Professional Documents
Culture Documents
• مفهوم الجندر:
-الجنوسة ارتبطت باللسانيات ،والنحو ،ونظرية األجناس األدبية واإلثنولوجية واألنثروبولوجية
-الجندر ارتبط بالعلوم االجتماعية واإلنسانية بصفة خاصة.
1
• وإذا كانت " الجنوسة اللغوية النحوية مجرد بناء أو تركيبة عرفية تقتضيها خصائص
اللغة ،فإن التمييز النوعي الجنسي (البيولوجي) بين الذكر واألنثى هو تمييز تركيبي
مؤسساتي ثقافي ،وليس خاصية بيولوجية طبيعية.
• ولهذا تصبح الجبرية البيولوجية مجرد إسقاط ثقافي ال علة طبيعية له في التكوين
البشري نفسه .كما أن الجنوسة اللغوية النحوية ليست بنية ضدية ،بل تتسع إلى تشعبات
متساوية ال تملي قيما هرمية .من هذه الخصائص سعت الدراسات النسائية لدحض
دعوى الهرمية بين الذكر واألنثى التي اصطنعتها وأرستها الثقافة لكي تعطي الرجل
قيمة ال تعتمد على غير تكوينه البيولوجي ،أما المرأة فتتدنى على السلم الهرمي ال سبب
سوى تكوينها الطبيعي.
✓ جاءت الجندرية لمجابهة ذلك التفاوت المصطنع بين الرجل والمرأة على أساس
بيولوجي ووراثي وعضوي ،أو على أساس مجموعة من األحكام النوعية التي كانت
نتاجا لمجموعة من العوامل السياسية ،والتاريخية ،واالجتماعية ،واالقتصادية،
والثقافية ،والدينية .في حين ،ثمة تماثل وتكامل بينهما عند أخذنا بالمقاييس العلمية
والمنطقية والتجريبية والواقعية.
2
" بدأت الدراسات النسائية بدحض مصداقية الجبرية البيولوجية ،وأثبتت أن التكوين الجنسي ليس معيارا للقيم
الثقافية ،بل إن القيم الهرمية إسقاطات ال يبرر تعسفها سوى التذرع بالتكوين الجنسي الذي ال يصمد أمام
الدراسات المخبرية التجريبية.
كما انبرت دراسات نسائية أخرى لتتقصى عالقات البنى االجتماعية في تفريقها بين الرجل والمرأة اعتمادا على
الجنوسة التي ال تبرر طبقية العالقة ،وال توزيع الفائدة واالعباء في المجتمع ،وقد كشفت عن عالقة هذا الفصل
بالهيمنة والسلطة والتسلط وتكوين الهوية ومفهوم الذات .إذ إن الفصل الحاد بين المذكر والمؤنث ارسى منظومة
مفاهيمية عازلة تجعل األنثى تفكر بطريقة تختلف عن طريقة تفكير الرجل في كافة المستويات ،لعل أسوأها أن
األنثى تلعب الدور الذي اصطنعه لها الرجل ال تحيد عنه ،وتقدم له من التبرير ما وضعه الرجل نفسه من
تبرير".
وترى أن أوكلي ،في كتابها ( الجنس ،والنوع ،والمجتمع) الذي صدر سنة 1972م ،أن لفظة الجنس " تحيل
على مختلف الفوارق البيولوجية والفيزيولوجية والعضوية بين الرجل والمرأة؛ تلك الفوارق الناتجة عن الوراثة
والوظائف واألدوار الطبيعية المرتبطة بكل عنصر .في حين" ،يرتبط الجندر بالثقافة" .ومن ثم ،تحيل اللفظة
على مختلف التقسيمات االجتماعية الموجودة بين الرجل والمرأة ".فكرة الذكورة واألنوثة مرتبطة بالوراثة
البيولوجية والعضوية في حال حديثنا عن الجنس .في حين ،ترتبط فكرة الذكورة واألنوثة بالثقافة في حال
حديثنا عن النوع أو الجندر.
وقد تحولت النظرة الجنسية ،عبر التاريخ ،إلى النظرة النوعية أو الجندرية ،على أساس أن البيولوجيا
هي التي تحدد طبيعة الكائن البشري ،ومن ثم ،فلقد دفعت هشاشة بنية المرأة بعض المتحاملين من المجتمع
إلى محاكمتها نوعيا ،واجتماعيا ،وثقافيا ،ودينيا ،واقتصاديا ،كما يروج في الكثير من المجتمعات العربية
أن :
" المرأة ناقصة عقل ودين" .وقد بني هذا الحكم الثقافي والنوعي على البنية البيولوجية والجنسية
للمرأة .وبهذا ،يتحول الجنس إلى النوع على حد قول روبرت ناي.
*وإذا كان مفهوم الجنس يستعمل في تبيان الفوارق البيولوجية ،وفي المقاييس اإلحصائية التي
تتعلق بقياس سيمات الذكورة واألنوثة ،فإن الجندر يستعمل في تحليل مختلف األدوار
والمسؤوليات والحاجات الخاصة بكل من الرجال والنساء ،في كل مكان وسياق اجتماعي*.
✓ ال يتغير الجنس في عمومه ،مادام له خاصية بيولوجية ثابتة مميزة للذكر ولألنثى على
حد سواء.
✓ معلومات مهمة عن مصطلح الجندر:
▪ إذا ،يعني مصطلح الجندر المقارنة بين المرأة والرجل من خالل األدوار
السوسيولوجية التي يؤديها كل طرف على حدا تأثرا بالقيم السائدة.
3
▪ فالجندر مفهوم سوسيولوجي أكثر مما هو بيولوجي؛ ألنه يشير إلى مختلف األدوار
االجتماعية والثقافية التي تمارسها المرأة؛ تلك األدوار التي تتغير من فترة زمنية إلى
أخرى
▪ يرتكز مفهوم الجندر على مختلف العالقات الموجودة بين المرأة والرجل ،والنضال من
أجل التحرر ،والكفاح من أجل تحقيق العدالة والمساواة مع الطرف اآلخر ،والمطالبة
بالتنمية المجتمعية المستدامة للنهوض بأوضاع المرأة المتردية نحو ظروف أحسن
ومثلي.
-النوع ،أو الجندر ،هو نتاج الفوارق االجتماعية التي تخضع بدورها لمجموعة من العوامل
النفسية ،والدينية ،والذهنية ،واالقتصادية ،والسياسية .ومن ثم ،يعد النوع ،أو الجندر ،موضوع
الدراسات السوسيولوجية.
-يدرس الجنس في البيولوجيا ،والطب ،وعلم الوراثة ،والفيزيولوجيا...
❖ تاريخ وتسلسل أحداث تداول مصطلح الجندر:
-وقد كان مصطلح النوع االجتماعي متداوال في المراكز النفسية والطبية بالواليات .1
المتحدة األمريكية في سنوات الخمسين من القرن الماضي.
مفهوم النوع االجتماعي قد ارتبط بالحركة النسوية في سنوات السبعين من القرن .2
الماضي ،عندما ثارت األنثى صارخة ومناضلة محتجة على الالمساواة بين الرجل
والمرأة ،وأرجعت ذلك إلى العوامل السياسية ،واالجتماعية ،والثقافية ،واالقتصادية
أكثر مما أرجعتها إلى العوامل البيولوجية والوراثية.
-وفي سنوات الثمانين من القرن الماضي ،ارتبطت المقاربة الجندرية بآثار السلطة .3
والمؤسسات الرسمية في خلق التفاوت الهرمي بين الذكورة واألنوثة ،كما يبدو ذلك
جليا عند ميشيل فوكو ؛ وقد ارتبطت أيضا بالعنف الرمزي الذي يمارسه الرجل ضد
المرأة ،كما يبدو ذلك جليا في منطق السطوة والهيمنة الذكورية كما عند بيير بورديو
في كتابه (الهيمنة الذكورية) .
وفي سنوات التسعين من القرن الماضي .وبعد ذلك ،أضحى مفهوم الجندر متداوال .4
بكثرة في الكليات والجامعات ،وبالضبط في حقلي علم االجتماع والتاريخ ،واستخدم
المفهوم في مختلف الحقول الفكرية والعلمية واألدبية .وصار الحديث ،اليوم ،عن
المقاربة الجندرية في النقد األدبي عند تناول الكتابة النسائية أو األنثوية من جهة ،والنقد
النسائي من جهة أخرى وعلى العموم ،فلقد ارتبط مفهوم الجندر بمجموعة من
المؤتمرات والملتقيات الوطنية والدولية واإلقليمية والمنظمات غير الحكومية؛ حيث ركز
مؤتمر القاهرة للسكان سنة 1994م على المواضيع الجندرية بشكل كبير ،وقد ترتب
على ذلك أن تكرر مفهوم الجندر في بيانه الختامي إحدى وخمسين مرة ،وتكرر
المفهوم نفسه في مؤتمر بكين للنساء سنة 1995م حوالي 245مرة .وقد استخدمته
األمم المتحدة ومنظماتها في كثير من البرامج والمشاريع التنموية والجندرية.
4
مفهوم الجنس في الدراسات السوسيولوجية:
ان مفهوم الجنس هو المعطى الفارقي العضوي والفطري والطبيعي الذي يميز بين الذكر
واألنثى وفق معطيات فيزيولوجية وبيولوجية ،يعني الجنس ،أو المقاربة الجنسية ،أن ثمة
فوارق بيولوجية وفيزيولوجية بين الرجل والمرأة ،وهذه الفوارق المختلفة بين الجنسين طبيعية
ال تثير أي إشكال على مستوى التفاوت والتمايز ،كان تقول الرجل أفضل من المرأة جسدا ،أو
تقول المرأة أفضل من الرجل أنوثة ،أو الولد هو المفضل مقارنة بالبنت كما في بعض
المجتمعات العربية المتخلفة.
تختفي هذه الفوارق البيولوجية المصطنعة التي يخلقها المجتمع .ومن ثم ،تنعدم هذه الفوارق
بيولوجيا ووراثيا ،على أساس أن المرأة لها بنية جسدية مخالفة لبنية الرجل لكي تتالءم البنيتان
معا مع مختلف األدوار التي أنيطت بهما مجتمعيا وجنسيا.
-أصبحت التمايزات الجنسية عادية وطبيعية وفطرية ال تستعمل سالحا لمواجهة كل واحد
منهما ،بل يسلم كل شخص بسماته ومميزاته الطبيعية المخالفة لسمات اآلخر ومميزاته ،وفي هذا
الصدد ،يصعب الحديث عن المساواة البيولوجية والطبيعية والوراثية ،وإال سيكون هذا نوعا من
الجحود واإلنكار واإللحاد ،وعدم الرضا بقسمة هللا تعالى جل شأنه.
-فلقد أصبحت هذه الفوارق الجنسية البيولوجية ميزة أساسية للتكامل بين الجنسين ،وال سيما في
حالة الزواج اإلنجاب ،وبناء األسرة ،فالرجل له أدواره الخاصة كما تحددها طبيعته البيولوجية
والفيزيولوجية ،وللمرأة أيضا أدوارها الخاصة والمتفردة كما تحددها بيولوجيتها الخاصة بها.
لذا ،يتعذر الدخول في المهاترات والمناقشات والسجاالت البيولوجية والجنسية والفيزيولوجية
التعديل ما رسمه القدر اإللهي باسم المساواة البيولوجية والجنسية؛ حيث يصبح الرجل امرأة ،أو
تصبح المرأة رجال.
-وهناك من يرفض هذه الفوارق البيولوجية قطعا ،فيعدها فوارق مختلفة ومصطنعة مجتمعيا؛
حيث ترفض سيمون دوبوفوار ،فكرة األنوثة من األصل ،وترى أن المجتمع هو الذي وضع
المرأة في خانة األنوثة يدل نوع آخر .ومن هنا ،قالت قولتها المشهورة ":إن المرأة ال تولد،
ولكنها تصبح ماهي عليه أي امرأة" ،وطالبت بحرية المرأة لتتحرر من أن تكون مميزة على
أساس بيولوجي ،ورفضت فكر األنوثة بأكملها التي عدتها إسقاطا ذكوريا".
-إذا كانت الفوارق النوعية يمكن تجاوزها بالمساواة بين النوعين؛ ألنها فوارق مختلفة
ومصطنعة من قبل الجماعات والمجتمعات المختلفة لعوامل ثقافية ،واجتماعية ،ودينية،
وسياسية ،فيصعب تجاوز الفوارق البيولوجية والفيزيولوجية ؛ ألنها من صميم الوراثة الحية
لإلنسان ،وخاضعة لعملية الخلق األولى ،ونتاج للتكوين البشري الذي يتحكم فيه القدر الرباني.
ويعني هذا أن المرأة تحيض كل شهر ،وبالتالي ،فهي قادرة ،بيولوجيا ،على الحمل واالرضاع
بذلك .بينما الرجل عاجز عن ذلك.
5
• االتجاهات الجندرية
يمكن الحديث عن تيارات سوسيولوجية مختلفة التي حاولت تفسير سبب االختالف وعدم
المساواة بين الجنسين :الرجل والمرأة ،ويمكن حصر هذه االتجاهات فيما يلي:
-1يثبت االتجاه األول :أن الفوارق البيولوجية والوراثية والفطرية والعضوية بين
الرجل والمرأة ليس دليال جندريا للتمييز بين النوعين:
ومحاكمة كال الطرفين ،أو إنتاج صور نمطية سلبية ومشيئة حول دونية المرأة ،أو
اإلساءة إليها ،أو عدم إنصافها ماديا ومعنويا فهذه الفوارق طبيعية بين األنوثة والذكورة ال
تسمح بالتمييز بينهما جندريا ونوعيا .ومن هنا " يميل الكتاب الذين يتبنون نظرية الفوارق
الطبيعية إلى االعتقاد بان تقسيم العمل بين الجنسين يقوم على أساس بيولوجي .فالنساء
والرجال يقومون بالمهمات التي يصلحون لها بيولوجيا.
فإن العالم األنتروبولوجي جورج ميردوك يعتقد أن من األفضل واألكثر نفعا من الناحية
العملية أن تركز النساء على العمل البيتي وعلى المسؤوليات العائلية ،بينما يتولى الرجال
العمل خارج المنزل ،وخلص ميردوك بعد دراسة مقارنة لنحو مائتي مجتمع إلى أن تقسيم
العمل بين الجنسين موجود في جميع الثقافات .وهو ال يعتبر ذلك نتيجة للبرمجة البيولوجية
بقدر ما يراه نتيجة منطقية لتنظيم المجتمع ".يذهب االتجاه البيولوجي إلى أن الفوارق
العضوية والفسيولوجية طبيعية وفطرية ،وليس أساسا للتمييز بين النوعين .
يرى بعض الباحثين من االتجاه األول أن الفوارق البيولوجية والتشريحية والعضوية والوراثية
أساس الختالف السلوك بين الرجال والنساء ،بمعنى أن " جوانب محددة في التكوين الجسمي
البيولوجي لإلنسان -مثل الهرمونات والكروموسومات وحجم الدماغ والمؤثرات الجينية هي
المسؤولة عن فوارق قطرية في سلوك الرجال والنساء.
-ويضيف هؤالء أنه يمكن مالحظة هذه االختالفات ،بشكل أو بآخر ،في مختلف الثقافات ،مما
يعني أن ثمة عوامل طبيعية تؤدي إلى الالمساواة بين الجنسين في جميع المجتمعات تقريبا
-وقد يشير هؤالء الباحثون إلى أن الرجال ال النساء هم الذين يشاركون في عمليات الصيد
والقنص والحرب في جميع الثقافات تقريبا .وذلك يعني أن الرجال ،بحكم تركيبهم البيولوجي،
يتفوقون على النساء في نزعتهم العدوانية.
-ويعني هذا أن الفوارق البيولوجية هي التي جعلت المجتمعات تحاكم النوع األنثوي محاكمة
جندرية سلبية أو إيجابية ،ولكن هذا ليس دليال قاطعا لمحاكمة المرأة من خالل ما هو بيولوجي
وعضوي.
-وفي هذا ،يقول جيدنز ":وعلى الرغم من أنه ال يمكننا أن نرفض بصورة مطلقة الفرضية
القائلة :أن العوامل البيولوجية تحدد أنماط السلوك للنساء والرجال ،فإن البحوث والدراسات
التي جرت على مدى مائة عام للتحقق من األصول الفسيولوجية لهذا األثر لم يحالفها النجاح.
-وليس ثمة دليل على اآلليات التي يمكن أن تربط بين القوى البيولوجية من جهة ،وأنواع
السلوك االجتماعي المعقد التي تبدر عن الرجال والنساء والنظريات التي تعيد أن األفراد
6
ينصاعون لما يشبه النزعات الفطرية لديهم تتجاهل الدور الحيوي الذي يقوم به التفاعل
االجتماعي في تشكيل السلوك البشري".
-2االتجاه الثاني :ترفض النظريات النسوية هذا الرأي البيولوجي والعضوي ،وتثبت أن
أساس االختالف الجندري مصدره ما هو مجتمعي وثقافي ،وليس ما هو بيولوجي:
-ومن هنا ،ترى التوجهات النسوية أن تخصيص المهام واألنشطة في المجتمع ال يقوم على
أساس طبيعي وبيولوجي وعضوي المناص منه:
" -إن حرمان النساء من ممارسة المهام والمهن واألعمال المختلفة في المجتمع ال يرجع إلى
خصائصهن البيولوجية؛ ألن البشر يمارسون أدوارا اجتماعية حددتها عملية التنشئة في السياق
الثقافي الذي يعيشون فيه ".ويعني هذا كله أن االختالف البيولوجي هو المعيار الحقيقي للتمييز
بين األدوار الجندرية لدى الرجال والنساء ،على أساس أن بنية كل شخص تصلح لدور معين،
وال تصلح لدور جندري آخر.
-3يذهب االتجاه الثالث :إلى أن الفوارق بين الرجال والنساء ليس مرده إلى العوامل
البيولوجية ،بل هو نتيجة معتقدات ثقافية ،واجتماعية ،وسياسية ،واقتصادية ،ودينية ،وتاريخية:
-وفي هذا ،يقول أنتوني غدنز ":غير أن األمر يتجاوز كثيرا مسألة االرتباك الذي يصيب الفرد
أو الجماعة أو المجتمع بمجمله بين "هو" الذي تحول إلى "هي" أو العكس إن تصوراتنا عن
الهوية الجندرية ،بل عن التوجهات والعالقات والميول الجنسية ،تشكل جانبا أساسيا من
شخصيتنا تبلور في مرحلة مبكرة جدا من حياتنا ،وأصبح راسخا في أعماق نفوسنا طيلة
العمر ،ليس الجنس أو الجندر أمرا مقدرا منذ اللحظة التي تتكون فيها قبل تسعة أشهر من
والدتنا ،بل إنها أمر تسهم نحن في صنعه وتنميته خالل حياتنا اليومية عبر تفاعلنا االجتماعي
مع اآلخرين ،إثناء من الوجهة االجتماعية ،لنتج وتعيد إنتاج الجندر من خالل آالف من األفعال
والممارسات التي نزاولها كل يوم "
-ويعني هذا كله أن اإلنسان هو الذي يصنع الجندر بنفسه عبر الممارسات اليومية القائمة
على التصنيف والتمييز والتنميط والتنويع .ليس الجندر قدرا حتميا يتحكم في اإلنسان ،بل هو
نتاج السلوكيات البشرية التمييزية.
-يركز االتجاه الوظيفي على التنشئة االجتماعية ،وتعلم األدوار النوعية ،بمعنى أن تربية
األطفال تسهم في تكريس الفوارق الجندرية بين الذكورة واألنوثة ،فكل نوع عليه أن يدرك
هويته النوعية وأدواره الجندرية ،ويتعرف إلى الواجبات التي سيقوم بها مستقبال في المجتمع.
-سيكتسب الطفل هويته الجندرية والنوعية ،بما تسرب إليه من دروس حول الدور الذي
سيمارسه داخل البيت وخارجه .كما تسهم األسرة والمدرسة واإلعالم والدين في ترسيخ هذه
األدوار الجندرية المختلفة بين الذكر واألنثى ،وخاصة في الدول العربية ،وتلزم البنات ببناتهن
في البيوت .في حين ،يدرس الذكور ويتعلمون في المدارس .وأكثر من هذا يفضل الذكور على
اإلناث بسبب خشونتهم ،وقدرتهم على العمل ،ومساعدة رب األسرة ماديا ومعنويا .في حين،
يتميز الصنف الثاني بالليونة والطراوة وعدم القدرة على تحمل األعمال الشاقة التي تتطلب
بنية جسدية قوية .وهذا ما يؤدي إلى الالمساواة الجندرية التي تنتج ،بدورها ،عن هذه التنشئة
األسرية الفارقية المكتسبة من قبل األطفال منذ السنوات األولى.
7
*** " يميل الوظيفيون إلى تبني نظريات التنشئة االجتماعية الجندرية ،إذ يرون أن األوالد
والبنات يتعلمون األدوار المتصلة بجنسهم وهوياتهم :ذكورا وإناثا ،أي بالذكورة واألنوثة
المالزمة لها ،وتتحكم بهم في هذه الحالة أنماط الجزاء اإليجابية والسلبية؛ أي القوى والمؤثرات
االجتماعية التي تحيد أو تنهى عن سلوك معين وإذا ما قام الفرد بممارسات جندرية ال تناسب
نوعه البيولوجي أي بسلوك منحرف ،فإن تفسير هذا السلوك يكمن في قصور أو خلل في
تنشئته االجتماعية.
ويعتقد أنصار المدرسة الوظيفية أن مؤسسات التنشئة االجتماعية تسهم في الحفاظ على النظام
االجتماعي باإلشراف على التنشئة الجندرية التي تقوم بها على األجيال الجديدة ".ترى الوظيفية
أن الفوارق البيولوجية والنوعية تحقق نوعا من التضامن والتكامل االجتماعيين .ترى المقاربة
الصراعية أن التمييز بين النوعين يولد التوتر والحقد والتنافر والتجاذب والصراع بين الطرفين.
"-وقد عني تالكوت بارسونز زعيم المدرسة الوظيفية ،بدور العائلة في المجتمعات الصناعية
وكان مهتما بصورة خاصة بتنشئة األطفال .وهو يرى أن العائالت المستقرة التي تدعم أطفالها
هي المفتاح للتنشئة االجتماعية الناجحة ،وهي العائالت التي يقسم فيها العمل بين الجنسين
بطريقة واضحة بحيث تؤدي اإلناث أدوارا تعبيرية" يوقرن فيها العناية واألمن لألطفال،
ويقدمن لهم الدعم العاطفي .أما الرجال من ناحية أخرى فإن عليهم أن يؤدوا أدوارا مساعدة
أي :يزودوا العائلة بمصدر الرزق والمعيشة .ونظرا للضغوط المفروضة على دور الرجل
العامل ،فإن النزعة التعبيرية والعاطفية لدى المرأة ستكون بمثابة عنصر استقرار وراحة
واطمئنان للرجل ،وسيكون من شأن هذا التقسيم التكاملي للعمل القائم على أساس التمايز
البيولوجي بين الجنسين ،أن يؤمن التضامن للعائلة "
الشخص على
الذي بصورة آلية آثارها
آلية على تترك
بصورة تترك" ال
آثارها التنشئة عواملعوامل
التنشئة " ال والقوة) أن الجندر
والقوة) أن كتابه (
(الجندر نلفيفيكتابه يرى كو
كونل --يرى
ممارسة
فيمحددة. المشاركة
بشروط ممارسةإلى
اجتماعية في الطفل
تدعو تفعلهإلىهو أن
المشاركة تدعوماالطفل
البلوغ،أنوجل
علىتفعله هو يوشك
وجل ما بلوغ،الذي الشخص
على ال يوشك
اجتماعية بشروط محددة.
-وكثيرا ما ترتبط هذه الدعوى بمعنى اإلرغام ،مع ممارسة ضغوط قوية عليه للقبول مع غياب
أي خيار بديل .غير أن األطفال يرفضون االنصياع أو ،بصورة أدق ،قد يتحركون بحرية أكبر
في ميدان الجندرية ،وقد يخلطون ويمزجون بين عناصر الجندر من كال االتجاهين .فقد نصر
البنات في المدرسة على ممارسة األلعاب الرياضية التنافسية كما أن األوالد قد يرتدون ثيابا
تعتبر "بناتية" في نظر البعض .وبينما تميل إلى الشك في التبني الكامل لفرضيات األدوار
الجنسية ،فإن كثيرا من الدراسات قد أظهرت أن الهويات الجندرية هي ،إلى حد ما ،نتيجة
للمؤثرات االجتماعية".
-يتبين لنا أن للتنشئة االجتماعية قوة خارقة في خلق الفوارق بين النوعين بسبب أنظمة التعلم،
وطرائق االتصال واإلعالم ،ونوعية التكوين الذي تلقاء النوع في األسرة ،والشارع ،والمدرسة،
والجامعة ،والنقابة ،والحزب.
وهذا ما يثبته أنتوني غدنز بقوله " إن الجندرية تبين مفهوما يصنعه وينتجه المجتمع بحيث
يضفي أدوارا وهويات اجتماعية مختلفة على الرجال والنساء.
8
-غير أن الفوارق الجندرية فلما تكون محايدة؛ ففي جميع المجتمعات تقريبا تمثل الجندرية
شكال مهما من أشكال التراتب والتدرج االجتماعي ،وتشكل عامال أساسيا في بناء أنواع الفرص
وخيارات الحياة التي يواجهها األفراد والجماعات .كما يلعب هذا العنصر دورا كبيرا في تشكيل
األدوار التي يقوم بها األفراد داخل المؤسسات االجتماعية التي تتراوح بين األسرة الضيقة
والدولة الواسعة.
-ومع أن أدوار الرجال والنساء تختلف من ثقافة إلى أخرى ،فإننا ال نعرف أية ثقافة تتمتع
فيها اإلناث بقوة أكبر مما يتمتع بها الذكور ،إذ إن أدوار الرجال تكون أعلى قيمة وقدرا وتقديرا
من أدوار النساء ،فالنساء في جميع الثقافات تقريبا يتحملن المسؤولية األولى عن تربية
االطفال ورعايتهم ،واألعمال المنزلية ،بينما يتكفل الرجال في العادة بتدبير سبل المعيشة
للعائلة
-وقد أدى تقسيم العمل السائد بين الجنسين إلى ترتيب الرجال والنساء في مواقع غير
متساوية من حيث القوة والوجاهة والثروة .وعلى الرغم من التقدم الذي حققته النساء بدرجات
متفاوتة في أكثر بلدان العالم ،فإن االختالفات الجندرية مازالت هي األساس الذي يقوم عليه
التفاوت االجتماعي ،وأصبح هذا التفاوت من الموضوعات األثيرة في الدراسات االجتماعية،
وطرحت منظورات مختلفة لتفسير هيمنة الرجال المستمرة على النساء في الميادين االقتصادية
والسياسية والعائلية وغيرها ".فاالختالف الجندري هو نتاج للتمثالت السياسية ،واالجتماعية،
واالقتصادية ،والدينية ،والتاريخية.
.1أن الفوارق الموجودة بين الرجل والمرأة .2الفوارق الموجودة بين الجنسين فوارق
هي مجرد فوارق بيولوجية وعضوية ،وليست مختلفة ومصطنعة.
فوارق ثقافية ومجتمعية.
.3تعود هذه الفوارق المختلفة إلى عوامل دينية .4 ،التنديد بالالمساواة الثقافية والمجتمعية،
وسياسية ،واجتماعية ،واقتصادية ،وذهنية ،وثقافية ورفض التفاوت الطبقي واالقتصادي
والمجتمعي. ليس إال.
.6تشكيل حركات السوية وحقوقية من أجل .5الدعوة إلى التحرر من سطوة الرجل وهيمنته
النضال واالحتجاج ضد الهيمنة الذكورية، المعهودة.
وضد المجتمع البطريركي المستبد.
.10السعي الجاد نحو تحقيق مطلب التماثل .9المطالبة بالمساواة ،واإلنصاف بين النوعين،
والتكامل بين الجنسين والنوعين. وتحقيق العدالة االجتماعية؛
9
ترتكز الفلسفة الجندرية على مجموعة من الثوابت والمقومات الرئيسة
التي يمكن حصرها فيما يلي:
✓ المقاربة الجندرية ومصطلحاتها
تعد المقاربة الجندرية ،أو مقاربة النوع مقاربة سوسيولوجية بامتياز ،تعنى بدراسة العالقات
االجتماعية والثقافية الموجودة بين الجنسين (الذكر واألنثى) .وغالبا ،ما ترتكز هذه المقاربة على
المساواة بين النساء والرجال ،والدعوة إلى احترام المرأة من جهة ،ووضعها في المكانة الالئقة
التي تستحقها في المجتمع من جهة أخرى.
-فالمقاربة الجندرية هي تلك المقاربة التي تعنى بخصوصيات المرأة ومميزاتها الذهنية
والفكرية والوجدانية والحقوقية وترد هذه المقاربة في مجال األدب والنقد لإلشارة إلى ما كتبته
المرأة ،وما تكتبه من منتجات إبداعية وفكرية نسائية ،وما ستكتبه من إبداعات ومقاالت
ودراسات أدبية في المستقبل ،تهتم فيها بإنيتها الذاتية والكينونية والدفاع عن وجودها المتحرر،
ورغبتها في االنعتاق من إسار الرجل وقيوده المتنوعة ،عالوة على التعبير عن قضايا المرأة
من حيث الذات والموضوع ،ودعوتها إلى المساواة والعدالة والكرامة ،و والنضال المستميت من
أجل نيل حقوقها الطبيعية والمكتسبة في ظل الشرعية القانونية واالنسانية.
-تختلط الكتابة الجندرية بالكتابة النسوية التي تتسم بطابعها النضالي ،والحقوقي ،والسياسي،
والحزبي ،والنقابي ،والمجتمعي وتعني الكتابة الجندرية أن كتابة األنثى مختلفة عن كتابة
المذكر بمجموعة من الخصائص على مستوى التجارب الذاتية والموضوعية ،وعلى مستوى
الكتابة الفنية والجمالية ،وعلى مستوى الوظائف والمقاصد المباشرة وغير المباشرة.
-فالمقاربة الجندرية هي تلك المقاربة التي تدرس المنتج األنثوي في عالقة بالمنتج الرجولي،
بالمقارنة بين اإلبداعين مضمونا وشكال ووظيفة ،وتبيان مختلف السمات والمكونات التي يمتاز
بها األدب النسائي مقارنة بالكتابة الذكورية ،وتحديد أوجه التشابه واالختالف بين األدبين،
ورصد مختلف المميزات والخصائص التي تسم كتابة المؤنث في عالقتها بكتابة المذكر،
والسعي نحو تأسيس الهوية الجندرية للكتابة النسائية على سبيل التفرد ،والتخصيص ،والتميز ،
والغاء التمييز بين الجنسين مجتمعيا وثقافيا.
-لقد تبلورت الكتابة الجندرية في العالم العربي ،وال سيما في الواليات المتحدة األمريكية،
وإنجلترا ،وكندا ،وفرنسا ،والمانيا ،وخاصة في فترة ما بعد الحداثة ،إذ اتخذت بعدا ثقافيا
بشكل خاص وعليه ،تسعى الفلسفة الجندرية إلى تثبت ذلك التماثل الكامل بين الذكر واألنثى،
ورفض االعتراف بوجود الفوارق بين الذكورة واألنوثة على المستوى الجندري أو النوعي،
ورفض التقسيمات المختلفة والمصطنعة من قبل المجتمع ألسباب دينية ،وسياسية ،وثقافية،
واجتماعية ،واقتصادية حتى التي يمكن أن تستند إلى أصل الخلقة والوراثة والفطرة.
10
-ال تقبل هذه الفلسفة تلك المساواة التي تراعي الفوارق المختلفة بين الجنسين ،بل تدعو إلى
التماثل الكامل بينهما في كل شيء ومن جهة أخرى ،ترى الكتابة الجندرية أن االختالف بين
الذكورة واألنوثة نوعي باألساس ،أساسه االعتبارات االجتماعية والثقافية .أما االختالف
الجنسي ،فأساسه وراثي وبيولوجي وعضوي كاألنجاب .
-إذا كان الجندر ،في بدايته ،يحمل دالالت بيولوجية من خالل التمييز بين الجنسين على أساس
الفوارق البيولوجية والفيزيولوجية ،فإن الجندر سيتطور بفضل الحركة النسوية ،ليتخذ بعدا
اجتماعيا ثوريا ،على أساس أن التمييز بين الجنسين ال يتحدد وفق المقترب البيولوجي ،بل على
أساس األدوار والوظائف االجتماعية أي إن العمل المجتمعي والثقافي هو الذي يحدد مكانة
الجنسين معا.
-فلقد كان مبدأ الجندر باعثا حقيقيا لخوض النضال النسوي من أجل تحقيق العدالة
المجتمعية ،وفرض المساواة الكاملة بين الجنسين دون تمييز جنوسي ،أو عرفي ،أو هوياتي،
أو طبقي ،أو مجتمعي ،أو ثقافي ،والكفاح أيضا من أجل إزالة الفجوة بين الجنسين والنوعين
معا ،بخلق مجتمع عادل يتعايش فيه الطرفان بسالم وتماثل ،ويتكامالن إنسانيا ،وتعافيا،
واجتماعيا .لذا ،فلقد انتقل الجندر من النوع البيولوجي إلى النوع المجتمعي والثقافي.
" فالتركيز على الجندر بدال من التركيز على المرأة وثيق الصلة بالرؤية التي تقول :إن
مشكالت المرأة ال تعود بشكل أولى للفوارق البيولوجية بينها وبين الرجل ،ولكن بدرجة أكبر
إلى العوائق االجتماعية والفوارق الثقافية والتاريخية والدينية ،وعليه فإن التقسيم النوعي وفقا
لمفهوم "الجندر" ليس تقسيما بيولوجيا جامدا ،وإنما يستند إلى السياق العام الواسع الذي يتم من
خالله التقسيم االجتماعي للعمل".
❖ وتستند المقاربة الجندرية ،في مجال النقد األدبي ،إلى مجموعة من المرتكزات
والمقومات النظرية والتطبيقية التي يمكن حصرها فيما يلي:
• دراسة األدب وفق منطق الجنس أو النوع ،أو وفق ثنائية الذكورة واألنوثة ،ورصد مختلف
القضايا الجنسية والنوعية في النص أو العمل أو األثر االدبي؛
• التركيز على مجموعة من المفاهيم التي تتعلق بالجندر أو النوع ،مثل :الجسد ،والجنس،
واألنوثة ،والذكورة ،والعنف ،والهيمنة الذكورية ،والهوية ،والتفاوت الهرمي والطبقي...
البحث عن مظاهر التميز واالختالف في الكتابة النسائية األدبية فيما يخص الجوانب الداللية
والفنية والجمالية والمقصدية.
• المقارنة بين األدب النسائي واألدب الرجولي من أجل تحديد نقط التشابه واالختالف بينهما.
• اإلصغاء إلى الشفرات األنثوية في النصوص األدبية النسائية الستكشاف أدبيتها وبنائها الثقافي
والنوعي.
• استجالء الرؤية المعرفية والثقافية للمرأة من خالل النصوص األدبية واإلبداعية.
• استكشاف الوعي الفكري والجمالي للمرأة األدبية من خالل الكتابة األدبية النسائية.
• ربط األدب بالنوع االجتماعي والثقافي ،ودراسة الهامش األنثوي في اللغة والخطاب.
11
• رصد مميزات الكتابة األدبية النسائية مقارنة بالكتابة الذكورية ،وتبيان خصائصها الدالية
والفنية والجمالية والمقصدية.
• التركيز على اإلشكاالت الرئيسة التي يطرحها األدب النسائي بصفة عامة ،والنقد النسائي
بصفة خاصة.
وتعتمد المقاربة الجندرية على مجموعة من المفاهيم والمصطلحات كالجنس ،والنوع ،والفصل،
والجندر ،والجنوسة ،والمقاربة النوعية ،والفوارق البيولوجية ،والفوارق االجتماعية ،والعوائق
الثقافية ،والعوائق السياسية ،والعوائق االقتصادية ،والعوائق الدينية؛ والدور االجتماعي ،وهوية
النوع ،والحركة النسوية ،والكتابة النسائية ،والمساواة ،واإلنصاف ،والعدالة االجتماعية ،وحقوق
المرأة ،والتحيز النوعي ،والنقد الثقافي ، ،والرجل والمرأة ،والبطريركية ،وما بعد الحداثة،
والمقارنة بين الرجل والمرأة ، ،والنوع والقوة والسلطة والمؤسسات السياسية ، ،والبعد
البيولوجي ،والبعد الثقافي ،والتمايز المجتمعي ،والتقسيم االجتماعي ،والنظام الطبقي ،وصراع
الطبقات االجتماعية ،ونظرية الجندر ،والالمساواة ،وأزمة الذكورة ،والنسوية الليبرالية ،والنسوية
الراديكالية المتطرفة ،والعرق ،والحرمان من األمومة ،والعنصرية ،واالضطهاد الطبقي ،والتنمية
المجتمعية ،والتنمية المستدامة ،والعمل التنموي.
12
الوحدة الثانية :
التيارات والموجات النسوية
• بدايات ظهور الحركة النسوية :
بالرغم من مرور الحركة النسوية بالعديد من المراحل ،إال أن مصطلح المدرسة النسوية
يشير في مجمله إلى "السرد الزمني للحركات واأليديولوجيات التي تهدف للمناداة بحقوق
المرأة" ،وقد اختلفن النسويات حول نطاق وطبيعة هذه الحقوق ،باختالف اإلطار الزمني
والثقافي والجغرافي للطرح ،ولكن معظم المؤرخات النسويات أجمعن على أن جميع الحركات
التي تعمل على الحصول على حقوق المرأة ينبغي اعتبارها حركات نسوية ،حتى إذا لم يطلقوا
هذه التسمية على أنفسهم.
أوال :األهداف الرئيسية للمدرسة النسوية
سعت هذه المدرسة منذ بدايتها إلى تضمين العنصر النسائي في المجال العام ،وتمكينه للعديد من
الحقوق ،ومثلت المدرسة النسوية تحديا كبيرا للعديد من القواعد العامة التي تم ترسيخها وبنائها
بواسطة المدارس الفكرية والثقافية المختلفة ،فبالرغم من تعدد المدارس واإلسهامات الفكرية
التي عملت على تحليل العالقات بين الجماعات المختلفة داخل المجتمع والدولة ،إال أن أي من
هذه المدارس لم يتطرق من قبل للتركيز على المرأة كعنصر رئيسي داخل هذه الجماعات ،فلم
يلعب العنصر الجندري أي دور يذكر ،ولم يتم التركيز على خصوصية المرأة كعنصر منفصل
له العديد من الحقوق والمساحات التي لم يسبق للنساء الحصول عليها أو ممارستها ،ولعل
أهم األسباب في ذلك يعود إلى الرؤية المجتمعية والثقافية الكالسيكية للمرأة قبل ظهور هذه
المدرسة ،فكانت الرؤى الغالية تحصر دور المرأة الرئيسي في النطاق األسري ،دون النظر في
المساحات األكبر من األسرة أو العائلة.
فقد مرت المدرسة النسوية بعدة مراحل وموجات ،وخالل هذه المراحل شهدت العديد من
التطورات التي تحكم هيكل الحجج والمفاهيم الذي تعتمد عليه المدرسة من أجل تمكين المرأة في
المجاالت المختلفة :السياسي واالجتماعي واالقتصادي ،ولكن على الرغم من ذلك يمكن القول
إن المدرسة النسوية بشكل عام قد اعتمدت على عدد من المفاهيم الرئيسية خالل مراحلها
المختلفة من أجل تفسير الواقع السياسي وتأثير العالقات في المجال الخاص على نظيرتها في
المجال العام.
ثانيا :الموجات الثالث للنسوية
يجب أن تشير في البداية إلى أن المدرسة النسوية تعد من المدارس الفكرية األكثر تميزا عندما
يتعلق األمر بالحراك على األرض وتزامن هذا الحراك باإلنتاج الفكري والنظري؛
13
الموجة األولى:
أ -المفاهيم الرئيسية لهذه المرحلة:
المساواة – االقتراع – المشاركة ،التحرر االضطهاد ،عدم التمييز .ظهرت هذه المدرسة منذ
عام 1830وصوال إلى عام ،1920وقد ركزت على الجوانب القانونية واالجتماعية المرتبطة
بالمرأة ،وقد قاد ت النسويات بكل من الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا "حركة تحرير
المرأة" ،فالحركة في بريطانيا ظهرت مع خروج المملكة من استراليا ،ومع بدايات اشتعال
الحرب العالمية األولى ،وقد سعت هذه الحركة للقضاء على عدد من أشكال التميز بينها وبين
نظرائها من الرجال في ظل تحمل النساء لتكلفة الحرب كالرجال تماما ،وأول الحقوق التي
ظهرت على السطح كانت الحق في االنتخاب ،والذي كافحت النساء للحصول عليه في بريطانيا
وهو األمر الذي دفعهم إلشعال قبة البرلمان والتظاهر في ويستمانستر .وعلى صعيد آخر نجد
أن الحركة النسوية في الواليات المتحدة األمريكية قامت بالتزامن مع حركة التخلص من
العبودية.
-وقد ساهمت في هذه الحركة عدد من النسويات من أصل أسود مثل الكاتبة النسوية ذات
األصل األفريقي سوجوي ر نير تروث التي قامت بإلقاء خطاب شهير في أحد التجمعات النسائية
بعنوان "الست أعد امرأة أيضا " ،وقد اقترنت الحركة النسوية بحركة التحرر من العبودية
بسبب أنه خالل تلك الفترة تمت مناقشة المادة الخامسة عشرة من الدستور األمريكي والتي
تحدد من له الحق في االنتخاب ،وقد انتهى األمر بإعطاء النساء الحق في التصويت ولكن
أقتصر هذا الحق على النساء البيض فقط.
ب -الحجج واألفكار الرئيسية للموجة األولى:
كانت األفكار األساسية التي بدأت بها الموجة األولى من المدرسة النسوية تركز بشكل رئيسي
على "التحرر" ومواجهة االضطهاد والالمساواة" ،فكان الشعور باالضطهاد هي القضية التي
تأسست عليها النسوية في بداياتها؛ بسبب تردي أوضاع المرأة ،فبدأت الحركة بالسعي إلى وقف
حالة االضطهاد التي تعاني منها المرأة ،والمطالبة بحقوقها وتحسين أوضاعها.
-وعلى رأس هذه المطالب كانت الموجة األولى تركز باألساس على المطالبة بـ "حق المرأة
في االقتراع" ،وكانت الحجة الرئيسية التي اعتمدت عليها في سبيل الدفاع عن حق النساء في
التصويت هي "المساواة"
-فنجد أن الفكر الذي اعتمدت عليه هذه الموجة هو الفكر الليبرالي الذي يساوي بين مختلف
األفراد داخل المجتمع ،وهذه المساواة نابعة من تمتع األفراد في مجملهم بذات القدرات العقلية
التي تمكنهم من التفكير والقيام بذات المهام العقلية بشكل متساوي يضمن تحقيق المصلحة
الجميع داخل المجتمع.
-بدأت مسيرة النسوية األولى وأهم أفكارها وأطروحاتها من أساس أن "النساء يجب أن
يتمتعا بنفس الحقوق أسوة بالرجال في ظل تمتع النساء بذات القدرات العقلية" وأكدت رائدات
هذه المدرسة على أن التراجع في االنتاج الفكري النسائي ،ال يعود لضعف قدراتهم العقلية
مقارنة بأقرنائهم من الذكور ،وإنما يعود نتيجة لألدوار والنظرة المجتمعية التي لم تسمح للنساء
بالتحرك خارج هذا اإلطار.
14
-وقد دعت بعض رائدات هذه الموجة من أمثال ماري ولستونكرافت إلتاحة التعليم لجميع
النساء الذي يعد من وجهة نظرهم األداة الرئيسية للتغلب على هذه الفجوة ،ولتمتع النساء
بنوع من االستقاللية والرشادة عند اتخاذهم لقرارات مرتبطة بتسيير جوانب حياتهم المختلفة؛
ومن هنا لن يتم إنكار حقهم في التصويت بحجة غياب الرشادة والعقالنية عن اختياراتهم
الحياتية.
ولم تقتصر الكتابات الفكرية المدافعة عن حقوق المرأة على الكاتبات من النساء فقط ،بل
ظهرت العديد من اإلسهامات للمفكرين الذكور ومنهم جون ستيوارت ميل ،والذي تمثل إسهامه
في كتابه “استعباد النساء" ،والذي دافع فيه دفاعا قويا عن حرية النساء.
ج -أهم نتائج الموجة األولى
كانت البدايات للسعي إلى وقف حالة االضطهاد التي تعاني منها المرأة ،والمطالبة .1
بحقوقها وتحسين أوضاعها .في أمريكا وأوروبا ،حيث بدأت في أمريكا الدعوة لحقوق
النساء في مؤتمر كبير في سينكا فولز عام 1848م شارك فيه أكثر من 300شخصية
منهم 40رجال ،كان من أهم مطالبه وقف التمييز ضد النساء .وقد اهتمت األمريكيات
بحق التصويت ،والتعليم ،وتحرير العبيد.
أما في إنكلترا فكان التركيز على حق التعليم والعمل وتعديل قوانين الزواج (حقوق .2
المتزوجات بالملكية والحضانة) ،فقادت الناشطات النسويات حملة حضانة األطفال
1838م ،ووثيقة المطالبة بحق الملكية للمرأة المتزوجة 1857م ،وقد اتهمت الحركة
النسوية البريطانية بأنها تقصر اهتمامها على مشكالت بنات الطبقة الوسطى.
من الناحية النظرية نجد أن مثل هذه الدعوات حققت نجاحا كبيرا في األوساط .3
الفكرية ،فنجحت في منح النساء في كل من الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا الحق
في التصويت.
كما بدأ انغماس النساء في المجال اإلنتاجي ،ولكن اإلنجاز من الناحية التطبيقية -وإن .4
كان جديدا وناجحا إلى حد ما -إال أنه لم يساهم في تغير وضع المرأة بشكل
جوهري.حيث استمرت معاناة المرأة من االضطهاد في المجال الخاص ،والتمثيل في
المجال العام ،فباستثناء االعتراف بالحق في التصويت ،لم ينتج قوانين أخرى لحماية
المرأة أو تمكينها من باقي حقوقها في المجال الخاص وفي المجتمع وغيرها من
المجاالت الوسيطة.
-2الموجة الثانية
أ -المفاهيم الرئيسية لهذه المرحلة:
-ارتبطت هذه الموجة ببعض المفاهيم المختلفة مثل :التنشئة االجتماعية الثورة الجندرية
الفلسفة األنثوية.
-وتشير الموجة النسوية الثانية إلى فترة نشاط نسوية في الستينات والسبعينات ،شأنها شأن
الموجة األولى التي كافحت من أجل حصول المرأة على حق التصويت،
-ولكن ارتكزت الموجة الثانية بشكل أساسي كانت ذات نطاق أوسع وأكثر تنوعا من حيث
القضايا والموضوعات مثل عدم المساواة غير الرسمية (في الواقع) والنوع االجتماعي
15
واألسرة ومكان العمل والخالص من التمييز القانوني تبعا للنوع االجتماعي ،وربما بطريقة
مثيرة للجدل بشكل كبير فيما يتعلق بالحقوق اإلنجابية.
ب -الحجج واألفكار الرئيسية للموجة الثانية:
تباينت األفكار والحجج لهذه الموجة بين تيارين رئيسيين داخل الحركة النسوية:
التيار األول :ويدعو لتحقيق المساواة للمرأة في المجال الخاص وبالتحديد المساواة في مجال
العمل وفي الواجبات المنزلية
-ويعتمد هذا التيار على تفسير تقسيم األدوار بين الرجل والمرأة بناءا على وسائل التنشئة
االجتماعية ،فذلك االتجاه يؤمن بدور القيم والمعايير في التأثير على سلوك األفراد
-فنجد أن الذكور يتعلمون نمطا معينا من السلوك يقوم على تجنب العاطفة والحرية
والتنافس بينما على النقيض تماما تقوم المرأة على مفاهيم الطاعة والخضوع وعدم التعبير
عن الرأي وذلك هو سبب استبعاد المرأة من عديد من األنشطة التي يتصدرها الرجل بما فيها
المشاركة السياسية والقدرة على صنع القرار ،وهو ما يرفضه هذا التيار ،ويرى الحل في إعادة
التوصيف والترتيب لمكانة المرأة في المجتمع باالعتماد على وسائل ورؤى جديدة للتنشئة
االجتماعية والسياسية التي تقوم على رفض التمييز ضد النساء وذلك بهدف تمتعها بجميع
حقوقها السياسية والمدنية في المجتمع.
التيار اآلخر :تمثل في النسوية الراديكالية :
-التي رأت أن الحقوق السياسية التي كفلها القانون للمرأة ،لم تنجح في تمكين المرأة من حقوقها
األخرى في المجال االجتماعي واالقتصادي،
-ولذلك فإن الحل يكمن في القضاء على النظام األبوي السائد ،وذلك من خالل الدعوة لبدء
ثورة جندرية على هذا النظام لتمكينهم من حقوقهم وخاصة الحقوق المرتبطة بالحرية
الجنسية ،حيث أمنت هذه الحركة أن قمع النساء يبدأ من العالقات الحميمة ،ومن أشهر
المفكرات في هذا التيار أدريان ريتش.
-الحجة الرئيسية التي اعتمدت عليها هذه الموجه لرفض االتجاه النسوي في موجته األولى
وتعامله مع قضية الجندر تتمثل في الطبيعة الليبرالية التي تميل للتعميم ،والتركيز على
المساواة الرسمية بين أفراد المجتمع ،وتجاهل خصوصية بعض الجماعات داخل المجتمع.
وهو ما كان عليه الوضع في حالة المرأة
-حيث إن النظرية الليبرالية تتجاهل الخصوصية التي تتمتع بها المرأة داخل المجتمع؛
فالنظرية الليبرالية تعمد للفصل فيما بين المجال العام والمجال الخاص ،والمجال العام في
المطلق يسيطر عليه مبادئ الصالح العام ،والحكم باالستناد على العقل ،بينما المجال الخاص
تسيطر عليه مبادئ الرغبة الفردية والعاطفة.
-وألنه تاريخيا كان يتم قصر دور المرأة على المجال الخاص ،بجانب دور المرأة في العملية
اإلنجابية وتربية ورعاية األطفال ،فإن النظرة العامة للمرأة مازالت تقتصر دورها وقدراتها
على المجال الخاص دون العام ،والمجال العام لم يفقد النظرة الرجولية التي ترتبط به على
الرغم من تمتع النساء بحق التصويت.
16
-الحجة الفرعية التي استخدمتها هذه المدرسة لتدعيم هذا الطرح تمثلت في أن دخول المرأة
أيضا إلى المجال العام ،يفرض عليها التصرف وفقا للمنظور الذكوري المسيطر على المجال
العام ،وهو ما يعني أن المرأة يجب أن تزيل عنها الطابع األنثوي الذي تتمتع به ،حتى يتم قبولها
لتكون فاعال داخل المجال العام ،وحتى تسير وفقا للنموذج الذكوري الذي تم وضعه وترسيخه
سابقا في المجال العام بواسطة الرجل.
-ومن رواد هذه الموجة المفكرة الفرنسية سيمون دي بوفوار صاحبة الكتاب األكثر
شهرة بعنوان "الجنس اآلخر" ،تناولت فيه تحليل مفصل حول تاريخ اضطهاد المرأة .وناقشت
سؤالين مركزيين" :كيف وصل الحال بالمرأة إلى ما هو عليه اليوم (أي أن تكون "اآلخر"؟)
وماهي األسباب لعدم تكتل النساء سوية ومواجهة الواقع الذكوري الذي فرض عليهن ،ووضع
هذا الكتاب مسبقا في الفاتيكان على قائمة الكتب المحزمة ،وألغيت هذه القائمة عام.1966
ج -أهم نتائج الموجة النسوية الثانية:
ارتبطت هذه المرحلة بتأسيس الناشطون النسويون لمجموعة من األعمال النسوية ،بما في ذلك
المكتبات النسائية ،والنقابات االئتمانية النسوية ،والمطابع النسوية ،وكتالوجات البريد النسائي،
والمطاعم النسوية ،وعالمات التسجيل النسوية .وازدهرت هذه األعمال كجزء من الموجتين
الثانية والثالثة من النسوية في السبعينات والثمانينات والتسعينات.
-ولكن التوجه المتطرف للتيار الراديكالي في هذه الموجة عرض رواد النسوية للعديد من
االتهامات ،على رأسها االدعاء بأن هذه المدرسة تسعى لتدمير مؤسسة األسرة ،أو التحريض
ضد الذكور ،وأن مثل هذه الرؤى والمطالب سوف تحول المجال العام – أو الخاص إلى ساحة
للصراع فيما بين الرجل والمرأة ،وهو األمر الذي من شأنه أن يدمر بنيان المجتمع والدولة
الحديثة.
-وتعرضت الحجج واألطروحات التي قدمتها هذه الموجه للعديد من االنتقادات من الناحية
النظرية والعملية ،فمن الناحية العملية نجد أن هذه الموجه عمدت إلى تعميم التجربة النسائية
للنساء الغربيات ذوي األصول البيضاء المنتمين للطبقة الوسطى لتكون بمثابة النموذج الذي
يتم الرجوع إليه في التعامل مع النساء عموما بغض النظر عن االختالفات في اللون والمجتمع
والتفضيالت الجنسية لدى النساء من جميع أنحاء العالم ،وهو ذات االنتقاد الذي وجه للنظرية
الليبرالية التي تعمد للنظر لألفراد باعتبارهم متساويين بغض النظر عن الجوانب االجتماعية
والبيولوجية التي تؤثر على تكوين وتوجهات األفراد كل على حدة.
-فالنظرية النسوية رأت أن التحدي األوحد الذي يواجه تقدم المرأة ومشاركتها في الحياة
السياسية واالجتماعية بشكل متساوي مع الرجل ،يتمثل في التمييز القائم على أساس النوع،
وهو األمر الذي يتجاهل التمييز العنصري الذي تعاني منه المرأة السوداء بجانب معاناتها من
التمييز على أساس النوع ،كما إن المرأة العاملة تعاني من التمييز في بيئات العمل المختلفة التي
لم تتضمنها النظرية النسوية في تيارها الثاني.
17
-هذه الموجة لم تراعي االختالفات فيما بين النساء في الجوانب االثنية والطبقية والدينية
والعرقية التي تساهم في تشكيل هويتهم بخالف كونهم نساء .ومن الناحية النظرية نجد أن
مبدأ المساواة الليبرالي هو المبدأ الوحيد الذي يضمن للمرأة التمتع بذات الحقوق ،كما إن
رفض الموجة الثانية لهذا المبدأ قد يفتح المجال للتسامح مع بعض الممارسات التقليدية التي
تضمن نوع من التمييز ضد المرأة تحت مبرر أن هذا يتناسب مع طبيعتها والخصوصية
البيولوجية التي تتمتع بها.
-3الموجة الثالثة
-امتدت هذه الموجة منذ الثمانينات والتسعينات ،ظهرت الموجة الثالثة كنتيجة للتطرف في
األفكار واالتجاهات التي طرحتها الموجة الثانية ،فجاءت باعتبارها ردة فعل على فشل الموجة
السابقة ،وهدفت إلى تعديل وتنقيح الطرح النسوي.
-ارتأت الموجة الثالثة وجود أكثر من نموذج أنثوي وفقا لألوضاع االجتماعية والثقافية والعرقية
والجنسيات والدين ،على عكس الثانية التي اعتقدت بوجود نموذج واحد فقط .وركزت الموجة
الثالثة على القضايا المتعلقة بالجنس البشري والطبقة االجتماعية ونوع الجنس.
-وتميزت بالتعدد واالبتعاد عن األيدلوجية وكسر االحتكار .وبذلك تختلف عن الموجة األولى
التي منحت المرأة حق االقتراع وعن الثانية التي كانت تعكس خبرات الشريحة العليا من الطبقة
الوسطى للمرأة البيضاء في سعيها لتمكين المرأة االقتصادي والسياسي ،وكانت الكاتبة
األمريكية ريبيكا ووكر أول من استخدمت مصطلح الموجة النسوية الثالثة في كتابها
أ -المفاهيم األساسية للموجة الثالثة:
-الموجة الثالثة قد قادها الفكر وليس الحركة.
-حيث نجد أن األكاديميات من النسويات قد سعين لتشكيل تأصيل لبدايات هذه الموجه من
خالل إدماج فئات أخرى داخل الحركة النسوية والتطرق لعدد من القضايا الحساسة المتعلقة
بالجندر.
-باإلضافة إلى استحداث عدد من المصطلحات والمفاهيم مثل :التمييز على أساس الجندر
والتمييز الجندري األثيني ،وذلك بالتزامن مع الحديث عن فئات أخرى داخل الحركة النسوية
بخالف النسويات المستقيمات ،حيث تم التطرق للنسويات العابرات جنسيا ،والنسويات مثليات
الجنس .
ب -الحجج واألفكار الرئيسية للموجة الثالثة:
-تمثل الحجة الرئيسية للموجة الثالثة في ضرورة تحقيق التوازن فيما بين الشمولية الليبرالية
والخصوصية التي تتمتع بها الجماعات
-مثال نجد أن اريس يانج قد طرحت نموذجا يعرف ب (نموذج غياب التجانس فيما بين
العامة) ،حيث يرفض هذا النموذج عدد من المبادئ الليبرالية التي ترى أن المجتمعات
االنسانية تتميز في مطلقها بالتجانس ،والحياد والعقالنية المعيارية،
18
وهي بدورها تعد مبادئ تتجاهل التجربة التاريخية والعوامل البيئية األخرى التي تؤثر على
الوعى اإلنساني ،وهو ما يعني استحالة اعتبار هذه المبادئ حقيقة مطلقة تطبق على جميع
المجتمعات بدون استثناء.
-كما إن المساواة فيما بين األفراد في بعض األحيان قد تؤدي لتهميش بعض األفراد
والجماعات داخل المجتمع التي ال تمتلك القوة وال القدرة للتعبير عن ذاتها واحتياجاتها ،ومن
هنا جاءت الحركة النسوية بفكرة الكوتة أو التمكين والتقوية التي تعزز من قوة الجماعات
المستضعفة وتمكنهم من تمثيل مصالحهم بشكل يضاهي الجماعات النسبية التي تتمتع بالقوة
النسبية.
-ومن األفكار المميزة لناشطات الموجة الثالثة ،عدم اقتناعهم بأن أن التحرر يتمثل نسخ تجربة
اآلخرين ،أو تقليد ما فعلته الحركات النسوية السابقة ،بل يعني أن نجد طرقنا الخاصة للحرية،
وأن تكون أصيلة ونابعة من رغباتنا وقناعاتها وظروفها ،كما يمكن أن تغير مع كل جيل ،ومع
كل فرد ومع كل ثقافة ولون.
ج -أهم نتائج الموجة النسوية الثالثة:
-دعت الناشطات النسويات في هذه المرحلة إلى شخصية جديدة للنسوية وتم التركيز على
التقاطع بين العرق والجندر .مما أدى إلى أهم نتائج هذه المرحلة وهي تزايد نسبة عدد
الناشطات النسويات الملونات واألسيويات ،كما تزايد عدد السياسيين من األقليات الذين
يتبنون خطابا نسويا جديدا يركز على جذب الشابات من النساء.
-فمن الكاتبات الالتي اشتهرن بارتباطهن بالموجة الثالثة ،الكاتبة السوداء بل هوكس ،وتوني
موريسون الروائية االفرو -أمريكية ،حاملة نوبل لآلداب ،وآسيا جبار الجزائرية التي تكتب
الرواية والشعر بالفرنسية.
-فنجحت الموجه الثالثة في إرساء جذور عملية السعي االجتماعي والسياسي التي ال تبدأ وال
تنتهي بالطبقات الوسطى البيضاء ،وتناولت ناشطات الموجة المشكالت المختلفة والمتنوعة التي
تبدو أنها تؤدي إلى اضطهاد النساء مثلها مثل كل الهويات المهمشة.
-وعندما تكون المرأة ملونة أو تنتمي للعالم الثالث فأنها بذلك تعبر عن هامش الهامش وهنا
تأتي خصوصيتها وأهميتها أيضا .فتناولت أن بروكس مثال مطالب الثقافات المهمشة
والمستعمرة وثقافات الشتات من أجل خلق نسوية غير مهيمنة قادرة على التعبير عن
التيارات النسوية المحلية األصلية في مرحلة ما بعد االستعمار.
-وأثمرت هذه الموجة عن أهم اإلنجازات للمدرسة النسوية تمثلت في إعالن األمم المتحدة أن
السنوات بين 1976م و 1985م هي عقد المرأة ،وفي عام 1979م أعلنت لجنة المرأة التابعة
لألمم المتحدة عن وثيقة عالمية هي وثيقة اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة ،والتي
وضعت للحد من التمييز على أساس الجنس ،وقد كانت هذه الوثيقة سببا في نشر أفكار النسوية
على نطاق عالمي بشكل أكبر ،وبشكل إلزامي.
19
ثالثا :انتقادات المدرسة النسوية ،والهور المدارس النسوية المتفرعة
واجهت المدرسة النسوية بكافة مراحلها العديد من أوجه الرفض والهجوم ،ولعل السبب في ذلك
يعود للرؤية التي جاءت بها المدرسة النسوية بطرح العنصر النسوي بشكل منفصل على
الساحات العلمية والعملية والثقافية والدينية ،وهو األمر الذي عرض الفكر النسوي في مجمله
للعديد من االتهامات ،على رأسها االدعاء بأن هذه المدرسة تسعى لتدمير مؤسسة األسرة ،أو
التحريض ضد الذكور ،وأن مثل هذه الرؤى والمطالب سوف تحول المجال العام -أو الخاص
إلى ساحة للصراع فيما بين الرجل والمرأة.
وهو األمر الذي حاول العديد من المفكرين معالجته ،فظهرت العديد من التوجهات والمدارس
النسوية المتفرعة ،كمحاولة إلصالح وتقويم الفكر النسوية والتصدي لالتهامات الموجهة له،
وذلك بمراعاة تنوع وتعدد األطر االجتماعية والثقافية والجغرافية والدينية ،ففي كل فترة يقوم
عدد من المفكرين بإعادة رصد ألهم أفكار ورؤى المدرسة النسوية ،ومحاولة مواءمتها مع
األطر الزمنية واالجتماعية والثقافية المختلفة .وكنتيجة لذلك ظهرت العديد من المدارس الفرعية
للفكر النسوي ،ومنها:
-1الحركة النسوية السوداء
وهي مدرسة الفكر الذي تجادل في قضية التمييز على أساس الجنس أو العرق ،باإلضافة إلى
االضطهاد الطبقي والهوية الجنسية والعنصرية حيث انهما مرتبطان ارتباطا وثيقا وهذه
المفاهيم تتقاطع مع ببعضها البعض .ومن هذا المنظور طرحت كيمبرلي كريشنو نظرية
"تقاطع"
-كمحاولة لتحليل تجارب النساء الملوثات ،وتقاطع التفرقة العرقية والجندرية التي تواجهها
النساء الملونات على مستوى النظام القانوني والقضائي والحق في الخدمات العامة والقدرة على
النفاذ إليها .وتطورت النظرية بعد ذلك لتشمل جميع تقاطعات أشكال وأنظمة القهر والهيمنة
والتمييز ،وتقاطعها مع الجندر (النوع االجتماعي) واإلثنية واللون والطبقة االقتصادية
واالجتماعية والميل الجنسي والتوجه الجندري والقدرات العقلية والجسدية ،لتفكيك وفهم تجارب
النساء المركبة.
-وأصبحت الحركة النسائية السوداء شعبية في فترة الستينات ،ردا على التحيز الجنسي من
حركة الحقوق المدنية والعنصرية الحركة النسوية .بدأت في النمو من فترة السبعينات إلى
الثمانينات
-وشكلت الحركة النسوية السوداء المجموعات المختلفة التي تناولت دور المرأة السوداء في
القومية السوداء ،تحرر مثلي الجنس ،والموجات النسوية .ووصلت النظريات النسوية السوداء
إلى أوجها في عقد ،2010نتيجة لدعوة وسائل االعالم االجتماعية .وينتقد البعض هذا التيار
النسوي ،باعتبار أن االنقسامات العرقية تضعف قوة الحركة النسوية بشكل عام.
-2االتجاه النسوي االشتراكي (الماركسي)
-ظهر المذهب في البداية على يد توماس مور في إنجلترا وفي فرنسا على يد سان
سيمون وجون ميلليه ،ولم يرفض هذا االتجاه قضايا الفكر النسوي الليبرالي ولكنه رفض
تطبيق مفاهيم القيمة والمكانة كسبيل لتمكين المرأة فالفكر النسوي االشتراكي يرى أن
اضطهاد المرأة يرجع لفكرة تطور الملكية الخاصة وظهور مجتمع يقوم على الطبقات
20
-فتحرير المرأة يأتي من خالل نجاح الثورات االشتراكية وحل التناقضات الطبقية وبذلك
يتم القضاء على كافة أشكال التمييز في المجتمع بما فيها التمييز ضد المرأة ،ويؤمن ذلك
االتجاه بوجوب تغيير وضع المرأة ووظيفتها سواء في المجال العام أو الخاص وضرورة
رفض التبعية واالستغالل وضرورة تحقيق االستقالل االقتصادي للمرأة كوسيلة لتتحقق لها
الحرية الكاملة.
-3االتجاه النسوي العربي
دخلت األفكار والمقوالت النسوية الغربية إلى العالم العربي بشكل متفاوت ،عن طريق عدة
قنوات ،أهمها :البعثات العلمية إلى دول الغرب ،وكذلك من األعمال الذي قدمها رجاالت
النهضة من المثقفين العرب ،وعن طريق تقليد الشرائح االجتماعية شبه االرستقراطية للثقافة
الغربية ومسالكها .وقد تشكلت النسوية العربية خالل ثالث مراحل ،حتى وصلت إلى ما وصلت
إليه اآلن ،وذلك على النحو التالي:
أ -المرحلة األولى:
تسمى هذه المرحلة "بعصر النهضة" ،التي ترافقت مع وصول الحملة الفرنسية إلى مصر سنة
1798م .وكانت أبرز مالمح النسوية في هذه المرحلة تتمثل في:
.1االهتمام بمسألة المرأة في هذه المرحلة بشكل ثانوي ،وملحق بقضية النهضة ،لذلك ال تكاد
تخرج المطالب على حق المرأة في التعليم.
.2الحديث عن حق المرأة في العمل ،لكنه لم يكن شامال مطلقا كما هو في المراحل التالية،
وأيضا دعوا إلى االختالط بين الجنسين؛ ألن ذلك من مقتضيات التعلم والعمل -حسب رأيهم،
وليس من منطلق المساواة بين الجنسين.
.3لم تطرح فيه قضايا مباشرة مناقضة لثوابت الدين ومسلماته ،ولم يتم نسبة التخلف الذي كان
عليه حال المرأة في الدين.
.4في هذه المرحلة الدعاة لحقوق المرأة كانوا رجاال ،وغاب العنصر النسائي.
ب -المرحلة الثانية:
-اختلف الباحثون في تحديد بداية هذه المرحلة ،فمنهم من يرجعها إلى نهاية القرن التاسع عشر
الميالدي ،الذي أصدر فيه مرقص فهمي كتابه "المرأة في الشرق" عام 1894م ،ومنهم يرجع
بدايتها لكتاب قاسم أمين عام 1900م ،والذي سلك المسلك الليبرالي عند طرحه لقضايا المرأة.
*كذلك نشطت هذه المرحلة في مصر بتأسيس االتحاد النسائي المصري عام 1923وحضرت
رئيسة االتحاد الدولي للحركة النسوية في العالم إلى مصر لمساعدة المصريات في بناء التنظيم
ودعمه ،ومن أبرز نسويات هذه الفترة هدى شعراوي وصفية زغلول.
وكانت أبرز المالمح النسوية في هذه المرحلة:
.1أصبحت الكتابات تتجه نحو المناداة بااللتحاق بركب الحضارة ،وتناولت موضوعات
لم تطرح من قبل ،مثل :المساواة بين الجنسين في مرافق التعليم.
21
.2ظهرت المرأة في ميدان التأليف للدفاع عن حقوق المرأة ،ولم يعد مقتصرا على
الرجال فحسب كما كان في المرحلة األولى كدرية شفيق ،والتي أصدرت مجلة "بنت
النيل"
.3نظمت المرأة نفسها في سبيل نيل حقوقها في االتحادات النسائية التي ظهرت في تلك
المرحلة ،وشاركت من خاللها في المؤتمرات العالمية التي تدرس وضع المرأة.
22
ويمكن توضيح أهم خصائص المعرفة النسوية اإلسالمية في النقاط التالية:
أصالة المكون الميتافيزيقي جنبا إلى جنب مع المصادر المادية للمعرفة ،ويعني .1
ذلك المكون اإليمان بالل وبالغيب.
أن المعرفة النسوية اإلسالمية تستند إلى إطار معرفي عقائدي أكبر ،وهي بذلك .2
تتشابه مع النسوية الليبرالية واالشتراكية في انتمائها لغطاء فكري وعقائدي
أكبر ،وتبتعد عن نسوية ما بعد الحداثة التي ترفض المعرفة قبل النسوية.
المعرفة النسوية في المنظور اإلسالمي هي معرفة نقدية في جوهرها .3
ومضمونها ،إصالحية في هدفها.
محكومة بالضوابط الموضوعية والمنهجية اإلسالمية. .4
معرفة تحررية ضد السلطة المطلقة لفرد أو جنس أو رأي أو نظام وحيد. .5
نمو المعرفة النسوية رهين بنمو تيار ثقافي اجتهادي في نسيج المعرفة والثقافة .6
اإلسالمية عموما.
23
فتعرف أميمة أبو بكر النسوية اإلسالمية بأنها "موقف له منطلقات أنطولوجية معينة وهدف
مزدوج ،هو االهتمام بتحسين أحوال النساء ،خاصة في المجتمعات ذات األغلبية المسلمة،
وتحقيق العدالة والمساواة للنساء ،والهدف الثاني هو إصالح وترشيد الفكر اإلسالمي نفسه
ومنهجيات العلوم اإلسالمية والفهم الديني إلعادة قراءة المصادر اإلسالمية ما يسمح ببناء
معرفة إسالمية نسوية مساوية".
24