69
المحاضرة الـسادسـة
ما زلنا نتكلم في كتاب الطهارة ،واليوم إن شاء اهلل تعالى مع" :باب التيمم"" ،وباب إزالة النجاسة"
ونذكركم بأننا نشرح كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع].
وحينما نقول "الماتن" فاللفظ "ألبي شجاع".
وحينما نقول "الشارح" فهو اإلقناع لإلمام "الخطيب الشربيني".
فصل في التيمم.
قال الماتن ٌ :
وشرائط التيمم خمسة أشياء:
مرض ،ودخول وقت الصالة ،وطلب الماء ،وتعذر استعماله ،واعوزازهِ بعد الطلب ،والتراب
وجود العذر بسف ٍر أو ٍ
رمال لم يجز.
جصا أو ً
الطاهر الذي له غبار ،فإن خالط ًّ
والتيمم لغةً :هو القصد ،يقال تيممت فالنًا ،ويممتهُ وتأممتهُ وأممتهُ ،أي قصدته.
بيث ِمنهُ تُ ِنفقو َن﴾ [البقرة،]٢٦٧ :
ومنه قوله تعالىَ ﴿ :وال تَـيَ َّم ُموا ال َخ َ
أي وال تقصدوا الخبيث منه لتنفقوهِ.
ائط مخصوصة؛ شرعا :إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشر ٍ والتيمم ً
وهذا من خصائص هذه األمة.
70
قال الماتن :وشرائط التيمم خمسة أشياء.
شرائط التيمم :جمع شر ٍ
يطة كما قاله الجوهري.
قال :خمسة أشياء كذا في أكثر النسخ ،وبعضهم يقول ستة ،وبعضهم يقول سبعة.
األول« :وجود العذر» :وهو أن يعجز عن استعمال الماء.
والعجز عن استعمال الماء له ثالثة أسباب:
أحدها «أن يكون بسبب السفر» ،وللمسافر أربعة أحوال:
الحالة األولى :إن تيقن عدم الماء فيتيمم ٍ
حينئذ بال ٍ
طلب.
رجل يمشي في الصحراء ،وأُذن للظهر ،ويعلم أنه لن يصل إلى الماء إال بعد المغرب:
هذا يتيمم مباشرًة ويصلي الظهر ،وكذلك إذا جاء العصر يتيمم ويصلي العصر.
الحالة الرابعة :أن يكون الماء فوق ذلك المحل المتقدم ويسمى [حد البعد].
فيتيمم وال يجب عليه قصد الماء لبعده.
هذا هو السبب األول السفر وقلة الماء.
71
ففي هذه الحالة يتيمم وال يستعمل الماء ،مريض منعه الطبيب من استعمال الماء هذا يتيمم،
مريض يخشى على نفسه الضرر من استعمال الماء هذا يتيمم.
ٍ
حيوان محترم، ٍ
لعطش أو لعطش السبب الثالث :حاجته إليه
ولو كانت حاجته إليه لذلك في المستقبل ،صونًا للروح أو غيرها من التلف.
والعلماء يقسمون اآلدمي إلى محترم وغير محترم وكذلك الحيوان.
أما الحيوان المحترم :فكل حيوان ما خال ما أمر الشرع بقتله ،كالفأر ،والحدأة ،والغراب ،والعقرب ،والكلب
العقور ،والحية ،فهذه حيوانات غير محترمة؛ ألن الشرع أمر بقتلها .فحينما تسمع "حيوان محترم" فهو ما
سوى هؤالء الذين ذكرنا.
وحينما تسمع "آدمي محترم" ،فيخرج بذلك :الحربي ،وقاتل النفس ،والتارك لدينه المفارق للجماعة ،والثيب
ضا غير معصومي الدماء.
الزاني ،هؤالء أي ً
ٍ
مسلم إال بإحدى ثالث :النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه لقول النبي ﷺ" :ال يحل دم امر ٍئ
المفارق للجماعة".
ٍ
لحيوان محترم تركه وتيمم. فإذا احتاج هذا الماء لنفسه ،أو آلدم ٍي محترم ،أو
قهرا
كذلك العلماء قالوا :إذا خاف على نفسه الهلكة ووجد الماء مع غيره ،جاز له إذا كان عطشانًا أن يأخذه ً
ببدله.
إذن هذا هو السبب األول وهو «تعذر استعمال الماء أو تعذر وجود الماء».
72
ِ
بمأذونه. الشرط الثالث« :وطلب الماء» أي إذا دخل وقت الصالة ،شرع المصلي في طلب الماء ،إما أن يطلبه بنفسه أو
الشرط الرابع« :وتعذر استعماله» أي إذا تعذر استعمال الماء كما مر معنا.
ٍ
حيوان محترم كما مر ،وهو ٍ
حاجة إلى هذا الماء ،لعطشه أو عطش الشرط الخامس« :واعوزازهُ بعد الطلب» أي أن يكون في
ما ال يباح قتله .إذن الحيوان المحترم هو ما ال يباح قتله.
الشرط السادس« :والتراب الطاهر الذي له غبار» هذا شرط ،والمقصود بالتراب بجميع أنواعه حتى ما يتداوى به ،فلو أنه
وضع الطين على جرحه ،ثم يبس هذا الطين ،ثم ُسحق فصار ترابًا مرًة أخرى ،فله أن يتيمم به ،ويتداوى به.
صعي ًدا طَيِّبًا﴾ ،وكما مر معنا "الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء".
لقوله تعالى﴿ :فَـتَـيَ َّمموا َ
والمراد بالطاهر الطهور :غير المتنجس وال المستعمل ،وهو ما بقي بعضوه أو تناثر منه،
وعلى هذا يصح التيمم بكل ما صعد على وجه األرض ،حتى ولو كان هذا التراب محترقًا.
رمادا ،ذكره في الروضة ،قال واألصفر واألحمر واألبيض.
قال :ولو أسود ما لم يصل ً
ص بكسر الجيم وفتحها( ،وهو الذي تسميه العامة الجبس) ،أو دقي ٌق ،أو نحوه ،أو ِ
ص ،أو ج ٌقال :فإن خالطه َج ٌ
اختلط ٍ
برمل ناعم يلصق بالعضو ،لم يجز التيمم به على المذهب.
قال :ألن ذلك يمنع وصول التراب إلى العضو.
قال :أما الرمل الذي ال يلصق بالعضو فإنه يجوز التيمم به.
صالحا للغسل ال يكفيه،
ً ماء
هنا مسألة لو أن المتوضئ أو المتيمم وجد ً
هل يستعمله على بعض أعضائه؟ أم يتركه ويتمم؟
المذهب :أنه وجب استعماله في بعض أعضائه مرتبة ،إن كان حدثه أصغر ،كأن يبدأ بالوجه ثم اليدين ثم مسح الرأس
ثم رجليه ،أي الترتيب على الفروض األربعة.
أو مطل ًقا إن كان غيره (إذا كان الحدث أكبر يبدأ بغسل الرأس) ،كما يفعل من يغسل كل ِ
بدنه.
لما جاء في الصحيحين :أن النبي ﷺ قال" :إذا أمرتكم بأم ٍر فأتوا منه ما استطعتم".
ماء فَـتَـيَ َّمموا﴾ [النساء]٤٣ : ِ
ويكون استعماله قبل التيمم عن الباقي ،لقوله تعالى﴿ :فَـلَم تَجدوا ً
فاألصح القطع بأنه ال يجب مسح الرأس به. كثلج ٍ
وبرد ال يذوب، وهذا واج ٌد ،أما ما ال يصلح للغسل ٍ
َ
إذن على هذا وعلى المذهب ،أنه يستعمل الماء الموجود ،في غسل ما يكفي من األعضاء ويتيمم للباقي.
قال مسألة (أي الشارح) :ومن وجد به نجاسة ووجد ماء يغسل به بعضها وجب عليه للحديث المتقدم.
قوله ﷺ" :إذا أمرتكم بأم ٍر فأتوا منه ما استطعتم".
73
حدث أصغر أو أكبر وعلى بدنه نجاسة ،وال يكفي إال ألحدهما.
ماء وعليه ٌ
أو وجد ً
معه ماء والبدن عليه نجاسة ويريد أن يتوضأ ماذا يفعل؟
قال :تعين للنجاسة؛ ألن إزالتها ال بدل لها ،يزيل النجاسة بالماء ويتيمم للحدث.
ثم قال الشارح :ويجب شراء الماء في الوقت وإن لم يكفه ،وكذا التراب بثم ٍن مثله وهو على األصح.
إذن إذا كان معه مال والماء يباع ،يجب أن يشتري ما دام في الوقت،
تفعا أو ال يجده عدل إلى التيمم،
كذلك لو كان التراب يباع يشتري بثمن مثله ،فإن كان الثمن مر ً
ولذلك :إذا احتاج واجد ثمن الماء إلى شراء سترةٍ للصالة ،هل يقدمها أم يقدم شراء الماء؟
74
قال الشارح الخطيب الشربيني :واألولى ما في المنهاج ،أي أن فرائضه خمسة.
هنا لو جعلنا على قول الشارح أنها خمسة سنحتاج أن نذكر الذي لم يذكره الماتن ،وهو «النقل».
ِ
بمأذونه كما مر، والمقصود به :نقل التراب إلى العضو الممسوح بنفسه ،أو
فلو كان على العضو تراب فرده عليه من جانب إلى جانب لم ِ
يكف ،إنما صرحه بالقصد المقصود به النقل المقرون
بالنية.
وتكلمنا على ما لو تلقى التراب من الريح بكمه أو بيده ومسح به وجهه ،أو تمسك في التراب ولو بغير عذر ومسح
به وجهه ويديه أجزأه ،ألنه هنا في حكم المنقول.
يد إلى يد ،أو من ٍ
يد إلى وجه ،كل ذلك يجزئ عنه. ولو نقل من ٍ
والفرق بينهما :أنه لو قلنا بأنه رافع إذا تيمم ألي شيء أجزأ عن الباقي ،ألنه ارتفع حدثه كما في الوضوء ،فيجوز أن يصلي
الفريضة ،والنافلة ،ومس المصحف ،وغير ذلك.
أما إذا قلنا إنه مبيح فاألعلى يشمل األدنى وال عكس ،إذا تيمم لصالة الفريضة جاز أن يصلي النافلة ،أما إذا تيمم لنافلة ،أو
لِمس مصحف ال يجوز أن يصلي الفريضة؛ ألن النافلة ،ومس المصحف ،أدنى من الفريضة.
ولذلك أردنا أن نبين الفرق بين المبيح والرافع لتفهم كالم المصنف .
قال« :النية» :أي نية استباحة الصالة أو نحوها مما تفتقر استباحته إلى طهارة.
-قال :كطواف وحمل مصحف.
-قال :وأما ما يستباح به فسيأتي.
75
-قال :ولو تيمم بنية االستباحة ظانًا أن حدثه أصغر فبان أكبر أو عكسه صح.
-قال :وال يكفي نية رفع الحدث ،سواء كان أصغر أو أكبر ،أو نية الطهارة عن أحدهما ،ألن التيمم ال يرفعه.
كذلك لو نوى فرض التيمم ،أو فرض الطهارة ،أو التيمم المفروض لم ِ
يكفه،
مقصودا في نفسه ،إنما يؤتى به عن ضرورة ،يستبيح الفعل بخالف الوضوء.
ً ألن التيمم ليس
لذلك قال :ولهذا استحب تجديد الوضوء وال يستحب تجديد التيمم.
ولو ضرب يده على بشرة امرأةٍ تَن ُقض وعليها تراب ،فإن منع التقاء البشرتين صح تيممه.
هذه مسألة يضيفها الشارح ،وانتبه إلى هذه المسألة جي ًدا فهي مسألةٌ دقيقة في المذهب،
عمال بنيته.
أبيح له ً
ونفل َ قال :وأما ما يباح له بنيته ،فإن نوي استباحة ٍ
فرض ٍ
ِ
بنوافله القبلية والبعدية ،فهذا له ذلك ،أو نوى أن يتيمم لصالة الظهر، يعني تيمم لكي يصلي الظهر
تابع له.
فرضا فقط فله النفل ،معه ألن النفل ٌ
قال :أو ً
تابع له.
أي نوى أن يتيمم لصالة الظهر جاز أن يصلي النافلة ،قال :ألن النفل ٌ
نفال فقط أو نوى الصالة وأطلق ،صلى به النفل وال يصلي به الفريضة.
قال :أما إن نوى ً
هذا ما ذكرنا آن ًفا ،ألن التيمم رخصة مبيحة يستباح بها الفرض.
قال :ولو نوى بتيممه حمل المصحف ،أو سجود التالوة ،أو الشكر ،أو نوى نحو الجنب االعتكاف ،أو قراءة
ضا
القرآن ،أو الحائض استباحة الوطء ،كان ذلك كله كنية النفل ،في أنه ال يستبيح به الفرض ،وال يستبيح به النفل أي ً
ألن النافلة آكد من ذلك.
وهذا على التقسيم الذي ذكرنا أنه مبيح للفعل.
ألصح أنه كالتيمم للنفل.
وكذا لو نوى بتيممه صالة الجنازة ،اختلفوا في المذهب :قال :فا َ
الركن الثالث« :مسح الوجه» والمقصود بالوجه كما ذكرنا في الوضوء ما تحصل به المواجهة،
وهنا المذهب حتى أنه يمسح المسترسل من لحيته ،والمقبل من أنفه،
لقوله تعالى﴿ :فامسحوا بوجوهكم وأيديكم﴾ قال :ومسح الوجه ومسح اليدين مع المرفقين.
76
فالمذهب على أنها إلى المرفق ،لماذا؟
َ
قال :ألن التيمم بدل عن الوضوء ،والوضوء تغسل فيه اليدين مع المرفقين،
فكذلك البدل له حكم البدل ،فتمسح اليدين إلى المرفقين.
قال الشافعي : ألن اهلل تعالى أوجب طهارة األعضاء األربعة في الوضوء أول اآلية ،ثم أسقط منها عضوين في
التيمم في آخر اآلية،
أي أسقط :مسح الرأس وغسل الرجلين ،فيبقى العضوان في التيمم على ما ذكر في الوضوء إذ لو اختلف لَبّينهما
هكذا.
والثاني :تقديم اليمنى من اليدين على اليسرى منهما ،أي يبدأ بمسح اليمنى ثم اليسرى.
قال :والمواالة كالوضوء ،فال يصح أن يمسح وجهه في الصبح ويديه في الظهر فال يسمى تيمما،
كال منهما طهارةٌ عن حدث.
بل يستحب المواالة ألن ً
ضا:
ثم قال الشارح :ومن السنن أي ً
خروجا من خالف من أوجبها.
ً المواالة بين التيمم والصالة
77
قال :ومن سننه :البداءة بأعلى وجهه ،وتخفيف الغبار من كفيه،
قال :وتفريق أصابعه في أول الضربتين ،وتخليل أصابعه بعد مسح اليدين،
كل هذه سنن على قول الشارح.
خروجا من خالف من أوجبه.
ً قال :وال يرفع عن العضو قبل إتمام مسحه
إذن هذه سنن التيمم.
هذه مسألة مهمة :الرجل تيمم ثم قبل أن يدخل في الصالة وجد الماء،
هذا بطل تيممه باإلجماع ،ويجب عليه أن يتوضأ،
ضا بطل التيمم ،على المذهب.
أو جاءه ثمن الماء الذي يستطيع أن يشتريه به هنا أي ً
مكان يغلب فيه وجود الماء بطل تيممه ،إذ ال ٍ
صالة ال يسقط قضاؤها بالتيمم ،فإن صلى في ٍ قال :فإن وجده في
فائدة باالشتغال بالصالة ،ألنه سيعيدها ،إذا جاء وهو في الصالة فينبغي عليه أن يخرج.
ضا ٌ
قول في المذهب :أنه ال يسقط التيمم ولم يبطل ألنه شرع في المقصود ،كما لو وجد المكفر الرقبة بعد وأي ً
الشروع في الصوم ،وألن وجود الماء ليس حدثًا لكنه مانع من ابتداء التيمم ،وال فرق في ذلك بين صالة الفرض
ٍ
وصالة الجنازة والنفل. كظه ٍر
وهنا نقول إنه إذا رأى الماء في صالته أكمل.
مسافرا وشرع في الصالة بتيمم ورأى الماء قلنا أكمل ،ثم نوى اإلقامة في أثناء
ً هنا مسألة دقيقة في المذهب لو كان
لحكم اإلقامة ،هذا على المذهب.
الصالة ،نقول هنا :بطلت صالته تغليبًا ُ
78
قال :وييمم الميت ،فإن ُو ِج َد الماء بعد ذلك وجب غسله ،والصالة عليه ،سواء جاء الماء أثناء التيمم أو بعده أو
أثناء الصالة عليه أو بعدها.
أما األخيرة إذا جاء الماء بعد الصالة على الميت :فقال :يحتمل أال يجب.
قال :ولو رأت الحائض المتيممة لفقد الماء الماء وهو يجامعها حرم عليها تمكينه منه،
أما إذا رأى هو الماء فال يحرم عليها إن لم يخبرها.
كذلك لو رأى الماء في أثناء قراءةٍ قد تيمم لها بطل تيممه بالرؤية ،وسواء نوى قراءةٍ قدر المعلوم أو ال.
بناء على أنه يجوز تفريقه وهو األصح.
وهكذا لو رأى الماء في أثناء الطواف بطل تيممهً ،
إذن خالصة القول في وجود الماء :أنه إذا وجده قبل الصالة بطل التيمم،
وإذا وجده أثناء الصالة على قولين في المذهب األصح أنه ي ِ
كمل.ُ
وإذا وجده بعد الصالة فال عبرة بوجوده فصالته صحيحة.
ثم قال الثالث من المبطالت :ال ِردة والعياذ باهلل تعالى منها،
هذا كالبُطالن في الوضوء فكما يجب تجديد الوضوء كذلك يجب تجديد التيمم.
79
قال :وإذا ظهر د ٌم من اللصوق أو شق عليه نزعه وجب مسحه ويعفى عن هذا الدم.
كذلك إذا تيمم الذي عليه غُسل ،ومسح للعليل ،وغسل الصحيح أدى فرضه ،وال فرق بين المحدث حدثًا أصغر
والمحدث حدثًا أكبر.
قال :ولو نسي الماء في رحله أو أضله فلم يجد غيره أو لم يجده بعد إمعان الطلب ،تيمم في الحالين وصلى،
قصر في الوقوف عليه،
ثم تذكر في النسيان ،أو وجده في اإلضالل قضى ،ألنه في الحالة األولى واج ٌد للماء لكنه ّ
نادر ال يدوم.
عذر ٌوفي الثانية ٌ
وكذلك قال :وجهٌ آخر أنه ال يقضي طالما أنه لم يقصر.
80
قال[ :ويتيمم لكل فريضة].
أي يتيمم المعذور وجوبًا لكل فريضة فال يصلي بتيمم غير فرض؛ ألن الوضوء كان لكل فرض،
الص َالةِ﴾ [المائدة ]٦ :والتيمم بدل عنه.
لقوله تعالى ﴿إِذَا قُ ْمتُ ْم إِلَى َّ
ٍ
بوضوء واحد ،فيبقى التيمم على ما كان عليه، ثم نسخ ذلك في الوضوء ،بأنهُ صلى يوم الفتح خمس صلوات
صحيح عن ابن عمر قال” :يتيمم لكل صالة وإن لم ي ِ
حدث“. ٍ ٍ
بإسناد ولما روى البيهقي
ُ
وألنه طهارة ضرورة ،ومثل فرض الصالة في ذلك فرض الطواف ،وخطبة الجمعة ،فيمتنع الجمع ٍ
بتيمم واحد بين
طوافين مفروضين.
كأن يطوف طواف اإلفاضة وطواف الوداع ،وبين صالة الجمعة وخطبتها على ما رجحه الشيخان وهو المعتمد؛
قال :ألن الخطبة وإن كانت فرض كفاية فإنها قائمة مقام ركعتين ،لكن إذا تيمم للفرض جاز أن يصلي به ما شاء من
النوافل.
كذلك إذا َج َم َع َج ْم ِع تقديم أو جمع تأخير ،جاز أن يصلي به أكثر من فريضة.
بتيمم ٍ
واحد ما شاء من النوافل] قال[ :ويصلي ٍ
ألن النوافل تكثر ،فيؤدي إيجاب التيمم لكل صالةٍ منها إلى الترك أو إلى ٍ
حرج عظيم ،فخفف في أمرها كما خفف
بترك القيام فيها مع القدرة ،وبترك القبلة في السفر.
قال :ومن نسي إحدى الصلوات ولم يعلم عينها كفاه لهن تيمم.
هنا آخر مسألة في التيمم :على فاقد الطهورين :وهما الماء والتراب،
ٍ
كمحبوس ٍ
بمحل ليس فيه واح ٌد منهما أن يصلي الفرض ،يلزمه الوقت ويعيد إذا وجد أحدهما الماء أو التراب،
وخرج بالفرض النفل ،فال يفعل،
ويقضي وجوبا :المتيمم ولو في سف ٍر ٍ
لبرد لندرة هذا ،أو فقد ما يسخن به الماء ،أو يدثر به األعضاء ،ومتيمم لعذ ٍر: ً
وجرح في سفر معصية كآبق هذا يعيد؛ ألن عدم القضاء رخصة فال يناط بسفر المعصية.
ٍ كفقد الماء،
81
سواء كان ذلك من حيوان مأكول أو غير مأكول على المذهب،
فالمذهب يرى أنه حتى بول وروث ما يؤكل لحمه نجس.
َ
واستدل لذلك بحديث ابن مسعود الذي رواه البخاري” ،لما جاء للنبي ﷺ بحجرين وروث ليستنجي بِهما أخذ
الحجرين ورد الروث ،وقال :هذا ركس“ ،والركس :أي نجس.
ولما مر بالقبرين كما في الصحيحين ،قال” :أما أحدهما فكان ال يستبرئ من البول“.
قال :وقيس به سائر األبوال ،لكن قد يستشكل بأن النبي ﷺ أمر العرانيين بشرب بول اإلبل،
جائز عند فقد الطاهر ،الذي يقوم مقامه.
فأجيب عنه بأنه كان للتداوي ،والتداوي بالنجس ٌ
فإن قال قائل :قال النبي ﷺ” :لم يجعل اهلل شفاء أمتي فيما حرم عليها“.
واجب]
ٌ واألرواث
َ قال[ :وغسل جميع األبوال
إذا أصاب الثوب أو أصاب البدن أو أصاب البقعة التي يصلي عليها ،سواء
ٍ
مأكول أو غير مأكول ،سواء أراد به النجاسة المتوسطة كالبول والغائط ،أو المخففة. كان من
ٍ
بحديث ضعيف رواه أبو داود ،قال النبي ﷺ” :كانت الصالة خمسين ،والغسل من الجنابة والبول ويستدل لذلك
ِ
سبع مرات ،فلم يزل رسول اهلل ﷺ يسأل اهلل حتى ُجعلت الصالة ً
خمسا ،والغسل من الجنابة مرة ،والغسل من
البول مرة“.
بصب َذ ٍ ِ
نوب على بول األعرابي الذي بال في أثر ضعيف ويستغنى عنه بغيره من الصحاح ،كأمره ﷺ ” َ لكن هذا ٌ
المسجد“” ،وأمر أسماء بغسل الثوب“ وغيرها من األدلة.
82
وال بد أن تعلم أن النجاسة على قسمين:
نجاسةٌ حكمية ،ونجاسةٌ عينية.
فالحكميةٍ :
كبول جف لم يدرك له صفة ،فيكفي َجري الماء عليه مرة. َ -
طعم ٍ
ولون وري ٍح. -والعينية :يجب إزالة صفتها من ٍ
فإذا تعسر إزالة اللون أو الريح ال يضر وال يجب إزالته،
قال في دم الحيض يصيب الثوب” :تحكه ثم تقرصه ثم تنضحه ،ثم تصلي فيه وال ِ
يضرك أثره“.
ثم قال :وما ال نفس له سائلة إذا وقع في اإلناء ومات فيه فإنه ال ينجسه بشرطين:
طارح.
أال يغيره ما وقع فيه ،ولم يطرحه ٌ
ما ال نفس له سائلة من الحيوانات :كالذباب ،والزنبور ،والقمل ،والبراغيث ،والبعوض ،ونحوه إذا وقع في اإلناء الذي فيه مائع
ومات فيه لم ينجسه.
أال يطرحه طارح ولم يغيره لمشقة االحتراز عنه.
83
لحديث البخاري أن النبي ﷺ قال" :إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء"،
في رواية "وفي اآلخر شفاء" ،وفي رواية "وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء".
وقد يفضي غمسه إلى موته ،فلو نجس الماء لما أمر به ﷺ.
وقيس بالذباب ما في معناه من كل ٍ
ميتة ال يسيل دمها،
قال :فلو شككنا فيها أُمتحن بمثلها من جنسها .كذلك كل حيوان ال نفس سائلة له.
ٍ
خالف واختلفوا فيما إذا طرحت فيه بعد موتها قص ًدا ،أو طرحت فيه وهي حية ،أو وقعت فيه بال قصد ،كل ذلك على
في المذهب،
والراجح واهلل أعلم أنها ال تؤثر فيه.
طاهر إال الكلب ،والخنزير ،وما َّتولد منهما أو من أحدهما ،والميتة كلها نجسة إال السمك والجراد
قال[ :والحيوان كله ٌ
واآلدمي].
طاهر أي طاهر العين حال حياته،
قال :والحيوان كله ٌ
معلما.
إال الكلب ولو ً
لحديث مسلم أن النبي ﷺ قال" :طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع ٍ
مرات أوالهن بالتراب".
فتعين طهارة الخبث ،فثبتت نجاسته ،ولعابه ٍ ٍ
تكرمة َ
والطهارة إما لحدث ،أو خبث ،أو تكرمة ،وال حدث على اإلناء وال ُ
أطيب أجزائه ،بل هو أطيب ما في الحيوانات فغيره من باب أولى.
قال :وما َّتولد منهما أي :من الكلب والخنزير أو من أحدهما ،ولو مع اآلخر أو مع غيره من الحيوانات ،كالمتولد بين
ذئب و ٍ
كلبة تغليبًا للنجاسة ،ومن باب إذا اختلط المباح بغير غلب جانب الحرمة ،وإذا اختلط الطاهر بالنجس غلب ٍ
النجاسة لالحتياط.
وأشرفهما في الدين ،وإيجاب البدل ،وتقرير الجزية،
ُ قال :والفرع يتبع األب في النسب ،واألم في الرق والحرية،
وأخسهما في النجاسة ،وتحريم الذبيحة ،والمناكحة.
84
«هذه قواعد أصولية» عند العلماء (قال :والميتة كلها نجسة وهي ما زالت حياتها ،لكن ال بذكاةٍ شرعية ،كذبيحة المجوسي،
والمحرم ،وما ذبح بالعظم ،وغير المأكول إذا ذبح كلها تنجس بالموت ويحرم أكلها،
ت َعلَْي ُك ُم ال َْم ْيتَةُ﴾ [المائدة.]٣ :
لقوله تعالىُ ﴿ :ح ِّرَم ْ
قال :واآلدمي فإنه طاهر حال موته ،وحال حياته ،لقوله تعالىَ ﴿ :ولََق ْد َك َّرْمنَا بَنِي َ
آد َم﴾ [اإلسراء.]١٧ :
وقضية التكريم أنه ال يحكم بنجاسته بالموت.
ِ
وأما قوله تعالى﴿ :إنَّ َما ال ُْم ْش ِرُكو َن نَ َج ٌ
س﴾ [التوبة]٩ :
أي :نجاسة االعتقاد واجتنابهم كالنَجس ال نجاسة األبدان.
كذلك قال المصنف :ويُغسل من سائر النجاسات مرةً واحدة تأتي عليه والثالث أفضل.
معنى هذا أنه يُغسل سائر النجاسات مرة واحدة وجوبًا،
تأتي عليه :أي على النجاسة ،ومرة :ذلك في كيفية الغسل.
فمستحب؛ ٍ
قال :والثالثة بالتاء أفضل أو الثالث أفضل ،فإن اقتصر على مرة واحدة جاز ،وإن غسل الثانية والثالثة ُ
ولذلك قال النبي ﷺ" :إذا استيقظ أحدكم من نومه فال يدخل يده في اإلناء حتى يغسلهما ثالثًا".
85
ضا أي المصنف[ :وإذا تخللت الخمرة بنفسها طهرت ،وإن خللت بطرح ٍ
شيء فيها لم تطهر]. قال أي ً
ُ
هذه هي المسألة األخيرة في باب إزالة النجاسة :هي في االستحالة وتحول الشيء عن أصله ،فذكر هنا الخمر إذا
خال،
تخللت أي تغيرت وصارت ً
فإن تخللت بنفسها فاإلجماع على أنها حالل،
واإلجماع على أن علة النجاسة والتحريم واإلسكار قد زالت ،وارتفعت النجاسة ويجوز أكلها وشربها.
أما إذا تخللت بطرح ٍ
شيء فيها لم تطهر،
ولذلك لما ُسئل النبي ﷺ أفال نخللها؟ قال ال.
وبيَّن العلماء أن المقصود من الخمر :المتخذة من ماء العنب .ويقاس عليها غيرها كالتمر وكل ما يتخمر بالتخليل،
هذه هي مسائل باب إزالة النجاسة.
األسئـ ـلة
-السؤال األول :اذكر شروط التيمم ،وأركانه.
-السؤال الثاني :إذا حضر الماء قبل أو أثناء أو بعد الصالة ماذا يفعل المتيمم؟
-السؤال الثالث :ما هي األشياء الطاهرة التي تخرج من اإلنسان؟
-السؤال الرابع :اذكر الدليل على وجوب غسل اإلناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات.
هذا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أال إله إال أنت نستغفرك ونتوب إليك.
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
86
المحاضرة السابع ــة
وصلنا إلى الفصل األخير في كتاب الطهارة ،وبه نختم كتاب الطهارة.
فصل في الحيض والنفاس واالستحاضة»
فنقول مستعينين باهلل عز وجل ..قال المصنف ٌ « :
وهذا الفصل كله متعل ٌق بالنساء.
قال :ويخرج من الفرج ثالثة دماء :دم الحيض ،والنفاس ،واالستحاضة.
فالحيض :هو الخارج من فرج المرأة على سبيل الصحة من غير ِ
سبب الوالدة. ُ
هنا يتكلم المصنف عن الباب الخاص بالنساء في أبواب الطهارة ،وهو باب :الحيض والنفاس واالستحاضة
بحر ال ساحل له ،ولكن بعد التبويب والتهذيب والترتيب ،صار من األبواب السهلة الممكن
وقديما قال العلماء :دماء النساء ٌ
ً
ٍ
بسهولة ويسر. للنساء أن يتعلموها
قال« :يخرج من الفرج» :أي :المقصود من قُبل المرأة ،وما تتعلق به من أحكام لهذه الدماء.
قال« :ثالثة ٍ
دماء فقط» :أما دم الفساد الخارج قبل التسع ،أو دم اآليسة ال يتعلق به حكم ،ويمكن أن يقال عليه «دم
استحاضة».
87
وحديث الصحيحين لما حاضت عائشة في الحج وبكت ،قال النبي ﷺ” :هذا شيءٌ كتبه اهلل على بنات آدم“.
ونفاس.
ٌ وطمس،
ٌ اك،
اك ،وفر ٌ
اس ،وعر ٌ
وإعصار ،ودر ٌ
ٌ وإكبار،
ٌ وض ِح ٌ
ك، وطمثَ ،
ّ يض،
كذلك الحيض له أسماءٌ كثيرةَ :ح ٌ
ِ
نفست“. كما قال النبي ﷺ لعائشةِ ” :
لعلك
معنى هذا يقول العلماء في كتاب [خلق اإلنسان بين الطب والقرآن] :إن الرحم قبل أن يقذف مبيض المرأة بالبويضة،
يتهيأ الرحم الستقبالها بتكوين الغشاء المخاطي ،الذي تنغمس فيه البويضة ،فإذا جاء الحيوان المنوي من الرجل فل َقح
البويضة في قناة فالوب ،فإنها تنزل إلى الرحم فتَنغمس فيه عدة أيام ،ثم تنبت كما تنبت الحبة فتعلق بهذا الغشاء
المخاطي ،الذي يتكون فيكون غشاء حول الجنين ،فإذا لم تخصب البويضة فتفسد بعد ٍ
يوم أو يومين ،فيتقطع هذا
الغشاء ،فيبدأ شعور المرأة ٍ
بآالم شديدة في بطنها ،ثم يبدأ في نزول هذا الدم األسود الحار الكريه الرائحة الثخين؛
محتدم لذاعٌ.
ٌ ولذلك عرفه المصنف :بأن لونه أسود
الثاني :النفاس.
وهو :الخارج عقب الوالدة.
والنفاس لغةً :الوالدة ،ومن :نَـ َّفس اهلل كربته.
وشرعا :هو الدم الخارج من فرج المرأة عقب الوالدة ،أي بعد فراغ الرحم من الحمل.
ً
نفاسا ألنه يخرج عقب ٍ
نفس. وقيل سمي ً
واختلفوا في دم الطلق الخارج مع الوالدة أو قبلها بقليل ،هل هو حيض أو نفاس؟
88
الثالث :دم االستحاضة.
قال الماتن :واالستحاضة :هو الدم الخارج في غير أيام الحيض والنفاس.
هو الدم الخارج :أي ٍ
لعلة ٍ
عرق ،من أدنى الرحم يقال له العاذل ،وفي غير أيام أكثر الحيض ،وغير أيام أكثر النفاس.
ويعرفه العلماء :باستمرار نزول الدم وجريانه في غير أوانه.
حدث دائم ،ال تمنع الصالة ،وال تمنع الصوم ،وال تمنع إتيان المرأة زوجها( ،وسوف نتكلم عنها
ٌ واالستحاضة:
تفصيال) ،وال تمنع ما تُمنع منه الحائض كالجماع ،والطالق ،والطواف ،ومس المصحف ،والمكث في المسجد،
ً
والصالة ،والصيام ،إنما يحل لها كل ذلك.
ثم بدأ يفصل في هذه األنواع الثالثة.
إذن أول مسألة معنا في باب الحيض ،ونضبطهُ بالمسائل حتى يسهل لطلبة العلم وطالبات العلم فهم المسألة،
سبع.
ست أو ٌ
يوما ،وغالبه ٌ
يوم وليلة ،وأكثره خمسة عشر ً
قال :أقل الحيض ٌ
بدأ يتكلم عن زمان استمرار نزول الدم ،فهو سيتكلم عن مسألتين:
عن زمن نزول الدم خالل الشهر ،وعن السن الذي تبدأ المرأة في الحيض فيه.
يوم وليلة ،أي :من الزمان مقدار يوم وليلة ،أربعة وعشرون ساعة.
فبدأ بالزمن فقال :أقل الحيض ٌ
يوما بلياليها ،وإن لم تتصل الدماء :أي وإن لم ينزل كل يوم؛ فلو نزل بالليل دون النهار ،أو
قال :وأكثره خمسة عشر ً
يوما وانقطع يوم وصار عاد ًة للمرأة فهو عادتها.
النهار دون الليل ،أو نزل ً
يوما ،ومن النساء من تحيض ثالثة أيام ،أو خمسة أيام ،أو سبعة
وهذا يختلف بين النساء ،فمن النساء من تحيض ً
أيام ،أو عشرة أيام.
أقصى ما يمكن أن تصل إليه المرأة خمسة عشر يوم ،والحديث الذي ذكره” :أقل الحيض ثالثة أيام وأكثره عشرة
أيام“ ،هذا خبر لم يثبت .إنما ثبت ذلك باالستقراء والتتبع.
وقال بعض أهل العلم :ال حد ألقله وال ألكثره ،بل متى رأت المرأة الدم بصفاته المعروفة ،وصار عادةً لها وتكرر فهو
حيضها.
89
يعني قد يأتيني السؤال :امرأة كل شهر ينزل عليها قطرة أو قطرتين ،ثم ال ينزل الدم مرًة أخرى؟
يوما ،وامرأة ثالثة أيام ،وامرأة خمسة أيام.
نقول :هذه مدة حيضها ساعة في اليوم مقدار صالة .وامرأة ينزل عليها الدم ً
ثم هنا ذكر الشارح :مسألة :ما إذا لو كانت المرأة مبتدئة ،فتاة أول مرة تحيض ماذا تصنع؟
هذه المرأة واحدة من ثالث ،إما مميزة ،وإما معتادة ،وإما متحيرة.
فالمرأة [المبتدئة] :التي ابْتدأ لها الدم وعندها تمييز ،وتستطيع أن تميز بين دم الحيض واالستحاضة بالعالمات التي ستأتينا
[اللون ،الرائحة ،القوام ،التجلط] فهي مميزة ترد إليه.
فإن رأته بصفة من هذه الصفات ،كأن يكون أسود أو بني قاتم ،كأن يكون منتن الرائحة ،كأن يكون ثخينًا ال يتجلط أو
يتجمد فهذا دم حيض.
قال :فإن لم تكن مميزة وإن كانت مبتدئة تنتظر إلى الشهر الذي يليه ،فإن جاء بنفس الصفات في نفس الزمان فهي
[معتادة] ،صار لها عادة وتثبت العادة المترتب عليها ما ذكر مما يجب على الحائض.
يوما فهي مستحاضة.
تمييزا فإنها [المتحيرة] ،فإذا تجاوز دمها خمسة عشر ً
فإذا لم تعلم لها عاد ًة وال ً
ثم تناول مسألة في المشهور من المذهب وعلى الجديد أن الحامل تحيض.
90
قال :وأقل النفاس لحظة ،وأكثره ستون يوما ،وغالبه أربعون يوما ،هذا بالنسبة لنفاس المرأة.
قال :وأقل دم النفاس :لحظة ،أو دفعة ،أو مجة (عبارات كلها صحيحة).
لكن عبارة [المنهاج] لحظة ،وهو زمن المجة.
قال اإلمام النووي في [الروضة] وهو الصحيح :ال حد ألقل دم النفاس.
مجتين ،أو لحظة ،فهو ال يتقدر بل ما وجد منه وإن قل يكون
فقد ال يخرج دم نفاس ،وقد يخرج قطرة أو قطرتين أو َمجة أو َ
نفاسا.
ً
يوما بلياليها.
يوما بلياليها ،وغالبه أربعون ً
قال :وأكثره ستون ً
هذا الخبر وهذه العادة :اختلف العلماء في زمن الستين ،واتفقوا على األربعين.
عن أم سلمة رضي عنها قالت” :كانت النفساء تجلس على عهد رسول اهلل ﷺ أربعين ً
يوما ،إال أن ترى الطهر قبل ذلك،
فمتى رأت المرأة النفساء الطهر اغتسلت وصلت“.
هذه مسألة مهمة :ألن بعض ال نساء تظن أنه ال بد أن تنتظر إلى األربعين حتى وإن طهرت ،ال ،متى انقطع الدم اغتسلت
وصلت.
-امرأة ولدت ثم بعد أسبوع انقطع الدم »» ..تغتسل وتصلي.
-امرأة ولدت ،بعد أسبوعين انقطع الدم »» تغتسل وتصلي.
-بعد شهر انقطع الدم »» تغتسل وتصلي.
-بعد أربعين »» تغتسل وتصلي.
فإذا تجاوز األربعين ،فهنا اختلف العلماء ،والمذهب أنه إلى الستين.
نفي للزيادة.
وليس تحديد األربعين ٌ
وكما قلنا ال حد ألقل الطهر؛ فصحح العلماء أي (علماء المذهب) أن حد النهاية ستون ،إلمكان وجود النساء باالستقراء
والتتبع.
ثم اختلفوا إذا ولدت المرأة ولم ينزل الدم ،هل يلزمها االغتسال أم ال يلزمها؟
مر معنا في باب الغسل أنه يلزمها االغتسال وإن لم ينزل الدم.
يوما ،وال حد ألكثره.
قال :وأقل الطهر بين الحيضتين :خمسة عشر ً
91
وال يمكن أن يكون الحيض أكثر من الطهر ،بل في الغالب أن الطهر أكثر من الحيض.
يوما.
ولذلك حينما اختلف العلماء في الطهر بين الحيضتين فقالوا إن أقل الطهر خمسة عشر ً
ثم انتقل المصنف إلى السن الذي تحيض فيه المرأة فقال :وأقل زم ٍن تحيد فيه المرأة :تسع سنين ،وال حد ألكثره.
وأقل الحمل :ستة أشهر ،وأكثره أربع سنين ،وغالبه تسعة أشه ٍر.
قال :وأقل زمن أي سن (قلنا تكلم قبل ذلك عن الزمان باأليام ،هنا يتكلم عن زمن أو سن الحيض) قال :تسع سنين
قمرية.
وإذا تكلمنا في الفقه عن السنة فهي السنة القمرية،
التي تبدأ بالمحرم ،ثم صفر ،ثم ربيع األول ،ثم ربيع اآلخر،
(وال نقول ربيع الثاني) ألن لو قلنا الثاني يكون له ثالث ويكون له رابع ،أما ربيع األول ،وربيع اآلخر ،وجمادى األولى،
وجمادى اآلخر ،ورجب ،وشعبان ،ورمضان ،وشوال ،وذو القعدة ،وذو الحجة.
هذه هي أشهر السنة القمرية ،والتي يعتد بها في الشرع ،والتي يتكلم بها الفقهاء إذا ذكروا السن.
92
قال :وأقل زمن الحمل ستة أشهر ولحظتان ،وأخذ ذلك من
صلُهُ ثَـ ٰلَثُو َن َش ْه ًرا﴾ [األحقاف]١٥ : ِ
قوله تعالىَ ﴿ :و َح ْملُهُ َوف َٰ
ض ْع َن أ َْوَال َد ُه َّن َح ْولَْي ِن َك ِاملَْي ِن﴾ [البقرة.]٢٣٣ :
ات يـر ِ مع قوله﴿ :و ِ
الوال َد ُ ُ ْ َ َ
والحوالن :أربعةٌ وعشرون شهرا ،إذا أخذناهم من ثالثين ،بقي ستة أشهر.
قال :وأكثره (أي زمن الحمل) أربع سنين ،وغالبه تسعة أشهر.
أما قصة األربع سنين :هذه قصة ذكرها اإلمام مالك ،وأخبر بوقوعها الشافعي ،إن صحت هذه القصة ،وإال فمع تقدم
الطب ،ومع تقدم األجهزة ،فإن الذي يحدث اآلن باالستقراء والتتبع ،أنه ال يتجاوز الحمل أب ًدا ٍ
بحال عشرة أشهر
(تسعة وشيء) وهذا غالب الحمل.
قال المصنف :ويحرم بالحيض وا لنفاس ثمانية أشياء :الصالة ،والصوم ،وهذا مر معنا أنه يشترط الطهارة الكبرى
والصغرى للصالة والصيام.
نفال ،أو جنازة،
فرضا ،أو ً
فيحرم على المرأة التي نزل عليها دم الحيض الصالة ً
ويجب قضاء الصوم دون الصالة.
ُ ونفال،
فرضا ً
(وكذا على المذهب) سجود التالوة أو سجود الشكر .وكذلك الصوم ً
أما دليل حرمة ذلك :قول النبي ﷺ” :أليست إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم“.
وقوله ﷺ” :فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصالة ،فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي“.
قال الشارح :وانعقد اإلجماع على ذلك( .أي على أن المرأة تترك الصالة والصيام ،وعلى أنها تقضي الصوم وال تقضي
الصالة).
كما قالت عائشة ” :كان يصيبنا ذلك (أي الحيض) فنؤمر بقضاء الصوم ،وال نؤمر بقضاء الصالة“.
واختلفوا فيما لو قضت المرأة الصالة ،هل يُجزئها أم يحرم عليها أم يكره لها ذلك؟
واختلف العلماء في المذهب على ذلك ،والذي يترجح ما نقل عن ابن الصالح والنووي :أنه يحرم ،أي قضاء صالة
الحائض.
ضا يقولون أنه مكروه ،ووجهٌ آخر أنه ال بأس به في مسألة قضاء الحائض الصالة.
وبعض الشافعية أي ً
93
حدث أكبر سواء جنابة أو حيض ال تجوز .بل ال بأس بإمراره على قلبه ،والنظر في المصحف ،ثم ال
ٌ وقراءة من به
حرج في قراءة المنسوخ من القرآن ألنه ليس بقرآن.
مضطرا إليها.
ً قال :وفاقد الطهورين يقرأ الفاتحة فقط وجوبًا ألنه
وذهب بعضهم أنه ال يجوز له قراءتها كغيرها ،والصحيح األول.
قال :لكن لو كان يقرأ األذكار وفيها قرآن فال حرج ،أو يلقي موعظة أو أخبار وفيه القرآن ،أو آيات من القرآن ،أو بعض آية
ِ َّ ِ
ين﴾ [الزخرف]١٣ :بحا َن الذي َس َخ َر لَنَا َه َذا َوَما ُكنَّا لَهُ ُمق ِرن َال حرج ،كقوله عند ركوب الدابةُ ﴿ ،س َ
اجعُو َن﴾ [البقرة]١٥٦ : أو عند المصيبة ﴿إِنَّا لِلَّ ِه وإِنَّا إِلَْي ِه ر ِ
َ َ
ال حرج في ذلك ،وكذلك البسملة ،والحمدلة ،ونحو ذلك ال حرج في قراءته.
قال« :ودخول المسجد» أي الخامس الذي يحرم على المرأة الحائض :أن تدخل المسجد بنية المكث فيه،
َّى تَـغْتَ ِسلُوا﴾ َّى تَـ ْعلَ ُموا َما تَـ ُقولُو َن َوَال ُجنُبًا إَِّال َعابِ ِري َسبِ ٍ
يل َحت ٰ الص َال َة َوأَنتُ ْم ُس َك َار ٰى َحت ٰ
لقوله تعالىَ ﴿ :ال تَـ ْق َربُوا َّ
[النساء]٤٣ :
قال ابن عباس :أي ال تقربوا مواضع الصالة؛ ألنه ليس فيها عبور سبيل.
ٍ
لحائض وال جنب“. وقوله ﷺ” :ال أحل المسجد
وهذا حديث مر معنا من حديث عائشة ،وهو ضعيف ،فال يجوز المكث والتردد؛ إنما لو مرت ال بأس.
94
والربُط ،ومصلى العيد ،ونحو ذلك.
وبقوله المسجد :جاز المكث في المدارسُ ،
السابع« :الوطء» أي الجماع ،فال يجوز للمرأة أن تمكن الرجل منها حال حيضها ،إال أن يكرهها فال إثم عليها.
اء فِي ال َْم ِح ِ
يض﴾ [البقرة.]٢٢٢ : ألن اهلل عز وجل قال﴿ :فَا ْعتَ ِزلُوا الن َ
ِّس َ
قال :ولو بعد انقطاعه وقبل الغسل.
وهذه فائدة مهمة ومسألة
بعض النساء إذا انقطع الدم تنتظر فيأتيها زوجها ثم تغتسل غسال واحدا؟
الجواب :ال ،إذا انقطع الدم وجب االغتسال ثم إذا أتاها زوجها اغتسلت مرًة اخرى.
وه َّن ِم ْن َح ْي ُ
ث أ ََم َرُك ُم اللَّهُ ۚ﴾ [البقرة]٢٢٢ : َّى يَط ُْه ْر َن ۚ فَِإ َذا تَطَه ْ
َّر َن فَأْتُ ُ وه َّن َحت ٰ
لقوله تعالىَ ﴿ :وَال تَـ ْق َربُ ُ
بمثقال ذهبي وهو أربع جرامات وربع من الذهب الخالص ،إذا كان في أول ٍ قال :والذي يطَأ المرأة يتصدق بدينار ،أو
الدم،
مختارا.
ً عالما
أما إذا كان في آخره فيتصدق بنصف دينار هذا إذا كان عام ًدا ً
أما الناسي والجاهل والمكره فال شيء عليه،
لحديث” :إن اهلل تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه“،
هذا صحيح بلفظ” :إن اهلل وضع عن أمتي“.
دما أحمر فليتصدق بدينار ،وإن كان
أما دليل الكفارة فلخبر ابن عباس” :إذا واقع الرجل أهله وهي حائض ،إن كان ً
أصفر فليتصدق بنصف دينار“.
قال :ويقاس النفاس على الحيض ،وال فرق بين أن الواطئ الزوج أو غيره.
95
وقوله ﷺ” :اصنعوا كل شيء إال النكاح“.
وكذلك المقصود بمنع الرجل ما بين السرة والركبة؛ خوفًا أن يقع في المحظور.
كما قال” :من حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه".
وحديث عائشة أن النبي ﷺ” :كان يأمرها أن تتزر فيباشرها وهي حائض“.
قال :على ما تقدم من الحكم وذكرنا أربعة :الصالة ،والطواف ،وقراءة القرآن ،ومس المصحف وحمله.
وهذا مر معنا في باب الطهارة والغسل.
ِ
فلقوله ﷺ” :ال يقبل اهلل صالة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ“. أما الصالة:
هذا إذا كان ال تصح الصالة بالحدث األصغر فاألكبر من باب أولى،
ولفعل النبي ﷺ كما في الصحيح،
”لما أقيمت الصالة ودخل وأراد أن يكبر فتذكر أنه جنب ،قال :مكانكم ،ودخل فاغتسل ثم رجع فصلى بالناس“.
96
وأما مس المصحف :فلقوله ﷺ" :ال يمس القرآن إال طاهر".
والخامس :اللبث في المسجد :أي المكث ،وفر ٌق بين المكث والتردد ،وبين العبور :فال يجوز أن يمكث في المسجد.
واختلفوا في الكافر ،واختار الشارح قال :ويجوز للكافر أن يمكث على األصح.
كإسالم أو سماع ٍ
قرآن ،ال ٍ
ألكل وال شرب. ٍ وذكر النووي واختاره ،لماذا؟ ألنه ال يعتقد حرمته ،أو جاء لحاجة
ثم قال المصنف :ومس المصحف وحمله :لقوله ﷺ” :ال يمس القرآن إال طاهر“
ثم قال الشارح خاتمةٌ فيها مسائل منثورة مهمة نستخلص بعضها قال:
ٍ
عالقة ،جاز حمله. بالنسبة لحمل المصحف :فإذا كان في ٍ
وعاء أو في ٍ
كيس أو في
وإذا كان معه غيره من كتب ٍ
علم وغيرها ،جاز حمله.
لوح فيه آية وليس فيه غيرها حرم مسه وحمله؛ ألنه أشبه بالمصحف.
وإذا كان ٌ
وإذا كان ورقة ال يكتب فيها إال آية أو بعض آية ،يحرم أيضاً حملها.
أما إذا كان قد كتب على الثياب أو الدراهم ،فال يحرم مسها.
وإذا كان معها غيرها من الكالم فجاز؛ ألن النبي ﷺ كتب كتابًا
اب تَـ َعالَ ْوا إِلَ ٰى َكلِ َم ٍة َس َو ٍاء بَـ ْيـنَـنَا َوبَـ ْيـنَ ُك ْم﴾ [آل عمران]٦٤ : إلى هرقل وفيه﴿ :يا أ َْهل ال ِ
ْكتَ ِ
َ َ
ٍ
بنجس أو على نجس. قال :ويحرم َك ْتب القرآن أو ٍ
شيء من أسمائه تعالى، ُ
97
ٍ
بشيء من القرآن. قال :ويحرم المشي على فراش أو خشب نقش
تلف بنحو ٍ
غرق أو ضياع ،ولم يتمكن من تطهره جاز له حمله مع كافر ،أو ٌ ٍ
تنجس ،أو ٌ
ٌ مصحف قال :ولو خيف على
الحدث؛ لوجوب صيانته.
ٍ
بحمام ،وطر ٍيق ما لم يلتهي عنه. قال :وتجوز بال كراهة
جهرا ،إن جهر بها (أي القراءة) في غير الصالة ،أما االستعاذة في الصالة فيسر مطلقا.
قال :ويندب أن يتعوذ لها ً
قال :وإذا قرأ بقراءةٍ من السبع استحب أن يتم بها ،فلو قرأ بعض اآليات بها ،وبعضها بغيرها من السبع جاز ،بشرط
أال يكون ما قرأه بالثانية مرتبطا باألولى.
قال :ويحرم القراءة بعكس اآلي ال بعكس السور ،قال :ولكن تكره(عكس السور) إال في تعليمه؛ ألنه أسهل للتعليم.
قال :ويحرم تفسير القرآن بال علم ،قال :ونسيان شيء منه كبيرة،
والسنة أن يقول أُنسيت ،وال يقول نسيت؛ إذ هو ليس فاعل النسيان.
قال :ويندب ختمه أول النهار أو ليّل والدعاء بعده.
98
ِ
لكتاب الطهارة. هذه جملة من الفوائد ذكرها المصنف أو الشارح تتمة
األسئ ـلة
-السؤال األول :عرف الحيض والنفاس واالستحاضة.
-السؤال الثاني :تكلم عن أكثر الحيض وأقله.
-السؤال الثالث :اذكر ما يحرم بالحيض مع الدليل.
99
المحاضرة الـثامنــة
كنا بفضل اهلل عز وجل قد انتهينا من [كتاب الطهارة]،
واليوم إن شاء اهلل تعالى هو مراجعة لما سبق كما وعدناكم وقد انتهينا من :كتاب الطهارة
وقلنا إن كتاب الطهارة على المذهب الشافعي فيه أحد عشر بابًا:
-باب أسباب الحدث. -باب اآلنية. -باب المياه.
-باب الوضوء. -باب السواك وسنن الفطرة. باب في آداب التخلي.
ٌ -
-باب إزالة النجاسة. -باب الغسل. -باب مسح الخفين.
-باب الحيض والنفاس. -باب التيمم.
وشرحنا كل هذه األبواب بالتفصيل.
(باب المياه) :تكلمنا في باب المياه عن تقسيم وأقسام المياه،
وقلنا إن المياه ثالثة أقسام:
القسم األول« :الماء المطلق» وهو الباقي على أصل خلقته،
سواء نزل من السماء :كماء األمطار وماء البرد وماء الثلج.
أو نبع من األرض :كماء اآلبار ،والعيون ،والبحار ،واألنهار.
ط لرف ِع الحدث وإزالة النجس.
وقلنا إن هذا النوع من الماء :هو شر ٌ
ويباح استعماله في غير ذلك.
وذكرنا أن فيه فروع:
مطهرا (أي يجوز الوضوء واالغتسال ٍ ٍ
بمكث أو بتر ٍ
طاهرا ً
بطحلب وكل ما يشق صون الماء عنه ،فيبقى ً اب أو إن تغير
به) طالما أنه ٍ
باق على أصل خلقته.
ثم ذكرنا الخالف في الماء الذي قُصد تشميسه فذكرنا أن األصل في المذهب أنه يكره استعماله في البدن بشرطه.
قوال آخر أنه ال يكره.
وذكرنا ً
كذلك ذكرنا :أنه ال يضر تغير ال يمنع إطالق اسم الماء عليه ،كوضع ٍ
شيء من الكافور ،أو من الطيب ،ال يؤثر في ٌ
تغير لون أو رائحة أو طعم الماء.
ثم ذكرنا القسم الثاني وهو« :الماء الطاهر» (أي الماء المقيد)
وهو الذي خالطه طاهر غَيَّـ َره فأخرجه عن إطالقه:
كأن يظل مقي ًدا نقول :ماء الشجر ،وماء العصفر وماء الورد،
100
أو يخرج عن إطالقه نقول :هذا مرق ،هذا شاي.
طاهر في نفسه غير مطهر أي (هو ماء طاهر لكنه ال يرفع حدثًا وال يزيل خبَثًا).
فهذا ٌ
وذكرنا أن فيه فروع:
طاهر غير مطهر (أي الماء المستعمل).
وهو أن الماء القليل الذي استعمل في فرض الطهارةٌ ،
وقيل إنه يجوز لكن األصل :عدم االستعمال.
طاهر غير مطهر.
كذلك الماء المطلق إذا خالطه شيءٌ طاهر يمكن استغناء الماء عنهٌ ،
ضا ذكرنا المائعات األخرى غير الماء :كالخل ،والنبيذ ،وغيرهما
ومن الفروع أي ً
وقلنا :إنها طاهرة في نفسها غير مطهرة ،أي ال يجوز الوضوء أو االغتسال منها.
101
مطهرا. ٍ
طاهرا ً
الفرع الثالث :إذا زالت النجاسة منه بنفسه (أي من الماء) ،أو بإضافة ماء إليها فإنه يطهر ويصير ً
كالراكد ال تفرقة بين القليل والكثير في الجديد،
والجاري َ
المسألة الخامسةَ :
وفي القديم ال ينجس إال بالتغير.
هذا بإيجاز مسائل «باب المياه».
ثم انتقلنا إلى« :باب اآلنية» ،وذكرنا فيه بعض المسائل:
وأنا أذكر المسائل وال أذكر األدلة ألني ذكرتها قبل ذلك إنما أجمع شتات ونقاط المسائل حتى ألخص لك األبواب.
المسألة األولى :قلنا إنه يجوز استعمال كل ٍ
إناء طاه ٍر غير الذهب والفضة فإنه يحرم.
وهذا لقول النبي ﷺ” :ال تشربوا في آنية الذهب والفضة ،وال تأكلوا في صحافهما“.
فيحرم استعمالهما في األكل والشرب خاصة ،ويستوي في ذلك الرجال والنساء.
ثم ذكرنا حكم اتِخاذ آنية الذهب والفضة.
ضا ،وقيل ال يحرم اتخاذها ،وهذا من باب سد الذرائع.
فالمعتمد في المذهب أنه يحرم أي ً
ِ
بشرطه ،وذكرنا الشروط. ثم ذكرنا المسألة الثالثة :يحل المموه بالذهب والفضة
ضا استعمال المموه ،ولكن الصحيح والمعتمد األول أنه يحل.
وقيل يحرم أي ً
كذلك اختلفوا في النفيس من غيرهما (أي من غير الذهب والفضة)
فالمعتمد أنه يحل وال حرج في ذلك.
ضا؛ ألنه من باب الصرف ،وقيل يكره ،والصحيح األول وهو المعتمد.
وقيل يحرم أي ً
فأجازها إذا كانت من الفضة ،وحرمها إذا كانت من الذهب. ٍ
ثم ذكر من ذلك اتخاذ ضبة يسيرةَ ،
إناء يضببه بالفضة وال يفعل بالذهب.
إذن إذا أراد أن يتخذ ً
المسألة السادسة :يجوز استعمال أواني المشركين وثيابهم ما لم يتدينوا باستعمال النجاسة
فإن كانوا؛ فيكره لهم ذلك ،لماذا؟ لماذا يكره استخدام أواني المشركين إذا كانوا يتديَنون باستخدام النجاسات ،كأكل الخنزير
وشرب الخمر؟ ألن النبي ﷺ لما سئل في حديث أبي ثعلبة الخشني قال” :يا رسول اهلل إنا بأرض قوم أهل كتاب
أفنأكل في آنيتهم؟ قال :ال تأكلوا فيها ،إال أال تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها“.
102
كرها ،كل خارج من السبيلين
طوعا أو ً
كثيراً ،
قليال أو ً
ادراً ،
معتادا أو ن ً
أولها :الخارج من السبيلين وذكرنا أنه ً
ينقض الوضوء.
إال الخالف في المني :فإنه يوجب الغسل والوضوء من باب أولى.
إذن كل ما خرج من السبيلين ينقض الوضوء.
ٍ
إغماء أو جنون ،فإذا جن المسلم ،أو أغمي عليه ،أو سكر ،فإن وضوءه ينتقض، ثانيا :زوال العقل بسك ٍر أو
ويجب عليه أن يتوضأ مرًة أخرى ،وذكرنا اإلجماع على ذلك.
ثالثًا :نوم غير الممكن مقعدته من األرض،
هذا المعتمد في المذهب أن النوم الذي ينقض الوضوء هو نوم غير الممكن مقعدته من األرض ،فإذا مكن
مقعدته ونام فال ينتقض وضوءه.
ابعا :مس الفرج بباطن الكف ،أو بباطن األصابع ،بغير حائل.
رً
خامسا :مس المرأة إال المحرم في األظهر.
ً
محرما أو ال.
وقيل مس المرأة مطل ًقا سواء كان ً
والمعتمد من المذهب استثناء المحرم.
هذه نواقض الوضوء التي اعتمدنَاها في المذهب ،وإن كنا نرى أن األخير ال ينقض الوضوء؛ لفعل النبي ﷺ.
وذكرنا الدليل حديث عائشة” :أنه ﷺ قبَّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصالة ولم يتوضأ“.
ثم ذكرنا في أسباب الحدث( ...المسألة الثانية) :وهي ما يحرم بالحدث األصغر،
وذكرنا ثالثة منها ،ويمكن أن نقول موجبات الوضوء أي ما يجب له الوضوء:
نفال.
فرضا أو ً
-الصالة :سواء كانت ً
نفال.
فرضا أو ً
-الطواف :سواء كان ً
-مس المصحف وحمله.
إذن :إذا أراد أن يصلي توضأ ”ال يقبل اهلل صالة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ“.
إذا أراد أن يطوف ال بد أن يتوضأ
لقوله ﷺ” :الطواف بالبيت صالة إال أن اهلل أباح فيها الكالم“.
مس المصحف :لقوله ﷺ” :ال يمس القرآن إال طاهر“.
103
األصل أنه لم ينتقض؛ ألن آخر العهدين أنك متوضئ.
رجل دخل الخالء ثم خرج ثم شك هل توضأ ،أم لم يتوضأ ،األصل أنه يتيقن الحدث فيجب عليه الوضوء.
كذلك ٌ
فصل في آداب التخلي
باب أو ٌ
ثم انتقلنا إلى الباب الرابعٌ :
وهنا قدم أسباب الحدث على الحدث نفسه أو على آداب التخلي.
المسألة السابعة :ويجب االستنجاء سواء استنجى بالماء ،أو استجمر بالحجر.
وجمعهما أفضل على المعتمد من المذهب ،أن يجمع بينهما يبدأ بالحجر ثم يتبعه الماء.
وإذا اقتصر على أحدهما فالمعتمد من المذهب أنه يجب للحجر ثالث مسحات.
وأن ال يجف النجس ،وال ينتقل عن المخرج.
ذكر هلل ،هذا هو المعتمد ،وقيل يحرم .والصحيح المعتمد من المذهب.
كذلك يكره لداخل الخالء حمل ما فيه ٌ
الحادية عشر :يكره البول في الجحر ،أو في مهب الريح ،أو تحت شجرةٍ مثمرة ،ومكان اجتماع الناس ،يكره البول في هذه
األماكن.
كذلك يكره الكالم أثناء قضاء الحاجة ،ويكره االستنجاء بالماء في مجلسه ،هذا على المعتمد ،كذلك يكره االستنجاء
باليمين ،ويسن باليسرى؛ ألنه قد نهى النبي ﷺ عن االستنجاء باليمين.
104
كذلك يحرم استقبال القبلة أو استدبارها بال حائل ،فإذا كان هناك حائل فال حرج.
هذا باب آداب التخلي.
ثم انتقلنا إلى :باب السواك وسنن الفطرة
مستحب في ستة أوقات:
ٌ وذكرنا أن السواك مستحب في كل وقت” ،ألنه مطهرةٌ للفم ومرضاة للرب“ ،وهو
-وعند صفرة األسنان. -عند الصالة.
-ومع الوضوء. -وعند تغير رائحة الفم.
-وعند دخول المنزل. -وعند قراءة القرآن.
أوقات ستة يتأكد استحباب السواك فيها.
ٌ -هذه
وقلنا المسألة الثانية :ال يكره السواك إال للصائم بعد الزوال ،وقيل ال يكره .هذا الذي اختاره "اإلمام النووي" في المجموع،
وإن كان نص في (األم) على كر ِ
اهته بعد الزوال ،والصحيح الثاني.
ثم ذكرنا بعض سنن الفطرة :كالمضمضة واالستنشاق والسواك وقص الشارب وإعفاء اللحية وتقليم األظفار وغسل البَراجيم
ونتف اإلبط وحلق العانة واالنتضاح والختان والتطيب.
105
النية ،غسل الوجه ،غسل اليدين مع المرفقين ،مسح بعض الرأس ،غسل الرجلين إلى الكعبين ،الترتيب ،وهذا مقتضى اآلية:
الص َالةِ فَا ْغ ِسلُوا وجوه ُكم وأَي ِدي ُكم إِلَى الْمر ِاف ِق وامسحوا بِرء ِ
وس ُك ْم َوأ َْر ُجلَ ُك ْم إِلَى الْ َك ْعبَـ ْين﴾ آمنُوا إِ َذا قُ ْمتُ ْم إِلَى َّ َّ ِ
ََ َ ْ َ ُ ُُ ُُ َ ْ َْ َ ْ ﴿يَا أَيُّـ َها الذ َ
ين َ
والترتيب إلدخال الممسوح بين مغسولين.
ثم ذكرنا في المسألة الثالثة سنن الوضوء ،ذكرنا:
السواك ،والتَسمية في أوله ،وغسل الكفين ،والمضمضة ،واالستنشاق ،والمبالغة فيهما لغير الصائم ،وتثليث الغسل ،المسح
للرأس ،وكذلك من السنة مسح جميع الرأس ،ومسح األذنين ،وتخليل اللحية الكثة ،وتخليل األصابع ،وتقديم اليمنى ،وإطالة
الموالة سنة ،وترك االستعانة ،وترك التنشيف ،واستقبال
الغرة والتحجيل ،والمواالة (وقيل تجب) والمعتمد في المذهب أن ُ
القبلة ،والدعاء بعده.
هذه هي سنن الوضوء.
أكررها مرةً أخرى أقول سنن الوضوء :السواك ،التسمية في أوله ،غسل الكفين ،المضمضة ،االستنشاق ،المبالغة فيهما لغير
الصائم ،تثليث الغسل والمسح (قلنا يجوز أن يقول الغُسل والغَسل) ،مسح جميع الرأس ،مسح األذنين ،تخليل اللحية الكثة،
تخليل األصابع ،تقديم اليمنى ،إطالة الغرة والتحجيل ،المواالة ،وقلنا هذا هو المعتمد ،وفي القديم أنها تجب ،ترك االستعانة،
ترك التنشيف ،استقبال القبلة ،الدعاء بعده.
ثم انتقلنا بعد ذلك إلى الباب السابع :باب المسح على الخفين
وذكرنا فيه عدة مسائل:
جائز في الوضوء.
المسألة األولى :قلنا إن المسح على الخفين ٌ
ثم ذكرنا أيهما أفضل أن يمسح ،أم أن يغسل قدميه ،وذكرنا أن المعتمد في المذهب أن غسل القدمين أفضل من مسحهما.
ٍ
شروط خمسة: وذكرنا أنه لجواز المسح على الخفين اعتمد المذهب على
لبسه بعد كمال الطهارة؛ لحديث المغيرة أن النبي ﷺ قال” :دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين“.
سترهُ محل الفرض.
منع نفوذ الماء إلى القدم ،وقيل يجزئ حتى لو نفذ الماء.
إمكان تتابع المشي عليه.
متنجسا.
ً نجسا أو
الخامس :الطهارة بأن ال يكون ً
فإذا توافرت هذه الشرائط الخمس جاز المسح على الخفين.
مبطالت ثالث:
ٌ ثم ذكرنا المسألة الثالثة :وهي مبطالت المسح ،وقلنا إن للمسح
خلع الخفين أو أحدهما.
106
انقضاء المدة.
حدوث ما يوجب الغسل ،أي الجنابة.
وذكرنا أن بخلع الخفين أو بانقضاء المدة ال ينتقض الوضوء ،وإنما ينتقض المسح.
فلو خلع وما زال متوضئًا يجوز له أن يصلي،
ضا أن يصلي ،وال حرج في ذلك إن شاء اهلل.
ولو انتهت المدة وما زال متوضئًا يجوز له أي ً
يوم وليلة ،وللمسافر ثالثة ٍ
أيام بلياليهن. المسألة الرابعة :تكلمنا في مدة المسح ،وقلنا مدة المسح للمقيم ٌ
لقول علي ” :رخص النبي ﷺ في المسح على الخفين للمقيم ٌ
يوم وليلة وللمسافر ثالثة أيام بلياليهن“.
فروعا في مدة المسح:
وذكر ً
-األول :تبدأ مدة المسح من الحدث بعد اللبس ،هذا هو المعتمد في المذهب ،وقلنا أنه الصحيح ،أنها تبدأ من أول
مسحة.
سح مقيم.
فم ُ
مسافرا ثم أقامَ ،
ً مقيما ثم سافر أو
-الفرع الثاني :من مسح ً
مسافرا مسح مسافر.
ً مقيما مسح مقيم ،وإن كان
قلنا بقول شيخ اإلسالم :العبرة بحاله ،فإن كان ً
الثالث :كذلك من مسح أو من نزع الخف وهو على طه ٍر قالوا :غسل رجليه (بوجوب ذلك)
-وقيل يتوضأ.
-وقيل ال شيء عليه ما لم يحدث.
-وقواه النووي في المجموع.
المسألة الخامسة :يسن أن يمسح أعلى الخف.
منعال.
المسألة السادسة :يجوز أن يمسح على الجوربين بشرطين :أن يكون صفي ًقا ،وأن يكون ً
107
-الوالدة :بال ٍ
بلل في األصح ،وقيل ال يجب إذا لم يكن بلل ،واألصح المعتمد أنها توجب الغسل وإن لم يتبعها بلل.
-خروج المني مطل ًقا سواء كان ذلك في اليقظة أو في النوم.
-التقاء الختانين.
-إسالم الكافر :إذا كان قد وجب عليه في حال الكفر ما يوجب الغسل ،كأن يكون متزوج وجامع أهله ،أو امرأة بلغت
ونزل عليها الحيض أو النفاس.
108
-وللوقُوف بعرفة. -ولدخول مكة.
-أما رمي الجمرات ولدخول المدينة والجتماع الناس ،فهذه ذكرها المذهب وهي معتمدة والراجح ال دليل على
غسل قبل إسالمه.
-كذلك الكافر إذا أسلم ولم يجب عليه ٌ االستحباب.
إذن إسالم الكافر مضى معنا في موجبات الغسل ،وجاء معنا في األغسال المستحبة.
والفارق بينهما :أنه إذا تلبس بما يوجب الغسل كالجنابة والحيض والنفاس قلنا يجب ،وإذا لم يتلبس قلنا ال يجب.
ثم انتقل وانتقلنا مع المصنف رحمه ال ٰلّه تعالى إلى :باب النجاسة
وذكرنا أن فيه مسائل:
المسألة األولى :أنواع النجاسات :كل مسك ٍر مائع نجس.
والكلب والخنزير وفروعهما وما تولد منهما فهو نجس العين.
الميتة نجسة إال ميتة اآلدمي ،وميتة السمك ،وميتة الجراد ،وميتة ما ال دم له سائل.
إذن استثنينا من الميتة أربع ميتات :ميتة اآلدمي ،وميتة السمك ،وميتةَ الجراد ،وميتة ما ال دم له سائل.
هذه طاهرة ،وما خلى ذلك من الميتات فهي نجسة.
الدم مطل ًقا نجس :سواء كان من آدمي أو حيوان أو حتى من ٍ
سمك أو جراد فهو نجس ،القيح.
الروث مطل ًقا :سواء كان من مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم ،هذا هو المعتمد.
كذلك البول مطل ًقا :سواء كان بول مأكول لحم ،أو بول غير مأكول اللحم.
وقيل إن بول ما يؤكل لحمه طاهر.
المذي نجس ،الودي نجس ،مني غير اآلدمي في األصح نجس.
وقيل مني غير الكلب والخنزير وفروعهما طاهر ،وقواه في المجموع واختاره.
كذلك لبن ما ال يؤكل غير اآلدمي فنجس.
والمنفصل من الحيوان حال الحياة كميتته.
ُ
109
تطهر إال في حالتين:
المسألة الثالثة :النجاسة العينية ال تأثير لالستحالة فيها وال ُ
-الخمر إذا تخللت بنفسها أو بنقلها.
-والجلد النجس بالموت يطهر بالدباغ إال من الكلب والخنزير وفروعهما ،وما خال ذلك ال تأثير لالستحالة فيه.
ثم انتقلنا إلى الباب العاشر من أبواب كتاب الطهارة وقلنا هو «باب التيمم»
وذكرنا فيه عدة مسائل:
المسألة األولى :قلنا يجوز التيمم عن الحدث األصغر واألكبر وال يجوز في إزالة النجاسة.
وقيل في القديم يجوز والمعتمد األول.
المسألة الثانية :أن المعتمد في المذهب ضربتان:
-ضربةٌ للوجه ،وضربةٌ لليدين إلى المرفقين ،هذا هو المعتمد.
وفي القديم ،وقواه في (المجموع) إلى الكوعين وفقط.
ٍ
فريضة واحدة. المسألة الثالثة :أن التيمم ال يرفع الحدث على المشهور ،وفي ٍ
وجه يرفعه في حق
المسألة الرابعة :في شروط التيمم وذكرنا أنها خمس:
أهال للطهارة
-كون المتيمم ً
-وجود العذر وأسبابه :فقد الماء ،عدم القدرة على استعماله ،الحاجة إليه.
-دخول الوقت.
-طلب الماء
-والتراب الطهور ذو الغبار.
110
أما المسألة السادسة ففي سنن التيمم:
-المواالة (في الجديد). -التسمية.
-تقديم اليمنى على اليسرى في اليدين. -البداءة بأعلى الوجه ،وقيل بأسفله.
كثيرا ،هذا على القديم والمعتمد ،وقيل في الجديد ال يستحب.
-تخفيف الغبار إن كان ً
-أن يمسح إحدى الراحتين باألخرى ويخلل األصابع. -تفريق أصابعه في أول الضربتين.
-أن يديم يديه على العضو ال يرفعه حتى يفرغ من مسحه.
-أن يستقبل القبلة كالوضوء. -أال يزيد على ضربتين.
-الدعاء بعده مثله.
ثم تكلمنا في الدرس الماضي عن باب :الحيض والنفاس وأحكام الدماء عند النساء ،وذكرنا أن الدماء الخارجة من المرأة
ونفاس ،واستحاضة.
ٌ حيض،
ثالثةٌ :
للحيض تمام تسع سنين ،وأكثره ال حد له،
وقلنا :المعتمد من المذهب أن أقل سن َ
وقيل الشروع في التاسعة وليس التمام ،وقيل نصف التاسعة ،وقيل إن أكثره ستون سنة.
يوم وليلة ،وأكثره خمسة عشر ،وغالبه ستة أو سبعة.
كذلك ذكرنا أن أقل الحيض ٌ
يوما وال حد ألكثره.
وذكرنا أن المعتمد في أقل الطهر خمسة عشر ً
يوما ،هذا على المعتمد.
يوما ،وغالبه أربعون ً
أما النفاس فأقل النفاس لحظة ،وأكثره ستون ً
111
الثامنة :إذا رأت الحائض الدم في زمان اإلمكان فهو حيض.
التاسعة :يباح بعد انقطاع الدم وقبل الغسل ،الصوم والطالق والعبور من المسجد.
هذا ملخص كتاب الطهارة الذي أخذناه قبل ذلك في سبع مجالس.
هذا وسبحانك اللهم بحمدك ،نشهد أن ال إله إال أنت ،نستغفرك ونتوب إليك،
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
112
المحاضـرة التـاسع ــة
إن الحمد هلل تعالى نحمده نستعينه ونستغفره ،ونعوذُ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،إنه من يهده اهلل فال مضل له،
ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله ،اللهم صل على محمد
وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حمي ٌد مجيد؛ أما بعد،
أحبتي في اهلل طلبة وطالبات كلية العلوم الشرعية والعربية ،الفرقة الثانية ،الفقه الشافعي ،مرحبًا بكم في هذه المحاضرة التاسعة
من محاضرات الفقه ،وكنا في القسم السابق من المحاضرات قد انتهينا من كتاب الطهارة ،واليوم إن شاء اهلل تعالى نبدأ في
كتاب الصالة.
ونحن نقرأ في كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع] للخطيب الشربيني رحم اهلل الجميع.
قال الماتن :كتاب الصالة
خمس:
ٌ الصالة المفروضة
بعدما انتهى من الطهارة وهي من شروط الصالة بأحكامها وأبوابها ،انتقل إلى كتاب الصالة.
ص ِّل َعلَْي ِه ْم﴾
والصالة لغةً :الدعاء بخي ٍر .قال اهلل تعالىَ ﴿ :و َ
أي ادعُ لهم ،ولتضمنِها معنى ذلك.
شرعا :أقوال وأفعال مفتتحةٌ بالتكبير ،مختتمةٌ بالتسليم ،بشرائط مخصوصة ،ستأتينا إن شاء اهلل تعالى.
والصالة ً
وقوله الصلوات المفروضة :أي التي فرضها اهلل سبحانه وتعالى على عباده،
وفي نسخة :الصلوات المفروضات :أي العينية التي تلزم كل مسلم بال ٍغ عاقل كما فرضها اهلل على رسوله ﷺ ليلة
أسري به.
علي من الصلوات؟
”وكما قال للرجل حينما سأله :ماذا فرض اهلل ّ
صلوات في كل ٍ
يوم وليلة“. ٍ قال :خمس
وهي معلومةٌ من الدين بالضرورة ،واألصل فيها قبل اإلجماع اآليات،
الص َالةَ﴾ [البقرة.]٤٣ : يموا َّ ِ
لقوله تعالىَ ﴿ :وأَق ُ
ين كِتَابًا َّم ْوقُوتًا﴾ [النساء،]١٠٣ :ِِ وقال سبحانه﴿ :إِ َّن َّ
ت َعلَى ال ُْم ْؤمن َ
الص َالةَ َكانَ ْ
أي وقتها اهلل سبحانه وتعالى على عباده.
وفي الصحيحين قال النبي ﷺ” :فرض اهلل على أمتي ليلة اإلسراء خمسين صالة ،فلم أزل أراجعه وأسأله التخفيف
خمسا في كل يوم وليلة“.
حتى جعلها ً
فهذه أدلة تدل على أن الصلوات المفروضة خمس ،وما عداها ليست ِ
بواجبة.
113
فأما وجوب قيام الليل فنسخ في حقنا واختلفوا هل نسخ في حق النبي ﷺ أم ال،
ضا.
والصحيح أنه نسخ أي ً
وحينما نقول« :الصلوات العينية خمس»
خرج قيام الليل،
ضا؛
وخرج صالة الجنازة أي ً
فهي وإن كانت واجبة إال أنها ليست من الصلوات العينية.
والجمعة من المفروضات لكن هل هي ٌ
بدل عن الظهر أم صالة مستقلة؟
الراجح كما قال النووي :واألصح أنها صالةٌ مستقلة ،وإنما عنى بذلك بصلوات اليوم والليلة.
114
وقال :هذا وقت األنبياء من قبلك ،والوقت ما بين هذين وقت“.
حديث صحيح رواه أبو داود وغيره ،وهو عمدةٌ معنا في المواقيت.
ٌ وهذا
ٍ
حينئذ. وحينما قال” :صلى بي الظهر حين كان ظل كل ٍ
شيء مثله“ ،أي فرغ منها
ومعنى هذا قال الماتن :وأول وقتها (أي الظهر) زوال الشمس ،وآخره إذا صار ظل كل ٍ
شيء مثله بعد ظل الزوال.
أول وقتها (أي الظهر) زوال الشمس :أي إذا زالت ومالت عن كبد السماء.
طويال ثم يقصر فيقصر إلى ٍ
حد ال يقصر ميال عن وسط السماء ،وهذا يظهر عندما يبدأ ظل الشمس ً وسمي الزوال ً
ُ
عنه ،ثم يعود في االستطالة مرةٌ أخرى عند التقاء هذا ،يكون وقت الزوال وظل الزوال ظل الفيء.
قال :وآخره إذا صار ظل كل ٍ
شيء مثله بعد ،أي بعد ظل الزوال الموجود عند الزوال.
يقول العلماء :وإذا أردت معرفة الزوال فاعتبره بقامتك أو ِ
شاخ ٍ
ص تقيمه في األرض مستوية ،وعلم على رأس الظل،
فما زال الظل ينقص من الخط فهو قبل الزوال،
وإن وقف ال يزيد وال ينقص فهو وقت االستواء،
وإن أخذ الظل في الزيادة علم أن الشمس زالت.
قال العلماء :يتبين من ذلك أن وقت الظهر يبدأ من الزوال إلى أن يصير ظل كل ٍ
شيء مثله.
وبعضهم يقول للظهر (وهذا قول األكثرين من علماء الشافعية) ثالثة أوقات:
-وقت فضيلة.
-ووقت اختيار إلى آخره.
-ووقت عذ ٍر وهو وقت العصر لمن يجمع.
إذن :الظهر له وقت أفضلية :أن تصلي في أول الوقت.
ووقت اختيار :أن تصلي في الوقت كله إلى آخره.
ووقت عذر :أن تأخرهُ إلى وقت العصر فتجمعهُ مع العصر جمع تأخير.
115
ٍ
بشيء يسير وليس ذلك مخال ًفا للصحيح وهو أنه ال يشترط حدوث زيادةٍ فاصلة كما ذكر في ِ
المنهاج ،وإنما يبدأ
يعرف دخول وقت العصر.
قال :وآخره (وقت االختيار) إلى ظل المثلين بعد ظل االستواء،
كما مضى في حديث جبريل الذي ذكرنا وقال” :الوقت ما بين هذين الوقت“.
قال :وآخره في الجواز إلى غروب الشمس.
لحديث أبي ٍ
سعيد أن النبي ﷺ قال” :من أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر“.
حديث متف ٌق عليه.
ٌ هذا
ولذلك قال العلماء :للعصر سبعة أوقات وهذا على مذهب الشافعي:
-وقت فضيلة :في أول الوقت.
-ووقت اختيار إلى آخر الوقت المختار :وهو أن يصير ظل كل شيء مثليه.
-ووقت عذر :وهو وقت من يجمع العصر مع الظهر في وقت الظهر.
-ووقت ضرورة :وهو إلى غروب الشمس.
-ووقت جوا ٍز بال كراهة :وهو إلى االصفرار.
-ووقت كراهة.
-ووقت حرمة :عند غروب الشمس.
وهذا المقصود منها بيان أنه يستحب التعجيل بالعصر في أفضل الصلوات ،ويجوز الجواز إلى المثلين وإلى االصفرار،
ثم هو ضرورة إلى الغروب.
116
قال :ويمتد على القول الجديد بمقدار ما يؤذن ،يعني إذا غربت الشمس يؤذن ويتوضأ ،ويستر العورة ،ويقيم الصالة،
ويصلي بمقدار خمس ركعات ،ألن جبريل صالها في اليومين في ٍ
وقت واحد ،بخالف غيرها أنه جعل لها وقت
اختيار.
قال :والمراد بالخمس :المغرب ثالث ،وسنتها البعدية.
بناء على أنه يسن ركعتان قبلها وهو اختيار النووي . ٍ
وذكر بعضهم سبع ركعات فزادوا ركعتين قبلهاً ،
واالعتبار في جميع ما ذكر أي من األذان والوضوء وستر العورة والصالة :االعتدال.
لكن لو حضر الطعام للصائم وقدم الطعام فقال العلماء :ال بأس بذلك وأن يأكل.
لكن اختلفوا فقال بعضهم :يأكل قدر أكل ٍ
لقم يكسر بها حدة الجوع ،لكن اختاره "الرافعي" وذكره في [الروضة]
شبِع.
لكن صوب في [التنقيح] وغَْيـ َره اعتبار ال َ
وال تَـ ْع َجلُوا على المغْ ِر ِ
بَ ، ص َال َة َ
شاءُ ،فَابْ َد ُؤوا به قَـ ْب َل َ
الع َ ألن النبي ﷺ كما في الصحيحين قال” :إِذَا قُد َ
ِّم َ
شائِ ُك ْم“.
َع َ
شبِع ،فال بأس أن يشبع.
فحمل كالمه على ال َ
صلْبَه ،وحملوا العشاء المذكور على هذا. ِ
وقال بعضهم :يأكل لَُق ْي َمات يُق ْمن ُ
ثم قال النووي :قلت القديم أظهر (أي النووي).
والقديم :أنه جعل وقت المغرب ما لم يغب الشفق،
واستدل بحديث ابن عمرو أنه قال” :ووقت المغرب ما لم يغب الشفق“.
وهذا قول الشافعي في القديم ،واختاره النووي وهو الصحيح.
ٌ
محمول على وقت االختيار كما مر. لكن ردوا على حديث صالة جبريل في اليومين في ٍ
وقت واحد
قال :والعشاء.
وأول وقتها إذا غاب الشفق األحمر ،وآخره في االختيار إلى ثلث الليل.
العشاء يدخل أول وقتها إذا غاب الشفق األحمر :خرج باألحمر األبيض واألصفر.
"كالرافعي" في (المحرر) ،إنما قال :إذا غاب الشفق.
ولم يقيده في بعض النسخ َ
ص ِر َ
ف إلى األحمر ،ألنه المعرف في اللغة أن الشفق هو األحمر. وإذا أُطْلَق ُ
ولذلك قال :وآخره في االختيار إلى ثـُلُث الليل.
لخبر جبريل المتقدم وقال” :الوقت ما بين هذين الوقت“ ،وفي رواية” :إلى نصفه“.
لقول النبي ﷺ” :لوال أن أشق على أمتي ألخرت العشاء إلى نصف الليل“.
117
ورجحه النووي في شرح مسلم ،وفي كالمه في المجموع يقتدي أن األكثرين عليه ،ومع هذا فإن األول هو
المعتمد.
إذَن صالة العشاء يبدأ وقتها من مغيب الشفق إلى نصف الليل أو ثلث الليل.
قال« :وفي الجواز إلى طلوع الفجر الثاني».
أي في جواز صالة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني أي الصادق،
وهذا مذهب الجمهور أن وقت العشاء يمتد إلى الفجر.
ويرى أهل الظاهر وغيرهم أنه ينتهي بنصف الليل،
ص ِّل الصال َة حتى ويستدلون بما رواه مسلم أن النبي ﷺ قال” :ليس في الن ِ
َّوم تَفريطٌ ،إنَّما التفري ُ
ط على َمن لَم يُ َ
وقت األُخرى“.
دخل ُ
يَ َ
وخرج الصبح بدليل أنه قال” :ما لم تطلع الشمس“ .فدل على أن صالة العشاء تمتد إلى طلوع الفجر.
قال :والصبح
وأول وقتها طلوع الفجر الثاني ،وآخره في االختيار إلى االصفرار ،وفي الجواز إلى طلوع الشمس.
والصبح :المقصود أول النهار ،فلذلك سميت به هذه الصالة.
وأول وقتها الفجر الثاني :أي الصادق .لحديث جبريل” :أنه جاء للنبي ﷺ“.
س“.
الش ْم ُ الص ْب ِح ِم ْن طُلُ ِ
وع الْ َف ْج ِر َما لَ ْم تَطْلُ ِع َّ صالَ ِة ُّ قال :وفي الجواز إلى طلوع الشمس ،لقول النبي ﷺَ ” :وق ُ
ْت َ
والمراد بطلوعها هنا :طلوع بعضها.
س فَـ َق ْد أَ ْد َر َك ُّ
الص ْب َح“. الش ْم ُ ضا الحديث السابق أن النبي ﷺ قالَ ” :م ْن أَ ْد َر َك َرْك َعةً ِم ْن ُّ
الص ْب ِح قَـ ْب َل أَ ْن تَطْلُ َع َّ وأَيْ ً
فهذه هي أوقات الصلوات.
118
والعلماء يذكرون فوائد في هذا الباب:
الفائدة األولى :االختالف في الصالة الوسطى ،ويرى اإلمام الشافعي أن الصالة الوسطى هي صالة الصبح ألن فيها
قنوت ،واألصحاب كذلك .في قول” :حافظوا على الصلوات والصالة الوسطى“ ،قال :هي صالة الصبح.
واختار النووي أنها صالة العصر ،وتبعه الشارح قال:
الص َال ِة ال ُْو ْسطَ ٰى﴾ [البقرة ]٢٣٨ :وصالة العصر ،ثم
ص َح ًفا” :اكتب ﴿ َو َّ
لحديث عائشة قالت لمن يكتب ُم ْ
قالت :سمعتها من رسول اهلل ﷺ“.
قال النووي عن (الحاوي الكبير) :صحت األحاديث أنها العصر ،كخبر
”شغلونا عن الصالة الوسطى صالة العصر“.
ثم قال اإلمام الخطيب الشربيني :فائدة :وهذا مذهب الشافعي ،مع أننا صدرنا الكالم بأنه يرى أن الصالة الوسطى
صالة الصبح.
قال (أي على صالة العصر) :وهذا مذهب الشافعي اتَـبَاع الحديث؛ فصار مذهبه هذا ،وال يقال فيها قوالنَ ،و ِه َم فيه
بعض أصحابنا.
وقال في شرح مسلم (أي النووي) :األصح أنها العصر كما قال "الماوردي".
ثم قال الماتن :فصل في من تجب عليه الصالة ،وفي بيان النوافل:
قال :وشرائط وجوب الصالة ثالثة أشياء :اإلسالم ،والبلوغ ،والعقل.
هنا انتقل إلى بيان شروط صحة الصالة أو شروط وجوب الصالة فقال:
اإلسالم :ومضى معنا قبل ذلك فال تجب على كاف ٍر أصلي أو مرتد.
كذلك البلوغ :فال تجب على صغي ٍر ِ
لعدم تكليفه ولرف ِع القلم ،لكن إذا صلى صحت منه.
الثالث العقل :فال تجب على مجنون،
لحديث ”رفع القلم عن ثالثة :عن النائم حتى يستيقظ ،وعن الصبي حتى يحتلم ،وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق“.
هنا قال الشارح « :سكت المصنف عن الرابع وهو النقاء من الحيض والنفاس».
119
أي :من شروط صحة الصالة عدم الحيض وعدم النفاس ،فإن الصالة ال تجب على حائض أو نفساء لعدم صحتها
منهما ،وعدم األمر بالقضاء بعد الطهر .وهذا بإجماع أهل العلم.
ومن الفوائد :أنه ال قضاء على الكافر إذا أسلم.
ين َك َف ُروا إِن يَنتَـ ُهوا يُـغْ َف ْر لَ ُهم َّما قَ ْد َسلَ َ
ف﴾ [األنفال.]٣٨ : َِّّ ِ
لقوله تعالى﴿ :قُل للذ َ
أما المرتد فاختلفوا فيه ،والمذهب :أنه يجب عليه قضاء ما فاته في زمن الردة بعد إسالمه تغليظًا عليه.
كذلك إذا سكر الرجل متعديًا ثم ُج َّن قضى المدة التي سكر فيها.
أما الطفل والمجنون فال قضاء عليهما إذا عقل المجنون ،وبلغ الطفل.
لكن يأمره الولي كما ذكرنا بها إذا ميز وصار ابن سبع.
قال اإلمام الشربيني :تنبيه :ظاهر كالمهم أنه يشترط للضرب تمام العاشرة لكن هل يضرب في أثنائها؟
الجواب :نعم.
اختاره اإلسناوي ،وجزم به غيره.
ساء إذا طهرتا ،ويحرم عليهما إذا صليا». ٍ
حائض أو نُـ َف َ هنا قال« :وال قضاء على
إذن شروط صحة الصالة أو وجوب الصالة :اإلسالم والعقل والبلوغ والنقاء من الحيض والنفاس.
120
صنِّف :قال" :والصلوات المسنونة" :قلنا التي سنها النبي ﷺ بعد الفرائض.
فَنبدأ بقول ال ُْم َ
وأفضل ٍ
عمل تتقرب به إلى اهلل عز وجل الصالة ،وأحب األعمال إلى اهلل الصالة.
حيث قال لما ُسئِل عن أفضل األعمال قال” :الصالة لوقتها“.
وبعض العلماء ينازع ويقول الصيام؛
ألن اهلل عز وجل قال” :كل عمل ابن آدم له إال الصيام فإنه لي وأنا أجزي به“.
صلحت وسائِر العمل ،وإن فسدت فسدت
صلحت َ على ٍ
كل أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصالة ،فإن َ
وسائر العمل.
ضا من فوائد فعل المستحب أنه يقربك من اهلل عز وجل ويكون َسبَبًا في محبة اهلل لك.
أي ً
ِ
بالنوافل حتَّى أُحبَّه“ .أي حتى يحبك اهلل عز وجل. إلى
ب ّ قر ُ
ال عبدي يت َّ
قال اهلل سبحانه” :وال يز ُ
قال« :والعيدان» :أي صالة العيدين وسيأتي تفصيل ذلك.
«والكسوفان واالستسقاء».
ِ
لتفصيل هذه الصلوات. كل هذه الصلوات سنتكلم عنها بالتفصيل في موضعها عندما نأتي
وأربع قبل العصر :وهذا فيه قول النبي ﷺ” :رحم اهلل ً
امرءا صلى قبل العصر أر ًبعا“.
وثالث بعد العشاء يوتر بواحدة.
ٌ وركعتان بعد المغرب،
صنِّف لم يبين المؤكدة من غير المؤكدة.
والمقصود هنا أن ال ُْم َ
ش ُر ركعات:
وبيانه أن المؤكد منها َع َ
-ركعتان قبل الصبح.
-وركعتان قبل الظهر.
-وركعتان بعدها.
-وركعتان بعد المغرب.
-وركعتان بعد العشاء.
121
لحديث ابن عمر قال” :صليت مع النبي ﷺ قبل الظهر ركعتين ،وركعتين بعدها ،وركعتين بعد المغرب ،وركعتين بعد
العشاء“.
وذكر ركعتين قبل الفجر كانت ساعة ال يدخل على النبي ﷺ وذكر أن حفصة حدثته بذلك.
وقال بعض العلماء :بل المؤكد منها اثنتي عشر ركعة
ٍ
لحديث النبي ﷺ ”من صلى هلل ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُني له ٌ
بيت في الجنة“.
وزاد على هذا ذكر فقال” :أربع قبل الظهر“.
ضا ال بأس أن يزيد ركعتين بعد الظهر ،فيصير أَ ْربَـ ًعا قبله وأ َْربَع ًة بعده.
وأَيْ ً
ِ
لحديث” :من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه اهلل على النار“.
بع قبل العصر.
قال :وأر ٌ
امرءا صلى قبل العصر أر ًبعا“.
كما ذكرنا لخبر عمر” :رحم اهلل ً
122
تسع ،ثم إحدى عشرة وهي أكثرهُ؛ لألخبار الصحيحة
سبع ،ثم ٌ
خمس ،ثم ٌ
ٌ ثالث ،وأكمل منه
وقال أبو الطيب :وأدنى الكمال ٌ
منها:
خبر عائشة أنها قالت” :ما كان رسول اهلل ﷺ يزيد في رمضان وال غيره على إحدى عشرة ر ٍ
كعة“.
ثم قال :وال تصح الزيادة عليها كسائر الرواتب.
ووقته (أي قيام الليل والوتر من صالة العشاء) إلى طلوع الفجر الثاني.
ِ
والنوافل المؤكدة بعد الرواتب) ،قال :ثالثة:(
123
وقال في (الروضة) :أفضلها ثَ َمان ،وأكثرها اثنتا عشرة.
والصحيح :األول ثمان ركعات.
قال :ويسن أن يسلم من كل ركعتين.
إذن صالة الضحى مثنى مثنى يصلي ركعتين ويسلم .أقلها ركعتين ،وأكثرها ثمان ،وقيل اثنتا عشرة ركعة.
ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال.
واالختيار فعلها عند مضي ربع النهار ،وهو وقت ترمض فيه الفصال.
كما أخبر النبي ﷺ” :تلك صالة األوابين“.
124
قال الشارح :بعض الفوائد على الباب:
-الفائدة األولى :قال يدخل وقت الرواتب التي قبل الفرض بدخول وقت الفرض ،والتي بعده بفعله.
قال :ويخرج وقت النوعين بخروج وقت الفرض.
يعني ال يصلي سنة الظهر القبلية إال إذا أذن الظهر ،وال يصلي سنة الظهر البعدية إال إذا صلى الظهر.
-الفائدة الثانية :ومن القسم الذي ال تندب فيه صالة الجماعة «تحية المسجد»
نفل آخر ،وتتكرر بتكرار الدخول عن ٍ
قرب ،وتفوت بجلوسه وهي ركعتان قبل الجلوس لكل داخل ،وتحصل ٍ
لفرض أو ٍ
سهوا وقصر الفصل ،وتفوت بطول الوقوف كما أفتى بعض المتأخرين.
قبل فعلها ،وإن قصر الفصل إال أن جلس ً
أربع :تحية المسجد للصالة ،وتحية البيت بالطواف ،وتحية الحرم باإلحرام ،وتحية منى
قال اإلسناوى :التحيات ٌ
بالرمي.
وزيد عليه :تحية عرفة بالوقوف ،وتحية لقاء المسلم بالسالم.
125
-وعند مروره ٍ
بأرض لم يمر بها قط. -وعند الخروج من مسجد رسول اهلل ﷺ.
-وركعتان فى المسجد إذا قدم من سفر. -وركعتان عقب الخروج من الحمام.
-وركعتان عند القتل إن أمكنه.
-وركعتان إذا عقد على امر ٍأة وزفت إليه .إذ يسن لكل منهما قبل الوقاع أن يصلى ركعتين.
وأدلة هذه السنن مشهورة ال يحتملها شرح هذا الكتاب.
قلت :فمن هذه الركعات التي ذكرنا ما ثبت عليها الدليل:
-والوضوء، -كركعتَي الطواف،
-والحاجة، -واالستخارة،
ضا عند القتل.
-وكذلك أي ً -والتوبة،
ضا ذكر أن من أفضل القسم الذي ال تسن فيه الجماعة الوتر ،ثم ركعتا الفجر ،ثم باقى الرواتب.
كذلك أي ً
قال :وأفضل القسم الذي تسن له الجماعة «صالة العيدين»
موضوع استكثر أو استقل منها“.
ٍ وكذلك أن النبي ﷺ ذكر حديثًا عاما ألبي ذر حينما قال له” :الصالة ٌ
خير
فينبغي عليك أن تكثر من النوافل.
126
المحاضرة العـاشـرة
127
متطهرا عند إحرامه ،لم تنعقد الصالة وال
ً وهنا ال بد من قيد هذه المسألة؛ لقولنا مع القدرة على الطهارة ،فإذا لم يكن
كالمستحاضة ،وسلس البول ،وانفالت الريح.
دائم ُ
حدث ٌ
تصح ،لكن قلنا مع القدرة لمن به ٌ
والحدث لغةً :الشيء الحادث.
أمر اعتباري يقوم باألعضاء يمنع من صحة الصالة.
واصطالحاٌ :
ً
قال« :من طهارة الحدث والنجس».
والمقصود بالنجس :الذي ال يعفى عنه في ثوبه أو بدنه ،حتى أن العلماء شددوا
قالوا :حتى داخل الفم واألنف والعين.
مبطال.
قال :فال تصح صالة مع ذلك ولو مع جهله بوجوده وبكونه ً
لقوله تعالى ﴿ َوثِيَابَ َ
ك فَطَ ِّه ْر﴾ [المدثر،]٤:
جاهال ال يعلم ،أو ال يعلم أن ذلك مبطل فالصالة صحيحة.
لكن الصحيح أنه إذا كان ً
فالمذهب على قطع موضعه إن
ماء يغسله بهَ ،
وبين ذلك ،قال :ولو تنجس ثوبه بما ال يعفى عنه ولم يجد ً
وهنا قاسهَ ،
ُجرة ٍ
ثوب يصلي فيه ،هكذا ذكره الشيخان. لم تنقص هذه من قيمته بالقطع ،أو كان ذلك أكثر من أ ْ َ
ُج َرة غسله عند الحاجة.
كذلك لو كان ال ينقصه أكثر من ثمن الماء لو اشتراه مع أ ْ
ونجس من ثوبين أو بيتين ،اجتهد فيهما للصالة وصلى فيما ظنه الطاهر من الثوبين.
ٌ طاهر
قال :ولو اشتبه عليه ٌ
هنا َم ْسأَلَةٌ مهمة وهي :أن اإلنسان يتحرى لطهارته ،ويتحرى لعدم التلبس بالنجاسة ،فإن اجتهد وصلى في أحد الثوبين
اجتهادا آخر].
ً ال يجب عليه اإلعادة؛ إذ[ :ال ينقض االجتهاد
فإن اجتهد مرًة أخرى بين الثوبين فتغير اجتهاده صلى في الذي تغير إليه االجتهاد وال يلزمه أن يُعيد.
قال« :وستر العورة» :أي :سترها عن العيون ولو كان خاليًا في ظلمة عند القدرة.
آد َم ُخ ُذوا ِزينَتَ ُك ْم ِعن َد ُك ِّل َم ْس ِج ٍد﴾ [األعراف]٣١ :
لقوله تعالى﴿ :يَا بَنِي َ
عباس :المراد به الثياب في الصالة. قال ابن ٍ
قال :فإن عجز وجب أن يصلي عريانًا ويتم الركوع والسجود وال إعادة عليه.
ٍ
كاغتسال ونحوه. ٍ
لحاجة ضا ولو في الخلوة إال
ويجب ستر العورة في غير الصالة أي ً
وقال بعضهم :يجوز كشف العورة في الخلوة وال حرج في ذلك.
وبعضهم يقول :إذا كان كشف العورة بغرض التبريد أو صيانة الثوب من األدناس أو الغبار أو غير ذلك فال حرج.
128
كبة.الس َّرةِ ُّ
والر ِ والعورة :ما بين ُّ
وهنا المقصود به :ستر العورة وحجبها عن عيون الناس.
ين ِزينَتَـ ُه َّن إَِّال َما ظَ َه َر ِم ْنـ َها﴾ ِ
ظاهرا وباطنًا إلى الكوعين ،لقوله تعالىَ ﴿ :وَال يـُْبد َ
وعورة الحرة غير الوجه والكفين ً
ومعناه الوجه والكفان.
ازهما.
وقال العلماء :لم يكونا عورة؛ ألن الحاجة تدعو إلى إبر ُ
كثير من أهل العلم :إن المرأة كلها عورة حتى الوجه والكفين في خارج الصالة ،وأما في الصالة فال حرج في
وقال ٌ
كشف الوجه والكفين.
ويجب ستر العورة من أعالها وجوانبها ال من أسفلها ،ولو كان المصلي امرأ ًة فلو برزت عورتها بطلت صالتها.
بلباس طاهر حيث قدر عليه ،فإن عجز أو وجد متَـنَ ِّجسا و عجز عن ما يطَ ِّهره به ،أو حبِس في م َك ٍ
ان نجس قالٍ « :
َ ُ ُ ُ ُ ً
وليس معه إال ثوب ال يكفيه للعورة وللمكان صلى عريانًا في هذه الصورة».
لكن هل يعيد؟ على قولين :الراجح أنه ال إعادة عليه.
قهرا ،بل يصلي َعا ِريًا وال إعادة». ِ
قال« :ولو وجد ثوبًا لغيره ُحرم عليه لبسه وأخذه منه ً
َع َارهُ لزمه أن يقبله ،قال :فإن لم يقبله وصلى ع ِريانًا لم تصح الصالة».
قال« :ولو أ َ
كل هذه مسائل ُم َف َّر َعةٌ على ستر العورة.
129
قال الرافعي :يجوز في الصحو دون الغيم.
أي :يجوز للبصير أن يقلد المؤذن الثقة؛ ألنه مجتهد.
قال في هذا« :الراجح من أقوال أهل العلم أنه يبني على غلبة الظن».
ط سادس أسقطه المصنف ،وهو« :العلم بكيفية الصالة» بأن يعلم فرضيتها ويميز الفرض من
العلماء يقولون :هناك شر ٌ
السنة وهكذا.
130
قياسا على الراكب بل أولى».
قال« :وكذلك الماشي ً
قال الشارح « :والحكمة في ذلك التخفيف ،أن الناس محتاجون إلى األسفار ،فلو ُش ِر َ
ط فيها االستقبال
للنفل ألدى إلى ترك أ َْوَر ِاد ِهم أو مصالح معايشهم».
فخرج بذلك :النفل في الحضر فال يجوز أن يصليها لغير القبلة.
قال :وهو ما في [الروضة] و[التحقيق] ،ألن األصح أن نية الخروج ال تجب ،أي :ليست بركن.
وقال :في [المنهاج] ثالثة عشر وهو في [المحرر] ،فجعل الطمأنينة ركنا واحدا بدل تكراره.
وجعلها في [الحاوي] أربعة عشر فزاد الطمأنينة ،إال أنه جعلها في األركان األربعة ركنًا واح ًدا.
خالف لفظي حيث ال فرق ب ين كونها أربعة عشر ،أو ثمانية عشر ،أو سبعة عشر ،فإما أن يجعل ٌ والخالف في كل ذلك
الطمأنينة جزءا من ركن ،وإما أن يجعلها ُرْكنًا ُم ْستَ ِق ًّال ،أو يجعلها هيئة تابعة لألركان ،وهذا كله ال غضاضة فيه.
ألن النبي ﷺ قال” :إذا قمت إلى الصالة“.
استِ ْد َال ًال بقول النبي ﷺ أنه كررها فيما كرر من األركان.
ومن عدها أ َْرَكانًا فذلك ْ
وقيل :هي شرطٌ؛ ألنها عبادةٌ ،وعبارةٌ عن قصد فعل الصالة.
أوال« :النية».
والنية األصل أن محلها القلب ،وال يشرع التلفظ بها كما ذكرنا ذلك ساب ًقا ،وهي واجبةٌ في الصالة.
واختلف العلماء :هل هي ركن أم شرط؟
فمن جعلها شرطا جعلها خارج الصالة؛ ولذلك قال الغزالي :هي بالشرط أشبه.
والبعض جعلها ركنا؛ ألنها تستمر من أول الفعل إلى آخره ،وال خالف في اشتراط النية في ذلك.
َّ ِ ِ ِ ِ ِ
ِّين﴾. واألصل فيها قوله تعالىَ ﴿ :وَما أُم ُروا إ َّال ليَـ ْعبُ ُدوا الل َه ُم ْخلص َ
ين لَهُ الد َ
والمقصود باإلخالص في كالمهم :النية
131
ولحديث عمر أن النبي ﷺ قال” :إنما األعمال بالنيات وإنما لكل امر ٍئ ما نوى“.
قال الشارح « :وأجمعت األمة على اعتبار النية في الصالة»،
ضاء أو غير ذلك وجبت النية لتمييز العبادة؛
نذرا أو ق ً
فرضا أو ً
وبدأ بها ألنها ال تنعقد إال بها ،فلو أراد أن يصلي ً
ولتميي ِزها عن سائر الصلوات وعدد الركعات ونحو ذلك.
فهذه الشروط وهذه األركان ال بد من تحصيلها.
ولذلك قال العلماء إن النية وإن كانت محلها القلب لكن ال بد من استحضارها ،كنية استقبال القبلة وعدد الركعات
ونحو ذلك.
قال« :وتصح نية األداء بنية القضاء وعكسه ،وال يضر سبق لسان ،إنما يقصد ما نوى».
فلو كان يصلي الظهر ،وأراد أن يصلي الظهر وقال نويت العصر ،مع اعتبارنا أن النية محلها القلب.
وإذا أراد الفريضة وجاء المسجد ودخل فى وقتها ال يلزم أن يعينها أن يستحضر صالة الظهر.
وكذلك في نوافله ،وكذلك في الوتر فال يضاف إلى العشاء ،ويفرق بينه وبين صالة الليل.
قال :والنية بالقلب ،هذا باإلجماع ألنه القصد ،فال يكفي النطق مع غفلة القلب باإلجماع وهذا في سائر األبواب
والعبادات.
لكن هنا قال :ال يضر النطق بها ،كأن قصد الصبح وسبق لسانه إلى الظهر كما أسلفنا قبل قليل.
132
الثانية :ما لو كان به سلس ٍ
بول لو قام سال بوله ،وإن قعد لم يسل؛ فإنه يصلي من قعود على األصح بال إعادة.
ومنها :ما لو قال طبيب ثقة لمن بعينه ماء ،إن صليت مستلقيًا أمكن ُمداواتك ،فله ترك القيام على األصح.
منفردا بال مشقة ،ولم يمكنه ذلك فى جماعة إال أن يصلي بعدها قاع ًدا فاألفضل
ً ومنها :لو أمكن المريض القيام
االنفراد.
رقيب يرقب العدو ولو قام لرآه العدو ،أو جلس الغزاة في مكم ٍن ،ولو قاموا ُ
لرآهم العدو، كذلك :ما لو كان للغزاة ٌ
قعودا.
وفسد تدبير الحرب؛ صلوا ً
واختلفوا في اإلعادة :فالمذهب أن عليهم اإلعادة لندرة ذلك ،إال إن خافوا قصد العدو لهم فال تلزمهم.
كذلك :شرط القيام نصب ظهر المصلي ولو استند إلى ٍ
شيء كجدا ٍر ونحوه ،أجزأه ولو تحامل عليه.
كوع وسجو ٌد دون ٍ
قيام ،قام وجوبًا ،وفعل ما أمكنه. ولو عجز عن ر ٍ
133
قال« :وقراءة الفاتحة»
هذا هو الركن الرابع :قراءة سورة الفاتحة في كل ركعة.
لما جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ قال” :ال صالة لمن ال يقرأ بفاتحة الكتاب“.
إال المسبوق إذا أدرك الركوع؛ فإنه ال يلزمه قراءة الفاتحة بل يتحملها اإلمام عنها.
الرِح ِيم﴾ آيةٌ منها .أي :آيةٌ من الفاتحة قال :و﴿بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َٰم ِن َّ
الرِح ِيم﴾ آيةٌ منها ،كما رواه البخاري في تاريخه. لما روي أنه ﷺ عد الفاتحة سبع آيات ،وعد ﴿بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َٰم ِن َّ
الرِح ِيم﴾ ،وأنها أم الكتاب ،وأم ْح ْم ُد لِلَّ ِه﴾ فاقرأوا ﴿بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َٰم ِن َّ وعن أبي هريرة أنه قال” :إذا قرأتم ﴿ال َ
الرِح ِيم﴾ إحدى آياتها“ ،رواه الدارقطني. القرآن ،والسبع المثاني ،و﴿بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َٰم ِن َّ
الرِح ِيم﴾ والصحيح اإلسرار بها في الصالة الجهرية. فتقرأ ﴿بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َٰم ِن َّ
وأنها أثبتت في المصحف.
الرِح ِيم﴾ آية فى كل سورة. وعلى المذهب فإن ﴿بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َٰم ِن َّ
وقال العلماء :ال بد من تعلم قراءة الفاتحة ،ويجب رعاية ترتيبها بأن يأتي بها على نظمها المعروف ،ويجب رعاية
تشديداتِها ،وذكر أن فيها أربع عشرة تشديدة ،منها ٌ
ثالث في البسملة.
قال :فلو خفف منها تشديدة بطلت قراءته لتلك الكلمة.
قوال واح ًدا.
قال :ويجب القراءة على اإلمام والمنفرد ً
واختلفوا في المأموم ،والراجح وجوب القراءة عليه.
قال :ومن يحسن بعض الفاتحة يأتي به ،ويبدل الباقي إن أحسنه ،وإال كرره في األصح.
الرِح ِيم﴾ [الفاتحة ]٣ :ال يحفظ إال هذا ،إما
الر ْح َٰم ِن َّ
ين﴾ [الفاتحةَّ ﴿ ،]٢ : ِ ْح ْم ُد لِلَّ ِه َر ِّ
ب ال َْعالَم َ مثال ﴿ال َ
يعني يحفظ ً
أن يكرره ،وإما أن يأتي بالبدل من القرآن.
قال :وسن عقب الفاتحة سكتة لطيفة لقارئها في الصالة وخارجها ،ثم قول (آمين) ويمد بها ،والمد أفصح وأشمل.
وقول النبي ﷺ” :إذا قمت إلى الصالة“ ،وفيه ”ثم اركع حتى تطمئن ر ً
اكعا“.
وأجمعت األمة على ذلك.
يدي المعتدل ركبتيه.
خالصا ال انخناس فيه ،قدر بلوغ راحتي ْ
ً انحناء
ً وأما أقل الركوع في حق القائم هو أن ينحني
أصال أومأ برأسه ثم بطرفه.
قال :والعاجز ينحني قدر إمكانه ،فإن عجز عن االنحناء ً
134
السادس« :والطمأنينة فيه» .أي الطمأنينة في الركوع.
راكعا“.
لقوله” :فارَكع حتى تطمئن ً
قال :وأقلها (أي الطمأنينة) أن تستقر أعضاؤه راكعا ،بحيث ينفصل رفعه عن ركوعه عن ِ
هويه. ً
كالصفيحة الواحدة. ٍ ٍ
خالص بحيث يصيران َ بانحناء يمدهما
قال :وأكمل الركوع تسوية ظهره وعنقه ،أي ُ
كذلك قال :والرفع واالعتدال ،والطمأنينة فيه ،والسجود.
وكنا قلنا قبل ذلك :إن الطمأنينة في الركوع هو الركن السادس ،كما ذكرنا أن الماتن يعد الطمأنينة أركانًا مختلفة.
التاسع« :السجود»
والسجود مرتين في كل ركعة ،وعدهما ركنا واح ًدا؛ ألن السجدتين متحدتان ال يفصل بينهما.
اس ُج ُدوا﴾ [الحج.]٧٧ :
ولقوله تعالىْ ﴿ :ارَكعُوا َو ْ
ولحديث المسيء” :ثم اسجد حتى تطمئن ساج ًدا“.
والسجود لغةً هو :التضامن والميل ،وقيل الخضوع والتذلل.
وأقله :مباشرة بعض جبهته ما يصلي عليه من ٍ
أرض أو غيرها.
135
قال« :والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه».
جالسا عليها ،ناصبًا رجله اليمنى.
هذا الحادي عشر :أن يجلس بين السجدتين مفتر ًشا رجله اليسرى ً
جالسا“.
”كان إذا رفع رأسه لم يسجد حتى يستوي ً
قال« :وال يكفي أن يرفع رأسه عن األرض أدنى رف ٍع»
قال :الثاني عشر من أركان الصالة« :الطمأنينة فيه» أي :في الجلوس بين السجدتين.
جالسا“.
لحديث المسيء وفيه” :ثم ارفع حتى تعتدل ً
بحيث يفترش اليسرى كما ذكرنا ويجلس عليها ،وهذا سيأتي بيانه في بيان السنن.
واضعا يديه على فخذيه قريبًا من ركبتيه.
قالً :
قال« :والجلوس األخير والتشهد فيه» هذا الثالث عشر من أركان الصالة.
ِ
كالقيام لقراءة الفاتحة. ومعنى الجلوس األخير ،أي :الذي فيه التسليم فهو واجب،
قال :والتشهد فيه ،أي :في الجلوس.
والتشهد المعروف كما بين النبي ﷺ كما قال ابن مسعود :كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد” :السالم على اهلل
قبل عباده ،السالم على جبريل ،السالم على ميكائيل ،السالم على فالن“ ،قال النبي ﷺ” :ال تقولوا السالم على
اهلل؛ فإن اهلل هو السالم ،ولكن قولوا :التحيات هلل“ إلى آخره.
136
قال« :والتسليمة األولى»
أي :الركن السادس عشر من أركان الصالة التسليمة األولى.
لقول النبي ﷺ” :وتحليلها التسليم“
مشغوال عن الناس وقد أقبل عليهم.
ً والمعنى في السالم :أن المصلي كان
وأقله :السالم عليكم.
هذا ،وسبحانك اللهم وبحمدك ،نشهد أن ال إله إال أنت ،نستغفرك ونتوب إليك،
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
137
الـمحاض ـرة الـحادي ـة عشـرة
ما زلنا في كتاب الصالة ،وصفة صالة النبي ﷺ؛ وبعد أن تكلمنا في المحاضرة الماضية عن الشروط واألركان.
قال الماتن « :وسننها قبل الدخول فيها شيئان :األذان واإلقامة».
بعد الفراغ من األركان شرع في بيان وذكر السنن.
قال الشارح :األذان لغةً :اإلعالم ،قال اهلل تعالىَ ﴿ :وأَذِّن فِي الن ِ
َّاس بِال َ
ْح ِّج﴾ أي :أعلمهم به.
مخصوص يُـ ْعلَم به وقت الصالة المفروضة.
ٌ و َش ْر ًعا :هو ٌ
قول
ضر ِ
الصالةُ فَـ ْليُـ َؤذِّ ْن لَ ُك ْم َ
أح ُد ُك ْم ،ولْيَـ ُؤَّم ُك ْم أ ْكبَـ ُرُكم“ .كذلك اإلجماع على مشروعية ت َّ واألصل فيه قول النبي ﷺ” :إذا َح َ َ
األذان.
قال« :واإلقامة»
هذا هو الشيء الثاني ،واألصل في اإلقامة أنها مصدر أقام ،وسمي الذكر المخصوص به ألنه يقيم إلى الصالة.
قال« :واألذان واإلقامة مشروعان باإلجماع؛ فهما سنةٌ للمكتوبة دون غيرهما من الصلوات كالسنن وصالة الجنازة والمنظورة
لعدم ثبوتُهما فيه».
فائدة :ويشرعُ األذان في أذن المولود اليمنى؛ واإلقامة في اليسرى ،وسيأتي ذلك في العقيقة إن شاء اهلل.
ثم بين الشارح بقوله« :ويندب األذان للمفرد ،وأن يرفع صوته به إال بموض ٍع وقعت فيه جماعة ،واألذان مثنى مثنى
واإلقامة فرادى».
ألن النبي ﷺ كما في الصحيحين قال” :أُمر ً
بالال أن يشفع األذان ،ويوتر اإلقامة“.
قال« :واإلقامة إحدى عشرة كلمة؛ واآلذان كلماته تسع عشرة كلمة بالترجيع».
ثم قال« :ويُ َس ُّن ويُ ْش َرع اإلسراع باإلقامة مع بيان الحروف،
بخالف األذان فإنه يستحب فيه الترتيل».
س ُّن؛ ويأتي به ِس ًّرا قبل الشهادتين».
ثم ذكر الشارح أنه «يستحب الترجيع و يُ َ
َّثويب في أذان الصبح»
قال« :والت ُ
أي :مشروع؛ وهو أن يقول بعد الحيعلتين «الصالة خير من النوم».
ومعنى الترجيع :أن المؤذن إذا فرغ من التكبير (اهلل أكبر؛ اهلل أكبر؛ اهلل أكبر؛ اهلل أكبر) يقول ِس ًّرا (أشهد أن ال إله إال اهلل،
أشهد أن ال إله إال اهلل ،أشهد أن محم ًدا رسول اهلل ،أشهد أن محم ًدا رسول اهلل).
هذا (الترجيع)؛ ثم يجهر بالشهادة مرة أخرى( .أشهد أن ال إله إال اهلل) وهكذا،
ٍ
بصوت مرتفع. ٍ
بصوت منخفض ثم يعيدها أي فيُعيدها ،يذكرها مرة
138
قال« :ويُس ُّن القيام في األذان واإلقامة على ٍ
عال». َ
يج إليه». أي على ٍ
مكان مرتفع ،لكن علق بقوله «إذا ْ ِ
احت َ
مثال يؤذن فوق السطح فإنه يستحب أن يصعد إلى منارة المسجد.
فإذا كان ً
أما إذا كان يؤذن في مكبرات الصوت فال يحتاج إلى ذلك؛ إنما يؤذن والمكبرات في ٍ
مكان مرتفع.
كذلك يستحب التوجه إلى القبلة ،وأن يلتفت بعنقه فيهما يَ ِمينًا مرة في (حي على الصالة)؛
ٍ
تحويل للصدر وال انتقال بالقدمين فإنما االلتفات يكون بالعنق. س ًارا مرة في (حي على الفالح)؛ من غير
ويَ َ
قال« :ويستحب كل ذلك كون المؤذن عدالً في الشهادةَ ،عالي الصوت حسنهُ».
قال الشارح« :وُك ِرَه األذان من ٍ
فاسق ،وصبيٍ ،ومميز ،وأعمى وحده ،وجنب ،ومحدث».
لكن األعمى إن وجد معه من يُـ ْع ِلمه فال حرج.
صبح فمن ٍ
وللجماعة َج ْه ًرا؛ ودخول وقت الصالة؛ إال أذان ٍ قال« :ويشترط في األذان واإلقامة الترتيب والمواالة بين كلماتها؛
نصف الليل».
قال« :ويشترط في المؤذن والمقيم اإلسالم؛ والتمييز؛ ولغير النساء الذكورية».
ِ
للمسجد؛ ليؤذن واحد الصبح قبل الفجر وآخر بعده» ِ
مؤذنان س ُّن
قال« :ويُ َ
وابن ِّأم مكتوم“. أي على فعل النبي ﷺ ”أنه جعل لمسجده مؤذنينً :
بالال َ
الحيعالت والتثويب وكلمتي اإلقامة».
س ُّن لسام ِع المؤذن والمقيم أن يقول مثل قوله ،إال في َ
قال« :ويُ َ
أي أن يقول مثل المؤذن( :اهلل أكبر اهلل أكبر)،
ثابت عن النبي ﷺ.
لكن في الحوقلة أي حي على الصالة حي على الفالح يقول( :ال حول وال قوة إال باهلل) .وهذا ٌ
خبر صحيح.
خير من النوم) :أقامها اهلل وأدامها ،فهذا ال يثبت فيها ٌ
لكن قوله في (الصالة ٌ
مؤذن ٍ
ومقيم وسام ٍع ومستم ٍع أن يصلي على النبي ﷺ ،بعد الفراغ من األذان واإلقامة، قال« :ويس ُّن لكل ٍ
َُ
ثم يقول الدعاء الثابت عن النبي ﷺ” :اللهم رب هذه الدعوة التامة ،والصالة القائمة ،آت سيدنا محم ًدا الوسيلة
والفضيلة ،وابعثه المقام المحمود الذي وعدته“».
139
ثم قال الماتن « :وبعد الدخول فيها شيئان :التشهد والقنوت في صالة الصبح ،وفي الوتر في النصف الثاني من شهر
رمضان».
س ُّن اآلذان واإلقامة.
إذن ذكر المصنف أن قبل الصالة يُ َ
يجبرهما سجود السهو:
ُ وبعد الدخول في الصالة هناك شيئان؛ أي
التشهد األول ،والقنوت في الصبح وفي الوتر في النصف الثاني من شهر رمضان.
ومعنى هذا أنه قسم سنن الصالة إلى أبعاض وهيئات.
أبعاضها ثمانية ،ذكر منها شيئين ،وسيكمل الشارح باقي الثمانية:
َ وذكر الشارح أن
قال :التشهد األول كله أو بعضه.
قال :والثاني :القنوت في الصبح ،أي في الركعة الثانية ،ولذلك خص الصبح عن باقي الصلوات الخمس في حال األمن.
فإذا نزل بالمسلمين نازلةٌ استحب في سائر الصلوات ،لكن ليس هذا من األبعاض.
وهو أي القنوت (( اللهم اهدني فيمن هديت ،وعافني فيمن عافيت ،وتولني فيمن توليت ،وبارك لي فيما أعطيت ،وقني شر ما
قضيت ،فإنك تقضي وال يقضى عليك ،وإنه ال يذل من واليت ،وال يعز من عاديت ،تباركت ربنا وتعاليت)).
هكذا علم النبي ﷺ الحسن ،هذا الدعاء يقوله في الوتر.
قال :وفي الوتر في النصف الثاني من شهر رمضان ،سواء صلى التراويح أم ال.
ِ
كقنوت الصبح ،في ألفاظه وجبره بالسجود. قال :وهو أي قنوت الوتر
للمنفرد ولإلمام ٍ
قوم محصورين رضوا بالتطويل ،أن يقول بعده قنوت عمر رضي اهلل تعالى وهو مشهور. ِ س ّن
قال :ويُ َ
قال الشارح :والبعض الثالث« :القعود للتشهد األول»
والمراد من التشهد األول :اللفظ الواجب في التشهد األخير دون ما هو سنة.
قال« :والرابع القيام للقنوت الراتب».
قال« :والخامس الصالة على النبي ﷺ بعد التشهد األول».
قال« :والسادس الصالة على النبي ﷺ بعد القنوت».
قال« :والسابع الصالة على اآلل بعد القنوت».
قال« :والثامن الصالة على اآلل بعد التشهد األخير».
هذا على قول الشارح.
ثم قال :وسميت هذه السنن أَبْـ َع ً
اضا لقربها بالجبر بالسجود من األبعاض ،أي :من األركان.
أبعاض من األركان ،لكنها تجبر بسجود السهو.
ٌ أي كأنه يقول هذه السنن
أما الركن فال يجبر بسجود السهو.
140
ثم قال الماتن « :وهيئاتها خمسة عشر خصلة»:
-رفع اليدين عند تكبيرة اإلحرام ،وعند الركوع والرفع منه.
-ووضع اليمين على الشمال.
-والتوجه.
-واالستعاذة.
-والجهر في موضعه ،واإلسرار في موضعه.
-والتأمين.
-وقراءة السورة بعد الفاتحة.
-والتكبيرات عند الخفض والرفع.
-وقول سمع اهلل لمن حمده ،ربنا ولك الحمد.
-والتسبيح في الركوع.
-والسجود.
-ووضع اليدين على الفخذين في الجلوس.
-وبسط اليسرى وقبض اليمنى إال المسبحة فإنه يشير بها متشه ًدا.
-واالفتراش في جميع الجلسات.
-والتورك في الجلسة األخيرة.
-والتسليمة الثانية.
هذه سنن الهيئات التي ذكرها الماتن .
قال الشارح اإلمام الخطيب الشربيني المصري الشافعي :
وهيئاتها جمع هيئة؛ والمراد بها هنا :ما عدا األبعاض من السنن ،ال تجبر بالسهو وهي كثيرة.
والمذكورة منها هنا خمسة عشر خصلة:
قال َ
141
وذكر أن النووي صوبه في المجموع وجزم به في شرح مسلم.
• إذن هذه ((السنة األولى)) رفع اليدين في أربعة مواضع.
عند تكبيرة اإلحرام ،وعند الركوع ،وعند الرفع منه ،وعند القيام للثالثة.
142
أي :إذا أردت قراءته فقل :أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم ،في كل ركعة قبل القراءة ،ألنه يبتدئ فيها قراءته ،واألولى
آكد لالتفاق عليها ،أي االستعاذة في الركعة األولى.
اسم لكل متمرد ،مأخوذ من شطَن إذا بعـُد، الرِج ِيمِ َّ : الش ْيطَ ِ
ومعنى َّ
الش ْيطَان ٌ ان َّ
وقيل شاط :إذا احترق.
والرِج ِيم :المطرود ،وقيل المرجوم.
َّ
قال« :وركعتي الطواف لَْي ًال أو وقت الصبح ،واإلسرار بها في موضعه فَـيَ ِس ُّر في غير ما ذكر ،إال في قيام الليل المطلق فإنه
يتوسط بين الجهر و اإلخفاء».
143
تس ّن له السورة قراء ًة أولى على ثانية»
س ّن أن يطول من َ
قال« :ويُ َ
أي يطيل الركعة األولى َش ْيئًا ما ويقصر الثانية.
صبح من طوال المفصل.
وإمام محصورين في ٍ ٍ
لمنفرد ٍ قال :ويسن
وتعلمون أن المفصل يبدأ بسورة "ق" وينتهي بسورة "الناس".
وله طوال ،يبدأ طوال المفصل من "ق" إلى المرسالت.
وأواسط المفصل من النبأ إلى الضحى.
وقصار المفصل من الشرح إلى آخر المصحف.
قال« :وقول سمع اهلل لمن حمده» هذه السنة التاسعة ،أي تقبل اهلل منه حمده،
ولو قال( :من حمد اهلل سمع له) ،كفى.
وقول (ربنا ولك الحمد) أو (اللهم ربنا ل ك الحمد) وبواو (ربنا ولك الحمد) قبل (ملء األرض وملء ما شئت من
ٍ
شيء بعد).
قال :ويزيد منفرٌد وإمام (أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد ،ال مانع لما أعطيت وال معطي لما
منعت ،وال ينفع ذا الجد "أي الغنى" منك الجد) ،أو أي ذك ٍر من أذكار الركوع.
قال :ويجهر اإلمام بـ (سمع اهلل لمن حمده) ويسر ب(ربنا ولك الحمد).
قال :وهل المبلغ يجهر بما جهر به اإلمام ويسر بما أسر به؟
قال :نعم ،هكذا في "المجموع" ألنه ناقل ،وتبعه عليه جميع شارحي "المنهاج".
144
قال« :والتسبيح في الركوع» هذه هي السنة العاشرة،
أن يسبح المصلي في الركوع بأن يقول( :سبحان ربي العظيم) ثالثًا،
وإمام محصورين راضين بالتطويل( :اللهم لك ركعت ،وبك آمنت ،ولك أسلمت ،خشع لك سمعي
ويزيد منفرد ٌ
وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي)
أو يقول (سبوح قدوس رب المالئكة والروح) ،أو بأي ذك ٍر ٍ
وارد عن النبي ﷺ. ٌ
ماتع في هذا الباب في صفة صالة النبي ﷺ للعالمة األلباني [ من
نافع ٌ
كتاب ٌ
وبهذه المناسبة نذكر إلخواننا ٌ
التكبير إلى التسليم] جمع اآلثار واألذكار الواردة عن النبي ﷺ ،وال حرج أن يقرأها المصلي وأن يحفظها وأن
يذكر اهلل بها.
قال :وتكره القراءة في الركوع وغيره ،من بقية األركان غير القيام.
أي :قراءة القرآن ،سواء للفاتحة أو لغيرها.
قال« :والحادية عشر :السجود» أي :يقول في السجود (سبحان ربي األعلى) ثالثا،
وكذلك في الركوع (سبحان ربي العظيم) ثالث،
لثبوت ذلك عن النبي ﷺ ”أنه كان يقول في ركوعه( :سبحان ربي العظيم) ،ويقول في سجوده( :سبحان ربي
األعلى)“.
ضا :ويستحب أن يكثر من الدعاء وهو ساجد ،كذلك يقول( :اللهم لك سجدت ،وبك آمنت ،ولك أسلمت،
قال أي ً
سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره ،تبارك اهلل أحسن الخالقين).
ولحديث مسلم أن النبي ﷺ قال” :أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ،فأكثروا الدعاء“ ،أي :في سجودكم.
قال« :ووضع اليدين على الفخذين في الجلوس» ،هذه السنة الثانية عشر،
أي :وضع رؤوس أصابع اليدين على أطراف الفخذين في الجلوس.
قال« :يبسط اليسرى ،ويقبض اليمنى إال المسبحة فإنه يشير بها»
ومعنى هذا :أي في التشهد األول وفي األخير ،يبسط يده اليسرى مع ضم أصابعها في تشهد إلى جهة القبلة ،وال
يفرج بينهما.
145
ثم قال :وال تبطل الصالة به ،أي :بالتحريك.
قال« :واالفتراش في جميع الجلسات»
اش اليسرى ويجلس عليها على كعبه.
واالفتراش هو :نصب اليمنى وافتر ُ
قال« :ويضع أطراف اليمنى بعد نصبها إلى القبلة في جميع الجلسات ،وهي خمسة»:
وجلوس المصلي قاع ًدا
وجلوس المسبوق ،وجلوس الساهيُ ،
الجلوس بين السجدتين ،والجلوس للتشهد األولُ ،
للقراءة.
أمر آخر وهو األمور التي يختلف الحكم فيها بين الرجل والمرأة.
ثم انتقل إلى ٌ
فصل فيما يختلف فيه حكم الذكر واألنثى في الصالة
قال الماتن ٌ :
قال :والمرأة تخالف الرجل في خمسة أشياء:
فالرجل يجافي مرفقيه عن جنبيه ،ويقل بطنه عن فخذيه في الركوع والسجود ،ويجهر في موضع الجهر ،وإذا نابه شيءٌ
في الصالة سبح ،وعورة الرجل ما بين سرته وركبته.
والمرأة تضم بعضها إلى بعض ،وتلصق بطنها ِ
لفخذها ،وتخفض صوتها بحضرة الرجال األجانب ،وإذا نابها شيءٌ في
الصالة صفقت ،وجميع بدن الحرة في الصالة عورة إال وجهها وكفيها.
واألمة كالرجل في الصالة.
هذه األمور بيّن المصنف قبل الدخول فيما يبطل الصالة ،أن هناك في بعض المسائل يختلف الرجل عن المرأة ،وذكر
أنهما يختلفان في خمسة أشياء ،وفي بعض النسخ في أربعة أشياء فقط.
146
قال :أما األول فالرجل :أي الذكر وإن كان صبيًا يجافي،
ومعنى يجافي :أن يخرج ،يبعد مرفقيه عن ِ
جنبه، ُ ُ
كما جاء في األثر ”كأنه يُجنح( ،أي كأن له جناحان) في ركوعه وسجوده“.
قال :والثاني (يقل) أي :يرفع بطنه عن فخذيه في السجود؛ ألنه أبلغ في تمكين الجبهة واألنف من محل السجود.
قال :والثالث يجهر في موضع الجهر :الذي قدمناه قبل قليل وبيناه ،في األوليين من الجهرية ،والجمعة ،واالستسقاء ،وغيرها.
قال :الرابع إذا نابه ،أي :أصابه شيءٌ في الصالة وأراد أن ينبه اإلمام سبح قال (سبحان اهلل)
كما جاء عن النبي ﷺ قال” :من نابه شيءٌ في صالته فليسبح ،وإنما التصفيق للنساء“.
دفعا للفتنة،
والثالث :خفض الصوت إذا صلت بحضرة الرجال األجانب ً
وإن كان األصح أن صوتها ليس بعورة ،الراجح أن صوت المرأة ليس بعورة.
قال والرابع :إذا نابها أو أصابها شيءٌ مما مر في الصالة صفقت ،والتصفيق أن تضرب بباطن الكف األيمن على ظهر األيسر.
قال :ولو صفق الرجل وسبحت المرأة جاز ذلك مع مخالفة السنة ،والحكم صحيح.
الخامس :جميع بدن المرأة الحرة ولو صغيرة عورة في الصالة ،إال وجهها وكفيها ظاهرهما وباطنهما ،من رؤوس األصابع إلى
ين ِزينَتَـ ُه َّن إَِّال َما ظَ َه َر ِم ْنـ َها﴾ [النور.]٣١ : ِ
الكوعين .لقوله تعالىَ ﴿ :وَال يـُْبد َ
قال ابن عباس وعائشة :هو الوجه والكفان.
قال :واألمة ولو مبعضة كالرجل ،أي :ما بين السرة والركبة.
ثم قال الشارح :فائدة :السرة :الموضع الذي يقطع من المولود ،والسر :ما يقطع من سرته.
147
فصل فيما يبطل الصالة
ثم قال الماتن ٌ :
قال :والذي يبطل الصالة أحد عشر شيئًا:
الكالم العمد ،والعمل الكثير المتوالي ،والحدث ،وحدوث النجاسة ،وانكشاف العورة ،وتغيير النية ،واستدبار القبلة ،واألكل،
والشرب ،والقهقهة ،والردة عن اإلسالم.
هذه هي مبطالت الصالة أو مفسدات الصالة ،أي :إذا فعل واحدة من هذه بطلت صالته.
مبطال.
قال( :ومبطالت الصالة) ،أي :المنعقدة .أحد عشر (شيئًا) أيً :
األول« :الكالم»
ومعنى الكالم :النطق بكالم البشر ،سواء كان بلغة العرب أو بغير لغة العرب؛ فيبين حرفان فأكثر ك(قم) أو (ال تقم)
أو (أقعد) أو (ال) أو ك(عن) و(من) ،كل ذلك كالم.
ألن النبي ﷺ قال” :إن هذه الصالة ال يصلح فيها شيءٌ من كالم الناس“.
سواء كان الكالم لمصلحة الصالة ،أو لغير مصلحة الصالة.
كما قال الشارح :ولو لمصلحة الصالة.
قال :وتخصيصه بالمفهم هذا اصطالح حادث للنحاة ،لكن المعتبر إذا بان حرفان فأكثر فإنه يبطل الصالة.
لكن قال :الكالم العمد مع العلم بتحريمه ،وأنه في صالة ،فال تبطل بقليل كالم ناسيًا للصالة ،أو سبق إليه لسانه ،أو
جهل تحريمه.
وإن علم التحريم ،أي جنس الكالم ،وقرب إسالمه ،أو بعد،
خالف بين العلماء؛ ألن معاوية بن الحكم السلمي لما تكلم لم يأمره النبي ﷺ بإعادة الصالة.
ٌ هذا
قال :ويتعذر أن يعفى عن اليسير :كالتنحنُح والسعال والعطاس وإن ظهر منه حرفان.
لكن إذا بان حرفان فإنه يفسد الصالة.
148
سهوا بطلت الصالة؛ لبطالن طهارتها
«والحدث» هو المبطل الثالث ،فإن أحدث قبل التسليمة األولى عم ًدا كان ،أو ً
باإلجماع ،ولزمه أن يتوضأ أو يتيمم ويعيد الصالة.
قال :أما إذا أحدث بين التسليمتين فال يضر؛ ألن التسليمة الثانية سنة.
149
«والعاشر :القهقهة»
في الضحك بخرج حرفين قه قه ،ومثل ذلك ابتالع الريق المختلط بغيره؛
إذ القاعدة أن كل ما أبطل الصوم أبطل الصالة.
قال المصنف « :ومثل القهقهة البكاء ولو من خوف اآلخرة ،واألنين والتأوه (آه) ،والنفخ من الفم أو األنف مثل
الضحك ،كأن ينفخ (أف) أكثر من حرف».
150
المحاضرة الثـانية عشـرة
ما زلنا في:كتاب الصالة.
فصل فيما تشتمل عليه الصالة وما يجب عند العجز عن القيام⟩
قال المصنف ٌ ⟨ :
بع وتسعون تكبيرة ،وتسع تشهدات ،وعشر
بع وثالثون سجدة ،وأر ٌ
قال« :وركعات الفرائض سبعة عشر ركعة فيها :أر ٌ
وثالث وخمسون تسبيحة ،وجملة األركان في الصالة مائةٌ وستةٌ وعشرو َن ركنًا :في الصبح ثالثون ركنًا ،وفي
ٌ ٍ
تسليمات ،ومائةٌ
المغرب اثنان وأربعون ركنًا ،وفي الرباعية أربعةٌ وخمسون ركنًا.
ضطَ ِج ًعا ،فإن عجز أومأ برأسه ونوى بقلبه».
سا ،ومن عجز عن الجلوس صلى ُم ْ ِ
ومن عجز عن القيام في الفريضة صلى َجال ً
151
وثالث وثمانون تكبيرة ،ومائةٌ وخمسةٌ وثالثون تسبيحة ،وثماني تشهدات.
ٌ كوعا ،وثالثون سجدة،
قال :فيها خمسة عشر ر ً
وستون
كوعا ،واثنان وعشرون سجدة ،وإحدى ُ
فعدد ركعاته للقاصر إحدى عشرة ركعة ،فيها أحد عشر ر ً
قال :وأما سفر القصر ُ
تكبيرة (ألن كل الصلوات ثنائية ما عدا المغرب فهي ثالثية).
قال« :وجملة األركان في الصالة المفروضة (وهي الخمس) مائةٌ وستةٌ وعشرون ركنًا».
قال« :في الصبح ثالثون ركنًا»
ويقصد أن في صالة الصبح يتكرر في كل ركعة ما خال النية واإلحرام:
القيام ،وقراءة الفاتحة ،والركوع ،والطمأنينة فيه ،والرفع من الركوع ،والطمأنينة فيه ،والسجود األول ،والطمأنينة فيه ،والجلوس
بين السجدتين ،والطمأنينة فيه ،والسجدة الثانية ،والطمأنينة فيها.
والركعة الثانية كالر ِ
كعة األولى ما عدا النية وتكبيرة اإلحرام ،لكنها تزيد بالجلوس للتشهد ،والتشهد ،والصالة على النبي ﷺ
بعده والتسليمة األولى.
قال« :وفي المغرب من ذلك اثنان وأربعون ركنًا» على ما ذكرنا.
قال« :وفي الصالة الرباعية أربعةٌ وخمسون ركنًا»
ٍ
مسألة ثانية بعد بيان أركان ،وهيئات ،وصفات ،وعدد ركعات الصالة .فقال« :ومن عجز عن القيام في الفريضة وانتقل هنا إلى
سا». ِ
صلى َجال ً
سا ،أو لحديث عمران بن الحصين الذي مر معنا أنه سأل النبي ﷺ عن الصالة فقال” :صل قَائِما فإن لم تستطع ِ
فجال ً
َ ً
اع ًدا ،فإن لم تستطع فعلى جنب“. قَ ِ
ولإلجماع على هذه الصفة ،وال ينقص ثوابه عن سا؛ للحديث الذي ذكرناه، ِ
ِ فقال :من عجز عن القيام في الفريضة صلى َجال ً
ثواب المصلي قَائِ ًما؛ ألنه معذور.
قال الرافعي :
ٍ
مشقة شديدة ،أو دوران وال نعني بالعجز عدم اإلمكان فقط ،بل في معناه خوف الهالك ،أو الغرق ،وزيادة المرض ،أو خوف
الرأس في حق راكب السفينة ،ونحو ذلك.
نوع من أنواع العجز ،وأنه يجد في القيام مشقة شديدة فإنه يجلس
ويتكلم هنا أن من عجز عن القيام ال يشترط المرض بأي ٍ
على أي صفة إما االفتراش وهو أفضله من الهيئات األخرى.
ضطَ ِج ًعا لجنبه
ضطَ ِج ًعا» أي :إذا لم يستطع أن يجلس لمرضه ،أو لعجزه ،صلى ُم ْ
قال« :ومن عجز عن الجلوس صلى ُم ْ
مستقبل القبلة بوجهه ومقدم البدن.
قالُ :و ُجوبًا؛ لألمر باستقبال القبلة.
الجنب الذي عليه يصلي المصلي ،إنما قال” :على جنب“.
ُ والنبي ﷺ لم يبين
152
لمرض ،أَو َع ْج ٍز؛ على أي ج ٍ
نب صلى. ٍ وقال بعض أهل العلم :يستحب أن يكون األيمن ،فإن لم يستطع
قال« :فإن عجز (أي عن الصالة على جنبه) أومأ برأسه»
والسجود أخفض من الركوع ،فإن لم يستطع حتى برأسه
ِ
فببصره قال:
قال :فإن عجز حتى بالبصر ،أجرى أفعال الصالة بسننها ونوى بقلبه.
قال :وال إعادة عليه وال تسقط عنه الصالة وعقله ثابت؛ لوجود مناط التكليف.
فم ْستَـل ِْقيًا، إذن درجات صالة المريض :أن يصلي قَائِما ،فإن لم يستطع فجالسا ،فإن لم يستطع فم ْ ِ
ضطَج ًعا ،فإن لم يستطع ُ ُ ً ً
فإن لم يستطع أومأ برأسه ،فإن لم يستطع أومأ ببصره ،فإن لم يستطع أجرى أفعال الصالة على قلبه ونواه به.
جالسا ثم قدر في أثنائها على القيام ،أو بدأها قَائِ ًما ثم في أثنائها احتاج إلى
وهنا قال الشارح « :تتمة» لو بدأ الصالة ً
القعود أو عجز عنه ،أتى بالمقدور له وبنى على قراءته.
معنى هذا الكالم أنه كان قَائِ ًما فاعتراهُ مرض فله أن يجلس ويكمل الصالة.
جالسا وشعر بنشاط فله أن يقوم فيكمل قَائِ ًما واهلل أعلم.
كان ً
انتبه معي إلى هذا الفصل وهذا الباب فهو أهم ٍ
درس في لقاء اليوم.
ضا كانت أو نَـ ْف ًال»
فصل في سجود السهو في الصالة فَـ ْر ً
قالٌ « :
رض ،وسنةٌ ،وهيئةٌ.
قال الماتن« :والمتروك من الصالة ثالثة أشياء :فَ ٌ
فالفرض ال ينوب عنه سجود السهو ،بل إن ذكره والزمان قريب أتى به وبنى عليه وسجد للسهو.
والسنة :ال يعود إليها بعد التلبس بالفرض لكنه يسجد للسهو عنها.
قال« :والهيئة ال يعود إليها بعد تركها وال يسجد للسهو منها».
ثم قال« :وإذا شك في عدد ما أتى به من الركعات ،بنى على اليقين وهو األقل ويأتي بما بقي في سجود السهو».
ثم بين فقال« :وسجود السهو سجدتان سنةٌ ،ومحله قبل السالم»
هذا هو َمتن باب سجود السهو.
قال الشارح الخطيب الشربيني:
السهو لُغَةً :نسيان الشيء والغفلة عنه.
واص ِط َالحا :الغفلة عن ٍ
شيء في الصالة. ْ ً
فرض (ركن) ،وسنةٌ ،وهيئة.
ثم بدأ باألهم فقال :والمتروك من الصالة ثالثة أشياءٌ :
وتقدم في صفة الصالة في المحاضرة قبل السابقة والسابقة (الفرائض ،والسنن ،والهيئات) فلتراجع.
153
يب أتى به وبنى عليه وسجد للسهو»
هنا قال« :فالفرض ال ينوب عنه سجود السهو ،بل إن ذكره والزمان قر ٌ
سهوا ال ينوب عنه سجود السهو.
فالفرض أي المتروك ً
رجل يصلي ونسي قراءة الفاتحة وركع ،الفاتحة ركن فهل يجزئ عنه أن يسجد سجدتين للسهو؟
أوال ثم بعد ذلك يسجد للسهو.
الجواب :ال ،بل ال بد أن يأتي بالفاتحة ً
قال« :بل إن ذكره قبل سالمه والزمان قريب أتى به».
معنى هذا أن المصلي وهو يصلي ،وفي الركعة األولى وهو ساجد تذكر أنه لم يقرأ الفاتحة فهنا نقول يرجع؛ ألن الزمان قريب،
فيقوم مباشرةً يقرأ الفاتحة واعتبار ما فعل من هذه الركعة كأن لم يكن؛ ألن الفاتحة أول ركن في الركعة ،فيقرأ الفاتحة ،ثم يركع
بعد السورة ،ثم يتم الصالة.
أما إذا كان تذكر وهو في التشهد األخير أنه لم يقرأ الفاتحة في الركعة األولى؛ يقوم فيأتي بر ٍ
كعة ،ثم يتشهد ،ثم يسجد للسهو
قبل السالم ،ثم يسلم.
هذا كله الزمان قريب.
لكن هنا إذا بُعد المتروك كأن يكون قد سلم ورجع إلى بيته ،وتناول غداءه ثم تذكر أنه قد نسي الفاتحة
هنا قال :يعيد الصالة كاملة؛ للخلل.
قال :ثم اختلفوا ما لو كان المتروك تكبيرة اإلحرام ،أو السالم.
أما تكبيرة اإلحرام :فال تنعقد الصالة بدونها.
وأما السالم :فإن كان ما زال في موضعه فليسلم ،وليسجد سجدتين قبل السالم.
فإن تذكر بعد السالم فإنه يسجد ويسلم مرًة أخرى.
لكن وضع الشارح شرطين ،قال :بشرط :أال يطول الفصل ،وأال يطأ نجاسة.
فإن طال الفصل أو وطأ نجاسة استأنفها ،أي :أعاد الصالة من أولها.
قال :ويعتبر القصر والطول فيما ذكرنا في الجملة على حديث ذي اليدين.
ما هو حديث ذي اليدين؟
حديث ذي اليدين أن النبي ﷺ كان يصلي بالصحابة إحدى صالتي العشي؛
ٍ
خشبة في مقدمة المسجد فوضع ﷺ يده عليها ،وفي القوم أبو بك ٍر وعمر وهو حديث أبي هريرة قال” :ثم قام إلى
يكلماه ،وخرج سرعان الناس ،فقالوا :أقصرت الصالة؟
فهابا أن َ
َ
رجل يدعوه النبي ﷺ ذا اليدين ،فقال :يا رسول اهلل أقصرت الصالة أم نسيت؟
قال :وفي القوم ٌ
أنس ،ولم تقصر.
قال :لم َ
قال :بلى ،قد نسيت.
154
فصلى ركعتين ،ثم سلم ،ثم سجد مثل نسجوده أو أطول ،ثم رفع رأسه فكبر ،ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو
أطول ،ثم رفع رأسه فكبر“.
حديث متف ٌق عليه.
ٌ
ولمسلم” :ثم سلم ،ثم سجد سجدتين ،ثم سلم (أي :بعد السجود)“.
هذا حديث ذي اليدين ”والنبي ﷺ جلس ،وراجع الصحابة ،ومضى في ناحية المسجد ،وسأل الصحابة“.
فهذا هو الوقت المعتبر.
فرضا من فرائض الصالة فإنه ال يجزئه أن يأتي بالسجود دون أن يأتي بهذا
إذن هذا هو الجزء األول :إذا نسي المصلي ً
أوال ،ثم يسجد للسهو قبل السالم.
الفرض ،بل ال بد أن يأتي به ً
قال الماتن « :والسنة ال يعود إليها بعد التلبس بالفرض».
أي :إذا شرع ،وترك سنة ،كأن يترك التشهد األول ،أو القنوت (على قول المصنف أنه سنة) ثم قام.
كان يصلي المغرب فقام من الركعة الثانية ولم يجلس للتشهد األول ،فشرع في القراءة بعد التكبير تذكر أنه ترك التشهد
األول ،والتشهد األول عند الشافعي سنة ،هل يرجع؟
قال :ال يرجع ،ويحرم عليه العود؛ ألنه تلبس اآلن بفرض؛ فال يرجع إلى سنة.
قال :ولكنه يسجد للسهو عنها .وهذا هو الصحيح.
ثم اختلفوا :ماذا لو رجع المصلي فأتى بالتشهد األول؟
فقالوا:
عالما أن ذلك يبطل الصالة؛ فالصالة باطلة.
-إن كان عم ًدا ً
جاهال بالتحريم ،أو بموضع الجلوس؛ فالصالة ال تبطل على األصح كالنَاسي.
-وإذا كان ً
يج على أصول المذهب.
وهذا تخر ٌ
إذن :لو نسي سنة من السنن يجبره سجود السهو.
الفرض ال يجبره سجود السهو ،والسنة يجبرها سجود السهو.
قال« :والهيئة :ال يعود إليها بعد تركها ،وال يسجد للسهو منها».
كرف ِع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه وهو ساجد ،تذكر أنه لم يرفع يديه عند الركوع ولم يرفعهما عند الرفع منه،
هذه هيئة.
فنقول :في هذه الحالة ال يرجع إليها.
كذلك لو نسي تسبيحة ،أو سبح واحدة في ٍ
مكان أخرى ،كأن يقول :سبحان ربي األعلى في الركوع ،وسبحان ربي العظيم في
السجود ،فهو أتى بذك ٍر مكان ذكر ،أو تركه بالكلية؛ فهذا يسجد للسهو.
155
لكن متى يسجد؟ قبل السالم
انتبه معي فإن الشافعي يرى أن السجود كله قبل السالم :سواء كان عن زيادةٍ ،سواء كان عن ٍ
نقص.
سواء كان عن ٍ
شك ،كما سيأتينا بعد قليل.
إذن خالصة القول فيما يجبره سجود السهو :أنه ال يجبر الفرض ،بل ال بد أن يأتي به كتكبيرة اإلحرام ،والنية ،وقراءة الفاتحة،
قائما ،والسجود ،واالطمئنان فيه ،والجلوس بين السجدتين ،واالطمئنان فيه،
والركوع ،والرفع منه ،واالطمئنان ،واالعتدال ً
والتشهد ،والجلوس له.
ُ والسجدة الثانية ،والتشهد األول،
كل هذه فرائض ال يجبرها سجود السهو.
ِ
كالقنوت؛ يجبرها سجود السهو.
كالتشهد األول ،و والسنن:
ُ
وكذلك الهيئات :كالتسبيح ورفع اليدين ونحوها؛ ال يجبر بسجود السهو وال يحتاج إليها إذا تركها.
والذي تميل إليه النفس أنه حتى لو ترك مثل هذه المسائل؛ فإنه يستحب له أن يسجد للسهو.
مأموما؟ ٍ
ثم قال في مسألة :ماذا لو كان ً
منفردا،
إماما أو ً
الكالم في كل ما سبق كان على إذا كان ً
أما المأموم فال سهو عليه ،سواء كان المتروك ركنًا أو سنةً أو هيئة ،ويتحمله عنه اإلمام،
شا عن إمامه.
وال يجوز له أن يتخلف تخل ًفا فاح ً
ٍ
مسألة أخرى وهي مسألةٌ الشك في سجود السهو. ثم انتقل الماتن إلى
قال « :وإذا شك في عدد الركعات ،أو في عدد ما أتى به من الركعات؛ بنى على اليقين وهو األقل ،ويأتي بما بقي ويسجد له
للسهو».
رجل يصلي العصر ثم قام ال يدري هذه الثالثة أو الرابعة ،لم يستطع أن يحدد؛ هذا يعدها الثالثة ،ألنه قال :يبني على األقل،
األقل ثالثة؛ فيأتي بالرابعة ويسجد للسهو قبل السالم
انتبه مذهب الشافعي أن السهو كله قبل السالم.
ودليل ذلك حديث أبي سعيد أنه قال :قال رسول اهلل ﷺ” :إذا شك أحدكم في صالته فلم يد ِر كم صلى ثالثًا أم
خمسا شفعن له صالته،
أر ًبعا ،قال :فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ،ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ،فإن كان صلى ً
ترغيما للشيطان“.
تماما ألرب ٍع كانتا ً
وإن كان صلى ً
بهذا بين النبي ﷺ أنه يبني على األقل ،ويبني على ما استيقن.
لكن وهو يصلي إذا اهتدى وعلم أنه اآلن في الخامسة ،هل يرجع؟
الجواب :نعم ،وال ِ
يمض بعدما تيقن أنها الخامسة.
156
أو إن تيقن أنها الرابعة أكمل ومضى في صالته.
متطهرا أم ال ،فإن شك في الطهارة بنى على األصل وهو أنه طاهر ،فإن تيقن أنه غير طاهر أو
ً هذا بخالف ما لو شك لو كان
قوال واح ًدا.
أنه غير متوضئ وأنه محدث؛ خرج ً
لكن هنا فائدةٌ لطيفة ذكرها الشارح قال :ماذا لو سها في سجود السهو؟
قال العلماء :إذا سها في سجود السهو؛ فال سهو عليه ثانيًا.
وكما قال الدميري لما سأل أبا يوسف الكسائي عنها قال" :المصغر ال يصغر".
قال« :سنةٌ» أي :أن سجود السهو سنة،
ومعنى قوله سنة :أنه إذا لم يأت به فالصالة صحيحة.
رجل نسي التشهد األول ،فقام للثالثة ولم يتشهد؛ فهنا نقول هذا الرجل يستحب له أن يسجد ،فإذا لم يسجد فال شيء عليه.
ٌ
قال« :ومحله قبل السالم» أي :أنه يسجد قبل السالم.
قال :ألنه ﷺ ” :صلى بهم الظهر ،وقام من األوليين ولم يجلس فقام الناس معه ،حتى إذا قضى الصالة وانتظر الناس
تسليمه ،كبر وهو جالس ،فجلس ،فسجد سجدتين قبل أن يسلم ،ثم سلم“،
هذا حديث ابن بحينة.
قال الزهري :وفعله قبل السالم هو آخر األمرين من فعله ﷺ.
وهذا األمر أراه واهلل أعلم فيه سعة
فإن الحنفية يرون أن السجود كله بعد السالم.
وأما المالكية والحنابلة فيرون التفصيل:
ما سجد فيه النبي ﷺ أو أمر به بالسجود قبل السالم؛ فهو قبل السالم.
وما كان بعده؛ فهو بعده .وهذا القول قريب.
لكنا نأخذ بالمذهب حيث إن األمر فيه سعة أن السجود كله قبل السالم ،ولم يذكروا خالفًا في المذهب.
ثم قال المصنف في الفصل األخير في محاضرة اليوم:
157
فصل في بيان األوقات التي تكره فيها الصالة》
《 ٌ
ٍ
أوقات ال يصلى فيها إال صال ًة لها سبب: قال الماتن :وخمسة
رمح ،وإذا استوت حتى تزول ،وبعد صالة العصر
بعد صالة الصبح حتى تطلع الشمس ،وعند طلوعها حتى تتكامل وترتفع قدر ٍ
حتى تغرب الشمس ،وعند الغروب حتى يتكامل غروبها.
أوقات خمسة تكره الصالة فيها كما ذكر المصنف .
ٌ هذه
فقال :خمسة ..أي :حرم الصالة فيها.
قال :ال يصلى فيها إال صالةٌ لها سبب.
سبب غير متأخر.
لكن اشترط الشارح أن يكون هذا السبب إنما هو ٌ
أما إذا كان سببًا يُؤخر فال يصلى في هذا الوقت.
ما معنى سبب متأخر أو غير متأخر؟
-كصالة االستسقاء ال تؤخر. -كصالة الكسوف ال تؤخر. غير المتأخر:
-كطواف أو تحية ركعتي الطواف ال تؤخر. ِ
كتحية المسجد ال تؤخر. -
-كسجدة التالوة والشكر ال تؤخر. -كسنة الوضوء ال تؤخر.
-كصالة الجنازة ال تؤخر.
يؤخرهما.
ُ أما التي تؤخر :كصالة االستخارة ،وركعتي اإلحرام ،يمكن أن
وهنا نقول :إال ما لها سبب أو صالة لها سبب .فيكون هنا النهي عن التنفل المطلق.
رمح.
قال :وثانيها (أي :ثاني األوقات) :عند طلوعها حتى تتكامل وترتفع قدر ٍ
أي :عند طلوع الشمس يكره الصالة.
رمح ،أي :في رأي العين.
بل قال بعض أهل العلم :يحرم .قال :حتى ترتفع قدر ٍ
158
قال :وثالثها :عند االستواء حتى تزول.
عند االستواء ،أي :استواء الشمس في كبد السماء.
لقوله ﷺ” :وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس“.
فالظهيرة :شدة الحر أشد ما يكون .ومعنى تتضيف :أي تميل.
وسبب الكراهة هنا أن النبي ﷺ بين في الصبح أنها تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها.
فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها ،فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها.
واختلف العلماء في المقصود بقرن الشيطان:
-فقال بعضهم قومه ،وهم عباد الشمس.
-وقال بعضهم الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه األوقات ،وقيل غير ذلك.
وتزول الكراهة بالزوال أي زوال الشمس عن كبد السماء.
قال الشارح :واالستواء شيءٌ لطيف ال يسع الصالة وال يكاد يشعر به حتى تزول الشمس.
ثم استثنى من وقوعه ،أي :يوم االستواء :قال :إال يوم الجمعة.
ِ
الستثنائه في خبر أبي داود . فيُستثنى من كالمه
وقال الشارح :وقد علم مما تقرر انقسام النهي في هذه األوقات:
إلى ما يتعلق بالزمان وهو ثالثة أوقات :عند الطلوع ،وعند االستواء ،وعند الغروب.
أداء ،وبعد صالة العصر كذلك.
وإلى ما يتعلق بالفعل وهي :بعد صالة الصبح ً
هذه هي أوقات الصالة.
159
لكن العلماء استثنوا من ذلك :ركعتا الفجر ،فإنهما يصليان في كل وقت.
ساعة شاء من ٍ
ليل أو نهار“. لحديث :قال ﷺ” :يا بني عبد ٍ
مناف ال تمنعوا أح ًدا طاف بهذا البيت وصلى أية ٍ
بهذا أحبتي في اهلل تنتهي المحاضرة الثانية عشر من محاضرات الفقه الشافعي.
هذا وسبحانك اللهم وبحمدك ،نشهد أن ال إله إال أنت ،نستغفرك ونتوب اليك.
والسالم عليكم ورحمة وبركاته.
160
المحاضرة الثــالث ـة عشـرة
ما زلنا في بيان (كتاب الصالة)
ونحن نشرح كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع] لإلمام /محمد بن أحمد الخطيب الشربيني .
فصل في صالة الجماعة.
قال الماتنٌ :
الص َالةَ﴾ [النساء.]١٠٢ : نت فِي ِه ْم فَأَقَ ْم َ
ت لَ ُه ُم َّ قال :واألصل فيها :قول اهلل عز وجلَ ﴿ :وإِذَا ُك َ
واألخبار الواردة عن النبي ﷺ في فضل صالة الجماعة :كما في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي ﷺ
قال” :صالة الجماعة أفضل من صالة الفذ بسب ٍع وعشرين درجة“.
ٍ
بخمس وعشرين درجة“. ضا من حديث أبي هريرة قال” :
وعنده أي ً
واإلجماع على مشروعية صالة الجماعة.
قال :وصالة الجماعة سنةً مؤكدة.
ألن النبي ﷺ مكث مدة مقامه بالمدينة يصلي الجماعة ،وما تركها إال في مرضه الذي مات فيه ﷺ.
وكان السلف يعزون أنفسهم إذا فاتتهم صالة الجماعة.
إمام ومأموم.
قال :وأقلها ٌ
كما سيأتي في باب هيئة الجمعة.
وألن النبي ﷺ صلى بابن عباس ،وصلى بابن مسعود ،وصلى بحذيفة؛ فتصح من ٍ
إمام ومأموم.
قال :وصالة الجماعة (أي :في المكتوبات غير الجمعة) سنةٌ مؤكدة لألحاديث التي ذكرنا.
قال :وقال الرافعي وتبعه المصنف بذلك ،أي :بأنها سنةٌ مؤكدة.
قال :واألصح المنصوص كما قاله النووي :أنها في غير الجمعة فرض كفاية.
وهذا أيضا قول شيخ اإلسالم ،وهو الذي يجمع بين أدلة الفريقين.
ثالثة من قر ٍية أو بد ٍو ال تقام فيهم الجماعة؛ إال استحوذ عليهم الشيطان .فعليك بالجماعة؛ فإنما
لقول النبي ﷺ” :ما من ٍ
161
وجماعة المرأة والخنثى في البيت أفضل منها في المسجد.
لقول النبي ﷺ” :أيها الناس صلوا في بيوتكم؛ فإن أفضل الصالة صالة المرء في بيته إال المكتوبة“.
مشتمل على الشرف ،وإظهار الشعار ،وكثرة الجماعة.
ٌ والمسجد
وعن عائشة أنها قالت” :لو أن رسول اهلل ﷺ رأى ما أحدث النساء ،لمنعهن المسجد كما ُمنعت نساء بني
إسرائيل“.
وإذا خاف الفتنة على النساء منعن من الجماعة.
ليعتادها.
قال الشافعي واألصحاب :ويؤمر الصبي بحضور المسجد ،وجماعات الصالة ُ
بزوجة أو ٍ
ولد أو ٍ
رقيق أو غير ذلك ،وأقلها اثنان كما مر، ٍ قال :وتحصل فضيلة الجماعة للشخص بصالته في بيته أو نحوه،
جمعهُ من المسجد كان أولى.
وما كثر ُ
قال :والصالة في الجماعة في أول الوقت أولى منه في آخره ،ما لم يتفقوا أهل المسجد” .إنما جعل اإلمام ليؤتم به“.
ثم قال :وتدرك فضيلة الجماعة في غير الجمعة ما لم يسلم اإلمام ،وإن لم يقعد معه.
أما الجمعة فإنها ال تدرك إال بركعة.
ويندب أن يخفف اإلمام مع فعل األبعاض والهيئات ألمر النبي ﷺ .ويكره التطويل.
قال :وهي سنةٌ مؤكدة ،وعلى المأموم أن ينوي االئتمام دون اإلمام.
معنى هذا الكالم :أن اإلمام ال يلزمه أن ينوي اإلمامة؛ ألنه بدخوله أمام الناس نوى اإلمامة.
لكن ينوي المأموم االئتمام باإلمام أو االقتداء به ،أو نحو ذلك.
عمل؛ فافتقرت إلى نية ،فإن لم ين ِو مع اإلحرام انعقدت صالته فرادى ،إال الجمعة فال تنعقد أصال؛
ألن التبعية ٌ
الشتراط الجماعة فيها.
وال يشترط تعيين اإلمام.
162
كذلك ال يشترط أن يعين الصالة ،إنما ينوي االئتمام باإلمام.
لقول النبي ﷺ” :إنما جعل اإلمام ليؤتم به“.
لكن قال :وعلى المأموم أن ينوي االئتمام دون اإلمام.
فيه إشارة إلى أن نية اإلمامة ال تشترط في غير الجمعة،
بل تستحب ليحوز فضيلة الجماعة.
واستعماال لألدب.
ً قليال؛ لالتباع
قال :ويسن أن يقف الذكر ولو صبيًا عن يمين اإلمام ،وأن يتأخر عنه ً
ذكر آخر أحرم عن يساره ثم يتقدم اإلمام ،أو يتأخران في ٍ
قيام ،وهو أفضل. فإن جاء ٌ
كل من التقدم والتأخر وإال فعل الممكن.
هذا إذا أمكن ٌ
وأن يصطف ذكران خلفه كامرأةٍ فأكثر؛ فيقف الرجال خلفه ثم الصبيان ثم النساء.
واختلفوا في الخنثى ،هل تقف مع النساء أم تقف مع الرجال؟
وإذا أرادت المرأة أن تؤم النساء فإنها تقف وسطهن ،فلو أمهن غير امرأةٍ كصب ٍي أو رجل تقدم عليهن ،وكالمرأة كذلك.
163
ويجوز ِ
للقائم أن يقتدي بال َقاعد والمضطجع.
ِ
كالفاسق. قال :والمبتدع الذي ال يكفر ببدعته
قوله (والعبد) أي :يجوز للحر أن يأتم بالعبد.
ألن ذكوان مولى عائشة كان يؤمه.
ولكن الحر ولو كان أعمى أولى ،هكذا المذهب.
قال :وفي العبد الفقيه والحر غير الفقيه ثالثة أوجه ،أصحها أنهما سواء.
ٍ
بإعارة على غيره؛ فصاحب البيت أولى به من غيره. قال :ويقدم الساكن في ٍ
مكان ٍ
بحق ولو
كذلك يقدم السيد على المكاتب ولو كان أفقه.
فاألورع.
فاألقرأُ ،
َ ثم يقدم األفقه،
164
قال :ثم األقدم هجرة ،ثم األسن ،فأنسب ،فأنظف ثوبًا وبدنًا.
كذلك األحسن صوتًا ،فاألحسن صورة ،وهكذا.
صبي مميز وال خنثى بامرأة أو صبية مميزة؛ ألن األنثى ناقصة عن الرجل .فال تجوز إمامة المرأة.
رجل أو ٌ
قال :كذلك ال يأتم ٌ
والنبي ﷺ قال” :لن يفلح ٌ
قوم ولوا أمرهم امرأة“.
رجال“. وفي ٍ
رواية” :ال ُتؤمن امرأةٌ ً
رجال.
كذلك ال تصح اقتداء المرأة بالخنثى ،أو الخنثى بالمرأة؛ الحتمال كونه ً
لكن تصح قدوة المرأة بالمرأة ،كما تصح قدوة الرجل وغيره بالرجل.
ئ بأمي.
قال الماتن :وال يصح قار ٌ
وال يصح قارئ (وهو من يحسن الفاتحة) بأمي ،أمكنه التعلم أو ال.
مشدد من الفاتحة فهو ال يحسن القراءة؛ فهنا ال تصح هذه اإلمامة ،فلو خففٍ ٍ
بحرف ،كتَخفيف واألمي :من يخل
كالم أو غير في ٍ
مثلثة فجعلها سينًا أو ما شابه ذلك؛ فصالته ال تصح إال بمثله. مشددا أو بدل في ٍ
ً
رجال لم يسقط القضاء؛ لعدم صحة القدوة في الظاهر.
كذلك :لو اقتدى رجل بخنثى ،فبان اإلمام ً
165
قال« :وحد القرب بينهما ثالثمائة ذراع تقريبًا ،وهذا ثالث الشروط».
إذن:
-الشرط األول :وجوب االقتداء واالئتمام.
-الشرط الثاني :النية.
ٍ
بمكان واحد كما عهد عليه الجماعات. -والشرط الثالث :اجتماع اإلمام والمأموم
ٍ
بمسجد ،أي :أي موضع من المسجد صلى ،سواء صلى في داخل المسجد أو صلى في الرحبة بصالة قال :وإذا كان
اإلمام فيه (أي في المسجد) وهو عالم بصالته ،يسمع قراءته ويرى ركوعه وسجوده ،وأمكنه متابعة اإلمام ٍ
برؤية أو بعض
ٍ
صف ،أو نحو ذلك ،أو سماع صوته أو صوت مبلغ؛ أجزأه (أي الجماعة) وكفاه ذلك في صحة االقتداء به.
وسطح سواء أغلقت أبوابها أم ال ،وسواء كان أحدهما أعلى من اآلخر أم
ٍ وإن بعدت المسافة وحالت أبنية نافذة إليه كبئ ٍر
ال وتابع اإلمام؛ فالصالة صحيحة.
قال :في غير المسجد الحرام ،فلو تقدم عليه في المسجد الحرام جاز له ذلك.
ق ال :وإن صلى (أي اإلمام) في المسجد والمأموم خارج المسجد حال كونه قريبا منه (أي من المسجد) بأال يزيد ما بينهما
عالم بصالته.
على ثالثمائة ذراع تقريبًا ألن المسجد كله شيءٌ واحد؛ ألنه محل الصالة ،وهو ٌ
عالما بصالة اإلمام ،أو الصفوف موصولة؛ فهنا تصح الصالة.
هذا هو القيد :أن يكون ً
قال :وال حائل هناك بينهما ،كالباب المفتوح الذي ال يمنع االستطراق والمشاهدة.
في كل ذلك قال :جاز االقتداء باإلمام.
ثم قال :لو كان المأموم في المسجد واإلمام خارجه اعتبرت المسألة من طرفه الذي يلي اإلمام.
قال :وال يزيد ما بينهما وال ما بين كل صفين على ثالثمائة ذراع ،إذا كان بناءين كصح ٍن وص ٍ
فة من دا ٍر أو غير ذلك ،فهنا ُ َ
نقول :ال تصح.
وإذا صح اقتداء الواقف فيما مر؛ فيصح اقتداء من خلفه أو بجانبه ،وإن حيل بينه وبين اإلمام ،ويكون ذلك كاإلمام لمن خلفه
أو بجانبه ،ال يجوز أن يتقدم عليه.
166
الرابع من شروط االقتداء :توافق نظم صالتهما في األفعال الظاهرة.
ٍ
كسوف أو جنازة؛ لتعذر المتابعة. ِ
اختالفه ،كأن يصلي مكتوبة مع فال يصح االقتداء مع
فينبغي أن توافق في النظم كأن تكون فريضة خلف فريضة ،أو نافلة خلف نافلة.
لكن ال يصح أن يصلي جنازة خلف من يصلي النافلة؛ وال الفريضة ،وال يصح أن يصلي كسوف أو خسوف خلف من
يصلي الفريضة.
ٍ
تفصيل الشرط الخامس من شروط االقتداء :موافقته في سن ٍن تفحش مخالفته فيها فِ ْع ًال وتَـ ْرًكا ،كسجدة تالوة ،وتشهد أول على
فيه ،بخالف ما لو لم تفحش المخالفة كجلسة االستراحة.
السادس من شروط االقتداء :تبعية إمامه بأن يؤخر تحريمه عن تحريم اإلمام.
لقول النبي ﷺ” :إذا كبر فكبروا ،وإذا قرأ فأ ِ
َنصتوا ،وإذا ركع فاركعوا“.
وهكذا فال يجوز المسابقة بركنين ،أو رك ٍن طويلين ،أو قصيرين ،وال يجوز التخلف عنه ،وال أن يسبقه برك ٍن كأن ركع
اه ًال ،فتبع اإلمام صحت الصالة ،إال إذا كان بَ ِطيئًا أو كان َم ِري ً
ضا ،أو اسيا أو ج ِ
َ
ِ
قبله ،فإن عاد إليه مرة أخرى وكان نَ ً
نحو ذلك؛ فتصح الصالة.
لمسبوق أال ينشغل بعد تحريمه ٍ
بسنة كتعوذ ،بل بالفاتحة إال أن يظن إدراكها مع اشتغاله بالسنة. ٍ قال :وسن
وإذا ركع اإلمام ولم يقرأ المسبوق الفاتحة تبعه ُو ُجوبًا ،وأجزائه وسقطت عنه الفاتحة.
فمجرد أن دخل في الصالة ركع اإلمام يركع معه ُو ُجوبًا وال ينتظر.
رجل دخل واإلمام يقرأ الفاتحةُ ،
ٌ
هذه هي شروط االقتداء ،وهذه هي صالة الجماعة.
وللمأموم قطعها بنية المفارقة أي ٍ
كذلك قال الشارح « :تتمة :تنقطع القدوة بخروج إمامه من صالته بحدث أو غيرهَ .
كتشهد أول. (صالة الجماعة) وكره قطعها إال لعذ ٍر كمرض ،وتطويل ٍ
إمام وتركه سنة مقصودة ُ
كوع ،فلو كبر واحدة فإن نوى بها التحريم فقط وأتمها انعقدت صالته
يم ثم لر ٍ
قال :ويكبر مسبو ٌق أدرك اإلمام في ركوعه لتحر ٌ
وإال لم تنعقد.
قال :والجماعة في الجمعة ثم صبح الجمعة ،ثم صبح غيرها ،ثم العشاء ،ثم العصر أفضل.
فسواء.
وأما جماعة الظهر ،والمغربَ ،
167
فصل في صالة المسافر» ٍ
ثم انتقل المصنف إلى مسألة أخرى ،فقالٌ « :
ِ
بجوازهما ،سواء لحقه بالسفر ويقصد في هذا الباب صالة المسافر ،من حيث القصر والجمع المختص المسافر
مشقة أو لم يلحقه ،كذلك ما يلحق بالسفر كنحو مطر.
ض َربْـتُ ْم فِي ْاأل َْر ِ
ض﴾ أي :سافرتم. واألصل في القصر قبل اإلجماع :قوله تعالىَ ﴿ :وإِذَا َ
وإنما جعل اهلل عز وجل السفر رخصة.
لقول عمر :قلت للنبي ﷺَ ﴿” :وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم﴾ وقد أمن الناس فلماذا نقصر الصالة؟
فقال :صدقةٌ تصدق اهلل بها عليكم فاقبلوا صدقته“[ .رواه مسلم].
أخبار وردت عن النبي ﷺ.
قال :واألصل في الجمع ٌ
كما جمع في عرفة بين الظهر والعصر جمع تقديم ،وجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخير.
الشرط الثاني« :أن تكون مسافته (أي السفر المبيح) ثمانيةً وأربعين َم ًيال ،هاشميا َذ َهابًا وهي مرحلتان».
وهما سير يومين معتدلين بسير األثقال ،وهي ستة عشر فَـ ْر َس ًخا.
وقدره العلماء باثنين وثمانين كيلو متر ونصف.
مع العلم أن الفرسخ يساوي ثالثة أميال والميل يساوي أربعة آالف خطوة
والخطوة تساوي ثالثة أقدام.
168
وعلى هذا من تجاوز ثمانين كيلو متر على مذهب الشافعي له أن يقصر الصالة.
وكان ابن عمر وابن عباس يُقصران ويُفطران في أربعة برد ،وهذا قول جماهير العلماء.
كثيرا.
وهذه المسألة اختلف فيها العلماء ً
يأتم بمقيم».
الشرط الخامس« :أال َّ
فلو دخل مأموم الصالة خلف مقيم وجب عليه أن يتم،
ِ
اقتدائه باإلمام. وال يجوز له القصر؛ لوجوب
والنبي ﷺ قال” :إنما جعل اإلمام ليؤتم به“.
سافِ ًرا مثله قصر خلفه وال حرج في ذلك.
يما أتم ،وإذا كان ُم َ
ِ
فإذا كان ُمق ً
قال :ألنه يلزم متابعة اإلمام.
وله قصر الصالة المعادة إن صالها أ ََّوًال مقصورة.
مقيما ثم ُم ْح ِدثًا؛ لزمه اإلتمام.
يما ،أو ً
ِ ولو اقتدى بمن ظنه م ِ
ساف ًرا فبان ُمق ً
َُ
ٍ
لحدث غيره ُمتِ ًّما؛ أتم المقتدون به كاإلمام ،وهكذا في سائر الصور. قاصر
وكذلك لو استَخلَف ٌ
ولو اقتدى بمساف ٍر وشك في نية القصر فجزم هو نية القصر جاز له القصر ،إن بان اإلمام قَ ِ
اص ًرا؛ ألن هذا حال
المسافر القصر .فإن أتم اإلمام وهو مسافر لزمه اإلتمام خلفه.
169
ثم ذكر الشارح شروطًا زائدة على هذه الشروط التي ذكرها الماتن.
سافِ ًرا في جميع صالته ،فلو انتهى سفره فيها كأن بلغت سفينته دار إقامته أو شك في
الشرط األول :يشترط كونه ُم َ
يما. ِ
انتهائه أتم ُمق ً
الشرط الثاني :يشترط قصد موض ٍع معلوم معين ،أو غير معين في أول سفره؛ لكي ال يكون كالهائم الذي ال وجهة له
فهذا ال يسافر ،لكن إذا كان له وجهة وإن طالت جاز له القصر.
كبلد وقر ٍية.
مختص بما سافر منه ،أي يخرج ويفارق بيوت قريته العامرةٍ ،
ٍ الشرط الثالث :يشترط للقصر مجاوزة سوٍر
ضا :ال يقصر داخل قريته بل ال بد أن يفارق سور القرية.
قال أَيْ ً
الشرط الرابع :من الشروط التي أحدثها الشارح وهو على هذا يكون التاسع ،يشترط «العلم بجواز القصر ،فلو قصر
جِ
اه ًال به لم تصح صالته». َ
ثم قال الماتن « :ويجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت أيهما شاء ،وبين المغرب والعشاء في وقت أيهما
شاء».
وهذا الذي عليه العمل عند جماهير العلماء أنه يجوز للمسافر سفر قص ٍر أن يجمع بين صالتي الظهر والعصر في
وقت أيهما شاء أي :في وقت الظهر أو في وقت العصر.
وهذا ما يسمى بجمع تقديم أو جمع تأخير.
قال« :وأن يجمع بين صالتي المغرب والعشاء في وقت أيهما شاء تَـ ْق ِدي ًما َوتَأ ِْخ ًيرا .والجمعة كالظهر في جميع ما تقدم (أي في
الشرائط وفي التقديم وفي التأخير)
واألفضل لسائر وقت أ َْولى تأخير.
«األفضل لسائر في أول الوقت» معناه :أن رجل خرج مع أذان الظهر فاألفضل أن يجمع جمع تأخير؛ ألن النبي
ﷺ خرج من عرفة مع غروب الشمس ووجوب صالة المغرب ومع ذلك جمع جمع تأخير.
لكن لو أراد أن يجمع جمع تقديم في وقت األولى
170
إذن لكي يجمع جمع تقديم ال بد من أربعة شروط:
الترتيب :يبدأ باألولى الظهر أو المغرب ،ثم العصر أو العشاء.
والنية :نية الجمع بين الظهر والعصر.
والمواالة بينهما.
ودوام السفر إلى عقد الثانية أي إلى الدخول في صالة العشاء.
ثم قال المصنف ( الماتن) :ويجوز لحاض ٍر في المطر أن يجمع بينهما في وقت األولى منهما.
أي :يجمع بين الظهر والعصر ،وبين المغرب والعشاء.
ثلج ،أو برد ذائبين أن يجمع ما
ويجوز للحاضر المقيم في المطر ولو كان المطر ضعي ًفا بحيث يبل الثوب ،أو نحو ٍ
يجمع بالسفر ،فيجمع بين الظهر والعصر ،وهذا من انفراد مذهب الشافعي خالفا للمالكية والحنابلة.
قال :ولو جمعه مع العصر ،خالفا للحنابلة ،في وقت األولى منهما.
عباس قال” :صلى رسول اهلل ﷺ بالمدينة الظهر والعصر َج ِم ًيعا
ٍ لما في الصحيحين من حديث ابن
والمغرب والعشاء َج ِم ًيعا“.
زاد مسلم ”من غير ٍ
خوف وال سفر“.
ٍ
كمالك :أرى ذلك في المطر. قال الشافعي
وال يجوز ذلك تَأ ِْخ ًيرا إنما يجمع جمع تقديم.
وع َم ًال.
وبذلك تنتهي هذه المحاضرة ،نسأل اهلل أن يعلمنا وأن يرزقنا اإلخالص قَـ ْوًال َ
هذا وسبحانك اللهم وبحمدك ،نشهد أن ال إله إال أنت ،نستغفرك ونتوب إليك،
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
171
المحاضـرة الـرابع ـة عشـرة
كنا قد وصلنا إلى:صالة الجمعة.
فصل في صالة الجمعة》
قال الماتن ٌ 《 :
وصالة الجمعة سميت بذلك:
-وقيل لما جمع في يومها من الخير، -الجتماع الناس لها،
-وقيل الجتماعه فيه مع حواء في األرض ،وغير ذلك. -وقيل ألنه جمع فيها بين خلق آدم،
يوم طلعت فيه الشمس؛ ولذلك أمر اهلل عز وجلوهي أفضل الصلوات على اإلطالق ،ويومها أفضل األيام ،وهو خير ٍ
باالجتماع فيه.
اس َع ْوا إِلَ ٰى ِذ ْك ِر اللَّه﴾ [الجمعة.]٩ : لص َال ِة ِمن يـوِم ال ِ
ي لِ َّ ِ ِ َّ ِ
ْج ُم َعة فَ ْ
َْ ُ آمنُوا إذَا نُود َ فقال سبحانه﴿ :يَا أَيـُّ َها الذ َ
ين َ
أمر من اهلل عز وجل بالسعي إلى الجمعة.
هذا ٌ
واجب على كل محتلم“.
ٌ وقال النبي ﷺ” :رواح الجمعة
وفرضت الجمعة والنبي ﷺ بمكة ،ولم يصلِّها إال بالمدينة.
وقيل ألنه لم يكتمل العدد ،وقيل ألنه بمكة كان ُم ْستَ ْخ ِفيًا ،والجمعة ال بد من إظهار الشعيرة.
أحكام مستقلة.
ٌ ورا ،إنما هي صالة مستقلة ،لها
صً والجمعة ليست ظُ ْه ًرا َم ْق ُ
تمام غير قص ٍر على لسان نبيكم ﷺ وقد خاب من افترى“.
ولذلك قال عمر ” :الجمعة ركعتان ٌ
قال الماتن [ :وشرائط وجوب الجمعة سبعة أشياء :اإلسالم ،والبلوغ ،والعقل ،والحرية ،والذكورية ،والصحة].
أي على من تجب الجمعة:
ط لكل عبادة ،فال تصح الصالة من غير المسلم.
[ اإلسالم] :فال تجب على الكافر؛ ألن اإلسالم شر ٌ
ورا بها ليعتَادها ،إال إنه لو لم يصلِّها ال يأثم بذلك.
[ البلوغ] :فال تجب على الصبي وإن كان َمأ ُْم ً
[ العقل] :فال جمعة على مجنون وال شيءٌ من الصلوات األخرى ،والقلم أو التكليف مرفوع عنه وعن الصبي.
لقول النبي ﷺ” :رفع القلم عن ثالثة" ،منهم" :عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل“.
وهذا بخالف السكران فإنه يلزمه قضاؤها ظُ ْه ًرا إذا سكر وغلب عليه عقله في أثناء الصالة.
أما المغمى عليه فالمذهب أنه كالمجنون ،إذا أغمي عليه وقت الصالة َك ِام ًال فال قضاء عليه.
ِ
والشتغاله بحقوق السيد عن التهيؤ لها ،ويشمل [ الحرية] :قال الشارح :فال تجب على عبدٍ لنقصه في ِ
رقه،
ذلك كل أنواع العبيد :المكاتب ،والمبعض ،والقن ،وغيرهم.
[ الذكورية] :فال تجب على امرأة.
172
ٍ
مسلم في جماعة إال أربعة :امرأة ،وصبي، وعا” :الجمعة ح ٌق واجب على كل
وعندنا حديث طارق بن شهاب َم ْرفُ ً
وعبد ،ومريض“.
ولذلك كان الشرط السادس[ :الصحة] فال تجب على مريض ،وال على معذور بمرخص في ترك الجماعة.
[االستيطان]:
واالستيطان أي :اإلقامة.
قال الشارح :لو قال اإلقامة كان أولى .فال جمعة على مسافر س َفرا مباحا ولَو قَ ِ
ص ًيرا الشتغاله. َ ً َُ ً َ ْ
وإن كان روي ٍ
بسند ضعيف” :ال جمعة على مسافر“ ،لكنه ال يثبت.
إنما صح من فعل النبي ﷺ أنه كان يسافر وال يصلي الجمعة.
وأنه في حجة الوداع وكان يوم عرفة يوم الجمعة ،لم يصل الجمعة ،إنما صلى الظهر والعصر جمع تقديم بعد الخطبة.
فنقول :يخرج المسافر بعموم األدلة أنه ال جمعة عليه.
وأما أهل القرية أو المدينة أو البادية ،إذا نصبوا الخيام لإلقامة؛ فإن الجمعة تلزمهم في ذلك.
قال الشارح :ولو وجدت قريةٌ فيها أربعون كاملون ،فدخلوا بَـلَ ًدا وصلوا فيها؛ سقطت عنهم سواء سمعوا النداء أم ال.
قال :ولو وافق العيد ي وم الجمعة فحضر أهل القرية الذين يبلغهم النداء لصالة العيد ،ولو رجعوا إلى أهليهم فاتتهم
الجمعة ،فلهم الرجوع وترك الجمعة على األصح (أي في المذهب).
ألنه كما سيأتينا إذا حضر الجمعة والعيد في ٍ
يوم واحد أجزأ أحدهما عن اآلخر.
قال :ويحرم على من لزمته الجمعة السفر بعد الزوال؛ ألن وجوبها تعلق بمجرد دخول الوقت.
قال :إال (أي استثناء) أن يغلب على ظنه أنه يدرك الجمعة في مقصده أو طريقه لحصول المقصود.
يعني يبدأ السفر ويقول :إن شاء اهلل في الطريق سوف أصلي الجمعة فإن ،وإال فال( .أي :فإن صلى ،وإال فال).
سافِ ًرا َس َف ًرا طَ ِو ًيال ويخشى فوات الرفقة ،أو فوات المركب أو غير ذلك؛ فإنه يرخص له في هذا.
أو يكون ُم َ
173
قال[ :وشرائط فعلها ثالثةٌ:
-أن تكون البلد ِم ًّ
صرا كانت أو قرية.
-وأن يكون العدد أربعين من أهل الجمعة.
صليت ظُ ْه ًرا]. ِ
-وأن يكون الوقت بَاقيًا ،فإن خرج الوقت أو عدمت الشروط؛ ُ
هذه شروط صحة الجمعة.
ٍ
بشروط ثالثة ،لكي نقول هؤالء يصلون الجمعة ،قالوا: نقول هنا وجبت الجمعة
أن تكون البلد ،أي :ذات ٍ
أبنية.
قصب ،أو قر ٍية من خيام ،هذا حالهم على الدوام؛
كما قلت قر ٍية فيها بناء أو مدينة ،أو قرية من ٍ
فهؤالء يجب عليهم الجمعة.
يعني :في بعض األماكن أو البلدان يصنعون البيوت من القصب ،أو من البوص ،أو من األشجار ،أو من الخيام
رجال في ٍ
مكان مثل هذا واتخذوهُ ُم َق ًاما لهم؛ وجبت ويجعلونها بـُيُوتًا لهم على الدوام ،فإذا اجتمع أكثر من أربعين ً
عليهم الجمعة.
أما أهل الخيام الذين يتنقلون ويكونون في الصيف في مكان ،وفي الربيع في مكان ،وفي الخريف في مكان؛ فهؤالء
ليس لهم أبنية ،وليس لهم أوطان.
ولذلك قال :فلو صلت طائفة خارج األبنية خلف ٍ
جمعة منعقدة ،ال تصح جمعتهم لعدم وقوعها في األبنية.
ولذلك قال :لو كانت البلد ِم ًّ
صرا كانت أو قرية ،بحيث تكون دون مسافة قصر ،فلو تجاوزت مسافة القصر لم تصح.
قال األذرعي :وأكثر أهل القرى يؤخرون المسجد عن جدار القرية قَلِ ًيال صيانةً له عن نجاسة البهائم ،وعدم انعقاد
الجمعة فيه بعيد.
يريد أن يقول :ولو كان المسجد خارج القرية صحت الجمعة فيه على الراجح من أقوال أهل العلم في المذهب .ألن
أبا الطيب قال:
174
قال أصحابنا :لو بنى أهل البلد َمسجدهم خارجها ،لم يجز لهم إقامة الجمعة فيه النفصاله عن البناء.
هذا حملوه على انفصال ال يعد به من القرية.
ويختلف االنفصال ،فضبطهُ بعضهم قال :بحيث ال يكون في مسافة ،أو على بعد مسافة ،أو مجاوزة مسافة القصر.
هذا هو الشرط األول؛ أن يكون ٍ
ببلد ،قرية أو بناء أو غير ذلك ،وقلنا ولو خيام.
ولذلك قال :ولو لزم أهل الخيام مو ِ
ض ًعا في الصحراء ،ولم يبلغهم النداء من محل الجمعة فال جمعة عليهم. َْ
قال :الثاني من شروط صحة الجمعة[ :أن يكون العدد أربعين من أهل الجمعة].
من هم أهل الجمعة؟ المسلم ،البالغ ،العاقل ،الحر ،الذكر ،الصحيح ،المقيم .سبعة شروط احفظها.
ذكورا ،مقيمين ،أصحاء.
إذن ال بد أن يكون العدد كله :أربعين ،مسلمين ،بالغين ،عاقلين ،أحر ًاراً ،
فإن كانوا كذلك؛ صحت الجمعة.
وإذا لم يجتمع هذا العدد صلى بهم الظهر وال يقيم الجمعة.
ظهرا.
كذلك إذا اكتمل العدد في الخطبة ثم نقص في أثنائها ،نزل فصلى بهم ً
قال :ولو أحرم أربعون قبل انفضاض األولين تمت لهم الجمعة ،وإن لم يكونوا سمعوا الخطبة.
قال :وتصح الجمعة خلف ٍ
عبد وصبي ومميز ومسافر ،لكن شرط أال يكون منهم.
والصحيح ما اختاره شيخ اإلسالم ،أنها تصح بثالثة ،الجمعة تنعقد بثالثة فأكثر.
ثالثة في قر ٍية وال بد ٍو ال تُقام فيهم الصالة إال استحوذ عليهم الشيطان“.
ﷺ” :ما من ٍ
175
والشرط الخامس[ :أال يسبقها ،وال يقارنها جمعة في محلها ولو عظم] كما قاله الشافعي.
قال :ألنه ﷺ ،والخلفاء الراشدين لم يقيموا سوى جمعة واحدة .وألن االقتصار على واحدة أفضى إلى المقصود
من إظهار الشعيرة ،واجتماع الناس ،واتفاق الكلمة.
سر اجتماعهم في مكان؛ فإنه يجوز التعدد للحاجة
وع ُ
إجماعا إال إذا َكبُر المحل َ
ً لكن قال الشافعي :وال يجوز
بحسبها.
قال :فيُقيمون جمعتين ،وقيل ثالثة فلم ينكر عليهم.
وهذا ما حمله األكثرون في علماء المذهب على عسر االجتماع ،وال يحتمل مذهب الشافعي غيره.
176
في آخر الخطبة يدعو للمؤمنين والمؤمنات.
قال :وال بأس بالدعاء للسلطان بعينه كما في «الروضة».
لكن قال ابن عبد السالم :وال يجوز وصفه بالصفات الكاذبة إال لضرورة.
قال :ويسن الدعاء ألئمة المسلمين ووالة أمورهم بالصالح واإلعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك.
قال :ويشترط أن يكونا عربيتين؛ لالتباع ،ولنقل الخلف عن السلف أنه لم يكن يخطب إال باللغة العربية.
وسن :ترتيب أركان الخطبتين بأن يبدأ بالحمد ،ثم الصالة ،ثم الوصية ،ثم القراءة ثم الدعاء.
استَ ِمعوا لَهُ وأ ِ ٍ
َنصتُوا﴾ َ سكوت مع إصغاء لهما ،لقوله تعالىَ ﴿ :وإِذَا قُ ِر َ
ئ الْ ُق ْرآ ُن فَ ْ ُ ٌ وسن لمن يسمعها
ووجب رد السالم.
قال :وسن تشميت العاطس ،ورفع الصوت بالصالة على النبي ﷺ.
لكن إذا قلنا بأنه يسن اإلنصات فيهما ،علم عدم حرمة الكالم فيهما ،وهذا على المذهب.
ويستدلون بقول الرجل للنبي ﷺ :متى الساعة؟ قال” :وما أعددت لها“.
هذا إذا كان الكالم مع الخطيب ،أما إذا كان مع جاره فقد أمر باإلنصات.
177
الشرط الثالث :أن يصلي ركعتين في جماعة.
اشيَ ِة﴾.
يث الْغَ ِ
اك َح ِد ُ
ك ْاألَ ْعلَى﴾ ،وفي الثانية ﴿ َه ْل أَتَ َ
اس َم َربِّ َ
يقرأ في األولىَ ﴿ :سبِّ ِح ْ
وأن تقع في جماعة ،ولو في الركعة األولى.
لفعل النبي ﷺ ،والخلفاء من بعده.
178
ويستحب اإلكثار من الدعاء في يومها وليلها ألن فيها ساعة إجابة.
قال” :هي ما بين أن يجلس اإلمام إلى أن تنقضي الصالة'‘ ،رواية مسلم.
وقال غيره” :هي آخر ٍ
ساعة بعد العصر“.
ويستحب اإلكثار من الصالة على النبي ﷺ ،وكثرة الصدقة وفعل الخير في يومها وليلتها.
كذلك قال الماتن :ومن دخل واإلمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين ثم جلس.
لقول النبي ﷺ لسليك الغطفاني لما دخل والنبي ﷺ يخطب فجلس ،فقال” :يا سليك قم فاركع ركعتين ،ثم
قال :إذا جاء أحدكم يوم الجمعة واإلمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما“.
أى :يكونا ركعتين خفيفتين ويتعجل في الصالة فيهما ،كذلك أمر بالتخفيف.
وآخر مسألة :من أدرك مع اإلمام ركعة في يوم الجمعة فليضف إليها أخرى؛ وقد أدرك الجمعة.
ومن لم يدرك مع اإلمام ركعة صلى أر ًبعا ألنه ال يكون بذلك مدرًكا للجمعة.
هذا وسبحانك اللهم بحمدك ،نشهد أن ال إله إال أنت ،نستغفرك ونتوب إليك،
والسالم عليكم ورحمة اهلل.
179
المحاضرة الخامسة عشـرة
هذه هي المحاضرة الخامسة عشر وقبل األخيرة للفصل األول الدر ِ
اسي ،وفيه تتمةٌ لكتاب الصالة وبه نختم كتاب الصالة.
فصل في صالة العيدين"
قال الماتن ٌ " :
خمسا سوى تكبيرة القيام،
سبعا سوى تكبيرة اإلحرام ،وفي الثانية ً
«وصالة العيدين سنةٌ مؤكدة ،وهي :ركعتان يكبر في األولى ً
سبعا.
تسعا ،وفي الثانية ً
ويخطب بعدهما خطبتين يكبر في األولى ً
ويكبر من غروب الشمس من ليلة العيد إلى أن يدخل اإلمام في الصالة ،وفي األضحى خلف الصلوات المفروضات من صبح
يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق».
وصيغته المحبوبة ...كما ستأتينا إن شاء اهلل تعالى.
قال الشارح ( :فصل في صالة العيدين).
والعيد مشت ٌق من العود لتكراره كل عام ،وقيل لكثرة عوائد اهلل تعالى فيه على عباده ،وقيل لعود السرور بعودهِ ،وجمعه أعياد.
قال :واألصل في صالته قبل اإلجماع مع األخبار اآلتية
ص ِّل لَِربِّ َ
ك َوانْ َح ْر﴾ [الكوثر.]٢ : قول اهلل تعالى﴿ :فَ َ
أراد به صالة األضحى والذبح.
وأول ٍ
عيد صالهُ النبي ﷺ عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة.
قال :فهي سنةٌ مؤكدة ،أي صالة العيدين ،للسائل عن الصلوات
ٍ
صلوات كتبهن اهلل على عباده ،قال له :هل علي غيرها؟ قال :ال ،إال أن تطوع“. فقد قال النبي ﷺ” :خمس
وقال :سنةٌ مؤكدة لمواظبة النبي ﷺ عليها ،وكذلك الخلفاء الراشدين من بعده حافظوا عليها ،وكذلك األئمة
واألمراء من زمن النبي ﷺ إلى يومنا هذا.
وتشرع صالة العيد في جماعة.
قال :وهي أفضل في حق غير الحاج بمنى .لماذا؟
ألن الحاج ينشغل بأعمال يوم النحر.
منفردا.
ولو فاتت الجماعة سن له ً
وهي مشروعة للمنفرد كذلك ،ويحضرها العبد والمرأة والخنثى والمسافر ،فليس شروطها كشروط الجمعة ،إنما هي مطلقة.
قال :وهي ركعتان باإلجماع ،وحكمهما في األركان والشرائط والسنن كسائر الصلوات ،كما سبق معنا.
فطرا أو أضحى.
يحرم بها بنية صالة العيد سواء كان ً
سبعا سوى تكبيرة اإلحرام ،أي بعد تكبيرة اإلحرام ،يكبر في الركعة األولى سبع تكبيرات:
ثم قال :يكبر في األولى ً
180
خمسا قبل القراءة وقبل االستعاذة ،وقيل بعد دعاء
سبعا ،وفي الثانية ً
اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،هكذا حتى يتم في األولى ً
االفتتاح وقبل التعوذ،
خمسا قبل القراءة. لما رواه الترمذي أنه ﷺ كبر في العيدين في األولى ً
سبعا قبل القراءة ،وفي الثانية ً
كذلك السبع سوى تكبيرة اإلحرام على أرجح أقوال أهل العلم ،وعلى المعتمد في المذهب.
والخمس سوى تكبيرة االنتقال ،وال حرج أن يذكر بين كل تكبيرتين ،كأن يقول :سبحان اهلل ،والحمد هلل ،وال إله إال اهلل ،واهلل
أكبر ،وكذلك ألن هذه الكلمات هي الباقيات الصالحات.
ضا وضع اليمنى على اليسرى على الصدر أو تحته ،وال يرفع يده إال في التكبيرة األولى.
ويسن أي ً
ولو شك في عدد التكبيرات أخذ باألقل كما في عدد الركعات ،ولو نسي التكبيرات وشرع في القراءة ولم يتم الفاتحة لم
ٍ
خالف في المذهب. يدركها ،ولو تذكر بعد التعوذ ولم يقرأ كبر ،بال
ويستحب بعد التكبير أن يقرأ الفاتحة ،وأن يقرأ في الركعة األولى ﴿ق﴾
ك ْاألَ ْعلَى﴾ [األعلى ]١ :وفي الثانيةَ ﴿ :ه ْل
اس َم َربِّ َ
اعةُ﴾ [القمر .]١ :أو يقرأ في األولىَ ﴿ :سبِّ ِح ْ
الس َ وفي الثانية﴿ :اقْـتَـرب ِ
ت َّ ََ
اشيَ ِة﴾ [الغاشية.]١ :
يث الْغَ ِ
اك َح ِد ُ
أَتَ َ
منفردا فال يخطب. ٍ
لجماعة ،أما إذا كان ً قال :فإذا فرغ من الصالة خطب خطبتين أي بعد الركعتين
كذلك ال أركان وال شروط فيها ،وبعضهم قال :فيها شروط.
ثم بعد ذلك يكبر في افتتاح الخطبة األولى بتسع تكبيرات ،ويكبر في الثانية سبع تكبيرات.
وقيل يكثر من التكبير ،وقيل بل يبدأ الخطبة بالحمد والثناء على اهلل ،ثم يكبر في ثناياها ،وال يشترط أن يبدأ بها .كذلك هذه
التكبيرات إذا بدأ بها ليست من الخطبة ،بل هي مقدمة ،نص عليه الشافعي.
كأن يبدأ بعد الصالة :اهلل أكبر اهلل أكبر ،تسع تكبيرات ،ثم يبدأ الخطبة :إن الحمد هلل تعالى نحمده ،ولذلك يعدها الشافعي
أنها ليست من الخطبة بل هي مقدمة لها.
وسن غسل العيدين كما سبق وإن لم يرد الحضور؛ ألنه يوم زينة.
َّ
كذلك يسن التبكير بعد الصبح لغير اإلمام ،وأن يحضر اإلمام وقت الصالة ويعجل الحضور في األضحى ،ويؤخره في الفطر
األضاحي.
وقت لعبادته ،فقبل الفطر تقسم صدقة الفطر ،وبعد األضحى يذبح َ
قليال .لماذا؟ حتى يتسع كل ٌ
ً
قال :وحكمته اتساع وقت األضحية ووقت صدقة الفطر قبل الصالة.
ِ
كضيقه ،وإن كان األولى فعلها خارج المسجد لفعل النبي ﷺ. ٍ
بمسجد أفضل لشرفه إال لعذ ٍر قال :وفعلها
وترا ،ويمسك عن األكل في عيد األضحى.
قال :وكذلك يستحب أن يأكل في الفطر تمرات قبل أن يخرج ،وأن يكون ً
قال :وال يكره التنفل قبلها بعد ارتفاع الشمس لغير ٍ
إمام ،أما بعدها فإن لم يسمع الخطبة فكذلك ،أي يندب ،وال حرج في
ذلك.
181
قال :ويكبر ندبًا ،أي التكبير المطلق في غير الصالة من غروب شمس ليلة العيد ،أي عيد الفطر وكذلك األضحى برفع صوته
في المنازل واألسواق،
ولقوله تعالىَ ﴿ :ولِتُ ْك ِملُواْ ال ِْع َّدةَ﴾ [البقرة ،]١٨٥:وقولهَ ﴿ :ولِتُ َكبِّـ ُروا اهللَ﴾ [البقرة،]١٨٥ :
أي عند إكمالها ،وفي الثاني القياس على األول.
ورفع الصوت مندوب كذلك ألنه من شعائر اإلسالم ،ومن شعار اإلسالم الظاهر ،ويستمر التكبير :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل
أكبر ،ال إله إال اهلل ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر وهلل الحمد ،إلى خروج اإلمام إلى الصالة ،أي يدخل في الصالة ،أي صالة العيد.
مباح إليه.
إذ الكالم ٌ
قال :ويكبر ،أي في عيد األضحى خلف صالة الفرائض والنوافل ،ولو فاتته صالة .قال :بعد صالة صبح يوم عرفة إلى بعد
صالة العصر من آخر أيام التشريق ،فيكون التكبير في أضحى خمسة أيام:
يوم عرفة ،ويوم النحر ،وثالثة أيام التشريق .يكبر دبر كل صالة.
قال :وصيغته المحبوبة ،هنا ورد عدة صيغ منها :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر ال إله إال اهلل ،واهلل أكبر ،اهلل أكبر وهلل الحمد.
وأصيال ،ال إله إال اهلل،
ً كثيرا ،وسبحان اهلل بكرة
كبيرا ،والحمد هلل ً
واستحسن في [األم] أن يزيد بعد التكبيرة الثالثة اهلل أكبر ً
ونصر عبده ،وهزم األحزاب وحده،
وال نعبد إال إياه ،مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ،ال إله إال اهلل وحده ،صدق وعدهَ ،
ال إله إال اهلل واهلل أكبر.
هذا وإن كان الدليل عليه لم يثبت ،ولم يصح فيه أثر صحيح مرفوع أو موقوف ،ولو لزم التكبيرة األولى كان أولى ،وهو
المعتمد وهو الصحيح من المذهب وهي :اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،ال إله إال اهلل ،اهلل أكبر ،اهلل أكبر ،وهلل الحمد.
كالما في ٍ
قال :وال حرج في التهنئة بالعيد ،ونقل بعضهم أن ذلك ليس فيه دليل ،كما قال القمولي :لم أر ألحد من أصحابنا ً
التهنئة بالعيد واألعوام واألشهر كما يفعله الناس ،لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي أنه أجاب عن ذلك بأن
الناس لم يزالوا مختلفين فيه.
والذي أراه أنه مباح ،ال سنة فيه ،وال بدعة ،هكذا قال الخطيب الشربيني .
182
األفصح واألصح عند علماء اللغة ،مع جواز إطالق لفظ
َ وقيل إن صالة الكسوف للشمس ،والخسوف للقمر هذا هو
الخسوف على الشمس ،والكسوف على القمر.
اس ُج ُدوا لِلَّ ِه﴾ [فصلت.]٣٧ : لشم ِ ِ
س َوَال ل ْل َق َم ِر َو ْ
ِ
قال :واألصل في ذلك قبل اإلجماع قول اهلل تعالىَ ﴿ :ال تَ ْس ُج ُدوا ل َّ ْ
وعند كسوفهما قال النبي ﷺ كما في الصحيحين ” :إن الشمس والقمر آيتان من آيات اهلل ،ال ينكسفان لموت
ٍ
أحد وال لحياته ،فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم“.
صلوات في كل ٍ
يوم ٍ قال :وصالة الكسوف سنةٌ مؤكدة ،للدليل السابق” :ماذا فرض اهلل علي من الصلوات؟ قال خمس
وليلة“.
ضا فعل النبي ﷺ دل على أنها مستحبة.
وأي ً
ٌ
محمول على الكراهة وليس على الوجوب أو الحرمة ،ليوافق كالمه في مواضع كذلك قال الشافعي :ال يجوز تركها؛
أخر.
وفوات صالة الخسوف القمر باالنجالء
ُ تقض.
قال :فإن فاتت ،أي صالة الكسوف بانجالئها ،أي انجالء الشمس لم َ
ِ
وبطلوعه.
قال :لم تقض لزوال المعنى الذي ألجله شرعت ،يعني :شرعت الصالة من أجل كسوف الشمس فنصلي حتى تنجلي.
نائما ماذا أفعل اآلن؟
فإذا انجلت ،فقام رجل قال :كنت ً
نقول ال شيء عليك.
أال أقضيها كما نقضي العيد أو الجمعة أو أي صالة؟
نقول :ال ،ألن هذه الصالة لسبب وقد زال السبب ،وانكشفت الشمس.
صفة الصالة:
قال :ويصلي لكسوف الشمس وخسوف القمر ركعتين ،في كل ركعة قيامان يطيل القراءة فيهما ،وركوعان يطيل
التسبيح فيهما.
وصفتها :أن يكبر ثم يشرع في قراءة الفاتحة بعد االستفتاح واالستعاذة.
"نحوا من سورة البقرة".
ثم يقرأ السورة ويستحب أن يطيل فيها لوروده باألثر ً
ثم يركع فيطيل الركوع قريبًا من قراءته أو دونه.
ثم يرفع من الركوع ثم يشرع في القراءة مرًة أخرى ،ال يسجد ،فيقرأ الفاتحة ويقرأ سورة طويلة لكنها أقصر من األولى.
ثم يركع الركوع الثاني.
ثم يرفع منه.
183
ثم يسجد سجدتين فتتم بهما الركعة األولى.
ثم يقوم إلى الثانية فيقرأ الفاتحة ،ويقرأ سورة طويلة هي أقصر من األولى.
طويال هو دون األول.
تسبيحا ً
ً ثم يركع فيسبح
ثم يرفع رأسه ،ثم يشرع في القراءة مرةً أخرى يقرأ الفاتحة وسورة طويلة هي دون األولى.
طويال.
كوعا ً
ثم يركع ر ً
ثم يرفع.
ثم يسجد سجدتين.
ثم يتشهد ،ثم يسلم.
فهذه هي صفة صالة الكسوف والخسوف على السواء.
هذه الصالة صار فيها في كل ركعة ركوعين وقراءتي ِن وسجدتين ،فيسلم له من الركعتين أربع قراءات وأربع ركوعات وأربع
سجدات.
قال :ويخطب بعدهما خطبتين ،أي يخطب اإلمام الذي صلى بالناس بعد صالة الكسوف ،خطبتين كخطبتَي العيد ،لكن ال
يكبر فيهما لعدم ورود ذلك.
منفردا فال خطبة عليه.
والخطبة للجماعة ،فإذا صلى ً
ويحث السامعين على فعل الخير من التوبة والصدقة والعتق ونحو ذلك ،كما فعل ﷺ.
ثابت من سنة أو إجماع.
وبعض العلماء قال :يسن الغسل لصالة الكسوف ،وهذا ال دليل عليه ٌ
قال :فإن أدرك اإلمام في الركوع األول من الركعة األولى أو الثانية أدرك الركعة ،كما في سائر الصلوات.
أما إذا أدركه في الركوع الثاني أو في قيامه الثاني فإنه لم يكن مدرًكا للركعة؛ ألن األصل فيها هو الركوع األول والقيام األول،
أما الركوع الثاني وقيامه فهو سنةٌ وتبع.
قال :ويسر في كسوف الشمس ألنها نهارية ،ويجهر في خسوف القمر ألنها صالةٌ ليلية.
184
األخوف فواتًا ثم اآلكد.
ْ قال :ولو اجتمع عليه صالتان فأكثر ولم يأمن الفوات قدم
معنى ذلك لو لم يصل الظهر ثم كسفت الشمس ،ولو صلى الكسوف سيستمر إلى العصر،
أوال ثم يصلي الكسوف.
نقول :األولى أن يصلي الظهر ً
أوال ثم يصلي الظهر.
متسعا من الوقت فإنه يصلي الكسوف ً
أما إذا كان هناك ً
وهكذا صالة الكسوف والخسوف.
ثم انتقل المصنف إلى النوع الثالث من الصلوات المستحبة وهي :صالة االستسقاء
فيأمرهم اإلمام بالتوبة ،والصدقة ،والخروج من المظالم،
ُ ويتكلم فيها المصنف فقال :وصالة االستسقاء مسنونةٌ،
ومصالحة األعداء ،وصيام ثالثة أيام.
ثياب ٍ
بذلة واستكانة وتضرع ،ويصلي بهم ركعتين كصالة العيدين ،ثم يخطب بعدهما، ثم يخرج بهم اإلمام في اليوم الرابع في ٍ
ويحول رداءه ،ويكثر من الدعاء واالستغفار ويدعو بدعاء رسول اهلل ﷺ
185
هدم وال ٍ
غرق ،اللهم على الظراب واآلكام ومنابت محق وال ٍ
بالء وال ٍ ٍ
عذاب وال ٍّ ”اللهم اجعلها سقيا ٍ
رحمة ،وال تجعلها سقيا
دائما
جلال َس ًحا طب ًقا ً الشجر وبطون األودية ،اللهم حوالينا وال علينا ،اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا َم ِر ًيعا ً
عاما غدقًا طب ًقا ُم ً
إلى يوم الدين ،اللهم اسقنا الغيث وال تجعلنا من القانطين ،اللهم َّ
إن بالعباد والبالد من الجهد والجوع والضنك ما ال نشكو إال
اليك ،اللهم أنبت لنا الزرعِ ،
وأد َّر لنا الضرع ،وأنزل علينا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات األرض ،واكشف عنا من
186
ثابت عن النبي ﷺ أو عن الصحابة ،فأرى واهلل
دليال (أي في الصيام في صالة الكسوف) ٌ
وهذا األمر ال أعلم فيه ً
أعلم أن الصيام غير مسنون ،لكن لو فعله قربة بين يدي اهلل عز وجل ال بأس بذلك.
وأن يكثر من الدعاء واالستغفار
ِ
ٱستَـغْ ِف ُرواْ َربَّ ُك ْم ثُ َّم تُوبُوۚاْ إِلَْي ِه يـُ ْر ِس ِل َّ
ٱلس َماۚ َء َعلَْي ُكم ِّم ْد َر ًارا﴾ [هود.]٥٢ : لقوله تعالىَ ﴿ :وٰيََق ْوم ْ
صحيح على شرط مسلم ،أنه ﷺ قال” :وال منع ٌ
قوم الزكاة إال ُحبس ٌ وفي األثر الذي رواه البيهقي والحاكم وقال
عنهم المطر“.
ٍ
دعوات ال ترد ،منهم” :دعوة الصائم حتى يفطر“. ومن باب ثالث
كذلك إذا أمرهم اإلمام بالصوم لزمهم امتثال ذلك األمر ،كما أفتى بذلك النووي ،لآلية.
ول َوأُولِي ْاأل َْم ِر ِم ْن ُك ْم﴾ [النساء.]٥٩ :
الر ُس َ َطيعوا اللَّه وأ ِ
َطيعُوا َّ ِ
آمنُوا أ ُ َ َ
َّ ِ
كذلك قول اهلل عز وجل﴿ :يَا أَيـُّ َها الذ َ
ين َ
ثم يخرج بهم اإلمام فيصلي بهم ركعتين .قال :ثم يخرج بهم ،أي بالناس أي اإلمام إلى الصحراء ألنه سيخرج جميع
الناس بما فيهم الصبيان والنساء.
«في اليوم الرابع» أي بعد صيامهم ثالثة أيام.
بذلة» ،أي ثياب ِمهنَة ،وهو من إضافة الموصوف إلى صفته.
ثياب ٍ«في ٍ
«في استكانة» ،أي خشوع وهو :حضور القلب وسكون الجوارح وخفض الصوت ،والمقصود هنا التذلل.
تضرع إلى اهلل ،ويسن لهم التواضع في كالمهم ومشيتهم وجلوسهم لالتباع».
ٍ «في
«ويتنظفو َن بالسواك وقطع الروائح الكريهة ،وقيل بالغسل».
«ويخرجون من طريق ويرجعو َن من أخرى مشاةً في ذهابهم».
«ويخرجون معهم ندبًا الصبيان والشيوخ والعجائز ومن ال هيئة له من النساء ،وال بأس بذلك»
ِ
لقوله ﷺ” :وهل ترزقون وتنصرون إال بضعفائكم“.
لصب شباب خشعَ ،وبَـ َهائِم رتع ،وشيو ٌ
خ ركع ،وأطفال رضعُ ، ٌ وفي األثر الذي ال يثبت وإن كان معناه صحيح ”لوال
عليكم العذاب صبا“.
قال :ثم إذا خرج يصلي ركعتين كصالة العيدين ،ثم يخطب بعدهما.
«وكصالةِ العيدين» :يقصد بالتكبير كما أسلفنا.
واختلفوا في إخراج أهل الكتاب ،فقيل يخرجون ،وقيل ال يخرجون.
كذلك اختلفوا في أطفال الكفار وهذا مترتب على ما إذا ماتوا هل هم من أهل الجنة أم من أهل النار؟
والذي جزم به النووي :أنهم في الجنة ،وقال :وهو الصحيح المختار إذا ماتوا غير مكلفين.
ثم بين أن الصالة كصالة العيد في هيئتها أو في عدد ركعاتها.
187
خمسا قبل القراءة،
سبعا ،وفي الثانية ً
فإذا قلنا كهيئتها ،فإنه يكبر في األولى ً
اعةُ﴾ أو األعلى والغاشية.
الس َ ويقرأ ب﴿ق﴾﴿ ،اقْـتَـرب ِ
ت َّ ََ
بعدهما ،وتجزئ الخطبة قبلهما.
ثم يخطب اإلمام ُ
وأن يكثر من االستغفار والتسبيح كما
اء َعلَْي ُك ْم ِم ْد َر ًارا﴾ [نوح.]١٠١١ : استَـغْ ِف ُروا َربَّ ُك ْم إِنَّهُ َكا َن غَ َّف ًارا ( )١٠يـُ ْر ِس ِل َّ
الس َم َ قال تعالىْ ﴿ :
ويكثر من دعاء الكرب وتفريج الكرب ” :ال إله إال اهلل العظيم الحليم ،ال إله إال اهلل رب العرش العظيم ،ال إله إال اهلل
رب السموات ورب األرض ورب العرش الكريم“.
ثم يحول رداءه ،أي الخطيب فيجعل أيمنه مكان أيسره ،وعكسه ،أو يجعل أعاله أسفله .األول تحويل ،والثاني
تنكيس ،والمتبع التحويل فقط.
ويكثر من الدعاء.
طويال ،قال :هو دعاء رسول اهلل ﷺ.
دعاء ً
وذكر المصنف ً
لكن هذا لم يثبت في أث ٍر صحيح.
قول ٍ
موافق لل َقلب :اللهم اسقنا رحمة ،اللهم اجعلها إنما ما وافق القلب ،وال حرج في أن تدعو بما يسر اهلل لك من ٍ
سقيا رحمة ال سقيا عذاب ،وهكذا.
فإذا كثر المطر وخيف ضرره ،قال :اللهم حوالينا وال علينا ،حتى ال يضر.
كذلك يستحب إذا نزل المطر أن يخرج فيضع يده فيه ،ويشمرعن ثوبه كما فعل النبي ﷺ.
ثم إذا سقوا وإال عادوا إلى ذلك مرًة أخرى.
فإذا سمع الرعد ،أو رأى البرق يسن له أن يسبح وأن يستغفر ربه جل وعال.
هذه هي صالة االستسقاء.
بقي لنا الصالة الرابعة وهي صالة الخوف .إذن أخذنا :صالة العيدين ،صالة الكسوف ،صالة االستسقاء ،صالة الخوف.
فصل في كيفية صالة الخوف.
قال الماتن ٌ :
قال :وصالة الخوف على ثالثة أضرب:
-أحدها :أن يكون العدو في غير جهة القبلة ،فيفرقهم اإلمام فرقتين :فرقةٌ تقف في وجه العدو وفرقةٌ تقف خلفه ،فيصلي
بالفرقة التي تقف خلفه ركعة ،ثم تتم لنفسها وتمضي إلى وجه العدو ،وتأتي الطائفة األخرى فيصلي بهم ركعة وتتم لنفسها
ويسلم بها.
188
-والثاني :أن يكون العدو في جهة القبلة ،فيصفهم اإلمام صفين ،ويحرم ب ِهما فإذا سجد سجد معه أحد الصفين ،ووقف
الصف اآلخر يحرسهم ،فإذا رفع سجدوا ولحقوه.
ٍ
مستقبل لها. اجال أو راكبًا ،مستقبل القبلة وغير
-والثالث :أن يكون في شدة الخوف والتحام الحرب ،فيصلي كيف أمكنه ر ً
هذه هي صالة الخوف.
قال الشارح :صالة ال خوف وهو ضد األمن ،وحكم صالة األمن كحكم صالة الخوف أي في الوجوب ،لكن تختلف في
الصفة.
ٱلصلَ ٰوةَ﴾ [النساء.]١٠٢ : نت فِي ِه ْم فَأَقَ ْم َ
ت لَ ُه ُم َّ واألصل فيها قوله تعالىَ ﴿ :وإِذَا ُك َ
وذكر المصنف أن صالة الخوف على ثالثة أضرب:
189
جميعا ،هذه هي الصفة الثانية ،إذن كل صف صلى خلف اإلمام ركعة في الصف
جميعا ويسلم بهم ً
ثم يتشهد بهم ً
األول ،وركعة في الصف الثاني.
ثم نختم كتاب الصالة بهذا الباب :قال الماتن :فصل في اللباس
وجلوس عليه واستناد
ٌ وتدثر
بفرش ٌقال :ويحرم على الرجال لبس الحرير ،ومثل اللبس سائر أنواع االستعمال ٍ
يسما وبعضه قطنًا أو
قال :والتختم بالذهب ،ويحل للنساء ،وقليل الذهب وكثيره في التحريم سواءٌ ،وإذا كان بعض الثوب إبر ً
كتانًا جاز لبسه ما لم يكن اإلبريسم غالبًا.
معنى هذا أن المصنف قال :فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما ال يجوز.
قال :يحرم على الرجال ،أي المكلفين حال االختيار لبس الحرير ،وهو :ما يحل عن دودةٍ بعد موتها ،أي دودة القز.
قال :يستوي في ذلك االستعمال والجلوس عليه واالستناد.
واختلفوا في هذا ...لكن جاز لبسه حال الضرورة لما رخص النبي ﷺ في ذلك.
وأما دليل النهي حديث حذيفة” :نهانا رسول اهلل ﷺ عن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه“.
وأما حال الضرورة فال حرج في ذلك وال مضرة
ألن النبي ﷺ رخص لعبد الرحمن بن عوف في لبسه.
كذلك التختم بالذهب ال يجوز ألن النبي ﷺ أخذ في يمينه قطعةٌ من حرير وفي شماله قطعة ٍ
ذهب وقال” :هذان
حل إلناثهم“.
ام على ذكور أمتي ٌ
(أي استعمالهما) حر ٌ
ويلحق الخنثى بالرجل احتياطًا.
قال :ويحل للنساء لبس الحرير واستعمال الفرش ،والتختم بالذهب والتحلي به ،للحديث السابق.
ِ
ككثيره في ذلك. قال :ويسير الذهب
أما إذا كان الثوب بعضه حرير وبعضه قطنًا ،فإذا غلب القطن أو الكتان على الحرير وكان الحرير بمقدار أربعة أصابع جاز له
أن يلبسه.
وبذلك أحبتي في اهلل تنتهي المحاضرة الخامسة عشرة ،وبها ينتهي كتاب الصالة.
هذا وسبحانك اللهم وبحمدك ،نشهد أن ال إله إال أنت ،نستغفرك ونتوب إليك،
والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته.
190
المحاضـرة الـسادسة عشـرة
أما بعد ،أحبتي في اهلل طلبة وطالبات كلية العلوم الشرعية والعربية ،الفرقة الثانية ،مادة الفقه ،المذهب الشافعي ،هذه هي
المحاضرة السادسة عشر واألخيرة ونتناول فيها [أحكام الجنازة]
ونحن نشرح كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع] لإلمام /محمد بن أحمد الخطيب الشربيني.
فصل فيما يتعلق بالميت من غسله وتكفينه والصالة عليه ودفنه
قال الماتن ٌ :
قال :ويلزم في الميت أربعة أشياء :غسله ،وتكفينه ،والصالة عليه ،ودفنه.
هذه األشياء التي تلزم في الميت.
فصل في الجنازة».
قالٌ « :
اسم للميت في النعش ،فإن لم يكن عليه الميت فهو سر ٌير ِ
والجنازة بالكسر والفتح ،لغتان مشهورتانٌ ،
والجنازة َ
ونعش.
قال :ويلزم الميت (أي غير الشهيد) أربعة أشياء على جهة فرض الكفاية ،وليس على فرض الوجوب العيني ،بل هذه
األشياء :الغسل ،والتكفين ،والصالة ،والدفن من فروض الكفاية.
وفرض الكفاية هو :الذي إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.
قال :غسله:
أي إذا تيقن موته بظهور األمارات أو باستشارة األطباء،
ومن األمارات :استرخاء القدم ،وميل األنف ،وانخساف الصدغ.
ٍ
غيبوبة أو أغمي عليه أو أغشي عليه أخر ُو ُجوبًا حتى يتيقن الموت. قال :فإن شكوا في موته كأن يكون في
قال :وأقل الغسل تعميم بدنه بالماء مرة كالحي؛ ألن ذلك هو الفرض كغسل الجنابة ،وهذا الذي عليه جماهير
العلماء.
وال تجب النية :ألن القصد بغسل الميت النظافة ،وال يشترط في التنظيف النية.
ٍ
سخيف ألنه قميص ٍ
بال أو ٍ قال :وأكمله( ،أي أكمل الغسل) أن يغسل في خلوةٍ ال يدخلها إال الغاسل ومن يعينه ،في
أستر له.
كلوح لئال يصيبه الرشاش ،ويغسل ٍ
بماء بارد؛ ولو احتاج إلى الماء المسخن ال حرج في ذلك إلزالة يوضع على مرتف ٍع ٍ
وسخ أو شيء.
ٍ
برفق َمائًِال إلى ورائه ،ويضع يمينه على كتفه ،وإبهامهُ في قفاه.
ويستحب أن يجلسه الغاسل على المرتفع ٍ
ٍ
بمبالغة ليخرج ما فيه من الفضالت. ويسند ظهره بركبتيه أو بمن يعينه ،ويمر بيساره على بطنه
191
ٍ
ملفوفة على يساره سوأتيه؛ (أي القبل والدبر) ٍ
بخرقة ثم ينجيه ،ويغسل
ومن ََخريه ،ثم يوضئه كالحي ،ثم يغسل رأسه فلحيتهُ بنحو سد ٍر.
ثم يلقيها ويلف أخرى .وينظف أسنانه َ
ٍ
بمشط واسع األسنان برفق. والمرأة يسرح شعرها ،وقيل شعرهما أي المرأة والرجل إن تلبد
قال :ثم يغسل شقه األيمن ثم األيسر ،ثم يُحرفهُ إلى شقه األيسر فيغسل شقه األيمن مما يلي قفاه ،ثم يحرفه إلى
األيسر فيغسل شقه األيسر كذلك ُم ْستَ ِعينًا في ذلك كله بنحو سد ٍر.
بماء من فوقه إلى قدمه ،ثم يعممه كذلك ٍ
بماء قراح فما فيه قليل كافوٍر. ثم يزيله ٍ
قال :ويندب أال ينظر الغاسل من غير عورته إال قدر الحاجة ،أما العورة فيحرم النظر إليها من الغاسل وغيره.
ٍ
بخرقة. قال :وأن يغطي وجهه
وهذا ال دليل عليها.
لمصلحة إذا كان صاحب ٍ
بدعة ٍ سوءا يحرم ذكره ،إال ِ
وأن يكون الغاسل أَمينًا إذا رأى َخ ْيـ ًرا يسن أن يذكره ،وإذا رأى ً
ظاهرة.
قال :ومن تعذر غسله يُ ِّمم كالمحروق ،أو الذي مكث في الماء بضعة أيام.
قال :وال يكره في الغاسل أن يكون ُجنُبًا ،واألولى أن يكون ُمتَطَ ِّه ًرا.
قال :والرجل أولى بالرجل ،والمرأة أولى بالمرأة ،لكن للرجل أن يغسل زوجته ،وكذلك أمته ولو كتابية.
ٍ
رجعية غسل زوجها ولو نكحت غيره ،بال ٍ
مس منها له. ٍ
ولزوجة غير
أجنبي في الميت المرأة ،أو أجنبيةٌ مع الرجل يُ ِّمم الميت وال يغسل من قبل أجنبية ،وال تغسل
ٌ قال :فإن لم يحضر إال
المرأة من قبل أجنبي من الرجال.
قال :ويجوز للرجل أن يغسل الصبي الصغير ،والمرأة كذلك ما لم يبلغ حد الشهوة ،وال فرق بين الرجال والنساء في
ذلك في المذهب.
ويغسل فوق ٍ
ثوب أولى.
قال :كذلك يسن أن يغسله ويصلي عليه عصبته من الرجال من النسب ،ثم الوالء ،ثم اإلمام أو نائبه.
واألفقهُ أولى من األسن ،واألقرب والبعيد الفقيهُ أولى من األقرب غير الفقيه.
192
إذن صفة الغسل نعيدها مرًة أخرى:
لوح مرتفع لئال يصيبه الرشاش.
• أن يضعه على ٍ
• أن يستر ما بين السرة إلى الركبة.
• أن يغسله ٍ
بماء بارد ،إال إذا كان لحاجة فال بأس ماء الساخن.
• أن يجلسه الغاسل على مرتف ٍع ٍ
برفق ويمر بيده على بطنه ،ليخرج ما فيها من الفضالت.
والمنخرين.
• أن يلف خرقة ويغسل سوأتيه ،ثم خرقةٌ أخرى وينظف األسنان َ
• ثم يوضئه كالحي ،ثم يغسل رأسه فلحيتهُ بنحو سد ٍر.
• ثم يغسل الشق األيمن ثم األيسر ،ثم يحرفهُ إلى شقه األيسر فيغسل شقه األيمن مما يلي قفاه ،أي من
ظهره ،واأليسر كذلك.
• ثم يسن غسلةٌ ثانية وثالثة.
فإذا انتهى من تغسيل الميت.
193
فنقول :المنفعة على ما تقتضي.
اس ًعا ،وسن مغسول ،وأن يبسط أحسن اللفائف وأوسعها والباقي فوقها ،وأن يذر وينبغي أن يكون الكفن سابِغًا أي و ِ
َ َ
كل وعلى الميت َحنُوطًا ،ويوضع الميت فوقها ُم ْستَـل ِْقيًا ،وتشد هذه اللفائف حتى ال تنتشر أثناء الحمل ،وتحل
على ٍ
في القبر.
أب وإن أوصى بها لغيره ،فأبوه وإن عال ،فابن ،فابنهُ وإن سفل ،فبَاقي العصبة
قال :واألولى بإمامة صالة الميت ٌ
بترتيب اإلرث ،ثم ذو الرحم.
حر ٌ
عدل على عبد أقرب منه ولو أفقه وأسن. ويقدم (أي في الصالة) ٌ
درجة قُ ِدم األسن في اإلسالم العدل على األفقه منه عكس سائر الصلوات.
فلو استوى اثنان في ٍ
صلي عليه بعد غسله وستره بخرقة ،ودفنه كالميت الحاضر. ٍ ميت ٍقال :ولو وجد جزء ٍ
مسلم غير شهيد ُ
194
يعني :رجل فقد فبحثوا عنه فوجدوه قد أكلته السباع ولم يجدوا إال ذراعه ،أو لم يجدوا إال رجله ،ماذا يصنعون؟
يغسلونَها ويكفنونَها ويصلون عليها.
إذن التغسيل ثم التكفين ثم الصالة عليه.
ِ
يغسالن وال يصلى عليهما. قال الماتن :واثنان ال
-الشهيد في معركة المشركين.
صا ِر ًخا.
-والسقط الذي لم يستهل َ
أي إذا قتل الرجل أو المرأة في المعركة كمن قتلوا في بدر أو في أحد أو في غيرها من غزوات النبي ﷺ ،سواء كان ذَ َك ًرا
أو أنثى ،أو َرقِي ًقا سواء كان بالغ أو غير بالغ إذا مات في معركة المشركين فإنه ال يغسل
لحديث جابر ”أن النبي ﷺ أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم“.
ِ
كدعائه للميت، جمعا بين األدلة ،أنه دعا لهم
وأما خبر أنه خرج فصلى على قتلى أحد صالته على الميت ،فالمراد ً
ص ِّل َعلَْي ِه ْم﴾ أي ُ
ادع لهم. كقوله تعالىَ ﴿ :و َ
وسمي الشهيد َش ِهي ًدا :لشهادة اهلل تعالى ورسوله له بالجنة.
تبق له حياةٌ مستقرة قبل انقضاء الحرب ،سواء قتله كافر ،أو أصابه سالح
قال :وهو الذي يموت في أرض المعركة ،ولم َ
مسلم ،أو عاد إليه سالحه أو رمحه ،أو قتلته دابته بأن سقط عنها ،أو تردى حال قتاله في بئر ،أو انكشف عنه الحرب ولم
يعلم سبب قتله ،وإن لم يكن عليه أثر دم فالظاهر موته بسبب الحرب.
بمرض ،أو فجأة ،أو قتال بغاةٍ فليس بشهيد.
ٍ أما غيره من الشهداء كمن يموت
احا ،أما الشهيد العاري عما ذكرنا كالغريق ،والمبطون ،والمطعون ،والميت ميتةً مطلقة
قال :ويعتبر في قتال المشركين كونه ُمبَ ً
فهؤالء يغسلوا ويصلى عليهم.
195
صا ِر ًخا بأن لم تعلم حياته ولم يظهر خلقه ،فال تجوز الصالة عليه،
الس ْقط ،الذي لم يستهل َ
الس ْقط أو َ
الس ْقط أو ُ
قال :الثانيِّ :
ٍ
بخرقة ودفنه دون غيرهما ،هذا هو المذهب. وال تجب ،وال يجب غسله ،ويسن ستره
لكن لو غسل وصلي عليه فقد أثبته كثير من أهل العلم.
قال الماتن :ويغسل الميت ِوتْـرا ،ويكون في أول غسله سدر ،وفي آخره ٍ
شيء من كافور. ٌ ً
قميص وال عمامة ،والمرأة في خمسة أثواب.
ٌ بيض ليس فيها ويكفن في ثالثة ٍ
أثواب ٍ
سبعا إذا رأيتن ذلك“. ويغسل الميت ِوتْـ ًرا نَ ْدبًا ،كما قال النبي ﷺ ”اغسلنها ثالثًا أو ً
خمسا أو ً
قال« :وفي آخره» أي آخر هذه األغسال الثالثة أي الوتر أو الخامس أو السابع شيءٌ من كافور.
كما قال النبي ﷺ ”واجعلن في اآلخرة شيئًا من كافور“.
ومحله في غير المحرم ،أما المحرم فال يقرب طَيبًا وال يوضع عليه.
196
لعموم خبر ”ال صالة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب“.
وهذه الفاتحة بعد التكبيرة األولى
لكن رجح الخطيب البغدادي ،ورجحه النووي في المنهاج أن الفاتحة تجزئ في غير الركعة األولى ،أي في الثانية أو الثالثة
أو الرابعة.
وجزم به في المجموع فقال :يجوز أن يجمع في التكبيرة الثانية بين القراءة والصالة على النبي ﷺ ،وفي الثالثة بين
القراءة والدعاء للميت وهكذا.
قال :وال يشترط الترتيب بين الفاتحة وبين الركن الذي قرأت الفاتحة فيه ،لكن ال يجوز أن يقرأ بعضها في رك ٍن ،وبعضها
في رك ٍن آخر.
-الركن الخامس :الصالة على النبي ﷺ بعد التكبيرة الثانية.
ٍ
محمد) ،وتسن الصالة على اآلل كالدعاء للمؤمنين وكما في التشهد. قال :وأقلها (اللهم صل على
-الركن السادس :يدعو للميت بخصوصه؛ ألنه المقصود األعظم من الصالة.
يعني يخص الميت بالدعاء في التكبيرة الثالثة (اللهم ارحمه واغفر له)
وأما األكمل فذكره المصنف.
كذلك الدعاء بعد الثالثة فال يجزئ في غيرها ،وليس لتخصيصه إال مجرد االتباع.
قال :ويسن رفع يديه في تكبيرتها حذو منكبيه ،ويضع يديه بعد كل تكبيرة تحت صدره كغيرها من الصلوات.
ثم ذكر بعد ذلك الدعاء فيقول” :اللهم اغفر لحيِّنا وميتنا ،وشاهدنا وغائبنا ،وصغيرنا وكبيرنا ،وذكرنا وأنثانا ،اللهم من
أحييته منا فأحييه على اإلسالم ،ومن توفيته منا فتوفه على اإليمان“.
عب َديْك ،خرج من روح الدنيا وسعتها ،ومحبوبه وأحبائه
قال الماتن :وأن يقول هذا الدعاء” :اللهم إن هذا عبدك وابن ْ
فيها ،إلى ظلمة القبر وما هو القيه ،كان يشهد أن ال إله إال أنت وحدك ال شريك لك ،وأن ُم َح َّم ًدا عبدك ورسولك ،وأنت أعلم
غني عن عذابه ،وقد جئناك راغبين إليك شفعاء ِ ٍ
به منا ،اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به ،وأصبح فَق ًيرا إلى رحمتك وأنت ٌ
له ،اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه ،وإن كان ُم ِسيئًا فتجاوز عنه ،ولقه برحمتك رضاك ،وقه فتنة القبر وعذابه ،وأفسح له
آمنَّا إلى جنتك برحمتك يا أرحم الراحمين“.
في قبره وجافي األرض عن جنبيه ،ولقه برحمتك األمن من عذابك حتى تبعثه َ
يحا ثَابِتًا عن النبي ﷺ ،ولكن ما وافق القلب اللسان فهو أولى ،أو ما ثبت عن النبي هذا الدعاء ال أعلم فيه ح ِديثًا ِ
صح ًَ َ
ﷺ فيما ذكرنا ”اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه ،وأكرم نزله ووسع مدخله ،اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد،
اللهم نقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب األبيض من الدنس ،اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد ،اللهم أبدله َد ًارا َخ ْيـ ًرا
وزْو ًجا َخ ْيـ ًرا من زوجه“.
من داره ،وأ َْه ًال َخ ْيـ ًرا من أهلهَ ،
197
قال الماتن :ويقول في الرابعة« :اللهم ال تحرمنا أجره ،وال تفتنا بعده ،واغفر لنا وله» ،ويسلم بعد الرابعة.
ِ
كسالم غيرها من الصلوات ،فال يزيد (وبركاته) لمن قال تسن. ويسلم بعد الرابعة
وال يقتصر على تسليمة واحدة تلقاء وجه.
وإن قال في المجموع :إنه األشهر.
قال :وتحرم الصالة على الكافر ،وال يجب طهره؛ ألنه كرامةٌ وهو ليس من أهلها.
وفاء بذمته.
ويجب علينا تكفين الذمي ودفنه حيث لم يكن له مال ،وال من تلزمه نفقته ً
كل؛ إذ ال يتم ٍ
وشهيد بغير شهيد وجب تجهيز ٍ ٍ
كمسلم بكافر، قال :ولو اختلط من يصلي عليه بغيره ولم يتميز،
الواجب إال بذلك.
ويصلي على الجميع وهو أفضل أو على ٍ
واحد واحد.
ٍ
صفوف فأكثر ٍ
بمسجد وبثالثة قال :ويسن الصالة عليه
لحديث مسلم ”ما من ٍ
مسلم يموت فيصلي عليه ثالثة صفوف إال غفر له“.
قال :وال تسن إعادتُها (أي صالة الجنازة) ومع ذلك لو أعيدت وقعت نَـ ْف ًال ،وال تؤخر لغير ولي.
س ُّل من ِقبَل رأسه برفق ،ويقول الذي يلحده :بسم اهلل ،وعلى ملة رسول اهلل. ٍ
قال :ويدفن في لحد مستقبل القبلة ،ويُ َ
ويُضجع في القبر بعد أن يعمق قام ًة ويبسطه ،ويسطح القبر ،وال يبنى عليه ،وال يجصص .وال بأس بالبكاء على الميت.
198
قال :ويسل ،أي يوضع في القبر أو يدخل من قِبَل رأسه ،برفق (أي رأس الميت) ومن قِبَل رجل القبر.
زوج وإن لم يكن له ح ٌق في
ويدخله األحق بالصالة عليه درجة ،فال يدخله ولو أنثى إال الرجال ،لكن األحق في األنثى ٌ
الصالة ،فمحرمٌ ،فعب ُدها؛ ألنه كالمحرم في النظر ونحوه.
قال :ويقول الذي يلحده (أي يدخله القبر) نَ ْدبًا :بسم اهلل وعلى ملة (أي على دين) رسول اهلل ﷺ.
كاالضجاع عند النوم.
ِ ويضجع في القبر (أي على ِ
يمينه) نَ ْدبًا، ُ
قال :بعد أن يوسع ويزاد في طوله وعرضه ،وأن يعمق القبر ويضم حرفه.
وقيل ثالثة أذرع ،وقيل أربعة أذرع ،وقيل نحو غيره.
ويكره أن يوضع تحته وسادة أو فرش أو نحو ذلك.
كبيت ،وال يجصص (أي يبيض بالجص) وهو ال ِ
ْج ْبس وقيل الجير. قبة ٍوال يبنى على القبر نحو ٍ
ِ
بتجصيصه) تطيينهُ فإنه ال بأس به. قال :وخرج (
قال في "المجموع" :وهو الصحيح.
قال :وتكره الكتابة عليه سواء كتب عليه اسم صاحبه أم غيره.
ويكره أن يجعل على القبر مظلة؛ ألن عمر رأى قبةً فنَحاها وقال” :دعوه يظله عمله“.
ولو بنى عليه في مقبرة أو غير ذلك هدم البناء.
199
نوح ،وال شق ٍ
ثوب ،قبل الموت أو بعد الموت. قال :وال بأس بالبكاء على الميت من غير ٍ
والبكاء قبل الموت أولى من بعده ،لكن األولى عدمه بحضرة المحتضر ،والبكاء عليه بعد الموت خالف األولى،
َس ًفا على ما فات.
ويكون أ َ
ولكن من غير نوح :وهو رفع الصوت بالندب وهو حرام.
بال من قطر ٍ
ان ودرعٌ من جرب“. ”النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سر ٌ
والنائحة :هي التي تُعدد محاسن الميت.
والسربال :القميص
قميص فوقه.
ٌ والدرع:
ٍ
بشيء ٍ
صوت بإفراط في البكاء ،فكل ذلك ليس وجه ،وإلقاء ٍ
رماد على الرأس ،ورفع جيب ،ونشر شع ٍر ،وتسويد ٍ
قال :وال شق ٍ
إنما يحرم
لما جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ قال” :ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية“.
ويحرم الجزع بضرب صدره ونحوه كضرب خد (وهو ما نسميه باللطم).
قال :وتندب المبادرة بقضاء دين الميت إن تيسر َح ًاال ،قبل االنشغال بتجهيزه
لخبر” :نفس المؤمن (أي روحه) معلقة (أي محبوسة) عن مقامها الكريم بدينه حتى يقضى عنه“.
200
ويسن أن يكثر من ذكر الموت
قليل إال كثرهِ“.
لقوله ﷺ” :أكثروا من ذكر هادم اللذات ،فإنه ما يذكر في كثي ٍر إال قلله ،وال ٍ
ويحرم نقل الميت قبل دفنه من محل موته إلى ٍ
محل أبعد من مقبرة ليدفن فيها.
قال :لكن يقدم األب على االبن وإن كان أفضل منه؛ لحرمة األبوة ،وتقدم األم على البنت وإن كانت أفضل منها وهكذا.
قال :ويسن أن يقفوا بعد الدفن عند قبره ساعةً يسألون له التثبيت؛
ألنه ﷺ كان إذا فرغ من دفن ٍ
ميت وقف عليه وقال” :استغفروا ألخيكم واسألوا له التثبيت فإنه اآلن يسأل“.
ٍ
لحديث ورد فيه وهذا الحديث. قال :وآخر الكتاب :يسن تلقين الميت المكلف بعد الدفن؛
ٍ
بشواهد من األحاديث الصحيحة ،ولم تزل الناس على العمل به من العصر األول في ض ِعي ًفا لكنه اعتضد
قال النووي :وإن كان َ
زمن من يقتدى به.
ويعقد الملقن عند رأس القبر ،أما غير المكلف وهو الطفل ونحوه ممن لم يتقدمه فال يلقن.
وفي الحقيقة كل األحاديث الواردة في تلقين الميت غير صحيحة ،وال ترتقي إلى درجة حتى الحسن لغيره ،فال يشرع تلقين
الميت.
201
قال :وسن لجيران الميت القربى أن يصنعوا طَ َع ًاما يشبعهم يَـ ْوًما وليلة؛ لشغلهم بالحزن عليه وأن يلح عليهم في األكل وإن
يضعفه بتركه.
وهكذا تنتهي أحكام الميت ،وبه تنتهي هذه المحاضرة ،وبه ينته ي الفصل الدراسي األول ،وبه تنتهي محاضرات هذا الفصل،
على أمل أن نلتقي بكم إن شاء اهلل تعالى إذا قدر اهلل البقاء واللقاء في الفصل الثاني لتَتمة شرح كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ
أبي شجاع].
202
الخاتـم ـ ــة
نسألكم الدعاء لمن قام بجمع وتنسيق المحاضرات ،حتى خرجت إليكم بهذا الشكل البسيط الفريد.
203
"فهـرس "تفري ــغ المحاضرات
(فهد بن عبدالعزيــز)
204