You are on page 1of 9

‫مكمالت مقاصد الشريعة‬

‫لمبحث الثاني عشر‪ :‬مكمالت المقاصد الشرعية وشرطها]‬

‫[مدخل]‬

‫[المبحث الثاني عشر‪ :‬مكمالت المقاصد الشرعية وشرطها]‬

‫املقاصد احلقيقة الشرعية شرعها اهلل لتكون مصلحة كاملة وتامة يف الدنيا واآلخرة؛ ولذلك شرع‬
‫املتمم ات أو التواب ع‪ ،‬تك ون متمم ة ومكمل ة هلا‪ .‬وتل ك املكمالت‬
‫أحكام ا تع رف ب املكمالت أو ِّ‬
‫ً‬
‫واملتممات وتشمل كافة املقاصد الضرورية واحلاجية والتحسينية‪ ،‬واملقصود باملكمالت واملتممات‪:‬‬

‫‪ -‬م ا يكم ل الص احل الض رورية؛ س واء ك ان مص اح حاجي ة أو مص احل حتس ينية أو غريه ا من‬
‫املكمالت‪.‬‬

‫‪ -‬ما يكمل املصاحل احلاجية‪ ،‬من مصاحل حتسينية ومن غريها من املكمالت‪.‬‬

‫‪ -‬ما يكمل املصاحل التحسينية‪.‬‬

‫‪ -‬قال الغزايل‪" :‬فجميع املناسبات ترجع إىل رعاية أمر مقصود؛ إال أن املقاصد تنقسم مراتبها‪:‬‬

‫فمنها‪ :‬ما يقع يف مرتبة الضرورات‪ ،‬ويلتحق بأذياهلا ما هو تتمة وتكملة هلا‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ما يقع يف مرتبة احلاجيات‪ ،‬ويلتحق بأذياهلا ما هو تتمة وتكلمة هلا‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬ما يقع يف رتبة التوسعة والتيسري الذي ال ترهق إليه ضرورة‪ ،‬وال متس إليه حاجة؛ ولكن‬
‫ودا يف ه ذه الش ريعة الس محة الس هلة‬
‫أيض ا مقص ً‬
‫تس تفاد ب ه رفاهي ة وس عة وس هولة‪ ،‬فيك ون ذل ك ً‬
‫احلنيفيَّة‪ .‬ويتعل ق بأذياهلا ولواحقه ا م ا ه و يف حكم التحس ني والتتم ة هلا‪ .‬فتص ري الرفاهي ة مهي أة‬
‫بتكميالهتا‪.‬‬

‫وق ال الش اطيب ك ذلك‪" :‬ك ل مرتب ة من ه ذه املراتب ينض م إليه ا م ا ه و كالتتم ة والتكمل ة مما ل و‬
‫فرضنا فقده مل خيل حبكمته األصلية"‪.‬‬
‫تعريف مكمالت املقاصد‪ :‬هي مجلة األحكام اليت جتعل املصاحل الضرورية واحلاجية التحسينية تامة‬
‫وكاملة ومكتسبة على أحسن الوجوه وأفضلها‪.‬‬

‫[المطلب الثاني‪ :‬أقسام مكمالت المقاصد]‬

‫مكمالت املقاصد ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ -‬مكمالت املقاصد الضرورية‪.‬‬

‫‪ -‬مكمالت املقاصد احلاجية‪.‬‬

‫‪ -‬مكمالت املقاصد التحسينية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مكمالت المقاصد الضرورية(‬

‫وهي األحك ام ال يت جتع ل املقاص د الض رورية تام ة وكامل ة ومكتس بة علىأحس ن الوج وه وأفض لها‪،‬‬
‫وهي تشمل‪ :‬حفظ الدين والنفس والعقل النسل أو النسب واملال‪.‬‬

‫ويقصد مبكمالت املقاصد الضرورية‪:‬‬

‫‪ -‬املصاحل احلاجية ومكمالهتا‪.‬‬

‫‪ -‬املصاحل التحسينية ومكمالهتا؛ ألن املصاحل التحسينية مكملة للحاجية‪ ،‬واحلاجية مكملة للمصاحل‬
‫الضرورية؛ فتكون التحسينية مكملة للضرورية؛ ألن املكمل للمكمل مكمل‪.‬‬

‫‪-‬غري ذلك من املكمالت واملتممات‪.‬‬

‫ومن أمثلتها‪:‬‬

‫تتميم ا حلفظ الدِّين‪ ،‬وإكم ااًل لظهوره‬


‫‪-‬إظهار شعائر الدين وسننه ومستحباته ومظاهره واملختلفة ً‬
‫ومتكينه يف النفوس والواقع‪.‬‬

‫وحرمت؛‬
‫‪ -‬حترمي البدعة‪ ،‬ملا يف وجودها وبقائها من ضياع الدين وتبديله وتنقيصه؛ لذلك ُمنعت ِّ‬
‫حتقي ًق ا للتدين الكامل والعبادة التامة اخلالصة‪ ،‬اخلالية من شوائب الزيادات والنواقص‪.‬‬
‫‪ -‬معاقبة الداعي إىل البدع؛ ألنه يدعو إىل الكفر املفوت حلفظ الدين‪.‬‬

‫‪-‬املبالغة يف حفظ العقل‪ ،‬بتحرمي شرب القليل وإجياب احلد فيه؛ فالقليل ُحِّرم للتتميم والتكميل‪.‬‬

‫‪ -‬مراع اة املماثل ة يف القص اص‪ ،‬تكمياًل حلف ظ النفس؛ إذ ميكن للنفس أن حتف ظ مبج رد القص اص‪،‬‬
‫تشف وثأر وتنكيل وغري‬
‫ودفع ا ملا ميكن أن حيصل من ٍّ‬
‫ولكن شرع التماثل‪ ،‬حتقي ًقا حلفظها الكامل ً‬
‫ذلك‪.‬‬

‫تتميما حلفظ النفس‪.‬‬


‫‪ -‬نفقة املثل ً‬
‫‪ -‬حترمي النظ ر إىل األجنبي ة املقص ود ب ه الش هوة والتل ذذ‪ ،‬وحترمي مس ها واالختالء هبا تكمياًل حلف ظ‬
‫النسل والنسب والعرض‪.‬‬

‫بالرهن‪ ،‬تكمياًل حلفظ املال‪.‬‬


‫‪ -‬منع الربا‪ ،‬واالستشهاد يف البيع‪ ،‬والقيام َّ‬
‫المطلب الرابع‪ :‬مكمالت المقاصد الحاجية‬

‫وهي األحك ام ال يت جتع ل املص لحة احلاجي ة تام ة وكامل ة ومكتس بة على أحس ن الوج وه وأفض لها‪،‬‬
‫ويقصد هبا‪:‬‬

‫‪ -‬املصاحل التحسينية ومكمالهتا‪.‬‬

‫‪ -‬غري ذلك من املكمالت واملتمات‪.‬‬

‫ومن أمثلتها‪:‬‬

‫‪ -‬اجلم ع بني الص التني يف الس فر واملرض مش روع لتكمل ة احلاج ة إىل التوس عة والتخفي ف؛ فل و مل‬
‫يشرع مل خُيَل بأصل التوسعة وذلك التخفيف‪.‬‬

‫‪ -‬مراعاة الكفء ومهر املث ل يف الصغرية؛ فإن مقصود النكاح حيصل ب دوهنا‪ ،‬لكن اشرتاط ذلك‬
‫على سبيل تكميل النكاح من حيث حتقيق دوامة واستمراره‪ ،‬وحتصيل السكن واملودة والرمحة بني‬
‫الزوجني‪.‬‬
‫‪ -‬خي ار ال بيع املش روع لل رتوي‪ ،‬يكم ل ب ه ال بيع ليَ ْس لَم من الغنب والتغري ر واجلهال ة؛ فل و مل يشرع‬
‫اخليار مل خيل بأصل البيع‪ ،‬وألن ما ملك بعد الرتوي والنظر يف أحواله‪ ،‬يكون ملكه أمت وأقوى؛‬
‫لبعده عن الغنب والتدليس‪.‬‬

‫لمطلب الخامس‪ :‬مكمالت المفاصد التحسينية‬

‫وهي األحكام اليت جتعل املصلحة التحسينية تامة وكاملة ومكتسبة على أحسن الوجوه وأفضلها‪.‬‬

‫ومن أمثلتها‪:‬‬

‫‪-‬التحلي ب آداب قض اء احلاج ة أو التخلي‪ ،‬ومن دوبات الطه ارة‪ ،‬كالب دء ب اليمني قب ل الش مل‪،‬‬
‫والتثليث يف الغسل‪ ،‬وغري ذلك مما هو مشروع لتكميل املصاحل احلسينية املتعلقة بأصل الطهارة‪.‬‬

‫‪ -‬اإلنفاق من طيبات املكاسب‪.‬‬

‫‪ -‬االختيار يف الضحايا العقيقة‪.‬‬

‫‪ -‬االختيار يف العِتق‪.‬‬

‫[المطلب السادس‪ :‬شرط مكمالت المقاصد الشرعية]‬

‫مكمالت المقاصد الشرعية هي ‪-‬كما ذكرنا‪ :-‬األحكام اليت تتم وتكمل تلك املصاحلة احلقيقية؛‬
‫ولذلك اشرتط أن ال تبطل أو تفوت أوضيع هذه املصلحة بوجود ما يكملها ويتمها‪ ،‬وهذا الذي‬
‫ذك ره الش اطيب بقول ه‪" :‬ك ل كلم ة فله ا ‪-‬من حيث هي تكمل ة‪ -‬ش رط‪ ،‬وه و أن ال ي ود اعتباره ا‬
‫على األصل باإلبطال؛ وذلك أن كل تكملة يفضي اعتبارها إىل رفض أصلهن فال يصح اشرتاطها‬
‫عند ذلك" لوجهني‪:‬‬

‫أحدمها‪ :‬أن يف إبطال أصل إبطال للتكلمة؛ ألن الكلمة مع ما كلمته كالصفة مع املوصوف‪.‬‬

‫تقديرا أن املصلحة التكميلية حتصل مع فوات املصلحة األصلية‪ ،‬لكان حصول‬


‫والثاين‪ :‬أنا لو قدرنا ً‬
‫األصلية أوىل ال بينهما من التفاوت‪.‬‬
‫وعلي ه يك ون املكم ل م ع املص لحة احلقيقي ة ك الفرع م ع األص ل‪ ،‬أو الص فة م ع موص وفها يف ل زوم‬
‫مع ا‪ ،‬إال إذا خش ي على األص ل من زوال ه بس بب الف رع‪،‬‬
‫التالزم والرتاب ط وال دوران واجلري ان ً‬
‫فيض ِّحي عندئ ذ ب الفرع حمافظ ة على بق اء األص ل‪ ،‬أم ا إذا مل يع د الف رع على أص له باإلبط ال‪،‬‬
‫املكمل ‪-‬بالفتح‪ -‬باإلبطال؛ فال شك أن يف اجلمع بينهما حتقي ًق ا ألحسن‬
‫واملكمل ‪-‬بالكسر‪ -‬على ِّ‬
‫ِّ‬
‫املقاصد وأمتها‪ ،‬وجلبًا ألفضل التكليف وأكمله‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫‪-‬حف ظ حي اة النفس ض روري‪ ،‬وحترمي النجاس ات والق اذورات حس يين‪ ،‬وجيوز تن اول النجاس ة من‬
‫أج ل إحي اء النفس‪ ،‬إذا دعت الض رورة إىل ذل ك‪ ،‬عماًل بأولي ة األص ل الض روري على التحس يين‬
‫املكمل عند التعارض‪.‬‬

‫حفظ النفس ضروري‪ ،‬وسرت العورة حتسيين مكمل له‪ ،‬وشرط هذا املكمل أن ال يعود على أصل‬
‫حف ظ النفس باإلبطال؛ فلو دعت الض رورة إىل كش ف العورة والنظ ر إليها بقص د العالج‪ ،‬حلف ظ‬
‫النفس من املوت أو اهلالك‪ ،‬جلاز كش فها وألبيحت التض حية هبذا املكم ل من أج ل بق اء األص ل‬
‫الضروري‪.‬‬

‫‪ -‬إقام ة اجله اد مص لحة ض رورية‪ ،‬وإقامت ه م ع أئم ة الع دل مكم ل لتل ك املص لحة؛ غ ري أن العلم اء‬
‫أج ازوا القي ام باجله اد م ع أئم ة اجلور؛ ألن اش رتاط األئم ة الع ادلني عن د فق دهم س ُي َف ِّوت أص لية‬
‫اجله اد‪ ،‬ويض يع مص احل األم ة وقوهتا وعزهتا‪ ،‬ول ذلك يض حي باملكم ل حمافظ ة على أص لية اجله اد‬
‫ومقاصده وفوائده‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة للصالة خلف أئمة اجلور‪.‬‬

‫[المطلب السابع‪ :‬ارتباط المقاصد الثالثة ببعضها]‬

‫بعض ا‪ ،‬وتكمل‬
‫املقاصد الثالثة "الضرورية واحلاجية والتحسينية" مرتبطة فيما بينها‪ ،‬وختدم بعضها ً‬
‫بعضا‪.‬‬
‫بعضها ً‬
‫واملقاصد الضرورية هي أساس مجيع املقاصد وقاعدهتا األوىل‪ ،‬مث تكون املقاصد احلاجية بعدها‪ ،‬مث‬
‫أخريا‪ ،‬فاحلاجيات مكملة للضروريات‪ ،‬والتحسينيات مكملة للحاجيات‪،‬‬
‫تكون املقاصد التحسينية ً‬
‫والضروريات‪.‬‬

‫ولك ل من األن واع الثالث ة مكمالت‪ ،‬هتدف مبجموعه ا إىل حتقي ق مقاص د الش رع مجيعه ا ‪-‬كليًّا‬
‫وجزئيً ا‪ -‬وهتدف إىل بن اء األم ة املس لمة يف س ائر أحواهلا وأموره ا‪ ،‬العقدي ة‪ ،‬والتش ريعية‪،‬‬
‫واألخالقية‪ ،‬واحلضارية‪ ،‬بشكل عام‪.‬‬

‫ولذلك وجب التنبه هلذه احلقيقة املعتربة يف أثناء فهم الدين وتنزيله يف الواقع املعيش‪ ،‬حىت ال يقع‬
‫اخللل واالضطراب يف بنيان التشريع ومنظومته‪ ،‬ويف مصاحل اخللق‪ ،‬ومنافعهم احلقيقية الصحيحة يف‬
‫الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫لمبحث الثالث عشر‪ :‬مقصود الشارع واجلانب الغالب يف املصاحل واملفاسد‬

‫هل إن املصلحة الشرعية تتسم بصالحها ونفعها يف مجيعها وكليتها‪ ،‬أم أن ذلك لصالح النفع‬
‫واخلري يعود إىل أغلبها وأكثرها؟‬

‫ولزيادة التوضيح نورد التمثيل على ذلك؛ ألن املثال يوضح حال؛ فأكل مال الغري ومعاقبة اجلاين‬
‫وغري ذلك‪ ،‬وكذلك أمر املكلف بفعل الطاعات والقربات‪ ،‬كل ذلك مشروع وعائد على املكلف‬
‫مبصاحل كثرية ومنافع معتربة‪.‬‬

‫فمنع أكل املال عائد مبصلحة حفظ املال وصيانته من التلف والضياع‪ ،‬ومعاقبة اجلاين هلا مصلحته‬
‫املتعلقة بردع املخالفني وزجر اجلناة وقمع الطغاة حلفظ الناس يف نفوسهم وأعراضهم وأمواهلم‬
‫وأمنهم العام واخلاص‪ ،‬واألمر بالطاعات والقربات راجع باخلري والسعادة يف العاجل واآلجل إىل‬
‫املكلف املطيع املتعبد‪ ،‬كل تلك املصاحل معتربة ومقبولة ومقررة يف الشرع‪ ،‬وقد دلت عليها ما ال‬
‫حيصى من األدلة والقرائن واملعطيات الشرعية داللة قطعية ويقينية انتظم مبجموعها اعتبار تلك‬
‫فهما واستيعابًا وتطبي ًقا‬
‫املصاحل وتقريرها واالعتداد هبا والتعويل عليها يف معاملة احلكم الشرعي ً‬
‫وتنزياًل ‪.‬‬
‫غري أن املصاحل تظل يف حكم الغالب واألكثر‪ ،‬أي أهنا ال تَسلَم من شوائب ما يضاد املصلحة‬
‫ويعارضها من بعض الضرر وبعض األمل الذي يكون يف حكم القليل الذي ال يُلتفت إليه‪ ،‬ويف معىن‬
‫النادر الذي ال يعتد به العربة بالغالب األكثر‪ ،‬أما القليل أو اليسري فال يُلتفت إليه كما نص على‬
‫ذلك علماء القواعد واملقاصد والفوائد‪ ،‬وهذا هو نفسه معىن قوله العلماء‪" :‬املصلحة الشرعية غالبة‬
‫وليست حمضة"‪.‬‬

‫فمصلحة من أكل مال الغري غالبة وليست حمضة أو خالصة؛ وذلك ألهنا ال ختلو من ضرر يسلط‬
‫على اآلكل بالسرقة أو الغصب أو االحتيال؛ وذلك بإيقاع األمل النفسي أو احلسي يف نفسه أو‬
‫بضمان وإرجاع ما أخذ‪ ،‬ويف كل ذا ضرر واقع على ذاته‪ ،‬وانتفاء ملصلحة هذا اآلكل ومنفعته يف‬
‫أخذ مال الغري بال وجه شرعي‪.‬‬

‫وكذلك احلال بالنسبة للجاين الذي إذا عوقب فقد حيرم من نفسه‪ ،‬أو عضو من أعضائه‪ ،‬أو من‬
‫ماله وحريته مبوجب القصاص‪ ،‬أو الضمان‪ ،‬أو السجن‪ ،‬أو النفي‪ ،‬أو غري ذلك من الزواجر اليت‬
‫حتدث له بعض الضرر‪ ،‬وتنفي عنه بعض النفع والصالح‪.‬‬

‫غري أن هذا الضرر الضئيل إمنا هو ضرر جزئي يف مقابل درء الضرر الكلي‪ ،‬وهو ضرر مؤد إىل‬
‫املصاحل املعتربة واملنافع احلقيقية؛ أما منفعة اجلاين يف جانيته فيه ال تتجاوز أن تكون منفعة ومهية‬
‫وخيالية ومرجوحة ومعمقة لواقع الفساد‪ ،‬وحدوث الفوضى االجتماعية‪ ،‬وظهور االفتتان واالقتتال‬
‫والتنازع الذميم‪.‬‬

‫ويف مثال األمر بالطاعات فإن املطيع ظافر بإذن اهلل بسعادة الدنيا واآلخرة ومبصاحل ال حتصى من‬
‫اخلري والفائدة يف ذاته وجمتمعه‪ ،‬يف آله ومآله؛ فمصلحة التعبد معلومة احلقيقة واآلثار والنتائج‪ ،‬غري‬
‫أن ذلك الصالح ال خيلو من بعض األمل والضرر الظاهري الذي قد يعود على املكلف‪ ،‬على حنو‬
‫والقر‪،‬‬
‫أمل خمالف النفس ومعارضتها عند أداء التكليف اليت تأباها النفس أحيانً ا‪ ،‬كالصوم يف احلر ّ‬
‫والصالة عند الفجر والعشاء‪ ،‬وبذل املال الذي هو قطعة من الكبد‪ ،‬واجلهاد الذي هو بذل النفس‬
‫واملال العزي زين املرغ وبني فك ل تل ك التك اليف ذات مص احل ومن افع معت ربة ومقبول ة يف ال دنيا‬
‫واآلخ رة؛ غ ري أهنا ال ختل و من بعض آالمه ا وثقله ا ومش اقها ال يت هي يف احلقيق ة قليل ة ون ادرة من‬
‫جهة‪ ،‬وشروط ومسلمات ضرورية ال بد منها يف قيام التكليف وصحته من جهة ثانية‪ ،‬مث إهنا هينة‬
‫وطمع ا؛ فهي‬
‫وسهلة وميسورة ندما تصدر من املؤمن الصادق واملسلم القوي الذي يدعو ربه خوفًا ً‬
‫هبذا االعتب ار متث ل الطري ق السوي يف تعوي د املكل ف على مبدأ االمتث ال‪ ،‬وتربيت ه على مع اين الص رب‬
‫والتضحية‪ ،‬ومغالبة النفس‪ ،‬ووضع حد للشهوات والنزوات اليت ال حد هلا‪.‬‬

‫فمصاحل الدنيا ومفاسد الدنيا غالبة وليست حمضة‪ ،‬ودليل ذلك قوله تعاىل عن اخلمر وامليسر‪{ :‬قُ ْل‬
‫َّاس} ‪ 1‬فاخلمر وامليسر مفسدتان عظيمتان من حيث ضياع املال والعقل‬ ‫فِي ِه َم ا ِإمْثٌ َكبِ ريٌ َو َمنَ افِ ُع لِلن ِ‬
‫والنفس؛ ولكنهم ا منفعت ان حقريت ان وقليلت ان لص احب القم ار وامليس ر فيم ا يكس به أحيانً ا‪،‬‬
‫ولصاحب اخلمر فيما يعود إليه من ربح مادي أو نشوة نفسية أو البعد عن بعض اهلموم؛ غري أنه‬
‫يقع يف مهوم وغموم أخرى ال هناية وال ح ّد هلا‪.‬‬

‫أما املصلحة يف اآلخرة‪ ،‬وكذلك املفسدة يف العذاب األليم؛ فإهنما خمضتان وخالصتان‪ ،‬فاجلنة نعيم‬
‫كله ا ال ض رر وال إمث فيه ا‪ ،‬وجهنم ك ذلك‪ ،‬فإهنا مفس دة كله ا‪ ،‬وهالك كله ا‪ ،‬وخس ارة كله ا‪،‬‬
‫متمحض ا ليس فيه أمل وال حىت ختيل األمال؛ فالعذاب كله‬
‫ً‬ ‫خالص ا‬
‫وهذا معىن كون اهلالك فيها ً‬
‫واللعنة مجيعها نازلة بأهل النار ما دامت السماوات واألرض إال ما شاء اهلل‪ ،‬ونعوذ باهلل من اهلالك‬
‫كله وبعضه وعاجله وآجله‪ ،‬إنه مسيع جميب‪ ،‬واهلل أعلم بالصواب‪ ،‬وإليه املرجع واملئاب‪.‬‬

‫المبحث الرابع عشر‪ :‬ختلف اجلزئيات قد يكون ملصلحة مشروعة خارجة عن مقتضى الكلي]‬

‫إذا ختلفت بعض اجلزئيات عن املقاصد واملصاحل الكلية؛ فال يعين ذلك أن تلك املقاصد واملصاحل قد‬
‫تعطلت أو اختلت؛ بل يعين مراعاة مصاحل أخرى‪ ،‬هي يف نفس أمهية املصاحل اليت استثنيت منها‬
‫تلك اجلزئيات‪.‬‬

‫وميكن أن نبني هذا األمر من خالل األمثلة التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬امللك املرفَّه الذي يقصر يف الصالة‪ ،‬لئن ختلفت حكمة التيسري والتخفيف عن القصر بسبب‬
‫ُ‬
‫ك ؛ فقد حتققت حكمة أخرى‪ ،‬وهي استقرار احلكم وانتظامه واطراده يف كل زمان‬ ‫رفاهية امل ْل ِ‬
‫ُ‬
‫ومكان؛ فلو استثنينا امللك من القصر؛ ألنه ال يعاين املشقة‪ ،‬لتساهل الناس يف استثناء غريه من‬
‫الناس‪ ،‬ولتساهلوا يف تغيري األحكام وتبديلها على مر الزمان‪ ،‬ولذلك كانت األحكام حمددة‬
‫مضبوطة تسري على معيار واحد‪ ،‬ال خيتلف باختالف الظروف واألحوال واألشخاص‪.‬‬

‫‪ - 2‬النظر إىل العورة لغرض التداوي مباح‪ ،‬وهو مستثىن من عموم حترمي النظر إىل األجنيب‪ ،‬وهذا‬
‫االستثناء ال خيل بأصلية التحرمي؛ وإمنا حيقق مصلحة أخرى وهي مصلحة العالج اليت هلا نفس أمهية‬
‫مصلحة غض البصر حلفظ األعراض والكرامة اإلنسانية‪ ،‬وإذا الحظنا النظر إىل العورة وجدنا أن‬
‫العلة اليت ألجلها منع النظر إىل العورات منتفية؛ وذلك ألن الناظر يف العورة غالبًا ليس له من قصد‬
‫سوى لتشخيص والعالج واملداواة‪.‬‬

‫‪ -3‬أص حاب األع ذار الش رعية والقانوني ة من الطالب يُس تثنون من ق انون احلرم ان من االختب ار؛‬
‫ألهنم تغيبوا بسبب التقصري والكسل واخلمول؛ وإمنا ختلفوا لظروف قاهرة منعتهم من احلضور؛ فلو‬
‫مل يُ ْستس َن ه ؤالء الطالب من ق انون احلرم ان لكلف اهنم مبا ليس يف مق دورهم وألحْل قن ا هبم ض رر‬
‫الرس وب‪ ،‬مث إن عل ة احلرم ان منتفي ة‪ ،‬وه ذه العل ة هي ت أديب املتخلفني وزج رهم ومحلهم على‬
‫احلضور يف اجلامعة للتحصيل العلمي‪.‬‬

You might also like