Professional Documents
Culture Documents
تقاسيم الفلسطيني2
تقاسيم الفلسطيني2
عنوان:
نوبت چاپ:
تیراژ:
مشخصات نشر:
موضوع:
صفحه آرایی:
فهرست
11 إهداء
34 ابتسامة
34 جبال
35 خيانة
36 ُخطبة
37 َز ْرع
37 زهايمر
38 بنطال العيد
38 َح َجر
39 زيتون
39 شجرة
40 الوليد
41 َص َم ْ م
42 القائد
43 ُإسعاف
43 ُأخوة
44 أ ّبوة
44 شجرة عائلة
45 شهيد
46 عروس البحر
47 جدار
47 افية ُخ ّر ّ
48 عانس
ُ
49 قرعة
50 قصة ّ
حب ّ
50 قدمان
51 فيلم خياليّ
51 عيد ّ أم
ُ
52 لهاث
53 مدرسة
54 وجه
54 نفق
فهرست
55 نوم
55 هدي ة ّ
56 هروب
57 مقبرة
57 معطف
58 صحفي ّ
59 صديق
الك ّ ُ
59 وفية
60 معبر
61 ِع ْرض
61 صحراء
62 معرض لوحات
62 بيت
63 جملة واحدة
63 مسجد
63 تضامن
64 لثام
64 انتظار
65 بحر أسود
65 هواية
66 وليّ
ّ ّ
69 خيال الظ
ل
70 العيد
78 أسير
79 عيد ميالد
79 ُع ِر ّ
ي
80 قلب
81 ُنطفة
85 ّ
المخیم تقاسیم
86 ّالدر
ب
ّ
86 تل ّالزعتر
87 حنظلة
87 صور
88 دجاجة
ْ
89 َركض
90 الحلوة
90 عائشة ألوان
91 فلسطينيّ
ََ
92 فخار
92 المخيم ّ
93 (كرت)المؤن
94 عقوبة
95 كماليات ّ
96 كمان
97 نهر البارد
ّ
99 تقاسیم الشتات
100 إقام ة
100 البحر
101 الصفعة ّ
102 ّالرسام
103 سمكة
103 مقايضة
104 حذاء أبي
ض
فهرست
104 أجيرة
105 ابن شهيد
106 خيمة
106 قارورة
107 َخ َرف
107 صوت
108 الصبي المحظوظ ّ
108 طابور
109 رسائل شوق
109 طيران
110 قطارات
111 غداء
112 ّ
والدة متعسرة
112 موت
112 قالدة
113 مطار
114 قرش
114 ُبقجة
127 تقاسیم ّ
العدو
فهرست
ّ
علمتني معنى ّ
الصبر ّ
الفلسطينية العاصمة األ ّ
بدية لقلبي التي إلى ّأمي
والصمود والعطاء ّ
والشجاعة؛ إلى ّأمي (نعيمة المشايخ) رحمها الله ّ
ّ
تعالى ،وأحسن مثواها .الفاتحة على روحها الطاهرة
1
تقاسیم الوطن
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
أشجار
ّ ْ ّ ْ قالت عصابات ّْ
ة،فأعملت فيها الذبح والبارود الفلسطيني اجتاحت القرى الصهاينة التي
ّ
دمير»:إن األهالي الفلسطينيين هم والنهب ّ
والت والتهجير ّ والتنكيل واالغتصاب ّ واإلذالل ّ
ّ
من هاجموا أفرادها،وقتلوا جنودها،ودقوا طبول الحرب».
ً
لزاما عليهم أن ّ العالم ّكله ّصدق تلك العصابات الكاذبة اآلثمة ّ
يصدقوهم،ثم ألنه كان
أفاضوا عليهم بعونهم وشفقتهم ودعمهم.
والرمان والعنب من تحفظ وجوه رجال والتين والبرتقال ّوحدها أشجار ّالز يتون ّ
ّ العصابات ّ
الصهاينة وهم يتسللون عبرها قادمين من البعيد حيث البرد والجليد والقسوة
تمتد أيادي تقتل وتنهب وتغتصب والرحيل،ووحدها من رأت الوجوه اآلثمة الغريبة ّ ّ
وتخنق أنفاس الفلسطينيين الذين ال يجيدون إال أن يفلقوا باطن أراضيهم بفؤوسهم
ً ً ً ليخرجوا منها إلى الوجود ّ
سر خلودها شجرا وأثمارا وريحا طيبة.
الغاصبين،أما أشجار ّالز يتون ّ
ّ ً
كرها للقتلة ّ ً العالم ّكله ّ
والتين الصهاينة صفق طوعا أو
الشهداء األبرار كي ال ينسى نقشت على جذوعها أسماء ّ ْ والبرتقال ّ
والرمان والعنب فقد
ّالتاريخ جريمة اسمها اغتيال فلسطين.
أقدام
ّ ً ُ ُ
قدماها أستشهدتا في المعركة كما أستشهد أهلها جميعا،كانوا متحلقين على طاولة
ّ
صهيونية. ّ
خشبية قصيرة ينتظرون أذان المغرب كي يفطروا عندما التهمتهم قذيفة
جاء العيد وهي وحيدة في المشفى،زارها أصدقاؤها في المدرسة برفقة بعض
متبرع ما من خارججلدية متشابهة ّقدمها ّّ معلماتهم،جميعهم كانوا يلبسون أحذية
ّ
الخاص لألحذية. فلسطين في شحنة كبيرة أرسلها هبة من مصنعه
حصتها من هدية العيد،لم تعد عندها قدمان لتلبس حذاؤها كان إلى جانب رأسها،هو ّ
14
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
ّ
هديتها.
ّ
شعر أصدقاؤها بالذنب وهم يختالون أمامها بأحذيتهم الجديدة،وهي كسيرة الخاطر دون
قدمين.
ُ ً ّ
في اليوم الثاني من العيد جاءوا جميعا لزيارتها حفاة األقدام دون أحذية جديدة تختال
بفخر في عيدها الحزين.
إصابة هدف
ّ ال ّ
يحب ممارسة لعبة كرة القدم،ولكنه ينصاع لمراقبة إخوانه وأبناء عمومتهم وأترابهم
الصغيرة في المدينة القديمة المتوارية خلف البيوت ّ
والسراديب الساحة ّ يلعبونها في تلك ّ
ّ
األثرية.
وعد ّأمه بأن يعود إلى البيت قبل الغروب،ولكن الغروب هبط على حين ّغرة على المكان
ّ ّ للبر بوعده ّ ً
راكضا ّ دون أن ّ
يخيم الظالم. ألمه،ويغادره ليعود إلى بيته،قبل أن يخف
ّ ّ
عب،ويحددوا استمهله األتراب واألقارب واألصدقاء كي ينهوا الجولة األخيرة من الل
الفائز وفق ّالنتيجة ّالن ّ
هائية.
ً
تمر ّالدقائق األخيرة سريعا كي ُي ّحقق الهدف الفيصل،فيعود يتمنى من أعماق قلبه أن ّ كان ّ
ّ سريعا إلى بيته قبل أن تغضب والدته ّ ً
عليه.الدقائق مضت الم ّتفق
لتأخره عن موعد العودة ُ
ّ ّ ثقيلة إلى أن ّقرر العدو ّ
الصهيونيّ أن يدخل اللعبة في اللحظات األخيرة من جوالتها،لقد
ً ّ
الساحة من صاروخا شلع ّ دخل اللعبة دون استئذان،وأصاب الهدف ّالنهائي،لقد أطلق
الصغار الذين لن يوافوا انتظار والداتهم في الميعاد،ولن ّ
مكانها،وفتك بأجساد الالعبين ّ
ّ
يعودوا إلى بيوتهم قبل حلول الظالم.
اغتصاب
محرمة على أهلها بقرار صهيونيّ عرفي ّ
ّ،ولكنها على ّالرغم من ذلك األحالم في فلسطين ّ
15
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
16
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
ّ ّ
ّ
تقنعهن ْ
عجزت عن أن لباسهن،إال ّأنها ّ
ألوانهن المميزة في تجبرهن على أن يلزمن ّ هي
ّ ً المرة،إذ ّ
بذلك في هذه ّ
صممن على أن يبتعن أثوابا متشابهة ذات لون واحد،وهو اللون
خالهن (إبراهيم) الذي سيكون بعد ّ األبيض،ليلبسن هذه األثواب المتشابهة في زفاف
عيد الفطر المبارك.
األم (باسلة) إلى أن تستسلم لرغبتهن الجامحة التي ال تستطيع أن اضطرت ّ ّ
إصرارهن ّ أمام
ضدها في سبيل تحقيق هذه ّالرغبة. تصمد أمام رفضها ما دمن قد تحالفن ّ
وهن مرتدياتخلعها،وصممن على أن يعدن إلى البيت ّ
ّ لهن األثواب التي رفضن اشترت ّ
أترابهن من بنات الجيران واألقارب،فاستسلمت ّ ّ ً ً ّ
األم أثوابهن فرحا واختياال بها أمام
ّ
المسيطرة،وتركتهن عهدة عند عاملة البيع في متجر المالبس حتى من جديد لرغبتهن
ّ ّ السوق المجاور،وتعود مسرعة ّ تشتري بعض الخضار من ّ
لتصحبهن إلى البيت،إال إليهن
انهالت على سوق المالبس على حين ّغرة،فأحالته إلى جحيم مستعر. ْ ّ
صهيونية ّأن قذيفة
عادت (باسلة) مشدوهة إلى األرض المحروقة عن بكرة أبيها،وهي من كانت قبل دقائق ْ
ً ً ً
سوقا وبشرا وبضائع،لم تجد (باسلة) من بناتها سوى مزق مالبس كانت بيضاء،وخليطا
من لحم آدمي معجون من أجساد بناتها ّالتوائم األربع.
ْ
عجزت ّ - ّ ّ
ألول ّمرة في حياتها تلم اللحم المتناثر،وتحوشه في صدرها بعد أن شرعت
ّ ّ
-عن أن تميز بين بناتها التوائم األربع!
ّ
األم
ً ّ ً ً
جميعا ّ
؛يسميها حياتها،ولكنها على ّالرغم من ذلك ّأمهم هي لم تنجب طفال واحدا في
ّ ّ الجميع ّ
حياتها،ولكنها تعرف كل شيء عن (األم خضرة)،ال يعرفون الكثير عن
ّ ّ الص ّ حيواتهم،هي ّأم األسرى جميعهم في المعتقالت ّ
هيونية في فلسطين المحتلة،كل أسير
فلسطينيّ أو غير فلسطينيّ يقبع في معتقالت االحتالل يغدو ابنها خبط عشواء فور دخوله
ً
المعتقل،تقطع ّأيامها تدور من معتقل إلى آخر،وتزور أبناءها األسرى،وتظهر اهتماما
17
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ًّ
خاصا بأبنائها األسرى المقطوعين عن بالدهم وأهليهم بعد أن جاءوا إلى فلسطين ألجل
ّالدفاع عنها،هي ّأم األردنيّ الذي ترك مدرسته،وجاء ليدافع عن فلسطين،وهي أم األسير
يصلي في المسجد األقصى بعد أن ّ ّ
يتحرر بمشاركته،وهي أم العراقيّ الذي أقسم على أن
ً
األسير اليمنيّ الذي جاء يشارك في تحرير فلسطين إكراما ألخوال ابنه،وهي أم األسير
الجزائري الذي أقسم على أن يجاهد حتى تحرير فلسطين كما جاهد والده ّ
وجده لتحرير ّ
ّ
المصري الذي ترك عروسه،وجاء إلى ّ
الجزائري،وهي ّأم األسير بالدهم من المستعمر
ّ
فلسطين ليدافع عنها ألنها عروسه األجمل.
ّ
تعد األيام إلى حين خروجهم من معتقالتهم،وتتابع مع المحامين ومؤسسات متابعة هي ّ
مستجد ّ ّ ّ
يخصهم،وترسل ّالرسائل إلى أهل عائالتهم،وتكتب ّالرسائل قضايا األسرى كل
المزورة لهم إن لم يصلهم ٌرد لسبب ما من أهاليهم خارج فلسطين. ّ
السوق،وترفض والمتسوقين في ّ
ّ (األم خضرة) التي تقارع ّالتجار ّ
األسرى،إنها ّ ّإنها ّأم جميع
ّ ّ
والفواكه،فأي نقص في مربحها يعني أن يقل أن ُتساوم في أسعار بضائعها من الخضراوات
مخصص أحد أبنائها األسرى من عونها. ّ
(األم خضرة) دون فصال كي تطير بالمال إلى على الجميع أن يدفعوا األسعار التي تطلبها ّ
أبنائها األسرى.
األرجوحة
ّ
مستفز مستدع لها،وهي لطالما استرقت ّالنظر إلى تلك األرجوحة التي تتمايل بغنج
ً ٍ
تغوص في بركة من األعشاب الخضراء التي تنام تحت قدميها،راودتها نفسها كثيرا كي
ّ الص ّ تعبر األسالك ّ
الشائكة التي تحيط بالمستدمرةّ 1
هيونية كي تدلل نفسها ببعض المتعة
18
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
19
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ ّ ً
صهيونية. مكوما في مجنزرة جسده الذي غادر إلى البعيد
المحرقة
ينقضون على ذلك الفلسطينيّ المزارع العجوز وزوجته وحفيدته رآهم أجمعين ّ
الشائك الذي يفصل المستدمرة عن حقل الصغيرة،ويستفردون بهم شمال الحاجز ّ ّ
ً العجوز الفلسطيني ّ
ّ،ويمزقونهم إربا بالفؤوس،العجوز المسكين دافع عن زوجته وحفيدته
الصغيرة إلى أن فصل فأس ما رأسه عن جسده،وبتر فأس آخر في الوقت ذاته ّكفه عن ّ
جدتها وفؤوس تشبثت بحضن ّ الصغيرة التي ّ الضربات ّالناهشة عن حفيدته ّ يرد ّ يده وهو ّ
ّ ً الصهاينة ّ المستدمرين ّ
تمشط لحمها بدءا من الظهر.
عزل،لقدلقد رآهم يفعلون ذلك بدم بارد وبمتعة،ودون سبب خال االستمتاع بتعذيب بشر ّ
شاهد ّكل شيء ّبأم عينيه،ثم رآهم ينسحبون ّ
كالضباع الجبانة إلى أوكارهم في المستدمرة.
ًّ
حقيقيا على وجه والديه عندما تفاجآ برؤيته يرمقهما برهبة واستنكار،اقتربت لم َير استياء
المنجسة بدم األبرياء،ثم ثنته في حضنها على كره منه،وربتت على كتفه بيدها ّ ْ ّأمه
الصغير ْ
بها،وقالت له بحنان ممجوج« :حبيبي ّ ّ
اآلدمية الذي ال يليق ْ
منه،ولبست قناع
(ليفي)،أنت تعرف ّأننا نحن اليهود مستضعفون،ويجب أن ندافع عن أنفسنا». َ الجميل
ً
يرتل سفرا من أسفاره ّ ً
أردف أبوه قائال كمن ّ
المزورة« :لقد قتلونا هناك،نعم في المحرقة
ً
في ألمانيا قتلونا جميعا،يجب أن ننتقم من العالم بأسره بسبب ذلك».
ّ
المتوحشين،ودعا الله في ّ فل،وظل ّّ ّ
سره أن يرسل يحدق في وجهي والديه صمت الط
المتوحشين إلى جحيم ّأي محرقة ْ
كانت. ّ والديه
20
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
المعجزة
ً
ال يؤمن أبدا بالمعجزات منذ اعتاد على أن يرى الموت يقسم الوجوه البريئة،ويرتع في
والنضال ّ بالثورة ّّ
الصهيونيّ،يستطيع القول ّإن إصرار هذا ضد الكيان ّ هذه األرض المشعلة
ّ
المؤسسة الد ّ
ولية ليتبرع عبر ّ
حرر هو ما دفع به ّ ّ ّ
الشعب الفلسطينيّ على الحياة والنصر والت ّ ّ
السويد،ويأتي لمناطحة الموت واأللم في هذه التي ينتمي لها ليترك حياته المترفه في ّ
وقذرا مثل محطة مهجورة مسكونة باألرواح ّ ً ً
الشريرة. المستشفى الذي بات مزدحما
الصهيونيّ يستهدف المدنيين ّ يوما وليلة والقصف ّ ً
العزل من الفلسطينيين،أربعون أربعين
ّ
بالبشرية التي تغض الطرف ّ ّ ّ ً
عما يحدث في هذه البقعة من كوكب يوما وليلة علمته أن يكفر
ً
األرض،هنا رأى الموت يطلق العنان لنفسه دون رادع،ورأى البشر يواجهونه وجها لوجه
ّ
دون خوف،وتعلم ّأن الموت جبان وحقير يخطف الوجوه البريئة دون خجل.
ّ ّ
عينيه،وينكرها،ولكنه منذ بدأت الليالي األربعون الملعونة بالقصف،وهو يعاين المعجزة بأم
الشباب أم أكن صبايا أم في منتصف ّ الفلسطينيات ّكلها ّ
ّ ما عاد يطيق كفره بها،بطون ّالنساء
يتزوجن أو يمسسهن تعج بتوائم أربعة أو خمسة أو ستة،حتى ّالنساء ّاللواتي لم ّ في شرخه ّ
باألجنة المعلنة وجودها بحركات عنيفة صارخة. ّ ّ
أرحامهن بشر أو العواقر ّ
تحركت
األجنة جميعها تغادر األرحام لتكون طبيعية،وتكاد ّ ّ األحمال العجيبة تكبر بسرعة غير
ً
أطفاال تنزلق إلى ّالدنيا ّالدبقة لتكمل مسيرة النضال،الذين يموتون من الفلسطينيين
ّ
ثر،أما القادمون المقبلون من األرحام العجيبة فهم أكثر. ُك ّ
ّ
الفلسطينية بأن رحم المرأة ّ
انتهى،لكنه بات يؤمن اآلن ّ بأن زمن المعجزات قد ّإنه يؤمن ّ
معجزة قادرة على بعث الحياة.
ّ ّ
يقرر أن يتجاهل القصف والجرحى المنهالين عليه من كل حدب وصوب؛ليأخذ راحة
تكفيه ألن يشرع في القريب في توليد ّالنساء ذوات األحمال العجيبة،فهو يريد أن يكون
ّأول من يستقبل األطفال الفلسطينيين القادمين إلى ّالدنيا.
21
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ِتيه
ً
عاما ُمذ داهمت عصابات ّ
الصهاينة قريتهم في مضى على ِتيه ابنها أكثر من ثالثين
طولكرم،ونهبت ّكل ما فيها،وأمعنت فيها القتل والذبح ّ
والتشريد ّ
والتهجير،وفي ّ
حمى
ّ
تواريخ
ّ تؤرخ أزمانها ّ جدته ّ ّ
بالنكبات والمصائب،كلما أرادوا وهو وإخوته وأبناء عمومته أن
ُ
وفية ّالت ّعب ّدية التي تعيشها منذ سنوات منذ أستشهد يداعبوها،وأن يخرجوها من أجوائها ّ
الص ّ
ّ ً ابنها األوسط على أيدي ّ
ّ
كانت،لتؤرخها لهم عائلية ّأيا الصهاينة،يسألونها عن ّأي مناسبة
بمأساة من مآسي الفلسطينيين.
مرتبة وفق نكبات الفلسطينيين،يحاولون أن يتالعبوا بتأريخها األحداث جميعها في ذهنها ّ
المأساوي،فيختارون حدث والدة حفيدتهم األخيرة،ويسألونها متى كان ذلك؟ ّ
ْ ّ ًّ ً ّ
الوالدة،تصمت فلسطينيا مرتبطا بهذه تحدق في وجوههم،ال تستطيع أن تجد حدثا
ُ ً
قليال،ثم تبتسم لهم بأسى وانكسار،وتقول»:أنا أحفظ متى أستشهد أوالدي،وأنتم عليكم
أن تحفظوا متى ُولد أبناؤكم».
22
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
ثوب زفاف
لقد بلي ثوب زفافها لطول استلقائه المهزوم تارة على سريرها،وتارة في قاع حقيبة ّ
جلدية
عتيقة تنام فوق خزانة غرفتها.
ً
غسلته أكثر من ّمرة بعد أن ّاتسخ بالغبار وبأيدي الالمسين التي تغفو عليه فرحا بجماله
ّ ّ
لتقيسه،وتصبر نفسها بمرآه،وتعده بفرج قريب.وما أكثر ما األبيض الطاهر كلما لبسته
ّ ّ
ولية المشروخة ّالزوايا.
الط ّ والصديقات وأمام مرآتها تقيسه،وتختال به أمام القريبات
أشهر طويلة وثوب زفافها ينتظر،وال فرج يدنو منها ومنه كي تطير إلى زوجها مع وقف
ً
ّ
اإلسكندرية أو في القاهرة كي ّالتنفيذ بعد أن تعبر معبر رفح وصوال إلى أقرب مطار في
ّ ّ
تستقل ّأول طائرة ّ
اإلماراتية حيث يقطن زوجها ويعمل،وحيث قابلته تيمم نحو مدينة دبي
ألول ّمرة منذ سنوات عندما كانت في زيارة يتيمة ألختها المقيمة هناك برفقة زوجها ّ
ً
وأوالدها منذ عشرين عاما.
أشهرا طويلة حتى يستطيع أن يرسل أسرته من مدينة الخليل إلى ّ ً
مخيم احتاج زوجها
مهمة استكمال إجراءات غزة كي يخطبها،ثم يسند لوالده بتوكيل رسميّ ّ الشاطئ في ّ ّ
ّالزواج بها.
ّ ّ
بزوجها،لكن المعبر مغلق بشكل منذ تلك اللحظة هي تنتظر أن ُيفتح معبر رفح كي تلحق
ُ دائم منذ ّمدة طويلة،وهي لم تنجح في ّ
المرات القليلة التي فتح فيها في أن تجتازه.
ّ
الجلدية ْ
ة،وانتظرت دورها لتعبر المعبر برفقة حقيبتها لبست ثوب زفافها ألكثر من ّمر ْ
ّ ّ الوحيدة التي ّ
عرسها،ولكنها في كل ّمرة كانت تخفق في العبور تكدس فيها جهاز
وتكتم لبكاء ثوب السمع على استحياء ّ المبتغى،فتعود أدراجها كسيفة حزينة ترهف ّ
تزوجته مع إيقاف زفافها الذي يحلم منذ زمن طويل بأن يطير إلى حضن ّالرجل الذي ّ
ّالتنفيذ على ّذمة معبر ساجن ال يفتح أبوابه حتى لثوب زفاف حزين!
23
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ
حفار قبور
ّ
متخصص في علم حفار القبور)،هو مهندس الصهيونيّ( ّ
يسميه العدو ّ
يفخر بوالده الذي ّ
خصص لو كانت الفرص أهم علماء العالم في هذا ّالت ّ
االتصاالت،كان يمكن أن يكون من ّ ّ
الصهيونيّ. عدوه ّ
ضد ّمتاحة أمامه بعدالة،ولم يكن أسير نضال موصول ّ
أهم أنظمة تفجير القنابل عن بعد ،فقد رجليه في إحدى غارات ّ
العدو على والده ّ
يصمم ّ
تفرغ لقبر اليهود،فهو يصنع كمائن لهم مقر نضاله،فنجا من الموت بأعجوبة،من يومها ّ ّ
ً ّ
تحول األرض جحيما تحت أقدامهم،وتدفنهم في أماكنهم.
ّ ّ ً يصمم على أن يناديه أترابه بلقب (ابن ّ
ّ
حفار القبور) فخرا بأبيه،وكلما سمعهم يعظمونه
ّ ّ
بهذا اللقب تذكر كم هو مشتاق لرؤية والده الذي لم يره منذ أكثر من عام؛فهو مشغول
بحفر القبور للجنود ّ
الصهاينة.
القزم
ً ّ متقزم ّ
ُولد (صالح) بجسد ّ
حد االختفاء،فأسموه القزم (صالح)،لم يحظ يوما باهتمام أو
إعجاب أو عشق بسبب جسده القزم الذي يسجن فيه روحه العمالقة.
ّ
ما كانت تعنيه األعين المزدرية أو قلوب الجميالت التي ال تطرق بابه،إنما عناه أن يعيش
ً ًّ ًّ
فلسطينيا،وأن يموت شهيدا بعد عمر طويل من ّالنضال المستأسد. فدائيا
ّ لكن ّ
ّ
الشهادة طرقت بابه مبكرة مستعجلة االستحواذ عليه،لقد سمع طرقاتها على بوابة
حساسة.صهيونية ّ
ّ روحه في تلك ّالليلة التي كانوا ينفذون فيها ّ
عملية ّ
فدائية ضد مواقع
ّ ً
كان فردا في جماعة يرأسها صديقهم المناضل (أبو ّالنور)،ما كان يتوقع أحد أن تغتاله
قنبلة ّ
أرضيه مكافحة لألفراد،فتبتر قدميه بزفرة واحدة منها.
حاول رفاقه في المجموعة أن يحملوه على أكتافهم ليهربوا به،لكن ذلك يعني تعطيل
واحد منهم على األقل،وإعاقته عن الهرب في الوقت المناسب،وإيقاعه في أيدي جنود
24
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
الكنعانيّ
الصهاينة منعوه من أن يمارس متعته الكبرى في الحياة،وهي تدريس ّالتاريخ الفلسطينيّ ّ
ّ
متعته،وشردوا طلبته بعد أن قتلوا ألبناء شعبه،وهدموا المدرسة التي كانت معبد
ّ ّ ً طالبه(سعد) الذي كان ّ
يسمي نفسه بـالكنعانيّ فخرا بأصوله،ويسمي الصهاينة بالمسوخ.
الشرعي في سدانة كان طالبه ّالنجيب األثير الذي يحفظ ّكل كلمة ّ
يدرسها له،كان وريثه ّ
ّالتاريخ الفلسطينيّ.
ّ ّقرر أن ينتقم لطلبته ّ
الشهداء،خطط مع جماعة من الفدائيين الفلسطينيين كي يحرق
ّ ّ ًّ ً
صعبة؛ألنها تستدعي تجاوز حصونهم عسكريا للمسوخ،الخطة كانت معسكرا
والتدارس حتى استطاع أن يصل وفريقه ّ
وحرسهم،لكنه عكف نفسه على حسن ّالتدبير ّ
إلى الهدف.
ّ ً ً
راقبهم من خفاء،لم يكن فيهم وجها واحدا شمسيّ مثل وجه طالبه الكنعانيّ،فجر
يطهر ّ
بالنار ّأي المكان بهم،فاستعرت ّالنار تأكلهم،شعر ّ
بالرضا كما يشعر الكنعانيّ عندما ّ
25
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
خائن
الصهيونيّ لمواجهة الفلسطينيين الغاضبين بسبب ال يعرف لماذا يدفعه قائده في الجيش ّ
ّ
الفلسطينية مصادرة أراضيهم من قبل كيانهم الملعون،يقول قائده له ّإنه بحكم أصوله
أفضل،لكنه يعلم من أعماقه ّأنهم يرسلونه إليهم ّ
ألنهم ال ّ قادر على ّالتفاهم معهم بشكل
يبالون حقيقة بأن يقتله الفلسطينيون الغاضبون مادام منهم ومن جلدتهم،وإن انسلخ عن
ّ
أصله،وتعرى من عوده.
ّ ً
فلسطينية على امتداد الجبل الذي تقع فيه بيوت أسرته ومزارعهم،كان اليوم صادروا أرضا
يعرف ّكل وجه من الوجوه التي ّ
تصدى لها ّليردها عن أراضيهم المصادرة.
وكأنهم ال يعرفونه،لم يجرؤ على أن ينطق كلمة واحدةلم يناده ٌّأي منهم باسمه،تجاهلوه ّ
ً ً بالعربي ّ
ّ
ة،شجوا رأسه بحجر،فهرب منهم ال يطيق صبرا في المكان،كان يجري محاوال أن
ً يطأ األرض ّ
لفظته،وتبر ْأت منه.
ّ بخفة؛إذ كان يعلم ّأن األرض أيضا قد
حليب سباع
ّ
الفلسطينيات؛لقد لم يشرب حليب سباع ليكون بمثل هذه الجرأة،بل شرب حليب ّالنساء
ّ ْ ُ
ستشهدت ّأمه وهو رضيع،فتولت نساء الحارة التي يسكن فيها أمر رعايته وغمره أ
ّ ّ ًّ ً ً
قويا أنوفا يقول لكل نساء بحنانهن،وتقاسمن جميعا فرح إرضاعه وإروائه حتى شب
الحارة يا ّأمي،ويناديه صبيتها وصبيانها بأخي.
ّ ً ً رضع ّ
الشجاعة منهن جميعا،وحمل مدفع (آر بي جي)،ليصبح صقرا يصيد به بغاث الطير
ّ
ّ،وكلهم بغاث طير كما تراهم عيناه ّ من الجيش ّ
الصقريتان. الصهيوني
الصهاينة صورة له على الواجهات في المدينة كتبوا عليها إلرهابه وتحطيمعلق الجنود ّ
26
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
27
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
رحيل
ً
منذ ُه ّجر الكثير من الفلسطينيين قسرا عن وطنهم في عام ،1948وهو يقول ألبنائه
ً
وحفدته »:أنا ال أخرج من وطني أبدا،أنا أموت فيه،وال أخرج منه»،وكلما كان ّيردد هذه
جدتهم تقول »:وأنا أموت مع ّ يرددها،كانت ّ ً
الجملة،وكثيرا ما كان ّ
جدكم حيث يموت،وال
أبدا».كان األبناء والحفدة يضحكون عندما يسمعون كالم ّ ً
الجدين العجوزين أفارقه
ّ
العاشقين،ويطلبون منهما أن يرويا لهم من جديد قصة عشقهما وزواجهما التي يعرفها
ّ ً
احتمالية تهجيرهم من أرضهم األقارب والجيران،ويضربون صفحا عن الخوض في
ً
تشاؤما من حديث كهذا.
ً لكن ّ
الشؤم أصابهم سريعا،وجاء عام ،1967ووجدوا أنفسهم ُيطردون من وطنهم بعد
ّ
أن ُج ّردوا من كل شيء،خرجوا حفاة معدمين تاركين وراءهم البيوت والمواشي واألرض
المكدسة بحصاد جهدهم،تناوب ّالرجال األقوياء منهم على ّ الحبلى بثمارها والخوابي
ً ً الجدين إذ كانا عاجزين عن ّ حمل ّ
السير هرما ومرضا.
ّ ً رفض ّ
الجدان أن ُيحمال بعيدا عن وطنهما،وأقسما على أوالدهم وحفدتهم أن يخلوهم
وشأنهم،وأن يذهبوا دونهم في حال سبيلهم،لكن اآلذان لم تصغ لهما،وحملتهما عنوة في
ّ ِ ّ ّ
حيل،احتجا ّبشدة على حملهم دون رغبتهم،ظل طوال الطريق يقسمون على ّ طريق ّالر
ُ ّ
وطنهما،ولكنهما صمتا عن االحتجاج قريب حدود الوطن،عندما الجميع أن يتركوهما في
خطوات من الخروج ّ
تفقد الحاملون سبب صمت الجدين وجدوهما قد فارقا الحياة قبل ّ
ٍ
رؤوسهم،وقرروا أن يعودوا من حيث أتوا يحملون ّ
الجدين ّ من أرضهم،طأطأوا جميعهم
ّ ّ
المتوفين ليدفنوهما في أرضهما مهما كلفهم ذلك.
28
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
تعويض
يحص خسائره
ِ غزة عن ّالدمار الذي لحق بهم،لم سمع خرافة اسمها تعويض أهل ّ
ً المالية،وال راعه الجرح الكبير في فخذه،وال ّ
ّ
تفقد حطام بيته وبيوت إخوته ليحصي أثاثا
غزة الذي يعشقه،أسبوع كامل أمضاه سوي باألرض،بل ّ
عجل إلى بحر ّ قد دثر أو بناء قد ّ
يصنع تماثيل من رمل البحر على هيئة من فقدهم من أهله.
ُ في صباح اليوم ّالثامن ّ
أتم صناعة حشد من تماثيله ّ
الرم ّلية التي تجسد من فقد من أسرته.
ّ
ّ
أجمعين.هيا عوضوني عن خسارة أولئك ّقبل تماثيله بإجالل،وصرخ بحسرة« :هيا ّ
أعيدوا الحياة لهم،فهذا هو تعويضي الوحيد عن خسارتهم».
َ ْ
حشر
ّ ّ
هيونية التي ُتدشن ّللتو على رفات أرضه بعد مصادرتها كلها،لم
الص ّ يتأمل المستدمرة ّ يقف ّ
عكازه المصنوع من إحدى جذوع شجراته ّ ّ
الشهيدة. يتركوا له من أرضه سوى
كدس في قوالب من اإلسمنت فوق أرضه،من مكانه هنا من أرتال من ّاللحم ّ
الصهيونيّ ُت ّ
ّ
أعلى ّالتلة يستطيع أن يكشف فضاء المستدمرة بشكل كامل،يحصي عدد البيوت فيها
على عجل دون اهتمام.
ّ ّ
تهمس له حفيدته بانزعاج»:إنهم كثر يا جدي.أليس كذلك؟».
ً يجيبها ّ
جدها وهو ال يزال يحصي عدد البيوت في المستدمرة« :يجب أن يأتوا جميعا إلى
هنا يا صغيرتي،في هذه األرض سيحشرون في طريقهم إلى ّ
جهنم».
ُْ
عقم
ً ً ْ
لحرصت على أن تعشقه فخرا به وإعجابا بنبله واستهانته بالموت ؛فهو لو لم تعشقه
بالكوفية الفلسطينيةّ
ّ ّ
ليس ّالرجل الذي ُولد حقيقة من أحالمها،بل هو الفارس الملثم
تزوجته؛فقد أرادت أن تنجب منه الذي ال يقبل حكم ّالنذل ّ
الصهيونيّ به وبشعبه،ولذلك ّ
29
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ْ
بالفدائيين،جهدت كي تحمل منه لتنسل منها ومن حبيبها تمد وطنهادون توقف كي ّ
ّ ّ ً
تنجب،األطباء أكدوا لها عجزها عن اكتشفت ّأنها عقيم ال
ْ ّ
رين،لكنه أبطاال ّ
محر ّالزوج
ّ
ّ
ائمة،لكنها تريد أن اإلنجاب،والسنين العجفاء الممحلة صكت آمالها بخيبة األمل ّالد
ّ
ّ ْ
لوطنه،خطبت له إحدى قريباتها لتكون زوجته الثانية ينجب زوجها الحبيب فدائيين
له،شد ْت حرائق غيرتها على صدرها لتكتوي بها بصمت ّ عجزت عن منحهْ التي تهبه ما
الصغار حتى ولو كانوا من امرأة غيرها. وسرية،وأخذت تنتظر والدة الفدائبين ّ ّ
كنيسة
كانوا في طريق عودتهم إلى بيوتهم بعد االنتهاء من صالة الجمعة في المسجد
ً ُ
األقصى،يعرفون ّأن أسرهم في انتظارهم ليتناولوا معهم طعام الغداء طقسا من طقوس
ّ ّ
األسري في غداء يوم الجمعة،كانوا يغذون الخطى إلى بيوتهم عندما هاجمهم اللقاء
ً الجنود ّ
الصهاينة،فدفعوهم جميعا في درب كنيسة القيامة التي فتحت أبوابها لهم كي
ّ
فلسطينية قلبها نصفه فلسطينيّ ونصفه اآلخر مسلم. يختبئوا فيها؛فهي كنيسة
ّ ّ صمم على أن يحمي المسلمين المحتمين ّ كاهن الكنيسة ّ
بالرب فيها،لكن الطلقات
ّ ً
جميعا،الجنود ّ هيونية ّ
الص ّ ّ
الصهاينة أطلقوا نيرانهم على كل من صممت على أن تغتالهم
ً ّ ً ّ ّ
متوحدا في لحظة إراقته أرضا،دم فيها،الدم الفلسطينيّ ظل اعتصم بالكنيسة أو كان
ًّ ً
فلسطينيّ واحد في كنيسة تحضن مسلما ومسيحيا.
ّ ً وحمل ّ رحل الجنود ّ
الصهاينة ُ
الشهداء الفلسطينيون بعيدا عنها،وظلت الكنيسة مشرعة
حضنها لالئذين بها .
30
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
دواء
ّ
حظر ّالتجول مفروض على مدينة ِجنين بأسرها منذ أكثر من شهر،نفد الطعام والماء
ّ ّ
والدواء،وما استسلم الفلسطينيون المحاصرون،وال وشوا بمكان الثوار الفلسطينيين
المحتمين بهم.
ّ ّ ً
هو طفل في الخامسة من عمره،وال يفهم تماما ما يدور حوله،ولكنه يعرف أن دواء ّأمه
ْ ً ّ ّ
بقيت يوما آخر دونه فسوف يستمر في القرع،وإن نفد،وأنه دواء مهم يكفل لقلبها أن قد
ّ تموت،ويعرف كذلك أن ال أحد يستطيع أن يخرق حظر ّالت ّ
جول وإال تناوشته ّالرصاصات
تعلق األمر ّ ّ ّ ً ً
بأمه. بجسده،ولكنه ال يخاف الموت إن تخريقا وفتكا
ّ الجلدي ّ
ّ بسر ية ّ يدس علبة دواء ّأمه في جيبه ّّ
الصغير،يتعلق بمزالج وتكتم،وينتعل حذاءه
الشارع مباشرة. رتاج البيت،ويفتحه،فيدلف إلى ّ
بتخوف من صهيونية ترقبه ّ ّ ّ
صهيونية،عيون في لحظات قليلة تحاصره ثالث ّدبابات
ّ
المخرب بيتك ّأيها عرجاء»:عد إلى َ ُ جندي صهيونيّ ّ
بعربية ّ خلف دروع واقية،يصرخ به
الصغير». ّ
الصغيرة التي ّ سريعا في يده ّ ً ّ يستجمع ّ
تمتد إلى جيب الصغير شجاعته التي تتدفق
ّ
بنطاله،وتخرج علبة دواء فارغة،ويقول بنبرة كلها عزم وإصرار طفوليّ غير قابل
ً للكسر»:يجب أن أذهب إلحضار ّالدواء ّ
ألمي كي ال تموت مرضا».
العدو ّ
الصهيونيّ يخطو خطوة جريئة في دربه دون أن يلوي وراءه،ويعلو صوت رصاص ّ
ّ
الذي يتسابق للوصول إليه ليغتال عزمه الطفوليّ،تدركه ّالرصاصات جميعها في آن في
ً ّ
الصغيرة تأبي أن تفلت علبة ّالدواء الفارغة. أرضا،ويده ّ خطوته الثانية،فينهار
31
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
رجال
الصهيونيّ،وتضربه بنعلها عندما حاول منعها من ّالدخول إلى الجندي ّ
ّ كانت ّ
تسب
ْ
بقوة،فكادت تقع الصهيونيّ بلغة ّ
عربية،ودفعها إلى الخلف الجندي ّ
ّ قريتها،نهرها
ّ ً مجند في صفوف ّ ّ ْ
،أدركت من سحنته ولكنته أنه خائن عربيّ ّ ً
العدو.أمرها متنمرا أن أرضا
ّ ً
بعيدا عن الجنود ّالرجال إلى حين تفتيشها من ق َبل ّ
صهيونية. مجندة ِ تقف
ّ ّ ّ ّ
ابتسمت المرأة الفلسطينية باستهزاء،وحدقت في عينيه متحدية،وسألته بتقزز « :أين هم
ّالرجال؟»
نضال
يحرر فلسطين من ّ
الصهاينة يعرف في الحياة إرادة واحدة تسكنه،وهي ّأنه يريد أن ّ
ّ
والفكري يسميهم أوالد الحرام.ال يفهم الكثير حول ّالتنظير والجدل ّ
السياسيّ الذين ّ
ّ
في قضيته،وال يريد أن يعرف ّأي شيء عن ذلك،هو يختصر الفكر كله في جملة
واحدة»:سأحارب أوالد الحرام حتى يخرجوا كالكالب من وطني فلسطين أو يموتوا
فيها».
ً
لم يمارس في حياته شيئا سوى القتال ألجل فلسطين،أشغله ذلك عن ّالزواج والعمل
ً والحلم،بل أشغله عن نفسه وعن الهرم إلى ّأن أدرك الموت في ّ
عملية ّ
فدائية نسفت جنودا
ً ً
ومعسكرا،في آخر لحظة له في الحياة قبل أن يسكن للموت ّ
حدث نفسه بسعادة قائال»:
لقد حاربتهم حتى ماتوا فيها».
ّ
حالة خاصة
ً منذ والدته يعاني من إعاقات ّ
متعددة جعلته عاجزا عن ّالنطق،وتأخر عقله جعله يعيش
كطائر طاهر في دنيا الخيال واألحالم،ال يعرف من دنياه سوى ّأمه وأخيه ّ
الصغير األصغر
توان.
الذي يعتني به دون ٍ
32
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
حياته،وطوفت به على ّ
األطباء ّ تمنت ّأمه أن تسمعه ينطق كلمة واحدة في لطالما ّ
والمستشفيات المتاحة على أمل تحقيق هذا األمل الهارب نحو االستحالة.
الصهيونيّ لم يعفه من ّالنار والحديد يصبها على ّأم رأسه طالما ّأنه طائر مالك
القصف ّ
ً ً ً ّ يعاني من إعاقات ّ
متعددة،وال يشكل خطرا عليهم أو أمال أو مكسبا ألهله وشعبه.
الشهداء إلى أن ْ ً
مفقودا في عداد ّ ً ّ
عثرت جراء القصف،ظل ّأياما
سقف بيته وقع على رأسه ّ
ّ ً
ّأمه عليه منزويا في سرير ملطخ بالموت في إحدى مستشفيات المدينة.
لته،وركزت رأسه بصدرها المعرورق الفائض بالحزن والقلق،ابتسم لها،ونطق ّ
حضنته،وقب ّ
والزائرين« :فلسطين».كلمة واحدة ال غير خطفها من ألسنة الجرحى والمسعفين ّ
ابن ّأمه
والصوت ّالرخيم القادر على إنطاق الحجر إن ّغنى أو
والشكل ّ هو ابن ّأمه في المالمح ّ
ضد احتالل وطنه.والنضال ّ حب فلسطين ّ ّ
الكريم،لكنه ليس ابنها في ّ ترنم أو تال القرآن ّ
ًّ ً ّ ّ
شابا يافعا.دللته على قدر هو وحيدها الذي قطعت عمرها في تربيته بعد موت زوجها
الموسع المترف،وهي األرملة الفقيرة المعدمة،حتى غدا لقبه (ابن ّأمه) لرخاء العيش
الذي يحياه في كنفها.
ّ ّ
قبلت منه كل تقصير وتقاعس وكسل وإهمال وتواكل عليها،إال أن يخون وطنه فلسطين،
ً ً
فهذا كفر ال تقبل به.ال تعرف كيف ومتى وأين ولماذا أصبح عميال رخيصا لصغار الجنود
بالدليل اليقين ّأنه كان الواشي اآلثم بفدائيين من عائلتهم،وهو من
هاينة،لكنها تعلم ّ
ّ الص ّ
تسبب في قتلهم على حين غدر وخيانة. ّ
اآلن تعلم علم اليقين ّأنه سيشي بالكثيرين من الفدائيين الفلسطينيين اآلخرين،وهو
المطلع على نشاط الكثير منهم بحكم قربه منهم ّ ّ
ألن ّأمه واحدة منهم.هو اآلن في نظرها
تصمم على الحياة ّ ً
مقصوفا من سنديانة عمالقة طاهرة ّ ً ً ً
والتغلغل قد بات فرعا ّميتا نجسا
في األرض.
33
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ْ
عمرها.أبلغت عنه آن الوقت لبتر هذا الغصن ّالنخر على ّالرغم من ّأنه ثمرة قلبها وحصاد
فدائيي المنطقة كي يقنصوا رأسه الخائن،وطلبت منهم أن يفعلوا ذلك هناك في الجبل كي
ً ً
ال تراه مشبوحا أمامها مسربال بعاره وخيانته.
ْ الطويل آمنة راضية بما ْ ّ ْ ّ ّ
،ونسيت ّأن فعلت العشاء،ونامت ليلها في الليلة المقصلة صلت
خائنا سترحل روحه هذا المساء إلى الجحيم ّ ً ّ ً ً
ألنه ليس ابن ّأمه. لها ابنا مدلال
ابتسامة
بتيبس على ابتسامة حياته،فغدت عضالته وجهه منكمشة ّ ْ لم تفارقه االبتسامة طوال
عريضة قادرة على ابتالع أعظم حزن وألم وحرمان وخيبة أمل.
استطاعت أن تبتلع ذكرى مشاهد اإلبادة في مخيم (صبرا وشاتيال)،وأن تدفن ْ ابتسامته
ّ
دموعه في أعماق نفسه وهو يرى أسرته أشالء لحم محروقة تتعفن في شوارع المخيم
ّ
الذي داسه الموت بكل جرأة ووقاحة.ابتسامته منعت األكف الحانية من أن تداعب
ّ ً بجديته وانضباطه عندما ّ شككت ّ ّ
متطوعا تقدم يتمه،وأن تستجدي اإلحسان إليه،كما
ّ ّ
الفدائيين،ولكنها في النهاية أصبحت عالمته المميزة ّالرافضة ألن لالنضمام في صفوف
ّ
فلسطينية. يرى أحد دمعة في عيون
ّ ّ
اآلن ابتسامته تبدو أكبر وهو يطارد الموت المذعور منه،ويمد يده إلى فتيل الحزام الناسف
حد التقيؤ بالجنود ّ
الصهاينة الليلي المحتشد ّ ليمحو عن وجه البسيطة هذا المرقص ّ
غزة،تتسع ابتسامتهفلسطينية في قطاع ّ
ّ الذين قادوا منذ أيام عاصفة إبادة لمدرسة أطفال
ّ
أكثر،ويشد الفتيل،ويعلو شهيق الموت،وال تفارقه ابتسامة ّالرضا.
جبال
الجبال الجرداء البعيدة ترى المستدمرين ّ
الصهاينة يسعون نحوها،هم يريدون في غفلة من
34
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
والسواحل أن يضعوا أيديهم عليها،وأن يبنواالسفوح والمدن والقرى ّ أهلها الذين يسكنون ّ
ّ
ّ
يل،تقرر عليها مستدمرات جديدة،الجبال وحدها من تراهم يعدون ّباتجاهها في جنح الل
ّ
الجبال،فتزل عنها أقدام ّ ّ
الصهاينة الفلسطينيين،ترتج أن ال تحمل على قممها سوى أهلها
ّ
السموات واألرضين قائلة»:يا سامعين الصوت!» وآلياتهم،وتزعق زعقة تزلزل ّ
ّ
ً ّ
والولد
ِ األهل بعض ،يحملون سريعا جبالهم،يلبونها فيسمع الفلسطينيون استغاثة
الصهاينةوقليل المتاع،ويهرعون يسكنون أعالي الجبال قبل أن يستولي المستدمرون ّ
ّ ّ
األصلية. عليها،ويخلفون الباقين من أهليهم في بيوتهم
ً ّ
تتحصن أعالي الجبال بأبنائها ّ
الملبين الستغاثتها،وتعود إلى وقارها وهدوئها اطمئنانا
بوجودهم معها.
خيانة
ّ ّ يفرح نفسه ّ
قود،والتلذذ بعد ّالن ّ
خيانته،ويدس المال في جيبه،وال ّ ّ
ألول ّمرة يقبض ثمن
للمال،ويخدر ضميره،وينسيه لقب ّ بمداعبتها،وشم رائحة صنانها الذي ّ
يهيج نهمه ّ
(الغضيب) الذي تنعته ّأمه به بسبب خيانته لوطنه،وتحالفه مع أعدائها.
المرة؛فهو سوف يصليه ّالنار بعد ساعات سيان عنده إن نقص ثمن خيانته أم زاد في هذه ّ
لتتحسس المال في جيبه كما هي عادته،وال يخشى أن ينكشف ّ قليلة،ال ّ
يمد يده
أمره،فيسارع الفدائيون الفلسطينيون لذبحه مثل َم ْن ذبحوا قبله من خونة شعبهم.
ال يريد أن يموت تحت أقدام الفلسطينيين،وال يريد أن ُيشنق على زيتونة لتنهشه
ّ ّ ّ
راث.
باك له أو ٍ الطيور،وال يريد أن يتعفن في ساحات الحي بعد حز رقبته دون ٍ
ّ
أجمعين،أمه يغير أقداره رغم أنوف العالمينلقد ّقرر أن يموت كما يريد،اآلن يريد أن ّ
تراه؛ألنه خائن.لم يجرؤ على أن يحضر ّ ماتت قبل ّأيام،وهي غاضبة عليه،رافضة أن
بار؛فهو الخائن الممجوج ّ
عزاءها،أو أن يحمل في نعشها،أو أن يرافقها إلى قبرها كأي ابن ٍ
الذي تتصيده عيون الفدائيين الفلسطينيين لتصيد رأسه ّالرخيص بطلقة واحدة ال غير.
35
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
36
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
َ
ز ْرع
جرفوا أرضها بعد حرق محصولها لهذا العام،وأطلقوا الخنازير ّ
البرية على مزارع ّ
ّ العنب،وفي آخر المطاف ّ
جففوا بئر المياه التي تسقي زرعها منها.لقد استغلوا ّأنها
فلسطينية وحيدة بينهم،وهم من يسيطرون على المزارع المحيطة بمزرعتها بعد أن ّ
ً
صادروها من أهلها الفلسطينيين.هي وحدها بين أولئك الوحوش،قتلوا أبناءها تباعا على
تراب هذه المزارع وهم يزرعونها.
ْ
ة،زرعت من جديد ّ ّ ً
تماما ّ
،ولكنها ظلت ّ
السنابل التي خلعوها من قوي اآلن غدت وحيدة
ّ
فيها،فتفتقت جميعها عن فلسطينيين ّزراع ّهبوا جميعهم لنجدتها وعونها أرضها،ونفخت
وزراعة أرضها من جديد.
زهايمر
المستمر لم تستطع أن تزحزحه قيد أنملة عن إيمانه العميقّ ستون سنة من ّالنضال
كا بأرضه،لم ّ ّ ً ّ
يفت في عضد عزيمته تآمر العالم بحقه،لم تمض ليلة لم يناضل فيها متمس
ّ الصهيوني ّ ّكله مع ّ
عدوه ّ
ّ،أما هذا المرض اللعين الذي اسمه(زهايمر) فهو ما يخشى أن
ّ
يأكل ذاكرته،فال يتذكر حدود أرضه ومساحتها،وال يعرف عدد األشجار المزروعة فيها
يستمر في متابعة القضايا التي رفعها ضد المستوطنين ّ
الصهاينة ّ ونوعها،فال يستطيع أن
الش ّ ّ
الذين وضعوا أيديهم بقوة الظلم واالستبداد على األجزاء ّ
مالية من أرضه.هل (زهايمر)
هو مرض صهيونيّ؟ سوف يأكل ذاكرته كما أكل من قبل ذاكرة الكثير من البشر؟!
ّ يقرر ّأن خير طريقة للهجوم هي ّالدفاع،يشرع ّ ّ
يسجل في سجل كبير كل صغيرة وكبيرة
أعد له ّ ّ
ه،ويتربص بمرضه اللعين وقد ّ
ّ تذكرها عن أرضه ووطنه ونضاله ّ ّ
عدة وعدو يعنيه
االنتصار عليه.
37
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
بنطال العيد
ً ً ّ
بقرار طفوليّ قطعيّ ال يقبل الطعن أو ّالرد أو االستئناف ّقرر ّأنه يريد بنطاال ّكت ّانيا أسود
ّ ً
المتربص خلف األبواب. جديدا يلبسه في العيد
ً
لم يجد األب محيصا من أن يستسلم لهذا القرار ما دام ابنه الوحيد المشتهى الذي جاءه
قالت ّزوجته له بنبرة ّ
متوسلة بعد طول انتظار قد قضى به بحزم وإصرار السيما بعد أن ْ
إال لألطفال ّ ّ ذليلة»:اجبر بخاطر هذا ّ
ْ
الصغار أمثاله». الصغير.مالبس العيد ليست
ّ ّ
صمم االبن المدلل على أن يرافق أباه إلى العمل كي يضمن أن يشتري له البنطال الحلم
بعد أن ينتهي من عمله المضني في قطف جنى المحاصيل من الحقول التي اغتصبها
ّ
المحتلون ّ
الصهاينة من أهل قريته.
وعجز على حواجز ّالتفتيش واالنتظار كي يدخلًٍ بذل ّ ّ ّ
ألول مرة يرى االبن أباه األبي يتكوم ٍ
المناطق المستدمرة في وطنه كي يعمل ذليال في أرضه ليعود إلى بيته وزوجته وأطفاله
ً
حامال لهم قوت يومهم.
بذل منكود موصول ال يعرف راحة؛فال ُيسمح له بأن يستريح.راقبه طوال اليوم عمل األب ٍ
ّ ّ ّ
االبن بانكسار وشعور دفين بالذنب ينهش قلبه،ويعض روحه الصغيرة.
السوق استوقف والده الذي ينام ّكفه ّ
الصغير ّالناعم في في المساء في درب العودة إلى ّ
ّكفه الكبير الخشن ّالدامي،وقال له»:أبي،أرجوك ال تعد للعمل في تلك المزرعة،أنا ال أريد
ً
جديدا للعيد،لقد ُ ً
كبرت،والكبار ال يريدون مالبس جديدة للعيد». بنطاال
َ َ
حجر
ً
ينادي والده باسم (ديبو حبيبي)؛فهو مثل غيره من ّالناس يرى والده(ذياب) صغيرا في
ّ ً
وراعيا ّ ً ً سنينه ّ
األرملة.يتمتع عندما يحمله والده ألمه السبع عشرة على أن يكون زوجا وأبا
ّ
سحري. ّ
كتفيه،ويهزه كأمير يمتطي ظهر تنين على
38
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
يحرمه والده من حمله فوق كتفيه عندما يخرج ليرجم بحجارته الجنود ّ
الصهاينة في
مناوشات ال تنتهي معهم ليمنعهم من دخول الحارات القديمة أو لتأخير وصولهم إلى
مكان وجود فدائيين حتى يتيح الفرصة لهم للهرب من وجه أعدائهم دون أن ُيقبض عليهم.
ينتظر حتى يكبر حتى يستطيع أن يرافق (ديبو حبيبي) في واجب رجم ّ
الصهاينة بالحجارة
ً
والموت.لكن (ديبو حبيبي)لم ينتظره حتى يكبر؛فقد عاد محموال على األكتاف بعد أن
ّ
محتل وهو يرجم الجنود ّ
الصهاينة بالحجارة.كانت هناك ابتسامة كبيرة قنصه صهيونيّ
ّ
على وجهه وهو يغلق يده على الحجر األخير الذي لم تمهله الطلقات حتى يرجم به من
سرق أرضه.
ّ
منه،وخبأه في جيبه،وهمس أسرع إلى كف يمين والده،وفتحه على عجل،وأنتزع الحجر
ُ ً
كبرت،غدا سأخرج لرجم هذا الحجر في وجه الجنود في أذن والده ( »:ديبو حبيبي) لقد
ّ
الصهاينة».
زيتون
الصغير وهو يشرح له باهتمام مغزى أهمية ّالدفاع عن بستان األخ األكبر قال ألخيه ّ
ً ّ
الفلسطينية« :هذه األشجار ليست أشجارا ّالز يتون الذي يملكون في أعالي جبال جرزيم
ّ ّ
كما تبدو،كل شجرة تنمو على قبر فدائيّ،فكل فدائيّ عندما يموت يصبح شجرة زيتون».
الصغير نظرة عجلى في المكان،فأدرك ّأن بستانه هو ّ
جبانة عمالقة أجال األخ ّ
للفدائيين،شعر بفخر ّ
ألنه الموكل برعاية هذه القبور األشجار،وقال بنبرة وقورة موغلة ّ
مقدس؛فهو شجر الفدائيين الفلسطينيين». في اإلدراك« :ولذلك شجر ّالز يتون هو شجر ّ
شجرة
هيونية هاجمت على حين ّغرة أشجار ّالز يتون في حقل ّ
الحاجة الص ّ المدرعة ّ
الجرافات ّ
ّ
الحاجة ْ
استنجدت بأثيرتها ّ ّ
عناء،الشجرة الكبيرة العمالقة (فريزة)،خلعت الكثير منها بعد
39
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
الوليد
ُ
الحياة،ولد على المعبر الذي يفصلهم عن أقرب هذا الوليد جاء في يوم رحيل والده عن
ّ ّ ّ
مشفى،نزل من بطن ّأمه على إسفلت الشارع العموميّ بعد أن جره الطلق خارج رحمها
على كره منها،وهي تنتظر أن ُيسمح لها بأن تصل إلى المشفى.
السيارة األجرة التي يستقالنها للوصول إلى الصهاينة أخرجوها وزوجها من ّ الجنود ّ
أرضا إلذاللهما،هي ّ ً
تكومت بعجز على األرض المستشفى،وأجبروهما على أن يركعا
ً تكابد صعقات طلق ّ
تمزق لحمها،وزوجها رفض أن يركع أمامهم بذل،فأردوه قتيال
خطفت شعلة الحياة من صدره. ْ بطلقات ّ
نارية
غسلت الجدة محمولين على األكتاف؛األم ّ
الجدة ّ عاد األب واالبن الوليد إلى بيت األم ّ
ابنها،وحملته في نعشه ُليصار به إلى قبره ّ
الجنة،لم تحزن عليه،ولم ّتودعه بدمعة،بل ّودعته ّ
تحمم حفيدها الوليد وتطعمه،وتصلح شأنه،وتنتظره بابتسامة تليق ّبأم شهيد،وانكفأت ّ
الشهيد الذي قتله ّ
الصهاينة في يوم مولده. ليكبر كي يأخذ بثأر ابيه ّ
40
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
َ
ص َم ْم
ّ ً ّ ً صغيرا بضربة شمس،أعيا ّ ً أصابه ّ
صممه،ولكنه وتكهنا بعالج األطباء عالجا الصمم مذ كان
ّ ّ ّ
سمعه،وفضل الهدوء المطلق على صوت جعجعة الغرباء يسترد ظل أصم.لم يحلم بأن
يتمنى لو يستطيع أن يسمع صوت طفله ّ
الصغير فلسطين،لكنه كان ّ
ّ ونعيقهم في وطنه
ّ ّ
تميز بجميل ترتيله للقرآن الكريم،أراد برغبة متفجرة أن يسمعه يرتل القرآن ولو ّ
لمرة الذي ّ
الصمم حال دون تحقيق رغبته. واحدة في حياته،لكن ّ
ّ
ليسمعه،التفجير نفذ من تفجير كبير في باحة الحيّ ّهز أركان البيوت،فاخترق أذنه
أذنيه،وعبث بضلوع صدره،وشلع قلبه،اآلن عاد يسمع من جديد،لقد سمع صوت االنفجار
الصوت المالئكي في زاوية حفظ القرآن الكريم. الذي اغتال ابنه الوحيد ذا ّ
صيد
الصيد واألكل والبيع البحر اعتاد على كالمهم وترانيمهم وأحالمهم وطقوسهم في ّ
ً ّ
والشراء،حتى دعاؤهم في لحظات هيجانه يطربه،ويجعله يضحك كثيرا من كلماتهم
الساحلالسنين يعشق أهل ّ المستدرة لستره ورحمته وعطاياه.هو يعشقهم،من اآلالف ّ ّ
الفلسطينيّ الذي عقد معهم حلف ّ
محبة منذ األزل.
وأسى ّلباد شعره المائيّ المخضوضر بزبد ّ
معاناتهم،ويحرك بحزن ً البحر يحفظ تفاصيل
الصيادين من الوصول له. الصهاينة ّ زلق ّكلما منع ّ
الصيادين الفلسطينيين قصصه ودرره وحنانه والكثير من هو ّيدخر ألصدقائه ّ
طويال على صوت غنائهم الذي يدغدغ حبوره ّ ً ّ ّ
المتسع. مك،ويترنم الس
الصيادين الفلسطينيين ال يستطيعون أن يقتربوا منه اآلن هو يعيش وحدة مؤلمة وهو يرى ّ
بلجة عمالقة إلى صدره،ويغور المهجورة،ويضمها ّ
ّ الصهاينة،يحتضن سفنهم بحرمان من ّ
في أعماق مائه.
ّ ُ
الصباح رأى الصهاينة يغيرون على لججه،ويحاولون أن يسرقوا سفن الصيادين ّ هذا ّ
41
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ً
انتصارا ألولئك ّ
الصيادين المسالمين،يرفع سفنهم إلى أعلى هضاب الفلسطينيين،يغضب
ّ
هاينة،فيردهم من جديد قردة وخنازير ّ
بحرية،ويرسلهم يسعون لججه،ويخسف البحر ّ
بالص
ً
في البحر طعاما لوحوشه وأسماكه.
الصيادين في خليج صغير في ّكثيرا إذ ُيرسي سفن ًّ
الساحل في انتظار يضحك البحر
ّ ّ
الصيادين أصحاب أغاني الصيد وترانيم السمك. أصدقائه ّ
القائد
ّ ّ هو قائده األعلى في البيت ّ
المخيم،يقلده كيفما ّاتفق،ويفرح إن رأى والشارع وزقاق
في عينيه نظرة رضا عنه،هو أخوه األكبر،يكبره بعامين فقط،وبذا يكون عمره سبعة
ّ ّ
معلمه ّ
وعرابه وقائده. أعوام،ولكنه ّيتخذه
تأخر لحظة عن إطاعة ألنهم أشرار،فما ّالصهاينة بالحجارة ّ أمره بأن يرجم الجنود ّ
ّ ًّ ّ
بالفخر؛ألنه يطيع أخاه(عبد الله) قائده صهيونيا بحجر برقت عيناه أوامره،فكلما رجم
األعلى في الحياة.
ً ً ّ ّ
هاينة،ويفر هاربا كعادته،ولكن يدا عمالقة مشعوعرة هدمت كاد يظفر بغنيمة رجم الص
ّ
كتفه عندما أمسكت به،وفي طرفة عين كبلته أيدي الجنود،وأمرته بأن يعترف باسم من
ّ
س»:إنه أخي حرضه على رجمهم،لم يراوغ في اإلجابة،وقال بفخر طفوليّ عريض ّ
متحم ّ
(عبد الله) من أمرني بذلك».
ّ
المخرب ّ
تحركت جنود حانقة وآليات مصفحة كي تنشب أظفارها في عنق(عبد الله ) ّ
ً ً
كما نعتوه.حاصروا بيته،وأمروا (عبد الله) عبر األبواق بأن يخرج لهم مستسلما رافعا يديه
حفاظا على حياة أخيه األصغر المنشبة أظافرهم ّ
الش ّ ً
يطانية في رقبته،وحماية لبيته الذي
ً
سينسفونه دون ّتردد إن مضت ثالثون ثانية دون أن يخرج إليهم مستسلما.
ً
رافعا يديه إلى أعلى،وأصابع ّ
كف يمينه تمسك مصاصة حلوى سرعان ما خرج (عبد الله)
ً
يشفق أن تقع منه أرضا ،فيخسرها.
42
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
ّ ً
أخيرا قبض الجيش ّ
الصهيونيّ على القائد األعلى للمقاومة،واسمه الطفل(عبد الله) ذو
ّ ّ السنين ّ
ّ
ومصاصة الحلوى! السبع والبنطال الطفوليّ القصير
إسعاف
الصهيونيّ،هي ليلة وحيدة خائفة هي ليلة مثل ّكل ليالي الفلسطينيين تحت القصف ّ
يعيشها أهالي المدينة تحت فيضان من ّالنار والحديد والحصار الخانق.
يصمم على أن ينقل المصابين بصحبة طاقمه ّالتمريضي على (هاشم أبو الخير) المسعف ّ
ّالرغم من استحالة االستمرار في ذلك تحت وابل جهنميّ من ّالنيران التي تمطرهم بالموت
ّ
والنار والجزع.
ً
سريعا ما التهم الوابل طاقمه،ولم يعد يملك سوى عزيمته ومقود سيارة اإلسعاف التي
ْ
أصحابها،وتاهت عنهم. تكدست بآهات الجرحى واألشالء التي فقدت يقودها،وقد ّ
ً
عتية اقتلعت رأسه من فوق جسده،تطاير الرأس بعيدا غير آبه بآالم ّالتدحرج
قذيفة هوجاء ّ
فاستمر يقود سيارة اإلسعاف بإصرار وشجاعة ليوصل ّ ّ
مشتعلة،أما الجسد على حصى
المصابين إلى أقرب مستشفى فلسطينيّ.
ُ
أخوة
ً ً ً
اعتاد أن يقرأ سورة الملك على نفسه كلما خرج ممتطيا عزمه،شاهرا إباءه،حامال
ّ ً ً ًّ ّ ّ ً ّ ً
جيدا. عدوا واحدا يعرفه روحه،محقرا الحياة الذليلة،ليقاتل بندقيته،مرخصا
عنة،وسب ّكل من دفعه إلى أن يحمل ّ
السالح ّ ّ ّأما هذا ّ
الصباح فقد قرأ على نفسه أسفار الل
ً في وجه أخيه الفلسطينيّ.هوال يفهم ّ
السياسة،ويمقتها كثيرا،ويرفض أن ُيطلق الموت
الفكري تحت ألوية صراعات الفصائل ّ السياسيّ أو على صدر فلسطينيّ مهما خالفه ّالرأي ّ
الفلسطينية المتناحرة على سدانة المراكز ّ
والنفوذ واالمتيازات. ّ
ً
ّ
بيته،وخبأ رفض أمر القتال أكثر من ّمرة،وعندما ُدفع دفعا إلى ساحة نحر األخ،اعتكف في
43
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
عدوه ّ
الصهيونيّ. سالحه ورصاصته ألجل ّ
ُ
أ ّبوة
ّ ً
زوجته(عزة)ال من امرأة أخرى،أنفق يحلم منذ سنين باأل ّبوة،يريد أن يكون أبا لطفل من
الصناعي على أمل عمليات ّالتلقيح ّ
بكد جبينه ألجل إجراء ّ ّكل ما حصل عليه من مال ّ
ّ
عملية ّالتلقيح تؤول في كل ّمرة إلى خيبة أمل تجرجر أن يحظى بكلمة بابا في يوم ما.لكن ّ
ًّ ّ
فلسطينيا كما تلد ّالنساء في أذيالها الثقيلة على صدره وصدر زوجته التي تحلم بأن تلد
وطنها الفلسطينيين ألجل ّالنضال.
ظلت ّتدخر المال مع زوجها ألجل المزيد من ّ ّ ّ
عمليات ّالتلقيح ظل يحلم باألبوة،وهي
الصناعي. ّ
الصهيونيّ على المدرسة التي تعمل زوجته فيها محاسبة في العدو ّ
يشنه ّ جوي ّ هجوم ّ
ً ّ
اإلداري يحصد أرواحا كثيرة،وروح زوجته من تلك األرواح. القسم
لقد غادرته دون وداع ودون ولد له منها،وجد في حقيبة يدها بعد انقضاء عزائها ورقة
تبشر بحملها،لقد كانت ّمؤرخة بيوم استشهادها،ال ّبد ّأنها كانت ستخبره تحليل حمل ّ
باألمر فور عودتها من عملها في يوم مقتلها،لقد قتلوها وقتلوا ابنهما في أحشائها،لقد
جوي في أحشاء ّأمه،وحرمه من أن يقول ألبيه الشهيد الذي أغتاله عدوان ّ أصبح اآلن أبا ّ
لمرة واحدة في حياته. كلمة بابا ولو ّ
شجرة عائلة
منهن شجرة ّ
عائلية الصغيرات بأن ترسم ّكل واحدة ّ ياضيات طالباتها ّ ّ
معلمة ّالر ّ كلفت
ّ
رياضي ًا بشكل عمليّ معنى ّالتوالد ّ
والت ّفرع. ّ ً ًّ
منزليا كي يعرفن واجبا
عائلية كبيرة بمساعدة ّأمها ّالصغيرة رسمت شجرة ّ الفلسطينية ّ
ّ ّ
وجدتها ألبيها الطفلة
ّ ّ يسكن في ّّ ّ ّ
وأزواجهن بيوتهن بيتهن منذ أفقدهن االحتالل وعمتها وزوجة خالها اللواتي
44
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
ّالراعين ّ
لهن.
ً الفلسطينية ّ
ّ ّ ّ
الصغيرة األكثر فخرا بين زميالتها وهي تحمل في اليوم الثاني كانت الطفلة
عائلية تتوافر على أعداد كبيرة من المجاهدين واألبطال ّ
والشهداء والمعتقلين. شجرة ّ
ّ ّ اختالت بشجرتها ّ
العائلية،ولم تلجم خيالءها إال عندما رأت كل زميلة من زميالتها تحمل
ً ً ّ ً ّ
وتفرعا وازدحاما. شجرة مشابهة لشجرتها،وال تقل عنها امتدادا
بصمت،وبرت قلمهاْ تفوقها،وجلست في مقعدها عندها رضيت بهزيمة عدم ّ
ْ ً ْ
شجرتها،وبدأت تكتب بأناة واهتمام أسماء صاص،وغدت ترسم فروعا جديدة ألغصان ّالر
بناتها وأبنائها المنتظرين الذين ستنجبهم في المستقبل ليجعلوا شجرة عائلتها األكبر
ً
تضحية ونضاال.
شهيد
ٌ ًّ ْ
وشابة،أحد منهم لم يكن ابنها شابا نذرت حياتها وأحزانها وشبابها لتربية سبعة عشر
ً الذي ُزرع في رحمها حتى ّ
تكون،وغادره ليرى الحياة انطالقا منه،فجميعهم أوالد
أخت معتقلة أو بيت هدمه االحتالل ّ
أخواتها وإخوانها الذين ربتهم في غياب أب شهيد أو ٍ
ً ً ً ّ
الصهيونيّ،إال (رمزي) فهو ابنها دما ولحما ورحما،فهو تذكارها ّالنفيس من زوجها ّ
ً
الحبيب الذي ابتلعه ّالنضال الفلسطينيّ في لبنان،فلم يعد أبدا،قيل لها ّإنه حيّ يرزق في
إحدى بقاع ّالدنيا،يعيش لهدف واحد وهو تدريب أشبال ّالنضال الفلسطيني ّ
ّ،لكنها تعرف
ّأنه في بطن األرض ال على وجهها،فال شيء غير الموت يمنعه من أن يرى ابنه(رمزي)
ًّ
وحبا لوطنه. الذي خرج على شاكلة والده شجاعة وطيبة
الصهاينة بعد قتل المستوطنين لخمسة انتقامية من ّ
ّ خرج(رمزي) منذ أيام في ّ
عملية
مهمة االنتقام،ولكن (رمزي) لم يعد منذ خرج إلى أن أطفال من بلدتهم،لقد نجحت ّ
ّ ً أعاده ّ
مكوما في كيس بالستيكيّ أسود،عرضوه على نساء الحيّ كي يكتشفوا الصهاينة
هويته كي ينتقموا من أهله أجمعين كعادتهم،فيعتقلون أهله،وينسفون بيته،ويلقون بأسرته ّ
45
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
عروس البحر
غزة تناجيه،وتهمس له،بينها وبينه أسرار وحكايات ال منذ طفولتها كانت تلجأ إلى بحر ّ
ّ
عرائسه،وأنها غادرته لسبب تجهله،وسوف تعود إليه ظنت ّأنها عروس من تذاع.لطالما ّ
المائية الجميلة حيث ال عدو صهيونيّ يقصفها،وال حصار في يوم ما لتعيش في ممالكه ّ
يخنقها،وال ظلم أو فقر أو بطالة أو مرض بسبب االحتالل ّ
الصهيونيّ يهصرها.
ّ
جدتها ألبيها،وهذا االسم يؤكد لها ّأنها من ساللة عرائس (حورية) على اسم ّ
ّ اسمها
ّ
المائية التي تردد على صديقاتها بأصولها البحر ال من ساللة اإلنس.تختال بال ّ
أغان ّ ْ
تفترضها،وصديقاتها يقبلن أكاذيبها وأوهامها مادامت ستغني لهن ما يطلبن من ٍ
داثرة بصوتها الحنون العميق كهدير بحر دافئ في ليلة ّ
صيفية.
حيها واألحياء الصهيونيّ تقصف ّ العدو ّ
لم تكن عند حبيبها البحر عندما بدأت طائرات ّ
ً المحيطة به دون رحمة،بل كانت في ّ
السوق المتاخم له،المباني التي هبطت أرضا وأشالء
القتلى من شعبها الفلسطينيّ أوصدت أمامها دروب العودة إلى بيتها،لم تجد أمامها سوى
درب البحر لتسلكه.
ّ ّ
كانت جريحة بشظايا أصابتها في جسدها دون قدميها،ولكن الخوف نفث فيها قوة ال
46
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
جدار
يحبها،نقله والده إلى مدرسة أخرى ّ
العنصري العازل حرمه من مدرسته التي ّ هذا الجدار
ّ ّ ّ
في ظاهر مدن الجدار الفاصل،لكنه يصمم على أن يذهب إلى مدرسته التي ّ
يحبها،يتأبط
كتبه،وييمم نحو مدرسته القابعة خلف الجدار،ويناجي مدرسته،وعندما ييأس من سماعّ
ً يقرر أن يخترق الجدار العازل،يدفعه الجنود ّ
ّأي ّرد منها ّ
الصهاينة بعيدا عن بوابة العبور
ّ
والكالب،لكنه يأبى أن يبتعد عن ّ
البوابة،يطلق الجنود كالبهم المدججة بالحرس ّ
والسالح ّ
ً ّ ّ
البض الطري دون رحمة،تقطع الكالب بأنيابها ّالنجسة مزقا المسعورة عليه لتنهش لحمه
ّ ً
من لحمه،تغادره الحياة مسلولة من بين قطع لحمه المنثورة أرضا،ويظل يحلم بأن يعبر
بوابة الجدار العازل ليذهب إلى مدرسته التي ّ
يحبها.
1 ُخ ّر ّ
افية
ّ ً جدتهم ّأن ّ
تصدق ّال ّ
الفلسطينية،ثم لم يعد جدهم (أبا حسن) قد خرج يوما في أيام الموت
ّ
وارع،فتضيع حتى هذه ّاللحظة،بحثت عنه لسنين دون فائدة،وكي ال تطير مجنونة في ّ
الش
ّ ّ ً
وجوعا وغربة ووحدة ّقر ْ ً
عليها،لكنها ظلت تروي رت أن تحفظ عقلها أبناءها يتما
(خر ّ
افية أبي حسن). للجميع ّ
47
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ (خر ّ
ظلت تروي ألبنائها وحفدتها ّ ّ
افية أبي حسن)،وظلوا يسمعونها دون ملل،فـ(أبو
ّ حسن) كان فارس الفوارس الذي يقاتل ّ
الصهاينة في كل مكان،وال يموت،الجميع آمن
ّ بـ(خر ّ
ّ
افية أبي حسن)،وظلوا ينتظرون عودته كي ينقذهم من عذابهم،لقد كبروا وهم
الجد الذي ال يؤوب.ينتظرون عودة األب ّ
ً ً
عاما عاد ّ
الجد(أبو حسن) كوما من العظام في كيس قطني أبيض بعد أن بعد ثالثين
ّ أفرج ّ
الصهاينة عن رفاته،دفنه األبناء والحفدة في عزاء مهيب حضره كل من كان يحفظ
خر ّ
افية جديدة افية أبي حسن)،ثم عادوا إلى بيت العائلة ليسمعوا ّ
الجدة تروي لهم ّ (خر ّ
ّ
من ّ
(خرافيات أبي حسن).
عانس
ّ
وأسرارهن ّ
وأحالمهن مخيالت ّالنساء ّ
الوردي الذي يطرق ّ لم ْ
تعد تحلم بذلك الفارس
ّ
واحتمالهن. ّ
صبرهن ّ
قلوبهن المشرعة على انتظار شوكيّ ينخز قبل أن يسكن نوافذ
حلمها الوحيد الغائر في روحها هو أن ترى من خلف نافذة غرفتها مآذن المسجد األقصى
وقبابه،وأن تسمع منها صدح اآلذان ّ
والتكبيرات.
تفوق في نفسها على ّ
حب ّالرجل حبها لمدينة القدس حيث ُولدت وأفراد عائلتها قد ّ ّ
والنسل والحياة ذاتها. ّ
بالزواج منه،وكي تبحث عنه خارج مدينتها كان لم تجد في القدس ّالرجل الذي تحلم ّ
بهوية إقامتها ّالدائمة التي تسمح لها باإلقامة في المدينة؛فالقيود التي
عليها أن تخاطر ّ
الصهاينة على عرب مدينة القدس تجعلهم يعيشون في سجن كبير إن خرجوا منه يفرضها ّ
الضفة ّ
الغربية أو خارج أحب أحدهم آخر خارج المدينة في ّ ال يمكنهم العودة إليه،وإن ّ
فلسطين فهذا يعني أن يخسر لألبد هوية إقامته ّالدائمة في القدس.
ّ ًّ في إحدى زياراتها القليلة إلى إحدى العواصم ّ
جنسية فلسطينيا يحمل العربية عشقت
بحبها له كي تطير عائدة إلى مدينة القدس،وال تخسر إقامتها فيها ضحت ّ ّ
ة،ولكنها ّ ّ
عربي
48
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
ما دام من سابع المستحيالت أن تحصل له على هوية أو تصريح إقامة دائمة في مدينتها
تزوجا.إن ّ
حبها ّ
األول واألخير في الحياة،لكن الشتات كان ّ الشاب الفلسطينيّ الذي يعيش في ّ
ذلك ّ
حبها اآلدمي الخالد لحبيبها ّ
المهجر البعيد. ّ
الفطري لمدينة القدس قد انتصر على ّ ّ
حبها
ً ّ
لقد ولى في طريقه خائب األمل بعد أن رفضت ّالزواج به،وسرقته ّالدروب بعيدا عنها،كما
سرقت ّ
السنون شبابها وآمالها وأحالمها،لكن ال أحد استطاع أن يسرقها من ّ
حبها لمدينة
ً
القدس التي ال تستطيع أن تعيش بعيدا عنها حتى لو كان ذلك ألجل أن تعيش في حضن
فارس أحالمها الذي حظي بعشقها.
ُ
قرعة
الشهر ونيف،وهي وأطفالها جياع في مستمر منذ أيام طويلة تجاوزت ّ
ٌّ القصف ّ
الصهيونيّ
ُ
شهر رمضان المبارك كما أهل غزة جميعهم جياع في هذا القصف المحاصر لهم،أعلن
منذ لحظات عن هدنة لمدة ساعتين،هذه فرصتها كي تخرج إلحضار بعض الخضار
والخبر إلطعام أبنائها األربعة التي يعيشون معها منذ هجرها زوجها.
عاما ّ ً ّ
يصمم على أن يخرج بنفسه لشراء ابنها الكبير الذي لم يتجاوز عمره الثالثة عشر
ّ الطعام المطلوب ّ ّ
ألن موته في حالة حدوث اختراق للهدنة هو المصيبة األقل على إخوانه
ّ من فقد ّأمهم إن اغتالتها ّالرصاصات،وهي ّ
تصمم على الخروج وشراء الطعام المطلوب
ّ ً ّ
ألن موتها أهون عليها من أن تراه مقتوال في إحدى الطرقات.
بينهما،ويتفقان على أن يقترعا على من يخرج منهما لشراء المطلوب،يكتب ّ يطول الجدال
مربعة،ويرميان الورقتين على طاولة المطبخ بعد ّكل منهما اسمه على ورقة صغيرة ّ
الصغيرة تختار ورقة من الورقتين كيفما ّاتفق،تقرأ األم االسم
طيهما بشكل متماثل،االبنة ّ ّ
ّ
نتقاة،إنه اسم ابنها المكتوب فيها،تطوي الورقة على عجل قبل المكتوب على الورقة ُ
الم
ّ ّ ّ
قها،وتدسها في جيبها،وتقول ألوالدها بصرامة»:ال داعي ابنها،وتمز أن تتسلل إليها عينا
49
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
لخروج أحدنا،ال يزال عندنا بعض العدس المطحون،ما رأيكم أن نصنع حساء عدس
لذيذ؟».
ّ
قصة ّ
حب
الحب المشتعل،فتعاهدا على يحبان فلسطين،من صغرهما علقا ّ وتحبه،وكالهما ّ
يحبها ّ ّ
ًّ
سويا،حفرا عهدهما على جذع أن يالزم أحدهما اآلخر طوال الحياة،وأن يرحال عنها
شجرة زيتون في حقل ّالز يتون الذي تملكه عائلته منذ قرون كثيرة ما عاد يحصيها عددا.
المخطط أن يتزوجا في الخريف المقبل،ولكن ّ ّ
العدو صادر أرضهما قبل أن يأتي كان من
ً ّ
المنتظر،وجرفها بعد أن اقتلع زيتونها،ثم ألقمها أطنانا كثيرة من اإلسمنت لتكون الخريف
ّ
أساسات لمستدمرات صهيونية تأوي الغرباء الغاصبين.
ّ
ّقررا في لحظة عشق كاملة أن يمضيا في درب عشقهما األكبر،بحزامين ناسفين فجرا
ّ ً
مقدسا فوق البيوت المستدمرة الوليدة فوق أرضهما بمن فيها من الغرباء،وتناثرا هباء
ً
أرضهما التي ماتا عشقا لها.
قدمان
ضد تدنيس المسجد األقصى الصهيونيّ في اعتصام طالبيّ ّ
العدو ّ
خسر قدميه برصاص ّ
ً
والحفر تحته تمهيدا لهدمه،وخسر مع خسارة قدميه دراسته في جامعة ّالنجاح لعجزه عن
(بهية) حريته وقدرته على الحركة وحلمه ّ
بالزواج من ابنة خالته ّ الذهاب إليها،كما خسر ّ
ّ
عليه.لكنه لم يبال ّ ً أحبها منذ طفولته،وتأبى عليه نفسه أن ّ
التي ّ
بأي من ِ تتزوج به عطفا
خسائره.
ّ ً
أمضى أشهرا يصنع له قدمين من خشب الز يتون،وعندما انتهى من صناعتهما امتطاهما
ً
احتجاجا ّ
ضد بفرح،وقصد المسجد األقصى ليشارك – من جديد -باعتصام خارجه
العدو ّ
الصهيونيّ. تدنيسه من ّ
50
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
فيلم خياليّ
ً
متسمرين مشدوهين أمام شاشة ّالتلفاز يحضرون فيلما ال يمكن أن جلس خمستهم ّ
ًّ ً ّ ّ
خياليا،رأوا األطفال في الفيلم يلبسون يعدوه بعرف طفولتهم ولغة حرمانهم إال فيلما
ّ
بأمان،ويربون العصافير الجميلة المالبس ّالزاهية في العيد،ويذهبون إلى المدارس
الصنع منصوبة على شرفات منازلهم. خشبية دقيقة ّ
المغردة في أقفاص ّّ
رأوا اآلباء يذهبون إلى العمل فرحين نشيطين،ويعودون في المساء إلى بيوتهم ّ
محملين
ّ السمر.رأوا ّ النقدية وحكايا ّ
ّ
األمهات يصنعن الطعام بترنيمات بالحلوى واألمل واألوراق
أب شهيد أو أخ معتقل أو أب مطارد.كانت حياة رغيدة ّ ّ
الفرح،وال يتشحن بالسواد على ٍ
ال يعرفونها في وطنهم فلسطين.
ّ ّ الطفل ّّ ّ
الصغير على أن ينزع نفسه من لذة متابعة الفيلم الخياليّ،وسأل أمه بعتاب تجرأ
ممطوط« :لماذا يا أمي ال نعيش حياة جميلة مثل هؤالء األطفال؟!»
رت األم قسمات وجهها كي ّتتقنع خلف خشونة صلبة مصنوعة بدل أن تغرب في ّكد ْ
فلسطين،والعدو ّ
الصهيونيّ يكره األطفال ّ ّ
له»:ألننا نعيش في نواح محرور،وقالت
الفلسطينيين».
العدو ّ
الطفل من جديد ّأمه بدهشة« :لماذا يكره ّ ّ
الصهيونيّ األطفال الفلسطينيين سأل
يا ّأمي؟!»
ّ ً ّ ّ
حزن،وقربت ركبتيها من بعضهما،وأهبطت الفلسطينية،وعقدت حزنا فوق تنهدت األم
ّ
له»:ألنكم أملنا وأمل تحرير فلسطين،أنتم ْ
عليهما،وطبعت قبلة على جبينه،وقالت طفلها
من سوف تطردوهم من وطننا عندما تكبرون».
ّ
عيد أم
األمّ ،
وأمها قد رحلت إلى العالم اآلخر بقصف صهيونيّ اغتالها وسريرها اليوم هو عيد ّ
51
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ُ
لهاث
ً ً بالزواج في ّ
الحالمون ّ
غزة جميعهم أكانوا نساء أم رجاال يلهثون قسرا في مساحة صغيرة
حد اعتصارهم. ضيقة إلى ّوأحالم كبيرة غدت ّ
ً ً ً
هو مثلهم يعيش عذابا قاهرا موصوال اسمه توفير طلبات ّالزواج،ما عاد يحلم ببيت جميل
ً ّ
فاره وعرس بهيج وحفلة حاشدة،كل ما يبغيه اآلن أرضا غرفة بـ(سمر) حبيبته وابنة وأثاث ٍ
ّ ً
خاله،يريد سقفا يظلهم،ويسير فرح ومالبس ساترة وحضور مشاركين وفق ما ّ
تيسر من
الصهيونيّ.المتسرب من خنق العدو ّّ فتات األحزان واالنتظار
ّ
اللهاث يسكن روحه،ويبتلعه،ويجعل منه لعبته في عالم الوهم،ال غرفة موجودة
للشراء في األسواق المحاصرة منذ سنوات،وال نقود لتيسير لالستئجار،ال سلع موجودة ّ
ّ
األمور،وال عمل متوفر،وال مدعوين إلى عرس يستطيعون حضور زفافه بسبب حلقات
والدروب المغلقة المميتة.الحصار والحظر واالغتيال واالعتقال ّ
ّالدروب جميعها مغلقة في وجهه وفي وجه زواجه من حبيبته (سمر) التي بدأت
العنوسة تأكل أملها كما تأكل آمال معظم أصدقائه وأقاربه وأترابه ومعارفه الذين يحلمون
الصهيونيّ على تالبيب روحها منذ العدو ّ بالزواج المستحيل في هذه المدينة التي يطبق ّ ّ
ّ
لتظل ّ
تتنفس الهواء على ّذمة الحياة. سنوات،وتناضل باستبسال
ّ ّ
يفاجئ (سمر) وهي تجلس أمام بيتها المتهاوي،وتطل على بحر غزة تطعمه حزنها،يقترب
52
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
ّ
منها،ويهمس في أذنها التي تتوارى خلف جديلتها الكثاء»:أتتزوجينني؟»
جك».نعم،أتزو َ
ّ تبتسم له،وتهتف بسرور دون ّ
تردد»:
«-لكن ال غرفة أستطيع أن ّ
أؤمنها لزواجنا».
«-نتزوج هنا على ساحل البحر،ونعيش بين صخوره».
مدرسة
يحب أن يغادرها على ّالرغم من المدرسة هي المكان األقدس في عوالمه جميعها،ال ّ
الطالبي الخانق فيهاّ ، ّ ّ ّ
ولكنه األساسية واالزدحام بنائها القديم وافتقارها لجل الخدمات
ً ً
يعشقها،هي دربه إلى أن يصبح طبيبا كما يحلم دائما،وكما تريده ّأمه أن يكون عندما يكبر.
ً صفه ّ ّ
الصغير أصبح أكثر اكتظاظا بعد أن أصبح مكان إقامة له وألسرته ولبضع عائالت من
ً الصهيونيّ ّ العدو ّ
أقاربه وجيرانه بعد أن قصف ّ
حيهم،وألجأهم جميعا إلى العراء.
ّ
منظمة اإلغاثة ّالد ّ
ولية التي تمتلك مدرستهم سمحت للمنكوبين الذين فقدوا بيوتهم بأن
يقيموا في المدرسة إلى حين ميسرة.
ّ ّ ّ ً اآلن ّ
صفه أصبح بيتا لهم أجمعين،لم يظل من مالمحه الصفية سوى سبورة خضراء باهتة
ّ ّ ّ
رياضية تركها معلمهم مصلوبة على اللوح كي ينقشها الجميع في عليها بضعة أسئلة
ً ً ًّ ّ
كراريسهم واجبا بيتيا لعلهم يجدون حلوال لها.
لحلها بسبب القصف اإلبليسيّ الذي أمطرهم ّ ّ
الصهاينة به،وقد فقد لم تتح الفرصة له
ّ
دفاتره وكتبه وحقيبة مدرسته في هذا االعتداء اإلبادي.
ّ طويال في األسئلة ّ ً منذ ّأيام وهو ّ
المطرزة بعناية على السبورة،اآلن استنار عقله بنور يحدق
ّ المعلقة على ّ ّ ّ يقوده إلى اإلجابات ّ
السبورة يحلها بتركيز حيحة،ينقض على األسئلة الص
ً ّ ً
مميزا عندما يكبر. واهتمام يليق بفتى فلسطينيّ يريد أن يدرس،وأن يجتهد ليصبح طبيبا
53
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
وجه
اعتاد على أن يرى وجهه البريء األسمر الهادئ المغرق في صمت عميق وهو يراقب عن
الصهاينة عبر األسالك ّ
الشائكة التي ُتحيط ببيوتهم،وتفصلهم عن بعد أطفال المستعمرين ّ
بستان ّالز يتون الباقي الوحيد لهم بعد مصادرة أرضهم وأراضي أقاربهم وأراضي الكثير من
أهل قريتهم لبناء هذه المستدمرة.
ً
يراقب األطفال طويال دون ملل،يتابع حركاتهم وسكناتهم جميعها،ويتفحص ألعابهم
ْ
منه،ويربت على ّ
نة،ويحرك لسانه بتمتمات خفيضة غير مفهومة،يقترب الجميلة ّ
الملو
ّ
هو،لكنه متأكد من ّأنه قد رأى وجهه
ّ كتفه،يحدق في وجهه،هو ال يعرف ابن من يكون ّ
ّ ّ ً
لينصب على شعر كثيرا في دروب القرية،يسأله بعطف ينزلق إليه من جسده المديد الطول
ّ َ ربتا« :هل ًّ
تتمنى أن تكون عندك ألعاب جميلة مثلهم؟ هل تريد أن تذهب للعب رأسه
معهم؟»
ً ّ
يحرك الطفل رأسه يمنة ويسرة مومئا ّ ّ
بالرفض،ويقول« :أنا ال أريد أن أذهب للعب
معهم،أنا أقف هنا ألحصي األرض التي سرقوها ّمنا ليلعبوا عليها،هناك شجرة زيتون
صغيرة من زيتونات حقلنا ال تزال على قيد الحياة،أنا من زرعها هناك قبل أن يسرقوا
األرض ّمنا،أريد أن أسترجعها في يوم ما».
نفق
المصرية بشكل ّ
سري ّ ّالنفق هو من سرق ّأمه،لقد ْ
عبرت وأخوها خالله إلى األراضي
وغير قانونيّ كي تعالج أخاه من المرض العضال الذي يفترسه.كان يجب أن تعود عبره بعد
غزة قد ّدمر هذا ّالنفق،وقطع ّالدرب أسبوعين من ذهابها،ولكن القصف ّ
الصهيونيّ على ّ
دون رجعتها.
ّ
كل يوم يقف على عين ّالنفق التي غمرها ّالتراب،وأخمد أنفاسها،ودفنها في داخل
54
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
ّالتراب،ينتظر عودة ّأمه بأعجوبة ما تجعلها تخترق هذا ّالردم المتداعي من اإلسمنت
ّ
والطوب ّ
والتراب.
بعد سبعة أشهر من االنتظار يخبره أخوته ّ
بأن ّأمهم ستعود إليهم برفقة أخيهم من معبررفح
يصدق كالمهم،وال يذهب معهم إلى المعبر الستقباللمدة يوم واحد فقط،ال ّالذي سيفتح ّ
ّ
ّ
ابتلعها،وغيبها في المجهول. ّأمه،ويظل ينتظرها أن تخرج من ّالنفق الذي
نوم
ّ وقعت له ّالسيئة جميعها التي حدثت في حياته ْ
ألنه قد نام؛كلما غلبه ّالنوم األحداث ّ
ً ً داهم الجنود ّ
الصهاينة بيته،وعاثوا فسادا فيه،وقتلوا أحدا من أسرته،أو ضربوه أو أهانوه أو
اعتقلوه أو مضوا به إلى درب مجهول دون رجعة.
الصغير وسنين عمره القليلة العاجزة،كذلك ال الصهيونيّ بجسده ّ برد العدو ّال طاقة له ّ
ً
يستطيع أن يهرب بأهله ومنزله وأرضه بعيدا عن الجنود الصهاينة،ولذلك ّقرر أن ال ينام
ً
أبدا.
ّ
هدية
األقل من المال في جيبه هو ال يكفي ألن يشتري به ّأي هدية ّ ّ
ليقدمها البنته القليل
ّ ّ ّ ّ
الصغيرة في عيد ميالدها،يخمن أن الفتيات الصغيرات يحببن الهدايا األنثوية في أعياد ّ
ميالدهن،يستعرض الهدايا المحتملة،ويعرض عنها باستخفاف؛فهذه هدايا تليق ّ
بأي فتاة
ّ ً
تربى جيل الثورةفلسطينية ّ
ّ في العالم إال بابنته (نجوى) التي عليها في يوم ما أن تكون ّأما
ّ
والنصر.
ً حصله من مال في يوم عمل ّ ً
مضافا إليها ما ّ
شاق تكفي ألن يشتري لها كتابا نقوده القليلة
يعدها ّ الصغيرة التي ّ
الفلسطينية ّ
ّ ّ
لمهمة يغذيها بالعلم.يشتري الكتاب بفخر واعتزاز ألميرته
كبيرة في المستقبل.
55
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
هروب
أسري كي تهرب من العذاب الموصول الذي ّ المرتب بشكلوافقت على هذا ّالزواج ّ
تعيشه كما يعيشه شعبها في فلسطين،تحزم أمتعتها القليلة بفرح صغير،وهي من كانت
السماء لها حبال العون واإلنقاذ تظن ّأنها ستملك أكبر فرح في ّالدنيا بعدما ّمدت ّ ّ
بقليل،أخيرا ستهرب دون رجعة من ّ ً ُ
عدو ال يرحم،ومن عذاب موصول قبيل الغرق
ّ جميعا في ّكل ّ ً ّ
حياتها،ستتزوج من مبعد جزئية في ال يتوقف،ومن معاناة تحاصرهم
الالتينية،وتذهب إلى البعيد،ستهرب دون رجعة ّ فلسطينيّ يعيش في إحدى دول أمريكا
من ّالتفتيش والمداهمات واالعتقاالت واالغتياالت ومصادرة األراضي وحواجز ّالتفتيش
ًّ ً ً والحصار ّ
صهيونيا والتجويع والمعاناة المبتكرة شكال بعد شكل لتعذيبهم،أخيرا لن ترى
في ّالدروب.
ً
عانت كثيرا كي تصل بحقيبتها الوحيدة للوصول إلى هذا المعبر األخير كي تغادر آخر
لتودعها دون عودة،أخوها األكبر هو من يرافقها في ّ
المحطة األخيرة محطة في فلسطين ّ ّ
ّ
اإلجبارية كاملة عبر المعابر وحواجز للوداع بعد أن نالت بصحبته جرعات العذاب
ّ
الحدودي. ّالتفتيش حتى وصلت إلى هذه المعبر
ً
خطوات قليلة تخطوها بعد ختم جواز سفرها،وتصبح إلى األبد خارج فلسطين،أخيرا
فاهية ّ
والراحة سوف تنجو وحدها من ملحمة ّالنضال ّالت ّ
اريخية،وستدخل تاريخ ّالر ّ
ّ ّ
والدالل،لكنها في هذه اللحظة تشعر ّأنها
والسعادة والبهجة ّ والعبث،تريد الفرح واألمن ّ
الشروط. المشرف ألجل صفقة زواج مريحة سهلة ّ ال تريد أن تخرج من ّالتاريخ ّ
ّ
الخروج،تدس تتقدم لختم جوازها بختم تتراجع بضع خطوات إلى الخلف بدل أن ّ
ّ
باعتزاز،وكأنها تخشى أن ُتسلب منها،وهي أثمن ما تملك ّ
الفلسطينية في جيبها هويتها
في حياتها،وتنثني عائدة إلى بيت أسرتها برفقة أخيها،وهي ّ
تجر حقيبتها اليتيمة لتعيش
فلسطينية صامدة في بيتها إلى أن يرحل عدوها في يوم قريب ّ قدرها الجميل في أن تكون
56
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
مقبرة
ّ
الفلسطينية جميعها ّ
تاريخية في فلسطين،عمرها أكثر من ألف عام،الوجوه هي أكبر مقبرة
تنتهي في هذه المقبرة في آخر المطاف لتهجع في أرض الوطن الهجعة األ ّ
بدية.
يجرف المقبرة بعد تمشيطها ألجل أن يبني فيها أكبر مستوطنة الصهيونيّ أن ّ العدو ّ
ّقرر ّ
ّ
في فلسطين المحتلة.
العدو ّ
الصهيونيّ من الفلسطينية لم تمنع ّآليات ّ
ّ اإلضرابات والمظاهرات واالعتصامات
تمشيط المقبرة ومن ّثم تجريفها،لقد قلعوا شواهد القبور وأشجار المقبرة بعد تدمير
ّ
مراقدها،وكوموها سورها العتيق،ثم هتكوا حرمة القبور بتجريفها،لقد انتزعوا الهياكل من
في خرق أكفانها.
ْ ّ
قبورها،ولبست في الليل ومع هــدأة ّالرقاد استيقظت الهياكل المطرودة من
ْ
أكفانها،وهاجمت أعداءها.
معطف
الصهيونيّ بنيرانهم،ويرفضون أن العدو ّ
شهر كامل والفدائيون الفلسطينيون يرجمون ّ ٌ
ّ
هيونية،والقنابل ُتلقى
الص ّالطائرات ّ يستسلموا لهم،القذائف تنهال عليهم من ّ
السماء من
ّ ّ
وجل،يعضون الجوع،ويهزأون من عليهم من كل حدب وصوب،وهم صامدون دون
العطش،لكن البرد هو ما يقضم عظامهم دون رحمة.
ّ ّ
الصدفة جعلته يحتفظ بمعطفه ّالروسيّ الثخين في لحظة وقوعه في هذا الحصار،ولكن
شريكه في حراسه هذه الجهة من القلعة ال يملك ّأي معطف،وينكمش على نفسه
ً ً
ّ
فء،لكنه بردا،حاول مرارا أن يخلع معطفه عليه-ولو لبعض الوقت -ليحظى ببعض ّالد
ً
كان يرفض ذلك بإصرار،ويقسم عليه أن ال يخلع معطفه ألجله أبدا.
57
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
صحفيّ
ّ
يضج بصور القتلى والموتى والث ّوار واألحداث ّالدامية جدلي ًا ّ
تقريرا ًّ
جاء إلى هنا كي يكتب
ً ً ّ ّ
القراء،أمله أن يحقق هذا التقرير اهتماما ّ ذات ّالتفاصيل المثيرة التي تجذب ّ
يدر أرباحا
العالمية التي يعمل فيها كي يحظى بعروض أفضل في ّ ّ
اإلعالمية إضافية على ّ
المؤسسة ّ
مؤسسات أخرى أكبر وأكثر شهرة منها،وتدفع له األجور بسخاء يرضي مؤسسته أو في ّ ّ
ّ
غروره ومتطلباته.
ّ ّ
المصور هو كل ما يعنيه من الظالم أو المظلوم في هذه المحرقة التي ّ إنجاز هذا ّالتقرير
صف ّ مسبقا ليكون إلى ًّ تستعر في فلسطين،وإن كان قد ّ
الصهيونيّ الذي يدفع حضر نفسه
واللهو ّ ّ ّ
والنساء الجميالت. بسخاء،ويقدم له استضافة ذات قائمة تزدحم بالمتعة ألنصاره
يتوقع ّأن أولئك الفلسطينيين سوف يسرقونه إلى عوالمهم،ويخطفونه ّ ّ
لمدة أسبوعين لم
ّ
معاناتهم،وسجل ّ
صور اآلالف الصور من ليعيش معهم تفاصيل نضالهم وقهرهم،لقد ّ
ً
أفالما كثيرة لجرائم ّ
الصهاينة.
حفية التي يعمل فيها،ما ّعنى نفسه بأن يعرف المؤسسة ّ
الص ّ أعده إلى ّ أرسل ّالتقرير الذي ّ
58
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
صديق
ّ
المحفة التي تحملهم بمالبسهم ليدفنوا بها ثالثة من أصدقائه سار في جنازتهم يطالع
ّ
سنه منعته من أن يشارك في حمل المحفة التي الشهداء؛قامته القصيرة لصغر ّكما ُيدفن ّ
تحمل صديقه ّالرابع الذي أرداه ّقناص صهيونيّ وهو في طريقه إلى المدرسة هذا ّ
الصباح
ً
المنصرم،كان كالهما يسيران معا عندما اختاره ّقناص يلهو لينزع روحه،لقد لفظ صديقه
ّ
صدره،ولكنه بكاه آخر أنفاسه بين يديه،ما نطق بكلمة وداع لصديقه وهو ّ
يضمه إلى
بحرقة.
ّ ّ
كلما أقام صداقة مع فتى ما من أترابه سرقه الصهاينة منه،وألقوا به في حضن الموت.
ً ّ
ّ
ويحب ّ
وأمن،يحبهم معلمه قال له ّإن أصدقاءه جميعا في الفردوس األعلى في حبور
ً
خامسا فيسارع ّ ً ّ ّ
الصهاينة إليه ليخطفوه منه. داقة،لكنه يخشى أن يختار صديقا الص
ُ
الك ّ
1
وفية
السالح والبطش من بيوتهم قيل لهم ّإنهم سيعودون إليها بعد ّأيام عندما ُطردوا ّ
بقوة ّ
ّ ّ
قصيرة،لما طال بهم االنتظار في ّأول محطات ّالرحيل ّقرر أن يعود إلى بيته ليحضر بعض
الطعام والمالبس والماء ّّ
ألمه وأبيه وإخوته،كانوا مكسورين تحت دوالي العنب ينتظرون
ّ ّ الكوفية:هي غطاء ّالرأس الذي يضعه ّالرجل الفلسطيني ُّ،يصنع من ّ
ّ
القطن،ويتكون من اللونين األبيض الكتان أو من -1
ّ ّ ّ ّ ً ّ ّ
واألسود،وهو رمز للنضال الفلسطينيّ،وتسمى أيضا الحطة والسلك والقضاضة والشماع والغترة والمشدة.
59
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
معبر
ّ
اإلجباري على دموع الفلسطينيين وأحزانهم وآالمهم وحصارهم هذا المعبر هو ّ
الشاهد
ً
وعارا وهو ّ ً ً ّ
يرد الملهوفين،وحده من يحرم وجوعهم وتعذيبهم،وحده من يتقطع خزيا وألما
ً ً
أما من ابنها،وأخا من أخيه،وامرأة من زوجها.
ّ ّ
كل يوم يحلم بأن يفتح أبوابه في وجوه المنكودين،لكن حلمه يظل سجين ذاته؛ فهؤالء
ّ ّ
الجنود الظلمة يخنقون الفلسطينيين به من ظاهره ومن باطنه،كلهم صهاينة،ولو اختلفت
ّ الوجوه ّ
والسحن واللغات.
يحقق حلمه،على حين ّغرة وغفلة من الجميع خلع جسده المقيت اليوم ّقرر المعبر أن ّ
60
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
ّ
المتعفن،وهرب نحو البعيد،وترك مكانه لمن ال يخجلون من أنفسهم. من أسره
ِع ْرض
ّ
لنفسه،ولكنه يخشى أن يهدر محبته ّ
الجوع،ويحب أرضه أكثر من ّ ال يخشى الموت أو
ً ّ
هيونية ع ْرض زوجته وبناته الثالث وحفيداته،لقد سمع قصصا ّ الص ّ رجال العصابات ّ
تشيب ِ
القلب قبل إشابة شعر ّالرأس عن هتك أعراض الفلسطينيين في القرى المجاورة التي
الص ّ
هيونية. داهمتها العصابات ّ
ً ّ
أبنائه،حملهن جميعا على ّقرر أن ينجو بعرض زوجته وبناته وحفيداته وزوجات
ّ ّ ً عجل،وقرر أن يطير ّ
ّ
الغاصبين،أما أوالده الذكور الخمسة وبنيهم فقد بهن بعيدا عن أيدي
تركهم يدافعون عن أرضهم في وجه من يريد أن يهتك عرضها.
ّ
خوفا على أعراضهم،كانت ّالنساء تسير في المقدمة ًّ ّ
والرجال سار يغذ الخطى مع الهاربين
ً
لحمايتهن.عندما وصلوا جميعا إلى ّالنهر شرقيّ وطنهم،ترك زوجته وبناته ّ المؤخرةفي ّ
ّ
هر،وقرر أن يعود ليحمي عرضه األرض. أمانة في حضن المتأهبين لعبور ّالن
صحراء
الصهيوني سرق أربعة من أخوتها؛ثالثة منهم قتلهم وهم يدافعون عن ّ
الصحراء الجيش ّ
جندوه في صفوفهم حتى نسي أهله،وقلع ذاكرة قلبه وأصله،وغدا الفلسطينية،ورابعهم ّ
ّ
ً
أسوأهم فتكا بالفلسطينيين.
ّ هي ّقررت أن تنتقم ّممن سرقوا إخوتها األربعة،وتركوها وحيدة في ّ
الصحراء معلقة بين
ّ البدوي الفاتن كي تنصب الكمائن ّ
ّ ّ
هاينة،تتبدى لهم للص الفقد والعار،استغلت جمالها
الصحراء المشحونالمناسب،تسيل لعاب شبقهم،تستدرجهم ُفرادى إلى قلب ّ
ُ في الوقت
ّ
تجردهم من سالحهم وعتادهم وأجهزة اتصالهم،وتتركهم عراة تائهون ببغضهم،بالحيلة ّ
61
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
معرض لوحات
ّ
الفلسطينية التي هيونية رغم أنفه بحكم ّأنه يعيش في إحدى المدن الجنسية ّ
الص ّ ّ يحمل
ّ ّ ّ ّ ّ
يحتلها الكيان الصهيونيّ،ويعدها من جسم كيانه االستدماري،لكن قلبه فلسطينيّ مهما
جنسيات مفروضة عليه.حمل من ّ
للدمار الذي ألحقه الكيان ّ ً
معرضا ّ
الصهيونيّ بقرى فلسطين ومدنها وحواضرها أقام
ّ
اإلنسانية الد ّ
ّ ّ
ولية وطبيعتها عبر لوحات رسمها بنفسه،بعد أن ساندته بعض المنظمات
ًّ ً ّ
عسكريا يسمح له بإقامة المعرض. والمحلية في مسعاه،واستصدرت له إذنا
ّ جاء الكثير من الفضوليين ّ
الصهاينة إلى المعرض،أثارت اللوحات المتقنة فضولهم،أحدهم
الخنزيري الكبيراألحمر،وسأله بفضول»:هل أنت من رسمت هذه ّ مال عليه برأسه
ّ
اللوحات؟!
أجابه ّالرسام الفلسطينيّ« :بل أنتم من رسمتموه».
بيت
ً
صغيرا يضيق بأسرته الكبيرة وضيوفهم الذين ال ينقطعون،لطالما ّ
تمنى أن تحصل كان بيته
والخصوصية في غرفة ّ
خاصة له بدل ّ عائلته على بيت أكبر في وطنهم ليظفر ببعض ّالراحة
ُ ّ
أن ينام كسمكة مخللة بين أخوته الكثر.
ً االحتالل قصف بيتهم ّ
الصغير،فتطاير نتفا يمنة ويسرة،جميعهم وجدوا أنفسهم في العراء
ً ّ
مأوى،أمه استسلمت لعويل مجلجل،وإخوانه تنافسوا ألن يجدوا مكانا ينزون فيه دون
ً مأوى لهم بعد أن دفعهم الجنود ّ
حتى يجدوا ً
الصهاينة بعيدا عن األرض التي هي ذكرى
الصهاينة ّ
ألنه يستطيع اآلن أن ّيتخذ لبيتهم،أما هو فابتسم بشماتة في وجوه الجنود ّ
ّ دارسة
62
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
ً ً
من فلسطينه بيتا كبيرا له يسرح ويمرح فيه كيفما شاء دون ضيق.
جملة واحدة
يبق له من بيته وأسرته سوى جملة واحدة على بقايا جدار،لقد كتبها قبل ّأيام عندمالم َ
ألنه أفسد طالء الحائط بالكتابة وأمه تلومه ّ
كان يملك أسرة،وكان عنده بيت،كتبها ّ
وصمتت عندما ْ
قرأت الجملة التي كتبها عليه. ْ ْ
خجلت ّ
عليه،ولكنها
قرأ جملته ّالناجية من الموت « فلسطين داري،ونحن باقون فيها»،بعض حروفها
ً تكاد تختفي بسبب ّ
تقشر طالء الحائط ّ
جراء القصف،يعتلي حجرا من أحجار بيته
ً
بعضا من دمه ّ ّ
ليلون حروف جملة» فلسطين داري،ونحن باقون فيها» الشهيد،ويأخذ
ً
كي ال تندثر أبدا.
مسجد
ّ ً
لم يعتقد يوما ّأن شيخهم في المسجد الذي يعلمهم تالوة القرآن وتفسيره هو ّأول من سوف
ً ّ
يؤذ بشرا في حياته،وقضى عمره يذبحه الجنود الصهاينة،كان يراه أطيب من برأ الله؛فهو لم ِ
ّ ّ ً
متبرعا بتعليم تالوة القرآن ألهالي مدينة نابلس،يعرف تالميذه كلهم من أصواتهم تالوتهم
على ّالرغم من ّأنه كفيف البصر مذ ُولد.
هيونية وهو على سجادة ّ
الصالة في المسجد الكبير،ال تزال آثار الص ّ اغتالته رصاصة الغدر ّ
الشهيد،يقرأدمه واضحة على سجادته،يداعب قطنها بيتم وبفقد،يفتح مصحف شيخه ّ
ً آيات كريمات منه،ثم ّ
يقبل المصحف،ويضعه في جيبه ّتبركا به،وينطلق يحمل حزنه
ّ
معلمه ّ ّ
الشيخ. وكومة حجارة بيده عله يظفر برأس من قتل
تضامن
ً ّ ّ ّ
أبوه وأعمامه الثالثة في إضراب مفتوح عن الطعام في معتقل المحتل احتجاجا على
63
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ ّ
جريمة،جدته ألبيه في إضراب مفتوح عن الطعام إلى حين اإلفراج عن اعتقالهم دون
ً ّ
أوالدها الثالثة،وهو في إضراب عن ّأي إضراب حتى ينمو ويكبر سريعا كي ُيخرج أعمامه
ّ
متأكد ّأنهم يستطيعون ّ ّ
تحمل الجوع حتى يكبر،وينقذهم ّمما هم الثالثة من المعتقل؛هو
نيا،أما ّ
جدته ألبيه فعليه أن يقنعها بأن تستبدل فيه،فهم-في عينيه -أقوى ّالرجال في ّالد ّ
الضعيف المريض ال يحتمل الجوع. العدو باإلضراب؛فجسدها ّ ّالدعاء المخلص على ّ
لثام
الجبال،فاضطروهم إلى أن يلجأوا الجنود اإلنجليز حاصروا ّالثوار الفلسطينيين في ّ
ّ
لهم،ظنوا ّأنهم سوف يلتقطونهم الواحد تلو اآلخر بكل سهولة؛فهم ّ إلى المدن المجاورة
ّ ّ ّ ً
جميعا يلبسون ُك ّ
وفيات فلسطينية،ويتلثمون بها ليخفوا شخصياتهم الحقيقية،ويعيونهم
ّ ُ
الك ّ ّ ّ ً ً
ات،وإنما يتيهون وفي الفلسطينية فال يلبسون هذه منهم،أما أهل المدن فتكا وانتقاما
(الشرشوبة) ّبـ(الطربوش) األحمر ذي ّ ّ
السوداء.
ّ ّ
ّ
الفلسطينية الخطة سهلة ومضمونة ّالنتائج،تتلخص في حملة عمالقة لمداهمة المدن
ضدهمباآلالف الجنود اإلنجليز،فيقبضون على ّالثوار ّكلهم في يوم واحد،ثم تموت ّالثورة ّ
ّ ّ ّ ّ
الفلسطينية حتى الجبال بعد أن يعلقوا الثوار على أعواد المشانق على امتداد الطرق المدن
ّ ّ
مقر الثورة.
الفلسطينية في لحظة واحدة ليجدوا ّأن رجال ّ الصباح،وداهم الجنود اإلنجليز المدن جاء ّ
ّ ّ ّ ً
الفدائيون بينهم.ارتبك الكوفيات،وتلثموا بها،فاختفى المدن وصبيانها جميعا قد لبسوا
ّ ّ
اإلنجليزي وأسقط في يديه،وابتسم الثوار. (الجنرال)
انتظار
ّ
المخيم،ويعودون إلى بيتهم في ّ
يؤرخ األزمان جميعها باالنتظار؛سوف يهجرون هذا
يتزوج عندما يخرج أخوه (مصعب) القرية عندما يرحل ّ
الصهاينة،وهم ال يرحلون.سوف ّ
64
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
بحر أسود
ً المرات التي ُسمح لعائلتها فيها بأن تصل إلى شاطئ ّ ّمرات قليلة هي ّ
غزة،وأن تقضي وقتا
ة،أمها أخبرتها ّإنه صاف مثل قلوب ّ
افي ّ الزرقاء ّ
الص ّ سعيدا في مداعبة مياهه ّ ً
الشهداء. ٍ
وجدت بيتها يكاد يغرق في مياه قذرة منتنة ّالرائحة قدْ عندما استيقظت هذا ّ
الصباح
الصهاينة عليهم من الصحيّ قد أطلقها ّ
الصرف ّ ّ
وزقاقه،إنها مياه ّ حيها اجتاحت شوارع ّ
ّ يعذبوهم أكثر فأكثر؛ابنتها ّ ّ
الصغيرة تسألها بفضول وقد أدهشها اللون األسود جديد كي
أرضية بيتها»:بحرنا لونه أزرق،فهل هذا البحر األسود ّ
القاتم الذي ابتلع الشوارع ثم ابتلع ّ
ّ
للصهاينة؟»
ّ
نعم،إنه بحرهم». أجابتها ّ
األم بقرف من ّالرائحة الكريهة التي تزكم أنفها»:
هواية
ّ
المادية وإصراره ّ
الجسدية ومعطياته تعود على أن ّ
يطور هواياته بما يتناسب مع إمكاناته ّ
على االنتقام من مغتصب وطنه الجبان؛في طفولته كان يجيد الجري،ولذلك كان ّ
يتعمد
65
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ً محشوة بالحجارة على ّأي رصيف أمام ّ أن يترك حقيبة ّ
دورية الجنود،ثم يركض بعيدا عنها
الصهاينة يهربون مرتعدين من حقيبته حتى يتوارى عن األنظار،ويقف يراقب الجنود ّ
الصغيرة التي ّ
يظنون ّأن فيها قنبلة ما. ّ
الصهاينة عبر مقالعة ّ
جلدية صنعها طور هوايته لتصبح فقئ عيون الجنود ّ عندما كبر ّ
بنفسه.
ّ
الفلسطينية غدت هوايته وعندما حصل على سالح بعد انضمامه إلى صفوف المقاومة
ً ً ّ أن يقطف رؤوس الجنود ّ
الصهاينة،وينذر كل رأس منها لفلسطينيّ قتلوه ظلما وعدوانا.
وليّ
األغر الذي قبضوا عليه في أعلى الجبل أرادوا ّاللهو بتخويف الفتى الفلسطينيّ ّ
ّ
يرعى عنزاته القليلة،استفردوا به،واستغلوا ّأنه وحده أعزل من رفيق ُمعين أو سالح
الشهيد الفدائيّ في أعلى الجبل،ثم انهالوا عليه حام،فقيدوه،وجرجروه إلى مقبرة الوليّ ّ
ّ ّ ّ ّ ٍ ً
صفعا وهو مقيد الذارعين والعينين،وتناولوا من األرض حجارة مدببة الرؤوس كي يكسروا
بها عظامه على مهل.
ً الوليّ ّ
الشهيد الفدائيّ لم يطق صبرا على ما يشهد من اعتداء خبيث على الفتى األعزل
ّ
الوحيد،خرج من قبره،أطل من مالبسه ّالدامية،وجهه كان هالمي القسمات،حضر
ّ ّ ً ّ
نيا،فعم الظالم نامت في صمته،أشرق بهاؤه على ّالد جميعا في وجه،هيبتهم ْ الشهداء
ّ ّ ً ْ
عيونهم،طارت قلوبهم بعيدا ً
عنهم خوفا من تجليه،وطاروا خلفها يتعثرون بجبنهم في
ّ ّ
وتدافعهم للنجاة بأرواحهم من غضب الشهيد الوليّ.
ّ
فلسطينية لـمدة 95كيلو جمهورية
ّ
اسمها دالل المغربيّ،واسمها الحركيّ في الفداء (جهاد)،أحالمها كبيرة،ولكنها األكبر
ً
منها على ّالرغم من ّأن عمرها ال يتجاوز العشرين عاما من سنين العذاب الفلسطينيّ التي
66
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
والشتات والمذابح وعذابات المخيمات وضنك الحياة والفقر ذاقت فيها ويالت ّالتهجير ّ
ّ
واالضطهاد والظلم.
تقبل العلم الفلسطينيّ الذي كانت تطويه في جيب مالبسها اآلن هي بإجالل وتقديس ّ
ّ َ العسكرية التي ّ
الصغير الذي ق ّد ثوب الطفولة منذ زمن تشف عن جسدها الهزيل ّ ّ
ً ّ ً ّ
مقدسا في أتون الوطن،لقد المهزومة،وقرر أن يكون حطبا طويل،وهجر األنوثة المتقاعسة
ّ ً ً ّ
تدر بت طويال على أيدي أمهر الفدائيين الفلسطينيين في لبنان لتصل أخيرا إلى هنا،وتعلق
مقدمة الحافلة التي تختطفها. علم وطنها في ّ
لمدة ستالصهيونيّ ّ الربيع ال تل أبيب من قبضة العدو ّحلمها،وتحرر تل ّ
ّ اآلن هي ّتحقق
الحرة المنتصرة على امتداد 95كيلو في العمق ّ
الفلسطينية ّ ّ
الجمهورية عشرة ساعة،وتعلن
ّ المحتل من تل ّالربيع من حافلة ّص ّ ّ
الفدائية،ليرفرف هيونية اختطفتها هي ومجموعتها
ّ
العسكرية التي تخطفها أمام دهشة العيون مقدمة الحافلةالعلم الفلسطينيّ بكبرياء في ّ
هيونية التي ترتعد بخوف وجبن. الص ّ ّ
وفروسية نادرة »:نحن ال نريد قتلكم،نحن نحتجزكم فقط ّ تصرخ فيهم،وتقول بنبل
رهائن لنخلص رفاقنا المعتقلين من براثن أسركم.نحن شعب يطالب بحقه بوطنه الذي
سرقتموه.ما الذي جاء بكم إلى أرضنا ؟!»
وعندما تقرأ في عيونهم ّأنهم ال يفهمون ما تقول توكل لمجندة صهيونية محتجزة -تزعم
ّ
ّ
جهوري يمنية -مهمة ترجمة ما تقول لهم،وهي تلفظ كلماتها بصوت ّأنها من أصول ّ
ّ
شجاع »:هل تفهمون لغتي أم أنكم غرباء عن اللغة والوطن !!!.
تترنم،وتهتف مع زمالئها الفدائيين»:لتعلموا جميعكم أن أرض فلسطين ّ
عربية، هي ّ
وستظل كذلك مهما علت أصواتكم وعال بنيانكم على أرضنا.
حبي وفؤاديبالدي ...بالدي ...بالدي لك ّ
فلسطين يا أرض الجدود إليك ال بد أن نعود»
67
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
تصدق ّأن هذه الفتاة هيونية العالقة في الخوف تحاصرها بدهشة،وهي ال ّ الص ّالعيون ّ
ًّ ً الفلسطينية ّ
ّ
فلسطينيا،بينهم لبنانيّ الصغيرة قد بلغت الجرأة بها وبأحد عشر شابا
ّ ّ
ويمنيّ،أن يخترقوا شواطئ يافا المحتلة،وأن ينزلوا عليها،وأن يصلوا إلى قلب مدينة تل
وجه إلى صهيوني ًا،ويجبرونها على ّالت ّ
ّ ّ ً
مجندا ّالربيع،فيخطفون حافلة فيها نحو ثالثين
عسكري،ثم يخطفون حافلة أخرى،وينقلون الجنود الذين فيها ّ حيث يريدون عبر طريق
ّ ًّ إلى الحافلة األولى،ليصبح عدد المختطفين ّ
ثمانية وستين جنديا،ويعلنون أنهم عادوا إلى
وطنهم لتحرير رفاقهم الفلسطينيين األسرى.
ً هي قد ّ
حققت حلمها أخيرا بإعالن تحرير وطنها،فهي تعيش أجمل لحظات عمرها
حررتها ولو لزمن قصير،هو زمن ّ المحتلة من وطنها بعد أن ّ ّ
عملية في عمق األراضي
االختطاف وعبور 95كيلو في داخل تل ّالربيع.
لقد حاصرتها ومن معها من األشبال الفلسطينيين جماعات سوداء آثمة من الجنود
ّ الص ّ العسكرية ّالثقيلة ّّ ّ
هيونية بقيادة اإلرهابيّ المحتل (إيهود والمروحيات واآلالت
ُ ّ ّ
باراك)،لكنها لم تخف،ولم تتراجع،وظلت تقاتل حتى آخر طلقة معها إلى أن أستشهد
ضحية،واخترقت رصاصة أعلى عينها اليسرى،وأسلمتها ْ معظم من كان معها من رفقاء ّالت
ّللنوم األبدي العذب في وطنها.
يشدهاعدوها (إيهود باراك) الذي ّ ّ
بوحشية ّ ّ
شعرها،ولكنها ال تبالي تكره أن يلمس بشر
ّ
من شعرها،ويسحب جثمانها على األرض،وينكل به بغيظ دون أن يستطيع أن يمنع
الشهداء لتستقبلهم مالئكة روحها من أن ترتقي إلى ُالعال،وهي تمسك بأيدي رفاقها ّ
ّ ّ
السماء مبتسمة مهللة.
يمثل بجسدها ّ ّ تبتسم ساخرة من عليائها وهي ترمق ّ
الشهيد،تهتف بأهل عدوها األحمق
السماوات واألرضون جملتها ّ
المقدسة. ّ
ة»،فتردد ّ حرة ّ
عربي األرض نكاية به»:فلسطين ّ
68
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
ّ ّ
خيال الظل
ّ ّ ّ ّ
يحب دور بطل خيال الظل،ولذلك يعيش حياته عندما يرقص ُدماه،إال ّأنه لم يكن ّ
والنضال والبطولة ّ
والشهامة والكرم التي حقيقي ًا في حياة المغامرة والفضيلة ّ ّ ً ً
يوما فردا
ً ّ
ّ
بعشوائية هندامة وشعثاء خصال القماشية التي يصنعها ببراعة ودقة قياساّ تعيشها ُدماه
ّ ّ ً ّ ّ
مجرد مرقص لدمى خيال الظل،ال يعرف الكثيرون اسمه أو أصله شعره،بل كان دائما
ّ
على وجه ّالدقة،ولكنهم يتفاءلون به عندما يرونه يحط عزاله في مقهى من مقاهيّ
مدينة القدس،ويعلن لهم عن موعد مسائيّ لعرض من عروضه التي تستحضر أبطالهم
والزناتي خليفة وعروةالهمة ّ
المحبوبين أمثال عنترة وسيف بن ذي يزن واألميرة ذات ّ
بن الورد والمهلهل وعلي ّالز يبق،وغيرهم،فيتوافدون عليه مساء ليدخلوا عوالمه الجميلة
الحالمة مع صبيتهم وصغار صباياهم بقليل المؤن والهدايا والقروش التي يغدقون عليه
بها.
ّ ً ً ً ً
صوته كان بطال دائما،أداؤه كان بطال،انفعاله كان بطال،قدرته على إحياء األحداث كانت
ّ ً ّ
يسكنه،ولكنه كان يعيش حياة بسيطة ليست ذات جاه،يكفيها قليل تدل على ّأن بطال ما
يحبه،ويعيش وسط أبطاله العرائس الذين يعيش المال ليقنع بها مادام يعيش ّ
للفن الذي ّ
معهم صداقة ال انفصام لها.
ّ إلى أن جاءت عصابات ّ
الصهاينة،وهاجمت المدينة وقراها،واحتلت ابتداء قرية
ّ القسطل،فتصدى لها القائد (عبد القادر الحسينيّ) ّ ّ
ليحرر القرية األسيرة،ويحطم
ّ ّ
ها،لكن العرب رفضوا أن يساعدوه،وأن العصابات التي تنوي أن تستولي على فلسطين كل
ّ
وسالح،ثم الح،فقرر أن يدافع عن وطنه بما يملك من عظيم رجولة وقليل رجال ّ يمدوه ّ
بالس ّ
ّ ّ ّ ّ ّ
مكان،وانضم إليهم صاحب خيال الظل الذي ترك عزاله ودماه انضم إليه األحرار من كل
السوق القديم في القدس إلى حين عودته،ولحق بـ(عبد أمانة عند صاحب المقهى في ّ
القادر الحسينيّ) ورجاله.
69
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ ّ ً
أخيرا آن لرجل خيال الظل أن يلعب دور البطولة الذي عاشه ّمرة تلو األخرى في عالم
ً
الخيال،ولم يعشه يوما في الحقيقة،لقد قاتل ببندقيته اليتيمة حتى التقمه الموت بعد أن
كثيرا وهو يفتك برجال العصابات،فمنعه من أن يرى قرية القسطل قد ّ ً
تحررت من طارده
ً ّ ُ ّ ّ
العصابات الصهيونية،ولم َير قائده األشوس يستشهد في هذه المعركة،ولكنه أخيرا لعب
ًّ ً
مرضيا دون أن يعرف أحد دور البطولة الخالدة الذي لطالما حلم به،وغادر الحياة راضيا
ماذا كان اسمه أو من يكون.
العيد
ّ ّ
خمسة أعوام كاملة لم يدخل العيد بيتهم فيها؛في كل عام هناك موت صهيونيّ يغتال
ّ
وبيوتهم،أما هذا العيد فهو ّ ّ ً
يصمم جيرانه،فيحرم العيد على قلوبهم فردا من أسرته أو من
على أن يفتح األبواب له على ّالرغم من الحصار الذي يفرضه الجنود ّ
الصهاينة على بلدتهم
الصغير ذا الخمسة أعوام بأن يرى طقوس العيد في منذ أكثر من شهر بعد أن وعد أخاه ّ
ُ
بيتهم،وهو من لم يرها في بيتهم مذ ولد في ليلة استشهاد خاله(طالل).
ّ ّ
لقد أنفق ما ّادخره من عمله المتقطع في البناء وما ّادخرته العائلة كلها في رمضان محجور
ً عليه بحصار طويل الستقدام العيد بصورة تفرح قلب أخيه ّ
الصغير.فجاء العيد متباهيا
ّ
األصغر،ويتزين الخاصة باالبنّ ببيت حنون يتناوب على ترقيص مالبس العيد الجديدة
والشموع المتأللئة،سار العيد إليهم على هدي رائحة فطائر العيد الملونة ّبالبالونات ّ
ً ّ بالمكسرات ّ
ّ
والتمر والقشطة،لقد حل على بيتهم أخيرا بعد انتظار طويل،دخل المحشوة
ّ ّ
من الباب،فخرجت روح أخيه من النافذة برصاصة صهيونية قنصته وهو يأكل من فطائر
ّأمه،ويرقب قدوم العيد الذي سيقابله اليوم ّ
ألول ّمرة في حياته.
70
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻮﻃﻦ
71
2
تقاسیم المعتقل
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
آمال
لتحملها أحالمها وأمانيها وخوفها من المستقبل الذي ال يهادن ّأمها أسمتها(آمال) ّ
ّ ّ
امرأة زوجها عجوز،وال أهل لها أو معين.كانت (آمال) الطفلة المدللة التي تستعصي على
ضن ًا بها على ضنك الحياة ّ
وكد الحياة. والكبر؛ألن والديها يحبسانها في حنانهما ّ
ّ ّ
السنين
ّ
مدرستها،زجوا بها في الصهاينة دون جناية ارتكبتها وهي في طريقها إلى اعتقلها الجنود ّ
ّ
الفلسطينيات في صحراء قافلة جافة من ّأي رحمة بعد أن صادروا كتبها
ّ معتقل األسيرات
ّ
ودفاترها.هناك تعلمت أن تكبر،وأن تخلع ّالدالل لتليق بأمهاتها الجديدات.
ّ ّ ّ تنادت الكثير من ّ
العالمية إلطالقها من األسر بوصفها اإلنسانية المؤسسات والمنظمات
خرجت (آمال) من المعتقل حيث ْ ّ
سياسية في العالم.بعد أشهر من المعاناة أصغر معتقلة
ّ ّ ً ً ْ ْ
خلعت طفولتها،وارتدت قلبا شجاعا ال يقبل بأقل من فجر أبلج قريب يحقق آمال الوطن.
األسير ّ
الرضيع
بأي جناية هو مسجون في هذا المعتقل حيث ّالرطوبة والعفونة واالزدحام ال يعرف ّ
يجف حليبها الحياة،وأمه الحنونة يكاد ّ
ّ ّ
كئيبة،ولكنها ّ
تصمم على والجوع،الوجوه حوله
ً ً ً
حزنا ومرضا وهزاال.
تزم فخذيها الضيق ّ
والضنك أمامه،لم يخرج بسهولة من بطن ّأمه ّ
ألنها ّ منذ ُولد وجد ّ
قدميها،وتشد إحداهما إلى األخرى،حتى ّأنها لم
ّ بشدة بسبب سالسل ّ
تكبل وتغلقهما ّ
مصفدة اليدين،وطال جوعه ؛ألنها كانت كذلك ّكأي ّأم ّ
تستطع أن تحتضنه عند والدته ّ
ألنها كانت تعاني من غيبوبة عميقة بسبب نزيف ّ
حاد قبل أن تدس حلمة صدرها في فمه ّ
أصابها في والدتها له.
يحبها،ويسمع همسها في أذنيه عندما تعده قائلة»:حبيبي محمد،سنخرج في القريب هو ّ
ّ َ ّ من هذا المعتقل ّ
جابر،وأختيك،وجدتك وأعمامك الصهيونيّ اللعين،عندها سترى والدك
74
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ
وأقاربك أجمعين».
تسميه ّأمه بالمعتقل
يصدقها،ويحلم مثلها بالخروج من هذا المكان الكئيب الذي ّ هو ّ
ّ،ويمرن يده كي يستطيع في القريب أن يرفع إصبعين من أصابعه إشارة نصرالصهيوني ّ ّ
ّ
إلغاظتهن وتأكيد فشلهن في الص ّ
هيونيات ّ
المجندات ّ كالتي ترفعها والدته في وجه
ً
زعزعة صمودها،ويفخر بلقب أصغر أسير في ّالتاريخ،وإن كان ال يعرف تماما معنى هذا
ً ّ
ّ
سيصدق ّأمه التي قب،لكنه يعرف ّأنه سيعرف معناه جيدا عندما يكبر،وحتى ذاك الوقت
ّ الل
تعده بالخروج في يوم قريب من هذا المكان الكئيب المخيف.
إضراب
ً ّ
منذ أيام لم يعد يستطيع أن يحصيها هو مضرب عن الطعام احتجاجا على اعتقاله دون
سبب أو محاكمة في هذا المعتقل ّ
الصهيونيّ العفن.
قدميه،أجبروه بضع ّمرات على شرب جسده هزل،ولم يعد يقوى على الوقوف على ّ
ً
بالستيكية ّدسوها بعنف في أنفه وصوال إلى جوفه
ّ الحليب البارد كثير ّ
السكر عبر أنابيب
ّ
المغث. حتى ّمزقوا مجراه ّالتنفسيّ،وأغرقوا معدته بالحليب البارد
لكنهم اآلن ّقرروا أن يتركوه يموت على مهل وعذاب ّ
كأي أسير فلسطينيّ في معتقالتهم،ال ّ
ً ّ ّ
يعنيهم حمالت منظمات حقوق اإلنسان إزاء إضرابه عن الطعام احتجاجا على قهره.
ّ جلس الحارس ّ
الصهيونيّ أمامه يأكل ما لذ وطاب من طعام افترشه أمامه ليعذبه
بالجوع،وهو ّ
يتفتق من جلده لكثرة ما ابتلع من طعام.
يراقب الحارس األسير الفلسطينيّ،فيغيظه أن ال يرى عذاب الجوع في عينيه،وهو من
يستعرض أمامه لذة األكل.يسأله بفضول »:ما الذي يدعوك إلى هذا اإلضراب المرير عن
ً ّ
الطعام؟! عجبا لك».
بكل هدوء»:أنت معذور في عجبك؛فأنت ال تعرف حرقة ّ ّ
حب يجيبه األسير الجائع
الوطن».
75
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
القصيدة
ً ً ّ يجيد كتابة ّ
عر،ولكنه ال يستطيع أن يحفظ ولو بيتا واحدا ّمما تفيض به قريحته،وعليه الش
أن يحتفظ بقصائده جميعها التي يكتبها لحبيبته (خديجة)،فهو مجنون (خديجة) كما
يسمونه في المعتقل ّ
الصهيونيّ. ّ
ّ ً
شعره،ويوزعه ليس مسموحا له بأن يقتني الورق أو األقالم في المعتقل،ولذلك ينظم
ً ّ
باإلجبار على األسرى جميعا،كل منهم عليه أن يحفظ عشرة أبيات من شعره،وكي ال
ً
بعضا ّمما ّ
حفظه من شعره فهو ال يفتأ يستنشدهم ما يحفظون من شعره. ينسى أحدهم
ّ
ال يبالي بسخريتهم وهم ينشدون على مسمعه ما يحفظون من شعره،إنما يعنيه أن يعرف
الصدور إلى حين خروجه من ّأن ّكل ما نظم من شعر في حبيبته (خديجة) محفوظ في ّ
ُ ّ
المعتقل ليسكب على شفتيها كل ما كتب من شعر،وما ّادخر لها من قبل.
ال أحد يجرؤ على أن يخبره بأن رصاصات المستدمرين قد اغتالت (خديجة) منذ
زمن،وهو ال يملك جرأة ليقول لهم ّأنه يعرف ّأنها قد رحلت عن هذا العالم دون رجعة،ولن
ً
تسمع في يوم ما بيت شعر ّمما ّيدخره لها قسرا في صدور األسرى الذي يحفظون شعره
رحمة بقلبه العاشق المكلوم ومدامع هواه.
دموع
على حين ّغرة،ومثل مطر يغسل قحط سنين يأتي قرار اإلفراج عن األسرى الفلسطينيين
في صفقات مبادلة ّمتفق عليها مع الكيان ّ
الصهيونيّ.
في دقائق يخفق الخبر في قلوب المنتظرين،يطير الجميع الستقبال األسرى ُ
المفرج
ّ
لعل والده من ُ عنهم،ويطير هو في ّ
المفرج عنهم. مقدمتهم
ّ ّ
تتحسس عينيه كل وجه من وجوه األسرى وعيناه تبحثان عن ذويهم في األجساد
ً ً
المزدحمة في االنتظار،يراقب األجساد الملتقية تذوب احتضانا وتقبيال.
76
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ
المفرج عنهم،يدير ظهره قبل أن تفضحه دموعه يدرك ّأن والده ليس من ضمن األسرى ُ
التي يشرق بها،وتحرق حلقه حشرجة خيبة األمل،يمسح دموعه بباطن يديه كي ال يراها
ّ
رجل،والرجال ال يبكون. ّأي أحد،فهو
سجين
ً
كادرا الخدمة في هذا المعتقل ّ ً ًّ ًّ
الصهيونيّ،كانت تعلو صهيونيا مستحدثا على جنديا كان
وجهه األبله المفلطح المساحات زرقة الموت وهو يرى تعذيب المعتقلين الفلسطينيين.
الضخم مثل جسد ثور هجين بتر حياة لكنه سرعان ما ذاق شهوة الفتك بالبشر.جسده ّ ّ
الشاب الفلسطينيّ بنطحة واحدة منه. ّ
جثة هامدة من المعتقل رغم أنفه وهو من ّ
توعده ّ ّ ّ
بالسجن الشاب الفلسطينيّ القتيل خرج
تفل بقرف ّ َ ً
وتقزز في وجه طوال عمره تنكيال بشبابه ووسامته وشجاعته وإصراره الذي
بالدته.
ّ
منذ ذلك اليوم غدا هو سجين المعتقل حيث يراقب أسراب أرواح الشهداء الفلسطينيين
ّ ً تحلق نحو العلياء والخلود،وتتركه ّّ
يتلوى حبيسا في جسده الثور البليد.
حليب
ً ّ
لم تتوقع أبدا أن تجود عليها األقدار بابنها ّالرضيع (رزق الله) بعد أن فقدت األمل في
تزوجت من جارها( عمها،بسبب عقمها،ثم ّ اإلنجاب،وهجرها زوجان،أحدهما ابن ّ
ّ
زهدي) الذي حملت منه بابنها(رزق الله).
ّ
ولكن القدر جاد عليها به في حين تآمرت الظروف عليها،فحرمتها منه عندما وجدت
ً
بعيدا عن طفلها ّالرضيع هدية ّ نفسها أسيرة في معتقل صهيونيّ في ّ
السماء لها الصحراء
الذي تركته أمانة غالية في عهدة زوجة أخيها.
ً ّ
أشد ما يحزنها ّأن طفلها رضيع يحتاج إلى دفق حليبها الذي ينساب هاربا من حلمتي
77
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ْ ّ
حشرجت بدموع االشتياق له،أو شرقت بلوعة فراقه. ثدييها كلما نطقت باسمه أو
ّ هي ّ
تصدق بالمعجزات،تخرج ثدييها من داخل ثوب سجنها الفضفاض القذر،وتفكر
بابنها ّالرضيع،فيندلق الحليب من صدرها في فم ابنها على ّالرغم من البعاد،فترضعه حتى
يشبع وبينهما صحراء وسجن وجنود وكالب!
أسير
ّ الصهيونيّ بتهمة ّ ً
عشرعاما قضاها في األسر ّ
كبير؛ألنه أطلق بضع طلقات مخرب أحد
ّ ً ً
على معسكر جنود صهيونيّ،دخل إلى هناك طفال مدفوعا بالحماس ّ
والرغبة الطاهرة
ً ّ البريئة ّ
العبودية،وخرج منها عميدا من عمداء األسرى بالشهادة وتحرير فلسطين من قيود
ّ
الفلسطينية. العربية ألجل ّ
القضية نضالي ًا ُي ّعد مدرسة في ّالتضحية ّفكرا ّ ً
الذين يحملون
ُ ّ ّ ً
لم يجد أحدا في انتظاره عند خروجه من المعتقل،خمن أنه لم يسمح ألحد من أهله
ّ ّ
الفلسطينية المحتلة كي يستقبلوه،أنتظر بحماس أن ُيلقى وأصدقائه بأن يدخلوا األراضي
به على حدود وطنه كي يجد المستقبلين المحتشدين في انتظار عودته الميمونة المنتصرة
بالصبر واإلصرار على محاوالت استعباده وهزمه. ّ
المقربين الذين لكنه لم يجد ّأي بشر في انتظاره خال حفنة من أخوته وبعض أصدقائه ّ ّ
الواحدة،تعجب من غياب ّالناس عن مالقاة عميد األسرى ّ ال يتجاوز عددهم أصابع اليد
الفلسطينيين.
ّ ّ ّ ّ
الطرقات كانت تعج بحشود من الناس التي تتدافع إلى مطار المدينة كي تستقبل راقصة
رقصت شبه عارية ْ ّ
بطال؛ألنها عربية عرجاء ّالروح والقدم كي تستقبلها استقبال األ ّ
ً ًّ ْ لبعض رؤساء العالم بما فيهم زعماء ّ
عربيا رقصت رقصا ّ
رياضية ما،لقد الصهاينة في ّقمة
الشارع يقولون ّإن هذه ّالر ّ تثنيات أفعى تختنق بأرنب،سمعهم في ّ ً
موصوال يشبه ّ
اقصة
الشفاف الذي يقذف بلحمهما وجسدها الشمطاء قد ّشرفت العرب ّ
بفنها ّالرفيع،وثوبها ّ ّ
في وجه من يقابلها.
78
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ
ً ً
جلس على ّالرصيف المنزوي متعبا مهزوما،وشعر ّأنه مازال في األسر.
عيد ميالد
يدق في صقيع روحها الخائفة.لم عشر،إنه ناقوس حزن ّ ّ السادس ّإنه عيد ميالدها ّ
الشباب والجمال والحلم والفرح هدية أو محتفلون بها،وليس ّ ينتظرها حفل أو حلوى أو ّ
هم من كانوا في انتظارها،بل كان في انتظارها في بيتها القديم في مدينة ّالناصرة األسيرة
يحرم على أبناء األسرى واألسيرات الفلسطينيين أن ورقية من قانون صهيونيّ جائر ّ نشرة ّ
السادسة عشرة. سن ّيزوروا آباءهم وأمهاتهم المعتقلين إن بلغوا ّ
بالسجن مدىستحرم من رؤية والدها حتى آخر لحظة في عمره،وهو المحكوم ّ اآلن ُ
عدوه لتحرير وطنه.ألنه فلسطينيّ يحارب ّ الحياة ّ
ترفض أن تستسلم لهذا القرار الجائر،تلبس ثوبها الجديد األوحد الذي ّتدخره للمناسبات
ّ
عينيها،وتتمنى أمنية عيد ميالدها،هي السعيدة ّالنادرة في حياتها،تشعل شمعة،وتغمض ّ
تتحقق أمنية عيد ميالدها،فيفتح والدها باب أمنيتها الوحيدة،ثم تطفئها،وتشرع تنتظر أن ّ
ّ
بيتهم،وييمم نحوها ليبدأ االحتفال بعيد ميالدها.
ُ
ع ِر ّي
تتكشفوتحجبت،لم ّّ متدينة عريقة،ومنذ طفولتها حفظت القرآن هي سليلة عائلة ّ
ً
غريبا،فهي تلميذة ّ
لجدتها ألبيها التي تدعو لها ّ ً
بالستر ليل في يوم لرجل أكان قريبا أم
صوفية شهيرة،حتى ّالرجل الوحيد الذي ّأملت نفسها بأن ّ
تتعرى له نهار،وتترأس طريق ّ
ّ
ّ ّ
صهيونية في إحدى المظاهرات،وبذلك ظلت زوجة بعد أن خطبها قد اغتالته رصاصة
جوهرة مكنونة في صدفة غائرة في أعماق بيت أسرتها.
هيونية،منذ اعتقلوها في ّ ً
تماما أمام لجنة ّالتحقيق ّ
الص ّ ّ
عملية لكنها اآلن تقف عارية
يجربون فيها أصناف العذاب ّ
شتى،وما نالوا من إصرارها آلت إلى الفشل،وهم ّ استشهادية ْ
ّ
79
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
قلب
الشاب األسير الفلسطينيّ ليسرق قلبه الصهيونيّ أن يقتل ّّقرر مدير المعتقل (الجنرال) ّ
الصهيونيّ الذي يالزم سرير المرض منذ سنوات دون أمل في السليم المعافى؛ليهبه ألخيه ّ ّ
أن يحظى بقلب سليم،يزرعه في صدره بدل قلبه المعطوب ليستأنف به الحياة واألمل.
والنضارة بالصحة ّ المزهو ّ
ّ الشاب القادم من جبل الخليل منذ رأى ذلك األسير الفلسطينيّ ّ
ينقض على قلبه لينتزعه من صدره،ويزرعه في قلب أخيه والنشاط وهو يحلم بأن ّ ّ
(باروخ).
ً
أخيرا ّ
حقق حلمه،وسرق القلب الفلسطينيّ من صدر صاحبه،كما سرق من قبل وأهله
فلسطين من أهلها اآلمنين المسالمين.
ّ
ة،الشاب الفلسطينيّ قد ُدفن بمعرفة الجيش الصهيونيّ العد ّ عدت له ّّكل شيء قد ُأ ّ
ّ عمليات ّ ً
خوفا من ّأي ّ بحجة ّأنه ّ
ّ
انتقامية فدائية مخرب،وال يجوز تسليم جثمانه ألهله
ّ الطبيّ في المستشفى ّ ّ
الصهيونيّ في مدينة تل ّالربيع التي يسمونها (تل لمقتله،والكادر
أبيب) كان على أهبة االستعداد إلجراء عملية زراعة القلب بعد وصول القلب المسروق.
ّ السارق،وجسد أخيه ّ خطة (الجنرال) ّ
الصهيونيّ ّ ّ
تقبل بكل األمور جميعها سارت وفق
ّ
ترحيب القلب المسروق،وبعد أيام كست حمرة الحياة وجنتي أخيه الذي استيقظ بعد
ّ ّ غيبوبة قصيرة استولت عليه بعد ّ
المعقدة الطويلة الستبدال قلب الفتى الفلسطينيّ العملية
80
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ
81
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ
زوجها،ولكنهم ما استطاعوا أن يحرموه من حلم السجانين الذين أوصدوا األبواب دون ّ
األ ّبوة.
(عمار) ليطبع قبلة ّ
هوائية على جبينه ّ
نصر،وتمد له ابنهما ّ تبتسم لزوجها ابتسامة
ً ً ً ّ ّ
مخترقة الفاصل الذي يبعدهما،وتؤمله بأن يكون هذا الطفل ّالرضيع رجال شهما مناضال
ًّ
قويا ينتظره على باب المعتقل عندما تنقضي ّمدة محكوميته،ويخرج منه بعد نحو ربع
ْ
قرن،فيربت بحنان على شيخوخته،ويعود به إلى البيت حيث الجميع في انتظاره.
82
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﻌﺘﻘﻞ
83
3
تقاسیم المخیّم
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ
الدرب
شد والده على يده وهو ّ ً
صغيرا يجهل ّالدرب والمقصد عندما ّ
يجره على عجل مع كان
إخوته وما جمع من نزير أثاث بيته بعد نكبة عام ،1948وعندما سأل والده «إلى أين
المسير؟» أجابه والده باقتضاب منكود»:ال نعرف إلى أين سنذهب».
ً اآلن هو ّ
ّ
وأمين،ويجرهما على عجل وهلع هروبا يشد بقبضته الكبيرة على كفي ابنيه ّالت
المخيم في أعقاب األحداث ّالدامية في عام ،1967يسأله أحد ابنيه« :إلى أين سنذهب
من ّ
يا أبي؟!»
ّ ّ
يلوك ابتسامة صفراء تعل نفسه،ويجيبه بمرار مقيم»:ال نخرج من مخيم إال لنذهب إلى
مخيم جديد».
ّ ّ
تل الزعتر
المتوحشة من االنقضاض على البشر،العصابات ّ ظن ْت ّأن الموت له هذه األشكالما ّ
ْ ّ ّ
اجتهدت كي تبتكر أبشع طرق قتل الفلسطينيين دون ذنب لمخيم (تل ّالزعتر) المهاجمة
ّ ّ ّ
سياسية بحتة. أو جناية اقترفوها إال أنهم على أجندة تصفية جهة ما ألسباب
ما عادت تبالي بصور الموت،تنتظره دون خوف،ال تخشى أولئك الوحوش رجال
العصابات،لقد أبادوا أمام عينيها أقارب وجيران وأصدقاء ال تستطيع أن تحصيهم
ً ّ
جرة ماء إلنقاذ ّأمها وأختيها من نزاع الموت
،كل ما تريده اآلن هو أن تحصل على ّ عددا
ً
عطشا.
ّ
جرة ماء ضرب من المستحيل تحت رصاص القناصين وتناوش بنادق رجال إحضار ّ
صمموا على أن يحضروا الشهداء الفلسطينيين الذين ّ تغص بدماء ّ
العصابات،آبار الماء ّ
الماء لذويهم.
الصغير الحزين من عيون ّ
ماء،تخاطر،وتتستر بقلبها ّ تراهن على حياتها ّ
بجرة
86
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﺨﯿﻢ
ّ
المخيم،وتعود تحمل ّ ّ
اصين،تتعثر بجثث ّ ّ
جرة الماء،على باب بيتها الشهداء من أهل القن
الماء،ويراق ماؤها على األرض ّ
السخينة التي تبتلع الماء ُ ُ
اص،فتستشهد ّ
جرة يقنصها ّقن
جرة الماء،ولم يصدها هي،تقعد على األرض تبكي ق،تسب ّ
القناص الذي صاد ّ ّ بظمأ ّ
وتحر
الشهيدة،وتلملم بعض الماء في يديها قبل أن ّ
يتسرب من بين أصابعها،ويعود جرة الماء ّ ّ
إلى األرض من جديد.
حنظلة
الشقاء عن والديه وجدوده،كما ورث عنهم الحياة في المنافي،وألف قهر نفسه ورث ّ
ّ ّ
ها،وظن ّأن الحظ قد حالف أخاه األكبر الذي ورث دور األبوة عن ّ المخيمات وذل ّ حياة
ّ ّ ّ
والدهم الذي طحنه المرض والكد حتى شفه ولفظه جثة دون جسد.فاستطاع أن يبني
ّ ً ً ً ً
المخيم في منطقة نائية من ضواحي المدينة التي مستودعا صغيرا أسماه بيتا بعيدا عن
ّ ً
فيها،فكدس فيه ّأمه وأخوته وزوجته وأم زوجته التي تعيش معهم،ثم نقل يعيش الجئا
المخيم إلى مدرسة تلك المنطقة ّالنائية.الصغار من مدرسة ّ أخوته ّ
ّ ظلوا يسخرون منه ّ ّ
المخيم،لم يكونوا أفضل منه ألنه فلسطينيّ قادم من طالب المدرسة
ّ ّ ً ّ ّ ً ً
هنداما أو لطفا أو وسامة،بل كانوا أقل منه ألمحية وإدراكا،لكنهم تحالفوا عليه،وظلوا
ّ
وبفلسطينيته. ّ
منه،ويعيرونه بالمخيم يسخرون
يرد على سبابهم،أو يخجل من خلع حذاءه،وأدار ظهره لهم،وماعاد يأبه بوجودهم،أو ّ
سبورة الحائط»:حنظلة غاضب اآلن». الفلسطينية،وكتب على ّ ّ لكنته
صور
الصهاينة والعربالمخيم الذي يهاجمه الواغلون الخليط من ّ ّ لم تحمل ّأمها من
ّ
تعتز به وأطفالها الثالثة،وأملها في ّالنجاة بهم من المتصهينين سوى دفتر ّ
الصور الذي ّ
المفر،وال ّأي ّالدروب عليها أن تسلك نحو المجهول مذبحة ّ
المخيم،لم تكن تدري إلى أين ّ
87
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
دجاجة
ً والصدام ّ
يخشى الموت ّ
والتعذيب والمواجهة،لذلك لم يشارك يوما في ّأي عمل مقاومة
ّ ّ ّ
ينجه من أن يعتقله
للعدو الصهيونيّ،وظل يعيش كدجاجة مزرعة جبانة،ولكن ذلك لم ِ
ّ
الصهاينة،وأن يلقوا به في المعتقل بين أبناء شعبه.
ً ّ
كان مخططه يقتضي أن يحافظ على عقيدته في الجبن حتى يخرج سالما من
بالتعليم ّ
والتثقيف حتى صنعوا الفلسطينيون األسرى ّ
ّ المعتقل،ولكن ما إن ّ
تعهده الفدائيون
ًّ ًّ ً
فلسطينيا. حقيقيا يليق به أن يكون منه رجال
عدوه في ّالدروب،كان يشعر ّبأنه األقوى،رفع رأسه ّ
ألول خرج من المعتقل يبحث عن ّ
88
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﺨﯿﻢ
ّمرة في حياته،ولم يعد يستسيغ اإلطراق في األرض كدجاجة،بل غدا ينظر نحو ّ
السوامق
كنسر أصيل.
ْ
َركض
ّ
هو رجل راكض يحتضن طفلة صغيرة عمرها ثالث سنوات،ليس عنده طاقة ليشرح لكل
ّ ّ
بشر،ويتخذ أبعد مصمم على ّالركض نحو البعيد،يرفض أن يكلم ّأي من يقابله ل َم هو ّ
ِ
الطرق إن كانت نائية بعيدة عن البشر ليصل إلى مبتغاه،هو ال يعرف إلى أين يذهب،لكنهّ ّ
ّ ّ
سيظل يركض حتى يصل إلى مكان ُيرقد لهاثه فيه،ويقنع ذراعيه بأن تفكا حصارهما عن
ّ الصغيرة ّ ابنته ّ
الشاحبة الوجه والحركات واللفظ.
جدة فيه وهون وفق ما تحتمله نفسه التي ّأيام طويلة قضاها في هذا ّالركض المسعور بين ّ
تخور تحت أحزانه ومخاوفه وصور القتلى الفلسطينيين في مخيم (اليرموك)حيث رأى
ً ً ً ً ً
أبشع أشكال موت البشر على مهل جوعا وعطشا ومرضا وحزنا وخوفا.
إشفاقا منه على زوجته المريضة وأطفاله ّ ً ً ّ
السبعة المخيم جبنا منه،ولكن لم يهرب من
ّ ّ
غار،لكنه لم يستطع أن يعصمهم من مخانق التيه والهرب والتشرد والجوع والعطش ّ ّ
الص
والبرد؛جميعهم هلكوا منه في درب الهروب وهم مدفعون عن األبواب،مالحقون بذنب
ّ
فلسطينيتهم.
ّ ّ أخيرا إلى هذا ّالنهير ًّ
األوروبية،هي آخر ما عليه أن يقطع ليحط الصغير في الغابة وصل
ً
ّالرحال الجئا في هذا البلد.
الصغيرة تكاد تنطفئ جذوة يضيعه في هذه الغابة،وابنته ّ الجو صقيع،وال وقت أمامه ّ ّ
ً ً ً
،قرر أن يقطع ّالنهير وهو يحملها إلى حيث يأمل أن يجد فرصة وبردا ّ حياتها مرضا وجوعا
للحياة لها،ماء ّالنهير أبرد ّمما تعني البرودة في قاموسه،ال يبالي بهذا البرد،يرفع طفلته
ّ ً
تجمدا. فوق كتفيه،و يغوص في الماء إلى ترقوته التي ترتجف
ّ ّ ّ أخيرا يصل إلى ّ ً
الضفة األخرى،يضع طفلته على األرض،يتفقد أنفاسها التي تبشره بأنها
89
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ً
على قيد الحياة،ويهجع أرضا إلى جانبها دون حياة.
الحلوة
مخيم (عين الحلوة) في لبنان،وقع في عشقها منذ ّأول مشاجرة وقعت بينهما قابلها في ّ
دت عليه بأسوأ ّرد بصلف فلسطينيّ ال يحتمل قيقة،فر ْ
ّ عندما غازلها بكلماته ّالل ّ
بنانية ّالر
تائم،ولكنه وقع في عشقها؛فقد أعجبته روحها ّ السباب ّ
والش ْ
كبريائه،كالت له ّ خدش
ّ ّ ً
المهر،وجمالها المتواري قصدا خلف السالح في سبيل قضية تؤمن بها.
ّ
العسكري الذي يلبسه أشبال الفدائيين الفلسطينيين ُتخفي رقة ذائبة تقطر ّ خلف لباسها
ّ وحنانا،لو لم تكن تحمل ّ ً
السالح لكانت تحمل سلة زهور،وتمرح بها في سهوب أنوثة
األرز،ولذلك قد أسماها(الحلوة)
ّ ّ
جها،ووافقت على الزواج به دون ّتردد،كانت تسخر من لجهته الناعمة ْ ّقرر أن ّ
يتزو
ْ ّ ّ
الظ ّ قيقة،لكنها ْ
ّ
المراوغة،كانت اهرية كانت ترى صالبة ّالرجال األقوياء خلف هذه الرقة ّالر
لها،ولكنها تختال في نفسها بهذا الوسيم األشقر ّ ّ ً
المتيم بها.لقد كان تسخر علنا من عشقه
ً ّ ً
مصمما على أن ينجب منها طفال على شاكلة سمرتها وعنادها وجرأة روحها.
ّ ْ ْ
انتقلت ّللنضال المسلح في فلسطين. غدرت به،وتركته لتلحق صوت الواجب،لقد ّ
لكنها
ّ
ّ
سالحه،وقرر أن يلحق لم يتألم من ابتعادها عنه،فهو يعلم ّأنها أسيرة عشق أكبر،حمل
ً ً ً بها،فهو ّ
مصمم على أن ينجب منها طفال شجاعا وعنيدا.
عائشة ألوان
ّ ّ هم يثقون فيها ّ
ألنها هي معلمتهم الجميلة التي علمتهم ّالرسم،كانت تشتري األلوان
مخيم (اليرموك)،إذ ّإنهم ال يستطيعون أن يدفعوا أثمان
واألوراق لمعظم األطفال في ّ
ّ
شرائها بسبب عوزهم،هي من علمتهم أن يرسموا الحياة جميلة ّمتسعة فرحة على عكس
الحياة التي يعيشونها في هذا ّ
المخيم.
90
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﺨﯿﻢ
فلسطينيّ
إال ّأنه فلسطينيّ،وهو صغير قالوا له ّإن وطنه قد ُسرق ّ ّ ً
ألنه ال يعرف تسويغا لعذابه
الشقاء زهرة شباب والده وهو يرزح تحت نير عذاباته فلسطينيّ،عندما كبر قصف ّ
الشلل قدمها ألنه فلسطيني،أخته الكبرى أكل ّ ومطاردته للقمة عيشه وعيش أسرته ّ
ألنه فلسطينيّ،عاش طوال عمره في مكعب حقير اليمنى،ولم تجد أسرته المال لعالجها ّ
ً من ّ
الصفيح مصلوبا على قارعة االنتظار في جغرافية موحلة منتنة خلف حدود الوطن
ّ
ألنه فلسطينيّ.
تعلم أن يحزن،وأن يجوع،وأن يعرى،وأن يرى تقتيل شعبه ّبأم عينيه ّ ّ
ألنه عندما كبر
ّ ّ
فلسطينيّ! تعود أن تزدحم ذاكرته بالشهداء ّ
والراحلين والمختفين والمبعدين والمعتقلين
ألنه فلسطينيّ. والغائبين مؤجلي العودة ّ
ألنه فلسطينيّ،وعندما أراد أن يبكي على استحياء ّ
ألن عندما غادره الحلم لم يأبه لرحيله ّ
تشوه الوجه الحضاري بحجة ّأنها ّ
الصغيرة التي يملكها ّ إدارة المخيم صادرت(البسطة) ّ
خجال من البكاء الذي ال يليق به ًّ
ألنه فلسطينيّ! للمخيم غالب دموعه وزجرها
91
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
َ َ
فخار
األساسية في األسرة تنحصر في أن يحمل حذاء أخيه األسود ّ
الملمع الذي ّ وظيفته
ّ ّ
تشاركت األسرة كلها ألجل شرائه ليبدو ابنها البكر الموظف في حكومة هذه ّالدولة في
تشرفه،وال تحرجه بحذاء مغموس بوحل ّ
المخيم الذي يغمرهم بطوفانه المقيم خير صورة ّ
في الفصول جميعها.
ّ ّ
هذا االبن البكر هو طوق النجاة لألسرة كلها،نقوده القليلة هي من تطعمهم أجمعين،وتعفي
ّ
المخيم لينقسم والده العجوز من أن يعمل في أعمال العتل في سوق القمح في أطراف
ظهره ّمرة أخرى.
ّ
حذاء ّبني اللون قديم،ويسير
السوداء الوحيدة التي يملكها،وينتعل ً يلبس األخ البكر بذلته ّ
ً
بخطى واسعة سريعة مختاال كطاووس،وخلفه يسير األخ األصغر يحمل حذاءه بإجالل
وفخار.
المخيم،يجلس أخوه األكبر في مقعد عندما يصالن إلى الحافلة في موقف ّالنقل في قلب ّ
الصغير من نافذة الحافلة،وينتش من مقاعده،ويخلع حذاءه الموحل القديم،ويناوله ألخيه ّ
ّ
منه الحذاء األسود ّالنظيف،وينتعله كي يذهب به إلى عمله دون أن يلطخ األماكن التي
يسير بها بوحل ّ
المخيم.
ّ ألنه قام بمهمته ّ ً
فرحا إلى بيته ّ يعود األخ ّ
األساسية في تحديد مصير األسرة اليومية الصغير
ً
ستتضور جوعا إن طردوهّ أكانت ستجد ما تأكله إن بقي ابنها البكر على رأسه عمله،أم ّأنها
الملطخ بطين ّ ّ
المخيم. من عمله بسبب حذائه
ّ
المخيم
ّ
اضطرت إلى أن ُتقاتل ّالدنيا كلها،لم تعد ُتطيق أن المرة عن هذا ّ
المخيم ولو ّ لن ترحل هذه ّ
المخيمات ّ
والتهجير والعذاب والمعاناة مخيم لتلجأ إلى آخر،حياتها سلسلة من ّ ّ
تهجر من ّ
92
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﺨﯿﻢ
(كرت)المؤن
ّ ّ ّ الصبي ّ يصمم ّ ّ
يفية لعله يجني بعض المال ليشتري الصغير على أن يعمل في العطلة الص
ً ً
جلدية بدل حقيبة القماش التي خاطتها ّأمه له من ثوب قديم لها
وقميصا وحقيبة ّ بنطاال
عمال في ًّ ً ًّ ً ً
المخيم فلم ينجح وطيا.حاول أن يجد قد بلي بعد أن أنهكته لبسا وغسال ونشرا
في ذلك؛فال أحد يرغب في توظيف طفل صغير بجسد هزيل وقامة قصيرة،لذلك ّقرر أن
الصغير العاجز عن العتل ّ
المخيم يتناسب مع جسده ّ
عمال ما خارج ّ ً
والصراع والجري يجد
ّ
والتدافع.
93
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ً ّ
المتاجر،لكنهم زهدوا به إلى أن صادف اهتماما من عرض حاجته على بعض أصحاب
ّ
تاجر عجوز أزرق البدن واالبتسامة،رجاه أن يجد له وظيفة عنده،أخبره بأنه فلسطينيّ من
ّ ّ ّ
استدر عطفه،وشرح له مدى حاجته لهذا العمل،أنكر المخيم لعله يحظى بالوظيفة إن
ّ فلسطيني ًا،وبعد جدال طويل ّقرر ّ
الصبي أن يثبت له ّأنه فلسطينيّ لعله ّ ّالتاجرعليه أن يكون
ّ
فلسطينيته. بالت ّ
حقق من يحظى بوظيفة ما عنده طالما ّأنه مهتم لسبب يجهله ّ
الصبي بجوارحه وحماسه ليحضر (كرت المؤن) من بيته في أسرع وقت ممكن صفق ّّ
ّ
أصله،قدم (الكرت) كي يثبت ّللتاجر ّأنه فلسطينيّ،إذ ال يملك وثيقة غيره تثبت حقيقة
ً ً ّ ً ً
وتوترا وطمعا في الحصول ّللتاجر وهو يلهث،وال يقوى على التقاط أنفاسه تعبا وحماسا
ً
على عمل،ألقى ّالتاجر نظرة ازدراء على (كرت المؤن)،ودفعه أرضا بضربة من رأس
اغرب عن وجهي،ال عمل ل،هيا ْ
متسو ّإبهامه،وقال له باحتقار»:هذا يثبت ّأنك فلسطينيّ ّ
َلك عندي».
الصبي (الكرت)عن األرض جريح الـ ّـروح،وشـ ّـد قبضة يمينه عليه كي ال تناول ّ
ً الش ّمخصاصتها ّيضيعه،فتفقد أسرته ّ ّ
هرية من المؤن،وأطلق ساقيه ّللر يح عائدا إلى بيته
ْ
دموعه،فيشمت به. كي ال يرى ّالتاجر
عقوبة
تتوقع أن تحصل على تكريم ّ ّ
خاص من مديرة المدرسة التي تدرس فيها بعد أن كانت
ّ ّ ّ ْ
حصلت على المرتبة الثانية في مسابقة الشعر على مستوى الدولة التي تعيشه فيها الجئة
الس ّ
احلية. الفلسطينية ّ
ّ بعد طردها وعائلتها من مدينتهم
ًّ ّ
كثعلب أحمق أحرقت ّالنار ذنبه،اقتربت منها،وسألتها بتقزز« :أحقا
ٍ إال ّأن المديرة بدت
ّ
فلسطينية يا بنت؟» أنت
ِ
ّ ّ
شعرت الطفلة الصغيرة بتهمة ما تحاصرها على جريمة لم تقترفها،هداها فكرها
ّ
ة»:ولكنني أحمل برد ّالتهمة ّ
الموجه إليها على حين ّغر المتلعثم إلى أن تدافع عن نفسها ّ
94
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﺨﯿﻢ
ّ
الجنسية»!...
ثدياها ضخمين متهدلين كقربة ماء ّمطت المديرة صدرها بفخر رعوي جاف،فبرز ّ
ّ ٍ
أمرك». ْ
جرباء،وقالت لها»:يا وقحة،غادري هذه المدرسة،وال تعودي إليها إال مع وليّ ِ
ّ
تصدق ّأنها ال تزال على قيد الحياة بعد أن
الطفلة خارج غرفة المديرة،وهي ال ّ طارت
الصريح جريمة أصلها الفلسطينيّ. تت عليها ّ
بالدليل والبرهان واالعتراف ّ ّثب ْ
ّ
وظل ْت طوال طريق العودة إلى البيت تشكر الله على ّأن مديرتها لم تكتشف ّأنها تعيش في
ً
المخيم،إذن لصلبتها على باب المدرسة تنكيال بها على هذه الجريمة ّالنكراء.
ّ
ّ
كماليات
ّ يقدم محاضرة لطلبة المدرسة اال ّ منظمة (األونروا) ّ ّ
المخيم حول بتدائية في مندوب من
ً ّ
ّالتخلي عن الكماليات من أجل االنتصار على الجوع،يعرض صورا إلكترونية عبر نظام
ّ ّ ّ
الط ّ ّ ّ
عام،إنه يضع في الكماليات في العرض اإللكترونيّ الحاسوبيّ الذي أحضره معه حول
ّ ّ ّ
الكماليات كل ما لذ وطاب من طعام وسكاكر ولحوم وأطايب أخرى ال يعرفون لها قائمة
ّ ّ ً
اسما،ولم يرونها في تاريخ مخيمهم الصدئ.
كرقصة ذبيح على يتابعون صور هذه األطايب بحسرة وتشه،وهي تعرض أمام جوعهم ّ
ٍ
ّ ّ
بالط معبد،ثم يضربون عنها بأمر من المندوب السمين ومعلماتهم المعسكرات في باحة
كماليات،وينسرحون يسمعونه ّ لجوعهم،بحجة ّأنها ّ
ّ ً
يحدثهم عن تحضير المحاضرة ضبطا
ّ
األساسية التي ّ
الغذائية يقدم لهم الكثير من العناصرالصويا حيث ّ
غذائية من زيت ّ أطباق ّ
هم في حاجة لها لنموهم.
ّ
الكماليات المعروضة أمامهم على جدار ّ يظلون يسترقون ّالنظرات العاجزة على صور
ّ
الكماليات. بيض،ويتمنون بصمت ُمتواطئ عليه لو ّأنهم يظفرون بهذه
ّ العرض األ
95
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
كمان
مخيم (اليرموك) الذي يسكنه،ال الموت وحده هو من ينتظره في هذه ّاللحظات في ّ
ّ
طعام أو شراب أو أمن أو منقذ أو دفء أو دواء أو درب مهرب،ليس هناك إال حطام يتناثر
يتربصون بهم عند البشر في أجمته،وقصف معتوه يحاصرهم من ّكل مكان،وجنود موت ّ
ّ ّ
،وأياد سوداء تتخطف من تريد منهم بسهولة،وتدفنه في عذاب معتقالت أبواب المخيم ٍ
السلطة في سوريا حتى الموت. المتناحرين على ّ
ّ
والمتخاصمين،لكنه يعلم ّأن تلك الوجوه مخيمه لقمة في أفواه المتناحرين ال يعرف ل َم ّ
ِ
ّ
الفلسطينية التي يحبها في هذا المخيم قد طاردها الموت حتى أتلف حياتها،وأهدر آمالها. ّ ّ
ّأمه ماتت في هذا الحصار بسبب نقص ّالدواء،وطفال أخته التي تعيش معهم منذ موت
ً
زوجها قد ماتا بسبب سوء ّالتغذية،وحبيبته (زينب) أخذها جنود ّالتناحر ليال،وألقوا بها
ّ ّ ً
المخيم جثة عارية من مالبسها ومن أنفاس الحياة. فجرا أمام
عدة،وال مطر في المخيم منذ ّأيام ّ
ّ الشديد،إذ ال ماء في الجميع اآلن يعانون من العطش ّ
الصيف ينجدهم ّمما هم فيه من ظمأ. ّ
ّ ّ ّ
يقرر أن يموت بالطريقة التي يختارها هو،ال بالطريقة التي يختارها له الوحوش الذين
المخيم،يخرج إلى ذلك ّالدمار الذي يحيط به،ويأخذ كمانه الحبيب الذي ّ يحاصرون
ّ ّ
أسرية كاملة من ّالت ّبرعات كي يحصل عليه،هو يجيد العزف عليه بالتعلم اشتراه بحملة ّ
ّ ّ ّ
الجنسية الذاتي وببعض الحصص التي علمها له الموسيقي الفلسطينيّ الذي يحمل
ّ
للمخيم قبل أعوام انصرمت. نماركية حين جاء في زيارة ّالد ّ
ّ ّ
العطش،يقرر أن يظل يعزف حتى يقضي العطش يبدأ يعزف على كمانه الحزين أحزان
ّ ّ
،يتجمع حوله كل عليه،فهذا الموت الذي يختاره،ويقبل به،وهو أن يموت وهو يعزف،
ّ ّ سكان ّ ّ
المخيم،يعزف لثالث ساعات كاملة دون توقف،يحلق بموسيقاه في من يسمعه من
ّ ّ ّ ّ
سماء االرتواء،ويحلق أهل المخيم معه في سمائه،وفجأة في أشد ساعات النهار حرارة
96
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻤﺨﯿﻢ
ينزل المطر!
نهر البارد
ّ
أحالمه وعمره وسنوات عذابه وأعوام غربته تنهار كلها أمام عينيه مع تفجير بيته أمام
ّ ّ ّ مخيم (نهر البارد) في لبنان إثر صراعات ّعينيه في ّ
وخارجية دامية،يلخص كل ما داخلية
يجري في كلمتي مؤامرة وخيانة.
ّ ّ ّ
كل ما أنجزه في حياته يتلخص في بناء منزل من الطوب األحمر من أربعة طوابق ليأوي
وأمه وأخته العانس المريضة.فيه أسرته وأسرتي أخويه ّ
هاهو عالمه وسعيه وسنين طويلة من عمره ينهار أمام عينيه مع انهيار منزله.يجلس على
يدخن سجائره،الملوح ّاللون من شمس طرقته لسنين،يشرع ّ كرسي خيزران أعرج القدم ّ
ّ ّ
يأبه بأحالم أو ندم أو حزن،ويشرع يفكر في خطة محتملة لبناء بيت جديد في زمن
ً
قادم،فهو ال يقبل بالخسائر أبدا.
97
4
تقاسیم ّ
الشتات
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
إقامة
الحارة ّالنائية من
الس ّتة في هذه المدينة ّّأيام قليلة،وينتهي تصريح إقامتها وإقامة أبنائها ّ
ّ
ة،ويسمون األجنبي مواطن! يسمونها ّ
أجنبي بالد العرب حيث ّ
ّ
بفلسطينية عليها أن تغادر هذه المدينة إلى خارج ّالدولة في غضون أيام؛فهنا ال يعترفون
ّ
الفلسطينية التي تسمح لها وحيدة انتهى تصريح إقامتها،وفقدت منذ سنين هويتها
بالعودة للعيش في مدينتها في فلسطين،وذلك بسبب التحاقها منذ سنين بزوجها الذي
الحنو. ّ
اإلحساس،الميتة ّ ّ
وح،الدبقة يعمل في هذه المدينة الموحشة ّالر
ً زوجها فارق الحياة قبل شهرين بأزمة ّ
قلبية بعد أن أضرب قلبه عن العمل استسالما
امتصت شبابه وصمته وأحالمه ألحزانه بعد سنين من العمل والهوان في هذه المدينة التي ّ
وكرامته دون رحمة.
ً
طرقت أبواب المدينة جميعها أمال في تجديد تصريح إقامتها،إذ ال مكان تذهب إليه في
ً ً ً ْ
غادرت هذه المدينة،ولكن ّأيا من األبواب لم ُيفتح لها،وال مجيبا رحيما أو هذه ّالدنيا إن
ً
رؤوفا ّرق لها.
ً
شرطية قد ُتلقي بها خارج الحدود، ألي مداهمة ّ احتياطا ّ حزمت حقائبها وأبناءها ّ
الستة
القسري الذي تجهل متى ّ بعد أن صرفت آخر ما تملك من مال،وباتت تنتظر ّالرحيل
ْ ّ
حضنته،وغربت الس ّتة عن وجهة سفرهم موت،وكلما سألها طفل من أطفالها ّ يداهمها مثل
ْ ّ
في نحيب جهوري ال يؤمن بأن صوت المرأة عورة،وقالت له بحيرة وضياع»:ال أعرف إلى ّ
أين علينا ّالرحيل».
البحر
مخيم (اليرموك) لطالماالضيقة في ّ الصغير المنزوي في إحدى ّالدروب ّ
هناك في بيتها ّ
حلمت بأن ترى البحر،وأن تركب سفينة تتهادى على صفحته ّالزرقاء ّالرائقة بصحبة أفراد
100
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت
ّ
الصفعة
ً
من جديد يأتي جيرانه يشكون ابنه،يعاجلونه في المحددة التي يعمل أجيرا فيها بعريضة
-مرة أخرى -أحد أبنائهم.الشقي الذي ضرب ّ الصغير ّ
الكيدية البنه ّ
ّ شفوية من ّالتهم
ّ
الصهر،يستجوب ابنه ة،ويحمر مثل الحديد الذي أخرجه ّللتو من أتون ّ
ّ يغضب األب ّ
بشد
السببالصغير أمامهم ليعرف ما سبب ضربه البن جارهم،فيكتشف ّأن سبب ضربه له هو ّ ّ
الصبي من جديد الصبية أترابه بسببه؛فقد ّعيره هذا ّ
ذاته الذي يضربه ويضرب غيره من ّ
ّبأنه الجئ فلسطينيّ.
الصبي الذييشمت به ّ الشرر من عينيه،يعاند دموعه كي ال ّ يصفعه أبوه صفعة تطير ّ
101
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ
الرسام
الصقيع يرسم وطنه فلسطين ربع قرن من عمره المضنى بالغربة ّ
والتهجير أمضاه في بالد ّ
ّ شتى،يبيع القليل منها كي ّفي لوحات ّ
يؤمن لقمة عيشه التي تكفل له أن يظل على قيد
ّ ّ
بخسة،أما باقي اللوحات الحياة في شقة صغيرة كجحر اكتراها منذ زمن طويل بأجرة
ّ
الفلسطينية المنكوبة المقيمة في مدينته ولإلنفاق على فيرصد ريعها لدعم بعض العائالت
الشهيد الذين يعيشون في مخيم كئيب حزين في لبنان. أوالد أخيه ّ
ّ
الفلسطينية.كيف له أن يسمح للموت بأن الموت يداهم جسده الذي هو بعمر قضيته يشعر ّ
ّ
الوردي بالعودة إلى وطنه ليدفن في ترابها؟! بأن يسرقه من حلمه
يكابر على ألم سكرات الموت التي تتنازعه،ويشرع يرسم لوحته األخيرة.لقد رسم طوال
ً
فلسطين،لكنه لم يرسم في ّأي يوم مضى بابا ّيؤدي به إلى وطنه.
ّ عمره لوحات لوطنه
ّ
الشمس أنهى رسم اللوحة،كانت لوحة لباب كبير ّ مع طلوع ّ
مطوق بأشجار الياسمين
جده في قريته ّ
السليبة. البري،وله مزالج نحاسيّ كبير على شاكلة باب ّ
ّ
تنفك تمسك ريشةمودعة بنقر أصابعه التي لم ّ فارقت روحه جسده بدعة،وداعبته ّ ْ
ْ ّ
وحة،ودلفت إلى فلسطين لتحقيق حلمه الوحيد رسمه،وفتحت الباب المرسوم في الل
بالعودة إلى وطنه،ثم أقفلت الباب خلفها.
102
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت
سمكة
ًّ ّ ً
فلسطينيا قد ورث البحر عن أسالفه كما ورث زورقه وشباكه وقصصه صيادا كان
ً وجزره،لكن ّ
ّ وأساطيره وسمكه ونوارسه ّ
الصهاينة جعلوه ضائعا في األرض يطرق ومده
غزة بعد أن أبعدوه مع الكثير منوالسفن يبحث عن بحر ّ الموانئ والبحار والمحيطات ّ
السخط،ثم بعد ذلك غادرها ليبحث عنه ّ
يادين،تلقتهم اليونان في ّأول تطوافهم المائيّ ّ ّ
الص
ّ ّ ّ
مكان،لكنه ظل سمكة خارج ماء الحياة. في كل
ًّ ّ ّ ً
بعيدا عن بحر ّ
سرا إلى الفلسطينية،وعاد غزة،التحق بالمقاومة المسلحة لم يجد نفسه
ّ
وطنه مع بعض الفدائيين.البحر ّأول من صافح عينيه من وطنه،تنفس ملء رئتيه ليبتلع
نسيم البحر ّكله،وزفر ما ّتنفس بقوله»:آه يا بحر ّ
غزة!»
مقايضة
ّ ّ ً
بالرجوع إليها،مخططات حياته كلها كانت تدور قسرا من فلسطين وهو يحلم ّ منذ أن ُه ّجر
األجنبية كان ّ
ّ ّ ّ
ألنها أبدت المصيري،حتى زواجه من تلك حول االستعداد لهذا المخطط
ّ ّ ً ً
الفلسطينية،وأكدت له ّأنها تناصرها مناصرة كاملة،األموال ّ
القضية له تعاطفا عريضا مع
التي جمعها في ذلك البلد الذي يفصله عن وطنه بحور وجبال وسهول كانت ألجل العودة
ً
ّ
فلسطينية،وذلك االبن إلى وطنه،تلك االبنة الجميلة التي رزقه الله ّبها أنشأها لتكون ّأما
ً ً الفتوة والبأس ّ
أعده غرسا صالحا ألجل أن ُيزرع من جديد في تراب وطنه. الباسق ّ
حصلها من تجارة األخشاب رشوة ّ
للصهاينة الخونة كي دفع شطر ثروته العمالقة التي ّ
ّ ُ ّ يحصل ّ ّ
طويلة،والشطر اآلخر من ثروته فلسطينية بعد أن أنتزعت منه منذ سنين هوية
ّ كامال إرضاء لزوجته األجنبية التي ّ ً
أنيابها،وفضلت األموال على ّأي كشرت عن دفعه
ّ ًّ ّ
قضية عادلة في هذه الدنيا أيا كانت،لقد دفعه لها برضا كامل كي تتنازل له عن حضانة
دد،أخذت المال،وأخذ ابنيه الفلسطينيين ليعود بهما إلىْ ْ
ابنيهما،فوافقت على ذلك دون ّتر
103
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
وطنهما،فهناك مهمة ّ
مقدسة تنتظرهما هناك.
حذاء أبيض
ضاعت عن أهلها أليام طويلة ّ
ألنها ْ في ليلة مداهمة قريتها من ق َبل عصابات ّ
الصهاينة ِ
ّ ّ
تأخرت عن الهرب معهم كي تلبس حذاءها األبيض الجديد الذي تقطعت نياط قلبها
ً
رغبة في شرائه،وحلمت به ألشهر طويلة،وخاضت ألجل الحصول عليه حروبا حامية
الوطيس دامية ّالدموع والجدال ألجل أن تجبر ّأمها على شرائه لها من نزير مصروف
البيت.
ّ
لتضحي بهذا الحذاء األبيض األثير،ولو ّأدى ذلك إلى أن تتأخر عن ركب أهلها
ما كانت ّ
الخائفين من الفتك والقتل وهدر شرفهم،وهي من بخلت على قدميها بانتعاله كي ال
يهترئ.
وجدت أهلها بصعوبة في مخيمات الحدود بعد أن نهشها الخوف،وعصرتها األيدي ْ لقد
ّ ّ
الباحثة لها عن درب وسط أرتال من اللحم المضنى الملقى على قارعة الطريق تحت
شمس تسلقهم دون رحمة.
ً ً
أربعون عاما مضت وهي ال تنام إال منتعلة حذاءها أكان أبيض أم غير أبيض خوفا من أن
تضيع عن أهلها من جديد،أو يضيع أهلها عنها بسبب حذاء أثير.
أجيرة
تجوب الحقل بثوبها الفلسطينيّ المهترئ الذي نجا وحده من محرقة االجتياح ّ
الصهيونيّ
التي اجتاحت أرض قريتها،فسلختهم عن حياتهم وكرامتهم وصفو عيشهم وحنون
جمعتهم،وألقت بهم الجئين ضائعين في دروب ّالدنيا،اآلن هي تعمل أجيرة مستعبدة
ّ
ّ
قة،والصدر ّ
المطب في قطف ثمار الطماطم في حقل ذلك الجلف ّالنحيف ذي األصداع
ّ ّ
الذي ُمط ّباتجاه تجويف البطن،ودفع أضالعه يابسة مشينة مسيئة لعيني كل ما يلقى نظرة
104
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت
جثة ّ ّ
متعفنة منتصبة على قدمين. عليه،هو
ّ
تؤمن الخبر والماء ّالنظيف وبعض الخضار واألرز ال تبغي من هذا العمل المهين إال أن ّ
الشمس حتى غروبها المسنة وأطفالها الكثر،تعمل من شروق ّ
ّ لزوجها المقعد وحماتها
ّ ّ ّ
مثل ثور مربوط العينين بساقية ملعونة ال ّتتوقف عن الدوران،اللجوء القسري ّ
حولها من
ً
صاحبة أرض ميسورة الحال مصونة الكرامة إلى الجئة فقيرة معدمة تخشى أن ُتطرد يوما
ً
من عملها،فيموت زوجها وأوالدها وحماتها جوعا.
ذلك ّالرجل الجيفة صاحب األرض يريد أن يهتك عرضها إلى جانب استحواذه على عرق
ً جبينها ّ
وكد جسدها ثمنا لقروشه القليلة،يطاردها في أرضه ليل نهار،ويحاول أن يستفرد
ّ
ذلك،وتسبه،تمسح عرقها بردني بأي شكل من األشكال كي يسلبها عزيزها،ترفض بها ّ
ّ
المهترئ،وتقرر أن ال تخضع له حتى ولو ماتت أسرتها ثوبها القديم ذي الحرير األخضر
ً ً
كاملة جوعا في سبيل أن تدافع عن شرفها،فهو ليس للبيع،وال ثمنا لحياة أحد.
ابن شهيد
ً ّ
زمالئه،لكنهم ّ صفه،يحاول أن ّ األول في ّ هو ّ
يصدونه حسدا من عند يتقرب من
ً ّ
أنفسهم،يغيظهم ّأن هذا الطالب الفلسطينيّ المعدم الذي يفوقهم ذكاء وتحصيال،ويحظى
إال منذ عام،وعلى ّالرغم من ذلك ّ ّ ّ ّ
تفوق يأت إلى هذه المدرسة
بحب معلميه واحترامهم،لم ِ
ً
عليهم جميعا،يغيظونه بالقصص التي يحيكونها حول التحاقه بمدرستهم،بعضهم ّيلقبونه
ّ
ّ
اذ،لكنه ّ
بالشح بالطريد،وآخرون ّيلقبونه بالالجئ،وثلة أكثر قسوة وغلظة قلب ّيلقبونه
ً ًّ يرد عليهم إساءتهم ّ ً
صامتا ال ّ ّ
وغيا في اإلساءة إليه. بأي إساءة،فيزدادون شططا يظل
قلوبهم،تربصوا به عند خروجه من المدرسة وهو ينوء تحتّ فاض حقدهم عليه،فكوى
ً ً ّ
المدرسية العتيقة،تكاثروا عليه على حين غفلة،وانهالوا عليه ضربا وسبابا ثقل حقيبته
ً
وتحقيرا ّ
،مزقوا قميصه عنه،هو القميص الوحيد غير المهترئ الذي يملكه،لم يستطع أن
الصغار الحاقدين،لم يمسحها،بل ّ ّ
تذله أكثر أمام ضاربيه من ّ
حدق بهم يمنع دموعه من أن
105
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ً
دون حراك،وقال لهم مستهجنا ضربهم له»:أنا ابن شهيد».
خيمة
ّ
الفلسطينية لحفدتها كي ال ينسوا أصلهم تصمم على أن تروي حكايات ّالتغريبةالجدة ّّ
ألمحية تسأل ّ
الجدة بحرقة« :لماذا يا ّ وقضيتهم ومعاناة شعبهم،الحفيدة ّ
الصغيرة األكثر ّ
بيوتهم،وي ّ
ُ ّ
هجرون جدتي في نهاية الحكايات كلها التي تروينها لنا الفلسطينيون يفقدون
من أراضيهم،ويجبرون على ّالرحيل،ويسكنون في خيمة في مكان ما؟»
السؤال البريء،وتسأل نفسها الجدة،وتشعر بخوف ّيتربص بها خلف إرهاصة هذا ّ تصمت ّ
وتكتم»:أهناك رحيل من جديد؟ وخيمة أخرى في انتظارها في مكان آخر؟» بتهيب ّ ّ
رحيل،وتتعوذ من ّ ّ ً
الشيطان ّ والطرد ّ
والت تؤمل نفسها بموت هادئ بعيدا عن خيمة ّالنفي ّ
ّالرجيم الذي يوسوس لها بالخيمة الملعونة.
قارورة
ً ّ
الفلسطينية،وال تريد أن تعرف شيئا عنها،نصفها األوروبيّ قد ال تعرف الكثير عن قضيتها
ً ّ ً ّ
طغى على نصفها الفلسطينيّ،ولكنها تعلم تماما أن والدها الذي ّ
تحبه كثيرا كان يحلم بأن
ْ
واألخيرة.حاولت أن تنقل جثمانه ُيدفن في تراب وطنه،هي تريد أن ّ
تحقق له أمنيته األولى
ّ
فلسطين،ولكنها عجزت عن تحقيق هذا الهدف. ُليدفن في
ّ
األوروبية،وأن نصحتها ّأمها بأن تستسلم للعجز،وأن تدفن والدها في مقبرة المدينة
ّ
مغنم،لكنها كانت ّ صفحا عن هذا العناد الذي ّ ً
مصممة على تحقيق يغرمها دون تضرب
ْ
رغبته األخيرة وحلم حياته البائدة في أحزان المنافي،أحرقت جسده في محرقة الموتى
ْ
قارورة،وسافرت إلى فلسطين في قافلة ّ
الغاية،ودست رماده في معتذرة له عن ذلك لجالل
ة،واغتنمت ّأول فرصة لدفن رماد القارورة في تراب فلسطين.فعاد والدها ْ ّ
أوروبي ّ
سياحية
إلى تراب وطنه رغم أنف ّ
الصهاينة.
106
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت
َ
خ َرف
ّ
عشرة،ولكنه ال يزال ينتظر أن يعود إلى بيته الذي يسميه عمره أكثر من مئة عام وازداد
ّ ّ ّ ّ
فلسطين،جنته األرضية معلقة في ذلك المكان. الجبلية في شمال (العاللي) في قريته
ّ ً أبدا لم ّ ً
يحدث أحدا من أبنائه أو عائلته عن حياته في تلك (العاللي) حيث كان الثري
عزه البائد في صدره وذاكرته وهو ّ ّ
الجميع.ظل يدفن ّ ّ
يتجرع المهانة،ويعمل المطاع،وسيد
أجيرا بقروش قليلة خارج وطنه بعد أن ّ ً
صر زوجته وأوالده،وهرب بهم من وجه الموت.
نزاعه،شهر كامل وهو ينازع في سريره،وحوله مئات األبناء والبنات ٌ أصابه الخرف في
ً ّ ً
والحفدة واألنسباء،كانوا جميعا حوله ال يفارقونه يسمعونه يحدث أطيافا يراها في بيته في
يسمى فلسطين. (العاللي) في (البالد) كما ّ
ألول ّمرة يضحك ملء شدقيه،كان تمنوا أن يطول نزاعه كي يستمتع أكثر بخرفه؛لقد رأوه ّ ّ
ّ السعيدة،ويروي لهم فصول ّ يعيش تفاصيل حياته الهانئة ّ
حبه لزوجته الثانية(سارة)،رأى
ّ جميعا األموات منهم واألحياء ّ ً
وإجالل،ويلقبونه يحدثونه ويصافحونه بوقار أهل قريته
سيد العاللي).بـ( ّ
جدهم (كايد ّ أخيرا أسدل الموت جفني ّ ً
الصالح) الذي عاد بعد فراق طويل إلى (العاللي)
في قريته الجميلة في أعالي جبال فلسطين.
صوت
القسري ّ
لجده ّ والسهول حيث كان المهجر في البعيد خلف البحار والمحيطات والجبال ّ
ّ ً ً ً ّ
صاصة،وأن صوت وأبيه وله من بعدهما علموه زورا وبهتانا وحمقا ّأن الكلمة تغلب ّالر
ّ
الحق أعلى من صوت المدفع.
ً قضية شعبه الفلسطيني ّ كثيرا،وكتب أكثر،وعال بصوته يدافع عن ّ ً ّ
ّ.لكنه سريعا ما تكلم
اكتشف أن ال آذان تسمعه هناك،وال قلوب تريد أن تفقه ما يقول.
ّ
معلبة منتهية الص ّّ ّ ّ
الحية،واشترى على حين يقين خلع كل ما علمه الغرباء له من أفكار
107
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ
الصبي المحظوظ
الصبي الذي رأى ّبأمربت رجل أشقر نحيف ككلب سلوقيّ جائع على كتفي ذلك ّ
الصهاينة،ثم داعب شعره الفلسطينية على أيدي الجنود األبالسة ّ
ّ عينيه ذبح أفراد أسرته
ّ
الخاروفيّ األجعد بحنان مصنوع مزخرف،وقال لصحفيّ يسجل كالمه في ورقه دفتر
جلدي صغير»:بوصفي رئيس طواقم اإلغاثة ّللنازحين الفلسطينيين أستطيع القول ّإن هذاّ
ُ ًّ ّ
جدا؛إذ نجا من الموت في حين ذبح أهله في طرفة عين». الصبي محظوظ
ّ
حيف،لكن قلمه عصاه،فما يسجل على عجل كالم ّالرجل األشقر ّالن
الصحفي أن ّ حاول ّ
ً ً
استطاع أبدا أن يكتب كلمة (محظوظ)،وكتب بدال عنها كلمة (منكوب)،وأبى القلم
اإلنسانية ّ
الصامتة! ّ بعدها أن يكتب ّأي كلمة أخرى؛إذ دخل في محراب الخجل من عار
طابور
ذل في انتظار أن يحصلوا على ّ ّ
منذ الصباح الباكر والشمس تصليهم دون رحمة في طوابير ٍ
مخصصاتهم من المؤن التي ُتصرف لهم وفق بطاقات إعانة لمنعهم من الموت،ولحبسهم ّ
في ضنك موصول ال ينقضي.
ّ ّ ّ ذلك الوغد ّ
بالسوط كي يمنعهم من ّالتململ،ويفض به أي تحلق حوله الضخم يضربهم ّ
والرجال الذي يحلمون بأن يأخذوا حصصهم من من ّالنساء المنهكات واألطفال الجياع ّ
ّ
الطعام لصغارهم الجوعى بأسرع ما يمكن.
ّ
بسوطه،يهد عليه كجبل يتداعى تثور الكرامة في دمه عندما يراه َي ْصلي امرأة عجوز
ّ
عليه،يجرده من سوطه،ويضربه به حتى يدميه،فيأخذ يستجير بمن حوله دون مجير.
ُ
يقول له وريقه يتقافز خارج فمه بزفر موصول قد شفي غليله»:يا ابن الكلب،لماذا
108
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت
رسائل شوق
ّ
كان صوت(كوثر ّالنشاشيبي) ما ينتظره في كل صبح مذ اعتاد على أن يحمل مذياعه
ّ ّ
القديم الذي يعمل على ّالبطاريات إلى كل مكان يذهب إليه،يظل يتابع عبره برنامج
ً
(رسائل شوق) منتظرا بأمل ورجاء وصول رسالة تأتيه من ابنه (جابر) تخبره ّبأنه ال
ً ّ ّ
يزال على قيد الحياة،يحفظ كل رسالة يسمعها في هذا البرنامج،لعل اسما ُيذكر فيها
يعرفه،فيحمل على عجل بشارة األمل ألم مفجوعة أو ألب مرهون لالنتظار.
ّ ُ
طويل،ولكنه يخفي هذا يعرف ّأن ال رسالة ستصله من (جابر)؛فهو قد أستشهد منذ زمن
زوجته(لطفية) كي ال يقتلها هذا الخبر المفجع،ويخفيه عن نفسه كذلك ال ّ األمر عن
يعدم سببه الوحيد للبقاء على قيدالحياة.
يظل ينتظر رسالة تأتيه من (جابر)،ويرهف ّ ّ
السمع لصوت المذيعة وهي تقرأ رسائل
ّ ّ
الشوق،وال يقفل مذياعه إال عندما يسمع المقطع الكامل من أغنية (فيروز) وهي تشدو
ً
بأغنية(وسالمي لكم)،ويتجاهل من يتهامسون حوله محوقلون حزنا على عقله الذي
ُ
غادره منذ أستشهد ابنه الفدائيّ(جابر).
طيران
ّ
دون سابق إنذار وجد نفسه معصوب العينين حافي القدمين بمنامة ّالنوم المخططة
109
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ً
المتوسط،بعد رحلة طويلة،عرف ّأنه -لسوء ّ القديمة منفيا إلى دولة ما بعد البحر األبيض
ّ
حظه -قد حظي بلقب ُمبعد فلسطينيّ.
ً
منذ ذلك اليوم الذي وجد نفسه فيه بعيدا عن فلسطين،وهو يعمل على مشروع حياتي
واحد،وهو أن يعود إلى بيته هناك حيث ّأمه وأهله وزوجته وطلبته في المدرسة اال ّ
بتدائية.
ً ً
غرقا ّ ً ّ
.جرب أن يعود برا جرب أن يعود إليها بحرا،فانكشف أمره،وغرق زورقه،وكاد يقضي
ًّ ّ ّ
حيا األرضية فانهارت عليه،وكادت تدفنه ذلك،جرب األنفاق عبر أكثر من جهة ففشل
خارج وطنه.
ّ ّ ّ لم َ
يبق أمامه طريق للعودة إلى فلسطين إال عبر السماء،يحلق في سقفها الحارق
ّ
العلوية،ويتساءل لو ّأنه ركب ّ السماء،يحسده على أقداره حر ًا في ّ ً
طائرا ّ ّ
المشع،يلمح
ّ جناحين هل يمكنهما أن ّ
يحلقا به إلى مبتغاه األوحد بكل ما يحمل من أوزان ثقيلة من
األحزان واألشواق وخيبات األمل؟!
قطارات
ّ ّ
التقوا على قارعة سفر ودروب افتراق كما يلتقي الفلسطينيون عادة،أتوا من كل وطن إال
ّ
من وطنهم الحقيقي،كي يقطعوا ساعات االنتظار في محطة القطارات حكوا قصصهم التي
تبدأ جميعها باالنتساب ّالدقيق إلى أرض ما من أراضي وطنهم ّ
األم،وعندما أزف وقت
ّ ّالرحيل،وأعلنت القطارات مواعيد ّ
السفر واالفتراق قبض كل منهم على جواز سفره الذي
جنسية ما حصل عليها في آخر رحلة ّالتطوافّ يكرس غربته،ويرسم أحزانه على شكل ّ
ً شرد ّ ّ
والت ّ
والضياع،تراهنوا على عدم البكاء حزنا على فراقهم الجديد،وابتسموا على
ّ
الالمباالة،واتفقوا على أن يلتقوا ذات فرح في وطنهم فلسطين،وتعاهدوا ّ
مضض،وتصنعوا
على أن يفترقوا على ابتسامة وضحك،وتراهنوا على أن ال أحد منهم سوف يبكي لوعة
الفراق وبرودة الغربة.
الفلسطينية المغرقة في لهجاتهم المحليةّ
ّ ّ
علت في المحطة الباردة أصوات ضحكاتهم
110
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت
غداء
السالقة،وتسير إلى قلب ّ
مخيم (الكرامة) تحمل أخيها في ّكل ظهيرة تحت حرارة الغور ّ
يقدم وجبة الغداءالصغير طعام الغداء في مطعم وكالة(األونروا) الذي ّ كي تتناول وأخوها ّ
ّ
بشكل يوميّ لكل من يحمل بطاقة استخدام للمطعم،والدها ّدبر لها وألخيها بطاقتين
لألكل في المطعم بشكل يومي ّ
ّ،ولكنه عجز عن تأمين بطاقة ثالثة ّ
ألمها.
ّ افا،تسكب فيه ًّّ ّ ً ً
حصتها من الطعام لتعود بها إلى تخبئ تحت مالبسها كيسا بالستيكيا شف
ّأمها،فتشتركان في وجبة غداء واحدة،وتنامان دون عشاء في حين ّتدخر ألخيها ّ
الصغير
ّ
نصف برتقالة ُتصرف لكل طفل صغير مع وجبة غدائه،فتمنعه من أكلها في الغداء لتكون
وجبة عشائه.
حملت وجبة طعامها ووجبة طعام أخيها،فانزلقت الوجبتان من يديها،وانسكبتا على
بالتراب وروث ّالدواب. حبة البرتقال نحو البعيد ّ
متعفرة ّ األرض،وتدحرجت نصف ّ
رجت المسؤولة عن مطعم الوكالة أن تعطيها وجبة واحدة أخرى بدل عن الوجبتين
ً
قاطعا،ونهرتها ّ ً ْ ّ
بشدة،وأمرتها بأن رفضت ذلك رفضا منها،ولكن المسؤولة المنسكبتين
تنتظر إلى اليوم التالي كي تنال وجبتي غداء جديدتين.
هدرت من طعام،وغادرت مطعم الوكالة كسيفة ْ حملت أخاها بحزن وندم على ما
ّ ّ
الخاطر،وظلت طوال طريق العودة إلى البيت تفكر ّ
بأمها التي تنتظرها جوعى أمام بوابة
البيت لتأخذ حصتها من الغداء.
111
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ
والدة متعسرة
ً ّ
المتعسرة،ولكن ذلك لم يثنها عن إنجاب ثالثة عشر ابنا وابنة.هذه اعتادت الوالدات
والدتها ّالرابعة عشرة،هي األصعب،وهي من ّ
تقدم بها العمر،والكتها ّ
السنون والهموم.
الممرضات وهن يرمقن ثوبها الفلسطينيّ القديم الذي يجهر ّبأنها قادمة منزجرتها ّ
يتفتق عن خروج جنينها من لهن،طالبنها بكتم صراخ ألمها الذي ّ البعيد،وال تنتمي ّ
بصوتك.من إحداهن»:اخرسي،وال تصرخي أكثر.لقد أزعجت الجميع ّ ْ
جسدها،قالت
ِ
ّ
تظنين ّأنك ستلدين؟!»
الفلسطينية بفخر وهي ّ
تكز على شفتيها،وتبلع ريقها،وتدفع كلماتها بصعوبة خارج ّ ّردت
نفسها الموجوعة»:سألد فدائيّ فلسطينيّ يا بنت الكلب».
موت
ّ ّ ً ّ
جدته ألبيه ّ
المتذمرة من كل شيء،لم يعجبها في يوم طعام حيرته دائما بشخصيتها
أو شراب أو ماء أو هواء أو لباس أو معشر أو منظر أو بشر في مهاجرها التي ساطت
ّ ً ّ
،وظلت تقول جملتها ّ ً ْ
الشهيرة»:كل غربتها،وكوت نفسها ضياعا ومعاناة ووحدة وقلقا
شيء في فلسطين أجمل».
ْ
مرضت أقسمت على أبنائها وحفدتها وأنسبائها أن ينقلوها لتموت في فلسطين عندما
قائلة»:الموت في فلسطين أجمل».
خاضت باستسالم سكرات الموت أوصت الجميع بأن يدفنوها في أرض فلسطين ْ وعندما
ّ
قائلة بثقة من رأى اليقين في لحظات النزع»:األرض في فلسطين ّ
أحن على أجساد
أهلها».
قالدة
ّ ّ ّ
المعدنية على شكل خارطة فلسطين معلقة في كل ما تملك من وطنها هو هذه القالدة
112
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت
رقبتها بخيط ّقنب،تحرص على أن تخرج هذه القالدة من عنق سترتها كي ال تختفي في
ّ
بفلسطينيتها. صدرها عن األعين التي تتفاخر أمامها
ّ
أمريكية نائية بعد أن سكنت مع أسرتها منذ وقت قريب في هذا الحيّ في والية ْ
ّ
الجماعية للفلسطينيين جاءت مع أسرتها للعيش هنا مع ّالناجين من عمليات اإلبادة
حديثا بهذه المدرسة اال ًّ ْ في ّ
بتدائية الجميلة القابعة في غابة خضراء مها،والتحقت مخي
تعل ّْ المعلمة بالقرب من تلك ّ
الشقراء ّ ّ
قت عينيها بالقالدة الصغيرة التي صغيرة،أجلستها
ْ ّ
المشبع بالخضرة المسودة،استهدت القالدة ّ ْ
المعدنية التي خطفت إعجابها بلونها القديم ّ
ْ ْ ّ
تة،وقالت لها بحزم سخرت من هذا االستهداء بابتسامة ّمي ّ
الفلسطينية التي من الطفلة
ألي أحد».وإصرار»:ال أهدي فلسطين ّ
مطار
ً المطار،صمم ّ
ّ
الصهيونيّ الذي يلبس لونا أسود يماثل لون التقيا في صالة االنتظار في
يدس رأسه بالكتاب الذي يقرؤه ّالرجل ّ
داخله،ويهز جدائله ذات ّالرائحة المتعفنة على أن ّ
ّ
الذي جلس صدفة إلى يمينه.
ّ
السهل على جاره في المقعد أن يدرك أنه صهيونيّ من ملبسه وطاقيته وجدائل شعره من ّ
وترانيمه التي تشبه نقر طائر الخشب في جذع شجرة،ورائحته صنانه هي برهان يقطع
يخمن أن الشك باليقين على ّأنه صهيونيّ.في حين صعب على ّ
الصهيونيّ المسافر أن ّ ّ
جاره هو فلسطينيّ ّ
مهجر.
ألي حديث كان لقتل الوقت سأله الصهيونيّ الستدراج جاره ّ في محاولة فاشلة من ّ
خمن ّأنه قد تكون لغته»:أنا إسرائيليّ،وأنا في طريق عودتي إلى موطني
باإلنجليزية التي ّ
ّ
إسرائيل.إلى أين تسافر أنت؟»
أجابه ّالرجل ّ
بتقزز« :إلى بولندا».
مزور« :أهي َ
وطنك؟!» سأل ّ
الصهيونيّ باهتمام ّ
113
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
أنت ّ
.أما وطني فهي فلسطين». بتقزز»:بل َ
وطنك َ أجابه الفلسطينيّ ّ
قرش
ً
مثقوبا كان ّ ًّ ً ً ّ ُ ّ ً ً
يدسه في فلسطينيا هجرا قهرا من فلسطين،ال يملك شيئا إال قرشا خرج م
ّ ّ ً
جيبه مفتخرا به منذ أن أهداه له ّ
عمه الشهيد في ثورة الفدائيين ضد االنتداب البريطانيّ
ّ
في عام ،1936كل ما آل إليه من وطنه هو قرش مثقوب منسي في جيب ثوبه الوحيد الذي
الكتاب الذي يدرس خرج به بعد أن خسر أهله وبيته وأصدقاءه وعالمه ّكله،كما خسر ّ
ّ
الحجازية هدية من األراضي عمه له ّ الشريف ّ
المذهب ّالنادر الذي أحضره ّ فيه والمصحف ّ
عندما ذهب إلى ّ
الحج.
ّ ً
اآلن لم يعد يملك شيئا،فزهد بعقله الذي يذكره بمأساته،عقد القرش الفلسطينيّ
ّ ً ً ّ
الوحيد الذي يملكه بخيط صوف أحمر اللون وجده متروكا مهمال في األرض،وعلقه
في رقبته،وانخرط يالحق عوالمه الماضية ّالراحلة عنه في أحالم يقظة يطاردها ليل نهار
ّ
في المهجر الذي ُدفع إليه مع غيره من المدفوعين إليه من الفلسطينيين.وكلما استوقفه
ّ ً ً
داسا في يده بعض المال كي يستعين به على كربه وشطحاته أحدهم مشفقا على خبله
بقوة وإصرار،ويرفض أن تستلقي فيها ّأي نقود غريبة،ويقول كف يده ّ وجنونه المقيم يقفل ّ
ًّ ً ً لمن ّ
فلسطينيا». يتصدق عليه رأفة به وإشفاقا على حاله« :أريد قرشا
ُ
1
بقجة
أرسلت له هذه البقجة مع أخيها األصغر،ال ّبد ّأنه خاطر بنفسه ليوصلها إليه
ْ هي من
ً ّ
قبل أن تقلع السفينة،وتحمله ورفاقه بعيدا عن لبنان ليكون أبعد عن فلسطينه،يمسك
البقج؛فأمه ُ
ّ ً ً
هجرت عن وطنها بواحدة البقجة،ويضعها أرضا متشائما منها؛فلطالما كره
ً ْ
اكتست من بقج اإلعانات التي ما أفرحته يوما ببنطال جديد أو قميص مثلها،وطفولته
ّ -1
صرة ثياب أو نحوها.
114
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺸﺘﺎت
ً ً
يناسبه أو منامة دون ثقوب،البقجة كسرت خاطره كثيرا في طفولته،وأبكته مرارا على عيد
يداهم طفولته دون مالبس جديدة،وها هي اآلن تكسر خاطره عندما تكون آخر عهده
تخمن ّأنه قديحبها،ال يسأل نفسه ماذا وضعت(رباب) فيها من مالبس وأشياء ّ بمن ّ
يشم فيها عبق(رباب) دون أناألرض،ويقربها من أنفه،ويحاول أن ّ
ّ يحتاجها،يرفعها من
تلمحه عيون ّالرفاق المشغولة عنه بألم الفراق وقلق القادم ومتابعة األفق المستلقي في
أقصى البحر.
ّ ّ
صدره،ويضمها إليه لتنام(رباب) على صدره دون أن يعرف أنها اآلن ّ
يقرب البقجة من
وحدها دون حمايته تواجه اإلبادة كما يواجهها أهالي ّ
مخيم (صبرا وشاتيال) بعد أن غادره
ّ
ذلك،يضمها أكثر إلى صدره،ويحلم بـ(رباب). الفدائيون الفلسطينيون مجبرين على
115
5
تقاسیم العرب
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
وحش
ً ً ً
الصهيونيّ ليس إنسانا،بل وحشا كاسرا كي يقوى قلبه على قتل الجندي ّ
ّ ال ّبد ّأن
مخيمصهيوني ًا،فقد ُولد في ّ
ّ ًّ
جنديا األبرياء،وتهجيرهم،وسرقة فلسطينهم.لم َير في حياته
هيونية تعسكر هناك غربيّ الص ّ وطنه،ولكنه يعلم من والديه ّأن الوحوش ّ ّ (الكرامة) خارج
ّالنهر.
مدمرةوآليات ّ بدبابات عمالقة ّ محص ّنة ّ
مخيم (الكرامة) ّ لقد تبعتهم الوحوش المطاردة إلى ّ
ّ ً
الفدائيين،سريعا ما انهزموا ّ
المتصدين لهم،ووقعوا في شر هزيمة على يد لتقضي على
هيونية المأسورةالص ّ ّ
المخيم الفضوليين الذي حاصروا الدبابات ّ ّ األسر،سمح له وألطفال ُ
ّ
بأن يطلوا على الوحوش المحاصرة فيها.
ًّ ّ ًَ كان ّأول من أطل من ّفوهة ّ
صهيونيا جنديا الدبابة ليلقي نظرة على من يقبع فيها،رأى
الدبابة ال يستطيع الحراك.أخبره األبطال المنتصرون ّأن مثب ًتا في قاع ّ بالسالسل ّ مكب ًال ّ ّ
بالسالسل كي يضمن أن ال مكبلين ّ الصهيونيّ أرسل جنوده إلى حرب (الكرامة) ّ العدو ّ ّ
لشدة جبنهم. يهربوا من ساحة المعركة ّ
الصهيونيّ هو رجل ال وحش كما كان يعتقد،ابتسم البطل المنتصر،وقال الجندي ّ
ّ تفاجأ ّ
بأن
مقيد ّ مجرد كلب جبان ّ وحشا،هو ّ ً
بالسالسل». له« :ال،هو ليس
دعم
عربية ّ
أزرها،أسسوا منظمة ّ قوي ًا ّ
يشد من
ً
دعما ّ ّ
الفلسطينية ّ
القضية ّقرروا أن يدعموا
ّ
واإلدارية وفق ّ
الفخرية ّ
العرمرم،ووزعوا المناصب إسالمية ّ
عالمية لذلك،جمعوا لها المال ّ
ّ
للحرية والكرامة ومؤسساتهم،وعدوا الجماهير ّالتائقةالمقدمة من بالدهم ّ مبالغ المال ّ
وسريع،وأملوا ّ
ّ ّ ّ
الشعب الفلسطينيّ في األراضي العربية بأن يكون لهم إجراء داعم ومؤثر
ّ ّ
المحتلة ّ
جذرية لمعاناتهم،وبقرار واحد جريء منتظر مأمول ّقرروا أن والشتات بحلول
118
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺮب
دماء
عربا تحت ًّ
مسميات فلسطينيّ وغير فلسطينيّ،ال تعنيه هناك على سطح األرض يتناحرون
ّ ً
هذه الحرب،يغلق على نفسه باب القبو،ويعتزل هناك بعيدا عن ّ
حمام الدم ّالرهيب،فهو
يعلم ّأن مؤامرة تقتيل الفلسطينيين هي جزء من مؤامرة إبادتهم وإقامة دولة كبرى للكيان
ّ
الصهيونيّ.
ً ال يريد أن ّ
يتورط في هذه المهزلة،يضرب صفحا دون الخوض في هذه المؤامرة،يهرب من
فريقه الذي ال يفهم ِل َم يحارب،ويأخذ بيد صديقه الفلسطينيّ ،وينعزالن في القبو،هناك
ّ ّ ّ ّ
فولة،ويتصفحان صور اللهو والبراءة،ويتركان العالم في الخارج يتناحر يتذكران ّأيام الط
في دروب ّ
جهنم.
منهاج جديد
تحصل العالمة ّالن ّ
هائية الكاملة في يوبخ سائر إخوتها إن لم ّ يوبخها والدها ّ
بشدة كما ّ ّ
ّ
ان؛ويكرر على مسامعهم المواد التي تدرسها في مدرسة(األونروا)التي يدرسون فيها ّ
بالمج
ً ّ
العلم،إياكم والجهل ،عليكم جميعا أن دون كلل أو ملل»:ليس للفلسطينيين ثروة سوى
ّ
العلمية حتى لو بعت مالبسي ومالبسكم ألجل ذلك». تواصلوا دراساتكم
ألنهم سيحصلون العربية التي يدرسون فيها،فرحوا ّ
ّ منهاج جديد قد أصدرته ّالدولة
الصف على كتب جديدة غير مستعملة بخالف ما ألفوا الحصول عليه من جميعهم في ّ
119
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
صهاينة
علمها أهلها ّأن اليهود ّّ منذ ْ
الصهاينة هم من اغتصبوا وطنها فلسطين،وطردوها كانت صغيرة
ً ّ ْ
منه.كبرت وفلسطين معلقة في صدرها عشقا،وفي رقبتها خريطة من المعدن ال وشعبها
ً
تفارقها أبدا.
ّ
احتجاجية على ّ
الفلسطينية في مسيرة الجندي العربيّ هو ّأول من قطع قالدتها ّ ذلك
ّ
العسكري ّ
استمرار االحتالل الصهيونيّ لفلسطين،وألقى بها على األرض،وداسها بحذائه
ّ
لها»:الصهاينة أحسن منكم! ما الذي أتى بكم إلينا؟» الغليظ،وقال
لآلمال.لكنها عندما كبرتْ
ّ ّ ّ ً ً
بكت ّأياما طويلة في طفولتها تأثرا من هذا الموقف المخيب
ً
اكتشفت ّأن هذا الموقف هو األقل إيالما إذ قورن بتهجيرها وأهلها من موطنها إلى بلد
ّ
تها»:حمالين األسى ألنهم كما تقول ّ
جد آخر،واضطهادهم خبط عشواء ّمرة تلو األخرى ّ
واإلساءة».
ّ ّ
اليوم طردها صاحب البيت وأهلها من بيتهم القن الذي يستأجرونه منذ عقدين من الزمان
السلطة في هذه البلد العربيّ الذي يعيشون في خضم االنفالت األمنيّ وتغيير مراكز ّ
ّ
ارع،وأجر البيت فيه؛فقد طمع صاحب البيت في المزيد من المال إذا ما ألقى بهم في ّ
الش
ّ
لمن يدفع أكثر منهم.وقد غنم من هذا االنقالب عليهم أثاثهم ومالبسهم وكل ما يملكون
ً
بعد أن طردهم من بيتهم عراة حفاة خالي الوفاض،وما وجدوا أحدا ينتصر لهم.
120
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺮب
شرف
ّ ّ
األمية على «العربيّ شريف ال ُيضام،وال يقبل أن ُيهان»،كتبت معلمة محو
ّ ّ ّ
المخيم اللواتي أتين لمحو أميتهن،قرأت الجملة السبورة،استدارت لتقابل وجوه نساء
ْ ّ
ة،وسألت »:من تقرأها لي من جديد؟» على مسامع الطالبات أكثر من ّمر
ْ
ضحكات تقرقر مثل تداعي قربة ماء على الصف،ثم زمزمة،ثم علت سرت همهمة في ّْ
ً السن على استحياء وبحرج باد»:هل ُ ّ
المعلمة صغيرة ّ
قلت شيئا يدعو ٍ األرض،سألت
ّ
للضحك؟!
الصف»:هذا كان زمان،والله جبر.انظري إلى حالنا اآلن. أجابت ّأم محمود زعيمة نساء ّ
أين العرب ّمما يحدث؟»
الشرفاء موجودون فقط على ّ
الس ّبورة». أضافت امرأة أخرى باستهزاء« :العرب ّ
عروبة
ّ ّ ّ
مط الثري العربيّ كرشه الذي يتدلى ليهرس عضوه ّالتناسليّ القزم الذي أغدق عليه دون
ً
انقطاع بالجواري والحسان اللواتي ما استطعن لكسره جبرا،وال لعطبه دواء.
ً
مبتسما في ّ ّ
الصحف،وهو يفيض بماله صداقات وعطايا على الغرباء يحب أن يظهر
األثرية في مجاهل بالد العالم ّ
والنساء ّ المنكوبين والحيوانات اآليلة لالنقراض والمباني
ّ
يستدرجهن إلى قصر حريمه. الجميالت التي
ّ ّ ّ
يحب لقب المحسن العربيّ،ويكثر من الت ّزين بالدمقس والحرير والمعصفر والمفضض ّ
121
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ
والمذهب والمألمس من فاخر الثياب ونادر األحذية ونفيس الجلود والفراء.
والقاصي،وظهرت صوره في استعراضات صدقاته في صحف ْ للدانيلقد ّتبرع بالمال ّ
ً ّ
عالمية ال يجيد أن يقرأ كلمة من كلمات أخبارها بسبب جهله بلغاتها فضال عن جهله
بلغته.
بالدهون،وحرص الملبد ّ ْ
أحرقت قلبه ّ الشعب الفلسطينيّ قد زعم في لقاء صحفيّ ّأن معاناة ّ
للشعب الفلسطينيّ،وفرض اإلعالمية دموعه ّالثرة التي أهداها بسخاء ّ
ّ على أن تبرز الوسائل
ً على نفسه عمرة ّ
للدعاء لهم،وعند الكعبة سأل الله إلحافا أن يعينهم،وأن يهبهم من يكون
ً
طويال ّ ّ
بالدعاء لهم إلى حين تلتقط عدسات كاميرات ّالتصوير في عونهم،ومط شفتيه
ّ
الفلسطينية! ّ
للقضية تسجل دعمه ّ
المؤزر صورة مناسبة له ّ
ّ
جندي
ْ
ه،وقالت له على رؤوس األشهاد من أسرته وأقاربهّ :
«إياك أن تعود إلى البيت قبل ّقبلته ّأم
تحرروا فلسطين.لن أرضى عنك ْإن لم تفعل ذلك». أن ّ
مهمته ّ
المقدسة،يشعر بفخر تجند في هذه الجيش منذ سنتين،لكن هذا ّالتحرير هو ّ لقد ّ
ّ
صهيونية ألنه ضمن جيش عربيّ كبير جاء ليشارك في تحرير فلسطين من عصابات عظيم ّ
استولت على جزء كبير منها.
ً ّ
بدأت الحرب مع شرذمة من الصهاينة،يستطيعون أن يبيدوهم جميعا مع غروب شمس
ً ّ
هذا اليوم إن اجتهدوا بإخالص لذلك،إال ّأن أمرا باالنسحاب يأتيهم من قيادتهم هناك في
ة،يتعجب من هذا األمر الذي جاء في ّقمة انتصارهم،ينسحب الجيش ّ ّ
العربي العاصمة
ً ّ
الذي يأويه كامال،ولكنه يرفض أن ينسحب،ينطلق وحده عكس درب جيش الجباه
الص ّ
هيونية وحده. الخاذلة،ويقرر أن يقاتل العصابات ّ
ّ المحنية والعيون المكسورة والبنادق
مظاهرة
122
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺮب
المخيم الفلسطينيّ(صبرا شاتيال) ُيذبح من الوريد إلى الوريد على أيدي مجرمي ّ كان
ّ العرب ّ
ملبين منهم إال القليل ّممن ّ
المخيم بأبنائه الفدائيين،فلم يجد ّ والصهاينة،استنجد
ظلوا بعد رحيل الجميع،بذلوا أرواحهم رخيصة ّ ّ
للدفاع عنه،في حين كان البحر يحوش
ً
باقي الفدائيين الفلسطينيين،ويسرقهم نحو منافيه الجديدة بعيدا عن أهاليهم وذكرياتهم
وأحالمهم وقبور رفاقهم في درب المقاومة.
جميعا يقومون بدور من أدوارهم ّالت ًّ
اريخية الحاسمة،إذ كانوا يتابعون ّأما العرب فكانوا
ّ
األهداف،ويتحيزون لخاسر أو ّ
القدم،ويعدون بإخالص واهتمام تصفيات العالم في كرة
فائز وفق أهوائهم.
ً
مخيم(صبرا وشاتيال) نهرا من ّالدم الفلسطينيّ،وكان العرب األشاوس في الصباح كان ّ في ّ
ً ّكل شبر في الوطن العربيّ قد ّهبوا ّهبة واحدة جريئة غاضبة في مظاهرات ّ
مليونية دعما
ّ
المخيم ّالتعس بمظاهرة
ّ كروي عربيّ قد خسر،وآخر قد ربح،ولم يتذكروا قتلى ّ لفريق
ّ ّ ّ ّ
واحدة من مظاهراتهم التاريخية المدو ية! فنام المخيم على حزنه،ولم يستيقظ!
لطيم
ً
هي عاقر،رحمها أجدب ال يستجيب لهاجسها بأن تصبح أغنى ّالنساء ال ّأما راعية
ً ً
حانية،هي تريد طفال كي ّتتباه،فتحرق ماضيه كامال،وتنسبه لنفسها وزوجها كي يكون
ّ
الوارث لثروته،فيؤول المال كله إليها بدل أن يذهب ألقارب زوجها بعد موته.
ّ ّ ً
الفلسطينية في لبنان الذين هلك عنهم المخيمات وأخيرا وجدت مبتغاها في أيتام
ْ ً
بهم،حصلت بسهولة على طفل لطيم أهلوهم،وتركوهم أيتاما ال شفيق عليهم،وال رحيم
الشعر ذهبيّ البشرة أخضر منهم دون ّأي شروط ّللتبني،اختارته على هواها أشقر مسدل ّ
تتبناهما معه،إذ هي في حاجة إلى طفل ذكر العينين،انتزعته من بين أختيه،ورفضت أن ّ
ْ
زوجها،وليست باحثة عن أجر أو إحسان أو ممارسة أمومة. يرث ثروة
ابنها،وغيرتْ
ّ منهما،وأعلنت أنهّ
ْ ّ ُ
أخذته إلى بيتها يبكي بحرقة أختيه اللتين أنتزع
123
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ
المخيم وأهله وأختيه.بعد ّمدة قصيرة نسي ّأنه فلسطينيّ،وتاه
ّ اسمه،ومنعته من أن يتذكر
العربية المحسنة التي ّتبنته،وبترته عن أصله!
في ّالزحام بفضل ّ
124
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺮب
125
6
تقاسیم العد ّو
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
زوجة سارق
الفلسطينية التي تعيش في كوخ صفيحيّ في أرضها،وهي ّ منذ أن بدأت تراقب تلك
الصهيونيّ أقطعت زوجها هذه األرض،بعد أن ترى العالم من زاوية أخرى،إدارة الكيان ّ
ّ الفلسطينية التي ّ
ّ
صممت على أن تظل في مزق صغيرة من صادرتها من عائلة تلك المرأة
أرضها في كوخ صفيحيّ صغير.
ّ ّ
قبل أن تجاور هذه المرأة الفلسطينية كانت تعتقد أنها زوجة سعيدة تعيش مع زوج مثاليّ
الفلسطينية اكتشفت ّأنهم ّ
مجرد ّ راقبت حياة هذه المرأة في أرض الميعاد،ولكن عندما ْ
ّ ً
أهلها،وأنها ليست أكثر من زوجة مخدوعة تعيش لصوص رعاع قد سرقوا أرضا من
الفلسطينيات في المعتقل في ّالنهار،ويعربد مع
ّ عسكري عربيد يغتصب األسيرات ّ مع
ّ
العاهرات في الليل،ويتركها خادمة حبيسة البيت.
الشرعيّ،تطلب من زوجها أن ّ
يرد حقها ّالفلسطينية،هذه األرض هي ّ ّ هي متعاطفة مع تلك
الفلسطينية،وأن يستقيل من عمله،وإن يعودا إلى فرنساّ األرض التي سرقاها إلى صاحبتها
ّ
ليعيشان هناك في موطنهما األصلي،لكنه يرفض ذلك،ويواجهها بعاصفة من الغضب بعد
ً ّ ً
مبرحا. أن يضربها ضربا
أنفه،ت ّعد له الفطر المشروم الذي ّ
يحبه،تختاره بعناية من ّالنوع تقرر أن ّتنفذ رغبتها رغم ُ ّ
عما صدر منها في ّ ً
اعتذارا له ّ ّ ّ
حقه في له،وتقدمه له مساء على العشاء السام،تطهوه
ّ ّ ً ّ
يستحقه كل لص. الصبح،وتأكل معه ليواجها معا الموت الذي
صمت
ّ
المجندين كانت هزيمة نكراء لهم أمام الفدائيين الفلسطينيين،لقد ّ
تجرع مع زمالئه
ً ّ
معنى الخوف والموت والهزيمة،كانوا في كل مكان،لم يكونوا بشرا،بل أشباح
طاردتهم،وقتلتهم،ودمرت ذخيرتهم،لم ُ
ينج من تلك المصيدة اإل ّ
بليسية سواه وبعض من ّ
128
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو
الجنود الجرحى.
ً
شهرا في العالج ّالنفسي كي تسمح إدارة الجيش ّ
الصهيونيّ ألسرته بمقابلته بعد أن أمضى
ّ
ّلقنوه الكثير من األكاذيب عن نصر كاسح لم يحدث إال في خيال الكاذبين الذين أجبروه
الصهاينة ّأنهم مهزومون حتى ّالنخاع.
على ترديد هرفهم كي ال يعرف ّ
ّ
األكاذيب،وحرم الكالم على نفسه،وتظاهر بالخرس،ولزم يردد ّأي كلمة من هذه
ّقرر أن ال ّ
الصمت إلى األبد.ّ
ّ
عربية أغنية
ّ ّ تامة تداعب وجدانها وأحالمها بسماع األغاني ّ بسرية ّ
ّ
المصرية،فمن العربية ذات اللهجة
ألي شيء عربيّ،ولو كان أغنية. وحب ًا ّ ً
تعاطفا ّ الممنوع عليها أن تظهر
ّ
جاءت إلى هنا بخدعة اسمها أرض الميعاد،وعندما علقت في شباكها أدركت أن األرملة
يسمونها.شرقية كما ّ يهودية ّ
ألنها ّ هيونية ستأكلها ّ
الص ّ السوداء ّ ّ
الشرقيين الذين جاءوا مخدوعين إلى هذه األرض راكضين وراء أمثالها كثر من اليهود ّ
تركت أهلها في مصر كما ترك غيرها يهودية مخدوعة ْ شرقية،هي ّ يهودية ّ
وهم كبير،ليست ّ
ً
أهله في المغرب واليمن والعراق،وجاءوا ُليحرقوا جميعا في هذا المكان.
ّ
اليهودية،لكن هنا في هذه المستوطنة جاءت لم يكونوا ّ
يعيرونها بلقب ْ هناك من حيث
شرقية قادمة من مصر،وتحصل على أدنى ّ
هيونية فهي ُت ّعير بسبب أو دون سبب بأنها ّ ّ
الص ّ
ّ
االستحقاقات،في حين ّأن اليهود الغربيّ يحصل على االمتيازات كلها.
تركت شاطئ تعبر عن غضبها من خديعتها،وعن ندمها ّالناخز ّ
ألنها ْ ال تستطيع أن ّ
خزن حتى تموت والصحبة الحلوة،وجاءت ُلت ّ والحب والجيران ّ
ّ اإلسكندرية حيث المرح
في صندوق معدنيّ في مستدمرة معزولة في أعلى صلد الجبال.
ًّ ّ
ّ ّ
سرا األغاني العربية المصرية،وتطرب هي تنتقم كل يوم ّممن أتى بها إلى هنا بأن تسمع
ّ العربية ّ
ّ ّ
بحب وفرح وتعلق،وتحلم بقدميها ُيغمران برمال شاطئ لها،وتترنم بكلماتها
129
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ً ّ
اإلسكندرية بعيدا عن هذه المستدمرة الملعونة.
ّ
السوط
ّ
بل،ويلقب نفسه باعتزاز في مجرد من األخالق والقيم ّ
والن يدرك من أعماقه كم هو ّ
ّ ّ ّ
المنحط ّ
).أما عندما يستيقظ فيهمس لنفسه بهذا اللقب دون توقف. ساعات سكره بـ(
ّ ً ًّ ّ
هو ابن زنا بشهادة كل من يعرفه،ال يعرف له أبا أو أما على وجه التحديد والجزم،لكن تلك
ّ
والداه،وربته حتى المتشددة في القدس هي من كفلته مذ لفظ ّ الص ّ
هيونية المدرسة ّالد ّينية ّ
ّ ّ ّ ّ ً
ة،ينفذ كل جريمة ُتسند مجردا من األخالق والقيم واإلنساني خرج وفق ما تشاء وتشتهي
إليه بأعصاب باردة وضمير ّميت.
(النحشون) التي تحترف في أوقات العمل يمارس مهنته القميئة كفرد من أفراد قوات ّ
تعذيب األسرى الفلسطينيين في المعتقالت ومراكز ّالتحقيق وغرف اإلعدام.
بالسوط حتى يدمي ظهره يعجبه أن يبدأ وجبات ّالتعذيب بضرب األسير الفلسطينيّ ّ
ً ووجه وكتفيه وبطنه وفخذيه،ثم ّ
ينقض عليه مستغال تقيد يديه وقدميه كي ينتش لحمه
ّ ّ
بفكه الثعلبيّ.
ً ّ ّأما في أوقات عطله ّالر ّ
سمية فيكتري بـ(شواكله) الكثيرة أشرس بنات الليل جسدا
ضربا ّ ً وطبعا،ويطلب منها أن ّ ً
بالسوط ذاته الذي يضرب تقيد رجليه ويديه،وأن تنهال عليه
ً بها ضحاياه في المعتقل،حتى ّ
تهد صوته صراخا واستغاثة دون مجيب.
هو ال ينام حتى تبصق إحدى بائعات الهوى في وجهه،وتنعته بـ (ابن ّالزنا)،عندئذ
والتعذيب. ّ
يستحقه من االحتقار ّ يستريح ،وينام إذ ينال ما
ثوب
ّ دفع لها الموساد ّ
الصهيونيّ الكثير من المال كي تسخر مهنتها كعارضة أزياء متقاعدة
130
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو
ّ الص ّ تروج لصورة المرأة ّ وصاحبة أكبر دار أزياء في لندن ألجل أن ّ
هيونية وهي تلبس الثوب
ّ ّ
الفلسطينية،وأن تزرع في مخيال العالم الفلسطينيّ،مهمتها أن تسرق هذا الثوب من المرأة
الصهاينة. وذاكرته ّأنه من تراث ّ
السهلة،وإن لم يعجبها راق لها أن تكسب الكثير من المال الذي تعبده مقابل هذه ّ
المهمة ّ
ّ ّ
منظر الثوب الفلسطينيّ الذي يستر الجسد،ويغلق أبواب الطمع دونه،وهي من اعتادت
ّ
تسوق ّالدعارة في العالم كله،وتعرض جسد المرأة على أن تكون بضاعة جسد رخيصة ّ
ّ
مشتر.
لكل ٍ
ّ
الفلسطينية تصيبها بمرض الصفقة؛فهذه األثواب تستمر في هذه ّ ّ ْ
استطاعت أن ّ
لكنها ما
ّ
ة،وسرت في جسدها قشعريرة الغضب على ْ ّ
فلسطيني عجيب،كلما لبستها شعرت ّبأنها
ّ ً الصهيونيّ،وانتابتها حمى الهتاف بجملة(فلسطين ّ العدو ّ
ّ
تستبد بها هذه حرة)،وأحيانا
ّ ّ ّ
اللعنة،فتلتقط حجارة الطريق تلقمها لكل صهيونيّ تعرفه في لندن،أو تلتقيه صدفة أو
بترتيب مسبق.
هذه ّاللعنة طالت كل عارضة من عارضات األزياء التي تعمل في دارها عندما ْ
لبست
ّ
ّ ّ
الثوب الفلسطينيّ،لم تعد تطيق أن ترى الثوب الفلسطينيّ أمامها.
ْ
الموساد،شرحت له فيها لعنة هذه مهمتها لرئيسها األعلى في أرسلت رسالة اعتذار عن ّ
بقولها»:إنه لهم،ال فائدة من سرقته،دعوه عنكم ّ ّ ّ
فإنه لعنة علينا». الثوب،وختمتها
ّ
لص
لص يهوى سرقة المحافظ والحقائب ّالن ّ
سائية. هناك في إسبانيا سجنوه ألكثر من ّمرة ّ
ألنه ّ
ً ًّ ّ ًّ
لصا جندي صهيونيّ يخدم كيانا لصا برتبة عندما هاجر إلى أرض الميعاد الخديعة أصبح
ّ ً ً
مالية كانت في ّذمته اختلسها دون أدنى شعور أهله،كل عهدة ّ قد سرق وطنا كامال من
ّ ً
سريعا ّ ّ
عسكرية قضت بسجنه خمس سنوات ،فحول إلى محكمة بالذنب،انكشف أمره
ّ
عسكرية،تفاجأ من هذا الحكم الجائر عليه ورد ما سرقه من أموال مع األعمال ّ
الشاقة ّ
131
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
وتحد وغمزة ذات معنى »:لكم مالكم المسروق الذي وفق رأيه،وقال للقاضي باستهتار ٍ
ُ ُ
سرقت مقابل أن سطوت عليه إن أعدتم فلسطين التي سرقتموها إلى أهلها،أعيد نزير ما
تعيدوا عظيم ما سرقتم».
ّ
بعد جلسة مداولة اسئنافية عاجلة ابتسم القاضي ابتسامة ذات معنى مريع،وحكم ببراءة
ّ ّ
الجندي اللص!
رأفة
ّ ً
مشتركا بين ّ ُ ّ ًّ المذيع ّ
فضائيات عدة بث بثا الصهيونيّ كان يعرض في برنامج إعالميّ ي
مخر ًبا ّ
ألنه يدافع مصو ًرا عن هدم بيت لذوي فدائيّ فلسطينيّ،المذيع أسماه ّ ً
تقريرا ّ ّ
عالمية
عن وطنه.
ّ ًّ ً ّ
الجنود الصهاينة في الفيلم حاصروا بيتا فلسطينيا على رأس جرف صخري،لم يعطوا
الجرافات أسماعهم لما خرجوا فرصة ألهله كي يهربوا منه لوال أن أدركت أصوات ّ ّ
بشري خارجه،كانوا مسرعين حفاة مذعورين من طوابق البناء األربعة،اندفعوا مثل سيل ّ
ً ّ عائلة كبيرة،الكبير يتكئ على ّ
اب،والصغير يركض وراء أم أو أب يحمل أخا أصغر منه الش
ّ ً
وهم جميعا يسابقون ّالزمن كي ال ُيدفنوا تحت ردم بيتهم،بعض ّالنسوة تعلقن في طريق
ّ ً خروجهن بياقات بذالت بعض الجنود ّ ّ
بيوتهن في محاولة الصهاينة ليدفعوهم بعيدا عن
والجرافات تهمر مقتربة بسرعة ّ
ذئبية سعيهن ذهب أدراج ّالر يح ّ ّ ،لكنإلنقاذه ّ
ّ أخيرة يائسة
ّ
لتنشب أظافرها الفوالذية في جسد البيت.
جندي صهيونيّ في المكان ينحني على عتبة البيت ّ فجأة تقترب (كاميرا) ّالتصوير من
ّ
ليلتقط قطة صهباء من أمامه(.الكاميرا)اقتربت من هذا المشهد حتى كاد يلتصق زجاج
ّ ّ
الجندي المشعوعرتين وهما تلتقطان القطة،وترفعانها عن أرض العتبة. عدستها بيدي
ً ّ ّ ّ ً
رفع المذيع عقيرته مثمنا رأفة الجندي الصهيونيّ بالحيوان،وطالب العالم بأن يقف احتراما
ً ً الجندي ّ
ّ
الصهيونيّ الذي يبعد حيوانا أليفا عن مكان هدم بيت فلسطينيّ. ألخالق
132
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو
خديعة
ّ ً انتفض المستوطن ّ
مزبلة،وتهيأ لينقر مسؤول الصهيونيّ غاضبا مثل ديك ينتفش فوق
ّ
الغاضبة.تجمع حشد من السائبة من معدن نفسه الخسيسة المستوطنة بكلماته ّ
حوله،خمن مدير المستوطنة ّأنهم ّمتفقون على موقف ما.
ّ المستوطنين
ّ ّ ّ
سأل المستوطن الديك»:أين هما العسل واللبن اللذان هاجرنا إلى هنا من أجلهما؟! إننا
ال نرى حولنا غير الموت والخراب ّ
والتدمير والخوف».
ّ
طائر،ورد بال مباالة طاقيته ّ
الصغيرة الهابطة فوق رأسه مثل براز عدل مدير المستوطن ّ ّ
ّ وهو يشير بسبابته إلى األعلى حيث ّ
السماء»:العسل واللبن ليسا هنا،بل هما هناك في
ّ
الجنة».
رجل
ّ العسكري في الجيش ّ
ّ ّ
عسكرية،فليس الصهيونيّ أن تكون عاهرة بدرجة علمها العمل
ّ ّ ّ
عسكري يستهويه جسدها الممشوق،وشعرها لها إال أن تقبل بمضاجعة كل مسؤول
ّ الطويل ّ ّ
السائب،ومع مرور الوقت اعتادت على أن تبيع جسدها لكل من يدفع األحمر
ّ
وترقيات في العمل من منطلق أن جسدها أفضل ثمنه امتيازات وهدايا وحفالت ورحل
ٍ
سلعة تستطيع المتاجرة بها.
ْ
سعارها الجنسيّ وروحها ّالرخيصة وإصابتها بمرض (اإليذر)جعلت قائد المعتقل
133
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
آر.بي.جي
ً
من جديد يراهم أمامه أطفاال فلسطينيين صغار بأجساد هزيلة يحملون مدافع (اآل.ربي.
ّ ّ
واحد،كلما قتل أحدهم بقذيفة أو ّ ً
خرقه بعشرات الطلقات جي)،جميعهم يملكون وجها
ً
رأى طفال بالوجه ذاته يهاجمه من جديد.
ّ
ّإنهم في كل مكان ها هنا في هذا المخيم الفلسطينيّ في لبنان،لقد قيل لهم ّإنها ستكون
ّ
نزهة سريعة،يقضون فيها على الفلسطينيين في ساعة الغير،ثم يعودون أدراجهم مكللين
بورق الغار المسروق من جبال لبنان،لكن هذا لم يكن،بل هم من ّفروا من أمام األطفال
المقاتلين مهزومين مذعورين ال يلون على شيء وراءهم.
ّ ّ إنه يرى الوجه نفسه ّ
يحدق فيه،العينان ذاتهما تواجهانه دون خوف،ال يفر الطفل من
134
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو
شارون
ّ ّ هو رقيق ّ
البشرية جمعاء!هو حساس الطباع! يخدم وطنه المزعوم إسرائيل ولو داس على
يكره ّاللون األحمر ّ
ألنه يكره رؤية ّالدماء!ولذلك هو ال يمارس هوايته اآلثمة،وهي قتل
ّ
الفلسطينيين،إال مغمض العينيين ّ
والروح كي ال يرى دم ضحاياه!
َ
ع ْبد
ً
جاء من أثيوبيا راكضا خلف أطماع وأوهام،زعم ّأنه يهودي كي يظفر بحياة رغيدة كما
ّ
األثيوبية،وأطلقهم الصهيونيّ الذي حزمه وأهله والكثيرين من أهل مدينته وعده الحاخام ّ
ّ
اإلنسانية ّالراقية. صهيونية ّ
يعز فيها األمن ّ
والراحة والمعاملة ّ كقطيع أجرب في مستدمرة
ّ ّ
عامله أبناء جلدته من الصهاينة معاملة عبد آبق من سيده،كل ما وهبوا له على كره
ّ
واحتقار هو بعض الطعام وصندوق إسمنيتي ليعيش فيه مع أسرته ومكنسة حقيرة يكنس
ً فيها ّ
المؤسسة التي ّعينوه خادما فيها.اآلن هو عبد حقيقيّ،عبد من يهود (الفالشا)،يسخر
ّ ّ منه اليهود البيض ّ
ألنه أسود اللون والحظ.
135
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
كتاب
ّ
نفسه،يتأبطه باعتزاز وحرص كتابه ّ
«التطهير العرقي في فلسطين» هو أقدس ما أنجزت
وإجالل،ويهرب على عجل وحذر من عنصريين صهاينة يرجمونه ّ
بسبة الخيانة،ويرشقونه
ببصاقهم،ويجلدونه بقولهم»:إيالن بابيه يا خائن،ياعميل العرب».
ً
ال يبالي بما يكابد،فأخيرا كتب قلمه الجريء الحقيقة كاملة وبإنصاف كامل بعد أن أدرك
ً ّ
وحشية شعبه.أخيرا يستطيع أن يعيش بسالم،وأن يموت برضا؛فقد كتب الحقيقة التي أراد
شعبه أن يطعمها ّللنسيان.
متحف
يتجول في متحف اإلنسان في باريس،ويسمع استعراض الصهيونيّ كان ّ الحاخام ّ
ّ
وحشية من أعدائها طالبه لألمم واألقوام التي انقرضت عن بكرة أبيها بهجمات إبادة
ّ ً
ابتهاجا ّكلما وقف أمام استعراض ّ ّ ّ
ألمة منقرضة علي يدي محتل ين،فيهز رأسه المحتل
آثم.
ً ً
الحاخام في نهاية الجولة انزوى جانبا في آخر العرض،وأخذ ينهق باكيا بحسرة خنزير
ً
طعاما في مزبلة ال يستطيع ّالدخول إليها،سأله طالبه الخجول بقلق وارتباك ّ
عما يندب
ّ ّ
يبكيه،أجاب الحاخام وهو يمسح مخاطه بكمه»:إنهم الفلسطينيون،لقد أحرجونا أمام
والتاريخ عندما رفضوا أن نبيدهم،فنرتاح منهم،ويدخلوا هذا المتحف للعرض ال العالم ّ
غير».
136
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو
هواية
ً الص ّهوايته ّ
هيونية الفضلى هي أن يرى رؤوس األطفال الفلسطينيين تتدحرج بسرعة بعيدا
خاصة فيالفلسطينية جميعها،يجد ّلذة ّ
ّ عن أجسادها.يمارس هوايته في المخيمات
ً ّ ً ً
مطاردة ّالرؤوس ّالراكضة قهرا بعيدا عن أجسادها في مخيم (صبرا وشاتيال) ،يتلذذ طويال
ّ العربية ّ
بالرؤوس ّ
الصغيرة الذبيحة في مدرستي (بحر البقر) و(قانا).
وعندما تلتهب هوايته،وتسيط روحه بعطش حارق يدنو من رأس ابنه،ويهوي عليه
ً
الصهيوني ّالدبق ّالنجس
بعيدا عن جسده،ويشرع يراقب نافورة ّالدم ّ بساطوره،فيدحرجه
وهي تتعالى متقاذفة في فضاء سرير ابنه.
متأجج الصطياد رأس طفل ّ
وامتداد،ولكنه ال يزال في عطش محموم ّ بشره ورضا
يضحك ٍ
فلسطينيّ!
وسام
ً ّ
الصهيونيّ من ّالدرجة الثالثة تقديرا لدوره المهم في إبادةنال وسام البطولة في الجيش ّ
ّ
فلسطينية عن بكرة أبيها. مدرسة أطفال
ّلقبوه ببطل،أطلقوا اسمه على بعض المواليد الجدد،نشرت الصحف الصهيونية صورته
ّ ّ ّ ْ
ً ًّ
وطنيا. بوصفه بطال
الصحف،وأدار اإلعالم ظهره له،وصدئ وسامه في سرعان ما نسيه المحتفلون ،وهجرته ّ
مكتبه،وظلت وجوه األطفال الفلسطينيين الذين قتلهم بصاروخ ّ
جوي ّ درج من أدراج
واحد تطارده ليل نهار،وتنشب أظافرها في تالبيب روحه التي تعيش في جحيم أرضي
ال ينقضي.
137
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ُ
خرافة
ً ّ
ّ
جندي جيشه،صدق ّأنه
ّ بعد أن اجتاز ّالدورة المكثفة،التي خاضها جبرا بتكليف من إدارة
ّ
غذته ّالدورة بخرافة ّ ّ
الشعب المختار والجيش الذي ال أسطوري ال ُيهزم،لقد في جيش
ّ ّ ُ ّ ّ
ُيقهر.اآلن هو مستعد للخروج في أي مهمة يكلف بها ألجل أن يسحق العرب أجمعين بل
ّ ّ ّ
األسطوري. جندي في هذا الجيش العالم كله مادام هو
مهمته األولى كانت سحق الفدائيين الفلسطينيين في لبنان،شرب ليلة ّالتكليف بمهمته ّ
ّ ً
صهيونية منخرطة معهم في العمل في الجيش،فال الكثير من الخمر،وضاجع مرارا عاهرة
بأس من تبديد طاقاته،فهوال يحتاجها في هذه المعركة ّالنزهة،فهي لن تستغرق منه الكثير
من الوقت قبل أن يحصد ّالنصر،ويبيد الفلسطينيين،ويعود إلى وكره ليكمل عربدته.
الحربية الموعودة،لم يقابل ّأي رجل فدائيّ كان،فقد ّ ّ ً
تصدى له أخيرا خرج في نزهته
الصغار الذي رأوا ّأنه وجيشه أحقر من أن يستدعي أن يخرج الكبار ولجيشه الفدائيون ّ
لهم،أمطروا الموت عليه وعلى مجموعته عبر قذائف(اآلر.بي.جي)،في ساعات قليلة
أسيرا في أيدي صغار جبابرة،لم يقتلوه كما ّ ً ًّ
تخيل،بل ّعروه من بنطاله ومن جنديا غدا
ّ
مالبسه الداخلية،ولمزوه بأسلحتهم،فأطلق قدميه ّللر يح التي تسخر من عريه،وطار في ّ ّ
ًّ ّ
جندي في جيش ّ حيا إلى أولئك الخادعين الذين أقنعوه ّبأنه درب الهروب لعله يعود
أسطوري ال يقهر كي يبصق في وجوههم. ّ
نسيان
هيونية ّ
الص ّ ّ
يعلمونه مبادئ ّ
»:إن الكبار الفلسطينيين قالوا له قبل أكثر من نصف قرن وهم
ّ
سيموتون،وأن صغارهم سينسون».
ً الفلسطينية ّ
الصغيرة وهو يأمر ّ ّ
بدسها في المعتقل عقابا لها على كان يستعرض الوجوه
رجم الجنود ّ
الصهاينة بالحجارة،أمر بتغليظ العذاب لهم،شتمهم،وشتم من أنجبهم،وبصق
138
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو
جف ريقه،وكاد يختنق بجفافه،صفق الباب في إثر خروجهم وهم في وجوههم حتى ّ
يترنم على صوتبالسالسل إلى العذاب والجحيم معصوبي األعين،بات ّ ُيساقون ّ
ّ
بعذاباتهم،تشمت بهم،ثم أخذ يشخر وهو يبكي بقهر،وهو استغاثاتهم تزلزل ّ
السماء،فرح
ّ
يقول»:إنهم ال ينسون». الس ّ
خية،وهو يبتلع دموعه ّ
ّ
نبتة عطرية
أثري انتزعه االحتالل ّ الطابق ّالثاني من بيت مقدسيّ ّ ّ
الصهيونيّ من هي تسكن
ّ ّ ّ
أهله،وملكوه لها ولزوجها والبنتها،كان من المفروض أن تمارس كل ما يتفتق ذهنها
ّ
المقدسية التي تسكن الطابق ّالتحتي،وتجبرها على ّ عنه من شرور وإيذاء لتزعج العائلة
ّ ّ ّ
حيل،ولكنها كانت تعجز عن ذلك بسبب طبيعتها النفسية الخيرة التي يكرهها زوجها ّ ّالر
ّ ّ ّ
وأهله،فيحثونها دون انقطاع على أن تتخلى عن شمائلها الط ّيبة لصالح مطامعهم ووالئهم
الصهيونيّ. لكيانهم ّ
سطت عليه من أثاث ْ عطرية لصاحبة البيت ضمن ما ّ وضعت يديها على حوض نبتة
ّ ّ ّ ّ ّ
المغتال،أحبت هذه النبتة العطرية التي لها ومالبس في الطابق الثاني من البيت المقدس
ْ
استولت عليها. ّ
مستمر منذ أن طيبة حنونة،لكن ّالنبتة في ذبول رائحة ّفواحة ّ
ّ
المقدسية التي زرعتها أهله،وأن هذه ّالنبتة تفتقد صاحبة البيت ّ يحبخمنت ّأن ّالنبات ّ ّ
ّ
المقدسية الصغير،وهبطت به أدراج البيت،فألفت المرأة بها،زمت الحوض ّ ّ واعتنت
بناتها،وضعت حوض ّالنبتة العطريةّ ْ ّ ّ
في فسحة الحديقة الصغيرة تضفر شعر إحدى
تريدك». ّ ّ
فلسطينية تكاد تتقنها»:هذه النبتة ْ
أمامها،وقالت لها بلهجة
ِ
ّ،فالشجر يعرف أهله،ويرفض المقدسية دون أن تلتفت إليها»:هذا طبيعي ّ ّ ّردت المرأة
الغرباء».
139
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
طالب
معلمه،وهذه فرصته الكبرى ليكون تلميذه المخلص ّ ّ ّ
السائر على يجب أن يكون سر
علمه ّأن البحث العلميّ ّ ّ
والتعليم الميدانيّ غايتان تستبيحان الوسائل جميعها دربه،هو من
أدبيات،ولذلك كان أخالقيات أو ّ
ّ ّ
وحشية،وهما المقدمتان على ّأي ّ ّ
إنسانية أم أكانت
ّ
يشرح أمامهم جسد أسير فلسطينيّ وهو على قيد الحياة؛ألنه يريد أن يريهم يستسيغ أن ّ
الحيوية وصاحبها على قيد الحياة.ّ كيف تعمل األعضاء
المطبقة علىّ ّ
الميدانية األول من هذه ّالدروس لقد ُأغمي عليه عندما حضر ّالدرس ّ
ّ ّ
أجساد األسرى الفلسطينيين،ولم يحضر منه إال توغل المشرط في صدر األسير وصراخه
ّ وتية ّ يمزق أوتاره ّ
الص ّ الذي ّ
لشدة ألمه،بعدها دخل في عالم من الغيبوبة اللزجة القاتمة إلى
ً الطبيب ّ ّ ّ
الصهيونيّ بصفعة خلعت سنا من أسنانه. أن أيقظه معلمه
ً ً ّ ّ ّ ً
يغم عليه أبدا بعد هذه ّ لم َ
الصفعة،وظل يتابع مشرط معلمه الطبيب يعيث فسادا وتعذيبا
ً ّ
بشر،وتمنى دائما أن يلهو مشرطه في أجساد األسرى الفلسطينيين،وما عاد بعدها يعبأ بألم
ّ ّ ّ
في جسد معلمه ليثبت له ّأن الطالب قد يفوق معلمه في الفعل اإلبليسيّ.
ّ ّ ّ
سيحقق اللهو الذي يحلم به،فقد جاءته الفرصة المنتظرة على طبق من ذهب؛معلمه اآلن
يستحق االكتشاف،وهو المسؤول ّ والنطق،ويعاني من مرض نادر أمامه مشلول الحركة ّ
عنه في هذه المستشفى،لذلك يستطيع أن ُي ْع ِمل مشرطه فيه دون أن ينبس ببنت شفة
ً أو ُيطلق زفرة احتجاج حتى لو ّقدده األلم،لن ّ
يضيع هذه الفرصة أبدا،يغلق باب الحجرة
ّ بالمفتاح،يضع المفتاح في جيبه الذي ُيخرج منه مبضعه،ويشرع ّ
يسيره في جسد معلمه
ً ّ ً ابتداء من رقبته حيت ّ
تتبدى الحنجرة نزوال مثلما حتى أسفل بطنه.
140
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻌﺪو
أوزون
ً
جميعا،وشكروا الله ّ
ألنه خلق الفلسطينيين ليكونوا كبش الفداء في المصائب اجتمعوا
ّ والمحن ّ
والشدائد جميعها.في جلسة واحدة أسندوا لهم الجرائر كلها:فهم من أفسدوا
ّ
العالم،وسرقوا الخزائن العامرة،وحاربوا اآلمنين،وبثوا األمراض واألحزان والمآسي
ّ
والمستقبلية،وهم العالمية الماضية ّ
واآلنية ّ والنكبات في األرض،وأشعلوا نيران الحروب ّ
ّ ّ سبب المنازعات ّ
الموت،وقدروه على والتناحر في كل مكان،بل هم من اخترعوا
عذبوا،وأن ّ
يقتلوا،وأن ُي ّ ُ ّ
شردوا. البشر،لذلك وجب عليهم أن ي
في آخر قائمة الجرائم المسندة للفلسطينيين،األحياء منهم واألموات والذين ال يزالون
عدما في غامض الغيب،وجدوا ّأنهم لم يستطيعوا أن ّ ً
يفسروا سبب حدوث خرق األوزون
البشرية عناء ال ّّ ّ
حد له. الذي سيكلف
الكونية ألجل إسناد جرائم الكون إلى ّ ابتسم أقصر الموجودين في هذه القمة
طاقية سوداء جوفاء نتنة تخيم على نافوخ رأسه،وقال ّ الفلسطينيين،كان يلبس
بتهدل»:هذه جريمة سهلة وبسيطة،ال ّبد أنّ يتمطى ّ ّ
بفرح وارتياح يسمح لكرشه بأن
ّ
الفلسطينيين هم من خرقوا طبقة األوزون في لحظة تهور».
ً ّ ً ً ّ
االقتراح،وصوتوا جميعا على الموافقة على إسناد هلل المجتمعون فرحا وارتياحا بهذا
البيئية الخطيرة -إن وقعت حقيقية -للفلسطينيين المشاكسين الذين يفسدون هذه ّالتهمة ّ
تمتد أيديهم إليه،حتى ّأن عبثهم قد امتد إلى طبقة األوزون المسكينة،فقاموا بثقبها. ّكل ما ّ
141
7
تقاسیم البعث
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
تمثال
ّ ً ً ّ الفلسطينيّ ّ
البشرية كان مثاال ماهرا،يصنع تماثيله األول الذي خلقه الله في مبتدئ تاريخ
على شاكلة جمال وطنه.
ُ ّ
في يوم وليلة جاء غاصب يهودي،وسرق وطنه،وحطم تماثيله،وطرده منها مع بنيه الكثر
ً ّ
الذين كانوا جميعا مثالين مهرة مثله.
األول الموغل في القدم جاب ّالدنيا في انتظار العودة إلى وطنه،أبناؤه الفلسطينيّ ّ
تفرقوا في مشارق األرض ومغاربها،جميعهم دأبوا على صنع تماثيل تشبه وطنهم وبناته ّ
ّ
فلسطين،ثم بعد ذلك طفقوا يبنون األماكن كلها على شاكلة فلسطين كي ال ينسوها
ّ ً
أبدا،ولذلك نقلوها إلى كل مكان ذهبوا إليه.
األول وبنوه إلى وطنهم فلسطين بعد أن طردوا اليهودي بعد زمن طويل عاد الفلسطينيّ ّ
ظل من عادة الفلسطينيّ أن ّ ّ
يعمر األرض ويبني األماكن والبلدان على الغاصب منه،ولكن
شاكلة وطنه إلى أن يعود إليه في آخر المطاف،وبات تاريخ الفلسطينيّ ُيختزل في ّالرحيل
والبناء والعودة إلى الوطن مهما طال ّالتطواف.
ّ
الريح والكالب
ّ ً ً
استطاعوا أن يقتلوا عــددا عمالقا من الفلسطينيين،مثلوا بأجسادهم،أحرقوا
مهب ّالر يح كي يرتاحوا من ذلك ّ
الشبح جماجمهم،طحنوا عظامهم،نثروا رمادهم في ّ
الذي اسمه عودة ّ
الشعب الفلسطينيّ إلى وطنه.
علت أصواتهم نابحة بنشوة داعرة وهم يقولون»:نحن إسرائيل،والفلسطينيون غدوا
ً
عدما».
ّ
األجش،ولملمت رمــاد الفلسطينيين الــذي بعثرته سخرت ّالر يح من نباحهم
ُ
فيه،فبعث الفلسطينيون ّمرة أخرى ينسلون من نسائمها،وعجنته بماء الخلود،ونفخت
144
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﺒﻌﺚ
ً
جميعا يحملون ابتسامة عريضة واحدة ّ ً
يلوحون بها ّللر يح طائر فينيق ال يموت أبدا،كانوا
تصدق نباح الكالب مهما عال! ّ
لهم؛ألنها ال ّ العاتية الباعثة
المنجل
ّ ً
هبط الفلسطينيّ على األرض يحمل منجال،وال شيء أكثر،لم يعشق منجله إال األرض
التي يحصد كنوزها بشهوة وارتضاء.
ّ ّ
جاء الغرباء ليسرقوا األرض من المنجل المتيم بها،فعشق الدم يسقيه لنفسه من دماء
أعناقهم التي يحصدها بكره وقرف.
وبعد أن رحل الغرباء ّالناجون من سطوة منجل الفلسطينيّ،عاد المنجل من جديد ّ
يتفرغ
ّ
األرض،ويغني في أيدي ّالزراع العاشقين. لعشق
وحام
ّ ّ
سرقوها،شردوا أهلها،أسموها إسرائيل،فحملت األرض من فؤوس من شقوها آلالف
ليزرعوها،تو ْ
حمت بهم،بمالمحهم،بأصواتهم،بروائحهم،بصبرهم،بأحالمهم،وأنج ّ ّ
السنين
بت فدائيين فلسطينيين بمالمح ّأمهم فلسطين،ومن جديد عاد اسمها فلسطين،وظلت ْ
الس ّ
ماوي الخالد. وتتوحم،وتلد فدائيين يهتفون باسمها ّ
تحبل ّ
القيامة
ً ً ُ ُينفخ في ّ
ثانية،فيبعث البشر أجمعون كرها وطوعا،البشر في محشر الصور نفخة
ّ
أعناقهم،إال الفلسطينيين ّ
فإنهم يحملون فلسطين عظيم،الجميع يحملون أعمالهم فوق
ّ ّ
على رؤوسهم،يقفون بها أمام ّالرب ليتشفعوا بها لهم ولألهلين ولكل من ّ
ضحى ألجلها.
ّ
القصصية انتهت المجموعة
ّ ُ ْ
كتبت في الشتات ...
145
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
146
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
-2روايات الفتيان:
-1أصدقاء ديمة.
ّ
القصصية: -3المجموعات
-1قافلة العطش.
-2تراتيل الماء.
-3الجدار ّالزجاجيّ.
-4حدث ذات جدار.
-5الذي سرق نجمة.
-6تقاسيم الفلسطينيّ.
-7عام ّالنمل.
-8رسالة إلى اإلله.
-9أرض الحكايا.
-10مقامات االحتراق.
-11ناسك الصومعة.
-12قافلة العطش.
-13الكابوس.
147
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ
مسرحيات للكبار: -5
مسرحية (البيت ّالنظيف)
ّ ّ
لمسرحية «صانعة» المقتبسة عن -1إعداد وسنيوغرافيا
ّ
لألمريكية سارة رول.
ّ
-2دعوة على شرف اللون األحمر.
« -3سيلفي» مع البحر.
-4وجه واحد الثنين ماطرين.
-5محاكمة االسم (×).
148
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
ّ
مسرحيات للفتيان والفتيات: -6
-1اليوم يأتي العيد.
ّ
-2رحلة مع المعلمة فرحة.
-7قصص أطفال:
ّ ّ -1
قصة لألطفال بعنوان «زرياب :معلم الناس والمروءة».
قصة لألطفال بعنوان «هارون ّالرشيد :الخليفة العابد المجاهد». ّ -2
الفراهيدي :أبو العروض ّ
والنحو العربيّ». ّ ّ -3
قصة لألطفال بعنوان «الخليل بن أحمد
الس ّنة».
قصة لألطفال بعنوان «ابن تيمية :شيخ اإلسالم ومحيي ّ ّ -4
ّ ّ ّ -5
المتصدق». قصة لألطفال بعنوان «الليث بن سعد :اإلمام
السالم :سلطان العلماء وبائع الملوك». قصة لألطفال بعنوان ِّ
«العز بن عبد ّ ّ -6
«عباس بن فرناس :حكيم األندلس». قصة لألطفال بعنوان ّ ّ -7
ّ
قصة لألطفال بعنوان «زرياب :معلم ّالناس والمروءة». ّ -8
ّ ّ -9
قصة لألطفال بعنوان «صاحب القلب الذهبيّ».
ّ ّ
المحلية -10مئات القصص المصورة لألطفال المبثوثة والمنشورة في مجالت األطفال
والعربية. ّ
والنصوص ّالن ّ
ثرية: -8المقاالت ّ
-1أبي ّ
سيد الكلمات.
-2الذين ال ينامون.
149
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
-3قالت ّالنساء.
-4غصون وتخوم.
ّ -5الدرب إليهم.
-6األعمال ّالن ّ
ثرية الكاملة.
ّ
حوارية: – 9لقاءات
ّ
وفكرية ()1 ّ
إبداعية -1الهدهد والخاتم :لقاءات مع مبدعين عراقيين ،سلسلة حوارات
ّ
وفكرية ()2 ّ
إبداعية ّ -2
العرافة والجبل :لقاءات مع مبدعين عرب ،سلسلة حوارات
ّ
وفكرية ()3 ّ
إبداعية ّ
حوارية :لقاءات مع مبدعين عالميين ،سلسلة حوارات -3لقاءات
ّ
متخصصة: - 10كتب ّ
نقدية
-1األسطورة في روايات نجيب محفوظ.
ّ ّ -2
السرد الغرائبيّ والعجائبيّ في ّالرواية والقصة القصيرة في األردن2002 -1970م
-3دور جاللة الملك في مكافحة اإلرهاب :تفجيرات عمان في قصص ّ
بالشراكة مع
ّ ّ
الفاعوري. المؤلف وائل
ّ -4الدواني والغواني :غصون في األدب المعاصر ونقده.
السراب وأهزوجة ّالنور :دراسات ّ
نقدية في األدب المعاصر. ّ -5
الصدى :دراسات ّ
نقدية في إبداعات معاصرة. الصوت وثورة ّ ترنم ّّ -6
So Close, Much Farther: Studies in Criticism -7
150
ﺗﻘﺎﺳﯿﻢ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯽ
-2مشاركة بفصل بعنوان «لقاء مع العالمة علي القاسميّ :أبو المعاجم العربية الحديثة»
«الدكتور علي القاسميّ سيرة ومسيرة :مجموعة بحوث ودراسات مهداة إليه في كتاب ّ
والسبعين» ،جمع وإعداد د .منتصر أمين عبد ّالرحيم. بمناسبة عيد ميالده الخامس ّ
-3المشاركة بفصل بعنوان «عبد الكريم غرايبة العمالق الذي ينير ّالدرب للجميع» في
ّ ً ًّ
عربيا». كتاب «عبد الكريم غرايبة مؤرخا
-4المشاركة بفصل بعنوان «مساحة ّالت ّوتر بين االنتظار والخيبة عند ّ
القاص العراقيّ فرج
القصصية «واجهات ّبراقة» في كتاب» في آفاق ّالنص القصصيّ: ّ ياسين في مجموعته
ّ
الهوية والنص والتشكيل عند فرج ياسين». ّ مقاربات في ّ
ّ
«القصة القصيرة -5المشاركة بفصل بعنوان «البطل في قصص زياد أبو لبن» في كتاب
في الوقت ّالراهن».
-6المشاركة بفصل بعنوان «الذين ال يموتون» في كتاب «المبدع ّالراحل محيي ّالدين
زنكنه بأقالم أصدقائه».
ّ ّ ّ ّ
-7المشاركة بفصل بعنوان «الفنتازيا رداء للتثوير في التجربة القصصية عند محيي الدين
نقدية في عالم محيي ّالدين زنكنه اإلبداعيّ». نقدي بعنوان «نظرات ّ زنكنة» في كتاب ّ
األردنية سناء شعالن» في كتابّ ّ
إبداعية لألديبة -8المشاركة بفصل بعنوان «شهادة
ّ
الكردي». «دراسات ّ
نقدية عن األدب
ّ
المنهجية: -12الكتب
ّ ّ ّ
العربية للناطقين بغيرها :المستوى الخامس» ،كتاب -1كتاب بعنوان «تعليم اللغة
ّ
مشترك مع مجموعة من المؤلفين األكاديميين.
151