Professional Documents
Culture Documents
مكملات مقاصد الشريعة
مكملات مقاصد الشريعة
[مدخل]
املقاصد احلقيقة الشرعية شرعها اهلل لتكون مصلحة كاملة وتامة يف الدنيا واآلخرة؛ ولذلك شرع
املتمم ات أو التواب ع ،تك ون متمم ة ومكمل ة هلا .وتل ك املكمالت
أحكام ا تع رف ب املكمالت أو ِّ
ً
واملتممات وتشمل كافة املقاصد الضرورية واحلاجية والتحسينية ،واملقصود باملكمالت واملتممات:
-م ا يكم ل الص احل الض رورية؛ س واء ك ان مص اح حاجي ة أو مص احل حتس ينية أو غريه ا من
املكمالت.
-ما يكمل املصاحل احلاجية ،من مصاحل حتسينية ومن غريها من املكمالت.
-قال الغزايل" :فجميع املناسبات ترجع إىل رعاية أمر مقصود؛ إال أن املقاصد تنقسم مراتبها:
فمنها :ما يقع يف مرتبة الضرورات ،ويلتحق بأذياهلا ما هو تتمة وتكملة هلا.
ومنها :ما يقع يف مرتبة احلاجيات ،ويلتحق بأذياهلا ما هو تتمة وتكلمة هلا.
ومنها :ما يقع يف رتبة التوسعة والتيسري الذي ال ترهق إليه ضرورة ،وال متس إليه حاجة؛ ولكن
ودا يف ه ذه الش ريعة الس محة الس هلة
أيض ا مقص ً
تس تفاد ب ه رفاهي ة وس عة وس هولة ،فيك ون ذل ك ً
احلنيفيَّة .ويتعل ق بأذياهلا ولواحقه ا م ا ه و يف حكم التحس ني والتتم ة هلا .فتص ري الرفاهي ة مهي أة
بتكميالهتا.
وق ال الش اطيب ك ذلك" :ك ل مرتب ة من ه ذه املراتب ينض م إليه ا م ا ه و كالتتم ة والتكمل ة مما ل و
فرضنا فقده مل خيل حبكمته األصلية".
تعريف مكمالت املقاصد :هي مجلة األحكام اليت جتعل املصاحل الضرورية واحلاجية التحسينية تامة
وكاملة ومكتسبة على أحسن الوجوه وأفضلها.
وهي األحك ام ال يت جتع ل املقاص د الض رورية تام ة وكامل ة ومكتس بة علىأحس ن الوج وه وأفض لها،
وهي تشمل :حفظ الدين والنفس والعقل النسل أو النسب واملال.
-املصاحل التحسينية ومكمالهتا؛ ألن املصاحل التحسينية مكملة للحاجية ،واحلاجية مكملة للمصاحل
الضرورية؛ فتكون التحسينية مكملة للضرورية؛ ألن املكمل للمكمل مكمل.
ومن أمثلتها:
وحرمت؛
-حترمي البدعة ،ملا يف وجودها وبقائها من ضياع الدين وتبديله وتنقيصه؛ لذلك ُمنعت ِّ
حتقي ًق ا للتدين الكامل والعبادة التامة اخلالصة ،اخلالية من شوائب الزيادات والنواقص.
-معاقبة الداعي إىل البدع؛ ألنه يدعو إىل الكفر املفوت حلفظ الدين.
-املبالغة يف حفظ العقل ،بتحرمي شرب القليل وإجياب احلد فيه؛ فالقليل ُحِّرم للتتميم والتكميل.
-مراع اة املماثل ة يف القص اص ،تكمياًل حلف ظ النفس؛ إذ ميكن للنفس أن حتف ظ مبج رد القص اص،
تشف وثأر وتنكيل وغري
ودفع ا ملا ميكن أن حيصل من ٍّ
ولكن شرع التماثل ،حتقي ًقا حلفظها الكامل ً
ذلك.
وهي األحك ام ال يت جتع ل املص لحة احلاجي ة تام ة وكامل ة ومكتس بة على أحس ن الوج وه وأفض لها،
ويقصد هبا:
ومن أمثلتها:
-اجلم ع بني الص التني يف الس فر واملرض مش روع لتكمل ة احلاج ة إىل التوس عة والتخفي ف؛ فل و مل
يشرع مل خُيَل بأصل التوسعة وذلك التخفيف.
-مراعاة الكفء ومهر املث ل يف الصغرية؛ فإن مقصود النكاح حيصل ب دوهنا ،لكن اشرتاط ذلك
على سبيل تكميل النكاح من حيث حتقيق دوامة واستمراره ،وحتصيل السكن واملودة والرمحة بني
الزوجني.
-خي ار ال بيع املش روع لل رتوي ،يكم ل ب ه ال بيع ليَ ْس لَم من الغنب والتغري ر واجلهال ة؛ فل و مل يشرع
اخليار مل خيل بأصل البيع ،وألن ما ملك بعد الرتوي والنظر يف أحواله ،يكون ملكه أمت وأقوى؛
لبعده عن الغنب والتدليس.
وهي األحكام اليت جتعل املصلحة التحسينية تامة وكاملة ومكتسبة على أحسن الوجوه وأفضلها.
ومن أمثلتها:
-التحلي ب آداب قض اء احلاج ة أو التخلي ،ومن دوبات الطه ارة ،كالب دء ب اليمني قب ل الش مل،
والتثليث يف الغسل ،وغري ذلك مما هو مشروع لتكميل املصاحل احلسينية املتعلقة بأصل الطهارة.
-االختيار يف العِتق.
مكمالت المقاصد الشرعية هي -كما ذكرنا :-األحكام اليت تتم وتكمل تلك املصاحلة احلقيقية؛
ولذلك اشرتط أن ال تبطل أو تفوت أوضيع هذه املصلحة بوجود ما يكملها ويتمها ،وهذا الذي
ذك ره الش اطيب بقول ه" :ك ل كلم ة فله ا -من حيث هي تكمل ة -ش رط ،وه و أن ال ي ود اعتباره ا
على األصل باإلبطال؛ وذلك أن كل تكملة يفضي اعتبارها إىل رفض أصلهن فال يصح اشرتاطها
عند ذلك" لوجهني:
أحدمها :أن يف إبطال أصل إبطال للتكلمة؛ ألن الكلمة مع ما كلمته كالصفة مع املوصوف.
-حف ظ حي اة النفس ض روري ،وحترمي النجاس ات والق اذورات حس يين ،وجيوز تن اول النجاس ة من
أج ل إحي اء النفس ،إذا دعت الض رورة إىل ذل ك ،عماًل بأولي ة األص ل الض روري على التحس يين
املكمل عند التعارض.
حفظ النفس ضروري ،وسرت العورة حتسيين مكمل له ،وشرط هذا املكمل أن ال يعود على أصل
حف ظ النفس باإلبطال؛ فلو دعت الض رورة إىل كش ف العورة والنظ ر إليها بقص د العالج ،حلف ظ
النفس من املوت أو اهلالك ،جلاز كش فها وألبيحت التض حية هبذا املكم ل من أج ل بق اء األص ل
الضروري.
-إقام ة اجله اد مص لحة ض رورية ،وإقامت ه م ع أئم ة الع دل مكم ل لتل ك املص لحة؛ غ ري أن العلم اء
أج ازوا القي ام باجله اد م ع أئم ة اجلور؛ ألن اش رتاط األئم ة الع ادلني عن د فق دهم س ُي َف ِّوت أص لية
اجله اد ،ويض يع مص احل األم ة وقوهتا وعزهتا ،ول ذلك يض حي باملكم ل حمافظ ة على أص لية اجله اد
ومقاصده وفوائده ،وكذلك األمر بالنسبة للصالة خلف أئمة اجلور.
بعض ا ،وتكمل
املقاصد الثالثة "الضرورية واحلاجية والتحسينية" مرتبطة فيما بينها ،وختدم بعضها ً
بعضا.
بعضها ً
واملقاصد الضرورية هي أساس مجيع املقاصد وقاعدهتا األوىل ،مث تكون املقاصد احلاجية بعدها ،مث
أخريا ،فاحلاجيات مكملة للضروريات ،والتحسينيات مكملة للحاجيات،
تكون املقاصد التحسينية ً
والضروريات.
ولك ل من األن واع الثالث ة مكمالت ،هتدف مبجموعه ا إىل حتقي ق مقاص د الش رع مجيعه ا -كليًّا
وجزئيً ا -وهتدف إىل بن اء األم ة املس لمة يف س ائر أحواهلا وأموره ا ،العقدي ة ،والتش ريعية،
واألخالقية ،واحلضارية ،بشكل عام.
ولذلك وجب التنبه هلذه احلقيقة املعتربة يف أثناء فهم الدين وتنزيله يف الواقع املعيش ،حىت ال يقع
اخللل واالضطراب يف بنيان التشريع ومنظومته ،ويف مصاحل اخللق ،ومنافعهم احلقيقية الصحيحة يف
الدنيا واآلخرة.
هل إن املصلحة الشرعية تتسم بصالحها ونفعها يف مجيعها وكليتها ،أم أن ذلك لصالح النفع
واخلري يعود إىل أغلبها وأكثرها؟
ولزيادة التوضيح نورد التمثيل على ذلك؛ ألن املثال يوضح حال؛ فأكل مال الغري ومعاقبة اجلاين
وغري ذلك ،وكذلك أمر املكلف بفعل الطاعات والقربات ،كل ذلك مشروع وعائد على املكلف
مبصاحل كثرية ومنافع معتربة.
فمنع أكل املال عائد مبصلحة حفظ املال وصيانته من التلف والضياع ،ومعاقبة اجلاين هلا مصلحته
املتعلقة بردع املخالفني وزجر اجلناة وقمع الطغاة حلفظ الناس يف نفوسهم وأعراضهم وأمواهلم
وأمنهم العام واخلاص ،واألمر بالطاعات والقربات راجع باخلري والسعادة يف العاجل واآلجل إىل
املكلف املطيع املتعبد ،كل تلك املصاحل معتربة ومقبولة ومقررة يف الشرع ،وقد دلت عليها ما ال
حيصى من األدلة والقرائن واملعطيات الشرعية داللة قطعية ويقينية انتظم مبجموعها اعتبار تلك
فهما واستيعابًا وتطبي ًقا
املصاحل وتقريرها واالعتداد هبا والتعويل عليها يف معاملة احلكم الشرعي ً
وتنزياًل .
غري أن املصاحل تظل يف حكم الغالب واألكثر ،أي أهنا ال تَسلَم من شوائب ما يضاد املصلحة
ويعارضها من بعض الضرر وبعض األمل الذي يكون يف حكم القليل الذي ال يُلتفت إليه ،ويف معىن
النادر الذي ال يعتد به العربة بالغالب األكثر ،أما القليل أو اليسري فال يُلتفت إليه كما نص على
ذلك علماء القواعد واملقاصد والفوائد ،وهذا هو نفسه معىن قوله العلماء" :املصلحة الشرعية غالبة
وليست حمضة".
فمصلحة من أكل مال الغري غالبة وليست حمضة أو خالصة؛ وذلك ألهنا ال ختلو من ضرر يسلط
على اآلكل بالسرقة أو الغصب أو االحتيال؛ وذلك بإيقاع األمل النفسي أو احلسي يف نفسه أو
بضمان وإرجاع ما أخذ ،ويف كل ذا ضرر واقع على ذاته ،وانتفاء ملصلحة هذا اآلكل ومنفعته يف
أخذ مال الغري بال وجه شرعي.
وكذلك احلال بالنسبة للجاين الذي إذا عوقب فقد حيرم من نفسه ،أو عضو من أعضائه ،أو من
ماله وحريته مبوجب القصاص ،أو الضمان ،أو السجن ،أو النفي ،أو غري ذلك من الزواجر اليت
حتدث له بعض الضرر ،وتنفي عنه بعض النفع والصالح.
غري أن هذا الضرر الضئيل إمنا هو ضرر جزئي يف مقابل درء الضرر الكلي ،وهو ضرر مؤد إىل
املصاحل املعتربة واملنافع احلقيقية؛ أما منفعة اجلاين يف جانيته فيه ال تتجاوز أن تكون منفعة ومهية
وخيالية ومرجوحة ومعمقة لواقع الفساد ،وحدوث الفوضى االجتماعية ،وظهور االفتتان واالقتتال
والتنازع الذميم.
ويف مثال األمر بالطاعات فإن املطيع ظافر بإذن اهلل بسعادة الدنيا واآلخرة ومبصاحل ال حتصى من
اخلري والفائدة يف ذاته وجمتمعه ،يف آله ومآله؛ فمصلحة التعبد معلومة احلقيقة واآلثار والنتائج ،غري
أن ذلك الصالح ال خيلو من بعض األمل والضرر الظاهري الذي قد يعود على املكلف ،على حنو
والقر،
أمل خمالف النفس ومعارضتها عند أداء التكليف اليت تأباها النفس أحيانً ا ،كالصوم يف احلر ّ
والصالة عند الفجر والعشاء ،وبذل املال الذي هو قطعة من الكبد ،واجلهاد الذي هو بذل النفس
واملال العزي زين املرغ وبني فك ل تل ك التك اليف ذات مص احل ومن افع معت ربة ومقبول ة يف ال دنيا
واآلخ رة؛ غ ري أهنا ال ختل و من بعض آالمه ا وثقله ا ومش اقها ال يت هي يف احلقيق ة قليل ة ون ادرة من
جهة ،وشروط ومسلمات ضرورية ال بد منها يف قيام التكليف وصحته من جهة ثانية ،مث إهنا هينة
وطمع ا؛ فهي
وسهلة وميسورة ندما تصدر من املؤمن الصادق واملسلم القوي الذي يدعو ربه خوفًا ً
هبذا االعتب ار متث ل الطري ق السوي يف تعوي د املكل ف على مبدأ االمتث ال ،وتربيت ه على مع اين الص رب
والتضحية ،ومغالبة النفس ،ووضع حد للشهوات والنزوات اليت ال حد هلا.
فمصاحل الدنيا ومفاسد الدنيا غالبة وليست حمضة ،ودليل ذلك قوله تعاىل عن اخلمر وامليسر{ :قُ ْل
َّاس} 1فاخلمر وامليسر مفسدتان عظيمتان من حيث ضياع املال والعقل فِي ِه َم ا ِإمْثٌ َكبِ ريٌ َو َمنَ افِ ُع لِلن ِ
والنفس؛ ولكنهم ا منفعت ان حقريت ان وقليلت ان لص احب القم ار وامليس ر فيم ا يكس به أحيانً ا،
ولصاحب اخلمر فيما يعود إليه من ربح مادي أو نشوة نفسية أو البعد عن بعض اهلموم؛ غري أنه
يقع يف مهوم وغموم أخرى ال هناية وال ح ّد هلا.
أما املصلحة يف اآلخرة ،وكذلك املفسدة يف العذاب األليم؛ فإهنما خمضتان وخالصتان ،فاجلنة نعيم
كله ا ال ض رر وال إمث فيه ا ،وجهنم ك ذلك ،فإهنا مفس دة كله ا ،وهالك كله ا ،وخس ارة كله ا،
متمحض ا ليس فيه أمل وال حىت ختيل األمال؛ فالعذاب كله
ً خالص ا
وهذا معىن كون اهلالك فيها ً
واللعنة مجيعها نازلة بأهل النار ما دامت السماوات واألرض إال ما شاء اهلل ،ونعوذ باهلل من اهلالك
كله وبعضه وعاجله وآجله ،إنه مسيع جميب ،واهلل أعلم بالصواب ،وإليه املرجع واملئاب.
المبحث الرابع عشر :ختلف اجلزئيات قد يكون ملصلحة مشروعة خارجة عن مقتضى الكلي]
إذا ختلفت بعض اجلزئيات عن املقاصد واملصاحل الكلية؛ فال يعين ذلك أن تلك املقاصد واملصاحل قد
تعطلت أو اختلت؛ بل يعين مراعاة مصاحل أخرى ،هي يف نفس أمهية املصاحل اليت استثنيت منها
تلك اجلزئيات.
-1امللك املرفَّه الذي يقصر يف الصالة ،لئن ختلفت حكمة التيسري والتخفيف عن القصر بسبب
ُ
ك ؛ فقد حتققت حكمة أخرى ،وهي استقرار احلكم وانتظامه واطراده يف كل زمان رفاهية امل ْل ِ
ُ
ومكان؛ فلو استثنينا امللك من القصر؛ ألنه ال يعاين املشقة ،لتساهل الناس يف استثناء غريه من
الناس ،ولتساهلوا يف تغيري األحكام وتبديلها على مر الزمان ،ولذلك كانت األحكام حمددة
مضبوطة تسري على معيار واحد ،ال خيتلف باختالف الظروف واألحوال واألشخاص.
- 2النظر إىل العورة لغرض التداوي مباح ،وهو مستثىن من عموم حترمي النظر إىل األجنيب ،وهذا
االستثناء ال خيل بأصلية التحرمي؛ وإمنا حيقق مصلحة أخرى وهي مصلحة العالج اليت هلا نفس أمهية
مصلحة غض البصر حلفظ األعراض والكرامة اإلنسانية ،وإذا الحظنا النظر إىل العورة وجدنا أن
العلة اليت ألجلها منع النظر إىل العورات منتفية؛ وذلك ألن الناظر يف العورة غالبًا ليس له من قصد
سوى لتشخيص والعالج واملداواة.
-3أص حاب األع ذار الش رعية والقانوني ة من الطالب يُس تثنون من ق انون احلرم ان من االختب ار؛
ألهنم تغيبوا بسبب التقصري والكسل واخلمول؛ وإمنا ختلفوا لظروف قاهرة منعتهم من احلضور؛ فلو
مل يُ ْستس َن ه ؤالء الطالب من ق انون احلرم ان لكلف اهنم مبا ليس يف مق دورهم وألحْل قن ا هبم ض رر
الرس وب ،مث إن عل ة احلرم ان منتفي ة ،وه ذه العل ة هي ت أديب املتخلفني وزج رهم ومحلهم على
احلضور يف اجلامعة للتحصيل العلمي.