You are on page 1of 154

‫ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻗﺼﺼﯿﻪ‬

‫د ‪ .‬ﺳﻨﺎء ﺷﻌﻼن ) ﺖ ﻧﻌﯿﻤﺔ (‬


‫شناسنامه‪:‬‬

‫عنوان‪:‬‬
‫نوبت چاپ‪:‬‬
‫تیراژ‪:‬‬
‫مشخصات نشر‪:‬‬
‫موضوع‪:‬‬
‫صفحه آرایی‪:‬‬
‫فهرست‬

‫‪11‬‬ ‫إهداء ‬

‫‪13‬‬ ‫تقاسیم الوطن ‬


‫‪14‬‬ ‫أشجار ‬
‫‪14‬‬ ‫أقدام ‬
‫‪15‬‬ ‫إصابة هدف ‬
‫‪15‬‬ ‫اغتصاب ‬
‫‪16‬‬ ‫ّالتوائم األربعة ‬
‫‪17‬‬ ‫ّ ‬
‫األم‬
‫‪18‬‬ ‫األرجوحة ‬
‫ّ‬
‫‪19‬‬ ‫المؤذن ‬
‫‪20‬‬ ‫المحرقة ‬
‫‪21‬‬ ‫المعجزة ‬
‫‪22‬‬ ‫ِتيه ‬
‫‪22‬‬ ‫تواريخ ‬
‫‪23‬‬ ‫ثوب زفاف ‬
‫‪24‬‬ ‫حفار قبور ‬ ‫ّ‬
‫‪24‬‬ ‫القزم ‬
‫‪25‬‬ ‫الكنعانيّ ‬
‫‪26‬‬ ‫خائن ‬
‫‪26‬‬ ‫حليب سباع ‬
‫‪27‬‬ ‫َجنين ‬
‫‪28‬‬ ‫رحيل ‬
‫‪29‬‬ ‫تعويض ‬
‫‪29‬‬ ‫َح ْشر ‬
‫‪29‬‬ ‫ُع ْقم ‬
‫‪30‬‬ ‫كنيسة ‬
‫‪31‬‬ ‫دواء ‬
‫‪32‬‬ ‫رجال ‬
‫‪32‬‬ ‫نضال ‬
‫‪32‬‬ ‫خاصة ‬‫حالة ّ‬
‫‪33‬‬ ‫ابن ّأمه ‬
‫فهرست‬

‫‪34‬‬ ‫ابتسامة ‬
‫‪34‬‬ ‫جبال ‬
‫‪35‬‬ ‫خيانة ‬
‫‪36‬‬ ‫ُخطبة ‬
‫‪37‬‬ ‫َز ْرع ‬
‫‪37‬‬ ‫زهايمر ‬
‫‪38‬‬ ‫بنطال العيد ‬
‫‪38‬‬ ‫َح َجر ‬
‫‪39‬‬ ‫زيتون ‬
‫‪39‬‬ ‫شجرة ‬
‫‪40‬‬ ‫الوليد ‬
‫‪41‬‬ ‫َص َم ْ م‬
‫‪42‬‬ ‫القائد ‬
‫‪43‬‬ ‫ُإسعاف ‬
‫‪43‬‬ ‫ُأخوة ‬
‫‪44‬‬ ‫أ ّبوة ‬
‫‪44‬‬ ‫شجرة عائلة ‬
‫‪45‬‬ ‫شهيد ‬
‫‪46‬‬ ‫عروس البحر ‬
‫‪47‬‬ ‫جدار ‬
‫‪47‬‬ ‫افية ‬ ‫ُخ ّر ّ‬
‫‪48‬‬ ‫عانس ‬
‫ُ‬
‫‪49‬‬ ‫قرعة ‬
‫‪50‬‬ ‫قصة ّ ‬
‫حب‬ ‫ّ‬
‫‪50‬‬ ‫قدمان ‬
‫‪51‬‬ ‫فيلم خياليّ ‬
‫‪51‬‬ ‫عيد ّ أم‬
‫ُ‬
‫‪52‬‬ ‫لهاث ‬
‫‪53‬‬ ‫مدرسة ‬
‫‪54‬‬ ‫وجه ‬
‫‪54‬‬ ‫نفق ‬
‫فهرست‬

‫‪55‬‬ ‫نوم ‬
‫‪55‬‬ ‫هدي ة‬ ‫ّ‬
‫‪56‬‬ ‫هروب ‬
‫‪57‬‬ ‫مقبرة ‬
‫‪57‬‬ ‫معطف ‬
‫‪58‬‬ ‫صحفي ّ‬
‫‪59‬‬ ‫صديق ‬
‫الك ّ‬ ‫ُ‬
‫‪59‬‬ ‫وفية ‬
‫‪60‬‬ ‫معبر ‬
‫‪61‬‬ ‫ِع ْرض ‬
‫‪61‬‬ ‫صحراء ‬
‫‪62‬‬ ‫معرض لوحات ‬
‫‪62‬‬ ‫بيت ‬
‫‪63‬‬ ‫جملة واحدة ‬
‫‪63‬‬ ‫مسجد ‬
‫‪63‬‬ ‫تضامن ‬
‫‪64‬‬ ‫لثام ‬
‫‪64‬‬ ‫انتظار ‬
‫‪65‬‬ ‫بحر أسود ‬
‫‪65‬‬ ‫هواية ‬
‫‪66‬‬ ‫وليّ ‬
‫ّ ّ‬
‫‪69‬‬ ‫خيال الظ ‬
‫ل‬
‫‪70‬‬ ‫العيد ‬

‫‪73‬‬ ‫تقاسیم المعتقل ‬


‫‪74‬‬ ‫آمال ‬
‫‪74‬‬ ‫األسير ّالرضيع ‬
‫‪75‬‬ ‫إضراب ‬
‫‪76‬‬ ‫القصيدة ‬
‫‪76‬‬ ‫دموع ‬
‫‪77‬‬ ‫سجين ‬
‫‪77‬‬ ‫حليب ‬
‫فهرست‬

‫‪78‬‬ ‫أسير ‬
‫‪79‬‬ ‫عيد ميالد ‬
‫‪79‬‬ ‫ُع ِر ّ ‬
‫ي‬
‫‪80‬‬ ‫قلب ‬
‫‪81‬‬ ‫ُنطفة ‬

‫‪85‬‬ ‫ّ‬
‫المخیم ‬ ‫تقاسیم‬
‫‪86‬‬ ‫ّالدر ‬
‫ب‬
‫ّ‬
‫‪86‬‬ ‫تل ّالزعتر ‬
‫‪87‬‬ ‫حنظلة ‬
‫‪87‬‬ ‫صور ‬
‫‪88‬‬ ‫دجاجة ‬
‫ْ‬
‫‪89‬‬ ‫َركض ‬
‫‪90‬‬ ‫الحلوة ‬
‫‪90‬‬ ‫عائشة ألوان ‬
‫‪91‬‬ ‫فلسطينيّ ‬
‫ََ‬
‫‪92‬‬ ‫فخار ‬
‫‪92‬‬ ‫المخيم ‬‫ّ‬
‫‪93‬‬ ‫(كرت)المؤن ‬
‫‪94‬‬ ‫عقوبة ‬
‫‪95‬‬ ‫كماليات ‬ ‫ّ‬
‫‪96‬‬ ‫كمان ‬
‫‪97‬‬ ‫نهر البارد ‬
‫ّ‬
‫‪99‬‬ ‫تقاسیم الشتات ‬
‫‪100‬‬ ‫إقام ة‬
‫‪100‬‬ ‫البحر ‬
‫‪101‬‬ ‫الصفعة ‬ ‫ّ‬
‫‪102‬‬ ‫ّالرسام ‬
‫‪103‬‬ ‫سمكة ‬
‫‪103‬‬ ‫مقايضة ‬
‫‪104‬‬ ‫حذاء أبي ‬
‫ض‬
‫فهرست‬

‫‪104‬‬ ‫أجيرة ‬
‫‪105‬‬ ‫ابن شهيد ‬
‫‪106‬‬ ‫خيمة ‬
‫‪106‬‬ ‫قارورة ‬
‫‪107‬‬ ‫َخ َرف ‬
‫‪107‬‬ ‫صوت ‬
‫‪108‬‬ ‫الصبي المحظوظ ‬ ‫ّ‬
‫‪108‬‬ ‫طابور ‬
‫‪109‬‬ ‫رسائل شوق ‬
‫‪109‬‬ ‫طيران ‬
‫‪110‬‬ ‫قطارات ‬
‫‪111‬‬ ‫غداء ‬
‫‪112‬‬ ‫ّ‬
‫والدة متعسرة ‬
‫‪112‬‬ ‫موت ‬
‫‪112‬‬ ‫قالدة ‬
‫‪113‬‬ ‫مطار ‬
‫‪114‬‬ ‫قرش ‬
‫‪114‬‬ ‫ُبقجة ‬

‫‪117‬‬ ‫تقاسیم العرب ‬


‫‪118‬‬ ‫وحش ‬
‫‪118‬‬ ‫دعم ‬
‫‪119‬‬ ‫دماء ‬
‫‪119‬‬ ‫منهاج جديد ‬
‫‪120‬‬ ‫صهاينة ‬
‫‪121‬‬ ‫شرف ‬
‫‪121‬‬ ‫عروبة ‬
‫‪122‬‬ ‫ّ ‬
‫جندي‬
‫‪122‬‬ ‫مظاهرة ‬
‫‪123‬‬ ‫لطيم ‬

‫‪127‬‬ ‫تقاسیم ّ‬
‫العدو ‬
‫فهرست‬

‫‪128‬‬ ‫زوجة سارق ‬


‫‪128‬‬ ‫صمت ‬
‫‪129‬‬ ‫أغنية عربية ّ‬
‫‪130‬‬ ‫السوط ‬ ‫ّ‬
‫‪130‬‬ ‫ثوب ‬
‫‪131‬‬ ‫ّ ‬
‫لص‬
‫‪132‬‬ ‫رأفة ‬
‫‪133‬‬ ‫خديعة ‬
‫‪133‬‬ ‫رجل ‬
‫‪134‬‬ ‫آر‪.‬بي‪.‬جي ‬
‫‪135‬‬ ‫شارون ‬
‫‪135‬‬ ‫َع ْبد ‬
‫‪136‬‬ ‫كتاب ‬
‫‪136‬‬ ‫متحف ‬
‫‪137‬‬ ‫هواية ‬
‫‪137‬‬ ‫وسام ‬
‫‪138‬‬ ‫ُخرافة ‬
‫‪138‬‬ ‫نسيان ‬
‫‪139‬‬ ‫نبتة عطرية ّ‬
‫‪140‬‬ ‫طالب ‬
‫‪141‬‬ ‫أوزون ‬

‫‪143‬‬ ‫تقاسیم البعث ‬


‫‪144‬‬ ‫تمثال ‬
‫‪144‬‬ ‫ّالر يح والكالب ‬
‫‪145‬‬ ‫المنجل ‬
‫‪145‬‬ ‫وحام ‬
‫‪145‬‬ ‫القيامة ‬
‫إهداء‬

‫ّ‬
‫علمتني معنى ّ‬
‫الصبر‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية العاصمة األ ّ‬
‫بدية لقلبي التي‬ ‫إلى ّأمي‬
‫والصمود والعطاء ّ‬
‫والشجاعة؛ إلى ّأمي (نعيمة المشايخ) رحمها الله‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫تعالى‪ ،‬وأحسن مثواها‪ .‬الفاتحة على روحها الطاهرة‬
‫‪1‬‬
‫تقاسیم الوطن‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫أشجار‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫قالت عصابات ّ‬‫ْ‬
‫ة‪،‬فأعملت فيها الذبح والبارود‬ ‫الفلسطيني‬ ‫اجتاحت القرى‬ ‫الصهاينة التي‬
‫ّ‬
‫دمير‪»:‬إن األهالي الفلسطينيين هم‬ ‫والنهب ّ‬
‫والت‬ ‫والتهجير ّ‬ ‫والتنكيل واالغتصاب ّ‬ ‫واإلذالل ّ‬
‫ّ‬
‫من هاجموا أفرادها‪،‬وقتلوا جنودها‪،‬ودقوا طبول الحرب»‪.‬‬
‫ً‬
‫لزاما عليهم أن ّ‬ ‫العالم ّكله ّصدق تلك العصابات الكاذبة اآلثمة ّ‬
‫يصدقوهم‪،‬ثم‬ ‫ألنه كان‬
‫أفاضوا عليهم بعونهم وشفقتهم ودعمهم‪.‬‬
‫والرمان والعنب من تحفظ وجوه رجال‬ ‫والتين والبرتقال ّ‬‫وحدها أشجار ّالز يتون ّ‬
‫ّ‬ ‫العصابات ّ‬
‫الصهاينة وهم يتسللون عبرها قادمين من البعيد حيث البرد والجليد والقسوة‬
‫تمتد أيادي تقتل وتنهب وتغتصب‬ ‫والرحيل‪،‬ووحدها من رأت الوجوه اآلثمة الغريبة ّ‬ ‫ّ‬
‫وتخنق أنفاس الفلسطينيين الذين ال يجيدون إال أن يفلقوا باطن أراضيهم بفؤوسهم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ليخرجوا منها إلى الوجود ّ‬
‫سر خلودها شجرا وأثمارا وريحا طيبة‪.‬‬
‫الغاصبين‪،‬أما أشجار ّالز يتون ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫كرها للقتلة ّ‬ ‫ً‬ ‫العالم ّكله ّ‬
‫والتين‬ ‫الصهاينة‬ ‫صفق طوعا أو‬
‫الشهداء األبرار كي ال ينسى‬ ‫نقشت على جذوعها أسماء ّ‬ ‫ْ‬ ‫والبرتقال ّ‬
‫والرمان والعنب فقد‬
‫ّالتاريخ جريمة اسمها اغتيال فلسطين‪.‬‬

‫أقدام‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قدماها أستشهدتا في المعركة كما أستشهد أهلها جميعا‪،‬كانوا متحلقين على طاولة‬
‫ّ‬
‫صهيونية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫خشبية قصيرة ينتظرون أذان المغرب كي يفطروا عندما التهمتهم قذيفة‬
‫جاء العيد وهي وحيدة في المشفى‪،‬زارها أصدقاؤها في المدرسة برفقة بعض‬
‫متبرع ما من خارج‬‫جلدية متشابهة ّقدمها ّ‬‫ّ‬ ‫معلماتهم‪،‬جميعهم كانوا يلبسون أحذية‬
‫ّ‬
‫الخاص لألحذية‪.‬‬ ‫فلسطين في شحنة كبيرة أرسلها هبة من مصنعه‬
‫حصتها من هدية العيد‪،‬لم تعد عندها قدمان لتلبس‬ ‫حذاؤها كان إلى جانب رأسها‪،‬هو ّ‬

‫‪14‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫ّ‬
‫هديتها‪.‬‬
‫ّ‬
‫شعر أصدقاؤها بالذنب وهم يختالون أمامها بأحذيتهم الجديدة‪،‬وهي كسيرة الخاطر دون‬
‫قدمين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫في اليوم الثاني من العيد جاءوا جميعا لزيارتها حفاة األقدام دون أحذية جديدة تختال‬
‫بفخر في عيدها الحزين‪.‬‬

‫إصابة هدف‬
‫ّ‬ ‫ال ّ‬
‫يحب ممارسة لعبة كرة القدم‪،‬ولكنه ينصاع لمراقبة إخوانه وأبناء عمومتهم وأترابهم‬
‫الصغيرة في المدينة القديمة المتوارية خلف البيوت ّ‬
‫والسراديب‬ ‫الساحة ّ‬ ‫يلعبونها في تلك ّ‬
‫ّ‬
‫األثرية‪.‬‬
‫وعد ّأمه بأن يعود إلى البيت قبل الغروب‪،‬ولكن الغروب هبط على حين ّغرة على المكان‬
‫ّ ّ‬ ‫للبر بوعده ّ‬ ‫ً‬
‫راكضا ّ‬ ‫دون أن ّ‬
‫يخيم الظالم‪.‬‬ ‫ألمه‪،‬ويغادره ليعود إلى بيته‪،‬قبل أن‬ ‫يخف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عب‪،‬ويحددوا‬ ‫استمهله األتراب واألقارب واألصدقاء كي ينهوا الجولة األخيرة من الل‬
‫الفائز وفق ّالنتيجة ّالن ّ‬
‫هائية‪.‬‬
‫ً‬
‫تمر ّالدقائق األخيرة سريعا كي ُي ّحقق الهدف الفيصل‪،‬فيعود‬ ‫يتمنى من أعماق قلبه أن ّ‬ ‫كان ّ‬
‫ّ‬ ‫سريعا إلى بيته قبل أن تغضب والدته ّ‬ ‫ً‬
‫عليه‪.‬الدقائق مضت‬ ‫الم ّتفق‬
‫لتأخره عن موعد العودة ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثقيلة إلى أن ّقرر العدو ّ‬
‫الصهيونيّ أن يدخل اللعبة في اللحظات األخيرة من جوالتها‪،‬لقد‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الساحة من‬ ‫صاروخا شلع ّ‬ ‫دخل اللعبة دون استئذان‪،‬وأصاب الهدف ّالنهائي‪،‬لقد أطلق‬
‫الصغار الذين لن يوافوا انتظار والداتهم في الميعاد‪،‬ولن‬ ‫ّ‬
‫مكانها‪،‬وفتك بأجساد الالعبين ّ‬
‫ّ‬
‫يعودوا إلى بيوتهم قبل حلول الظالم‪.‬‬

‫اغتصاب‬
‫محرمة على أهلها بقرار صهيونيّ عرفي ّ‬
‫ّ‪،‬ولكنها على ّالرغم من ذلك‬ ‫األحالم في فلسطين ّ‬

‫‪15‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ّ‬ ‫األنثوي ليل نهار‪،‬هي ّ‬


‫ّ‬
‫تصدق حلمها‪،‬وتنتظر أن تلبس الثوب األبيض‪،‬وأن‬ ‫تغازل حلمها‬
‫تتزوج من أسمر طويل وسيم‪،‬وأن تلصق العجين والورد على باب بيتها عندما تدخله‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫جدها ّ‬ ‫مجللة بعباءة ّ‬‫ً ّ‬
‫أبديا وولودا وهنيئا‪،‬فتمطرها‬ ‫المقصبة لتجعل وجودها في بيتها‬ ‫عروسا‬
‫زغاريد النسوة مشفوعة بالملح المنثور في عيون الحاسدين‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫االهتمام‪،‬أما جمال روحها فهو منارة من‬ ‫جمالها الخارجيّ كان خافتا ال يصطاد‬
‫نور‪،‬وقليل من ّالرجال من ترى أعينهم أنوار دواخلها‪.‬‬
‫الصهاينة ّ‬
‫تحولت‬ ‫في دفاع عن أبيها الذي كان يقصد أرضه عندما هاجمه المستدمرون ّ‬
‫شجت رأس أحدهم بحجرها بعد أن لطم والدها‬ ‫الصهيونيّ بعد أن ّ‬‫إلى أسيرة في المعتقل ّ‬
‫العجوز الوقور‪.‬‬
‫‪،‬ولكنها حزينة على هديتها لزوج المستقبل التي هدرها الجنود‬ ‫فعلت ّ‬ ‫ليست نادمة على ما ْ‬ ‫ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫في المعتقل انتقاما منها‪،‬لقد اغتصبوها مرارا وتكرارا كي يكسروا كبريائها‪،‬ويحرقوا‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫انتقام‪،‬لكنهم زادوها نورا فوق نور‪،‬إال ّأنها أيقنت ّأن‬
‫ّ‬ ‫اعتزازها بنفسها‪،‬وينتقموا منها أبشع‬
‫ّ‬
‫أحالم ّالزوج والعرس وثوب ّالزفاف قد تبخرت لألبد على صفيح مستعر اسمه اغتصابها‪.‬‬
‫وجدت في انتظارها سبعة شبان‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫وعذريتها‪،‬لكنها‬ ‫خرجت من المعتقل دون حلمها‬ ‫ْ‬
‫ً‬ ‫فلسطينيين قد ُق ّدوا من ّالر يحان ّ‬
‫والنعناع يتنافسون على ّالزواج بها ظفرا بشرفها الذي لم‬
‫ُينتقص باغتصاب لئيم في معتقل صهيونيّ‪.‬‬
‫ّ‬
‫التوائم األربعة‬
‫ّ‬
‫مالئكية وشعر شوكيّ‬ ‫إلهية ّ‬
‫ليكن أربع فتيات صغيرات بوجوه‬ ‫ّ‬
‫هن توائم أربعة منحوتة بعناية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫كورود ّ‬
‫مطر‪.‬هن توائم‬ ‫رومانية في أصبوحة‬ ‫عشبية اللون مثل ماء بركة‬ ‫الصحراء وعيون‬
‫ّ‬
‫إحداهن عن األخرى‪،‬وحدها ّأمهن (باسلة)هي من‬ ‫متشابهة ال يستطيع ّأي بشر أن ّ‬
‫يميز‬
‫ً ً ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األخرى‪،‬وتخصص لونا واحدا ثابتا لكل واحدة كي يستطيع‬ ‫إحداهن عن‬ ‫تميز‪-‬بصعوبة‪-‬‬
‫اآلخرون تمييزها عن أخواتها‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫ّ ّ‬
‫ّ‬
‫تقنعهن‬ ‫ْ‬
‫عجزت عن أن‬ ‫لباسهن‪،‬إال ّأنها‬ ‫ّ‬
‫ألوانهن المميزة في‬ ‫تجبرهن على أن يلزمن‬ ‫ّ‬ ‫هي‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫المرة‪،‬إذ ّ‬
‫بذلك في هذه ّ‬
‫صممن على أن يبتعن أثوابا متشابهة ذات لون واحد‪،‬وهو اللون‬
‫خالهن (إبراهيم) الذي سيكون بعد‬ ‫ّ‬ ‫األبيض‪،‬ليلبسن هذه األثواب المتشابهة في زفاف‬
‫عيد الفطر المبارك‪.‬‬
‫األم (باسلة) إلى أن تستسلم لرغبتهن الجامحة التي ال تستطيع أن‬ ‫اضطرت ّ‬ ‫ّ‬
‫إصرارهن ّ‬ ‫أمام‬
‫ضدها في سبيل تحقيق هذه ّالرغبة‪.‬‬ ‫تصمد أمام رفضها ما دمن قد تحالفن ّ‬
‫وهن مرتديات‬‫خلعها‪،‬وصممن على أن يعدن إلى البيت ّ‬
‫ّ‬ ‫لهن األثواب التي رفضن‬ ‫اشترت ّ‬
‫أترابهن من بنات الجيران واألقارب‪،‬فاستسلمت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫األم‬ ‫أثوابهن فرحا واختياال بها أمام‬
‫ّ‬
‫المسيطرة‪،‬وتركتهن عهدة عند عاملة البيع في متجر المالبس حتى‬ ‫من جديد لرغبتهن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السوق المجاور‪،‬وتعود مسرعة ّ‬ ‫تشتري بعض الخضار من ّ‬
‫لتصحبهن إلى البيت‪،‬إال‬ ‫إليهن‬
‫انهالت على سوق المالبس على حين ّغرة‪،‬فأحالته إلى جحيم مستعر‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫صهيونية‬ ‫ّأن قذيفة‬
‫عادت (باسلة) مشدوهة إلى األرض المحروقة عن بكرة أبيها‪،‬وهي من كانت قبل دقائق‬ ‫ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سوقا وبشرا وبضائع‪،‬لم تجد (باسلة) من بناتها سوى مزق مالبس كانت بيضاء‪،‬وخليطا‬
‫من لحم آدمي معجون من أجساد بناتها ّالتوائم األربع‪.‬‬
‫ْ‬
‫عجزت ‪ّ -‬‬ ‫ّ ّ‬
‫ألول ّمرة في حياتها‬ ‫تلم اللحم المتناثر‪،‬وتحوشه في صدرها بعد أن‬ ‫شرعت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪-‬عن أن تميز بين بناتها التوائم األربع!‬
‫ّ‬
‫األم‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جميعا ّ‬
‫؛يسميها‬ ‫حياتها‪،‬ولكنها على ّالرغم من ذلك ّأمهم‬ ‫هي لم تنجب طفال واحدا في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجميع ّ‬
‫حياتها‪،‬ولكنها تعرف كل شيء عن‬ ‫(األم خضرة)‪،‬ال يعرفون الكثير عن‬
‫ّ ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫حيواتهم‪،‬هي ّأم األسرى جميعهم في المعتقالت ّ‬
‫هيونية في فلسطين المحتلة‪،‬كل أسير‬
‫فلسطينيّ أو غير فلسطينيّ يقبع في معتقالت االحتالل يغدو ابنها خبط عشواء فور دخوله‬
‫ً‬
‫المعتقل‪،‬تقطع ّأيامها تدور من معتقل إلى آخر‪،‬وتزور أبناءها األسرى‪،‬وتظهر اهتماما‬

‫‪17‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ًّ‬
‫خاصا بأبنائها األسرى المقطوعين عن بالدهم وأهليهم بعد أن جاءوا إلى فلسطين ألجل‬
‫ّالدفاع عنها‪،‬هي ّأم األردنيّ الذي ترك مدرسته‪،‬وجاء ليدافع عن فلسطين‪،‬وهي أم األسير‬
‫يصلي في المسجد األقصى بعد أن ّ‬ ‫ّ‬
‫يتحرر بمشاركته‪،‬وهي أم‬ ‫العراقيّ الذي أقسم على أن‬
‫ً‬
‫األسير اليمنيّ الذي جاء يشارك في تحرير فلسطين إكراما ألخوال ابنه‪،‬وهي أم األسير‬
‫الجزائري الذي أقسم على أن يجاهد حتى تحرير فلسطين كما جاهد والده ّ‬
‫وجده لتحرير‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫المصري الذي ترك عروسه‪،‬وجاء إلى‬ ‫ّ‬
‫الجزائري‪،‬وهي ّأم األسير‬ ‫بالدهم من المستعمر‬
‫ّ‬
‫فلسطين ليدافع عنها ألنها عروسه األجمل‪.‬‬
‫ّ‬
‫تعد األيام إلى حين خروجهم من معتقالتهم‪،‬وتتابع مع المحامين ومؤسسات متابعة‬ ‫هي ّ‬
‫مستجد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يخصهم‪،‬وترسل ّالرسائل إلى أهل عائالتهم‪،‬وتكتب ّالرسائل‬ ‫قضايا األسرى كل‬
‫المزورة لهم إن لم يصلهم ٌرد لسبب ما من أهاليهم خارج فلسطين‪.‬‬ ‫ّ‬
‫السوق‪،‬وترفض‬ ‫والمتسوقين في ّ‬
‫ّ‬ ‫(األم خضرة) التي تقارع ّالتجار‬ ‫ّ‬
‫األسرى‪،‬إنها ّ‬ ‫ّإنها ّأم جميع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والفواكه‪،‬فأي نقص في مربحها يعني أن يقل‬ ‫أن ُتساوم في أسعار بضائعها من الخضراوات‬
‫مخصص أحد أبنائها األسرى من عونها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫(األم خضرة) دون فصال كي تطير بالمال إلى‬ ‫على الجميع أن يدفعوا األسعار التي تطلبها ّ‬
‫أبنائها األسرى‪.‬‬

‫األرجوحة‬
‫ّ‬
‫مستفز مستدع لها‪،‬وهي‬ ‫لطالما استرقت ّالنظر إلى تلك األرجوحة التي تتمايل بغنج‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫تغوص في بركة من األعشاب الخضراء التي تنام تحت قدميها‪،‬راودتها نفسها كثيرا كي‬
‫ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫تعبر األسالك ّ‬
‫الشائكة التي تحيط بالمستدمرة‪ّ 1‬‬
‫هيونية كي تدلل نفسها ببعض المتعة‬

‫الصهيونيّ على أرض فلسطين ليأوي فيه المهاجرين ّ‬


‫الصهاينة المرتزقة هو‬ ‫العمار‪،‬أما ما يبنيه الكيان ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -1‬المستعمرة تحمل معنى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ليس أكثر من مستدمرة ّ‬
‫تدمر األرض والشعب الفلسطينيّ بعد أن تسرق األرض الفلسطينية من أهلها بقوة القهر والظلم‪،‬ثم بعد‬
‫ّ‬
‫ذلك تفسد كل شيء‪.‬إذن هي مستدمرة ال مستعمرة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫على تلك األرجوحة الجميلة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫ّ‬
‫الطفلة ّ‬
‫هيونية الحمراء البشرة كانت تقضي جل وقتها في اللهو على األرجوحة‬ ‫تلك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحلم‪،‬ولعلها في حاجة إلى رفيقة مثلها تشاركها المتعة واللعب‪،‬وتقاسمها أسرارها‬
‫فولية الخطيرة في ّ‬
‫الط ّ‬ ‫ّ‬
‫حد تقديرها‪.‬‬
‫الفلسطينية ّالنائية عن المستدمرة‬
‫ّ‬ ‫الشائكة التي تفصل قريتها‬ ‫تتجرأ‪،‬وتعبر األسالك ّ‬
‫ّ‬
‫الصهاينة‬ ‫ّ‬
‫األرجوحة‪،‬لكنها ال تصل إليها‪،‬يتناوشها المستدمرون‪ّ 2‬‬ ‫المستذئبة‪،‬تجري نحو‬
‫والسكاكين والخناجر‪.‬‬‫بالفؤوس ّ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫‪،‬ويحرقونها في مستعر ّالنار عقابا لها ّ‬ ‫ً‬
‫يقطعونها إربا ّ‬ ‫ّ‬
‫حلمت‬ ‫فلسطينية بريئة‬ ‫ألنها طفلة‬
‫ّ‬
‫صهيونية حمراء البشرة ملعونة‪.‬‬ ‫بأن تلهو بأرجوحة لطفلة‬
‫ّ‬
‫المؤذن‬
‫السن وضعف ّالنظر من أن يقود نفسه بتؤدة‬ ‫والت ّقدم في ّ‬
‫لم تمنعه سنون العجز والمرض ّ‬
‫ً‬ ‫إلى المسجد ّ‬
‫ليؤذن فيه خمس ّمرات في اليوم الواحد‪.‬لم يفته رفع آذان واحد أربعين عاما‪.‬‬
‫الجميع في مدينة الخليل يحفظون اآلذان بصوته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جندي صهيونيّ بأن يعود أدراجه إلى بيته‪،‬وأن ال يرفع اآلذان بسبب حظر التجول‬ ‫ّ‬ ‫أمره‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يفوت رفع اآلذان‪،‬ولو كلفه ذلك‬ ‫عشواء‪.‬لكنه رفض أن ّ‬ ‫الذي ُيفرض على المدينة خبط‬
‫دفع عمره‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫رصاصة صهيونية أردته قتيال على بالط المدينة القديمة على بعد من خطوات من باب‬
‫تحفظيّ‬‫مصفحة في إجراء ّ‬ ‫الصهاينة باستهتار إلى داخل مجنزرة ّ‬ ‫المسجد‪.‬سحله الجنود ّ‬
‫مجهول ّ‬
‫المدة‪.‬‬
‫ْ‬
‫وقته‪،‬غادرت جسده على يسر‪،‬وأسرعت إلى‬ ‫صممت على أن ترفع اآلذان في‬ ‫لكن روحه ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ ً‬ ‫ّ‬
‫مودعا بدعة‬ ‫المأذنة‪،‬ورفعت اآلذان في وقته‪،‬فصدح صوت المؤذن في سماء مدينة الخليل‬

‫يعمرون بل يهدمون‪.‬‬ ‫ّ‬


‫مستعمرون؛ألنهم ال ّ‬ ‫‪ -2‬هم مستدمرون ال‬

‫‪19‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ّ‬ ‫ّ ً‬
‫صهيونية‪.‬‬ ‫مكوما في مجنزرة‬ ‫جسده الذي غادر إلى البعيد‬

‫المحرقة‬
‫ينقضون على ذلك الفلسطينيّ المزارع العجوز وزوجته وحفيدته‬ ‫رآهم أجمعين ّ‬
‫الشائك الذي يفصل المستدمرة عن حقل‬ ‫الصغيرة‪،‬ويستفردون بهم شمال الحاجز ّ‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫العجوز الفلسطيني ّ‬
‫ّ‪،‬ويمزقونهم إربا بالفؤوس‪،‬العجوز المسكين دافع عن زوجته وحفيدته‬
‫الصغيرة إلى أن فصل فأس ما رأسه عن جسده‪،‬وبتر فأس آخر في الوقت ذاته ّكفه عن‬ ‫ّ‬
‫جدتها وفؤوس‬ ‫تشبثت بحضن ّ‬ ‫الصغيرة التي ّ‬ ‫الضربات ّالناهشة عن حفيدته ّ‬ ‫يرد ّ‬ ‫يده وهو ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الصهاينة ّ‬ ‫المستدمرين ّ‬
‫تمشط لحمها بدءا من الظهر‪.‬‬
‫عزل‪،‬لقد‬‫لقد رآهم يفعلون ذلك بدم بارد وبمتعة‪،‬ودون سبب خال االستمتاع بتعذيب بشر ّ‬
‫شاهد ّكل شيء ّبأم عينيه‪،‬ثم رآهم ينسحبون ّ‬
‫كالضباع الجبانة إلى أوكارهم في المستدمرة‪.‬‬
‫ًّ‬
‫حقيقيا على وجه والديه عندما تفاجآ برؤيته يرمقهما برهبة واستنكار‪،‬اقتربت‬ ‫لم َير استياء‬
‫المنجسة بدم األبرياء‪،‬ثم ثنته في حضنها على كره‬ ‫منه‪،‬وربتت على كتفه بيدها ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّأمه‬
‫الصغير‬ ‫ْ‬
‫بها‪،‬وقالت له بحنان ممجوج‪« :‬حبيبي ّ‬ ‫ّ‬
‫اآلدمية الذي ال يليق‬ ‫ْ‬
‫منه‪،‬ولبست قناع‬
‫(ليفي)‪،‬أنت تعرف ّأننا نحن اليهود مستضعفون‪،‬ويجب أن ندافع عن أنفسنا»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الجميل‬
‫ً‬
‫يرتل سفرا من أسفاره ّ‬ ‫ً‬
‫أردف أبوه قائال كمن ّ‬
‫المزورة‪« :‬لقد قتلونا هناك‪،‬نعم في المحرقة‬
‫ً‬
‫في ألمانيا قتلونا جميعا‪،‬يجب أن ننتقم من العالم بأسره بسبب ذلك»‪.‬‬
‫ّ‬
‫المتوحشين‪،‬ودعا الله في ّ‬ ‫فل‪،‬وظل ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سره أن يرسل‬ ‫يحدق في وجهي والديه‬ ‫صمت الط‬
‫المتوحشين إلى جحيم ّأي محرقة ْ‬
‫كانت‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والديه‬

‫‪20‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫المعجزة‬
‫ً‬
‫ال يؤمن أبدا بالمعجزات منذ اعتاد على أن يرى الموت يقسم الوجوه البريئة‪،‬ويرتع في‬
‫والنضال ّ‬ ‫بالثورة ّ‬‫ّ‬
‫الصهيونيّ‪،‬يستطيع القول ّإن إصرار هذا‬ ‫ضد الكيان ّ‬ ‫هذه األرض المشعلة‬
‫ّ‬
‫المؤسسة الد ّ‬
‫ولية‬ ‫ليتبرع عبر ّ‬
‫حرر هو ما دفع به ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشعب الفلسطينيّ على الحياة والنصر والت ّ‬ ‫ّ‬
‫السويد‪،‬ويأتي لمناطحة الموت واأللم في هذه‬ ‫التي ينتمي لها ليترك حياته المترفه في ّ‬
‫وقذرا مثل محطة مهجورة مسكونة باألرواح ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الشريرة‪.‬‬ ‫المستشفى الذي بات مزدحما‬
‫الصهيونيّ يستهدف المدنيين ّ‬ ‫يوما وليلة والقصف ّ‬ ‫ً‬
‫العزل من الفلسطينيين‪،‬أربعون‬ ‫أربعين‬
‫ّ‬
‫بالبشرية التي تغض الطرف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫عما يحدث في هذه البقعة من كوكب‬ ‫يوما وليلة علمته أن يكفر‬
‫ً‬
‫األرض‪،‬هنا رأى الموت يطلق العنان لنفسه دون رادع‪،‬ورأى البشر يواجهونه وجها لوجه‬
‫ّ‬
‫دون خوف‪،‬وتعلم ّأن الموت جبان وحقير يخطف الوجوه البريئة دون خجل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عينيه‪،‬وينكرها‪،‬ولكنه‬ ‫منذ بدأت الليالي األربعون الملعونة بالقصف‪،‬وهو يعاين المعجزة بأم‬
‫الشباب أم‬ ‫أكن صبايا أم في منتصف ّ‬ ‫الفلسطينيات ّكلها ّ‬
‫ّ‬ ‫ما عاد يطيق كفره بها‪،‬بطون ّالنساء‬
‫يتزوجن أو يمسسهن‬ ‫تعج بتوائم أربعة أو خمسة أو ستة‪،‬حتى ّالنساء ّاللواتي لم ّ‬ ‫في شرخه ّ‬
‫باألجنة المعلنة وجودها بحركات عنيفة صارخة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أرحامهن‬ ‫بشر أو العواقر ّ‬
‫تحركت‬
‫األجنة جميعها تغادر األرحام لتكون‬ ‫طبيعية‪،‬وتكاد ّ‬ ‫ّ‬ ‫األحمال العجيبة تكبر بسرعة غير‬
‫ً‬
‫أطفاال تنزلق إلى ّالدنيا ّالدبقة لتكمل مسيرة النضال‪،‬الذين يموتون من الفلسطينيين‬
‫ّ‬
‫ثر‪،‬أما القادمون المقبلون من األرحام العجيبة فهم أكثر‪.‬‬ ‫ُك ّ‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية‬ ‫بأن رحم المرأة‬ ‫ّ‬
‫انتهى‪،‬لكنه بات يؤمن اآلن ّ‬ ‫بأن زمن المعجزات قد‬ ‫ّإنه يؤمن ّ‬
‫معجزة قادرة على بعث الحياة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يقرر أن يتجاهل القصف والجرحى المنهالين عليه من كل حدب وصوب؛ليأخذ راحة‬
‫تكفيه ألن يشرع في القريب في توليد ّالنساء ذوات األحمال العجيبة‪،‬فهو يريد أن يكون‬
‫ّأول من يستقبل األطفال الفلسطينيين القادمين إلى ّالدنيا‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ِتيه‬
‫ً‬
‫عاما ُمذ داهمت عصابات ّ‬
‫الصهاينة قريتهم في‬ ‫مضى على ِتيه ابنها أكثر من ثالثين‬
‫طولكرم‪،‬ونهبت ّكل ما فيها‪،‬وأمعنت فيها القتل والذبح ّ‬
‫والتشريد ّ‬
‫والتهجير‪،‬وفي ّ‬
‫حمى‬
‫ّ‬

‫الموت والهرب تاه طفلها األصغر‪.‬‬


‫ً‬
‫عاما من عمرها تبحث عنه في المالجئ والمستشفيات ّ‬
‫والسجون وشواهد‬ ‫أمضت ثالثين‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً ّ‬ ‫ّ‬
‫القبور‪،‬تفرست في وجوه أترابه جميعا لعلها تجده متواريا في وجه أحدهم‪،‬لكنها لم تعثر‬
‫عليه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ّقدمت لثرى فلسطين سبعة من أبنائها شهداء دفاعا عن أرضهم فلسطين‪،‬وظلت تبحث‬
‫ْ ّ‬ ‫ً ً‬ ‫عن ابنها ّالثامن ّالتائه ال لتحضنه‪،‬بل ّ‬
‫نذرت كل ما أنجب‬ ‫لتقدمه شهيدا ثامنا للوطن‪،‬فهي‬
‫بطنها لفلسطين‪،‬ويجب أن تفي بنذرها ّ‬
‫المقدس‪.‬‬

‫تواريخ‬
‫ّ‬ ‫تؤرخ أزمانها ّ‬ ‫جدته ّ‬ ‫ّ‬
‫بالنكبات والمصائب‪،‬كلما أرادوا وهو وإخوته وأبناء عمومته أن‬
‫ُ‬
‫وفية ّالت ّعب ّدية التي تعيشها منذ سنوات منذ أستشهد‬ ‫يداعبوها‪،‬وأن يخرجوها من أجوائها ّ‬
‫الص ّ‬
‫ّ ً‬ ‫ابنها األوسط على أيدي ّ‬
‫ّ‬
‫كانت‪،‬لتؤرخها لهم‬ ‫عائلية ّأيا‬ ‫الصهاينة‪،‬يسألونها عن ّأي مناسبة‬
‫بمأساة من مآسي الفلسطينيين‪.‬‬
‫مرتبة وفق نكبات الفلسطينيين‪،‬يحاولون أن يتالعبوا بتأريخها‬ ‫األحداث جميعها في ذهنها ّ‬
‫المأساوي‪،‬فيختارون حدث والدة حفيدتهم األخيرة‪،‬ويسألونها متى كان ذلك؟‬ ‫ّ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الوالدة‪،‬تصمت‬ ‫فلسطينيا مرتبطا بهذه‬ ‫تحدق في وجوههم‪،‬ال تستطيع أن تجد حدثا‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫قليال‪،‬ثم تبتسم لهم بأسى وانكسار‪،‬وتقول‪»:‬أنا أحفظ متى أستشهد أوالدي‪،‬وأنتم عليكم‬
‫أن تحفظوا متى ُولد أبناؤكم»‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫ثوب زفاف‬
‫لقد بلي ثوب زفافها لطول استلقائه المهزوم تارة على سريرها‪،‬وتارة في قاع حقيبة ّ‬
‫جلدية‬
‫عتيقة تنام فوق خزانة غرفتها‪.‬‬
‫ً‬
‫غسلته أكثر من ّمرة بعد أن ّاتسخ بالغبار وبأيدي الالمسين التي تغفو عليه فرحا بجماله‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لتقيسه‪،‬وتصبر نفسها بمرآه‪،‬وتعده بفرج قريب‪.‬وما أكثر ما‬ ‫األبيض الطاهر كلما لبسته‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولية المشروخة ّالزوايا‪.‬‬
‫الط ّ‬ ‫والصديقات وأمام مرآتها‬ ‫تقيسه‪،‬وتختال به أمام القريبات‬
‫أشهر طويلة وثوب زفافها ينتظر‪،‬وال فرج يدنو منها ومنه كي تطير إلى زوجها مع وقف‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫اإلسكندرية أو في القاهرة كي‬ ‫ّالتنفيذ بعد أن تعبر معبر رفح وصوال إلى أقرب مطار في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تستقل ّأول طائرة ّ‬
‫اإلماراتية حيث يقطن زوجها ويعمل‪،‬وحيث قابلته‬ ‫تيمم نحو مدينة دبي‬
‫ألول ّمرة منذ سنوات عندما كانت في زيارة يتيمة ألختها المقيمة هناك برفقة زوجها‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫وأوالدها منذ عشرين عاما‪.‬‬
‫أشهرا طويلة حتى يستطيع أن يرسل أسرته من مدينة الخليل إلى ّ‬ ‫ً‬
‫مخيم‬ ‫احتاج زوجها‬
‫مهمة استكمال إجراءات‬ ‫غزة كي يخطبها‪،‬ثم يسند لوالده بتوكيل رسميّ ّ‬ ‫الشاطئ في ّ‬ ‫ّ‬
‫ّالزواج بها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بزوجها‪،‬لكن المعبر مغلق بشكل‬ ‫منذ تلك اللحظة هي تنتظر أن ُيفتح معبر رفح كي تلحق‬
‫ُ‬ ‫دائم منذ ّمدة طويلة‪،‬وهي لم تنجح في ّ‬
‫المرات القليلة التي فتح فيها في أن تجتازه‪.‬‬
‫ّ‬
‫الجلدية‬ ‫ْ‬
‫ة‪،‬وانتظرت دورها لتعبر المعبر برفقة حقيبتها‬ ‫لبست ثوب زفافها ألكثر من ّمر‬ ‫ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوحيدة التي ّ‬
‫عرسها‪،‬ولكنها في كل ّمرة كانت تخفق في العبور‬ ‫تكدس فيها جهاز‬
‫وتكتم لبكاء ثوب‬ ‫السمع على استحياء ّ‬ ‫المبتغى‪،‬فتعود أدراجها كسيفة حزينة ترهف ّ‬
‫تزوجته مع إيقاف‬ ‫زفافها الذي يحلم منذ زمن طويل بأن يطير إلى حضن ّالرجل الذي ّ‬
‫ّالتنفيذ على ّذمة معبر ساجن ال يفتح أبوابه حتى لثوب زفاف حزين!‬

‫‪23‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ّ‬
‫حفار قبور‬
‫ّ‬
‫متخصص في علم‬ ‫حفار القبور)‪،‬هو مهندس‬ ‫الصهيونيّ( ّ‬
‫يسميه العدو ّ‬
‫يفخر بوالده الذي ّ‬
‫خصص لو كانت الفرص‬ ‫أهم علماء العالم في هذا ّالت ّ‬
‫االتصاالت‪،‬كان يمكن أن يكون من ّ‬ ‫ّ‬
‫الصهيونيّ‪.‬‬ ‫عدوه ّ‬
‫ضد ّ‬‫متاحة أمامه بعدالة‪،‬ولم يكن أسير نضال موصول ّ‬
‫أهم أنظمة تفجير القنابل عن بعد‪ ،‬فقد رجليه في إحدى غارات ّ‬
‫العدو على‬ ‫والده ّ‬
‫يصمم ّ‬
‫تفرغ لقبر اليهود‪،‬فهو يصنع كمائن لهم‬ ‫مقر نضاله‪،‬فنجا من الموت بأعجوبة‪،‬من يومها ّ‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫تحول األرض جحيما تحت أقدامهم‪،‬وتدفنهم في أماكنهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫يصمم على أن يناديه أترابه بلقب (ابن ّ‬
‫ّ‬
‫حفار القبور) فخرا بأبيه‪،‬وكلما سمعهم يعظمونه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بهذا اللقب تذكر كم هو مشتاق لرؤية والده الذي لم يره منذ أكثر من عام؛فهو مشغول‬
‫بحفر القبور للجنود ّ‬
‫الصهاينة‪.‬‬

‫القزم‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫متقزم ّ‬
‫ُولد (صالح) بجسد ّ‬
‫حد االختفاء‪،‬فأسموه القزم (صالح)‪،‬لم يحظ يوما باهتمام أو‬
‫إعجاب أو عشق بسبب جسده القزم الذي يسجن فيه روحه العمالقة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ما كانت تعنيه األعين المزدرية أو قلوب الجميالت التي ال تطرق بابه‪،‬إنما عناه أن يعيش‬
‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬
‫فلسطينيا‪،‬وأن يموت شهيدا بعد عمر طويل من ّالنضال المستأسد‪.‬‬ ‫فدائيا‬
‫ّ‬ ‫لكن ّ‬
‫ّ‬
‫الشهادة طرقت بابه مبكرة مستعجلة االستحواذ عليه‪،‬لقد سمع طرقاتها على بوابة‬
‫حساسة‪.‬‬‫صهيونية ّ‬
‫ّ‬ ‫روحه في تلك ّالليلة التي كانوا ينفذون فيها ّ‬
‫عملية ّ‬
‫فدائية ضد مواقع‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫كان فردا في جماعة يرأسها صديقهم المناضل (أبو ّالنور)‪،‬ما كان يتوقع أحد أن تغتاله‬
‫قنبلة ّ‬
‫أرضيه مكافحة لألفراد‪،‬فتبتر قدميه بزفرة واحدة منها‪.‬‬
‫حاول رفاقه في المجموعة أن يحملوه على أكتافهم ليهربوا به‪،‬لكن ذلك يعني تعطيل‬
‫واحد منهم على األقل‪،‬وإعاقته عن الهرب في الوقت المناسب‪،‬وإيقاعه في أيدي جنود‬

‫‪24‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫ً‬ ‫الصهيوني ّ‬‫العدو ّ‬


‫ّ‪،‬صمم على أن يتركوه‪،‬وأن يلوذوا سريعا بالهرب دونه‪،‬عندما تقاعسوا عن‬
‫تلبية رغبته ّهددهم بإطالق ّالرصاص عليهم إن لم يسارعوا باالبتعاد عنه قبل أن تدركهم‬
‫كالب الجنود التي تقترب أصواتها منهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫انصاعوا ألمره دامعي العيون والقلوب‪،‬وظل يحمي ظهورهم برصاصه حتى نفدت‬
‫العدو ّ‬
‫ذخيرته‪،‬وخرقت جسده رصاصات ّ‬‫ّ‬
‫الصهيونيّ‪.‬‬
‫ُ‬
‫لقد عاد إلى أرضه بعد أشهر من اعتقال جثمانه ليواريه أهله في ّالتراب بعد أن أفرج عن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جسده المنخل بالطلقات ّالنارية‪.‬‬
‫بالرصاص ونهش أنياب الكالب ورأس‬ ‫مخرق ّ‬ ‫لم يكن جسده أكثر من جذع صغير ّ‬
‫صمموا على أن يدفنوه في قبر طويل يشبه روحه‬ ‫ويدين دون قدمين‪،‬لكن رفاقه في الفداء ّ‬
‫السامقة‪،‬وهذا ما كان‪.‬‬‫العمالقة ونفسه ّ‬

‫الكنعانيّ‬
‫الصهاينة منعوه من أن يمارس متعته الكبرى في الحياة‪،‬وهي تدريس ّالتاريخ الفلسطينيّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫متعته‪،‬وشردوا طلبته بعد أن قتلوا‬ ‫ألبناء شعبه‪،‬وهدموا المدرسة التي كانت معبد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫طالبه(سعد) الذي كان ّ‬
‫يسمي نفسه بـالكنعانيّ فخرا بأصوله‪،‬ويسمي الصهاينة بالمسوخ‪.‬‬
‫الشرعي في سدانة‬ ‫كان طالبه ّالنجيب األثير الذي يحفظ ّكل كلمة ّ‬
‫يدرسها له‪،‬كان وريثه ّ‬
‫ّالتاريخ الفلسطينيّ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّقرر أن ينتقم لطلبته ّ‬
‫الشهداء‪،‬خطط مع جماعة من الفدائيين الفلسطينيين كي يحرق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫صعبة؛ألنها تستدعي تجاوز حصونهم‬ ‫عسكريا للمسوخ‪،‬الخطة كانت‬ ‫معسكرا‬
‫والتدارس حتى استطاع أن يصل وفريقه‬ ‫ّ‬
‫وحرسهم‪،‬لكنه عكف نفسه على حسن ّالتدبير ّ‬
‫إلى الهدف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫راقبهم من خفاء‪،‬لم يكن فيهم وجها واحدا شمسيّ مثل وجه طالبه الكنعانيّ‪،‬فجر‬
‫يطهر ّ‬
‫بالنار ّأي‬ ‫المكان بهم‪،‬فاستعرت ّالنار تأكلهم‪،‬شعر ّ‬
‫بالرضا كما يشعر الكنعانيّ عندما ّ‬

‫‪25‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫الصعداء‪،‬وفي البعيد رأى وجه (سعد) الكنعانيّ يبتسم له وهو ّ‬


‫يتمتم‬ ‫ّ‬
‫أصابه‪،‬تنفس ّ‬ ‫نجس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كنعانية تطرد كل غريب عن أرضه وشعبه‪.‬‬ ‫بتعويذة‬

‫خائن‬
‫الصهيونيّ لمواجهة الفلسطينيين الغاضبين بسبب‬ ‫ال يعرف لماذا يدفعه قائده في الجيش ّ‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية‬ ‫مصادرة أراضيهم من قبل كيانهم الملعون‪،‬يقول قائده له ّإنه بحكم أصوله‬
‫أفضل‪،‬لكنه يعلم من أعماقه ّأنهم يرسلونه إليهم ّ‬
‫ألنهم ال‬ ‫ّ‬ ‫قادر على ّالتفاهم معهم بشكل‬
‫يبالون حقيقة بأن يقتله الفلسطينيون الغاضبون مادام منهم ومن جلدتهم‪،‬وإن انسلخ عن‬
‫ّ‬
‫أصله‪،‬وتعرى من عوده‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫فلسطينية على امتداد الجبل الذي تقع فيه بيوت أسرته ومزارعهم‪،‬كان‬ ‫اليوم صادروا أرضا‬
‫يعرف ّكل وجه من الوجوه التي ّ‬
‫تصدى لها ّليردها عن أراضيهم المصادرة‪.‬‬
‫وكأنهم ال يعرفونه‪،‬لم يجرؤ على أن ينطق كلمة واحدة‬‫لم يناده ٌّأي منهم باسمه‪،‬تجاهلوه ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫بالعربي ّ‬
‫ّ‬
‫ة‪،‬شجوا رأسه بحجر‪،‬فهرب منهم ال يطيق صبرا في المكان‪،‬كان يجري محاوال أن‬
‫ً‬ ‫يطأ األرض ّ‬
‫لفظته‪،‬وتبر ْأت منه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بخفة؛إذ كان يعلم ّأن األرض أيضا قد‬

‫حليب سباع‬
‫ّ‬
‫الفلسطينيات؛لقد‬ ‫لم يشرب حليب سباع ليكون بمثل هذه الجرأة‪،‬بل شرب حليب ّالنساء‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ستشهدت ّأمه وهو رضيع‪،‬فتولت نساء الحارة التي يسكن فيها أمر رعايته وغمره‬ ‫أ‬
‫ّ‬ ‫ّ ًّ ً‬ ‫ً‬
‫قويا أنوفا يقول لكل نساء‬ ‫بحنانهن‪،‬وتقاسمن جميعا فرح إرضاعه وإروائه حتى شب‬
‫الحارة يا ّأمي‪،‬ويناديه صبيتها وصبيانها بأخي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رضع ّ‬
‫الشجاعة منهن جميعا‪،‬وحمل مدفع (آر بي جي)‪،‬ليصبح صقرا يصيد به بغاث الطير‬
‫ّ‬
‫ّ‪،‬وكلهم بغاث طير كما تراهم عيناه ّ‬ ‫من الجيش ّ‬
‫الصقريتان‪.‬‬ ‫الصهيوني‬
‫الصهاينة صورة له على الواجهات في المدينة كتبوا عليها إلرهابه وتحطيم‬‫علق الجنود ّ‬

‫‪26‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫المخرب مطلوب للجيش اإلسرائيليّ‪،‬سوف نقتله في القريب»‪.‬‬ ‫معنوياته‪»:‬هذا ّ‬


‫ّ‬
‫في اليوم الثاني كانت هناك صور جديدة له وهو يحمل فيها مدفع (اآلر‪.‬بي‪.‬جي) قد‬
‫ألصقها على صور البارحة‪،‬وكتب عليها باستهتار ّ‬
‫بعدوه واستفزاز له‪ « :‬هذا الفدائيّ سوف‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫يقتل الجيش ّ‬
‫الصهيونيّ كامال‪،‬وهم جميعا مطلوبون له»‪.‬‬
‫َ‬
‫جنين‬
‫حاد غاللته‬‫شق سكين ٌّ‬‫الصغير المنزلق من حنان سادر في رحم ّأمه ل َم ّ‬ ‫لم يعرف الجنين ّ‬
‫ِ‬
‫ً ً‬ ‫الفضية ّ‬
‫الشفافة بعد أن بقر بطن ّأمه‪،‬فانزلق خارج رحمها ّالدبق ّالدافئ مشدوها عاريا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫عل على أم رأسه‪،‬انكفأ‬ ‫لم ًتتلقفه يدي قابلة أو قريبة أو حانية قبل أن يسقط من غير ٍ‬
‫يقبل األرض‪،‬كانت ّأمه تفارق األرض بزفرات متسارعة بعد‬ ‫أرضا على وجهه‪،‬سجد كمن ّ‬
‫متوحش ثديها األيمن بضربة جديدة من سكينه الوحش‪،‬ثم بقر‬ ‫ّ‬
‫جندي صهيونيّ ّ‬ ‫أن قطع‬
‫بطنها لينتزع جنينها من مكين أحشائها‪.‬‬
‫ّ‬
‫بأمه القتيلة ّالنازفة حتى االنطفاء‪،‬ظلت جبهته تالمس األرض‪،‬وقفاه العاري‬ ‫ما عبئ أحد ّ‬
‫ّ‬ ‫الصغير ّالناعم ّ‬ ‫ّ‬
‫يتحدى وجه قاتل ّأمه حيث وقف يتلذذ بمشاهدة نزاعها ونزاع جنينها‬
‫المنزلق خارج رحمها‪.‬‬
‫بالدنيا نظرة عجلى استرقها‬ ‫الصهاينة‪،‬وكان آخر عهده ّ‬ ‫داسته أقدام جنود عصابات ّ‬
‫اإلجباري على األرض‪،‬وهو يرى أهل قريته في البعيد يغيبون خلف األفق‬ ‫ّ‬ ‫من سجوده‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تطاردهم فلول المداهمين المتوحشين‪،‬والغروب الدامي يحتضن ً‬
‫بأسى أباه الذي دلف إلى‬
‫جنون آسر بعد أن خلع عقله في دقائق لفظاعة مرأى مقتل زوجته وجنينهما‪،‬كان ّ‬
‫يردد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(صبحية)‪،‬وبقروا بطنها»‪.‬‬ ‫دون توقف‪ »:‬قتلوا زوجتي‬
‫ً‬ ‫يحاول الجنين أن ّ‬
‫يصم شفتيه ليستنجد بأبيه الذي يطارد الغروب هاربا نحو البعيد‪،‬لكن‬
‫ّ‬
‫الموت يعاجله بنزعه من اختناقه بحزنه وألمه‪،‬ويرحمه من جحيم قادم اسمه الطرد من‬
‫وطنه‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫رحيل‬
‫ً‬
‫منذ ُه ّجر الكثير من الفلسطينيين قسرا عن وطنهم في عام ‪،1948‬وهو يقول ألبنائه‬
‫ً‬
‫وحفدته‪ »:‬أنا ال أخرج من وطني أبدا‪،‬أنا أموت فيه‪،‬وال أخرج منه»‪،‬وكلما كان ّيردد هذه‬
‫جدتهم تقول‪ »:‬وأنا أموت مع ّ‬ ‫يرددها‪،‬كانت ّ‬ ‫ً‬
‫الجملة‪،‬وكثيرا ما كان ّ‬
‫جدكم حيث يموت‪،‬وال‬
‫أبدا»‪.‬كان األبناء والحفدة يضحكون عندما يسمعون كالم ّ‬ ‫ً‬
‫الجدين العجوزين‬ ‫أفارقه‬
‫ّ‬
‫العاشقين‪،‬ويطلبون منهما أن يرويا لهم من جديد قصة عشقهما وزواجهما التي يعرفها‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫احتمالية تهجيرهم من أرضهم‬ ‫األقارب والجيران‪،‬ويضربون صفحا عن الخوض في‬
‫ً‬
‫تشاؤما من حديث كهذا‪.‬‬
‫ً‬ ‫لكن ّ‬
‫الشؤم أصابهم سريعا‪،‬وجاء عام ‪،1967‬ووجدوا أنفسهم ُيطردون من وطنهم بعد‬
‫ّ‬
‫أن ُج ّردوا من كل شيء‪،‬خرجوا حفاة معدمين تاركين وراءهم البيوت والمواشي واألرض‬
‫المكدسة بحصاد جهدهم‪،‬تناوب ّالرجال األقوياء منهم على‬ ‫ّ‬ ‫الحبلى بثمارها والخوابي‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫الجدين إذ كانا عاجزين عن ّ‬ ‫حمل ّ‬
‫السير هرما ومرضا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫رفض ّ‬
‫الجدان أن ُيحمال بعيدا عن وطنهما‪،‬وأقسما على أوالدهم وحفدتهم أن يخلوهم‬
‫وشأنهم‪،‬وأن يذهبوا دونهم في حال سبيلهم‪،‬لكن اآلذان لم تصغ لهما‪،‬وحملتهما عنوة في‬
‫ّ ِ ّ‬ ‫ّ‬
‫حيل‪،‬احتجا ّبشدة على حملهم دون رغبتهم‪،‬ظل طوال الطريق يقسمون على‬ ‫ّ‬ ‫طريق ّالر‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وطنهما‪،‬ولكنهما صمتا عن االحتجاج قريب حدود الوطن‪،‬عندما‬ ‫الجميع أن يتركوهما في‬
‫خطوات من الخروج‬ ‫ّ‬
‫تفقد الحاملون سبب صمت الجدين وجدوهما قد فارقا الحياة قبل‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫رؤوسهم‪،‬وقرروا أن يعودوا من حيث أتوا يحملون ّ‬
‫الجدين‬ ‫ّ‬ ‫من أرضهم‪،‬طأطأوا جميعهم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المتوفين ليدفنوهما في أرضهما مهما كلفهم ذلك‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫تعويض‬
‫يحص خسائره‬
‫ِ‬ ‫غزة عن ّالدمار الذي لحق بهم‪،‬لم‬ ‫سمع خرافة اسمها تعويض أهل ّ‬
‫ً‬ ‫المالية‪،‬وال راعه الجرح الكبير في فخذه‪،‬وال ّ‬
‫ّ‬
‫تفقد حطام بيته وبيوت إخوته ليحصي أثاثا‬
‫غزة الذي يعشقه‪،‬أسبوع كامل أمضاه‬ ‫سوي باألرض‪،‬بل ّ‬
‫عجل إلى بحر ّ‬ ‫قد دثر أو بناء قد ّ‬
‫يصنع تماثيل من رمل البحر على هيئة من فقدهم من أهله‪.‬‬
‫ُ‬ ‫في صباح اليوم ّالثامن ّ‬
‫أتم صناعة حشد من تماثيله ّ‬
‫الرم ّلية التي تجسد من فقد من أسرته‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أجمعين‪.‬هيا‬ ‫عوضوني عن خسارة أولئك‬ ‫ّقبل تماثيله بإجالل‪،‬وصرخ بحسرة‪« :‬هيا ّ‬
‫أعيدوا الحياة لهم‪،‬فهذا هو تعويضي الوحيد عن خسارتهم»‪.‬‬
‫َ ْ‬
‫حشر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هيونية التي ُتدشن ّللتو على رفات أرضه بعد مصادرتها كلها‪،‬لم‬
‫الص ّ‬ ‫يتأمل المستدمرة ّ‬ ‫يقف ّ‬
‫عكازه المصنوع من إحدى جذوع شجراته ّ‬ ‫ّ‬
‫الشهيدة‪.‬‬ ‫يتركوا له من أرضه سوى‬
‫كدس في قوالب من اإلسمنت فوق أرضه‪،‬من مكانه هنا من‬ ‫أرتال من ّاللحم ّ‬
‫الصهيونيّ ُت ّ‬
‫ّ‬
‫أعلى ّالتلة يستطيع أن يكشف فضاء المستدمرة بشكل كامل‪،‬يحصي عدد البيوت فيها‬
‫على عجل دون اهتمام‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تهمس له حفيدته بانزعاج‪»:‬إنهم كثر يا جدي‪.‬أليس كذلك؟»‪.‬‬
‫ً‬ ‫يجيبها ّ‬
‫جدها وهو ال يزال يحصي عدد البيوت في المستدمرة‪« :‬يجب أن يأتوا جميعا إلى‬
‫هنا يا صغيرتي‪،‬في هذه األرض سيحشرون في طريقهم إلى ّ‬
‫جهنم»‪.‬‬
‫ُْ‬
‫عقم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫لحرصت على أن تعشقه فخرا به وإعجابا بنبله واستهانته بالموت ؛فهو‬ ‫لو لم تعشقه‬
‫بالكوفية الفلسطينيةّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ليس ّالرجل الذي ُولد حقيقة من أحالمها‪،‬بل هو الفارس الملثم‬
‫تزوجته؛فقد أرادت أن تنجب منه‬ ‫الذي ال يقبل حكم ّالنذل ّ‬
‫الصهيونيّ به وبشعبه‪،‬ولذلك ّ‬

‫‪29‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ْ‬
‫بالفدائيين‪،‬جهدت كي تحمل منه لتنسل منها ومن حبيبها‬ ‫تمد وطنها‬‫دون توقف كي ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫ً‬
‫تنجب‪،‬األطباء أكدوا لها عجزها عن‬ ‫اكتشفت ّأنها عقيم ال‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫رين‪،‬لكنه‬ ‫أبطاال ّ‬
‫محر‬ ‫ّالزوج‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ائمة‪،‬لكنها تريد أن‬ ‫اإلنجاب‪،‬والسنين العجفاء الممحلة صكت آمالها بخيبة األمل ّالد‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫لوطنه‪،‬خطبت له إحدى قريباتها لتكون زوجته الثانية‬ ‫ينجب زوجها الحبيب فدائيين‬
‫له‪،‬شد ْت حرائق غيرتها على صدرها لتكتوي بها بصمت‬ ‫ّ‬ ‫عجزت عن منحه‬‫ْ‬ ‫التي تهبه ما‬
‫الصغار حتى ولو كانوا من امرأة غيرها‪.‬‬ ‫وسرية‪،‬وأخذت تنتظر والدة الفدائبين ّ‬ ‫ّ‬

‫كنيسة‬
‫كانوا في طريق عودتهم إلى بيوتهم بعد االنتهاء من صالة الجمعة في المسجد‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫األقصى‪،‬يعرفون ّأن أسرهم في انتظارهم ليتناولوا معهم طعام الغداء طقسا من طقوس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسري في غداء يوم الجمعة‪،‬كانوا يغذون الخطى إلى بيوتهم عندما هاجمهم‬ ‫اللقاء‬
‫ً‬ ‫الجنود ّ‬
‫الصهاينة‪،‬فدفعوهم جميعا في درب كنيسة القيامة التي فتحت أبوابها لهم كي‬
‫ّ‬
‫فلسطينية قلبها نصفه فلسطينيّ ونصفه اآلخر مسلم‪.‬‬ ‫يختبئوا فيها؛فهي كنيسة‬
‫ّ ّ‬ ‫صمم على أن يحمي المسلمين المحتمين ّ‬ ‫كاهن الكنيسة ّ‬
‫بالرب فيها‪،‬لكن الطلقات‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫جميعا‪،‬الجنود ّ‬ ‫هيونية ّ‬
‫الص ّ‬ ‫ّ‬
‫الصهاينة أطلقوا نيرانهم على كل من‬ ‫صممت على أن تغتالهم‬
‫ً‬ ‫ّ ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متوحدا في لحظة إراقته أرضا‪،‬دم‬ ‫فيها‪،‬الدم الفلسطينيّ ظل‬ ‫اعتصم بالكنيسة أو كان‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫فلسطينيّ واحد في كنيسة تحضن مسلما ومسيحيا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وحمل ّ‬ ‫رحل الجنود ّ‬
‫الصهاينة ُ‬
‫الشهداء الفلسطينيون بعيدا عنها‪،‬وظلت الكنيسة مشرعة‬
‫حضنها لالئذين بها ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫دواء‬
‫ّ‬
‫حظر ّالتجول مفروض على مدينة ِجنين بأسرها منذ أكثر من شهر‪،‬نفد الطعام والماء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والدواء‪،‬وما استسلم الفلسطينيون المحاصرون‪،‬وال وشوا بمكان الثوار الفلسطينيين‬
‫المحتمين بهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫هو طفل في الخامسة من عمره‪،‬وال يفهم تماما ما يدور حوله‪،‬ولكنه يعرف أن دواء ّأمه‬
‫ْ ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بقيت يوما آخر دونه فسوف‬ ‫يستمر في القرع‪،‬وإن‬ ‫نفد‪،‬وأنه دواء مهم يكفل لقلبها أن‬ ‫قد‬
‫ّ‬ ‫تموت‪،‬ويعرف كذلك أن ال أحد يستطيع أن يخرق حظر ّالت ّ‬
‫جول وإال تناوشته ّالرصاصات‬
‫تعلق األمر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بأمه‪.‬‬ ‫بجسده‪،‬ولكنه ال يخاف الموت إن‬ ‫تخريقا وفتكا‬
‫ّ‬ ‫الجلدي ّ‬
‫ّ‬ ‫بسر ية ّ‬ ‫يدس علبة دواء ّأمه في جيبه ّ‬‫ّ‬
‫الصغير‪،‬يتعلق بمزالج‬ ‫وتكتم‪،‬وينتعل حذاءه‬
‫الشارع مباشرة‪.‬‬ ‫رتاج البيت‪،‬ويفتحه‪،‬فيدلف إلى ّ‬
‫بتخوف من‬ ‫صهيونية ترقبه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صهيونية‪،‬عيون‬ ‫في لحظات قليلة تحاصره ثالث ّدبابات‬
‫ّ‬
‫المخرب‬ ‫بيتك ّأيها‬ ‫عرجاء‪»:‬عد إلى َ‬ ‫ُ‬ ‫جندي صهيونيّ ّ‬
‫بعربية‬ ‫ّ‬ ‫خلف دروع واقية‪،‬يصرخ به‬
‫الصغير»‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الصغيرة التي ّ‬ ‫سريعا في يده ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يستجمع ّ‬
‫تمتد إلى جيب‬ ‫الصغير شجاعته التي تتدفق‬
‫ّ‬
‫بنطاله‪،‬وتخرج علبة دواء فارغة‪،‬ويقول بنبرة كلها عزم وإصرار طفوليّ غير قابل‬
‫ً‬ ‫للكسر‪»:‬يجب أن أذهب إلحضار ّالدواء ّ‬
‫ألمي كي ال تموت مرضا»‪.‬‬
‫العدو ّ‬
‫الصهيونيّ‬ ‫يخطو خطوة جريئة في دربه دون أن يلوي وراءه‪،‬ويعلو صوت رصاص ّ‬
‫ّ‬
‫الذي يتسابق للوصول إليه ليغتال عزمه الطفوليّ‪،‬تدركه ّالرصاصات جميعها في آن في‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الصغيرة تأبي أن تفلت علبة ّالدواء الفارغة‪.‬‬ ‫أرضا‪،‬ويده ّ‬ ‫خطوته الثانية‪،‬فينهار‬

‫‪31‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫رجال‬
‫الصهيونيّ‪،‬وتضربه بنعلها عندما حاول منعها من ّالدخول إلى‬ ‫الجندي ّ‬
‫ّ‬ ‫كانت ّ‬
‫تسب‬
‫ْ‬
‫بقوة‪،‬فكادت تقع‬ ‫الصهيونيّ بلغة ّ‬
‫عربية‪،‬ودفعها إلى الخلف‬ ‫الجندي ّ‬
‫ّ‬ ‫قريتها‪،‬نهرها‬
‫ّ ً‬ ‫مجند في صفوف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫‪،‬أدركت من سحنته ولكنته أنه خائن عربيّ ّ‬ ‫ً‬
‫العدو‪.‬أمرها متنمرا أن‬ ‫أرضا‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫بعيدا عن الجنود ّالرجال إلى حين تفتيشها من ق َبل ّ‬
‫صهيونية‪.‬‬ ‫مجندة‬ ‫ِ‬ ‫تقف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ابتسمت المرأة الفلسطينية باستهزاء‪،‬وحدقت في عينيه متحدية‪،‬وسألته بتقزز‪ « :‬أين هم‬
‫ّالرجال؟»‬

‫نضال‬
‫يحرر فلسطين من ّ‬
‫الصهاينة‬ ‫يعرف في الحياة إرادة واحدة تسكنه‪،‬وهي ّأنه يريد أن ّ‬
‫ّ‬
‫والفكري‬ ‫يسميهم أوالد الحرام‪.‬ال يفهم الكثير حول ّالتنظير والجدل ّ‬
‫السياسيّ‬ ‫الذين ّ‬
‫ّ‬
‫في قضيته‪،‬وال يريد أن يعرف ّأي شيء عن ذلك‪،‬هو يختصر الفكر كله في جملة‬
‫واحدة‪»:‬سأحارب أوالد الحرام حتى يخرجوا كالكالب من وطني فلسطين أو يموتوا‬
‫فيها»‪.‬‬
‫ً‬
‫لم يمارس في حياته شيئا سوى القتال ألجل فلسطين‪،‬أشغله ذلك عن ّالزواج والعمل‬
‫ً‬ ‫والحلم‪،‬بل أشغله عن نفسه وعن الهرم إلى ّأن أدرك الموت في ّ‬
‫عملية ّ‬
‫فدائية نسفت جنودا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومعسكرا‪،‬في آخر لحظة له في الحياة قبل أن يسكن للموت ّ‬
‫حدث نفسه بسعادة قائال‪»:‬‬
‫لقد حاربتهم حتى ماتوا فيها»‪.‬‬
‫ّ‬
‫حالة خاصة‬
‫ً‬ ‫منذ والدته يعاني من إعاقات ّ‬
‫متعددة جعلته عاجزا عن ّالنطق‪،‬وتأخر عقله جعله يعيش‬
‫كطائر طاهر في دنيا الخيال واألحالم‪،‬ال يعرف من دنياه سوى ّأمه وأخيه ّ‬
‫الصغير األصغر‬
‫توان‪.‬‬
‫الذي يعتني به دون ٍ‬

‫‪32‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫حياته‪،‬وطوفت به على ّ‬
‫األطباء‬ ‫ّ‬ ‫تمنت ّأمه أن تسمعه ينطق كلمة واحدة في‬ ‫لطالما ّ‬
‫والمستشفيات المتاحة على أمل تحقيق هذا األمل الهارب نحو االستحالة‪.‬‬
‫الصهيونيّ لم يعفه من ّالنار والحديد يصبها على ّأم رأسه طالما ّأنه طائر مالك‬
‫القصف ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يعاني من إعاقات ّ‬
‫متعددة‪،‬وال يشكل خطرا عليهم أو أمال أو مكسبا ألهله وشعبه‪.‬‬
‫الشهداء إلى أن ْ‬ ‫ً‬
‫مفقودا في عداد ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫عثرت‬ ‫جراء القصف‪،‬ظل ّأياما‬
‫سقف بيته وقع على رأسه ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ّأمه عليه منزويا في سرير ملطخ بالموت في إحدى مستشفيات المدينة‪.‬‬
‫لته‪،‬وركزت رأسه بصدرها المعرورق الفائض بالحزن والقلق‪،‬ابتسم لها‪،‬ونطق‬ ‫ّ‬
‫حضنته‪،‬وقب ّ‬
‫والزائرين‪« :‬فلسطين»‪.‬‬‫كلمة واحدة ال غير خطفها من ألسنة الجرحى والمسعفين ّ‬

‫ابن ّأمه‬
‫والصوت ّالرخيم القادر على إنطاق الحجر إن ّغنى أو‬
‫والشكل ّ‬ ‫هو ابن ّأمه في المالمح ّ‬
‫ضد احتالل وطنه‪.‬‬‫والنضال ّ‬ ‫حب فلسطين ّ‬ ‫ّ‬
‫الكريم‪،‬لكنه ليس ابنها في ّ‬ ‫ترنم أو تال القرآن‬ ‫ّ‬
‫ًّ ً ّ‬ ‫ّ‬
‫شابا يافعا‪.‬دللته على قدر‬ ‫هو وحيدها الذي قطعت عمرها في تربيته بعد موت زوجها‬
‫الموسع المترف‪،‬وهي األرملة الفقيرة المعدمة‪،‬حتى غدا لقبه (ابن ّأمه) لرخاء العيش‬
‫الذي يحياه في كنفها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قبلت منه كل تقصير وتقاعس وكسل وإهمال وتواكل عليها‪،‬إال أن يخون وطنه فلسطين‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فهذا كفر ال تقبل به‪.‬ال تعرف كيف ومتى وأين ولماذا أصبح عميال رخيصا لصغار الجنود‬
‫بالدليل اليقين ّأنه كان الواشي اآلثم بفدائيين من عائلتهم‪،‬وهو من‬
‫هاينة‪،‬لكنها تعلم ّ‬
‫ّ‬ ‫الص‬ ‫ّ‬
‫تسبب في قتلهم على حين غدر وخيانة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اآلن تعلم علم اليقين ّأنه سيشي بالكثيرين من الفدائيين الفلسطينيين اآلخرين‪،‬وهو‬
‫المطلع على نشاط الكثير منهم بحكم قربه منهم ّ‬ ‫ّ‬
‫ألن ّأمه واحدة منهم‪.‬هو اآلن في نظرها‬
‫تصمم على الحياة ّ‬ ‫ً‬
‫مقصوفا من سنديانة عمالقة طاهرة ّ‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫والتغلغل‬ ‫قد بات فرعا ّميتا نجسا‬
‫في األرض‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ْ‬
‫عمرها‪.‬أبلغت عنه‬ ‫آن الوقت لبتر هذا الغصن ّالنخر على ّالرغم من ّأنه ثمرة قلبها وحصاد‬
‫فدائيي المنطقة كي يقنصوا رأسه الخائن‪،‬وطلبت منهم أن يفعلوا ذلك هناك في الجبل كي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال تراه مشبوحا أمامها مسربال بعاره وخيانته‪.‬‬
‫ْ‬ ‫الطويل آمنة راضية بما ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪،‬ونسيت ّأن‬ ‫فعلت‬ ‫العشاء‪،‬ونامت ليلها‬ ‫في الليلة المقصلة صلت‬
‫خائنا سترحل روحه هذا المساء إلى الجحيم ّ‬ ‫ً ّ ً ً‬
‫ألنه ليس ابن ّأمه‪.‬‬ ‫لها ابنا مدلال‬

‫ابتسامة‬
‫بتيبس على ابتسامة‬ ‫حياته‪،‬فغدت عضالته وجهه منكمشة ّ‬ ‫ْ‬ ‫لم تفارقه االبتسامة طوال‬
‫عريضة قادرة على ابتالع أعظم حزن وألم وحرمان وخيبة أمل‪.‬‬
‫استطاعت أن تبتلع ذكرى مشاهد اإلبادة في مخيم (صبرا وشاتيال)‪،‬وأن تدفن‬ ‫ْ‬ ‫ابتسامته‬
‫ّ‬
‫دموعه في أعماق نفسه وهو يرى أسرته أشالء لحم محروقة تتعفن في شوارع المخيم‬
‫ّ‬
‫الذي داسه الموت بكل جرأة ووقاحة‪.‬ابتسامته منعت األكف الحانية من أن تداعب‬
‫ّ ً‬ ‫بجديته وانضباطه عندما ّ‬ ‫شككت ّ‬ ‫ّ‬
‫متطوعا‬ ‫تقدم‬ ‫يتمه‪،‬وأن تستجدي اإلحسان إليه‪،‬كما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفدائيين‪،‬ولكنها في النهاية أصبحت عالمته المميزة ّالرافضة ألن‬ ‫لالنضمام في صفوف‬
‫ّ‬
‫فلسطينية‪.‬‬ ‫يرى أحد دمعة في عيون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اآلن ابتسامته تبدو أكبر وهو يطارد الموت المذعور منه‪،‬ويمد يده إلى فتيل الحزام الناسف‬
‫حد التقيؤ بالجنود ّ‬
‫الصهاينة‬ ‫الليلي المحتشد ّ‬ ‫ليمحو عن وجه البسيطة هذا المرقص ّ‬
‫غزة‪،‬تتسع ابتسامته‬‫فلسطينية في قطاع ّ‬
‫ّ‬ ‫الذين قادوا منذ أيام عاصفة إبادة لمدرسة أطفال‬
‫ّ‬
‫أكثر‪،‬ويشد الفتيل‪،‬ويعلو شهيق الموت‪،‬وال تفارقه ابتسامة ّالرضا‪.‬‬

‫جبال‬
‫الجبال الجرداء البعيدة ترى المستدمرين ّ‬
‫الصهاينة يسعون نحوها‪،‬هم يريدون في غفلة من‬

‫‪34‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫والسواحل أن يضعوا أيديهم عليها‪،‬وأن يبنوا‬‫السفوح والمدن والقرى ّ‬ ‫أهلها الذين يسكنون ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫يل‪،‬تقرر‬ ‫عليها مستدمرات جديدة‪،‬الجبال وحدها من تراهم يعدون ّباتجاهها في جنح الل‬
‫ّ‬
‫الجبال‪،‬فتزل عنها أقدام ّ‬ ‫ّ‬
‫الصهاينة‬ ‫الفلسطينيين‪،‬ترتج‬ ‫أن ال تحمل على قممها سوى أهلها‬
‫ّ‬
‫السموات واألرضين قائلة‪»:‬يا سامعين الصوت!»‬ ‫وآلياتهم‪،‬وتزعق زعقة تزلزل ّ‬
‫ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫والولد‬
‫ِ‬ ‫األهل‬ ‫بعض‬ ‫‪،‬يحملون‬ ‫سريعا‬ ‫جبالهم‪،‬يلبونها‬ ‫فيسمع الفلسطينيون استغاثة‬
‫الصهاينة‬‫وقليل المتاع‪،‬ويهرعون يسكنون أعالي الجبال قبل أن يستولي المستدمرون ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األصلية‪.‬‬ ‫عليها‪،‬ويخلفون الباقين من أهليهم في بيوتهم‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫تتحصن أعالي الجبال بأبنائها ّ‬
‫الملبين الستغاثتها‪،‬وتعود إلى وقارها وهدوئها اطمئنانا‬
‫بوجودهم معها‪.‬‬

‫خيانة‬
‫ّ ّ‬ ‫يفرح نفسه ّ‬
‫قود‪،‬والتلذذ‬ ‫بعد ّالن‬ ‫ّ‬
‫خيانته‪،‬ويدس المال في جيبه‪،‬وال ّ‬ ‫ّ‬
‫ألول ّمرة يقبض ثمن‬
‫للمال‪،‬ويخدر ضميره‪،‬وينسيه لقب‬ ‫ّ‬ ‫بمداعبتها‪،‬وشم رائحة صنانها الذي ّ‬
‫يهيج نهمه‬ ‫ّ‬
‫(الغضيب) الذي تنعته ّأمه به بسبب خيانته لوطنه‪،‬وتحالفه مع أعدائها‪.‬‬
‫المرة؛فهو سوف يصليه ّالنار بعد ساعات‬ ‫سيان عنده إن نقص ثمن خيانته أم زاد في هذه ّ‬
‫لتتحسس المال في جيبه كما هي عادته‪،‬وال يخشى أن ينكشف‬ ‫ّ‬ ‫قليلة‪،‬ال ّ‬
‫يمد يده‬
‫أمره‪،‬فيسارع الفدائيون الفلسطينيون لذبحه مثل َم ْن ذبحوا قبله من خونة شعبهم‪.‬‬
‫ال يريد أن يموت تحت أقدام الفلسطينيين‪،‬وال يريد أن ُيشنق على زيتونة لتنهشه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫راث‪.‬‬
‫باك له أو ٍ‬ ‫الطيور‪،‬وال يريد أن يتعفن في ساحات الحي بعد حز رقبته دون ٍ‬
‫ّ‬
‫أجمعين‪،‬أمه‬ ‫يغير أقداره رغم أنوف العالمين‬‫لقد ّقرر أن يموت كما يريد‪،‬اآلن يريد أن ّ‬
‫تراه؛ألنه خائن‪.‬لم يجرؤ على أن يحضر‬ ‫ّ‬ ‫ماتت قبل ّأيام‪،‬وهي غاضبة عليه‪،‬رافضة أن‬
‫بار؛فهو الخائن الممجوج‬ ‫ّ‬
‫عزاءها‪،‬أو أن يحمل في نعشها‪،‬أو أن يرافقها إلى قبرها كأي ابن ٍ‬
‫الذي تتصيده عيون الفدائيين الفلسطينيين لتصيد رأسه ّالرخيص بطلقة واحدة ال غير‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫الصهيونيّ بحضور عدد من‬ ‫الضباط ّ‬ ‫الصهيونيّ كعادته‪،‬سيقابل ّ‬‫سيدخل المعسكر ّ‬


‫المخطط لينقل لهم معلومات جديدة مفترضة عن ّ‬ ‫ّ‬
‫تحركات بعض الفدائيين‬ ‫الجنود وفق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينيين‪،‬وفي اللحظة المناسبة سوف يفجر الحزام الناسف الذي يدخره ليتطهر به‬
‫من آثامه جميعها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فدائيا ال خائنا‪،‬لكن ّأمه في ّ‬ ‫ً‬
‫سوف يموت ويموتون جميعا‪،‬لن يعرف أحد ّأنه مات ّ‬
‫السماء‬
‫ّ‬ ‫ستفخر به‪،‬وستعرف ّأن ابنها ّ‬
‫الشقي قد أدرك المغفرة في اللحظة األخيرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫المعسكر‪،‬وتشهد عشرات ّ‬
‫المرات‪،‬وفي‬ ‫ّ‬
‫للقاء‪،‬استعد ّللتنفيذ‪،‬دخل‬ ‫المحدد‬‫ّ‬ ‫اقترب الوقت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫اللحظة المناسبة برقت ابتسامة أمه في أعماقه‪،‬فسحب فتيل الحزام‪،‬وحل الموت على‬
‫الجميع‪.‬‬
‫ُ‬
‫خطبة‬
‫يتقدم لها تعيبه بعيب ما‪،‬ثم ترفضه‪،‬وتغلق باب غرفتها عليها باكية أليام‬‫ّكل عريس ّ‬
‫طويلة‪،‬ثم تخرج بعد ذلك‪،‬وتعلن لهم ّأنها ال تريد ّالزواج بعد استشهاد خطيبها ّ‬
‫(حسان)‪،‬ثم‬
‫تقدم لها‪،‬ومن جديد‬ ‫تلين من جديد تحت ضغط أسرتها‪،‬وترى العريس الجديد الذي ّ‬
‫تعيبه‪،‬ثم ترفضه‪،‬ثم تهرع إلى غرفتها تبكي أليام موصولة‪.‬‬
‫(حسان)وصوته ورائحته وقسماته ومشيته وطباعه وشجاعته‬ ‫تريد العريس بطول ّ‬
‫وحبه لفلسطين وعشقه لعينيها ّالناعستين‪.‬‬
‫وابتسامته ّ‬
‫(حسان)‪،‬سنين مضت على بحثها عنه في وجوه ّالرجال‬ ‫ال رجل يمكن أن يحمل صفات ّ‬
‫دون أن تعثر عليه‪،‬وبدأت ّتلقب بالعانس ّالنكدة لطول حزنها عليه‪.‬‬
‫تتعرف عليه‪،‬تنظر في وجه والديها‬ ‫عريس جديد ينتظرونه في بيتهم هذا المساء كي ّ‬
‫والشقاء والخوف على مصيرها بعد موتهما‪،‬ويصبوان ألن ترضى‬ ‫اللذين ّكدهما ّالتعب ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫(حسان) المعلقة في صدر‬ ‫أرضا أمام صورة ّ‬ ‫زوجا لها‪،‬وتقول وهي ّ‬
‫تتكوم‬ ‫بعريس ما ّتتخذه‬
‫(حسان)‪،‬وهو لن يعود ألتزوجه»‪.‬‬ ‫البيت‪ »:‬أبي أنا لن أتزوج غير ّ‬

‫‪36‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫َ‬
‫ز ْرع‬
‫جرفوا أرضها بعد حرق محصولها لهذا العام‪،‬وأطلقوا الخنازير ّ‬
‫البرية على مزارع‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫العنب‪،‬وفي آخر المطاف ّ‬
‫جففوا بئر المياه التي تسقي زرعها منها‪.‬لقد استغلوا ّأنها‬
‫فلسطينية وحيدة بينهم‪،‬وهم من يسيطرون على المزارع المحيطة بمزرعتها بعد أن‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫صادروها من أهلها الفلسطينيين‪.‬هي وحدها بين أولئك الوحوش‪،‬قتلوا أبناءها تباعا على‬
‫تراب هذه المزارع وهم يزرعونها‪.‬‬
‫ْ‬
‫ة‪،‬زرعت من جديد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫تماما ّ‬
‫‪،‬ولكنها ظلت ّ‬
‫السنابل التي خلعوها من‬ ‫قوي‬ ‫اآلن غدت وحيدة‬
‫ّ‬
‫فيها‪،‬فتفتقت جميعها عن فلسطينيين ّزراع ّهبوا جميعهم لنجدتها وعونها‬ ‫أرضها‪،‬ونفخت‬
‫وزراعة أرضها من جديد‪.‬‬

‫زهايمر‬
‫المستمر لم تستطع أن تزحزحه قيد أنملة عن إيمانه العميق‬‫ّ‬ ‫ستون سنة من ّالنضال‬
‫كا بأرضه‪،‬لم ّ‬ ‫ّ ً‬ ‫ّ‬
‫يفت في عضد عزيمته تآمر العالم‬ ‫بحقه‪،‬لم تمض ليلة لم يناضل فيها متمس‬
‫ّ‬ ‫الصهيوني ّ‬ ‫ّكله مع ّ‬
‫عدوه ّ‬
‫ّ‪،‬أما هذا المرض اللعين الذي اسمه(زهايمر) فهو ما يخشى أن‬
‫ّ‬
‫يأكل ذاكرته‪،‬فال يتذكر حدود أرضه ومساحتها‪،‬وال يعرف عدد األشجار المزروعة فيها‬
‫يستمر في متابعة القضايا التي رفعها ضد المستوطنين ّ‬
‫الصهاينة‬ ‫ّ‬ ‫ونوعها‪،‬فال يستطيع أن‬
‫الش ّ‬ ‫ّ‬
‫الذين وضعوا أيديهم بقوة الظلم واالستبداد على األجزاء ّ‬
‫مالية من أرضه‪.‬هل (زهايمر)‬
‫هو مرض صهيونيّ؟ سوف يأكل ذاكرته كما أكل من قبل ذاكرة الكثير من البشر؟!‬
‫ّ‬ ‫يقرر ّأن خير طريقة للهجوم هي ّالدفاع‪،‬يشرع ّ‬ ‫ّ‬
‫يسجل في سجل كبير كل صغيرة وكبيرة‬
‫أعد له ّ‬ ‫ّ‬
‫ه‪،‬ويتربص بمرضه اللعين وقد ّ‬
‫ّ‬ ‫تذكرها عن أرضه ووطنه ونضاله ّ‬ ‫ّ‬
‫عدة‬ ‫وعدو‬ ‫يعنيه‬
‫االنتصار عليه‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫بنطال العيد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫بقرار طفوليّ قطعيّ ال يقبل الطعن أو ّالرد أو االستئناف ّقرر ّأنه يريد بنطاال ّكت ّانيا أسود‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫المتربص خلف األبواب‪.‬‬ ‫جديدا يلبسه في العيد‬
‫ً‬
‫لم يجد األب محيصا من أن يستسلم لهذا القرار ما دام ابنه الوحيد المشتهى الذي جاءه‬
‫قالت ّزوجته له بنبرة ّ‬
‫متوسلة‬ ‫بعد طول انتظار قد قضى به بحزم وإصرار السيما بعد أن ْ‬
‫إال لألطفال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ذليلة‪»:‬اجبر بخاطر هذا ّ‬
‫ْ‬
‫الصغار أمثاله»‪.‬‬ ‫الصغير‪.‬مالبس العيد ليست‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صمم االبن المدلل على أن يرافق أباه إلى العمل كي يضمن أن يشتري له البنطال الحلم‬
‫بعد أن ينتهي من عمله المضني في قطف جنى المحاصيل من الحقول التي اغتصبها‬
‫ّ‬
‫المحتلون ّ‬
‫الصهاينة من أهل قريته‪.‬‬
‫وعجز على حواجز ّالتفتيش واالنتظار كي يدخل‬‫ًٍ‬ ‫بذل‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫ألول مرة يرى االبن أباه األبي يتكوم ٍ‬
‫المناطق المستدمرة في وطنه كي يعمل ذليال في أرضه ليعود إلى بيته وزوجته وأطفاله‬
‫ً‬
‫حامال لهم قوت يومهم‪.‬‬
‫بذل منكود موصول ال يعرف راحة؛فال ُيسمح له بأن يستريح‪.‬راقبه‬ ‫طوال اليوم عمل األب ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫االبن بانكسار وشعور دفين بالذنب ينهش قلبه‪،‬ويعض روحه الصغيرة‪.‬‬
‫السوق استوقف والده الذي ينام ّكفه ّ‬
‫الصغير ّالناعم في‬ ‫في المساء في درب العودة إلى ّ‬
‫ّكفه الكبير الخشن ّالدامي‪،‬وقال له‪»:‬أبي‪،‬أرجوك ال تعد للعمل في تلك المزرعة‪،‬أنا ال أريد‬
‫ً‬
‫جديدا للعيد‪،‬لقد ُ‬ ‫ً‬
‫كبرت‪،‬والكبار ال يريدون مالبس جديدة للعيد»‪.‬‬ ‫بنطاال‬
‫َ َ‬
‫حجر‬
‫ً‬
‫ينادي والده باسم (ديبو حبيبي)؛فهو مثل غيره من ّالناس يرى والده(ذياب) صغيرا في‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫وراعيا ّ‬ ‫ً ً‬ ‫سنينه ّ‬
‫األرملة‪.‬يتمتع عندما يحمله والده‬ ‫ألمه‬ ‫السبع عشرة على أن يكون زوجا وأبا‬
‫ّ‬
‫سحري‪.‬‬ ‫ّ‬
‫كتفيه‪،‬ويهزه كأمير يمتطي ظهر تنين‬ ‫على‬

‫‪38‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫يحرمه والده من حمله فوق كتفيه عندما يخرج ليرجم بحجارته الجنود ّ‬
‫الصهاينة في‬
‫مناوشات ال تنتهي معهم ليمنعهم من دخول الحارات القديمة أو لتأخير وصولهم إلى‬
‫مكان وجود فدائيين حتى يتيح الفرصة لهم للهرب من وجه أعدائهم دون أن ُيقبض عليهم‪.‬‬
‫ينتظر حتى يكبر حتى يستطيع أن يرافق (ديبو حبيبي) في واجب رجم ّ‬
‫الصهاينة بالحجارة‬
‫ً‬
‫والموت‪.‬لكن (ديبو حبيبي)لم ينتظره حتى يكبر؛فقد عاد محموال على األكتاف بعد أن‬
‫ّ‬
‫محتل وهو يرجم الجنود ّ‬
‫الصهاينة بالحجارة‪.‬كانت هناك ابتسامة كبيرة‬ ‫قنصه صهيونيّ‬
‫ّ‬
‫على وجهه وهو يغلق يده على الحجر األخير الذي لم تمهله الطلقات حتى يرجم به من‬
‫سرق أرضه‪.‬‬
‫ّ‬
‫منه‪،‬وخبأه في جيبه‪،‬وهمس‬ ‫أسرع إلى كف يمين والده‪،‬وفتحه على عجل‪،‬وأنتزع الحجر‬
‫ُ ً‬
‫كبرت‪،‬غدا سأخرج لرجم هذا الحجر في وجه الجنود‬ ‫في أذن والده ‪( »:‬ديبو حبيبي) لقد‬
‫ّ‬
‫الصهاينة»‪.‬‬

‫زيتون‬
‫الصغير وهو يشرح له باهتمام مغزى أهمية ّالدفاع عن بستان‬ ‫األخ األكبر قال ألخيه ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية‪« :‬هذه األشجار ليست أشجارا‬ ‫ّالز يتون الذي يملكون في أعالي جبال جرزيم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كما تبدو‪،‬كل شجرة تنمو على قبر فدائيّ‪،‬فكل فدائيّ عندما يموت يصبح شجرة زيتون»‪.‬‬
‫الصغير نظرة عجلى في المكان‪،‬فأدرك ّأن بستانه هو ّ‬
‫جبانة عمالقة‬ ‫أجال األخ ّ‬
‫للفدائيين‪،‬شعر بفخر ّ‬
‫ألنه الموكل برعاية هذه القبور األشجار‪،‬وقال بنبرة وقورة موغلة‬ ‫ّ‬
‫مقدس؛فهو شجر الفدائيين الفلسطينيين»‪.‬‬ ‫في اإلدراك‪« :‬ولذلك شجر ّالز يتون هو شجر ّ‬

‫شجرة‬
‫هيونية هاجمت على حين ّغرة أشجار ّالز يتون في حقل ّ‬
‫الحاجة‬ ‫الص ّ‬ ‫المدرعة ّ‬
‫الجرافات ّ‬
‫ّ‬
‫الحاجة‬ ‫ْ‬
‫استنجدت بأثيرتها ّ‬ ‫ّ‬
‫عناء‪،‬الشجرة الكبيرة العمالقة‬ ‫(فريزة)‪،‬خلعت الكثير منها بعد‬

‫‪39‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ّ‬ ‫(فريزة) التي هرولت إليها على ّالرغم من كبر ّ‬


‫سنها‪،‬وغطتها بمالءة رأسها‪،‬وأخذتها إلى‬
‫ّ‬
‫حضنها‪،‬وشدتها إلى عظامها حتى كادت تنغرز فيها‪.‬‬
‫أرضا تسحلها متاريس ّ‬ ‫ً‬ ‫لقد كانت مذبحة لألشجار ّ‬
‫الجرافات‬ ‫الشهيدة التي تهوي‬
‫ّ‬
‫وجنازيرها‪،‬إال ّإن هذه ّ‬
‫الشجرة قد رفضت أن ُتغتال‪،‬انبلج ساقها عن مرقد في‬
‫ْ‬
‫البيضاء‪،‬وانبرت‬ ‫ْ‬
‫ة(فريزة)‪،‬وعصبت أعالي أغصانها بطرحتها‬ ‫ّ‬
‫الحاج‬ ‫ْ‬
‫داخلها‪،‬ابتلعت‬
‫ْ‬
‫األرض‪،‬فعلقت بها‬ ‫الجرافات بجذورها العمالقة التي شلعتها من أعماق تراب‬ ‫تدوس ّ‬
‫صخور وكتل ّ‬
‫ترابية وحجارة‪.‬‬
‫ّ‬
‫الفدائية‪،‬ورفضوا أن يعودوا من‬ ‫الصهاينة من وجه هذه ّ‬
‫الشجرة‬ ‫هرب ّالناجون القليلون من ّ‬
‫الفلسطينية المقاتلة‪،‬وأسموها على حذر وكره ّ‬
‫وتوجس‬ ‫ّ‬ ‫جديد إلى حيث تنتصب ّ‬
‫الشجرة‬
‫ّ‬
‫(الشجرة الملعونة)‪.‬‬

‫الوليد‬
‫ُ‬
‫الحياة‪،‬ولد على المعبر الذي يفصلهم عن أقرب‬ ‫هذا الوليد جاء في يوم رحيل والده عن‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫مشفى‪،‬نزل من بطن ّأمه على إسفلت الشارع العموميّ بعد أن جره الطلق خارج رحمها‬
‫على كره منها‪،‬وهي تنتظر أن ُيسمح لها بأن تصل إلى المشفى‪.‬‬
‫السيارة األجرة التي يستقالنها للوصول إلى‬ ‫الصهاينة أخرجوها وزوجها من ّ‬ ‫الجنود ّ‬
‫أرضا إلذاللهما‪،‬هي ّ‬ ‫ً‬
‫تكومت بعجز على األرض‬ ‫المستشفى‪،‬وأجبروهما على أن يركعا‬
‫ً‬ ‫تكابد صعقات طلق ّ‬
‫تمزق لحمها‪،‬وزوجها رفض أن يركع أمامهم بذل‪،‬فأردوه قتيال‬
‫خطفت شعلة الحياة من صدره‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫بطلقات ّ‬
‫نارية‬
‫غسلت‬ ‫الجدة محمولين على األكتاف؛األم ّ‬
‫الجدة ّ‬ ‫عاد األب واالبن الوليد إلى بيت األم ّ‬
‫ابنها‪،‬وحملته في نعشه ُليصار به إلى قبره ّ‬
‫الجنة‪،‬لم تحزن عليه‪،‬ولم ّتودعه بدمعة‪،‬بل ّودعته‬ ‫ّ‬
‫تحمم حفيدها الوليد وتطعمه‪،‬وتصلح شأنه‪،‬وتنتظره‬ ‫بابتسامة تليق ّبأم شهيد‪،‬وانكفأت ّ‬
‫الشهيد الذي قتله ّ‬
‫الصهاينة في يوم مولده‪.‬‬ ‫ليكبر كي يأخذ بثأر ابيه ّ‬

‫‪40‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫َ‬
‫ص َم ْم‬
‫ّ‬ ‫ً ّ ً‬ ‫صغيرا بضربة شمس‪،‬أعيا ّ‬ ‫ً‬ ‫أصابه ّ‬
‫صممه‪،‬ولكنه‬ ‫وتكهنا بعالج‬ ‫األطباء عالجا‬ ‫الصمم مذ كان‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سمعه‪،‬وفضل الهدوء المطلق على صوت جعجعة الغرباء‬ ‫يسترد‬ ‫ظل أصم‪.‬لم يحلم بأن‬
‫يتمنى لو يستطيع أن يسمع صوت طفله ّ‬
‫الصغير‬ ‫فلسطين‪،‬لكنه كان ّ‬
‫ّ‬ ‫ونعيقهم في وطنه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تميز بجميل ترتيله للقرآن الكريم‪،‬أراد برغبة متفجرة أن يسمعه يرتل القرآن ولو ّ‬
‫لمرة‬ ‫الذي ّ‬
‫الصمم حال دون تحقيق رغبته‪.‬‬ ‫واحدة في حياته‪،‬لكن ّ‬
‫ّ‬
‫ليسمعه‪،‬التفجير نفذ من‬ ‫تفجير كبير في باحة الحيّ ّهز أركان البيوت‪،‬فاخترق أذنه‬
‫أذنيه‪،‬وعبث بضلوع صدره‪،‬وشلع قلبه‪،‬اآلن عاد يسمع من جديد‪،‬لقد سمع صوت االنفجار‬
‫الصوت المالئكي في زاوية حفظ القرآن الكريم‪.‬‬ ‫الذي اغتال ابنه الوحيد ذا ّ‬
‫صيد‬
‫الصيد واألكل والبيع‬ ‫البحر اعتاد على كالمهم وترانيمهم وأحالمهم وطقوسهم في ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫والشراء‪،‬حتى دعاؤهم في لحظات هيجانه يطربه‪،‬ويجعله يضحك كثيرا من كلماتهم‬
‫الساحل‬‫السنين يعشق أهل ّ‬ ‫المستدرة لستره ورحمته وعطاياه‪.‬هو يعشقهم‪،‬من اآلالف ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينيّ الذي عقد معهم حلف ّ‬
‫محبة منذ األزل‪.‬‬
‫وأسى ّلباد شعره المائيّ المخضوضر بزبد‬ ‫ّ‬
‫معاناتهم‪،‬ويحرك بحزن ً‬ ‫البحر يحفظ تفاصيل‬
‫الصيادين من الوصول له‪.‬‬ ‫الصهاينة ّ‬ ‫زلق ّكلما منع ّ‬
‫الصيادين الفلسطينيين قصصه ودرره وحنانه والكثير من‬ ‫هو ّيدخر ألصدقائه ّ‬
‫طويال على صوت غنائهم الذي يدغدغ حبوره ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المتسع‪.‬‬ ‫مك‪،‬ويترنم‬ ‫الس‬
‫الصيادين الفلسطينيين ال يستطيعون أن يقتربوا منه‬ ‫اآلن هو يعيش وحدة مؤلمة وهو يرى ّ‬
‫بلجة عمالقة إلى صدره‪،‬ويغور‬ ‫المهجورة‪،‬ويضمها ّ‬
‫ّ‬ ‫الصهاينة‪،‬يحتضن سفنهم‬ ‫بحرمان من ّ‬
‫في أعماق مائه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الصباح رأى الصهاينة يغيرون على لججه‪،‬ويحاولون أن يسرقوا سفن الصيادين‬ ‫ّ‬ ‫هذا ّ‬

‫‪41‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ً‬
‫انتصارا ألولئك ّ‬
‫الصيادين المسالمين‪،‬يرفع سفنهم إلى أعلى هضاب‬ ‫الفلسطينيين‪،‬يغضب‬
‫ّ‬
‫هاينة‪،‬فيردهم من جديد قردة وخنازير ّ‬
‫بحرية‪،‬ويرسلهم يسعون‬ ‫لججه‪،‬ويخسف البحر ّ‬
‫بالص‬
‫ً‬
‫في البحر طعاما لوحوشه وأسماكه‪.‬‬
‫الصيادين في خليج صغير في ّ‬‫كثيرا إذ ُيرسي سفن ّ‬‫ً‬
‫الساحل في انتظار‬ ‫يضحك البحر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصيادين أصحاب أغاني الصيد وترانيم السمك‪.‬‬ ‫أصدقائه ّ‬

‫القائد‬
‫ّ ّ‬ ‫هو قائده األعلى في البيت ّ‬
‫المخيم‪،‬يقلده كيفما ّاتفق‪،‬ويفرح إن رأى‬ ‫والشارع وزقاق‬
‫في عينيه نظرة رضا عنه‪،‬هو أخوه األكبر‪،‬يكبره بعامين فقط‪،‬وبذا يكون عمره سبعة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫معلمه ّ‬
‫وعرابه وقائده‪.‬‬ ‫أعوام‪،‬ولكنه ّيتخذه‬
‫تأخر لحظة عن إطاعة‬ ‫ألنهم أشرار‪،‬فما ّ‬‫الصهاينة بالحجارة ّ‬ ‫أمره بأن يرجم الجنود ّ‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫بالفخر؛ألنه يطيع أخاه(عبد الله) قائده‬ ‫صهيونيا بحجر برقت عيناه‬ ‫أوامره‪،‬فكلما رجم‬
‫األعلى في الحياة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هاينة‪،‬ويفر هاربا كعادته‪،‬ولكن يدا عمالقة مشعوعرة هدمت‬ ‫كاد يظفر بغنيمة رجم الص‬
‫ّ‬
‫كتفه عندما أمسكت به‪،‬وفي طرفة عين كبلته أيدي الجنود‪،‬وأمرته بأن يعترف باسم من‬
‫ّ‬
‫س‪»:‬إنه أخي‬ ‫حرضه على رجمهم‪،‬لم يراوغ في اإلجابة‪،‬وقال بفخر طفوليّ عريض ّ‬
‫متحم‬ ‫ّ‬
‫(عبد الله) من أمرني بذلك»‪.‬‬
‫ّ‬
‫المخرب‬ ‫ّ‬
‫تحركت جنود حانقة وآليات مصفحة كي تنشب أظفارها في عنق(عبد الله )‬ ‫ّ‬
‫ً ً‬
‫كما نعتوه‪.‬حاصروا بيته‪،‬وأمروا (عبد الله) عبر األبواق بأن يخرج لهم مستسلما رافعا يديه‬
‫حفاظا على حياة أخيه األصغر المنشبة أظافرهم ّ‬
‫الش ّ‬ ‫ً‬
‫يطانية في رقبته‪،‬وحماية لبيته الذي‬
‫ً‬
‫سينسفونه دون ّتردد إن مضت ثالثون ثانية دون أن يخرج إليهم مستسلما‪.‬‬
‫ً‬
‫رافعا يديه إلى أعلى‪،‬وأصابع ّ‬
‫كف يمينه تمسك مصاصة حلوى‬ ‫سرعان ما خرج (عبد الله)‬
‫ً‬
‫يشفق أن تقع منه أرضا‪ ،‬فيخسرها‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫ّ‬ ‫ً‬
‫أخيرا قبض الجيش ّ‬
‫الصهيونيّ على القائد األعلى للمقاومة‪،‬واسمه الطفل(عبد الله) ذو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السنين ّ‬
‫ّ‬
‫ومصاصة الحلوى!‬ ‫السبع والبنطال الطفوليّ القصير‬

‫إسعاف‬
‫الصهيونيّ‪،‬هي ليلة وحيدة خائفة‬ ‫هي ليلة مثل ّكل ليالي الفلسطينيين تحت القصف ّ‬
‫يعيشها أهالي المدينة تحت فيضان من ّالنار والحديد والحصار الخانق‪.‬‬
‫يصمم على أن ينقل المصابين بصحبة طاقمه ّالتمريضي على‬ ‫(هاشم أبو الخير) المسعف ّ‬
‫ّالرغم من استحالة االستمرار في ذلك تحت وابل جهنميّ من ّالنيران التي تمطرهم بالموت‬
‫ّ‬
‫والنار والجزع‪.‬‬
‫ً‬
‫سريعا ما التهم الوابل طاقمه‪،‬ولم يعد يملك سوى عزيمته ومقود سيارة اإلسعاف التي‬
‫ْ‬
‫أصحابها‪،‬وتاهت عنهم‪.‬‬ ‫تكدست بآهات الجرحى واألشالء التي فقدت‬ ‫يقودها‪،‬وقد ّ‬
‫ً‬
‫عتية اقتلعت رأسه من فوق جسده‪،‬تطاير الرأس بعيدا غير آبه بآالم ّالتدحرج‬
‫قذيفة هوجاء ّ‬
‫فاستمر يقود سيارة اإلسعاف بإصرار وشجاعة ليوصل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مشتعلة‪،‬أما الجسد‬ ‫على حصى‬
‫المصابين إلى أقرب مستشفى فلسطينيّ‪.‬‬
‫ُ‬
‫أخوة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اعتاد أن يقرأ سورة الملك على نفسه كلما خرج ممتطيا عزمه‪،‬شاهرا إباءه‪،‬حامال‬
‫ّ ً‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ً‬ ‫ّ ً‬
‫جيدا‪.‬‬ ‫عدوا واحدا يعرفه‬ ‫روحه‪،‬محقرا الحياة الذليلة‪،‬ليقاتل‬ ‫بندقيته‪،‬مرخصا‬
‫عنة‪،‬وسب ّكل من دفعه إلى أن يحمل ّ‬
‫السالح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّأما هذا ّ‬
‫الصباح فقد قرأ على نفسه أسفار الل‬
‫ً‬ ‫في وجه أخيه الفلسطينيّ‪.‬هوال يفهم ّ‬
‫السياسة‪،‬ويمقتها كثيرا‪،‬ويرفض أن ُيطلق الموت‬
‫الفكري تحت ألوية صراعات الفصائل‬ ‫ّ‬ ‫السياسيّ أو‬ ‫على صدر فلسطينيّ مهما خالفه ّالرأي ّ‬
‫الفلسطينية المتناحرة على سدانة المراكز ّ‬
‫والنفوذ واالمتيازات‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫بيته‪،‬وخبأ‬ ‫رفض أمر القتال أكثر من ّمرة‪،‬وعندما ُدفع دفعا إلى ساحة نحر األخ‪،‬اعتكف في‬

‫‪43‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫عدوه ّ‬
‫الصهيونيّ‪.‬‬ ‫سالحه ورصاصته ألجل ّ‬
‫ُ‬
‫أ ّبوة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫زوجته(عزة)ال من امرأة أخرى‪،‬أنفق‬ ‫يحلم منذ سنين باأل ّبوة‪،‬يريد أن يكون أبا لطفل من‬
‫الصناعي على أمل‬ ‫عمليات ّالتلقيح ّ‬
‫بكد جبينه ألجل إجراء ّ‬ ‫ّكل ما حصل عليه من مال ّ‬
‫ّ‬
‫عملية ّالتلقيح تؤول في كل ّمرة إلى خيبة أمل تجرجر‬ ‫أن يحظى بكلمة بابا في يوم ما‪.‬لكن ّ‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫فلسطينيا كما تلد ّالنساء في‬ ‫أذيالها الثقيلة على صدره وصدر زوجته التي تحلم بأن تلد‬
‫وطنها الفلسطينيين ألجل ّالنضال‪.‬‬
‫ظلت ّتدخر المال مع زوجها ألجل المزيد من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عمليات ّالتلقيح‬ ‫ظل يحلم باألبوة‪،‬وهي‬
‫الصناعي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الصهيونيّ على المدرسة التي تعمل زوجته فيها محاسبة في‬ ‫العدو ّ‬
‫يشنه ّ‬ ‫جوي ّ‬ ‫هجوم ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫اإلداري يحصد أرواحا كثيرة‪،‬وروح زوجته من تلك األرواح‪.‬‬ ‫القسم‬
‫لقد غادرته دون وداع ودون ولد له منها‪،‬وجد في حقيبة يدها بعد انقضاء عزائها ورقة‬
‫تبشر بحملها‪،‬لقد كانت ّمؤرخة بيوم استشهادها‪،‬ال ّبد ّأنها كانت ستخبره‬ ‫تحليل حمل ّ‬
‫باألمر فور عودتها من عملها في يوم مقتلها‪،‬لقد قتلوها وقتلوا ابنهما في أحشائها‪،‬لقد‬
‫جوي في أحشاء ّأمه‪،‬وحرمه من أن يقول ألبيه‬ ‫الشهيد الذي أغتاله عدوان ّ‬ ‫أصبح اآلن أبا ّ‬
‫لمرة واحدة في حياته‪.‬‬ ‫كلمة بابا ولو ّ‬

‫شجرة عائلة‬
‫منهن شجرة ّ‬
‫عائلية‬ ‫الصغيرات بأن ترسم ّكل واحدة ّ‬ ‫ياضيات طالباتها ّ‬ ‫ّ‬
‫معلمة ّالر ّ‬ ‫كلفت‬
‫ّ‬
‫رياضي ًا بشكل عمليّ معنى ّالتوالد ّ‬
‫والت ّفرع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ً ًّ‬
‫منزليا كي يعرفن‬ ‫واجبا‬
‫عائلية كبيرة بمساعدة ّأمها ّ‬‫الصغيرة رسمت شجرة ّ‬ ‫الفلسطينية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وجدتها ألبيها‬ ‫الطفلة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يسكن في ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأزواجهن‬ ‫بيوتهن‬ ‫بيتهن منذ أفقدهن االحتالل‬ ‫وعمتها وزوجة خالها اللواتي‬

‫‪44‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫ّالراعين ّ‬
‫لهن‪.‬‬
‫ً‬ ‫الفلسطينية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصغيرة األكثر فخرا بين زميالتها وهي تحمل‬ ‫في اليوم الثاني كانت الطفلة‬
‫عائلية تتوافر على أعداد كبيرة من المجاهدين واألبطال ّ‬
‫والشهداء والمعتقلين‪.‬‬ ‫شجرة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اختالت بشجرتها ّ‬
‫العائلية‪،‬ولم تلجم خيالءها إال عندما رأت كل زميلة من زميالتها تحمل‬
‫ً‬ ‫ً ّ ً‬ ‫ّ‬
‫وتفرعا وازدحاما‪.‬‬ ‫شجرة مشابهة لشجرتها‪،‬وال تقل عنها امتدادا‬
‫بصمت‪،‬وبرت قلمها‬‫ْ‬ ‫تفوقها‪،‬وجلست في مقعدها‬ ‫عندها رضيت بهزيمة عدم ّ‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫شجرتها‪،‬وبدأت تكتب بأناة واهتمام أسماء‬ ‫صاص‪،‬وغدت ترسم فروعا جديدة ألغصان‬ ‫ّالر‬
‫بناتها وأبنائها المنتظرين الذين ستنجبهم في المستقبل ليجعلوا شجرة عائلتها األكبر‬
‫ً‬
‫تضحية ونضاال‪.‬‬

‫شهيد‬
‫ٌ‬ ‫ًّ‬ ‫ْ‬
‫وشابة‪،‬أحد منهم لم يكن ابنها‬ ‫شابا‬ ‫نذرت حياتها وأحزانها وشبابها لتربية سبعة عشر‬
‫ً‬ ‫الذي ُزرع في رحمها حتى ّ‬
‫تكون‪،‬وغادره ليرى الحياة انطالقا منه‪،‬فجميعهم أوالد‬
‫أخت معتقلة أو بيت هدمه االحتالل‬ ‫ّ‬
‫أخواتها وإخوانها الذين ربتهم في غياب أب شهيد أو ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الصهيونيّ‪،‬إال (رمزي) فهو ابنها دما ولحما ورحما‪،‬فهو تذكارها ّالنفيس من زوجها‬ ‫ّ‬
‫ً‬
‫الحبيب الذي ابتلعه ّالنضال الفلسطينيّ في لبنان‪،‬فلم يعد أبدا‪،‬قيل لها ّإنه حيّ يرزق في‬
‫إحدى بقاع ّالدنيا‪،‬يعيش لهدف واحد وهو تدريب أشبال ّالنضال الفلسطيني ّ‬
‫ّ‪،‬لكنها تعرف‬
‫ّأنه في بطن األرض ال على وجهها‪،‬فال شيء غير الموت يمنعه من أن يرى ابنه(رمزي)‬
‫ًّ‬
‫وحبا لوطنه‪.‬‬ ‫الذي خرج على شاكلة والده شجاعة وطيبة‬
‫الصهاينة بعد قتل المستوطنين لخمسة‬ ‫انتقامية من ّ‬
‫ّ‬ ‫خرج(رمزي) منذ أيام في ّ‬
‫عملية‬
‫مهمة االنتقام‪،‬ولكن (رمزي) لم يعد منذ خرج إلى أن‬ ‫أطفال من بلدتهم‪،‬لقد نجحت ّ‬
‫ّ ً‬ ‫أعاده ّ‬
‫مكوما في كيس بالستيكيّ أسود‪،‬عرضوه على نساء الحيّ كي يكتشفوا‬ ‫الصهاينة‬
‫هويته كي ينتقموا من أهله أجمعين كعادتهم‪،‬فيعتقلون أهله‪،‬وينسفون بيته‪،‬ويلقون بأسرته‬ ‫ّ‬

‫‪45‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫هربا من انتقام ّ‬‫ً‬ ‫ّ‬


‫معرفتهن ّ‬ ‫ً‬ ‫في ّ‬
‫الصهاينة منهم‬ ‫بهويته‬ ‫الشارع‪.‬لكن نساء الحي أنكرن جميعا‬
‫ً‬
‫بأي فدائيّ ُيستشهد أو يقوم‬ ‫جميعا منذ زمن على إنكار معرفتهم ّ‬ ‫ومن أهله‪،‬لقد ّاتفقوا‬
‫بالضعفاء ّ‬
‫والعزل‪.‬‬ ‫الصهاينة ّ‬‫فدائية كي ينجو الباقون من بطش ّ‬
‫بعملية ّ‬
‫ّ‬
‫ه‪،‬تحسست رحمها من‬ ‫ّ‬ ‫آخر بيت في الحي كان بيت عائلة (رمزي)‪،‬عرضوه على ّأم‬
‫للصهاينة بكبرياء ال يركع لدمعة أو صرخة فجيعة‪،‬وال يقبل‬ ‫ْ‬
‫بلوعة‪،‬وقالت ّ‬ ‫فوق بطنها‬
‫أن ُيباد الجميع في لحظة صرخة من قلبها ّالدامي‪»:‬لم أره من قبل في حياتي‪،‬ال أعرفه‬
‫ً‬
‫أبدا‪،‬جميعنا هنا ال نعرف من يكون»‪.‬‬

‫عروس البحر‬
‫غزة تناجيه‪،‬وتهمس له‪،‬بينها وبينه أسرار وحكايات ال‬ ‫منذ طفولتها كانت تلجأ إلى بحر ّ‬
‫ّ‬
‫عرائسه‪،‬وأنها غادرته لسبب تجهله‪،‬وسوف تعود إليه‬ ‫ظنت ّأنها عروس من‬ ‫تذاع‪.‬لطالما ّ‬
‫المائية الجميلة حيث ال عدو صهيونيّ يقصفها‪،‬وال حصار‬ ‫في يوم ما لتعيش في ممالكه ّ‬
‫يخنقها‪،‬وال ظلم أو فقر أو بطالة أو مرض بسبب االحتالل ّ‬
‫الصهيونيّ يهصرها‪.‬‬
‫ّ‬
‫جدتها ألبيها‪،‬وهذا االسم يؤكد لها ّأنها من ساللة عرائس‬ ‫(حورية) على اسم ّ‬
‫ّ‬ ‫اسمها‬
‫ّ‬
‫المائية التي‬ ‫تردد على صديقاتها بأصولها‬ ‫البحر ال من ساللة اإلنس‪.‬تختال بال ّ‬
‫أغان‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫تفترضها‪،‬وصديقاتها يقبلن أكاذيبها وأوهامها مادامت ستغني لهن ما يطلبن من ٍ‬
‫داثرة بصوتها الحنون العميق كهدير بحر دافئ في ليلة ّ‬
‫صيفية‪.‬‬
‫حيها واألحياء‬ ‫الصهيونيّ تقصف ّ‬ ‫العدو ّ‬
‫لم تكن عند حبيبها البحر عندما بدأت طائرات ّ‬
‫ً‬ ‫المحيطة به دون رحمة‪،‬بل كانت في ّ‬
‫السوق المتاخم له‪،‬المباني التي هبطت أرضا وأشالء‬
‫القتلى من شعبها الفلسطينيّ أوصدت أمامها دروب العودة إلى بيتها‪،‬لم تجد أمامها سوى‬
‫درب البحر لتسلكه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كانت جريحة بشظايا أصابتها في جسدها دون قدميها‪،‬ولكن الخوف نفث فيها قوة ال‬

‫‪46‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫الطائرات توغل في قصف المباني ّ‬‫ّ‬


‫والشوارع‬ ‫تفتر تدعوها للهروب إلى حبيبها البحر‪،‬كان‬
‫مهب عاصفة ّ‬ ‫يتحرك أو ال يتحرك‪،‬وهي تطير أمامها كريشة صغيرة في ّ‬ ‫ّ‬
‫جهن ّمية‪.‬‬ ‫وكل ما ّ‬
‫ّ‬
‫ما كادت تصل إلى البحر الذي يضطرب سطحه بأزيز الطائرات حتى أصابتها قذيفة‬
‫ْ‬
‫بألم‪،‬وفاضت روحها كزبد بحر‪،‬لقم البحر الباقي‬ ‫ْ‬
‫شعرت‬ ‫ّ‬
‫صهيونية هدرتها أشالء صغيرة‪،‬ما‬
‫من فتات جسدها‪،‬وابتلعه‪،‬وغار به إلى أعماقه ليدفن عروسه الجميلة في أحشائه الحنونة‬
‫الصهيونيّ الذي اغتال عروسه الجميلة ذات ّ‬‫العدو ّ‬ ‫ً‬
‫بعيدا عن ّ‬
‫الصوت ّالرنان الحنون‪.‬‬

‫جدار‬
‫يحبها‪،‬نقله والده إلى مدرسة أخرى‬ ‫ّ‬
‫العنصري العازل حرمه من مدرسته التي ّ‬ ‫هذا الجدار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫في ظاهر مدن الجدار الفاصل‪،‬لكنه يصمم على أن يذهب إلى مدرسته التي ّ‬
‫يحبها‪،‬يتأبط‬
‫كتبه‪،‬وييمم نحو مدرسته القابعة خلف الجدار‪،‬ويناجي مدرسته‪،‬وعندما ييأس من سماع‬‫ّ‬
‫ً‬ ‫يقرر أن يخترق الجدار العازل‪،‬يدفعه الجنود ّ‬
‫ّأي ّرد منها ّ‬
‫الصهاينة بعيدا عن بوابة العبور‬
‫ّ‬
‫والكالب‪،‬لكنه يأبى أن يبتعد عن ّ‬
‫البوابة‪،‬يطلق الجنود كالبهم‬ ‫المدججة بالحرس ّ‬
‫والسالح‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ّ ّ‬
‫البض الطري دون رحمة‪،‬تقطع الكالب بأنيابها ّالنجسة مزقا‬ ‫المسعورة عليه لتنهش لحمه‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫من لحمه‪،‬تغادره الحياة مسلولة من بين قطع لحمه المنثورة أرضا‪،‬ويظل يحلم بأن يعبر‬
‫بوابة الجدار العازل ليذهب إلى مدرسته التي ّ‬
‫يحبها‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫ُخ ّر ّ‬
‫افية‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫جدتهم ّأن ّ‬
‫تصدق ّ‬‫ال ّ‬
‫الفلسطينية‪،‬ثم لم يعد‬ ‫جدهم (أبا حسن) قد خرج يوما في أيام الموت‬
‫ّ‬
‫وارع‪،‬فتضيع‬ ‫حتى هذه ّاللحظة‪،‬بحثت عنه لسنين دون فائدة‪،‬وكي ال تطير مجنونة في ّ‬
‫الش‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫وجوعا وغربة ووحدة ّقر ْ‬ ‫ً‬
‫عليها‪،‬لكنها ظلت تروي‬ ‫رت أن تحفظ عقلها‬ ‫أبناءها يتما‬
‫(خر ّ‬
‫افية أبي حسن)‪.‬‬ ‫للجميع ّ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخر ّ‬


‫‪ّ -1‬‬
‫الفلسطينية‪.‬‬ ‫افية هي الحكاية باللهجة‬

‫‪47‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ّ‬ ‫(خر ّ‬
‫ظلت تروي ألبنائها وحفدتها ّ‬ ‫ّ‬
‫افية أبي حسن)‪،‬وظلوا يسمعونها دون ملل‪،‬فـ(أبو‬
‫ّ‬ ‫حسن) كان فارس الفوارس الذي يقاتل ّ‬
‫الصهاينة في كل مكان‪،‬وال يموت‪،‬الجميع آمن‬
‫ّ‬ ‫بـ(خر ّ‬
‫ّ‬
‫افية أبي حسن)‪،‬وظلوا ينتظرون عودته كي ينقذهم من عذابهم‪،‬لقد كبروا وهم‬
‫الجد الذي ال يؤوب‪.‬‬‫ينتظرون عودة األب ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عاما عاد ّ‬
‫الجد(أبو حسن) كوما من العظام في كيس قطني أبيض بعد أن‬ ‫بعد ثالثين‬
‫ّ‬ ‫أفرج ّ‬
‫الصهاينة عن رفاته‪،‬دفنه األبناء والحفدة في عزاء مهيب حضره كل من كان يحفظ‬
‫خر ّ‬
‫افية جديدة‬ ‫افية أبي حسن)‪،‬ثم عادوا إلى بيت العائلة ليسمعوا ّ‬
‫الجدة تروي لهم ّ‬ ‫(خر ّ‬
‫ّ‬
‫من ّ‬
‫(خرافيات أبي حسن)‪.‬‬

‫عانس‬
‫ّ‬
‫وأسرارهن‬ ‫ّ‬
‫وأحالمهن‬ ‫مخيالت ّالنساء‬ ‫ّ‬
‫الوردي الذي يطرق ّ‬ ‫لم ْ‬
‫تعد تحلم بذلك الفارس‬
‫ّ‬
‫واحتمالهن‪.‬‬ ‫ّ‬
‫صبرهن‬ ‫ّ‬
‫قلوبهن المشرعة على انتظار شوكيّ ينخز‬ ‫قبل أن يسكن نوافذ‬
‫حلمها الوحيد الغائر في روحها هو أن ترى من خلف نافذة غرفتها مآذن المسجد األقصى‬
‫وقبابه‪،‬وأن تسمع منها صدح اآلذان ّ‬
‫والتكبيرات‪.‬‬
‫تفوق في نفسها على ّ‬
‫حب ّالرجل‬ ‫حبها لمدينة القدس حيث ُولدت وأفراد عائلتها قد ّ‬ ‫ّ‬
‫والنسل والحياة ذاتها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫بالزواج منه‪،‬وكي تبحث عنه خارج مدينتها كان‬ ‫لم تجد في القدس ّالرجل الذي تحلم ّ‬
‫بهوية إقامتها ّالدائمة التي تسمح لها باإلقامة في المدينة؛فالقيود التي‬
‫عليها أن تخاطر ّ‬
‫الصهاينة على عرب مدينة القدس تجعلهم يعيشون في سجن كبير إن خرجوا منه‬ ‫يفرضها ّ‬
‫الضفة ّ‬
‫الغربية أو خارج‬ ‫أحب أحدهم آخر خارج المدينة في ّ‬ ‫ال يمكنهم العودة إليه‪،‬وإن ّ‬
‫فلسطين فهذا يعني أن يخسر لألبد هوية إقامته ّالدائمة في القدس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫في إحدى زياراتها القليلة إلى إحدى العواصم ّ‬
‫جنسية‬ ‫فلسطينيا يحمل‬ ‫العربية عشقت‬
‫بحبها له كي تطير عائدة إلى مدينة القدس‪،‬وال تخسر إقامتها فيها‬ ‫ضحت ّ‬ ‫ّ‬
‫ة‪،‬ولكنها ّ‬ ‫ّ‬
‫عربي‬

‫‪48‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫ما دام من سابع المستحيالت أن تحصل له على هوية أو تصريح إقامة دائمة في مدينتها‬
‫تزوجا‪.‬‬‫إن ّ‬
‫حبها ّ‬
‫األول واألخير في الحياة‪،‬لكن‬ ‫الشتات كان ّ‬ ‫الشاب الفلسطينيّ الذي يعيش في ّ‬
‫ذلك ّ‬
‫حبها اآلدمي الخالد لحبيبها ّ‬
‫المهجر البعيد‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الفطري لمدينة القدس قد انتصر على ّ‬ ‫ّ‬
‫حبها‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫لقد ولى في طريقه خائب األمل بعد أن رفضت ّالزواج به‪،‬وسرقته ّالدروب بعيدا عنها‪،‬كما‬
‫سرقت ّ‬
‫السنون شبابها وآمالها وأحالمها‪،‬لكن ال أحد استطاع أن يسرقها من ّ‬
‫حبها لمدينة‬
‫ً‬
‫القدس التي ال تستطيع أن تعيش بعيدا عنها حتى لو كان ذلك ألجل أن تعيش في حضن‬
‫فارس أحالمها الذي حظي بعشقها‪.‬‬
‫ُ‬
‫قرعة‬
‫الشهر ونيف‪،‬وهي وأطفالها جياع في‬ ‫مستمر منذ أيام طويلة تجاوزت ّ‬
‫ٌّ‬ ‫القصف ّ‬
‫الصهيونيّ‬
‫ُ‬
‫شهر رمضان المبارك كما أهل غزة جميعهم جياع في هذا القصف المحاصر لهم‪،‬أعلن‬
‫منذ لحظات عن هدنة لمدة ساعتين‪،‬هذه فرصتها كي تخرج إلحضار بعض الخضار‬
‫والخبر إلطعام أبنائها األربعة التي يعيشون معها منذ هجرها زوجها‪.‬‬
‫عاما ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫يصمم على أن يخرج بنفسه لشراء‬ ‫ابنها الكبير الذي لم يتجاوز عمره الثالثة عشر‬
‫ّ‬ ‫الطعام المطلوب ّ‬ ‫ّ‬
‫ألن موته في حالة حدوث اختراق للهدنة هو المصيبة األقل على إخوانه‬
‫ّ‬ ‫من فقد ّأمهم إن اغتالتها ّالرصاصات‪،‬وهي ّ‬
‫تصمم على الخروج وشراء الطعام المطلوب‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ألن موتها أهون عليها من أن تراه مقتوال في إحدى الطرقات‪.‬‬
‫بينهما‪،‬ويتفقان على أن يقترعا على من يخرج منهما لشراء المطلوب‪،‬يكتب‬ ‫ّ‬ ‫يطول الجدال‬
‫مربعة‪،‬ويرميان الورقتين على طاولة المطبخ بعد‬ ‫ّكل منهما اسمه على ورقة صغيرة ّ‬
‫الصغيرة تختار ورقة من الورقتين كيفما ّاتفق‪،‬تقرأ األم االسم‬
‫طيهما بشكل متماثل‪،‬االبنة ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫نتقاة‪،‬إنه اسم ابنها المكتوب فيها‪،‬تطوي الورقة على عجل قبل‬ ‫المكتوب على الورقة ُ‬
‫الم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قها‪،‬وتدسها في جيبها‪،‬وتقول ألوالدها بصرامة‪»:‬ال داعي‬ ‫ابنها‪،‬وتمز‬ ‫أن تتسلل إليها عينا‬

‫‪49‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫لخروج أحدنا‪،‬ال يزال عندنا بعض العدس المطحون‪،‬ما رأيكم أن نصنع حساء عدس‬
‫لذيذ؟»‪.‬‬
‫ّ‬
‫قصة ّ‬
‫حب‬
‫الحب المشتعل‪،‬فتعاهدا على‬ ‫يحبان فلسطين‪،‬من صغرهما علقا ّ‬ ‫وتحبه‪،‬وكالهما ّ‬
‫يحبها ّ‬ ‫ّ‬
‫ًّ‬
‫سويا‪،‬حفرا عهدهما على جذع‬ ‫أن يالزم أحدهما اآلخر طوال الحياة‪،‬وأن يرحال عنها‬
‫شجرة زيتون في حقل ّالز يتون الذي تملكه عائلته منذ قرون كثيرة ما عاد يحصيها عددا‪.‬‬
‫المخطط أن يتزوجا في الخريف المقبل‪،‬ولكن ّ‬ ‫ّ‬
‫العدو صادر أرضهما قبل أن يأتي‬ ‫كان من‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫المنتظر‪،‬وجرفها بعد أن اقتلع زيتونها‪،‬ثم ألقمها أطنانا كثيرة من اإلسمنت لتكون‬ ‫الخريف‬
‫ّ‬
‫أساسات لمستدمرات صهيونية تأوي الغرباء الغاصبين‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّقررا في لحظة عشق كاملة أن يمضيا في درب عشقهما األكبر‪،‬بحزامين ناسفين فجرا‬
‫ّ ً‬
‫مقدسا فوق‬ ‫البيوت المستدمرة الوليدة فوق أرضهما بمن فيها من الغرباء‪،‬وتناثرا هباء‬
‫ً‬
‫أرضهما التي ماتا عشقا لها‪.‬‬

‫قدمان‬
‫ضد تدنيس المسجد األقصى‬ ‫الصهيونيّ في اعتصام طالبيّ ّ‬
‫العدو ّ‬
‫خسر قدميه برصاص ّ‬
‫ً‬
‫والحفر تحته تمهيدا لهدمه‪،‬وخسر مع خسارة قدميه دراسته في جامعة ّالنجاح لعجزه عن‬
‫(بهية)‬ ‫حريته وقدرته على الحركة وحلمه ّ‬
‫بالزواج من ابنة خالته ّ‬ ‫الذهاب إليها‪،‬كما خسر ّ‬
‫ّ‬
‫عليه‪.‬لكنه لم يبال ّ‬ ‫ً‬ ‫أحبها منذ طفولته‪،‬وتأبى عليه نفسه أن ّ‬
‫التي ّ‬
‫بأي من‬ ‫ِ‬ ‫تتزوج به عطفا‬
‫خسائره‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أمضى أشهرا يصنع له قدمين من خشب الز يتون‪،‬وعندما انتهى من صناعتهما امتطاهما‬
‫ً‬
‫احتجاجا ّ‬
‫ضد‬ ‫بفرح‪،‬وقصد المسجد األقصى ليشارك – من جديد‪ -‬باعتصام خارجه‬
‫العدو ّ‬
‫الصهيونيّ‪.‬‬ ‫تدنيسه من ّ‬

‫‪50‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫فيلم خياليّ‬
‫ً‬
‫متسمرين مشدوهين أمام شاشة ّالتلفاز يحضرون فيلما ال يمكن أن‬ ‫جلس خمستهم ّ‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خياليا‪،‬رأوا األطفال في الفيلم يلبسون‬ ‫يعدوه بعرف طفولتهم ولغة حرمانهم إال فيلما‬
‫ّ‬
‫بأمان‪،‬ويربون العصافير الجميلة‬ ‫المالبس ّالزاهية في العيد‪،‬ويذهبون إلى المدارس‬
‫الصنع منصوبة على شرفات منازلهم‪.‬‬ ‫خشبية دقيقة ّ‬
‫المغردة في أقفاص ّ‬‫ّ‬
‫رأوا اآلباء يذهبون إلى العمل فرحين نشيطين‪،‬ويعودون في المساء إلى بيوتهم ّ‬
‫محملين‬
‫ّ‬ ‫السمر‪.‬رأوا ّ‬ ‫النقدية وحكايا ّ‬
‫ّ‬
‫األمهات يصنعن الطعام بترنيمات‬ ‫بالحلوى واألمل واألوراق‬
‫أب شهيد أو أخ معتقل أو أب مطارد‪.‬كانت حياة رغيدة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفرح‪،‬وال يتشحن بالسواد على ٍ‬
‫ال يعرفونها في وطنهم فلسطين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الطفل ّ‬‫ّ ّ‬
‫الصغير على أن ينزع نفسه من لذة متابعة الفيلم الخياليّ‪،‬وسأل أمه بعتاب‬ ‫تجرأ‬
‫ممطوط‪« :‬لماذا يا أمي ال نعيش حياة جميلة مثل هؤالء األطفال؟!»‬
‫رت األم قسمات وجهها كي ّتتقنع خلف خشونة صلبة مصنوعة بدل أن تغرب في‬ ‫ّكد ْ‬
‫فلسطين‪،‬والعدو ّ‬
‫الصهيونيّ يكره األطفال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫له‪»:‬ألننا نعيش في‬ ‫نواح محرور‪،‬وقالت‬
‫الفلسطينيين»‪.‬‬
‫العدو ّ‬
‫الطفل من جديد ّأمه بدهشة‪« :‬لماذا يكره ّ‬ ‫ّ‬
‫الصهيونيّ األطفال الفلسطينيين‬ ‫سأل‬
‫يا ّأمي؟!»‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حزن‪،‬وقربت ركبتيها من بعضهما‪،‬وأهبطت‬ ‫الفلسطينية‪،‬وعقدت حزنا فوق‬ ‫تنهدت األم‬
‫ّ‬
‫له‪»:‬ألنكم أملنا وأمل تحرير فلسطين‪،‬أنتم‬ ‫ْ‬
‫عليهما‪،‬وطبعت قبلة على جبينه‪،‬وقالت‬ ‫طفلها‬
‫من سوف تطردوهم من وطننا عندما تكبرون»‪.‬‬
‫ّ‬
‫عيد أم‬
‫األم‪ّ ،‬‬
‫وأمها قد رحلت إلى العالم اآلخر بقصف صهيونيّ اغتالها وسريرها‬ ‫اليوم هو عيد ّ‬

‫‪51‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫وبيتها الذي بنته بسنين من ّالتعب ّ‬


‫والكد والحرمان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫اعتادت أن تهدي ّأمها زهرة في كل عيد ّأم‪،‬وأن تلقي بنفسها في حضنها الكبير الدافئ‬
‫المليء ّ‬
‫بالشحم والحب ورائحة البرتقال الفلسطينيّ الذي تعمل في بياراته ليل نهار‪.‬‬
‫ْ‬
‫الموت‪،‬رسمت بقطعة‬ ‫ّقررت أن تهدي ّأمها زهرة عيدها‪،‬وأن ترتمي في حضنها رغم أنف‬
‫ْ‬
‫ة‪،‬واستلقت في‬ ‫جير أبيض دائرة كبيرة على أمها األرض‪،‬هي دائرة بحجم حضن ّأمها ّ‬
‫اآلدمي‬
‫ً‬ ‫حضنها‪،‬وتكو ْ‬
‫ّ‬
‫المضمخة برائحة البرتقال‪.‬‬ ‫تشم رائحة ّأمها‬
‫أرضا كما الجنين‪،‬وطفقت ّ‬ ‫رت‬ ‫ّ‬

‫ُ‬
‫لهاث‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫بالزواج في ّ‬
‫الحالمون ّ‬
‫غزة جميعهم أكانوا نساء أم رجاال يلهثون قسرا في مساحة صغيرة‬
‫حد اعتصارهم‪.‬‬ ‫ضيقة إلى ّ‬‫وأحالم كبيرة غدت ّ‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫هو مثلهم يعيش عذابا قاهرا موصوال اسمه توفير طلبات ّالزواج‪،‬ما عاد يحلم ببيت جميل‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫فاره وعرس بهيج وحفلة حاشدة‪،‬كل ما يبغيه اآلن أرضا غرفة بـ(سمر) حبيبته وابنة‬ ‫وأثاث ٍ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫خاله‪،‬يريد سقفا يظلهم‪،‬ويسير فرح ومالبس ساترة وحضور مشاركين وفق ما ّ‬
‫تيسر من‬
‫الصهيونيّ‪.‬‬‫المتسرب من خنق العدو ّ‬‫ّ‬ ‫فتات األحزان واالنتظار‬
‫ّ‬
‫اللهاث يسكن روحه‪،‬ويبتلعه‪،‬ويجعل منه لعبته في عالم الوهم‪،‬ال غرفة موجودة‬
‫للشراء في األسواق المحاصرة منذ سنوات‪،‬وال نقود لتيسير‬ ‫لالستئجار‪،‬ال سلع موجودة ّ‬
‫ّ‬
‫األمور‪،‬وال عمل متوفر‪،‬وال مدعوين إلى عرس يستطيعون حضور زفافه بسبب حلقات‬
‫والدروب المغلقة المميتة‪.‬‬‫الحصار والحظر واالغتيال واالعتقال ّ‬
‫ّالدروب جميعها مغلقة في وجهه وفي وجه زواجه من حبيبته (سمر) التي بدأت‬
‫العنوسة تأكل أملها كما تأكل آمال معظم أصدقائه وأقاربه وأترابه ومعارفه الذين يحلمون‬
‫الصهيونيّ على تالبيب روحها منذ‬ ‫العدو ّ‬ ‫بالزواج المستحيل في هذه المدينة التي يطبق ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫لتظل ّ‬
‫تتنفس الهواء على ّذمة الحياة‪.‬‬ ‫سنوات‪،‬وتناضل باستبسال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يفاجئ (سمر) وهي تجلس أمام بيتها المتهاوي‪،‬وتطل على بحر غزة تطعمه حزنها‪،‬يقترب‬

‫‪52‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫ّ‬
‫منها‪،‬ويهمس في أذنها التي تتوارى خلف جديلتها الكثاء‪»:‬أتتزوجينني؟»‬
‫جك»‪.‬‬‫نعم‪،‬أتزو َ‬
‫ّ‬ ‫تبتسم له‪،‬وتهتف بسرور دون ّ‬
‫تردد‪»:‬‬
‫‪«-‬لكن ال غرفة أستطيع أن ّ‬
‫أؤمنها لزواجنا»‪.‬‬
‫‪«-‬نتزوج هنا على ساحل البحر‪،‬ونعيش بين صخوره»‪.‬‬

‫مدرسة‬
‫يحب أن يغادرها على ّالرغم من‬ ‫المدرسة هي المكان األقدس في عوالمه جميعها‪،‬ال ّ‬
‫الطالبي الخانق فيها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولكنه‬ ‫األساسية واالزدحام‬ ‫بنائها القديم وافتقارها لجل الخدمات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يعشقها‪،‬هي دربه إلى أن يصبح طبيبا كما يحلم دائما‪،‬وكما تريده ّأمه أن يكون عندما يكبر‪.‬‬
‫ً‬ ‫صفه ّ‬ ‫ّ‬
‫الصغير أصبح أكثر اكتظاظا بعد أن أصبح مكان إقامة له وألسرته ولبضع عائالت من‬
‫ً‬ ‫الصهيونيّ ّ‬ ‫العدو ّ‬
‫أقاربه وجيرانه بعد أن قصف ّ‬
‫حيهم‪،‬وألجأهم جميعا إلى العراء‪.‬‬
‫ّ‬
‫منظمة اإلغاثة ّالد ّ‬
‫ولية التي تمتلك مدرستهم سمحت للمنكوبين الذين فقدوا بيوتهم بأن‬
‫يقيموا في المدرسة إلى حين ميسرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اآلن ّ‬
‫صفه أصبح بيتا لهم أجمعين‪،‬لم يظل من مالمحه الصفية سوى سبورة خضراء باهتة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رياضية تركها معلمهم مصلوبة على اللوح كي ينقشها الجميع في‬ ‫عليها بضعة أسئلة‬
‫ً‬ ‫ً ًّ ّ‬
‫كراريسهم واجبا بيتيا لعلهم يجدون حلوال لها‪.‬‬
‫لحلها بسبب القصف اإلبليسيّ الذي أمطرهم ّ‬ ‫ّ‬
‫الصهاينة به‪،‬وقد فقد‬ ‫لم تتح الفرصة له‬
‫ّ‬
‫دفاتره وكتبه وحقيبة مدرسته في هذا االعتداء اإلبادي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫طويال في األسئلة ّ‬ ‫ً‬ ‫منذ ّأيام وهو ّ‬
‫المطرزة بعناية على السبورة‪،‬اآلن استنار عقله بنور‬ ‫يحدق‬
‫ّ‬ ‫المعلقة على ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يقوده إلى اإلجابات ّ‬
‫السبورة يحلها بتركيز‬ ‫حيحة‪،‬ينقض على األسئلة‬ ‫الص‬
‫ً ّ ً‬
‫مميزا عندما يكبر‪.‬‬ ‫واهتمام يليق بفتى فلسطينيّ يريد أن يدرس‪،‬وأن يجتهد ليصبح طبيبا‬

‫‪53‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫وجه‬
‫اعتاد على أن يرى وجهه البريء األسمر الهادئ المغرق في صمت عميق وهو يراقب عن‬
‫الصهاينة عبر األسالك ّ‬
‫الشائكة التي ُتحيط ببيوتهم‪،‬وتفصلهم عن‬ ‫بعد أطفال المستعمرين ّ‬
‫بستان ّالز يتون الباقي الوحيد لهم بعد مصادرة أرضهم وأراضي أقاربهم وأراضي الكثير من‬
‫أهل قريتهم لبناء هذه المستدمرة‪.‬‬
‫ً‬
‫يراقب األطفال طويال دون ملل‪،‬يتابع حركاتهم وسكناتهم جميعها‪،‬ويتفحص ألعابهم‬
‫ْ‬
‫منه‪،‬ويربت على‬ ‫ّ‬
‫نة‪،‬ويحرك لسانه بتمتمات خفيضة غير مفهومة‪،‬يقترب‬ ‫الجميلة ّ‬
‫الملو‬
‫ّ‬
‫هو‪،‬لكنه متأكد من ّأنه قد رأى وجهه‬
‫ّ‬ ‫كتفه‪،‬يحدق في وجهه‪،‬هو ال يعرف ابن من يكون‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫لينصب على شعر‬ ‫كثيرا في دروب القرية‪،‬يسأله بعطف ينزلق إليه من جسده المديد الطول‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ربتا‪« :‬هل ّ‬‫ً‬
‫تتمنى أن تكون عندك ألعاب جميلة مثلهم؟ هل تريد أن تذهب للعب‬ ‫رأسه‬
‫معهم؟»‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫يحرك الطفل رأسه يمنة ويسرة مومئا ّ‬ ‫ّ‬
‫بالرفض‪،‬ويقول‪« :‬أنا ال أريد أن أذهب للعب‬
‫معهم‪،‬أنا أقف هنا ألحصي األرض التي سرقوها ّمنا ليلعبوا عليها‪،‬هناك شجرة زيتون‬
‫صغيرة من زيتونات حقلنا ال تزال على قيد الحياة‪،‬أنا من زرعها هناك قبل أن يسرقوا‬
‫األرض ّمنا‪،‬أريد أن أسترجعها في يوم ما»‪.‬‬

‫نفق‬
‫المصرية بشكل ّ‬
‫سري‬ ‫ّ‬ ‫ّالنفق هو من سرق ّأمه‪،‬لقد ْ‬
‫عبرت وأخوها خالله إلى األراضي‬
‫وغير قانونيّ كي تعالج أخاه من المرض العضال الذي يفترسه‪.‬كان يجب أن تعود عبره بعد‬
‫غزة قد ّدمر هذا ّالنفق‪،‬وقطع ّالدرب‬ ‫أسبوعين من ذهابها‪،‬ولكن القصف ّ‬
‫الصهيونيّ على ّ‬
‫دون رجعتها‪.‬‬
‫ّ‬
‫كل يوم يقف على عين ّالنفق التي غمرها ّالتراب‪،‬وأخمد أنفاسها‪،‬ودفنها في داخل‬

‫‪54‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫ّالتراب‪،‬ينتظر عودة ّأمه بأعجوبة ما تجعلها تخترق هذا ّالردم المتداعي من اإلسمنت‬
‫ّ‬
‫والطوب ّ‬
‫والتراب‪.‬‬
‫بعد سبعة أشهر من االنتظار يخبره أخوته ّ‬
‫بأن ّأمهم ستعود إليهم برفقة أخيهم من معبررفح‬
‫يصدق كالمهم‪،‬وال يذهب معهم إلى المعبر الستقبال‬‫لمدة يوم واحد فقط‪،‬ال ّ‬‫الذي سيفتح ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ابتلعها‪،‬وغيبها في المجهول‪.‬‬ ‫ّأمه‪،‬ويظل ينتظرها أن تخرج من ّالنفق الذي‬

‫نوم‬
‫ّ‬ ‫وقعت له ّ‬‫السيئة جميعها التي حدثت في حياته ْ‬
‫ألنه قد نام؛كلما غلبه ّالنوم‬ ‫األحداث ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫داهم الجنود ّ‬
‫الصهاينة بيته‪،‬وعاثوا فسادا فيه‪،‬وقتلوا أحدا من أسرته‪،‬أو ضربوه أو أهانوه أو‬
‫اعتقلوه أو مضوا به إلى درب مجهول دون رجعة‪.‬‬
‫الصغير وسنين عمره القليلة العاجزة‪،‬كذلك ال‬ ‫الصهيونيّ بجسده ّ‬ ‫برد العدو ّ‬‫ال طاقة له ّ‬
‫ً‬
‫يستطيع أن يهرب بأهله ومنزله وأرضه بعيدا عن الجنود الصهاينة‪،‬ولذلك ّقرر أن ال ينام‬
‫ً‬
‫أبدا‪.‬‬
‫ّ‬
‫هدية‬
‫األقل من المال في جيبه هو ال يكفي ألن يشتري به ّأي هدية ّ‬ ‫ّ‬
‫ليقدمها البنته‬ ‫القليل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصغيرة في عيد ميالدها‪،‬يخمن أن الفتيات الصغيرات يحببن الهدايا األنثوية في أعياد‬ ‫ّ‬
‫ميالدهن‪،‬يستعرض الهدايا المحتملة‪،‬ويعرض عنها باستخفاف؛فهذه هدايا تليق ّ‬
‫بأي فتاة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫تربى جيل الثورة‬‫فلسطينية ّ‬
‫ّ‬ ‫في العالم إال بابنته (نجوى) التي عليها في يوم ما أن تكون ّأما‬
‫ّ‬
‫والنصر‪.‬‬
‫ً‬ ‫حصله من مال في يوم عمل ّ‬ ‫ً‬
‫مضافا إليها ما ّ‬
‫شاق تكفي ألن يشتري لها كتابا‬ ‫نقوده القليلة‬
‫يعدها ّ‬ ‫الصغيرة التي ّ‬
‫الفلسطينية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لمهمة‬ ‫يغذيها بالعلم‪.‬يشتري الكتاب بفخر واعتزاز ألميرته‬
‫كبيرة في المستقبل‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫هروب‬
‫أسري كي تهرب من العذاب الموصول الذي‬ ‫ّ‬ ‫المرتب بشكل‬‫وافقت على هذا ّالزواج ّ‬
‫تعيشه كما يعيشه شعبها في فلسطين‪،‬تحزم أمتعتها القليلة بفرح صغير‪،‬وهي من كانت‬
‫السماء لها حبال العون واإلنقاذ‬ ‫تظن ّأنها ستملك أكبر فرح في ّالدنيا بعدما ّمدت ّ‬ ‫ّ‬
‫بقليل‪،‬أخيرا ستهرب دون رجعة من ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫عدو ال يرحم‪،‬ومن عذاب موصول‬ ‫قبيل الغرق‬
‫ّ‬ ‫جميعا في ّكل ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫حياتها‪،‬ستتزوج من مبعد‬ ‫جزئية في‬ ‫ال يتوقف‪،‬ومن معاناة تحاصرهم‬
‫الالتينية‪،‬وتذهب إلى البعيد‪،‬ستهرب دون رجعة‬ ‫ّ‬ ‫فلسطينيّ يعيش في إحدى دول أمريكا‬
‫من ّالتفتيش والمداهمات واالعتقاالت واالغتياالت ومصادرة األراضي وحواجز ّالتفتيش‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والحصار ّ‬
‫صهيونيا‬ ‫والتجويع والمعاناة المبتكرة شكال بعد شكل لتعذيبهم‪،‬أخيرا لن ترى‬
‫في ّالدروب‪.‬‬
‫ً‬
‫عانت كثيرا كي تصل بحقيبتها الوحيدة للوصول إلى هذا المعبر األخير كي تغادر آخر‬
‫لتودعها دون عودة‪،‬أخوها األكبر هو من يرافقها في ّ‬
‫المحطة األخيرة‬ ‫محطة في فلسطين ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫اإلجبارية كاملة عبر المعابر وحواجز‬ ‫للوداع بعد أن نالت بصحبته جرعات العذاب‬
‫ّ‬
‫الحدودي‪.‬‬ ‫ّالتفتيش حتى وصلت إلى هذه المعبر‬
‫ً‬
‫خطوات قليلة تخطوها بعد ختم جواز سفرها‪،‬وتصبح إلى األبد خارج فلسطين‪،‬أخيرا‬
‫فاهية ّ‬
‫والراحة‬ ‫سوف تنجو وحدها من ملحمة ّالنضال ّالت ّ‬
‫اريخية‪،‬وستدخل تاريخ ّالر ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والدالل‪،‬لكنها في هذه اللحظة تشعر ّأنها‬
‫والسعادة والبهجة ّ‬ ‫والعبث‪،‬تريد الفرح واألمن ّ‬
‫الشروط‪.‬‬ ‫المشرف ألجل صفقة زواج مريحة سهلة ّ‬ ‫ال تريد أن تخرج من ّالتاريخ ّ‬
‫ّ‬
‫الخروج‪،‬تدس‬ ‫تتقدم لختم جوازها بختم‬ ‫تتراجع بضع خطوات إلى الخلف بدل أن ّ‬
‫ّ‬
‫باعتزاز‪،‬وكأنها تخشى أن ُتسلب منها‪،‬وهي أثمن ما تملك‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية في جيبها‬ ‫هويتها‬
‫في حياتها‪،‬وتنثني عائدة إلى بيت أسرتها برفقة أخيها‪،‬وهي ّ‬
‫تجر حقيبتها اليتيمة لتعيش‬
‫فلسطينية صامدة في بيتها إلى أن يرحل عدوها في يوم قريب‬ ‫ّ‬ ‫قدرها الجميل في أن تكون‬

‫‪56‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫غير عابئة بزواج يهرب بها إلى البعيد‪.‬‬

‫مقبرة‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية جميعها‬ ‫ّ‬
‫تاريخية في فلسطين‪،‬عمرها أكثر من ألف عام‪،‬الوجوه‬ ‫هي أكبر مقبرة‬
‫تنتهي في هذه المقبرة في آخر المطاف لتهجع في أرض الوطن الهجعة األ ّ‬
‫بدية‪.‬‬
‫يجرف المقبرة بعد تمشيطها ألجل أن يبني فيها أكبر مستوطنة‬ ‫الصهيونيّ أن ّ‬ ‫العدو ّ‬
‫ّقرر ّ‬
‫ّ‬
‫في فلسطين المحتلة‪.‬‬
‫العدو ّ‬
‫الصهيونيّ من‬ ‫الفلسطينية لم تمنع ّآليات ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلضرابات والمظاهرات واالعتصامات‬
‫تمشيط المقبرة ومن ّثم تجريفها‪،‬لقد قلعوا شواهد القبور وأشجار المقبرة بعد تدمير‬
‫ّ‬
‫مراقدها‪،‬وكوموها‬ ‫سورها العتيق‪،‬ثم هتكوا حرمة القبور بتجريفها‪،‬لقد انتزعوا الهياكل من‬
‫في خرق أكفانها‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫قبورها‪،‬ولبست‬ ‫في الليل ومع هــدأة ّالرقاد استيقظت الهياكل المطرودة من‬
‫ْ‬
‫أكفانها‪،‬وهاجمت أعداءها‪.‬‬

‫معطف‬
‫الصهيونيّ بنيرانهم‪،‬ويرفضون أن‬ ‫العدو ّ‬
‫شهر كامل والفدائيون الفلسطينيون يرجمون ّ‬ ‫ٌ‬
‫ّ‬
‫هيونية‪،‬والقنابل ُتلقى‬
‫الص ّ‬‫الطائرات ّ‬ ‫يستسلموا لهم‪،‬القذائف تنهال عليهم من ّ‬
‫السماء من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وجل‪،‬يعضون الجوع‪،‬ويهزأون من‬ ‫عليهم من كل حدب وصوب‪،‬وهم صامدون دون‬
‫العطش‪،‬لكن البرد هو ما يقضم عظامهم دون رحمة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصدفة جعلته يحتفظ بمعطفه ّالروسيّ الثخين في لحظة وقوعه في هذا الحصار‪،‬ولكن‬
‫شريكه في حراسه هذه الجهة من القلعة ال يملك ّأي معطف‪،‬وينكمش على نفسه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ّ‬
‫فء‪،‬لكنه‬ ‫بردا‪،‬حاول مرارا أن يخلع معطفه عليه‪-‬ولو لبعض الوقت‪ -‬ليحظى ببعض ّالد‬
‫ً‬
‫كان يرفض ذلك بإصرار‪،‬ويقسم عليه أن ال يخلع معطفه ألجله أبدا‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫إال منهم ومن القلعة ومن ذلك الحصار ّ‬‫ّ‬ ‫ّالدنيا ْ‬


‫الصهيونيّ الذي‬ ‫بدت فارغة في عينيه‬
‫يحاول ّمرة تلو األخرى أن يخنقهم ليمسحهم عن وجه األرض كما وعد شعبه الملعون‬
‫الذي يشتهي أن يفني البشر ّكلهم كي ّ‬
‫يتمتعوا ّ‬
‫بالدنيا وحدهم‪.‬‬
‫ّ ً‬
‫اآلن يرى تسلال من جنود صهاينة‪،‬إن استطاعوا أن يخترقوا هذه الجهة من القلعة‪،‬فهذا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫بأصدقائه‪،‬يقرر أن يأخذ زمام‬ ‫يعني ّأنهم قد حطموا صمودها‪،‬ال وقت عنده ألن يستغيث‬
‫المبادرة بنفسه‪،‬يخلع معطفه على صديقه‪،‬ويقول له‪« :‬ستحتاج هذا المعطف في هذا‬
‫المكان ّ‬
‫الش ّ‬
‫توي البارد‪.‬أنا لن أحتاجه بعد اآلن»‪.‬وينطلق ببندقيته وآخر ّالرصاصات التي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المتسللين في مواجهة دامية كي ّ‬
‫يردهم عن القلعة‪،‬يظل ينافح دون‬ ‫يملكها نحو الجنود‬
‫القلعة حتى آخر طلقة يملكها وآخر نفس في حياته‪.‬‬

‫صحفيّ‬
‫ّ‬
‫يضج بصور القتلى والموتى والث ّوار واألحداث ّالدامية‬ ‫جدلي ًا ّ‬
‫تقريرا ّ‬‫ً‬
‫جاء إلى هنا كي يكتب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القراء‪،‬أمله أن يحقق هذا التقرير اهتماما ّ‬ ‫ذات ّالتفاصيل المثيرة التي تجذب ّ‬
‫يدر أرباحا‬
‫العالمية التي يعمل فيها كي يحظى بعروض أفضل في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلعالمية‬ ‫إضافية على ّ‬
‫المؤسسة‬ ‫ّ‬
‫مؤسسات أخرى أكبر وأكثر شهرة منها‪،‬وتدفع له األجور بسخاء يرضي‬ ‫مؤسسته أو في ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫غروره ومتطلباته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المصور هو كل ما يعنيه من الظالم أو المظلوم في هذه المحرقة التي‬ ‫ّ‬ ‫إنجاز هذا ّالتقرير‬
‫صف ّ‬ ‫مسبقا ليكون إلى ّ‬‫ً‬ ‫تستعر في فلسطين‪،‬وإن كان قد ّ‬
‫الصهيونيّ الذي يدفع‬ ‫حضر نفسه‬
‫واللهو ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والنساء الجميالت‪.‬‬ ‫بسخاء‪،‬ويقدم له استضافة ذات قائمة تزدحم بالمتعة‬ ‫ألنصاره‬
‫يتوقع ّأن أولئك الفلسطينيين سوف يسرقونه إلى عوالمهم‪،‬ويخطفونه ّ‬ ‫ّ‬
‫لمدة أسبوعين‬ ‫لم‬
‫ّ‬
‫معاناتهم‪،‬وسجل‬ ‫ّ‬
‫صور اآلالف الصور من‬ ‫ليعيش معهم تفاصيل نضالهم وقهرهم‪،‬لقد ّ‬
‫ً‬
‫أفالما كثيرة لجرائم ّ‬
‫الصهاينة‪.‬‬
‫حفية التي يعمل فيها‪،‬ما ّعنى نفسه بأن يعرف‬ ‫المؤسسة ّ‬
‫الص ّ‬ ‫أعده إلى ّ‬ ‫أرسل ّالتقرير الذي ّ‬

‫‪58‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫اليهودي سوف يعدم هذا ّالتقرير الذي جاء‬


‫ّ‬ ‫إن ُنشر ّالتقرير أم ال؛وهو من ّ‬
‫يخمن ّأن مديره‬
‫بغير ما اشتهى‪.‬‬
‫ّ‬
‫الفلسطينيون سراحه‪،‬وسمحوا له بأن يذهب وشأنه‪،‬لكنه ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صمم‬ ‫لقد أطلق المختطفون الثوار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على أن يظل معهم؛فهم قد خطفوه من نفسه لألبد‪.‬تلثم بالـ(الكوفية) الفلسطينية‪،‬وتبعهم‬
‫في ّالدرب الذي سلكوه‪.‬‬

‫صديق‬
‫ّ‬
‫المحفة التي تحملهم بمالبسهم ليدفنوا بها‬ ‫ثالثة من أصدقائه سار في جنازتهم يطالع‬
‫ّ‬
‫سنه منعته من أن يشارك في حمل المحفة التي‬ ‫الشهداء؛قامته القصيرة لصغر ّ‬‫كما ُيدفن ّ‬
‫تحمل صديقه ّالرابع الذي أرداه ّقناص صهيونيّ وهو في طريقه إلى المدرسة هذا ّ‬
‫الصباح‬
‫ً‬
‫المنصرم‪،‬كان كالهما يسيران معا عندما اختاره ّقناص يلهو لينزع روحه‪،‬لقد لفظ صديقه‬
‫ّ‬
‫صدره‪،‬ولكنه بكاه‬ ‫آخر أنفاسه بين يديه‪،‬ما نطق بكلمة وداع لصديقه وهو ّ‬
‫يضمه إلى‬
‫بحرقة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كلما أقام صداقة مع فتى ما من أترابه سرقه الصهاينة منه‪،‬وألقوا به في حضن الموت‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ويحب‬ ‫ّ‬
‫وأمن‪،‬يحبهم‬ ‫معلمه قال له ّإن أصدقاءه جميعا في الفردوس األعلى في حبور‬
‫ً‬
‫خامسا فيسارع ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصهاينة إليه ليخطفوه منه‪.‬‬ ‫داقة‪،‬لكنه يخشى أن يختار صديقا‬ ‫الص‬
‫ُ‬
‫الك ّ‬
‫‪1‬‬
‫وفية‬
‫السالح والبطش من بيوتهم قيل لهم ّإنهم سيعودون إليها بعد ّأيام‬ ‫عندما ُطردوا ّ‬
‫بقوة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قصيرة‪،‬لما طال بهم االنتظار في ّأول محطات ّالرحيل ّقرر أن يعود إلى بيته ليحضر بعض‬
‫الطعام والمالبس والماء ّ‬‫ّ‬
‫ألمه وأبيه وإخوته‪،‬كانوا مكسورين تحت دوالي العنب ينتظرون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكوفية‪:‬هي غطاء ّالرأس الذي يضعه ّالرجل الفلسطيني ُّ‪،‬يصنع من ّ‬
‫ّ‬
‫القطن‪،‬ويتكون من اللونين األبيض‬ ‫الكتان أو من‬ ‫‪-1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واألسود‪،‬وهو رمز للنضال الفلسطينيّ‪،‬وتسمى أيضا الحطة والسلك والقضاضة والشماع والغترة والمشدة‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫والرضف في طابون‬ ‫العودة إلى بيوتهم حيث تركوا القمح في خوابيه ّ‬


‫والز يتون في جراره ّ‬
‫الخبيز‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫رافقه في طريق العودة ثالثة من أبناء القرية‪،‬كان الدخول إلى القرية سهال في وسط الظالم‬
‫الص ّ‬
‫هيونية‪،‬فقتلت اثنين‬ ‫حيهم حتى حاصرتهم العصابات ّ‬ ‫والهدوء‪،‬لكن ما كادوا يدخلون ّ‬
‫ّممن معه‪،‬واستبقته وآخر على قيد الحياة ليخدمهم‪،‬أجبروهما على امتداد شهر كامل‬
‫ً‬ ‫القر ية إلى حيث ّ‬
‫على أن ينقال مؤنة بيوت ّ‬
‫تجمعاتهم المستحدثة بعد أن أوسعوهم ضربا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتعذيبا وإهانة وتحسيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫استطاع أن يهرب منهم‪،‬وأن يعود إلى أهله ليخبرهم ّ‬
‫بأن العودة إلى بيوتهم لن تكون أبدا‬
‫القريب‪،‬أما ابن قريته فقد هلك من عذاب الحمل ّ‬
‫والنقل والقهر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫في‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫يبك عذابه‬
‫عاد إلى أهله باكيا قد براه الجهد والجوع‪،‬وكوته الشمس بسياط من لظاها‪،‬لم ِ‬
‫ً‬ ‫ظلمه‪،‬لكنه بكى ّ‬‫ّ‬
‫بشدة خجال من شعره المكشوف بعد أن سرق مجرمو العصابات‬ ‫أو‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ ُ‬
‫الصهيونية كوفيته‪،‬وأجبروه على أن يعمل حاسرا من كرامته واعتزازه وتراثه‪،‬بكى دون‬
‫ّ‬ ‫توقف حتى ّ‬ ‫ّ‬
‫الكوفية الوحيدة التي يملكها‪،‬وستر رأسه بنصفها‪،‬وستر رأسه ابنه‬ ‫شق والده‬
‫بنصفها اآلخر‪.‬‬

‫معبر‬
‫ّ‬
‫اإلجباري على دموع الفلسطينيين وأحزانهم وآالمهم وحصارهم‬ ‫هذا المعبر هو ّ‬
‫الشاهد‬
‫ً‬
‫وعارا وهو ّ‬ ‫ً ً‬ ‫ّ‬
‫يرد الملهوفين‪،‬وحده من يحرم‬ ‫وجوعهم وتعذيبهم‪،‬وحده من يتقطع خزيا وألما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أما من ابنها‪،‬وأخا من أخيه‪،‬وامرأة من زوجها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كل يوم يحلم بأن يفتح أبوابه في وجوه المنكودين‪،‬لكن حلمه يظل سجين ذاته؛ فهؤالء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجنود الظلمة يخنقون الفلسطينيين به من ظاهره ومن باطنه‪،‬كلهم صهاينة‪،‬ولو اختلفت‬
‫ّ‬ ‫الوجوه ّ‬
‫والسحن واللغات‪.‬‬
‫يحقق حلمه‪،‬على حين ّغرة وغفلة من الجميع خلع جسده المقيت‬ ‫اليوم ّقرر المعبر أن ّ‬

‫‪60‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫ّ‬
‫المتعفن‪،‬وهرب نحو البعيد‪،‬وترك مكانه لمن ال يخجلون من أنفسهم‪.‬‬ ‫من أسره‬

‫ِع ْرض‬
‫ّ‬
‫لنفسه‪،‬ولكنه يخشى أن يهدر‬ ‫محبته‬ ‫ّ‬
‫الجوع‪،‬ويحب أرضه أكثر من ّ‬ ‫ال يخشى الموت أو‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫هيونية ع ْرض زوجته وبناته الثالث وحفيداته‪،‬لقد سمع قصصا ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫رجال العصابات ّ‬
‫تشيب‬ ‫ِ‬
‫القلب قبل إشابة شعر ّالرأس عن هتك أعراض الفلسطينيين في القرى المجاورة التي‬
‫الص ّ‬
‫هيونية‪.‬‬ ‫داهمتها العصابات ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫أبنائه‪،‬حملهن جميعا على‬ ‫ّقرر أن ينجو بعرض زوجته وبناته وحفيداته وزوجات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫عجل‪،‬وقرر أن يطير ّ‬
‫ّ‬
‫الغاصبين‪،‬أما أوالده الذكور الخمسة وبنيهم فقد‬ ‫بهن بعيدا عن أيدي‬
‫تركهم يدافعون عن أرضهم في وجه من يريد أن يهتك عرضها‪.‬‬
‫ّ‬
‫خوفا على أعراضهم‪،‬كانت ّالنساء تسير في المقدمة ّ‬‫ً‬ ‫ّ‬
‫والرجال‬ ‫سار يغذ الخطى مع الهاربين‬
‫ً‬
‫لحمايتهن‪.‬عندما وصلوا جميعا إلى ّالنهر شرقيّ وطنهم‪،‬ترك زوجته وبناته‬ ‫ّ‬ ‫المؤخرة‬‫في ّ‬
‫ّ‬
‫هر‪،‬وقرر أن يعود ليحمي عرضه األرض‪.‬‬ ‫أمانة في حضن المتأهبين لعبور ّالن‬

‫صحراء‬
‫الصهيوني سرق أربعة من أخوتها؛ثالثة منهم قتلهم وهم يدافعون عن ّ‬
‫الصحراء‬ ‫الجيش ّ‬
‫جندوه في صفوفهم حتى نسي أهله‪،‬وقلع ذاكرة قلبه وأصله‪،‬وغدا‬ ‫الفلسطينية‪،‬ورابعهم ّ‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫أسوأهم فتكا بالفلسطينيين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هي ّقررت أن تنتقم ّممن سرقوا إخوتها األربعة‪،‬وتركوها وحيدة في ّ‬
‫الصحراء معلقة بين‬
‫ّ‬ ‫البدوي الفاتن كي تنصب الكمائن ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هاينة‪،‬تتبدى لهم‬ ‫للص‬ ‫الفقد والعار‪،‬استغلت جمالها‬
‫الصحراء المشحون‬‫المناسب‪،‬تسيل لعاب شبقهم‪،‬تستدرجهم ُفرادى إلى قلب ّ‬
‫ُ‬ ‫في الوقت‬
‫ّ‬
‫تجردهم من سالحهم وعتادهم وأجهزة اتصالهم‪،‬وتتركهم عراة تائهون‬ ‫ببغضهم‪،‬بالحيلة ّ‬

‫‪61‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫تمتص أرواحهم الخبيثة‪،‬وتبصقها في ّ‬


‫الشمس كي‬ ‫في ّ‬
‫الصحراء حتى تدفنهم فيها بعد أن ّ‬
‫ّ‬
‫تتطهر من رجسهم‪.‬‬

‫معرض لوحات‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية التي‬ ‫هيونية رغم أنفه بحكم ّأنه يعيش في إحدى المدن‬ ‫الجنسية ّ‬
‫الص ّ‬ ‫ّ‬ ‫يحمل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يحتلها الكيان الصهيونيّ‪،‬ويعدها من جسم كيانه االستدماري‪،‬لكن قلبه فلسطينيّ مهما‬
‫جنسيات مفروضة عليه‪.‬‬‫حمل من ّ‬
‫للدمار الذي ألحقه الكيان ّ‬ ‫ً‬
‫معرضا ّ‬
‫الصهيونيّ بقرى فلسطين ومدنها وحواضرها‬ ‫أقام‬
‫ّ‬
‫اإلنسانية الد ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولية‬ ‫وطبيعتها عبر لوحات رسمها بنفسه‪،‬بعد أن ساندته بعض المنظمات‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫عسكريا يسمح له بإقامة المعرض‪.‬‬ ‫والمحلية في مسعاه‪،‬واستصدرت له إذنا‬
‫ّ‬ ‫جاء الكثير من الفضوليين ّ‬
‫الصهاينة إلى المعرض‪،‬أثارت اللوحات المتقنة فضولهم‪،‬أحدهم‬
‫الخنزيري الكبيراألحمر‪،‬وسأله بفضول‪»:‬هل أنت من رسمت هذه‬ ‫ّ‬ ‫مال عليه برأسه‬
‫ّ‬
‫اللوحات؟!‬
‫أجابه ّالرسام الفلسطينيّ‪« :‬بل أنتم من رسمتموه»‪.‬‬

‫بيت‬
‫ً‬
‫صغيرا يضيق بأسرته الكبيرة وضيوفهم الذين ال ينقطعون‪،‬لطالما ّ‬
‫تمنى أن تحصل‬ ‫كان بيته‬
‫والخصوصية في غرفة ّ‬
‫خاصة له بدل‬ ‫ّ‬ ‫عائلته على بيت أكبر في وطنهم ليظفر ببعض ّالراحة‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫أن ينام كسمكة مخللة بين أخوته الكثر‪.‬‬
‫ً‬ ‫االحتالل قصف بيتهم ّ‬
‫الصغير‪،‬فتطاير نتفا يمنة ويسرة‪،‬جميعهم وجدوا أنفسهم في العراء‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫مأوى‪،‬أمه استسلمت لعويل مجلجل‪،‬وإخوانه تنافسوا ألن يجدوا مكانا ينزون فيه‬ ‫دون‬
‫ً‬ ‫مأوى لهم بعد أن دفعهم الجنود ّ‬
‫حتى يجدوا ً‬
‫الصهاينة بعيدا عن األرض التي هي ذكرى‬
‫الصهاينة ّ‬
‫ألنه يستطيع اآلن أن ّيتخذ‬ ‫لبيتهم‪،‬أما هو فابتسم بشماتة في وجوه الجنود ّ‬
‫ّ‬ ‫دارسة‬

‫‪62‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫ً ً‬
‫من فلسطينه بيتا كبيرا له يسرح ويمرح فيه كيفما شاء دون ضيق‪.‬‬

‫جملة واحدة‬
‫يبق له من بيته وأسرته سوى جملة واحدة على بقايا جدار‪،‬لقد كتبها قبل ّأيام عندما‬‫لم َ‬
‫ألنه أفسد طالء الحائط بالكتابة‬ ‫وأمه تلومه ّ‬
‫كان يملك أسرة‪،‬وكان عنده بيت‪،‬كتبها ّ‬
‫وصمتت عندما ْ‬
‫قرأت الجملة التي كتبها عليه‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫خجلت‬ ‫ّ‬
‫عليه‪،‬ولكنها‬
‫قرأ جملته ّالناجية من الموت « فلسطين داري‪،‬ونحن باقون فيها»‪،‬بعض حروفها‬
‫ً‬ ‫تكاد تختفي بسبب ّ‬
‫تقشر طالء الحائط ّ‬
‫جراء القصف‪،‬يعتلي حجرا من أحجار بيته‬
‫ً‬
‫بعضا من دمه ّ‬ ‫ّ‬
‫ليلون حروف جملة» فلسطين داري‪،‬ونحن باقون فيها»‬ ‫الشهيد‪،‬ويأخذ‬
‫ً‬
‫كي ال تندثر أبدا‪.‬‬

‫مسجد‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫لم يعتقد يوما ّأن شيخهم في المسجد الذي يعلمهم تالوة القرآن وتفسيره هو ّأول من سوف‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫يؤذ بشرا في حياته‪،‬وقضى عمره‬ ‫يذبحه الجنود الصهاينة‪،‬كان يراه أطيب من برأ الله؛فهو لم ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ ً‬
‫متبرعا بتعليم تالوة القرآن ألهالي مدينة نابلس‪،‬يعرف تالميذه كلهم من أصواتهم تالوتهم‬
‫على ّالرغم من ّأنه كفيف البصر مذ ُولد‪.‬‬
‫هيونية وهو على سجادة ّ‬
‫الصالة في المسجد الكبير‪،‬ال تزال آثار‬ ‫الص ّ‬ ‫اغتالته رصاصة الغدر ّ‬
‫الشهيد‪،‬يقرأ‬‫دمه واضحة على سجادته‪،‬يداعب قطنها بيتم وبفقد‪،‬يفتح مصحف شيخه ّ‬
‫ً‬ ‫آيات كريمات منه‪،‬ثم ّ‬
‫يقبل المصحف‪،‬ويضعه في جيبه ّتبركا به‪،‬وينطلق يحمل حزنه‬
‫ّ‬
‫معلمه ّ‬ ‫ّ‬
‫الشيخ‪.‬‬ ‫وكومة حجارة بيده عله يظفر برأس من قتل‬

‫تضامن‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أبوه وأعمامه الثالثة في إضراب مفتوح عن الطعام في معتقل المحتل احتجاجا على‬

‫‪63‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جريمة‪،‬جدته ألبيه في إضراب مفتوح عن الطعام إلى حين اإلفراج عن‬ ‫اعتقالهم دون‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫أوالدها الثالثة‪،‬وهو في إضراب عن ّأي إضراب حتى ينمو ويكبر سريعا كي ُيخرج أعمامه‬
‫ّ‬
‫متأكد ّأنهم يستطيعون ّ‬ ‫ّ‬
‫تحمل الجوع حتى يكبر‪،‬وينقذهم ّمما هم‬ ‫الثالثة من المعتقل؛هو‬
‫نيا‪،‬أما ّ‬
‫جدته ألبيه فعليه أن يقنعها بأن تستبدل‬ ‫فيه‪،‬فهم‪-‬في عينيه‪ -‬أقوى ّالرجال في ّالد ّ‬
‫الضعيف المريض ال يحتمل الجوع‪.‬‬ ‫العدو باإلضراب؛فجسدها ّ‬ ‫ّالدعاء المخلص على ّ‬

‫لثام‬
‫الجبال‪،‬فاضطروهم إلى أن يلجأوا‬ ‫الجنود اإلنجليز حاصروا ّالثوار الفلسطينيين في ّ‬
‫ّ‬
‫لهم‪،‬ظنوا ّأنهم سوف يلتقطونهم الواحد تلو اآلخر بكل سهولة؛فهم‬ ‫ّ‬ ‫إلى المدن المجاورة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫جميعا يلبسون ُك ّ‬
‫وفيات فلسطينية‪،‬ويتلثمون بها ليخفوا شخصياتهم الحقيقية‪،‬ويعيونهم‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ات‪،‬وإنما يتيهون‬ ‫وفي‬ ‫الفلسطينية فال يلبسون هذه‬ ‫منهم‪،‬أما أهل المدن‬ ‫فتكا وانتقاما‬
‫(الشرشوبة) ّ‬‫بـ(الطربوش) األحمر ذي ّ‬ ‫ّ‬
‫السوداء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية‬ ‫الخطة سهلة ومضمونة ّالنتائج‪،‬تتلخص في حملة عمالقة لمداهمة المدن‬
‫ضدهم‬‫باآلالف الجنود اإلنجليز‪،‬فيقبضون على ّالثوار ّكلهم في يوم واحد‪،‬ثم تموت ّالثورة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫الفلسطينية حتى الجبال‬ ‫بعد أن يعلقوا الثوار على أعواد المشانق على امتداد الطرق المدن‬
‫ّ ّ‬
‫مقر الثورة‪.‬‬
‫الفلسطينية في لحظة واحدة ليجدوا ّأن رجال‬ ‫ّ‬ ‫الصباح‪،‬وداهم الجنود اإلنجليز المدن‬ ‫جاء ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫الفدائيون بينهم‪.‬ارتبك‬ ‫الكوفيات‪،‬وتلثموا بها‪،‬فاختفى‬ ‫المدن وصبيانها جميعا قد لبسوا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلنجليزي وأسقط في يديه‪،‬وابتسم الثوار‪.‬‬ ‫(الجنرال)‬

‫انتظار‬
‫ّ‬
‫المخيم‪،‬ويعودون إلى بيتهم في‬ ‫ّ‬
‫يؤرخ األزمان جميعها باالنتظار؛سوف يهجرون هذا‬
‫يتزوج عندما يخرج أخوه (مصعب)‬ ‫القرية عندما يرحل ّ‬
‫الصهاينة‪،‬وهم ال يرحلون‪.‬سوف ّ‬

‫‪64‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬


‫محكوما بأربعة ّ‬ ‫ً‬ ‫من المعتقل ّ‬
‫دات؛ألنه حمل حجرا‬ ‫مؤب‬ ‫الصهيونيّ‪،‬وهو لن يخرج أبدا ما دام‬
‫ّ‬
‫العام‪،‬ولكنها‬ ‫الحج عندما تقطف أشجار ّالز يتون لهذا‬ ‫في وجه أعدائه‪.‬سوف تذهب ّأمه إلى ّ‬
‫هيونية أشجار ّالز يتون‬
‫الص ّ‬ ‫لن تقطف ثمار ّالز يتون في ّأي وقت؛فقد اقتلعت ّآليات ّالدمار ّ‬
‫جميعها‪.‬‬
‫الصهيونيّ‪،‬وأن يخرج أخوه من المعتقل‪،‬وأن تذهب ّأمه إلى ّ‬
‫الحج‬ ‫يرحل ّ‬
‫العدو ّ‬ ‫يقرر أن ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هذا العام مهما كلفه هذا األمر‪،‬يعرف طريقة واحدة لتحقيق ذلك كله دون انتظار‪،‬يركب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫آلة ّالتجريف العمالقة التي يعمل سائقا أجيرا عليها في مشروع إسكانيّ‪،‬ينطلق بها‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫قطيعا من الجنود ّ‬ ‫ً‬
‫الصهاينة‪،‬ويظل يطارد الجنود الهاربين من أمامه‬ ‫مسرعا‪،‬ويجرف بها‬
‫ً‬
‫جميعا ّ‬
‫‪،‬ليتحقق المنتظر‪.‬‬ ‫والمستدمرين الموجودين في المكان كي يسحقهم‬

‫بحر أسود‬
‫ً‬ ‫المرات التي ُسمح لعائلتها فيها بأن تصل إلى شاطئ ّ‬ ‫ّمرات قليلة هي ّ‬
‫غزة‪،‬وأن تقضي وقتا‬
‫ة‪،‬أمها أخبرتها ّإنه صاف مثل قلوب ّ‬
‫افي ّ‬ ‫الزرقاء ّ‬
‫الص ّ‬ ‫سعيدا في مداعبة مياهه ّ‬ ‫ً‬
‫الشهداء‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وجدت بيتها يكاد يغرق في مياه قذرة منتنة ّالرائحة قد‬‫ْ‬ ‫عندما استيقظت هذا ّ‬
‫الصباح‬
‫الصهاينة عليهم من‬ ‫الصحيّ قد أطلقها ّ‬
‫الصرف ّ‬ ‫ّ‬
‫وزقاقه‪،‬إنها مياه ّ‬ ‫حيها‬ ‫اجتاحت شوارع ّ‬
‫ّ‬ ‫يعذبوهم أكثر فأكثر؛ابنتها ّ‬ ‫ّ‬
‫الصغيرة تسألها بفضول وقد أدهشها اللون األسود‬ ‫جديد كي‬
‫أرضية بيتها‪»:‬بحرنا لونه أزرق‪،‬فهل هذا البحر األسود‬ ‫ّ‬
‫القاتم الذي ابتلع الشوارع ثم ابتلع ّ‬
‫ّ‬
‫للصهاينة؟»‬
‫ّ‬
‫نعم‪،‬إنه بحرهم»‪.‬‬ ‫أجابتها ّ‬
‫األم بقرف من ّالرائحة الكريهة التي تزكم أنفها‪»:‬‬

‫هواية‬
‫ّ‬
‫المادية وإصراره‬ ‫ّ‬
‫الجسدية ومعطياته‬ ‫تعود على أن ّ‬
‫يطور هواياته بما يتناسب مع إمكاناته‬ ‫ّ‬
‫على االنتقام من مغتصب وطنه الجبان؛في طفولته كان يجيد الجري‪،‬ولذلك كان ّ‬
‫يتعمد‬

‫‪65‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ً‬ ‫محشوة بالحجارة على ّأي رصيف أمام ّ‬ ‫أن يترك حقيبة ّ‬
‫دورية الجنود‪،‬ثم يركض بعيدا عنها‬
‫الصهاينة يهربون مرتعدين من حقيبته‬ ‫حتى يتوارى عن األنظار‪،‬ويقف يراقب الجنود ّ‬
‫الصغيرة التي ّ‬
‫يظنون ّأن فيها قنبلة ما‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الصهاينة عبر مقالعة ّ‬
‫جلدية صنعها‬ ‫طور هوايته لتصبح فقئ عيون الجنود ّ‬ ‫عندما كبر ّ‬
‫بنفسه‪.‬‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية غدت هوايته‬ ‫وعندما حصل على سالح بعد انضمامه إلى صفوف المقاومة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أن يقطف رؤوس الجنود ّ‬
‫الصهاينة‪،‬وينذر كل رأس منها لفلسطينيّ قتلوه ظلما وعدوانا‪.‬‬

‫وليّ‬
‫األغر الذي قبضوا عليه في أعلى الجبل‬ ‫أرادوا ّاللهو بتخويف الفتى الفلسطينيّ ّ‬
‫ّ‬
‫يرعى عنزاته القليلة‪،‬استفردوا به‪،‬واستغلوا ّأنه وحده أعزل من رفيق ُمعين أو سالح‬
‫الشهيد الفدائيّ في أعلى الجبل‪،‬ثم انهالوا عليه‬ ‫حام‪،‬فقيدوه‪،‬وجرجروه إلى مقبرة الوليّ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ٍ ً‬
‫صفعا وهو مقيد الذارعين والعينين‪،‬وتناولوا من األرض حجارة مدببة الرؤوس كي يكسروا‬
‫بها عظامه على مهل‪.‬‬
‫ً‬ ‫الوليّ ّ‬
‫الشهيد الفدائيّ لم يطق صبرا على ما يشهد من اعتداء خبيث على الفتى األعزل‬
‫ّ‬
‫الوحيد‪،‬خرج من قبره‪،‬أطل من مالبسه ّالدامية‪،‬وجهه كان هالمي القسمات‪،‬حضر‬
‫ّ ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫نيا‪،‬فعم الظالم‬ ‫نامت في صمته‪،‬أشرق بهاؤه على ّالد‬ ‫جميعا في وجه‪،‬هيبتهم ْ‬ ‫الشهداء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫عيونهم‪،‬طارت قلوبهم بعيدا ً‬
‫عنهم خوفا من تجليه‪،‬وطاروا خلفها يتعثرون بجبنهم‬ ‫في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتدافعهم للنجاة بأرواحهم من غضب الشهيد الوليّ‪.‬‬

‫ّ‬
‫فلسطينية لـمدة ‪ 95‬كيلو‬ ‫جمهورية‬
‫ّ‬
‫اسمها دالل المغربيّ‪،‬واسمها الحركيّ في الفداء (جهاد)‪،‬أحالمها كبيرة‪،‬ولكنها األكبر‬
‫ً‬
‫منها على ّالرغم من ّأن عمرها ال يتجاوز العشرين عاما من سنين العذاب الفلسطينيّ التي‬

‫‪66‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫والشتات والمذابح وعذابات المخيمات وضنك الحياة والفقر‬ ‫ذاقت فيها ويالت ّالتهجير ّ‬
‫ّ‬
‫واالضطهاد والظلم‪.‬‬
‫تقبل العلم الفلسطينيّ الذي كانت تطويه في جيب مالبسها‬ ‫اآلن هي بإجالل وتقديس ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫العسكرية التي ّ‬
‫الصغير الذي ق ّد ثوب الطفولة منذ زمن‬ ‫تشف عن جسدها الهزيل ّ‬ ‫ّ‬
‫ً ّ ً‬ ‫ّ‬
‫مقدسا في أتون الوطن‪،‬لقد‬ ‫المهزومة‪،‬وقرر أن يكون حطبا‬ ‫طويل‪،‬وهجر األنوثة المتقاعسة‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫تدر بت طويال على أيدي أمهر الفدائيين الفلسطينيين في لبنان لتصل أخيرا إلى هنا‪،‬وتعلق‬
‫مقدمة الحافلة التي تختطفها‪.‬‬ ‫علم وطنها في ّ‬
‫لمدة ست‬‫الصهيونيّ ّ‬ ‫الربيع ال تل أبيب من قبضة العدو ّ‬‫حلمها‪،‬وتحرر تل ّ‬
‫ّ‬ ‫اآلن هي ّتحقق‬
‫الحرة المنتصرة على امتداد ‪ 95‬كيلو في العمق‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية ّ‬ ‫ّ‬
‫الجمهورية‬ ‫عشرة ساعة‪،‬وتعلن‬
‫ّ‬ ‫المحتل من تل ّالربيع من حافلة ّص ّ‬ ‫ّ‬
‫الفدائية‪،‬ليرفرف‬ ‫هيونية اختطفتها هي ومجموعتها‬
‫ّ‬
‫العسكرية التي تخطفها أمام دهشة العيون‬ ‫مقدمة الحافلة‬‫العلم الفلسطينيّ بكبرياء في ّ‬
‫هيونية التي ترتعد بخوف وجبن‪.‬‬ ‫الص ّ‬ ‫ّ‬
‫وفروسية نادرة ‪ »:‬نحن ال نريد قتلكم‪،‬نحن نحتجزكم فقط‬ ‫ّ‬ ‫تصرخ فيهم‪،‬وتقول بنبل‬
‫رهائن لنخلص رفاقنا المعتقلين من براثن أسركم‪.‬نحن شعب يطالب بحقه بوطنه الذي‬
‫سرقتموه‪.‬ما الذي جاء بكم إلى أرضنا ؟!»‬
‫وعندما تقرأ في عيونهم ّأنهم ال يفهمون ما تقول توكل لمجندة صهيونية محتجزة‪ -‬تزعم‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫جهوري‬ ‫يمنية ‪-‬مهمة ترجمة ما تقول لهم‪،‬وهي تلفظ كلماتها بصوت‬ ‫ّأنها من أصول ّ‬
‫ّ‬
‫شجاع‪ »:‬هل تفهمون لغتي أم أنكم غرباء عن اللغة والوطن !!!‪.‬‬
‫تترنم‪،‬وتهتف مع زمالئها الفدائيين‪»:‬لتعلموا جميعكم أن أرض فلسطين ّ‬
‫عربية‪،‬‬ ‫هي ّ‬
‫وستظل كذلك مهما علت أصواتكم وعال بنيانكم على أرضنا‪.‬‬
‫حبي وفؤادي‬‫بالدي‪ ...‬بالدي‪ ...‬بالدي لك ّ‬
‫فلسطين يا أرض الجدود إليك ال بد أن نعود»‬

‫‪67‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫تصدق ّأن هذه الفتاة‬ ‫هيونية العالقة في الخوف تحاصرها بدهشة‪،‬وهي ال ّ‬ ‫الص ّ‬‫العيون ّ‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫الفلسطينية ّ‬
‫ّ‬
‫فلسطينيا‪،‬بينهم لبنانيّ‬ ‫الصغيرة قد بلغت الجرأة بها وبأحد عشر شابا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويمنيّ‪،‬أن يخترقوا شواطئ يافا المحتلة‪،‬وأن ينزلوا عليها‪،‬وأن يصلوا إلى قلب مدينة تل‬
‫وجه إلى‬ ‫صهيوني ًا‪،‬ويجبرونها على ّالت ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ً‬
‫مجندا‬ ‫ّالربيع‪،‬فيخطفون حافلة فيها نحو ثالثين‬
‫عسكري‪،‬ثم يخطفون حافلة أخرى‪،‬وينقلون الجنود الذين فيها‬ ‫ّ‬ ‫حيث يريدون عبر طريق‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫إلى الحافلة األولى‪،‬ليصبح عدد المختطفين ّ‬
‫ثمانية وستين جنديا‪،‬ويعلنون أنهم عادوا إلى‬
‫وطنهم لتحرير رفاقهم الفلسطينيين األسرى‪.‬‬
‫ً‬ ‫هي قد ّ‬
‫حققت حلمها أخيرا بإعالن تحرير وطنها‪،‬فهي تعيش أجمل لحظات عمرها‬
‫حررتها ولو لزمن قصير‪،‬هو زمن ّ‬ ‫المحتلة من وطنها بعد أن ّ‬ ‫ّ‬
‫عملية‬ ‫في عمق األراضي‬
‫االختطاف وعبور ‪ 95‬كيلو في داخل تل ّالربيع‪.‬‬
‫لقد حاصرتها ومن معها من األشبال الفلسطينيين جماعات سوداء آثمة من الجنود‬
‫ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫العسكرية ّالثقيلة ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هيونية بقيادة اإلرهابيّ المحتل (إيهود‬ ‫والمروحيات واآلالت‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باراك)‪،‬لكنها لم تخف‪،‬ولم تتراجع‪،‬وظلت تقاتل حتى آخر طلقة معها إلى أن أستشهد‬
‫ضحية‪،‬واخترقت رصاصة أعلى عينها اليسرى‪،‬وأسلمتها‬ ‫ْ‬ ‫معظم من كان معها من رفقاء ّالت‬
‫ّللنوم األبدي العذب في وطنها‪.‬‬
‫يشدها‬‫عدوها (إيهود باراك) الذي ّ‬ ‫ّ‬
‫بوحشية ّ‬ ‫ّ‬
‫شعرها‪،‬ولكنها ال تبالي‬ ‫تكره أن يلمس بشر‬
‫ّ‬
‫من شعرها‪،‬ويسحب جثمانها على األرض‪،‬وينكل به بغيظ دون أن يستطيع أن يمنع‬
‫الشهداء لتستقبلهم مالئكة‬ ‫روحها من أن ترتقي إلى ُالعال‪،‬وهي تمسك بأيدي رفاقها ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السماء مبتسمة مهللة‪.‬‬
‫يمثل بجسدها ّ‬ ‫ّ‬ ‫تبتسم ساخرة من عليائها وهي ترمق ّ‬
‫الشهيد‪،‬تهتف بأهل‬ ‫عدوها األحمق‬
‫السماوات واألرضون جملتها ّ‬
‫المقدسة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ة»‪،‬فتردد ّ‬ ‫حرة ّ‬
‫عربي‬ ‫األرض نكاية به‪»:‬فلسطين ّ‬

‫‪68‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫ّ ّ‬
‫خيال الظل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫يحب دور بطل خيال الظل‪،‬ولذلك يعيش حياته عندما يرقص ُدماه‪،‬إال ّأنه لم يكن‬ ‫ّ‬
‫والنضال والبطولة ّ‬
‫والشهامة والكرم التي‬ ‫حقيقي ًا في حياة المغامرة والفضيلة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً ً‬
‫يوما فردا‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫بعشوائية هندامة وشعثاء خصال‬ ‫القماشية التي يصنعها ببراعة ودقة قياسا‬‫ّ‬ ‫تعيشها ُدماه‬
‫ّ ّ‬ ‫ً ّ ّ‬
‫مجرد مرقص لدمى خيال الظل‪،‬ال يعرف الكثيرون اسمه أو أصله‬ ‫شعره‪،‬بل كان دائما‬
‫ّ‬
‫على وجه ّالدقة‪،‬ولكنهم يتفاءلون به عندما يرونه يحط عزاله في مقهى من مقاهي‬‫ّ‬
‫مدينة القدس‪،‬ويعلن لهم عن موعد مسائيّ لعرض من عروضه التي تستحضر أبطالهم‬
‫والزناتي خليفة وعروة‬‫الهمة ّ‬
‫المحبوبين أمثال عنترة وسيف بن ذي يزن واألميرة ذات ّ‬
‫بن الورد والمهلهل وعلي ّالز يبق‪،‬وغيرهم‪،‬فيتوافدون عليه مساء ليدخلوا عوالمه الجميلة‬
‫الحالمة مع صبيتهم وصغار صباياهم بقليل المؤن والهدايا والقروش التي يغدقون عليه‬
‫بها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫صوته كان بطال دائما‪،‬أداؤه كان بطال‪،‬انفعاله كان بطال‪،‬قدرته على إحياء األحداث كانت‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫يسكنه‪،‬ولكنه كان يعيش حياة بسيطة ليست ذات جاه‪،‬يكفيها قليل‬ ‫تدل على ّأن بطال ما‬
‫يحبه‪،‬ويعيش وسط أبطاله العرائس الذين يعيش‬ ‫المال ليقنع بها مادام يعيش ّ‬
‫للفن الذي ّ‬
‫معهم صداقة ال انفصام لها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى أن جاءت عصابات ّ‬
‫الصهاينة‪،‬وهاجمت المدينة وقراها‪،‬واحتلت ابتداء قرية‬
‫ّ‬ ‫القسطل‪،‬فتصدى لها القائد (عبد القادر الحسينيّ) ّ‬ ‫ّ‬
‫ليحرر القرية األسيرة‪،‬ويحطم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ها‪،‬لكن العرب رفضوا أن يساعدوه‪،‬وأن‬ ‫العصابات التي تنوي أن تستولي على فلسطين كل‬
‫ّ‬
‫وسالح‪،‬ثم‬ ‫الح‪،‬فقرر أن يدافع عن وطنه بما يملك من عظيم رجولة وقليل رجال‬ ‫ّ‬ ‫يمدوه ّ‬
‫بالس‬ ‫ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مكان‪،‬وانضم إليهم صاحب خيال الظل الذي ترك عزاله ودماه‬ ‫انضم إليه األحرار من كل‬
‫السوق القديم في القدس إلى حين عودته‪،‬ولحق بـ(عبد‬ ‫أمانة عند صاحب المقهى في ّ‬
‫القادر الحسينيّ) ورجاله‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ّ ّ‬ ‫ً‬
‫أخيرا آن لرجل خيال الظل أن يلعب دور البطولة الذي عاشه ّمرة تلو األخرى في عالم‬
‫ً‬
‫الخيال‪،‬ولم يعشه يوما في الحقيقة‪،‬لقد قاتل ببندقيته اليتيمة حتى التقمه الموت بعد أن‬
‫كثيرا وهو يفتك برجال العصابات‪،‬فمنعه من أن يرى قرية القسطل قد ّ‬ ‫ً‬
‫تحررت من‬ ‫طارده‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العصابات الصهيونية‪،‬ولم َير قائده األشوس يستشهد في هذه المعركة‪،‬ولكنه أخيرا لعب‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫مرضيا دون أن يعرف أحد‬ ‫دور البطولة الخالدة الذي لطالما حلم به‪،‬وغادر الحياة راضيا‬
‫ماذا كان اسمه أو من يكون‪.‬‬

‫العيد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خمسة أعوام كاملة لم يدخل العيد بيتهم فيها؛في كل عام هناك موت صهيونيّ يغتال‬
‫ّ‬
‫وبيوتهم‪،‬أما هذا العيد فهو ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫يصمم‬ ‫جيرانه‪،‬فيحرم العيد على قلوبهم‬ ‫فردا من أسرته أو من‬
‫على أن يفتح األبواب له على ّالرغم من الحصار الذي يفرضه الجنود ّ‬
‫الصهاينة على بلدتهم‬
‫الصغير ذا الخمسة أعوام بأن يرى طقوس العيد في‬ ‫منذ أكثر من شهر بعد أن وعد أخاه ّ‬
‫ُ‬
‫بيتهم‪،‬وهو من لم يرها في بيتهم مذ ولد في ليلة استشهاد خاله(طالل)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لقد أنفق ما ّادخره من عمله المتقطع في البناء وما ّادخرته العائلة كلها في رمضان محجور‬
‫ً‬ ‫عليه بحصار طويل الستقدام العيد بصورة تفرح قلب أخيه ّ‬
‫الصغير‪.‬فجاء العيد متباهيا‬
‫ّ‬
‫األصغر‪،‬ويتزين‬ ‫الخاصة باالبن‬‫ّ‬ ‫ببيت حنون يتناوب على ترقيص مالبس العيد الجديدة‬
‫والشموع المتأللئة‪،‬سار العيد إليهم على هدي رائحة فطائر العيد‬ ‫الملونة ّ‬‫بالبالونات ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بالمكسرات ّ‬
‫ّ‬
‫والتمر والقشطة‪،‬لقد حل على بيتهم أخيرا بعد انتظار طويل‪،‬دخل‬ ‫المحشوة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫من الباب‪،‬فخرجت روح أخيه من النافذة برصاصة صهيونية قنصته وهو يأكل من فطائر‬
‫ّأمه‪،‬ويرقب قدوم العيد الذي سيقابله اليوم ّ‬
‫ألول ّمرة في حياته‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ‬

‫‪71‬‬
‫‪2‬‬
‫تقاسیم المعتقل‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫آمال‬
‫لتحملها أحالمها وأمانيها وخوفها من المستقبل الذي ال يهادن‬ ‫ّأمها أسمتها(آمال) ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫امرأة زوجها عجوز‪،‬وال أهل لها أو معين‪.‬كانت (آمال) الطفلة المدللة التي تستعصي على‬
‫ضن ًا بها على ضنك الحياة ّ‬
‫وكد الحياة‪.‬‬ ‫والكبر؛ألن والديها يحبسانها في حنانهما ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السنين‬
‫ّ‬
‫مدرستها‪،‬زجوا بها في‬ ‫الصهاينة دون جناية ارتكبتها وهي في طريقها إلى‬ ‫اعتقلها الجنود ّ‬
‫ّ‬
‫الفلسطينيات في صحراء قافلة جافة من ّأي رحمة بعد أن صادروا كتبها‬
‫ّ‬ ‫معتقل األسيرات‬
‫ّ‬
‫ودفاترها‪.‬هناك تعلمت أن تكبر‪،‬وأن تخلع ّالدالل لتليق بأمهاتها الجديدات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تنادت الكثير من ّ‬
‫العالمية إلطالقها من األسر بوصفها‬ ‫اإلنسانية‬ ‫المؤسسات والمنظمات‬
‫خرجت (آمال) من المعتقل حيث‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫سياسية في العالم‪.‬بعد أشهر من المعاناة‬ ‫أصغر معتقلة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫خلعت طفولتها‪،‬وارتدت قلبا شجاعا ال يقبل بأقل من فجر أبلج قريب يحقق آمال الوطن‪.‬‬

‫األسير ّ‬
‫الرضيع‬
‫بأي جناية هو مسجون في هذا المعتقل حيث ّالرطوبة والعفونة واالزدحام‬ ‫ال يعرف ّ‬
‫يجف حليبها‬ ‫الحياة‪،‬وأمه الحنونة يكاد ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كئيبة‪،‬ولكنها ّ‬
‫تصمم على‬ ‫والجوع‪،‬الوجوه حوله‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حزنا ومرضا وهزاال‪.‬‬
‫تزم فخذيها‬ ‫الضيق ّ‬
‫والضنك أمامه‪،‬لم يخرج بسهولة من بطن ّأمه ّ‬
‫ألنها ّ‬ ‫منذ ُولد وجد ّ‬
‫قدميها‪،‬وتشد إحداهما إلى األخرى‪،‬حتى ّأنها لم‬
‫ّ‬ ‫بشدة بسبب سالسل ّ‬
‫تكبل‬ ‫وتغلقهما ّ‬
‫مصفدة اليدين‪،‬وطال جوعه‬ ‫؛ألنها كانت كذلك ّ‬‫كأي ّأم ّ‬
‫تستطع أن تحتضنه عند والدته ّ‬
‫ألنها كانت تعاني من غيبوبة عميقة بسبب نزيف ّ‬
‫حاد‬ ‫قبل أن تدس حلمة صدرها في فمه ّ‬
‫أصابها في والدتها له‪.‬‬
‫يحبها‪،‬ويسمع همسها في أذنيه عندما تعده قائلة‪»:‬حبيبي محمد‪،‬سنخرج في القريب‬ ‫هو ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫من هذا المعتقل ّ‬
‫جابر‪،‬وأختيك‪،‬وجدتك وأعمامك‬ ‫الصهيونيّ اللعين‪،‬عندها سترى والدك‬

‫‪74‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ‬

‫وأقاربك أجمعين»‪.‬‬
‫تسميه ّأمه بالمعتقل‬
‫يصدقها‪،‬ويحلم مثلها بالخروج من هذا المكان الكئيب الذي ّ‬ ‫هو ّ‬
‫ّ‪،‬ويمرن يده كي يستطيع في القريب أن يرفع إصبعين من أصابعه إشارة نصر‬‫الصهيوني ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫إلغاظتهن وتأكيد فشلهن في‬ ‫الص ّ‬
‫هيونيات‬ ‫ّ‬
‫المجندات ّ‬ ‫كالتي ترفعها والدته في وجه‬
‫ً‬
‫زعزعة صمودها‪،‬ويفخر بلقب أصغر أسير في ّالتاريخ‪،‬وإن كان ال يعرف تماما معنى هذا‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫سيصدق ّأمه التي‬ ‫قب‪،‬لكنه يعرف ّأنه سيعرف معناه جيدا عندما يكبر‪،‬وحتى ذاك الوقت‬
‫ّ‬ ‫الل‬
‫تعده بالخروج في يوم قريب من هذا المكان الكئيب المخيف‪.‬‬

‫إضراب‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫منذ أيام لم يعد يستطيع أن يحصيها هو مضرب عن الطعام احتجاجا على اعتقاله دون‬
‫سبب أو محاكمة في هذا المعتقل ّ‬
‫الصهيونيّ العفن‪.‬‬
‫قدميه‪،‬أجبروه بضع ّمرات على شرب‬ ‫جسده هزل‪،‬ولم يعد يقوى على الوقوف على ّ‬
‫ً‬
‫بالستيكية ّدسوها بعنف في أنفه وصوال إلى جوفه‬
‫ّ‬ ‫الحليب البارد كثير ّ‬
‫السكر عبر أنابيب‬
‫ّ‬
‫المغث‪.‬‬ ‫حتى ّمزقوا مجراه ّالتنفسيّ‪،‬وأغرقوا معدته بالحليب البارد‬
‫لكنهم اآلن ّقرروا أن يتركوه يموت على مهل وعذاب ّ‬
‫كأي أسير فلسطينيّ في معتقالتهم‪،‬ال‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يعنيهم حمالت منظمات حقوق اإلنسان إزاء إضرابه عن الطعام احتجاجا على قهره‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جلس الحارس ّ‬
‫الصهيونيّ أمامه يأكل ما لذ وطاب من طعام افترشه أمامه ليعذبه‬
‫بالجوع‪،‬وهو ّ‬
‫يتفتق من جلده لكثرة ما ابتلع من طعام‪.‬‬
‫يراقب الحارس األسير الفلسطينيّ‪،‬فيغيظه أن ال يرى عذاب الجوع في عينيه‪،‬وهو من‬
‫يستعرض أمامه لذة األكل‪.‬يسأله بفضول‪ »:‬ما الذي يدعوك إلى هذا اإلضراب المرير عن‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الطعام؟! عجبا لك»‪.‬‬
‫بكل هدوء‪»:‬أنت معذور في عجبك؛فأنت ال تعرف حرقة ّ‬ ‫ّ‬
‫حب‬ ‫يجيبه األسير الجائع‬
‫الوطن»‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫القصيدة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يجيد كتابة ّ‬
‫عر‪،‬ولكنه ال يستطيع أن يحفظ ولو بيتا واحدا ّمما تفيض به قريحته‪،‬وعليه‬ ‫الش‬
‫أن يحتفظ بقصائده جميعها التي يكتبها لحبيبته (خديجة)‪،‬فهو مجنون (خديجة) كما‬
‫يسمونه في المعتقل ّ‬
‫الصهيونيّ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫شعره‪،‬ويوزعه‬ ‫ليس مسموحا له بأن يقتني الورق أو األقالم في المعتقل‪،‬ولذلك ينظم‬
‫ً ّ‬
‫باإلجبار على األسرى جميعا‪،‬كل منهم عليه أن يحفظ عشرة أبيات من شعره‪،‬وكي ال‬
‫ً‬
‫بعضا ّمما ّ‬
‫حفظه من شعره فهو ال يفتأ يستنشدهم ما يحفظون من شعره‪.‬‬ ‫ينسى أحدهم‬
‫ّ‬
‫ال يبالي بسخريتهم وهم ينشدون على مسمعه ما يحفظون من شعره‪،‬إنما يعنيه أن يعرف‬
‫الصدور إلى حين خروجه من‬ ‫ّأن ّكل ما نظم من شعر في حبيبته (خديجة) محفوظ في ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫المعتقل ليسكب على شفتيها كل ما كتب من شعر‪،‬وما ّادخر لها من قبل‪.‬‬
‫ال أحد يجرؤ على أن يخبره بأن رصاصات المستدمرين قد اغتالت (خديجة) منذ‬
‫زمن‪،‬وهو ال يملك جرأة ليقول لهم ّأنه يعرف ّأنها قد رحلت عن هذا العالم دون رجعة‪،‬ولن‬
‫ً‬
‫تسمع في يوم ما بيت شعر ّمما ّيدخره لها قسرا في صدور األسرى الذي يحفظون شعره‬
‫رحمة بقلبه العاشق المكلوم ومدامع هواه‪.‬‬

‫دموع‬
‫على حين ّغرة‪،‬ومثل مطر يغسل قحط سنين يأتي قرار اإلفراج عن األسرى الفلسطينيين‬
‫في صفقات مبادلة ّمتفق عليها مع الكيان ّ‬
‫الصهيونيّ‪.‬‬
‫في دقائق يخفق الخبر في قلوب المنتظرين‪،‬يطير الجميع الستقبال األسرى ُ‬
‫المفرج‬
‫ّ‬
‫لعل والده من ُ‬ ‫عنهم‪،‬ويطير هو في ّ‬
‫المفرج عنهم‪.‬‬ ‫مقدمتهم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتحسس عينيه كل وجه من وجوه األسرى وعيناه تبحثان عن ذويهم في األجساد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المزدحمة في االنتظار‪،‬يراقب األجساد الملتقية تذوب احتضانا وتقبيال‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ‬

‫المفرج عنهم‪،‬يدير ظهره قبل أن تفضحه دموعه‬ ‫يدرك ّأن والده ليس من ضمن األسرى ُ‬
‫التي يشرق بها‪،‬وتحرق حلقه حشرجة خيبة األمل‪،‬يمسح دموعه بباطن يديه كي ال يراها‬
‫ّ‬
‫رجل‪،‬والرجال ال يبكون‪.‬‬ ‫ّأي أحد‪،‬فهو‬

‫سجين‬
‫ً‬
‫كادرا الخدمة في هذا المعتقل ّ‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬
‫الصهيونيّ‪،‬كانت تعلو‬ ‫صهيونيا مستحدثا على‬ ‫جنديا‬ ‫كان‬
‫وجهه األبله المفلطح المساحات زرقة الموت وهو يرى تعذيب المعتقلين الفلسطينيين‪.‬‬
‫الضخم مثل جسد ثور هجين بتر حياة‬ ‫لكنه سرعان ما ذاق شهوة الفتك بالبشر‪.‬جسده ّ‬ ‫ّ‬
‫الشاب الفلسطينيّ بنطحة واحدة منه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫جثة هامدة من المعتقل رغم أنفه وهو من ّ‬
‫توعده ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالسجن‬ ‫الشاب الفلسطينيّ القتيل خرج‬
‫تفل بقرف ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫وتقزز في وجه‬ ‫طوال عمره تنكيال بشبابه ووسامته وشجاعته وإصراره الذي‬
‫بالدته‪.‬‬
‫ّ‬
‫منذ ذلك اليوم غدا هو سجين المعتقل حيث يراقب أسراب أرواح الشهداء الفلسطينيين‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تحلق نحو العلياء والخلود‪،‬وتتركه ّ‬‫ّ‬
‫يتلوى حبيسا في جسده الثور البليد‪.‬‬

‫حليب‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫لم تتوقع أبدا أن تجود عليها األقدار بابنها ّالرضيع (رزق الله) بعد أن فقدت األمل في‬
‫تزوجت من جارها(‬ ‫عمها‪،‬بسبب عقمها‪،‬ثم ّ‬ ‫اإلنجاب‪،‬وهجرها زوجان‪،‬أحدهما ابن ّ‬
‫ّ‬
‫زهدي) الذي حملت منه بابنها(رزق الله)‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولكن القدر جاد عليها به في حين تآمرت الظروف عليها‪،‬فحرمتها منه عندما وجدت‬
‫ً‬
‫بعيدا عن طفلها ّالرضيع هدية ّ‬ ‫نفسها أسيرة في معتقل صهيونيّ في ّ‬
‫السماء لها‬ ‫الصحراء‬
‫الذي تركته أمانة غالية في عهدة زوجة أخيها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫أشد ما يحزنها ّأن طفلها رضيع يحتاج إلى دفق حليبها الذي ينساب هاربا من حلمتي‬

‫‪77‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ْ‬ ‫ّ‬
‫حشرجت بدموع االشتياق له‪،‬أو شرقت بلوعة فراقه‪.‬‬ ‫ثدييها كلما نطقت باسمه أو‬
‫ّ‬ ‫هي ّ‬
‫تصدق بالمعجزات‪،‬تخرج ثدييها من داخل ثوب سجنها الفضفاض القذر‪،‬وتفكر‬
‫بابنها ّالرضيع‪،‬فيندلق الحليب من صدرها في فم ابنها على ّالرغم من البعاد‪،‬فترضعه حتى‬
‫يشبع وبينهما صحراء وسجن وجنود وكالب!‬

‫أسير‬
‫ّ‬ ‫الصهيونيّ بتهمة ّ‬ ‫ً‬
‫عشرعاما قضاها في األسر ّ‬
‫كبير؛ألنه أطلق بضع طلقات‬ ‫مخرب‬ ‫أحد‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫على معسكر جنود صهيونيّ‪،‬دخل إلى هناك طفال مدفوعا بالحماس ّ‬
‫والرغبة الطاهرة‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫البريئة ّ‬
‫العبودية‪،‬وخرج منها عميدا من عمداء األسرى‬ ‫بالشهادة وتحرير فلسطين من قيود‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية‪.‬‬ ‫العربية ألجل ّ‬
‫القضية‬ ‫نضالي ًا ُي ّعد مدرسة في ّالتضحية ّ‬‫فكرا ّ‬ ‫ً‬
‫الذين يحملون‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫لم يجد أحدا في انتظاره عند خروجه من المعتقل‪،‬خمن أنه لم يسمح ألحد من أهله‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية المحتلة كي يستقبلوه‪،‬أنتظر بحماس أن ُيلقى‬ ‫وأصدقائه بأن يدخلوا األراضي‬
‫به على حدود وطنه كي يجد المستقبلين المحتشدين في انتظار عودته الميمونة المنتصرة‬
‫بالصبر واإلصرار على محاوالت استعباده وهزمه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫المقربين الذين‬ ‫لكنه لم يجد ّأي بشر في انتظاره خال حفنة من أخوته وبعض أصدقائه ّ‬ ‫ّ‬
‫الواحدة‪،‬تعجب من غياب ّالناس عن مالقاة عميد األسرى‬ ‫ّ‬ ‫ال يتجاوز عددهم أصابع اليد‬
‫الفلسطينيين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطرقات كانت تعج بحشود من الناس التي تتدافع إلى مطار المدينة كي تستقبل راقصة‬
‫رقصت شبه عارية‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫بطال؛ألنها‬ ‫عربية عرجاء ّالروح والقدم كي تستقبلها استقبال األ‬ ‫ّ‬
‫ً ًّ‬ ‫ْ‬ ‫لبعض رؤساء العالم بما فيهم زعماء ّ‬
‫عربيا‬ ‫رقصت رقصا‬ ‫ّ‬
‫رياضية ما‪،‬لقد‬ ‫الصهاينة في ّقمة‬
‫الشارع يقولون ّإن هذه ّالر ّ‬ ‫تثنيات أفعى تختنق بأرنب‪،‬سمعهم في ّ‬ ‫ً‬
‫موصوال يشبه ّ‬
‫اقصة‬
‫الشفاف الذي يقذف بلحمهما وجسدها‬ ‫الشمطاء قد ّشرفت العرب ّ‬
‫بفنها ّالرفيع‪،‬وثوبها ّ‬ ‫ّ‬
‫في وجه من يقابلها‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫جلس على ّالرصيف المنزوي متعبا مهزوما‪،‬وشعر ّأنه مازال في األسر‪.‬‬

‫عيد ميالد‬
‫يدق في صقيع روحها الخائفة‪.‬لم‬ ‫عشر‪،‬إنه ناقوس حزن ّ‬ ‫ّ‬ ‫السادس‬ ‫ّإنه عيد ميالدها ّ‬
‫الشباب والجمال والحلم والفرح‬ ‫هدية أو محتفلون بها‪،‬وليس ّ‬ ‫ينتظرها حفل أو حلوى أو ّ‬
‫هم من كانوا في انتظارها‪،‬بل كان في انتظارها في بيتها القديم في مدينة ّالناصرة األسيرة‬
‫يحرم على أبناء األسرى واألسيرات الفلسطينيين أن‬ ‫ورقية من قانون صهيونيّ جائر ّ‬ ‫نشرة ّ‬
‫السادسة عشرة‪.‬‬ ‫سن ّ‬‫يزوروا آباءهم وأمهاتهم المعتقلين إن بلغوا ّ‬
‫بالسجن مدى‬‫ستحرم من رؤية والدها حتى آخر لحظة في عمره‪،‬وهو المحكوم ّ‬ ‫اآلن ُ‬
‫عدوه لتحرير وطنه‪.‬‬‫ألنه فلسطينيّ يحارب ّ‬ ‫الحياة ّ‬
‫ترفض أن تستسلم لهذا القرار الجائر‪،‬تلبس ثوبها الجديد األوحد الذي ّتدخره للمناسبات‬
‫ّ‬
‫عينيها‪،‬وتتمنى أمنية عيد ميالدها‪،‬هي‬ ‫السعيدة ّالنادرة في حياتها‪،‬تشعل شمعة‪،‬وتغمض‬ ‫ّ‬
‫تتحقق أمنية عيد ميالدها‪،‬فيفتح والدها باب‬ ‫أمنيتها الوحيدة‪،‬ثم تطفئها‪،‬وتشرع تنتظر أن ّ‬
‫ّ‬
‫بيتهم‪،‬وييمم نحوها ليبدأ االحتفال بعيد ميالدها‪.‬‬
‫ُ‬
‫ع ِر ّي‬
‫تتكشف‬‫وتحجبت‪،‬لم ّ‬‫ّ‬ ‫متدينة عريقة‪،‬ومنذ طفولتها حفظت القرآن‬ ‫هي سليلة عائلة ّ‬
‫ً‬
‫غريبا‪،‬فهي تلميذة ّ‬
‫لجدتها ألبيها التي تدعو لها ّ‬ ‫ً‬
‫بالستر ليل‬ ‫في يوم لرجل أكان قريبا أم‬
‫صوفية شهيرة‪،‬حتى ّالرجل الوحيد الذي ّأملت نفسها بأن ّ‬
‫تتعرى له‬ ‫نهار‪،‬وتترأس طريق ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صهيونية في إحدى المظاهرات‪،‬وبذلك ظلت‬ ‫زوجة بعد أن خطبها قد اغتالته رصاصة‬
‫جوهرة مكنونة في صدفة غائرة في أعماق بيت أسرتها‪.‬‬
‫هيونية‪،‬منذ اعتقلوها في ّ‬ ‫ً‬
‫تماما أمام لجنة ّالتحقيق ّ‬
‫الص ّ‬ ‫ّ‬
‫عملية‬ ‫لكنها اآلن تقف عارية‬
‫يجربون فيها أصناف العذاب ّ‬
‫شتى‪،‬وما نالوا من إصرارها‬ ‫آلت إلى الفشل‪،‬وهم ّ‬ ‫استشهادية ْ‬
‫ّ‬

‫‪79‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫يجربوا عليها عذاب ّ‬ ‫ً‬


‫واحتمالها‪،‬وأخيرا أرادوا أن ّ‬
‫العري المرأة مسلمة خجولة أمام قطيع‬
‫الصهاينة الخنازير‪،‬اعتقدوا ّأنهم سيكسرون شوكة نفسها األ ّبية المتماسكة إن‬
‫من الجنود ّ‬
‫كشفوا سترها‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقفت أمامهم عارية من المالبس مكتسية بكبريائها‪،‬وما أبهت لعيونهم الخنزيرية التي‬
‫عريها أمام خنازير ّ‬ ‫ً‬
‫إمعانا في تعذيبها؛فهي ال تخجل من ّ‬
‫بشرية ترعى في‬ ‫تأكل جسدها‬
‫أرض غير أرضها‪.‬‬

‫قلب‬
‫الشاب األسير الفلسطينيّ ليسرق قلبه‬ ‫الصهيونيّ أن يقتل ّ‬‫ّقرر مدير المعتقل (الجنرال) ّ‬
‫الصهيونيّ الذي يالزم سرير المرض منذ سنوات دون أمل في‬ ‫السليم المعافى؛ليهبه ألخيه ّ‬ ‫ّ‬
‫أن يحظى بقلب سليم‪،‬يزرعه في صدره بدل قلبه المعطوب ليستأنف به الحياة واألمل‪.‬‬
‫والنضارة‬ ‫بالصحة ّ‬ ‫المزهو ّ‬
‫ّ‬ ‫الشاب القادم من جبل الخليل‬ ‫منذ رأى ذلك األسير الفلسطينيّ ّ‬
‫ينقض على قلبه لينتزعه من صدره‪،‬ويزرعه في قلب أخيه‬ ‫والنشاط وهو يحلم بأن ّ‬ ‫ّ‬
‫(باروخ)‪.‬‬
‫ً‬
‫أخيرا ّ‬
‫حقق حلمه‪،‬وسرق القلب الفلسطينيّ من صدر صاحبه‪،‬كما سرق من قبل وأهله‬
‫فلسطين من أهلها اآلمنين المسالمين‪.‬‬
‫ّ‬
‫ة‪،‬الشاب الفلسطينيّ قد ُدفن بمعرفة الجيش الصهيونيّ‬ ‫العد ّ‬ ‫عدت له ّ‬‫ّكل شيء قد ُأ ّ‬
‫ّ‬ ‫عمليات ّ‬ ‫ً‬
‫خوفا من ّأي ّ‬ ‫بحجة ّأنه ّ‬
‫ّ‬
‫انتقامية‬ ‫فدائية‬ ‫مخرب‪،‬وال يجوز تسليم جثمانه ألهله‬
‫ّ‬ ‫الطبيّ في المستشفى ّ‬ ‫ّ‬
‫الصهيونيّ في مدينة تل ّالربيع التي يسمونها (تل‬ ‫لمقتله‪،‬والكادر‬
‫أبيب) كان على أهبة االستعداد إلجراء عملية زراعة القلب بعد وصول القلب المسروق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السارق‪،‬وجسد أخيه ّ‬ ‫خطة (الجنرال) ّ‬
‫الصهيونيّ ّ‬ ‫ّ‬
‫تقبل بكل‬ ‫األمور جميعها سارت وفق‬
‫ّ‬
‫ترحيب القلب المسروق‪،‬وبعد أيام كست حمرة الحياة وجنتي أخيه الذي استيقظ بعد‬
‫ّ ّ‬ ‫غيبوبة قصيرة استولت عليه بعد ّ‬
‫المعقدة الطويلة الستبدال قلب الفتى الفلسطينيّ‬ ‫العملية‬

‫‪80‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ‬

‫الصدئ المعطوب‪.‬‬ ‫بقلبه ّ‬


‫للشاب ّ‬‫وكل من حوله ّ‬ ‫ّ‬ ‫ابتسم (الجنرال) ّ‬
‫الصهيونيّ الذي عاد إلى الحياة بقلب‬ ‫السارق‬
‫فلسطينيّ‪،‬فتح عينيه على الحياة بغبطة مخنوقة‪.‬‬
‫َ‬
‫سأل (الجنرال) أخاه بقلق‪« :‬باروخ‪،‬أخي الحبيب‪،‬هل أنت في خير؟»‪.‬‬
‫الصهيونيّ بدهشة واستنكار لما سمع من كالم‪»:‬أنا ُ‬
‫لست باروخ‪،‬أنا جميل‬ ‫الشاب ّ‬‫أجاب ّ‬
‫الخليليّ‪.‬لماذا أنا هنا؟ من أنتم؟ عليّ أن أغادر هذا المكان ألذهب ّ‬
‫للصالة في الحرم‬
‫اإلبراهيميّ»‪.‬‬
‫ُ‬
‫نطفة‬
‫والسجون واألسوار‪،‬بفضل‬ ‫ْ‬
‫انتصرت لها على الحرمان والقطيعة والبعاد ّ‬ ‫نطفة واحدة هي من‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بوليسية مبتكرة دبرها طبيبها المعالج في مستشفى التلقيح‪،‬وأخيرا استطاعت أن‬ ‫خطة‬
‫تهرب نطفة من زوجها األسير الفلسطينيّ في المعتقل ّ‬
‫الصهيونيّ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫كانت طريقة تهريب ّالنطفة ّ‬
‫بدائية تماما‪،‬وذلك بوجود شهود من أهلها وأهله كي ال‬
‫حملت وزوجها غائب عنها منذ سنين في أسر المعتقل‬ ‫ْ‬ ‫يقدح أحد في شرفها‪،‬وهي من‬
‫ّ‬
‫حراوي البعيد‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الص‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المنوية في ّالنطفة وصلت إلى يد الطبيب المعالج ّميتة إال نفر قليل منها‬‫ّ‬ ‫معظم الحيوانات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫قاوم الجفاف‪،‬واستلقى حيا ينتظر التجميد‪،‬ثم مارس الحياة والتخصيب في رحمها عند‬
‫زرعه فيه‪.‬‬
‫ً‬
‫وأخيرا انتصر على الموت حيوان منوي واحد شجاع همام‪،‬وصافح الحياة في‬
‫الصهيونيّ‪،‬ليحمل‬ ‫مهر ًبا من المعتقل ّ‬
‫(عمار) الذي جاء إلى الحياة ّ‬ ‫رحمها‪،‬وأصبح جنينها ّ‬
‫ً‬
‫بغد ال يموت‪،‬ويهبه إصرارا على الحياة‪،‬وينذر نفسه لحمل راية‬ ‫اسم والده األسير‪،‬ويعده ٍ‬
‫ً‬
‫والده حيث العلم الفلسطينيّ يرفرف عاليا‪.‬‬
‫ّ‬
‫اآلن ّأمه (سعاد)هي األسعد في هذه الحياة‪،‬تحمله وتختال به أمام الجنود الصهاينة‬

‫‪81‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ّ‬
‫زوجها‪،‬ولكنهم ما استطاعوا أن يحرموه من حلم‬ ‫السجانين الذين أوصدوا األبواب دون‬ ‫ّ‬
‫األ ّبوة‪.‬‬
‫(عمار) ليطبع قبلة ّ‬
‫هوائية على جبينه‬ ‫ّ‬
‫نصر‪،‬وتمد له ابنهما ّ‬ ‫تبتسم لزوجها ابتسامة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مخترقة الفاصل الذي يبعدهما‪،‬وتؤمله بأن يكون هذا الطفل ّالرضيع رجال شهما مناضال‬
‫ًّ‬
‫قويا ينتظره على باب المعتقل عندما تنقضي ّمدة محكوميته‪،‬ويخرج منه بعد نحو ربع‬
‫ْ‬
‫قرن‪،‬فيربت بحنان على شيخوخته‪،‬ويعود به إلى البيت حيث الجميع في انتظاره‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ‬

‫‪83‬‬
‫‪3‬‬
‫تقاسیم المخیّم‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ّ‬
‫الدرب‬
‫شد والده على يده وهو ّ‬ ‫ً‬
‫صغيرا يجهل ّالدرب والمقصد عندما ّ‬
‫يجره على عجل مع‬ ‫كان‬
‫إخوته وما جمع من نزير أثاث بيته بعد نكبة عام ‪،1948‬وعندما سأل والده «إلى أين‬
‫المسير؟» أجابه والده باقتضاب منكود‪»:‬ال نعرف إلى أين سنذهب»‪.‬‬
‫ً‬ ‫اآلن هو ّ‬
‫ّ‬
‫وأمين‪،‬ويجرهما على عجل وهلع هروبا‬ ‫يشد بقبضته الكبيرة على كفي ابنيه ّالت‬
‫المخيم في أعقاب األحداث ّالدامية في عام ‪،1967‬يسأله أحد ابنيه‪« :‬إلى أين سنذهب‬
‫من ّ‬
‫يا أبي؟!»‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يلوك ابتسامة صفراء تعل نفسه‪،‬ويجيبه بمرار مقيم‪»:‬ال نخرج من مخيم إال لنذهب إلى‬
‫مخيم جديد»‪.‬‬
‫ّ ّ‬
‫تل الزعتر‬
‫المتوحشة من االنقضاض على البشر‪،‬العصابات‬ ‫ّ‬ ‫ظن ْت ّأن الموت له هذه األشكال‬‫ما ّ‬
‫ْ‬ ‫ّ ّ‬
‫اجتهدت كي تبتكر أبشع طرق قتل الفلسطينيين دون ذنب‬ ‫لمخيم (تل ّالزعتر)‬ ‫المهاجمة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سياسية بحتة‪.‬‬ ‫أو جناية اقترفوها إال أنهم على أجندة تصفية جهة ما ألسباب‬
‫ما عادت تبالي بصور الموت‪،‬تنتظره دون خوف‪،‬ال تخشى أولئك الوحوش رجال‬
‫العصابات‪،‬لقد أبادوا أمام عينيها أقارب وجيران وأصدقاء ال تستطيع أن تحصيهم‬
‫ً ّ‬
‫جرة ماء إلنقاذ ّأمها وأختيها من نزاع الموت‬
‫‪،‬كل ما تريده اآلن هو أن تحصل على ّ‬ ‫عددا‬
‫ً‬
‫عطشا‪.‬‬
‫ّ‬
‫جرة ماء ضرب من المستحيل تحت رصاص القناصين وتناوش بنادق رجال‬ ‫إحضار ّ‬
‫صمموا على أن يحضروا‬ ‫الشهداء الفلسطينيين الذين ّ‬ ‫تغص بدماء ّ‬
‫العصابات‪،‬آبار الماء ّ‬
‫الماء لذويهم‪.‬‬
‫الصغير الحزين من عيون‬ ‫ّ‬
‫ماء‪،‬تخاطر‪،‬وتتستر بقلبها ّ‬ ‫تراهن على حياتها ّ‬
‫بجرة‬

‫‪86‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﺨﯿﻢ‬

‫ّ‬
‫المخيم‪،‬وتعود تحمل ّ‬ ‫ّ‬
‫اصين‪،‬تتعثر بجثث ّ‬ ‫ّ‬
‫جرة الماء‪،‬على باب بيتها‬ ‫الشهداء من أهل‬ ‫القن‬
‫الماء‪،‬ويراق ماؤها على األرض ّ‬
‫السخينة التي تبتلع الماء‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اص‪،‬فتستشهد ّ‬
‫جرة‬ ‫يقنصها ّقن‬
‫جرة الماء‪،‬ولم يصدها هي‪،‬تقعد على األرض تبكي‬ ‫ق‪،‬تسب ّ‬
‫القناص الذي صاد ّ‬ ‫ّ‬ ‫بظمأ ّ‬
‫وتحر‬
‫الشهيدة‪،‬وتلملم بعض الماء في يديها قبل أن ّ‬
‫يتسرب من بين أصابعها‪،‬ويعود‬ ‫جرة الماء ّ‬ ‫ّ‬
‫إلى األرض من جديد‪.‬‬

‫حنظلة‬
‫الشقاء عن والديه وجدوده‪،‬كما ورث عنهم الحياة في المنافي‪،‬وألف قهر نفسه‬ ‫ورث ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ها‪،‬وظن ّأن الحظ قد حالف أخاه األكبر الذي ورث دور األبوة عن‬ ‫ّ‬ ‫المخيمات وذل‬ ‫ّ‬ ‫حياة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والدهم الذي طحنه المرض والكد حتى شفه ولفظه جثة دون جسد‪.‬فاستطاع أن يبني‬
‫ّ‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫المخيم في منطقة نائية من ضواحي المدينة التي‬ ‫مستودعا صغيرا أسماه بيتا بعيدا عن‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫فيها‪،‬فكدس فيه ّأمه وأخوته وزوجته وأم زوجته التي تعيش معهم‪،‬ثم نقل‬ ‫يعيش الجئا‬
‫المخيم إلى مدرسة تلك المنطقة ّالنائية‪.‬‬‫الصغار من مدرسة ّ‬ ‫أخوته ّ‬
‫ّ‬ ‫ظلوا يسخرون منه ّ‬ ‫ّ‬
‫المخيم‪،‬لم يكونوا أفضل منه‬ ‫ألنه فلسطينيّ قادم من‬ ‫طالب المدرسة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫هنداما أو لطفا أو وسامة‪،‬بل كانوا أقل منه ألمحية وإدراكا‪،‬لكنهم تحالفوا عليه‪،‬وظلوا‬
‫ّ‬
‫وبفلسطينيته‪.‬‬ ‫ّ‬
‫منه‪،‬ويعيرونه بالمخيم‬ ‫يسخرون‬
‫يرد على سبابهم‪،‬أو يخجل من‬ ‫خلع حذاءه‪،‬وأدار ظهره لهم‪،‬وماعاد يأبه بوجودهم‪،‬أو ّ‬
‫سبورة الحائط‪»:‬حنظلة غاضب اآلن»‪.‬‬ ‫الفلسطينية‪،‬وكتب على ّ‬ ‫ّ‬ ‫لكنته‬

‫صور‬
‫الصهاينة والعرب‬‫المخيم الذي يهاجمه الواغلون الخليط من ّ‬ ‫ّ‬ ‫لم تحمل ّأمها من‬
‫ّ‬
‫تعتز به وأطفالها الثالثة‪،‬وأملها في ّالنجاة بهم من‬ ‫المتصهينين سوى دفتر ّ‬
‫الصور الذي ّ‬
‫المفر‪،‬وال ّأي ّالدروب عليها أن تسلك نحو المجهول‬ ‫مذبحة ّ‬
‫المخيم‪،‬لم تكن تدري إلى أين ّ‬

‫‪87‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫لتنجو بأطفالها من مذبحة جديدة‪،‬لم تطل حيرتها‪،‬فرصاصة واحدة أردتها قتيلة‪،‬وأراحتها‬


‫من أسئلة البحث والفرار ّ‬
‫والنجاة‪.‬‬
‫الصغرى ودفتر صورها الذي كانت تمارس فيه‬ ‫المخيم سوى ابنتها ّ‬
‫ّ‬ ‫ينج من مذبحة‬‫لم ُ‬
‫تعوذهم من الموت ّ‬ ‫ّ‬
‫أسرتها‪،‬وكأنها ّ‬ ‫ّ‬
‫والشر‬ ‫هوايتها باالحتفاظ بصورة لكل فرد من أفراد‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫احتفظت بصورهم في دفترها الذي تعرضه على كل من يزور بيتها‪،‬وتشرح له‬ ‫واالندثار إن‬
‫ّ‬ ‫ّ ً‬
‫مطوال عن صاحب كل صورة‪،‬وتستفيض في الحديث عن حياته وطبيعته وطباعه أرغب‬
‫المطول أم لم يرغب‪،‬فحماسها لعرض مجموعة صورها يمنعها‬ ‫الشرح ّ‬ ‫من يزورها في هذا ّ‬
‫الصور وسماع الحديث عنها‪.‬‬ ‫من أن تلتقط عدم رغبة ّالزائر في استعراض ّ‬
‫مأوى لها‪،‬عندما ْ‬ ‫المخيم تبحث عن ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تاهت االبنة ّ‬
‫تعبت من‬ ‫الصغيرة أسبوعا في تخوم‬
‫تمزق‬‫الصحيّ‪،‬وجلست ّ‬ ‫المشي توارت داخل حشائش نابتة على امتداد مجرى ّالتصريف ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫صور ّالدفتر صورة تلو ّ‬
‫تستبق‬
‫ِ‬ ‫المخيم‪،‬لم‬ ‫الصورة بعد أن فني أصحابها جميعا في مذبحة‬
‫ماء‪،‬طوتها‪،‬ودستها في جيبها‪،‬ومن جديد ْ‬
‫ّ‬ ‫الملوثة ّ‬‫إال صورتها ّ‬ ‫ّ‬
‫عادت تمشي لتبحث‬ ‫بالد‬
‫عن مأوى أو معين قبل أن يدركها الوهن‪،‬فتعجز عن الحركة‪،‬وتموت وحدها في هذا‬
‫مصممة على أن تبقى على قيد الحياة‪.‬‬ ‫المكان‪،‬فهي ّ‬

‫دجاجة‬
‫ً‬ ‫والصدام ّ‬
‫يخشى الموت ّ‬
‫والتعذيب والمواجهة‪،‬لذلك لم يشارك يوما في ّأي عمل مقاومة‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫ينجه من أن يعتقله‬
‫للعدو الصهيونيّ‪،‬وظل يعيش كدجاجة مزرعة جبانة‪،‬ولكن ذلك لم ِ‬
‫ّ‬
‫الصهاينة‪،‬وأن يلقوا به في المعتقل بين أبناء شعبه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫كان مخططه يقتضي أن يحافظ على عقيدته في الجبن حتى يخرج سالما من‬
‫بالتعليم ّ‬
‫والتثقيف حتى صنعوا‬ ‫الفلسطينيون األسرى ّ‬
‫ّ‬ ‫المعتقل‪،‬ولكن ما إن ّ‬
‫تعهده الفدائيون‬
‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫فلسطينيا‪.‬‬ ‫حقيقيا يليق به أن يكون‬ ‫منه رجال‬
‫عدوه في ّالدروب‪،‬كان يشعر ّبأنه األقوى‪،‬رفع رأسه ّ‬
‫ألول‬ ‫خرج من المعتقل يبحث عن ّ‬

‫‪88‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﺨﯿﻢ‬

‫ّمرة في حياته‪،‬ولم يعد يستسيغ اإلطراق في األرض كدجاجة‪،‬بل غدا ينظر نحو ّ‬
‫السوامق‬
‫كنسر أصيل‪.‬‬
‫ْ‬
‫َركض‬
‫ّ‬
‫هو رجل راكض يحتضن طفلة صغيرة عمرها ثالث سنوات‪،‬ليس عنده طاقة ليشرح لكل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بشر‪،‬ويتخذ أبعد‬ ‫مصمم على ّالركض نحو البعيد‪،‬يرفض أن يكلم ّأي‬ ‫من يقابله ل َم هو ّ‬
‫ِ‬
‫الطرق إن كانت نائية بعيدة عن البشر ليصل إلى مبتغاه‪،‬هو ال يعرف إلى أين يذهب‪،‬لكنهّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سيظل يركض حتى يصل إلى مكان ُيرقد لهاثه فيه‪،‬ويقنع ذراعيه بأن تفكا حصارهما عن‬
‫ّ‬ ‫الصغيرة ّ‬ ‫ابنته ّ‬
‫الشاحبة الوجه والحركات واللفظ‪.‬‬
‫جدة فيه وهون وفق ما تحتمله نفسه التي‬ ‫ّأيام طويلة قضاها في هذا ّالركض المسعور بين ّ‬
‫تخور تحت أحزانه ومخاوفه وصور القتلى الفلسطينيين في مخيم (اليرموك)حيث رأى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أبشع أشكال موت البشر على مهل جوعا وعطشا ومرضا وحزنا وخوفا‪.‬‬
‫إشفاقا منه على زوجته المريضة وأطفاله ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫السبعة‬ ‫المخيم جبنا منه‪،‬ولكن‬ ‫لم يهرب من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫غار‪،‬لكنه لم يستطع أن يعصمهم من مخانق التيه والهرب والتشرد والجوع والعطش‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الص‬
‫والبرد؛جميعهم هلكوا منه في درب الهروب وهم مدفعون عن األبواب‪،‬مالحقون بذنب‬
‫ّ‬
‫فلسطينيتهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أخيرا إلى هذا ّالنهير ّ‬‫ً‬
‫األوروبية‪،‬هي آخر ما عليه أن يقطع ليحط‬ ‫الصغير في الغابة‬ ‫وصل‬
‫ً‬
‫ّالرحال الجئا في هذا البلد‪.‬‬
‫الصغيرة تكاد تنطفئ جذوة‬ ‫يضيعه في هذه الغابة‪،‬وابنته ّ‬ ‫الجو صقيع‪،‬وال وقت أمامه ّ‬ ‫ّ‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫‪،‬قرر أن يقطع ّالنهير وهو يحملها إلى حيث يأمل أن يجد فرصة‬ ‫وبردا ّ‬ ‫حياتها مرضا وجوعا‬
‫للحياة لها‪،‬ماء ّالنهير أبرد ّمما تعني البرودة في قاموسه‪،‬ال يبالي بهذا البرد‪،‬يرفع طفلته‬
‫ّ ً‬
‫تجمدا‪.‬‬ ‫فوق كتفيه‪،‬و يغوص في الماء إلى ترقوته التي ترتجف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أخيرا يصل إلى ّ‬ ‫ً‬
‫الضفة األخرى‪،‬يضع طفلته على األرض‪،‬يتفقد أنفاسها التي تبشره بأنها‬

‫‪89‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ً‬
‫على قيد الحياة‪،‬ويهجع أرضا إلى جانبها دون حياة‪.‬‬

‫الحلوة‬
‫مخيم (عين الحلوة) في لبنان‪،‬وقع في عشقها منذ ّأول مشاجرة وقعت بينهما‬ ‫قابلها في ّ‬
‫دت عليه بأسوأ ّرد بصلف فلسطينيّ ال يحتمل‬ ‫قيقة‪،‬فر ْ‬
‫ّ‬ ‫عندما غازلها بكلماته ّالل ّ‬
‫بنانية ّالر‬
‫تائم‪،‬ولكنه وقع في عشقها؛فقد أعجبته روحها‬ ‫ّ‬ ‫السباب ّ‬
‫والش‬ ‫ْ‬
‫كبريائه‪،‬كالت له ّ‬ ‫خدش‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫المهر‪،‬وجمالها المتواري قصدا خلف السالح في سبيل قضية تؤمن بها‪.‬‬
‫ّ‬
‫العسكري الذي يلبسه أشبال الفدائيين الفلسطينيين ُتخفي رقة ذائبة تقطر‬ ‫ّ‬ ‫خلف لباسها‬
‫ّ‬ ‫وحنانا‪،‬لو لم تكن تحمل ّ‬ ‫ً‬
‫السالح لكانت تحمل سلة زهور‪،‬وتمرح بها في سهوب‬ ‫أنوثة‬
‫األرز‪،‬ولذلك قد أسماها(الحلوة)‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جها‪،‬ووافقت على الزواج به دون ّتردد‪،‬كانت تسخر من لجهته الناعمة‬ ‫ْ‬ ‫ّقرر أن ّ‬
‫يتزو‬
‫ْ‬ ‫ّ ّ‬
‫الظ ّ‬ ‫قيقة‪،‬لكنها ْ‬
‫ّ‬
‫المراوغة‪،‬كانت‬ ‫اهرية‬ ‫كانت ترى صالبة ّالرجال األقوياء خلف هذه الرقة‬ ‫ّالر‬
‫لها‪،‬ولكنها تختال في نفسها بهذا الوسيم األشقر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫المتيم بها‪.‬لقد كان‬ ‫تسخر علنا من عشقه‬
‫ً‬ ‫ّ ً‬
‫مصمما على أن ينجب منها طفال على شاكلة سمرتها وعنادها وجرأة روحها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫انتقلت ّللنضال المسلح في فلسطين‪.‬‬ ‫غدرت به‪،‬وتركته لتلحق صوت الواجب‪،‬لقد‬ ‫ّ‬
‫لكنها‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫سالحه‪،‬وقرر أن يلحق‬ ‫لم يتألم من ابتعادها عنه‪،‬فهو يعلم ّأنها أسيرة عشق أكبر‪،‬حمل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بها‪،‬فهو ّ‬
‫مصمم على أن ينجب منها طفال شجاعا وعنيدا‪.‬‬

‫عائشة ألوان‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هم يثقون فيها ّ‬
‫ألنها هي معلمتهم الجميلة التي علمتهم ّالرسم‪،‬كانت تشتري األلوان‬
‫مخيم (اليرموك)‪،‬إذ ّإنهم ال يستطيعون أن يدفعوا أثمان‬
‫واألوراق لمعظم األطفال في ّ‬
‫ّ‬
‫شرائها بسبب عوزهم‪،‬هي من علمتهم أن يرسموا الحياة جميلة ّمتسعة فرحة على عكس‬
‫الحياة التي يعيشونها في هذا ّ‬
‫المخيم‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﺨﯿﻢ‬

‫ّ‬ ‫يصدقونها‪،‬ويثقون بوعدها لهم ّ‬ ‫هم ّ‬


‫بالرجوع إليهم فور إحضار بعض الطعام والمساعدات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عودتها‪،‬لكنها لم تعد بعد‪.‬‬ ‫للمخيم‪،‬وهم اآلن في انتظار‬ ‫الط ّبية‬
‫ّ‬
‫المخيم قد قبض عليها بجرم تهريب الطعام‬‫ّ‬ ‫سمعوا ّأن الجيش المتناحر على أبواب‬
‫عذبوها هناك حتى ماتت ّ‬ ‫ّ‬ ‫واألدوية إلى ّ‬
‫عشرات‬ ‫مخيم (اليرموك) المحاصر منذ دهر‪،‬لقد‬
‫المرات قبل أن تموت ميتتها األخيرة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫المخيم‪،‬ولم تف بوعدها لتالميذها الذين ّ‬
‫يحبونها‪،‬ويسمونها آنسة (عائشة‬ ‫هي لم تعد إلى ّ‬
‫ِ‬
‫لكنهم يرفضون أن يستسلموا لفكرة موتها‪،‬ويشرعون يرسمونها على جدار‬ ‫ألوان)‪ّ ،‬‬
‫محملة بالمؤن ّ‬
‫والدواء‪،‬ويلبثون ينتظرونها‪ ،‬فهي ال‬ ‫المدرسة باسمة نضرة عائدة إليهم ّ‬
‫ً‬
‫تخلف ميعادها معهم أبدا‪.‬‬

‫فلسطينيّ‬
‫إال ّأنه فلسطينيّ‪،‬وهو صغير قالوا له ّإن وطنه قد ُسرق ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ألنه‬ ‫ال يعرف تسويغا لعذابه‬
‫الشقاء زهرة شباب والده وهو يرزح تحت نير عذاباته‬ ‫فلسطينيّ‪،‬عندما كبر قصف ّ‬
‫الشلل قدمها‬ ‫ألنه فلسطيني‪،‬أخته الكبرى أكل ّ‬ ‫ومطاردته للقمة عيشه وعيش أسرته ّ‬
‫ألنه فلسطينيّ‪،‬عاش طوال عمره في مكعب حقير‬ ‫اليمنى‪،‬ولم تجد أسرته المال لعالجها ّ‬
‫ً‬ ‫من ّ‬
‫الصفيح مصلوبا على قارعة االنتظار في جغرافية موحلة منتنة خلف حدود الوطن‬
‫ّ‬
‫ألنه فلسطينيّ‪.‬‬
‫تعلم أن يحزن‪،‬وأن يجوع‪،‬وأن يعرى‪،‬وأن يرى تقتيل شعبه ّبأم عينيه ّ‬ ‫ّ‬
‫ألنه‬ ‫عندما كبر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فلسطينيّ! تعود أن تزدحم ذاكرته بالشهداء ّ‬
‫والراحلين والمختفين والمبعدين والمعتقلين‬
‫ألنه فلسطينيّ‪.‬‬ ‫والغائبين مؤجلي العودة ّ‬
‫ألنه فلسطينيّ‪،‬وعندما أراد أن يبكي على استحياء ّ‬
‫ألن‬ ‫عندما غادره الحلم لم يأبه لرحيله ّ‬
‫تشوه الوجه الحضاري‬ ‫بحجة ّأنها ّ‬
‫الصغيرة التي يملكها ّ‬ ‫إدارة المخيم صادرت(البسطة) ّ‬
‫خجال من البكاء الذي ال يليق به ّ‬‫ً‬
‫ألنه فلسطينيّ!‬ ‫للمخيم غالب دموعه وزجرها‬

‫‪91‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫َ َ‬
‫فخار‬
‫األساسية في األسرة تنحصر في أن يحمل حذاء أخيه األسود ّ‬
‫الملمع الذي‬ ‫ّ‬ ‫وظيفته‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تشاركت األسرة كلها ألجل شرائه ليبدو ابنها البكر الموظف في حكومة هذه ّالدولة في‬
‫تشرفه‪،‬وال تحرجه بحذاء مغموس بوحل ّ‬
‫المخيم الذي يغمرهم بطوفانه المقيم‬ ‫خير صورة ّ‬
‫في الفصول جميعها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هذا االبن البكر هو طوق النجاة لألسرة كلها‪،‬نقوده القليلة هي من تطعمهم أجمعين‪،‬وتعفي‬
‫ّ‬
‫المخيم لينقسم‬ ‫والده العجوز من أن يعمل في أعمال العتل في سوق القمح في أطراف‬
‫ظهره ّمرة أخرى‪.‬‬
‫ّ‬
‫حذاء ّبني اللون قديم‪،‬ويسير‬
‫السوداء الوحيدة التي يملكها‪،‬وينتعل ً‬ ‫يلبس األخ البكر بذلته ّ‬
‫ً‬
‫بخطى واسعة سريعة مختاال كطاووس‪،‬وخلفه يسير األخ األصغر يحمل حذاءه بإجالل‬
‫وفخار‪.‬‬
‫المخيم‪،‬يجلس أخوه األكبر في مقعد‬ ‫عندما يصالن إلى الحافلة في موقف ّالنقل في قلب ّ‬
‫الصغير من نافذة الحافلة‪،‬وينتش‬ ‫من مقاعده‪،‬ويخلع حذاءه الموحل القديم‪،‬ويناوله ألخيه ّ‬
‫ّ‬
‫منه الحذاء األسود ّالنظيف‪،‬وينتعله كي يذهب به إلى عمله دون أن يلطخ األماكن التي‬
‫يسير بها بوحل ّ‬
‫المخيم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ألنه قام بمهمته ّ‬ ‫ً‬
‫فرحا إلى بيته ّ‬ ‫يعود األخ ّ‬
‫األساسية في تحديد مصير األسرة‬ ‫اليومية‬ ‫الصغير‬
‫ً‬
‫ستتضور جوعا إن طردوه‬‫ّ‬ ‫أكانت ستجد ما تأكله إن بقي ابنها البكر على رأسه عمله‪،‬أم ّأنها‬
‫الملطخ بطين ّ‬ ‫ّ‬
‫المخيم‪.‬‬ ‫من عمله بسبب حذائه‬

‫ّ‬
‫المخيم‬
‫ّ‬
‫اضطرت إلى أن ُتقاتل ّالدنيا كلها‪،‬لم تعد ُتطيق أن‬ ‫المرة عن هذا ّ‬
‫المخيم ولو ّ‬ ‫لن ترحل هذه ّ‬
‫المخيمات ّ‬
‫والتهجير والعذاب والمعاناة‬ ‫مخيم لتلجأ إلى آخر‪،‬حياتها سلسلة من ّ‬ ‫ّ‬
‫تهجر من ّ‬

‫‪92‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﺨﯿﻢ‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫والقهر‪،‬في ّكل ّ‬


‫مخيم خسرت جزءا من ذاتها وبعضا من أفراد أسرتها حتى لجأت إلى هذا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المخيم ليس معها إال طفالها وبذلة زوجها الفدائيّ وبندقيته وأثاث يضيع في بيتها الغرفة‬
‫ّ‬
‫لقلته على ّالرغم من ضيقها‪.‬‬
‫ْ ّ‬
‫رضيت بكل حرمان واضطهاد كي تحافظ على حياة طفليها‪،‬واآلن هناك من يهاجمون‬
‫المخيم كي يحتفلوا بإراقة ّالدم الفلسطينيّ في نزهة قتل وتشريد واغتصاب يحلو لهم أن‬ ‫ّ‬
‫المرة‪،‬ال يعنيها اسمه أو‬ ‫يقوموا بها في أرجائه كيفما ّاتفق‪،‬ال تريد أن تعرف من المهاجم هذه ّ‬
‫دينه أو جنسيته أو لغته أو هدفه أو فكره؛فجميعهم سواء عندما يقتلون الفلسطينيّ‪،‬الموت‬
‫ً‬ ‫ّ ً‬
‫ّ‬
‫فلسطينية تذود‬ ‫المخيم ّأيا كان‪،‬لن تكون ّأما‬ ‫ذاته يتحالفون معه‪،‬وهي ستقتل من يهاجم‬
‫المخيم ضد‬ ‫ّ‬ ‫عن أطفالها وحسب‪،‬بل ستلبس بذلة زوجها‪،‬وتحمل سالحه لتدافع عن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫الجهنم ّية‪.‬‬ ‫المهاجمين ّأيا كانوا‪،‬فهي لن تسمح بأن يموت طفالها في هذه اللعبة‬
‫م‪،‬تقاتل‬‫المخي ُ‬‫ّ‬ ‫تغلق باب بيتها الغرفة على طفليها‪،‬وتخرج مع الخارجين المدافعين عن‬
‫الشريرة بغريزة األم المدافعة عن أطفالها وعن‬ ‫على تخومه بشراسة‪،‬تصطاد ّالرؤوس ّ‬
‫مضرجة بدم َم ْن‬ ‫بيوتهن‪،‬وفي المساء تعود إلى بيتها الغرفة ّ‬ ‫ّ‬ ‫األمهات القابعات في‬‫أطفالها ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫انتظارها‪،‬تتكوم أرضا خلف‬ ‫قتلت‪،‬وبدم جروح أصابتها من شظايا انفجار‪،‬تجد طفليها في‬
‫الباب‪،‬تأخذهما إلى صدرها‪،‬وتنخرط ّ‬
‫وإياهم في بكاء مخنوق‪.‬‬

‫(كرت)المؤن‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫الصبي ّ‬ ‫يصمم ّ‬ ‫ّ‬
‫يفية لعله يجني بعض المال ليشتري‬ ‫الصغير على أن يعمل في العطلة الص‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جلدية بدل حقيبة القماش التي خاطتها ّأمه له من ثوب قديم لها‬
‫وقميصا وحقيبة ّ‬ ‫بنطاال‬
‫عمال في ّ‬‫ً‬ ‫ً ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫المخيم فلم ينجح‬ ‫وطيا‪.‬حاول أن يجد‬ ‫قد بلي بعد أن أنهكته لبسا وغسال ونشرا‬
‫في ذلك؛فال أحد يرغب في توظيف طفل صغير بجسد هزيل وقامة قصيرة‪،‬لذلك ّقرر أن‬
‫الصغير العاجز عن العتل ّ‬
‫المخيم يتناسب مع جسده ّ‬
‫عمال ما خارج ّ‬ ‫ً‬
‫والصراع والجري‬ ‫يجد‬
‫ّ‬
‫والتدافع‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ً‬ ‫ّ‬
‫المتاجر‪،‬لكنهم زهدوا به إلى أن صادف اهتماما من‬ ‫عرض حاجته على بعض أصحاب‬
‫ّ‬
‫تاجر عجوز أزرق البدن واالبتسامة‪،‬رجاه أن يجد له وظيفة عنده‪،‬أخبره بأنه فلسطينيّ من‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫استدر عطفه‪،‬وشرح له مدى حاجته لهذا العمل‪،‬أنكر‬ ‫المخيم لعله يحظى بالوظيفة إن‬
‫ّ‬ ‫فلسطيني ًا‪،‬وبعد جدال طويل ّقرر ّ‬
‫الصبي أن يثبت له ّأنه فلسطينيّ لعله‬ ‫ّ‬ ‫ّالتاجرعليه أن يكون‬
‫ّ‬
‫فلسطينيته‪.‬‬ ‫بالت ّ‬
‫حقق من‬ ‫يحظى بوظيفة ما عنده طالما ّأنه مهتم لسبب يجهله ّ‬
‫الصبي بجوارحه وحماسه ليحضر (كرت المؤن) من بيته في أسرع وقت ممكن‬ ‫صفق ّ‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫أصله‪،‬قدم (الكرت)‬ ‫كي يثبت ّللتاجر ّأنه فلسطينيّ‪،‬إذ ال يملك وثيقة غيره تثبت حقيقة‬
‫ً‬ ‫ً ّ ً‬ ‫ً‬
‫وتوترا وطمعا في الحصول‬ ‫ّللتاجر وهو يلهث‪،‬وال يقوى على التقاط أنفاسه تعبا وحماسا‬
‫ً‬
‫على عمل‪،‬ألقى ّالتاجر نظرة ازدراء على (كرت المؤن)‪،‬ودفعه أرضا بضربة من رأس‬
‫اغرب عن وجهي‪،‬ال عمل‬ ‫ل‪،‬هيا ْ‬
‫متسو ّ‬‫إبهامه‪،‬وقال له باحتقار‪»:‬هذا يثبت ّأنك فلسطينيّ ّ‬
‫َلك عندي»‪.‬‬
‫الصبي (الكرت)عن األرض جريح الـ ّـروح‪،‬وشـ ّـد قبضة يمينه عليه كي ال‬ ‫تناول ّ‬
‫ً‬ ‫الش ّ‬‫مخصاصتها ّ‬‫يضيعه‪،‬فتفقد أسرته ّ‬ ‫ّ‬
‫هرية من المؤن‪،‬وأطلق ساقيه ّللر يح عائدا إلى بيته‬
‫ْ‬
‫دموعه‪،‬فيشمت به‪.‬‬ ‫كي ال يرى ّالتاجر‬

‫عقوبة‬
‫تتوقع أن تحصل على تكريم ّ‬ ‫ّ‬
‫خاص من مديرة المدرسة التي تدرس فيها بعد أن‬ ‫كانت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫حصلت على المرتبة الثانية في مسابقة الشعر على مستوى الدولة التي تعيشه فيها الجئة‬
‫الس ّ‬
‫احلية‪.‬‬ ‫الفلسطينية ّ‬
‫ّ‬ ‫بعد طردها وعائلتها من مدينتهم‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫كثعلب أحمق أحرقت ّالنار ذنبه‪،‬اقتربت منها‪،‬وسألتها بتقزز‪« :‬أحقا‬
‫ٍ‬ ‫إال ّأن المديرة بدت‬
‫ّ‬
‫فلسطينية يا بنت؟»‬ ‫أنت‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شعرت الطفلة الصغيرة بتهمة ما تحاصرها على جريمة لم تقترفها‪،‬هداها فكرها‬
‫ّ‬
‫ة‪»:‬ولكنني أحمل‬ ‫برد ّالتهمة ّ‬
‫الموجه إليها على حين ّغر‬ ‫المتلعثم إلى أن تدافع عن نفسها ّ‬

‫‪94‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﺨﯿﻢ‬

‫ّ‬
‫الجنسية‪»!...‬‬
‫ثدياها ضخمين متهدلين كقربة ماء‬ ‫ّمطت المديرة صدرها بفخر رعوي جاف‪،‬فبرز ّ‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫أمرك»‪.‬‬ ‫ْ‬
‫جرباء‪،‬وقالت لها‪»:‬يا وقحة‪،‬غادري هذه المدرسة‪،‬وال تعودي إليها إال مع وليّ ِ‬
‫ّ‬
‫تصدق ّأنها ال تزال على قيد الحياة بعد أن‬
‫الطفلة خارج غرفة المديرة‪،‬وهي ال ّ‬ ‫طارت‬
‫الصريح جريمة أصلها الفلسطينيّ‪.‬‬ ‫تت عليها ّ‬
‫بالدليل والبرهان واالعتراف ّ‬ ‫ّثب ْ‬
‫ّ‬
‫وظل ْت طوال طريق العودة إلى البيت تشكر الله على ّأن مديرتها لم تكتشف ّأنها تعيش في‬
‫ً‬
‫المخيم‪،‬إذن لصلبتها على باب المدرسة تنكيال بها على هذه الجريمة ّالنكراء‪.‬‬
‫ّ‬

‫ّ‬
‫كماليات‬
‫ّ‬ ‫يقدم محاضرة لطلبة المدرسة اال ّ‬ ‫منظمة (األونروا) ّ‬ ‫ّ‬
‫المخيم حول‬ ‫بتدائية في‬ ‫مندوب من‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ّالتخلي عن الكماليات من أجل االنتصار على الجوع‪،‬يعرض صورا إلكترونية عبر نظام‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الط ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عام‪،‬إنه يضع في‬ ‫الكماليات في‬ ‫العرض اإللكترونيّ الحاسوبيّ الذي أحضره معه حول‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكماليات كل ما لذ وطاب من طعام وسكاكر ولحوم وأطايب أخرى ال يعرفون لها‬ ‫قائمة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫اسما‪،‬ولم يرونها في تاريخ مخيمهم الصدئ‪.‬‬
‫كرقصة ذبيح على‬ ‫يتابعون صور هذه األطايب بحسرة وتشه‪،‬وهي تعرض أمام جوعهم ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالط معبد‪،‬ثم يضربون عنها بأمر من المندوب السمين ومعلماتهم المعسكرات في باحة‬
‫كماليات‪،‬وينسرحون يسمعونه ّ‬ ‫لجوعهم‪،‬بحجة ّأنها ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫يحدثهم عن تحضير‬ ‫المحاضرة ضبطا‬
‫ّ‬
‫األساسية التي‬ ‫ّ‬
‫الغذائية‬ ‫يقدم لهم الكثير من العناصر‬‫الصويا حيث ّ‬
‫غذائية من زيت ّ‬ ‫أطباق ّ‬
‫هم في حاجة لها لنموهم‪.‬‬
‫ّ‬
‫الكماليات المعروضة أمامهم على جدار‬ ‫ّ‬ ‫يظلون يسترقون ّالنظرات العاجزة على صور‬
‫ّ‬
‫الكماليات‪.‬‬ ‫بيض‪،‬ويتمنون بصمت ُمتواطئ عليه لو ّأنهم يظفرون بهذه‬
‫ّ‬ ‫العرض األ‬

‫‪95‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫كمان‬
‫مخيم (اليرموك) الذي يسكنه‪،‬ال‬ ‫الموت وحده هو من ينتظره في هذه ّاللحظات في ّ‬
‫ّ‬
‫طعام أو شراب أو أمن أو منقذ أو دفء أو دواء أو درب مهرب‪،‬ليس هناك إال حطام يتناثر‬
‫يتربصون بهم عند‬ ‫البشر في أجمته‪،‬وقصف معتوه يحاصرهم من ّكل مكان‪،‬وجنود موت ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪،‬وأياد سوداء تتخطف من تريد منهم بسهولة‪،‬وتدفنه في عذاب معتقالت‬ ‫أبواب المخيم ٍ‬
‫السلطة في سوريا حتى الموت‪.‬‬ ‫المتناحرين على ّ‬
‫ّ‬
‫والمتخاصمين‪،‬لكنه يعلم ّأن تلك الوجوه‬ ‫مخيمه لقمة في أفواه المتناحرين‬ ‫ال يعرف ل َم ّ‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية التي يحبها في هذا المخيم قد طاردها الموت حتى أتلف حياتها‪،‬وأهدر آمالها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّأمه ماتت في هذا الحصار بسبب نقص ّالدواء‪،‬وطفال أخته التي تعيش معهم منذ موت‬
‫ً‬
‫زوجها قد ماتا بسبب سوء ّالتغذية‪،‬وحبيبته (زينب) أخذها جنود ّالتناحر ليال‪،‬وألقوا بها‬
‫ّ ّ‬ ‫ً‬
‫المخيم جثة عارية من مالبسها ومن أنفاس الحياة‪.‬‬ ‫فجرا أمام‬
‫عدة‪،‬وال مطر في‬ ‫المخيم منذ ّأيام ّ‬
‫ّ‬ ‫الشديد‪،‬إذ ال ماء في‬ ‫الجميع اآلن يعانون من العطش ّ‬
‫الصيف ينجدهم ّمما هم فيه من ظمأ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يقرر أن يموت بالطريقة التي يختارها هو‪،‬ال بالطريقة التي يختارها له الوحوش الذين‬
‫المخيم‪،‬يخرج إلى ذلك ّالدمار الذي يحيط به‪،‬ويأخذ كمانه الحبيب الذي‬ ‫ّ‬ ‫يحاصرون‬
‫ّ ّ‬
‫أسرية كاملة من ّالت ّبرعات كي يحصل عليه‪،‬هو يجيد العزف عليه بالتعلم‬ ‫اشتراه بحملة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجنسية‬ ‫الذاتي وببعض الحصص التي علمها له الموسيقي الفلسطينيّ الذي يحمل‬
‫ّ‬
‫للمخيم قبل أعوام انصرمت‪.‬‬ ‫نماركية حين جاء في زيارة‬ ‫ّالد ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العطش‪،‬يقرر أن يظل يعزف حتى يقضي العطش‬ ‫يبدأ يعزف على كمانه الحزين أحزان‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪،‬يتجمع حوله كل‬ ‫عليه‪،‬فهذا الموت الذي يختاره‪،‬ويقبل به‪،‬وهو أن يموت وهو يعزف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سكان ّ‬ ‫ّ‬
‫المخيم‪،‬يعزف لثالث ساعات كاملة دون توقف‪،‬يحلق بموسيقاه في‬ ‫من يسمعه من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سماء االرتواء‪،‬ويحلق أهل المخيم معه في سمائه‪،‬وفجأة في أشد ساعات النهار حرارة‬

‫‪96‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﺨﯿﻢ‬

‫ينزل المطر!‬

‫نهر البارد‬
‫ّ‬
‫أحالمه وعمره وسنوات عذابه وأعوام غربته تنهار كلها أمام عينيه مع تفجير بيته أمام‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مخيم (نهر البارد) في لبنان إثر صراعات ّ‬‫عينيه في ّ‬
‫وخارجية دامية‪،‬يلخص كل ما‬ ‫داخلية‬
‫يجري في كلمتي مؤامرة وخيانة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كل ما أنجزه في حياته يتلخص في بناء منزل من الطوب األحمر من أربعة طوابق ليأوي‬
‫وأمه وأخته العانس المريضة‪.‬‬‫فيه أسرته وأسرتي أخويه ّ‬
‫هاهو عالمه وسعيه وسنين طويلة من عمره ينهار أمام عينيه مع انهيار منزله‪.‬يجلس على‬
‫يدخن سجائره‪،‬ال‬‫ملوح ّاللون من شمس طرقته لسنين‪،‬يشرع ّ‬ ‫كرسي خيزران أعرج القدم ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يأبه بأحالم أو ندم أو حزن‪،‬ويشرع يفكر في خطة محتملة لبناء بيت جديد في زمن‬
‫ً‬
‫قادم‪،‬فهو ال يقبل بالخسائر أبدا‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫‪4‬‬
‫تقاسیم ّ‬
‫الشتات‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫إقامة‬
‫الحارة ّالنائية من‬
‫الس ّتة في هذه المدينة ّ‬‫ّأيام قليلة‪،‬وينتهي تصريح إقامتها وإقامة أبنائها ّ‬
‫ّ‬
‫ة‪،‬ويسمون األجنبي مواطن!‬ ‫يسمونها ّ‬
‫أجنبي‬ ‫بالد العرب حيث ّ‬
‫ّ‬
‫بفلسطينية‬ ‫عليها أن تغادر هذه المدينة إلى خارج ّالدولة في غضون أيام؛فهنا ال يعترفون‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية التي تسمح لها‬ ‫وحيدة انتهى تصريح إقامتها‪،‬وفقدت منذ سنين هويتها‬
‫بالعودة للعيش في مدينتها في فلسطين‪،‬وذلك بسبب التحاقها منذ سنين بزوجها الذي‬
‫الحنو‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اإلحساس‪،‬الميتة ّ‬ ‫ّ‬
‫وح‪،‬الدبقة‬ ‫يعمل في هذه المدينة الموحشة ّالر‬
‫ً‬ ‫زوجها فارق الحياة قبل شهرين بأزمة ّ‬
‫قلبية بعد أن أضرب قلبه عن العمل استسالما‬
‫امتصت شبابه وصمته وأحالمه‬ ‫ألحزانه بعد سنين من العمل والهوان في هذه المدينة التي ّ‬
‫وكرامته دون رحمة‪.‬‬
‫ً‬
‫طرقت أبواب المدينة جميعها أمال في تجديد تصريح إقامتها‪،‬إذ ال مكان تذهب إليه في‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫غادرت هذه المدينة‪،‬ولكن ّأيا من األبواب لم ُيفتح لها‪،‬وال مجيبا رحيما أو‬ ‫هذه ّالدنيا إن‬
‫ً‬
‫رؤوفا ّرق لها‪.‬‬
‫ً‬
‫شرطية قد ُتلقي بها خارج الحدود‪،‬‬ ‫ألي مداهمة ّ‬ ‫احتياطا ّ‬ ‫حزمت حقائبها وأبناءها ّ‬
‫الستة‬
‫القسري الذي تجهل متى‬ ‫ّ‬ ‫بعد أن صرفت آخر ما تملك من مال‪،‬وباتت تنتظر ّالرحيل‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫حضنته‪،‬وغربت‬ ‫الس ّتة عن وجهة سفرهم‬ ‫موت‪،‬وكلما سألها طفل من أطفالها ّ‬ ‫يداهمها مثل‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫في نحيب جهوري ال يؤمن بأن صوت المرأة عورة‪،‬وقالت له بحيرة وضياع‪»:‬ال أعرف إلى‬ ‫ّ‬
‫أين علينا ّالرحيل»‪.‬‬

‫البحر‬
‫مخيم (اليرموك) لطالما‬‫الضيقة في ّ‬ ‫الصغير المنزوي في إحدى ّالدروب ّ‬
‫هناك في بيتها ّ‬
‫حلمت بأن ترى البحر‪،‬وأن تركب سفينة تتهادى على صفحته ّالزرقاء ّالرائقة بصحبة أفراد‬

‫‪100‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت‬

‫البحرية بصحبة أسرتها كانت أحالمها ّ‬


‫المائية المالزمة‬ ‫ّ‬ ‫عائلتها‪،‬البحر ّ‬
‫والسفينة ّ‬
‫والرحلة‬
‫ً‬
‫بعيدا عن زحام هذا ّ‬ ‫لروحها ّالتائقة للمسافات ّ‬
‫والزرقة ّ‬
‫المخيم واكتظاظه‬ ‫والسماء ّالرحبة‬
‫وضيقه على ّالرغم من مساحته الكبيرة‪.‬‬
‫ّ‬
‫أجمعين‪،‬وضمتها‬ ‫ّ‬
‫(اليرموك)‪،‬وشردت أهله‬ ‫ورية افترست بيتها ومخيم‬ ‫األهلية ّ‬
‫الس ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحرب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫المهجرين قسرا هربا بحياتهم والباقي ّالنزر من كرامتهم التي ُه ْ‬‫ّ‬
‫درت‬ ‫وأسرتها إلى جموع‬
‫ّ‬
‫ّمرة تلو األخرى في هذه الحرب ألنهم ضعفاء ال لشيء آخر‪.‬‬
‫هاهي اآلن في سفينة مكتظة بالمهجرين الفلسطينيين ّمتجهة إلى إحدى ّالدول‬
‫األوروبية‪،‬هي سفينة مهاجرة بشكل غير شرعيّ‪،‬وهاهو البحر يضرب سفينتهم دون‬ ‫ّ‬
‫رحمة‪،‬ويمزق شراعها‪،‬ويبتلعها على هون بنكهة فزع وصراخ من عليها دون منجد أو‬ ‫ّ‬
‫معين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البحر خدع أحالم طفولتها‪،‬اآلن تكتشف متأخرة هذه الخديعة الموجعة‪،‬وهاهو ينقض‬
‫السفينة ‪،‬ال تقاومه‪،‬وال ّ‬
‫تتضرع‬ ‫عليها ليبتلعها كما ابتلع أمام عينيها الكثير من ّركاب ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫للسماء طلبا لعون أو إنقاذ أو معجزة‪،‬تغمض عينيها‪،‬وتستسلم تماما للبحر الذي يسلها‬
‫تحب البحر حتى ولو خدعها‪،‬وغدر بها‪.‬‬‫ابتداء من رأسها؛فهي ال تزال ّ‬ ‫إليه على عجل ً‬

‫ّ‬
‫الصفعة‬
‫ً‬
‫من جديد يأتي جيرانه يشكون ابنه‪،‬يعاجلونه في المحددة التي يعمل أجيرا فيها بعريضة‬
‫‪-‬مرة أخرى‪ -‬أحد أبنائهم‪.‬‬‫الشقي الذي ضرب ّ‬ ‫الصغير ّ‬
‫الكيدية البنه ّ‬
‫ّ‬ ‫شفوية من ّالتهم‬
‫ّ‬
‫الصهر‪،‬يستجوب ابنه‬ ‫ة‪،‬ويحمر مثل الحديد الذي أخرجه ّللتو من أتون ّ‬
‫ّ‬ ‫يغضب األب ّ‬
‫بشد‬
‫السبب‬‫الصغير أمامهم ليعرف ما سبب ضربه البن جارهم‪،‬فيكتشف ّأن سبب ضربه له هو ّ‬ ‫ّ‬
‫الصبي من جديد‬ ‫الصبية أترابه بسببه؛فقد ّعيره هذا ّ‬
‫ذاته الذي يضربه ويضرب غيره من ّ‬
‫ّبأنه الجئ فلسطينيّ‪.‬‬
‫الصبي الذي‬‫يشمت به ّ‬ ‫الشرر من عينيه‪،‬يعاند دموعه كي ال ّ‬ ‫يصفعه أبوه صفعة تطير ّ‬

‫‪101‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫وقعت عليه ّللت ّ‬


‫و‪.‬يشيعهم بنظرات شزرى‬ ‫ضربه‪،‬يغادر الجيران راضين بهذه العقوبة التي ْ‬
‫حق ًا َ‬
‫نعتك بالالجئ؟!»‬ ‫حاقدة‪،‬يشده أبوه من كتفه‪،‬فيكاد يخلعه‪،‬ويسأله من جديد‪« :‬هل ّ‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫‪« -‬ونعتني بابن الكلب أيضا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪« -‬وهل ضربته ضربا موجعا؟!»‬
‫ً‬
‫‪« -‬أبرحته ضربا»‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪« -‬أحسنت يا بني‪.‬سلم الله يمينك»‬

‫ّ‬
‫الرسام‬
‫الصقيع يرسم وطنه فلسطين‬ ‫ربع قرن من عمره المضنى بالغربة ّ‬
‫والتهجير أمضاه في بالد ّ‬
‫ّ‬ ‫شتى‪،‬يبيع القليل منها كي ّ‬‫في لوحات ّ‬
‫يؤمن لقمة عيشه التي تكفل له أن يظل على قيد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بخسة‪،‬أما باقي اللوحات‬ ‫الحياة في شقة صغيرة كجحر اكتراها منذ زمن طويل بأجرة‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية المنكوبة المقيمة في مدينته ولإلنفاق على‬ ‫فيرصد ريعها لدعم بعض العائالت‬
‫الشهيد الذين يعيشون في مخيم كئيب حزين في لبنان‪.‬‬ ‫أوالد أخيه ّ‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية‪.‬كيف له أن يسمح للموت‬ ‫بأن الموت يداهم جسده الذي هو بعمر قضيته‬ ‫يشعر ّ‬
‫ّ‬
‫الوردي بالعودة إلى وطنه ليدفن في ترابها؟!‬ ‫بأن يسرقه من حلمه‬
‫يكابر على ألم سكرات الموت التي تتنازعه‪،‬ويشرع يرسم لوحته األخيرة‪.‬لقد رسم طوال‬
‫ً‬
‫فلسطين‪،‬لكنه لم يرسم في ّأي يوم مضى بابا ّيؤدي به إلى وطنه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عمره لوحات لوطنه‬
‫ّ‬
‫الشمس أنهى رسم اللوحة‪،‬كانت لوحة لباب كبير ّ‬ ‫مع طلوع ّ‬
‫مطوق بأشجار الياسمين‬
‫جده في قريته ّ‬
‫السليبة‪.‬‬ ‫البري‪،‬وله مزالج نحاسيّ كبير على شاكلة باب ّ‬
‫ّ‬
‫تنفك تمسك ريشة‬‫مودعة بنقر أصابعه التي لم ّ‬ ‫فارقت روحه جسده بدعة‪،‬وداعبته ّ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫وحة‪،‬ودلفت إلى فلسطين لتحقيق حلمه الوحيد‬ ‫رسمه‪،‬وفتحت الباب المرسوم في الل‬
‫بالعودة إلى وطنه‪،‬ثم أقفلت الباب خلفها‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت‬

‫سمكة‬
‫ًّ‬ ‫ّ ً‬
‫فلسطينيا قد ورث البحر عن أسالفه كما ورث زورقه وشباكه وقصصه‬ ‫صيادا‬ ‫كان‬
‫ً‬ ‫وجزره‪،‬لكن ّ‬
‫ّ‬ ‫وأساطيره وسمكه ونوارسه ّ‬
‫الصهاينة جعلوه ضائعا في األرض يطرق‬ ‫ومده‬
‫غزة بعد أن أبعدوه مع الكثير من‬‫والسفن يبحث عن بحر ّ‬ ‫الموانئ والبحار والمحيطات ّ‬
‫السخط‪،‬ثم بعد ذلك غادرها ليبحث عنه‬ ‫ّ‬
‫يادين‪،‬تلقتهم اليونان في ّأول تطوافهم المائيّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الص‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫مكان‪،‬لكنه ظل سمكة خارج ماء الحياة‪.‬‬ ‫في كل‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫بعيدا عن بحر ّ‬
‫سرا إلى‬ ‫الفلسطينية‪،‬وعاد‬ ‫غزة‪،‬التحق بالمقاومة المسلحة‬ ‫لم يجد نفسه‬
‫ّ‬
‫وطنه مع بعض الفدائيين‪.‬البحر ّأول من صافح عينيه من وطنه‪،‬تنفس ملء رئتيه ليبتلع‬
‫نسيم البحر ّكله‪،‬وزفر ما ّتنفس بقوله‪»:‬آه يا بحر ّ‬
‫غزة!»‬

‫مقايضة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫بالرجوع إليها‪،‬مخططات حياته كلها كانت تدور‬ ‫قسرا من فلسطين وهو يحلم ّ‬ ‫منذ أن ُه ّجر‬
‫األجنبية كان ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألنها أبدت‬ ‫المصيري‪،‬حتى زواجه من تلك‬ ‫حول االستعداد لهذا المخطط‬
‫ّ ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الفلسطينية‪،‬وأكدت له ّأنها تناصرها مناصرة كاملة‪،‬األموال‬ ‫ّ‬
‫القضية‬ ‫له تعاطفا عريضا مع‬
‫التي جمعها في ذلك البلد الذي يفصله عن وطنه بحور وجبال وسهول كانت ألجل العودة‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫فلسطينية‪،‬وذلك االبن‬ ‫إلى وطنه‪،‬تلك االبنة الجميلة التي رزقه الله ّبها أنشأها لتكون ّأما‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫الفتوة والبأس ّ‬
‫أعده غرسا صالحا ألجل أن ُيزرع من جديد في تراب وطنه‪.‬‬ ‫الباسق ّ‬
‫حصلها من تجارة األخشاب رشوة ّ‬
‫للصهاينة الخونة كي‬ ‫دفع شطر ثروته العمالقة التي ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫يحصل ّ‬ ‫ّ‬
‫طويلة‪،‬والشطر اآلخر من ثروته‬ ‫فلسطينية بعد أن أنتزعت منه منذ سنين‬ ‫هوية‬
‫ّ‬ ‫كامال إرضاء لزوجته األجنبية التي ّ‬ ‫ً‬
‫أنيابها‪،‬وفضلت األموال على ّأي‬ ‫كشرت عن‬ ‫دفعه‬
‫ّ ًّ‬ ‫ّ‬
‫قضية عادلة في هذه الدنيا أيا كانت‪،‬لقد دفعه لها برضا كامل كي تتنازل له عن حضانة‬
‫دد‪،‬أخذت المال‪،‬وأخذ ابنيه الفلسطينيين ليعود بهما إلى‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ابنيهما‪،‬فوافقت على ذلك دون ّتر‬

‫‪103‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫وطنهما‪،‬فهناك مهمة ّ‬
‫مقدسة تنتظرهما هناك‪.‬‬

‫حذاء أبيض‬
‫ضاعت عن أهلها أليام طويلة ّ‬
‫ألنها‬ ‫ْ‬ ‫في ليلة مداهمة قريتها من ق َبل عصابات ّ‬
‫الصهاينة‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تأخرت عن الهرب معهم كي تلبس حذاءها األبيض الجديد الذي تقطعت نياط قلبها‬
‫ً‬
‫رغبة في شرائه‪،‬وحلمت به ألشهر طويلة‪،‬وخاضت ألجل الحصول عليه حروبا حامية‬
‫الوطيس دامية ّالدموع والجدال ألجل أن تجبر ّأمها على شرائه لها من نزير مصروف‬
‫البيت‪.‬‬
‫ّ‬
‫لتضحي بهذا الحذاء األبيض األثير‪،‬ولو ّأدى ذلك إلى أن تتأخر عن ركب أهلها‬
‫ما كانت ّ‬
‫الخائفين من الفتك والقتل وهدر شرفهم‪،‬وهي من بخلت على قدميها بانتعاله كي ال‬
‫يهترئ‪.‬‬
‫وجدت أهلها بصعوبة في مخيمات الحدود بعد أن نهشها الخوف‪،‬وعصرتها األيدي‬ ‫ْ‬ ‫لقد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الباحثة لها عن درب وسط أرتال من اللحم المضنى الملقى على قارعة الطريق تحت‬
‫شمس تسلقهم دون رحمة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أربعون عاما مضت وهي ال تنام إال منتعلة حذاءها أكان أبيض أم غير أبيض خوفا من أن‬
‫تضيع عن أهلها من جديد‪،‬أو يضيع أهلها عنها بسبب حذاء أثير‪.‬‬

‫أجيرة‬
‫تجوب الحقل بثوبها الفلسطينيّ المهترئ الذي نجا وحده من محرقة االجتياح ّ‬
‫الصهيونيّ‬
‫التي اجتاحت أرض قريتها‪،‬فسلختهم عن حياتهم وكرامتهم وصفو عيشهم وحنون‬
‫جمعتهم‪،‬وألقت بهم الجئين ضائعين في دروب ّالدنيا‪،‬اآلن هي تعمل أجيرة مستعبدة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫قة‪،‬والصدر‬ ‫ّ‬
‫المطب‬ ‫في قطف ثمار الطماطم في حقل ذلك الجلف ّالنحيف ذي األصداع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الذي ُمط ّباتجاه تجويف البطن‪،‬ودفع أضالعه يابسة مشينة مسيئة لعيني كل ما يلقى نظرة‬

‫‪104‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت‬

‫جثة ّ‬ ‫ّ‬
‫متعفنة منتصبة على قدمين‪.‬‬ ‫عليه‪،‬هو‬
‫ّ‬
‫تؤمن الخبر والماء ّالنظيف وبعض الخضار واألرز‬ ‫ال تبغي من هذا العمل المهين إال أن ّ‬
‫الشمس حتى غروبها‬ ‫المسنة وأطفالها الكثر‪،‬تعمل من شروق ّ‬
‫ّ‬ ‫لزوجها المقعد وحماتها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مثل ثور مربوط العينين بساقية ملعونة ال ّتتوقف عن الدوران‪،‬اللجوء القسري ّ‬
‫حولها من‬
‫ً‬
‫صاحبة أرض ميسورة الحال مصونة الكرامة إلى الجئة فقيرة معدمة تخشى أن ُتطرد يوما‬
‫ً‬
‫من عملها‪،‬فيموت زوجها وأوالدها وحماتها جوعا‪.‬‬
‫ذلك ّالرجل الجيفة صاحب األرض يريد أن يهتك عرضها إلى جانب استحواذه على عرق‬
‫ً‬ ‫جبينها ّ‬
‫وكد جسدها ثمنا لقروشه القليلة‪،‬يطاردها في أرضه ليل نهار‪،‬ويحاول أن يستفرد‬
‫ّ‬
‫ذلك‪،‬وتسبه‪،‬تمسح عرقها بردني‬ ‫بأي شكل من األشكال كي يسلبها عزيزها‪،‬ترفض‬ ‫بها ّ‬
‫ّ‬
‫المهترئ‪،‬وتقرر أن ال تخضع له حتى ولو ماتت أسرتها‬ ‫ثوبها القديم ذي الحرير األخضر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كاملة جوعا في سبيل أن تدافع عن شرفها‪،‬فهو ليس للبيع‪،‬وال ثمنا لحياة أحد‪.‬‬

‫ابن شهيد‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫زمالئه‪،‬لكنهم ّ‬ ‫صفه‪،‬يحاول أن ّ‬ ‫األول في ّ‬ ‫هو ّ‬
‫يصدونه حسدا من عند‬ ‫يتقرب من‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫أنفسهم‪،‬يغيظهم ّأن هذا الطالب الفلسطينيّ المعدم الذي يفوقهم ذكاء وتحصيال‪،‬ويحظى‬
‫إال منذ عام‪،‬وعلى ّالرغم من ذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫تفوق‬ ‫يأت إلى هذه المدرسة‬
‫بحب معلميه واحترامهم‪،‬لم ِ‬
‫ً‬
‫عليهم جميعا‪،‬يغيظونه بالقصص التي يحيكونها حول التحاقه بمدرستهم‪،‬بعضهم ّيلقبونه‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اذ‪،‬لكنه‬ ‫ّ‬
‫بالشح‬ ‫بالطريد‪،‬وآخرون ّيلقبونه بالالجئ‪،‬وثلة أكثر قسوة وغلظة قلب ّيلقبونه‬
‫ً ًّ‬ ‫يرد عليهم إساءتهم ّ‬ ‫ً‬
‫صامتا ال ّ‬ ‫ّ‬
‫وغيا في اإلساءة إليه‪.‬‬ ‫بأي إساءة‪،‬فيزدادون شططا‬ ‫يظل‬
‫قلوبهم‪،‬تربصوا به عند خروجه من المدرسة وهو ينوء تحت‬‫ّ‬ ‫فاض حقدهم عليه‪،‬فكوى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫المدرسية العتيقة‪،‬تكاثروا عليه على حين غفلة‪،‬وانهالوا عليه ضربا وسبابا‬ ‫ثقل حقيبته‬
‫ً‬
‫وتحقيرا ّ‬
‫‪،‬مزقوا قميصه عنه‪،‬هو القميص الوحيد غير المهترئ الذي يملكه‪،‬لم يستطع أن‬
‫الصغار الحاقدين‪،‬لم يمسحها‪،‬بل ّ‬ ‫ّ‬
‫تذله أكثر أمام ضاربيه من ّ‬
‫حدق بهم‬ ‫يمنع دموعه من أن‬

‫‪105‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ً‬
‫دون حراك‪،‬وقال لهم مستهجنا ضربهم له‪»:‬أنا ابن شهيد»‪.‬‬

‫خيمة‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية لحفدتها كي ال ينسوا أصلهم‬ ‫تصمم على أن تروي حكايات ّالتغريبة‬‫الجدة ّ‬‫ّ‬
‫ألمحية تسأل ّ‬
‫الجدة بحرقة‪« :‬لماذا يا‬ ‫ّ‬ ‫وقضيتهم ومعاناة شعبهم‪،‬الحفيدة ّ‬
‫الصغيرة األكثر‬ ‫ّ‬
‫بيوتهم‪،‬وي ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫هجرون‬ ‫جدتي في نهاية الحكايات كلها التي تروينها لنا الفلسطينيون يفقدون‬
‫من أراضيهم‪،‬ويجبرون على ّالرحيل‪،‬ويسكنون في خيمة في مكان ما؟»‬
‫السؤال البريء‪،‬وتسأل نفسها‬ ‫الجدة‪،‬وتشعر بخوف ّيتربص بها خلف إرهاصة هذا ّ‬ ‫تصمت ّ‬
‫وتكتم‪»:‬أهناك رحيل من جديد؟ وخيمة أخرى في انتظارها في مكان آخر؟»‬ ‫بتهيب ّ‬ ‫ّ‬
‫رحيل‪،‬وتتعوذ من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫الشيطان‬ ‫ّ‬ ‫والطرد ّ‬
‫والت‬ ‫تؤمل نفسها بموت هادئ بعيدا عن خيمة ّالنفي‬ ‫ّ‬
‫ّالرجيم الذي يوسوس لها بالخيمة الملعونة‪.‬‬

‫قارورة‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية‪،‬وال تريد أن تعرف شيئا عنها‪،‬نصفها األوروبيّ قد‬ ‫ال تعرف الكثير عن قضيتها‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫طغى على نصفها الفلسطينيّ‪،‬ولكنها تعلم تماما أن والدها الذي ّ‬
‫تحبه كثيرا كان يحلم بأن‬
‫ْ‬
‫واألخيرة‪.‬حاولت أن تنقل جثمانه‬ ‫ُيدفن في تراب وطنه‪،‬هي تريد أن ّ‬
‫تحقق له أمنيته األولى‬
‫ّ‬
‫فلسطين‪،‬ولكنها عجزت عن تحقيق هذا الهدف‪.‬‬ ‫ُليدفن في‬
‫ّ‬
‫األوروبية‪،‬وأن‬ ‫نصحتها ّأمها بأن تستسلم للعجز‪،‬وأن تدفن والدها في مقبرة المدينة‬
‫ّ‬
‫مغنم‪،‬لكنها كانت ّ‬ ‫صفحا عن هذا العناد الذي ّ‬ ‫ً‬
‫مصممة على تحقيق‬ ‫يغرمها دون‬ ‫تضرب‬
‫ْ‬
‫رغبته األخيرة وحلم حياته البائدة في أحزان المنافي‪،‬أحرقت جسده في محرقة الموتى‬
‫ْ‬
‫قارورة‪،‬وسافرت إلى فلسطين في قافلة‬ ‫ّ‬
‫الغاية‪،‬ودست رماده في‬ ‫معتذرة له عن ذلك لجالل‬
‫ة‪،‬واغتنمت ّأول فرصة لدفن رماد القارورة في تراب فلسطين‪.‬فعاد والدها‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫أوروبي‬ ‫ّ‬
‫سياحية‬
‫إلى تراب وطنه رغم أنف ّ‬
‫الصهاينة‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت‬

‫َ‬
‫خ َرف‬
‫ّ‬
‫عشرة‪،‬ولكنه ال يزال ينتظر أن يعود إلى بيته الذي يسميه‬ ‫عمره أكثر من مئة عام وازداد‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فلسطين‪،‬جنته األرضية معلقة في ذلك المكان‪.‬‬ ‫الجبلية في شمال‬ ‫(العاللي) في قريته‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أبدا لم ّ‬ ‫ً‬
‫يحدث أحدا من أبنائه أو عائلته عن حياته في تلك (العاللي) حيث كان الثري‬
‫عزه البائد في صدره وذاكرته وهو ّ‬ ‫ّ‬
‫الجميع‪.‬ظل يدفن ّ‬ ‫ّ‬
‫يتجرع المهانة‪،‬ويعمل‬ ‫المطاع‪،‬وسيد‬
‫أجيرا بقروش قليلة خارج وطنه بعد أن ّ‬ ‫ً‬
‫صر زوجته وأوالده‪،‬وهرب بهم من وجه الموت‪.‬‬
‫نزاعه‪،‬شهر كامل وهو ينازع في سريره‪،‬وحوله مئات األبناء والبنات‬ ‫ٌ‬ ‫أصابه الخرف في‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫والحفدة واألنسباء‪،‬كانوا جميعا حوله ال يفارقونه يسمعونه يحدث أطيافا يراها في بيته في‬
‫يسمى فلسطين‪.‬‬ ‫(العاللي) في (البالد) كما ّ‬
‫ألول ّمرة يضحك ملء شدقيه‪،‬كان‬ ‫تمنوا أن يطول نزاعه كي يستمتع أكثر بخرفه؛لقد رأوه ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫السعيدة‪،‬ويروي لهم فصول ّ‬ ‫يعيش تفاصيل حياته الهانئة ّ‬
‫حبه لزوجته الثانية(سارة)‪،‬رأى‬
‫ّ‬ ‫جميعا األموات منهم واألحياء ّ‬ ‫ً‬
‫وإجالل‪،‬ويلقبونه‬ ‫يحدثونه ويصافحونه بوقار‬ ‫أهل قريته‬
‫سيد العاللي)‪.‬‬‫بـ( ّ‬
‫جدهم (كايد ّ‬ ‫أخيرا أسدل الموت جفني ّ‬ ‫ً‬
‫الصالح) الذي عاد بعد فراق طويل إلى (العاللي)‬
‫في قريته الجميلة في أعالي جبال فلسطين‪.‬‬

‫صوت‬
‫القسري ّ‬
‫لجده‬ ‫ّ‬ ‫والسهول حيث كان المهجر‬ ‫في البعيد خلف البحار والمحيطات والجبال ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫صاصة‪،‬وأن صوت‬ ‫وأبيه وله من بعدهما علموه زورا وبهتانا وحمقا ّأن الكلمة تغلب ّالر‬
‫ّ‬
‫الحق أعلى من صوت المدفع‪.‬‬
‫ً‬ ‫قضية شعبه الفلسطيني ّ‬ ‫كثيرا‪،‬وكتب أكثر‪،‬وعال بصوته يدافع عن ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ّ‪.‬لكنه سريعا ما‬ ‫تكلم‬
‫اكتشف أن ال آذان تسمعه هناك‪،‬وال قلوب تريد أن تفقه ما يقول‪.‬‬
‫ّ‬
‫معلبة منتهية الص ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحية‪،‬واشترى‬ ‫على حين يقين خلع كل ما علمه الغرباء له من أفكار‬

‫‪107‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫سالح‪،‬ويمم نحو وطنه ُ‬


‫حيث ّ‬
‫السالح هو من ُيسمع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بمدخراته كاملة ما عليه أن يشتري من‬
‫وقر أو ٌ‬
‫صمم أو مرض‪.‬‬ ‫من في أذنيه ٌ‬

‫ّ‬
‫الصبي المحظوظ‬
‫الصبي الذي رأى ّبأم‬‫ربت رجل أشقر نحيف ككلب سلوقيّ جائع على كتفي ذلك ّ‬
‫الصهاينة‪،‬ثم داعب شعره‬ ‫الفلسطينية على أيدي الجنود األبالسة ّ‬
‫ّ‬ ‫عينيه ذبح أفراد أسرته‬
‫ّ‬
‫الخاروفيّ األجعد بحنان مصنوع مزخرف‪،‬وقال لصحفيّ يسجل كالمه في ورقه دفتر‬
‫جلدي صغير‪»:‬بوصفي رئيس طواقم اإلغاثة ّللنازحين الفلسطينيين أستطيع القول ّإن هذا‬‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫جدا؛إذ نجا من الموت في حين ذبح أهله في طرفة عين»‪.‬‬ ‫الصبي محظوظ‬
‫ّ‬
‫حيف‪،‬لكن قلمه عصاه‪،‬فما‬ ‫يسجل على عجل كالم ّالرجل األشقر ّالن‬
‫الصحفي أن ّ‬ ‫حاول ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫استطاع أبدا أن يكتب كلمة (محظوظ)‪،‬وكتب بدال عنها كلمة (منكوب)‪،‬وأبى القلم‬
‫اإلنسانية ّ‬
‫الصامتة!‬ ‫ّ‬ ‫بعدها أن يكتب ّأي كلمة أخرى؛إذ دخل في محراب الخجل من عار‬

‫طابور‬
‫ذل في انتظار أن يحصلوا على‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫منذ الصباح الباكر والشمس تصليهم دون رحمة في طوابير ٍ‬
‫مخصصاتهم من المؤن التي ُتصرف لهم وفق بطاقات إعانة لمنعهم من الموت‪،‬ولحبسهم‬ ‫ّ‬
‫في ضنك موصول ال ينقضي‪.‬‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ذلك الوغد ّ‬
‫بالسوط كي يمنعهم من ّالتململ‪،‬ويفض به أي تحلق حوله‬ ‫الضخم يضربهم ّ‬
‫والرجال الذي يحلمون بأن يأخذوا حصصهم من‬ ‫من ّالنساء المنهكات واألطفال الجياع ّ‬
‫ّ‬
‫الطعام لصغارهم الجوعى بأسرع ما يمكن‪.‬‬
‫ّ‬
‫بسوطه‪،‬يهد عليه كجبل يتداعى‬ ‫تثور الكرامة في دمه عندما يراه َي ْصلي امرأة عجوز‬
‫ّ‬
‫عليه‪،‬يجرده من سوطه‪،‬ويضربه به حتى يدميه‪،‬فيأخذ يستجير بمن حوله دون مجير‪.‬‬
‫ُ‬
‫يقول له وريقه يتقافز خارج فمه بزفر موصول قد شفي غليله‪»:‬يا ابن الكلب‪،‬لماذا‬

‫‪108‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت‬

‫تضربها؟ نحن بشر ال حيوانات‪،‬ال نريد طعامكم‪،‬نريد أن نموت بكرامة»‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يخطو بضع خطوات مبتعدا عن المكان معتقدا ّأن الموجودين في الطابور قد لحقوا‬
‫بذل في أماكنهم ينتظرون‬ ‫ّ‬
‫به‪،‬يسترق النظر إلى الذين تركهم خلفه‪،‬فيراهم ال يزالون واقفين ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حصصهم ّ‬
‫الضئيلة من الطعام‪،‬يتوقف عن المسير‪،‬ويجمد في مكانه‪،‬يضغط على معدته‬
‫ً‬
‫الص ّف ليقف من جديد في آخره في‬‫جوعا‪،‬يطأطئ رأسه‪،‬ويعود إلى ّ‬ ‫الفارغة التي تقرقع‬
‫ّ‬ ‫انتظار دوره في استالم ّ‬
‫حصته من الطعام دون أن ينبس ببنت شفة‪.‬‬

‫رسائل شوق‬
‫ّ‬
‫كان صوت(كوثر ّالنشاشيبي) ما ينتظره في كل صبح مذ اعتاد على أن يحمل مذياعه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القديم الذي يعمل على ّالبطاريات إلى كل مكان يذهب إليه‪،‬يظل يتابع عبره برنامج‬
‫ً‬
‫(رسائل شوق) منتظرا بأمل ورجاء وصول رسالة تأتيه من ابنه (جابر) تخبره ّبأنه ال‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يزال على قيد الحياة‪،‬يحفظ كل رسالة يسمعها في هذا البرنامج‪،‬لعل اسما ُيذكر فيها‬
‫يعرفه‪،‬فيحمل على عجل بشارة األمل ألم مفجوعة أو ألب مرهون لالنتظار‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫طويل‪،‬ولكنه يخفي هذا‬ ‫يعرف ّأن ال رسالة ستصله من (جابر)؛فهو قد أستشهد منذ زمن‬
‫زوجته(لطفية) كي ال يقتلها هذا الخبر المفجع‪،‬ويخفيه عن نفسه كذلك ال‬ ‫ّ‬ ‫األمر عن‬
‫يعدم سببه الوحيد للبقاء على قيدالحياة‪.‬‬
‫يظل ينتظر رسالة تأتيه من (جابر)‪،‬ويرهف ّ‬ ‫ّ‬
‫السمع لصوت المذيعة وهي تقرأ رسائل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشوق‪،‬وال يقفل مذياعه إال عندما يسمع المقطع الكامل من أغنية (فيروز) وهي تشدو‬
‫ً‬
‫بأغنية(وسالمي لكم)‪،‬ويتجاهل من يتهامسون حوله محوقلون حزنا على عقله الذي‬
‫ُ‬
‫غادره منذ أستشهد ابنه الفدائيّ(جابر)‪.‬‬

‫طيران‬
‫ّ‬
‫دون سابق إنذار وجد نفسه معصوب العينين حافي القدمين بمنامة ّالنوم المخططة‬

‫‪109‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ً‬
‫المتوسط‪،‬بعد رحلة طويلة‪،‬عرف ّأنه ‪ -‬لسوء‬ ‫ّ‬ ‫القديمة منفيا إلى دولة ما بعد البحر األبيض‬
‫ّ‬
‫حظه‪ -‬قد حظي بلقب ُمبعد فلسطينيّ‪.‬‬
‫ً‬
‫منذ ذلك اليوم الذي وجد نفسه فيه بعيدا عن فلسطين‪،‬وهو يعمل على مشروع حياتي‬
‫واحد‪،‬وهو أن يعود إلى بيته هناك حيث ّأمه وأهله وزوجته وطلبته في المدرسة اال ّ‬
‫بتدائية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫غرقا ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪.‬جرب أن يعود برا‬ ‫جرب أن يعود إليها بحرا‪،‬فانكشف أمره‪،‬وغرق زورقه‪،‬وكاد يقضي‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حيا‬ ‫األرضية فانهارت عليه‪،‬وكادت تدفنه‬ ‫ذلك‪،‬جرب األنفاق‬ ‫عبر أكثر من جهة ففشل‬
‫خارج وطنه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لم َ‬
‫يبق أمامه طريق للعودة إلى فلسطين إال عبر السماء‪،‬يحلق في سقفها الحارق‬
‫ّ‬
‫العلوية‪،‬ويتساءل لو ّأنه ركب‬ ‫ّ‬ ‫السماء‪،‬يحسده على أقداره‬ ‫حر ًا في ّ‬ ‫ً‬
‫طائرا ّ‬ ‫ّ‬
‫المشع‪،‬يلمح‬
‫ّ‬ ‫جناحين هل يمكنهما أن ّ‬
‫يحلقا به إلى مبتغاه األوحد بكل ما يحمل من أوزان ثقيلة من‬
‫األحزان واألشواق وخيبات األمل؟!‬

‫قطارات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التقوا على قارعة سفر ودروب افتراق كما يلتقي الفلسطينيون عادة‪،‬أتوا من كل وطن إال‬
‫ّ‬
‫من وطنهم الحقيقي‪،‬كي يقطعوا ساعات االنتظار في محطة القطارات حكوا قصصهم التي‬
‫تبدأ جميعها باالنتساب ّالدقيق إلى أرض ما من أراضي وطنهم ّ‬
‫األم‪،‬وعندما أزف وقت‬
‫ّ‬ ‫ّالرحيل‪،‬وأعلنت القطارات مواعيد ّ‬
‫السفر واالفتراق قبض كل منهم على جواز سفره الذي‬
‫جنسية ما حصل عليها في آخر رحلة ّالتطواف‬‫ّ‬ ‫يكرس غربته‪،‬ويرسم أحزانه على شكل‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫شرد ّ‬ ‫ّ‬
‫والت ّ‬
‫والضياع‪،‬تراهنوا على عدم البكاء حزنا على فراقهم الجديد‪،‬وابتسموا على‬
‫ّ‬
‫الالمباالة‪،‬واتفقوا على أن يلتقوا ذات فرح في وطنهم فلسطين‪،‬وتعاهدوا‬ ‫ّ‬
‫مضض‪،‬وتصنعوا‬
‫على أن يفترقوا على ابتسامة وضحك‪،‬وتراهنوا على أن ال أحد منهم سوف يبكي لوعة‬
‫الفراق وبرودة الغربة‪.‬‬
‫الفلسطينية المغرقة في لهجاتهم المحليةّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫علت في المحطة الباردة أصوات ضحكاتهم‬

‫‪110‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت‬

‫على ّالرغم من دموعهم المتوارية خلفها بصعوبة‪.‬‬


‫ّ‬
‫كل منهم ّتوجه نحو قطاره الذي سيحمله من جديد نحو البعيد‪،‬ال أحد منهم نظر خلفه‬
‫ً‬
‫القسري كي ال يكتشف الجميع ّأنه قد بكى‪،‬وخسر ّالرهان!‬
‫ّ‬ ‫وهو يسير قدما نحو مبتغاه‬

‫غداء‬
‫السالقة‪،‬وتسير إلى قلب ّ‬
‫مخيم (الكرامة)‬ ‫تحمل أخيها في ّكل ظهيرة تحت حرارة الغور ّ‬
‫يقدم وجبة الغداء‬‫الصغير طعام الغداء في مطعم وكالة(األونروا) الذي ّ‬ ‫كي تتناول وأخوها ّ‬
‫ّ‬
‫بشكل يوميّ لكل من يحمل بطاقة استخدام للمطعم‪،‬والدها ّدبر لها وألخيها بطاقتين‬
‫لألكل في المطعم بشكل يومي ّ‬
‫ّ‪،‬ولكنه عجز عن تأمين بطاقة ثالثة ّ‬
‫ألمها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫افا‪،‬تسكب فيه ّ‬‫ًّ ّ ً‬ ‫ً‬
‫حصتها من الطعام لتعود بها إلى‬ ‫تخبئ تحت مالبسها كيسا بالستيكيا شف‬
‫ّأمها‪،‬فتشتركان في وجبة غداء واحدة‪،‬وتنامان دون عشاء في حين ّتدخر ألخيها ّ‬
‫الصغير‬
‫ّ‬
‫نصف برتقالة ُتصرف لكل طفل صغير مع وجبة غدائه‪،‬فتمنعه من أكلها في الغداء لتكون‬
‫وجبة عشائه‪.‬‬
‫حملت وجبة طعامها ووجبة طعام أخيها‪،‬فانزلقت الوجبتان من يديها‪،‬وانسكبتا على‬
‫بالتراب وروث ّالدواب‪.‬‬ ‫حبة البرتقال نحو البعيد ّ‬
‫متعفرة ّ‬ ‫األرض‪،‬وتدحرجت نصف ّ‬
‫رجت المسؤولة عن مطعم الوكالة أن تعطيها وجبة واحدة أخرى بدل عن الوجبتين‬
‫ً‬
‫قاطعا‪،‬ونهرتها ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫بشدة‪،‬وأمرتها بأن‬ ‫رفضت ذلك رفضا‬ ‫منها‪،‬ولكن المسؤولة‬ ‫المنسكبتين‬
‫تنتظر إلى اليوم التالي كي تنال وجبتي غداء جديدتين‪.‬‬
‫هدرت من طعام‪،‬وغادرت مطعم الوكالة كسيفة‬ ‫ْ‬ ‫حملت أخاها بحزن وندم على ما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الخاطر‪،‬وظلت طوال طريق العودة إلى البيت تفكر ّ‬
‫بأمها التي تنتظرها جوعى أمام بوابة‬
‫البيت لتأخذ حصتها من الغداء‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ّ‬
‫والدة متعسرة‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫المتعسرة‪،‬ولكن ذلك لم يثنها عن إنجاب ثالثة عشر ابنا وابنة‪.‬هذه‬ ‫اعتادت الوالدات‬
‫والدتها ّالرابعة عشرة‪،‬هي األصعب‪،‬وهي من ّ‬
‫تقدم بها العمر‪،‬والكتها ّ‬
‫السنون والهموم‪.‬‬
‫الممرضات وهن يرمقن ثوبها الفلسطينيّ القديم الذي يجهر ّبأنها قادمة من‬‫زجرتها ّ‬
‫يتفتق عن خروج جنينها من‬ ‫لهن‪،‬طالبنها بكتم صراخ ألمها الذي ّ‬ ‫البعيد‪،‬وال تنتمي ّ‬
‫بصوتك‪.‬من‬ ‫إحداهن‪»:‬اخرسي‪،‬وال تصرخي أكثر‪.‬لقد أزعجت الجميع‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫جسدها‪،‬قالت‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫تظنين ّأنك ستلدين؟!»‬
‫الفلسطينية بفخر وهي ّ‬
‫تكز على شفتيها‪،‬وتبلع ريقها‪،‬وتدفع كلماتها بصعوبة خارج‬ ‫ّ‬ ‫ّردت‬
‫نفسها الموجوعة‪»:‬سألد فدائيّ فلسطينيّ يا بنت الكلب»‪.‬‬

‫موت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫جدته ألبيه ّ‬
‫المتذمرة من كل شيء‪،‬لم يعجبها في يوم طعام‬ ‫حيرته دائما بشخصيتها‬
‫أو شراب أو ماء أو هواء أو لباس أو معشر أو منظر أو بشر في مهاجرها التي ساطت‬
‫ّ‬ ‫ً ّ‬
‫‪،‬وظلت تقول جملتها ّ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫الشهيرة‪»:‬كل‬ ‫غربتها‪،‬وكوت نفسها ضياعا ومعاناة ووحدة وقلقا‬
‫شيء في فلسطين أجمل»‪.‬‬
‫ْ‬
‫مرضت أقسمت على أبنائها وحفدتها وأنسبائها أن ينقلوها لتموت في فلسطين‬ ‫عندما‬
‫قائلة‪»:‬الموت في فلسطين أجمل»‪.‬‬
‫خاضت باستسالم سكرات الموت أوصت الجميع بأن يدفنوها في أرض فلسطين‬ ‫ْ‬ ‫وعندما‬
‫ّ‬
‫قائلة بثقة من رأى اليقين في لحظات النزع‪»:‬األرض في فلسطين ّ‬
‫أحن على أجساد‬
‫أهلها»‪.‬‬

‫قالدة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المعدنية على شكل خارطة فلسطين معلقة في‬ ‫كل ما تملك من وطنها هو هذه القالدة‬

‫‪112‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت‬

‫رقبتها بخيط ّقنب‪،‬تحرص على أن تخرج هذه القالدة من عنق سترتها كي ال تختفي في‬
‫ّ‬
‫بفلسطينيتها‪.‬‬ ‫صدرها عن األعين التي تتفاخر أمامها‬
‫ّ‬
‫أمريكية نائية بعد أن‬ ‫سكنت مع أسرتها منذ وقت قريب في هذا الحيّ في والية‬ ‫ْ‬
‫ّ‬
‫الجماعية للفلسطينيين‬ ‫جاءت مع أسرتها للعيش هنا مع ّالناجين من عمليات اإلبادة‬
‫حديثا بهذه المدرسة اال ّ‬‫ً‬ ‫ْ‬ ‫في ّ‬
‫بتدائية الجميلة القابعة في غابة خضراء‬ ‫مها‪،‬والتحقت‬ ‫مخي‬
‫تعل ْ‬‫ّ‬ ‫المعلمة بالقرب من تلك ّ‬
‫الشقراء ّ‬ ‫ّ‬
‫قت عينيها بالقالدة‬ ‫الصغيرة التي‬ ‫صغيرة‪،‬أجلستها‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫المشبع بالخضرة المسودة‪،‬استهدت القالدة‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫المعدنية التي خطفت إعجابها بلونها القديم‬ ‫ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫تة‪،‬وقالت لها بحزم‬ ‫سخرت من هذا االستهداء بابتسامة ّمي‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية التي‬ ‫من الطفلة‬
‫ألي أحد»‪.‬‬‫وإصرار‪»:‬ال أهدي فلسطين ّ‬

‫مطار‬
‫ً‬ ‫المطار‪،‬صمم ّ‬
‫ّ‬
‫الصهيونيّ الذي يلبس لونا أسود يماثل لون‬ ‫التقيا في صالة االنتظار في‬
‫يدس رأسه بالكتاب الذي يقرؤه ّالرجل‬ ‫ّ‬
‫داخله‪،‬ويهز جدائله ذات ّالرائحة المتعفنة على أن ّ‬
‫ّ‬
‫الذي جلس صدفة إلى يمينه‪.‬‬
‫ّ‬
‫السهل على جاره في المقعد أن يدرك أنه صهيونيّ من ملبسه وطاقيته وجدائل شعره‬ ‫من ّ‬
‫وترانيمه التي تشبه نقر طائر الخشب في جذع شجرة‪،‬ورائحته صنانه هي برهان يقطع‬
‫يخمن أن‬ ‫الشك باليقين على ّأنه صهيونيّ‪.‬في حين صعب على ّ‬
‫الصهيونيّ المسافر أن ّ‬ ‫ّ‬
‫جاره هو فلسطينيّ ّ‬
‫مهجر‪.‬‬
‫ألي حديث كان لقتل الوقت سأله‬ ‫الصهيونيّ الستدراج جاره ّ‬ ‫في محاولة فاشلة من ّ‬
‫خمن ّأنه قد تكون لغته‪»:‬أنا إسرائيليّ‪،‬وأنا في طريق عودتي إلى موطني‬
‫باإلنجليزية التي ّ‬
‫ّ‬
‫إسرائيل‪.‬إلى أين تسافر أنت؟»‬
‫أجابه ّالرجل ّ‬
‫بتقزز‪« :‬إلى بولندا»‪.‬‬
‫مزور‪« :‬أهي َ‬
‫وطنك؟!»‬ ‫سأل ّ‬
‫الصهيونيّ باهتمام ّ‬

‫‪113‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫أنت ّ‬
‫‪.‬أما وطني فهي فلسطين»‪.‬‬ ‫بتقزز‪»:‬بل َ‬
‫وطنك َ‬ ‫أجابه الفلسطينيّ ّ‬

‫قرش‬
‫ً‬
‫مثقوبا كان ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً ّ‬ ‫ُ ّ ً ً‬
‫يدسه في‬ ‫فلسطينيا‬ ‫هجرا قهرا من فلسطين‪،‬ال يملك شيئا إال قرشا‬ ‫خرج م‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫جيبه مفتخرا به منذ أن أهداه له ّ‬
‫عمه الشهيد في ثورة الفدائيين ضد االنتداب البريطانيّ‬
‫ّ‬
‫في عام ‪،1936‬كل ما آل إليه من وطنه هو قرش مثقوب منسي في جيب ثوبه الوحيد الذي‬
‫الكتاب الذي يدرس‬ ‫خرج به بعد أن خسر أهله وبيته وأصدقاءه وعالمه ّكله‪،‬كما خسر ّ‬
‫ّ‬
‫الحجازية‬ ‫هدية من األراضي‬ ‫عمه له ّ‬ ‫الشريف ّ‬
‫المذهب ّالنادر الذي أحضره ّ‬ ‫فيه والمصحف ّ‬
‫عندما ذهب إلى ّ‬
‫الحج‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫اآلن لم يعد يملك شيئا‪،‬فزهد بعقله الذي يذكره بمأساته‪،‬عقد القرش الفلسطينيّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الوحيد الذي يملكه بخيط صوف أحمر اللون وجده متروكا مهمال في األرض‪،‬وعلقه‬
‫في رقبته‪،‬وانخرط يالحق عوالمه الماضية ّالراحلة عنه في أحالم يقظة يطاردها ليل نهار‬
‫ّ‬
‫في المهجر الذي ُدفع إليه مع غيره من المدفوعين إليه من الفلسطينيين‪.‬وكلما استوقفه‬
‫ّ ً‬ ‫ً‬
‫داسا في يده بعض المال كي يستعين به على كربه وشطحاته‬ ‫أحدهم مشفقا على خبله‬
‫بقوة وإصرار‪،‬ويرفض أن تستلقي فيها ّأي نقود غريبة‪،‬ويقول‬ ‫كف يده ّ‬ ‫وجنونه المقيم يقفل ّ‬
‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لمن ّ‬
‫فلسطينيا»‪.‬‬ ‫يتصدق عليه رأفة به وإشفاقا على حاله‪« :‬أريد قرشا‬
‫ُ‬
‫‪1‬‬
‫بقجة‬
‫أرسلت له هذه البقجة مع أخيها األصغر‪،‬ال ّبد ّأنه خاطر بنفسه ليوصلها إليه‬
‫ْ‬ ‫هي من‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫قبل أن تقلع السفينة‪،‬وتحمله ورفاقه بعيدا عن لبنان ليكون أبعد عن فلسطينه‪،‬يمسك‬
‫البقج؛فأمه ُ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫هجرت عن وطنها بواحدة‬ ‫البقجة‪،‬ويضعها أرضا متشائما منها؛فلطالما كره‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫اكتست من بقج اإلعانات التي ما أفرحته يوما ببنطال جديد أو قميص‬ ‫مثلها‪،‬وطفولته‬
‫‪ّ -1‬‬
‫صرة ثياب أو نحوها‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫يناسبه أو منامة دون ثقوب‪،‬البقجة كسرت خاطره كثيرا في طفولته‪،‬وأبكته مرارا على عيد‬
‫يداهم طفولته دون مالبس جديدة‪،‬وها هي اآلن تكسر خاطره عندما تكون آخر عهده‬
‫تخمن ّأنه قد‬‫يحبها‪،‬ال يسأل نفسه ماذا وضعت(رباب) فيها من مالبس وأشياء ّ‬ ‫بمن ّ‬
‫يشم فيها عبق(رباب) دون أن‬‫األرض‪،‬ويقربها من أنفه‪،‬ويحاول أن ّ‬
‫ّ‬ ‫يحتاجها‪،‬يرفعها من‬
‫تلمحه عيون ّالرفاق المشغولة عنه بألم الفراق وقلق القادم ومتابعة األفق المستلقي في‬
‫أقصى البحر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صدره‪،‬ويضمها إليه لتنام(رباب) على صدره دون أن يعرف أنها اآلن‬ ‫ّ‬
‫يقرب البقجة من‬
‫وحدها دون حمايته تواجه اإلبادة كما يواجهها أهالي ّ‬
‫مخيم (صبرا وشاتيال) بعد أن غادره‬
‫ّ‬
‫ذلك‪،‬يضمها أكثر إلى صدره‪،‬ويحلم بـ(رباب)‪.‬‬ ‫الفدائيون الفلسطينيون مجبرين على‬

‫‪115‬‬
‫‪5‬‬
‫تقاسیم العرب‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫وحش‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الصهيونيّ ليس إنسانا‪،‬بل وحشا كاسرا كي يقوى قلبه على قتل‬ ‫الجندي ّ‬
‫ّ‬ ‫ال ّبد ّأن‬
‫مخيم‬‫صهيوني ًا‪،‬فقد ُولد في ّ‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫جنديا‬ ‫األبرياء‪،‬وتهجيرهم‪،‬وسرقة فلسطينهم‪.‬لم َير في حياته‬
‫هيونية تعسكر هناك غربيّ‬ ‫الص ّ‬ ‫وطنه‪،‬ولكنه يعلم من والديه ّأن الوحوش ّ‬ ‫ّ‬ ‫(الكرامة) خارج‬
‫ّالنهر‪.‬‬
‫مدمرة‬‫وآليات ّ‬ ‫بدبابات عمالقة ّ‬ ‫محص ّنة ّ‬
‫مخيم (الكرامة) ّ‬ ‫لقد تبعتهم الوحوش المطاردة إلى ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫الفدائيين‪،‬سريعا ما انهزموا ّ‬
‫المتصدين لهم‪،‬ووقعوا في‬ ‫شر هزيمة على يد‬ ‫لتقضي على‬
‫هيونية المأسورة‬‫الص ّ‬ ‫ّ‬
‫المخيم الفضوليين الذي حاصروا الدبابات ّ‬ ‫ّ‬ ‫األسر‪،‬سمح له وألطفال‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫بأن يطلوا على الوحوش المحاصرة فيها‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫ّ ًَ‬ ‫كان ّأول من أطل من ّفوهة ّ‬
‫صهيونيا‬ ‫جنديا‬ ‫الدبابة ليلقي نظرة على من يقبع فيها‪،‬رأى‬
‫الدبابة ال يستطيع الحراك‪.‬أخبره األبطال المنتصرون ّأن‬ ‫مثب ًتا في قاع ّ‬ ‫بالسالسل ّ‬ ‫مكب ًال ّ‬ ‫ّ‬
‫بالسالسل كي يضمن أن ال‬ ‫مكبلين ّ‬ ‫الصهيونيّ أرسل جنوده إلى حرب (الكرامة) ّ‬ ‫العدو ّ‬ ‫ّ‬
‫لشدة جبنهم‪.‬‬ ‫يهربوا من ساحة المعركة ّ‬
‫الصهيونيّ هو رجل ال وحش كما كان يعتقد‪،‬ابتسم البطل المنتصر‪،‬وقال‬ ‫الجندي ّ‬
‫ّ‬ ‫تفاجأ ّ‬
‫بأن‬
‫مقيد ّ‬ ‫مجرد كلب جبان ّ‬ ‫وحشا‪،‬هو ّ‬ ‫ً‬
‫بالسالسل»‪.‬‬ ‫له‪« :‬ال‪،‬هو ليس‬

‫دعم‬
‫عربية‬ ‫ّ‬
‫أزرها‪،‬أسسوا منظمة ّ‬ ‫قوي ًا ّ‬
‫يشد من‬
‫ً‬
‫دعما ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية‬ ‫ّ‬
‫القضية‬ ‫ّقرروا أن يدعموا‬
‫ّ‬
‫واإلدارية وفق‬ ‫ّ‬
‫الفخرية‬ ‫ّ‬
‫العرمرم‪،‬ووزعوا المناصب‬ ‫إسالمية ّ‬
‫عالمية لذلك‪،‬جمعوا لها المال‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫للحرية والكرامة‬ ‫ومؤسساتهم‪،‬وعدوا الجماهير ّالتائقة‬‫المقدمة من بالدهم ّ‬ ‫مبالغ المال ّ‬
‫وسريع‪،‬وأملوا ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشعب الفلسطينيّ في األراضي‬ ‫العربية بأن يكون لهم إجراء داعم ومؤثر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المحتلة ّ‬
‫جذرية لمعاناتهم‪،‬وبقرار واحد جريء منتظر مأمول ّقرروا أن‬ ‫والشتات بحلول‬

‫‪118‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺮب‬

‫سياحية في جزيرة نائية لتكون لهم فيها خلوة ّ‬


‫لمدة غير محدودة كي‬ ‫ّ‬ ‫يستأجروا قرية‬
‫يفكروا بهدوء بما عليهم أن يفعلوه في سبيل تحقيق وعودهم‪،‬ورصدوا ّ‬ ‫ّ‬
‫ميزانية عمالقة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يرفهوا عن أنفسهم ّ‬ ‫ّ‬
‫بالنساء والخمر والملذات كي‬ ‫ّ‬
‫العربية لمنظمتهم كي‬ ‫من ّالتبرعات‬
‫تتفتق ذواتهم المظلمة عن فكرة منيرة لدعم الفلسطينيين‪،‬وطال اجتماعهم‪،‬وطال انتظار‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الفلسطينيين لحل ال يأتي‪.‬‬

‫دماء‬
‫عربا تحت ّ‬‫ً‬
‫مسميات فلسطينيّ وغير فلسطينيّ‪،‬ال تعنيه‬ ‫هناك على سطح األرض يتناحرون‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫هذه الحرب‪،‬يغلق على نفسه باب القبو‪،‬ويعتزل هناك بعيدا عن ّ‬
‫حمام الدم ّالرهيب‪،‬فهو‬
‫يعلم ّأن مؤامرة تقتيل الفلسطينيين هي جزء من مؤامرة إبادتهم وإقامة دولة كبرى للكيان‬
‫ّ‬
‫الصهيونيّ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ال يريد أن ّ‬
‫يتورط في هذه المهزلة‪،‬يضرب صفحا دون الخوض في هذه المؤامرة‪،‬يهرب من‬
‫فريقه الذي ال يفهم ِل َم يحارب‪،‬ويأخذ بيد صديقه الفلسطينيّ‪ ،‬وينعزالن في القبو‪،‬هناك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فولة‪،‬ويتصفحان صور اللهو والبراءة‪،‬ويتركان العالم في الخارج يتناحر‬ ‫يتذكران ّأيام الط‬
‫في دروب ّ‬
‫جهنم‪.‬‬

‫منهاج جديد‬
‫تحصل العالمة ّالن ّ‬
‫هائية الكاملة في‬ ‫يوبخ سائر إخوتها إن لم ّ‬ ‫يوبخها والدها ّ‬
‫بشدة كما ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ان؛ويكرر على مسامعهم‬ ‫المواد التي تدرسها في مدرسة(األونروا)التي يدرسون فيها ّ‬
‫بالمج‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫العلم‪،‬إياكم والجهل‪ ،‬عليكم جميعا أن‬ ‫دون كلل أو ملل‪»:‬ليس للفلسطينيين ثروة سوى‬
‫ّ‬
‫العلمية حتى لو بعت مالبسي ومالبسكم ألجل ذلك»‪.‬‬ ‫تواصلوا دراساتكم‬
‫ألنهم سيحصلون‬ ‫العربية التي يدرسون فيها‪،‬فرحوا ّ‬
‫ّ‬ ‫منهاج جديد قد أصدرته ّالدولة‬
‫الصف على كتب جديدة غير مستعملة بخالف ما ألفوا الحصول عليه من‬ ‫جميعهم في ّ‬

‫‪119‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫كتب مستعملة مهترئة‪.‬‬


‫ْ‬
‫حصلت على كتابي تاريخ وجغرافيا جديدين‪،‬تفوح منهما رائحة الورق الجديد الذي لم‬
‫ْ‬
‫فلسطين‪،‬فوجدت اسم‬ ‫ّ‬
‫اآلدمية‪،‬في كتاب الجغرافيا بحثت عن خارطة‬ ‫تعبث به األيدي‬
‫ّ‬
‫يتربع في وسطها‪،‬وفي مادة التاريخ وجدت اسم إسرائيل كدولة من دول الجوار‪.‬‬‫إسرائيل ّ‬
‫ً‬ ‫أطبقت الكتابين دون اهتمام بأن ّ‬
‫يتمزقا‪،‬وما عادت تبالي بأن تأخذ أصفارا في مادتي‬
‫والتاريخ ّ‬
‫ألنهما مادتان خائنتان‪.‬‬ ‫الجغرافيا ّ‬

‫صهاينة‬
‫علمها أهلها ّأن اليهود ّ‬‫ّ‬ ‫منذ ْ‬
‫الصهاينة هم من اغتصبوا وطنها فلسطين‪،‬وطردوها‬ ‫كانت صغيرة‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫منه‪.‬كبرت وفلسطين معلقة في صدرها عشقا‪،‬وفي رقبتها خريطة من المعدن ال‬ ‫وشعبها‬
‫ً‬
‫تفارقها أبدا‪.‬‬
‫ّ‬
‫احتجاجية على‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية في مسيرة‬ ‫الجندي العربيّ هو ّأول من قطع قالدتها‬ ‫ّ‬ ‫ذلك‬
‫ّ‬
‫العسكري‬ ‫ّ‬
‫استمرار االحتالل الصهيونيّ لفلسطين‪،‬وألقى بها على األرض‪،‬وداسها بحذائه‬
‫ّ‬
‫لها‪»:‬الصهاينة أحسن منكم! ما الذي أتى بكم إلينا؟»‬ ‫الغليظ‪،‬وقال‬
‫لآلمال‪.‬لكنها عندما كبرتْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ً‬ ‫ً‬
‫بكت ّأياما طويلة في طفولتها تأثرا من هذا الموقف المخيب‬
‫ً‬
‫اكتشفت ّأن هذا الموقف هو األقل إيالما إذ قورن بتهجيرها وأهلها من موطنها إلى بلد‬
‫ّ‬
‫تها‪»:‬حمالين األسى‬ ‫ألنهم كما تقول ّ‬
‫جد‬ ‫آخر‪،‬واضطهادهم خبط عشواء ّمرة تلو األخرى ّ‬
‫واإلساءة»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اليوم طردها صاحب البيت وأهلها من بيتهم القن الذي يستأجرونه منذ عقدين من الزمان‬
‫السلطة في هذه البلد العربيّ الذي يعيشون‬ ‫في خضم االنفالت األمنيّ وتغيير مراكز ّ‬
‫ّ‬
‫ارع‪،‬وأجر البيت‬ ‫فيه؛فقد طمع صاحب البيت في المزيد من المال إذا ما ألقى بهم في ّ‬
‫الش‬
‫ّ‬
‫لمن يدفع أكثر منهم‪.‬وقد غنم من هذا االنقالب عليهم أثاثهم ومالبسهم وكل ما يملكون‬
‫ً‬
‫بعد أن طردهم من بيتهم عراة حفاة خالي الوفاض‪،‬وما وجدوا أحدا ينتصر لهم‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺮب‬

‫ياع‪.‬التفتت إلى ّأمها التي ّ‬


‫عضها‬ ‫ْ‬ ‫الض‬‫مهب ّ‬
‫فلسطينية في ّ‬
‫ّ‬ ‫من جديد وجدوا أنفسهم أسرة‬
‫الصهاينة موجودين في‬ ‫ْ‬
‫صبرها‪،‬وقالت لها معاتبة‪»:‬لقد قلت لي أن ّ‬ ‫الحزن حتى نخر‬
‫ِ‬
‫فلسطين فقط!»‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّردت األم وهي ّ‬
‫تجر جسدها وزوجها العجوز‪»:‬إنهم هنا أيضا»‪.‬‬

‫شرف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األمية على‬ ‫«العربيّ شريف ال ُيضام‪،‬وال يقبل أن ُيهان»‪،‬كتبت معلمة محو‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫المخيم اللواتي أتين لمحو أميتهن‪،‬قرأت الجملة‬ ‫السبورة‪،‬استدارت لتقابل وجوه نساء‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ة‪،‬وسألت ‪»:‬من تقرأها لي من جديد؟»‬ ‫على مسامع الطالبات أكثر من ّمر‬
‫ْ‬
‫ضحكات تقرقر مثل تداعي قربة ماء على‬ ‫الصف‪،‬ثم زمزمة‪،‬ثم علت‬ ‫سرت همهمة في ّ‬‫ْ‬
‫ً‬ ‫السن على استحياء وبحرج باد‪»:‬هل ُ‬ ‫ّ‬
‫المعلمة صغيرة ّ‬
‫قلت شيئا يدعو‬ ‫ٍ‬ ‫األرض‪،‬سألت‬
‫ّ‬
‫للضحك؟!‬
‫الصف‪»:‬هذا كان زمان‪،‬والله جبر‪.‬انظري إلى حالنا اآلن‪.‬‬ ‫أجابت ّأم محمود زعيمة نساء ّ‬
‫أين العرب ّمما يحدث؟»‬
‫الشرفاء موجودون فقط على ّ‬
‫الس ّبورة»‪.‬‬ ‫أضافت امرأة أخرى باستهزاء‪« :‬العرب ّ‬

‫عروبة‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫مط الثري العربيّ كرشه الذي يتدلى ليهرس عضوه ّالتناسليّ القزم الذي أغدق عليه دون‬
‫ً‬
‫انقطاع بالجواري والحسان اللواتي ما استطعن لكسره جبرا‪،‬وال لعطبه دواء‪.‬‬
‫ً‬
‫مبتسما في ّ‬ ‫ّ‬
‫الصحف‪،‬وهو يفيض بماله صداقات وعطايا على الغرباء‬ ‫يحب أن يظهر‬
‫األثرية في مجاهل بالد العالم ّ‬
‫والنساء‬ ‫ّ‬ ‫المنكوبين والحيوانات اآليلة لالنقراض والمباني‬
‫ّ‬
‫يستدرجهن إلى قصر حريمه‪.‬‬ ‫الجميالت التي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يحب لقب المحسن العربيّ‪،‬ويكثر من الت ّزين بالدمقس والحرير والمعصفر والمفضض‬ ‫ّ‬

‫‪121‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ّ‬
‫والمذهب والمألمس من فاخر الثياب ونادر األحذية ونفيس الجلود والفراء‪.‬‬
‫والقاصي‪،‬وظهرت صوره في استعراضات صدقاته في صحف‬ ‫ْ‬ ‫للداني‬‫لقد ّتبرع بالمال ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫عالمية ال يجيد أن يقرأ كلمة من كلمات أخبارها بسبب جهله بلغاتها فضال عن جهله‬
‫بلغته‪.‬‬
‫بالدهون‪،‬وحرص‬ ‫الملبد ّ‬ ‫ْ‬
‫أحرقت قلبه ّ‬ ‫الشعب الفلسطينيّ قد‬ ‫زعم في لقاء صحفيّ ّأن معاناة ّ‬
‫للشعب الفلسطينيّ‪،‬وفرض‬ ‫اإلعالمية دموعه ّالثرة التي أهداها بسخاء ّ‬
‫ّ‬ ‫على أن تبرز الوسائل‬
‫ً‬ ‫على نفسه عمرة ّ‬
‫للدعاء لهم‪،‬وعند الكعبة سأل الله إلحافا أن يعينهم‪،‬وأن يهبهم من يكون‬
‫ً‬
‫طويال ّ‬ ‫ّ‬
‫بالدعاء لهم إلى حين تلتقط عدسات كاميرات ّالتصوير‬ ‫في عونهم‪،‬ومط شفتيه‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية!‬ ‫ّ‬
‫للقضية‬ ‫تسجل دعمه ّ‬
‫المؤزر‬ ‫صورة مناسبة له ّ‬

‫ّ‬
‫جندي‬
‫ْ‬
‫ه‪،‬وقالت له على رؤوس األشهاد من أسرته وأقاربه‪ّ :‬‬
‫«إياك أن تعود إلى البيت قبل‬ ‫ّقبلته ّأم‬
‫تحرروا فلسطين‪.‬لن أرضى عنك ْإن لم تفعل ذلك»‪.‬‬ ‫أن ّ‬
‫مهمته ّ‬
‫المقدسة‪،‬يشعر بفخر‬ ‫تجند في هذه الجيش منذ سنتين‪،‬لكن هذا ّالتحرير هو ّ‬ ‫لقد ّ‬
‫ّ‬
‫صهيونية‬ ‫ألنه ضمن جيش عربيّ كبير جاء ليشارك في تحرير فلسطين من عصابات‬ ‫عظيم ّ‬
‫استولت على جزء كبير منها‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫بدأت الحرب مع شرذمة من الصهاينة‪،‬يستطيعون أن يبيدوهم جميعا مع غروب شمس‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫هذا اليوم إن اجتهدوا بإخالص لذلك‪،‬إال ّأن أمرا باالنسحاب يأتيهم من قيادتهم هناك في‬
‫ة‪،‬يتعجب من هذا األمر الذي جاء في ّقمة انتصارهم‪،‬ينسحب الجيش‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العربي‬ ‫العاصمة‬
‫ً ّ‬
‫الذي يأويه كامال‪،‬ولكنه يرفض أن ينسحب‪،‬ينطلق وحده عكس درب جيش الجباه‬
‫الص ّ‬
‫هيونية وحده‪.‬‬ ‫الخاذلة‪،‬ويقرر أن يقاتل العصابات ّ‬
‫ّ‬ ‫المحنية والعيون المكسورة والبنادق‬

‫مظاهرة‬

‫‪122‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺮب‬

‫المخيم الفلسطينيّ(صبرا شاتيال) ُيذبح من الوريد إلى الوريد على أيدي مجرمي‬ ‫ّ‬ ‫كان‬
‫ّ‬ ‫العرب ّ‬
‫ملبين منهم إال القليل ّممن‬ ‫ّ‬
‫المخيم بأبنائه الفدائيين‪،‬فلم يجد ّ‬ ‫والصهاينة‪،‬استنجد‬
‫ظلوا بعد رحيل الجميع‪،‬بذلوا أرواحهم رخيصة ّ‬ ‫ّ‬
‫للدفاع عنه‪،‬في حين كان البحر يحوش‬
‫ً‬
‫باقي الفدائيين الفلسطينيين‪،‬ويسرقهم نحو منافيه الجديدة بعيدا عن أهاليهم وذكرياتهم‬
‫وأحالمهم وقبور رفاقهم في درب المقاومة‪.‬‬
‫جميعا يقومون بدور من أدوارهم ّالت ّ‬‫ً‬
‫اريخية الحاسمة‪،‬إذ كانوا يتابعون‬ ‫ّأما العرب فكانوا‬
‫ّ‬
‫األهداف‪،‬ويتحيزون لخاسر أو‬ ‫ّ‬
‫القدم‪،‬ويعدون‬ ‫بإخالص واهتمام تصفيات العالم في كرة‬
‫فائز وفق أهوائهم‪.‬‬
‫ً‬
‫مخيم(صبرا وشاتيال) نهرا من ّالدم الفلسطينيّ‪،‬وكان العرب األشاوس في‬ ‫الصباح كان ّ‬ ‫في ّ‬
‫ً‬ ‫ّكل شبر في الوطن العربيّ قد ّهبوا ّهبة واحدة جريئة غاضبة في مظاهرات ّ‬
‫مليونية دعما‬
‫ّ‬
‫المخيم ّالتعس بمظاهرة‬
‫ّ‬ ‫كروي عربيّ قد خسر‪،‬وآخر قد ربح‪،‬ولم يتذكروا قتلى‬ ‫ّ‬ ‫لفريق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واحدة من مظاهراتهم التاريخية المدو ية! فنام المخيم على حزنه‪،‬ولم يستيقظ!‬

‫لطيم‬
‫ً‬
‫هي عاقر‪،‬رحمها أجدب ال يستجيب لهاجسها بأن تصبح أغنى ّالنساء ال ّأما راعية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حانية‪،‬هي تريد طفال كي ّتتباه‪،‬فتحرق ماضيه كامال‪،‬وتنسبه لنفسها وزوجها كي يكون‬
‫ّ‬
‫الوارث لثروته‪،‬فيؤول المال كله إليها بدل أن يذهب ألقارب زوجها بعد موته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫الفلسطينية في لبنان الذين هلك عنهم‬ ‫المخيمات‬ ‫وأخيرا وجدت مبتغاها في أيتام‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫بهم‪،‬حصلت بسهولة على طفل لطيم‬ ‫أهلوهم‪،‬وتركوهم أيتاما ال شفيق عليهم‪،‬وال رحيم‬
‫الشعر ذهبيّ البشرة أخضر‬ ‫منهم دون ّأي شروط ّللتبني‪،‬اختارته على هواها أشقر مسدل ّ‬
‫تتبناهما معه‪،‬إذ هي في حاجة إلى طفل ذكر‬ ‫العينين‪،‬انتزعته من بين أختيه‪،‬ورفضت أن ّ‬
‫ْ‬
‫زوجها‪،‬وليست باحثة عن أجر أو إحسان أو ممارسة أمومة‪.‬‬ ‫يرث ثروة‬
‫ابنها‪،‬وغيرتْ‬
‫ّ‬ ‫منهما‪،‬وأعلنت أنهّ‬
‫ْ‬ ‫ّ ُ‬
‫أخذته إلى بيتها يبكي بحرقة أختيه اللتين أنتزع‬

‫‪123‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ّ‬
‫المخيم وأهله وأختيه‪.‬بعد ّمدة قصيرة نسي ّأنه فلسطينيّ‪،‬وتاه‬
‫ّ‬ ‫اسمه‪،‬ومنعته من أن يتذكر‬
‫العربية المحسنة التي ّتبنته‪،‬وبترته عن أصله!‬
‫في ّالزحام بفضل ّ‬

‫‪124‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺮب‬

‫‪125‬‬
‫‪6‬‬
‫تقاسیم العد ّو‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫زوجة سارق‬
‫الفلسطينية التي تعيش في كوخ صفيحيّ في أرضها‪،‬وهي‬ ‫ّ‬ ‫منذ أن بدأت تراقب تلك‬
‫الصهيونيّ أقطعت زوجها هذه األرض‪،‬بعد أن‬ ‫ترى العالم من زاوية أخرى‪،‬إدارة الكيان ّ‬
‫ّ‬ ‫الفلسطينية التي ّ‬
‫ّ‬
‫صممت على أن تظل في مزق صغيرة من‬ ‫صادرتها من عائلة تلك المرأة‬
‫أرضها في كوخ صفيحيّ صغير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قبل أن تجاور هذه المرأة الفلسطينية كانت تعتقد أنها زوجة سعيدة تعيش مع زوج مثاليّ‬
‫الفلسطينية اكتشفت ّأنهم ّ‬
‫مجرد‬ ‫ّ‬ ‫راقبت حياة هذه المرأة‬ ‫في أرض الميعاد‪،‬ولكن عندما ْ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أهلها‪،‬وأنها ليست أكثر من زوجة مخدوعة تعيش‬ ‫لصوص رعاع قد سرقوا أرضا من‬
‫الفلسطينيات في المعتقل في ّالنهار‪،‬ويعربد مع‬
‫ّ‬ ‫عسكري عربيد يغتصب األسيرات‬ ‫ّ‬ ‫مع‬
‫ّ‬
‫العاهرات في الليل‪،‬ويتركها خادمة حبيسة البيت‪.‬‬
‫الشرعيّ‪،‬تطلب من زوجها أن ّ‬
‫يرد‬ ‫حقها ّ‬‫الفلسطينية‪،‬هذه األرض هي ّ‬ ‫ّ‬ ‫هي متعاطفة مع تلك‬
‫الفلسطينية‪،‬وأن يستقيل من عمله‪،‬وإن يعودا إلى فرنسا‬‫ّ‬ ‫األرض التي سرقاها إلى صاحبتها‬
‫ّ‬
‫ليعيشان هناك في موطنهما األصلي‪،‬لكنه يرفض ذلك‪،‬ويواجهها بعاصفة من الغضب بعد‬
‫ً ّ ً‬
‫مبرحا‪.‬‬ ‫أن يضربها ضربا‬
‫أنفه‪،‬ت ّعد له الفطر المشروم الذي ّ‬
‫يحبه‪،‬تختاره بعناية من ّالنوع‬ ‫تقرر أن ّتنفذ رغبتها رغم ُ‬ ‫ّ‬
‫عما صدر منها في ّ‬ ‫ً‬
‫اعتذارا له ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حقه في‬ ‫له‪،‬وتقدمه له مساء على العشاء‬ ‫السام‪،‬تطهوه‬
‫ّ ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫يستحقه كل لص‪.‬‬ ‫الصبح‪،‬وتأكل معه ليواجها معا الموت الذي‬

‫صمت‬
‫ّ‬
‫المجندين‬ ‫كانت هزيمة نكراء لهم أمام الفدائيين الفلسطينيين‪،‬لقد ّ‬
‫تجرع مع زمالئه‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫معنى الخوف والموت والهزيمة‪،‬كانوا في كل مكان‪،‬لم يكونوا بشرا‪،‬بل أشباح‬
‫طاردتهم‪،‬وقتلتهم‪،‬ودمرت ذخيرتهم‪،‬لم ُ‬
‫ينج من تلك المصيدة اإل ّ‬
‫بليسية سواه وبعض من‬ ‫ّ‬

‫‪128‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو‬

‫الجنود الجرحى‪.‬‬
‫ً‬
‫شهرا في العالج ّالنفسي كي تسمح إدارة الجيش ّ‬
‫الصهيونيّ ألسرته بمقابلته بعد أن‬ ‫أمضى‬
‫ّ‬
‫ّلقنوه الكثير من األكاذيب عن نصر كاسح لم يحدث إال في خيال الكاذبين الذين أجبروه‬
‫الصهاينة ّأنهم مهزومون حتى ّالنخاع‪.‬‬
‫على ترديد هرفهم كي ال يعرف ّ‬
‫ّ‬
‫األكاذيب‪،‬وحرم الكالم على نفسه‪،‬وتظاهر بالخرس‪،‬ولزم‬ ‫يردد ّأي كلمة من هذه‬
‫ّقرر أن ال ّ‬
‫الصمت إلى األبد‪.‬‬‫ّ‬

‫ّ‬
‫عربية‬ ‫أغنية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تامة تداعب وجدانها وأحالمها بسماع األغاني ّ‬ ‫بسرية ّ‬
‫ّ‬
‫المصرية‪،‬فمن‬ ‫العربية ذات اللهجة‬
‫ألي شيء عربيّ‪،‬ولو كان أغنية‪.‬‬ ‫وحب ًا ّ‬ ‫ً‬
‫تعاطفا ّ‬ ‫الممنوع عليها أن تظهر‬
‫ّ‬
‫جاءت إلى هنا بخدعة اسمها أرض الميعاد‪،‬وعندما علقت في شباكها أدركت أن األرملة‬
‫يسمونها‪.‬‬‫شرقية كما ّ‬ ‫يهودية ّ‬
‫ألنها ّ‬ ‫هيونية ستأكلها ّ‬
‫الص ّ‬ ‫السوداء ّ‬ ‫ّ‬
‫الشرقيين الذين جاءوا مخدوعين إلى هذه األرض راكضين وراء‬ ‫أمثالها كثر من اليهود ّ‬
‫تركت أهلها في مصر كما ترك غيرها‬ ‫يهودية مخدوعة ْ‬ ‫شرقية‪،‬هي ّ‬ ‫يهودية ّ‬
‫وهم كبير‪،‬ليست ّ‬
‫ً‬
‫أهله في المغرب واليمن والعراق‪،‬وجاءوا ُليحرقوا جميعا في هذا المكان‪.‬‬
‫ّ‬
‫اليهودية‪،‬لكن هنا في هذه المستوطنة‬ ‫جاءت لم يكونوا ّ‬
‫يعيرونها بلقب‬ ‫ْ‬ ‫هناك من حيث‬
‫شرقية قادمة من مصر‪،‬وتحصل على أدنى‬ ‫ّ‬
‫هيونية فهي ُت ّعير بسبب أو دون سبب بأنها ّ‬ ‫ّ‬
‫الص ّ‬
‫ّ‬
‫االستحقاقات‪،‬في حين ّأن اليهود الغربيّ يحصل على االمتيازات كلها‪.‬‬
‫تركت شاطئ‬ ‫تعبر عن غضبها من خديعتها‪،‬وعن ندمها ّالناخز ّ‬
‫ألنها ْ‬ ‫ال تستطيع أن ّ‬
‫خزن حتى تموت‬ ‫والصحبة الحلوة‪،‬وجاءت ُلت ّ‬ ‫والحب والجيران ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلسكندرية حيث المرح‬
‫في صندوق معدنيّ في مستدمرة معزولة في أعلى صلد الجبال‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سرا األغاني العربية المصرية‪،‬وتطرب‬ ‫هي تنتقم كل يوم ّممن أتى بها إلى هنا بأن تسمع‬
‫ّ‬ ‫العربية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بحب وفرح وتعلق‪،‬وتحلم بقدميها ُيغمران برمال شاطئ‬ ‫لها‪،‬وتترنم بكلماتها‬

‫‪129‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ً‬ ‫ّ‬
‫اإلسكندرية بعيدا عن هذه المستدمرة الملعونة‪.‬‬

‫ّ‬
‫السوط‬
‫ّ‬
‫بل‪،‬ويلقب نفسه باعتزاز في‬ ‫مجرد من األخالق والقيم ّ‬
‫والن‬ ‫يدرك من أعماقه كم هو ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المنحط ّ‬
‫)‪.‬أما عندما يستيقظ فيهمس لنفسه بهذا اللقب دون توقف‪.‬‬ ‫ساعات سكره بـ(‬
‫ّ‬ ‫ً ًّ‬ ‫ّ‬
‫هو ابن زنا بشهادة كل من يعرفه‪،‬ال يعرف له أبا أو أما على وجه التحديد والجزم‪،‬لكن تلك‬
‫ّ‬
‫والداه‪،‬وربته حتى‬ ‫المتشددة في القدس هي من كفلته مذ لفظ‬ ‫ّ‬ ‫الص ّ‬
‫هيونية‬ ‫المدرسة ّالد ّينية ّ‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫ّ ً‬
‫ة‪،‬ينفذ كل جريمة ُتسند‬ ‫مجردا من األخالق والقيم واإلنساني‬ ‫خرج وفق ما تشاء وتشتهي‬
‫إليه بأعصاب باردة وضمير ّميت‪.‬‬
‫(النحشون) التي تحترف‬ ‫في أوقات العمل يمارس مهنته القميئة كفرد من أفراد قوات ّ‬
‫تعذيب األسرى الفلسطينيين في المعتقالت ومراكز ّالتحقيق وغرف اإلعدام‪.‬‬
‫بالسوط حتى يدمي ظهره‬ ‫يعجبه أن يبدأ وجبات ّالتعذيب بضرب األسير الفلسطينيّ ّ‬
‫ً‬ ‫ووجه وكتفيه وبطنه وفخذيه‪،‬ثم ّ‬
‫ينقض عليه مستغال تقيد يديه وقدميه كي ينتش لحمه‬
‫ّ ّ‬
‫بفكه الثعلبيّ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّأما في أوقات عطله ّالر ّ‬
‫سمية فيكتري بـ(شواكله) الكثيرة أشرس بنات الليل جسدا‬
‫ضربا ّ‬ ‫ً‬ ‫وطبعا‪،‬ويطلب منها أن ّ‬ ‫ً‬
‫بالسوط ذاته الذي يضرب‬ ‫تقيد رجليه ويديه‪،‬وأن تنهال عليه‬
‫ً‬ ‫بها ضحاياه في المعتقل‪،‬حتى ّ‬
‫تهد صوته صراخا واستغاثة دون مجيب‪.‬‬
‫هو ال ينام حتى تبصق إحدى بائعات الهوى في وجهه‪،‬وتنعته بـ (ابن ّالزنا)‪،‬عندئذ‬
‫والتعذيب‪.‬‬ ‫ّ‬
‫يستحقه من االحتقار ّ‬ ‫يستريح‪ ،‬وينام إذ ينال ما‬

‫ثوب‬
‫ّ‬ ‫دفع لها الموساد ّ‬
‫الصهيونيّ الكثير من المال كي تسخر مهنتها كعارضة أزياء متقاعدة‬

‫‪130‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو‬

‫ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫تروج لصورة المرأة ّ‬ ‫وصاحبة أكبر دار أزياء في لندن ألجل أن ّ‬
‫هيونية وهي تلبس الثوب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفلسطينية‪،‬وأن تزرع في مخيال العالم‬ ‫الفلسطينيّ‪،‬مهمتها أن تسرق هذا الثوب من المرأة‬
‫الصهاينة‪.‬‬ ‫وذاكرته ّأنه من تراث ّ‬
‫السهلة‪،‬وإن لم يعجبها‬ ‫راق لها أن تكسب الكثير من المال الذي تعبده مقابل هذه ّ‬
‫المهمة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫منظر الثوب الفلسطينيّ الذي يستر الجسد‪،‬ويغلق أبواب الطمع دونه‪،‬وهي من اعتادت‬
‫ّ‬
‫تسوق ّالدعارة في العالم كله‪،‬وتعرض جسد المرأة‬ ‫على أن تكون بضاعة جسد رخيصة ّ‬
‫ّ‬
‫مشتر‪.‬‬
‫لكل ٍ‬
‫ّ‬
‫الفلسطينية تصيبها بمرض‬ ‫الصفقة؛فهذه األثواب‬ ‫تستمر في هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫استطاعت أن‬ ‫ّ‬
‫لكنها ما‬
‫ّ‬
‫ة‪،‬وسرت في جسدها قشعريرة الغضب على‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫فلسطيني‬ ‫عجيب‪،‬كلما لبستها شعرت ّبأنها‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الصهيونيّ‪،‬وانتابتها حمى الهتاف بجملة(فلسطين ّ‬ ‫العدو ّ‬
‫ّ‬
‫تستبد بها هذه‬ ‫حرة)‪،‬وأحيانا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللعنة‪،‬فتلتقط حجارة الطريق تلقمها لكل صهيونيّ تعرفه في لندن‪،‬أو تلتقيه صدفة أو‬
‫بترتيب مسبق‪.‬‬
‫هذه ّاللعنة طالت كل عارضة من عارضات األزياء التي تعمل في دارها عندما ْ‬
‫لبست‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثوب الفلسطينيّ‪،‬لم تعد تطيق أن ترى الثوب الفلسطينيّ أمامها‪.‬‬
‫ْ‬
‫الموساد‪،‬شرحت له فيها لعنة هذه‬ ‫مهمتها لرئيسها األعلى في‬ ‫أرسلت رسالة اعتذار عن ّ‬
‫بقولها‪»:‬إنه لهم‪،‬ال فائدة من سرقته‪،‬دعوه عنكم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإنه لعنة علينا»‪.‬‬ ‫الثوب‪،‬وختمتها‬
‫ّ‬
‫لص‬
‫لص يهوى سرقة المحافظ والحقائب ّالن ّ‬
‫سائية‪.‬‬ ‫هناك في إسبانيا سجنوه ألكثر من ّمرة ّ‬
‫ألنه ّ‬
‫ً ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫لصا‬ ‫جندي صهيونيّ يخدم كيانا‬ ‫لصا برتبة‬ ‫عندما هاجر إلى أرض الميعاد الخديعة أصبح‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مالية كانت في ّذمته اختلسها دون أدنى شعور‬ ‫أهله‪،‬كل عهدة ّ‬ ‫قد سرق وطنا كامال من‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫سريعا ّ‬ ‫ّ‬
‫عسكرية قضت بسجنه خمس سنوات‬ ‫‪،‬فحول إلى محكمة‬ ‫بالذنب‪،‬انكشف أمره‬
‫ّ‬
‫عسكرية‪،‬تفاجأ من هذا الحكم الجائر عليه‬ ‫ورد ما سرقه من أموال‬ ‫مع األعمال ّ‬
‫الشاقة ّ‬

‫‪131‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫وتحد وغمزة ذات معنى‪ »:‬لكم مالكم المسروق الذي‬ ‫وفق رأيه‪،‬وقال للقاضي باستهتار ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سرقت مقابل أن‬ ‫سطوت عليه إن أعدتم فلسطين التي سرقتموها إلى أهلها‪،‬أعيد نزير ما‬
‫تعيدوا عظيم ما سرقتم»‪.‬‬
‫ّ‬
‫بعد جلسة مداولة اسئنافية عاجلة ابتسم القاضي ابتسامة ذات معنى مريع‪،‬وحكم ببراءة‬
‫ّ ّ‬
‫الجندي اللص!‬

‫رأفة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫مشتركا بين ّ‬ ‫ُ ّ ًّ‬ ‫المذيع ّ‬
‫فضائيات‬ ‫عدة‬ ‫بث بثا‬ ‫الصهيونيّ كان يعرض في برنامج إعالميّ ي‬
‫مخر ًبا ّ‬
‫ألنه يدافع‬ ‫مصو ًرا عن هدم بيت لذوي فدائيّ فلسطينيّ‪،‬المذيع أسماه ّ‬ ‫ً‬
‫تقريرا ّ‬ ‫ّ‬
‫عالمية‬
‫عن وطنه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الجنود الصهاينة في الفيلم حاصروا بيتا فلسطينيا على رأس جرف صخري‪،‬لم يعطوا‬
‫الجرافات أسماعهم لما خرجوا‬ ‫فرصة ألهله كي يهربوا منه لوال أن أدركت أصوات ّ‬ ‫ّ‬
‫بشري خارجه‪،‬كانوا‬ ‫مسرعين حفاة مذعورين من طوابق البناء األربعة‪،‬اندفعوا مثل سيل ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫عائلة كبيرة‪،‬الكبير يتكئ على ّ‬
‫اب‪،‬والصغير يركض وراء أم أو أب يحمل أخا أصغر منه‬ ‫الش‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫وهم جميعا يسابقون ّالزمن كي ال ُيدفنوا تحت ردم بيتهم‪،‬بعض ّالنسوة تعلقن في طريق‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫خروجهن بياقات بذالت بعض الجنود ّ‬ ‫ّ‬
‫بيوتهن في محاولة‬ ‫الصهاينة ليدفعوهم بعيدا عن‬
‫والجرافات تهمر مقتربة بسرعة ّ‬
‫ذئبية‬ ‫سعيهن ذهب أدراج ّالر يح ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪،‬لكن‬‫إلنقاذه ّ‬
‫ّ‬ ‫أخيرة يائسة‬
‫ّ‬
‫لتنشب أظافرها الفوالذية في جسد البيت‪.‬‬
‫جندي صهيونيّ في المكان ينحني على عتبة البيت‬ ‫ّ‬ ‫فجأة تقترب (كاميرا) ّالتصوير من‬
‫ّ‬
‫ليلتقط قطة صهباء من أمامه‪(.‬الكاميرا)اقتربت من هذا المشهد حتى كاد يلتصق زجاج‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجندي المشعوعرتين وهما تلتقطان القطة‪،‬وترفعانها عن أرض العتبة‪.‬‬ ‫عدستها بيدي‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ً‬
‫رفع المذيع عقيرته مثمنا رأفة الجندي الصهيونيّ بالحيوان‪،‬وطالب العالم بأن يقف احتراما‬
‫ً ً‬ ‫الجندي ّ‬
‫ّ‬
‫الصهيونيّ الذي يبعد حيوانا أليفا عن مكان هدم بيت فلسطينيّ‪.‬‬ ‫ألخالق‬

‫‪132‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو‬

‫ّ‬ ‫صوت تصفيق كادر (االستوديو)عال بتصفيق مزلزل لهذه ّالرأفة ّ‬


‫المزورة‪،‬العالم كله هدر‬
‫ّ‬ ‫الجندي ّ‬
‫ّ‬ ‫بالتصفيق ّ‬
‫ّ‬
‫الصهيونيّ‪،‬وهتف سعادة إلنقاذ القط األليف‬ ‫والتصفير لرحمة هذا‬
‫فلسطيني ًا ُيدفع بأسنان ّ‬
‫الج ّرافات‬ ‫ّ‬ ‫ّ ً‬
‫المصور بيتا‬ ‫الذي نجا دون أهله‪ ،‬ولم يلمح في الفيلم‬
‫تشردهم أمام عيون العالم‬ ‫ليتداعى في قاعة هاوية الجبل‪،‬ويترك أهله يندبونه‪،‬ويندبون ّ‬
‫ّ‬
‫الذي يتعاطف مع قط أصهب أكثر من تعاطفه مع شعب أسود الحياة‪.‬‬

‫خديعة‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫انتفض المستوطن ّ‬
‫مزبلة‪،‬وتهيأ لينقر مسؤول‬ ‫الصهيونيّ غاضبا مثل ديك ينتفش فوق‬
‫ّ‬
‫الغاضبة‪.‬تجمع حشد من‬ ‫السائبة من معدن نفسه الخسيسة‬ ‫المستوطنة بكلماته ّ‬
‫حوله‪،‬خمن مدير المستوطنة ّأنهم ّمتفقون على موقف ما‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المستوطنين‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سأل المستوطن الديك‪»:‬أين هما العسل واللبن اللذان هاجرنا إلى هنا من أجلهما؟! إننا‬
‫ال نرى حولنا غير الموت والخراب ّ‬
‫والتدمير والخوف»‪.‬‬
‫ّ‬
‫طائر‪،‬ورد بال مباالة‬ ‫طاقيته ّ‬
‫الصغيرة الهابطة فوق رأسه مثل براز‬ ‫عدل مدير المستوطن ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫وهو يشير بسبابته إلى األعلى حيث ّ‬
‫السماء‪»:‬العسل واللبن ليسا هنا‪،‬بل هما هناك في‬
‫ّ‬
‫الجنة»‪.‬‬

‫رجل‬
‫ّ‬ ‫العسكري في الجيش ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عسكرية‪،‬فليس‬ ‫الصهيونيّ أن تكون عاهرة بدرجة‬ ‫علمها العمل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عسكري يستهويه جسدها الممشوق‪،‬وشعرها‬ ‫لها إال أن تقبل بمضاجعة كل مسؤول‬
‫ّ‬ ‫الطويل ّ‬ ‫ّ‬
‫السائب‪،‬ومع مرور الوقت اعتادت على أن تبيع جسدها لكل من يدفع‬ ‫األحمر‬
‫ّ‬
‫وترقيات في العمل من منطلق أن جسدها أفضل‬ ‫ثمنه امتيازات وهدايا وحفالت ورحل‬
‫ٍ‬
‫سلعة تستطيع المتاجرة بها‪.‬‬
‫ْ‬
‫سعارها الجنسيّ وروحها ّالرخيصة وإصابتها بمرض (اإليذر)جعلت قائد المعتقل‬

‫‪133‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫الصهيونيّ ينفر من جسدها‪،‬ويهجره دون عودة‪،‬وينتدبها لتعذيب األسرى الفلسطينيين‬ ‫ّ‬


‫ّ‬
‫بأعتى طرق ّالتعذيب الجنسيّ‪،‬وعندما تمل من تعذيبهم تحقنهم ببعض دمائها المعلول‬
‫لتحملهم عار المرض أمام األهل والوطن قبل الموت بعذاب طويل‪.‬‬ ‫لتنقل لهم مرضها ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المتدين ذا الوجه المالئكي البشوش لم يستلم لها‪،‬وظل‬ ‫لكن ذلك األسير الفلسطينيّ‬
‫ينعتها بالعاهرة القبيحة‪،‬ورفض جسدها ّالرخيص المهدور أمامه‪،‬ولم يتأوه للحظة في‬
‫ً‬ ‫تعذيبها الجنسيّ له كي ال ّ‬
‫تقر نفسا بعذابه‪،‬وال تشعر بانتصار بطشها على جسده‪،‬لقد‬
‫كري بضربات ّ‬ ‫الذ ّ‬‫ّ‬ ‫أصم ّ‬
‫صامدا أمامها مثل جدار صلد ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫الصاعق‬ ‫‪،‬فتتت عضوه‬ ‫ظل‬
‫ْ‬
‫لرحمته‪،‬زادت من ضربات الكهرباء كي تنتزع‬ ‫الكهربائي ّ‬
‫ّ‪،‬لكنها لم تسمع منه استجداء‬
‫ْ‬
‫الته‪،‬فانتزعت روحه‪.‬‬ ‫توس‬‫ّ‬
‫أغاظها أن يهرب إلى األبد من بطشها وانتقامها‪،‬لقد هرب من جسدها الذي ّ‬
‫حقره‪،‬ونفر‬
‫الص ّ‬‫الجندية ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫قهرا من ّ‬ ‫ْ‬
‫هيونية شريكتها في تعذيبه‬ ‫صده لها‪،‬سألتها‬ ‫صنانه‪،‬بكت‬ ‫من رائحة‬
‫عن سبب بكائها‪.‬أجابتها بيأس‪»:‬لقد رفضني‪،‬هو ّالرجل الوحيد الذي رفض جسدي‪،‬هو‬
‫ّالرجل الحقيقيّ الذي قابلته في هذه الحياة‪،‬ولذلك قتلته»‪.‬‬

‫آر‪.‬بي‪.‬جي‬
‫ً‬
‫من جديد يراهم أمامه أطفاال فلسطينيين صغار بأجساد هزيلة يحملون مدافع (اآل‪.‬ربي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واحد‪،‬كلما قتل أحدهم بقذيفة أو ّ‬ ‫ً‬
‫خرقه بعشرات الطلقات‬ ‫جي)‪،‬جميعهم يملكون وجها‬
‫ً‬
‫رأى طفال بالوجه ذاته يهاجمه من جديد‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّإنهم في كل مكان ها هنا في هذا المخيم الفلسطينيّ في لبنان‪،‬لقد قيل لهم ّإنها ستكون‬
‫ّ‬
‫نزهة سريعة‪،‬يقضون فيها على الفلسطينيين في ساعة الغير‪،‬ثم يعودون أدراجهم مكللين‬
‫بورق الغار المسروق من جبال لبنان‪،‬لكن هذا لم يكن‪،‬بل هم من ّفروا من أمام األطفال‬
‫المقاتلين مهزومين مذعورين ال يلون على شيء وراءهم‪.‬‬
‫ّ ّ‬ ‫إنه يرى الوجه نفسه ّ‬
‫يحدق فيه‪،‬العينان ذاتهما تواجهانه دون خوف‪،‬ال يفر الطفل من‬

‫‪134‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو‬

‫مدفعيته‪،‬فتفتك بزميل من زمالئه الجنود ّ‬


‫الصهاينة‪،‬ثم قبل أن‬ ‫ّ‬ ‫أمامه‪،‬بل يطلق قنبلة من‬
‫ً‬
‫بمدفعية (اآل‪.‬ربي‪.‬جي) يعاجله بقذيفة من ّفوهة ّالدبابة التي يحتمي‬
‫ّ‬ ‫يستطيع أن ّ‬
‫يفر بعيدا‬
‫بها‪،‬فتناثر الفتى أشالء وقطم لحم صغيرة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ّإنهم في كل مكان‪،‬الوجه ذاته يهاجمه في حلمه‪،‬يستيقظ مفزوعا وقد ّتبول في فراشه‪،‬تنهره‬
‫ّ‬ ‫زوجته بقرف‪،‬وقد ْ‬
‫عامت في بوله‪،‬وتقول له‪»:‬عليك أن تراجع الطبيب ّالنفسي من جديد»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويقظته‪»:‬إنه ال‬ ‫يجيبها وعيناه تتربصان الوجه الطفوليّ الكابوسيّ الذي يطارده في نومه‬
‫ّ‬ ‫يستطيع أن يمنع ذلك الوجه ّ‬
‫الصغير من أن يطاردني في كل مكان‪،‬ال توجد ّقوة تستطيع أن‬
‫ّ‬
‫مطاردتي‪،‬إنه وجه يطاردني حتى يدفعني إلى الجحيم»‪.‬‬ ‫تمنع هذا الوجه من‬

‫شارون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هو رقيق ّ‬
‫البشرية جمعاء!هو‬ ‫حساس الطباع! يخدم وطنه المزعوم إسرائيل ولو داس على‬
‫يكره ّاللون األحمر ّ‬
‫ألنه يكره رؤية ّالدماء!ولذلك هو ال يمارس هوايته اآلثمة‪،‬وهي قتل‬
‫ّ‬
‫الفلسطينيين‪،‬إال مغمض العينيين ّ‬
‫والروح كي ال يرى دم ضحاياه!‬

‫َ‬
‫ع ْبد‬
‫ً‬
‫جاء من أثيوبيا راكضا خلف أطماع وأوهام‪،‬زعم ّأنه يهودي كي يظفر بحياة رغيدة كما‬
‫ّ‬
‫األثيوبية‪،‬وأطلقهم‬ ‫الصهيونيّ الذي حزمه وأهله والكثيرين من أهل مدينته‬ ‫وعده الحاخام ّ‬
‫ّ‬
‫اإلنسانية ّالراقية‪.‬‬ ‫صهيونية ّ‬
‫يعز فيها األمن ّ‬
‫والراحة والمعاملة‬ ‫ّ‬ ‫كقطيع أجرب في مستدمرة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عامله أبناء جلدته من الصهاينة معاملة عبد آبق من سيده‪،‬كل ما وهبوا له على كره‬
‫ّ‬
‫واحتقار هو بعض الطعام وصندوق إسمنيتي ليعيش فيه مع أسرته ومكنسة حقيرة يكنس‬
‫ً‬ ‫فيها ّ‬
‫المؤسسة التي ّعينوه خادما فيها‪.‬اآلن هو عبد حقيقيّ‪،‬عبد من يهود (الفالشا)‪،‬يسخر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫منه اليهود البيض ّ‬
‫ألنه أسود اللون والحظ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ة‪،‬يقرر أن يستعيد ذاته المسروقة‪،‬يحزم أبناءه ّ‬


‫بسرية‪،‬ويعود إلى وطنه‬ ‫ّ‬
‫للحري ّ‬ ‫هو يتوق‬
‫الحقيقي‪،‬ويبتعد عن فلسطين التي ال وطن له فيها‪،‬عندما يهبط وزوجته وأسرته على‬
‫ًّ‬
‫حرا من جديد‪.‬‬ ‫ثرى أثيوبيا يعود‬

‫كتاب‬
‫ّ‬
‫نفسه‪،‬يتأبطه باعتزاز وحرص‬ ‫كتابه ّ‬
‫«التطهير العرقي في فلسطين» هو أقدس ما أنجزت‬
‫وإجالل‪،‬ويهرب على عجل وحذر من عنصريين صهاينة يرجمونه ّ‬
‫بسبة الخيانة‪،‬ويرشقونه‬
‫ببصاقهم‪،‬ويجلدونه بقولهم‪»:‬إيالن بابيه يا خائن‪،‬ياعميل العرب»‪.‬‬
‫ً‬
‫ال يبالي بما يكابد‪،‬فأخيرا كتب قلمه الجريء الحقيقة كاملة وبإنصاف كامل بعد أن أدرك‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وحشية شعبه‪.‬أخيرا يستطيع أن يعيش بسالم‪،‬وأن يموت برضا؛فقد كتب الحقيقة التي أراد‬
‫شعبه أن يطعمها ّللنسيان‪.‬‬

‫متحف‬
‫يتجول في متحف اإلنسان في باريس‪،‬ويسمع استعراض‬ ‫الصهيونيّ كان ّ‬ ‫الحاخام ّ‬
‫ّ‬
‫وحشية من أعدائها‬ ‫طالبه لألمم واألقوام التي انقرضت عن بكرة أبيها بهجمات إبادة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ابتهاجا ّكلما وقف أمام استعراض ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألمة منقرضة علي يدي محتل‬ ‫ين‪،‬فيهز رأسه‬ ‫المحتل‬
‫آثم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الحاخام في نهاية الجولة انزوى جانبا في آخر العرض‪،‬وأخذ ينهق باكيا بحسرة خنزير‬
‫ً‬
‫طعاما في مزبلة ال يستطيع ّالدخول إليها‪،‬سأله طالبه الخجول بقلق وارتباك ّ‬
‫عما‬ ‫يندب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يبكيه‪،‬أجاب الحاخام وهو يمسح مخاطه بكمه‪»:‬إنهم الفلسطينيون‪،‬لقد أحرجونا أمام‬
‫والتاريخ عندما رفضوا أن نبيدهم‪،‬فنرتاح منهم‪،‬ويدخلوا هذا المتحف للعرض ال‬ ‫العالم ّ‬
‫غير»‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو‬

‫هواية‬
‫ً‬ ‫الص ّ‬‫هوايته ّ‬
‫هيونية الفضلى هي أن يرى رؤوس األطفال الفلسطينيين تتدحرج بسرعة بعيدا‬
‫خاصة في‬‫الفلسطينية جميعها‪،‬يجد ّلذة ّ‬
‫ّ‬ ‫عن أجسادها‪.‬يمارس هوايته في المخيمات‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً ً‬
‫مطاردة ّالرؤوس ّالراكضة قهرا بعيدا عن أجسادها في مخيم (صبرا وشاتيال)‪ ،‬يتلذذ طويال‬
‫ّ‬ ‫العربية ّ‬
‫بالرؤوس ّ‬
‫الصغيرة الذبيحة في مدرستي (بحر البقر) و(قانا)‪.‬‬
‫وعندما تلتهب هوايته‪،‬وتسيط روحه بعطش حارق يدنو من رأس ابنه‪،‬ويهوي عليه‬
‫ً‬
‫الصهيوني ّالدبق ّالنجس‬
‫بعيدا عن جسده‪،‬ويشرع يراقب نافورة ّالدم ّ‬ ‫بساطوره‪،‬فيدحرجه‬
‫وهي تتعالى متقاذفة في فضاء سرير ابنه‪.‬‬
‫متأجج الصطياد رأس طفل‬ ‫ّ‬
‫وامتداد‪،‬ولكنه ال يزال في عطش محموم ّ‬ ‫بشره ورضا‬
‫يضحك ٍ‬
‫فلسطينيّ!‬

‫وسام‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الصهيونيّ من ّالدرجة الثالثة تقديرا لدوره المهم في إبادة‬‫نال وسام البطولة في الجيش ّ‬
‫ّ‬
‫فلسطينية عن بكرة أبيها‪.‬‬ ‫مدرسة أطفال‬
‫ّلقبوه ببطل‪،‬أطلقوا اسمه على بعض المواليد الجدد‪،‬نشرت الصحف الصهيونية صورته‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ً ًّ‬
‫وطنيا‪.‬‬ ‫بوصفه بطال‬
‫الصحف‪،‬وأدار اإلعالم ظهره له‪،‬وصدئ وسامه في‬ ‫سرعان ما نسيه المحتفلون‪ ،‬وهجرته ّ‬
‫مكتبه‪،‬وظلت وجوه األطفال الفلسطينيين الذين قتلهم بصاروخ ّ‬
‫جوي‬ ‫ّ‬ ‫درج من أدراج‬
‫واحد تطارده ليل نهار‪،‬وتنشب أظافرها في تالبيب روحه التي تعيش في جحيم أرضي‬
‫ال ينقضي‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫ُ‬
‫خرافة‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫جندي‬ ‫جيشه‪،‬صدق ّأنه‬
‫ّ‬ ‫بعد أن اجتاز ّالدورة المكثفة‪،‬التي خاضها جبرا بتكليف من إدارة‬
‫ّ‬
‫غذته ّالدورة بخرافة ّ‬ ‫ّ‬
‫الشعب المختار والجيش الذي ال‬ ‫أسطوري ال ُيهزم‪،‬لقد‬ ‫في جيش‬
‫ّ ّ ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫ُيقهر‪.‬اآلن هو مستعد للخروج في أي مهمة يكلف بها ألجل أن يسحق العرب أجمعين بل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األسطوري‪.‬‬ ‫جندي في هذا الجيش‬ ‫العالم كله مادام هو‬
‫مهمته األولى كانت سحق الفدائيين الفلسطينيين في لبنان‪،‬شرب ليلة ّالتكليف بمهمته‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫صهيونية منخرطة معهم في العمل في الجيش‪،‬فال‬ ‫الكثير من الخمر‪،‬وضاجع مرارا عاهرة‬
‫بأس من تبديد طاقاته‪،‬فهوال يحتاجها في هذه المعركة ّالنزهة‪،‬فهي لن تستغرق منه الكثير‬
‫من الوقت قبل أن يحصد ّالنصر‪،‬ويبيد الفلسطينيين‪،‬ويعود إلى وكره ليكمل عربدته‪.‬‬
‫الحربية الموعودة‪،‬لم يقابل ّأي رجل فدائيّ كان‪،‬فقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫تصدى له‬ ‫أخيرا خرج في نزهته‬
‫الصغار الذي رأوا ّأنه وجيشه أحقر من أن يستدعي أن يخرج الكبار‬ ‫ولجيشه الفدائيون ّ‬
‫لهم‪،‬أمطروا الموت عليه وعلى مجموعته عبر قذائف(اآلر‪.‬بي‪.‬جي)‪،‬في ساعات قليلة‬
‫أسيرا في أيدي صغار جبابرة‪،‬لم يقتلوه كما ّ‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬
‫تخيل‪،‬بل ّعروه من بنطاله ومن‬ ‫جنديا‬ ‫غدا‬
‫ّ‬
‫مالبسه الداخلية‪،‬ولمزوه بأسلحتهم‪،‬فأطلق قدميه ّللر يح التي تسخر من عريه‪،‬وطار في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫جندي في جيش‬ ‫ّ‬ ‫حيا إلى أولئك الخادعين الذين أقنعوه ّبأنه‬ ‫درب الهروب لعله يعود‬
‫أسطوري ال يقهر كي يبصق في وجوههم‪.‬‬ ‫ّ‬

‫نسيان‬
‫هيونية ّ‬
‫الص ّ‬ ‫ّ‬
‫يعلمونه مبادئ ّ‬
‫‪»:‬إن الكبار الفلسطينيين‬ ‫قالوا له قبل أكثر من نصف قرن وهم‬
‫ّ‬
‫سيموتون‪،‬وأن صغارهم سينسون»‪.‬‬
‫ً‬ ‫الفلسطينية ّ‬
‫الصغيرة وهو يأمر ّ‬ ‫ّ‬
‫بدسها في المعتقل عقابا لها على‬ ‫كان يستعرض الوجوه‬
‫رجم الجنود ّ‬
‫الصهاينة بالحجارة‪،‬أمر بتغليظ العذاب لهم‪،‬شتمهم‪،‬وشتم من أنجبهم‪،‬وبصق‬

‫‪138‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو‬

‫جف ريقه‪،‬وكاد يختنق بجفافه‪،‬صفق الباب في إثر خروجهم وهم‬ ‫في وجوههم حتى ّ‬
‫يترنم على صوت‬‫بالسالسل إلى العذاب والجحيم معصوبي األعين‪،‬بات ّ‬ ‫ُيساقون ّ‬
‫ّ‬
‫بعذاباتهم‪،‬تشمت بهم‪،‬ثم أخذ يشخر وهو يبكي بقهر‪،‬وهو‬ ‫استغاثاتهم تزلزل ّ‬
‫السماء‪،‬فرح‬
‫ّ‬
‫يقول‪»:‬إنهم ال ينسون»‪.‬‬ ‫الس ّ‬
‫خية‪،‬وهو‬ ‫يبتلع دموعه ّ‬

‫ّ‬
‫نبتة عطرية‬
‫أثري انتزعه االحتالل ّ‬ ‫الطابق ّالثاني من بيت مقدسيّ ّ‬ ‫ّ‬
‫الصهيونيّ من‬ ‫هي تسكن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أهله‪،‬وملكوه لها ولزوجها والبنتها‪،‬كان من المفروض أن تمارس كل ما يتفتق ذهنها‬
‫ّ‬
‫المقدسية التي تسكن الطابق ّالتحتي‪،‬وتجبرها على‬ ‫ّ‬ ‫عنه من شرور وإيذاء لتزعج العائلة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حيل‪،‬ولكنها كانت تعجز عن ذلك بسبب طبيعتها النفسية الخيرة التي يكرهها زوجها‬ ‫ّ‬ ‫ّالر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأهله‪،‬فيحثونها دون انقطاع على أن تتخلى عن شمائلها الط ّيبة لصالح مطامعهم ووالئهم‬
‫الصهيونيّ‪.‬‬ ‫لكيانهم ّ‬
‫سطت عليه من أثاث‬ ‫ْ‬ ‫عطرية لصاحبة البيت ضمن ما‬ ‫ّ‬ ‫وضعت يديها على حوض نبتة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المغتال‪،‬أحبت هذه النبتة العطرية التي لها‬ ‫ومالبس في الطابق الثاني من البيت المقدس‬
‫ْ‬
‫استولت عليها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫مستمر منذ أن‬ ‫طيبة حنونة‪،‬لكن ّالنبتة في ذبول‬ ‫رائحة ّفواحة ّ‬
‫ّ‬
‫المقدسية التي زرعتها‬ ‫أهله‪،‬وأن هذه ّالنبتة تفتقد صاحبة البيت‬ ‫ّ‬ ‫يحب‬‫خمنت ّأن ّالنبات ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫المقدسية‬ ‫الصغير‪،‬وهبطت به أدراج البيت‪،‬فألفت المرأة‬ ‫بها‪،‬زمت الحوض ّ‬ ‫ّ‬ ‫واعتنت‬
‫بناتها‪،‬وضعت حوض ّالنبتة العطريةّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫في فسحة الحديقة الصغيرة تضفر شعر إحدى‬
‫تريدك»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فلسطينية تكاد تتقنها‪»:‬هذه النبتة‬ ‫ْ‬
‫أمامها‪،‬وقالت لها بلهجة‬
‫ِ‬
‫ّ‪،‬فالشجر يعرف أهله‪،‬ويرفض‬ ‫المقدسية دون أن تلتفت إليها‪»:‬هذا طبيعي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّردت المرأة‬
‫الغرباء»‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫طالب‬
‫معلمه‪،‬وهذه فرصته الكبرى ليكون تلميذه المخلص ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫السائر على‬ ‫يجب أن يكون سر‬
‫علمه ّأن البحث العلميّ ّ‬ ‫ّ‬
‫والتعليم الميدانيّ غايتان تستبيحان الوسائل جميعها‬ ‫دربه‪،‬هو من‬
‫أدبيات‪،‬ولذلك كان‬ ‫أخالقيات أو ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وحشية‪،‬وهما المقدمتان على ّأي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إنسانية أم‬ ‫أكانت‬
‫ّ‬
‫يشرح أمامهم جسد أسير فلسطينيّ وهو على قيد الحياة؛ألنه يريد أن يريهم‬ ‫يستسيغ أن ّ‬
‫الحيوية وصاحبها على قيد الحياة‪.‬‬‫ّ‬ ‫كيف تعمل األعضاء‬
‫المطبقة على‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الميدانية‬ ‫األول من هذه ّالدروس‬ ‫لقد ُأغمي عليه عندما حضر ّالدرس ّ‬
‫ّ ّ‬
‫أجساد األسرى الفلسطينيين‪،‬ولم يحضر منه إال توغل المشرط في صدر األسير وصراخه‬
‫ّ‬ ‫وتية ّ‬ ‫يمزق أوتاره ّ‬
‫الص ّ‬ ‫الذي ّ‬
‫لشدة ألمه‪،‬بعدها دخل في عالم من الغيبوبة اللزجة القاتمة إلى‬
‫ً‬ ‫الطبيب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصهيونيّ بصفعة خلعت سنا من أسنانه‪.‬‬ ‫أن أيقظه معلمه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫يغم عليه أبدا بعد هذه ّ‬ ‫لم َ‬
‫الصفعة‪،‬وظل يتابع مشرط معلمه الطبيب يعيث فسادا وتعذيبا‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫بشر‪،‬وتمنى دائما أن يلهو مشرطه‬ ‫في أجساد األسرى الفلسطينيين‪،‬وما عاد بعدها يعبأ بألم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫في جسد معلمه ليثبت له ّأن الطالب قد يفوق معلمه في الفعل اإلبليسيّ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫سيحقق اللهو الذي يحلم به‪،‬فقد جاءته الفرصة المنتظرة على طبق من ذهب؛معلمه‬ ‫اآلن‬
‫يستحق االكتشاف‪،‬وهو المسؤول‬ ‫ّ‬ ‫والنطق‪،‬ويعاني من مرض نادر‬ ‫أمامه مشلول الحركة ّ‬
‫عنه في هذه المستشفى‪،‬لذلك يستطيع أن ُي ْع ِمل مشرطه فيه دون أن ينبس ببنت شفة‬
‫ً‬ ‫أو ُيطلق زفرة احتجاج حتى لو ّقدده األلم‪،‬لن ّ‬
‫يضيع هذه الفرصة أبدا‪،‬يغلق باب الحجرة‬
‫ّ‬ ‫بالمفتاح‪،‬يضع المفتاح في جيبه الذي ُيخرج منه مبضعه‪،‬ويشرع ّ‬
‫يسيره في جسد معلمه‬
‫ً ّ ً‬ ‫ابتداء من رقبته حيت ّ‬
‫تتبدى الحنجرة نزوال مثلما حتى أسفل بطنه‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو‬

‫أوزون‬
‫ً‬
‫جميعا‪،‬وشكروا الله ّ‬
‫ألنه خلق الفلسطينيين ليكونوا كبش الفداء في المصائب‬ ‫اجتمعوا‬
‫ّ‬ ‫والمحن ّ‬
‫والشدائد جميعها‪.‬في جلسة واحدة أسندوا لهم الجرائر كلها‪:‬فهم من أفسدوا‬
‫ّ‬
‫العالم‪،‬وسرقوا الخزائن العامرة‪،‬وحاربوا اآلمنين‪،‬وبثوا األمراض واألحزان والمآسي‬
‫ّ‬
‫والمستقبلية‪،‬وهم‬ ‫العالمية الماضية ّ‬
‫واآلنية‬ ‫ّ‬ ‫والنكبات في األرض‪،‬وأشعلوا نيران الحروب‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سبب المنازعات ّ‬
‫الموت‪،‬وقدروه على‬ ‫والتناحر في كل مكان‪،‬بل هم من اخترعوا‬
‫عذبوا‪،‬وأن ّ‬
‫يقتلوا‪،‬وأن ُي ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫شردوا‪.‬‬ ‫البشر‪،‬لذلك وجب عليهم أن ي‬
‫في آخر قائمة الجرائم المسندة للفلسطينيين‪،‬األحياء منهم واألموات والذين ال يزالون‬
‫عدما في غامض الغيب‪،‬وجدوا ّأنهم لم يستطيعوا أن ّ‬ ‫ً‬
‫يفسروا سبب حدوث خرق األوزون‬
‫البشرية عناء ال ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حد له‪.‬‬ ‫الذي سيكلف‬
‫الكونية ألجل إسناد جرائم الكون إلى‬ ‫ّ‬ ‫ابتسم أقصر الموجودين في هذه القمة‬
‫طاقية سوداء جوفاء نتنة تخيم على نافوخ رأسه‪،‬وقال‬ ‫ّ‬ ‫الفلسطينيين‪،‬كان يلبس‬
‫بتهدل‪»:‬هذه جريمة سهلة وبسيطة‪،‬ال ّبد أنّ‬ ‫يتمطى ّ‬ ‫ّ‬
‫بفرح وارتياح يسمح لكرشه بأن‬
‫ّ‬
‫الفلسطينيين هم من خرقوا طبقة األوزون في لحظة تهور»‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫االقتراح‪،‬وصوتوا جميعا على الموافقة على إسناد‬ ‫هلل المجتمعون فرحا وارتياحا بهذا‬
‫البيئية الخطيرة‪ -‬إن وقعت حقيقية‪ -‬للفلسطينيين المشاكسين الذين يفسدون‬ ‫هذه ّالتهمة ّ‬
‫تمتد أيديهم إليه‪،‬حتى ّأن عبثهم قد امتد إلى طبقة األوزون المسكينة‪،‬فقاموا بثقبها‪.‬‬ ‫ّكل ما ّ‬

‫‪141‬‬
‫‪7‬‬
‫تقاسیم البعث‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫تمثال‬
‫ّ ً ً‬ ‫ّ‬ ‫الفلسطينيّ ّ‬
‫البشرية كان مثاال ماهرا‪،‬يصنع تماثيله‬ ‫األول الذي خلقه الله في مبتدئ تاريخ‬
‫على شاكلة جمال وطنه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫في يوم وليلة جاء غاصب يهودي‪،‬وسرق وطنه‪،‬وحطم تماثيله‪،‬وطرده منها مع بنيه الكثر‬
‫ً ّ‬
‫الذين كانوا جميعا مثالين مهرة مثله‪.‬‬
‫األول الموغل في القدم جاب ّالدنيا في انتظار العودة إلى وطنه‪،‬أبناؤه‬ ‫الفلسطينيّ ّ‬
‫تفرقوا في مشارق األرض ومغاربها‪،‬جميعهم دأبوا على صنع تماثيل تشبه وطنهم‬ ‫وبناته ّ‬
‫ّ‬
‫فلسطين‪،‬ثم بعد ذلك طفقوا يبنون األماكن كلها على شاكلة فلسطين كي ال ينسوها‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أبدا‪،‬ولذلك نقلوها إلى كل مكان ذهبوا إليه‪.‬‬
‫األول وبنوه إلى وطنهم فلسطين بعد أن طردوا اليهودي‬ ‫بعد زمن طويل عاد الفلسطينيّ ّ‬
‫ظل من عادة الفلسطينيّ أن ّ‬ ‫ّ‬
‫يعمر األرض ويبني األماكن والبلدان على‬ ‫الغاصب منه‪،‬ولكن‬
‫شاكلة وطنه إلى أن يعود إليه في آخر المطاف‪،‬وبات تاريخ الفلسطينيّ ُيختزل في ّالرحيل‬
‫والبناء والعودة إلى الوطن مهما طال ّالتطواف‪.‬‬

‫ّ‬
‫الريح والكالب‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫استطاعوا أن يقتلوا عــددا عمالقا من الفلسطينيين‪،‬مثلوا بأجسادهم‪،‬أحرقوا‬
‫مهب ّالر يح كي يرتاحوا من ذلك ّ‬
‫الشبح‬ ‫جماجمهم‪،‬طحنوا عظامهم‪،‬نثروا رمادهم في ّ‬
‫الذي اسمه عودة ّ‬
‫الشعب الفلسطينيّ إلى وطنه‪.‬‬
‫علت أصواتهم نابحة بنشوة داعرة وهم يقولون‪»:‬نحن إسرائيل‪،‬والفلسطينيون غدوا‬
‫ً‬
‫عدما»‪.‬‬
‫ّ‬
‫األجش‪،‬ولملمت رمــاد الفلسطينيين الــذي بعثرته‬ ‫سخرت ّالر يح من نباحهم‬
‫ُ‬
‫فيه‪،‬فبعث الفلسطينيون ّمرة أخرى ينسلون من‬ ‫نسائمها‪،‬وعجنته بماء الخلود‪،‬ونفخت‬

‫‪144‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺒﻌﺚ‬

‫ً‬
‫جميعا يحملون ابتسامة عريضة واحدة ّ‬ ‫ً‬
‫يلوحون بها ّللر يح‬ ‫طائر فينيق ال يموت أبدا‪،‬كانوا‬
‫تصدق نباح الكالب مهما عال!‬ ‫ّ‬
‫لهم؛ألنها ال ّ‬ ‫العاتية الباعثة‬

‫المنجل‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫هبط الفلسطينيّ على األرض يحمل منجال‪،‬وال شيء أكثر‪،‬لم يعشق منجله إال األرض‬
‫التي يحصد كنوزها بشهوة وارتضاء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جاء الغرباء ليسرقوا األرض من المنجل المتيم بها‪،‬فعشق الدم يسقيه لنفسه من دماء‬
‫أعناقهم التي يحصدها بكره وقرف‪.‬‬
‫وبعد أن رحل الغرباء ّالناجون من سطوة منجل الفلسطينيّ‪،‬عاد المنجل من جديد ّ‬
‫يتفرغ‬
‫ّ‬
‫األرض‪،‬ويغني في أيدي ّالزراع العاشقين‪.‬‬ ‫لعشق‬

‫وحام‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سرقوها‪،‬شردوا أهلها‪،‬أسموها إسرائيل‪،‬فحملت األرض من فؤوس من شقوها آلالف‬
‫ليزرعوها‪،‬تو ْ‬
‫حمت بهم‪،‬بمالمحهم‪،‬بأصواتهم‪،‬بروائحهم‪،‬بصبرهم‪،‬بأحالمهم‪،‬وأنج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫السنين‬
‫بت فدائيين فلسطينيين بمالمح ّأمهم فلسطين‪،‬ومن جديد عاد اسمها فلسطين‪،‬وظلت‬ ‫ْ‬
‫الس ّ‬
‫ماوي الخالد‪.‬‬ ‫وتتوحم‪،‬وتلد فدائيين يهتفون باسمها ّ‬
‫تحبل ّ‬

‫القيامة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُينفخ في ّ‬
‫ثانية‪،‬فيبعث البشر أجمعون كرها وطوعا‪،‬البشر في محشر‬ ‫الصور نفخة‬
‫ّ‬
‫أعناقهم‪،‬إال الفلسطينيين ّ‬
‫فإنهم يحملون فلسطين‬ ‫عظيم‪،‬الجميع يحملون أعمالهم فوق‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على رؤوسهم‪،‬يقفون بها أمام ّالرب ليتشفعوا بها لهم ولألهلين ولكل من ّ‬
‫ضحى ألجلها‪.‬‬

‫ّ‬
‫القصصية‬ ‫انتهت المجموعة‬
‫ّ‬ ‫ُ ْ‬
‫كتبت في الشتات ‪...‬‬

‫‪145‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫د‪ .‬سناء شعالن (بنت نعيمة)‬


‫ّ‬
‫صحفية‬ ‫فلسطينية‪ ،‬وكاتبة سيناريو‪ ،‬ومراسلة‬ ‫ّ‬ ‫أردنية من أصول‬ ‫وإعالمية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأكاديمية‬ ‫أديبة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العربية‪ ،‬وناشطة في قضايا حقوق اإلنسان والمرأة والطفولة والعدالة‬ ‫لبعض المجالت‬
‫االجتماعية‪ ،‬تعمل أستاذة لألدب الحديث في الجامعة األردنية‪ /‬األردن‪ ،‬حاصلة على‬ ‫ّ‬
‫درجة ّالدكتوراه في األدب الحديث ونقده بدرجة امتياز‪ ،‬عضو في كثير من المحافل األدبية‬
‫ّ‬
‫والعالمية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والعربية‬ ‫ّ‬
‫المحلية‬ ‫ّ‬
‫والحقوقية‬ ‫ّ‬
‫البحثية‬ ‫واإلعالمية والجهات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واألكاديمية‬
‫والقصة القصيرة وأدب‬ ‫ومحلية في حقول ّالرواية ّ‬ ‫ّ‬ ‫دولية ّ‬
‫وعربية‬ ‫حاصلة على نحو‪ 63‬جائزة ّ‬
‫مسرحياتها على مسارح ّ‬
‫محلية‬ ‫ّ‬ ‫األطفال والبحث العلميّ والمسرح‪ ،‬كما ّتم تمثيل الكثير من‬
‫ّ‬
‫وعربية‪.‬‬
‫قصصية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫منشورا بين كتاب ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وقصة‬ ‫متخصص ورواية ومجموعة‬ ‫نقدي‬ ‫لها نحو ‪ 70‬مؤلفا‬
‫ونص مسرحيّ مع رصيد كبير من األعمال المخطوطة التي لم ُتنشر بعد‪ ،‬إلى جانب‬ ‫أطفال ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫المئات من ّالدراسات والمقاالت واألبحاث المنشورة‪ ،‬فضال عن الكثير من األعمدة الثابتة‬
‫والعربية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المحلية‬‫ّ‬ ‫والدوريات‬ ‫الصحف ّ‬ ‫في كثير من ّ‬
‫وعالمية في قضايا األدب ّ‬ ‫ّ‬ ‫محلية ّ‬ ‫ّ‬
‫والنقد وحقوق‬ ‫وعربية‬ ‫لها مشاركات واسعة في مؤتمرات‬
‫ّ‬
‫اإلنسانية واآلداب المقارنة‪،‬‬ ‫والتراث العربيّ والحضارة‬ ‫االجتماعية ّ‬‫ّ‬ ‫اإلنسان والبيئة والعدالة‬
‫ّ‬
‫واإلعالمية‪.‬‬ ‫حكيمية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العلمية والت‬ ‫ّ‬ ‫عضويتها في لجانها‬ ‫ّ‬ ‫إلى جانب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هي ممثلة لكثير من المؤسسات والجهات الثقافية والحقوقية‪ ،‬كما أنها شريكة في الكثير‬
‫ّ‬
‫والفكرية‪.‬‬ ‫والعالمية ّالث ّ‬
‫قافية‬ ‫ّ‬ ‫من المشاريع ّ‬
‫العربية‬
‫والدروع واأللقاب‬ ‫ُترجمت أعمالها إلى الكثير من ّاللغات‪ ،‬ونالت الكثير من ّالتكريمات ّ‬
‫ّ‬
‫والحقوقية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والمجتمعية‬ ‫ّ‬
‫الثقافية‬ ‫والتمثيالت‬‫الفخرية ّ‬‫ّ‬
‫والبحثية ورسائل ّالدكتوراه‬ ‫ّ‬ ‫قدية‬ ‫مشروعها اإلبداعيّ حقل للكثير من ّالدراسات ّالن ّ‬
‫والماجستير في األردن والوطن العربيّ والعالم‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫من أعمالها المنشورة‪:‬‬


‫‪ّ -1‬الروايات‪:‬‬
‫‪ -1‬أعشقني‪.‬‬
‫ّ‬
‫السقوط في الشمس‪.‬‬ ‫‪ّ -2‬‬
‫‪ - 3‬أدركها ّالنسيان‪.‬‬

‫‪ -2‬روايات الفتيان‪:‬‬
‫‪ -1‬أصدقاء ديمة‪.‬‬

‫ّ‬
‫القصصية‪:‬‬ ‫‪ -3‬المجموعات‬
‫‪ -1‬قافلة العطش‪.‬‬
‫‪ -2‬تراتيل الماء‪.‬‬
‫‪ -3‬الجدار ّالزجاجيّ‪.‬‬
‫‪ -4‬حدث ذات جدار‪.‬‬
‫‪ -5‬الذي سرق نجمة‪.‬‬
‫‪ -6‬تقاسيم الفلسطينيّ‪.‬‬
‫‪ -7‬عام ّالنمل‪.‬‬
‫‪ -8‬رسالة إلى اإلله‪.‬‬
‫‪ -9‬أرض الحكايا‪.‬‬
‫‪ -10‬مقامات االحتراق‪.‬‬
‫‪ -11‬ناسك الصومعة‪.‬‬
‫‪ -12‬قافلة العطش‪.‬‬
‫‪ -13‬الكابوس‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫‪ -14‬الهروب إلى آخر ّالدنيا‪.‬‬


‫ّ‬
‫‪ -15‬مذكرات رضيعة‪.‬‬
‫‪ -16‬أكاذيب ّالنساء‪.‬‬
‫ّ‬
‫القصصية الكاملة‪ ،‬جزء‪1‬‬ ‫‪ -17‬األعمال‬
‫ّ‬
‫‪ -18‬األعمال القصصية الكاملة‪ ،‬جزء‪2‬‬
‫القصصية الكاملة‪ ،‬جزء‪3‬‬‫ّ‬ ‫‪ -19‬األعمال‬

‫قصصية مشتركة مع أدباء عرب وعالميين‪:‬‬‫ّ‬ ‫‪ -4‬مجموعات‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ -1‬مجموعة قصصية مشتركة مع قاصين أردنيين بعنوان «القصة في األردن‪ :‬نصوص‬
‫ودراسات»‪.‬‬
‫ّ‬
‫قاصين عرب بعنوان «الضياع في عيني رجل الجبل»‪.‬‬ ‫قصصية مشتركة مع ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -2‬مجموعة‬
‫ّ‬
‫قصصية مشتركة مع قاصين عرب بعنوان «في العشق»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -3‬مجموعة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ -4‬مجموعة قصصية مشتركة مع قاصين أردنيين بعنوان «مختارات من القصة األردنية»‪.‬‬
‫قاصين مصريين بعنوان «مجموعة نجوم القلم ّ‬
‫الحر في‬ ‫‪ -5‬مجموعة قصصية مشتركة مع ّ‬
‫سماء اإلبداع»‪.‬‬

‫ّ‬
‫مسرحيات للكبار‪:‬‬ ‫‪-5‬‬
‫مسرحية (البيت ّالنظيف)‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لمسرحية «صانعة» المقتبسة عن‬ ‫‪ -1‬إعداد وسنيوغرافيا‬
‫ّ‬
‫لألمريكية سارة رول‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -2‬دعوة على شرف اللون األحمر‪.‬‬
‫‪« -3‬سيلفي» مع البحر‪.‬‬
‫‪ -4‬وجه واحد الثنين ماطرين‪.‬‬
‫‪ -5‬محاكمة االسم (×)‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫السلطان ال ينام‪.‬‬‫‪ّ -6‬‬


‫سعدية ّأم الحظوظ‪.‬‬
‫افية ّ‬ ‫‪ُ -7‬خ ّر ّ‬

‫ّ‬
‫مسرحيات للفتيان والفتيات‪:‬‬ ‫‪-6‬‬
‫‪ -1‬اليوم يأتي العيد‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -2‬رحلة مع المعلمة فرحة‪.‬‬

‫‪ -7‬قصص أطفال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ّ -1‬‬
‫قصة لألطفال بعنوان «زرياب‪ :‬معلم الناس والمروءة»‪.‬‬
‫قصة لألطفال بعنوان «هارون ّالرشيد‪ :‬الخليفة العابد المجاهد»‪.‬‬ ‫‪ّ -2‬‬
‫الفراهيدي‪ :‬أبو العروض ّ‬
‫والنحو العربيّ»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ّ -3‬‬
‫قصة لألطفال بعنوان «الخليل بن أحمد‬
‫الس ّنة»‪.‬‬
‫قصة لألطفال بعنوان «ابن تيمية‪ :‬شيخ اإلسالم ومحيي ّ‬ ‫‪ّ -4‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ّ -5‬‬
‫المتصدق»‪.‬‬ ‫قصة لألطفال بعنوان «الليث بن سعد‪ :‬اإلمام‬
‫السالم‪ :‬سلطان العلماء وبائع الملوك»‪.‬‬ ‫قصة لألطفال بعنوان ِّ‬
‫«العز بن عبد ّ‬ ‫‪ّ -6‬‬
‫«عباس بن فرناس‪ :‬حكيم األندلس»‪.‬‬ ‫قصة لألطفال بعنوان ّ‬ ‫‪ّ -7‬‬
‫ّ‬
‫قصة لألطفال بعنوان «زرياب‪ :‬معلم ّالناس والمروءة»‪.‬‬ ‫‪ّ -8‬‬
‫ّ‬ ‫‪ّ -9‬‬
‫قصة لألطفال بعنوان «صاحب القلب الذهبيّ»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المحلية‬ ‫‪ -10‬مئات القصص المصورة لألطفال المبثوثة والمنشورة في مجالت األطفال‬
‫والعربية‪.‬‬ ‫ّ‬

‫والنصوص ّالن ّ‬
‫ثرية‪:‬‬ ‫‪ -8‬المقاالت ّ‬
‫‪ -1‬أبي ّ‬
‫سيد الكلمات‪.‬‬
‫‪ -2‬الذين ال ينامون‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫‪ -3‬قالت ّالنساء‪.‬‬
‫‪ -4‬غصون وتخوم‪.‬‬
‫‪ّ -5‬الدرب إليهم‪.‬‬
‫‪ -6‬األعمال ّالن ّ‬
‫ثرية الكاملة‪.‬‬

‫ّ‬
‫حوارية‪:‬‬ ‫‪ – 9‬لقاءات‬
‫ّ‬
‫وفكرية (‪)1‬‬ ‫ّ‬
‫إبداعية‬ ‫‪ -1‬الهدهد والخاتم‪ :‬لقاءات مع مبدعين عراقيين‪ ،‬سلسلة حوارات‬
‫ّ‬
‫وفكرية (‪)2‬‬ ‫ّ‬
‫إبداعية‬ ‫‪ّ -2‬‬
‫العرافة والجبل‪ :‬لقاءات مع مبدعين عرب‪ ،‬سلسلة حوارات‬
‫ّ‬
‫وفكرية (‪)3‬‬ ‫ّ‬
‫إبداعية‬ ‫ّ‬
‫حوارية‪ :‬لقاءات مع مبدعين عالميين‪ ،‬سلسلة حوارات‬ ‫‪ -3‬لقاءات‬

‫ّ‬
‫متخصصة‪:‬‬ ‫‪ - 10‬كتب ّ‬
‫نقدية‬
‫‪ -1‬األسطورة في روايات نجيب محفوظ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ّ -2‬‬
‫السرد الغرائبيّ والعجائبيّ في ّالرواية والقصة القصيرة في األردن‪2002 -1970‬م‬
‫‪ -3‬دور جاللة الملك في مكافحة اإلرهاب‪ :‬تفجيرات عمان في قصص ّ‬
‫بالشراكة مع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفاعوري‪.‬‬ ‫المؤلف وائل‬
‫‪ّ -4‬الدواني والغواني‪ :‬غصون في األدب المعاصر ونقده‪.‬‬
‫السراب وأهزوجة ّالنور‪ :‬دراسات ّ‬
‫نقدية في األدب المعاصر‪.‬‬ ‫‪ّ -5‬‬
‫الصدى‪ :‬دراسات ّ‬
‫نقدية في إبداعات معاصرة‪.‬‬ ‫الصوت وثورة ّ‬ ‫ترنم ّ‬‫‪ّ -6‬‬
‫‪So Close, Much Farther: Studies in Criticism -7‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نقدية في كتب ّ‬


‫‪ -11‬المشاركة في فصول ّ‬
‫متخصصة‪:‬‬ ‫نقدية محكمة‬
‫‪ -1‬المشاركة بفصل بعنوان ّ‬
‫«السرد الجميل لتأثيث عالم قبيح» في كتاب بعنوان «حنون‬
‫مجيد في منجزه القصصيّ»‪ ،‬جمع وإعداد وتحرير د‪ .‬سمير الخليل‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ‬

‫‪ -2‬مشاركة بفصل بعنوان «لقاء مع العالمة علي القاسميّ‪ :‬أبو المعاجم العربية الحديثة»‬
‫«الدكتور علي القاسميّ سيرة ومسيرة‪ :‬مجموعة بحوث ودراسات مهداة إليه‬ ‫في كتاب ّ‬
‫والسبعين»‪ ،‬جمع وإعداد د‪ .‬منتصر أمين عبد ّالرحيم‪.‬‬ ‫بمناسبة عيد ميالده الخامس ّ‬
‫‪ -3‬المشاركة بفصل بعنوان «عبد الكريم غرايبة العمالق الذي ينير ّالدرب للجميع» في‬
‫ّ ً ًّ‬
‫عربيا»‪.‬‬ ‫كتاب «عبد الكريم غرايبة مؤرخا‬
‫‪ -4‬المشاركة بفصل بعنوان «مساحة ّالت ّوتر بين االنتظار والخيبة عند ّ‬
‫القاص العراقيّ فرج‬
‫القصصية «واجهات ّبراقة» في كتاب» في آفاق ّالنص القصصيّ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ياسين في مجموعته‬
‫ّ‬
‫الهوية والنص والتشكيل عند فرج ياسين»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مقاربات في ّ‬
‫ّ‬
‫«القصة القصيرة‬ ‫‪ -5‬المشاركة بفصل بعنوان «البطل في قصص زياد أبو لبن» في كتاب‬
‫في الوقت ّالراهن»‪.‬‬
‫‪ -6‬المشاركة بفصل بعنوان «الذين ال يموتون» في كتاب «المبدع ّالراحل محيي ّالدين‬
‫زنكنه بأقالم أصدقائه»‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ -7‬المشاركة بفصل بعنوان «الفنتازيا رداء للتثوير في التجربة القصصية عند محيي الدين‬
‫نقدية في عالم محيي ّالدين زنكنه اإلبداعيّ»‪.‬‬ ‫نقدي بعنوان «نظرات ّ‬ ‫زنكنة» في كتاب ّ‬
‫األردنية سناء شعالن» في كتاب‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إبداعية لألديبة‬ ‫‪ -8‬المشاركة بفصل بعنوان «شهادة‬
‫ّ‬
‫الكردي»‪.‬‬ ‫«دراسات ّ‬
‫نقدية عن األدب‬

‫ّ‬
‫المنهجية‪:‬‬ ‫‪ -12‬الكتب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العربية للناطقين بغيرها‪ :‬المستوى الخامس»‪ ،‬كتاب‬ ‫‪ -1‬كتاب بعنوان «تعليم اللغة‬
‫ّ‬
‫مشترك مع مجموعة من المؤلفين األكاديميين‪.‬‬

‫‪151‬‬

You might also like