Professional Documents
Culture Documents
امل سلمني من سكان القدس الشرقية .ففي يوم 24متوز ،1967أي فيها في م ستهل حقبة االنتداب البريطاني.
بعد شهر ونصف من انقضاء احلرب ،أس ست مجموعة تضم نحو وفي الفترة الواقعة بني العامني 1948و ،1967كانت محكمة
عشرين شخصية من أعيان املدينة ما ُي عرف بـ”الهيئة اإلسالمية”. استئناف شرعية تزاول عملها (منذ العام )1953في الشطر
وقد أناط مؤس سو هذه الهيئة بها حماية األماكن املقدسة لدى الغربي الذي يقع حتت سيطرة إسرائيل من مدينة القدس ،ولكن
امل سلمني وأمالك الوقف اإلسالمي ومنظومة احملاكم الشرعية من لم تكن محكمة ابتدائية شرعية موجودة فيها .وفي املقابل ،كانت
التدخالت اإلسرائيلية ( .)Farhi 1979: 9–10وقد تطورت هذه القدس الشرقية حتتضن محكمة ابتدائية شرعية ،ولم تكن تضم
الهيئة ،مع مرور الوقت ،إلى “الهيئة اإلسالمية العليا” ،التي باتت محكمة استئناف شرعية.
تتولى امل سؤولية عن إدارة نظام احملاكم الشرعية وأمالك الوقف وقد ت سبب االحتالل اإلسرائيلي ملرتفعات اجلوالن وقطاع غزة
اإلسالمي في األراضي احملتلة في ظل غياب ال سيادة اإلسالمية والضفة الغربية ،مبا فيها القدس الشرقية ،في شهر حزيران ،1967
عليها (.)Welchman 2000:53 في تغيير هذا الوضع برمته .فعلى خالف بقية األراضي احملتلة،
وعلى الرغم من أن الهيئة اإلسالمية كانت هيئة مقدسية التي ُوضعت حتت حكم نظام ع سكري «مؤقت» ،كان نصيب القدس
محلية في املقام األول ،فقد كان العديد من أعضائها ممن شغلوا الشرقية أن تالقي َق َد ًرا مختل ًف ا .فلم تتوانَ القيادة اإلسرائيلية ،التي
مناصب رفيعة امل ستوى في املؤس سات األردنية في سابق عهدهم، غمرتها الغبطة والبهجة عقب احتالل هذه املناطق ،عن اإلعالن عن
كما حافظت الهيئة على والئها املتني للمملكة األردنية الهاشمية. أن «املدينة املوحدة» لن تق َّس م مرة أخرى .وكان من شأن التشريعات
حتظ الهيئة اإلسالمية العليا باالعتراف الرسمي وفي الواقع ،لم َ التي س نّها الب رملان اإلسرائيلي (الكني ست) على عجل أن أتاحت
لدى ال سلطات اإلسرائيلية وال األردنية – ب ْي د أن إسرائيل لم حتظر القدرة إلسرائيل على ضم القدس الشرقية إلى إقليمها .وفي يوم
عملها واستخدمها األردن لتمويل املؤس سات اإلسالمية في الضفة 28حزيران ،بعد أن وضعت احلرب أوزارها بثالثة أسابيع فقط،
الغربية وإدارتها والتحكم فيها بصورة غير مباشرة .ومع املوافقة أصدر وزير األمن الداخلي اإلسرائيلي أم ًرا ينص على توسيع احلدود
الضمنية التي ع ّب رت عنها احلكومة األردنية ،أنشأت الهيئة محكمة البلدية للقدس الغربية ،بحيث تشمل الشطر الذي كان يخضع
استئناف شرعية في امل سجد األقصى (احلرم الشريف) ،لكي حتل للحكم األردني من املدينة ،إلى جانب عدد من القرى التي تقع على
محل محكمة االستئناف الشرعية في عمان ،والتي لم ي ُع د بإمكان أطرافها ( .)Brecher 1978:25–26وقد سرى القانون اإلسرائيلي
املواطنني الفل سطينيني من سكان الضفة الغربية الوصول إليها. على هذه املنطقة التي ضمتها إسرائيل ،و ُم نح الفل سطينيون الذين
وقد ُع ينِّ رئيس الهيئة في منصب القائم بأعمال قاضي القضاة كانوا يقيمون في هذه املنطقة ،والذين كان تعدادهم يناهز 70,000
ورئيس محكمة االستئناف الشرعية هذه .وكان رئيس الهيئة ،بهذه فلسطيني ،صفة قانونية باعتبارهم “مقيمني دائمني” في إسرائيل.
أيض ا رئاسة منظومة احملاكم الشرعية في الضفة الصفة ،يتولى ً
ورمبا ال تنتاب املرء الدهشة عندما يرى أن أول حركة منظمة
الغربية ،التي لم تزل تخضع إلدارة وزارة األوقاف األردنية. 32
ملقاومة االحتالل اإلسرائيلي تش ّك لت بني ظهراني الفلسطينيني
وبنا ًء على ذلك ،احتفظت احملاكم الشرعية األردنية في الضفة
وفي مطلع العقد السابع من القرن الماضي ،واصل صناع السياسة
اإلسرائيلية المراوحة بين إستراتيجيتين متناقضتين :السعي إلى
استمالة المحاكم األردنية في القدس من جهة ،وإعداد خطة ترمي
إلى إنشاء محكمة شرعية إسرائيلية بديلة في القدس من جهة أخرى.
وفي شهر كانون الثاني ،1973نقلت صحيفة “القدس” العربية
ً
تقريرا مفاده أن السلطات اإلسرائيلية قررت افتتاح فرع المحلية
دائم لمحكمة يافا الشرعية في القدس ،بحيث يتولى قاضيها رئاسة
هذا الفرع .وبعد ذلك بشهرين ،نقلت الصحيفة نفسها ً
خبرا مفاده
أن الحكومة اإلسرائيلية عدلت عن قرارها المذكور .
القضاة الذين تع ّي نهم الهيئة اإلسالمية من واجب أداء ق سم الوالء الغربية باستقاللها التام تقري ًب ا عن اإلدارة الع سكرية واملدنية
لدولة إسرائيل ،شريطة موافقتهم على العمل حتت رعاية املنظومة اإلسرائيلية .وبدا أن ال سلطات اإلسرائيلية كانت ت ستوعب هذا
القانونية اإلسرائيلية ( .)Benziman 1980:109–111ولكن الهيئة الترتيب ( .)Welchman 1990:94–95أما في القدس ،فكان الوضع
اإلسالمية رفضت هذا العرض الذي كان ميثل تنازلاً هائ لاً من على قدر أكبر من التعقيد بالنظر إلى أن القدس الشرقية ،وعلى
وجهة نظر إسرائيل .فقد دأبت الهيئة على رفض االعتراف بشرعية خالف بقية األراضي احملتلة ،قد جرى ضمها إلى إسرائيل ،وباتت
االحتالل اإلسرائيلي للقدس وضمها إلى إقليم إسرائيل. بالتالي تخضع ألحكام القانون اإلسرائيلي .ولذلك ،أصبح املسلمون
وقد اعتمدت إسرائيل إستراتيجية أخرى بعد أن انتابها اليأس من أبناء مدينة القدس يخضعون في م سائل األحوال الشخصية
واإلحباط من امل ساعي العقيمة التي بذلتها في سبيل استماله الختصاص احملاكم الشرعية اإلسرائيلية.
املؤس سة الدينية اإلسالمية في القدس .ففي شهر آب ،1969أصدرت ومع ذلك ،لم تعمل إسرائيل على تشكيل محكمة ابتدائية شرعية
وزارة الشؤون الدينية تعليمات إلى مكاتب التنفيذ اإلسرائيلية في في القدس ،كما ذكرنا آن ًف ا .وفي الوقت نف سه ،كانت محكمة أردنية
الضفة الغربية وفي القدس ،حتظر مبوجبها على هذه املكاتب مرموقة ما تزال متارس عملها في الشطر الشرقي من املدينة .وقد
تنفيذ األحكام القضائية الصادرة عن احملاكم الشرعية األردنية فرضت هذه احملكمة مشكلة معقدة أمام دوائر صناعة ال سياسات
في القدس الشرقية .وقد أفرزت هذه التعليمات آثا ًرا فورية ،حيث في إسرائيل ،حيث تسبب استمرار عملها في تقويض السيادة
لم ي ُع د هناك من معنى عملي ملعظم القرارات الصادرة عن تلك اإلسرائيلية على املدنية .وفي الوقت نف سه ،كان من شأن إغالق هذه
احملاكم دون وضعها موضع التنفيذ .وكان يتعني على املواطنني احملكمة أن ميثل عم لاً على قدر بالغ من اخلطورة ،ألنه قد ُي نظر
امل سلمني من أبناء مدينة القدس رفع طلبات االستئناف في امل سائل إليه كما لو كان اعتدا ًء مباش ًرا على وجود امل سلمني في املدينة
التي ت ستدعي التنفيذ أمام احملاكم اإلسرائيلية ،أي أمام احملكمة املقدسة .وملواجهة هذه املعضلة ،قررت ال سلطات اإلسرائيلية االحتكام
الشرعية في حيفا. إلى ال سياسة العامة التي تطبقها جتاه مراكز القوة في األراضي
ومن خالل تنفيذ سياسة «عدم االعتراف ال سلبي مبنظومة احملتلة ،حيث سعت إلى استمالة املؤس سة الدينية اإلسالمية في
احملاكم الشرعية في القدس» ( ،)Reiter 1997a:13كان صناع القدس الشرقية ودمجها ضمن منظومة احلكم اإلسرائيلية.
ال سياسة اإلسرائيليون ي سعون إلى إجبار ال سكان امل سلمني في ومقابل دمج احملاكم الشرعية األردنية في القدس الشرقية
القدس ،التي ضمتها إسرائيل إلى إقليمها ،على االستئناف أمام وإدراجها ضمن النظام القانوني اإلسرائيلي ،كانت إسرائيل تبدي
احملاكم اإلسرائيلية ،وبالتالي االعتراف -وإن بصورة ضمنية على االستعداد ألن تذهب بعي ًدا إلى حد منح الهيئة اإلسالمية صالحية
33 األقل -بالسيادة اإلسرائيلية .وقد عمد الزعماء الفلسطينيون ،الذين تعيني القضاة في هذه احملاكم بصورة م ستقلة (Welchman
كانوا على وعي تام بالدالالت الرمزية التي تنطوي هذه ال سياسة .)2000:60–61وعالو ًة على ذلك ،كانت إسرائيل م ستعدة إلعفاء
الرسمي من ال سلطات اإلسرائيلية معدومة .ومع ذلك ،ف سرعان اإلسرائيلية عليها ،إلى إطالق حملة في الصحف احمللية ،يدعون
ما ظهرت آليات خفية تكفلت بتأمني االعتراف بهذه القرارات ،كما فيها إلى مقاطعة املؤس سات القانونية اإلسرائيلية (Shehadeh
سنرى ذلك فيما يلي. .)1980:51, n. 16; Welchman 1990:95–96ومع ذلك ،فقد أثبتت
هذه ال سياسة اإلسرائيلية جناعتها وفعاليتها ،حيث تؤكد البيانات
-2مقارنة المحكمتين اإلحصائية على أن عدد طلبات االستئناف التي رفعها الفل سطينيون
تشترك احملكمتان ،اللتان نستعرضهما بالدراسة في هذه امل سلمون املقيمون في القدس أمام احملكمة الشرعية في يافا شهد
املقالة ،في العديد من املالمح املتشابهة التي جتمعهما م ًع ا .فكال ارتفا ًع ا متواص لاً على مدى ال سنوات (.)Reiter 1997a:16
احملكمتني محكمتان شرعيتان تطبقان األحكام املقننة من أحكام وفي مطلع العقد ال سابع من القرن املاضي ،واصل صناع
الشريعة اإلسالمية .كما يتشابه االختصاص املوضوعي الذي تطبقه السياسة اإلسرائيلية املراوحة بني إستراتيجيتني متناقضتني:
احملكمتان في م سائل األحوال الشخصية على املتقاضني امل سلمني ال سعي إلى استمالة احملاكم األردنية في القدس من جهة ،وإعداد
إلى حد كبير .وفض لاً عن ذلك ،تقدم احملكمتان خدماتهما جلمهور خطة ترمي إلى إنشاء محكمة شرعية إسرائيلية بديلة في القدس من
املتقاضني نفسه ،حتى إن احملكمتني تتبادالن بعض املوظفني جهة أخرى .وفي شهر كانون الثاني ،1973نقلت صحيفة “القدس”
العاملني فيهما ،كما سنبني ذلك أدناه .وفي املقابل ،تختلف العربية احمللية تقري ًرا مفاده أن ال سلطات اإلسرائيلية قررت افتتاح
احملكمتان اختال ًف ا كبي ًرا عن بعضهما .فهما ت تّبعان نظامني فرع دائم حملكمة يافا الشرعية في القدس ،بحيث يتولى قاضيها
حكوميني متباينني ،والقوانني الشرعية التي تطبقانها مختلفة، رئاسة هذا الفرع .وبعد ذلك بشهرين ،نقلت الصحيفة نفسها
كما هو حال القوانني واألنظمة التي تنفذانها بالطبع .وفض لاً عن خب ًرا مفاده أن احلكومة اإلسرائيلية عدلت عن قرارها املذكور وأنها
ذلك ،تتباين املكانة التي حتتلها كل واحدة من هاتني احملكمتني بصدد دراسة االعتراف باألحكام القضائية التي تصدر عن احملاكم
في نظر ال سكان الفل سطينيني. الشرعية في القدس الشرقية بدل إقامة الفرع املذكور (Welchman
وعلى الرغم من أن احملاكم الشرعية األردنية واإلسرائيلية تفصل .)2000:60–61ولم ُي كتب النجاح ألي من هاتني اإلستراتيجيتني
في القضايا املعروضة أمامها وف ًق ا ألحكام الشريعة اإلسالمية ،التي خالل حقبة الثمانينيات من القرن املاضي .فلم يزل الوضع قائ ًم ا
ترتكز في م سائل األحوال الشخصية على قانون حقوق العائلة كما كان عليه ،وظلت احملاكم األردنية في القدس الشرقية تزاول
العثماني 1،فقد جرى تعديل هذه األحكام مبوجب التشريعات الالحقة عملها دون أن حتظى باعتراف إسرائيل ،وكان يتعني على امل سلمني
(اإلسرائيلية واألردنية م ًع ا) .ولذلك ،باتت هذه األحكام تختلف إلى املقدسيني اللجوء إلى احملكمة الشرعية في يافا لغايات استصدار
بعض ا .ومما ال شك فيه أن املصدر الرئي سي حد كبيرعن بعضها ً قرارات قضائية ي ستطيعون إنفاذها.
الذي ينبع منه االختالف القائم بني احملكمتني يكمن في املنهجيات وفي هذه األثناء ،كانت محكمة يافا الشرعية تواجه صعوبات في
املتباينة التي اعتمدتها السلطات التشريعية األردنية واإلسرائيلية التعامل مع أعداد القضايا املتزايدة أمامها .ولذلك ،أعادت السلطات
في تعديل القوانني ال سارية في إقليميهما .فاألردن ،بوصفه دولة اإلسرائيلية طرح اخلطة التي تراها بشأن تشكيل محكمة شرعية
تدين باإلسالم ،لم يتردد في مراجعة أحكام الشريعة اإلسالمية في القدس .وقررت هذه ال سلطات أن تكون هذه احملكمة مبثابة
وتعديل قانون األحوال الشخصية األردني عدة مرات (وذلك في مؤس سة جديدة وم ستقلة ،ال أن تكون فر ًع ا حملكمة يافا .ومع ذلك،
األعوام 1953و 1976و .)2000ومع أن التعديالت التي ُأجريت على استغرق األمر ثالث سنوات أخرى لكي تنفذ وزارة الشؤون الدينية
هذا القانون تختلف اختال ًف ا جذر ًّي ا عن القانون العثماني ،فهي ال هذا القرار وتشكل محكمة شرعية في القدس الغربية .وقد ُأعلن
متس املعايير واألحكام التي تقررها الشريعة اإلسالمية ،وهي ما عن تدشني احملكمة على أثير اإلذاعة اإلسرائيلية في يوم 5ني سان
2
تزال تتواءم مع مبادئها وتت ساوق معها. .)Welchman 2000:61( 1988
وفي املقابل ،ارتأت ال سلطة التشريعية اإلسرائيلية اإلحجام وبدا أن هذا القرار قد وضع ح ًّدا ملا يربو على عشرين عا ًم ا من
عن التدخل في أحكام الشرائع الدينية(اإلسالمية أو اليهودية أو التردد الذي ساور إسرائيل بشأن وضع احملاكم الشرعية األردنية
ً
وعوض ا عن ذلك ،أصدر الكني ست قوانني مدنية تُعنى امل سيحية). في القدس الشرقية .فمع تشكيل احملكمة الشرعية اإلسرائيلية
34
بتنظيم العائلة في سياق سعيه الذي يرمي إلى حتقيق امل ساواة في القدس الغربية ،أضحت االحتمالية التي كانت قائمة بحصول
القانونية بني الرجل واملرأة في م سائل األحوال الشخصية .ومبوازاة القرارات الصادرة عن محاكم القدس الشرعية على االعتراف
في مصلحة النساءُ ،ي نظر إلى احملكمة األردنية على أنها املالذ هذه القوانني ،سنّ الكني ست التشريعات التي جت ّرم بعض األعمال
الذي مي ّك ن الرجال من التأكيد على حقوقهم .وأخي ًرا ،ومما ال يقل أو التصرفات التي تكفلها قوانني األحوال الشخصية وترعاها (من
في أهميته عن جميع ما ُذكر أعاله ،أن احملكمة اإلسرائيلية متثل قبيل تعدد الزوجات أو الطالق عن طريق ف سخ عقد الزواج من طرف
االحتالل اإلسرائيلي ،بينما متثل احملكمة األردنية املقاومة القائمة الزوج وحده) .ومبا أن القوانني املذكورة نف سها لم َي ْج رِ عليها أي
في وجه هذا االحتالل. تعديل ،فقد باتت مثل هذه األعمال عرضة للمالحقة اجلنائية ،وذلك
في الوقت الذي تعتبر فيه سارية وال غبار عليها مبوجب أحكام
-3العالقات القائمة بين المحكمتين: قوانني األحوال الشخصية النافذة .وبذلك ،أفرزت هذه اإلستراتيجية
التي اعتمدها املشرع اإلسرائيلي بشأن قوانني األحوال الشخصية
من الخصومة المتبادلة إلى االعتماد على
مصفوفة معقدة من القوانني املتعارضة التي يجري إنفاذهام ًع ا وفي
بعضهما الوقت نف سه في احملاكم الشرعية اإلسرائيلية.
لقد أصاب موظفو األوقاف األردنية وأقطاب الصحافة الفلسطينية وكما هو متوقع ،أفرزت القوانني املختلفة التي تعتمدها احملاكم
وعموم أبناء الشعب الفل سطيني في نظرتهم إلى تأسيس احملكمة الشرعية اإلسرائيلية واألردنية في الفصل في قضايا األحوال
الشرعية اإلسرائيلية في القدس الغربية باعتبارها إجرا ًء سياس ًّي ا الشخصية ممارسات قضائية متباينة .فعلى سبيل املثال ،في الوقت
آخر يرمي إلى تعزيز سيادة إسرائيل وترسيخ دعائمها في القدس، الذي ي سمح فيه املأذون األردني لفتاة قاصر بالزواج ،ال يجيز املأذون
وما يقترن بذلك من تقويض النفوذ اإلسالمي في املدينة في الوقت اإلسرائيلي زواج العروس القاصر إال إذا كانت تبلغ ال سابعة عشرة
نفسه ( .)Welchman 2000:64ولذلك ،ال ي ستغرب املرء أن احملكمة من عمرها أو أكثر .وعلى هذا املنوال ،ال يتحقق املأذون األردني مما
الشرعية اإلسرائيلية في القدس الغربية كانت تعاني من سمعة متزوج ا في األصل (مما يفضي إلى تعدد زوجاته). إذا كان العريس
ً
رديئة في ال سنوات األولى من عملها ،وكان عدد املتقاضني الذين وفي املقابل ،يرفض املأذون اإلسرائيلي عقد نكاح الرجل على زوجة
جلأوا إليها من أبناء القدس الشرقية ضئي لاً نسب ًي ا. ثانية ،ألن ذلك قد يعرضه للم ساءلة اجلنائية .وفض لاً عن ذلك ،رمبا
وقد عك ست العالقات القائمة بني احملكمة الشرعية اإلسرائيلية يفضي اختالف امل ستويات التعليمية لدى القضاة اإلسرائيليني
في الشطر الغربي من مدينة القدس واحملكمة الشرعية األردنية في واألردنيني ومتايز خلفياتهم إلى اعتماد ممارسات قضائية تختلف
شطرها الشرقي ردة الفعل العامة هذه جتاه احملكمة اإلسرائيلية. اختال ًف ا جذر ًي ا عن بعضها البعض 3.خذ ،مث لاً ،مسألة طاعة
فعلى مدى سنوات عدة وحتى العام 1993تقري ًب ا ،كانت العالقات الزوجة .ففي حني مييل القضاة اإلسرائيليون إلى رفض مثل هذه
ال سائدة بني هاتني احملكمتني تت سم باخلصومة والشحناء ،ولم القضايا ألنهم يرون أنه ليس من الالئق إكراه الزوجة على البقاء
يكن التعاون قائ ًم ا بينهما ،وكانت الواحدة منهما تعمد إلى نزع في رابطة الزوجية رغ ًم ا عنها ،فإن القضاة األردنيني ال ينظرون في
الصفة الشرعية عن األخرى .ولكن شهد منتصف العقد التاسع من مثل هذه االعتبارات.
القرن املاضي بداية حت سن تدريجي في العالقات بني احملكمتني ورمبا ال ي ستغرب املرء أن يرى أن احملاكم الشرعية اإلسرائيلية
وبني املوظفني العاملني فيهما .وقد طرأ هذا التح سن في أعقاب واألردنية تعكس هذه التباينات في مظهرها العام .فالعديد من
التغييرات الدراماتيكية التي شهدتها منطقة الشرق األوسط خالل حتدثت إليهم ،ينظرون إلى احملكمتني
ُ امل سلمني املقدسيني ،الذين
هذه الفترة .فمع التوقيع على اتفاقيات أوسلو (في شهر أيلول باعتبارهما تختلفان اختال ًف ا جذر ًّي ا عن بعضهما .فبينما ينظر
،)1993ومعاهدة ال سالم اإلسرائيلية-األردنية (في شهر تشرين هؤالء املقدسيون إلى احملكمة اإلسرائيلية باعتبارها محكمة شرعية
األول )1994واملفاوضات اإلسرائيلية-ال سورية التي كانت جتري «موبوءة» جتمع ما بني أحكام الشريعة اإلسالمية وأحكام القوانني
على قدم وساق في حينه ،ش ّك ل منتصف حقبة الت سعينيات فترة املدنية غير اإلسالمية ،فهم يرون أن احملكمة األردنية محكمة شرعية
سادها التفاؤل وطغت عليها اآلمال العريضة على نحو لم ي سبق «نقية» تت سم بطابع «تقليدي» أكبر .وفي الوقت الذي ينظر فيه
له مثيل .ومع ذلك ،كانت هذه ال سنوات سنوات عصيبة في القدس. امل سلمون املقدسيون إلى احملكمة اإلسرائيلية باعتبارها محكمة
البت في مصير القدس فبموجب اتفاقيات أوسلو ،كان من املقرر ّ تتصف بقدر كبير من الدينامية ،ناهيك عن كونها مؤس سة حتكمها
35 في مفاوضات الوضع الدائم في املرحلة النهائية من عملية ال سالم الفوضى ،فهم يصفون احملكمة األردنية بأنها مؤسسة جامدة
اإلسرائيلية-الفل سطينية .وفي هذه األثناء ،لم ُ
يأل أي من الطرفني ومتصلبة .وفي حني ُي نظر إلى احملكمة اإلسرائيلية على أنها تصب
الشرعية اإلسرائيلية .كما عينّ ع سلية بعض هؤالء املوظفني للعمل جه ًدا في سبيل تعزيز موقفه في املدينة -وال سيما إسرائيل التي
كمأذونني .وقد ُأغري هؤالء الرجال ،الذين سرعان ما صاروا يزورون كانت متلك القوة التي تي سر لها هذا األمر.
احملكمة الشرعية اإلسرائيلية بصورة متواترة ومنتظمة ،بتقلد هذه كانت املعركة الرئي سية تدور رحاها في احليزين الدميوغرافي
املناصب الوظيفية بفضل املزايا املادية التي انطوت عليها .وفي واالجتماعي-االقتصادي 4.ومع ذلك ،لم يكن احليز الرمزي يقل في
الواقع ،فقد أضفى املوظفون املذكورون ما يتمتعون به من االحترام أهميته عن ذينك احليزين في عيون األطراف املتنازعة ،حيث يتمثل
والوقار على هذه احملكمة نف سها مبوافقتهم على متثيلها والعمل هذا احليز في الصراع على الصور والروايات والرموز الذي كان
بالنيابة عنها .وكان من شأن االتصاالت الشخصية التي انطلقت األردن ميثل فيه (وما يزال) طر ًف ا أصي لاً فيها .فعلى الرغم من أن
بني كبار املوظفني العاملني في احملكمتني ،اإلسرائيلية واألردنية، اململكة األردنية الهاشمية أعلنت وبصورة رسمية انقضاء إدارتها
أن فتحت الباب أمام املزيد من التعاون بينهما. وحكمها في الضفة الغربية في شهر متوز ،1988فقد احتفظت
وفض لاً عن هذه ال سياسة التي اتبعها القاضي ع سلية منذ مبصالح وروابط قوية لها في القدس .ويتمثل املعقل الرئي سي
العام ،1999والقاضي محمد رشيد زبدة الذي خلفه في منصبه، الذي يحتفظ به األردن في املدينة في هيئة األوقاف اإلسالمية التي
في التعامل مع موظفي هيئة األوقاف األردنية ،نفذ القاضيان تضطلع بإدارة امل سجد األقصى وإدارة احملكمة الشرعية األردنية
إستراتيجية مدروسة تقوم على نكران الذات والتواري عن األضواء، في القدس .ومما أثار انزعاج ال سلطة الوطنية الفل سطينية ،التي
حيث كانا يقران على املأل بصدارة احملكمة الشرعية األردنية من ُأقيمت حدي ًث ا في حينه ،أن إسرائيل اعترفت مبوجب معاهدة ال سالم
الناحيتني القانونية والدينية .فعلى سبيل املثال ،دأب القاضي التي أبرمتها مع األردن بـ«الدور احلالي اخلاص للمملكة األردنية
ع سلية على استشارة أقرانه األردنيني في كبريات القضايا التي الهاشمية في األماكن اإلسالمية املقدسة في القدس» (املادة .)9فقد
كانت تُرفع أمامه ،وهي قضايا كانت تشتمل على منازعات وقفية. ش ّك ل هذا االعتراف بداية حقبة شهدت نشوب النزاع بني ال سلطة
وح سبما بينّ لي ع سلية في إحدى املرات التي التقيته فيها: الوطنية الفل سطينية واألردن بغية ال سيطرة على املؤس سة اإلدارية
إنهم [القضاة الذين يرأسون احملكمة األردنية في القدس
5
والقضائية اإلسالمية في القدس.
الشرقية] خبراء في م سائل الوقف ،وهم ميلكون أرشي ًف ا ضخ ًم ا لقد بدأت العالقات القائمة بني احملكمتني ،اللتني تش ّك الن مناط
يتضمن معلومات حول أمالك الوقف في القدس ،كما أنهم من تركيز هذه املقالة ،تشهد حت س نًا في سياق العمل على تعزيز
سكان القدس األصليني ،وميلكون موارد أفضل بكثير من املوارد التفاهم اإلسرائيلي-األردني بشأن القدس ،وهو ما جرى إجنازه
املتاحة لي في التعامل مع قضايا الوقف املعقدة. على ح ساب الفل سطينيني إلى حد كبير .ومع ذلك ،فلم يترافق
(محادثة مع القاضي زياد ع سلية 16 ،آذار )1998 التغيير الذي صب في هذا االجتاه مع تغيير في ال سياسات املتصلة
وعلى هذا املنوال ،ففي الوقت الذي كان فيه أطراف الدعاوى باحملاكم الشرعية في املدينة .فلم تزل مكاتب التنفيذ اإلسرائيلية
املرفوعة أمام احملكمة الشرعية بالقدس الغربية ي تّكلون على الفتاوى متتنع عن تنفيذ األحكام القضائية الصادرة عن احملكمة الشرعية
التي يصدرها مفتي القدس الذي كان األردن يع ّي نه (وصارت ال سلطة األردنية ،ولم تفتأ هذه احملكمة ترفض االعتراف بالقرارات التي
تأت اخلطوات التي استهدفت تصدرها نظيرتها اإلسرائيلية .ولم ِ
الفل سطينية تع ّي نه في مرحلة الحقة) في معرض تأييد ادعاءاتهم
ودفوعهم ،كان القاضيان مييالن إلى اإلشارة إلى تلك الفتاوى وإظهار حتسني العالقات بني احملكمتني على مستوى التشريعات أو
احترامهما ومراعاتهما لها على نحو ال يخفى للعيان. ال سياسات ،بل جاءت على امل ستوى التنظيمي دون غيره.
وبالتوازي مع هذه التكتيكات احمللية التي كانت ترمي إلى قاض جديد ،وهو القاضي زياد ع سلية ،في ويبدو أن تعيني ٍ
االرتقاء مبكانة احملكمة الشرعية اإلسرائيلية في القدس الغربية، احملكمة الشرعية اإلسرائيلية بالقدس الغربية في شهر أيلول 1993
طرأ تغيير رئي سي اكت سب أهمية بالغة داخل منظومة احملاكم هو ما ش ّك ل تغيي ًرا مه ًّم ا في هذا املقام .فقد شرع القاضي ع سلية،
اإلسرائيلية برمتها .ومما ال شك فيه أن هذا التغيير الذي أخذ الذي أبدى عزمه على االرتقاء مبكانة احملكمة الشرعية اإلسرائيلية
القاضي أحمد ناطور -الذي ُع ينّ حدي ًث ا لرئاسة محكمة االستئناف في القدس ،في تنفيذ جملة من اإلستراتيجيات .وكانت أولى هذه
الشرعية اإلسرائيلية في يافا -زمام املبادرة إلجنازه ارتبط بجهد اإلستراتيجيات ،ورمبا أهمها ،أنه عينّ عد ًدا من املوظفني املشهود
36
واع ُع ني بتعزيز الصفة الشرعية التي تكتسيها هذه املنظومة لهم بالوقار وال سمعة احل سنة في هيئة األوقاف اإلسالمية في
ٍ
امل سجد األقصى للعمل كوسطاء ومحكمني بالنيابة عن احملكمة
وكما يتوقع المرء ،فقد ترتبت تداعيات جمة عن إنفاذ هذا
التغيير في المحاكم االبتدائية الشرعية التابعة إلسرائيل ،بما فيها
المحكمة الشرعية في القدس الغربية .ففي هذه األيام ،تصادق
المحكمة الشرعية في القدس الغربية على المئات من عقود الزواج
وشهادات الطالق الصادرة عن المحكمة الشرعية األردنية في القدس
الشرقية ،باإلضافة إلى القرارات األخرى التي تصدر عنها .وحتى في
القضايا التي تنطوي على مخالفة واضحة ألحكام القوانين الجزائية
اإلسرائيلية ،من قبيل الزواج من قاصرات أو تعدد الزوجات أو الطالق
الموقع من طرف واحد.
اإلدارة املدنية اإلسرائيلية في األراضي احملتلة .ولكن بعدما تنبهت وتوطيدها .فقد كان نظام احملاكم اإلسرائيلي يعاني من تدهور
[ال سلطات اإلسرائيلية] إلى هذه احليلة ،صارت متتنع عن تنفيذ مكانته واحترامه في أوساط العامة خالل العقدين الثامن والتاسع
[األحكام] حتى بعد املصادقة عليها .وفي هذه اآلونة ،تواجه [احملاكم من القرن املاضي ( .)Reiter 1997aوبدا أن القاضي ناطور قد عقد
في القدس الشرقية] مشكلة ،ألنها لم تعد ت ستطيع أن تنفذ األحكام عزمه على االرتقاء ب سمعة هذه احملاكم وصيتها .ومن جملة إجراءات
الصادرة عنها .وقد عمل القرار الذي أصدرتُه على تغيير هذا الوضع اإلصالح العديدة التي باشرها ناطور (،)Abou Ramadan 2003
برمته .وقد كتب تُه [القرار] ألنه لم يكن هناك من سبب شرعي يحول ً
ارتباط ا مباش ًرا كانت إحدى ال سياسات التي اعتمدها ترتبط
دون املصادقة على قرارات هذه احملاكم وألنني كنت أريد أن أؤسس ب سعيه إلى إقامة عالقات مثمرة مع املؤس سة القانونية اإلسالمية
عالقات أفضل معها .وقد أضفى هذا [التغيير ال سياساتي] تغيي ًرا األردنية في القدس .وح سبما جاء على ل سان القاضي ناطور ،فقد
على موقفها بكليته .ونحن اليوم على تعاون جيد معها. شهد العام 1995نقطة حتول في العالقات القائمة بني احملاكم
(محادثة مع القاضي ناطور ،جامعة تل أبيب 24 ،آذار )2005 الشرعية اإلسرائيلية واألردنية في القدس ،وذلك عندما أصدر قرا ًرا
وكما يتوقع املرء ،فقد ترتبت تداعيات جمة عن إنفاذ هذا في قضية استئنافية يقضي فيه بوجوب اعتبار قاضي احملكمة
التغيير في احملاكم االبتدائية الشرعية التابعة إلسرائيل ،مبا فيها الشرعية في القدس “ع املًا من علماء األمة” .وكان هذا القرار يعني،
احملكمة الشرعية في القدس الغربية .ففي هذه األيام ،تصادق في مضمونه ،بأن قرارات احملكمة الشرعية األردنية التي تصدر
احملكمة الشرعية في القدس الغربية على املئات من عقود الزواج عن “عالم من علماء األمة” ينبغي أن حتوز على اعتراف احملاكم
وشهادات الطالق الصادرة عن احملكمة الشرعية األردنية في القدس الشرعية اإلسرائيلية بها.
الشرقية ،باإلضافة إلى القرارات األخرى التي تصدر عنها .وحتى في ً
تعارض ا تا ًّم ا مع وكانت هذه السياسة اجلديدة تتعارض
القضايا التي تنطوي على مخالفة واضحة ألحكام القوانني اجلزائية ال سياسة ال سابقة التي لم تزل إسرائيل تنفذها منذ العام ،1969
اإلسرائيلية ،من قبيل الزواج من قاصرات أو تعدد الزوجات أو الطالق والتي حتظر تنفيذ األحكام التي تصدر عن احملاكم الشرعية
املوقع من طرف واحد ،تصادق احملكمة الشرعية اإلسرائيلية على األردنية في القدس الشرقيةمبوجب التعليمات الرسمية الصادرة
الشهادات الصادرة عن احملكمة الشرعية األردنية بصورة تلقائية عن ال سلطات اإلسرائيلية في هذا الشأن .وفي هذا ال سياق ،ال
تقري ًب ا .وقد باتت هذه ال سياسة «اخلاصة» التي تعنى بتي سير يخفي القاضي ناطور اعترافه بأنه كان ي سعى إلى حت سني العالقات
إجراءات التقاضي ،والتي سنتها احملاكم الشرعية اإلسرائيلية فيما التي جتمع احملاكم الشرعية اإلسرائيلية مع نظيراتها من احملاكم
يتصل باحملاكم الشرعية األردنية في القدس الشرقية ،تؤتي ثمارها األردنية والفل سطينية من خالل تغيير هذه ال سياسة:
بصورة تدريجية .فقد بات قضاة احملاكم الشرعية اإلسرائيلية ،الذين مبا أن [ال سلطات اإلسرائيلية] كانت تقصي احملاكم الشرعية
كان ينظر إليهم شز ًرا فيما مضى ،يكت سبون سمة شرعية اليوم. في القدس الشرقية ،كانت األحكام القضائية التي تصدر عن هذه
37 احملاكم تؤخذ إلى احملكمة الشرعية في رام الله وتص َّدق فيها.
وبنا ًء على ذلك ،بات املوقف احلالي الذي تعتمده املؤسسة
الدينية اإلسالمية في القدس إزاء احملاكم الشرعية اإلسرائيلية في وكان ميكن تنفيذ هذه القرارات ،بعد التصديق عليها ،من خالل
االستئناف الشرعية اإلسرائيلية والذي أفرز تأثيرات ال ميكن إغفالها املدينة يبتعد كل البعد عن موقفها األول ،الذي كانت ترفض مبوجبه
على مدى ال سنوات املاضية -وهو القرار الذي ميلي على احملاكم ً
بهارفض ا با ًتّا .ومع ذلك ،ما تزال أمناط االعتراف املؤس سي االعتراف
االبتدائية الشرعية اإلسرائيلية املصادقة على القرارات الصادرة بني احملاكم الشرعية األردنية واإلسرائيلية تعكس صدارة احملاكم
عن احملاكم الشرعية األردنية -في سياق تطور العالقات القائمة الشرعية األردنية على األصعدة األخالقية والدينية والقومية .وميكن
بني القضاة الشرعيني اإلسرائيليني واألردنيني .فقداستفاد قضاة توضيح هذه التراتبية الهرمية من خالل دراسة الطريقة تعتمدها
احملاكم الشرعية اإلسرائيلية،في سياق امل ساعي التي بذلوها في كل محكمة في التعامل مع عقود الزواج التي تصدرها احملكمة
سبيل إسباغ صفة شرعية على عملهم وتأمني االحترام والتوقير األخرى .فبينما تصادق احملكمة الشرعية اإلسرائيلية على عقود
لشخوصهم ،من استقاللهم املعتبر عن النظام القانوني اإلسرائيلي الزواج الصادرة عن احملكمة الشرعية األردنية بصورة تلقائية تقري ًب ا،
ومتكنوا من الولوج إلى منطقة «التنسيق احملظور» مع أقرانهم في ترفض احملكمة األخيرة املصادقة على العقود التي تصدرها احملكمة
احملاكم األردنية ،بل واملداومة على هذا التنسيق .كما سن هؤالء اإلسرائيلية .وعالو ًة على ذلك ،جتبر احملكمة األردنية الزوج والزوجة
القضاة سياسة قضائية مستقلة ،تتناقض مع املنطق واألسباب املعنيني على إعادة تنظيم عقد زواجهما أمام مأذون تعينه احملكمة
التي يسوقها النظام القانوني اإلسرائيلي وتقوض ال سياسات نف سها .وبنا ًء على ذلك ،فإذا ما أراد زوجان عقدا زواجهما أمام
القضائية وال سياسية التي تعتمدها الدولة في هذا املضمار. مأذون تعينه احملكمة الشرعية اإلسرائيلية احلصول على مصادقة
لقد ش ّك لت املصالح التنظيمية التي رعتها احملاكم الشرعية ال سلطات األردنية على زواجهما ،فعليهما إما إعادة تنظيم عقدهما
اإلسرائيلية والعالقات التي أقامتها مع احملاكم الشرعية األردنية لديها أو ت سجيل زواجهما لدى ال سفارة األردنية في تل أبيب.
الدافع الذي يقف وراء اعتماد سياسة قضائية ت سهم في تقويض
ال سيادة اإلسرائيلية وترسي دعائم العناصر اإلسالمية واألردنية-
الفل سطينية في القدس .وبعبارة أخرى ،فعلى الرغم من ال سيادة الخالصة :من يملك السيادة في القدس؟
اإلسرائيلية الظاهرة في هذه املدينة ،بات قانون األحوال الشخصية يعكس تطور العالقات املتبادلة بني احملكمتني الشرعيتني
األردني يش ّك ل اليوم حياة الفلسطينيني املسلمني املقيمني في الواسطة واخليارات اإلستراتيجية التي ميلكها املوظفون والعاملون
القدس وعلى نحو ال يقل في مداه عن التشريعات اإلسرائيلية، فيهما .فعلى األقل ،ينبغي تف سير بعض القرارات وال سياسات
وذلك في حيز اجتماعي -قانوني مهم ،هو حيز األحوال الشخصية القضائية التي تصدر عن احملاكم الشرعية اإلسرائيلية وبيانها من
وقانون األسرة. خالل العالقات التي جتمعها بنظيراتها األردنية .فكما رأينا ،ينبغي
[مترجم عن االنكليزية .ترجمة ياسني الس ّيد] النظر إلى أحد أهم القرارات ال سياساتية التي اتخذتها محكمة
38
المصادر الهوامش
Abou Ramadan, Moussa2003 Judicial Activism of the :نُشرت بعض املقتطفات الواردة في هذه املقالة في كتاب
Sharī‘aAppeal Court in Israel 19942001-: Rise and Crisis.
Fordham International Law Journal 27:254–303. Shahar, I. (2013). A Tale of Two Courts: How Organizational
Ethnography Can Shed New Light on Legal Pluralism.
Benvenisti, Meron1984 The West Bank Data Project: A Survey Political and Legal Anthropology Review 36, 1: 118137-.
of Israel›s Policies. Washington, DC: American Enterprise
Institute. ( على منحي اإلذن بإيراد هذهPOLAR) »وأنا أتقدم بالشكر لدار النشر «بوالر
.املقتطفات في منت هذه املقالة
1996 City of Stone: The Hidden Story of Jerusalem. Berkeley:
University of California Press. ّ
لالطالع على قانون حقوق العائلة العثماني وأهميته في دول الشرق األوسط في
Benziman, Uzi 1980 Israeli Policy in East Jerusalem after .(Tucker 1996) انظر،الوقت املعاصر
Reunification. In Jerusalem: Problems and Prospects. Joel.
، لالطالع على مراجعة وافية للتشريعات األردنية في مسائل األحوال الشخصية2
L. Kraemer, ed. Pp. 100–118. New York: Praeger.
.(Welchman 2000:10–13) انظر
Brecher, Michael 1978 Jerusalem: Israel Political Decisions,
19471977-. Middle EastJournal 32(1):13–34. (Reiter انظر، للوقوف على التعليم القانوني الذي يتلقاه القضاة اإلسرائيليون3
انظر، ولالطالع على التعليم القانوني الذي يتلقاه القضاة األردنيون،1997b)
Dumper, Michael 2002 The Politics of Sacred Space: The OldCity
.(Welchman 2000:353–356)
of Jerusalem in the Middle East Conflict. London: Lynne
Rienner Publishers. يتمثل الدافع الرئيس، بحسب املالحظات التي ساقها العديد من املراقبني والنقاد4
Farhi, David 1979 The Islamic Board in East Jerusalem and in حتى يومنا1967 الذي يقف وراء السياسة اإلسرائيلية في القدس منذ العام
Judea and Samaria since the Six Days War. The New East ولهذه.»هذا في تأمني أغلبية دميوغرافية يهودية ثابتة في املدينة «املوحدة
28:3–21 [in Hebrew]. اعتمدت احلكومات اإلسرائيلية املتعاقبة سياسات مزدوجة تستهدف،الغاية
Reiter, Yitzhak 1997a Islamic Institutions in Jerusalem. London: في،استقطاب املواطنني اليهود واجتذابهم لإلقامة ضمن حدود بلدية القدس
Kluwer Law International. ذات الوقت الذي تعمل فيه على تقليص أعداد الفلسطينيني املقيمني ضمن
لالطالع على املزيد من املعلومات حول هذه السياسات.حدود هذه البلدية
1997b Qāḍīs and the Implementation of Islamic Law in Present
Day Israel. In Islamic Law: Theory and Pactice. R. Gleave and . (Benvenisti 1996, Zinc 2009) انظر،وتداعياتها
E. Kermeli, eds. Pp. 205–231. London: I.B. Tauris. الفلسطيني على-للوقوف على املزيد من التفاصيل حول الصراع األردني 5
Shehadeh, Raja 1980 The West Bank and the Rule of Law.
. (Dumper 2002:78–103) انظر،األماكن املقدسة في القدس
Geneva: The International Commission of Jurists.
2000 Beyond the Code: Muslim Family Law and the Sharī‘a
Judiciary in the Palestinian West Bank. The Hague: Kluwer
Law International.
39