You are on page 1of 204

‫كلية العلوم الشرعية واإلسالمية‬

‫مادة الفقة الشافعـي‬


‫مادة الفقة الشافعـي ‪ -‬الفرقة الثاني ــة‬
‫شرح الشيخ‪ /‬أيمن بن موسى‬ ‫"اإلقن ــاع في حل ألفاظ أبي شجــاع"‬ ‫الفصل الدراسي "األول"‬

‫المحاضرة األولـى‬
‫إن الحمد هلل تعالى نحمده‪ ،‬نستعينه ونستغفره‪ ،‬نعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده اهلل فال مضل له‪،‬‬
‫ومن يضلل فال هادي له‪.‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محمد وعلى‬ ‫ٍ‬
‫محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حمي ٌد مجيد‪ ،‬وبارك على‬ ‫ٍ‬
‫محمد وعلى آل‬ ‫اللهم صل على‬
‫ٍ‬
‫محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حمي ٌد مجيد‪.‬‬ ‫آل‬
‫أيها األحبة في اهلل‪ ،‬طلبة وطالبات كلية العلوم الشرعية والعربية‪ ،‬الفرقة الثانية‪.‬‬
‫مرحبا بكم في هذا اللقاء األول المبارك من لقاءات دراسة الفقه الشافعي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محاضرات متتالية في كتاب‪[ :‬اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع] في المذهب الشافعي‪.‬‬ ‫ونحن إن شاء اهلل تعالى سندور في‬
‫وفي لقاء اليوم إن شاء اهلل تعالى هي تقدمه بين يدي المذهب‪.‬‬
‫نتعرف على صاحب المذهب اإلمام الشافعي‪.‬‬
‫ثم نتكلم عن أصول المذهب الشافعي‪.‬‬
‫ونثلث بالمصطلحات المشهورة في المذهب‪.‬‬
‫ثم نتكلم عن المتن الذي سنقوم بشرحه‪ ،‬وصاحب المتن‪.‬‬
‫ثم نعلق على الكتاب الذي يشرح المتن‪ ،‬وصاحب هذا الكتاب‪.‬‬
‫فإن كان من بقية من ٍ‬
‫وقت‪ ،‬فسنأخذ المقدمة‪.‬‬
‫فنقول مستعينين باهلل عز وجل‪:‬‬
‫اإلمام «الشافعي»‪ ،‬صاحب المذهب‪ ،‬هو ثالث األئمة األربعة بعد اإلمام أبو حنيفة واإلمام مالك‪.‬‬
‫جاء اإلمام الشافعي‪ ،‬صاحب المذهب المغوار‪ ،‬وهو‪ « :‬أبو عبداهلل؛ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن‬
‫السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كالب»‪.‬‬
‫يجتمع مع الرسول ﷺ في «عبد مناف بن قصي»‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو ابن عم النبي محمد ﷺ ‪ ،‬وهو ممن تحرم عليه الصدقة من ذوي القربي‪ ،‬الذين لهم سهم مفروض في الخمس؛‬
‫وهم «بنو هاشم‪ ،‬وبنو المطلب»‪.‬‬
‫ولد الشافعي ‪ ‬بغزة من فلسطين‪ ،‬عام مائة وخمسون من هجرة النبي ﷺ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وحملته أمه إلى مكة عندما كان عمره سنتين‪.‬‬
‫نشأ الشافعي ‪ ‬من ٍ‬
‫اسرة فقيرة‪ ،‬كانت تعيش في فلسطين‪ ،‬وكانت مقيمة باألحياء اليمنية منها‪ ،‬وقد مات أبوه وهو صغير‪،‬‬
‫فانتقلت أمه به كما ذكرنا آنفا إلى مكة‪ ،‬خشية أن يضيع نسبه الشريف‪.‬‬
‫حفظ الشافعي ‪ ‬القرآن الكريم‪ ،‬وهو ابن السابعة من عمره‪ ،‬مما يدل على ذكائه وقوة حفظه‪ ،‬ثم اتجه إلى حفظ الحديث‬
‫النبوي على صاحبه الصالة والسالم‪ ،‬فحفظ موطأ اإلمام مالك‪.‬‬
‫وكذلك اتجه الشافعي إلى التفصح في اللغة العربية‪ ،‬فخرج في سبيل هذا إلى البادية‪ ،‬والزم قبيلة هزيل‪.‬‬
‫كذلك بدأ الشافعي ‪ ‬رحلته في طلب العلم مبكرا‪ ،‬فكانت أول رحلة إلى المدينة المنورة عندما انتشر اسم إمام المدينة‬
‫اإلمام «مالك بن أنس» في اآلفاق‪ ،‬وتناقلته الركبان‪ ،‬وبلغ مبلغا عظيما‪ ،‬في العلم والحديث‪.‬‬
‫سمت همة الشافعي الذي ما زال شابا يافعا صغيرا في السن‪ ،‬إلى الهجرة الى المدينة المنورة في طلب العلم‪.‬‬
‫ومما روي عنه في هذا المقام أنه قال‪ :‬فارقت مكة وأنا بن أربع عشرة سنة‪ ،‬ال نبات بعارضي من األبطح إلى ذي طوى‪ ،‬فرأيت‬
‫ركبا‪ ،‬فحملني شي ٌخ منهم إلى المدينة‪ ،‬فختمت من مكة إلى المدينة ست عشرة ختمة (أي للقرآن)‪ ،‬ودخلت المدينة يوم‬
‫الثامن من بعد صالة العصر‪ ،‬فصليت العصر في مسجد رسول اهلل ﷺ؛‬
‫فرأيت «مالك بن أنس» ‪ ‬متزرا ببردةٍ‪ ،‬متشحا بأخرى؛ يقول‪« :‬حدثني نافع‪ ،‬عن بن عمر‪ ،‬عن صاحب هذا القبر»؛ يضرب‬
‫بيده قبر رسول اهلل ﷺ؛ فلما رأيت ذلك هبته الهيبة العظيمة‪.‬‬
‫ومالك من أعلى األئمة األربعة إسنادا‪ ،‬حيث بينه وبين النبي ﷺ واسطتين؛‬
‫«عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬عن النبي ﷺ»‪.‬‬
‫وذهب الشافعي إلى االمام مالك‪ ،‬ولما رآه قال له‪ :‬إذا ما جاء من الغد تجيء ويجيء ما يقرأ لك‪.‬‬
‫أي تأتي ٍ‬
‫بأحد يقرأ لك الموطأ‪.‬‬
‫يقول الشافعي ‪ :‬فغدوت عليه‪ ،‬وابتدأت أن اقرأ ظاهرا‪ ،‬والكتاب في يدي‪ ،‬فكلما تهيبت مالكا وأردت أن أقطع‪ ،‬أعجبه حسن‬
‫قراءتي وإعرابي‪ ،‬فيقول‪ :‬يا فتى زد؛ حتى قرأته عليه في أيام يسيرة‪.‬‬
‫أي الموطأ‪.‬‬
‫وفي ٍ‬
‫رواية أخرى قال‪ :‬وقدمت على مالك وقد حفظت الموطأ؛‬
‫فقال لي‪ :‬احضر من يقرأ لك‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬أنا قارئ‪.‬‬
‫فقرأت الموطأ حفظا‪.‬‬
‫فقال مالك ‪ :‬إن يكن أحد يفلح فهذا الغالم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫انظر إلى ثناء اإلمام مالك بن أنس ‪ ‬على اإلمام الشافعي‪[ :‬إن يكن أحد يفلح فهذا الغالم]‪.‬‬
‫قال‪ :‬وبعد أن روى الشافعي الموطأ عن اإلمام مالك‪ ،‬الزمه يتفقه عليه‪ ،‬ويدارسه المسائل التي يفتي فيها اإلمام‪ ،‬إلى أن مات‬
‫اإلمام مالك سنة مائة وتسع وسبعون‪.‬‬
‫ثم انتقل في الرحلة إلى بغداد‪ ،‬ألن بغداد كانت عاصمة بني العباس‪ ،‬وكانت في هذا الزمان هي صرح العلم‪.‬‬
‫واتهم الشافعي بأنه مع العلوية‪ ،‬وأرسل إليه هارون الرشيد‪ ،‬ألنه كان قد وقع بين والي العباسيين والشافعي في بعض البلدان‬
‫شيءٌ ما‪ ،‬ألن الشافعي كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر جهارا جهارا‪ ،‬ال تأخذه في اهلل لومة الئم‪.‬‬
‫فأوشى به هذا الوالي إلى الخليفة‪ ،‬فأرسل هارون الرشيد أن يحضر الشافعي‪ ،‬وكان معه تسعة نفر من العلوية‪ ،‬ويقال أنه قتل‬
‫التسعة‪ ،‬ونجى الشافعي بقوة حجته‪ ،‬وشهادة القاضي محمد بن الحسن الشيباني‪.‬‬
‫وسبحان اهلل؛ هذا مالك يثني على الشافعي‪ ،‬وهذا محمد بن الحسن ينقذ الشافعي‪.‬‬
‫وسنرى طرفا من أقوال أحمد في الثناء على الشافعي‪.‬‬
‫وهذا ما كان بين أهل العلم‪ ،‬وما كان بين العلماء‪.‬‬
‫أما ما يقع اآلن من صغار الطالب‪ ،‬والوقوع في العلماء‪ ،‬وفي المشايخ‪ ،‬وفي الدعاة إلى اهلل عز وجل‪ ،‬بالسب‪ ،‬والهمز‪ ،‬واللمز؛‬
‫بخلق ألهل اإلسالم‪ ،‬وليس ٍ‬
‫بخلق للنبي ﷺ‪ ،‬وال الصحابة‪ ،‬وال األئمة الكبار‪ ،‬إنما هذا حجة من ال حجة له‪.‬‬ ‫فهذا ليس ٍ‬
‫ولذلك قال‪ :‬نجا الشافعي بقوة الحجة‪ ،‬وشهادة القاضي محمد بن الحسن الشيباني‪.‬‬
‫وتعلمون أن «محمد بن الحسن الشيباني» هو إمام المذهب الحنفي بعد أبي حنيفة‪ ،‬وبعد أبو يوسف بن ابراهيم‪.‬‬
‫وقوة الحجة كانت بقوله للرشيد وقد وجه إليه التهمة بين النطع والسيف‪ ،‬قال‪« :‬يا أمير المؤمنين؛ ما تقول في رجلين‪ ،‬أحدهما‬
‫يراني أخاه‪ ،‬واآلخر يراني عبده‪ ،‬أيهما أحب إلي؟‬
‫قال‪ :‬الذي يراك أخاه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فذاك أنت يا أمير المؤمنين‪ ،‬إنكم ولد العباس وهم ولد علي‪ ،‬ونحن بنو المطلب‪ ،‬فأنتم وولد العباس تروننا إخوانكم‪ ،‬وهم‬
‫يروننا عبيدهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فألزمه الحجة‪.‬‬
‫وكان له من العلم حظ كبير‪ ،‬ولذا رفع هارون الرشيد شأنه‪ ،‬وقال‪ :‬فخذه إليك حتى أنظر في أمره‪.‬‬
‫أي‪ :‬القاضي محمد بن الحسن‪.‬‬
‫كان قدوم الشافعي بغداد في هذه المحنة سنة مائة وأربع وثمانون من هجرة النبي ﷺ‪ ،‬وكان عمره أربع وثالثون سنة‪،‬‬
‫ف كانت هذه المحنة خيرا له؛ وجهته إلى طلب العلم بدل الوالية وتدبر شؤون السلطان‪ ،‬وجلس على كتب محمد بن الحسن‬
‫فحفظها وقرأها‪.‬‬
‫وبدأ يدرس فقها للعراقيين‪ ،‬وكذلك اجتمع له فقه الحجاز‪ ،‬وفقه العراق‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫فاجتمع لهما يغلب عليه النقل كفقه المدينة‪ ،‬والذي يغلب عليه العقل كفقه العراق‪ ،‬وتخرج بذلك على كبار الفقهاء في زمانه‪.‬‬
‫ولذلك قال ابن حجر‪ :‬انتهت رئاسة الفقه في المدينة إلى مالك بن أنس‪ ،‬فرحل إليه والزمه وأخذ عنه؛‬
‫وانتهت رئاسة الفقه في العراق إلى أبي حنيفة‪ ،‬فأخذ عن صاحبه محمد بن الحسن حمال ليس فيه شيءٌ إال وقد سمعه عليه‪.‬‬
‫فاجتمع له ع لم أهل الرأي‪ ،‬وعلم أهل الحديث‪ ،‬فتصرف في ذلك حتى أصل األصول‪ ،‬وقعد القواعد‪ ،‬وأذعن له الموافق‬
‫والمخالف‪ ،‬واشتهر أمره‪ ،‬وعلى ذكره‪ ،‬وارتفع قدره‪ ،‬حتى صار منه مع صار ‪.‬‬
‫ثم عاد الشافعي إلى مكة‪ ،‬ووضع أول كتاب‪ ،‬وهو كتاب [الرسالة في أصول الفقه]‪.‬‬
‫أخذ يلقي الدروس في الح رم المكي‪ ،‬والتقى به أكبر العلماء في موسم الحج‪ ،‬واستمعوا إليه‪ ،‬وفي هذا الوقت التقى به «أحمد‬
‫بن حنبل» ‪.‬‬
‫يج‬ ‫ٍ‬
‫وقد أخذت شخصية الشافعي تظهر بفقه جديد‪ ،‬ال هو فقه أهل المدينة وحدهم‪ ،‬وال هو فقه أهل العراق وحدهم؛ بل هو مز ٌ‬
‫منهما‪ ،‬وخالصة عقل الشافعي الذي أنضجه علم الكتاب والسنة‪ ،‬وعلم العربية‪ ،‬وأخبار الناس‪ ،‬والقياس‪ ،‬والرأي‪.‬‬
‫ولذلك كل من يلتقي به من العلماء يرى فيه عالما هو نسيج وحده‪.‬‬
‫ثم كانت رحلة الشافعي الثانية إلى بغداد‪ ،‬ثم بعد ذلك رحل إلى مصر‪ ،‬فلم يمكث في بغداد طويال حتى عاد إلى مصر‪.‬‬
‫وكان له في بغداد في الرحلة التي لم تستمر أكثر من سنتين‪ ،‬كتب في الفقه‪ ،‬وصنف في بغداد؛‬
‫ثم قدم إلى مصر سنة مائة وخمسة وتسعون من هجرة النبي ﷺ‪.‬‬
‫وصار له طريقةٌ في الفقه لم يُسبق بها‪ ،‬وجاء وهو ال ينظر إلى الفروع فيفصل أحكامها‪ ،‬وإلى المسائل الجزئية يفتي فيها فقط؛‬
‫بل جاء وهو يحمل قواعد كلية‪ ،‬أصل أصولها‪ ،‬وضبط بها المسائل الجزئية‪ ،‬فقد جاء إذن بالفقه علما كليا‪ ،‬ال فروع جزئية‪.‬‬
‫وكتب كتاب [الرسالة] ‪ ،‬وأعاد وضعه‪ ،‬ثم أعاد النظر في المسائل الفقهية التي جمعها‪ ،‬وبدأ يستدل بالقرآن‪ ،‬والسنة‪،‬‬
‫واإلجماع‪ ،‬والقياس‪ ،‬وبيان الناسخ والمنسوخ‪ ،‬ومراتب العموم‪.‬‬
‫فوضع الشافعي هذه األصول في كتاب [الرسالة] ‪ ،‬ولذلك لما قرأ عبدالرحمن بن مهدي قال‪ :‬ما أظن أن اهلل عز وجل خلق‬
‫مثل هذا الرجل‪.‬‬
‫وقيل أن الشافعي قد صنف كتاب [الرسالة] وهو ببغداد‪ ،‬ولما رجع إلى مصر أعاد تصنيف الرسالة‪.‬‬
‫ومكث في هذه المرة سنتين‪ ،‬ثم عاد بعد ذلك إلى مصر‪ ،‬ثم عاد إلى بغداد سنة مائة وثمانية وتسعون؛ وأقام أشهرا فيها‪ ،‬ثم‬
‫سافر ورجع إلى مصر مرًة أخرى‪ ،‬وقد وصل سنة مائة وتسعة وتسعين‪ ،‬وظل بمصر حتى مات‪.‬‬
‫الشافعي ‪ ‬كان يسافر إلى بغداد يريد طلب العلم‪ ،‬ولما أراد السفر إلى مصر‪ ،‬وظل بها كما قال الربيع بن سليمان‪.‬‬
‫قال الربيع بن سليمان‪ :‬وقال لي يوما (يقصد الشافعي)‪ ،‬كيف تركت أهل مصر؟‬
‫فقلت‪ :‬تركتهم على ضربين‪ ،‬فرقةٌ منهم قد مالت إلى قول مالك‪ ،‬وأخذت به‪ ،‬واعتمدت عليه‪ ،‬وذبت عنه‪ ،‬وناضلت عنه؛‬
‫وفرقةٌ قد مالت إلى قول أبي حنيفة‪ ،‬فأخذت به‪ ،‬وناضلت عنه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء أشغلهم به عن القولين جميعا‪.‬‬ ‫فقال‪ :‬أرجو أن أقدم مصر إن شاء اهلل‪ ،‬وآتيهم‬
‫قال الربيع‪ :‬ففعل ذلك واهلل حين دخل مصر‪.‬‬
‫ولما قدم الشافعي مصر على أخواله (األسد)‪ ،‬نزل عليهم؛ ولذلك قال العلماء فعل كما فعل النبي ﷺ لما قدم المدينة‬
‫فنزل على أخواله‪.‬‬
‫وظل الشافعي ‪ ‬مجادال لمخالفيه من المالكية‪ ،‬ومن الحنفية بأسلوبه‪ ،‬حتى مال إليه كثير من الناس‪.‬‬
‫لكنه لما نقض مذهب اإلمام مالك وقع في المتاعب والمصاعب‪ ،‬ألن اإلمام مالكا ‪ ‬كان له المكان األول بين المجتهدين‬
‫في مصر‪ ،‬فثاروا على الشافعي ينتقضونه‪ ،‬ويجرحونه‪ ،‬ويطعنون عليه؛ حتى ذهب جمهرتهم إلى الوالي يطلبون إخراجه‪.‬‬
‫ولما وضع الشافعي كتابه على مالك‪ ،‬ذهب أصحاب مالك إلى السلطان والتمسوا منه إخراجه‪ ،‬أي الشافعي‪.‬‬
‫ولم ينتقد الشافعي آراء مالك فقط‪ ،‬بل نقد من قبل آراء العراقيين‪ ،‬أبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬وغيرهم من فقهاء العراق؛ كما نقد‬
‫آراء األوزاعي‪.‬‬
‫وكان ‪ ‬ينابذ‪ ،‬ويجد المتعصب من هؤالء المذاهب‪ ،‬ويجادلهم بالحجة‪ ،‬حتى صار هو اإلمام المعتبر‪.‬‬
‫وكان الشافعي غزير العلم ‪ ، ‬أوتي العربية مع الكتاب والسنة‪ ،‬وأصول المسائل‪ ،‬ولقي علم الحديث فحفظ موطأ مالك‪،‬‬
‫وضبط قواعد السنة‪ ،‬وكذلك علم بالناسخ والمنسوخ‪ ،‬وتفقه في الرأي‪ ،‬والقياس‪ ،‬ووضع ضوابط القياس‪ ،‬التي هي ستكون‬
‫أصول المذهب‪.‬‬
‫ومع هذا العلم‪ ،‬كان الشافعي ‪ ‬متواضعا مع كثرة علمه وتنوعه‪.‬‬
‫ومما يدل على ذلك قوله‪ « :‬ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ؛ وما في قلبي من علم إال وددت أنه عند كل أحد وال ينسب‬
‫إلي»‪.‬‬
‫اهلل أكبر‪..‬هذا هو اإلخالص بعينه‪.‬‬
‫ولذلك قال أحمد بن حنبل‪ :‬قال لنا الشافعي؛ أنتم أعلم بالحديث والرجال مني‪ ،‬فإذا كان الحديث صحيحا فأعلموني‪ ،‬كوفيا‬
‫كان أو بصريا‪ ،‬أو شاميا‪ ،‬حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا‪.‬‬
‫وإذا انتقلنا إلى عبادة الشافعي وورعه‪ ،‬فإنه كان ورعا كثير العبادة‪.‬‬
‫فقد كان يختم القرآن في كل ليلة ختمة؛ فإذا كان شهر رمضان ختم في كل ليلة منه ختمة‪ ،‬وفي كل يوم ختمة‪ ،‬فكان يختم في‬
‫شهر رمضان ستين ختمة للقرآن‪.‬‬
‫قال الحسن بن علي الكرابيسي‪ :‬بت مع الشافعي ثمانين ليلة‪ ،‬كان يصلي نحو ثلث الليل‪ ،‬وال يمر بآية رحمة إال سأل اهلل‬
‫لنفسه وللمؤمنين أجمعين؛ وال يمر بآية عذاب إال تعوذ باهلل منها وسأل النجاة لنفسه ولجميع المسلمين‪ ،‬وكأنما جمع له الرجاء‬
‫والرهبة‪.‬‬
‫كذلك للشافعي أقوال كثيرة‪ ،‬وأحوال‪ ،‬كثيرة‪ ،‬نأخذ طرفا منها‪ ،‬ومن أراد االستزادة فسنضع إن شاء اهلل تعالى ترجمة كاملة له‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫أنا أختصر اختصارا حتى ال أطيل‪ ،‬فالكالم عن اإلمام الشافعي يحتاج إلى محاضرات ومحاضرات‪.‬‬
‫سأضع هذه الترجمة إن شاء اهلل تعالى إلى اإلدارة ليطلعوكم عليها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬طلب العلم أفضل من صالة النافلة‪.‬‬
‫ومن أقواله المأثورة‪ :‬من أراد الدنيا فعليه بالعلم‪ ،‬ومن أراد اآلخرة فعليه بالعلم‪.‬‬
‫وقال‪ :‬ما تقرب إلى اهلل تعالى بشيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم‪.‬‬
‫نسا َن لَِفي ُخ ْس ٍر﴾‬ ‫ص ِر * إِ َّن ِْ‬
‫اإل َ‬ ‫وقال ‪ :‬الناس في غفلة عن هذه السورة‪َ ﴿ :‬وال َْع ْ‬
‫قال أحمد بن حنبل عنه‪ :‬كأن اهلل تعالى قد جمع في الشافعي كل خير‪( .‬اهلل أكبر)‪.‬‬
‫هذا قول إمام من األئمة األربعة‪ ،‬إمام المذهب الحنبلي أحمد بن حنبل‪.‬‬
‫قال‪ :‬كأن اهلل تعالى قد جمع في الشافعي كل خير‪.‬‬
‫وقال الشافعي ‪ :‬ما كذبت قط؛ وال حلفت باهلل تعالى صادقا وال كاذبا‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬ما تركت غسل الجمعة في برد‪ ،‬وال سفر‪ ،‬وال غيره‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬ما شبعت منذ ست عشرة سنة‪ ،‬إال شبعة طرحتها من ساعة‪.‬‬
‫وقال‪ :‬من ال تعزه التقوى فال عز له‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬خير الدنيا واآلخرة في خمس خصال‪ :‬غنى النفس‪ ،‬وكف األذى‪ ،‬وكسب الحالل‪ ،‬ولباس التقوى‪ ،‬والثقة باهلل‬
‫تعالى على كل حال‪.‬‬
‫أقوال كثيرة لإلمام الشافعي ‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن نتكلم عن شيوخ الشافعي‪ ،‬فحدث وال حرج‪.‬‬
‫نذكر طرفا يسيرا منهم‪ :‬فإذا قلنا من المكيين‪ ،‬فهذا سفيان بن عيينة‪ ،‬ومسلم بن خالد‪ ،‬وسعيد بن سالم القداح‪ ،‬وداوود بن عبد‬
‫الرحمن العطار‪ ،‬وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داوود‪.‬‬
‫وإذا قلنا من أهل المدينة‪ ،‬فهذا مالك بن أنس ‪ ،‬وإبراهيم بن سعيد الزهري‪ ،‬وعبدالعزيز بن محمد الداوردي‪ ،‬وإبراهيم بن‬
‫محمد األسلمي‪ ،‬وعبد اهلل بن نافع‪.‬‬
‫وإذا أردنا من أهل اليمن‪ ،‬فهذا مطرف بن مازن الصنعاني‪ ،‬وهشام بن يوسف الصنعاني‪ ،‬وعمرو بن أبي سلمة التنيسي‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫واذا قلنا من أهل العراق‪ ،‬فهذا محمد بن الحسن الشيباني‪ ،‬وهذا وكيع بن الجراح أمير المؤمنين‪ ،‬وهذا حماد بن أسامة بن‬
‫زيد‪ ،‬وإسماعيل بن إبراهيم بن مخصم‪.‬‬
‫وغيرهم من العلماء الذين ال حصر لهم‪.‬‬
‫جمع من العلماء‪ ،‬منهم أحمد بن حنبل حيث قال‪ :‬إن اهلل يبعث لهذه األمة على رأس كل مائة سنة من يقرر لها‬
‫وأثنى عليه ٌ‬
‫دينها‪ ،‬فكان عمر بن عبد العزيز على رأس المائة‪ ،‬وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة األخرى‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وقال عبد اهلل بن أحمد بن حنبل‪ :‬قلت ألبي؛ أي رجل كان الشافعي؟‪ ،‬فإني أسمعك تكثر من الدعاء له‪.‬‬
‫فقال له‪ :‬يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا‪ ،‬وكالعافية للناس‪ ،‬فانظر هل لهذين من خلف أو فيهما عوض‪.‬‬
‫وذكر العلماء ثناء كثيرا على الشافعي‪.‬‬
‫نذكر طرفا منه أيضا‪ :‬فهذا أبو عبيد القاسم بن سالم قال‪ :‬ما رأيت رجال أعقل من الشافعي‪.‬‬
‫وقال‪ :‬ما رأيت رجال قط أعقل‪ ،‬وال أورع‪ ،‬وال أفصح من الشافعي‪.‬‬
‫وهذا يونس بن عبد األعلى قال‪ :‬ما رأيت أحدا أعقل من الشافعي‪ ،‬لو جمعت أمة فجعلت في عقل الشافعي لوسعهم عقله‪.‬‬
‫وتوفي الشافعي ‪ ‬آخر ليلة من رجب‪ ،‬سنة مئتين وأربع؛ وقد بلغ من العمر أربعة وخمسين عاما‪.‬‬
‫توفي ليلة الجمعة‪ ،‬بعد العشاء اآلخرة‪ ،‬بعدما صلى المغرب‪ ،‬في آخر يوم م ٍن رجب؛ ودفن يوم الجمعة‪.‬‬
‫وقال‪ :‬فانصرفنا‪ ،‬فرأينا هالل شعبان‪ ،‬سنة أربع ومئتين‪.‬‬
‫ومات الشافعي ‪ ‬منذ أكثر من ألف ومئتي وثالثين سنة‪ ،‬وما زال ‪ ‬يذكر‪ ،‬وينتشر مذهبه في البالد‪.‬‬
‫فها هو ينتشر في بالد الشام‪ ،‬وفي مصر‪ ،‬والسودان‪ ،‬والعراق‪ ،‬والحجاز‪ ،‬واألحساء‪ ،‬واليمن‪ ،‬والبحرين‪ ،‬وفارس‪ ،‬وخراسان‪ ،‬وما‬
‫ورائهما‪ ،‬وكردستان‪ ،‬وأرمينيا‪ ،‬والقوقاز؛ وكذلك شرق آسيا‪ ،‬والهند‪ ،‬وغيرها من البالد‪.‬‬
‫بل انتشر في إفريقيا الشرقية فقه اإلمام الشافعي ‪.‬‬
‫هذا باختصا ٍر شديد ما أردت أن أشير إليه‪ ،‬وأعتذر عن هذا االختصار‪ ،‬ولكن هذا من باب اإلشارة‪ ،‬وليس من باب الحديث‬
‫عن اإلمام الشافعي ‪.‬‬

‫ثم ننتقل إلى العنصر الثاني‪ :‬وهو األصول التي أصل عليها اإلمام الشافعي كتابه أو مذهبه‪.‬‬
‫بنى الشافعي مذهبه على أربعة أصول‪:‬‬

‫األصل األول‪ :‬كتاب اهلل عز وجل‪.‬‬


‫فهو مصدر التشريع األول‪ ،‬وهو الكتاب المعجز الذي تكلم به جل وعال‪ ،‬وسمعه جبريل‪ ،‬ونزل به إلى النبي محمد‬
‫ﷺ‪ ،‬فهذا الكتاب نبراس لكل من يريد النجاة‪.‬‬
‫فكان الشافعي يأخذ بظاهر القرآن ما لم تأت قرينة تصرف الظاهر إلى المؤول‪.‬‬
‫اء﴾‬
‫ِّس َ‬
‫وهذا يظهر جليا في مسائل‪ ،‬منها‪ :‬مسألة لمس المرأة‪ ،‬فأخذ بظاهر النص‪﴿ :‬أ َْو َال َم ْستُ ُم الن َ‬
‫قال ابن عباس‪ :‬هو الجماع‪ ،‬وهي كناية‪ ،‬وهذا من أدب القرآن‪.‬‬
‫لكن الشافعي قال‪ :‬هذا خالف الظاهر‪ ،‬وأصولنا أننا نأخذ بالظاهر‪.‬‬
‫اء﴾‬
‫ِّس َ‬
‫لم ْستُ ُم الن َ‬
‫وعضد هذا الظاهر بالقراءة السبعية‪﴿ :‬أ َْو َ‬
‫فكان يأخذ بظاهر القرآن ما لم تأت قرينة تصرفه‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫األصل الثاني‪ :‬هي السنة النبوية الصحيحة الصريحة‪ ،‬فكان يأخذ بسنة رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫وقد اشتهر عن اإلمام الشافعي أنه كان يقول‪ :‬كل قول لي رأيتم قول رسول اهلل ﷺ يخالفه فاضربوا بقولي عرض‬
‫الحائط‪ ،‬وخذوا بقول النبي ﷺ‪.‬‬
‫واشتهر عنه أنه قال‪ :‬إذا صح الحديث فهو مذهبي‪.‬‬
‫ولذلك كان اإلمام البيهقي وهو شافعي يقول‪ :‬وهذا مذهب الشافعي ألنه قال إذا صح الحديث فهو مذهبي‪.‬‬

‫األصل الثالث‪ :‬اإلجماع‬


‫أي إجماع األمة‪ ،‬وألن األمة ال تجتمع على ضاللة‪ ،‬فكان األخذ باإلجماع عند الشافعي‪.‬‬
‫ولذلك في زمن اإلمام الشافعي كان يرى صعوبة اإلجماع النتشار الصحابة والتابعين والعلماء في اآلفاق‪.‬‬
‫لكن إذا وجد في عهد الصحابة‪ ،‬أو التابعين‪ ،‬فال حرج في ذلك‪.‬‬
‫ولذلك كان يقول‪ :‬اإلجماع عزيز جدا‪ ،‬إال في عصر الصحابة‪ ،‬وعصر التابعين‪.‬‬
‫فبعدهم تشعبت السبل‪ ،‬وكثر الفقهاء والعلماء‪ ،‬فصعب نقل اإلجماع‪.‬‬

‫األصل الرابع هو‪ :‬القياس‪.‬‬


‫والقياس عند الشافعي كأكل المضطر للميتة‪ ،‬فهو لم يتوسع فيه‪.‬‬
‫والقياس ال يدخل فيه االستحسان عند اإلمام الشافعي‪.‬‬
‫وبعض العلماء يدخل االستحسان في باب القياس‪.‬‬
‫فالشافعي ‪ ‬ال يقول باالستحسان‪.‬‬
‫وقد صح عنه أنه قال‪ :‬من استحسن فقد شر‪.‬‬
‫ويقصد بهذا االستحسان المطلق‪.‬‬
‫ٍ‬
‫خالف في اعتباره من أصول المذهب‪.‬‬ ‫والشافعي أيضا يقول بقول الصاحب (أي الصحابة)‪ ،‬على‬
‫والراجح أن قول الصاحب‪ ،‬أي صاحب النبي ﷺ‪ ،‬حجة إن لم يخالفه أحد‪.‬‬
‫وكذلك كان الشافعي يقول‪ :‬هذا اجماعٌ سكوتي‪.‬‬
‫فهذه أصول المذهب‪.‬‬
‫وظهور المذهب‪ ،‬وقوته‪ ،‬في أصوله‪ :‬القرآن‪ ،‬والسنة‪ ،‬واالجماع‪ ،‬والقياس‪.‬‬

‫ثم ننتقل إلى العنصر الثالث‪ :‬بعض المصطلحات في المذهب الشافعي‪.‬‬


‫قول قديم‪ٌ ،‬‬
‫وقول جديد‪،‬؛‬ ‫المصطلح األول‪ :‬إذا قيل «في المسألة قوالن»‪ :‬أي لصاحب هذا المذهب‪ ،‬أي الشافعي قوالن‪ٌ ،‬‬
‫«فالقول القديم»‪ :‬هو قوله في المذهب الذي ألفه في العراق‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫«والجديد»‪ :‬هو الذي ألفه في مصر‪.‬‬
‫والمحققون في المذهب الشافعي يرون أن المذهب الجديد المتأخر ينسخ المتقدم‪ ،‬فعندهم الفتوى على المذهب‬
‫الجديد؛ إال في عشرين مسألة فقط‪ ،‬يفتون فيها على المذهب القديم‪.‬‬

‫ثانيا من المصطلحات المشهورة في المذهب الشافعي أنه يقول‪« :‬في المسألة وجهان»‪.‬‬
‫‪ -‬إذا األولى‪ :‬في المسألة قوالن‪.‬‬
‫‪ -‬الثانية‪ :‬في المسألة وجهان‪.‬‬
‫فالمراد «بالوجه»‪ :‬هو تخريج األصحاب‪ ،‬أي أصحاب الشافعي‪ ،‬على أصول الشافعي‪.‬‬
‫وأبرع الناس الذين يخرجون على أصل الشافعي «القفال وطبقته»‪.‬‬
‫فيخرجون على أصل الشافعي‪.‬‬
‫مثال توجد مسألة لم يرد فيها قول عن الشافعي؛ فيأتي القفال فينظر في أصول الشافعي التي أصلها في كتابه‬
‫[الرسالة] مثال؛ والتي كان الشافعي يمشي عليها؛ فيخرج له قوال في هذه المسألة على أصول الشافعية‪.‬‬
‫فيسمى هذا في المذهب وجها‪ ،‬وال يسمى قوال‪.‬‬
‫«فالقول»‪ :‬ما ينسب للشافعي بلسانه‪.‬‬
‫«والوجه»‪ :‬ما ينسب المخرج المجتهد في المذهب‪ ،‬ويعتبر وجها معتمدا للشافعي‪ ،‬ولو لم يقل به الشافعي‪.‬‬

‫المصطلح الثالث عند الشافعية قولهم‪« :‬الصحيح» أي «الصحيح كذا»‪.‬‬


‫هذا هو قول الشافعي وغيره‪ ،‬ليس بقول الشافعي‪.‬‬
‫فإذا وجدت النووي ‪ ‬مثال يقول في المجموع «الصحيح»‪ ،‬فالمقصود أن هذا هو قول الشافعي وغيره‪ ،‬ليس ٍ‬
‫بقول‬
‫للشافعي‪.‬‬

‫المصطلح الرابع‪« :‬األظهر»‪.‬‬


‫ومعناه‪ :‬أن في المسألة خالفا قويا‪ .‬فدليل القول األول قوي؛‬
‫ٍ‬
‫بشيء ظهر عند مجتهد الفتوى‪.‬‬ ‫ودليل القول الثاني قوي؛ فهما على درجة قوية؛ لكن األول أقوى‬
‫«ومجتهد الفتوى» مثل‪ :‬الرافعي والنووي‪.‬‬
‫أما القفال وطبقته فهم مجتهدون في التخريج‪.‬‬
‫وقولهم‪« :‬األظهر» هو ترجيح األصحاب‪ ،‬وليس ترجيح الشافعي‪ ،‬ألنه ورد عنه قوالن‪ ،‬فيرى المجتهد أن القول‬
‫األظهر في المذهب كذا‪.‬‬
‫فيقول‪ :‬هذا هو األظهر الذي يدل عليه الدليل‪ ،‬وهو أشبه بقول الشافعي‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫المصطلح الخامس‪« :‬المشهور»‪.‬‬
‫وهذا المصطلح فيه داللة على أن في هذه المسألة خالفا ضعيفا‪.‬‬
‫بخالف الصحيح‪ ،‬أو األظهر‪.‬‬
‫مهجور‪ ،‬وما يهجره أحد إال لضعفه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أي هما قوالن‪ ،‬ولكن القول الثاني‬

‫المصطلح السادس «األصح»‪.‬‬


‫هذه الكلمة تدل على أن هذا هو األصح من أقوال الشافعي‪.‬‬
‫فتكون قد وردت له أقوال‪ ،‬لكن األصح هذا القول الذي رجحه مفتي المذهب‪.‬‬
‫وقد يكون هذا هو األصح من األوجه‪.‬‬

‫المصطلح السابع‪« :‬أصح األوجه»‪.‬‬


‫وهذا يكون في األصحاب كما ذكرنا آنفا‪.‬‬
‫الثامن‪« :‬األشبه»‪.‬‬
‫يعني أن هذا هو األشبه بقول الشافعي‪ ،‬فقد تردد أقوال مختلفة تنسب للشافعي‪ ،‬فينظرون ويؤصلون على أصل‬
‫الشافعي‪ ،‬فيقولون‪ :‬هذا أشبه بقول الشافعي‪.‬‬
‫هذه أشهر المصطلحات عند اإلمام الشافعي ‪.‬‬

‫ننتقل إلى الكتاب الذي بين أيدينا‪[ :‬اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع]‪.‬‬
‫هذا الكتاب يحتوي على كتاب شرح‪ ،‬ومتن أيضا‪.‬‬
‫والمتن هو متن «الغاية والتقريب»؛ للقاضي «أبي شجاع؛ أحمد بن الحسين»‪.‬‬
‫أما نسبه‪ :‬فهو القاضي أبو شجاع‪ ،‬أحمد بن الحسين‪.‬‬
‫وبعضهم يقول‪ :‬الحسن بن أحمد األصفهاني العباداني الشافعي‪.‬‬
‫ولد سنة أربعمائة وثالث وثالثون من هجرة النبي ﷺ‪.‬‬
‫واشتهر هذا العالم بأنه إمام من أئمة المذهب الشافعي‪.‬‬
‫قال اإلمام الباجوري‪ :‬وهو إمام الناس‪ ،‬كان عابدا صالحا‪ ،‬واشتهر في اآلفاق بالعلم والديانة‪.‬‬
‫وتولى الوزارة سنة أربعمائة وسبع وأربعون من هجرة النبي ﷺ؛ فنشر العدل والدين‪.‬‬
‫وكذلك روي عنه أنه كان ال يخرج من بيته حتى يصلي ويقرأ من القرآن ما أمكنه؛ وال تأخذه في الحق لومة الئم‪.‬‬
‫وكان له عشرة أنفار يفرقون على الناس الزكوات‪ ،‬ويتحفونهم بالهبات‪ ،‬يصرف على يد الواحد منهم مائة وعشرين ألف دينار؛‬
‫فعم إنعامه الصالحين واألخيار‪ ،‬ثم زهد في الدنيا‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫درس القاضي أبو شجاع بالبصرة أزيد من أربعين سنة في مذهب اإلمام الشافعي ‪.‬‬
‫َّ‬
‫ثم أقام بالمدينة المنورة‪ ،‬يكنس المسجد الشريف‪ ،‬ويفرش الحصر‪ ،‬ويشعل المصابيح‪ ،‬إلى أن مات أحد خدام الحجرة‬
‫الشريفة‪ ،‬فأخذ وظيفته إلى أن مات ‪ ،‬سنة خمسمائة وثالث وتسعون من هجرة النبي ﷺ‪.‬‬
‫وقيل دفن بمسجده الذي بناه عند باب جبريل؛ والصحيح أنه دفن بالبقيع‪ ،‬قرب إبراهيم ولد النبي ﷺ‪.‬‬
‫وقد عاش أبو شجاع ‪ ‬مائة وستين سنة‪ ،‬ولم يختل له عضو من أعضائه؛ فقيل له في ذلك‪ ،‬قال‪ :‬ما عصيت اهلل بعضو‬
‫منها‪ ،‬فلما حفظتها في الصغر عن المعاصي‪ ،‬حفظها اهلل في الكبر‪.‬‬
‫وال يعرف له تأليف غير كتاب «غاية االختصار»‪.‬‬
‫وقال عن هذا الكتاب شارحه اإلمام شمس الدين «محمد بن أحمد الخطيب الشربيني»‪ ،‬قال‪« :‬إن اهلل تعالى قد علم من‬
‫مؤلفه خلوص نيته في تصنيفه‪ ،‬فعم النفع به‪ ،‬فقل من متعلم إال ويقرأه أوال‪ ،‬إما بحفظ‪ ،‬وإما بمطالعة‪.‬‬
‫كثير من العلماء‪ ،‬ففي ذلك داللة على أنه كان من العلماء العاملين‪ ،‬القاصدين بعلمهم وجه اهلل تعالى‪ ،‬جعل‬
‫وقد اعتنى بشرحه ٌ‬
‫اهلل تعالى قراه الجنة‪ ،‬وجعله في أعلى عليين‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫وألهمية هذا الكتاب‪ ،‬أي كتاب «غاية االختصار»‪ ،‬قال‪ :‬تناوله العلماء بخدمته شرحا‪ ،‬وتحشيةً‪ ،‬وتعليقا‪ ،‬وتقريرا‪ ،‬ونظما‪ ،‬كثير‬
‫من األئمة‪.‬‬
‫مثل‪:‬‬
‫‪« -‬الموجز في شرح مختصر أبي شجاع»؛ لجمال الدين‪ ،‬وجمال اإلسالم‪ ،‬الكرابيسي النيسابوري‪.‬‬
‫‪« -‬تحفة اللبيب في شرح التقريب»‪.‬‬
‫‪« -‬الكفاية في شرح الغاية»؛ للحافظ محمد بن علي‪ ،‬الملقب بابن دقيق العيد‪.‬‬
‫‪« -‬كفاية األخيار في حل غاية االختصار»؛ لإلمام تقي الدين أبي بكر بن محمد الدمشقي‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك «شرح مختصر ابن أبي شجاع»؛ ألحمد البخصاصي‪.‬‬
‫‪« -‬فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب»‪.‬‬
‫‪« -‬حاشية القليوبية على شرح أبي شجاع»‪.‬‬
‫شروح كثيرة موجودة لهذا الكتاب‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ومن شروحه‪« :‬اإلقناع في حل ألفاظ متن أبي شجاع»؛ لمحمد بن أحمد الخطيب الشربيني؛ الذي هو معنا اليوم إن شاء‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬وسنعلق عليه‪.‬‬
‫ولهذا المتن نظم مختصر‪ ،‬وهو «الكفاية في نظم الغاية»؛ نظم مختصر أبي شجاع‪ ،‬وغيرها من المختصرات‪.‬‬
‫بل ترجم هذا المتن إلى الفرنسية‪ ،‬وإلى األلمانية كذلك‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ثم نترجم لصاحب هذا الكتاب اإلقناع‪:‬‬
‫هو اإلمام «شمس الدين؛ محمد بن أحمد الخطيب الشربيني القاهري الشافعي»‪.‬‬
‫هو الشيخ اإلمام العالم العالمة الهمام‪« ،‬شمس الدين؛ محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي القاهري»؛ الفقيه المفسر‬
‫المتكلم النحوي‪ ،‬ولد في شربين‪ ،‬بمحافظة الدقهلية‪ ،‬وإليها ينسب‪.‬‬
‫ثم انتقل إلى القاهرة‪ ،‬واستوطنها حتى توفي‪.‬‬
‫أجازه شيوخه باإلفتاء والتدريس‪ ،‬فدرس وأفتى في حياة أشياخه‪ ،‬وانتفع به خالئ ٌق ال يحصون‪.‬‬
‫أجمع أهل مصر على صالحه‪ ،‬ووصفوه بالعلم والعمل‪ ،‬والزهد والورع‪ ،‬وكثرة النسك والعبادة‪.‬‬
‫كان من عادته أن يعتكف من أول رمضان‪ ،‬فال يخرج من الجامع إال بعد صالة العيد‪.‬‬
‫وكان إذا حج ال يركب إال بعد تعب شديد‪ ،‬وكان يمشي كثيرا عن الدابة‪.‬‬
‫وكان إذا خرج من بركة الحاج‪ ،‬لم يزل يعلم الناس المناسك‪ ،‬وآداب السفر‪ ،‬ويحثهم على الصالة‪ ،‬ويعلمهم كيف القصر‬
‫والجمع‪.‬‬
‫كان يكثر من تالوة القرآن في الطريق وغيره‪.‬‬
‫وكان ‪ ‬إذا كان بمكة أكثر من الطواف‪ ،‬ومع ذلك كان يصوم بمكة‪ ،‬والسفر‪ ،‬أكثر أيامها‪ ،‬ويؤثر على نفسه‪.‬‬
‫وقال عنه كثير من العلماء‪ ،‬ومنهم الشعراني‪ ،‬قال‪ :‬ما رأت عيني في الثالث سفرات التي سافرتها أحدا حج من العلماء وتورع‬
‫في مأكله وملبسه مثل أخي الشيخ الصالح شمس الدين الخطيب الشربيني‪ ،‬المفتي بجامع األزهر‪ ،‬فسح اهلل في أجله‪ ،‬فإني‬
‫رأيته ال يقبل من ٍ‬
‫أحد شيئا لنفقته في الطريق‪ ،‬وكان يكري له جمال وال يكاد يركب‪.‬‬
‫شرح لمتن أبي شجاع‪ ،‬وألفه وفرغ منه‬
‫وجمع الخطيب الشربيني ‪ ‬كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ متن أبي شجاع]‪ ،‬وهو ٌ‬
‫سنة تسعمائة واثنين وسبعين من هجرة النبي ﷺ‪ ،‬وله ٌ‬
‫شرح مطول‪ ،‬واختصر هذا الشرح‪.‬‬
‫وظل كذلك حتى توفي بعد العصر يوم الخميس‪ ،‬الثامن من شعبان‪ ،‬سنة سبع وسبعين وتسعمائة‪ ،‬ودفن بالقاهرة ‪.‬‬
‫وأما العنصر األخير وهو الكتاب الذي بين أيدينا [اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع]‪.‬‬
‫شروح كثيرة‪.‬‬
‫فمتن [الغاية والتقريب]‪ ،‬أو [متن أبي شجاع] له ٌ‬

‫لكن تميز هذا الشرح دون غيره‪ ،‬أنه أتى بعد أن شرح مؤلفه كتب أبي اسحاق الشيرازي‪ ،‬وكذلك المنهاج للنووي‪ ،‬ثم أتى‬
‫اإلقناع كمختص ٍر للشرحين السابقين‪ ،‬بل خالصةٌ لهما‪ ،‬فهو يحيل دائما لطالب التوسع لشرحيه المذكورين‪.‬‬
‫ويعد فقهاء الشافعية أن الفتوى تدور على «شرح المنهاج» بعد «تحفة المحتاج» البن حجر الهيثمي‪،‬‬
‫و [نهاية المحتاج] للرملي‪ ،‬وكالم القاضي زكريا في شرحه الصغير على [البهجة]‪ ،‬ثم [شرح المنهاج]‪.‬‬
‫وهذه األهمية األولى‪ ،‬أن كتاب اإلقناع جاء بعد أن شرح مؤلفه كتابين في المذهب‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫األهمية الثانية‪ :‬أن هذا الكتاب من كتب الخطيب الشربيني الذي رزق الصدق‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬وصفاء النية‪ ،‬والتواضع؛ وكلها‬
‫صفات ترزقه الصواب والقبول‪.‬‬
‫ٌ‬
‫قال الشيخ محمد بن سليمان الكردي في «الفوائد المدنية»‪ :‬وقد رزق الخطيب ‪ ‬في كتبه الحالوة في التعبير وإيضاح‬
‫العبارة كما هو مشاه ٌد محسوس في كالمه في كتبه؛ وهلل در العالمة‪.‬‬
‫حتى قال فيه أبيات‪.‬‬
‫واعتمدت هذه الطبعة من الكتاب‪ ،‬وسوف نقوم إن شاء اهلل تعالى بالتعليق على هذا الكتاب تعليقا يسيرا‪.‬‬
‫إن شاء اهلل تعالى سنبدأ اليوم بشرح المقدمة‪ ،‬والمقصود بالمقدمة أي مقدمة المتن‪ ،‬متن أبي شجاع‪ ،‬والتعليق عليها من كتاب‬
‫الخطيب الشربيني‪.‬‬
‫وأنا سوف أختصر‪ ،‬ال أقول أني ازعم أني استفرغ الوسع في قراءة الكتاب كامال‪.‬‬
‫ولكن ستوضع نسخة من الكتاب لمن أراد أن يتوسع‪.‬‬
‫‪ ‬قال الماتن؛ إذا قلت «الماتن» فهو أبو شجاع؛‬
‫‪ ‬وإذا قلت «الشارح» فهو اإلمام الخطيب الشربيني‪.‬‬

‫قال الماتن ‪[ :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصل اللهم على سيدنا محمد النبي‪ ،‬وآله وصحبه‬
‫أجمعين‪ .‬أما بعد؛ فقد سألني بعض األصدقاء حفظهم اهلل تعالى‪ ،‬أن أعمل مختصرا في الفقه على مذهب اإلمام الشافعي رضي‬
‫اهلل تعالى عنه‪ ،‬في غاية االختصار‪ ،‬ونهاية اإليجاز‪ ،‬يقرب على المتعلم درسه‪ ،‬ويسهل على المبتدأ حفظه‪ ،‬وأن أكثر فيه من‬
‫التقسيمات‪ ،‬وحصر الخصال؛ فأجبته إلى ذلك‪ ،‬طالبا للثواب‪ ،‬راغبا إلى اهلل تعالى في التوفيق للصواب‪ ،‬إنه على ما يشاء‬
‫طيف خبير]‪.‬‬
‫قدير‪ ،‬وبعباده ل ٌ‬
‫هذه هي مقدمة الماتن‪.‬‬
‫قال الشارح‪ :‬قال‪[ :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم]‪.‬‬
‫أي‪ :‬أبتدئ أو أفتتح أو أؤلف هذا الكتاب بالبداءة ببسم اهلل الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫وبسم اهلل أبدأ‪ ،‬أو أبدأ بسم اهلل؛ كما كان المعنى‪.‬‬
‫قال العرب‪ :‬بسم اهلل أرحل‪ ،‬أو بسم اهلل أرتحل‪.‬‬
‫و «االسم»‪ :‬مشت ٌق من السمو‪ ،‬وهو العلو‪ ،‬و «اهلل»‪ :‬علم على ذات اهلل الواحد األحد‪.‬‬
‫ِ‬
‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬ه ْل تَـ ْعلَ ُم لَهُ َسميًّا﴾‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬قُ ْل ُه َو اللَّهُ أ َ‬
‫َح ٌد﴾‬
‫علم على ذات اهلل تعالى‪ ،‬ال يتسمى به أحد‪ ،‬وهو من جملة األسماء التي يختص بها اهلل وحده‬
‫فلفظ الجاللة «اهلل» ٌ‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫«الرحمن الرحيم»‪ :‬صفتان متشابهتان‪ ،‬بينهما توافق‪ ،‬ويبنيان للمبالغة من مصدر رحم‪.‬‬
‫والرحمن أبلغ من الرحيم‪ ،‬ألن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى‪ ،‬ورحمن الدنيا واآلخرة‪ ،‬رحيم اآلخرة‪.‬‬
‫«الحمد هلل» ‪ :‬بدأ بالبسملة‪ ،‬ثم بالحمدلة‪ ،‬اقتداء بالكتاب العزيز‪ ،‬وعمال بخبر‪" :‬كل أمر ذي بال (أي حال يهتم به)‬
‫ال يبدأ ببسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬فهو أقطع"‪.‬‬
‫والحديث وإن كان ضعيفا‪ ،‬إال أن معناه صحيح‪ ،‬وجرى عليه أهل العلم‪ ،‬وجمع المصنف ‪ ‬كغيره بين االبتداءين‬
‫عمال بالروايتين؛ رواية البسملة‪ ،‬ورواية الحمد‪.‬‬
‫«الحمد اللفظي»‪ :‬هو الثناء باللسان على اهلل تعالى‪ ،‬والثناء الجميل على وجه التعظيم؛‬
‫سواء تعلق «بالفضائل» وهي النعم القاصرة‪ ،‬أو «بالفواضل» وهى النعم المتعدية‪.‬‬
‫فدخل في «الثناء» الحمد وغيره؛‬
‫وخرج «باللسان» الثناء بغيره‪ ،‬كالحمد بالقلب وغيره‪.‬‬
‫كذلك «الشكر»‪ :‬هو الحمد‪.‬‬
‫وعرفا‪ :‬صرف العبد جميع ما أنعم اهلل تعالى به عليه من السمع وغيره إلى ما خلق ألجله‪.‬‬
‫«والمدح»‪ :‬هو الثناء باللسان على الجميل مطلقا على جهة التعظيم‪.‬‬
‫وعرفا‪ :‬ما يدل على اختصاص الممدوح بنوع من الفضائل‪.‬‬
‫وجملة «الحمد هلل» خبرية لفظا‪ ،‬إنشائية معنى‪ ،‬لحصول الحمد بالتكلم مع اإلذعان بمدلولها‪.‬‬
‫ويجوز أن تكون موضوعة شرعا لإلنشاء‪ ،‬فالحمد مختص هلل تعالى كما أفادته الجملة‪ ،‬سواء جعلت فيه األلف والالم‬
‫لالستغراق كما عليه الجمهور‪ ،‬وهو ظاهر؛ أم للجنس كما عليه الزمخشري‪.‬‬

‫وقال‪« :‬الحمد هلل رب العالمين»‪.‬‬


‫العالمين‪ :‬اسم جمع «عالَم» بفتح الالم‪ ،‬وليس جمعا له‪ ،‬ألن العالم عام في العقالء وغيرهم‪ ،‬والعالمين مختص‬
‫بالعقالء‪ ،‬والخاص ال يكون جمعا لما هو أعم منه؛ قاله ابن مالك‪.‬‬
‫ومعنى «الحمد هلل رب العالمين»‪ :‬أي الذي يستحق جميع أنواع المحامد‪.‬‬

‫ك ِذ ْك َر َك﴾‬
‫قال‪« :‬وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد»‪ :‬وهذا من باب قول اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬وَرفَـ ْعنَا لَ َ‬
‫فإذا ذكر اهلل تعالى‪ ،‬ذكر النبي ﷺ‪.‬‬
‫وفي صحيح ابن حبان‪ ،‬يقول الشافعي ‪ :‬أحب أن يقدم المرء بين يدي خطبته الثناء على اهلل‪ ،‬والصالة على‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬والصالة من اهلل تعالى رحمةٌ مقرونةٌ بتعظيم ومن المالئكة استغفار‪ ،‬ومن اآلدميين تضر ٌ‬
‫ع ودعاء‪.‬‬
‫قال «وعلى آله»‪ :‬وهم على األصح مؤمنو بني هاشم وبني المطلب‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وقيل‪ :‬كل مؤم ٍن تقي‪ ،‬وقيل‪ :‬أمته؛ واختاره ٌ‬
‫جمع من المحققين‪.‬‬
‫«وصحبه أجمعين» ‪ :‬صحبه جمع صاحب‪ ،‬والصحابي من اجتمع مؤمنا بالنبي ﷺ في حياته ولو ساعة واحدة‪ ،‬ثم مات‬
‫على اإلسالم‪.‬‬
‫وقوله «وصحبه أجمعين»‪ :‬تأكيد‪.‬‬
‫قال «أما بعد»‪ :‬وهذه كلمة يؤتى بها لالنتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر‪.‬‬
‫وقال «فقد سألني»‪ :‬أي طلب مني‪.‬‬
‫«بعض األصدقاء»‪ :‬واألصدقاء جمع صديق‪ ،‬وهو الخليل‪.‬‬
‫«أن أعمل مختصرا»‪ :‬أي أصنف‪.‬‬
‫«مختصرا»‪ :‬وهو ما قل لفظه وكثر معناه‪ ،‬ال مبسوطا مطوال‪ ،‬وال مخال ال يفهم‪.‬‬
‫قال «في علم الفقه»‪ :‬الذي هو المقصود بين العلوم بالذات‪ ،‬وباقيها كاآلالت‪ ،‬ألنه به يعرف الحالل والحرام واألحكام‪.‬‬
‫وإذا أردنا أن نتكلم في الفقه وتعريفه سيأتي ان شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َال يَـ ْعلَ ُمو َن﴾‬ ‫وفضل «الفقه» كما قال تعالى‪﴿ :‬قُ ْل َه ْل يَ ْستَ ِوي الذ َ‬
‫ين يَـ ْعلَ ُمو َن َوالذ َ‬
‫شى اللَّ َه ِمن ِعب ِ‬
‫ادهِ الْعُلَ َماءُ﴾‬ ‫ب ِز ْدنِي ِعل ًْما﴾‪ ،‬وقال تعالى‪﴿ :‬إِنَّ َما يَ ْخ َ‬ ‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬وقُل َّر ِّ‬
‫ْ َ‬
‫وقال النبي ﷺ‪" :‬من يرد اهلل به خيرا يفقه في الدين"‪.‬‬

‫وقال ﷺ لعلي‪" :‬ألن يهدي اهلل بك رجال واحدا ٌ‬


‫خير لك من حمر النعم"‪.‬‬
‫قال ابن مسعود‪ :‬وحمر النعم هي اإلبل الحمراء‪ ،‬وهي أفضل وأحسن أموال العرب‪.‬‬
‫وقال ﷺ‪" :‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إال من ثالث‪ ،‬صدقة جارية‪ ،‬أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"‪.‬‬
‫واألحاديث واآلثار كثيرة في فضل الفقه‪ ،‬وكالم العلماء عن هذا‪.‬‬
‫قال «على مذهب اإلمام الشافعي رضي اهلل تعالى عنه»‪.‬‬
‫وفي الحقيقة هنا وقفة‪ ،‬أني ترددت كثيرا قبل أن أقبل تكليف إخواني وشيخي حفظهم اهلل بتدريس هذا الفقه؛‬
‫ألن في الحقيقة كنت دائما ما أدرس الفقه الحنبلي‪ ،‬الذي عليه تربيت ونشأت‪ ،‬ما خال بعض الدروس اليسيرة‪ ،‬والنتف القليلة‪،‬‬
‫في القراءة في كتب الشافعية وتدريس بعض الكتب‪ ،‬وقراءتها مع إخواني‪.‬‬
‫ككتاب «األم»‪ ،‬وكتاب «المنهاج»‪ ،‬و «مغني المحتاج»‪ ،‬و «األوسط البن المنذر»‪ ،‬وبعض القراءات في «سنن البيهقي»‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫لكني أول مرة أتعمق وأقوم بشرح كتاب من أوله إلى آخره في المذهب الشافعي‪ .‬اسأل اهلل التيسير‪.‬‬
‫لل‪ ،‬أو ٍ‬
‫شيء من ذلك‪ ،‬فمني ومن الشيطان‪ ،‬ولقلة العلم‪ ،‬وأسأل اهلل العفو والغفران‪.‬‬ ‫وإذا كان من ٍ‬
‫خطأ‪ ،‬أو ز ٍ‬
‫قال‪« :‬على مذهب اإلمام الشافعي رضي اهلل تعالى عنه»‪ :‬أي على ما ذهب إليه‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫«مذهب»‪ :‬أي ما ذهب إليه اإلمام الشافعي من األحكام والمسائل التي ذهب إليها‪.‬‬
‫وقد تكلمنا في ترجمة إمام المذهب قبل قليل‪.‬‬
‫«في غاية االختصار»‪ :‬أي بالنسبة لهذا المتن‪.‬‬
‫«ونهاية اإليجاز‪ ،‬يقرب على المتعلم درسه‪ ،‬ويسهل على المبتدئ حفظه وأن اكثر فيه من التقسيمات»‪:‬‬
‫«نهايةٌ في اإليجاز»‪ :‬أي في القصر‪ ،‬ال يكون طويال ممال‪ ،‬وال قصيرا مخال‪.‬‬
‫«يقرب»‪ :‬أي لوضوح العبارة‪.‬‬
‫«على المتعلم»‪ :‬أي المبتدئ في التعليم‪.‬‬
‫«درسه»‪ :‬بسبب االختصار‪.‬‬
‫«ويسهل»‪ :‬أي يتيسر على المبتدئ‪ ،‬أي طالب الفقه «حفظه»‪.‬‬
‫قال‪« :‬وأن أكثر فيه من التقسيمات»‪ :‬يحتاج إلى تقسيمه من األحكام الفقهية اآلتية؛ كالمياه وغيرها‪.‬‬
‫قال «وحصر الخصال»‪ :‬أي ضبط الخصال الواجبة والمندوبة‪.‬‬
‫«فأجبته إلى ذلك»‪ :‬أي السائل‪ ،‬إلى تصنيف هذا المختصر بالكيفية المطلوبة‪.‬‬
‫«طالبا»‪ :‬أي مريدا للثواب والجزاء من اهلل عز وجل‪.‬‬
‫صالح يدعو له"‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قال ﷺ‪" :‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إال من ثالث‪ ،‬صدقةٌ جارية‪ ،‬أو ٌ‬
‫علم ينتفع به‪ ،‬أو ول ٌد‬
‫«وراغبا»‪ :‬ملتجئا إلى اهلل تعالى في اإلعانة على فضله وحصول التوفيق‪.‬‬
‫لطيف خبير»‪:‬‬
‫«إنه على ما يشاء قدير سبحانه‪ ،‬وبعباده ٌ‬
‫اسم من أسماء اهلل تعالى‪ ،‬واللطف أي الرأفة والرفق؛ وهو من اهلل تعالى‪.‬‬
‫اللطيف‪ٌ :‬‬
‫والتوفيق والعصمة‪ :‬بأن يخلق قدرة الطاعة على العبد‪.‬‬
‫عالم بعباده‪ ،‬وبأفعالهم‪ ،‬وبأقوالهم‪ ،‬وبمواضع حوائجهم‪ ،‬وما تخفيه صدورهم‪ ،‬إنه ولي‬
‫وقوله «خبير»‪ :‬من أسمائه أيضا سبحانه‪ٌ ،‬‬
‫ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫أحبتي في اهلل؛ وبذلك تنتهي المقدمة‪ ،‬وينتهي الدرس األول من دروس الفقه الشافعي‪.‬‬
‫أسأل اهلل العظيم‪ ،‬رب العرش الكريم‪ ،‬أن يجمعنا بنبيه‪ ،‬وبأئمة العلم والفقه والحديث وغيرهم به ﷺ‪.‬‬
‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أال إله إال أنت نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫المحاضرة الثـانيــة‬
‫اليوم إن شاء اهلل تعالى نبدأ في شرح هذا الكتاب‪.‬‬
‫قال الماتن ‪[ :‬كتاب الطهارة]‪.‬‬
‫قال الشارح‪« :‬الكتاب» أي هذا بيان أحكام الطهارة‪.‬‬
‫قال‪ :‬واعلم أن الكتاب لغ ًة معناه‪ :‬الضم والجمع‪.‬‬
‫يقال‪ :‬كتبت كتابًا وكتابةً وَك ْتبا‪.‬‬
‫ومنه قولهم «تكتب بنو فالن»‪ ،‬إذا اجتمعوا‪.‬‬
‫وكتب‪ :‬إذا خط بالقلم‪ ،‬لما فيه من اجتماع الكلمات والحروف‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مختصة من العلم‪ ،‬ويعبر عنها بالباب‪ ،‬وبالفصل أيضا‪ ،‬فإن جمع بين الثالثة قيل الكتاب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لجملة‬ ‫اسم‬
‫واصطالحا‪ٌ :‬‬

‫ٍ‬
‫فصول ومسائل غالبًا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مشتملة على‬ ‫ٍ‬
‫مختصة من الكتاب‬ ‫ٍ‬
‫لجملة‬ ‫اسم‬
‫والباب‪ٌ :‬‬
‫والباب لغةً‪ :‬ما يتوصل منه إلى غيره‪.‬‬
‫والفصل لغةً‪ :‬الحاجز بين الشيئين‪.‬‬

‫‪--‬‬ ‫‪« --‬كت ـاب الطه ـارة»‬


‫والطهارة لغةً‪ :‬النظافة والخلوص من األدناس‪ ،‬حسيةً كانت األنجاس أو معنوية‪.‬‬
‫كذلك الطهارة في الشرع‪ ،‬اختلفوا في تعريفها‪،‬‬
‫وأحسن ما قيل فيه‪ :‬إنه ارتفاع المنع المترتب على الحدث والنجس‪.‬‬
‫وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬

‫وتنقسم الطهارة إلى قسمين‪:‬‬


‫‪ -‬طهارةٌ واجبة‪ :‬كالطهارة عن الحدث‪ ،‬سواء كان حدثًا أكبر‪ ،‬أو حدثًا أصغر‪.‬‬
‫‪ -‬وطهارةٌ مستحبة‪ :‬كتجديد الوضوء‪ ،‬واألغسال المسنونة‪.‬‬

‫وهنا عند الشافعية يقسمون الطهارة إلى‪:‬‬


‫واجب‪ :‬ويسمونه بدني وقلبي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قسم‬
‫ٌ‬
‫‪ -‬فالقلبي‪ :‬كالحسد‪ ،‬والعجب‪ ،‬والرياء‪ ،‬والكبر؛ فيجب تطهير القلب منها‪.‬‬
‫‪ -‬والبدني‪ :‬كالغسل‪ ،‬والوضوء‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ثم قال الماتن ‪[ :‬أنواع المياه التي يجوز التطهر بها]‪.‬‬
‫المياه‪ :‬جمع ماء‪.‬‬
‫والمقصود بالتي يجوز التطهر بها‪ :‬أي بك ٍل منها عن الحدث والخبث‪.‬‬
‫والحدث في اللغة‪ :‬الشيء الحادث‪.‬‬
‫وفي الشرع‪ :‬يطلق على أم ٍر اعتباري يقوم باألعضاء يمنع من صحة الصالة‪ ،‬حيث ال مرخص‪.‬‬
‫وصف قائم بالبدن ال يُعلم إال إذا أخبر صاحبه عنها‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أمر اعتباري‪ :‬أي‬
‫ومعنى ٌ‬

‫قال‪[ :‬التي يجوز التطهر بها]‪.‬‬


‫ألننا سنرى أن هناك أنواع من المياه ال يجوز التطهر بها‪.‬‬
‫صد هنا ما يرفع الحدث ويزيل الخبث‪.‬‬
‫ف َق َ‬
‫والخبث في اللغة‪ :‬كل ما يستقذر فهو خبيث‪.‬‬
‫مستقذر يمنع من صحة الصالة حيث ال مرخص‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وفي الشرع‪:‬‬
‫صبي لم يطعم غير لب ٍن؛‬
‫وال فرق فيه بين «المخفف»؛ كبول ٌ‬
‫و «المتوسط»؛ كبول غيره من غير نحو الكلب‪.‬‬
‫و «المغلظ»؛ كبول الكلب‪.‬‬
‫فعندهم النجاسة إما «مخففة»‪ :‬كبول الصبي؛ وإما «متوسطة»‪ :‬كأبوال غير الكلب؛ وإما «مغلظة»‪ :‬كبول الكلب وريقه‪.‬‬
‫اء فَـتَـيَ َّم ُموا﴾‬ ‫ِ‬
‫وإنما تعين الماء في رفع الحدث‪ ،‬وهو األصل‪ ،‬لقوله تعالى‪﴿ :‬فَـلَ ْم تَج ُدوا َم ً‬
‫واألمر للوجوب؛ فإذا لم يوجد الماء انتقل إلى التيمم‪.‬‬
‫واشترط كذلك في إزالة النجاسة وإزالة الخبث‪ :‬الماء‪.‬‬
‫لما في الصحيحين من حديث أنس‪ ،‬حين بال األعرابي في المسجد‪ ،‬قال ﷺ‪" :‬صبوا عليه ذَنوبًا من ماء"‪.‬‬
‫وال َذنوب‪ :‬هو الدلو الممتلئة ماء‪.‬‬
‫واجب من النبي ﷺ بإزالة النجاسة بالماء‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫وهنا ٌ‬
‫وهنا قال‪« :‬سبع مياه»‪.‬‬
‫أي‪ :‬المياه التي يجوز التطهر بها سبع مياه‪:‬‬
‫وماء البئر‪،‬‬ ‫وماء النهر‪،‬‬ ‫وماء البحر‪،‬‬ ‫ماء السماء‪.‬‬
‫وماء البرد‪.‬‬ ‫وماء الثلج‪،‬‬ ‫وماء العين‪،‬‬

‫اء لِّيُطَ ِّه َرُكم بِ ِه﴾‬ ‫أما ماء السماء فلقوله تعالى‪﴿ :‬ويـنـ ِّز ُل علَي ُكم ِّمن َّ ِ‬
‫الس َماء َم ً‬ ‫َ‬ ‫َ َُ َ ْ‬

‫‪19‬‬
‫وبدأ به ألنه كما قال أهل العلم أشرفها‪ ،‬أي أشرف أنواع المياه‪.‬‬
‫والذي ينزل من السماء قالوا أنه أشرف من الذي ينبع من األرض‪.‬‬
‫قال في المجموع‪ :‬وهو األصح‪.‬‬
‫والمراد بالسماء في اآلية‪ :‬الجرم المعهود‪ ،‬أو السحاب‪.‬‬
‫قوالن حكاهما النووي‪.‬‬
‫هل ينزل من السماء أم ينزل من السحاب؟‬

‫قال‪ :‬وال مانع أن ينزل من ٍ‬


‫كل منهما‪.‬‬
‫إذا النوع األول من أنواع المياه التي يجوز التطهر بها‪ :‬ماء السماء‪ ،‬أي ماء المطر‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬ماء البحر‪ ،‬والمقصود بماء البحر‪ :‬أي المالح‪.‬‬
‫لحديث النبي ﷺ حيث قال‪" :‬هو الطهور ماؤه الحل ميتته"‪ .‬صححه الترمذي‪.‬‬
‫وإذا أطلق ماء البحر قصد به المالح والعذب كذلك؛ أما إذا اقترن كما هنا‪ ،‬فيقصد به الماء المالح‪.‬‬
‫فقال‪« :‬ماء البحر» أي المالح‪ ،‬و «ماء النهر» أي العذب‪.‬‬
‫وقيل ماء النهر (بفتحها وسكونها)‪ ،‬كماء النيل‪ ،‬وماء الفرات‪ ،‬ونحوهما من األنهار‪.‬‬
‫وهذا يجوز التطهر به باإلجماع‪.‬‬
‫قال وماء البئر‪ :‬وهو رابعها‪.‬‬
‫ألن النبي ﷺ لما سئل عن الوضوء من ماء البئر قال‪" :‬الماء ال ينجسه شيءٌ"‪.‬‬
‫ولما سئل عن بئر بضاعة قال‪" :‬الماء طهور ال ينجسه شيء"‪.‬‬
‫ولذلك اختلف العلماء في ماء زمزم؛‬
‫أما من حيث الوضوء فيجوز إجماعا‪.‬‬
‫وأما من حيث إزالة النجاسة وال سيما االستنجاء به‪.‬‬
‫فالمذهب على ثالثة أقوال‪:‬‬
‫‪ -‬األول‪ :‬أنه حرام‪.‬‬
‫‪ -‬والثاني‪ :‬أنه مكروه‪.‬‬
‫‪ -‬والثالث‪ :‬أنه خالف األولى‪.‬‬
‫وهذه ثالثة أوجه في المذهب حكاها الدميري وغيره‪.‬‬
‫والمعتمد في المذهب الكراهة‪ ،‬أنه يكره االستنجاء بماء زمزم لشرفه‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫ألن النبي ﷺ قال‪" :‬ماء زمزم طعام طعم"‪.‬‬
‫وقال‪" :‬ماء زمزم لما شرب له"‪.‬‬
‫فضل على غيره‪.‬‬
‫وله ٌ‬

‫قال‪ :‬وخامسها «ماء العين»‪.‬‬


‫والمقصود بالعين‪ :‬هي العين األرضية التي تنبع من ٍ‬
‫أرض أو ٍ‬
‫جبل‪.‬‬
‫فهذا الماء وكما نبع من بين أصابع النبي ﷺ‪ ،‬فيجوز التطهر به‪.‬‬

‫كذلك ماء الثلج وماء البرد‪.‬‬


‫والثلج والبرد ينزالن من السماء‪ ،‬فيعرض لهما الجمود في الهواء كما يعرض لهما على وجه األرض‪.‬‬
‫ولذلك قال‪ :‬كل هذه األنواع يجوز للمسلم أن يتوضأ بها وأن يغتسل منها‪ ،‬سواء كانت طهارة واجبة أو طهارة‬
‫مستحبة‪.‬‬

‫فإذا عرفنا أنواع المياه‪ ،‬فإن المياه على ٍ‬


‫أقسام أربعة‪:‬‬
‫أقسام المياه‪ ،‬والمقصود هنا أن هذا النوع الواحد قد ينقسم إلى أربعة أقسام‪:‬‬
‫طاهر ‪ -‬مطهر ‪ -‬غير مكروه‪ ،‬وهو الماء المطلق‪.‬‬
‫ٌ‬
‫والماء المطلق «طاهر»‪ :‬أي في نفسه‪« ،‬مطهر»‪ :‬أي لغيره‪« ،‬غير مكروه»‪ :‬أي استعماله‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وصف‪ ،‬وال صفة‪.‬‬ ‫قيد‪ ،‬وال ٍ‬
‫شرط‪ ،‬وال‬ ‫قال‪ :‬وهو الماء المطلق الذي يقع عليه اسم الماء بال ٍ‬

‫ماء مطل ًقا‪.‬‬


‫بل إذا رآه الناظر يقول هذا ماء ويسكت؛ فيسمى ً‬
‫والمقصود بهذا الماء غير المقيد‪ ،‬فيخرج إذا قيد الماء ٍ‬
‫بألف والم للعهد‪.‬‬
‫كما قال النبي ﷺ حينما سئل عن المرأة هل عليها غسل إذا احتلمت‪ ،‬قال‪" :‬نعم إذا رأت الماء"‪.‬‬
‫المقصود هنا بالماء «المني»‪ ،‬وليس أي ماء‪.‬‬
‫كذلك كونه ال يحتاج إلى تقييد إذا رآه الناظر‪ ،‬ألن القيد إنما هو الذي يؤثر في الوصف‪.‬‬
‫فقد يكون قيدا الزما كما أسلفنا‪ :‬ماء السماء‪ ،‬ماء العين‪ ،‬ماء البئر‪ .‬فهذا القيد ال يؤثر‪.‬‬
‫إنما القيد المؤثر‪ :‬هو القيد الذي يؤثر في الوصف‪.‬‬
‫يقول‪ :‬هذا ماء ورد‪ ،‬هذا ماء شجر؛ أي غيَّر في وصف الماء المطلق‪.‬‬
‫والماء المطلق‪ :‬هو ما جرى عليه كما أوردنا‪.‬‬
‫لكن هناك بعض المياه تأخذ حكم الماء المطلق للضرورة‪ ،‬كماء اختلط بطين‪ ،‬أو بطحلب‪ ،‬أو في مقره أو ممره شيء يغير‬
‫الماء‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫يخل عن تقييد‪.‬‬
‫فإنه مطلق‪ ،‬مع أنه لم ُ‬
‫كذلك أعطي جواز التطهر به ضرورًة‪ ،‬وهو مستثنى من غير المطلق‪.‬‬
‫وكذلك ال يرد الماء القليل الذي وقعت فيه نجاسة فلم تغيره وهو دون القلتين؛ وال الماء المستعمل ألنه غير مطلق‪.‬‬
‫فهذه القيود وهذه األنواع تخرج عن كونها مطلق‪ ،‬ال يجوز التطهر بها‪.‬‬

‫مطهر مكروه استعماله وهو الماء المشمس]‪ ،‬هذا هو النوع الثاني‪.‬‬


‫[وطاهر ٌ‬
‫ٌ‬ ‫قال‪:‬‬
‫‪ -‬إذن‪ ،‬النوع األول‪ :‬هو الماء المطلق‪.‬‬
‫‪ -‬والنوع الثاني‪ :‬هو الماء المشمس الذي يكره استعماله‪.‬‬
‫وطاهر» أي في نفسه‪.‬‬
‫قال‪ٌ « :‬‬
‫مطهر»‪ :‬أي لغيره‪ ،‬إال أنه مكروه استعماله شرعا‪ ،‬تنزيها في الطهارة‪.‬‬
‫« ٌ‬
‫قال‪« :‬وهو الماء المشمس» أي‪ :‬المتشمس‪ ،‬الذي سخن بالشمس‪.‬‬
‫ووضع بعض العلماء لكي يُكره االغتسال به قالوا‪ :‬ألنه يورث البرص‪.‬‬

‫ولكن اشترطوا له شروطًا ثالثة‪:‬‬


‫ببالد حارة وتنقله الشمس عن حالته إلى ٍ‬
‫حالة أخرى‪.‬‬ ‫‪ ‬األول‪ :‬أن يكون ٍ‬
‫ٍ‬
‫منطبعة غير النقدين‪ ،‬أي الذهب والفضة‪ ،‬وهي كل ما طرق‪ ،‬نحو الحديد والنحاس وغيرهما‪.‬‬ ‫‪ ‬الثاني‪ :‬أن يكون في ٍ‬
‫آنية‬
‫‪ ‬الثالث‪ :‬أن يستعمل في حال حرارته في البدن‪ ،‬ألن الشمس بحدتها تفصل منه زهومه وتعلو الماء‪ ،‬فإذا كان كذلك‬
‫أورث البرص‪.‬‬
‫ولكن الصحيح الذي عليه المذهب‪ ،‬وجزم به النووي في المجموع‪ ،‬بأن الماء المشمس غير مكروه‪.‬‬
‫ونص بعدم الكراهة كما في المجموع‪ ،‬إال إذا ثبت طبيًا‪.‬‬

‫ضا الماء تنز ًيها‪ ،‬إذا اشتد البرودة أو السخونة‪ ،‬في الطهارة‪ ،‬لمنعه اإلسباغ‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويكره أي ً‬
‫وكذا كره بعض أهل العلم مياه ثمود‪ ،‬أي أبيار ثمود وديار ثمود‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مغصوب على أهله فإنه مكروه‪.‬‬ ‫وكذلك كل‬

‫مطهر وهو الماء المستعمل]‪ ،‬وهذا النوع الثالث‪.‬‬


‫[وطاهر غير ٌ‬
‫ٌ‬ ‫قال‪:‬‬
‫إذًا األول‪ :‬هو الماء المطلق‪ ،‬والثاني‪ :‬هو الماء المشمس؛ وقلنا ال يكره‪ ،‬الثالث‪ :‬هو الماء المستعمل‪.‬‬
‫وطاهر»‪ :‬أي في نفسه‪.‬‬
‫قال‪ٌ « :‬‬
‫«غير مطه ٍر» أي لغيره‪ ،‬أي‪ :‬ال يجوز الوضوء وال االغتسال منه‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫قال‪[ :‬وهو الماء المستعمل]‪ ،‬أي وكان قليال‪ ،‬واستعمل في فرض الطهارة عن ٍ‬
‫حدث كالغسلة األولى‪.‬‬
‫طاهر في نفسه قال الشارح‪ :‬ألن السلف الصالح كانوا ال يتحرزون عما يتطاير عليهم منه‪.‬‬
‫أما كونه ٌ‬
‫وفي الصحيحين من حديث جابر‪ ،‬أنه ﷺ عاده في مرضه‪ ،‬فتوضأ وصب عليه من وضوئه‪.‬‬
‫وأما كونه غير مطه ٍر لغيره‪ ،‬فألن السلف الصالح كما قال الشارح ‪ ،‬كانوا مع قلة مياههم لم يجمعوا المستعمل‬
‫لالستعمال ثانيًا‪ ،‬بل انتقلوا إلى التيمم‪.‬‬
‫يعني كان الماء قليال‪ ،‬فلم يجمعوه لكي يتوضؤوا به مرةً أخرى‪ ،‬إنما إذا فرغ الماء انتقلوا إلى التيمم‪.‬‬
‫فدل ذلك على أنه غير مطه ٍر لغيره‪.‬‬
‫وهنا اختلف العلماء كما قال الشارح ‪ ‬في علة منع استعمال الماء المستعمل‪.‬‬
‫فقيل‪ :‬األصح أنه غير مطلق‪ ،‬وصححه النووي‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بل مطلق‪ ،‬لكن ُمنع من استعماله تعب ًدا‪ ،‬كما جزم به الرافعي‪.‬‬
‫وقال النووي إنه الصحيح عند األكثرين‪.‬‬
‫إ ًذا المنع منه إما ألنه صار ماء غير مطلق‪ ،‬وإما ألن العلة تعبدية‪.‬‬

‫قال‪[ :‬والماء المستعمل في طهارةٍ واجبة]‪.‬‬


‫ٍ‬
‫كغسل مسنون‪ ،‬أو تجديد وضوء‪ ،‬فإن الشافعي في الجديد قال‪ :‬هو طهور‪.‬‬ ‫خرج بذلك ما لو استعمل في ٍ‬
‫نفل؛‬
‫مترددا على العضو ال يثبت له حكم االستعمال ما بقيت الحاجة إلى‬
‫ً‬ ‫وهنا قال الشارح ‪ ‬فائدة‪« :‬الماء ما دام‬
‫استعماله باالتفاق للضرورة»‪.‬‬
‫مستعمال إال إذا انفصل عن أعضاء المتوضئ‪.‬‬
‫ً‬ ‫أي أن الماء ال يسمى‬
‫أما إذا كان ما زال على العضو فال بأس باستعماله‪.‬‬
‫فلو مسح أذنيه بفضل ٍ‬
‫ماء في يديه جاز‪ ،‬فهو ليس بمستعمل‪.‬‬
‫أو مسح رأسه بفضل ٍ‬
‫ماء في يديه جاز‪ ،‬ألنه ماء‪.‬‬

‫قال‪[ :‬والمتغير بما خالطه من الطاهرات]‪.‬‬


‫طاهر في نفسه غير مطه ٍر لغيره‪.‬‬
‫ضا من النوع الثالث‪ ،‬وهو كالماء المستعمل‪ٌ ،‬‬
‫أي هذا أي ً‬
‫والمتغير بما خالطه من الطاهرات هو مثل الماء المستعمل‪.‬‬

‫قال‪[ :‬والمتغير؛ سواء تغير اللون‪ ،‬أو تغير الطعم‪ ،‬أو تغيرت الرائحة‪ ،‬بما خالطه»‪ :‬أي من األعيان‪.‬‬
‫«الطاهرات»‪ :‬التي ال يمكن فصلها عنه؛ كالمسك‪ ،‬والزعفران‪ ،‬وماء الشجر‪ ،‬والملح الجبلي‪.‬‬
‫ماء مقيدا‪.‬‬
‫كثيرا فإنه ال يسمى ماء مطلقا‪ ،‬إنما صار ً‬
‫قليال أو ً‬
‫وإذا تغير اسمه؛ كالمرق‪ ،‬والشاي‪ ،‬فهنا سواء كان ً‬

‫‪23‬‬
‫يقال‪ :‬ماء ورد‪ ،‬ماء الشجر‪ ،‬ماء زعفران‪.‬‬
‫أو يخرج عن إطالقه ويغير االسم بالكلية‪.‬‬
‫يقال‪ :‬هذا مرق‪ ،‬هذا شاي‪ ،‬هذا كذا‪ ،‬هذا عصير‪.‬‬
‫هذا ماء وضع فيه شيء فصار كلون العصير‪ ،‬أو كطعم الرمان‪ ،‬أو كريح المسك‪.‬‬
‫ماء طاهرا في نفسه‪ ،‬غير مطه ٍر لغيره‪.‬‬
‫فكل هذا يصير ً‬
‫يستثنى من ذلك «الملح المائي» فإنه ال يضر‪ ،‬ألنه منعق ٌد من الماء‪.‬‬
‫تغير يسي ٍر بطاه ٍر ال يمنع االسم‪ ،‬لتعذر صون الماء عنه‪ ،‬فهذا يظل على طهوريته‪.‬‬
‫‪ ¤‬كذلك ال يضر ٌ‬
‫ٍ‬
‫بمكث وإن فحش التغير‪.‬‬ ‫تغير‬
‫‪ ¤‬كذلك ال يضر ٌ‬
‫‪ ¤‬كذلك لو تغير بطي ٍن‪ ،‬وطح ٍ‬
‫لب‪ ،‬وفي مقره وممره؛ ككبريت وغيرهم‪ ،‬ال يضر‪.‬‬
‫‪ ¤‬كذلك ال يضر إذا تغير الماء بأوراق الشجر المتناثرة والمتفتتة المختلطة به‪ ،‬فهو ال يضر‪ ،‬ألنه يتعذر صون‬
‫الماء عنها‪ ،‬ألن طرحت فإنهم اختلفوا فيها‪.‬‬

‫كذلك قال‪[ :‬الماء المتغير بما خالطه من الطاهرات]‪.‬‬


‫واحترز بقيد المخالط عن المجاورة‪ ،‬فلو تغير بالمجاورة‪ ،‬كالطاهر‪ٍ ،‬‬
‫كعود وده ٍن ولو مطيبين‪ ،‬ككافور ٍ‬
‫صلب‪ ،‬فال يضر التغيير‪،‬‬
‫إلمكان فصله‪ ،‬وبقاء اسم اإلطالق عليه‪.‬‬
‫وكذا لو تغير الماء بتر ٍ‬
‫اب ال يضر‪ ،‬هذا هو النوع الثالث‪.‬‬

‫كثيرا فتغير]‪.‬‬
‫نجس‪ ،‬وهو الذي حلت فيه نجاسةٌ وهو دون القلتين‪ ،‬أو كان ً‬
‫قال‪[ :‬وماءٌ ٌ‬
‫هذا هو النوع الرابع من أنواع المياه‪.‬‬
‫ونذكر بالثالثة األول‪ ،‬قال‪:‬‬
‫مطهر لغيره‪.‬‬
‫طاهر في نفسه ٌ‬
‫‪ ‬ماءٌ مطلق‪ ،‬يرفع الحدث ويزيل الخبث‪ٌ ،‬‬
‫‪ ‬وماءٌ يكره على المذهب‪ ،‬والراجح أنه ال يكره‪ ،‬وهو الماء المشمس‪.‬‬
‫‪ ‬وماء طاهر في نفسه غير مطهر لغيره‪ ،‬وهو الماء المستعمل أو المتغير بوصف؛ ٍ‬
‫كلون‪ ،‬أو ٍ‬
‫طعم‪ ،‬أو رائحة‪.‬‬ ‫ٌ ٌ‬

‫والنوع الرابع‪« :‬وماءٌ نجس»‪ .‬أي متنجس‪.‬‬


‫قال‪[ :‬وهو الذي حلت فيه نجاسةٌ وهو دون القلتين‪ ،‬أو كان كثيرا فتغير]‬
‫قال‪ :‬القته نجاسة‪ ،‬تدرك باألبصار وتُرى‪.‬‬
‫«وهو قليل» ‪ :‬أي دون القلتين‪ ،‬لمفهوم حديث القلتين‪ ،‬أن النبي ﷺ قال‪" :‬إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل‬
‫الخبث"‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫معناه أن ما كان دونهما فإنه يحمل الخبث‪.‬‬
‫ولذلك قال العلماء‪ :‬إن مفهوم الحديث‪ ،‬أن الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة فإنه ينجس وإن لم يتغير‪.‬‬
‫أما الماء الكثير إذا وقعت فيه نجاسة فإنه ال ينجس إال إذا تغير أحد أوصافه الثالثة؛ إما لون‪ ،‬وإما طعم‪ ،‬وإما رائحة‪.‬‬
‫ضا بقول النبي ﷺ‪ ،‬لما جاء في الصحيحين‪" :‬إذا استيقظ أحدكم من نومه فال يغمس يده في‬
‫واستدلوا لذلك أي ً‬
‫اإلناء حتى يغسلها ثالثًا فإنه ال يدري أين باتت يده"‪.‬‬
‫ضا قالوا إن النبي ﷺ نهى عن الغمس خشية النجاسة‪.‬‬
‫أي ً‬
‫نجسا باإلجماع‪ ،‬وإن بلغ ما بلغ‪.‬‬
‫أما الكثير‪ ،‬فإذا تغير أحد األوصاف صار ً‬
‫والمخصص بالقلتين أو بما دونهما هو الذي يستثنى من هذا القيد‪.‬‬
‫وألن النبي ﷺ لما سئل عن بئر بضاعة قال‪" :‬الماء ال ينجسه شيءٌ"‪.‬‬
‫وهذا يقولون خصصه مفهوم خبر القلتين‪.‬‬
‫ومع ذلك نقول‪ :‬إن الماء على المذهب‪ ،‬إذا وقعت فيه نجاسة‪ ،‬فإنه ال ينجس‪ ،‬إنما يُمنع من استعماله في رفع‬
‫الحدث‪.‬‬
‫لكن ترد علينا مسألة‪ ،‬إذا شك في الماء هل بلغ القلتين أم ال‪ ،‬ووقعت فيه نجاسة فلم تغيره!!‬
‫هنا في المذهب رأيان؛ أصحهما الثاني‪ :‬األول‪ :‬أنه ينجس‪ ،‬والثاني‪ :‬أنه ال ينجس‪.‬‬
‫واختاره النووي‪ ،‬أي الثاني‪ ،‬حيث قال في شرح المهذب‪ :‬الصواب أنه ال ينجس إذ األصل الطهارة‪ ،‬وشككنا في‬
‫ٍ‬
‫نجاسة متنجسة‪ ،‬وال يلزم من حصول النجاسة التنجيس‪.‬‬
‫هنا هذا هو النوع الثاني‪.‬‬
‫سائل أصالة؛‬
‫لكن استثنى العلماء من الماء النجس ميتة ال دم لها ٌ‬
‫ٍ‬
‫وبرغوث؛‬ ‫ٍ‬
‫ووزغوذباب‪ ،‬وقمل‪،‬‬ ‫كزنبوٍر‪ ،‬وعقرب‪،‬‬
‫إذا وقعت في الماء فماتت فيه‪ ،‬فإنه ال ينجس‪.‬‬
‫لماذا؟ لحديث البخاري‪" :‬إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء‪ ،‬وإنه‬
‫يتقى بجناحه الذي فيه الداء"‪.‬‬
‫وقد يفضي غمسه إلى موته‪ ،‬فلو نجس المائع لما أمر به ﷺ‪.‬‬
‫ضا نجس ال يشاهد بالبصر لقلته؛ كنقطة ٍ‬
‫بول‪ ،‬وخم ٍر‪ ،‬وما يعلق بنحو رجل ذباب‪ ،‬لعسر االحتراز عنه‪،‬‬ ‫ويستثنى أي ً‬
‫ٌ‬
‫فأشبه دم البراغيث‪.‬‬
‫كذلك يُعفى عن الدم الباقي على اللحم والعظم‪ ،‬فإنه يعفى عنه‪.‬‬
‫حيوان طاه ٍر من هرةٍ أو غيرها ثم غاب وأمكن فإنه طاهر‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ولو تنجس فم‬

‫‪25‬‬
‫ثم ذكر قال‪[ :‬والقلتان خمسمائة ٍ‬
‫رطل بالبغدادي]‪.‬‬
‫واختلفوا في القلتين‪ :‬وقدرها بعض العلماء بمقدار عصرنا أنها‪ :‬ذراعٌ وربع‪ ،‬طوال وعرضا وعمقا‪.‬‬
‫قليال أو تنقص‪.‬‬
‫وقدرها بعضهم بأنها مئتي لتر تزيد ً‬
‫إذًا خالصة ما سبق‪:‬‬

‫‪ ‬أن المياه التي يجوز التطهر بها سبع مياه‪:‬‬


‫ماء السماء‪ ،‬وماء البحر‪ ،‬وماء النهر‪ ،‬وماء البئر‪ ،‬وماء العين‪ ،‬وماء الثلج‪ ،‬وماء البرد‪.‬‬

‫‪ ‬وأن الماء ينقسم إلى أربعة اقسام‪:‬‬


‫مطهر غير مكروه‪ ،‬وهو الماء المطلق‪.‬‬
‫طاهر ٌ‬
‫‪ -‬األول‪ٌ :‬‬
‫وطاهر مطهر مكروه‪ ،‬وهو الماء المشمس‪ ،‬وقلنا الراجح عدم الكراهة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬‬
‫وطاهر غير مطه ٍر‪ ،‬وهو الماء المستعمل‪ ،‬والمتغير بما خالطه من الطاهرات‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬‬
‫كثيرا فتغير‪.‬‬
‫‪ -‬وماء نجس‪ ،‬وهو ما حلت فيه نجاسةٌ وهو دون القلتين‪ ،‬أو كان ً‬

‫[فصل في بيان ما يطهر بدباغه وما يستعمل من اآلنية وما يمنع]‪.‬‬


‫ثم قال‪ٌ :‬‬
‫قال‪[ :‬وجلود الميتة تطهر بالدباغ]‪.‬‬
‫جلود الميتة‪ :‬أي من الحيوانات كلها‪ ،‬واأللف والالم لالستغراق‪.‬‬
‫ظاهرا وباطنًا‪.‬‬
‫جلود الميتة تطهر بالدماغ ً‬
‫والدباغ‪ :‬هو إلقاء الدبغ عليه‪ ،‬لقول النبي ﷺ‪" :‬أيما ٍ‬
‫إهاب دبغ فقد طهر"‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫وقوله في شاة ميمونة‪" :‬هال أخذتم إهابها فانتفعتم به"‪.‬‬
‫وهنا إذا دبغ الجلد‪ ،‬سواء كانت هذه الميتة مأكولة اللحم كالشياه وبهيمة األنعام‪ ،‬أو غير مأكولة اللحم كالسبع‬
‫والحمر األهلية‪ ،‬فيجوز أن تدبغ‪.‬‬
‫والدبغ‪ :‬هو نزع فضوله‪ ،‬ورطوبته‪ ،‬ومائيته‪ ،‬التي يُفسد بقاؤها‪ ،‬حتى يجف‪.‬‬
‫وبأي شيء تزال الرطوبة صار الجلد مدبوغًا‪.‬‬
‫قديما‪ ،‬أو قشر الرمان‪ ،‬أو يعالج اآلن معالجة كيماوية بوضع بعض المواد عليه‪،‬‬
‫يعني قد يوضع عليه الملح‪ ،‬أو القرظ ً‬
‫فال بأس بذلك‪.‬‬
‫إذًا‪ ،‬قال ‪[ :‬وجلود الميتة تطهر بالدباغ إال]‬
‫إال‪ :‬أداة استثناء‪ ،‬أي معنى هذا أنه إال ما سيأتي فإنه ال يطهر‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫قال‪[ :‬إال جلد الكلب والخنزير‪ ،‬وما تولد منهما أو من أحدهما]‪.‬‬
‫نجس إال شعر اآلدمي]‪.‬‬
‫[وعظم الميتة وشعرها ٌ‬
‫هنا يذكر المصنف ‪ ،‬أنواع النجاسات‪.‬‬
‫قوال واح ًدا في المذهب‪ ،‬أن جلد الكلب والخنزير ال يطهر بالدباغ‪.‬‬
‫قال‪ :‬إال جلد الكلب والخنزير‪ ،‬وهو ً‬
‫قال‪ :‬ألن الحياة في إفادة الطهارة أبلغ من الدبغ‪ ،‬والحياة ال تفيد الطهارة‪ ،‬فكذلك ال يطهر الجلد بالدباغ‪.‬‬

‫ولما تكلم عن الكلب قال‪[ :‬والخنزير أشد نجاسةٌ منه]‪.‬‬


‫قال‪« :‬وعظم الميتة»‪ :‬أي الحيوانات الميتة‪.‬‬
‫نجس‪.‬‬
‫«وشعرها»‪ :‬ويضاف قرنها‪ ،‬وظفرها‪ ،‬وظلفها؛ ٌ‬
‫ت َعلَْي ُك ُم ال َْم ْيتَةُ َّ‬
‫والد ُم﴾ فأي ميتة حرام‪.‬‬ ‫لقوله تعالى‪ُ ﴿ :‬ح ِّرَم ْ‬
‫إذن‪ :‬أول شيء محرم بعد جلد الكلب والخنزير‪ ،‬الميتة‪ ،‬فإنها محرمة‪ ،‬كذلك الدم‪.‬‬
‫والميتة‪ :‬هي من مات بغير ذكاة‪ ،‬أو زالت حياتها بغير ذكاةٍ شرعية‪ ،‬سواء كان يؤكل أو ال يؤكل‪ ،‬سواء ذبح مسلم أو‬
‫مجوسي‪.‬‬
‫ضا من األمور النجسة‪ :‬الجزء المنفصل من الحي‪.‬‬
‫أي ً‬
‫بقرة قطعت رجلها‪ ،‬أو شاة قطعت إليتها وهي حية‪.‬‬
‫هذه الرجل من البقرة‪ ،‬أو اإللية من الشاة‪ ،‬نجسة‪ ،‬ال يجوز استعمالها وال يجوز أكلها‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪" :‬ما قطع من ح ٍي فهو ميتة (أو كميتته)"‪.‬‬
‫إال المنفصل من اآلدمي والسمك والجراد فإنه طاهر‪.‬‬
‫فلو قطعت يد رجل‪ ،‬أو قدمه‪ ،‬فإنها ليست بنجسة‪ ،‬إنها تغسل وتكفن وتدفن‪.‬‬
‫كذلك إذا قطع شيء من السمك والجراد‪ ،‬ألن ميتته طاهرة‪ ،‬فكذلك ما أبين منه‪.‬‬
‫قال‪ :‬إال شعر اآلدمي‪ ،‬وكذا صوف أو ريش أو وبر المأكول‪ ،‬فإنه طاهر باإلجماع سواء قص‪ ،‬أو نتف‪ ،‬أو قطع‪.‬‬
‫اعا إِلَ ٰى ِحي ٍن﴾‬
‫َص َوافِ َها َوأ َْوبَا ِرَها َوأَ ْش َعا ِرَها أَثَاثًا َوَمتَ ً‬
‫ِ‬
‫لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وم ْن أ ْ‬
‫وهو محمول على ما إذا أخذ بعد التزكية أو في الحياة‪ ،‬ما هو المعهود‪.‬‬
‫تبعا له]‪.‬‬
‫نجسا ً‬
‫نجس إذا كان العضو ً‬
‫قال‪[ :‬والشعر على العضو المبان (أي المقطوع) ٌ‬

‫أما الشعر المنفصل من اآلدمي‪ ،‬سواء انفصل منه حال حياته‪ ،‬أو بعد موته‪ ،‬فإنه طاهر‪.‬‬
‫لقوله تعالى‪َ ۞﴿ :‬ولََق ْد َك َّرْمنَا بَنِي َ‬
‫آد َم﴾‬
‫وقضية التكريم أال يحكم بنجاسته للموت‪ .‬ويستوي في ذلك المسلم وغير المسلم‪ ،‬ألنه قال اآلدمي‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫أما قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّـ َها الَّ ِذين َ ِ‬
‫آمنُوا إنَّ َما ال ُْم ْش ِرُكو َن نَ َج ٌ‬
‫س﴾‬ ‫َ‬
‫المراد نجاسة االعتقاد ال نجاسة األبدان‪.‬‬
‫ضا يستثنى من الميتة‪ :‬السمك‪ ،‬والجراد‪ ،‬فإنهما طاهران حالل‪.‬‬
‫أي ً‬
‫لقوله ﷺ‪" :‬أُحلت لنا ميتتان ودمان‪ :‬السمك والجراد‪ ،‬والكبد والطحال"‪.‬‬
‫وكذلك كل الجمادات طاهرة‪ ،‬فكل ٍ‬
‫جماد طاهر‪ ،‬ألنه ُخلق لمنافع العباد ولو من بعض الوجوه‪.‬‬
‫واهلل عز وجل يقول‪ُ ﴿ :‬ه َو الَّ ِذي َخلَ َق لَ ُكم َّما فِي ْاأل َْر ِ‬
‫ض َج ِم ًيعا﴾‬
‫وإنما يحصل االنتفاع أو يكمل بالطهارة‪ ،‬إال ما نص الشارع على نجاسته‪ ،‬وهو كل مسك ٍر خمر‪ ،‬وكل خم ٍر حرام‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬كالكلب والخنزير‪.‬‬
‫وكذا الحيوان كله طاهر‪ ،‬إال ما استثناه الشارع أي ً‬
‫والكلب ولو معلما‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪" :‬طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع ٍ‬
‫مرات أُوالهن بالتراب"‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫حاال من الكلب‪ ،‬وما تولد منهما أو من أحدهما‪.‬‬
‫وهذا إنما أمر به لخبثه‪ ،‬والخنزير ألنه أسوأ ً‬
‫ت َعلَْي ُك ُم ال َْم ْيتَةُ َّ‬
‫والد ُم﴾‬ ‫كذلك من النجاسات الدم المسفوح‪ .‬لقوله تعالى‪ُ ﴿ :‬ح ِّرَم ْ‬
‫دم مستحيل‪.‬‬
‫ومنه القيح ألنه ٌ‬
‫والقيءٌ‪ ،‬وإن لم يتغير‪ ،‬وهو الخارج من المعدة‪.‬‬
‫ضا من النجاسات بول اآلدمي‪.‬‬
‫وأي ً‬
‫ألن النبي ﷺ أمر بإراقة الماء على بول األعرابي‪.‬‬
‫والمذي‪ :‬ألنه أمر ﷺ بغسله‪ ،‬قال‪" :‬توضأ واغسل ذكرك"‪.‬‬
‫ثخين‪ ،‬يخرج عقب البول‪" .‬وهذا قياسا على ما قبله"‪.‬‬
‫كدر‪ٌ ،‬‬
‫والودي‪ :‬وهو ماءٌ أبيض‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬

‫واختلفوا في المني‪ ،‬هل هو طاهر أم نجس؟‬


‫ٍ‬
‫حيوان غير طاهر‪.‬‬ ‫أصل من‬
‫والراجح الطهارة‪ ،‬حيث قال النووي‪ :‬واألصح طهارة مني غير الكلب والخنزير‪ ،‬وفُرع ألنه ٌ‬
‫ولبن ما ال يؤكل غير لبن اآلدمي‪ ،‬كلبن األتان‪ ،‬أي أنه نجس‪ ،‬ألنه يستحل في الباطن كالدم‪.‬‬
‫أما لبن ما يؤكل لحمه‪ ،‬كلبن الفرس وإن ولدت‪ ،‬فطاهر‪.‬‬
‫نجسا‪.‬‬
‫وكذا لبن اآلدمي طاهر‪ ،‬إذ ال يليق بكرامته أن يكون منشأه ً‬
‫والعلقة؛ وهي الدم الغليظ المستحيل من الدم في الرحم؛ نجس‪.‬‬
‫ٍ‬
‫حيوان طاهر‪.‬‬ ‫وكذلك المضغة‪ ،‬وكذلك رطوبة الفرج من‬
‫وال يطهر نجس العين ٍ‬
‫بغسل وال باستحالته؛ إال شيئان‪ :‬الجلد إذا دبغ‪ ،‬والخمر إذا تخللت بنفسها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫وهنا يؤخذ فائدة‪ :‬أن االستحالة عند الشافعي ‪ ‬غير مطهرة‪ ،‬إال في الجلد عند الدبغ‪ ،‬وفي الخمر إذا تخللت بنفسها‪ ،‬أما‬
‫إذا تخللت بفعل فاعل فتظل على نجاستها‪.‬‬
‫وقال‪ :‬والنجاسة إما مخففة‪ ،‬كبول الصبي الذي لم يتناول شيئا قبل مضي حولين‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪" :‬بول الغالم ينضح وبول الجارية يغسل"‪.‬‬
‫ولحديث أم قيس‪ ،‬أنها جاءت بابن لها صغير لم يأكل الطعام‪ ،‬فأجلسه رسول اهلل ﷺ في حجره‪ ،‬فبال عليه‪ ،‬فدعا ٍ‬
‫بماء‬
‫فنضحه ولم يغسله"‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بغسلة واحدة‪ ،‬أو بإزالة النجاسة‪.‬‬ ‫وأما ما نُجس بغير الكلب ونحو الصبي فإنه نجاسةٌ متوسطة‪ ،‬تزال ولو‬
‫وأما ما تنجس بنحو ٍ‬
‫كلب وغيره‪ ،‬فهي نجاسةٌ مغلظة‪ ،‬يغسل سبع مرات إحداها بالتراب‪.‬‬

‫المسألة األخيرة معنا اليوم إن شاء اهلل تعالى هي‪[ :‬فص ٌل في بيان ما يحرم استعماله من األواني وما يجوز]‪.‬‬
‫طاهر]‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫قال الماتن ‪[ :‬وال يجوز استعمال أواني الذهب والفضة ويحل استعمال كل ٍ‬
‫إناء‬
‫إذن‪ :‬استثنى فقط آنية الذهب والفضة‪.‬‬
‫فقال‪[ :‬وال يحل استعمال أواني الذهب والفضة]‪.‬‬
‫قال‪[ :‬وال يجوز لذك ٍر أو غيره]‪.‬‬
‫وانتبه؛ يجوز للمرأة أن تلبس الذهب والفضة‪ ،‬ويجوز للرجل أن يلبس الفضة دون الذهب؛‬
‫لكن هنا نتكلم عن االستعمال في الطعام والشراب أو غيرهما‪.‬‬

‫قال‪[ :‬وال يجوز لذك ٍر أو غيره استعمال شيء من أواني الذهب أو أواني الفضة باإلجماع]‪.‬‬
‫لقوله ﷺ‪" :‬ال تشربوا في آنية الذهب والفضة‪ ،‬وال تأكلوا في صحافهما"‪.‬‬
‫ولقوله ﷺ في الذي يشرب في آنية الفضة‪" :‬إنما يجرجر في بطنه نار جهنم"‪.‬‬
‫ثم اختلف العلماء؛ فهل يقاس غير األكل والشرب عليهما؟‬
‫المذهب أنه يقاس‪ ،‬وإنما خص األكل والشرب بالذكر ألنهما أظهر وجوه االستعمال وأغلبها‪.‬‬

‫ولذلك قال‪[ :‬وال فرق بين اإلناء الصغير والكبير‪ ،‬وال بين ما يخلل به أسنانه‪ ،‬والميل الذي يُكتحل به‪ ،‬إال للضرورة]‪.‬‬

‫قال‪[ :‬ويحرم البول في اإلناء منهما كما يحرم استعمالهما]‬


‫ضا اتخاذهما على المذهب من غير استعمال‪ ،‬ألنه ال يجوز استعماله للرجال وال لغيرهم‪.‬‬
‫ويحرم أي ً‬

‫قال‪[ :‬ويحل استعمال كل ٍ‬


‫إناء طاهر ما عدا ذلك]‪.‬‬
‫طعام أو شر ٍ‬
‫اب أو غيرهما‪.‬‬ ‫اآلنية من النحاس أو الحديد أو غيرهما فيجوز استعماله‪ ،‬سواء كان هذا االستعمال في ٍ‬

‫‪29‬‬
‫لكن بعض العلماء استثنى اآلنية الثمينة‪ ،‬لوقوع الخيالء وكسر قلوب الفقراء‪.‬‬
‫والصحيح أن ذلك يختص بالذهب والفضة‪ ،‬أما ما عداهما فيجوز فيه االستعمال‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بذهب‪ ،‬هل يجوز استعماله؟‬ ‫ضبب‬ ‫ٍ‬
‫ثم فرع فرعا على آنية الذهب والفضة في إناء ُ‬
‫المذهب على أنه ال يجوز‪ ،‬أما إذا ضبب بالفضة فالصحيح الجواز واهلل أعلم‪.‬‬

‫وبذلك تنتهي محاضرة اليوم‪ ،‬ويبقى لنا أن نذكر بعض األسئلة‪:‬‬

‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اذكر أنواع المياه‪.‬‬


‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬اذكر أقسام المياه‪.‬‬
‫األسئـ ـلة‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬اذكر أنواع النجاسات‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الرابع‪ :‬ما هي اآلنية التي يحرم استعمالها؟‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫المحاضرة الثـالثــة‬
‫فصل في السواك)‬
‫كنا قد وقفنا عند قول المصنف ‪ ‬في متن أبي شجاع‪ٌ ( :‬‬
‫مستحب في كل ٍ‬
‫حال إال بعد الزوال للصائم‪ .‬وهو في ثالثة مواضع أشد استحبابًا‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫قال‪ :‬والسواك‬
‫‪ -‬عند تغير الفم من ٍ‬
‫أزم وغيره‪.‬‬
‫‪ -‬وعند القيام من النوم‪.‬‬
‫‪ -‬وعند القيام إلى الصالة‪.‬‬
‫والسواك‪ :‬مشت ٌق من ساك إذا دلك‪.‬‬
‫والسواك لغةً‪ :‬الدلك وآلته‪.‬‬
‫عود من ٍ‬
‫أراك أو نحوه كأُشنان في األسنان وما حولها إلذهاب التغير ونحوه‪.‬‬ ‫وشرعا‪ :‬استعمال ٍ‬
‫ً‬
‫مستحب مطل ًقا كما قاله الرافعي ‪ :‬عند الصالة وغيرها‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مستحب في كل ٍ‬
‫حال»‪ :‬أي أنه‬ ‫ٌ‬ ‫«والسواك‬
‫لصحة الحديث في استحبابه كل ٍ‬
‫وقت‪ ،‬كما صح عن النبي ﷺ أنه قال‪" :‬السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب"‪.‬‬
‫فيستحب للمسلم أن يستاك في أي ٍ‬
‫وقت‪.‬‬ ‫ُ‬
‫قال‪ :‬إال بعد الزوال (أي بعد زوال الشمس وميلها عن كبد السماء) فإنه حين ذلك يُكره كراهةً تنزيهية‪،‬‬
‫صائما فإنه يستاك من الصباح إلى الزوال‪ ،‬فإذا زالت الشمس فإنه يُكره‪.‬‬
‫نفال‪ ،‬أي إذا كان المسلم ً‬
‫قال‪ :‬للصائم ولو ً‬
‫لماذا؟ لقول النبي ﷺ‪” :‬لخلوف فم الصائم أطيب عند اهلل من ريح المسك“‪.‬‬
‫ِ‬
‫والخلوف‪ :‬تغير رائحة الفم‪.‬‬
‫مكروها من الزوال إلى غروب الشمس‪ ،‬فإذا غربت الشمس زالت‬
‫ً‬ ‫وإذا استاك اإلنسان أزال هذه الرائحة‪ ،‬فيظل السواك‬
‫ٍ‬
‫بصائم‪ ،‬إال أن يوصل الصيام‪ .‬وحتى لو واصل الصيام انتفت الكراهة‪.‬‬ ‫الكراهة ألنه ليس‬
‫وهذا مذهب الشافعي ‪،‬‬
‫حديث ال يصح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫والجمهور على خالفه ألن الحديث الذي استدل به‬
‫ضا أن ال ُخلوف إنما يخرج من المعدة وال يخرج من الفم‪.‬‬
‫كذلك أي ً‬

‫وقوله‪" :‬ويستحب أن يكون في أوله" وهذا الكالم ال دليل عليه‪ ،‬إنما استحبه بعض العلماء من الشافعية «اللهم بيّض به أسناني‬
‫وشد به لثتي وثبت به الهاتي وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين»‪.‬‬
‫قال النووي ‪ :‬وهذا ال بأس به‪.‬‬
‫ظاهرا وباطنًا في طول الفم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويُسن أن يكون السواك في عرض األسنان ً‬
‫عرضا“‬
‫لخبر‪” :‬إذا استكتم فاستاكوا ً‬

‫‪31‬‬
‫وإن كان الخبر من مراسيل أبي داود لكنه ال يثبت‪.‬‬
‫طوال وال شيء فيه‪.‬‬
‫ولذلك يجزئ ً‬
‫قال‪ :‬وهو في ثالثة مواضع أشد استحبابًا‪.‬‬
‫أي يتأكد استحباب السواك في ثالثة مواضع‪:‬‬
‫‪« -‬عند تغير الفم من ٍ‬
‫أزم وغيره»‬
‫تغير‪ :‬أي رائحة الفم‪.‬‬
‫عند ُ‬
‫إمساك عن الكرام‪ ،‬ومن غيره كأكل ما له رائحةٌ كريهة ٍ‬
‫كثوم أو غيره‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سكوت‪ ،‬أو‬ ‫من ٍ‬
‫أزم‪ :‬أي‬
‫ودليلهُ قول النبي ﷺ‪” :‬السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب“‬

‫‪« -‬وعند القيام من النوم» لما جاء في الصحيحين من حديث حذيفة ‪ ‬أنه قال‪” :‬كان ﷺ إذا قام من النوم‬
‫يشوص فاه“‪ .‬أي يدلكه بالسواك‪.‬‬
‫وكذلك عند القيام من الليل للصالة‪:‬‬
‫كما في ٍ‬
‫رواية في الصحيحين أن النبي ﷺ ”كان إذا قام من الليل ليتهجد“‬
‫قيام يستحب ِ‬
‫فيه السواك‪ ،‬إنما يستحب عند القيام للتهجد والصالة‪.‬‬ ‫فليس كل ٍ‬

‫‪ -‬الثالث‪« :‬عند القيام إلى الصالة»‪.‬‬


‫لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة ”لوال أن أشق على أمتى ألمرتهم بالسواك عند كل صالة“‬
‫ضا «عند كل ركعتين»‬
‫فرضا أو غير ذلك‪ .‬وأي ً‬
‫نفال أو ً‬
‫عند كل صالة سواء كانت ً‬

‫إذن الماتن ذكر أن أوقات استحباب السواك ثالثة‪:‬‬


‫‪ -‬عند تغير رائحة الفم‪.‬‬
‫‪ -‬عند القيام من الليل‪.‬‬
‫‪ -‬عند الصالة‪.‬‬

‫ٍ‬
‫لوضوء‪ ،‬لقوله ﷺ‪” :‬لوال أن أشق على أمتي ألمرتهم بالسواك عند كل وضوء“‪.‬‬ ‫ضا فيما ذكر‬
‫قال الشارح ‪ :‬ويُتأكد أي ً‬
‫علم شرعي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حديث أو ٍ‬ ‫ضا لقراءة ٍ‬
‫قرآن أو‬ ‫قال‪ :‬وأي ً‬
‫وكذلك لذكر اهلل تعالى‪ٍ ،‬‬
‫ولنوم‪ ،‬ولدخول ٍ‬
‫منزل‪ ،‬وعند االحتضار‪ ،‬ويقال إنه يسهل خروج الروح‪.‬‬
‫ِ‬
‫وللصائم قبل وقت الخلوف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ولألكل‪ ،‬وبعد الوتر‪،‬‬ ‫وفي السحر‪،‬‬
‫هذه أوقات استحباب السواك على قول الشارح وعلى قول الماتن‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪---‬‬ ‫فصل في الوضوء)‬
‫‪ٌ ( ---‬‬ ‫ثم قال الماتن ‪:‬‬
‫قال‪ :‬وفروض الوضوء ستةٌ‪:‬‬
‫‪ -‬وغسل اليدين‪.‬‬ ‫‪ -‬وكذلك غسل الوجه‪.‬‬ ‫‪ -‬النية‪.‬‬
‫‪ -‬والترتيب على ما ذكرنا‪.‬‬ ‫‪ -‬وغسل الرجلين إلى الكعبين‪.‬‬ ‫‪ -‬ومسح الرأس‪.‬‬

‫قال وسننه عشرة أشياء‪:‬‬


‫‪ -‬والمضمضة‪ ،‬واالستنشاق‪.‬‬ ‫‪ -‬وغسل الكفين قبل إدخالهما اإلناء ثالثًا‪.‬‬ ‫‪ -‬التسمية‪.‬‬
‫‪ -‬ومسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما ٍ‬
‫بماء جديد‪.‬‬ ‫‪ -‬ومسح جميع الرأس‪.‬‬
‫‪ -‬وتقديم اليمنى على اليسرى‪.‬‬ ‫‪ -‬تخليل أصابع الرجلين واليدين‪.‬‬ ‫‪ -‬وتخليل اللحية الكثة‪.‬‬
‫‪ -‬والمواالة‪.‬‬ ‫‪ -‬والطهارة أثالثًا‪.‬‬
‫هذا هو باب الوضوء‪ ،‬وتكلم عن الفروض وعن السنن‪.‬‬

‫فصل في الوضوء‬
‫قال ‪ٌ :‬‬
‫ومعنى المقصود بفصل في الوضوء‪ :‬أي صفة وضوء النبي ﷺ‪.‬‬
‫اسم للفعل‪.‬‬
‫والوضوء‪ :‬بضم الواو‪ٌ :‬‬
‫‪ُ -‬‬
‫اسم للماء‪.‬‬
‫والوضوء‪ :‬بفتح الواو‪ٌ :‬‬
‫‪َ -‬‬

‫والوضوء‪ :‬مأخوذٌ من الوضاءة‪ :‬وهي الحسن والنظافة‪.‬‬


‫ُ‬
‫وفي الشرع‪ :‬يطلق على ٍ‬
‫أفعال مخصوصة مفتتحةٌ بالنية‪.‬‬
‫قال اإلمام‪ :‬وهو تعبدي ال يُعقل‪.‬‬

‫قال‪ :‬أول فروض الوضوء‬


‫ومعنى الفرض هو المقصود به‪ :‬األمر الواجب الذي ال يجوز تركه‪.‬‬
‫قال‪ :‬والوضوء يجب فيه أوجه‪:‬‬
‫‪ -‬الحدث‪.‬‬
‫‪ -‬والقيام إلى الصالة‪.‬‬
‫معا وهو األصح‪.‬‬
‫‪ -‬أو هما ً‬
‫وفروض وسنن‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وله شروط‪ :‬أي للوضوء شروط‬

‫‪33‬‬
‫ولم يذكر الماتن الشروط لكن ذكرها الشارح فقال‪:‬‬
‫‪ -‬ومعرفة أنه مطلق ولو ظن‬ ‫‪ -‬ماءٌ مطلق‬
‫‪ -‬وجري الماء على العضو‬ ‫‪ -‬وعدم الحائل‬
‫وعدم الصارف‬
‫‪َ -‬‬ ‫‪ -‬وعدم المنافي من نحو ٍ‬
‫حيض ونفاس ومس ذكر‬
‫ٍ‬
‫وإسالم‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -‬ويعبر عنه بدوام النية‬
‫‪ -‬ومعرفة كيفية الوضوء كنظيره اآلتي في الصالة‬ ‫‪ -‬وتميي ٍز‬
‫ِ‬
‫بالمغسول ويحيط به لتحقيق استيعاب المغسول‪.‬‬ ‫جزءا يتصل‬
‫‪ -‬وأن يغسل مع المغسول ً‬
‫هذه شروط ذكرها الشارح لكي يبدأ المتوضئ في الوضوء‪.‬‬

‫قال وفروض الوضوء ستةٌ‪:‬‬


‫ومعنى الفرض‪ :‬أي الواجب‪ ،‬هما مترادفان إال في بعض األحكام‪.‬‬
‫خبر لكلمة فروض‪،‬‬
‫وقوله ستةٌ‪ٌ :‬‬
‫سابعا قال‪ :‬وهو الماء الطهور‪.‬‬
‫فرضا ً‬
‫وزاد بعضهم ً‬
‫ط كما مر‪.‬‬
‫قال في المجموع‪ :‬والصواب أنه شر ٌ‬

‫قال الفرض األول‪[ :‬النية لرفع ٍ‬


‫حدث عليه]‬
‫أي ال بد من النية‪ ،‬والنية عند الشافعية ركن‪ ،‬وإن كانت عند غيرهم شرط‪ ،‬الختالفهم هل النية جزءٌ من العمل أم أنه‬
‫يأتي بها قبل الشروع في أفعال الوضوء‪،‬‬
‫وعلى ٍ‬
‫كل فال فرق عند العلماء بين كونها شرط أو كونها ركن‪ ،‬ألن في كال الحالين إذا عُدمت النية عدم الفعل‪.‬‬
‫قال‪ :‬والنية األصل وجوبها في كل ٍ‬
‫عمل‪،‬‬
‫لما جاء في الصحيحين من حديث عمر ‪ ‬أنه قال‪ :‬سمعت النبي ﷺ يقول‪” :‬إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإنما‬
‫لكل امر ٍئ ما نوى“‪.‬‬
‫وحقيقة النية‪ :‬هو القصد‪.‬‬
‫وشرعا‪ :‬قصد الشيء مقترنًا بفعله‪.‬‬
‫ً‬

‫وحكمها‪ :‬الوجوب‪ ،‬ومحلها القلب‪.‬‬

‫والمقصود بها‪ :‬تمييز العبادات عن العادات‪ ،‬كالجلوس في المسجد لالعتكاف تارة‪ ،‬ولالستراحة تارةً أخرى‪،‬‬
‫نفال‪.‬‬
‫فرضاً وتارة تكون ً‬
‫أو لتمييز رتبها كالصالة تكون ً‬

‫‪34‬‬
‫وشرطها‪ :‬أي شرط النية‪:‬‬
‫‪ -‬إسالم الناوي‬
‫‪ -‬وتمييزه وعلمه بالمنوي‬
‫حكما‬
‫‪ -‬وعدم إتيانه بما ينافيها بأن يستصحبها ً‬
‫‪ -‬وأال تكون معلقة‪ ،‬فلو قال‪ :‬إن شاء اهلل‪ ،‬فإن قصد التعليق لم تصح‪ ،‬وإن قصد التبرك صحت‪.‬‬

‫ووقتها أول الفروض كأول غسل ٍ‬


‫جزء من الوجه‪ ،‬وإنما يوجب المقارنة‪ ،‬وكيفيتها تختلف بحسب األبواب‪ ،‬فيكفي هنا‬
‫ِ‬
‫للوضوء كالصالة‪ ،‬والطواف ومس المصحف‪ ،‬كذلك يكفي أن ينوي‬ ‫حدث كما مر‪ ،‬أو نية استباحة ٍ‬
‫شيء مفتق ٍر‬ ‫نية رفع ٍ‬

‫بقلبه‪.‬‬
‫ضا إنه ال يتلفظ بها وإن كان المذهب ال بأس أن يتلفظ بالنية‪.‬‬
‫قال أي ً‬
‫صح‪.‬‬
‫ولو نوى الطهارة عن الحدث َّ‬
‫وكذلك من دام حدثه يستحب أن ينوي ذلك‪.‬‬
‫وال يشترط في النية اإلضافة إلى اهلل تعالى‪ ،‬كأن يقول‪ :‬نويت الوضوء هلل أو نويت الصالة هلل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كتنظيف ولو في أثناء وضوئه‬ ‫تبردا أو شيئًا يحصل بدون ٍ‬
‫قصد‬ ‫ولذلك النية هي التي تستبيح الفعل‪ ،‬ومن نوى بوضوئه ً‬
‫مستحضرا عند نية التبرد أو نحو نية الوضوء أجزأ‪ ،‬لحصول ذلك من غير نية‪.‬‬
‫ً‬ ‫مع نية معتبرة‪ ،‬أي‬
‫كذلك إذا فُقدت النية المعتبرة‪ :‬كأن ينوي التبرد وقد غفل عنها لم يصح غسل ما غسله بنية التبرد‪.‬‬
‫خالصة القول في هذه المسألة‪ :‬أنه يستحب استصحاب النية في الوضوء من أوله إلى آخره‪.‬‬
‫والعلماء يفرقون في النية بين [الثواب] وبين [األمر الدنيوي]‪.‬‬
‫اختلفوا فيما لو نوى التبرد والوضوء‪ ،‬فهل يحصل على الثواب أم ال؟‬

‫فاختلفوا على ثالثة أقوال‪:‬‬


‫القول األول‪ :‬الظاهر عدم حصول الثواب‪ ،‬وقد اختار هذا القول ”الزركشي" ‪ ،‬قال‪ :‬األصل عدم حصول الثواب‪.‬‬
‫أوال‪ ،‬ثم يتوضأ فلم يكن فيه أجر‪ ،‬وإن كان القصد‬
‫واختار ”الغزالي“ التفصيل فإن قدم األمر الدنيوي كأن يتنظف ً‬
‫الديني أغلب جاء ليتوضأ وللتنظف أو التبرد‪،‬‬
‫قال‪ :‬فإنه يؤجر على ذلك‪،‬‬
‫وإن تساويا تساقطا هذا هو التفصيل‬
‫واختار ابن عبد السالم‪ :‬أنه ال أجر فيه أي في الثالث مطل ًقا سواء تساوى القصدان أم اختلفا‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫قال الشارح ‪( ‬أي الخطيب الشربيني) قال‪ :‬وكالم الغزالي هو الظاهر‪ ،‬أي التفصيل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بحدث أو غيره فيحتمل أن يثاب على الماضي أو غير ذلك‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وإذا بطل وضوؤه في أثنائه‬
‫فروعا‪ :‬لو نوى أن يصلي بوضوئه وال يصلي به لم يصح وضوؤه لتالعبه وتناقضه‪.‬‬
‫وفرع للنية ً‬
‫ّ‬
‫وكذا لو نوى به الصالة بمكان نجس‬
‫فانغمست في الغسلة الثانية أو الثالثة بنية التن ُفل‪..‬‬
‫ولو نسي لمعةً في وضوئه أو غسله َ‬
‫هذه مسائل يعني يذكرها في النية‪.‬‬
‫قال‪ :‬واإلتيان بها عند غسل الوجه‪ .‬هذا وجوبًا أن يأتي بالنية عند أول غسل الوجه‪ ،‬ألن الوجه هو أول ٍ‬
‫فرض‪ ،‬فيأتي‬
‫بها وإن كان المستحب أن يأتي بها من أول الوضوء‪ ،‬أي عند غسل الكفين أو عند التسمية‪.‬‬
‫قال‪ :‬وغسل الوجه‪ :‬أي الفرض الثاني‪ :‬غسل ظاهر كل الوجه =‪.‬‬
‫وه ُك ْم﴾‬ ‫ِ‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬فَا ْغسلُوا ُو ُج َ‬
‫ولإلجماع على ذلك‪ ،‬ولفعل النبي ﷺ‪.‬‬
‫طوال‪ :‬ما بين منابت شعر رأسه وتحت منتهى لحييه‪.‬‬
‫وحد الوجه ً‬
‫وعرضا‪ :‬ما بين أذنيه‪.‬‬
‫ً‬
‫يبقى من األذن اليمنى إلى اليسرى‪ ،‬ومن منبت الشعر المعتاد إلى أسفل اللحيين‪.‬‬
‫قال‪ :‬وخرج بظاهر وجه داخل األنف والفم والعين‪ ،‬فال يجب غسل ذلك‪ ،‬وال يُشكل ذلك بما لو سلخ جلد الوجه‪،‬‬
‫فانه يجب غسل ما ظهر منه‪ ،‬ألن هذا محل ما يجب غسله‪.‬‬
‫قال‪ :‬وال يُسن غسل داخل العينين‪ ،‬ولكن يجب غسل ذلك إن تنجس‪،‬‬
‫وأما ملق العين فيغسل بال خالف‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومنتهى اللحيين من الوجه كما تقرر‪،‬‬
‫وضابطه كما قال اإلمام‪ :‬أن يضع طرف ٍ‬
‫خيط على رأس األذن والطرف الثاني على أعلى الجبهة‪ ،‬ويفرد هذا الخيط‬
‫مستقيما فما نزل عنه إلى جانب الوجه فهو موضع التحذيف‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬ويُسن غسل موضع الصلع والتحذيف والنزعتَين والصدغين مع الوجه للخالف في وجوبهما‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويجب غسل ٍ‬
‫جزء من الرأس ومن الحلق ومن تحت الحنك‪ ،‬ومن األذنين‪ِ ،‬‬
‫ومن الوجه البياض الذي بين العذار‪،‬‬
‫واألذن لدخوله في حده وما ظهر من حمرة الشفتين ومن األنف بالجدع‪.‬‬
‫قال‪ :‬واللحية من الرجل‪ ،‬وهي بكسر الالم‪ ،‬الشعر النابت على الذقن خاصة‪ ،‬وهو مجمع اللحيين‪ ،‬فإن خفت وجب‬
‫غسل ظاهرها وباطنها‪ ،‬وإن كثفت وجب غسل ظاهرها وال يجب غسل باطنها لعسر إيصال الماء إليه‪.‬‬
‫ظاهرا وباطنًا‪.‬‬
‫لكن يُسن التدليك وخرج بقوله "الرجل"‪ .‬أما المرأة فيجب غسل ذلك منها ً‬

‫‪36‬‬
‫قال‪ :‬واعلم أن التفصيل المذكور في شعر الوجه إذا كان في حده‪ ،‬أما الخارج عنه فيجب غسل الظاهر‪.‬‬
‫قال‪ :‬وغسل اليدين إلى المرفقين‬
‫غسل جميع اليدين من كفه وذراعيه‪" ،‬إلى" بمعنى "مع" المرفقين أو قدرهما إن فقد الماء‪.‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ ‬في صفة وضوء رسول اهلل ﷺ ”أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء‪ ،‬ثم غسل يده اليمنى‬
‫حتى أشرع في العضد‪ ،‬ثم اليسرى حتى أشرع في العضد“ إلى آخره‪.‬‬
‫ولإلجماع‪.‬‬
‫َ‬
‫ولقوله تعالى ﴿ َوأَيْ ِديَ ُك ْم إِلَى ال َْم َرافِ ِق﴾‬
‫صا ِري إِلَى اللَّه﴾ أي مع اهلل‪.‬‬
‫وإلى بمعنى مع كما قال اهلل عز وجل على لسان عيسى ﴿ َم ْن أَنْ َ‬
‫وقوله تعالى ﴿ َويَ ِز ْد ُك ْم قُـ َّوةً إِلَى قُـ َّوتِ ُك ْم﴾ أي مع قوتكم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن قَطع بعض ما يجب غسله من اليدين‪ ،‬كأن يُقطع الكف أو نصف الذراع‪ ،‬وجب غسل ما بقي منه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وسلعة‪ ،‬سواء جاوزت األصلية أم ال‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وغسل ٍ‬
‫يد زائدة إن نبتت بمحل الفرض‪ ،‬كإصب ٍع زائدة‬
‫قال‪ :‬وإن نبتت بغير محل الفرض وجب غسل ما حاز منها محله لوقوع اسم اليد عليه‪.‬‬
‫فحش وقص ٍر ونقص‬
‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬فإن لم تتميز الزائدة عن األصلية بأن كانتا أصليتين‪ ،‬أو إحداهما زائدةٌ ولم تتميز بنحو‬
‫أصابع وضعف بط ٍ‬
‫ش قال غسلهما وجوبًا‪ ،‬أي يغسل اليدين‪ ،‬وسواء أخرجهما من المنكب أو من غيره‪.‬‬

‫وهذه مسألة مهمة‪ :‬إذا كان للرجل يدين في الجهة اليمنى‪ ،‬ويدين في الجهة اليسرى‪ ،‬وال تتميز األصلية من الزائدة وجب غسل‬
‫الجميع‪،‬‬
‫أما إذا تميزت األصلية من الزائدة فيجب غسل األصلية فقط‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولو توضأ فقطعت يده‪ ،‬أو تثقبت لم يجب غسل ما ظهر إال بعد الحدث‪.‬‬
‫مثال وجب عليه أن يُحصل من يوضئه ولو بأجرة‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولو عجز من الوضوء لقطع يده ً‬

‫قال الماتن‪ :‬ومسح بعض الرأس‬


‫مسحا ولو لبعض بشرة رأسه‪ ،‬أو لبعض شعره ولو واحدة‪،‬‬
‫أي الفرض الرابع من الفروض مسح بعض الرأس‪ ،‬بما يسمى ً‬
‫ألن الباء هنا يرى اإلمام الشافعي أنها للتبعيض‪،‬‬
‫كما في قوله تعالى‪﴿ :‬وامسحوا بِرء ِ‬
‫وس ُك ْم﴾‬‫َ ْ َ ُ ُُ‬
‫طويال فال يجزئ مسحه فقط‪.‬‬
‫خارجا عن الرأس بأن يكون ً‬
‫قال‪ :‬ومسح بناصيته وعلى العمامة‪ ،‬فإذا كان الشعر ً‬
‫ٍ‬
‫متعدد كما في اآلية فهي للتبعيض‪،‬‬ ‫قال‪ :‬وال تقدر بالربع أو أكثر ألن الباء إذا دخلت على‬
‫ت ال َْعتِ ِ‬
‫يق﴾‬ ‫كما قال اهلل تعالى ﴿ولْيطََّّوفُوا بِالْبـ ْي ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬

‫‪37‬‬
‫هنا ليست للتبعيض بل لإللصاق‪،‬‬
‫أما في اآلية معنا فهي للتبعيض ﴿وامسحوا بِرء ِ‬
‫وس ُك ْم﴾‬‫َ ْ َ ُ ُُ‬
‫ولذلك قال العلماء‪ :‬إن الماسح يجب عليه مسح الرأس‪ ،‬ويستحب له مسح جميع الرأس كما سيأتينا في سنن‬
‫الوضوء‪.‬‬
‫ولذلك قال العلماء‪ :‬إذا كان ال شعر له مر بيديه على رأسه‪.‬‬
‫ِ‬
‫بإجماعه‪.‬‬ ‫قال الماتن‪ :‬وغسل الرجلين مع الكعبين‪ :‬أي غسل جميع الرجلين وهذا بإجماع من يعتد‬
‫ضا‪.‬‬
‫خالفًا للروافض الذين يرون المسح على الرجلين أي ً‬
‫قال‪ :‬مع الكعبين من كل ٍ‬
‫رجل أو قدرهما‪،‬‬
‫والكعبان هما العظمان الناتئان من الجانبين عند مفصل الساق والقدم‪ ،‬ففي كل ٍ‬
‫رجل كعبان أي العظمان البارزان‪.‬‬
‫ألن اهلل عز وجل قال‪َ ﴿ :‬وأ َْر ُجلَ ُك ْم إِلَى الْ َك ْعبَـ ْي ِن﴾‬
‫وهنا يُستثنى البس الخف أو الجورب من الغسل فإنه يمسح عليهما‪،‬‬
‫كذلك إذا كان في الرجل شقوق وغيرهما‪،‬‬
‫أو عليها حائل كشم ٍع ٍ‬
‫وحناء وغيرهما يمنع وصول الماء‪،‬‬
‫أو في الشقوق طين يجب ازالة ما تحت ذلك كله‪،‬‬
‫وكذا لو تجمع الوسخ تحت األظافر وجب إزالته‪.‬‬
‫ولو قطع بعض القدم غسل الباقي‪.‬‬

‫قال‪ :‬والترتيب على ما ذكرنا‪ :‬أي من فروض الوضوء وهو الفرض السادس الترتيب على ما ذكرنا من البداءة بغسل الوجه‬
‫واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين‪ ،‬قالوا‪ :‬ألن إدخال الممسوح بين المغسوالت دل على الوجوب‪.‬‬
‫ممسوحا بين مغسوالت‪ ،‬وتفريق المتجانسين ال ترتكبه العرب إال لفائدة وهي هنا [وجوب‬
‫ً‬ ‫قال الشارح‪ :‬وألنه تعالى ذكر‬
‫الترتيب]‪.‬‬

‫لكن هنا مسألة‪ :‬إذا اغتسل‪ ،‬هل يرفع األكبر الحدث األصغر؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬ولذلك قال الشارح‪ :‬ولو أحدث وأجنب أجزأه الغسل عنهما الندراج األصغر تحت األكبر‪.‬‬
‫هذا بالنسبة لفرائض الوضوء‪ ،‬إذن هي‪:‬‬
‫‪ -‬وغسل اليدين مع المرفقين‪.‬‬ ‫‪ -‬وغسل الوجه‪.‬‬ ‫‪ -‬النية‪.‬‬
‫‪ -‬والترتيب‪.‬‬ ‫‪ -‬وغسل الرجلين مع الكعبين‪.‬‬ ‫‪ -‬ومسح بعض الرأس‪.‬‬
‫هذه هي فروض الوضوء على مذهب اإلمام األعظم اإلمام الشافعي ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫قال‪[ :‬وسننه عشرة أشياء]‪:‬‬
‫أي سنن الوضوء‪ ،‬وفي بعض النسخ عشر خصال‪:‬‬
‫أحد منكم ماء؟ فأُتي ٍ‬
‫بماء‪ ،‬فوضع يده في‬ ‫التسمية أي أول الوضوء‪ ،‬لخبر النسائي أن النبي ﷺ قال‪« :‬هل مع ٍ‬
‫ً‬
‫اإلناء الذي فيه الماء‪ ،‬ثم قال‪ :‬توضؤوا باسم اهلل‪،‬‬
‫(أي قائلين ذلك) قال‪ :‬فرأيت الماء يفور من بين أصابعه ﷺ حتى توضأ نحو سبعين ً‬
‫رجال"‪.‬‬
‫وأما خبر "ال وضوء لمن لم يدخل اسم عليه" فهو عندهم ضعيف‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأقلها أن يقول‪ :‬بسم اهلل‪،‬‬
‫طهورا‪.‬‬
‫وأكملها أن يقول‪ :‬بسم اهلل الحمد هلل على اإلسالم ونعمته‪ ،‬والحمد هلل الذي جعل الماء ً‬
‫وزاد الغزالي‪ :‬رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون‪،‬‬
‫ثابت عليها بل األصل التسمية فقط‪.‬‬
‫والحقيقة هذه األدعية كلها ال دليل ٌ‬
‫ولذلك قال‪ :‬وتسن التسمية لكل أم ٍر ذي بال‪ ،‬والمراد بأول الوضوء‪ :‬أي أول غسل الكفين فيَنوي الوضوء ويَسمي اهلل‬
‫ثم يبدأ في غسل الكفين‪.‬‬
‫قال بعض أهل العلم من علماء الشافعية‪ :‬ويستحب التلفظ بالنية‪.‬‬
‫وهذا ال دليل عليه كما قال شيخ اإلسالم‪ :‬والنية محلها القلب‪.‬‬
‫قال‪ :‬وغسل الكفين قبل إدخالهما اإلناء ثالثًا‪،‬‬
‫غسل الكفين‪ :‬أي إلى كوعيه قبل المضمضة‪ ،‬وأن يتيقن طهارتهما فإن شك في طهارتهما أو في طهرهما غسلهما قبل‬
‫إدخالهما اإلناء‪.‬‬
‫أوال لفعل النبي ﷺ أنه أكفأ من إنائه فغسل كفيه‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقوله ﷺ ”إذا استيقظ أحدكم من نومه فال يغمس يده في اإلناء حتى يغسلها ثالثًا‪ ،‬فإنه ال يدري أين باتت يده“‬
‫فالعلة هنا احتمال نجاسة اليد في النوم‪،‬‬
‫أما إذا تيقن عدم نجاسة اليد فال يجب الغسل على المذهب‪.‬‬

‫قال‪ :‬المضمضة واالستنشاق‪ ،‬أي السنة الثالثة والرابعة‪.‬‬


‫والمضمضة‪ :‬هي جعل الماء في الفم ولو من غير إدارة ومجه منه‪.‬‬
‫واالستنشاق بعد المضمضة‪ :‬هو جعل الماء في األنف وإن لم يصل إلى الخيشوم‪.‬‬
‫وأما خبر "تمضمضوا واستنشقوا" فالعلماء بعضهم يضعفه وبعضهم يقويه‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫تنبيه (من الشارح)‪ :‬تقديم غسل اليدين على المضمضة وهي على االستنشاق مستح ٌق ال مستحب‪ ،‬عكس تقديم اليمنى على‬
‫اليسرى‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومسح جميع الرأس‪.‬‬
‫أخذنا في الفروض مسح بعض الرأس‪ .‬هنا قال‪ :‬ومسح جميع الرأس لالتباع‪ ،‬أي لفعل النبي ﷺ أنه مسح رأسه‬
‫فبدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه‪،‬‬
‫هذا هو فعل النبي ﷺ‪ ،‬وهذا هو الكمال وهذا هو األفضل‪ ،‬وإن اقتصر على مسح بعض الرأس أجزأه‪.‬‬

‫قال‪ :‬ومسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما ٍ‬


‫بماء جديد‪.‬‬
‫ومسح ‪ :‬أي جميع أذنيه ظاهرهما وباطنهما‪ ،‬بأن يدخل إصبعيه السباحتين في سماق أذنيه ويمر بإبهاميه على ظاهرهما‪،‬‬
‫ومسح األذنين‪ .‬فعله النبي ﷺ‪.‬‬
‫بماء أو بفضل ٍ‬
‫ماء أجزأه‪.‬‬ ‫بماء جديد ولذلك لو مسحهما ٍ‬
‫وقال‪ٍ :‬‬

‫قال‪ :‬تخليل اللحية الكثة‪ ،‬هذه هي السنة السابعة‪.‬‬


‫ومعنى الكثَة‪ :‬هي التي ال يرى من تحتها لون البشرة‪.‬‬
‫أنس ”أنه ﷺ كان إذا توضأ أخذ ك ًفا من ٍ‬
‫ماء فأدخله تحت حنكه‪ ،‬فخلل به لحيته‪ ،‬وقال‪ :‬هكذا أمرني‬ ‫ولحديث ٍ‬
‫ربي عز وجل“‬
‫أما إذا كانت خفيفة يُرى أثر البشرة ولونها فإنه يجب غسل اللحية‪.‬‬

‫ضا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وتخليل أصابع اليدين والرجلين أي ً‬
‫لخبر لقيط بن صبرة أنه قال‪ :‬سمعت النبي ﷺ يقول‪” :‬أسبغ الوضوء‪ ،‬وخلل بين األصابع“‪.‬‬
‫والتخليل في أصابع اليد‪ :‬بالتشبيك بينهما‪،‬‬
‫وفي أصابع الرجلين‪ :‬يبدأ بخنصر اليمنى ويختم بخنصر الرجل اليسرى‪ ،‬لحديث المستورد بن شداد ‪.‬‬

‫قال‪ :‬وتقديم اليمنى على اليسرى‪.‬‬


‫أي يستحب أن يبدأ باليمنى‪.‬‬
‫لفعل النبي ﷺ‪ ،‬ولخبر ابن خزيمة وابن حبان أنهما قاال‪ :‬قال النبي ﷺ‪” :‬إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم“‪.‬‬
‫وجعل العلماء اليمنى للتكريم‪ :‬كالغسل واللبس واالكتحال والتقليم وقص الشارب ونتف اإلبط وحلق الرأس والسواك‬
‫ودخول المسجد وتحليل الصالة ومفارقة الخالء واألكل والشرب والمصافحة واستالم الحجر األسود والركن اليماني‬
‫واألخذ واإلعطاء‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫كدخول الخالء واالستنجاء واالمتِخاط وخلع الثياب وإزالة القذر وعكسه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬والتياسر في ضده‬
‫إذن معنى هذا الكالم‪ :‬أن اليد اليمنى تقدم لكل ما فيه تكر ٍيم وخير واليسرى لعكس ذلك‪.‬‬

‫قال‪ :‬والطهارة ثالثًا ثالثًا‪ :‬أي فيما يثلث كاليدين والوجه والرجلين‪،‬‬
‫لحديث ابن عباس أن النبي ﷺ ”توضأ مرةً مرة‪ ،‬وكذلك توضأ مرتين مرتين“‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫فدل على أن األولى فقط هي الواجبة‪ ،‬والزيادة على الثالث تكون مستحبة‪،‬‬

‫ضا ومسح األذنين‪.‬‬


‫وبعضهم قال‪ :‬بتثليث مسح الرأس أي ً‬
‫قال‪ :‬والمواالة‪ :‬أي السنة العاشرة بين أعضاء التطهير‪ ،‬بحيث ال يجف األول قبل الشروع في الثاني مع اعتالل الهواء‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويقدر ذلك بحسب حال الوقت والشخص‪.‬‬


‫ومن العلماء من ذكر بعض السنن التي لم يذكرها الماتن وذكر منها الشارح‪:‬‬
‫‪ -‬وترك تنشيف األعضاء بال عذر‪،‬‬ ‫‪ -‬ترك نفض الماء‪،‬‬
‫‪ -‬ومنها تقديم النية مع أول السنن المتقدمة على الوجه‪،‬‬ ‫‪ -‬ومنها أن يضع المتوضئ إناء الماء عن يمينه‪،‬‬
‫ذكرا إلى آخر الوضوء‪،‬‬
‫‪ -‬ومنها استصحاب النية ً‬ ‫‪ -‬ومنها التلفظ بالمنوي‪،‬‬
‫‪ -‬ومنها دلك أعضاء الوضوء‪،‬‬ ‫‪ -‬ومنها التوجه للقبلة‪،‬‬
‫‪ -‬ومنها أن يبدأ في غسل يديه بأطراف أصابعه‪،‬‬ ‫‪ -‬ومنها البداءة بأعلى الوجه‪،‬‬
‫‪ -‬ومنها أال يتكلم بال حاجة‪،‬‬ ‫‪ -‬ومنها أن يقتصد في الماء فيكره اإلسراف‪،‬‬
‫خاتما يصل الماء تحته‪،‬‬
‫‪ -‬ومنها أن يتعهد موقه وهو طرف العين الذي يلي األنف‪ - ،‬ومنها أن يحرك ً‬
‫‪ -‬ومنها أن يتوقى الرشاش‪،‬‬
‫مستقبال القبلة‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن محم ًدا‬
‫ً‬ ‫‪ -‬ومنها أن يقول بعد الفراغ من الوضوء‬
‫عبده ورسوله‪.‬‬
‫وبذلك أحبتي في اهلل ينتهي هذا المجلس وتنتهي هذه المحاضرة‪ ،‬يبقى لنا بعض األسئلة‪:‬‬

‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اذكر أوقات استحباب السواك‪.‬‬


‫األسئ ـلـة‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬اذكر فرائض الوضوء مع الدليل‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬اذكر بالدليل سبعة من سنن الوضوء‪.‬‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫المحاضـرة الـرابعــة‬
‫أحبتي في اهلل طلبة وطالبات كلية العلوم الشرعية والعربية الفرقة الثانية‪ ،‬مرحبًا بكم في هذا الدرس المبارك من دروس الفقه‬
‫الشافعي‪ ،‬وهذا هو المجلس الرابع‪ ،‬وكما تعلمون فنحن نقرأ متن ابن أبي شجاع ونشرح كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ أبي‬
‫شجاع]‪.‬‬
‫فصل في االستنجاء"‬
‫قال الماتن ‪ٌ " :‬‬
‫واجب من البول والغائط‪ ،‬واألفضل أن يستنجي باألحجار ثم يتبعها بالماء‪ ،‬ويجوز أن يقتصر على الماء؛ أو‬
‫ٌ‬ ‫قال‪[ :‬واالستنجاء‬
‫على ثالثة أحجا ٍر ينقي بهن المحل]‪.‬‬
‫قال ‪[ :‬إذا أراد االقتصار على أحدهما فالماء أفضل]‪.‬‬
‫قال‪[ :‬ويتجنب استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء]‪.‬‬
‫قال‪[ :‬ويتجنب البول في الماء الراكد وتحت الشجرة المثمرة وفي الطريق والظل والثقب]‪.‬‬
‫قال‪[ :‬وال يتكلم على البول والغائط وال يستقبل الشمس والقمر وال يستدبرهما]‪.‬‬
‫هذه مسائل باب االستنجاء‪.‬‬

‫‪---‬‬ ‫‪ " ---‬باب االستنجاء"‬


‫وجعل االستنجاء طهارة مستقلة على األصح من المذهب‪.‬‬
‫وأخر المصنف االستنجاء إلى بعد الوضوء من باب جواز تقديم الوضوء عليه‪.‬‬
‫واختلف العلماء فبعضهم قال بعدم صحة وضوء دائم الحدث قبل االستنجاء لقوله [ال يرفع الحدث] وهو الظاهر‪.‬‬

‫قال الشارح ‪[ :‬واالستنجاء‪ :‬استفعال من طلب النجاء‪ ،‬وهو الخالص من الشيء‪ .‬وهو مأخوذ من نجوت الشجرة‬
‫وأنجيتها إذا قطعتها ألن المستنجي يقطع به األذى عن نفسه]‪.‬‬

‫قال‪ :‬واالستنجاء يعبر عنه باالستجمار‪ ،‬وهو الحصى الصغار‪.‬‬


‫واجب من البول والغائط]‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قال‪[ :‬واالستنجاء‬
‫خارج‬
‫واجب من خروج البول والغائط وخروج غيرهما كالدم والحصاة والريح والودي والمذي وكل ٍ‬
‫ٌ‬ ‫وكذلك االستنجاء‬
‫نادرا فإنه يوجب االستنجاء‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ملوث ولو ً‬

‫قال‪[ :‬واألفضل أن يستنجي باألحجار]‪.‬‬


‫وليس المقصود الحجر لذاته؛ إنما المقصود الحجر وما في معناه‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫قال‪[ :‬ثم يتبعها بالماء]‪.‬‬
‫هذا إذا كان سيستنجي بالحجر وبالماء؛ فيبدأ بالحجارة ثم يتبع الحجارة بالماء‪،‬‬
‫وإن كانت الطهارة تزول بأحدهما فال بأس من الجمع بينهما‪ ،‬ألن العين تزول بالحجر‪ ،‬واألثر يزول بالماء من غير‬
‫حاجة إلى مخامرة النجاسة‪.‬‬
‫والظاهر أن هذا يحصل به فضيلة الجمع‪.‬‬

‫قال‪[ :‬ويجوز أن يقتصر على الماء‪ ،‬أو على ثالثة أحجار ينقي بهن المحل]‪.‬‬
‫ويجوز للمستنجي أن يقتصر على الماء فقط ألنه األصل في إزالة النجاسة‪.‬‬
‫لحديث أنس‪" :‬كنت أحمل أنا وغالم نحوي إداوةٍ من ماء وعنزة‪ .‬وحينما يقضي النبي ﷺ حاجته فيستنجي‬
‫بالماء"‪.‬‬

‫قال‪[ :‬أو يقتصر على ثالثة أحجار]‬


‫"وليستنج بثالثة‬
‫ِ‬ ‫ألن النبي ﷺ جوز االستنجاء بثالثة أحجار كما روى البخاري وكذلك رواه الشافعي ‪ ‬قال‪:‬‬
‫أحجار"‪.‬‬
‫ولما رواه مسلم من حديث سلمان من نهيه ﷺ عن االستنجاء بأقل من ثالثة أحجار‪.‬‬
‫والمذهب يرى أنه األولى أن يكون بثالثة أحجار‪ ،‬فإن كان حجر واحد له ثالثة أطراف فال بأس ألنهم اشترطوا‬
‫شرطان‪:‬‬
‫ٍ‬
‫مسحة المحل‪ .‬ولذلك قالوا‪ :‬ولو كانت بأطراف حج ٍر‪ .‬لخبر مسلم الذي ذكرناه‬ ‫األول‪ :‬ثالث مسحات بأن يعم بكل‬
‫"ونهانا أن نستنجي بأقل من ثالثة أحجار"‪.‬‬
‫قال‪ :‬وفي معناها ثالثة أطراف حجر‪ ،‬وال يقاس عليه رمي الجمار‪.‬‬
‫والشرط الثاني‪ :‬ينقي بهن المحل‪ .‬فإذا لم ِ‬
‫تكف الثالث في تنقية المحل فإنه يأتي بالرابع‪ .‬فإن أنقى الرابع أتى بخامس‬
‫للوتر‪.‬‬

‫ولذلك قال الشارح‪ :‬والسنة بعد اإلنقاء إن لم يحصل الوتر أن يوتر بواحدةٍ‪ ،‬كأن حصل بر ٍ‬
‫ابعة فيأتي بخامسة‪.‬‬
‫لماذا؟‬

‫لما روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال‪" :‬إذا استجمر أحدكم فليستجمر ً‬
‫وترا"‪.‬‬
‫لكن هذا أمر‪ ،‬فما الذي صرفه؟‬
‫صرفه قوله ﷺ في رواية أبي داود‪" :‬من استجمر فليوتر‪ ،‬من فعل فقد أحسن‪ ،‬ومن ال فال حرج"‪.‬‬
‫لكن العلماء يضعفون هذا األثر‬

‫‪43‬‬
‫ٍ‬
‫وخذف لحصول الغرض به كالحجر"‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كخشب‬ ‫كذلك في معنى الحجر قال الشارح‪" :‬كل جامد طاه ٍر قال ٍع غير محترم‬
‫قال‪ :‬فخرج "بالجامد"‪ :‬المائع غير الماء الطهور‪ ،‬كماء الخل وماء الورد‪.‬‬
‫قال‪ :‬والقالع نحو الزجاج والقصب األملس فإنه ال يطهر‪.‬‬
‫قال‪" :‬وغير محترم" كمطعوم آدمي فال يجوز‪ ،‬كالخبز‪ ،‬أو جني (مطعوم جني) كالعظم فال يجوز‪.‬‬
‫لحديث‪" :‬نهي عن االستنجاء بالعظم‪ ،‬وقال إنه زاد إخوانكم (أي من الجن)"‪.‬‬
‫ومطعوم اآلدمي من باب أولى‪ .‬أما مطعوم البهائم كالحشيش فيجوز‪.‬‬

‫علم كحديث أو فقه أو غير ذلك‪ .‬وشرط االستنجاء بالحجر وما ألحق به ألن‬
‫معظم أو ٌ‬
‫اسم ٌ‬‫قال‪[ :‬ومن المحترم ما كتب عليه ٌ‬
‫يجزئ‪ ،‬أن ال يجف‪ .‬فإن جف تعين الماء]‪.‬‬
‫وحكم الغائط كالبول في ذلك‪ ،‬وأن ال ينتقل عن المحل الذي أصابه عند خروجه واستقر فيه‪.‬‬
‫فإن كان الخارج فوق العادة فال يجزئ إال الماء‪.‬‬
‫وكذلك في دم الحيض والنفاس‪ ،‬إذا انقطع جاز االستجمار بالحجر إن تيممت‪ .‬واألصل أن عليها الغسل‪.‬‬

‫قال‪[ :‬ولو ندر الخارج كالدم والودي والمذي أو انتشر فوق عادة الناس أو عادة نفسه‪ ،‬فإنه ال يجزئ إال الماء]‪.‬‬

‫قال‪[ :‬فإن أراد االقتصار على إحداهما فالماء أفضل]‬


‫لكن هناك مسألة‪ :‬نقول إن األصل في إزالة النجاسة هو أن يغلب على ظنه زواله‪ .‬وال يضر شم ريحها بيده‪ ،‬فال يدل‬
‫على بقائها على المحل‪.‬‬

‫قال‪[ :‬فإذا أراد المستنجي االقتصار على أحدهما (أي الماء) أو الحجر وما في معناه‪ ،‬فالماء أفضل]‪.‬‬
‫أ ي عنده ماء وعنده حجر وسيقوم باالستنجاء بأحدهما فقط‪ ،‬فالماء أفضل ألنه يزيل العين واألثر‪ .‬أما الحجر فال يزيل‬
‫األثر إنما يزيل العين فقط‪.‬‬
‫كذلك من مسائل االستنجاء‪ :‬أنه ال يجب االستنجاء من النوم‪ ،‬أو من الريح‪ ،‬إنما يجب عند البول والغائط وما خرج‬
‫من السبيلين فقط‪.‬‬

‫قال‪[ :‬ويتجنب استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء]‪.‬‬


‫يتجنب أي قاضي الحاجة‪ ،‬استقبال القبلة واستدبارها‪.‬‬
‫المذهب يرى أنها ندبًا في غير المعد لذلك‪ ،‬مع ساتر مرتفع كثلثي ذراع فأكثر‪ ،‬أما إذا لم يكن هناك ساتر فيحرم وال‬
‫يجوز‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫قال‪[ :‬ويكفي إرخاء ذيله‪ ،‬ولكن يكون ذلك خالف األولى]‪.‬‬

‫قال‪[ :‬ويحرمان في البنيان غير المعد لقضاء الحاجة‪ ،‬وفي الصحراء بدون ساتر]‪.‬‬
‫إذن‪ :‬إذا كان البنيان غير معد فيحرم‪.‬‬
‫معنى هذا الكالم أنه لو كان مع ًدا لجاز له ذلك‪.‬‬
‫ويحرم كذلك في الصحراء‪.‬‬
‫واألصل في ذلك قول النبي ﷺ كما رواه البخاري ومسلم‪" :‬إذا أتيتم الغائط فال تستقبلوا القبلة وال تستدبروها‬
‫ٍ‬
‫ببول وال غائط ولكن شرقوا أو غربوا"‪.‬‬
‫هذا نهي عام لكن صرفه حديث ابن عمر أنه "رأى النبي ﷺ يقضي حاجته في بيت حفصة مستقبل الشام مستدبر‬
‫الكعبة"‪.‬‬
‫وقال جابر‪" :‬نهى النبي ﷺ أن نستقبل القبلة ٍ‬
‫ببول‪ ،‬فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها"‪ .‬رواه الترمذي وحسنه‪.‬‬
‫‪ ¤‬فيحمل األول على الفضاء‪.‬‬
‫‪ ¤‬ويحمل الثاني على البنيان واهلل أعلم‪.‬‬
‫قال الشارح ‪[ :‬وأما المعد لذلك فال حرمة فيه وال كراهة وال خالف األولى كما قاله في المجموع (أي النووي ‪ :)‬لو‬
‫أعد حمام‪ ،‬أو حش‪ ،‬أو كنيف في بيته واستقبل به القبلة فالمذهب أنه ال شيء عليه وال حرمة]‪.‬‬

‫قال‪[ :‬ويستثنى من الحرمة ما لو كانت الريح تهب عن يمين القبلة وشمالها (أي إذا أراد أن يقضي حاجته والريح تهب) ال‬
‫يحرمان للضرورة‪ ،‬وال يحرم وال يكره استقبال القبلة وال استدبارها حال االستنجاء‪ ،‬أو الجماع‪ ،‬أو إخراج الريح‪ ،‬إذ النهي عن‬
‫االستقبال واالستدبار مقيد بالبول والغائط]‪.‬‬
‫كالم منضبط‪.‬‬
‫وهذا ٌ‬
‫قال الماتن‪[ :‬ويتجنب البول في الماء الراكد]‪.‬‬
‫قال الشارح‪[ :‬ويتجنب ندبًا البول والغائط في الماء الراكد]‪.‬‬
‫وإذا كان النهي عن البول‪ ،‬فالغائط من باب أولى ألن البول أخف‪.‬‬
‫لحديث مسلم‪" :‬أن النبي ﷺ نهى أن يبال في الماء الراكد"‪.‬‬

‫قال‪[ :‬والبول منصوص عليه والغائط من باب أولى]‪.‬‬


‫قال الشارح‪[ :‬والنهي في ذلك للكراهة‪ ،‬بدؤوا يأتون ٍ‬
‫بعلل لذلك‪ .‬وذكر الشارح أنه قد يكون في الليل أشد كراهة‪ ،‬ألنه مأوى‬
‫الجن] وال دليل على ذلك‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫وذكر النووي في المجموع عن جماعة الكراهة في القليل منه دون الكثير‪ ،‬ولكن قال‪" :‬يكره أيضا في الليل لما مر"‪،‬‬
‫لكنه يرى أن البول في الماء الراكد القليل يحرم مطلقا‪.‬‬

‫قال‪[ :‬وتحت الشجرة المثمرة]‬


‫ويتجنب ذلك أيضا أن يبول أو يتغوط تحت الشجرة المثمرة‪.‬‬

‫قال الشارح‪[ :‬ندبًا]‪.‬‬


‫مكروها ألنه غير متيقن من التنجيس‪،‬‬
‫ً‬ ‫مباحا في غير وقت الثمرة صيانة لها عن التلويث‪ .‬وجعلوا الفعل‬
‫قال‪[ :‬ولو كان الثمر ً‬
‫وفي الطريق والظل والثقب]‪.‬‬
‫مهجورا وال يسلكه أحد فال حرج‪.‬‬
‫ً‬ ‫أما الطريق فيقصد به الطريق المسلوك‪ .‬فلو كان الطريق‬
‫لقول النبي ﷺ‪" :‬اتقوا اللعانين‪ .‬قالوا‪ :‬وما اللعانان يا رسول اهلل؟ قال‪" :‬الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم"‪ .‬رواه‬
‫مسلم‬
‫ولذلك يتسبب هذا الفعل في لعن فاعله‪.‬‬
‫ضا بإسناد جيد عند ابن ماجة وأبي داود أن النبي ﷺ قال‪" :‬اتقوا المالعن الثالثة‪ :‬البراز في الموارد‪ ،‬وقارعة‬
‫وجاء أي ً‬
‫الطريق‪ ،‬والظل"‪.‬‬
‫ومعنى المالعن‪ :‬مواضع اللعن‪.‬‬
‫والموارد‪ :‬طرق الناس‪.‬‬
‫والتخلي‪ :‬التغوط‪.‬‬
‫قال النووي‪ :‬وظاهر كالم األصحاب كراهته‪ ،‬وينبغي حرمته لألخبار الصحيحة وإليذاء المسلمين‪.‬‬
‫وهذا القول هو الراجح‪ ،‬أي حرمة فعل ذلك‪.‬‬
‫قال‪[ :‬والظل]‬
‫ومعنى الظل أي الذي ينتفع به سواء كان في الصيف أو في الشتاء‪ ،‬ومثله مواضع اجتماعهم في الشمس أو في الشتاء‪.‬‬
‫قال‪[ :‬والثقب] وهو مساكن الجن‪ ،‬أو قد يكون فيه حيوا ٌن ضعيف كالنمل وغيره فيتأذى بالبول ونحو هذا‪.‬‬
‫وأيضا مال النووي ‪ ‬في المجموع إلى الحرمة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وينبغي تحريم ذلك للنهي عنه إال أن يعد لهذا (أي هذا الثقب) فال تحريم وال كراهة‪.‬‬
‫قال الماتن‪[ :‬وال يتكلم على البول والغائط]‪.‬‬
‫أي يسكت حال قضاء الحاجة‪ ،‬فال يتكلم ال بذكر و ال غيره‪ ،‬ويكره ذلك إال للضرورة‪ ،‬كإرشاد أعمى وطلب ماء ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ويستدلون بالخبر وإن كان فيه ضعف أن النبي ﷺ قال‪" :‬ال يخرج الرجالن يضربان الغائط كاشفين عن عوراتهما يتحدثان‬
‫فان اهلل يمقت على ذلك"‪.‬‬
‫وإن كان صححه البيهقي وغيره لكن هو إلى التضعيف أقرب‬
‫لكن يغني عنه فعل النبي ﷺ أن رجال مر عليه وهو يبول فسلم عليه فلم يرد حتى انتهى وأتى الجدار وضرب يديه به ثم رد‬
‫‪.‬‬
‫قال‪[ :‬وال يستقبل الشمس والقمر وال يستدبرهما] أي ٍ‬
‫ببول وال غائط‪.‬‬
‫أي يكره له ذلك وهذا جرى عليه بعض علماء الشافعية ل كن نقل النووي عن الجمهور أنه يكره االستقبال دون االستدبار‪ .‬قال‬
‫في المجموع‪ :‬وهو الصحيح المشهور‪.‬‬
‫وهذا هو المعتمد أنه ال أصل للكراهة‪ ،‬فالمختار اإلباحة‪،‬‬
‫ألن النبي ﷺ قال‪" :‬ولكن شرقوا أو غربوا"‪.‬‬
‫فبين هنا ﷺ جواز أن يشرق أو يغرب‪.‬‬
‫كذلك يسن أن يبتعد عن الناس في الصحراء‪ ،‬أو ما ألحق بها من البنيان؛ حيث ال يسمع للخارج منه صوت‪ ،‬وال يشم له ريح‪،‬‬
‫فإن تعذر عليه اإلبعاد عنهم سن لهم اإلبعاد عنه‪.‬‬

‫كذلك قال‪[ :‬ويستتر عن أعينهم بمرتفع ثلثي ذراع فأكثر بينه وبينه ثالثة أذرع فأقل‪ ،‬ويفصل الستر براحلة أو إرخاء ذيله]‪.‬‬
‫مكان واسع‪ .‬فإن كان في ٍ‬
‫مكان يمكن تسقيفه‪،‬‬ ‫كذلك إذا كان في الصحراء أو بنيان ال يمكن تسقيفه‪ ،‬كأن جلس في وسط ٍ‬

‫(أي عادةً) كفى؛ كما في "أصل الروضة"‪.‬‬


‫وهذا األدب متف ٌق على استحبابه‪.‬‬
‫قال النووي ‪ :‬ويجوز كشف العورة في محل الحاجة في الخلوة كحالة االغتسال والبول‪.‬‬

‫قال‪[ :‬وال يبول في موضع هبوب الريح‪ ،‬وإن لم تكن هابة‪ ،‬إذ قد تهب بعد شروعه في البول‪ ،‬وال في ٍ‬
‫مكان صلب؛ حتى ال‬
‫يرد عليه البول‪ .‬وال يبول قائما]‪.‬‬
‫وال يبول قائما‪ .‬لماذا؟‬
‫لحديث عائشة ‪ ‬قالت‪" :‬من حدثكم أن النبي ﷺ كان يبول قائما فال تصدقوه"‪.‬‬
‫أي‪ :‬يكره له ذلك إال لعذر؛ فال يكره وليس خالف األولى‪.‬‬
‫وما ذاك إال لحديث حذيفة‪ ،‬وإن لم يذكره الشارح‪" :‬أن النبي ﷺ أتى سباطة ٍ‬
‫قوم فبال قائما"‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ثم ذكر بعض المسائل‪ :‬قال‪[ :‬ويعتمد في قضاء الحاجة يساره‪ .‬ويندب أن يرفع لقضاء الحاجة ثوبه عن عورته شيئا فشيئا‪ ،‬إال‬
‫بماء في مجلسه؛ إن لم يكن معدا لذلك‪ .‬ويكره أن يبول في‬ ‫أن يخاف أن يتنجس ثوبه فيرفعه بقدر حاجته‪ .‬وال يستنجي ٍ‬

‫المغتسل]‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪" :‬وال يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه‪ .‬فإن عامة الوسواس منه"‪.‬‬
‫قال‪[ :‬ويسن أن يستبرئ من البول عند انقطاعه بنحو تنحنح ونتر ذكره]‪.‬‬
‫قال النووي‪:‬‬
‫والمختار أن ذلك يختلف باختالف الناس والقصد أن يظن أنه لم يبق بمجرى البول شيء يخاف خروجه‪.‬‬
‫قال‪[ :‬ويندب أن يقول عند وصوله إلى مكان قضاء الحاجة‪" :‬بسم اهلل (أي أتحصن من الشيطان) اللهم إني أعوذ بك من‬
‫الخبث والخبائث"]‪.‬‬
‫لما رواه الشيخان من حديث أنس أن النبي ﷺ كان إذا دخل الخالء قال‪" :‬اللهم إني أعوذ بك من الخبث‬
‫والخبائث‪ ،‬وإذا انتهى وخرج يقول‪" :‬غفرانك‪ ،‬الحمد هلل الذي أذهب عني األذى وعافاني"‪.‬‬
‫أما قول "غفرانك"‪ :‬فصحيح‪.‬‬
‫وأما "الحمد هلل الذي أذهب عني األذى"‪ :‬فضعيف ال يثبت عن النبي ﷺ‪.‬‬
‫نوحا ‪ ‬كان يقول‪" :‬الحمد هلل الذي أذاقني لذته وأبقى‬
‫ذكر آخر ضعيف‪ ،‬ضعفه األلباني في الضعيفة‪ ،‬أن ً‬
‫وهناك ٌ‬
‫في منفعته وأذهب عني أذاه"‪.‬‬
‫ّ‬
‫هذا ال يثبت‪.‬‬
‫وتنتهي بذلك مسائل االستنجاء‪.‬‬

‫فصل في بيان ما ينتهي به الوضوء‪.‬‬


‫ثم قال الماتن ‪ٌ :‬‬
‫أشياء (وفي بعض النسخ خمسة ٍ‬
‫أشياء)]‬ ‫قال‪[ :‬والذي ينقض الوضوء ستة ٍ‬

‫وذكر النووي في "المنهاج" أن نواقض الوضوء أربعة فقط‪.‬‬


‫قال‪ :‬والذي ينقض الوضوء ستة أشياء‪:‬‬
‫‪ -‬أوال‪ :‬ما خرج من السبيلين‪.‬‬
‫‪ -‬والثاني‪ :‬النوم على غير هيئة المتمكن‪.‬‬
‫بسك ٍر أو مرض‪.‬‬
‫‪ -‬الثالث‪ :‬وزوال العقل ُ‬
‫‪ -‬الرابع‪ :‬لمس الرجل المرأة األجنبية من غير حائل‪.‬‬
‫‪ -‬الخامس‪ :‬مس فرج اآلدمي بباطن الكف‪ ،‬ومس حلقة دبره على الجديد‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫فصل في بيان ما ينتهي به الوضوء (نواقض الوضوء)‬
‫قال الشارح‪[ :‬والذي ينقض الوضوء (أي ينتهي به الوضوء) خمسة أشياء فقط‪ .‬وال يخالف من جعلها أربعة "كالمنهاج"‬
‫ألنه مفهوم قول المنهاج إال نومٌ ممكن مقعده هو منطوق الثاني]‪.‬‬

‫األول‪[ :‬ما خرج من السبيلين]‪.‬‬


‫"ما خرج"‪" :‬ما" تعم أي شيء خرج من السبيلين (أي من أحد السبيلين)‪ ،‬وال يشترط الخروج منهما معا‪.‬‬
‫السبيلين‪ :‬أي من قِبَ ِل المتوضئ الحي‪.‬‬

‫قال‪[ :‬أما المشكل (الخنثى)‪ ،‬فإن خرج الخارج من فرجيه جميعا فهو محدث‪ ،‬وإن خرج من أحدهما فال ينقض]‪.‬‬

‫قال‪[ :‬أو من دبر المتوضئ الحي سواء كان الخارج عينا أم ريحا‪ ،‬طاهرا أم نجسا‪ ،‬جافا أم رطبا‪ ،‬معتادا كبول أو نادرا ٍ‬
‫كدم‪،‬‬
‫انفصل أم ال‪ ،‬قليال أم كثيرا‪ ،‬طوعا أم كرها]‪.‬‬
‫معنى هذا الكالم‪ :‬أن أي شيء يخرج من القبل أو من الدبر يخرج طوعا أو كرها يعني رغما عنك‪ ،‬قليال أو كثيرا‪،‬‬
‫معتادا أو نادرا‪:‬‬
‫فإنه ينقض الوضوء‪.‬‬
‫َح ٌد ِّمن ُكم ِّم َن الْغَائِ ِط﴾‬
‫اء أ َ‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬أ َْو َج َ‬
‫ومعنى الغائط‪ :‬المكان المطمئن من األرض الذي يقضى فيه الحاجة‪ ،‬وسمي الخارج باسمه للمجاورة‪.‬‬
‫ولما سئل النبي ﷺ عن المذي فقال‪" :‬يغسل ذكره ويتوضأ"‪ .‬متف ٌق عليه‪.‬‬
‫هذا بالنسبة للعين‪.‬‬
‫وأما غير العين‪،‬‬
‫فلحديث الصحيحين أيضا أنه اشتكى إلى النبي ﷺ الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصالة فقال‪" :‬ال ينصرف‬
‫يحا"‪.‬‬
‫حتى يسمع صوتًا أو يجد ر ً‬
‫والمراد هنا العلم بخروج الشيء‪،‬‬
‫فال يشترط السماع وال الشم‪ ،‬وال حصر الناقض في الصوت والريح‪.‬‬
‫بل هنا قصد أن يتعين عليه العلم واليقين أنه قد انتقض وضوؤه‪.‬‬
‫والتعبير "بالسبيلين" جرى على الغالب‪.‬‬

‫قال‪[ :‬ويستثنى من ذلك خروج مني الشخص نفسه الخارج منه أوال ألنه يوجب الغسل‪ ،‬وهو أعظم األمرين‪ ،‬فيشمل كذلك‬
‫الوضوء بعمومه‪ .‬وكذلك الحيض والنفاس يوجبان الغسل والوضوء ولو انسد فرجه األصلي]‬

‫‪49‬‬
‫وانتبه من هذه المسألة ألنه يقع فيها الخالف‪:‬‬
‫مخرج بَ َدلُه تحت معدته‬
‫ٌ‬ ‫قبل أو دب ٍر؛ إن لم يخرج منه شيء‪ ،‬وإن لم يلتحم‪ ،‬وانفتح‬
‫إذا انسد فرجه األصلي من ٍ‬
‫(مستقر الطعام)‪ ،‬وهي من السرة إلى الصدر ؛‬
‫فخرج منه المعتاد خروجه كبول‪ ،‬أو النادر ٍ‬
‫كدود ودم نقض لقيامه مقام األصل‪.‬‬
‫إذن متى ينقض الخارج من غير السبيلين على مذهب الشافعي؟‬
‫إذا انسد المخرج األصلي‪.‬‬
‫أما إذا لم ينسد األصلي فالخارج من غيره ال ينقض‪.‬‬
‫منفتحا كما قال الشارح‪ ،‬فال ينقض الخارج منه‪.‬‬
‫ً‬ ‫فإذا كان األصلي‬

‫الثاني‪ :‬قال‪[ :‬النوم على غير هيئة المتمكن]‪.‬‬


‫أي الناقض الثاني من نواقض الوضوء‪ :‬النوم‪.‬‬
‫ومعنى النوم عرفه العلماء‪ :‬باسترخاء أعصاب الدماغ‪.‬‬
‫قع ُده‪( ،‬أي ألييه) وذلك أن اإلنسان إذا كان جالسا متمكن من األرض على‬
‫على غير هيئة المتمكن‪ :‬من األرض َم َ‬
‫مقعدته حتى لو نام ال ينتقض الوضوء على المذهب‪.‬‬

‫ويستدلون بقول النبي ﷺ فيما رواه أبو داود وحسنه األلباني‪" :‬العينان وكاء ّ‬
‫السه فمن نام فليتوضأ"‪.‬‬
‫وكذلك يستدلون بأن الصحابة كانوا ينامون وهم جلوس‪ ،‬ثم يصلون وال يتوضؤون‪ ،‬فيما رواه مسلم من حديث أنس‪:‬‬
‫"كان أصحاب رسول اهلل ﷺ ينامون ثم يصلون وال يتوضؤون"‪.‬‬
‫ومعنى (ينامون)‪ :‬تخفق رؤوسهم األرض‪.‬‬
‫كما في رواية أبي داود‪،‬‬
‫وجمعا بين الحديثين‪ُ ،‬حمل على غير المتمكن من األرض ولذلك قالوا إن من خصائص النبي ﷺ‪ :‬أنه ال ينتقض‬
‫ً‬
‫وضوؤه‪ ،‬ولو نام مضطجعا‪.‬‬
‫لكن هنا قال‪ :‬ويسن الوضوء من النوم ممكنًا‪ ،‬خروجا من الخالف؛ ألن جمهور العلماء غير الشافعية يرون أن النوم‬
‫ناقض على أي صفة كانت‪ ،‬سواء متمكن أو غير متمكن‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬قال‪[ :‬زوال العقل بسكر أو مرض]‪.‬‬


‫وبعضهم يجعله تبعا للثاني كالنووي في "المنهاج"‪ ،‬فجعلها أربعة‪ ،‬وألحق هذا بالثاني أي زوال العقل بالنوم‪.‬‬

‫بسكر أو مرض]‪،‬‬
‫قال‪[ :‬ومعنى زوال العقل ُ‬
‫ُسكر عارض‪ ،‬وإن لم يأثم به‪ ،‬كان يشرب شيئا يظنه ماء فبان خمرا‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫فهنا قال العلماء‪ :‬ينتقض الوضوء‪.‬‬
‫بنجا إلجراء جراحة كل‬
‫أو مرض؛ وهذا يكون عارض كإغماء‪ ،‬أو تناول دواء فيه نوم ألن ذلك أبلغ من النوم‪ ،‬أو أخذ ً‬
‫هذا ينقض الوضوء‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬قال الغزالي‪ :‬الجنون يزيل العقل‪ .‬واإلغماء يغمره‪ ،‬والنوم يستره‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬قال‪[ :‬ولمس الرجل المرأة األجنبية من غير حائل]‬


‫هذا هو الناقد الرابع من نواقض الوضوء‪:‬‬
‫لمس الرجل ببشرته المرأة األجنبية أي‪ :‬بشرتها‪ ،‬من غير حائل‪.‬‬
‫اء﴾‪.‬‬
‫ِّس َ‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬أ َْو َال َم ْستُ ُم الن َ‬
‫قال‪ :‬وقرئ "أو لَ َم ْستم" كما قرئ به‪ ،‬فعطف اللمس على المجيء من الغائط‪.‬‬
‫ويستدل لذلك أن األمر يحمل على ظاهره‪،‬‬
‫وبعضهم قال‪ :‬المقصود باللمس‪ :‬الجماع‪.‬‬
‫ورد علماء الشافعية على ذلك بقولهم‪ :‬إن اللمس في اللغة‪ :‬معناه اللمس باليد‪،‬‬
‫كما في قوله تعالى‪" :‬فلمسوه بأيديهم"‪.‬‬
‫وقال‪ :‬النبي ﷺ لماعز وغيره‪" :‬لعلك لمست"‪.‬‬
‫فهنا قال العلماء‪ :‬اللمس يكون لمس البشرة بالبشرة‪.‬‬

‫قال الشارح ‪[ :‬وال فرق في ذلك بين أن يكون‪ :‬بشهوةٍ وإكراه أو نسيان‪ ،‬أو يكون الرجل ممسوحا‪ ،‬أو خصيا‪ ،‬أو عنينًا‪،‬‬
‫عجوزا شوهاء‪ ،‬أو كافرة بتمجس أو غيره‪ ،‬أو حرة‪ ،‬أو رقيقة‪ ،‬أو أحدهما ميتا]‬
‫ً‬ ‫أو المرأة‬
‫لكن ال ينتقض وضوء الميت‪.‬‬
‫واللمس‪ :‬الجس باليد‪.‬‬
‫يعني هنا المصنف ‪ ‬يحمل األمر على العموم‪ ،‬أي رجل وأي أمرأة‪ ،‬ال فرق بين الصغيرة والكبيرة‪ ،‬الكافرة‬
‫والمسلمة‪ ،‬الحرة واألمة‪ ،‬الشوهاء والجميلة‪ ،‬ال فرق في ذلك كله‪.‬‬
‫هنا العلماء قالوا‪ :‬ألن اللمس مظنة ثوران الشهوة‪.‬‬
‫وفي هذا الناقض ضوابط‪:‬‬
‫األول‪ :‬إذا كان بين اللمس ساتر‪ ،‬أو حائل ولو رقيقا‪ ،‬فإنه ال ينقض‪.‬‬
‫كذلك إذا كثر الوسخ على البشرة من العرق فإن لمسه ينقض‪.‬‬
‫أما إذا لمس السن‪ ،‬والشعر‪ ،‬والظفر‪ ،‬فإنه ال ينقض‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫لكن هنا اختلفوا‪ :‬ماذا لو لمست المرأة رجال أجنيا‪ ،‬أو امرأة‪ ،‬أو الرجل مس امرأة أجنبية‪ ،‬هل ينقض وضوء‬
‫اآلدمي أو ال؟‬
‫قال‪ :‬ينبني هذا على صحة مناكحتهم‪.‬‬
‫وفي ذلك خالف يأتي في النكاح إن شاء اهلل‪.‬‬
‫قال‪[ :‬وال ينقض لمس محرم له بنسب‪ ،‬أو رضاع‪ ،‬أو مصاهرة‪ ،‬ولو بشهوة‪ .‬فلو لمس الرجل امرأته‪ ،‬أو لمس أخته‪ ،‬أو أمه‪ ،‬أو‬
‫بنته‪ ،‬أو عمته‪ ،‬أو خالته‪ ،‬أو ابنة أخيه‪ ،‬أو ابنة أخت من نسب‪ ،‬أو رضاعة ال ينقض ذلك كله‪ ،‬إنما قصد بالنقض‪ :‬المرأة‬
‫األجنبية] هذا هو المذهب وإن كان الجمهور على خالفه‪.‬‬

‫الخامس‪ :‬قال‪[ :‬ومس فرج اآلدمي ببطن الكف]‬


‫فإن مس الرجل أو المرأة فرجه سواء كان فرج نفسه أو فرج غيره ببطن الكف انتقض وضوؤه‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪" :‬من مس فرجه فليتوضأ"‪.‬‬
‫حجاب فليتوضأ"‪ .‬واإلفضاء‪ :‬اللمس بباطن الكف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ستر وال‬
‫وقوله‪" :‬إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ٌ‬

‫قال‪[ :‬فثبت النقض في فرج نفسه بالنص‪ ،‬فيكون في فرج غيره أولى]‬
‫ذكرا فليتوضأ"‪.‬‬
‫وهناك رواية عامة تقول‪" :‬من مس ً‬
‫قال ابن حبان‪ :‬عن خبر عدم النقض بمس الفرج أنه منسوخ‪.‬‬
‫كذلك لو كان له أصبع زائدة فمس بها فإنها إن كانت في مستوى األصابع نقض وإال فال‪.‬‬
‫كذلك إذا كانت له يد زائدة‪ ،‬نقول إذا كانت في مستوى الكف الثاني‪ ،‬سواء كانت أصلية‪ ،‬أو زائدة انتقض بها‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومن كان له ذكران نقض المس ٍ‬
‫بكل منهما‪ ،‬سواء أكانا عاملين‪ ،‬أم غير عاملين (ال زائد مع عامل)‪ ،‬فإن كان‬
‫زائ ًدا فال ينتقض به‪.‬‬

‫كذلك قال‪[ :‬ينقض فرج الميت والصغير‪ ،‬ومحل الجب والذكر األشل‪ ،‬وباليد الشالء]‪.‬‬
‫هذه هي نواقض الوضوء على مذهب اإلمام الشافعي ‪.‬‬
‫وبذلك نكون قد وصلنا إلى نهاية هذا الدرس الذي تناولنا فيه‪ :‬االستنجاء‪ ،‬ونواقض الوضوء‪.‬‬
‫نذكر بعض األسئلة‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫األسئ ـلة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬أيهما أفضل‪ :‬االستنجاء بالماء أم االستجمار بالحجارة؟‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬تكلم بالتفصيل عن استقبال القبلة واستدبارها أثناء قضاء الحاجة‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬إذا انسد الفرج األصلي فهل ينقض الخارج من الفرج الفرعي؟‬
‫‪ -‬السؤال الرابع‪ :‬ما الدليل على نقض الوضوء بمس الذكر؟‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫المحاضرة‬
‫سـةالمسح على الخفين"‬ ‫الخام‬
‫وباب‬ ‫اليوم إن شاء اهلل تعالى سوف نتناول‪" :‬باب موجب الغسل"‪" ،‬‬
‫فصل في موجب الغسل"‬
‫قال الماتن ‪ٌ " :‬‬
‫قال الشارح ‪ :‬والغسل لغةً‪ :‬سيالن الماء على الشيء مطل ًقا‪،‬‬
‫ويقال الغُسل والغَسل‪ ،‬قال‪ :‬والفتح أشهر كما قاله النووي‪.‬‬
‫ولكن الفقهاء أكثرهم يستعمله بالضم فيقول الغُسل‪ ،‬أي يجوز أن تقول الغَسل ويجوز أن تقول الغُسل‪.‬‬
‫وشرعا‪ :‬سيالنه على جميع البدن مع النية‪.‬‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫والغسل بالكسر‪ :‬ما يغسل به الرأس نحو سد ٍر وخطمي‪.‬‬

‫معا‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ٍ‬


‫قال الشارح ‪ :‬والذي يوجب الغسل ستة أشياء‪ ،‬ثالثةٌ منها يشترك فيها الرجال والنساء ً‬
‫التقاء الختانين‬
‫أي‪ :‬ختان الرجل وختان المرأة‪،‬‬
‫وال يلتقي الختانان إال بإدخال الحشفة في فرج المرأة‪.‬‬

‫فرجا من امر ٍأة ولو ميتة‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫قال الشارح ‪ :‬ولو بال قصد‪ ،‬أو كان الذكر أشل أو غير منتش ٍر‪ ،‬أو قدرها من مقطوعها ً‬
‫أو كان على الذكر خرقةٌ ملفوفةٌ ولو غليظةٌ‪.‬‬
‫لقوله ﷺ‪” :‬إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل‪ ،‬وإن لم يُنزل“‪.‬‬
‫هذا الحديث رواه مسلم‬
‫ومعنى هذا الكالم أن الرجل إذا أتى امرأته فجامعها وإن لم يُنزل أحدهما وجب على كليهما الغسل‪ ،‬لألخبار الدالة‪.‬‬
‫أما حديث ”إنما الماء من الماء“ هذا حمله العلماء على االحتالم‪ِ ،‬‬
‫وذ ْك ُر الختان جرى على الغالب‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مختون‪ ،‬أو المرأة وجب الغسل كذلك‪.‬‬ ‫ولذلك لو جامع الرجل وهو غير‬
‫انضمامهما‪ ،‬فلو انضم الختان إلى الختان ال يوجب الغسل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وحينما نقول التقاء الختانين‪ ،‬ليس المقصود‬
‫إنما ما يوجب‪ :‬إدخال الحشفة وهي مقدمة ذكر الرجل في الفرج‪.‬‬
‫والمقصود أن محل الختان في المرأة يكون في أعلى الفرج‪ ،‬ومحل الختان من الرجل يكون في نهاية الحشفة‪.‬‬

‫صبي ومجنو ٌن أولجا أو أُولج فيهما‪ ،‬ويجب عليهما الغسل بعد الكمال أي بعد البلوغ أو العقل من المجنون‪.‬‬
‫ويجنب ٌ‬
‫قال‪ّ :‬‬

‫قال‪ :‬وفي الخنثى خالف‪ ،‬والراجح الذي رجحه الشارح أنه ال يوجب الغسل‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫إذن الموجب األول من موجبات الغسل هو التقاء الختانين‪.‬‬
‫المني‪،‬‬
‫المني‪ :‬أي والذي يشترك فيه الرجال والنساء من موجبات الغسل‪ :‬إنزال المني‪ ،‬أي‪ :‬خروج ّ‬
‫ال ّ‬ ‫إنز ُ‬
‫المني بتشديد الياء‪ ،‬وقيل بتخفيفها‪.‬‬
‫ّ‬
‫مني الشخص نفسه الخارج منه أول مرة‪ ،‬وإن لم يتجاوز فرج الثيب‪.‬‬
‫بالمني‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫والمقصود‬
‫المني إذا خرج سواء كان ذلك في اليقظة أو في النوم فإنه يوجب الغسل‪.‬‬
‫ومعنى هذا الكالم‪ :‬أن ّ‬
‫أما النوم فحمل العلماء‪:‬‬
‫حديث أبي سعيد ”إنما الماء من الماء“‬
‫وكذلك حديث أم سليم المتفق عليه‪:‬‬
‫أنها جاءت إلى رسول اهلل ﷺ فقالت‪” :‬إن اهلل ال يستحيي من الحق هل على المرأة من ٍ‬
‫غسل إذا هي احتلمت‬
‫قال‪ :‬نعم إذا رأت الماء“‪.‬‬
‫ماء في ثيابه وجب عليه الغسل‪،‬‬
‫فهنا نقول إذا نام الرجل أو المرأة‪ ،‬ثم استيقظا فوجد ً‬
‫ماء وإن رأى أنه احتلم ال غسل عليه‪.‬‬
‫كذلك إذا لم يجد ً‬
‫احتالما؟ قال‪:‬‬
‫ً‬ ‫لما روت عائشة أم المؤمنين ‪ ‬أنها قالت‪” :‬سئل النبي ﷺ عن الرجل يجد البلل وال يذكر‬
‫يغتسل“‪.‬‬
‫احتالما وال يجد البلل؟ قال‪” :‬ال غسل عليه“‪.‬‬
‫ً‬ ‫وسئل ﷺ عن الرجل يذكر‬
‫المني من أحد فرجيه فال غسل عليه‪ ،‬الحتمال أن يكون زائ ًدا مع‬
‫ثم يختلف المذهب في الخنثى المشكل‪ :‬إذا خرج ّ‬
‫انفتاح األصلي‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن أمنى منهما أو من أحدهما وحاض من اآلخر وجب الغسل‪.‬‬
‫والمني‪ ،‬ويغتسل من الثاني للحيض‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لماذا؟ ألنه يغتسل من األول للجنابة‬

‫مستحكما‪ ،‬أو من غيره إذا كان‬


‫ً‬ ‫المني‪ ،‬بين أن يخرج من طريقه المعتاد وإن لم يكن‬
‫قال‪ :‬وال فرق في وجوب الغسل بخروج ّ‬
‫مستحكما مع انسداد األصلي‪.‬‬
‫ً‬

‫المني في اليقظ‪ ،‬فاشتُرط له أن يخرج بقوةٍ‪.‬‬


‫قال‪ :‬وإذا خرج ّ‬
‫َّرائِ ِ‬
‫ب﴾ [الطارق‪]7 :‬‬ ‫الصل ِ‬
‫ْب والتـ َ‬ ‫ج َمن بَـ ْي ِن ُّ‬
‫الصلب كما قال تعالى‪﴿ :‬يَ ْخ ُر ُ‬
‫ومعروف أنه يخرج من ُ‬
‫والمقصود هنا صلب الرجل وترائب المرأة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫خالف‪ ،‬ذكره في (المجموع) عن‬ ‫ٍ‬
‫لمرض فال يجب الغسل بال‬ ‫فإن خرج غير المستحكم من غير المعتاد كأن خرج‬
‫األصحاب‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫مني غيره منه‪ ،‬وال بخروج منيه منه بعد استدخاله‪.‬‬
‫كذلك ال يجب بخروج ّ‬
‫ومعنى ذلك أن الرجل إذا أتى أهله ثم اغتسل‪ ،‬ثم بعد الغسل خرج مني الرجل من المرأة‪،‬‬
‫هل يجب عليها إعادة الغسل؟ الجواب ال‪.‬‬
‫المني‪ ،‬وانكسرت الشهوة وانفترت‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫كذلك إذا خرج من الرجل بلذة ودفق فاغتسل‪ ،‬ثم بعد ما استرخى خرج باقي ّ‬

‫هل يوجب الغسل مرًة اخرى؟‬


‫الجواب ال‪.‬‬
‫لكن قال العلماء‪ :‬المني إذا لم يتدفق وإذا لم يكن لشهوة فال يوجب الغسل‪.‬‬

‫دجاج‬ ‫ثم ذكر الشارح ‪ ‬أنه حتى وإن خرج على لون الدم‪ ،‬أو ريح عين ح ٍ‬
‫نطة أو نحوها‪ ،‬أو ريح طل ٍع رطبًا‪ ،‬أو ريح بيض ٍ‬
‫جافًا‪ ،‬وإن لم يتلذذ أو يتدفق وجب الغسل‪.‬‬

‫مني ِجماعها بعد غسلها فال تُعيد الغسل‪.‬‬


‫قال‪ :‬أما إذا خرج من قُبل المرأة ّ‬
‫وفرقوا بين انقضاء الشهوة وعدم انقضائها‪.‬‬

‫مني الرجل‪ ،‬لم يجب عليها اإلعادة‪.‬‬


‫قال‪ :‬وخرج ب ُقبل المرأة ما لو وطئت في دبرها فاغتسلت‪ ،‬ثم خرج منها ّ‬
‫المني‪،‬‬ ‫ومعنى ذلك أن المرأة إذا لم ِ‬
‫تنقض الشهوة‪ ،‬ولم تتيقن خروج منيها‪ ،‬ثم اغتسلت ثم خرج منها ّ‬

‫قالوا‪ :‬يجب عليها الغسل‪ ،‬أو قد يكون هذا المني منها أو لشهوتها‪.‬‬

‫ٍ‬
‫حشفة منه لزمها الغسل ذكره في «الروضة»‪،‬‬ ‫مقطوعا أو قدر‬ ‫ذكرا‬
‫ً‬ ‫قال‪ :‬ولو استدخلت المرأة ً‬
‫استدخاله من رأسه‪ ،‬أو من أصله‪ ،‬أو من وسطه بجميع طرفيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ومقتضاه أنه ال فرق بين‬

‫قال‪ :‬ولو رأى في فراشه أو ثوبه ولو بظاهره منيًا ال يحتمل أنه من غيره لزمه الغسل‪.‬‬
‫هذا على ما ذكرنا قبل قليل في االحتالم‪.‬‬

‫صالة ال يحتمل خلوها عنه‪ ،‬ويُسن إعادة كل صالةٍ احتمل خلوها عنه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإعادة كل ٍ‬

‫ومعنى هذا الكالم‪ :‬أن الرجل نام القيلولة بعد صالة الظهر‪ ،‬ثم قَام فصلى العصر‪ ،‬ثم صلى المغرب‪ ،‬ثم صلى العشاء‪،‬‬
‫وبعد العشاء وجد في ثوبه منيًا‪.‬‬
‫هذا الرجل وجب عليه أن يغتسل ثم يعيد كل صالةٍ صالها بعد آخر ٍ‬
‫نومه أو أحدث نومه‪ ،‬فعلى هذا يصلي العصر‬
‫والمغرب والعشاء‪.‬‬
‫لماذا؟ ألن هذا قد يكون من آخر ٍ‬
‫نومة نامها‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مثال‪ ،‬كأن يكون نام مع زوجته أو مع ٍ‬
‫رجل آخر‪ ،‬فوجد المني على الفراش‪،‬‬ ‫قال‪ :‬وإن احتمل كونه من آخر نام معه في فراشه ً‬
‫هل هو من األول أم من الثاني؟‬

‫قال‪ :‬فإنه يسن لهما الغسل واإلعادة‪.‬‬


‫المني فأمسك ذكره فلم يخرج منه شيءٌ فال‬
‫ثم ذكر الشارح ‪ ‬مسألة ملحقة بإنزال المني قال‪ :‬ولو أحس بنزول ّ‬
‫غسل عليه‪.‬‬
‫المني لم يخرج‪ ،‬والنبي ﷺ علق األمر بخروجه‪.‬‬
‫لماذا؟ ألن ّ‬

‫ثم قال الماتن ‪ :‬الموت‪.‬‬


‫أي‪ :‬الثالث المشترك بين الرجال والنساء بعد التقاء الختانين‪ ،‬وإنزال المني هو الموت‪.‬‬
‫الموت المقصود به‪ :‬أي يجب تغسيل الميت‪ ،‬وهذا الواجب ليس على الشخص إنما على من حضر‪.‬‬
‫غير شهيد المعركة كما سيأتي تفصيل ذلك في الجنائز إن شاء اهلل‪« ،‬أي تغسيل الميت»‪.‬‬
‫والنبي ﷺ قال‪” :‬اغسلوه ٍ‬
‫بماء وسدر“‬
‫وظاهره الوجوب وهو من فروض الكفايات‪.‬‬

‫قال الماتن‪ :‬وثالثةٌ تختص بها النساء وهي‪ :‬الحيض‪ ،‬والنفاس‪ ،‬والوالدة‪.‬‬
‫اء فِي ال َْم ِح ِ‬
‫يض﴾ [البقرة‪]222 :‬‬ ‫أما الحيض‪ :‬لقوله تعالى‪﴿ :‬فَا ْعتَ ِزلُوا الن َ‬
‫ِّس َ‬
‫والمحيض أي‪ :‬الحيض‪.‬‬
‫َ‬
‫ولحديث البخاري‪ :‬أن النبي ﷺ قال لفاطمة بنت أبي حبيش‪” :‬إذا أقبلت الحيضة فدعي الصالة‪ ،‬وإذا أدبرت‬
‫فاغتسلي وصلي“‪.‬‬
‫مجتمع‪ ،‬ويعتبر مع خروج ٍ‬
‫كل منهما وانقطاعه القيام إلى الصالة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫والنفاس‪ :‬ألنه دم ٍ‬
‫حيض‬
‫هل يجب الغسل بالنزول أم يجب باالنقطاع؟‬
‫قال‪ :‬موجبهُ االنقطاع فقط‪ ،‬فطالما أن المرأة نُفساء أو عليها دم حيض فال يجب عليها االغتسال‪.‬‬
‫إنما متى يجب الغسل؟‬
‫إذا انقطع الحيض‪ ،‬أو إذا انقطع النفاس‪.‬‬
‫وبعض العلماء يقول‪ :‬يجب بالنزول وال يصح إال باالنقطاع‪ ،‬وال فرق بين المصطلحين في ذلك‪.‬‬
‫مني منعقد‪ ،‬وألنه ال يخلو عن بلل غالبًا‪ ،‬فأقيم مقامه كالنوم مع‬ ‫ٍ‬
‫والوالدة‪ :‬ولو علقة أو مضغة‪ ،‬ولو بال بلل‪ ،‬ألنه ّ‬
‫الخارج‪.‬‬
‫دما‪ ،‬وجب عليها الغسل‪ ،‬وهو روايةٌ واحدة في المذهب‪.‬‬
‫وهذا هو الصحيح أن المرأة إذا ولدت وإن لم تنزل ً‬

‫‪57‬‬
‫قال الشارح ‪ :‬يحرم على الجنب والحائض والنفساء‪ ،‬ما حرم بالحدث األصغر ألنهما أغلظ منه‪ ،‬والمقصود ما حرم‬
‫بالحدث األصغر‪ :‬الصالة‪ ،‬والطواف‪ ،‬ومس المصحف‪.‬‬
‫كما ذكرنا قبل ذلك‪.‬‬

‫قال‪ :‬وشيئان آخران‪:‬‬


‫ٍ‬
‫لمسلم غير النبي ﷺ بالمسجد أو التردد فيه لغير عذر‪.‬‬ ‫المكث‬
‫َّى تَـغْتَ ِسلُوا ۚ﴾‬ ‫َّى تَـ ْعلَ ُموا َما تَـ ُقولُو َن َوَال ُجنُبًا إَِّال َعابِ ِري َسبِ ٍ‬
‫يل َحت ٰ‬ ‫الص َالةَ َوأَنتُ ْم ُس َك َار ٰى َحت ٰ‬
‫لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ال تَـ ْق َربُوا َّ‬
‫قال ابن عباس ‪ ‬وغيره‪ :‬ال تقربوا مواضع الصالة‪ ،‬ألنه ليس فيها عبور سبيل‪ ،‬بل في مواضعها وهو المسجد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لحائض وال لجنب“‪ .‬رواه أبو داود‪.‬‬ ‫ولقوله ﷺ‪” :‬ال أحل المسجد‬
‫وهذا الحديث وإن كان ضعي ًفا إال أن بعض أهل العلم يحسنه‪.‬‬
‫َّى تَـغْتَ ِسلُوا ۚ﴾‬ ‫قال‪ :‬وبالمكث والتردد خرج الذي يعبر لآلية‪﴿ :‬إَِّال َعابِ ِري َسبِ ٍ‬
‫يل َحت ٰ‬
‫كذلك يحرم على من ذُكِ َر قراءة القرآن‪.‬‬
‫يحرم على هؤالء الثالثة‪ :‬الجنب‪ ،‬والحائض‪ ،‬والنفساء أن يقرأ القرآن‪،‬‬
‫ضا‪” :‬أن النبي ﷺ قال‪“ :‬ال يقرأ الجنب وال الحائض شيئًا من‬
‫ويستدل بخبر ابن ماجة وهو عند الترمذي أي ً‬
‫القرآن“‪.‬‬
‫ولذلك قال العلماء‪ :‬ال يقرأ الجنب وال الحائض القرآن‪.‬‬

‫ثم تناول مسألة أخرى وهي‪[ :‬فاقد الطهورين]‬


‫كيف يصلي الذي ال يجد الماء وال التراب أو عجز عن استخدامهما ماذا يصنع؟‬

‫مضطر إليها‪ ،‬أما خارج الصالة فال يجوز له أن‬


‫ٌ‬ ‫قال الشارح ‪ :‬وفاقد الطهورين يقرأ الفاتحة وجوبًا فقط في الصالة‪ ،‬ألنه‬
‫يقرأ شيئًا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وال أن توطئ الحائض أو النفساء إذا انقطع دمها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كموعظة وأخباره وأحكامه‪.‬‬ ‫وال يحل لمن ذُكِر أذكار القرآن وغيرها‬
‫َّر لَنَا َٰه َذا َوَما ُكنَّا لَهُ ُم ْق ِرنِين﴾‪.‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫وال بقصد قرآن كقوله عند الركوب‪ُ ﴿ :‬س ْب َحا َن الذي َسخ َ‬
‫وال عند المصيبة‪﴿ :‬إِنَّا لِلَّ ِه َوإِنَّا إِلَْي ِه راجعون﴾‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن قصد الذكر جاز‪.‬‬
‫وإن قصد القرآن وحده أو مع الذكر حرم‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫وللحائض والنفساء بعد انقطاع دم ِهما‪.‬‬
‫ِ‬ ‫قال‪ :‬ويسن للجنب غسل الفرج والوضوء لألكل والشرب والنوم والجماع‪،‬‬
‫إذن على ذلك موجبات الغسل ستةٌ‪:‬‬
‫ثالثة يشترك الرجال والنساء وهي‪:‬‬
‫‪ -‬التقاء الختانين‪.‬‬
‫‪ -‬وإنزال المني‪.‬‬
‫‪ -‬والموت‪( .‬وبعض العلماء يقول‪ :‬الموت تعب ًدا‪ ،‬ألن الميت ال يلزمه الغسل‪ ،‬إنما يلزم على من حضر عنده)‪.‬‬

‫وثالث خاصة بالنساء‪:‬‬


‫‪ -‬الحيض‪.‬‬
‫‪ -‬والنفاس‪.‬‬
‫‪ -‬والوالدة‪.‬‬

‫فصل في أحكام الغسل‪.‬‬


‫ثم قال الماتن ‪ٌ :‬‬
‫وفرائض الغسل ثالثة أشياء‪:‬‬
‫‪ -‬النية‪.‬‬
‫‪ -‬وإزالة النجاسة‪ ،‬إن كانت على البدن‪.‬‬
‫وايصال الماء إلى جميع الشعر والبشرة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬أي‪ :‬ما الذي يجب على من أراد أن يغتسل‪ ،‬ولو كان هذا الغسل مسنونًا‪ ،‬هذا على ما صححه الرافعي ورجحه النووي‬
‫في كتبه وهو المذهب‪ ،‬أي أن فرائض الغسل ثالثة لكن مال النووي إلى أنهما اثنان فقط‪.‬‬
‫وقال‪” :‬وهو المذهب“‪.‬‬

‫األول‪« :‬النية»‬
‫أي ينوي رفع الحدث‪ ،‬أو تنوي المرأة الطهارة من الحيض‪.‬‬
‫لحديث‪” :‬إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امر ٍئ ما نوى“‪.‬‬
‫فمن نوى رفع الجنابة ارتفع‬
‫طاهرا‪،‬‬
‫أي‪ :‬ارتفع حكمها وصار ً‬
‫ضا أو لتوطأ‪ ،‬أو الغسل من الحيض‪،‬‬
‫أو رفع حدث الحيض‪ ،‬إذا كانت المرأة حائ ً‬
‫طاهرا‪،‬‬
‫نواهما صح وصار ً‬
‫كل ذلك نية‪ ،‬ولو اجتمع أكثر من موجب‪ ،‬ونوى أحدهما أو ُ‬
‫ولو اكتفى بنية رفع الحدث األكبر عن كل البدن صح‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫كذلك لو نوى رفع الحدث فقط عن البدن أجزأ‪ ،‬لكن لو قال‪ :‬نويت رفع الحدث األكبر كان تأكي ًدا وكان أولى‪.‬‬
‫ضا على المذهب‪.‬‬
‫لكن لو نوى رفع الحدث األصغر فقط عم ًدا‪ ،‬لم ترتفع الجنابة‪ ،‬أو غلطًا لم ترتفع أي ً‬
‫قطعا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قال النووي ‪ ‬في المجموع‪ :‬ولو اجتمع على المرأة غسل ٍ‬
‫حيض وجنابة كفت نية إحداهما ً‬
‫ومن النية أن ينوي استباحة مفتق ٍر إلى غسل‪ ،‬كأن ينوي استباحة الصالة والطواف وهو جنب‪ ،‬فهذا نوى رفع الحدث‬
‫مما يتوقف على ٍ‬
‫غسل‪،‬‬
‫فإن نوى ما ال يفتقر إليه‪ ،‬كالغسل ليوم العيد لم يصح‪ ،‬ولم يرتفع حدث‪،‬‬
‫كذلك قال في المجموع‪ :‬وإذا اغتسل من ٍ‬
‫إناء كإبر ٍيق ينبغي له أن ينوي عند غسل محل االستنجاء بعد فراغه منه‪.‬‬
‫وهذا يدل على متى ينوي رفع الحدث‪.‬‬
‫إذن هذا الفرض األول‪« :‬النية»‪.‬‬

‫الفرض الثاني‪« :‬إزالة النجاسة إن كانت على بدنه»‬


‫أي‪ :‬إزالة النجاسة إن كان هناك شيءٌ منها على بدنه‪ ،‬وهذا على المصحح عند الرافعي‪.‬‬
‫والصحيح ما اختاره النووي وقال‪:‬‬
‫وحيض‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫هو المذهب‪ ،‬أي أنه يكفي لهما غسلةٌ واحدة كما لو اغتسلت من جنابة َ‬
‫ومحل الخالف‪ :‬إذا كان النجس حكميًا كما في المجموع‪ ،‬ويرفعهما الماء أو ال‪.‬‬

‫ايصال الماء إلى جميع أجزاء الشعر والبشرة»‬


‫« ُ‬
‫هذا هو الفرض الثالث أن يصل الماء إلى جميع أجزاء الشعر‪ ،‬وكذلك إلى جميع أجزاء البشرة‪.‬‬
‫حتى األظفار وما يظهر من صماخي األذنين ومن فرج المرأة عند قعودها لقضاء الحاجة‪ ،‬وما تحت ال ُقلفة‪ ،‬وموضع‬
‫شعر‪.‬‬
‫هل يجب نقض الضفائر إن لم يصل الماء إلى بطانها إال بالنقض؟‬
‫نعم يجب‪ ،‬أما إذا استطاعت المرأة أن توصل الماء إلى ما تحت الضفائر فال يشترط نقضها‪.‬‬
‫لكن هنا ذكر الشارح وهو اإلمام الخطيب الشربيني ‪ ‬قال‪:‬‬

‫ٍ‬
‫نجاسة غير معف ٍو عنها‪،‬‬ ‫ذهب أو فضة‪ ،‬وجب عليه غسله من ٍ‬
‫حدث أكبر أو أصغر‪ ،‬ومن‬ ‫فائدة‪ :‬لو اتخذ له أنملةً أو أن ًفا من ٍ‬
‫للمع ِّذور فصارت األنملة واألنف كاألصليين‪.‬‬
‫ألنه وجب عليه غسل ما ظهر من األصبع واألنف بالقطع‪ ،‬وقد تعذر َ‬

‫ثم ذكر مسألةٌ أخرى‪ :‬هل يجب المضمضة واالستنشاق في الغسل؟‬


‫قال‪ :‬وال يجب بالغسل مضمضةٌ وال استنشاق‪ ،‬بل يسن كما في الوضوء وغسل الميت‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫إذن هذه فرائض الغسل وهي‪:‬‬
‫‪ -‬وايصال الماء إلى جميع أجزاء الشعر والبشرة‪.‬‬ ‫‪ -‬وإزالة النجاسة‪.‬‬ ‫‪ -‬النية‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وسننه خمسة أشياء‪:‬‬
‫‪ -‬إمرار اليد على الجسد‬ ‫‪ -‬الوضوء قبله‬ ‫‪ -‬التسمية‬
‫‪ -‬وتقديم اليمنى على اليسرى‪.‬‬ ‫‪ -‬والمواالة‪.‬‬

‫قال‪« :‬وسننه»‪ :‬أي‪ :‬سنن الغسل وهي كثيرة‪ ،‬كما قال الشارح ‪ ،‬المذكور منها خمسة أشياء‪:‬‬
‫‪ ‬أوال‪« :‬التسمية»‬
‫وقياسا على الوضوء‪.‬‬
‫وهي مقرونةٌ بالنية كما صرح به في المجموع‪ً ،‬‬

‫كامال قبله لالتباع»‬


‫‪ ‬ثانيا‪« :‬الوضوء ً‬
‫أي لفعل النبي ﷺ‪ ،‬وسيأتي صفة غسل النبي ﷺ‪.‬‬
‫نقال عن األصحاب‪« :‬وسواءٌ أق ّدم الوضوء كله‪ ،‬أم بعضه‪ ،‬أم أ ّخره‪ ،‬أم فعله في أثناء الغسل فهو‬
‫قال في [المجموع] ً‬
‫محصل للسنة‪ ،‬لكن األفضل تقديمه لفعل النبي ﷺ»‪.‬‬
‫ٌ‬
‫يعني إذا توضأ قبل أن يغتسل جاز‪ ،‬وإذا توضأ أثناء الغسل جاز‪ ،‬وإذا توضأ بعد الغسل جاز‪ ،‬فأيما فعل فقد أصاب‬
‫السنة‪.‬‬
‫لكن نقول‪ :‬إن قدمه فهو باتفاق وليس هناك خالف‪ ،‬أنه قد أصاب السنة‪.‬‬

‫‪ ‬ثالثا‪« :‬إمرار اليد على الجسد»‬


‫وخروجا من خالف من أوجبه‪.‬‬
‫ً‬ ‫في كل مرةٍ يغسل جسده‪ ،‬كذلك لكي يوصل الماء إلى جميع البدن احتياطًا‪،‬‬
‫وال يجب على الصحيح من المذهب‪ :‬أي إمرار اليد‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويمر اليد إلى األماكن التي فيها انعطاف والتواء‪:‬‬
‫السرة‪ ،‬ألنه أقرب إلى الثقة بوصول الماء ويتأكد في األذن‪.‬‬
‫كاإلبط‪ ،‬واألذنين‪ ،‬وطبقات البطن‪ ،‬وداخل ُ‬

‫‪ ‬رابعا‪« :‬المواالة»‬
‫وهي غسل العضو قبل جفاف ما قبله كما مر في الوضوء‪.‬‬

‫جهة اليمنى من جسده ظهرا وباطنًا‪ ،‬على غسل ِ‬


‫جهة اليسرى»‬ ‫‪ ‬خامسا‪« :‬تقديم غسل ِ‬
‫ً‬
‫بأن يفيض الماء على شقه األيمن ثم األيسر‪،‬‬
‫حديث متفق عليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ألنه ﷺ ”كان يحب التيامن في طهوره“ وهذا‬

‫‪61‬‬
‫هذه األغسال الخمسة التي ذكرها الماتن وشرحها الشارح‪ ،‬لكن الشارح ذكر سننًا أخرى‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقدمنا أن سنن الغسل كثيرة فمنها‪:‬‬
‫‪ -‬التثليث تأسيًا به ﷺ كما في الوضوء‪ ،‬أي يغسل ثالثًا‪ .‬وكيفية ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬أن يتعهد ما ذكر‪،‬‬
‫‪ -‬ثم يغسل رأسه ويدلكه‪،‬‬
‫‪ -‬ثم باقي جسده كذلك بأن يغسل ويدلك شقه األيمن المقدم ثم المؤخر‪،‬‬
‫‪ -‬ثم األيسر كذلك‪،‬‬
‫‪ -‬ثم مرًة ثانية‪،‬‬
‫‪ -‬ثم مرًة ثالثة‪.‬‬
‫فإن كان يغتسل في نهر فيكفي إمرار اليد على الجسد‪.‬‬

‫قياسا على تجديد الوضوء‪ ،‬ألنه لم ينقل‪.‬‬


‫قال‪ :‬وال يسن تجديد الغسل ً‬
‫ولما فيه من المشقة بخالف الوضوء‪.‬‬
‫أجر عظيم‪.‬‬
‫وألن في تجديد الوضوء ٌ‬
‫كما قال ﷺ‪” :‬من توضأ على طه ٍر كتب له عشر حسنات“‪.‬‬

‫ٍ‬
‫لحيض أو نفاس أثر الدم مس ًكا‬ ‫قال‪( :‬وهذه عبارةٌ رائعة من الشارح ‪ :)‬ويسن أن تُتبِع المرأة غير المحرمة والمحدة‬
‫فتجعله في ٍ‬
‫قطنة وتدخلها الفرج بعد غُسلها‪.‬‬
‫زوج ألنها ممنوعة من وضع الطيب‪.‬‬
‫أمر جيد من الشارح ‪ ،‬أنه استثنى‪ :‬المحرمة‪ ،‬والمعتدة من وفاة‪،‬أو المحدة على ٍ‬
‫وهذا ٌ‬
‫ثم ذكر بعض الفوائد المتعلقة بالغسل‪:‬‬
‫ويكره أن يغتسل في الماء الراكد وإن كثر‪.‬‬
‫جزءا وهو جنب‪ ،‬إذ يرد إليه سائر أجزائه في‬
‫دما‪ ،‬أو يبين من نفسه ً‬ ‫أيضا ال ينبغي أن يحلق أو يقلم أو يستحد أو يخرج ً‬
‫اآلخرة فيعود جنبًا‪.‬‬
‫هذه الفائدة ال دليل عليها نعلمه من السنة أن كل ٍ‬
‫شيء سيرد إليه وسيرد جنبًا‪.‬‬
‫ويجوز أن ينكشف للغسل في خلوةٍ أو بحضرةٍ من يجوز له نظره إلى عورته كالزوجة و األمة‪ ،‬قال والستر أفضل‪.‬‬

‫وجمعة ونحوها ٍ‬
‫كعيد حصل غسلهما ولو نوى الفرض وتحية المسجد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كحيض‬ ‫ٍ‬
‫لجنابة ونحوها‬ ‫ضا من الفوائد‪ :‬ومن اغتسل‬
‫أي ً‬
‫يعني يريد أن يقول‪ :‬إنه يجوز أن يجمع النية في الغسل‪،‬‬
‫وللجمعة هذا يجوز وال حرج في ذلك‪.‬‬
‫رجل أصبح يوم الجمعة جنبًا فاغتسل للجنابة ُ‬
‫ٌ‬

‫‪62‬‬
‫قال‪ :‬ومن األمور المباحة‪ :‬يباح للرجال دخول الحمام‪ ،‬ويجب عليهم غض البصر عما ال يحل لهم‪ ،‬وصون عوراتهم عن‬
‫الكشف بحضرة من ال يحل لهم النظر إليها‪.‬‬
‫والمقصود هنا بالحمام‪ :‬حمام البخار أو السونة‪ ،‬الذي يجتمع فيه الرجال وال حرج في دخوله‪.‬‬
‫وأما النساء فيكره لهن بال عذر‪ ،‬لحديث‪” :‬ما من امرأةٍ تخلع ثيابها في غير بيتها إال هتكت ما بينها وبين اهلل“‪.‬‬
‫إذن هذه سنن الغسل‪.‬‬

‫بقي لنا أن نذكر لكم [صفة الغسل]‬


‫وهي الواردة عن ميمونة وعائشة ‪.‬‬
‫قالت ميمونة‪ِ :‬‬
‫"وضع للنبي ﷺ وضوء الجنابة‪ ،‬فأخذ ك ًفا من ماء فأفرغه فغسل مذاكيره‪ ،‬ثم دلك يده باألرض"‪.‬‬
‫أوال‪ :‬يغسل مذاكيره جي ًدا‪.‬‬
‫‪ً -‬‬
‫كامال وإن شاء ترك رجليه‪ ،‬فكالهما وارد‪.‬‬
‫وضوءا ً‬
‫ً‬ ‫‪ -‬ثانيًا‪ :‬يتوضأ وضوءه للصالة‪ ،‬إن شاء توضأ‬
‫‪ -‬ثم يفيض الماء على رأسه ثالث‪ ،‬حتى يظن أنه قد أروى بشرته‪.‬‬
‫‪ -‬يفيض الماء على شقه األيمن من األمام والخلف‪.‬‬
‫‪ -‬ثم شقه األيسر‪ ،‬فإن كان ترك غسل رجليه تنحى وغسلهما‪.‬‬
‫هذه صفة غسل النبي ﷺ‪.‬‬

‫فصل في األغسال المسنونة‪.‬‬


‫ثم قال الماتن ‪ٌ :‬‬
‫غسال‪:‬‬
‫واالغتساالت المسنونة سبعة عشر ً‬
‫قال الشارح ‪ :‬واالغتِساالت المسنونة كثيرةٌ‪ ،‬المذكور منها هنا سبعة عشر ً‬
‫غسال‪ .‬وسأذكر األول من السبعة عشر ثم‬
‫يزيد‪ :‬غسل الجمعة لمن يريد حضورها وإن لم تجب عليه‪ :‬كالمريض‪ ،‬والمرأة‪ ،‬والعبد‪ ،‬والصبي‪.‬‬
‫لحديث‪” :‬من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل“‪.‬‬
‫ولخبر البيهقي‪” :‬من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل‪ ،‬ومن لم يأتها فليس عليه شيءٌ“‪.‬‬
‫وقد قال ﷺ‪” :‬غسل الجمعة واجب على كل محتلم“‪.‬‬
‫لكن يصرف هذا الوجوب‪،‬‬
‫قوله ﷺ‪” :‬من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل“ رواه الترمذي وحسنه وصححه األلباني‪.‬‬
‫فنقول على ذلك إن آكد الغسل هو يوم الجمعة قبل الذهاب إليها‪.‬‬
‫مختلف في وجوبه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قال‪ :‬ولو تعارض الغسل والتبكير فمراعاةُ الغسل أولى ألنه‬

‫‪63‬‬
‫الغسل الثاني والثالث‪ :‬غسل العيدين‪.‬‬
‫عيد الفطر واألضحى لكل ٍ‬
‫أحد‪ ،‬وإن لم يحضر الصالة‪ ،‬ألنه يوم زينة فالغسل له بخالف الجمعة‪.‬‬
‫ولما سئل علي عن الغسل قال‪” :‬يوم الفطر ويوم األضحى ويوم عرفة ويوم الجمعة“‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإن كان مستحب فعله بعد الفجر‪ ،‬أي االغتسال للعيدين‪.‬‬

‫والرابع‪ :‬غسل صالة االستسقاء عند الخروج لها‪.‬‬

‫والخامس‪ :‬غسل صالة الخسوف‪ ،‬بالخاء المعجمة للقمر‪.‬‬

‫والسادس‪ :‬غسل صالة الكسوف‪ ،‬بالكاف للشمس‪.‬‬


‫الصحاح‪ ،‬وحكي عكسه وقيل الكسوف‬
‫قال‪ :‬وتخصيص الخسوف بالقمر والكسوف بالشمس هو األفصح كما في ِّ‬
‫بالكاف أوله والخسوف آخره‪.‬‬
‫وعلى ٍ‬
‫كل هذا تقرير المذهب‪ ،‬وكما تعلمون أن المستحب عبادة‪.‬‬
‫دائما يقول‪ :‬إذا صح الحديث فهو مذهبي‪.‬‬
‫واإلمام الشافعي كان ً‬
‫وهنا نقول‪ :‬إن هذه األشياء الثالثة لم ِ‬
‫يأت دليل فيما نعلم من السنة أن النبي ﷺ وال أحد من الخلفاء قد اغتسل‬
‫لالستسقاء أو للخسوف أو للكسوف‪.‬‬

‫والسابع‪ :‬الغسل من غسل الميت‪.‬‬


‫فمن غسل ميتًا يستحب له االغتسال‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪” :‬من غسل ميتًا فليغتسل‪ ،‬ومن حمله فليتوضأ“‬
‫إنما صرف هذا األمر ”فليغتسل“‬
‫غسلتموه“‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قوله ﷺ‪ ” :‬ليس عليكم في غسل ميتكم ٌ‬
‫غسل إذا‬

‫تعظيما لإلسالم‪،‬‬
‫ً‬ ‫والثامن‪ :‬غسل الكافر ولو مرت ًدا‪ ،‬إذا أسلم‬
‫وألنه ﷺ ”أمر قيس بن عاصم لما أسلم أن يغتسل“‪.‬‬
‫وبعض العلماء يرى وجوب اغتسال الكافر إذا أسلم لهذا الحديث‪.‬‬
‫لكن المذهب أنه يستحب ألن جماع ًة من الصحابة أسلموا ولم يأمرهم ﷺ بالغسل‪ ،‬كذلك أن هذا لم يعرض له‬
‫متزوجا وجامع أهله‪ ،‬أو امرأة بالغة‬
‫ً‬ ‫رجال‬
‫في كفره ما يوجب الغسل‪ ،‬لكن لو كان عرض له ما يوجب الغسل كأن يكون ً‬
‫وحاضت‪،‬‬
‫فقال‪ :‬وجب على األصح أن يغتسل‪ .‬وهو الصحيح‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫والتاسع‪ :‬المجنون من باب أولى‪.‬‬

‫غمى عليه‪ ،‬ولو لحظة إذا أفاق‪.‬‬


‫الم َ‬
‫والعاشر‪ :‬غسل ُ‬
‫”لفعل النبي ﷺ لما أغشي عليه اغتسل‪ “.‬وقيس عليه الجنون من باب أولى‪.‬‬
‫قال‪ :‬وفي معناه الجنون بل أولى‬
‫ألنه يقال كما قال الشافعي‪ :‬قل من جن إال وأنزل‪.‬‬

‫لحج أو عمرةٍ أو بهما‪ ،‬ولو في حال الحيض أو النفاس من المرأة‪ ،‬لفعل النبي ﷺ‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬الغسل عند اإلحرام ٍ‬

‫الثاني عشر‪ :‬الغسل لدخول مكة‪ ،‬لفعل ابن عمر ونقله عن النبي ﷺ‪.‬‬

‫الثالث عشر‪ :‬الغسل للوقوف بعرفة‪ ،‬واألفضل كونه بنمرة‪ ،‬ولما سئل علي عن الغسل قال‪ :‬يوم الفطر‪ ،‬ويوم األضحى‪ ،‬ويوم‬
‫عرفة‪ ،‬ويوم الجمعة‪ .‬وقيل يسن الغسل يوم عرفة قبل الزوال‪.‬‬

‫الرابع عشر‪ :‬الغسل للمبيت بمزدلفة على طر ٍ‬


‫يقة ضعيفة لبعض العراقيين‪.‬‬
‫قال‪ :‬والمذهب في الروضة وحكاه في الزوائد عن الجمهور‪.‬‬
‫ونص اإلمام استحبابه للوقوف بمزدلفة بعد صبح يوم النحر‪ ،‬وهو الوقوف بالمشعر الحرام‪.‬‬
‫لكن في الحقيقة أنه لم ينقل عن النبي ﷺ وال عن الخلفاء االغتسال للمبيت بمزدلفة‪ ،‬كما أسلفنا في االستسقاء‬
‫والكسوف والخسوف‪.‬‬

‫والخامس عشر‪ :‬الغسل لرمي الجمار الثالث لكل ٍ‬


‫يوم من أيام التشريق‬
‫فاء بغسل العيد وألن وقته متسع بخالف رمي أيام التشريق‪ ،‬أي جمرة العقبة ال يغتسل لها‪.‬‬
‫قال في الروضة‪ :‬اكت ً‬
‫ِ‬
‫ولطواف الوداع‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لطواف اإلفاضة‬ ‫والسادس عشر والسابع عشر‪ :‬الغسل للطواف‪ :‬أي‬
‫قال‪ :‬وهذا ما جرى عليه النووي‪.‬‬

‫ضا يزيد المصنف‪ :‬االغتسال للحلق‪.‬‬


‫قال أي ً‬

‫دليال من السنة‪ ،‬وال رفعها إلى النبي ﷺ وال الصحابة‪.‬‬


‫ضا يقول الشارح‪ :‬ذكر عدة أغسال زائدة ال نعلم عليها ً‬
‫وهذا أي ً‬
‫قال‪ :‬وقد قدمنا أن األغسال المسنونة ال تنحصر فيما قاله المصنف (أي الماتن) بل منها (وبدأ يذكر عدة أغسال)‪:‬‬

‫‪65‬‬
‫الغسل من الحجامة‪ ،‬ومن الخروج من الحمام عند إرادة الخروج‪ ،‬ولالعتِكاف‪ ،‬ولكل ٍ‬
‫ليلة من رمضان‪ ،‬وقيده األزرعي بِأن‬
‫ِ‬
‫ولحلق العانة‪ ،‬ولبلوغ الصبي بالسن‪ ،‬ولدخول المدينة المشرفة‪ ،‬وعند سيالن الوادي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ولدخول الحرم‪،‬‬ ‫يحضر الجماعة‪ ،‬قال‬
‫اجتماع من مجامع الخير‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ولتغيُر رائحة البدن‪ ،‬وعند كل‬
‫هذه كلها أغسال ال دليل من السنة على استحبابها‪ ،‬وإن قلنا مباحة فال حرج في ذلك‪.‬‬

‫تنبيه‪ :‬قال الزركشي‪ :‬قال بعضهم‪ :‬إذا أراد الغسل للمسنُونات نوى أسبابها‪ ،‬إال الغسل من الجنون فإنه ينوي الجنابة وكذا‬
‫َنزل‪.‬‬
‫المغمى عليه‪ ،‬ألنه سبق قول الشافعي‪ :‬قَ َّل َمن ُج َّن إال وأ َ‬

‫فصل في المسح على الخفين‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫ثم انتقل المصنف ‪ ‬إلى مسألة أخرى قال‪ٌ :‬‬
‫جائز‪.‬‬
‫قال‪ :‬والمسح على الخفين ٌ‬
‫قديما عن المسح على الخفين‪.‬‬
‫وتكلم العلماء ً‬
‫يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن‬ ‫وعن أبي بكرة ‪” ‬أنه ﷺ أرخص للمسافر ثالثة ٍ‬
‫أيام ولياليهن وللمقيم ً‬
‫يمسح عليهما"‪.‬‬

‫وروى ابن المنذر عن الحسن البصري أنه قال‪ :‬حدثني سبعون من الصحابة ”أن النبي ﷺ مسح ُ‬
‫علو الخفين“‪.‬‬
‫بدال من غسل الرجلين‪ ،‬فمن لبس الخفين بشروط ِهما جاز له المسح عليهما‪،‬‬
‫جائز في الوضوء ً‬
‫والمسح على الخفين ٌ‬
‫والمسح على الخفين في الوضوء دون الجنابة‪.‬‬

‫قال‪« :‬بثالثة شرائط»‬


‫‪ -‬أن يبتدي لبسهما بعد كمال الطهارة‪.‬‬
‫‪ -‬وأن يكونا ساترين لمحل غسل الفرض من القدمين‪.‬‬
‫‪ -‬وأن يكونا مما يمكن تتابع المشي عليهما‪.‬‬
‫هذه شروط المسح على الخفين‪.‬‬

‫‪ ‬األول‪« :‬أن يبتدي لبسهما بعد كمال الطهارة»‬


‫ألنزعهما قال‪” :‬دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين“‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لحديث المغيرة أن النبي ﷺ كان ً‬
‫البسا خفيه‪ ،‬قال‪ :‬فأهويت‬
‫والمقصود بالطهارة‪ :‬أي من الحدثين األكبر واألصغر‪.‬‬
‫ثم ذكر الشارح‪ :‬لو أدخل إحداهما بعد غسلها‪ ،‬ثم غسل األخرى وأدخلها لم يجز المسح‪ ،‬إال أن ينزع األولى من‬
‫موضع القدم‪ ،‬ثم يدخلها في الخف‪ ،‬أي لينطبق عليهما‪” ،‬أدخلتهما طاهرتين“‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ ‬والثاني‪« :‬أن يكونا ساترين لمحل غسل الفرض من القدمين»‬
‫ومحل غسل الفرض أو القدم بالكعبين‪،‬‬
‫ساترا أعلى الكعبين‪.‬‬
‫تبعا للقدم فال بد أن يكون ً‬
‫فيدخل الكعبان ً‬
‫ومعنى ذلك الخالف‪:‬‬
‫هل يجوز المسح على الخف المخرق؟‬
‫الجواب‪ :‬ال‪.‬‬
‫قصر عن محل الفرض أو كان به تخرق في محل الفرض ضر‪.‬‬
‫لذلك قال‪ :‬فإن ُ‬
‫أي عدم الجواز‪ ،‬لكن لو تخرقت البطانة دون الظهارة‪ ،‬أو الظهارة دون البطانة‪ ،‬لم يضر إذا تخرق في موضعين‬
‫مختلفين‪.‬‬
‫قال‪ :‬والمراد بالستر هنا الحيلولة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وال يجزئ منسوج ال يمنع نفوذ الماء إلى الرجل من غير محل الفرض‪.‬‬

‫‪ ‬الثالث‪« :‬أن يكونا مما يمكن تتابع المشي عليهما»‬


‫أي أن يكون الخفان مما يمكن تتابع المشي عليهما لتردد المسافر لحاجته عند الحل والترحال‪.‬‬
‫قال‪ :‬مما جرت به العادة‪.‬‬

‫‪ ‬ثم ذكر الشارح الشرط الرابع‪ :‬الذي أسقطه المصنف (أي الماتن أبي شجاع)‪« :‬أن يكونا طاهرين»‪ ،‬أي الخفين‪،‬‬
‫خف اتُخذ من جلد ٍ‬
‫ميتة قبل الدباغ لعدم إمكان الصالة فيه‪ ،‬ألنه نجس العين‪.‬‬ ‫فال يكفي المسح على ٍ‬

‫يوما وليلة‪.‬‬
‫ثم قال الماتن ‪ :‬ويمسح المقيم ً‬
‫قال الشارح‪ :‬ولو عاصيًا بإقامته‪ ،‬والمسافر ثالثة ٍ‬
‫أيام بلياليهن‪.‬‬
‫ويوما وليلة للمقيم“‪.‬‬ ‫وهذا لخبر علي ‪ ‬أنه قال‪” :‬جعل رسول اهلل ﷺ ثالثة ٍ‬
‫أيام ولياليهن للمسافر ً‬
‫قال‪ :‬وابتداء المدة من حين يحدث بعد لبس الخفين‪ ،‬فإن َمسح في الحضر ثم سافر أو مسح في السفر ثم أقام أتم مسح‬
‫مقيم‪.‬‬

‫أول مسألة‪ :‬ابتداء المدة‪ :‬تبدأ مدة المسح من حين الحدث بعد لبس الخف‪.‬‬

‫رجل توضأ لصالة الفجر‪ ،‬ثم لبس الخفين‪ ،‬ثم أحدث في الساعة السادسة‪ ،‬ثم أراد أن يتوضأ في الثامنة‪،‬‬
‫وصورتها‪ٌ :‬‬
‫فمتى تبدأ المدة هل من الرابعة عندما لبس الخف؟‬
‫أم من السادسة عندما أحدث؟‬

‫‪67‬‬
‫أم من الثامنة إذا أراد المسح؟‬
‫اختار المصنف ‪ ‬أنه يبدأ من السادسة أي حين الحدث‪.‬‬
‫قال‪ :‬ألن وقت جواز المسح يدخل بذلك‪ ،‬فاعتبرت مدته منه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولو أحدث ولم يمسح حتى انقضت المدة انتهى يومه‪.‬‬

‫وهذا فيه نظر ألن النبي ﷺ علق المدة بالمسح فقال‪” :‬يمسح المقيم ً‬
‫يوما وليلة“‬
‫فالذي يترجح واهلل أعلم أن بعد تقرير المذهب‪ ،‬أنه يبدأ من الحدث أن المدة تبدأ من المسح‪.‬‬

‫ثم ذكر عدة مسائل فقال‪« :‬فإن مسح في الحضر ثم سافر‪ ،‬أو مسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم»‪.‬‬
‫سفرا تقصر فيه الصالة‪ ،‬هل يتم؟‬
‫رجال ابتدأ المسح مقي ًما‪ ،‬فمسح لصالة الفجر‪ ،‬ثم سافر ً‬
‫لو أن ً‬
‫مقيما‪ ،‬أو مسح المسافر في السفر ثم أقام‬
‫قالوا‪ :‬ال يمسح مسح مسافر بل يقتصر على مسح مقيم‪ ،‬ألنه ابتدأ المسح ً‬
‫قبل استيفاء مدة المقيم‪.‬‬
‫مسح لصالة الفجر وهو مسافر ثم عاد بعد صالة العصر قبل أن يتم اليوم والليلة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ألصالته‪ ،‬ألنه حاضر‪.‬‬ ‫قال‪ :‬مسح مقيم تغليبًا للحضر‬

‫قال ‪ :‬ويبطل المسح بثالثة أشياء‪ِ :‬‬


‫بخلعهما‪ ،‬وانقضاء المدة‪ ،‬وما يوجب الغسل‪.‬‬
‫‪ -‬يبطل حكم المسح ِ‬
‫بخلعهما‪ ،‬أو خلع أحدهما بعد المسح عليهما‪.‬‬
‫‪ -‬أو بظهور بعض ال ِرجل‪.‬‬
‫‪ -‬أو بانقضاء المدة‪ .‬انتهى اليوم والليلة‪ ،‬هل يجوز أن يزيد؟ الجواب ال‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك ما يوجب الغسل‪ :‬ألن النبي ﷺ أمر كما في خبر صفوان قال‪” :‬كان رسول اهلل ﷺ يأمرنا إذا كنا‬
‫سفرا أال ننزع خفافنا ثالثة أيام ولياليهن إال من جنابة“‪.‬‬
‫مسافرين أو ً‬
‫وقيس بالجنابة ما في معناه كالحيض والنفاس‪.‬‬
‫كذلك نقول إنه بانتهاء المدة‪ ،‬أو بخلع الممسوح عليه‪ ،‬بطُل المسح‪ ،‬لكن ال يبطل الوضوء‪.‬‬

‫وخالصة القول في ذلك‪ :‬أن اإلنسان إذا انتهت المدة‪ ،‬أو خلع الخفين‪ ،‬أو أجنب‪ :‬ال يجوز له المسح بعد ذلك إال أن‬
‫وضوءا ويغسل رجليه ثم يلبس الخف مرة أخرى‪.‬‬
‫ً‬ ‫ينزعهما ويغتسل إن كان جنبًا‪ ،‬أو يتوضأ‬

‫أحبتي في اهلل بذلك تنتهي هذه المحاضرة‪ ،‬وبقي لنا بعض األسئلة‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫األسئـ ـلة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اذكر موجبات الغسل الخاصة بالنساء مع الدليل‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬اذكر عشرة من األغسال المسنونة‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬اذكر صفة الغسل‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الرابع‪ :‬كم يمسح المقيم؟ وكم يمسح المسافر؟ مع الدليل‪.‬‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫المحاضرة الـسادسـة‬
‫ما زلنا نتكلم في كتاب الطهارة‪ ،‬واليوم إن شاء اهلل تعالى مع‪" :‬باب التيمم"‪" ،‬وباب إزالة النجاسة"‬
‫ونذكركم بأننا نشرح كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع]‪.‬‬
‫وحينما نقول "الماتن" فاللفظ "ألبي شجاع"‪.‬‬
‫وحينما نقول "الشارح" فهو اإلقناع لإلمام "الخطيب الشربيني"‪.‬‬

‫فصل في التيمم‪.‬‬
‫قال الماتن ‪ٌ :‬‬
‫وشرائط التيمم خمسة أشياء‪:‬‬
‫مرض‪ ،‬ودخول وقت الصالة‪ ،‬وطلب الماء‪ ،‬وتعذر استعماله‪ ،‬واعوزازهِ بعد الطلب‪ ،‬والتراب‬
‫وجود العذر بسف ٍر أو ٍ‬
‫رمال لم يجز‪.‬‬
‫جصا أو ً‬
‫الطاهر الذي له غبار‪ ،‬فإن خالط ًّ‬
‫والتيمم لغةً‪ :‬هو القصد‪ ،‬يقال تيممت فالنًا‪ ،‬ويممتهُ وتأممتهُ وأممتهُ‪ ،‬أي قصدته‪.‬‬
‫بيث ِمنهُ تُ ِنفقو َن﴾ [البقرة‪،]٢٦٧ :‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وال تَـيَ َّم ُموا ال َخ َ‬
‫أي وال تقصدوا الخبيث منه لتنفقوهِ‪.‬‬
‫ائط مخصوصة؛‬ ‫شرعا‪ :‬إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشر ٍ‬ ‫والتيمم ً‬
‫وهذا من خصائص هذه األمة‪.‬‬

‫واختلف العلماء في سنة ِ‬


‫فرضه‪ ،‬واألكثَرون على أنه فُرض في السنة السادسة من الهجرة‪.‬‬
‫واختلفوا هل هو رخصة أم أصل؟ والراجح في المذهب أنه رخصة‪.‬‬
‫مختص بالوجه واليدين وإن كان الحدث أكبر‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وأجمعوا على أنه‬
‫واألصل فيه قبل اإلجماع‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِن ُكنتُم َّم ْر َ‬
‫اء‬
‫اء فَـلَ ْم تَج ُدوا َم ً‬
‫ِّس َ‬
‫َح ٌد ِّمن ُكم ِّم َن الْغَائط أ َََ ْو َال َم ْستُ ُم الن َ‬ ‫ضى أ َََ ْو َعلَى َس َف ٍر أ َََ ْو َج َ‬
‫اء أ َ‬
‫ص ِعي ًدا طَيِّبًا﴾ [النساء‪.]٤٣ :‬‬ ‫فَـتَـيَ َّم ُموا َ‬
‫حديث صحيح رواه مسلم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وكذلك قول النبي ﷺ‪" :‬جعلت لنا األرض كلها مسج ًدا وتربتها ً‬
‫طهورا"‪.‬‬

‫إذن التيمم لغةً‪ :‬هو القصد‪،‬‬


‫وشرعا‪ :‬إيصاله التراب إلى الوجه واليدين‪.‬‬
‫ً‬
‫جائز بالكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫وهو ٌ‬

‫‪70‬‬
‫قال الماتن ‪ :‬وشرائط التيمم خمسة أشياء‪.‬‬
‫شرائط التيمم‪ :‬جمع شر ٍ‬
‫يطة كما قاله الجوهري‪.‬‬
‫قال‪ :‬خمسة أشياء كذا في أكثر النسخ‪ ،‬وبعضهم يقول ستة‪ ،‬وبعضهم يقول سبعة‪.‬‬
‫األول‪« :‬وجود العذر»‪ :‬وهو أن يعجز عن استعمال الماء‪.‬‬
‫والعجز عن استعمال الماء له ثالثة أسباب‪:‬‬
‫أحدها «أن يكون بسبب السفر»‪ ،‬وللمسافر أربعة أحوال‪:‬‬
‫‪ ‬الحالة األولى‪ :‬إن تيقن عدم الماء فيتيمم ٍ‬
‫حينئذ بال ٍ‬
‫طلب‪.‬‬
‫رجل يمشي في الصحراء‪ ،‬وأُذن للظهر‪ ،‬ويعلم أنه لن يصل إلى الماء إال بعد المغرب‪:‬‬
‫هذا يتيمم مباشرًة ويصلي الظهر‪ ،‬وكذلك إذا جاء العصر يتيمم ويصلي العصر‪.‬‬

‫جوز وجوده وعدمه‪.‬‬


‫‪ ‬الحالة الثانية‪ :‬أال يتيقن العدم‪ ،‬بل ّ‬
‫يعني ممكن يجد الماء وممكن ال يجد الماء‪:‬‬
‫قال العلماء‪ :‬فيجب عليه طلبه في الوقت قبل التيمم‪.‬‬
‫يعني يبحث عن الماء‪،‬‬
‫كأن ينادي في الرفقة التي معه‪ ،‬من معه ماء؟‬
‫وشماال أمامه وخلفه‪ ،‬كذلك يختص موضع الخضرة والطير بمز ٍ‬
‫يد من االحتياط من‬ ‫ً‬ ‫أو ينظر حواليه يمينًا‬
‫األرض‪ ،‬فإن بحث فلم يجد ماء تيمم لظنه فقده‪.‬‬

‫مسافر لحاجته‪ ،‬فهذا يجده في حد القرب‪:‬‬


‫ٌ‬ ‫ماء ٍ‬
‫بمحل يصله‬ ‫‪ ‬الحالة الثالثة‪ :‬أن يعلم ً‬
‫يخش‪ :‬ضياع مال‪ ،‬أو انقطاع رفقة‪ ،‬أو خروج وقت‪.‬‬
‫فيجب عليه طلبه منه‪ ،‬ما لم َ‬
‫وإال فله أن يطلب الماء وال يتيمم‪ ،‬ألنه واج ٌد له‪.‬‬
‫وعلى هذا لو كان معه ثمن أو أجرة أو مال زائد‪ ،‬فيجب بذله للماء إذا كان يباح‪.‬‬

‫‪ ‬الحالة الرابعة‪ :‬أن يكون الماء فوق ذلك المحل المتقدم ويسمى [حد البعد]‪.‬‬
‫فيتيمم وال يجب عليه قصد الماء لبعده‪.‬‬
‫هذا هو السبب األول السفر وقلة الماء‪.‬‬

‫السبب الثاني‪ :‬خوف محظوٍر من استعمال الماء بسبب‪:‬‬


‫مرض‪ ،‬أو زيادة ٍ‬
‫ألم‪ ،‬أو شي ٍن فاحش في عض ٍو ظاهر للعظم‪.‬‬ ‫بطء ب ٍ‬
‫رء‪ ،‬أو ٍ‬‫ُ‬

‫‪71‬‬
‫ففي هذه الحالة يتيمم وال يستعمل الماء‪ ،‬مريض منعه الطبيب من استعمال الماء هذا يتيمم‪،‬‬
‫مريض يخشى على نفسه الضرر من استعمال الماء هذا يتيمم‪.‬‬

‫ٍ‬
‫حيوان محترم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫لعطش أو لعطش‬ ‫السبب الثالث‪ :‬حاجته إليه‬
‫ولو كانت حاجته إليه لذلك في المستقبل‪ ،‬صونًا للروح أو غيرها من التلف‪.‬‬
‫والعلماء يقسمون اآلدمي إلى محترم وغير محترم وكذلك الحيوان‪.‬‬
‫أما الحيوان المحترم‪ :‬فكل حيوان ما خال ما أمر الشرع بقتله‪ ،‬كالفأر‪ ،‬والحدأة‪ ،‬والغراب‪ ،‬والعقرب‪ ،‬والكلب‬
‫العقور‪ ،‬والحية‪ ،‬فهذه حيوانات غير محترمة؛ ألن الشرع أمر بقتلها‪ .‬فحينما تسمع "حيوان محترم" فهو ما‬
‫سوى هؤالء الذين ذكرنا‪.‬‬
‫وحينما تسمع "آدمي محترم"‪ ،‬فيخرج بذلك‪ :‬الحربي‪ ،‬وقاتل النفس‪ ،‬والتارك لدينه المفارق للجماعة‪ ،‬والثيب‬
‫ضا غير معصومي الدماء‪.‬‬
‫الزاني‪ ،‬هؤالء أي ً‬
‫ٍ‬
‫مسلم إال بإحدى ثالث‪ :‬النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه‬ ‫لقول النبي ﷺ‪" :‬ال يحل دم امر ٍئ‬
‫المفارق للجماعة"‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لحيوان محترم تركه وتيمم‪.‬‬ ‫فإذا احتاج هذا الماء لنفسه‪ ،‬أو آلدم ٍي محترم‪ ،‬أو‬
‫قهرا‬
‫كذلك العلماء قالوا‪ :‬إذا خاف على نفسه الهلكة ووجد الماء مع غيره‪ ،‬جاز له إذا كان عطشانًا أن يأخذه ً‬
‫ببدله‪.‬‬
‫إذن هذا هو السبب األول وهو «تعذر استعمال الماء أو تعذر وجود الماء»‪.‬‬

‫الشرط الثاني‪« :‬دخول وقت الصالة»‪.‬‬


‫نفال قبل وقته‪.‬‬
‫فرضا أو ً‬ ‫ٍ‬
‫لمؤقت قبل دخوله‪ ،‬سواء كان ً‬ ‫فال يتيمم‬
‫لماذا؟‬
‫قال الشارح ‪ :‬ألن التيمم طهارة ضرورة‪ ،‬وال ضرورة قبل الوقت‪ .‬فال يتيمم إال بعد دخول وقت الصالة‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولو قبل اإلتيان بشرطه‪:‬‬
‫ِ‬
‫وخطبة جمعة فذلك ال حرج أن يتيمم لهذه األمور‪.‬‬ ‫كست ٍر‪،‬‬
‫قال‪ :‬ويدخل وقت الصالة بدخول وقتها‪،‬‬
‫ويدخل وقت الجنازة‪ ،‬بانقضاء الغسل أو بدله‪،‬‬
‫ويتيمم للنفل المطلق في كل ٍ‬
‫وقت‪ ،‬وال كراهة في ذلك‪،‬‬
‫فإذا تيمم بعد دخول الوقت‪ ،‬فله أن يصلي الفريضة‪ ،‬وأن يصلي ما شاء من النوافل بهذا التيمم‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫ِ‬
‫بمأذونه‪.‬‬ ‫الشرط الثالث‪« :‬وطلب الماء» أي إذا دخل وقت الصالة‪ ،‬شرع المصلي في طلب الماء‪ ،‬إما أن يطلبه بنفسه أو‬

‫الشرط الرابع‪« :‬وتعذر استعماله» أي إذا تعذر استعمال الماء كما مر معنا‪.‬‬

‫ٍ‬
‫حيوان محترم كما مر‪ ،‬وهو‬ ‫ٍ‬
‫حاجة إلى هذا الماء‪ ،‬لعطشه أو عطش‬ ‫الشرط الخامس‪« :‬واعوزازهُ بعد الطلب» أي أن يكون في‬
‫ما ال يباح قتله‪ .‬إذن الحيوان المحترم هو ما ال يباح قتله‪.‬‬

‫الشرط السادس‪« :‬والتراب الطاهر الذي له غبار» هذا شرط‪ ،‬والمقصود بالتراب بجميع أنواعه حتى ما يتداوى به‪ ،‬فلو أنه‬
‫وضع الطين على جرحه‪ ،‬ثم يبس هذا الطين‪ ،‬ثم ُسحق فصار ترابًا مرًة أخرى‪ ،‬فله أن يتيمم به‪ ،‬ويتداوى به‪.‬‬
‫صعي ًدا طَيِّبًا﴾‪ ،‬وكما مر معنا "الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء"‪.‬‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬فَـتَـيَ َّمموا َ‬
‫والمراد بالطاهر الطهور‪ :‬غير المتنجس وال المستعمل‪ ،‬وهو ما بقي بعضوه أو تناثر منه‪،‬‬
‫وعلى هذا يصح التيمم بكل ما صعد على وجه األرض‪ ،‬حتى ولو كان هذا التراب محترقًا‪.‬‬
‫رمادا‪ ،‬ذكره في الروضة‪ ،‬قال واألصفر واألحمر واألبيض‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولو أسود ما لم يصل ً‬
‫ص بكسر الجيم وفتحها‪( ،‬وهو الذي تسميه العامة الجبس)‪ ،‬أو دقي ٌق‪ ،‬أو نحوه‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫ص‪ ،‬أو ج ٌ‬‫قال‪ :‬فإن خالطه َج ٌ‬
‫اختلط ٍ‬
‫برمل ناعم يلصق بالعضو‪ ،‬لم يجز التيمم به على المذهب‪.‬‬
‫قال‪ :‬ألن ذلك يمنع وصول التراب إلى العضو‪.‬‬
‫قال‪ :‬أما الرمل الذي ال يلصق بالعضو فإنه يجوز التيمم به‪.‬‬
‫صالحا للغسل ال يكفيه‪،‬‬
‫ً‬ ‫ماء‬
‫هنا مسألة لو أن المتوضئ أو المتيمم وجد ً‬
‫هل يستعمله على بعض أعضائه؟ أم يتركه ويتمم؟‬
‫المذهب‪ :‬أنه وجب استعماله في بعض أعضائه مرتبة‪ ،‬إن كان حدثه أصغر‪ ،‬كأن يبدأ بالوجه ثم اليدين ثم مسح الرأس‬
‫ثم رجليه‪ ،‬أي الترتيب على الفروض األربعة‪.‬‬
‫أو مطل ًقا إن كان غيره (إذا كان الحدث أكبر يبدأ بغسل الرأس)‪ ،‬كما يفعل من يغسل كل ِ‬
‫بدنه‪.‬‬
‫لما جاء في الصحيحين‪ :‬أن النبي ﷺ قال‪" :‬إذا أمرتكم بأم ٍر فأتوا منه ما استطعتم"‪.‬‬
‫ماء فَـتَـيَ َّمموا﴾ [النساء‪]٤٣ :‬‬ ‫ِ‬
‫ويكون استعماله قبل التيمم عن الباقي‪ ،‬لقوله تعالى‪﴿ :‬فَـلَم تَجدوا ً‬
‫فاألصح القطع بأنه ال يجب مسح الرأس به‪.‬‬ ‫كثلج ٍ‬
‫وبرد ال يذوب‪،‬‬ ‫وهذا واج ٌد‪ ،‬أما ما ال يصلح للغسل ٍ‬
‫َ‬
‫إذن على هذا وعلى المذهب‪ ،‬أنه يستعمل الماء الموجود‪ ،‬في غسل ما يكفي من األعضاء ويتيمم للباقي‪.‬‬

‫قال مسألة (أي الشارح)‪ :‬ومن وجد به نجاسة ووجد ماء يغسل به بعضها وجب عليه للحديث المتقدم‪.‬‬
‫قوله ﷺ‪" :‬إذا أمرتكم بأم ٍر فأتوا منه ما استطعتم"‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫حدث أصغر أو أكبر وعلى بدنه نجاسة‪ ،‬وال يكفي إال ألحدهما‪.‬‬
‫ماء وعليه ٌ‬
‫أو وجد ً‬
‫معه ماء والبدن عليه نجاسة ويريد أن يتوضأ ماذا يفعل؟‬
‫قال‪ :‬تعين للنجاسة؛ ألن إزالتها ال بدل لها‪ ،‬يزيل النجاسة بالماء ويتيمم للحدث‪.‬‬

‫ثم قال الشارح ‪ :‬ويجب شراء الماء في الوقت وإن لم يكفه‪ ،‬وكذا التراب بثم ٍن مثله وهو على األصح‪.‬‬
‫إذن إذا كان معه مال والماء يباع‪ ،‬يجب أن يشتري ما دام في الوقت‪،‬‬
‫تفعا أو ال يجده عدل إلى التيمم‪،‬‬
‫كذلك لو كان التراب يباع يشتري بثمن مثله‪ ،‬فإن كان الثمن مر ً‬
‫ولذلك‪ :‬إذا احتاج واجد ثمن الماء إلى شراء سترةٍ للصالة‪ ،‬هل يقدمها أم يقدم شراء الماء؟‬

‫قال الشارح يقدم شراء السترة‪ ،‬لماذا؟‬


‫ألن نفعها متعدد‪ ،‬أما شراء الماء يتوضأ به مرةً واحدة‪ ،‬أما السترة فستظل معه على الدوام‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لشراب‪ ،‬أو لغيرهما‪ ،‬جاز له التيمم في هذا‪ ،‬ذكره في المجموع‪.‬‬ ‫كذلك إذا احتاج ثمن الماء ٍ‬
‫لطعام‪ ،‬أو‬

‫دلوا ونحوه‪ ،‬وجب عليه أن يقبل‪.‬‬


‫ماء أو أقرضه أو أعير ً‬
‫ثم قال‪ :‬ولو وهبه آخر ً‬
‫هذا على خالف األصل في المذهب‪ ،‬أنه ال ينبغي وال يجب عليه أن يقبل الهدية‪ ،‬ألن فيها منة لصاحبها‪.‬‬
‫لكن قالوا‪ :‬إهداء الماء ووهبه له‪ ،‬ال تعظم فيه المنة‪ ،‬واألصل فيه المسامحة‪ ،‬أن تعطيني ما معك من ماء وأنا أعطيك‬
‫ما معي من ماء‪.‬‬
‫ماء للوضوء؟‬
‫أما إذا وهب له الثمن قال بكم تحتاج ً‬
‫قال‪ :‬بمائة جنيه‪ ،‬قال‪ :‬هذه مائة جنيه‪ ،‬ال يلزم أن يقبلها هذا باإلجماع لعظم المنة هنا‪.‬‬
‫صعي ًدا طَيِّبًا﴾ [النساء‪ ،]٤٣ :‬أي اقصدوا؛‬
‫ويشترط هنا قصد التراب‪ ،‬لقوله تعالى‪﴿ :‬فَـتَـيَ َّمموا َ‬
‫ولذلك قال لو سفته ريح على عض ٍو من أعضاء التيمم ولم ين ِو لم ِ‬
‫يكفه‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫أو لو وقف في مهب الريح وأتت الريح بالتراب على بدنه لم يُجزئه‪ ،‬بل ال بد أن ينوي وينقل‪،‬‬
‫والنقل شرط عند النووي‪ ،‬ذكره في المنهاج‪ ،‬أن يضرب يده باألرض ثم يمسح وجهه وكفيه‪.‬‬

‫ثم قال الماتن ‪ :‬وفرائضه أربعة أشياء‪:‬‬


‫قال الشارح‪ :‬وفرائضه أي التيمم‪ ،‬جمع فريضة‪.‬‬
‫والمقصود بالفرض‪ :‬الركن‪.‬‬
‫(قال أربعة أشياء وعدها‪ ،‬وذكر في المنهاج أنها خمسة وزاد على هذه األربعة النقل‪ ،‬وعدها في الروضة سبعة فجعل‬
‫التراب والقصد ركنين‪ ،‬وفي المجموع جعلها ستة بإسقاط التراب وجعله شرطًا)‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫قال الشارح الخطيب الشربيني ‪ :‬واألولى ما في المنهاج‪ ،‬أي أن فرائضه خمسة‪.‬‬
‫هنا لو جعلنا على قول الشارح أنها خمسة سنحتاج أن نذكر الذي لم يذكره الماتن‪ ،‬وهو «النقل»‪.‬‬
‫ِ‬
‫بمأذونه كما مر‪،‬‬ ‫والمقصود به‪ :‬نقل التراب إلى العضو الممسوح بنفسه‪ ،‬أو‬
‫فلو كان على العضو تراب فرده عليه من جانب إلى جانب لم ِ‬
‫يكف‪ ،‬إنما صرحه بالقصد المقصود به النقل المقرون‬
‫بالنية‪.‬‬
‫وتكلمنا على ما لو تلقى التراب من الريح بكمه أو بيده ومسح به وجهه‪ ،‬أو تمسك في التراب ولو بغير عذر ومسح‬
‫به وجهه ويديه أجزأه‪ ،‬ألنه هنا في حكم المنقول‪.‬‬
‫يد إلى يد‪ ،‬أو من ٍ‬
‫يد إلى وجه‪ ،‬كل ذلك يجزئ عنه‪.‬‬ ‫ولو نقل من ٍ‬

‫قال‪ :‬الثاني وهو األول على كالم المصنف أي (الماتن)‪« :‬النية»‬


‫والمقصود بالنية هنا‪ :‬نية استباحة الصالة ونحوها مما تفتقر استباحته إلى طهارة‪:‬‬
‫كطواف‪ ،‬ومس مصحف‪ ،‬وسجود تالوة‪ ،‬وغيرها مما يجب أو يستحب له الوضوء أو التيمم‪.‬‬

‫وهنا مسألة‪ :‬هل التيمم مبيح أم رافع؟‬


‫على المذهب أن التيمم مبيح‪ ،‬فتنوي به استباحة الفعل‪ ،‬وليس برافع أي ال يرفع الحدث‪ ،‬ألن المتيمم يظل محدثًا‬
‫إنما استباح الفعل‪ .‬هذا معنى أنه ”مبيح“‪.‬‬
‫طاهرا‪،‬‬
‫ومعنى أنه ”رافع“ أي أنه يقوم مقام الوضوء‪ ،‬فيصبح اإلنسان ً‬
‫أو يقوم مقام االغتسال في الحدث األكبر‪ ،‬فترتفع الجنابة ويرتفع الحيض عن المرأة‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬والمحدث حدثًا أصغر يظل كذلك‪،‬‬
‫أما هنا إذا قلنا إنه مبيح فإن الجنب يظل جنبًا‪ ،‬والحائض تظل حائ ً‬
‫لكنه بتيممه استباح الفعل‪.‬‬

‫والفرق بينهما‪ :‬أنه لو قلنا بأنه رافع إذا تيمم ألي شيء أجزأ عن الباقي‪ ،‬ألنه ارتفع حدثه كما في الوضوء‪ ،‬فيجوز أن يصلي‬
‫الفريضة‪ ،‬والنافلة‪ ،‬ومس المصحف‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫أما إذا قلنا إنه مبيح فاألعلى يشمل األدنى وال عكس‪ ،‬إذا تيمم لصالة الفريضة جاز أن يصلي النافلة‪ ،‬أما إذا تيمم لنافلة‪ ،‬أو‬
‫لِمس مصحف ال يجوز أن يصلي الفريضة؛ ألن النافلة‪ ،‬ومس المصحف‪ ،‬أدنى من الفريضة‪.‬‬
‫ولذلك أردنا أن نبين الفرق بين المبيح والرافع لتفهم كالم المصنف ‪.‬‬

‫قال‪« :‬النية»‪ :‬أي نية استباحة الصالة أو نحوها مما تفتقر استباحته إلى طهارة‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬كطواف وحمل مصحف‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬وأما ما يستباح به فسيأتي‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬ولو تيمم بنية االستباحة ظانًا أن حدثه أصغر فبان أكبر أو عكسه صح‪.‬‬
‫‪ -‬قال‪ :‬وال يكفي نية رفع الحدث‪ ،‬سواء كان أصغر أو أكبر‪ ،‬أو نية الطهارة عن أحدهما‪ ،‬ألن التيمم ال يرفعه‪.‬‬
‫كذلك لو نوى فرض التيمم‪ ،‬أو فرض الطهارة‪ ،‬أو التيمم المفروض لم ِ‬
‫يكفه‪،‬‬
‫مقصودا في نفسه‪ ،‬إنما يؤتى به عن ضرورة‪ ،‬يستبيح الفعل بخالف الوضوء‪.‬‬
‫ً‬ ‫ألن التيمم ليس‬

‫لذلك قال‪ :‬ولهذا استحب تجديد الوضوء وال يستحب تجديد التيمم‪.‬‬
‫ولو ضرب يده على بشرة امرأةٍ تَن ُقض وعليها تراب‪ ،‬فإن منع التقاء البشرتين صح تيممه‪.‬‬
‫هذه مسألة يضيفها الشارح‪ ،‬وانتبه إلى هذه المسألة جي ًدا فهي مسألةٌ دقيقة في المذهب‪،‬‬

‫عمال بنيته‪.‬‬
‫أبيح له ً‬
‫ونفل َ‬ ‫قال‪ :‬وأما ما يباح له بنيته‪ ،‬فإن نوي استباحة ٍ‬
‫فرض ٍ‬
‫ِ‬
‫بنوافله القبلية والبعدية‪ ،‬فهذا له ذلك‪ ،‬أو نوى أن يتيمم لصالة الظهر‪،‬‬ ‫يعني تيمم لكي يصلي الظهر‬

‫تابع له‪.‬‬
‫فرضا فقط فله النفل‪ ،‬معه ألن النفل ٌ‬
‫قال‪ :‬أو ً‬
‫تابع له‪.‬‬
‫أي نوى أن يتيمم لصالة الظهر جاز أن يصلي النافلة‪ ،‬قال‪ :‬ألن النفل ٌ‬

‫نفال فقط أو نوى الصالة وأطلق‪ ،‬صلى به النفل وال يصلي به الفريضة‪.‬‬
‫قال‪ :‬أما إن نوى ً‬
‫هذا ما ذكرنا آن ًفا‪ ،‬ألن التيمم رخصة مبيحة يستباح بها الفرض‪.‬‬

‫قال ‪ :‬ولو نوى بتيممه حمل المصحف‪ ،‬أو سجود التالوة‪ ،‬أو الشكر‪ ،‬أو نوى نحو الجنب االعتكاف‪ ،‬أو قراءة‬
‫ضا‬
‫القرآن‪ ،‬أو الحائض استباحة الوطء‪ ،‬كان ذلك كله كنية النفل‪ ،‬في أنه ال يستبيح به الفرض‪ ،‬وال يستبيح به النفل أي ً‬
‫ألن النافلة آكد من ذلك‪.‬‬
‫وهذا على التقسيم الذي ذكرنا أنه مبيح للفعل‪.‬‬
‫ألصح أنه كالتيمم للنفل‪.‬‬
‫وكذا لو نوى بتيممه صالة الجنازة‪ ،‬اختلفوا في المذهب‪ :‬قال‪ :‬فا َ‬

‫الركن الثالث‪« :‬مسح الوجه» والمقصود بالوجه كما ذكرنا في الوضوء ما تحصل به المواجهة‪،‬‬
‫وهنا المذهب حتى أنه يمسح المسترسل من لحيته‪ ،‬والمقبل من أنفه‪،‬‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬فامسحوا بوجوهكم وأيديكم﴾ قال‪ :‬ومسح الوجه ومسح اليدين مع المرفقين‪.‬‬

‫وهذا هو الركن الرابع‪« :‬مسح اليدين مع المرفقين»‬


‫وهو الثالث على قول المصنف‪ ،‬وكما مر معنا‪.‬‬
‫واختلف العلماء في مسح اليدين‪ ،‬هل هي إلى الرسغ أم إلى المرفق؟‬

‫‪76‬‬
‫فالمذهب على أنها إلى المرفق‪ ،‬لماذا؟‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬ألن التيمم بدل عن الوضوء‪ ،‬والوضوء تغسل فيه اليدين مع المرفقين‪،‬‬
‫فكذلك البدل له حكم البدل‪ ،‬فتمسح اليدين إلى المرفقين‪.‬‬
‫قال الشافعي ‪ : ‬ألن اهلل تعالى أوجب طهارة األعضاء األربعة في الوضوء أول اآلية‪ ،‬ثم أسقط منها عضوين في‬
‫التيمم في آخر اآلية‪،‬‬
‫أي أسقط‪ :‬مسح الرأس وغسل الرجلين‪ ،‬فيبقى العضوان في التيمم على ما ذكر في الوضوء إذ لو اختلف لَبّينهما‬
‫هكذا‪.‬‬

‫الخامس وهو الرابع للمصنف‪« :‬الترتيب»‬


‫فقد أضفنا في أول الشرائط النقل‪.‬‬
‫والترتيب المقصود به‪ :‬بين الوجه واليد‪ ،‬فيبدأ ِ‬
‫بالوجه ثم اليد على ما جاءت اآلية‪ ،‬وعلى ما جاءت السنة‪.‬‬
‫وكذا ال فرق بين ٍ‬
‫حدث أكبر أو أصغر‪ ،‬وال بين غسل مسنون أو واجب‪.‬‬
‫قياسا على الوضوء في الحدث األصغر‪ ،‬فلما توجبوهُ في الغسل وهو ال‬
‫فإن قال قائل‪ :‬أوجبتم الترتيب في التيمم ً‬
‫ضا؟‬
‫يجب في الغسل أي ً‬
‫يب بأن الغسل لما وجب فيه تعميم جميع البدن‪ ،‬صار كعض ٍو واحد‪ ،‬والتيمم وجب في عضوين فقط فأشبه‬ ‫ِ‬
‫أُج َ‬
‫الوضوء‪.‬‬

‫ضا‪( :‬وسننه ثالثة أشياء)‬


‫قال أي ً‬
‫‪ ‬التسمية‪ ،‬وتقديم اليمنى على اليسرى‪ ،‬والمواالة‪.‬‬
‫هنا شرع المصنف وهو الماتن ببيان سنن التيمم بعد ذكر الفرائض والشرائط فقال‪ :‬ثالثة أشياء‪،‬‬
‫التسمية في أوله‪ :‬كالوضوء والغسل ولو كان الحدث أكبر‪.‬‬

‫‪ ‬والثاني‪ :‬تقديم اليمنى من اليدين على اليسرى منهما‪ ،‬أي يبدأ بمسح اليمنى ثم اليسرى‪.‬‬
‫‪ ‬قال‪ :‬والمواالة كالوضوء‪ ،‬فال يصح أن يمسح وجهه في الصبح ويديه في الظهر فال يسمى تيمما‪،‬‬
‫كال منهما طهارةٌ عن حدث‪.‬‬
‫بل يستحب المواالة ألن ً‬
‫ضا‪:‬‬
‫ثم قال الشارح‪ :‬ومن السنن أي ً‬
‫خروجا من خالف من أوجبها‪.‬‬
‫ً‬ ‫المواالة بين التيمم والصالة‬

‫‪77‬‬
‫قال‪ :‬ومن سننه‪ :‬البداءة بأعلى وجهه‪ ،‬وتخفيف الغبار من كفيه‪،‬‬
‫قال‪ :‬وتفريق أصابعه في أول الضربتين‪ ،‬وتخليل أصابعه بعد مسح اليدين‪،‬‬
‫كل هذه سنن على قول الشارح‪.‬‬
‫خروجا من خالف من أوجبه‪.‬‬
‫ً‬ ‫قال‪ :‬وال يرفع عن العضو قبل إتمام مسحه‬
‫إذن هذه سنن التيمم‪.‬‬

‫قال‪( :‬والذي يبطل التيمم ثالثة أشياء)‬


‫‪ -‬ما أبطل الوضوء‪ ،‬ورؤية الماء في غير وقت الصالة‪ ،‬وكذلك الردة‪.‬‬
‫ما أبطل الوضوء‪ :‬أي الذي يبطل الوضوء بعد صحته وقد تقدم بيانه في موضعه‪.‬‬
‫كالخارج من السبيلين‪ ،‬وزوال العقل‪ ،‬ومس الذكر‪ ،‬ومس المرأة‪( .‬يتكلم عن المذهب)‪.‬‬
‫‪ -‬ورؤية الماء الطهور في غير وقت الصالة‪ ،‬وإن ضاق الوقت باإلجماع‪.‬‬
‫رجال تيمم ثم قبل أن يصلي وجد الماء‪ ،‬هذا بطل تيممه ووجب عليه أن يتوضأ ويصلي‪،‬‬
‫فلو أن ً‬
‫لماذا؟ لقول النبي ﷺ‪" :‬التراب كافيك ولو لم تجد الماء عشر حجج‪ ،‬فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك"‪.‬‬
‫وألنه لم يشرع في المقصود‪ ،‬فصار كما لو رآه في أثناء التيمم‪،‬‬
‫ووجود ثمن الماء عند إمكان شرائه كوجود الماء‪.‬‬

‫هذه مسألة مهمة‪ :‬الرجل تيمم ثم قبل أن يدخل في الصالة وجد الماء‪،‬‬
‫هذا بطل تيممه باإلجماع‪ ،‬ويجب عليه أن يتوضأ‪،‬‬
‫ضا بطل التيمم‪ ،‬على المذهب‪.‬‬
‫أو جاءه ثمن الماء الذي يستطيع أن يشتريه به هنا أي ً‬

‫مكان يغلب فيه وجود الماء بطل تيممه‪ ،‬إذ ال‬ ‫ٍ‬
‫صالة ال يسقط قضاؤها بالتيمم‪ ،‬فإن صلى في ٍ‬ ‫قال‪ :‬فإن وجده في‬
‫فائدة باالشتغال بالصالة‪ ،‬ألنه سيعيدها‪ ،‬إذا جاء وهو في الصالة فينبغي عليه أن يخرج‪.‬‬

‫ضا ٌ‬
‫قول في المذهب‪ :‬أنه ال يسقط التيمم ولم يبطل ألنه شرع في المقصود‪ ،‬كما لو وجد المكفر الرقبة بعد‬ ‫وأي ً‬
‫الشروع في الصوم‪ ،‬وألن وجود الماء ليس حدثًا لكنه مانع من ابتداء التيمم‪ ،‬وال فرق في ذلك بين صالة الفرض‬
‫ٍ‬
‫وصالة الجنازة والنفل‪.‬‬ ‫كظه ٍر‬
‫وهنا نقول إنه إذا رأى الماء في صالته أكمل‪.‬‬

‫مسافرا وشرع في الصالة بتيمم ورأى الماء قلنا أكمل‪ ،‬ثم نوى اإلقامة في أثناء‬
‫ً‬ ‫هنا مسألة دقيقة في المذهب لو كان‬
‫لحكم اإلقامة‪ ،‬هذا على المذهب‪.‬‬
‫الصالة‪ ،‬نقول هنا‪ :‬بطلت صالته تغليبًا ُ‬

‫‪78‬‬
‫قال‪ :‬وييمم الميت‪ ،‬فإن ُو ِج َد الماء بعد ذلك وجب غسله‪ ،‬والصالة عليه‪ ،‬سواء جاء الماء أثناء التيمم أو بعده أو‬
‫أثناء الصالة عليه أو بعدها‪.‬‬

‫أما األخيرة إذا جاء الماء بعد الصالة على الميت‪ :‬فقال‪ :‬يحتمل أال يجب‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولو رأت الحائض المتيممة لفقد الماء الماء وهو يجامعها حرم عليها تمكينه منه‪،‬‬
‫أما إذا رأى هو الماء فال يحرم عليها إن لم يخبرها‪.‬‬

‫كذلك لو رأى الماء في أثناء قراءةٍ قد تيمم لها بطل تيممه بالرؤية‪ ،‬وسواء نوى قراءةٍ قدر المعلوم أو ال‪.‬‬
‫بناء على أنه يجوز تفريقه وهو األصح‪.‬‬
‫وهكذا لو رأى الماء في أثناء الطواف بطل تيممه‪ً ،‬‬

‫إذن خالصة القول في وجود الماء‪ :‬أنه إذا وجده قبل الصالة بطل التيمم‪،‬‬
‫وإذا وجده أثناء الصالة على قولين في المذهب األصح أنه ي ِ‬
‫كمل‪.‬‬‫ُ‬
‫وإذا وجده بعد الصالة فال عبرة بوجوده فصالته صحيحة‪.‬‬

‫ثم قال الثالث من المبطالت‪ :‬ال ِردة والعياذ باهلل تعالى منها‪،‬‬
‫هذا كالبُطالن في الوضوء فكما يجب تجديد الوضوء كذلك يجب تجديد التيمم‪.‬‬

‫قال‪( :‬وصاحب الجبائر يمسح عليها ويتيمم)‬


‫ٍ‬
‫كقصبة توضع على الكسر‪ ،‬أو كما يوضع اليوم بما يسمى‬ ‫وصاحب الجبائر‪ :‬جمع جبيرة‪ ،‬وهي خشبة أو نحوها‪،‬‬
‫بالجبس على الذراع أو الرجل ليَنجبر بها الكسر‪.‬‬
‫قال‪ :‬يمسح عليها حيث عسر نزعها‪ ،‬لخوف محظوٍر‪ ،‬ويقاس عليها اللصوق والشقوق التي في الرجل‪ ،‬إذا احتاج إلى‬
‫تقطير ٍ‬
‫شيء فيها‪.‬‬
‫استعماال له ما أمكن بخالف التراب‪.‬‬
‫ً‬ ‫قال‪ :‬ويجب مسح كلها بالماء‬
‫قال‪ :‬وال يقدر المسح على الجبيرة بمدة‪ ،‬بل له االستدامة إلى االندمال والبرء‪ ،‬ألنه لم يرد فيه تأقيت وال مدة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وال ينزع للجنابة بخالف ال ُخف‪.‬‬
‫الجنب ونحوه متى شاء‪ ،‬والمحدث وقت غسل عليلهُ‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويمسح ُ‬
‫قال‪ :‬ويتيمم وجوبًا‪ ،‬لقوله ﷺ في صاحب الشجة "إنما كان يكفيه أن يتيمم‪ ،‬ويعصب على رأسه خرقة ثم يمسح‬
‫عليها ويغسل سائر جسده"‪.‬‬
‫بدل عن غسل العضو العليل‪ ،‬ومسح السائر ٌ‬
‫بدل عن غسل ما تحت أطرافه من الصحيح‪.‬‬ ‫قال‪ :‬والتيمم ٌ‬
‫هذا إذا زاد في الجبر عن موضع الحاجة‪ ،‬أما إذا لم يأخذ زيادة كما هو الحال اآلن فال يلزم التيمم‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫قال‪ :‬وإذا ظهر د ٌم من اللصوق أو شق عليه نزعه وجب مسحه ويعفى عن هذا الدم‪.‬‬
‫كذلك إذا تيمم الذي عليه غُسل‪ ،‬ومسح للعليل‪ ،‬وغسل الصحيح أدى فرضه‪ ،‬وال فرق بين المحدث حدثًا أصغر‬
‫والمحدث حدثًا أكبر‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويصلي وال إعادة عليه إن كان وضعها على طه ٍر‪.‬‬


‫أي ويصلي صاحب الجبيرة إذا مسح عليها وغَسل الصحيح وتيمم‪ ،‬وال إعادة عليه إن كان وضعها على طهر‪.‬‬
‫وهذه مسألة خالفية‪ :‬قال‪ :‬ألنه أولى من المسح على الخف للضرورة هنا‪.‬‬

‫قال‪ :‬إذا لم تكن الجبيرة على محل التيمم أو الوجه أو اليد‪،‬‬


‫واختلفوا فقال بعضهم‪ :‬ال فرق بين كونها في محل التيمم أو في غيره‪.‬‬

‫قال‪ :‬وإن وضعها على ٍ‬


‫حدث سواء كان من أعضاء التيمم أو غيره من أعضاء الطهارة‪ ،‬وجب نزعها إن أمكن بال ضرر‬
‫يبيح التيمم‪ ،‬فإن تضرر مسح عليها‪.‬‬
‫ولو تيمم عن ٍ‬
‫حدث أكبر ثم أحدث حدثًا أصغر انتقض طهره األصغر ال األكبر‪،‬‬
‫كما لو أحدث بعد غسله فيحرم عليه ما يحرم على المحدث‪.‬‬

‫قال‪ :‬ولو نسي الماء في رحله أو أضله فلم يجد غيره أو لم يجده بعد إمعان الطلب‪ ،‬تيمم في الحالين وصلى‪،‬‬
‫قصر في الوقوف عليه‪،‬‬
‫ثم تذكر في النسيان‪ ،‬أو وجده في اإلضالل قضى‪ ،‬ألنه في الحالة األولى واج ٌد للماء لكنه ّ‬
‫نادر ال يدوم‪.‬‬
‫عذر ٌ‬‫وفي الثانية ٌ‬
‫وكذلك قال‪ :‬وجهٌ آخر أنه ال يقضي طالما أنه لم يقصر‪.‬‬

‫يعص للعذر‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫وتنظيف لم ِ‬ ‫قال‪ :‬فرعٌ‪ :‬ولو أتلف الماء في الوقت ٍ‬
‫لغرض كتبرد‬
‫أو أتلفه عبثا في الوقت أو بعده عصى لتفريطه بإتالف ٍ‬
‫ماء تعين للطهارة‪،‬‬ ‫ً‬
‫وال إعادة عليه إذا تيمم في الحالتين؛ ألنه تيمم وهو فاق ٌد للماء‪.‬‬
‫ماء‪،‬‬
‫تبردا لشدة الحر‪ ،‬فلما حان وقت الصالة لم يجد ً‬
‫رجال معه ماء فاغتسل به ً‬
‫ومعنى هذا الكالم‪ :‬أن ً‬
‫أو أتلف هذه الماء عبثًا لثقله ثم لما حان وقت الصالة لم يجد الماء‪ ،‬هذا يتيمم وال إعادة عليه‪.‬‬
‫أما إذا أتلفه في الوقت‪ ،‬أو باعه‪ ،‬أو وهبه في الوقت بال حاجة له وال للمشتري فهنا نقول وجب عليه اإلعادة‪،‬‬
‫لماذا؟ قالوا‪ :‬لتعديه وتعين عليه أنه كان في وقت الصالة‪ ،‬وعليه أن يسترده فال يصح تيممه ما قدر عليه ِ‬
‫ببقائه على‬
‫ملكه‪.‬‬
‫فوت الماء في وقتها لتقصيره‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن عجز عن استرداده تيمم وصلى وقضى تلك الصالة التي َّ‬

‫‪80‬‬
‫قال‪[ :‬ويتيمم لكل فريضة]‪.‬‬
‫أي يتيمم المعذور وجوبًا لكل فريضة فال يصلي بتيمم غير فرض؛ ألن الوضوء كان لكل فرض‪،‬‬
‫الص َالةِ﴾ [المائدة‪ ]٦ :‬والتيمم بدل عنه‪.‬‬
‫لقوله تعالى ﴿إِذَا قُ ْمتُ ْم إِلَى َّ‬
‫ٍ‬
‫بوضوء واحد‪ ،‬فيبقى التيمم على ما كان عليه‪،‬‬ ‫ثم نسخ ذلك في الوضوء‪ ،‬بأنهُ صلى يوم الفتح خمس صلوات‬
‫صحيح عن ابن عمر قال‪” :‬يتيمم لكل صالة وإن لم ي ِ‬
‫حدث“‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بإسناد‬ ‫ولما روى البيهقي‬
‫ُ‬
‫وألنه طهارة ضرورة‪ ،‬ومثل فرض الصالة في ذلك فرض الطواف‪ ،‬وخطبة الجمعة‪ ،‬فيمتنع الجمع ٍ‬
‫بتيمم واحد بين‬
‫طوافين مفروضين‪.‬‬
‫كأن يطوف طواف اإلفاضة وطواف الوداع‪ ،‬وبين صالة الجمعة وخطبتها على ما رجحه الشيخان وهو المعتمد؛‬
‫قال‪ :‬ألن الخطبة وإن كانت فرض كفاية فإنها قائمة مقام ركعتين‪ ،‬لكن إذا تيمم للفرض جاز أن يصلي به ما شاء من‬
‫النوافل‪.‬‬
‫كذلك إذا َج َم َع َج ْم ِع تقديم أو جمع تأخير‪ ،‬جاز أن يصلي به أكثر من فريضة‪.‬‬

‫بتيمم ٍ‬
‫واحد ما شاء من النوافل]‬ ‫قال‪[ :‬ويصلي ٍ‬
‫ألن النوافل تكثر‪ ،‬فيؤدي إيجاب التيمم لكل صالةٍ منها إلى الترك أو إلى ٍ‬
‫حرج عظيم‪ ،‬فخفف في أمرها كما خفف‬
‫بترك القيام فيها مع القدرة‪ ،‬وبترك القبلة في السفر‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومن نسي إحدى الصلوات ولم يعلم عينها كفاه لهن تيمم‪.‬‬
‫هنا آخر مسألة في التيمم‪ :‬على فاقد الطهورين‪ :‬وهما الماء والتراب‪،‬‬
‫ٍ‬
‫كمحبوس ٍ‬
‫بمحل ليس فيه واح ٌد منهما أن يصلي الفرض‪ ،‬يلزمه الوقت ويعيد إذا وجد أحدهما الماء أو التراب‪،‬‬
‫وخرج بالفرض النفل‪ ،‬فال يفعل‪،‬‬
‫ويقضي وجوبا‪ :‬المتيمم ولو في سف ٍر ٍ‬
‫لبرد لندرة هذا‪ ،‬أو فقد ما يسخن به الماء‪ ،‬أو يدثر به األعضاء‪ ،‬ومتيمم لعذ ٍر‪:‬‬ ‫ً‬
‫وجرح في سفر معصية كآبق هذا يعيد؛ ألن عدم القضاء رخصة فال يناط بسفر المعصية‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫كفقد الماء‪،‬‬

‫فصل في إزالة النجاسة»‪.‬‬


‫ثم قال المصنف ‪ٌ « :‬‬
‫نجس]‪.‬‬
‫قال‪[ :‬وكل مائ ٍع خرج من السبيلين ٌ‬
‫والنجاسة لغةً‪ :‬كل ما يستقذر‪.‬‬
‫مستقذر يمنع من صحة الصالة حيث ال مرخص‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وشرعا‪:‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬وكل مائ ٍع خرج من أحد السبيلين أي القبل أو الدبر‪.‬‬
‫نجس‪،‬‬
‫نادرا كالودي والمذي ٌ‬
‫سواء كان هذا الخارج معتاد كالبول والغائط‪ ،‬أو ً‬

‫‪81‬‬
‫سواء كان ذلك من حيوان مأكول أو غير مأكول على المذهب‪،‬‬
‫فالمذهب يرى أنه حتى بول وروث ما يؤكل لحمه نجس‪.‬‬
‫َ‬
‫واستدل لذلك بحديث ابن مسعود الذي رواه البخاري‪” ،‬لما جاء للنبي ﷺ بحجرين وروث ليستنجي بِهما أخذ‬
‫الحجرين ورد الروث‪ ،‬وقال‪ :‬هذا ركس“‪ ،‬والركس‪ :‬أي نجس‪.‬‬
‫ولما مر بالقبرين كما في الصحيحين‪ ،‬قال‪” :‬أما أحدهما فكان ال يستبرئ من البول“‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقيس به سائر األبوال‪ ،‬لكن قد يستشكل بأن النبي ﷺ أمر العرانيين بشرب بول اإلبل‪،‬‬
‫جائز عند فقد الطاهر‪ ،‬الذي يقوم مقامه‪.‬‬
‫فأجيب عنه بأنه كان للتداوي‪ ،‬والتداوي بالنجس ٌ‬
‫فإن قال قائل‪ :‬قال النبي ﷺ‪” :‬لم يجعل اهلل شفاء أمتي فيما حرم عليها“‪.‬‬

‫محمول على الخم ِر‪ .‬وعليه َ‬


‫فالمذهب يعد جميع األبوال وجميع الروث وكل ما خرج من السبيلين‬ ‫ٌ‬ ‫أجابوا بأن هذا‬
‫بيناهما قبل ذلك‪.‬‬
‫نجس‪ ،‬وكذلك المذي والودي‪ ،‬وسبق أن ُ‬

‫فطاهر من جميع الحيوانات إال الكلب والخنزير]‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫قال‪[ :‬إال المني‬
‫مني اآلدمي فهو طاهر‪،‬‬
‫وهنا نقول‪ :‬أما ّ‬
‫لحديث عائشة ‪” :‬أنها كانت تحك المني من ثوب رسول اهلل ﷺ ثم يصلي فيه“‪.‬‬
‫ومما ال شك فيه أن الحك يترك أثر ال َيزال إال بالماء‪.‬‬
‫مني باقي الحيوانات‪،‬‬
‫قال وقيس عليه ّ‬
‫ٍ‬
‫حيوان طاهر (كالدجاج والبط) طاهر‪ ،‬ومن غير مأكول اللحم طاهر إذا كان قد تصلب‪.‬‬ ‫قال‪ :‬والبيض المأخوذ من‬
‫دما طاهر على الصحيح‪ ،‬والذي اختاره‬
‫قال‪ :‬وبذر القز وهو البيض الذي يخرج منه دود القز‪ ،‬ولو استحالت البيض ً‬
‫النووي‪.‬‬

‫واجب]‬
‫ٌ‬ ‫واألرواث‬
‫َ‬ ‫قال‪[ :‬وغسل جميع األبوال‬
‫إذا أصاب الثوب أو أصاب البدن أو أصاب البقعة التي يصلي عليها‪ ،‬سواء‬
‫ٍ‬
‫مأكول أو غير مأكول‪ ،‬سواء أراد به النجاسة المتوسطة كالبول والغائط‪ ،‬أو المخففة‪.‬‬ ‫كان من‬
‫ٍ‬
‫بحديث ضعيف رواه أبو داود‪ ،‬قال النبي ﷺ‪” :‬كانت الصالة خمسين‪ ،‬والغسل من الجنابة والبول‬ ‫ويستدل لذلك‬
‫ِ‬
‫سبع مرات‪ ،‬فلم يزل رسول اهلل ﷺ يسأل اهلل حتى ُجعلت الصالة ً‬
‫خمسا‪ ،‬والغسل من الجنابة مرة‪ ،‬والغسل من‬
‫البول مرة“‪.‬‬
‫بصب َذ ٍ‬ ‫ِ‬
‫نوب على بول األعرابي الذي بال في‬ ‫أثر ضعيف ويستغنى عنه بغيره من الصحاح‪ ،‬كأمره ﷺ ” َ‬ ‫لكن هذا ٌ‬
‫المسجد“‪” ،‬وأمر أسماء بغسل الثوب“ وغيرها من األدلة‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫وال بد أن تعلم أن النجاسة على قسمين‪:‬‬
‫نجاسةٌ حكمية‪ ،‬ونجاسةٌ عينية‪.‬‬
‫فالحكمية‪ٍ :‬‬
‫كبول جف لم يدرك له صفة‪ ،‬فيكفي َجري الماء عليه مرة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫طعم ٍ‬
‫ولون وري ٍح‪.‬‬ ‫‪ -‬والعينية‪ :‬يجب إزالة صفتها من ٍ‬
‫فإذا تعسر إزالة اللون أو الريح ال يضر وال يجب إزالته‪،‬‬
‫قال في دم الحيض يصيب الثوب‪” :‬تحكه ثم تقرصه ثم تنضحه‪ ،‬ثم تصلي فيه وال ِ‬
‫يضرك أثره“‪.‬‬

‫قال‪ :‬إال «أداة استثناء» من غسل جميع األبوال واألوراث‪،‬‬


‫بول الصبي الذي لم يأكل الطعام فإنه يطهر برش الماء عليه دون بول الجارية‪،‬‬
‫وبول الصبي الذي لم يأكل الطعام أي‪ :‬للتغذي قبل مضي الحولين‪ ،‬فإنه يطهر برش الماء وهو النضح يعمه ويغمره بال‬
‫سيالن‪ ،‬بخالف الصبية والخنثى فإنه يجب غسل بولها على األصل‪.‬‬
‫ويستدل لذلك أنه لم يأكل الطعام‪ :‬لحديث أم قيس أنها جاءت باب ٍن لها صغير لم يأكل الطعام‪” ،‬فأجلسه رسول اهلل‬
‫ﷺ في حجره فبال عليه فدعا ٍ‬
‫بماء فنضحه ولم يغسله“‪.‬‬
‫وأما أصل نضح بول الغالم فهو حديث أبي السمح أن النبي ﷺ‪” :‬يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغالم"‪.‬‬
‫وكذلك ”بول الغالم ينضح وبول الجارية يغسل“‪.‬‬

‫قال‪[ :‬وال يعفى عن ٍ‬


‫شيء من النجاسات إال اليسير من الدم والقيح]‪.‬‬
‫وال يعفى عن ٍ‬
‫شيء من النجاسات كلها مما يدركه البصر‪ ،‬إال اليسير أي في العرف‪.‬‬
‫من الدم والقيح سواء كان من نفسه أو من غيره أو انفصل منه وعاد إليه‪.‬‬

‫قال‪ :‬غير دم الكلب والخنزير فإنه ال يعفى عنه‪.‬‬


‫ٍ‬
‫صديد‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وكذلك الدم الذي استحال إلى‬
‫ِ‬
‫لغلظه كما ذكر في المجموع والبيان‪.‬‬ ‫قليال فال يعفى عنه‬
‫أما دم الكلب وإن كان ً‬

‫ثم قال‪ :‬وما ال نفس له سائلة إذا وقع في اإلناء ومات فيه فإنه ال ينجسه بشرطين‪:‬‬
‫طارح‪.‬‬
‫أال يغيره ما وقع فيه‪ ،‬ولم يطرحه ٌ‬
‫ما ال نفس له سائلة من الحيوانات‪ :‬كالذباب‪ ،‬والزنبور‪ ،‬والقمل‪ ،‬والبراغيث‪ ،‬والبعوض‪ ،‬ونحوه إذا وقع في اإلناء الذي فيه مائع‬
‫ومات فيه لم ينجسه‪.‬‬
‫أال يطرحه طارح ولم يغيره لمشقة االحتراز عنه‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫لحديث البخاري أن النبي ﷺ قال‪" :‬إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء"‪،‬‬
‫في رواية "وفي اآلخر شفاء"‪ ،‬وفي رواية "وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء"‪.‬‬
‫وقد يفضي غمسه إلى موته‪ ،‬فلو نجس الماء لما أمر به ﷺ‪.‬‬
‫وقيس بالذباب ما في معناه من كل ٍ‬
‫ميتة ال يسيل دمها‪،‬‬

‫قال‪ :‬فلو شككنا فيها أُمتحن بمثلها من جنسها‪ .‬كذلك كل حيوان ال نفس سائلة له‪.‬‬
‫ٍ‬
‫خالف‬ ‫واختلفوا فيما إذا طرحت فيه بعد موتها قص ًدا‪ ،‬أو طرحت فيه وهي حية‪ ،‬أو وقعت فيه بال قصد‪ ،‬كل ذلك على‬
‫في المذهب‪،‬‬
‫والراجح واهلل أعلم أنها ال تؤثر فيه‪.‬‬

‫طاهر إال الكلب‪ ،‬والخنزير‪ ،‬وما َّتولد منهما أو من أحدهما‪ ،‬والميتة كلها نجسة إال السمك والجراد‬
‫قال‪[ :‬والحيوان كله ٌ‬
‫واآلدمي]‪.‬‬
‫طاهر أي طاهر العين حال حياته‪،‬‬
‫قال‪ :‬والحيوان كله ٌ‬
‫معلما‪.‬‬
‫إال الكلب ولو ً‬
‫لحديث مسلم أن النبي ﷺ قال‪" :‬طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع ٍ‬
‫مرات أوالهن بالتراب"‪.‬‬
‫فتعين طهارة الخبث‪ ،‬فثبتت نجاسته‪ ،‬ولعابه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تكرمة َ‬
‫والطهارة إما لحدث‪ ،‬أو خبث‪ ،‬أو تكرمة‪ ،‬وال حدث على اإلناء وال ُ‬
‫أطيب أجزائه‪ ،‬بل هو أطيب ما في الحيوانات فغيره من باب أولى‪.‬‬

‫حاال من الكلب وألنه ال يقتنى بحال‪ ،‬ونقض هذا التعليل بالحشرات؛‬


‫قال‪ :‬والخنزير ألنه أسوأ ً‬
‫دليل واضح على نجاسته"‪.‬‬
‫ولذلك قال النووي ‪ :‬وهذا من إنصافه‪" :‬ليس لنا ٌ‬
‫وهو الراجح في الحقيقة‪ ،‬أي الخنزير‪.‬‬
‫قال لكن ادعى ابن المنذر اإلجماع على نجاسته‪ ،‬وهذا ال يسلم له به ألن مالك يرى طهارة الكلب والخنزير‬
‫وكذلك رواية عن أبي حنيفة‪.‬‬

‫قال‪ :‬وما َّتولد منهما أي‪ :‬من الكلب والخنزير أو من أحدهما‪ ،‬ولو مع اآلخر أو مع غيره من الحيوانات‪ ،‬كالمتولد بين‬
‫ذئب و ٍ‬
‫كلبة تغليبًا للنجاسة‪ ،‬ومن باب إذا اختلط المباح بغير غلب جانب الحرمة‪ ،‬وإذا اختلط الطاهر بالنجس غلب‬ ‫ٍ‬
‫النجاسة لالحتياط‪.‬‬
‫وأشرفهما في الدين‪ ،‬وإيجاب البدل‪ ،‬وتقرير الجزية‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬والفرع يتبع األب في النسب‪ ،‬واألم في الرق والحرية‪،‬‬
‫وأخسهما في النجاسة‪ ،‬وتحريم الذبيحة‪ ،‬والمناكحة‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫«هذه قواعد أصولية» عند العلماء (قال‪ :‬والميتة كلها نجسة وهي ما زالت حياتها‪ ،‬لكن ال بذكاةٍ شرعية‪ ،‬كذبيحة المجوسي‪،‬‬
‫والمحرم‪ ،‬وما ذبح بالعظم‪ ،‬وغير المأكول إذا ذبح كلها تنجس بالموت ويحرم أكلها‪،‬‬
‫ت َعلَْي ُك ُم ال َْم ْيتَةُ﴾ [المائدة‪.]٣ :‬‬
‫لقوله تعالى‪ُ ﴿ :‬ح ِّرَم ْ‬

‫قال‪ :‬إال السمك والجراد فطاهران باإلجماع‪،‬‬


‫ولقول النبي ﷺ‪” :‬أحلت لنا ميتتان ودمان‪ ،‬السمك والجراد‪ ،‬والكبد والطحال“‪.‬‬

‫وقوله في البحر‪” :‬هو الطهور ماؤه الحل ميتته“‪.‬‬


‫والمراد بالسمك‪ :‬كل ما أكل من حيوان البحر وإن لم يسمى سم ًكا‪،‬‬
‫وسيذكر بالتفصيل إن شاء اهلل في باب األطعمة‪.‬‬

‫قال‪ :‬واآلدمي فإنه طاهر حال موته‪ ،‬وحال حياته‪ ،‬لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ولََق ْد َك َّرْمنَا بَنِي َ‬
‫آد َم﴾ [اإلسراء‪.]١٧ :‬‬
‫وقضية التكريم أنه ال يحكم بنجاسته بالموت‪.‬‬
‫ِ‬
‫وأما قوله تعالى‪﴿ :‬إنَّ َما ال ُْم ْش ِرُكو َن نَ َج ٌ‬
‫س﴾ [التوبة‪]٩ :‬‬
‫أي‪ :‬نجاسة االعتقاد واجتنابهم كالنَجس ال نجاسة األبدان‪.‬‬

‫[ويغسل اإلناء من ولوغ الكلب والخنزير سبع مر ٍ‬


‫ات إحداهن بالتراب الطهور]‪.‬‬
‫هذه المسألة جاء فيها النص عن النبي ﷺ كما سبق‪ ،‬حينما قال ﷺ‪” :‬طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب‬
‫أن يغسله سبع مرات‪ ،‬أوالهن بالتراب“‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن النبي ﷺ ”أمر بغسله سبع مرات ٍ‬
‫بماء طهور إحداهن بتر ٍ‬
‫اب يعم محل النجاسة‪ ،‬وال بد من مزجه‬
‫بالماء“‪.‬‬
‫واختلفت الروايات‪ :‬ففي ٍ‬
‫رواية "أوالهن بالتراب" ‪ ،‬وفي رواية "وعفروه الثامنة بالتراب"‬
‫وهاتان الروايتان في مسلم وال تعارض بينهما‪،‬‬
‫اهن بالتراب" على التخيير‪ ،‬وأي إحداهن فعل أجزأ‪.‬‬
‫وفي رواية "السابعة بالتراب" ‪ ،‬وفي رواية "أوالهن بالتراب أو اخر ُ‬

‫كذلك قال المصنف‪ :‬ويُغسل من سائر النجاسات مرةً واحدة تأتي عليه والثالث أفضل‪.‬‬
‫معنى هذا أنه يُغسل سائر النجاسات مرة واحدة وجوبًا‪،‬‬
‫تأتي عليه‪ :‬أي على النجاسة‪ ،‬ومرة‪ :‬ذلك في كيفية الغسل‪.‬‬
‫فمستحب؛‬ ‫ٍ‬
‫قال‪ :‬والثالثة بالتاء أفضل أو الثالث أفضل‪ ،‬فإن اقتصر على مرة واحدة جاز‪ ،‬وإن غسل الثانية والثالثة ُ‬
‫ولذلك قال النبي ﷺ‪" :‬إذا استيقظ أحدكم من نومه فال يدخل يده في اإلناء حتى يغسلهما ثالثًا"‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫ضا ‪ ‬أي المصنف‪[ :‬وإذا تخللت الخمرة بنفسها طهرت‪ ،‬وإن خللت بطرح ٍ‬
‫شيء فيها لم تطهر]‪.‬‬ ‫قال أي ً‬
‫ُ‬
‫هذه هي المسألة األخيرة في باب إزالة النجاسة ‪ :‬هي في االستحالة وتحول الشيء عن أصله‪ ،‬فذكر هنا الخمر إذا‬
‫خال‪،‬‬
‫تخللت أي تغيرت وصارت ً‬
‫فإن تخللت بنفسها فاإلجماع على أنها حالل‪،‬‬
‫واإلجماع على أن علة النجاسة والتحريم واإلسكار قد زالت‪ ،‬وارتفعت النجاسة ويجوز أكلها وشربها‪.‬‬
‫أما إذا تخللت بطرح ٍ‬
‫شيء فيها لم تطهر‪،‬‬
‫ولذلك لما ُسئل النبي ﷺ أفال نخللها؟ قال ال‪.‬‬
‫وبيَّن العلماء أن المقصود من الخمر‪ :‬المتخذة من ماء العنب‪ .‬ويقاس عليها غيرها كالتمر وكل ما يتخمر بالتخليل‪،‬‬
‫هذه هي مسائل باب إزالة النجاسة‪.‬‬

‫وبهذا تنتهي هذه المحاضرة‪ ،‬وبقي لنا عدة أسئلة‪:‬‬

‫األسئـ ـلة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬اذكر شروط التيمم‪ ،‬وأركانه‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬إذا حضر الماء قبل أو أثناء أو بعد الصالة ماذا يفعل المتيمم؟‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬ما هي األشياء الطاهرة التي تخرج من اإلنسان؟‬
‫‪ -‬السؤال الرابع‪ :‬اذكر الدليل على وجوب غسل اإلناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات‪.‬‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أال إله إال أنت نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫المحاضرة السابع ــة‬
‫وصلنا إلى الفصل األخير في كتاب الطهارة‪ ،‬وبه نختم كتاب الطهارة‪.‬‬
‫فصل في الحيض والنفاس واالستحاضة»‬
‫فنقول مستعينين باهلل عز وجل‪ ..‬قال المصنف ‪ٌ « :‬‬
‫وهذا الفصل كله متعل ٌق بالنساء‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويخرج من الفرج ثالثة دماء‪ :‬دم الحيض‪ ،‬والنفاس‪ ،‬واالستحاضة‪.‬‬
‫فالحيض‪ :‬هو الخارج من فرج المرأة على سبيل الصحة من غير ِ‬
‫سبب الوالدة‪.‬‬ ‫ُ‬

‫هنا يتكلم المصنف ‪ ‬عن الباب الخاص بالنساء في أبواب الطهارة‪ ،‬وهو باب‪ :‬الحيض والنفاس واالستحاضة‬
‫بحر ال ساحل له‪ ،‬ولكن بعد التبويب والتهذيب والترتيب‪ ،‬صار من األبواب السهلة الممكن‬
‫وقديما قال العلماء‪ :‬دماء النساء ٌ‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫بسهولة ويسر‪.‬‬ ‫للنساء أن يتعلموها‬

‫فصل في الحيض والنفاس واالستحاضة»‪ :‬أي‪ :‬في تعريف وحكم ٍ‬


‫كل منهم‪.‬‬ ‫قال‪ٌ « :‬‬

‫قال‪« :‬يخرج من الفرج»‪ :‬أي‪ :‬المقصود من قُبل المرأة‪ ،‬وما تتعلق به من أحكام لهذه الدماء‪.‬‬

‫قال‪« :‬ثالثة ٍ‬
‫دماء فقط»‪ :‬أما دم الفساد الخارج قبل التسع‪ ،‬أو دم اآليسة ال يتعلق به حكم‪ ،‬ويمكن أن يقال عليه «دم‬
‫استحاضة»‪.‬‬

‫نوع من هذه األنواع الثالثة‪:‬‬


‫ثم بدأ يعرف كل ٍ‬
‫األول‪ :‬الحيض‪.‬‬
‫وحاض الوادي إذا سال‪.‬‬
‫َ‬ ‫فالحيض لغةً‪ :‬هو السيالن‪ ،‬تقول العرب‪ :‬حاضت الشجرة إذا سال صمغها‪،‬‬
‫ُ‬
‫دم جبلية‪ :‬أي نقيضة الطباع السليمة‪.‬‬
‫شرعا‪ٌ :‬‬
‫والحيض ً‬
‫هو الدم الخارج من فرج المرأة (أي من أقصى رحمها)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أوقات معلومة (احتر ًازا عن النفاس)‪.‬‬ ‫(احترازا عن االستحاضة)‪ ،‬من غير ِ‬
‫سبب الوالدة (ليخرج النفاس)‪ ،‬في‬ ‫ً‬ ‫على سبيل الصحة‬
‫إذن الحيض هي دماءٌ طبيعية تصيب المرأة إذا بلغت‪ ،‬وهي عالمةٌ على البلوغ‪ ،‬ووجوب األحكام الشرعية عليها‪.‬‬
‫كذلك الحيض يسمى العادة الشهرية‪ ،‬أو الدورة الشهرية‪.‬‬
‫والعادة من العود‪ ،‬والدورة من الدوران‪ ،‬أنها تدور في كل شهر أو شهرين على حسب حالة المرأة‪ ،‬أو تعود في أول كل‬
‫شهر‪ ،‬أو في وسطه أو في آخره‪ ،‬فتسمى العادة الشهرية‪ ،‬أو الدورة الشهرية‪.‬‬
‫الم ِ‬
‫حيض قُل ُه َو أَ ًذى﴾ [البقرة‪.]٢٢٢ :‬‬ ‫ك َع ِن َ‬
‫واألصل في الحيض‪ :‬قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ويَسأَلونَ َ‬

‫‪87‬‬
‫وحديث الصحيحين لما حاضت عائشة في الحج وبكت‪ ،‬قال النبي ﷺ‪” :‬هذا شيءٌ كتبه اهلل على بنات آدم“‪.‬‬
‫ونفاس‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وطمس‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫اك‪،‬‬
‫اك‪ ،‬وفر ٌ‬
‫اس‪ ،‬وعر ٌ‬
‫وإعصار‪ ،‬ودر ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وإكبار‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وض ِح ٌ‬
‫ك‪،‬‬ ‫وطمث‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫يض‪،‬‬
‫كذلك الحيض له أسماءٌ كثيرة‪َ :‬ح ٌ‬
‫ِ‬
‫نفست“‪.‬‬ ‫كما قال النبي ﷺ لعائشة‪ِ ” :‬‬
‫لعلك‬

‫قال المصنف‪( :‬ولونه أسو ٌد محتد ٌم لَ َّذاعٌ)‪.‬‬


‫أحمر‪ ،‬أو بني غامق‪ .‬وقد ينقلب في آخره إلى كدرة وصفرة‪.‬‬
‫وقوله لونه‪ :‬أي لون دم الحيض‪ :‬األقوى أسو ٌد‪ ،‬ثم ٌ‬
‫وله رائحةٌ كريهة‪.‬‬
‫حار‪ ،‬مأخوذٌ من احتدام النهار وهو اشتداد حره‪.‬‬
‫محتدم‪ :‬ومعنى محتدم أي ٌ‬
‫لَ َّذاعٌ‪ :‬ومعنى لذاعٌ‪ ،‬أي ٌ‬
‫موجع‪.‬‬
‫موجع‪ ،‬أي تحدث آالم للمرأةِ عند نزول دم الحيض‪.‬‬
‫ار ٌ‬ ‫دم أسو ٌد ح ٌ‬
‫إذن هو ٌ‬
‫وسبحان اهلل فائدةٌ علمية طبية‬

‫معنى هذا يقول العلماء في كتاب [خلق اإلنسان بين الطب والقرآن] ‪ :‬إن الرحم قبل أن يقذف مبيض المرأة بالبويضة‪،‬‬
‫يتهيأ الرحم الستقبالها بتكوين الغشاء المخاطي‪ ،‬الذي تنغمس فيه البويضة‪ ،‬فإذا جاء الحيوان المنوي من الرجل فل َقح‬
‫البويضة في قناة فالوب‪ ،‬فإنها تنزل إلى الرحم فتَنغمس فيه عدة أيام‪ ،‬ثم تنبت كما تنبت الحبة فتعلق بهذا الغشاء‬
‫المخاطي‪ ،‬الذي يتكون فيكون غشاء حول الجنين‪ ،‬فإذا لم تخصب البويضة فتفسد بعد ٍ‬
‫يوم أو يومين‪ ،‬فيتقطع هذا‬
‫الغشاء‪ ،‬فيبدأ شعور المرأة ٍ‬
‫بآالم شديدة في بطنها‪ ،‬ثم يبدأ في نزول هذا الدم األسود الحار الكريه الرائحة الثخين؛‬
‫محتدم لذاعٌ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ولذلك عرفه المصنف‪ :‬بأن لونه أسود‬

‫الثاني‪ :‬النفاس‪.‬‬
‫وهو‪ :‬الخارج عقب الوالدة‪.‬‬
‫والنفاس لغةً‪ :‬الوالدة‪ ،‬ومن‪ :‬نَـ َّفس اهلل كربته‪.‬‬
‫وشرعا‪ :‬هو الدم الخارج من فرج المرأة عقب الوالدة‪ ،‬أي بعد فراغ الرحم من الحمل‪.‬‬
‫ً‬
‫نفاسا ألنه يخرج عقب ٍ‬
‫نفس‪.‬‬ ‫وقيل سمي ً‬
‫واختلفوا في دم الطلق الخارج مع الوالدة أو قبلها بقليل‪ ،‬هل هو حيض أو نفاس؟‬

‫فبعض قال‪ :‬ال حيض وال نفاس‪ ،‬وإنما هو دم والدة‪.‬‬


‫ٌ‬
‫وبعضهم قال‪ :‬بل هو إلى النفاس أقرب‪ ،‬وهو الصحيح‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫الثالث‪ :‬دم االستحاضة‪.‬‬
‫قال الماتن‪ :‬واالستحاضة‪ :‬هو الدم الخارج في غير أيام الحيض والنفاس‪.‬‬
‫هو الدم الخارج‪ :‬أي ٍ‬
‫لعلة ٍ‬
‫عرق‪ ،‬من أدنى الرحم يقال له العاذل‪ ،‬وفي غير أيام أكثر الحيض‪ ،‬وغير أيام أكثر النفاس‪.‬‬
‫ويعرفه العلماء‪ :‬باستمرار نزول الدم وجريانه في غير أوانه‪.‬‬
‫حدث دائم‪ ،‬ال تمنع الصالة‪ ،‬وال تمنع الصوم‪ ،‬وال تمنع إتيان المرأة زوجها‪( ،‬وسوف نتكلم عنها‬
‫ٌ‬ ‫واالستحاضة‪:‬‬
‫تفصيال)‪ ،‬وال تمنع ما تُمنع منه الحائض كالجماع‪ ،‬والطالق‪ ،‬والطواف‪ ،‬ومس المصحف‪ ،‬والمكث في المسجد‪،‬‬
‫ً‬
‫والصالة‪ ،‬والصيام‪ ،‬إنما يحل لها كل ذلك‪.‬‬
‫ثم بدأ يفصل في هذه األنواع الثالثة‪.‬‬
‫إذن أول مسألة معنا في باب الحيض‪ ،‬ونضبطهُ بالمسائل حتى يسهل لطلبة العلم وطالبات العلم فهم المسألة‪،‬‬

‫حيض ونفاس واستحاضة‪.‬‬


‫أول مسألة أن الدماء الخارجة من المرأة ثالثة‪ٌ :‬‬
‫« الحيض‪ :‬دماء طبيعية تصيب المرأة إذا بلغت‪.‬‬
‫« والنفاس‪ :‬ما يخرج من الدم عقب الوالدة‪.‬‬
‫« واالستحاضة‪ :‬استمرار نزول الدم وجريانه في غير أوانه‪.‬‬
‫ونحن عندنا في مصر نسميه النزيف‪.‬‬

‫سبع‪.‬‬
‫ست أو ٌ‬
‫يوما‪ ،‬وغالبه ٌ‬
‫يوم وليلة‪ ،‬وأكثره خمسة عشر ً‬
‫قال‪ :‬أقل الحيض ٌ‬
‫بدأ يتكلم عن زمان استمرار نزول الدم‪ ،‬فهو سيتكلم عن مسألتين‪:‬‬
‫عن زمن نزول الدم خالل الشهر‪ ،‬وعن السن الذي تبدأ المرأة في الحيض فيه‪.‬‬
‫يوم وليلة‪ ،‬أي‪ :‬من الزمان مقدار يوم وليلة‪ ،‬أربعة وعشرون ساعة‪.‬‬
‫فبدأ بالزمن فقال‪ :‬أقل الحيض ٌ‬

‫يوما بلياليها‪ ،‬وإن لم تتصل الدماء‪ :‬أي وإن لم ينزل كل يوم؛ فلو نزل بالليل دون النهار‪ ،‬أو‬
‫قال‪ :‬وأكثره خمسة عشر ً‬
‫يوما وانقطع يوم وصار عاد ًة للمرأة فهو عادتها‪.‬‬
‫النهار دون الليل‪ ،‬أو نزل ً‬
‫يوما‪ ،‬ومن النساء من تحيض ثالثة أيام‪ ،‬أو خمسة أيام‪ ،‬أو سبعة‬
‫وهذا يختلف بين النساء‪ ،‬فمن النساء من تحيض ً‬
‫أيام‪ ،‬أو عشرة أيام‪.‬‬
‫أقصى ما يمكن أن تصل إليه المرأة خمسة عشر يوم‪ ،‬والحديث الذي ذكره‪” :‬أقل الحيض ثالثة أيام وأكثره عشرة‬
‫أيام“‪ ،‬هذا خبر لم يثبت‪ .‬إنما ثبت ذلك باالستقراء والتتبع‪.‬‬
‫وقال بعض أهل العلم‪ :‬ال حد ألقله وال ألكثره‪ ،‬بل متى رأت المرأة الدم بصفاته المعروفة‪ ،‬وصار عادةً لها وتكرر فهو‬
‫حيضها‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫يعني قد يأتيني السؤال‪ :‬امرأة كل شهر ينزل عليها قطرة أو قطرتين‪ ،‬ثم ال ينزل الدم مرًة أخرى؟‬
‫يوما‪ ،‬وامرأة ثالثة أيام‪ ،‬وامرأة خمسة أيام‪.‬‬
‫نقول‪ :‬هذه مدة حيضها ساعة في اليوم مقدار صالة‪ .‬وامرأة ينزل عليها الدم ً‬

‫ست أو سبع‪ ،‬وباقي الشهر هو غالب الطهر‪.‬‬


‫قال‪ :‬وغالبه ٌ‬
‫ألن النبي ﷺ قال لحمنة بنت جحش ‪” :‬تحيضي في علم اهلل ستة أو سبعة ٍ‬
‫أيام كما تحيض النساء‪ ،‬ويطهرن‬
‫ميقات حيض ِهن وط ِهرهن“‪.‬‬
‫ُ‬
‫أي‪ :‬أن هذا غالب مدة تحيض فيها النساء‪ ،‬والباقي طهر‪.‬‬
‫والمراد بالغالب‪ :‬الستحالة اتفاق النساء على عادةٍ واحدة‪ ،‬ولكن يطرأ هذا على حسب المكان والبيئة التي تعيش‬
‫فيها‪.‬‬

‫ثم هنا ذكر الشارح ‪ :‬مسألة‪ :‬ما إذا لو كانت المرأة مبتدئة‪ ،‬فتاة أول مرة تحيض ماذا تصنع؟‬
‫هذه المرأة واحدة من ثالث‪ ،‬إما مميزة‪ ،‬وإما معتادة‪ ،‬وإما متحيرة‪.‬‬
‫فالمرأة [المبتدئة]‪ :‬التي ابْتدأ لها الدم وعندها تمييز‪ ،‬وتستطيع أن تميز بين دم الحيض واالستحاضة بالعالمات التي ستأتينا‬
‫[اللون‪ ،‬الرائحة‪ ،‬القوام‪ ،‬التجلط] فهي مميزة ترد إليه‪.‬‬
‫فإن رأته بصفة من هذه الصفات‪ ،‬كأن يكون أسود أو بني قاتم‪ ،‬كأن يكون منتن الرائحة‪ ،‬كأن يكون ثخينًا ال يتجلط أو‬
‫يتجمد فهذا دم حيض‪.‬‬

‫قال‪ :‬فإن لم تكن مميزة وإن كانت مبتدئة تنتظر إلى الشهر الذي يليه‪ ،‬فإن جاء بنفس الصفات في نفس الزمان فهي‬
‫[معتادة]‪ ،‬صار لها عادة وتثبت العادة المترتب عليها ما ذكر مما يجب على الحائض‪.‬‬
‫يوما فهي مستحاضة‪.‬‬
‫تمييزا فإنها [المتحيرة]‪ ،‬فإذا تجاوز دمها خمسة عشر ً‬
‫فإذا لم تعلم لها عاد ًة وال ً‬
‫ثم تناول مسألة في المشهور من المذهب وعلى الجديد أن الحامل تحيض‪.‬‬

‫حيض إن ولدت متصل بآخره‪.‬‬


‫ولذلك قال‪ :‬واألظهر أن دم الحامل ٌ‬
‫هذه مسألة سوف نتعرض لها بعد ذلك‪.‬‬
‫وإن كان الجمهور على أن الحامل ال تحيض‪.‬‬
‫وكما تقول عائشة ‪” :‬إنما يعرف الحمل بانقطاع الدم“‪.‬‬
‫وهذا مجرب بين النساء‪.‬‬
‫المرأة تنتظر العادة الشهرية فإن غابت‪ ،‬إ ما أن تستبشر وتفرح إذا كانت تريد الولد‪ ،‬وإما تحزن وتغتم إذا كانت ال‬
‫تريد‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫قال‪ :‬وأقل النفاس لحظة‪ ،‬وأكثره ستون يوما‪ ،‬وغالبه أربعون يوما‪ ،‬هذا بالنسبة لنفاس المرأة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأقل دم النفاس‪ :‬لحظة‪ ،‬أو دفعة‪ ،‬أو مجة (عبارات كلها صحيحة)‪.‬‬
‫لكن عبارة [المنهاج] لحظة‪ ،‬وهو زمن المجة‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي ‪ ‬في [الروضة] وهو الصحيح‪ :‬ال حد ألقل دم النفاس‪.‬‬
‫مجتين‪ ،‬أو لحظة‪ ،‬فهو ال يتقدر بل ما وجد منه وإن قل يكون‬
‫فقد ال يخرج دم نفاس‪ ،‬وقد يخرج قطرة أو قطرتين أو َمجة أو َ‬
‫نفاسا‪.‬‬
‫ً‬
‫يوما بلياليها‪.‬‬
‫يوما بلياليها‪ ،‬وغالبه أربعون ً‬
‫قال‪ :‬وأكثره ستون ً‬
‫هذا الخبر وهذه العادة‪ :‬اختلف العلماء في زمن الستين‪ ،‬واتفقوا على األربعين‪.‬‬

‫عن أم سلمة رضي عنها قالت‪” :‬كانت النفساء تجلس على عهد رسول اهلل ﷺ أربعين ً‬
‫يوما‪ ،‬إال أن ترى الطهر قبل ذلك‪،‬‬
‫فمتى رأت المرأة النفساء الطهر اغتسلت وصلت“‪.‬‬

‫هذه مسألة مهمة‪ :‬ألن بعض ال نساء تظن أنه ال بد أن تنتظر إلى األربعين حتى وإن طهرت‪ ،‬ال‪ ،‬متى انقطع الدم اغتسلت‬
‫وصلت‪.‬‬
‫‪ -‬امرأة ولدت ثم بعد أسبوع انقطع الدم‪ »» ..‬تغتسل وتصلي‪.‬‬
‫‪ -‬امرأة ولدت‪ ،‬بعد أسبوعين انقطع الدم »» تغتسل وتصلي‪.‬‬
‫‪ -‬بعد شهر انقطع الدم »» تغتسل وتصلي‪.‬‬
‫‪ -‬بعد أربعين »» تغتسل وتصلي‪.‬‬

‫فإذا تجاوز األربعين‪ ،‬فهنا اختلف العلماء‪ ،‬والمذهب أنه إلى الستين‪.‬‬
‫نفي للزيادة‪.‬‬
‫وليس تحديد األربعين ٌ‬
‫وكما قلنا ال حد ألقل الطهر؛ فصحح العلماء أي (علماء المذهب) أن حد النهاية ستون‪ ،‬إلمكان وجود النساء باالستقراء‬
‫والتتبع‪.‬‬
‫ثم اختلفوا إذا ولدت المرأة ولم ينزل الدم‪ ،‬هل يلزمها االغتسال أم ال يلزمها؟‬
‫مر معنا في باب الغسل أنه يلزمها االغتسال وإن لم ينزل الدم‪.‬‬
‫يوما‪ ،‬وال حد ألكثره‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأقل الطهر بين الحيضتين‪ :‬خمسة عشر ً‬

‫هذه مسألةٌ أخرى متعلقةٌ بالحيض‪.‬‬


‫تساو بين الحيض والطهر‪ ،‬فكما مر أن‬
‫يوما‪ .‬وهكذا يكون هناك ٌ‬
‫قال‪ :‬وأقل زمن الطهر بين الحيضتين‪ :‬خمسة عشرة ً‬
‫يوما بين الحيضتين‪،‬‬
‫لزاما أن أقل الطهر خمسة عشر ً‬
‫يوما‪ .‬فيكون ً‬
‫أكثر الحيض خمسة عشر ً‬

‫‪91‬‬
‫وال يمكن أن يكون الحيض أكثر من الطهر‪ ،‬بل في الغالب أن الطهر أكثر من الحيض‪.‬‬
‫يوما‪.‬‬
‫ولذلك حينما اختلف العلماء في الطهر بين الحيضتين فقالوا إن أقل الطهر خمسة عشر ً‬

‫ثم ذكر مسألة حمل المرأة وحيضها أثناء الحمل‪.‬‬


‫فقال الشارح ‪ :‬قلنا إن الحامل تحيض وهو األصح (أي في المذهب) وال حد ألكثره (أي ألكثر الطهر)‪ ،‬وهذا‬
‫باإلجماع‪.‬‬
‫فمن النساء من ال تحيض قط‪ ،‬ومنهن من تحيض كل شهر‪ ،‬ومنهن من تحيض كل شهرين‪ ،‬أو ثالثة أشهر‪ ،‬أو كل سنة‪.‬‬
‫فال حد ألكثر الطهر‪.‬‬

‫ثم انتقل المصنف ‪ ‬إلى السن الذي تحيض فيه المرأة فقال‪ :‬وأقل زم ٍن تحيد فيه المرأة‪ :‬تسع سنين‪ ،‬وال حد ألكثره‪.‬‬
‫وأقل الحمل‪ :‬ستة أشهر‪ ،‬وأكثره أربع سنين‪ ،‬وغالبه تسعة أشه ٍر‪.‬‬

‫قال‪ :‬وأقل زمن أي سن (قلنا تكلم قبل ذلك عن الزمان باأليام‪ ،‬هنا يتكلم عن زمن أو سن الحيض) قال‪ :‬تسع سنين‬
‫قمرية‪.‬‬
‫وإذا تكلمنا في الفقه عن السنة فهي السنة القمرية‪،‬‬
‫التي تبدأ بالمحرم‪ ،‬ثم صفر‪ ،‬ثم ربيع األول‪ ،‬ثم ربيع اآلخر‪،‬‬
‫(وال نقول ربيع الثاني) ألن لو قلنا الثاني يكون له ثالث ويكون له رابع‪ ،‬أما ربيع األول‪ ،‬وربيع اآلخر‪ ،‬وجمادى األولى‪،‬‬
‫وجمادى اآلخر‪ ،‬ورجب‪ ،‬وشعبان‪ ،‬ورمضان‪ ،‬وشوال‪ ،‬وذو القعدة‪ ،‬وذو الحجة‪.‬‬
‫هذه هي أشهر السنة القمرية‪ ،‬والتي يعتد بها في الشرع‪ ،‬والتي يتكلم بها الفقهاء إذا ذكروا السن‪.‬‬

‫يوما‪ ،‬وال يزيد عن الثالثين أب ًدا‪ ،‬وال يقل عن تسعة وعشرين‪.‬‬


‫يوما‪ ،‬وإما تسعةٌ وعشرون ً‬
‫والشهر في السنة القمرية‪ :‬إما ثالثين ً‬
‫قال‪ :‬تسع سنين (أي قمرية) سواء كان في البالد الحارة أو الباردة أو غيرها‪.‬‬
‫ولم يرد في الشرع ضابط للسن التي تحيض فيها المرأة‪ ،‬فمتى رأت المرأة الدم فهو الحيض بالصفات المعروفة‪.‬‬
‫لكن حينما ذكر اإلمام الشافعي ‪ ‬هذا السن‪ ،‬ذكر بما تعارف عليه الناس وبما ُوجد بينهم‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫أعجل أي (أسرع) أو (أصغر) من سمعت من النساء يحضن نساء تهامة‪ ،‬يحضن لتسع سنين‪( ،‬أي تقريبًا ال تحدي ًدا)‪.‬‬
‫تسعا فهي امرأة“‪.‬‬
‫هناك حديث ال يثبت عن عائشة ‪ ‬أنها قالت‪” :‬إذا بلغت الجارية ً‬

‫أصال‪ ،‬وكذلك يستمر الحيض بها إلى سن الستين‪ ،‬وسمعنا‬


‫قال‪ :‬وال حد ألكثره (أي السن) لجواز أال تحيض المرأة ً‬
‫واإلنجاب متعل ٌق بالحيض‪.‬‬
‫ُ‬ ‫طفال‪،‬‬
‫قريبًا أن امرأة تجاوزت السبعين سنة أنجبت ً‬

‫‪92‬‬
‫قال‪ :‬وأقل زمن الحمل ستة أشهر ولحظتان‪ ،‬وأخذ ذلك من‬
‫صلُهُ ثَـ ٰلَثُو َن َش ْه ًرا﴾ [األحقاف‪]١٥ :‬‬ ‫ِ‬
‫قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َح ْملُهُ َوف َٰ‬
‫ض ْع َن أ َْوَال َد ُه َّن َح ْولَْي ِن َك ِاملَْي ِن﴾ [البقرة‪.]٢٣٣ :‬‬
‫ات يـر ِ‬ ‫مع قوله‪﴿ :‬و ِ‬
‫الوال َد ُ ُ ْ‬ ‫َ َ‬
‫والحوالن‪ :‬أربعةٌ وعشرون شهرا‪ ،‬إذا أخذناهم من ثالثين‪ ،‬بقي ستة أشهر‪.‬‬

‫قال‪ :‬وأكثره (أي زمن الحمل) أربع سنين‪ ،‬وغالبه تسعة أشهر‪.‬‬
‫أما قصة األربع سنين‪ :‬هذه قصة ذكرها اإلمام مالك‪ ،‬وأخبر بوقوعها الشافعي‪ ،‬إن صحت هذه القصة‪ ،‬وإال فمع تقدم‬
‫الطب‪ ،‬ومع تقدم األجهزة‪ ،‬فإن الذي يحدث اآلن باالستقراء والتتبع‪ ،‬أنه ال يتجاوز الحمل أب ًدا ٍ‬
‫بحال عشرة أشهر‬
‫(تسعة وشيء) وهذا غالب الحمل‪.‬‬

‫قال المصنف ‪ :‬ويحرم بالحيض وا لنفاس ثمانية أشياء‪ :‬الصالة‪ ،‬والصوم‪ ،‬وهذا مر معنا أنه يشترط الطهارة الكبرى‬
‫والصغرى للصالة والصيام‪.‬‬
‫نفال‪ ،‬أو جنازة‪،‬‬
‫فرضا‪ ،‬أو ً‬
‫فيحرم على المرأة التي نزل عليها دم الحيض الصالة ً‬
‫ويجب قضاء الصوم دون الصالة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ونفال‪،‬‬
‫فرضا ً‬
‫(وكذا على المذهب) سجود التالوة أو سجود الشكر‪ .‬وكذلك الصوم ً‬
‫أما دليل حرمة ذلك‪ :‬قول النبي ﷺ‪” :‬أليست إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم“‪.‬‬
‫وقوله ﷺ‪” :‬فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصالة‪ ،‬فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي“‪.‬‬

‫قال الشارح ‪ :‬وانعقد اإلجماع على ذلك‪( .‬أي على أن المرأة تترك الصالة والصيام‪ ،‬وعلى أنها تقضي الصوم وال تقضي‬
‫الصالة)‪.‬‬
‫كما قالت عائشة ‪” :‬كان يصيبنا ذلك (أي الحيض) فنؤمر بقضاء الصوم‪ ،‬وال نؤمر بقضاء الصالة“‪.‬‬
‫واختلفوا فيما لو قضت المرأة الصالة‪ ،‬هل يُجزئها أم يحرم عليها أم يكره لها ذلك؟‬

‫واختلف العلماء في المذهب على ذلك‪ ،‬والذي يترجح ما نقل عن ابن الصالح والنووي‪ :‬أنه يحرم‪ ،‬أي قضاء صالة‬
‫الحائض‪.‬‬
‫ضا يقولون أنه مكروه‪ ،‬ووجهٌ آخر أنه ال بأس به في مسألة قضاء الحائض الصالة‪.‬‬
‫وبعض الشافعية أي ً‬

‫قال‪« :‬وقراءة القرآن» أي المحرم الثالث على المرأة‪ ،‬قراءة ٍ‬


‫شيء من القرآن على سبيل التعبد‪ ،‬أو على سبيل التعظيم‪ ،‬سواء‬
‫قصد اإلخالل بالتعظيم أم لم يقصد ذلك‪.‬‬
‫حديث ضعيف ”ال يقرأ الجنب وال الحائض شيئًا من القرآن“‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ويستدلون بحديث الترمذي وهو‬
‫وضعفه اإلمام النووي في المجموع‪ ،‬وهو كذلك‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫حدث أكبر سواء جنابة أو حيض ال تجوز‪ .‬بل ال بأس بإمراره على قلبه‪ ،‬والنظر في المصحف‪ ،‬ثم ال‬
‫ٌ‬ ‫وقراءة من به‬
‫حرج في قراءة المنسوخ من القرآن ألنه ليس بقرآن‪.‬‬

‫مضطرا إليها‪.‬‬
‫ً‬ ‫قال‪ :‬وفاقد الطهورين يقرأ الفاتحة فقط وجوبًا ألنه‬
‫وذهب بعضهم أنه ال يجوز له قراءتها كغيرها‪ ،‬والصحيح األول‪.‬‬

‫قال‪ :‬لكن لو كان يقرأ األذكار وفيها قرآن فال حرج‪ ،‬أو يلقي موعظة أو أخبار وفيه القرآن‪ ،‬أو آيات من القرآن‪ ،‬أو بعض آية‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين﴾ [الزخرف‪]١٣ :‬‬‫بحا َن الذي َس َخ َر لَنَا َه َذا َوَما ُكنَّا لَهُ ُمق ِرن َ‬‫ال حرج‪ ،‬كقوله عند ركوب الدابة‪ُ ﴿ ،‬س َ‬
‫اجعُو َن﴾ [البقرة‪]١٥٦ :‬‬ ‫أو عند المصيبة ﴿إِنَّا لِلَّ ِه وإِنَّا إِلَْي ِه ر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ال حرج في ذلك‪ ،‬وكذلك البسملة‪ ،‬والحمدلة‪ ،‬ونحو ذلك ال حرج في قراءته‪.‬‬

‫قال‪« :‬ومس المصحف وحمله»‬


‫َّرو َن﴾‪[ .‬الواقعة‪:‬‬ ‫سهُ إَِال ُ‬
‫المطَه ُ‬ ‫الرابع مما يحرم على الحائض والنفساء مس شيءٌ من المصحف لقوله تعالى ﴿ َال يَ َم ُّ‬
‫‪]٧٩‬‬
‫وللحديث ”ال يمس القرآن إال طاهر“‪.‬‬
‫قال الشارح ‪ :‬وكذا يحرم مس الجلد المتصل به ألنه من أجزائه ويتبعهُ في البيع‪.‬‬
‫ضا مس اآلية أو الورقة ليس فيها إال اآلية‪،‬‬
‫أي ً‬
‫كذلك يحرم حمل المصحف ألنه أبلغ من المس‪،‬‬
‫لكن أجاز بعض العلماء أنه يُحمل للضرورة‪ ،‬إن خشي عليه أن يُوطَأَ باألقدام‪ ،‬أو أن يسرق‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي في [المجموع والتحقيق]‪ :‬إن قدر على التيمم وجب‪،‬‬
‫لكن إن حمله في أمتعته كأن يكون في حقيبة مع أغر ٍ‬
‫اض آخرى ال بأس أن يحمله كذلك‪،‬‬
‫وهذا ظاهر كالم الشيخين أنه يقتضي الحل‪.‬‬

‫قال‪« :‬ودخول المسجد» أي الخامس الذي يحرم على المرأة الحائض‪ :‬أن تدخل المسجد بنية المكث فيه‪،‬‬
‫َّى تَـغْتَ ِسلُوا﴾‬ ‫َّى تَـ ْعلَ ُموا َما تَـ ُقولُو َن َوَال ُجنُبًا إَِّال َعابِ ِري َسبِ ٍ‬
‫يل َحت ٰ‬ ‫الص َال َة َوأَنتُ ْم ُس َك َار ٰى َحت ٰ‬
‫لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ال تَـ ْق َربُوا َّ‬
‫[النساء‪]٤٣ :‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬أي ال تقربوا مواضع الصالة؛ ألنه ليس فيها عبور سبيل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لحائض وال جنب“‪.‬‬ ‫وقوله ﷺ‪” :‬ال أحل المسجد‬
‫وهذا حديث مر معنا من حديث عائشة‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬فال يجوز المكث والتردد؛ إنما لو مرت ال بأس‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫والربُط‪ ،‬ومصلى العيد‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وبقوله المسجد‪ :‬جاز المكث في المدارس‪ُ ،‬‬

‫قال‪ :‬والسادس‪« :‬الطواف»‪ ،‬قال الشارح‪ :‬والطواف فرضهُ وواجبهُ ونفله‪.‬‬


‫أما فرضه‪ :‬كطواف اإلفاضة‪.‬‬
‫وواجبه‪ :‬كطواف الوداع‪.‬‬
‫ونافلتهُ‪ :‬كطواف القدوم‪ ،‬أو طواف النسك التطوع‪.‬‬
‫ألن الطواف بالبيت صالة كما أخبر النبي ﷺ‪ ،‬إال أن اهلل قد أباح فيها الكالم‪،‬‬
‫قال‪” :‬فمن تكلم فال يتكلم إال بخير“‪.‬‬

‫السابع‪« :‬الوطء» أي الجماع‪ ،‬فال يجوز للمرأة أن تمكن الرجل منها حال حيضها‪ ،‬إال أن يكرهها فال إثم عليها‪.‬‬
‫اء فِي ال َْم ِح ِ‬
‫يض﴾ [البقرة‪.]٢٢٢ :‬‬ ‫ألن اهلل عز وجل قال‪﴿ :‬فَا ْعتَ ِزلُوا الن َ‬
‫ِّس َ‬
‫قال‪ :‬ولو بعد انقطاعه وقبل الغسل‪.‬‬
‫وهذه فائدة مهمة ومسألة‬
‫بعض النساء إذا انقطع الدم تنتظر فيأتيها زوجها ثم تغتسل غسال واحدا؟‬
‫الجواب‪ :‬ال‪ ،‬إذا انقطع الدم وجب االغتسال ثم إذا أتاها زوجها اغتسلت مرًة اخرى‪.‬‬
‫وه َّن ِم ْن َح ْي ُ‬
‫ث أ ََم َرُك ُم اللَّهُ ۚ﴾ [البقرة‪]٢٢٢ :‬‬ ‫َّى يَط ُْه ْر َن ۚ فَِإ َذا تَطَه ْ‬
‫َّر َن فَأْتُ ُ‬ ‫وه َّن َحت ٰ‬
‫لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وَال تَـ ْق َربُ ُ‬
‫بمثقال ذهبي وهو أربع جرامات وربع من الذهب الخالص‪ ،‬إذا كان في أول‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬والذي يطَأ المرأة يتصدق بدينار‪ ،‬أو‬
‫الدم‪،‬‬
‫مختارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫عالما‬
‫أما إذا كان في آخره فيتصدق بنصف دينار هذا إذا كان عام ًدا ً‬
‫أما الناسي والجاهل والمكره فال شيء عليه‪،‬‬
‫لحديث‪” :‬إن اهلل تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه“‪،‬‬
‫هذا صحيح بلفظ‪” :‬إن اهلل وضع عن أمتي“‪.‬‬
‫دما أحمر فليتصدق بدينار‪ ،‬وإن كان‬
‫أما دليل الكفارة فلخبر ابن عباس‪” :‬إذا واقع الرجل أهله وهي حائض‪ ،‬إن كان ً‬
‫أصفر فليتصدق بنصف دينار“‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويقاس النفاس على الحيض‪ ،‬وال فرق بين أن الواطئ الزوج أو غيره‪.‬‬

‫ضا‪( ،‬وهو الثامن) المباشرة ٍ‬


‫بوطء أو غيره‪ ،‬ولو بال شهوة؛‬ ‫قال‪« :‬واالستمتاع بما بين السرة الركبة» أي يحرم أي ً‬
‫اء فِي ال َْم ِح ِ‬
‫يض َِ﴾ [البقرة‪]٢٢٢ :‬‬ ‫لقوله تعالى‪﴿ :‬فَا ْعتَ ِزلُوا الن َ‬
‫ِّس َ‬
‫وسئل ﷺ عما يحل للرجل المرأته وهي حائض؟ فقال‪” :‬ما فوق اإلزار“‪،‬‬

‫‪95‬‬
‫وقوله ﷺ‪” :‬اصنعوا كل شيء إال النكاح“‪.‬‬
‫وكذلك المقصود بمنع الرجل ما بين السرة والركبة؛ خوفًا أن يقع في المحظور‪.‬‬
‫كما قال‪” :‬من حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه"‪.‬‬
‫وحديث عائشة أن النبي ﷺ‪” :‬كان يأمرها أن تتزر فيباشرها وهي حائض“‪.‬‬

‫إذن نلخص ما سبق‬


‫أنه يحرم بالحيض‪ :‬الصالة‪ ،‬والصيام‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ،‬ومس المصحف‪ ،‬ودخول المسجد‪ ،‬والطواف‪ ،‬والوطء‪،‬‬
‫واالستمتاع بما بين السرة والركبة‪.‬‬
‫قد يقول قائل‪ :‬لما لم يذكر المصنف الطالق في المحرمات بالحيض؟‬
‫نقول ألن الطالق بيد الرجل‪،‬‬
‫والنبي ﷺ قال‪” :‬إنما الطالق لمن أخذ بالساق“‪،‬‬
‫وهنا يتكلم عما يحرم على المرأة الحائض‪ ،‬فإذا طلقها زوجها فال ذنب لها‪.‬‬
‫ثم إن المصنف سوف يتكلم إن شاء اهلل تعالى عن الطالق البدعي‪،‬‬
‫وهو الطالق في الحيض‪ ،‬أو في الطهر الذي جامعها فيه في كتاب الطالق‪.‬‬
‫مختصرا ال يكرر فيه األلفاظ؛ فاستغنى بذكره في باب الطالق وكتابه عن ذكره هنا وهو أولى‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫وهنا وضع‬

‫قال‪ :‬ويحرم على الجنب خمسة أشياء‪:‬‬


‫الصالة‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ،‬ومس المصحف وحمله‪ ،‬والطواف‪ ،‬واللبث في المسجد‪.‬‬

‫قال‪ :‬على ما تقدم من الحكم وذكرنا أربعة‪ :‬الصالة‪ ،‬والطواف‪ ،‬وقراءة القرآن‪ ،‬ومس المصحف وحمله‪.‬‬
‫وهذا مر معنا في باب الطهارة والغسل‪.‬‬

‫ِ‬
‫فلقوله ﷺ‪” :‬ال يقبل اهلل صالة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ“‪.‬‬ ‫أما الصالة‪:‬‬
‫هذا إذا كان ال تصح الصالة بالحدث األصغر فاألكبر من باب أولى‪،‬‬
‫ولفعل النبي ﷺ كما في الصحيح‪،‬‬
‫”لما أقيمت الصالة ودخل وأراد أن يكبر فتذكر أنه جنب‪ ،‬قال‪ :‬مكانكم‪ ،‬ودخل فاغتسل ثم رجع فصلى بالناس“‪.‬‬

‫والطواف‪ :‬ألن النبي ﷺ قال‪” :‬الطواف بالبيت صالة“‪،‬‬


‫وقال لعائشة‪” :‬افعلي ما يفعل الحاج غير أال تطوفي بالبيت“‪ ،‬وقيس عليها الجنب‪.‬‬
‫فلحديث علي‪” :‬وال آية“‪.‬‬
‫وأما قراءة القرآن‪َ :‬‬

‫‪96‬‬
‫وأما مس المصحف‪ :‬فلقوله ﷺ‪" :‬ال يمس القرآن إال طاهر"‪.‬‬

‫والخامس‪ :‬اللبث في المسجد‪ :‬أي المكث‪ ،‬وفر ٌق بين المكث والتردد‪ ،‬وبين العبور‪ :‬فال يجوز أن يمكث في المسجد‪.‬‬
‫واختلفوا في الكافر‪ ،‬واختار الشارح قال‪ :‬ويجوز للكافر أن يمكث على األصح‪.‬‬
‫كإسالم أو سماع ٍ‬
‫قرآن‪ ،‬ال ٍ‬
‫ألكل وال شرب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وذكر النووي واختاره‪ ،‬لماذا؟ ألنه ال يعتقد حرمته‪ ،‬أو جاء لحاجة‬

‫قال‪ :‬وخرج من المسجد ما سواه‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويحرم على المحدث ثالثة أشياء (أي حدثًا أصغر)‪:‬‬


‫الصالة‪ ،‬والطواف‪ ،‬ومس المصحف وحمله‪.‬‬
‫وهذه مرت معنا في األحداث‪.‬‬
‫والمقصود بالمحدث عند اإلطالق‪ :‬هو الحدث األصغر‪ ،‬وتقدم معنا هذه الثالث‪.‬‬

‫ثم قال المصنف ‪ :‬ومس المصحف وحمله‪ :‬لقوله ﷺ‪” :‬ال يمس القرآن إال طاهر“‬
‫ثم قال الشارح ‪ ‬خاتمةٌ فيها مسائل منثورة مهمة نستخلص بعضها قال‪:‬‬
‫ٍ‬
‫عالقة‪ ،‬جاز حمله‪.‬‬ ‫بالنسبة لحمل المصحف‪ :‬فإذا كان في ٍ‬
‫وعاء أو في ٍ‬
‫كيس أو في‬
‫وإذا كان معه غيره من كتب ٍ‬
‫علم وغيرها‪ ،‬جاز حمله‪.‬‬
‫لوح فيه آية وليس فيه غيرها حرم مسه وحمله؛ ألنه أشبه بالمصحف‪.‬‬
‫وإذا كان ٌ‬
‫وإذا كان ورقة ال يكتب فيها إال آية أو بعض آية‪ ،‬يحرم أيضاً حملها‪.‬‬
‫أما إذا كان قد كتب على الثياب أو الدراهم‪ ،‬فال يحرم مسها‪.‬‬
‫وإذا كان معها غيرها من الكالم فجاز؛ ألن النبي ﷺ كتب كتابًا‬
‫اب تَـ َعالَ ْوا إِلَ ٰى َكلِ َم ٍة َس َو ٍاء بَـ ْيـنَـنَا َوبَـ ْيـنَ ُك ْم﴾ [آل عمران‪]٦٤ :‬‬ ‫إلى هرقل وفيه‪﴿ :‬يا أ َْهل ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫َ َ‬

‫قال‪ :‬ويكره كتابة الحروف وتعليقها‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويندب التطهر لحمل كتب الحديث ومسها‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويحل للمحدث قلب ورق المصحف ٍ‬


‫بعود ونحوه‪.‬‬

‫وطعام ونحو ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫لمسجد وثياب ٍ‬ ‫قال‪ :‬ويكره كتابة القرآن على الحائط ولو‬

‫ٍ‬
‫بنجس أو على نجس‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ويحرم َك ْتب القرآن أو ٍ‬
‫شيء من أسمائه تعالى‪،‬‬ ‫ُ‬

‫‪97‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء من القرآن‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ويحرم المشي على فراش أو خشب نقش‬

‫تلف بنحو ٍ‬
‫غرق أو ضياع‪ ،‬ولم يتمكن من تطهره جاز له حمله مع‬ ‫كافر‪ ،‬أو ٌ‬ ‫ٍ‬
‫تنجس‪ ،‬أو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫مصحف‬ ‫قال‪ :‬ولو خيف على‬
‫الحدث؛ لوجوب صيانته‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويحرم السفر به إلى أرض الكفار؛ إن خيف وقوعه في أيديهم‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويحرم توسده؛ وإن خاف سرقته‪.‬‬


‫ويندب كتبه وإيضاحه‪ ،‬ونقطه‪ ،‬وشكله‪.‬‬
‫ويمنع الكافر من مسه ال من سماعه‪.‬‬

‫قال‪ :‬وتكره القراءة بفم النجس‪ ،‬كشارب خم ٍر ونحوه‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بحمام‪ ،‬وطر ٍيق ما لم يلتهي عنه‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وتجوز بال كراهة‬

‫قال‪ :‬والقراءة أفضل من ذكر ما لم يخص ب ٍ‬


‫محل‪ ،‬كأذكار الصباح والمساء‪.‬‬

‫جهرا‪ ،‬إن جهر بها (أي القراءة) في غير الصالة‪ ،‬أما االستعاذة في الصالة فيسر مطلقا‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويندب أن يتعوذ لها ً‬

‫قال‪ :‬وأن يجلس وأن يستقبل وأن يقرأ بتدب ٍر وخشوع‪.‬‬


‫نظرا أفضل منها عن ظهر قلب‪.‬‬
‫ويستحب أن يرتل وأن يبكي عند القراءة‪ ،‬والقراءة ً‬

‫قال‪ :‬وتحرم بالشاذ في الصالة وخارجها‪ ،‬قال‪ :‬وهو عند جماعة‪،‬‬

‫واختار النووي جواز إذا كانت من قراءة أبو عم ٍر ٌ‬


‫ونافع وابن كثير وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي‪.‬‬
‫وعند آخرين منهم البغوي ما وراء العشرة السبعة السابقة‪ ،‬وأبو جعفر‪ ،‬ويعقوب‪ ،‬وخلف؛ ذكره في المجموع‪.‬‬

‫قال‪ :‬وإذا قرأ بقراءةٍ من السبع استحب أن يتم بها‪ ،‬فلو قرأ بعض اآليات بها‪ ،‬وبعضها بغيرها من السبع جاز‪ ،‬بشرط‬
‫أال يكون ما قرأه بالثانية مرتبطا باألولى‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويحرم القراءة بعكس اآلي ال بعكس السور‪ ،‬قال‪ :‬ولكن تكره(عكس السور) إال في تعليمه؛ ألنه أسهل للتعليم‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويحرم تفسير القرآن بال علم‪ ،‬قال‪ :‬ونسيان شيء منه كبيرة‪،‬‬
‫والسنة أن يقول أُنسيت‪ ،‬وال يقول نسيت؛ إذ هو ليس فاعل النسيان‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويندب ختمه أول النهار أو ليّل والدعاء بعده‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫ِ‬
‫لكتاب الطهارة‪.‬‬ ‫هذه جملة من الفوائد ذكرها المصنف ‪ ‬أو الشارح تتمة‬

‫وبذلك تنتهي المحاضرة السابعة وبقي لنا عدة أسئلة‪:‬‬

‫األسئ ـلة‬
‫‪ -‬السؤال األول‪ :‬عرف الحيض والنفاس واالستحاضة‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثاني‪ :‬تكلم عن أكثر الحيض وأقله‪.‬‬
‫‪ -‬السؤال الثالث‪ :‬اذكر ما يحرم بالحيض مع الدليل‪.‬‬

‫أحبتي في اهلل بهذه المحاضرة السابعة ينتهي كتاب الطهارة‪،‬‬


‫وكما وعدناكم المحاضرة القادمة إن شاء اهلل تعالى هي مراجعة لما سبق دراسته من كتاب الطهارة‪،‬‬
‫إذا قدر اهلل عز وجل البقاء واللقاء‪.‬‬
‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫المحاضرة الـثامنــة‬
‫كنا بفضل اهلل عز وجل قد انتهينا من [كتاب الطهارة]‪،‬‬
‫واليوم إن شاء اهلل تعالى هو مراجعة لما سبق كما وعدناكم وقد انتهينا من‪ :‬كتاب الطهارة‬
‫وقلنا إن كتاب الطهارة على المذهب الشافعي فيه أحد عشر بابًا‪:‬‬
‫‪ -‬باب أسباب الحدث‪.‬‬ ‫‪ -‬باب اآلنية‪.‬‬ ‫‪ -‬باب المياه‪.‬‬
‫‪ -‬باب الوضوء‪.‬‬ ‫‪ -‬باب السواك وسنن الفطرة‪.‬‬ ‫باب في آداب التخلي‪.‬‬
‫‪ٌ -‬‬
‫‪ -‬باب إزالة النجاسة‪.‬‬ ‫‪ -‬باب الغسل‪.‬‬ ‫‪ -‬باب مسح الخفين‪.‬‬
‫‪ -‬باب الحيض والنفاس‪.‬‬ ‫‪ -‬باب التيمم‪.‬‬
‫وشرحنا كل هذه األبواب بالتفصيل‪.‬‬
‫(باب المياه)‪ :‬تكلمنا في باب المياه عن تقسيم وأقسام المياه‪،‬‬
‫وقلنا إن المياه ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪« :‬الماء المطلق» وهو الباقي على أصل خلقته‪،‬‬
‫سواء نزل من السماء‪ :‬كماء األمطار وماء البرد وماء الثلج‪.‬‬
‫أو نبع من األرض‪ :‬كماء اآلبار‪ ،‬والعيون‪ ،‬والبحار‪ ،‬واألنهار‪.‬‬
‫ط لرف ِع الحدث وإزالة النجس‪.‬‬
‫وقلنا إن هذا النوع من الماء‪ :‬هو شر ٌ‬
‫ويباح استعماله في غير ذلك‪.‬‬
‫وذكرنا أن فيه فروع‪:‬‬
‫مطهرا (أي يجوز الوضوء واالغتسال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بمكث أو بتر ٍ‬
‫طاهرا ً‬
‫بطحلب وكل ما يشق صون الماء عنه‪ ،‬فيبقى ً‬ ‫اب أو‬ ‫إن تغير‬
‫به) طالما أنه ٍ‬
‫باق على أصل خلقته‪.‬‬
‫ثم ذكرنا الخالف في الماء الذي قُصد تشميسه فذكرنا أن األصل في المذهب أنه يكره استعماله في البدن بشرطه‪.‬‬
‫قوال آخر أنه ال يكره‪.‬‬
‫وذكرنا ً‬
‫كذلك ذكرنا‪ :‬أنه ال يضر تغير ال يمنع إطالق اسم الماء عليه‪ ،‬كوضع ٍ‬
‫شيء من الكافور‪ ،‬أو من الطيب‪ ،‬ال يؤثر في‬ ‫ٌ‬
‫تغير لون أو رائحة أو طعم الماء‪.‬‬

‫ثم ذكرنا القسم الثاني وهو‪« :‬الماء الطاهر» (أي الماء المقيد)‬
‫وهو الذي خالطه طاهر غَيَّـ َره فأخرجه عن إطالقه‪:‬‬
‫كأن يظل مقي ًدا نقول‪ :‬ماء الشجر‪ ،‬وماء العصفر وماء الورد‪،‬‬

‫‪100‬‬
‫أو يخرج عن إطالقه نقول‪ :‬هذا مرق‪ ،‬هذا شاي‪.‬‬
‫طاهر في نفسه غير مطهر أي (هو ماء طاهر لكنه ال يرفع حدثًا وال يزيل خبَثًا)‪.‬‬
‫فهذا ٌ‬
‫وذكرنا أن فيه فروع‪:‬‬
‫طاهر غير مطهر (أي الماء المستعمل)‪.‬‬
‫وهو أن الماء القليل الذي استعمل في فرض الطهارة‪ٌ ،‬‬
‫وقيل إنه يجوز لكن األصل‪ :‬عدم االستعمال‪.‬‬
‫طاهر غير مطهر‪.‬‬
‫كذلك الماء المطلق إذا خالطه شيءٌ طاهر يمكن استغناء الماء عنه‪ٌ ،‬‬
‫ضا ذكرنا المائعات األخرى غير الماء‪ :‬كالخل‪ ،‬والنبيذ‪ ،‬وغيرهما‬
‫ومن الفروع أي ً‬
‫وقلنا‪ :‬إنها طاهرة في نفسها غير مطهرة‪ ،‬أي ال يجوز الوضوء أو االغتسال منها‪.‬‬

‫ثم ذكرنا القسم الثالث وهو‪« :‬الماء النجس»‬


‫وهو ما وقعت فيه نجاسةٌ فغيرت أحد أوصافه‪ ،‬وال فرق بين القليل والكثير فى تغير األوصاف بالنجاسة أنه ينجس‪،‬‬
‫هذا بال خالف‪.‬‬
‫وهذا النوع من الماء ال يرفع حدثًا وال يزيل خبثًا‪.‬‬
‫وفيه فروع‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بنجاسة فهو نجس‪.‬‬ ‫كثيرا وتغيرت أوصافه‬
‫‪ -‬الفرع األول‪ :‬أن الماء إذا كان ً‬
‫‪ -‬أما الماء القليل فهو ينجس بمالقاة النجاسة سواء تغير أو لم يتغير‪.‬‬
‫إذن الفرق بين القليل وبين الكثير‪ :‬أن الماء الكثير ال ينجس إال إذا غيرت النجاسة أحد األوصاف الثالثة‪.‬‬
‫أما الماء القليل فإنه ينجس بمجرد مالقاة النجاسة وإن لم يتغير أحد األوصاف‪.‬‬
‫مطهرا‪.‬‬
‫طاهرا ً‬
‫كثيرا ولم تغيره فال ينجس ويبقى ً‬
‫‪ -‬ولذلك كان الفرع الثالث‪ :‬إن كان ً‬
‫والحد بين القلة والكثرة هما القلتان‪ ،‬وذكرنا أن القلتين «ذراع وربع طول في عرض في عمق»‪.‬‬
‫ثم ذكرنا بعض المسائل في هذا الباب [باب المياه]‬
‫وقلنا ال تأثير للنجاسة في حالين‪:‬‬
‫‪ -‬الحالة األولى‪ :‬إذا كانت النجاسة ال يدركها الطرف‪ ،‬كأن يكون الماء في فالة أو في نه ٍر وأحد طرفي النهر فيه‬
‫نجاسة وال تصل إلى الطرف اآلخر‪.‬‬
‫‪ -‬الحالة الثانية‪ :‬إذا كانت الميتة التي وقعت في الماء ال دم لها سائل (ميتة ما ال دم له سائل) كالذباب‬
‫والبعوض والبراغيث والزنابير وغيرها‪ ،‬فنقول‪ :‬إنها إذا وقعت في الماء فال تغيره وإن ماتت‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫مطهرا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫طاهرا ً‬
‫الفرع الثالث‪ :‬إذا زالت النجاسة منه بنفسه (أي من الماء)‪ ،‬أو بإضافة ماء إليها فإنه يطهر ويصير ً‬
‫كالراكد ال تفرقة بين القليل والكثير في الجديد‪،‬‬
‫والجاري َ‬
‫المسألة الخامسة‪َ :‬‬
‫وفي القديم ال ينجس إال بالتغير‪.‬‬
‫هذا بإيجاز مسائل «باب المياه»‪.‬‬
‫ثم انتقلنا إلى‪« :‬باب اآلنية»‪ ،‬وذكرنا فيه بعض المسائل‪:‬‬
‫وأنا أذكر المسائل وال أذكر األدلة ألني ذكرتها قبل ذلك إنما أجمع شتات ونقاط المسائل حتى ألخص لك األبواب‪.‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬قلنا إنه يجوز استعمال كل ٍ‬
‫إناء طاه ٍر غير الذهب والفضة فإنه يحرم‪.‬‬
‫وهذا لقول النبي ﷺ‪” :‬ال تشربوا في آنية الذهب والفضة‪ ،‬وال تأكلوا في صحافهما“‪.‬‬
‫فيحرم استعمالهما في األكل والشرب خاصة‪ ،‬ويستوي في ذلك الرجال والنساء‪.‬‬
‫ثم ذكرنا حكم اتِخاذ آنية الذهب والفضة‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬وقيل ال يحرم اتخاذها‪ ،‬وهذا من باب سد الذرائع‪.‬‬
‫فالمعتمد في المذهب أنه يحرم أي ً‬
‫ِ‬
‫بشرطه‪ ،‬وذكرنا الشروط‪.‬‬ ‫ثم ذكرنا المسألة الثالثة‪ :‬يحل المموه بالذهب والفضة‬
‫ضا استعمال المموه‪ ،‬ولكن الصحيح والمعتمد األول أنه يحل‪.‬‬
‫وقيل يحرم أي ً‬
‫كذلك اختلفوا في النفيس من غيرهما (أي من غير الذهب والفضة)‬
‫فالمعتمد أنه يحل وال حرج في ذلك‪.‬‬
‫ضا؛ ألنه من باب الصرف‪ ،‬وقيل يكره‪ ،‬والصحيح األول وهو المعتمد‪.‬‬
‫وقيل يحرم أي ً‬
‫فأجازها إذا كانت من الفضة‪ ،‬وحرمها إذا كانت من الذهب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ثم ذكر من ذلك اتخاذ ضبة يسيرة‪َ ،‬‬
‫إناء يضببه بالفضة وال يفعل بالذهب‪.‬‬
‫إذن إذا أراد أن يتخذ ً‬
‫المسألة السادسة‪ :‬يجوز استعمال أواني المشركين وثيابهم ما لم يتدينوا باستعمال النجاسة‬
‫فإن كانوا؛ فيكره لهم ذلك‪ ،‬لماذا؟ لماذا يكره استخدام أواني المشركين إذا كانوا يتديَنون باستخدام النجاسات‪ ،‬كأكل الخنزير‬
‫وشرب الخمر؟ ألن النبي ﷺ لما سئل في حديث أبي ثعلبة الخشني ‪ ‬قال‪” :‬يا رسول اهلل إنا بأرض قوم أهل كتاب‬
‫أفنأكل في آنيتهم؟ قال‪ :‬ال تأكلوا فيها‪ ،‬إال أال تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها“‪.‬‬

‫فأقول أحبتي في اهلل هذه مسائل باب «اآلنية»‪.‬‬


‫ثم تكلمنا بعد ذلك عن أسباب الحدث أي‪ :‬نواقض الوضوء‬
‫ورجحنا منها خمسة‪:‬‬
‫وذكرنا أن المذهب ذكر في بعض األحيان أنها خمسة‪ ،‬وذكر أنها ستة‪ ،‬وذكر أنها سبعة َ‬

‫‪102‬‬
‫كرها‪ ،‬كل خارج من السبيلين‬
‫طوعا أو ً‬
‫كثيرا‪ً ،‬‬
‫قليال أو ً‬
‫ادرا‪ً ،‬‬
‫معتادا أو ن ً‬
‫‪ ‬أولها‪ :‬الخارج من السبيلين وذكرنا أنه ً‬
‫ينقض الوضوء‪.‬‬
‫إال الخالف في المني‪ :‬فإنه يوجب الغسل والوضوء من باب أولى‪.‬‬
‫إذن كل ما خرج من السبيلين ينقض الوضوء‪.‬‬
‫ٍ‬
‫إغماء أو جنون‪ ،‬فإذا جن المسلم‪ ،‬أو أغمي عليه‪ ،‬أو سكر‪ ،‬فإن وضوءه ينتقض‪،‬‬ ‫‪ ‬ثانيا‪ :‬زوال العقل بسك ٍر أو‬
‫ويجب عليه أن يتوضأ مرًة أخرى‪ ،‬وذكرنا اإلجماع على ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬ثالثًا‪ :‬نوم غير الممكن مقعدته من األرض‪،‬‬
‫هذا المعتمد في المذهب أن النوم الذي ينقض الوضوء هو نوم غير الممكن مقعدته من األرض‪ ،‬فإذا مكن‬
‫مقعدته ونام فال ينتقض وضوءه‪.‬‬
‫ابعا‪ :‬مس الفرج بباطن الكف‪ ،‬أو بباطن األصابع‪ ،‬بغير حائل‪.‬‬
‫‪‬رً‬
‫خامسا‪ :‬مس المرأة إال المحرم في األظهر‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪‬‬
‫محرما أو ال‪.‬‬
‫وقيل مس المرأة مطل ًقا سواء كان ً‬
‫والمعتمد من المذهب استثناء المحرم‪.‬‬
‫هذه نواقض الوضوء التي اعتمدنَاها في المذهب‪ ،‬وإن كنا نرى أن األخير ال ينقض الوضوء؛ لفعل النبي ﷺ‪.‬‬
‫وذكرنا الدليل حديث عائشة‪” :‬أنه ﷺ قبَّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصالة ولم يتوضأ“‪.‬‬

‫ثم ذكرنا في أسباب الحدث‪( ...‬المسألة الثانية)‪ :‬وهي ما يحرم بالحدث األصغر‪،‬‬
‫وذكرنا ثالثة منها‪ ،‬ويمكن أن نقول موجبات الوضوء أي ما يجب له الوضوء‪:‬‬
‫نفال‪.‬‬
‫فرضا أو ً‬
‫‪ -‬الصالة‪ :‬سواء كانت ً‬
‫نفال‪.‬‬
‫فرضا أو ً‬
‫‪ -‬الطواف‪ :‬سواء كان ً‬
‫‪ -‬مس المصحف وحمله‪.‬‬
‫إذن‪ :‬إذا أراد أن يصلي توضأ ”ال يقبل اهلل صالة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ“‪.‬‬
‫إذا أراد أن يطوف ال بد أن يتوضأ‬
‫لقوله ﷺ‪” :‬الطواف بالبيت صالة إال أن اهلل أباح فيها الكالم“‪.‬‬
‫مس المصحف‪ :‬لقوله ﷺ‪” :‬ال يمس القرآن إال طاهر“‪.‬‬

‫طهرا أو حدثًا‪ ،‬وشك في ضده عمل بيقينه‪.‬‬


‫المسألة الثالثة في باب أسباب الحدث هي‪ :‬مسألة البناء على اليقين‪ ،‬إذا تيقن ً‬
‫بمعنى أنك توضأت ثم خرجت إلى العمل أو إلى المسجد‪ ،‬ثم ال تدري هل انتقض وضوؤك أم ال؟‬

‫‪103‬‬
‫األصل أنه لم ينتقض؛ ألن آخر العهدين أنك متوضئ‪.‬‬
‫رجل دخل الخالء ثم خرج ثم شك هل توضأ‪ ،‬أم لم يتوضأ‪ ،‬األصل أنه يتيقن الحدث فيجب عليه الوضوء‪.‬‬
‫كذلك ٌ‬
‫فصل في آداب التخلي‬
‫باب أو ٌ‬
‫ثم انتقلنا إلى الباب الرابع‪ٌ :‬‬
‫وهنا قدم أسباب الحدث على الحدث نفسه أو على آداب التخلي‪.‬‬

‫وذكر فيه عدة مسائل‪:‬‬


‫‪ -‬المسألة األولى‪ :‬أنه يستحب أن يدخل باليسرى ويخرج باليمنى (أي إلى الخالء)‪.‬‬
‫‪ -‬المسألة الثانية‪ :‬إذا كان في الخالء يستحب أن يبعد ويستتر عن أعين الناس حتى ال يُرى‪.‬‬
‫‪ -‬المسألة الثالثة‪ :‬يستحب أن يعتمد على اليسرى وينصب اليمنى في جلوسه‪ ،‬وقلنا إن هذا ال دليل عليها‪.‬‬
‫يستحب أن يستبرئ من البول؛ لذكر النبي ﷺ لما مر بقبرين فقال‪” :‬إنهما ليعذبان“‪ ،‬وذكر فقال‪” :‬أما أحدهما فكان‬
‫يمشي بالنميمة‪ ،‬وأما اآلخر فكان ال يستبرئ من بوله“‪.‬‬
‫كذلك يستحب أن يقول عند الدخول‪ :‬بسم اهلل‪ ،‬اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث‪،‬‬
‫كذلك يستحب عند الدخول أن يقول ذلك حتى ولو كان في الخالء‪.‬‬
‫ويستحب أن يقول عند الخروج‪ :‬غفرانك‪،‬‬
‫وكذلك الحمد هلل الذي أذهب عني األذى وعافاني‪،‬‬
‫وهذا األخير لم يثبت فيه خبر عن النبي ﷺ‪.‬‬

‫المسألة السابعة‪ :‬ويجب االستنجاء سواء استنجى بالماء‪ ،‬أو استجمر بالحجر‪.‬‬
‫وجمعهما أفضل على المعتمد من المذهب‪ ،‬أن يجمع بينهما يبدأ بالحجر ثم يتبعه الماء‪.‬‬
‫وإذا اقتصر على أحدهما فالمعتمد من المذهب أنه يجب للحجر ثالث مسحات‪.‬‬
‫وأن ال يجف النجس‪ ،‬وال ينتقل عن المخرج‪.‬‬
‫ذكر هلل‪ ،‬هذا هو المعتمد‪ ،‬وقيل يحرم‪ .‬والصحيح المعتمد من المذهب‪.‬‬
‫كذلك يكره لداخل الخالء حمل ما فيه ٌ‬

‫المسألة العاشرة‪ :‬يكره البول في الماء الراكد‪ ،‬هذا المعتمد‪.‬‬

‫الحادية عشر‪ :‬يكره البول في الجحر‪ ،‬أو في مهب الريح‪ ،‬أو تحت شجرةٍ مثمرة‪ ،‬ومكان اجتماع الناس‪ ،‬يكره البول في هذه‬
‫األماكن‪.‬‬
‫كذلك يكره الكالم أثناء قضاء الحاجة‪ ،‬ويكره االستنجاء بالماء في مجلسه‪ ،‬هذا على المعتمد‪ ،‬كذلك يكره االستنجاء‬
‫باليمين‪ ،‬ويسن باليسرى؛ ألنه قد نهى النبي ﷺ عن االستنجاء باليمين‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫كذلك يحرم استقبال القبلة أو استدبارها بال حائل‪ ،‬فإذا كان هناك حائل فال حرج‪.‬‬
‫هذا باب آداب التخلي‪.‬‬
‫ثم انتقلنا إلى‪ :‬باب السواك وسنن الفطرة‬
‫مستحب في ستة أوقات‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫وذكرنا أن السواك مستحب في كل وقت‪” ،‬ألنه مطهرةٌ للفم ومرضاة للرب“‪ ،‬وهو‬
‫‪ -‬وعند صفرة األسنان‪.‬‬ ‫‪ -‬عند الصالة‪.‬‬
‫‪ -‬ومع الوضوء‪.‬‬ ‫‪ -‬وعند تغير رائحة الفم‪.‬‬
‫‪ -‬وعند دخول المنزل‪.‬‬ ‫‪ -‬وعند قراءة القرآن‪.‬‬
‫أوقات ستة يتأكد استحباب السواك فيها‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬هذه‬

‫وقلنا المسألة الثانية‪ :‬ال يكره السواك إال للصائم بعد الزوال‪ ،‬وقيل ال يكره‪ .‬هذا الذي اختاره "اإلمام النووي" في المجموع‪،‬‬
‫وإن كان نص في (األم) على كر ِ‬
‫اهته بعد الزوال‪ ،‬والصحيح الثاني‪.‬‬

‫ثم ذكرنا بعض سنن الفطرة‪ :‬كالمضمضة واالستنشاق والسواك وقص الشارب وإعفاء اللحية وتقليم األظفار وغسل البَراجيم‬
‫ونتف اإلبط وحلق العانة واالنتضاح والختان والتطيب‪.‬‬

‫ويستدل لذلك بقول النبي ﷺ‪ٌ ” :‬‬


‫عشر من الفطرة“‪.‬‬

‫ثم انتقلنا بعد ذلك إلى‪ :‬باب الوضوء‬


‫وذكرنا فيه عدة مسائل‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬ذكرنا شروط صحة الوضوء وقلنا منها‪:‬‬
‫‪ -‬الماء المطلق‪ :‬الذي هو النوع األول‪.‬‬
‫‪ -‬وعدم الحائل‪ :‬الذي يمنع وصول الماء إلى البشرة‪.‬‬
‫وجري الماء على العضو‪.‬‬
‫‪َ -‬‬
‫ٍ‬
‫كحيض ونحوه ونفاس‪.‬‬ ‫للوضوء‪:‬‬
‫‪ -‬وعدم المنافي ُ‬
‫‪ -‬وعدم الصارف‪ :‬أي استصحاب النية إلى آخر الوضوء‪.‬‬
‫‪ -‬واإلسالم‪ ،‬والتمييز‪ ،‬ومعرفة كيفية الوضوء‪ ،‬وإزالة الخبث‪.‬‬

‫هذه هي المسألة األولى في شرائط الوضوء‪.‬‬

‫ثم ذكرنا في المسألة الثانية‪ :‬فروض الوضوء‪ ،‬وذكرنا أنها ستة‪:‬‬

‫‪105‬‬
‫النية‪ ،‬غسل الوجه‪ ،‬غسل اليدين مع المرفقين‪ ،‬مسح بعض الرأس‪ ،‬غسل الرجلين إلى الكعبين‪ ،‬الترتيب‪ ،‬وهذا مقتضى اآلية‪:‬‬
‫الص َالةِ فَا ْغ ِسلُوا وجوه ُكم وأَي ِدي ُكم إِلَى الْمر ِاف ِق وامسحوا بِرء ِ‬
‫وس ُك ْم َوأ َْر ُجلَ ُك ْم إِلَى الْ َك ْعبَـ ْين﴾‬ ‫آمنُوا إِ َذا قُ ْمتُ ْم إِلَى َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫ََ َ ْ َ ُ ُُ‬ ‫ُُ َ ْ َْ َ ْ‬ ‫﴿يَا أَيُّـ َها الذ َ‬
‫ين َ‬
‫والترتيب إلدخال الممسوح بين مغسولين‪.‬‬
‫ثم ذكرنا في المسألة الثالثة سنن الوضوء‪ ،‬ذكرنا‪:‬‬
‫السواك‪ ،‬والتَسمية في أوله‪ ،‬وغسل الكفين‪ ،‬والمضمضة‪ ،‬واالستنشاق‪ ،‬والمبالغة فيهما لغير الصائم‪ ،‬وتثليث الغسل‪ ،‬المسح‬
‫للرأس‪ ،‬وكذلك من السنة مسح جميع الرأس‪ ،‬ومسح األذنين‪ ،‬وتخليل اللحية الكثة‪ ،‬وتخليل األصابع‪ ،‬وتقديم اليمنى‪ ،‬وإطالة‬
‫الموالة سنة‪ ،‬وترك االستعانة‪ ،‬وترك التنشيف‪ ،‬واستقبال‬
‫الغرة والتحجيل‪ ،‬والمواالة (وقيل تجب) والمعتمد في المذهب أن ُ‬
‫القبلة‪ ،‬والدعاء بعده‪.‬‬
‫هذه هي سنن الوضوء‪.‬‬
‫أكررها مرةً أخرى أقول سنن الوضوء‪ :‬السواك‪ ،‬التسمية في أوله‪ ،‬غسل الكفين‪ ،‬المضمضة‪ ،‬االستنشاق‪ ،‬المبالغة فيهما لغير‬
‫الصائم‪ ،‬تثليث الغسل والمسح (قلنا يجوز أن يقول الغُسل والغَسل)‪ ،‬مسح جميع الرأس‪ ،‬مسح األذنين‪ ،‬تخليل اللحية الكثة‪،‬‬
‫تخليل األصابع‪ ،‬تقديم اليمنى‪ ،‬إطالة الغرة والتحجيل‪ ،‬المواالة‪ ،‬وقلنا هذا هو المعتمد‪ ،‬وفي القديم أنها تجب‪ ،‬ترك االستعانة‪،‬‬
‫ترك التنشيف‪ ،‬استقبال القبلة‪ ،‬الدعاء بعده‪.‬‬

‫ثم انتقلنا بعد ذلك إلى الباب السابع‪ :‬باب المسح على الخفين‬
‫وذكرنا فيه عدة مسائل‪:‬‬
‫جائز في الوضوء‪.‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬قلنا إن المسح على الخفين ٌ‬
‫ثم ذكرنا أيهما أفضل أن يمسح‪ ،‬أم أن يغسل قدميه‪ ،‬وذكرنا أن المعتمد في المذهب أن غسل القدمين أفضل من مسحهما‪.‬‬
‫ٍ‬
‫شروط خمسة‪:‬‬ ‫وذكرنا أنه لجواز المسح على الخفين اعتمد المذهب على‬
‫لبسه بعد كمال الطهارة؛ لحديث المغيرة أن النبي ﷺ قال‪” :‬دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين“‪.‬‬
‫سترهُ محل الفرض‪.‬‬
‫منع نفوذ الماء إلى القدم‪ ،‬وقيل يجزئ حتى لو نفذ الماء‪.‬‬
‫إمكان تتابع المشي عليه‪.‬‬
‫متنجسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫نجسا أو‬
‫الخامس‪ :‬الطهارة بأن ال يكون ً‬
‫فإذا توافرت هذه الشرائط الخمس جاز المسح على الخفين‪.‬‬
‫مبطالت ثالث‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫ثم ذكرنا المسألة الثالثة‪ :‬وهي مبطالت المسح‪ ،‬وقلنا إن للمسح‬
‫خلع الخفين أو أحدهما‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫انقضاء المدة‪.‬‬
‫حدوث ما يوجب الغسل‪ ،‬أي الجنابة‪.‬‬
‫وذكرنا أن بخلع الخفين أو بانقضاء المدة ال ينتقض الوضوء‪ ،‬وإنما ينتقض المسح‪.‬‬
‫فلو خلع وما زال متوضئًا يجوز له أن يصلي‪،‬‬
‫ضا أن يصلي‪ ،‬وال حرج في ذلك إن شاء اهلل‪.‬‬
‫ولو انتهت المدة وما زال متوضئًا يجوز له أي ً‬
‫يوم وليلة‪ ،‬وللمسافر ثالثة ٍ‬
‫أيام بلياليهن‪.‬‬ ‫المسألة الرابعة‪ :‬تكلمنا في مدة المسح‪ ،‬وقلنا مدة المسح للمقيم ٌ‬
‫لقول علي ‪” :‬رخص النبي ﷺ في المسح على الخفين للمقيم ٌ‬
‫يوم وليلة وللمسافر ثالثة أيام بلياليهن“‪.‬‬
‫فروعا في مدة المسح‪:‬‬
‫وذكر ً‬
‫‪ -‬األول‪ :‬تبدأ مدة المسح من الحدث بعد اللبس‪ ،‬هذا هو المعتمد في المذهب‪ ،‬وقلنا أنه الصحيح‪ ،‬أنها تبدأ من أول‬
‫مسحة‪.‬‬
‫سح مقيم‪.‬‬
‫فم ُ‬
‫مسافرا ثم أقام‪َ ،‬‬
‫ً‬ ‫مقيما ثم سافر أو‬
‫‪ -‬الفرع الثاني‪ :‬من مسح ً‬
‫مسافرا مسح مسافر‪.‬‬
‫ً‬ ‫مقيما مسح مقيم‪ ،‬وإن كان‬
‫قلنا بقول شيخ اإلسالم‪ :‬العبرة بحاله‪ ،‬فإن كان ً‬
‫الثالث‪ :‬كذلك من مسح أو من نزع الخف وهو على طه ٍر قالوا‪ :‬غسل رجليه (بوجوب ذلك)‬
‫‪ -‬وقيل يتوضأ‪.‬‬
‫‪ -‬وقيل ال شيء عليه ما لم يحدث‪.‬‬
‫‪ -‬وقواه النووي في المجموع‪.‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬يسن أن يمسح أعلى الخف‪.‬‬
‫منعال‪.‬‬
‫المسألة السادسة‪ :‬يجوز أن يمسح على الجوربين بشرطين‪ :‬أن يكون صفي ًقا‪ ،‬وأن يكون ً‬

‫ثم انتقلنا إلى الباب الثامن‪ :‬باب الغسل‬


‫وذكرنا فيه مسائل‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬موجبات الغسل‪ .‬ما الذي يوجب على المسلم االغتسال؟‬
‫ذكر أن موجبات الغسل سبعة‪:‬‬
‫‪ -‬الموت‪ :‬فإذا مات اإلنسان وجب على من حضر أو علم بحاله أن يقوم بتغسيله‪ ،‬وهذا سنفصلهُ في باب الجنائز إن‬
‫شاء ال ٰلّه تعالى‪.‬‬
‫‪ -‬الحيض‪ :‬نزوله موجب‪ ،‬وانقطاعه شرط صحة‪.‬‬
‫‪ -‬النفاس‪ :‬وفصلناه في باب الحيض‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫‪ -‬الوالدة‪ :‬بال ٍ‬
‫بلل في األصح‪ ،‬وقيل ال يجب إذا لم يكن بلل‪ ،‬واألصح المعتمد أنها توجب الغسل وإن لم يتبعها بلل‪.‬‬
‫‪ -‬خروج المني مطل ًقا سواء كان ذلك في اليقظة أو في النوم‪.‬‬
‫‪ -‬التقاء الختانين‪.‬‬
‫‪ -‬إسالم الكافر‪ :‬إذا كان قد وجب عليه في حال الكفر ما يوجب الغسل‪ ،‬كأن يكون متزوج وجامع أهله‪ ،‬أو امرأة بلغت‬
‫ونزل عليها الحيض أو النفاس‪.‬‬

‫ثم ذكر المسألة الثانية‪ :‬فرائض الغسل‪.‬‬


‫وذكر أن الفرض األول هو النية‪ ،‬وجعل النية مقرونة بأول فرضها‪.‬‬
‫والفرض الثاني‪ :‬استيعاب جميع البدن بالماء‪.‬‬
‫ثم ذكر الخالف في المذهب في نقض ضفائر المرأة في الغسل‪ ،‬إذا لم يصل الماء إلى باطنها إال بالنقض‪ ،‬وإال فاألصل ال‬
‫يجب نقض الضفائر‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬ما يحرم بالجنابة‪ :‬الصالة‪ ،‬الصيام‪ ،‬مس المصحف وحمله‪ ،‬قراءة القرآن‪ ،‬المكث في المسجد‪ ،‬هذه خمسة‬
‫أشياء تُحرم بالجنابة‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬سنن الغسل وذكرنا أنها‪ :‬التسمية‪ ،‬غسل الكفين ثالثًا قبل إدخالهما في اإلناء‪.‬‬
‫الوضوء معه أي‪ :‬معه أو أثناءه أو قبله‪ ،‬لكن المعتمد أن يتوضأ مع الغسل‪.‬‬
‫‪ -‬المضمضة واالستنشاق‬ ‫‪ -‬إزالة القذر‬
‫‪ -‬الدلك‪.‬‬ ‫‪ -‬غسل شقه األيمن ثم األيسر‪.‬‬ ‫‪ -‬إفاضة الماء على رأسه وتخليله‪.‬‬
‫التثليث أي‪ :‬أن يغتسل أو يغسل رأسه ثالثًا‬
‫أال ينقص ماء الغسل عن صاع‪ ،‬وال حد له‪.‬‬
‫أن تأخذ المرأة الحائض أو النفساء قطنة ممسكة فتتبع بها أثر الدم‪.‬‬

‫وأما مكروهات الغسل فثالث‪:‬‬


‫‪ -‬اإلسراف في الماء‪.‬‬ ‫‪ -‬مكروهات الوضوء‬
‫‪ -‬ثم ذكرنا األغسال المستحبة‬ ‫‪ -‬االغتسال في الماء الراكد‪.‬‬
‫‪ -‬غسل يوم الجمعة‪ ،‬وهو آكدها‪.‬‬ ‫‪ -‬وذكرنا أن منها أي‪ :‬من األغسال المستحبة‪:‬‬
‫ورجحنا أنه ال دليل عليها‪.‬‬
‫‪ -‬لكسوف الشمس‪ ،‬وخسوف القمر‪َ ،‬‬ ‫‪ -‬للعيدين‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلك يستحب لمن غسل الميت أن يغتسل‪.‬‬ ‫ضا هذه مما ليس عليه دليل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ولصالة االستسقاء‪ ،‬وأي ً‬ ‫‪-‬‬
‫بحج أو عمرة يستحب له أن يغتسل‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أراد أن يحرم ٍ‬

‫‪108‬‬
‫‪ -‬وللوقُوف بعرفة‪.‬‬ ‫‪ -‬ولدخول مكة‪.‬‬
‫‪ -‬أما رمي الجمرات ولدخول المدينة والجتماع الناس‪ ،‬فهذه ذكرها المذهب وهي معتمدة والراجح ال دليل على‬
‫غسل قبل إسالمه‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك الكافر إذا أسلم ولم يجب عليه ٌ‬ ‫االستحباب‪.‬‬
‫إذن إسالم الكافر مضى معنا في موجبات الغسل‪ ،‬وجاء معنا في األغسال المستحبة‪.‬‬
‫والفارق بينهما‪ :‬أنه إذا تلبس بما يوجب الغسل كالجنابة والحيض والنفاس قلنا يجب‪ ،‬وإذا لم يتلبس قلنا ال يجب‪.‬‬

‫ثم انتقل وانتقلنا مع المصنف رحمه ال ٰلّه تعالى إلى‪ :‬باب النجاسة‬
‫وذكرنا أن فيه مسائل‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬أنواع النجاسات‪ :‬كل مسك ٍر مائع نجس‪.‬‬
‫والكلب والخنزير وفروعهما وما تولد منهما فهو نجس العين‪.‬‬
‫الميتة نجسة إال ميتة اآلدمي‪ ،‬وميتة السمك‪ ،‬وميتة الجراد‪ ،‬وميتة ما ال دم له سائل‪.‬‬
‫إذن استثنينا من الميتة أربع ميتات‪ :‬ميتة اآلدمي‪ ،‬وميتة السمك‪ ،‬وميتةَ الجراد‪ ،‬وميتة ما ال دم له سائل‪.‬‬
‫هذه طاهرة‪ ،‬وما خلى ذلك من الميتات فهي نجسة‪.‬‬
‫الدم مطل ًقا نجس‪ :‬سواء كان من آدمي أو حيوان أو حتى من ٍ‬
‫سمك أو جراد فهو نجس‪ ،‬القيح‪.‬‬
‫الروث مطل ًقا‪ :‬سواء كان من مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم‪ ،‬هذا هو المعتمد‪.‬‬
‫كذلك البول مطل ًقا‪ :‬سواء كان بول مأكول لحم‪ ،‬أو بول غير مأكول اللحم‪.‬‬
‫وقيل إن بول ما يؤكل لحمه طاهر‪.‬‬
‫المذي نجس‪ ،‬الودي نجس‪ ،‬مني غير اآلدمي في األصح نجس‪.‬‬
‫وقيل مني غير الكلب والخنزير وفروعهما طاهر‪ ،‬وقواه في المجموع واختاره‪.‬‬
‫كذلك لبن ما ال يؤكل غير اآلدمي فنجس‪.‬‬
‫والمنفصل من الحيوان حال الحياة كميتته‪.‬‬
‫ُ‬

‫المسألة الثانية‪ :‬كيفية تطهير النجاسة‬


‫إن كانت من ٍ‬
‫كلب أو خنزي ٍر أو فروعهما‪ ،‬فيجب غسلها سبع مرات إحداهن بالتراب‪.‬‬
‫وقيل في الخنزير مرة واحدة وهو قديم الشافعي واختاره في المجموع‪ ،‬وقلنا هو الراجح‪ ،‬وأن الغسالت السبع قاصرة‬
‫على ال َكلب فقط‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬إن كانت من غيرهما تغسل حتى تزول ولو بواحدة‪.‬‬
‫ثم فرقوا بين بول الصبي الذي لم يأكل الطعام‪ ،‬ولم يأكل إال اللبن ينضح‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫تطهر إال في حالتين‪:‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬النجاسة العينية ال تأثير لالستحالة فيها وال ُ‬
‫‪ -‬الخمر إذا تخللت بنفسها أو بنقلها‪.‬‬
‫‪ -‬والجلد النجس بالموت يطهر بالدباغ إال من الكلب والخنزير وفروعهما‪ ،‬وما خال ذلك ال تأثير لالستحالة فيه‪.‬‬

‫ثم انتقلنا إلى الباب العاشر من أبواب كتاب الطهارة وقلنا هو «باب التيمم»‬
‫وذكرنا فيه عدة مسائل‪:‬‬
‫‪ ‬المسألة األولى‪ :‬قلنا يجوز التيمم عن الحدث األصغر واألكبر وال يجوز في إزالة النجاسة‪.‬‬
‫وقيل في القديم يجوز والمعتمد األول‪.‬‬
‫‪ ‬المسألة الثانية‪ :‬أن المعتمد في المذهب ضربتان‪:‬‬
‫‪ -‬ضربةٌ للوجه‪ ،‬وضربةٌ لليدين إلى المرفقين‪ ،‬هذا هو المعتمد‪.‬‬
‫وفي القديم‪ ،‬وقواه في (المجموع) إلى الكوعين وفقط‪.‬‬
‫ٍ‬
‫فريضة واحدة‪.‬‬ ‫‪ ‬المسألة الثالثة‪ :‬أن التيمم ال يرفع الحدث على المشهور‪ ،‬وفي ٍ‬
‫وجه يرفعه في حق‬
‫‪ ‬المسألة الرابعة‪ :‬في شروط التيمم وذكرنا أنها خمس‪:‬‬
‫أهال للطهارة‬
‫‪ -‬كون المتيمم ً‬
‫‪ -‬وجود العذر وأسبابه‪ :‬فقد الماء‪ ،‬عدم القدرة على استعماله‪ ،‬الحاجة إليه‪.‬‬
‫‪ -‬دخول الوقت‪.‬‬
‫‪ -‬طلب الماء‬
‫‪ -‬والتراب الطهور ذو الغبار‪.‬‬

‫والمقصود بالتراب جميع أنواع التراب‪.‬‬


‫ثم ذكر المسألة الخامسة‪ :‬وذكرنا أن فرائض التيمم ستة‪:‬‬
‫‪ -‬النية‪.‬‬
‫‪ -‬قصد التراب‪.‬‬
‫‪ -‬نقل التراب إلى العضو‪ ،‬فلو نقلته الريح أو غير ذلك ولم ين ِو لم يصح‪.‬‬
‫‪ -‬مسح الوجه‪.‬‬
‫‪ -‬مسح اليدين إلى المرفقين في الجديد‪ ،‬وقيل إلى الكوعين في القديم وقواه في المجموع‪.‬‬
‫‪ -‬الترتيب‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫أما المسألة السادسة ففي سنن التيمم‪:‬‬
‫‪ -‬المواالة (في الجديد)‪.‬‬ ‫‪ -‬التسمية‪.‬‬
‫‪ -‬تقديم اليمنى على اليسرى في اليدين‪.‬‬ ‫‪ -‬البداءة بأعلى الوجه‪ ،‬وقيل بأسفله‪.‬‬
‫كثيرا‪ ،‬هذا على القديم والمعتمد‪ ،‬وقيل في الجديد ال يستحب‪.‬‬
‫‪ -‬تخفيف الغبار إن كان ً‬
‫‪ -‬أن يمسح إحدى الراحتين باألخرى ويخلل األصابع‪.‬‬ ‫‪ -‬تفريق أصابعه في أول الضربتين‪.‬‬
‫‪ -‬أن يديم يديه على العضو ال يرفعه حتى يفرغ من مسحه‪.‬‬
‫‪ -‬أن يستقبل القبلة كالوضوء‪.‬‬ ‫‪ -‬أال يزيد على ضربتين‪.‬‬
‫‪ -‬الدعاء بعده مثله‪.‬‬

‫المسألة االخيرة‪ :‬تكلم عن مبطالت التيمم وذكر‪:‬‬


‫‪ -‬ورؤية الماء‬ ‫‪ -‬ما أبطل الوضوء‬
‫‪ -‬والردة عن اإلسالم‪.‬‬ ‫‪ -‬وزوال المانع‬

‫ثم تكلمنا في الدرس الماضي عن باب‪ :‬الحيض والنفاس وأحكام الدماء عند النساء‪ ،‬وذكرنا أن الدماء الخارجة من المرأة‬
‫ونفاس‪ ،‬واستحاضة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حيض‪،‬‬
‫ثالثة‪ٌ :‬‬
‫للحيض تمام تسع سنين‪ ،‬وأكثره ال حد له‪،‬‬
‫وقلنا‪ :‬المعتمد من المذهب أن أقل سن َ‬
‫وقيل الشروع في التاسعة وليس التمام‪ ،‬وقيل نصف التاسعة‪ ،‬وقيل إن أكثره ستون سنة‪.‬‬
‫يوم وليلة‪ ،‬وأكثره خمسة عشر‪ ،‬وغالبه ستة أو سبعة‪.‬‬
‫كذلك ذكرنا أن أقل الحيض ٌ‬
‫يوما وال حد ألكثره‪.‬‬
‫وذكرنا أن المعتمد في أقل الطهر خمسة عشر ً‬
‫يوما‪ ،‬هذا على المعتمد‪.‬‬
‫يوما‪ ،‬وغالبه أربعون ً‬
‫أما النفاس فأقل النفاس لحظة‪ ،‬وأكثره ستون ً‬

‫وذكرنا أنه يحرم بالحيض والنفاس أمور‪:‬‬


‫‪ -‬ومس المصحف وحمله‪،‬‬ ‫‪ -‬والصيام‪،‬‬ ‫‪ -‬الصالة‪،‬‬
‫‪ -‬والمكث في المسجد‪،‬‬ ‫‪ -‬وقراءة القرآن‪،‬‬
‫‪ -‬وعُبور المسجد إن خافت تلويثه‪ ،‬وقيل إنه ال يكره وقيل ال يحرم‪،‬‬
‫‪ -‬كذلك مباشرتها بين السرة والركبة‪ ،‬وقيل ال يحرم غير الوطء‪ ،‬وقواه في [المجموع]‪ ،‬وقيل بشرط أن يضبط‬
‫نفسه‪ ،‬الطالق‪ ،‬والطواف‪.‬‬

‫حيض مطل ًقا في األصح‪ ،‬وقيل إال في أيام الحيض‪.‬‬


‫والصفرة ٌ‬
‫المسألة السابعة‪ :‬الكدرة ُ‬

‫‪111‬‬
‫الثامنة‪ :‬إذا رأت الحائض الدم في زمان اإلمكان فهو حيض‪.‬‬
‫التاسعة‪ :‬يباح بعد انقطاع الدم وقبل الغسل‪ ،‬الصوم والطالق والعبور من المسجد‪.‬‬
‫هذا ملخص كتاب الطهارة الذي أخذناه قبل ذلك في سبع مجالس‪.‬‬

‫هذا وسبحانك اللهم بحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫المحاضـرة التـاسع ــة‬
‫إن الحمد هلل تعالى نحمده نستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذُ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬إنه من يهده اهلل فال مضل له‪،‬‬
‫ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬اللهم صل على محمد‬
‫وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حمي ٌد مجيد؛ أما بعد‪،‬‬
‫أحبتي في اهلل طلبة وطالبات كلية العلوم الشرعية والعربية‪ ،‬الفرقة الثانية‪ ،‬الفقه الشافعي‪ ،‬مرحبًا بكم في هذه المحاضرة التاسعة‬
‫من محاضرات الفقه‪ ،‬وكنا في القسم السابق من المحاضرات قد انتهينا من كتاب الطهارة‪ ،‬واليوم إن شاء اهلل تعالى نبدأ في‬
‫كتاب الصالة‪.‬‬
‫ونحن نقرأ في كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع] للخطيب الشربيني رحم اهلل الجميع‪.‬‬
‫قال الماتن ‪ :‬كتاب الصالة‬
‫خمس‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫الصالة المفروضة‬
‫بعدما انتهى من الطهارة وهي من شروط الصالة بأحكامها وأبوابها‪ ،‬انتقل إلى كتاب الصالة‪.‬‬
‫ص ِّل َعلَْي ِه ْم﴾‬
‫والصالة لغةً‪ :‬الدعاء بخي ٍر‪ .‬قال اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫أي ادعُ لهم‪ ،‬ولتضمنِها معنى ذلك‪.‬‬
‫شرعا‪ :‬أقوال وأفعال مفتتحةٌ بالتكبير‪ ،‬مختتمةٌ بالتسليم‪ ،‬بشرائط مخصوصة‪ ،‬ستأتينا إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫والصالة ً‬
‫وقوله الصلوات المفروضة‪ :‬أي التي فرضها اهلل سبحانه وتعالى على عباده‪،‬‬
‫وفي نسخة‪ :‬الصلوات المفروضات‪ :‬أي العينية التي تلزم كل مسلم بال ٍغ عاقل كما فرضها اهلل على رسوله ﷺ ليلة‬
‫أسري به‪.‬‬
‫علي من الصلوات؟‬
‫”وكما قال للرجل حينما سأله‪ :‬ماذا فرض اهلل ّ‬
‫صلوات في كل ٍ‬
‫يوم وليلة“‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬خمس‬
‫وهي معلومةٌ من الدين بالضرورة‪ ،‬واألصل فيها قبل اإلجماع اآليات‪،‬‬
‫الص َالةَ﴾ [البقرة‪.]٤٣ :‬‬ ‫يموا َّ‬ ‫ِ‬
‫لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وأَق ُ‬
‫ين كِتَابًا َّم ْوقُوتًا﴾ [النساء‪،]١٠٣ :‬‬‫ِِ‬ ‫وقال سبحانه‪﴿ :‬إِ َّن َّ‬
‫ت َعلَى ال ُْم ْؤمن َ‬
‫الص َالةَ َكانَ ْ‬
‫أي وقتها اهلل سبحانه وتعالى على عباده‪.‬‬
‫وفي الصحيحين قال النبي ﷺ‪” :‬فرض اهلل على أمتي ليلة اإلسراء خمسين صالة‪ ،‬فلم أزل أراجعه وأسأله التخفيف‬
‫خمسا في كل يوم وليلة“‪.‬‬
‫حتى جعلها ً‬
‫فهذه أدلة تدل على أن الصلوات المفروضة خمس‪ ،‬وما عداها ليست ِ‬
‫بواجبة‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫فأما وجوب قيام الليل فنسخ في حقنا واختلفوا هل نسخ في حق النبي ﷺ أم ال‪،‬‬
‫ضا‪.‬‬
‫والصحيح أنه نسخ أي ً‬
‫وحينما نقول‪« :‬الصلوات العينية خمس»‬
‫خرج قيام الليل‪،‬‬
‫ضا؛‬
‫وخرج صالة الجنازة أي ً‬
‫فهي وإن كانت واجبة إال أنها ليست من الصلوات العينية‪.‬‬
‫والجمعة من المفروضات لكن هل هي ٌ‬
‫بدل عن الظهر أم صالة مستقلة؟‬
‫الراجح كما قال النووي‪ :‬واألصح أنها صالةٌ مستقلة‪ ،‬وإنما عنى بذلك بصلوات اليوم والليلة‪.‬‬

‫ثم بدأ ببيان هذه الصلوات فقال‪ :‬الظهر‬


‫وأول وقتها زوال الشمس‪ ،‬وآخره إذا صار ظل كل ٍ‬
‫شيء مثله بعد ظل الزوال‪.‬‬
‫هذا هو الفرض األول وبدأ بالظهر‪ ،‬كما بين جبريل ‪ ‬أنه لما جاء للنبي ﷺ يعلمه الصالة بدأ بصالة الظهر؛‬
‫لذلك العلماء يسمونها األولى‪ ،‬إذا قيل الصالة األولى فهي صالة الظهر ألنها أول صالة نزل جبريل يعلمها للنبي‬
‫ﷺ‪.‬‬
‫الش ْم ِ‬
‫س﴾ [اإلسراء‪.]٧٨ :‬‬ ‫الص َال َة لِ ُدلُ ِ‬
‫وك َّ‬ ‫ضا بدأ به فقال‪﴿:‬أَقِ ِم َّ‬
‫واهلل سبحانه وتعالى أي ً‬
‫وهنا تيمنًا بدأ بها المصنف فقال‪ :‬الظهر‪.‬‬
‫أي صالة الظهر سميت بذلك ألنها تفعل في وقت الظهيرة وشدة الحر‪ ،‬وقيل ألنها ظاهرة وسط النهار‪.‬‬
‫كذلك بدأ بقول المصنف ‪ ‬كما ذكرنا في بيان صالة الظهر‪ :‬وقيل إنها لوسط النهار‪.‬‬
‫صبِ ُحو َن﴾ [الروم‪.]١٧ :‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ين تُ ْ‬
‫سو َن َوح َ‬
‫ين تُ ْم ُ‬
‫س ْب َحا َن الله ح َ‬
‫ألنه قال اهلل عز وجل في كتابه الكريم‪﴿ :‬فَ ُ‬
‫سو َن﴾ صالة المغرب والعشاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ين تُ ْم ُ‬
‫فقال‪﴿ :‬ح َ‬
‫صبِ ُحو َن﴾ صالة الصبح‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ين تُ ْ‬
‫﴿ َوح َ‬
‫﴿ َو َع ِشيًّا﴾ صالة العصر‪.‬‬
‫ين تُظْ ِه ُرو َن﴾ أي صالة الظهر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوح َ‬
‫وأما حديث جبريل ‪ ‬فقال النبي ﷺ‪َّ ” :‬أمني جبريل عند البيت مرتين‪ ،‬فصلى بي الظهر حين زالت الشمس‬
‫وكان الفيء قدر الشراك‪ ،‬والعصر حين كان ظله (أي ظل الشيء) مثله‪ ،‬والمغرب حين أفطر الصائم (أي دخل وقت‬
‫اإلفطار)‪ ،‬والعشاء حين غاب الشفق‪ ،‬والفجر حين ُحرم الطعام والشراب على الصائم‪ ،‬فلما كان الغد صلى بي الظهر‬
‫حين كان ظله مثله‪ ،‬والعصر حين كان ظله مثليه‪ ،‬والمغرب حين أفطر الصائم‪ِ ،‬‬
‫والعشاء إلى ثلث الليل‪ ،‬والفجر فأسفر؛‬

‫‪114‬‬
‫وقال‪ :‬هذا وقت األنبياء من قبلك‪ ،‬والوقت ما بين هذين وقت“‪.‬‬
‫حديث صحيح رواه أبو داود وغيره‪ ،‬وهو عمدةٌ معنا في المواقيت‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫وحينما قال‪” :‬صلى بي الظهر حين كان ظل كل ٍ‬
‫شيء مثله“‪ ،‬أي فرغ منها‬
‫ومعنى هذا قال الماتن‪ :‬وأول وقتها (أي الظهر) زوال الشمس‪ ،‬وآخره إذا صار ظل كل ٍ‬
‫شيء مثله بعد ظل الزوال‪.‬‬
‫أول وقتها (أي الظهر) زوال الشمس‪ :‬أي إذا زالت ومالت عن كبد السماء‪.‬‬
‫طويال ثم يقصر فيقصر إلى ٍ‬
‫حد ال يقصر‬ ‫ميال عن وسط السماء‪ ،‬وهذا يظهر عندما يبدأ ظل الشمس ً‬ ‫وسمي الزوال ً‬
‫ُ‬
‫عنه‪ ،‬ثم يعود في االستطالة مرةٌ أخرى عند التقاء هذا‪ ،‬يكون وقت الزوال وظل الزوال ظل الفيء‪.‬‬
‫قال‪ :‬وآخره إذا صار ظل كل ٍ‬
‫شيء مثله بعد‪ ،‬أي بعد ظل الزوال الموجود عند الزوال‪.‬‬
‫يقول العلماء‪ :‬وإذا أردت معرفة الزوال فاعتبره بقامتك أو ِ‬
‫شاخ ٍ‬
‫ص تقيمه في األرض مستوية‪ ،‬وعلم على رأس الظل‪،‬‬
‫فما زال الظل ينقص من الخط فهو قبل الزوال‪،‬‬
‫وإن وقف ال يزيد وال ينقص فهو وقت االستواء‪،‬‬
‫وإن أخذ الظل في الزيادة علم أن الشمس زالت‪.‬‬
‫قال العلماء‪ :‬يتبين من ذلك أن وقت الظهر يبدأ من الزوال إلى أن يصير ظل كل ٍ‬
‫شيء مثله‪.‬‬
‫وبعضهم يقول للظهر (وهذا قول األكثرين من علماء الشافعية) ثالثة أوقات‪:‬‬
‫‪ -‬وقت فضيلة‪.‬‬
‫‪ -‬ووقت اختيار إلى آخره‪.‬‬
‫‪ -‬ووقت عذ ٍر وهو وقت العصر لمن يجمع‪.‬‬
‫إذن‪ :‬الظهر له وقت أفضلية‪ :‬أن تصلي في أول الوقت‪.‬‬
‫ووقت اختيار‪ :‬أن تصلي في الوقت كله إلى آخره‪.‬‬
‫ووقت عذر‪ :‬أن تأخرهُ إلى وقت العصر فتجمعهُ مع العصر جمع تأخير‪.‬‬

‫ثم قال المصنف ‪ :‬العصر‬


‫أي الوقت الثاني‪ ،‬وأول وقتها الزيادة على ظل المثل‪ ،‬وآخره في االختيار إلى ظل المثلين‪ ،‬وآخره في الجواز إلى‬
‫غروب الشمس‪.‬‬
‫قال الشارح‪ :‬والعصر أي صالتها‪ ،‬سميت بذلك لمعاصرتِها وقت الغروب‪.‬‬
‫وأول وقتها الزيادة على ظل المثل‪ :‬وهنا عبارة أنه قال‪( :‬الزيادة) أي تبدأ صالة العصر بانتهاء وقت الظهر‪ ،‬فإذا جاوز‬
‫ظل الشيء مثله بأقل زيادة فقد دخل وقت العصر‪ .‬هكذا قال الشافعي‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء يسير‬ ‫وليس ذلك مخال ًفا للصحيح وهو أنه ال يشترط حدوث زيادةٍ فاصلة كما ذكر في ِ‬
‫المنهاج‪ ،‬وإنما يبدأ‬
‫يعرف دخول وقت العصر‪.‬‬
‫قال‪ :‬وآخره (وقت االختيار) إلى ظل المثلين بعد ظل االستواء‪،‬‬
‫كما مضى في حديث جبريل الذي ذكرنا وقال‪” :‬الوقت ما بين هذين الوقت“‪.‬‬
‫قال‪ :‬وآخره في الجواز إلى غروب الشمس‪.‬‬
‫لحديث أبي ٍ‬
‫سعيد ‪ ‬أن النبي ﷺ قال‪” :‬من أدرك ركعةً من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر“‪.‬‬
‫حديث متف ٌق عليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫هذا‬
‫ولذلك قال العلماء‪ :‬للعصر سبعة أوقات وهذا على مذهب الشافعي‪:‬‬
‫‪ -‬وقت فضيلة‪ :‬في أول الوقت‪.‬‬
‫‪ -‬ووقت اختيار إلى آخر الوقت المختار‪ :‬وهو أن يصير ظل كل شيء مثليه‪.‬‬
‫‪ -‬ووقت عذر‪ :‬وهو وقت من يجمع العصر مع الظهر في وقت الظهر‪.‬‬
‫‪ -‬ووقت ضرورة‪ :‬وهو إلى غروب الشمس‪.‬‬
‫‪ -‬ووقت جوا ٍز بال كراهة‪ :‬وهو إلى االصفرار‪.‬‬
‫‪ -‬ووقت كراهة‪.‬‬
‫‪ -‬ووقت حرمة‪ :‬عند غروب الشمس‪.‬‬
‫وهذا المقصود منها بيان أنه يستحب التعجيل بالعصر في أفضل الصلوات‪ ،‬ويجوز الجواز إلى المثلين وإلى االصفرار‪،‬‬
‫ثم هو ضرورة إلى الغروب‪.‬‬

‫قال الماتن ‪ :‬والمغرب‬


‫ووقتها واح ٌد‪ ،‬وهو غروب الشمس‪ ،‬وبمقدا ِر ما يؤذن ويتوضأ ويستر العورة ويقيم الصالة ويصلي خمس ركعات‪ ،‬وآخره‬
‫إذا غاب الشفق األحمر‪.‬‬
‫هنا انتبه إلى هذا الكالم الدقيق من الماتن‪:‬‬
‫قال‪ :‬والمغرب ووقتها واح ٌد‪ :‬أي ال اختيار فيها كما في الحديث‪،‬‬
‫”وهو أن جبريل جاء للنبي ﷺ في المغرب في اليومين في ٍ‬
‫وقت واحد وهو غروب الشمس“‪.‬‬
‫وأول وقتها غروب الشمس‪ :‬وسمي بذلك ألن أصلها الغروب‪ ،‬والغروب يكون بعي ًدا‪،‬‬
‫غرب بفتح الراء‪ :‬أي بَـعُد والمراد تكامل الغروب‪.‬‬
‫يقال َ‬

‫‪116‬‬
‫قال‪ :‬ويمتد على القول الجديد بمقدار ما يؤذن‪ ،‬يعني إذا غربت الشمس يؤذن ويتوضأ‪ ،‬ويستر العورة‪ ،‬ويقيم الصالة‪،‬‬
‫ويصلي بمقدار خمس ركعات‪ ،‬ألن جبريل ‪ ‬صالها في اليومين في ٍ‬
‫وقت واحد‪ ،‬بخالف غيرها أنه جعل لها وقت‬
‫اختيار‪.‬‬
‫قال‪ :‬والمراد بالخمس‪ :‬المغرب ثالث‪ ،‬وسنتها البعدية‪.‬‬
‫بناء على أنه يسن ركعتان قبلها وهو اختيار النووي ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وذكر بعضهم سبع ركعات فزادوا ركعتين قبلها‪ً ،‬‬
‫واالعتبار في جميع ما ذكر أي من األذان والوضوء وستر العورة والصالة‪ :‬االعتدال‪.‬‬
‫لكن لو حضر الطعام للصائم وقدم الطعام فقال العلماء‪ :‬ال بأس بذلك وأن يأكل‪.‬‬
‫لكن اختلفوا فقال بعضهم‪ :‬يأكل قدر أكل ٍ‬
‫لقم يكسر بها حدة الجوع‪ ،‬لكن اختاره "الرافعي" وذكره في [الروضة]‬
‫شبِع‪.‬‬
‫لكن صوب في [التنقيح] وغَْيـ َره اعتبار ال َ‬
‫وال تَـ ْع َجلُوا على‬ ‫المغْ ِر ِ‬
‫ب‪َ ،‬‬ ‫ص َال َة َ‬
‫شاءُ‪ ،‬فَابْ َد ُؤوا به قَـ ْب َل َ‬
‫الع َ‬ ‫ألن النبي ﷺ كما في الصحيحين قال‪” :‬إِذَا قُد َ‬
‫ِّم َ‬
‫شائِ ُك ْم“‪.‬‬
‫َع َ‬
‫شبِع‪ ،‬فال بأس أن يشبع‪.‬‬
‫فحمل كالمه على ال َ‬
‫صلْبَه‪ ،‬وحملوا العشاء المذكور على هذا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وقال بعضهم‪ :‬يأكل لَُق ْي َمات يُق ْمن ُ‬
‫ثم قال النووي‪ :‬قلت القديم أظهر (أي النووي)‪.‬‬
‫والقديم‪ :‬أنه جعل وقت المغرب ما لم يغب الشفق‪،‬‬
‫واستدل بحديث ابن عمرو ‪ ‬أنه قال‪” :‬ووقت المغرب ما لم يغب الشفق“‪.‬‬
‫وهذا قول الشافعي في القديم‪ ،‬واختاره النووي وهو الصحيح‪.‬‬
‫ٌ‬
‫محمول على وقت االختيار كما مر‪.‬‬ ‫لكن ردوا على حديث صالة جبريل في اليومين في ٍ‬
‫وقت واحد‬

‫قال‪ :‬والعشاء‪.‬‬
‫وأول وقتها إذا غاب الشفق األحمر‪ ،‬وآخره في االختيار إلى ثلث الليل‪.‬‬
‫العشاء يدخل أول وقتها إذا غاب الشفق األحمر‪ :‬خرج باألحمر األبيض واألصفر‪.‬‬
‫"كالرافعي" في (المحرر)‪ ،‬إنما قال‪ :‬إذا غاب الشفق‪.‬‬
‫ولم يقيده في بعض النسخ َ‬
‫ص ِر َ‬
‫ف إلى األحمر‪ ،‬ألنه المعرف في اللغة أن الشفق هو األحمر‪.‬‬ ‫وإذا أُطْلَق ُ‬
‫ولذلك قال‪ :‬وآخره في االختيار إلى ثـُلُث الليل‪.‬‬
‫لخبر جبريل المتقدم وقال‪” :‬الوقت ما بين هذين الوقت“‪ ،‬وفي رواية‪” :‬إلى نصفه“‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪” :‬لوال أن أشق على أمتي ألخرت العشاء إلى نصف الليل“‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫ورجحه النووي ‪ ‬في شرح مسلم‪ ،‬وفي كالمه في المجموع يقتدي أن األكثرين عليه‪ ،‬ومع هذا فإن األول هو‬
‫المعتمد‪.‬‬
‫إذَن صالة العشاء يبدأ وقتها من مغيب الشفق إلى نصف الليل أو ثلث الليل‪.‬‬
‫قال‪« :‬وفي الجواز إلى طلوع الفجر الثاني»‪.‬‬
‫أي في جواز صالة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني أي الصادق‪،‬‬
‫وهذا مذهب الجمهور أن وقت العشاء يمتد إلى الفجر‪.‬‬
‫ويرى أهل الظاهر وغيرهم أنه ينتهي بنصف الليل‪،‬‬
‫ص ِّل الصال َة حتى‬ ‫ويستدلون بما رواه مسلم أن النبي ﷺ قال‪” :‬ليس في الن ِ‬
‫َّوم تَفريطٌ‪ ،‬إنَّما التفري ُ‬
‫ط على َمن لَم يُ َ‬
‫وقت األُخرى“‪.‬‬
‫دخل ُ‬
‫يَ َ‬
‫وخرج الصبح بدليل أنه قال‪” :‬ما لم تطلع الشمس“‪ .‬فدل على أن صالة العشاء تمتد إلى طلوع الفجر‪.‬‬

‫قال‪ :‬والصبح‬
‫وأول وقتها طلوع الفجر الثاني‪ ،‬وآخره في االختيار إلى االصفرار‪ ،‬وفي الجواز إلى طلوع الشمس‪.‬‬
‫والصبح‪ :‬المقصود أول النهار‪ ،‬فلذلك سميت به هذه الصالة‪.‬‬
‫وأول وقتها الفجر الثاني‪ :‬أي الصادق‪ .‬لحديث جبريل‪” :‬أنه جاء للنبي ﷺ“‪.‬‬

‫والفجر كما تعلمون فجران‪:‬‬


‫فجر كاذب‪ :‬وهو المستطيل‪.‬‬
‫‪ٌ -‬‬
‫وفجر صادق‪ :‬وهو المستطير‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬‬
‫ابن أ ِّم مكتوم“‪.‬‬ ‫بالال يُؤذِّن بليل‪ ،‬ف ُكلُوا َ‬
‫واشربوا حتى يؤذن ُ‬ ‫والنبي ﷺ كان يقول‪” :‬إن ً‬
‫ويعرفه العلماء ويسمونه‪ :‬بالفجر الصادق‪.‬‬
‫يل شروق الشمس مباشرة‪.‬‬
‫وآخره في وقت االختيار إلى االصفرار‪ :‬أي قُـبَ َ‬
‫وقال‪” :‬ما بين هذين الوقتين وقت“‪.‬‬

‫س“‪.‬‬
‫الش ْم ُ‬ ‫الص ْب ِح ِم ْن طُلُ ِ‬
‫وع الْ َف ْج ِر َما لَ ْم تَطْلُ ِع َّ‬ ‫صالَ ِة ُّ‬ ‫قال‪ :‬وفي الجواز إلى طلوع الشمس‪ ،‬لقول النبي ﷺ‪َ ” :‬وق ُ‬
‫ْت َ‬
‫والمراد بطلوعها هنا‪ :‬طلوع بعضها‪.‬‬
‫س فَـ َق ْد أَ ْد َر َك ُّ‬
‫الص ْب َح“‪.‬‬ ‫الش ْم ُ‬ ‫ضا الحديث السابق أن النبي ﷺ قال‪َ ” :‬م ْن أَ ْد َر َك َرْك َعةً ِم ْن ُّ‬
‫الص ْب ِح قَـ ْب َل أَ ْن تَطْلُ َع َّ‬ ‫وأَيْ ً‬
‫فهذه هي أوقات الصلوات‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫والعلماء يذكرون فوائد في هذا الباب‪:‬‬
‫الفائدة األولى‪ :‬االختالف في الصالة الوسطى‪ ،‬ويرى اإلمام الشافعي أن الصالة الوسطى هي صالة الصبح ألن فيها‬
‫قنوت‪ ،‬واألصحاب كذلك‪ .‬في قول‪” :‬حافظوا على الصلوات والصالة الوسطى“‪ ،‬قال‪ :‬هي صالة الصبح‪.‬‬
‫واختار النووي أنها صالة العصر‪ ،‬وتبعه الشارح قال‪:‬‬
‫الص َال ِة ال ُْو ْسطَ ٰى﴾ [البقرة‪ ]٢٣٨ :‬وصالة العصر‪ ،‬ثم‬
‫ص َح ًفا‪” :‬اكتب ﴿ َو َّ‬
‫لحديث عائشة قالت ‪ ‬لمن يكتب ُم ْ‬
‫قالت‪ :‬سمعتها من رسول اهلل ﷺ“‪.‬‬
‫قال النووي عن (الحاوي الكبير)‪ :‬صحت األحاديث أنها العصر‪ ،‬كخبر‬
‫”شغلونا عن الصالة الوسطى صالة العصر“‪.‬‬
‫ثم قال اإلمام الخطيب الشربيني‪ :‬فائدة‪ :‬وهذا مذهب الشافعي‪ ،‬مع أننا صدرنا الكالم بأنه يرى أن الصالة الوسطى‬
‫صالة الصبح‪.‬‬
‫قال (أي على صالة العصر)‪ :‬وهذا مذهب الشافعي اتَـبَاع الحديث؛ فصار مذهبه هذا‪ ،‬وال يقال فيها قوالن‪َ ،‬و ِه َم فيه‬
‫بعض أصحابنا‪.‬‬
‫وقال في شرح مسلم (أي النووي)‪ :‬األصح أنها العصر كما قال "الماوردي"‪.‬‬

‫اء‪ ،‬ويكره النوم قبل العشاء‪ ،‬ويكره الحديث‬


‫شً‬ ‫ضا من الفوائد‪ :‬ال يكره تسمية الصبح غَ َدا ًة‪ ،‬وال تسمية المغرب ِع َ‬
‫أَيْ ً‬
‫بعدها‪.‬‬
‫كذلك اعلم أن من الفوائد‬
‫أن وجوب الصالة وقتها موسع‪ ،‬إلى أن يبقى من الوقت ما يسع الصالة فقط‪.‬‬
‫ضا في هذا الباب‪ :‬يُ َس ّن تأخير صالة الظهر في شدة الحر‪ ،‬وكذلك صالة العشاء ما لم يشق على الناس‪.‬‬
‫من الفوائد أَيْ ً‬

‫ثم قال الماتن ‪ :‬فصل في من تجب عليه الصالة‪ ،‬وفي بيان النوافل‪:‬‬
‫قال‪ :‬وشرائط وجوب الصالة ثالثة أشياء‪ :‬اإلسالم‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬والعقل‪.‬‬
‫هنا انتقل إلى بيان شروط صحة الصالة أو شروط وجوب الصالة فقال‪:‬‬
‫‪ ‬اإلسالم‪ :‬ومضى معنا قبل ذلك فال تجب على كاف ٍر أصلي أو مرتد‪.‬‬
‫‪ ‬كذلك البلوغ‪ :‬فال تجب على صغي ٍر ِ‬
‫لعدم تكليفه ولرف ِع القلم‪ ،‬لكن إذا صلى صحت منه‪.‬‬
‫‪ ‬الثالث العقل‪ :‬فال تجب على مجنون‪،‬‬
‫لحديث ”رفع القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن الصبي حتى يحتلم‪ ،‬وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق“‪.‬‬
‫هنا قال الشارح ‪« :‬سكت المصنف عن الرابع وهو النقاء من الحيض والنفاس»‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫أي‪ :‬من شروط صحة الصالة عدم الحيض وعدم النفاس‪ ،‬فإن الصالة ال تجب على حائض أو نفساء لعدم صحتها‬
‫منهما‪ ،‬وعدم األمر بالقضاء بعد الطهر‪ .‬وهذا بإجماع أهل العلم‪.‬‬
‫ومن الفوائد‪ :‬أنه ال قضاء على الكافر إذا أسلم‪.‬‬
‫ين َك َف ُروا إِن يَنتَـ ُهوا يُـغْ َف ْر لَ ُهم َّما قَ ْد َسلَ َ‬
‫ف﴾ [األنفال‪.]٣٨ :‬‬ ‫َِّّ ِ‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬قُل للذ َ‬
‫أما المرتد فاختلفوا فيه‪ ،‬والمذهب‪ :‬أنه يجب عليه قضاء ما فاته في زمن الردة بعد إسالمه تغليظًا عليه‪.‬‬
‫كذلك إذا سكر الرجل متعديًا ثم ُج َّن قضى المدة التي سكر فيها‪.‬‬
‫أما الطفل والمجنون فال قضاء عليهما إذا عقل المجنون‪ ،‬وبلغ الطفل‪.‬‬
‫لكن يأمره الولي كما ذكرنا بها إذا ميز وصار ابن سبع‪.‬‬

‫لقول النبي ﷺ‪” :‬مروا َ‬


‫أبناءكم بالصالة إذا بلغ سبع سنين‪ ،‬وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها (أي على تركها)“‪.‬‬

‫قال اإلمام الشربيني ‪ :‬تنبيه‪ :‬ظاهر كالمهم أنه يشترط للضرب تمام العاشرة لكن هل يضرب في أثنائها؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم‪.‬‬
‫اختاره اإلسناوي‪ ،‬وجزم به غيره‪.‬‬
‫ساء إذا طهرتا‪ ،‬ويحرم عليهما إذا صليا»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حائض أو نُـ َف َ‬ ‫هنا قال‪« :‬وال قضاء على‬

‫إذن شروط صحة الصالة أو وجوب الصالة‪ :‬اإلسالم والعقل والبلوغ والنقاء من الحيض والنفاس‪.‬‬

‫فصل في الصلوات المسنونة والرواتب‪.‬‬


‫قال‪ٌ :‬‬
‫والصلوات المسنونة والرواتب بينها النبي ﷺ‪ ،‬أي هو الذي شرعها وبين مشروعيتها‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالمسنونة أو الرواتب هي‪ :‬المستحب أو النوافل‪.‬‬ ‫والمقصود‬
‫وهذه ألفاظ مترادفة‪ :‬سنة أو مستحب أو راتبة أو رغيبة‪.‬‬
‫والمقصود بها كل الزائد عن الفرائض‪.‬‬
‫اتفقنا أن الصلوات المفروضات خمس صلوات‪ ،‬وما زاد عليها فهي من النوافل‪.‬‬
‫خمس‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫فقال‪ :‬والصلوات المسنونة‬
‫‪ -‬واالستسقاء‪.‬‬ ‫‪ -‬والكسوفان‪.‬‬ ‫‪ -‬العيدان‪.‬‬
‫بع قبل العصر‪ ،‬وركعتان‬
‫بع قبل الظهر‪ ،‬وركعتان بعده‪ ،‬وأر ٌ‬
‫‪ -‬والسنن التابعة للفرائض سبعة عشرة ركعة‪ :‬ركعتا الفجر‪ ،‬وأر ٌ‬
‫وثالث بعد العشاء يوتر بواحدة منهن‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بعد المغرب‪،‬‬
‫‪ -‬وثالث نوافل مؤكدات‪ :‬صالة الليل‪ ،‬وصالة الضحى‪ ،‬وصالة التراويح‪.‬‬
‫هذا هو خالصة هذا الفصل‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫صنِّف ‪ :‬قال‪" :‬والصلوات المسنونة"‪ :‬قلنا التي سنها النبي ﷺ بعد الفرائض‪.‬‬
‫فَنبدأ بقول ال ُْم َ‬
‫وأفضل ٍ‬
‫عمل تتقرب به إلى اهلل عز وجل الصالة‪ ،‬وأحب األعمال إلى اهلل الصالة‪.‬‬
‫حيث قال لما ُسئِل عن أفضل األعمال قال‪” :‬الصالة لوقتها“‪.‬‬
‫وبعض العلماء ينازع ويقول الصيام؛‬
‫ألن اهلل عز وجل قال‪” :‬كل عمل ابن آدم له إال الصيام فإنه لي وأنا أجزي به“‪.‬‬
‫صلحت وسائِر العمل‪ ،‬وإن فسدت فسدت‬
‫صلحت َ‬ ‫على ٍ‬
‫كل أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصالة‪ ،‬فإن َ‬
‫وسائر العمل‪.‬‬
‫ضا من فوائد فعل المستحب أنه يقربك من اهلل عز وجل ويكون َسبَبًا في محبة اهلل لك‪.‬‬
‫أي ً‬
‫ِ‬
‫بالنوافل حتَّى أُحبَّه“‪ .‬أي حتى يحبك اهلل عز وجل‪.‬‬ ‫إلى‬
‫ب ّ‬ ‫قر ُ‬
‫ال عبدي يت َّ‬
‫قال اهلل سبحانه‪” :‬وال يز ُ‬
‫قال‪« :‬والعيدان»‪ :‬أي صالة العيدين وسيأتي تفصيل ذلك‪.‬‬
‫«والكسوفان واالستسقاء»‪.‬‬
‫ِ‬
‫لتفصيل هذه الصلوات‪.‬‬ ‫كل هذه الصلوات سنتكلم عنها بالتفصيل في موضعها عندما نأتي‬

‫قال‪ :‬والسنن التابعة للفرائض سبعة عشر ركعة‪:‬‬


‫ركعتا الفجر‪ :‬والمقصود قبل الصبح‪ ،‬وهي تصلى قبل صالة الصبح‪.‬‬
‫وقال عنها النبي ﷺ‪” :‬ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها“‪.‬‬
‫وأربع قبل الظهر وركعتان بعدها‪ :‬والمقصود بأرب ِع ر ٍ‬
‫كعات قبل الظهر‪ :‬تصلى ركعتين ركعتين‪.‬‬
‫فإن صالها كالظهر فال حرج فقد صالها ابن عمر‪ ،‬لكن األولى أن تكون مثنى مثنى‪.‬‬

‫وأربع قبل العصر‪ :‬وهذا فيه قول النبي ﷺ‪” :‬رحم اهلل ً‬
‫امرءا صلى قبل العصر أر ًبعا“‪.‬‬
‫وثالث بعد العشاء يوتر بواحدة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وركعتان بعد المغرب‪،‬‬
‫صنِّف ‪ ‬لم يبين المؤكدة من غير المؤكدة‪.‬‬
‫والمقصود هنا أن ال ُْم َ‬

‫ش ُر ركعات‪:‬‬
‫وبيانه أن المؤكد منها َع َ‬
‫‪ -‬ركعتان قبل الصبح‪.‬‬
‫‪ -‬وركعتان قبل الظهر‪.‬‬
‫‪ -‬وركعتان بعدها‪.‬‬
‫‪ -‬وركعتان بعد المغرب‪.‬‬
‫‪ -‬وركعتان بعد العشاء‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫لحديث ابن عمر قال‪” :‬صليت مع النبي ﷺ قبل الظهر ركعتين‪ ،‬وركعتين بعدها‪ ،‬وركعتين بعد المغرب‪ ،‬وركعتين بعد‬
‫العشاء“‪.‬‬
‫وذكر ركعتين قبل الفجر كانت ساعة ال يدخل على النبي ﷺ وذكر أن حفصة حدثته بذلك‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬بل المؤكد منها اثنتي عشر ركعة‬
‫ٍ‬
‫لحديث النبي ﷺ ”من صلى هلل ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُني له ٌ‬
‫بيت في الجنة“‪.‬‬
‫وزاد على هذا ذكر فقال‪” :‬أربع قبل الظهر“‪.‬‬
‫ضا ال بأس أن يزيد ركعتين بعد الظهر‪ ،‬فيصير أَ ْربَـ ًعا قبله وأ َْربَع ًة بعده‪.‬‬
‫وأَيْ ً‬
‫ِ‬
‫لحديث‪” :‬من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه اهلل على النار“‪.‬‬
‫بع قبل العصر‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأر ٌ‬
‫امرءا صلى قبل العصر أر ًبعا“‪.‬‬
‫كما ذكرنا لخبر عمر‪” :‬رحم اهلل ً‬

‫قال الشارح ‪ :‬ومن غير المؤكد‪ :‬ركعتان خفيفتان قبل المغرب‪.‬‬


‫قال‪ :‬ففي الصحيحين من حديث أنس‪” :‬أن كبار الصحابة كانوا يبتدرون السواري لهما“‪.‬‬
‫ضا عندنا قول النبي ﷺ‪” :‬صلوا قبل المغرب‪ ،‬صلوا قبل المغرب‪ ،‬وقال في الثالثة‪ :‬لمن شاء“‪.‬‬
‫وأَيْ ً‬
‫كذلك يُ َس ّن ركعتين قبل العشاء لخب ِر‪” :‬بين كل أذانين صالة“‪.‬‬
‫والمقصود هنا األذان واإلقامة‪.‬‬
‫صنِف‪ :‬والجمعة كالظهر فيما مر‪،‬‬
‫قال ال ُْم َ‬
‫فيصلي قبلها أ َْربَـ ًعا وبعدها أ َْربَـ ًعا‪.‬‬
‫لخبر مسلم‪” :‬إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أ َْربَـ ًعا“‪.‬‬
‫وخبر ابن مسعود‪” :‬أنه كان يصلي قبل الجمعة أ َْربَـ ًعا‪ ،‬وبعدها أ َْربَـ ًعا“؛ والظاهر أنها توقيف‪.‬‬
‫والصحيح من ذلك وهذا هو المذهب‪ ،‬والذي يظهر لنا أن الجمعة ال سنة قبلها‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويوتر بواحدة منهن‪ .‬أي مما سبق وأشرنا إليه‪.‬‬
‫وذكر أنه ال تسن له الجماعة‪ ،‬أي‪ :‬الوتر‪ ،‬وأقله ركعة‪.‬‬
‫لخبر مسلم أن النبي ﷺ قال‪” :‬الوتر ركعةٌ من آخر الليل“‪.‬‬
‫وبين جابر أنه ﷺ أوتر بواحدة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وال كراهة في االقتصار عليها خالفًا لما في (الكفاية)‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫تسع‪ ،‬ثم إحدى عشرة وهي أكثرهُ؛ لألخبار الصحيحة‬
‫سبع‪ ،‬ثم ٌ‬
‫خمس‪ ،‬ثم ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ثالث‪ ،‬وأكمل منه‬
‫وقال أبو الطيب‪ :‬وأدنى الكمال ٌ‬
‫منها‪:‬‬
‫خبر عائشة أنها قالت‪” :‬ما كان رسول اهلل ﷺ يزيد في رمضان وال غيره على إحدى عشرة ر ٍ‬
‫كعة“‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وال تصح الزيادة عليها كسائر الرواتب‪.‬‬
‫ووقته (أي قيام الليل والوتر من صالة العشاء) إلى طلوع الفجر الثاني‪.‬‬

‫وبين أن النبي ﷺ قال‪” :‬إن اهلل أمدكم بصالة هي ٌ‬


‫خير لكم من حمر النعم‪ ،‬وهي الوتر‪ ،‬فجعلها لكم من العشاء إلى طلوع‬
‫الفجر“‪.‬‬
‫جعل آخر صالة الليل ِوتْـ ًرا‪ ،‬لحديث الصحيحين أن النبي ﷺ قال‪” :‬اجعلوا آخر صالتكم من الليل ِوتْـ ًرا“‪.‬‬
‫ويسن ُ‬
‫ضا في صالة الوتر القنوت‪.‬‬
‫كذلك قال‪ :‬وثالث نوافل مؤكدات‪ .‬أي ويندب أَيْ ً‬
‫كما صح عن الحسن أن النبي ﷺ علمه كلمات يقولها في الوتر‪.‬‬
‫ِ‬
‫كقنوت الصبح في لفظه ومحله والجهر به‪ ،‬ويسن‬ ‫صنِف أنه على المذهب‪ :‬يندب في النصف الثاني من رمضان‪ ،‬وهو‬
‫وذكر ال ُْم َ‬
‫جماعةً في ِوتْر رمضان‪ ،‬أي‪ :‬بعد القيام من الركوع في الركعة الثانية‪.‬‬

‫ِ‬
‫والنوافل المؤكدة بعد الرواتب)‪ ،‬قال‪ :‬ثالثة‪:‬‬‫(‬

‫‪« ‬صالة الليل»‪.‬‬


‫ِ‬
‫لمواظبته عليه ﷺ‪.‬‬ ‫وهو التهجد ولو عبر به لكان أولى‪ ،‬أي بالتهجد‬
‫ك﴾ [اإلسراء‪]٧٩ :‬‬ ‫لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وِم َن اللَّْي ِل فَـتَـ َه َّج ْد بِ ِه نَافِلَةً لَّ َ‬
‫وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬كانُوا قَلِ ًيال ِّم َن اللَّْي ِل َما يَـ ْه َجعُو َن﴾ [الذاريات‪.]١٨ :‬‬
‫والمقصود به رفع النوم بالتكلف‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬هو صالة التطوع في الليل بعد النوم؛ قاله القاضي‪ ،‬سمي بذلك لما فيه من ترك النوم‪.‬‬
‫ً‬
‫ويسن للمتهجد بالليل القيلولة وهي النوم قبل الزوال‪ ،‬وهي بمنزلة السحور للصائم‪.‬‬
‫لقوله ﷺ‪” :‬استعينوا بالقيلولة على قيام الليل“‪.‬‬

‫‪ ‬ثم قال‪« :‬وصالة الضحى»‪ ،‬وهي النافلة الثانية‪.‬‬


‫قال‪ :‬وأقلها ركعتان‪ ،‬وأكثرها ثَم ٍ‬
‫ان كما في (المجموع) عن األكثرين‪ ،‬وهو الصحيح أن أكثر الضحى ثَ َمان ركعات‪.‬‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬وهو المعتمد‪.‬‬
‫وفي (المنهاج) قال إن أكثرها اثنتا عشرة ركعة‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫وقال في (الروضة)‪ :‬أفضلها ثَ َمان‪ ،‬وأكثرها اثنتا عشرة‪.‬‬
‫والصحيح‪ :‬األول ثمان ركعات‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويسن أن يسلم من كل ركعتين‪.‬‬
‫إذن صالة الضحى مثنى مثنى يصلي ركعتين ويسلم‪ .‬أقلها ركعتين‪ ،‬وأكثرها ثمان‪ ،‬وقيل اثنتا عشرة ركعة‪.‬‬
‫ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال‪.‬‬
‫واالختيار فعلها عند مضي ربع النهار‪ ،‬وهو وقت ترمض فيه الفصال‪.‬‬
‫كما أخبر النبي ﷺ‪” :‬تلك صالة األوابين“‪.‬‬

‫‪ ‬قال‪« :‬الثالثة صالة التراويح»‪.‬‬


‫وهي عشرون ركعة‪ ،‬واتفقوا على سنيتها وعلى أنها المراد من قوله‪:‬‬
‫سابًا غفر له ماتقدم من ذنبه“‪ .‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫”من قام رمضان إيمانًا ْ ِ‬
‫واحت َ‬ ‫َ‬
‫إيمانًا‪ :‬أي تصدي ًقا به أنه ح ًقا ُم ْعتَ ِق ًدا أفضليته‪.‬‬
‫وقوله َ‬
‫صا‪.‬‬ ‫ِْ‬
‫سابًا‪ :‬أي إ ْخ َال ً‬
‫واحت َ‬
‫قال‪ :‬والمقصود بالمغفور هو الصغائر دون الكبائر‪.‬‬
‫قال‪ :‬وتسن الجماعة فيها؛ ألن عمر ‪ ‬جمع الناس على قيام شهر رمضان‪ ،‬وجمع الرجال على أبي بن كعب‪ ،‬و‬
‫جمع النساء على سليمان بن أبي حثمة‪.‬‬
‫وسميت كل أرب ٍع منها ترويحة؛ ألنهم كانوا يتروحون عقبها‪ ،‬أي كانوا يستريحون‪.‬‬
‫قال‪ :‬والسر في كونها عشرين؛ ألن الرواتب أي المؤكدات في غير رمضان عشر ركعات فضعفت‪.‬‬
‫قال‪ :‬وألنه وقت ٍ‬
‫جد و تشمير‪.‬‬
‫قال‪ :‬وألهل المدينة الشريفة فعلها ست وثالثين؛ ألن العشرين خمس ترويحات فكان أهل مكة يطوفو َن بين كل‬
‫أسبوع ترويحة ليساووهم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ترويحتين سبعة أشواط‪ ،‬فجعل ألهل المدينة بدل كل‬
‫وال يجوز لغيرهم كما قاله الشيخان‪ :‬ألن ألهلها شرفًا بهجرته ودفنه فيها ﷺ‪.‬‬
‫ِ‬
‫بالشيخان الرافعي والنووي)‪.‬‬ ‫(والمقصود‬
‫قال‪ :‬وفعلها بالقرآن في جميع الشهر أفضل من تكرير سورة اإلخالص‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬قال‪ :‬سورة اإلخالص؛ ألنها تعدل ثلث القرآن‪.‬‬
‫طلوع الفجر الثاني‪ .‬وال تصح ٍ‬
‫بنية مطلقة بل ينوي ركعتين من التراويح أو من قيام‬ ‫قال‪ :‬ووقتُها بين صالة العشاء و ِ‬
‫ٍ‬
‫بتسليمة لم تصح‪ ،‬ألنه خالف المشروع بخالف سنة الظهر والعصر‪.‬‬ ‫الليل‪ ،‬ولو صلى أر ًبعا‬

‫‪124‬‬
‫قال الشارح‪ :‬بعض الفوائد على الباب‪:‬‬
‫‪ -‬الفائدة األولى‪ :‬قال يدخل وقت الرواتب التي قبل الفرض بدخول وقت الفرض‪ ،‬والتي بعده بفعله‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويخرج وقت النوعين بخروج وقت الفرض‪.‬‬
‫يعني ال يصلي سنة الظهر القبلية إال إذا أذن الظهر‪ ،‬وال يصلي سنة الظهر البعدية إال إذا صلى الظهر‪.‬‬
‫‪ -‬الفائدة الثانية‪ :‬ومن القسم الذي ال تندب فيه صالة الجماعة «تحية المسجد»‬
‫نفل آخر‪ ،‬وتتكرر بتكرار الدخول عن ٍ‬
‫قرب‪ ،‬وتفوت بجلوسه‬ ‫وهي ركعتان قبل الجلوس لكل داخل‪ ،‬وتحصل ٍ‬
‫لفرض أو ٍ‬
‫سهوا وقصر الفصل‪ ،‬وتفوت بطول الوقوف كما أفتى بعض المتأخرين‪.‬‬
‫قبل فعلها‪ ،‬وإن قصر الفصل إال أن جلس ً‬
‫أربع‪ :‬تحية المسجد للصالة‪ ،‬وتحية البيت بالطواف‪ ،‬وتحية الحرم باإلحرام‪ ،‬وتحية منى‬
‫قال اإلسناوى‪ :‬التحيات ٌ‬
‫بالرمي‪.‬‬
‫وزيد عليه‪ :‬تحية عرفة بالوقوف‪ ،‬وتحية لقاء المسلم بالسالم‪.‬‬

‫قال‪ :‬ومن القسم الذي ال تسن فيه الجماعة «صالة التسابيح»‬


‫وهي أربع ركعات (كل ذلك للشارح)‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهي أربع ركعات يقول فيها ِ‬
‫ثالث مائة مرة‪:‬‬
‫سبحان اهلل‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬وال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكبر‪ ،‬بعد التحريم‪.‬‬
‫وقبل القراءة خمس عشر مرة‪،‬‬
‫عشرا‪،‬‬
‫عشرا وفي الركوع ً‬
‫وبعد القراءة وقبل الركوع ً‬
‫وكذلك في الرفع منه وفي السجود والرفع منه والسجود الثاني‪ ،‬فهذه خمس وسبعون في أربع ِ‬
‫لثالث مائة‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫قال‪ :‬ومن الصالة التي ال تسن لها الجماعة «صالة األوابين»‬
‫شاء أو ٍ‬
‫نوم أو نحو ذلك‪ ،‬وهي عشرون ركعة بين المغرب والعشاء‬ ‫وتسمى صالة الغفلة لغفلة الناس عنها‪ ،‬بسبب ع ٍ‬
‫َ‬
‫وأقلها ركعتان‪.‬‬
‫وذكر فيه حديث الترمذي وإن كان الحديث ضعي ًفا ال يثبت‪” :‬من صلى ست ر ٍ‬
‫كعات بين المغرب والعشاء كتب اهلل له عبادة‬
‫اثنتي عشرة سنة“‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومما ال يسن له الجماعة‪:‬‬
‫‪ -‬وِركعتا الوضوء‪.‬‬ ‫‪ -‬وركعتا الطواف‪.‬‬ ‫‪ -‬ركعتا اإلحرام‪.‬‬
‫‪ -‬وركعتا التوبة‪.‬‬ ‫‪ -‬ركعتا الحاجة‪.‬‬ ‫‪ -‬وِركعتا االستخارة‪.‬‬
‫‪ -‬وعند دخوله‪.‬‬ ‫‪ -‬وركعتان عند الخروج من المنزل‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫‪ -‬وعند مروره ٍ‬
‫بأرض لم يمر بها قط‪.‬‬ ‫‪ -‬وعند الخروج من مسجد رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫‪ -‬وركعتان فى المسجد إذا قدم من سفر‪.‬‬ ‫‪ -‬وركعتان عقب الخروج من الحمام‪.‬‬
‫‪ -‬وركعتان عند القتل إن أمكنه‪.‬‬
‫‪ -‬وركعتان إذا عقد على امر ٍأة وزفت إليه‪ .‬إذ يسن لكل منهما قبل الوقاع أن يصلى ركعتين‪.‬‬
‫وأدلة هذه السنن مشهورة ال يحتملها شرح هذا الكتاب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فمن هذه الركعات التي ذكرنا ما ثبت عليها الدليل‪:‬‬
‫‪ -‬والوضوء‪،‬‬ ‫‪ -‬كركعتَي الطواف‪،‬‬
‫‪ -‬والحاجة‪،‬‬ ‫‪ -‬واالستخارة‪،‬‬
‫ضا عند القتل‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلك أي ً‬ ‫‪ -‬والتوبة‪،‬‬

‫وهناك ما لم يثبت دليلها‪:‬‬


‫‪ -‬وعند الدخول‪،‬‬ ‫‪ -‬كعند الخروج من المنزل‪،‬‬
‫‪ -‬وعند الخروج من مسجد رسول اهللﷺ‪ - ،‬والمرور بأرض لم يمر بها‪،‬‬
‫‪ -‬وركعتان عقب الخروج من الحمام‪ ،‬كل ذلك ال يثبت فيه دليل عن النبي ﷺ‪.‬‬

‫ضا ذكر أن من أفضل القسم الذي ال تسن فيه الجماعة الوتر‪ ،‬ثم ركعتا الفجر‪ ،‬ثم باقى الرواتب‪.‬‬
‫كذلك أي ً‬
‫قال‪ :‬وأفضل القسم الذي تسن له الجماعة «صالة العيدين»‬
‫موضوع استكثر أو استقل منها“‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وكذلك أن النبي ﷺ ذكر حديثًا عاما ألبي ذر حينما قال له‪” :‬الصالة ٌ‬
‫خير‬
‫فينبغي عليك أن تكثر من النوافل‪.‬‬

‫قال‪ :‬ولم يتعرض المصنف لسجدة التالوة والشكر‪.‬‬


‫ثم ذكرها فبين سجدات التالوة المشروعة في القرآن الكريم وبين أنها أربع عشرة سجدة‪ :‬سجدتا الحج‪ ،‬وكذلك‬
‫ثالث في المفصل في‪ :‬النجم‪ ،‬واالنشقاق‪ ،‬واقرأ‪ .‬وهذه السجدات هي التي فيها خالف بين العلماء‪.‬‬
‫ٌ‬
‫قال‪ :‬والبقية في‪ :‬األعراف‪ ،‬والرعد‪ ،‬والنحل‪ ،‬واإلسراء‪ ،‬ومريم‪ ،‬والفرقان‪ ،‬والنمل‪ ،‬وألْم تنزيل أي «السجدة»‪ ،‬وحم‬
‫ضا فصلت‪ ،‬واختلفوا منها في سجدة «ص»‪.‬‬
‫السجدة‪ ،‬وأي ً‬
‫وتسن كذلك سجدة الشكر لفعل النبي ﷺ‪ ،‬وفعل أبي بك ٍر ‪.‬‬
‫هذا وسبحانك اللهم بحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت نستغفرك ونتوب إليك‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫المحاضرة العـاشـرة‬

‫اليوم إن شاء اهلل تعالى ما زلنا في‪ :‬صفة صالة النبي ﷺ‬


‫وفي هذه المحاضرة سوف نتناول‪ :‬شروط الصالة وأركانها‪.‬‬
‫وكما تعلمون أننا شرعنا في بيان صفة صالة النبي ﷺ وتكلمنا عن الصلوات وأنواعها‪.‬‬
‫واليوم إن شاء اهلل تعالى نشرع في بيان الصفة‪.‬‬
‫وقبل الدخول في الصالة ال بد من تحصيل الشروط‪.‬‬
‫والشرط كالركن في أنه ال بد منه‪.‬‬
‫ويفارقه أن الشرط يتقدم العمل‪ ،‬أما الركن فهو ما تشتمل عليه الصالة‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬الشرط»‪ :‬أي‪ :‬ما يلزم من عدمه العدم‪ ،‬وال يلزم من وجوده وجو ٌد وال عدم‪.‬‬
‫قال الماتن‪« :‬وشرائط الصالة قبل الدخول فيها خمسة أشياء»‪:‬‬
‫‪ -‬طهارة األعضاء من الحدث والنجس‪.‬‬
‫‪ -‬وستر العورة ٍ‬
‫بلباس طاهر‪.‬‬
‫‪ -‬والوقوف على ٍ‬
‫مكان طاهر‪.‬‬
‫‪ -‬والعلم بدخول الوقت‪.‬‬
‫‪ -‬واستقبال القبلة‪ ،‬ويجوز ترك القبلة في حالتين‪ :‬في شدة الخوف‪ ،‬وفي النافلة في السفر‪.‬‬
‫هذه شروط صحة الصالة التي اختارها الماتن ‪.‬‬
‫قال الشارح‪ ،‬أي صاحب كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع] وهو اإلمام محمد بن أحمد الخطيب الشربيني رحم اهلل‬
‫الجميع‪ .‬قال‪:‬‬
‫الشرط لغًة‪ :‬هو العالمة‪ ،‬ومنه أشراط الساعة أي عالماتها‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬ما يلزم من عدمه العدم‪ ،‬وال يلزم من وجوده وجو ٌد وال عدم‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪« :‬خمسة أشياء» أي قبل الدخول في الصالة ال بد من تحصيل هذه الخمس‪.‬‬

‫«األول طهارة األعضاء من الحدث»‪.‬‬


‫يقصد هنا الحدث األصغر‪ ،‬واألكبر من باب أولى‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪” :‬ال يقبل اهلل صالة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ‪ ،‬أو حتى يتطهر“‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫متطهرا عند إحرامه‪ ،‬لم تنعقد الصالة وال‬
‫ً‬ ‫وهنا ال بد من قيد هذه المسألة؛ لقولنا مع القدرة على الطهارة‪ ،‬فإذا لم يكن‬
‫كالمستحاضة‪ ،‬وسلس البول‪ ،‬وانفالت الريح‪.‬‬
‫دائم ُ‬
‫حدث ٌ‬
‫تصح‪ ،‬لكن قلنا مع القدرة لمن به ٌ‬
‫والحدث لغةً‪ :‬الشيء الحادث‪.‬‬
‫أمر اعتباري يقوم باألعضاء يمنع من صحة الصالة‪.‬‬
‫واصطالحا‪ٌ :‬‬
‫ً‬
‫قال‪« :‬من طهارة الحدث والنجس»‪.‬‬
‫والمقصود بالنجس‪ :‬الذي ال يعفى عنه في ثوبه أو بدنه‪ ،‬حتى أن العلماء شددوا‬
‫قالوا‪ :‬حتى داخل الفم واألنف والعين‪.‬‬
‫مبطال‪.‬‬
‫قال‪ :‬فال تصح صالة مع ذلك ولو مع جهله بوجوده وبكونه ً‬
‫لقوله تعالى ﴿ َوثِيَابَ َ‬
‫ك فَطَ ِّه ْر﴾ [المدثر‪،]٤:‬‬
‫جاهال ال يعلم‪ ،‬أو ال يعلم أن ذلك مبطل فالصالة صحيحة‪.‬‬
‫لكن الصحيح أنه إذا كان ً‬
‫فالمذهب على قطع موضعه إن‬
‫ماء يغسله به‪َ ،‬‬
‫وبين ذلك‪ ،‬قال‪ :‬ولو تنجس ثوبه بما ال يعفى عنه ولم يجد ً‬
‫وهنا قاسه‪َ ،‬‬
‫ُجرة ٍ‬
‫ثوب يصلي فيه‪ ،‬هكذا ذكره الشيخان‪.‬‬ ‫لم تنقص هذه من قيمته بالقطع‪ ،‬أو كان ذلك أكثر من أ ْ َ‬
‫ُج َرة غسله عند الحاجة‪.‬‬
‫كذلك لو كان ال ينقصه أكثر من ثمن الماء لو اشتراه مع أ ْ‬
‫ونجس من ثوبين أو بيتين‪ ،‬اجتهد فيهما للصالة وصلى فيما ظنه الطاهر من الثوبين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫طاهر‬
‫قال‪ :‬ولو اشتبه عليه ٌ‬

‫هنا َم ْسأَلَةٌ مهمة وهي ‪ :‬أن اإلنسان يتحرى لطهارته‪ ،‬ويتحرى لعدم التلبس بالنجاسة‪ ،‬فإن اجتهد وصلى في أحد الثوبين‬
‫اجتهادا آخر]‪.‬‬
‫ً‬ ‫ال يجب عليه اإلعادة؛ إذ‪[ :‬ال ينقض االجتهاد‬
‫فإن اجتهد مرًة أخرى بين الثوبين فتغير اجتهاده صلى في الذي تغير إليه االجتهاد وال يلزمه أن يُعيد‪.‬‬

‫قال‪« :‬وستر العورة»‪ :‬أي‪ :‬سترها عن العيون ولو كان خاليًا في ظلمة عند القدرة‪.‬‬
‫آد َم ُخ ُذوا ِزينَتَ ُك ْم ِعن َد ُك ِّل َم ْس ِج ٍد﴾ [األعراف‪]٣١ :‬‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬يَا بَنِي َ‬
‫عباس ‪ :‬المراد به الثياب في الصالة‪.‬‬ ‫قال ابن ٍ‬
‫قال‪ :‬فإن عجز وجب أن يصلي عريانًا ويتم الركوع والسجود وال إعادة عليه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كاغتسال ونحوه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لحاجة‬ ‫ضا ولو في الخلوة إال‬
‫ويجب ستر العورة في غير الصالة أي ً‬
‫وقال بعضهم‪ :‬يجوز كشف العورة في الخلوة وال حرج في ذلك‪.‬‬
‫وبعضهم يقول‪ :‬إذا كان كشف العورة بغرض التبريد أو صيانة الثوب من األدناس أو الغبار أو غير ذلك فال حرج‪.‬‬

‫قال‪« :‬وعورة الذكر ما بين سرته وركبتيه»‬


‫زوج أح ُدكم أمتهُ عب َدهُ أو ِ‬
‫أج َيرهُ فال تَنظُر (أي‪ :‬األمة) إلى عورته“‪.‬‬ ‫لخبر البيهقي‪ ،‬قول النبي ﷺ‪” :‬إذا َّ َ‬

‫‪128‬‬
‫كبة‪.‬‬‫الس َّرةِ ُّ‬
‫والر ِ‬ ‫والعورة‪ :‬ما بين ُّ‬
‫وهنا المقصود به‪ :‬ستر العورة وحجبها عن عيون الناس‪.‬‬
‫ين ِزينَتَـ ُه َّن إَِّال َما ظَ َه َر ِم ْنـ َها﴾‬ ‫ِ‬
‫ظاهرا وباطنًا إلى الكوعين‪ ،‬لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وَال يـُْبد َ‬
‫وعورة الحرة غير الوجه والكفين ً‬
‫ومعناه الوجه والكفان‪.‬‬
‫ازهما‪.‬‬
‫وقال العلماء‪ :‬لم يكونا عورة؛ ألن الحاجة تدعو إلى إبر ُ‬
‫كثير من أهل العلم‪ :‬إن المرأة كلها عورة حتى الوجه والكفين في خارج الصالة‪ ،‬وأما في الصالة فال حرج في‬
‫وقال ٌ‬
‫كشف الوجه والكفين‪.‬‬
‫ويجب ستر العورة من أعالها وجوانبها ال من أسفلها‪ ،‬ولو كان المصلي امرأ ًة فلو برزت عورتها بطلت صالتها‪.‬‬
‫بلباس طاهر حيث قدر عليه‪ ،‬فإن عجز أو وجد متَـنَ ِّجسا و عجز عن ما يطَ ِّهره به‪ ،‬أو حبِس في م َك ٍ‬
‫ان نجس‬ ‫قال‪ٍ « :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ ً‬
‫وليس معه إال ثوب ال يكفيه للعورة وللمكان صلى عريانًا في هذه الصورة»‪.‬‬
‫لكن هل يعيد؟ على قولين‪ :‬الراجح أنه ال إعادة عليه‪.‬‬
‫قهرا‪ ،‬بل يصلي َعا ِريًا وال إعادة»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قال‪« :‬ولو وجد ثوبًا لغيره ُحرم عليه لبسه وأخذه منه ً‬
‫َع َارهُ لزمه أن يقبله‪ ،‬قال‪ :‬فإن لم يقبله وصلى ع ِريانًا لم تصح الصالة»‪.‬‬
‫قال‪« :‬ولو أ َ‬
‫كل هذه مسائل ُم َف َّر َعةٌ على ستر العورة‪.‬‬

‫قال‪« :‬والوقوف على م َك ٍ‬


‫ان طاه ٍر»‪.‬‬ ‫َ‬
‫أي‪ :‬ال تصح صالة الشخص على المكان الذي فيه نجاسة‪ ،‬سواء كان قَائِما أو راكِعا أو قَ ِ‬
‫اع ًدا أو س ِ‬
‫اج ًدا‪ ،‬بل ال بد‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫ً‬
‫من طهارة المكان‪.‬‬

‫قال‪« :‬والعلم بدخول الوقت»‪.‬‬


‫شرعا كما سبق في حديث جبريل‪،‬‬
‫أي‪ :‬وقت الصالة المحدد ً‬
‫ِ‬
‫كأوقات الصلوات الخمسة‪.‬‬ ‫أصلي‬
‫وقت ٌ‬‫سواء كان ٌ‬
‫أو َوقت عذر‪ :‬كأوقَات تقديم الصالة أو تأخيرها‪.‬‬
‫حبس في موض ٍع مظلم‪ ،‬أو عدم ثقة يخبره عن ٍ‬
‫علم اجتهد‪.‬‬ ‫فال بد من العلم بدخول الوقت‪ ،‬فإن منع لعارض ٍ‬
‫غيم‪ ،‬أو ٍ‬
‫مثال‪ ،‬وإال فوجوبًا يصلي على غلبة الظن‪.‬‬
‫فإن قدر على اليقين بالصبر أو الخروج ورؤية الشمس ً‬
‫ومثله األعمى إذا لم يجد من يخبره عمل بغلبة الظن‪ ،‬حتى يقدر على اليقين‪ ،‬كأن يخبره ثقة‪ ،‬أو رفي ًقا بدخول وقت‬
‫الصالة‪ ،‬أو بمشاهدة‪ ،‬أو بسماع أذان‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ومثله في استقبال القبلة أنه يجتهد ويحاول أن يصلي إليها‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫قال الرافعي‪ :‬يجوز في الصحو دون الغيم‪.‬‬
‫أي‪ :‬يجوز للبصير أن يقلد المؤذن الثقة؛ ألنه مجتهد‪.‬‬
‫قال في هذا‪« :‬الراجح من أقوال أهل العلم أنه يبني على غلبة الظن»‪.‬‬

‫قال‪« :‬الخامس استقبال القبلة»‪.‬‬


‫واجب في الحضر‪ ،‬وفي السفر في الفريضة‬
‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫لقوله ﷺ للمسيء في صالته‪” :‬إذا قمت إلى الصالة فأسبغ الوضوء‪ ،‬ثم استقبل القبلة“‪ .‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وفعله ﷺ وقوله‪” :‬صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي“‪.‬‬
‫جزءا منها‪.‬‬
‫فاستقبال القبلة شرط‪ ،‬وإذا كان يرى الكعبة فاستقبَال جهتها واجب‪ ،‬وال يجوز أن يستقبل ً‬
‫ُ‬
‫إجماعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وال تصح الصالة بدون استقبالها‬
‫ِ‬
‫كالنافلة في استقبال عين الكعبة‪ ،‬وال فرق في القرب والبعد إذا كان يراها؛ ولذلك نرى أن الصالة حول‬ ‫والفرض‬
‫ُ‬
‫الكعبة تشبه الدائرة أو يشبه الصف الدائرة؛ ألنه يستقبل القبلة‪.‬‬
‫أما إذا كان ال يراها فيكفي الجهة‪.‬‬
‫لقوله ﷺ‪” :‬ما بين المشرق والمغرب قبلة“‪.‬‬

‫ط سادس أسقطه المصنف‪ ،‬وهو‪« :‬العلم بكيفية الصالة» بأن يعلم فرضيتها ويميز الفرض من‬
‫العلماء يقولون‪ :‬هناك شر ٌ‬
‫السنة وهكذا‪.‬‬

‫قال‪« :‬ويجوز ترك القبلة في حالتين في شدة الخوف»‬


‫أي‪ :‬يجوز للمصلي أن يترك استقبال القبلة في حالتين‪:‬‬
‫« األولى‪« :‬شدة الخوف فيما يباح من ٍ‬
‫قتال»‪ ،‬أو فرا ٍر‪ ،‬أو غيره‪ ،‬سواء كانت فريضة أو نافلة‪.‬‬
‫لقوله تعالى‪﴿ :‬فَِإ ْن ِخ ْفتُ ْم فَ ِر َج ًاال أ َْو ُرْكبَانًا﴾‬
‫قال ابن عمر ‪( :‬مستقبلي القبلة وغير مستقبليها)‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫قال في (الكفاية)‪ :‬إن قدر أن يصلي قائ ًما إلى غير القبلة وراكبًا إلى القبلة‪ ،‬وجب االستقبال راكبًا‪.‬‬
‫لماذا؟ ألنه آكد من القيام‪.‬‬
‫« الثانية‪« :‬في النافلة في السفر على الراحلة»‪.‬‬
‫أي‪ :‬يجوز له كذلك ترك استقبال القبلة في السفر إذا كان يصلي نافلة‪.‬‬
‫لفعل النبي ﷺ كما في حديث جابر ‪ ‬أنه قال‪” :‬كان رسول اهلل ﷺ يصلي على راحلتِه ُ‬
‫حيث‬
‫هت به‪ ،‬أي‪ :‬في ٍ‬
‫جهة مقصده‪ ،‬فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة“‪.‬‬ ‫توج ْ‬
‫َّ‬

‫‪130‬‬
‫قياسا على الراكب بل أولى»‪.‬‬
‫قال‪« :‬وكذلك الماشي ً‬
‫قال الشارح ‪« :‬والحكمة في ذلك التخفيف‪ ،‬أن الناس محتاجون إلى األسفار‪ ،‬فلو ُش ِر َ‬
‫ط فيها االستقبال‬
‫للنفل ألدى إلى ترك أ َْوَر ِاد ِهم أو مصالح معايشهم»‪.‬‬
‫فخرج بذلك‪ :‬النفل في الحضر فال يجوز أن يصليها لغير القبلة‪.‬‬

‫ثم انتقل المصنف ‪ ‬إلى بيان‪ :‬أركان الصالة‪.‬‬


‫فصل في أركان الصالة‪.‬‬
‫قال الماتن‪ٌ :‬‬
‫قال‪ :‬وأركان الصالة ثمانية عشر ركنًا‪.‬‬
‫قال الشارح‪ :‬أركان الصالة ثمانية عشرة‪ ،‬هذا ما ف ي [التنبيه] بجعل الطمأنينة في الركوع‪ ،‬واالعتدال‪ ،‬والجلوس بين‬
‫الس ْج َدتَـ ْين‪ ،‬ونية الخروج أ َْرَكانًا‪ ،‬فَـيُـ َع ّد الطُّ َمأْنِينَة في كل ركن ركنًا مستقال‪.‬‬
‫الس ْج َدتَـ ْي ِن‪ ،‬وفي َّ‬
‫َّ‬
‫وفي بعض النسخ‪ :‬سبعة عشر بدل ثمانية‪.‬‬

‫قال‪ :‬وهو ما في [الروضة] و[التحقيق]‪ ،‬ألن األصح أن نية الخروج ال تجب‪ ،‬أي‪ :‬ليست بركن‪.‬‬

‫وقال‪ :‬في [المنهاج] ثالثة عشر وهو في [المحرر]‪ ،‬فجعل الطمأنينة ركنا واحدا بدل تكراره‪.‬‬
‫وجعلها في [الحاوي] أربعة عشر فزاد الطمأنينة‪ ،‬إال أنه جعلها في األركان األربعة ركنًا واح ًدا‪.‬‬
‫خالف لفظي حيث ال فرق ب ين كونها أربعة عشر‪ ،‬أو ثمانية عشر‪ ،‬أو سبعة عشر‪ ،‬فإما أن يجعل‬ ‫ٌ‬ ‫والخالف في كل ذلك‬
‫الطمأنينة جزءا من ركن‪ ،‬وإما أن يجعلها ُرْكنًا ُم ْستَ ِق ًّال‪ ،‬أو يجعلها هيئة تابعة لألركان‪ ،‬وهذا كله ال غضاضة فيه‪.‬‬
‫ألن النبي ﷺ قال‪” :‬إذا قمت إلى الصالة“‪.‬‬
‫استِ ْد َال ًال بقول النبي ﷺ أنه كررها فيما كرر من األركان‪.‬‬
‫ومن عدها أ َْرَكانًا فذلك ْ‬
‫وقيل‪ :‬هي شرطٌ؛ ألنها عبادةٌ‪ ،‬وعبارةٌ عن قصد فعل الصالة‪.‬‬

‫أوال‪« :‬النية»‪.‬‬
‫والنية األصل أن محلها القلب‪ ،‬وال يشرع التلفظ بها كما ذكرنا ذلك ساب ًقا‪ ،‬وهي واجبةٌ في الصالة‪.‬‬
‫واختلف العلماء‪ :‬هل هي ركن أم شرط؟‬
‫فمن جعلها شرطا جعلها خارج الصالة؛ ولذلك قال الغزالي‪ :‬هي بالشرط أشبه‪.‬‬
‫والبعض جعلها ركنا؛ ألنها تستمر من أول الفعل إلى آخره‪ ،‬وال خالف في اشتراط النية في ذلك‪.‬‬
‫َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ِّين﴾‪.‬‬ ‫واألصل فيها قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وَما أُم ُروا إ َّال ليَـ ْعبُ ُدوا الل َه ُم ْخلص َ‬
‫ين لَهُ الد َ‬
‫والمقصود باإلخالص في كالمهم‪ :‬النية‬

‫‪131‬‬
‫ولحديث عمر ‪ ‬أن النبي ﷺ قال‪” :‬إنما األعمال بالنيات وإنما لكل امر ٍئ ما نوى“‪.‬‬
‫قال الشارح ‪« :‬وأجمعت األمة على اعتبار النية في الصالة»‪،‬‬
‫ضاء أو غير ذلك وجبت النية لتمييز العبادة؛‬
‫نذرا أو ق ً‬
‫فرضا أو ً‬
‫وبدأ بها ألنها ال تنعقد إال بها‪ ،‬فلو أراد أن يصلي ً‬
‫ولتميي ِزها عن سائر الصلوات وعدد الركعات ونحو ذلك‪.‬‬
‫فهذه الشروط وهذه األركان ال بد من تحصيلها‪.‬‬
‫ولذلك قال العلماء إن النية وإن كانت محلها القلب لكن ال بد من استحضارها‪ ،‬كنية استقبال القبلة وعدد الركعات‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫قال‪« :‬وتصح نية األداء بنية القضاء وعكسه‪ ،‬وال يضر سبق لسان‪ ،‬إنما يقصد ما نوى»‪.‬‬
‫فلو كان يصلي الظهر‪ ،‬وأراد أن يصلي الظهر وقال نويت العصر‪ ،‬مع اعتبارنا أن النية محلها القلب‪.‬‬
‫وإذا أراد الفريضة وجاء المسجد ودخل فى وقتها ال يلزم أن يعينها أن يستحضر صالة الظهر‪.‬‬
‫وكذلك في نوافله‪ ،‬وكذلك في الوتر فال يضاف إلى العشاء‪ ،‬ويفرق بينه وبين صالة الليل‪.‬‬
‫قال‪ :‬والنية بالقلب‪ ،‬هذا باإلجماع ألنه القصد‪ ،‬فال يكفي النطق مع غفلة القلب باإلجماع وهذا في سائر األبواب‬
‫والعبادات‪.‬‬
‫لكن هنا قال‪ :‬ال يضر النطق بها‪ ،‬كأن قصد الصبح وسبق لسانه إلى الظهر كما أسلفنا قبل قليل‪.‬‬

‫الثاني‪« :‬والقيام مع القدرة»‬


‫أي الركن الثاني من أركان الصالة القيام مع القدرة في الفرض‪.‬‬

‫لقول النبي ﷺ لعمران بن حصين‪” :‬صل ً‬


‫قائما‪ ،‬فإن لم تستطع فقاع ًدا‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جنب“‬
‫وفي ٍ‬
‫رواية ”فإن لم تستطع فمستلقيًا“‪.‬‬
‫سا إَِّال ُو ْس َع َها﴾ [البقرة‪.]٢٨٦ :‬‬ ‫لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ال يُ َكلِّ ُ َّ‬
‫ف اللهُ نَـ ْف ً‬
‫ِ‬
‫ولقول النبي ﷺ‪” :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم“‪.‬‬
‫هذه مسألةٌ مهمة‪ :‬قوله‪ :‬القيام مع القدرة هذا في الفرض‪ ،‬وأجمعت األمة على ذلك‪.‬‬
‫معلوم من الدين بالضرورة‪.‬‬
‫وقال العلماء‪ :‬هو ٌ‬
‫وخرج (بالفرض) النافلة‪ ،‬وخرج (بالقدرة) العاجز‪.‬‬
‫جالسا فال حرج‪.‬‬
‫جالسا فال حرج‪ ،‬ولو صلى النافلة ً‬
‫فلو صلى المريض ً‬

‫كذلك يترتب على هذه عدة مسائل‪:‬‬


‫أوال‪ :‬لو خاف راكب السفينة غرقًا‪ ،‬أو دوران رأس؛ فإنه يصلى من ٍ‬
‫قعود وال إعادة‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫الثانية‪ :‬ما لو كان به سلس ٍ‬
‫بول لو قام سال بوله‪ ،‬وإن قعد لم يسل؛ فإنه يصلي من قعود على األصح بال إعادة‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما لو قال طبيب ثقة لمن بعينه ماء‪ ،‬إن صليت مستلقيًا أمكن ُمداواتك‪ ،‬فله ترك القيام على األصح‪.‬‬
‫منفردا بال مشقة‪ ،‬ولم يمكنه ذلك فى جماعة إال أن يصلي بعدها قاع ًدا فاألفضل‬
‫ً‬ ‫ومنها‪ :‬لو أمكن المريض القيام‬
‫االنفراد‪.‬‬

‫رقيب يرقب العدو ولو قام لرآه العدو‪ ،‬أو جلس الغزاة في مكم ٍن‪ ،‬ولو قاموا ُ‬
‫لرآهم العدو‪،‬‬ ‫كذلك‪ :‬ما لو كان للغزاة ٌ‬
‫قعودا‪.‬‬
‫وفسد تدبير الحرب؛ صلوا ً‬
‫واختلفوا في اإلعادة‪ :‬فالمذهب أن عليهم اإلعادة لندرة ذلك‪ ،‬إال إن خافوا قصد العدو لهم فال تلزمهم‪.‬‬
‫كذلك‪ :‬شرط القيام نصب ظهر المصلي ولو استند إلى ٍ‬
‫شيء كجدا ٍر ونحوه‪ ،‬أجزأه ولو تحامل عليه‪.‬‬
‫كوع وسجو ٌد دون ٍ‬
‫قيام‪ ،‬قام وجوبًا‪ ،‬وفعل ما أمكنه‪.‬‬ ‫ولو عجز عن ر ٍ‬

‫الثالث‪« :‬وتكبيرة اإلحرام»‬


‫أي الركن الثالث من أركان الصالة‪ :‬تكبيرة اإلحرام‪.‬‬
‫قال‪ :‬بشروطها‪.‬‬
‫وشدد المذهب في ذلك‪ .‬فقال‪ :‬إيقاعها بعد االنتصاب في الفرض باللغة العربية للقادر عليها‪ ،‬ولفظ الجاللة (اهلل)‪،‬‬
‫ولفظ (أكبر)‪ ،‬وتقديم (الجاللة) على (أكبر)‪ ،‬وعدم مد همزة الجاللة كأن يقول‪( :‬آهلل أكبر)‪،‬‬
‫وعدم مد باء أكبر كأن يقول‪( :‬اهلل أكبار)‪ ،‬هذا ال يجوز‪.‬‬
‫قال‪ :‬وزيادة واو ونحو ذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأن يسمع نفسه جميع حروفها‪ ،‬أى‪( :‬اهلل أكبر) إن كان صحيح السمع‪ ،‬أو يسمع غيره‪.‬‬
‫وأما دليل وجوب التكبير فقول النبي ﷺ ”إذا قمت إلى الصالة فكبر‪ ،‬ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن‪ ،‬ثم اركع“‬
‫وهكذا‪ .‬وكذلك قوله ﷺ‪” :‬مفتاح الصالة الطهارة‪ ،‬وتحريمها التكبير‪ ،‬وتحليلها التسليم“‬
‫كذلك‪ :‬ال يضر إن زاد ألف والم على أكبر فلو قال (اهلل األكبر) جاز ألنها تدل على مبالغةٌ في التعظيم‪.‬‬
‫كذلك لو قال‪( :‬اهلل أكبر وأجل)‪ ،‬أو (اهلل الجليل األكبر) ال يضر كل ذلك على المذهب‪.‬‬
‫واألولى أن يقتصر على ما جاءت به السنة في قوله اهلل أكبر‪.‬‬
‫كذلك‪ :‬لو كبر لإلحرام تكبيرات نا ٍو بكل منها االفتتاح دخل في الصالة‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومن عجز وهو ناط ٌق عن التكبير عن النطق باللغة العربية والتكبير بها‪ ،‬ترجم عنها بأي ٍ‬
‫لغة شاء‪ ،‬ووجب عليه أن‬
‫يتعلم إن قدر على ذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويسن رفع يديه مع تكبيرة اإلحرام باإلجماع‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫قال‪« :‬وقراءة الفاتحة»‬
‫هذا هو الركن الرابع‪ :‬قراءة سورة الفاتحة في كل ركعة‪.‬‬
‫لما جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ قال‪” :‬ال صالة لمن ال يقرأ بفاتحة الكتاب“‪.‬‬
‫إال المسبوق إذا أدرك الركوع؛ فإنه ال يلزمه قراءة الفاتحة بل يتحملها اإلمام عنها‪.‬‬
‫الرِح ِيم﴾ آيةٌ منها‪ .‬أي‪ :‬آيةٌ من الفاتحة‬ ‫قال‪ :‬و﴿بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َٰم ِن َّ‬
‫الرِح ِيم﴾ آيةٌ منها‪ ،‬كما رواه البخاري في تاريخه‪.‬‬ ‫لما روي أنه ﷺ عد الفاتحة سبع آيات‪ ،‬وعد ﴿بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َٰم ِن َّ‬
‫الرِح ِيم﴾‪ ،‬وأنها أم الكتاب‪ ،‬وأم‬ ‫ْح ْم ُد لِلَّ ِه﴾ فاقرأوا ﴿بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َٰم ِن َّ‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ ‬أنه قال‪” :‬إذا قرأتم ﴿ال َ‬
‫الرِح ِيم﴾ إحدى آياتها“‪ ،‬رواه الدارقطني‪.‬‬ ‫القرآن‪ ،‬والسبع المثاني‪ ،‬و﴿بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َٰم ِن َّ‬
‫الرِح ِيم﴾ والصحيح اإلسرار بها في الصالة الجهرية‪.‬‬ ‫فتقرأ ﴿بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َٰم ِن َّ‬
‫وأنها أثبتت في المصحف‪.‬‬
‫الرِح ِيم﴾ آية فى كل سورة‪.‬‬ ‫وعلى المذهب فإن ﴿بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َٰم ِن َّ‬
‫وقال العلماء‪ :‬ال بد من تعلم قراءة الفاتحة‪ ،‬ويجب رعاية ترتيبها بأن يأتي بها على نظمها المعروف‪ ،‬ويجب رعاية‬
‫تشديداتِها‪ ،‬وذكر أن فيها أربع عشرة تشديدة‪ ،‬منها ٌ‬
‫ثالث في البسملة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فلو خفف منها تشديدة بطلت قراءته لتلك الكلمة‪.‬‬
‫قوال واح ًدا‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويجب القراءة على اإلمام والمنفرد ً‬
‫واختلفوا في المأموم‪ ،‬والراجح وجوب القراءة عليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومن يحسن بعض الفاتحة يأتي به‪ ،‬ويبدل الباقي إن أحسنه‪ ،‬وإال كرره في األصح‪.‬‬
‫الرِح ِيم﴾ [الفاتحة‪ ]٣ :‬ال يحفظ إال هذا‪ ،‬إما‬
‫الر ْح َٰم ِن َّ‬
‫ين﴾ [الفاتحة‪َّ ﴿ ،]٢ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ْح ْم ُد لِلَّ ِه َر ِّ‬
‫ب ال َْعالَم َ‬ ‫مثال ﴿ال َ‬
‫يعني يحفظ ً‬
‫أن يكرره‪ ،‬وإما أن يأتي بالبدل من القرآن‪.‬‬
‫قال‪ :‬وسن عقب الفاتحة سكتة لطيفة لقارئها في الصالة وخارجها‪ ،‬ثم قول (آمين) ويمد بها‪ ،‬والمد أفصح وأشمل‪.‬‬

‫قال الماتن‪« :‬والركوع» هذا هو الركن الخامس من أركان الصالة‪.‬‬


‫لقوله تعالى‪ْ ﴿ :‬ارَكعُوا﴾ [الحج‪ ،]٧٧ :‬هذا أمر‪.‬‬

‫وقول النبي ﷺ‪” :‬إذا قمت إلى الصالة“‪ ،‬وفيه ”ثم اركع حتى تطمئن ر ً‬
‫اكعا“‪.‬‬
‫وأجمعت األمة على ذلك‪.‬‬
‫يدي المعتدل ركبتيه‪.‬‬
‫خالصا ال انخناس فيه‪ ،‬قدر بلوغ راحتي ْ‬
‫ً‬ ‫انحناء‬
‫ً‬ ‫وأما أقل الركوع في حق القائم هو أن ينحني‬
‫أصال أومأ برأسه ثم بطرفه‪.‬‬
‫قال‪ :‬والعاجز ينحني قدر إمكانه‪ ،‬فإن عجز عن االنحناء ً‬

‫‪134‬‬
‫السادس‪« :‬والطمأنينة فيه»‪ .‬أي الطمأنينة في الركوع‪.‬‬
‫راكعا“‪.‬‬
‫لقوله‪” :‬فارَكع حتى تطمئن ً‬
‫قال‪ :‬وأقلها (أي الطمأنينة) أن تستقر أعضاؤه راكعا‪ ،‬بحيث ينفصل رفعه عن ركوعه عن ِ‬
‫هويه‪.‬‬ ‫ً‬
‫كالصفيحة الواحدة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خالص بحيث يصيران َ‬ ‫بانحناء‬ ‫يمدهما‬
‫قال‪ :‬وأكمل الركوع تسوية ظهره وعنقه‪ ،‬أي ُ‬
‫كذلك قال‪ :‬والرفع واالعتدال‪ ،‬والطمأنينة فيه‪ ،‬والسجود‪.‬‬
‫وكنا قلنا قبل ذلك‪ :‬إن الطمأنينة في الركوع هو الركن السادس‪ ،‬كما ذكرنا أن الماتن ‪ ‬يعد الطمأنينة أركانًا مختلفة‪.‬‬

‫لذلك قال‪« :‬والرفع»‬


‫قائما“‪.‬‬
‫أي هذا الركن السابع‪ ،‬واالعتدال ولو في نافلة‪ ،‬لحديث المسيء‪” :‬ثم ارفع حتى تعتدل ً‬
‫قائما كان‪ ،‬أو قاع ًدا‪.‬‬
‫ويحصل بعود البدء بأن يعود لما كان عليه قبل الركوع ً‬

‫قال‪« :‬والطمأنينة فيه»‬


‫هذا الركن الثامن أن يطمئن في االعتدال‪ .‬كما في خبر المسيء‪ ،‬بأن تستقر أعضاؤه على ما كان عليه قبل ركوعه كما ذكرنا‪.‬‬

‫التاسع‪« :‬السجود»‬
‫والسجود مرتين في كل ركعة‪ ،‬وعدهما ركنا واح ًدا؛ ألن السجدتين متحدتان ال يفصل بينهما‪.‬‬
‫اس ُج ُدوا﴾ [الحج‪.]٧٧ :‬‬
‫ولقوله تعالى‪ْ ﴿ :‬ارَكعُوا َو ْ‬
‫ولحديث المسيء‪” :‬ثم اسجد حتى تطمئن ساج ًدا“‪.‬‬
‫والسجود لغةً هو‪ :‬التضامن والميل‪ ،‬وقيل الخضوع والتذلل‪.‬‬
‫وأقله‪ :‬مباشرة بعض جبهته ما يصلي عليه من ٍ‬
‫أرض أو غيرها‪.‬‬

‫لقوله ﷺ‪” :‬إذا سجدت فمكن جبهتك وال تنقر ً‬


‫نقرا“‪.‬‬
‫وإنما قلنا الجبهة‪ :‬ليخرج الجبين‪.‬‬

‫العاشر‪« :‬والطمأنينة فيه» أي‪ :‬في السجود‪.‬‬


‫فيطمئن حتى يصيب محل سجوده ثقل رأسه‪.‬‬
‫”إذا سجدت فمكن جبهتك“‪.‬‬
‫ومعنى الثقل‪ :‬أن يتحامل عليها بحيث لو سجد على قط ٍن أو سقط عليه ساج ًدا فإنه ينكبس‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويستحب أن يضع كفيه حذو منكبيه‪ ،‬وينشر أصابعه مضمومةٌ للقبلة ويعتمد عليها‪ ،‬ويجب أال يهوي لغير‬
‫السجود كما مر في الركوع‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫قال‪« :‬والجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه»‪.‬‬
‫جالسا عليها‪ ،‬ناصبًا رجله اليمنى‪.‬‬
‫هذا الحادي عشر‪ :‬أن يجلس بين السجدتين مفتر ًشا رجله اليسرى ً‬
‫جالسا“‪.‬‬
‫”كان إذا رفع رأسه لم يسجد حتى يستوي ً‬
‫قال‪« :‬وال يكفي أن يرفع رأسه عن األرض أدنى رف ٍع»‬

‫قال‪ :‬الثاني عشر من أركان الصالة‪« :‬الطمأنينة فيه» أي‪ :‬في الجلوس بين السجدتين‪.‬‬
‫جالسا“‪.‬‬
‫لحديث المسيء وفيه‪” :‬ثم ارفع حتى تعتدل ً‬
‫بحيث يفترش اليسرى كما ذكرنا ويجلس عليها‪ ،‬وهذا سيأتي بيانه في بيان السنن‪.‬‬
‫واضعا يديه على فخذيه قريبًا من ركبتيه‪.‬‬
‫قال‪ً :‬‬

‫قال‪« :‬والجلوس األخير والتشهد فيه» هذا الثالث عشر من أركان الصالة‪.‬‬
‫ِ‬
‫كالقيام لقراءة الفاتحة‪.‬‬ ‫ومعنى الجلوس األخير‪ ،‬أي‪ :‬الذي فيه التسليم فهو واجب‪،‬‬
‫قال‪ :‬والتشهد فيه‪ ،‬أي‪ :‬في الجلوس‪.‬‬
‫والتشهد المعروف كما بين النبي ﷺ كما قال ابن مسعود‪ :‬كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد‪” :‬السالم على اهلل‬
‫قبل عباده‪ ،‬السالم على جبريل‪ ،‬السالم على ميكائيل‪ ،‬السالم على فالن“‪ ،‬قال النبي ﷺ‪” :‬ال تقولوا السالم على‬
‫اهلل؛ فإن اهلل هو السالم‪ ،‬ولكن قولوا‪ :‬التحيات هلل“ إلى آخره‪.‬‬

‫الرابع عشر‪« :‬والصالة على النبي ﷺ»‪.‬‬


‫”التحيات هلل والصلوات والطيبات‪ ،‬السالم عليك أيها النبي ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعلى عباد اهلل‬
‫الصالحين‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل وأن محم ًدا رسول اهلل‪ ،‬أو (وأن محم ًدا عبده ورسوله)‪ .‬هذا الركن الرابع عشر‪.‬‬

‫وأما الخامس عشر فهو‪« :‬الصالة على النبي ﷺ في التشهد األخير»‬


‫فتعين وجوبها فيها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لقوله تعالى‪ُّ َ ﴿ :‬‬
‫صلوا َعلَْيه﴾‪ ،‬قال‪ :‬وأجمع العلماء على أنها ال تجب في غير الصالة؛ َ‬
‫ٍ‬
‫محمد وعلى آل محمد كما صليت‬ ‫قال النبي ﷺ حينما سئل‪ :‬كيف نصلي عليك؟ قال‪” :‬قولوا‪ :‬اللهم صل على‬
‫ٍ‬
‫محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل‬ ‫ٍ‬
‫محمد وعلى آل‬ ‫على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حمي ٌد مجيد‪ ،‬وبارك على‬
‫إبراهيم إنك حمي ٌد مجيد“‪.‬‬
‫كذلك أن النبي ﷺ صلى على نفسه وقال‪” :‬صلوا كما رأيتموني أصلي“‪.‬‬
‫وإذا وجب الصالة على النبي ﷺ وجب الجلوس لها بالتبعية كذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محمد وآله‪ ،‬وأكملها أن تقول كما ذكرنا آن ًفا‪.‬‬ ‫أقلها أن تقول‪ :‬اللهم صل على‬

‫‪136‬‬
‫قال‪« :‬والتسليمة األولى»‬
‫أي‪ :‬الركن السادس عشر من أركان الصالة التسليمة األولى‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪” :‬وتحليلها التسليم“‬
‫مشغوال عن الناس وقد أقبل عليهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫والمعنى في السالم‪ :‬أن المصلي كان‬
‫وأقله‪ :‬السالم عليكم‪.‬‬

‫قال‪« :‬ونية الخروج من الصالة على ٍ‬


‫قول»‬
‫أي‪ :‬الركن السابع عشر أن يسلم ناويًا الخروج من الصالة؛ فإن سلم بال نية ال يجزئه‪ ،‬والصحيح أنه يجزئه‪ ،‬ونية‬
‫الخروج ليست واجبة‪.‬‬

‫قال‪« :‬وترتيب األركان على ما ذكرنا»‪.‬‬


‫هو الركن الثامن عشر واألخير من أركان الصالة‪ ،‬أنه يرتبها على ما مضى‪ :‬بالنية‪ ،‬ثم القيام‪ ،‬ثم تكبيرة اإلحرام‪ ،‬ثم‬
‫قراءة الفاتحة‪ ،‬ثم الركوع‪ ،‬ثم الطمأنينة فيه‪ ،‬ثم االعتدال‪ ،‬ثم الطمأنينة فيه‪ ،‬ثم السجود‪ ،‬ثم الطمأنينة فيه‪ ،‬ثم الجلوس‬
‫بين السجدتين‪ ،‬ثم الجلوس األخير‪ ،‬والتشهد فيه‪ ،‬والصالة على النبي ﷺ‪ ،‬والتسليمة األولى‪ ،‬ونية الخروج على‬
‫قول‪.‬‬
‫فهذه أركان الصالة على المذهب وعلى ما ذكرنا‪.‬‬

‫وبهذا تنتهي هذه المحاضرة العاشرة من محاضرات الفقه الشافعي‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الـمحاض ـرة الـحادي ـة عشـرة‬
‫ما زلنا في كتاب الصالة‪ ،‬وصفة صالة النبي ﷺ؛ وبعد أن تكلمنا في المحاضرة الماضية عن الشروط واألركان‪.‬‬
‫قال الماتن ‪« :‬وسننها قبل الدخول فيها شيئان‪ :‬األذان واإلقامة»‪.‬‬
‫بعد الفراغ من األركان شرع ‪ ‬في بيان وذكر السنن‪.‬‬
‫قال الشارح ‪ :‬األذان لغةً‪ :‬اإلعالم‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬وأَذِّن فِي الن ِ‬
‫َّاس بِال َ‬
‫ْح ِّج﴾ أي‪ :‬أعلمهم به‪.‬‬
‫مخصوص يُـ ْعلَم به وقت الصالة المفروضة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫و َش ْر ًعا‪ :‬هو ٌ‬
‫قول‬
‫ضر ِ‬
‫الصالةُ فَـ ْليُـ َؤذِّ ْن لَ ُك ْم َ‬
‫أح ُد ُك ْم‪ ،‬ولْيَـ ُؤَّم ُك ْم أ ْكبَـ ُرُكم“‪ .‬كذلك اإلجماع على مشروعية‬ ‫ت َّ‬ ‫واألصل فيه قول النبي ﷺ‪” :‬إذا َح َ َ‬
‫األذان‪.‬‬
‫قال‪« :‬واإلقامة»‬
‫هذا هو الشيء الثاني‪ ،‬واألصل في اإلقامة أنها مصدر أقام‪ ،‬وسمي الذكر المخصوص به ألنه يقيم إلى الصالة‪.‬‬
‫قال‪« :‬واألذان واإلقامة مشروعان باإلجماع؛ فهما سنةٌ للمكتوبة دون غيرهما من الصلوات كالسنن وصالة الجنازة والمنظورة‬
‫لعدم ثبوتُهما فيه»‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬ويشرعُ األذان في أذن المولود اليمنى؛ واإلقامة في اليسرى‪ ،‬وسيأتي ذلك في العقيقة إن شاء اهلل‪.‬‬
‫ثم بين الشارح ‪ ‬بقوله‪« :‬ويندب األذان للمفرد‪ ،‬وأن يرفع صوته به إال بموض ٍع وقعت فيه جماعة‪ ،‬واألذان مثنى مثنى‬
‫واإلقامة فرادى»‪.‬‬
‫ألن النبي ﷺ كما في الصحيحين قال‪” :‬أُمر ً‬
‫بالال أن يشفع األذان‪ ،‬ويوتر اإلقامة“‪.‬‬
‫قال‪« :‬واإلقامة إحدى عشرة كلمة؛ واآلذان كلماته تسع عشرة كلمة بالترجيع»‪.‬‬
‫ثم قال‪« :‬ويُ َس ُّن ويُ ْش َرع اإلسراع باإلقامة مع بيان الحروف‪،‬‬
‫بخالف األذان فإنه يستحب فيه الترتيل»‪.‬‬
‫س ُّن؛ ويأتي به ِس ًّرا قبل الشهادتين»‪.‬‬
‫ثم ذكر الشارح ‪ ‬أنه «يستحب الترجيع و يُ َ‬
‫َّثويب في أذان الصبح»‬
‫قال‪« :‬والت ُ‬
‫أي‪ :‬مشروع؛ وهو أن يقول بعد الحيعلتين «الصالة خير من النوم»‪.‬‬
‫ومعنى الترجيع‪ :‬أن المؤذن إذا فرغ من التكبير (اهلل أكبر؛ اهلل أكبر؛ اهلل أكبر؛ اهلل أكبر) يقول ِس ًّرا (أشهد أن ال إله إال اهلل‪،‬‬
‫أشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬أشهد أن محم ًدا رسول اهلل‪ ،‬أشهد أن محم ًدا رسول اهلل)‪.‬‬
‫هذا (الترجيع)؛ ثم يجهر بالشهادة مرة أخرى‪( .‬أشهد أن ال إله إال اهلل) وهكذا‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بصوت مرتفع‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بصوت منخفض ثم يعيدها‬ ‫أي فيُعيدها‪ ،‬يذكرها مرة‬

‫‪138‬‬
‫قال‪« :‬ويُس ُّن القيام في األذان واإلقامة على ٍ‬
‫عال»‪.‬‬ ‫َ‬
‫يج إليه»‪.‬‬ ‫أي على ٍ‬
‫مكان مرتفع‪ ،‬لكن علق بقوله «إذا ْ ِ‬
‫احت َ‬
‫مثال يؤذن فوق السطح فإنه يستحب أن يصعد إلى منارة المسجد‪.‬‬
‫فإذا كان ً‬
‫أما إذا كان يؤذن في مكبرات الصوت فال يحتاج إلى ذلك؛ إنما يؤذن والمكبرات في ٍ‬
‫مكان مرتفع‪.‬‬
‫كذلك يستحب التوجه إلى القبلة‪ ،‬وأن يلتفت بعنقه فيهما يَ ِمينًا مرة في (حي على الصالة)؛‬
‫ٍ‬
‫تحويل للصدر وال انتقال بالقدمين فإنما االلتفات يكون بالعنق‪.‬‬ ‫س ًارا مرة في (حي على الفالح)؛ من غير‬
‫ويَ َ‬
‫قال‪« :‬ويستحب كل ذلك كون المؤذن عدالً في الشهادة‪َ ،‬عالي الصوت حسنهُ»‪.‬‬
‫قال الشارح‪« :‬وُك ِرَه األذان من ٍ‬
‫فاسق‪ ،‬وصبيٍ‪ ،‬ومميز‪ ،‬وأعمى وحده‪ ،‬وجنب‪ ،‬ومحدث»‪.‬‬
‫لكن األعمى إن وجد معه من يُـ ْع ِلمه فال حرج‪.‬‬
‫صبح فمن‬ ‫ٍ‬
‫وللجماعة َج ْه ًرا؛ ودخول وقت الصالة؛ إال أذان ٍ‬ ‫قال‪« :‬ويشترط في األذان واإلقامة الترتيب والمواالة بين كلماتها؛‬
‫نصف الليل»‪.‬‬
‫قال‪« :‬ويشترط في المؤذن والمقيم اإلسالم؛ والتمييز؛ ولغير النساء الذكورية»‪.‬‬
‫ِ‬
‫للمسجد؛ ليؤذن واحد الصبح قبل الفجر وآخر بعده»‬ ‫ِ‬
‫مؤذنان‬ ‫س ُّن‬
‫قال‪« :‬ويُ َ‬
‫وابن ِّأم مكتوم“‪.‬‬ ‫أي على فعل النبي ﷺ ”أنه جعل لمسجده مؤذنين‪ً :‬‬
‫بالال َ‬
‫الحيعالت والتثويب وكلمتي اإلقامة»‪.‬‬
‫س ُّن لسام ِع المؤذن والمقيم أن يقول مثل قوله‪ ،‬إال في َ‬
‫قال‪« :‬ويُ َ‬
‫أي أن يقول مثل المؤذن‪( :‬اهلل أكبر اهلل أكبر)‪،‬‬
‫ثابت عن النبي ﷺ‪.‬‬
‫لكن في الحوقلة أي حي على الصالة حي على الفالح يقول‪( :‬ال حول وال قوة إال باهلل)‪ .‬وهذا ٌ‬
‫خبر صحيح‪.‬‬
‫خير من النوم)‪ :‬أقامها اهلل وأدامها‪ ،‬فهذا ال يثبت فيها ٌ‬
‫لكن قوله في (الصالة ٌ‬
‫مؤذن ٍ‬
‫ومقيم وسام ٍع ومستم ٍع أن يصلي على النبي ﷺ‪ ،‬بعد الفراغ من األذان واإلقامة‪،‬‬ ‫قال‪« :‬ويس ُّن لكل ٍ‬
‫َُ‬
‫ثم يقول الدعاء الثابت عن النبي ﷺ‪” :‬اللهم رب هذه الدعوة التامة‪ ،‬والصالة القائمة‪ ،‬آت سيدنا محم ًدا الوسيلة‬
‫والفضيلة‪ ،‬وابعثه المقام المحمود الذي وعدته“»‪.‬‬

‫ثم ذكر الشارح ‪ :‬أيهما أفضل األذان أم اإلمامة؟‬


‫وخير من اإلمامة‪.‬‬
‫خير من األذان وحده‪ٌ ،‬‬
‫فذكر ‪ :‬أن األذان واإلقامة ٌ‬
‫وأما األذان وحده‪ ،‬فاإلمامةُ أفضل‪.‬‬
‫ثم ذكر الشارح أن النووي ‪ ‬صحح هذا‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫ثم قال الماتن ‪ « :‬وبعد الدخول فيها شيئان‪ :‬التشهد والقنوت في صالة الصبح‪ ،‬وفي الوتر في النصف الثاني من شهر‬
‫رمضان»‪.‬‬
‫س ُّن اآلذان واإلقامة‪.‬‬
‫إذن ذكر المصنف أن قبل الصالة يُ َ‬
‫يجبرهما سجود السهو‪:‬‬
‫ُ‬ ‫وبعد الدخول في الصالة هناك شيئان؛ أي‬
‫التشهد األول‪ ،‬والقنوت في الصبح وفي الوتر في النصف الثاني من شهر رمضان‪.‬‬
‫ومعنى هذا أنه قسم سنن الصالة إلى أبعاض وهيئات‪.‬‬
‫أبعاضها ثمانية‪ ،‬ذكر منها شيئين‪ ،‬وسيكمل الشارح باقي الثمانية‪:‬‬
‫َ‬ ‫وذكر الشارح أن‬
‫قال‪ :‬التشهد األول كله أو بعضه‪.‬‬
‫قال‪ :‬والثاني‪ :‬القنوت في الصبح‪ ،‬أي في الركعة الثانية‪ ،‬ولذلك خص الصبح عن باقي الصلوات الخمس في حال األمن‪.‬‬
‫فإذا نزل بالمسلمين نازلةٌ استحب في سائر الصلوات‪ ،‬لكن ليس هذا من األبعاض‪.‬‬
‫وهو أي القنوت (( اللهم اهدني فيمن هديت‪ ،‬وعافني فيمن عافيت‪ ،‬وتولني فيمن توليت‪ ،‬وبارك لي فيما أعطيت‪ ،‬وقني شر ما‬
‫قضيت‪ ،‬فإنك تقضي وال يقضى عليك‪ ،‬وإنه ال يذل من واليت‪ ،‬وال يعز من عاديت‪ ،‬تباركت ربنا وتعاليت))‪.‬‬
‫هكذا علم النبي ﷺ الحسن‪ ،‬هذا الدعاء يقوله في الوتر‪.‬‬
‫قال‪ :‬وفي الوتر في النصف الثاني من شهر رمضان‪ ،‬سواء صلى التراويح أم ال‪.‬‬
‫ِ‬
‫كقنوت الصبح‪ ،‬في ألفاظه وجبره بالسجود‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وهو أي قنوت الوتر‬
‫للمنفرد ولإلمام ٍ‬
‫قوم محصورين رضوا بالتطويل‪ ،‬أن يقول بعده قنوت عمر رضي اهلل تعالى وهو مشهور‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫س ّن‬
‫قال‪ :‬ويُ َ‬
‫قال الشارح‪ :‬والبعض الثالث‪« :‬القعود للتشهد األول»‬
‫والمراد من التشهد األول‪ :‬اللفظ الواجب في التشهد األخير دون ما هو سنة‪.‬‬
‫قال‪« :‬والرابع القيام للقنوت الراتب»‪.‬‬
‫قال‪« :‬والخامس الصالة على النبي ﷺ بعد التشهد األول»‪.‬‬
‫قال‪« :‬والسادس الصالة على النبي ﷺ بعد القنوت»‪.‬‬
‫قال‪« :‬والسابع الصالة على اآلل بعد القنوت»‪.‬‬
‫قال‪« :‬والثامن الصالة على اآلل بعد التشهد األخير»‪.‬‬
‫هذا على قول الشارح‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وسميت هذه السنن أَبْـ َع ً‬
‫اضا لقربها بالجبر بالسجود من األبعاض‪ ،‬أي‪ :‬من األركان‪.‬‬
‫أبعاض من األركان‪ ،‬لكنها تجبر بسجود السهو‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أي كأنه يقول هذه السنن‬
‫أما الركن فال يجبر بسجود السهو‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫ثم قال الماتن ‪« :‬وهيئاتها خمسة عشر خصلة»‪:‬‬
‫‪ -‬رفع اليدين عند تكبيرة اإلحرام‪ ،‬وعند الركوع والرفع منه‪.‬‬
‫‪ -‬ووضع اليمين على الشمال‪.‬‬
‫‪ -‬والتوجه‪.‬‬
‫‪ -‬واالستعاذة‪.‬‬
‫‪ -‬والجهر في موضعه‪ ،‬واإلسرار في موضعه‪.‬‬
‫‪ -‬والتأمين‪.‬‬
‫‪ -‬وقراءة السورة بعد الفاتحة‪.‬‬
‫‪ -‬والتكبيرات عند الخفض والرفع‪.‬‬
‫‪ -‬وقول سمع اهلل لمن حمده‪ ،‬ربنا ولك الحمد‪.‬‬
‫‪ -‬والتسبيح في الركوع‪.‬‬
‫‪ -‬والسجود‪.‬‬
‫‪ -‬ووضع اليدين على الفخذين في الجلوس‪.‬‬
‫‪ -‬وبسط اليسرى وقبض اليمنى إال المسبحة فإنه يشير بها متشه ًدا‪.‬‬
‫‪ -‬واالفتراش في جميع الجلسات‪.‬‬
‫‪ -‬والتورك في الجلسة األخيرة‪.‬‬
‫‪ -‬والتسليمة الثانية‪.‬‬
‫هذه سنن الهيئات التي ذكرها الماتن ‪.‬‬
‫قال الشارح اإلمام الخطيب الشربيني المصري الشافعي ‪:‬‬
‫وهيئاتها جمع هيئة؛ والمراد بها هنا‪ :‬ما عدا األبعاض من السنن‪ ،‬ال تجبر بالسهو وهي كثيرة‪.‬‬
‫والمذكورة منها هنا خمسة عشر خصلة‪:‬‬
‫قال َ‬

‫األولى‪« :‬رفع اليدين»‬


‫منشورتي األصابع‪ ،‬عند ابتداء تكبيرة اإلحرام مقابل منكبيه‬
‫أي عند الدخول في الصالة‪ ،‬مع تكبيرة اإلحرام مكشوفتين ُ‬
‫َصابِ ِع ِه َما أعلى أُذُنَـ ْيه‪.‬‬
‫ويُحاذي أطراف أ َ‬
‫الهوي إلى الركوع‪ ،‬وعند الرفع منه‪ ،‬هذه ثالث صفات ذكرها الماتن؛ وزاد الشارح؛‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬وعند‬
‫قال‪ :‬وعند القيام إلى الثالثة من التشهد األول‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫وذكر أن النووي ‪ ‬صوبه في المجموع وجزم به في شرح مسلم‪.‬‬
‫• إذن هذه ((السنة األولى)) رفع اليدين في أربعة مواضع‪.‬‬
‫عند تكبيرة اإلحرام‪ ،‬وعند الركوع‪ ،‬وعند الرفع منه‪ ،‬وعند القيام للثالثة‪.‬‬

‫الثانية من سنن الهيئات‪« :‬وضع اليمين على الشمال»‬


‫أي وضع باطن كفه اليمنى على ظهر الشمال‪،‬‬
‫وقيل أن يقبض في قيامه أو بيده اليمنى على كوعه وبعض ساعدها‪،‬‬
‫وقيل ووضعهما تحت صدره وفوق سرته لالتباع‪،‬‬
‫وقيل يتخير بين بسط أصابع اليمين في عرض المفصل‪ ،‬و بين نشرها صوب الساعد‪.‬‬
‫والقصد من القبض المذكور تسكين اليدين‪،‬‬
‫قال‪ :‬فإن أرسلهما ولم يعبث فال بأس‪ ،‬لكن السنة أولى‪.‬‬
‫وذكر أنه يقبض على كوعه‪ ،‬والكوع هو‪ :‬العظم الذي يلي إبهام اليد‪.‬‬

‫قال‪« :‬والتوجه‪ ،‬واالستعاذة»‬


‫ومعنى التوجه أي‪ :‬دعاء االستفتاح وهو قول‬
‫المصلي‪( :‬وجهت وجهي للذي فطر السماوات واألرض َحنِي ًفا ُم ْس ِل ًما وما أنا من المشركين‪ ،‬إن صالتي ونسكي‬
‫ومحياي ومماتي هلل رب العالمين‪ ،‬ال شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)‪.‬‬
‫وإن قال‪( :‬اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب‪ ،‬اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب‬
‫األبيض من الدنس‪ ،‬اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) فجائز‪،‬‬
‫أو بكل ٍ‬
‫دعاء ٍ‬
‫ثابت عن النبي ﷺ في االستفتاح‪.‬‬
‫ومعنى وجهت وجهي‪ :‬أي أقبلت بوجهي أو قصدت بعبادتي‪.‬‬
‫ومعنى فطر السماوات واألرض أي‪ :‬ابتدأ الخلق على غير ٍ‬
‫مثال سابق‪.‬‬
‫َحنِي ًفا ُم ْسلِ ًما قال‪ :‬الحنيف هو المائل إلى الحق‪ ،‬وقيل عند العرب من كان على ملة إبراهيم‪.‬‬
‫والمحيا والممات‪ :‬المقصود بها الحياة والموت‪.‬‬
‫والنسك‪ :‬العبادة وقيل الذبح‪.‬‬

‫ثم قال‪« :‬واالستعاذة للقراءة»‬


‫الرِج ِيم﴾ [النحل‪.]٩٨ :‬‬
‫ان َّ‬ ‫استَ ِع ْذ بِاللَّ ِه ِم َن َّ‬
‫الش ْيطَ ِ‬ ‫لقوله تعالى‪﴿ :‬فَِإذَا قَـ َرأْ َ‬
‫ت الْ ُق ْرآ َن فَ ْ‬

‫‪142‬‬
‫أي‪ :‬إذا أردت قراءته فقل‪ :‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪ ،‬في كل ركعة قبل القراءة‪ ،‬ألنه يبتدئ فيها قراءته‪ ،‬واألولى‬
‫آكد لالتفاق عليها‪ ،‬أي االستعاذة في الركعة األولى‪.‬‬
‫اسم لكل متمرد‪ ،‬مأخوذ من شطَن إذا بعـُد‪،‬‬ ‫الرِج ِيم‪ِ َّ :‬‬ ‫الش ْيطَ ِ‬
‫ومعنى َّ‬
‫الش ْيطَان ٌ‬ ‫ان َّ‬
‫وقيل شاط‪ :‬إذا احترق‪.‬‬
‫والرِج ِيم‪ :‬المطرود‪ ،‬وقيل المرجوم‪.‬‬
‫َّ‬

‫قال الماتن‪« :‬والجهر في موضعه واإلسرار في موضعه»‬


‫س ّن لغير المأموم أن يجهر بالقراءة في‪ :‬الصبح‪ ،‬وأولي العشاءين‪ ،‬والجمعة‪ ،‬والعيد‪ ،‬وخسوف‬
‫أي الجهر بالقراءة في موضعه‪ ،‬فيُ َ‬
‫القمر‪ ،‬واالستسقاء‪ ،‬والتراويح‪ ،‬ووتر رمضان‪.‬‬

‫قال‪« :‬وركعتي الطواف لَْي ًال أو وقت الصبح‪ ،‬واإلسرار بها في موضعه فَـيَ ِس ُّر في غير ما ذكر‪ ،‬إال في قيام الليل المطلق فإنه‬
‫يتوسط بين الجهر و اإلخفاء»‪.‬‬

‫قال‪« :‬ومحل الجهر من المرأة والتوسط أال يسمع أجنبي»‪.‬‬


‫واختلفوا هل صوت المرأة عورة أم ال؟ فالراجح أنه ليس بعورة‪.‬‬

‫ثم قال‪« :‬والتأمين»‬


‫أي‪ :‬قول (آمين) عقب الفاتحة بعد َس ْكتَ ٍة لطيفة لقارئها في الصالة‪ ،‬وخارجها لالتباع أي‪ :‬اتباع النبي ﷺ‪.‬‬
‫جهر بها‪ ،‬ثم اختار أن يؤمن المأموم مع تأمين إمامه»‬
‫س ّن في جهرية ٌ‬
‫ثم بين فضل التأمين فقال‪« :‬ويُ َ‬
‫لحديث الصحيحين أن النبي ﷺ قال‪ ” :‬إذا أمن اإلمام فأمنوا‪ ،‬فإن من وافق تأمينه تأمين المالئكة غفر له ما تقدم‬
‫من ذنبه“‪.‬‬
‫سرا مطل ًقا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وخرج بقوله "في جهرية"‪ :‬السرية فال جهر بالتأمين فيها وال معية‪ ،‬بل يؤمن اإلمام وغيره ً‬

‫قال‪« :‬وقراءة السورة بعد الفاتحة»‬


‫أي السنة السابعة‪ ،‬ولو سورةٌ قصير كالعص ِر‪.‬‬
‫قال‪ :‬بعد قراءة الفاتحة في كل ركعتين أوليين لغير المأموم من ٍ‬
‫إمام ومنفرد‪ ،‬جهريةً كانت الصالة أو سرية لالتباع‪،‬‬
‫س ّن له السورة إذا سمع للنهي عن قراءته لها‪ ،‬بل يستمع قراءة إمامه‪.‬‬
‫أما المأموم فال يُ َ‬
‫أما إذا كان المأموم ال يسمع لص َّم ٍم‪ ،‬أو ٍ‬
‫بعد أو سماع ٍ‬
‫صوت لم يفهمها‪ ،‬أو إسرار إمامه ولو في جهرية قراءة السورة‬ ‫َ‬
‫إذن العبرة في ذلك سماع المأموم؛ إن سمع اإلمام ال يقرأ‪ ،‬وإن لم يسمع سن له القراءة ألنه ال معنى لسكوته‪،‬‬
‫وكذلك يقرأ في األوليين من الظهر والعصر‪ ،‬من صالة إمامه ألنه ِ‬
‫يس ُّر بهما‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫تس ّن له السورة قراء ًة أولى على ثانية»‬
‫س ّن أن يطول من َ‬
‫قال‪« :‬ويُ َ‬
‫أي يطيل الركعة األولى َش ْيئًا ما ويقصر الثانية‪.‬‬
‫صبح من طوال المفصل‪.‬‬
‫وإمام محصورين في ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لمنفرد ٍ‬ ‫قال‪ :‬ويسن‬
‫وتعلمون أن المفصل يبدأ بسورة "ق" وينتهي بسورة "الناس"‪.‬‬
‫وله طوال‪ ،‬يبدأ طوال المفصل من "ق" إلى المرسالت‪.‬‬
‫وأواسط المفصل من النبأ إلى الضحى‪.‬‬
‫وقصار المفصل من الشرح إلى آخر المصحف‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يب منها‪ ،‬وفي عص ٍر‬ ‫فقال‪« :‬يسن في الفجر من ٍ‬


‫أواسطه‪ ،‬وفي مغرب قصاره»‪.‬‬ ‫وعشاء‬ ‫طوال المفصل‪ ،‬وفي ظه ٍر قر ٌ‬
‫قال‪« :‬يخرج على ذلك في صبح الجمعة‪:‬‬

‫في األولى ﴿الم * تَن ِز ُ‬


‫يل﴾ [السجدة‪،]١٢:‬‬
‫اإلنس ِ‬
‫ان﴾ [اإلنسان‪.]١ :‬‬ ‫وفي الثانية ﴿ َه ْل أَتَ ٰى َعلَى ِْ َ‬

‫ثم قال‪ :‬السنة الثامنة‪« :‬والتكبيرات عند الخفض والرفع»‬


‫أي‪ :‬التكبير ما خال تكبيرة اإلحرام‪،‬‬
‫كوع وسجود‪ ،‬وعنِد ابتداء الرفع من سجود‪.‬‬
‫(عند) أي‪ :‬ابتداء الخفض لر ٍ‬
‫قال‪ :‬ويمده إلى انتهاء الجلوس والقيام‪.‬‬

‫قال‪« :‬وقول سمع اهلل لمن حمده» هذه السنة التاسعة‪ ،‬أي تقبل اهلل منه حمده‪،‬‬
‫ولو قال‪( :‬من حمد اهلل سمع له)‪ ،‬كفى‪.‬‬
‫وقول (ربنا ولك الحمد) أو (اللهم ربنا ل ك الحمد) وبواو (ربنا ولك الحمد) قبل (ملء األرض وملء ما شئت من‬
‫ٍ‬
‫شيء بعد)‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويزيد منفرٌد وإمام (أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد‪ ،‬ال مانع لما أعطيت وال معطي لما‬
‫منعت‪ ،‬وال ينفع ذا الجد "أي الغنى" منك الجد)‪ ،‬أو أي ذك ٍر من أذكار الركوع‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويجهر اإلمام بـ (سمع اهلل لمن حمده) ويسر ب(ربنا ولك الحمد)‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهل المبلغ يجهر بما جهر به اإلمام ويسر بما أسر به؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬هكذا في "المجموع" ألنه ناقل‪ ،‬وتبعه عليه جميع شارحي "المنهاج"‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫قال‪« :‬والتسبيح في الركوع» هذه هي السنة العاشرة‪،‬‬
‫أن يسبح المصلي في الركوع بأن يقول‪( :‬سبحان ربي العظيم) ثالثًا‪،‬‬
‫وإمام محصورين راضين بالتطويل‪( :‬اللهم لك ركعت‪ ،‬وبك آمنت‪ ،‬ولك أسلمت‪ ،‬خشع لك سمعي‬
‫ويزيد منفرد ٌ‬
‫وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي)‬
‫أو يقول (سبوح قدوس رب المالئكة والروح)‪ ،‬أو بأي ذك ٍر ٍ‬
‫وارد عن النبي ﷺ‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ماتع في هذا الباب في صفة صالة النبي ﷺ للعالمة األلباني ‪[ ‬من‬
‫نافع ٌ‬
‫كتاب ٌ‬
‫وبهذه المناسبة نذكر إلخواننا ٌ‬
‫التكبير إلى التسليم] جمع اآلثار واألذكار الواردة عن النبي ﷺ‪ ،‬وال حرج أن يقرأها المصلي وأن يحفظها وأن‬
‫يذكر اهلل بها‪.‬‬
‫قال‪ :‬وتكره القراءة في الركوع وغيره‪ ،‬من بقية األركان غير القيام‪.‬‬
‫أي‪ :‬قراءة القرآن‪ ،‬سواء للفاتحة أو لغيرها‪.‬‬

‫قال‪« :‬والحادية عشر‪ :‬السجود» أي‪ :‬يقول في السجود (سبحان ربي األعلى) ثالثا‪،‬‬
‫وكذلك في الركوع (سبحان ربي العظيم) ثالث‪،‬‬
‫لثبوت ذلك عن النبي ﷺ ”أنه كان يقول في ركوعه‪( :‬سبحان ربي العظيم)‪ ،‬ويقول في سجوده‪( :‬سبحان ربي‬
‫األعلى)“‪.‬‬
‫ضا‪ :‬ويستحب أن يكثر من الدعاء وهو ساجد‪ ،‬كذلك يقول‪( :‬اللهم لك سجدت‪ ،‬وبك آمنت‪ ،‬ولك أسلمت‪،‬‬
‫قال أي ً‬
‫سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره‪ ،‬تبارك اهلل أحسن الخالقين)‪.‬‬
‫ولحديث مسلم أن النبي ﷺ قال‪” :‬أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد‪ ،‬فأكثروا الدعاء“‪ ،‬أي‪ :‬في سجودكم‪.‬‬

‫قال‪« :‬ووضع اليدين على الفخذين في الجلوس»‪ ،‬هذه السنة الثانية عشر‪،‬‬
‫أي‪ :‬وضع رؤوس أصابع اليدين على أطراف الفخذين في الجلوس‪.‬‬

‫قال‪« :‬يبسط اليسرى‪ ،‬ويقبض اليمنى إال المسبحة فإنه يشير بها»‬
‫ومعنى هذا‪ :‬أي في التشهد األول وفي األخير‪ ،‬يبسط يده اليسرى مع ضم أصابعها في تشهد إلى جهة القبلة‪ ،‬وال‬
‫يفرج بينهما‪.‬‬

‫قال‪« :‬ويقبض يده اليمنى كلها إال المسبحة»‬


‫وهي التي تلي اإلبهام أو بينه وبين الوسطى (ونسميها المسبحة والعرب كانت تسميها السبابة) فإنه يرسلها ويشير بها‪.‬‬
‫واختار الشافعي أنه ال يحركها ويكره التحريك‪ .‬والصحيح أن التحريك ثابت ال يكره‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫ثم قال‪ :‬وال تبطل الصالة به‪ ،‬أي‪ :‬بالتحريك‪.‬‬
‫قال‪« :‬واالفتراش في جميع الجلسات»‬
‫اش اليسرى ويجلس عليها على كعبه‪.‬‬
‫واالفتراش هو‪ :‬نصب اليمنى وافتر ُ‬
‫قال‪« :‬ويضع أطراف اليمنى بعد نصبها إلى القبلة في جميع الجلسات‪ ،‬وهي خمسة»‪:‬‬
‫وجلوس المصلي قاع ًدا‬
‫وجلوس المسبوق‪ ،‬وجلوس الساهي‪ُ ،‬‬
‫الجلوس بين السجدتين‪ ،‬والجلوس للتشهد األول‪ُ ،‬‬
‫للقراءة‪.‬‬

‫قال‪« :‬والتورك»‪ :‬أي السنة الرابعة عشر‪،‬‬


‫بالتورك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وهي كاالفتراش لكن يخرج يسراه من جهة يمينه‪ ،‬ويلصق وركه باألرض في الجلسة األخيرة‪ ،‬وهو ما يسمى َ‬
‫والحكمة هي‪ :‬التمييز بين التشهد األول والثاني؛ ليعلم المسبوق‪.‬‬

‫قال‪« :‬والتسليمة الثانية»‬


‫أي من سنن الصالة‪ ،‬سنن الهيئة الخامسة عشر التسليمة الثانية على المشهور في "الروضة"‪ ،‬إال أن يعرض له عقب‬
‫األولى ما ينافي صالته؛ فيجب االقتصار على األولى‪.‬‬
‫شماال‪،‬‬
‫ويسن إذا أتى بالتسليمتين أن يفصل بينهما كما صرح الغزالي في "اإلحياء"‪ ،‬وأن تكون األولى يمينًا واألخرى ً‬
‫ملتفتًا في التسليمة األولى؛ حتى يرى خده األيمن‪ ،‬والثانية حتى يرى خده األيسر‪.‬‬
‫وأقلها‪ :‬السالم عليكم‪ ،‬وأكثرها‪ :‬السالم عليكم ورحمة اهلل‪.‬‬
‫هذه هي سنن الهيئات كما ذكر المصنف ‪ ،‬وكما بين هذا األمر‪.‬‬

‫أمر آخر وهو األمور التي يختلف الحكم فيها بين الرجل والمرأة‪.‬‬
‫ثم انتقل ‪ ‬إلى ٌ‬
‫فصل فيما يختلف فيه حكم الذكر واألنثى في الصالة‬
‫قال الماتن ‪ٌ :‬‬
‫قال‪ :‬والمرأة تخالف الرجل في خمسة أشياء‪:‬‬

‫‪ ‬فالرجل يجافي مرفقيه عن جنبيه‪ ،‬ويقل بطنه عن فخذيه في الركوع والسجود‪ ،‬ويجهر في موضع الجهر‪ ،‬وإذا نابه شيءٌ‬
‫في الصالة سبح‪ ،‬وعورة الرجل ما بين سرته وركبته‪.‬‬
‫‪ ‬والمرأة تضم بعضها إلى بعض‪ ،‬وتلصق بطنها ِ‬
‫لفخذها‪ ،‬وتخفض صوتها بحضرة الرجال األجانب‪ ،‬وإذا نابها شيءٌ في‬
‫الصالة صفقت‪ ،‬وجميع بدن الحرة في الصالة عورة إال وجهها وكفيها‪.‬‬
‫واألمة كالرجل في الصالة‪.‬‬
‫هذه األمور بيّن المصنف ‪ ‬قبل الدخول فيما يبطل الصالة‪ ،‬أن هناك في بعض المسائل يختلف الرجل عن المرأة‪ ،‬وذكر‬
‫أنهما يختلفان في خمسة أشياء‪ ،‬وفي بعض النسخ في أربعة أشياء فقط‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫قال‪ :‬أما األول فالرجل‪ :‬أي الذكر وإن كان صبيًا يجافي‪،‬‬
‫ومعنى يجافي‪ :‬أن يخرج‪ ،‬يبعد مرفقيه عن ِ‬
‫جنبه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كما جاء في األثر ”كأنه يُجنح‪( ،‬أي كأن له جناحان) في ركوعه وسجوده“‪.‬‬

‫قال‪ :‬والثاني (يقل) أي‪ :‬يرفع بطنه عن فخذيه في السجود؛ ألنه أبلغ في تمكين الجبهة واألنف من محل السجود‪.‬‬

‫قال‪ :‬والثالث يجهر في موضع الجهر‪ :‬الذي قدمناه قبل قليل وبيناه‪ ،‬في األوليين من الجهرية‪ ،‬والجمعة‪ ،‬واالستسقاء‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫قال‪ :‬الرابع إذا نابه‪ ،‬أي‪ :‬أصابه شيءٌ في الصالة وأراد أن ينبه اإلمام سبح قال (سبحان اهلل)‬
‫كما جاء عن النبي ﷺ قال‪” :‬من نابه شيءٌ في صالته فليسبح‪ ،‬وإنما التصفيق للنساء“‪.‬‬

‫صغيرا هو ما بين السرة والركبة‪،‬‬


‫قال‪ :‬والخامس عورة الرجل‪ ،‬أي‪ :‬في الصالة‪ ،‬وإن كان ً‬
‫واستدل بقول النبي ﷺ ”إذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فال تنظر (أي األمة) إلى عورته‪ ،‬والعورة ما بين السرة والركبة“‪.‬‬
‫أما السرة والركبة لذاتهما فاختار الشارح أنهما ليسا بعورة‪ ،‬وإن وجب ستر بعضهما‪،‬‬

‫ثم قال‪ :‬ألنه ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪.‬‬


‫وأما المرأة فتختلف عن الرجل فيما سبق‪ ،‬وإن كانت صغيرة‪ ،‬فإنها ال تجافي وإنما تضم بعضها إلى بعض‪ ،‬وتلصق مرفقيها‬
‫لجنبيها في الركوع والسجود‪.‬‬
‫َ‬
‫كذلك تلصق بطنها لفخذيها في السجود ألنه أستر لها‪.‬‬

‫دفعا للفتنة‪،‬‬
‫والثالث‪ :‬خفض الصوت إذا صلت بحضرة الرجال األجانب ً‬
‫وإن كان األصح أن صوتها ليس بعورة‪ ،‬الراجح أن صوت المرأة ليس بعورة‪.‬‬

‫قال والرابع‪ :‬إذا نابها أو أصابها شيءٌ مما مر في الصالة صفقت‪ ،‬والتصفيق أن تضرب بباطن الكف األيمن على ظهر األيسر‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولو صفق الرجل وسبحت المرأة جاز ذلك مع مخالفة السنة‪ ،‬والحكم صحيح‪.‬‬

‫الخامس‪ :‬جميع بدن المرأة الحرة ولو صغيرة عورة في الصالة‪ ،‬إال وجهها وكفيها ظاهرهما وباطنهما‪ ،‬من رؤوس األصابع إلى‬
‫ين ِزينَتَـ ُه َّن إَِّال َما ظَ َه َر ِم ْنـ َها﴾ [النور‪.]٣١ :‬‬ ‫ِ‬
‫الكوعين‪ .‬لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وَال يـُْبد َ‬
‫قال ابن عباس وعائشة ‪ :‬هو الوجه والكفان‪.‬‬
‫قال‪ :‬واألمة ولو مبعضة كالرجل‪ ،‬أي‪ :‬ما بين السرة والركبة‪.‬‬
‫ثم قال الشارح‪ :‬فائدة‪ :‬السرة‪ :‬الموضع الذي يقطع من المولود‪ ،‬والسر‪ :‬ما يقطع من سرته‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫فصل فيما يبطل الصالة‬
‫ثم قال الماتن ‪ٌ :‬‬
‫قال‪ :‬والذي يبطل الصالة أحد عشر شيئًا‪:‬‬
‫الكالم العمد‪ ،‬والعمل الكثير المتوالي‪ ،‬والحدث‪ ،‬وحدوث النجاسة‪ ،‬وانكشاف العورة‪ ،‬وتغيير النية‪ ،‬واستدبار القبلة‪ ،‬واألكل‪،‬‬
‫والشرب‪ ،‬والقهقهة‪ ،‬والردة عن اإلسالم‪.‬‬
‫هذه هي مبطالت الصالة أو مفسدات الصالة‪ ،‬أي‪ :‬إذا فعل واحدة من هذه بطلت صالته‪.‬‬
‫مبطال‪.‬‬
‫قال‪( :‬ومبطالت الصالة)‪ ،‬أي‪ :‬المنعقدة‪ .‬أحد عشر (شيئًا) أي‪ً :‬‬

‫األول‪« :‬الكالم»‬
‫ومعنى الكالم‪ :‬النطق بكالم البشر‪ ،‬سواء كان بلغة العرب أو بغير لغة العرب؛ فيبين حرفان فأكثر ك(قم) أو (ال تقم)‬
‫أو (أقعد) أو (ال) أو ك(عن) و(من)‪ ،‬كل ذلك كالم‪.‬‬
‫ألن النبي ﷺ قال‪” :‬إن هذه الصالة ال يصلح فيها شيءٌ من كالم الناس“‪.‬‬
‫سواء كان الكالم لمصلحة الصالة‪ ،‬أو لغير مصلحة الصالة‪.‬‬
‫كما قال الشارح‪ :‬ولو لمصلحة الصالة‪.‬‬

‫قال‪ :‬وتخصيصه بالمفهم هذا اصطالح حادث للنحاة‪ ،‬لكن المعتبر إذا بان حرفان فأكثر فإنه يبطل الصالة‪.‬‬
‫لكن قال‪ :‬الكالم العمد مع العلم بتحريمه‪ ،‬وأنه في صالة‪ ،‬فال تبطل بقليل كالم ناسيًا للصالة‪ ،‬أو سبق إليه لسانه‪ ،‬أو‬
‫جهل تحريمه‪.‬‬
‫وإن علم التحريم‪ ،‬أي جنس الكالم‪ ،‬وقرب إسالمه‪ ،‬أو بعد‪،‬‬
‫خالف بين العلماء؛ ألن معاوية بن الحكم السلمي لما تكلم لم يأمره النبي ﷺ بإعادة الصالة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫هذا‬
‫قال‪ :‬ويتعذر أن يعفى عن اليسير‪ :‬كالتنحنُح والسعال والعطاس وإن ظهر منه حرفان‪.‬‬
‫لكن إذا بان حرفان فإنه يفسد الصالة‪.‬‬

‫«والعمل الكثير المتوالي»‪ ،‬أي‪ :‬المبطل الثاني‪.‬‬


‫المقصود بالعمل الكثير‪ :‬الذي ليس من جنس الصالة في العرف‪.‬‬
‫قليال كخلع الثوب‪ ،‬أو لبس الثوب الخفيف‪ ،‬أو الخطوة‬
‫كثيرا‪ ،‬فلو كان ً‬
‫ومعنى الكثير أي‪ :‬الذي يعده الناس في العرف ً‬
‫أو الخطوتان‪ ،‬أو حمل الصبي أو وضعه؛ هذا يسير في العرف‪.‬‬
‫لكن إذا كثر العمل وكثر الحركة؛ فإنها تبطل الصالة‪.‬‬
‫وما قلنا ال تبطل بالخطوة والخطوتين؛‬
‫قال المصنف‪ :‬وتبطل بالوثبة الفاحشة‪ ،‬ال بالحركات المتوالية‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫سهوا بطلت الصالة؛ لبطالن طهارتها‬
‫«والحدث» هو المبطل الثالث‪ ،‬فإن أحدث قبل التسليمة األولى عم ًدا كان‪ ،‬أو ً‬
‫باإلجماع‪ ،‬ولزمه أن يتوضأ أو يتيمم ويعيد الصالة‪.‬‬
‫قال‪ :‬أما إذا أحدث بين التسليمتين فال يضر؛ ألن التسليمة الثانية سنة‪.‬‬

‫«حدوث النجاسة» التي ال يعفى عنها في ثوبه أو بدنه‪.‬‬


‫قال‪ :‬حتى داخل أنفه أو فمه أو عينيه أو أذنه‪ .‬لقوله‪َ ﴿ :‬وثِيَابَ َ‬
‫ك فَطَ ِّه ْر﴾ [المدثر‪.]٤:‬‬
‫ماء‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولو تنجس ثوب بما ال يعفى عنه ولم يجد ً‬
‫(وهذه المسألة مرت معنا في أبواب النجاسة‪ ،‬وفي أبواب شروط الصالة)‬
‫وجب قطع موضعها إن لم تنقص قيمته بالقطع أكثر من أجرة ثوب يصلي فيه‪ ،‬ولو اكتراه‪.‬‬
‫تبعا للمتولي‪.‬‬
‫قال‪ :‬هذا ما قاله الشيخان ً‬
‫ٍ‬
‫لنجاسة بلباسه‪.‬‬ ‫بعض‬ ‫كذلك ال تصح صالة ٍ‬
‫مالق ٌ‬
‫«وانكشاف العورة» أي‪ :‬انكشاف ٍ‬
‫شيء منها وإن لم يقصر‪ ،‬فإن طيرت الريح سترته إلى ٍ‬
‫مكان بعيد؛ فإن أمكن ستر العورة في‬
‫الحال‪ ،‬أو رد الثوب على عورته‪ ،‬لم تبطل صالته النتفاء المحظور‪ ،‬وإن تركه عا ٍر بطلت الصالة‪.‬‬

‫عالما عام ًدا‬


‫«وتغيير النية» أي‪ :‬المبطل السادس‪ :‬أن يغير النية إلى غير المنوي‪ ،‬فلو قلب صالته التي هو فيها صالةً أخرى ً‬
‫بطلت صالته‪.‬‬
‫ظهرا‪ ،‬هذه الصالة‬
‫ظهرا‪ ،‬أي نواها ً‬
‫هو يصلي العصر وفي الركعة الثانية تذكر أنه لم يصل الظهر‪ ،‬فقال‪ :‬أجعل هذه ً‬
‫عصرا‪.‬‬
‫ظهرا وال ً‬
‫بطلت ال تصح ً‬
‫أما العصر ألنه لم يكملها‪ ،‬وأما الظهر ألنه لم يأت بها من أولها‪.‬‬
‫نفال مطل ًقا فإنها تصح‪،‬‬
‫لكن أجازوا فقط ما لو قلبها ً‬
‫ضا فال تصح؛ ألنه يلزم له النية من أول الصالة إلى آخرها‪.‬‬
‫أما المعين أي ً‬

‫عذرا فقد تقدم في موضعه‪.‬‬


‫«والسابع‪ :‬استدبار القبلة» أي التحول ببعض صدره عنها بغير عذر‪ ،‬فإن كان ً‬

‫جاهال تحريمه؛ لقرب عهده باإلسالم‪،‬‬


‫قليال أي عم ًدا؛ ألنه ينافي الصالة إال أن يكون ناسيًا للصالة أو ً‬
‫«والثامن‪ :‬األكل» ولو ٌ‬
‫ِ‬
‫منافاته للصالة‪.‬‬ ‫أو لبعده عن العلماء‪ ،‬فال تبطل بقليله لعدم‬
‫أما كثيرهُ فيبطل مع النسيان أو الجهل أو غير ذلك بخالف الصيام لورود النص‪.‬‬

‫«والتاسع‪ :‬الشرب»‪ :‬وهو كاألكل فيما مر‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫«والعاشر‪ :‬القهقهة»‬
‫في الضحك بخرج حرفين قه قه‪ ،‬ومثل ذلك ابتالع الريق المختلط بغيره؛‬
‫إذ القاعدة أن كل ما أبطل الصوم أبطل الصالة‪.‬‬
‫قال المصنف‪ « :‬ومثل القهقهة البكاء ولو من خوف اآلخرة‪ ،‬واألنين والتأوه (آه)‪ ،‬والنفخ من الفم أو األنف مثل‬
‫الضحك‪ ،‬كأن ينفخ (أف) أكثر من حرف»‪.‬‬

‫«والحادي عشر‪ :‬الردة عن اإلسالم»‬


‫فمن ارتد في أثنائها بطلت صالته ول ِزمهُ أن يعيد‪ ،‬إال إذا اتصلت بالموت‬
‫ت َو ُه َو َك ِاف ٌر فَأُوٰلَئِ َ‬
‫ك َحبِطَ ْ‬
‫ت أَ ْع َمالُ ُه ْم﴾ [البقرة‪.]٢١٧ :‬‬ ‫لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وَمن يَـ ْرتَ ِد ْد ِمن ُك ْم َعن ِدينِ ِه فَـيَ ُم ْ‬
‫لكن إذا ارتد بعد الفراغ منها حبط العمل وال يلزمه اإلعادة‪.‬‬
‫هكذا انتهت المبطالت على قول الماتن‪.‬‬
‫ضا ورحم جميع السامعين والمتكلم قال‪ :‬ومن مبطالت الصالة تطويل الركن القصير عم ًدا‪:‬‬
‫وزاد الشارح ‪ ‬ورحم الماتن أي ً‬
‫وهو االعتدال والجلوس بين السجدتين ألنهما غير مقصودين‪.‬‬
‫قال‪ :‬وابتالع نخامة نزلت من رأسه إن أمكنه مجها ولم يفعل‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬تتمة‪:‬‬


‫‪ -‬ويكره االلتفات في الصالة بوجهه يمنة أو يسرة إال لحاجة‪ .‬ويكره رفع بصره إلى السماء‪.‬‬
‫‪ -‬ويكره كف شعره أو ثوبه‪ ،‬ويكره القيام على رجل واحدة‪.‬‬
‫‪ -‬ويكره الصالة حاقنًا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مشروب يتوق إليه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مأكول أو‬ ‫‪ -‬ويكره الصالة بحضرة ٍ‬
‫طعام‬
‫‪ -‬وتكره الصالة في األسواق والرحاب الخارجة عن المسجد‪ ،‬وفي الحمام‪ ،‬وفي الطريق‪ ،‬وفي البنيان دون البرية‪.‬‬
‫‪ -‬ويكره الصالة في الكنيسة وهي معبد النصارى‪ ،‬والبيعة وهي معبد اليهود‪ ،‬وأماكن الكفر‪ ،‬ومعاطن اإلبل‪ ،‬وفي المقبرة‬
‫الطاهرة كل ذلك يكره في الصالة‪.‬‬
‫ومكروهات ‪،‬ومبطالت‪.‬‬
‫َ‬ ‫وبهذا تتم أحكام الصالة من‪ :‬أركان‪ ،‬وسنن‪،‬‬
‫وبه ينتهي هذا اللقاء‪.‬‬
‫هذا وسبحانك اللهم بحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت نستغفرك ونتوب إليك‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫المحاضرة الثـانية عشـرة‬
‫ما زلنا في‪:‬كتاب الصالة‪.‬‬
‫فصل فيما تشتمل عليه الصالة وما يجب عند العجز عن القيام⟩‬
‫قال المصنف ‪ٌ ⟨ :‬‬
‫بع وتسعون تكبيرة‪ ،‬وتسع تشهدات‪ ،‬وعشر‬
‫بع وثالثون سجدة‪ ،‬وأر ٌ‬
‫قال‪« :‬وركعات الفرائض سبعة عشر ركعة فيها‪ :‬أر ٌ‬
‫وثالث وخمسون تسبيحة‪ ،‬وجملة األركان في الصالة مائةٌ وستةٌ وعشرو َن ركنًا‪ :‬في الصبح ثالثون ركنًا‪ ،‬وفي‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫تسليمات‪ ،‬ومائةٌ‬
‫المغرب اثنان وأربعون ركنًا‪ ،‬وفي الرباعية أربعةٌ وخمسون ركنًا‪.‬‬
‫ضطَ ِج ًعا‪ ،‬فإن عجز أومأ برأسه ونوى بقلبه»‪.‬‬
‫سا‪ ،‬ومن عجز عن الجلوس صلى ُم ْ‬ ‫ِ‬
‫ومن عجز عن القيام في الفريضة صلى َجال ً‬

‫هذه بعض تتمة و تلخيص لما سبق من األركان‪ ،‬والسنن‪ ،‬والهيئات‪.‬‬


‫كعات‪ ،‬وسجدات‪ ،‬ورُكوع‪ ،‬وتشهد‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫فصل فيما تشتمل عليه الصالة» أي من واجبات‪ ،‬وأركان‪ ،‬ور َ‬
‫فقال‪ٌ « :‬‬
‫قال‪« :‬وعدد ركعات الفرائض» أي في اليوم والليلة وغير يوم الجمعة‪ ،‬وغير المسافر‪ ،‬أي المقيم الذي يصلي‪ ،‬فإن في اليوم‬
‫والليلة عدد للرَكعات‪.‬‬
‫قال‪« :‬سبعة عشر ركعة» وهي كما تعلمون أربع الظهر‪ ،‬وأربَع العصر‪ ،‬وثالث المغرب‪ ،‬وأربع العشاء‪ ،‬وركعتي الفجر‪.‬‬
‫إذن هذه هي عدد الركعات في الفرائض‪.‬‬
‫قال‪« :‬وفيها» أي الفرائض‪.‬‬
‫بع وثالثون سجدة»؛ ألن في كل ركعة سجدتين في سبعة عشر يكون أربع وثالثون سجدة‪.‬‬
‫«أر ٌ‬
‫بع وتسعون تكبيرة» قال‪ :‬ألن في كل رباعية اثنين وعشرين تكبيرة‪ ،‬بتكبيرة اإلحرام‪.‬‬
‫قال‪« :‬وأر ٌ‬
‫وستون تكبيرة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيجتمع منها‪ ،‬أي‪ :‬من الرباعية‪( ،‬وهي الظهر‪ ،‬والعصر‪ ،‬والعشاء) ستةٌ ُ‬
‫قال‪ :‬وفي الثنائية أي (الصبح) إحدى عشرة تكبيرة‪.‬‬
‫بع وتسعون تكبيرة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وفي الثالثية سبع عشرة تكبيرة‪ ،‬فجملتُها أر ٌ‬
‫قال‪« :‬وفيها (أي في الصالة) تسع تشهدات (أي في الصلوات الخمس)‬
‫ألن الثنائية (أي الفجر) فيها تشه ٌد واحد‪ ،‬وفي ٍ‬
‫كل من الباقي تشهدين‪.‬‬
‫وثالث وخمسون تسبيحة (ألن في كل ركعة تسع‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫صالة تسليمتان) وفيها مائةٌ‬ ‫قال‪« :‬وفيها عشر تسليمات (ألن في كل‬
‫وثالث وخمسون تسبيحة)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫تسبيحات مضروبة في سبعة عشر يكون مائةٌ‬
‫تسع تسبيحات‪ :‬ثالث في الركوع‪ ،‬وثالث في كل سجدة من السجدتين‪.‬‬
‫فعدد ركعاته خمس عشرة ركعة ‪( .‬أي أقل ركعتين من األيام العادية؛ ألن الجمعة ركعتين‪ ،‬وفي األيام‬
‫قال‪ :‬وأما يوم الجمعة ُ‬
‫العادية يكون الظهر أربع ركعات)‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫وثالث وثمانون تكبيرة‪ ،‬ومائةٌ وخمسةٌ وثالثون تسبيحة‪ ،‬وثماني تشهدات‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫كوعا‪ ،‬وثالثون سجدة‪،‬‬
‫قال‪ :‬فيها خمسة عشر ر ً‬
‫وستون‬
‫كوعا‪ ،‬واثنان وعشرون سجدة‪ ،‬وإحدى ُ‬
‫فعدد ركعاته للقاصر إحدى عشرة ركعة‪ ،‬فيها أحد عشر ر ً‬
‫قال‪ :‬وأما سفر القصر ُ‬
‫تكبيرة (ألن كل الصلوات ثنائية ما عدا المغرب فهي ثالثية)‪.‬‬
‫قال‪« :‬وجملة األركان في الصالة المفروضة (وهي الخمس) مائةٌ وستةٌ وعشرون ركنًا»‪.‬‬
‫قال‪« :‬في الصبح ثالثون ركنًا»‬
‫ويقصد أن في صالة الصبح يتكرر في كل ركعة ما خال النية واإلحرام‪:‬‬
‫القيام‪ ،‬وقراءة الفاتحة‪ ،‬والركوع‪ ،‬والطمأنينة فيه‪ ،‬والرفع من الركوع‪ ،‬والطمأنينة فيه‪ ،‬والسجود األول‪ ،‬والطمأنينة فيه‪ ،‬والجلوس‬
‫بين السجدتين‪ ،‬والطمأنينة فيه‪ ،‬والسجدة الثانية‪ ،‬والطمأنينة فيها‪.‬‬
‫والركعة الثانية كالر ِ‬
‫كعة األولى ما عدا النية وتكبيرة اإلحرام‪ ،‬لكنها تزيد بالجلوس للتشهد‪ ،‬والتشهد‪ ،‬والصالة على النبي ﷺ‬
‫بعده والتسليمة األولى‪.‬‬
‫قال‪« :‬وفي المغرب من ذلك اثنان وأربعون ركنًا» على ما ذكرنا‪.‬‬
‫قال‪« :‬وفي الصالة الرباعية أربعةٌ وخمسون ركنًا»‬
‫ٍ‬
‫مسألة ثانية بعد بيان أركان‪ ،‬وهيئات‪ ،‬وصفات‪ ،‬وعدد ركعات الصالة‪ .‬فقال‪« :‬ومن عجز عن القيام في الفريضة‬ ‫وانتقل هنا إلى‬
‫سا»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صلى َجال ً‬
‫سا‪ ،‬أو‬ ‫لحديث عمران بن الحصين الذي مر معنا أنه سأل النبي ﷺ عن الصالة فقال‪” :‬صل قَائِما فإن لم تستطع ِ‬
‫فجال ً‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫اع ًدا‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جنب“‪.‬‬ ‫قَ ِ‬

‫ولإلجماع على هذه الصفة‪ ،‬وال ينقص ثوابه عن‬ ‫سا؛ للحديث الذي ذكرناه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫فقال‪ :‬من عجز عن القيام في الفريضة صلى َجال ً‬
‫ثواب المصلي قَائِ ًما؛ ألنه معذور‪.‬‬
‫قال الرافعي ‪:‬‬
‫ٍ‬
‫مشقة شديدة‪ ،‬أو دوران‬ ‫وال نعني بالعجز عدم اإلمكان فقط‪ ،‬بل في معناه خوف الهالك‪ ،‬أو الغرق‪ ،‬وزيادة المرض‪ ،‬أو خوف‬
‫الرأس في حق راكب السفينة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫نوع من أنواع العجز‪ ،‬وأنه يجد في القيام مشقة شديدة فإنه يجلس‬
‫ويتكلم هنا أن من عجز عن القيام ال يشترط المرض بأي ٍ‬
‫على أي صفة إما االفتراش وهو أفضله من الهيئات األخرى‪.‬‬
‫ضطَ ِج ًعا لجنبه‬
‫ضطَ ِج ًعا» أي‪ :‬إذا لم يستطع أن يجلس لمرضه‪ ،‬أو لعجزه‪ ،‬صلى ُم ْ‬
‫قال‪« :‬ومن عجز عن الجلوس صلى ُم ْ‬
‫مستقبل القبلة بوجهه ومقدم البدن‪.‬‬
‫قال‪ُ :‬و ُجوبًا؛ لألمر باستقبال القبلة‪.‬‬
‫الجنب الذي عليه يصلي المصلي‪ ،‬إنما قال‪” :‬على جنب“‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والنبي ﷺ لم يبين‬

‫‪152‬‬
‫لمرض‪ ،‬أَو َع ْج ٍز؛ على أي ج ٍ‬
‫نب صلى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وقال بعض أهل العلم‪ :‬يستحب أن يكون األيمن‪ ،‬فإن لم يستطع‬
‫قال‪« :‬فإن عجز (أي عن الصالة على جنبه) أومأ برأسه»‬
‫والسجود أخفض من الركوع‪ ،‬فإن لم يستطع حتى برأسه‬
‫ِ‬
‫فببصره‬ ‫قال‪:‬‬
‫قال‪ :‬فإن عجز حتى بالبصر‪ ،‬أجرى أفعال الصالة بسننها ونوى بقلبه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وال إعادة عليه وال تسقط عنه الصالة وعقله ثابت؛ لوجود مناط التكليف‪.‬‬
‫فم ْستَـل ِْقيًا‪،‬‬ ‫إذن درجات صالة المريض‪ :‬أن يصلي قَائِما‪ ،‬فإن لم يستطع فجالسا‪ ،‬فإن لم يستطع فم ْ ِ‬
‫ضطَج ًعا‪ ،‬فإن لم يستطع ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فإن لم يستطع أومأ برأسه‪ ،‬فإن لم يستطع أومأ ببصره‪ ،‬فإن لم يستطع أجرى أفعال الصالة على قلبه ونواه به‪.‬‬

‫جالسا ثم قدر في أثنائها على القيام‪ ،‬أو بدأها قَائِ ًما ثم في أثنائها احتاج إلى‬
‫وهنا قال الشارح ‪« :‬تتمة» لو بدأ الصالة ً‬
‫القعود أو عجز عنه‪ ،‬أتى بالمقدور له وبنى على قراءته‪.‬‬
‫معنى هذا الكالم أنه كان قَائِ ًما فاعتراهُ مرض فله أن يجلس ويكمل الصالة‪.‬‬
‫جالسا وشعر بنشاط فله أن يقوم فيكمل قَائِ ًما واهلل أعلم‪.‬‬
‫كان ً‬
‫انتبه معي إلى هذا الفصل وهذا الباب فهو أهم ٍ‬
‫درس في لقاء اليوم‪.‬‬
‫ضا كانت أو نَـ ْف ًال»‬
‫فصل في سجود السهو في الصالة فَـ ْر ً‬
‫قال‪ٌ « :‬‬
‫رض‪ ،‬وسنةٌ‪ ،‬وهيئةٌ‪.‬‬
‫قال الماتن‪« :‬والمتروك من الصالة ثالثة أشياء‪ :‬فَ ٌ‬
‫فالفرض ال ينوب عنه سجود السهو‪ ،‬بل إن ذكره والزمان قريب أتى به وبنى عليه وسجد للسهو‪.‬‬
‫والسنة‪ :‬ال يعود إليها بعد التلبس بالفرض لكنه يسجد للسهو عنها‪.‬‬
‫قال‪« :‬والهيئة ال يعود إليها بعد تركها وال يسجد للسهو منها»‪.‬‬
‫ثم قال‪« :‬وإذا شك في عدد ما أتى به من الركعات‪ ،‬بنى على اليقين وهو األقل ويأتي بما بقي في سجود السهو»‪.‬‬
‫ثم بين فقال‪« :‬وسجود السهو سجدتان سنةٌ‪ ،‬ومحله قبل السالم»‬
‫هذا هو َمتن باب سجود السهو‪.‬‬
‫قال الشارح ‪ ‬الخطيب الشربيني‪:‬‬
‫السهو لُغَةً‪ :‬نسيان الشيء والغفلة عنه‪.‬‬
‫واص ِط َالحا‪ :‬الغفلة عن ٍ‬
‫شيء في الصالة‪.‬‬ ‫ْ ً‬
‫فرض (ركن)‪ ،‬وسنةٌ‪ ،‬وهيئة‪.‬‬
‫ثم بدأ باألهم فقال‪ :‬والمتروك من الصالة ثالثة أشياء‪ٌ :‬‬
‫وتقدم في صفة الصالة في المحاضرة قبل السابقة والسابقة (الفرائض‪ ،‬والسنن‪ ،‬والهيئات) فلتراجع‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫يب أتى به وبنى عليه وسجد للسهو»‬
‫هنا قال‪« :‬فالفرض ال ينوب عنه سجود السهو‪ ،‬بل إن ذكره والزمان قر ٌ‬
‫سهوا ال ينوب عنه سجود السهو‪.‬‬
‫فالفرض أي المتروك ً‬
‫رجل يصلي ونسي قراءة الفاتحة وركع‪ ،‬الفاتحة ركن فهل يجزئ عنه أن يسجد سجدتين للسهو؟‬
‫أوال ثم بعد ذلك يسجد للسهو‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬ال‪ ،‬بل ال بد أن يأتي بالفاتحة ً‬
‫قال‪« :‬بل إن ذكره قبل سالمه والزمان قريب أتى به»‪.‬‬
‫معنى هذا أن المصلي وهو يصلي‪ ،‬وفي الركعة األولى وهو ساجد تذكر أنه لم يقرأ الفاتحة فهنا نقول يرجع؛ ألن الزمان قريب‪،‬‬
‫فيقوم مباشرةً يقرأ الفاتحة واعتبار ما فعل من هذه الركعة كأن لم يكن؛ ألن الفاتحة أول ركن في الركعة‪ ،‬فيقرأ الفاتحة‪ ،‬ثم يركع‬
‫بعد السورة‪ ،‬ثم يتم الصالة‪.‬‬
‫أما إذا كان تذكر وهو في التشهد األخير أنه لم يقرأ الفاتحة في الركعة األولى؛ يقوم فيأتي بر ٍ‬
‫كعة‪ ،‬ثم يتشهد‪ ،‬ثم يسجد للسهو‬
‫قبل السالم‪ ،‬ثم يسلم‪.‬‬
‫هذا كله الزمان قريب‪.‬‬
‫لكن هنا إذا بُعد المتروك كأن يكون قد سلم ورجع إلى بيته‪ ،‬وتناول غداءه ثم تذكر أنه قد نسي الفاتحة‬
‫هنا قال‪ :‬يعيد الصالة كاملة؛ للخلل‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم اختلفوا ما لو كان المتروك تكبيرة اإلحرام‪ ،‬أو السالم‪.‬‬
‫أما تكبيرة اإلحرام‪ :‬فال تنعقد الصالة بدونها‪.‬‬
‫وأما السالم‪ :‬فإن كان ما زال في موضعه فليسلم‪ ،‬وليسجد سجدتين قبل السالم‪.‬‬
‫فإن تذكر بعد السالم فإنه يسجد ويسلم مرًة أخرى‪.‬‬
‫لكن وضع الشارح ‪ ‬شرطين‪ ،‬قال‪ :‬بشرط‪ :‬أال يطول الفصل‪ ،‬وأال يطأ نجاسة‪.‬‬
‫فإن طال الفصل أو وطأ نجاسة استأنفها‪ ،‬أي‪ :‬أعاد الصالة من أولها‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويعتبر القصر والطول فيما ذكرنا في الجملة على حديث ذي اليدين‪.‬‬
‫ما هو حديث ذي اليدين؟‬
‫حديث ذي اليدين أن النبي ﷺ كان يصلي بالصحابة إحدى صالتي العشي؛‬
‫ٍ‬
‫خشبة في مقدمة المسجد فوضع ﷺ يده عليها‪ ،‬وفي القوم أبو بك ٍر وعمر‬ ‫وهو حديث أبي هريرة ‪ ‬قال‪” :‬ثم قام إلى‬
‫يكلماه‪ ،‬وخرج سرعان الناس‪ ،‬فقالوا‪ :‬أقصرت الصالة؟‬
‫فهابا أن َ‬
‫َ‬
‫رجل يدعوه النبي ﷺ ذا اليدين‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل أقصرت الصالة أم نسيت؟‬
‫قال‪ :‬وفي القوم ٌ‬
‫أنس‪ ،‬ولم تقصر‪.‬‬
‫قال‪ :‬لم َ‬
‫قال‪ :‬بلى‪ ،‬قد نسيت‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫فصلى ركعتين‪ ،‬ثم سلم‪ ،‬ثم سجد مثل نسجوده أو أطول‪ ،‬ثم رفع رأسه فكبر‪ ،‬ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو‬
‫أطول‪ ،‬ثم رفع رأسه فكبر“‪.‬‬
‫حديث متف ٌق عليه‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ولمسلم‪” :‬ثم سلم‪ ،‬ثم سجد سجدتين‪ ،‬ثم سلم (أي‪ :‬بعد السجود)“‪.‬‬
‫هذا حديث ذي اليدين ”والنبي ﷺ جلس‪ ،‬وراجع الصحابة‪ ،‬ومضى في ناحية المسجد‪ ،‬وسأل الصحابة“‪.‬‬
‫فهذا هو الوقت المعتبر‪.‬‬
‫فرضا من فرائض الصالة فإنه ال يجزئه أن يأتي بالسجود دون أن يأتي بهذا‬
‫إذن هذا هو الجزء األول‪ :‬إذا نسي المصلي ً‬
‫أوال‪ ،‬ثم يسجد للسهو قبل السالم‪.‬‬
‫الفرض‪ ،‬بل ال بد أن يأتي به ً‬
‫قال الماتن ‪« :‬والسنة ال يعود إليها بعد التلبس بالفرض»‪.‬‬
‫أي‪ :‬إذا شرع‪ ،‬وترك سنة‪ ،‬كأن يترك التشهد األول‪ ،‬أو القنوت (على قول المصنف ‪ ‬أنه سنة) ثم قام‪.‬‬
‫كان يصلي المغرب فقام من الركعة الثانية ولم يجلس للتشهد األول‪ ،‬فشرع في القراءة بعد التكبير تذكر أنه ترك التشهد‬
‫األول‪ ،‬والتشهد األول عند الشافعي سنة‪ ،‬هل يرجع؟‬
‫قال‪ :‬ال يرجع‪ ،‬ويحرم عليه العود؛ ألنه تلبس اآلن بفرض؛ فال يرجع إلى سنة‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولكنه يسجد للسهو عنها‪ .‬وهذا هو الصحيح‪.‬‬
‫ثم اختلفوا‪ :‬ماذا لو رجع المصلي فأتى بالتشهد األول؟‬
‫فقالوا‪:‬‬
‫عالما أن ذلك يبطل الصالة؛ فالصالة باطلة‪.‬‬
‫‪ -‬إن كان عم ًدا ً‬
‫جاهال بالتحريم‪ ،‬أو بموضع الجلوس؛ فالصالة ال تبطل على األصح كالنَاسي‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا كان ً‬
‫يج على أصول المذهب‪.‬‬
‫وهذا تخر ٌ‬
‫إذن‪ :‬لو نسي سنة من السنن يجبره سجود السهو‪.‬‬
‫الفرض ال يجبره سجود السهو‪ ،‬والسنة يجبرها سجود السهو‪.‬‬
‫قال‪« :‬والهيئة‪ :‬ال يعود إليها بعد تركها‪ ،‬وال يسجد للسهو منها»‪.‬‬
‫كرف ِع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه وهو ساجد‪ ،‬تذكر أنه لم يرفع يديه عند الركوع ولم يرفعهما عند الرفع منه‪،‬‬
‫هذه هيئة‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬في هذه الحالة ال يرجع إليها‪.‬‬
‫كذلك لو نسي تسبيحة‪ ،‬أو سبح واحدة في ٍ‬
‫مكان أخرى‪ ،‬كأن يقول‪ :‬سبحان ربي األعلى في الركوع‪ ،‬وسبحان ربي العظيم في‬
‫السجود‪ ،‬فهو أتى بذك ٍر مكان ذكر‪ ،‬أو تركه بالكلية؛ فهذا يسجد للسهو‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫لكن متى يسجد؟ قبل السالم‬
‫انتبه معي فإن الشافعي ‪ ‬يرى أن السجود كله قبل السالم‪ :‬سواء كان عن زيادةٍ‪ ،‬سواء كان عن ٍ‬
‫نقص‪.‬‬
‫سواء كان عن ٍ‬
‫شك‪ ،‬كما سيأتينا بعد قليل‪.‬‬
‫إذن خالصة القول فيما يجبره سجود السهو‪ :‬أنه ال يجبر الفرض‪ ،‬بل ال بد أن يأتي به كتكبيرة اإلحرام‪ ،‬والنية‪ ،‬وقراءة الفاتحة‪،‬‬
‫قائما‪ ،‬والسجود‪ ،‬واالطمئنان فيه‪ ،‬والجلوس بين السجدتين‪ ،‬واالطمئنان فيه‪،‬‬
‫والركوع‪ ،‬والرفع منه‪ ،‬واالطمئنان‪ ،‬واالعتدال ً‬
‫والتشهد‪ ،‬والجلوس له‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والسجدة الثانية‪ ،‬والتشهد األول‪،‬‬
‫كل هذه فرائض ال يجبرها سجود السهو‪.‬‬
‫ِ‬
‫كالقنوت؛ يجبرها سجود السهو‪.‬‬
‫كالتشهد األول‪ ،‬و‬ ‫والسنن‪:‬‬
‫ُ‬
‫وكذلك الهيئات‪ :‬كالتسبيح ورفع اليدين ونحوها؛ ال يجبر بسجود السهو وال يحتاج إليها إذا تركها‪.‬‬
‫والذي تميل إليه النفس أنه حتى لو ترك مثل هذه المسائل؛ فإنه يستحب له أن يسجد للسهو‪.‬‬

‫مأموما؟‬ ‫ٍ‬
‫ثم قال في مسألة‪ :‬ماذا لو كان ً‬
‫منفردا‪،‬‬
‫إماما أو ً‬
‫الكالم في كل ما سبق كان على إذا كان ً‬
‫أما المأموم فال سهو عليه‪ ،‬سواء كان المتروك ركنًا أو سنةً أو هيئة‪ ،‬ويتحمله عنه اإلمام‪،‬‬
‫شا عن إمامه‪.‬‬
‫وال يجوز له أن يتخلف تخل ًفا فاح ً‬

‫ٍ‬
‫مسألة أخرى وهي مسألةٌ الشك في سجود السهو‪.‬‬ ‫ثم انتقل الماتن ‪ ‬إلى‬
‫قال‪ « :‬وإذا شك في عدد الركعات‪ ،‬أو في عدد ما أتى به من الركعات؛ بنى على اليقين وهو األقل‪ ،‬ويأتي بما بقي ويسجد له‬
‫للسهو»‪.‬‬
‫رجل يصلي العصر ثم قام ال يدري هذه الثالثة أو الرابعة‪ ،‬لم يستطع أن يحدد؛ هذا يعدها الثالثة‪ ،‬ألنه قال‪ :‬يبني على األقل‪،‬‬
‫األقل ثالثة؛ فيأتي بالرابعة ويسجد للسهو قبل السالم‬
‫انتبه مذهب الشافعي أن السهو كله قبل السالم‪.‬‬
‫ودليل ذلك حديث أبي سعيد ‪ ‬أنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪” :‬إذا شك أحدكم في صالته فلم يد ِر كم صلى ثالثًا أم‬
‫خمسا شفعن له صالته‪،‬‬
‫أر ًبعا‪ ،‬قال‪ :‬فليطرح الشك وليبن على ما استيقن‪ ،‬ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم‪ ،‬فإن كان صلى ً‬
‫ترغيما للشيطان“‪.‬‬
‫تماما ألرب ٍع كانتا ً‬
‫وإن كان صلى ً‬
‫بهذا بين النبي ﷺ أنه يبني على األقل‪ ،‬ويبني على ما استيقن‪.‬‬
‫لكن وهو يصلي إذا اهتدى وعلم أنه اآلن في الخامسة‪ ،‬هل يرجع؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬وال ِ‬
‫يمض بعدما تيقن أنها الخامسة‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫أو إن تيقن أنها الرابعة أكمل ومضى في صالته‪.‬‬
‫متطهرا أم ال‪ ،‬فإن شك في الطهارة بنى على األصل وهو أنه طاهر‪ ،‬فإن تيقن أنه غير طاهر أو‬
‫ً‬ ‫هذا بخالف ما لو شك لو كان‬
‫قوال واح ًدا‪.‬‬
‫أنه غير متوضئ وأنه محدث؛ خرج ً‬

‫قال‪« :‬وسجود السهو سجدتان»‪.‬‬


‫حتى ولو كثر السهو وتكرر فنسي في الركعة األولى‪ ،‬ونسي في الثانية‪ ،‬ونسي في الثالثة ال يلزمه إال أن يسجد سجدتين‪.‬‬
‫قال‪ :‬وسجود السهو سجدتان‬
‫القتصاره ﷺ عليهما في حديث ذي اليدين ”ثم سجد سجدتين“‪.‬‬
‫فسجود السهو سجدتان‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وألمره بهما في حديث أبي سعيد ”ثم يسجد سجدتين“‪.‬‬

‫لكن هنا فائدةٌ لطيفة ذكرها الشارح ‪ ‬قال‪ :‬ماذا لو سها في سجود السهو؟‬
‫قال العلماء‪ :‬إذا سها في سجود السهو؛ فال سهو عليه ثانيًا‪.‬‬
‫وكما قال الدميري لما سأل أبا يوسف الكسائي عنها قال‪" :‬المصغر ال يصغر"‪.‬‬
‫قال‪« :‬سنةٌ» أي‪ :‬أن سجود السهو سنة‪،‬‬
‫ومعنى قوله سنة‪ :‬أنه إذا لم يأت به فالصالة صحيحة‪.‬‬
‫رجل نسي التشهد األول‪ ،‬فقام للثالثة ولم يتشهد؛ فهنا نقول هذا الرجل يستحب له أن يسجد‪ ،‬فإذا لم يسجد فال شيء عليه‪.‬‬
‫ٌ‬
‫قال‪« :‬ومحله قبل السالم» أي‪ :‬أنه يسجد قبل السالم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ألنه ﷺ‪ ” :‬صلى بهم الظهر‪ ،‬وقام من األوليين ولم يجلس فقام الناس معه‪ ،‬حتى إذا قضى الصالة وانتظر الناس‬
‫تسليمه‪ ،‬كبر وهو جالس‪ ،‬فجلس‪ ،‬فسجد سجدتين قبل أن يسلم‪ ،‬ثم سلم“‪،‬‬
‫هذا حديث ابن بحينة‪.‬‬
‫قال الزهري‪ :‬وفعله قبل السالم هو آخر األمرين من فعله ﷺ‪.‬‬
‫وهذا األمر أراه واهلل أعلم فيه سعة‬
‫فإن الحنفية يرون أن السجود كله بعد السالم‪.‬‬
‫وأما المالكية والحنابلة فيرون التفصيل‪:‬‬
‫ما سجد فيه النبي ﷺ أو أمر به بالسجود قبل السالم؛ فهو قبل السالم‪.‬‬
‫وما كان بعده؛ فهو بعده‪ .‬وهذا القول قريب‪.‬‬
‫لكنا نأخذ بالمذهب حيث إن األمر فيه سعة أن السجود كله قبل السالم‪ ،‬ولم يذكروا خالفًا في المذهب‪.‬‬
‫ثم قال المصنف ‪ ‬في الفصل األخير في محاضرة اليوم‪:‬‬

‫‪157‬‬
‫فصل في بيان األوقات التي تكره فيها الصالة》‬
‫《 ٌ‬
‫ٍ‬
‫أوقات ال يصلى فيها إال صال ًة لها سبب‪:‬‬ ‫قال الماتن ‪ :‬وخمسة‬
‫رمح‪ ،‬وإذا استوت حتى تزول‪ ،‬وبعد صالة العصر‬
‫بعد صالة الصبح حتى تطلع الشمس‪ ،‬وعند طلوعها حتى تتكامل وترتفع قدر ٍ‬
‫حتى تغرب الشمس‪ ،‬وعند الغروب حتى يتكامل غروبها‪.‬‬
‫أوقات خمسة تكره الصالة فيها كما ذكر المصنف ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫هذه‬
‫فقال‪ :‬خمسة‪ ..‬أي‪ :‬حرم الصالة فيها‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال يصلى فيها إال صالةٌ لها سبب‪.‬‬
‫سبب غير متأخر‪.‬‬
‫لكن اشترط الشارح أن يكون هذا السبب إنما هو ٌ‬
‫أما إذا كان سببًا يُؤخر فال يصلى في هذا الوقت‪.‬‬
‫ما معنى سبب متأخر أو غير متأخر؟‬
‫‪ -‬كصالة االستسقاء ال تؤخر‪.‬‬ ‫‪ -‬كصالة الكسوف ال تؤخر‪.‬‬ ‫غير المتأخر‪:‬‬
‫‪ -‬كطواف أو تحية ركعتي الطواف ال تؤخر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كتحية المسجد ال تؤخر‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬كسجدة التالوة والشكر ال تؤخر‪.‬‬ ‫‪ -‬كسنة الوضوء ال تؤخر‪.‬‬
‫‪ -‬كصالة الجنازة ال تؤخر‪.‬‬

‫يؤخرهما‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أما التي تؤخر‪ :‬كصالة االستخارة‪ ،‬وركعتي اإلحرام‪ ،‬يمكن أن‬
‫وهنا نقول‪ :‬إال ما لها سبب أو صالة لها سبب‪ .‬فيكون هنا النهي عن التنفل المطلق‪.‬‬

‫قال‪« :‬بعد صالة الصبح حتى تطلع الشمس»‪.‬‬


‫ٍ‬
‫ساعات كان رسول اهلل ﷺ ينهانا أن نصلي فيهن أو‬ ‫ألن النبي ﷺ كما في حديث عقبة بن عامر قال‪” :‬ثالث‬
‫أن نقبر فيهن موتانا‪ :‬حين تطلع الشمس بازغةً حتى ترتفع‪ ،‬وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس‪ ،‬وحين تتضيف‬
‫للغروب“‪ .‬متف ٌق عليه‪.‬‬
‫وكذلك قوله ﷺ ”ال تحروا بصالتكم طلوع الشمس وال غروبها“‪ .‬هذا رواه مسلم‪.‬‬
‫وقال ﷺ‪” :‬ال صالة بعد صالة الصبح حتى تطلع الشمس“‪.‬‬

‫رمح‪.‬‬
‫قال‪ :‬وثانيها (أي‪ :‬ثاني األوقات)‪ :‬عند طلوعها حتى تتكامل وترتفع قدر ٍ‬
‫أي‪ :‬عند طلوع الشمس يكره الصالة‪.‬‬
‫رمح‪ ،‬أي‪ :‬في رأي العين‪.‬‬
‫بل قال بعض أهل العلم‪ :‬يحرم‪ .‬قال‪ :‬حتى ترتفع قدر ٍ‬

‫‪158‬‬
‫قال‪ :‬وثالثها‪ :‬عند االستواء حتى تزول‪.‬‬
‫عند االستواء‪ ،‬أي‪ :‬استواء الشمس في كبد السماء‪.‬‬
‫لقوله ﷺ‪” :‬وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس“‪.‬‬
‫فالظهيرة‪ :‬شدة الحر أشد ما يكون‪ .‬ومعنى تتضيف‪ :‬أي تميل‪.‬‬
‫وسبب الكراهة هنا أن النبي ﷺ بين في الصبح أنها تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها‪.‬‬
‫فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها‪ ،‬فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها‪.‬‬
‫واختلف العلماء في المقصود بقرن الشيطان‪:‬‬
‫‪ -‬فقال بعضهم قومه‪ ،‬وهم عباد الشمس‪.‬‬
‫‪ -‬وقال بعضهم الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه األوقات‪ ،‬وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫وتزول الكراهة بالزوال أي زوال الشمس عن كبد السماء‪.‬‬

‫قال الشارح‪ :‬واالستواء شيءٌ لطيف ال يسع الصالة وال يكاد يشعر به حتى تزول الشمس‪.‬‬
‫ثم استثنى من وقوعه‪ ،‬أي‪ :‬يوم االستواء‪ :‬قال‪ :‬إال يوم الجمعة‪.‬‬
‫ِ‬
‫الستثنائه في خبر أبي داود ‪.‬‬ ‫فيُستثنى من كالمه‬

‫قال‪« :‬وبعد صالة العصر حتى تغرب الشمس»‪.‬‬


‫لخبر الصحيحين‪” :‬وال صالة بعد العصر حتى تغرب الشمس‘‪.‬‬
‫قال‪ :‬وعند الغروب حتى يتكامل غروبها‪.‬‬
‫تماما‪.‬‬
‫هذا هو الوقت الخامس‪ ،‬أي‪ :‬عند بدء القرص في االختفاء حتى يختفي ً‬
‫فنقول على ذلك أوقات الكراهة خمسة‪ ،‬والعلماء يقسمون أحيانًا ما يتعلق بالزمان‪:‬‬
‫‪ -‬كعند الطلوع‪.‬‬
‫‪ -‬وعند االستواء‪.‬‬
‫‪ -‬وعند الغروب‪.‬‬
‫هذا يتعلق بالزمان‪.‬‬

‫وقال الشارح‪ :‬وقد علم مما تقرر انقسام النهي في هذه األوقات‪:‬‬
‫إلى ما يتعلق بالزمان وهو ثالثة أوقات‪ :‬عند الطلوع‪ ،‬وعند االستواء‪ ،‬وعند الغروب‪.‬‬
‫أداء‪ ،‬وبعد صالة العصر كذلك‪.‬‬
‫وإلى ما يتعلق بالفعل وهي‪ :‬بعد صالة الصبح ً‬
‫هذه هي أوقات الصالة‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫لكن العلماء استثنوا من ذلك‪ :‬ركعتا الفجر‪ ،‬فإنهما يصليان في كل وقت‪.‬‬
‫ساعة شاء من ٍ‬
‫ليل أو نهار“‪.‬‬ ‫لحديث‪ :‬قال ﷺ‪” :‬يا بني عبد ٍ‬
‫مناف ال تمنعوا أح ًدا طاف بهذا البيت وصلى أية ٍ‬

‫صحيح على شرط مسلم‬


‫ٌ‬ ‫حديث صحيح رواه الترمذي وصححه‪ ،‬وكذلك أصحاب السنن وصححه الحاكم وقال‪:‬‬
‫ٌ‬
‫ووافقه الذهبي‪.‬‬

‫بهذا أحبتي في اهلل تنتهي المحاضرة الثانية عشر من محاضرات الفقه الشافعي‪.‬‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب اليك‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة وبركاته‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫المحاضرة الثــالث ـة عشـرة‬
‫ما زلنا في بيان (كتاب الصالة)‬
‫ونحن نشرح كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع] لإلمام‪ /‬محمد بن أحمد الخطيب الشربيني ‪.‬‬
‫فصل في صالة الجماعة‪.‬‬
‫قال الماتن‪ٌ :‬‬
‫الص َالةَ﴾ [النساء‪.]١٠٢ :‬‬ ‫نت فِي ِه ْم فَأَقَ ْم َ‬
‫ت لَ ُه ُم َّ‬ ‫قال‪ :‬واألصل فيها‪ :‬قول اهلل عز وجل‪َ ﴿ :‬وإِذَا ُك َ‬
‫واألخبار الواردة عن النبي ﷺ في فضل صالة الجماعة‪ :‬كما في الصحيحين من حديث ابن عمر ‪ ‬أن النبي ﷺ‬
‫قال‪” :‬صالة الجماعة أفضل من صالة الفذ بسب ٍع وعشرين درجة“‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بخمس وعشرين درجة“‪.‬‬ ‫ضا من حديث أبي هريرة قال‪” :‬‬
‫وعنده أي ً‬
‫واإلجماع على مشروعية صالة الجماعة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وصالة الجماعة سنةً مؤكدة‪.‬‬
‫ألن النبي ﷺ مكث مدة مقامه بالمدينة يصلي الجماعة‪ ،‬وما تركها إال في مرضه الذي مات فيه ﷺ‪.‬‬
‫وكان السلف يعزون أنفسهم إذا فاتتهم صالة الجماعة‪.‬‬
‫إمام ومأموم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأقلها ٌ‬
‫كما سيأتي في باب هيئة الجمعة‪.‬‬
‫وألن النبي ﷺ صلى بابن عباس‪ ،‬وصلى بابن مسعود‪ ،‬وصلى بحذيفة؛ فتصح من ٍ‬
‫إمام ومأموم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وصالة الجماعة (أي‪ :‬في المكتوبات غير الجمعة) سنةٌ مؤكدة لألحاديث التي ذكرنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقال الرافعي وتبعه المصنف بذلك‪ ،‬أي‪ :‬بأنها سنةٌ مؤكدة‪.‬‬
‫قال‪ :‬واألصح المنصوص كما قاله النووي‪ :‬أنها في غير الجمعة فرض كفاية‪.‬‬
‫وهذا أيضا قول شيخ اإلسالم‪ ،‬وهو الذي يجمع بين أدلة الفريقين‪.‬‬
‫ثالثة من قر ٍية أو بد ٍو ال تقام فيهم الجماعة؛ إال استحوذ عليهم الشيطان‪ .‬فعليك بالجماعة؛ فإنما‬
‫لقول النبي ﷺ‪” :‬ما من ٍ‬

‫يأكل الذئب من الغنم القاصية“‪.‬‬


‫فهكذا نقول‪ :‬األصح في المذهب‪ :‬أنها فرض كفاية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بمحال يظهر بها الشعار‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فتجب بحيث يظهر شعار الجماعة بإقامتها ٍ‬
‫بمحل في القرية الصغيرة والكبيرة‪ ،‬والبلد‬
‫ويسقط الطلب بطائفة وإن قلت (أي‪ :‬على الجماعة)‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأما الجمعة‪ ،‬فالجماعةُ فيها فرض عي ٍن على من تجب عليه (كما سيأتي) والجماعة في المسجد لغير المرأة ومثلها‬
‫الخنثى أفضل منها في غير المسجد كالبيت‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫وجماعة المرأة والخنثى في البيت أفضل منها في المسجد‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪” :‬أيها الناس صلوا في بيوتكم؛ فإن أفضل الصالة صالة المرء في بيته إال المكتوبة“‪.‬‬
‫مشتمل على الشرف‪ ،‬وإظهار الشعار‪ ،‬وكثرة الجماعة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫والمسجد‬
‫وعن عائشة ‪ ‬أنها قالت‪” :‬لو أن رسول اهلل ﷺ رأى ما أحدث النساء‪ ،‬لمنعهن المسجد كما ُمنعت نساء بني‬
‫إسرائيل“‪.‬‬
‫وإذا خاف الفتنة على النساء منعن من الجماعة‪.‬‬
‫ليعتادها‪.‬‬
‫قال الشافعي واألصحاب‪ :‬ويؤمر الصبي بحضور المسجد‪ ،‬وجماعات الصالة ُ‬
‫بزوجة أو ٍ‬
‫ولد أو ٍ‬
‫رقيق أو غير ذلك‪ ،‬وأقلها اثنان كما مر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬وتحصل فضيلة الجماعة للشخص بصالته في بيته أو نحوه‪،‬‬
‫جمعهُ من المسجد كان أولى‪.‬‬
‫وما كثر ُ‬
‫قال‪ :‬والصالة في الجماعة في أول الوقت أولى منه في آخره‪ ،‬ما لم يتفقوا أهل المسجد‪” .‬إنما جعل اإلمام ليؤتم به“‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬وتدرك فضيلة الجماعة في غير الجمعة ما لم يسلم اإلمام‪ ،‬وإن لم يقعد معه‪.‬‬
‫أما الجمعة فإنها ال تدرك إال بركعة‪.‬‬
‫ويندب أن يخفف اإلمام مع فعل األبعاض والهيئات ألمر النبي ﷺ‪ .‬ويكره التطويل‪.‬‬

‫ورخص في ترك الجماعة بعذ ٍر ٍ‬


‫عام أو ٍ‬
‫خاص‪:‬‬
‫ٍ‬
‫مشروب‬ ‫ٍ‬
‫مأكول‪ ،‬أو‬ ‫عطش‪ ،‬وبحضرة ٍ‬
‫طعام‬ ‫ٍ‬ ‫وجوع‪ ،‬وشدة‬ ‫وحل‪ ،‬وشدة ح ٍر‪ ،‬وشدة ٍ‬
‫برد‪ٍ ،‬‬ ‫بليل‪ ،‬وشدة ٍ‬‫يح ٍ‬‫كمشقة مط ٍر‪ ،‬وشدة ر ٍ‬
‫إعسار يعسر عليه إثباته‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وبالخائف‬ ‫ٍ‬
‫وخوف على غر ٍيم له‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫معصوم‪،‬‬ ‫وخوف على‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫حدث‪،‬‬ ‫يتوق إليه‪ ،‬ومشقة ٍ‬
‫مرض‪ ،‬ومدافعة‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫تخلف عن رفقة‪ ،‬وفقد لباس الئق‪ ،‬وأكل ذي ريح كريهة يعسر إزالته‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عقوبة يرجو خائف العفو بغيبته‪ ،‬وخوف من‬ ‫وخوف من‬
‫ٌ‬
‫كزوج محتض ٍر‪ ،‬أو لم يكن محتضرا لكنه يأنس به‪.‬‬
‫يب ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بمتعهد‪ ،‬وكان نحو قر ٍ‬ ‫وحضور مر ٍ‬
‫يض بال متعهد أو‬
‫أعذار تبيح ترك الجماعة‪.‬‬
‫هذه كلها ٌ‬

‫ضا زيادات على هذه األعذار ذكرها الجمهور‪.‬‬


‫قال‪ :‬ولذلك هناك أي ً‬

‫قال‪ :‬وهي سنةٌ مؤكدة‪ ،‬وعلى المأموم أن ينوي االئتمام دون اإلمام‪.‬‬
‫معنى هذا الكالم‪ :‬أن اإلمام ال يلزمه أن ينوي اإلمامة؛ ألنه بدخوله أمام الناس نوى اإلمامة‪.‬‬
‫لكن ينوي المأموم االئتمام باإلمام أو االقتداء به‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫عمل؛ فافتقرت إلى نية‪ ،‬فإن لم ين ِو مع اإلحرام انعقدت صالته فرادى‪ ،‬إال الجمعة فال تنعقد أصال؛‬
‫ألن التبعية ٌ‬
‫الشتراط الجماعة فيها‪.‬‬
‫وال يشترط تعيين اإلمام‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫كذلك ال يشترط أن يعين الصالة‪ ،‬إنما ينوي االئتمام باإلمام‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪” :‬إنما جعل اإلمام ليؤتم به“‪.‬‬
‫لكن قال‪ :‬وعلى المأموم أن ينوي االئتمام دون اإلمام‪.‬‬
‫فيه إشارة إلى أن نية اإلمامة ال تشترط في غير الجمعة‪،‬‬
‫بل تستحب ليحوز فضيلة الجماعة‪.‬‬

‫قال‪ :‬وإذا نوى في أثناء الصالة حاز الفضيلة من حين النية‪.‬‬


‫منفردا فجاء آخر فأتم به فنوى الجماعة (أي‪ :‬األول اإلمام)‪ ،‬وكان في الركعة الثانية؛ فيأخذ أجر‬
‫أي‪ :‬أن رجال يصلي ً‬
‫الركعة األولى كأنه منفرد‪ ،‬وأجر الركعة الثانية أنه صالها جماعة‪.‬‬
‫نهارا‪.‬‬
‫فعلى هذا كما سنذكر في الصيام‪ :‬أن الذي يصوم النافلة يأخذ األجر من النية إذا نوى ً‬
‫منفردا‪ ،‬ثم انضم إليه آخر فأتم به فصليا باقي الصالة جماعة؛ فيأخذ أجر األولى‬
‫ً‬ ‫رجال صلى ركعة‬
‫وعلى هذا لو أن ً‬
‫على أنه منفرد‪ ،‬وأجر الباقي على أنه جماعة‪.‬‬
‫كذلك من شروط االقتداء‪ :‬عدم تقدم المأموم على إمامه في المكان‪،‬‬
‫فال يجوز للمأموم أن يسبق ويتقدم على إمامه وإال بطلت الصالة‪ ،‬ولم تنعقد‪.‬‬
‫لكن يستثنى من ذلك شدة الخوف‪ ،‬فإنه لو سبقه ال حرج في ذلك‪.‬‬
‫فإذا ساواه ال تضر المساواة‪ ،‬واالعتبار في التقدم‪.‬‬
‫وهل التقدم بالعقب أم بمقدمة القدم؟‬
‫الصحيح أن المساواة بالعقب‪ ،‬فلو تقدم في األصابع لم يضر‪.‬‬
‫وإن كان اعتاد الناس على التسوية برؤوس األصابع فال حرج في ذلك‪.‬‬

‫واستعماال لألدب‪.‬‬
‫ً‬ ‫قليال؛ لالتباع‬
‫قال‪ :‬ويسن أن يقف الذكر ولو صبيًا عن يمين اإلمام‪ ،‬وأن يتأخر عنه ً‬
‫ذكر آخر أحرم عن يساره ثم يتقدم اإلمام‪ ،‬أو يتأخران في ٍ‬
‫قيام‪ ،‬وهو أفضل‪.‬‬ ‫فإن جاء ٌ‬
‫كل من التقدم والتأخر وإال فعل الممكن‪.‬‬
‫هذا إذا أمكن ٌ‬
‫وأن يصطف ذكران خلفه كامرأةٍ فأكثر؛ فيقف الرجال خلفه ثم الصبيان ثم النساء‪.‬‬
‫واختلفوا في الخنثى‪ ،‬هل تقف مع النساء أم تقف مع الرجال؟‬
‫وإذا أرادت المرأة أن تؤم النساء فإنها تقف وسطهن‪ ،‬فلو أمهن غير امرأةٍ كصب ٍي أو رجل تقدم عليهن‪ ،‬وكالمرأة كذلك‪.‬‬

‫قال الماتن‪« :‬ويجوز أن يأتم الحر بالعبد‪ ،‬والبالغ بالمراهق»‪.‬‬


‫وبماسح الخف‪.‬‬
‫ِ‬ ‫نعم يجوز للمصلي المتوضئ أن يأتم بالمتيمم‪ ،‬الذي ال إعادة عليه‬

‫‪163‬‬
‫ويجوز ِ‬
‫للقائم أن يقتدي بال َقاعد والمضطجع‪.‬‬

‫”ألنه ﷺ صلى في مرض موته قاع ًدا‪ ،‬وأبو بك ٍر والناس ً‬


‫قياما“‪.‬‬
‫وكذلك أن يأتم العدل بالفاسق‪.‬‬
‫والحر بالعبد‪ ،‬وإنما صحت خلفه ألن ابن عمر ‪ ‬كان يصلي خلف الحجاج‪.‬‬
‫قال الشافعي ‪ :‬وكفى به فاس ًقا (أي بالحجاج)‪.‬‬

‫إماما في الصلوات‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وليس ٍ‬


‫ألحد من والة األمور تقرير ٍ‬
‫فاسق ً‬

‫قاله الماوردي‪ ،‬فإن فعل لم يصح‪ ،‬كما قاله بعض المتأخرين‪.‬‬

‫ِ‬
‫كالفاسق‪.‬‬ ‫قال‪ :‬والمبتدع الذي ال يكفر ببدعته‬
‫قوله (والعبد) أي‪ :‬يجوز للحر أن يأتم بالعبد‪.‬‬
‫ألن ذكوان مولى عائشة كان يؤمه‪.‬‬
‫ولكن الحر ولو كان أعمى أولى‪ ،‬هكذا المذهب‪.‬‬

‫قال‪ :‬والبالغ بالمراهق‪.‬‬


‫أي‪ :‬يجوز أن يأتم الرجل البالغ بصب ٍي مراهق‪.‬‬
‫ألن ”عمرو بن سلمة كان يؤم قومه على عهد رسول اهلل ﷺ وهو ابن ست أو سبع“‪ ،‬رواه البخاري‪.‬‬
‫لكن البالغ أولى من الصبي‪ ،‬والحر البالغ العدل أولى من الرقيق‪ ،‬والعبد البالغ أولى من الحر الصبي‪.‬‬

‫قال‪ :‬وفي العبد الفقيه والحر غير الفقيه ثالثة أوجه‪ ،‬أصحها أنهما سواء‪.‬‬

‫قال‪ :‬واألعمى والبصير في اإلمامة سواء‪.‬‬


‫إمام راتب‪.‬‬
‫ويقدم الوالي بمحل واليته‪ ،‬إال ٌ‬
‫وكذلك األعلى فاألعلى‪.‬‬
‫مقدم على الوالي‪.‬‬
‫كذلك اإلمام األعظم هو ٌ‬

‫ٍ‬
‫بإعارة على غيره؛ فصاحب البيت أولى به من غيره‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ويقدم الساكن في ٍ‬
‫مكان ٍ‬
‫بحق ولو‬
‫كذلك يقدم السيد على المكاتب ولو كان أفقه‪.‬‬

‫فاألورع‪.‬‬
‫فاألقرأ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫ثم يقدم األفقه‪،‬‬

‫‪164‬‬
‫قال‪ :‬ثم األقدم هجرة‪ ،‬ثم األسن‪ ،‬فأنسب‪ ،‬فأنظف ثوبًا وبدنًا‪.‬‬
‫كذلك األحسن صوتًا‪ ،‬فاألحسن صورة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫ثم قال الماتن ‪” :‬وال تصح قدوةٌ ٍ‬


‫رجل بامرأة“‪.‬‬
‫كذلك بمن يعتقد بطالن صالته؛ فإذا صلى شافعي خلف حنفي مس ذكره؛ فصالة الشافعي باطلة؛ ألن مس الذكر‬
‫عند الشافعية ينقض الوضوء‪ ،‬وعند الحنفية ال ينقض‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫صبي مميز وال خنثى بامرأة أو صبية مميزة؛ ألن األنثى ناقصة عن الرجل‪ .‬فال تجوز إمامة المرأة‪.‬‬
‫رجل أو ٌ‬
‫قال‪ :‬كذلك ال يأتم ٌ‬
‫والنبي ﷺ قال‪” :‬لن يفلح ٌ‬
‫قوم ولوا أمرهم امرأة“‪.‬‬
‫رجال“‪.‬‬ ‫وفي ٍ‬
‫رواية‪” :‬ال ُتؤمن امرأةٌ ً‬
‫رجال‪.‬‬
‫كذلك ال تصح اقتداء المرأة بالخنثى‪ ،‬أو الخنثى بالمرأة؛ الحتمال كونه ً‬
‫لكن تصح قدوة المرأة بالمرأة‪ ،‬كما تصح قدوة الرجل وغيره بالرجل‪.‬‬

‫ولذلك قال الشارح ‪ :‬فيتل َخص من ذلك تسع صور‪،‬‬


‫خمسةٌ صحيحة وهي‪:‬‬
‫وخنثى ٍ‬
‫برجل‪.‬‬ ‫‪ُ -‬‬ ‫رجل ٍ‬
‫برجل‪.‬‬ ‫‪ -‬قدوة ٍ‬
‫‪ -‬وامرأةٌ بامرأة‪.‬‬ ‫‪ -‬وامرأةٌ بخنثى‪.‬‬ ‫‪ -‬وامرأةٌ ٍ‬
‫برجل‪.‬‬

‫وأربعةٌ ال تصح‪ ،‬فهي باطلة‪:‬‬


‫ورجل بامرأة‬
‫‪َ -‬‬ ‫‪ -‬قدوة ٍ‬
‫رجل بخنثى‬
‫وخنثى بامرأة‪.‬‬
‫‪ُ -‬‬ ‫وخنثى ب ُخنثى‬
‫‪ُ -‬‬

‫ئ بأمي‪.‬‬
‫قال الماتن ‪ :‬وال يصح قار ٌ‬
‫وال يصح قارئ (وهو من يحسن الفاتحة) بأمي‪ ،‬أمكنه التعلم أو ال‪.‬‬
‫مشدد من الفاتحة فهو ال يحسن القراءة؛ فهنا ال تصح هذه اإلمامة‪ ،‬فلو خفف‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بحرف‪ ،‬كتَخفيف‬ ‫واألمي‪ :‬من يخل‬
‫كالم أو غير في ٍ‬
‫مثلثة فجعلها سينًا أو ما شابه ذلك؛ فصالته ال تصح إال بمثله‪.‬‬ ‫مشددا أو بدل في ٍ‬
‫ً‬
‫رجال لم يسقط القضاء؛ لعدم صحة القدوة في الظاهر‪.‬‬
‫كذلك‪ :‬لو اقتدى رجل بخنثى‪ ،‬فبان اإلمام ً‬

‫عالم بصالته أجزأه ما لم يتقدم عليه‪ ،‬وإن صلى في‬


‫قال الماتن ‪« :‬وأي موض ٍع صلى في المسجد بصالة اإلمام فيه وهو ٌ‬
‫عالم بصالته وال حائل هناك جاز»‪.‬‬
‫سجد والمأموم خارج المسجد قريبًا منه وهو ٌ‬

‫‪165‬‬
‫قال‪« :‬وحد القرب بينهما ثالثمائة ذراع تقريبًا‪ ،‬وهذا ثالث الشروط»‪.‬‬
‫إذن‪:‬‬
‫‪ -‬الشرط األول‪ :‬وجوب االقتداء واالئتمام‪.‬‬
‫‪ -‬الشرط الثاني‪ :‬النية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بمكان واحد كما عهد عليه الجماعات‪.‬‬ ‫‪ -‬والشرط الثالث‪ :‬اجتماع اإلمام والمأموم‬
‫ٍ‬
‫بمسجد‪ ،‬أي‪ :‬أي موضع من المسجد صلى‪ ،‬سواء صلى في داخل المسجد أو صلى في الرحبة بصالة‬ ‫قال‪ :‬وإذا كان‬
‫اإلمام فيه (أي في المسجد) وهو عالم بصالته‪ ،‬يسمع قراءته ويرى ركوعه وسجوده‪ ،‬وأمكنه متابعة اإلمام ٍ‬
‫برؤية أو بعض‬
‫ٍ‬
‫صف‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬أو سماع صوته أو صوت مبلغ؛ أجزأه (أي الجماعة) وكفاه ذلك في صحة االقتداء به‪.‬‬
‫وسطح سواء أغلقت أبوابها أم ال‪ ،‬وسواء كان أحدهما أعلى من اآلخر أم‬
‫ٍ‬ ‫وإن بعدت المسافة وحالت أبنية نافذة إليه كبئ ٍر‬
‫ال وتابع اإلمام؛ فالصالة صحيحة‪.‬‬

‫قال‪ :‬ما لم يتقدم أي المأموم عليه (أي على اإلمام)‪.‬‬

‫قال‪ :‬في غير المسجد الحرام‪ ،‬فلو تقدم عليه في المسجد الحرام جاز له ذلك‪.‬‬

‫ق ال‪ :‬وإن صلى (أي اإلمام) في المسجد والمأموم خارج المسجد حال كونه قريبا منه (أي من المسجد) بأال يزيد ما بينهما‬
‫عالم بصالته‪.‬‬
‫على ثالثمائة ذراع تقريبًا ألن المسجد كله شيءٌ واحد؛ ألنه محل الصالة‪ ،‬وهو ٌ‬
‫عالما بصالة اإلمام‪ ،‬أو الصفوف موصولة؛ فهنا تصح الصالة‪.‬‬
‫هذا هو القيد‪ :‬أن يكون ً‬

‫قال‪ :‬وال حائل هناك بينهما‪ ،‬كالباب المفتوح الذي ال يمنع االستطراق والمشاهدة‪.‬‬
‫في كل ذلك قال‪ :‬جاز االقتداء باإلمام‪.‬‬

‫ثم قال‪ :‬لو كان المأموم في المسجد واإلمام خارجه اعتبرت المسألة من طرفه الذي يلي اإلمام‪.‬‬

‫باب مغلق؛ منع االقتداء لعدم االتصال‪.‬‬


‫جدار ال باب فيه‪ ،‬أو ٌ‬
‫قال‪ :‬فإن حال ٌ‬
‫وكذا الباب المردود والشباك؛ يمنع لحصول الحائل من ٍ‬
‫وجه‪ ،‬فهنا ال تصح إذ لم تصح المتابعة‪.‬‬

‫قال‪ :‬وال يزيد ما بينهما وال ما بين كل صفين على ثالثمائة ذراع‪ ،‬إذا كان بناءين كصح ٍن وص ٍ‬
‫فة من دا ٍر أو غير ذلك‪ ،‬فهنا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫نقول‪ :‬ال تصح‪.‬‬
‫وإذا صح اقتداء الواقف فيما مر؛ فيصح اقتداء من خلفه أو بجانبه‪ ،‬وإن حيل بينه وبين اإلمام‪ ،‬ويكون ذلك كاإلمام لمن خلفه‬
‫أو بجانبه‪ ،‬ال يجوز أن يتقدم عليه‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫الرابع من شروط االقتداء‪ :‬توافق نظم صالتهما في األفعال الظاهرة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كسوف أو جنازة؛ لتعذر المتابعة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اختالفه‪ ،‬كأن يصلي مكتوبة مع‬ ‫فال يصح االقتداء مع‬
‫فينبغي أن توافق في النظم كأن تكون فريضة خلف فريضة‪ ،‬أو نافلة خلف نافلة‪.‬‬
‫لكن ال يصح أن يصلي جنازة خلف من يصلي النافلة؛ وال الفريضة‪ ،‬وال يصح أن يصلي كسوف أو خسوف خلف من‬
‫يصلي الفريضة‪.‬‬

‫ومفترض بمتنفل‪ ،‬وفي طويلة بقصيرة كظه ٍر ٍ‬


‫بصبح وبالعكس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬ويصح االقتداء لِ ُم َؤدٍّ‪ .‬أي‪ :‬صالة في وقتها ل َق ٍ‬
‫اض‪،‬‬

‫كمسبوق وهكذا‪.‬‬ ‫بصبح أو ٍ‬


‫مغرب َ‬ ‫قال‪ :‬وال يضر اختالف نية اإلمام والمأموم‪ ،‬والمقتدي في نحو الظهر ٍ‬
‫وال َمسبوق يتم صالته بعد سالم إمامه‪ ،‬واألفضل متابعته في قنوت الصبح‪.‬‬

‫ٍ‬
‫تفصيل‬ ‫الشرط الخامس من شروط االقتداء‪ :‬موافقته في سن ٍن تفحش مخالفته فيها فِ ْع ًال وتَـ ْرًكا‪ ،‬كسجدة تالوة‪ ،‬وتشهد أول على‬
‫فيه‪ ،‬بخالف ما لو لم تفحش المخالفة كجلسة االستراحة‪.‬‬

‫السادس من شروط االقتداء‪ :‬تبعية إمامه بأن يؤخر تحريمه عن تحريم اإلمام‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪” :‬إذا كبر فكبروا‪ ،‬وإذا قرأ فأ ِ‬
‫َنصتوا‪ ،‬وإذا ركع فاركعوا“‪.‬‬
‫وهكذا فال يجوز المسابقة بركنين‪ ،‬أو رك ٍن طويلين‪ ،‬أو قصيرين‪ ،‬وال يجوز التخلف عنه‪ ،‬وال أن يسبقه برك ٍن كأن ركع‬
‫اه ًال‪ ،‬فتبع اإلمام صحت الصالة‪ ،‬إال إذا كان بَ ِطيئًا أو كان َم ِري ً‬
‫ضا‪ ،‬أو‬ ‫اسيا أو ج ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫قبله‪ ،‬فإن عاد إليه مرة أخرى وكان نَ ً‬
‫نحو ذلك؛ فتصح الصالة‪.‬‬
‫لمسبوق أال ينشغل بعد تحريمه ٍ‬
‫بسنة كتعوذ‪ ،‬بل بالفاتحة إال أن يظن إدراكها مع اشتغاله بالسنة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬وسن‬
‫وإذا ركع اإلمام ولم يقرأ المسبوق الفاتحة تبعه ُو ُجوبًا‪ ،‬وأجزائه وسقطت عنه الفاتحة‪.‬‬
‫فمجرد أن دخل في الصالة ركع اإلمام يركع معه ُو ُجوبًا وال ينتظر‪.‬‬
‫رجل دخل واإلمام يقرأ الفاتحة‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬
‫هذه هي شروط االقتداء‪ ،‬وهذه هي صالة الجماعة‪.‬‬
‫وللمأموم قطعها بنية المفارقة أي‬ ‫ٍ‬
‫كذلك قال الشارح ‪« :‬تتمة‪ :‬تنقطع القدوة بخروج إمامه من صالته بحدث أو غيره‪َ .‬‬
‫كتشهد أول‪.‬‬ ‫(صالة الجماعة) وكره قطعها إال لعذ ٍر كمرض‪ ،‬وتطويل ٍ‬
‫إمام وتركه سنة مقصودة ُ‬
‫كوع‪ ،‬فلو كبر واحدة فإن نوى بها التحريم فقط وأتمها انعقدت صالته‬
‫يم ثم لر ٍ‬
‫قال‪ :‬ويكبر مسبو ٌق أدرك اإلمام في ركوعه لتحر ٌ‬
‫وإال لم تنعقد‪.‬‬

‫قال‪ :‬والجماعة في الجمعة ثم صبح الجمعة‪ ،‬ثم صبح غيرها‪ ،‬ثم العشاء‪ ،‬ثم العصر أفضل‪.‬‬
‫فسواء‪.‬‬
‫وأما جماعة الظهر‪ ،‬والمغرب‪َ ،‬‬

‫‪167‬‬
‫فصل في صالة المسافر»‬ ‫ٍ‬
‫ثم انتقل المصنف ‪ ‬إلى مسألة أخرى‪ ،‬فقال‪ٌ « :‬‬
‫ِ‬
‫بجوازهما‪ ،‬سواء لحقه بالسفر‬ ‫ويقصد في هذا الباب صالة المسافر‪ ،‬من حيث القصر والجمع المختص المسافر‬
‫مشقة أو لم يلحقه‪ ،‬كذلك ما يلحق بالسفر كنحو مطر‪.‬‬
‫ض َربْـتُ ْم فِي ْاأل َْر ِ‬
‫ض﴾ أي‪ :‬سافرتم‪.‬‬ ‫واألصل في القصر قبل اإلجماع‪ :‬قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِذَا َ‬
‫وإنما جعل اهلل عز وجل السفر رخصة‪.‬‬
‫لقول عمر‪ :‬قلت للنبي ﷺ‪َ ﴿” :‬وإِ ْن ِخ ْفتُ ْم﴾ وقد أمن الناس فلماذا نقصر الصالة؟‬
‫فقال‪ :‬صدقةٌ تصدق اهلل بها عليكم فاقبلوا صدقته“‪[ .‬رواه مسلم]‪.‬‬
‫أخبار وردت عن النبي ﷺ‪.‬‬
‫قال‪ :‬واألصل في الجمع ٌ‬
‫كما جمع في عرفة بين الظهر والعصر جمع تقديم‪ ،‬وجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخير‪.‬‬

‫قال الماتن ‪ :‬ويجوز للمسافر قصر الصالة الرباعية بخمس شرائط‪:‬‬


‫‪ -‬أن يكون سفره في غير معصية‪.‬‬
‫‪ -‬وأن تكون مسافته ستة عشر فَـ ْر َس ًخا‪.‬‬
‫‪ -‬وأن يكون ُم َؤدِّيًا للصالة الرباعية‪.‬‬
‫‪ -‬وأن ينوي القصر مع اإلحرام‪.‬‬
‫يأتم بمقيم‪.‬‬
‫‪ -‬وأال َّ‬
‫هذه الشرائط الخمسة التي أجاز الماتن للمسافر أن يقصر فيها الصالة‪.‬‬
‫الشرط األول‪« :‬أن يكون سفره في غير معصية» ألن هذه رخصة‪ ،‬والرخص ال تستباح بالمعاصي‪.‬‬
‫فلو كان السفر واجبًا كالحج‪،‬‬
‫احا كسف ِر تجارةٍ فيجوز له القصر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أو َم ْن ُدوبًا كزيارة مسجد النبي ﷺ‪ ،‬أو ُمبَ ً‬
‫بالمعصية كبقية رخص‬ ‫كآبق وناش ٍز فال يقصر؛ ألن السفر ٌ‬
‫سبب للرخصة فال تناط َ‬ ‫أما العاصي بسفره ولو في أثنائه ٍ‬
‫السفر‪.‬‬

‫الشرط الثاني‪« :‬أن تكون مسافته (أي السفر المبيح) ثمانيةً وأربعين َم ًيال‪ ،‬هاشميا َذ َهابًا وهي مرحلتان»‪.‬‬
‫وهما سير يومين معتدلين بسير األثقال‪ ،‬وهي ستة عشر فَـ ْر َس ًخا‪.‬‬
‫وقدره العلماء باثنين وثمانين كيلو متر ونصف‪.‬‬
‫مع العلم أن الفرسخ يساوي ثالثة أميال والميل يساوي أربعة آالف خطوة‬
‫والخطوة تساوي ثالثة أقدام‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫وعلى هذا من تجاوز ثمانين كيلو متر على مذهب الشافعي له أن يقصر الصالة‪.‬‬
‫وكان ابن عمر وابن عباس يُقصران ويُفطران في أربعة برد‪ ،‬وهذا قول جماهير العلماء‪.‬‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫وهذه المسألة اختلف فيها العلماء ً‬

‫الشرط الثالث‪« :‬أن يكون ُم َؤدِّيًا للصالة»‪.‬‬


‫المقصود هنا‪ :‬في وقتها األصلي الذي بينه جبريل ‪ ،‬أو في وقت العذر‪ ،‬أو الضروري الذي تجمع فيه مع غيرها‪،‬‬
‫كجم ِع العصر مع الظهر في وقت الظهر‪ ،‬وجم ِع العشاء مع المغرب في وقت المغرب‪ ،‬فهذا يجوز له أن يقصر‬
‫احتِيَاطًّا؛ ألن األصل اإلتمام‪.‬‬
‫الرباعية‪ .‬أما إذا كانت الصالة فائتة وشك أنها فائتة في سف ٍر أو حضر‪ ،‬أتمها ْ‬
‫وتُقضى فائتة سف ٍر قص ٍر في سفر قصر‪.‬‬

‫الشرط الرابع‪« :‬أن ينوي القصر مع اإلحرام» أي مع تكبيرة اإلحرام‪.‬‬


‫ترخصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ومثل نية القصر ما لو نوى الظهر َمثَ ًال ركعتين‪ ،‬ولم ينو‬
‫كذلك لو نوى صالة السفر ال حرج في ذلك إن شاء اهلل‪.‬‬

‫يأتم بمقيم»‪.‬‬
‫الشرط الخامس‪« :‬أال َّ‬
‫فلو دخل مأموم الصالة خلف مقيم وجب عليه أن يتم‪،‬‬
‫ِ‬
‫اقتدائه باإلمام‪.‬‬ ‫وال يجوز له القصر؛ لوجوب‬
‫والنبي ﷺ قال‪” :‬إنما جعل اإلمام ليؤتم به“‪.‬‬
‫سافِ ًرا مثله قصر خلفه وال حرج في ذلك‪.‬‬
‫يما أتم‪ ،‬وإذا كان ُم َ‬
‫ِ‬
‫فإذا كان ُمق ً‬
‫قال‪ :‬ألنه يلزم متابعة اإلمام‪.‬‬
‫وله قصر الصالة المعادة إن صالها أ ََّوًال مقصورة‪.‬‬
‫مقيما ثم ُم ْح ِدثًا؛ لزمه اإلتمام‪.‬‬
‫يما‪ ،‬أو ً‬
‫ِ‬ ‫ولو اقتدى بمن ظنه م ِ‬
‫ساف ًرا فبان ُمق ً‬
‫َُ‬
‫ٍ‬
‫لحدث غيره ُمتِ ًّما؛ أتم المقتدون به كاإلمام‪ ،‬وهكذا في سائر الصور‪.‬‬ ‫قاصر‬
‫وكذلك لو استَخلَف ٌ‬
‫ولو اقتدى بمساف ٍر وشك في نية القصر فجزم هو نية القصر جاز له القصر‪ ،‬إن بان اإلمام قَ ِ‬
‫اص ًرا؛ ألن هذا حال‬
‫المسافر القصر‪ .‬فإن أتم اإلمام وهو مسافر لزمه اإلتمام خلفه‪.‬‬

‫رجال يصلي‪ ،‬حاله أنه مسافر فنوى خلفه‬


‫رجل مسافر من مكة إلى المدينة‪ ،‬وفي أثناء الصالة دخل المسجد فوجد ً‬
‫القصر‪ ،‬فرأى الرجل قصر فله أن يقصر معه‪ ،‬لكن لو أتم األول وجب على المأموم ا ِإلتمام كما ذكرنا‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫ثم ذكر الشارح شروطًا زائدة على هذه الشروط التي ذكرها الماتن‪.‬‬
‫سافِ ًرا في جميع صالته‪ ،‬فلو انتهى سفره فيها كأن بلغت سفينته دار إقامته أو شك في‬
‫‪ ‬الشرط األول‪ :‬يشترط كونه ُم َ‬
‫يما‪.‬‬ ‫ِ‬
‫انتهائه أتم ُمق ً‬
‫‪ ‬الشرط الثاني‪ :‬يشترط قصد موض ٍع معلوم معين‪ ،‬أو غير معين في أول سفره؛ لكي ال يكون كالهائم الذي ال وجهة له‬
‫فهذا ال يسافر‪ ،‬لكن إذا كان له وجهة وإن طالت جاز له القصر‪.‬‬
‫كبلد وقر ٍية‪.‬‬
‫مختص بما سافر منه‪ ،‬أي يخرج ويفارق بيوت قريته العامرة‪ٍ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫‪ ‬الشرط الثالث‪ :‬يشترط للقصر مجاوزة سوٍر‬
‫ضا‪ :‬ال يقصر داخل قريته بل ال بد أن يفارق سور القرية‪.‬‬
‫‪ ‬قال أَيْ ً‬
‫‪ ‬الشرط الرابع‪ :‬من الشروط التي أحدثها الشارح وهو على هذا يكون التاسع‪ ،‬يشترط «العلم بجواز القصر‪ ،‬فلو قصر‬
‫جِ‬
‫اه ًال به لم تصح صالته»‪.‬‬ ‫َ‬

‫ثم قال الماتن ‪« :‬ويجوز للمسافر أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت أيهما شاء‪ ،‬وبين المغرب والعشاء في وقت أيهما‬
‫شاء»‪.‬‬
‫وهذا الذي عليه العمل عند جماهير العلماء أنه يجوز للمسافر سفر قص ٍر أن يجمع بين صالتي الظهر والعصر في‬
‫وقت أيهما شاء أي‪ :‬في وقت الظهر أو في وقت العصر‪.‬‬
‫وهذا ما يسمى بجمع تقديم أو جمع تأخير‪.‬‬

‫قال‪« :‬وأن يجمع بين صالتي المغرب والعشاء في وقت أيهما شاء تَـ ْق ِدي ًما َوتَأ ِْخ ًيرا‪ .‬والجمعة كالظهر في جميع ما تقدم (أي في‬
‫الشرائط وفي التقديم وفي التأخير)‬
‫واألفضل لسائر وقت أ َْولى تأخير‪.‬‬
‫«األفضل لسائر في أول الوقت» معناه‪ :‬أن رجل خرج مع أذان الظهر فاألفضل أن يجمع جمع تأخير؛ ألن النبي‬
‫ﷺ خرج من عرفة مع غروب الشمس ووجوب صالة المغرب ومع ذلك جمع جمع تأخير‪.‬‬
‫لكن لو أراد أن يجمع جمع تقديم في وقت األولى‬

‫قال الشارح ‪ :‬شرط أربعة شروط‪:‬‬


‫‪ ‬األول‪« :‬الترتيب» بأن يبدأ باألولى أي الظهر أو المغرب؛ ألن الوقت لها والثانية تبع‪.‬‬
‫‪ ‬الثاني‪« :‬نية الجمع» ليتميز التقديم المشروع عن التقديم َس ْه ًوا‪ ،‬يعني مع األولى ينوي الجمع بين الظهر والعصر‪.‬‬
‫يما‬ ‫ِ‬ ‫فصل ُعرفًا‪ ،‬ولو ذكر بعدهما ترك رك ٍن من األولى‬
‫أعادهما‪ ،‬وله جمعهما تَـ ْقد ً‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬الثالث‪« :‬المواالة» بأن ال يطول بينهما ٌ‬
‫َوتَأ ِْخ ًيرا لوجود المرخص‪.‬‬
‫‪ ‬الرابع‪« :‬دوام سفره إلى عقد الثانية» فلو أقام قبله فال جمع لزوال السبب‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫إذن لكي يجمع جمع تقديم ال بد من أربعة شروط‪:‬‬
‫‪ ‬الترتيب‪ :‬يبدأ باألولى الظهر أو المغرب‪ ،‬ثم العصر أو العشاء‪.‬‬
‫‪ ‬والنية‪ :‬نية الجمع بين الظهر والعصر‪.‬‬
‫‪ ‬والمواالة بينهما‪.‬‬
‫‪ ‬ودوام السفر إلى عقد الثانية أي إلى الدخول في صالة العشاء‪.‬‬

‫ثم قال الشارح ‪ :‬وشرط للتأخير أمران فقط‪:‬‬


‫‪ -‬الشرط األول‪« :‬نية جم ٍع في وقت أُولى ما بقي قدر يسعها تَ ْميِ ًيزا له عن التأخير»‪.‬‬
‫إذن ينوي عند دخول األولى جمع التأخير‪،‬‬
‫‪ -‬الشرط الثاني‪« :‬دوام السفر إلى إتمامها»‪.‬‬

‫ثم قال المصنف ‪( ‬الماتن)‪ :‬ويجوز لحاض ٍر في المطر أن يجمع بينهما في وقت األولى منهما‪.‬‬
‫أي‪ :‬يجمع بين الظهر والعصر‪ ،‬وبين المغرب والعشاء‪.‬‬
‫ثلج‪ ،‬أو برد ذائبين أن يجمع ما‬
‫ويجوز للحاضر المقيم في المطر ولو كان المطر ضعي ًفا بحيث يبل الثوب‪ ،‬أو نحو ٍ‬
‫يجمع بالسفر‪ ،‬فيجمع بين الظهر والعصر‪ ،‬وهذا من انفراد مذهب الشافعي خالفا للمالكية والحنابلة‪.‬‬

‫قال‪ :‬ولو جمعه مع العصر‪ ،‬خالفا للحنابلة‪ ،‬في وقت األولى منهما‪.‬‬
‫عباس ‪ ‬قال‪” :‬صلى رسول اهلل ﷺ بالمدينة الظهر والعصر َج ِم ًيعا‬
‫ٍ‬ ‫لما في الصحيحين من حديث ابن‬
‫والمغرب والعشاء َج ِم ًيعا“‪.‬‬
‫زاد مسلم ”من غير ٍ‬
‫خوف وال سفر“‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كمالك‪ :‬أرى ذلك في المطر‪.‬‬ ‫قال الشافعي‬
‫وال يجوز ذلك تَأ ِْخ ًيرا إنما يجمع جمع تقديم‪.‬‬

‫هذه بعض ضوابط صالة الجماعة وصالة المسافر‪.‬‬

‫وع َم ًال‪.‬‬
‫وبذلك تنتهي هذه المحاضرة‪ ،‬نسأل اهلل أن يعلمنا وأن يرزقنا اإلخالص قَـ ْوًال َ‬

‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫المحاضـرة الـرابع ـة عشـرة‬
‫كنا قد وصلنا إلى‪:‬صالة الجمعة‪.‬‬
‫فصل في صالة الجمعة》‬
‫قال الماتن ‪ٌ 《 :‬‬
‫وصالة الجمعة سميت بذلك‪:‬‬
‫‪ -‬وقيل لما جمع في يومها من الخير‪،‬‬ ‫‪ -‬الجتماع الناس لها‪،‬‬
‫‪ -‬وقيل الجتماعه فيه مع حواء في األرض‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫‪ -‬وقيل ألنه جمع فيها بين خلق آدم‪،‬‬
‫يوم طلعت فيه الشمس؛ ولذلك أمر اهلل عز وجل‬‫وهي أفضل الصلوات على اإلطالق‪ ،‬ويومها أفضل األيام‪ ،‬وهو خير ٍ‬

‫باالجتماع فيه‪.‬‬
‫اس َع ْوا إِلَ ٰى ِذ ْك ِر اللَّه﴾ [الجمعة‪.]٩ :‬‬ ‫لص َال ِة ِمن يـوِم ال ِ‬
‫ي لِ َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ْج ُم َعة فَ ْ‬
‫َْ ُ‬ ‫آمنُوا إذَا نُود َ‬ ‫فقال سبحانه‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َ‬
‫أمر من اهلل عز وجل بالسعي إلى الجمعة‪.‬‬
‫هذا ٌ‬
‫واجب على كل محتلم“‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وقال النبي ﷺ‪” :‬رواح الجمعة‬
‫وفرضت الجمعة والنبي ﷺ بمكة‪ ،‬ولم يصلِّها إال بالمدينة‪.‬‬
‫وقيل ألنه لم يكتمل العدد‪ ،‬وقيل ألنه بمكة كان ُم ْستَ ْخ ِفيًا‪ ،‬والجمعة ال بد من إظهار الشعيرة‪.‬‬
‫أحكام مستقلة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ورا‪ ،‬إنما هي صالة مستقلة‪ ،‬لها‬
‫صً‬ ‫والجمعة ليست ظُ ْه ًرا َم ْق ُ‬
‫تمام غير قص ٍر على لسان نبيكم ﷺ وقد خاب من افترى“‪.‬‬
‫ولذلك قال عمر ‪” :‬الجمعة ركعتان ٌ‬

‫قال الماتن ‪[ :‬وشرائط وجوب الجمعة سبعة أشياء‪ :‬اإلسالم‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬والعقل‪ ،‬والحرية‪ ،‬والذكورية‪ ،‬والصحة]‪.‬‬
‫أي على من تجب الجمعة‪:‬‬
‫ط لكل عبادة‪ ،‬فال تصح الصالة من غير المسلم‪.‬‬
‫‪[ ‬اإلسالم]‪ :‬فال تجب على الكافر؛ ألن اإلسالم شر ٌ‬
‫ورا بها ليعتَادها‪ ،‬إال إنه لو لم يصلِّها ال يأثم بذلك‪.‬‬
‫‪[ ‬البلوغ]‪ :‬فال تجب على الصبي وإن كان َمأ ُْم ً‬
‫‪[ ‬العقل]‪ :‬فال جمعة على مجنون وال شيءٌ من الصلوات األخرى‪ ،‬والقلم أو التكليف مرفوع عنه وعن الصبي‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ‪” :‬رفع القلم عن ثالثة"‪ ،‬منهم‪" :‬عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل“‪.‬‬
‫وهذا بخالف السكران فإنه يلزمه قضاؤها ظُ ْه ًرا إذا سكر وغلب عليه عقله في أثناء الصالة‪.‬‬
‫أما المغمى عليه فالمذهب أنه كالمجنون‪ ،‬إذا أغمي عليه وقت الصالة َك ِام ًال فال قضاء عليه‪.‬‬
‫ِ‬
‫والشتغاله بحقوق السيد عن التهيؤ لها‪ ،‬ويشمل‬ ‫‪[ ‬الحرية]‪ :‬قال الشارح ‪ :‬فال تجب على عبدٍ لنقصه في ِ‬
‫رقه‪،‬‬
‫ذلك كل أنواع العبيد‪ :‬المكاتب‪ ،‬والمبعض‪ ،‬والقن‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪[ ‬الذكورية]‪ :‬فال تجب على امرأة‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫ٍ‬
‫مسلم في جماعة إال أربعة‪ :‬امرأة‪ ،‬وصبي‪،‬‬ ‫وعا‪” :‬الجمعة ح ٌق واجب على كل‬
‫وعندنا حديث طارق بن شهاب َم ْرفُ ً‬
‫وعبد‪ ،‬ومريض“‪.‬‬
‫‪ ‬ولذلك كان الشرط السادس‪[ :‬الصحة] فال تجب على مريض‪ ،‬وال على معذور بمرخص في ترك الجماعة‪.‬‬

‫قال الشارح‪[ :‬من األعذار]‪:‬‬


‫‪ -‬االشتغال بتجهيز الميت‪.‬‬
‫‪ -‬واإلسهال الذي ال يضبط الشخص نفسه معه‪ ،‬ويخشى منه تلويث المسجد‪.‬‬
‫ص ًرا‪.‬‬
‫عذرا‪ ،‬وإن لم يكن ُم َق ِّ‬
‫‪ -‬كذلك الحبس ً‬
‫فهذه أمور تسقط بها الجمعة‪.‬‬
‫ِ‬
‫قال‪ :‬ويلزم بها الشيخ الهرم‪ ،‬والزمن إن وجد َم َرَّكبًا ملكا أ َْو َ‬
‫إج َارةً أ َْو إعارة‪.‬‬

‫[االستيطان]‪:‬‬
‫واالستيطان أي‪ :‬اإلقامة‪.‬‬
‫قال الشارح‪ :‬لو قال اإلقامة كان أولى‪ .‬فال جمعة على مسافر س َفرا مباحا ولَو قَ ِ‬
‫ص ًيرا الشتغاله‪.‬‬ ‫َ ً َُ ً َ ْ‬
‫وإن كان روي ٍ‬
‫بسند ضعيف‪” :‬ال جمعة على مسافر“‪ ،‬لكنه ال يثبت‪.‬‬
‫إنما صح من فعل النبي ﷺ أنه كان يسافر وال يصلي الجمعة‪.‬‬
‫وأنه في حجة الوداع وكان يوم عرفة يوم الجمعة‪ ،‬لم يصل الجمعة‪ ،‬إنما صلى الظهر والعصر جمع تقديم بعد الخطبة‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬يخرج المسافر بعموم األدلة أنه ال جمعة عليه‪.‬‬
‫وأما أهل القرية أو المدينة أو البادية‪ ،‬إذا نصبوا الخيام لإلقامة؛ فإن الجمعة تلزمهم في ذلك‪.‬‬

‫قال الشارح‪ :‬ولو وجدت قريةٌ فيها أربعون كاملون‪ ،‬فدخلوا بَـلَ ًدا وصلوا فيها؛ سقطت عنهم سواء سمعوا النداء أم ال‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولو وافق العيد ي وم الجمعة فحضر أهل القرية الذين يبلغهم النداء لصالة العيد‪ ،‬ولو رجعوا إلى أهليهم فاتتهم‬
‫الجمعة‪ ،‬فلهم الرجوع وترك الجمعة على األصح (أي في المذهب)‪.‬‬
‫ألنه كما سيأتينا إذا حضر الجمعة والعيد في ٍ‬
‫يوم واحد أجزأ أحدهما عن اآلخر‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويحرم على من لزمته الجمعة السفر بعد الزوال؛ ألن وجوبها تعلق بمجرد دخول الوقت‪.‬‬
‫قال‪ :‬إال (أي استثناء) أن يغلب على ظنه أنه يدرك الجمعة في مقصده أو طريقه لحصول المقصود‪.‬‬
‫يعني يبدأ السفر ويقول‪ :‬إن شاء اهلل في الطريق سوف أصلي الجمعة فإن‪ ،‬وإال فال‪( .‬أي‪ :‬فإن صلى‪ ،‬وإال فال)‪.‬‬
‫سافِ ًرا َس َف ًرا طَ ِو ًيال ويخشى فوات الرفقة‪ ،‬أو فوات المركب أو غير ذلك؛ فإنه يرخص له في هذا‪.‬‬
‫أو يكون ُم َ‬

‫‪173‬‬
‫قال‪[ :‬وشرائط فعلها ثالثةٌ‪:‬‬
‫‪ -‬أن تكون البلد ِم ًّ‬
‫صرا كانت أو قرية‪.‬‬
‫‪ -‬وأن يكون العدد أربعين من أهل الجمعة‪.‬‬
‫صليت ظُ ْه ًرا]‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬وأن يكون الوقت بَاقيًا‪ ،‬فإن خرج الوقت أو عدمت الشروط؛ ُ‬
‫هذه شروط صحة الجمعة‪.‬‬

‫األولى‪« :‬شروط وجوب الجمعة»‬


‫على من تجب الجمعة؟ المسلم‪ ،‬البالغ‪ ،‬العاقل‪ ،‬الحر‪ ،‬الذكر‪ ،‬الصحيح‪ ،‬المقيم‪.‬‬
‫سبعة شروط لوجوب الجمعة فمن اختل عنده شرط ال تجب‪:‬‬
‫فال تجب على كافر‪ ،‬وال صبيٍ‪ ،‬وال مجنون‪ ،‬وال عبد‪ ،‬وال امرأة‪ ،‬وال مريض‪ ،‬وال مسافر‪.‬‬
‫هؤالء ال تجب عليهم الجمعة‪.‬‬
‫فإذا توافرت الشروط‪ ،‬هذه القرية أهلها مسلمون‪ ،‬بالغون‪ ،‬عاقلون‪ ،‬أحرار‪ ،‬ذكور‪ ،‬أصحاء‪ ،‬مقيمون‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بشروط ثالثة‪ ،‬لكي نقول هؤالء يصلون الجمعة‪ ،‬قالوا‪:‬‬ ‫نقول هنا وجبت الجمعة‬
‫‪ ‬أن تكون البلد‪ ،‬أي‪ :‬ذات ٍ‬
‫أبنية‪.‬‬
‫قصب‪ ،‬أو قر ٍية من خيام‪ ،‬هذا حالهم على الدوام؛‬
‫كما قلت قر ٍية فيها بناء أو مدينة‪ ،‬أو قرية من ٍ‬
‫فهؤالء يجب عليهم الجمعة‪.‬‬
‫يعني‪ :‬في بعض األماكن أو البلدان يصنعون البيوت من القصب‪ ،‬أو من البوص‪ ،‬أو من األشجار‪ ،‬أو من الخيام‬
‫رجال في ٍ‬
‫مكان مثل هذا واتخذوهُ ُم َق ًاما لهم؛ وجبت‬ ‫ويجعلونها بـُيُوتًا لهم على الدوام‪ ،‬فإذا اجتمع أكثر من أربعين ً‬
‫عليهم الجمعة‪.‬‬
‫أما أهل الخيام الذين يتنقلون ويكونون في الصيف في مكان‪ ،‬وفي الربيع في مكان‪ ،‬وفي الخريف في مكان؛ فهؤالء‬
‫ليس لهم أبنية‪ ،‬وليس لهم أوطان‪.‬‬
‫ولذلك قال‪ :‬فلو صلت طائفة خارج األبنية خلف ٍ‬
‫جمعة منعقدة‪ ،‬ال تصح جمعتهم لعدم وقوعها في األبنية‪.‬‬
‫ولذلك قال‪ :‬لو كانت البلد ِم ًّ‬
‫صرا كانت أو قرية‪ ،‬بحيث تكون دون مسافة قصر‪ ،‬فلو تجاوزت مسافة القصر لم تصح‪.‬‬
‫قال األذرعي‪ :‬وأكثر أهل القرى يؤخرون المسجد عن جدار القرية قَلِ ًيال صيانةً له عن نجاسة البهائم‪ ،‬وعدم انعقاد‬
‫الجمعة فيه بعيد‪.‬‬
‫يريد أن يقول‪ :‬ولو كان المسجد خارج القرية صحت الجمعة فيه على الراجح من أقوال أهل العلم في المذهب‪ .‬ألن‬
‫أبا الطيب قال‪:‬‬

‫‪174‬‬
‫قال أصحابنا‪ :‬لو بنى أهل البلد َمسجدهم خارجها‪ ،‬لم يجز لهم إقامة الجمعة فيه النفصاله عن البناء‪.‬‬
‫هذا حملوه على انفصال ال يعد به من القرية‪.‬‬
‫ويختلف االنفصال‪ ،‬فضبطهُ بعضهم قال‪ :‬بحيث ال يكون في مسافة‪ ،‬أو على بعد مسافة‪ ،‬أو مجاوزة مسافة القصر‪.‬‬
‫هذا هو الشرط األول؛ أن يكون ٍ‬
‫ببلد‪ ،‬قرية أو بناء أو غير ذلك‪ ،‬وقلنا ولو خيام‪.‬‬
‫ولذلك قال‪ :‬ولو لزم أهل الخيام مو ِ‬
‫ض ًعا في الصحراء‪ ،‬ولم يبلغهم النداء من محل الجمعة فال جمعة عليهم‪.‬‬ ‫َْ‬

‫‪ ‬قال‪ :‬الثاني من شروط صحة الجمعة‪[ :‬أن يكون العدد أربعين من أهل الجمعة]‪.‬‬
‫من هم أهل الجمعة؟ المسلم‪ ،‬البالغ‪ ،‬العاقل‪ ،‬الحر‪ ،‬الذكر‪ ،‬الصحيح‪ ،‬المقيم‪ .‬سبعة شروط احفظها‪.‬‬
‫ذكورا‪ ،‬مقيمين‪ ،‬أصحاء‪.‬‬
‫إذن ال بد أن يكون العدد كله‪ :‬أربعين‪ ،‬مسلمين‪ ،‬بالغين‪ ،‬عاقلين‪ ،‬أحر ًارا‪ً ،‬‬
‫فإن كانوا كذلك؛ صحت الجمعة‪.‬‬
‫وإذا لم يجتمع هذا العدد صلى بهم الظهر وال يقيم الجمعة‪.‬‬
‫ظهرا‪.‬‬
‫كذلك إذا اكتمل العدد في الخطبة ثم نقص في أثنائها‪ ،‬نزل فصلى بهم ً‬

‫قال‪ :‬ولو أحرم أربعون قبل انفضاض األولين تمت لهم الجمعة‪ ،‬وإن لم يكونوا سمعوا الخطبة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وتصح الجمعة خلف ٍ‬
‫عبد وصبي ومميز ومسافر‪ ،‬لكن شرط أال يكون منهم‪.‬‬
‫والصحيح ما اختاره شيخ اإلسالم‪ ،‬أنها تصح بثالثة‪ ،‬الجمعة تنعقد بثالثة فأكثر‪.‬‬
‫ثالثة في قر ٍية وال بد ٍو ال تُقام فيهم الصالة إال استحوذ عليهم الشيطان“‪.‬‬
‫ﷺ‪” :‬ما من ٍ‬

‫‪ ‬الشرط الثالث‪[ :‬الوقت]‪:‬‬


‫وهو وقت الظهيرة لالتباع ولفعل النبي ﷺ‬
‫وكان يقول‪” :‬صلوا كما رأيتموني أصلي“‬
‫مسافرا أو‬
‫ً‬ ‫ضا أو‬
‫فإذا خرج الوقت أو ضاق عنها وعن خطبتها‪ ،‬أو شك في ذلك أو عُدمت الشروط (كأن يكون مري ً‬
‫ظهرا‪ ،‬فهنا إن لم يُدرك الجمعة صلى أر ًبعا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫صليت حينئذ ً‬
‫عدم العدد) أو بعضها (أي بعض الشروط) ُ‬
‫كذلك من أدرك اإلمام بعد الركوع في الركعة الثانية صلى أر ًبعا‪.‬‬
‫بناء‪( ،‬أي يبني)‪.‬‬
‫ظهرا ً‬
‫وإلحاقًا بذلك قال الشارح‪ :‬فإذا خرج الوقت قبل سالمه فإنه يجب ً‬
‫لجمعة فهي صحيحة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإن كانت تابعةً ُ‬

‫كامال من أول الخطبة األولى إلى انقضاء الصالة]؛‬


‫والشرط الرابع من الشروط التي لم يذكرها الماتن‪[ :‬وجود العدد ً‬
‫لتخرج مسألة االنفضاض المتقدمة‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫والشرط الخامس‪[ :‬أال يسبقها‪ ،‬وال يقارنها جمعة في محلها ولو عظم] كما قاله الشافعي‪.‬‬
‫قال‪ :‬ألنه ﷺ ‪ ،‬والخلفاء الراشدين لم يقيموا سوى جمعة واحدة‪ .‬وألن االقتصار على واحدة أفضى إلى المقصود‬
‫من إظهار الشعيرة‪ ،‬واجتماع الناس‪ ،‬واتفاق الكلمة‪.‬‬
‫سر اجتماعهم في مكان؛ فإنه يجوز التعدد للحاجة‬
‫وع ُ‬
‫إجماعا إال إذا َكبُر المحل َ‬
‫ً‬ ‫لكن قال الشافعي ‪ :‬وال يجوز‬
‫بحسبها‪.‬‬
‫قال‪ :‬فيُقيمون جمعتين‪ ،‬وقيل ثالثة فلم ينكر عليهم‪.‬‬
‫وهذا ما حمله األكثرون في علماء المذهب على عسر االجتماع‪ ،‬وال يحتمل مذهب الشافعي غيره‪.‬‬

‫ثم قال‪[ :‬وفرائضها ثالثة]‪ :‬أي فرائض الجمعة‪.‬‬


‫إذن عندنا (شروط وجوب‪ ،‬وشروط صحة‪ ،‬وفرائض)‬
‫قال‪[ :‬وفرائضها ثالثة‪ :‬خطبتان يقوم فيهما ويجلس بينهما‪ ،‬وأن تصلي ركعتين‪ ،‬في جماعة]‪.‬‬
‫أما الخطبتان‪ :‬فلما روى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر ‪ ،‬قال‪” :‬كان رسول اهلل ﷺ يخطب يوم الجمعة‬
‫خطبتين يجلس بينهما“‪.‬‬
‫وهما قبل الصالة‪ ،‬باإلجماع‬
‫ومع قوله‪” :‬صلوا كما رأيتموني أصلي“‪.‬‬
‫”فكان إذا أذن المؤذن يخطب النبي ﷺ خطبتين يجلس بينهما ثم ينزل فيصلي بالناس الجمعة“‪.‬‬
‫ولذلك قال الشارح ‪ :‬وأركانهما (أي الخطبتين) خمسة‪:‬‬
‫أولها‪ :‬حمد اهلل تعالى (إن الحمد هلل تعالى نحمده)‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬الصالة على رسول اهلل ﷺ؛ ألنها عبادة افتقرت إلى ذكر‪ ،‬وافتقرت إلى ذكر النبي ﷺ‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬الوصية بتقوى اهلل‪ ،‬لما ثبت عن النبي ﷺ ‪ ،‬وهذا هو الغرض من الوعظ والحث على الطاعة (أطيعوا اهلل‬
‫وراقبوه)‪.‬‬
‫قال الشارح‪ :‬وهذه األركان الثالثة في ٍ‬
‫كل من الخطبتين‪ :‬الحمد‪ ،‬والصالة على النبي ﷺ‪ ،‬والوصية بالتقوى‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬قراءة ٍ‬
‫آية في إحداهما‪ .‬أي آية من كتاب اهلل قرأها أجزأته‪.‬‬
‫قال الماوردي‪ :‬إنه يجزئ أن يقرأ بين قراءتي ِهما‪( ،‬أي الخطبتين)‪.‬‬
‫ويقوم فيهما ويجلس بينهما‪.‬‬
‫قال‪ُ :‬‬
‫بأخروي في الخطبة‬
‫خامسا من شرائط الخطبة‪ ،‬قال‪ :‬الدعاء للمؤمنين والمؤمنات َ‬
‫ً‬ ‫لكن بعض العلماء وضع شرطا‬
‫الثانية‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫في آخر الخطبة يدعو للمؤمنين والمؤمنات‪.‬‬
‫قال‪ :‬وال بأس بالدعاء للسلطان بعينه كما في «الروضة»‪.‬‬
‫لكن قال ابن عبد السالم‪ :‬وال يجوز وصفه بالصفات الكاذبة إال لضرورة‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويسن الدعاء ألئمة المسلمين ووالة أمورهم بالصالح واإلعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويشترط أن يكونا عربيتين؛ لالتباع‪ ،‬ولنقل الخلف عن السلف أنه لم يكن يخطب إال باللغة العربية‪.‬‬

‫جالسا‪ ،‬ويجلس بينهما جلسة يطمئن فيها‪.‬‬


‫الشرط الثاني‪ :‬قال‪ :‬ويقوم فيهما (أي القادر)‪ ،‬فإن عجز خطب ً‬
‫جالسا يسكت بين الخطبتين سكتة طويلة وجوبًا كأنه يفصل بين الخطبتين‪.‬‬
‫لكن إذا خطب ً‬
‫قال‪ :‬ويشترط كونها‪:‬‬
‫• في وقت الظهر‪.‬‬
‫• ويشترط أن يوالي بين الخطبة والصالة وال يفصل بينهما‪.‬‬
‫• وأن يوالي بين الخطبتين‪.‬‬
‫طويال‪.‬‬
‫جلوسا ً‬
‫ً‬ ‫• وال يجلس‬
‫ويستحب الطهارة للخطبتين‪ ،‬وال يجب‪.‬‬

‫وسن‪ :‬ترتيب أركان الخطبتين بأن يبدأ بالحمد‪ ،‬ثم الصالة‪ ،‬ثم الوصية‪ ،‬ثم القراءة ثم الدعاء‪.‬‬
‫استَ ِمعوا لَهُ وأ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َنصتُوا﴾‬ ‫َ‬ ‫سكوت مع إصغاء لهما‪ ،‬لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِذَا قُ ِر َ‬
‫ئ الْ ُق ْرآ ُن فَ ْ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫وسن لمن يسمعها‬
‫ووجب رد السالم‪.‬‬

‫قال‪ :‬وسن تشميت العاطس‪ ،‬ورفع الصوت بالصالة على النبي ﷺ‪.‬‬
‫لكن إذا قلنا بأنه يسن اإلنصات فيهما‪ ،‬علم عدم حرمة الكالم فيهما‪ ،‬وهذا على المذهب‪.‬‬
‫ويستدلون بقول الرجل للنبي ﷺ‪ :‬متى الساعة؟ قال‪” :‬وما أعددت لها“‪.‬‬
‫هذا إذا كان الكالم مع الخطيب‪ ،‬أما إذا كان مع جاره فقد أمر باإلنصات‪.‬‬

‫وقال‪” :‬من قال ألخيه‪ :‬أنصت فقد لغى“‪.‬‬


‫ويسن كونهما على منبر‪ ،‬فإن لم يكن فعلى مرتفع‪.‬‬
‫وأن يسلم عليهم‪ ،‬ويقبل عليهم إذا صعد المنبر‪ .‬لفعل النبي ﷺ‪.‬‬
‫ويسن تقصير الخطبة وتطويل الصالة‪ ،‬لقوله ﷺ‪” :‬أطيلوا الصالة ِ‬
‫وأقصروا الخطبة“‪.‬‬
‫وقال‪” :‬إن طول صالة الرجل وقصر خطبته مئنةٌ من فقهه“‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن يصلي ركعتين في جماعة‪.‬‬
‫اشيَ ِة﴾‪.‬‬
‫يث الْغَ ِ‬
‫اك َح ِد ُ‬
‫ك ْاألَ ْعلَى﴾‪ ،‬وفي الثانية ﴿ َه ْل أَتَ َ‬
‫اس َم َربِّ َ‬
‫يقرأ في األولى‪َ ﴿ :‬سبِّ ِح ْ‬
‫وأن تقع في جماعة‪ ،‬ولو في الركعة األولى‪.‬‬
‫لفعل النبي ﷺ‪ ،‬والخلفاء من بعده‪.‬‬

‫قال‪ :‬وهيئاتها أربع خصال‪:‬‬


‫‪ -‬وتنظيف الجسد‬ ‫‪ -‬الغسل‬
‫‪ -‬وأخذ الظفر والتطيُب‪.‬‬ ‫‪ -‬ولبس الثياب البيض‬
‫هيئاتها‪ :‬أي الحالة التي تطلب لها‪ ،‬والمذكور منها هنا أربع‪:‬‬
‫‪ ‬األول‪ :‬الغسل‪ :‬لقول النبي ﷺ‪” :‬إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل“‪.‬‬
‫وتفارق الجمعة العيد حيث لم يختص بمن حضر ألنه للزينة وإظهار السرور‪.‬‬
‫أما هنا غسل الجمعة واجب على من حضر الجمعة فقط‪.‬‬
‫واجب على كل محتلم“‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وقال ﷺ‪” :‬غسل الجمعة‬
‫ووقته من طلوع الفجر الصادق‪ ،‬وتقريبه من ذهابه إلى الجمعة أفضل؛ ألنه يفضي إلى المقصود من انتفاء الرائحة الكريهة‪.‬‬
‫الجسد من الروائح الكريهة التي يتأذى بها المصلي ويتأذى بها المالئكة‪.‬‬
‫‪ ‬والثاني‪ :‬تنظيف َ‬
‫‪ ‬والثالث‪ :‬لبس الثياب البيض (هذه من السنن ومن الهيئات)‪.‬‬
‫‪ ‬الرابع‪ :‬وأخذ الظفر والتطيُب‪.‬‬
‫وهذا مستحب وليس بواجب‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويستحب اإلنصات في وقت الجمعة لمن يسمعها‪.‬‬


‫ولذلك النبي ﷺ قد بين أنه يجب اإلنصات وعدم تخطي الرقاب وقال للذي يتخطى الرقاب‪” :‬اجلس فقد أذيت‬
‫وآنيت“‪.‬‬
‫صورا‪ :‬اإلمام إذا لم يبلغ المنبر إال بالتخطي‪ ،‬فال يكره له ذلك‪.‬‬
‫لكن استثنى العلماء من ذلك ً‬
‫ومنها إذا وجد في الصفوف األولى أماكن وفرج لم يبلغها إال بتخطي الرقاب‪ ،‬ال بأس بذلك‪.‬‬

‫قال الشارح ‪ :‬ويسن أن يقرأ سورة الكهف في يومها وليلها‪.‬‬


‫لقوله ﷺ‪” :‬من قرأ الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين"‬
‫ٍ‬
‫مضعف ومحسن‪.‬‬ ‫وهذا الحديث اختلف فيه من‬

‫‪178‬‬
‫ويستحب اإلكثار من الدعاء في يومها وليلها ألن فيها ساعة إجابة‪.‬‬
‫قال‪” :‬هي ما بين أن يجلس اإلمام إلى أن تنقضي الصالة'‘‪ ،‬رواية مسلم‪.‬‬
‫وقال غيره‪” :‬هي آخر ٍ‬
‫ساعة بعد العصر“‪.‬‬
‫ويستحب اإلكثار من الصالة على النبي ﷺ‪ ،‬وكثرة الصدقة وفعل الخير في يومها وليلتها‪.‬‬

‫كذلك قال الماتن ‪ :‬ومن دخل واإلمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين ثم جلس‪.‬‬
‫لقول النبي ﷺ لسليك الغطفاني لما دخل والنبي ﷺ يخطب فجلس‪ ،‬فقال‪” :‬يا سليك قم فاركع ركعتين‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬إذا جاء أحدكم يوم الجمعة واإلمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما“‪.‬‬
‫أى‪ :‬يكونا ركعتين خفيفتين ويتعجل في الصالة فيهما‪ ،‬كذلك أمر بالتخفيف‪.‬‬

‫وآخر مسألة‪ :‬من أدرك مع اإلمام ركعة في يوم الجمعة فليضف إليها أخرى؛ وقد أدرك الجمعة‪.‬‬
‫ومن لم يدرك مع اإلمام ركعة صلى أر ًبعا ألنه ال يكون بذلك مدرًكا للجمعة‪.‬‬

‫بذلك تنتهي هذه المحاضرة‪ ،‬وبها تنتهي صالة الجمعة‪.‬‬

‫هذا وسبحانك اللهم بحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫المحاضرة الخامسة عشـرة‬
‫هذه هي المحاضرة الخامسة عشر وقبل األخيرة للفصل األول الدر ِ‬
‫اسي‪ ،‬وفيه تتمةٌ لكتاب الصالة وبه نختم كتاب الصالة‪.‬‬
‫فصل في صالة العيدين"‬
‫قال الماتن ‪ٌ " :‬‬
‫خمسا سوى تكبيرة القيام‪،‬‬
‫سبعا سوى تكبيرة اإلحرام‪ ،‬وفي الثانية ً‬
‫«وصالة العيدين سنةٌ مؤكدة‪ ،‬وهي‪ :‬ركعتان يكبر في األولى ً‬
‫سبعا‪.‬‬
‫تسعا‪ ،‬وفي الثانية ً‬
‫ويخطب بعدهما خطبتين يكبر في األولى ً‬
‫ويكبر من غروب الشمس من ليلة العيد إلى أن يدخل اإلمام في الصالة‪ ،‬وفي األضحى خلف الصلوات المفروضات من صبح‬
‫يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق»‪.‬‬
‫وصيغته المحبوبة‪ ...‬كما ستأتينا إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫قال الشارح ‪( :‬فصل في صالة العيدين)‪.‬‬
‫والعيد مشت ٌق من العود لتكراره كل عام‪ ،‬وقيل لكثرة عوائد اهلل تعالى فيه على عباده‪ ،‬وقيل لعود السرور بعودهِ‪ ،‬وجمعه أعياد‪.‬‬
‫قال‪ :‬واألصل في صالته قبل اإلجماع مع األخبار اآلتية‬
‫ص ِّل لَِربِّ َ‬
‫ك َوانْ َح ْر﴾ [الكوثر‪.]٢ :‬‬ ‫قول اهلل تعالى‪﴿ :‬فَ َ‬
‫أراد به صالة األضحى والذبح‪.‬‬
‫وأول ٍ‬
‫عيد صالهُ النبي ﷺ عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فهي سنةٌ مؤكدة‪ ،‬أي صالة العيدين‪ ،‬للسائل عن الصلوات‬
‫ٍ‬
‫صلوات كتبهن اهلل على عباده‪ ،‬قال له‪ :‬هل علي غيرها؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬إال أن تطوع“‪.‬‬ ‫فقد قال النبي ﷺ‪” :‬خمس‬
‫وقال‪ :‬سنةٌ مؤكدة لمواظبة النبي ﷺ عليها‪ ،‬وكذلك الخلفاء الراشدين من بعده ‪ ‬حافظوا عليها‪ ،‬وكذلك األئمة‬
‫واألمراء من زمن النبي ﷺ إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫وتشرع صالة العيد في جماعة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهي أفضل في حق غير الحاج بمنى‪ .‬لماذا؟‬
‫ألن الحاج ينشغل بأعمال يوم النحر‪.‬‬
‫منفردا‪.‬‬
‫ولو فاتت الجماعة سن له ً‬
‫وهي مشروعة للمنفرد كذلك‪ ،‬ويحضرها العبد والمرأة والخنثى والمسافر‪ ،‬فليس شروطها كشروط الجمعة‪ ،‬إنما هي مطلقة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهي ركعتان باإلجماع‪ ،‬وحكمهما في األركان والشرائط والسنن كسائر الصلوات‪ ،‬كما سبق معنا‪.‬‬
‫فطرا أو أضحى‪.‬‬
‫يحرم بها بنية صالة العيد سواء كان ً‬
‫سبعا سوى تكبيرة اإلحرام‪ ،‬أي بعد تكبيرة اإلحرام‪ ،‬يكبر في الركعة األولى سبع تكبيرات‪:‬‬
‫ثم قال‪ :‬يكبر في األولى ً‬

‫‪180‬‬
‫خمسا قبل القراءة وقبل االستعاذة‪ ،‬وقيل بعد دعاء‬
‫سبعا‪ ،‬وفي الثانية ً‬
‫اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬هكذا حتى يتم في األولى ً‬
‫االفتتاح وقبل التعوذ‪،‬‬
‫خمسا قبل القراءة‪.‬‬ ‫لما رواه الترمذي أنه ﷺ كبر في العيدين في األولى ً‬
‫سبعا قبل القراءة‪ ،‬وفي الثانية ً‬
‫كذلك السبع سوى تكبيرة اإلحرام على أرجح أقوال أهل العلم‪ ،‬وعلى المعتمد في المذهب‪.‬‬
‫والخمس سوى تكبيرة االنتقال‪ ،‬وال حرج أن يذكر بين كل تكبيرتين‪ ،‬كأن يقول‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬وال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل‬
‫أكبر‪ ،‬وكذلك ألن هذه الكلمات هي الباقيات الصالحات‪.‬‬
‫ضا وضع اليمنى على اليسرى على الصدر أو تحته‪ ،‬وال يرفع يده إال في التكبيرة األولى‪.‬‬
‫ويسن أي ً‬
‫ولو شك في عدد التكبيرات أخذ باألقل كما في عدد الركعات‪ ،‬ولو نسي التكبيرات وشرع في القراءة ولم يتم الفاتحة لم‬
‫ٍ‬
‫خالف في المذهب‪.‬‬ ‫يدركها‪ ،‬ولو تذكر بعد التعوذ ولم يقرأ كبر‪ ،‬بال‬
‫ويستحب بعد التكبير أن يقرأ الفاتحة‪ ،‬وأن يقرأ في الركعة األولى ﴿ق﴾‬
‫ك ْاألَ ْعلَى﴾ [األعلى‪ ]١ :‬وفي الثانية‪َ ﴿ :‬ه ْل‬
‫اس َم َربِّ َ‬
‫اعةُ﴾ [القمر‪ .]١ :‬أو يقرأ في األولى‪َ ﴿ :‬سبِّ ِح ْ‬
‫الس َ‬ ‫وفي الثانية‪﴿ :‬اقْـتَـرب ِ‬
‫ت َّ‬ ‫ََ‬
‫اشيَ ِة﴾ [الغاشية‪.]١ :‬‬
‫يث الْغَ ِ‬
‫اك َح ِد ُ‬
‫أَتَ َ‬
‫منفردا فال يخطب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لجماعة‪ ،‬أما إذا كان ً‬ ‫قال‪ :‬فإذا فرغ من الصالة خطب خطبتين أي بعد الركعتين‬
‫كذلك ال أركان وال شروط فيها‪ ،‬وبعضهم قال‪ :‬فيها شروط‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك يكبر في افتتاح الخطبة األولى بتسع تكبيرات‪ ،‬ويكبر في الثانية سبع تكبيرات‪.‬‬
‫وقيل يكثر من التكبير‪ ،‬وقيل بل يبدأ الخطبة بالحمد والثناء على اهلل‪ ،‬ثم يكبر في ثناياها‪ ،‬وال يشترط أن يبدأ بها‪ .‬كذلك هذه‬
‫التكبيرات إذا بدأ بها ليست من الخطبة‪ ،‬بل هي مقدمة‪ ،‬نص عليه الشافعي‪.‬‬
‫كأن يبدأ بعد الصالة‪ :‬اهلل أكبر اهلل أكبر‪ ،‬تسع تكبيرات‪ ،‬ثم يبدأ الخطبة‪ :‬إن الحمد هلل تعالى نحمده‪ ،‬ولذلك يعدها الشافعي‬
‫أنها ليست من الخطبة بل هي مقدمة لها‪.‬‬
‫وسن غسل العيدين كما سبق وإن لم يرد الحضور؛ ألنه يوم زينة‪.‬‬
‫َّ‬
‫كذلك يسن التبكير بعد الصبح لغير اإلمام‪ ،‬وأن يحضر اإلمام وقت الصالة ويعجل الحضور في األضحى‪ ،‬ويؤخره في الفطر‬
‫األضاحي‪.‬‬
‫وقت لعبادته‪ ،‬فقبل الفطر تقسم صدقة الفطر‪ ،‬وبعد األضحى يذبح َ‬
‫قليال‪ .‬لماذا؟ حتى يتسع كل ٌ‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬وحكمته اتساع وقت األضحية ووقت صدقة الفطر قبل الصالة‪.‬‬
‫ِ‬
‫كضيقه‪ ،‬وإن كان األولى فعلها خارج المسجد لفعل النبي ﷺ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بمسجد أفضل لشرفه إال لعذ ٍر‬ ‫قال‪ :‬وفعلها‬
‫وترا‪ ،‬ويمسك عن األكل في عيد األضحى‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكذلك يستحب أن يأكل في الفطر تمرات قبل أن يخرج‪ ،‬وأن يكون ً‬
‫قال‪ :‬وال يكره التنفل قبلها بعد ارتفاع الشمس لغير ٍ‬
‫إمام‪ ،‬أما بعدها فإن لم يسمع الخطبة فكذلك‪ ،‬أي يندب‪ ،‬وال حرج في‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫قال‪ :‬ويكبر ندبًا‪ ،‬أي التكبير المطلق في غير الصالة من غروب شمس ليلة العيد‪ ،‬أي عيد الفطر وكذلك األضحى برفع صوته‬
‫في المنازل واألسواق‪،‬‬
‫ولقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ولِتُ ْك ِملُواْ ال ِْع َّدةَ﴾ [البقرة‪ ،]١٨٥:‬وقوله‪َ ﴿ :‬ولِتُ َكبِّـ ُروا اهللَ﴾ [البقرة‪،]١٨٥ :‬‬
‫أي عند إكمالها‪ ،‬وفي الثاني القياس على األول‪.‬‬
‫ورفع الصوت مندوب كذلك ألنه من شعائر اإلسالم‪ ،‬ومن شعار اإلسالم الظاهر‪ ،‬ويستمر التكبير‪ :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل‬
‫أكبر‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر وهلل الحمد‪ ،‬إلى خروج اإلمام إلى الصالة‪ ،‬أي يدخل في الصالة‪ ،‬أي صالة العيد‪.‬‬
‫مباح إليه‪.‬‬
‫إذ الكالم ٌ‬
‫قال‪ :‬ويكبر‪ ،‬أي في عيد األضحى خلف صالة الفرائض والنوافل‪ ،‬ولو فاتته صالة‪ .‬قال‪ :‬بعد صالة صبح يوم عرفة إلى بعد‬
‫صالة العصر من آخر أيام التشريق‪ ،‬فيكون التكبير في أضحى خمسة أيام‪:‬‬
‫يوم عرفة‪ ،‬ويوم النحر‪ ،‬وثالثة أيام التشريق‪ .‬يكبر دبر كل صالة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وصيغته المحبوبة‪ ،‬هنا ورد عدة صيغ منها‪ :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر ال إله إال اهلل‪ ،‬واهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر وهلل الحمد‪.‬‬
‫وأصيال‪ ،‬ال إله إال اهلل‪،‬‬
‫ً‬ ‫كثيرا‪ ،‬وسبحان اهلل بكرة‬
‫كبيرا‪ ،‬والحمد هلل ً‬
‫واستحسن في [األم] أن يزيد بعد التكبيرة الثالثة اهلل أكبر ً‬
‫ونصر عبده‪ ،‬وهزم األحزاب وحده‪،‬‬
‫وال نعبد إال إياه‪ ،‬مخلصين له الدين ولو كره الكافرون‪ ،‬ال إله إال اهلل وحده‪ ،‬صدق وعده‪َ ،‬‬
‫ال إله إال اهلل واهلل أكبر‪.‬‬
‫هذا وإن كان الدليل عليه لم يثبت‪ ،‬ولم يصح فيه أثر صحيح مرفوع أو موقوف‪ ،‬ولو لزم التكبيرة األولى كان أولى‪ ،‬وهو‬
‫المعتمد وهو الصحيح من المذهب وهي‪ :‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬ال إله إال اهلل‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬اهلل أكبر‪ ،‬وهلل الحمد‪.‬‬
‫كالما في‬ ‫ٍ‬
‫قال‪ :‬وال حرج في التهنئة بالعيد‪ ،‬ونقل بعضهم أن ذلك ليس فيه دليل‪ ،‬كما قال القمولي‪ :‬لم أر ألحد من أصحابنا ً‬
‫التهنئة بالعيد واألعوام واألشهر كما يفعله الناس‪ ،‬لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي أنه أجاب عن ذلك بأن‬
‫الناس لم يزالوا مختلفين فيه‪.‬‬
‫والذي أراه أنه مباح‪ ،‬ال سنة فيه‪ ،‬وال بدعة‪ ،‬هكذا قال الخطيب الشربيني ‪.‬‬

‫فصل في صالة الكسوف والخسوف‬


‫ثم قال الماتن ‪ٌ :‬‬
‫تقض‪.‬‬
‫قال‪« :‬وصالة الكسوف سنةٌ مؤكدة‪ ،‬فإن فاتت لم َ‬
‫ويصلي لكسوف الشمس وخسوف القمر ركعتين‪ ،‬في كل ر ٍ‬
‫كعة قيامان يطيل القراءة فيهما‪ ،‬وركوعان يطيل التسبيح‬
‫فيهما دون السجود‪ ،‬ويخطب بعدها خطبتين‪ ،‬ويسر في كسوف الشمس‪ ،‬ويجهر في خسوف القمر»‪.‬‬
‫هذه هي الصالة الثانية اليوم‪ ،‬فنحن سنجمع اليوم الصلوات المستحبة في جماعة‪.‬‬
‫فذكرنا أولها صالة العيدين‪ ،‬واآلن مع صالة الكسوف والخسوف‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫األفصح واألصح عند علماء اللغة‪ ،‬مع جواز إطالق لفظ‬
‫َ‬ ‫وقيل إن صالة الكسوف للشمس‪ ،‬والخسوف للقمر هذا هو‬
‫الخسوف على الشمس‪ ،‬والكسوف على القمر‪.‬‬
‫اس ُج ُدوا لِلَّ ِه﴾ [فصلت‪.]٣٧ :‬‬ ‫لشم ِ ِ‬
‫س َوَال ل ْل َق َم ِر َو ْ‬
‫ِ‬
‫قال‪ :‬واألصل في ذلك قبل اإلجماع قول اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬ال تَ ْس ُج ُدوا ل َّ ْ‬
‫وعند كسوفهما قال النبي ﷺ كما في الصحيحين‪ ” :‬إن الشمس والقمر آيتان من آيات اهلل‪ ،‬ال ينكسفان لموت‬
‫ٍ‬
‫أحد وال لحياته‪ ،‬فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم“‪.‬‬
‫صلوات في كل ٍ‬
‫يوم‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬وصالة الكسوف سنةٌ مؤكدة‪ ،‬للدليل السابق‪” :‬ماذا فرض اهلل علي من الصلوات؟ قال خمس‬
‫وليلة“‪.‬‬
‫ضا فعل النبي ﷺ دل على أنها مستحبة‪.‬‬
‫وأي ً‬
‫ٌ‬
‫محمول على الكراهة وليس على الوجوب أو الحرمة‪ ،‬ليوافق كالمه في مواضع‬ ‫كذلك قال الشافعي‪ :‬ال يجوز تركها؛‬
‫أخر‪.‬‬
‫وفوات صالة الخسوف القمر باالنجالء‬
‫ُ‬ ‫تقض‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن فاتت‪ ،‬أي صالة الكسوف بانجالئها‪ ،‬أي انجالء الشمس لم َ‬
‫ِ‬
‫وبطلوعه‪.‬‬
‫قال‪ :‬لم تقض لزوال المعنى الذي ألجله شرعت‪ ،‬يعني‪ :‬شرعت الصالة من أجل كسوف الشمس فنصلي حتى تنجلي‪.‬‬
‫نائما ماذا أفعل اآلن؟‬
‫فإذا انجلت‪ ،‬فقام رجل قال‪ :‬كنت ً‬
‫نقول ال شيء عليك‪.‬‬
‫أال أقضيها كما نقضي العيد أو الجمعة أو أي صالة؟‬
‫نقول‪ :‬ال‪ ،‬ألن هذه الصالة لسبب وقد زال السبب‪ ،‬وانكشفت الشمس‪.‬‬

‫صفة الصالة‪:‬‬
‫قال‪ :‬ويصلي لكسوف الشمس وخسوف القمر ركعتين‪ ،‬في كل ركعة قيامان يطيل القراءة فيهما‪ ،‬وركوعان يطيل‬
‫التسبيح فيهما‪.‬‬
‫وصفتها‪ :‬أن يكبر ثم يشرع في قراءة الفاتحة بعد االستفتاح واالستعاذة‪.‬‬
‫"نحوا من سورة البقرة"‪.‬‬
‫ثم يقرأ السورة ويستحب أن يطيل فيها لوروده باألثر ً‬
‫ثم يركع فيطيل الركوع قريبًا من قراءته أو دونه‪.‬‬
‫ثم يرفع من الركوع ثم يشرع في القراءة مرًة أخرى‪ ،‬ال يسجد‪ ،‬فيقرأ الفاتحة ويقرأ سورة طويلة لكنها أقصر من األولى‪.‬‬
‫ثم يركع الركوع الثاني‪.‬‬
‫ثم يرفع منه‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫ثم يسجد سجدتين فتتم بهما الركعة األولى‪.‬‬
‫ثم يقوم إلى الثانية فيقرأ الفاتحة‪ ،‬ويقرأ سورة طويلة هي أقصر من األولى‪.‬‬
‫طويال هو دون األول‪.‬‬
‫تسبيحا ً‬
‫ً‬ ‫ثم يركع فيسبح‬
‫ثم يرفع رأسه‪ ،‬ثم يشرع في القراءة مرةً أخرى يقرأ الفاتحة وسورة طويلة هي دون األولى‪.‬‬
‫طويال‪.‬‬
‫كوعا ً‬
‫ثم يركع ر ً‬
‫ثم يرفع‪.‬‬
‫ثم يسجد سجدتين‪.‬‬
‫ثم يتشهد‪ ،‬ثم يسلم‪.‬‬
‫فهذه هي صفة صالة الكسوف والخسوف على السواء‪.‬‬
‫هذه الصالة صار فيها في كل ركعة ركوعين وقراءتي ِن وسجدتين‪ ،‬فيسلم له من الركعتين أربع قراءات وأربع ركوعات وأربع‬
‫سجدات‪.‬‬

‫قال‪ :‬ولكن يطيل الركوع لورود األثر بذلك‪،‬‬


‫وبعض العلماء قدروا أن الركوع في الركعتين قدر ٍ‬
‫مائة من البقرة‪ ،‬وفي الركوع الثاني قدر ثمانين آية‪ ،‬وفي الثالث قدر سبعين‬
‫وهكذا‪ ،‬وفي الرابع قدر خمسين‪.‬‬
‫جدات عادية‪ ،‬واألصل في ذلك فعله ﷺ كما في حديث‬
‫قال‪ :‬دون السجدات‪ ،‬أي ال يطيل في السجدات‪ ،‬بل هي س ٌ‬
‫عائشة وغيرها‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويخطب بعدهما خطبتين‪ ،‬أي يخطب اإلمام الذي صلى بالناس بعد صالة الكسوف‪ ،‬خطبتين كخطبتَي العيد‪ ،‬لكن ال‬
‫يكبر فيهما لعدم ورود ذلك‪.‬‬
‫منفردا فال خطبة عليه‪.‬‬
‫والخطبة للجماعة‪ ،‬فإذا صلى ً‬
‫ويحث السامعين على فعل الخير من التوبة والصدقة والعتق ونحو ذلك‪ ،‬كما فعل ﷺ‪.‬‬
‫ثابت من سنة أو إجماع‪.‬‬
‫وبعض العلماء قال‪ :‬يسن الغسل لصالة الكسوف‪ ،‬وهذا ال دليل عليه ٌ‬
‫قال‪ :‬فإن أدرك اإلمام في الركوع األول من الركعة األولى أو الثانية أدرك الركعة‪ ،‬كما في سائر الصلوات‪.‬‬
‫أما إذا أدركه في الركوع الثاني أو في قيامه الثاني فإنه لم يكن مدرًكا للركعة؛ ألن األصل فيها هو الركوع األول والقيام األول‪،‬‬
‫أما الركوع الثاني وقيامه فهو سنةٌ وتبع‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويسر في كسوف الشمس ألنها نهارية‪ ،‬ويجهر في خسوف القمر ألنها صالةٌ ليلية‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫األخوف فواتًا ثم اآلكد‪.‬‬
‫ْ‬ ‫قال‪ :‬ولو اجتمع عليه صالتان فأكثر ولم يأمن الفوات قدم‬
‫معنى ذلك لو لم يصل الظهر ثم كسفت الشمس‪ ،‬ولو صلى الكسوف سيستمر إلى العصر‪،‬‬
‫أوال ثم يصلي الكسوف‪.‬‬
‫نقول‪ :‬األولى أن يصلي الظهر ً‬
‫أوال ثم يصلي الظهر‪.‬‬
‫متسعا من الوقت فإنه يصلي الكسوف ً‬
‫أما إذا كان هناك ً‬
‫وهكذا صالة الكسوف والخسوف‪.‬‬

‫أقول مرةً أخرى صالة الكسوف‪:‬‬


‫‪ ‬يقرأ اإلمام بعد التكبير واالستفتاح والتعوذ الفاتحة‪،‬‬
‫‪ ‬ثم يقرأ سورة طويلة‪.‬‬
‫طويال‪.‬‬
‫كوعا ً‬
‫‪ ‬ثم يركع ر ً‬
‫‪ ‬ثم يرفع فيقرأ مرةً أخرى الفاتحة‪،‬‬
‫‪ ‬ثم يقرأ سورة طويلة هي دون األولى‪.‬‬
‫طويال هو دون األول‪.‬‬
‫كوعا ً‬
‫‪ ‬ثم يركع ر ً‬
‫‪ ‬ثم يرفع‪ ،‬ثم يسجد سجدتين عاديتين على المذهب‪.‬‬
‫‪ ‬ثم يقوم إلى الركعة الثانية فيقرأ الفاتحة‪،‬‬
‫‪ ‬ثم سورة طويلة هي دون األولى‪.‬‬
‫‪ ‬ثم يركع هو دون الركوع الثاني‪.‬‬
‫‪ ‬ثم يرفع ثم يقرأ مرًة أخرى الفاتحة‪ ،‬وسورةٌ طويلة هي دون القراءة التي سبقتها‪.‬‬
‫‪ ‬ثم يركع مرًة أخرى‪ ،‬ثم يرفع‪ ،‬ثم يسجد سجدتين‪.‬‬
‫‪ ‬ثم يتشهد‪ ،‬ثم يسلم‪.‬‬
‫‪ ‬ثم يسن للخطيب أن يُذّكر وأن يخطب خطبتين‪ ،‬فإن خطب خطب ًة واحدة فال بأس‪ ،‬وهما ك ُخطبتي العيد‪ ،‬وكذلك إذا‬
‫خطب في العيد خطبةً واحدة فال حرج‪.‬‬

‫ثم انتقل المصنف ‪ ‬إلى النوع الثالث من الصلوات المستحبة وهي‪ :‬صالة االستسقاء‬
‫فيأمرهم اإلمام بالتوبة‪ ،‬والصدقة‪ ،‬والخروج من المظالم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ويتكلم فيها المصنف ‪ ‬فقال‪ :‬وصالة االستسقاء مسنونةٌ‪،‬‬
‫ومصالحة األعداء‪ ،‬وصيام ثالثة أيام‪.‬‬
‫ثياب ٍ‬
‫بذلة واستكانة وتضرع‪ ،‬ويصلي بهم ركعتين كصالة العيدين‪ ،‬ثم يخطب بعدهما‪،‬‬ ‫ثم يخرج بهم اإلمام في اليوم الرابع في ٍ‬
‫ويحول رداءه‪ ،‬ويكثر من الدعاء واالستغفار ويدعو بدعاء رسول اهلل ﷺ‬

‫‪185‬‬
‫هدم وال ٍ‬
‫غرق‪ ،‬اللهم على الظراب واآلكام ومنابت‬ ‫محق وال ٍ‬
‫بالء وال ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عذاب وال ٍّ‬ ‫”اللهم اجعلها سقيا ٍ‬
‫رحمة‪ ،‬وال تجعلها سقيا‬
‫دائما‬
‫جلال َس ًحا طب ًقا ً‬ ‫الشجر وبطون األودية‪ ،‬اللهم حوالينا وال علينا‪ ،‬اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا َم ِر ًيعا ً‬
‫عاما غدقًا طب ًقا ُم ً‬
‫إلى يوم الدين‪ ،‬اللهم اسقنا الغيث وال تجعلنا من القانطين‪ ،‬اللهم َّ‬
‫إن بالعباد والبالد من الجهد والجوع والضنك ما ال نشكو إال‬
‫اليك‪ ،‬اللهم أنبت لنا الزرع‪ِ ،‬‬
‫وأد َّر لنا الضرع‪ ،‬وأنزل علينا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات األرض‪ ،‬واكشف عنا من‬

‫البالء ما ال يكشفه غيرك‪ ،‬اللهم إنَّا نستغفرك إنك كنت ً‬


‫غفارا‪ ،‬فأرسل السماء علينا مدر ًارا“‪.‬‬
‫ويغتسل في الوادي إذا سال‪ ،‬ويسبح ِ‬
‫للرعد والبرق‪ .‬هذه هي صالة االستسقاء‪.‬‬
‫فصل في صالة االستسقاء‬
‫قال الشارح ‪ٌ :‬‬
‫وهو لغةً‪ :‬طلب السقيا‪.‬‬
‫وشرعا‪ :‬طلب سقيا العباد من اهلل تعالى عند حاجتهم إليها‪.‬‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬واألصل في ذلك قبل اإلجماع االتباع‪ ،‬وقد استسقى موسى لقومه ‪‬‬
‫وس ٰى لَِق ْوِم ِه﴾ [البقرة‪.]٦٠ :‬‬ ‫ِ‬
‫كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬وإِذ ْ‬
‫استَ ْس َق ٰى ُم َ‬
‫ٍ‬
‫صلوات‬ ‫قال‪ :‬وصالة االستسقاء سنة مؤكدة‪ ،‬لما مر‪ ،‬أي في حديث ”ماذا فرض اهلل علي من الصلوات؟ قال‪ :‬خمس‬
‫في كل ٍ‬
‫يوم وليلة“‪.‬‬
‫ولكن العلماء قالوا‪ :‬االستسقاء يكون على ثالثة أنواع‪:‬‬
‫أدناها يكون بالدعاء مطل ًقا عما يأتي فرادى أو مجتمعين‪ ،‬يقتصر على الدعاء في االستسقاء‪.‬‬
‫وأوسطها أن يكون بالدعاء خلف الصلوات‪ ،‬أي فرائضها‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأعالها واألفضل أن يكون بالصالة والخطبة‪.‬‬
‫وال فرق في ذلك بين المقيم ولو بقر ٍية أو بادية‪ ،‬والمسافر ولو سفر قص ٍر الستواء الكل في الحاجة‪ ،‬وإنما تصلى‬
‫ٍ‬
‫لحاجة من انقطاع الماء أو قلته‪.‬‬
‫وإذا سقوا وإال تكرر الصالة مع الخطبتين حتى يسقوا‪ ،‬فإن سقوا قبلها اجتمعوا لشكر اهلل ودعاءه وصلوا‪.‬‬
‫فيأمرهم اإلمام) أي اإلمام األعظم أو نائبه أو إمام المسجد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وإذا أراد اإلمام الخروج إلى الصالة‪ ،‬قال‪( :‬‬
‫(قبل الخروج إليها) أي إلى الصالة‪.‬‬
‫(بالتوبة) من جميع المعاصي الفعلية والقولية المتعلقة بحقوق اهلل‪.‬‬
‫والتوبة لها ثالثة شروط‪ :‬الندم‪ ،‬واإلقالع‪ ،‬والعزم على أال يعود‪.‬‬
‫ِ‬
‫وبالتوبة من حقوق اآلدميين‪ ،‬والخروج من المظالم المتعلقة بهم من‬ ‫واإلكثار من الصدقة في هذا اليوم على المحاويج‪،‬‬
‫عرض أو مال‪ ،‬ومصالحة األعداء‪ ،‬أي المتشاحنين ألمر دنيوي ولِحظ ٍ‬
‫نفس ولتحر ِيم الهجران فوق ثالث‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫دم أو‬
‫والمبادرة إلى صيام ثالثة ٍ‬
‫أيام متتابعة‪ ،‬ويصوم اإلمام معهم وذلك قبل ميعاد يوم الخروج فهي أربعة‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫ثابت عن النبي ﷺ أو عن الصحابة‪ ،‬فأرى واهلل‬
‫دليال (أي في الصيام في صالة الكسوف) ٌ‬
‫وهذا األمر ال أعلم فيه ً‬
‫أعلم أن الصيام غير مسنون‪ ،‬لكن لو فعله قربة بين يدي اهلل عز وجل ال بأس بذلك‪.‬‬
‫وأن يكثر من الدعاء واالستغفار‬
‫ِ‬
‫ٱستَـغْ ِف ُرواْ َربَّ ُك ْم ثُ َّم تُوبُوۚاْ إِلَْي ِه يـُ ْر ِس ِل َّ‬
‫ٱلس َماۚ َء َعلَْي ُكم ِّم ْد َر ًارا﴾ [هود‪.]٥٢ :‬‬ ‫لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وٰيََق ْوم ْ‬
‫صحيح على شرط مسلم‪ ،‬أنه ﷺ قال‪” :‬وال منع ٌ‬
‫قوم الزكاة إال ُحبس‬ ‫ٌ‬ ‫وفي األثر الذي رواه البيهقي والحاكم وقال‬
‫عنهم المطر“‪.‬‬
‫ٍ‬
‫دعوات ال ترد‪ ،‬منهم‪” :‬دعوة الصائم حتى يفطر“‪.‬‬ ‫ومن باب ثالث‬
‫كذلك إذا أمرهم اإلمام بالصوم لزمهم امتثال ذلك األمر‪ ،‬كما أفتى بذلك النووي ‪ ،‬لآلية‪.‬‬
‫ول َوأُولِي ْاأل َْم ِر ِم ْن ُك ْم﴾ [النساء‪.]٥٩ :‬‬
‫الر ُس َ‬ ‫َطيعوا اللَّه وأ ِ‬
‫َطيعُوا َّ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا أ ُ َ َ‬
‫َّ ِ‬
‫كذلك قول اهلل عز وجل‪﴿ :‬يَا أَيـُّ َها الذ َ‬
‫ين َ‬
‫ثم يخرج بهم اإلمام فيصلي بهم ركعتين‪ .‬قال‪ :‬ثم يخرج بهم‪ ،‬أي بالناس أي اإلمام إلى الصحراء ألنه سيخرج جميع‬
‫الناس بما فيهم الصبيان والنساء‪.‬‬
‫«في اليوم الرابع» أي بعد صيامهم ثالثة أيام‪.‬‬
‫بذلة»‪ ،‬أي ثياب ِمهنَة‪ ،‬وهو من إضافة الموصوف إلى صفته‪.‬‬
‫ثياب ٍ‬‫«في ٍ‬
‫«في استكانة»‪ ،‬أي خشوع وهو‪ :‬حضور القلب وسكون الجوارح وخفض الصوت‪ ،‬والمقصود هنا التذلل‪.‬‬
‫تضرع إلى اهلل‪ ،‬ويسن لهم التواضع في كالمهم ومشيتهم وجلوسهم لالتباع»‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫«في‬
‫«ويتنظفو َن بالسواك وقطع الروائح الكريهة‪ ،‬وقيل بالغسل»‪.‬‬
‫«ويخرجون من طريق ويرجعو َن من أخرى مشاةً في ذهابهم»‪.‬‬
‫«ويخرجون معهم ندبًا الصبيان والشيوخ والعجائز ومن ال هيئة له من النساء‪ ،‬وال بأس بذلك»‬
‫ِ‬
‫لقوله ﷺ‪” :‬وهل ترزقون وتنصرون إال بضعفائكم“‪.‬‬
‫لصب‬ ‫شباب خشع‪َ ،‬وبَـ َهائِم رتع‪ ،‬وشيو ٌ‬
‫خ ركع‪ ،‬وأطفال رضع‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وفي األثر الذي ال يثبت وإن كان معناه صحيح ”لوال‬
‫عليكم العذاب صبا“‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم إذا خرج يصلي ركعتين كصالة العيدين‪ ،‬ثم يخطب بعدهما‪.‬‬
‫«وكصالةِ العيدين»‪ :‬يقصد بالتكبير كما أسلفنا‪.‬‬
‫واختلفوا في إخراج أهل الكتاب‪ ،‬فقيل يخرجون‪ ،‬وقيل ال يخرجون‪.‬‬
‫كذلك اختلفوا في أطفال الكفار وهذا مترتب على ما إذا ماتوا هل هم من أهل الجنة أم من أهل النار؟‬
‫والذي جزم به النووي‪ :‬أنهم في الجنة‪ ،‬وقال‪ :‬وهو الصحيح المختار إذا ماتوا غير مكلفين‪.‬‬
‫ثم بين أن الصالة كصالة العيد في هيئتها أو في عدد ركعاتها‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫خمسا قبل القراءة‪،‬‬
‫سبعا‪ ،‬وفي الثانية ً‬
‫فإذا قلنا كهيئتها‪ ،‬فإنه يكبر في األولى ً‬
‫اعةُ﴾ أو األعلى والغاشية‪.‬‬
‫الس َ‬ ‫ويقرأ ب﴿ق﴾‪﴿ ،‬اقْـتَـرب ِ‬
‫ت َّ‬ ‫ََ‬
‫بعدهما‪ ،‬وتجزئ الخطبة قبلهما‪.‬‬
‫ثم يخطب اإلمام ُ‬
‫وأن يكثر من االستغفار والتسبيح كما‬
‫اء َعلَْي ُك ْم ِم ْد َر ًارا﴾ [نوح‪.]١٠١١ :‬‬ ‫استَـغْ ِف ُروا َربَّ ُك ْم إِنَّهُ َكا َن غَ َّف ًارا (‪ )١٠‬يـُ ْر ِس ِل َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫قال تعالى‪ْ ﴿ :‬‬
‫ويكثر من دعاء الكرب وتفريج الكرب‪ ” :‬ال إله إال اهلل العظيم الحليم‪ ،‬ال إله إال اهلل رب العرش العظيم‪ ،‬ال إله إال اهلل‬
‫رب السموات ورب األرض ورب العرش الكريم“‪.‬‬
‫ثم يحول رداءه‪ ،‬أي الخطيب فيجعل أيمنه مكان أيسره‪ ،‬وعكسه‪ ،‬أو يجعل أعاله أسفله‪ .‬األول تحويل‪ ،‬والثاني‬
‫تنكيس‪ ،‬والمتبع التحويل فقط‪.‬‬
‫ويكثر من الدعاء‪.‬‬
‫طويال‪ ،‬قال‪ :‬هو دعاء رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫دعاء ً‬
‫وذكر المصنف ً‬
‫لكن هذا لم يثبت في أث ٍر صحيح‪.‬‬
‫قول ٍ‬
‫موافق لل َقلب‪ :‬اللهم اسقنا رحمة‪ ،‬اللهم اجعلها‬ ‫إنما ما وافق القلب‪ ،‬وال حرج في أن تدعو بما يسر اهلل لك من ٍ‬
‫سقيا رحمة ال سقيا عذاب‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫فإذا كثر المطر وخيف ضرره‪ ،‬قال‪ :‬اللهم حوالينا وال علينا‪ ،‬حتى ال يضر‪.‬‬
‫كذلك يستحب إذا نزل المطر أن يخرج فيضع يده فيه‪ ،‬ويشمرعن ثوبه كما فعل النبي ﷺ‪.‬‬
‫ثم إذا سقوا وإال عادوا إلى ذلك مرًة أخرى‪.‬‬
‫فإذا سمع الرعد‪ ،‬أو رأى البرق يسن له أن يسبح وأن يستغفر ربه جل وعال‪.‬‬
‫هذه هي صالة االستسقاء‪.‬‬

‫بقي لنا الصالة الرابعة وهي صالة الخوف‪ .‬إذن أخذنا‪ :‬صالة العيدين‪ ،‬صالة الكسوف‪ ،‬صالة االستسقاء‪ ،‬صالة الخوف‪.‬‬
‫فصل في كيفية صالة الخوف‪.‬‬
‫قال الماتن ‪ٌ :‬‬
‫قال‪ :‬وصالة الخوف على ثالثة أضرب‪:‬‬
‫‪ -‬أحدها‪ :‬أن يكون العدو في غير جهة القبلة‪ ،‬فيفرقهم اإلمام فرقتين‪ :‬فرقةٌ تقف في وجه العدو وفرقةٌ تقف خلفه‪ ،‬فيصلي‬
‫بالفرقة التي تقف خلفه ركعة‪ ،‬ثم تتم لنفسها وتمضي إلى وجه العدو‪ ،‬وتأتي الطائفة األخرى فيصلي بهم ركعة وتتم لنفسها‬
‫ويسلم بها‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫‪ -‬والثاني‪ :‬أن يكون العدو في جهة القبلة‪ ،‬فيصفهم اإلمام صفين‪ ،‬ويحرم ب ِهما فإذا سجد سجد معه أحد الصفين‪ ،‬ووقف‬
‫الصف اآلخر يحرسهم‪ ،‬فإذا رفع سجدوا ولحقوه‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مستقبل لها‪.‬‬ ‫اجال أو راكبًا‪ ،‬مستقبل القبلة وغير‬
‫‪ -‬والثالث‪ :‬أن يكون في شدة الخوف والتحام الحرب‪ ،‬فيصلي كيف أمكنه ر ً‬
‫هذه هي صالة الخوف‪.‬‬
‫قال الشارح ‪ :‬صالة ال خوف وهو ضد األمن‪ ،‬وحكم صالة األمن كحكم صالة الخوف أي في الوجوب‪ ،‬لكن تختلف في‬
‫الصفة‪.‬‬
‫ٱلصلَ ٰوةَ﴾ [النساء‪.]١٠٢ :‬‬ ‫نت فِي ِه ْم فَأَقَ ْم َ‬
‫ت لَ ُه ُم َّ‬ ‫واألصل فيها قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِذَا ُك َ‬
‫وذكر المصنف أن صالة الخوف على ثالثة أضرب‪:‬‬

‫‪ ‬الضرب األول‪[ :‬أن يكون العدو في غير القبلة]‬


‫فيقسم اإلمام الناس إلى فرقتين‪:‬‬
‫فرقةٌ تقف في وجاه العدو وفي هذه الحالة ستكون مستدبرةٌ القبلة ال تصلي‪.‬‬
‫قائما‪ ،‬أي اإلمام‬
‫وفرقة تصلي خلف اإلمام‪ ،‬فيبدأ بهم الصالة يكبر تكبيرة اإلحرام ويصلي بهم الركعة األولى‪ ،‬ثم يثبت ً‬
‫منفردا ثم يُسلموا ويَذهبوا إلى وجاه العدو‪.‬‬
‫ويكمل الفريق لنفسه ركعة ً‬
‫جالسا‪ ،‬ثم يقوم فيَأتوا ألنفسهم ركعة فإذا‬
‫وتأتي الفرقة الثانية فتقف خلف اإلمام فيصلي بهم الركعة الثانية ثم يثبت ً‬
‫فرغوا من السجود تشهد بهم وسلم بهم‪.‬‬
‫فتكون الطائفة األولى قد أدركت مع اإلمام تكبيرة اإلحرام والركعة األولى وأتت لنفسها بركعة‪،‬‬
‫وتكون الفرقة الثانية أدركت مع اإلمام الركعة الثانية وتأتي لها بركعة‪ ،‬فيسلم للجميع ركعتين‪،‬‬
‫لكن كل فرقة أدركت ركعة مع اإلمام وصلت لنفسها ركعة‪ ،‬هذه هي الصفة األولى‪ ،‬إذا كان العدو إلى غير القبلة‪.‬‬

‫‪ ‬أما [إذا كان العدو إلى القبلة]‬


‫جميعا‪.‬‬
‫جميعا ويركع بهم ً‬
‫جميعا ويقرأ بهم ً‬
‫أي بينك وبين القبلة؛ فإن اإلمام يصف الناس إلى صفين ثم يكبر بهم ً‬
‫قائما وجاه العدو‪.‬‬
‫ثم إذا رفع من الركوع سجد بالصف األول فقط‪ ،‬وظل الصف الثاني ً‬
‫فإذا فرغ من السجود‪ ،‬أي اإلمام بالصف األول وقام انحدر الصف المؤخر فيسجد سجدتين ثم يقوم‪ ،‬واإلمام ثابت‬
‫ومن خلفه‪ .‬فإذا قام الصف الثاني تقدم إلى األمام‪ ،‬وتأخر الصف األول‪ ،‬فصار الصف المؤخر في الركعة األولى هو‬
‫المقدم‪ ،‬وصار المقدم في الركعة األولى هو المؤخر‪.‬‬
‫جميعا‪ ،‬ثم ينحدر ساج ًدا بالصف األول الذي خلفه الذي كان المؤخر في الركعة األولى‬
‫فيقرأ بهم اإلمام ويركع بهم ً‬
‫مقدما في الركعة األولى فيسج ُد سجدتين‪.‬‬
‫جالسا‪ ،‬وينحدر الصف المؤخر الذي كان ً‬
‫فيسج ُد بهم سجدتين ثم يثبت ً‬

‫‪189‬‬
‫جميعا‪ ،‬هذه هي الصفة الثانية‪ ،‬إذن كل صف صلى خلف اإلمام ركعة في الصف‬
‫جميعا ويسلم بهم ً‬
‫ثم يتشهد بهم ً‬
‫األول‪ ،‬وركعة في الصف الثاني‪.‬‬

‫‪ ‬الحالة الثالثة‪[ :‬عند شدة الخوف]‬


‫فإنه يصلي على حسب حاله؛ ألنه معذور‪ ،‬سواء إلى القبلة أو إلى غير القبلة‪ ،‬جماعات وفرادى‪ ،‬مستقبليها وغير‬
‫مستقبليها‪ ،‬كما جاء ذلك عن ابن عمر ‪ .‬هذه هي صالة الخوف باختصا ٍر‪.‬‬

‫ثم نختم كتاب الصالة بهذا الباب‪ :‬قال الماتن ‪ :‬فصل في اللباس‬
‫وجلوس عليه واستناد‬
‫ٌ‬ ‫وتدثر‬
‫بفرش ٌ‬‫قال‪ :‬ويحرم على الرجال لبس الحرير‪ ،‬ومثل اللبس سائر أنواع االستعمال ٍ‬
‫يسما وبعضه قطنًا أو‬
‫قال‪ :‬والتختم بالذهب‪ ،‬ويحل للنساء‪ ،‬وقليل الذهب وكثيره في التحريم سواءٌ‪ ،‬وإذا كان بعض الثوب إبر ً‬
‫كتانًا جاز لبسه ما لم يكن اإلبريسم غالبًا‪.‬‬
‫معنى هذا أن المصنف ‪ ‬قال‪ :‬فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما ال يجوز‪.‬‬
‫قال‪ :‬يحرم على الرجال‪ ،‬أي المكلفين حال االختيار لبس الحرير‪ ،‬وهو‪ :‬ما يحل عن دودةٍ بعد موتها‪ ،‬أي دودة القز‪.‬‬
‫قال‪ :‬يستوي في ذلك االستعمال والجلوس عليه واالستناد‪.‬‬
‫واختلفوا في هذا‪ ...‬لكن جاز لبسه حال الضرورة لما رخص النبي ﷺ في ذلك‪.‬‬
‫وأما دليل النهي حديث حذيفة‪” :‬نهانا رسول اهلل ﷺ عن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه“‪.‬‬
‫وأما حال الضرورة فال حرج في ذلك وال مضرة‬
‫ألن النبي ﷺ رخص لعبد الرحمن بن عوف في لبسه‪.‬‬
‫كذلك التختم بالذهب ال يجوز ألن النبي ﷺ أخذ في يمينه قطعةٌ من حرير وفي شماله قطعة ٍ‬
‫ذهب وقال‪” :‬هذان‬
‫حل إلناثهم“‪.‬‬
‫ام على ذكور أمتي ٌ‬
‫(أي استعمالهما) حر ٌ‬
‫ويلحق الخنثى بالرجل احتياطًا‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويحل للنساء لبس الحرير واستعمال الفرش‪ ،‬والتختم بالذهب والتحلي به‪ ،‬للحديث السابق‪.‬‬
‫ِ‬
‫ككثيره في ذلك‪.‬‬ ‫قال‪ :‬ويسير الذهب‬
‫أما إذا كان الثوب بعضه حرير وبعضه قطنًا‪ ،‬فإذا غلب القطن أو الكتان على الحرير وكان الحرير بمقدار أربعة أصابع جاز له‬
‫أن يلبسه‪.‬‬
‫وبذلك أحبتي في اهلل تنتهي المحاضرة الخامسة عشرة‪ ،‬وبها ينتهي كتاب الصالة‪.‬‬
‫هذا وسبحانك اللهم وبحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪،‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫المحاضـرة الـسادسة عشـرة‬
‫أما بعد‪ ،‬أحبتي في اهلل طلبة وطالبات كلية العلوم الشرعية والعربية‪ ،‬الفرقة الثانية‪ ،‬مادة الفقه‪ ،‬المذهب الشافعي‪ ،‬هذه هي‬
‫المحاضرة السادسة عشر واألخيرة ونتناول فيها [أحكام الجنازة]‬
‫ونحن نشرح كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع] لإلمام‪ /‬محمد بن أحمد الخطيب الشربيني‪.‬‬
‫فصل فيما يتعلق بالميت من غسله وتكفينه والصالة عليه ودفنه‬
‫قال الماتن ‪ٌ :‬‬
‫قال‪ :‬ويلزم في الميت أربعة أشياء‪ :‬غسله‪ ،‬وتكفينه‪ ،‬والصالة عليه‪ ،‬ودفنه‪.‬‬
‫هذه األشياء التي تلزم في الميت‪.‬‬
‫فصل في الجنازة»‪.‬‬
‫قال‪ٌ « :‬‬
‫اسم للميت في النعش‪ ،‬فإن لم يكن عليه الميت فهو سر ٌير‬ ‫ِ‬
‫والجنازة بالكسر والفتح‪ ،‬لغتان مشهورتان‪ٌ ،‬‬
‫والجنازة َ‬
‫ونعش‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويلزم الميت (أي غير الشهيد) أربعة أشياء على جهة فرض الكفاية‪ ،‬وليس على فرض الوجوب العيني‪ ،‬بل هذه‬
‫األشياء‪ :‬الغسل‪ ،‬والتكفين‪ ،‬والصالة‪ ،‬والدفن من فروض الكفاية‪.‬‬
‫وفرض الكفاية هو‪ :‬الذي إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين‪.‬‬

‫‪ ‬قال‪ :‬غسله‪:‬‬
‫أي إذا تيقن موته بظهور األمارات أو باستشارة األطباء‪،‬‬
‫ومن األمارات‪ :‬استرخاء القدم‪ ،‬وميل األنف‪ ،‬وانخساف الصدغ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫غيبوبة أو أغمي عليه أو أغشي عليه أخر ُو ُجوبًا حتى يتيقن الموت‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فإن شكوا في موته كأن يكون في‬
‫قال‪ :‬وأقل الغسل تعميم بدنه بالماء مرة كالحي؛ ألن ذلك هو الفرض كغسل الجنابة‪ ،‬وهذا الذي عليه جماهير‬
‫العلماء‪.‬‬
‫وال تجب النية‪ :‬ألن القصد بغسل الميت النظافة‪ ،‬وال يشترط في التنظيف النية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫سخيف ألنه‬ ‫قميص ٍ‬
‫بال أو‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪ :‬وأكمله‪( ،‬أي أكمل الغسل) أن يغسل في خلوةٍ ال يدخلها إال الغاسل ومن يعينه‪ ،‬في‬
‫أستر له‪.‬‬
‫كلوح لئال يصيبه الرشاش‪ ،‬ويغسل ٍ‬
‫بماء بارد؛ ولو احتاج إلى الماء المسخن ال حرج في ذلك إلزالة‬ ‫يوضع على مرتف ٍع ٍ‬
‫وسخ أو شيء‪.‬‬
‫ٍ‬
‫برفق َمائًِال إلى ورائه‪ ،‬ويضع يمينه على كتفه‪ ،‬وإبهامهُ في قفاه‪.‬‬
‫ويستحب أن يجلسه الغاسل على المرتفع ٍ‬
‫ٍ‬
‫بمبالغة ليخرج ما فيه من الفضالت‪.‬‬ ‫ويسند ظهره بركبتيه أو بمن يعينه‪ ،‬ويمر بيساره على بطنه‬

‫‪191‬‬
‫ٍ‬
‫ملفوفة على يساره سوأتيه؛ (أي القبل والدبر)‬ ‫ٍ‬
‫بخرقة‬ ‫ثم ينجيه‪ ،‬ويغسل‬
‫ومن ََخريه‪ ،‬ثم يوضئه كالحي‪ ،‬ثم يغسل رأسه فلحيتهُ بنحو سد ٍر‪.‬‬
‫ثم يلقيها ويلف أخرى‪ .‬وينظف أسنانه َ‬
‫ٍ‬
‫بمشط واسع األسنان برفق‪.‬‬ ‫والمرأة يسرح شعرها‪ ،‬وقيل شعرهما أي المرأة والرجل إن تلبد‬
‫قال‪ :‬ثم يغسل شقه األيمن ثم األيسر‪ ،‬ثم يُحرفهُ إلى شقه األيسر فيغسل شقه األيمن مما يلي قفاه‪ ،‬ثم يحرفه إلى‬
‫األيسر فيغسل شقه األيسر كذلك ُم ْستَ ِعينًا في ذلك كله بنحو سد ٍر‪.‬‬
‫بماء من فوقه إلى قدمه‪ ،‬ثم يعممه كذلك ٍ‬
‫بماء قراح فما فيه قليل كافوٍر‪.‬‬ ‫ثم يزيله ٍ‬

‫ثم يسن غسلةٌ ثانية كاألولى وثالثة كذلك‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويندب أال ينظر الغاسل من غير عورته إال قدر الحاجة‪ ،‬أما العورة فيحرم النظر إليها من الغاسل وغيره‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بخرقة‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وأن يغطي وجهه‬
‫وهذا ال دليل عليها‪.‬‬
‫لمصلحة إذا كان صاحب ٍ‬
‫بدعة‬ ‫ٍ‬ ‫سوءا يحرم ذكره‪ ،‬إال‬ ‫ِ‬
‫وأن يكون الغاسل أَمينًا إذا رأى َخ ْيـ ًرا يسن أن يذكره‪ ،‬وإذا رأى ً‬
‫ظاهرة‪.‬‬

‫قال‪ :‬ومن تعذر غسله يُ ِّمم كالمحروق‪ ،‬أو الذي مكث في الماء بضعة أيام‪.‬‬

‫قال‪ :‬وال يكره في الغاسل أن يكون ُجنُبًا‪ ،‬واألولى أن يكون ُمتَطَ ِّه ًرا‪.‬‬

‫قال‪ :‬والرجل أولى بالرجل‪ ،‬والمرأة أولى بالمرأة‪ ،‬لكن للرجل أن يغسل زوجته‪ ،‬وكذلك أمته ولو كتابية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫رجعية غسل زوجها ولو نكحت غيره‪ ،‬بال ٍ‬
‫مس منها له‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ولزوجة غير‬

‫أجنبي في الميت المرأة‪ ،‬أو أجنبيةٌ مع الرجل يُ ِّمم الميت وال يغسل من قبل أجنبية‪ ،‬وال تغسل‬
‫ٌ‬ ‫قال‪ :‬فإن لم يحضر إال‬
‫المرأة من قبل أجنبي من الرجال‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويجوز للرجل أن يغسل الصبي الصغير‪ ،‬والمرأة كذلك ما لم يبلغ حد الشهوة‪ ،‬وال فرق بين الرجال والنساء في‬
‫ذلك في المذهب‪.‬‬
‫ويغسل فوق ٍ‬
‫ثوب أولى‪.‬‬

‫قال‪ :‬كذلك يسن أن يغسله ويصلي عليه عصبته من الرجال من النسب‪ ،‬ثم الوالء‪ ،‬ثم اإلمام أو نائبه‪.‬‬
‫واألفقهُ أولى من األسن‪ ،‬واألقرب والبعيد الفقيهُ أولى من األقرب غير الفقيه‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫إذن صفة الغسل نعيدها مرًة أخرى‪:‬‬
‫لوح مرتفع لئال يصيبه الرشاش‪.‬‬
‫• أن يضعه على ٍ‬
‫• أن يستر ما بين السرة إلى الركبة‪.‬‬
‫• أن يغسله ٍ‬
‫بماء بارد‪ ،‬إال إذا كان لحاجة فال بأس ماء الساخن‪.‬‬
‫• أن يجلسه الغاسل على مرتف ٍع ٍ‬
‫برفق ويمر بيده على بطنه‪ ،‬ليخرج ما فيها من الفضالت‪.‬‬
‫والمنخرين‪.‬‬
‫• أن يلف خرقة ويغسل سوأتيه‪ ،‬ثم خرقةٌ أخرى وينظف األسنان َ‬
‫• ثم يوضئه كالحي‪ ،‬ثم يغسل رأسه فلحيتهُ بنحو سد ٍر‪.‬‬
‫• ثم يغسل الشق األيمن ثم األيسر‪ ،‬ثم يحرفهُ إلى شقه األيسر فيغسل شقه األيمن مما يلي قفاه‪ ،‬أي من‬
‫ظهره‪ ،‬واأليسر كذلك‪.‬‬
‫• ثم يسن غسلةٌ ثانية وثالثة‪.‬‬
‫فإذا انتهى من تغسيل الميت‪.‬‬

‫قال‪ :‬الحق الثاني‪ :‬تكفينه‪( ،‬أي بعد غسله)‪.‬‬


‫ثوب واح ٌد‪ ،‬واختلف في قدره هل هو ما يسترهُ العورة‪ ،‬أو جميع البدن إال رأس المحرم ووجه المحرمة؟‬
‫وأقل الكفن ٌ‬
‫قال‪ :‬في المذهب وجهان‬
‫صح في [الروضة] و[المجموع] و[الشرح الصغير]‪ :‬األول‪( ،‬أي الواجب) ستر العورة‪.‬‬
‫وذكر النووي وصحح الثاني‪ ،‬أن الواجب ستر جميع البدن‪.‬‬
‫ثوب يعم البدن والواجب ستر العورة‪.‬‬
‫واختار ابن المقري في [شرح إرشاده] الجمع بين األمرين‪ ،‬فقال‪ :‬وأقله ٌ‬
‫قال‪ :‬فحمل األول على أنه حق اهلل تعالى‪ ،‬والثاني على أنه حق الميت؛ ولذلك ذكر عدة مسائل في هذا الباب‪.‬‬
‫ثوب‪ ،‬وقال الورثة‪ :‬في ٍ‬
‫ثالثة أجيب الغرماء؛ ألن المستحب‬ ‫دين مستغر ٌق فقال الغرماء‪ :‬يكفن في ٍ‬
‫قال‪ :‬ولو كان عليه ٌ‬
‫ثالثة أثواب والواجب ثوب واحد‪.‬‬
‫وإن كان النووي مال ‪ ‬إلى وجوب الثالثة‪ ،‬وقال‪ :‬هو أقيس‪.‬‬
‫لكن لو قال الغرماء‪ :‬يكفن في ٍ‬
‫ثوب واحد حتى يبقوا باقي المال للحق‪،‬‬
‫وقال الورثة‪ :‬في ثالثة‪ ،‬أجيب الغرماء‪.‬‬
‫ولو قال الغرماء‪ :‬يكفن بساتر العورة فقط‪ ،‬وقال الورثة‪ :‬بساتر لجميع البدن‪ ،‬أجيب الورثة‪.‬‬
‫ولو اتفق الغرماء والورثة على ثالثة‪ ،‬جاز بال خالف‪.‬‬
‫وحاصله أن الكفن بالنسبة لحق اهلل تعالى ستر العورة‪ ،‬وبالنسبة للغرماء ستر جميع البدن‪ ،‬وبالنسبة للورثة ثالثةٌ‪،‬‬

‫‪193‬‬
‫فنقول‪ :‬المنفعة على ما تقتضي‪.‬‬
‫اس ًعا‪ ،‬وسن مغسول‪ ،‬وأن يبسط أحسن اللفائف وأوسعها والباقي فوقها‪ ،‬وأن يذر‬ ‫وينبغي أن يكون الكفن سابِغًا أي و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كل وعلى الميت َحنُوطًا‪ ،‬ويوضع الميت فوقها ُم ْستَـل ِْقيًا‪ ،‬وتشد هذه اللفائف حتى ال تنتشر أثناء الحمل‪ ،‬وتحل‬
‫على ٍ‬
‫في القبر‪.‬‬

‫‪ ‬قال‪ :‬الحق الثالث‪ :‬الصالة عليه‪.‬‬


‫إذن تغسيل وتكفين ثم سنصلي عليه‪.‬‬
‫ط غيرها من الصلوات‪ ،‬وتقدم طهر‬
‫قال‪ :‬وهي (أي الصالة) على الموتى من خصائص هذه األمة‪ ،‬وشرط لصحتها شرو ٌ‬
‫الميت ألنه المنقول عن النبي ﷺ‪ ،‬فلو تعذر كأن يقع في حفرةٍ ويتعذر إخراجه وتطهيره لم يصل عليه‪.‬‬
‫وتكره الصالة عليه قبل تكفينه‪ ،‬لما فيه من االزدراء بالميت‪.‬‬

‫قال‪ :‬وال يشترط في الصالة عليه الجماعة كالمكتوبة‪ ،‬بل هي سنة‬


‫رجل ٍ‬
‫مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون َر ُج ًال ال يشركون باهلل َش ْيئًا إال شفعهم اهلل فيه“‪.‬‬ ‫لخبر مسلم‪” :‬ما من ٍ‬

‫صبِيًّا ُم َميِّـ ًزا لحصول المقصود به‪.‬‬


‫ذكر ولو َ‬
‫قال‪ :‬ويكفي في إسقاط فرضها ٌ‬
‫ويجب تقديمها على الدفن‪ ،‬وتصح على القبر غير قبور األنبياء‪.‬‬
‫وتصح على ٍ‬
‫غائب عن البلد ولو دون مسافة القصر‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وإنما تصح الصالة على القبر والغائب عن البلد مما كان أهل فرضها وقت موته‪.‬‬

‫أب وإن أوصى بها لغيره‪ ،‬فأبوه وإن عال‪ ،‬فابن‪ ،‬فابنهُ وإن سفل‪ ،‬فبَاقي العصبة‬
‫قال‪ :‬واألولى بإمامة صالة الميت ٌ‬
‫بترتيب اإلرث‪ ،‬ثم ذو الرحم‪.‬‬
‫حر ٌ‬
‫عدل على عبد أقرب منه ولو أفقه وأسن‪.‬‬ ‫ويقدم (أي في الصالة) ٌ‬
‫درجة قُ ِدم األسن في اإلسالم العدل على األفقه منه عكس سائر الصلوات‪.‬‬
‫فلو استوى اثنان في ٍ‬

‫قال‪ :‬ويندب أن يقف اإلمام عند رأس ذكر وعجز المرأة‪.‬‬


‫وتجوز على جنائز صالةٌ واحدة برضا أوليائها ألن الغرض منها الدعاء‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويقدم إلى األمام وإلى اإلمام األسبق من الذكور أو اإلناث أو الخناثى‪ ،‬وإن كان المتأخر أفضل‪ ،‬فلو سبقت أنثى‬
‫صبي أخرت عنه ومثلها الخنثى‪.‬‬
‫رجل أو ٌ‬
‫ثم حضر ٌ‬

‫صلي عليه بعد غسله وستره بخرقة‪ ،‬ودفنه كالميت الحاضر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ميت ٍ‬‫قال‪ :‬ولو وجد جزء ٍ‬
‫مسلم غير شهيد ُ‬

‫‪194‬‬
‫يعني‪ :‬رجل فقد فبحثوا عنه فوجدوه قد أكلته السباع ولم يجدوا إال ذراعه‪ ،‬أو لم يجدوا إال رجله‪ ،‬ماذا يصنعون؟‬
‫يغسلونَها ويكفنونَها ويصلون عليها‪.‬‬
‫إذن التغسيل ثم التكفين ثم الصالة عليه‪.‬‬

‫‪ ‬قال‪ :‬الحق الرابع‪ :‬دفنه في قب ٍر‬


‫فتنتهك حرمته‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وأقله حفرةٌ تمنع بعد ردمها ظهور ر ٍ‬
‫ائحة منه فتؤذي الحي‪ ،‬وتمنع نبش سب ٍع لها فيأكل الميت‬
‫وسوف نفصل في هذه األمور بعد قليل‪.‬‬

‫ِ‬
‫يغسالن وال يصلى عليهما‪.‬‬ ‫قال الماتن ‪ :‬واثنان ال‬
‫‪ -‬الشهيد في معركة المشركين‪.‬‬
‫صا ِر ًخا‪.‬‬
‫‪ -‬والسقط الذي لم يستهل َ‬

‫أي إذا قتل الرجل أو المرأة في المعركة كمن قتلوا في بدر أو في أحد أو في غيرها من غزوات النبي ﷺ‪ ،‬سواء كان ذَ َك ًرا‬
‫أو أنثى‪ ،‬أو َرقِي ًقا سواء كان بالغ أو غير بالغ إذا مات في معركة المشركين فإنه ال يغسل‬
‫لحديث جابر ”أن النبي ﷺ أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم“‪.‬‬
‫ِ‬
‫كدعائه للميت‪،‬‬ ‫جمعا بين األدلة‪ ،‬أنه دعا لهم‬
‫وأما خبر أنه خرج فصلى على قتلى أحد صالته على الميت‪ ،‬فالمراد ً‬
‫ص ِّل َعلَْي ِه ْم﴾ أي ُ‬
‫ادع لهم‪.‬‬ ‫كقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫وسمي الشهيد َش ِهي ًدا‪ :‬لشهادة اهلل تعالى ورسوله له بالجنة‪.‬‬

‫تبق له حياةٌ مستقرة قبل انقضاء الحرب‪ ،‬سواء قتله كافر‪ ،‬أو أصابه سالح‬
‫قال‪ :‬وهو الذي يموت في أرض المعركة‪ ،‬ولم َ‬
‫مسلم‪ ،‬أو عاد إليه سالحه أو رمحه‪ ،‬أو قتلته دابته بأن سقط عنها‪ ،‬أو تردى حال قتاله في بئر‪ ،‬أو انكشف عنه الحرب ولم‬
‫يعلم سبب قتله‪ ،‬وإن لم يكن عليه أثر دم فالظاهر موته بسبب الحرب‪.‬‬
‫بمرض‪ ،‬أو فجأة‪ ،‬أو قتال بغاةٍ فليس بشهيد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أما غيره من الشهداء كمن يموت‬

‫احا‪ ،‬أما الشهيد العاري عما ذكرنا كالغريق‪ ،‬والمبطون‪ ،‬والمطعون‪ ،‬والميت ميتةً مطلقة‬
‫قال‪ :‬ويعتبر في قتال المشركين كونه ُمبَ ً‬
‫فهؤالء يغسلوا ويصلى عليهم‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويجب غسل ٍ‬


‫نجس أصابه غير دم الشهادة (أي الشهيد) وإن أدى ذلك إلى زوال دمها‪.‬‬
‫ويسن تكفينه في ثيابه التي مات فيها إذا اعتيد لبسها غالبا‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫صا ِر ًخا بأن لم تعلم حياته ولم يظهر خلقه‪ ،‬فال تجوز الصالة عليه‪،‬‬
‫الس ْقط‪ ،‬الذي لم يستهل َ‬
‫الس ْقط أو َ‬
‫الس ْقط أو ُ‬
‫قال‪ :‬الثاني‪ِّ :‬‬
‫ٍ‬
‫بخرقة ودفنه دون غيرهما‪ ،‬هذا هو المذهب‪.‬‬ ‫وال تجب‪ ،‬وال يجب غسله‪ ،‬ويسن ستره‬
‫لكن لو غسل وصلي عليه فقد أثبته كثير من أهل العلم‪.‬‬

‫قال الماتن ‪ :‬ويغسل الميت ِوتْـرا‪ ،‬ويكون في أول غسله سدر‪ ،‬وفي آخره ٍ‬
‫شيء من كافور‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫قميص وال عمامة‪ ،‬والمرأة في خمسة أثواب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بيض ليس فيها‬ ‫ويكفن في ثالثة ٍ‬
‫أثواب ٍ‬
‫سبعا إذا رأيتن ذلك“‪.‬‬ ‫ويغسل الميت ِوتْـ ًرا نَ ْدبًا‪ ،‬كما قال النبي ﷺ ”اغسلنها ثالثًا أو ً‬
‫خمسا أو ً‬

‫قال‪« :‬وفي آخره» أي آخر هذه األغسال الثالثة أي الوتر أو الخامس أو السابع شيءٌ من كافور‪.‬‬
‫كما قال النبي ﷺ ”واجعلن في اآلخرة شيئًا من كافور“‪.‬‬
‫ومحله في غير المحرم‪ ،‬أما المحرم فال يقرب طَيبًا وال يوضع عليه‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويكفن في ثالثة أثواب ٍ‬


‫بيض‬
‫لخبر‪” :‬البسوا من ثيابكم البياض فإنها خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم“‬
‫قميص وال عمامة‪ ،‬هذه هي السنة‪ ،‬وهذا هو‬
‫ٌ‬ ‫وُكفن النبي ﷺ في ثالثة ٍ‬
‫أثواب بيض سحولية من كرسف‪ ،‬ليس فيها‬

‫األفضل كما كفن النبي ﷺ أدرج فيهن إ ْد َر ً‬


‫اجا‪.‬‬

‫قال‪ :‬واألفضل في حق المرأة ومثلها الخنثى خمسة أثواب‪:‬‬


‫ِ‬
‫فلفافتان بعد ذلك‪.‬‬ ‫فخمار وهو ما يغطي الرأس‪،‬‬ ‫فقميص‪،‬‬ ‫إز ٌار‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫قال‪ :‬ويكبر عليه أربع تكبيرات‪ ،‬يقرأ الفاتحة بعد األولى‪ ،‬ويصلي على النبي ﷺ بعد الثانية‪ ،‬ويدعو للميت بعد‬
‫الثالثة فيقول‪.‬‬
‫إذن هذه صفة صالة الجنازة‪.‬‬
‫وأركانها سبعة ذكر المصنف بعضها‪:‬‬
‫‪ -‬الركن األول‪ :‬النية كنية غيرها من الصلوات‪.‬‬
‫وال يجب في الميت الحاضر تعيينه باسمه أو نحوه‪ ،‬وال معرفته بل يكفي تمييزه‪ ،‬نوع تمييز كأن يقول‪ :‬ذكر‪ ،‬أنثى‪ ،‬صبي‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬الركن الثاني‪ :‬القيام للقادر عليه‪.‬‬
‫‪ -‬الركن الثالث‪ :‬يكبر عليه أربع تكبيرات؛ لالتباع فلو زاد عليها لم تبطل صالته؛ ألنه إنما زاد ِذ َك ًرا وقد فعله النبي ﷺ‪.‬‬
‫‪ -‬الركن الرابع‪ :‬قراءة الفاتحة كغيرها من الصلوات؛‬

‫‪196‬‬
‫لعموم خبر ”ال صالة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب“‪.‬‬
‫وهذه الفاتحة بعد التكبيرة األولى‬
‫لكن رجح الخطيب البغدادي‪ ،‬ورجحه النووي في المنهاج أن الفاتحة تجزئ في غير الركعة األولى‪ ،‬أي في الثانية أو الثالثة‬
‫أو الرابعة‪.‬‬
‫وجزم به في المجموع فقال‪ :‬يجوز أن يجمع في التكبيرة الثانية بين القراءة والصالة على النبي ﷺ‪ ،‬وفي الثالثة بين‬
‫القراءة والدعاء للميت وهكذا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وال يشترط الترتيب بين الفاتحة وبين الركن الذي قرأت الفاتحة فيه‪ ،‬لكن ال يجوز أن يقرأ بعضها في رك ٍن‪ ،‬وبعضها‬
‫في رك ٍن آخر‪.‬‬
‫‪ -‬الركن الخامس‪ :‬الصالة على النبي ﷺ بعد التكبيرة الثانية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محمد)‪ ،‬وتسن الصالة على اآلل كالدعاء للمؤمنين وكما في التشهد‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وأقلها (اللهم صل على‬
‫‪ -‬الركن السادس‪ :‬يدعو للميت بخصوصه؛ ألنه المقصود األعظم من الصالة‪.‬‬
‫يعني يخص الميت بالدعاء في التكبيرة الثالثة (اللهم ارحمه واغفر له)‬
‫وأما األكمل فذكره المصنف‪.‬‬
‫كذلك الدعاء بعد الثالثة فال يجزئ في غيرها‪ ،‬وليس لتخصيصه إال مجرد االتباع‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويسن رفع يديه في تكبيرتها حذو منكبيه‪ ،‬ويضع يديه بعد كل تكبيرة تحت صدره كغيرها من الصلوات‪.‬‬
‫ثم ذكر بعد ذلك الدعاء فيقول‪” :‬اللهم اغفر لحيِّنا وميتنا‪ ،‬وشاهدنا وغائبنا‪ ،‬وصغيرنا وكبيرنا‪ ،‬وذكرنا وأنثانا‪ ،‬اللهم من‬
‫أحييته منا فأحييه على اإلسالم‪ ،‬ومن توفيته منا فتوفه على اإليمان“‪.‬‬
‫عب َديْك‪ ،‬خرج من روح الدنيا وسعتها‪ ،‬ومحبوبه وأحبائه‬
‫قال الماتن ‪ :‬وأن يقول هذا الدعاء‪” :‬اللهم إن هذا عبدك وابن ْ‬
‫فيها‪ ،‬إلى ظلمة القبر وما هو القيه‪ ،‬كان يشهد أن ال إله إال أنت وحدك ال شريك لك‪ ،‬وأن ُم َح َّم ًدا عبدك ورسولك‪ ،‬وأنت أعلم‬
‫غني عن عذابه‪ ،‬وقد جئناك راغبين إليك شفعاء‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫به منا‪ ،‬اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به‪ ،‬وأصبح فَق ًيرا إلى رحمتك وأنت ٌ‬
‫له‪ ،‬اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه‪ ،‬وإن كان ُم ِسيئًا فتجاوز عنه‪ ،‬ولقه برحمتك رضاك‪ ،‬وقه فتنة القبر وعذابه‪ ،‬وأفسح له‬
‫آمنَّا إلى جنتك برحمتك يا أرحم الراحمين“‪.‬‬
‫في قبره وجافي األرض عن جنبيه‪ ،‬ولقه برحمتك األمن من عذابك حتى تبعثه َ‬

‫يحا ثَابِتًا عن النبي ﷺ‪ ،‬ولكن ما وافق القلب اللسان فهو أولى‪ ،‬أو ما ثبت عن النبي‬ ‫هذا الدعاء ال أعلم فيه ح ِديثًا ِ‬
‫صح ً‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ﷺ فيما ذكرنا ”اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه‪ ،‬وأكرم نزله ووسع مدخله‪ ،‬اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد‪،‬‬
‫اللهم نقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب األبيض من الدنس‪ ،‬اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد‪ ،‬اللهم أبدله َد ًارا َخ ْيـ ًرا‬
‫وزْو ًجا َخ ْيـ ًرا من زوجه“‪.‬‬
‫من داره‪ ،‬وأ َْه ًال َخ ْيـ ًرا من أهله‪َ ،‬‬

‫‪197‬‬
‫قال الماتن ‪ :‬ويقول في الرابعة‪« :‬اللهم ال تحرمنا أجره‪ ،‬وال تفتنا بعده‪ ،‬واغفر لنا وله»‪ ،‬ويسلم بعد الرابعة‪.‬‬
‫ِ‬
‫كسالم غيرها من الصلوات‪ ،‬فال يزيد (وبركاته) لمن قال تسن‪.‬‬ ‫ويسلم بعد الرابعة‬
‫وال يقتصر على تسليمة واحدة تلقاء وجه‪.‬‬
‫وإن قال في المجموع‪ :‬إنه األشهر‪.‬‬

‫قال‪ :‬وتحرم الصالة على الكافر‪ ،‬وال يجب طهره؛ ألنه كرامةٌ وهو ليس من أهلها‪.‬‬
‫وفاء بذمته‪.‬‬
‫ويجب علينا تكفين الذمي ودفنه حيث لم يكن له مال‪ ،‬وال من تلزمه نفقته ً‬
‫كل؛ إذ ال يتم‬ ‫ٍ‬
‫وشهيد بغير شهيد وجب تجهيز ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كمسلم بكافر‪،‬‬ ‫قال‪ :‬ولو اختلط من يصلي عليه بغيره ولم يتميز‪،‬‬
‫الواجب إال بذلك‪.‬‬
‫ويصلي على الجميع وهو أفضل أو على ٍ‬
‫واحد واحد‪.‬‬

‫ٍ‬
‫صفوف فأكثر‬ ‫ٍ‬
‫بمسجد وبثالثة‬ ‫قال‪ :‬ويسن الصالة عليه‬
‫لحديث مسلم ”ما من ٍ‬
‫مسلم يموت فيصلي عليه ثالثة صفوف إال غفر له“‪.‬‬

‫قال‪ :‬وال تسن إعادتُها (أي صالة الجنازة) ومع ذلك لو أعيدت وقعت نَـ ْف ًال‪ ،‬وال تؤخر لغير ولي‪.‬‬

‫ومأموم آخر كذلك جاز‪ ،‬وال يضر اختالف النية‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫اض ًرا أو غَائِبًا‪،‬‬
‫إمام ميِّتًا ح ِ‬
‫قال‪ :‬ولو نوى ٌ َ َ‬
‫ٍ‬
‫كمسبوق صلى بترتيب نفسه فيبدأ بالفاتحة‪ ،‬ثم الصالة على النبي ﷺ‪ ،‬ثم‬ ‫ٍ‬
‫بتكبيرة‬ ‫ولو تخلف المأموم عن إمامه‬
‫الدعاء للميت‪ ،‬ثم الدعاء للحي والميت‪.‬‬
‫ويسن أن ال ترتفع الجنازة حتى يتم المسبوق‪.‬‬

‫س ُّل من ِقبَل رأسه برفق‪ ،‬ويقول الذي يلحده‪ :‬بسم اهلل‪ ،‬وعلى ملة رسول اهلل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫قال‪ :‬ويدفن في لحد مستقبل القبلة‪ ،‬ويُ َ‬
‫ويُضجع في القبر بعد أن يعمق قام ًة ويبسطه‪ ،‬ويسطح القبر‪ ،‬وال يبنى عليه‪ ،‬وال يجصص‪ .‬وال بأس بالبكاء على الميت‪.‬‬

‫لحد‪ ،‬وهو بفتح الالم وضمها (لُ َح ٍد أو لَ َح ٍد)‬


‫قال‪ :‬ويدفن في ٍ‬

‫وأصلها الميل‪ ،‬وهو أصل اإللحاد‪.‬‬


‫وهو أن يحفر أسفل جانب القبر القبلي مائًِال عن االستواء قد ٍر ما يسع الميت ويستره‪ ،‬وهو أفضل من ِ‬
‫الش ّق‪ ،‬فإن‬ ‫َ‬
‫ش ّق وهو‪ :‬أن يحفر كالنهر في وسط القبر‪.‬‬ ‫صلبت األرض فهو ِ‬
‫كالش ّق أو ال َ‬
‫مستقبالً القبلة ُو ُجوبًا يجب أن يستقبل بالميت القبلة‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫قال‪ :‬ويسل‪ ،‬أي يوضع في القبر أو يدخل من قِبَل رأسه‪ ،‬برفق (أي رأس الميت) ومن قِبَل رجل القبر‪.‬‬
‫زوج وإن لم يكن له ح ٌق في‬
‫ويدخله األحق بالصالة عليه درجة‪ ،‬فال يدخله ولو أنثى إال الرجال‪ ،‬لكن األحق في األنثى ٌ‬
‫الصالة‪ ،‬فمحرمٌ‪ ،‬فعب ُدها؛ ألنه كالمحرم في النظر ونحوه‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويقول الذي يلحده (أي يدخله القبر) نَ ْدبًا‪ :‬بسم اهلل وعلى ملة (أي على دين) رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫كاالضجاع عند النوم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ويضجع في القبر (أي على ِ‬
‫يمينه) نَ ْدبًا‪،‬‬ ‫ُ‬

‫قال‪ :‬بعد أن يوسع ويزاد في طوله وعرضه‪ ،‬وأن يعمق القبر ويضم حرفه‪.‬‬
‫وقيل ثالثة أذرع‪ ،‬وقيل أربعة أذرع‪ ،‬وقيل نحو غيره‪.‬‬
‫ويكره أن يوضع تحته وسادة أو فرش أو نحو ذلك‪.‬‬
‫كبيت‪ ،‬وال يجصص (أي يبيض بالجص) وهو ال ِ‬
‫ْج ْبس وقيل الجير‪.‬‬ ‫قبة ٍ‬‫وال يبنى على القبر نحو ٍ‬

‫والمراد هنا هما‪ ،‬أو أحدهما للخبر‪.‬‬

‫ِ‬
‫بتجصيصه) تطيينهُ فإنه ال بأس به‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وخرج (‬
‫قال في "المجموع"‪ :‬وهو الصحيح‪.‬‬

‫قال‪ :‬وتكره الكتابة عليه سواء كتب عليه اسم صاحبه أم غيره‪.‬‬
‫ويكره أن يجعل على القبر مظلة؛ ألن عمر ‪ ‬رأى قبةً فنَحاها وقال‪” :‬دعوه يظله عمله“‪.‬‬
‫ولو بنى عليه في مقبرة أو غير ذلك هدم البناء‪.‬‬

‫خاص بالنبي ﷺ‪.‬‬


‫قال‪ :‬ويسن وضع الجريد األخضر على القبر‪ ،‬وقيل هذا ٌ‬
‫قال‪ :‬ويندب جمع أقارب الميت في موض ٍع ٍ‬
‫واحد من المقبرة؛ ألنه أسهل على الزائر‪.‬‬
‫والدفن في المقبرة أفضل منه بغيرها لينال الميت دعاء المارين والزائرين‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويندب زيارة القبور التي فيها المسلمون للرجال باإلجماع‪.‬‬


‫وإن كانت زيارتها كان منهيًا عنها ثم نسخت‬
‫بقوله ﷺ‪” :‬كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها“‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويكره زيارتها للنساء مخافة البكاء ورفع الصوت‪.‬‬


‫ويندب لهن زيارة قبر رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫نوح‪ ،‬وال شق ٍ‬
‫ثوب‪ ،‬قبل الموت أو بعد الموت‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وال بأس بالبكاء على الميت من غير ٍ‬
‫والبكاء قبل الموت أولى من بعده‪ ،‬لكن األولى عدمه بحضرة المحتضر‪ ،‬والبكاء عليه بعد الموت خالف األولى‪،‬‬
‫َس ًفا على ما فات‪.‬‬
‫ويكون أ َ‬
‫ولكن من غير نوح‪ :‬وهو رفع الصوت بالندب وهو حرام‪.‬‬
‫بال من قطر ٍ‬
‫ان ودرعٌ من جرب“‪.‬‬ ‫”النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سر ٌ‬
‫والنائحة‪ :‬هي التي تُعدد محاسن الميت‪.‬‬
‫والسربال‪ :‬القميص‬
‫قميص فوقه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫والدرع‪:‬‬

‫ٍ‬
‫بشيء‬ ‫ٍ‬
‫صوت بإفراط في البكاء‪ ،‬فكل ذلك ليس‬ ‫وجه‪ ،‬وإلقاء ٍ‬
‫رماد على الرأس‪ ،‬ورفع‬ ‫جيب‪ ،‬ونشر شع ٍر‪ ،‬وتسويد ٍ‬
‫قال‪ :‬وال شق ٍ‬
‫إنما يحرم‬
‫لما جاء في الصحيحين أن النبي ﷺ قال‪” :‬ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية“‪.‬‬
‫ويحرم الجزع بضرب صدره ونحوه كضرب خد (وهو ما نسميه باللطم)‪.‬‬

‫كذلك هل يعذب الميت ببكاء أهله؟‬


‫قال‪ :‬ال يعذب به إال إذا أوصى بذلك‪ ،‬لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬وَال تَ ِزُر َوا ِزَرةٌ ِوْزَر أُ ْخ َرى﴾‬
‫ٌ‬
‫محمول‬ ‫بخالف ما إذا أوصى بالبكاء والنوح عليه وعلى هذا حمل الجمهور األخبار الواردة بتعذيب الميت‪ ،‬وقيل هذا‬
‫على الكافر‪.‬‬

‫قال‪ :‬وتندب المبادرة بقضاء دين الميت إن تيسر َح ًاال‪ ،‬قبل االنشغال بتجهيزه‬
‫لخبر‪” :‬نفس المؤمن (أي روحه) معلقة (أي محبوسة) عن مقامها الكريم بدينه حتى يقضى عنه“‪.‬‬

‫قال‪ :‬وتجب المبادرة عند طلب المستحق حقه‪.‬‬


‫وتنفذ وصيته وتجب عند طلب الموصى له المعين‪.‬‬
‫ويكره تمني الموت لض ٍر نزل به في بدنه أو ضيق في دنياه‪ ،‬إال لفتنة دينه فال يكره‪ .‬وتمني الشهادة مستحب‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويسن التداوي‬


‫دواء غير الهرم“‪.‬‬ ‫لقول النبي ﷺ ”إن اهلل لم يضع ً‬
‫داء إال جعل له ً‬
‫أي الكبر‪.‬‬
‫كال على اهلل قيل أفضل‪ ،‬وقيل يكره‪.‬‬
‫فإن ترك التداوي تو ً‬

‫‪200‬‬
‫ويسن أن يكثر من ذكر الموت‬
‫قليل إال كثرهِ“‪.‬‬
‫لقوله ﷺ‪” :‬أكثروا من ذكر هادم اللذات‪ ،‬فإنه ما يذكر في كثي ٍر إال قلله‪ ،‬وال ٍ‬
‫ويحرم نقل الميت قبل دفنه من محل موته إلى ٍ‬
‫محل أبعد من مقبرة ليدفن فيها‪.‬‬

‫أيام من دفنه‪ ،‬وال يدفن اثنان في قب ٍر ٍ‬


‫واحد إال لحاجة»‪.‬‬ ‫وقال الماتن‪« :‬ويُعزى أهله إلى ثالثة ٍ‬
‫ال يعزى إال ثالثة أيام‪.‬‬
‫األثر الوارد في ذلك ال يصح‪.‬‬
‫استِ ْحبَابًا أهله كبيرهم‪ ،‬وصغيرهم‪ ،‬ذكرهم‪ ،‬وأُنثاهم‪ ،‬من وقت الموت لحاضر‪ ،‬ومن القدوم‬
‫قال‪ :‬ويعزي نَ ْدبًا‪ ،‬أي ْ‬
‫لغائب‪،‬‬
‫وقيل من وقت دفنه‪.‬‬
‫ومثل الغائب المريض والمحبوس‬
‫ويقال في التعزية‪" :‬أعظم اهلل أجرك‪ ،‬وغفر لميتك‪ ،‬واحسن عزاءك"‪.‬‬
‫وأخلفك عليه‪ ،‬وجبر مصيبتك"‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫ويقال في تعزية الكافر والذمي‪" :‬أعظم اهلل أجرك‪ ،‬وصبرك‪،‬‬
‫وال يقال‪" :‬غفر اهلل لميتك‪ ،‬وأحسن عزاءك"‪.‬‬

‫قال‪ :‬وال يدفن اثنان في قب ٍر واحد‪ ،‬بل يفرد كل ٍ‬


‫ميت بقبر‪ ،‬إال إذا تعذر فال حرج في ذلك كما فعل النبي ﷺ في قتلى‬
‫أحد‪.‬‬
‫ويقدم األحق باإلمامة إلى جدار القبر القبلي؛ ألن النبي ﷺ كان يسأل في قَـ ْتلى أحد عن أكثرهم قُرآنًا فيقدمهُ إلى اللحد‪.‬‬

‫قال‪ :‬لكن يقدم األب على االبن وإن كان أفضل منه؛ لحرمة األبوة‪ ،‬وتقدم األم على البنت وإن كانت أفضل منها وهكذا‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويسن أن يقفوا بعد الدفن عند قبره ساعةً يسألون له التثبيت؛‬
‫ألنه ﷺ كان إذا فرغ من دفن ٍ‬
‫ميت وقف عليه وقال‪” :‬استغفروا ألخيكم واسألوا له التثبيت فإنه اآلن يسأل“‪.‬‬

‫ٍ‬
‫لحديث ورد فيه وهذا الحديث‪.‬‬ ‫قال‪ :‬وآخر الكتاب‪ :‬يسن تلقين الميت المكلف بعد الدفن؛‬
‫ٍ‬
‫بشواهد من األحاديث الصحيحة‪ ،‬ولم تزل الناس على العمل به من العصر األول في‬ ‫ض ِعي ًفا لكنه اعتضد‬
‫قال النووي‪ :‬وإن كان َ‬
‫زمن من يقتدى به‪.‬‬
‫ويعقد الملقن عند رأس القبر‪ ،‬أما غير المكلف وهو الطفل ونحوه ممن لم يتقدمه فال يلقن‪.‬‬
‫وفي الحقيقة كل األحاديث الواردة في تلقين الميت غير صحيحة‪ ،‬وال ترتقي إلى درجة حتى الحسن لغيره‪ ،‬فال يشرع تلقين‬
‫الميت‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫قال‪ :‬وسن لجيران الميت القربى أن يصنعوا طَ َع ًاما يشبعهم يَـ ْوًما وليلة؛ لشغلهم بالحزن عليه وأن يلح عليهم في األكل وإن‬
‫يضعفه بتركه‪.‬‬

‫وهكذا تنتهي أحكام الميت‪ ،‬وبه تنتهي هذه المحاضرة‪ ،‬وبه ينته ي الفصل الدراسي األول‪ ،‬وبه تنتهي محاضرات هذا الفصل‪،‬‬
‫على أمل أن نلتقي بكم إن شاء اهلل تعالى إذا قدر اهلل البقاء واللقاء في الفصل الثاني لتَتمة شرح كتاب [اإلقناع في حل ألفاظ‬
‫أبي شجاع]‪.‬‬

‫أسأل اهلل لنا ولكم التوفيق والسداد‪.‬‬


‫هذا‪ ،‬وسبحانك اللهم و بحمدك‪ ،‬نشهد أن ال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليك‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫الخاتـم ـ ــة‬

‫وهنا تنتهى محاضرات مادة (الفق ـ ـة الشافعـ ـ ــي)‬


‫من كتاب "اإلقن ــاع في حل ألفاظ أبي شجــاع"‬
‫شرح فضيلة الشيخ‪ :‬أيمن بن موسى (حفظه اهلل)‪ ،‬ونفع اهلل به اإلسـالم والمسلمين‪،‬‬
‫وجزاه اهلل عنا خير الجزاء‪ ،‬وبهذا تنتهى محاضرات الفصل الدراسي االول (الفرقـة الثـاني ــة)‬
‫العلم‪ ،‬نفع اهلل بكم‪ ،‬وزادكم ِعلماً‪ ،‬وعمالً (اللهم آميــن)‬
‫بالتوفيق لجميع طلبة ِ‬

‫نسألكم الدعاء لمن قام بجمع وتنسيق المحاضرات‪ ،‬حتى خرجت إليكم بهذا الشكل البسيط الفريد‪.‬‬

‫أخرجه لكم‪ :‬أخوكم في اهلل (فهد بن عبدالعـزيـ ــز)‬


‫"جمهورية مصـر العربية"‬
‫"نسألكم الدعاء"‬

‫‪203‬‬
‫"فهـرس "تفري ــغ المحاضرات‬

‫الصفحـ ــة‬ ‫المحاض ـ ـ ـ ــرة‬ ‫م‬


‫‪2‬‬ ‫المـحاض ــرة األولـى‬ ‫‪1‬‬

‫‪18‬‬ ‫المـحاض ــرة الثــاني ــة‬ ‫‪2‬‬

‫‪31‬‬ ‫المـحاض ــرة الثالث ــة‬ ‫‪3‬‬

‫‪42‬‬ ‫المـحاض ــرة الرابعـ ــة‬ ‫‪4‬‬

‫‪54‬‬ ‫المـحاض ــرة الخامس ــة‬ ‫‪5‬‬

‫‪70‬‬ ‫المـحاض ــرة السادس ــة‬ ‫‪6‬‬

‫‪87‬‬ ‫المـحاض ــرة السابع ــة‬ ‫‪7‬‬

‫‪100‬‬ ‫المـحاض ــرة الث ــامن ــة‬ ‫‪8‬‬

‫‪113‬‬ ‫المـحاض ــرة التـاسع ـ ــة‬ ‫‪9‬‬

‫‪127‬‬ ‫المـحاض ــرة الع ــاش ــرة‬ ‫‪10‬‬

‫‪138‬‬ ‫المـحاض ــرة الحـاديــة عشــرة‬ ‫‪11‬‬

‫‪151‬‬ ‫المـحاض ــرة الثــاني ــة عشــرة‬ ‫‪12‬‬

‫‪161‬‬ ‫المـحاض ــرة الثالث ــة عشــرة‬ ‫‪13‬‬

‫‪172‬‬ ‫المـحاض ــرة الرابعـ ــة عشــرة‬ ‫‪14‬‬

‫‪180‬‬ ‫المـحاض ــرة الخامس ــة عشــرة‬ ‫‪15‬‬

‫‪191‬‬ ‫المـحاض ــرة السادس ــة عشــرة‬ ‫‪16‬‬

‫‪204‬‬ ‫فهرس "تفريـغ المحاضرات"‬

‫والسالم عليكم ورحمة اهلل تعالى وبركاته‪.‬‬

‫(فهد بن عبدالعزيــز)‬

‫‪204‬‬

You might also like