Professional Documents
Culture Documents
tn
تونس في الثالثينات
عرفت البالد التونسيّة مع مطلع الثّالثينات أزمة اقتصادية واجتماعية لها عالقة باألزمة العالميّة وتزامنت مع سياسة
استعمارية استفزازية أ ّدت إلى تطوّر العمل الوطني وتغيّر في أساليب النّضال .فكيف تفاعل التّونسيّون مع ظرفيّة
الثّالثينات؟ وماهي أشكال النّضال الجديدة التي اعتمدتها الحركة الوطنيّة لمواجهة هذه التح ّديات؟
ارتبطت أزمة االنخفاض في اإلنتاج أساسا بعوامل طبيعية ،حيث ساهم كل من الجفاف خالل سنتي 1931و1932
وانتشار الجراد في مارس 1932في انخفاض اإلنتاج وارتفاع أسعار المواد األساسيّة إضافة إلى تضرّر الفئات الكادحة في
المدن واألرياف وأصبحت مه ّددة بالمجاعة كما تفاقمت ظاهرة النّزوح الرّيفي نحو المدن خاصّة العاصمة لتتش ّكل األحياء
.القصديريّة
ارتبطت بتأثيرات األزمة االقتصادية العالميّة والتي تميزت بضيق السّوق ال ّداخليّة والخارجيّة وتراكم اإلنتاج الفالحي
والمنجمي مما أدى إلى انخفاض أسعار المواد الفالحيّة الذي ارتبط بتفاقم المنافسة األجنبيّة بتخفيض قيمة العملة البريطانيّة
واألمريكيّة وحافظت فرنسا على قيمت الفرنك وفرضت نظام الحصص على البضائع المستوردة من مستعمراتها م ّما زاد
.في تراكم البضائع في السّوق التوّنسية خاصّة وأنّها مرتبطة هيكليًّا بالسّوق الفرنسيّة منذ 1928في إطار الوحدة الجمركية
وأثّرت هذه األزمة على األوضاع االجتماعية والمتمثّلة أساسا في إفالس الفاّل حين وعجزهم عن تسديد ال ّديون والتّفريط في
.ملكيّاتهم للمرابين والبنوك
كما تضرّر الحرفيّون من ضيق السّوق ال ّداخلية والمنافسة األجنبيّة حيث شملت البطالة الع ّمال في مختلف األنشطة التّقليديّة
مثل الفالحة ( 100ألف عاطل عن العمل منهم 30ألف بالعاصمة سنة .)1935وانتشرت مظاهر البؤس وُأحْ ِدثت المالجئ
.فيما نُهبت المخابز بكل من تونس وباجة والقيروان سنة 1934
المؤتمر األفخرستي
هي تظاهرة أقامتها الكنيسة الكاثوليكيّة في ماي 1930وهو استعراض نظّمه ال ّشبان المسيحيّون بأزيائهم ال ّدينيّة .وكان
الهدف منه إبراز أمجاد الكنيسة وإحياء للحملة الصّليبيّة الثّامنة الّتي فشلت في تونس خالل العصر الوسيط واعتبر
.الوطنيّون هذا االحتفال استفزازا للمشاعر الوطنيّة ون ّددوا بهذا المؤتمر ومشاركة الباي فيه
خمسينيّة الحماية
1
bac-done.tn
في ماي 1931احتفل الفرنسيّون بمرور 50سنة على احتالل البالد التّونسيّة وهو احتفال إلبراز اإلنجازات الحضاريّة
الفرنسيّة ،فتح ّملت ميزانيّة ال ّدولة التّونسيّة نفقات هذا االحتفال الّذي ق ّدر بـ 300مليون فرنك في ض ّل أزمة اقتصادية
.واجتماعية حا ّدة
كما ن ّددت الصّحف بهذه االحتفاالت والمصاريف وذلك للظّرفيّة القاسية الّتي تعيشها البالد فعطّلت السّلطات الفرنسيّة العديد
.من الصّحف منها صحفية النّهضة والوزير وصوت التّونسي
مسألة التّجنيس
انطلقت االحتجاجات بمدينة بنزرت في 31ديسمبر 1932حيث رفض س ّكانها دفن أحد المجنّسين التّونسيّين في المقبرة
.اإلسالميّة
وتوسّعت األحداث في تونس والسّاحل وأثارت القضيّة عديد المواقف حيث اعتبر المجلس ال ّشرع ّي أن التّجنيس ال يؤ ّدي
.إلى االرتداد .وفي األخير ُأجبِرت السّلطات االستعمارية على تخصيص مقابر للمتجنّسين التّونسيّين
.الجمعيات :تمثلت في جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين وال ّشبيبة المدرسيّة وجمعيّة قدماء الصّادقيّة
Leالصحف :برزت العديد من الصحف الناطقة بالعربية مثل صحيفة العمل واإلرادة وصحف أخرى ناطقة بالفرنسية مثل
.وهي صحافة تدافع عن مصالح التّونسيين ومتبنية للتّحرّكات ال ّشعبية L’action Tunisienneو voix du Tunisien
النشاط الثقافي :ظهور تيار فكري تحرّري تق ّدمي يتز ّعمه الطاهر الح ّداد (كاتب ومصلح اهتم بضرورة تحسين ظروف
الطّبقة الع ّمالية ودعى إلى تحرّر المرأة) .كما برز تيار آخر شعر ّ
ي ثوري تز ّعمه أبو القاسم ال ّشابي وتيار ثقافي أدبي تحت
عنوان “جامعة تحت السّور”(مقهى تحت السّور من أبرز روّاده علي ال ّدوعاجي ،محمود بيرم التّونسي ،عبد العزيز
).العروي
تط ّور الحزب الحر الدّستوري الت ّونسي الجديد من بداية الثّالثينات إلى منتصفها
إنتعاشة العمل الوطني وانعقاد مؤتمر نهج الجبل
بعد فترة الرّكود الّتي امت ّدت منذ منتصف العشرينات عاد النّشاط من جديد بعد دخول أطراف جديدة برزت خالل انعقاد
مؤتمر نهج الجبل يومي 12و 13ماي 1933بنهج الجبل بالعاصمة .وانضم إلى اللّجنة التّنفيذيّة جامعة العمل التّونسي من
بينهم الحبيب ومحمد بورقيبة والطّاهر صفر .وأصبح الحزب الحر ال ّدستوري التّونسي يض ّم أطرافا عديدة وقد أفرز
:المؤتمر
قيادة جديدة في صلب اللّجنة التّنفيذيّة فإلى جانب رموز الجيل المؤسّس للحزب (أحمد الصّافي وصالح فرحات…) نجد
).جيال جديدا من ال ّشباب الوطني متمثّال في جامعة العمل التّونسي (الحبيب ومحمد بورقيبة والطّاهر صفر
برنامج الحزب :وهو برنامج جديد :انتقال من المطالبة في تشريك التّونسيين في إدارة شؤون البالد إلى تحرير ال ّشعب
.التّونسي والحصول على دستور يصون ال ّشخصيّة التّونسية عن طريق برلمان تونسي وحكومة مسؤولة
2
bac-done.tn
المبادئ تو ّخي طريقة الحذر والتّريّث اعتماد ضرورة االعتماد على القوى ال ّشعبيّة الكتابة في
عمل – La charteالصّحف مثل اإلرادة انتهاج خطّة عمل L’actionالصّحف مثل العمل
سياسي نخبوي تميّز خالل هذه الفترة مباشرة معتمدا على القوى ال ّشعبيّة واعتبار اللّجنة
باالنكماش وانتظار تد ّخل الحكومة .التّنفيذيّة عاجزة عن تبنّي مطالب ال ّشعب
تعامل السّلط المقيم العام كلون ملنصرون (– 1929 اعتبار االنشقاق يخدم مصلحة السّلط االستعمارية –
االستعمارية )1933 مسايرة أعضاء اللّجنة التّنفيذيّة
المقيم العام مارسال – بادر باعتقال 8قياديين من الحزب ونفيهم إلى برج
بيروطون (1934 البوف منهم األخوين بورقيبة والماطري ثم ترحيل 7
)– 1936 آخرين منهم صالح بن يوسف وبحري قيقة ومنع نشاط
.الحزب وتعطيل صحيفتيه
تكثيف مظاهر الصّمود وانخراط تالميذ المعاهد الثّانويّة وطلبة جامع ال ّزيتونة في النّضال أدى إلى فشل السّياسة القمعيّة
.وتخوض الحركة الوطنيّة تجربة جديدة مع حكومة الجبهة ال ّشعبيّة
نتيجة انعكاسات أزمة الثّالثينات ازدادت أوضاع الع ّمال تر ّديا بسبب البطالة ففي سنة 100 ،1935ألف عاطل عن العمل
منهم 30ألف بتونس العاصمة حيث شملت البطالة مختلف أصناف العاملين في القطاع التقليدي والذي يشمل الفالحة
.واألنشطة الحرفية وفي القطاع العصري الذي يشمل المناجم والموانئ
وقد كانت الظرفيّة مالئمة نتيجة لصدور األمر الذي يق ّر حريّة العمل النّقابي في 12نوفمبر 1932ووصول الجبهة ال ّشعبيّة
للحكم في فرنسا في جوان 1936وتولّي أرمان قيون اإلقامة العا ّمة بين 1936و .1938وفي جوان 1936أعلن مجموعة
من رفاق محمد على الحامي (علي القروي – محمد الغنّوشي – الطّاهر بن سالم) عن إحياء جامعة عموم العملة التّونسيّة.
لتُشكل يوم 21جويلية 1936هيئة وقتيّة عملت على إقناع التّونسيين لالنخراط في الجامعة .وفي 07ماس ،1937تش ّكلت
هيئة وقتيّة ثانية إلعداد القانون األساسي للجامعة والتّحضير للمؤتمر االستثنائي حيث بلغ عدد النّقابات المنضوية تحت
الجامعة 45نقابة أساسيّة ،لينعقد بذلك يوم 27جوان 1937المؤتمر التأسيسي الذي أسفر عن تشكيل مكتب تنفيذي يض ّم
ّ
14عضوا برئاسة بلقاسم القناوي أصيل المطويّة (قابس) بسجن ببرج البوف .إال أن هذه الجامعة لم تع ّمر طويال ولم تتمكن
CGT.من استقطاب النّواة الع ّماليّة المثقّفة الّتي بقيت منخرطة في
بدأ اهتمام الحزب بالجامعة منذ انعقاد مؤتمرها .فالكاتب العام بلقاسم القناوي هو أحد أعضاء الحزب الجديد .وبعد فشل
تجربة الحوار مع فرنسا أصبح ال ّديوان السّياسي يؤ ّكد على ضرورة تالحم النّضال السّياسي والنّضال النّقابي لمقاومة
االستعمار… أ ّما قادة الجامعة بالخصوص القنّاوي يرى ضرورة فصل العمل النقابي عن العمل السياسي ورفض المشاركة
في إضراب 20نوفمبر 1937لمساندة الحركة الوطنيّة في المغرب والجزائر .وخالل انعقاد مؤتمرها الثّاني 29جانفي
1938اقتحمت مجموعة من مناضلي الحزب واالتحاد النّقابي الجهوي ببنزرت يتق ّدمهم الهادي نويرة وصالح بن يوسف
3
bac-done.tn
فوقع تقديم شكوى لل ّشرطة إاّل أن األشغال تواصلت و ُعيّن مكتبا جديدا برئاسة الهادي نويرة .وانتهى األمر بإيقاف التّجربة
CGT.الثّانية بعد عجز الحزب عن احتوائها فانصهرت ع ّدة نقابات من جديد في
مع قدوم حكومة الجبهة ال ّشعبيّة بقيادة ليون بلوم رئيس حكومة الجبهة ال ّشعبيّة ظهرت بوادر االنفراج حيث بادر المقيم العام
أرمان قيون بالعفو عن الطّلبة والقيادات السّياسّة واصدار قانون 12أوت 1936يقضي بحريّة االجتماع وتكوين الجمعيّات
ب حيث ارتفعت من 50إلى 400شعبة .فاستغ ّل الحزب هذه الوضعيّة لتطوير عدد ال ُّش َع ِ
وق ّدم المجلس الملّي المنعقد في 10جوان 1936مطالب اتّسمت باالعتدال وسافر وفد لعرضها على الحكومة الفرنسيّة،
وضم الوفد كل من الحبيب بورقيبة وسليمان بن سليمان حيث قابال بيارفيانو كاتب ال ّدولة المساعد لوزير الخارجيّة مكلّف
بشؤون تونس والمغرب األقصى والذي أ ّدى زيارة إلى تونس ووعد في خطابه بإجراء إصالحات وتوسيع مشاركة
.التّونسيين في تسيير البالد
أثارت اإلصالحات المزمع إنجازها سخط المتفوّقين من مع ّمرين وأصحاب ال ّشركات خوفا على مصالحهم مما أثار أيضا
خيبة أمل بالنّسبة لل ّدستوريين خاصّة بعد عودة الثّعالبي سنة 1937ومحاولة توحيد الحزبين تحت قيادته ففشلت التّجربة
وتز ّعم الحزب الجديد الحركة الوطنيّة الّذي عبّر عن موقفه خالل مؤتمر نهج التّريبونال من 30و 31أكتوبر إلى 01و02
:نوفمبر 1937حيث انعقد في مناخ مشحون بالتّوتّر بعد سقوط حكومة الجبهة ال ّشعبيّة إذ شهد نقاشات بين الشقّين
تيار راديكالي :تزعمه الهادي نويرة وعلي البلهوان ويوسف الرّويسي الذي اعتبر أن سياسة الحوار فاشلة ورفع مطلب
.اإلستقالل
تيار معتدل :من أنصاره الحبيب بورقيبة ومحمود الماطري الّذي عارض الموقف األوّل واعتبر أن الظّرفيّة غير مالئمة
أن ال ّشعب غير مهيّئ لخوض معركة االستقالل
.واعتبر ّ
بداية المواجهات ال ّدامية خالل جانفي 1938باحتجاجات ضد ابعاد حسن النوري (وهو كاتب عام االتحاد المحلّي لجامعة
عموم العملة ورئيس ال ّشعبة ال ّدستوريّة) فوقعت حملة لتحريض التّونسيين على العصيان المدني والعسكري .كما تم إدماج
ال ّشباب في النّضال بزعامة علي بلهوان وهو أستاذ بالمعهد الصّادقي منخرط في الحزب ال ّدستوري الجديد .ومع بداية شهر
أفريل ،تم إيقاف 20عضوا من قادة الحزب .وفي 08أفريل ،أعلن ال ّديوان السّياسي إضرابا عاما ونظّمت مظاهرة قادها
علي البلهوان والمنجي سليم ومحمود الماطري شارك فيها 10آالف تونسي حيث نادوا ببرلمان تونسي وحكومة وطنيّة.
وفي يوم 09أفريل ،1938بينما كان علي بلهوان موقوفا تج ّمع الناس أمام قصر العدالة فأطلقت قوّات األمن النّار عليهم
ووقعت مصادمات أسفرت عن 22قتيل و 150جريح .وقد تبعت هذه االحداث حملة قمعية من السلطات الفرنسية تمثلت
.في حل الحزب الجديد وتعطيل صحفه واعتقال زعمائه فدخلت بذلك الحركة الوطنية في فترة انكماش
خاتمة
تعتبر فترة الثّالثينات فترة حاسمة حيث أدمجت طرق جديدة في النّضال قادها الحزب الجديد الذي اعتمد على القوى
.ال ّشعبيّة وتبلورت فكرة االستقالل
4