You are on page 1of 25

‫الوحدة األولى ‪:‬‬

‫مدخل فلسفي ‪ -‬سوسيولجي للجندر‬

‫• مفهوم الجندر‪:‬‬
‫‪-‬الجنوسة ارتبطت باللسانيات‪ ،‬والنحو‪ ،‬ونظرية األجناس األدبية واإلثنولوجية واألنثروبولوجية‬
‫‪-‬الجندر ارتبط بالعلوم االجتماعية واإلنسانية بصفة خاصة‪.‬‬

‫‪-‬تمحورت حول الجندر الدراسات النسائية في كافة المجاالت‪ :‬السياسية‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬


‫واالقتصادية‪ ،‬والبيولوجية الطبية‪ ،‬والنفسية‪ ،‬والعلوم الطبيعية‪ ،‬والقانونية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والتعليمية‪،‬‬
‫واألدبية‪ ،‬والفنية‪ ،‬وفضاءات العمل‪ ،‬والتوظيف‪ ،‬واالتصال‪ ،‬واإلعالم‪ ،‬والتراجم ‪ ،‬والسير الذاتية‬
‫‪،‬مما جعله بؤرة لبرامج ودراسات غير تخصصية بدأت تنشط في الكليات والجامعات الغربية‪.‬‬
‫‪-‬المحرك األساسي لمثل هذه الدراسات هو الدعوة التحررية التي تبنتها الحركات النسائية في‬
‫تركيزها على مفهوم الجنوسة كعامل تحليلي يكشف الفرضيات المتحيزة المسبقة في فكر الثقافة‬
‫عموما‪ ،‬والغربية خصوصا‪".‬‬
‫مفهوم الجندر‪ :‬لفظة أمريكية تنحدر من أصل التيني ‪،‬فهي تحيل على النمط‪ ،‬والمقولة‪،‬‬
‫والصنف‪ ،‬والجنس‪ ،‬والنوع‪ ،‬والفصل بين الذكورة واألنوثة ‪ ،‬المرادف الحقيقي لكلمة جندر هو‬
‫النوع االجتماعي‪ ،‬أو الدور االجتماعي‪.‬‬
‫• تشير لفظة الجنوسة إلى نظرية األجناس األدبية كتقسيم األدب إلى ما هو غنائي‪،‬‬
‫ودرامي‪ ،‬وملحمي‪ ،‬بل كانت اللفظة مستعملة أيضا في المنطق‪ ،‬وخاصة عند الحديث‬
‫عن الكليات الخمس كالنوع‪ ،‬والجنس‪ ،‬والفصل‪ ،‬والخاصة‪ ،‬والعرض العام‪.‬‬
‫• بعد ذلك‪ ،‬انتقل مفهوم الجنس إلى مفهوم النوع‪ ،‬فاستخدم في حقل السوسيولوجيا ألول‬
‫مرة في سنوات السبعين من القرن الماضي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫• وإذا كانت " الجنوسة اللغوية النحوية مجرد بناء أو تركيبة عرفية تقتضيها خصائص‬
‫اللغة‪ ،‬فإن التمييز النوعي الجنسي (البيولوجي) بين الذكر واألنثى هو تمييز تركيبي‬
‫مؤسساتي ثقافي‪ ،‬وليس خاصية بيولوجية طبيعية‪.‬‬
‫• ولهذا تصبح الجبرية البيولوجية مجرد إسقاط ثقافي ال علة طبيعية له في التكوين‬
‫البشري نفسه‪ .‬كما أن الجنوسة اللغوية النحوية ليست بنية ضدية‪ ،‬بل تتسع إلى تشعبات‬
‫متساوية ال تملي قيما هرمية‪ .‬من هذه الخصائص سعت الدراسات النسائية لدحض‬
‫دعوى الهرمية بين الذكر واألنثى التي اصطنعتها وأرستها الثقافة لكي تعطي الرجل‬
‫قيمة ال تعتمد على غير تكوينه البيولوجي‪ ،‬أما المرأة فتتدنى على السلم الهرمي ال سبب‬
‫سوى تكوينها الطبيعي‪.‬‬
‫✓ جاءت الجندرية لمجابهة ذلك التفاوت المصطنع بين الرجل والمرأة على أساس‬
‫بيولوجي ووراثي وعضوي‪ ،‬أو على أساس مجموعة من األحكام النوعية التي كانت‬
‫نتاجا لمجموعة من العوامل السياسية‪ ،‬والتاريخية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪،‬‬
‫والثقافية‪ ،‬والدينية‪ .‬في حين ‪ ،‬ثمة تماثل وتكامل بينهما عند أخذنا بالمقاييس العلمية‬
‫والمنطقية والتجريبية والواقعية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫" بدأت الدراسات النسائية بدحض مصداقية الجبرية البيولوجية‪ ،‬وأثبتت أن التكوين الجنسي ليس معيارا للقيم‬
‫الثقافية‪ ،‬بل إن القيم الهرمية إسقاطات ال يبرر تعسفها سوى التذرع بالتكوين الجنسي الذي ال يصمد أمام‬
‫الدراسات المخبرية التجريبية‪.‬‬
‫كما انبرت دراسات نسائية أخرى لتتقصى عالقات البنى االجتماعية في تفريقها بين الرجل والمرأة اعتمادا على‬
‫الجنوسة التي ال تبرر طبقية العالقة ‪ ،‬وال توزيع الفائدة واالعباء في المجتمع‪ ،‬وقد كشفت عن عالقة هذا الفصل‬
‫بالهيمنة والسلطة والتسلط وتكوين الهوية ومفهوم الذات‪ .‬إذ إن الفصل الحاد بين المذكر والمؤنث ارسى منظومة‬
‫مفاهيمية عازلة تجعل األنثى تفكر بطريقة تختلف عن طريقة تفكير الرجل في كافة المستويات‪ ،‬لعل أسوأها أن‬
‫األنثى تلعب الدور الذي اصطنعه لها الرجل ال تحيد عنه‪ ،‬وتقدم له من التبرير ما وضعه الرجل نفسه من‬
‫تبرير‪".‬‬

‫وترى أن أوكلي ‪ ،‬في كتابها ( الجنس‪ ،‬والنوع‪ ،‬والمجتمع) الذي صدر سنة ‪1972‬م‪ ،‬أن لفظة الجنس " تحيل‬
‫على مختلف الفوارق البيولوجية والفيزيولوجية والعضوية بين الرجل والمرأة؛ تلك الفوارق الناتجة عن الوراثة‬
‫والوظائف واألدوار الطبيعية المرتبطة بكل عنصر‪ .‬في حين‪" ،‬يرتبط الجندر بالثقافة"‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تحيل اللفظة‬
‫على مختلف التقسيمات االجتماعية الموجودة بين الرجل والمرأة‪ ".‬فكرة الذكورة واألنوثة مرتبطة بالوراثة‬
‫البيولوجية والعضوية في حال حديثنا عن الجنس‪ .‬في حين‪ ،‬ترتبط فكرة الذكورة واألنوثة بالثقافة في حال‬
‫حديثنا عن النوع أو الجندر‪.‬‬

‫وقد تحولت النظرة الجنسية ‪ ،‬عبر التاريخ‪ ،‬إلى النظرة النوعية أو الجندرية‪ ،‬على أساس أن البيولوجيا‬
‫هي التي تحدد طبيعة الكائن البشري‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فلقد دفعت هشاشة بنية المرأة بعض المتحاملين من المجتمع‬
‫إلى محاكمتها نوعيا‪ ،‬واجتماعيا ‪ ،‬وثقافيا‪ ،‬ودينيا‪ ،‬واقتصاديا ‪ ،‬كما يروج في الكثير من المجتمعات العربية‬
‫أن ‪:‬‬
‫" المرأة ناقصة عقل ودين"‪ .‬وقد بني هذا الحكم الثقافي والنوعي على البنية البيولوجية والجنسية‬
‫للمرأة‪ .‬وبهذا‪ ،‬يتحول الجنس إلى النوع على حد قول روبرت ناي‪.‬‬

‫*وإذا كان مفهوم الجنس يستعمل في تبيان الفوارق البيولوجية‪ ،‬وفي المقاييس اإلحصائية التي‬
‫تتعلق بقياس سيمات الذكورة واألنوثة ‪ ،‬فإن الجندر يستعمل في تحليل مختلف األدوار‬
‫والمسؤوليات والحاجات الخاصة بكل من الرجال والنساء‪ ،‬في كل مكان وسياق اجتماعي‪*.‬‬
‫✓ ال يتغير الجنس في عمومه‪ ،‬مادام له خاصية بيولوجية ثابتة مميزة للذكر ولألنثى على‬
‫حد سواء‪.‬‬
‫✓ معلومات مهمة عن مصطلح الجندر‪:‬‬
‫▪ إذا‪ ،‬يعني مصطلح الجندر المقارنة بين المرأة والرجل من خالل األدوار‬
‫السوسيولوجية التي يؤديها كل طرف على حدا تأثرا بالقيم السائدة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫▪ فالجندر مفهوم سوسيولوجي أكثر مما هو بيولوجي؛ ألنه يشير إلى مختلف األدوار‬
‫االجتماعية والثقافية التي تمارسها المرأة؛ تلك األدوار التي تتغير من فترة زمنية إلى‬
‫أخرى‬
‫▪ يرتكز مفهوم الجندر على مختلف العالقات الموجودة بين المرأة والرجل‪ ،‬والنضال من‬
‫أجل التحرر ‪ ،‬والكفاح من أجل تحقيق العدالة والمساواة مع الطرف اآلخر‪ ،‬والمطالبة‬
‫بالتنمية المجتمعية المستدامة للنهوض بأوضاع المرأة المتردية نحو ظروف أحسن‬
‫ومثلي‪.‬‬

‫‪-‬النوع‪ ،‬أو الجندر‪ ،‬هو نتاج الفوارق االجتماعية التي تخضع بدورها لمجموعة من العوامل‬
‫النفسية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والذهنية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والسياسية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يعد النوع‪ ،‬أو الجندر‪ ،‬موضوع‬
‫الدراسات السوسيولوجية‪.‬‬
‫‪-‬يدرس الجنس في البيولوجيا ‪ ،‬والطب‪ ،‬وعلم الوراثة ‪ ،‬والفيزيولوجيا‪...‬‬
‫❖ تاريخ وتسلسل أحداث تداول مصطلح الجندر‪:‬‬
‫‪-‬وقد كان مصطلح النوع االجتماعي متداوال في المراكز النفسية والطبية بالواليات‬ ‫‪.1‬‬
‫المتحدة األمريكية في سنوات الخمسين من القرن الماضي‪.‬‬
‫مفهوم النوع االجتماعي قد ارتبط بالحركة النسوية في سنوات السبعين من القرن‬ ‫‪.2‬‬
‫الماضي‪ ،‬عندما ثارت األنثى صارخة ومناضلة محتجة على الالمساواة بين الرجل‬
‫والمرأة ‪ ،‬وأرجعت ذلك إلى العوامل السياسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬واالقتصادية‬
‫أكثر مما أرجعتها إلى العوامل البيولوجية والوراثية‪.‬‬
‫‪-‬وفي سنوات الثمانين من القرن الماضي‪ ،‬ارتبطت المقاربة الجندرية بآثار السلطة‬ ‫‪.3‬‬
‫والمؤسسات الرسمية في خلق التفاوت الهرمي بين الذكورة واألنوثة‪ ،‬كما يبدو ذلك‬
‫جليا عند ميشيل فوكو ؛ وقد ارتبطت أيضا بالعنف الرمزي الذي يمارسه الرجل ضد‬
‫المرأة ‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا في منطق السطوة والهيمنة الذكورية كما عند بيير بورديو‬
‫في كتابه (الهيمنة الذكورية) ‪.‬‬
‫وفي سنوات التسعين من القرن الماضي‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬أضحى مفهوم الجندر متداوال‬ ‫‪.4‬‬
‫بكثرة في الكليات والجامعات ‪ ،‬وبالضبط في حقلي علم االجتماع والتاريخ‪ ،‬واستخدم‬
‫المفهوم في مختلف الحقول الفكرية والعلمية واألدبية‪ .‬وصار الحديث‪ ،‬اليوم‪ ،‬عن‬
‫المقاربة الجندرية في النقد األدبي عند تناول الكتابة النسائية أو األنثوية من جهة‪ ،‬والنقد‬
‫النسائي من جهة أخرى وعلى العموم‪ ،‬فلقد ارتبط مفهوم الجندر بمجموعة من‬
‫المؤتمرات والملتقيات الوطنية والدولية واإلقليمية والمنظمات غير الحكومية؛ حيث ركز‬
‫مؤتمر القاهرة للسكان سنة ‪1994‬م على المواضيع الجندرية بشكل كبير‪ ،‬وقد ترتب‬
‫على ذلك أن تكرر مفهوم الجندر في بيانه الختامي إحدى وخمسين مرة‪ ،‬وتكرر‬
‫المفهوم نفسه في مؤتمر بكين للنساء سنة ‪1995‬م حوالي ‪ 245‬مرة‪ .‬وقد استخدمته‬
‫األمم المتحدة ومنظماتها في كثير من البرامج والمشاريع التنموية والجندرية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مفهوم الجنس في الدراسات السوسيولوجية‪:‬‬
‫ان مفهوم الجنس هو المعطى الفارقي العضوي والفطري والطبيعي الذي يميز بين الذكر‬
‫واألنثى وفق معطيات فيزيولوجية وبيولوجية‪ ،‬يعني الجنس ‪ ،‬أو المقاربة الجنسية‪ ،‬أن ثمة‬
‫فوارق بيولوجية وفيزيولوجية بين الرجل والمرأة‪ ،‬وهذه الفوارق المختلفة بين الجنسين طبيعية‬
‫ال تثير أي إشكال على مستوى التفاوت والتمايز ‪ ،‬كان تقول الرجل أفضل من المرأة جسدا‪ ،‬أو‬
‫تقول المرأة أفضل من الرجل أنوثة‪ ،‬أو الولد هو المفضل مقارنة بالبنت كما في بعض‬
‫المجتمعات العربية المتخلفة‪.‬‬
‫تختفي هذه الفوارق البيولوجية المصطنعة التي يخلقها المجتمع‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تنعدم هذه الفوارق‬
‫بيولوجيا ووراثيا‪ ،‬على أساس أن المرأة لها بنية جسدية مخالفة لبنية الرجل لكي تتالءم البنيتان‬
‫معا مع مختلف األدوار التي أنيطت بهما مجتمعيا وجنسيا‪.‬‬
‫‪-‬أصبحت التمايزات الجنسية عادية وطبيعية وفطرية ال تستعمل سالحا لمواجهة كل واحد‬
‫منهما‪ ،‬بل يسلم كل شخص بسماته ومميزاته الطبيعية المخالفة لسمات اآلخر ومميزاته‪ ،‬وفي هذا‬
‫الصدد‪ ،‬يصعب الحديث عن المساواة البيولوجية والطبيعية والوراثية‪ ،‬وإال سيكون هذا نوعا من‬
‫الجحود واإلنكار واإللحاد‪ ،‬وعدم الرضا بقسمة هللا تعالى جل شأنه‪.‬‬
‫‪ -‬فلقد أصبحت هذه الفوارق الجنسية البيولوجية ميزة أساسية للتكامل بين الجنسين‪ ،‬وال سيما في‬
‫حالة الزواج اإلنجاب‪ ،‬وبناء األسرة‪ ،‬فالرجل له أدواره الخاصة كما تحددها طبيعته البيولوجية‬
‫والفيزيولوجية‪ ،‬وللمرأة أيضا أدوارها الخاصة والمتفردة كما تحددها بيولوجيتها الخاصة بها‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬يتعذر الدخول في المهاترات والمناقشات والسجاالت البيولوجية والجنسية والفيزيولوجية‬
‫التعديل ما رسمه القدر اإللهي باسم المساواة البيولوجية والجنسية؛ حيث يصبح الرجل امرأة‪ ،‬أو‬
‫تصبح المرأة رجال‪.‬‬
‫‪-‬وهناك من يرفض هذه الفوارق البيولوجية قطعا ‪ ،‬فيعدها فوارق مختلفة ومصطنعة مجتمعيا؛‬
‫حيث ترفض سيمون دوبوفوار‪ ،‬فكرة األنوثة من األصل‪ ،‬وترى أن المجتمع هو الذي وضع‬
‫المرأة في خانة األنوثة يدل نوع آخر‪ .‬ومن هنا‪ ،‬قالت قولتها المشهورة‪ ":‬إن المرأة ال تولد‪،‬‬
‫ولكنها تصبح ماهي عليه أي امرأة"‪ ،‬وطالبت بحرية المرأة لتتحرر من أن تكون مميزة على‬
‫أساس بيولوجي‪ ،‬ورفضت فكر األنوثة بأكملها التي عدتها إسقاطا ذكوريا‪".‬‬
‫‪ -‬إذا كانت الفوارق النوعية يمكن تجاوزها بالمساواة بين النوعين؛ ألنها فوارق مختلفة‬
‫ومصطنعة من قبل الجماعات والمجتمعات المختلفة لعوامل ثقافية‪ ،‬واجتماعية ‪ ،‬ودينية‪،‬‬
‫وسياسية‪ ،‬فيصعب تجاوز الفوارق البيولوجية والفيزيولوجية ؛ ألنها من صميم الوراثة الحية‬
‫لإلنسان‪ ،‬وخاضعة لعملية الخلق األولى‪ ،‬ونتاج للتكوين البشري الذي يتحكم فيه القدر الرباني‪.‬‬
‫ويعني هذا أن المرأة تحيض كل شهر‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فهي قادرة ‪ ،‬بيولوجيا‪ ،‬على الحمل واالرضاع‬
‫بذلك‪ .‬بينما الرجل عاجز عن ذلك‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫• االتجاهات الجندرية‬
‫يمكن الحديث عن تيارات سوسيولوجية مختلفة التي حاولت تفسير سبب االختالف وعدم‬
‫المساواة بين الجنسين‪ :‬الرجل والمرأة‪ ،‬ويمكن حصر هذه االتجاهات فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬يثبت االتجاه األول ‪:‬أن الفوارق البيولوجية والوراثية والفطرية والعضوية بين‬
‫الرجل والمرأة ليس دليال جندريا للتمييز بين النوعين‪:‬‬
‫ومحاكمة كال الطرفين‪ ،‬أو إنتاج صور نمطية سلبية ومشيئة حول دونية المرأة‪ ،‬أو‬
‫اإلساءة إليها‪ ،‬أو عدم إنصافها ماديا ومعنويا فهذه الفوارق طبيعية بين األنوثة والذكورة ال‬
‫تسمح بالتمييز بينهما جندريا ونوعيا‪ .‬ومن هنا " يميل الكتاب الذين يتبنون نظرية الفوارق‬
‫الطبيعية إلى االعتقاد بان تقسيم العمل بين الجنسين يقوم على أساس بيولوجي‪ .‬فالنساء‬
‫والرجال يقومون بالمهمات التي يصلحون لها بيولوجيا‪.‬‬
‫فإن العالم األنتروبولوجي جورج ميردوك يعتقد أن من األفضل واألكثر نفعا من الناحية‬
‫العملية أن تركز النساء على العمل البيتي وعلى المسؤوليات العائلية‪ ،‬بينما يتولى الرجال‬
‫العمل خارج المنزل‪ ،‬وخلص ميردوك بعد دراسة مقارنة لنحو مائتي مجتمع إلى أن تقسيم‬
‫العمل بين الجنسين موجود في جميع الثقافات‪ .‬وهو ال يعتبر ذلك نتيجة للبرمجة البيولوجية‬
‫بقدر ما يراه نتيجة منطقية لتنظيم المجتمع‪ ".‬يذهب االتجاه البيولوجي إلى أن الفوارق‬
‫العضوية والفسيولوجية طبيعية وفطرية‪ ،‬وليس أساسا للتمييز بين النوعين ‪.‬‬
‫يرى بعض الباحثين من االتجاه األول أن الفوارق البيولوجية والتشريحية والعضوية والوراثية‬
‫أساس الختالف السلوك بين الرجال والنساء‪ ،‬بمعنى أن " جوانب محددة في التكوين الجسمي‬
‫البيولوجي لإلنسان‪ -‬مثل الهرمونات والكروموسومات وحجم الدماغ والمؤثرات الجينية هي‬
‫المسؤولة عن فوارق قطرية في سلوك الرجال والنساء‪.‬‬
‫‪ -‬ويضيف هؤالء أنه يمكن مالحظة هذه االختالفات‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ ،‬في مختلف الثقافات‪ ،‬مما‬
‫يعني أن ثمة عوامل طبيعية تؤدي إلى الالمساواة بين الجنسين في جميع المجتمعات تقريبا‬
‫‪-‬وقد يشير هؤالء الباحثون إلى أن الرجال ال النساء هم الذين يشاركون في عمليات الصيد‬
‫والقنص والحرب في جميع الثقافات تقريبا‪ .‬وذلك يعني أن الرجال ‪ ،‬بحكم تركيبهم البيولوجي‪،‬‬
‫يتفوقون على النساء في نزعتهم العدوانية‪.‬‬
‫‪-‬ويعني هذا أن الفوارق البيولوجية هي التي جعلت المجتمعات تحاكم النوع األنثوي محاكمة‬
‫جندرية سلبية أو إيجابية‪ ،‬ولكن هذا ليس دليال قاطعا لمحاكمة المرأة من خالل ما هو بيولوجي‬
‫وعضوي‪.‬‬
‫‪ -‬وفي هذا‪ ،‬يقول جيدنز‪ ":‬وعلى الرغم من أنه ال يمكننا أن نرفض بصورة مطلقة الفرضية‬
‫القائلة ‪ :‬أن العوامل البيولوجية تحدد أنماط السلوك للنساء والرجال‪ ،‬فإن البحوث والدراسات‬
‫التي جرت على مدى مائة عام للتحقق من األصول الفسيولوجية لهذا األثر لم يحالفها النجاح‪.‬‬
‫‪-‬وليس ثمة دليل على اآلليات التي يمكن أن تربط بين القوى البيولوجية من جهة‪ ،‬وأنواع‬
‫السلوك االجتماعي المعقد التي تبدر عن الرجال والنساء والنظريات التي تعيد أن األفراد‬

‫‪6‬‬
‫ينصاعون لما يشبه النزعات الفطرية لديهم تتجاهل الدور الحيوي الذي يقوم به التفاعل‬
‫االجتماعي في تشكيل السلوك البشري‪".‬‬

‫‪-2‬االتجاه الثاني ‪ :‬ترفض النظريات النسوية هذا الرأي البيولوجي والعضوي‪ ،‬وتثبت أن‬
‫أساس االختالف الجندري مصدره ما هو مجتمعي وثقافي‪ ،‬وليس ما هو بيولوجي‪:‬‬
‫‪ -‬ومن هنا‪ ،‬ترى التوجهات النسوية أن تخصيص المهام واألنشطة في المجتمع ال يقوم على‬
‫أساس طبيعي وبيولوجي وعضوي المناص منه‪:‬‬
‫‪ " -‬إن حرمان النساء من ممارسة المهام والمهن واألعمال المختلفة في المجتمع ال يرجع إلى‬
‫خصائصهن البيولوجية؛ ألن البشر يمارسون أدوارا اجتماعية حددتها عملية التنشئة في السياق‬
‫الثقافي الذي يعيشون فيه‪ ".‬ويعني هذا كله أن االختالف البيولوجي هو المعيار الحقيقي للتمييز‬
‫بين األدوار الجندرية لدى الرجال والنساء‪ ،‬على أساس أن بنية كل شخص تصلح لدور معين‪،‬‬
‫وال تصلح لدور جندري آخر‪.‬‬

‫‪ -3‬يذهب االتجاه الثالث‪ :‬إلى أن الفوارق بين الرجال والنساء ليس مرده إلى العوامل‬
‫البيولوجية‪ ،‬بل هو نتيجة معتقدات ثقافية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬واقتصادية‪ ،‬ودينية‪ ،‬وتاريخية‪:‬‬
‫‪-‬وفي هذا‪ ،‬يقول أنتوني غدنز‪ ":‬غير أن األمر يتجاوز كثيرا مسألة االرتباك الذي يصيب الفرد‬
‫أو الجماعة أو المجتمع بمجمله بين "هو" الذي تحول إلى "هي" أو العكس إن تصوراتنا عن‬
‫الهوية الجندرية‪ ،‬بل عن التوجهات والعالقات والميول الجنسية‪ ،‬تشكل جانبا أساسيا من‬
‫شخصيتنا تبلور في مرحلة مبكرة جدا من حياتنا ‪ ،‬وأصبح راسخا في أعماق نفوسنا طيلة‬
‫العمر‪ ،‬ليس الجنس أو الجندر أمرا مقدرا منذ اللحظة التي تتكون فيها قبل تسعة أشهر من‬
‫والدتنا‪ ،‬بل إنها أمر تسهم نحن في صنعه وتنميته خالل حياتنا اليومية عبر تفاعلنا االجتماعي‬
‫مع اآلخرين‪ ،‬إثناء من الوجهة االجتماعية‪ ،‬لنتج وتعيد إنتاج الجندر من خالل آالف من األفعال‬
‫والممارسات التي نزاولها كل يوم "‬
‫‪ -‬ويعني هذا كله أن اإلنسان هو الذي يصنع الجندر بنفسه عبر الممارسات اليومية القائمة‬
‫على التصنيف والتمييز والتنميط والتنويع‪ .‬ليس الجندر قدرا حتميا يتحكم في اإلنسان‪ ،‬بل هو‬
‫نتاج السلوكيات البشرية التمييزية‪.‬‬
‫‪ -‬يركز االتجاه الوظيفي على التنشئة االجتماعية‪ ،‬وتعلم األدوار النوعية‪ ،‬بمعنى أن تربية‬
‫األطفال تسهم في تكريس الفوارق الجندرية بين الذكورة واألنوثة‪ ،‬فكل نوع عليه أن يدرك‬
‫هويته النوعية وأدواره الجندرية‪ ،‬ويتعرف إلى الواجبات التي سيقوم بها مستقبال في المجتمع‪.‬‬
‫‪-‬سيكتسب الطفل هويته الجندرية والنوعية‪ ،‬بما تسرب إليه من دروس حول الدور الذي‬
‫سيمارسه داخل البيت وخارجه‪ .‬كما تسهم األسرة والمدرسة واإلعالم والدين في ترسيخ هذه‬
‫األدوار الجندرية المختلفة بين الذكر واألنثى ‪ ،‬وخاصة في الدول العربية ‪ ،‬وتلزم البنات ببناتهن‬
‫في البيوت‪ .‬في حين‪ ،‬يدرس الذكور ويتعلمون في المدارس‪ .‬وأكثر من هذا يفضل الذكور على‬
‫اإلناث بسبب خشونتهم‪ ،‬وقدرتهم على العمل‪ ،‬ومساعدة رب األسرة ماديا ومعنويا‪ .‬في حين‪،‬‬
‫يتميز الصنف الثاني بالليونة والطراوة وعدم القدرة على تحمل األعمال الشاقة التي تتطلب‬
‫بنية جسدية قوية‪ .‬وهذا ما يؤدي إلى الالمساواة الجندرية التي تنتج‪ ،‬بدورها‪ ،‬عن هذه التنشئة‬
‫األسرية الفارقية المكتسبة من قبل األطفال منذ السنوات األولى‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫*** " يميل الوظيفيون إلى تبني نظريات التنشئة االجتماعية الجندرية‪ ،‬إذ يرون أن األوالد‬
‫والبنات يتعلمون األدوار المتصلة بجنسهم وهوياتهم‪ :‬ذكورا وإناثا‪ ،‬أي بالذكورة واألنوثة‬
‫المالزمة لها‪ ،‬وتتحكم بهم في هذه الحالة أنماط الجزاء اإليجابية والسلبية؛ أي القوى والمؤثرات‬
‫االجتماعية التي تحيد أو تنهى عن سلوك معين وإذا ما قام الفرد بممارسات جندرية ال تناسب‬
‫نوعه البيولوجي أي بسلوك منحرف‪ ،‬فإن تفسير هذا السلوك يكمن في قصور أو خلل في‬
‫تنشئته االجتماعية‪.‬‬
‫ويعتقد أنصار المدرسة الوظيفية أن مؤسسات التنشئة االجتماعية تسهم في الحفاظ على النظام‬
‫االجتماعي باإلشراف على التنشئة الجندرية التي تقوم بها على األجيال الجديدة‪ ".‬ترى الوظيفية‬
‫أن الفوارق البيولوجية والنوعية تحقق نوعا من التضامن والتكامل االجتماعيين‪ .‬ترى المقاربة‬
‫الصراعية أن التمييز بين النوعين يولد التوتر والحقد والتنافر والتجاذب والصراع بين الطرفين‪.‬‬
‫‪"-‬وقد عني تالكوت بارسونز زعيم المدرسة الوظيفية‪ ،‬بدور العائلة في المجتمعات الصناعية‬
‫وكان مهتما بصورة خاصة بتنشئة األطفال‪ .‬وهو يرى أن العائالت المستقرة التي تدعم أطفالها‬
‫هي المفتاح للتنشئة االجتماعية الناجحة‪ ،‬وهي العائالت التي يقسم فيها العمل بين الجنسين‬
‫بطريقة واضحة بحيث تؤدي اإلناث أدوارا تعبيرية" يوقرن فيها العناية واألمن لألطفال‪،‬‬
‫ويقدمن لهم الدعم العاطفي‪ .‬أما الرجال من ناحية أخرى فإن عليهم أن يؤدوا أدوارا مساعدة‬
‫أي‪ :‬يزودوا العائلة بمصدر الرزق والمعيشة‪ .‬ونظرا للضغوط المفروضة على دور الرجل‬
‫العامل‪ ،‬فإن النزعة التعبيرية والعاطفية لدى المرأة ستكون بمثابة عنصر استقرار وراحة‬
‫واطمئنان للرجل‪ ،‬وسيكون من شأن هذا التقسيم التكاملي للعمل القائم على أساس التمايز‬
‫البيولوجي بين الجنسين ‪ ،‬أن يؤمن التضامن للعائلة "‬
‫الشخص على‬
‫الذي‬ ‫بصورة آلية‬ ‫آثارها‬
‫آلية على‬ ‫تترك‬
‫بصورة‬ ‫تترك" ال‬
‫آثارها‬ ‫التنشئة‬ ‫عواملعوامل‬
‫التنشئة " ال‬ ‫والقوة) أن‬ ‫الجندر‬
‫والقوة) أن‬ ‫كتابه (‬
‫(الجندر‬ ‫نلفيفيكتابه‬ ‫يرى كو‬
‫كونل‬ ‫‪ --‬يرى‬
‫ممارسة‬
‫فيمحددة‪.‬‬ ‫المشاركة‬
‫بشروط‬ ‫ممارسةإلى‬
‫اجتماعية‬ ‫في الطفل‬
‫تدعو‬ ‫تفعلهإلىهو أن‬
‫المشاركة‬ ‫تدعوماالطفل‬
‫البلوغ‪،‬أنوجل‬
‫علىتفعله هو‬ ‫يوشك‬
‫وجل ما‬ ‫بلوغ‪،‬‬‫الذي‬ ‫الشخص‬
‫على ال‬ ‫يوشك‬
‫اجتماعية بشروط محددة‪.‬‬
‫‪ -‬وكثيرا ما ترتبط هذه الدعوى بمعنى اإلرغام‪ ،‬مع ممارسة ضغوط قوية عليه للقبول مع غياب‬
‫أي خيار بديل‪ .‬غير أن األطفال يرفضون االنصياع أو‪ ،‬بصورة أدق‪ ،‬قد يتحركون بحرية أكبر‬
‫في ميدان الجندرية‪ ،‬وقد يخلطون ويمزجون بين عناصر الجندر من كال االتجاهين‪ .‬فقد نصر‬
‫البنات في المدرسة على ممارسة األلعاب الرياضية التنافسية كما أن األوالد قد يرتدون ثيابا‬
‫تعتبر "بناتية" في نظر البعض‪ .‬وبينما تميل إلى الشك في التبني الكامل لفرضيات األدوار‬
‫الجنسية‪ ،‬فإن كثيرا من الدراسات قد أظهرت أن الهويات الجندرية هي‪ ،‬إلى حد ما‪ ،‬نتيجة‬
‫للمؤثرات االجتماعية‪".‬‬
‫‪ -‬يتبين لنا أن للتنشئة االجتماعية قوة خارقة في خلق الفوارق بين النوعين بسبب أنظمة التعلم‪،‬‬
‫وطرائق االتصال واإلعالم‪ ،‬ونوعية التكوين الذي تلقاء النوع في األسرة‪ ،‬والشارع‪ ،‬والمدرسة‪،‬‬
‫والجامعة‪ ،‬والنقابة‪ ،‬والحزب‪.‬‬
‫وهذا ما يثبته أنتوني غدنز بقوله " إن الجندرية تبين مفهوما يصنعه وينتجه المجتمع بحيث‬
‫يضفي أدوارا وهويات اجتماعية مختلفة على الرجال والنساء‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪-‬غير أن الفوارق الجندرية فلما تكون محايدة؛ ففي جميع المجتمعات تقريبا تمثل الجندرية‬
‫شكال مهما من أشكال التراتب والتدرج االجتماعي‪ ،‬وتشكل عامال أساسيا في بناء أنواع الفرص‬
‫وخيارات الحياة التي يواجهها األفراد والجماعات‪ .‬كما يلعب هذا العنصر دورا كبيرا في تشكيل‬
‫األدوار التي يقوم بها األفراد داخل المؤسسات االجتماعية التي تتراوح بين األسرة الضيقة‬
‫والدولة الواسعة‪.‬‬
‫‪-‬ومع أن أدوار الرجال والنساء تختلف من ثقافة إلى أخرى‪ ،‬فإننا ال نعرف أية ثقافة تتمتع‬
‫فيها اإلناث بقوة أكبر مما يتمتع بها الذكور‪ ،‬إذ إن أدوار الرجال تكون أعلى قيمة وقدرا وتقديرا‬
‫من أدوار النساء‪ ،‬فالنساء في جميع الثقافات تقريبا يتحملن المسؤولية األولى عن تربية‬
‫االطفال ورعايتهم‪ ،‬واألعمال المنزلية‪ ،‬بينما يتكفل الرجال في العادة بتدبير سبل المعيشة‬
‫للعائلة‬
‫‪ -‬وقد أدى تقسيم العمل السائد بين الجنسين إلى ترتيب الرجال والنساء في مواقع غير‬
‫متساوية من حيث القوة والوجاهة والثروة‪ .‬وعلى الرغم من التقدم الذي حققته النساء بدرجات‬
‫متفاوتة في أكثر بلدان العالم‪ ،‬فإن االختالفات الجندرية مازالت هي األساس الذي يقوم عليه‬
‫التفاوت االجتماعي‪ ،‬وأصبح هذا التفاوت من الموضوعات األثيرة في الدراسات االجتماعية‪،‬‬
‫وطرحت منظورات مختلفة لتفسير هيمنة الرجال المستمرة على النساء في الميادين االقتصادية‬
‫والسياسية والعائلية وغيرها‪ ".‬فاالختالف الجندري هو نتاج للتمثالت السياسية‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬
‫واالقتصادية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والتاريخية‪.‬‬

‫• مقومات الفلسفة الجندرية‬

‫‪ .1‬أن الفوارق الموجودة بين الرجل والمرأة ‪ .2‬الفوارق الموجودة بين الجنسين فوارق‬
‫هي مجرد فوارق بيولوجية وعضوية‪ ،‬وليست مختلفة ومصطنعة‪.‬‬
‫فوارق ثقافية ومجتمعية‪.‬‬

‫‪ .3‬تعود هذه الفوارق المختلفة إلى عوامل دينية‪ .4 ،‬التنديد بالالمساواة الثقافية والمجتمعية‪،‬‬
‫وسياسية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬واقتصادية‪ ،‬وذهنية‪ ،‬وثقافية ورفض التفاوت الطبقي واالقتصادي‬
‫والمجتمعي‪.‬‬ ‫ليس إال‪.‬‬

‫‪ .6‬تشكيل حركات السوية وحقوقية من أجل‬ ‫‪ .5‬الدعوة إلى التحرر من سطوة الرجل وهيمنته‬
‫النضال واالحتجاج ضد الهيمنة الذكورية‪،‬‬ ‫المعهودة‪.‬‬
‫وضد المجتمع البطريركي المستبد‪.‬‬

‫‪ .8‬الدفاع عن الجندرية الحقة‪ ،‬والوقوف في‬


‫وجه التقسيمات المجتمعية الظالمة؛‬ ‫‪ .7‬توظيف الكتابة النسائية والنسوية من أجل‬
‫المطالبة بكافة الحقوق المشروعة‪ ،‬سواء الطبيعية‬
‫منها أم المكتسبة‪.‬‬

‫‪ .10‬السعي الجاد نحو تحقيق مطلب التماثل‬ ‫‪ .9‬المطالبة بالمساواة‪ ،‬واإلنصاف بين النوعين‪،‬‬
‫والتكامل بين الجنسين والنوعين‪.‬‬ ‫وتحقيق العدالة االجتماعية؛‬

‫‪9‬‬
‫ترتكز الفلسفة الجندرية على مجموعة من الثوابت والمقومات الرئيسة‬
‫التي يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫✓ المقاربة الجندرية ومصطلحاتها‬
‫تعد المقاربة الجندرية ‪ ،‬أو مقاربة النوع مقاربة سوسيولوجية بامتياز‪ ،‬تعنى بدراسة العالقات‬
‫االجتماعية والثقافية الموجودة بين الجنسين (الذكر واألنثى)‪ .‬وغالبا‪ ،‬ما ترتكز هذه المقاربة على‬
‫المساواة بين النساء والرجال‪ ،‬والدعوة إلى احترام المرأة من جهة‪ ،‬ووضعها في المكانة الالئقة‬
‫التي تستحقها في المجتمع من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬فالمقاربة الجندرية هي تلك المقاربة التي تعنى بخصوصيات المرأة ومميزاتها الذهنية‬
‫والفكرية والوجدانية والحقوقية وترد هذه المقاربة في مجال األدب والنقد لإلشارة إلى ما كتبته‬
‫المرأة‪ ،‬وما تكتبه من منتجات إبداعية وفكرية نسائية ‪ ،‬وما ستكتبه من إبداعات ومقاالت‬
‫ودراسات أدبية في المستقبل‪ ،‬تهتم فيها بإنيتها الذاتية والكينونية والدفاع عن وجودها المتحرر‪،‬‬
‫ورغبتها في االنعتاق من إسار الرجل وقيوده المتنوعة‪ ،‬عالوة على التعبير عن قضايا المرأة‬
‫من حيث الذات والموضوع‪ ،‬ودعوتها إلى المساواة والعدالة والكرامة‪ ،‬و والنضال المستميت من‬
‫أجل نيل حقوقها الطبيعية والمكتسبة في ظل الشرعية القانونية واالنسانية‪.‬‬

‫‪-‬تختلط الكتابة الجندرية بالكتابة النسوية التي تتسم بطابعها النضالي‪ ،‬والحقوقي‪ ،‬والسياسي‪،‬‬
‫والحزبي‪ ،‬والنقابي‪ ،‬والمجتمعي وتعني الكتابة الجندرية أن كتابة األنثى مختلفة عن كتابة‬
‫المذكر بمجموعة من الخصائص على مستوى التجارب الذاتية والموضوعية‪ ،‬وعلى مستوى‬
‫الكتابة الفنية والجمالية‪ ،‬وعلى مستوى الوظائف والمقاصد المباشرة وغير المباشرة‪.‬‬
‫‪-‬فالمقاربة الجندرية هي تلك المقاربة التي تدرس المنتج األنثوي في عالقة بالمنتج الرجولي‪،‬‬
‫بالمقارنة بين اإلبداعين مضمونا وشكال ووظيفة‪ ،‬وتبيان مختلف السمات والمكونات التي يمتاز‬
‫بها األدب النسائي مقارنة بالكتابة الذكورية ‪ ،‬وتحديد أوجه التشابه واالختالف بين األدبين‪،‬‬
‫ورصد مختلف المميزات والخصائص التي تسم كتابة المؤنث في عالقتها بكتابة المذكر‪،‬‬
‫والسعي نحو تأسيس الهوية الجندرية للكتابة النسائية على سبيل التفرد‪ ،‬والتخصيص‪ ،‬والتميز ‪،‬‬
‫والغاء التمييز بين الجنسين مجتمعيا وثقافيا‪.‬‬
‫‪-‬لقد تبلورت الكتابة الجندرية في العالم العربي‪ ،‬وال سيما في الواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬
‫وإنجلترا‪ ،‬وكندا‪ ،‬وفرنسا ‪ ،‬والمانيا‪ ،‬وخاصة في فترة ما بعد الحداثة ‪ ،‬إذ اتخذت بعدا ثقافيا‬
‫بشكل خاص وعليه‪ ،‬تسعى الفلسفة الجندرية إلى تثبت ذلك التماثل الكامل بين الذكر واألنثى‪،‬‬
‫ورفض االعتراف بوجود الفوارق بين الذكورة واألنوثة على المستوى الجندري أو النوعي‪،‬‬
‫ورفض التقسيمات المختلفة والمصطنعة من قبل المجتمع ألسباب دينية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬وثقافية‪،‬‬
‫واجتماعية‪ ،‬واقتصادية حتى التي يمكن أن تستند إلى أصل الخلقة والوراثة والفطرة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪-‬ال تقبل هذه الفلسفة تلك المساواة التي تراعي الفوارق المختلفة بين الجنسين‪ ،‬بل تدعو إلى‬
‫التماثل الكامل بينهما في كل شيء ومن جهة أخرى‪ ،‬ترى الكتابة الجندرية أن االختالف بين‬
‫الذكورة واألنوثة نوعي باألساس‪ ،‬أساسه االعتبارات االجتماعية والثقافية‪ .‬أما االختالف‬
‫الجنسي‪ ،‬فأساسه وراثي وبيولوجي وعضوي كاألنجاب ‪.‬‬

‫‪-‬إذا كان الجندر ‪ ،‬في بدايته‪ ،‬يحمل دالالت بيولوجية من خالل التمييز بين الجنسين على أساس‬
‫الفوارق البيولوجية والفيزيولوجية‪ ،‬فإن الجندر سيتطور بفضل الحركة النسوية ‪ ،‬ليتخذ بعدا‬
‫اجتماعيا ثوريا‪ ،‬على أساس أن التمييز بين الجنسين ال يتحدد وفق المقترب البيولوجي‪ ،‬بل على‬
‫أساس األدوار والوظائف االجتماعية أي إن العمل المجتمعي والثقافي هو الذي يحدد مكانة‬
‫الجنسين معا‪.‬‬
‫‪ -‬فلقد كان مبدأ الجندر باعثا حقيقيا لخوض النضال النسوي من أجل تحقيق العدالة‬
‫المجتمعية‪ ،‬وفرض المساواة الكاملة بين الجنسين دون تمييز جنوسي‪ ،‬أو عرفي‪ ،‬أو هوياتي‪،‬‬
‫أو طبقي‪ ،‬أو مجتمعي‪ ،‬أو ثقافي‪ ،‬والكفاح أيضا من أجل إزالة الفجوة بين الجنسين والنوعين‬
‫معا‪ ،‬بخلق مجتمع عادل يتعايش فيه الطرفان بسالم وتماثل‪ ،‬ويتكامالن إنسانيا‪ ،‬وتعافيا‪،‬‬
‫واجتماعيا‪ .‬لذا‪ ،‬فلقد انتقل الجندر من النوع البيولوجي إلى النوع المجتمعي والثقافي‪.‬‬
‫" فالتركيز على الجندر بدال من التركيز على المرأة وثيق الصلة بالرؤية التي تقول‪ :‬إن‬
‫مشكالت المرأة ال تعود بشكل أولى للفوارق البيولوجية بينها وبين الرجل‪ ،‬ولكن بدرجة أكبر‬
‫إلى العوائق االجتماعية والفوارق الثقافية والتاريخية والدينية‪ ،‬وعليه فإن التقسيم النوعي وفقا‬
‫لمفهوم "الجندر" ليس تقسيما بيولوجيا جامدا‪ ،‬وإنما يستند إلى السياق العام الواسع الذي يتم من‬
‫خالله التقسيم االجتماعي للعمل‪".‬‬
‫❖ وتستند المقاربة الجندرية ‪ ،‬في مجال النقد األدبي ‪ ،‬إلى مجموعة من المرتكزات‬
‫والمقومات النظرية والتطبيقية التي يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫• دراسة األدب وفق منطق الجنس أو النوع ‪ ،‬أو وفق ثنائية الذكورة واألنوثة‪ ،‬ورصد مختلف‬
‫القضايا الجنسية والنوعية في النص أو العمل أو األثر االدبي؛‬
‫• التركيز على مجموعة من المفاهيم التي تتعلق بالجندر أو النوع‪ ،‬مثل‪ :‬الجسد‪ ،‬والجنس‪،‬‬
‫واألنوثة‪ ،‬والذكورة‪ ،‬والعنف ‪ ،‬والهيمنة الذكورية‪ ،‬والهوية‪ ،‬والتفاوت الهرمي والطبقي‪...‬‬
‫البحث عن مظاهر التميز واالختالف في الكتابة النسائية األدبية فيما يخص الجوانب الداللية‬
‫والفنية والجمالية والمقصدية‪.‬‬
‫• المقارنة بين األدب النسائي واألدب الرجولي من أجل تحديد نقط التشابه واالختالف بينهما‪.‬‬
‫• اإلصغاء إلى الشفرات األنثوية في النصوص األدبية النسائية الستكشاف أدبيتها وبنائها الثقافي‬
‫والنوعي‪.‬‬
‫• استجالء الرؤية المعرفية والثقافية للمرأة من خالل النصوص األدبية واإلبداعية‪.‬‬
‫• استكشاف الوعي الفكري والجمالي للمرأة األدبية من خالل الكتابة األدبية النسائية‪.‬‬
‫• ربط األدب بالنوع االجتماعي والثقافي ‪ ،‬ودراسة الهامش األنثوي في اللغة والخطاب‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫• رصد مميزات الكتابة األدبية النسائية مقارنة بالكتابة الذكورية‪ ،‬وتبيان خصائصها الدالية‬
‫والفنية والجمالية والمقصدية‪.‬‬
‫• التركيز على اإلشكاالت الرئيسة التي يطرحها األدب النسائي بصفة عامة‪ ،‬والنقد النسائي‬
‫بصفة خاصة‪.‬‬

‫وتعتمد المقاربة الجندرية على مجموعة من المفاهيم والمصطلحات كالجنس‪ ،‬والنوع‪ ،‬والفصل‪،‬‬
‫والجندر‪ ،‬والجنوسة‪ ،‬والمقاربة النوعية‪ ،‬والفوارق البيولوجية‪ ،‬والفوارق االجتماعية‪ ،‬والعوائق‬
‫الثقافية‪ ،‬والعوائق السياسية‪ ،‬والعوائق االقتصادية‪ ،‬والعوائق الدينية؛ والدور االجتماعي‪ ،‬وهوية‬
‫النوع‪ ،‬والحركة النسوية‪ ،‬والكتابة النسائية‪ ،‬والمساواة‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪ ،‬وحقوق‬
‫المرأة‪ ،‬والتحيز النوعي‪ ،‬والنقد الثقافي‪ ، ،‬والرجل والمرأة‪ ،‬والبطريركية‪ ،‬وما بعد الحداثة‪،‬‬
‫والمقارنة بين الرجل والمرأة‪ ، ،‬والنوع والقوة والسلطة والمؤسسات السياسية‪ ، ،‬والبعد‬
‫البيولوجي‪ ،‬والبعد الثقافي ‪ ،‬والتمايز المجتمعي‪ ،‬والتقسيم االجتماعي‪ ،‬والنظام الطبقي‪ ،‬وصراع‬
‫الطبقات االجتماعية ‪،‬ونظرية الجندر‪ ،‬والالمساواة‪ ،‬وأزمة الذكورة‪ ،‬والنسوية الليبرالية‪ ،‬والنسوية‬
‫الراديكالية المتطرفة‪ ،‬والعرق‪ ،‬والحرمان من األمومة‪ ،‬والعنصرية‪ ،‬واالضطهاد الطبقي‪ ،‬والتنمية‬
‫المجتمعية‪ ،‬والتنمية المستدامة‪ ،‬والعمل التنموي‪.‬‬

‫الفرق بين النوع والجنس ‪:‬‬


‫الجنس‪ :‬اما ذكر او انثى‪ ،‬تحدده اعضاء الجسم ووظائفه‪ ،‬يرجع الى االختالف البيولوجي بين‬
‫الجنسين‪ :‬الصبغيات واألعضاء التناسلية والوظيفة اإلنجابية والجينات ‪ ،‬وهو ثابت ال يتغير ‪،‬‬
‫يتعلق باألفراد‪.‬‬
‫النوع‪ :‬اما رجل او امرأة‪ ،‬تحدده األدوار االجتماعية والمسؤوليات والعالقات‪ ،‬يرجع الى‬
‫اسلوب تنظيم المجتمع‪ :‬العادات والتقاليد واالقتصاد والسياسة ‪ ،‬متغير بمرور الزمن وبتباين‬
‫داخل الثقافة الواحدة ومن ثقافة الى اخرى ‪ ،‬يتعلق بالمجتمع والمحيط والمؤسسات‪.‬‬

‫نهاية الوحدة األولى‬


‫"سقوط ريشة ال يعني سقوط طائر"‬

‫‪12‬‬
‫الوحدة الثانية ‪:‬‬
‫التيارات والموجات النسوية‬
‫• بدايات ظهور الحركة النسوية ‪:‬‬
‫بالرغم من مرور الحركة النسوية بالعديد من المراحل‪ ،‬إال أن مصطلح المدرسة النسوية‬
‫يشير في مجمله إلى "السرد الزمني للحركات واأليديولوجيات التي تهدف للمناداة بحقوق‬
‫المرأة"‪ ،‬وقد اختلفن النسويات حول نطاق وطبيعة هذه الحقوق‪ ،‬باختالف اإلطار الزمني‬
‫والثقافي والجغرافي للطرح‪ ،‬ولكن معظم المؤرخات النسويات أجمعن على أن جميع الحركات‬
‫التي تعمل على الحصول على حقوق المرأة ينبغي اعتبارها حركات نسوية‪ ،‬حتى إذا لم يطلقوا‬
‫هذه التسمية على أنفسهم‪.‬‬
‫أوال‪ :‬األهداف الرئيسية للمدرسة النسوية‬
‫سعت هذه المدرسة منذ بدايتها إلى تضمين العنصر النسائي في المجال العام‪ ،‬وتمكينه للعديد من‬
‫الحقوق‪ ،‬ومثلت المدرسة النسوية تحديا كبيرا للعديد من القواعد العامة التي تم ترسيخها وبنائها‬
‫بواسطة المدارس الفكرية والثقافية المختلفة‪ ،‬فبالرغم من تعدد المدارس واإلسهامات الفكرية‬
‫التي عملت على تحليل العالقات بين الجماعات المختلفة داخل المجتمع والدولة‪ ،‬إال أن أي من‬
‫هذه المدارس لم يتطرق من قبل للتركيز على المرأة كعنصر رئيسي داخل هذه الجماعات‪ ،‬فلم‬
‫يلعب العنصر الجندري أي دور يذكر‪ ،‬ولم يتم التركيز على خصوصية المرأة كعنصر منفصل‬
‫له العديد من الحقوق والمساحات التي لم يسبق للنساء الحصول عليها أو ممارستها‪ ،‬ولعل‬
‫أهم األسباب في ذلك يعود إلى الرؤية المجتمعية والثقافية الكالسيكية للمرأة قبل ظهور هذه‬
‫المدرسة‪ ،‬فكانت الرؤى الغالية تحصر دور المرأة الرئيسي في النطاق األسري‪ ،‬دون النظر في‬
‫المساحات األكبر من األسرة أو العائلة‪.‬‬
‫فقد مرت المدرسة النسوية بعدة مراحل وموجات‪ ،‬وخالل هذه المراحل شهدت العديد من‬
‫التطورات التي تحكم هيكل الحجج والمفاهيم الذي تعتمد عليه المدرسة من أجل تمكين المرأة في‬
‫المجاالت المختلفة‪ :‬السياسي واالجتماعي واالقتصادي‪ ،‬ولكن على الرغم من ذلك يمكن القول‬
‫إن المدرسة النسوية بشكل عام قد اعتمدت على عدد من المفاهيم الرئيسية خالل مراحلها‬
‫المختلفة من أجل تفسير الواقع السياسي وتأثير العالقات في المجال الخاص على نظيرتها في‬
‫المجال العام‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الموجات الثالث للنسوية‬
‫يجب أن تشير في البداية إلى أن المدرسة النسوية تعد من المدارس الفكرية األكثر تميزا عندما‬
‫يتعلق األمر بالحراك على األرض وتزامن هذا الحراك باإلنتاج الفكري والنظري؛‬

‫‪13‬‬
‫الموجة األولى‪:‬‬
‫أ‪ -‬المفاهيم الرئيسية لهذه المرحلة‪:‬‬
‫المساواة – االقتراع – المشاركة ‪ ،‬التحرر االضطهاد ‪ ،‬عدم التمييز‪ .‬ظهرت هذه المدرسة منذ‬
‫عام ‪ 1830‬وصوال إلى عام ‪ ،1920‬وقد ركزت على الجوانب القانونية واالجتماعية المرتبطة‬
‫بالمرأة‪ ،‬وقد قاد ت النسويات بكل من الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا "حركة تحرير‬
‫المرأة"‪ ،‬فالحركة في بريطانيا ظهرت مع خروج المملكة من استراليا‪ ،‬ومع بدايات اشتعال‬
‫الحرب العالمية األولى‪ ،‬وقد سعت هذه الحركة للقضاء على عدد من أشكال التميز بينها وبين‬
‫نظرائها من الرجال في ظل تحمل النساء لتكلفة الحرب كالرجال تماما‪ ،‬وأول الحقوق التي‬
‫ظهرت على السطح كانت الحق في االنتخاب‪ ،‬والذي كافحت النساء للحصول عليه في بريطانيا‬
‫وهو األمر الذي دفعهم إلشعال قبة البرلمان والتظاهر في ويستمانستر‪ .‬وعلى صعيد آخر نجد‬
‫أن الحركة النسوية في الواليات المتحدة األمريكية قامت بالتزامن مع حركة التخلص من‬
‫العبودية‪.‬‬
‫‪ -‬وقد ساهمت في هذه الحركة عدد من النسويات من أصل أسود مثل الكاتبة النسوية ذات‬
‫األصل األفريقي سوجوي ر نير تروث التي قامت بإلقاء خطاب شهير في أحد التجمعات النسائية‬
‫بعنوان "الست أعد امرأة أيضا "‪ ،‬وقد اقترنت الحركة النسوية بحركة التحرر من العبودية‬
‫بسبب أنه خالل تلك الفترة تمت مناقشة المادة الخامسة عشرة من الدستور األمريكي والتي‬
‫تحدد من له الحق في االنتخاب ‪ ،‬وقد انتهى األمر بإعطاء النساء الحق في التصويت ولكن‬
‫أقتصر هذا الحق على النساء البيض فقط‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحجج واألفكار الرئيسية للموجة األولى‪:‬‬
‫كانت األفكار األساسية التي بدأت بها الموجة األولى من المدرسة النسوية تركز بشكل رئيسي‬
‫على "التحرر" ومواجهة االضطهاد والالمساواة"‪ ،‬فكان الشعور باالضطهاد هي القضية التي‬
‫تأسست عليها النسوية في بداياتها؛ بسبب تردي أوضاع المرأة‪ ،‬فبدأت الحركة بالسعي إلى وقف‬
‫حالة االضطهاد التي تعاني منها المرأة‪ ،‬والمطالبة بحقوقها وتحسين أوضاعها‪.‬‬
‫‪ -‬وعلى رأس هذه المطالب كانت الموجة األولى تركز باألساس على المطالبة بـ "حق المرأة‬
‫في االقتراع"‪ ،‬وكانت الحجة الرئيسية التي اعتمدت عليها في سبيل الدفاع عن حق النساء في‬
‫التصويت هي "المساواة"‬
‫‪-‬فنجد أن الفكر الذي اعتمدت عليه هذه الموجة هو الفكر الليبرالي الذي يساوي بين مختلف‬
‫األفراد داخل المجتمع‪ ،‬وهذه المساواة نابعة من تمتع األفراد في مجملهم بذات القدرات العقلية‬
‫التي تمكنهم من التفكير والقيام بذات المهام العقلية بشكل متساوي يضمن تحقيق المصلحة‬
‫الجميع داخل المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬بدأت مسيرة النسوية األولى وأهم أفكارها وأطروحاتها من أساس أن "النساء يجب أن‬
‫يتمتعا بنفس الحقوق أسوة بالرجال في ظل تمتع النساء بذات القدرات العقلية" وأكدت رائدات‬
‫هذه المدرسة على أن التراجع في االنتاج الفكري النسائي‪ ،‬ال يعود لضعف قدراتهم العقلية‬
‫مقارنة بأقرنائهم من الذكور‪ ،‬وإنما يعود نتيجة لألدوار والنظرة المجتمعية التي لم تسمح للنساء‬
‫بالتحرك خارج هذا اإلطار‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪-‬وقد دعت بعض رائدات هذه الموجة من أمثال ماري ولستونكرافت إلتاحة التعليم لجميع‬
‫النساء الذي يعد من وجهة نظرهم األداة الرئيسية للتغلب على هذه الفجوة‪ ،‬ولتمتع النساء‬
‫بنوع من االستقاللية والرشادة عند اتخاذهم لقرارات مرتبطة بتسيير جوانب حياتهم المختلفة؛‬
‫ومن هنا لن يتم إنكار حقهم في التصويت بحجة غياب الرشادة والعقالنية عن اختياراتهم‬
‫الحياتية‪.‬‬
‫ولم تقتصر الكتابات الفكرية المدافعة عن حقوق المرأة على الكاتبات من النساء فقط‪ ،‬بل‬
‫ظهرت العديد من اإلسهامات للمفكرين الذكور ومنهم جون ستيوارت ميل‪ ،‬والذي تمثل إسهامه‬
‫في كتابه “استعباد النساء"‪ ،‬والذي دافع فيه دفاعا قويا عن حرية النساء‪.‬‬
‫ج‪ -‬أهم نتائج الموجة األولى‬
‫كانت البدايات للسعي إلى وقف حالة االضطهاد التي تعاني منها المرأة‪ ،‬والمطالبة‬ ‫‪.1‬‬
‫بحقوقها وتحسين أوضاعها‪ .‬في أمريكا وأوروبا‪ ،‬حيث بدأت في أمريكا الدعوة لحقوق‬
‫النساء في مؤتمر كبير في سينكا فولز عام ‪1848‬م شارك فيه أكثر من ‪ 300‬شخصية‬
‫منهم ‪ 40‬رجال‪ ،‬كان من أهم مطالبه وقف التمييز ضد النساء‪ .‬وقد اهتمت األمريكيات‬
‫بحق التصويت‪ ،‬والتعليم‪ ،‬وتحرير العبيد‪.‬‬
‫أما في إنكلترا فكان التركيز على حق التعليم والعمل وتعديل قوانين الزواج (حقوق‬ ‫‪.2‬‬
‫المتزوجات بالملكية والحضانة)‪ ،‬فقادت الناشطات النسويات حملة حضانة األطفال‬
‫‪1838‬م‪ ،‬ووثيقة المطالبة بحق الملكية للمرأة المتزوجة ‪1857‬م‪ ،‬وقد اتهمت الحركة‬
‫النسوية البريطانية بأنها تقصر اهتمامها على مشكالت بنات الطبقة الوسطى‪.‬‬
‫من الناحية النظرية نجد أن مثل هذه الدعوات حققت نجاحا كبيرا في األوساط‬ ‫‪.3‬‬
‫الفكرية‪ ،‬فنجحت في منح النساء في كل من الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا الحق‬
‫في التصويت‪.‬‬
‫كما بدأ انغماس النساء في المجال اإلنتاجي‪ ،‬ولكن اإلنجاز من الناحية التطبيقية ‪-‬وإن‬ ‫‪.4‬‬
‫كان جديدا وناجحا إلى حد ما‪ -‬إال أنه لم يساهم في تغير وضع المرأة بشكل‬
‫جوهري‪.‬حيث استمرت معاناة المرأة من االضطهاد في المجال الخاص‪ ،‬والتمثيل في‬
‫المجال العام‪ ،‬فباستثناء االعتراف بالحق في التصويت‪ ،‬لم ينتج قوانين أخرى لحماية‬
‫المرأة أو تمكينها من باقي حقوقها في المجال الخاص وفي المجتمع وغيرها من‬
‫المجاالت الوسيطة‪.‬‬
‫‪ -2‬الموجة الثانية‬
‫أ‪ -‬المفاهيم الرئيسية لهذه المرحلة‪:‬‬
‫‪ -‬ارتبطت هذه الموجة ببعض المفاهيم المختلفة مثل‪ :‬التنشئة االجتماعية الثورة الجندرية‬
‫الفلسفة األنثوية‪.‬‬
‫‪ -‬وتشير الموجة النسوية الثانية إلى فترة نشاط نسوية في الستينات والسبعينات‪ ،‬شأنها شأن‬
‫الموجة األولى التي كافحت من أجل حصول المرأة على حق التصويت‪،‬‬
‫‪ -‬ولكن ارتكزت الموجة الثانية بشكل أساسي كانت ذات نطاق أوسع وأكثر تنوعا من حيث‬
‫القضايا والموضوعات مثل عدم المساواة غير الرسمية (في الواقع) والنوع االجتماعي‬

‫‪15‬‬
‫واألسرة ومكان العمل والخالص من التمييز القانوني تبعا للنوع االجتماعي‪ ،‬وربما بطريقة‬
‫مثيرة للجدل بشكل كبير فيما يتعلق بالحقوق اإلنجابية‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحجج واألفكار الرئيسية للموجة الثانية‪:‬‬
‫تباينت األفكار والحجج لهذه الموجة بين تيارين رئيسيين داخل الحركة النسوية‪:‬‬
‫التيار األول‪ :‬ويدعو لتحقيق المساواة للمرأة في المجال الخاص وبالتحديد المساواة في مجال‬
‫العمل وفي الواجبات المنزلية‬
‫‪-‬ويعتمد هذا التيار على تفسير تقسيم األدوار بين الرجل والمرأة بناءا على وسائل التنشئة‬
‫االجتماعية‪ ،‬فذلك االتجاه يؤمن بدور القيم والمعايير في التأثير على سلوك األفراد‬
‫‪ -‬فنجد أن الذكور يتعلمون نمطا معينا من السلوك يقوم على تجنب العاطفة والحرية‬
‫والتنافس بينما على النقيض تماما تقوم المرأة على مفاهيم الطاعة والخضوع وعدم التعبير‬
‫عن الرأي وذلك هو سبب استبعاد المرأة من عديد من األنشطة التي يتصدرها الرجل بما فيها‬
‫المشاركة السياسية والقدرة على صنع القرار‪ ،‬وهو ما يرفضه هذا التيار‪ ،‬ويرى الحل في إعادة‬
‫التوصيف والترتيب لمكانة المرأة في المجتمع باالعتماد على وسائل ورؤى جديدة للتنشئة‬
‫االجتماعية والسياسية التي تقوم على رفض التمييز ضد النساء وذلك بهدف تمتعها بجميع‬
‫حقوقها السياسية والمدنية في المجتمع‪.‬‬
‫التيار اآلخر‪ :‬تمثل في النسوية الراديكالية ‪:‬‬
‫‪-‬التي رأت أن الحقوق السياسية التي كفلها القانون للمرأة‪ ،‬لم تنجح في تمكين المرأة من حقوقها‬
‫األخرى في المجال االجتماعي واالقتصادي‪،‬‬
‫‪-‬ولذلك فإن الحل يكمن في القضاء على النظام األبوي السائد‪ ،‬وذلك من خالل الدعوة لبدء‬
‫ثورة جندرية على هذا النظام لتمكينهم من حقوقهم وخاصة الحقوق المرتبطة بالحرية‬
‫الجنسية‪ ،‬حيث أمنت هذه الحركة أن قمع النساء يبدأ من العالقات الحميمة‪ ،‬ومن أشهر‬
‫المفكرات في هذا التيار أدريان ريتش‪.‬‬
‫‪ -‬الحجة الرئيسية التي اعتمدت عليها هذه الموجه لرفض االتجاه النسوي في موجته األولى‬
‫وتعامله مع قضية الجندر تتمثل في الطبيعة الليبرالية التي تميل للتعميم‪ ،‬والتركيز على‬
‫المساواة الرسمية بين أفراد المجتمع‪ ،‬وتجاهل خصوصية بعض الجماعات داخل المجتمع‪.‬‬
‫وهو ما كان عليه الوضع في حالة المرأة‬
‫‪ -‬حيث إن النظرية الليبرالية تتجاهل الخصوصية التي تتمتع بها المرأة داخل المجتمع؛‬
‫فالنظرية الليبرالية تعمد للفصل فيما بين المجال العام والمجال الخاص‪ ،‬والمجال العام في‬
‫المطلق يسيطر عليه مبادئ الصالح العام‪ ،‬والحكم باالستناد على العقل‪ ،‬بينما المجال الخاص‬
‫تسيطر عليه مبادئ الرغبة الفردية والعاطفة‪.‬‬
‫‪-‬وألنه تاريخيا كان يتم قصر دور المرأة على المجال الخاص‪ ،‬بجانب دور المرأة في العملية‬
‫اإلنجابية وتربية ورعاية األطفال‪ ،‬فإن النظرة العامة للمرأة مازالت تقتصر دورها وقدراتها‬
‫على المجال الخاص دون العام‪ ،‬والمجال العام لم يفقد النظرة الرجولية التي ترتبط به على‬
‫الرغم من تمتع النساء بحق التصويت‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪-‬الحجة الفرعية التي استخدمتها هذه المدرسة لتدعيم هذا الطرح تمثلت في أن دخول المرأة‬
‫أيضا إلى المجال العام‪ ،‬يفرض عليها التصرف وفقا للمنظور الذكوري المسيطر على المجال‬
‫العام‪ ،‬وهو ما يعني أن المرأة يجب أن تزيل عنها الطابع األنثوي الذي تتمتع به‪ ،‬حتى يتم قبولها‬
‫لتكون فاعال داخل المجال العام‪ ،‬وحتى تسير وفقا للنموذج الذكوري الذي تم وضعه وترسيخه‬
‫سابقا في المجال العام بواسطة الرجل‪.‬‬

‫‪-‬ومن رواد هذه الموجة المفكرة الفرنسية سيمون دي بوفوار صاحبة الكتاب األكثر‬
‫شهرة بعنوان "الجنس اآلخر"‪ ،‬تناولت فيه تحليل مفصل حول تاريخ اضطهاد المرأة‪ .‬وناقشت‬
‫سؤالين مركزيين‪" :‬كيف وصل الحال بالمرأة إلى ما هو عليه اليوم (أي أن تكون "اآلخر"؟)‬
‫وماهي األسباب لعدم تكتل النساء سوية ومواجهة الواقع الذكوري الذي فرض عليهن ‪ ،‬ووضع‬
‫هذا الكتاب مسبقا في الفاتيكان على قائمة الكتب المحزمة‪ ،‬وألغيت هذه القائمة عام‪.1966‬‬
‫ج‪ -‬أهم نتائج الموجة النسوية الثانية‪:‬‬
‫ارتبطت هذه المرحلة بتأسيس الناشطون النسويون لمجموعة من األعمال النسوية‪ ،‬بما في ذلك‬
‫المكتبات النسائية‪ ،‬والنقابات االئتمانية النسوية‪ ،‬والمطابع النسوية‪ ،‬وكتالوجات البريد النسائي‪،‬‬
‫والمطاعم النسوية‪ ،‬وعالمات التسجيل النسوية‪ .‬وازدهرت هذه األعمال كجزء من الموجتين‬
‫الثانية والثالثة من النسوية في السبعينات والثمانينات والتسعينات‪.‬‬
‫‪-‬ولكن التوجه المتطرف للتيار الراديكالي في هذه الموجة عرض رواد النسوية للعديد من‬
‫االتهامات‪ ،‬على رأسها االدعاء بأن هذه المدرسة تسعى لتدمير مؤسسة األسرة‪ ،‬أو التحريض‬
‫ضد الذكور‪ ،‬وأن مثل هذه الرؤى والمطالب سوف تحول المجال العام – أو الخاص إلى ساحة‬
‫للصراع فيما بين الرجل والمرأة‪ ،‬وهو األمر الذي من شأنه أن يدمر بنيان المجتمع والدولة‬
‫الحديثة‪.‬‬
‫‪-‬وتعرضت الحجج واألطروحات التي قدمتها هذه الموجه للعديد من االنتقادات من الناحية‬
‫النظرية والعملية‪ ،‬فمن الناحية العملية نجد أن هذه الموجه عمدت إلى تعميم التجربة النسائية‬
‫للنساء الغربيات ذوي األصول البيضاء المنتمين للطبقة الوسطى لتكون بمثابة النموذج الذي‬
‫يتم الرجوع إليه في التعامل مع النساء عموما بغض النظر عن االختالفات في اللون والمجتمع‬
‫والتفضيالت الجنسية لدى النساء من جميع أنحاء العالم‪ ،‬وهو ذات االنتقاد الذي وجه للنظرية‬
‫الليبرالية التي تعمد للنظر لألفراد باعتبارهم متساويين بغض النظر عن الجوانب االجتماعية‬
‫والبيولوجية التي تؤثر على تكوين وتوجهات األفراد كل على حدة‪.‬‬
‫‪-‬فالنظرية النسوية رأت أن التحدي األوحد الذي يواجه تقدم المرأة ومشاركتها في الحياة‬
‫السياسية واالجتماعية بشكل متساوي مع الرجل‪ ،‬يتمثل في التمييز القائم على أساس النوع‪،‬‬
‫وهو األمر الذي يتجاهل التمييز العنصري الذي تعاني منه المرأة السوداء بجانب معاناتها من‬
‫التمييز على أساس النوع‪ ،‬كما إن المرأة العاملة تعاني من التمييز في بيئات العمل المختلفة التي‬
‫لم تتضمنها النظرية النسوية في تيارها الثاني‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -‬هذه الموجة لم تراعي االختالفات فيما بين النساء في الجوانب االثنية والطبقية والدينية‬
‫والعرقية التي تساهم في تشكيل هويتهم بخالف كونهم نساء‪ .‬ومن الناحية النظرية نجد أن‬
‫مبدأ المساواة الليبرالي هو المبدأ الوحيد الذي يضمن للمرأة التمتع بذات الحقوق‪ ،‬كما إن‬
‫رفض الموجة الثانية لهذا المبدأ قد يفتح المجال للتسامح مع بعض الممارسات التقليدية التي‬
‫تضمن نوع من التمييز ضد المرأة تحت مبرر أن هذا يتناسب مع طبيعتها والخصوصية‬
‫البيولوجية التي تتمتع بها‪.‬‬

‫‪ -3‬الموجة الثالثة‬
‫‪-‬امتدت هذه الموجة منذ الثمانينات والتسعينات‪ ،‬ظهرت الموجة الثالثة كنتيجة للتطرف في‬
‫األفكار واالتجاهات التي طرحتها الموجة الثانية‪ ،‬فجاءت باعتبارها ردة فعل على فشل الموجة‬
‫السابقة‪ ،‬وهدفت إلى تعديل وتنقيح الطرح النسوي‪.‬‬
‫‪-‬ارتأت الموجة الثالثة وجود أكثر من نموذج أنثوي وفقا لألوضاع االجتماعية والثقافية والعرقية‬
‫والجنسيات والدين‪ ،‬على عكس الثانية التي اعتقدت بوجود نموذج واحد فقط‪ .‬وركزت الموجة‬
‫الثالثة على القضايا المتعلقة بالجنس البشري والطبقة االجتماعية ونوع الجنس‪.‬‬
‫‪ -‬وتميزت بالتعدد واالبتعاد عن األيدلوجية وكسر االحتكار‪ .‬وبذلك تختلف عن الموجة األولى‬
‫التي منحت المرأة حق االقتراع وعن الثانية التي كانت تعكس خبرات الشريحة العليا من الطبقة‬
‫الوسطى للمرأة البيضاء في سعيها لتمكين المرأة االقتصادي والسياسي‪ ،‬وكانت الكاتبة‬
‫األمريكية ريبيكا ووكر أول من استخدمت مصطلح الموجة النسوية الثالثة في كتابها‬
‫أ‪ -‬المفاهيم األساسية للموجة الثالثة‪:‬‬
‫‪-‬الموجة الثالثة قد قادها الفكر وليس الحركة‪.‬‬
‫‪ -‬حيث نجد أن األكاديميات من النسويات قد سعين لتشكيل تأصيل لبدايات هذه الموجه من‬
‫خالل إدماج فئات أخرى داخل الحركة النسوية والتطرق لعدد من القضايا الحساسة المتعلقة‬
‫بالجندر‪.‬‬
‫‪ -‬باإلضافة إلى استحداث عدد من المصطلحات والمفاهيم مثل‪ :‬التمييز على أساس الجندر‬
‫والتمييز الجندري األثيني‪ ،‬وذلك بالتزامن مع الحديث عن فئات أخرى داخل الحركة النسوية‬
‫بخالف النسويات المستقيمات‪ ،‬حيث تم التطرق للنسويات العابرات جنسيا‪ ،‬والنسويات مثليات‬
‫الجنس ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحجج واألفكار الرئيسية للموجة الثالثة‪:‬‬
‫‪-‬تمثل الحجة الرئيسية للموجة الثالثة في ضرورة تحقيق التوازن فيما بين الشمولية الليبرالية‬
‫والخصوصية التي تتمتع بها الجماعات‬

‫‪ -‬مثال نجد أن اريس يانج قد طرحت نموذجا يعرف ب (نموذج غياب التجانس فيما بين‬
‫العامة) ‪ ،‬حيث يرفض هذا النموذج عدد من المبادئ الليبرالية التي ترى أن المجتمعات‬
‫االنسانية تتميز في مطلقها بالتجانس‪ ،‬والحياد والعقالنية المعيارية‪،‬‬

‫‪18‬‬
‫وهي بدورها تعد مبادئ تتجاهل التجربة التاريخية والعوامل البيئية األخرى التي تؤثر على‬
‫الوعى اإلنساني‪ ،‬وهو ما يعني استحالة اعتبار هذه المبادئ حقيقة مطلقة تطبق على جميع‬
‫المجتمعات بدون استثناء‪.‬‬
‫‪ -‬كما إن المساواة فيما بين األفراد في بعض األحيان قد تؤدي لتهميش بعض األفراد‬
‫والجماعات داخل المجتمع التي ال تمتلك القوة وال القدرة للتعبير عن ذاتها واحتياجاتها‪ ،‬ومن‬
‫هنا جاءت الحركة النسوية بفكرة الكوتة أو التمكين والتقوية التي تعزز من قوة الجماعات‬
‫المستضعفة وتمكنهم من تمثيل مصالحهم بشكل يضاهي الجماعات النسبية التي تتمتع بالقوة‬
‫النسبية‪.‬‬
‫‪ -‬ومن األفكار المميزة لناشطات الموجة الثالثة‪ ،‬عدم اقتناعهم بأن أن التحرر يتمثل نسخ تجربة‬
‫اآلخرين‪ ،‬أو تقليد ما فعلته الحركات النسوية السابقة‪ ،‬بل يعني أن نجد طرقنا الخاصة للحرية‪،‬‬
‫وأن تكون أصيلة ونابعة من رغباتنا وقناعاتها وظروفها‪ ،‬كما يمكن أن تغير مع كل جيل‪ ،‬ومع‬
‫كل فرد ومع كل ثقافة ولون‪.‬‬
‫ج‪ -‬أهم نتائج الموجة النسوية الثالثة‪:‬‬
‫‪-‬دعت الناشطات النسويات في هذه المرحلة إلى شخصية جديدة للنسوية وتم التركيز على‬
‫التقاطع بين العرق والجندر‪ .‬مما أدى إلى أهم نتائج هذه المرحلة وهي تزايد نسبة عدد‬
‫الناشطات النسويات الملونات واألسيويات‪ ،‬كما تزايد عدد السياسيين من األقليات الذين‬
‫يتبنون خطابا نسويا جديدا يركز على جذب الشابات من النساء‪.‬‬
‫‪-‬فمن الكاتبات الالتي اشتهرن بارتباطهن بالموجة الثالثة‪ ،‬الكاتبة السوداء بل هوكس‪ ،‬وتوني‬
‫موريسون الروائية االفرو‪ -‬أمريكية‪ ،‬حاملة نوبل لآلداب‪ ،‬وآسيا جبار الجزائرية التي تكتب‬
‫الرواية والشعر بالفرنسية‪.‬‬
‫‪ -‬فنجحت الموجه الثالثة في إرساء جذور عملية السعي االجتماعي والسياسي التي ال تبدأ وال‬
‫تنتهي بالطبقات الوسطى البيضاء‪ ،‬وتناولت ناشطات الموجة المشكالت المختلفة والمتنوعة التي‬
‫تبدو أنها تؤدي إلى اضطهاد النساء مثلها مثل كل الهويات المهمشة‪.‬‬
‫‪-‬وعندما تكون المرأة ملونة أو تنتمي للعالم الثالث فأنها بذلك تعبر عن هامش الهامش وهنا‬
‫تأتي خصوصيتها وأهميتها أيضا‪ .‬فتناولت أن بروكس مثال مطالب الثقافات المهمشة‬
‫والمستعمرة وثقافات الشتات من أجل خلق نسوية غير مهيمنة قادرة على التعبير عن‬
‫التيارات النسوية المحلية األصلية في مرحلة ما بعد االستعمار‪.‬‬
‫‪-‬وأثمرت هذه الموجة عن أهم اإلنجازات للمدرسة النسوية تمثلت في إعالن األمم المتحدة أن‬
‫السنوات بين ‪1976‬م و‪ 1985‬م هي عقد المرأة‪ ،‬وفي عام ‪1979‬م أعلنت لجنة المرأة التابعة‬
‫لألمم المتحدة عن وثيقة عالمية هي وثيقة اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة ‪ ،‬والتي‬
‫وضعت للحد من التمييز على أساس الجنس‪ ،‬وقد كانت هذه الوثيقة سببا في نشر أفكار النسوية‬
‫على نطاق عالمي بشكل أكبر‪ ،‬وبشكل إلزامي‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ثالثا‪ :‬انتقادات المدرسة النسوية‪ ،‬والهور المدارس النسوية المتفرعة‬
‫واجهت المدرسة النسوية بكافة مراحلها العديد من أوجه الرفض والهجوم‪ ،‬ولعل السبب في ذلك‬
‫يعود للرؤية التي جاءت بها المدرسة النسوية بطرح العنصر النسوي بشكل منفصل على‬
‫الساحات العلمية والعملية والثقافية والدينية‪ ،‬وهو األمر الذي عرض الفكر النسوي في مجمله‬
‫للعديد من االتهامات‪ ،‬على رأسها االدعاء بأن هذه المدرسة تسعى لتدمير مؤسسة األسرة‪ ،‬أو‬
‫التحريض ضد الذكور‪ ،‬وأن مثل هذه الرؤى والمطالب سوف تحول المجال العام ‪ -‬أو الخاص‬
‫إلى ساحة للصراع فيما بين الرجل والمرأة‪.‬‬
‫وهو األمر الذي حاول العديد من المفكرين معالجته‪ ،‬فظهرت العديد من التوجهات والمدارس‬
‫النسوية المتفرعة‪ ،‬كمحاولة إلصالح وتقويم الفكر النسوية والتصدي لالتهامات الموجهة له‪،‬‬
‫وذلك بمراعاة تنوع وتعدد األطر االجتماعية والثقافية والجغرافية والدينية‪ ،‬ففي كل فترة يقوم‬
‫عدد من المفكرين بإعادة رصد ألهم أفكار ورؤى المدرسة النسوية‪ ،‬ومحاولة مواءمتها مع‬
‫األطر الزمنية واالجتماعية والثقافية المختلفة‪ .‬وكنتيجة لذلك ظهرت العديد من المدارس الفرعية‬
‫للفكر النسوي‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬الحركة النسوية السوداء‬
‫وهي مدرسة الفكر الذي تجادل في قضية التمييز على أساس الجنس أو العرق‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫االضطهاد الطبقي والهوية الجنسية والعنصرية حيث انهما مرتبطان ارتباطا وثيقا وهذه‬
‫المفاهيم تتقاطع مع ببعضها البعض‪ .‬ومن هذا المنظور طرحت كيمبرلي كريشنو نظرية‬
‫"تقاطع"‬
‫‪ -‬كمحاولة لتحليل تجارب النساء الملوثات‪ ،‬وتقاطع التفرقة العرقية والجندرية التي تواجهها‬
‫النساء الملونات على مستوى النظام القانوني والقضائي والحق في الخدمات العامة والقدرة على‬
‫النفاذ إليها‪ .‬وتطورت النظرية بعد ذلك لتشمل جميع تقاطعات أشكال وأنظمة القهر والهيمنة‬
‫والتمييز‪ ،‬وتقاطعها مع الجندر (النوع االجتماعي) واإلثنية واللون والطبقة االقتصادية‬
‫واالجتماعية والميل الجنسي والتوجه الجندري والقدرات العقلية والجسدية‪ ،‬لتفكيك وفهم تجارب‬
‫النساء المركبة‪.‬‬
‫‪ -‬وأصبحت الحركة النسائية السوداء شعبية في فترة الستينات‪ ،‬ردا على التحيز الجنسي من‬
‫حركة الحقوق المدنية والعنصرية الحركة النسوية‪ .‬بدأت في النمو من فترة السبعينات إلى‬
‫الثمانينات‬
‫‪ -‬وشكلت الحركة النسوية السوداء المجموعات المختلفة التي تناولت دور المرأة السوداء في‬
‫القومية السوداء‪ ،‬تحرر مثلي الجنس‪ ،‬والموجات النسوية‪ .‬ووصلت النظريات النسوية السوداء‬
‫إلى أوجها في عقد ‪ ،2010‬نتيجة لدعوة وسائل االعالم االجتماعية‪ .‬وينتقد البعض هذا التيار‬
‫النسوي‪ ،‬باعتبار أن االنقسامات العرقية تضعف قوة الحركة النسوية بشكل عام‪.‬‬
‫‪ -2‬االتجاه النسوي االشتراكي (الماركسي)‬
‫‪-‬ظهر المذهب في البداية على يد توماس مور في إنجلترا وفي فرنسا على يد سان‬
‫سيمون وجون ميلليه‪ ،‬ولم يرفض هذا االتجاه قضايا الفكر النسوي الليبرالي ولكنه رفض‬
‫تطبيق مفاهيم القيمة والمكانة كسبيل لتمكين المرأة فالفكر النسوي االشتراكي يرى أن‬
‫اضطهاد المرأة يرجع لفكرة تطور الملكية الخاصة وظهور مجتمع يقوم على الطبقات‬
‫‪20‬‬
‫‪ -‬فتحرير المرأة يأتي من خالل نجاح الثورات االشتراكية وحل التناقضات الطبقية وبذلك‬
‫يتم القضاء على كافة أشكال التمييز في المجتمع بما فيها التمييز ضد المرأة‪ ،‬ويؤمن ذلك‬
‫االتجاه بوجوب تغيير وضع المرأة ووظيفتها سواء في المجال العام أو الخاص وضرورة‬
‫رفض التبعية واالستغالل وضرورة تحقيق االستقالل االقتصادي للمرأة كوسيلة لتتحقق لها‬
‫الحرية الكاملة‪.‬‬
‫‪ -3‬االتجاه النسوي العربي‬
‫دخلت األفكار والمقوالت النسوية الغربية إلى العالم العربي بشكل متفاوت‪ ،‬عن طريق عدة‬
‫قنوات‪ ،‬أهمها‪ :‬البعثات العلمية إلى دول الغرب‪ ،‬وكذلك من األعمال الذي قدمها رجاالت‬
‫النهضة من المثقفين العرب‪ ،‬وعن طريق تقليد الشرائح االجتماعية شبه االرستقراطية للثقافة‬
‫الغربية ومسالكها‪ .‬وقد تشكلت النسوية العربية خالل ثالث مراحل‪ ،‬حتى وصلت إلى ما وصلت‬
‫إليه اآلن‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬المرحلة األولى‪:‬‬
‫تسمى هذه المرحلة "بعصر النهضة"‪ ،‬التي ترافقت مع وصول الحملة الفرنسية إلى مصر سنة‬
‫‪1798‬م‪ .‬وكانت أبرز مالمح النسوية في هذه المرحلة تتمثل في‪:‬‬
‫‪ .1‬االهتمام بمسألة المرأة في هذه المرحلة بشكل ثانوي‪ ،‬وملحق بقضية النهضة‪ ،‬لذلك ال تكاد‬
‫تخرج المطالب على حق المرأة في التعليم‪.‬‬
‫‪ .2‬الحديث عن حق المرأة في العمل‪ ،‬لكنه لم يكن شامال مطلقا كما هو في المراحل التالية‪،‬‬
‫وأيضا دعوا إلى االختالط بين الجنسين؛ ألن ذلك من مقتضيات التعلم والعمل ‪-‬حسب رأيهم‪،‬‬
‫وليس من منطلق المساواة بين الجنسين‪.‬‬
‫‪ .3‬لم تطرح فيه قضايا مباشرة مناقضة لثوابت الدين ومسلماته‪ ،‬ولم يتم نسبة التخلف الذي كان‬
‫عليه حال المرأة في الدين‪.‬‬
‫‪ .4‬في هذه المرحلة الدعاة لحقوق المرأة كانوا رجاال‪ ،‬وغاب العنصر النسائي‪.‬‬
‫ب‪ -‬المرحلة الثانية‪:‬‬
‫‪-‬اختلف الباحثون في تحديد بداية هذه المرحلة‪ ،‬فمنهم من يرجعها إلى نهاية القرن التاسع عشر‬
‫الميالدي‪ ،‬الذي أصدر فيه مرقص فهمي كتابه "المرأة في الشرق" عام ‪1894‬م‪ ،‬ومنهم يرجع‬
‫بدايتها لكتاب قاسم أمين عام ‪1900‬م‪ ،‬والذي سلك المسلك الليبرالي عند طرحه لقضايا المرأة‪.‬‬
‫*كذلك نشطت هذه المرحلة في مصر بتأسيس االتحاد النسائي المصري عام ‪ 1923‬وحضرت‬
‫رئيسة االتحاد الدولي للحركة النسوية في العالم إلى مصر لمساعدة المصريات في بناء التنظيم‬
‫ودعمه‪ ،‬ومن أبرز نسويات هذه الفترة هدى شعراوي وصفية زغلول‪.‬‬
‫وكانت أبرز المالمح النسوية في هذه المرحلة‪:‬‬
‫‪ .1‬أصبحت الكتابات تتجه نحو المناداة بااللتحاق بركب الحضارة ‪ ،‬وتناولت موضوعات‬
‫لم تطرح من قبل‪ ،‬مثل‪ :‬المساواة بين الجنسين في مرافق التعليم‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ .2‬ظهرت المرأة في ميدان التأليف للدفاع عن حقوق المرأة‪ ،‬ولم يعد مقتصرا على‬
‫الرجال فحسب كما كان في المرحلة األولى كدرية شفيق‪ ،‬والتي أصدرت مجلة "بنت‬
‫النيل"‬
‫‪ .3‬نظمت المرأة نفسها في سبيل نيل حقوقها في االتحادات النسائية التي ظهرت في تلك‬
‫المرحلة‪ ،‬وشاركت من خاللها في المؤتمرات العالمية التي تدرس وضع المرأة‪.‬‬

‫ج‪ -‬المرحلة الثالثة‪:‬‬


‫تعود بداية هذه المرحلة إلى الخمسينيات‪ ،‬ويرجع اعتبار هذه الفترة فترة مستقلة عن سابقتها‪،‬‬
‫ونشطت في هذه الفترة حركة ثقافية قامت بترجمة الكثير من األدبيات الفكرية والفلسفية بكافة‬
‫تياراتها‪ ،‬والتي تخص قضية المرأة وتحررها‪ ،‬وهي التي قدمت للكتاب العرب األساس النظري‬
‫في قضية المرأة‪ ،‬الذي يمكنهم من االسترشاد في قضية المرأة على ضوئه‪.‬‬

‫من أبرز المالمح النسوية في هذه المرحلة‪:‬‬


‫انتقلت الدعوات النسوية في هذه المرحلة من مرحلة التأثر بنمط الحياة الظاهري‬ ‫‪.1‬‬
‫والعملي للمرأة الغربية إلى مرحلة استلهام الرؤى الفلسفية الغربية‪ ،‬وجعلها عقيدة للمرأة‬
‫في حركتها ووضعها‪.‬‬
‫انتشر في بعض األدبيات الربط بين تحسين وضع المرأة أو تغييره‪ ،‬وبين التغيير‬ ‫‪.2‬‬
‫الشامل والجذري في قيم المجتمع‪.‬‬
‫‪.‬زاد االهتمام بدراسة النوع "الجندر"‪ ،‬حسب أطروحات الدراسات الغربية‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ظهرت اتجاه فرعي جديد للنسوية‪ ،‬تحت مسمى " االتجاه النسوي اإلسالمي"‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫د‪.‬االتجاه النسوي اإلسالمي‪:‬‬
‫وهو اتجاه نسوي فرعي لالتجاه العربي‪:‬‬
‫‪-‬ظهر كرد فعل النتشار أفكار المدرسة النسوية الغربية‪ ،‬وانطالقا من ضرورة احترام‬
‫الخصوصية الثقافية والدينية للمجتمعات العربية‪ ،‬وبدأ مصطلح النسوية اإلسالمية بالظهور في‬
‫تسعينيات القرن الماضي‬
‫*وتعتبر الناشطة اإليرانية زيبا مير حسيني أول من استخدمه‪.‬‬
‫‪ -‬أما أبرز الحركات التي نشأت تجسيدا لفكرة النسوية اإلسالمية فهي "حركة مساواة"‪ ،‬وهي‬
‫حركة عالمية انطلقت في مؤتمر عقد في ماليزيا عام ‪ 2009‬وحضره أكثر من ‪ 250‬امرأة‬
‫ورجال من نحو ‪ 50‬دولة حول العالم‪ ،‬وكانت الناشطة اإليرانية زيبا مير حسيني إحدى‬
‫المؤسسات إلى جانب ‪ 12‬شخصية أخرى‪ .‬ونال المصطلح شهرته على يد األمريكية أمنة‬
‫ودود‪ ،‬أستاذة التفسير في جامعة فرجينيا‪ ،‬وتعتبر مؤسسة المرأة والذاكرة التي أسسها عدد‬
‫من النساء أبرزهن أميمة أبو بكر وهدى الصدة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫ويمكن توضيح أهم خصائص المعرفة النسوية اإلسالمية في النقاط التالية‪:‬‬
‫أصالة المكون الميتافيزيقي جنبا إلى جنب مع المصادر المادية للمعرفة‪ ،‬ويعني‬ ‫‪.1‬‬
‫ذلك المكون اإليمان بالل وبالغيب‪.‬‬
‫أن المعرفة النسوية اإلسالمية تستند إلى إطار معرفي عقائدي أكبر‪ ،‬وهي بذلك‬ ‫‪.2‬‬
‫تتشابه مع النسوية الليبرالية واالشتراكية في انتمائها لغطاء فكري وعقائدي‬
‫أكبر‪ ،‬وتبتعد عن نسوية ما بعد الحداثة التي ترفض المعرفة قبل النسوية‪.‬‬
‫المعرفة النسوية في المنظور اإلسالمي هي معرفة نقدية في جوهرها‬ ‫‪.3‬‬
‫ومضمونها‪ ،‬إصالحية في هدفها‪.‬‬
‫محكومة بالضوابط الموضوعية والمنهجية اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫معرفة تحررية ضد السلطة المطلقة لفرد أو جنس أو رأي أو نظام وحيد‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫نمو المعرفة النسوية رهين بنمو تيار ثقافي اجتهادي في نسيج المعرفة والثقافة‬ ‫‪.6‬‬
‫اإلسالمية عموما‪.‬‬

‫وقد انقسم االتجاه اإلسالمي للنسوية إلى تيارين أساسيين‪:‬‬


‫التيار األول‪ :‬التيار النسائي االسالمي‪:‬‬
‫وأهم ما يميزه إيمانه الكامل بكل ما جاء به القرآن من أحكام متعلقة بالنساء دون لي أعناق‬
‫النصوص‪ ،‬وأن ما جاء به القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان‪ ،‬واحترامه للتفاسير مع‬
‫ترجيحه لتفسير دون آخر استنادا لقوة الدليل‪ ،‬وتؤمن باحثات هذا التيار بكل األحاديث الشريفة‬
‫التي صحت سندا ومتنا‪ ،‬ومما يميزه أنه ال يعتمد على الفصل العنصري‪ ،‬ومن ثم يجتهد في هذا‬
‫المجال الكثير من الرجال والنساء‪.‬‬
‫ويتشدد هذا التيار في الحرص على إثبات خصوصية هويته اإلسالمية‪ ،‬بدءا من المصطلح‬
‫"النسائي" نسبة إلى النساء‪ ،‬وهي اسم سورة سور القرآن الكريم‪ ،‬وتمييزا له عن مصطلح التيار‬
‫النسوي الغربي‪ ،‬ويرى رواد هذا التيار أن االلتزام بأحكام الدين المتعلقة بالمرأة كجزء من‬
‫االلتزام العام بالنظام اإلسالمي بشموليته‪ ،‬وهو كفيل بحل كل المشكالت والتحديات التي تواجهها‬
‫النساء‪ ،‬ويأخذن موقفا نقديا من الوثائق األسمية‪ ،‬العتقادهم بأنها تأسست على هدم وتفكيك‬
‫األسرة وتزييف الوعي وتشبيه النساء بالرجال‪ ،‬وبرز هذا التيار بشكل أكبر في البلدان‬
‫اإلسالمية األكثر تشددا كالسعودية‪ .‬ولم يتجاوز كونه تيارا نظريا ناقدا للرؤية الغربية‪ ،‬له بعض‬
‫الكتاب والمفكرين والكثير من رموزه هم من دارسي الشريعة اإلسالمية‪ ،‬لكن لم يحظ التيار‬
‫بمساحات واقعية واسعة للتطبيق‪.‬‬
‫التيار الثاني‪ :‬النسوية اإلسالمية‪:‬‬
‫وهو تيار أكثر مرونة من التيار االول‪ ،‬فأمن بالفكرة النسوية بوجه عام ورأى أنها ليست نتاجا‬
‫غربيا‪ ،‬وإنما هي أفكار تكونت عبر نضال النساء على مدار التاريخ إلى أن وصلت إلى ما‬
‫وصلت إليه‪ ،‬ويرفض هذا التيار الفكر النسوي المتطرف الذي يعتمد على هدم كل اليات‬
‫المعرفة السابقة والذي ينحاز للنساء ويبحث عن استقواء أنثوي مقابل االستقواء الذكوري‪،‬‬
‫لكنه يؤمن بأطروحة "الجندر" أو النوع االجتماعي ويتعاطى معها بإيجابية‪ ،‬ويري رموز هذا‬
‫التيار أنه ال تعارض بين الفكر اإلسالمي وبين الفكر النسوي أو أطروحة الجندر‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫فتعرف أميمة أبو بكر النسوية اإلسالمية بأنها "موقف له منطلقات أنطولوجية معينة وهدف‬
‫مزدوج‪ ،‬هو االهتمام بتحسين أحوال النساء‪ ،‬خاصة في المجتمعات ذات األغلبية المسلمة‪،‬‬
‫وتحقيق العدالة والمساواة للنساء‪ ،‬والهدف الثاني هو إصالح وترشيد الفكر اإلسالمي نفسه‬
‫ومنهجيات العلوم اإلسالمية والفهم الديني إلعادة قراءة المصادر اإلسالمية ما يسمح ببناء‬
‫معرفة إسالمية نسوية مساوية"‪.‬‬

‫داخل هذا التيار برزت مدرستين متقابلتين ‪:‬‬


‫األولى‪ :‬هي مدرسة الخارج‪ ،‬أي منظرات الفكر النسوي اإلسالمي من النساء في البالد‬
‫الغربية حيث تشهد هذه المدرسة زخما كبيرا يرتد أثره للداخل اإلسالمي‪ ،‬ومن أعالمها أمنة‬
‫ودود‪ ،‬وهي مدرسة ال تتقيد في اجتهادها بأي قيد خارج منهجيتها في التفكير‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬هي مدرسة الداخل اإلسالمي‪ ،‬حيث تتحرك بحذر أكبر وهي تعلن أنها ال تستورد‬
‫أجندتها من الخارج وأن كل ما يتعلق بأفكار خارجة عن صريح الشرع مثل المثلية ونحو ذلك‬
‫من أفكار النسوية العالمية ال تعنيها ألنها تتحرك وفق المشكالت الموجودة في الداخل لدينا فقط‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن هذا التيار يقوم باستيراد مصطلحات وأدوات اآلخر النسوية المعرفية إال أنه‬
‫يحاول أن يصبغها بصبغة إسالمية‪ ،‬وهو ما يعرض هذا التيار للكثير من االنتقادات واالتهامات‪،‬‬
‫كونه يتبنى إطارا أكثر اتساعا ومرونة من األطر الدينية المعروفة‪ ،‬إلى الحد الذي يجعل رواده‬
‫يتالعبون في تفسير بعض النصوص الدينية لكي تتفق مع الرؤى واألفكار التي يقدمونها‪.‬‬
‫المدرسة النسوية‪ :‬نحو مزيد من التحديث‪.‬‬
‫يتضح من العرض السابق ألفكار وتوجهات المدرسة النسوية‪ ،‬والمدارس الفكرية الفرعية التي‬
‫حاولت تنقيحها أو التعديل عليها‪ ،‬التمايز الشديد بين كل مرحلة زمنية‪ ،‬وكل توجه فكري‬
‫للمدرسة‪ ،‬فنجد أن الفكر النسوي يخضع في كل مرحلة جديدة لمزيد من التحديث‪ ،‬وال يزال إلى‬
‫وقتنا الحاضر‪ -‬يشهد المزيد من التطوير المستمر‪ ،‬فقد تغيرت مساحات الحركة للفكر النسوي‬
‫وازدادت اتساعا مع التطور التكنولوجي لوسائل التواصل‪.‬‬
‫‪-‬ويرى البعض أن هذه المساحات الجديدة للتعبير قادت إلى ظهور موجة رابعة للمدرسة‬
‫النسوية‪ ،‬وهي الموجة التي ارتبطت ساحات النضال فيها بمنصات التواصل االجتماعي‪،‬‬
‫فأطلق عليها "النسوية االلكترونية"‪ ،‬وطرحت هذه الموجة قضايا جديدة من نوعها على‬
‫ساحة الفكر النسوي‪،‬‬
‫‪ -‬فانصب االهتمام على إنصاف المرأة والقضاء على التحرش الجنسي والعنف ضد المرأة ‪،‬‬
‫حيث كانت فضائح االنتهاكات الجنسية وإيذاء النساء أحد أهم دوافع ظهور واستمرار الموجة‬
‫الرابعة؛ مثل قضية االغتصاب الجماعي في دلهي ‪ ،2012‬وقضية هارفي واينستين المنتج‬
‫األمريكي المتهم بالتحرش الجنسي من قبل عشرات من السيدات عام ‪2017‬‬
‫‪ -‬فاستغلت النسويات الجدد الصفحات االلكترونية لنشر الدعوة للقضاء على هذه االنتهاكات‪،‬‬
‫وفي سبيل ذلك نشأت العديد من (المواقع) و(المدونات) و(الهاشتاجات) المصممة خصيصا‬
‫لرصد هذه االنتهاكات وإيقاع العقوبة على مرتكبيها‪.‬‬

‫‪24‬‬

You might also like