You are on page 1of 40

‫ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﺘﺪﺍﻭﻟﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬

‫ﻣﺠﻠﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻄﺎﺋﻒ ﻟﻠﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬


‫ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻄﺎﺋﻒ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻔﺮﻳﺪﻱ‪ ،‬ﻃﺎﺭﻕ ﺑﻦ ﺭﺑﻴﻊ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫ﻣﺞ‪ ,7‬ﻉ‪24‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫ﻧﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬
‫‪2021‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬

‫البعــــد التــــداولي‬ ‫ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ‬


‫‪411 - 448‬‬
‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪:‬‬
‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬

‫اللسانيات النظامية الوﻇيفية‬ ‫فـي‬


‫‪1129751‬‬ ‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬‬
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ ‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫‪Arabic‬‬ ‫ﺍﻟﻠﻐﺔ‪:‬‬
‫ـارق بن ربي ـ ــع الفري ـ ــدي‬ ‫د‪ .‬طـ ـ ـ‬
‫‪HumanIndex‬‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬
‫اللغوياتﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ‬ ‫بقسم‬
‫ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ‬ ‫مساعد‬
‫ﺍﻟﻠﻐﺔ‪،‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺪﺍﻭﻟﻴﺔ‪،‬أستاذ‬
‫ﻭﻇﺎﺋﻒ‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ اإلسالمية‬
‫ﺍﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺎﺕ باجلامعة‬
‫ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ‪،‬اللغة العربية‬
‫كلية‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/1129751‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬

‫© ‪ 2023‬ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬


‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ‬
‫ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻺﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻗﻢ ﺑﻨﺴﺦ ﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﻟﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺇﺳﻠﻮﺏ ﺍﻹﺳﺘﺸﻬﺎﺩ‬
‫ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ‪:‬‬

‫ﺇﺳﻠﻮﺏ ‪APA‬‬
‫ﺍﻟﻔﺮﻳﺪﻱ‪ ،‬ﻃﺎﺭﻕ ﺑﻦ ﺭﺑﻴﻊ‪ .(2021) .‬ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﺘﺪﺍﻭﻟﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ‪.‬ﻣﺠﻠﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻄﺎﺋﻒ ﻟﻠﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻣﺞ‪ ,7‬ﻉ‪ .448 - 411 ،24‬ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/1129751‬‬
‫ﺇﺳﻠﻮﺏ ‪MLA‬‬
‫ﺍﻟﻔﺮﻳﺪﻱ‪ ،‬ﻃﺎﺭﻕ ﺑﻦ ﺭﺑﻴﻊ‪" .‬ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﺘﺪﺍﻭﻟﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ‪".‬ﻣﺠﻠﺔ‬
‫ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻄﺎﺋﻒ ﻟﻠﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔﻣﺞ‪ ,7‬ﻉ‪ .448 - 411 :(2021) 24‬ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/1129751‬‬
‫البعــــد التــــداولي‬
‫فـي اللسانيات النظامية الوﻇيفية‬

‫د‪ .‬طـ ـ ــارق بن ربي ـ ــع الفري ـ ــدي‬


‫أستاذ مساعد بقسم اللغويات‬
‫كلية اللغة العربية باجلامعة اإلسالمية‬

‫© ‪ 2023‬ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬


‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ‬
‫ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫البعــــد التــــداولي‬
‫فـي اللسانيات النظامية الوﻇيفية‬

‫د‪ .‬طـ ـ ــارق بن ربي ـ ــع الفري ـ ــدي‬


‫أستاذ مساعد بقسم اللغويات‬
‫كلية اللغة العربية باجلامعة اإلسالمية‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫املستخلص‬

‫تعد التداولية اجتاه ًا ل�ساني ًا معا�صر ًا يعنى بالك�شف عن خ�صائ�ص اللغة يف �سياق اال�ستعمال‪ ،‬فهو‬
‫يبحث يف املقا�صد والوظائف التي ت�ؤديها اللغة وير�صد حلركتها وتفاعلها يف اخلطاب‪ .‬وتتداخل التداولية‬
‫مع عدد من االجتاهات الل�سانية‪ ،‬ومن �أبرزها «االجتاه الوظيفي» الذي ت�سلك م�ساره عدد من النظريات‬
‫الوظيفية املختلفة التي ‪ -‬ب�شكل عام‪ -‬تتفق حول مركزية «التوا�صل» بو�صفه الوظيفة الأ�سا�سية للغة‪ .‬وهذه‬
‫لكل منها خ�صائ�صها و�سماتها التي متيـّزها عن غريها‪ ،‬ومن هذه‬ ‫النظريات لي�ست على طريقة واحدة؛ �إذ ٍّ‬
‫اخل�صائ�ص ما يتعلق بطبيعة العالقة بالتداولية وطريقة التعاطي معها‪ .‬وحمور النقا�ش يف هذه الورقة‬
‫هو البحث عن العالقة بني التداولية والنظرية النظامية الوظيفية التي �أ�س�س لها اللغوي مايكل هاليداي‪،‬‬
‫وهي نظرية تنظر �إىل اللغة بو�صفها نظام ًا من املعاين التي ترتبط بال�سياق االجتماعي والثقايف؛ لذا تهتم‬
‫بتحليل اللغة يف �سياق ا�ستعمالها وبالك�شف عن وظائف التوا�صل اللغوي‪ ،‬ويرجع �سبب اختيار هذه النظرية‬
‫من بني النظريات الوظيفية الأخرى �إىل الغياب الوا�ضح مل�صطلح التداولية يف �أدبيات هذه النظرية‬
‫وتطبيقاتها‪ ،‬مما َي�شي ب�أن �أ�صحابها قد جتاهلوا املفاهيم التداولية ومل يلقوا لها با ًال‪.‬‬
‫وقد تو�صل هذا البحث ‪ -‬بعد الرجوع �إىل م�صادر ومراجع النظرية والبحث يف م�صطلحاتها و�سياقاتها‪-‬‬
‫�إىل تو�ضيح طبيعة العالقة بني التداولية والنظرية النظامية الوظيفية‪ ،‬وذلك من خالل ر�صد املفاهيم‬
‫التي تتبانها النظرية والتي ‪ -‬يف الوقت نف�سه‪ -‬ت�شتمل على �أبعاد تداولية‪ ،‬ومن �أبرز هذه املفاهيم‪ :‬الداللة‬
‫واملعنى واالختيار وال�سياق والوظائف التي ت�ؤديها اللغة‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬التداولية‪ ،‬النظرية النظامية الوظيفية‪ ،‬ال�سياق‪ ،‬وظائف اللغة‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

Abstract:

Pragmatics is a contemporary linguistic trend that detects the characteris-


tics of language in use. It examines the purposes and the intentions that lan-
guage performs and monitors its interaction in the discourse. Pragmatics inter-
crosses with a number of linguistic trends, most notably the Functional trend,
which is adopted followed by a number of different functional theories which
are, in general, consistent with the centrality of "communication" as the main
language function. These theories, however, are not in the same way; each one
has its own characteristics that distinguish it from others. One of these charac-
teristic is related to nature of the relationship with pragmatics.

The focus of the discussion in this paper is to search for the relationship
between pragmatics and Systemic Functional Linguistics theory founded by
Michael Halliday, a theory that views language as a system of meanings that
are related to the social and cultural context; therefore it analyzes the language
in the context of its use and the disclosure of the functions of linguistic com-
munication. The reason for choosing this theory among functional theories is
due to the apparent absence of the term "pragmatics" in the literature and ap-
plications of this theory. This signals that the linguists who are following this
theory may ignore the pragmatic concepts and paid no attention to it.

This research - after referring to the sources and references of the theory
and searching in its terms and contexts- has been able to clarify the nature of
the relationship between pragmatics and Functional Systemic theory, by trac-
ing and monitoring the concepts the theory adopts which, at the same time,
contain pragmatic dimensions. The most prominent concepts are: semantics,
meaning, choice, context and the functions that language performs.

Key words: Pragmatics, Systemic Functional Linguistics, Context, language


functions.

414
‫م‬٢٠٢١ ‫ فبراير‬/ ‫هـ‬١٤٤٢ ‫ رجب‬،]24[ ‫ العدد‬: ‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫(((‬
‫مقدمة‬

‫تتنوع االجتاهات الل�سانية وتختلف م�شاربها‪ ،‬فكل اجتاه له مبادئه و�أ�س�سه التي ي�ستند عليها و�آلياته‬
‫اخلا�صة يف التحليل اللغوي‪ ،‬فمنها التاريخي واملقارن والبنيوي والتوليدي والوظيفي‪ ،‬واالجتاه الواحد منها‬
‫لي�س على منط واحد‪ ،‬بل تندرج حتته نظريات ومناذج متعددة تتداخل فيما بينها تارة وتفرتق تارة �أخرى‪،‬‬
‫وتعود �أ�سباب هذا التنوع واالختالف �إىل عدة �أمور‪ ،‬منها‪ :‬اختالف الأ�س�س النظرية والفل�سفية يف حتديد‬
‫طبيعة الظاهر اللغوية‪ ،‬واختالف الطرائق املتبعة يف حتليل الظواهر اللغوية (غلفان ‪.)79-41 :2009‬‬
‫ويع ّد االجتاه الوظيفي من االجتاهات التي لها ذيوع يف امل�شهد الل�ساين‪ ،‬وت�سلك م�ساره عدد من النظريات‬
‫الوظيفية املختلفة التي يرى �أ�صحابها �أن اللغة عبارة عن ن�سق وظيفي يهدف �إىل التعبري عن الأغرا�ض‬
‫التوا�صلية بني الب�شر‪ ،‬و�أن اللغة لي�ست منعزلة عن ما يحيط بها من عوامل اجتماعية ونف�سية لها دور يف‬
‫الت�أثري يف منط ا�ستخدام اللغة (نحلة ‪ ،43 :2009‬بافو و�سرفاتي ‪ .)194 :2014‬وهذه ال�سمة جتعل من‬
‫االجتاه الوظيفي مت�سق ًا ‪ -‬منطقي ًا‪ -‬مع التداولية بو�صفها جما ًال يعنى بتحليل اللغة يف �سياق ا�ستعمالها‪،‬‬
‫بل �إن التداولية ‪ -‬كما يعرب �أحمد املتوكل‪ -‬حتتل موقع ًا �أ�سا�سي ًا يف االجتاه الوظيفي (املتوكل ‪.)16 :2010‬‬
‫وي�شري هونق(‪� )Haung 2007:4‬إىل �أن التداولية مت ِّثل ‪ -‬ب�شكل عام‪ -‬وجهة نظر وظيفية (�إما معرفية‬
‫�أو اجتماعية �أو ثقافية �أو غريها) تتعاطى مع الظواهر اللغوية املنجزة‪ .‬وقد تولد االهتمام بالتداولية يف‬
‫االجتاه الوظيفي من خالل املبد�أ الأ�سا�س الذي ترتكز عليه النظريات الوظيفية املختلفة وهو �أن التوا�صل‬
‫مي ّثل الوظيفة الأ�سا�سية للغة‪ ،‬و�أن التحليل الل�ساين يتجه ب�شكل �أ�سا�سي �إىل و�صف القدرة التوا�صلية لدى‬
‫املتكلم واملخاطب (ال�س ّيد ‪ ،139 :2003‬املتوكل ‪ .)27-20 :2006‬وعند ا�ستعرا�ض الأدبيات املختلفة‬
‫للنظريات الوظيفية جند �أنه على الرغم من ت�صريح �أ�صحابها باعتماد هذه النظريات على التداولية‬
‫حمور ًا �أ�سا�سي ًا ال ي�ستغني عنه‪ ،‬يهدفون من خالله �إىل ر�صد اخل�صائ�ص التي حتكم التوا�صل اللغوي ‪ -‬مثل‪:‬‬
‫نظرية النحو الوظيفي((( (‪� -)Functional Grammar‬إال �أن هذا الت�صريح ال جند له �صدى مماث ًال‬
‫يف النظرية النظامية الوظيفية (‪ )Systemic Functional Linguistics‬التي �أر�سى دعائمها اللغوي‬
‫الربيطاين مايكل هاليداي‪� ،‬إذ �أغفلت هذه النظرية حتديد م�ستوى م�ستقل للتداولية من بني م�ستويات‬
‫((( �أتقدم بال�شكر والعرفان لعمادة البحث العلمي باجلامعة اال�سالمية على دعمها لهذا البحث‪.‬‬
‫((( تنت�سب هذه النظرية �إىل العامل اللغوي الهولندي �سيمون ِدك ‪ Simon Dik‬الذي �ألف اول كتاب للتعريف بها عام ‪1978‬م وكان‬
‫بعنوان “‪ ”Functional Grammar‬الذي �أ�س�س فيه املبادئ العامة للنظرية‪ ،‬و�أعقبه بعدد من امل�ؤلفات التي تر�صد تطور‬
‫النظرية‪ ،‬ويعد كتابه “‪ ”The Theory of Functional Grammar‬هو االو�سع والأ�شمل؛ �إذ يحتوي على تف�صيالت دقيقة وحتليل‬
‫مو�سع للظواهر الوظيفية يف اللغة‪ ،‬وقد �سار على دربه عدد من اللغويني من �أ�شهرهم ‪ Kees Hengeveld‬و ‪،Lachlan Mackenzi‬‬
‫ويف ال�سياق العربي‪ُ ،‬يع ّد اللغوي املغربي الدكتور �أحمد املتوكل حامل لواء النظرية؛ �إذ �ألف فيها امل�ؤلفات الكثرية واجتهد يف‬
‫نقلها و تطبيقها على العربية‪.‬‬

‫‪415‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫اللغة وطبقاتها‪ ،‬وهذا على خالف ما هو احلال يف الداللة التي ُع ِّب عن ا�ستقالليتها بو�صفها م�ستوى ي�ش ّكل‬
‫�أهمية بالغة يف النموذج التحليلي للغة‪ ،‬بل ال جند �أثر ًا �صريح ًا للتداولية على امل�ستوى التطبيقي للنظرية‬
‫املتم ِّثل يف حتليل الن�صو�ص؛ لذا ت�ساءل بامتان (‪ )Bateman 2017: 20‬عند حديثه عن مبادئ هذه‬
‫النظرية حول هذه النقطة حني ع ْن ـ َون �إحدى مباحث مقالته ب ـ «�أين اختفت التداولية؟» ‪ ،‬و�أ�شار يف ذلك‬
‫يعب عنها ب�شكل �صريح يف �أدبيات النظرية على الرغم من ا�شرتاكهما ‪� -‬أي‪:‬‬ ‫املبحث �إىل �أن التداولية ال ّ‬
‫التداولية والنظرية‪ -‬يف مبد�أ درا�سة ا�ستعمال اللغة‪ ،‬ونقل عن فريكلوف ‪� -‬أحد �أبرز املتخ�ص�صني يف‬
‫التحليل النقدي للخطاب‪� -‬أنه �أ�شار �إىل افتقار النظرية النظامية الوظيفية �إىل مركزية التداولية‪ .‬ويف‬
‫املقابل‪ ،‬جند باتلر(‪ )Butler 2003 1:45‬عند عر�ضه ملبادئ النظرية ُي َعن ـْ ـ ِون �إحدى مباحثه بــ«مركزية‬
‫الداللة والتداولية» ‪ ،‬ولكنه يف احلقيقة مل ير�صد املفاهيم التداولية التي تتبناها النظرية خال �إ�شارات‬
‫عامة متفرقة‪ .‬وما ُذكر �أعاله يثري ت�سا�ؤلني‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫ ‪-‬ما موقف �أ�صحاب النظرية النظامية الوظيفية من التداولية على الرغم من وجود تقاطع بني‬
‫التداولية واالجتاه الل�ساين الوظيفي ب�شكل عام؟‬
‫ ‪ -‬كيف تعاطى �أ�صحاب هذه النظرية مع التداولية عند حتليلهم للغة ودرا�سة خ�صائ�صها؟‬
‫هذان ال�س�ؤاالن هما ما ي�سعى هذا البحث �إىل الإجابة عنهما‪ .‬ويجدر �أن نلفت النظر �إىل �أنه عند‬
‫ا�ستعرا�ض الدار�سات العربية التي تطرقت للنظرية النظامية الوظيفية ال جند �أي حماولة للإجابة عن‬
‫(((‬
‫هذين ال�س�ؤالني مما ي�ؤكد �أهمية الوقوف عندهما وال�سعي �إىل الإجابة عنهما‪.‬‬
‫ُق ّ�سم هذا البحث �إىل �ستة مباحث‪ :‬ي�شتمل اولها على تقدمي عام و�أهداف البحث و�أ�سئلته‪ ،‬ويعر�ض‬
‫�سمات االجتاه الوظيفي يف الل�سانيات ومبادئه‪ ،‬ويعر�ض ثالثها مبادئ النظرية النظامية الوظيفية‪،‬‬
‫ثانيها ِ‬
‫يف حني ُخ ِّ�ص�ص املبحث الرابع للحديث عن التداولية ومفاهيمها كونها املحور التي تدور حوله �أ�سئلة‬
‫البحث‪ ،‬املبحث اخلام�س ‪-‬وميثل مرتكز البحث‪ -‬وهو الك�شف عن العالقة بني التداولية والنظرية النظامية‬
‫الوظيفية‪ ،‬ثم ُيـختم البحث باملبحث ال�ساد�س وفيه تُذكر �أهم النتائج‪.‬‬
‫‪1 .1‬االجتاه الوظيفي يف اللسانيات‪ :‬سماته و مبادئه‪:‬‬
‫الل�سانيات الوظيفية (‪ )Functionalism‬هي �إحدى االجتاهات الكربى يف الدر�س الل�ساين‪ ،‬فهي‬
‫((( من هذه الدرا�سات‪:‬‬
‫‪ -‬علم اللغة النظامي‪ :‬مدخل للنظرية اللغوية عند هاليداي‪ ،‬للدكتور حممود نحلة‪.‬‬
‫‪ -‬مبحث «النحو الن�سقي» يف كتاب «الل�سانيات الوظيفية‪ :‬مدخل نظري» ‪ ،‬للدكتور �أحمد املتوكل‪.‬‬
‫‪ -‬مبحث «النحو النظامي» يف كتاب «الل�سانيات‪ :‬املجال والوظيفة واملنهج» ‪ ،‬للدكتور �سمري ا�ستيتية‪.‬‬

‫‪416‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫تقف بالتوازي مع الل�سانيات الو�صفية والل�سانيات التوليدية‪ ،‬وقد ارتبط ا�سم الل�سانيات الوظيفية بحلقة‬
‫براغ اللغوية التي �أ�س�ست عام ‪1926‬م (‪ .)Lyons 1981:224‬ويعتقد �أعالم هذا االجتاه �أن اللغة يف‬
‫املقام االول ظاهرة طبيعية حتكمها عوامل غري لغوية‪ ،‬مثل‪ :‬املحيط االجتماعي (نحلة ‪.)43 :2001‬‬
‫واللغة عندهم وظيفة و�أداة توا�صل ولي�ست جمرد تراكيب منعزلة عن �سياقاتها‪ ،‬فاخل�صائ�ص ال�صوتية‬
‫والرتكيبية والداللية مرتبط �إجنازها وتف�سريها بالوظيفة التوا�صلية التي ت�ؤديها (;‪Mackenzie 1992:1‬‬
‫‪)Lyons 1981:224‬؛ لذا جندهم يتبنون الر�أي الذي يربط بني البنية والوظيفة و�أن العالقة بينهما‬
‫لي�ست اعتباطية (‪ .)Butler 2003 1:33‬وين�صب اهتمام لغويي هذا االجتاه على الرتكيز على اجلانب‬
‫التوا�صلي للغة (�أي‪ :‬اللغة من حيث اال�ستعمال �أو الإجناز الفعلي للغة)‪ .‬فالعبارات اللغوية ‪-‬على حد تعبري‬
‫خ�صائ�صها البنيوية‬
‫ُ‬ ‫املتوكل (‪ -)20 :2010‬مت ِّثــل «و�سائل ت�ستخدم لت�أدية �أغرا�ض توا�صلية معينة وتُقا َرب‬
‫على هذا الأ�سا�س»‪ .‬وقد انبثق االهتمام بالوظيفية عندهم من خالل اهتمامهم باجلانب اال�ستعمايل للغة‬
‫(نحلة ‪ ،)42 :2001‬ولكن ال يعني تركيزهم على الوظيفة التوا�صلية يف البحث الل�ساين �أن الرتكيب لي�س‬
‫بذي �أهمية‪ ،‬بل جند درا�ساتهم تت�ضمن حتليالت للجوانب الرتكيبية للغة مثل‪ :‬حتليل الوحدات ال�صوتية‬
‫وحتليل العالقات الرتكيبية بني مكونات اجلملة (غلفان ‪)53 :2013‬؛ لذا يو�صف هذا االجتاه �أحيان ًا‬
‫بالبنيوي‪-‬الوظيفي((( (‪ ، )Butler 2003 1:34‬وال م�شاحة يف هذا الو�صف؛ لأن االجتاه الوظيفي ‪-‬خا�صة‬
‫يف بداياته‪ -‬ت�أثر باالجتاه البنيوي‪ ،‬كما جند ذلك بارز ًا يف �إ�سهامات حلقة براغ الل�سانية التي تع ّد البذرة‬
‫الأ�سا�س لالجتاه الوظيفي‪ ،‬ومع ذلك فلهم �إ�سهامات يف املجال البنيوي ال�صوتي وال�صريف والرتكيبي‬
‫(غلفان ‪ ،)234 ،215 ،53 :2013‬ولكن تبقى االولوية عند �أ�صحاب هذا االجتاه للجانب الوظيفي يف حتليل‬
‫اللغة‪ ،‬فاخل�صائ�ص التداولية ‪ -‬مث ًال– حتدد اخل�صائ�ص البنيوية للعبارات اللغوية (املتوكل ‪.)23 :2013‬‬
‫هذه اخلا�صية جتعل من االجتاه الوظيفي مقا ِب ًال ملا يعرف يف الأدبيات الل�سانية باالجتاه ال�صور ي �‪For‬‬
‫‪ malism‬الذي مي ّثل له بالنظرية التوليدية؛ �إذ يهتم روادها بالنظام اللغوي املجرد من �أية عوامل خارجية‬
‫والرتكيز على القدرة اللغوية (الذهنية) يف مقابل الإجناز (‪ ، Butler 2003 1:4‬وحيدي ‪ .)8 :2017‬ويف‬
‫الأ�سطر القادمة‪� ،‬سنلقي ال�ضوء على �أهم الفروقات بني االجتاه الوظيفي واالجتاه التوليدي عند احلديث‬
‫عن مبادئ االجتاه الوظيفي‪ .‬قبل ذلك‪ ،‬يجدر التنبيه على �أن االجتاه الوظيفي يف الل�سانيات ال ي�سري على‬
‫منهج واحد‪ ،‬فقد ظهرت عدد من النظريات الوظيفية التي يهدف لغويو كل نظرية �إىل انتهاج م�سار خا�ص‬
‫بهم (ينظر‪ :‬غلفان ‪ ،46 :2013‬املتوكل ‪ ،)137-117 :2010‬ومن �أبرزها‪:‬‬
‫ ‪-‬الوجهة الوظيفية للجملة(‪ ، )Functional Sentence perspective‬وتبنى هذا االجتاه العامل اللغوي‬
‫الت�شيكي ماتي�سي�س ‪ Mathesius‬امل�ؤ�س�س احلقيقي حللقة براغ وتالمذته من �أمثال دا ِن�ش ‪Danish‬‬
‫و ِفربا�س ‪.Firbas‬‬

‫((( تابع بع�ض الباحثني العرب هذا الر�أي ف�أدرجوا النظريات الوظيفية �ضمن الإطار البنيوي‪ ،‬كما فعل غلفان (‪ )309 ،215 :2010‬يف‬
‫كتابه«الل�سانياتالبنيوية»‪.‬‬

‫‪417‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫ ‪-‬الوظيفية الفرن�سية �أو وظيفية مارتيني ‪ Martinet‬الذي ط ّور �أمنوذجه الل�ساين من عدة روافد‪� ،‬أهمها‪:‬‬
‫ت�صورات �سو�سري ‪ De Saussurer‬وحلقة براغ‪.‬‬
‫ ‪-‬الل�سانيات النظامية الوظيفية (‪ )Systemic Functional Linguistics‬و�أ�س�س مدر�ستها اللغوي‬
‫الإجنليزي مايكل هاليداي ‪ ،Michael Halliday‬وهذه النظرية حمل الدرا�سة‪.‬‬
‫ ‪-‬نظرية النحو الوظيفي (‪ ،)Functional Grammar‬و�أ�س�س مدر�ستها اللغوي الهولندي �سيمون ِدك‬
‫‪.Simon Dik‬‬
‫ ‪-‬نظرية الدور والإحالة (‪ ،)Role and Reference‬وهي من مقرتحات اللغو َيــني فان فالني وفويل‬
‫‪ Foley‬و ‪.Van Valin‬‬
‫وعلى الرغم من اختالف هذه النظريات الوظيفية فيما بينها اختالف ًا وا�ضح ًا �إال �أنها تتبنى ‪-‬ب�شكل‬
‫عام‪ -‬عدد ًا من املبادئ امل�شرتكة‪ ،‬و�سنعر�ض جلملة من هذه املبادئ مع مقارنتها مبا هو موجود يف االجتاه‬
‫(((‬
‫ال�شكلي زيادة يف الإي�ضاح‪:‬‬
‫‪1-1‬وظيفة اللغة الأ�سا�سية هي التوا�صل‪ ،‬يقول ِدك «الهدف الأ�سا�سي من اللغات الطبيعية هو بناء‬
‫التوا�صل الب�شري» (‪ ،)Dik 1986:21‬فاللغة مك ِّون وظاهرة اجتماعية ومت ّثل الو�سيط الذي ينقل‬
‫الأفكار بني �أفراد املجتمعات‪ ،‬ومركزية هذه الوظيفة جتعلها احلا�ضنة لكل الوظائف الأخرى التي‬
‫ت�ؤديها اللغة كالتعبري عن الفكر وامل�شاعر واملعتقدات (املتوكل ‪ .)21 :2006‬يف الطرف املقابل‪ ،‬جند‬
‫التوليديني يجعلون اللغة يف املقام االول �أداة للتفكري‪ ،‬فا�ستعمال اللغة يف الأ�صل حديث داخلي ُين�شئه‬
‫الفرد مع نف�سه‪ ،‬وهذه اخلا�صية للغة متولدة من اعتقادهم بفطرية اللغة وكونها ع�ضو ًا جيني ًا يولد مع‬
‫الإن�سان وميار�س من خالله التفكري (‪ ،)Chomsky 2002:75: Chomsky 1965:6‬بعبارة �أخرى‪،‬‬
‫التفكري لغة غري منطوقة (جاكندوف ‪ .)153 :2019‬وموقف التوليديني هذا ال يعني �إنكارهم �أن‬
‫التوا�صل لي�س من وظائف اللغة‪ ،‬بل هو كذلك‪ ،‬لكنّ املق�صو َد �أن التوا�صل ال مي ّثل الوظيف َة الأ�سا�سية‬
‫لها‪ ،‬فوظيفة التعبري عن التفكري تعلوها (‪.)Butler and Gonzálvez-García 2014:3‬‬
‫ ‪ 2-‬االهتمام البارز يف البحث يف وظائف اللغة التي تتفرع عن وظيفة التوا�صل‪ ،‬فمث ًال ف ّرق بع�ض‬
‫الوظيفيني بني وظيفة اللغة الفردية و وظيفتها االجتماعية‪ ،‬واقرتح جاكب�سون �ست وظائف للغة بينما‬
‫ح�صرها هاليداي يف ثالث وظائف (بافو و�سرفاتي ‪ ،205-203 :2012‬غلفان ‪.)226 :2013‬‬

‫((( �أفدت يف جمع هذه املبادئ من هذه امل�صادر‪.)Dik 1997 1:3, Butler 2003 1:1-29( :‬‬

‫‪418‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫ ‪ 3-‬جمال البحث يف اللغة هو الك�شف عن القدرة التوا�صلية وخ�صائ�صها‪ ،‬فالتحليل الل�ساين الوظيفي‬
‫‪ -‬كما ي�شري غلفان (‪ -)229 :2010‬ي�سعى �إىل الوقوف على اخل�صائ�ص التي جتعل عملية التوا�صل‬
‫�أمر ًا ممكن ًا‪ .‬ونعني بالقدرة التوا�صلية هنا «ما مي ّكن م�ستعملي اللغة الطبيعية من التوا�صل فيما‬
‫بينهم بوا�سطة العبارات اللغوية» (املتوكل ‪ .)24 :2013‬بعبارة �أخرى‪ ،‬هي مت ُّكن املتكلم من القواعد‬
‫التي تعينه على حتقيق �أهدافه التوا�صلية‪ .‬ويندرج حتت كلمة «القواعد» ‪ :‬القواعد ال�صوتية والنحوية‬
‫والداللية والتداولية (املتوكل ‪)15 :2010‬؛ لذا‪ ،‬يهتم الوظيفيون بدرا�سة الإجناز الفعلي للغة‬
‫ومقا�صده‪ ،‬فمث ًال تقدمي املفعول به «�سيارة» يف نحو «�سيار ًة ا�شرتى حممدٌ» يج ّلي لنا قدرة املتكلم‬
‫التوا�صلية �إذا كانت اجلملة ت�صحيح ًا لعبارة من مثل «ا�شرتى حممد دراج ًة» ‪ ،‬ولكنها قد تعد الحنة‬
‫وظيفي ًا �إذا وردت يف �سياقات �أخرى‪ ،‬مثل �أن تكون �إجابة ل�س�ؤال من مثل‪ :‬ماذا ا�شرتى حممد؟‬
‫على الرغم من �سالمتها تركيبي ًا؛ وال�سبب يف عدها حلن ًا هو �أن املتكلم ال ميلك القدرة والكفاية‬
‫التوا�صلية التي متكنه من نطق هذه اجلملة مبا يالئم الغر�ض التوا�صلي امل�صوغة من �أجله وهو‬
‫ت�صحيح معلومة خاطئة لدى املخاطب �أو ت�أكيدها‪.‬‬
‫يف الطرف املقابل‪ ،‬يقف التوليديون مر ّكزين اهتمامهم على درا�سة املعرفة اللغوية لدى املتكلم‪-‬‬
‫ال�سامع‪ ،‬فمو�ضوع البحث الل�ساين عندهم هو القدرة (املعرفة) اللغوية‪ ،‬وتعني‪ :‬ما ميلكه املتكلم‪-‬ال�سامع‬
‫من قواعد �ضمنية مت ِّكنه من �إنتاج و تاويل ما ال ح�صر له من اجلمل النحوية‪ ،‬فهي معرفة ذهنية ولي�ست‬
‫�إجناز ًا‪ ،‬كون الإجناز قا�صر ًا عن �إعطاء �صورة حقيقية للمعرفة اللغوية‪ ،‬ونلفت النظر هنا على �أن القدرة‬
‫اللغوية هنا هي قدرة نحوية‪ ،‬فال مكان للمعاين التوا�صلية‪/‬الق�صدية داخل النموذج التوليدي على خالف‬
‫ما يعتقده الوظيفيون (‪ ،Chomsky 1965:11‬غلفان ‪ .)43 ،41 :2009‬ومن هنا ف ّرق التوليديون بني‬
‫مفهومي القدرة والإجناز‪ :‬فاالول ي�شري �إىل القدرة اللغوية الكامنة يف الدماغ الب�شري‪ ،‬فهي لغة داخلية‬
‫وهي مو�ضوع البحث الل�ساين‪ ،‬بينما ي�شري املفهوم الثاين �إىل الأداء اللغوي الفعلي لدى الفرد‪ ،‬فهو لغة‬
‫خارجية‪ ،‬هذا التفريق ال نكاد جنده وا�ضح ًا عند الوظيفيني‪ ،‬بل جند منهم من رف�ض هذا التق�سيم مثل‪:‬‬
‫هاليداي (‪ ،Halliday 1978:38‬ولتفا�صيل �أكرث حول هذه الق�ضية ينظر‪.)Butler 2003 1:5 :‬‬
‫‪ 4-4‬نحو‪/‬تركيب اجلملة لي�س مبعزل عن العوامل وال�سياقات املحيطة بها‪� ،‬سواء كانت اجتماعية �أو نف�سية �أو‬
‫ثقافية؛ لذا ف�إن الرتاكيب النحوية ‪-‬كما ي�شري ِدك (‪ )Dik 1997 1:4‬و ماكنزي (‪)Mackenzie 2016:234‬‬
‫‪ -‬ال ميكن فهمها وتف�سريها مبعزل عن العوامل ال�سياقية‪ ،‬وت�أتي هذا اخلا�صية نتيج ًة لتبني الوظيفيني‬
‫الر�أي القا�ضي ب�أن التوا�صل هو وظيفة اللغة الأ�سا�سية‪ ،‬ونذكر هنا مثا ًال للتو�ضيح‪:‬‬

‫‪419‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫أ ‪� -‬شرب حممد �شاي ًا‬


‫ب ‪� -‬شاي ًا �شرب حممد‬
‫فرتتيب مكونات اجلملتني خمتلف‪ ،‬فاجلملة االوىل على تراتبية (فعل فاعل مفعول) بينما اجلملة‬
‫الثانية على تراتبية (مفعول فعل فاعل)‪ ،‬كال الرتتبني ال يحدث اعتباط ًا؛ �إذ مقام كل جملة خمتلف عن‬
‫الآخر‪ ،‬فاجلملة االوىل ت�صلح جواب ًا ل�س�ؤال‪ :‬ماذا �شرب حممد؟ بينما قد تكون اجلملة الثانية رد ًا على‬
‫جملة خربية من مثل «�شرب حممد ماء» ‪ ،‬ف�سياق كل جملة خمتلف عن الآخر‪ ،‬فال ا�ستقالل للرتاكيب‬
‫النحوية عند الوظيفيني‪.‬‬
‫يف املقابل‪ ،‬جند التوليديني ال ي�أبهون بال�سياقات التي تو ّلدت منها اجلمل‪ ،‬فالنحو عندهم م�ستقل عن‬
‫املعنى (‪ ،)Chomsky 1957:17‬وي�ؤكدون على �أن قواعد اللغة متثل «القواعد ال�شكلية التي تت�أ�س�س عليها‬
‫بنية النظام اللغوي والتي ال ميكن و�صفها باوليات وظيفية �أو داللية �أو اجتماعية ‪[ ....‬و] ال ميكن ردّها �إىل‬
‫عوامل �أو اعتبارات خارجية عن النظام اللغوي ذاته» (باقر ‪)20 :2002‬؛ لكونها قواعد �ضمنية مرت�سخة يف‬
‫اللغة الداخلية لدى املتكلم‪ (((.‬نتيجة لهذا‪ ،‬جند تباين ًا يف طبيعة العينة يف جمال الدرا�سة بني االجتاهني‪،‬‬
‫فبينما يتعامل التوليديون ‪-‬يف الأ�سا�س‪ -‬مع ُجمل معزولة غري مرتبطة ب�سياقاتها جند الوظيفيني يهتمون‬
‫بدرا�سة عالقة اجلملة املدرو�سة مبا يحيطها من �سياقات‪ :‬ن�صية كانت �أم غري ن�صية (انظر‪Butler and:‬‬
‫‪ ،)Gonzálvez-García 2014:8‬وي�ؤيد هذه النقطة فاعلية تطبيق النظريات الوظيفية يف جمال حتليل‬
‫اخلطاب والتحليل النقدي للخطاب‪ .‬وقد قاد هذا التباين �إىل اختالف منهجي بني امل�سارين‪ ،‬وهو االعتماد‬
‫على منهجية املدونات �أو املتون اللغوية عند حتليل اللغة‪ :‬فموقف ت�شوم�سكي من املدونات اللغوية معلوم يف‬
‫الأدبيات الل�سانية‪� ،‬إذ ال يراها �أداة فاعلة للتحليل اللغوي‪ ،‬فهي ‪ -‬يف نظره– ال تعك�س حقيقة القدرة‪/‬املعرفة‬
‫نظر �إىل القدرة اللغوية بو�صفها م�صدر ًا‬
‫اللغوية املتمثلة يف الدماغ؛ لكونها تع ّد متثي ًال حمدود ًا للغة‪ ،‬بينما ُي َ‬
‫�إبداعي ًا لإنتاج ما ال ح�صر له من اجلمل النحوية وا�ستحداث تراكيب جديدة‪ ،‬وهذا ما ال ميكن للمدونات‬
‫اللغوية الإحاطة به‪ ،‬فهي عنده مر�آة م�ضللة للقدرة اللغوية لدى الإن�سان (الع�صيمي ‪ .((()134 :2018‬وموقف‬
‫ت�شوم�سكي هذا يختلف كثري ًا عن موقف الوظيفيني الذين يرون �أنه ال ميكن معرفة ال�سياق والعوامل املحيطة‬
‫(( ( هناك نقا�ش طويل حول �أف�ضلية �أحد الر�أيني على الآخر‪ ،‬و لي�س املقام مناق�شة �أدلة كل ر�أي‪ ،‬لكن ميكن االطالع على تفا�صيله‬
‫يف‪( :‬باقر ‪ .)Butler 2003 1:10-15( ،)32-23 :2002‬ملحوظة‪ :‬ال تعني ا�ستقاللية النحو عن العوامل اخلارجة عن النظام‬
‫اللغوي �أنه ال توجد عالقة بني الرتكيب والوظيفة‪ ،‬فت�شوم�سكي نف�سه �ص ّرح بوجود تلك العالقة‪ ،‬وهذا مما ال �شك فيه‪ ،‬ولكن‬
‫املق�صود با�ستقاللية النحو هو �أن ال تكون االعتبارات الوظيفية ‪ -‬كتلك العوامل اخلارجة عن النظام اللغوي‪ -‬لها دور يف تف�سري‬
‫قواعد اللغة وتراكيبها(‪. )Chomsky 1976:56-58‬‬
‫((( ملعرفة املزيد عن موقف ت�شوم�سكي من املدونات اللغوية ينظر‪.)McEnery and Wilson 2008:5-12( :‬‬
‫ جتدر الإ�شارة �إىل �أن بع�ض الدرا�سات التوليدية يف االكت�ساب اللغوي لدى الطفل قد اعتمدت على املدونات اللغوية (�أي‪ :‬الكالم‬
‫املنجز) ب�سبب ا�ستحالة اختبار احلد�س لدى الطفل‪ :‬فال �سبيل �إىل ا�ستك�شاف القدرة اللغوية لديهم‪ ،‬ولكن هذا فيما يظهر يعد‬
‫ا�ستثناء‪( .‬ينظر‪.)McEnery and Hardie 2012:168 :‬‬

‫‪420‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫�إال من خالل لغة منجزة فعلي ًا‪ ،‬وهذه اخلا�صية متمثلة يف منهجية املدونات التي تر�صد حركة اللغات الطبيعية‬
‫وتك�شف عن �سياقاتها الواردة فيها (‪.)Halliday and Matthiessen 2014:51‬‬
‫ ‪ 5-‬تعد التداولية جما ًال �أ�سا�س ًا من جماالت التحليل اللغوي عند الوظيفيني‪ ،‬بل ي�صف بع�ضهم االجتاه‬
‫الوظيفي بكونه ذا منظور ت ــداويل كما هو احل ــال يف «�أفعال الكالم» عند �سريل ‪ Searle‬و‬
‫«اال�ستـ ــلزام احلــواري» عند قراي�س ‪ .)Valin 2001:322( Grice‬وهذه العالقة بني التداولية‬
‫واالجتاه الوظيفي ميكن �إدراكها منطقي ًا من خالل اعتبار التوا�صل وظيفة اللغة الأ�سا�سية ‪ -‬كما‬
‫�أ�شرنا �سابق ًا‪ ،-‬والركيزة الأ�سا�سية للتداولية هي ر�صد خ�صائ�ص التوا�صل يف اللغة حال ا�ستعمالها‪.‬‬
‫هذا االت�ساق بني املفهومني ال اعتبار له عند التوليديني؛ �إذ ال جند للتداولية مو�ضع ًا يف مناذجهم‬
‫التحليلية نتيج ًة ملوقفهم من الظاهرة اللغوية‪ ،‬فاللغة عندهم معرفة م�ستقرة يف ذهن املتكلم‪-‬‬
‫ال�سامع املثايل وال ت�أثري للعوامل ال�سياقية يف تف�سري الظواهر اللغوية‪ ،‬وهذا يتعار�ض مع مفهوم‬
‫ً (((‬
‫التداولية التي تنظر �إىل اللغة بو�صفها ا�ستعما ًال و�سياقا‪.‬‬
‫خال�صة القول‪� ،‬إن االجتاه الوظيفي يعتمد كثري ًا يف بناء مبادئه على «التوا�صل» بو�صفه اخلا�صية‬
‫الأ�سا�سية للغة‪ ،‬وتدور هذه املبادئ يف فلك هذه اخلا�صية‪ :‬فالقدرة توا�صلية‪ ،‬والبنى الرتكيبية للغة‬
‫وخ�صائ�صها ترتبط ارتباط ًا وثيق ًا مبا يحيط بعملية التوا�صل من ظروف وعوامل‪ ،‬بينما يقف االجتاه‬
‫التوليدي عك�س هذا االجتاه‪ :‬فاللغة عندهم قدرة معرفية‪/‬ذهنية تتمحور وظيفتها حول الفكر‪ ،‬وال ترتبط‬
‫خ�صائ�ص اللغة وبنيتها بالأغرا�ض وال�سياقات التوا�صلية‪.‬‬
‫‪2 .2‬النظرية النظامية الوظيفية‪:‬‬
‫�أ�س�س لهذه النظرية و�أر�سى دعائمها اللغوي الربيطاين مايكل هاليداي (‪)Micheal Halliday‬‬
‫مت�أثر ًا ب�شكل رئي�سي ب�أفكار �أ�ستاذه اللغوي فريث ‪ Firth‬بالإ�ضافة �إىل �أعمال لغويي مدر�سة براغ اللغوية‬
‫و�أفكار الأنرثوبولوجي مالينوف�سكي ‪ .)Halliday 1978:5( Malinowski‬وت�ش ِّكل املقاربة الوظيفية للغة‬
‫الإطار العام الذي يحت�ضن النظرية النظامية الوظيفية‪ ،‬وتُعنى هذه املقاربة عند هاليداي (‪Halliday‬‬
‫‪ )1973:7‬بالبحث والتنقيب عن الطريقة التي ت�ستخدم فيها اللغة‪ ،‬وهذا يعني �أنْ يهدف البحث اللغوي‬
‫�إىل ا�ستك�شاف الأغرا�ض التي يروم املتكلمون �إىل حتقيقها وحماولة تف�سري اخل�صائ�ص الرتكيبية للغة من‬
‫(((‬
‫خالل اال�ستخدام الواقعي للغة‪ .‬وقد �أ�س�س هاليداي هذه النظرية على عدد من املبادئ‪:‬‬

‫(( ( ي�شري املتوكل (‪� )35-34 :2010‬إىل �أنه يف مراحل تالية من تطور النظرية التوليدية �أ�صبح للتداولية موقع ًا يف النموذج‬
‫التوليدي �ضمن �إطار املكون الداليل‪ ،‬لكن القواعد التوليدية عندهم ال تقوم �إال بدور تاويلي للبنيات الرتكيبية �أي‪ :‬ال دور لها يف‬
‫حتديد اخل�صائ�ص الرتكيبية‪ ،‬و هذا يختلف متام ًا عن مبادئ النظريات الوظيفية‪.‬‬
‫((( اعتمدت يف ر�صد هذه املبادئ ب�شكل رئي�سي على امل�صادر الآتية‪( :‬نحلة ‪(Butler 2003 1:153-161) ،)75-47 :2001‬‬
‫)‪ ،)Halliday and Mattheissen 2014:3-57‬عند ذكر �أي �إ�ضافة من مواطن �أخرى �سي�شار �إىل م�صادرها يف املنت‪.‬‬

‫‪421‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫‪ 1-1‬اللغة ‪-‬عنده‪ -‬نظام من العالمات االجتماعية ومك ِّون �أ�سا�سي يف تركيبة املجتمع و�سلوكه‪ ،‬ويحمل‬
‫هذا املك ِّون يف طياته املعاين امل�شرتكة بني �أفراد املجتمع؛ لذا يركز هاليداي على درا�سة اللغة من‬
‫جهة كونها �أداة للتوا�صل االجتماعي؛ فالنظرية اللغوية ‪-‬عنده‪ -‬يجب �أن تك�شف عن وظائف التوا�صل‬
‫االجتماعي والثقايف‪ ،‬وهذا يكون عن طريق درا�سة اللغة يف حميطها االجتماعي ولي�س مبعزل عنه‬
‫(‪ .)Butler 2003 1:44-45; Halliday 1978:1-2‬وتف�ضيل هاليداي لدرا�سة الوجهة االجتماعية‬
‫للغة ال يعني نبذه لالجتاهات الأخرى يف درا�سة اللغة‪� ،‬إمنا هو تف�ضيل انبثق من ر�ؤيته �إىل الوظيفة‬
‫الأ�سا�سية للغة‪.‬‬
‫‪ 2-2‬املعنى وا�ستك�شاف �سماته والوظائف التي تنبثق منه هو الهدف الأ�سمى لهذه النظرية‪ ،‬فاللغة بقواعدها‬
‫هي امل�صدر الأ�سا�سي ل�صناعة املعنى و�إنتاجه‪ ،‬وقواعد اللغة يجب تف�سريها من خالل ربطها باملعاين‬
‫التي ت�ؤديها‪ .‬وقد �أ ّكد هاليداي على �أن نظريته لي�ست نظرية لدرا�سة الرتاكيب بنيوي ًا من حيث الهدف‬
‫والغاية؛ لذا جنده يرف�ض اعتباطية العالقة بني الرتكيب واملعنى خمالف ًا يف هذا التوليديني الذين‬
‫يعتقدون با�ستقاللية الرتكيب عن الداللة ‪ -‬كما �أ�شرنا �سابق ًا‪-‬؛ �إذ �إن قواعد اللغة بت�صنيفاتها املختلفة‬
‫تت�شكل من خالل املعاين التي يعرب عنها �أفراد املجتمع‪ ،‬فتنظيم عنا�صر اللغة الرتكيبية مرتبط ارتباط ًا‬
‫معان؛ ولهذا تو�صف هذه النظرية ب�أنها م�ؤ�س�سة داللي ًا‪.‬‬
‫وثيق ًا مبا حتمله من ٍ‬
‫‪ 3-3‬النحو قائم على مبد�أ االختيار (‪ ،)choice‬فاملتكلم يتعامل مع نظام �أو �شبكة من الأنظمة (‪system‬‬
‫‪ )networks‬التي تتيح له جمموعة من اخليارات املرتبطة بالأعراف اللغوية واالجتماعية والثقافية‬
‫فيختار منها ما ي ـ ـنـ ــا�سب امل ـق ــام‪ ،‬ومـ ــبد�أ االخ ـ ـت ـ ـ ــيار مي ّثل رك ـ ـ ـ ــيزة �أ�سا�سية يف الن ـ ـظ ـ ــرية‬
‫الن ـ ـظ ـ ـ ــامية الوظ ـيـ ـفـ ــية �إن مل ي ـ ـ ـ ـ ــكن �أهمـ ـ ـ ــها(‪ . )Berry 1975 1:61‬وي�شري هاليداي (‪1978:9‬‬
‫‪� ) Halliday‬إىل �أن االختيار لي�س بال�ضرورة �أن يكون بوعي من املتكلم‪ ،‬فالعملية الذهنية امل�صاحبة‬
‫لعملية �إنتاج الكالم معقدة جد ًا‪ .‬ومما يتعلق مببد�أ االختيار مفهوم يرتدد كثري ًا يف �أدبيات النظرية وهو‬
‫مفهوم املعاين الكامنة (‪ ((()meaning potential‬الذي يعني ذلك ال�سلوك اللغوي الكامن (ولي�س‬
‫الفعلي) الذي ي�شري �إىل ما ميكن فعله (�أي‪ :‬اختياره)‪� ،‬أي‪ :‬هناك قائمة من الإمكانات واالحتماالت‬
‫ف�ضلت النظرية النظامية املنهج اال�ستبدايل‪/‬االختياري‬ ‫يف اللغة متاحة لالختيار واالنتقاء‪ ،‬ومن هنا ّ‬
‫(‪ )paradigmatic‬يف التحليل اللغوي‪ ،‬وي�ستند هذا املنهج على مبد�أ �إتاحة ا�ستبدال عن�صر ب�آخر‬
‫(((‬
‫ومتثيل ذلك على هيئة �شبكة من الأنظمة ت�ص ّور العالقات بني العنا�صر املتاحة لالختيار‪.‬‬

‫(( ( يع ّرف هاليداي (‪ )Halliday 1973:72‬مفهوم «املعاين الكامنة» مبجموعات من اخليارات �أو املعاين املتاحة للمتكلم وال�سامع‬
‫من خالل النظام اللغوي‪.‬‬
‫((( �أفاد هاليداي هذا املنهج من �أ�ستاذه ‪ .)Butler 2003 1:156) Firth‬وي�ؤكد هاليداي وماتي�سني (‪Halliday and‬‬
‫‪ )Matthiessen 2014:56‬على �أن النظرية النظامية قد تف ّردت بهذا املنهج و�أنها تتم ّيز به عن بقية النظريات الوظيفية التي‬
‫تف�ضل املنهج الأفقي (‪ )syntagmatic‬الذي يحلل الوحدات اللغوية على �شكل �سل�سلة متتابعة ومرتبطة ببع�ض‪ ،‬مثل‪ :‬حتليل‬ ‫ّ‬
‫املتالزمات اللفظية على امل�ستوى املعجمي وحتليل املكونات املبا�شرة على امل�ستوى النحوي‪.‬‬

‫‪422‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫‪ 4-4‬النظرية الوظيفية النظامية جتعل من الن�ص ركيزة �أ�سا�سية للدر�س الل�ساين‪ ،‬فاللغة ينبغي �أن ينظر‬
‫�إليها من خالل ن�ص متكامل ال من خالل جمموعات من اجلمل املنف�صلة‪ .‬ويع ّرف هاليداي الن�ص‬
‫ب�أنه هو كل منطوق �أو مكتوب يحمل بني طياته معنى‪ ،‬والن�ص هو املنتج �أو املخ َرج لعملية االختيار‬
‫من العنا�صر املتمثلة يف �شبكة الأنظمة التي ميكن �أن ينظر �إليها بو�صفها البنية العميقة ملا يتحقق‬
‫فعلي ًا يف الن�ص‪ .‬وقد �أ�شار هاليداي �إىل �أن هذه اخلا�صية مت ّيز نظريته عن النظريات الوظيفية‬
‫الأخرى؛ ونتيجة لهذا االهتمام بالن�ص جند املتخ�ص�صني يف التحليل النقدي للخطاب يف�ضلون‬
‫النظرية النظامية على غريها من النظريات يف درا�ساتهم التحليلية للخطاب (;‪Hart 2013:6‬‬
‫‪ ،)Fairclough 2003:5‬فمث ًال‪ ،‬بينما تهتم النظرية النظامية الوظيفية بر�صد االختيارات املتاحة‬
‫للمتكلم يف النظام اللغوي وحتققها يف الن�ص‪ ،‬تبحث مناهج التحليل النقدي للخطاب يف البحث يف‬
‫الأفكار واملعتقدات التي تقف خلف تلك االختيارات وحتاول تف�سريها (‪.)Hart 2013:20‬‬
‫‪ 5-5‬يحتل ال�سياق مكانة مهمة يف النظرية النظامية الوظيفية‪� ،‬إذ �إن اللغة ‪-‬املتمثلة يف ن�ص‪ -‬ال ميكن‬
‫فهمها وتف�سري وظائفها �إال من خالل ا�ستجالء �سياقاتها االجتماعية والثقافية‪ ،‬وت�أتي �أهمية ال�سياق‬
‫�أي�ض ًا من حيث كون الن�ص يولد داخل �سياق معني فيحيط به ويحت�ضنه‪ .‬وقد حدد هاليداي ثالثة �أبعاد‬
‫تعي جميع ًا �سياق الن�ص وهي‪�( :‬أ) املجال (‪ )field‬ويق�صد به مو�ضوع الن�ص وجماله وطبيعة الن�شاط‬ ‫ّ‬
‫االجتماعي املحيط بالن�ص‪( ،‬ب) نوع امل�شاركة(‪ )tenor‬واملراد به طبيعة العالقة بني امل�شاركني‬
‫و�أدوارهم االجتماعية‪( ،‬ت) ال�صيغة (‪ )mode‬وهي الو�سيلة التي يتحقق من خاللها الن�ص‪.‬‬
‫هذه هي �أهم مبادئ النظرية النظامية الوظيفية‪ ،‬بقي �أن ن�شري هنا �إىل النموذج الذي يتبناه �أ�صحاب‬
‫هذه النظرية والذي ُيت�ص َّور من خالله �أن للغة خم�س طبقات‪ /‬م�ستويات ت�ش ّكل بناء هرمي ًا‪ ،‬وي�ؤكد هاليداي‬
‫وماتي�سني (‪ )Halliday and Matthiessen 2014:25‬على �أن هذا النموذج (البناء الهرمي) هو الأداة‬
‫التي نعتمد عليها يف تف�سري اخل�صائ�ص اللغوية‪ ،‬والطبقات اخلم�سة من الأعلى �إىل الأدنى هي‪ :‬ال�سياق‬
‫والداللة وال�صياغه اللغوية‪ ،‬وال�صواتة واملادة ال�صوتية‪.‬‬
‫(((‬
‫وفيما يلي �شرح خمت�صر لكل طبقة‪:‬‬
‫ال�سياق‪ :‬يع ّد طبقة خارجية ت�شرف على الطبقات الداخلية التي تدنوه‪ ،‬وله ت�أثري عليها؛ �إذ مي ّثل املعرب‬
‫بينها وبني الظواهر غري اللغوية‪.‬‬

‫((( اعتمدت يف �شرح هذه الطبقات على املراجع االجنليزية الآتية‪:‬‬


‫ (‪,)Butler 2003 1:166-168، Bardi 2008:20-40، Halliday and Matthiessen 2014:24-31‬‬
‫ومن املراجع العربية‪( :‬نحلة ‪.)140-133 ،87-86 :2009‬‬ ‫ ‬

‫‪423‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫الداللة‪ :‬تهتم باملعنى ب�شتى �أنواعه ال�شكلية وال�سياقية وبالوظائف التي ت�ؤديها اللغة وحماولة الك�شف‬
‫عن خ�صائ�صها‪ ،‬والوظائف الرئي�سية للغة عند هاليداي ثالثة‪ :‬الوظيفة الفكرية والوظيفة التبادلية‬
‫والوظيفة الن�صية‪ .‬وهذه الوظائف هي �إحدى خ�صائ�ص النظرية النظامية وحتتل مركز ًا �أ�سا�سي ًا كونها‬
‫تعب عن الن�شاط االجتماعي ومتطلباته‪ ،‬فالوظيفة الفكرية تعنى‬ ‫تت�صل ات�صا ًال وثيق ًا بطبيعة اللغة التي ّ‬
‫يعب من خالل هذه الوظيفة عن الأحداث‬ ‫بعالقة املتكلم بالعامل اخلارجي والداخلي وخربته فيهما؛ لذا ّ‬
‫وامل�شاركني يف �إجنازها والأحوال املحيطة بها‪� ،‬أما الوظيفة التبادلية فتعنى بالعالقة االجتماعية بني‬
‫يعب املتكلم عن دوره يف عملية التخاطب وعن موقفه من‬ ‫املتكلم وخماطبيه‪ ،‬فمن خالل هذه الوظيفة ّ‬
‫حيث القبول �أو الرف�ض �أو الرتجيح ‪� ،‬أما الوظيفة الن�صية فتعنى بتنظيم املكونات والوظائف داخل الن�ص‬
‫و�إخراجها يف بناء متما�سك ‪ ،‬ويجدر التنبيه �أن هذه الوظائف تتفاعل مع مكونات اجلملة ب�شكل متوازي‪،‬‬
‫مبعنى �أن املكون الواحد قد يقوم بالوظائف الثالثة يف �آن واحد‪ ،‬فالعالقة بني الوظائف لي�س هرمية كما‬
‫هو ال�ش�أن يف الطبقات‪.‬‬
‫ال�صياغة اللغوية‪ :‬تهتم هذه الطبقة بنقل املعنى �إىل كلمات‪ ،‬وت�شمل هذه الطبقة الرتكيب (النحو‬
‫وال�صرف) واملعجم بو�صفهما كتلة واحدة‪ ،‬فاللغة ت�صاغ من مفردات معجمية وتراكيب‪ ،‬فال غنى لأحدهما‬
‫عن الأخرى؛ لذا مي ّثل لهما يف �شبكة نظام واحدة عند التحليل (‪.)Tucker 1998:4‬‬
‫ال�صواتة �أو الت�شكيل ال�صوتي‪ :‬وهي طبقة حتدد اخل�صا�ص ال�صوتية الوظيفية للغة من حيث املقاطع‬
‫والنرب والتنغيم‪ ،‬وت�ستبدل هذه ال�صواتة باخلطاطة يف حال كان الن�ص مكتوب ًا‪.‬‬
‫املادة ال�صوتية‪ :‬وهي طبقة تعر�ض للطبيعة اجلوهرية للأ�صوات دون ربطها ب�سياق لغة معينة ودون‬
‫النظر �إىل ت�شكالتها الوظيفية‪.‬‬
‫وهذه الطبقات اخلم�سة لي�ست البعد الوحيد التي مي ّثل الإطار النظري لدرا�سة اللغة؛ �إذ تتفاعل معه‬
‫�أبعاد �أخرى‪ ،‬منها‪:‬‬
‫�أ ‪ -‬الرتبة‪ :‬وتُعنى برتتيب الوحدات النحوية ترتيب ًا تتابعي ّا على هذا النمط‪ :‬اجلملة ثم ال�ضميمة ثم الكلمة‬
‫ثم الوحدة ال�صرفية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬املحور‪ :‬وهما حموران‪ :‬الأفقي (‪ )syntagmatic‬والر�أ�سي (‪ ،)paradigmatic‬ووظيفة املحور االول‬
‫تنظيم املكونات تركيبي ًا وتتابعي ًا‪ ،‬بينما يعنى املحور الثاين بالوظيفة اال�ستبدالية وعر�ض اخليارات‬
‫املتاحة يف �شبكة النظام‪ ،‬والعالقة بني املحورين عالقة حتقق (‪� ،)realization‬أي‪ :‬ما ت�صوره �شبكة‬
‫النظام جتريدي ًا يتحقق مادي ًا (منطوق ًا �أو مكتوب ًا) يف �صورة تركيب‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬التمثيل‪/‬التحقيق‪ :‬و ُيعنى بالن�ص بو�صفه منوذج ًا ُمث ًال للنظام اللغوي املجرد‪.‬‬
‫(((‬
‫د ‪ -‬مدى التف�صيل‪ :‬ويعنى ببيان عالقة الأنظمة بع�ضها ببع�ض‪.‬‬
‫((( تنظر تفا�صيل هذه الأبعاد يف‪ )Halliday and Mattheissein 2014: 20-31( :‬و (نحلة ‪.)111-88 :2009‬‬

‫‪424‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫‪3 .3‬التداولية‪ :‬املفهوم واملبادئ‪:‬‬


‫االجتاه التداويل ‪ -‬ويقال له التلفظي‪ -‬ميثل �أحد االجتاهات الل�سانيات الكربى؛ �إذ تقف جنب ًا �إىل‬
‫جنب مع االجتاه البنيوي واالجتاه التوليدي (غلفان ‪ .)51 :2010‬وم�صطلح «التداولية» هي املفردة العربية‬
‫التي ت�ستخدم يف مقابل الكلمة الإجنليزية ‪ ،Pragmatics‬وقد ا�ستخدمت مقابالت �أخرى غري التداولية‬
‫مثل‪ :‬الرباغماتية والنفعية والذرائعية وال�سياقية وعلم املقا�صد‪ ،‬ولكن ُكتب مل�صطلح التداولية ال�شيوع بني‬
‫(((‬
‫املهتمني بال�ش�أن الل�ساين العربي (خامت ‪.)13 :2016‬‬
‫وتع ّرف التداولية ب�أنها درا�سة اللغة يف اال�ستعمال (‪ ،Huang 2007:2‬نحلة ‪� )18 :2011‬أو علم‬
‫اال�ستعمال اللغوي (�صحراوي ‪ .)17 :2005‬وقد اجتهد الل�سانيون يف �إيراد تعريفات متعددة ومتنوعة‬
‫ملفهوم التداولية‪ ،‬ولكنها يف حقيقة الأمر تن�ضوي مبجملها حتت مظلة «اال�ستعمال اللغوي»‪ ،‬ومن بني هذه‬
‫التعريفات ما يقرر �أن التداولية هي درا�سة مقا�صد الكالم وكيفية تاويلها‪ ،‬ومنها ما ي�شري �إىل �أنها درا�سة‬
‫املعنى ال�سياقي‪ ،‬ومنها ما يقرر �أنها درا�سة العالقة بني العبارات اللغوية وم�ستخدميها (يول ‪-19 :2010‬‬
‫‪ ،20‬خامت ‪ .)18-15 :2016‬نلفت انتباه القارئ هنا �إىل �أن درا�سة اال�ستعمال اللغوي مت ِّثــل اجتاه ًا ل�ساني ًا‬
‫مغاير ًا لالجتاه الذي يعنى بدرا�سة النظام اللغوي املجرد وهو االجتاه الذي تبنته الل�سانيات البنيوية‬
‫(خامت ‪.)18 ،15 :2016‬‬
‫والتداولية من حيث الن�ش�أة مل تكن من جماالت البحث الل�ساين‪ ،‬فقد ن�ش�أت وترعرعت يف مناخ‬
‫فل�سفي؛ �إذ كانت «بداياتها تنتمي �إىل �سل�سلة من الأ�سئلة الفل�سفية» (بافو و�سرفاتي ‪ .)349 :2012‬ويع ّد‬
‫اهتم رواد هذا التيار بالبحث عن اللغة‬‫تيار الفل�سفة التحليلية هو احلا�ضنة الأ�سا�سية للتداولية(((؛ �إذ ّ‬
‫والتع ّمق يف مباحثها؛ فهي (�أي‪ :‬اللغة) مت ِّثــل الأداة التي ت�ساعد الإن�سان يف فهم ذاته والعامل من حوله‬
‫(�صحراوي ‪ .)22-17 :2005‬وكانت او�آخر العقد الرابع من القرن الع�شرين مت ِّثــل نقطة تاريخية مهمة؛‬
‫�إذ برز خاللها م�صطلح التداولية بو�صفه م�ستوى من امل�ستويات الل�سانية‪ ،‬وذلك عندما حتدث الفيل�سوف‬
‫موري�س عن م�ستويات البحث ال�سيميائي (علم العالمات) الثالثة‪ :‬الرتكيب والداللة والتداولية‪ ،‬جاع ًال‬
‫امل�ستوى االول يخت�ص بدرا�سة العالقة بني مكونات اجلملة‪ ،‬والثاين بدرا�سة العالقة بني الكلمات وما حتيل‬
‫�إليه بينما يعنى الثالث بدرا�سة العالقة بني العبارات وم�ستعمليها ومف�سريها‪� ،‬أي بعبارة �أخرى‪ :‬درا�سة‬
‫ا�ستعمال اللغة (نحلة ‪ ،9 :2011‬غلفان ‪.)45 :2010‬‬
‫(( ( ي�شري املي�ساوي (‪� )113-95 :2013‬إىل �أن هذا التنوع يف ترجمة م�صطلح ‪ pragmatics‬ن�ش�أ من عدة �أ�سباب بع�ضها معريف وبع�ضها‬
‫تعب عن جانب �أو جوانب من تكوين املفهوم يف ل�سانه الأ�صلي‪.‬‬‫ل�ساين وبع�ضها �سياقي و�أن جميع امل�صطلحات املذكورة �إمنا ّ‬
‫((( الفل�سفة التحليلية هي اجتاه فل�سفي ظهر كر ّد فعل �ضد النزعات املثالية يف الفل�سفة‪ ،‬وترتكز الفل�سفة التحليلية �أ�سا�س ًا على‬
‫التحليل املنطقي للغة‪ ،‬ويرى متبنوها �أن هذا هو العمل الأ�سا�سي للفل�سفة‪ ،‬ومن �أ�شهر روادها برتراند را�سل‪( .‬ينظر‪ :‬ح�سيبة‬
‫‪.)444-443 :2009‬‬

‫‪425‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫ويف الإطار نف�سه‪� ،‬أ�سهمت جهود الفيل�سوف الدمناركي فيتنج�شتاين ‪ Wittgenstein‬يف ت�أ�سي�س‬
‫مفهوم التداولية يف الل�سانيات‪ ،‬وذلك من خالل �إدخاله ملفهوم الق�صد عند البحث يف ا�ستعماالت اللغة‬
‫املختلفة (الدخ ّيل ‪ ،)35 :2014‬فاللغة عنده «و�سيلة حيوية وفعالة نلج�أ �إليها للتعبري عن فكرنا يف �سياقات‬
‫خمتلفة» (خامت ‪ ،)37 :2016‬وقد �أ�س�س فيتنج�ش ـ ــتاين حينئذ التيـ ــار الفل�سفي امل�سمى بـ «فل�سفة اللغة‬
‫العادية» (‪ )ordinary language philosophy‬الذي ينظر �إىل اللغة بو�صفها املفتاح ال�سحري لفتح‬
‫مغاليق الفل�سفة‪ ،‬ويرى �أن كثري ًا من امل�شكالت الفل�سفية ال ميكن حلها �إال بالبحث يف الكيفية التي ت�ستعمل‬
‫بها اللغة؛ لذا ميثل اجلانب اال�ستعمايل للغة املرتكز وامل�صدر التي ت�ستقي منه هذه الفل�سف ُة فر�ضياتـ ِــها‬
‫(�صحراوي ‪ ،23 :2005‬خامت ‪ (((.)36 :2016‬ومل تكت�سب التداولية مكانتها املركزية يف البحث الل�ساين‬
‫�إال يف العقد ال�سابع على يد رواد فال�سفة اوك�سفورد‪ :‬او�سنت و قراي�س و�سريل الذين اتخذوا من فل�سفة‬
‫اللغة العادية �إطار ًا لهم بنوا من خالله نظرياتهم واجتاهاتهم التداولية‪ ،‬وقد �سعوا �إىل التعمق يف اللغة‬
‫التي ي�ستخدمها النا�س يف حياتهم اليومية ودرا�سة �سياقاتها وحتليل الظواهر الناجتة عن اال�ستعمال‬
‫(كاال�ستلزام احلواري وم�ضمرات القول و�أفعال الكالم)‪ ،‬وحر�صوا على االبتعاد عن التحليالت املثالية‬
‫التي تر�سخت يف الفل�سفة لعقود (خامت ‪ ،)42-38 :2016‬وتعد هذه هي املرحلة الأهم؛ �إذ اوجدت للتداولية‬
‫مكان ًا بارز ًا يف البحث الل�ساين وجعلتها عمود ًا من �أعمدة الل�سانيات بعد �أن كانت تو�صف لعقود �سابقة بـ‬
‫(((‬
‫«�سلة مهمالت الل�سانيات» (خامت ‪.)15 :2016‬‬
‫وتهتم التداولية ‪-‬ب�شكل �أ�سا�سي‪ -‬بدرا�سة اال�ستعمال اللغوي‪ ،‬والك�شف عن املعاين التي حتملها البنى‬
‫الرتكيبية واملكونات الداللية يف �إطار ال�سياق‪ ،‬وتهتم كذلك بدرا�سة اوجه التخاطب وحتليل وجوه اال�ستالل‬
‫يف عملية التوا�صل (نحلة ‪ ،14 :2011‬الدخ ّيل ‪ ،)25 :2014‬و ي�شري يول (‪� )20 :2010‬إىل �أن التداولية‬
‫متتاز بكونها متكننا من التحدث عن مقا�صد «النا�س وعن افرتا�ضاتهم و�أهدافهم وما ي�صبون �إليه و�أنواع‬
‫الأفعال التي ي�ؤدونها �أثناء تكلمهم»‪.‬‬
‫ومن النقاط املهمة التي ينبغي الإ�شارة �إليها ق�ضي ُة التداخل بني التداولية وعلم الداللة؛ �إذ كالهما ي�شرتكان‬
‫يف االهتمام باملعنى‪ ،‬ولكن الفرق الدقيق بينهما هو �أن الداللة تعنى ب�إي�ضاح معاين املفردات والرتاكيب‬
‫يف اجلملة جمردة عن اال�ستخدام الفعلي (�أي‪ :‬من غري ربط ذلك بال�سياق)‪ ،‬بينما تعنى التداولية ببناء‬
‫(( ( هناك اجتاهان ميثالن طريقة التعاطي الفل�سفي مع اللغة ‪ -1 :‬فل�سفة اللغة املثالية‪ :‬و تهتم بدرا�سة النظام املنطقي والبنية‬
‫ال�صورية للغة‪ ،‬ومن روادها فريجة و را�سل‪ -2 ،‬فل�سفة اللغة العادية وهي تعنى بالبحث يف اللغة الطبيعية كما ت�ستخدم من‬
‫ِقبل متحدثيها مع االهتمام بالتنقيب عن الوظائف التوا�صلية للغة‪ ،‬وهذا يف نظرهم هي مهمة الفل�سفة احلقيقية‪ ،‬ومن روادها‬
‫فيتنج�شتاين واو�سنت و�سريل )‪ ،(Haung 2007:3‬وينظر �أي�ض ًا ملزيد من التف�صيل �إىل‪ :‬بغورة ‪.)104-101 :2005‬‬
‫((( جاء يف القامو�س املو�سوعي للتداولية (‪« )28 :2010‬قد كانت النزعة يف ال�ستينات [من القرن املا�ضي] متيل �إىل تعريف‬
‫التداولية على �أنها �سلة مهمالت الل�سانيات‪ ،‬هي مقولة تعني �أن مهمة التداولية �إيجاد حل جلميع الق�ضايا التي مل تعاجلها‬
‫الل�سانيات»‪.‬‬

‫‪426‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫ج�سر بني م�ضمون اجلملة الداليل وال�سياق مبا ي�شمله من متحدث وم�ستمع وبيئة حميطة باحلدث الكالم‬
‫(‪ ،)Palmer 1995:8 ،Leech 1983:6‬بعبارة �أخرى‪ ،‬املعنى ‪-‬من وجهة نظر تداولية‪ -‬هو ما ّ‬
‫يعب به‬
‫املتكلم ويق�صده ويف�سره ال�سامع (يول ‪.)19 :2010‬‬
‫وجتدر الإ�شارة �إىل �أن التداولية حقل ل�ساين مرن ومتعدد الزوايا وال ينتمي ‪-‬على حد تعبري نحلة‬
‫(‪� -)10 :2001‬إىل � ٍّأي من م�ستويات الدر�س اللغوي‪ :‬ال�صوتي وال�صريف والرتكيبي والداليل‪ ،‬بل يعد هذا‬
‫ُ‬
‫احلقل ف�ضا ًء ميكنه �أن يحت�ضن تلك امل�ستويات جميعها؛ ونتيجة لذلك‪ ،‬جند التداولية تتداخل مع حقول‬
‫معرفية �أخرى �أ�سهمت يف �إغناء مفاهيمها وفر�ضياتها‪ ،‬ف�أ�صبحت ملتقى لعدد من التخ�ص�صات وجماالت‬
‫الدر�س الل�ساين‪ ،‬مثل‪ :‬علم اللغة النف�سي والإدراكي وعلم اللغة االجتماعي وحتليل اخلطاب واحلجاج‬
‫(نحلة ‪ ،11-10 :2011‬خامت ‪.)19 :2016‬‬
‫يف الأ�سطر التالية‪� ،‬سن�سلط ال�ضوء حول طبيعة العالقة بني التداولية والنظرية النظامية الوظيفية‪،‬‬
‫عبت هذه النظرية عن املفاهيم التداولية مع التمثيل لذلك ب�أمثلة من اللغة العربية �إن‬‫و�سنناق�ش كيف ّ‬
‫ا�ستدعى املقام ذلك‪.‬‬
‫‪4 .4‬البعد التداولي يف النظرية النظامية الوظيفية‪:‬‬
‫بداية‪ ،‬او ّد �أن �أ�شري �إىل ما �أ�شرت �إليه يف مقدمة هذا البحث �إىل �أن النظرية النظامية الوظيفية مل‬
‫جتعل للم�ستوى التداويل طبقة م�ستقلة على عك�س ما هو احلال مع ال�سـ ـ ــياق وال ـ ــداللة وال�صياغة اللغوية‬
‫وال�صواتة التي ُخ ّ�ص�ص لكل منها م�سـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــوى وطب ـ ــقة م�س ـ ـتـ ـ ـق ـلـ ــة يف الن ـ ـم ـ ــوذج التــحل ــيلي ل ــبنية‬
‫الل ـ ــغة‪ .‬وقد �ص ـ ـ ّرح هـ ــال ـ ـي ـ ــداي ومات ـي ــ�سني(‪ )Halliday and Matthiessen 1999:12‬بذلك حني‬
‫قاال «[�إنه] ال وجود �إىل مك ِّون منف�صل للتداولية �ضمن �إطارهم التف�سريي [للغة]» ‪ ،‬فالتداولية ‪ -‬عندهم‪-‬‬
‫ال متثل وجود ًا �صريح ًا وظاهر ًا على خالف ما هو موجود يف بع�ض النظريات الوظيفية‪ ،‬مثل‪ :‬نظرية‬
‫النحو الوظيفي(‪ )Functional Grammar‬التي ت�ش ّكل التداولية فيها بعد ًا مركزي ًا ال ّ‬
‫تنفك عنه‪ ،‬بل تع ّد‬
‫التداولي ُة البعدَ الأكرث �أهمية والأعلى مرتبة من امل�ستويني الداليل والرتكيبي ‪ ،‬ونظرية نحو الأدوار والإحالة‬
‫(‪ )Role and Reference Grammar‬التي ي�ؤكد �أ�صحابها على مركزية التداولية يف منوذجها التف�سريي‬
‫للغة (‪ .)Butler 2003 1:37, 43‬فهل يعني هذا جتاهل �أ�صحاب هذه النظرية النظامية الوظيفية للعن�صر‬
‫التداويل؟ �أجاب باتلر (‪ )Butler 2003 1:200‬عن هذا ال�س�ؤال �إجابة عامة حني �أ�شار �إىل �أنه على الرغم‬
‫من رف�ض �أ�صحاب النظرية النظامية ملبد�أ ا�ستقاللية التداولية �إال �أن تطبيقات النظرية تربهن على وجود‬
‫ظواهر تداولية مماثلة ملا عده ِدك يف نظرية النحو الوظيفي و�أ�سماه ب ــ«الكفاية التداولية»‪ ،‬فهو ين ّبه هنا‬
‫على �أن التداولية لها وجود يف ثنايا حتليالت النظرية النظامية الوظيفية التطبيقية و�إن مل ُي َ�شر �إىل ذلك‬

‫‪427‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫ت�صريح ًا من ِقبل �أ�صحاب النظرية‪ .‬وي�ؤيد هذا دليل عقلي ن�ستنبطه من طبيعة العالقة بني التداولية‬
‫واالجتاه الوظيفي يف الل�سانيات التي ت�ؤكد على وجود ات�ساق وتناغم بينهما ‪ -‬كما �أ�شرنا �سابق ًا‪ ،-‬والنظرية‬
‫النظامية هي نظرية وظيفية بالدرجة االوىل وت�أثرت باملدار�س الوظيفية التي �سبقتها‪ ،‬مثل‪ :‬حلقة براغ‬
‫ومدر�سة فريث ال�سياقية‪ ،‬فمن املنطقي �أن تتعاطى مع املفاهيم والأغرا�ض التداولية و�إن كان ذلك ب�شكل‬
‫غري مبا�شر‪ .‬والذي يظهر يل �أن �أ�صحاب هذه النظرية ا�ستخدموا م�صطلحات ومفاهيم حتمل يف طياتها‬
‫�أبعاد ًا تداولية‪ ،‬ولكن ما هي هذه املفاهيم؟ هذا ما �س�أجيب عنه يف الأ�سطر الآتية من خالل الوقوف عند‬
‫بع�ضها‪ ،‬وهي‪:‬الداللة واملعنى واالختيار و وظائف اللغة‪.‬‬
‫‪ .1‬الداللة‪:‬‬
‫يرى هاليداي (‪� )Halliday 2002:10‬أن التداولية تُعد مظهر ًا من مظاهر الداللة‪ ،‬بل هي التمثيل‬
‫الواقعي للداللة‪� ،‬أي‪ :‬الداللة يف �صورتها املنجزة ‪ .‬وتقول بريي (‪« )Berry 2017:44‬يع ّد م�صطلح الداللة‬
‫عام ًا يف النظرية النظامية الوظيفية»‪ ،‬وت�ضيف �إىل �أن «الداللة حتتوي جميع �أنواع املعاين» ‪ .‬فهي هنا‬
‫ك�أنها ت�شري �إىل �سعة الف�ضاء الداليل يف النظرية لي�شمل‪ :‬املعجمي منها واال�ستعمايل‪ .‬وندرك من خالل‬
‫ما �ص ّرحوا به �أنهم ال يرون الف�صل بني الداللة والتداولية بخالف ما هو معهود يف الأدبيات الل�سـ ـ ـ ــانية‬
‫الأخرى حيث ي�شري امل�صطلحان ‪-‬عادة‪� -‬إىل جمالني م�ستقلني من جماالت التحليل اللغ ـ ـ ــوي‪ :‬فالداللة‬
‫تُعنى باملعنى املعجمي وظواهره خارج ال�سـ ـ ـ ــياق بينما تُعنى التداولية باملعنى يف �إطـ ـ ـ ــار اال�سـ ـ ـ ــتعمال‬
‫(انظر مث ًال‪ ،((()Leech 1983:6; Abdul-Raof 2015:17 :‬بل �إن الداللة لها مفهوم خا�ص عند‬
‫هاليداي‪ ،‬فهو ي�ؤكد (‪)Halliday 1975 a 8-9‬على �أن «م�صطلح الداللة ال ينبغي �أن ُيفهم ا�ستناد ًا على‬
‫املعنى املعجمي الذي يهتم مبعنى املفردة‪[ ،‬لكنه] ي�شري �إىل �شمولية املعنى يف اللغة �سواء �أكان هذا املعنى‬
‫مت�ضمن ًا يف الكلمة املفردة �أم ال» ‪ ،‬فالداللة عنده �إذ ًا م�صطلح ذو مفهوم وا�سع ال ينح�صر يف �إطار املعنى‬
‫املعجمي الذي تورده املعاجم والقوامي�س‪ ،‬بل هو يف املقام االول املعنى املق�صود �سياق ًا وا�ستعما ًال‪ ،‬فهي ‪-‬‬
‫�أي‪ :‬الداللة– تع ّد مو�ضع التداخل بني النظام اللغوي وما يحيط به من �سياق؛ لذا ُينظر �إىل الن�ص بو�صفه‬
‫�أ�صغر وحدة داللية؛ لأنه ميثل اللغة يف �إطار ال�سياق (‪.)Halliday and Matthiessen 2014: 42-43‬‬
‫وي�ؤكد يف موطن �آخر �أن اللغة تنجز بجميع جوانبها من خالل ما يعرف ب ــ«�سياقات احلال»‪ ،‬فاملفردات‬
‫ميكن �أن تُ�ستبان معانيها ب�شكل مبا�شر من خالل �إحالتها �إىل املقام (‪ .)Halliday 1978:32‬ويذكر‬
‫ماتي�سني وزمال�ؤه (‪� )Matthiessen et al. 2010: 189‬أن الداللة املقرتنة بال�سياق تُعد الطريق الذي‬
‫((( وهذه �إحدى ال�سمات التي تتم ّيز بها النظرية النظامية عن بقية النظريات الوظيفية التي حتر�ص على التفريق بني امل�ستوى‬
‫التداويل والداليل وترى عدم الدمج بينهم وجتعل لكل م�ستوى متثي ًال م�ستق ًال يف النموذج التف�سريي للغة‪ ،‬ومن هذه النظريات‬
‫نظرية النحو الوظيفي ونظرية نحو الأدوار و الإحالة (ملزيد من التفا�صيل حول املقارنة بني النظريات الثالثة فيما يخ�ص‬
‫العالقة بني الداللة والتداولية ينظر‪.)Butler 2003 1:41, 205-218) :‬‬

‫‪428‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫ندرك من خالله حقيقة اللغة؛ �إذ �إن الداللة ال تت�ش ّكل �إال من خالل ال�سياق املحيط بها‪ .‬فالداللة بهذا‬
‫املعنى الذي ي�ؤيده �أ�صحاب النظرية النظامية الوظيفية تع ّد مفهوم ًا تداولي ًا؛ �إذ �إن درا�سة اللغة من خالل‬
‫ال�سياق مت ِّثــل �إحدى مظاهر التداولية الرئي�سية كما �أكد عدد من املتخ�ص�صني‪ ،‬مثل‪ :‬يول (‪)19 :2010‬‬
‫ونحلة (‪ )13 :2011‬وخامت (‪.)17 :2014‬‬
‫‪ .2‬املعنى‪:‬‬
‫يرتدد م�صطلح «املعنى» كثري ًا يف �أدبيات النظرية النظامية الوظيفية‪ ،‬وهو يع ّد حمور ًا �أ�سا�سي ًا وقاعدة‬
‫ترتكز عليها النظرية‪ ،‬يقول باتلر (‪« )Butler 2003 1:45‬لي�س هناك �شك يف �أن «املعنى» يع ّد حموري ًا‬
‫بالن�سبة لت�صور هاليداي للغة‪ ،‬وكذلك [احلال يف] النظريـ ــة النظامي ـ ـ ـ ــة الوظيفية»‪ ،‬وهذا الت�صـ ـ ـ ــور‬
‫عـ ّـب عنه ه ـ ــال ـ ـي ــداي حني ع ّرف اللـ ـ ــغة ب�أنها نـ ـ ـظ ــام من املـ ـ ـع ـ ـ ــاين �أي‪ :‬ن ـ ـظ ـ ــام من ال ـ ـع ـ ــالمات‬
‫(‪ .)Halliday 2003 :2‬ويـرى هـ ــالـ ـيــداي و ماتـ ـ ـيـ ــ�سيـن (‪� )Halliday and Matthiessen 2014:3‬أن‬
‫اللغة بقواعدها ومعجمها هي امل�صدر الذي ُينتج املعنى فالقواعد ‪-‬على الرغم من خ�صائ�صها البنيوية‪-‬‬
‫حتمل يف طياتها حمتوى ذا معنى‪ ،‬وهذا ما يجعل النظرية تو�سم �أحيان ًا بــ«النحو الوظيفي» (((؛ لأن اللغة‬
‫بجميع جوانبها ‪-‬من وجهة نظر هاليداي‪ -‬ذات م�ضمون داليل؛ لذا يعد بع�ض الل�سانيني هذه النظرية‬
‫نظرية يف «املعنى» (‪ .)Butler 2003 1:155-156‬و«املعنى» هنا لي�س ذلك املعنى املعجمي بل هو ما‬
‫ينتجه ال�سياق‪ ،‬فاملعاين لي�س لها وجود قبل �إجناز الكلمات التي حتققها لكون تلك املعاين تت�شكل حتت‬
‫ت�أثري �إدراكنا والبيئة املحيطة (‪ .)Halliday and Matthiessen 1999:17; Bateman 2017:20‬وهذه‬
‫العالقة الوطيدة بني املعنى وال�سياق من �أهم املفاهيم التي ت�أثر بها هاليداي من �أ�ستاذه فريث كما �أ ّكد‬
‫هو وغريه على ذلك(((‪ .‬وفريث هو ذلك اللغوي الذي ا�شتهر بتحليل اللغة من وجهة نظر �سياقية؛ �إذ‬
‫يرى �أن املعنى ينبغي �أن ينظر �إليه بو�صفه م�صطلح ًا لغوي ًا مرتبط ًا بال�سياق الذي ت�ستخدم فيه اللغة‬
‫(‪ .)Butler 1985:3‬فاملعنى ‪-‬من وجهة نظره‪ -‬حتدده العالقة بني املواقف ال�سياقية وتوزيع العنا�صر‬
‫اللغوية‪ ،‬واملعنى ‪�-‬أي�ض ًا‪ -‬هو الوظيفة يف ال�سياق (نحلة ‪ .)29-28 :2009‬هذه املركزية لظاهرة «املعنى» يف‬
‫أ�سا�س الذي‬‫الل�سانيات الفريثية و�ضعت طابعها املميز يف النظرية النظامية الوظيفية؛ ف�أ�صبح «املعنى» ال َ‬
‫تروم النظرية �إىل الك�شف عن خ�صائ�صه من خالل نافذة ال�سياق‪ .‬وعالقة املعنى بال�سياق وارتباطه به‬
‫ارتباط ًا وثيق ًا جتلي لنا بعد ًا تداولي ًا يف النظرية؛ �إذ �إن التداولية تهتم ب ـ ـ «درا�سة املعنى من خالل ال�سياق»‬
‫(يول ‪.)19 :2010‬‬
‫‪ .3‬االختيار‪:‬‬
‫مفهوم «االختيار» مفهوم تداويل كما ن�ص على ذلك ليت�ش (‪ ،)Leech 1983:12‬وهو مفهوم مرتبط‬
‫(( ( وهذا ظاهر من عناوين عدد من الكتب التي �أُلفت يف النظرية �إذ حتمل هذا امل�سمى‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪Introduction to Functional Grammar by Halliday and Matthiessen (2014).‬‬
‫‪Introducing to Functional Grammar by Thompson (2004).‬‬
‫‪Using Functional Grammar by Butt et al. (2000).‬‬
‫((( حول ت�أ ّثر هاليداي بفريث ميكن الرجوع �إىل امل�صادر الآتية‪.(Halliday 1985 [2003]:186-187, Butler 1985:1 ) :‬‬

‫‪429‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫مبفهوم «املعنى» ‪ ،‬فاللغة يف النظرية النظامية الوظيفية عبارة عن �شبكة من الأنظمة التي تتيح عدد ًا من‬
‫معان على هيئة تراكيب و�أ�صوات (‪Halliday 1969‬‬ ‫اخليارات التي مت ّكن املتكلم من �إجناز ما يريده من ٍ‬
‫و�سرفاتي (‪ .)230 :2012‬م�ؤكدَ ين هذا االرتباط «االختيار يقت�ضي وجود معنى‬ ‫‪ .)[2003]:180‬يقول بافو ِ‬
‫بالن�سبة لهاليداي»‪ .‬واملق�صود بارتباط هذه اخليارات باملعنى �أنها خيارات منبثقة من �أغرا�ض �إجناز‬
‫الن�ص ومقا�صده‪ ،‬فاختيار جملة ُمث َبــتة يف مقام معني ‪-‬مث ًال‪ -‬ال يحدث اعتباط ًا‪ ،‬بل هو مرتبط مبق�صد‬
‫وغر�ض املتكلم‪ .‬بعبارة �أخرى‪� ،‬إن الن�ص الذي ي�صادفنا ‪�-‬إما منطوق ًا �أو مكتوب ًا‪ -‬هو معنى ق�صده املتكلم‬
‫واختار عنا�صره من بني عدد كبري من اخليارات التي يتيحها النظام اللغوي املجرد‪ ،‬فهذا االختيار متم ِّثــل‬
‫ومعان �سياقية (نحلة ‪ .)35 :2009‬وت�شري بريي‬ ‫يف ا�ستخدامنا للغة‪ ،‬وا�ستخدامنا لها ي�شتمل على مقا�صد ٍ‬
‫(‪� )Berry 2017:43‬إىل �أن ال�سياق مرتبط ارتباط ًا وثيق ًا مببد�أ االختيار؛ �إذ اختيارات املتكلم تت�أثر كثرياً‬
‫بال�سياق الذي يحيط بعملية الكالم‪.‬‬
‫من خالل ما �سبق‪ ،‬ندرك �أن العمليات االختيارية التي يقوم بها املتكلم ‪� -‬سواء بوعي �أو بغري وعي‪-‬‬
‫حتتوي يف م�ضمونها على جوانب تداولية داخل عملية الكالم‪ ،‬ولن�ضرب هنا مثا ًال حتى جن ّلي هذه النقطة‪:‬‬
‫اللغة �إما �إثبات �أو نفي �أو درجة بينهما‪ ،‬واملتكلم حني يختار �إحداها �إمنا يختارها ا�ستناد ًا على املوقف‬
‫اللغوي و�سياقه‪ ،‬ف�إن اختار الإثبات ينتقل �إىل درجة �أدنى يف �شبكة النظام تعر�ض خيارات مرتبطة بدرجة‬
‫الإثبات من حيث الرجحان والرتدد واالحتمال وهو ما يعرف بــ«املوجهات» (‪ ،)modalities‬فاختيار‬
‫�إحدى هذه العبارات الآتية اختيار غري ع�شوائي‪� ،‬إمنا يعتمد على طبيعة املوقف اللغوي وم�صادر املعرفة‬
‫املتاحة للمتكلم‪ ،‬وهذا جلي عندما نقارن بني الأمثلة الآتية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قد جنح خال ٌد‬
‫ب ‪ -‬مل ينجح خال ٌد‬
‫ج ‪ -‬رمبا جنح خال ٌد‬
‫ولو نظرنا ‪� -‬أي�ض ًا‪� -‬إىل جملة من مثل «ر�سال ًة كتب زيدٌ» ال�ستنتجنا �أنها ُنطقت يف �سياق معني حتّم‬
‫ت�صدير اجلملة باملفعول به ب�سبب �أن اجلملة قد تكون رد ًا على من اعتقد �أن زيد ًا كتب ق�صيدة �أو كتاب ًا‪،‬‬
‫وهذا الرتكيب يع ّد خيار ًا واحد ًا من عدة خيارات تركيبية �أخرى تتيحها اللغة ونظامها الكامن يف ذهن‬
‫املتكلم‪.‬‬
‫‪ .4‬وظائف اللغة‪:‬‬
‫من �أبزر �سمات النظرية النظامية الوظيفية �أنها تهتم بالك�شف عن الوظائف التي ت�ؤديها اللغة والبحث‬
‫يف خ�صائ�صها وتفاعلها يف �إظهار الوظيفة التوا�صلية للن�ص يف ال�سياق االجتماعي‪ ،‬وهذه الوظائف ثالثة‪،‬‬
‫وهي �إجما ًال‪ :‬الوظيفة الفكرية والوظيفة التبادلية والوظيفة الن�صية‪ُ .‬يثل لهذه الوظائف �ضمن �إطار‬
‫الطبقة الداللية التي �أ�شرنا �إىل �أنها طبقة تُعنى بالداللة يف �سياق اال�ستعمال‪ ،‬وهو مفهوم تداويل( (�‪Hall‬‬

‫‪430‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫‪ .)iday and Matthiessen 2014:78-83‬وقبل �سرب �أغوار هذه الوظائف والبحث يف عالقتها بالتداولية‬
‫ف�إنه من امل�ستح�سن �أن نعرج على الطريقة التي ا�ستنبط من خاللها هاليداي هذه الوظائف حني ناق�ش‬
‫مفهوم الفاعل (‪ )subject‬يف الدرا�سات النحوية التقليدية‪ .‬فقد وجد هاليداي �أن م�صطلح الفاعل يف تلك‬
‫الدرا�سات ي�شار به �إىل املكون الذي ي�سند �إليه الفعل بغ�ض النظر عن حقيقة قيامه باحلدث‪ ،‬واورد اجلمل‬
‫االجنليزية الآتية ّ‬
‫ليو�ضح مراده‪:‬‬
‫‪a. The duke gave my aunt this teapot.‬‬
‫‪b. My aunt was given this teapot by the duke‬‬
‫‪c.  This teapot my aunt was given by the duke‬‬
‫�أ�شار هاليداي �إىل �أن املكون الذي يعد يف الدرا�سات النحوية التقليدية فاع ًال هو «‪ »the duke‬يف‬
‫املثال االول و «‪ »my aunt‬يف املثال الثاين والثالث‪ .‬مل يرت�ض هاليداي هذا النوع من التحليل؛ �إذ ر�أى �أنه‬
‫ال يك�شف عن املعنى احلقيقي للجملة‪ ،‬فلي�س « ‪ »my aunt‬يف املثالني الثاين والثالث هي من قامت بالفعل‬
‫«‪ ،»give‬فر�أى �أنه يجب علينا �أن ننظر �إىل اجلملة من وجهة وظيفية تك�شف لنا الأدوار احلقيقية ملكونات‬
‫اجلملة‪ ،‬فقام بتق�سيم الفاعل �إىل ثالثة �أق�سام(((‪:‬‬
‫الفاعل النف�سي «‪ »psychological subject‬وهو املكون الذي مي ّثل حمط االهتمام يف اجلملة‪.‬‬
‫الفاعل النحوي «‪ »grammatical subject‬وهو املكون الذي ُي�سند �إليه الفعل‪.‬‬
‫الفاعل املنطقي «‪ »logical subject‬وهو املكون الذي يدل على من قام و�أجنز الفعل‪.‬‬
‫لذا ميكن حتليل اجلمل ال�سابقة بناء على هذه التق�سيمات يف اجلدول الآتي‪:‬‬
‫‪The duke‬‬ ‫‪gave‬‬ ‫‪my aunt‬‬ ‫‪this teapot‬‬
‫الفاعل النفيس والنحوي واملنطقي‬
‫‪My aunt‬‬ ‫‪was given‬‬ ‫‪this teapot‬‬ ‫‪by the duke‬‬
‫الفاعل النفيس والنحوي‬ ‫الفاعل املنطقي‬
‫‪This teapot‬‬ ‫‪my aunt‬‬ ‫‪was given‬‬ ‫‪by the duke‬‬
‫الفاعل النفيس‬ ‫الفاعل النحوي‬ ‫الفاعل املنطقي‬

‫من خالل هذا التحليل‪ ،‬ندرك �أنه ميكن �أن يتعاقب نوعان �أو �أكرث من �أنواع الفاعل على مكون واحد‬
‫((( ذكر هاليداي �أن هذا التق�سيم قد �أ�شري �إليه ‪�-‬سابق ًا‪ -‬من بع�ض النحويني (‪.)Halliday and Matthiessen 2014:79‬‬

‫‪431‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫ا�ستناد ًا على دوره الوظيفي يف اجلملة‪ .‬ولكن قد يت�ساءل �شخ�ص‪ :‬ما عالقة هذه امل�صطلحات بوظائف‬
‫اللغة الثالثة التي ذكرناها يف الأعلى؟ �أقول‪ :‬هنا الإ�ضافة التي قام بها هاليداي‪ ،‬فقد ر�أى �أنه ال ينبغي‬
‫�أن تـُـعامل هذه الأق�سام الثالثة على �أنها تفريعات ملفهوم عام الذي هو هنا «الفاعل» ‪ ،‬بل يجب �أن نعد كل‬
‫ق�سم من هذه الأق�سام قائم ًا بذاته له مفهومه املختلف عن الآخ َرين وله وظيفته امل�ستقلة عنهم؛ لذا ر�أى‬
‫�أن ت�ستبدل م�صطلحات الفاعل الثالثة مب�صطلحات �أكرث دقة ولها عالقة وطيدة باملعنى وبالوظيفة التي‬
‫ت�ؤديها‪ ،‬وهذه امل�صطلحات هي‪:‬‬

‫املصطلح التقليدي‬ ‫املصطلح الوظيفي عند هاليداي‬


‫االنجليزي‬ ‫مقابله العريب‬ ‫االنجليزي‬ ‫مقابله العريب‬
‫‪Psychological subject‬‬ ‫الفاعل النفيس‬ ‫‪Theme‬‬ ‫املوضوع (الوظيفة النصية)‬
‫‪Grammatical subject‬‬ ‫الفاعل النحوي‬ ‫‪Subject‬‬ ‫الفاعل‪/‬نائب الفاعل (الوظيفة التبادلية)‬
‫‪Logical subject‬‬ ‫الفاعلاملنطقي‪/‬الحقيقي‬ ‫‪Actor‬‬ ‫املنفِّذ (الوظيفة الفكرية)‬

‫من خالل هذا التحليل املختلف الذي �سار عليه هاليداي ومن تابعه يت�ضح لنا �أن اللغة حتت�ضن عدد ًا من‬
‫الوظائف التي تك�شف عن معانيها ال�سياقية‪ ،‬فمث ًال‪ :‬م�صطلح «الفاعل النف�سي» وما ي�شتمل عليه من مدلول‬
‫يظهر لنا الوظيفة الن�صية للغة؛ �إذ يك�شف لنا هذا امل�صطلح عن «املو�ضوع» الذي هو حمط احلديث يف‬
‫اجلملة‪ ،‬كذلك م�صطلح «الفاعل املنطقي» يك�شف لنا الوظيفة الفكرية التي من خاللها نخرب عن كيفية‬
‫�إدراكنا ملا يحدث حولنا‪.‬‬
‫ال�س�ؤال الذي نحتاج �إىل الإجابة عنه الآن هو‪ :‬هل ت�شتمل هذه الوظائف على �أبعاد تداولية؟ منطقي ًا‪،‬‬
‫الإجابة عن هذا ال�س�ؤال هي «نعم»؛ لأن هذه الوظائف ‪-‬كما �أ�شار هاليداي (‪ -)Halliday 1978:22‬هي‬
‫وظائف مرتبطة بالنظام الداليل وطبقته يف منوذج التحليل الذي تبنته النظرية النظامية الوظيفية‪ ،‬وهي‬
‫طبقة حتت�ضن التداولية ‪-‬كما �أ�شرنا �سابق ًا‪ ،-‬وكذلك ُينظر �إىل هذه الوظائف بو�صفها ت�ش ُّكالت ت�ساعدنا‬
‫ال�ستظهار املعنى الوظيفي للجملة(((‪ ،‬وهذا املعنى �أعم من املعنى ال�شكلي الذي ت�ؤديه العالقة بني العنا�صر‬
‫اللغوية يف تركيب اجلملة‪ ،‬بل يرتكز بالدرجة االوىل على عالقته بالـ ــ�سـ ـي ـ ــاق الذي ب ـ ـ ــدوره يك ــ�شـ ــف لنا‬
‫عـ ـ ــالقـ ـ ـ ـ ـ ــة هـ ـ ــذه الوظائف بال ـ ـبـ ـعـ ــد الت ــداويل؛ �إذ ال�س ــياق مـ ـف ـت ــاح من مفــات ــيح املعنى التـ ــداويل‬
‫(خطاب ي ‪ .)297 :2012‬ومما يـ ـ ــدع ـ ــم هـ ـ ـ ـ ـ ــذه الإج ــابة املنطقية �أن هـ ــالـ ــيداي وماتـ ـي ــ�سي ــن (�‪Hal‬‬
‫‪� )liday and Matthiessen 1999:12‬ص َّرحا ب�أن م�صطلح التداولية يعد مقاب ًال ملا ُيعرف يف النظرية‬
‫النظامية مب�صطلحي الوظيفة التبادلية والوظيفة الن�صية ‪ ،‬وكذلك جند ت�صريح ًا م�شابه ًا من ليت�ش ‪-‬‬
‫((( �أ�شار �إىل هذه العالقة الكامنة بني هذه الوظائف واملعنى عدد من الباحثني من �أمثال‪ :‬باتلر (‪ )Butler 2003 1:168‬و‬
‫تومب�سون (‪ )Thompson 2004:28‬و فونتني (‪.)Fontaine 2013:10‬‬

‫‪432‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫وهو املتخ�ص�ص يف التداولية‪ -‬حني �أ ّكد ب�أن الوظيفتني التبادلية والن�صية تنتميان �إىل احلقل التداولية‬
‫(‪ ،)Leech 1983:57‬لكن هذين الت�صريحني يظالن جمملني مبهمني‪ ،‬والإجمال والإبهام يحتاجان �إىل‬
‫تف�صيل وتو�ضيح‪ ،‬وهو ما �أنا ب�صدده الآن‪ ،‬و�س�أناق�ش ك ًال من هاتني الوظيفتني على حدة جملي ًا خ�صائ�صها‬
‫وعالقتها بالتداولية‪:‬‬
‫‪ .1 .4‬الوظيفة التبادلية‪:‬‬
‫يقوم �أ�سا�س الوظيفة التبادلية على مبد�أ التعبري عن العالقات االجتماعية واملواقف ال�شخ�صية لدى‬
‫املتكلمني(‪ ، )Halliday 1978:316‬فمن خالل هذه الوظيفة ُينظر �إىل اللغة على �أنها �أداة تُ�ستخدم‬
‫يعب عن هذه الوظيفة بعبارة �أخرى وهي ‪،language as exchange‬‬ ‫لغر�ض التفاعل مع الآخرين؛ لذا ّ‬
‫وتعني هذه العبارة �أن اللغة لها ُبعد تباديل بني �أفراد املجتمع؛ لذا‪ ،‬يرى هاليداي(‪Halliday 1970‬‬
‫‪� )[2002]:175‬أن الوظيفة التبادلية متثل مكون ًا ي�ؤ�س�س للعالقات االجتماعية ويحافظ عليها‪ ،‬ويهتم‬
‫بكيفية التعبري عن الأدوار االجتماعية وما ي�صحبها من �أغرا�ض توا�صلية تُن�شئها اللغة بنف�سها‪ .‬ومن‬
‫هذه الأغرا�ض على �سبيل املثال �أننا ن�ستخدم اللغة لنخرب الآخرين عن �أ�شياء لأننا �إما �أن نريد �أن ن�ؤثر يف‬
‫مواقفهم �أو �سلوكهم‪ ،‬و�إما �أن نفيدهم مبعلومات ال يعرفونها �أو العك�س‪ ،‬و�إما �أن ن�شرح لهم مواقفنا اخلا�صة‬
‫(‪ .)Thompson 2004:45‬وت�شري فونتني (‪� )Fontaine 2013:134‬إىل �أن الوظيفة التبادلية تركز على‬
‫املعنى الذي ين�شئه موقف املتكلم ال�شخ�صي‪ .‬فيفهم مما �سبق �أن الوظيفة التبادلية ت�ستند على العالقة بني‬
‫طريف اخلطاب (املتكلم واملخاطب �أو املخاطبون) والك�شف عن املواقف ال�شخ�صية والأغرا�ض التوا�صلية‬
‫والأهداف االجتماعية‪ ،‬فال�سائل يريد من امل�س�ؤول تزويده ب�إجابة يبحث عنها‪ ،‬والآمر يريد من امل�أمور‬
‫تنفيذ عمل معني‪ ،‬واملحا ِور يحاول الك�شف عن الآراء التي يتبناها املحا َور‪ .‬وقد �أ�شار هاليداي (‪Halliday‬‬
‫‪ )1978:90‬عند حديثه عن وظائف اللغة عند الطفل �إىل �أن الوظيفة التداولية‪ -‬التي تتطلب تفاع ًال بني‬
‫الطفل ومن يخاطبه ومت ِّثــل �شك ًال من �أ�شكال الفعل‪ -‬توازي الوظيفة التبادلية عند البالغني ‪ ،‬فك�أنه ي�شري‬
‫�إىل تداولية الوظيفة التبادلية ولكنه مل ي�ص ّرح‪ ،‬وهو ما �سوف �أحوال �إبرازه هنا‪.‬‬
‫تعب عن مكنونها التوا�صلي ومن �أهم هذه املفاهيم‪:‬‬
‫ابتداء‪ ،‬ترتكز الوظيفة التبادلية على عدة مفاهيم ّ‬
‫�أدوار‪/‬وظائف الكالم( (‪ )speech roles/functions‬واملوجهات(‪ )modalities‬ونظرية التقييم(�‪ap‬‬
‫‪ .)praisal theory‬وفيما يلي �شرح لكل مفهوم مع تبيان عالقته بالتداولية‪:‬‬
‫أدوار الكالم‪:‬‬
‫يقرر �أ�صحاب النظرية النظامية الوظيفية مبد�أً مفاده �أن املتكلم عند �أي موقف �أو حدث كالمي‬
‫يتخذ دور ًا اجتماعي ًا‪ .‬ويح�صرون الأدوار التي من املمكن �أن يتم ِّثــلها املتكلم يف �أربعة �أ�صناف‪ :‬الإخبار‬

‫‪433‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫وال�س�ؤال والعر�ض والطلب‪ ،‬وهذه الأربعة تلعب دور ًا �أ�سا�سي ًا يف بناء التفاعل اللغوي بني طريف اخلطاب(((؛‬
‫لكونها تتطلب موقف ًا من املخاطب جتاه مق�صد املتكلم‪ :‬فالإخبار يتطلب ت�صديق ًا‪ ،‬وال�س�ؤال يتطلب جواب ًا‪،‬‬
‫والعر�ض يتطلب قبو ًال‪ ،‬والطلب يتطلب �إجناز ًا‪ ،‬مع الأخذ باالعتبار �أن املخاطب له االختيار ‪-‬يف �أي موقف‬
‫كالمي‪� -‬أن يتخذ عك�س ما يريده املتكلم (‪ .)Halliday and Matthesien 2014:135, 138‬هذه الأدوار‬
‫‪-‬او الوظائف الكالمية كما ُيعب َّــر عنها �أحيان ًا‪ -‬تتقاطع مع مفهوم الأفعال الإجنازية (‪illocutionary‬‬
‫‪ )acts‬يف نظرية �أفعال الكالم(‪ ، )speech acts‬فقد �أ�شار �سريل (‪� )Searle 1971:39‬إىل عدد كبري‬
‫�ست (‪Austin‬‬ ‫من الأفعال الإجنازية التي ت�ؤديها اللغة‪ ،‬وذكر منها ما ي ُــماثل هذه الأربعة ‪ ،‬وقبله ربط �أُ ِ‬
‫‪ )1962:98‬بني الفعل الإجنازي و�صوره املتعددة التي ُينجز بها‪ ،‬وع ّدد منها اال�ستفهام والإخبار‪ .‬تقول‬
‫تافرينرز تعليق ًا على هذه املماثلة «وظائف الكالم يف نظام هاليداي تت�سق مع �أ�صناف خمتلفة من �أفعال‬
‫جلي ووا�ضح يف الوظيفة التبادلية‬ ‫الكالم» (‪ .)Taverniers 2011:1109‬ونلحظ هنا �أن البعد التداويل ّ‬
‫من خالل االت�ساق والتقاطع بني نظرية �أفعال الكالم التي تع ّد �إحدى النظريات التداولية البارزة ووظائف‬
‫الكالم التي تبنتها النظرية النظامية الوظيفية‪ .‬ولكن هنا ت�سا�ؤل‪ :‬ملاذا ترك هاليداي ا�ستخدام م�صطلح‬
‫وف�ضل م�صطلح‬‫«الأفعال الإجنازية» مع كونه �شائع ًا جد ًا يف حقل الل�سانيات وخا�صة يف احلقل التداويل ّ‬
‫«�أدوار‪ /‬وظائف الكالم»؟ يجيب باتلر عن هذا الت�سا�ؤل بقوله «رمبا لكون م�صطلح «الأفعال الإجنازية»‬
‫غالب ًا ما يتم ربطه باالجتاه الفل�سفي الذي ن�ش�أ يف �أح�ضانه‪ ،‬بينما م�صطلح «وظائف الكالم» ي�شري �إىل‬
‫مفهوم ي�ستند ب�شكل كبري على امل�ضمون االجتماعي» (‪ ،)Butler 2003 2:30‬ومما يجعل هذا التعليل‬
‫قريب ًا �إىل ال�صواب �أنّ هاليدي ينظر �إىل اللغة من خالل ممار�ساتها االجتماعية ال من خاللها من �أبعادها‬
‫الفل�سفية‪ ،‬بل يعد الل�سانيات فرع ًا من فروع علم االجتماع؛ لأن اللغة جزء من النظام االجتماعي وال‬
‫ينفك عنه‪ ،‬ويرى كذلك �أن اللغة نظام من املعاين واالختيارات اللغوية التي يرتبط �إجنازها بال�سياق‬
‫ب�شتى �أنواعه‪ :‬الثقايف واالجتماعي واللغوي؛ لذا ينبغي �أن تكون درا�سة اللغة متجهة ب�شكل رئي�سي نحو‬
‫تف�سري التفاعل االجتماعي لها‪ ،‬وهذا متم ِّثــل ب�شكل �أقرب يف درا�سة وظائف الكالم التي تتفاعل مع الأدوار‬
‫(((‬
‫االجتماعية (‪.)Halliday 1978:38-39; 1975b [2003]:79-80‬‬

‫(( ( «التفاعل اللغوي» (‪ )verbal interaction‬مفهوم من مفاهيم االجتاه الوظيفي يف الل�سانيات‪ ،‬ويع َّرف ب�أنه �شكل من �أ�شكال‬
‫الن�شاط اللغوي التعاوين بني �أفراد املجتمع والذي يتط ّلب وجود طريف حوار (متكلم وخماطب) على الأقل‪ ،‬ومن خالله يتم‬
‫تبادل املعارف التداولية (‪ )pragmatic knowledge‬التي قد تكون م�شرتكة بني املتخاطبني‪ .‬ومنوذج التفاعل اللغوي يرتكز‬
‫على مق�صد يرغب املتكلم يف نقله �إىل املخاطب الذي يلعب دور ًا رئي�سي ًا يف تاويل ما يق�صده املتكلم‪ ،‬وهو بهذا الت�صور مفهوم‬
‫نظر له يف نظرية النحو الوظيفي عند �سيمون ِدك (‪)Dik 1997 1:4‬‬ ‫تداويل بال �شك كما ُي ّ‬
‫ّ‬
‫((( هذا ال يعني �أن هاليداي يرف�ض م�صطلح �أفعال الكالم‪ ،‬بل �أكد على بعدها الفل�سفي و�أهميتها يف فل�سفة اللغة (‪Halliday‬‬
‫‪)1975b [2003]:79‬‬

‫‪434‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫املوجهات‪:‬‬
‫ِّ‬
‫«املوجهات» �إىل ما يعرف يف اللغويات الإجنليزية بـ ـ (‪ ،)modalities‬ويعني هذا‬ ‫ِّ‬ ‫ي�شري م�صطلح‬
‫امل�صطلح التعبري عن الكيفية التي وقع �أو يقع بها احلدث من خالل ما يعتقده وي�ؤمن به املتكلم وذلك‬
‫با�ستخدام و�سائل متعددة كالأفعال والأدوات والتعابري املركبة والظروف (‪ ،)Palmer 1986:17‬فكلمة‬
‫«رمبا» و «قد» يف العربية وكذلك «‪ »can‬و « ‪ » probably‬يف االجنليزية من الو�سائل التي تلعب دور ًا مهم ًا‬
‫يف توجيه التعبري عن كيفية وقوع احلدث‪.‬‬
‫وت َع ّد املوجهات ‪-‬كما ي�شري هاليداي و ماتي�سني(‪ - )Halliday and Matthiessen 1999:526‬من‬
‫الو�سائل اللغوية ال�شائعة التي ي�ستعني بها املتكلم لي�ضع ب�صمة لر�أيه ال�شخ�صي يف اخلطاب الذي ترد فيه‬
‫حلدث ما ‪ ،‬وهذا احلكم قد يكون «قبو ًال �أو رف�ض ًا �أو ترجيح ًا �أو �شك ًا �أو‬
‫ٍ‬ ‫اجلملة‪ ،‬في�صدر تقييم ًا �أو حكم ًا‬
‫املوجهات‬‫توقع ًا» (نحلة ‪)139 :2009‬؛ لذا يرى �أ�صحاب النظرية النظامية الوظيفية �أن من خ�صائ�ص ِّ‬
‫�أنها تربط بني احلدث الذي تت�ضمنه اجلملة ومدى احتمالية �أو غالبية �أو وجوبية وقوعه‪ ،‬واهتمامهم بهذا‬
‫املفهوم وا�ضح وبارز ‪ ،‬فقد اولوه عناية كبرية و�أدرجوه �ضمن فروع ‪-‬او لنقل �أدوات‪ -‬الوظيفة التبادلية؛‬
‫لكونه امل�صدر الرئي�سي الذي يزودنا باملوقف ال�شخ�صي الذي يتبناه املتكلم جتـ ــاه �أي حدث اجتماعي‬
‫وللموجهات عندهم ق�سمان‪ :‬معرفية (�‪Mo‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪.)Halliday 1970 [2005]:176; Thompson 2004:67‬‬
‫‪ )daliztion‬و�إرادية (‪� ،)Modulation‬أما املعرفية فتك�شف لنا عن موقف املتكلم من مدى احتمالية‬
‫حتقق وقوع �أو �صحة م�ضمون اجلملة مثل‪ :‬التعبري عن الت�أكيد �أو ال�شك‪� ،‬أو من مدى تكرار وقوعه مثل‪:‬‬
‫التعبري عن الدميومة �أو الغالبية �أو الندرة‪� .‬أما الإرادية فتك�شف عن موقف املتكلم من مدى وجوبية حتقق‬
‫م�ضمون اجلملة مثل التعبري عن الوجوب وااللتزام وال�سماح‪� ،‬أو من مدى ا�ستعداد من ي�شارك يف حتقيقه‬
‫وقدرته على ذلك مثل‪ :‬التعبري عن القدرة واال�ستعداد(‪.)Thompson 2004:67; Fontaine 2013:121‬‬
‫وهنا �ساورد مثالني لندرك الفرق بني الق�سمني‪:‬‬
‫�أ ‪ -‬رمبا ح�ضر خالد [«رمبا» موجه من املوجهات املعرفية؛ لأنه يعرب عن مدى احتمالية وقوع احلدث‬
‫«ح�ضور خالد» يف املا�ضي]‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ي�ستطيع �أن يعود خالد غد ًا [«ي�ستطيع» موجه من املوجهات الإرادية؛ لأنه يعرب عن قدرة امل�شارك‬
‫«خالد» يف حتقيق احلدث وهو «العودة غد ًا» ]‪.‬‬
‫وتتمثل تداولية املوجهات يف كونها ت�ش ّكل لنا طبيعة عملية التوا�صل من وجهة نظر ذاتية نحو حمتوى اجلملة‪،‬‬
‫وقد �أ�شارت تراقوت �إىل �أن املوجهات تع ّد �إحدى الأدوات التي ترمز �إىل «الذاتية» (‪ )subjectivity‬التي هي‬
‫ُبعد تداويل ُيعرب عن وجهة نظر املتكلم ال�شخ�صية نحو ق�ضية ما (‪ .)Traugott 2012:558-559‬فالأفعال‬

‫‪435‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫مثل‪�« :‬أعتقد» و «�أ�ؤمن» و «ينبغي» والرتاكيب مثل‪« :‬من املفرت�ض �أنّ » و «من امل�ؤكد �أنّ » تربز لنا بال �شك‬
‫ما يحمله املتكلم من اعتقاد �أو موقف ذاتي‪ ،‬وهذا املوقف الذاتي مرتبط بال�سياق الذي ترد فيه اجلملة‪:‬‬
‫حلدث ما �أو حتديد درجة احتمالية وقوعه �أو تقرير وجوبية �إجنازه �أو بيان قدرة من ي�شارك‬‫ف�إنكار املتكلم ٍ‬
‫معان ال تت�شكل �إال يف �سياق ا�ستعمال اللغة ومن خالل �سياق خطابي‪ ،‬ونتيجة لهذه اخلا�صية‬ ‫يف حتقيقه ٍ‬
‫املتم ّث ِــلة يف املوجهات ‪� -‬أي‪ :‬الذاتية‪ ،-‬جعلها املتخ�ص�صون يف التحليل النقدي للخطاب( (�‪Critical Dis‬‬
‫‪� )course Analysis‬إحدى الأدوات الفاعلة التي ت�ساعد من يتعاطى مع �أي ن�ص ‪ -‬قارئ ًا كان �أم حمل ًال‪-‬‬
‫يف ا�ستنباط التوجهات الفكرية �أو ال�سيا�سية �أو االجتماعية للمتكلم‪/‬الكاتب‪ ،‬فاملوجهات ‪-‬عندهم‪ -‬تعد‬
‫م�صدر ًا من م�صادر التعبري عن عدد من املفاهيم مثل‪ :‬الهوية وااليديولوجيا واالجتاهات ال�سيا�سية( (�‪Fair‬‬
‫‪ ،)clough 2002:159-160,; Richardson 2007:59; Hart 2013:44‬وحتليل اخلطاب والتداولية‬
‫حقالن ل�سانيان متداخالن؛ �إذ كالهما ير�صد حركة اللغة من خالل ال�سياق‪ ،‬فهما يبحثان يف طبيعة �أداء‬
‫اللغة وا�ستعمالها‪ ،‬يقول بع�ض الل�سانيني «و�ضع اللغة ‪-‬بخطاباتها املختلفة‪ -‬يف �سياقات ا�ستخدامها هو‬
‫العامل امل�شرتك بني التداولية وحتليل اخلطاب» (�إ�سماعيلي وعبدالرحيم ‪)11 :2014‬؛ فبذلك ن�ستبني‬
‫لتحليل �سياقي خلطاب ما‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫البعد التداويل يف املوجهات حيث كونها �أداة‬
‫نظرية التقييم‪:‬‬
‫ترتبط نظرية التقييم (‪ )Appraisal Theory‬مبفهوم املوجهات الذي ناق�شناه يف الأعلى‪ ،‬وهي نظرية‬
‫حدث‬
‫انبثقت من طبيعة الوظيفة التبادلية للغة؛ �إذ تهدف �إىل حماولة الك�شف عن ر�أي املتكلم‪/‬الكاتب يف ٍ‬
‫ما وامل�شاركني فيه وتقييمه لهما من خالل �أدوات وعنا�صر داللية وتركيبية (;‪Thompson 2004: 75‬‬
‫‪ .)Hart 2013:43‬وترى �أنانكر ا(‪� )Anankra 2017:131‬أن نظرية التقييم تر�صد انطباعات املتكلم‬
‫الذاتية و ر ّدات فعله جتاه ما يحدث حوله وما يتلقاه من خطابات‪.‬‬
‫وتقوم هذه النظرية على ثالثة معايري (‪Matthiessen, Teruya and Lam 2010:55-57; Oteíza‬‬
‫‪:)2017:457‬‬
‫‪1-1‬تقييم املواقف ال�شخ�صية من خالل التعابري اللغوية مع حماولة تتبع �أثر هذه املواقف يف ال�سلوك‬
‫االجتماعي‪ ،‬ور�صد الر�ضا من عدمه عنها‪ ،‬ويطلق على هذا املعيار (‪.)attitude‬‬
‫‪2-2‬الك�شف عن مظاهر التفاعل الذاتي ملن�شئ الن�ص مع الآراء والأحداث االجتماعية‪ ،‬مثل‪ :‬ا�ستخدامه‬
‫�أ�سلوب الت�أكيد �أو ا�ستخدامه لتعبري حتوطي ال ينبئ عن ر�أيه املبا�شــر‪ ،‬ويطــلق على هذا املعيـ ــار‬
‫(‪.)engagement‬‬

‫‪436‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫عب بها عنها‬


‫‪ 3-3‬ر�صد درجة املواقف والتفاعالت ال�شخ�صية لدى من�شئ الن�ص‪ ،‬ور�صد الكيفيات التي ّ‬
‫وحتديد مداها من حيث القوة وال�ضعف‪ ،‬ويطلق على هذا املعيار (‪.)graduation‬‬
‫وال �شك يف �أن هذه املعايري وما حتمله من م�ضامني ت�شتمل جمتمعة على �أبعاد تداولية مثل‪ :‬ر�صد ر�أي‬
‫املتكلم وتفاعله مع املخاطبني و ا�ستنباط التوجهات الفكرية التي يعتقدها من ين�شئ الن�ص والك�شف عن‬
‫(((‬
‫املقا�صد الذاتية التي تقف خلف العبارات اللغوية‪.‬‬
‫‪ .2 .4‬الوظيفة النصية‪:‬‬
‫تعنى الوظيفة الن�صية بتحقيق التما�سك الن�صي و�إبراز املعلومة الأهم يف الن�ص‪ ،‬فمن خالل حتقيق هذه‬
‫الوظيفة‪ ،‬ي�ستطيع املتكلم‪/‬الكاتب �أن ينقل ر�سالته بطريقة مت�سقة مع النظام اللغوي وال�سـ ــياق الذي وردت‬
‫فيه (‪ . )Thompson 2004:145‬وي�شري هاليداي (‪� )Halliday 1967a [2005]:56‬إىل �أن الوظيفة‬
‫الن�صية للغة متثل مكون ًا من مكونات الر�سالة التي يبغي املتكلم �إي�صالها �إىل خماطبيه‪ ،‬وهي طريقة من‬
‫عب هالـيـداي وماتي�سني (‪Halliday‬‬ ‫طرق التنظيم ملكونات اجلملة لتت َِّ�سق مع الغر�ض التوا�صل ‪ ،‬وقد ّ‬
‫‪ )and Mtthiessen 2014:88‬عن هذه الوظيفة بـ ـ ـ ‪ language as a message‬م�شريين �إىل �أن ر�سالة‬
‫املتكلم‪/‬الكاتب ال تتحقق �إال بتحقيق متا�سك الن�ص وات�ساقه مع ال�سياق املحيط به‪.‬‬
‫وت�شتمل الوظيفة الن�صية على عدد من املفاهيم‪� ،‬أهمها مفهوما «املو�ضوع» (‪ )Theme‬و «الرتاكيب‬
‫الإخبارية» (‪� .)Information Structure‬أما مفهوم «املو�ضوع» فيع ِّرفه هاليداي وماتي�سني ب�أنه‬
‫املكون الذي مي ّثل نقطة بداية الر�سالة املبتغى �إي�صالها �إىل املخاطب ( (�‪Halliday and Matthies‬‬
‫‪ .)sen 2014:89‬ويذكر هاليداي يف مكان �آخر �إىل �أن «املو�ضوع» هو املكون الذي يحدد جمال اخلطاب‬
‫وحموريته‪� ،‬أي‪ :‬من �أو ما ُيتح َّدث عنه يف هذا اخلطاب (‪ .((()Halliday 1967a [2005]:71‬وي�شري بع�ض‬
‫الباحثني �إىل �أن «املو�ضوع» يحدد النطاق الذي تقع اجلملة يف جماله مما ي�ساعد املخاطب على �إدراك‬
‫حمتوى الن�ص كام ًال (‪ .)Fries 1994:230; Brown and Yule 1983:124,143‬ومن خالل ما �سبق‬
‫ندرك �أن «املو�ضوع» عند هاليداي ومن تابعه يتمو�ضع تركيبي ًا يف بداية اجلملة‪ ،‬ويلعب كذلك دور ًا وظيفي ًا‬
‫مهم ًا يتم ِّثــل يف العالقة التفاعلية بني املتكلم واملخاطب‪ ،‬وذلك بتوجيه ذهن املخاطب �إىل جمال اخلطاب‬
‫املتح ّدث عنه‪ .‬وعلى الرغم من �أن هاليداي مل يربط بني مفهوم «املو�ضوع» و«التداولية» �إال �أنه ميكننا‬
‫�إدراك العالقة بينهما من خالل ما ي�أتي‪:‬‬
‫(( ( ينظر (‪ )Anankra 2017‬فقد �أ�شارت الباحثة �إىل عدد من ال�سمات التداولية التي ت�شتمل عليها نظرية التقييم‪ ،‬وذلك من‬
‫خالله تطبيق النظرية يف حتليل خطاب هيالري كلينتون ال�سيا�سي‪.‬‬
‫((( لذا‪ ،‬جند من يقارب م�صطلح ‪ Theme‬مب�صطلـ ـ ــح «املحدَّث عنه» عن النح ـ ــويني العرب (ينظـ ــر على �س ـ ــبيل املثال‪:‬‬
‫‪.)Abdu-Raof 1998:61; Goldenberg 2007:308-310‬‬

‫‪437‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫‪- -‬يعد م�صطلح «املو�ضوع» ب�شكل عام م�صطلح ًا تداولي ًا يف كثري من امل�صادر والدرا�سات الل�سانية‬
‫الغربية‪ ،‬منها على �سبيل املثال ال احل�صر( (�‪Dik 1997 2:389-394; Abdul-Raof 1998:96; Go‬‬
‫‪.)mez 2001:82‬‬
‫‪�- -‬أ�شار هاليداي (‪� )Halliday 1967a [2005]:71‬إىل �أن «املو�ضوع» يع ّد مكون ًا يت�ضمن وظيفة توا�صلية‪.‬‬
‫وندرك هذه الوظيفة التوا�صلية من خالل طبيعة الوظيفة التي ي�ؤديها «املو�ضوع» الذي يت�صدر اجلملة‪،‬‬
‫فبه يتج ّلى مق�صد املتكلم الذي يتم ِّثــل يف جذب انتباه املخاطب �إىل الإطار املو�ضوعي للجملة قبل �أن‬
‫ُي�سند �إليه املعلومة التي يحتاجها املخاطب‪ ،‬ون�ضرب مثا ًال باجلملة الآتية التي هي عبارة عن عنوان‬
‫لتقرير يف �إحدى ال�صحف‪:‬‬
‫(((‬
‫«اجلامعات �ستتغري»‬ ‫ ‬
‫املتح َّدث عنه‪-‬؛‬
‫فاملكون «اجلامعات» ُو�ضع يف البداية لكي يحدد �إطار اخلطاب وجماله ‪�-‬أي‪ :‬املو�ضوع َ‬
‫ـخب به عن املو�ضوع والذي ُع ِّب به عنه هنا بــاملكون «�ستتغري»؛‬ ‫في�ستطيع املخاطب �إدراكه قبل �إ�سناد ما ُيـ َ‬
‫�إذ يحمل هذا املكون املعلوم َة التي يعتقد املتكلم �أن املخاطب بحاجة �إىل معرفتها‪ ،‬وهذه الرتاتبية هي ما‬
‫جتعل لـ«املو�ضوع» �أهمية كونها ت�ؤدي غر�ض ًا ومق�صد ًا تداولي ًا‪.‬‬
‫‪- -‬ربط هاليداي (‪ )Halliday 1967b: 205‬بني مفهوم «املو�ضوع» ومفهوم «االختيار» الذي �أ�شرنا �إىل‬
‫تداوليته �سابق ًا‪ ،‬فاملتكلم يختار ‪�-‬إما بوعي �أو بغري وعي‪ -‬كلمة ما �أو عبارة ما لتكون نقطة البداية‬
‫يف اجلملة ومو�ضوع احلديث ‪ ،‬ولكن ينبغي �أن ي�ؤخذ يف االعتبار �إىل �أن هذا االختيار حتكمه معايري‬
‫�سياقية ككونه مو�ضع االهتمام يف اجلملة �أو كونه ي�ش ّكل رابط ًا بني اجلملة وما قبلها من ُج ـ َمــل �أو كونه‬
‫يت�ضمن معلومة وردت يف �سياق �سابق‪ .‬وت�شري قوميز �إىل ملمح مهم‪ ،‬وهو �إمكانية مقاربة ما ي�ؤديه‬
‫«املو�ضوع» من تعبري عن الداللة على «املتح َّدث عنه» ب�إحدى م�س ّلمات قراي�س التداولية التي قررها يف‬
‫«مبد�أ التعاون» (‪ ،)Cooperative Principle‬وهي م�س ّلمة «املنا�سبة»‪ ،‬وتعني هذه امل�سلمة �أن يجعل‬
‫املتكلم حديثه ذا عالقة منا�سبة للن�ص احلايل‪� ،‬أي‪� :‬أن املتكلم ينبغي عليه �أن يجعل «املو�ضوع» مت�سق ًا‬
‫ومن�سجم ًا مع بقية مكونات الن�ص؛ وذلك باختياره ما يتنا�سب مع ذلك (‪.)Gomez 1997:77‬‬
‫ ‪�-‬أ�شار هاليداي (‪� )Halliday 1979 [2002]:207‬إىل �أن «املو�ضوع» ميتاز بالربوز (‪)prominence‬‬
‫يف اجلملة التي يرد فيها مع ِّيــن ًا موطن االهتمام والعناية فيها ‪ ،‬وتظهر �أهمية �إبراز «املو�ضوع» ‪� -‬سواء‬
‫�أكان بتحديد مو�ضعه يف بداية اجلملة �أو بتمييزه بتلوين �صوتي بارز‪ -‬عندما يكون مرتبط ًا مبا ُيعرف‬
‫باملو�ضوع املو�سوم (‪ )Marked Theme‬وهو املكون الذي ُنقل من مو�ضع مت�أخر يف اجلملة �إىل‬
‫((( عنوان تقرير يف جريدة عكاظ‪ ،‬الثالثاء ‪.2019/4/9‬‬

‫‪438‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫«الكتاب ا�شرتيتُ » ‪ .‬ويع ّرف‬


‫َ‬ ‫�صدرها(‪ ، )Halliday 1979 [2002]:207‬مثل تقدمي املفعول به يف قولنا‬
‫نحلة الإبراز ب�أنه «�إبراز �أجزاء معينة من الن�ص عن طريق اختيار املو�ضوع املو�سوم ‪ ....‬نحو «القانونَ‬
‫وج ْع ًال له مناط االهتمام» (نحلة ‪ .)67 :2009‬وهذا فيما يظهر يل‬ ‫أحرتم» فق ّدم القانون �إبراز ًا له َ‬
‫� ُ‬
‫يتقاطع ‪ -‬ولكن لي�س بال�ضرورة �أن يتطابق‪ -‬مع ما يعرف يف نظرية النحو الوظيفي عند �سيمون ِدك‬
‫ومن تابعه بـ«الإبراز التداويل» ‪ ،‬ويق�صد به تف�ضيل املكونات التي ت�ؤدي وظائف تداولية معينة ملواقع‬
‫(((‬
‫معينة‪ ،‬منها �صدر اجلملة (املتوكل ‪.)50 :2013 ،151 :2005‬‬
‫واملكون الذي ي�ؤدي وظيفة «املو�ضوع» يف اجلملة لي�س على �شكل واحد بل يتعدد بتعدد وظائفه التوا�صلية‪:‬‬
‫فهناك املو�ضوع املحوري (‪ )Topical Theme‬واملو�ضوع التباديل (‪ )Interpersonal Theme‬واملو�ضوع‬
‫الن�صي(‪ ،)Thompson 2004:158( )Textual Theme‬وهذا التق�سيم يعتمد على امل�ضمون الداليل‬
‫يعب‬
‫للمكون الذي يحتل مو�ضع ال�صدارة وال�سياق الذي وردت فيه؛ فاملو�ضوع املحوري هو املكون الذي ّ‬
‫عن جمال اخلطاب املتح َّدث عنه‪ ،‬واملو�ضوع التباديل هو املكون الذي ُيبتد�أ به ويدل على موقف املتكلم‬
‫ال�شخ�صي من حمتوى اجلملة‪ ،‬واملو�ضوع الن�صي هو املكون الذي ُيبتد�أ به ويلعب دور ًا يف ربط اجلملة مبا‬
‫قبلها من ُج َمل �أو حتديد الإطار الظريف (الزماين �أو املكاين �أو احلايل) للجملة‪ ،‬واملو�ضوع الأ�سا�سي الذي‬
‫البد منه هو املو�ضوع املحوري؛ �إذ ال ي�ستغنى عنه يف البنية الأ�سا�سية للجملة‪ ،‬بينما ُيع ّد ك ٌل من التباديل‬
‫والن�صي مكونني اختيارين يعتمد �إدراجهما على ال�سياق واختيار من�شئ الن�ص (‪Fontaine 2013:149-‬‬
‫‪ ، )152; Forey and Sampson 2017:133‬و�سبب وجوبية املو�ضوع املحوري ‪-‬فيما يظهر‪� -‬أنه يرتبط‬
‫ارتباط ًا وثيق ًا مبحتوى اجلملة الذي بدونه تخت ّل داللته‪ ،‬بينما جند يف املقابل �أن حذف املو�ضوع التباديل‬
‫�أو الن�صي ال ي�ؤثر على املحتوى الداليل للجملة‪ .‬اجلمل الآتية يعد كل واحد منها مثا ًال لكل نوع من �أنواع‬
‫«املو�ضوع» املذكورة �أعاله‪:‬‬
‫�أ ‪� -‬سيار ًة ا�شرتيت‬
‫ب ‪ -‬بالفعل‪ ،‬هذا ما حدث‬
‫جـ ‪ -‬رجعت �إىل البيت كي �أنام مبكر ًا‬
‫هنا جند املكون الذي يحتل ال�صدارة يختلف من جملة �إىل جملة‪ ،‬ففي اجلملة االوىل احتلت كلمة‬
‫«�سيارة» مو�ضع ال�صدارة مفيدة الإطار املو�ضوعي للجملة؛ �إذ جمال احلديث فيها هو ال�سيارة‪ ،‬فتعد‬
‫مو�ضوع ًا حموري ًا‪ ،‬ومتركزها يف هذا املو�ضع لي�س ع�شوائي ًا بل مرتبط ب�سياق ترد فيه ككونها ر ّد ًا على‬
‫((( �أ�شكر �أحد املحكمني على �إ�شارته �إىل �أن مفهوم «الإبراز التداويل» يتقاطع مع مبحث «التقدمي والت�أخري» يف علم املعاين عند‬
‫العرب‪.‬‬

‫‪439‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫من يعتقد �أن املتكلم ا�شرتى �شيئ ًا �آخر غري ال�سيارة‪ ،‬ويف اجلملة الثانية احتلت عبارة «بالت�أكيد» مو�ضع‬
‫ال�صدارة معربة عن موقف املتكلم من خ ٍرب ما مفيدة الت�أكيد؛ لذا تعد هذه العبارة مو�ضوع ًا تبادلي ًا‪ ،‬ويف‬
‫اجلملة الثالثة احتلت االداة «كي» �صدارة العبارة الثانية «�أنام مبكر ًا» مفيدة الإطار التعليلي والتف�سريي‬
‫لها؛ لذا تعد مو�ضوع ًا ن�صي ًا كونها تربط بني العبارتني‪ .‬ويجدر التنبيه على �أن ترتيب مكونات اجلملة على‬
‫معي مرتبط باختيار املتكلم ‪-‬الواعي �أو غري الواعي‪ -‬املت�سق مع ال�سياق‪.‬‬
‫ن�سق ّ‬
‫املفهوم الآخر الذي يندرج حتت مظلة الوظيفة الن�صية هو «الرتاكيب الإخبارية»‪ ،‬وي�شري هذا‬
‫املفهوم ‪ -‬كما يذكر هاليداي‪� -‬إىل ترتيب مكونات الن�ص ونظمها بنا ًء على ما يعرف باملعلومة املعطاة‬
‫واملعلومة اجلديدة‪ ،‬وهذان امل�صطلحان ين�ضويان حتت مظلة التداولية كما ي�شري عدد املتخ�ص�صني يف‬
‫املجال التداويل من �أمثال ت�شيف (‪ )Chafe 1976:31‬و ِدك(‪ )Dik 1997 1:313‬وهونق (‪Haung‬‬
‫‪ ،)2012:131‬و�إن كان هاليداي مل ي�صرح بذلك‪ .‬واملعلومة املعطاة تعني املعلومة التي يعتقد املتكلم �أن‬
‫مدرك لداللتها الإحالية‪ ،‬فكلمة «الرجل» يف «الرجل قائم» معلومة معطاة؛ �إذ ت�شري �إىل رجل‬ ‫ٌ‬ ‫املخاطب‬
‫معني‪ ،‬بينما تدل املعلومة اجلديدة على حمتوى داليل جديد بالن�سبة للمخاطب �إما لكونه ال يدرك حدوده‬
‫و�إحالته املرجعية و�إما لكونه مل يعلم بطبيعة عالقته الإ�سنادية �إال بعد التلفظ باجلملة‪ ،‬لو قلنا «جاء رجل»‬
‫تعد كلمة «رجل» م�شتملة على معلومة جديدة لكونها ال حتيل �إىل فرد بعينه �أو لكونها م�سند ًا �إليها املجيء‬
‫(((‬
‫الذي مل يدركه املخاطب �إال بعد �سماعه‪.‬‬
‫وقد اعتنى ا�صحاب النظرية النظامية الوظيفية بهذين امل�صطلحني عناية كبرية وذلك من عدة حماور‪:‬‬
‫ ‪-‬من حيث التعريف بهما‪ :‬فنجد هاليداي يحرر هذين املفهومني يف عدة موا�ضع من كتبه‪ ،‬فهو يع ّرف‬
‫املعلومة املعطاة ب�أنها هي املعلومة التي يعتقد املتكلم �أن املخاطب لديه القدرة على ا�ستنباط ما‬
‫تت�ضمنه الكلمة �أو العبارة من داللة �إما من خالل �سياق ن�صي �سابق (‪)linguistic/textual context‬‬
‫�أو من خالل ال�سياق اخلارجي الذي يحيط بظروف �إنتاج الن�ص (‪ ،)context of situation‬واملعلومة‬
‫اجلديدة على العك�س من ذلك (‪،)Halliday 1970 [2002]:192; Halliday 1967a [2005]:64‬‬
‫فال�سياق ب�أنواعه له دور كبري يف حتديد نوع املعلومة �إما معطاة �أو جديدة؛ ونتيجة لذلك‪ ،‬يتميز املك ِّون‬
‫املت�ضمن للمعلومة املعطاة بالطابع الإحايل كما �أكد هاليداي على ذلك يف عدة موا�ضع‪ ،‬منها قوله‬
‫«املعلومة امل�سرتجعة [�أي‪ :‬املعطاة] جتنح لأن تكون حما ًال �إليها �إحالة قبلية» (‪Halliday 1967a‬‬
‫‪ ،)[2005]:64‬و«الإحالة» من املفاهيم واملباحث التداولية و�إن مل ي�ص ّرح هاليداي بذلك‪ ،‬وتتداوليتها‬
‫تنبثق من دورها الن�صي يف توجيه املخاطب �إىل تعيني الأ�شخا�ص والأ�شياء والأحداث معتمدة يف ذلك‬
‫على عالقتها بال�سياق (خامت ‪ ،)78 :2016‬و يع ّرف مليطان الإحالة ب�أنها «فعل تداويل يربط بني �أربعة‬
‫((( ينظر يف تعريف هذين امل�صطلحني يف‪.)Chafe 1976:30; Siewierska 1991:155( :‬‬

‫‪440‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫عنا�صر‪ :‬اخلطاب وما يحيل عليه ح�ضور ًا �أو ِذكر ًا واملتخاطبني واملخزون الذهني الذي يعتقد املتكلم‬
‫(((‬
‫توافره لدى املخاطب �إ ّبان التخاطب» (مليطان ‪.)43 :2014‬‬
‫وقد تكون املعلومة معطا ًة لكن ب�شكل غري مبا�شر‪ ،‬وذلك حني يعتقد املتكلم �أن املخاطب لديه القدرة على‬
‫ا�ستنباط ذلك‪ ،‬و�أطلق بع�ض اللغوين على هذا النوع من املعلومة املعطاة «املعلومة امل�ستنبطة» (‪Prince‬‬
‫‪ ،)1985:237‬وم ّثلت له �سيفري�سكي(‪ )Siewierka 1990:158‬باملثال الآتي‪:‬‬
‫«هذا بيت جميل‪ ،‬ولكن املطبخ �صغري جد ًا» ‪.‬‬
‫نالحظ هنا �أن كلمة «املطبخ» مل ترد يف اجلملة االوىل‪ ،‬ولكن املتكلم تعامل معها بو�صفها مت�ضمنة‬
‫معلوم ًة معطاة �سياقي ًا ومد َركة من ِقبل املخاطب‪� ،‬أي‪ :‬وردت يف �سياق �سابق‪ ،‬وهي يف الأدق مل ترد‪ ،‬لكن‬
‫من املمكن �أن ت�ستنبط من مك ِّون ورد �سابق ًا هو «بيت» ؛ �إذ كل بيت ي�شتمل منطقي ًا وعرفي ًا على مطبخ فيه‪،‬‬
‫فهنا عالقة تفاعلية بني املتخاطبني تعتمد على تقدير املتكلم ملدى �إدراك خماطبه للمعلومة املعطاة وقدرته‬
‫على ا�ستنباط ذلك‪ ،‬وهذا يجلي لنا جانب ًا تداولي ًا يتكئ على الك�شف عن العالقة بني الكلمات �أو العبارات‬
‫اللغوية وم�ستخدميها كما �أ�شار يول عند تعريفه للتداولية (‪.)20 :2010‬‬
‫ ‪-‬من حيث العالقة بـ «املو�ضوع» ‪ :‬ي�ؤكد هاليداي وماتي�سني على �أن «املو�ضوع» و«الرتاكيب الإخبارية»‬
‫مفهومان خمتلفان وم�ستقالن؛ �إذ ي�شري امل�ؤلفان ‪-‬يف �سياق مقارنتهما بني «املو�ضوع» و«املعلومة املعطاة»‬
‫‪� -‬إىل �أن «املو�ضوع» هو ما اخرتته �أنا املتكلم ليكون نقطة بداية اجلملة ويت�ضمن جمال اخلطاب‪ ،‬فك�أن‬
‫املتكلم يريد �أن يقول للمخاطب‪� :‬أنا �أحتدث عن هذا املو�ضوع‪ ،‬بينما «املعلومة املعطاة» هي ما تعلمه �أنت‬
‫�أيها املخاطـ ـ ــب (‪ ،)Halliday and Mattheissen 2014:120‬ولكن هذا االختالف ال يعني عدم‬
‫التقارب والتالقي‪ ،‬فغالب ًا ما يكون املو�ضوع مت�ضمن ًا معلومة معطاة (‪.)Halliday 1970 [2002]:192‬‬
‫ ‪-‬من حيث الرتاتبية‪ :‬ي�ؤكد هاليداي ومن تابعه على �أن الرتتيب الرتكيبي ال�شائع ملكونات اجلملة هو‪:‬‬
‫«معلومة معطاة ثم معلومة جديد» (‪،)Halliday 1967a [2005]:93; Bloor and Bloor 1995:69‬‬
‫ولهذا تف�سري تداويل منبثق من طبيعة التفاعل بني �أطراف اخلطاب‪ ،‬وهو ما �أ�شار �إليه عبدالر�ؤوف‬
‫ب�أن املتكلم كي يحقق الغر�ض التوا�صلي من خطابه ينبغي عليه �أن يبد�أ مبا هو معلوم للمخاطب حتى‬
‫يدرك جمال اخلطاب (املتح َّدث عنه) قبل �إ�سناد املعلومة اجلديدة التي يحتاجها (‪Abdul-Raof‬‬
‫‪ ،)1998:96‬وهنا ندرك وجود عالقة تفاعلية بني املتكلم واملخاطب تهدف �إىل حتقيق الهدف من‬
‫التخاطب‪ ،‬وهذه العالقة ال �شك يف تداوليتها‪ ،‬ومما يقوي هذا التف�سري ما ذهبت �إليه قوميز( (�‪Go‬‬
‫‪ )mez 2001:33‬حني ربطت بني تراتبية «معلومة معطاة ثم معلومة جديدة» وم�س ّلمة من م�س ّلمات‬
‫((( ممن �أ�شار �إىل تداولية «الإحالة» �أي�ض ًا ك ٌّل من يول (‪ )39 :2010‬و نحلة (‪.)18 :2011‬‬

‫‪441‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫قراي�س التداولية وهي «م�سلمة الطريقة» التي تعني �أن املتكلم يجب عليه �أن يجعل كالمه وا�ضح ًا‪ ،‬ومن‬
‫قواعد هذه امل�س ّلمة ترتيب الكالم على نح ٍو يجلي الغمو�ض واللب�س (يول ‪ ،)68 :2010‬ف�سبق املعلومة‬
‫(((‬
‫املعطاة على املعلومة اجلديدة هو الأكرث منطقية ويع ّد كلية من كليات التوا�صل اللغوي‪.‬‬
‫ ‪-‬من حيث العالقة بـ«الب�ؤرة» �أو «موطن الرتكيز» (‪ ،)Focus‬وهي من الوظائف التداولية التي تدل على‬
‫املكون الذي يحمل املعلومة الأهم بالن�سبة �إىل املخاطب(((‪� :‬أ�شار هاليداي �إىل �أن الب�ؤرة تت�سق غالب ًا‬
‫مع املعلومة اجلديدة؛ ونتيجة لهذا االت�ساق‪ ،‬يتميز نطق املكون الذي يت�ضمن الب�ؤرة واملعلومة اجلديدة‬
‫بتلوين �صوتي بارز (‪ )prominent tonic‬لغر�ض جذب انتباه املخاطب ملا هو �أهم يف اجلملة؛ وبهذا‬
‫يتحقق الغر�ض التوا�صلي من �إجناز اخلطاب (‪.)Halliday 1967a [2005]:61-63‬‬

‫(( ( يقول املتوكل «املبد�أ العام [هو] �أن تتقدم املكونات احلاملة للمعلومات املعطاة على املكونات احلاملة للمعلومات اجلديدة»‬
‫(املتوكل ‪.)254 :2010‬‬
‫((( ينظر يف تعريف الب�ؤرة و تداوليتها‪ :‬املتوكل (‪ ،)255 :2010‬مليطان (‪.)56 :2014‬‬

‫‪442‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫اخلامتة‬

‫هدف هذا البحث �إىل الك�شف عن ال�سمات واملالمح التداولية للنظرية النظامية الوظيفية التي �أ�س�سها‬
‫اللغوي الربيطاين مايكل هاليداي‪ .‬وقد �أ�شرنا ابتداء �إىل �أن النظرية مل جتعل للتداولية ق�سم ًا �أو مك ِّون ًا‬
‫م�ستق ًال يف منوذجها التف�سريي للغة كما فعلت النظريات الوظيفية الأخرى‪ ،‬ولكن هذا ال يعني �أن النظرية‬
‫اطرحت التداولية جانب ًا و�أخرجتها من دائرة التحليل اللغوي؛ فقد ب ّيــنا يف ثنايا هذا البحث �أن التداولية‬ ‫ّ‬
‫بو�صفها ف�ضاء رحب ًا يحت�ضن حتليل اللغة يف �شكلها اال�ستعمايل تت�سق مع عدد من املفاهيم الوظيفية يف‬
‫النظرية النظامية‪ ،‬و�إن كانت هذه العالقة غري مبا�شرة �أحيان ًا‪ .‬ومن �أبرز هذه املفاهيم‪ :‬الداللة واملعنى‬
‫واالختيار وال�سياق ووظائف اللغة التبادلية والن�صية‪ .‬ومن خالل ا�ستنطاق �أدبيات النظرية‪ ،‬عر�ضنا لهذه‬
‫املفاهيم ومالحمها وخ�صائ�صها مع ِّرفني بها وبعالقتها باملفاهيم التداولية‪ ،‬مثل‪� :‬أفعال الكالم‪ ،‬ومقا�صد‬
‫الكالم‪ ،‬واملعاين ال�سياقية‪ ،‬و�أحوال اخلطاب‪ ،‬والتفاعل اللغوي‪ ،‬والتعبري عن املواقف الذاتية‪ ،‬واملنا�سبة‪.‬‬
‫وهذه النتيجة التي تو�صل �إليها البحث ت�ش ّكل �إجابة عن ت�سا�ؤل بامتان ‪-‬الذي �أوردناه يف مقدمة البحث‪-‬‬
‫حول غياب م�صطلح التداولية يف النظرية النظامية الوظيفية‪ ،‬وت�ش ّكل ‪ -‬يف اجلانب الآخر‪ -‬ت�أكيد ًا لر�أي‬
‫باتلر الذي يرى مركزية البعد التداويل يف النظرية‪ ،‬و�أن تطبيقات النظرية تتفق مع ما ي�شار �إليه يف‬
‫النظريات الوظيفية الأخرى بالتداولية (‪.)Butler 2003 1:45, 200‬‬

‫‪443‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‫املصادر واملراجع‬

‫املصادر واملراجع العربية‪:‬‬


‫‒ ‒بافو‪ ،‬ماري و �سرفاتي‪ ،‬جورج‪ .)2012( .‬النظريات الل�سانية الكربى من النحو املقارن �إىل الذرائعية ‪،‬‬
‫ترجمة‪ :‬حممد الرا�ضي‪ ،‬مركز درا�سات الوحدة العربية‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‒ ‒باقر‪ ،‬مرت�ضى‪ .)2002( .‬مقدمة يف نظرية القواعد التوليدية‪ ،‬دار ال�شروق للن�شر والتوزيع‪ ،‬رام اهلل‬
‫‒ ‒بغورة‪ ،‬الزواوي‪ .)2005( .‬اللغة والفل�سفة ‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‒ ‒جاكندوف‪ ،‬راي‪ .)2019( .‬دليل مي�سر �إىل الفكر واملعنى‪ ،‬ترجمة‪ :‬حمزة املزيني‪ ،‬دار كنوز املعرفة للن�شر‬
‫و التوزيع‪ ،‬ع ّمان‪.‬‬
‫‒ ‒ح�سيبة‪ ،‬م�صطفى‪ .)2009( .‬املعجم الفل�سفي‪ ،‬دار �أ�سامة للن�شر والتوزيع‪ ،‬ع ّمان‪.‬‬
‫‒ ‒خامت‪ ،‬جواد‪ .)2016( .‬التداولية‪� :‬أ�صولها واجتاهاتها‪ ،‬دار كنوز املعرفة للن�شر و التوزيع‪ ،‬ع ّمان‪.‬‬
‫‒ ‒خطابي‪ ،‬حممد‪ .)2012( .‬ل�سانيات الن�ص‪ :‬مدخل �إىل ان�سجام اخلطاب‪ ،‬املركز الثقايف العربي‪ ،‬الدار البي�ضاء‪.‬‬
‫‒ ‒الدخ ّيل‪ ،‬معاذ‪ .)2014( .‬منزلة معاين الكالم يف النظرية النحوية العربية (مقاربة تداولية)‪ ، :‬نادي‬
‫الق�صيم الأدبي‪ ،‬بريدة‪.‬‬
‫‒ ‒زيغد‪� ،‬سعيدة‪ .)2015( .‬حتليل اخلطاب احلواري يف نظرية النحو الوظيفي‪ ،‬دار جمدالوي للن�شر والتوزيع‪ ،‬ع ّمان‪.‬‬
‫‒ ‒ال�سيد‪ ،‬عبداحلميد‪ .)2004( .‬درا�سات يف الل�سانيات العربية‪ ،‬دار احلامد للن�شر والتوزيع‪ ،‬ع ّمان‪.‬‬
‫‒ ‒�صحراوي‪ ،‬م�سعود‪ .)2005( .‬التداولية عند العلماء العرب‪ ،‬درا�سة تداولية لظاهرة الأفعال الكالمية يف‬
‫الرتاث العربي الل�ساين‪ ،‬دار الطليعة لطباعة والن�شر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‒ ‒عبد الكرمي‪ ،‬جمعان‪ .)2016( .‬من حتليل اخلطاب �إىل حتليل اخلطاب النقدي‪ ،‬دار كنور املعرفة للن�شر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ع ّمان‪.‬‬
‫‒ ‒الع�صيمي‪� ،‬صالح‪ .)2018( .‬ل�سانيات املتون‪ :‬ق�ضايا �أ�سا�سية يف الت�أ�صيل والتطبيق واملنهج‪ ،‬مركز امللك‬
‫عبداهلل الدويل خلدمة اللغة العربية‪ ،‬الريا�ض‪.‬‬
‫‒ ‒علوي‪ ،‬حافظ وعبدالرحيم‪ ،‬منت�صر‪ .)2014( .‬التداوليات وحتليل اخلطاب‪ .‬يف‪ :‬التداوليات وحتليل‬
‫اخلطاب‪ :‬بحوث حمكمة‪ ،‬حترير‪ :‬حافظ علوي ومنت�صر عبدالرحيم‪ ،‬دار كنور املعرفة للن�شر والتوزيع‪،‬‬
‫ع ّمان‪.‬‬

‫‪444‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫د‪ .‬طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬

‫‒ ‒غلفان‪ ،‬م�صطفى‪ .)2009( .‬الل�سانيات التوليدية‪ :‬من النموذج ما قبل املعيار �إىل الربنامج الأدنوي‬
‫(مفاهيم و�أمثلة)‪ ،‬عامل الكتب احلديث‪� ،‬إربد‪‎.‬‬
‫‒ ‒غلفان‪ ،‬م�صطفى‪ .)2010( .‬يف الل�سانيات العامة‪ :‬تاريخها‪ ،‬طبيعتها‪ ،‬مو�ضوعها‪ ،‬مفاهيمها‪ ،‬دار الكتاب‬
‫اجلديد املتحدة‪ ،‬طرابل�س‪.‬‬
‫‒ ‒غلفان‪ ،‬م�صطفى‪ .)2013( .‬الل�سانيات البنيوية‪ :‬منهجيات واجتاهات‪ ،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪،‬‬
‫طرابل�س‬
‫‒ ‒املتوكل‪� ،‬أحمد‪ .)2005( .‬الرتكيبات الوظيفية‪ :‬ق�ضايا ومقاربات‪ ،‬دار الأمان‪ ،‬الرباط‪.‬‬
‫‒ ‒املتوكل‪� ،‬أحمد‪ .)2006( .‬املنحى الوظيفي‪ ،‬دار الأمان‪ ،‬الرباط‪.‬‬
‫‒ ‒املتوكل‪� ،‬أحمد‪ .)2010( .‬الل�سانيات الوظيفية‪ :‬مدخل نظري‪ ،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬طرابل�س‬
‫‒ ‒املتوكل‪� ،‬أحمد‪ .)2013( .‬ق�ضايا اللغة العربية يف الل�سانيات الوظيفية‪ ،‬من�شورات �ضفاف‪ ،‬الرباط‪.‬‬
‫‒ ‒مليطان‪ ،‬حممد احل�سني‪ .)2014( .‬نظرية النحو الوظيفي‪ :‬الأ�س�س والنماذج واملفاهيم‪ ،‬من�شورات �ضفاف‪،‬‬
‫الرباط‪.‬‬
‫‒ ‒مو�شلر‪ ،‬جاك و ريبول‪� ،‬آن‪ .)2010( .‬القامو�س املو�سوعي للتداولية‪ ،‬ترجمة عدد من الباحثني‪� ،‬إ�شراف‪ :‬عز‬
‫الدين جمدوب‪ ،‬املركز الوطني للرتجمة‪ ،‬تون�س‪.‬‬
‫‒ ‒املي�ساوي‪ ،‬خليفة‪ .)2013( .‬امل�صطلح الل�ساين وت�أ�سي�س املفهوم‪ ،‬م�شورات دار �ضفاف‪ ،‬الرباط‪.‬‬
‫‒ ‒نحلة‪ ،‬حممود‪ .)2009( .‬علم اللغة النظامي‪ :‬مدخل �إىل النظرية اللغوية عند هاليداي‪ ،‬دار املعرفة‬
‫اجلامعية‪ ،‬اال�سكندرية‪.‬‬
‫‒ ‒نحلة‪ ،‬حممود‪� .)2011( .‬آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعا�صر‪ ،‬مكتبة الآداب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‒ ‒وحيدي‪ ،‬حممد‪ .)2017( .‬اللغة بني التف�سري الوظيفي والتف�سري ال�شكلي‪ ،‬جملة الل�سانيات العربية‪ ،‬العدد (‪.)5‬‬
‫‒ ‒يول‪ ،‬جورج‪ .)2010( .‬التداولية‪ ،‬تر‪ :‬ق�صي العتابي‪ ،‬الدار العربية للعلوم نا�شرون‪ ،‬بريوت‪.‬‬

‫‪445‬‬
‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية ‪ :‬العدد [‪ ،]24‬رجب ‪١٤٤٢‬هـ ‪ /‬فبراير ‪٢٠٢١‬م‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

:‫املصادر واملراجع االجنليزية‬

‒‒Abdul-Raof, H. 2015. Semantics. A Coursebook for Students of English as a Foreign Language. LIN-
COM GmbH.
‒‒Ananko, T. 2017. The Category of Evaluation in Political Discourse. Advanced Education, 4(8),
pp.128-137.
‒‒Andersen, T. 2017. Interpersonal meaning and the clause. In The Routledge handbook of systemic
functional linguistics (pp139-154). Routledge: London and New York.
‒‒Austin, J. 1975. How to do things with words. Oxford: Oxford University Press.
‒‒Bateman, J. 2017. The place of systemic functional linguistics as a linguistic theory in the twenty-first
century. In The Routledge Handbook of Systemic Functional Linguistics (pp. 35-50). Routledge: Lon-
don and New York.
‒‒Berry, M.1975. Introduction to Systemic Linguistics 1. Systems and structures. London: Batsford
Academic and Educational.
‒‒Berry, M. 2017. Stratum, delicacy, realisation and rank. In The Routledge Handbook of Systemic
Functional Linguistics (pp. 42-56). London and New York: Routledge.
‒‒Bloor, T. and Bloor, M., 1995. The functional analysis of English: A Hallidayan approach. London:
Arnold.
‒‒Brown, G. and Yule, G. 1983. Discourse Analysis. Cambridge: Cambridge University Press.
‒‒Butler, C. 1985. Systemic linguistics: Theory and applications. London: Batsford Academic and Ed-
ucational.
‒‒Butler, C. 2003. Structure and Function A Guide to Three Major Structural-Functional Theories:
Parts 1-2. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company.
‒‒Butler, C. and Gonzálvez-García, F. 2014. Exploring functional-cognitive space. Amsterdam: John
Benjamins Publishing Company.
‒‒Chafe, W. L. 1976. ‘Givenness, Contrastiveness, Definiteness, Subjects, Topics, and Point of View’. In:
N. C. Li, (ed.) Subject and Topic. New York: Academic Press, pp. 25-55.
‒‒Chomsky, N. (2002). On Nature and Language. Cambridge University Press: Cambridge.
‒‒Chomsky, N. 1957. Syntactic Structures. The Hague: Mouton and Co.
‒‒Chomsky, N. 1976. Reflections on language. London: Moyer Bell.
‒‒Chomsky, N. 2014. Aspects of the Theory of Syntax. MIT press.
‒‒Dik, S. (1986). On the notion “functional explanation”. Belgian Journal of Linguistics, 1, (1), pp. 11– 52.
‒‒Fairclough, N. 2003. Analysing discourse: Textual analysis for social research. London and New York:
Routledge.
‒‒Fairclough, N., 1992. Discourse and social change. Cambridge: Polity press.

446
‫م‬٢٠٢١ ‫ فبراير‬/ ‫هـ‬١٤٤٢ ‫ رجب‬،]24[ ‫ العدد‬: ‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية‬
‫ طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي‬.‫د‬

‒‒Forey, G. and Sampson, N. 2017. Textual metafunction and theme: what’s ‘it’about?. In The Routledge
Handbook of Systemic Functional Linguistics (pp. 131-145). Routledge: London and New York.
‒‒Fries, P.H. 1994: On Theme, Rheme and discourse goals. In M. Coulthard. (ed.), Advances in writ-
ten text analysis. pp. 229–249.London: Routledge.
‒‒Goldenberg, G. 2007. ‘Subject and predicate in Arab grammatical tradition’. In: R. Baalbaki, (ed.)
The Early Islamic Grammatical Tradition . Aldershot: Ashgate, pp. 301-336.
‒‒Gomez, M. 2001. The Theme-Topic Interface. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company.
‒‒González, M. 1997. A critique of topic and theme within the frameworks of Functional Grammar
(FG) and Systemic-Functional Grammar (SFG). Revista española de lingüística aplicada, (12), pp.75-
94.
‒‒Halliday, M.A.K. 1967a [2005]. Notes on transitivity and theme in English-part 2. In: Studies in En-
glish Language. (ed.), J. Webster. (pp. 55-109) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 1967b. Some aspects of Thematic organization in the English clause. Santa Monica: he
RAND Corporation.
‒‒Halliday, M.A.K. 1969 [2003]. A brief sketch of systemic grammar. In: On Language and Linguistics.
(ed.), J. Webster. (pp. 180-184) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 1970 [2002]. Language structure and language function. In: On Grammar. (ed.), J.
Webster. (pp. 173-195) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 1970 [2005]. Functional diversity in language as seen from a consideration of Modality
and Mood in English. In: Studies in English Language. (ed.), J. Webster. (pp. 164-204) London: Con-
tinuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 1973. Explorations in the functions of language. London: Edward Arnold.
‒‒Halliday, M.A.K. 1975a. Learning how to mean. London: Edward Arnold
‒‒Halliday, M.A.K. 1975b. The context of linguistics. In: On Language and Linguistics. (ed.), J. Webster.
(pp. 74-91) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 1978. Language as social semiotic. London: Edward Arnold.
‒‒Halliday, M.A.K. 1979 [2002]. Modes on Meaning and Modes of expression. In: On Grammar. (ed.), J.
Webster. (pp. 196-218) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 1985 [2003]. Systemic background. In: On Language and Linguistics. (ed.), J. Web-
ster. (pp. 185-198) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 2002. Introduction: a personal perspective. In: On Grammar. (ed.), J. Webster. (pp.
1-14) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 2003. Introduction: on the "architecture" of human language. In: On Language and
Linguistics. (ed.), J. Webster. (pp. 1-29) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. and Matthiessen, C. 1999. Construing Experience Through Meaning: A Lan-
guage-Based Approach to Cognition. London and New York: Cassell.
‒‒Halliday, M. A. K. and Matthiessen, C. 2014. Introduction to Functional Grammar. New York: Hod-
der Arnold.

447
‫م‬٢٠٢١ ‫ فبراير‬/ ‫هـ‬١٤٤٢ ‫ رجب‬،]24[ ‫ العدد‬: ‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية‬
‫البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية‬

‒‒Hart, C. 2014. Discourse, grammar and ideology: Functional and cognitive perspectives. London and
New York: Bloomsbury Academic.
‒‒Huang, Y. 2007. Pragmatics. Oxford: Oxford University Press.
‒‒Leech, G. 1983. The principles of Pragmatics. London and New York: Longman.
‒‒Lyons, J. 1981. Language and linguistics. Cambridge: Cambridge University Press.
‒‒Mackenzie, L. 1992. What is functional grammar. Congrès International De Linguistique Et Philolo-
gie Romanes, 20, Zurich.
‒‒Mackenzie, L. 2016. A first history of Functional Grammar. In History of Linguistics, (ed.), C.
Assunção, G. Fernandes and R. Kemmler, (pp. 233-245). Amsterdam: John Benjamins Publishing
Company.
‒‒Matthiessen, C., Teruya, K. and Lam, M., 2010. Key terms in systemic functional linguistics. London:
Continuum.
‒‒McEnery, T. and Hardie, A. 2012. Corpus linguistics: Method, Theory and Practice. Cambridge:
Cambridge University Press.
‒‒McEnery, T. and Wilson, A. 2008. Corpus linguistics. Edinburgh: Edinburgh University Press.
‒‒Oteíza, T. 2017. The appraisal framework and discourse analysis. In The Routledge handbook of sys-
temic functional linguistics (pp. 481-496). London and New York: Routledge.
‒‒Palmer, F. 1995. Semantics. Cambridge: Cambridge University Press.
‒‒Palmer, F. R. 1986. Mood and Modality. Cambridge: Cambridge University Press.
‒‒Prince, E. 1981. Toward a taxonomy of given new information. In: P. Cole, (ed.) Radical Pragmatics.
Academic Press, Inc.
‒‒Richardson, J., 2006. Analysing newspapers: An approach from critical discourse analysis. New York:
Palgrave Macmillan.
‒‒Searle, J. (1971) What is a speech act? In: The Philosophy of Language. (ed.), J. Searle. (pp. 39-53),
Oxford: Oxford University Press.
‒‒Siewierska, A. 1991. Functional Grammar. London and New York: Routledge.
‒‒Taverniers, M. 2011. The syntax–semantics interface in Systemic Functional Grammar: Halliday’s
interpretation of the Hjelmslevian model of stratification. Journal of Pragmatics 43(4), pp.1100–1126.
‒‒Traugott, E.C., 2012. Pragmatics and language change. In: The Cambridge handbook of pragmatics,
(ed.), K. Allan and K. Jaszczolt. pp.549-565. Cambridge: Cambridge University Press.
‒‒Tucker, G. 1998. The lexicogrammar of adjectives: A systemic functional approach to lexis. London
and New York: Cassell.
‒‒Valin, V. 2001. Functional Linguistics. In: M. Aronoff (ed.), The Handbook of Linguistics. pp. 319-
336. Oxford: Blackwell.

448
‫م‬٢٠٢١ ‫ فبراير‬/ ‫هـ‬١٤٤٢ ‫ رجب‬،]24[ ‫ العدد‬: ‫مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية‬

Powered by TCPDF (www.tcpdf.org)

You might also like