Professional Documents
Culture Documents
1909 007 024 011
1909 007 024 011
ﺇﺳﻠﻮﺏ APA
ﺍﻟﻔﺮﻳﺪﻱ ،ﻃﺎﺭﻕ ﺑﻦ ﺭﺑﻴﻊ .(2021) .ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﺘﺪﺍﻭﻟﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ
ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ.ﻣﺠﻠﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻄﺎﺋﻒ ﻟﻠﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ،ﻣﺞ ,7ﻉ .448 - 411 ،24ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ
http://search.mandumah.com/Record/1129751
ﺇﺳﻠﻮﺏ MLA
ﺍﻟﻔﺮﻳﺪﻱ ،ﻃﺎﺭﻕ ﺑﻦ ﺭﺑﻴﻊ" .ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﺘﺪﺍﻭﻟﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺴﺎﻧﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﻴﺔ".ﻣﺠﻠﺔ
ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻄﺎﺋﻒ ﻟﻠﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔﻣﺞ ,7ﻉ .448 - 411 :(2021) 24ﻣﺴﺘﺮﺟﻊ ﻣﻦ
http://search.mandumah.com/Record/1129751
البعــــد التــــداولي
فـي اللسانيات النظامية الوﻇيفية
املستخلص
تعد التداولية اجتاه ًا ل�ساني ًا معا�صر ًا يعنى بالك�شف عن خ�صائ�ص اللغة يف �سياق اال�ستعمال ،فهو
يبحث يف املقا�صد والوظائف التي ت�ؤديها اللغة وير�صد حلركتها وتفاعلها يف اخلطاب .وتتداخل التداولية
مع عدد من االجتاهات الل�سانية ،ومن �أبرزها «االجتاه الوظيفي» الذي ت�سلك م�ساره عدد من النظريات
الوظيفية املختلفة التي -ب�شكل عام -تتفق حول مركزية «التوا�صل» بو�صفه الوظيفة الأ�سا�سية للغة .وهذه
لكل منها خ�صائ�صها و�سماتها التي متيـّزها عن غريها ،ومن هذه النظريات لي�ست على طريقة واحدة؛ �إذ ٍّ
اخل�صائ�ص ما يتعلق بطبيعة العالقة بالتداولية وطريقة التعاطي معها .وحمور النقا�ش يف هذه الورقة
هو البحث عن العالقة بني التداولية والنظرية النظامية الوظيفية التي �أ�س�س لها اللغوي مايكل هاليداي،
وهي نظرية تنظر �إىل اللغة بو�صفها نظام ًا من املعاين التي ترتبط بال�سياق االجتماعي والثقايف؛ لذا تهتم
بتحليل اللغة يف �سياق ا�ستعمالها وبالك�شف عن وظائف التوا�صل اللغوي ،ويرجع �سبب اختيار هذه النظرية
من بني النظريات الوظيفية الأخرى �إىل الغياب الوا�ضح مل�صطلح التداولية يف �أدبيات هذه النظرية
وتطبيقاتها ،مما َي�شي ب�أن �أ�صحابها قد جتاهلوا املفاهيم التداولية ومل يلقوا لها با ًال.
وقد تو�صل هذا البحث -بعد الرجوع �إىل م�صادر ومراجع النظرية والبحث يف م�صطلحاتها و�سياقاتها-
�إىل تو�ضيح طبيعة العالقة بني التداولية والنظرية النظامية الوظيفية ،وذلك من خالل ر�صد املفاهيم
التي تتبانها النظرية والتي -يف الوقت نف�سه -ت�شتمل على �أبعاد تداولية ،ومن �أبرز هذه املفاهيم :الداللة
واملعنى واالختيار وال�سياق والوظائف التي ت�ؤديها اللغة.
الكلمات املفتاحية :التداولية ،النظرية النظامية الوظيفية ،ال�سياق ،وظائف اللغة.
413
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
Abstract:
The focus of the discussion in this paper is to search for the relationship
between pragmatics and Systemic Functional Linguistics theory founded by
Michael Halliday, a theory that views language as a system of meanings that
are related to the social and cultural context; therefore it analyzes the language
in the context of its use and the disclosure of the functions of linguistic com-
munication. The reason for choosing this theory among functional theories is
due to the apparent absence of the term "pragmatics" in the literature and ap-
plications of this theory. This signals that the linguists who are following this
theory may ignore the pragmatic concepts and paid no attention to it.
This research - after referring to the sources and references of the theory
and searching in its terms and contexts- has been able to clarify the nature of
the relationship between pragmatics and Functional Systemic theory, by trac-
ing and monitoring the concepts the theory adopts which, at the same time,
contain pragmatic dimensions. The most prominent concepts are: semantics,
meaning, choice, context and the functions that language performs.
414
م٢٠٢١ فبراير/ هـ١٤٤٢ رجب،]24[ العدد: مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
(((
مقدمة
تتنوع االجتاهات الل�سانية وتختلف م�شاربها ،فكل اجتاه له مبادئه و�أ�س�سه التي ي�ستند عليها و�آلياته
اخلا�صة يف التحليل اللغوي ،فمنها التاريخي واملقارن والبنيوي والتوليدي والوظيفي ،واالجتاه الواحد منها
لي�س على منط واحد ،بل تندرج حتته نظريات ومناذج متعددة تتداخل فيما بينها تارة وتفرتق تارة �أخرى،
وتعود �أ�سباب هذا التنوع واالختالف �إىل عدة �أمور ،منها :اختالف الأ�س�س النظرية والفل�سفية يف حتديد
طبيعة الظاهر اللغوية ،واختالف الطرائق املتبعة يف حتليل الظواهر اللغوية (غلفان .)79-41 :2009
ويع ّد االجتاه الوظيفي من االجتاهات التي لها ذيوع يف امل�شهد الل�ساين ،وت�سلك م�ساره عدد من النظريات
الوظيفية املختلفة التي يرى �أ�صحابها �أن اللغة عبارة عن ن�سق وظيفي يهدف �إىل التعبري عن الأغرا�ض
التوا�صلية بني الب�شر ،و�أن اللغة لي�ست منعزلة عن ما يحيط بها من عوامل اجتماعية ونف�سية لها دور يف
الت�أثري يف منط ا�ستخدام اللغة (نحلة ،43 :2009بافو و�سرفاتي .)194 :2014وهذه ال�سمة جتعل من
االجتاه الوظيفي مت�سق ًا -منطقي ًا -مع التداولية بو�صفها جما ًال يعنى بتحليل اللغة يف �سياق ا�ستعمالها،
بل �إن التداولية -كما يعرب �أحمد املتوكل -حتتل موقع ًا �أ�سا�سي ًا يف االجتاه الوظيفي (املتوكل .)16 :2010
وي�شري هونق(� )Haung 2007:4إىل �أن التداولية مت ِّثل -ب�شكل عام -وجهة نظر وظيفية (�إما معرفية
�أو اجتماعية �أو ثقافية �أو غريها) تتعاطى مع الظواهر اللغوية املنجزة .وقد تولد االهتمام بالتداولية يف
االجتاه الوظيفي من خالل املبد�أ الأ�سا�س الذي ترتكز عليه النظريات الوظيفية املختلفة وهو �أن التوا�صل
مي ّثل الوظيفة الأ�سا�سية للغة ،و�أن التحليل الل�ساين يتجه ب�شكل �أ�سا�سي �إىل و�صف القدرة التوا�صلية لدى
املتكلم واملخاطب (ال�س ّيد ،139 :2003املتوكل .)27-20 :2006وعند ا�ستعرا�ض الأدبيات املختلفة
للنظريات الوظيفية جند �أنه على الرغم من ت�صريح �أ�صحابها باعتماد هذه النظريات على التداولية
حمور ًا �أ�سا�سي ًا ال ي�ستغني عنه ،يهدفون من خالله �إىل ر�صد اخل�صائ�ص التي حتكم التوا�صل اللغوي -مثل:
نظرية النحو الوظيفي((( (� -)Functional Grammarإال �أن هذا الت�صريح ال جند له �صدى مماث ًال
يف النظرية النظامية الوظيفية ( )Systemic Functional Linguisticsالتي �أر�سى دعائمها اللغوي
الربيطاين مايكل هاليداي� ،إذ �أغفلت هذه النظرية حتديد م�ستوى م�ستقل للتداولية من بني م�ستويات
((( �أتقدم بال�شكر والعرفان لعمادة البحث العلمي باجلامعة اال�سالمية على دعمها لهذا البحث.
((( تنت�سب هذه النظرية �إىل العامل اللغوي الهولندي �سيمون ِدك Simon Dikالذي �ألف اول كتاب للتعريف بها عام 1978م وكان
بعنوان “ ”Functional Grammarالذي �أ�س�س فيه املبادئ العامة للنظرية ،و�أعقبه بعدد من امل�ؤلفات التي تر�صد تطور
النظرية ،ويعد كتابه “ ”The Theory of Functional Grammarهو االو�سع والأ�شمل؛ �إذ يحتوي على تف�صيالت دقيقة وحتليل
مو�سع للظواهر الوظيفية يف اللغة ،وقد �سار على دربه عدد من اللغويني من �أ�شهرهم Kees Hengeveldو ،Lachlan Mackenzi
ويف ال�سياق العربيُ ،يع ّد اللغوي املغربي الدكتور �أحمد املتوكل حامل لواء النظرية؛ �إذ �ألف فيها امل�ؤلفات الكثرية واجتهد يف
نقلها و تطبيقها على العربية.
415
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
اللغة وطبقاتها ،وهذا على خالف ما هو احلال يف الداللة التي ُع ِّب عن ا�ستقالليتها بو�صفها م�ستوى ي�ش ّكل
�أهمية بالغة يف النموذج التحليلي للغة ،بل ال جند �أثر ًا �صريح ًا للتداولية على امل�ستوى التطبيقي للنظرية
املتم ِّثل يف حتليل الن�صو�ص؛ لذا ت�ساءل بامتان ( )Bateman 2017: 20عند حديثه عن مبادئ هذه
النظرية حول هذه النقطة حني ع ْن ـ َون �إحدى مباحث مقالته ب ـ «�أين اختفت التداولية؟» ،و�أ�شار يف ذلك
يعب عنها ب�شكل �صريح يف �أدبيات النظرية على الرغم من ا�شرتاكهما � -أي: املبحث �إىل �أن التداولية ال ّ
التداولية والنظرية -يف مبد�أ درا�سة ا�ستعمال اللغة ،ونقل عن فريكلوف � -أحد �أبرز املتخ�ص�صني يف
التحليل النقدي للخطاب� -أنه �أ�شار �إىل افتقار النظرية النظامية الوظيفية �إىل مركزية التداولية .ويف
املقابل ،جند باتلر( )Butler 2003 1:45عند عر�ضه ملبادئ النظرية ُي َعن ـْ ـ ِون �إحدى مباحثه بــ«مركزية
الداللة والتداولية» ،ولكنه يف احلقيقة مل ير�صد املفاهيم التداولية التي تتبناها النظرية خال �إ�شارات
عامة متفرقة .وما ُذكر �أعاله يثري ت�سا�ؤلني ،وهما:
-ما موقف �أ�صحاب النظرية النظامية الوظيفية من التداولية على الرغم من وجود تقاطع بني
التداولية واالجتاه الل�ساين الوظيفي ب�شكل عام؟
-كيف تعاطى �أ�صحاب هذه النظرية مع التداولية عند حتليلهم للغة ودرا�سة خ�صائ�صها؟
هذان ال�س�ؤاالن هما ما ي�سعى هذا البحث �إىل الإجابة عنهما .ويجدر �أن نلفت النظر �إىل �أنه عند
ا�ستعرا�ض الدار�سات العربية التي تطرقت للنظرية النظامية الوظيفية ال جند �أي حماولة للإجابة عن
(((
هذين ال�س�ؤالني مما ي�ؤكد �أهمية الوقوف عندهما وال�سعي �إىل الإجابة عنهما.
ُق ّ�سم هذا البحث �إىل �ستة مباحث :ي�شتمل اولها على تقدمي عام و�أهداف البحث و�أ�سئلته ،ويعر�ض
�سمات االجتاه الوظيفي يف الل�سانيات ومبادئه ،ويعر�ض ثالثها مبادئ النظرية النظامية الوظيفية،
ثانيها ِ
يف حني ُخ ِّ�ص�ص املبحث الرابع للحديث عن التداولية ومفاهيمها كونها املحور التي تدور حوله �أ�سئلة
البحث ،املبحث اخلام�س -وميثل مرتكز البحث -وهو الك�شف عن العالقة بني التداولية والنظرية النظامية
الوظيفية ،ثم ُيـختم البحث باملبحث ال�ساد�س وفيه تُذكر �أهم النتائج.
1 .1االجتاه الوظيفي يف اللسانيات :سماته و مبادئه:
الل�سانيات الوظيفية ( )Functionalismهي �إحدى االجتاهات الكربى يف الدر�س الل�ساين ،فهي
((( من هذه الدرا�سات:
-علم اللغة النظامي :مدخل للنظرية اللغوية عند هاليداي ،للدكتور حممود نحلة.
-مبحث «النحو الن�سقي» يف كتاب «الل�سانيات الوظيفية :مدخل نظري» ،للدكتور �أحمد املتوكل.
-مبحث «النحو النظامي» يف كتاب «الل�سانيات :املجال والوظيفة واملنهج» ،للدكتور �سمري ا�ستيتية.
416
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
تقف بالتوازي مع الل�سانيات الو�صفية والل�سانيات التوليدية ،وقد ارتبط ا�سم الل�سانيات الوظيفية بحلقة
براغ اللغوية التي �أ�س�ست عام 1926م ( .)Lyons 1981:224ويعتقد �أعالم هذا االجتاه �أن اللغة يف
املقام االول ظاهرة طبيعية حتكمها عوامل غري لغوية ،مثل :املحيط االجتماعي (نحلة .)43 :2001
واللغة عندهم وظيفة و�أداة توا�صل ولي�ست جمرد تراكيب منعزلة عن �سياقاتها ،فاخل�صائ�ص ال�صوتية
والرتكيبية والداللية مرتبط �إجنازها وتف�سريها بالوظيفة التوا�صلية التي ت�ؤديها (;Mackenzie 1992:1
)Lyons 1981:224؛ لذا جندهم يتبنون الر�أي الذي يربط بني البنية والوظيفة و�أن العالقة بينهما
لي�ست اعتباطية ( .)Butler 2003 1:33وين�صب اهتمام لغويي هذا االجتاه على الرتكيز على اجلانب
التوا�صلي للغة (�أي :اللغة من حيث اال�ستعمال �أو الإجناز الفعلي للغة) .فالعبارات اللغوية -على حد تعبري
خ�صائ�صها البنيوية
ُ املتوكل ( -)20 :2010مت ِّثــل «و�سائل ت�ستخدم لت�أدية �أغرا�ض توا�صلية معينة وتُقا َرب
على هذا الأ�سا�س» .وقد انبثق االهتمام بالوظيفية عندهم من خالل اهتمامهم باجلانب اال�ستعمايل للغة
(نحلة ،)42 :2001ولكن ال يعني تركيزهم على الوظيفة التوا�صلية يف البحث الل�ساين �أن الرتكيب لي�س
بذي �أهمية ،بل جند درا�ساتهم تت�ضمن حتليالت للجوانب الرتكيبية للغة مثل :حتليل الوحدات ال�صوتية
وحتليل العالقات الرتكيبية بني مكونات اجلملة (غلفان )53 :2013؛ لذا يو�صف هذا االجتاه �أحيان ًا
بالبنيوي-الوظيفي((( ( ، )Butler 2003 1:34وال م�شاحة يف هذا الو�صف؛ لأن االجتاه الوظيفي -خا�صة
يف بداياته -ت�أثر باالجتاه البنيوي ،كما جند ذلك بارز ًا يف �إ�سهامات حلقة براغ الل�سانية التي تع ّد البذرة
الأ�سا�س لالجتاه الوظيفي ،ومع ذلك فلهم �إ�سهامات يف املجال البنيوي ال�صوتي وال�صريف والرتكيبي
(غلفان ،)234 ،215 ،53 :2013ولكن تبقى االولوية عند �أ�صحاب هذا االجتاه للجانب الوظيفي يف حتليل
اللغة ،فاخل�صائ�ص التداولية -مث ًال– حتدد اخل�صائ�ص البنيوية للعبارات اللغوية (املتوكل .)23 :2013
هذه اخلا�صية جتعل من االجتاه الوظيفي مقا ِب ًال ملا يعرف يف الأدبيات الل�سانية باالجتاه ال�صور ي �For
malismالذي مي ّثل له بالنظرية التوليدية؛ �إذ يهتم روادها بالنظام اللغوي املجرد من �أية عوامل خارجية
والرتكيز على القدرة اللغوية (الذهنية) يف مقابل الإجناز ( ، Butler 2003 1:4وحيدي .)8 :2017ويف
الأ�سطر القادمة� ،سنلقي ال�ضوء على �أهم الفروقات بني االجتاه الوظيفي واالجتاه التوليدي عند احلديث
عن مبادئ االجتاه الوظيفي .قبل ذلك ،يجدر التنبيه على �أن االجتاه الوظيفي يف الل�سانيات ال ي�سري على
منهج واحد ،فقد ظهرت عدد من النظريات الوظيفية التي يهدف لغويو كل نظرية �إىل انتهاج م�سار خا�ص
بهم (ينظر :غلفان ،46 :2013املتوكل ،)137-117 :2010ومن �أبرزها:
-الوجهة الوظيفية للجملة( ، )Functional Sentence perspectiveوتبنى هذا االجتاه العامل اللغوي
الت�شيكي ماتي�سي�س Mathesiusامل�ؤ�س�س احلقيقي حللقة براغ وتالمذته من �أمثال دا ِن�ش Danish
و ِفربا�س .Firbas
((( تابع بع�ض الباحثني العرب هذا الر�أي ف�أدرجوا النظريات الوظيفية �ضمن الإطار البنيوي ،كما فعل غلفان ( )309 ،215 :2010يف
كتابه«الل�سانياتالبنيوية».
417
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
-الوظيفية الفرن�سية �أو وظيفية مارتيني Martinetالذي ط ّور �أمنوذجه الل�ساين من عدة روافد� ،أهمها:
ت�صورات �سو�سري De Saussurerوحلقة براغ.
-الل�سانيات النظامية الوظيفية ( )Systemic Functional Linguisticsو�أ�س�س مدر�ستها اللغوي
الإجنليزي مايكل هاليداي ،Michael Hallidayوهذه النظرية حمل الدرا�سة.
-نظرية النحو الوظيفي ( ،)Functional Grammarو�أ�س�س مدر�ستها اللغوي الهولندي �سيمون ِدك
.Simon Dik
-نظرية الدور والإحالة ( ،)Role and Referenceوهي من مقرتحات اللغو َيــني فان فالني وفويل
Foleyو .Van Valin
وعلى الرغم من اختالف هذه النظريات الوظيفية فيما بينها اختالف ًا وا�ضح ًا �إال �أنها تتبنى -ب�شكل
عام -عدد ًا من املبادئ امل�شرتكة ،و�سنعر�ض جلملة من هذه املبادئ مع مقارنتها مبا هو موجود يف االجتاه
(((
ال�شكلي زيادة يف الإي�ضاح:
1-1وظيفة اللغة الأ�سا�سية هي التوا�صل ،يقول ِدك «الهدف الأ�سا�سي من اللغات الطبيعية هو بناء
التوا�صل الب�شري» ( ،)Dik 1986:21فاللغة مك ِّون وظاهرة اجتماعية ومت ّثل الو�سيط الذي ينقل
الأفكار بني �أفراد املجتمعات ،ومركزية هذه الوظيفة جتعلها احلا�ضنة لكل الوظائف الأخرى التي
ت�ؤديها اللغة كالتعبري عن الفكر وامل�شاعر واملعتقدات (املتوكل .)21 :2006يف الطرف املقابل ،جند
التوليديني يجعلون اللغة يف املقام االول �أداة للتفكري ،فا�ستعمال اللغة يف الأ�صل حديث داخلي ُين�شئه
الفرد مع نف�سه ،وهذه اخلا�صية للغة متولدة من اعتقادهم بفطرية اللغة وكونها ع�ضو ًا جيني ًا يولد مع
الإن�سان وميار�س من خالله التفكري ( ،)Chomsky 2002:75: Chomsky 1965:6بعبارة �أخرى،
التفكري لغة غري منطوقة (جاكندوف .)153 :2019وموقف التوليديني هذا ال يعني �إنكارهم �أن
التوا�صل لي�س من وظائف اللغة ،بل هو كذلك ،لكنّ املق�صو َد �أن التوا�صل ال مي ّثل الوظيف َة الأ�سا�سية
لها ،فوظيفة التعبري عن التفكري تعلوها (.)Butler and Gonzálvez-García 2014:3
2-االهتمام البارز يف البحث يف وظائف اللغة التي تتفرع عن وظيفة التوا�صل ،فمث ًال ف ّرق بع�ض
الوظيفيني بني وظيفة اللغة الفردية و وظيفتها االجتماعية ،واقرتح جاكب�سون �ست وظائف للغة بينما
ح�صرها هاليداي يف ثالث وظائف (بافو و�سرفاتي ،205-203 :2012غلفان .)226 :2013
((( �أفدت يف جمع هذه املبادئ من هذه امل�صادر.)Dik 1997 1:3, Butler 2003 1:1-29( :
418
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
3-جمال البحث يف اللغة هو الك�شف عن القدرة التوا�صلية وخ�صائ�صها ،فالتحليل الل�ساين الوظيفي
-كما ي�شري غلفان ( -)229 :2010ي�سعى �إىل الوقوف على اخل�صائ�ص التي جتعل عملية التوا�صل
�أمر ًا ممكن ًا .ونعني بالقدرة التوا�صلية هنا «ما مي ّكن م�ستعملي اللغة الطبيعية من التوا�صل فيما
بينهم بوا�سطة العبارات اللغوية» (املتوكل .)24 :2013بعبارة �أخرى ،هي مت ُّكن املتكلم من القواعد
التي تعينه على حتقيق �أهدافه التوا�صلية .ويندرج حتت كلمة «القواعد» :القواعد ال�صوتية والنحوية
والداللية والتداولية (املتوكل )15 :2010؛ لذا ،يهتم الوظيفيون بدرا�سة الإجناز الفعلي للغة
ومقا�صده ،فمث ًال تقدمي املفعول به «�سيارة» يف نحو «�سيار ًة ا�شرتى حممدٌ» يج ّلي لنا قدرة املتكلم
التوا�صلية �إذا كانت اجلملة ت�صحيح ًا لعبارة من مثل «ا�شرتى حممد دراج ًة» ،ولكنها قد تعد الحنة
وظيفي ًا �إذا وردت يف �سياقات �أخرى ،مثل �أن تكون �إجابة ل�س�ؤال من مثل :ماذا ا�شرتى حممد؟
على الرغم من �سالمتها تركيبي ًا؛ وال�سبب يف عدها حلن ًا هو �أن املتكلم ال ميلك القدرة والكفاية
التوا�صلية التي متكنه من نطق هذه اجلملة مبا يالئم الغر�ض التوا�صلي امل�صوغة من �أجله وهو
ت�صحيح معلومة خاطئة لدى املخاطب �أو ت�أكيدها.
يف الطرف املقابل ،يقف التوليديون مر ّكزين اهتمامهم على درا�سة املعرفة اللغوية لدى املتكلم-
ال�سامع ،فمو�ضوع البحث الل�ساين عندهم هو القدرة (املعرفة) اللغوية ،وتعني :ما ميلكه املتكلم-ال�سامع
من قواعد �ضمنية مت ِّكنه من �إنتاج و تاويل ما ال ح�صر له من اجلمل النحوية ،فهي معرفة ذهنية ولي�ست
�إجناز ًا ،كون الإجناز قا�صر ًا عن �إعطاء �صورة حقيقية للمعرفة اللغوية ،ونلفت النظر هنا على �أن القدرة
اللغوية هنا هي قدرة نحوية ،فال مكان للمعاين التوا�صلية/الق�صدية داخل النموذج التوليدي على خالف
ما يعتقده الوظيفيون ( ،Chomsky 1965:11غلفان .)43 ،41 :2009ومن هنا ف ّرق التوليديون بني
مفهومي القدرة والإجناز :فاالول ي�شري �إىل القدرة اللغوية الكامنة يف الدماغ الب�شري ،فهي لغة داخلية
وهي مو�ضوع البحث الل�ساين ،بينما ي�شري املفهوم الثاين �إىل الأداء اللغوي الفعلي لدى الفرد ،فهو لغة
خارجية ،هذا التفريق ال نكاد جنده وا�ضح ًا عند الوظيفيني ،بل جند منهم من رف�ض هذا التق�سيم مثل:
هاليداي ( ،Halliday 1978:38ولتفا�صيل �أكرث حول هذه الق�ضية ينظر.)Butler 2003 1:5 :
4-4نحو/تركيب اجلملة لي�س مبعزل عن العوامل وال�سياقات املحيطة بها� ،سواء كانت اجتماعية �أو نف�سية �أو
ثقافية؛ لذا ف�إن الرتاكيب النحوية -كما ي�شري ِدك ( )Dik 1997 1:4و ماكنزي ()Mackenzie 2016:234
-ال ميكن فهمها وتف�سريها مبعزل عن العوامل ال�سياقية ،وت�أتي هذا اخلا�صية نتيج ًة لتبني الوظيفيني
الر�أي القا�ضي ب�أن التوا�صل هو وظيفة اللغة الأ�سا�سية ،ونذكر هنا مثا ًال للتو�ضيح:
419
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
420
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
�إال من خالل لغة منجزة فعلي ًا ،وهذه اخلا�صية متمثلة يف منهجية املدونات التي تر�صد حركة اللغات الطبيعية
وتك�شف عن �سياقاتها الواردة فيها (.)Halliday and Matthiessen 2014:51
5-تعد التداولية جما ًال �أ�سا�س ًا من جماالت التحليل اللغوي عند الوظيفيني ،بل ي�صف بع�ضهم االجتاه
الوظيفي بكونه ذا منظور ت ــداويل كما هو احل ــال يف «�أفعال الكالم» عند �سريل Searleو
«اال�ستـ ــلزام احلــواري» عند قراي�س .)Valin 2001:322( Griceوهذه العالقة بني التداولية
واالجتاه الوظيفي ميكن �إدراكها منطقي ًا من خالل اعتبار التوا�صل وظيفة اللغة الأ�سا�سية -كما
�أ�شرنا �سابق ًا ،-والركيزة الأ�سا�سية للتداولية هي ر�صد خ�صائ�ص التوا�صل يف اللغة حال ا�ستعمالها.
هذا االت�ساق بني املفهومني ال اعتبار له عند التوليديني؛ �إذ ال جند للتداولية مو�ضع ًا يف مناذجهم
التحليلية نتيج ًة ملوقفهم من الظاهرة اللغوية ،فاللغة عندهم معرفة م�ستقرة يف ذهن املتكلم-
ال�سامع املثايل وال ت�أثري للعوامل ال�سياقية يف تف�سري الظواهر اللغوية ،وهذا يتعار�ض مع مفهوم
ً (((
التداولية التي تنظر �إىل اللغة بو�صفها ا�ستعما ًال و�سياقا.
خال�صة القول� ،إن االجتاه الوظيفي يعتمد كثري ًا يف بناء مبادئه على «التوا�صل» بو�صفه اخلا�صية
الأ�سا�سية للغة ،وتدور هذه املبادئ يف فلك هذه اخلا�صية :فالقدرة توا�صلية ،والبنى الرتكيبية للغة
وخ�صائ�صها ترتبط ارتباط ًا وثيق ًا مبا يحيط بعملية التوا�صل من ظروف وعوامل ،بينما يقف االجتاه
التوليدي عك�س هذا االجتاه :فاللغة عندهم قدرة معرفية/ذهنية تتمحور وظيفتها حول الفكر ،وال ترتبط
خ�صائ�ص اللغة وبنيتها بالأغرا�ض وال�سياقات التوا�صلية.
2 .2النظرية النظامية الوظيفية:
�أ�س�س لهذه النظرية و�أر�سى دعائمها اللغوي الربيطاين مايكل هاليداي ()Micheal Halliday
مت�أثر ًا ب�شكل رئي�سي ب�أفكار �أ�ستاذه اللغوي فريث Firthبالإ�ضافة �إىل �أعمال لغويي مدر�سة براغ اللغوية
و�أفكار الأنرثوبولوجي مالينوف�سكي .)Halliday 1978:5( Malinowskiوت�ش ِّكل املقاربة الوظيفية للغة
الإطار العام الذي يحت�ضن النظرية النظامية الوظيفية ،وتُعنى هذه املقاربة عند هاليداي (Halliday
)1973:7بالبحث والتنقيب عن الطريقة التي ت�ستخدم فيها اللغة ،وهذا يعني �أنْ يهدف البحث اللغوي
�إىل ا�ستك�شاف الأغرا�ض التي يروم املتكلمون �إىل حتقيقها وحماولة تف�سري اخل�صائ�ص الرتكيبية للغة من
(((
خالل اال�ستخدام الواقعي للغة .وقد �أ�س�س هاليداي هذه النظرية على عدد من املبادئ:
(( ( ي�شري املتوكل (� )35-34 :2010إىل �أنه يف مراحل تالية من تطور النظرية التوليدية �أ�صبح للتداولية موقع ًا يف النموذج
التوليدي �ضمن �إطار املكون الداليل ،لكن القواعد التوليدية عندهم ال تقوم �إال بدور تاويلي للبنيات الرتكيبية �أي :ال دور لها يف
حتديد اخل�صائ�ص الرتكيبية ،و هذا يختلف متام ًا عن مبادئ النظريات الوظيفية.
((( اعتمدت يف ر�صد هذه املبادئ ب�شكل رئي�سي على امل�صادر الآتية( :نحلة (Butler 2003 1:153-161) ،)75-47 :2001
) ،)Halliday and Mattheissen 2014:3-57عند ذكر �أي �إ�ضافة من مواطن �أخرى �سي�شار �إىل م�صادرها يف املنت.
421
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
1-1اللغة -عنده -نظام من العالمات االجتماعية ومك ِّون �أ�سا�سي يف تركيبة املجتمع و�سلوكه ،ويحمل
هذا املك ِّون يف طياته املعاين امل�شرتكة بني �أفراد املجتمع؛ لذا يركز هاليداي على درا�سة اللغة من
جهة كونها �أداة للتوا�صل االجتماعي؛ فالنظرية اللغوية -عنده -يجب �أن تك�شف عن وظائف التوا�صل
االجتماعي والثقايف ،وهذا يكون عن طريق درا�سة اللغة يف حميطها االجتماعي ولي�س مبعزل عنه
( .)Butler 2003 1:44-45; Halliday 1978:1-2وتف�ضيل هاليداي لدرا�سة الوجهة االجتماعية
للغة ال يعني نبذه لالجتاهات الأخرى يف درا�سة اللغة� ،إمنا هو تف�ضيل انبثق من ر�ؤيته �إىل الوظيفة
الأ�سا�سية للغة.
2-2املعنى وا�ستك�شاف �سماته والوظائف التي تنبثق منه هو الهدف الأ�سمى لهذه النظرية ،فاللغة بقواعدها
هي امل�صدر الأ�سا�سي ل�صناعة املعنى و�إنتاجه ،وقواعد اللغة يجب تف�سريها من خالل ربطها باملعاين
التي ت�ؤديها .وقد �أ ّكد هاليداي على �أن نظريته لي�ست نظرية لدرا�سة الرتاكيب بنيوي ًا من حيث الهدف
والغاية؛ لذا جنده يرف�ض اعتباطية العالقة بني الرتكيب واملعنى خمالف ًا يف هذا التوليديني الذين
يعتقدون با�ستقاللية الرتكيب عن الداللة -كما �أ�شرنا �سابق ًا-؛ �إذ �إن قواعد اللغة بت�صنيفاتها املختلفة
تت�شكل من خالل املعاين التي يعرب عنها �أفراد املجتمع ،فتنظيم عنا�صر اللغة الرتكيبية مرتبط ارتباط ًا
معان؛ ولهذا تو�صف هذه النظرية ب�أنها م�ؤ�س�سة داللي ًا.
وثيق ًا مبا حتمله من ٍ
3-3النحو قائم على مبد�أ االختيار ( ،)choiceفاملتكلم يتعامل مع نظام �أو �شبكة من الأنظمة (system
)networksالتي تتيح له جمموعة من اخليارات املرتبطة بالأعراف اللغوية واالجتماعية والثقافية
فيختار منها ما ي ـ ـنـ ــا�سب امل ـق ــام ،ومـ ــبد�أ االخ ـ ـت ـ ـ ــيار مي ّثل رك ـ ـ ـ ــيزة �أ�سا�سية يف الن ـ ـظ ـ ــرية
الن ـ ـظ ـ ـ ــامية الوظ ـيـ ـفـ ــية �إن مل ي ـ ـ ـ ـ ــكن �أهمـ ـ ـ ــها( . )Berry 1975 1:61وي�شري هاليداي (1978:9
� ) Hallidayإىل �أن االختيار لي�س بال�ضرورة �أن يكون بوعي من املتكلم ،فالعملية الذهنية امل�صاحبة
لعملية �إنتاج الكالم معقدة جد ًا .ومما يتعلق مببد�أ االختيار مفهوم يرتدد كثري ًا يف �أدبيات النظرية وهو
مفهوم املعاين الكامنة ( ((()meaning potentialالذي يعني ذلك ال�سلوك اللغوي الكامن (ولي�س
الفعلي) الذي ي�شري �إىل ما ميكن فعله (�أي :اختياره)� ،أي :هناك قائمة من الإمكانات واالحتماالت
ف�ضلت النظرية النظامية املنهج اال�ستبدايل/االختياري يف اللغة متاحة لالختيار واالنتقاء ،ومن هنا ّ
( )paradigmaticيف التحليل اللغوي ،وي�ستند هذا املنهج على مبد�أ �إتاحة ا�ستبدال عن�صر ب�آخر
(((
ومتثيل ذلك على هيئة �شبكة من الأنظمة ت�ص ّور العالقات بني العنا�صر املتاحة لالختيار.
(( ( يع ّرف هاليداي ( )Halliday 1973:72مفهوم «املعاين الكامنة» مبجموعات من اخليارات �أو املعاين املتاحة للمتكلم وال�سامع
من خالل النظام اللغوي.
((( �أفاد هاليداي هذا املنهج من �أ�ستاذه .)Butler 2003 1:156) Firthوي�ؤكد هاليداي وماتي�سني (Halliday and
)Matthiessen 2014:56على �أن النظرية النظامية قد تف ّردت بهذا املنهج و�أنها تتم ّيز به عن بقية النظريات الوظيفية التي
تف�ضل املنهج الأفقي ( )syntagmaticالذي يحلل الوحدات اللغوية على �شكل �سل�سلة متتابعة ومرتبطة ببع�ض ،مثل :حتليل ّ
املتالزمات اللفظية على امل�ستوى املعجمي وحتليل املكونات املبا�شرة على امل�ستوى النحوي.
422
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
4-4النظرية الوظيفية النظامية جتعل من الن�ص ركيزة �أ�سا�سية للدر�س الل�ساين ،فاللغة ينبغي �أن ينظر
�إليها من خالل ن�ص متكامل ال من خالل جمموعات من اجلمل املنف�صلة .ويع ّرف هاليداي الن�ص
ب�أنه هو كل منطوق �أو مكتوب يحمل بني طياته معنى ،والن�ص هو املنتج �أو املخ َرج لعملية االختيار
من العنا�صر املتمثلة يف �شبكة الأنظمة التي ميكن �أن ينظر �إليها بو�صفها البنية العميقة ملا يتحقق
فعلي ًا يف الن�ص .وقد �أ�شار هاليداي �إىل �أن هذه اخلا�صية مت ّيز نظريته عن النظريات الوظيفية
الأخرى؛ ونتيجة لهذا االهتمام بالن�ص جند املتخ�ص�صني يف التحليل النقدي للخطاب يف�ضلون
النظرية النظامية على غريها من النظريات يف درا�ساتهم التحليلية للخطاب (;Hart 2013:6
،)Fairclough 2003:5فمث ًال ،بينما تهتم النظرية النظامية الوظيفية بر�صد االختيارات املتاحة
للمتكلم يف النظام اللغوي وحتققها يف الن�ص ،تبحث مناهج التحليل النقدي للخطاب يف البحث يف
الأفكار واملعتقدات التي تقف خلف تلك االختيارات وحتاول تف�سريها (.)Hart 2013:20
5-5يحتل ال�سياق مكانة مهمة يف النظرية النظامية الوظيفية� ،إذ �إن اللغة -املتمثلة يف ن�ص -ال ميكن
فهمها وتف�سري وظائفها �إال من خالل ا�ستجالء �سياقاتها االجتماعية والثقافية ،وت�أتي �أهمية ال�سياق
�أي�ض ًا من حيث كون الن�ص يولد داخل �سياق معني فيحيط به ويحت�ضنه .وقد حدد هاليداي ثالثة �أبعاد
تعي جميع ًا �سياق الن�ص وهي�( :أ) املجال ( )fieldويق�صد به مو�ضوع الن�ص وجماله وطبيعة الن�شاط ّ
االجتماعي املحيط بالن�ص( ،ب) نوع امل�شاركة( )tenorواملراد به طبيعة العالقة بني امل�شاركني
و�أدوارهم االجتماعية( ،ت) ال�صيغة ( )modeوهي الو�سيلة التي يتحقق من خاللها الن�ص.
هذه هي �أهم مبادئ النظرية النظامية الوظيفية ،بقي �أن ن�شري هنا �إىل النموذج الذي يتبناه �أ�صحاب
هذه النظرية والذي ُيت�ص َّور من خالله �أن للغة خم�س طبقات /م�ستويات ت�ش ّكل بناء هرمي ًا ،وي�ؤكد هاليداي
وماتي�سني ( )Halliday and Matthiessen 2014:25على �أن هذا النموذج (البناء الهرمي) هو الأداة
التي نعتمد عليها يف تف�سري اخل�صائ�ص اللغوية ،والطبقات اخلم�سة من الأعلى �إىل الأدنى هي :ال�سياق
والداللة وال�صياغه اللغوية ،وال�صواتة واملادة ال�صوتية.
(((
وفيما يلي �شرح خمت�صر لكل طبقة:
ال�سياق :يع ّد طبقة خارجية ت�شرف على الطبقات الداخلية التي تدنوه ،وله ت�أثري عليها؛ �إذ مي ّثل املعرب
بينها وبني الظواهر غري اللغوية.
423
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
الداللة :تهتم باملعنى ب�شتى �أنواعه ال�شكلية وال�سياقية وبالوظائف التي ت�ؤديها اللغة وحماولة الك�شف
عن خ�صائ�صها ،والوظائف الرئي�سية للغة عند هاليداي ثالثة :الوظيفة الفكرية والوظيفة التبادلية
والوظيفة الن�صية .وهذه الوظائف هي �إحدى خ�صائ�ص النظرية النظامية وحتتل مركز ًا �أ�سا�سي ًا كونها
تعب عن الن�شاط االجتماعي ومتطلباته ،فالوظيفة الفكرية تعنى تت�صل ات�صا ًال وثيق ًا بطبيعة اللغة التي ّ
يعب من خالل هذه الوظيفة عن الأحداث بعالقة املتكلم بالعامل اخلارجي والداخلي وخربته فيهما؛ لذا ّ
وامل�شاركني يف �إجنازها والأحوال املحيطة بها� ،أما الوظيفة التبادلية فتعنى بالعالقة االجتماعية بني
يعب املتكلم عن دوره يف عملية التخاطب وعن موقفه من املتكلم وخماطبيه ،فمن خالل هذه الوظيفة ّ
حيث القبول �أو الرف�ض �أو الرتجيح � ،أما الوظيفة الن�صية فتعنى بتنظيم املكونات والوظائف داخل الن�ص
و�إخراجها يف بناء متما�سك ،ويجدر التنبيه �أن هذه الوظائف تتفاعل مع مكونات اجلملة ب�شكل متوازي،
مبعنى �أن املكون الواحد قد يقوم بالوظائف الثالثة يف �آن واحد ،فالعالقة بني الوظائف لي�س هرمية كما
هو ال�ش�أن يف الطبقات.
ال�صياغة اللغوية :تهتم هذه الطبقة بنقل املعنى �إىل كلمات ،وت�شمل هذه الطبقة الرتكيب (النحو
وال�صرف) واملعجم بو�صفهما كتلة واحدة ،فاللغة ت�صاغ من مفردات معجمية وتراكيب ،فال غنى لأحدهما
عن الأخرى؛ لذا مي ّثل لهما يف �شبكة نظام واحدة عند التحليل (.)Tucker 1998:4
ال�صواتة �أو الت�شكيل ال�صوتي :وهي طبقة حتدد اخل�صا�ص ال�صوتية الوظيفية للغة من حيث املقاطع
والنرب والتنغيم ،وت�ستبدل هذه ال�صواتة باخلطاطة يف حال كان الن�ص مكتوب ًا.
املادة ال�صوتية :وهي طبقة تعر�ض للطبيعة اجلوهرية للأ�صوات دون ربطها ب�سياق لغة معينة ودون
النظر �إىل ت�شكالتها الوظيفية.
وهذه الطبقات اخلم�سة لي�ست البعد الوحيد التي مي ّثل الإطار النظري لدرا�سة اللغة؛ �إذ تتفاعل معه
�أبعاد �أخرى ،منها:
�أ -الرتبة :وتُعنى برتتيب الوحدات النحوية ترتيب ًا تتابعي ّا على هذا النمط :اجلملة ثم ال�ضميمة ثم الكلمة
ثم الوحدة ال�صرفية.
ب -املحور :وهما حموران :الأفقي ( )syntagmaticوالر�أ�سي ( ،)paradigmaticووظيفة املحور االول
تنظيم املكونات تركيبي ًا وتتابعي ًا ،بينما يعنى املحور الثاين بالوظيفة اال�ستبدالية وعر�ض اخليارات
املتاحة يف �شبكة النظام ،والعالقة بني املحورين عالقة حتقق (� ،)realizationأي :ما ت�صوره �شبكة
النظام جتريدي ًا يتحقق مادي ًا (منطوق ًا �أو مكتوب ًا) يف �صورة تركيب.
جـ -التمثيل/التحقيق :و ُيعنى بالن�ص بو�صفه منوذج ًا ُمث ًال للنظام اللغوي املجرد.
(((
د -مدى التف�صيل :ويعنى ببيان عالقة الأنظمة بع�ضها ببع�ض.
((( تنظر تفا�صيل هذه الأبعاد يف )Halliday and Mattheissein 2014: 20-31( :و (نحلة .)111-88 :2009
424
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
425
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
ويف الإطار نف�سه� ،أ�سهمت جهود الفيل�سوف الدمناركي فيتنج�شتاين Wittgensteinيف ت�أ�سي�س
مفهوم التداولية يف الل�سانيات ،وذلك من خالل �إدخاله ملفهوم الق�صد عند البحث يف ا�ستعماالت اللغة
املختلفة (الدخ ّيل ،)35 :2014فاللغة عنده «و�سيلة حيوية وفعالة نلج�أ �إليها للتعبري عن فكرنا يف �سياقات
خمتلفة» (خامت ،)37 :2016وقد �أ�س�س فيتنج�ش ـ ــتاين حينئذ التيـ ــار الفل�سفي امل�سمى بـ «فل�سفة اللغة
العادية» ( )ordinary language philosophyالذي ينظر �إىل اللغة بو�صفها املفتاح ال�سحري لفتح
مغاليق الفل�سفة ،ويرى �أن كثري ًا من امل�شكالت الفل�سفية ال ميكن حلها �إال بالبحث يف الكيفية التي ت�ستعمل
بها اللغة؛ لذا ميثل اجلانب اال�ستعمايل للغة املرتكز وامل�صدر التي ت�ستقي منه هذه الفل�سف ُة فر�ضياتـ ِــها
(�صحراوي ،23 :2005خامت (((.)36 :2016ومل تكت�سب التداولية مكانتها املركزية يف البحث الل�ساين
�إال يف العقد ال�سابع على يد رواد فال�سفة اوك�سفورد :او�سنت و قراي�س و�سريل الذين اتخذوا من فل�سفة
اللغة العادية �إطار ًا لهم بنوا من خالله نظرياتهم واجتاهاتهم التداولية ،وقد �سعوا �إىل التعمق يف اللغة
التي ي�ستخدمها النا�س يف حياتهم اليومية ودرا�سة �سياقاتها وحتليل الظواهر الناجتة عن اال�ستعمال
(كاال�ستلزام احلواري وم�ضمرات القول و�أفعال الكالم) ،وحر�صوا على االبتعاد عن التحليالت املثالية
التي تر�سخت يف الفل�سفة لعقود (خامت ،)42-38 :2016وتعد هذه هي املرحلة الأهم؛ �إذ اوجدت للتداولية
مكان ًا بارز ًا يف البحث الل�ساين وجعلتها عمود ًا من �أعمدة الل�سانيات بعد �أن كانت تو�صف لعقود �سابقة بـ
(((
«�سلة مهمالت الل�سانيات» (خامت .)15 :2016
وتهتم التداولية -ب�شكل �أ�سا�سي -بدرا�سة اال�ستعمال اللغوي ،والك�شف عن املعاين التي حتملها البنى
الرتكيبية واملكونات الداللية يف �إطار ال�سياق ،وتهتم كذلك بدرا�سة اوجه التخاطب وحتليل وجوه اال�ستالل
يف عملية التوا�صل (نحلة ،14 :2011الدخ ّيل ،)25 :2014و ي�شري يول (� )20 :2010إىل �أن التداولية
متتاز بكونها متكننا من التحدث عن مقا�صد «النا�س وعن افرتا�ضاتهم و�أهدافهم وما ي�صبون �إليه و�أنواع
الأفعال التي ي�ؤدونها �أثناء تكلمهم».
ومن النقاط املهمة التي ينبغي الإ�شارة �إليها ق�ضي ُة التداخل بني التداولية وعلم الداللة؛ �إذ كالهما ي�شرتكان
يف االهتمام باملعنى ،ولكن الفرق الدقيق بينهما هو �أن الداللة تعنى ب�إي�ضاح معاين املفردات والرتاكيب
يف اجلملة جمردة عن اال�ستخدام الفعلي (�أي :من غري ربط ذلك بال�سياق) ،بينما تعنى التداولية ببناء
(( ( هناك اجتاهان ميثالن طريقة التعاطي الفل�سفي مع اللغة -1 :فل�سفة اللغة املثالية :و تهتم بدرا�سة النظام املنطقي والبنية
ال�صورية للغة ،ومن روادها فريجة و را�سل -2 ،فل�سفة اللغة العادية وهي تعنى بالبحث يف اللغة الطبيعية كما ت�ستخدم من
ِقبل متحدثيها مع االهتمام بالتنقيب عن الوظائف التوا�صلية للغة ،وهذا يف نظرهم هي مهمة الفل�سفة احلقيقية ،ومن روادها
فيتنج�شتاين واو�سنت و�سريل ) ،(Haung 2007:3وينظر �أي�ض ًا ملزيد من التف�صيل �إىل :بغورة .)104-101 :2005
((( جاء يف القامو�س املو�سوعي للتداولية (« )28 :2010قد كانت النزعة يف ال�ستينات [من القرن املا�ضي] متيل �إىل تعريف
التداولية على �أنها �سلة مهمالت الل�سانيات ،هي مقولة تعني �أن مهمة التداولية �إيجاد حل جلميع الق�ضايا التي مل تعاجلها
الل�سانيات».
426
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
ج�سر بني م�ضمون اجلملة الداليل وال�سياق مبا ي�شمله من متحدث وم�ستمع وبيئة حميطة باحلدث الكالم
( ،)Palmer 1995:8 ،Leech 1983:6بعبارة �أخرى ،املعنى -من وجهة نظر تداولية -هو ما ّ
يعب به
املتكلم ويق�صده ويف�سره ال�سامع (يول .)19 :2010
وجتدر الإ�شارة �إىل �أن التداولية حقل ل�ساين مرن ومتعدد الزوايا وال ينتمي -على حد تعبري نحلة
(� -)10 :2001إىل � ٍّأي من م�ستويات الدر�س اللغوي :ال�صوتي وال�صريف والرتكيبي والداليل ،بل يعد هذا
ُ
احلقل ف�ضا ًء ميكنه �أن يحت�ضن تلك امل�ستويات جميعها؛ ونتيجة لذلك ،جند التداولية تتداخل مع حقول
معرفية �أخرى �أ�سهمت يف �إغناء مفاهيمها وفر�ضياتها ،ف�أ�صبحت ملتقى لعدد من التخ�ص�صات وجماالت
الدر�س الل�ساين ،مثل :علم اللغة النف�سي والإدراكي وعلم اللغة االجتماعي وحتليل اخلطاب واحلجاج
(نحلة ،11-10 :2011خامت .)19 :2016
يف الأ�سطر التالية� ،سن�سلط ال�ضوء حول طبيعة العالقة بني التداولية والنظرية النظامية الوظيفية،
عبت هذه النظرية عن املفاهيم التداولية مع التمثيل لذلك ب�أمثلة من اللغة العربية �إنو�سنناق�ش كيف ّ
ا�ستدعى املقام ذلك.
4 .4البعد التداولي يف النظرية النظامية الوظيفية:
بداية ،او ّد �أن �أ�شري �إىل ما �أ�شرت �إليه يف مقدمة هذا البحث �إىل �أن النظرية النظامية الوظيفية مل
جتعل للم�ستوى التداويل طبقة م�ستقلة على عك�س ما هو احلال مع ال�سـ ـ ــياق وال ـ ــداللة وال�صياغة اللغوية
وال�صواتة التي ُخ ّ�ص�ص لكل منها م�سـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ــوى وطب ـ ــقة م�س ـ ـتـ ـ ـق ـلـ ــة يف الن ـ ـم ـ ــوذج التــحل ــيلي ل ــبنية
الل ـ ــغة .وقد �ص ـ ـ ّرح هـ ــال ـ ـي ـ ــداي ومات ـي ــ�سني( )Halliday and Matthiessen 1999:12بذلك حني
قاال «[�إنه] ال وجود �إىل مك ِّون منف�صل للتداولية �ضمن �إطارهم التف�سريي [للغة]» ،فالتداولية -عندهم-
ال متثل وجود ًا �صريح ًا وظاهر ًا على خالف ما هو موجود يف بع�ض النظريات الوظيفية ،مثل :نظرية
النحو الوظيفي( )Functional Grammarالتي ت�ش ّكل التداولية فيها بعد ًا مركزي ًا ال ّ
تنفك عنه ،بل تع ّد
التداولي ُة البعدَ الأكرث �أهمية والأعلى مرتبة من امل�ستويني الداليل والرتكيبي ،ونظرية نحو الأدوار والإحالة
( )Role and Reference Grammarالتي ي�ؤكد �أ�صحابها على مركزية التداولية يف منوذجها التف�سريي
للغة ( .)Butler 2003 1:37, 43فهل يعني هذا جتاهل �أ�صحاب هذه النظرية النظامية الوظيفية للعن�صر
التداويل؟ �أجاب باتلر ( )Butler 2003 1:200عن هذا ال�س�ؤال �إجابة عامة حني �أ�شار �إىل �أنه على الرغم
من رف�ض �أ�صحاب النظرية النظامية ملبد�أ ا�ستقاللية التداولية �إال �أن تطبيقات النظرية تربهن على وجود
ظواهر تداولية مماثلة ملا عده ِدك يف نظرية النحو الوظيفي و�أ�سماه ب ــ«الكفاية التداولية» ،فهو ين ّبه هنا
على �أن التداولية لها وجود يف ثنايا حتليالت النظرية النظامية الوظيفية التطبيقية و�إن مل ُي َ�شر �إىل ذلك
427
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
ت�صريح ًا من ِقبل �أ�صحاب النظرية .وي�ؤيد هذا دليل عقلي ن�ستنبطه من طبيعة العالقة بني التداولية
واالجتاه الوظيفي يف الل�سانيات التي ت�ؤكد على وجود ات�ساق وتناغم بينهما -كما �أ�شرنا �سابق ًا ،-والنظرية
النظامية هي نظرية وظيفية بالدرجة االوىل وت�أثرت باملدار�س الوظيفية التي �سبقتها ،مثل :حلقة براغ
ومدر�سة فريث ال�سياقية ،فمن املنطقي �أن تتعاطى مع املفاهيم والأغرا�ض التداولية و�إن كان ذلك ب�شكل
غري مبا�شر .والذي يظهر يل �أن �أ�صحاب هذه النظرية ا�ستخدموا م�صطلحات ومفاهيم حتمل يف طياتها
�أبعاد ًا تداولية ،ولكن ما هي هذه املفاهيم؟ هذا ما �س�أجيب عنه يف الأ�سطر الآتية من خالل الوقوف عند
بع�ضها ،وهي:الداللة واملعنى واالختيار و وظائف اللغة.
.1الداللة:
يرى هاليداي (� )Halliday 2002:10أن التداولية تُعد مظهر ًا من مظاهر الداللة ،بل هي التمثيل
الواقعي للداللة� ،أي :الداللة يف �صورتها املنجزة .وتقول بريي (« )Berry 2017:44يع ّد م�صطلح الداللة
عام ًا يف النظرية النظامية الوظيفية» ،وت�ضيف �إىل �أن «الداللة حتتوي جميع �أنواع املعاين» .فهي هنا
ك�أنها ت�شري �إىل �سعة الف�ضاء الداليل يف النظرية لي�شمل :املعجمي منها واال�ستعمايل .وندرك من خالل
ما �ص ّرحوا به �أنهم ال يرون الف�صل بني الداللة والتداولية بخالف ما هو معهود يف الأدبيات الل�سـ ـ ـ ــانية
الأخرى حيث ي�شري امل�صطلحان -عادة� -إىل جمالني م�ستقلني من جماالت التحليل اللغ ـ ـ ــوي :فالداللة
تُعنى باملعنى املعجمي وظواهره خارج ال�سـ ـ ـ ــياق بينما تُعنى التداولية باملعنى يف �إطـ ـ ـ ــار اال�سـ ـ ـ ــتعمال
(انظر مث ًال ،((()Leech 1983:6; Abdul-Raof 2015:17 :بل �إن الداللة لها مفهوم خا�ص عند
هاليداي ،فهو ي�ؤكد ()Halliday 1975 a 8-9على �أن «م�صطلح الداللة ال ينبغي �أن ُيفهم ا�ستناد ًا على
املعنى املعجمي الذي يهتم مبعنى املفردة[ ،لكنه] ي�شري �إىل �شمولية املعنى يف اللغة �سواء �أكان هذا املعنى
مت�ضمن ًا يف الكلمة املفردة �أم ال» ،فالداللة عنده �إذ ًا م�صطلح ذو مفهوم وا�سع ال ينح�صر يف �إطار املعنى
املعجمي الذي تورده املعاجم والقوامي�س ،بل هو يف املقام االول املعنى املق�صود �سياق ًا وا�ستعما ًال ،فهي -
�أي :الداللة– تع ّد مو�ضع التداخل بني النظام اللغوي وما يحيط به من �سياق؛ لذا ُينظر �إىل الن�ص بو�صفه
�أ�صغر وحدة داللية؛ لأنه ميثل اللغة يف �إطار ال�سياق (.)Halliday and Matthiessen 2014: 42-43
وي�ؤكد يف موطن �آخر �أن اللغة تنجز بجميع جوانبها من خالل ما يعرف ب ــ«�سياقات احلال» ،فاملفردات
ميكن �أن تُ�ستبان معانيها ب�شكل مبا�شر من خالل �إحالتها �إىل املقام ( .)Halliday 1978:32ويذكر
ماتي�سني وزمال�ؤه (� )Matthiessen et al. 2010: 189أن الداللة املقرتنة بال�سياق تُعد الطريق الذي
((( وهذه �إحدى ال�سمات التي تتم ّيز بها النظرية النظامية عن بقية النظريات الوظيفية التي حتر�ص على التفريق بني امل�ستوى
التداويل والداليل وترى عدم الدمج بينهم وجتعل لكل م�ستوى متثي ًال م�ستق ًال يف النموذج التف�سريي للغة ،ومن هذه النظريات
نظرية النحو الوظيفي ونظرية نحو الأدوار و الإحالة (ملزيد من التفا�صيل حول املقارنة بني النظريات الثالثة فيما يخ�ص
العالقة بني الداللة والتداولية ينظر.)Butler 2003 1:41, 205-218) :
428
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
ندرك من خالله حقيقة اللغة؛ �إذ �إن الداللة ال تت�ش ّكل �إال من خالل ال�سياق املحيط بها .فالداللة بهذا
املعنى الذي ي�ؤيده �أ�صحاب النظرية النظامية الوظيفية تع ّد مفهوم ًا تداولي ًا؛ �إذ �إن درا�سة اللغة من خالل
ال�سياق مت ِّثــل �إحدى مظاهر التداولية الرئي�سية كما �أكد عدد من املتخ�ص�صني ،مثل :يول ()19 :2010
ونحلة ( )13 :2011وخامت (.)17 :2014
.2املعنى:
يرتدد م�صطلح «املعنى» كثري ًا يف �أدبيات النظرية النظامية الوظيفية ،وهو يع ّد حمور ًا �أ�سا�سي ًا وقاعدة
ترتكز عليها النظرية ،يقول باتلر (« )Butler 2003 1:45لي�س هناك �شك يف �أن «املعنى» يع ّد حموري ًا
بالن�سبة لت�صور هاليداي للغة ،وكذلك [احلال يف] النظريـ ــة النظامي ـ ـ ـ ــة الوظيفية» ،وهذا الت�صـ ـ ـ ــور
عـ ّـب عنه ه ـ ــال ـ ـي ــداي حني ع ّرف اللـ ـ ــغة ب�أنها نـ ـ ـظ ــام من املـ ـ ـع ـ ـ ــاين �أي :ن ـ ـظ ـ ــام من ال ـ ـع ـ ــالمات
( .)Halliday 2003 :2ويـرى هـ ــالـ ـيــداي و ماتـ ـ ـيـ ــ�سيـن (� )Halliday and Matthiessen 2014:3أن
اللغة بقواعدها ومعجمها هي امل�صدر الذي ُينتج املعنى فالقواعد -على الرغم من خ�صائ�صها البنيوية-
حتمل يف طياتها حمتوى ذا معنى ،وهذا ما يجعل النظرية تو�سم �أحيان ًا بــ«النحو الوظيفي» (((؛ لأن اللغة
بجميع جوانبها -من وجهة نظر هاليداي -ذات م�ضمون داليل؛ لذا يعد بع�ض الل�سانيني هذه النظرية
نظرية يف «املعنى» ( .)Butler 2003 1:155-156و«املعنى» هنا لي�س ذلك املعنى املعجمي بل هو ما
ينتجه ال�سياق ،فاملعاين لي�س لها وجود قبل �إجناز الكلمات التي حتققها لكون تلك املعاين تت�شكل حتت
ت�أثري �إدراكنا والبيئة املحيطة ( .)Halliday and Matthiessen 1999:17; Bateman 2017:20وهذه
العالقة الوطيدة بني املعنى وال�سياق من �أهم املفاهيم التي ت�أثر بها هاليداي من �أ�ستاذه فريث كما �أ ّكد
هو وغريه على ذلك((( .وفريث هو ذلك اللغوي الذي ا�شتهر بتحليل اللغة من وجهة نظر �سياقية؛ �إذ
يرى �أن املعنى ينبغي �أن ينظر �إليه بو�صفه م�صطلح ًا لغوي ًا مرتبط ًا بال�سياق الذي ت�ستخدم فيه اللغة
( .)Butler 1985:3فاملعنى -من وجهة نظره -حتدده العالقة بني املواقف ال�سياقية وتوزيع العنا�صر
اللغوية ،واملعنى �-أي�ض ًا -هو الوظيفة يف ال�سياق (نحلة .)29-28 :2009هذه املركزية لظاهرة «املعنى» يف
أ�سا�س الذيالل�سانيات الفريثية و�ضعت طابعها املميز يف النظرية النظامية الوظيفية؛ ف�أ�صبح «املعنى» ال َ
تروم النظرية �إىل الك�شف عن خ�صائ�صه من خالل نافذة ال�سياق .وعالقة املعنى بال�سياق وارتباطه به
ارتباط ًا وثيق ًا جتلي لنا بعد ًا تداولي ًا يف النظرية؛ �إذ �إن التداولية تهتم ب ـ ـ «درا�سة املعنى من خالل ال�سياق»
(يول .)19 :2010
.3االختيار:
مفهوم «االختيار» مفهوم تداويل كما ن�ص على ذلك ليت�ش ( ،)Leech 1983:12وهو مفهوم مرتبط
(( ( وهذا ظاهر من عناوين عدد من الكتب التي �أُلفت يف النظرية �إذ حتمل هذا امل�سمى ،مثل:
Introduction to Functional Grammar by Halliday and Matthiessen (2014).
Introducing to Functional Grammar by Thompson (2004).
Using Functional Grammar by Butt et al. (2000).
((( حول ت�أ ّثر هاليداي بفريث ميكن الرجوع �إىل امل�صادر الآتية.(Halliday 1985 [2003]:186-187, Butler 1985:1 ) :
429
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
مبفهوم «املعنى» ،فاللغة يف النظرية النظامية الوظيفية عبارة عن �شبكة من الأنظمة التي تتيح عدد ًا من
معان على هيئة تراكيب و�أ�صوات (Halliday 1969 اخليارات التي مت ّكن املتكلم من �إجناز ما يريده من ٍ
و�سرفاتي ( .)230 :2012م�ؤكدَ ين هذا االرتباط «االختيار يقت�ضي وجود معنى .)[2003]:180يقول بافو ِ
بالن�سبة لهاليداي» .واملق�صود بارتباط هذه اخليارات باملعنى �أنها خيارات منبثقة من �أغرا�ض �إجناز
الن�ص ومقا�صده ،فاختيار جملة ُمث َبــتة يف مقام معني -مث ًال -ال يحدث اعتباط ًا ،بل هو مرتبط مبق�صد
وغر�ض املتكلم .بعبارة �أخرى� ،إن الن�ص الذي ي�صادفنا �-إما منطوق ًا �أو مكتوب ًا -هو معنى ق�صده املتكلم
واختار عنا�صره من بني عدد كبري من اخليارات التي يتيحها النظام اللغوي املجرد ،فهذا االختيار متم ِّثــل
ومعان �سياقية (نحلة .)35 :2009وت�شري بريي يف ا�ستخدامنا للغة ،وا�ستخدامنا لها ي�شتمل على مقا�صد ٍ
(� )Berry 2017:43إىل �أن ال�سياق مرتبط ارتباط ًا وثيق ًا مببد�أ االختيار؛ �إذ اختيارات املتكلم تت�أثر كثرياً
بال�سياق الذي يحيط بعملية الكالم.
من خالل ما �سبق ،ندرك �أن العمليات االختيارية التي يقوم بها املتكلم � -سواء بوعي �أو بغري وعي-
حتتوي يف م�ضمونها على جوانب تداولية داخل عملية الكالم ،ولن�ضرب هنا مثا ًال حتى جن ّلي هذه النقطة:
اللغة �إما �إثبات �أو نفي �أو درجة بينهما ،واملتكلم حني يختار �إحداها �إمنا يختارها ا�ستناد ًا على املوقف
اللغوي و�سياقه ،ف�إن اختار الإثبات ينتقل �إىل درجة �أدنى يف �شبكة النظام تعر�ض خيارات مرتبطة بدرجة
الإثبات من حيث الرجحان والرتدد واالحتمال وهو ما يعرف بــ«املوجهات» ( ،)modalitiesفاختيار
�إحدى هذه العبارات الآتية اختيار غري ع�شوائي� ،إمنا يعتمد على طبيعة املوقف اللغوي وم�صادر املعرفة
املتاحة للمتكلم ،وهذا جلي عندما نقارن بني الأمثلة الآتية:
أ -قد جنح خال ٌد
ب -مل ينجح خال ٌد
ج -رمبا جنح خال ٌد
ولو نظرنا � -أي�ض ًا� -إىل جملة من مثل «ر�سال ًة كتب زيدٌ» ال�ستنتجنا �أنها ُنطقت يف �سياق معني حتّم
ت�صدير اجلملة باملفعول به ب�سبب �أن اجلملة قد تكون رد ًا على من اعتقد �أن زيد ًا كتب ق�صيدة �أو كتاب ًا،
وهذا الرتكيب يع ّد خيار ًا واحد ًا من عدة خيارات تركيبية �أخرى تتيحها اللغة ونظامها الكامن يف ذهن
املتكلم.
.4وظائف اللغة:
من �أبزر �سمات النظرية النظامية الوظيفية �أنها تهتم بالك�شف عن الوظائف التي ت�ؤديها اللغة والبحث
يف خ�صائ�صها وتفاعلها يف �إظهار الوظيفة التوا�صلية للن�ص يف ال�سياق االجتماعي ،وهذه الوظائف ثالثة،
وهي �إجما ًال :الوظيفة الفكرية والوظيفة التبادلية والوظيفة الن�صيةُ .يثل لهذه الوظائف �ضمن �إطار
الطبقة الداللية التي �أ�شرنا �إىل �أنها طبقة تُعنى بالداللة يف �سياق اال�ستعمال ،وهو مفهوم تداويل( (�Hall
430
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
.)iday and Matthiessen 2014:78-83وقبل �سرب �أغوار هذه الوظائف والبحث يف عالقتها بالتداولية
ف�إنه من امل�ستح�سن �أن نعرج على الطريقة التي ا�ستنبط من خاللها هاليداي هذه الوظائف حني ناق�ش
مفهوم الفاعل ( )subjectيف الدرا�سات النحوية التقليدية .فقد وجد هاليداي �أن م�صطلح الفاعل يف تلك
الدرا�سات ي�شار به �إىل املكون الذي ي�سند �إليه الفعل بغ�ض النظر عن حقيقة قيامه باحلدث ،واورد اجلمل
االجنليزية الآتية ّ
ليو�ضح مراده:
a. The duke gave my aunt this teapot.
b. My aunt was given this teapot by the duke
c. This teapot my aunt was given by the duke
�أ�شار هاليداي �إىل �أن املكون الذي يعد يف الدرا�سات النحوية التقليدية فاع ًال هو « »the dukeيف
املثال االول و « »my auntيف املثال الثاين والثالث .مل يرت�ض هاليداي هذا النوع من التحليل؛ �إذ ر�أى �أنه
ال يك�شف عن املعنى احلقيقي للجملة ،فلي�س « »my auntيف املثالني الثاين والثالث هي من قامت بالفعل
« ،»giveفر�أى �أنه يجب علينا �أن ننظر �إىل اجلملة من وجهة وظيفية تك�شف لنا الأدوار احلقيقية ملكونات
اجلملة ،فقام بتق�سيم الفاعل �إىل ثالثة �أق�سام(((:
الفاعل النف�سي « »psychological subjectوهو املكون الذي مي ّثل حمط االهتمام يف اجلملة.
الفاعل النحوي « »grammatical subjectوهو املكون الذي ُي�سند �إليه الفعل.
الفاعل املنطقي « »logical subjectوهو املكون الذي يدل على من قام و�أجنز الفعل.
لذا ميكن حتليل اجلمل ال�سابقة بناء على هذه التق�سيمات يف اجلدول الآتي:
The duke gave my aunt this teapot
الفاعل النفيس والنحوي واملنطقي
My aunt was given this teapot by the duke
الفاعل النفيس والنحوي الفاعل املنطقي
This teapot my aunt was given by the duke
الفاعل النفيس الفاعل النحوي الفاعل املنطقي
من خالل هذا التحليل ،ندرك �أنه ميكن �أن يتعاقب نوعان �أو �أكرث من �أنواع الفاعل على مكون واحد
((( ذكر هاليداي �أن هذا التق�سيم قد �أ�شري �إليه �-سابق ًا -من بع�ض النحويني (.)Halliday and Matthiessen 2014:79
431
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
ا�ستناد ًا على دوره الوظيفي يف اجلملة .ولكن قد يت�ساءل �شخ�ص :ما عالقة هذه امل�صطلحات بوظائف
اللغة الثالثة التي ذكرناها يف الأعلى؟ �أقول :هنا الإ�ضافة التي قام بها هاليداي ،فقد ر�أى �أنه ال ينبغي
�أن تـُـعامل هذه الأق�سام الثالثة على �أنها تفريعات ملفهوم عام الذي هو هنا «الفاعل» ،بل يجب �أن نعد كل
ق�سم من هذه الأق�سام قائم ًا بذاته له مفهومه املختلف عن الآخ َرين وله وظيفته امل�ستقلة عنهم؛ لذا ر�أى
�أن ت�ستبدل م�صطلحات الفاعل الثالثة مب�صطلحات �أكرث دقة ولها عالقة وطيدة باملعنى وبالوظيفة التي
ت�ؤديها ،وهذه امل�صطلحات هي:
من خالل هذا التحليل املختلف الذي �سار عليه هاليداي ومن تابعه يت�ضح لنا �أن اللغة حتت�ضن عدد ًا من
الوظائف التي تك�شف عن معانيها ال�سياقية ،فمث ًال :م�صطلح «الفاعل النف�سي» وما ي�شتمل عليه من مدلول
يظهر لنا الوظيفة الن�صية للغة؛ �إذ يك�شف لنا هذا امل�صطلح عن «املو�ضوع» الذي هو حمط احلديث يف
اجلملة ،كذلك م�صطلح «الفاعل املنطقي» يك�شف لنا الوظيفة الفكرية التي من خاللها نخرب عن كيفية
�إدراكنا ملا يحدث حولنا.
ال�س�ؤال الذي نحتاج �إىل الإجابة عنه الآن هو :هل ت�شتمل هذه الوظائف على �أبعاد تداولية؟ منطقي ًا،
الإجابة عن هذا ال�س�ؤال هي «نعم»؛ لأن هذه الوظائف -كما �أ�شار هاليداي ( -)Halliday 1978:22هي
وظائف مرتبطة بالنظام الداليل وطبقته يف منوذج التحليل الذي تبنته النظرية النظامية الوظيفية ،وهي
طبقة حتت�ضن التداولية -كما �أ�شرنا �سابق ًا ،-وكذلك ُينظر �إىل هذه الوظائف بو�صفها ت�ش ُّكالت ت�ساعدنا
ال�ستظهار املعنى الوظيفي للجملة((( ،وهذا املعنى �أعم من املعنى ال�شكلي الذي ت�ؤديه العالقة بني العنا�صر
اللغوية يف تركيب اجلملة ،بل يرتكز بالدرجة االوىل على عالقته بالـ ــ�سـ ـي ـ ــاق الذي ب ـ ـ ــدوره يك ــ�شـ ــف لنا
عـ ـ ــالقـ ـ ـ ـ ـ ــة هـ ـ ــذه الوظائف بال ـ ـبـ ـعـ ــد الت ــداويل؛ �إذ ال�س ــياق مـ ـف ـت ــاح من مفــات ــيح املعنى التـ ــداويل
(خطاب ي .)297 :2012ومما يـ ـ ــدع ـ ــم هـ ـ ـ ـ ـ ــذه الإج ــابة املنطقية �أن هـ ــالـ ــيداي وماتـ ـي ــ�سي ــن (�Hal
� )liday and Matthiessen 1999:12ص َّرحا ب�أن م�صطلح التداولية يعد مقاب ًال ملا ُيعرف يف النظرية
النظامية مب�صطلحي الوظيفة التبادلية والوظيفة الن�صية ،وكذلك جند ت�صريح ًا م�شابه ًا من ليت�ش -
((( �أ�شار �إىل هذه العالقة الكامنة بني هذه الوظائف واملعنى عدد من الباحثني من �أمثال :باتلر ( )Butler 2003 1:168و
تومب�سون ( )Thompson 2004:28و فونتني (.)Fontaine 2013:10
432
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
وهو املتخ�ص�ص يف التداولية -حني �أ ّكد ب�أن الوظيفتني التبادلية والن�صية تنتميان �إىل احلقل التداولية
( ،)Leech 1983:57لكن هذين الت�صريحني يظالن جمملني مبهمني ،والإجمال والإبهام يحتاجان �إىل
تف�صيل وتو�ضيح ،وهو ما �أنا ب�صدده الآن ،و�س�أناق�ش ك ًال من هاتني الوظيفتني على حدة جملي ًا خ�صائ�صها
وعالقتها بالتداولية:
.1 .4الوظيفة التبادلية:
يقوم �أ�سا�س الوظيفة التبادلية على مبد�أ التعبري عن العالقات االجتماعية واملواقف ال�شخ�صية لدى
املتكلمني( ، )Halliday 1978:316فمن خالل هذه الوظيفة ُينظر �إىل اللغة على �أنها �أداة تُ�ستخدم
يعب عن هذه الوظيفة بعبارة �أخرى وهي ،language as exchange لغر�ض التفاعل مع الآخرين؛ لذا ّ
وتعني هذه العبارة �أن اللغة لها ُبعد تباديل بني �أفراد املجتمع؛ لذا ،يرى هاليداي(Halliday 1970
� )[2002]:175أن الوظيفة التبادلية متثل مكون ًا ي�ؤ�س�س للعالقات االجتماعية ويحافظ عليها ،ويهتم
بكيفية التعبري عن الأدوار االجتماعية وما ي�صحبها من �أغرا�ض توا�صلية تُن�شئها اللغة بنف�سها .ومن
هذه الأغرا�ض على �سبيل املثال �أننا ن�ستخدم اللغة لنخرب الآخرين عن �أ�شياء لأننا �إما �أن نريد �أن ن�ؤثر يف
مواقفهم �أو �سلوكهم ،و�إما �أن نفيدهم مبعلومات ال يعرفونها �أو العك�س ،و�إما �أن ن�شرح لهم مواقفنا اخلا�صة
( .)Thompson 2004:45وت�شري فونتني (� )Fontaine 2013:134إىل �أن الوظيفة التبادلية تركز على
املعنى الذي ين�شئه موقف املتكلم ال�شخ�صي .فيفهم مما �سبق �أن الوظيفة التبادلية ت�ستند على العالقة بني
طريف اخلطاب (املتكلم واملخاطب �أو املخاطبون) والك�شف عن املواقف ال�شخ�صية والأغرا�ض التوا�صلية
والأهداف االجتماعية ،فال�سائل يريد من امل�س�ؤول تزويده ب�إجابة يبحث عنها ،والآمر يريد من امل�أمور
تنفيذ عمل معني ،واملحا ِور يحاول الك�شف عن الآراء التي يتبناها املحا َور .وقد �أ�شار هاليداي (Halliday
)1978:90عند حديثه عن وظائف اللغة عند الطفل �إىل �أن الوظيفة التداولية -التي تتطلب تفاع ًال بني
الطفل ومن يخاطبه ومت ِّثــل �شك ًال من �أ�شكال الفعل -توازي الوظيفة التبادلية عند البالغني ،فك�أنه ي�شري
�إىل تداولية الوظيفة التبادلية ولكنه مل ي�ص ّرح ،وهو ما �سوف �أحوال �إبرازه هنا.
تعب عن مكنونها التوا�صلي ومن �أهم هذه املفاهيم:
ابتداء ،ترتكز الوظيفة التبادلية على عدة مفاهيم ّ
�أدوار/وظائف الكالم( ( )speech roles/functionsواملوجهات( )modalitiesونظرية التقييم(�ap
.)praisal theoryوفيما يلي �شرح لكل مفهوم مع تبيان عالقته بالتداولية:
أدوار الكالم:
يقرر �أ�صحاب النظرية النظامية الوظيفية مبد�أً مفاده �أن املتكلم عند �أي موقف �أو حدث كالمي
يتخذ دور ًا اجتماعي ًا .ويح�صرون الأدوار التي من املمكن �أن يتم ِّثــلها املتكلم يف �أربعة �أ�صناف :الإخبار
433
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
وال�س�ؤال والعر�ض والطلب ،وهذه الأربعة تلعب دور ًا �أ�سا�سي ًا يف بناء التفاعل اللغوي بني طريف اخلطاب(((؛
لكونها تتطلب موقف ًا من املخاطب جتاه مق�صد املتكلم :فالإخبار يتطلب ت�صديق ًا ،وال�س�ؤال يتطلب جواب ًا،
والعر�ض يتطلب قبو ًال ،والطلب يتطلب �إجناز ًا ،مع الأخذ باالعتبار �أن املخاطب له االختيار -يف �أي موقف
كالمي� -أن يتخذ عك�س ما يريده املتكلم ( .)Halliday and Matthesien 2014:135, 138هذه الأدوار
-او الوظائف الكالمية كما ُيعب َّــر عنها �أحيان ًا -تتقاطع مع مفهوم الأفعال الإجنازية (illocutionary
)actsيف نظرية �أفعال الكالم( ، )speech actsفقد �أ�شار �سريل (� )Searle 1971:39إىل عدد كبري
�ست (Austin من الأفعال الإجنازية التي ت�ؤديها اللغة ،وذكر منها ما ي ُــماثل هذه الأربعة ،وقبله ربط �أُ ِ
)1962:98بني الفعل الإجنازي و�صوره املتعددة التي ُينجز بها ،وع ّدد منها اال�ستفهام والإخبار .تقول
تافرينرز تعليق ًا على هذه املماثلة «وظائف الكالم يف نظام هاليداي تت�سق مع �أ�صناف خمتلفة من �أفعال
جلي ووا�ضح يف الوظيفة التبادلية الكالم» ( .)Taverniers 2011:1109ونلحظ هنا �أن البعد التداويل ّ
من خالل االت�ساق والتقاطع بني نظرية �أفعال الكالم التي تع ّد �إحدى النظريات التداولية البارزة ووظائف
الكالم التي تبنتها النظرية النظامية الوظيفية .ولكن هنا ت�سا�ؤل :ملاذا ترك هاليداي ا�ستخدام م�صطلح
وف�ضل م�صطلح«الأفعال الإجنازية» مع كونه �شائع ًا جد ًا يف حقل الل�سانيات وخا�صة يف احلقل التداويل ّ
«�أدوار /وظائف الكالم»؟ يجيب باتلر عن هذا الت�سا�ؤل بقوله «رمبا لكون م�صطلح «الأفعال الإجنازية»
غالب ًا ما يتم ربطه باالجتاه الفل�سفي الذي ن�ش�أ يف �أح�ضانه ،بينما م�صطلح «وظائف الكالم» ي�شري �إىل
مفهوم ي�ستند ب�شكل كبري على امل�ضمون االجتماعي» ( ،)Butler 2003 2:30ومما يجعل هذا التعليل
قريب ًا �إىل ال�صواب �أنّ هاليدي ينظر �إىل اللغة من خالل ممار�ساتها االجتماعية ال من خاللها من �أبعادها
الفل�سفية ،بل يعد الل�سانيات فرع ًا من فروع علم االجتماع؛ لأن اللغة جزء من النظام االجتماعي وال
ينفك عنه ،ويرى كذلك �أن اللغة نظام من املعاين واالختيارات اللغوية التي يرتبط �إجنازها بال�سياق
ب�شتى �أنواعه :الثقايف واالجتماعي واللغوي؛ لذا ينبغي �أن تكون درا�سة اللغة متجهة ب�شكل رئي�سي نحو
تف�سري التفاعل االجتماعي لها ،وهذا متم ِّثــل ب�شكل �أقرب يف درا�سة وظائف الكالم التي تتفاعل مع الأدوار
(((
االجتماعية (.)Halliday 1978:38-39; 1975b [2003]:79-80
(( ( «التفاعل اللغوي» ( )verbal interactionمفهوم من مفاهيم االجتاه الوظيفي يف الل�سانيات ،ويع َّرف ب�أنه �شكل من �أ�شكال
الن�شاط اللغوي التعاوين بني �أفراد املجتمع والذي يتط ّلب وجود طريف حوار (متكلم وخماطب) على الأقل ،ومن خالله يتم
تبادل املعارف التداولية ( )pragmatic knowledgeالتي قد تكون م�شرتكة بني املتخاطبني .ومنوذج التفاعل اللغوي يرتكز
على مق�صد يرغب املتكلم يف نقله �إىل املخاطب الذي يلعب دور ًا رئي�سي ًا يف تاويل ما يق�صده املتكلم ،وهو بهذا الت�صور مفهوم
نظر له يف نظرية النحو الوظيفي عند �سيمون ِدك ()Dik 1997 1:4 تداويل بال �شك كما ُي ّ
ّ
((( هذا ال يعني �أن هاليداي يرف�ض م�صطلح �أفعال الكالم ،بل �أكد على بعدها الفل�سفي و�أهميتها يف فل�سفة اللغة (Halliday
)1975b [2003]:79
434
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
املوجهات:
ِّ
«املوجهات» �إىل ما يعرف يف اللغويات الإجنليزية بـ ـ ( ،)modalitiesويعني هذا ِّ ي�شري م�صطلح
امل�صطلح التعبري عن الكيفية التي وقع �أو يقع بها احلدث من خالل ما يعتقده وي�ؤمن به املتكلم وذلك
با�ستخدام و�سائل متعددة كالأفعال والأدوات والتعابري املركبة والظروف ( ،)Palmer 1986:17فكلمة
«رمبا» و «قد» يف العربية وكذلك « »canو « » probablyيف االجنليزية من الو�سائل التي تلعب دور ًا مهم ًا
يف توجيه التعبري عن كيفية وقوع احلدث.
وت َع ّد املوجهات -كما ي�شري هاليداي و ماتي�سني( - )Halliday and Matthiessen 1999:526من
الو�سائل اللغوية ال�شائعة التي ي�ستعني بها املتكلم لي�ضع ب�صمة لر�أيه ال�شخ�صي يف اخلطاب الذي ترد فيه
حلدث ما ،وهذا احلكم قد يكون «قبو ًال �أو رف�ض ًا �أو ترجيح ًا �أو �شك ًا �أو
ٍ اجلملة ،في�صدر تقييم ًا �أو حكم ًا
املوجهاتتوقع ًا» (نحلة )139 :2009؛ لذا يرى �أ�صحاب النظرية النظامية الوظيفية �أن من خ�صائ�ص ِّ
�أنها تربط بني احلدث الذي تت�ضمنه اجلملة ومدى احتمالية �أو غالبية �أو وجوبية وقوعه ،واهتمامهم بهذا
املفهوم وا�ضح وبارز ،فقد اولوه عناية كبرية و�أدرجوه �ضمن فروع -او لنقل �أدوات -الوظيفة التبادلية؛
لكونه امل�صدر الرئي�سي الذي يزودنا باملوقف ال�شخ�صي الذي يتبناه املتكلم جتـ ــاه �أي حدث اجتماعي
وللموجهات عندهم ق�سمان :معرفية (�Mo ّ (.)Halliday 1970 [2005]:176; Thompson 2004:67
)daliztionو�إرادية (� ،)Modulationأما املعرفية فتك�شف لنا عن موقف املتكلم من مدى احتمالية
حتقق وقوع �أو �صحة م�ضمون اجلملة مثل :التعبري عن الت�أكيد �أو ال�شك� ،أو من مدى تكرار وقوعه مثل:
التعبري عن الدميومة �أو الغالبية �أو الندرة� .أما الإرادية فتك�شف عن موقف املتكلم من مدى وجوبية حتقق
م�ضمون اجلملة مثل التعبري عن الوجوب وااللتزام وال�سماح� ،أو من مدى ا�ستعداد من ي�شارك يف حتقيقه
وقدرته على ذلك مثل :التعبري عن القدرة واال�ستعداد(.)Thompson 2004:67; Fontaine 2013:121
وهنا �ساورد مثالني لندرك الفرق بني الق�سمني:
�أ -رمبا ح�ضر خالد [«رمبا» موجه من املوجهات املعرفية؛ لأنه يعرب عن مدى احتمالية وقوع احلدث
«ح�ضور خالد» يف املا�ضي].
ب -ي�ستطيع �أن يعود خالد غد ًا [«ي�ستطيع» موجه من املوجهات الإرادية؛ لأنه يعرب عن قدرة امل�شارك
«خالد» يف حتقيق احلدث وهو «العودة غد ًا» ].
وتتمثل تداولية املوجهات يف كونها ت�ش ّكل لنا طبيعة عملية التوا�صل من وجهة نظر ذاتية نحو حمتوى اجلملة،
وقد �أ�شارت تراقوت �إىل �أن املوجهات تع ّد �إحدى الأدوات التي ترمز �إىل «الذاتية» ( )subjectivityالتي هي
ُبعد تداويل ُيعرب عن وجهة نظر املتكلم ال�شخ�صية نحو ق�ضية ما ( .)Traugott 2012:558-559فالأفعال
435
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
مثل�« :أعتقد» و «�أ�ؤمن» و «ينبغي» والرتاكيب مثل« :من املفرت�ض �أنّ » و «من امل�ؤكد �أنّ » تربز لنا بال �شك
ما يحمله املتكلم من اعتقاد �أو موقف ذاتي ،وهذا املوقف الذاتي مرتبط بال�سياق الذي ترد فيه اجلملة:
حلدث ما �أو حتديد درجة احتمالية وقوعه �أو تقرير وجوبية �إجنازه �أو بيان قدرة من ي�شاركف�إنكار املتكلم ٍ
معان ال تت�شكل �إال يف �سياق ا�ستعمال اللغة ومن خالل �سياق خطابي ،ونتيجة لهذه اخلا�صية يف حتقيقه ٍ
املتم ّث ِــلة يف املوجهات � -أي :الذاتية ،-جعلها املتخ�ص�صون يف التحليل النقدي للخطاب( (�Critical Dis
� )course Analysisإحدى الأدوات الفاعلة التي ت�ساعد من يتعاطى مع �أي ن�ص -قارئ ًا كان �أم حمل ًال-
يف ا�ستنباط التوجهات الفكرية �أو ال�سيا�سية �أو االجتماعية للمتكلم/الكاتب ،فاملوجهات -عندهم -تعد
م�صدر ًا من م�صادر التعبري عن عدد من املفاهيم مثل :الهوية وااليديولوجيا واالجتاهات ال�سيا�سية( (�Fair
،)clough 2002:159-160,; Richardson 2007:59; Hart 2013:44وحتليل اخلطاب والتداولية
حقالن ل�سانيان متداخالن؛ �إذ كالهما ير�صد حركة اللغة من خالل ال�سياق ،فهما يبحثان يف طبيعة �أداء
اللغة وا�ستعمالها ،يقول بع�ض الل�سانيني «و�ضع اللغة -بخطاباتها املختلفة -يف �سياقات ا�ستخدامها هو
العامل امل�شرتك بني التداولية وحتليل اخلطاب» (�إ�سماعيلي وعبدالرحيم )11 :2014؛ فبذلك ن�ستبني
لتحليل �سياقي خلطاب ما.
ٍ البعد التداويل يف املوجهات حيث كونها �أداة
نظرية التقييم:
ترتبط نظرية التقييم ( )Appraisal Theoryمبفهوم املوجهات الذي ناق�شناه يف الأعلى ،وهي نظرية
حدث
انبثقت من طبيعة الوظيفة التبادلية للغة؛ �إذ تهدف �إىل حماولة الك�شف عن ر�أي املتكلم/الكاتب يف ٍ
ما وامل�شاركني فيه وتقييمه لهما من خالل �أدوات وعنا�صر داللية وتركيبية (;Thompson 2004: 75
.)Hart 2013:43وترى �أنانكر ا(� )Anankra 2017:131أن نظرية التقييم تر�صد انطباعات املتكلم
الذاتية و ر ّدات فعله جتاه ما يحدث حوله وما يتلقاه من خطابات.
وتقوم هذه النظرية على ثالثة معايري (Matthiessen, Teruya and Lam 2010:55-57; Oteíza
:)2017:457
1-1تقييم املواقف ال�شخ�صية من خالل التعابري اللغوية مع حماولة تتبع �أثر هذه املواقف يف ال�سلوك
االجتماعي ،ور�صد الر�ضا من عدمه عنها ،ويطلق على هذا املعيار (.)attitude
2-2الك�شف عن مظاهر التفاعل الذاتي ملن�شئ الن�ص مع الآراء والأحداث االجتماعية ،مثل :ا�ستخدامه
�أ�سلوب الت�أكيد �أو ا�ستخدامه لتعبري حتوطي ال ينبئ عن ر�أيه املبا�شــر ،ويطــلق على هذا املعيـ ــار
(.)engagement
436
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
437
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
- -يعد م�صطلح «املو�ضوع» ب�شكل عام م�صطلح ًا تداولي ًا يف كثري من امل�صادر والدرا�سات الل�سانية
الغربية ،منها على �سبيل املثال ال احل�صر( (�Dik 1997 2:389-394; Abdul-Raof 1998:96; Go
.)mez 2001:82
�- -أ�شار هاليداي (� )Halliday 1967a [2005]:71إىل �أن «املو�ضوع» يع ّد مكون ًا يت�ضمن وظيفة توا�صلية.
وندرك هذه الوظيفة التوا�صلية من خالل طبيعة الوظيفة التي ي�ؤديها «املو�ضوع» الذي يت�صدر اجلملة،
فبه يتج ّلى مق�صد املتكلم الذي يتم ِّثــل يف جذب انتباه املخاطب �إىل الإطار املو�ضوعي للجملة قبل �أن
ُي�سند �إليه املعلومة التي يحتاجها املخاطب ،ون�ضرب مثا ًال باجلملة الآتية التي هي عبارة عن عنوان
لتقرير يف �إحدى ال�صحف:
(((
«اجلامعات �ستتغري»
املتح َّدث عنه-؛
فاملكون «اجلامعات» ُو�ضع يف البداية لكي يحدد �إطار اخلطاب وجماله �-أي :املو�ضوع َ
ـخب به عن املو�ضوع والذي ُع ِّب به عنه هنا بــاملكون «�ستتغري»؛ في�ستطيع املخاطب �إدراكه قبل �إ�سناد ما ُيـ َ
�إذ يحمل هذا املكون املعلوم َة التي يعتقد املتكلم �أن املخاطب بحاجة �إىل معرفتها ،وهذه الرتاتبية هي ما
جتعل لـ«املو�ضوع» �أهمية كونها ت�ؤدي غر�ض ًا ومق�صد ًا تداولي ًا.
- -ربط هاليداي ( )Halliday 1967b: 205بني مفهوم «املو�ضوع» ومفهوم «االختيار» الذي �أ�شرنا �إىل
تداوليته �سابق ًا ،فاملتكلم يختار �-إما بوعي �أو بغري وعي -كلمة ما �أو عبارة ما لتكون نقطة البداية
يف اجلملة ومو�ضوع احلديث ،ولكن ينبغي �أن ي�ؤخذ يف االعتبار �إىل �أن هذا االختيار حتكمه معايري
�سياقية ككونه مو�ضع االهتمام يف اجلملة �أو كونه ي�ش ّكل رابط ًا بني اجلملة وما قبلها من ُج ـ َمــل �أو كونه
يت�ضمن معلومة وردت يف �سياق �سابق .وت�شري قوميز �إىل ملمح مهم ،وهو �إمكانية مقاربة ما ي�ؤديه
«املو�ضوع» من تعبري عن الداللة على «املتح َّدث عنه» ب�إحدى م�س ّلمات قراي�س التداولية التي قررها يف
«مبد�أ التعاون» ( ،)Cooperative Principleوهي م�س ّلمة «املنا�سبة» ،وتعني هذه امل�سلمة �أن يجعل
املتكلم حديثه ذا عالقة منا�سبة للن�ص احلايل� ،أي� :أن املتكلم ينبغي عليه �أن يجعل «املو�ضوع» مت�سق ًا
ومن�سجم ًا مع بقية مكونات الن�ص؛ وذلك باختياره ما يتنا�سب مع ذلك (.)Gomez 1997:77
�-أ�شار هاليداي (� )Halliday 1979 [2002]:207إىل �أن «املو�ضوع» ميتاز بالربوز ()prominence
يف اجلملة التي يرد فيها مع ِّيــن ًا موطن االهتمام والعناية فيها ،وتظهر �أهمية �إبراز «املو�ضوع» � -سواء
�أكان بتحديد مو�ضعه يف بداية اجلملة �أو بتمييزه بتلوين �صوتي بارز -عندما يكون مرتبط ًا مبا ُيعرف
باملو�ضوع املو�سوم ( )Marked Themeوهو املكون الذي ُنقل من مو�ضع مت�أخر يف اجلملة �إىل
((( عنوان تقرير يف جريدة عكاظ ،الثالثاء .2019/4/9
438
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
439
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
من يعتقد �أن املتكلم ا�شرتى �شيئ ًا �آخر غري ال�سيارة ،ويف اجلملة الثانية احتلت عبارة «بالت�أكيد» مو�ضع
ال�صدارة معربة عن موقف املتكلم من خ ٍرب ما مفيدة الت�أكيد؛ لذا تعد هذه العبارة مو�ضوع ًا تبادلي ًا ،ويف
اجلملة الثالثة احتلت االداة «كي» �صدارة العبارة الثانية «�أنام مبكر ًا» مفيدة الإطار التعليلي والتف�سريي
لها؛ لذا تعد مو�ضوع ًا ن�صي ًا كونها تربط بني العبارتني .ويجدر التنبيه على �أن ترتيب مكونات اجلملة على
معي مرتبط باختيار املتكلم -الواعي �أو غري الواعي -املت�سق مع ال�سياق.
ن�سق ّ
املفهوم الآخر الذي يندرج حتت مظلة الوظيفة الن�صية هو «الرتاكيب الإخبارية» ،وي�شري هذا
املفهوم -كما يذكر هاليداي� -إىل ترتيب مكونات الن�ص ونظمها بنا ًء على ما يعرف باملعلومة املعطاة
واملعلومة اجلديدة ،وهذان امل�صطلحان ين�ضويان حتت مظلة التداولية كما ي�شري عدد املتخ�ص�صني يف
املجال التداويل من �أمثال ت�شيف ( )Chafe 1976:31و ِدك( )Dik 1997 1:313وهونق (Haung
،)2012:131و�إن كان هاليداي مل ي�صرح بذلك .واملعلومة املعطاة تعني املعلومة التي يعتقد املتكلم �أن
مدرك لداللتها الإحالية ،فكلمة «الرجل» يف «الرجل قائم» معلومة معطاة؛ �إذ ت�شري �إىل رجل ٌ املخاطب
معني ،بينما تدل املعلومة اجلديدة على حمتوى داليل جديد بالن�سبة للمخاطب �إما لكونه ال يدرك حدوده
و�إحالته املرجعية و�إما لكونه مل يعلم بطبيعة عالقته الإ�سنادية �إال بعد التلفظ باجلملة ،لو قلنا «جاء رجل»
تعد كلمة «رجل» م�شتملة على معلومة جديدة لكونها ال حتيل �إىل فرد بعينه �أو لكونها م�سند ًا �إليها املجيء
(((
الذي مل يدركه املخاطب �إال بعد �سماعه.
وقد اعتنى ا�صحاب النظرية النظامية الوظيفية بهذين امل�صطلحني عناية كبرية وذلك من عدة حماور:
-من حيث التعريف بهما :فنجد هاليداي يحرر هذين املفهومني يف عدة موا�ضع من كتبه ،فهو يع ّرف
املعلومة املعطاة ب�أنها هي املعلومة التي يعتقد املتكلم �أن املخاطب لديه القدرة على ا�ستنباط ما
تت�ضمنه الكلمة �أو العبارة من داللة �إما من خالل �سياق ن�صي �سابق ()linguistic/textual context
�أو من خالل ال�سياق اخلارجي الذي يحيط بظروف �إنتاج الن�ص ( ،)context of situationواملعلومة
اجلديدة على العك�س من ذلك (،)Halliday 1970 [2002]:192; Halliday 1967a [2005]:64
فال�سياق ب�أنواعه له دور كبري يف حتديد نوع املعلومة �إما معطاة �أو جديدة؛ ونتيجة لذلك ،يتميز املك ِّون
املت�ضمن للمعلومة املعطاة بالطابع الإحايل كما �أكد هاليداي على ذلك يف عدة موا�ضع ،منها قوله
«املعلومة امل�سرتجعة [�أي :املعطاة] جتنح لأن تكون حما ًال �إليها �إحالة قبلية» (Halliday 1967a
،)[2005]:64و«الإحالة» من املفاهيم واملباحث التداولية و�إن مل ي�ص ّرح هاليداي بذلك ،وتتداوليتها
تنبثق من دورها الن�صي يف توجيه املخاطب �إىل تعيني الأ�شخا�ص والأ�شياء والأحداث معتمدة يف ذلك
على عالقتها بال�سياق (خامت ،)78 :2016و يع ّرف مليطان الإحالة ب�أنها «فعل تداويل يربط بني �أربعة
((( ينظر يف تعريف هذين امل�صطلحني يف.)Chafe 1976:30; Siewierska 1991:155( :
440
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
عنا�صر :اخلطاب وما يحيل عليه ح�ضور ًا �أو ِذكر ًا واملتخاطبني واملخزون الذهني الذي يعتقد املتكلم
(((
توافره لدى املخاطب �إ ّبان التخاطب» (مليطان .)43 :2014
وقد تكون املعلومة معطا ًة لكن ب�شكل غري مبا�شر ،وذلك حني يعتقد املتكلم �أن املخاطب لديه القدرة على
ا�ستنباط ذلك ،و�أطلق بع�ض اللغوين على هذا النوع من املعلومة املعطاة «املعلومة امل�ستنبطة» (Prince
،)1985:237وم ّثلت له �سيفري�سكي( )Siewierka 1990:158باملثال الآتي:
«هذا بيت جميل ،ولكن املطبخ �صغري جد ًا» .
نالحظ هنا �أن كلمة «املطبخ» مل ترد يف اجلملة االوىل ،ولكن املتكلم تعامل معها بو�صفها مت�ضمنة
معلوم ًة معطاة �سياقي ًا ومد َركة من ِقبل املخاطب� ،أي :وردت يف �سياق �سابق ،وهي يف الأدق مل ترد ،لكن
من املمكن �أن ت�ستنبط من مك ِّون ورد �سابق ًا هو «بيت» ؛ �إذ كل بيت ي�شتمل منطقي ًا وعرفي ًا على مطبخ فيه،
فهنا عالقة تفاعلية بني املتخاطبني تعتمد على تقدير املتكلم ملدى �إدراك خماطبه للمعلومة املعطاة وقدرته
على ا�ستنباط ذلك ،وهذا يجلي لنا جانب ًا تداولي ًا يتكئ على الك�شف عن العالقة بني الكلمات �أو العبارات
اللغوية وم�ستخدميها كما �أ�شار يول عند تعريفه للتداولية (.)20 :2010
-من حيث العالقة بـ «املو�ضوع» :ي�ؤكد هاليداي وماتي�سني على �أن «املو�ضوع» و«الرتاكيب الإخبارية»
مفهومان خمتلفان وم�ستقالن؛ �إذ ي�شري امل�ؤلفان -يف �سياق مقارنتهما بني «املو�ضوع» و«املعلومة املعطاة»
� -إىل �أن «املو�ضوع» هو ما اخرتته �أنا املتكلم ليكون نقطة بداية اجلملة ويت�ضمن جمال اخلطاب ،فك�أن
املتكلم يريد �أن يقول للمخاطب� :أنا �أحتدث عن هذا املو�ضوع ،بينما «املعلومة املعطاة» هي ما تعلمه �أنت
�أيها املخاطـ ـ ــب ( ،)Halliday and Mattheissen 2014:120ولكن هذا االختالف ال يعني عدم
التقارب والتالقي ،فغالب ًا ما يكون املو�ضوع مت�ضمن ًا معلومة معطاة (.)Halliday 1970 [2002]:192
-من حيث الرتاتبية :ي�ؤكد هاليداي ومن تابعه على �أن الرتتيب الرتكيبي ال�شائع ملكونات اجلملة هو:
«معلومة معطاة ثم معلومة جديد» (،)Halliday 1967a [2005]:93; Bloor and Bloor 1995:69
ولهذا تف�سري تداويل منبثق من طبيعة التفاعل بني �أطراف اخلطاب ،وهو ما �أ�شار �إليه عبدالر�ؤوف
ب�أن املتكلم كي يحقق الغر�ض التوا�صلي من خطابه ينبغي عليه �أن يبد�أ مبا هو معلوم للمخاطب حتى
يدرك جمال اخلطاب (املتح َّدث عنه) قبل �إ�سناد املعلومة اجلديدة التي يحتاجها (Abdul-Raof
،)1998:96وهنا ندرك وجود عالقة تفاعلية بني املتكلم واملخاطب تهدف �إىل حتقيق الهدف من
التخاطب ،وهذه العالقة ال �شك يف تداوليتها ،ومما يقوي هذا التف�سري ما ذهبت �إليه قوميز( (�Go
)mez 2001:33حني ربطت بني تراتبية «معلومة معطاة ثم معلومة جديدة» وم�س ّلمة من م�س ّلمات
((( ممن �أ�شار �إىل تداولية «الإحالة» �أي�ض ًا ك ٌّل من يول ( )39 :2010و نحلة (.)18 :2011
441
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
قراي�س التداولية وهي «م�سلمة الطريقة» التي تعني �أن املتكلم يجب عليه �أن يجعل كالمه وا�ضح ًا ،ومن
قواعد هذه امل�س ّلمة ترتيب الكالم على نح ٍو يجلي الغمو�ض واللب�س (يول ،)68 :2010ف�سبق املعلومة
(((
املعطاة على املعلومة اجلديدة هو الأكرث منطقية ويع ّد كلية من كليات التوا�صل اللغوي.
-من حيث العالقة بـ«الب�ؤرة» �أو «موطن الرتكيز» ( ،)Focusوهي من الوظائف التداولية التي تدل على
املكون الذي يحمل املعلومة الأهم بالن�سبة �إىل املخاطب(((� :أ�شار هاليداي �إىل �أن الب�ؤرة تت�سق غالب ًا
مع املعلومة اجلديدة؛ ونتيجة لهذا االت�ساق ،يتميز نطق املكون الذي يت�ضمن الب�ؤرة واملعلومة اجلديدة
بتلوين �صوتي بارز ( )prominent tonicلغر�ض جذب انتباه املخاطب ملا هو �أهم يف اجلملة؛ وبهذا
يتحقق الغر�ض التوا�صلي من �إجناز اخلطاب (.)Halliday 1967a [2005]:61-63
(( ( يقول املتوكل «املبد�أ العام [هو] �أن تتقدم املكونات احلاملة للمعلومات املعطاة على املكونات احلاملة للمعلومات اجلديدة»
(املتوكل .)254 :2010
((( ينظر يف تعريف الب�ؤرة و تداوليتها :املتوكل ( ،)255 :2010مليطان (.)56 :2014
442
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
اخلامتة
هدف هذا البحث �إىل الك�شف عن ال�سمات واملالمح التداولية للنظرية النظامية الوظيفية التي �أ�س�سها
اللغوي الربيطاين مايكل هاليداي .وقد �أ�شرنا ابتداء �إىل �أن النظرية مل جتعل للتداولية ق�سم ًا �أو مك ِّون ًا
م�ستق ًال يف منوذجها التف�سريي للغة كما فعلت النظريات الوظيفية الأخرى ،ولكن هذا ال يعني �أن النظرية
اطرحت التداولية جانب ًا و�أخرجتها من دائرة التحليل اللغوي؛ فقد ب ّيــنا يف ثنايا هذا البحث �أن التداولية ّ
بو�صفها ف�ضاء رحب ًا يحت�ضن حتليل اللغة يف �شكلها اال�ستعمايل تت�سق مع عدد من املفاهيم الوظيفية يف
النظرية النظامية ،و�إن كانت هذه العالقة غري مبا�شرة �أحيان ًا .ومن �أبرز هذه املفاهيم :الداللة واملعنى
واالختيار وال�سياق ووظائف اللغة التبادلية والن�صية .ومن خالل ا�ستنطاق �أدبيات النظرية ،عر�ضنا لهذه
املفاهيم ومالحمها وخ�صائ�صها مع ِّرفني بها وبعالقتها باملفاهيم التداولية ،مثل� :أفعال الكالم ،ومقا�صد
الكالم ،واملعاين ال�سياقية ،و�أحوال اخلطاب ،والتفاعل اللغوي ،والتعبري عن املواقف الذاتية ،واملنا�سبة.
وهذه النتيجة التي تو�صل �إليها البحث ت�ش ّكل �إجابة عن ت�سا�ؤل بامتان -الذي �أوردناه يف مقدمة البحث-
حول غياب م�صطلح التداولية يف النظرية النظامية الوظيفية ،وت�ش ّكل -يف اجلانب الآخر -ت�أكيد ًا لر�أي
باتلر الذي يرى مركزية البعد التداويل يف النظرية ،و�أن تطبيقات النظرية تتفق مع ما ي�شار �إليه يف
النظريات الوظيفية الأخرى بالتداولية (.)Butler 2003 1:45, 200
443
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
املصادر واملراجع
444
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
د .طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي
‒ ‒غلفان ،م�صطفى .)2009( .الل�سانيات التوليدية :من النموذج ما قبل املعيار �إىل الربنامج الأدنوي
(مفاهيم و�أمثلة) ،عامل الكتب احلديث� ،إربد.
‒ ‒غلفان ،م�صطفى .)2010( .يف الل�سانيات العامة :تاريخها ،طبيعتها ،مو�ضوعها ،مفاهيمها ،دار الكتاب
اجلديد املتحدة ،طرابل�س.
‒ ‒غلفان ،م�صطفى .)2013( .الل�سانيات البنيوية :منهجيات واجتاهات ،دار الكتاب اجلديد املتحدة،
طرابل�س
‒ ‒املتوكل� ،أحمد .)2005( .الرتكيبات الوظيفية :ق�ضايا ومقاربات ،دار الأمان ،الرباط.
‒ ‒املتوكل� ،أحمد .)2006( .املنحى الوظيفي ،دار الأمان ،الرباط.
‒ ‒املتوكل� ،أحمد .)2010( .الل�سانيات الوظيفية :مدخل نظري ،دار الكتاب اجلديد املتحدة ،طرابل�س
‒ ‒املتوكل� ،أحمد .)2013( .ق�ضايا اللغة العربية يف الل�سانيات الوظيفية ،من�شورات �ضفاف ،الرباط.
‒ ‒مليطان ،حممد احل�سني .)2014( .نظرية النحو الوظيفي :الأ�س�س والنماذج واملفاهيم ،من�شورات �ضفاف،
الرباط.
‒ ‒مو�شلر ،جاك و ريبول� ،آن .)2010( .القامو�س املو�سوعي للتداولية ،ترجمة عدد من الباحثني� ،إ�شراف :عز
الدين جمدوب ،املركز الوطني للرتجمة ،تون�س.
‒ ‒املي�ساوي ،خليفة .)2013( .امل�صطلح الل�ساين وت�أ�سي�س املفهوم ،م�شورات دار �ضفاف ،الرباط.
‒ ‒نحلة ،حممود .)2009( .علم اللغة النظامي :مدخل �إىل النظرية اللغوية عند هاليداي ،دار املعرفة
اجلامعية ،اال�سكندرية.
‒ ‒نحلة ،حممود� .)2011( .آفاق جديدة يف البحث اللغوي املعا�صر ،مكتبة الآداب ،القاهرة.
‒ ‒وحيدي ،حممد .)2017( .اللغة بني التف�سري الوظيفي والتف�سري ال�شكلي ،جملة الل�سانيات العربية ،العدد (.)5
‒ ‒يول ،جورج .)2010( .التداولية ،تر :ق�صي العتابي ،الدار العربية للعلوم نا�شرون ،بريوت.
445
مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية :العدد [ ،]24رجب ١٤٤٢هـ /فبراير ٢٠٢١م
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
‒‒Abdul-Raof, H. 2015. Semantics. A Coursebook for Students of English as a Foreign Language. LIN-
COM GmbH.
‒‒Ananko, T. 2017. The Category of Evaluation in Political Discourse. Advanced Education, 4(8),
pp.128-137.
‒‒Andersen, T. 2017. Interpersonal meaning and the clause. In The Routledge handbook of systemic
functional linguistics (pp139-154). Routledge: London and New York.
‒‒Austin, J. 1975. How to do things with words. Oxford: Oxford University Press.
‒‒Bateman, J. 2017. The place of systemic functional linguistics as a linguistic theory in the twenty-first
century. In The Routledge Handbook of Systemic Functional Linguistics (pp. 35-50). Routledge: Lon-
don and New York.
‒‒Berry, M.1975. Introduction to Systemic Linguistics 1. Systems and structures. London: Batsford
Academic and Educational.
‒‒Berry, M. 2017. Stratum, delicacy, realisation and rank. In The Routledge Handbook of Systemic
Functional Linguistics (pp. 42-56). London and New York: Routledge.
‒‒Bloor, T. and Bloor, M., 1995. The functional analysis of English: A Hallidayan approach. London:
Arnold.
‒‒Brown, G. and Yule, G. 1983. Discourse Analysis. Cambridge: Cambridge University Press.
‒‒Butler, C. 1985. Systemic linguistics: Theory and applications. London: Batsford Academic and Ed-
ucational.
‒‒Butler, C. 2003. Structure and Function A Guide to Three Major Structural-Functional Theories:
Parts 1-2. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company.
‒‒Butler, C. and Gonzálvez-García, F. 2014. Exploring functional-cognitive space. Amsterdam: John
Benjamins Publishing Company.
‒‒Chafe, W. L. 1976. ‘Givenness, Contrastiveness, Definiteness, Subjects, Topics, and Point of View’. In:
N. C. Li, (ed.) Subject and Topic. New York: Academic Press, pp. 25-55.
‒‒Chomsky, N. (2002). On Nature and Language. Cambridge University Press: Cambridge.
‒‒Chomsky, N. 1957. Syntactic Structures. The Hague: Mouton and Co.
‒‒Chomsky, N. 1976. Reflections on language. London: Moyer Bell.
‒‒Chomsky, N. 2014. Aspects of the Theory of Syntax. MIT press.
‒‒Dik, S. (1986). On the notion “functional explanation”. Belgian Journal of Linguistics, 1, (1), pp. 11– 52.
‒‒Fairclough, N. 2003. Analysing discourse: Textual analysis for social research. London and New York:
Routledge.
‒‒Fairclough, N., 1992. Discourse and social change. Cambridge: Polity press.
446
م٢٠٢١ فبراير/ هـ١٤٤٢ رجب،]24[ العدد: مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية
طـــــــــارق بن ربيـــــــع الفـريـــــــدي.د
‒‒Forey, G. and Sampson, N. 2017. Textual metafunction and theme: what’s ‘it’about?. In The Routledge
Handbook of Systemic Functional Linguistics (pp. 131-145). Routledge: London and New York.
‒‒Fries, P.H. 1994: On Theme, Rheme and discourse goals. In M. Coulthard. (ed.), Advances in writ-
ten text analysis. pp. 229–249.London: Routledge.
‒‒Goldenberg, G. 2007. ‘Subject and predicate in Arab grammatical tradition’. In: R. Baalbaki, (ed.)
The Early Islamic Grammatical Tradition . Aldershot: Ashgate, pp. 301-336.
‒‒Gomez, M. 2001. The Theme-Topic Interface. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company.
‒‒González, M. 1997. A critique of topic and theme within the frameworks of Functional Grammar
(FG) and Systemic-Functional Grammar (SFG). Revista española de lingüística aplicada, (12), pp.75-
94.
‒‒Halliday, M.A.K. 1967a [2005]. Notes on transitivity and theme in English-part 2. In: Studies in En-
glish Language. (ed.), J. Webster. (pp. 55-109) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 1967b. Some aspects of Thematic organization in the English clause. Santa Monica: he
RAND Corporation.
‒‒Halliday, M.A.K. 1969 [2003]. A brief sketch of systemic grammar. In: On Language and Linguistics.
(ed.), J. Webster. (pp. 180-184) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 1970 [2002]. Language structure and language function. In: On Grammar. (ed.), J.
Webster. (pp. 173-195) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 1970 [2005]. Functional diversity in language as seen from a consideration of Modality
and Mood in English. In: Studies in English Language. (ed.), J. Webster. (pp. 164-204) London: Con-
tinuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 1973. Explorations in the functions of language. London: Edward Arnold.
‒‒Halliday, M.A.K. 1975a. Learning how to mean. London: Edward Arnold
‒‒Halliday, M.A.K. 1975b. The context of linguistics. In: On Language and Linguistics. (ed.), J. Webster.
(pp. 74-91) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 1978. Language as social semiotic. London: Edward Arnold.
‒‒Halliday, M.A.K. 1979 [2002]. Modes on Meaning and Modes of expression. In: On Grammar. (ed.), J.
Webster. (pp. 196-218) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 1985 [2003]. Systemic background. In: On Language and Linguistics. (ed.), J. Web-
ster. (pp. 185-198) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 2002. Introduction: a personal perspective. In: On Grammar. (ed.), J. Webster. (pp.
1-14) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. 2003. Introduction: on the "architecture" of human language. In: On Language and
Linguistics. (ed.), J. Webster. (pp. 1-29) London: Continuum.
‒‒Halliday, M.A.K. and Matthiessen, C. 1999. Construing Experience Through Meaning: A Lan-
guage-Based Approach to Cognition. London and New York: Cassell.
‒‒Halliday, M. A. K. and Matthiessen, C. 2014. Introduction to Functional Grammar. New York: Hod-
der Arnold.
447
م٢٠٢١ فبراير/ هـ١٤٤٢ رجب،]24[ العدد: مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية
البعد التداويل يف الل�سانيات النظامية الوظيفية
‒‒Hart, C. 2014. Discourse, grammar and ideology: Functional and cognitive perspectives. London and
New York: Bloomsbury Academic.
‒‒Huang, Y. 2007. Pragmatics. Oxford: Oxford University Press.
‒‒Leech, G. 1983. The principles of Pragmatics. London and New York: Longman.
‒‒Lyons, J. 1981. Language and linguistics. Cambridge: Cambridge University Press.
‒‒Mackenzie, L. 1992. What is functional grammar. Congrès International De Linguistique Et Philolo-
gie Romanes, 20, Zurich.
‒‒Mackenzie, L. 2016. A first history of Functional Grammar. In History of Linguistics, (ed.), C.
Assunção, G. Fernandes and R. Kemmler, (pp. 233-245). Amsterdam: John Benjamins Publishing
Company.
‒‒Matthiessen, C., Teruya, K. and Lam, M., 2010. Key terms in systemic functional linguistics. London:
Continuum.
‒‒McEnery, T. and Hardie, A. 2012. Corpus linguistics: Method, Theory and Practice. Cambridge:
Cambridge University Press.
‒‒McEnery, T. and Wilson, A. 2008. Corpus linguistics. Edinburgh: Edinburgh University Press.
‒‒Oteíza, T. 2017. The appraisal framework and discourse analysis. In The Routledge handbook of sys-
temic functional linguistics (pp. 481-496). London and New York: Routledge.
‒‒Palmer, F. 1995. Semantics. Cambridge: Cambridge University Press.
‒‒Palmer, F. R. 1986. Mood and Modality. Cambridge: Cambridge University Press.
‒‒Prince, E. 1981. Toward a taxonomy of given new information. In: P. Cole, (ed.) Radical Pragmatics.
Academic Press, Inc.
‒‒Richardson, J., 2006. Analysing newspapers: An approach from critical discourse analysis. New York:
Palgrave Macmillan.
‒‒Searle, J. (1971) What is a speech act? In: The Philosophy of Language. (ed.), J. Searle. (pp. 39-53),
Oxford: Oxford University Press.
‒‒Siewierska, A. 1991. Functional Grammar. London and New York: Routledge.
‒‒Taverniers, M. 2011. The syntax–semantics interface in Systemic Functional Grammar: Halliday’s
interpretation of the Hjelmslevian model of stratification. Journal of Pragmatics 43(4), pp.1100–1126.
‒‒Traugott, E.C., 2012. Pragmatics and language change. In: The Cambridge handbook of pragmatics,
(ed.), K. Allan and K. Jaszczolt. pp.549-565. Cambridge: Cambridge University Press.
‒‒Tucker, G. 1998. The lexicogrammar of adjectives: A systemic functional approach to lexis. London
and New York: Cassell.
‒‒Valin, V. 2001. Functional Linguistics. In: M. Aronoff (ed.), The Handbook of Linguistics. pp. 319-
336. Oxford: Blackwell.
448
م٢٠٢١ فبراير/ هـ١٤٤٢ رجب،]24[ العدد: مجلة جامعة الطائف للعلوم اإلنسانية