You are on page 1of 162

‫جامعة األديان والمذاهب‬

‫كلية القانون‬

‫رسالة الماجستير‬
‫فرع القانون‬

‫االتجاهات الفكرية واثرها في كتابة وصياغة الدساتير العراقية‬


‫وبالخصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬

‫إعداد‬
‫أيسر محمد مانع الشيحي‬

‫األستاذ المشرف‬
‫الدكتور هادي حاج زاده‬

‫يونيو ‪2023‬م‬
‫دانشگاه ادیان ومذاهب‬
‫دانشکده حقوق‬

‫پایان نامه کارشناسی ارشد‬


‫رشته حقوق‬

‫روندهای فکری و تأثیر آنها در نگارش و تدوین قوانین‬


‫اساسی عراق‪ ،‬به ویژه قانون اساسی عراق در سال ‪2005‬‬

‫نگارش‬
‫ايسر محمد مانع الشيحي‬

‫استاد راهنما‬
‫دکتر هادی حاج زاده‬

‫خرداد ‪1402‬‬
‫﴿اْقَر ْأ ِباْس ِم َر ِّبَك اَّلِذ ي َخ َلَق َخ َلَق اِإْل نَس اَن ِم ْن َعَلٍق اْقَر ْأ َو َر ُّبَك‬
‫اَأْلْك َر ُم اَّلِذ ي َعَّلَم ِباْلَق َلِم َعَّلَم اِإْل نَس اَن َما َلْم َيْع َلْم ﴾‬
‫صدق اهلل العلي العظيم‬

‫سورة العلق‪5-1 :‬‬


‫األصالة‬
‫محضر المناقشة‬
‫االهداء‬
‫الـى ‪ ...‬كل من يف الوجود بعد اهلل و رسوله (امي الغالية)‬
‫اىل‪...‬من كان سندي و قويت ومالذي بعد اهلل (والدي رمحه اهلل)‬
‫الــى ‪ ...‬زوجيت ورفيقة حيايت اليت حتملت الكثري من األعباء فأخلصت وتفانت الجناز مهميت العلمية‬
‫اىل‪ ...‬من ساندوين طوال مسرييت الدراسية (اخويت)‬

‫الباحث‬
‫الشكر والتقدير‬

‫احلمد هلل محدًا يوايف نعمه و يكافئ مزيده و يدفع عنا بالءه و نقمه‪ ،‬ربنا لك احلمد كما ينبغي جلالل وجهك وعظيم‬
‫سلطانك وجمدك‪ ،‬والصالة والسالم على نبيك حممد املصطفى (صلى اهلل عليه وسلم) وعلى اله الطيبني الطاهرين‪.‬‬
‫و بعد ‪...‬‬
‫يسعين قبل االنتهاء ان اشكر الرعاية اإلهلية القديرة اليت وهبتين العزم و املقدرة إلجناز هذه الدراسة و أن أقف وقفة‬
‫احرتام واجالل لكل من أسهموا يف ظهور رساليت هذه بالشكل الذي عليه االن‪ .....‬وال بد يل أن ابدأ باألستاذ الفاضل‬
‫الدكتور (يزن علي ) و أتوجه له خبالص الشكر واالحرتام ملا كان له الفضل الكبري يف اجناز هذا العمل املتواضع و تفضل‬
‫مشكور باألشراف على هذه الرسالة و ملا اواله من رعاية كرمية يل و ما ابداه من خلق رفيع و من تشجيع و تعاون و من‬
‫توجهات علمية قيمة و انتقادات بناءة أضاءت امامي دروب البحث وكانت زادًا علميًا اعانين على اجناز هذا البحث‪....‬‬
‫و أتقدم بالشكر والتقدير اىل عمادة كلية القانون واساتذهتا وموظفيها اليت اعتز باالنتساب اليها و اشكر اساتذيت االفاضل‬
‫مجيعهم ألين هنلت من معرفتهم العلمية يف مدة الدراسة فيها و اليت كان هلم األثر األكرب يف توجيهي و ارشادي حىت‬
‫وصلت اىل ما انا عليه اآلن‪...‬‬
‫و أتوجه بالشكر و التقدير اىل األساتذة االفاضل الذين وافقوا على قراءة هذه الرسالة ومناقشتها امأل ان يكون‬
‫موضوع حبثي هذا قد حظي مين مبا يستحقه من جهد و ان تكون اراؤهم السديدة نرباسا هاديًا و حافزًا يل على طريق‬
‫العلم و مواصلة البحث‪...‬‬

‫الباحث‬
‫المستخلص‬
‫تــؤثر االجتاهــات الفكريــة تــأثري كبــري يف صــياغة الدســتور الي بلــد فهنــاك اجتاهــات اســالمية واجتاهــات علمانيــة وكــل من‬
‫هذه االجتاهات يريد ان يضع االدستور وحسب االفكار الـيت يريهـا ففي العـراق عنـدما اراد ان يوضـع الدسـتور لعـام ‪2005‬‬
‫تدخلت اجتاهات عدة حاولت فرض رئيها هبذا الدستور امهها االجتاهات االسالمية والكرديــة والعلمانيــة االجتاهــات الفكريــة‬
‫بشكل عام هي جمموعة من املعتقدات واألفكار املرتابطة اليت متيز جمموعة معينـة عن اآلخـرين‪ ،‬وقـد تقتصـر هـذه اجملموعـة من‬
‫املعتق ــدات أو األفك ــار أو املواق ــف على ع ــدد قلي ــل من الن ــاس أو ق ــد يتش ــاركها الكث ــريون‪ ،‬وق ــد يتقامسها الكث ــريون‪ .‬الش ــعب‬
‫بأكمله أو عدة شعوب‪ .‬وهي حمصورة يف طائفة صغرية منعزلة يف رقعة ضيقة من األرض ميكن القول أن االجتاهات الفكرية‬
‫هي مــا يــؤمن بــه‪ ،‬ومــا يــؤمن بــه‪ ،‬ومــا يتبنــاه الفــرد من األفكــار من أجــل احلصــول على وجهــة نظــره اخلاصــة يف احليــاة‪ .‬حيظى‬
‫الدستور ‪ -‬بامهية كبرية يف حياة املدول‪ ،‬وهو مبثابة املوثيقة اليت حتدد مالمح النظام السياسـي‪ ،‬و شـكل الدولـة‪ ،‬والعالقـة بني‬
‫السلطات‪ ،‬و غريها من املوضوعات اليت هتم مواطين الدولة‪ ،‬وقـد انقسـم علمـاء الفقـه الدسـتوري حـول طبيعـة الدسـتور على‬
‫ثالثة آراء‪ :‬الرأي االول‪ ،‬يرى أن الدسـتور وثيقـة قانونيـة و هـو اعلى درجـات اهلرم القـانوين للدولـة‪ ،‬أمـا الـرأي الثـاين‪ ،‬فـريى‬
‫ان الدســتور وثيقــة سياســية وهــو انعكــاس أليديولوجيــة القابضــني على الســلطة السياســية يف املدولــة؛ من هنــا تــأيت امهيــة هــذا‬
‫البحث‪ ،‬اذ إن لكــل مرحلــة من مراحــل تــأريخ العــراق احلديث اجتاهــات فكريــة وليــدولوجيات رمست مالحمهــا على الدســتور‬
‫من ــذ تأس ــيس الدول ــة العراقي ــة واجناز اول دس ــتور يف ظ ــل االحتالل الربيط ــاين ع ــام ‪ 1925‬اىل اإلحتالل االم ــريكي و ص ــياغة‬
‫الدستور ‪ 2005‬النافذ حتت محايته و باشرافه؛ وكان لالالجتاهات الفكرية االالثر االكرب يف احلياة السياسية بصــورة عامــة و‬
‫يف طريقة وضع الدساتري و‪ .‬مضمون تلك الدساتري بصورة خاصة ومايزال‪.‬‬
‫الکلمات المفتاحية‪ :‬االجتاهات الفكرية‪ ،‬الدستور‪ ،‬صياغة الدستور‪ ،‬كتابة الستور‪ ،‬دساتري العراق‪ ،‬الدستور العراقي لسنة‬
‫‪.2005‬‬
‫چکیده‬
‫جریان های فکری در تدوین قانون اساسی هر کشوری تأثری زیادی دارد‪ ،‬گرایش های اسالمی و سکوالر وجود‬
‫دارد و هر کدام از این گرایش ها می خواهند قانون اساسی را بر اساس نظری که می بیند تدوین کنند‪ ،‬در عراق وقتی‬
‫می خواست قانون اساسی را تنظیم کند‪ .‬در تدوین قانون اساسی سال ‪ 2005‬گرایش های متعددی مداخله کردند و‬
‫کوشیدند دیدگاه های خود را بر این قانون اساسی حتمیل کنند که مهم ترین آهنا گرایش های اسالمی‪ ،‬کردی و‬
‫سکوالر است‪.‬روشنفکر به طور کلی جمموعه ای از عقاید و عقاید مرتبط با یکدیگر است که یک قانون اساسی را‬
‫متمایز می کند‪ .‬گروه خاصی از دیگران‪ ،‬و این گروه از باورها‪ ،‬ایده‌ها یا نگرش‌ها ممکن است حمدود به افراد معدودی‬
‫باشد یا ممکن است در میان افراد بسیاری مشرتک باشد و ممکن است بسیاری نیز مشرتک باشند‪ .‬کل ملت یا چند‬
‫ملت این گروه حمدود به فرقه ای کوچک و منزوی در زمینی باریک است‪ .‬می توان گفت که گرایش های فکری‬
‫مهان چیزی است که او به آن اعتقاد دارد‪ ،‬به آن اعتقاد دارد و آن چیزی است که فرد برای به دست آوردن دیدگاه‬
‫خود از ایده ها استفاده می کند‪ .‬زندگی قانون اساسی در حیات دولت از امهیت باالیی برخوردار است و به عنوان‬
‫سندی عمل می کند که ویژگی های نظام سیاسی‪ ،‬شکل دولت‪ ،‬روابط بنی مقامات و سایر موضوعات مورد توجه‬
‫شهروندان را مشخص می کند‪ .‬وی معتقد است که قانون اساسی یک سند حقوقی و باالترین سطح سلسله مراتب‬
‫حقوقی کشور است و در مورد دیدگاه دوم معتقد است که قانون اساسی یک سند سیاسی است و بازتاب ایدئولوژی‬
‫صاحبان آن است‪ .‬قدرت سیاسی در ایالت امهیت این حتقیق از اینجا ناشی می شود‪ ،‬زیرا هر مرحله از تاریخ مدرن‬
‫عراق دارای گرایش های فکری و ایدئولوژی هایی است که ویژگی های خود را در قانون اساسی از زمان تأسیس‬
‫دولت عراق و تکمیل اولنی قانون اساسی حتت اشغال انگلیس در سال ‪ 1925‬ترسیم کرده است‪ .‬به اشغال آمریکا و‬
‫تدوین قانون اساسی ‪ 2005‬که حتت محایت و نظارت او به اجرا درآمده است‪ .‬جریان های فکری بیشرتین تأثری را بر‬
‫زندگی سیاسی به طور کلی و در حنوه تدوین قانون اساسی داشتند‪ .‬حمتوای آن قواننی اساسی به طور خاص و هنوز‬
‫هم هست‪.‬‬
‫واژگان کلیدی‪ :‬گرایش های فکری‪ ،‬قانون اساسی‪ ،‬تدوین قانون اساسی‪ ،‬نگارش قانون اساسی‪ ،‬قانون اساسی عراق‪،‬‬
‫قانون اساسی عراق در سال ‪.2005‬‬
‫فهرس المحتويات‬
‫المقدمة ‪19.....................................................................................................‬‬
‫‪ .1‬بيان املسألة ‪19............................................................................................‬‬
‫‪ .2‬امهية البحث ‪19...........................................................................................‬‬
‫‪ .3‬اهداف البحث ‪20.........................................................................................‬‬
‫‪ .4‬اسئلة البحث‪20......................................................................................... :‬‬
‫‪ .5‬فرضيات البحث ‪20.......................................................................................‬‬
‫‪ .6‬الدراسات السابقة ‪22......................................................................................‬‬
‫‪ .7‬منهجية البحث ‪23........................................................................................‬‬
‫‪ .8‬هيكلية البحث ‪23.........................................................................................‬‬

‫الفصل االول‪ :‬المفاهيم والكليات ‪25............................................................................‬‬

‫‪ .1-1‬املفاهيم ‪26...............................................................................................‬‬
‫‪ .1-1-1‬مفهوم االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدستور ‪26................................................‬‬
‫‪ .1-1-2‬مفهوم الدستور ‪27.................................................................................‬‬

‫‪ .1-2‬الكليات ‪31..............................................................................................‬‬
‫‪ .1-2-1‬االجتاهات الفكرية والقوى السياسية قبل عام ‪31..............................................1925‬‬
‫‪ .1-2-1-1‬القوى ذوي االجتاه الفكري التقليدي ‪31.......................................................‬‬
‫‪ .1-2-1-2‬القوى ذوي االجتاهات الفكرية احلديثة ‪36......................................................‬‬
‫‪ .1-2-2‬اثر االجتاهات الفكرية يف صياغة القانون االساسي لعام ‪44.....................................1925‬‬
‫‪ .2-2-1-1‬اثر االجتاهات الفكرية على الصياغة ‪44.........................................................‬‬
‫‪ .2-2-1-2‬اثر االجتاهات الفكرية من حيث املضمون ‪49...................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬االتجاهات الفكرية واثرها في صياغة الدساتير العراقية مابين‪55....................2003-1958‬‬

‫‪ .2-1‬االجتاهات الفكرية يف العهد اجلمهوري حىت عام ‪57.................................................2003‬‬


‫‪ .2-1-1‬االجتاهات الفكرية القومية ‪57.......................................................................‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪ .2-1-1-1‬القوى السياسية ذات امليول القومية العربية ‪57..................................................‬‬


‫‪ .2-1-1-2‬االجتاه الفكري القومي الكردي ‪62............................................................‬‬
‫‪ .2-1-2‬التيارات الفكرية اليسارية ‪64........................................................................‬‬
‫‪ .2-1-3‬التيارات الفكرية الدينية (االسالمية) ‪65...............................................................‬‬
‫‪ .2-1-3-1‬حزب الدعوه االسالمي ‪66...................................................................‬‬
‫‪ .2-1-3-2‬احلزب االسالمي العراقي ‪67..................................................................‬‬

‫‪ . 2-2‬تأثري األجتاهات الفكرية يف صياغة الدساتري العراقية يف العهد اجلمهوري حىت عام ‪69....................2003‬‬
‫‪ .2-2-1‬تأثري األجتاهات الفكرية يف صياغة دستور اجلمهورية األوىل‪69.........................................‬‬
‫‪ .2-2-2‬دور االجتاهات الفكرية يف صياغة الدستور اجلمهورينت الثانية و الثالثة‪73................................‬‬
‫‪ .2-2-2-1‬أثر األجتاهات الفكرية يف صياغة الدستور يف عهد اجلمهورية الثانية‪74............................‬‬
‫‪ .2-2-2-2‬أثر األجتاهات الفكرية يف صياغة الدستور يف عهد اجلمهورية الثالثة‪76............................‬‬
‫‪ .2-2-3‬أثر األجتاهات الفكرية يف صياغة دساتري اجلمهورية الرابعة‪79...........................................‬‬
‫‪ .2-2-3-1‬تاثري االجتاهات الفكرية يف دستور ‪ 21‬ايلول ‪80........................................1968‬‬
‫‪ .2-2-3-2‬تاثري االجتاهات الفكرية يف صياغة دستور ‪ 16‬متوز ‪82...................................1970‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬االتجاهات الفكرية واثرها في صياغة الدساتير بعد ‪ 2003‬في العراق‪85..........................‬‬

‫‪ .3-1‬امليول واالجتاهات الفكرية بعد عام ‪87.............................................................. 2003‬‬


‫‪ .3-1-1‬القوى ذوي االجتاهات الفكرية االسالمية ‪87.........................................................‬‬
‫‪ .3-1-1-1‬القوى االسالمية الشيعية ‪88...................................................................‬‬
‫‪ .3-1-2‬القوى ذوي االجتاهات االسالمية السنية ‪93...........................................................‬‬
‫‪ .3-1-2-1‬القوى االسالمية السنية العربية ‪94.............................................................‬‬
‫‪ .3-1-2-2‬القوى االسالمية الكوردية ‪95.................................................................‬‬
‫‪ .3-1-3‬القوى ذوي االجتاهات الفكرية العلمانية ‪100.........................................................‬‬
‫‪ .3-1-3-1‬االجتاهات الفكرية اليسارية ‪100..............................................................‬‬
‫‪ .3-1-3-2‬االجتاهات الفكرية القومية ‪101...............................................................‬‬
‫‪ .3-1-3-3‬االجتاهات الفكرية الليربالية ‪103...............................................................‬‬
‫‪17‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .3-2‬اثر اال جتاهات الفكرية يف صياغة الدساتري بعد نيسان ‪108...........................................2003‬‬


‫‪ .3-2-1‬دور االجتاهات الفكرية يف صياغة قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة االنتقالية‪108......................‬‬
‫‪ . 3-2-1-1‬اثر االجتاهات الفكرية يف كتابة قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة االنتقالية‪108..................‬‬
‫‪ . 3-2-1-2‬اثر االجتاهات الفكرية يف مضمون قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة االنتقالية‪111...............‬‬
‫‪ .3-2-2‬تأثري االجتاهات الفكرية يف صياغة دستور ‪114................................................2005‬‬
‫‪ .3-2-2-1‬اثر االجتاهات الفكرية يف طريق صياغة دستور ‪115.....................................2005‬‬
‫‪ .3-2-2-2‬اثر االجتاهات الفكرية يف مضمون دستور ‪118..........................................2005‬‬
‫‪ .3-2-3‬اوجه الشبه واالختالف بني الدستور العراقي لسنة ‪ 2005‬وماسبقه من دساتري‪124.....................‬‬
‫‪ .3-2-3-1‬اوجه الشبه واخلالف بني الدستور العراقي الدائم لعام ‪ 2005‬وبني القانون االساسي يف العهد امللكي لشنة ‪ 1925‬من حيث االجتاهات الفكرية‪124. .‬‬
‫‪ .3-2-3-2‬اوجه الشبه واخلالف بني القانون االساسي لعام ‪1925‬وبني الدستور العراقي لسنة ‪129....2005‬‬
‫‪ .3-2-3-3‬اوجه الشبه واالختالف بني الدستور العراقي لعام ‪ 2005‬وبني ماسبقه من دساتري مجهورية‪130....‬‬

‫الخاتمة ‪137....................................................................................................‬‬
‫المصادر والمراجع ‪139........................................................................................‬‬
‫المقدمة‬

‫‪ .1‬بيان المسألة‬
‫حيظى الدســتور ‪ -‬بامهيــة كبــرية يف حيــاة املدول‪ ،‬وهــو مبثابــة املوثيقــة الــيت حتدد مالمح النظــام السياســي‪ ،‬و شــكل‬
‫الدولـ ــة‪ ،‬والعالقـ ــة بني السـ ــلطات‪ ،‬و غريهـ ــا من املوضـ ــوعات الـ ــيت هتم مواطـ ــين الدولـ ــة‪ ،‬وقـ ــد انقسـ ــم علمـ ــاء الفقـ ــه‬
‫الدستوري حول طبيعة الدستور على ثالثة آراء‪ :‬الرأي االول‪ ،‬يرى أن الدسـتور وثيقــة قانونيـة و هــو اعلى درجـات‬
‫اهلرم القــانوين للدولــة‪ ،‬أمــا الــرأي الثــاين‪ ،‬فــريى ان الدســتور وثيقــة سياســية وهــو انعكــاس أليديولوجيــة القابضــني على‬
‫الس ــلطة السياس ــية يف املدول ــة؛ وحجتهم أن ح ــدوث تغي ــري يف النظ ــام السياس ــي نتيج ــة انقالب او ث ــورة أو اي ــة ط ــرق‬
‫أخـرى‪ .‬يتغـري الدسـتور وفـق اجتاهـاهتم‪ ،‬امـا الـرأي الثـالث‪ ،‬فـريى ان الدسـتور وثيقـة سياسـية قانونيـة‪ ،‬وهـو عبـارة عن‬
‫صــياغة اجتاهــات فكريــة يف صــيغ قواعــد قانونيــة‪ ،‬ومبجــرد وضــع االجتاهــات الفكريــة الســائدة يف اجملتمــع يف الدســتور‬
‫تصبح قواعد دستورية ملزمة‪ ،‬وهذا الـرأي االخـري اقـرب اىل الواقـع؛ الن اي اجتاه فكـري يف اجملتمـع لن يكـون ملزمـا‬
‫او لن ي ــدخل ح ــيز التط ــبيق م ــا مل يص ــاغ يف ش ــكله الدس ــتوري او املق ــانوين وحظي الع ــراق من ــذ تاسيس ــه ح ــىت وقتن ــا‬
‫احلاضر ‪ -‬بدساتري عـدة‪ ،‬اتسـمت مســرية اجنازهـا اىل حـد كبـري بشــد وجـذب بني االجتاهـات الفكريـة املوجـودة على‬
‫الســاحة العراقيــة؛ األمــر الــذي انعكس على صــياغة الدســاتري يف كــل مرحلــة تأرخييــة من تــأريخ العــراق السياســي‪ .‬من‬
‫هنــا تــأيت امهيــة ه ــذا البحث‪ ،‬اذ إن لك ــل مرحل ــة من مراحــل تــأريخ الع ــراق احلديث اجتاه ــات فكريــة وليــدولوجيات‬
‫رمست مالحمه ــا على الدس ــتور من ــذ تأس ــيس الدول ــة العراقي ــة و‪ .‬اجناز اول دس ــتور يف ظ ــل االحتالل الربيط ــاين ع ــام‬
‫‪ 1925‬اىل اإلحتالل االم ــريكي و‪ .‬ص ــياغة الدس ــتور ‪ 2005‬الناف ــذ حتت محايت ــه و باش ــرافه؛ وك ــان لالالجتاه ــات‬
‫الفكرية االالثر االكرب يف احلياة السياسية بصورة عامة و يف طريقة وضع الدساتري و‪ .‬مضمون تلك الدساتري بصــورة‬
‫خاصة ومايزال‪.‬‬

‫‪ .2‬اهمية البحث‬
‫يف سبيل املوصول الىى النتائج املرجوة ومن اجل دراسة االجتاهات الفكرية و‪ .‬بيـان اثرهـا يف صـياغة الدسـاتري ‪-‬‬
‫العراقيــة‪ ،‬اعتمــد املبحث على منــاهج حبثيــة عــدة‪ ،‬فقــد اقتضــت طبيعــة البحث االســتعانة بــاملنهج الوصــفي و التــارخيي‬
‫للوقوف على املراحل التارخيية للتطور الدستوري‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪ .3‬اهداف البحث‬
‫يهدف البحث اىل‪:‬‬
‫‪ . 1‬بيان ابرز االجتاهات الفكرية اليت سادت على الساحة السياسية العراقية منذ تاسيس دولة العراق احلديث اىل‬
‫اليوم‪.‬‬
‫‪ .2‬توضيح اثر هذه االجتاهات املفكرية يف صياغة الدسـاتري ‪ -‬العراقيـة‪ .‬الوقـوف على التغيـريات الـيت حصـلت يف‬
‫االجتاهات الفكرية يف العراق بعد عام ‪ ،2003‬السيما بعـد تغيـري النظـام السياسـي العـراقي من نظـام مشويل اىل نظـام‬
‫قائم على اساس دميقراطي حر‪.‬‬
‫‪ .3‬مقارنــةاالجتاهات الفكريــة و اثرهــا يف كــل مرحلــة من مراحــل تطــور العــراق يف صــياغة الدســتور واالســتفادة‬
‫منها يف رسم معامل احملياة السياسية العراقية‬

‫‪ .4‬اسئلة البحث‪:‬‬

‫السؤال الرئيسي‬
‫ماهي االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬؟‬

‫األسئلة الفرعية‬
‫‪ .1‬ماهي االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬؟‬
‫‪ .2‬ماهي االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري بعد عام ‪ 2003‬يف العراق؟‬

‫‪ .5‬فرضيات البحث‬

‫الفرضية األصلية‬
‫االجتاهــات الفكريــة بشــكل عــام هي جمموعــة من املعتقــدات واالفكــار املرتابطــة الــيت متيز مجاعــة بعينهــا عن غريهــا‪،‬‬
‫ومث ــل ه ــذه اجملموع ــة من املعتق ــدات واالفك ــار أو املواق ــف ميكن ان تنحص ــر يف قل ــة قليل ــة من الن ــاس أو يش ــرتك فيه ــا‬
‫كثريون‪ ،‬وميكن ان يشرتك فيها الشعب باكمله او شعوب عدة‪ ،‬وميكن ان تنحصر يف طائفة صغرية منزويـة يف بقعــة‬
‫ضــيقة من األرض‪ .‬اذ ميكن القــول ان االجتاهــات الفكريــة عبــارة عن مــا يعتقــده ومــا يــؤمن بــه ومــا يعتنقــه الفــرد من‬
‫‪21‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫افكار لتكـون لديـه نظرتـه اخلاصـة للحيـاة‪ ،‬أو تفسـري االحـداث والظـواهر الـيت تواجههـا مسـرية حياتـه‪ ،‬وميكن ان جيد‬
‫الفرد نفسه مع جمموعـة من األفـراد الـذين يؤمنـون باالفكـار واملعتقـدات نفسـها ليشـكلوا تنظيمـا سياسـيا او اجتماعيـا‬
‫حياولون من خاللــه تطــبيق افكــارهم‪ ،‬ولعــل من ابــرز االجتاهــات الفكريــة هي الليرباليــة والقوميــة و االشــرتاكية‪ ،‬فضــال‬
‫عن االجتاه الفكــر االسـالمي الــذي كــان ميارس دورا بـارزا على الســاحة السياسـية يف العــامل االسـالمي‪ ،‬ميكن وصـف‬
‫االجتاه الفكري بانه عبـارة عن اطـار فكـري يفسـر عن طريقـه االحـداث والظـواهر الـيت تواجـه الفـرد يف مسـرية حياتـه‬
‫وهو يتكون من كل ما يعتقده أو ما يعتنقه الفرد من افكار‪ ،‬ليشكل لديه نظرته اخلاصة للحياة‪ ،‬وعندما يلتقي الفرد‬
‫مع جماميع أخرى من االشخاص املؤمنني باالفكار واملعتقدات نفسها‪ ،‬حياولون ان تعمم مــا يؤمنــون بــه على اجملتمــع‪،‬‬
‫وذل ــك بتطبيقه ــا من خالل تش ــكيل تنظيم ــات سياس ــية او اجتماعي ــة أو من خالل الس ــلطة السياس ــية‪ .‬وان البش ــرية‬
‫عرفت والدة اجتاهات‪ .‬فكريـة عـدة سـامهت يف حتديـد جمرى التـاريخ البشــري وبالنســبة للعـراق فقـد كـان لألجتاهـات‬
‫الفكرية الكثري من االثر يف صياغة وكتابة الدساتري بدأ من القانون االساسـي لســنة‪ 1925‬واىل دسـتور العــراق لســنة‬
‫‪ 2005‬الذي كان لألجتاهات الفكرية العديدة دور يف صياغته‪.‬‬

‫الفرضيات الفرعية‬
‫الفرضية الفرعية االوىل‪ :‬ظهرت على الساحة السياسية عند تأسيس الدولة العراقيـة قـوى واجتاهـات فكريـة عـدة‪،‬‬
‫ميكن تصنيفها اىل االجتاهات التقليدية اليت ضمت قوى عشائرية وقبلية وقوى ذات اجتاهات دينيـة‪ ،‬امــا االجتاه الثـاين‬
‫فكــان االجتاه الفكــري احلديث‪ ،‬الــذي تكــون من القــوى والشخصــيات الــيت كــانت تتبــىن املبــادئ والفكــر الليــربايل و‬
‫القوميني و الوطنيني والضباط السابقني يف اجليش العثماين والطبقة املثقفة املتعلمة والطبقة الوسطى‪ ،‬ومع وجود كــل‬
‫تل ــك االجتاه ــات على الس ــاحة العراقي ــة عن ــد تأسيس ــه‪ ،‬اال ان عملي ــة ص ــياغة الق ــانون االساس ــي (دس ــتور (‪)1925‬‬
‫عكس ــت هيمن ــة االجتاه اللي ــربايل عليه ــا‪ ،‬و يع ــود الس ــبب اىل ان مس ــودة الدس ــتور اع ــدت باش ــراف الدول ــة املنتدب ــة‬
‫(بريطاني ــا) و نقلت ب ــدورها نظامه ــا السياس ــي الق ــائم على االفك ــار واملب ــادئ ال ــيت ك ــانت ت ــؤمن هبا حتدي ــدا االفك ــار‬
‫الليربالي ــة‪ ،‬فض ــال عن ان الفك ــر اللي ــربايل انتق ــل اىل الع ــراق من خالل الطلب ــة واملثقفني والض ــباط و الك ــوادر االداري ــة‬
‫العراقيـة الــذين كــانوا قــد اختلطــوا مــع اجملتمعــات األوروبيـة‪ ،‬لــذلك هيمن الفكــر الليـربايل على القــانون االساسـي‪ ،‬اىل‬
‫جــانب ذلــك مل ختل صــياغة القــانون من تــأثري االجتاهــات الفكريــة للقــوى التقليديــة‪ ،‬اال ان تأثريهــا كــان حمدودا ومل‬
‫يصل اىل حجمها املنطقي‪.‬‬
‫الفرضـية الثانيـة‪ :‬يف عـام ‪ 2003‬احتلت القـوات االمريكيـة العـراق ووضـعت حـاكم مـؤقت يـدعى(برمير) حيث‬
‫أصدرت دستوًر ا مؤقًتا ألول مرة‪ .‬بعد ‪ 9‬أبريل ‪ 2003‬فرتة انتقالية (قانون إدارة الدولة العراقية االنتقالية) كأساس‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪22‬‬

‫للنظــام السياســي العــراقي‪ ،‬وجلنــة دســتورية‪ ،‬وتشــكيل حكومــة انتقاليــة مؤقتــة‪ ،‬وإصــدار دســتور دائم‪ ،‬وبنهايــة جتري‬
‫االس ــتفتاءات الدس ــتورية واالنتخاب ــات الربملاني ــة لع ــام ‪ 2005‬مبوجب ه ــذا الدس ــتور ال ــدائم‪ .‬من هن ــا لعبت الق ــوى‬
‫السياس ــية مبختل ــف توجهاهتا دوًر ا ب ــارًز ا يف عملي ــة وض ــع الدس ــتور وت ــركت بص ــماهتا يف النص ــوص ال ــيت حتدد ش ــكل‬
‫الدولة ونظام احلكم‪ ،‬وكذلك الدين اإلسـالمي يف الدولـة‪ ،‬الدميقراطيـة‪ .‬واحلقــوق القوميـة والقضـايا الكرديـة املصـريية‬
‫ملس ــتقبل الدول ــة العراقي ــة واهني ــار النظ ــام السياس ــي الع ــراقي والنظ ــام السياس ــي ال ــذي ميثل ــه ح ــزب البعث ومنظمات ــه‬
‫االجتماعي ــة‪ ،‬كله ــا تس ــاعد على تنش ــيط تي ــار األنش ــطة السياس ــية للحرك ــة السياس ــية ممثل ــة ب ــاملفكرين اإلس ــالميني أو‬
‫اإلسالم السياسي‪ ،‬واليت تسعى إىل فرض هيمنتهـا الفعليـة على جمموعـة واسـعة من العراقـيني من مجيـع منـاحي احليـاة‪،‬‬
‫فضًال عن التيارات العلمانية املتمثلة يف التيارات اليسارية والقومية والليربالية‪.‬‬

‫‪ .6‬الدراسات السابقة‬
‫بعــد البحث و املتابعــة الجياد مصــادر يســتفاد منهــا يف هــذه الدراســة‪ ،‬تتوضــح ان هنــاك دراســات قــد اجــريت يف‬
‫السابق يف موضوع هـذا البحث‪ ،‬ومتت االسـتفادة من تلـك الدراسـات بوصـفها ‪ -‬مصـادر قيمـة وكـانت عونـا مهمـا‬
‫للباحث يف حبثه‪ ،‬ومن اهم تلك الدراسات هي‪-:‬‬
‫‪ .1‬دراســة بعنــوان القــوى املؤثرة يف الدســاتري وتفســري الدولــة العراقيــة الــيت قــام هبا الــدكتور طلعت الشــيباين‪ ،‬وتنــاول‬
‫فيهــا تــاثري القــوى السياســية واالجتاهــات الفكريــة يف صــياغة الدســاتري‪ ،‬وتوصــل اىل ان القــوى املنتصــرة واملهيمنــة يف‬
‫اجملتمع هي اليت تصيغ الدستور‪ ،‬واخذ القانون االساسـي العـراقي لعـام ‪ 1925‬امنوذجـًا لبحثـه‪ ،‬بيـد انـه مل يتطـرق اىل‬
‫غريه من الدساتري العراقية الن الدراسة اجريت يف عام ‪ ،1954‬فلم يعرف العراق اي دستور غري القانون االساسي‬
‫حىت ذلك التاريخ وحنن يف حبثنا هذا تطرقنا اىل مجيع االجتاهات الفكرية اليت اثرت يف صـياغة وكتابـة دسـاتري العـراق‬
‫بدأ من العهد امللكي واىل دستور العراق احلايل لعام ‪.2005‬‬
‫‪ .2‬دراســة بعنــوان التطــورات الدســتورية يف العــراق الــيت قــام هبا املدكتور رعــد نــاجي اجلدة‪ ،‬و تطــرق فيهــا اىل مجيــع‬
‫املراحل الدستورية من حيث صـياغة الدسـاتري و الظـروف احمليطـة بصـياغتها وحتليـل مضـامينها حـىت دسـتور ‪،1970‬‬
‫بيد انه مل يوضح انعكاسات االجتاهات الفكرية على صياغة الدساتري وحنن يف حبثنـا هـذا تطرقنـا اىل مجيـع االجتاهـات‬
‫الفكرية اليت اثرت يف صياغة وكتابة دساتري العراق بدأ من العهد امللكي واىل دستور العراق احلايل لعام ‪.2005‬‬
‫‪ .3‬دراســة بعنــوان احلقــوق السياســية يف الدســاتري ‪ -‬العراقيــة ‪-‬دراســة حتليليــة مقارنــة على ضــوء املتغــريات السياســية‬
‫للسيد عابد خالد رسـول‪ ،‬وقـد تنـاول فيهـا مجيـع املراحـل الدسـتورية يف العـراق و كيفيـة صـياغة الدسـاتري ‪ -‬العرااقيـة‬
‫منــذ عــام ‪ 1925‬حــىت الدســتور النافــذ‪ ،‬ولكنــه اكتفى بدراســة تــاثري التغــريات السياســية يف الدســاتري فقــط من ناحيــة‬
‫‪23‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫احلقوق السياسية وحنن يف حبثنا هذا تطرقنا اىل مجيع االجتاهات الفكريـة الـيت اثـرت يف صـياغة وكتابـة دسـاتري العـراق‬
‫ب ــدأ من العه ــد امللكي واىل دس ــتور الع ــراق احلايل لع ــام ‪2005‬و من خالل ذل ــك ج ــاء حبثن ــا كمحاول ــة الس ــتكمال‬
‫النقص يف الدراسات السابقة‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪ .7‬منهجية البحث‬
‫يف ه ــذه الرس ــالة‪ ،‬يعتم ــد الب ــاحث على املنهج الوص ــفي للتحلي ــل واملقارن ــة لتحقي ــق اهلدف والوص ــول إىل نتيج ــة‬
‫علمية يف التحقيق يف املوضوع‪.‬‬

‫‪ .8‬هيكلية البحث‬
‫ه ــذه الرس ــاله املوس ــومه بعن ــوان (االجتاه ــات الفكري ــة واثره ــا) يف ص ــياغة وكتاب ــة الدس ــاتري العراقي ــة وباخلص ــوص‬
‫الدستور العراقي لسنة‪ 2005‬و من اجل االحاطة جبوانب املوضوع كافــة مت تقســيم البحث اىل ثالث الفصــل االول‬
‫تناولنــا فيــه املفــاهيم والكليــات (حيث مت بيــان مفهــوم الدســتور ومفهــوم االجتاهــات الفكريــة) لغــرض مغرفــة موضــوع‬
‫البحث وتعريف القارئ هبا ويف الفصل الثاين تناولنا االجتاهات الفكرية واثرهـا يف صـياغة الدسـاتري العراقيـة قبـل عـام‬
‫‪ 2003‬وتناولن ــا مجي ــع الدس ــاتري ال ــيت ص ــدرت خالل ه ــذه املده واتبعن ــا تقس ــيم العه ــدين امللكي واجلمه ــوري اس ــاس‬
‫للبحث لدق ــة املوض ــوع‪ .‬ويف الفص ــل الث ــالث تناولن ــا دور االجتاه ــات الفكري ــة يف الدس ــاتري ال ــيت ص ــدرت بع ــد ع ــام‬
‫‪ 2003‬ومت الرتكيز على دستور العراق لسنة ‪ 2005‬المهية هذا الدستور‪.‬‬
‫الفصل االول‪ :‬المفاهيم والكليات‬
‫‪27‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .1-1‬المفاهيم‬

‫‪ .1-1-1‬مفهوم االتجاهات الفكرية واثرها في صياغة الدستور‬


‫االجتاهـ ــات الفكريـ ــة بشـ ــكل عـ ــام هي جمموعـ ــة من املعتقـ ــدات واألفكـ ــار املرتابطـ ــة الـ ــيت متيز جمموعـ ــة معينـ ــة عن‬
‫اآلخرين‪ ،‬وقد تقتصر هذه اجملموعة من املعتقدات أو األفكار أو املواقف على عـدد قليـل من النـاس أو قـد يتشـاركها‬
‫الكثريون‪ ،‬وقد يتقامسها الكثريون‪ .‬الشعب بأكمله أو عدة شـعوب‪ .‬وهي حمصــورة يف طائفـة صـغرية منعزلـة يف رقعـة‬
‫ضيقة من األرض ميكن القول أن االجتاهات الفكرية هي ما يؤمن به‪ ،‬وما يؤمن به‪ ،‬وما يتبناه الفرد من األفكــار من‬
‫أج ــل احلص ــول على وجه ــة نظ ــره اخلاص ــة يف احلي ــاة‪ ،‬أو تفس ــري األح ــداث والظ ــواهر ال ــيت يواجهه ــا يف مس ــار حيات ــه‪.‬‬
‫وميكن للفرد أن جيد نفسه مع جمموعـة من األفـراد الـذين يؤمنـون بنفس األفكـار واملعتقـدات لتكـوين منظمـة سياسـية‬
‫أو اجتماعي ـ ــة‪ ،‬حياولون من خالهلا تط ـ ــبيق أفك ـ ــارهم‪ ،‬ولع ـ ــل أب ـ ــرز االجتاه ـ ــات الفكري ـ ــة هي الليربالي ـ ــة والقومي ـ ــة‪ ،‬و‬
‫االشرتاكية وكذلك اجتاه الفكر اإلسالمي الذي كان يلعب دوًر ا بارًز ا يف الســاحة السياسـية يف العــامل اإلسـالمي وال‬
‫ي ــزال ويف ص ــياغة وكتاب ــة املواد الدس ــتورية‪ ،‬تعت ــرب األفك ــار القانوني ــة من أهم اجلوانب املادي ــة واملوض ــوعية وال ــروح‬
‫الدافع ــة هلا‪ .‬من حيث ه ــذه األفك ــار القانوني ــة‪ ،‬ف ــإن األفك ــار السياس ــية ليس ــت ذات أمهي ــة ت ــذكر يف حتدي ــد وص ــياغة‬
‫احلقوق واحلريات اليت تظهر أو تربزها يف مجيع دساتري الدول‪ .‬يتأثر تنوع احلقوق السياسية بتنوع اســتخدام األفكــار‬
‫والفلسفة املميزة‪ .‬ألن األفكار السياسية اليت حتمل قيم ومضمون احلقوق واحلريات هي يف فلسفته‪ ،‬وجانب مهم يف‬
‫كتاب ــة وتنظيم املق ــاالت الدس ــتورية يف العالق ــة بني الس ــلطة السياس ــية وأف ــراد اجملتم ــع‪ .‬تس ــتفيد مجي ــع ال ــدول‪ ،‬حبس ــب‬
‫عالقته ــا االجتماعي ــة والسياس ــية واالقتص ــادية‪ ،‬من األفك ــار احملددة ال ــيت حتتاجه ــا يف تنظيم احلق ــوق واحلري ــات ونظ ــام‬
‫احلكم داخ ــل الدول ــة‪ ،‬ومن ناحي ــة أخ ــرى‪ ،‬أح ــد العوام ــل يف حتدي ــد ن ــوع الس ــلطة السياس ــية أو النظ ــام السياس ــي‪ .‬يف‬
‫البلــدان اإلســالمية‪ ،‬تــؤثر األحكــام اإلســالمية يف احلديث والقــرآن‪ ،‬أو األحكــام الدينيــة‪ ،‬على حمتــوى وتنظيم وتنفيــذ‬
‫احلقــوق واحلريــات يف بالدهم‪ .‬بعبــارة أخــرى‪ ،‬تســتند القــوانني يف دســاتري الــدول غــري الدينيــة على األفكــار والقــانون‬
‫‪1‬‬
‫الوضعي‪ ،‬ويف البلدان ذات اخلصائص الدينية‪ ،‬فإهنا تستند إىل األفكار والقوانني الدينية‪.‬‬
‫وتــؤثر االجتاهــات الفكريــة تــأثري كبــري يف صــياغة الدســتور الي بلــد فهنــاك اجتاهــات اســالمية واجتاهــات علمانيــة‬
‫وكــل من هــذه االجتاهــات يريــد ان يضــع االدســتور وحســب االفكــار الــيت يريهــا ففي العــراق عنــدما اراد ان يوضــع‬

‫‪ .1‬الزيدي‪ ،‬التيارات الفكرية يف اخلليج العريب ‪ :1971 -1938‬ص‪9‬‬


‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪28‬‬

‫الدستور لعام ‪ 2005‬تدخلت اجتاهات عدة حاولت فرض رئيها هبذا الدستور امهها االجتاهات االسالمية والكردية‬
‫والعلمانية‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .1-1-2‬مفهوم الدستور‬
‫يعود أصل الدسـتور‪ ،‬كمفهـوم أساسـي يف القـانون الدسـتوري وكمحـور مركـزي لدراسـة املؤسسـات السياسـية‪،‬‬
‫إىل نش ــوء السياســة على ه ــذا النح ــو؛ ل ــذلك اســتخدم الفيلس ــوف اليونــاين والع ــامل السياســي أرســطو الدســتور مبع ــىن‬
‫التقنيــة الــيت تنظم هبا الدولــة‪ ،‬واســتخدم مصــطلح الدســتور بعــد ذلــك يف العصــور الوســطى للداللــة على واقــع تنظيم‬
‫احلياة الدينية باملعىن‪ .‬جمموعة من القواعد املتعلقة بكيفية تنظيم وعمـل املؤسســات الدينيـة‪ .‬إال أن هـذا املصــطلح أخـذ‬
‫معنـ ــاه احلقيقي واحلديث كمجموعـ ــة من القواعـ ــد املتعلقـ ــة بتنظيم العالقـ ــة بني احلكـ ــام واحملكـ ــومني وتنظيم حقـ ــوق‬
‫وحري ــات املواط ــنني من ــذ الق ــرنني الث ــامن عش ــر والتاس ــع عش ــر يف إط ــار حرك ــة سياس ــية وثقافي ــة دعت الربجوازي ــة‬
‫األوروبية احلركة الدستورية‪ ،‬اليت كان حمتواها املطالبة بدستور مكتوب كوسيلة لتقييــد الســلطة وممارســتها‪ .‬بعقالنيــة‬
‫من قبل تقييده‪.‬‬
‫ب ـ ــالنظر إىل اختالف الظ ـ ــروف التارخيي ـ ــة واجلغرافي ـ ــة ال ـ ــيت نتجت عن الدس ـ ــتور‪ ،‬اختلفت حمتويات ـ ــه وتض ـ ــاعفت‬
‫مفاهيمه‪ ،‬وميكن حصرها يف‪:‬‬
‫أ‪ .‬املفهوم الشكلي‪ُ :‬ينظر إىل الدسـتور على أنـه جمموعـة من القواعـد القانونيـة املكتوبـة يف وثيقـة حمددة وصـادرة عن‬
‫جهة خاصة تقوم بصـياغته وتتطلب حاكًم ا خاًص ا عنـد مراجعتـه وتعديلــه‪ .‬وبالتـايل‪ ،‬فهي تعتـرب قـوانني سـامية ختضــع‬
‫هلا مجيع القواعد القانونية األخرى‪.‬‬
‫ب‪ .‬املفه ــوم املادي‪ :‬تعري ــف الدس ــتور ينطل ــق من موض ــوع القواع ــد الدس ــتورية ومض ــموهنا بغض النظ ــر عن ماهيته ــا‬
‫الشكل أو اإلجراءات املتخذة إلصداره وتأسيسه مقننة يف وثيقة أو غري مقننة‪.‬‬
‫ت‪ .‬املفه ــوم الق ــانوين للدس ــتور‪ :‬وه ــو مرتب ــط ب ــامليزة القانوني ــة للميث ــاق األساس ــي كمجموع ــة من القواع ــد املكتوب ــة‬
‫والعرفي ــة واألع ــراف الدس ــتورية والق ــوانني التنظيمي ــة والق ــوانني الداخلي ــة للربملان ال ــيت تتعل ــق بتنظيم احلكم يف الدول ــة‬
‫‪1‬‬
‫وكيفية ذلك‪ .‬ينتقل بني احلكام‪.‬‬
‫تعـود جـذور هـذه الكلمـة الفارسـية (الدسـتور) إىل اللغـة البهلويـة القدمية‪ ،‬وتتكـون من جـزأين (غبـار)‪ ،‬أي يـد أو‬
‫قاعدة‪ ،‬و (حرب)‪ ،‬وتعين مالك‪ ،‬ويف اجلملة تعين صاحب قوة‪ .‬ومسي الوزير واملستشار وشغل املنصب‪ ،‬ومع مـرور‬
‫الــوقت أصــبح يعــين يف اللغــة الفارســية املعاصــرة (القاعــدة) أو (القــانون) أو (الــرتخيص) أو (املرســوم) وقــد اســتخدمه‬
‫العرب يف املاضي مبعىن سجل العسكر‪ ،‬وبعد ذلك مبعىن جمموعة قوانني امللك‪،‬وجتدر اإلشـارة يف هــذا الصــدد إىل أنـه‬
‫على الــرغم من دخـول كلمــة دسـتور إىل اللغــة العربيـة وانتشــارها‪ ،‬إال أن اللغــة الفارسـية أمهلتهـا واسـتبدلت مبصــطلح‬

‫‪ .1‬العودات‪« ،‬اخللیج العربية»‬


‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪30‬‬

‫(احلقـوق األساسـية) أو القـانون الدسـتوري كمـا هـو مســتخدم يف اللغـة العربيـة‪ .‬يعتقـد البعض أنـه على الـرغم من أن‬
‫عبارة القانون األساسي أكثر صحة من الناحية املعنويـة من الدسـتور الفارسـي‪ ،‬لإلجياز‪ ،‬من األفضـل اسـتخدام كلمـة‬
‫‪1‬‬
‫دستور‪.‬‬
‫ومن خالل دراســة أصــول الكلمــات وتارخيهــا (علم أصــل الكلمــة)‪ ،‬جند أن مصــطلح الدســتور (الدســتور) مشــتق‬
‫من الكلمــة الالتينيــة (‪ ،)Constutio‬والــيت تشــري إىل أي تشــريع مهم صــادر عن اإلمــرباطور‪ ،‬وكــان مســتخدًم ا على‬
‫نطاق واسـع يف القـانون الكنسـي توثيـق قـرارات حمددة تتعلـق بالبابـا (‪ )7‬هـذا املصـطلح يهـدف إىل التأسـيس والبنـاء‪،‬‬
‫ويشــري إىل مرجعيــة تعــين البحث عن األســس الــيت تضــمن توطيــد ومراقبــة ممارســة الســلطة وتنظيم مؤسســات الدولــة‪.‬‬
‫ارتبــط هــذا املفهــوم بالدســتورية األوروبيــة‪ ،‬الــيت كــانت هتدف‪ ،‬يف بدايــة القــرن الثــامن عشــر‪ ،‬إىل إعــادة بنــاء الدولــة‬
‫والسلطة على التصورات الفلسفية واآلليات التنظيمية‪.‬‬
‫يعتقــد البعض أنــه من الصــعب للغايــة التعــرف على جــذور فكــرة الدســتور وانعكاســاهتا مبعــزل عن التطــورات الــيت‬
‫شهدهتا اجملتمعات األوروبية من الناحية االقتصادية واالجتماعية والسياسية طوال الفرتة ما بني القرن السادس عشر‪.‬‬
‫والقــرن الســابع عشــر‪ ،‬وكــان من أهم النتــائج دخــول هــذه اجملتمعــات يف دائــرة العقالنيــة واحلداثــة وبنــاء دولــة القــانون‬
‫واجملتم ــع املدين‪ ،‬ومن هن ــا ج ــاءت احلاج ــة إىل دس ــرتة احلي ــاة السياس ــية من خالل تقيي ــد الدول ــة ومؤسس ــاهتا‪ .‬وحتدي ــد‬
‫طبيعة العالقة بني هذه املؤسسات وفق الدستور‪.‬‬
‫‪ ))The New Encyclopedia Britannica‬ومفهــوم الدســتور على النحــو التــايل‪ :‬جمموعــة من النظريــات‬
‫والتطبيقات اليت تشكل املبـادئ األساسـية لكيـان سياسـي‪ .‬يف بعض البلـدان‪ ،‬مثـل الواليـات املتحـدة‪ ،‬يكـون الدسـتور‬
‫وثيقــة دســتورية حمددة‪ ،‬بينمــا يف بلــدان أخــرى‪ ،‬مثــل اململكــة املتحــدة‪ ،‬وهي جمموعــة من الوثــائق الــيت تضــم القــوانني‬
‫واملمارســات التقليديــة املقبولــة عموًم ا الــيت حتكم األمــور السياســية‪ ،‬األرســتقراطية‪ ،‬األوليغارشــية‪ ،‬الدميقراطيــة‪ ،‬إخل‪.‬‬
‫احلكومة املقرتحة‪ ...‬يعترب أرسطو أفضـل شـكل للحكومـة (أفضـل دسـتور هـو ذلـك الـذي يتطـابق مـع عناصـر امللكيـة‬
‫واألرسـ ـ ــتقراطية والدميقراطيـ ـ ــة‪ ،‬حبيث يتمتـ ـ ــع املواطنـ ـ ــون من مجيـ ـ ــع الطبقـ ـ ــات الفوائـ ـ ــد ويتم تشـ ـ ــجيعها على الوفـ ـ ــاء‬
‫‪2‬‬
‫مبسؤوليات حمددة مبا خيدم مصاحل اجلميع)‪.‬‬
‫وق ــد ورد يف الق ــاموس الدس ــتوري نفس املفه ــوم‪ :‬اعتم ــدت اللغ ــة العربي ــة املعاص ــرة ه ــذه الكلم ــة ذات األص ــل‬
‫الفارسي مبعىن الدسـتور (الدسـتور)‪ ،‬ودعـوات الحـرتام حقـوق اإلنســان واحلريـات العامـة بامسها‪ .‬تتم دراسـة القـانون‬
‫الدس ــتوري يف كلي ــات احلق ــوق‪ ،‬وه ــو مس ــتوحى يف الغ ــالب من الق ــانون الفرنس ــي‪ .‬نص ــوص وروح الدس ــاتري‪ ،‬وإن‬

‫‪ .1‬اجملذوب‪ ،‬القانون الدستوري و التنظيم السياسي يف لبنان‪ ،‬واهم النظم الدستورية و السياسية يف العامل‪ :‬صص‪6-5‬‬
‫‪ .2‬مالكي‪ ،‬الدستور الدميقراطي و الدساتري يف الدول العربية حنو اصالح دستوري‪ :‬صص‪2-1‬‬
‫‪31‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫كــانت هي الــيت أصــدرهتا كوســيلة حملاكــاة النمــوذج الــذي أصــبح شــامًال لقــانون أساســي مكتــوب أكــثر من اخلضــوع‬
‫الفعلي للدستور واإلسناد إليه‪ ،‬فيما يتعلق بالدستور‪.‬‬
‫القوانني االستثنائية واملراسيم العديدة اليت تعلق العمل بالدسـتور‪ ،‬وحالـة حقـوق اإلنسـان يف أكـثر من دولـة تشـبه‬
‫يف كثري من األحيان حالة عفا عليهـا الـزمن وغـري شـرعية فعالـة‪ ،‬أمـا القـاموس القـانوين فقـد مت تعريـف الدسـتور بأنـه‪:‬‬
‫قــانون أساســي حيدد حقــوق أعضــاء الدولــة‪ ،‬وشــكل احلكومــة وتركيبتهــا‪ ،‬ويضــع املبــادئ األساســية للنظــام الــداخلي‪،‬‬
‫ويعني وحيدد املهام ذات الصلة‪ ،‬وحيدد طريقة ومـدى السـلطة العليـا‪ .‬يتم اسـتخدامه بشـكل شـائع يف كـل مرسـوم أو‬
‫الئحة مهمـة للغايـة وفيمـا يتعلـق بالفقـه الدسـتوري يف توضـيح مفهـوم الدسـتور وتعريفـه جند أن هنـاك ثالثـة اجتاهـات‬
‫رئيسية‪ .‬االجتاه األول هتيمن عليه الطبيعة التنظيمية للسلطة السياسية‪ ،‬بينمـا يـذهب االجتاه الثـاين إىل أن الدسـتور هـو‬
‫‪1‬‬
‫صناعة احلرية أو تكنولوجيا احلرية‪ .‬أما االجتاه الثالث فقد حاول أنصاره يف تعريفاهتم التوفيق بني السلطة واحلرية‪.‬‬
‫والدستور عدة انواع هي‪:‬‬
‫‪ .1‬الدســتور العــريف‪ :‬وتســمى أيًض ا الدســاتري غــري املكتوبــة‪ ،‬والــيت جتد مصــدرها األساســي يف كثــري من العــادات‬
‫والتقالي ــد واألحك ــام القض ــائية والبيان ــات الرمسية املتعلق ــة بتنظيم الس ــلطات السياس ــية العام ــة يف الدول ــة‪ .‬إهنا تقالي ــد‬
‫وعــادات غــري مكتوبــة مل يتم تقنينهــا يف وثيقــة دســتورية‪ ،‬ومعظم دول العــامل حــىت هنايــة القــرن الثــامن عشــر مل يكن‬
‫لديها دساتري مكتوبة‪ .‬بل إن الدساتري العرفية هي أقدم أشكال الدساتري يف العامل‪ ،‬وخاصة يف بريطانيا وفرنسا‪.‬‬
‫ومـع ذلـك‪ ،‬فـإن الدسـاتري العرفيـة ليســت الوحيـدة الـيت تتحكم يف تنظيم الســلطة السياسـية يف البلــدان الـيت تبنتهـا‪.‬‬
‫أي باإلضافة إىل القواعد الدستورية العرفية‪ ،‬هناك قواعــد دسـتورية مكتوبـة يف شـكل وثيقــة رمسية تتعلــق هبذا اجلانب‬
‫أو ذاك من جــوانب حيــاة املؤسســات الدســتورية‪ .‬ومن األمثلــة على ذلــك امليثــاق العظيم لعــام ‪ 1215‬يف بريطانيــا‪،‬‬
‫والتم ــاس احلق ــوق لع ــام ‪ ،1628‬وق ــانون احلق ــوق لع ــام ‪ ،1688‬وق ــانون ‪ 13‬ف ــرباير ‪ ،1958‬ال ــذي مسح للم ــرأة‬
‫بـدخول جملس اللـوردات باإلضـافة إىل الدسـتور العـريف اإلجنلـيزي‪ ،‬نشـأت القواعـد الدسـتورية املكتوبـة‪ ،‬مما جيعـل من‬
‫الصعب القول بأن التمييز بني الدساتري املكتوبة والدساتري العرفية هو متييز مطلق‪ .‬مسموح‪.‬‬
‫‪ .2‬الدس ــتور املكت ــوب‪ :‬وتس ــمى أيًض ا الدس ــاتري املقنن ــة‪ ،‬وال ــيت جتد مص ــدرها يف النص ــوص القانوني ــة الدس ــتورية‬
‫املكتوبــة يف وثيقــة حمددة وواضــحة‪ ،‬قــادرة على ضــمان احلقــوق األساســية واحلريــات العامــة للمواطــنني‪ ،‬وتضــمن‪- :‬‬
‫توضح األسـس الـيت تقـوم عليهـا السـلطة احلاكمـة‪ .‬مبـين على‪ .‬يف الواقـع‪ ،‬اعتـرب بعض الفقهـاء من أنصـار ليس للدولـة‬
‫دستور ما مل يكن لـديها وثيقـة تعريفيـة لكيفيـة تنظيم السـلطات العامـة وتسـيري أعماهلا وعالقاهتا بـاملواطنني‪ .‬انتشـرت‬
‫الدســاتري املكتوبــة منــذ الربــع األخــري من القــرن الثــامن عشــر‪ ،‬واليــوم متت املوافقــة عليهــا يف معظم دول العــامل‪ .‬لكن‬

‫‪ .1‬ميين‪ ،‬املعجم الدستوري‪ :‬ص‪596‬‬


‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪32‬‬

‫انتش ــاره ال يع ــين أن ــه الوحي ــد ال ــذي ينظم الس ــلطات السياس ــية يف ال ــدول ال ــيت تتبن ــاه‪ ،‬لص ــغر حجم ــه‪ .‬باإلض ــافة إىل‬
‫الدساتري املكتوبة‪ ،‬هناك قواعد أخرى ذات طبيعة دستورية مل يتم تضمينها يف نص الدستور الشكلية ذلك‪.‬‬
‫‪ .3‬الدســاتري املرنــة‪ :‬هي تلــك الدســاتري الــيت تكــون قواعــدها بنفس مســتوى وأمهيــة القواعــد القانونيــة العاديــة الــيت‬
‫يصــدرها الربملان‪ ،‬وال ختتلــف إجــراءات إعــدادها عن إجــراءات إعــداد القــوانني العاديــة‪ .‬لــذلك‪ ،‬فــإن إجــراء تعــديلها‬
‫ومراجعتها وتغيريها هـو نفس إجـراء تعـديل وتغيـري القـوانني العاديـة‪ .‬الدسـاتري العرفيـة والقواعـد الدسـتورية الـيت تنشــأ‬
‫يف البلــدان الــيت تتبــىن دســاتري عرفيــة هي‪ ،‬من حيث املبــدأ‪ ،‬دســاتري مرنــة ميكن تعــديلها ومراجعتهــا بنفس الطريقــة الــيت‬
‫يتم هبا تعديل القوانني العادية ومراجعتها‪ ،‬وألن الدسـاتري املرنـة ال تنطبـق عليهـا مبـدأ سـيادة القـوانني الدسـتورية ألهنا‬
‫يف نفس مستوى القوانني العادية من حيث التطوير والتعديل‪.‬‬
‫‪ .4‬الدساتري اجلامدة‪ :‬دساتري جامدة‪ ،‬وتسمى أيًض ا دساتري جامدة‪ ،‬حيث إن الدول اليت تتبناها تؤسس تسلس ـاًل‬
‫هرمًي ا بني القواعــد القانونيــة وتضــع الدســتور يف رأســه باعتبــاره القــانون األعلى‪ ،‬األمــر الــذي يســتلزم ضــرورة توافــق‬
‫القــوانني واللــوائح والقــرارات النظاميــة مــع القواعــد الدســتورية‪ ،‬الــيت ال ميكن مراجعتهــا وتعــديلها إال مبوجب حــاكم‬
‫وشــروط خاصــة‪ .‬خصوص ـًا‪ .‬تســتند الدســاتري الصــارمة إىل مبــدأ ســيادة القواعــد الدســتورية‪ ،‬وبالتــايل‪ ،‬تتطلب تنفيــذ‬
‫قاعدة مراقبة دستورية القوانني لضمان احرتامها من قبل املشـرع العـادي‪ .‬أخـًريا‪ ،‬جتدر اإلشـارة إىل أن معظم دسـاتري‬
‫‪1‬‬
‫دول العامل جامدة‪ ،‬ومراجعتها‪ ،‬باإلضافة إىل ما سبق‪ ،‬تتطلب تدخل جهة خاصة ينص عليها الدستور‪.‬‬

‫‪ .1‬العودات‪« ،‬اخللیج العربية»‬


‫‪33‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .1-2‬الكليات‬

‫‪ .1-2-1‬االتجاهات الفكرية والقوى السياسية قبل عام ‪1925‬‬


‫شهد العراق منذ مطلع القرن العشرين‪ ،‬وخاصة بعد انتهاء احلرب العاملية األوىل‪ ،‬بوادر ظهور بــوادر لــربوز عــدة‬
‫اجتاهــات فكريـة وقــوى سياسـية‪ ،‬وميكن تلخيصــها يف اجتاهني رئيســيني‪ :‬االجتاه األول‪ :‬االجتاهــات الفكريـة التقليديـة‪،‬‬
‫واالجتاه الثاين‪ :‬هو االجتاهات الفكرية احلديثة‪ .‬يقوم هذا البحث على فرعني‪ ،‬الفرع األول مشل موضوع االجتاهــات‬
‫الفكرية التقليدية بينما يتعامل الفرع الثاين مع االجتاهات الفكرية احلديثة‪.‬‬

‫‪ .1-2-1-1‬القوى ذوي االتجاه الفكري التقليدي‬


‫ان احلياة السياسية يف القرن العشرين كانت تتميز بسيطرة األجتاهات الفكرية التقليدية والــيت نســتطيع ان حتددها‬
‫بأجتاهني رئيسيني مها (التقاليد العشائرية واملرجعية الدينية)‪.‬‬

‫‪ .1-2-1-1-1‬التقاليد العشائرية ودورها في الحياة السياسية العراقية‬


‫تعترب العصبية فكرة مركزيـة يف القبيلــة‪ ،‬وهي ناجتة عن التالحم بني األفـراد من خالل النســب والقرابـة‪ ،‬وتتجســد‬
‫هــذه الفكــرة يف قيم الــدعوة والســيطرة والتضــامن‪ 1.‬ويعـّر ف الــدكتور حممــد عبــد اجلابري العصــبية بأهنا رابطــة نفســية‬
‫اجتماعيــة واعيــة وغــري واعيــة تربــط أفــراد اجملموعــة مًع ا على أســاس القرابــة‪ .‬ينشــأ اخلطــر ويقــوي الفــرد كفــرد وفــرد‪.‬‬
‫واملصــلحة املشــرتكة والدائمــة للجماعــة هي احلقيقيــة أســاس عصــبية‪ .‬البلــدة هي األكــرب‪ ،‬حيث متتلــك تســعة أعشــار‬
‫أراضيها‪ ،‬وعدد األسلحة اليت متتلكها‪ .‬عدد العشائر هو أكثر بكثري من األسلحة اليت متتلكهــا احلكومــة‪ 2.‬على الــرغم‬
‫من أن بعض هذه القبائل بدويـة‪ ،‬إال أن الغالبيـة العظمى من السـكان الـذين يعيشـون يف البالد‪ ،‬سـواء أكـانوا عرًبا أم‬
‫أكراًد ا‪ ،‬منظمون يف منظمة قبلية وحيافظون على العادات والتقاليد القبلية‪ 3.‬ويتم تنفيذ هذه املهام واألنشطة من قبــل‬
‫‪4‬‬
‫اإلدارات احمللية حىت تظهر كهيئات شبه رمسية يف كثري من احلاالت‪.‬‬

‫‪ .1‬ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون‪ :‬صص‪109-86‬‬


‫‪ .2‬اجلابري‪ ،‬فكر ابن خلدون‪ ،‬العصبية و الدولة‪ :‬ص‪168‬‬
‫‪ .3‬فييب مار‪ ،‬تأريخ العراق املعاصر ‪ -‬العهد العثماين‪ :‬ص‪27‬‬
‫‪ .4‬اخلطاب‪ ،‬العراق بني ‪ ،1927 -1921‬كلية القانون و السياسة‪ :‬ص‪259‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪34‬‬

‫مــع والدة الدولــة العراقيــة احلديثــة‪ ،‬مل تتمكن األمــة من تكــرار والء القبيلــة بــالوالء للــوطن األم ألن أبنــاء العشــرية‬
‫والعشـائر مل يكونـوا على درايـة بفكـرة الدولـة‪ ،‬عـدم الثقـة برجـال الدولـة وكـان لـديهم نفس رؤيـة مؤسسـات الدولـة‬
‫وآلياهتا احلديث ــة‪ ،‬وعن ــدما ظه ــرت م ــدن عراقي ــة جدي ــدة مث ــل الرم ــادي والعزيزي ــة والنعماني ــة والسـ ــعودية‪ .‬العم ــارة‬
‫والناص ــرية وغريمها يف منتص ــف الق ــرن التاس ــع عش ــر وم ــا بع ــده‪ ،‬ورغم أن اهليك ــل التنظيمي للقبيل ــة فق ــد ت ــأثريه ح ــىت‬
‫اختفى تقريًب ا يف املدين ــة‪ ،‬إال أن الع ــادات العش ــائرية واملواق ــف القبلي ــة ك ــان هلا أث ــر ملم ــوس يف املدين ــة‪ ،‬ويف احلي ــاة‬
‫السياسية‪ ،‬وظلت العالقة مع العائلة والقبيلة أقوى من الــوالء للــوطن والعالقــات العشــائرية والعشــائرية والقبليـة ظلت‬
‫هي املهيمنــة يف اجملتمــع العــراقي‪ 1.‬العش ــرية أو القبيل ــة عنصــر متجــذر يف الثقافــة االجتماعيــة‪ ،‬واهلويــات متأصــلة فيــه‪،‬‬
‫والوالءات موجهة حنوها‪ ،‬وتتميز السمات السياسية للقبيلة ببساطة السلطة السياسية داخل القبيلة‪ ،‬وسهولة التفاعل‬
‫بني الشــيخ‪ .‬والفــرد وأولويــة الــوالء للقبيلــة‪ ،‬وأن الســيادة الشــرعية فيهــا بيــد الشــيخ وجملس العشــائر‪ ،‬ومراعــاة األفــراد‬
‫لعرف القبيلة يف التنظيم والتسلسل اهلرمي السياسي داخل القبيلة‪ ،‬واالحرتام‪ .‬من األفراد لزعماء القبيلة‪ ،‬وأن القيادة‬
‫يف القبيلة موروثة‪ ،‬وهلا ترتيب هرمي يكون الشيخ يف القمة ويف كثري من جماالت احلياة‪ ،‬نشأت الروابط االجتماعيــة‬
‫املب ــالغ فيه ــا‪ ،‬ومب ــدأ العني ب ــالعني‪ ،‬وع ــادات االنتق ــام بني أف ــراد العش ــائر ال ــذين ارتبط ــوا ببعض ــهم البعض من خالل‬
‫الروابــط القبليــة والطائفيــة‪ .‬أفــراد عائلتــه أو عشــريته‪ ،‬يف بعض احلاالت‪ ،‬انفصــلوا اقتصــادًيا أو متزوجــات عن عشــائر‬
‫أخــرى إلهناء النزاعــات‪ ،‬وكــانت لألرض قيمــة أخالقيــة مهمــة بالنســبة هلم‪ ،‬وكــانت احليــاة بني العشــائر ذات طــابع‬
‫أبوي‪ ،‬وكانت كرامة املرأة حمفوظـة بـالغرية‪ ،‬لـذلك فـإن املرأة الـيت هـربت من املنزل ُقتلت ببسـاطة‪ .‬طاعـة زوجهـا أو‬
‫ويل أمرها‪ ،‬أو إذا كـانت متهمـة بالزنـا أو تبتعـد عن الـدائرة (الفضـائل املنصـوص عليهـا يف التقاليـد العشــائرية وغريهــا‬
‫‪2‬‬
‫من القيم والعادات) العشرية املعروفة‬
‫هنــاك انقســامات بني ســكان املدن واملنــاطق العشــائرية‪ ،‬وكــذلك بني املنــاطق العشــائرية نفســها‪ ،‬حيث أن واليــة‬
‫بغداد وحدها هبا ‪ 110‬عشرية‪ ،‬رغم أهنا ختضع لقواعد ومؤسسات مماثلــة‪ .‬مزارعــون وخيــول ومســتنقعات وشــاوي‬
‫ورعاة وأهل دان‪ .‬مجال‪ ،‬األرستقراطي القبلي الذي حيتقر كل العشائر بغطرسة ويــرفض الــتزاوج معهمريــال‪ 3،‬لعبت‬
‫القبائل والوالءات القبليـة دوًر ا مهًم ا يف الوضـع السياسـي يف العــراق خالل فــرتة االحتالل الربيطــاين أو االنتـداب‪ ،‬أو‬
‫يف إبـرام املعاهــدة األجنلــو‪-‬عراقيـة وصـياغة القــانون األساسـي‪ .‬احتـل اجليش الربيطــاين العــراق وحـاول حكمــه مباشـرة‬
‫ألنه اتسم بقوانني تعسفية وجائرة تتعلق بالضرائب وملكية األراضي واالنتداب الربيطاين وكل هذه األمور‪.‬‬

‫‪ .1‬احليص‪ ،‬القبلية و الدميقراطية ‪ -‬حالة العراق امللكي ( ‪ :)1958 -1921‬ص‪13‬‬


‫‪ .2‬دولربان‪ ،‬العراق من االنتداب اىل االستقالل‪ :‬ص‪25‬‬
‫‪ .3‬بطاطو‪ ،‬العراق‪ :‬ص‪33‬‬
‫‪35‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫لقد أدى ذلك إىل ثورة العشرينات‪ ،‬واليت سامهت فيها العشرية مسـامهة كبـرية‪ .‬هنـاك أسـباب عديـدة جعلت من‬
‫العش ــرية أهم ق ــوة مش ــاركة يف ث ــورة العش ــرينات‪ ،‬وأمهه ــا أن العش ــرية ح ــافظت على اس ــتقالهلا املادي من ــذ العه ــد‬
‫العثماين‪ ،‬بسبب سـلطة الدولـة العثمانيـة‪ ،‬يف حني أن حـاول الربيطـانيون إنشــاء سـلطة مركزيـة لتقليص سـلطة زعمـاء‬
‫العشــائر ألهنم يعرفــون أن العشــرية نفســها التقبــل وجــود ســلطة أجنبيــة بســبب الــروح البدويــة بــداخلهم‪ ،‬خاصــة أن‬
‫عشــرية الفــرات األوســط حتتفــظ بــالكثري من البــدو‪ .‬هلذا الســبب كــانت األرض هي املكــان الثــاين الــذي دخلت فيــه‬
‫القبيل ــة البدوي ــة الص ــحراء بع ــد منطق ــة اجلزي ــرة‪ ،‬وتط ــرقت الس ــلطات الربيطاني ــة إىل مص ــاحل القبيل ــة‪ .‬جلأوا إىل النظ ــام‬
‫‪1‬‬
‫الض ــرييب وأع ــادوا النظ ــر يف ملكي ــة األراض ــي الزراعي ــة هبدف مس ــاعدة بعض الزعم ــاء املخلص ــني يف من ــاطق معين ــة‪،‬‬
‫واملش ـ ــكلة الرئيس ـ ــية هي النظ ـ ــام العش ـ ــائري (الض ـ ــرائب‪ ،‬التجني ـ ــد اإلجب ـ ــاري‪ ،‬ملكي ـ ــة األراض ـ ــي ونظ ـ ــام احملرم ـ ــات)‬
‫للحكومــات املتعاقبــة يف العثمانيــة والربيطانيــة والعــراق‪ ،‬والــيت يعتمــد جوهرهــا على عــدد كبــري من الســكان‪ .‬الميكن‬
‫تص ــور درج ــة امللكي ــة اجلماعي ــة أو اجلماعي ــة ألراض ــي العش ــرية إال بالنس ــبة للفالحني والعش ــائر ال ــيت مت التخلي عنه ــا‪.‬‬
‫ودفعت الضرائب لسلطات االحتالل اليت قامت بدورها باعتقال شيوخ العشائر‪ ،‬وكــانت الطلقــة الــيت أشــعلت ثــورة‬
‫عشــرينات القــرن املاضــي هي اعتقــال الشــيخ شــعالن أيب اجلن زعيم قبيلــة الرميثــة الــدواليم‪ ،‬الــذي‪ :‬بســبب عــدم دفــع‬
‫الضرائب‪ ،‬هامجت عشريته وأخذت احلكومة وقتلت الربيطانيني وأنقذت رؤسائهم‪ ،‬إىل جانب تـأثري العوامـل الدينيـة‬
‫‪2‬‬
‫واالستسالم لرجال الدين لثورة مسلحة‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬كان كبار مالك األراضي من شيوخ اآلغا من الشـيعة بعـد مشـاركتهم يف ثـورة ‪ 1920‬أو احلمالت‬
‫الالحقة ضد النظام أو مع شيوخ وعشائر مناطق وسط والفرات يف اهلنـد بســبب التـأثري الشــيعي على أفــراد العشــائر‪.‬‬
‫ميكن تلخيص دور وت ــأثري ال ــوالء العش ــائري والعش ــائري على أن ــه خالل تش ــكيل الدول ــة العراقي ــة وص ــياغة الق ــانون‬
‫األساســي‪ ،‬وكــذلك خالل العهــد امللكي‪ ،‬شــهد الوضــع السياســي يف العــراق درجــات متفاوتــة من التقشــف‪ .‬تنــاقض‬
‫العنف واالضطرابات اليت تسببت فيها العشائر واألمهية االجتماعية للملك املقيم يف بغداد مع مكانــة زعمــاء العشــائر‬
‫الذين ظلــوا حكاًم ا‪ .‬الشــعب احلقيقي ملعظم الريـف‪ ،‬الشـيخ ميثـل جمتمعـًا مفككـًا أو تعـدديًا‪ ،‬امللـك ميثـل فكـرة اجملتمـع‬
‫‪3‬‬
‫املوحد (عراقي واحد يبين دولة عربية)‬

‫‪ .1‬عيسى‪ ،‬الفكر السياسي لثورة العشرين‪ :‬ص‪34‬‬


‫‪ .2‬امحد ومحيدي‪ ،‬تاريخ العراق املعاصر‪ :‬ص‪23‬‬
‫‪ .3‬احلسو‪ ،‬الصراع على السلطة يف العراق امللكي‪ :‬ص‪45‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪36‬‬

‫‪ .1-2-1-1-2‬دور المرجعيات الدينية في الحياة االجتماعية والسياسية العراقية‬


‫يعت ــرب اجملته ــدون من قب ــل علم ــاء الش ــيعة اإلم ــاميني مرجع ــا جلمي ــع أعض ــاء الطائف ــة‪ .‬ين ــالون منهم فت ــاوى وأوام ــر‪.‬‬
‫استيعاب حي وشامل ومتحرك لإلسالم ومصادره‪ ،‬وتفاين عميق يف ترويضه باجلهـد البشــري واملعانـاة طويلــة األمــد‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫إىل قـ ــوة تتحكم يف كـ ــل كيانـ ــه وسـ ــلوكه‪ ،‬يف وعي إسـ ــالمي عقالين‪ .‬شـ ــاهده من الواقـ ــع وغنـ ــا ظروفـ ــه وظروفـ ــه‪،‬‬
‫ولذلك‪ ،‬فإن الكائن املرجعي هو الشخص اجملتهد الذي يشغل موقع الكائن املرجعي‪ ،‬مما يتطلب منه امتالك جمموعة‬
‫من الصفات (علم‪ ،‬عدالة‪ ،‬عقالنية)‪ .‬حملًيا‪ ،‬يعتمد على معايري قانونية عامة ويظهر يف املراجع كتطبيق‪ .‬منـذ العصــور‬
‫القدمية‪ ،‬ل ــدى العلم ــاء من مجي ــع من ــاحي احلي ــاة املذكورة أعاله مب ــادئ قانوني ــة خمتلف ــة ح ــول كيفي ــة حمارب ــة الغ ــزاة‬
‫االســتعماريني الغربــيني‪ .‬يعتقــد بعضــهم أن القضــية كــانت يف حالــة ضــعيفة‪ ،‬تقتصــر على أداء الوظــائف الدينيــة‪ ،‬بينمــا‬
‫يعتقد البعض اآلخر اعتقاًدا راسًخ ا أنه الينبغي حتت أي ظرف من الظروف أن خيضـعوا للسـيطرة األجنبيـة‪ .‬جيب أن‬
‫يكـون املسـلم مسـتميًتا للـدفاع عن نفسـه عنـدما يتعـرض للهجـوم أو يريـد أن يسـيطر على بلـده شـخص آخـر ال يتبـع‬
‫‪2‬‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫حىت بداية القرن العشرين‪ ،‬كان النشاط السياسي اإلسالمي‪ ،‬ال الشيعة وال (السين)‪ ،‬حاضـًر ا يف العــراق العثمــاين‬
‫من خالل األح ــزاب واملنظم ــات اإلس ــالمية‪ .‬وم ــع ذل ــك‪ ،‬ف ــإن معظم األح ــداث وطني ــة إىل ح ــد كب ــري‪ ،‬ل ــذا ميكن أن‬
‫تك ــون حمدودة‪ .‬ش ــهد أوائ ــل الق ــرن العش ــرين وعه ــد االحتالل الربيط ــاين للع ــراق بداي ــة النش ــاط السياس ــي اإلس ــالمي‬
‫الشيعي‪ ،‬وكانت السلطة الشيعية يف العـراق مرتبطـة ارتباًطا وثيًق ا باألحـداث السياسـية يف إيـران‪ ،‬كمـا انعكس ذلـك‬
‫يف ظهور الثورة الدستورية اإليرانية عام ‪ 1906‬أو ما يســمى بـالثورة املشــروطة‪ ،‬وهي أول حركــة سياسـية معاصـرة‬
‫تضمنت املراجع الدينية‪ 3.‬انقسم النظام الشيعي يف العراق إىل قسمني‪ :‬بعد انتقـال احلركـة من إيـران إىل العـراق‪ ،‬قـاد‬
‫اجملموعة االستبدادية املرجع الديين الكبري حممد كاظم اليزيدي‪ ،‬وقيادة الشرطة املال كاظم احلرو شان‪.‬‬
‫عاش اخلراساين واثنان يف النجـف‪ ،‬واعتقـد الفريـق األول أنـه بالدسـتور ونظـام احليـاة الربملانيـة سـينهار وستتالشـى‬
‫الفوضى‪ ،‬ورأوا أن هذه الفكرة تتناقض مـع فكـرة األئمـة الـذين انتظـروا املنتظـر‪ ،‬وهم يؤمنـون بـ حكم مطلـق وحكم‬
‫عادل‪ ،‬فهذه احلركة تسمى االستبداد‪ ،‬بينما اجملموعة الثانية ترى أن االستبداد غــري عــادل‪ ،‬فال بـد من وجـود دسـتور‬
‫يلتزم به احلاكم‪ ،‬أي ليس إلغاء االنتظار‪ .‬مكرس لإلمام املهـدي‪ .‬انتصــرت احلركــة الدسـتورية يف إيـران‪ ،‬لكن تراجـع‬

‫‪ .1‬امحد ومحيدي‪ ،‬تاريخ العراق املعاصر‪ :‬ص‪23‬‬


‫‪ .2‬عيسى‪ ،‬الفكر السياسي لثورة العشرين‪ :‬ص‪34‬‬
‫‪ .3‬احلسو‪ ،‬الصراع على السلطة يف العراق امللكي‪ :‬صص‪48-45‬‬
‫‪37‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫عـدد علمـاء الـدين يف قيـادة احلركـة الدسـتورية‪ ،‬السـيما يف ظـل الفوضـى الـيت حصـلت يف احليـاة الربملانيـة والتظلمـات‬
‫واالعتداءات على أبناء الطرف اآلخر‪.‬‬
‫الش ــيعة حياربون النف ــوذ الربيط ــاين يف إي ــران ج ــاءت املقاوم ــة الربيطاني ــة وص ــعود الث ــورات العش ــرين ال ــيت يس ــموهنا‬
‫العمل الوطـين يف املرتبـة الثانيـة‪ .‬اإلشـارات إىل القضـايا السياسـية الشـيعية العراقيـة وتـدخل القيـادة الروحيـة يف التـاريخ‬
‫املعاصر هي‪.‬‬
‫هبطت القـوات أوًال‪ ،‬وقـادوا هم أنفســهم الشــيعة ضـد الربيطـانيني‪ ،‬الـذين اسـتولوا على البصـرة عـام ‪ 1914‬بعـد‬
‫اهنيار اجليش العثماين والشيعة‪ ،‬وقتل يف تلك املعارك جمتهد والشاعر حممد سعيد‪ .‬اســتمر احلكم ووجــودهم مرفوًض ا‬
‫بطـ ــرق خمتلفـ ــة من خالل االستشـ ــهادات الشـ ــيعية حـ ــىت إعالن االنتـ ــداب الربيطـ ــاين على العـ ــراق يف أبريـ ــل ‪1920‬‬
‫وانــدلعت الثــورة العشــرين يف يونيــو من نفس العــام عنــدما أصــدرت املراجــع العراقيــة املعاصــرة مــذكرة املوت‪ .‬عــدم‬
‫قبــول احلكم الربيطــاين للعــراق‪ .‬كــان للعــراق اجلديــد تــأثري واضــح يف حتديــد موقــع اجلماعــة الالحــق يف التشــكيالت‬
‫السياسـ ــية واالجتماعيـ ــة الداخليـ ــة للبالد‪ .‬أم ـ ــا موق ـ ــف املرجعيـ ــة الدينيـ ــة من القض ـ ــايا القوميـ ــة مثـ ــل رفض االحتالل‬
‫واالنتداب‪ ،‬فهي ترفض املشاركة يف املؤسسات العامة اخلاضعة إلشراف دولـة االحتالل‪ .‬أنكـرت املراجـع الدينيـة يف‬
‫البداية االحتالل الربيطاين للقوات الربيطانية يف العراق‪ ،‬واسـتمرت حـىت بعـد تشـكيل حكومـة مؤقتـة‪ ،‬واهنيـار العـراق‬
‫مبوجب االنتداب واملعاهدات‪ ،‬ومقاطعة االنتخابات الدسـتورية‪ .‬على العكس من ذلـك‪ ،‬مل تتوقـف األمـور عنـد هـذا‬
‫احلد ألنـه متت اإلشـارة إليهـا ورفض الشــيعة املشـاركة يف املؤسســات العامـة والعمـل احلكـومي‪ ،‬وكـان لـديهم فتـوى‪،‬‬
‫ولعب الشــيخ مهــدي اخلالصــي دوًر ا يف رفض االلتحــاق بالعمــل احلكــومي‪ ،‬ألن الســيد آل‪ -‬اخلالصــي ينفي الوصــول‬
‫إىل العمل احلكومي واملشاركة يف املؤسسات العامة‪ ،‬معتربا التعاون مع (الكفـار)‪ .‬أمـا بالنسـبة ملكانـة وتـأثري املرجعيـة‬
‫الدينيــة على امللــك‪ ،‬فقــد وافقت بعض املراجــع الشــيعية ممثلــة بعلمــاء الكاظميــة‪ ،‬مثــل الشــيخ مهــدي اخلالصــي وحممــد‬
‫الصدر‪ ،‬على ترشيح فيصل للخالفة‪ ،‬وتأمني عروشـهم‪ .‬يـدعم‪ .‬أمـا الفصـيل اآلخـر فقـد عـارض ترشـيح امللــك فيصـل‬
‫وأي مرشــح آخــر يف احلكومــة املنتدبــة بقيــادة آيــة اهلل األصــفهاين والشــيخ النعيــين‪ ،‬وكــان تــأثري الســلطة الشــيعية على‬
‫خطى امللك واضحًا‪.‬‬
‫على ال ــرغم من الض ــغط الربيط ــاين‪ ،‬أظه ــر املل ــك تعاطًف ا واضـ ـًح ا م ــع أولئ ــك ال ــذين متردوا إىل ح ــد كب ــري ض ــد‬
‫بريطانيا‪ .‬احرتام وجود السلطة الدينية وتأثريها الـروحي يف الدولـة والشــعب‪ 1‬أمـا بالنســبة للعالقــة بني املراجـع الدينيـة‬
‫واألحـزاب املمثلــة ألهــل الســنة‪ ،‬فاجلانبـان يســعى إىل التعــاون‪ ،‬وتعميـق األخـوة‪ ،‬وعالقــة تقــوم على التســامح والقبـول‬
‫املتبــادل‪ .‬بعــد اهلجمــات الوهابيــة يف جنــوب العــراق عــام ‪ ،1924‬بــادر الشــيخ اخلالصــي مبراســالت مــع شــيوخ الســنة‬

‫‪ .1‬الوردي‪ ،‬حملات اجتماعية من تاريخ العراق احلديث‪ :‬ص‪3‬‬


‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪38‬‬

‫وكبار رجال الدين‪ ،‬وحضر مؤمتر كربالء رًد ا على هذه اهلجمات‪ ،‬وتلقى رًدا سنًيا لتحقيق الوحدة اإلســالمية على‬
‫مبدأ الدين‪ ،‬والزعماء والرجال‪ .‬التقى اجلانبان حول هذه القضية الدينية وأصدرا أمر قتل مشرتك بشأن هذه القضــية‬
‫ينص على وجوب القتال على الوهابيني كخوارج‪.‬‬
‫ق ــد تك ــون الس ــلطة الديني ــة مص ــدًر ا للحرك ــات السياس ــية الناش ــئة‪ ،‬لكن التطلع ــات الديني ــة ليس ــت كافي ــة إلث ــارة‬
‫احلركات السياسية‪ ،‬وعالوة على ذلك‪ ،‬هناك حاجة إىل جو سياسي متوتر‪ ،‬وميكن طرح كلتــا األيــديولوجيتني على‬
‫يــد الفكــر الشــيعي اجملتهــد وعلمــاء الشــيعة‪ .‬والقيــادة األدبيــة‪ .‬املرحلــة القادمــة من رجــال الــدين ســواء كــانت املعاهــدة‬
‫العراقية الربيطانيـة أو انتخابـات اجلمعيـة التأسيسـية لدرجـة أن هـذا اخلط ميثـل تصـعيدا كبـريا مبقاطعـة االنتخابـات ورد‬
‫احلكومة على طرد بعض الزعماء الدينيني بإصدارها‪ .‬وصلت الفتـاوى إىل أعلى مســتوى‪ .‬بالنســبة إليـران‪ ،‬انقســمت‬
‫وحدة مواقف علماء الـدين‪ ،‬حيث قبلت بعض املراجـع تعهـدات كتابيـة باالمتنـاع عن العمـل السياسـي‪ ،‬األمـر الـذي‬
‫‪1‬‬
‫أثار خالفات حادة بينهم وأدى إىل نتائج تعكس الطبيعة السياسية للدور الذي ميكن أن تلعبه املراجع يف العراق‪.‬‬

‫‪ .1-2-1-2‬القوى ذوي االتجاهات الفكرية الحديثة‬


‫مل يكن الع ــراق يف هناي ــة الق ــرن التاس ــع عش ــر أرضـ ـًا خص ــبة لظه ــور وتط ــور احلرك ــات واجلمعي ــات واألح ــزاب‬
‫السياسية الوطنية‪ ،‬فقد تعددت أسباب ذلك أمهها التخلف والركود االقتصادي‪ .‬اليوجد اتصال مباشر مـع املبشـرين‬
‫األوروبيني أو األفكار الثقافية أو املبشرين مثـل مصـر وسـوريا ومـا إىل ذلـك‪ .‬وينعكس هـذا بشــكل مباشـر من حيث‬
‫السياسة واألنشطة املنظمة‪ 2،‬عالوة على ذلك‪ ،‬حكم العثمانيون باسم الدين وليس القوميـة‪ ،‬حـىت ظهـور التحالفــات‬
‫وتطور اجلمعيات‪ .‬مـع حتسـن الظـروف االجتماعيـة واالقتصـادية تـدرجييًا يف أواخـر القـرن التاسـع عشـر وأوائـل القـرن‬
‫العش ــرين‪ ،‬ب ــدأ املثقف ــون العراقي ــون يت ــأثرون بأفك ــار املص ــلحني اإلس ــالميني املص ــريني والس ــوريني والقوم ــيني الع ــرب‪.‬‬
‫افتتحت احلمل ــة أول ف ــرع هلا يف بغ ــداد ع ــام ‪ 1908‬والحًق ا يف البص ــرة‪ .‬يف البص ــرة ع ــام ‪ ،1911‬ب ــرزت معارض ــة‬
‫حمافظة بيد ابن عبد الرمحن جنيب‪ ،‬والـيت تركـزت عـام ‪ 1911‬على حـزب احلريـة املعتـدل من أصـل تـركي‪ .‬ومل يـدم‬
‫ذلك طويال حىت ظهور املنظمـات واجلمعيـات السياسـية مـع املنظمـات العربيـة غـري الرتكيـة مثـل (اجلمعيـات السـرية)‪.‬‬
‫‪( 1913‬اجلمعية العلمية) ‪ 1912 ،1914‬نادي بغداد الوطين‪ 1912 ،‬مجعية بغداد االستشارية‪ ،‬مجعيـة اإلصـالح‬

‫‪ .1‬علوان‪« ،‬املرجعية الشيعية يف العراق بني االحتالليني»‬


‫‪ .2‬عليوي‪ ،‬االحزاب السياسية يف العراق ‪ -‬السرية و العلنية‪ :‬ص‪15‬‬
‫‪39‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ ،1913‬مجعية العهد العراقي ‪ ،1918‬ومجعية النهضة اإلسالمية يف النجف‪ .‬مجعيـة احلراس املســتقلة عــام ‪ 1918‬و‬
‫‪3‬‬
‫‪.1919‬‬

‫‪ . 3‬شجريي‪« ،‬نشأة االحزاب السياسية العراقية بني الواقع والطموح»‬


‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪40‬‬

‫شــهد العقــد األول من احليــاة العراقيــة احلديثــة ‪ 1930-1920‬ظهــور أكــثر من حــزب سياســي‪ ،‬كــانوا أحــزاب‬
‫النخبة وليس من اجلماهري‪ ،‬وكان ملؤسســيها قـادة سياسـيون هـدفهم الرئيســي هـو اسـتخدام حـزهبم حـىت يتمكنـوا من‬
‫الــذهاب‪ .‬لالنتخابــات‪ ،‬والفــوز مبقاعــد يف الربملان‪ ،‬وتشــكيل حكومــة‪ ،‬ومبجــرد قيــامهم بــذلك‪ ،‬يتم ذلــك‪ .‬وتفكــك‬
‫احلزب حــىت وصــلت القصــة إىل بعض املهنــيني السياســيني الــذين اســتخدموه كوســيلة لالزدهــار واســتغلوا األحــزاب‬
‫وعربوا عن حتالف مع بعض شيوخ العشــائر‪ .‬يســعى خللــق البيئـة املناسـبة لإلطاحـة باحلكومـة من أجـل الثـورات احملليـة‬
‫وأعمال الشغب‪ 1.‬كانت أول مبادرة لتشــكيل حـزب سياسـي رمسًيا يف أوائـل أغســطس ‪ ،1921‬عنـدما قـدم حـزب‬
‫البعث طلًب ا إىل املن ــدوب الس ــامي الربيط ــاين إلنش ــاء ح ــزب سياس ــي يف الكاظمي ــة‪ ،‬وبع ــد أن أح ــال املف ــوض الس ــامي‬
‫الطلب إىل اجمللس بعــد عــدة مــرات يف مناقشــات اجمللس ومداوالتــه‪ ،‬والــيت تكــون نتيجــة التســويف‪ .‬مل يكن هــذا إال‬
‫بعد صدور قانون احتاد األحزاب‪ .‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬كانت هنـاك جمموعـة أخـرى تنـوي تشـكيل حـزب‪ ،‬مثـل مجعيـة‬
‫العهد واحلرس املستقل‪ ،‬الذين كانت لديهم فكرة إنشاء وعقد حزب سياسي‪.‬‬
‫ومل يسفر اجتماعها عن أي نتـائج مهمـة‪ ،‬ويف ‪ 8‬آذار (مـارس) ‪ 1922‬تقـدمت جمموعـة أخـرى بطلب لتشـكيل‬
‫حــزب سياســي باســم احلزب الوطــين العــراقي‪ ،‬مل يلــق قبــوًال أفضــل من ســابقتها‪ .‬أصــدرت احلكومــة العراقيــة قــانون‬
‫اجلمعي ــات يف ‪ 2‬متوز‪/‬يولي ــو ‪ .1922‬وك ــانت ش ــروط تش ــكيل احلزب السياس ــي ص ــارمة‪ ،‬وسـ ـّلمت س ــلطة احلزب‬
‫السياسـي إىل وزيـر الداخليـة‪ .‬إال أن جمموعـة من األحـزاب السياسـية بـادرت بطلب إنشــاء أحـزاب سياسـية من أجـل‬
‫تنظيم قــوى وطنيــة ذات ميــول ليرباليــة وقوميــة داخلهــا‪ .‬وضــعت هــذه األحــزاب بصــماهتا على طــابع النظــام السياســي‬
‫قبـل وقت طويـل من صـياغة القـانون األساسـي العـراقي عـام ‪ ،1925‬ومن بني هـذه االجتاهـات الفكريـة احلديثـة الـيت‬
‫‪2‬‬
‫سادت يف ذلك الوقت‪ ،‬كانت الليربالية الوطنية هي األهم‪ .‬االجتاه الثاين هو االجتاه القومي‪.‬‬

‫‪ .1-2-1-2-1‬االتجاهات اليبرالية الوطنية‬


‫بعد فرتة وجيزة من إصدار احلكومـة العراقيـة لقـانون اجلمعيـات‪ ،‬بـادر عـدد من األشـخاص من خمتلـف اجلماعـات‬
‫العرقيــة للمطالبــة بتأســيس حــزب سياســي ليــربايل وطــين‪ ،‬وشــكلوا عــدة أحــزاب سياســية متثــل الفكــر الليــربايل الوطــين‪،‬‬
‫كان من أمهها احلزب العراقي‪ .‬حزب وطين‪ .‬حزب البعث العراقي وحزب احلرية العراقي وحزب األمة اإلستقالل‪.‬‬

‫‪ .1‬احلسين‪ ،‬تاريخ االحزاب السياسية العراقية‪ :‬ص‪15‬؛ الكبيسي‪« ،‬تأريخ االحزاب السياسية ونشؤئها يف العراق املعاصر»‬
‫‪ .2‬العمر‪ ،‬االجتاهات اليربالية الوطنية‪ :‬صص‪299-297‬؛ الوردي‪ ،‬حملات اجتماعية من تاريخ العراق احلديث‪ :‬ص‪185‬‬
‫‪41‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .1‬احلزب الوطين العراقي‪ :‬يف ‪ 8‬مارس ‪ ،1922‬تقدم سبعة سياسيني عراقيني بطلبــات إىل وزارة الداخليــة لتشــكيل‬
‫حــزب سياســي يســمى احلزب الوطــين العــراقي‪ .‬ميثــاق احلزب مرفــق بــالطلب‪ .‬يف يوليــو ‪ ،1922‬صــدر قــانون تنظيم‬
‫حزب التنظيم االجتماعي‪ ،‬وأعيد تقدمي احلزب للتأسيس يف ‪ 28‬يوليــو ‪ ،1922‬ومتت املوافقــة عليــه يف ‪ 2‬أغســطس‬
‫‪ 1،1922‬دعمه الشيخ‪ .‬وضـم مهـدي اخلالصـي واحلزب العديـد من الشخصـيات الـيت سـامهت يف ثـورة العشـرينات‪،‬‬
‫وخدمت يف صـفوف مجعيـة العهـد واحلرس املسـتقل حـىت وصـفها أحـدهم بأهنا حـزب اجلميـع‪ .‬النـاس‪ .‬هـدف احلزب‬
‫سياســي أكــثر منــه إصــالحي‪ ،‬ويؤكــد أن قــوة االحتالل أدت إىل تــدهور األوضــاع السياســية واالقتصــادية والثقافيــة‬
‫للبالد‪ ،‬لــذا فهم يـدعون إىل الســبيل الوحيـد إلنقــاذ البالد ورفاهيـة الشــعب‪ .‬من خالل االسـتقالل الكامــل‪ .‬واليـة‪ .‬ال‬
‫هيمنـة ألي حـزب يف العـراق‪ ،‬ويؤكـد احلزب يف برناجمه أن أهدافـه هي احلفـاظ على اسـتقالل العـراق ضـمن حـدوده‬
‫الطبيعيــة‪ ،‬ودعم امللكيــة الدســتورية التمثيليــة لــه‪ ،‬والــدفاع عن كيــان األمــة العراقيــة‪ ،‬واالرتقــاء بــه إىل الصــفوف‪ .‬من‬
‫الـذين يؤكـدون على النهج القـومي للدولـة العليـا‪ ،‬وحماربـة التميـيز باسـم الـدين واجلنس‪ .‬بني العراقـيني‪ ،‬وتطـور البالد‬
‫القتصـادها وثقافتهـا وصـناعتها وجتارهتا الـيت كـانت مسـؤولة عنهـا‪ ،‬قـدم احلزب الوطـين وحـزب البعث العـراقي ورقـة‬
‫للملك فيصل األول يف ‪ 22‬آب ‪ /‬أغسطس ‪ ،1922‬مذكرة تفاهم يشمل‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫أ‪ .‬وقف التدخل الربيطاين يف الشؤون اإلدارية‬
‫ب‪ .‬تشكيل وزارة من الكفاءات واملخلصني لطمأنة البلد بأن الوضع سيحل وستهدأ املشاكل‪.‬‬
‫ت‪ .‬الجيوز ابرام املعاهدات او التفاوض بشأهنا حىت تشكيل جملس النواب‬
‫يف اجتمــاع مشــرتك‪ ،‬اتفــق احلزب الوطـين وحـزب البعث العــراقي على تقــدمي خطــاب احتجــاج على االنتـداب يف‬
‫‪ 23‬آب‪/‬أغســطس ‪ ،1922‬ذكــرى تتـويج امللــك فيصــل‪ .‬املظــاهرة ديـوان‪ .‬مربـع‪ .‬وألقى حممــد مهـدي البصــري كلمــة‬
‫احلزب الوطـين فيمـا ألقى حممـد حســن كبـة خطـاب حـزب البعث‪ .‬بـدأ اخلطابـان بالتهنئـة‪ ،‬مث دعتـا إىل تشــكيل مجعيـة‬
‫دســتورية‪ ،‬وتشــكيل حكومــة وطنيــة‪ ،‬وإلغــاء التعيينــات‪ .‬يــتزامن مــوكب املفــوض الســامي الســري بريســي كــوكس مــع‬
‫م ــرور م ــوكب املف ــوض الس ــامي الس ــري بريس ــي ك ــوكس‪ .‬س ــقط االنت ــداب‪ ،‬ورأى املف ــوض الس ــامي فرص ــة إلس ــقاط‬
‫املعارضــة‪ ،‬فأرســل مــذكرة شــديدة اللهجــة إىل امللــك تطالبــه باختاذ إجــراءات صــارمة‪ .‬ويف هــذه املرحلــة كــان امللــك‬
‫جيري عمليــة جراحيــة اللتهــاب الزائــدة الدوديــة يف لنــدن‪ ،‬فقــام املفــوض الســامي بتحويــل صــفقته إىل حركــة املعارضــة‬
‫‪3‬‬
‫بإغالق احلزب القومي وحزب البعث وترحيل قادهتما إىل جزيرة هنجان يف اخلليج العريب‪.‬‬

‫‪ .1‬عليوي‪ ،‬االحزاب السياسية يف العراق ‪ -‬السرية و العلنية‪ :‬ص‪54‬‬


‫‪ .2‬احلسين‪ ،‬تاريخ االحزاب السياسية العراقية‪ :‬ص‪37‬‬
‫‪ .3‬رشيد‪ ،‬العراق املعاصر‪ :‬صص‪82-81‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪42‬‬

‫‪ .2‬حــزب النهضــة العــراقي‪ :‬تــزامن إنشــاء حــزب البعث العــراقي مــع تأســيس احلزب الوطــين العــراقي‪ ،‬حيث تقــدمت‬
‫جمموع ــة من الن ــاس ب ــوزارة الداخلي ــة مطل ــع آب‪/‬أغس ــطس ‪ ،1922‬بطلب اإلذن بتش ــكيل ح ــزب سياس ــي يس ــمى‬
‫احلزب الوطــين العــراقي‪ .‬حــزب البعث‪ .‬متت املوافقــة على احلزب يف ‪ 19‬آب من العــام نفســه‪ ،‬وحظي احلزب بــدعم‬
‫السيد حممد‪ ،‬وظهرت الدراما حـول أهـداف حـزب البعث يف املادة الثانيـة من برنـامج احلزب‪ ،‬مؤكـدة على التوحيـد‬
‫من خالل تشــكيل نظــام ملكي عــريب‪ ،‬حكومــة دميقراطيــة دســتورية تــدافع عن كيــان األمــة العراقيــة‪ ،‬وتنشــط الفكــرة‬
‫الوطنيــة لوحــدة اجلماعــات العرقيــة املختلفــة يف العــراق‪ ،‬وتــوفر للشــعب العــراقي ركــيزة االســتقالل الكامــل‪ ،‬وحتقــق‬
‫تطلعاتــه‪ .‬العراقيــون الــذين يــدخلون ضــمن حــدود العــراق الطبيعيــة‪ 1،‬واختاذ خطــوات لنشــر املعرفــة العراقيــة‪ ،‬وتوســيع‬
‫جتارته وزراعته‪ ،‬وتنمية ثروته وكل ما يناسبه اقتصـاديا ومعنويـا‪ ،‬وحتسـني العالقـات مـع الـدول واحلكومـات األجنبيـة‬
‫‪2‬‬
‫مبا يعود بالنفع على العراق‪( .‬األمة) والعراق مل يستفد منها‪ .‬تأثرت بشرف استقالهلا التام‪.‬‬
‫يف ‪ 22‬آب ‪ 1922‬قدم احلزب مع احلزب الوطين العراقي مذكرة احتجاجية للملك فيصل وشاركوا يف أنشطة‬
‫وحركــات وطنيــة مجاهرييــة ضــد املعاهــدة العراقيــة الربيطانيــة‪ ،‬ودعــوا احلزب إىل تشــكيل حــزب وطــين‪ .‬أحــدمها غــري‬
‫خاضع ألمر تعيني حكومة باوند‪ ،‬كان احلزب خاضًع ا لقرار اهتام من قبل املفوض الســامي الربيطـاين وقـراره بـإغالق‬
‫احلزب وطــرد زعيمــه‪ ،‬لكن احلزب اســتأنف عملــه السياســي بعــد ‪ 30‬نوفمــرب ‪ ،1922‬وبعــد ذلــك اســتأنف احلزب‬
‫عملــه السياســي‪ .‬وافقت وزارة الداخليــة‪ ،‬يف بعــد تشــكيل إدارة جديــدة هلا‪ ،‬مت طلب اإلذن بإعــادة تشــغيلها ومت فتح‬
‫ع ــدد من الف ــروع يف مجي ــع أحناء الع ــراق‪ .‬ش ــارك ح ــزب البعث يف انتخاب ــات ع ــام ‪ - 1924‬األوىل يف ظ ــل احلكم‬
‫امللكي العــراقي ‪ -‬لكن احلزب فشــل يف حتقيــق نتــائج مهمــة‪ .‬أدى ذلــك إىل مخوهلا وانســحاب بعض أعضــائها‪ .‬يعــزو‬
‫البعض تراجع احلزب يف املرحلة الثانيـة إىل كونـه أكـثر طائفيـة مما كـان عليـه يف بدايتـه‪ .‬جـرت حماوالت لـدمج حـزيب‬
‫الوطــين و العهــد‪ ،‬لكن هــذه احملاوالت بــاءت بالفشــل بســبب اســتمرار حــزب النهضــة‪ .‬ويقــع مقــر احلزب املوحــد يف‬
‫‪3‬‬
‫النجف االشرف مما ساهم يف فشل هذه اجلهود‪.‬‬
‫‪ .3‬احلزب احلر الع ــراقي‪ :‬ويعت ــرب احلزب احلزب احلاكم األول يف ت ــاريخ الع ــراق‪ .‬أب ــدى املف ــوض الس ــامي الربيط ــاين‬
‫اســتياءه من ســلوك الطــرفني بعــد احلادث امللكي وطلب من عبــد الــرمحن النقيب (رئيس الــوزراء آنــذاك) جنل حممــود‬
‫النقيب تشــكيل جلنــة سياســية لــدعم والــده‪ .‬يف الكتيبــة حلث زعمــاء العشــائر على االنضــمام إليــه‪ ،‬لــذلك متت املوافقــة‬

‫‪ .1‬جرجفجي وآخرون‪ ،‬حزب البعث العراقي‪ :‬ص‪301‬‬


‫‪ .2‬مجيل‪ ،‬االفكار السياسية لالحزاب العراقية يف عهد االنتداب‪ :‬ص‪24‬‬
‫‪ .3‬عليوي‪ ،‬االحزاب السياسية يف العراق ‪ -‬السرية و العلنية‪ :‬ص‪58‬‬
‫‪43‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫رمسًيا على حــزب حريــة العــراق يف ‪ 3‬ســبتمرب‪ 1.)1922( .‬بعــد تشــكيل الدولــة رمسًيا‪ ،‬أصــبحت بال حتد أو منافســة‬
‫وعنــدما اضــطرت حكومــة الكــابنت إىل االســتقالة وتســليم الســلطة إىل وزارة أخــرى‪ ،‬بعــد إبــرام املعاهــدة مــع بريطانيــا‬
‫العظمى يف عــام ‪ ،1922‬بــدأ احلزب يف التــدهور واختفى املســتفيدون منــه‪ .‬توقــف احلزب عن الوجــود يف أغســطس‬
‫‪ .) 1923‬ويتضمن الربنامج الداخلي للحزب ما يسعى احلزب إىل حتقيقه‪ ،‬حيث قال‪ :‬إن من أمسى تطلعات احلزب‬
‫وأهدافه النبيلة العمل اجلاد واحلساسية واالجتهاد لسن قـانون أساسـي مبـين على أسـاس اململكـة العراقيـة‪ .‬كيـف تنفـذ‬
‫احلكوم ــة الدميقراطي ــة الدس ــتورية الربملاني ــة وتض ــمن حري ــة اإلرادة الربملاني ــة اس ــتقالل الربملان الع ــراقي واملل ــك واحملاكم‬
‫‪2‬‬
‫وحرية املذاهب واألديان واحملافظة على استقالل العراق واالرتقاء به إىل املستوى الوطين‪.‬‬
‫‪ .4‬ح ـ ــزب االم ـ ــة‪ :‬يف مطل ـ ــع متوز‪/‬يولي ـ ــو ‪ ،1923‬تق ـ ــدمت جمموع ـ ــة من احملامني والسياس ـ ــيني إىل وزارة الداخلي ـ ــة‬
‫للحصــول على املوافقــة على تشــكيل حــزب سياســي يســمى حــزب األمــة‪ ،‬ولكن مت رفضــه من قبــل وزارة الداخليــة‬
‫وش ــكلت وزارت ــه يف ياس ــني اهلامشي‪ .‬ووافقت حكومت ــه على طلب احلزب يف ‪ 20‬آب‪/‬أغس ــطس ‪ 1924‬ووافقت‬
‫على تشكيل احلزب ووافقت على منهجه‪ ،‬وأطلق على حزب األمة اسم الشباب ألن معظم أعضـائه كـانوا كـذلك‪.‬‬
‫الشــباب‪ ،‬يقــول البعض أن ياســني اهلامشي يعتــرب نفســه الــرئيس الفخــري للحــزب وحياول أن جيعــل احلزب الكتلــة الــيت‬
‫ترتكـ ــز عليهـ ــا وزارتـ ــه (وقـ ــد أظهـ ــر يف برناجمه السياسـ ــي أن احلزب يبحث عنـ ــه)‪ .‬اسـ ــتقالل النظـ ــام امللكي وامللكيـ ــة‬
‫الدستورية‪ ،‬وحث احلكومة على اإلسراع بانعقاد جملس النواب‪ ،‬واحلفاظ على وحدة العراق ضـمن احلدود القائمـة‪،‬‬
‫وحتقيق االستعادة اخلارجية‪ .‬وقدم االقرتاح على منصة احلزب االقتصـادي ليأخـذ العـراق مكانـه على السـاحة الدوليـة‬
‫دون أي قي ــود‪ .‬تقلي ــل العبء املايل‪ ،‬وختفي ــف العبء على دافعي الضـ ــرائب‪ ،‬وإنشـ ــاء مشـ ــاريع للحفـ ــاظ على املي ــاه‬
‫وإصــالح األراضــي‪ 3‬و تعهــد األراضــي احلكوميــة للمــزارعني والســعي إلعــادة تــوطني القبائــل البدويــة‪ .‬ولعب احلزب‬
‫دوًر ا بارًز ا يف الدفاع عن قضية والية املوصل‪ ،‬وقدم تقريًر ا شامًال إىل جلنة احلدود الدولية بتكليف من عصبة األمم‪،‬‬
‫حدد حقوق العراق التارخيية يف والية املوصل‪ .‬خسرت االنتخابات النيابية عام ‪ ،1925‬مما تسبب يف اســتقالة عــدد‬
‫كبــري من أعضــائها واالنضــمام إىل أحــزاب أخــرى‪ .‬الشــعب‪ ،‬مما تســبب يف انقســام أعضــاء حــزب األمــة بني مؤيــدين‬

‫‪ .1‬تكــونت هيئتــه من‪ :‬حممــود النقيب رئيس احلزب و توفيــق اخلالــدي ســكرتري احلزب و عبــد اجمليــد الشــاوي و فخــري مجيــل و صــالح‬
‫باب ــان و حس ــن غصــيبة و يوس ــف رزق اهلل غليم ــة و مجي ــل ص ــدقي الزه ــاوي و ط ــه ياس ــني و ص ــدرالدين واب ــراهيم الش ــواف؛ علي ــوي‪،‬‬
‫االحزاب السياسية يف العراق ‪ -‬السرية و العلنية‪ :‬ص‪59‬‬
‫‪ .2‬مجيل‪ ،‬االفكار السياسية لالحزاب العراقية يف عهد االنتداب‪ :‬ص‪34‬‬
‫‪ .3‬عليوي‪ ،‬االحزاب السياسية يف العراق ‪ -‬السرية و العلنية‪ :‬ص‪60‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪44‬‬

‫ومعارض ــني لالنض ــمام إىل ح ــزب هباراتي ــا جانات ــا‪ ،‬وراغ ــبني يف االنض ــمام إىل احلزب التق ــدمي بزعام ــة عب ــد احملس ــن‬
‫‪1‬‬
‫السعدون‪ .‬وأدى اجلدل إىل النهاية السياسية للحزب بعد عامني من تأسيسه‪.‬‬
‫‪ .5‬حـزب االسـتقالل العـراقي‪ :‬ارتبـط تأسـيس حـزب االسـتقالل العـراقي بقضـية دولـة املوصـل‪ ،‬ففي ‪ 9‬كـانون الثـاين‬
‫(ينـ ــاير) ‪ 1924‬وافقت وزارة الداخليـ ــة العراقيـ ــة على جمموع ـ ــة من أبنـ ــاء املوصـ ــل لل ـ ــوزارة لتأسـ ــيس طلب حـ ــزب‬
‫االســتقالل‪ .‬املؤسس ــة السياســية‪ .‬ينتخب حــزب االســتقالل الع ــراقي الس ــلطة التنفيذيــة من خالل انتخابــات داخليــة‪.‬‬
‫أصـدر حـزب اسـتقالل العـراق جريـدة العهـد الناطقـة بلســاهنا‪ ،‬الـيت تأسســت يف ‪ 20‬كـانون الثـاين (ينـاير) ‪( 1925‬‬
‫‪ ،)9‬وبعد أن أوقفتها احلكومة نشر احلزب صحيفة بعنوان فىت العراق‪.‬‬
‫وحيدد احلزب أهدافــه يف برناجمه السياســي الــذي ينص على أن هــدف احلزب هــو االســتقالل التــام للعــراق ضــمن‬
‫حدوده الطبيعية‪ ،‬حبكومة دستورية ودميقراطية والتزام بدولة عربية موحدة‪ .‬وتعتـرب جهـود احلكومـة لتشـجيع احلزب‪،‬‬
‫مع تقدمي امللـك فيصـل املسـاعدة املاليـة ملواصـلة محلتـه لتعبئـة الـرأي العـام‪ ،‬الستضـافة اللجنـة الدوليـة‪ ،‬الـيت وصـلت إىل‬
‫املوص ــل يف ك ــانون الث ــاين (ين ــاير) ‪ ،1925‬يف ذروة انتفاض ــتهم‪ .‬تض ــمن النش ــاط السياس ــي للح ــزب‪ ،‬وك ــذلك ق ــرار‬
‫عصبة األمم بضم دولة املوصل إىل العراق بتفويض بريطاين‪ ،‬احلقوق العرقية لألكـراد واألقليـات األخـرى‪ .‬وشـكرت‬
‫عصــبة األمم واحلكومــة الربيطانيــة على موقفهمــا يف الــدفاع عن حمافظــة املوصــل‪ ،‬وأكــدت ارتباطهــا بالدولــة العراقيــة‬
‫‪2‬‬
‫احلديثة عام ‪ 1926‬م بعد انتهاء قضية حمافظة املوصل‪ ،‬وبناًء على طلب األتراك بدأ احلزب يف التفكك‪.‬‬

‫‪ .1-2-1-2-2‬القوى والشخصيات ذات الميول القومية‬


‫ك ـ ــان اجتاه الفك ـ ــر الوط ـ ــين الع ـ ــراقي‪ ،‬وخاص ـ ــة يف بدايت ـ ــه‪ ،‬حنو املس ـ ــاواة يف احلق ـ ــوق للقومي ـ ــة العربي ـ ــة يف إط ـ ــار‬
‫اإلمرباطوري ــة العثماني ــة‪ ،‬ح ــىت تط ــور ه ــذا االجتاه م ــع تط ــور احلي ــاة‪ ،‬مما أدى إىل حرك ــات سياس ــية حنو االس ــتقالل‪،‬‬
‫وظهرت بعض اجملتمعات العربيـة الســرية‪ ،‬مبا يف ذلـك مجعيـة الفتيـات‪ .‬مجعيتـا العربيـة والعهـد‪ .‬تشــمل هـذه اجلمعيـات‬
‫الش ــباب الع ــريب من ال ــدول العربيــة اخلاضــعة للس ــيطرة‪ .‬ك ــانت اإلمرباطوريــة العثمانيــة تس ــعى إىل إنش ــاء دول ــة عربيــة‬

‫‪ .1‬كـانت واليـة املوصـل موضـع نـزاع بني العـراق وتركيـا‪ ،‬فـاالتراك اعتـربوا واليـة املوصـل جـزءا ال يتجـزأ من الـوطن الـرتكي‪ ،‬و واليـة‬
‫املوص ــل هلا موق ــع جغ ــرايف واقتص ــادي وجتاري ونفطي مهم‪ ،‬وادخلت والي ــة املوص ــل اىل تركي ــا مبوجب املادة ‪ 27‬من معاه ــدة س ــيفر‬
‫‪ ،1920‬ولكن هــذه املعاهــدة مل تطبــق‪ ،‬بعــد ذلــك ادخلت مشــكلة املوصــل ضــمن الفقــرة الثانيــة من املادة الثالثــة من معاهــدة لــوزان‪،‬‬
‫‪ 1923‬و حــددت ســنة واحــدة حلل مشــكلة واليــة املوصــل أو اســنادها اىل عصــبة األمم‪ ،‬وشــكلت عصــبة األمم جلنــة دوليــة لتحضــري‬
‫تقرير لـذلك الغـرض‪ ،‬وقـررت عصـبة األمم يف ‪ 16‬كـانون األول ‪ 1925‬باعتمـاد خـط بروكسـل اخلط احلدودي بني الـدولتني) وهـذا‬
‫ما جعل والية املوصل تابعا للعراق؛ عزيز‪ ،‬النظام السياسي يف العراق‪ :‬صص‪86-84‬‬
‫‪ .2‬العالف ومحيدي‪ ،‬تاريخ العراق املعاصر‪ :‬ص‪24‬‬
‫‪45‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫موحــدة تض ــم ال ــدول العربيــة اآلس ــيوية‪ .‬ولعب الض ــباط العس ــكريون العراقيــون دوًر ا بــارًز ا يف أنش ــطة مجعيــة العهــد‪،‬‬
‫وظهرت خنبة مؤثرة يف العملية السياسية العراقية خالل العهد امللكي‪ .‬تركوا بصماهتم على العمليـة السياسـية‪ ،‬وكـان‬
‫القضــاة الســابقون ضــباًطا يف اجليش العثمــاين‪ ،‬وكــان لــديهم حــوايل ‪ 300‬ضــابط‪ ،‬معظمهم من الســنة من بغــداد أو‬
‫النصــف الشــمايل من البالد‪ ،‬وكــانوا كــذلك‪ .‬أولئــك الــذين انضــموا إىل حكومــة فيصــل يف ســوريا بعــد انتهــاء احلرب‬
‫مع األتراك أواخر عام ‪ ، 1918‬وأول من تطوع لالنضمام إىل الثورة اليت أطلقها والد فيصل‪ ،‬الشريف حســني‪ ،‬من‬
‫مكـ ــة عـ ــام ‪ 1916‬م‪ .‬وبطبيعـ ــة احلال‪ ،‬اعتمـ ــد فيصـ ــل بشـ ــكل كبـ ــري على ضـ ــباط عسـ ــكريني بـ ــارزين مثـ ــل جعفـ ــر‬
‫العسـ ــكري‪ ،‬ونـ ــوري السـ ــعيد‪ ،‬ومجيـ ــل املدفعي‪ ،‬وعلي جـ ــودت األيـ ــويب‪ ،‬وياسـ ــني اهلامشي‪ ،‬وطـ ــه اهلامشي‪ ،‬ومجيعهم‬
‫أصبحوا رؤساء وزراء‪.‬‬
‫على الــرغم من أن العديــد منهم شــغلوا مناصــب مهمــة بعــد تأســيس العــراق‪ ،‬مــع بعض االســتثناءات‪ ،‬مل يكن أي‬
‫منهم من عائالت ثرية أو مناصب اجتماعية بـارزة‪ .‬النســاء مثـل أمني العمــري وحممــد الســنة ومجال بابـان والشــريفني‬
‫الس ــابقني لــديهن ميــول قوميــة ويتــأثرن‪ ،‬حــىت لــو مل يعــرفن ذلــك‪ ،‬بتيــارات فكريــة جديــدة من أوروبــا‪ .‬ومــع ذلــك‪،‬‬
‫وبصرف النظر عن ارتباطهم بأفكار االستقالل الوطين والوحدة الوطنيـة‪ ،‬فقــد شـعروا أن الثقافــة اجلديـدة هي أسـاس‬
‫‪1‬‬
‫التنمية‪.‬‬
‫يبدو أن اجلمعيات واألندية الثقافية قد سامهت يف تنمية الوعي الوطين العراقي‪ ،‬منذ أن تأسست (الرابطــة العربيــة‬
‫للهــاتف احملمــول) عــام ‪ 1929‬من قبــل جمموعــة من املثقفني الوطنــيني هبدف نشــر الــوعي الوطــين يف العــراق وإحيــاء‬
‫التقاليــد العربيــة األصــيلة‪ ،‬و دعــا إىل توحيــد اللغــة العربيــة؛ تعــاونت مــع املنظمــات القوميــة يف الــدول العربيــة األخــرى‬
‫واجلمعيــة‪ ،‬وخالل أحــداث ثــورة فلســطني الكــربى يف ذلــك العــام (‪ - )1939-1936‬تأسســت مجعيــة الــدفاع عن‬
‫فلس ــطني من قب ــل العراقي ــة‪ .‬القومي ــون واألهم من ذل ــك ك ــان اهلدف الوط ــنيون العراقي ــون ال ــذين س ــاعدوا وس ــالحوا‬
‫الثورة الفلسطينية‪ .‬كما شكل القوميون ناديا (املثىن بن حارثة الشيباين) ساهم يف نشر األفكـار القوميـة والـدفاع عن‬
‫‪2‬‬
‫قضية األمة العربية‪.‬‬
‫أما بالنسبة لالجتاه العرقي الكردي‪ ،‬فقد تأثر األكراد‪ ،‬مثل اجملموعات العرقية األخرى يف اإلمرباطورية العثمانية‪،‬‬
‫بالتوجه القومي الذي ساد خالل احلرب العاملية األوىل‪ .‬خالل احلرب العامليـة األوىل‪ ،‬عقــد جملس عصــبة األمم مــؤمتر‬
‫ســالم ملناقشــة تــداعيات ومشــاكل نتــائج احلرب‪ .‬خاضــعة لســيطرة القــوة املنتصــرة‪ ،‬متاشــيًا مــع مبــدأ حــق تقريــر املصــري‬

‫‪ .1‬بطاطو‪ ،‬العراق‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪355‬‬


‫‪ .2‬التكرييت‪ ،‬املنتظم يف تأريخ العراق املعاصر ( ‪ )1968 -1914‬دراسة تأرخيية‪ :‬صص‪89-82‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪46‬‬

‫الــوارد يف إعالن الــرئيس األمــريكي ويلســون‪ ،‬اســتغل القــادة األكــراد االجتمــاع لتشــكيل وفــد برئاســة اللــواء شــريف‬
‫باشا‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫كــان كنــدان وشــريف باشــا اللــواء شــاه كنــدان من الشخصــيات الكردســتانية الرئيســية وقــد قــدم الوفــد املذكور‬
‫م ــذكرة إىل اجمللس األعلى للحلف ــاء يف ‪ 22‬م ــارس ‪ ،1919‬تط ــالب باس ــتقالل وتوحي ــد كردس ــتان كدول ــة واح ــدة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن معاهـدة سـيفر الـيت عقـدت يف ‪ 10‬آب (أغســطس) ‪ ،1920‬أقـرت يف فقراهتا (املواد ‪ 62‬و ‪ 63‬و ‪64‬‬
‫حبق األكـراد يف إقامـة دولتهم يف املنطقـة الكرديـة‪ .‬ودخلت حـيز التنفيـذ ودخلت حـيز التنفيـذ مـع االسـتقالل الـرتكي‬
‫خالل عــام واحــد من تــاريخ تنفيــذ معاهــدة الســالم األمريكيــة‪ ،‬ومل يبــد احللفــاء أي اعــرتاض على انضــمام كردســتان‬
‫الع ــراق إىل دول ــة كردي ــة مس ــتقلة مبوجب املعاه ــدة‪ ،‬وإذا ك ــان س ــكاهنا حريص ــني للغاي ــة‪ ،‬ويف املقاب ــل تركي ــا ت ــرفض‬
‫املعاهــدة‪ ،‬مث ُتغلــق األمــور‪ ،‬مت طرحهــا‪ ،‬والحًق ا كــان هنــاك اتفــاق جديــد‪ ،‬لعبت فيــه الــدول الكــربى دوًر ا كب ـًريا‪ ،‬مما‬
‫أدى إىل تبديد التطلعات القومية بعد األكراد‪ ،‬وانتهكت بريطانيـا بنودهـا‪ .‬اتفاقيـة سـيفر اخلاصـة بإقامـة دولـة كرديـة‪،‬‬
‫تـ ــراجعت عن الوعـ ــود الـ ــيت قطعت للشـ ــيخ حممـ ــود بـ ــرزجني امللقب بـ احلفيـ ــد‪ ،‬بتشـ ــكيل دولـ ــة كرديـ ــة تشـ ــمل مجيـ ــع‬
‫‪1‬‬
‫مناطقها‪.‬‬
‫مييل األكراد يف والية املوصل إىل اقتطاع مناطق كردية هلم وحللفائهم‪ ،‬إيذانا ببــدء مترد كــردي لتحقيــق أهــدافهم‬
‫الوطنية‪ ،‬مما دفع األكـراد إىل منـع انـدماجهم يف دولـة العـراق الوليـدة‪ ،‬مـع انـدالع التمـرد‪ .‬أعلن الشـيخ حممـود حافـظ‬
‫اس ــتقالل منطق ــة الس ــليمانية ض ــمن حكومت ــه املس ــتقلة‪ ،‬ح ــىت ان ــدلعت مواجه ــة عس ــكرية بين ــه وبني ق ــوات االحتالل‬
‫الربيط ـ ــاين‪ ،‬ويف م ـ ــايو ‪ 1919‬وقعت املعرك ـ ــة احلامسة يف ‪ 29‬يوني ـ ــو ‪ 1919‬يف موق ـ ــع دربن ـ ــدي بازي ـ ــان الق ـ ــريب‬
‫الســليمانية‪ .‬ونتيجــة لــذلك‪ ،‬مت ســجن الشــيخ حممــود مث نفيــه إىل اهلنــد‪ ،‬وبعــد هــذه األحــداث بــدأت آمــال األكــراد يف‬
‫االستقالل تتداعى‪ ،‬خاصة بعد رفض تركيا التفاقيـة سـاويرس املشــار إليهـا ‪ -‬خاصـة االعــرتاف بإقامـة دولـة كـردي‪.‬‬
‫دولة واستبدلت يف يوليو ‪ 1923‬مبعاهدة لوزان‪ ،‬واليت مبوجبها احتفظت تركيا جبميع أراضيها احلالية دون ذكرها‪.‬‬
‫املوضــوع الكــردي يف املعاهــدة‪ .‬مل تتوقــف األمــور عنــد هــذا احلد‪ ،‬حيث انــدلعت االنتفاضــات يف مــدينيت الســليمانية‬
‫وأربيــل اخلاضــعني للحكم الربيطــاين يف ســبتمرب ‪ ،1922‬مما أجــرب القــوات الربيطانيــة على االنســحاب من الســليمانية‬
‫واس ــتدعاء حفي ــده الش ــيخ مه ــاتري محود‪ .‬وبع ــد اإلف ــراج عن ــه يف تش ــرين الث ــاين (نوفم ــرب) ‪ُ ،1922‬نفي وأعي ــد تعيين ــه‬
‫حاكمًا على السـليمانية‪ ،‬حيث أخـذ لقب ملـك كردسـتان وقـاد العشـرية الكرديـة اسـتعدادًا للهجـوم الوشـيك‪ .‬هكـذا‬
‫هامجت القوات العراقية والربيطانية مدينة السليمانية وسيطرت عليها يف ‪ 18‬يوليو ‪ ،1924‬وانسحب صن تـزو إىل‬
‫اجلبال‪ ،‬مث بدأت‪ .‬وبلغت مفاوضاته مع الوفد الربيطاين ذروهتا باتفاق مبدئي اتفق فيه الطرفان على عــودة كردســتان‬
‫إىل طبيعته ــا‪ ،‬وط ــالب األك ــراد الربيط ــانيني بالوف ــاء ب ــالتزامهم باملط ــالب السياس ــية الكردي ــة‪ ،‬لكن املن ــدوب الس ــامي‬
‫الربيط ــاين رفض؛ األم ــر ال ــذي أدى إىل الوض ــع‪ .‬يف ‪ 6‬س ــبتمرب ‪ 1930‬اس ــتؤنفت الت ــوترات بع ــد حادث ــة الس ــليمانية‬

‫‪ .1‬البدراين‪ ،‬الفكر القومي لدى االحزاب و احلركات السياسية يف العراق ‪ :1958 -1945‬صص‪30-22‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪48‬‬

‫الدموي ــة‪ ،‬ال ــيت أش ــعلتها االحتجاج ــات الكردي ــة على غياهبا عن املعاه ــدة العراقي ــة الربيطاني ــة يف ‪ 30‬يوني ــو ‪.1930‬‬
‫وانتهت هذه التـوترات باستسـالم الشـيخ حممـود‪ .‬حفيـد قيـد اإلقامـة اجلربيـة يف السـماوة والناصـرية وبغـداد مل تتوقـف‬
‫‪1‬‬
‫الثورة والعنف يف كردستان عند هذا احلد‪ ،‬والكفاح املسلح من أجل احلقوق الوطنية ألكراد العراق مستمر‪.‬‬

‫‪ .1-2-2‬اثر االتجاهات الفكرية في صياغة القانون االساسي لعام ‪1925‬‬


‫متت صياغة القانون األساسي للعراق يف عـام ‪ 1925‬بعـد شـد احلبـل بني التيـارات الفكريـة والقـوى السياسـية يف‬
‫املش ــهد السياس ــي الع ــراقي ح ــول كيفي ــة وض ــع الق ــانون وكيفي ــة ت ــأثري ه ــذه االجتاه ــات على حمت ــواه‪ .‬يف س ــن الق ــانون‬
‫األساســي لعــام ‪ ،1925‬يهــدف املطلب الثــاين حتدي ـًد ا إىل تــأثري االجتاهــات األيديولوجيــة يف القــانون األساســي لعــام‬
‫‪ ،1925‬على النحو التايل‪:‬‬

‫‪ .2-2-1-1‬اثر االتجاهات الفكرية على الصياغة‬


‫على ضوء ما جاء يف خطاب امللك فيصل الــذي القــاه يـوم تتوجيه يف ‪ 23‬آب ‪ 2،1921‬تقــول‪ ... ،‬كــانت أول‬
‫وظيفة قمت هبا هي إجراء االنتخابات‪ ،‬وأعـد املؤمتر الدسـتوري املعاهـدات الـيت سـأودعها يف االتفاقيـة‪ ،‬خاصـة تلــك‬
‫املتعلقة بالعالقة بني حكومتنـا وحكومـة الواليـات املتحـدة‪ .‬عظيم‪ .‬احلكومـة الربيطانيـة يف اململكـة املتحـدة ‪ ...‬ووفًق ا‬
‫لبنود املعاهدة األجنلــو‪-‬عراقيـة املوقعـة يف بغـداد يف ‪ 10‬أكتـوبر ‪ ،1922‬تنص املادة الثالثـة من املعاهـدة على مـا يلي‪:‬‬
‫وافق جاللة ملك العراق على صياغة قانون أساسي يعرض على اجمللس التأسيسي للعراق‪ ،‬يكفل تنفيذ هذا القانون‪،‬‬
‫وال ــذي اليتض ــمن م ــا خيالف أحك ــام املعاه ــدة املذكورة أعاله‪ ،‬م ــع مراع ــاة تطلع ــات ومص ــاحل مجي ــع س ــكان الع ــراق‪،‬‬
‫وســيكفل القــانون األساســي كــل حريــة التعبــري وحريــة ممارســة الشــعائر الدينيــة على اختالف أنواعهــا بشــرط أال خيل‬
‫هذا بالنظـام العـام واليتعـارض مـع اآلداب العامـة والينص على أي متيـيز بني املقيمني يف العـراق على أسـاس اجلنســية‪،‬‬
‫الــدين أو اللغــة‪ ،‬ويضــمن أن حتافــظ مجيـع الطوائـف على املدارس وتعلم أعضــائها بلغــاهتم اخلاصـة‪ ،‬وفًق ا لالحتياجـات‬
‫التعليمية العامة للحكومة العراقية حسب االقتضاء‪.‬‬

‫‪ .1‬الـراوي‪« ،‬مفهـوم الســلطة يف فكــر األحـزاب السياســية الكورديــة العراقيــة املعاصــرة»‪ :‬صــص‪76-52‬؛ أمحد‪ ،‬كردســتان يف ســنوات‬
‫احلرب العاملية األوىل‪ :‬ص‪25‬؛ حممد‪ ،‬حقوق الشعب الكوردي يف ظل الدساتري و القوانني العراقية‪ :‬ص‪24‬‬
‫‪ .2‬احلمداين‪ ،‬صفحات من تاريخ العراق احلديث‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪31‬‬
‫‪49‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫وينص هذا القانون على املبادئ الدستورية التشريعية والتنفيذية اليت مبوجبها مجيع األمور اهلامة‪ ،‬مبا يف ذلك فيمـا‬
‫يتعلــق بالتمويــل واالقتصــاد واجليش‪ ،‬تقررهــا الدولــة املعينــة مبا ال يتجــاوز ثالث ســنوات من تــاريخ تنفيــذ التفــويض‪،‬‬
‫لوض ــع مش ــروع الق ــانون األساس ــي الع ــراقي يف أق ــرب وقت ممكن‪ ،‬وتقدميه إىل جملس عص ــبة األمم للموافق ــة عليه ــا‪،‬‬
‫وتعلن العص ــبة بأس ــرع م ــا ميكن عن حق ــوق ومص ــاحل وتطلع ــات مجي ــع املقيمني العراق ــيني املش ــمولني باالنت ــداب‪ ،‬م ــع‬
‫املراعـاة الواجبـة‪ ،‬وتشــمل شـروط التقـدم‪ ،‬حـىت بعـد إقـرار القـانون املشـار إليـه حيكم البلــد بـروح التمكني‪ ،‬لـذلك بـدأ‬
‫إعداد مشروع القانون األساسي لعرضه على اجمللس التأسيسي إلصداره‪ 1،‬لتوضـيح كيفيـة صـياغة مسـودات القـانون‬
‫األساس ــي من قب ــل اللج ــان املش ــكلة‪ ،‬وكيفي ــة تص ــديق املؤمتر الدس ــتوري عليه ــا‪ ،‬نن ــاقش أوًال جلن ــة ص ــياغة الق ــانون‬
‫األساسي ومراحل إقراره‪ ،‬مث نراجع الدستور البنود هم كاآليت‪:‬‬

‫‪ .2-2-1-1-1‬اللجان الخاصة بأعداد القانون االساسي ومراحل صياغته‬


‫مر اعداد مسودة القانون االساسي قبل تقدميه اىل اجلمعية التأسيسية بستة مراحل‪-:‬‬
‫املرحلــة االوىل‪ :‬مشــروع دســتور ‪ / 1921‬كلفت احلكومــة الربيطانيــة جملس نواهبا يف العــراق بالبــدء يف صــياغة‬
‫اللــوائح اخلاصــة بالقــانون األساســي للعــراق‪ ،‬مــع مراعــاة األســس الــواردة يف الوثيقــة التمكينيــة‪ ،‬وصــيغة الــوالء للملــك‬
‫فيصــل‪ ،‬واملادة الثالثــة من الدســتور العــراقي ينهي عالقــات احلكومــة العراقيــة مــع الربيطــانيني مت التفــاوض على مســودة‬
‫معاهــدة‪ ،‬وتشــكلت اللجنــة األوىل‪ ،‬مــع مستشــار الشــرق األوســط الرائــد يــانغ لصــياغة مســودة الدســتور العــراقي يف‬
‫أواخــر عشــرينيات القــرن املاضــي‪ .‬يف دائــرة االســتعمار الربيطــاين‪ ،‬الســيد دراور‪ ،‬مستشــار وزارة العــدل يف حكومــة‬
‫العراق‪ ،‬ممثًال السكرتري القانوين ناجيل ديفيدسون‪ .‬السري بريسـي كـوكس برئاسـة املفوضـية العليـا‪ ،‬لديـه حـق الوصـول‬
‫إىل دســتور نيوزيلنــدا‪ ،‬الدســتور االســرتايل والدســتور الــرتكي‪ ،‬هبدف االســتفادة منــه‪ ،‬تعمــل اللجنــة على تعزيــز مكانــة‬
‫بريطانيــا ونفوذهــا يف العــراق من خالل تفــويض أكــرب عــدد ممكن من الســلطات ‪ -‬بعضــها تشــريعي‪ .‬امللــك واملفــوض‬
‫السامي بشكل غري مباشر بصفتهما االستشارية‪ ،‬وتقليص دور اجملالس املنتخبة من قبـل الشــعب)‪ .‬بعــد انتهـاء اللجنـة‬
‫من مسودة املشروع‪ ،‬مت إرسال القائمة مع الرائـد يونـغ إىل دائـرة املسـتعمرات مطلـع عـام ‪ ،1922‬حيث مت فحصـها‬
‫‪2‬‬
‫من قبل موظفني حمرتفني‪ ،‬ومت مراجعتها‪ ،‬وإعادهتا إىل ممثلها يف العراق لتقدميها إىل احلكومة العراقية‪.‬‬

‫‪ .1‬اجلبوري‪ ،‬كيف وضع أول دستور عراقي‪ :‬ص‪20‬‬


‫‪ .2‬املرجي‪ ،‬القانون االساسي‪ :‬ص‪30‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪50‬‬

‫املرحل ــة الثاني ــة‪ :‬مش ــروع بغ ــداد األول‪ :‬يف آذار ‪ 1922‬ع ــرض مش ــروع الق ــانون األساس ــي ‪ -‬الدس ــتور ‪ -‬على‬
‫احلكومة العراقية وعرض على امللك فيصـل الـذي شـكل جلنـة ملراجعتـه برئاسـة وزيـر العـدل نـاجي الســويدي ساسـون‬
‫حسكيل‪ .‬وزير املاليـة رسـتم حيـدر‪ ،‬الســكرتري اخلاص للملــك فيصـل‪ ،‬الســيد دراور‪ ،‬مستشــار وزارة العـدل‪ ،‬وديفيـد‬
‫ابن مستشـار حقـوق اإلنسـان مبجلس املفـوض السـامي (‪ .)4‬الشـروط العامـة‪ ،‬ال الظـروف العامـة يف العـراق‪ .‬واحتج‬
‫وزيران عراقيان على املرسوم الذي حيدد صالحية املصــادقة على كـل قـانون‪ .‬أسســه جملس األمـة‪ ،‬وهـو برملان حصـل‬
‫على موافقــة امللــك وحظــر على اجلمعيــة الوطنيــة ســن أي تشــريع يتعــارض مــع "املعاهــدة" ‪ -‬الــيت مل توقعهــا احلكومــة‬
‫العراقية بعد‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬قامت اهليئة بإلغاء اهليئة امللكية واستبداهلا مبجلس الشيوخ ونّص ت على ضــرورة أن‬
‫تكـون التشــريعات مصـحوبة مبوافقـة اجمللســني‪ .‬شـرعية قـرارات وأعمـال امللـك واحلكومـة‪.‬بنـود‪ ،‬وعلى هـذا النحـو‪ ،‬مت‬
‫استبداهلا بقانون جديد استمدت مفاهيمه من الدستور العثماين وعدد من الدساتري األخرى‪ ،‬مبا يف ذلك اليابان‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬التعديالت األوىل ملكتب املستعمرات‪ُ :‬أرسل القانون األساسي للدستور إىل مكتب املســتعمرات‬
‫يف لن ــدن يف ‪ 16‬أبري ــل ‪ ،1922‬م ــع بعض التع ــديالت على النص غ ــري ا رض ــي‪ ،‬ال س ــيما فيم ــا يتعل ــق بالس ــلطات‬
‫ُمل‬
‫‪1‬‬
‫التشريعية للملك‪.‬‬
‫املرحلة الرابعة‪ :‬مشــروع بغـداد الثـاين‪ :‬بعـد إعـادة مشــروع دسـتور القـانون األساسـي ‪ -‬من وزارة االسـتعمار إىل‬
‫بغــداد‪ ،‬قــرر جملس الــوزراء يف ‪ 15‬شــباط ‪ 1923‬رفــع املشــروع إىل مشــروع آخــر برئاســة وزيــر العــدل عبــد احملســن‬
‫الســعدون‪ .‬مستشــارو وزارة العــدل مشــاركة الســري نــاجي الســويدي املســتقيل من وزارة العــدل بســبب خالفــات يف‬
‫جملس ال ــوزراء‪ ،‬ومش ــاركته يف اهليئ ــة كمستش ــار حلق ــوق اإلنس ــان رؤوف اجلادرجي‪ ،‬بع ــد قائم ــة طويل ــة جدي ــدة‪ .‬مت‬
‫‪2‬‬
‫إعداده بعد هذا التعديل هبدف توسيع الصالحيات املخولة جمللس النواب وتقليص صالحيات ومسؤوليات امللك‪.‬‬
‫املرحلـ ــة اخلامسـ ــة‪ :‬املراجعـ ــة األخـ ــرية من قبـ ــل مكتب املسـ ــتعمرات‪ :‬إرسـ ــال مشـ ــروع بغـ ــداد الثـ ــاين إىل مكتب‬
‫املســتعمرة يبحث يف صــياغة القــانون األساســي والدســتور ‪ -‬كوســيلة للشــاه للســيطرة على اجلمعيــة الوطنيــة العراقيــة‬
‫لضــمان حتقيــق العالقــة الــيت حــددهتا احلكومــة العراقيــة‪ .‬مت التوقيــع على املعاهــدة األجنلــو‪-‬إيرانيــة يف ‪ 22‬أكتــوبر‪ .‬كــان‬
‫األول عـام ‪ ،1922‬وقـد حتقـق ذلـك بالفعـل يف الفقـرة الثالثـة من املادة (‪ )26‬من مشـروع القـانون األساسـي‪ ،‬والـيت‬
‫تنص على أن ــه "إذا ل ــزم خالل عطل ــة اجمللس اختاذ إج ــراءات عاجل ــة للحف ــاظ على النظ ــام والس ــالمة العام ــة أو لتاليف‬
‫اخلطر العام‪ ،‬امللك املفوض بإصـدار مراسـيم ختضـع ملوافقـة اهليئـة "‪ .‬سـيكون للــوزارة قـوة القـانون ومت تســليم املســودة‬
‫النهائية للقانون األساسي (‪ )2‬إىل احلكومة العراقية يف ‪ 16‬أبريل ‪.1923‬‬

‫‪ .1‬عزيز‪ ،‬النظام السياسي يف العراق‪ :‬ص‪151‬‬


‫‪ .2‬عزيز‪ ،‬النظام السياسي يف العراق‪ :‬ص‪151‬‬
‫‪51‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫املرحلــة السادســة‪ :‬املســودة النهائيــة للقــانون األساســي‪ :‬جملس الــوزراء ينــاقش املســودة النهائيــة للقــانون األساســي‬
‫والدســتور ‪ -‬ويأخــذ يف االعتبــار إىل حــد كبــري مالحظــات امللــك‪ ،‬خاصــة فيمــا يتعلــق بــإعالن احلرب وجملس الــوزراء‬
‫وليس جملس الن ــواب‪ .‬املص ــادقة‪ ،‬باإلضــافة إىل بعض التعليق ــات األخ ــرى‪ ،‬على مش ــروع الق ــانون األساس ــي‪.‬مت تق ــدمي‬
‫‪1‬‬
‫املسودة النهائية إىل اجمللس التأسيسي من قبل رئيس الوزراء جعفر األصغري يف ‪ 3‬أبريل ‪.1924‬‬

‫‪ .2-2-1-1-2‬المجلس التأسيسي واقرار القانون االساسي‬


‫تــزامنت فكــرة اجمللس التأسيســي مــع فكــرة قيــام بريطانيــا بتأســيس احلكومــة الوطنيــة يف العــراق خاصــة بعــد تتــويج‬
‫امللك فيصل‪ ،‬وانتخابه وقبـل ذلـك مهـدت السـلطات الربيطانيـة يف العـراق الطريـق لتعـديالت على قـانون االنتخابـات‬
‫ال ــرتكي‪ .‬مت اقرتاحــه من خالل تش ــكيل املفوضــية‪ ،‬عنــدما أنش ــأ املف ــوض الس ــامي جلنــة مكونــة من ممثلني ســابقني عن‬
‫املفوضـ ــية الرتكيـ ــة السـ ــابقة وآخـ ــرين برئاسـ ــة طـ ــالب النقيب لتعـ ــديل وتعـ ــديل القـ ــانون املذكور وبعـ ــد إجـ ــراء بعض‬
‫التعديالت الالزمة‪ ،‬قدمت اللجنة مقرتح قـانون إىل جملس الـوزراء يف ديســمرب ‪ 1921‬وضـمن متثيًال خاصـًا للعشــائر‬
‫واليه ــود واملس ــيحيني‪ ،‬م ــع ع ــدم االع ــرتاف ب ــاألكراد ال ــذين مت منحهم مبوجب معاه ــدة ض ــمان س ــيفر"‪ ،‬وأعلن ه ــذا‬
‫القانون‪ 2‬بعد موافقـة جملس الـوزراء يف ‪ 4‬مـارس ‪ ،1922‬مت انتقـاد القـانون‪ ،‬لكن امللــك أمـر بـأن يكـون ‪ 24‬نوفمـرب‬
‫‪ 1922‬موعد بدء االنتخابات وفًق ا للقانون املذكور‪ ،‬وبدأت املرحلة االنتخابيـة األوىل‪ ،‬ولكن مـع تصـعيد املعارضـة‬
‫ومرجعيــة النجــف وكــربالء يقــاطعون فتــوى االنتخابــات‪ 3.‬قضــية االنتــداب يف املوصــل‪ ،‬تــوقفت االنتخابــات يف ‪15‬‬
‫كانون الثاين (يناير) ‪ ،1923‬أجـرب النقيب على االســتقالة‪ ،‬وعني عبـد احملســن سـاتورن لتشــكيل احلكومــة‪ ،‬وظهـرت‬
‫املرحلــة الثانيــة‪ ،‬وأكملت انتخابــات ‪ 12‬متوز (يوليــو) ‪ ،1923‬ويف ‪ 15‬تشــرين الثــاين (نوفمــرب) ‪ ،1923‬اضــطرت‬
‫حكومــة الســعدوين إىل االســتقالة وعني رجــل لتشــكيل احلكومــة اقــرب من امللــك جعفــر العســكري‪ .‬مت االنتهــاء من‬
‫االنتخابــات يف ‪ 15‬فــرباير ‪ ،1924‬وتــألف املؤمتر الدســتوري من ‪ 100‬عضــو‪ .‬جــرت االنتخابــات بنــاء على رغبــة‬
‫الربيطانيني الذين جنحـوا (بانتخـاب جلنـة) يف احلصـول على أغلبيـة يف احلكومـة‪ .‬جـرت االنتخابـات يف جـو من احلريـة‬

‫‪ .1‬املرجي‪ ،‬القانون االساسي‪ :‬ص‪310‬‬


‫‪ .2‬نص القانون االنتخايب على ان االنتخابات ستكون على مرحلـتني‪ ،‬وان البالد تقسـم على ثالث منـاطق انتخابيـة كبـرية‪ ،‬فالنـاخبون‬
‫االساســيون الــذكور من دافعي الضــرائب الــذين وصــلت اعمــارهم (‪ 21‬عــام ينتخبــون نــاخبني ثــانويني بنســبة واحــد لكــل ‪ 550‬ناخبــا‬
‫اساس ــيا‪ ،‬وبع ــد ذل ــك ينتخب الن ــاخبون الث ــانويون الن ــواب ‪ )...‬في ــيب‪ ،‬ت ــأريخ الع ــراق املعاص ــر ‪ -‬العه ــد العثم ــاين‪ :‬ص‪27‬؛ الب ــديري‪،‬‬
‫«انتخابات اجلمعية التاسيسية يف العراق ‪ :»1924 1922‬صص‪136-135‬‬
‫‪ .3‬اخلطاب‪ ،‬العراق بني ‪ :1927 -1921‬صص‪95-94‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪52‬‬

‫الكاملة‪ ،‬ولكن احلقيقة هي أن أمساء النواب الفائزين أعطيت للمرشح الثانوي املنتخب قبل االنتخابات‪ ،‬لذلك جــاء‬
‫اجمللس بالشكل الذي أرادته احلكومة واملفوض السامي الربيطاين بالرتتيب‪.‬‬
‫إلضــفاء الشــرعية على اجمللس أمــام الشــعب‪ ،‬وقبــل عصــبة األمم‪ ،‬وحصــة احلكومــة يف هــذه االنتخابــات ‪ 70‬نائبــا‬
‫من إمجايل ‪ 100‬عض ــو‪ ،‬ويتك ــون اجمللس الدس ــتوري من‪ 70 :‬عض ــوا من املدين ــة‪ ،‬و ‪ 20‬من أعض ــاء العشـ ــرية‪5 ،‬‬
‫أعضــاء مســيحيني و ‪ 5‬أعضــاء من أصــل يهــودي‪ ،‬واللجنــة الدســتورية املكونــة من ‪ 18‬كردًي ا‪ ،‬عقــد امللــك اجللســة‬
‫األوىل للجنة يف ‪ 27‬مارس ‪ ،1924‬وألقى قبلها خطاب سياسته‪ ،‬والذي فيه مهمة اللجنــة واســتنتاجاهتا مت ذكرهــا‪:‬‬
‫أوًال‪ ،‬اختاذ القرار والتصديق على املعاهدة األجنلو‪-‬عراقية‪ ،‬وثانيًا‪ ،‬إصدار القانون األساسي والدسـتور‪ ،‬وثالثـًا إصـدار‬
‫قانون انتخاب جملس النواب‪.‬‬
‫من تكوين اجلمعيـة التأسيسـية‪ ،‬ميكن االسـتنتاج أن الصـراع احلقيقي بني الفصـائل ليس صـراًعا دينًي ا أو طائفًي ا أو‬
‫عرقًي ا‪ ،‬فكــل مكــون ديـين أو طـائفي أو قــومي ممثـل يف اجمللس‪ ،‬لكن متثيلــه يعتمــد على املدينـة و الريفيـة) أو (احلضــرية‬
‫والعشائرية)‪ ،‬مما خلق صراًع ا بني امليول احلديثة وقيمها الفكرية واحلضارية احلديثــة‪ ،‬على عكس االجتاهــات التقليديــة‬
‫والقيم القبلية احملافظة املصاحبة هلا‪ .‬ورًد ا على ذلك‪ ،‬قـال الـدكتور حممـد مظفـر األدمهي عن موقـف ممثلي العشـائر يف‬
‫اللجنــة بشــأن بعض أحكــام الدســتور‪ :‬أثنــاء املناقشــات يف اللجنــة الدســتورية‪ ،‬اختلــف زعمــاء العشــائر عموًم ا‪ ،‬ألهنم‬
‫اتفقوا عند مناقشة مواد تتعلق بالدستور‪ .‬ومصاحلهم يف القانون األساسي للعراق‪ ،‬متناسني خالفـاهتم السياسـية‪ ،‬الـيت‬
‫حتولت يف بعض األحيـ ــان إىل خالفـ ــات‪ .‬وميثـ ــل الفجـ ــوة بينهم وبني املدينـ ــة‪ ،‬والقبيلـ ــة كـ ــان للكتلـ ــة تـ ــأثري مهم على‬
‫مناقشات وقرارات االتفاقيات الدستورية‪ .‬يف بعض البلدان‪ .‬شروط مرسوم القانون األساسي‪.‬‬
‫يف بداية اجللســة‪ ،‬انتخب اجمللس عبـد احملسـن سـاتورن رئيسـًا‪ ،‬ويف ‪ 10‬أبريـل ‪ 1924‬قـرر تشــكيل جلنـة من ‪15‬‬
‫مندوبًا للنظر يف الئحة النظــام األساسـي‪ .‬ومن بني هــؤالء انتخب أجمد العمــري رئيسـًا هلا‪ ،‬ويوسـف غنيمــة مقــررًا هلا‬
‫ملناقشــة مشــروع القــانون األساســي وتقــدمي تقريــر عنــه‪ ،‬وبــدأت مناقشــة القــانون األساســي يف ‪ 14‬حزيــران ‪ /‬يونيــو‬
‫‪ 1924‬وانتهت يف ‪ 21‬متوز ‪ /‬يولي ــو‪ .‬يف الع ــام نفس ــه ال ــذي اس ــتمر مثاين عش ــرة جلس ــة‪ ،‬مت تغي ــري مش ــروع الق ــانون‬
‫األساســي من كلمــة دســتور إىل اللغــة العربيــة‪ ،‬وناقشــت أبــرز مــواد القــانون األساســي يف مشــروع القــانون األساســي‬
‫موضوعات مثل احلقـوق القوميـة لألكـراد‪ ،‬خالفـة العـرش‪ ،‬ووجـود وإلغـاء جملس الشـيوخ‪ ،‬وقضـايا مثـل الطريقـة الـيت‬
‫سـيتم جتديـدها‪ ،‬مـع عـدم التصـويت على معظم املقرتحـات‪ ،‬سـتكون اململكـة املتحـدة قـادرة على تـأمني مصـاحلها من‬
‫خالل وض ــع ق ــدر اإلمك ــان يف ي ــد املل ــك‪ .‬خاص ــة يف التش ــريع)‪ .‬أدرك األعض ــاء املعارض ــون يف اجمللس التش ــريعي أن‬
‫املعارض ــة ال طائ ــل من ورائه ــا‪ ،‬وعن ــدما انتهى اجمللس التش ــريعي من مناقش ــة مش ــروع الق ــانون األساس ــي‪ ،‬مت متري ــره‬
‫باإلمجاع يف ‪ 10‬يولي ــو ‪ ،1924‬ومت تش ــكيل جلن ــة لإلش ــراف على طباع ــة الق ــانون األساس ــي‪ .‬أخـ ـًريا‪ ،‬ص ــدر ه ــذا‬
‫‪53‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫القــانون يف ‪ 21‬آذار (مــارس) ‪ ،1925‬وعلى الــرغم من إقــرار مشــروع القــانون األساســي للعــراق من قبــل اجلمعيــة‬
‫التأسيسية‪ ،‬اضـطر امللـك إىل تأجيلـه لفـرتة طويلـة بسـبب ضـغوط اململكـة املتحـدة‪ ،‬ألهنا أرادت ذلـك‪ .‬للحصـول على‬
‫امتياز حقل النفط قبل العراق بشكل صحيح‪.‬‬
‫دخــل القــانون األساســي حــيز التنفيــذ؛ ألن القــانون األساســي أعطى الربملان ســلطة املوافقــة على امتيــازات النفــط‪،‬‬
‫وهلذا ك ــان من الص ــعب على بريطاني ــا العم ــل م ــع املعارض ــة يف الربملان؛ مت التوقي ــع على امتي ــاز النف ــط يف ‪ 14‬م ــارس‬
‫‪ ،1925‬بعــد أســبوع أي يف ‪ 21‬مــارس ‪ ،1925‬صــدر القــانون األساســي وأصــبح دســتورًا فعــاًال‪ .‬انتخــاب اجمللس‬
‫التأسيسي ومناقشة وإقرار مشاريع القوانني‪ ،‬لكن مسودة الدستور يف شكلها النهائي كانت مسـرية طويلـة ومشـغولة‬
‫إىل أن مت تعديلها واحلصول عليها بعـد تأكيـد مصـاحلها يف العـراق باإلضـافة إىل االنتخابـات‪ ،‬وقـد ظهـرت إىل النـور‪.‬‬
‫بعـ ـ ــد موافقـ ـ ــة احلكومـ ـ ــة الربيطانيـ ـ ــة‪ .‬مل ينعقـ ـ ــد املؤمتر التأسيسـ ـ ــي يف جـ ـ ــو مسح بظهـ ـ ــور اإلرادة احلرة خبالف اإلرادة‬
‫الربيطانيـ ــة‪ ،‬أمـ ــا كيـ ــف نـ ــاقش املؤمتر التأسيسـ ــي واعتمـ ــد القـ ــانون األساسـ ــي‪ ،‬فمن املمكن أن يتم متريـ ــره من خالل‬
‫الربملان‪ ،‬مقسًم ا على (املدن)‪ .‬والعشائر)‪ ،‬األمر الذي انعكس يف الصراع الــدائر يف الربملان ألنــه صــراع بني التيــارات‬
‫التقليدية احملافظة اليت تـدافع عن قيمهـا وتقاليـدها وحتاول إدراجهـا يف دسـتور برملاين وقـوى وتوجهـات حديثـة حتاول‬
‫بناء دولة مدنية على أساس الليربالية احلديثة‪ 1،‬ومع ذلك‪ ،‬مل تتم مراجعـة املســودة بشــكل أساسـي‪ ،‬وال تـزال متوافقـة‬
‫إىل حد كبري مع املسودة اليت اعتمدهتا احلكومــة الربيطانيـة‪ ،‬مما أدى إىل اسـتنتاج أن قــوة االحتالل الربيطانيـة هلا تـأثري‬
‫كبري على إصدار القـانون األساسـي‪ .‬وهكـذا‪ ،‬ينتج القـانون نظاًم ا سياسـًيا ليربالًي ا كمـا تـرغب قـوة االحتالل‪ .‬النظـام‬
‫الربملاين‪ ،‬امللكية الدستورية‪ ،‬قريب من شكل النظام السياسي للبلد احملتل‪.‬‬

‫‪ .2-2-1-2‬اثر االتجاهات الفكرية من حيث المضمون‬


‫يتكــون القــانون االساسـي لعــام ‪ 1925‬من مقدمــة و مائـة وثالثـة وعشــرين مــادة‪ ،‬موزعــة على عشــرة أبـواب‪ ،‬اذ‬
‫تتكــون املقدمــة من املادة ‪ ،4-1‬اذ جــاء يف املادة الثانيــة من القــانون االساســي ان العــراق دولــة ذات ســيادة مســتقلة‬
‫حــرة‪ ،‬ملكهــا ال يتجــزء‪ ،‬و ال يتنــازل عن شــيء منــه‪ ،‬حكومتــه ملكيــة وراثيــة‪ ،‬وشــكلها نيــايب‪ 2،‬يتضــح من ذلــك أن‬
‫واضــعي القــانون األساســي تــأثروا بــالنموذج الليــربايل الغــريب‪ ،‬فتبنــوا نظاًم ا برملانًي ا‪ .‬أمــا الفصــل األول فهــو خمصــص‬
‫حلقوق الشعب ابتداء من املادة اخلامسة وانتهاء باملادة الثامنة عشرة‪ ،‬والفصل الثاين يتنــاول امللــك وقوانينــه ابتــداء من‬
‫املادة التاســعة عشــرة وينتهي باملادة السادســة والعشــرين‪ ،‬والفصــل الثــالث ينص على الســلطة التشــريعية ووعــدها إىل‬

‫‪ .1‬اجلبوري‪ ،‬كيف وضع أول دستور عراقي‪ :‬ص‪15‬‬


‫‪ .2‬القانون االساسي العراقي لعام ‪ ،1925‬املادة الثانية‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪54‬‬

‫جملس األمة امللكي‪ ،‬ويتكون هذا الفصل من سبعة وثالثني مادة تبــدأ باملادة الســابعة والعشــرين وتنتهي باملادة الرابعــة‬
‫والس ــتني‪ ،‬والفص ــل الراب ــع يتح ــدث عن ال ــوزارة ويقص ــد هبا إح ــداث وزارة وع ــدد وزراء الدول ــة ومس ــؤولية جملس‬
‫الـ ــوزراء يف أربـ ــع مـ ــواد‪ ،‬من املادة الرابعـ ــة والسـ ــتني إىل املادة السـ ــابعة والسـ ــتني‪ ،‬واملوجـ ــودة يف البـ ــاب اخلامس هي‬
‫القضــاء‪ ،‬تقســيم احملاكم وطريقــة تعــيني القضــاة وطريقــة ســري احملاكمــات ودرجــات احملاكم وكــل مــا يتعلــق بالســلطة‬
‫القضائية‪ .‬والثامن‪.‬‬
‫أم ــا الفص ــل الس ــابع‪ ،‬إدارة املنطق ــة‪ ،‬فيحت ــوي على الفن‪ .‬تق ــرر تعديل ــه‪ ،‬باس ــتثناء األم ــور التبعي ــة‪ ،‬وينص الفص ــل‬
‫العاشر على املقاالت العامة‪ ،‬ويف املادة جمللس الوزراء‪ ،‬وخصصت املادة ‪ 121‬لتحديـد اهليئـة املخولـة بتفسـري أحكـام‬
‫الدســتور‪ ،‬ومتت اإلشــارة إىل احملكمــة العليــا باعتبارهــا اهليئــة املختصــة بتفســري أحكــام الدســتور‪ .‬حتدد املادة ‪ 122‬من‬
‫الق ــانون األساس ــي موق ــع أقس ــام املؤسس ــة اإلس ــالمية وأرقامه ــا املرجعي ــة‪ ،‬وحتدد املادة ‪ 123‬ت ــاريخ دخ ــول الق ــانون‬
‫األساسي حيز التنفيذ وعالقته بتصديق امللك عليه‪.‬‬
‫تــأثر واضــعو القــانون األساســي العــراقي لعــام ‪ 1925‬باملبــادئ الــواردة يف حمتــواه باألفكــار الليرباليــة الــيت كــانت‬
‫منتشرة يف العامل يف ذلك الوقت‪ ،‬وحتت تأثري امليول األيديولوجية الســائدة يف دســاتري معظم الــدول يف ذلــك الــوقت‪،‬‬
‫خاصًة‪ .‬الدول اليت مت إنشاؤها بعد احلرب العاملية األوىل‪ ،‬وهـذه األفكـار والتيـارات أكـدت على املبـادئ الـيت قـدمتها‬
‫الثورة الفرنسية وإعالن حقوق اإلنسان واملواطن يف فرنسا الصادر عام ‪ 1،).1789‬عالوة على ذلـك‪ُ ،‬و لـد القـانون‬
‫األساسي للعراق من تفاعـل قـوى وتوجهـات أيديولوجيـة خمتلفـة ومتضـاربة يف املشـهد السياسـي العـراقي‪ .‬إىل جـانب‬
‫النخب التقليدي ــة ال ــيت تش ــري إليه ــا القبائ ــل والعش ــائر واألدي ــان‪ ،‬ف ــإن ه ــذه الق ــوى متث ــل اجتاه ــات أيديولوجي ــة خمتلف ــة‬
‫وأيديولوجيات وتقاليد سياسية‪ .‬وميثلها الفصيل املتميز من أصل عريب‪،‬‬
‫االجتاهـات يف القرابـة والعـادات‪ ،‬مثـل زعمـاء العشـائر والقبائـل‪ ،‬واالجتاهـات يف الفكـر والشـريعة اإلسـالمية‪ ،‬مثـل‬
‫املراجــع الدينيــة وقضــاة الطريــق‪ 2.‬ربطت بريطانيــا‪ ،‬بصــفتها قــوة الوصــي‪ ،‬إصــدار الدســتور مبوافقــة العــراق على توقيــع‬
‫معاهدة من شأهنا تعزيز وتعميق عالقـة االحتالل‪ ،‬مما يعـين أن املعاهـدة األجنلـو‪-‬عراقيـة لعـام ‪ 1922‬هلا أولويـة مؤقتـة‬
‫وقوة قانونية منذ البداية‪ .‬العـراق‪ ،‬حيث صـدر القـانون األساسـي بعـد توقيـع املعاهـدة واملصـادقة عليـه يف مادتـه الثالثـة‬
‫بشــرط أن الحيتــوي القــانون األساســي على مــا خيالف أحكــام املعاهــدة‪ 3.‬لعبت املعاهــدة املربمــة بني العــراق واململكــة‬
‫املتح ــدة يف ع ــام ‪ 1922‬دوًر ا رئيس ـًيا ومباش ـًر ا يف إرس ــاء القواع ــد الدس ــتورية األساس ــية ال ــيت متيز الق ــانون األساس ــي‬

‫‪ .1‬رسول‪ ،‬احلقوق السياسية يف الدساتري العراقية ‪ -‬دراسة حتليلية مقارنة على ضوء املتغريات السياسية‪ :‬ص‪131‬‬
‫‪ .2‬امحد وآخرون‪ ،‬مأزق الدستور ‪ -‬نقد و حتليل‪ :‬ص‪14‬‬
‫‪ .3‬هالل ومسعد‪ ،‬النظم السياسية العربية قضايا االستمرار و التغيري‪ :‬ص‪134‬‬
‫‪55‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪1‬‬
‫العــراقي‪ ،‬فقــد جــاء يف املادة الثالثــة من املعاهــدة الربيطانيــة العراقيــة‪ :‬يتعهــد جاللــة ملــك العــراق على أن ينظم قانونـًا‬
‫أساسـيًا‪ ،‬ليعـرض على اجمللس التأسيســي العـراقي‪ ،‬ويكفـل تنفيـذ هـذا القـانون الـذي جيب أن الحيتـوي على مـا خيالف‬
‫‪2‬‬
‫نص ــوص هـذه‪.‬‬
‫باإلض ــافة إىل ذل ــك‪ ،‬ك ــان على الربيط ــانيني ال ــذين ش ــاركوا يف ص ــياغة ق ــانون املعاه ــدات األساس ــي أن يتخ ــذوا‬
‫خطــوات حلمايــة موقــف ومصــاحل بريطانيــا يف العــراق‪ ،‬ولتحقيــق ذلــك‪ ،‬كــانوا مييلــون إىل إعطــاء أكــرب قــدر ممكن من‬
‫الســلطة‪ ،‬ال ســيما يف التشــريع‪ ،‬يف يــد امللــك‪ ،‬أي غــري مباشــر‪ .‬ســيكون األمــر يف يــد املفــوض الســامي‪ ،‬ألن املعاهــدة‬
‫واملواد ‪ 1‬و ‪ 2‬و ‪ 4‬و ‪ 9‬تلــزم امللــك باستشــارة املفــوض الســامي واحلصــول على موافقتــه يف األمــور املاليــة وتعيينــات‬
‫املوظفني واملســائل القضــائية واملســائل اهلامــة‪ .‬وهــذا هــو ســبب استشــار امللــك للحكومــة الربيطانيــة من خالل ممثليهــا‬
‫الكبــار والصــغار يف العــراق‪ ،‬بــدًال من اللجــوء إىل جلنــة منتخبــة ميكن أن تعرقــل جهــود ســلطة االحتالل وامللــك‪ .‬مينح‬
‫القانون األساسي امللك سـلطات واسـعة‪ ،‬جتعلــه رئيس الدولـة العليـا‪ ،‬مصـوًنا شخصـًيا وغـري مســؤول جتاه أي طـرف‪.‬‬
‫وهــو الــذي يصــادق على القــوانني ويــأمر بنشــرها ويشــرف على تنفيــذها‪ .‬وفًق ا للعائلــة املالكــة‪ُ ،‬يطلــق عليــه األمــر أو‬
‫الالئحــة الــيت يتم ســنها لتنفيــذ القــانون‪ .‬للملــك حــق الــدعوة النتخــاب جملس النــواب والــدعوة لالجتمــاع‪ .‬اجلمعيــة‬
‫الوطني ــة (مبا أن اجلمعي ــة الوطني ــة تتك ــون من جملس الن ــواب وجملس الش ــيوخ) وهلا س ــلطة ح ــل الربملان وال ــدعوة إىل‬
‫انتخابات مبكرة‪ ،‬متاًم ا كما يتمتع امللك بصـالحية إصـدار املراسـيم مبوافقـة جملس الـوزراء‪ ،‬ولـه صـالحية أخـذ إجـازة‬
‫نيابية دون خمالفة القانون األساسـي الـذي جيب عرضـه على اجللسـة األوىل للربملان للتصـديق عليـه‪ ،‬وللملـك صـالحية‬
‫تعيني رئيس الوزراء والوزراء حىت لو مل يكن من الكتلة النيابية األكرب‪ ،‬وله سلطة تعيني مجيع أعضاء جملس الشــيوخ‬
‫‪3‬‬
‫العشرين وإعالن احلرب بصفته القائد العام للقوات املسلحة‪.‬‬

‫‪ . 1‬البصيصي‪« ،‬املعاهدة الدولية كطريق لوضع الدستور‪ ،‬يف ضوء قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة االتقالية»‪ :‬ص‪49‬‬
‫‪ .2‬املعاهدة الربيطانية ‪ -‬العراقية لعام ‪ ،1922‬املادة الثالثة‬
‫‪ .3‬قبــل تتوجيه يف ‪ 23/8/1921‬كــان االنكلــيز وضــعوا امامــه اقرتاحــا‪ ،‬بــان يشــمل القــانون االساســي) فقــرة تــرتك الكلمــة النهائيــة يف‬
‫شؤون العراق الداخلية للمندوب السامي "وذلك حسب قوهلم لكي ال يقول امللك فيصـل بعــد تتوجيه بانــه مل يكن يعــرف مــا املقصـود‬
‫باالش ــراف ال ــذي نتوق ــع من ــه ان خيض ــع ل ــه‪ ،‬ولكن فيص ــل اع ــرتض بش ــدة على االق ــرتاح‪ ،‬وق ــال للمن ــدوب الس ــامي" اض ــافة اىل مثلي‬
‫الشخصية جتاه القومية العربية‪ ،‬فانا اداة للسياسة الربيطانية‪ ،‬واننا _حكومة صاحب اجلاللة وانا جند انفسنا يف القـارب نفسـه‪ ،‬والنكم‬
‫اخـرتمتوين‪ ،‬ان جـاز التعبـري‪ ،‬فعليكم ان تعــاملوين كواحـد منكم وان تثقــوا ثقــة حكومــة صـاحب اجلاللـة بكم‪ ،‬واذا اردمت جناحي وجناح‬
‫سياس ــاتكم‪ ،‬فمن احلماق ــة ان حتكم ــوا علي باللعن ــة اىل االب ــد يف اعني الش ــعب جبعلي العوب ــة مكش ــوفة كم ــا س ــيكون األم ــر ‪ ...‬ومن‬
‫مص ــلحتكم اك ــثر ان تظه ــروا ف ــورا اين مل ــك حقيقي ‪...‬واين اتعه ــد ب ــان اس ــري مبوجب مش ــورتكم يف ك ــل االالم ــور املهم ــة؛ بط ــاطو‪،‬‬
‫العراق‪ :‬ص‪360‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪56‬‬

‫من هن ــا ميكن الق ــول إن للمل ــك س ــلطة كب ــرية وليس مس ــؤوال أم ــام أي جه ــة‪ ،‬والدس ــتور ال ينص على وج ــوب‬
‫اختيـار رئيس الـوزراء من اجملموعـة الفـائزة‪ ،‬وهلذا الســبب يرشـح املقــربني منـه‪ .‬صـدق عليـه املفـوض الســامي‪ ،‬من بني‬
‫أمور أخرى‪ ،‬لديه سلطة حل جملس النواب وتعيني اجلميع‬
‫عضــو جملس الشــيوخ لضــمان ســيطرة املقــربني منــه ومؤيديــه على اجلمعيــة الوطنيــة‪ .‬ميتــد تــأثري دولــة االحتالل من‬
‫خالل املعاهدة إىل أبعد من ذلك‪ ،‬حيث تنص املادة الثالثة أيًض ا على أن ‪ ...‬مراعاة حقوق وتطلعات ومصــاحل مجيـع‬
‫السكان املقيمني يف العراق وضـمان حريـة الضـمري الكاملــة لكـل فـرد‪ .‬وممارسـة حريـة العبـادة بكافـة أشـكاهلا‪ ،‬بشــرط‬
‫أال ختل بـاآلداب العامــة والنظــام‪ ،‬وتضــمن عــدم وجـود متيـيز بني أبنـاء العــراق على أسـاس اجلنســية أو الــدين أو اللغــة‪،‬‬
‫وأن مجيع الطوائف عدم حرماهنم أو انتهاكهم من احلفاظ على مدارسهم‪ ،‬يف حـد ذاتـه حـق أعضـائها يف أن يتعلمـوا‬
‫باللغة شريطة أن يتوافق ذلـك مـع متطلبـات احلكومـة العراقيـة للتعليم العـام‪ .‬تعكس أحكـام القـانون األساسـي للعـراق‬
‫بشكل كامل حمتوى هذه املادة‪ ،‬واليت هي يف الفصـل األول اخلاص حبقـوق الشـعب‪ ،‬وخاصـة املواد (‪،16 ،12 ،6‬‬
‫‪ )18‬من القانون األساسي لعام ‪.1925‬‬
‫أمــا االجتاه األيــديولوجي التقليــدي املتمثــل يف الفكــر الــديين أو الســلطة الدينيــة والقيم القبليــة‪ ،‬فيــؤثر بــدوره على‬
‫ص ــياغة الق ــانون األساس ــي للع ــراق‪ ،‬وفيم ــا يتعل ــق ب ــالفكر ال ــديين أو ال ــدين ينعكس ت ــأثريه يف العدي ــد من الدس ــتور‪.‬‬
‫نصــوص النظــام األساســي كمــا ورد يف املادة (‪ )13‬من القــانون النقطــة األساســية هي أن اإلســالم هــو الــدين الرمسي‬
‫للدول ــة وحري ــة ممارس ــة الش ــعائر العرفي ــة يف الع ــراق بغض النظ ــر عن طائفت ــه ال حترتم‪ .‬وت ــؤثر وتكف ــل احلري ــة الكامل ــة‬
‫للعبــادة والعبــادة وفــق أعــرافهم‪ ،‬بشــرط عــدم اإلخالل بــاألمن والنظــام‪ ،‬وعــدم اإلخالل بــاآلداب العامــة‪ .‬وتنص املادة‬
‫‪ 77‬على أن‪ :‬أحكــام القــوانني اخلاصــة‪ ،‬واألحكــام الشــرعية من الطائفــة اإلســالمية‪ ،‬والقضــاة من الطائفــة اإلســالمية‪،‬‬
‫ومعظم الســكان يف املكـان الـذي مت تعيينـه فيـه‪ ،‬بينمـا يظـل القضـاة الســنة واجلعفريـون يف مـدن مثـل بغـداد والبصـرة‪..‬‬
‫أم ـ ــا املادة ‪ 112‬ال ـ ــيت تنص على أن لك ـ ــل طائف ـ ــة احلق يف من ـ ــاطق إداري ـ ــة مهم ـ ــة يف التعام ـ ــل م ـ ــع إدارة املمتلك ـ ــات‬
‫والعق ــارات املمنوح ــة‪ ،‬وك ــذلك العق ــارات‪ ،‬لألغ ــراض اخلريي ــة‪ ،‬وحتص ــيل دخله ــا‪ ،‬والقي ــام بال ــدفع وفًق ا هلا‪ .‬لرغب ــات‬
‫املتربعني أو اجلمارك السائدة يف الفئة‪ ،‬ووفًق ا لرقابة صندوق األيتام ختضـع اللجـان املذكورة لرقابـة احلكومـة‪ .‬لـذلك‪،‬‬
‫بـالنظر إىل أن الشــيعة يشــكلون النســبة األكـرب من الســكان العراقـيني‪ ،‬فـإن النفـوذ واملراجـع الشــيعية ليســت ذات تـأثري‬
‫كبري‪.‬‬
‫أمــا بالنســبة لتــأثري القيم القبليــة والعشــائرية‪ ،‬فــإن للعــراق ســلطة عشــائرية وعشــائرية‪ ،‬بســبب مصــاحل الربيطــانيني‪،‬‬
‫ومن أجل احلفاظ على النظام‪ ،‬جيب إنشاء قواعد جديـدة للتعامـل مـع العشــائر والعشــائر العراقيـة‪ .‬الـوالء لـه‪ ،‬وإجبـار‬
‫شيوخ العشائر على أداء الواجبات املطلوبة منهم من قبل سلطات االحتالل‪ ،‬وإضعاف النظام القبلي سياسًيا لدرجة‬
‫‪57‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫تعارضه مع املصاحل الربيطانية‪ ،‬على الرغم من الفشل العسكري للثورة يف عشرينيات القرن املاضـي‪ ،‬زعمـاء العشــائر‬
‫مل يتخلوا عن دورهم يف النظام‪.‬املطالب يف اجمللس التأسيسـي‪ ،‬وخاصـة احلفـاظ على القيم القبليـة والعشـائرية للنظـام‪،‬‬
‫وطــالب الشــيخ ســامل اخليــون بتشــكيل حماكم عشــائرية لتأكيــد مكانــة العشــرية ودعم ســلطة الــزعيم‪ .‬أمــا الشــيخ راحــة‬
‫العطية‪ ،‬فقد طالب بأن حيافظ القانون األساسي على حق التصرف باألرض‪ ،‬وإعالء حقوق الزعماء‪ ،‬وجعل القيادة‬
‫العشائرية وراثية‪ ،‬وقصر املسؤولية القبلية على زعماء القبائل‪ .‬دعم مجيع الزعماء اللوائح اليت جيب أن تعــاجل القضــايا‬
‫القبلية والعادات العشائرية‪.‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪58‬‬

‫إضافة إىل ذلـك‪ ،‬أثـريت مسـألة اشـرتاط معرفـة القـراءة والكتابـة بني املرشـحني للتمثيـل‪ ،‬ودار نقـاش سـاخن حـول‬
‫املســألة الســابقة‪ ،‬وبلغت ذروهتا بانتصــار الرؤســاء مبوجب املادة ‪ .. 88‬انفصــال العشــائر حســب العــرف املألوف يف‬
‫املســائل اجلنائيــة واملدنيــة قــانون خــاص ‪ ...‬ويــراعي االختالفــات املتعلقــة بالتصــرف يف األرض وحــدودها‪ 1.‬وخالصــة‬
‫القول ميكن القول إن القـانون األساسـي للعـراق لعـام ‪ 1925‬قـد تـأثر باألفكـار واالجتاهـات الليرباليـة للعـامل والعـراق‬
‫يف ذلــك الــوقت‪ ،‬وكــانت هــذه االجتاهــات الفكريــة امتــداًد ا لألفكــار واملبــادئ الــيت أحــدثها الثــورة الفرنســية‪ .‬حــاولت‬
‫بريطاني ــا يف عملي ــة ص ــياغتها‪ ،‬س ــواء من حيث طريق ــة التط ــوير أو املض ــمون‪ ،‬إقام ــة نظ ــام متثيلي وح ــر ودميق ــراطي يف‬
‫العراق‪ ،‬ولكن باإلضافة إىل احلفاظ على مصاحلها يف الدستور‪ ،‬كـان هلا أيًض ا شـروطها اخلاصـة‪ ،‬ولكن كـانت هنـاك‬
‫االختالفات‪ ،‬القوى السياسية واالجتماعية ذات التوجه األيـديولوجي الـيت حتاول تـرك بصـماهتا اخلاصـة على القـانون‬
‫األساسي‪ ،‬حىت لو كانت تلعب دوًر ا ضئياًل ‪ ،‬ومن بني هذه القوى هناك عشـائر ذات ميـول قبليـة خاصـة هبا‪ ،‬وقـوى‬
‫دينية ممثلة باملراجع الدينية‪ ،‬و القوى السياسية ذات االجتاهات احلديثة‪ ،‬مبا يف ذلك القومية والليربالية‪..‬‬

‫‪ .1‬القانون االساسي العراقي لعام ‪ ،1925‬املادة ‪88‬فقرة ‪ 2‬وفقرة ‪4‬‬


‫الفصل الثاني‪ :‬االتجاهات الفكرية واثرها في صياغة الدساتير العراقية‬
‫مابين ‪2003-1958‬‬
‫‪61‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫من ‪ 14‬متوز (يوليو) ‪ 1958‬إىل ‪ 30‬متوز (يوليو) ‪ ،1968‬شهد العــراق عــدة تغــريات سياسـية‪ ،‬وأنشــئت أربـع‬
‫مجهوريــات على التــوايل بني عــامي ‪ 1958‬و ‪ .1968‬أو يســود حــزب سياســي يعتنــق أيديولوجيــة معينــة‪ ،‬و حــاول‬
‫فرضها على اجملتمع من خالل اصدار دساتري خاصة تثبت حكمهم وتطبيق مـا يؤمنـون بـه‪ ،‬و من هـذا املنطلـق يقسـم‬
‫هذا الفصل على مبحثني‪ ،‬يتناول املبحث االول اهم االجتاهات الفكرية يف العهـد اجلمهـوري حـىت عـام ‪ ،2003‬امـا‬
‫املبحث الثاين فخصص ألثر االالجتاهات الفكرية يف صياغة الدساتري العراقية‪.‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪ .2-1‬االتجاهات الفكرية في العهد الجمهوري حتى عام ‪2003‬‬


‫يش ــكل تط ــور الفك ــر السياس ــي الع ــراقي وظه ــور أح ــزاب سياس ــية مجاهريي ــة نقل ــة نوعي ــة يف تط ــور العم ــل احلزيب‬
‫الع ــراقي‪ ،‬خاص ــة بع ــد هناي ــة احلرب العاملي ــة الثاني ــة‪ .‬ومن بني التي ــارات ال ــيت متثله ــا ه ــذه األح ــزاب الليربالي ــة والقومي ــة‬
‫واالشرتاكية والفكر اإلسالمي‪ .‬فقد فقدت الكثري من نفوذها السابق‪ ،‬ومع ذلــك‪ ،‬فــإن هــذه األحـزاب اجلماهرييـة ال‬
‫تتمتع بالشرعية‪ ،‬لذلك يلجأ معظمها إىل العمل السري‪ ،‬مما يدفع األحزاب للعمل يف اخلفاء‪ ،‬وأحياًنا حــىت الســالح‪،‬‬
‫ومتثــل هــذه األحــزاب القــوى االجتماعيــة الناشــئة‪ :.‬الطبقــة العاملــة املتوســطة والصــناعية احلديثــة‪ ،‬واألوســاط الطالبيــة‬
‫الراديكالي ــة يف املدن‪ ،‬والفالح ــون الفق ــراء يف الري ــف‪ 1.‬وبغي ــة توض ــيح اب ــرز احلرك ــات ال ــيت مثلت ه ــذه االجتاه ــات‬
‫الفكري ــة فق ــد مت تقس ــيم املبحث على ثالث ــة مط ــالب‪ ،‬فخص ــص املطلب األول لالجتاه ــات الفكري ــة القومي ــة‪ ،‬بينم ــا‬
‫خصص املطلب الثاين لالجتاهات الفكرية اليسارية‪ ،‬والثالث لالجتاهات الفكرية االسالمية‪.‬‬

‫‪ .2-1-1‬االتجاهات الفكرية القومية‬


‫مــع بدايـة احلرب العامليـة الثانيـة‪ ،‬دخلت القوميـة العربيـة مرحلــة جديـدة من التطــور‪ ،‬هي مرحلــة القوميـة الشــاملة‪.‬‬
‫تتطلب سيادة الدولة القومية أيًض ا درجة معينة من اندماج العرب يف الدولة‪ .‬من خالل توسيع مفهوم األمــة العربيـة‪،‬‬
‫والتضحية باحلرية الفردية‪ ،‬ورفض مجيع أشكال القومية يف العامل العريب‪ ،‬فقد امتدها ليس فقـط إىل الـدول العربيـة يف‬
‫آسيا‪ ،‬ولكن أيًض ا إىل مصر ومشال إفريقيا لتشكيل نظريته عن الدول احمليطية‪ ...‬العامل العريب‪ .‬أساس اللغات الشعبية‬
‫يشمل مجيع املتحدثني باللغة العربية‪ 2.‬يف هذا السياق‪ ،‬ظهرت أحزاب وحركات عرقية عديدة يف السياسـة العراقيـة‪،‬‬
‫لكن القلي ــل منه ــا ت ــرك بص ــماته على النظ ــام السياس ــي الع ــراقي يف عه ــد اجلمهوري ــة‪ ،‬وأمهه ــا أح ــزاب الفك ــر الق ــومي‬
‫الع ــريب‪ .‬التوج ــه‪ :‬ح ــزب االس ــتقالل‪ ،‬ح ــزب البعث الع ــريب االش ــرتاكي‪ ،‬وحرك ــة القوم ــيني الع ــرب‪ .‬ت ــدخل األنش ــطة‬
‫‪3‬‬
‫السياسية واأليديولوجية الكردية مرحلة جديدة يف زمن احلرب‪.‬‬

‫‪ .2-1-1-1‬القوى السياسية ذات الميول القومية العربية‬


‫يتم متثي ــل االجتاه ــات العرقي ــة العربي ــة من خالل ق ــوى وتي ــارات متع ــددة‪ ،‬بعض ــها ن ــادر والبعض اآلخ ــر منتش ــر‪.‬‬
‫وسينصب الرتكيز على ثالث قوى رئيسية‪ :‬حزب االستقالل وحزب البعث العريب واحلركة القومية العربية‪...‬‬

‫‪ .1‬مجيل وعبداجلبار‪« ،‬االحزاب السياسية يف العراق»‬


‫‪ .2‬الدوري‪ ،‬حزب البعث العريب االشرتاكي ‪ -‬الدور السياسي و النضايل يف العراق منذ النشأة اىل عام ‪ :1968‬ص‪78‬‬
‫‪ . 3‬صبحي‪« ،‬األحزاب ودورها يف التنشئة السياسية يف اقليم كردستان العراق»‪ :‬ص‪150‬‬
‫‪63‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .2-1-1-1-1‬حزب االستقالل‬
‫تعود فكرة تشكيل حزب قومي إىل مـا قبـل احلرب العامليـة الثانيـة‪ ،‬وقـد نضـجت هـذه الفكـرة بعـد اشـتداد القمـع‬
‫واألحك ــام العرفي ــة يف العه ــد امللكي‪ ،‬ح ــىت امت ــدت ج ــذور ح ــزب االس ــتقالل إىل املث ــىن بن‪ .‬ن ــادي حارث ــة الش ــيباين‪،‬‬
‫تأس ــس الن ــادي ع ــام ‪ ،1935‬يف هناي ــة احلرب العاملي ــة الثاني ــة‪ ،‬عن ــدما مت إطالق س ــراح القوم ــيني وتأيي ــد األح ــزاب‬
‫السياسية اليت أقرهتا احلكومة‪ .‬وتقدم حممد مهدي كبة وداود السعدي وإبراهيم الـراوي وخليـل كنـا وآخـرين بطلب‬
‫إىل وزارة الداخلي ــة لتش ــكيل ح ــزب سياس ــي جدي ــد باس ــم ح ــزب االس ــتقالل‪ .‬ص ــدق احلزب يف ‪ 2‬نيس ــان ‪ /‬أبري ــل‬
‫‪ 1946‬على أه ــداف احلزب ال ــيت ترك ــزت على تعزيــز الكيــان الع ــراقي من خالل اســتكمال ســيادته وإهناء املعاه ــدة‬
‫العراقية الربيطانيـة لعـام ‪ 1930‬والعمـل على تقويـة جامعـة الـدول العربيـة إلنشـائها‪ .‬حتالف بني الـدول العربيـة ويـرى‬
‫أن قضــية فلســطني من القضــايا العربيــة الرئيســية‪ ،‬ويــدعو يف منهجهــا الــداخلي إىل تربيــة الشــباب بــوعي وطــين وهنج‬
‫موحد‪ ،‬وحزب املستقبل معروف بتبجيله للعرب‪ .‬القومية والكرامة القومية واحرتام الشعوب األخـرى‪ .‬وهكــذا فــإن‬
‫حــزب االس ــتقالل وطــين يف آرائــه ولكنــه إقليمي يف تنظيم ــه‪ .‬وفيم ــا يتعل ــق باالقتص ــاد‪ ،‬دع ــا احلزب إىل حماربــة الفق ــر‬
‫والبطالـ ــة والتوزي ــع العـ ــادل لألراض ــي الزراعي ــة وت ــأميم النفـ ــط‪ .‬عقـ ــد احلزب مـ ــؤمتره األول يف ‪ 19‬أبري ــل ‪،1946‬‬
‫وانتخب حمم ــد مه ــدي كوب ــا نائب ــا لل ــرئيس‪ ،‬وإب ــراهيم رايف نائب ــا لل ــرئيس‪ ،‬وداد س ــعدي ممثال عام ــا للح ــزب‪ ،‬وآي ــك‬
‫ساماراي هو السكرتري‪ .‬أبناء الفالحني والطبقة الوسطى من املهنيني والعاملني حلساهبم اخلاص والضباط العســكريني‬
‫وبعض أصــحاب األعمــال الصــغرية‪ ،‬ال يقبــل احلزب زعمــاء العشــائر والقبائــل يف صــفوفه‪ ،‬على الــرغم من أن العديــد‬
‫منهم يتقدمون لالنضمام‪ 1.‬ميكن توجيه عمل احلزب بشكل صحيح دون أن يتأثر بالتقاليد والعــادات القبليــة‪ ،‬وليس‬
‫للعم ــال والفالحني والطبق ــة الوس ــطى مص ــلحة يف إعاق ــة اإلص ــالحات االجتماعي ــة‪ ،‬ل ــذا ف ــإن االنتم ــاء الطبقي ملعظم‬
‫أعضــاء احلزب يــأيت من الربجوازيــة أو الربجوازيــة الصــغرية‪ .‬وتعــاون احلزب من خالل أنشــطته السياســية مــع أحــزاب‬
‫أخــرى‪ ،‬ودخــل احلزب على جبهــات ثنائيــة ومتعــددة األطــراف‪ ،‬وكــانت اجلبهــة األخــرية هي اجلبهــة الوطنيــة املتحــدة‬
‫عام ‪ ،1957‬بينما ساهم حزب االستقالل من خالل اخلطوط األمامية لثورة يوليو عـام ‪ .1958‬بعـد جناح الثـورة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫انضم احلزب إىل احلكومة اليت تشكلت بعد الثورة‪.‬‬

‫‪ .1‬الزرداوي‪ ،‬نشأة و تطور اجلمعيات و االحزاب و التيارات السياسية الكوردية يف العراق‪ :‬ص‪51‬‬
‫‪ .2‬علي‪ ،‬العراق يف عهد عبد الكرمي قاسم‪ ،‬دراسة يف القوى السياسية و الصراع اآليديولوجي‪ :‬ص‪60‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪ .2-1-1-1-2‬حزب البعث العربي االشتراكي‬


‫ميكن إرجـ ــاع بـ ــدايات حـ ــزب البعث إىل ثالث جمموعـ ــات‪ .‬تتكـ ــون اجملموعـ ــة األوىل من جمموعـ ــة من الشـ ــباب‬
‫اجتمع ــوا ألول م ــرة يف ع ــام ‪ 1939‬حتت ت ــأثري الض ــم ال ــرتكي ملنطق ــة اس ــكندرونة وهتج ــري ج ــزء كب ــري من الس ــكان‬
‫العـ ــرب‪ .‬الشـ ــباب الـ ــذين يشـ ــكلون النـ ــواة األوىل هلذه اجملموعـ ــة هم يف الغـ ــالب أولئـ ــك الـ ــذين فـ ــروا إىل سـ ــوريا من‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬ويقود العملية زكي األرسوزي (‪ ،38‬علوي‪ ،‬خريج جامعة الســوربون)‪ .‬وحبســب مقابلــة أجراهــا معــه‬
‫حنــا بطــاطو‪ ،‬اشــرتط أن ينضــم للمجموعــة بكتابــة أو ترمجة كتــاب من شــأنه أن يســاهم يف (إحيــاء الــرتاث العــريب)‪.‬‬
‫تأسســت عــام ‪ ،1940‬وكــانت اجملموعــة الثانيــة الــيت تشــكل حــزب البعث العــريب‪ .‬أمــا اجملموعــة الثالثــة فهي جمموعــة‬
‫أكــرم احلوراين الــيت تشــكلت بشــكل رئيســي يف محاة كــرد فعــل ضــد اإلقطــاع وقيــادة حركــة الشــباب‪ .‬قــام ابن عمــه‬
‫عثمان احلوراين بتغيـري اسـم احلزب إىل احلزب العـريب االشـرتاكي عـام ‪ ،1950‬وحبلـول عـام ‪ 1952‬انـدمج (احلزب‬
‫الع ــريب االش ــرتاكي) م ــع (ح ــزب البعث الع ــريب االش ــرتاكي) ليص ــبح ح ــزب البعث الع ــريب االش ــرتاكي‪ .‬يع ــود ص ــعود‬
‫حرك ــة النهض ــة العربي ــة إىل ع ــام ‪ .1943‬يف ع ــام ‪ 1942‬التقى ميش ــال عفل ــق جبالل الس ــيد وأخ ــربه عن معتقدات ــه‬
‫القومية‪ ،‬فيما شاركه صالح الدين الدين البيطار وأرادوا تشكيل جمموعة منظمة لتحمل أعباء قضــية األمــة العربيــة مث‬
‫قــرروا تســميتها منظمــة البعث الــيت تشــكلت عــام ‪ 1943‬وتعتــرب أن عــام ‪ 1943‬كــان نقطــة حتول تارخييــة يف حيــاة‬
‫حــزب البعث العــريب‪ .‬وألن حركــة البعث العــريب بــرزت هــذا العــام كمنظمــة سياســية ذات أهــداف وأفكــار حمددة‪،‬‬
‫وحتت شعار (أمـة عربيـة واحـدة برسـالة أبديـة)‪ ،‬عملت سـرًا يف سـوريا وعقـدت االجتمـاع التأسيسـي حلزب البعث‪.‬‬
‫يف الســابع من عــام ‪ ،1947‬يف مقهى الرشــيد بدمشــق‪ ،‬شــارك يف االجتمــاع أكــثر من مائــة وطــين ممن آمنــوا بفكــرة‬
‫ح ـ ــزب البعث الع ـ ــريب‪ ،‬حيث أعلن املوافق ـ ــة على الدس ـ ــتور والنظ ـ ــام السياس ـ ــي ال ـ ــداخلي‪ .‬حفالت‪ .‬انتخب احلزب‬
‫وميشيل عفلق (عميد احلزب صالح الدين البيطار أمينًا عامًا للحزب‪ ،‬وعضوية اللجنة التنفيذية جالل السـيد وهيب‬
‫غـامن‪ ،‬ويف أيـار ‪ 1952‬قـاد احلزب االشـرتاكي العـريب‪ .‬ألكـرم حـوراين‪ ،‬انـدمج مـع حـزب البعث العـريب وتغيـري اسـم‬
‫احلزب إىل ح ــزب البعث الع ــريب‪ .‬االش ــرتاكي‪ ،‬وه ــو نت ــاج تق ــارب األه ــداف ووح ــدة الرؤي ــة املوض ــوعية للعدي ــد من‬
‫القض ــايا الوطني ــة والوطني ــة‪ )3( .‬أم ــا انتش ــار (ح ــزب البعث) يف الع ــراق‪ ،‬فيع ــود إىل بداي ــة الع ــام الدراس ــي ‪-1947‬‬
‫‪ ،1948‬عنـدما كــانت القيـادات األوىل لتنظيم حـزب البعث يف جمموعــات يشــرف عليهـا بعض الطالب الســوريني‪،‬‬
‫الذي أحضر بعض املنشورات والنشرات الصادرة عن احلزب السوري واجملتمع العريب‪ .‬تأسس الفرع العراقي حلزب‬
‫البعث عــام ‪ ،1952‬وعقــد املؤمتر الوطــين األول حلزب البعث العــريب االجتمــاعي يف العــراق عــام ‪ .1955‬أصــبحت‬
‫ق ــوة قوي ــة م ــع أول م ــؤمتر هلا واحتلت موقًع ا مهًم ا يف اجملتم ــع والسياس ــة احلقيقي ــة يف الع ــراق‪ .‬ح ــىت جنح احلزب يف‬
‫‪65‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫اإلطاحة بالنظام احلاكم وتويل السلطة يف ‪ 8‬فرباير ‪ .1963‬وألول مرة يف التاريخ‪ ،‬مل حيدث ذلك‪ .‬اسـتغرق حـزب‬
‫البعث وقًت ا طــويًال‪ ،‬وأصــبح حــزب اللحــاق بــالركب مــرة أخــرى حــىت اجتــاز احلزب االنقالب الثــاين يف ‪ 17‬يوليــو‬
‫‪ .1968‬استمر نظام حزب البعث ملدة ‪ 35‬عاًم ا حىت أطاحت به قوات التحالف األمريكية والربيطانية يف ‪ 9‬أبريل‬
‫‪.2003‬‬
‫من الناحية األيديولوجية‪ ،‬نشأت أيديولوجية حزب البعث من أفكـار ميشـيل عفلـق يف األربعينيـات‪ ،‬وقـد احتكـر‬
‫نظري ــة احلزب الفكري ــة إىل ح ــد كب ــري‪ .‬اعت ــربه معظم البعث ــيني معلمهم‪ ،‬وجتس ــدت أفك ــار عفل ــق يف خطابات ــه العام ــة‬
‫ومالحظاته غري الرمسية أمام التالميذ وأعضاء احلزب دون إضفاء الطابع الرمسي على النظرية املنظمة‪ .‬غالًبا ما يكون‬
‫تفكريه مزًجيا من العديد من املثقفني بدًءا من القومية إىل املوقف الطبقي ملاركس إىل خنبويـة ليـنني إىل التعبـري الفـردي‬
‫إىل مثالي ــة م ــازيين‪ ،‬مما يش ــري إىل مي ــل عفل ــق إىل االعتم ــاد على الش ــعور والعاطف ــة واإلميان‪ ،‬ب ــدًال من االعتم ــاد على‬
‫التحليـل االسـتقرائي والتحليـل النفسـي للحقـائق‪ .‬من هـذا املنظـور يؤكـد ميشـال عفلـق أن اإلميان يسـبق املعرفـة (‪.)2‬‬
‫يــرى عفلــق أن وجهــة نظــر البعثــيني هي أن األمم كائنــات حيــة وأن االرتبــاط بني األمــة العربيــة واألمــة العربيــة رابــط‬
‫عضــوي‪ ،‬أي أن األفــراد ال يســتطيعون أداء وظــائفهم االجتماعيــة وحتقيــق أنفســهم إال من خالل األمــة‪ ،‬فال مبعــىن بال‬
‫أم ــة‪ ،‬لألم ــة رســالة خال ــدة أهنا تتم ــيز بالتجديــد واالس ــتمرارية‪ ،‬ومن هنــا جــاء شــعار حــزب البعث‪ ،‬أم ــة عربيــة ذات‬
‫رسالة دائمة)‪ .‬استخدام كلمة ثورة بسبب االختالف بني احلركة البعثية والشيوعيني حىت يف املصطلحات والتعبري‪.‬‬
‫بعضــها ميكن تأجيل ــه أو فصــله‪ ،‬لكنــه يضــع الوحــدة أوًال‪ ،‬ويعتقــد أن الوحــدة جيب أن تكــون فــوق كــل شــيء‪،‬‬
‫وينبغي أن تكــون الوحــدة الروحيــة‪ ،‬وانعــدام الوحــدة الروحيــة لألمــة العربيــة يعيــق إيصــال رســالته األبديــة‪ .‬أدى جتزئــة‬
‫األمة العربية إىل دول إىل فقـدان الكثـري من القـدرة والديناميكيـة الـيت امتلكتهـا األمـة تارخييـًا‪ ،‬والـيت تتمتـع هي نفســها‬
‫حبق ســيادي طــبيعي‪ ،‬وه ــو ســيادة الش ــعب‪ 1.‬أم ــا بالنس ــبة للحريــة الشخص ــية‪ ،‬فق ــد رأى أن األف ــراد جيب أن يتمتع ــوا‬
‫باحلرية الكاملة ولكن يف إطار املصاحل الوطنية‪ .‬إذا كانت احلرية الفردية تضر مبصـاحل الدولـة والعروبـة‪ ،‬فيجب تـدمري‬
‫هــذه احلريــة ألهنا تضــر بالدولــة‪ .‬وردا على ذلــك قــال عفلــق‪" :‬حنن نعتــرب العروبــة قبــل كــل شــيء‪ ،‬أي فــوق املصــاحل"‪.‬‬
‫اعتبـارات ضـيقة وأنانيـة ومؤقتـة وخاطئـة ‪ ...‬فيمــا يتعلــق باالشـرتاكية يف الفكــر البعــثي‪ ،‬االجتمــاعي‪ .‬يظهـر ‪ ISM‬يف‬
‫كلمــات ميشــيل أفالك‪ ... :‬مل أر االشــرتاكية أب ـًد ا كوســيلة إلرضــاء اجلائع والرجــل العــاري فقــط‪ ،‬فالرجــل اجلائع ال‬
‫يهتم بأنــه جــائع‪ ،‬لكن اجلوع مينــع قدرتــه على الظهــور‪ ،‬أنــا ال أرى أن األكــل هــو هدفــه‪ ،‬ولكن وســيلة لتحريــره من‬
‫ض ــرورات احلي ــوان‪ ،‬واالل ــتزام ب ــأداء وظائف ــه البش ــرية‪ ،‬منص ــوص عليه ــا بوض ــوح يف املب ــادئ العام ــة للح ــزب رقم ‪3‬‬

‫‪ .1‬بطــاطوا‪ ،‬العــراق‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪31‬؛ بطــاطوا‪ ،‬العــراق‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪729‬؛ اخلالــدي‪ ،‬التيــارات الفكريــة و العقيديــة يف النصــف الثــاين من‬
‫القرن العشرين‪ :‬صص‪169-144‬؛ اجلبوري‪ ،‬كيف وضع أول دستور عراقي‪ :‬ص‪88‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪66‬‬

‫الظــاهرة‪ ،‬والــيت تنص على ذلــك ‪...‬االشــرتاكية حتميــة تنبــع من قلب القوميــة العربيــة كنظــام مثــايل للشــعوب العربيــة‬
‫‪1‬‬
‫لتحقيق كامل طاقاهتا وتنمية مواهبها إىل أقصى حد‪.‬‬

‫‪ .2-1-1-1-3‬حركة القوميين العرب‬


‫بدأت احلركة القومية العربية كمجموعـة فـداء أسســها جمموعـة من الشــباب يف اجلامعـة األمريكيـة يف بـريوت بعـد‬
‫كارث ــة ‪ 1948‬يف فلس ــطني‪ .‬ب ــريوت‪ ،‬دمش ــق جمموع ــات‪ ،‬جمموع ــات مص ــرية‪ .‬تبنت اجملموع ــة أفك ــار مؤس ــس الفت ــاة‬
‫اإليطالي ــة م ــازيين ح ــول التض ــامن ورفض حجج الص ــراع الطبقي‪ .‬كم ــا ت ــأثرت بأفك ــار بس ــمارك وك ــافور والتجرب ــة‬
‫الوطنيــة لتوحيــد أملانيــا وتوحيــد إيطاليــا‪ .‬تــأثر اللــواء هبذه األفكــار العميقــة‪ ،‬فشــرعوا يف وضــع خطــط لتــدمري املؤسســة‬
‫وقتــل القــادة املســؤولني عن فقــدان فلســطني‪ ،‬وتفكيــك التنظيم بعــد احملاولــة الفاشــلة الغتيــال نــائب رئيس فلســطني‪.‬‬
‫واعتقل أركان من اجليش السوري وبعض عناصر اجملموعة‪ .‬ومضى جورج حبش ورفاقه يف تأسـيس منظمـة جديـدة‬
‫عرفت فيما بعد باسم حركة القوميني العرب‪ ،‬واليت قامت على فكرة تنظيم كتائب الفداء العربية‪.‬‬
‫أما انتشار احلركة القومية العربية يف العراق فقـد قـام بـه باسـل الكبيسـي ومحيـد اجلبـوري اللـذين درسـا يف اجلامعـة‬
‫األمريكي ــة يف ب ــريوت وع ــادا إىل الع ــراق ع ــام ‪ .1956‬رقم‪ .‬دوره يف التنظيم‪ ،‬وبس ــبب عالقات ــه الواس ــعة‪ ،‬متكن من‬
‫االنضــمام إىل بعض الضــباط العراقــيني‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬ال تــزال أنشــطة احلركــة يف العــراق مقتصــرة على جمموعــات قليلــة‬
‫داخــل بغــداد‪ .‬كــان للحركــة القوميــة العربيــة نش ــاط ضــئيل بني العمــال والفالحني‪ ،‬وبس ــبب شــباهبا واخنفــاض عــدد‬
‫أعضائها‪ ،‬مل تشارك يف أي مظاهرات وأعمال شغب ضد السلطات حىت ثورة ‪ 14‬يوليــو ‪ .1958‬ملاذا أرســل قــادة‬
‫احلركة الوطنيون أحد قادهتا‪ ،‬هاين اهلندي‪ ،‬إىل العراق لإلشراف على تطوير السياسة اجلديـدة للحركــة وتنظيمهـا يف‬
‫العراق‪ .‬أصبحت احلركة حزبا سياسيا يف العراق‪ .‬بعد أحداث املوصـل وكركــوك عــام ‪ ،1959‬شـنت احلركــة محلــة‬
‫عنيفة ضد الشيوعيني‪ .‬كما حتاول حشد قوات الدولة يف اجلبهة الوطنية الوحدوية وإجبارها على االنضمام إىل عبــد‬
‫الكــرمي قاســم‪ .‬ورغم أن احلركــة تعتــرب نفســها قــوة موحــدة‪ ،‬إال أهنا تــرفض بنــاء أي وحــدة خــارج اجلمهوريــة العربيــة‬
‫املتحـدة خشــية أن تـؤدي هـذه الوحـدة إىل انتقـال نفوذهـا خـارج إطـار اجلمهوريـة العربيـة املتحـدة‪ .‬ومن هـذا املنطلــق‬
‫اخنرطت حركات قومية عربية يف «اجلبهة الوطنية» اليت تشـكلت يف العـراق عـام ‪ 1961‬ملواجهـة عبـد الكـرمي قاسـم‬
‫الــذي اســتوىل على الكــويت أرض عراقيــة يف حزيــران ‪ /‬يونيــو ‪ ،1961‬ونشــأ خالف بني الــدول العربيــة‪ .‬املعســكر‬

‫‪ .1‬عفل ــق‪ ،‬يف س ــبيل البعث‪ :‬ص ــص‪60-33‬؛ بط ــاطوا‪ ،‬الع ــراق‪ :‬ج‪ ،3‬ص ــص‪55-50‬؛ الزي ــدي‪ ،‬التي ــارات الفكري ــة يف اخلليج الع ــريب‬
‫‪ :1971 -1938‬ص ــص‪72-67‬؛ علي ــوي‪ ،‬االح ــزاب السياس ــية يف الع ــراق ‪ -‬الس ــرية و العلني ــة‪ :‬ص ــص‪160-149‬؛ ال ــدوري‪،‬‬
‫حزب البعث العريب االشرتاكي ‪ -‬الدور السياسي و النضايل يف العراق منذ النشأة اىل عام ‪ :1968‬صص‪124-51‬‬
‫‪67‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫الق ــومي‪ ،‬ألن بعض األط ــراف رأت يف ذل ــك خط ــوة توحي ــد‪ ،‬أدى ذل ــك إىل انس ــحاب احلرك ــة القومي ــة العربي ــة من‬
‫‪1‬‬
‫اخلطوط األمامية والعمل مبفردها على قلب عبد الكرمي قاسم وترسيخ الوحدة العربية‪.‬‬

‫‪ .2-1-1-2‬االتجاه الفكري القومي الكردي‬


‫من ــذ ع ــام ‪ 1946‬وأثن ــاء ث ــورة يولي ــو ع ــام ‪ ،1958‬مل يكن هن ــاك وج ــود ك ــردي منظم وفع ــال على الس ــاحة‬
‫السياســية العراقيــة‪ ،‬باســتثناء احلزب الــدميقراطي الكردســتاين‪ ،‬حيث كــان احلزب الكــردي األول بــاملعىن التقليــدي‪ .‬مت‬
‫تشـ ـ ــكيل احلزب يف سـ ـ ــبتمرب ‪ 1937‬حتت اسـ ـ ــم (هيـ ـ ــوا‪-‬أمـ ـ ــل)‪ .‬يف ‪ 16‬آب ‪ 1946‬احتدت القـ ـ ــوى والتنظيمـ ـ ــات‬
‫والشخصيات الكردية يف حـزب سياسـي واحـد‪ :‬احلزب الـدميقراطي الكردسـتاين‪ ،‬انـدماج حـزبني كـرديني (شـورش)‬
‫و (رزقري) مع كوادر أخرى (هيوا) وبعض الشخصيات البارزة لتشكيل حزب كردي‪ .‬من هذا املنظور نقف عند‬
‫أهم املواقـع التارخييـة ونقـاط التحـول‪ .‬عنـد تأسـيس احلزب ويف احليـاة السياسـية للحـزب‪ ،‬نشــأت فكـرة إنشــاء احلزب‬
‫الدميقراطي الكردستاين من التأسيس الناجح للحزب الـدميقراطي الكـردي اإليـراين بعـد تشــكيل مجهوريـة مهابـاد عـام‬
‫‪ .1946‬لـذلك‪ ،‬من أجـل الـدفاع عن مجهوريـة مهابـاد‪ ،‬قـرر أكـراد العـراق يف إيـران إنشـاء دولـة قوميـة كرديـة تضـم‬
‫مجي ــع الفص ــائل الكردي ــة‪ ،‬وقبله ــا املال مص ــطفى ب ــارزاين وروج هلا‪ ،‬على غ ــرار تل ــك ال ــيت نش ــأت يف جترب ــة مهاب ــاد‬
‫الكردية‪ .‬احلزب الدميقراطي‪ .‬حزب سياسي ضـم مجيـع التنظيمـات الكرديـة يف العـراق ودعـا مجيـع مواطـين كردسـتان‬
‫الع ــراق لالنض ــمام للح ــزب اجلدي ــد‪ ،‬وهلذا الس ــبب أرس ــل ب ــارزاين محزة عب ــد اهلل وجمموع ــة من اجملموع ــات العرقي ــة‬
‫والقبائل إىل العراق يف ‪ 16‬آب ‪ /‬أغسطس ‪ ،1946‬والتقى مع اثنني من املواطنني ومالكيها يف منزل أصدره ســعيد‬
‫فهيم يف حي األعظميــة ببغــداد‪ ،‬أصــدر بياًن ا لتشــكيل حــزب سياســي جديــد هــو احلزب الــدميقراطي الكــردي‪ ،‬وعقــد‬
‫‪2‬‬
‫املؤمتر الثالث للحزب عام ‪ .1953‬يف وقت الحق‪ ،‬أصبح احلزب احلزب الدميقراطي الكردستاين‪.‬‬

‫‪ .1‬للمزيــد عن (حركــة) القومــيني العــرب؛ شــالش‪ ،‬حركــة القومــيني العــرب و دورهــا يف التطــورات العــراق ‪ :1968 -1958‬صــص‬
‫‪48-39‬؛ اخلالدي‪ ،‬التيارات الفكرية و العقيدية يف النصف الثـاين من القـرن العشـرين‪ :‬صـص‪186-171‬؛ البـدراين‪ ،‬الفكـر القـومي‬
‫لدى االحزاب و احلركات السياسية يف العراق ‪ :1958 -1945‬صص‪56-49‬‬
‫‪ .2‬دبــاغ‪ ،‬اجلمعيــات و املنظمــات و االحــزاب الكورديــة يف نصــف قــرن ‪ :1958 -1908‬صــص‪110-92‬؛ جــواد‪ ،‬دراســات يف‬
‫املسألة القومية الكوردية‪ :‬ص‪142‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪68‬‬

‫يؤكد برنـامج احلزب على هـدف الشــعب الكـردي املتمثـل يف احلقـوق الوطنيـة يف إطـار الوحـدة الوطنيـة العراقيـة‪،‬‬
‫ويدعو إىل استقالل العراق ودميقراطية برملانية‪ ،‬ويؤكد على امللكية الفردية لألرض‪ ،‬على الرغم من نفوذ اليسار‪ .‬يف‬
‫اهليئــات التأسيســية واللجنــة املركزيــة‪ ،‬ال حيتــوي برنــامج احلزب على مضــمون اجتمــاعي أو يتنــاول قضــايا الفالحني‬
‫واإلصالح الزراعي وتوزيع األراضي على الفالحني‪ ،‬وهو ما يعـود إىل بدايـة فكـرة تأسـيس احلزب الشـيوعي‪ .‬أدخـل‬
‫احلزب رم ــوزًا قبلي ــة يف قي ــادة احلزب اجلدي ــد‪ ،‬األم ــر ال ــذي مل تس ــاعده معارض ــة من الش ــيوعيني واليس ــاريني داخ ــل‬
‫احلزب‪ ،‬فظه ـ ــرت الشخص ـ ــية القبلي ـ ــة للح ـ ــزب وبرناجمه وبرناجمه‪ .‬ومل ي ـ ــذكر أي إص ـ ــالحات اجتماعي ـ ــة واقتص ـ ــادية‬
‫وزراعية أدت إىل إبعاد النخبة املثقفة إىل مرتبة األقلية داخل احلزب‪ ،‬حبيث تأسـس احلزب كتجمـع اجتمـاعي وثقـايف‬
‫أكثر من كونه كياًنا للتجمع السياسي‪ .‬واجه احلزب الـدميقراطي العديـد من املشـاكل بني هـذه السـنوات (‪-1946‬‬
‫‪ ،)1951‬وكان عليه أن يقاتل على أكثر من جبهة‪ ،‬مبا يف ذلك أيديولوجيًا ضد احلزب الشيوعي العراقي‪ ،‬الذي مل‬
‫ي ــرى حاج ــة حلزب ق ــومي ك ــردي‪ .‬ك ــان اجتم ــاع قي ــادة احلزب واملؤمتر الث ــالث يف كرك ــوك يف ‪ 26‬ك ــانون الث ــاين‬
‫‪ 1953‬نقطة حتول مهمة يف تـاريخ احلزب‪ .‬ويشــمل االحتياجـات االقتصــادية واالجتماعيـة مثـل اإلصـالح الــزراعي‪،‬‬
‫وحتسني املســتوى املعيشــي واالجتمـاعي للطبقـة العاملــة‪ ،‬ويـدعو إىل تـأميم املوارد الطبيعيـة مبا يف ذلـك النفـط‪ ،‬ويـدعو‬
‫إىل تشـ ــكيل مجعيـ ــات املزارعني وبنـ ــاء الصـ ــناعات الثقيلـ ــة‪ ،‬ويؤكـ ــد على االسـ ــرتاتيجية االسـ ــرتاتيجية‪ .‬التحـ ــالف مـ ــع‬
‫املعســكر االشــرتاكي األمــريكي‪ ،‬وترفــع اإلطاحــة بالنظــام امللكي‪ ،‬شــعار إقامــة مجهوريــة دميقراطيــة‪ ،‬وضــمان حقــوق‬
‫األكراد داخل احلكم الذايت العراقي‪ ،‬وهو حتول من مفهوم الشعب إىل مفهوم الشعب بعـد ثـورة ‪ 14‬يوليـو ‪1958‬‬
‫أعلن احلزب الــدميقراطي دعمــه للثــورة‪ ،‬على أمــل التخلص من اهتامــات الشــيوعية‪ .‬ســيليب مطــالب الشــعب الكــردي‪،‬‬
‫وبعـد أن أدرك أن ذلـك كـان مسـتحيًال‪ ،‬قـام بعمـل مسـلح وقـاد ثـورة ‪ 11‬سـبتمرب ‪ 1961‬الـيت اسـتمرت حـىت إبـرام‬
‫اتفاقــات اجلزائــر عــام ‪ ،1975‬عنــدما تــرك املكتب السياســي القيــادة عــام ‪ 1964‬م‪ .‬ومن أشــهر الشخصــيات الــيت‬
‫قادت الفرقة إبراهيم أمحد طالباين‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬أقسمت العشائر الكردية على والئها بني االجتاهني‪ ،‬وانــدلع قتــال‬
‫بينهما‪ .‬توصلت بعض األطراف إىل اتفاق يف آذار ‪ .1970‬ويف عام ‪ 1976‬شارك احلزب الدميقراطي الكردســتاين‬
‫يف الثورة املسلحة مرة أخرى‪ ،‬وحبلول ‪ 5‬آذار ‪ ،1991‬عندما انتفاضة شعب كردسـتان‪ ،‬شـارك احلزب الــدميقراطي‬
‫الكردسـتاين يف أول انتخابـات برملانيـة‪ .‬أجـرى إقليم كوردسـتان انتخابـات ‪ 19‬أيـار ‪ 1992‬وحصـل على (‪)%50‬‬
‫من جممـوع األصـوات‪ .‬احلرب األهليـة مـع االحتاد الوطـين الكردسـتاين يف ‪ 2‬مـايو ‪ ،1994‬والـيت اسـتمرت حـىت عـام‬
‫‪69‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .1998‬ويف انتخابـ ـ ــات ‪ 2009‬شـ ـ ــارك احلزب الـ ـ ــدميقراطي واالحتاد الوطـ ـ ــين معـ ـ ــا يف االنتخابـ ـ ــات وبلغت نسـ ـ ــبة‬
‫‪1‬‬
‫التصويت ‪ ،%57.37‬ويشغل احلزب الدميقراطي حاليا ‪ 30‬مقعدا يف برملان كوردستان‪.‬‬

‫‪ .2-1-2‬التيارات الفكرية اليسارية‬


‫لعبت األفك ــار املاركس ــية دوًر ا بــارًز ا يف خل ــق العديــد من األحــداث ال ــيت عاشــها الع ــراق منــذ عش ــرينيات الق ــرن‬
‫املاضــي حــىت كــان للفصــائل والقــوى الــيت متثلــه س ـجاًل من األنشــطة السياســية والتنظيميــة الســرية والعلنيــة‪ ،‬والــدوائر‬
‫املاركسية منذ بداية القـرن العشـرين‪ .‬بـدأ العقـد يف الظهـور ‪ -‬القـرن األول‪ .‬لقـد أمضـوا عقـًد ا يف العـراق بعـد اصـدار‬
‫فه ــد‪ 2.‬البي ــان الش ــيوعي األول يف ‪ 13‬ديس ــمرب ‪ ،1932‬أص ــبحوا ن ــواة لتأس ــيس احلزب الش ــيوعي الع ــراقي وعق ــدوا‬
‫اجتماعــه االفتتــاحي يف بغــداد يف ‪ 31‬مــارس ‪ ،1934‬والــذي ضــم العديــد من الشــيوعيني العراقــيني من خمتلــف أحناء‬
‫الع ــراق‪ ،‬وفي ــه ك ــان ق ــرروا يف االجتم ــاع توحي ــد تنظيمهم واجله ــاز املرك ــزي حتت اس ــم جلن ــة مكافح ــة االس ــتعمار‬
‫واالســتثمار‪ ،‬ويف يوليــو ‪ 1935‬قــرر املركــزي تغيــريه‪ .‬اســم العــراق حــزب شــيوعي‪ 3،‬هــذا هــو أحــد أهم املبــادئ الــيت‬
‫يدعمها احلزب‪ .‬إهنا التخلص من االستعمار‪ ،‬وحريـة الشـعب‪ ،‬واالسـتقالل الـذايت لألكـراد‪ ،‬واحلقـوق الثقافيـة جلميـع‬
‫األقلي ــات‪ ،‬وتوزي ــع األراض ــي على الفالحني‪ ،‬وإعف ــاء ك ــل دي ــوهنم‪ ،‬ومص ــادرة ممتلك ــات املس ــتعمرين‪ ،‬حق ــول النف ــط‬
‫والبنــوك وقطاعهــا الــزراعي‪ ،‬القــوة تــرتكز يف أيــدي الفالحني وتناضــل باســتمرار من أجــل ثــورة اجتماعيــة من مجيــع‬
‫جوانبهــا‪ .‬عــاىن احلزب الشــيوعي العــراقي طــوال تارخيه مراحــل صــعبة وأثقلتــه بفرقــات متتاليــة ومحالت اعتقــال مشلت‬
‫معظم أعضائه وقادتـه‪ ،‬وإعـدام أمينـه العـام عـام ‪ .1949‬بني عـامي ‪ 1958‬و ‪ ،1959‬كـان يعتـرب احلزب السياسـي‬
‫األقــوى يف البالد حيث شــغل أعضــاؤه وأنصــاره مناصــب مرموقــة‪ .‬يف املؤسســات املدنيــة والعســكرية للبالد‪ ،‬بــالرغم‬
‫من أن حكم (عبـ ــد الكـ ــرمي قاسـ ــم) ليس يف الشـ ــيوعيني يعتقـ ــدون أنـ ــه حكم شـ ــعيب‪ ،‬أي حكم الربوليتاريـ ــا‪ ،‬لكنهم‬
‫يعتقدون أنه ميكنهم االسـتفادة من الصــراع الــداخلي وحتويلــه على املدى الطويـل إىل حكم بروليتـاري‪ ،‬والــذي ميكن‬
‫حتقيقه من خالل ممارسـة الضـغط على السـلطة لتعـيني نـواب الشـعب ‪ -‬الشـيوعيني ‪ -‬يف مناصـب مهمـة‪ ،‬ويف النهايـة‬
‫سيطر الشيوعيون على احلكومة و‪ ،‬بفضل عبد الكرمي قاسـم بـأمس احلاجـة إىل دعم شـعيب ضـد القـوى الـيت ال يوافـق‬
‫على الــدعوة إىل الوحــدة الفوريــة‪ ،‬والشــيوعيون يعــاديون يف السياســة أولئــك الــذين يــدعون إىل الوحــدة‪ .‬س ـُيجربون‬

‫‪ .1‬اجلبوري‪ ،‬كيف وضع أول دستور عراقي‪ :‬ص‪87‬؛ عليـوي‪ ،‬االحـزاب السياسـية يف العــراق ‪ -‬السـرية و العلنيـة‪ :‬ص‪142‬؛ فرهـاد‪،‬‬
‫«تأسيس احلزب الدميقراطي الكوردستاين – العراق»‬
‫‪ .2‬النعمان‪ ،‬احلزب الشيوعي العراقي بقيادة فهد‪ :‬ص‪24‬‬
‫‪ .3‬بط ـ ــاطوا‪ ،‬الع ـ ــراق‪ :‬ج‪ ،2‬ص ـ ــص‪86-61‬؛ اخلرس ـ ــان‪ ،‬ص ـ ــفحات من ت ـ ــاريخ الع ـ ــراق السياس ـ ــي احلديث ‪ -‬احلرك ـ ــات املاركس ـ ــية‬
‫‪ :1990 -1920‬صص‪30-19‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪70‬‬

‫على السماح هلم بتجنيد اجلماهري لدعمه‪ ،‬لكنهم توقعوا أيًض ا أن يقع العراق تدرجييًا حتت نفوذهم الكامــل‪ ،‬مما دفــع‬
‫احلزب وحلفائ ــه إىل ظه ــور خالف ــات يف املواق ــف بني الق ــوى الوطني ــة‪ ،‬ض ــد الس ــلطة اجلدي ــدة‪ .‬ألن احلزب دعم عب ــد‬
‫الك ــرمي قاس ــم‪ ،‬فيم ــا حظيت الق ــوى الوطني ــة ب ــدعم نائب ــه عب ــد القاس ــم س ــالم ع ــارف‪ ،‬األم ــر ال ــذي س ــاهم يف حتول‬
‫التحالف الشيوعي القومي إىل وضع كان فيه السباق لكسب اجلماهري يف حماولة للســيطرة على النقابــات واحلركــات‬
‫والتنظيمات الشعبية واكتساب املزيد من النفوذ داخـل مركـز الســلطات‪ ،‬وصـراع املواقـف بني الشــيوعيني والقومـيني‬
‫حول انضمام العراق إىل ائتالف مصر وسوريا عّم ق االنقسام والصراع‪.‬‬
‫بني الشــيوعيني والقومــيني‪ .‬كــانت هــذه املســامهة الفعالــة للشــيوعيني يف قمــع احلراك يف املوصــل (الشــواف) وأدت‬
‫إىل تنامي نفوذ الشيوعيني يف أجهزة الدولة واجليش مما جعلهم يرفعون العائق من خالل مطالب تقاسـم الســلطة الــيت‬
‫تــوجت مطــالبهم‪ ،‬مما أدى إىل دفــع عبــد الكــرمي قاســم إىل إهناء ذلــك‪ .‬أدى النفــوذ املتزايــد إىل انقســامات وعــزل بني‬
‫احلزب الشــيوعي وعبــد الكــرمي قاســم اســتمرت حــىت فــرباير ‪ .1963‬عــارض احلزب الشــيوعي العــراقي منــذ البدايــة‬
‫انقالب البعثــيني يف ‪ 8‬فــرباير ‪ .1963‬دفــع أنصــارهم مثنـًا باهظـًا هلذا املنصــب بعــد االنقالب النــاجح واإلطاحــة بعبــد‬
‫الكرمي قاسم‪ ،‬ولكن يف ‪ 18‬نوفمرب ‪ 1963‬وعبدالساح بعد أن أطاح رام عــارف حبزب البعث‪ ،‬بــدأ الشــيوعيون يف‬
‫االقرتاب من الســلطة مـرة أخـرى‪ ،‬ال سـيما‪ .‬بعـد إعالن قـرار تـأميم كـربى الشــركات والبنـوك واإلعالن عن تشــكيل‬
‫االحتاد االشـ ــرتاكي العـ ــريب‪ ،‬إال أن هـ ــذا املوقـ ــف مل يـ ــدم طـ ــويًال‪ ،‬حـ ــىت وصـ ــف احلزب حكم عبـ ــد السـ ــالم عـ ــارف‬
‫بالديكتاتورية عام ‪ 1965‬ورفع شعارات اإلطاحـة بـه‪ .‬االنقالب الثـاين حلزب البعث يف ‪ 17‬يوليـو ‪ ،1968‬وأدت‬
‫احملادثات بني األحزاب إىل تشكيل اجلبهة الوطنية التقدمية اليت ضمت مجيع أعضــاء حــزب البعث واحلزب الشــيوعي‬
‫العــراقي والقومــيني التقــدميني والــدميقراطيني املســتقلني‪ .‬وبعــد أربــع ســنوات‪ ،‬وجــدت الس ــلطات تنظيمــات شــيوعية‬
‫داخل اجليش‪ ،‬واعتقلت السلطات منظميهـا وأعـدمتهم‪ ،‬مـا دفـع الشــيوعيني إىل مغـادرة اخلطـوط األماميـة‪ ،‬مث مغـادرة‬
‫‪1‬‬
‫قيادات احلزب إىل اخلارج‪ ،‬حيث بدأوا يف التنظيم سياسًيا وإعالمًيا‪ .‬من أجل إسقاط النظام البعثي‪.‬‬

‫‪ .2-1-3‬التيارات الفكرية الدينية (االسالمية)‬


‫يعتقـ ــد أصـ ــحاب هـ ــذا االجتاه أن احلل يكمن يف محايـ ــة اإلسـ ــالم واحلفـ ــاظ عليـ ــه‪ ،‬والتطـ ــبيق الصـ ــحيح للش ـ ــريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وااللتزام مبفهوم الدولة اإلسالمية‪ ،‬ودستورية القرآن‪ ،‬وصورة اجملتمع اإلســالمي األول‪ .‬منوذج يف خمتلــف‬
‫اجملاالت‪ .‬تعطي األولويــة للعمــل اإلســالمي وتســعى إىل إعــادة اجملتمــع اإلســالمي إىل حيــاة املســلمني األوائــل‪ ،‬ولكن‬
‫على أســاس حقيقي وجديــد يف تفاعــل دينــاميكي مــع مطــالب العصــر‪ ،‬على الــرغم من االختالفــات يف الــرأي ونقــاط‬

‫‪ .1‬عليـوي‪ ،‬احلـزاب السياسـية فـي العـراق _ السـرية و العلنيـة‪ :‬صص‪30-29‬‬


‫‪71‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫االنطالق بني قــادة العمــل اإلســالمي‪ ،‬والــيت يتالقــون يف النهايــة هم حيملــون مشــروع احلضــارة اإلســالمية‪ ،‬ويســعون‬
‫الستكمال مشروع اإلحياء اإلسالمي‪ ،‬وخيدمون األمة اإلسالمية‪ 1.‬يدور الفكر الديين (اإلســالمي) يف العــراق حــول‬
‫اجتاهني‪ ،‬الفك ــر اإلس ــالمي الش ــيعي وأهم ق ــوة رئيس ــية بينهم ــا‪ :‬ح ــزب ال ــدعوة اإلس ــالمية‪ ،‬والفك ــر الث ــاين ه ــو الفك ــر‬
‫اإلسالمي السين املتمثل يف احلفلة اإلسالم العراقي‪...‬‬

‫‪ .2-1-3-1‬حزب الدعوه االسالمي‬


‫يعت ــرب ح ــزب دع ــوة اإلس ــالم من أب ــرز األح ــزاب الش ــيعية يف السياس ــة العراقي ــة‪ ،‬وق ــد ت ــأثرت مجي ــع التنظيم ــات‬
‫واألحــزاب الشــيعية الــيت تشــكلت فيمــا بعــد بــاحلزب وكــوادره إىل أن دخــل احلزب يف السياســة اإلســالمية الشــيعية‪.‬‬
‫احلزب الشــيوعي العــراقي من حيث األحــزاب والتنظيمــات السياســية‪ ،‬وتــأثري تأســيس حــزب الــدعوة‪ ،‬وتــأثري النشــاط‬
‫اإلسـالمي اخلارجي‪ ،‬وخاصـة مجاعـة اإلخـوان املســلمني املصـرية‪ ،‬وهنـاك اختالفـات يف تـوقيت تأسـيس احلزب‪ 2،‬غـري‬
‫أن املوقـ ــع الرمسي للحـ ــزب حـ ــدد ‪ 10/12/1957‬موعـ ــدًا لتأسـ ــيس حـ ــزب دعـ ــوة اإلسـ ــالم وذكـ ــر أن االجتمـ ــاع‬
‫التأسيسي انعقد يف جملس األعيـان السـيد حمسـن احلكيم‪ .‬قيـادة السـيد حممـد بـاقر الصـدر وحبضـور جمموعـة من رجـال‬
‫الــدين الشــيعة املؤثرين يف اجملتمــع الشــيعي‪ 3.‬ميكن القــول أن تشــكيل حــزب دعــوة اإلســالم كــان على األرجح بــرأي‬
‫سيد حممد مهدي حكيم‪ ،‬أي عام ‪ ،1958‬حيث انعقد االجتماع االفتتاحي يف منزهلم وحبضوره‪.‬‬
‫رمبا كان أكثر ما أثار غضب القوى الدينية بعد ثورة ‪ 14‬يوليو ‪ 1958‬هــو نفــوذ احلزب الشــيوعي يف النجــف‪.‬‬
‫مجاهري احلس ــيين جّر ت ــه إىل مظ ــاهرات حاش ــدة وثوري ــة‪ ،‬وك ــان أش ــد املعارض ــني النتش ــار احلرك ــة اليس ــارية وهيمنته ــا‬
‫إشارات إىل النجف‪ ،‬فمن أصدر مرسوًم ا مينع االنتماء إىل احلزب الشيوعي وعمل ضده‪ ،‬رمبا شكل ال يوجد‪ .‬عــدم‬

‫‪ .1‬الزي ــدي‪ ،‬التي ــارات الفكري ــة يف اخلليج الع ــريب ‪ :1971 -1938‬ص ــص‪250-243‬؛ اخلي ــون‪100 ،‬ع ــام من االس ــالم السياس ــي‬
‫بالعراق‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪9‬؛ اخليون‪100 ،‬عام من االسالم السياسي بالعراق‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪171‬‬
‫‪ .2‬هن ــاك من ي ــرى ان تأسيس ــه يع ــود اىل ع ــام ‪ ،1957‬وهن ــاك آراء اخ ــرى ختتل ــف يف ذل ــك‪ ،‬فق ــد راى (ط ــالب الرف ــاعي) وه ــو اح ــد‬
‫اصحاب فكرة تأسيس حزب الدعوة‪ ،‬بان فكرة تأسيس حزب الدعوة مل تكن مطروحا قبل ثـورة متوز عـام ‪ 1958‬بـل انـه جـاء ردًاًا‬
‫ملواجهة (املد الشيوعي) يف هناية مخسينيات القرن العشرين‪ ،‬و هناك رأي الشيخ الفضلي الذي اشــار اىل ان االجتمــاع التاسيســي كــان‬
‫يف كــربالء واطلــق على احلزب اوال اســم احلزب االســالمي" وبعــد عــام واحــد تقريبــا تبــدل االســم اىل (حــزب الــدعوة االســالمية‪ ،‬الن‬
‫مجاعة االالخوان املسلمني تقدموا بطلب تأسيس حزب سياسي باسم "احلزب االسـالمي" وهـو مــا دفـع مؤسـس احلزب اىل تغيـري اسـم‬
‫حزبه‪ ،‬ومن املعلوم ان احلزب االسالمي العراقي" حصل على اجازة العمل يف عام ‪ ،1960‬وهذا يعين ان تأسيس حزب الدعوة يعود‬
‫اىل مــا بعــد تأسيســه‪ ،‬امــا الســيد حممــد مهــدي احلكيم فــريى بــان تاســيس احلزب يعــود اىل عــام ‪ ،1958‬فضــال عن آراء اخــرى حــول‬
‫تاريخ تأسيس حزب الدعوة‬
‫‪ . 3‬املوق ــع الرس ــمي حل ــزب ال ــدعوة الس ــلمية‪« ،‬الرقابة بني تعدد األجهزة وضعف الفاعلية»‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪72‬‬

‫وجــود أفكــار حــزب الــدعوة يف مواجهــة حماوالت توســيع ســلطة الشــيوعيني‪ ،‬رغم ارتبــاط الســيد احلزب هبا‪ ،‬يعمــل‬
‫احلزب على أسـاس مــرحلي‪ ،‬وهي (أوًال‪ ،‬تشــكيل احلزب والتغيـري األيـديولوجي‪ ،‬يليـه العمــل السياسـي‪ .‬ثالًثا ‪ /‬تســلم‬
‫احلكم‪ / 4 ،‬اعتين مبصاحل اإلسالم واألمـة اإلسـالمية بعـد تـويل احلكم)‪ .‬فيمـا يتعلـق بـاالعرتاف بـاملراجع‪ ،‬مثـل‪ .‬وقـال‬
‫الس ــيد حمس ــن احلكيم إن ــه إذا ك ــان مع ــىن السياس ــة ه ــو إص ــالح ش ــؤون الن ــاس وحماول ــة حتس ــني أوض ــاعهم وتص ــحيح‬
‫أوضاعهم ‪...‬‬
‫ف ــإن دين اإلس ــالم املق ــدس ه ــو فق ــط للقي ــام هبذه األم ــور‪ 1.‬خ ــدمت ه ــذه التص ــرحيات والفت ــاوى حرك ــة ال ــدعوة‬
‫وأصبحت جواز سـفر الـدعوة يف املعاهـد واملراكـز اإلسـالمية‪ .‬الصـدر‪ ،‬ومـع انقالب ‪ 8‬فـرباير ‪ ،1963‬أشـار احلزب‬
‫إىل موقفــه الــذي حشــد ضــده املعارضــون لالنقالب الشــعب لدعمــه‪ ،‬والــذي بــدأ يف التســلل إىل اجلامعــة يف ســتينيات‬
‫القــرن املاضــي‪ ،‬إحيــاء احلكم وأصــدرت قيــادة احلزب قــراًر ا رمسًيا عــام ‪ 1969‬يقضــي بإزالــة املراجــع الدينيــة كعقبــة‬
‫رئيس ــية أم ــام تق ــدم احلزب‪ ،‬وب ــدأت موج ــة من االعتق ــاالت ومص ــادرة األم ــوال‪ .‬مرجعي ــة‪ ،‬ولكن احلزب بقي طي‬
‫الكتمــان‪ ،‬ومن هنــا حتول النضــال السياســي ضــد النظــام البعــثي إىل كفــاح مســلح بــدأ عــام ‪ ،1979‬ونشــط حــزب‬
‫الدعوة يف السبعينيات والثورة اإلسالمية (يف إيران)‪ ،‬واملطاردة واالعتقاالت‪ .‬بدأ داخل احلزب حــىت اعتقــال وإعــدام‬
‫الســيد حممــد البــاجر الصــدر وشــقيقته عــام ‪ ،1980‬وحبلــول عــام ‪ 1982‬إعــدامات بني اإلســالميني الشــيعة باملئــات‪،‬‬
‫واســتمرت الســلطة حــىت عــام ‪ ،2003‬ويف ‪ ،2005‬حــزب البعث أطــاحت القــوات األمريكيــة والربيطانيــة بالنظــام‪،‬‬
‫ويف عام ‪ 2005‬وصل حزب البعث إىل السلطة‪ ،‬أما األساس األيديولوجي للحزب‪ ،‬فإن صوت اإلسالم يقوم على‬
‫جمموع ــة من األســس‪ ،‬ويــدور حــول اإلســالم واملعتق ــدات واإلســالم‪ .‬الدول ــة ال ــيت يريــد احلزب بناءه ــا وتس ــمى ه ــذه‬
‫‪2‬‬
‫األسس (األسس النظرية)‪.‬‬

‫‪ .2-1-3-2‬الحزب االسالمي العراقي‬


‫تأسست مجاعة اإلخوان املسلمني يف مصر على يد حسن البنا عام ‪ 1928‬وانتشــرت منــذ ذلــك احلني يف الــدول‬
‫العربية‪ ،‬مبا يف ذلك العراق‪ .‬يف عام ‪ 1946‬مت إيصال رسالة اإلخوان املسلمني املصريني وتأسـيس فـرعهم يف العـراق‬
‫وإنش ــاء أول ف ــرع يف الع ــراق‪ .‬التقى الش ــيخ الص ــواف حبس ــن البن ــا ع ــام ‪ 1939‬عن ــدما حض ــر األول إح ــدى اخلطب‬
‫الثانية‪ ،‬وبعدها التحق الصواف باجلماعة وقبل عودتـه جعلـه البنـا العضـو املؤسـس لتنظيم اإلخـوان املسـلمني‪ ،‬كـان يف‬
‫مص ــر وانتق ــل إىل الع ــراق بع ــد عودت ــه إىل ال ــوطن‪ ،‬وعم ــل يف البداي ــة من خالل اجلمعي ــات اخلريي ــة‪ ،‬ويف ع ــام ‪1951‬‬

‫‪ .1‬اخليون‪100 ،‬عام من االسالم السياسي بالعراق‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪92‬‬


‫‪ .2‬يام ــاو‪ ،‬تاري ــخ احل ــزاب الس ــلمية ف ــي الع ــراق – التح ــول ف ــي ح ــزب ال ــدعوة ( ‪ :)2009 -1957‬صص‪243-234‬‬
‫‪73‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫أســس مجاعــة اإلخــوان املســلمني وأصــدر جملــة اإلخــوان اإلســالمية الــيت تــوقفت عــام ‪ .1954‬إال أن أنشــطة الشــيخ‬
‫الصــواف مل تتوقــف‪ ،‬بــل اســتمرت يف العمــل من خالل بعض اجلمعيــات األخــرى مثــل (شــباب املســلمني‪ ،‬واإلرشــاد‬
‫اإلسالمي‪ ،‬واألدب)‪ .‬يف عـام ‪ 1948‬قـام بتشـكيل اهليئـة التأسيسـية لألخـوة‪ ،‬األعظميـة الشـريعة من الكليـة‪ ،‬وعنـدما‬
‫انــدلعت الثــورة يف ‪ 14‬يوليــو ‪ ،1958‬أعلن دعمــه للثــورة وقــدمت جمموعــة من أعضــاء األخــوة التماســهم إىل وزارة‬
‫الداخليـ ــة يف ‪ 8‬فـ ــرباير ‪ 1960‬م باملوافقـ ــة على تأسـ ــيس حـ ــزب إسـ ــالمي حتت مسـ ــمى حـ ــزب‪ .‬احلزب اإلسـ ــالمي‬
‫العــراقي‪ ،‬لكن الطلب قوبــل بــالرفض من قبــل وزارة الداخليــة حبجــة أن احلزب يقــوم على أســس دينيــة طائفيــة‪ .‬وزارة‬
‫الداخلي ــة خ ــولت الط ــرف املؤس ــس تنفي ــذ ق ــرار احملكم ــة العلي ــا ألن ــه مل ــزم للحكوم ــة وافتتح احلزب فرع ــه األول يف‬
‫‪1‬‬
‫األعظمية‪.‬‬
‫علــق احلزب اإلســالمي تنظيمــه يف أبريـل ‪ ،1971‬وتـوىل حـزب البعث الســلطة بعــد ذلــك بثالث سـنوات وأعــدم‬
‫اإلســالميني‪ ،‬مما دفــع عــدًد ا كب ـًريا من قــادة احلزب‪ ،‬مبن فيهم زعيم احلزب‪ ،‬إىل مغــادرة العــراق والتوجــه إىل اخلارج‪.‬‬
‫أوقــف اإلخــوان املســلمون تنظيمهم‪ ،‬وقــرارهم جــاء من التنظيم يعــين التصــفية‪ ،‬لــذلك جيب وقــف التنظيم‪ ،‬وجيب أن‬
‫تس ــتمر األنش ــطة ال ــيت دعت إليه ــا‪ ،‬لكن بعض الش ــباب ذوي املي ــول اإلس ــالمية التق ــوا ببعض ــهم البعض ع ــام ‪1991‬‬
‫وقــرروا تأســيس حــزب اإلســالم‪ .‬واعتمــد هنج احلزب اإلســالمي الســابق‪ .‬من جــانبهم‪ ،‬شــكلوا حزب ـًا إســالميًا باســم‬
‫احلزب اإلسالمي العراقي‪ .‬استمر احلزب يف العمل يف اخلارج حىت سقوط النظام البعثي ودخول اإلســالم‪ .‬يف نيســان‬
‫‪ /‬أبريل ‪ ،2003‬عندما دخـل اجليش األمــريكي بغـداد‪ ،‬اسـتأنف احلزب اإلسـالمي بقيـادة حمسـن عبـد احلميـد نشــاطه‬
‫يف العــراق‪ ،‬ومنــذ ذلــك احلني‪ ،‬مت افتتــاح عشــرات الفــروع يف خمتلــف أحناء العــراق‪ .‬إذا مت حظــر أنشــطته يف الســنوات‬
‫‪2‬‬
‫السابقة‪.‬‬
‫أما برنامج احلزب اإلسالمي فهـو يطـرح نفســه حتت عنـوان الدسـتور الـذي يرسـم صـورة دولـة تقـوم على مبـادئ‬
‫الشــريعة اإلســالمية وحكومــة تســتمد شــرعيتها من التمســك هبذه املبــادئ واملفــاهيم‪ .‬وكمــا ورد يف املنــاهج الداخليــة‬
‫للحــزب‪ ،‬فــإن احلزب يــؤمن بــأن اإلســالم أســلوب حيــاة شــامل يضــمن حــق مجيــع النــاس يف حتقيــق رفــاههم يف الــدنيا‬
‫واحلي ــاة اآلخ ــرة‪ ،‬والش ــريعة هي املص ــدر األساس ــي للتش ــريع‪ ،‬و ي ــؤمن احلزب بالتعددي ــة السياس ــية وس ــيادة الق ــانون‬
‫والدستور والتداول السلمي للسلطة‪ .‬احلزب يتبىن مبدأ الشعلة ويعتربه ملزمــا‪ .‬ورأى أن الدميقراطيــة هي أجنح طريقــة‬
‫ثوريــة يف اختيــار احلكــام‪ ،‬ومن أجــل تطــبيق ذلــك‪ ،‬اتبــع احلزب خــط الوســطية واالعتــدال‪ ،‬ونبــذ العنــف واإلرهــاب‬

‫‪ .1‬املشـاخيي‪ ،‬تـاريخ نشــأة احلــزب الســلمي العراقــي‪ :‬صـص‪44-13‬؛ اخليـون‪100 ،‬عـام من االسـالم السياسـي بـالعراق‪ :‬ج‪ ،2‬صـص‬
‫‪80-42‬‬
‫‪ . 2‬محيد‪« ،‬احلزب السلمي العراقي‪-‬دراسة يف التنظيـم و الفكـار و املواقـف»‪ :‬صص‪651-601‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪74‬‬

‫جبميع أنواعه واستبداد األفراد واألحزاب‪ ،‬ومبادئ يدين احلزب التمييز العنصري والعرقي والطــائفي ويــؤمن بالعدالــة‬
‫‪1‬‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫‪ . 1‬موقع الرمسي للحـزب الســلمي‪« ،‬املنهاج الداخلي للحزب السلمي العراقي»‬


‫‪75‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .2-2‬تأثير األتجاهات الفكرية في صياغة الدساتير العراقية في العهد الجمهوري حتى‬


‫عام ‪2003‬‬
‫ب ــالنظر إىل الوض ــع االجتم ــاعي واالقتص ــادي والسياس ــي ال ــذي ك ــان مير ب ــه الع ــراق يف العه ــد امللكي‪ ،‬أطل ــق على‬
‫جمموع ــة من الض ــباط يف اجليش الع ــراقي‪ ،‬م ــدعومني من قب ــل بعض أح ــزاب املعارض ــة ال ــيت تش ــكل اجلبه ــة الوطني ــة‬
‫املتحدة‪ ،‬اسم الفجر احلر يف ‪ 14‬متوز‪/‬يوليو ‪ ،1958‬أطاح تنظيم الضباط العسكريني بالنظام العراقي من ملكية إىل‬
‫مجهورية‪ ،‬وقاموا بتصفية رموز النظام الســابق وكـل مـا يتعلــق بامللكيـة‪ ،‬وأصـبحت حـركتهم تعـرف بثـورة ‪ 14‬يوليـو‬
‫‪ ،1958‬وبعد فرتة وجيزة‪ ،‬تلك املوجودة يف صدور دستور جديد عرف بالدســتور االنتقــايل لعــام ‪ 1958‬واســتمر‬
‫ذلك حىت تدخل اجليش مرة أخرى عرب جمموعة من الضباط الوطنيني والبعثـيني إلسـقاط النظـام يف ‪ 8‬فـرباير ‪1963‬‬
‫واســتمر االنقالب‪ .‬وقــع االنقالب األخــري يف ‪ 17‬متوز (يوليــو) ‪ ،1968‬عنــدما تــوىل حــزب البعث الســلطة واســتمر‬
‫يف احلكم حـىت ‪ 9‬نيسـان (أبريـل) ‪ ،2003‬عنـدما دخلت القـوات األمريكيـة بغـداد وأطـاحت بالنظـام البعـثي‪ ،‬خالل‬
‫الفرتة ‪ ،2003-1958‬مت تشـكيل أربـع مجهوريـات يف العـراق‪ ،‬ولكـل مجهوريـة دسـتورها اخلاص هبا وهـو مـؤقت‪،‬‬
‫وق ــد متت ص ــياغة ك ــل منه ــا بطريق ــة تعكس التوج ــه اإلي ــديولوجي ومص ــاحل اجملموع ــة أو الق ــوة السياس ــية احلاكم ــة‬
‫وأي ــديولوجيتها‪ ،‬من هن ــا يقس ــم ه ــذا املبحث على ثالث ــة مط ــالب‪ ،‬اذ يك ــون املطلب األول ملناقش ــة أث ــر االجتاه ــات‬
‫الفكريـة يف صـياغة الدسـتور يف عهـد اجلمهوريـة األوىل‪ ،‬امـا املطلب الثـاين فخصـص لتوضـيح أثـر األجتاهـات الفكريـة‬
‫يف صــياغة الدســتور يف عهــد اجلمهوريــتني الثانيــة والثالثــة‪ ،‬ويتنــاول املطلب الثــالث أثــر األجتاهــات الفكريــة يف صــياغة‬
‫الدستور يف عهد اجلمهورية الرابعة‪ ،‬وكاآليت‪:‬‬

‫‪ .2-2-1‬تأثير األتجاهات الفكرية في صياغة دستور الجمهورية األولى‬


‫اتس ـ ـ ــعت الفجـ ـ ــوة بني الش ـ ـ ــعب واحلكومـ ـ ــة يف هنايـ ـ ــة احلكم امللكي بس ـ ـ ــبب الظـ ـ ــروف السياسـ ـ ــية واالقتصـ ـ ــادية‬
‫واالجتماعيـة القاسـية الـيت عاشـها العراقيـون‪ .‬عالمــة على أن النظـام يقـرتب من هنايتـه‪ ،‬حـىت بعض قـادة النظـام امللكي‬
‫تتــوقعهم أجهــزة املخــابرات يف البلــدان اجملاورة‪ 1‬ســامهت هــذه الظــروف الداخليــة والدوليــة يف جتســيد فكــرة تشــكيل‬
‫تنظيم الضـ ــباط األحـ ــرار يف اجليش العـ ــراقي‪ ،‬خاصـ ــة بعـ ــد جناح انقالب عـ ــام ‪ 1952‬للضـ ــباط األحـ ــرار يف مصـ ــر‪.‬‬
‫تش ــكلت أول ن ــواة للض ــباط األح ــرار يف الع ــراق يف أواخ ــر ع ــام ‪ ،1952‬م ــع وج ــود ع ــدة جمموع ــات‪ .‬تواج ــدت‬
‫تشكيالت الضباط األحرار بشكل مستقل عن بعضــهم البعض‪ ،‬وتضــاعفت يف جـو من الســرية‪ ،‬ويف املرحلــة النهائيـة‬

‫‪ .1‬الع ــاين واحلرب ــي‪ ،‬تأري ــخ ال ــوزارات العراقي ــة ف ــي العه ــد اجلمه ــوري ‪ :1968 -1958‬ج‪ ،1‬ص‪13‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪76‬‬

‫مت تنظيمها يف منظمة فرصة ‪ 14‬يوليو ‪ ،1958‬من قبل عبد الكرمي قاسم وعبد ضباط احلرية‪ ،‬بقيادة سالم عارف‪،‬‬
‫قـام بثـورة لتغيـري النظـام امللكي وإلغائـه‪ .‬حيكم العـراق نظـام ملكي منـذ تأسيســه عـام ‪ ،1921‬وبينمـا مل تســفر الثـورة‬
‫عن ثورة شعبية كما تـوقعت بعض القـوى السياسـية املعارضـة‪ ،‬وخاصـة الشـيوعيني‪ ،‬فقـد حظيت بـدعم شـعيب واسـع‬
‫منذ بدايتها واحتضنتها‪ .‬من قبل عامة الناس ترحيب‪ .‬كانت الثـورة مدعومـة من قبـل معظم القـوى السياسـية العاملــة‬
‫على السـاحة السياسـية العراقيـة‪ ،‬وخاصـة تلـك الـيت تشـكل اجلبهـة الوطنيـة املتحـدة‪ 1.‬لقـد قـدمت مسـامهات كبـرية يف‬
‫حشد اجلماهري وتعبئة اجلماهري ملساندة الثـورة (‪ .)2‬بعـد اهنيـار النظـام امللكي العـراقي وإعالن اجلمهوريـة‪ ،‬مل يصـرح‬
‫أص ــحاب قض ــية الس ــلطة اجلدد يف البداي ــة مبوق ــف من الق ــانون األساس ــي للدس ــتور امللكي‪ ،‬لكنهم ناقش ــوه‪ .‬الق ــانون‬
‫األساســي ومــدى اســتمرار العمــل مبوجبــه‪ .‬بعــد ثالثــة أيــام من انــدالع الثــورة‪ ،‬يف ‪ 17‬يوليــو‪ ،‬اجتمــع جملس الــوزراء‬
‫‪2‬‬
‫ملناقشة مصري التاج وصياغة دستور جديد لربيطانيا‪ .‬مجهورية العراق وإلغاء القانون األساسي لعام ‪.1925‬‬
‫انطالقا مما تقدم والجل تثبيت قواعد احلكم وتنظيم حقوق املواطنني و واجبــاهتم‪ ،‬كلــف القــائمون وســط الثــورة‬
‫دعــا وزيــر اإلرشــاد حممــد صــديق شــنهري ووزيــر املاليــة حممــد حديــد إىل االتصــال بالربوفيســور حســني مجيــل وتكليفــه‬
‫بوضع مسودة دستور مؤقت يليب متطلبـات احلكم يف فـرتة انتقاليـة حـىت صـياغة دسـتور دائم‪ .‬اتصـلوا بـه‪ ،‬ونقلـوا إليـه‬
‫صــالحيات املتعــاملني‪ ،‬وأخــربوه مــا هــو نظــام احلكم املنشــود‪ ،‬ونقلــوا إليــه املعتقــدات والنقــاط الــيت جيب أن يأخــذها‬
‫الدستور اجلديد يف االعتبار من أصحاب السلطة اجلدد‪ ،‬احلريات من منظور ضباط اجليش والقوى السياسية املهيمنة‬
‫على الس ــاحة السياس ــية (ح ــزب االس ــتقالل واحلزب الوط ــين ال ــدميقراطي)‪ .‬نقط ــة أساس ــية‪ :‬الع ــراق ج ــزء من الدول ــة‬
‫العربي ــة والعراقي ــون الع ــرب واألك ــراد ش ــركاء يف الدول ــة العراقي ــة ‪ -‬وه ــذا املق ــال مقتبس من املادة (‪ )6‬من برن ــامج‬
‫ح ــزب املؤمتر الوط ــين الـ ــذي تشـ ــكل عـ ــام ‪ 1956‬من قب ــل االس ــتقالل‪ .‬احلزب واملن ــدمج يف احلزب الـ ــدميقراطي ‪-‬‬
‫مســامهات يف صــياغة هــذا املقــال‪ ،‬كلــف صــديق شنشــيل إبــراهيم أمحد ومســعود حممــد‪ ،‬حبيث يتضــمن منهج احلزب‬

‫‪ ).1‬تش ــكلت جبه ــة التح ــاد ال ــوطين ف ــي ع ــام ‪ 1957‬م ــن اربع ــة اح ــزاب وبع ــض الشخص ــيات الدميقراطي ــة املس ـ ــتقلة‪ ،‬واحل ــزاب ه ــي‪:‬‬
‫حـزب السـتقلل و احلـزب الـوطين الـدميقراطي و حـزب البعـث العربـي الشــرتاكي و احلــزب الشــيوعي العـراقي‪ ،‬و بدايـة التقـارب كـانت‬
‫بني حزب الستقلل واحلزب الـوطين الــدميقراطي وذلــك بعــد جهودمهــا لتوحيــد حزبيهمــا‪ ،‬وبعـد ذلـك بـدأ التنسـيق والتعـاون مـع حـزب‬
‫البعث و احلزب الشــيوعي‪ ،‬حــىت اتفقــوا على تشــكيل جبهــة موحــدة‪ ،‬ومن اه ــداف املهم ــة‪ ،‬خ ــروج الع ــراق م ــن حل ــف بغ ــداد‪،‬و تنحي ــة‬
‫نـوري سـعيد وحـل الربملـان‪ ،‬وانتهـاج سياسـة مسـتقلة و مقاومـة الوجـود اجلنـيب‪ ،‬واطلـق احلريـات الدسـتورية‪ ،‬واطلـق سـراح السـجناء و‬
‫الغاء الدارة العرفيـة وبعـض املطـالب اللخـرى؛ الزيدي‪ ،‬التيارات الفكرية يف اخلليج العريب ‪ :1971 -1938‬صص‪98-89‬‬
‫‪ .2‬اجلـ ــدة‪ ،‬التطـ ــورات الدسـ ــتورية فـ ــي العـ ــراق‪ :‬ص‪76‬؛ البي ـ ــايت‪« ،‬اس ـ ــاليب س ـ ــن الدس ـ ــاتري العراقي ـ ــة الص ـ ــادرة م ـ ــن ع ـ ــام ‪-1925‬‬
‫‪ :»2005‬ص‪103‬‬
‫‪77‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫مـادة عن احلقـوق الكرديـة العراقيـة‪ ،‬ويسـتفاد من أحكـام دسـتور ‪ 1953‬املصـري‪ .‬دسـتور عـام ‪ 1956‬واجلمهوريـة‬
‫العربية ودستور األمم املتحدة لعام ‪.1958‬‬
‫ومبا أن العــراق ومصــر كانــا متشــاهبني مــع اجلمهوريــة بعــد تغيــري النظــام امللكي‪ ،‬فقــد اســتغرق األمــر يــومني فقــط‬
‫لصياغة الدستور‪ .‬ومن هنا ميكن مالحظة أن مشــروع الدسـتور ال مت تضــمني النصــوص املتعلقــة باإلســالم ومكانـه يف‬
‫الدولة اجلديدة بسبب االجتاهات العلمانية اليت استند إليها برنامج حزب املؤمتر الوطين‪ ،‬واليت انعكست بشكل كبــري‬
‫يف الدستور وحسني‪ ،‬الـذي كلـف بصـياغة مسـودة الدسـتور‪ .‬تيـار مجيـل العلمـاين باإلضـافة إىل ذلـك‪ ،‬تـأثرت العديـد‬
‫من الدساتري احلديثة اليت صيغت يف ذلك الوقت بالتيارات العلمانية‪.‬‬
‫مت رفع مسودة الدستور إىل جملس الوزراء وعرضها على زعيم حزب االستقالل الســيد حممــد مهــدي قوبــا‪ ،‬وهــو‬
‫ما كان واقع القوى السياسية يف ذلك الوقت‪ ،‬بينما كانت هناك جمموعات سياسية أخرى أعربت عن آرائها بشــأن‬
‫مشــروع الدسـتور‪ .‬الــوزير ‪ -‬وافــق االجتمــاع على إضـافة بنـدين مؤقــتني إىل مشــروع الدسـتور‪ ،‬أوهلمـا يتعلــق بـالنص‬
‫على أن اإلسالم هو دين الدولة‪ ،‬وهو إجراء الحظه جملس الوزراء وقرر التوافق معه‪ .‬الواقع االجتماعي للبلد‪ .‬وهي‬
‫يف مجهورية العراق ملك للشعب ومهمتها محاية سيادة البالد وسالمة أراضــيها (‪ ،)4‬ويف ‪ 27‬متوز (يوليــو) ‪1958‬‬
‫أعلن رئيس الوزراء عبد الكرمي قاسم عن صدور الدسـتور املؤقت جمللس الــوزراء‪ .‬مجهوريـة العــراق اوال‪ ،‬وهــذا يعــين‬
‫ان الدستور متت صياغته من قبل جملس النواب املكون من ‪ 16‬عضوا‪ ،‬انظر اجلدول (‪ ،)1‬وذلك الن اعضاء جملس‬
‫الســيادة او رئيســه قــد شــاركوا يف اجتماعــات جملس الــوزراء منــذ اصــداره االول‪ ،‬أي تــاريخ اإلصــدار بتوقيــع اللجنــة‬
‫ورئيسها‪ 1.‬مما ال شك فيه أن تبين جملس الوزراء لتشريع دستوري مؤقت يقوض شرعية القواعد الدستورية وقيمتهــا‬
‫املستمدة من تصور النـاس هلا‪ .‬اسـتغرق اسـتكمال مشـروع الدسـتور يـومني فقـط ‪ -‬وكـان للتصـديق السـريع عليـه يف‬
‫جملس ال ــوزراء أث ــر س ــليب وخط ــري على الدس ــتور نفس ــه‪ ،‬وس ــاهم يف احنراف خط ــري يف ممارس ــة الس ــلطة خالل نظ ــام‬
‫‪2‬‬
‫اجلمهورية األوىل‪ ،‬مما أدى إىل حدوث احنراف خطري يف ممارسة السلطة‪ .‬أدى إىل إقامة أ‪ -‬حكم اإلنسان‪.‬‬
‫أم ـ ــا ت ـ ــأثري املثقفني والتوجه ـ ــات األيديولوجي ـ ــة على حمت ـ ــوى الدس ـ ــتور‪ ،‬فه ـ ــو يعكس ق ـ ــوة املثقفني والتوجه ـ ــات‬
‫األيديولوجيــة السياســية‪ ،‬وخاصــة اجمللس األعلى للضــباط األحــرار والليرباليــة والقوميــة والعلمانيــة الــيت ميثلهــا الضــباط‬
‫األحرار‪ .‬حزب االسـتقالل واحلزب الوطـين الـدميقراطي‪ ،‬رغم منـع األفـراد من االخنراط يف العمـل السياسـي‪ .‬لكن يف‬
‫اجليش‪ ،‬يتبـىن بعض الضـباط والرجـال مبـادئ سياسـية‪ ،‬وختتلــف امليـول واملعتقـدات األيديولوجيـة الـيت يتبناهـا الضـباط‬
‫األحرار‪ .‬وانعكست تلك املبادئ اليت اعتنقوها يف الســمات الـيت حـددت النظـام السياسـي والدسـتور مـا بعـد الثـورة‪،‬‬

‫‪ . 1‬البيــايت‪« ،‬اســاليب ســن الدســاتري العراقيــةا لصــادرة مــن عــام ‪ :»2005-1925‬ص‪104‬‬


‫‪ .2‬اجلـدة‪ ،‬التطـورات الدسـتورية فـي العـراق‪ :‬ص‪79‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪78‬‬

‫ال سـيما أولئـك الــذين عملــوا كصــانعي قــرار‪ ،‬حيث لعب اجمللس األعلى للمســؤولني األحـرار دوًر ا مهًم ا يف تشــكيل‬
‫جملس السيادة وجملس الوزراء‪ ،‬يف داخل اللجنة‪ ،‬صناع القرار احلقيقيون هم عبد الكـرمي قاسـم وعبـد السـالم عـارف‬
‫وعبـ ـ ــد اللطيـ ـ ــف دراج‪ ،‬ومن هنـ ـ ــا ميكن مالحظـ ـ ــة أن مضـ ـ ــمون الدسـ ـ ــتور املؤقت هـ ـ ــو بشـ ـ ــكل رئيسـ ـ ــي يف االجتاه‬
‫األيـديولوجي للمجلس األعلى للمســؤولني األحـرار‪ ،‬خاصـة‪ .‬األشـخاص الـذين يســيطرون على قـرارات اجمللس‪ ،‬ألن‬
‫عبد الكرمي قاسم تأثر بشدة مببادئ احلزب‪ ،‬رغم أن البعض يعتقد أنـه شـيوعي‪ ،‬والبعض اآلخـر يعتـربه قومًي ا ليربالًي ا‪،‬‬
‫رغم عدم انتمائه ألي حزب سياسي‪ .‬أما عبد السالم عارف الـذي كـان قومًي ا فكرًيا مقرًبا من حـزب البعث‪ ،‬فقـد‬
‫تـألف اجمللس األعلى للضـباط األحـرار من أربعـة عشــر ضـابًطا‪ ،‬مجيعهم من العـرب الســنة‪ ،‬باسـتثناء اثـنني منهم مجيًع ا‬
‫من ناجي باستثناء واحد‪ .‬للجماعة الشيعية‪ .‬طالب وحمسن حسني احلبيب‪ ،‬أكـربهم عبـد الكـرمي قاسـم‪ ،‬هلمـا مـراتب‬
‫قيادية‪ ،‬وكالمها يدعي أهنما أنقى العرب‪ ،‬وال ينتمي أي منهما إىل مجاعة عرقية منفصلة‪ ،‬لـذا فهم مجيًع ا يتفقـون مـع‬
‫العرب‪ .‬ومن أجل القومية‪ ،‬ينعكس هذا االجتاه يف الدسـتور‪ ،‬حيث نصــت املادة الثانيـة منـه على أن العــراق جـزء من‬
‫األمة العربية‪ ،‬أي التأكيد على هوية دولة العراق العربية‪.‬‬
‫أمــا بالنســبة لتأســيس اجلمهوريــة‪ ،‬فقــد وافــق جملس كبــار املســؤولني يف وثيقــة تســمى "امليثــاق الوطــين" على إقامــة‬
‫مجهورية على أساس التمثيل النيايب النيايب‪ ،‬لكن أعضاء اجمللس مل يوافقوا‪.‬‬
‫وكــانت الســلطة العليــا بيــد رئيس اجلمهوريــة نفســه وصــالحياته‪ ،‬فــاقرتح بعض املســؤولني يف اجمللس إنشــاء جملس‬
‫قيادة الثورة‪ ،‬لكن الفكـرة مل يلقهـا قاسـم وعـارف ودرج‪ ،‬وكـانوا يف األشـهر الثالثـة األوىل للثـورة‪ ،‬وكرسـت األيـام‬
‫يف اجتماع بينهما سـًر ا لتشـكيل جملس السـيادة وجملس الـوزراء‪ ،‬ليكونـا صـناع القـرار احلقيقـيني كمـا ورد يف دسـتور‬
‫عــام ‪ ،1958‬كمــا ورد يف املادة (‪ .)1‬من الدســتور بتــاريخ الدولــة العراقيــة مجهوريــة مســتقلة ذات ســيادة كاملــة‪ ،‬و‬
‫مبوجب املادتني(‪ )22 ،21‬ق ــد مجع جملس ال ــوزراء بني الس ــلطتني التش ــريعية والتنفيذي ــة‪ ،‬اذ ج ــاء يف املادة ‪ 21‬من ــه‬
‫يتوىل جملس الوزراء الســلطة التشــريعية وبتصـديق من جملس الســيادة‪ ،‬امـا املادة ‪ 22‬منـه فنصـت على انـه يتـوىل جملس‬
‫الوزراء والوزراء كل فيما خيصه اعمال السلطة التنفيذية‬
‫أمـ ــا جملس السـ ــيادة فليس من صـ ــالحياته يف الدسـ ــتور إال املصـ ــادقة على مـ ــا يصـ ــدر عن جملس الـ ــوزراء‪ .‬بـ ــل إن‬
‫البعض‪ ،‬وال س ــيما الش ــيوعيون‪ ،‬أطلق ــوا علي ــه اس ــم جملس س ــيادي‪ .‬مل ين ــاقش الدس ــتور االنتق ــايل أو أي وثيق ــة تتعل ــق‬
‫مبتطلب ــات أو طريق ــة تع ــيني رئيس وأعض ــاء اجمللس‪ ،‬ويف ه ــذا الص ــدد‪ ،‬ف ــوض ه ــذه الص ــالحيات بص ــفته قائ ــد الث ــورة‬
‫لــرئيس الــوزراء‪ ،‬وهــو ‪ -‬إصــدار البيــان رقم ‪ 1‬الــذي مت تشــكيل اجمللس مبوجبــه‪ .‬أمــا الــوزارة فلهــا قاعــدة موســعة من‬
‫ضباط احلرية وأحزاب اجلبهة الوطنية املتحدة باستثناء احلزب الشيوعي‪ُ .‬تطرح ردود الفعل الداخليـة واخلارجيـة‪ ،‬من‬
‫بني أمــور أخــرى‪ ،‬للتــأثري على برنــامج املؤمتر الــذي شــكله انــدماج احلزب الوطــين الــدميقراطي وحــزب االســتقالل)‪،‬‬
‫‪79‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫وهــو مــزيج من احلزبني الوطنــيني و حــزب االســتقالل‪ .‬فمن جهــة‪ ،‬كــان من صــاغ مســودة الدســتور هــو األمني العــام‬
‫للح ــزب الوط ــين ال ــدميقراطي حس ــني مجي ــل وك ــان توجه ــه علمانًي ا وليربالًي ا مبي ــل ق ــومي‪ ،‬حيث مل تتض ــمن مس ــودة‬
‫الدستور أي إشارة إىل اإلسالم كإسالم‪.‬‬
‫بيان الدين الرمسي للدولة أو ذكر اهلوية الدينية للدولة‪ ،‬وإضافة املادة (‪ )4‬الــيت تنص على أن اإلسـالم دين (تتـأثر‬
‫الدولــة باملســؤولني ذوي امليــول اإلســالمية)‪ ،‬ومن ناحيــة أخــرى‪ ،‬فــإن جملس الــوزراء مســئولون عن االتصــال بــه لنقــل‬
‫املس ــئولية‪ .‬إن وجه ــة نظ ــر أه ــل الث ــورة هم أيًض ا أعض ــاء مهم ــون يف احلزبني‪ ،‬باإلض ــافة إىل أن األعض ــاء املهمني هم‬
‫أعض ــاء جملس ال ــوزراء وال ــوزراء وذوي الس ــيادة يف اجمللس‪ ،‬ل ــذا فق ــد ك ــان لنهجهم أث ــر كب ــري على ص ــياغة الدس ــتور‬
‫وتأسيس ــه وه ــو ‪ 1958‬نص ــت املادة (‪ )3‬من الدس ــتور الع ــراقي على أن الع ــرب واألك ــراد ش ــركاء يف ه ــذا البل ــد‪،‬‬
‫ونص ــت املادة ‪ 7‬من الدســتور على أن الش ــعب مص ــدر الس ــلطة‪ .‬وه ــو م ــا يعكس وجهــة نظ ــر مص ــدر ســلطة حــزب‬
‫الكومينتانغ‪ ،‬الذي يعتقد أن الثورة ليست ملًك ا جملموعـة معينـة‪ ،‬بـل هي ثـورة الشـعب كلـه‪ ،‬وجيب أن تكـون مصـدر‬
‫كل سـلطة‪ ،‬وهـو أمـر خمتلــف‪ .‬من وجهـة نظـر اليســار ملصـدر القـوة‪ .‬اعتقـد القوميـون البعـثيون أن طبقـات معينـة متثـل‬
‫مفهوم الشعب ذي السيادة‪ ،‬أي العمال والفالحني واملثقفني الثوريني والربجوازية الصغرية احملرتفة‪ .‬لقد فتحت ثــورة‬
‫‪ 14‬متوز (يوليو) آفاقًا جديدة لألكراد حلل قضيتهم الوطنية يف العراق‪ ،‬ونظرًا للمبادئ اجلديدة اليت أحدثتها الثورة‪،‬‬
‫جــاء الــدعم الكــردي للثــورة بســرعة ودون تــردد‪ ،‬األمــر الــذي أقنــع قــادة الثــورة بــأن األكــراد مل يــؤمن النــاس بالوضــع‬
‫الراهن‪ ،‬بل طالبوا حبقوقهم القومية‪ ،‬فجاء الدستور املؤقت لعام ‪ 1958‬ليعكس التطلعات القومية لألكراد يف مادته‬
‫الثالثة اليت كانت سبقت السلطة السياسية اليت ميثلها املشرعون‪.‬‬
‫جملس الـ ــوزراء احملدد يف الدسـ ــتور‪ ،‬يـ ــأيت من املادة ‪ 6‬من برنـ ــامج حـ ــزب املؤمتر الوطـ ــين‪ ،‬والـ ــذي من املتوقـ ــع أن‬
‫يتشكل بـدمج احلزب الوطـين الـدميقراطي و حـزب االسـتقالل‪ ،‬لكن الـدافع احلقيقي وراء املادة هـو أن أكـراد العـراق‬
‫هم من أج ــل احلق ــوق الوطني ــة نض ــال طوي ــل‪ .‬أم ــا املادة الثالث ــة من دس ــتور ع ــام ‪ 1958‬فق ــد نص ــت على أن أس ــاس‬
‫الكيان العراقي هو التعاون بني مجيـع املواطـنني واحـرتام حقـوقهم ومحايـة حريـاهتم‪ ،‬ويعتـرب العـرب األكـراد شـركاء يف‬
‫هـذا البلـد‪ ،‬وهـذا الدسـتور‪ .‬االعـرتاف حبقـوقهم القوميـة يف إطـار الوحـدة العراقيـة‪ .‬وهـذا مـا مييز دسـتور عـام ‪1958‬‬
‫‪1‬‬
‫عن القانون األساسي الذي يعرتف مبشاركة (بأعداد) جنسيات ثانية يف شؤون الدولة‪.‬‬

‫‪ .2-2-2‬دور االتجاهات الفكرية في صياغة الدستور الجمهوريتن الثانية و الثالثة‬

‫‪ .1‬عمر‪ ،‬حقوق الشعب الكوردي يف الدساتري العراقية دراسة حتليلية مقارنة‪ :‬صص‪169-165‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪80‬‬

‫يف ‪ 8‬فـ ــرباير ‪ 1963‬قـ ــامت جمموعـ ــة من الضـ ــباط البعثـ ــيني وشخصـ ــيات من أحـ ــزاب قوميـ ــة أخـ ــرى بـ ــانقالب‬
‫عس ــكري عقب تش ــكيل اجلبه ــة الوطني ــة ال ــيت ض ــمت أحزاًب ا وشخص ــيات ذات مي ــول قومي ــة‪ .‬مت حتض ــري االنقالب‬
‫وتنفيذه إىل حد كبري من قبل حـزب البعث العـريب‪ .‬وحـاول الشـيوعيون حـىت اللحظـة األخـرية الوقـوف والـدفاع عن‬
‫حكومــة قاســم‪ ،‬مما دفــع االنقالب إىل مالحقتهم وكتابــة صــفحة دمويــة يف التــاريخ العــراقي املعاصــر من قتــل وإعــدام‬
‫وســجن وتعــذيب اآلالف من املشــتبه هبم‪ .‬وأعلنت الشــيوعية‪ ،‬بعــد وصــوهلم إىل الســلطة‪ ،‬اإلطاحــة بالنظــام السياســي‬
‫للجمهوري ــة األوىل بع ــد االنقالب‪ ،‬وأعلنت إنش ــاء قي ــادة النظ ــام السياس ــي الث ــوري بقي ــادة اجمللس الوط ــين ملمارس ــة‬
‫الســلطة يف مجهوريــة العــراق‪ .‬مبا يف ذلــك الســلطة التشــريعية‪ ،‬وقيــادة القــوات املســلحة‪ ،‬وانتخــاب رئيس اجلمهوريــة‬
‫وتش ــكيل احلكوم ــة‪ ،‬كم ــا ورد يف البي ــان رقم ‪ )15‬الص ــادر عن جملس قي ــادة الث ــورة الوط ــين‪ ،‬بتف ــويض الص ــالحيات‬
‫جمللس قيادة الثورة الوطنية‪ ،‬اليت‪ ،‬خبالف هـذا البيـان‪ ،‬مل تصـدر للنظـام السياسـي اجلديـد (الوثيقـة الدسـتورية) حـىت ‪4‬‬
‫أبري ــل ‪ 1963‬عن ــدما أص ــدرت اهليئ ــة قانوًن ا يس ــمى (جملس قي ــادة الث ــورة الوط ــين رقم ‪ )1963 ،25‬يف ‪ 4‬أبري ــل‬
‫‪ 1963‬لتنظيم ممارسة سلطة الدولة)‪.‬‬
‫يف ‪ 18‬نوفمرب ‪ 1963‬قام رئيس اجلمهورية‪ ،‬عبد السالم عارف‪ ،‬بانقالب عســكري‪ ،‬وألغى القيــادة اجلماعيــة لـ‬
‫جملس القيـادة الوطنيـة للثـورة‪ ،‬حيث كـانت موجـودة بالشــكل الـذي جـاء بـه يف (قـانون رقم ‪ .)25‬إىل ختفيض قيمـة‬
‫الصالحيات املخولة لرئيس اجلمهورية‪ ،‬متت اإلطاحة حبزب البعث واضطهاد الدولة‪ ،‬وهكذا انتهى عهــد اجلمهوريــة‬
‫الثانيــة‪ ،‬وتــوىل رئيس اجلمهوريــة ورئيس اجلمهوريــة الثالثــة رئاســة اجلمهوريــة‪ .‬بــدء جملس القيــادة الوطــين عبــد الســالم‬
‫عارف املقبل‪ .‬الثورة‪ ،‬املرحلة اجلمهورية الثالثة شهدت نشر ثالث وثائق دستورية‪ ،‬البيان األول للنظام السياســي يف‬
‫‪ 18‬نوفم ــرب ‪( ،)1963‬ق ــانون جملس قي ــادة الث ــورة الوط ــين رقم (‪ )61‬لس ــنة ‪ )1964‬و (الدس ــتور املؤقت يف ‪29‬‬
‫أبريل)‪.)1964 .‬‬

‫‪ .2-2-2-1‬أثر األتجاهات الفكرية في صياغة الدستور في عهد الجمهورية الثانية‬


‫ومل تعرف مرحلة اجلمهورية الثانية أي وثيقة باسم الدسـتور سـواء كـانت دائمـة أو مؤقتـة‪ .‬مـا سـبق ذكـره‪ ،‬دون‬
‫التطرق إىل األسس واملواضيع اليت عادة ما تتناوهلا الدساتري‪ ،‬كشـكل من أشـكال النظـام السياسـي واجتاهاتـه الفكريـة‬
‫والسياسية يف األمور االقتصادية واالجتماعية والسياسـية وغريهـا الـيت تـدخل يف اإلطـار الدسـتوري‪ ،‬وعلى الـرغم من‬
‫نقصـه‪ .‬اإلعالن عن طريقـة وطريقـة صـياغة هـذا القـانون من بني أحكـام هـذا القـانون وال يوجـد مـا يـدل على ذلـك‪.‬‬
‫اختلفت اآلراء حول الطريقة اليت اتبعت يف صياغة القانون‪ ،‬وانقسمت اآلراء بني تشكيل جلنة اجمللس الوطــين لقيــادة‬
‫الثورة وتكليف خرباء يف جمال القانون الدستوري من قبل اجمللس لكتابة القانون الدسـتوري‪ .‬مشـروع قـانون‪ ،‬ولكن‬
‫‪81‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫على أي حال‪ ،‬فهذا القانون أقره جملس األمـة‪ ،‬الـذي كـان أعلى سـلطة تشـريعية يف البالد‪ ،‬حبسـب البيـان رقم (‪)15‬‬
‫‪1‬‬
‫الصادر يف اليوم األول لالنقالب يف ‪ 8‬شباط ‪ /‬فرباير ‪.1963‬‬
‫ومن املفارق ــات أن تش ــكيل اجمللس وحتدي ــد ص ــالحياته ج ــاء يف البي ــان رقم (‪ )15‬حيث م ــارس ص ــالحياته حتت‬
‫مسمى اجمللس الوطـين لقيـادة الثـورة بإصـدار (‪ )14‬بيانـا وفـق الـذي عني رئيس اجلمهوريـة وشـكل احلكومـة واحلرس‬
‫الوطــين والتعيينــات األمنيــة والعســكرية‪ ،‬وهــذا يعــين أن البيــان رقم (‪ )15‬كــان وصــفًا لواقــع الوضــع أكــثر من حتديــد‬
‫الصالحيات املستقبلية‪.‬‬
‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬أذن اجمللس من تلقاء نفسه‪ ،‬وهـذا خمالف ألبسـط مبـادئ الدميقراطيـة الـيت زينـوا هبا البيـان رقم (‬
‫‪ ) 1‬لالنقالب‪ .‬كان القادة البعثيون‪ ،‬ومجيعهم من الشباب وعدميي اخلربة‪ ،‬قد كرسوا أنفسهم متاًم ا ملعارضة األنظمــة‬
‫احلاكمــة الســابقة والعمــل ضــدها دون التفكــري يف التخطيــط للمســتقبل‪ .‬مت إنشــاء جملس قيــادة الثــورة الوطــين من قبــل‬
‫حــزب البعث العــريب االشــرتاكي ليكــون حلقــة الوصــل بني البعث واحلكومــة‪ ،‬لكن مجيــع البيانــات الرمسية مل تتضــمن‬
‫اسم حزب البعث واكتفت باسم ُأعلن عبد السالم عارف‪ ،‬الذي عني رئيسًا للجمهورية‪ ،‬والذي ُع رف عنــد النــاس‬
‫بتحديه لنظام عبد الكــرمي قاسـم وارتبـط امسه باسـم الوحـدة العربيـة‪ ،‬وتـألف اجمللس من ‪ 18‬عضـًو ا‪ ،‬ومل يتم اإلعالن‬
‫عن أمسائهم مطلًق ا‪ .‬ظلت أمسائهم سـ ــرية‪ ،‬ومل يعـ ــرف عنهم سـ ــوى عـ ــدد قليـ ــل من األشـ ــخاص يف أعلى املراتب يف‬
‫الدولــة‪ .‬ومجيعهم من البعثــيني باســتثناء اثــنني منهم عبــد الســالم عــارف وقائــد العمــود عبــد الغــين الــراوي‪ .‬كــان عبــد‬
‫السالم عارف‪ .‬مييل إىل الفكر الناصري‪ 2،‬والراوي متعاطف مـع الفكـرة اإلسـالمية‪ ،‬فيكـون حـزب البعث هـو الـذي‬
‫يقــرر يف اجمللس مث صــاحب الســلطة‪ ،‬باإلضــافة إىل احتالل املناصــب الرئيســية يف الدولــة‪ ،‬مبا يف ذلــك رئاســة الــوزراء‪،‬‬
‫ومن هنا مهد حزب البعث الطريـق حنو إقامـة حكم احلزب الواحـد‪ ،‬لـوال االنقالب الـذي نفـذه رئيس اجلمهوريـة يف‬
‫‪ 18‬تشرين الثاين (نوفمرب) ‪ .)1963‬أما القانون رقم (‪ )25‬املكون من (‪ ،)19‬ورغم أنـه ُع رف بدسـتور ‪ 4‬أبريـل‬
‫‪ ،1963‬ورغم إصــداره من قبــل ســلطة سياســية يقودهــا حــزب سياســي أيــديولوجي‪ ،‬فقــد جــاء خالًي ا من أي شــيء‬
‫حمدد‪ .‬التوجيــه الفكــري لتحديــد اجتاه الســلطة السياســية يف اجملاالت االقتصــادية واالجتماعيــة‪ .‬أمــا مصــري دســتور ‪27‬‬
‫يوليــو ‪ 1958‬فقــد يــرى البعض ومنهم (د) صــاحل جــواد الكــاظم) أن دســتور عــام ‪ 1958‬كــان بــاطًال بعــد صــدور‬

‫‪ .1‬جــاء يف البيــان رقم (‪ )15‬للمجلس الوطــين لقيــادة الثــورة " بنــاء على مقتضــيات العامــة تــالف اجمللس الوطــين لقيــادة الثــورة وخــول‬
‫ممارس ــة الس ــلطة العلي ــا يف اجلمهوري ــة العراقي ــة مبا فيه ــا الس ــلطة التش ــريعية وص ــالحيات القائ ــد الع ــام للق ــوات املس ــلحة وانتخ ــاب رئيس‬
‫اجلمهوري ــة وتش ــكيل احلكوم ــة‪ .‬نقال عن البي ــان رقم (‪ )15‬للمجلس الوط ــين لقي ــادة الث ــورة يف ‪ 8‬ش ــباط ‪ ،1963‬عن جري ــدة الوق ــائع‬
‫العراقية‬
‫‪ .2‬الناص ــرية‪ ،‬دراس ــة يف فك ــر مجال عبدالناص ــر‪ :‬ص ــص‪51-17‬؛ الس ــيد س ــليم‪ ،‬التحلي ــل السياس ــي الناص ــري – دراس ــة يف العقائ ــد و‬
‫السياسة اخلارجية‪ :‬صص‪79-26‬؛ التكرييت وعبدالناصر‪ ،‬نشأة و تطور الفكر الناصري‪ :‬صص‪210-97‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪82‬‬

‫القــانون رقم‪ )22 ،21 ،20 .‬من دســتور عــام ‪ ،1958‬ألهنا تشــكل جــوهر الدســتور‪ ،‬وأن إلغــاء تلــك املواد على‬
‫وج ــه اخلص ــوص مبوجب الق ــانون رقم (‪ )25‬يع ــين على األق ــل إلغ ــاء ج ــوهر الدس ــتور (‪ ،)2‬يف حني ي ــرى (د) من ــذر‬
‫الشاوي أن (الثورة والقانون رقم (‪ )25‬مل يلغى دستور ‪ ،1958‬بل عدل املواد املتعلقــة بتنظيم الســلطة وحــده‪ ،‬أي‬
‫املادتني (‪ ،)22 .)21 ،)20‬وهي مواد تتعارض مع األسلوب اجلديد للحكم‪ ،‬بدليل أن الدسـتور الـذي صـدر بعـد‬
‫ذل ــك يف ‪ 29‬أبري ــل ‪ 1964‬نص ــت يف املادة (‪ )103‬من ــه إىل إلغ ــاء دس ــتور ‪ ،1958‬و وه ــذا يع ــين تط ــبيق دس ــتور‬
‫‪ 1958‬حىت صدور هذا الدستور‪ 1،‬وهنا ميكن مالحظـة أن رأي د‪ .‬منـذر الشــاوي هـو الـرأي األقـرب إىل الصـحيح‬
‫يف فشل دسـتور ‪ 27‬يوليـو ‪ ،1958‬ألن الـذين يف السـلطة بعـد انقالب ‪ 8‬فـرباير ‪ 1963‬مل يعلنـوا سـقوط الدسـتور‬
‫الســابق‪ ،‬وكــانوا يريــدون‪ .‬الحتكــار الســلطة بإصــدار القــانون متهي ـًد ا إلصــدار دســتور جديــد‪ ،‬بعــد ترســيخ ســلطتهم‪،‬‬
‫كذلك مل تتجاوز املدة القصرية حلكمهم تســعة أشـهر‪ ،‬وبعـد وقـوع االنقالب الثـاين وإصـدار قـرار دسـتور خـاص هبا‬
‫يف اجلمهورية الثالثة‪ ،‬تطرق النص إىل إلغاء دستور ‪.1958‬‬

‫‪ .2-2-2-2‬أثر األتجاهات الفكرية في صياغة الدستور في عهد الجمهورية الثالثة‬


‫يف ‪ 18‬نوفمـ ــرب ‪ 1963‬قـ ــاد رئيس اجلمهوريـ ــة انقالب ـ ـًا عسـ ــكريًا على حـ ــزب البعث ممثًال مبجلس قيـ ــادة الثـ ــورة‬
‫الوطــين‪ ،‬واســتبدلت القيــادة اجلماعيــة املمثلــة بــاجمللس بقيــادة أخــرى ممثلــة بــرئيس اجلمهوريــة‪ .‬دســتور مــؤقت يف ‪29‬‬
‫أبريل ‪ 1964‬ألغى مبوجبـه دسـتور عـام ‪ .1958‬وجتدر اإلشـارة إىل أن الوثيقـتني ذات طـابع دسـتوري وصـدرا قبـل‬
‫هــذا الدســتور‪ .‬ورغم أن هــاتني الوثيقــتني تناولتــا قضــايا ذات طــابع دســتوري‪ ،‬إال أهنا ال تعتــرب دســتوًر ا يف حــد ذاهتا‪،‬‬
‫وهاتان الوثيقتان مها أول بيان عن انقالب ‪ 18‬نوفمرب ‪ ،)1963‬والذي نصب فيــه رئيس اجلمهوريــة نفســه بصــفته‪.‬‬
‫رئيس اجمللس الوطـ ــين لقيـ ــادة الثـ ــورة‪ ،‬وكيفيـ ــة تشـ ــكيل اجمللس اجلديـ ــد‪ ،‬انعكاس ـ ـًا لواقـ ــع النظـ ــام اجلديـ ــد كـ ــأنقالب‬
‫عسكري‪ ،‬حيث ضم اجمللس أعضاء عسكريني فقط‪ ،‬ومت تشكيل اجمللس وفق النظــام اجلديــد لــرئيس اجلمهوريــة وهــو‬
‫رئيس اجمللس وأعضــاء اجمللس حبكم مناصــبهم وهم‪ :‬القائــد العــام للقــوات املســلحة ونائبــه‪ ،‬نــائب رئيس اجلمهوريــة‪،‬‬
‫ورئيس جملس الــوزراء‪ ،‬ورئيس أركــان اجليش‪ ،‬ونــائب رئيس أركــان اجليش‪ ،‬وقــادة الفــرق‪ ،‬وقائــد القــوات اجلويــة‪،‬‬
‫واحلاكم الع ــام العس ــكري‪ ،‬وأي ض ــابط يق ــرر انتخاب ــه ملنص ــب اجمللس‪ ،‬ومل يتوق ــف عن ــد ه ــذا احلد‪ ،‬ب ــل جتاوز إس ــناد‬
‫صــالحيات اســتثنائية أخــرى من قبــل رئيس اجلمهوريــة لنفســه‪ ،‬مبا يف ذلــك تفويضــه لنفســه مجيــع صــالحيات اجمللس‬
‫الوطين لقيادة الثورة ملدة عام‪ ،‬و جتديده عند الضـرورة)‪ .‬أمـا الوثيقـة الثانيـة فهي (اجمللس الوطـين لثـورة قـانون القيـادة‬
‫رقم (‪ )65‬يف ‪ 22‬أبري ــل (‪ ،)1964‬وق ــد ص ــدر ه ــذا الق ــانون عن رئيس اجلمهوري ــة وجملس ال ــوزراء‪ ،‬ويعت ــرب ه ــذا‬

‫‪ .1‬اجلـدة‪ ،‬التطـورات الدسـتورية فـي العـراق‪ :‬ص‪91‬‬


‫‪83‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫القــانون التقــنني الرمسي للبيــان األول الصــادر يف ‪ 18‬نوفمــرب من العــام نفســه‪ ،‬ويتضــمن القــانون ‪ 17‬مــادة هتدف إىل‬
‫تنظيم ممارسة السلطة من قبل اجمللس الوطين لقيادة الثورة‪.‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪84‬‬

‫وأن أيا من الوثيقتني السابقتني ال يعترب دستورا‪ ،‬وأن تسميته من قبل البعض بالدستور أو الوثيقــة الدســتورية هي‬
‫تســمية جمازيـة فقـط‪ ،‬وأن هـاتني الوثيقـتني ال تقـرأان أي فلســفة سياسـية أو أي توجـه فكـري منهمـا إال‪ .‬أهنا صـدرت‬
‫لتأكيـ ــد سـ ــلطة رئيس اجلمهوريـ ــة واحتكـ ــار السـ ــلطة‪ ،‬إمـ ــا دسـ ــتور ‪ 29‬أبريـ ــل ‪ 1964‬املؤقت الـ ــذي يعكس فكـ ــر‬
‫وأيديولوجية أصحاب السلطة‪.‬‬
‫كان اختيار حزب البعث عبد السالم عارف رئيسًا للجمهورية بعد جناح انقالهبم يف ‪ 8‬شباط ‪ 1963‬دون أن‬
‫يكون له دور كبري فيه‪ ،‬ألنه مل يكن أحد من قادة البعث معروفًا للشعب‪ .‬والسبب اآلخر هو كسب التأييد الشــعيب‬
‫(للثورة)‪ ،‬لكن عبد السالم عارف مل يبد أي اهتمام مببادئ حزب البعث‪ ،‬باستثناء مبدأ واحد وهو الوحدة العربية‪،‬‬
‫وهـو مـا دعـا إليـه منـذ بدايـة صـراعه مـع عبـد الكـرمي قاسـم‪ .‬كـان معظم أعضـاء احلكومـة من العسـكريني‪ ،‬وأصـبحت‬
‫الســلطة بيــد اجليش واختفت األحــزاب السياســية ككــل‪ ،‬ومت تعــويض حــزب البعث عن االضــطهاد والقمــع وتشــتيت‬
‫أعضــائه الكبــار‪ ،‬و لتعزيــز نظــام احلكم داخــل البالد وجعلــه متوافًق ا مــع احلكم يف اجلمهوريــة العربيــة املتحــدة‪ ،‬أصــدر‬
‫عبـ ــد السـ ــالم عـ ــارف الدسـ ــتور املؤقت يف ‪ 29‬أبريـ ــل ‪ .1964‬ويتكـ ــون من ديباجـ ــة و ‪ 106‬مـ ــادة‪ .‬جـ ــاء صـ ــدور‬
‫الدستور املؤقت بناًء على تكليف رئيس اجلمهورية ووزير العـدل بتشـكيل جلنـة وإعـداد مشـروع الدسـتور‪ .‬تشـكلت‬
‫اللجنة بالفعل من كبار القضاة واحلقوقيني‪ ،‬وتوصلت اللجنة املختصة إىل مسودة الدستور‪ .‬إال أن مشروع الدســتور‬
‫هذا رفضه رئيس اجلمهورية‪ ،‬ألنـه مل يلب طموحاتـه بفـرض هيمنتـه على املؤسســات الدسـتورية يف تلــك املرحلــة‪ ،‬مما‬
‫أدى إىل تش ــكيل جلن ــة جدي ــدة من بعض ال ــوزراء وبعض املوظفني يف رئاس ــة اجلمهوري ــة ورئاس ــة ال ــوزراء‪ .‬وت ــرأس‬
‫اللجنــة رئيس اجلمهوريــة نفســه هــذه املرة ومتت املوافقــة على اللجنــة‪ .‬يف عملهــا‪ ،‬بشــكل رئيســي حــول دســتور ‪25‬‬
‫مــارس ‪ 1964‬للجمهوريــة العربيــة املتحــدة‪ ،‬والــذي اســتمدت منــه العديــد من املواد‪ ،‬متهيــدًا لتقــارب دســتوري مــع‬
‫الدول العربيـة خاصـة مـع اجلمهوريـة العربيـة املتحـدة‪ ،‬حبســب عبـد الســالم عـارف‪ .‬واسـتنادا إىل دسـاتري بعض الـدول‬
‫العربية األخرى‪ ،‬ومت التصديق على الدستور املؤقت من قبل رئيس اجلمهورية وجملس الوزراء يف ‪ 29‬أبريل ‪1964‬‬
‫م‪ ،‬وأعلن ذل ــك يف ‪ 3‬م ــايو ‪ .1964‬وه ــذا يش ــمل س ــلطة التش ــريع‪ ،‬وه ــذا ي ــدل على م ــدى س ــيطرة ش ــخص رئيس‬
‫اجلمهورية واحلكومة بفكرها الناصري على السلطة يف الدولة‪.‬‬
‫أم ــا بالنس ــبة ملض ــمون الدس ــتور املؤقت‪ ،‬فق ــد أث ــرت االجتاه ــات السياس ــية والفكري ــة الس ــائدة يف عه ــد اجلمهوري ــة‬
‫الثالثة على صياغته‪ ،‬ومن أهم تلك التيارات السياسية السائدة يف تلك احلقبــة‪ :‬أوًال‪ :‬تأكيــد احلكم العســكري وإبــراز‬
‫دور عبد السالم عارف كرجل قوي يف النظام السياسي‪ ،‬حبل مجيع األحزاب واالعتماد على الضباط الذين يؤمنــون‬
‫بالوح ــدة الناص ــرية (‪ ،)3‬وه ــذا انعكس يف الدس ــتور وأعطي رئيس اجلمهوري ــة ش ــبه كامل ــة‪ .‬الص ــالحيات يف املواد (‬
‫‪.)51 ،50 ،49 ،48 ،47 ،46 ،45 ،44 ،43‬‬
‫‪85‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫ثانيًا‪ ،‬التأكيد على القومية العربية والوحدة العربية كأساس لعالقات العراق مع الـدول العربيـة األخـرى‪ ،‬وخاصـة‬
‫مع مصـر‪ ،‬والـدعوة الرمسية للوحـدة كسياسـة رمسية لنظـام وحـدة العـراق مـع مصـر‪ .‬وتعكس املادة (‪ )1‬من الدسـتور‬
‫هــذا االجتاه حيث نصــت على‪ ....:‬والشــعب العــراقي جــزء من االمــة العربيــة هدفــه الوحــدة العربيــة الشــاملة وتلــتزم‬
‫احلكومة على حتقيقها يف اقرب وقت ممكن مبتدئة بالوحدة مع اجلمهورية العربية املتحدة‪.‬‬
‫ثالثا تأكيًد ا على مبادئ االشرتاكية الدميقراطية املستمدة من الرتاث العريب وروح اإلسالم‪ ،‬بينمــا أكــد مجال عبــد‬
‫الناصر على االشرتاكية والعلمانية‪ ،‬أبدى عبد السالم عارف يف البداية اهتماًم ا ضئياًل باالهتمام باالشرتاكية‪ ،‬والذي‬
‫تأكد الحًق ا أنه اشتق منه اجتماعًيا وعلمانًيا‪ .‬وجهات نظر سياسـية من اإلسـالم وليس من مصـادر خارجيـة‪ ،‬ويشـري‬
‫إىل حزب البعث‪ ،‬وعلى الرغم من أنه تبىن االشرتاكية العربيـة فلســفته احلاكمـة‪ ،‬إال أنـه أبـدى اهتمامـه بالـدين ويصـر‬
‫على أن االشرتاكية هي اإلسالم‪ ،‬ومن وجهة النظر هذه فإن املقال (‪ )1‬نص الدستور على أن مجهورية العراق دولة‬
‫‪1‬‬
‫اشرتاكية دميقراطية‪ ،‬ودميقراطيتها واشرتاكيتها تنبع من الرتاث العريب وروح اإلسالم‪...‬‬
‫رابعــا وتأكيــدًا على االجتاه اإلســالمي واإلســالم دين الدولــة‪ ،‬فــإن ذلــك يلــزم املشــرع بعــدم ســن أي قــانون خيالف‬
‫مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ويف ضـوء ذلـك نصـت املادة (‪ )3‬من الدسـتور على أن (اإلسـالم دين الدولـة‪ .‬وهـو أيًض ا‬
‫األساس األساسي لدستورها ‪ ،)...‬ويرجع ذلك إىل حد كبري إىل التنشئة االجتماعيـة والسياسـية لـرئيس اجلمهوريـة‪،‬‬
‫الذي سيطر إىل حد كبري على صياغة الدسـتور‪ .‬ولـد يف أسـرة متدينـة‪ ،‬وأدى إميانـه باإلسـالم إىل التحـيز ضـد الســنة‪،‬‬
‫مما أثار خماوف لدى الشيعة والطوائف األخرى‪ ،‬ونبع محاسه لإلسالم من نشأته يف بيئة حمافظة‪.‬‬
‫خامسـًا ســحب أحكــام دســتور عــام ‪ 1958‬اخلاصــة بــاحلقوق القوميــة لألكــراد‪ .‬يف ‪ 18‬نوفمــرب ‪ ،1964‬عنــدما‬
‫قام عبد السالم عارف بانقالب وانغلق على نفسه‪ ،‬كان القتال شرًس ا بني قوات البيشمركة وإقليم كردستان‪ .‬لكن‬
‫اجليش العراقي أبدى استعداده حلل القضية الكردية‪ .‬بدأ اجلانبان املفاوضات وأصدرا عدة بيانـات حكوميـة تضــمنت‬
‫عـ ــدة التزامـ ــات حلل القضـ ــية الكرديـ ــة على أسـ ــاس احلقـ ــوق القوميـ ــة الكرديـ ــة‪ ،‬لكن هـ ــذه االلتزامـ ــات مل تنعكس يف‬
‫الدستور العراقي املؤقت لعام ‪ ،1964‬رغم وجود فقرات كثـرية يف الدسـتور‪ ،‬ولكن ال توجـد مـادة منفصـلة تتنـاول‬
‫على وجـه التحديـد احلقــوق القوميـة الكرديـة‪ .‬إشـارته العرضـية يف إشـارات غامضـة إىل اجلزء الثـالث من املادة (‪)19‬‬
‫‪2‬‬
‫الكردية املكرسة للحقوق والواجبات العامة تعترب حبد ذاهتا مبثابة تراجع عما حققه دستور ‪ 1958‬لألكراد‪.‬‬

‫‪ .1‬خدوري‪ ،‬مجهورية العراق دولة اشرتاكية دميقراطية‪ :‬صص‪292-30‬‬


‫‪ .2‬عمر‪ ،‬حقوق الشعب الكوردي يف الدساتري العراقية دراسة حتليلية مقارنة‪ :‬ص‪179‬وص‪219‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪86‬‬

‫من األعلى ميكن مالحظــة أن هنــاك ذرائــع (غــري قانونيــة وقانونيــة) صــراعات على الســلطة‪ ،‬أي أن مشــكلة تلــك‬
‫احلقبــة كــانت صــراعات الســلطة والتــدخل العســكري يف السياســة أكــثر فــأكثر‪ ،‬ولكن أيًض ا التيــارات السياســية ومن‬
‫ناحيــة أخــرى‪ ،‬امليــول األيديولوجيــة داخــل اجليش‪ .‬من جهــة أخــرى‪ ،‬انتشــار األفكــار القوميــة العربيــة يف تلــك احلقبــة‪،‬‬
‫خاصــة داخــل املؤسســة العســكرية‪ ،‬مقرتنــة بآليــات العمــل السياســي لالســتيالء على الســلطة لتحقيــق أهــداف الفكــر‬
‫القومي العريب‪ ،‬أي يف أفكار فكر ناصـر‪ ،‬مصـر ‪ -‬تأسـيس وحـدة سـورية وحماوالت عراقيـة لتحقيـق الوحـدة العربيـة‪.‬‬
‫عبــد الســالم عــارف‪ ،‬وحتت حكم عبــد الناصــر باســتثناء تراجــع احلركــة اليســارية‪ .‬كــل هــذا يقــود إىل توجــه فكــري‬
‫يتمحـور حـول فكـرة الوحـدة‪ ،‬مـع مالحظـة أن الناصـرية تؤكـد على احلريـة واالشـرتاكية وحتقيـق الوحـدة‪ ،‬بينمـا اجتاه‬
‫آخر يؤكد الوحدة أوًال‪ ،‬مث احلرية‪ ،‬مث االشرتاكية (تسلسل اهلدف)‪ ،‬ولكن نتيجة لذلك‪.‬‬
‫يص ــبح ه ــدف الوح ــدة ذريع ــة لالنقالب ــات والص ــراعات على الس ــلطة باس ــم وح ــدة اإلجناز‪ .‬يف املقاب ــل‪ ،‬ص ــدر‬
‫الدستور االنتقايل لعام ‪ 1964‬حتت تأثري القومية العربية الناصـرية‪ ،‬وكـان يـؤمن بالوحـدة العربيـة بقيـادة مصـر‪ ،‬كمـا‬
‫أيد الرئيس ورئيس الوزراء نفسيهما هذه األيديولوجية‪ ،‬مما يــدل على درجــة احلكم‪ .‬رئيس اجلمهوريــة نفســه وبعض‬
‫املسؤولني الـذين قبلـوا فكرتـه عن السـلطة السياسـية للبالد‪ ،‬ويف هـذا الصـدد‪ ،‬اعتـربت طريقـة صـياغة الدسـتور طريقـة‬
‫غ ــري دميقراطي ــة ال تتج ــاوز ح ــدود حيددها رج ــل يتمت ــع بس ــلطة مطلق ــة لرعاي ــاه‪ ،‬وهبذه الطريق ــة ال يتخطون ــه‪ ،‬ألن‬
‫الدستور ال حيدد احلزب الذي سيكون رئيس اجلمهورية مسؤوًال أمامه‪ ،‬بينمـا مينحـه فعلًي ا مجيـع الصـالحيات ليكـون‬
‫مس ـ ــؤوًال ب ـ ــدون حفل ـ ــة‪ .‬باإلض ـ ــافة إىل ذل ـ ــك‪ ،‬ال حيدد الدس ـ ــتور هيئ ـ ــة وطريق ـ ــة تع ـ ــديل الدس ـ ــتور‪ ،‬مما جيع ـ ــل رئيس‬
‫اجلمهوريـة‪ ،‬بصـفته اهليئـة الـيت تصـدر الدسـتور‪ ،‬اهليئـة التنفيذيـة للتعـديالت الدسـتورية‪ .‬حبيث يعـدل رئيس اجلمهوريـة‬
‫كما يشاء الصالحيات غري املنصوص عليها يف الدستور ويضيفها إىل الدستور بالتعديل الدستوري‪.‬‬

‫‪ .2-2-3‬أثر األتجاهات الفكرية في صياغة دساتير الجمهورية الرابعة‬


‫أطيح حبكم عبــد الــرمحن عــارف وانتهت اجلمهوريــة الثالثــة بــانقالب غــري دمــوي أدى إىل طــرد رئيس اجلمهوريــة‬
‫إىل املنفى يف لندن‪ .‬كان عبد الرمحن عارف بقيادة عبد الرزاق النايف مساعد مدير املخـابرات العسـكرية‪ ،‬وإبـراهيم‬
‫داود قائد احلرس اجلمهوري‪ ،‬وكتيبة املدرعات (اليت أصبحت فيما بعـد كتيبـة الـدبابات التابعـة للحـرس اجلمهـوري‪،‬‬
‫والــيت أطلــق عليهــا‪ :‬ثــوار العــرب) والبيــان املذاع رقم (‪ ،)1‬معلــنني تشــكيل جملس قيــادة الثــورة‪ ،‬يف الشــوارع‪ ،‬كــان‬
‫الناس غري مبالني وغري مهتمني باالنقالب ألن الشعب سئم القتـال بني كبـار مســؤويل الدولـة االسـتيالء على الســلطة‬
‫حدث الصـراع الـداخلي‪ .‬ومل تسـتغرق اخلالفـات بني الشـركاء االنقالبـيني وقتـا طـويال‪ ،‬وقـام حـزب البعث بـانقالب‬
‫آخـر لطـرد غـري البعثـيني‪ ،‬حيث دخـل اللـواء العاشـر بغـداد يف ‪ 30‬متوز (يوليـو) ‪ ،1968‬واسـتوىل على مجيـع النقـاط‬
‫‪87‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫واملواقع يف بغداد‪ ،‬وعزل احلكومة‪ ،‬انتقلت السلطة إىل حزب البعث دون أي شــريك‪ 1.‬وأدى االنقالب إىل تشــكيل‬
‫جملس قيـ ــادة الثـ ــورة من قبـ ــل حـ ــزب البعث بني ضـ ــباط عس ـ ــكريني وم ـ ــدنيني‪ ،‬وأصـ ــبح أمحد حس ـ ــن البك ـ ــر رئيًس ا‬
‫للجمهوري ــة ورئيًس ا جمللس قي ــادة الث ــورة‪ .‬يف ظ ــل احلكم البع ــثي‪ ،‬ص ــدر دس ــتوران مؤقت ــان‪ .‬يف ‪ 21‬س ــبتمرب ‪1968‬‬
‫أصدر جملس قيادة الثورة أول دستور مؤقت للجمهورية الرابعة‪ .‬بعــد أقــل من عــامني‪ ،‬يف ‪ 16‬يوليــو ‪ ،1971‬جملس‬
‫قيادة الثورة‪ .‬لذلك جيب مناقشـة طريقـة إصـدار الدسـتورين‪ ،‬وتـأثري التوجـه الفكـري ملن هم يف السـلطة ودور حـزب‬
‫البعث فيه‪ .‬ميكن البحث يف كل دستور على حدة‪:‬‬

‫‪ .2-2-3-1‬تاثير االتجاهات الفكرية في دستور ‪ 21‬ايلول ‪1968‬‬


‫بعد صدور الدستور املؤقت يف عـام ‪ ،1968‬مت اختاذ سلسـلة من اإلجـراءات خالل عمليـة احلكم من ‪ 17‬يوليـو‬
‫‪ 1968‬إىل ‪ 21‬س ــبتمرب ‪ .1968‬ويف البي ــان (‪ )1‬الص ــادر يف ‪ 17‬متوز ‪ /‬يولي ــو‪ ،‬أوض ــح ق ــادة االنقالب برن ــاجمهم‬
‫الداخلي واخلارجي‪ ،‬وأنشأوا جلنة قيادة الثـورة بنـاًء على البيـان (‪ )2‬الصــادر عن قــادة االنقالب‪ ،‬الــذي خيول ممارسـة‬
‫الســلطة العليــا للبالد‪ .‬الصــالحيات مبا يف ذلــك الســلطة التشــريعية والقائــد العــام للقــوات املســلحة‪ ،‬وكــذلك ســلطات‬
‫رئيس اجلمهورية والسلطات األخـرى‪ ،‬كلفت قيـادة الثـورة جمموعـة من قضـاة احملكمـة العليـا وبعض كبـار املسـؤولني‬
‫يف رئاســة اجلمهوريــة‪ .‬أصــدر جملس قيــادة الثــورة الدســتور االنتقــايل يف ‪ 21‬ســبتمرب ‪ 1968‬والــذي تضــمن املادة (‬
‫‪2‬‬
‫‪ )95‬ونص فيه على إلغاء الدستور االنتقايل‪.‬‬
‫تتش ــابه معظم أحكــام هــذا الدســتور تقريًب ا مــع الدســتور املؤقت الصــادر يف ‪ 29‬أبريــل ‪ ،1964‬باســتثناء النص‬
‫الــذي يتنـاول ممارسـة الصــالحيات يف الفصــل الرابـع‪ .‬لــذلك ميكن القــول أن الدسـتور املؤقت لعــام ‪ 1968‬مل يعكس‬
‫يف الواقع االجتاهات األيديولوجية للقوى اجلديدة‪ ،‬خاصة بسبب الطابع السياسي للنظام السياسي اجلديــد‪ .‬باإلضــافة‬
‫إىل األيديولوجي ــة اخلاص ــة‪ ،‬هنج ح ــزب البعث‪ ،‬ال ــذي يعطي للوهل ــة األوىل انطباًع ا ب ــأن ه ــذا الدس ــتور ال ميكن أن‬
‫يستمر طويًال‪ ،‬وهو ما حدث يف الواقع‪ ،‬كما تظهر أربعة (‪ )3‬تعديالت ثانوية‪ ،‬إذا كانت أي إشارة‪ ،‬عدم استقرار‬
‫هــذا الدســتور وارتباطــه بــالواقع السياســي‪ ،‬لــذلك حياول القــائمون على الســلطة التقــريب بني الواقــع السياســي والنص‬
‫الدستوري‪ ،‬لكن ذلك مل يتحقق من خالل تعديالت جزئية‪ ،‬األمر الذي دفــع القيـادة السياسـية إىل سـحب الدسـتور‬
‫وإصـ ــدار الدسـ ــتور اجلديـ ــد‪ .‬يف مكانـ ــه بعـ ــد سـ ــنة ونصـ ــف من صـ ــدوره‪ .‬خالل هـ ــذا الـ ــوقت‪ ،‬مت تطـ ــبيق اجتاهـ ــاهتم‬
‫األيديولوجية وأيديولوجياهتم السياسية على اجملتمع‪.‬‬

‫‪ .1‬رشيد‪ ،‬العراق املعاصر‪ :‬ص‪163‬؛ بطاطو‪ ،‬العراق‪ :‬ج‪ ،3‬ص‪393‬‬


‫‪ .2‬املفرجـي وآخــرون‪ ،‬ممارسة السلطة العليا للبالد‪ :‬صص‪400-397‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪88‬‬

‫نص دســتور ‪ 21‬ســبتمرب ‪ 1968‬على أن الدميقراطيــة الشــعبية تنطلــق من الــرتاث العــريب وروح اإلســالم كشــكل‬
‫من أشــكال نظــام احلكم الوطــين ودور القوميــة العربيــة وهــدف حتقيــق الوحــدة العربيــة كمــا ورد يف املادة األوىل‪ .‬من‬
‫الدســتور (اجلمهوريــة العراقيــة دولــة دميقراطيــة شــعبية تســتمد اصــول دميقراطيتهــا و شــعبيتها من الــرتاث العــريب وروح‬
‫االس ــالم‪ .‬و الش ــعب الع ــراقي ج ــزء من االم ــة العربي ــة هدف ــه الوح ــدة العربي ــة الش ــاملة وتل ــتزم احلكوم ــة بالعم ــل على‬
‫حتقيقها)‪ 1،‬يتبىن الدستور مبدأ السيادة الشعبية‪ ،‬وتنص املادة الثالثة منه على (الشعب مصدر السلطة)‪.‬‬
‫ومبا أن الدستور هو أعلى سلطة يف مجيع القوانني‪ ،‬فال جيوز سـن قــانون يتعــارض مــع مبـادئ الشــريعة اإلسـالمية‪.‬‬
‫ويــأيت تثــبيت هــذا النص والنصــوص األخــرى يف املادة (‪ )8‬واملادة ‪ 17‬ب من نفــوذ املثقفني وغــري املثقفني ‪ -‬اجلانب‬
‫األيديولوجي لرئيس جملس القيادة الثوريـة وأمني القيـادة اإلقليميـة ينتمي احلزب أمحد خـا سـان بكـر ألن هانـا بطـاطو‬
‫تعتقد أن ‪ ...‬كان أمحد حسن بكر مسلًم ا كان يتحدث عن آرائه بقدر ما هو حوهلا وميكن العثـور عليهـا يف تعبـريه‬
‫الواضح يف نص دستور عام ‪ ... 1968‬وقف اإلسالم جنًبا إىل جنب ومتسـك بأفكـار العروبـة‪ .‬أحـد مبـادئ حـزب‬
‫البعث كمــا ورد يف املادة ‪ 12‬يهــدف النظــام االقتصــادي اىل حتقيــق االشــرتاكية وذلــك بتطــبيق العدالــة االجتماعيــة‪،‬‬
‫وفيم ــا يتعل ــق مبوق ــف دس ــتور ‪ 1968‬من القض ــية الكوردي ــة‪ ،‬فان ــه ق ــد ك ــرر نفس م ــا نص ــت علي ــه املادة (‪ )19‬من‬
‫الدستور ‪ 1964‬يف مادة (‪)21‬منه‪ ،‬و نقلها حرفيا‪ ،‬لذلك ينطبق عليها نفس مــا قيــل يف دســتور ‪ 1964‬من تراجــع‬
‫‪2‬‬
‫يف االعرتاف باحلقوق القومية للكورد‪.‬‬
‫كــانت الســمة البــارزة للدســتور املؤقت لعــام ‪ 1968‬هي احتفــاظ جملس قيــادة الثــورة جبميــع الوظــائف التشــريعية‬
‫والتنفيذي ــة‪ .‬الدس ــتور يعطيه ــا‪ 3‬العدي ــد من الص ــالحيات‪ ،‬مبا يف ذل ــك إص ــدار الق ــرارات والتش ــريعات بق ــوة الق ــانون‪،‬‬
‫وانتخـاب رئيس اجلمهوريـة‪ ،‬واإلشـراف على القـوات املسـلحة وقـوى األمن الـداخلي‪ ،‬وإعالن اهلدنـة‪ ،‬وإعالن حالـة‬
‫الطوارئ‪ ،‬والتصديق على املعاهدات واالتفاقيات الدولية‪ ،‬واألهم من ذلك‪ ،‬الرتخيص يقوم اجمللس بتعــديل الدســتور‬
‫أو حــىت إلغــاء الدســتور وإصــدار دســتور جديــد‪ .‬هــذا مــا حــدث بالفعــل عنــدما صــدر الدســتور اجلديــد عــام ‪.1970‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬ميارس اجمللس مجيع السلطات التنفيذية والرقابة على القضاء من خالل رئيس اجلمهورية الذي له‬
‫ســلطة تعــيني القضــاة وعــزهلم أو إحــالتهم على التقاعــد‪ ،‬باإلضــافة إىل أن رئيس اجلمهوريــة نفســه هــو رئيس الثــورة‪.‬‬
‫جملس القيادة ونوابه هم نائب رئيس جملس النواب‪.‬‬

‫‪ .1‬دستور ‪21‬ايلول ‪ 1968‬املؤقت‪ ،‬املادة (‪(1‬‬


‫‪ .2‬عمر‪ ،‬حقوق الشعب الكوردي يف الدساتري العراقية دراسة حتليلية مقارنة‪ :‬ص‪255‬‬
‫‪ 1968 .3‬لعام العراقي املادة (‪)41،43‬‬
‫‪89‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫من وجهــة النظــر هــذه‪ ،‬فــإن جملس قيــادة الثــورة (أي قيــادة حــزب البعث) ليس مســؤوًال أمــام أي حــزب سياســي‬
‫ألنــه ف ــوق الدســتور نفس ــه‪ ،‬والربملان ه ــو من يص ــدره ويعدل ــه إذا ك ــان غ ــري متواف ــق‪ .‬بالنس ــبة لفك ــر حــزب البعث أو‬
‫ملصاحله‪ ،‬كان اجمللس قد ألغاه‪ ،‬وبالتايل مل يكن الدستور االنتقايل لعام ‪ 1968‬أكثر من وثيقــة صــادرة عن أصــحاب‬
‫الســلطة اجلدد حــزب البعث العــريب االشــرتاكي من خالل جملس قيــادة الثــورة‪ ،‬وصــدر بالصــورة األكــثر انســجاما مــع‬
‫األســاليب الدميوقراطيــة املعروفــة‪ .‬كــل هــذه األســباب وغريهــا تــؤدي إىل اســتبداد النظــام‪ ،‬من احتكــار احلزب الواحــد‬
‫وحكمه يؤدي إىل احتكار من هم يف السلطة ألنه ينتج االستبداد‪.‬‬

‫‪ .2-2-3-2‬تاثير االتجاهات الفكرية في صياغة دستور ‪ 16‬تموز ‪1970‬‬


‫يعترب صدور دستور ‪ 16‬يوليو ‪ 1970‬املرحلة الثانية من التطور الدسـتوري بعــد قيـام اجلمهوريـة الرابعــة‪ ،‬وذلــك‬
‫بسبب ختلف الواقع الدستوري الذي جتسد يف الدسـتور املؤقت الصـادر يف ‪ 21‬سـبتمرب ‪ .1968‬تطلعـات وأهـداف‬
‫ح ــزب البعث يف الس ــلطة واجملتم ــع‪ ،‬وبع ــد تع ــديالت كث ــرية على دس ــتور ‪ 1968‬يف ف ــرتة وج ــيزة‪ .‬إن دالئ ــل وج ــود‬
‫فجوة بني الواقع الدستوري وتطلعات وأهداف حزب البعث يف خمتلف اجملاالت السياسية واالجتماعيـة واالقتصـادية‬
‫دفعت القيــادة السياســية حلزب البعث ممثل ــة مبجلس قيــادة الثــورة إىل تش ــكيل جلنــة خاصــة لص ــياغة مس ــودة جديــدة‪.‬‬
‫الدســتور‪ ،‬خاصــة بعــد أن أحــدثت بعض التعــديالت على الدســتور فرًق ا على مــا يبــدو‪ ،‬مل يكن الغــرض منــه تقــريب‬
‫النص الدســتوري والواقــع السياســي‪ .‬يف الواقــع‪ ،‬مت تشــكيل جلنــة خاصــة من قبــل رئيس مكتب الشــؤون القانونيــة يف‬
‫اجمللس التشــريعي وأسـتاذين من كليـة احلقــوق والسياسـة‪ .‬وبعـد االنتهـاء من صـياغة الدسـتور رفـع الدسـتور إىل نـائب‬
‫رئيس اجمللس ص ــدام حس ــني" ال ــذي أم ــر ب ــدوره بتش ــكيل جلن ــة أخ ــرى برئاس ــته من ض ــمنها رئيس‪ .‬أس ــتاذان آخ ــران‬
‫مبكتب رئاسة جملس الوزراء وكلية احلقــوق والسياسـة باإلضـافة إىل أعضــاء اللجنـة الســابقة‪ .‬وأدت مناقشــات اللجنـة‬
‫إىل املوافقة على مسودة دستور مؤقت مكون من ‪ 67‬مــادة‪ .‬ثــورة رقم (‪ )792‬تــاريخ ‪ 16‬يوليــو ‪ .)1970‬عكس‬
‫الدســتور االنتقــايل لعــام ‪ 1970‬األيديولوجيــة القائمــة على (الثــورة) الــيت قادهــا حــزب البعث العــريب االشــرتاكي يف‬
‫الفرتة من ‪ 17‬إىل ‪ 30‬متوز ‪ /‬يوليو ‪ 1968‬واملمثلة يف جملس قيادة الثورة‪ .‬تنص املادة األوىل من الدسـتور االنتقـايل‬
‫لعــام ‪ 1970‬على أن "العــراق مجهوريــة دميقراطيــة ذات ســيادة"‪ .‬هــذا املقــال هــو جتســيد للمبــادئ البعثيــة الــيت تــؤمن‬
‫باالعتماد على صيغة الدميقراطية اجلماهرييـة كطريقـة لتأسـيس نظـام دسـتوري‪ .‬ملـك الشـعب وحـده هـو مصـدر كـل‬
‫سلطة وقيادة‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪90‬‬

‫وق ــد ت ــرجم الدس ــتور االنتق ــايل لع ــام ‪ 1970‬ه ــذا املب ــدأ إىل م ــادة ‪ 3‬نص ــت على أن‪" :‬الش ــعب مص ــدر الس ــلطة‬
‫وشرعيتها" (‪ .)1‬ونص املادة (‪ )1‬على أن "هدفها األساسي حتقيق دولة عربية واحدة و لتأسيس نظــام اشــرتاكي "‪.‬‬
‫أمـا املادة ‪ 12/1‬فتنص " تتـوىل الدولـة ختطيـط وتوجيـه وقيـادة االقتصـاد الوطـين هبدف اقامـة النظـام االشـرتاكي على‬
‫أسس علمية وثورية (‪ ،)2‬اما فيما يتعلق بالدين االسالمي وموقعه يف الدولة فقد اكتفى الدستور بــان "االســالم دين‬
‫الدولة (‪ ،) 3‬دون االشارة اىل موقفه من التشريعات بان يكون مصدرا اساسا او رئيسا‪.‬‬
‫فيما يتعلق بالقضية الكردية‪ ،‬تشري املادة اخلامسة من دستور ‪ 1970‬إىل القومية الكردية وحقوقهــا‪ ،‬وتنص املادة‬
‫(‪/5‬ب) على أن "الشعب العـراقي يتكـون من قوميـتني رئيسـيتني‪ ،‬القوميـة العربيـة واألكـراد‪ .‬هـذا الدسـتور االعـرتاف‬
‫حبق ــوق األك ــراد "‪ .‬القومي ــة واحلق ــوق املش ــروعة جلمي ــع األقلي ــات يف إط ــار الوح ــدة العراقي ــة‪ ،‬ولكن نفس املادة (أ)‬
‫تضعف مضمون نفس املادة (ب)‪ ،‬وهي كما يف املادة (‪( .)5‬أ) ينص على أن "العراق جزء من األمة العربيـة‪ ،‬وهي‬
‫حماولــة لــدمج القوميــة الكرديــة يف القوميــة العربيــة‪ ،‬ألن الشــعب العــراقي يتكــون من القوميــة العربيــة والقوميــة الكرديــة‬
‫على أساســها مبوجب املادة (‪( )5‬القســم الفــرعي)‪ .‬ب) ينص على أن العــراق ومجيــع شــعوبه ليســوا جــزءا من األمــة‬
‫العربية‪ ،‬ولكن الشعب العـريب جـزء من األمــة العربيـة‪ .‬وبعـد تنفيـذ اتفـاق آذار من قبـل احلكومـة العراقيـة وقـرار جملس‬
‫قيــادة الثــورة رقم ‪ 288‬بعــد بعــد إجــراء تعــديالت على الدســتور‪ ،‬مت إضــافة بعض النص إىل الدســتور كمــا ورد يف‬
‫املادة (‪ / 7‬ب)‪ :‬تكــون اللغــة الكرديــة هي اللغــة الرمسية لإلقليم الكــردي إىل جــانب اللغــة العربيــة‪ 1،‬أضــيفت الفقــرة‬
‫الثالثة إىل املادة ‪ 8‬اليت تنص على أن "املناطق اليت يسيطر عليها األكراد تتمتع باحلكم الذايت وفق القانون‪ ،‬وهو احلد‬
‫األقص ــى ال ــذي حص ــل علي ــه األك ــراد‪ ،)10( .‬الوض ــع األس ــري (املادة ‪ ،)11‬امللكي ــة الفردي ــة ووظائفه ــا االجتماعي ــة‬
‫(املادة ‪ ،)16‬مب ــدأ املس ــاواة وتك ــافؤ الف ــرص (املادة ‪ ،)19‬احلري ــات العام ــة وض ــماناهتا (املادة ‪ ،)26‬احلق يف التعليم‬
‫وحمو األميــة (املادة ‪ / 27‬أ)‪ ،‬الــيت تضــمن احلق يف العمــل واحلمايــة الصــحية (املواد ‪ / 32‬أ‪ ،‬ب‪ ،)33 ،‬وغريهــا من‬
‫األسس االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬ألهنا جتسد فقرات ميثاق حزب البعث ومبادئه‪ )1 ( ،‬وخـري دليـل على مـدى تـأثري‬
‫فكــر حـزب البعث يف الدسـتور العــراقي االنتقــايل لعــام ‪ 1970‬هــو املادة (‪/37‬ب) الــيت تنص على أن قــادة األعضــاء‬
‫اإلقليم ــيني يف حــزب البعث االجتم ــاعي الع ــريب‪ .‬يعتــرب احلزب أعض ــاء يف جملس قيــادة الثــورة‪ ،‬ومبا أن الدســتور أق ــره‬
‫اجمللس‪ ،‬فلدي ــه وح ــده ص ــالحية تعديل ــه وإلغائ ــه‪ ،‬ومبا أن اجمللس ه ــو الس ــلطة العلي ــا للدول ــة فإن ــه حيتف ــظ لنفس ــه جبمي ــع‬
‫الصـ ـ ـ ـ ــالحيات‪ ،‬واجمللس مبوجب املادة ‪ 37‬نفسـ ـ ـ ـ ــه هـ ـ ـ ـ ــو رئيس احلزب‪ ،‬فال جيوز إال أن يسـ ـ ـ ـ ــتخدم عقيـ ـ ـ ـ ــدة احلزب‬
‫وأيديولوجيته‪.‬‬

‫‪ .1‬دستور العراقي املؤقت لعام ‪1970‬‬


‫‪91‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫شهدت فرتة حكم البعثيني سـيادة نظـام مشويل للحـزب الواحـد يتمـيز بإلغـاء الفصـل بني الســلطات‪ ،‬والبحث عن‬
‫الش ــرعية الثوريــة‪ ،‬والس ــيطرة على السياســة واالقتصــاد والثقافــة واجملتمــع‪ ،‬وحصــر احليــاة السياســية يف حــدود حــزب‬
‫واحد وعقيدة واحدة بالداخل‪ .‬اخلدمات االجتماعية‪ ،‬وارتفاع مســتويات دخـل الفــرد‪ ،‬والنمــو الصــناعي والتعليمي‪،‬‬
‫لكن حرب النظام اليت اسـتمرت عقـًد ا من الـزمن واحلصـار االقتصـادي الـذي أعقبـه على العـراق قضـى على احلريـات‬
‫السياســية واملدنيــة الــيت رافقت فــرتة وجــيزة من االزدهــار‪ .‬املرحلــة‪ ،‬كــان العمــل الســري غــري القــانوين مهــدًد ا من قبــل‬
‫العديــد من األنظمــة الصــارمة‪ ،‬وكــان لألجهــزة األمنيــة ســلطة مطلقــة يف القضــاء على مجيــع املعارضــني أو املعارضــني‪،‬‬
‫وكــان هــذا هــو احلال بالفعــل حــىت الدولــة البعثيــة يف أعاله (‪ 2003 )3‬ولن تتغــري إال بعــد االهنيــار يف أيــدي قــوات‬
‫التحالف األمريكية الربيطانية يف ‪ 4‬سـبتمرب ‪ .1970‬نـرى بوضـوح أن الدسـتور العـراقي املؤقت لعـام ‪ 1970‬اسـتند‬
‫إىل دس ــتور ح ــزب البعث وبرناجمه‪ ،‬من خالل جملس قي ــادة الث ــورة‪ .‬وهي تتب ــىن مب ــدأ وح ــدة الس ــلطة وت ــرفض املب ــدأ‬
‫الليربايل لفصل السلطات عن تأسيسها‪ .‬كمصدر أساسـي أو رئيسـي‪ ،‬طاملا أن املصـدر األساسـي والرئيسـي للدسـتور‬
‫هــو الربنــامج احلزيب مث املصــدر األساســي والرئيســي جلميــع القــوانني‪ ،‬وكــل ذلــك يــؤدي إىل تركــيز الســلطة يف أيــدي‬
‫‪1‬‬
‫عدد قليل من الناس‪ ،‬هذا يؤدي إىل الشمولية اليت ترفض أي نظام آخر ال يؤمن بعقله‬
‫باختصار‪ ،‬يف فرتة مجهورية الصني قبل عام ‪ ،2003‬ميكننا مالحظة النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬تدور االجتاهات األيديولوجيـة حـول التخلص من اجليـل األكـرب سـنا (احملافظني) وإرسـاء الســلطة واالسـتقالل‬
‫بقيادة النخبة الثورية (الضباط الليرباليني)‪.‬‬
‫‪ .2‬تريد النخبـة الثوريـة تغيـري طريقـة اإلنتـاج واالسـتهالك لتحقيـق احلكم الشـامل‪ ،‬لكن صـراع هـرم السـلطة مينـع‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ . 3‬انتشار اليسار واليمني (بني الشيوعيني والقوميني)‪ ،‬والصراع املستمر مينع االستقرار السياسي من وجوده‬

‫‪ .1‬مجيل وعبداجلبار‪« ،‬االحزاب السياسية يف العراق»‬


‫الفصل الثالث‪ :‬االتجاهات الفكرية واثرها في صياغة الدساتير بعد‬
‫‪ 2003‬في العراق‬
‫‪93‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫يف ‪ 9‬أبريل ‪ ،2003‬احتل اجليش األمريكي العـراق وأطـاح بالنظـام السياسـي الـذي كـان حيكم العـراق منـذ عـام‬
‫‪ ،)1( 1968‬مما أدى إىل اهنيـ ــار املؤسسـ ــات السياسـ ــية الوطنيـ ــة العراقيـ ــة واألشـ ــكال االجتماعيـ ــة‪ ،‬واهنيـ ــار النظـ ــام‬
‫السياس ــي الفك ــري لالش ــرتاكي الع ــريب‪ .‬حتّو ل ح ــزب البعث وبعض تنظيمات ــه إىل فص ــائل عس ــكرية قبلي ــة حتت س ــتار‬
‫طوائــف‪ ،‬وأصــبح التحــالف بقيــادة اجليش األمــريكي هــو الســلطة الفعليــة يف العــراق‪ ،‬ال ســيما مــع صــدور قــرار جملس‬
‫األمن رقم ‪ 1483‬يف ‪ 22‬أيــار ‪ /‬مــايو ‪ 1،2003‬الــذي ع ـّر ف تلــك القــوات بأهنا قــوات االحتالل‪ ،‬وتــولت قــوات‬
‫االحتالل مس ــؤولية ش ــؤون احلكم الع ــراقي‪ ،‬وأنش ــأت مكتب إع ــادة اإلعم ــار واملس ــاعدات اإلنس ــانية (مكتب إع ــادة‬
‫اإلعمار واملساعدات اإلنسانية)‪ ،‬وأرسلت اجلنرال املتقاعد ج‪ .‬إدارة الشؤون العراقية حىت تشــكيل (سـلطة االئتالف‬
‫املؤقتــة) وتعــيني بــول برمير‪ .‬إىل تصــديق مــدين أمــريكي‪ ،‬لكن اخلطــوة كــانت مبثابــة بدايــة مشــاركة العــراق يف احلكم‬
‫وكانت من أهم أعمال اللجنة‪ ،‬حيث أصدرت دستوًر ا مؤقًتا ألول مرة‪ .‬بعــد ‪ 9‬أبريـل ‪ 2003‬فــرتة انتقاليـة (قــانون‬
‫إدارة الدولة العراقية االنتقالية) كأساس للنظام السياسـي العـراقي‪ ،‬وجلنـة دسـتورية‪ ،‬وتشـكيل حكومـة انتقاليـة مؤقتـة‪،‬‬
‫وإصـ ــدار دسـ ــتور دائم‪ ،‬وبنهايـ ــة جتري االسـ ــتفتاءات الدسـ ــتورية واالنتخابـ ــات الربملانيـ ــة لعـ ــام ‪ 2005‬مبوجب هـ ــذا‬
‫الدس ــتور ال ــدائم‪ .‬من هن ــا لعبت الق ــوى السياس ــية مبختل ــف توجهاهتا دوًر ا ب ــارًز ا يف عملي ــة وض ــع الدس ــتور وت ــركت‬
‫بص ــماهتا يف النص ــوص ال ــيت حتدد ش ــكل الدول ــة ونظ ــام احلكم‪ ،‬وك ــذلك ال ــدين اإلس ــالمي يف الدول ــة‪ ،‬الدميقراطي ــة‪.‬‬
‫واحلقوق القومية والقضايا الكردية املصريية ملستقبل الدولة العراقية واهنيار النظام السياسي العراقي والنظــام السياســي‬
‫الذي ميثله حزب البعث ومنظماته االجتماعية‪ ،‬كلهـا تســاعد على تنشــيط تيـار األنشــطة السياسـية للحركـة السياسـية‬
‫ممثلــة بــاملفكرين اإلســالميني أو اإلســالم السياســي‪ ،‬والــيت تســعى إىل فــرض هيمنتهــا الفعليــة على جمموعــة واســعة من‬
‫‪2‬‬
‫العراقيني من مجيع مناحي احلياة‪ ،‬فضًال عن التيارات العلمانية املتمثلة يف التيارات اليسارية والقومية والليربالية‪.‬‬
‫وعلى هــذا األســاس يتم تقســيم هــذا الفصــل على مبحــثني‪ ،‬اذ يتنــاول املبحث االول اهم االجتاهــات الفكريــة بعــد‬
‫نيسان ‪ ،2003‬اما املبحث الثاين فيخصص ملوضوع اثر االجتاهات الفكرية يف الدساتري بعد نيسان ‪2003‬‬

‫‪ . 1‬موقع الرمسي للحـزب الســلمي‪« ،‬املنهاج الداخلي للحزب السلمي العراقي»‬


‫‪ . 2‬لطفي‪« ،‬الدولة العراقية وفكر منظومتها السياسية»‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪94‬‬

‫‪ .3-1‬الميول واالتجاهات الفكرية بعد عام ‪2003‬‬


‫انطلق يف ميدان العمل السياسي يف العراق بعد ‪ 9‬نيسان (أبريل) ‪ .2003‬كم عدد األحزاب والقـوى السياسـية‬
‫واالجتماعيــة الــيت هلا اجتاهــات وتيــارات فكريــة خمتلفــة‪ ،‬لــذلك من الصــعب قــراءة وحتليــل هــذه االجتاهــات واألحــزاب‬
‫بطريقــة شــاملة ومجيــع القــوى واالجتاهــات هلا موقــف من القضــايا الرئيســية يف العمليــة السياســية‪ ،‬لــذلك من الصــعب‬
‫إجياد تصنيف خاص يتالءم مع كـل هـذه التيـارات واألحـزاب حســب توجههـا الفكـري‪ .‬وألن العديـد منهم‪ ،‬خاصـة‬
‫اجلماع ــات ال ــيت ظه ــرت بع ــد ع ــام ‪ ،2003‬ال يقوم ــون بأنش ــطة سياس ــية ص ــرحية ميكن من خالهلا اس ــتنتاج مي ــوهلم‬
‫الفكريــة واأليديولوجيــة‪ ،‬عالوة على ذل ــك‪ ،‬ف ــإن أمساء العديــد من األحــزاب تش ــمل التعبــريات الدميقراطيــة والقوميــة‬
‫والعراقيــة‪ ،‬وإدخــال وتــأخري هــذه املصــطلحات‪ ،‬كمــا حياول البعض وصــف األحــزاب السياســية العراقيــة باملعارضــني‬
‫للعملية السياسية وتلك املؤيـدة هلا‪ ،‬بنـاًء على دعمهم للعمليـة السياسـية ومـوقفهم من االحتالل‪ .‬يتطلب االسـتقطاب‬
‫والطائفيــة تصــنيًف ا آخــر‪ ،‬يقســمها إىل أحــزاب وقــوى طائفيــة وقــوى غــري طائفيــة‪ ،‬وتقســيمها إىل قــوى سياســية دينيــة‬
‫إســالمية وقــوى سياســية علمانيــة‪ 1‬و من جممــل هــذه اآلراء يــرى البــاحث ان التصــنيف االخــري ميكن لــه ان يســتوعب‬
‫القـ ــوى السياسـ ــية املختلفـ ــة‪ ،‬من هـ ــذا املنطلـ ــق يقسـ ــم هـ ــذا املبحث على مطلـ ــبني‪ ،‬اذ خصـ ــص املطلب األول لتنـ ــاول‬
‫موضوع االجتاهات الفكرية االسالمية‪ ،‬اما املطلب الثاين فيخصص ملناقشة االجتاهات الفكرية العلمانية‪.‬‬

‫‪ .3-1-1‬القوى ذوي االتجاهات الفكرية االسالمية‬


‫الســمة األكــثر لفتــا للنظــر يف املشــهد السياســي بعــد عــام ‪ 2003‬هي العــدد املتزايــد لألحــزاب الدينيــة اإلســالمية‬
‫(الشــيعة والســنة) الــيت هتيمن على املشــهد السياســي العــراقي‪ ،‬وخاصــة يف الوســط العــريب‪ ،‬وخاصــة من حيث النفــوذ‪،‬‬
‫وترتاوح القدرات بني العمل املباشر والــرأي العــام‪ .‬من جهـة للســيطرة على الدولــة ومؤسســاهتا من جهـة أخـرى‪ .‬من‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬فإن هيمنة الفكر الديين اإلسالمي على الســاحة السياسـية تعكس مـا حـدث يف العـراق‪ .‬تنقســم القـوى‬
‫واألحزاب اإلسالمية إىل قوى إسالمية شيعية وقوى إسالمية سنية (عربية وكردية)‪ ،‬وقد يكون أبرزها‪:‬‬

‫‪ .1‬مجيل وعبداجلبار‪« ،‬االحزاب السياسية يف العراق»‬


‫‪95‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .3-1-1-1‬القوى االسالمية الشيعية‬


‫بعــد ســقوط النظــام يف ‪ 9‬نيســان (أبريــل) ‪ ،2003‬نشــطت قــوى سياســية ذات ميــول إســالمية شــيعية يف العــراق‪،‬‬
‫بعض ــها تأس ــس قب ــل س ــقوط النظ ــام‪ ،‬وبعض ــها تأس ــس يف العملي ــة السياس ــية بع ــد س ــقوط النظ ــام يف الع ــراق‪ .‬الع ــراق‪.‬‬
‫ل ــذلك‪ ،‬ميكن للنظ ــام البع ــثي‪ ،‬وك ــذلك الق ــوى املنش ــقة عن الق ــوى السياس ــية األخ ــرى‪ ،‬حتدي ــد أهم الق ــوى الديني ــة‬
‫السياسية ذات امليـول الشــيعية يف (اجمللس األعلى لإلسـالم) و (حـزب الفضـيلة) و (التيـار الصـدري)‪ ،‬باسـتثناء حـزب‬
‫دعوة اإلسالم الذي ذكرناه سابقًا‪..‬‬

‫‪ .3-1-1-1-1‬المجلس االعلى االسالمي العراقي‬


‫تأس ــس اجمللس األعلى اإلس ــالمي يف إي ــران يف ‪ 17‬تشـ ــرين الث ــاين (نوفمـ ــرب) ‪ 1982‬حتت اس ــم (اجمللس األعلى‬
‫للثــورة اإلســالمية يف العــراق‪ ،‬والــذي كــان يف األصــل مــؤمترا أو ائتالفــا يضــم قــوى سياســية إســالمية معارضــة للنظــام‬
‫السابق‪ ،‬حيث كان ينادي باحلرية واالستقالل‪ .‬والعدالة والشعار كما ورد يف تعريفـه الرمسي أن األحـزاب السياسـية‬
‫اليت شكلت اجمللس يف بدايتـه هي (إسـالم الـدعوة)‪( ،‬العمـل اإلسـالمي)‪( ،‬حركـة اجملاهـدين يف العـراق)‪( ،‬مجاعـة عبـد‬
‫العزيز احلكيم ‪ -‬اجمللس‪ .‬إخوان الرئيس)‪( ،‬حزب اهلل العراقي)‪( ،‬حركة الرافدين اإلسالمية)‪( ،‬حزب اهلل الكردي)‪،‬‬
‫كمــا تضــم منظمــات دينيــة وعلمانيــة مثــل (جملس العلمــاء)) و (جمموعــة علمــاء اجملاهــدين) و (مجاعــة العلمــاء)‪ ،‬وهــذه‬
‫اجملموعــة األخــرية برئاســة حممــد بــاقر احلكيم الــذي انتخب رئيس ـًا للمجلس‪ ،‬وشــكل اجمللس العســكري الــذراع عــام‬
‫‪ 1983‬حتت مسـ ــمى (منظمـ ــة بـ ــدر) برئاسـ ــة هـ ــادي احلكيم‪ ،‬وحصـ ــل اجمللس على متويـ ــل و الـ ــدعم السياسـ ــي من‬
‫مجهوري ـ ــة إي ـ ــران اإلس ـ ــالمية‪ ،‬وك ـ ــان للمجلس خالف ـ ــات سياس ـ ــية م ـ ــع العدي ـ ــد من األح ـ ــزاب السياس ـ ــية اإلس ـ ــالمية‬
‫والشخصيات اليت يرأسها حزب الدعوة اإلسـالمية‪ ،‬واملمثـل الوحيـد املعـين‪ ،‬فهـو ميثـل وجهـات نظـر وجـدول أعمـال‬
‫إي ــران‪ ،‬وق ــد وقفت منظم ــة ب ــدر على ج ــانب إي ــران وش ــارك يف احلرب العراقي ــة اإليراني ــة‪ ،‬بينم ــا مل جتد ق ــوى أخ ــرى‬
‫موطئ قدم إال عند بوابة الربملان‪ ،‬األمر الذي دفع القضية الربملانية للعديد من القوى إىل اخلروج من الربملان‪ ،‬بعضــها‬
‫‪1‬‬
‫بالفعل لديها دمشـق و لنـدن كمقـر هلم‪ .‬وإن البيـان التأسيسـي للمجلس‪ ،‬بـأن برناجمه السياسـي جـاهز‪ ،‬حيدد أهـدافًا‬
‫‪2‬‬
‫جيب أن تستمر (اجلهاد) حىت يتحقق‪ ،‬ومنها‪-:‬‬
‫‪ .1‬االســتمرار يف اجلهــاد على أســاس املعتقــدات واألفكــار اإلســالمية حــىت يتحقــق النصــر على اإلمربياليــة ونظــام‬
‫األفراكي ويؤسس حكم عادل بقيادة (وايل الفقيه)‪.‬‬
‫‪ .1‬أندرسن وستانسفيلد‪ ،‬عراق املستقبل –دكتاتورية‪ ،‬دميقراطية ام التقسـيم‪ :‬ص‪231‬‬
‫‪ . 2‬لطفي‪« ،‬الدولة العراقية وفكر منظومتها السياسية»؛ مجيل وعبداجلبار‪« ،‬االحزاب السياسية يف العراق»‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪96‬‬

‫‪ .2‬االل ــتزام باألس ــاليب اإلس ــالمية يف احلرك ــات السياس ــية (س ــواء الش ــرقية أو الغربي ــة) ويف اجله ــاد ض ــد (ق ــوى‬
‫الغطرسة العاملية) وعمالئها‪.‬‬
‫‪ .3‬حشد مجيع القوى اإلسالمية للعمل السياسي والعسكري املوحد‬
‫‪ .4‬اإلميان وااللــتزام بــاألخوة اإلســالمية وجتنب التعصــب جبميــع أنواعــه من قبــل مجيــع العــرب املســلمني واألكــراد‬
‫والرتكمان واألقليات األخرى‪.‬‬
‫‪ .5‬الدفاع عن املظلومني وقضاياهم العادلة وأمهها القضية الفلسطينية‪.‬‬
‫‪ .6‬إن مجهوري ــة إي ــران اإلس ــالمية هي قاع ــدة ومنطل ــق الث ــورة اإلس ــالمية العاملي ــة‪ ،‬ودعمه ــا واجب يف مواجه ــة‬
‫الغطرسة العاملية‪.‬‬
‫بعــد ســقوط النظــام الســابق‪ ،‬خــرج اجمللس األعلى اإلســالمي العــراقي مبقرتحــات وأفكــار جديــدة خمتلفــة عن تلــك‬
‫اليت طرحت قبل ‪ 9‬أبريل ‪ ،2003‬على الرغم من أنه كان قد تبىن يف السابق فكــرة إقامــة حكم إسـالمي يف العــراق‬
‫(‪ .)Guardian Jurist‬ال ــذي دع ــا إىل ت ــداول مب ــادئ الس ــلطة س ــلميا ومش ــاركة العراق ــيني‪ .‬ك ــل ذل ــك يف العملي ــة‬
‫السياس ــية‪ ،‬باالعتم ــاد على االنتخاب ــات احلرة يف البالد كآلي ــة فاعل ــة‪ ،‬وفص ــل الس ــلطات‪ ،‬وقب ــول الدميقراطي ــة‪ ،‬وهبذه‬
‫الطريقــة يشــارك اجمللس يف قبــول الدميقراطيــة‪ ،‬إىل جــانب األحــزاب اإلســالمية األخــرى يف العــراق‪ ،‬من أجــل التكيــف‬
‫والتوافق مع الواقع السياسـي العـراقي اجلديـد‪ 1،‬باإلضـافة إىل ذلـك‪ ،‬كـان من أهم جـداول األعمـال الـيت سـلط اجمللس‬
‫الضوء عليها وواصـلها بنشــاط يف ذلـك الـوقت‪ ،‬حصـر احملافظـات التســع للمنطقـة الوسـطى واجلنوبيـة ومدينـة النجـف‬
‫‪2‬‬
‫لتكون عاصمة املنطقة‪ .‬النجف ‪ 11‬آب ‪.2005‬‬

‫‪ .3-1-1-1-2‬حزب الفضيلة االسالمي‬


‫حزب الفضيلة اإلسالمي هو أحد األحزاب السياسية اإلسالمية العراقية اليت تأسست داخــل العــراق يف ‪ 19‬آذار‬
‫(مــارس) ‪ .2004‬وســبق إنشــاء حــزب الفضــيلة تأســيس مجاعــة حتت اســم (مجاعــة الفضــيلة)‪ ،‬والــيت أسســها (حممــد‬
‫اليعقــويب)‪ ،‬ومن أهم أهــداف هــذه اجملموعــة وحــدة احلوزة‪ .‬واملطالبــة بــأن يكــون هلا دور يف صــياغة الدســتور العــراقي‬
‫وتعــيني القضــاة واســتقطاب الطاقــات والكفــاءات والنخب املثقفــة من الشــعب)‪ .‬يعتــرب التشــيع حالــة الفتــة يف الوســط‬
‫اإلس ــالمي الع ــراقي‪ ،‬ألن أح ــزاب وكيان ــات إس ــالمية معروف ــة دخلت الع ــراق من ــذ تأسيس ــها وهلا ت ــاريخ طوي ــل يف‬
‫املعارضة‪ .‬لكنه حتّر ر وكانت له شخصيته املتميزة‪ ،‬واستبَق حممد صادق مع الصدر رمـزًا لـه‪ ،‬وعقـد املؤمتر التأسيســي‬

‫‪ . 1‬حـافظ‪« ،‬احلـزاب السـلمية العراقيـة (دراسـة نقديـة) حـزب الفضـيلة السـلمي امنوذجـا»‪ :‬ص‪26‬‬
‫‪ .2‬اخليون‪100 ،‬عام من االسالم السياسي بالعراق‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪316‬‬
‫‪97‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫يف مدينــة النجــف األشــرف بإشــراف املرجــع الــديين (اليعقــويب) وانتخب د‪ ..‬نــدمي اجلابري أمينـًا عامـًا للحــزب‪ ،‬وفتح‬
‫احلزب خالل فــرتة وجــيزة فرع ـًا لــه يف العديــد من احملافظــات‪ ،‬وشــارك احلزب يف العمليــة السياســية داخــل االئتالف‬
‫الشـيعي املوحـد)‪ .‬وقـد اعتمـد حـزب الفضـيلة على أسـس نظريـة‪ ،‬ومن أهم هـذه األسـس كمـا جـاء يف املوقـع الرمسي‬
‫‪1‬‬
‫(مرجعية اليعقويب)هي‬
‫‪.‬‬
‫‪ .1‬العمــل اجلمــاعي وليس الفــردي يف تنظيم شــؤون الدولــة ضــمن هيكلهــا املؤسســي ‪ .2‬العمــل احلزيب الــداخلي‬
‫نشط وُينظر إىل احلزب كقناة أو آلية للعمل البناء لتحقيق األهداف (الصحيحة)‪.‬‬
‫‪ .3‬يتبىن نظام احلكم اإلسالمي نظرية واليـة الفقيـه الــيت جتمــع بني العمــل اجلاد والعــدل والقــدرة‪ .‬وهــو على رأس‬
‫هرم صـنع القـرار‪ ،‬ممسـكًا خبيـوط السـلطة‪ ،‬وشـرعيته تنبـع من تعيينـه أئمـة معصـومني‪ ،‬بعـد شـهادة رجـال ذوي خـربة‪.‬‬
‫جترد الوالية من شرعيتها إذا حيد عن الشروط اليت أوكلت إليه أو يف حالة العجز‪.‬‬
‫‪ . 4‬التداول السلمي للسلطة من خالل االنتخابات من جملس املدينة إىل اجمللس إىل رئيس اجلمهورية‪.‬‬
‫يتضــح من األســاس النظــري حلزب الفضــيلة أن هنــاك تناقًض ا يف افرتاضــاهتم األيديولوجيــة‪ .‬أحيان ـًا يؤكــدون على‬
‫والي ــة الفقه ــاء يف الفك ــر اإلس ــالمي‪ ،‬وأحيان ـًا يش ــددون على االنتخاب ــات والت ــداول الس ــلمي للس ــلطة‪ ،‬م ــع العلم أن‬
‫االثنني متناقضان‪.‬‬
‫أما أهم األهداف اليت يسعى احلزب إىل حتقيقها فهي‪ :‬منـع الفسـاد‪ ،‬ونشـر الفضـيلة يف اجملتمـع‪ ،‬وإسـناد املسـؤولية‬
‫إىل أشــخاص أكفــاء وأميــنني إلدارة البالد‪ ،‬ورفــع مســتوى الــوعي الثقــايف والعلمي للشــعب‪ ،‬وحتقيــق العدالــة‪ ،‬تنشــيط‬
‫االقتصـ ــاد واالسـ ــتقرار واألمن‪ ،‬واحلفـ ــاظ على وحـ ــدة واسـ ــتقالل البالد‪ .‬لتوفـ ــري احلريـ ــة واحلقـ ــوق جلميـ ــع مكونـ ــات‬
‫الشــعب‪ ،‬ولكن فقــط إذا كــانت متوافقــة مــع املنطــق الــذي يقــوم عليــه احلزب‪ ،‬ووضــع دســتور للبالد يتضــمن النقــاط‬
‫املذكورة أعاله وال يتعــارض مــع الشــريعة اإلســالمية‪ ،‬احلوار مــع مجيــع التيــارات السياســية واالنفتــاح عليهــا والتنســيق‬
‫‪2‬‬
‫معها يف املواقف واآلراء‪.‬‬

‫‪ .3-1-1-1-3‬التيار الصدري‬
‫بــدأت هــذه الظــاهرة (الصــدريون) يف أوائــل التســعينيات حيث متكن رجــل الــدين حممــد صــادق الصــدر من تنفيــذ‬
‫سلســلة من اإلصــالحات بعــد حــرب اخلليج الثانيــة مطلــع عــام ‪ 1992‬لكي يظهــر بقــوة يف املشــهد الشــيعي العــراقي‬
‫بصفته الرجل‪ .‬يعيد إنتاج الصراع يف مدرسة النجف (العروبة)‪ ،‬الذي بدأ يف وقت مبكر من أوائل القرن العشـرين‪،‬‬
‫‪ .1‬اليعقويب‪« ،‬خطابات مرحلية»‬
‫‪ .2‬اليعقويب‪« ،‬خطابات مرحلية»‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪98‬‬

‫ويعيــد إنتــاج طبقــة الصــراع املدين‪-‬الــريفي‪ ،‬اجتماعًي ا وسياسـًيا‪ ،‬فيمــا يتعلــق بتمثيــل الشــيعة يف مجيــع أحناء املؤسســات‬
‫الدينية الشيعية‪ ،‬وكسر االحتكار املدين املؤسسات الدينية لطبقـة رجـال الـدين‪ ،‬خاصـة يف النجـف وكـربالء وبغـداد‪،‬‬
‫وتوفر ألبناء احملافظات اجلنوبية مساحة واسعة (ميسان‪ ،‬الناصرية‪ ،‬البصرة‪ ،‬الديوانيـة واملثـىن)‪ ،‬من املواطـنني األصـليني‬
‫واملهــاجرين من ه ــذه احملافظ ــات إىل العاصــمة‪ ،‬وال ســيما بغ ــداد ملتابع ــة الدراســات احلوزة ال ــيت ك ــان ق ــد تــوىل هبا يف‬
‫املاضي‪.‬‬
‫واســتغل منــاخ القمــع العــنيف النتفاضــة شــعبان يف احملافظــات الوســطى واجلنوبيــة ذات األغلبيــة الشــيعية بعــد طــرد‬
‫القــوات العراقيــة من الكــويت‪ ،‬وكــذلك انتقــاد مبّطن ملدرســة النجــف الدينيــة بســبب ترددهــا يف دعم موقــف التمــرد‪.‬‬
‫من خالل سؤال الصدر عن ثنائية احلوزات الشفوية أو (مرجع املوقع)‪ ،‬واملؤسســات الدينيـة العمليـة املرتبطـة مباشـرة‬
‫باجملتمع واليت ميثلها شخصًيا‪ ،‬واحلوزات التقليدية الصامتة الـيت يقتصـر دورهـا على اإلطـار الـديين البحت (‪ .)1‬ميكن‬
‫لظـاهرة الصـدر أن تنتشــر بطـرق غـري متوقعـة بني الطبقـات االجتماعيـة الفقـرية على األطـراف احلضــرية حيث فشــلت‬
‫األنظم ــة املتعاقب ــة يف االن ــدماج يف اجملتم ــع‪ .‬يف ع ــام ‪ ،1998‬اختذ الس ــيد حمم ــد ص ــادق الص ــدر خط ــوة جذري ــة غ ــري‬
‫مسبوقة إلعادة صالة اجلمعة‪ ،‬وهـو واجب شـيعي واجب‪ .‬وقـد مثلت هـذه اخلطـوة يف نفس الـوقت استعراضـًا لقوتـه‬
‫وتأثريه بني أتباعه ومقلديه‪ ،‬وال ميكن فصل هـذه اخلطـوة عن منافســة املراجـع التقليديـة من جهـة ومناصـرة الفكـر من‬
‫جهــة أخــرى (واليــة الفقيــه)‪ .‬الرجــل‪ ،‬ليس فقــط يف العــراق ولكن أيًض ا يف إيــران‪ ،‬فــإن إحيــاء صــالة اجلمعــة هــو أمــر‬
‫عملي (تفــويض عــام مقيـد) من العبـارة‪ ،‬وهــو تفــويض خمالف لقــول (الواليـة املطلقــة على الفقهـاء‪ ،‬كمــا قــال اخلميـين‬
‫ع ــام ‪ .)1988‬زعيم زعيم الش ــيعة يف مجي ــع أحناء الع ــامل بس ــبب واليت ــه (املس ــتمدة من والي ــة اهلل ورس ــوله واإلم ــام‬
‫املعصوم)‪ ،‬وهو دور مل يكن للصدر أن يلعبه بدون غطـاء رمسي‪ ،‬وهنـا نشـري إىل الدولـة العراقيـة الـيت شـهدت مرجعـا‬
‫'‪ ،‬أو أصل فقيـه عـريب‪ ،‬من داخـل املؤسسـات الشـيعية ضـد سـلطة املعاهـد الدينيـة وضـد املؤسسـات الدينيـة الرمسية يف‬
‫إيران ذات املذاهب املضــادة‪ ،‬والـيت قـد تكـون يف نفس الـوقت أكـثر فاعليـة ملواجهـة املؤسســتني مباشـرة‪ ،‬لكن اغتيـال‬
‫حمم ـ ــد ص ـ ــادق الص ـ ــدر وولدي ـ ــه يف النج ـ ــف يف ش ـ ــباط ‪ 1999‬غ ـ ــري املعادل ـ ــة القائم ـ ــة‪ .‬بالكام ـ ــل يف الس ـ ــلطة وض ـ ــد‬
‫الصــدريني)‪ ،‬خاصــة بعــد انــدالع مواجهــات بينهم وبني رجــال األمن يف عــدة منــاطق‪ ،‬كمصــدر خطــر وهتديــد (‪.)2‬‬
‫جــاء ظهــور (التيــار الصــدري) بعــد نيســان ‪ /‬أبريــل ‪ 2003‬مفاجــأة للكثــريين ألنــه كــان يعتقــد أن الضــوابط األمنيــة‬
‫املفرطـة يف العنـف جنحت يف القضــاء عليهـا بالكامــل‪ ،‬خاصـة وأن ظـاهرة الصــدر يف التســعينيات مل يتم التعامــل معهـا‬
‫جبدية ألن حركة ميكن أن يستمر ويستمر إىل ما بعد وفاة الصدر‪ .‬كان مقتل عبــد اجمليــدوي يف ‪ 10‬نيســان (أبريــل)‬
‫‪ 2003‬أول مرة يظهر فيها اسم مقتدى الصدر يف وسـائل اإلعالم‪ .‬وألقت وسـائل إعالم عربيـة ودوليـة بالالئمـة يف‬
‫‪99‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫احلادث على أتبــاع مقتــدى الصــدر‪ ،‬وتعــزز بشــكل واضــح اســم الصــدريني" يف األســابيع التاليــة‪ ،‬مللء الفــراغ الــذي‬
‫خلفه اهنيار مؤسسات الدولة من خالل العمل التطوعي‪ ،‬وليس فقط‪.‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪100‬‬

‫يف بغداد ويف مجيـع احملافظـات العراقيـة‪ .‬نظم السـاديون تنظيًم ا سـريًعا هبدف احلفـاظ على النظـام العـام واسـتخدام‬
‫احلس ــينيات وبن ــاء اجلمه ــور كمق ــر هلم من خالل تقلي ــد وال ــدهم الص ــدر (جي ــل احلج ــاب ال ــذي ظه ــر ع ــام ‪1998‬‬
‫واضطهده النظام السابق)‪ ،‬لكن هذا اجملال هو الوجـود االجتمــاعي من احلركــة مل مينح احلركــة أي اعــرتاف سياسـي‪،‬‬
‫لذا فـإن اجمللس الـذي أنشــأه األمريكيـون مل يكن لـه وجـود ثـادي يف العـراق يف ‪ 13‬يوليـو ‪ ،2003‬وبـدا واضـًح ا أن‬
‫األمريكيني رمبا يفكـرون حتت تـأثري القـادة الشـيعة الـذين يريـدون حيتكـرون التمثيـل الشـيعي‪ ،‬فهم ال يقـدرون بشـكل‬
‫موضــوعي قــوة مقتــدى الصــدر‪ ،‬أو االمتــداد اجلمــاهريي للتيــار الصــدري وحجم ســلطته‪ ،‬ومن هنــا ال يوجــد متثيــل يف‬
‫اللجنــة‪ .‬شــرعية غــري اختيــار الواليــات املتحــدة هلم‪ ،‬حيث ال يوجــد موقــف واضــح وعلــين حــىت حلظــة اختيــار جملس‬
‫اإلدارة‪ ،‬يبــدأ التيــار الصــدري يف معارضــة االحتالل األمــريكي‪ ،‬وبعــد ذلــك مباشــرة يبــدأ الصــدر يف احلديث بصــراحة‬
‫عن رفض االحتالل‪ ،‬مقتدى الصدر‪ .‬وأعلن الصدر عن تشكيل (جيش املهدي) حىت وصـلت العالقـات بني البلـدين‬
‫إىل نقط ــة املواجه ــة املباش ــرة يف نيس ــان (أبري ــل) ‪ ،2004‬لكن أهم وج ــود للتي ــار الص ــدري ك ــان من خالل جيش‬
‫املهدي على مرقد اإلمام علي هادي‪ - .‬حسن العسكري واحلسن العسكري يف سامراء يف شباط ‪ /‬فرباير ‪،2006‬‬
‫لكن قوات املهدي تـورطت يف صـراعات داخليـة شـيعية بلغت ذروهتا يف معركـة كـربالء عـام ‪ 2007‬وانتهت مبوق‬
‫تـادا الصــدر يف ‪ 29‬آب ‪ /‬أغســطس ‪ .2007‬بـإعالن وقــف أنشــطة جيش املهـدي (‪ ،)1‬مبا يف ذلــك اهلجمــات على‬
‫قوات االحتالل‪ ،‬واليت مت متديدها بعد ذلك (‪.)2‬‬
‫على الرغم من هـذا البيـان‪ ،‬اسـتمرت التهديـدات على نفـوذ الصـدر الواسـع يف احملافظـات اجلنوبيـة‪ ،‬خاصـة عنـدما‬
‫كــانت احلكومــة العراقيــة يف البصــرة عــام ‪ .2008‬وانتهى التهديــد خبس ــارة كبــرية لنفــوذ التيــار الصــدري‪ .‬والتوســع‬
‫ليشمل معقل الصدر يف مدينـة الصـدر‪ ،‬القاعـدة الرئيســية‪ ،‬هي امتـداد للصـراع الشــيعي البيـين على النفـوذ‪ ،‬وليس بني‬
‫الدولــة وامليليشــيات غــري الشــرعية‪ ،‬خاصــة وأن الدولــة نفســها كــانت الالعب الرئيســي الــذي أعطى الصــدريني هــذا‬
‫التـ ــأثري أوًال‪ ،‬وانتهت األمـ ــور بتجميـ ــد جيش املهـ ــدي إىل أجـ ــل غـ ــري مسـ ــمى ‪ ..‬يف ‪ 28‬آب ‪ /‬أغسـ ــطس ‪،2008‬‬
‫استطاع التيار الصدري يف هذه املرحلة حتقيق إجنازات اقتصادية كبرية ومصاحل سياسية‪.‬‬
‫لق ــد جنح الثــاديون بش ــكل مف ــاجئ يف إدارة نض ــاهلم السياســي وأبــدوا مرونــة عنــدما بــدؤوا بتش ــكيل حتالف ع ــام‬
‫‪ ،2005‬األمــر الــذي مسح هلم بتعزيــز مــوقفهم ببطء ولكن بثبــات على اخلارطــة السياســية العراقيــة‪ ،‬ال ســيما عنــدما‬
‫اقرتب فصيل ييه‪ .‬مع الساديني‪ ،‬حصــل على ‪ 23‬من ‪ 275‬مقعـًد ا يف انتخابـات اجلمعيـة الوطنيـة يف ينـاير ‪ 2005‬و‬
‫‪ 30‬من ‪ 275‬مقع ـ ـ ـًد ا يف انتخابـ ـ ــات جملس النـ ـ ــواب يف ديسـ ـ ــمرب من نفس العـ ـ ــام‪ .‬مث بـ ـ ــدوا أكـ ـ ــثر احرتاًف ا يف إدارة‬
‫انتخاب ــات ‪ 2010‬جمللس الن ــواب‪ ،‬حيث اس ــتطاعوا الف ــوز بـ ‪ 39‬مقعـ ـًد ا من إمجايل ‪ ،325‬ميثل ــون كتل ــة األح ــرار‪،‬‬
‫‪101‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫إحــدى أكــثر الكتــل النيابيــة متاس ـًك ا‪ .‬األيــديولوجيات املســتقبلية والالحقــة الــيت تســتمد وجهــات نظــرهم من املراجــع‬
‫الشيعية‪.‬‬
‫باإلضـافة إىل القـوى السياسـية الشــيعية هنـاك (القـوى الدينيـة الـيت ميثلهـا آيـة اهلل سـعيد علي السيســتاين (رمحه اهلل)‬
‫تلعب أحياًن ا دوًر ا أكــرب يف السياســة العراقيــة من القــوى السياســية‪ 1،‬لعــل املرجــع الــديين مل يواجــه مثــل هــذا الوضــع‬
‫العصــيب مثــل آيــة اهلل علي السيســتاين‪ ،‬ألنــه شــهد ســلوك النظــام الســابق واألوقــات الصــعبة الــيت مــر هبا العــراق بعــد‬
‫حــرب العــراق‪ .‬غــزو الكــويت ومــا تاله‪ ،‬وبعــد وفــاة آيــة اهلل اخلوئي وظهــور السيســتاين مرجعيــة دينيــة عــام ‪،1992‬‬
‫وحــىت ســقوط النظــام الســابق‪ ،‬مل تصــدر فتــوى أو بيــان من املرجــع الــديين‪ ،‬حيث فيمــا يلي‪ :‬السياســي‪ ،‬باســتثناء مــا‬
‫أصدره عام ‪ ،2002‬أصدر بياًنا قوًيا يف أبريل ‪ 2009‬يدين تصرفات إسرائيل ضـد الفلســطينيني‪ .‬ذهب الشــيعة إىل‬
‫املراج ــع الديني ــة ليثبت ــوا أن ــه ال داعي للص ــمت وع ــدم الت ــدخل يف الش ــؤون السياس ــية‪ ،‬وأن س ــقوط النظ ــام احلاكم يف‬
‫إس ــرائيل ج ــاء كزل ــزال‪ ،‬وكس ــر احلواجز بني املرجعي ــة الديني ــة وأتباعه ــا‪ ،‬ل ــذلك نطل ــق علي ــه اس ــم القائ ــد‪ ،‬وابتهج ل ــه‬
‫كقائد‪ .‬على غرار تفويض الفقيه‪ ،‬أو املبادئ اليت طبقها‪ ،‬ورد أنــه دعم تشــكيل ائتالف شــيعي يف انتخابــات ‪2005‬‬
‫العراقية ووافق على تعيني الوزراء واملناصب املتعلقة بالدستور والعالقات مع اجليش األمــريكي‪ ،‬وكـذلك االسـتنتاج‪.‬‬
‫من االتفاقات أو رفضها‪ ،‬فلديه القول الفصل عندما يتعلق األمر بكل معضلة سياسية يف هذا البلد‪ 2،‬ووصــف رئيس‬
‫الشــؤون املدنيــة للواليــات املتحــدة يف العــراق آيــة اهلل السيســتاين بأنــه كــان لــه تــأثري كبــري يف مدينــة النجــف األشــرف‪،‬‬
‫وال ــزعيم األب ــرز بني املرجعي ــات الديني ــة‪ ،‬واملس ــؤول ال ــروحي يف ه ــادزا‪ .‬ودور الباب ــا يف اجلماع ــة يش ــبه دور الباب ــا يف‬
‫اجلماعة‪ .‬أن البابا من الكاثوليك‪ ،‬ويعتربه ماليني الشيعة شخصية مرجعية ومرشد روحي‪ .‬جيب تقليـد حياتـه وتقليـد‬
‫حكمت ــه‪ .‬أم ــا بالنس ــبة ملواقف ــه السياس ــية‪ ،‬ففي حني أن ــه ال يوج ــه احلمالت السياس ــية اليومي ــة‪ ،‬فإن ــه ميارس نف ــوذه من‬
‫خالل نقاشــات خاصــة مــع أتباعــه املخلصــني‪ ،‬وتصــرحيات وفتــاوى عرضــية‪ ،‬ومواقفــه مــع الشــعب العــراقي ومتورطــة‬
‫بشــكل مباشــر معــه‪ ،‬فهــو احلاكم‪ ..‬املدين على اتصــال بــه خاصــة بشــأن الوضــع األمــين وصــياغة دســتور ويصــر على‬
‫‪3‬‬
‫انتخابات جملس تأسيسي‪.‬‬

‫‪ .3-1-2‬القوى ذوي االتجاهات االسالمية السنية‬

‫‪ .1‬جمموع ــة الزم ــات الدولي ــة‪ ،‬احل ــرب اهللي ــة ف ــي الع ــراق والتي ــار الص ــدري واحلش ــد العس ــكري املريك ــي‪ ،‬تقري ــر ش ــرق ‪ 1‬الوسـط رقم‬
‫‪ 72‬يف ‪7‬شباط ‪2008‬‬
‫‪ .2‬الكبيسي‪ ،‬اللعبة املزدوجة‪ ،‬اسرتاتيجية الصدر يف العراق‪ :‬صص‪2-1‬‬
‫‪ .3‬للمزيـ ــد عن دور مرجعيـ ــة السيسـ ــتاين؛ رفيسـ ــر‪« ،‬السيسـ ــتاين و الواليـ ــات املتحـ ــدة و الشـ ــأن السياسـ ــي العـ ــراقي من السـ ــكوتية اىل‬
‫امليكافيلية»‪ :‬صص‪35-23‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪102‬‬

‫بنــاءا على منــاطق نفــوذ القــوى االســالمية الســنية و تكوينهــا ميكن تقســيم القــوى االســالمية الســنية يف العــراق اىل‬
‫القوى الدينية السنية العربية‪ ،‬والقوى االسالمية الكوردية‪:‬‬

‫‪ .3-1-2-1‬القوى االسالمية السنية العربية‬


‫ميكن القـول أنـه يف تـاريخ احليـاة احلزبيـة يف العـراق‪ ،‬مل يتمكن الســنة يف العـراق من تشــكيل أحـزاب سياسـية على‬
‫أساس اهلوية الطائفية مثل الشيعة‪ ،‬باستثناء احلزب اإلسالمي العراقي‪ ،‬الذي كــان فرًع ا من مجاعــة اإلخــوان املســلمني‬
‫املصرية‪ ،‬و كانت اإلمرباطورية العثمانية هي الفصيل السـين‪ ،‬وكـانت العالقـة مـع العـرب السـنة‪ .‬لطاملا كـانت الدولـة‬
‫العراقيــة عالقــة تقــارب‪ ،‬وهم ميولــون القيــادة والبريوقراطيــة يف البالد‪ .‬لكن لــدى شــيعة العــراق إحســاس تــارخيي بــأهنم‬
‫منب ــوذون ومعزول ــون من قب ــل الدول ــة‪ ،‬أم ــا الس ــنة فال ميكنهم إال أن يعت ــربوا أنفس ــهم ج ــزًءا منه ــا وليس أقلي ــة‪ .‬اهلوي ــة‬
‫اإلسالمية على وجه اخلصوص‪ ،‬باستثناء احلزب اإلسالمي العراقي (كمـا هـو موصـوف يف الفصـل الســابق)‪ ،‬من غـري‬
‫‪1‬‬
‫املرجح أن تقتصر على كوهنا إسالمية بطبيعتها ومنخرطة يف العمل املسلح ويف اجملتمع السين كحزب أو منظمة‪.‬‬
‫يف أعقـاب التغيـريات الـيت حـدثت بعـد سـقوط النظـام السـابق‪ ،‬وجـدت القـوى السـنية نفسـها بـدون عناصـر القـوة‬
‫اليت أعـدها هلا وجـود الدولـة ومؤسسـاهتا‪ ،‬ووجـدوا أنفسـهم بـدون القـوة السياسـية لتمـثيلهم‪ ،‬والتعبـري عنهم‪ .‬املصـاحل‬
‫وتنظيم جهـ ــودهم وقيـ ــادة حـ ــركتهم‪ ،‬على عكس الشـ ــيعة واألكـ ــراد‪ ،‬لكنهم سـ ــرعان مـ ــا متكنـ ــوا من جتميـ ــع قـ ــواهم‬
‫وتوحيد صفوفهم وتنظيماهتم يف كيانات دينية وسياسـية ومدنيـة‪ ،‬وأنشـأوا بعض اجلماعـات املسـلحة (‪ .)1‬أصـبحت‬
‫اجلبهــة الســنية أكــثر وضــوحا يف العمليــة السياســية‪ ،‬حيث ظهــرت القــوى الدينيــة الســنية واألحــزاب السياســية الســنية‬
‫على الســاحة السياسـية العراقيـة منـذ سـقوط النظــام الســابق إىل إصـدار الدسـتور عــام ‪ ،2005‬وأصـبحت واحـدة من‬
‫أمهها القوى الدينيـة‪ .‬يقودهـا اإلمــام الســين املؤثر الـدكتور شـيخ (هيئـة علمـاء املسـلمني)‪ ،‬وكـذلك قـوى دينيـة أخـرى‬
‫مثـل (هيئـة الفتـوى واإلرشـاد) ومجاعــة أهــل الســنة واجلماعــة وغــريهم من اجلماعــات الســنية‪ ،‬ولكن األكــثر نفــوذًا من‬
‫هذه اجلماعات (هيئة علماء املسلمني)‪ ،‬أما بالنسبة لألحزاب السنية يف العـراق‪ ،‬فـإن أبـرز هـذه األحـزاب هـو احلزب‬
‫اإلسالمي العراقي الذي ذكرناه سـابقًا والـذي يشـارك يف بدايـة العمليـة السياسـية‪ ،‬انسـحب يف ديسـمرب ‪ .2004‬أمـا‬
‫املنظمات السياسية السنية األخرى فقـد مت تشــكيلها مثـل (اجلبهـة العراقيـة املوحـدة) و (جبهـة احلوار الوطـين العـراقي)‬
‫و (مؤمتر صحوة العراق) وغريها‪ .‬موقف املشاركة يف العملية السياسية‪ ،‬أي بعـد املصــادقة على الدسـتور‪ ،‬إضـافة إىل‬
‫بعض القوى املشاركة يف االنتخابات النيابية‪ ،‬واليت انبثقت عنها جلنـة كتابـة الدسـتور‪ ،‬مثـل مشــعان اجلبـوري بزعامـة‬
‫‪( -‬جمموعة املصاحلة والتغيري) اليت فازت مبقعد (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬الزبيــدي وآخــرون‪ ،‬العــراق و البحــث عــن املستقبل‪ :‬ص‪322‬‬


‫‪103‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪104‬‬

‫اآلن بع ــد أن ناقش ــنا احلزب اإلس ــالمي واجتاهات ــه األيديولوجي ــة‪ ،‬س ــنتعامل م ــع هيئ ــة علم ــاء املس ــلمني وتوجهاهتا‬
‫األيديولوجية‪ .‬تأسست هيئة علماء املسلمني يف ‪ 14‬أبريل ‪ 2003‬مببادرة من جمموعة من رجال الدين السنة الــذين‬
‫يعيشون يف اخلارج‪ .‬وعقدوا اجتماعا افتتاحيا ضم ‪ 15‬عضوا وافتتحوا هلم فرعا رئيسيا يف بغــداد (داخـل مســجد أم‬
‫القرى) اضافة اىل ‪ 18‬فرعا يف احملافظات وفرع يف االردن‪ .‬ومصر‪ ،‬سرعان ما تدخلت اللجنة يف الشؤون السياســية‬
‫وظهرت كممثل للعرب السنة وسلطتهم العليا يف مقابل سلطة النجف الشــيعية‪ ،‬على الــرغم من أن هــذا أثــار اســتياء‬
‫العديـد من السـنة وكـان على خالف مـع القـوى السياسـية والدينيـة الســنية‪ ،‬واشـتبكت العالقـات واجتهت العالقــات‪.‬‬
‫حىت يصبح متوترا‪ ،‬لكنه استغل دعم العرب واإلسـالم ومل يتـأخر طـويال‪ .‬وهـامجت اللجنـة يف بياهنا األول قـرار برمير‬
‫تشــكيل جملس إدارة ونظــام كوتــا طــائفي‪ ،‬ورفضــت قــرار اللجنــة جبعــل يــوم ســقوط النظــام البائــد عطلــة وطنيــة‪ .‬منــذ‬
‫نشــأهتا مل تعــرتف قــط بالعمليــة السياســية وأصــدرت بيانــات مقاطعــة العمليــة االنتخابيــة واالســتفتاء‪ .‬ووفًق ا للدســتور‪،‬‬
‫حتافظ اهليئة على عالقات جيدة مع اجلماعات املسلحة‪ ،‬ال سيما تلك النشطة يف املنــاطق الســنية‪ ،‬وحتافــظ اهليئــة على‬
‫عالقات وثيقة مع اجلماعات املسلحة السنية مثل (جيش السالم العراقي) و (اللواء الثوري العشرون)‪.‬‬
‫أم ــا م ــا ك ــانت اهليئــة تس ــعى إىل حتقيق ــه‪ ،‬فق ــد حــددت هلا أربع ــة أه ــداف‪ ،‬لكنهــا ربطت حتقيقهــا بإهناء االحتالل‬
‫وإعادة بناء البلد مبجرد وجوده‪ .‬هذه األهداف‬
‫‪ .1‬ميث ــل الس ــلطة الش ــرعية للمس ــلمني يف الع ــراق‪ ،‬دون حتدي ــد طوائ ــف معين ــة ‪ -‬وم ــع ذل ــك ال ميكن فص ــلها عن‬
‫اخلطاب السياسي املعرّب عن الطائفة السنية‪.‬‬
‫‪ .2‬العمل على إهناء االحتالل األمريكي الربيطاين للعراق (بالطرق القانونية)‪.‬‬
‫‪ .3‬اإلميان الراسخ باإلسالم‪ ،‬ونشر احلق الديين‪ ،‬واإلدراك الكامل لسيادة الشريعة اإلسالمية‬
‫‪ . 4‬ترسيخ قواعد األخوة والتضامن‪ ،‬والعمل على إزالة اخلالفات واالنقسامات‪ ،‬وبث روح التسامح‬

‫‪ .3-1-2-2‬القوى االسالمية الكوردية‬


‫ميكن إرجــاع جــذور التيــارات اإلســالمية الكرديــة إىل النصــف الثــاين من القــرن العشــرين‪ ،‬عنــدما وصــلت حركــة‬
‫اإلخوان املسـلمني إىل كردسـتان العـراق‪ ،‬ودخـل اإلخـوان املسـلمون كردسـتان العـراق عـرب املوصـل يف األيـام األوىل‪.‬‬
‫يف اخلمس ــينيات من الق ــرن املاض ــي‪ُ ،‬ع رف اإلخ ــوان املس ــلمون يف كردس ــتان باجلي ــل الث ــالث أو الث ــالث من التنظيم‬
‫بأكمله يف العراق‪ ،‬يف املرتبة الثانية بعد األسرة األوىل يف املوصل والعائلة الثانية يف بغداد‪ ،‬وبدأت مع انضمام الشــيخ‬
‫املال عثمان عبد العزيـز‪ .‬عـام ‪ ،1952‬ومل يظهـر التيـار اإلسـالمي كفصـيل حترر وطـين طـوال حقبـة النضـال الكـردي‬
‫إال بع ــد الث ــورة اإلس ــالمية يف إي ــران وان ــدالع احلرب اإليراني ــة العراقي ــة واس ــتيقاظها على اإلس ــالم‪ .‬الظ ــروف املناس ــبة‬
‫‪105‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫للحركــة‪ ،‬والــيت أدت إىل إنشــاء مــا يســمى (اجليش اإلســالمي الكردســتاين) عــام ‪ ،1980‬ولكن هــذا التنظيم انتهى‬
‫بأي ـ ـ ــدي الوطن ـ ـ ــيني‪ ،‬وب ـ ـ ــدأ االحتاد الكردس ـ ـ ــتاين ع ـ ـ ــام ‪ .1982‬وحرك ـ ـ ــة أخ ـ ـ ــرى مجعت جمموع ـ ـ ــة من اإلس ـ ـ ــالميني‬
‫الكردستانيني‪ .‬أسس حركة (الرابطة اإلسالمية) عام ‪ ،1984‬وكـان الشـيخ حممـد جنيب بـرزجني مـديًر ا عاًم ا هلا‪ .‬يف‬
‫كردســتان العــراق‪ ،‬ويف مراحــل تارخييــة عــدة حــدثت تطــورات سياســية ســاهم يف احــداث انقســامات وانشــقاقات يف‬
‫ص ــفوف التي ــار االس ــالمي الك ــوردي ح ــىت اس ــتقرت اىل ح ــد م ــا يف ثالث ــة اح ــزاب اس ــالمية رئيس ــة‪ ،‬وهم (احلرك ــة‬
‫االسـالمية يف كوردسـتان العـراق) و (االحتاد االسـالمي الكوردسـتاين) و (اجلماعـة االسـالمية يف كوردسـتان)‪ ،‬و من‬
‫هذا املنطلق نتناول النشأة واالجتاه الفكري لكل حزب على حدة‪ ،‬و كاآليت‪:‬‬

‫‪ .3-1-2-2-1‬الحركة االسالمية في كوردستان العراق‬


‫يف ع ــام ‪ ،1987‬ت ــألفت احلرك ــة اإلس ــالمية الكردس ــتانية يف الع ــراق من مفك ــرين إس ــالميني أك ــراد ميثل ــون فل ــول‬
‫احلركــة اإلسـالمية الســنية الكرديـة بقيـادة الشــيخ معتمــان عبـد العزيـز املشــكل يف مدينـة حلبوجـا مبحافظــة الســليمانية‪،‬‬
‫ودخلت احلركة يف قتال مسلح‪ .‬أدى االحتاد الوطين الكردسـتاين بقيـادة جالل طالبـاين أواخـر عـام ‪ 1993‬إىل إلقـاء‬
‫القبض على زعيم احلركة املال عثمان عبد العزيز‪ ،‬وانسحاب قواته إىل إيران‪ ،‬اليت كانت مبثابــة وســيط بني الطــرفني‪،‬‬
‫وعاد املقاتلون يف ظل احلركـة‪ .‬إىل كردسـتان ويف عـام ‪ 1994‬أصـبحت احلركـة اإلسـالمية طرًف ا مقـاتاًل يف الصـراع‬
‫ال ــدائر بني التح ــالف الوط ــين واحلزب ال ــدميقراطي‪ ،‬ال ــذي احناز إىل األخ ــري‪ ،‬وجتدد قتال ــه م ــع التح ــالف الوط ــين ع ــام‬
‫‪ ،1997‬وانتهى مــرة أخـرى بوسـاطة إيرانيـة‪ ،‬حيث ومت االتفــاق على تعــيني احلركــة وزيـرا ونائبـا للــوزير يف حكومــة‬
‫التحــالف الوطــين يف الســليمانية مما ادى اىل خســارة احلركــة مشــاركتها يف حكومــة حــزب اربيــل الــدميقراطي املنتشــرة‬
‫يف عمـوم االكـراد بعـد ان اقتصـر سـتان على منطقـة حلبجـة بعـد وفـاة املال عثمـان خلفـه شـقيقه املال علي عبـد العزيـز‬
‫لقيادة احلركة‪ ،‬ويف ‪ 21‬آب ‪ 1999‬قادت احلركـة اإلسـالمية وحركـة النهضـة اإلسـالمية يف علي عبـد العزيـز حتالفـًا‬
‫لتشــكيل حركــة الوحــدة اإلســالمية يف كردســتان‪ ،‬وبعــد قرابــة عــامني‪ ،‬خاصــة يف ‪ 30‬مــايو ‪ ،2001‬اشــتبك الــزعيم‬
‫اجلديد مع جمموعة من شباب احلركة‪ ،‬وكان انتخاب جملس شورى احلركة مرتبًط ا‪ ،‬وانتهى اخلالف بانفصـال باسـم‬
‫هــذه اجملموعــة (اجلماعــة اإلسـالمية بقيـادة علي بـابري)‪ ،‬والــيت ضـعفت بشــكل واضـح وفقــدت عــدًد ا كبـًريا من النـاس‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وهي من رموزها وكوادرها وهي أضعف تنظيميا وديناميكيا من احلركة الوليدة الكتلة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ .1‬موقع اجلزيرة نت‪« ،‬احلركة السلمية يف كوردستان العراق»‬


‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪106‬‬

‫أما األهداف اليت تسعى احلركــة إىل حتقيقهـا‪ ،‬فيمكن تلخيصــها يف‪ :‬إقامــة نظــام حكم إسـالمي‪ ،‬والســعي لتحقيـق‬
‫احلقــوق القانونيــة للشــعب الكــردي‪ ،‬واملطالبــة بالفدراليــة يف كردســتان العــراق‪ ،‬ورفــع املســتوى الفكــري والسياســي‬
‫لألك ــراد‪ ،‬معارض ــة مجي ــع أش ــكال الطائفي ــة‪ ،‬وطمس اهلوي ــة القومي ــة‪ ،‬وع ــرض القض ــية الكردي ــة على ش ــعوب الع ــامل‬
‫واملنظمــات الدوليــة‪ ،‬وجعلهــا قضــية إســالمية عامليــة‪ ،‬وتعزيــز دور مؤسســات احلكم يف كوردســتان‪ ،‬وخاصــة جمالس‬
‫األقضية‪ ،‬وحتقيق العدالة االجتماعية‪ ،‬وااللتزام مببدأ املساءلة‪ ،‬واستئصال جذور الفساد‪ ،‬وجعــل املؤسســات اإلقليميــة‬
‫مأسســة‪ ،‬وتقويــة اجملتمــع املدين يف كردســتان‪ ،‬والعمــل من أجــل احلريــة القضــائية وســيادة القــانون‪ ،‬بشــرط أال خيالف‬
‫‪1‬‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬العمل من أجل عراق فيدرايل برملاين‪.‬‬

‫‪ .3-1-2-2-2‬االتحاد االسالمي الكوردستاني‬


‫تعــود جــذور تشــكيل االحتاد اإلســالمي الكردســتاين إىل عــام ‪ ،1982‬عنــدما شــكل النــازحون املعســكر الكــردي‬
‫(مجاعــة األنصــار اإلســالمية) يف إيــران ذات التوجــه اإلســالمي‪ ،‬والــذي حتول إىل فــرع جلماعــة اإلخــوان املســلمني يف‬
‫عام ‪ 1985‬وشارك فيه كجماعة‪ .‬ممثل االخوان الكردستاين يف مؤمتر البحوث الكردي املنعقـد يف اسـطنبول برعايـة‬
‫االخــوان العراق ــيني‪ ،2.‬ام ــا بالنس ــبة العالن تاسيس ــه فق ــد جــاء يف ‪ 6‬شــباط ‪ 1994‬وذل ــك بع ــد تش ــكيل برملان اقلیم‬
‫وفيم ــا يتعل ــق ب ــاإلعالن‪ ،‬يف ‪ 6‬ش ــباط ‪ ،1994‬مت تش ــكيل جملس إقليم كوردس ــتان واحلكوم ــة‪ ،‬وبع ــد ص ــدور ق ــانون‬
‫األحـزاب واجلمعيـات السياسـية اإلقليميـة‪ ،‬انضــم إىل حكومــة إقليم كردسـتان عــام ‪ 1996‬وزيـرًا وشـارك يف كــانون‬
‫األول ‪ /‬ديسمرب ‪ 2002‬العراقي‪ .‬مـؤمتر املعارضـة الـذي عقـد يف لنـدن يف أيلــول املاضـي‪ ،‬وكـان أحـد ‪ 65‬عضـوا يف‬
‫جلن ــة املتابع ــة والتنس ــيق املنبثق ــة عن ذل ــك املؤمتر‪ ،‬وك ــذلك أمينه ــا الع ــام ص ــالح ال ــدين حمم ــد‪ ،‬عقب س ــقوط بغ ــداد‬
‫وتأس ــيس جملس األمن‪ .‬أص ــبح جملس احلكم هباء ال ــدين عض ــوا يف اجمللس وش ــغل منص ــب وزارة البيئ ــة يف احلكوم ــة‬
‫االنتقالي ــة ال ــيت أنتجه ــا جملس احلكم وش ــارك يف مجي ــع االنتخاب ــات‪ ،‬س ــواء على املس ــتوى الع ــراقي أو على املس ــتوى‬
‫اإلقليمي‪ ،‬وال ــيت ف ــازت هبا يف انتخاب ــات ‪ 2005‬العراقي ــة‪ .‬االنتخاب ــات الربملاني ــة ‪ 5‬مقاع ــد‪ ،‬بع ــد أن ف ــازت بـ ‪10‬‬
‫مقاع ــد يف االنتخاب ــات الربملاني ــة الكردس ــتانية ‪ ،2009‬وهي واح ــدة من األح ــزاب الكردي ــة‪ ،‬إن مل تكن الوحي ــدة‪،‬‬
‫بــدون ميليشــيا مســلحة‪ ،‬بســبب إصــالحها التــدرجيي للقطاعــات السياســية مثــل التعليم واإلعالم واجملتمــع والطالب‪.‬‬
‫ش ــئون تعم ــل من أج ــل نفس ــها للحف ــاظ على خ ــط سياس ــي س ــلمي‪ ،‬ف ــازت الرابط ــة اإلس ــالمية ب ــاملركز الث ــالث يف‬

‫‪ .1‬كـ ــرمي‪ ،‬التعدديـ ــة السياسـ ــية و اثرهـ ــا على السـ ــلطة التشـ ــريعية يف اقليم كوردسـ ــتان‪ :‬ص‪161‬؛ الـ ــثري‪« ،‬حقيقـ ــة انصـ ــار السـ ــلم يف‬
‫كردستان العراق»‬
‫‪ .2‬كرمي‪ ،‬التعددية السياسية و اثرها على السلطة التشريعية يف اقليم كوردستان‪ :‬ص‪164‬‬
‫‪107‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫انتخابــات خمتلفــة يف الشــوارع الكرديــة‪ ،‬مما يثبت وجودهــا يف الشــوارع الكرديــة اجلاريــة يف املنطقــة‪ ،‬مثــل االحتاد بعــد‬
‫البلدية واحتاد الطالب‪.‬‬
‫احلزب الوطين الدميقراطي واحلزب الدميقراطي حىت عام ‪ 2009‬وشــارك يف انتخابــات قائمــة اإلصــالح واخلدميــة‬
‫يف ‪ 25‬متوز ‪ 2009‬وحص ـ ــل على ‪ 6‬مقاع ـ ــد‪ ،‬مث ش ـ ــكل جبه ـ ــة املعارض ـ ــة يف إقليم كردس ـ ــتان م ـ ــع حرك ـ ــة التغي ـ ــري‬
‫‪1‬‬
‫واجلماعة اإلسالمية‪.‬‬
‫أهم ما مييز االحتاد اإلسالمي الكردستاين عن احلركات اإلسالمية األخرى هو اعتداله (حســب مؤلفاتــه املنشــورة‬
‫تشمل أفكاره‪ :‬رفضـه حلمـل الســالح حتت كـل الظـروف‪ ،‬وكفايتـه يف جهـود اإلصـالح الســلمي‪ ،‬وتعايشــه‪ .‬التنـافس‬
‫مــع وجهــات النظــر األخــرى املتعارضــة على أســاس مفهــومني‪( :‬اجلمــاهري املســلمة)‪ ،‬أن النــاس بشــكل عــام مســلمون‪،‬‬
‫حـىت لـو كـانت لـديهم درجـات خمتلفـة من املعتقـد الـديين‪ ،‬و (فريـق العمـل) مبعــىن متثيـل األفكـار واآلراء على املســرح‬
‫(حزب العمل) مع األخذ بعني االعتبار أن هذه األحزاب من احملتمل أن تقع يف شرور أيديولوجيــة وسياســية‪ ،‬لكنهــا‬
‫ال تعترب الفقه السياسي بديًال لـدين النـاس‪ ،‬لكن هـذا ال مينعهم من التعـاون معهم من أجـل الصـاحل العـام‪ ،‬يـؤمن إميانـا‬
‫راســخا بــأن اإلســالم خيتلــف عن األحــزاب اإلســالمية‪ ،‬وأن اإلســالم رؤيــة احلزب هي جمرد فقــه ال حيق لــه فــرض أو‬
‫رفض االجتهادات اليت خيالفهـا اآلخـرون‪ ،‬كمـا يعتقـد أن املعطيـات السياسـية واجلغرافيـة ال تسـمح للعـراق‪ .‬االنقسـام‬
‫ال ــذي لن ي ــؤدي اال اىل تعمي ــق االزم ــة القائم ــة احلل يكمن يف اقام ــة نظ ــام ع ــادل وتع ــددي تض ــمن احلكوم ــة حق ــوق‬
‫االقليات وحترتم احلريات السياسية‪.‬‬
‫أما األهداف اليت يسعى إليها احلزب يف وصـف مقـرر االحتاد اإلسـالمي الكردسـتاين فهـو حـزب وطـين إصـالحي‬
‫ملتزم حبل القضايا االجتماعية والسياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية من منظور إسالمي‪ .‬ويســعى احلزب إىل‬
‫حتقيــق سلســلة‪ .‬من األهــداف‪ ،‬ميكن تلخيص هــذه األهــداف على النحــو التــايل‪ :‬الــدفاع عن قضــية الشــعب الكــردي‬
‫أمام الرأي العـام يف املنتـديات العربيـة واإلسـالمية‪ ،‬وإثـارة قضـية شـعب كوردسـتان كشـعب لـه حقـوق وقضـية عادلـة‬
‫من أجـ ــل الـ ــدفاع عنـ ــه ومن أجلـ ــه‪ .‬حتقيـ ــق احلقـ ــوق املشـ ــروعة للشـ ــعب الكـ ــردي ونضـ ــاله‪ ،‬وتعزيـ ــز دور الربملان يف‬
‫كوردستان‪ ،‬وحتويله إىل مؤسسة تتناسب صالحياهتا مع مسؤولياته وأدواره‪ ،‬وإقامة عالقة متوازنة مــع شــعوب دول‬
‫اجلوار‪ .‬من أجــل احلفــاظ على اهلويــة الوطنيــة والقيم االجتماعيــة الســابقة (الوجــه الســليب للعوملة)‪ ،‬دعت إىل حقــوق‬
‫الش ــعوب األخ ــرى مث ــل الرتكم ــان والكل ــدان واآلش ــوريني‪ ،‬ورمست ح ــدود كردس ــتان‪ .‬بن ــاء األمن ونب ــذ الطائفي ــة‬
‫والغطرسة القومية أو املذهبية ونبذ االستبداد وإزالة نفوذ حزب البعث ونشر أيديولوجيــة التســامح والتعــايش وإعــادة‬

‫‪ .1‬موقع اجلزيرة نت‪« ،‬احلركة السلمية يف كوردستان العراق»؛ اخليون‪100 ،‬عام من االسالم السياسي بالعراق‪ :‬ج‪ ،2‬ص‪156‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪108‬‬

‫هيكل ــة العالق ــات اخلارجي ــة للع ــراق مبا خيدم املص ــلحة الوطني ــة وتثقي ــف املواط ــنني على االل ــتزام ب ــالقيم اإلس ــالمية‪ ،‬و‬
‫‪1‬‬
‫العديد من األهداف السياسية واالجتماعية واالقتصادية وقضايا املرأة وأفكارها وثقافتها‪.‬‬

‫‪ .3-1-2-2-3‬الجماعة االسالمية في كوردستان العراق‬


‫اجلماعة اإلسالمية برئاسة املال علي بابري‪ ،‬من احلركة اإلسالمية الكردستانية أو (حركة الوحدة اإلسالمية‪ ،‬وهي‬
‫ان ــدماج احلرك ــة اإلس ــالمية وحرك ــة النهض ــة اإلس ــالمية‪ ،‬ناهي ــك عن اجلدل الفك ــري بني احلرك ــة واجلماع ــة الناش ــئة‪.‬‬
‫ولكن بسبب أصوهلم يف أيديولوجية اإلخوان املسلمني فهم مسلحون‪ .‬أمـا أسـباب هـذا االنشـقاق الـذي حـدث عـام‬
‫‪ 2001‬فكان بسبب سيطرة عائلة عبد العزيز على قيادة احلركة ورفضـهم ذلـك‪ .‬مت تسـليمه لقيـادة جديـدة اختارهـا‬
‫الش ــورى‪ ،‬وت ــرك معظم أعض ــاء احلرك ــة القي ــادة اجلدي ــدة‪ ،‬فأض ــعفت احلرك ــة اإلس ــالمية بش ــكل كب ــري بس ــبب ه ــذا‬
‫االنشقاق‪ ،‬وجتدر اإلشارة إىل أن تغيري لقب القائد من املرشـد أو التغيـري من شـيخ إىل أمـري متحـالف متاًم ا مـع اجلهـاد‬
‫ويس ــتخدم أس ــاليب عنيف ــة وس ــلفية‪ .‬وم ــع ذل ــك‪ ،‬ف ــإن ه ــذا احلزب‪ ،‬ال ــذي ي ــؤمن بالنش ــاط اجله ــادي‪ ،‬ي ــؤمن أيًض ا‬
‫باملشاركة يف مجيع النشاطات العراقية والكرديـة تقريًب ا يف النشـاط السـلمي واملدين واالنتخابـات الربملانيـة املنتخبـة من‬
‫قبــل الشــعب ولــه عضــوية يف الربملان العــراقي وكردســتان وشــارك يف املقعــد اخلامس حلكومــة اقليم كوردســتان وهــو‬
‫وزيــر شــارك يف برملان كوردســتان يف ‪ 25‬متوز ‪ 2009‬يف (االصــالح واخلدمي) ‪ 4‬مقاعــد يف انتخابــات القائمــة‪ ،‬مث‬
‫دخــل جبهــة املعارضــة من حركــة التغيــري والرابطــة اإلســالمية كمــا يتضــح من كتابــات وخطابــات املال علي املال علي‬
‫بــابري) قــال يف مــؤمتر صــحفي يف أربيــل يف ‪ 7‬كــانون الثــاين (ينــاير) ‪ 2002‬إن أمــري البالد ووجــدت اجملموعــة نفســها‬
‫ممزقة بني قبول الدميقراطية واالعتماد على العنف‪ .‬لدينا الدميقراطية يف اجلانب اإلجيايب ألن هناك تقاطع بني اإلســالم‬
‫والدميقراطية‪ ،‬واجلانب اإلجيايب ليس له جانب سليب‪ .‬لذلك‪ ،‬أطلب من مواطنينا أال يقلقــوا مما يعنيــه وصــول اإلســالم‬
‫إىل الس ــلطة لتل ــك النق ــاط اإلجيابي ــة‪ .‬حنن ن ــؤمن حبال ــة من التع ــايش الفك ــري والسياس ــي‪ ،‬انطالق ــا من إميانن ــا بوج ــود‬
‫اختالفات واختالفات فكرية وعقائدية يف اجملتمع الكردي‪ ،‬فنحن الذين معنا يف السياسة الكردية ونعتـربهم إخواننـا‪.‬‬
‫جيب أن تكون الشريعة هي املصدر الوحيد للتشريع‪ ،‬الذي يضمن مجيع حقوق الشعب الكردي‪ ،‬ويضمن ويصــادق‬
‫على حقــوق اإلنســان املنصــوص عليهــا يف الشــريعة اإلســالمية واإلعالن العــاملي حلقــوق اإلنســان‪ ،‬وفصــل الســلطات‬
‫الثالث‪ ،‬وفصـ ــل احلزب عن املؤسسـ ــات اإلقليميـ ــة‪ ،‬وحتسـ ــني األمن واالسـ ــتقرار واحلفـ ــاظ عليـ ــه‪ ،‬وحماربـ ــة اإلرهـ ــاب‬
‫‪2‬‬
‫وأسبابه اجلذرية حتت أي ذريعة‪ ،‬وتنظيم قوات البيشمركة يف جيش نظامي كردستان‪.‬‬

‫‪ .1‬موقع اجلزيرة نت‪« ،‬احلركة السلمية يف كوردستان العراق»‬


‫‪ .2‬كرمي‪ ،‬التعددية السياسية و اثرها على السلطة التشريعية يف اقليم كوردستان‪ :‬ص‪171‬‬
‫‪109‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .3-1-3‬القوى ذوي االتجاهات الفكرية العلمانية‬


‫بعــد عــام ‪ ،2003‬تصــاعدت الــدعوات إىل نظــام علمــاين يف العــراق من االجتاهــات القوميــة (العربيــة الكرديــة) و‬
‫(اليسارية) وغريها (الليربالية)‪ .‬وأكدت هـذه االجتاهـات على احلاجـة إىل دسـتور علمـاين‪ ،‬داعيـة إىل فصـل الـدين عن‬
‫الدولـة‪ ،‬وجعـل العلمانيـة الضـامن األول واألخـري للحقـوق الفرديـة‪ .‬املواطنـة واملواطنـة وإطـار عمـل قـوي يوحـد مجيـع‬
‫مكونـات اجملتمـع العـراقي بطوائفـه وقومياتـه وأعراقـه‪ ،‬ميثـل حًال للعديـد من القضـايا العالقـة‪ ،‬وعنـدما جيســد اسـتقاللية‬
‫التش ــريع الع ــام وجيرد من ك ــل ش ــيء‪ .‬ح ــل النزاع ــات الطائفي ــة عن ــد مراع ــاة االعتب ــارات الطائفي ــة والطائفي ــة‪ ،‬أي أن‬
‫الدستور الوطين ومجيع تشريعاته وأنظمته مستقلة عن الــدين‪ ،‬واالعتبـارات الطائفيـة واملذهبيـة والعلمانيـة هتتم بقضــايا‬
‫‪1‬‬
‫األقليات الدينية وتضمن التحرر من ديانة األغلبية واحلق يف تسيطر‪.‬‬
‫من هذا املنظور‪ ،‬ميكن رسم خريطة للقوى السياسية العراقية ذات امليول العلمانيــة‪ ،‬مبا يف ذلــك اجتاهــات املثقفني‬
‫اليساريني واملفكرين الوطنيني واملثقفني الليرباليني‪..‬‬

‫‪ .3-1-3-1‬االتجاهات الفكرية اليسارية‬


‫على ال ــرغم من أن التي ــار األي ــديولوجي اليس ــاري (املاركس ــي) ال ــذي ميثل ــه احلزب الش ــيوعي الع ــراقي من أق ــدم‬
‫التيـارات األيديولوجيـة يف العـراق‪ ،‬إال أن نفـوذ احلزب وعضـويته تتقلص‪ ،‬وهنـاك عـدة أسـباب لـرتاجع دوره‪ ،‬أبرزهـا‬
‫من ناحيــة‪ ،‬هنــاك قمــع مــادي وتــداعيات النظــام االشــرتاكي واهنيــار االحتاد الســوفييت‪ .‬من ناحيــة أخــرى‪ ،‬كــان ظهــور‬
‫اإلســالم السياســي‪ ،‬حيث فق ــدت االشــرتاكية بريقهــا كعقيــدة تعبئــة‪ ،‬كم ــا حــد احلزب وســريته القس ــرية من قدراتــه‬
‫بشكل كبري (‪ ،)2‬عالوة على ذلك‪ ،‬يف السبعينيات مع حزب البعث بعـد تشـكيل حتالف‪ ،‬فقـد الكثـري من املصـداقية‬
‫(‪ )3‬بعد عام ‪ ،2003‬شارك احلزب الشيوعي العراقي‪ ،‬ممثًال باألمني العام‪ ،‬يف اللجنة التنفيذية‪ ،‬وأيـد النقــل الســلمي‬
‫للسيادة‪ ،‬وطالب األمم املتحدة بتويل الشؤون العراقية بدًال من الواليات املتحدة‪ .‬لكن األمني العام شارك يف اجمللس‬
‫التنفيذي وهو حصة شـيعية‪ ،‬مما يعـين أنـه أصـبح عضـوا يف جملس اإلدارة ألنـه شـيعي وليس األمني العـام الجتاه فكـري‬
‫وسياسي معني (‪ ،)4‬وهو ما يعترب مفارقة كبرية _ بالنسبة ألول انتخابات دستورية يف مطلــع عــام ‪ 2005‬مل حيقــق‬
‫احلزب الكثري من احلضور‪ ،‬فقط مقعدين باسم احلزب ومقعد واحد عن طريق القائمة الكردية وأربعة مقاعد أخرى‬
‫رشــحها األفــراد نعم وهــذا ألن قاعدتــه‪ ،‬ومعظمهــا فقــراء من الش ــيعة‪ ،‬احنازت إىل القائمــة الش ــيعية‪ ،‬مبا يتماشــى مــع‬
‫‪2‬‬
‫فتوى أعلى سلطة‪ ،‬السيد عالوي‪.‬‬

‫‪ .1‬كاطع‪« ،‬مستقبل العلمانية يف العراق»‪ :‬ص‪244‬‬


‫‪ .2‬مجيل وعبداجلبار‪« ،‬االحزاب السياسية يف العراق»‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪110‬‬

‫‪ .3-1-3-2‬االتجاهات الفكرية القومية‬


‫حكم حــزب البعث العــراق ألكــثر من ثالثــة عقــود‪ ،‬وهي أكــثر العقــود دمويــة يف تــاريخ العــراق املعاصــر‪ ،‬وانزلــق‬
‫البلــد يف النهايــة إىل الــديون والعزلــة السياســية والتمــزق السياســي والعنــف واالحتالل‪ .‬أدى ســقوط النظــام البعــثي يف‬
‫عــام ‪ 2003‬إىل إزالــة معظم بريــق التيــار القــومي العــريب‪ ،‬ومل يصــبح تراجــع التيــار القــومي توجه ـًا مــؤثرًا يف املشــهد‬
‫السياسي العراقي‪ ،‬على الرغم من إدخال مصطلح (اهلل أكرب) من قبل العراقيون علم النظام السابق‪ ،‬مستخدما رمــوز‬
‫وش ــعارات ديني ــة‪ ،‬واستش ــهاد ببعض اآلي ــات القرآني ــة يف خطب ــه‪ ،‬واس ــتخدام قص ــص وأح ــداث وأمساء من الت ــاريخ‬
‫اإلســالمي‪ ،‬إال أن النظ ــام الع ــراقي ظــل قومًي ا حــىت ســقوطه يف ‪ 9‬أبريــل ‪ .2003‬ك ــل ذل ــك يتعل ــق بظ ــروف النظ ــام‬
‫االســتثنائية الــيت دفعتــه إىل اجلمــع بني الشــعارات اإلســالمية والرمــوز واألمثــال والقوميــة العربيــة لســحب الــدعم العــريب‬
‫‪1‬‬
‫واإلسالمي إليران وعصبة األمم‪ ،‬خاصة بعد غزوها للكويت‪.‬‬
‫يعكس الوض ــع السياس ــي يف الع ــراق من ــذ ع ــام ‪ 2003‬رد فع ــل األح ــزاب املهيمن ــة على التي ــارات القومي ــة وأي‬
‫مقرتحــات قوميــة عربيــة‪ ،‬وال ُينص ــح بعق ــد صــفقات سياســية م ــع كاف ــة التيــارات القوميــة حتت مظل ــة (حــزب البعث‬
‫احملظــور)‪ .‬أمــا بالنســبة المتــداده الشــعيب الســابق‪ ،‬فمنــذ وصــول حــزب البعث إىل الســلطة يف العــراق‪ ،‬فقــد تالشــى مــع‬
‫حماولته جذب قاعدته اجلماهريية حنوه‪ ،‬يف حني أن معظم األحـزاب املمثلــة هلذا التيـار منـذ عــام ‪ 2003‬لــديها قواعــد‬
‫معتدلــة‪ .‬عنــدما تصــطف اجلمــاهري على أســس طائفيــة وعرقيــة حــول أحــزاب متثــل هوياهتا الطائفيــة والعرقيــة الســنية‪،‬‬
‫سواء أكانت أمهات أكراد شيعة أم آشوريات أم أمهات تركمان‪.‬‬
‫وم ــع ذل ــك‪ ،‬بع ــد ع ــام ‪ ،2003‬ض ــمت احلرك ــة القومي ــة طيًف ا واس ـًعا من األح ــزاب من بني اجملموع ــات العرقي ــة‬
‫املختلفــة (العــرب واألكــراد والرتكمــان واآلشــوريون والشــباخ) الــيت تشــكل النســيج االجتمــاعي العــراقي‪ 4 .‬درجــة‬
‫األحــزاب القوميــة ختتلــف‪ .‬األكــراد الــذين قــاتلوا ضــد احلكومــات العراقيــة املتعاقبــة ميثلــون اآلن قــوة اليســتهان هبا يف‬
‫املعادل ــة السياس ــية العراقي ــة‪ ،‬حيث انعكس ــت نف ــوذهم السياس ــي يف تص ــويتهم يف اجمللس الوط ــين التأسيس ــي وجملس‬
‫النواب ودورهم يف توجيه صياغة الدستور‪ .‬دورها واخنراطها يف احلكومـة والـوزارات الســيادية الـيت تســتحوذ عليهـا‪،‬‬
‫لكن األح ــزاب القومي ــة العربي ــة‪ ،‬وخاص ــة ح ــزيب البعث والناص ــر‪ ،‬رغم نفوذه ــا الق ــدمي‪ ،‬تب ــدو خمتلف ــة عن التي ــارات‬
‫اإلسالمية والقومية الكردية عن تلك التيارات‪ .‬التـزال ضـعيفة ومشــرذمة‪ ،‬وال تـزال حتتفـظ بقادهتا القـدامى‪ ،‬ومل تقم‬
‫بتحــديث نفســها أو تعــديل أيــديولوجيتها يف ظــل التطــورات الــيت تشــهدها الســاحة العراقيــة‪ ،‬والــيت تــركت الكثــريين‬
‫منهم معــزولني ومهمشــني رغم دخــول بعضــهم إىل الســاحة‪ .‬العمليــة االنتخابيــة واملقاعــد الربملانيــة املتنــازع عليهــا‪ ،‬مما‬
‫يعين دعمهم للعملية السياسية‪ .‬عارض الكثري منهم العملية والوجود األمريكي يف العراق‪.‬‬

‫‪ .1‬الزبيــدي وآخــرون‪ ،‬العــراق و البحــث عــن املستقبل‪ :‬ص‪383‬‬


‫‪111‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .3-1-3-2-1‬القوى السياسية العروبية‬


‫يف حني أن الكث ــري من الت ــاريخ السياس ــي املعاص ــر للع ــراق‪ ،‬وخاص ــة احلقب ــة اجلمهوري ــة‪ ،‬مت إنش ــاؤه أو على األق ــل‬
‫لعب الـدور األكـرب يف امليـول والقـوى القوميـة العربيـة‪ ،‬إال أن هـذه القـوى والتيـارات وتأثريهـا على اخلريطـة السياسـية‬
‫العراقية بعد ‪ 9‬أبريل ‪ 2003‬كان هناك اخنفاض‪ .‬االنتماء‪ ،‬وال سيما الطائفي‪ ،‬يسيطر على االنتماء واهلوية الوطنيــة‬
‫والقومية‪ ،‬األمر الذي يقود الشعب أو الغالبية العظمى للوقوف إىل جانب طائفتهم‪ ،‬إما كفعل أو كرد فعل‪ ،‬بسبب‬
‫تصــرفات احلكومــة الوطنيــة العراقيــة‪ ،‬األمــر الــذي يــؤدي إىل العديــد‪ .‬أبنــاء الشــعب يرفضــون هــذا االجتاه‪ ،‬أو خيفــون‬
‫اهلوي ــات الطائفي ــة والفرعي ــة والفئوي ــة يف مواجه ــة ث ــأرهم املكش ــوف (أو بس ــبب دور الق ــوة احملتل ــة) ودول اجلوار يف‬
‫تس ـ ــليط الض ـ ــوء على الراسـ ــخ الطائفيـ ــة يف الع ـ ــراق‪ .‬على ال ـ ــرغم من ذل ـ ــك‪ ،‬ظهـ ــر ع ـ ــدد من األحـ ــزاب واملنظم ـ ــات‬
‫والشخصيات الوطنية على الساحة السياسية العراقية بعد عام ‪ ،2003‬لكنها ظلت جزئًي ا أحزاًبا خنبويـة بـدون دعم‬
‫شعيب مؤثر‪...‬‬

‫‪ .3-1-3-2-2‬القوى السياسي الكوردية ذوي اتجاهات فكرية قومية‬


‫يشمل املشهد السياسي الكردي اآلن العديد من األحـزاب السياسـية النشــطة يف العـراق وكردسـتان‪ ،‬ولكـل منهـا‬
‫بعض الرؤي ــة واملعرف ــة يف دوراهتا وبراجمه ــا اخلاص ــة باملس ــتقبل السياس ــي للع ــراق وكردس ــتان وأهم الق ــوى السياس ــية‬
‫الكردي ــة ال ــيت ت ــركت توجه ــات مفّص لة عن تأثريه ــا‪ .‬بش ــأن العملي ــة الدس ــتورية ملا بع ــد ع ــام ‪( 2003‬كردس ــتان‬
‫الدميقراطي ــة) و (االحتاد الوط ــين الكردس ــتاين)‪ ،‬وتش ــكيل كتل ــة كردي ــة حتت اس ــم االحتاد الكردس ــتاين‪ ،‬وال ــيت تض ــم‪،‬‬
‫باإلضافة إىل هذين احلزبني‪ ،‬أحزاب وشخصيات كردية‪.‬‬
‫بعــد اهنيــار ثــورة ســبتمرب الكرديــة بعــد اتفــاق اجلزائــر بني العــراق وإيــران يف ‪ 6‬مــارس ‪ ،1975‬ذهب العديــد من‬
‫القــادة األكــراد إىل اخلارج وبــدأت احلركــة يف تشــكيل منظمــات جديــدة وإشــعال ثــورة جديــدة‪ .‬يف عــام ‪ 1975‬يف‬
‫مقهى أبو رمانة بدمشق‪ ،‬أعلن عن تشــكيل االحتاد الوطـين الكردسـتاين كحـزب شـبه إجيايب يتـألف من ثالث فصـائل‬
‫هي (االحتاد املاركسي اللينيين) (كومارا)‪ ،‬الذي تغري امسه فيما بعـد إىل (رانغـديران)‪ ) .‬انتخب كوردسـتان (احلركـة‬
‫االشرتاكية الكردستانية) و (اخلط العام لالحتاد الوطـين)‪ .‬الكردسـتان) وجالل الطالبـاين أمينـًا عامـًا للحــزب‪ ،‬واالحتاد‬
‫الوطين الكوردستاين احتاد عدة متكاملني‪ .‬التيـارات يف جبهـة واسـعة مـع اليســار غـريت االجتاه األيـديولوجي للحـزب‬
‫إىل تلــك اخلاصـية من االشـرتاكية الدميقراطيـة‪ ،‬والــيت احتفــظ كــل تيـار خبصوصـياته الفكريـة والتنظيميـة‪ ،‬وبشــكل عــام‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪112‬‬

‫اعتمد احلزب على الركائز الفكرية األساسية املتمثلة يف (األكراد ‪ -‬الدفاع عن القومية الكردية‪ ،‬التقدم‪ ،‬الدميقراطية‬
‫‪1‬‬
‫والتحرير)‪.‬‬
‫أمـ ــا عن القيـ ــادة الفكريـ ــة لالحتاد الوطـ ــين الكوردسـ ــتاين‪ ،‬فقـ ــد ذكـ ــر املوقـ ــع الرمسي للحـ ــزب أن االحتاد الوطـ ــين‬
‫الكوردس ــتاين ح ــزب دميق ــراطي اش ــرتاكي لش ــعب كوردس ــتان الع ــراق‪ ،‬وميث ــل يف طليع ــة أفك ــار وس ــاعدي العم ــال‬
‫والعــاملني يف اجملتمــع‪ .‬والســعي إلجناز مهــام وواجبــات التحــرر الوطــين والنظــام الــدميقراطي‪ .‬واجملتمــع العلمــاين‪ ،‬وبنــاء‬
‫جمتمــع مــدين تقــدمي‪ ،‬يتوافــق مــع الظــروف واألوضــاع الســائدة يف العــامل اليــوم‪ ،‬ويســتمر نضــاله حــىت حتقيــق العدالــة‬
‫االجتماعي ــة‪ ،‬من خالل االنس ــجام واالل ــتزام بأس ــس ومب ــادئ التع ــايش الس ــلمي واملس ــتدام‪ .‬يف حتقي ــق الرخ ــاء ومحاي ــة‬
‫حقــوق اإلنســان وحقــوق الفــرد واملســاواة بني الرجــل واملرأة واملســاواة أمــام القــانون‪ ،‬مــع الســعي لتحقيــق املســاواة يف‬
‫إجياد فرص العمل‪ ،‬ويف تنميـة وتعزيـز روح االسـتقالل الفـردي‪ ،‬يف القضـاء على االسـتغالل والظلم واجتثـاث جـذور‬
‫التمي ــيز اجلنس ــي والطبقي والق ــومي‪ .‬تق ــدر احلري ــة والدميقراطي ــة واملواطن ــة وحق ــوق اإلنس ــان واحلق يف تقري ــر املص ــري‬
‫للشعب الكردي‪ ،‬وتؤمن بثقافـة املسـاواة والتسـامح وتبنت (السـالم واحلريـة والدميقراطيـة وحقـوق اإلنسـان واحلق يف‬
‫‪2‬‬
‫الذات‪ -‬العزمية والعدالة االجتماعية) شعارا هلا‪.‬‬
‫يف االنتخاب ـ ــات الربملاني ـ ــة الكردس ـ ــتانية‪ ،‬حص ـ ــل على ‪ %50‬من األص ـ ــوات وخ ـ ــاض حرًب ا أهلي ـ ــة م ـ ــع احلزب‬
‫الــدميقراطي الكردســتاين ‪ ،1998-1994‬الــذي شــكل معــه حتالًف ا اســرتاتيجًيا يف ‪ 7‬كــانون الثــاين (ينــاير) ‪.2006‬‬
‫ويف انتخابــات ‪ 2009‬شــارك يف القائمــة املشــرتكة مــع احلزب الــدميقراطي وحصــل على ‪ %57.37‬من األصــوات‪،‬‬
‫أي ‪ 29‬مقعًد ا ومقعد واحد يف برملان كوردستان‪ ،‬رئيس مجهورية العراق منذ ‪.2005‬‬

‫‪ .3-1-3-3‬االتجاهات الفكرية الليبرالية‬


‫وعلى الرغم من زيادة عدد القوى واألحزاب اليت متثل اجتاهات ليربالية‪ ،‬إال أن هذا الـرقم ال يتناسـب مـع وجـود‬
‫سياسي قوي ومؤثر يف توجيه األحداث وتشكيل شخصية املشهد احلزيب العراقي‪ ،‬حيث تتواجد هذه اجملموعــات يف‬
‫معظم املنـاطق‪ ...‬ليس لـديهم امليزان الشــعيب أو التوسـع التنظيمي أو امليليشــيات املسـلحة الـيت تضـمن هلا موقعـًا مـؤثرًا‬
‫على اخلريطة السياسية للعراق‪ ،‬وما جيعل عمل هذه األحزاب أكثر صـعوبة هـو أهنا يف الغـالب صـغرية ومتنـاثرة وغـري‬
‫ق ــادرة على البن ــاء‪ .‬الص ــراع والتن ــافس بني أط ــراف التي ــار والتح ــالف بينهم وتنس ــيق جه ــودهم يف مواجه ــة األح ــداث‬
‫املتسارعة‪ ،‬ميكن مالحظة أنه مل تعد هناك حدود وحواجز واضحة بني األطـراف ذات امليـول الفكريـة الليرباليـة‪ ،‬ألن‬

‫‪ .1‬الـزرداوي‪ ،‬نشـأة و تطور اجلمعيات و احلزاب و التيارات السياسية الكوردية يف العراق‪ :‬صص‪118-110‬‬
‫‪ .2‬موقع اجلزيرة نت‪« ،‬احلركة السلمية يف كوردستان العراق»‬
‫‪113‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫مل تع ــد اخلالف ــات بينهم ــا أيديولوجي ــة ب ــل ص ــراعات على القي ــادة‪ ،‬باإلض ــافة إىل طبيع ــة املرحل ــة وأج ــواء االس ــتقطاب‬
‫الطائفي والعرقي اليت أعدهتا هلا أحزاب متثل طوائف وقوميات‪ ،‬والــيت ُفرضــت على األحـزاب‪ ،‬إذا أراد ذلــك‪ .‬مكــان‬
‫يف الساحة السياسية‪ ،‬يكون فاعًال ومؤثرًا يف الشارع‪ ،‬مث تتاح له فرصة الوصـول إىل مركـز صـنع القـرار وتبـين اهلويـة‬
‫الطائفيــة‪ ،‬ويبــدو واضــحًا أن االنقســامات الطائفيــة تنعكس حــىت يف التيــارات الليرباليــة‪ ،‬وهــو ومن أســباب االنشــقاق‬
‫الذي تكشـفه هـذه التيـارات أن أعضـاء حـزب ليـربايل انقسـموا إىل حـزب جديـد على أسـاس طـائفيهم‪ ،‬وهنـاك أمثلـة‬
‫على مث ــل ه ــذه االنقس ــامات يف املش ــهد احلزيب الع ــراقي‪ ،‬على س ــبيل املث ــال‪ :‬ح ــزب املؤمتر الوط ــين يف مث ــال األلوس ــي‬
‫_الس ــين_ م ــا انكش ــف عنــد انش ــقاق (احلزب الوطــين الع ــراقي) وانش ــقاق (احلزب الوطــين ال ــدميقراطي) ال ــذي انش ــق‬
‫‪1‬‬
‫قياداته الشيعة عن مجاعة جديدة تطلق على نفسها اسم احلزب الوطين الدميقراطي األول‪.‬‬
‫وظهرت على الساحة السياسية العراقية قوى واحزاب ذات اجتاهات ليربالية‪ ،‬ومن اهم تلك القوى واالحزاب‬

‫‪ .3-1-3-3-1‬حركة الوفاق الوطني العراقي‬


‫حركة سياسية شعبية ضد النظام البعثي‪ .‬تأسســت يف اململكــة العربيـة الســعودية يف ‪ 27‬فــرباير ‪ ،1991‬ولكن مت‬
‫إطالقه ــا رمسًيا يف م ــارس ‪ 1991‬خالل االجتم ــاع األول للمعارض ــة العراقي ــة يف ب ــريوت بع ــد ح ــرب اخلليج الثاني ــة‪.‬‬
‫تأسســت لتأســيس دميقراطيــة دســتورية تضــمن احلريــات العامــة واحــرتام حقــوق اإلنســان والعدالــة‪ .‬اجتماعًي ا واحلفــاظ‬
‫على الوحدة اجلغرافية والبشرية للعراق‪ ،‬وكان اهلدف األساسي للحركـة إسـقاط نظـام صـدام حســني‪ ،‬وكـان العديـد‬
‫من قادهتا من البعثــيني القــدامى وضــباط اجليش الســابقني‪ ،‬وظهــرت اثنتــان من احلركــات جنــاح صــالح عمــر‪ .‬العلي‬
‫والدكتور إياد عالوي الذي توىل قيادة احلركة وأصبح أمينها العام عام ‪ ،1993‬شــارك يف جملس احلكم وشــارك يف‬
‫انتخاب ــات داخ ــل الكتل ــة العراقي ــة ع ــامي ‪ 2005‬و ‪ .2010‬عارض ــت احلرك ــة ق ــوانني اجتث ــاث البعث ودعت إىل‬
‫العلمانية والتعددية السياسية‪ 2.‬حركة سياسية شعبية ضد النظـام البعـثي‪ .‬تأسـس يف اململكـة العربيـة السـعودية يف ‪27‬‬
‫ف ــرباير ‪ ،1991‬ولكن مت إطالق ــه رمسًيا يف م ــارس ‪ 1991‬خالل االجتم ــاع األول للمعارض ــة العراقي ــة بع ــد ح ــرب‬
‫اخلليج الثاني ــة يف ب ــريوت‪ .‬تأسس ــت لتأس ــيس دميقراطي ــة دس ــتورية تض ــمن احلري ــات العام ــة واح ــرتام حق ــوق اإلنس ــان‬
‫والعدالة‪ .‬اجتماعًي ا واحلفـاظ على الوحـدة اجلغرافيـة والبشــرية للعـراق‪ ،‬واهلدف الرئيســي للحركـة هـو اإلطاحـة بنظـام‬
‫صدام حسني‪ ،‬وكثري من قادهتا من البعثيني القدامى والضـباط العسـكريني السـابقني‪ ،‬اثنـان منهم مبثابـة فصـيل صـالح‬
‫عمــر‪ .‬يظهــر‪ .‬تــوىل علي والــدكتور إيــاد عالوي قيــادة احلركــة وأصــبح أمينهــا العــام عــام ‪ ،1993‬وعضــوا يف جملس‬

‫‪ .1‬مجيل وعبداجلبار‪« ،‬االحزاب السياسية يف العراق»‬


‫‪ .2‬جـرادات‪ ،‬احلـزاب و احلركـات السياسـية فـي الـوطن العربــي‪ :‬صص‪169-168‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪114‬‬

‫احلكم‪ ،‬وش ــاركا يف انتخاب ــات الكتل ــة العراقي ــة ع ــامي ‪ 2005‬و ‪ .2010‬تع ــارض احلرك ــة ق ــانون اجتث ــاث البعث‬
‫‪1‬‬
‫وتدعو إىل العلمانية والتعددية السياسية‪.‬‬
‫أما ما تسعى إليه احلركة فهو محاية الوحـدة اجلغرافيـة للعـراق‪ ،‬والعمـل حنو الدميقراطيـة‪ ،‬وإعالء حقـوق اإلنسـان‪،‬‬
‫واســتقالل القضــاء‪ ،‬وضــمان احلقــوق املتســاوية جلميــع املواطــنني ومجيــع نــاخبيهم‪ ،‬وعــدم وجــود روابــط متييزيــة أو أي‬
‫روابــط خاصــة هبم‪ .‬والعمــل على إعــادة تأهيــل النــازحني وتعويضــهم عن حقــوقهم الــيت كــانوا مســتحقني ملمارســات‬
‫النظ ــام الس ــابق‪ .‬على الص ــعيد االقتص ــادي‪ ،‬تس ــعى احلرك ــة إىل إقام ــة نظ ــام الس ــوق احلر‪ ،‬لض ــمان اس ــتخدام عائ ــدات‬
‫الثروة النفطية العراقية خلدمة املواطنني‪ ،‬واعتماد سياسات اقتصادية واضحة لبناء العراق وتنشيط االقتصاد‪ ،‬وكــذلك‬
‫يف اجملال األجنــيب‪ .‬السياســة العالقــات بني الــدول والبيئــة الدوليــة (‪ .)2‬من خالل ميثــاق احلركــة واملبــادئ واألهــداف‬
‫احملددة يف برناجمه الداخلي‪ ،‬ميكن وصفه بأنه حزب ذو ميول ليربالية يسعى إىل االنتقــال الســلمي للســلطة وضــمانات‬
‫احلري ــة الشخص ــية واملواطن ــة واحلري ــة االقتص ــادية والنظ ــام االقتص ــادي اللي ــربايل‪ ،‬ولكن احلرك ــة والعدي ــد من مواقفه ــا‬
‫وبياناهتا قريبــة إىل حــد كبــري من التيــارات الوطنيــة العربيــة‪ ،‬واملصــاحلة مــع الــدول العربيــة‪ ،‬والتأكيــد على وحــدة أرض‬
‫العراق‪ ،‬والسبب يف هذه املواقف يعود إىل حد كبري إىل حزب البعث واخللفية العرقية للقادة‪ .‬للحركات القومية‪..‬‬

‫‪ .3-1-3-3-2‬حزب المؤتمر الوطني العراقي‬


‫تأسـ ــس يف لنـ ــدن عـ ــام ‪ 1992‬كمكـ ــان جتمـ ــع للمعارضـ ــة العراقيـ ــة واألحـ ــزاب السياسـ ــية يف اخلارج‪ ،‬وانتخب‬
‫ال ــدكتور أمحد اجلل ــيب رئيسـ ـًا وحتول فيم ــا بع ــد إىل ح ــزب ت ــابع ل ــه‪ ،‬وجنح يف معظم األح ــزاب ال ــيت ش ــكلت هيكل ــه‬
‫وشارك فيها‪ .‬دعا استئناف املؤمتر بعد االنسحاب إىل العلمانية والدميقراطية‪ ،‬وحتالف نفسـه مـع األحـزاب اإلسـالمية‬
‫الشــيعية الرئيســية يف االنتخابــات األوىل‪ ،‬وأصــبح زعيمــه نــائب رئيس الــوزراء يف حكومــة اجلعفــري‪ ،‬مث انســحب يف‬
‫االنتخاب ــات الثاني ــة بس ــبب قل ــة املقاع ــد املخصص ــة‪ .‬بالنس ــبة هلم‪ ،‬بع ــد انفص ــاهلم عن االئتالف‪ ،‬مل حيص ــلوا على أي‬
‫مقاعد نيابية وأخذوا زمام املبادرة لتأسيس (البيت الشـيعي)‪ ،‬آمـل أن يكـون أعضـاء جلنـة اإلدارة من الطائفـة الشـيعية‬
‫من جملس النواب‪ ،‬وعددهم (‪ ،) 13‬جيعل قرارات‪ .‬هذا هو جوهر تشكيل التحالف الشيعي يف العراق‪.‬‬

‫‪ .1‬موقع اجلزيرة نت‪« ،‬احلركة السلمية يف كوردستان العراق»‬


‫‪115‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫يقوم اجلانب الفكري للمؤمتر الوطين العراقي على عدد من املبادئ واألهداف‪ ،‬ميكن تلخيصــها يف إرســاء مبــادئ‬
‫الدستور املرجعي‪ ،‬ومنها القضاء والرقابة االجتماعية والثقافيـة‪ ،‬وفصـل السـلطات والفيدراليـة‪ ،‬والتـوازن بني االثنـان‪.‬‬
‫تقــوم الســلطة التنفيذيــة الفيدراليــة على أســاس رئاســة حكوميــة فعالــة ورئاســة مجهوريــة تتمتــع حبق النقض (الفيتــو)‪،‬‬
‫والفصل التام بني األجهزة العسكرية واألمنية من جهة‪ ،‬والفصل بني السلطتني السياسية والقضائية من جهة أخرى‪،‬‬
‫وفصل الدولة من خالل الالمركزية التنفيذية‪ .‬نظام الدين‪.‬‬
‫على الرغم من أن الربنامج السياسي حلزب املؤمتر الوطين العراقي واخللفية الفكرية لقادته الرئيســيني تشــري إىل أنـه‬
‫حــزب ذو ميــول علمانيــة وليرباليــة‪ ،‬فقــد أصــبح يف الواقــع أحــد أكــثر األحــزاب الطائفيــة يف العــراق‪ .‬تشــكيل الــبيت‬
‫‪1‬‬
‫الشيعي‪ ،‬الذي أصبح منذ ذلك احلني أحد أحزاب الكتلة الشيعية املتنافسة يف انتخابات جملس األمة‪.‬‬

‫‪ .3-1-3-3-3‬حزب االمه العراقي‬


‫أسســها مثــال األلوســي الــذي كــان عضــوا يف املؤمتر الوطــين العــراقي حــىت أواخــر عــام ‪ ،2004‬عنــدما طــرد من‬
‫احلزب بعد زيارته إلسرائيل حلضور مؤمتر دويل‪ .‬وينص النظام الـداخلي للحـزب على أن احلزب الوطـين العـراقي هـو‬
‫منظمــة سياســية عراقيــة مســتقلة وحــرة وذات مضــمون مــادي ومعنــوي يــؤمن بإحيــاء األمــة العراقيــة ويســعى إىل إقامــة‬
‫دولــة دســتورية حضــارية يف ظــل جمتمــع يعيش فيــه اجلميــع‪ .‬ناخبيهــا متســاوون يف احلقــوق يف ممارســة أنشــطتها‪ ،‬فهي‬
‫‪2‬‬
‫تتمتع بكامل احلقوق اليت يكفلها القانون املدين العراقي من حيث التزاماهتا والتزاماهتا"‪.‬‬

‫‪ .3-1-3-3-4‬الحزب الوطني الديمقراطي العراقي‬


‫تأســس احلزب الوطــين الــدميقراطي يف عــام ‪( 1946‬كمــا هــو موضــح يف الفصــل الســابق)‪ ،‬وحبلــول الــوقت الــذي‬
‫أهنى في ــه نش ــاطه يف ع ــام ‪ ،1963‬ك ــان لدي ــه بالفع ــل ت ــأثري سياس ــي ق ــوي وقاع ــدة مؤي ــدة واس ــعة‪ ،‬ومت ال ــرتحيب ب ــه‬
‫باعتبــاره حــزب الوســط‪ .‬الطبقــة وأحياًن ا كحــزب الربجوازيــة‪ ،‬معــروف مبوقفــه الوطــين وجاذبيتــه‪ .‬عقــد ســلفه كمــال‬
‫اجلادرجي وزعم ــاؤه الق ــدامى اآلخ ــرون بع ــد ع ــام ‪ 2003‬اجتماع ــات ملناقش ــة إع ــادة بن ــاء احلزب ومراجع ــة من ــاهج‬
‫احلزب وأنظمته الداخلية مبا يتماشى مع سقوط نظام ما بعد البعث‪.‬‬

‫‪ .1‬جـرادات‪ ،‬احلـزاب و احلركـات السياسـية فـي الـوطن العربــي‪ :‬صص‪175-170‬‬


‫‪ .2‬النظام الداخلي حلزب االمة العراقي‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪116‬‬

‫شــارك احلزب يف تشــكيل اجمللس كأحــد ممثلي الســنة‪ ،‬وحتت قيادتــه أســس حزب ـًا سياســيًا جديــدًا يكــون (حــزب‬
‫األمم األوىل ال ــدميقراطي) حزب ـًا خاص ـًا ب ــه‪ ،‬وحبس ــب الربن ــامج السياس ــي للح ــزب‪ ،‬ف ــإن احلزب الوط ــين ه ــو النض ــال‬
‫اجلدي ــد‪ .‬من أج ــل ع ــراق دميق ــراطي‪ ،‬والس ــعي بك ــل اجله ــود الس ــلمية والدبلوماس ــية إلهناء وج ــود الق ــوى األجنبي ــة‪،‬‬
‫وتصفية كـل نفوذهـا على احليـاة العراقيـة‪ ،‬واسـتعادة سـيادته الوطنيـة واسـتقالله‪ .‬اسـتكمال وبنـاء التعدديـة والفيدراليـة‬
‫والنظام الربملاين واجلمهورية الدميقراطية‪ ،‬والسعي لتطبيق القانون اإلداري للدولة العراقية االنتقاليــة‪ ،‬والســعي لرتســيخ‬
‫املفهوم الدميقراطي للعراق حىت ال تكرر احلياة السياسية يف العراق أخطاء الدكتاتورية‪ ،‬والسعي للتوافق مع ‪ -‬ميثاق‬
‫األمم املتحدة‪ :‬إقامة عالقات بني مجهورية العراق والدول األخرى على أساس الصداقة واملنفعة املتبادلة واملساواة يف‬
‫‪1‬‬
‫احلقوق والواجبات‪.‬‬

‫‪ .3-1-3-3-5‬الحركة الملكية الدستورية‬


‫مت اإلعالن عن والدة احلركة امللكية الدستورية يف ‪ 20‬حزيران ‪ /‬يونيـو ‪ ،1993‬حبشــد ضـخم حضــره أكــثر من‬
‫‪ 1400‬من املشـاهري العراقـيني‪ .‬ومن اهـداف احلركـة اقامـة دميقراطيـة تقـوم على التعدديـة السياسـية والربملان وامللكيـة‬
‫الدســتورية واحلريــة الفرديــة حيث يكــون امللــك رمــزا لوحــدة الشــعب وكرامــة االمــة العراقيــة وهــذا النظــام هــو على‬
‫أس ــاس الت ــداول الس ــلمي للس ــلطة من خالل االنتخاب ــات‪ ،‬وفص ــل الس ــلطات‪ ،‬واس ــتقالل القض ــاء‪ ،‬وس ــيادة الق ــانون‪،‬‬
‫واحــرتام حقــوق اإلنســان‪ .‬وباختصــار‪ ،‬ميكن القــول إن قــوة سياســية (وطنيــة‪ ،‬يســارية‪ ،‬أو ليرباليــة) مــع علمانيــة ظهــر‬
‫التوجــه الفكــري على الســاحة السياســية العراقيــة بعــد ذلــك بعــام ‪ 2003.‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن قواعــد اللعبــة للعمليــات‬
‫السياسية ختتلف عن كيفية إدراكهم للســلطة الــيت جيب االسـتيالء عليهـا أو املشــاركة يف الســلطة‪ ،‬مما أدى إىل تراجـع‬
‫دور هذه التيارات و القـوى السياسـية (باسـتثناء تلـك ذات امليـول القوميـة الكرديـة) الـيت تتمتـع بقاعـدة شـعبية واسـعة‬
‫وتواج ــد على األرض‪ ،‬ول ــديها خ ــربة يف حكم إقليم كردس ــتان‪ ،‬على عكس الق ــوى العلماني ــة ذات املي ــول القومي ــة‬
‫والليرباليــة واليســارية األخــرى‪ ،‬والــيت ال تتمتــع هبا‪ .‬التأييــد الشــعيب الفعــال‪ ،‬إىل حــد كبــري بســبب الــدين‪ .‬أدى هيمنــة‬
‫االجتاه ــات األيديولوجيــة على الس ــاحة السياســية وميــل اجلم ــاهري إىل دعمهــا مجيًع ا إىل غيــاب التيــارات العلمانيــة يف‬
‫الع ــراق بع ــد ع ــام ‪ ،2003‬مما دف ــع األح ــزاب القومي ــة والليربالي ــة واليس ــارية إىل االخنراط فيه ــا‪ .‬الص ــراعات الطائفي ــة‬
‫‪2‬‬
‫والتحرك حنو اجتاه أكثر طائفية أو طائفية‪ ،‬أو اإلحباط وترك اللعبة السياسية تنهار أو تندمج مع أطراف أخرى‪.‬‬

‫‪ .1‬اليعقويب‪« ،‬خطابات مرحلية»‬


‫‪ .2‬جـرادات‪ ،‬احلـزاب و احلركـات السياسـية فـي الـوطن العربــي‪ :‬صص‪175-174‬‬
‫‪117‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .3-2‬اثر اال تجاهات الفكرية في صياغة الدساتير بعد نيسان ‪2003‬‬


‫أثارت العمليـة الدسـتورية الـيت أعقبت سـقوط النظـام السـابق يف نيسـان ‪ ،2003‬جـدًال وتـوترًا بني قـوى سياسـية‬
‫واجتماعية ذات توجهات فكرية خمتلفة‪ ،‬وهو أمر غري مسبوق يف تاريخ العراق منــذ تأســيس اإلدارة الوطنيــة العراقيــة‬
‫االنتقالية‪ .‬خالل فرتة حكم القانون‪ ،‬مت حـل بعض اخلالفـات والتـوترات عنـد صـياغة القـوانني‪ ،‬مت تأجيـل الكثـري منهـا‬
‫إىل مرحلـة صـياغة دسـتور دائم‪ ،‬ألنـه كـان دسـتوًر ا دائًم ا‪ ،‬يصـعب تعديلـه‪ ،‬وليس خاًص ا مبرحلـة معينـة‪ ،‬مثـل القـانون‬
‫اإلداري للبل ـ ــد‪ ،‬ومن ه ـ ــذا املنطل ـ ــق يتم تقس ـ ــيم ه ـ ــذا املبحث على مطل ـ ــبني‪ ،‬اذ خيص ـ ــص املطلب االول ملناقش ـ ــة اث ـ ــر‬
‫االجتاهات الفكرية يف صياغة قـانون أدارة الدولـة العراقيـة للمرحلـة االنتقاليـة‪ ،‬امـا املطلب الثـاين فيتنـاول موضـوع اثـر‬
‫االجتاهات الفكرية يف صياغة دستور ‪.2005‬‬

‫‪ .3-2-1‬دور االتجاهات الفكرية في صياغة قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة االنتقالية‬
‫بعد التاسع من نيسان ‪ 2003‬ظهر واقع جديد وهو سـقوط العـراق وتقبـل العراقيـون مبا يسـمى واقـع االحتالل‪.‬‬
‫بعــد اإلطاحــة بالنظــام احلاكم الفعلي واحلقيقي للبالد‪ ،‬تفتت مؤسســات الدولــة العراقيــة‪ ،‬وأصــدر جملس األمن القــرار‬
‫‪ 1483‬يف ‪ 22‬أيـ ــار ‪ ،2003‬واعتـ ــرب العـ ــراق قـ ــوة حمتلـ ــة‪ ،‬وقـ ــوات احللفـ ــاء هي قـ ــوات االحتالل‪ .‬البـ ــد من حتمـ ــل‬
‫مســؤولية ادارة الدولــة العراقيــة‪ ،‬حبيث يصــبح العــراق غــري مكتمــل ســيادته‪ ،‬ومتارس الســيادة من قبــل قــوات االحتالل‬
‫ممثلة بسلطة التحالف املؤقتة‪ ،‬واليت تبـدأ مبمارسـة كـل الســلطة يف العـراق‪ 1،‬و كـان يعاوهنا من اجلانب العـراقي جملس‬
‫مكون من سبعة أشخاص‪.‬‬

‫‪ .3-2-1-1‬اثر االتجاهات الفكرية في كتابة قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة االنتقالية‬
‫بـ ــادر برمير بالرتتيبـ ــات واخلطـ ــوات األساسـ ــية لتشـ ــكيل جملس سياسـ ــي‪ ،‬بـ ــالنظر إىل رفض بعض الشخصـ ــيات يف‬
‫اقــرتاح اجمللس املوســع‪ ،‬وكــون مجيــع مكونــات الشــعب العــراقي متثــل جــوهر الســلطة العراقيــة‪ ،‬واإلحجــام عن ذلــك‪.‬‬
‫البعض انضــم إليهــا والبعض اآلخــر رغب يف االنضــمام إليهــا (‪ )4‬وعلى هــذا األســاس أعلن احلكــام املواطنــون الــذين‬
‫أص ــدروا الئح ــة س ــلطة االحتاد املؤقت ــة رقم (‪ )6‬بت ــاريخ ‪ 13‬يولي ــو ‪ 2003‬عن إنش ــاء جملس إدارة مؤل ــف من ‪25‬‬
‫عضًو ا‪ .‬منها باعتبارها اهليئة الرئيسية لإلدارة العراقية املؤقتة إىل أن يتم تشكيل حكومة عراقية معــرتف هبا دولًي ا‪ ،‬مــع‬
‫حكومة ائتالفية تعتمد على التمثيل الطائفي والعرقي لتعيني أعضاء جملس احلكم‪ ،‬بـدًال من التمثيـل السياسـي‪ ،‬بـالنظر‬

‫‪ . 1‬البيــايت‪« ،‬اســاليب ســن الدســاتري العراقيــةا لصــادرة مــن عــام ‪ :»2005-1925‬ص‪111‬‬


‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪118‬‬

‫إىل األغلبية الشيعية النصف ‪ .1+‬وأساس هذا التوزيع والتقسيم الطائفي والعرقي‪ ،‬وضمان نسبة شيعية تبلــغ ‪،150‬‬
‫ميكن إرجاعه إىل املعارضة العراقية وقرارات مــؤمترهم‪ ،‬من املؤمتر الوطـين العــراقي يف صـالح الــدين عــام ‪ ،1992‬إىل‬
‫لن ــدن‪ .‬م ــؤمتر املعارض ــة العراقي ــة أواخ ــر ع ــام ‪ ،2002‬الكوت ــا الطائفي ــة مل تتوق ــف عن ــد ه ــذا احلد‪ ،‬حيث تك ــررت يف‬
‫اللجنــة التحضــريية للدســتور‪ ،‬وتشــكيل وزارة احلكومــة االنتقاليــة الــيت شــكلها جملس اإلدارة‪ .‬تنطبــق على احلد األدىن‬
‫من الوظــائف والوظــائف‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬ففي مفاصــل الدولــة‪ ،‬يتمســك اجلميــع باملكانــة واالمتيــازات الــيت اكتســبها من‬
‫خالل االنتمــاء إىل طائفــة معينــة أو جــزء من مكوناتــه‪ ،‬وحــىت لــو عــارض منصــبه‪ ،‬فال أحــد يــرفض األمــر‪ ،‬طاملا أنــه‬
‫معتقدات املكانة واجتاهات الفكر‪ ،‬وهـذا ينطبـق على مجيـع القوميـات (الكرديـة) ذات امليـول) أو (العربيـة) أو القـوى‬
‫ذات امليول الليربالية أو اليسارية‪.‬‬
‫وأصــدر جملس احلكم يف يــوم تأسيســه بيانـًا قــال فيــه إن صــياغة دســتور هي إحــدى مهامــه الرئيســية‪ ،‬وأصــدر بيانـًا‬
‫آخر يف ‪ 20‬آذار ‪ /‬مارس ‪ ،2003‬أقر فيه باجلهود املبذولة لوضع دستور دائم للعراق يقوم على التعدديـة‪ .‬حكومـة‬
‫دميقراطية احتادية تقوم على احرتام احلريات العامة‪ .‬الرأي وحقوق اإلنسان‪ ،‬واحرتام اهلوية اإلسالمية لغالبية الشــعب‬
‫الع ــراقي‪ ،‬وحق ــوق املرأة‪ ،‬وض ــمانات اس ــتقالل القض ــاء‪ ،‬وعلى أساس ــها ش ــكل جملس احلكم جلن ــة دس ــتورية متهيدي ــة‬
‫مكون ـ ــة من ‪ 25‬عض ـ ــوا‪ 11 .‬أغس ـ ــطس ‪ 2003‬لالنتق ـ ــال يتم انتخ ـ ــاب ك ـ ــل عض ـ ــو يف اجمللس كعض ـ ــو يف اللجن ـ ــة‬
‫الدس ــتورية‪ ،‬وال ــذي مت تعيين ــه من قب ــل اجمللس‪ ،‬وتتمث ــل مهمته ــا يف رب ــط الق ــوى الفاعل ــة يف اجملتم ــع‪ ،‬وفهم توجهاهتا‪،‬‬
‫ومن مث عرض ــها على اجمللس على ش ــكل اجتم ــاع توص ــيات ش ــرح آلي ــة ص ــياغة الدس ــتور اجلدي ــد‪ .‬وق ــدمت اللجن ــة‬
‫‪1‬‬
‫تقريرها يف األول من تشرين األول (أكتوبر) ‪ ،2003‬والذي تضمن عدة توصيات منها‪:‬‬
‫‪ .1‬إجراء انتخابات مباشرة لتشكيل جملس تأسيسي‬
‫‪ .2‬يعني جملس احلكم أعضاء اجمللس التأسيسي الذي يعني بدوره جلنة خاصة لصياغة الدستور‪.‬‬
‫‪ .3‬االنتخابــات اجلزئيــة حًال ال حــل وســط‪ ،‬أي انتخــاب أعضــاء اجمللس التأسيســي من قبــل شخصــيات مرموقــة‬
‫وبارزة من مجيع أحناء البالد‪.‬‬
‫وتوصـي اللجنـة باإلســراع يف االنتخابـات وصـياغة الدسـتور وسـط ضـغوط شـعبية لصــاحل الســلطة الدينيـة لصــياغة‬
‫الدستور من قبـل أيـادي عراقيـة منتخبـة دميقراطيـا‪ .‬السـلطة والتصـديق عليهـا‪ ،‬أي جيب صـياغة الدسـتور من قبـل جلنـة‬
‫منتخب ــة‪ ،‬طلب ق ــرار األمم املتح ــدة رقم ‪ 1511‬الص ــادر يف ‪ 16‬أكت ــوبر ‪ 2003‬من اجمللس حتدي ــد ج ــدول زم ــين‬
‫لصياغة الدستور وإجراء االنتخابات‪ ،‬واتفاق العملية السياسية أو (نقل السلطة) ‪ 2003‬يف ‪ 15‬تشرين الثاين‪ ،‬وقـع‬

‫‪ . 1‬خال ــد‪« ،‬ق ــراءة ف ــي ق ــانون ادارة الدول ــة العراقي ــة للمرحل ــة النتقالي ــة»‪ :‬صص‪9-8‬‬
‫‪119‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫احلاكم املدين ب ــول برمير ممثًال عن س ــلطة التحـ ــالف املؤقت ــة اتفاقي ــة مـ ــع رئيس جملس احلكم آن ــذاك‪ ،‬جالل طالب ــاين‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫تضمنت البنود اخلمسة التالية‬

‫‪ .1‬عبـ ــداجلبـ ــار‪ ،‬متضـ ــادات الدسـ ــتور الـ ــدائم‪ :‬ص‪64‬؛ السـوداين‪ ،‬مسـتقبل بدسـتور غامض‪ ،‬نقــد قــانون ادارة الدولـة العراقيـة للمرحلـة‬
‫النتقالية‪ :‬ص‪12‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪120‬‬

‫‪ .1‬يقــوم جملس احلكم بصــياغة القــانون اإلداري الوطــين االنتقــايل العــراقي بالتشــاور الوثيــق مــع ســلطة التحــالف‬
‫املؤقتة‪.‬‬
‫‪ .2‬ترتيب اتفاقية أمنية إلقرار الوضـع القـانوين لقـوات التحـالف الشـرعية يف العـراق‪ ،‬مـع توفـري حريـة تنقـل كبـرية‬
‫لضمان سالمة وأمن الشعب العراقي‪ ،‬حبلول آذار (مارس) ‪ 2004‬على أبعد تقدير‪.‬‬
‫‪ .3‬انتخاب أعضاء اجلمعية الوطنية االنتقالية‪.‬‬
‫‪ .4‬إعادة السلطة إىل العراقيني‪.‬‬
‫‪ .5‬اعتماد دستور دائم‬
‫واالتفــاق مهم ألنــه حيدد املبــادئ الــواردة يف القــانون اإلداري للدولــة العراقيــة االنتقاليــة وعلى أســاس ذلــك حيدد‬
‫إطــارًا زمني ـًا لعمليــة تســليم الســلطة للعراقــيني‪ ،‬مــع مالحظــة أن االتفاقيــة ال تــذكر إطالق ـًا التــورط‪ .‬لألمم املتحــدة يف‬
‫عمليــة تســليم الســلطة‪ ،‬لكن املرجــع رفض الصــفقة‪ .‬حــاول أعضــاء جملس احلكم تغيــري موقــف السيســتاين من خالل‬
‫املفاوضات يف النجف‪ ،‬إلقناعـه بـأن إجـراء االنتخابـات يف هـذا الـوقت سـيؤخر انتقـال السـلطة من احلكومـة العراقيـة‪،‬‬
‫وأرسلت األمم املتحدة بعثة إىل العراق لتقييم الوضـع هنـاك وإمكانيـة إجرائـه‪ .‬االنتخابـات‪ .‬اسـتخالص النتـائج‪ .‬أدى‬
‫إجراء االنتخابات إىل تأخري التسليم املتوقع للســيادة يف هنايـة يونيـو ‪ ،2004‬فـاقرتح فصـل موضـوع االنتخابـات عن‬
‫موضوع تسليم السيادة‪ ،‬حبيث يتم تأجيل االنتخابات إىل أواخر عــام ‪ 2004‬أو أوائــل عــام ‪ ،2005‬يف حني أن ‪-‬‬
‫وافق السيستاين على خطة املندوب األممي‪ ،‬فيمـا جـاءت مـذكرة توقيـف السيســتاين بعـد تســريبات عن دور خـارجي‬
‫يف صياغة دستور العراق‪ ،‬وذلك بتعيني نوح فيلدمان مستشارًا جمللس احلكم يف العملية الدســتورية‪ ،‬وعــدة مســودات‬
‫دساتري‪ .‬قدمته قوى املعارضة العراقية‪ ،‬خاصة املسودة الكردية ومشروع عدنان‪ ،‬والنقاش بعد أن ذكر بعض أعضــاء‬
‫جملس اإلدارة أن فيلدمان كلـف بصـياغة الدسـتور‪ ،‬حـىت أن البعض منهم العضـو الكـردي يف اجمللس (حممـود) ) يعلن‬
‫(عثمان) أن مسودة الدستور جاهزة باللغة اإلجنليزية ومت ترمجتها ومناقشة فقراهتا حمدودة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬أصــبح مكتب‬
‫اجمللس احلاكم املكون من تسعة أعضاء جلنة لصياغة الدستور‪ ،‬إىل جانب جمموعة صـغرية من خـرباء حقــوق اإلنســان‬
‫والقضاة‪ .‬يف أواخر فرباير ‪ ،2004‬أكملت جلنة صياغة الدستور املسودة النهائية للدستور‪ .‬الدسـتور االنتقــايل الــذي‬
‫أقــره جملس اإلدارة يف ‪ 8‬مــارس ‪ .2004‬أصــدر هــذا القــانون حتت مســمى (قــانون إدارة الدولــة العراقيــة االنتقاليــة)‬
‫ال ــذي ح ــدد النظ ــام السياس ــي األساس ــي للدميقراطي ــة الفيدرالي ــة والتوافقي ــة والليربالي ــة‪ ،‬وأرس ــى أس ــس هيك ــل الدول ــة‬
‫العراقية الفيدرالية‪ ،‬والالمركزية يف السلطة التنفيذية‪ ،‬ووضع الدستور‪.‬‬
‫‪121‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫بعض األســس ويوافــق جملس األمن على القــرار ‪ 1546‬بشــأن اإلجــراء االنتقــايل احملدد ينظمــه القــانون‪ ،‬وبالتــايل‪،‬‬
‫فإن إنشاء القانون اإلداري الوطين هو نتيجة (اتفاقية نقل السلطة) وبعض النـاس لــديهم شـكوك حـول أهليـة اجمللس‪.‬‬
‫حتفظات على عقـد مثـل هـذا االتفـاق الكبـري وإصـدار وثيقـة دسـتورية‪ ،‬خاصـة أنـه جملس غـري منتخب يعينـه االحتالل‬
‫الرمسي وميكن أن يت ــأثر بض ــغوط دول ــة االحتالل‪ ،‬بينم ــا ي ــرى آخ ــرون أن جملس احلكم من ش ــرعية مت احلص ــول على‬
‫‪1‬‬
‫إبرام االتفاق يف قرار األمم املتحدة‪.‬‬
‫باختصار‪ ،‬ميكن القول إن قانون إدارة الدولـة العراقيـة االنتقاليـة (الدسـتور االنتقـايل لعـام ‪ )2004‬مل تتم صـياغته‬
‫بشكل دميقراطي‪ ،‬ولكن مت التوصل إليه من خالل اتفاق بني سلطات التحالف املتحدة‪ .‬وهي القوى الرئيسية لدولة‬
‫االحتالل واملعارضــة العراقيــة الســابقة‪ ،‬واخلط األساســي للقــانون هــو االتفــاق بني االجتاهــات الرئيســية للمشــاركة يف‬
‫السلطة من خالل جملس احلكم والواليات املتحدة األمريكية ممثلــة بـه‪ ،‬من جهـة‪ ،‬من ناحيـة أخـرى فــإن احلكم املدين‬
‫للعراق بقلم‪.‬‬

‫‪ .3-2-1-2‬اثر االتجاهات الفكرية في مضمون قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة االنتقالية‬
‫يتألف القانون اإلداري للدولـة العراقيـة االنتقاليـة من ديباجـة واثـنني وسـتني مـادة موزعـة على تسـعة فصـول‪ .‬تبـدأ‬
‫مشكلة هذا القانون بامسه‪ .‬هذه الوثيقة تســمى قـانون‪ ،‬بـالرغم من أن حمتواهـا هـو الدسـتور‪ ،‬إلدارة البالد ومضـموهنا‬
‫(القواع ــد) وليس اإلدارة‪ ،‬ه ــل تعم ــد واض ــعو الق ــانون جتنب تس ــميته باس ــم الدس ــتور املؤقت؟ أم أن واض ــعيه مل يكن‬
‫لـديهم القـدرة على صـياغة دسـتور؟ أم أن الدولـة تفتقـر إىل الســيادة وبالتـايل ال جيب أن يكـون هلا دسـتور؟‪ 2‬لإلجابـة‬
‫على ه ــذه األس ــئلة‪ ،‬ميكن الق ــول ب ــأن دس ــتور الع ــراق األول ك ــان موج ــوًدا عن ــد إنش ــائه‪ .‬ق ــد يك ــون تف ــويت املرحل ــة‬
‫(القــانون األساســي) أو تــرك انطبــاع يف شــوارع العــراق‪ ،‬يف إشــارة إىل املبــادئ األساســية للدســتور‪ .‬يســميه القــانون‬
‫دسـتوًر ا مؤقًت ا إلعطـاء ضـمان‪ ،‬خاصـة يف حـاالت خيبـة األمـل من النظـام السـابق ودسـتوره املؤقت‪ ،‬أو بسـبب أوامـر‬
‫اإلعدام واحتجاجات املعتقدات الدينية الشيعية والسنية) رفض الرجال املنتخـبني كتابـة الدسـتور‪ ،‬و ومـع ذلـك‪ ،‬فـإن‬
‫‪3‬‬
‫مضمون القانون يشري إىل أنه دستور مؤقت‪ ،‬كما ورد يف املادة الثالثة‪ ،‬أ‪:‬‬

‫‪ . 1‬البصيصي‪« ،‬املعاهدة الدولية كطريق لوضع الدستور يف ضوء قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة االنتقالية»‪ :‬ص‪53‬‬
‫‪ .2‬السـوداين‪ ،‬العـراق مسـتقبل بدسـتور غامض‪ ،‬نقــد قـانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة النتقالية‪ :‬ص‪37‬‬
‫‪ .3‬قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلةالنتقالية لعام ‪،2004‬املادة الثالثة‪ ،‬فقرة (أ)‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪122‬‬

‫يعترب القانون القانون األعلى للبالد وهو ملزم يف مجيـع منـاطق العـراق دون اسـتثناء‪ .‬ينص البنـد الفـرعي (ب) من‬
‫نفس املادة على أن أي نص قـ ــانوين يتعـ ــارض مـ ــع هـ ــذا القـ ــانون يعتـ ــرب بـ ــاطًال‪ ،‬وال تنطبـ ــق حمتوياتـ ــه إال على سـ ــيادة‬
‫الدستور‪ ،‬باسـتثناء السـمات الراكـدة واحملظـورات املوضـوعية ألحكـام معينـة من الدسـتور‪ .‬تنص املادة ‪( 3‬أ) على مـا‬
‫يلي‪ ... :‬ال جيوز تعديل هذا القـانون إال بأغلبيـة ثالثـة أربـاع أعضـاء اجلمعيـة الوطنيـة) وباإلمجاع (اجمللس الرئاسـي)‪،‬‬
‫وال جيوز إج ــراء أي تع ــديل ال ــيت من ش ــأهنا أن تنتقص ب ــأي ش ــكل من األش ــكال من الب ــاب الث ــاين التع ــديالت على‬
‫حقوق الشعب العراقي املشار إليها يف‪ ،‬أو متديد الفرتة االنتقالية إىل ما بعد الفــرتة احملددة يف هــذا القــانون‪ ،‬أو تأجيــل‬
‫إجراء انتخابات نيابية جديدة‪ ،‬أو احلد من صالحيات املقاطعات واحملافظات‪ ،‬أو قد تؤثر على اإلســالم أو الــديانات‬
‫واملذاهب األخرى وطقوسها‪ ،‬وهذا يكاد يكون أهم وأهم مبدأ يف القانون‪.‬‬
‫يتض ــمن الق ــانون اإلداري للدول ــة العراقي ــة االنتقالي ــة العدي ــد من االجتاه ــات الفكري ــة واأليديولوجي ــة ال ــيت تش ــكل‬
‫حمركات للصراع‪ .‬القوميـة‪ ،‬واملواقـف من اهلويـة القوميـة العربيـة‪ ،‬وامليـول ضـد احلريـات الفرديـة (املفرطـة)‪ ،‬واجتثـاث‬
‫البعث‪ ،‬وقضـ ــايا أخـ ــرى يـ ــدافع عنهـ ــا اإلسـ ــالم السياسـ ــي الشـ ــيعي‪ ،‬مبا يف ذلـ ــك تلـ ــك املتعلقـ ــة باملبـ ــادئ الوحدويـ ــة‪،‬‬
‫والفدرالية اإلقليمية‪ ،‬واهلوية الوطنية يف العراق‪ ،‬والبريوقراطية والعلمانية‪ ،‬وغريها‪ .‬القضــايا الــيت يــدافع عنهــا األكــراد‪،‬‬
‫مبا يف ذلــك تلــك املتعلقــة هبويــة العــراق العربيــة وشــكل الدولــة ومبــدأ املشــاركة الطوعيــة‪ .‬وقضــايا أخــرى دافــع عنهــا‬
‫العــرب الســنة‪ ،‬فضـًال عن احلريــة الفرديــة‪ ،‬واحلكومــة التعدديــة والربملانيــة‪ ،‬والدولــة العلمانيــة‪ ،‬واالقتصــاد احلر‪ ،‬وقضــايا‬
‫ليرباليــة أخــرى‪ 1،‬كــل هــذه التيــارات الفكريــة والقــوى السياســية واالجتماعيــة الناشــطة يف الســاحة السياســية أثــرت يف‬
‫صــياغة القــانون اإلداري للدولــة االنتقاليــة العراقيــة من حيث حمتــواه‪ .‬القــوى السياســية واالجتماعيــة‪ ،‬كــل األحــزاب‬
‫حتاول تــرك نفوذهــا يف القــانون جلعلــه ضــمانة يف العمليــة السياســية املســتقبلية‪ ،‬وهــذا يتحقــق يف القــانون‪ ،‬نص القــانون‬
‫‪2‬‬
‫اإلداري الوطين مرسوم يف اجتاهات خمتلفة ودالالت إيديولوجية‪( .‬بل وخلق تناقضات سياسية يف بعض احلاالت)‪.‬‬
‫من ه ـ ــذا املنطل ـ ــق‪ ،‬حتاول األفك ـ ــار الديني ـ ــة املتمثل ـ ــة يف الق ـ ــوى السياس ـ ــية اإلس ـ ــالمية‪ ،‬وخاص ـ ــة الق ـ ــوى الش ـ ــيعية‬
‫واملرجعيات الدينيـة‪ ،‬ربـط الدولـة العراقيـة باإلسـالم واعتبـار الشــريعة اإلسـالمية املصــدر الوحيـد للتشــريع‪ .‬وتوجهـات‬
‫إىل أن تتفـ ــق على صـ ــيغة بني امليـ ــول الدينيـ ــة والعلمانيـ ــة‪ ،‬وخاصـ ــة الليربالـ ــيني (‪ ،)3‬املادة ‪( 7‬أ)‪ ،‬الـ ــيت تنص على أن‬
‫اإلسالم هو الـدين الرمسي للدولـة وليس سـن القـوانني خالل الفـرتة االنتقاليـة الـيت تتعـارض مـع قـوانني اإلسـالم الثابتـة‬
‫وغري املتغرية‪ ،‬هي أيًض ا غري متسقة مع مبادئ الدميقراطية واحلقوق املنصوص عليهـا يف اجلزء الثـاين من هـذا القـانون‪،‬‬
‫والذي حيرتم اهلوية اإلسالمية لغالبية الشعب العراقي‪ ،‬ويضمن احلقوق الدينية الكاملة جلميع األفراد فيما يتعلق حبريــة‬

‫‪ .1‬االحباث‪ ،‬ديناميكيات النزاع يف العراق (تقييم اسرتاتيجي)‪ :‬صص‪141-140‬‬


‫‪ .2‬كريـم‪ ،‬السياسـة التشـريعية فـي العـراق‪ ،‬دراسـة تطبيقيـة فـي التشـريعات الدسـتورية‪ :‬صص‪141-140‬‬
‫‪123‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫العقي ــدة واملمارس ــة الديني ــة‪ ،‬ومن ــذ ذل ــك احلني هن ــاك تن ــاقض يف "الص ــيغة املذكورة"‪ ،‬فهي توض ــح أن ح ــدة النق ــاش‬
‫واجلدال بني اإلس ــالميني والعلم ــانيني تص ــل إىل ه ــذا املش ــرتك‪ ،‬وال يوج ــد تط ــابق بني الش ــريعة اإلس ــالمية واملب ــادئ‬
‫الدميقراطية‪ ،‬وهناك بعض املبادئ يف الشريعة اإلسالمية ال تتوافق مع املبادئ الدميقراطية‪ ،‬على العكس من ذلك‪ ،‬أما‬
‫‪1‬‬
‫بالنسبة للنص الذي حيدد اهلوية الوطنية للدولة العراقية‪ ،‬فقد كان للقوى السياسية الكردية تـأثري كبـري يف تشــكيلها‪،‬‬
‫باســتثناء القــانون األساســي لعــام ‪ ،1925‬تعــرتف مجيــع الدســاتري العراقيــة بــالعراق كجــزء من األمــة العربيــة‪ ،‬واللغــة‬
‫العربي ــة هي اللغ ــة الرمسية للبالد وتع ــرتف هبا بعض احلق ــوق (األقلي ــات)‪ ،‬وخاص ــة األك ــراد‪ ،‬لكن ق ــانون إدارة الدول ــة‬
‫يعترب نقطة حتول يف هوية العراق العربية‪ .‬مارسـت القـوات الكرديـة ضـغوطا يف هـذا اجملال ودارت مناقشـات وحجج‬
‫من أج ــل احلف ــاظ على اهلوي ــة العربي ــة للدول ــة العراقي ــة‪ .‬أك ــد األك ــراد أهنم ليس ــوا ج ــزء من األم ــة العربي ــة ألن الع ــراق‬
‫يتكــون من عــدة أمم ودول أخــرى ليســت منطقيــة العــراق جــزء من األمــة العربيــة ألن تلــك الــدول جــزء من العــراق‬
‫وليست جزء من األمة العربية ويطالب األكراد‪ .‬القانون الـذي ينص على أن الشـعب العـريب جـزء من األمـة العربيـة‪،‬‬
‫والشعب الكردي جزء من األمة الكردية‪ ،‬وكذلك األمم األخرى‪ ،‬وقد توصل الطرفان إىل نتيجة مفادها أن العراق‬
‫أمة واحدة كثريون والعرب منها جزء ال يتجزأ من األمة العربية‪ ،‬والعربية والكردية مها اللغتان الرمسيتان للعراق ‪...‬‬
‫أما بالنسبة لشـكل الدولـة ونظـام العـراق السياسـي من أجـل احلكم عليـه‪ ،‬املادة ‪ 4‬من ينص القـانون على أن حكومـة‬
‫الع ــراق مجهوري ــة‪ ،‬ونظ ــام في ــدرايل‪ ،‬ونظ ــام دميق ــراطي‪ ،‬ونظ ــام تع ــددي‪ ،‬والس ــلطة مش ــرتكة بني احلكوم ــة الفيدرالي ــة‬
‫واحلكومــات اإلقليميــة واحملافظــات والبلــديات واإلدارات احملليــة ‪ 2....‬وهــذا يعــين أن هــذا القــانون غــري شــكل دولــة‬
‫العـ ــراق من دولـ ــة موح ــدة بسـ ــيطة إىل دولـ ــة فيدرالي ــة ونظـ ــام إداري المركـ ــزي‪ ،‬ونظـ ــام احلكم من نظـ ــام مشويل إىل‬
‫دميقراطي ــة تعددي ــة‪ ،‬وذل ــك بس ــبب ت ــأثري الق ــوى السياس ــية الكردي ــة‪ .‬اع ــرتاف الق ــوى السياس ــية املعارض ــة الرئيس ــية يف‬
‫اجتماعاهتا واجتماعاهتا الســابقة‪ ،‬وكــذلك القــانون الــذي أقرتــه حكومــة إقليم كوردســتان يف املادتني (‪ / 53‬أ) و (‬
‫‪ )54‬واعتب ــار تش ــريعاهتا وص ــالحياهتا دس ــتورية وقانوني ــة‪ ،‬باس ــتثناء اهم م ــادة كخارط ــة طري ــق للع ــودة اىل املن ــاطق‬
‫املتن ــازع عليه ــا وخاص ــة االك ــراد وهي (‪ )1‬املادة (‪ )58‬وهي مدين ــة كرك ــوك اىل اقليم كوردس ــتان ح ــول االغلبي ــة‬
‫واالمجاع املبدأ مبدأ ان الشيعة هم األغلبية يف كل شيء‪ ،‬تعود إىل حقيقة أن لديهم أغلبية يف العراق‪.‬‬

‫‪ .1‬اسس ــرد‪ ،‬املس ــالة الكوردي ــة بع ــد ق ــانون ادارة الدول ــة العراقي ــة للمرحل ــة النتقالي ــة‪ :‬صص‪37-19‬‬
‫‪ .2‬قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلةالنتقالية لعام ‪ ،2004‬املادة (‪)4‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪124‬‬

‫ق ــوانني‪ ،‬الش ــيعة يط ــالبون حبق ــوق األغلبي ــة‪ ،‬رئيس ب ــدًال من جملس رئاس ــي ت ــوافقي من ثالث ــة أعض ــاء‪ ،‬لك ــل منهم‬
‫صــالحيات (حــق النقض)‪ ،‬وتس ــويات هنائيــة ومفاوضــات مــع بعض فــرص النجــاح‪ ،‬خاصــة بني اجلماعــات الش ــيعية‬
‫والكردي ــة‪ 1،‬املوافق ــة على انتخ ــاب اجمللس الرئاس ــي بأغلبي ــة ثل ــثي أعض ــاء اجلمعي ــة الوطني ــة ورئيس ال ــوزراء باألغلبي ــة‬
‫املطلقة للمجلس‪.‬‬
‫أم ــا مش ــروع الدس ــتور ال ــدائم املراد ص ــياغته‪ ،‬فيحت ــاج إىل موافق ــة ثل ــثي أعض ــاء جملس الن ــواب‪ ،‬وموافق ــة اجمللس‬
‫الرئاسي باألغلبية ضد)‪ .‬حاول العــرب (الســنة) اسـتخدام هــذا النص ضـد الدسـتور لرغبـات األكــراد‪ ،‬لكن حماوالهتم‬
‫باءت بالفشل‪.‬‬
‫مبا أن النظام السياسي يف قانون اإلدارة القومية يقوم على أساس الفصـل بني الســلطات والدميقراطيـة‪ ،‬فهـو يؤكـد‬
‫على حقوق اإلنسان واحلقوق املدنية‪ ،‬واالقتصاد احلر واحرتام احلريات الفرديـة مثـل احلق يف امللكيـة‪ ،‬وحريـة التعبـري‪،‬‬
‫وحريـة اإلعالم‪ .‬واحلريـات السياسـية وغريهـا من احلريـات الشخصـية والعامـة‪ ،‬كمـا هـو موضـح يف الفصـل الثـاين من‬
‫القانون‪ ،‬والذي يوضح تأثري الليرباليني يف القانون‪ ،‬بسبب الدور الــذي لعبتـه احلكومــة االئتالفيـة يف سـن القــوانني‪ ،‬مما‬
‫جعــل العــراق سياس ـًيا‪ .‬الطبيعــة الدميقراطيــة الليرباليــة للنظــام والــدور الــذي تلعبــه القــوى الليرباليــة يف اجمللس وخاصــة‬
‫األحـ ـ ــزاب الكرديـ ـ ــة والشخصـ ـ ــيات الليرباليـ ـ ــة مثـ ـ ــل (د‪ .‬ايـ ـ ــاد عالوي‪ ،‬د‪ .‬عـ ـ ــدنان البجي‪ ،‬د‪ .‬امحد اجللـ ـ ــيب‪ ،‬نصـ ـ ــري‬
‫اجلادرجي)‪ 2.‬ميكن القــول أن القــانون اإلداري للدولــة العراقيــة لعــام ‪ 2004‬هــو دســتور مــؤقت يف مضــمونه‪ ،‬ولكن‬
‫بسبب الضـغط الـذي مارسـته املرجعيـة الدينيـة وفشــلها يف املوافقـة على برملان غـري منتخب لصـياغة الدسـتور‪ ،‬يعكس‬
‫الق ــانون كًال من ال ــدين والعلم ــاين‪ .‬االجتاه ــات اجلزيئي ــة املعرفي ــة (خاص ــة االجتاه ــات الليربالي ــة واالجتاه ــات القومي ــة‬
‫الكردية)‪ ،‬واجلهات الفاعلة اخلارجية اليت متثلها الواليات املتحدة واألمم املتحدة‪.‬‬

‫‪ .3-2-2‬تأثير االتجاهات الفكرية في صياغة دستور ‪2005‬‬


‫تنص املادت ــان ‪ 60‬و ‪ 61‬من ق ــانون إدارة الدول ــة العراقي ــة االنتقالي ــة على آلي ــة وخط ــوات ص ــياغة دس ــتور دائم‬
‫وعرضــه على االســتفتاء الشــعيب‪ ،‬مما يتطلب موافقــة أكــثر من نصــف النــاخبني وعــدم رفضــه من قبــل ثلــثي النــاخبني‪.‬‬
‫الن ــاخبني يف الربملان‪ .‬ثالث مقاطع ــات‪ .‬ول ــذلك‪ ،‬ف ــإن الق ــوى السياس ــية ذات التوجه ــات املختلف ــة تقات ــل من أج ــل‬
‫احلص ــول على النس ــبة األك ــرب من األص ــوات من أج ــل احلص ــول على أك ــرب ع ــدد من املقاع ــد يف الك ــوجنرس‪ ،‬وبالت ــايل‬
‫فــرض معتقــداهتا وميوهلا اإليديولوجيــة‪ ،‬ومن وجهــة النظــر هــذه ينقســم هــذا املطلب إىل قســمني يتنــاول اجلزء األول‬

‫‪ .1‬االحباث‪ ،‬ديناميكيات النزاع يف العراق (تقييم اسرتاتيجي)‪ :‬ص‪89‬‬


‫‪ .2‬برمير‪ ،‬عام قضيته يف العراق‪ :‬صص‪388-362‬‬
‫‪125‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫ت ــأثري االجتاه ــات األيديولوجي ــة على طريق ــة ص ــياغة دس ــتور الع ــراق لع ــام ‪ ،2005‬بينم ــا خص ــص اجلزء الث ــاين لت ــأثري‬
‫االجتاهات األيديولوجية على حمتوى دستور ‪.2005‬‬

‫‪ .3-2-2-1‬اثر االتجاهات الفكرية في طريق صياغة دستور ‪2005‬‬


‫حس ــب اجلدول الزم ــين والطريق ــة املنص ــوص عليه ــا يف ق ــانون اإلدارة الوطني ــة لع ــام ‪ ،2004‬ج ــرت االنتخاب ــات‬
‫النيابية يف ‪ 31‬كـانون الثـاين (ينـاير) ‪ 2005‬يف جـو مليء بـالعنف‪ ،‬وأعطى جناح االنتخابـات بعض الطـابع الـداخلي‬
‫لعملية صياغة الدستور‪ .‬شرعية‪.‬‬
‫وشــهدت سياســة االنتقــال‪ ،‬بعــد االعتمــاد على الشــرعية اخلارجيــة والدوليــة‪ ،‬مشــاركة تصــل إىل ‪ 58‬يف املائــة من‬
‫مجيـع النـاخبني الـذين ذهبـوا إىل صـناديق االقـرتاع يف جـو من العنـف‪ ،‬لكن هـذه املشــاركات هي يف األغلبيـة الكرديـة‬
‫والش ــيعية‪ ،‬بس ــبب املش ــاركة‪ 88 .‬باملائ ــة يف احملافظ ــات الكردي ــة و ‪ 67‬باملائ ــة يف احملافظ ــات الش ــيعية‪ .‬يف املقاب ــل‪،‬‬
‫قــاومتهم املنــاطق الســنية ألن معــدل املشــاركة كــان أقــل من ‪ %48 .%19‬من األصــوات‪ ،‬منحهــا ‪ 140‬مقع ـًد ا يف‬
‫اجلمعي ــة الوطني ــة املكون ــة من ‪ 275‬مقعـ ـًد ا‪ ،‬وحص ــلت الكتل ــة الكردي ــة على ‪ %27‬من األص ــوات‪ ،‬ومنحته ــا ‪75‬‬
‫مقعًد ا‪ ،‬وكـانت الكتلـة الوسـطية (الليرباليـة) من أوائـل ضـحايا العنـف الطـائفي‪ .‬وحصـلت كتلـة الوسـط املمثلـة بكتلـة‬
‫العراقية بزعامة ياد عالوي على ‪ 40‬مقعدا أي ما يعــادل ‪ 13‬صـوتا‪ .‬امــا الضــحية الثانيـة فهـل هي اجلماعــات الســنية‬
‫سواء قاطعت االنتخابات بتقريـر املصـري او من قاطعهـا بتـأثري العنـف او التهديـد او عنـدما ال تريـدها وهـذه الكيانـات‬
‫حصــلت على اقليــات يف الربملان منخفض‪ .‬التمثيــل فيهــا‪ ،‬والــذي يتضــح من خاللــه أن انتخابــات جملس األمــة خلفت‬
‫وراءها أثرين سلبيني‪ ،‬ومها غياب الكتلة الوسطية الليربالية وغياب التمثيل الصـحيح والصـحيح للطائفـة الســنية‪ .‬كمـا‬
‫وج ــه النج ــاح االنتخ ــايب ض ــربة كب ــرية لبعض الس ــنة ودفعهم لل ــرتاجع عن التهميش السياس ــي ال ــذي انتهى بالعملي ــة‬
‫الدسـتورية‪ ،‬وكــانت نتيجــة رد الفعــل أن هــذه القــوى اجتمعت وأطلــق عليهـا اإلعالم (املقــاطعون)‪ ،‬على حـد قــوهلم‪.‬‬
‫أمــا املفقــودون أنفســهم‪ ،‬من بني جمموعــات (مــؤمتر الشــعب العــراقي) و (احلزب اإلســالمي) و (جلنــة احلوار الوطــين)‪،‬‬
‫الــذين قــادوا التحــول االنتخــايب النهــائي إىل قلب النهج الســين للعمــل السياســي‪ ،‬بــدأ أئمــة مســاجد احلي الســين حث‬
‫املصلني على التسجيل للتصويت يف استفتاء على الدستور ‪ -‬مع رفض ثلثي الناخبني ملشـروع الدسـتور‪ ،‬بـالعودة إىل‬
‫املربـع األول‪ .‬ضـغطت الواليـات املتحــدة واململكــة املتحــدة من خالل األمم املتحــدة على متديـد فــرتة اإلعــداد ملســودة‬
‫الدســتور‪ .‬الغــرض الرئيســي من صــياغة الدســتور هــو إشــراك بعض القــوى الســنية يف عمليــة وضــع الدســتور‪ ،‬حــىت لــو‬
‫‪1‬‬
‫كانوا خارج اجلمعية الوطنية‪).‬‬

‫‪ .1‬عبـ ــداجلبـ ــار‪ ،‬متضـ ــادات الدسـ ــتور الـ ــدائم‪ :‬ص‪69‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪126‬‬
‫‪127‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫واخلطوة التاليـة يف االنتخابـات هي أن تبـدأ اجلمعيـة الوطنيـة االنتقاليـة يف صـياغة دسـتور دائم للعـراق‪ .‬والواقـع أن‬
‫جملس النـ ــواب قـ ــرر يف اخلامس من أكتـ ــوبر ‪ 2005‬تشـ ــكيل جلنـ ــة خاصـ ــة إلعـ ــداد الدسـ ــتور تسـ ــمى (جلنـ ــة صـ ــياغة‬
‫الدس ــتور) تتك ــون من (‪ )55‬عض ــوا برئاس ــة مهام محودي من بني أعض ــائها ميثل ــون واق ــع جملس األم ــة‪ %20 .‬من الـ‬
‫‪ %20‬ميثل ــون مجي ــع املكون ــات واملديات والق ــوى السياس ــية ال ــيت ف ــازت مبقاع ــد يف اجمللس الوط ــين االنتق ــايل (انظ ــر‬
‫اجلدول رقم (‪ )9‬حـ ــول متثيـ ــل املكـ ــون السـ ــين (الغـ ــائب) يف اللجنـ ــة الـ ــذي ميثلهم)‪ .‬يتضـ ــمن اإلصـ ــرار الدبلوماسـ ــي‬
‫األمــريكي والربيطــاين املثــري للجــدل قائمــة (احلوار الوطــين) املقرتحــة املكونــة من ‪ 15‬جلنــة ســنية برئاســة صــاحل املطلــك‬
‫على جلن ــة كتاب ــة الدس ــتور‪ ،‬بينم ــا اجمللس الوط ــين‪ ،‬وخاص ــة الكتل ــة الش ــيعية والكردي ــة‪ ،‬ال ــيت فض ــلت قائم ــة خمتلف ــة من‬
‫الس ــنة‪ ،‬وال ــيت تض ــمنت ‪ 15‬سياس ـًيا س ـّنًيا آخ ــر‪ ،‬متت مناقش ــتهم لع ــدة أس ــابيع‪ .‬أخ ـًريا من أج ــل إجياد ح ــل مقب ــول‪،‬‬
‫أصبحت العضوية النهائية للجنة ‪ 71‬عضًو ا‪ ،‬كمـا مت تغيـري اسـم اهليئـة إىل (هيئـة التفـاوض (الدسـتورية))‪ ،‬مـع اإلبقـاء‬
‫على اسم وعضوية اهليئة السابقة‪ ،‬وضمان اسـتمرار العمليـة الدسـتورية يف حـال االنسـحاب املفـاجئ للكتلـة السـنية)‪،‬‬
‫وهيمن ــة التمثي ــل العنص ــري والط ــائفي يف تش ــكيل اللجن ــة‪ ،‬والغي ــاب الواض ــح‪ .‬من اخلرباء‪ ،‬لدرج ــة أن بعض األعض ــاء‬
‫يفتقرون إىل أي حقوق إنسان أو معرفة قانونية وخربة وجتربة ودستورية‪ ،‬كمــا يتجلى ذلــك يف عــدم الدقــة يف كتابــة‬
‫بعض فق ــرات الدس ــتور اجلنس ــية ووض ــوح الق ــانون واللغ ــة يف العدي ــد من املواد‪ .‬والديباج ــة‪ ،‬يع ــرب النص عن ن ــداءات‬
‫‪1‬‬
‫سياسية أكثر من األحكام الدستورية‪.‬‬
‫اتفقت األحزاب السياسية املشاركة يف اللجنة على أن عمليـة صـياغة الدسـتور جيب أن متر باإلمجاع الوطـين‪ ،‬أي‬
‫موافقــة مجيــع األطــراف‪ ،‬حــىت تكــون عمليــة صــياغة الدســتور مقبولــة وناجحــة‪ ،‬حــىت يتوصــل الكــونغرس إىل توافــق‬
‫وطــين‪ .‬على الدســتور‪ .‬إىل حــد كبــري‪ ،‬لكن اللجنــة واجهت صــعوبة كبــرية يف صــياغة الدســتور‪ ،‬وأدى مبــدأ التوافــق‬
‫الوطين نفسه إىل تعقيد بعض القضايا يف مسودة الدستور‪ ،‬ألسباب ليس أقلها أن هذا التوافق اقتصـر على عـدد قليـل‬
‫من القوى السياسية والقوى السياسية‪ .‬التيارات العاملة خـارج العـراق يف ذلـك الـوقت‪ ،‬وبصـرف النظـر عن القـوات‬
‫الكرديـة العاملـة يف منطقتـه منـذ عـام ‪ ،1991‬مل حتظ بـدعم القـوى واألحـزاب السياسـية الـيت نشــأت بعـد االحتالل‪،‬‬
‫وهــذا التوافــق اعتمــد على اعتبـارات مشــروطة سـابقة حـىت سـقوط النظــام الســابق حـىت ذلــك احلني من جهـة يتعــارض‬
‫‪2‬‬
‫التوافق مع التطبيق الفعلي‪ ،‬ومن جهة أخرى يتعارض مع مواقف الشعب العراقي والقوى السياسية يف العراق‪.‬‬

‫‪ .1‬جواد‪ ،‬نظرة نقدية اىل الدستور العراقي‪ :‬ص‪127‬‬


‫‪ .2‬الـدفاعي‪« ،‬مـن ارشـيف جلنـة كتابـة الدسـتور العراقـي»‪ :‬صص‪94-65‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪128‬‬

‫بــدأ اجمللس الدســتوري عملــه يف ‪ 7‬مــايو ‪ ،2005‬ومت تنظيم أعضــائه يف ســت جلان‪ ،‬كــل منهــا خمصــص ملوضــوع‬
‫معني‪ .‬والواجب ــات واحلري ــات العام ــة‪ .‬تعني ك ــل جلن ــة رئيسـ ـًا وأعض ــاء‪ ،‬وتتك ــون من جمموع ــة من س ــتة مستش ــارين‪،‬‬
‫وجتتمع اللجنـة الدسـتورية مـرتني أسـبوعيًا ملراجعـة عمـل اللجـان الفرعيـة‪ .‬باإلضـافة إىل هـذه اللجـان‪ ،‬مت تشـكيل جلنـة‬
‫أخ ــرى تس ــمى (جلن ــة االتص ــال واحلوار الع ــام)‪ .‬مهم ــة اللجن ــة هي الوص ــول إىل مجي ــع ش ــرائح اجملتم ــع الع ــراقي لرف ــع‬
‫مســتوى الــوعي باملبــادئ الدســتورية األساســية وقبــول آراء النــاس ومقرتحــاهتم إلحالتهــا الحًق ا إىل اللجنــة الدســتورية‬
‫للنظــر فيهــا‪ .‬يف صــياغة الدســتور‪ ،‬وظفت اللجنــة ثالث آليــات لتنفيــذ واليتهــا (اإلعالم‪ ،‬ومشــاركة منظمــات اجملتمــع‬
‫املدين‪ ،‬وقب ــول اآلراء واملقرتح ــات)‪ ،‬فض ــال عن أك ــثر من ‪ 3000‬ن ــدوة وم ــؤمتر وورش ــة عم ــل مبب ــادرة من العراق ــيني‬
‫وقادة الرأي‪ .‬واحلقوقيني والكتاب واملثقفني والسياسيني ونشطاء اجملتمع املدين وقادة اجلمعيات من خمتلف الطوائــف‬
‫واجلماعــات‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن أعضــاء اجمللس الدســتوري منغمســني يف عمليــة احلوار واملفاضــلة‪ ،‬وهم معزولــون عن‬
‫عمليــة النقــاش الــيت يف البدايــة‪ ،‬ظلت املناقشــات الدســتورية بني أعضــاء اللجنــة خلــف األبــواب املغلقــة‪ ،‬لكن أعضــاء‬
‫اللجن ــة س ــربوا تفاص ــيل املناقش ــات واخلالف ــات مباش ــرة إىل وس ــائل اإلعالم‪ ،‬وهبذه الطريق ــة حق ــق ق ــدًر ا كبـ ـًريا من‬
‫الشــفافية‪ ،‬بقصــد أم بغــري قصــد‪ 1،‬كــل هــذا حــدث حتت ضــغط وهيجــان لتســريع العمليــة السياســية من أجــل الوفــاء‬
‫بالت ــاريخ وال ــوقت ال ــذي ح ــدده اجلدول الزم ــين ال ــذي ح ــدده ق ــانون ادارة الدول ــة العراقي ــة للمرحل ــة االنتقالي ــة‪ ،‬رغم‬
‫اخلالفات اليت حالت دون اجتماع اجمللس الدستوري يف املوعد املقــرر‪ 2005 .‬متت املوافقــة على مشــروع الدســتور‬
‫يف ‪ 15‬أغس ــطس‪ .‬عمًال باملادة ‪ 61‬أ من الق ــانون‪ ،‬اض ــطر اجمللس الوط ــين التأسيس ــي إىل تع ــديل ق ــانون إدارة الدول ــة‬
‫لتمدي ــد عملي ــة ص ــياغة مس ــودة الدس ــتور ح ــىت ‪ 22‬أغس ــطس ‪ ،2005‬وه ــو الي ــوم املواف ــق ‪ 22‬أغس ــطس ‪،2005‬‬
‫رئيس اجمللس الوطـين‪ .‬أعلن إغالق مسـودة الدسـتور‪ ،‬على الـرغم من عـدم اكتماهلا‪ ،‬إال أهنا تـأخرت ملدة ثالثـة أيـام‪،‬‬
‫ويف ‪ 28‬أغســطس ‪ ،2005‬قــدمت جلنــة (املســودة النهائيــة) إىل اجلمعيــة الوطنيــة‪ ،‬الــيت وافقت عليهــا يف نفس اليــوم‪.‬‬
‫ومــع ذلــك‪ ،‬فإنــه ال يــزال يــرتك البــاب مفتوًح ا للتعــديل (‪ ،)4‬ويف الواقــع مت التعــديل األخــري يف ‪ 12‬أكتــوبر ‪،2005‬‬
‫أي يف الفرتة القصرية اليت سبقت االستفتاء‪ ،‬واستجابة للمطالب السنية باهلويــة العربيــة واجتثــاث البعث واللغــة (‪،)1‬‬
‫مت إج ــراء تغي ــريات مهم ــة أخ ــرى على مس ــودة الدس ــتور‪ ،‬إم ــا حبذف فق ــرات من ــه أو بإض ــافة ش ــروط أخ ــرى ختدم‪.‬‬
‫كمرضية لبعض اجلهات‪.‬‬

‫‪ .1‬عبـ ــداجلبـ ــار‪ ،‬متضـ ــادات الدسـ ــتور الـ ــدائم‪ :‬صص‪75-71‬‬
‫‪129‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫يف ‪ 15‬تشــرين األول (أكتــوبر) ‪ ،2005‬مت تقــدمي مســودة الدســتور إىل الشــعب العــراقي للتعليــق عليهــا‪ ،‬وكــان‬
‫عــدد النــاخبني املســجلني يف االســتفتاء أعلى بكثــري مما كــان عليــه يف االنتخابــات الســابقة (‪ ،)%63‬ومن بينهــا نســبة‬
‫املشاركة (‪ )%58‬و صوت االستفتاء لصاحل (‪ )%.78‬من أغلبيـة النـاخبني‪ ،‬وانتهى بـإقرار مشـروع الدسـتور الـذي‬
‫مت إق ــراره وف ــق أحك ــام املادة (‪( .)61‬ج) ق ــانون ادارة الدول ــة العراقي ــة االنتقالي ــة لس ــنة ‪ ،2004‬نش ــر نص الدس ــتور‬
‫املصدق عليه يف اجلريدة الرمسية حتت عنوان دستور مجهورية العـراق عـام ‪ ،2005‬حبيث يكـون للعـراق دسـتور دائم‬
‫صادر عن برملان منتخب‪ .‬وتبنته غالبية الشعب‪ 1،‬مما سبق ميكن القول أنه من بني مجيع العوامـل السـلبية واملقاطعـات‬
‫والتــدخالت وغريهــا من األحــداث الــيت أثــرت على عمليــة صــياغة الدســتور العــراقي عــام ‪ ،2005‬مت إنتــاج الدســتور‬
‫بشــكل أساســي بطريقــة دميقراطيــة‪ ،‬وشــارك الشــعب يف صــياغته‪ .‬من الدســتور يف حــدود معقولــة‪ ،‬ألن هــذه القــوى‬
‫املنتخبة من الشعب سامهت يف صياغة الدستور ولعبت دوًر ا يف االستفتاءات‪.‬‬

‫‪ .3-2-2-2‬اثر االتجاهات الفكرية في مضمون دستور ‪2005‬‬


‫تعــد عمليــة صــياغة الدســتور جــزًءا مهًم ا من معركــة إعــادة بنــاء املؤسســات السياســية واالقتصــادية واالجتماعيــة‪،‬‬
‫وبالتــايل تكــثيف املنافســة بني خمتلــف اجلماعــات واملنظمــات ذات التوجهــات الفكريــة املختلفــة إلعــادة توزيــع الســلطة‬
‫السياس ــية والـ ــثروة االجتماعي ــة‪ .‬حس ـ ـًنا‪ ،‬باس ــتثناء متي ــيز الالعـ ــبني الرئيسـ ــيني ببعض الفطن ــة السياس ــية‪ .‬يسـ ــمح هـ ــذا‬
‫مبس ــتويات مقبول ــة من االتص ــال والتس ــوية‪ ،‬لكن اس ــتقطاب املفك ــرين الدس ــتوريني رك ــز على مواجه ــة العدي ــد من‬
‫االنقسـامات‪ :‬الدولـة اإلسـالمية الدينيـة مقابـل الدولـة العلمانيـة أو املدنيـة‪ ،‬واملركزيـة مقابـل الالمركزيـة أو الفيدراليـة‪،‬‬
‫واألغلبيــة مقابــل اإلمجاع‪ ،‬ونقاشــات جتاريــة أخــرى غــري مكتملــة‪ .‬ومتيــل املوازين حنو حكومــة إســالمية ليرباليــة يعتمــد‬
‫اعتداهلا إىل حد كبري على الدور الذي يلعبه األكراد‪ .‬ومن هـذا املنظـور ميكن حتديـد أهم االجتاهـات الـيت أثـرت على‬
‫حمتــوى الدســتور العــراقي عــام ‪ 2005‬وهي‪:‬اوال ‪ /‬األجتاهــات الفكريــة االســالمية‪ ،‬وميكن حتديــد امههــا باالجتاهــات‬
‫الفكريـ ــة االسـ ــالمية الشـ ــيعية‪ ،‬ثانيـ ــا‪ /‬االجتاهـ ــات الفكريـ ــة العلمانيـ ــة و من امههـ ــا االجتاه القـ ــومي الكـ ــوردي واالجتاه‬
‫الليربايل‪.‬‬

‫‪ .1‬عبـ ــداجلبـ ــار‪ ،‬متضـ ــادات الدسـ ــتور الـ ــدائم‪ :‬ص‪82‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪130‬‬

‫‪ .3-2-2-2-1‬االتجاهات الفكرية االسالمية الشيعية‬


‫هــذا االجتاه الــذي جيســده االئتالف العــراقي الشــيعي‪ ،‬تـرك تركــة يف الدسـتور من ديباجتـه‪ ،‬من خالل رؤيتنـا ألي‬
‫مقدمة دستورية‪ ،‬منظور حتليلي ُيفهم على أنه خلفية فكرية وتوجه عام‪ .‬النظام السياسـي للبلـد مبـين على هـذا‪ ،‬وهـو‬
‫االســتنتاج الــذي حيدد الشــكل العــام للدســتور‪ ،‬أو الفلســفة الدســتورية قبــل اخلوض يف تفاصــيل الدســتور‪ .‬أمــا ديباجــة‬
‫الدستور العراقي لعام ‪( 2005‬باستثناء األسطر األخرية) فتقـرأ كمقالـة أدبيـة تصـف القمـع والدكتاتوريـة وممارسـاهتا‬
‫‪1‬‬
‫القمعيــة ضــد التشــكيالت الطائفيــة والوطنيــة‪ ،‬وتتطــرق إىل املعانــاة واملآســي واملظــامل والتارخييــة‪ .‬الســرد مــع التفســري‬
‫أوًال‪ ،‬الش ــيعي مث التفس ــري الك ــردي‪ ،‬وهي رواي ــة غريب ــة عن الق ــانون الدس ــتوري كم ــا تظه ــر يف مقدم ــة الدس ــتور ‪...‬‬
‫ب ــالنظر إىل آالم االض ــطهاد الط ــائفي من قب ــل اجمللس العس ــكري املس ــتبد وأحق ــاد ش ــهداء الع ــراق واملس ــلمني الش ــيعة‪.‬‬
‫والسـ ــنة والعـ ــرب واألكـ ــراد والرتكمـ ــان‪ ،‬وخمتلـ ــف مكونـ ــات الشـ ــعب‪ ،‬واسـ ــتلهمهم احلزن املظلم للمدينـ ــة املقدسـ ــة‬
‫واجلنوب الذي انتهك خالل انتفاضة شعبان‪ ،‬دفنوا يف مقابر مجاعية وغمرت املستنقعات‪.‬‬
‫دجيل وآخرون‪ ،‬شككوا يف تعذيب القمع العرقي يف جمازر حلبجة وبرزان واألنفال والوايل‪ ،‬مســتذكرين مبأســاة‬
‫الرتكمــان يف البشــري ومعانـاة شـعوب الغــرب وكــذا شـعوب بقيـة العــراق من تصــفية قادهتا ورموزهــا ورؤسـائها ونقــل‬
‫قدراهتا واستنزاف مواردها الفكرية والثقافية‪ 2،...‬من هنا ميكن القول أن معظم ديباجة الدستور الـدائم للعـراق لعـام‬
‫‪ 2005‬غ ــري ضــرورية وميكن حــذفها‪ .‬إنــه ســرد تــارخيي إىل حــد كبــري لف ــرتة يف تــاريخ الع ــراق‪ ،‬الكارثــة‪ ،‬الس ــخط‪،‬‬
‫والنظام الديكتاتوري الذي قمع الشعب العراقي‪.‬‬
‫مبا أن الديباجــة جــزء من الدســتور‪ ،‬فــإن كــل حــزب سياســي حياول أن يــدمج املظــامل والقمــع ضــدهم‪ ،‬وكــذلك‬
‫حتدي اإلرهاب والتكفريي وغريمها من القضايا غري املألوفة يف ديباجة الدستور‪.‬‬
‫كما يركز هذا االجتاه االنتباه على فكرة األغلبية (مقابل فكرة التوافق القائم على توسيع املشاركة)‪ ،‬ألن الشيعة‬
‫هم أغلبيــة عدديــة وهم كتلــة متماســكة يف الربملان العــراقي‪ ،‬ويف النهايــة إن قــرارات الدولــة والســلطة يف أيــديهم‪ ،‬وقــد‬
‫أثبتـ ــوا هـ ــذا املبـ ــدأ يف الدسـ ــتور‪ ،‬حيث تنص املادة (‪ / 70‬أوًال) من الدسـ ــتور على أن "يتم انتخـ ــاب جملس النـ ــواب‬
‫بأغلبي ــة ثل ــثي أعض ــاء أعض ــائها من بني املرش ــحني‪ :‬انتخب رئيس اجلمهوري ــة من بينهم‪ ،‬وخاص ــة بع ــد أن نص على‬
‫أغلبيــة ثلــثي النــواب‪ ،‬ومل ينتــه األمــر عنــد هــذا احلد‪ ،‬تنص املادة ‪ 70‬فقــرة ‪ 2‬على مــا يلي‪" :‬إذا مل حيصــل أي مرشــح‬
‫على األغلبية املطلوبة‪ ،‬يتم التنافس على املرشحني احلاصلني على أكرب عـدد من األصـوات ويتم إعالن الـرئيس الـذي‬

‫‪ .1‬منـى‪ ،‬قـرآت فـي الدسـتور العراقـي‪ :‬ص‪139‬‬


‫‪ .2‬الدستور العراقي لعام ‪ ،2005‬الديباجة‬
‫‪131‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫حصل على األغلبيـة يف جولـة اإلعـادة‪ .‬وهـذا يعـين أن األغلبيـة ميكن أن تعتمـد على الفقـرة الثانيـة لـدعم مرشـح معني‬
‫إذا فشــل املرشــح يف احلصــول على أغلبيــة الثلــثني‪ ،‬وعالوة على ذلــك‪ ،‬فــإن أهم ســلطة يف الواليــة هي وزيــر الســلطة‬
‫التنفيذيـة الـذي ميثلـه اجمللس (إىل حيظى جـانب رئيس اجلمهوريـة بثقـة الربملان باألغلبيـة املطلقـة‪ ،‬وهـو مـا تؤكـده املادة‬
‫(القسم ‪ ،) 1( )76‬واليت يشري إىل جانبها الدستور إىل مواده وفقراته األربعة واخلمسني‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بتشكيل‬
‫املؤسسات وصالحياهتا ومسائل أخرى‪ ،‬لوضع قانون عام يكون (مبوجب القانون)‪ ،‬حبيث خيدم األغلبية األغلبية‪.‬‬
‫أمــا بالنســبة للعالقــة بني الــدين والدولــة‪ ،‬فقــد كــانت من أهم املوضــوعات يف عمليــة صــياغة الدســتور‪ ،‬حيث أراد‬
‫املشرعون (خاصة أصحاب امليول الفكريـة اإلسـالمية) تعريـف الدولـة العراقيـة بأهنا (دولـة إسـالمية)‪ ،‬ولكن الدسـتور‬
‫‪ -‬جلنة الصياغة‪ :‬حالت القـوى العلمانيـة يف الدسـتور دون تثـبيت هـذا الصـياغة يف املسـودة‪ ،‬واحتفظت باإلشـارة إىل‬
‫"مجهوريــة العــراق" حيث نصــت املادة األوىل من الدســتور على أن "مجهوريــة العــراق دولــة احتاديــة واحــدة مســتقلة‪.‬‬
‫والفكر الديين الشــيعي‪ ،‬فقـد ُبذلت جهـود كبـرية ألسـلمة النظـام السياسـي واجملتمـع‪ ،‬وإعـادة قـانون األسـرة إىل فكـرة‬
‫أحكام الشريعة حســب الطائفـة والـدين‪ .‬األدوار يف اجملتمـع)‪ ،‬وجنح إىل حـد كبـري يف جعـل اإلسـالم دين الدولـة‪ ،‬ومل‬
‫يسن أي قانون خيالف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬كما ورد يف املادة (‪ / 2‬أوًال) من الدستور‪" :‬اإلسالم دين الدولــة الرمسي‬
‫وهو املصدر األساسي للتشريع‪ :‬أ‪ -‬ال جيوز سن قانون يتعارض مع أحكام الشــريعة اإلســالمية‪ ،‬وتنص الفقــرة الثانيــة‬
‫من نفس املادة على أن "هــذا الدســتور يكفــل احلفــاظ على اهلويــة اإلســالمية لغالبيــة الشــعب العــراقي ‪" ...‬فيمــا يتعلــق‬
‫بدســتورية القــانون الرقابــة على األحكــام الدســتورية وتفس ــريها‪ ،‬هنــاك خماوف من أن العمليــة التش ــريعية قــد يس ــيطر‬
‫عليها رجال الدين الذين يصادرون حق الشعب يف االختيار باسم ما يسمى احلقوق املفوضــة من اهلل‪ .‬الرقابــة‪ .‬يعهــد‬
‫الدس ــتور إىل احملكم ــة االحتادي ــة العلي ــا مبوجب املادة (‪ ،)93‬وه ــو أم ــر ط ــبيعي دس ــتورًيا‪ ،‬لكن الق ــوى ذات املي ــول‬
‫اإلســالمية حتاول جعــل احملكمــة االحتاديــة العليــا هيئــة إشــرافية (دينيــة) إلصــدار القــوانني‪ ،‬متاًم ا مثــل الدســتور‪/ 92( .‬‬
‫ثانيـ ـًا)‪" :‬تتك ــون احملكم ــة العلي ــا لالحتاد من ع ــدد من القض ــاة واخلرباء يف الفق ــه اإلس ــالمي وعلم ــاء الق ــانون حمددين‬
‫عــددهم‪ ،‬وينظم اختيــارهم‪ ،‬وينقســم عملهم إىل ثلــثي جملس النــواب‪ .‬ملــزم بقــوانني يســنها أغلبيــة األعضــاء"‪ 1،‬يتضــح‬
‫هنا أن وجود خرباء الفقه اإلسالمي يف احملكمة االحتادية العليا ليس له عالقة بـه‪ ،‬إال إذا كـانت هـذه املادة تـرغب يف‬
‫احلصول على نوع من الرقابة (أو التصفية) يف حالة تعارض أي قانون مع الشريعة اإلســالمية‪ .‬احملاكم إلرضــاء ذوي‬
‫‪2‬‬
‫امليول الدينية والعلمانية‪.‬‬

‫‪ .1‬عبـ ــداجلبـ ــار‪ ،‬التوافقية و الدين و الدولة و هوية العراق‪ :‬ص‪118‬‬


‫‪ . 2‬علـى‪« ،‬اشـكالية الصـياغة التشـريعية فـي النـص الدسـتوري‪ ،‬دراسـة عـن دسـتور مجهوريـة العـراق لسنة ‪ :»2005‬ص‪187‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪132‬‬

‫‪ .3-2-2-2-2‬االتجاهات الفكرية العلمانية‬


‫من اهم هذه االجتاهات هي االجتاه القومي الكوردي واالجتاه اليربايل‬
‫‪ .1‬االتج اه القومي الك وردي‪ :‬مارس ــت الق ــوى السياس ــية الكوردي ــة ذات االجتاه ــات القومي ــة دورا م ــؤثرا يف‬
‫تــاريخ الع ــراق السياســي احلديث‪ ،‬اذ شــكلت مطالبهــا القوميــة وحركاهتا املس ــلحة و ارتباطاهتا اخلارجيــة دافع ــا وراء‬
‫االبقاء على أزمة اهلوية كاحـد ابـرز معـامل الواقـع السياسـي للعـراق احلديث‪ ،‬و بعـد ‪ 9‬نيسـان ‪ 2003‬واهنيـار الدولـة‬
‫العراقيــة وجــد الكــورد أنفســهم وســط املشــهد السياســي العــراقي‪ ،‬وعــززت املســاندة االمريكيــة من حجم حضــورهم‬
‫السياس ــي يف مؤسس ــات الدول ــة اجلدي ــدة ال ــيت س ــعت س ــلطة االحتالل اىل تأسيس ــها بع ــد س ــقوط النظ ــام وف ــق مب ــدأ‬
‫احملاصصــة الطائفيــة والقوميــة‪ ،‬ففي انتخابــات اجلمعيــة الوطنيــة حصــلت القــوى الكورديــة على ‪ 75‬مقعــدا‪ ،‬ومنحهم‬
‫ذلــك ثقال برملانيــا توضــحت ابعــاده يف جلنــة صــياغة الدســتور الــدائم‪ ،‬وانعكس تــاثريهم يف كثــري من املواد الدســتورية‬
‫اليت حتفظ للكورد االرباح السياسية اليت حصلوا عليها على الصعيد القومي‪ ،‬و تركــز جـل اهتمامــات هــذا االجتاه يف‬
‫ضمان احلقوق القومية للكورد و تثبيتها يف اقرار الفدرالية‪ ،‬و تعزيز الوضع السياسي واالقتصادي الـذي يعيشــه اقليم‬
‫كوردســتان وارجــاع املنــاطق الكورديــة خــارج احلدود اجلغــرايف لالقليم ليضــم مدينــة كركــوك ومنــاطق من حمافظــات‬
‫دیالی و صالح الـدين و الـنينوى وتوزيـع مـوارد النفـط و الغـاز‪ ،‬وابقـاء آليـات التوافقيـة لضـمان املشــاركة يف الســلطة‬
‫املركزيـة‪ ،‬وهويـة العــراق القوميـة‪ ،‬فضــال عن انـه كــان من املدافعني عن اقامــة جمتمــع مــدين ونظــام حكم علمــاين وعن‬
‫‪1‬‬
‫احلريات العامة وحقوق املرأة‪.‬‬
‫تتفق القوى السياسية خارج السلطة على احلاجة إىل بنـاء العــراق على أسـاس فيـدرايل‪ ،‬والــذي متت املوافقــة عليـه‬
‫يف مــؤمترات املعارضــة العراقيــة‪ ،‬وآخرهــا يف لنــدن يف أواخــر عــام ‪ ،2002‬ومت دجمه بشــكل مصــطنع من قبــل األكــراد‬
‫منذ عام ‪ . 1992‬الدستور وتغيري شكل الدولة العراقية‪ ،‬وحتويلها من دولة مركزية بسيطة إىل دولة فيدرالية معقدة‪،‬‬
‫حيث تصاعد الضغط الكـردي لالعـرتاف حبقـوقهم الفيدراليـة بعـد سـقوط النظـام الســابق‪ ،‬بشــكل فعـال خالل الفـرتة‬
‫االنتقاليــة‪ .‬مرحلــة كتابــة دســتور دائم‪ ،‬ارتفعت األصــوات والضــغط‪ ،‬خاصــة بني العــرب الســنة والقومــيني العــرب ‪-‬‬
‫ض ــد تش ــكيل الدول ــة العراقي ــة بذريع ــة تقس ــيم الع ــراق‪ ،‬األم ــر ال ــذي دف ــع األك ــراد للتهدي ــد باالنس ــحاب من العملي ــة‬
‫السياســية لعــدم وجــود األحكــام املتعلقــة بالفيدراليــة يف الدســتور‪ ،‬وطــالبوا بــأكثر من ذلــك‪ ،‬حيث طــالبوا بضــمانات‬
‫دوليـة حلمايـة مكاسـبهم الدسـتورية‪ ،‬وبلغت ذروهتا بضــغط من القــوات الكرديـة للضــغط من أجـل الفيدراليـة العراقيـة‬
‫اليت تأسست يف الدستور الدائم)‪ ،‬ومنها املادة (‪.)1‬‬

‫‪ .1‬العــزاوي‪ ،‬االحتالل االمريكــي للعــراق و ابعــاد الفدراليــة الكورديــة‪ :‬صص‪49-7‬‬


‫‪133‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫تنص على‪" :‬مجهورية العراق دولة احتادية واحدة مستقلة و جاء يف الدستور يقـر هـذا الدسـتور عنـد نفـاذه‪ ،‬اقليم‬
‫كوردستان وسلطاته القائمة اقليما احتاديـا‪ 1.‬وتـايت قضـية اسـرتجاع االال راضـي (املنـاطق املتنـازع عليهـا من بني ابـرز‬
‫القضــايا الــيت أكــدت عليهــا القــوى السياســية الكورديــة وناضــلت من اجلهــا‪ ،‬وهي اشــكالية ختص مدينــة كركــوك و‬
‫من ــاطق من حمافظ ــات دیالی و ص ــالح ال ــدين و نين ــوى‪ ،‬ولكن بش ــكل ع ــام تع ــرف بقض ــية كرك ــوك نظ ــرا لالمهي ــة‬
‫االس ـ ــرتاتيجية واالقتص ـ ــادية هلذه املدين ـ ــة‪ ،‬وألأل هنا من اك ـ ــرب املدن ال ـ ــيت يط ـ ــالب هبا الك ـ ــورد الس ـ ــرتجاعها اىل اقليم‬
‫كوردســتان‪ ،‬وق ــد م ــارس الك ــورد ضــغوطات عديــدة لض ــمان اســرتجاع مدينــة كرك ــوك واملنــاطق االخــرى املتنــازع‬
‫عليها‪ ،‬وافلح يف ذلك بعد ان مت تثبيت املادة ‪ 58‬يف قانون ادارة الدولـة العراقيـة للمرحلـة االنتقاليـة كطريقـة لتحديـد‬
‫مصري مدينة كركوك واملناطق االخرى‪ ،‬وذلك بالتطبيع واالالحصاء‪ ،‬واالالستفتاء)‪ ،‬وبعد حماوالت و ضــغوطات و‬
‫مساومات من قبل القوى الكوردية نقل ت املادة ‪ 58‬من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة االنتقالية بكل فقراهتا‬
‫اىل دسـ ـ ـ ــتور ع ـ ـ ـ ــام ‪ ،2005‬واثبتت يف املادة ‪ 140‬م ـ ـ ـ ــع حتديـ ـ ـ ــد سـ ـ ـ ــقف لتنفيـ ـ ـ ــذها كامل ـ ـ ـ ــة يف م ـ ـ ـ ــدة ال يتع ـ ـ ـ ــدى‬
‫‪ .31/12/2007‬امــا بالنســبة للهويــة العربيــة للعــراق فــان املادتني (‪ )4( )3‬من الدســتور ألغت ركن ـًاًا دســتوريًاًا يف‬
‫كل الدساتري العراقية السابقة‪ ،‬وهو (ان العراق جزء من االمـة (العربيـة اي اهلويـة العربيـة للدولـة‪ ،‬وتبـدلت اىل تأكيـد‬
‫الطابع املتعدد القوميات ومتعدد الثقافات ومتعدد اللغات‪ ،‬مع ان هذه القضية تكتسب طابعـا عاطفيـا لـدى التيـارات‬
‫ذات االالجتاهات القومية العربية‪ ،‬و طابعا وجوديا بالنسـبة للكـورد‪ 2‬ونتيجـة لـذلك‪ُ ،‬بذلت جهـود مضـنية لنقـل نص‬
‫اهلوية العراقية من قانون الدولة اإلداري‪ ،‬الذي يعترب الشعب العريب يف العراق جزًءا ال يتجزأ من األمة العربية‪ .‬وقال‬
‫الرئيس جالل طالباين يف النص إن التعديالت املتفق عليها مـع األمني العـام جلامعـة الـدول العربيـة ستشـمل أن العـراق‬
‫عضو مؤسس وعامل يف جامعة الدول العربية ويلتزم مبيثاقهـا‪ .‬العــراق دولــة متعــددة القوميـات‪ ،‬وليس جـزء من دولــة‬
‫عربية‪ ،‬بسبب إصـرار القـوات الكرديـة على عـدم انتمائهـا أليـة دولـة أخـرى (‪ .)2‬يعتـرب هـذا حًق ا طبيعًي ا أليـة أمـة أن‬
‫تفخــر جبنســيتها وال تقبــل أن تكــون جــزًءا من أمــة أخــرى‪ ،‬لكن مــا يريــده األكــراد ليس التفكــك يف أمــة أخــرى‪ ،‬بــل‬
‫جيب أن تكتفي هبذا احلق لآلخرين أيًض ا‪.‬‬
‫االستس ــالم للطوائ ــف الديني ــة (ح ــىت ل ــو ك ــانوا مس ــلمني أنفس ــهم‪ ،‬ف ــإن النص ي ــدرج الع ــراق كج ــزء من الع ــامل‬
‫اإلســالمي) لــذا فــإن األديــان األخــرى هي أيًض ا جــزء من اإلســالم وهــذا غــري صــحيح‪ .‬لعبت القــوى السياســية ذات‬
‫امليول القومية الكردية دوًر ا بارًز ا يف صياغتها‪ ،‬حيث تنص املادة ‪ 112‬على صالحيات واســعة على املوارد الطبيعيــة‬
‫لإلقليم‪ ،‬خاصة فيما يتعلق حبقول النفط غــري املكتشــفة‪ ،‬كمــا متنح املادة ‪ 121‬من الدسـتور تشــريعات واسـعة ومتثياًل‬

‫‪ .1‬الزيدي‪ ،‬اشكالية الفدرالية يف الدستور العراقي‪ :‬ص‪158‬‬


‫‪ .2‬عبـدالنيب‪« ،‬االبعاد احملليـة و االقليمية للمـادة ‪ 140‬مـن الدسـتور العراقـي لعـام ‪ :»2005‬صص‪186-184‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪134‬‬

‫للمنــاطق‪ ،‬اعطــاء االولويــة لقــوانني االقليم اضــافة اىل فتح مكــاتب متثيليــة اقليميــة يف الســفارات العراقيــة يف اخلارج يف‬
‫حال تعارضها مع القوانني االحتادية‪ ،‬على مبدأ التوافق جنح التيار الكردي يف ترسـيخ نص يف الدسـتور للحفـاظ على‬
‫اجمللس الرئاسي واستخدام حق النقض‪ .‬سلطة كل عضــو يف اجمللس‪ ،‬لكن ال ميكن متديــدها ألكــثر من دورة انتخابيــة‬
‫واح ــدة‪ ،‬وميكن للق ــوى الش ــيعية ال ــيت تتمت ــع باألغلبي ــة اس ــتعادة األغلبي ــة املبدئي ــة مبوجب الدس ــتور وإهناء ح ــق النقض‬
‫الرئاسي‪.‬‬
‫‪ .2‬االتج اه العلم اني الي برالي‪ :‬الق ــوى العلماني ــة ذات املي ــول الليربالي ــة ض ــعيفة نس ــبًيا ض ــد االس ــتقطاب الع ــرقي‬
‫واملذهيب‪ ،‬ويرجع ذلك إىل حد كبري إىل دعمها املنخفض يف االنتخابات الربملانية‪.‬‬
‫الوطنية القومية (األساسية)‪ ،‬لكنها تدرك متامًا أن العـراق حيتـاج‪ ،‬إذن ويف املسـتقبل‪ ،‬إىل قـوة سياسـية ذات توجـه‬
‫يتجــاوز العــرق والطائفيــة‪ ،‬ومييــل بشــكل عــام إىل إقامــة دولــة متحضــرة ودولــة قويــة يف العــراق‪ .‬يتســم االجتاه املؤيــد‬
‫لالحتاد الوطين الكردي ومراكز الالمركزية اإلدارية مبعارضة أسـلمة اجملتمـع والفـرض املطلـق للشـريعة اإلسـالمية ضـد‬
‫قــوانني األســرة واألحــوال الشخصــية على أســاس ديــين ضــيق‪ .‬يظهــر هــذا االجتاه مرونــة يف االســتجابة لبعض مطــالب‬
‫السـ ــنة (باسـ ــتثناء اجملموعـ ــات العرقيـ ــة املرتبطـ ــة بكردسـ ــتان)‪ ،‬ودعم إضـ ــعافها‪ ،‬وعرقلـ ــة ختصـ ــيص املوارد‪ ،‬ومعارضـ ــة‬
‫التغيــريات يف هويــة العــراق العــريب‪ ،‬ومعارضــة اجتثــاث البعث‪ .‬الــيت تعتقــد أهنا ســتؤدي يف النهايــة إىل تفكــك العــراق‪.‬‬
‫على الرغم من ضـعف متثيلهـا يف جلنـة صـياغة الدسـتور وتـدهور دورهـا يف الســاحة السياسـية العراقيـة‪ ،‬متكنت القـوى‬
‫العلمانية (الليربالية) من إدخال بعض النصوص يف الدستور للحفــاظ على اجلانب العلمــاين والليــربايل للدولــة العراقيــة‪،‬‬
‫ال سيما فيما يتعلق بعالقـة الـدين بـ الدولـة وأشـكال احلكم‪ ،‬وفصـل السـلطات‪ ،‬واحلريـة الفرديـة‪ ،‬واحلقـوق واحلريـات‬
‫العامــة‪ ،‬ودور املرأة‪ ،‬ومبــادئ أخــرى تشــري إىل أن املؤسســات السياســية تتجــه حنو العلمانيــة ومواطنــة الدولــة واحلريــة‪،‬‬
‫لكن هذه النصوص ال تفلت من االختالف‪ .‬األديـان والتقاليـد حـد قـوة النزعـة‪ .‬مثـل شـرط عـدم تعارضـه مـع ثـوابت‬
‫اإلســالم و شــرط عــدم تعارضــه مــع النظــام العــام واألخالق واجلمــل املرنــة األخــرى الــيت حتتــاج إىل تفســريها اخلاص‪،‬‬
‫باســتثناء اإلشــارات إىل بعض النصــوص الــيت ينظمهــا القــانون ‪ -‬أغلبيــة دينيــة يف الربملان ‪ -‬وأخــرى غامضــة‪ ،‬وتقييــد‬
‫احلري ــة من خالل نش ــر دالالهتا الديني ــة والتقليدي ــة يف الديباج ــة يف مجي ــع أحناء الدس ــتور‪ .‬تظه ــر النص ــوص املقي ــدة يف‬
‫الدس ــتور على ال ــرغم من اع ــرتاف الدس ــتور بع ــدم س ــن ق ــوانني تتع ــارض م ــع مب ــادئ الدميقراطي ــة واحلق ــوق األساس ــية‬
‫واحلري ــات قب ــل النص كم ــا ورد يف املادة األوىل من الدس ــتور اإلس ــالم دين والدول ــة الرمسية هي أس ــاس التش ــريع وال‬
‫‪1‬‬
‫جتيز أي قوانني تتعارض مع ثبات أحكام اإلسالم‪.‬‬

‫‪ .1‬جــواد‪ ،‬نظــرة نقديــة اىل الدســتور العــراقي‪ :‬ص‪132‬؛ رســول‪ ،‬احلقــوق السياســية يف الدســاتري العراقيــة ‪ -‬دراســة حتليليــة مقارنــة على‬
‫ضوء املتغريات السياسية‪ :‬ص‪353‬؛ اجلزائري‪ ،‬الدستور و احلريات الصحفية‪ :‬صص‪167-165‬‬
‫‪135‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪136‬‬

‫‪ .3-2-3‬اوجه الشبه واالختالف بين الدستور العراقي لسنة ‪ 2005‬وماسبقه من دساتير‬


‫س ــوف نتن ــاول يف ه ــذا املطلب اوج ــه الش ــبه واخلالف بني الدس ــتور الع ــراقي ال ــدائم لع ــام ‪ 2005‬وبني الق ــانون‬
‫االساسي يف العهد امللكي لشنة ‪ 1925‬وكذلك نتناول اوجه الشبه واالختالف بني الدســتور العــراقي لعــام ‪2005‬‬
‫وبني ماسبقه من دساتري مجهورية‪.‬‬

‫‪ .3-2-3-1‬اوجه الشبه والخالف بين الدستور العراقي الدائم لعام ‪ 2005‬وبين القانون االساسي في‬
‫العهد الملكي لشنة ‪ 1925‬من حيث االتجاهات الفكرية‬

‫‪ .3-2-3-2-1‬وجه الشبه والخالف من ناحية الصياغة‬


‫أ‪ .‬اوجه الشبه من ناحية الصياغة‬
‫‪ .1‬متت صياغة كل من القانون األساسـي ودسـتور ‪ 2005‬أثنـاء احتالل األراضـي العراقيـة من قبـل قـوات االحتالل‬
‫األجنبية ألن العراق احتلته القـوات الربيطانيـة عنـدما متت صـياغة القـانون األساسـي عـام ‪ 1925‬وكـان العـراق حتت‬
‫(االحتالل األمريكي الربيطاين) صياغة الدستور‪ .‬يف ‪ .2005‬لعبت هذه القوى دوًر ا مباشـًر ا يف صــياغة الدســتور أو‬
‫بشــكل غــري مباشــر من خالل الضــغط على مجيــع أطــراف العمليــة السياســية يف اجتاه معني‪ ،‬مما قلــل من شــرعية عمليــة‬
‫وضع الدستور‪.‬‬
‫‪ .2‬متت ص ــياغة كال الدس ــتورين بتوجي ــه مباش ــر من املنظم ــات الدولي ــة (الق ــانون األساس ــي بتوجي ــه من عص ــبة األمم‬
‫ودستور ‪ 2005‬بتوجيه من األمم املتحدة) ومت اعتمادمها وباركهما بعد املصادقة عليهما‪.‬‬
‫‪ .3‬متت املوافق ــة على الق ــانون األساس ــي لع ــام ‪ 1925‬من قب ــل اجمللس التأسيس ــي املنتخب‪ ،‬كم ــا ك ــان دس ــتور ع ــام‬
‫‪ 2005‬كما أقره جملس األمة املنتخب من قبل الشعب يف انتخابات عامة‪.‬‬
‫‪ .4‬القانون األساسي لعام ‪ 1925‬هـو دسـتور دائم جامـد‪ ،‬وينطبـق أيضـا على الدسـتور العـراقي لعـام ‪ ،2005‬وهـو‬
‫دستور دائم جامد‪.‬‬
‫‪ .5‬قبل كل القوانني األساسية ودستور ‪ ،2005‬كانت هناك معاهدة أو اتفاقيــة سياســية بني العــراق وقــوة االحتالل‬
‫(انض ــم الع ــراق إىل املعاه ــدة األجنل ــو‪-‬عراقي ــة يف ‪ 10‬أكت ــوبر ‪ .)1922‬تك ــرر ه ــذا يف ‪ 15‬تش ــرين الث ــاين (نوفم ــرب)‬
‫‪ ،2003‬عنــدما أبــرم العــراق اتفاق ـًا سياســيًا مــع احلكومــة االئتالفيــة‪ .‬ووفًق ا هلذا االتفــاق‪ ،‬فقــد حــدد مســار العمليــة‬
‫السياسية والدستورية)‪ ،‬مما كان له تأثري كبري على مسار صياغته والعملية الدستورية‪..‬‬
‫‪137‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫ب‪ .‬اوجه اخلالف من ناحية الصياغة‬


‫‪ .1‬يف عام ‪ 1924‬كان قانون انتخاب أعضاء اجلمعية التأسيســية هـو نفســه قـانون انتخـاب جملس النـواب يف الدولـة‬
‫العثماني ــة‪ ،‬لكن احلكوم ــة العراقي ــة املؤقت ــة يف ذل ــك ال ــوقت أج ــرت بعض التغي ــريات الالزم ــة‪ .‬عينت (جلن ــة موقوف ــة)‬
‫مفاوضة ووقعت‪ ،‬العراق دائرة انتخابية واالنتخابات مستوى واحد‪.‬‬
‫‪ .2‬يتم وض ــع مش ــروع الق ــانون األساس ــي من قب ــل جلن ــة فني ــة مكون ــة من عراق ــيني وبريط ــانيني من دول ــة االحتالل‬
‫(بريطانيــا)‪ ،‬وبعــد املوافقــة يتم مراجعــة املشــروع من قبــل دائــرة االســتعمار وعرضــه على اجلمعيــة العموميــة للجمعيــة‬
‫التأسيســية الــيت يكــون دورهــا‪ .‬ال يقتصــر األمــر على مناقش ــته فحس ــب‪ ،‬بــل إن بعض التعــديالت غــري األساســية يتم‬
‫إجراؤهــا واملوافقــة عليهــا واملوافقــة عليهــا من قبــل قــوة االحتالل‪ .‬أمــا بالنســبة لدســتور ‪ 2005‬فقــد مت إعــداد مســودة‬
‫الدســتور من قبــل اللجنــة التحض ــريية السياســية العراقيــة املنتخبــة من قبــل اجلمعيــة الوطنيــة‪ ،‬وبع ــد االنتهــاء من إع ــداد‬
‫املسودة مت رفعه إىل جملس األمة إلقراره‪.‬‬
‫‪ .3‬صــدر القــانون األساســي لســنة ‪ 1925‬بعــد مصــادقة اجمللس التأسيســي عليــه وتصــديقه من قبــل امللــك ونشــره يف‬
‫اجلريدة الرمسية‪ .‬لكن الدستور العراقي لعام ‪ 2005‬صدر بعد استفتاء عليه وُنشر يف اجلريدة احلكوميــة‪ ،‬وهــو أقــرب‬
‫شيء إىل الدميقراطية‪ .‬انطالقا من سن القانون األساسي هبا‪.‬‬

‫‪ .3-2-3-2-2‬وجه الشبه والخالف من ناحية المضمون‬


‫من أجـ ــل استكشـ ــاف أوجـ ــه التشـ ــابه واالختالف يف احملتـ ــوى بني القـ ــانون األساسـ ــي للعصـ ــر امللكي والدسـ ــتور‬
‫العنصـ ــري الفعـ ــال‪ ،‬من الضـ ــروري مقارنـ ــة االثـ ــنني من حيث احملتـ ــوى أوًال‪ ،‬مث مناقشـ ــة أوجـ ــه التشـ ــابه واالختالف‪.‬‬
‫اختالف‪.‬‬
‫مقارنة بني حمتوى القانون األساسي لعام ‪ 1925‬والدستور العراقي لعام ‪:2005‬‬
‫ولعل أهم وأبرز جانب يف مقارنة القانون األساسي مع دسـتور ‪ 2005‬هـو توضـيح أوجـه الشــبه واالختالف يف‬
‫مضمون الدستورين‪ ،‬مبا يف ذلك التوجه االقتصادي والتعديالت الدستورية‪.‬‬
‫‪ .1‬الديباجــة‪ :‬ســبب أمهيــة الديباجــة أهنا حتتــوي على املبــادئ واألفكــار العامــة الــيت يقرهــا النظــام السياســي‪ ،‬وهي‬
‫أيًض ا ج ــزء مهم من الدس ــتور‪ ،‬وهي م ــدخل النص الدس ــتوري‪ .‬من وجه ــة النظ ــر ه ــذه‪ ،‬من خالل مقارن ــة ديباج ــة‬
‫القانون األساسي لعام ‪ 1925‬بديباجة دستور ‪ ،2005‬ميكن مالحظة ما يلي‪-:‬‬
‫أ‪ .‬متت صياغة القانون األساسي على شكل مواد باسم (مقدمـة)‪ .‬أمـا الدسـتور العـراقي لعـام ‪ 2005‬فقـد مت إعـداد‬
‫ديباجته بشكل بناء ومل يتم تداوله يف شكل مواد‪.‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪138‬‬

‫‪1‬‬
‫ب‪ .‬حتتوي مقدمة القانون األساسي على أربع مواد خمصصـة السـم القـانون ونظـام احلكم والعاصـمة والعلم الوطـين‪،‬‬
‫مت تقدمي القانون األساسي بأسلوب موجز يف صياغة القانون‪ ،‬دون التطرق إىل القضايا التارخييـة‪ .‬أمـا ديباجـة دسـتور‬
‫‪ ،2005‬فتتضمن مقدمة موجزة عن التاريخ العراقي ووصًف ا للقمع واملمارسات العراقية‪ .‬النظام السابق‪.‬‬
‫ت‪ .‬تشــري ديباجــة القــانون األساســي إىل شــكل النظــام السياســي والنظــام‪ ،‬وتعرفــه على أنــه ملكيــة متثيليــة‪ .‬أمــا ديباجــة‬
‫دس ــتور ‪ 2005‬فهي ال حتدد ش ــكل النظ ــام السياس ــي أو ش ــكل احلكوم ــة‪ .‬عن ــدما ك ــان يف الس ــلطة‪ ،‬ك ــان اإلس ــالم‬
‫‪2‬‬
‫يهيمن على لغته املكتوبة‪ ،‬مما يعكس هيمنة السياسة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .2‬ش ــكل الدول ــة ونظ ــام ال حکم‪ :‬جع ــل الق ــانون األساس ــي لع ــام ‪ 1925‬الع ــراق دول ــة بس ــيطة سياس ــيًا ذات‬
‫المركزيــة إداريــة وحــدد الشــكل املؤسســي للحكومــة كملكيــة برملانيــة برملانيــة دميقراطيــة (‪ ،)6‬بينمــا ح ـّو ل الدســتور‬
‫ال ــدائم لع ــام ‪ 2005‬ش ــكل دول ــة الع ــراق من دول ــة بس ــيطة إىل دول ــة فيدرالي ــة‪ .‬الدول ــة ذات التقس ــيمات اإلداري ــة‬
‫الالمركزي ــة اإلداري ــة‪ ،‬أم ــا بالنس ــبة لش ــكل احلكوم ــة‪ ،‬فق ــد نص الدس ــتور على أن نظ ــام احلكم ه ــو مجهوري ــة‪ ،‬ونظ ــام‬
‫متثيلي‪ ،‬ونظام برملاين‪ ،‬ونظام دميقراطي‪.‬‬
‫باملقابل‪ ،‬تكمن أوجه التشابه بني القانون األساسي ودستور ‪ 2005‬من حيث شــكل الدولــة ونظــام احلكومــة يف‬
‫أن كال الدس ــتورين ينف ــذان الفص ــل اإلداري بني الس ــلطات من حيث التقس ــيمات اإلداري ــة‪ ،‬وتط ــبيق نظ ــام متثيلي‪،‬‬
‫ونظـام برملاين‪ ،‬ونظـام دميقـراطي‪ ...‬إال أن جـوهر االختالف يكمن يف شـكل الدولـة والشـكل املؤسسـي‪ ،‬فكمـا أكـد‬
‫الق ــانون األساس ــي الع ــراق بل ــد موح ــد سياس ــيًا ودول ــة بس ــيطة يف الش ــكل‪ ،‬بينم ــا غ ــري دس ــتور ‪ 2005‬ش ــكل الدول ــة‬
‫العراقية من بسيط يتحول البلد إىل احتاد دول‪ .‬أما بالنســبة لالختالف األساسـي الثـاين‪ ،‬فــإن القــانون األساسـي يتخــذ‬
‫شكل ملكية وراثية وشكل للحكومة‪ ،‬بينما حيدد دستور ‪ 2005‬شكل احلكومة على أهنا مجهورية‪ .‬وبالطريقــة الــيت‬
‫مت هبا إنشــاء الدولــة العراقيــة‪ ،‬ميكن مالحظــة أن شــكل النظــام احلاكم هــو ملكيــة يتم حتديــدها باالتفــاق بني العراقــيني‬
‫وقوة االحتالل بريطانيا وإجراء استفتاء (حىت لو كانت هناك آراء حـول الطريقـة من االسـتفتاء)‪ ،‬بينمـا متت املوافقـة‬
‫على ش ــكل النظ ــام (اجلمه ــوري) بق ــرار من (جملس اإلدارة) املعني من قب ــل (س ــلطة االحتالل) دون اس ــتفتاء علي ــه‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫والذي أصبح فيما بعد أساًس ا للقرار الدستوري الدائم للنظام)‪.‬‬
‫‪ .3‬هوي ــة الدول ــة العراقي ــة‪ :‬مل تكن قض ــية اهلوي ــة العراقي ــة (الع ــرب واإلس ــالم) مث ــرية للج ــدل يف كتاب ــة الق ــانون‬
‫األساســي كمــا كــانت يف صــياغة دســتور ‪ .2005‬دولــة عراقيــة موحــدة)‪ ،‬وتــدين نضــج الــوعي الوطــين لدرجــة إثــارة‬

‫‪ .1‬القانون االساسي العراقي لعام‪ ،1925‬املواد(‪)4 ،3 ،2 ،1‬‬


‫‪ .2‬جواد‪ ،‬نظرة نقدية اىل الدستور العراقي‪ :‬ص‪128‬‬
‫‪ .3‬الديل‪ ،‬نظرة مقارنة يف دستور ‪ 1925‬و دستور ‪ :2005‬ص‪12‬‬
‫‪139‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫الصــراع الوطـين وردود أفعالــه على الشــعوب األخـرى‪ ،‬يف حني أن اهلويـة العراقيـة (خاصـة فيمــا يتعلــق بعروبتهـا) هي‬
‫االجتاه األساسي يف العملية الدستورية (خاصة هم األكراد) وخماوفهم من اندماجهم يف القومية السائدة‪ ،‬خاصة بعــد‬
‫ممارسات األنظمة السابقة باسم القومية العربية والعروبة‪ .‬ومن هذا املنطلـق‪ ،‬فـإن القـانون األساسـي ال مينح أي هويـة‬
‫وطنيــة للدول ــة العراقيــة‪ :‬اهلويــة العراقيــة اإلســالمية‪ ،‬وجيع ــل اللغ ــة العربيــة اللغ ــة الرمسية للدول ــة‪ ،‬م ــع احلف ــاظ على حــق‬
‫اجلنســيات األخــرى يف تعليم أبنــائهم بلغــاهتم اخلاصــة‪ .‬من ناحيــة أخــرى‪ ،‬أكــد دســتور ‪ 2005‬على أن العــراق دولــة‬
‫متعــددة األعــراق‪ ،‬ال تتبـىن أي دين أو طائفــة من جنســية معينـة‪ ،‬مــع اإلبقــاء على اإلشـارة إىل العــراق كعضــو مؤسـس‬
‫وفاعــل للعــرب واألكــراد) والعمــق‪ .‬من النقاشــات والنقاشــات الــيت دارت بينهم (القومــيني العــرب)‪ ،‬وهي بالتأكيــد‬
‫تتحرك يف االجتاه الكردي‪ ،‬خاصة بعد إبقاء اللغة الكرديـة لغـة رمسية إىل جـانب اللغـة العربيـة يف عمـوم العـراق‪ 1،‬أمـا‬
‫بالنســبة للهويــة اإلســالمية يف العــراق‪ ،‬فقــد أكــد الدســتور العــراقي لعــام ‪ 2005‬أن اإلســالم هــو الــدين الرمسي للبالد‪،‬‬
‫والعراق جزء من العامل اإلسالمي‪.‬‬
‫وبناًء على ذلك ميكن القول أن الدستورين يتشاهبان يف التأكيد على اهلوية اإلسالمية للدولــة العراقيــة‪ ،‬ومل يــذكر‬
‫أي جنسية على أهنا الزي الوطين أو اهلوية الوطنية للعراق‪ .‬لكن االختالف يكمن يف حقيقة أن القانون األساسـي ال‬
‫يــذكر اهلويــة الوطنيــة العراقيــة‪ ،‬مــع اإلبقــاء على اللغــة العربيــة كلغــة رمسية للعــراق‪ ،‬بينمــا يــذكر دســتور ‪ 2005‬اهلويــة‬
‫الوطنيــة وجيعلهــا متعــددة األعــراق‪ .‬ال تقتصــر اللغــة الرمسية على اللغــة العربيــة فقــط‪ ،‬بــل جتعــل اللغــة الكرديــة هي اللغــة‬
‫الرمسية يف مجيع أحناء العراق إىل جانب اللغة العربية‪..‬‬
‫‪ .4‬فص ــل الس ــلطات والعالق ــة فيم ــا بينه ــا‪ :‬يتب ــىن الق ــانون األساس ــي لع ــام ‪ 1925‬مب ــدأ الفص ــل بني الس ــلطات ‪-‬‬
‫التنفيذية والتشريعية والقضائية‪ ،‬مع إعطاء السيادة للسـلطة التنفيذيـة‪ ،‬وخاصـة رئيس الدولـة‪ ،‬أي تنفيـذ امللـك وجملس‬
‫الوزراء مبوجب القانون األساسي‪ ،‬الذي حيتفظ امللك لنفسه بصـالحيات عديـدة‪ ،‬بينمـا يتكـون اجمللس التشــريعي من‬
‫جملســني‪ ،‬جملس النــواب وجملس الشــيوخ‪ ،‬عنــدما يتم انتخــاب جملس النــواب عن طريــق االنتخــاب‪ ،‬يتم تعــيني جملس‬
‫الشيوخ من قبل امللك‪ ،‬وهو غري مسؤول أمام أي حزب لديه كل شيء‪ .‬السلطات اليت حيتفظ هبا حىت حــل الربملان‬
‫أو حل احلكومة‪ 2.‬أما دستور ‪ 2005‬فيقوم على النظام التمـثيلي والربملاين واجلمهوريـة الدميقراطيـة‪ ،‬كمـا يتبـىن مبـدأ‬
‫الفصل بني السـلطات (‪ .)2‬ولكن مـع احلفـاظ على تـوازن معني بني السـلطات الثالث‪ ،‬تتكـون السـلطة التنفيذيـة من‬
‫رئيس اجلمهوريـ ــة وجملس الـ ــوزراء‪ ،‬بينمـ ــا تتكـ ــون السـ ــلطة التشـ ــريعية من جملس النـ ــواب وجملس االحتاد‪ ،‬والسـ ــلطة‬
‫القضائية‪ ،‬وكذلك رئيس اجلمهورية‪.‬‬

‫‪ .1‬الدستور العراقي لعام‪ ،2005‬املادة(‪)4 ،3‬‬


‫‪ .2‬الديل‪ ،‬نظرة مقارنة يف دستور ‪ 1925‬و دستور ‪ :2005‬ص‪22‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪140‬‬
‫‪141‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫اجلمهورية‪ ،‬ليس لديه سلطات أكثر من‪ ،‬اجلسم الثالث هو اآلداب واآلداب‪( ،‬له اليد العليا وليس احلكم)‪ ،‬ومن‬
‫ناحيــة أخــرى حيتفــظ جملس الــوزراء جبميــع الســلطات التنفيذيــة الفعليــة‪ .‬أمــا اجمللس التشــريعي فيخضــع جملســه الثــاين‬
‫(اجمللس االحتادي) للتشــريع العــادي بأغلبيــة ثلــثي أعضــاء جملس النــواب (‪( )3‬مل يصــدر حــىت اآلن أي تشــريع إلنشــاء‬
‫هــذا اجمللس)‪ .‬والســلطة التشــريعية إذن مناطــة مبجلس النــواب‪ ،‬ونص الدســتور على إجــراءات تشــكيل جملس النــواب‬
‫الث ــاين وص ــالحياته‪ ،‬وليس حتت رمحة جملس الن ــواب إلعطائ ــه م ــا يش ــاء من ص ــالحيات‪ .‬وعلي ــه‪ ،‬فق ــد تب ــىن ك ــل من‬
‫القـ ـ ــانون األساسـ ـ ــي ودسـ ـ ــتور ‪ 2005‬مبـ ـ ــدأ الفصـ ـ ــل بني السـ ـ ــلطات (التشـ ـ ــريعية والتنفيذيـ ـ ــة والقضـ ـ ــائية)‪ .‬يف كال‬
‫الدسـتورين‪ ،‬يتكـون اجمللس التشــريعي من جملســني‪ ،‬بينمـا تتكـون الســلطة التنفيذيـة من رئيس الدولـة وجملس الـوزراء‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬هناك اختالف أساسي واحد بني الدستورين‪ .‬أي أن عالقة القوة يف القــانون األساســي تقــوم على ســيادة‬
‫الســلطة التنفيذيــة‪ ،‬وخاصــة امللــك‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬حيافــظ دســتور ‪ 2005‬على التــوازن بني ســلطة الدولــة وصــالحيات‬
‫رئيس الدولة الشرفية‪..‬‬
‫‪ .5‬التعــديل الدســتوري‪ :‬مبا أن الدســتور هــو وثيقــة من صــنع اإلنســان تعكس احتياجــات وتطلعــات اجملتمــع‪ ،‬ومبا‬
‫أن هذه احلاجات والتطلعات تتغري وتتطور مبرور الوقت‪ ،‬فال ميكن تصور وثيقة دســتورية صــاحلة يف مجيــع األوقــات‪،‬‬
‫لذلك حتتوي معظم الوثائق الدستورية على طريقة خاصة لتعديل وتشكيل الدستور بناء على ذلك‪ .‬إما (جامــدة) أو‬
‫(مرنة)‪ ،‬إذا علمنا أن الدساتري املرنة هلا إجـراءات تعـديل سـهلة ميكن سـنها من خالل نفس اإلجـراءات مثـل القـوانني‬
‫العاديــة‪ ،‬فــإن الدســاتري الصــارمة هلا إجــراءات تعــديل خمتلفــة أكــثر صــعوبة من التشــريعات العاديــة‪ ،‬وغالًب ا مــا متر من‬
‫‪1‬‬
‫خالل عملية استفتاء‬
‫وبنــاًء عليــه‪ ،‬تنــاول القــانون األساســي موضــوع التعــديل الدســتوري يف الفصــل التاســع ومــواده ( ‪،)119 ،118‬‬
‫وعهد باملسؤولية إىل الكونغرس وامللك‪ ،‬لكنه قسم عملية التعديل الدستوري إىل قسمني‪ ،‬اجلزء األول يشمل ما هو‬
‫القانون‪ .‬يسمى (أمر فرعي)‪ ،‬ويتطلب موافقة ثلثي أعضاء اجلمعية الوطنيــة يف جملســي النــواب والشــيوخ‪ ،‬ويتم نشــره‬
‫قبل موافقة امللك‪ ،‬وجيب أن يصدر التعديل بعد عام واحـد من دخـول الدسـتور حـيز التنفيـذ‪ .‬نفس اإلجـراء كمــا يف‬
‫القسم األول بإضـافة صـيغة (حـل جملس النـواب بعـد متريـر التعـديل‪ ،‬وعنـد حـل جملس النـواب) النتخـاب جملس نيـايب‬
‫جديــد‪ ،‬كمــا جيب متريــر التعــديل بأغلبيــة الثلــثني‪ .‬يف اجمللس الوطــين)‪ ،‬مث يصــادق امللــك على اإلعالن‪ ،‬وكلهــا تطبــق‬
‫‪2‬‬
‫الدستور بعد مخس سنوات من دخوله‪.‬‬

‫‪ .1‬الشاوي‪ ،‬القانون اإلداري‪ :‬صص‪39-31‬‬


‫‪ .2‬القانون االساسي العراقي لعام‪ ،1925‬الباب التاسع‪ ،‬املادة ‪119-118‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪142‬‬

‫ه ــذه اإلج ــراءات معق ــدة ومتم ــيزة عن العملي ــة التش ــريعية للق ــانون الع ــام وتعديالت ــه‪ ،‬مما جيع ــل الق ــوانني األساس ــية‬
‫دســتورية‪ ،‬حبيث يتجاهــل واضــعو القــوانني اجلهــة الــيت اقــرتحت التعــديالت‪ .‬تتنــاول املادة ‪ 126‬من دســتور ‪2005‬‬
‫التعديالت الدستورية‪ ،‬ويعهد حق اقـرتاح الدسـتور إىل مشـرتك (رئيس اجلمهوريـة وجملس الـوزراء) أو مخسـة أعضـاء‬
‫من جملس النواب‪ ،‬مث يعرض على جملس النواب‪ ،‬واليت بدورها جيب أن تصادق عليه بأغلبية ثلــثي أعضــاء اجمللس‪ ،‬مث‬
‫تق ــدم لالس ــتفتاء‪ ،‬مث يواف ــق عليه ــا رئيس اجلمهوري ــة مث تص ــدر‪ ،‬لكن دس ــتور ‪ 2005‬تض ــمن حظ ــرا مؤقت ــا‪ ،‬وط ــرح‬
‫شرطني أساسيني‪ .‬يف عملية التعديل‪ ،‬أي‪ ،‬حيتوي الفصـل األول ‪ /‬عـدم تعـديل الفصـل األول على املبـادئ األساسـية‪،‬‬
‫وحيتوي الفصل الثاين على احلقوق واحلريات فقط بعد اجتياز انتخابني متتاليني) أي بعد مــرور ‪ 8‬ســنوات‪ .‬ثانيـًا‪ :‬ال‬
‫جيوز إجراء أي تعديالت على شروط أي سـلطات إقليميـة ليســت من صـالحيات االحتاد احلصـرية‪ ،‬إال مبوافقـة اهليئـة‬
‫‪1‬‬
‫التشريعية لإلقليم وموافقة غالبية سكان اإلقليم بعد االستفتاء‪.‬‬

‫‪ .3-2-3-2‬اوجه الشبه والخالف بين القانون االساسي لعام ‪1925‬وبين الدستور العراقي لسنة‬
‫‪2005‬‬
‫أ‪ .‬اوجه الشبه‪-:‬‬
‫‪ .1‬كال الدستورين صارمني من حيث إجراءات التعديل‪.‬‬
‫‪ .2‬يتضمن كل من دستور ‪ 2005‬والقانون األساسي لعام ‪ 1925‬حمظورات مؤقتة‪.‬‬
‫‪ .3‬جعل كل من دسـتور عـام ‪ 2005‬والقـانون األساسـي لعـام ‪ 1925‬تعـديل بعض األحكـام أكـثر صـعوبة إجرائيـًا‬
‫من غريها‪ ،‬أي تطبيق احملظورات املوضوعية‪..‬‬
‫ب‪ .‬اوجه اخلالف‪-:‬‬
‫‪ .1‬مل حيدد الق ــانون األساس ــي لع ــام ‪ 1925‬من لدي ــه س ــلطة اق ــرتاح التع ــديالت الدس ــتورية‪ ،‬بينم ــا ف ــوض دس ــتور‬
‫‪ 2005‬مقرتحات التعديل للسلطة التنفيذية أو خلمس جملس النواب‪.‬‬
‫‪ .2‬ال تتطلب تعــديالت القــانون األساســي إجــراء اســتفتاء دســتوري‪ ،‬حيث يربــط دســتور ‪ 2005‬تنفيــذ أي تعــديل‬
‫دستوري مبوافقة الشعب يف االستفتاء‪.‬‬

‫‪ .1‬حممود‪ ،‬تعديل الدستور‪ ،‬دراسة يف ضوء الدستور العراقي لسنة ‪ :2005‬صص‪103-102‬‬


‫‪143‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .3-2-3-3‬اوجه الشبه واالختالف بين الدستور العراقي لعام ‪ 2005‬وبين ماسبقه من دساتير‬
‫جمهورية‬
‫وميكن مالحظــة أن الوثــائق الدســتورية الــيت صــدرت خالل تلــك الفــرتة كــانت كلهــا مؤقتــة وغــري دميقراطيــة من‬
‫حيث طــرق الصــياغة‪ ،‬بينمــا متت صــياغة الدســتور العــراقي لعــام ‪ 2005‬وإصــداره عــام ‪ .2005‬بطريقــة دميقراطيــة‪،‬‬
‫ودخلت حيز التنفيذ بعد استفتاء عام عليها‪ ،‬ومبقارنة دستور عهد اجلمهورية بالدستور العــراقي لعــام ‪ ،2005‬ميكن‬
‫رؤية العديد من أوجه الشبه واالختالف بينهما‪ ،‬عند صياغة الدستور‪ ،‬التيارات الشــعبية يف الفكــر والفكــر‪ .‬الصــياغة‬
‫والتشـابه واالختالف يف مضـمون هـذه الدسـاتري‪ ،‬عليـه يتم تقسـيم هـذا املطلب اىل فـرعني الفـرع االول نتنـاول اوجـه‬
‫الش ــبه واخلالف بني الدس ــتور الع ــراقي لس ــنة ‪ 2005‬وماس ــبقه من دس ــاتری مجهوري ــة من ناحي ــة الص ــياغة ويف الف ــرع‬
‫الثاين نتناول اوجه الشبه واالختالف من ناحية املضمون‪.‬‬

‫‪ .3-2-3-3-1‬اوج ه الش به والخالف بين الدستور العراقي لعام ‪ 2005‬وبين ماسبقه من دساتیر‬
‫جمهورية من ناحية الصياغة‬
‫م ــر الع ــراق بع ــدة مراح ــل دس ــتورية يف تارخيه السياس ــي‪ ،‬من أمهه ــا مرحل ــة اجلمهوري ــة من ‪ 1958‬إىل ‪2003‬‬
‫واهني ــار مؤسس ــات الدول ــة العراقي ــة‪ ،‬وإص ــدار أول دس ــتور م ــؤقت يف الت ــاريخ السياس ــي الع ــراقي بع ــد ث ــورة متوز يف‬
‫‪ ،1958‬إعالن اجلمهوريــة مبوجب الدســتور‪ ،‬واســتمر ذلــك حــىت ‪ 8‬فــرباير ‪ 1963‬انقالب‪ .‬يف عــام ‪ 1963‬صــدر‬
‫القانون رقم ‪ 25‬للجنة قيادة الثورة‪ ،‬ويعتقد البعض أهنا وثيقة دستورية تتبع الدسـتور الســابق‪ ،‬أي إلغـاء دسـتور عـام‬
‫‪ . 1958‬املتعلقة مبمارسة السلطة‪ .‬لكن هذا النظام مل يستمر أكثر من تسعة أشهر‪ .‬أسســت حركـة عســكرية بقيـادة‬
‫رئيس اجلمهورية آنذاك نظاًم ا سياسـًيا جديـًد ا‪ ،‬ويف ‪ 29‬أبريـل ‪ ،1964‬كجـزء من سلسـلة االنقالبـات الـيت شـهدها‬
‫العــراق منــذ عــام ‪ ،1958‬كــان ســاري املفعــول منــذ االنقالب البعــثي عــام ‪ .1968‬أصــدر نظــام احلزب دســتورين‪،‬‬
‫األول عــام ‪ 1968‬والثــاين عــام ‪ 1،1970‬و يف املقابــل‪ ،‬مبجــرد وصــول كــل نظــام إىل الســلطة‪ ،‬ألغى النظــام القــانوين‬
‫والدستوري السابق وأصدر دستوًر ا حتت تأثري األفكار واملعتقدات اليت يتبناها من هم يف السلطة‪.‬‬
‫مبقارنــة الطريقــة الــيت مت هبا إصــدار الدســتور الــدائم للعــراق يف عــام ‪ 2005‬بدســتور احلقبــة اجلمهوريــة‪ ،‬ميكننــا أن‬
‫نرى بوضوح أنه ال يوجد تشابه بني العهدين يف الطريقة اليت مت هبا إصـدار الدسـاتري‪ ،‬ولكن مجيـع الدسـاتري مكتوبـة‪.‬‬

‫‪ .1‬اجلـدة‪ ،‬التطـورات الدسـتورية فـي العـراق‪ :‬صص‪144-75‬‬


‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪144‬‬

‫تتم ص ــياغة الدس ــتور ومش ــروعاته من قب ــل جلن ــة ص ــياغة معين ــة‪ ،‬ومن ناحي ــة أخ ــرى‪ ،‬هن ــاك اختالف ــات كث ــرية يف هنج‬
‫العهدين يف إصدار الدستور‪ ،‬واليت ميكن اإلشارة إليها يف النقاط التالية‪::‬‬
‫‪ .1‬متت صـياغة دسـتور العـراق الـدائم لعـام ‪ 2005‬بشــكل أكـثر دميقراطيـة حيث متت صـياغته وفـق خارطـة الطريـق‬
‫الواردة يف القانون اإلداري لدولة العراق االنتقالية الذي أقره جملس احلكم يف ‪ 8‬آذار ‪ .2005‬ستجرى االنتخابات‬
‫الدس ــتورية يف ‪ 31‬ين ــاير ‪ ،2011‬وس ــيتم انتخ ــاب جملس دس ــتوري (اجلمعي ــة الوطني ــة الدس ــتورية) إلع ــداد مش ــروع‬
‫دستور دائم وتقدميه إىل جملس األمة بعد استكمال االستعدادات له‪ .‬وعرض اجمللس املكلف على الشعب يف استفتاء‬
‫يــوم ‪ 15‬أكتــوبر‪ .‬كــانت املرة األوىل عــام ‪ 2005‬بنســبة (‪ )%78.48‬من األصــوات‪ ،‬ومت التصــديق على الدســتور‬
‫ونشـ ــره يف اجلري ــدة الرمسية ‪ 28‬ديسـ ــمرب ‪ .)2005‬وبن ــاًء على ذلـ ــك‪ ،‬متت ص ــياغة الدس ــتور العـ ــراقي الـ ــدائم لعـ ــام‬
‫‪ 2005‬واملوافقــة عليــه إىل حــد كبــري من خالل الــرأي العــام والوســائل الدميقراطيــة‪ ،‬وميكن القــول إنــه دســتور يتمتــع‬
‫بدرجة عالية من الشرعية‪ .‬على الرغم من عدم إصدار دستور دميقراطًيا يف اجلمهوريـة‪ ،‬إال أن إصـدار الدسـتور كــان‬
‫مبثابة تفويض للسلطة احلاكمة وإرادهتا‪ ،‬والــيت اقتصــرت على جملس وزراء اجلمهوريـة األوىل واجلمهوريـة الثانيـة على‬
‫مستوى البالد‪ ..‬يف اجلمهورية الثالثة‪ ،‬كان يقتصر على شخص واحد‪ ،‬رئيس اجلمهورية‪ .‬أما إرادة وضع دسـتور يف‬
‫اجلمهورية الرابعة فقد اقتصرت على جلنة حزبية واحدة هي جملس قيادة الثورة‪ .‬لـذلك‪ ،‬كـانت الطريقـة الـيت متت هبا‬
‫صياغة الدستور يف عهد مجهورية الصني غري دميقراطية وغري قانونية‪.‬‬
‫‪ .2‬مت متريــر دســتور عــام ‪ 2005‬من خالل اســتفتاء على درجــة عاليــة من الشــرعية‪ ،‬لكن دســتور مجهوريــة الصــني مل‬
‫يقر االستفتاء وفقد شرعيته‪.‬‬
‫‪ .3‬يتمــيز دســتور ‪ 2005‬بقدرتــه على أن يكــون دائمــا‪ ،‬وقــد شــاركت معظم التيــارات الفكريــة والقــوى السياســية‬
‫الس ــائدة يف الس ــاحة السياس ــية العراقي ــة يف ص ــياغة مس ــودة الدس ــتور من خالل كوهنا عض ــوا يف اللجن ــة املس ــؤولة عن‬
‫صياغته‪ .‬يف حني أن مجيع الدساتري مؤقتـة يف طبيعتهـا‪ ،‬وتعكس توجًه ا أيـديولوجًيا معيًن ا ومل يصـاغها أحـد‪ ،‬باسـتثناء‬
‫دستور عام ‪ ،1958‬الذي صاغته القوى السياسية املشاركة يف جملس الوزراء‪.‬‬
‫‪ .4‬استغرقت صياغة وإصدار دستور ‪ 2005‬وقتًا أطول من تاريخ صدور دستور مجهورية الصــني‪ ،‬فقــد متت كتابــة‬
‫بعض الدساتري يف يومني فقط (مثل دستور ‪ ،)1958‬بينما استغرق البعض اآلخر من أيام إىل شهور‪..‬‬

‫‪ .3-2-3-3-2‬اوج ه الش به والخالف بين الدستور العراقي لعام ‪ 2005‬وبين ماسبقه من دساتیر‬
‫جمهورية من ناحية المضمون‬
‫‪145‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫من أجل حتديد أهم أوجه التشابه واالختالف يف احملتـوى بني دسـتور ‪ 2005‬ودسـتور مجهوريـة الصـني‪ ،‬نتوقـف‬
‫عنــد أهم القضــايا‪ ،‬وهي النقــاط الرئيســية لدراســة حمتــوى أي دســتور‪ ،‬وهــذه القضــايا هي‪ :‬الديباجــة‪ ،‬شــكل الدولــة‬
‫ونظام احلكم‪ ،‬اهلوية القومية‪ ،‬الفصل بني السلطات وعالقتها‪ ،‬والتعديالت الدستورية‪.‬‬
‫‪ .1‬الديباجة‪ :‬من خالل قراءة ديباجة الدستور العراقي لعام ‪ 2005‬ومقارنتها بديباجة العهد اجلمهــوري‪ ،‬ميكن‬
‫مالحظة بعض أوجه الشبه واالختالف‪ ،‬واليت ميكن تلخيصها يف اآليت‪::‬‬
‫‪ .1‬متت صياغة ديباجة دستور عصر اجلمهورية والدستور العــراقي لعــام ‪ 2005‬بشــكل بنـاء ومل يتم توزيعهـا يف‬
‫شكل مواد‪ ،‬باستثناء قانون جملس األمة رقم (‪ )25‬لسنة ‪ 1963‬ودستور عام ‪ .1970‬اليت مل يكن هلا ديباجة‪.‬‬
‫‪ .2‬مقارنة بديباجـة دسـتور ‪ ،2005‬تتمـيز ديباجـة دسـتور احلقبـة اجلمهوريـة (باسـتثناء قـانون جملس األمـة رقم (‬
‫‪ )25‬لس ــنة ‪ 1963‬ودس ــتور ‪ )1970‬باإلجياز‪ ،‬وتوض ــح أس ــباب ذل ــك‪ .‬التغي ــريات يف النظ ــام السياس ــي وأس ــباب‬
‫إص ــدار الدس ــتور‪ ،‬وك ــذلك بي ــان بعض املب ــادئ العام ــة ال ــواردة يف الدس ــتور‪ .‬أم ــا ديباج ــة دس ــتور ‪ ،2005‬فتتض ــمن‬
‫عرًض ا موجًز ا لتاريخ العراق ووصًف ا للقمع وممارسات النظام السابق‪.‬‬
‫‪ .3‬مل تذكر مقدمـة دسـتور ‪ 1958‬الشـكل املؤسسـي أو األيديولوجيـة الـيت يتبناهـا النظـام السياسـي‪ .‬أمـا دسـتور‬
‫عام ‪ ،1964‬فيشـري إىل شـكل النظـام السياسـي ونظـام احلكم‪ ،‬ويعرفـه بأنـه مجهوريـة هتيمن عليهـا اخلصـائص القوميـة‬
‫العربيــة يف طريقــة ســنه (‪ ،)2‬على الــرغم من أن دســتور عــام ‪ 1968‬مل يتطــرق إىل النظــام‪ .‬شــكل احلكومــة‪ ،‬ولكن‬
‫طغت على طريقة صياغته التيارات القومية العربية فيما يتعلــق بدسـتور اجلمهوريـة الثانيـة ودسـتور ‪ ،1970‬حيث مل‬
‫يكن لديهما ديباجة‪ ،‬يف حني أن ديباجة دسـتور ‪ ،2005‬على الـرغم من أهنا مل حتدد النظـام السياسـي أو شـكل من‬
‫أشــكال احلكومــة‪ ،‬هتيمن االجتاهــات الطائفيــة اإلســالمية على معظم النصــوص واملقــاطع‪ ،‬مما يعكس ســيطرة اإلســالم‬
‫السياسي على مفاصل الدولة‪.‬‬
‫‪ .2‬شــكل الدولــة ونظــام ال حکم‪ :‬أكــدت الوثــائق الدســتورية الــيت صــدرت خالل فــرتة مــا قبــل اجلمهوريــة عــام‬
‫‪ ،2003‬أن الدولــة العراقيــة دولــة بســيطة‪ ،‬موحــدة يف األرض واحلكم واألدلــة‪ .‬دســتور العــراق الــدائم ‪ .2005‬أمــا‬
‫بالنسبة للحكومـة املؤسســية‪ ،‬فقـد أكـدت دسـاتري احلقبـة اجلمهوريـة على تركـيز مجيـع الســلطات التنفيذيـة والتشــريعية‬
‫يف جهــة واحــدة (جملس الــوزراء يف اجلمهوريــة األوىل‪ ،‬واجمللس الوطــين يف اجلمهوريــة الثانيــة‪ ،‬ورئيس اجلمهوريــة يف‬
‫الثالثة‪ .‬مجهورية)‪ ،‬والقيادة الثورية للجان اجلمهورية الرابعة)‪ ،‬وبشكل عـام‪ ،‬فـإن نظـام احلكم هـو نظـام ديكتـاتوري‪،‬‬
‫فردي‪ ،‬استبدادي‪ .‬أما نظام احلكم‪ ،‬فبحسب دستور ‪ ،2005‬فهـو دميقــراطي نيـايب‪ ،‬برملاين‪ ،‬تعـددي قـائم على مبـدأ‬
‫الفصل بني السلطات‪..‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪146‬‬

‫‪ .3‬هويــة الدولــة‪ :‬فيمــا يتعلــق باهلويــة الوطنيــة للدولــة العراقيــة‪ ،‬أكــدت مجيــع دســاتري فــرتة اجلمهوريــة على اهلويــة‬
‫الوطنيــة للدولــة العراقيــة‪ ،‬فمثًال نص دســتور العــراق لعــام ‪ 1958‬على أن العــراق جــزء من األمــة العربيــة ويف مادتــه‬
‫الثالثة‪ ... ،‬األكراد العرب واألكراد شركاء يف هذا البلد‪ .‬وهذا يعـين التأكيـد على اهلويـة الوطنيـة العربيـة للعـراق مـع‬
‫االعــرتاف مبشــاركة الــدول الثانيــة يف العــدد والقــوة‪ .‬أمــا بالنســبة لدســتور اجلمهوريــة الثانيــة‪ ،‬فقــد تنــاول فقــط األمــور‬
‫املتعلقة مبمارسة السلطة‪ .‬على هذا النحو‪ ،‬فهو مطابق لدستور اجلمهورية األوىل‪ .‬أما دستور عام ‪ 1964‬فهــو خيفي‬
‫هويــة العــراق باعتبــاره الدولــة العربيــة الوحيــدة دون ذكــر الــدول األخــرى الــيت هــو جــزء منهــا‪ ،‬حيث ينص على أن‬
‫مجهوريــة العــراق دميقراطيــة اشــرتاكية تنبــع دميقراطيتهــا واشــرتاكيتها من الــرتاث العــريب‪ .‬وروح اإلســالم‪ ،‬فــإن الشــعب‬
‫العـراقي جـزء من األمـة العربيـة هـدفها الوحـدة العربيـة الكاملـة واحلكومـة ملتزمـة بتحقيـق هـذا اهلدف يف أقـرب وقت‬
‫ممكن ب ــدءًا من الوح ــدة م ــع اجلمهوري ــة العربي ــة املتح ــدة فيم ــا يتعل ــق بدس ــتور ع ــام ‪ .1968‬فه ــو أق ــرب إىل أحك ــام‬
‫الدس ــتور لع ــام ‪ ،1964‬ولكن ــه ع ــدل فق ــط األحك ــام املتعلق ــة مبمارس ــة الس ــلطة‪ ،‬حيث ح ــدد الع ــراق على أن ــه اهلوي ــة‬
‫الوطنية للعراق دون ذكر احلقوق الوطنية ألجـزاء أخـرى من الدولـة‪ ،‬ونص على أن مجهوريـة العـراق دولـة دميقراطيـة‬
‫شعبية أصوهلا العراق دميقراطية‪.‬‬
‫شــعبيتها جــزء من التقاليــد العربيــة والــروح اإلســالمية‪ .‬إن الشــعب العــراقي جــزء من األمــة العربيــة هدفــه الوحــدة‬
‫العربية الكاملة واحلكومة ملتزمة بتحقيق هذا اهلدف‪ .‬أما الدسـتور العــراقي املؤقت لعــام ‪ 1970‬فقــد اعــرتف باهلويـة‬
‫القوميــة العربيــة للعراقــيني واعــرتف بــاألكراد يف نفس الــوقت‪ ،‬وجــاء يف مادتــه األوىل أن العــراق مجهوريــة دميقراطيــة‬
‫شــعبية هــدفها األساســي إقامــة دولــة عربيــة إقامــة نظــام اشــرتاكي أمــا املادة اخلامســة فتنص على أن العــراق جــزء من‬
‫العراق‪ .‬األمة العربية وشـعب العـراق يتكـون من قوميـتني رئيسـيتني‪ ،‬القوميـة العربيـة والقوميـة الكرديـة املقابلـة‪ .‬يؤكـد‬
‫دســتور عــام ‪ 2005‬أن العــراق بلــد متعــدد األعــراق واألديــان والطوائــف وال يرتــدي رمــوًز ا وطنيــة معينــة يف العــراق‪،‬‬
‫تذكر أن العراق دولة مؤسسة وعضو فاعل يف جامعة الدول العربية‪ ،‬مما يدل على وجود اجتاهات خمتلفة‪ .‬بني عمــق‬
‫النقاشات والنقاشات والنتائج اليت توصلت إليهـا‪ ،‬وهـذا بالتأكيـد أقـرب إىل االجتاه الكـردي‪ ،‬خاصـة بعـد إبقـاء اللغـة‬
‫الكرديــة كلغــة رمسية يف كــل العــراق إىل جــانب العربيــة‪ ،‬بالنســبة للهويــة اإلســالمية‪ .‬العــراق‪ ،‬الدســتور العــراقي أثنــاء‬
‫اجلمهوريــة‪ ،‬كالمها معــرتف هبمــا يف دســتور ‪( 2005‬اإلســالم هــو دين الدولــة)‪.‬رابعــا‪ -‬مبــدأ الفصــل بني الســلطات‬
‫والعالقة بينهما‪.‬‬
‫كــان العهــد اجلمهــوري قبــل ‪ 2003‬حقبــة تــرتكز فيهــا الســلطة يف يــد شــخص واحــد أو جمموعــة من النــاس على‬
‫شـ ــكل جملس مفـ ــروض بـ ــالقوة‪ ،‬لـ ــذلك مسيت هـ ــذه احلقبـ ــة بتبـ ــين مبـ ــدأ مركزيـ ــة السـ ــلطة و رفض مبـ ــدأ الفصـ ــل بني‬
‫‪147‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫السلطات وحتقيق الغرض منه‪ .‬هذا املبدأ هو سيطرة سلطة على أخرى‪ 1،‬ولتوضيح ذلـك نقـف عنـد كـل دسـتور من‬
‫عهــد اجلمهوريــة قبــل ‪ 2003‬ونقارهنا بدســتور ‪ 2005‬نبــدأ بدســتور أول مجهوريــة كدســتور مــؤقت لعــام ‪1958‬‬
‫وف ــق (‪ )20‬عه ــدنا رئاس ــة اجلمهوري ــة إىل جملس س ــيادي‪ ،‬لكن ه ــذا اجمللس ليس ل ــه س ــلطة أك ــثر من املص ــادقة على‬
‫التش ــريعات ال ــيت يص ــدرها جملس ال ــوزراء‪ ،‬وال ــذي ب ــدوره ل ــه ص ــالحيات تنفيذي ــة وتش ــريعية‪ ،‬ل ــذلك من الواض ــح أن‬
‫دستور عام ‪ 1958‬يتبىن مبدأ املركزية كان ينشأ ويوضع يف يد جملس الوزراء‪.‬‬

‫‪ .1‬امني‪ ،‬مبدأ الفصل بني االسلطات‪ ،‬وحدهتا و تطبيقها يف الدساتری العراقية‪ :‬صص‪120-114‬وص‪284‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪148‬‬

‫أما دستور اجلمهورية الثانية (قانون جملس قيادة الثورة الوطين رقم ‪ 25‬لسنة ‪ ،)1963‬فهو يعرتف بوجود هيئة‬
‫مستقلة مكرسة لسن القوانني‪ ،‬وجملس قيادة الثورة الوطين‪ ،‬واعرتافه بوجود رئيس اجلمهورية وجملس الــوزراء ولكن‬
‫عمليا وحسب الصالحيات املخولة له فهو الذي يضع الدستور وله صالحية تعديله أو إلغائه‪ .‬الدستور الذي يتضــح‬
‫منه أن نظام حكم اجلمهورية الثانية يقسم السلطات إىل هيئـة واحـدة هي جملس القيـادة الوطنيـة الثوريـة‪ .‬أمـا بالنســبة‬
‫للدس ــتور االنتق ــايل لع ــام ‪ ،1964‬ال ــذي تأسس ــت على أساس ــه اجلمهوري ــة الثالث ــة‪ ،‬فق ــد نص ــت املادة ‪ 61‬على أن‬
‫اجلمعية الوطنية هي اهليئة اليت متارس السلطة التشريعية‪.‬‬
‫وتنص املادة ‪ 64‬على أن‪" :‬متارس الســلطة التنفيذيــة للجمهوريــة الرئاســية يف هــذا مــا يقودنــا إىل التأكيــد على أن‬
‫هذا دستور (نظرًيا) يستخدم مبدأ فصل السلطات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فـإن املادة (‪ )61‬من الدسـتور املفصـل فارغـة‪ ،‬حيث‬
‫إهنا متنح رئيس اجلمهوريـ ــة مجيـ ــع الصـ ــالحيات تقريًب ا‪ ،‬مبا يف ذلـ ــك سـ ــلطة تعـ ــيني أعضـ ــاء جملس األمـ ــة دون حتديـ ــد‬
‫ع ــددهم‪ .‬عالوة على ذل ــك‪ ،‬فوض ــت س ــلطة تش ــريع الق ــوانني إىل جلن ــة أخ ــرى تس ــتند إىل ق ــوانني ص ــادرة عن جملس‬
‫الـ ــوزراء‪ ،‬وقبـ ــل تشـ ــكيل هـ ــذه اللجنـ ــة كـ ــان جملس الـ ــوزراء ميارس السـ ــلطة التشـ ــريعية‪ .‬من خالل اسـ ــتقراء احلقـ ــائق‬
‫الدس ــتورية والسياس ــية‪ ،‬حيث أن ال ــرئيس ه ــو ال ــذي مينح الس ــلطات الدس ــتورية وال ــذي ب ــدوره يعني أعض ــاء جملس‬
‫الوزراء ويعـزهلم‪ ،‬نسـتنتج أن الدسـتور العـراقي املؤقت لعـام ‪ 1964‬قـام على أسـاس متركـز السـلطة وكـل التكتالت‪.‬‬
‫من القوة‪.‬‬
‫أصدرت اجلمهورية الرابعة دستورين مؤقتني‪ ،‬الدسـتور االنتقـايل لعـام ‪ 1968‬والدسـتور االنتقـايل لعـام ‪.1970‬‬
‫تب ــىن دس ــتور ع ــام ‪ 1968‬مب ــدأ وح ــدة الس ــلطة ونص على أن جملس قي ــادة الث ــورة ه ــو أعلى س ــلطة‪ .‬س ــلطة الدول ــة‬
‫وتوكل إليها‪ .‬السلطات التشريعية والتنفيذية‪ ،‬باستثناء حقيقة أن رئيس اجمللس هو نفسه رئيس اجلمهورية‪ ،‬فــإن هــذا‬
‫الدســتور ليس لــه هيئــة أو جملس يف مؤسس ــاته مينحــه ســلطة تش ــريعية‪ .‬امــا الدســتور العــراقي االنتقــايل لس ــنة ‪1970‬‬
‫فكان يقوم ايضا على وحدة السلطات الثالث ويوجـد فصـل كامـل يف الدسـتور عن جملس االمـة ويفـرتض ان يـؤدي‬
‫اجمللس الوط ــين وظ ــائف اهليئ ــة التش ــريعية اال ان يقتص ــر ال ــدور على (التش ــاور) والق ــرارات االستش ــارية غ ــري ملزم ــة‬
‫وختصــص فصــول كاملــة للمجلس القوميـون نعم (الدسـتور وإضـفاء الطــابع الــدميقراطي على النظــام السياسـي)‪ 1،‬ألن‬
‫الدستور املؤقت لعام ‪ 1970‬نص على أن جملس قيادة الثـورة هــو أعلى جهـاز يف البالد‪ ،‬يـرتكز فيـه مجيـع الســلطات‬
‫التشريعية والتنفيذية‪ ،‬ورئيس اللجنة هو رئيس اجلمهورية‪ ،‬وأعضاء اللجنة يشملون مجيع أعضاء جملس قيادة الثـورة‪.‬‬
‫القيادة اإلقليمية حلزب البعث العريب االشرتاكي‪.‬‬

‫‪ .1‬امني‪ ،‬مبدأ الفصل بني االسلطات‪ ،‬وحدهتا و تطبيقها يف الدساتری العراقية‪ :‬صص‪330-317‬‬
‫‪149‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫حتت قيادت ــه ه ــو ص ــاحب الس ــلطة الفعلي ــة يف البالد‪ .‬أم ــا الدس ــتور ال ــدائم لع ــام ‪ 2005‬فه ــو يق ــوم على أس ــاس‬
‫اجلمهورية والربملان والدميقراطية‪ ،‬وكما نـوقش يف القســم الســابق يتبـىن مبـدأ الفصـل بني الســلطات‪ ،‬مـع احلفـاظ على‬
‫التوازن بني أجهزة السلطة حبيث يكون لكل عالقة‪ .‬بني مؤسسة سلطة هي عالقة تعاونية مع منظمات قــوة أخـرى‪.‬‬
‫ويف الوقت نفسه‪ ،‬هي عالقة إشرافية‪ .‬تشرف منظمة سلطة واحدة على مؤسسة سلطة أخــرى‪ .‬تقــع آليــات التحكم‬
‫والتقييد ألي مؤسسة سلطة ضمن نطاق سلطتها‪.‬‬
‫مــرن بــدًال من الفصــل الصــارم بني الســلطات‪ ،‬وعنــد مقارنــة دســتور مجهوريــة الصــني ودســتور ‪ 2005‬من حيث‬
‫مبدأ فصل السلطات والعالقة بني السلطات الثالث‪ ،‬ميكن القول أن مجيع دساتري مجهورية الصـني تبنت الصـني مبـدأ‬
‫املركزية‪ ،‬حىت لو كان الدستور يكرس رمسًيا مبدأ فصل السلطات‪ ،‬فإن الدسـتور ينتج بـذلك نظاًم ا مشولًيا بعيـًد ا عن‬
‫الدميقراطية‪ .‬أما دستور ‪ 2005‬فيتبىن مبدأ فصل السلطات يف نصه ومضـمونه مما جيعلـه أقـرب إىل دسـتور دميقــراطي‬
‫حديث‪.‬‬
‫‪ .5‬التعــديل الدســتوري‪ :‬يعــد حتديــد إجــراءات وآليــة التعــديالت الدســتورية من األمــور اهلامــة والضــرورية يف أي‬
‫وثيقة دسـتورية‪ ،‬كوسـيلة لتغيـري النص الدسـتوري ليتوافـق مـع املسـتجدات االجتماعيـة والسياسـية‪ ،‬وجتنًب ا للعديـد من‬
‫التجاوزات يف الدستور‪ .‬من ميلكون السلطة لكن الدستور العراقي لعام ‪ 1958‬ال حيتوي على أي نص حيدد كيفية‬
‫إجراء التعديالت وميكن مالحظة أن جملس الوزراء هو اهليئة اليت ميكن تعديلها بنفس طريقة وآلية احلكومة العراقيـة‪.‬‬
‫صــدر الدســتور نفســه عن طريــق إصــدار الدســتور‪ ،‬وعلى هــذا األســاس‪ ،‬ميكن اعتبــار دســتور ‪ 1958‬دســتوًر ا مرًن ا‪،‬‬
‫ويتم تعديله بنفس الطريقة اليت يتم هبا تعديل التشــريعات العاديـة‪ .‬أمـا بالنســبة للجمهوريـة الثانيـة‪ ،‬فـإن (قـانون جملس‬
‫قيـادة الثـورة الوطـين رقم ‪ 25‬لســنة ‪ )1963‬ال يتنـاول موضـوع التعـديالت يف أي من أحكامـه‪ ،‬ولكن مبا أن جملس‬
‫قي ــادة الث ــورة ه ــو ال ــذي أص ــدر الق ــانون وك ــان مراجع ــة ل ــه‪ .‬دس ــتور ‪ ،1958‬وخاص ــة األحك ــام املتعلق ــة مبمارس ــة‬
‫الصالحيات‪ ،‬وتعهدت التعديالت بإسناد مجيع الصالحيات التشريعية والتنفيذية إىل اجمللس‪ ،‬وبالتايل فــإن اجمللس هــو‬
‫س ــلطة التع ــديالت‪ ،‬ويبقى دس ــتور ‪ 1958‬دس ــتوًر ا مرًن ا من ش ــأنه أن إج ــازة التع ــديالت‪ :‬مت تغي ــري الص ــالحيات من‬
‫جملس الـ ــوزراء إىل جملس قيـ ــادة الثـ ــورة الوطنيـ ــة‪ .‬أمـ ــا الدسـ ــتور االنتقـ ــايل الصـ ــادر يف ‪ 29‬أبريـ ــل ‪( 1964‬دسـ ــتور‬
‫اجلمهوري ــة الثالث ــة)‪ ،‬مثل ــه مث ــل الدس ــاتري الس ــابقة حلقب ــة اجلمهوري ــة‪ ،‬فه ــو ال حيدد كيفي ــة تع ــديل أو تف ــويض س ــلطة‬
‫التعديل‪ ،‬باستثناء أن رئيس اجلمهورية له صالحيات التعـديل‪ .‬صـالحية تعديلــه‪ ،‬ألنـه هـو األصـل الـذي أصـدر سـلطة‬
‫الدســتور‪ ،‬ميكنــه تعــديلها بنفس آليــات وإجــراءات إصــدار القــانون العــام‪ ،‬لــذلك يعتــرب دســتور أبريــل ‪ 1964‬دســتوًر ا‬
‫مرًنا‪.‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪150‬‬

‫وهكذا‪ ،‬كانت التعديالت الدستورية للجمهوريات األوىل والثانية والثالثة خمتلفة متاًم ا عن دســتور عــام ‪،2005‬‬
‫الـ ـ ــذي تنـ ـ ــاول موضـ ـ ــوع التعـ ـ ــديالت الدسـ ـ ــتورية يف املادة ‪ ،126‬حيث مت منح حـ ـ ــق اقـ ـ ــرتاح الدسـ ـ ــاتري إىل (رئيس‬
‫اجلمهوريــة ورئيس اجلمهوريــة)‪ .‬جملس الــوزراء مشــرتك أو مُخ س أعضــاء جملس النــواب‪ ،‬والــذي ُيرفــع بعــد ذلــك إىل‬
‫جملس الن ــواب‪ ،‬وال ــذي ب ــدوره جيب أن حيص ــل على أغلبي ــة الثل ــثني ملوافق ــة أعض ــاء جملس الن ــواب‪ ،‬مث عرض ــت على‬
‫االســتفتاء‪ ،‬مث وافــق عليهــا رئيس اجلمهوريــة‪ ،‬مث نشــرها‪ ،‬وتعتــرب هــذه اإلجــراءات تــدبريا اســتثنائيا‪ ،‬لــذلك فهي تعتــرب‬
‫دسـتور ‪( 2005‬الدسـتور اجلامــد)‪ ،‬بينمــا دسـتور ‪ ،1958‬جملس قيـادة الثـورة الوطـين‪ .‬ال يتضــمن القــانون رقم ‪25‬‬
‫لعام ‪ 1963‬والدستور املؤقت الصادر يف ‪ 29‬أبريل ‪ 1964‬أي أحكام يف أي منهما‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن كال من الدستور االنتقايل لعام ‪ 1958‬وقانون جملس قيادة الثورة الوطين رقم ‪ 25‬لعــام‬
‫‪ 1963‬والدسـ ــتور االنتقـ ــايل لعـ ــام ‪ 1964‬مها‪ :‬تعتـ ــرب من بني الدسـ ــاتري املرنـ ــة بسـ ــبب املؤسسـ ــات هي الـ ــيت جتري‬
‫تعــديالت يف الدســتور يف نفس العمليــة الــيت يتم هبا وضــع القــوانني العاديــة‪ ،‬حيث أن الســلطة األصــلية هي الــيت تســن‬
‫الدستور‪ .‬أما بالنسبة للتعديالت الدستورية للجمهوريـة الرابعـة‪ ،‬فقـد كـان دسـتورها هـو األول الـذي عهـد بـه جمللس‬
‫قيـادة الثـورة عـام ‪ ،1968‬وُس نت التعـديالت على غـرار القـانون العـام‪ ،‬مما جعلـه دسـتوًر ا مرًنا‪ .‬أمـا دسـتور ‪1970‬‬
‫فقد أوكلت تعديالت الدستور مبوجب املادة ‪( 66‬ب) من الدستور إىل جملس قيادة الثـورة باعتبـاره أعلى سـلطة يف‬
‫البالد وهو الذي يصـدر الدسـتور ونص على ضـرورة إجـراء تعـديالت عليـه‪ .‬جيب احلصــول على موافقـة أغلبيـة ثلــثي‬
‫أعضـ ــاء اللجنـ ــة‪ ،‬على الـ ــرغم من أن العديـ ــد من القـ ــرارات والصـ ــالحيات يتم متريرهـ ــا بأغلبيـ ــة ثلـ ــثي اجمللس‪ 1،‬ينص‬
‫الدستور على أن قوانني وقرارات جملس النواب تتم املوافقة عليهـا بأغلبيـة األعضــاء‪ ،‬مما جيعــل دسـتور ‪ 1970‬أقــرب‬
‫إىل دستور جامد‪ ،‬ومن هذا املنظور ميكن القول إن دستور ‪ 1970‬هو دستور جامد‪.‬‬

‫‪ .1‬اجلـدة‪ ،‬التطـورات الدسـتورية فـي العـراق‪ :‬صص‪137-83‬‬


‫الخاتمة‬

‫‪ .1‬النتائج‬
‫‪ .1‬ميكن وصـف االجتاء الفكـري بانـه عبـارة عن اطـار فكـري يفسـر عن طريقـه االحـداث والظواهرالـيت تواجـه الفـرد‬
‫يف مســرية حياتــه؛ وهــو يتكــون من كــل مــا يعتقــده او مايعتتقــه الفــرد من افكــار‪،‬ليشــكل لديــه نظرتــه اخلاصــة للحيــاة‬
‫وعنــدما يلتقي الف ــرد م ــع جماميع اخــرى من االشــخاص املؤم ــئني باالفكارواملعتق ــدات نفس ــها ‪ +‬حياولون ان تعمم م ــا‬
‫يؤمن ــون ب ــه على اجملتم ــع؛ وذل ــك بتطبيقه ــا من خالل تش ــكيل تنظيم ــات سياس ــية او اجتماعي ــة أو من خالل الس ــلطة‬
‫السياس ــية‪ .‬وان البش ــرية ع ــرفت والدة اجتاه ــات فكري ــة ع ــدة س ــامهت يف حتدي ــد جمرى الت ــاريخ البش ــري ‪ +‬وميكن‬
‫االشازة اىل اهم تلك االجتاهات الفكرية باالجتاء البريايل» و القومي؛ واليساري فضال عن اجتاه الديين‪.‬‬
‫‪ .2‬ظه ــرت على الس ــاحة السياس ــية عن ــد تأس ــيس الدول ــة العراقي ــة ق ــوى واجتاه ــات فكري ــة ع ــدة؛ ميكن تص ــنيفها اىل‬
‫االجتاهـات التقليديـة الـيت ضـمت قـوى عشـائرية وقبليـة بوقـوى ذات اجتاهـات دينيـة ‪ +‬امـا االجتاء الثـاين فكـان االجتاء‬
‫الفكــري احلديث ‪ +‬الــذي تكــون من القــوى والشخصــيات الــيت كــانت تتنب املبــادئ و الفكــر الليــربايل و القومــيني و‬
‫الوطنــيني والضــياط الســابقني يف اجليش العثمــاين والطبقةاملثقفــة املتعلمــة والطبقــة الوســطى ‪ +‬ومــع وجــود كــل تلــك‬
‫االجتاهــات على الســاحة العراقيــة عنــد تاسيســه ‪+‬اال ان عمليــة صــياغة القــانون االساســي(دســتور ‪ )1925‬عكســت‬
‫هيمن ــة االجتاء ال ــريايل عليه ــا ‪ +‬و يعودالس ــبب اىل ان مس ــودة الدس ــتور اع ــدت باش ــراف الدول ــة املنتئب ــة (بريطائي ــا) و‬
‫نقلت يدورها نظامها‬
‫السياسي القائم على االكـار واملبـادئ الـيت كـانت تـؤمن هبا ءحتديـدا االفكـار للبرباليـة؛ فضـال عن ا الفكـر لليـبزايل‬
‫انتق ــل اىل الع ــراق من خالل الطلب ــة واملثقفني والض ــباط و الك ــوادر االداري ــة العراقي ــة ال ــذين ك ــانوا ق ــد اختلط ــوا م ــع‬
‫اجملتمعات االوروبية لذلك هيمن الفكر الليربايل على القانون االساسسي اىل جانب ذلك مل ختل صــياغة القــانون من‬
‫تاثري االجتاهات الفكرية للقوى التقليدية اال ان تاثريها كان حمدودا ومل يصل اىل حجمها املنطقي‬
‫‪ .3‬متيزت ب ــدايات العه ــد اجلمه ــوري االوىل بازدي ــاد دور الق ــوى واالح ــزاب ذاتاالالجتاه ــات_القومي ــةو اليس ــارية و‬
‫البيالية‪ .‬وكانت القوى السياسية (خصوصـا القـوى القوميـة ولليرياليـة) ممثلــة يف جملس الـوزراء مـع هيمنـة الســكر على‬
‫اجمللس؛ اال ان اكثر الضباط كانوا ذوي امليول القومية او اليربالية وجامت صياغة الدســتوز ‪ 1958‬انعكاســا لالجتاء‬
‫القومي والليربايل؛ فضال عن تاثري االجتاءاليساري و غياب شبه تام لالجتاهات الديئية‪.‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪152‬‬

‫‪ .4‬مــا مرحلــة مــا بعــد نيســان ‪ 2003‬فائهــا متيزت بتصــاعد دور االجتاه الــديين االســالمي و تراجــع القــوى العلمانيــة‪.‬‬
‫خصوصــا االجتاه اللبــربايل و االجتاء الق ــومي الع ــريب و اليس ــاري؛ م ــع اســتثناء االجتاه الق ــومي الك ــوردي ال ــذي ســجل‬
‫ب ــدوره حض ــورا متزاي ــدا وي ــأيت ت ــاثريه بع ــد االجتاه ال ــديين‪ .‬اذ س ــيطرت الق ــوى الديني ــة االس ــالمية الش ــيعية على اغلب‬
‫املراف ــق احليوي ــة يف الدول ــة؛ و حص ــلت على اك ــثر من نص ــف املقاع ــد يف جملس احلكم االنتق ــايل و اجلمعي ــة الوطني ــة‬
‫التاسيسية ومن مثاالالغلبية يف جلنة صياغةالدستورء مما انعكس ذلك على قـرض معتقـداهتا يف صـيغ دسـتورية والعمـل‬
‫لبناء دولة دينية‪.‬‬

‫‪ .2‬التوصيات‬
‫بعد كل ماتقدم عن دور االجتاهات الفكرية يف صياغة وكتابة الدساتري العراقية تــبني ان دســتور اي دولــة الميكن‬
‫وضعه من دون اتفاق الجتاهات السائدة يف البلد وكان ذلك واضح يف دســتور العــراق لعــام ‪ 2005‬على الــرغم من‬
‫وجود مالحضات عليه اال انـه يعتـرب من افضـل الدسـاتري العراقيـة حيث يضـمن حـق االنسـان العـراقي وبأعتبارنـا حبثنـا‬
‫يف هــذا الشــأن نوصــي بــأن يتم تعــديل بعض نصــوص هــذا الدســتور لوجعلهــا تتالئم مــع احكــام الشــريعه االســالميه‬
‫خاصه وان الدستور قد اشار اىل ان االسالم هو دين الدولة‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬

‫القرآن الكريم‬

‫القوانين األساسية‬
‫‪ .1‬البي ـ ــان رقم (‪ )15‬للمجلس الوط ـ ــين لقي ـ ــادة الث ـ ــورة يف ‪ 8‬ش ـ ــباط ‪ ، 1963‬عن جري ـ ــدة الوق ـ ــائع العراقي ـ ــة ‪ ،‬ع‬
‫‪.771،18/2/1963‬‬
‫‪ .2‬دستور ‪21‬ايلول ‪ 1968‬املؤقت‪ ،‬املادة (‪.)1‬‬
‫‪ .3‬دستور العراقي املؤقت لعام ‪.1970‬‬
‫‪ .4‬الدستور العراقي لعام ‪، 2005‬الديباجة‪.‬‬
‫‪ .5‬الدستور العراقي لعام‪، 2005‬املادة(‪.)4، 3‬‬
‫‪ .6‬عصبة األمم يف ‪ 16‬كانون األول ‪.1925‬‬
‫‪ .7‬الفقرة الثانية من املادة الثالثة من معاهدة لوزان ‪.1923،‬‬
‫‪ .8‬قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلةالنتقالية لعام ‪، 2004‬املادة (‪.)4‬‬
‫‪ .9‬قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلةالنتقالية لعام ‪،2004‬املادة الثالثة ‪ ،‬فقرة (أ)‪.‬‬
‫‪ .10‬القانون االساسي العراقي لعام ‪،1925‬املادة ‪88‬فقرة ‪ 2‬وفقرة ‪.4‬‬
‫‪ .11‬القانون االساسي العراقي لعام ‪،1925‬املادة الثانية‪.‬‬
‫‪ .12‬القانون االساسي العراقي لعام‪، 1925‬الباب التاسع ‪،‬املادة‪.119-118‬‬
‫‪ .13‬القانون االساسي العراقي لعام‪، 1925‬املواد(‪.)4، 3، 2، 1‬‬
‫‪ .14‬املادة (‪ )41،43‬لعام ‪ 1968‬العراقي‪.‬‬
‫‪ .15‬املادة ‪ 27‬من معاهدة سيفر ‪.1920‬‬
‫‪ .16‬جمموعــة الزمــات الدوليــة ‪،‬احلــرب اهلليــة فــي العــراق والتيــار الصــدري واحلشــد العســكري املريكــي ‪،‬تقريــر شــرق‬
‫‪ 1‬الوسط رقم (‪.)72‬‬
‫‪ .17‬املعاهدة الربيطانية ‪ -‬العراقية لعام ‪ ، 1922‬املادة الثالثة‪.‬‬
‫‪ .18‬النظام الداخلي حلزب االمة العراقي‪.‬‬
‫‪ .19‬نظام سلطة الئتلف رقم (‪) 1‬جريد الوقائع العراقية ‪ ،‬العدد ‪ 3987‬عام‪.2003‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪154‬‬

‫الکتب العربية‬
‫‪ .1‬االحباث‪ ،‬فريـ ــق‪2007( .‬م)‪ .‬ديناميكيـ ــات الـ ــنزاع يف العـ ــراق (تقـ ــييم اسـ ــرتاتيجي)‪ .‬بغـ ــداد‪ :‬معهـ ــد الدراسـ ــات‬
‫االسرتاتيجية‪.‬‬
‫‪ .2‬ابن خلدون‪ ،‬عبدالرمحن بن حممد‪2000( .‬م)‪ .‬مقدمة ابن خلدون‪ .‬بريوت‪ :‬دار املكتبة‪.‬‬
‫‪ .3‬امحد‪ ،‬ابراهيم خليل‪ ،‬وجعفر عباس محيدي‪1989( .‬م)‪ .‬تاريخ العراق املعاصر‪ .‬املوصــل‪ :‬دار الكتب للطباعــة و‬
‫النشر‪.‬‬
‫‪ .4‬امحد‪ ،‬بـ ـ ــدور زكي‪ ،‬وآخـ ـ ــرون‪2006( .‬م)‪ .‬مـ ـ ــأزق الدسـ ـ ــتور ‪ -‬نقـ ـ ــد و حتليـ ـ ــل‪ .‬بغـ ـ ــداد‪ :‬معهـ ـ ــد الدراسـ ـ ــات‬
‫االسرتاتيجية‪.‬‬
‫‪ .5‬أمحد‪ ،‬كم ــال مظه ــر‪2000( .‬م)‪ .‬كردس ــتان يف س ــنوات احلرب العاملي ــة األوىل‪ .‬حتقي ــق حمم ــد املال عب ــدالكرمي‪.‬‬
‫بغداد‪ :‬دار آفاق للطباعة و النشر‪.‬‬
‫‪ .6‬اسسـ ـ ـ ــرد‪ ،‬فريـ ـ ـ ــد‪2004( .‬م)‪ .‬املسـ ـ ـ ــالة الكورديـ ـ ـ ــة بعـ ـ ـ ــد قـ ـ ـ ــانون ادارة الدولـ ـ ـ ــة العراقيـ ـ ـ ــة للمرحلـ ـ ـ ــة النتقاليـ ـ ـ ــة‪.‬‬
‫السليمانية‪ :‬مرك ــز كردس ــتان للدراس ــات السرتاتيجية‪.‬‬
‫‪ .7‬امني‪ ،‬لطي ــف مصـ ــطفى‪2007( .‬م)‪ .‬مب ــدأ الفص ــل بني االس ــلطات‪ ،‬وح ــدهتا و تطبيقه ــا يف الدس ــاتری العراقي ــة‪.‬‬
‫السليمانية‪ :‬مكتب الفكر و التوعية‪.‬‬
‫‪ .8‬أندرســن‪ ،‬ليــام‪ ،‬وغ ــاريث ستانس ــفيلد‪2005( .‬م)‪ .‬ع ــراق املس ــتقبل –دكتاتوريــة‪ ،‬دميقراطيــة ام التقس ــيم‪ .‬ترمجة‬
‫رمـزي بـدر‪ .‬لندن‪ :‬دار الوراق‪.‬‬
‫‪ .9‬الب ــدراين‪ ،‬فاض ــل حمم ــد حس ــني‪2005( .‬م)‪ .‬الفك ــر الق ــومي ل ــدى االح ــزاب و احلرك ــات السياس ــية يف الع ــراق‬
‫‪ .1958 -1945‬بريوت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫‪ .10‬برمير‪ ،‬بول‪2006( .‬م)‪ .‬عام قضيته يف العراق‪ .‬ترمجة عمر اليويب‪ .‬بريوت‪ :‬دار الكتاب العريب‪.‬‬
‫‪ .11‬بطاطو‪ ،‬حنا‪2006( .‬م)‪ .‬العــراق‪ .‬عفيف الرزاز‪ .‬طهران‪ :‬دار فرصاد‪.‬‬
‫‪ .12‬التكريـ ــيت‪ ،‬بثينـ ــة عبـ ــدالرمحن‪2000( .‬م)‪ .‬مجال عبدالناصـ ــر نشـ ــأة و تطـ ــور الفكـ ــر الناصـ ــري‪ .‬بـ ــريوت‪ :‬مركـ ــز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫‪2000( .»___« .13‬م)‪ .‬املنتظم يف ت ــأريخ الع ــراق املعاص ــر ( ‪ )1968 -1914‬دراس ــة تأرخيي ــة‪ .‬بغ ــداد‪ :‬مكتب ــة‬
‫رضا التميمي للنشر‪.‬‬
‫‪ .14‬اجلابري‪ ،‬حمم ــد عاب ــد‪1994( .‬م)‪ .‬فك ــر ابن خل ــدون‪ ،‬العص ــبية و الدول ــة‪ .‬ب ــريوت‪ :‬مرك ــز دراس ــات الوح ــدة‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪155‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .15‬اجلدة‪ ،‬رعد ناجي‪2000( .‬م)‪ .‬التطورات الدسنوریة يف العراق‪ .‬بریوت‪ :‬الدار العربیة للموسوعات‪.‬‬
‫‪ .16‬ج ــرادات‪ ،‬مه ــدي اني ــس‪2006( .‬م)‪ .‬احل ــزاب و احلرك ــات السياس ــية ف ــي ال ــوطن العربـ ــي‪ .‬عمـ ــان‪ :‬دار اسـ ــامة‬
‫للنشــر و التوزيــع‪.‬‬
‫‪ .17‬اجلزائري‪ ،‬زهي ــر‪2000( .‬م)‪ .‬الدستور و احلريات الصحفية‪ .‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫‪ .18‬مجيل‪ ،‬احالم حسني‪1985( .‬م)‪ .‬االفكار السياسية لالحزاب العراقية يف عهد االنتداب‪ .‬بغداد‪ :‬مطبعة الزمان‪.‬‬
‫‪ .19‬جواد‪ ،‬أحد سعد ناجي‪2005( .‬م)‪ .‬دراسات يف املسألة القومية الكوردية‪ .‬بريوت‪ :‬الدار العربية للعلوم‪.‬‬
‫‪ .20‬جواد‪ ،‬غامن‪2006( .‬م)‪ .‬نظرة نقدية اىل الدستور العراقي‪ .‬بغداد‪ :‬معهد الدراسات االسرتاتيجية‪.‬‬
‫‪ .21‬احلسين‪ ،‬عبدالرزاق‪1983( .‬م)‪ .‬تاريخ االحزاب السياسـية العراقيـة‪ .‬بـريوت‪ :‬مركـز االجبديـة للصـف التصـويري‬
‫للطباعة و النشر‪.‬‬
‫‪ .22‬احلسو‪ ،‬نزار توفيق سلطان‪1984( .‬م)‪ .‬الصراع على السلطة يف العراق امللكي‪ .‬بغداد‪ :‬دار آفاق عربية‪.‬‬
‫‪ .23‬احلمداين‪ ،‬حامـد‪2000( .‬م)‪ .‬صـفحات من تـاريخ العـراق احلديث‪ .‬السـويد‪ :‬دار فيشـومنيديا كرونـربي للطباعـة‬
‫و النشر‪.‬‬
‫‪ .24‬احليص‪ ،‬عب ـ ـ ــدالعزيز ف ـ ـ ــاحل‪2011( .‬م)‪ .‬القبلي ـ ـ ــة و الدميقراطي ـ ـ ــة ‪ -‬حال ـ ـ ــة الع ـ ـ ــراق امللكي ( ‪.)1958 -1921‬‬
‫الدوحة‪ :‬املركز العريب لالحباث و دراسة السياسيات‪.‬‬
‫‪ .25‬اخلالدي‪ ،‬حممد فاروق‪2002( .‬م)‪ .‬التيـارات الفكريـة و العقيديـة يف النصــف الثـاين من القــرن العشــرين‪ .‬عمــان‪:‬‬
‫دار املعايل‪.‬‬
‫‪ .26‬اخلرسان‪ ،‬صالح‪2001( .‬م)‪ .‬صفحات من تاريخ العــراق السياسـي احلديث ‪ -‬احلركــات املاركســية ‪-1920‬‬
‫‪ .1990‬بريوت‪ :‬مؤسسة العارف للمطبوعات‪.‬‬
‫‪ .27‬اخلطاب‪ ،‬رجاء حسين‪1977( .‬م)‪ .‬العراق بني ‪،1927 -1921‬كلية القانون‪ .‬بغداد‪ :‬جامعة بغداد‪.‬‬
‫‪ .28‬اخلي ــون‪ ،‬رش ــيد‪2012( .‬م)‪ 100 .‬ع ــام من االس ــالم السياس ــي ب ــالعراق‪ .‬بغ ــداد‪ :‬مرك ــز املس ــبار للدراس ــات و‬
‫البحوث‪.‬‬
‫‪ .29‬داي‪ ،‬يام ـ ــاو‪2012( .‬م)‪ .‬تاري ـ ــخ احل ـ ــزاب الس ـ ــلمية ف ـ ــي الع ـ ــراق – التح ـ ــول ف ـ ــي ح ـ ــزب ال ـ ــدعوة‪ .‬فلح حس ــن‬
‫السـدي وحممـود عبدالواحـد حممـود‪ .‬بغـداد‪ :‬عـامل احلكمـة‪.‬‬
‫‪ .30‬دب ــاغ‪ ،‬فيص ــل‪1997( .‬م)‪ .‬اجلمعي ــات و املنظم ــات و االح ــزاب الكوردي ــة يف نص ــف ق ــرن ‪.1958 -1908‬‬
‫اربيل‪ :‬مطبعة الثقافة‪.‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪156‬‬

‫‪ .31‬الدوري‪ ،‬زهري عبداجلبار‪2011( .‬م)‪ .‬حزب البعث العريب االشـرتاكي ‪ -‬الـدور السياسـي و النضـايل يف العـراق‬
‫منذ النشأة اىل عام ‪ .1968‬بريوت‪ :‬الدار العربية للموسوعات‪.‬‬
‫‪ .32‬رس ــول‪ ،‬عاب ــد خال ــد‪2012( .‬م)‪ .‬احلق ــوق السياس ــية يف الدس ــاتري العراقي ــة ‪ -‬دراس ــة حتليلي ــة مقارن ــة على ض ــوء‬
‫املتغريات السياسية‪ .‬السليمانية‪ :‬مرکز کوردستان للدراسات االسرتاتيجية‪.‬‬
‫‪ .33‬رشيد‪ ،‬عبدالوهاب محيد‪2002( .‬م)‪ .‬العراق املعاصر‪ .‬دمشق‪ :‬دار املدى للثقافة و النشر‪.‬‬
‫‪ .34‬الزبي ـ ــدي‪ ،‬حسـ ــن لطيـ ــف‪ ،‬وآخ ـ ــرون‪2008( .‬م)‪ .‬العـ ــراق و البحـ ــث عـ ــن املس ــتقبل‪ .‬الس ــويد‪ :‬دار فيش ــومنيديا‬
‫كرونربي للطباعة و النشر‪.‬‬
‫‪ .35‬الــزرداوي‪ ،‬اركــان محه امني‪2009( .‬م)‪ .‬نشــأة و تطــور اجلمعيــات و االحــزاب و التيــارات السياســية الكورديــة‬
‫يف العراق‪ .‬بغداد‪ :‬دار جيا للطباعة و النشر‪.‬‬
‫‪ .36‬الزيدي‪ ،‬رشيد عمارة ياس‪2000( .‬م)‪ .‬اشكالية الفدرالية يف الدستور العراقي‪ .‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫‪ .37‬الزي ــدي‪ ،‬مفید‪2000( .‬م)‪ .‬التي ــارات الفكري ــة يف اخلليج الع ــريب ‪ .1971 -1938‬ب ــريوت‪ :‬مرك ــز دراس ــات‬
‫الوحدة العربية‪.‬‬
‫‪ .38‬الس ــوداين‪ ،‬ف ــراس عب ــدالرزاق‪2005( .‬م)‪ .‬الع ــراق مس ــتقبل بدس ــتور غــامض‪ ،‬نقـ ــد ق ــانون ادارة الدولــة العراقيــة‬
‫للمرحلة النتقالية‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة مدبويل‪.‬‬
‫‪ .39‬السيد‪ ،‬حممد‪1987( .‬م)‪ .‬التحليل السياسي الناصري – دراسة يف العقائد و السياسة اخلارجية‪ .‬بريوت‪ :‬مركــز‬
‫الدراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫‪ .40‬شــالش‪ ،‬ســعد مهــدي‪2004( .‬م)‪ .‬حركــة القومــيني العــرب و دورهــا يف التطــورات العــراق ‪.1968 -1958‬‬
‫بريوت‪ :‬مركز الدراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫‪ .41‬الع ـ ـ ــاين‪ ،‬ن ـ ـ ــوري عبداحلمي ـ ـ ــد‪ ،‬وعالء جاس ـ ـ ــم حمم ـ ـ ــد احلرب ـ ـ ــي‪2005( .‬م)‪ .‬تأري ـ ـ ــخ ال ـ ـ ــوزارات العراقي ـ ـ ــة ف ـ ـ ــي‬
‫العه ــداجلمه ــوري ‪ .1968 -1958‬بغداد‪ :‬بيت احلكمة‪.‬‬
‫‪ .42‬عبداجلبار‪ ،‬فاحل‪2000( .‬م)‪ .‬التوافقية و الدين و الدولة و هوية العراق‪ .‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫‪2006( .»___« .43‬م)‪ .‬متضـ ــادات الدسـ ــتور الـ ــدائم‪ .‬بيـروت‪ :‬معهـ ــد الدراسـ ــات السـرتاتيجية‪.‬‬
‫‪ .44‬العــزاوي‪ ،‬دهــام حممــد‪2009( .‬م)‪ .‬االحتالل االمريكــي للع ــراق و ابع ــاد الفدرالي ــة الكوردي ــة‪ .‬الدوح ــة‪ :‬مرك ــز‬
‫اجلزيــرة للدراســات‪.‬‬
‫‪ .45‬عزيز‪ ،‬حممد‪1954( .‬م)‪ .‬النظام السياسي يف العراق‪ .‬بغداد‪ :‬مطبعة دار املعارف‪.‬‬
‫‪ .46‬عفلق‪ ،‬ميشيل‪2000( .‬م)‪ .‬يف سبيل البعث‪ .‬بريوت‪ :‬دار الطليعة للطباعة و النشر‪.‬‬
‫‪157‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .47‬علي‪ ،‬حمم ــد ك ــاظم‪1989( .‬م)‪ .‬الع ــراق يف عه ــد عب ــدالكرمي قاس ــم‪ ،‬دراس ــة يف الق ــوى السياس ــية و الص ــراع‬
‫اآليديولوجي‪ .‬بغداد‪ :‬مكتبة اليقضة العربية‪.‬‬
‫‪ .48‬عليـوي‪ ،‬هــادي حسـن‪2000( .‬م)‪ .‬احلــزاب السياســية فــي العــراق _ الســرية و العلنيــة‪ .‬بـريوت‪ :‬ريــاض الريــس‬
‫للكتـب و النشر‪.‬‬
‫‪ .49‬عم ــر‪ ،‬ش ــورش حسـ ــن‪2005( .‬م)‪ .‬حق ــوق الش ــعب الك ــوردي يف الدس ــاتري العراقي ــة دراس ــة حتليلي ــة مقارن ــة‪.‬‬
‫السليمانية‪ :‬مرکز کردستان للدراسات االسرتاتيجية‪.‬‬
‫‪ .50‬عيسى‪ ،‬ندمي‪1992( .‬م)‪ .‬الفكر السياسي لثورة العشرين‪ .‬بغداد‪ :‬دار الشؤون الثقافية العامة‪.‬‬
‫‪ .51‬الكبيسي‪ ،‬حيىي‪2013( .‬م)‪ .‬اللعبة املزدوجة‪ ،‬اسرتاتيجية الصدر يف العراق‪ .‬الدوحة‪ :‬مركز اجلزيرة للدراسات‪.‬‬
‫‪ .52‬كري ـ ــم‪ ،‬زان ـ ــا رؤوف مح ـ ــة‪2012( .‬م)‪ .‬السياس ـ ــة التش ـ ــريعية ف ـ ــي الع ـ ــراق‪ ،‬دراس ـ ــة تطبيقي ـ ــة ف ـ ــي التش ـ ــريعات‬
‫الدسـتورية‪ .‬السليمانية‪ :‬دار سـردم للطباعة و النشر‪.‬‬
‫‪ .53‬كـ ــرمي‪ ،‬حممـ ــد صـ ــابر‪2012( .‬م)‪ .‬التعدديـ ــة السياسـ ــية و اثرهـ ــا على السـ ــلطة التشـ ــريعية يف اقليم كوردسـ ــتان‪.‬‬
‫السليمانية‪ :‬اكادميية التوعية و تاهيل الكوادر‪.‬‬
‫‪ .54‬لويد دولربان‪ ،‬اللورد‪2007( .‬م)‪ .‬العراق من االنتداب اىل االستقالل‪ .‬بريوت‪ :‬دار العربية للموسوعات‪.‬‬
‫‪ .55‬مــار‪ ،‬فيــيب‪2006( .‬م)‪ .‬تــأريخ العــراق املعاصــر ‪ -‬العهــد العثمــاين‪ .‬ترمجة مصــطفى نعمــان امحد‪ .‬بغــداد‪ :‬املكتبــة‬
‫العصرية‪.‬‬
‫‪ .56‬مــالكي‪ ،‬حممــد‪2005( .‬م)‪ .‬الدســتور الــدميقراطي و الدســاتري يف الــدول العربيــة حنو اصــالح دســتوري‪ .‬القــاهرة‪:‬‬
‫دار النهضة العربية‪.‬‬
‫‪ .57‬اجملذوب‪ ،‬حممـ ـ ــد‪2002( .‬م)‪ .‬القـ ـ ــانون الدسـ ـ ــتوري و التنظيم السياسـ ـ ــي يف لبنـ ـ ــان‪ ،‬واهم النظم الدسـ ـ ــتورية و‬
‫السياسية يف العامل‪ .‬بريوت‪ :‬منشورات احلليب احلقوقية‪.‬‬
‫‪ .58‬حممـد‪ ،‬كـوردو رمحان‪2004( .‬م)‪ .‬حقـوق الشـعب الكـوردي يف ظـل الدسـاتري و القـوانني العراقيـة‪ .‬السـليمانية‪:‬‬
‫مطبعة زير‪.‬‬
‫‪ .59‬حمم ــود‪ ،‬حمم ــد امحد‪2010( .‬م)‪ .‬تع ــديل الدس ــتور‪ ،‬دراس ــة يف ض ــوء الدس ــتور الع ــراقي لس ــنة ‪ .2005‬بغ ــداد‪:‬‬
‫الدائرة االعالمية يف جملس النواب العراقي‪.‬‬
‫‪ .60‬املشاخيي‪ ،‬كاظم امحد‪2005( .‬م)‪ .‬تاريخ نشـأة احلـزب السـلمي العراقـي‪ .‬بغداد‪ :‬دار الرقيم للنشر و التوزيع‪.‬‬
‫‪ .61‬منـى‪ ،‬نعمـان‪2006( .‬م)‪ .‬قـرآت فـي الدسـتور العراقـي‪ .‬بغداد‪ :‬معهـد الدراسـات السـرتاتيجية‪.‬‬
‫‪ .62‬ميين‪ ،‬اوليفة دوهاميل وايف‪2000( .‬م)‪ .‬املعجم الدستوري‪ .‬ترمجة منري القاضي‪ .‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪.‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪158‬‬

‫‪ .63‬الناصرية‪ ،‬عبداهلل امام‪1971( .‬م)‪ .‬دراسة يف فكر مجال عبدالناصر‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الشعب‪.‬‬
‫‪ .64‬النعمان‪ ،‬سامل عبيد‪2007( .‬م)‪ .‬احلزب الشيوعي العراقي بقيادة فهد‪ .‬دمشق‪ :‬دار املدى للثقافة و النشر‪.‬‬
‫‪ .65‬هالل‪ ،‬على الدين‪ ،‬ونفني مسعد‪2008( .‬م)‪ .‬النظم السياسية العربية قضايا االستمرار و التغيري‪ .‬بريوت‪ :‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫‪ .66‬الوردي‪ ،‬علي‪2004( .‬م)‪ .‬حملات اجتماعية من تاريخ العراق احلديث‪ .‬بغداد‪ :‬املكتبة احليدرية‪.‬‬

‫المجالت والبحوث‬
‫‪ .1‬الب ــديري‪ ،‬علـ ــي‪2011( .‬م)‪« .‬انتخاب ــات اجلمعي ــة التاسيس ــية يف الع ــراق ‪ .»1924 1922‬جملـ ــة املستنص ــرية‬
‫للدراسات العربية و الدولية ‪.33-18 :)2(9‬‬
‫‪ .2‬البصيصــي‪ ،‬صــالح جبــري‪2008( .‬م)‪« .‬املعاهــدة الدوليــة كطريــق لوضــع الدســتور‪ ،‬يف ضــوء قــانون ادارة الدولــة‬
‫العراقية للمرحلة االتقالية»‪ .‬اجمللة مركز الدراسات الكوفة ‪.28-13 :)1(9‬‬
‫‪ .3‬البيـايت‪ ،‬سـحر حممـد جنيـب‪2008( .‬م)‪« .‬اسـاليب سـن الدسـاتري العراقيـة الصـادرة م ــن ع ــام ‪.»2005-1925‬‬
‫اجمللة البحـوث املستقبلية ‪.27-12 :)1(6‬‬
‫‪ .4‬اجلبــوري‪ ،‬صــالح عبــداهلادي‪2013( .‬م)‪« .‬كيــف وضــع أول دســتور عــراقي»‪ .‬جريــدة املدى اليوميــة ‪:)1(10‬‬
‫‪.29-14‬‬
‫‪ .5‬حـ ــافظ‪ ،‬عبـ ــدالعظيم جـ ــرب‪2010( .‬م)‪« .‬احلـ ــزاب السـ ــلمية العراقيـ ــة (دراسـ ــة نقديـ ــة) حـ ــزب الفضـ ــيلة السـ ــلمي‬
‫امنوذجـا»‪ .‬جملـة املستنصرية للدراسات العربية و الدولية ‪.31-16 :)2(11‬‬
‫‪ .6‬محيد‪ ،‬مخيس دهام‪2013( .‬م)‪« .‬احلزب السلمي العراقي‪-‬دراسة يف التنظيـم و الفكـار و املواقـف»‪ .‬اجمللة مــداد‬
‫الداب ‪.651-601 :)1(4‬‬
‫‪ .7‬خال ــد‪ ،‬محي ــد حن ــون‪2005( .‬م)‪« .‬ق ــراءة ف ــي قـ ــانون ادارة الدولـ ــة العراقيـ ــة للمرحلـ ــة النتقاليـ ــة»‪ .‬اجمللــة العلـ ــوم‬
‫القانوني ــة ‪.26-11 :)1(3‬‬
‫‪ .8‬الــدفاعي‪ ،‬علــى فاضــل‪2012( .‬م)‪« .‬مــن ارشــيف جلنــة كتابــة الدســتور العراقــي»‪ .‬جملــة حـوار الفكـر ‪:)2(10‬‬
‫‪.32-17‬‬
‫‪ .9‬ال ــديل‪ ،‬عب ــدالغين‪2005( .‬م)‪« .‬نظ ــرة مقارن ــة يف دس ــتور ‪1925‬و دس ــتور‪ .»2005‬جري ــدة املدى ‪:)1(11‬‬
‫‪.30-15‬‬
‫‪159‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬االجتاهات الفكرية واثرها يف صياغة الدساتري العراقية مابني ‪2003-1958‬‬

‫‪ .10‬رفيسـ ــر‪ ،‬رايـ ــد‪2006( .‬م)‪« .‬السيسـ ــتاين و الواليـ ــات املتحـ ــدة و الشـ ــأن السياسـ ــي العـ ــراقي من السـ ــكوتية اىل‬
‫امليكافيلية»‪ .‬اجمللة حوار الفكر ‪.35-23 :)1(5‬‬
‫‪ .11‬عبـ ــدالنيب‪ ،‬س ـ ـ ــعيد رش ـ ـ ــيد‪2008( .‬م)‪« .‬االبع ــاد احملليـ ــة واالقليمي ــة للمـ ــادة ‪ 140‬مـ ــن الدسـ ــتور العراقـ ــي لعـ ــام‬
‫‪ .»2005‬اجمللة العلـوم السياسـية ‪.186-184 :)1(7‬‬
‫‪ .12‬علـى‪ ،‬تغريـد عبـدالقادر‪2012( .‬م)‪« .‬اشـكالية الصــياغة التشــريعية فــي النــص الدســتوري ‪ ،‬دراســة عــن دســتور‬
‫مجهوريـة العـراق لسنة ‪ .»2005‬اجمللة احلقوق ‪.25-10 :)1(2‬‬
‫‪ .13‬كاطع‪ ،‬سناء كاظم‪2008( .‬م)‪« .‬مستقبل العلمانية يف العراق»‪ .‬اجمللة كلية الرتبية ‪.245-244 :)1(8‬‬

‫الرسائل واألطروحات‬
‫‪ .1‬ال ــراوي‪ ،‬ن ــاهض حس ــن ج ــابر‪2005( .‬م)‪« .‬مفه ــوم الس ــلطة يف فك ــر األح ــزاب السياس ــية الكوردي ــة العراقي ــة‬
‫املعاصرة»‪ .‬رسالة ماجستري‪ ،‬جامعة بغداد‪.‬‬
‫‪ .2‬ص ــبحي‪ ،‬ص ــباح‪2003( .‬م)‪« .‬األح ــزاب ودوره ــا يف التنش ــئة السياس ــية يف اقليم كردس ــتان الع ــراق»‪ .‬رس ــالة‬
‫ماجستري‪ ،‬جامعة صالح‪.‬‬

‫المواقع االلكترونية‬
‫‪ .1‬الثري‪ ،‬ابوأمحد‪2014( .‬م)‪« .‬حقيقـة انصـار السـلم يف كردسـتان العـراق»‪ .‬شـبكة سـحاب السـلفية ‪2( )5( 2‬‬
‫یونيو)‪ .‬متت املراجعة يف ‪.20/10/2022‬‬
‫‪http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=31421‬‬
‫‪ .2‬مجيــل‪ ،‬أمساء وفــاحل عبــداجلبار‪2013( .‬م)‪« .‬االحــزاب السياســية يف العــراق»‪ .‬دراســات عراقيــة ‪9( )19( 13‬‬
‫يونيو)‪ .‬متت املراجعة يف ‪.08/06/2022‬‬
‫‪http://www.iraqstudies.com/Home files/iraqreportarabic1.htm‬‬
‫‪ .3‬شجريي‪ ،‬امحد‪ 2016( .‬م)‪« .‬نشأة االحزاب السياسية العراقية بني الواقع والطموح»‪ .‬وكالة انباء براثا ‪)8( 3‬‬
‫(‪ 9‬يونيو)‪ .‬متت املراجعة يف ‪.08/06/2022‬‬
‫‪http://www.burath.com‬‬
‫‪ .4‬علــوان‪ ،‬حممــد‪2015( .‬م)‪« .‬املرجعيــة الشــيعية يف العــراق بني االحتاللــيني»‪ .‬الرشــيد ‪ 1( )11( 2‬مــايو)‪ .‬متت‬
‫املراجعة يف ‪.08/05/2022‬‬
‫‪http//www.alrashead.net/index.php?partd-ll&derid:728‬‬
‫االجتاهات الفكرية واثرها يف كتابة وصياغة الدساتري العراقية وباخلصوص الدستور العراقي لسنة ‪2005‬‬ ‫‪160‬‬

‫‪ .5‬العـ ـ ــودات‪ ،‬حممـ ـ ــد نـ ـ ــواف‪2017( .‬م)‪« .‬اخللیج العربيـ ـ ــة»‪ .‬اجلزيـ ـ ــرة ‪ 8( )9( 3‬يونيـ ـ ــو)‪ .‬متت املراجعـ ـ ــة يف‬
‫‪.08/05/2022‬‬
‫‪https://www.cte.univ-setif2.dz‬‬
‫‪ .6‬فرهـاد‪ ،‬حممـد أمحد‪2019( .‬م)‪« .‬تأسـيس احلزب الـدميقراطي الكوردسـتاين – العـراق»‪ .‬فرهـاد ‪21( )7( 14‬‬
‫أبریل)‪ .‬متت املراجعة يف ‪.09/06/2022‬‬
‫‪http://www.farhad-mohmmed.blogspot.com/2012/12/blog-post.html‬‬
‫‪ .7‬الكبيسي‪ ،‬عمر‪2017( .‬م)‪« .‬تأريخ االحزاب السياسية ونشؤئها يف العــراق املعاصــر»‪ .‬جريــدة اخبــار اخلليج ‪5‬‬
‫(‪ 12( )5‬مارس) متت املراجعة يف ‪.08/06/2022‬‬
‫‪http://www.akhbar-alkhaleej.com/12643/article/58286.htm‬‬
‫‪ .8‬لطفي‪ ،‬ح ــامت‪2016( .‬م)‪« .‬الدول ــة العراقي ــة وفك ــر منظومته ــا السياس ــية»‪ .‬الن ــاس ‪ 1( )18( 3‬أبري ــل)‪ .‬متت‬
‫املراجعة يف ‪.16/11/2022‬‬
‫‪http://www.al-nnas.com/ARTICLE/LHatam/20d4.htm‬‬
‫‪ .9‬موقــع اجلزيــرة نت‪2015( .‬م)‪« .‬احلركــة الســلمية يف كوردســتان العــراق»‪ .‬اجلزيــرة نت ‪ 17( )6( 5‬أبريــل)‪.‬‬
‫متت املراجعة يف ‪.05/08/2022‬‬
‫‪http://www.aljazeera.net/opinions/pages/b559b302-1336-4d29-b363-‬‬
‫‪ca488469602e‬‬
‫‪ .10‬املوق ــع الرس ــمي حلـ ــزب الـ ــدعوة السـ ــلمية‪2013( .‬م)‪« .‬الرقابـة بني تعـدد األجهـزة وضـعف الفاعليـة»‪ .‬الـ ــدعوة‬
‫الس ــلمية ‪ 10( )18( 3‬دیسمرب)‪ .‬متت املراجعة يف ‪.08/06/2022‬‬
‫‪http://www.aldaawa.org/main/2013-01-07-14-22-14/83-2013-01-16-11-22-‬‬
‫‪28.html‬‬
‫‪ .11‬موقع الرمسي للحـزب الســلمي‪2017( .‬م)‪« .‬املنهاج الداخلي للحزب السلمي العراقي»‪ .‬ح ــزب السـ ــلمي ‪( 5‬‬
‫‪ 15( )7‬مايو)‪ .‬متت املراجعة يف ‪.16/11/2022‬‬
‫‪http://www.iraqiparty.com/page/history_party‬‬
‫‪ .12‬اليعقـ ـ ـ ــويب‪ ،‬حممـ ـ ـ ــد‪2016( .‬م)‪« .‬خطابـ ـ ـ ــات مرحليـ ـ ـ ــة»‪ .‬يعقـ ـ ـ ــويب ‪ 10( )8( 2‬مـ ـ ـ ــايو)‪ .‬متت املراجعـ ـ ـ ــة يف‬
‫‪.20/10/2022‬‬
‫‪https://www.yaqoobi.com‬‬
Abstract
Intellectual trends have a great influence on the drafting of the constitution for
any country. There are Islamic tendencies and secular tendencies, and each of these
tendencies wants to draw up the constitution according to the ideas that it sees. In
Iraq, when he wanted to draw up the constitution for the year 2005, several
tendencies intervened and tried to impose their views on this constitution, the most
important of which are the Islamic, Kurdish and secular tendencies. Intellectual in
general is a group of interrelated beliefs and ideas that distinguish a certain group
from others, and this group of beliefs, ideas or attitudes may be limited to a few
people or may be shared by many, and may be shared by many. the entire nation or
several nations. It is confined to a small, isolated sect in a narrow patch of land. It
can be said that the intellectual trends are what he believes in, what he believes in,
and what the individual adopts of ideas in order to obtain his own view of life. The
constitution is of great importance in the life of the state, and it serves as a
document that defines the features of the political system, the form of the state, the
relationship between the authorities, and other issues of concern to the citizens of
the state. He believes that the constitution is a legal document and is the highest
level of the legal hierarchy of the state. As for the second view, he believes that the
constitution is a political document and it is a reflection of the ideology of those
holding political power in the state. From here comes the importance of this
research, as each stage of the modern history of Iraq has intellectual trends and
ideologies that drew its features on the constitution since the establishment of the
Iraqi state and the completion of the first constitution under the British occupation
in 1925 to the American occupation and the drafting of the 2005 constitution in
force under his protection and supervision; Intellectual trends had the greatest
impact on political life in general and on the way constitutions were drawn up. The
content of those constitutions in particular and still is.
Keywords: Intellectual Trends, the Constitution, Drafting the Constitution, Writing
the Constitution, the Constitutions of Iraq, the Iraqi Constitution of 2005.
University of Religions and Denominations
Faculty of Law

MA Thesis
Major: Law

Intellectual Trends and their Impact on the


Writing and Drafting of Iraqi Constitutions,
especially the Iraqi Constitution of 2005

Student
Aysar Mohammed Manea Alshihi

Supervisor
Dr. Hadi Hajzadeh

June 2023

You might also like