You are on page 1of 6

‫جامعة محمد الخامس‬

‫المدرسة العليا لألساتذة‪ ،‬الرباط‬

‫الموسم الجامعي ‪2021 -2020 :‬‬ ‫مسلك اإلجازة في التربية‬


‫الفصل ‪ :‬الفصل الثاني‬ ‫تخصص‪ :‬التعليم الثانوي‪ -‬الفلسفة‬
‫وحدة ‪ :‬حكمة الشرق‬
‫‪.......................................................................................................................................................‬‬
‫الوثيقة رقم‪7 :‬‬

‫الحكمة الزرادشتية‬

‫إن نس بة "الزرادش تية" إلى بالد ف ارس مج رد اف تراض‪ ،‬أو ج واب م ؤقت عن إش كالية النش أة‪ ،‬ب دليل أن‬
‫"أفستا"‪ ،‬الكتاب المقدس للزرادشتيين لم يكتب باللغة الفارسية‪ ،‬ولم يتشكل في المحيط الفارسي‪ .‬فضال‬
‫عن ك ون زرادش ت‪ ،‬مؤس س ه ذا الم ذهب‪ ،‬ينتمي إلى مدين ة راك ا الميدي ة‪ ،‬له ذا ج اءت "أفس تا" تتن اول‬
‫بعض األعراف والطقوس والتقاليد االجتماعية والنظم االقتصادية التي كانت سائدة آنذاك بين الميديين‬
‫منذ ألف سنة قبل الميالد‪ .‬وأغلب شواهد وآراء الباحثين تؤكد على أن الكرد هم أحفاد هؤالء الميديين‪.‬‬
‫واألفس تا هي نفس ها اللغ ة الكردي ة‪ .‬لكن بع د س قوط إمبراطوري ة مي ديا على ي د ك ورش مؤس س‬
‫اإلمبراطوري ة األخميني ة الفارس ية س نة ‪ 550‬ق‪.‬م ح اول الفارس يون طمس لغ ة أفس تا األص لية ودمجه ا‬
‫ضمن الحضارة الفارسية‪ .‬لهذه األسباب اعتبرت الزرادشتية مكونا ثقافيا ضمن هذه الحضارة‪.‬‬

‫حضارة بالد فارس‪:‬‬


‫وتع ود أص ول بالد ف ارس إلى المه اجرين المنح درين من القبائ ل القوقازي ة‪ ،‬حيث وص لوا إلى الهض بة‬
‫اإليراني ة في م ا بين س نة ‪ 1500‬و‪ 2000‬قب ل الميالد‪ .‬وأسس وا إمبراطوري ة مترامي ة األط راف ع ام‬
‫‪ 559‬ق‪.‬م‪ .‬ويعود تأسيس بالد فارس إلى الملك كورش الثّاني (سيروس الثّاني) بعد هزم اإلمبراطورية‬
‫الميدي ة‪ .‬وفي عه د داري وس األول (‪ ،)Darius I‬ال ذي اعتلى الع رش س نة‪ 521‬ق‪.‬م ‪ ،‬تم اعتب ار‬

‫‪1‬‬
‫"الزرادش تية" ال دين الرس مي للدول ة‪ .‬فتق وت ه ذه الديان ة في ف ترة حكم كس رى الث اني ال ذي أح يى معاب د‬
‫النيران ونشر تفسيرا جديدا لكتابها المقدس "أفستا"‪.‬‬
‫تحوم حول شخصية زرادشت (مؤسس الزرادشتية) العديد من األساطير بصدد مولده ونشأته‪ .1‬فاسم‬
‫زرادش ت(‪ )Zoroastres‬ه و الترجم ة اإلغريقي ة لـ "زاراثوس ترا ( ‪ .")Zarathustra‬هن اك اختالف كب ير‬
‫‪ 660‬ق‪.‬م‬ ‫بين المؤرخين بصدد تاريخ والدته‪ ،‬لكن معظم الروايات تقر بأنه لم يولد قبل سنة‬
‫لما بل غ الثالثين من عم ره اتخ ذ حي اة العزل ة‪،‬‬
‫وت وفي بين ‪ 520‬ق‪.‬م و‪ 550‬ق‪.‬م‪ .‬يق ال إن زرادش ت َّ‬
‫فلج أ إلى هض بة يتأم ل في أس رار الك ون والوج ود‪ ،‬وفي هات ه العزل ة ن زل علي ه وحي اإلل ه األعظم‬
‫"أهورامزدا" ( ‪ ) Ahuramazda‬ليبلغ رسالته إلى الناس‪ .‬عندما سأل زرادشت اإلله أهورامازدا قائال‪:‬‬
‫<<في عالم التجسيد‪ ،‬ما هو الشيء األول في الكمال‪ ،‬وأيها الثاني وأيها الثالث؟>> فرد عليه أهورا‬
‫مازدا‪<< :‬إن أول كمال هو األفكار السديدة‪ ،‬وثانيهما الكلمات الطيبة وثالثها األعمال الصالحة‪ .>>.‬لقيت‬
‫رسالة زرادشت المقدسة مقاومة شديدة من لدن الكهنة ورجال الدين والعديد من الناس‪ .‬حيث أنشأ زرادشت‬
‫مذهبا دينيا يقوم على أساس أخالقي غاية في الدقة واإلحكام‪ ،‬لدرجة أن تأثيره بلغ العديد من الفلسفات‬
‫والمذاهب الدينية واألخالقية سواء لدى اليونان أو فالسفة اليهود أو النصارى أو المسلمين‪ .‬استنادا إلى‬
‫مب دأي الخ ير والش ر‪ .‬فوض ع نظام ا ديني ا محكم ا س واء على مس توى العقي دة أو العب ادات أو‬
‫المعامالت‪...‬إلى أن توفي عن عمر ناهز‪ 78‬سنة‪ ،‬ثم صعد إلى السماء وهو محاط بنور ساطع‪.‬‬
‫يس تند الاله وت الزرادش تي إلى الكت اب المق دس "أفس تا" (‪ )Avesta‬أو "األبس تاق" بالفارس ية‪ ،‬ال ذي ه و‬
‫وحي من اإلل ه "أهورام ازدا"‪ ،‬وهي عب ارة عن‪ :‬أربع ة من َّ‬
‫الن ْس ك‪ .‬حيث يحت وي النس ك األول (ياس نا)‬
‫مجموع ة من ه ايتي (بل غ ع ددها ‪ . )72‬أم ا النس ك الث اني (فيس برد) ويض م ‪" 23‬ك ردة" (‪ .)Karde‬أم ا‬
‫النسك الثالث (فينديداد) فيشتمل على ‪ 22‬فاركارد ‪ ،‬وأخيرا النسك الرابع يحتوي على ‪( 22‬ياشت)‪...‬‬
‫َّ‬
‫الن ْس ك ه و الج زء‪ ،‬أم ا ياس نا (‪ )Yasna‬فتع ني باللغ ة األفس تية التبجي ل‪ ،‬العب ادة‪ ،‬التق ديس‪...‬وتتض من‬
‫‪2‬‬
‫مجموعة من الترانيم والصلوات الدينية المؤلفة من ‪ 72‬فصال يسمى كل منها هايتي (‪.)Haiti‬‬
‫ياس نا هي أس اس العب ادات الزرادش تية ال تي يق وم به ا الكهن ة الزرادش تيون أم ام الن ار المقدس ة وأثن اء‬
‫تحض ير "االهوم ا" (الش راب اإللهي المق دس)‪ُ ،‬يع د (الك ات) الج وهرة الثمين ة في الياس نا‪ ،‬وهي أناش يد‬
‫زرادشت نفسه‪ ،‬وتتألف من ‪ 17‬نشيدا‪ ،‬فضال عن قصص وصلوات‪ ...‬ويقول المؤرخون أن (األفستا)‬
‫كتبت على ‪ 12000‬قطعة من جلود البقر‪ .‬تعرضت أجزاء منها لإلتالف على يد اإلسكندر األكبر‪ ،‬في‬

‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫تحكي األساطير عن الوالدة الغريبة لـ "زاردشت"‪ ،‬فقبيل ظهوره بلحظات انبثق نور إلهي شديد اللمعان من بيت "بوراشاسب"‪،‬ـ ومن السماء سمع‬
‫‪.‬صوت يبشر بميالده‪ ،‬وفي غرفة والدته أضاء نور إلهي‪ ،‬فخرج الطفل زرادشت وهو يضحك‪ ،‬فأثار ذلك استغراب الحاضرين‬
‫‪2‬‬
‫?أفستا – الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية‪ ،‬إعداد خليل عبد الرحمن‪ ،‬روافد الثقافة والفنون‪2007 ،‬‬

‫‪2‬‬
‫حين أن أج زاء أخ رى فق دت أثن اء الفتوح ات اإلس المية في الق رن الس ابع الميالدي‪ .‬والب اقي الزال‬
‫محفوظا إلى يومنا هذا بعد مضي أكثر من ‪ 3000‬سنة‪ُ ،‬كتب باللغة األفستانية‪ ،‬وهي لغة مشتركة بين‬
‫الفارس ية القديم ة والسنس كريتية الفيدية‪ُ .‬جمع هذا الكتاب بعد وفاة زرادش ت بزمن طويل‪ ،‬وهو يعتبر‬
‫بمثاب ة موس وعة في العقي دة والثقاف ة والحض ارة‪ ،‬حيث تُمث ل أق دم وثيق ة تاريخي ة مكتوب ة تعكس األفك ار‬
‫الدينية واألخالقية والفلسفية للزرادشتيين‪.‬‬

‫ترتكز العقيدة الزرادشتية على العديد من المنطلقات‪ ،‬منها‪ :‬مبدأ "توحيد األلوهية"؛ فاإلله "أهورامزدا"‪،‬‬
‫(‪ 3)Ahura Mazda‬هو الخالق القادر على كل شيء‪ ،‬ليس كمثله شيء‪ .‬واحد ال شريك له‪ ،‬ال منافس‬
‫له في السيادة والكمال المطلق‪ ،‬هو األكبر واألول واآلخر‪ ،‬والقديم واألزلي واألبدي‪ ،‬والباقي بعد فناء‬
‫العالم‪.‬‬

‫وهن اك من الدارس ين من ي رى أن الزرادش تية هي ديان ة "ثنوية" (‪ ،)dualisme‬وكأنن ا أم ام إلهين‪ ،‬إل ه‬


‫النور "أهورامزدا" وإ له الظالم "أهريمان" (‪ ،)Ahriman‬وهما يتنازعان السيطرة على الكون‪ .‬في حين‬
‫ال يعدو األمر يتجاوز صراعا بين اإلله والشيطان‪ ،‬أو باألحرى بين دعاة الخير وأتباع الشر‪ .‬ويعتقد‬
‫الزرادش تيون أن الش ر ليس من خل ق اهلل‪ ،‬فــ "أه ورامزدا" ليس مس ؤوال عن الش رور ب ل تع ود ه ذه‬
‫األخيرة في العالم إلى "أهرمان"‪ .‬وعليه فان اإلنسان الطيب عليه أن يتبع الخير أو اإلرادة الخيرة التي‬
‫ي دعو إليه ا "أه ورامزدا" ليف وز برض ا اهلل ويعم الخ ير‪ .‬هك ذا يقتض ي من النفس الطيب ة إتب اع الخ ير من‬
‫خالل الفض ائل الس بعة العلي ا كالحكم ة والش جاعة والعف ة والعم ل واإلخالص واألمان ة والك رم ه ذه‬
‫الفض ائل بمثاب ة المالئك ة‪ .‬ت دفع ه ذه الفض ائل الق وة المقدس ة للنفس البش رية إلى الخ ير والن ور والحي اة‬
‫والح ق‪ ،‬وتجنب الش ر المتمث ل في الرذائ ل الس بعة الك برى كالنف اق والخديع ة والخيان ة والجبن والبخ ل‬
‫والظلم وإ زه اق ال روح وهي بمثاب ة ش ياطين‪ .‬وت دفع ه ذه الق وة الخبيث ة المتكون ة من النقص في النفس‬
‫البش رية إلى الش ر والظالم والم وت والخ داع‪...‬هك ذا ت زرع الزرادش تية في أتباعه ا األخالق الحس نة‬
‫اإليجابي ة وتجنبهم الس لوكات واألفك ار والمش اعر الش ريرة‪ .‬وفي األخ ير ت ترك لإلنس ان مس ؤولية‬
‫االختيار‪ ،‬فأمامه طريقان؛ طريق اهلل وطريق الشيطان‪ .‬وفي هذا السياق رفض زرادشت حياة الرهبنة‬
‫كما رفض الخارجين عن طاعة اهلل‪.‬‬

‫أك دت الزرادش تية على أولوي ة ال روح وأهميته ا ووجوده ا‪ ،‬واالعتق اد ب أن الجس د ه و الف اني‪ ،‬في حين‬
‫تبقى ال روح في منطق ة وس طى بين الن ار والجنة‪ .‬ومن تم اعتق اد الزرادش تيين الراس خ بالجن ة والن ار‬

‫‪3‬‬
‫‪3‬‬ ‫أهورامزدا‪ :‬أهورا (الرب) مزدا (المحيط بكل علم)‪ .‬أهورا معناه السيد اإلله‪ ،‬ومزدا العارف الحكيم‪ .‬لهذا يطلق "أهورا" على مرتبة األلوهية بينما‬
‫‪.‬تطلق "مزدا على مرتبة الربوبية‬

‫‪3‬‬
‫والص راط وم يزان األعم ال‪ ،‬أم ا بالنس بة للجحيم في الديان ة الزرادش تية فيختل ف وص فها عن األدي ان‬
‫األخ رى‪ .‬ويعتق د معتنق و الديان ة الزرادش تية أن الجحيم عب ارة عن منطق ة ب اردة وفيه ا أن واع من‬
‫الحيوانات المتوحشة التي سوف تعاقب المذنبين بما اقترفت أيديهم من إثم في الدنيا‪.‬‬

‫وفي مجال العبادات‪ ،‬سن زرادشت الصالة حيث حدد عددها في خمس صلوات ُي ؤقت أداؤها بحركة‬
‫الشمس‪ .‬كما حث على الوضوء حيث غسل الوجه واليدين والرجلين مما علق بها من الغبار‪ .‬وبالمقابل‬
‫وضع الميزان لحساب األعمال‪ .‬فيوم القيامة هو يوم الحساب حيث سيمر الناس على الصراط المستقيم‬
‫(جسر جينفات)‪ ،‬من أجل تحديد مسارهم النهائي (الجنة أو النار)‪ .‬لكن ذلك ال يعني في النهاية الجحيم‬
‫األب دي‪ ،‬ألن الغ رض من العق اب ه و اإلص الح‪ ،‬وعن دما يص بح الجمي ع أتقي اء في النهاي ة ف إن الش يطان‬
‫وجميع أفعاله سيتم تدميرها في األخير ‪.‬‬

‫ينعت خص وم الزرادش تية ه ذه األخ يرة بالديان ة المجوس ية لتمس كها بالن ار‪ ،‬على اعتب ار أن الزرادش تية‬
‫أق امت هياك ل توق د فيه ا الن يران تكريم ا أله ورامزدا والن ار‪ .‬ذل ك أن الن ار في الطق وس القديم ة ترم ز‬
‫للنور والقانون الكلي هلل؛ في النهار تكون قبلة المصلي الشمس وفي الليل القمر أو النجوم أو أي ضياء‬
‫كان‪ .‬هكذا كانت النار في عبادات الزرادشتيين هي بمثابة النور الذي يعكس مظهرا من مظاهر ألوهية‬
‫أهورامزدا‪.‬‬

‫هكذا يتبين أن فلسفة األخالق عند زرادشت تتأسس على الصراع األبدي بين الخير والشر‪ ،‬وفي النهاي ة‬
‫سينتصر الخير‪ ،‬ألنه يتسلح دوما بقيم الفضيلة‪ .‬فالخير هو الذي يحقق السعادة في العالم‪ .‬حيث يقول‬
‫زرادشت في اإلبستاق‪<< :‬اعمل الخير كي تكون من زمرة األشخاص الذين يساهمون في رقي وكمال‬
‫ه ذا الع الم‪ .>>.‬ويتجس د المب دأ األخالقي للخ ير في ثالث ة مب ادئ‪ ،‬وهي‪ :‬الفك ر الص ائب والق ول الطيب‬
‫والعمل الصالح‪ .‬فالفكر الصائب هو الذي يجعل الفرد دقيقا في موقفه وذكيا في اختياراته وحكيما في‬
‫آرائ ه؛ أم ا الق ول الطيب فه و ال ذي ُيص ّير الم رء رحيم ا ولطيف ا ومحبوب ا يتجنب الغلط ة ح تى ال يك ره‬
‫الناس ويبتعدوا عنه؛ في حين أن العمل الصالح هو الذي يجعل الخير يسود الناس والعالم‪.‬‬

‫له ذا ق امت الزراديش تية على دعام ة أساس ية‪ ،‬وهي الخ ير ال ذي ه و منب ع ك ل األعم ال الص الحة (اإلل ه‬
‫هارومازدا هو إله الخير)‪ ،‬ولتحقيق ذلك تقوم فلسفة األخالق عنده على مبادئ منها‪:‬‬

‫مبدأ "االستقامة"(آشا‪ ،)Asha -‬وهي فضيلة أخالقية سامية‪ ،‬تفيد النظام واالنسجام‪ ،‬وتتجسد في الطهارة‬
‫واألمانة والصدق والصالح‪ ...‬فاالستقامة تحقق سعادة اإلنسان‪ .‬وبها يكون فردا صالحا في المجتمع‬
‫قادرا على تكوين أسرة وتربية أفراد صالحين‪ .‬ومن المبادئ األخالقية أيضا نجد مبدأ "العدالة" وكيف‬

‫‪4‬‬
‫نقل ه زرادش ت من مجال ه السياس ي إلى المج ال األخالقي‪ ،‬وفي ذل ك ت أثير على الفلس فات الالحق ة‪ ،‬حيث‬
‫رأى أن العدالة معناها التخلص من الخطأ عن طريق المعرفة الحقة؛ أي معرفة الحق ومعرفة اهلل‪ .‬لهذا‬
‫ك انت العدال ة عن ده بمثاب ة الطري ق الم ؤدي إلى اهلل‪ ،‬فالعدال ة والخ ير إذن متم اثالن‪ ،‬بهم ا يتحق ق األمن‬
‫والس لم في الك ون‪ .‬ومن المب ادئ األخالقي ة ال تي حث عليه ا زرادش ت نج د أيض ا مبدأ "التع اون"‪ ،‬بحيث‬
‫يق ول في ه ذا الص دد‪<< :‬حياتن ا كله ا إن هي إال رحل ة جريئ ة نق وم فيه ا بخدم ة بعض نا البعض‪.>>.‬‬
‫فالتعاون حيث االنسجام والتماسك‪ ،‬يمثل الفضيلة الوحيدة التي يستطيع بها األفراد تشكيل قوة من أجل‬
‫التغلب على المش قة وص عوبات الحي اة‪ .‬في حين يفي د مب دأ "العف ة"‪ ،‬بوص فها قيم ة أخالقي ة‪ ،‬الق درة على‬
‫كبح جماح الشهوة والغريزة‪ ،‬فبها يتحقق االعتدال وضبط النفس والتوسط بين اإلفراط والتفريط‪ ،‬ولعلها‬
‫الفكرة التي انتشرت الحقا في كتابات فالسفة اليونان وفي مقدمتهم أرسطو‪ .‬ومن المبادئ األخالقية التي‬
‫دع ا إليه ا زرادش ت مب دأ "االعتم اد على النفس"‪ ،‬حيث لم يت وان ه ذا الحكيم على ذم األف راد الكس الى‬
‫والمتهاونين والمتقاعسين والالمبالين‪ ،‬ذلك أن الكسل في نظره هو الذي يجلب الذل والمهانة‪ ،‬في حين‬
‫أن العم ل والنش اط يش كالن أعظم الخ يرات‪ .‬وأخ يرا حث زرادش ت على مبدأ "اإلحسان" باعتب اره ص فة‬
‫حمي دة تعم ل على نش ر المحب ة والتع اون بين الن اس‪ .‬فاإلحس ان عن ده يتجس د في مس اعدة الفق ير‪ ،‬حيث‬
‫يقول‪<< :‬تَكتسب صداقتي بمساعدة إخوانك الفقراء>>‪.‬‬

‫هك ذا يظه ر بش كل جلي أن فلس فة األخالق الزرادش تية هي فلس فة تطبيقي ة مرتبط ة ب الواقع‪ ،‬مهمته ا‬
‫إصالح المجتمع واإلنسان‪ ،‬من خالل االلتزام بالواجب األخالقي‪ ،‬عبر أخالق الفضيلة‪ .‬وفي هذا السياق‬
‫اعت بر كس نوفون (‪ )Xenophon‬في كتاب ه "‪ "Gyropedie‬أن زرادش ت ك ان س باقا لجع ل أخالق الفض يلة‬
‫أساس تربية النشء على قيم الخير‪ ،‬فبهذه األخالق الفاضلة تتحقق سعادة اإلنسان والكون‪.‬‬

‫له ذه األس باب أث ارت الزرادش تية اهتم ام وفض ول كُت اب ق دماء أمث ال ه يرودوت وط اليس وأنكس يماندر‬
‫وفيثاغورس وهيراقليطس وأفالطون وأرسطو وكسينافون‪ ...‬فضال عن التأثير الذي مارسه زرادشت‬
‫على رج ال ال دين المس يحيين والمس لمين‪ ،‬وك ذا الالهوت يين أمث ال الق ديس أوغس طين وفالس فة العص ر‬
‫الحديث أمثال نيتشه وغوتة‪.‬‬

‫‪5‬‬
6

You might also like