Professional Documents
Culture Documents
15436المحاضرة الخامسة منهج البحث التاريخي
15436المحاضرة الخامسة منهج البحث التاريخي
املقدمة
احلمدهلل رب العاملني ،والصالة والسالم على أشرف املرسلني سيدان حممد ،وعلى آله
وأصحابه والتابعني،
وبعد
فإن منهج البحث من العلوم الىت ظهرت وتبلورت واستقلت ىف العصر احلديث ،واملؤلفات
فيها اندرة وقليلة ،ولذا أردت هبذة الدراسة أن أضيف إىل ذلك الصرح احلديث لبنة صغرية؛
عسى ان تكون إضافة جديدة ملا كتبه السابقون ،وقد جعلت عنواهنا "منهج البحث
التارخيى".
وقد قسمت هذه الدراسة إىل ثالثة فصول :الفصل األول بعنوان "تعريف منهج البحث
والعلوم املساعدة ىف دراسة التاريخ" ،وقد حتدثت فيه عن املعىن اللغوى لكلمات" :املنهج"،
و"البحث" ،وتعريف مصطلح"منهج البحث التارخيى" ،مث حتدثت عن العلوم املساعدة يف
دراسة التاريخ.
والفصل الثاىن عنوانه"خطوات إعداد البحث التارخيى" ،وقد شرحت فيه ابلتفصيل اخلطوات
واملراحل الىت مير هبا البحث التارخيى –أثناء إعداده-والىت البد أن يعرفها ويفهمها جيداً كل
ابحث ىف التاريخ؛ من أختيار موضوع البحث ،وحتديد املصادر واملراجع الىت جيمع منها
الباحث املادة العلمية الالزمة لبناء حبثه ،مث عملية مجع املادة العلمية ،ونقدها ،وأخرياً مرحلة
أما الفصل الثالث فعنوانه "موضوعات مهمة للبحث التارخيي" ،وقد حتدثت فيه عن بعض
املوضوعات املهمة جداً للبحث التارخيى ،والىت البد للباحثني ىف التاريخ اإلسالمى-بصفة
خاصة-أن يكونوا على دراية كاملة هبا ،وأن تكون حاضرة ىف أذهاهنم أثناء قيامهم ابلبحث؛
ليتمكنوا من اإلستفادة منها ىف أحباثهم ،وهي :أمهية القرآن الكرمي واألحاديث النبوية
للتاريخ .وأسس النقد التارخيى الىت ينبغى ان يعتمد عليها الباحثون ىف التاريخ اإلسالمى ،وان
تكون حاضرة ىف أذهاهنم أثناء قيامهم ابلبحث؛ كى يتمكنوا مبوجبها من نقد األخبار
والرواايت ،ومتييز الغَث من السمني منها ،فيتمكنوا ابلتاىل من الرفض ورد كثري من األخبار
والرواايت الباطلة ،وتنقية التاريخ منها ،وتقدمي اتريخ صحيح إىل القراء .واإلسرائيليات
وأقسامها وكيفية التعامل معها .مث ختمت هذا الفصل ابحلديث عن الرواايت املتضاربة
وقد اعتمدت يف هذا البحث على جمموعة من املراجع احلديثة املهمة املؤلفة ىف هذا الفن،
مثل ":كيف تكتب حبثاً أو رسالة" لألستاذ الدكتور أمحد شليب ،و"منهج البحث التارخيي"
لألستاذ الدكتور حسن عثمان ،و"التاريخ وتطوره ىف داير اإلسالم " لألستاذ الدكتور حممد
عبدالوهاب فضل ،و"مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه" لألستاذة الدكتورة سيدة
كاشف؛ وقد أمدتىن هذه الكتب مبعلومات كترية ومفيدة تتعلق ابلفصلني األول والثاين.
وهناك مصادر ومراجع أخرى أفادتىن كثرياً ىف تكوين مادة الفصل الثالث ،مثل "مقدمة ابن
خلدون" البن خلدون ،و"البداية والنهاية" البن كثري ،و"تفسري القرآن العظيم" البن كثري
وأحب أن أذكر هنا أنين اقتصرت يف احلواشي على ذكر اسم املؤلف ،والكتاب ،ورقم اجلزء
ورقم الصفحة؛ من ابب االختصار والتخفيف ،فلم أذكر رقم الطبعة ،واترخيها ،اكتفاء
وبعد هذا العرض املوجز للجوانب املختلفة اليت تناوهلا البحث ،وأهم املصادر واملراجع اليت
اعتمدت عليها ،أرجوا أن أكون قد وفقت فيه ،وأن يكون عملي فيه خالصاً لوجه هللا الكرمي
الفصل األول
املنهج:
يقال :النهج ،واملنهج ،واملنهاج ،مبعىن واحد هو الطريق الواضح ،ويقال :هنج يل األمر
فاملنهج هو الطريق املرسوم احملدد املعامل الذي يرشد الباحث إىل غايته املقصودة وهدفه
املنشود(.)3
وهو نوع من التنظيم العقلي ينبغي على الباحث اتباعه يف سبيل الوصول إىل احلقيقة ،وهو
وهو عند ديكارت الفيلسوف الفرنسي :قواعد وثيقة سهلة ،متنع مراعاهتا الدقيقة من أن
يؤخذ الباطل على أنه حق ،وتبلغ ابلنفس إىل املعرفة الصحيحة بكل األشياء اليت يستطيع
،361حتقيننق األسننتاذ عبنند السننالم هننارون ،والفننريوز ( )1ابننن فننارس ،معجننم مقنناييس اللغننة ،مننادة هنننج ،ا لنند اخلننامس،
أابدي ،القاموس احمليط ،ج.112 ،1
( )1املعجم الوسيط ،ج.479 ،1
( )3د .عبد الفتاح أبو الفتوح إبراهيم ،منهاج البحث اللغوي.4 ،
( )9نفسه.
البحث:
جاء يف مقاييس اللغة" :الباء واحلاء والثاء أصل واحد يدل على إاثرة الشيء"(.)1
وجاء يف املعجم الكبري :حبث يف األرض يبحث حبثاً ،حفرها وطلب الشيء فيها ،فهو
ابحث وحباث ،وحباثة ...وحبث عن الشيء فتش يف الرتاب وحنوه ،والبحث بذل اجلهد يف
واصطالحاً :العمل العلمي اهلادف الذي يتناول قضية علمية ،ويستقصي أبعادها ،ليسرب
وهذا يتطلب من الباحث جهداً عظيماً ،وصرباً طويالً ،وإصراراً عنيداً ،حىت حيصل على
فالبحث هو التعريف على الطريقة أو الوسيلة أو املنهج الذي يقود الباحث إىل الطريق
"وما دامت دراستنا مبنية على اإلسالم فيمكن تعريفنا للبحث اإلسالمي أبنه كل دراسة
موضوعية تبني األحكام اليت تتصل جبانب من جوانب احلياة بياانً صحيحاً ،أو تعاجل مشكلة
– اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية – ....من خالل قيم اإلسالم وأحكامه ،وتستند إىل
منهج البحث:
مصطلح "منهج البحث" من املصطلحات احلديثة اليت ظهرت يف العصر احلديث ،حيث
به ،وهدف أصبح لكل علم من العلوم – وكل فرع من فروع املعرفة – منهج حمدد خا
واضح معلوم .بل إن مناهج البحث يف عصران احلايل أصبحت من العلوم األصلية يف كل
وليس هناك انفصال اتم بني هذه املناهج وبعضها البعض ،فهناك مبادئ عامة تشرتك فيها
مجيع املناهج ،وأخرى خاصة بكل علم من العلوم ،ولذلك يقول أحد املستشرقني" :ليست
هناك مناهج تصلح لكل شيء ،وإمنا هناك مبادئ عامة ،وفيما عدا ذلك فكل مشكلة
يوضع تبعاً لطبيعية وقائعها والصعوابت اليت تثريها"(.)3 خاصة ال حتل إال مبنهج خا
.17 ( )1د /حممد عبد الوهاب فضل ،التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم،
( )1د /حممد عجاج ،حملات يف املكتبة والبحث واملصادر.111 ،
( )3النسون ،مناهج البحث األديب ،ترمجة د /حممد مندور ،911 ،ملحق بكتاب النقد املنهجي.
ويعرف منهج البحث أبنه "فن التنظيم الصحيح لسلسلة من األفكار العديدة ،من أجل
الكشف عن احلقيقة"( .)1وأنه "خطوات منظمة يتبعها الباحث يف معاجلة املوضوعات اليت
أما منهج البحث التارخيي فهو املراحل أو اخلطوات اليت ميضي فيها الباحث حىت يصل إىل
احلقيقة التارخيية عن طريق فحص وحتليل سجالت املاضي وخملفاته ،مث يدوهنا ليقدمها
للناس(.)3
واحلقيقة التارخيية غري مطلقة ،فمن العسري جداً بلوغ احلقيقة املطلقة ألي شيء يف املاضي،
بل ويف احلاضر ،وذلك لعوامل كثرية تعرتض سبيل من ينشدها ،ومن أمهها ضياع الرباهني
وانطماس األدلة ،وتدخل األعراض واملصاحل ،ولذلك نقرر منذ البداية أن احلقيقة اليت يصل
إليها املؤرخ ال تعدو أن تكون حقيقة نسبية ،كلما زادت نسبة الصدق فيها اقرتبت من
احلقيقة املطلقة(.)9
ً
ثانيا :العلوم املساعدة يف دراسة التاريخ:
التخصص يف البحث التارخيي وكتابة التاريخ مثل أنواع التخصص يف العلوم واملعارف
األخرى ،يستلزم اإلعداد والدراسة ،واكتساب ثقافة واسعة يف حقول املعرفة البشرية ،والسيما
املوضوعات القريبة من التاريخ ،وهذه الثقافة الواسعة متثل جمموعة من العلوم واملعارف
واألساليب والطرق يستعني هبا الباحث التارخيي يف مجع مصادره وفهمها ومتحيصها
ونقدها(.)1
ولعلنا ال نبالغ إذا قلنا أن البحث التارخيي من أصعب مواضيع البحث العلمي املعروفة ،إن مل
يكن أصعبها ،وأن هذه الصعوابت املالزمة للبحث التارخيي التقتصر على طبيعة املوضوع
الذي يعاجله الباحث التارخيي ،بل إهنا انشئة كذلك من تنوع املوضوعات واملعارف والثقافية
الواسعة اليت جيب أن يلم هبا ،واليت يطلق عليها العلوم املساعدة(.)1
وإذا كان يتعذر على الباحث يف التاريخ أن يتخصص يف هذه العلوم املساعدة كلها أو
بعضها ،فإنه يلزم عليه أن يلم ابلعلوم الذي له صلة مباشرة مبوضوع حبثه؛ فإن العلوم
املساعدة اليت تلزم الباحث يف احلضارات القدمية ختتلف عن العلوم املساعدة اليت يلزمه اإلملام
وسنوضح فيما يلي أشهر العلوم واملوضوعات املساعدة اليت تعارف عليها املختصون مبنهج
البحث التارخيي.
أ -اللغة:
اللغة من وسائل البحث التارخيي املهمة ،فينبغي على الباحث يف التاريخ أن يكون على دراية
بلغات وكتاابت العصر الذي يريد البحث فيه ،كي يتمكن من الفهم الكامل العميق للناحية
اليت يريد أن يتناوهلا ،فالذي يريد أن يدرس انحية من نواحي التاريخ املصري القدمي ،ال
يستطيع أن يفعل ذلك إال إذا تعلم الكتابة ابللغة اهلريوغليفية ،والذي يريد أن يبحث يف
وكلما تعددت اللغات األصلية القدمية واحلديثة اليت يلم هبا الباحث ،اتسع أمامه أفق البحث
واالستقصاء ،فعليه أن يدرس ما يلزمه منها مهما كانت قدمية أو صعبة ،حىت يستطيع
الرجوع إىل األصول واملصادر التارخيية ،األوىل ،وهذه كلها أدوات أساسية ال ميكن بغريها
السري قدماً يف سبيل البحث التارخيي .وكذلك ينبغي على الباحث أن يلم بلغة أو أكثر من
اللغات األوربية احلديثة الشائعة االستعمال ،كاإلجنليزية ،واألملانية ،وهي لغات غنية برتاثها
التارخيي(.)1
علم قراءة اخلطوط من العلوم الالزمة لدراسة التاريخ القدمي والوسيط ،وتبدو أمهية دراسة
وقراءة اخلطوط حني يتصدى الباحث لدراسة اتريخ الشرق القدمي ،واتريخ اليوانن والرومان،
واتريخ العرب قبل اإلسالم .فهناك اخلط املسماري يف حضارة وادي النيل ،وخط املسند يف
حضارة اليمن ،وهناك اخلطوط اليواننية واألوربية يف العصور الوسطى ،واخلطوط العربية
بطرزها املتعددة(.)3
.133 ،16وحممد عواد حسني ،صناعة التاريخ، ( )1د /حسن عثمان ،منهج البحث التارخيي،
( )1د /حسن عثمان ،نفسه.
.14 ( )3د /حممد فضل ،التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم،
فيجب على الباحث يف التاريخ أن جييد قراءة اخلطوط املكتوبة هبا واثئق الفرتة اليت يتصدى
لدراستها ،حىت ميكنه الرجوع إىل الواثئق اليت دونت هبا ،فدراسة هذه اخلطوط حتفظ له
وعن طريق علم قراءة اخلطوط نستطيع أن حندد اتريخ أية وثيقة غري مؤرخة تعرض لنا مبجرد
"النميات مجع النمي ،ومعناها الفلوس أو الدراهم ،وهذه الكلمة مشتقة من الالتينية
والنميات (املسكوكات) من العلوم املهمة يف دراسة التاريخ ،ودراسة السكة اإلسالمية من
الدراسات اليت يفيد منها التاريخ اإلسالمي أكرب فائدة والسيما التاريخ السياسي ،فالكتاابت
املنقوشة على السكة تشتمل على ألقاب األمراء واحلكام ،واتريخ الضرب ،وبعض عبارات
خاصة مبذهبهم الديين ،فهي بذلك سجل لأللقاب واألمساء ،كما أهنا تبني تبعية الوالة
للخالفة أو استقالهلم عنها ومدى هذا االستقالل ،وال شك أن قيمة هذه النميات كبرية يف
هذا الشأن ،ألهنا واثئق صحيحة وقدمية ورمسية ،وليس من السهل الطعن فيها"(.)1
"وعالوة على هذا كله فإن السكة اإلسالمية ختلد أمساء مدن كانت تضم دوراً لضرب
النقود ،مما يشهد مبا كان هلذه املدن من شأن إداري كبري ،مث أن العثور على كميات من
السكة اإلسالمية يشري يف كثري من األحيان إيل اآلفاق البعيدة اليت امتدت إليها التجارة
اإلسالمية ،كما يشري يف الوقت نفسه إىل أنواع السكة اليت كان اإلقبال عليها عظيماً(.)1
وأخرياً ،فإن سنوات ضرب النقود حتدد إىل حد كبري سنوات حكم بعض احلكام اليت مل تكن
معروفة ،كذلك تفيد دراسة العمالت يف معرفة التاريخ االقتصادي ،من حيث املادة اخلام اليت
ضربت منها ،ونسبة املادة النفسية للمادة البخسة ،ودالالهتا على ثراء وفقر الدول املنسوبة
إليها(.)3
والرنوك :هي الشعر أو العالمات املميزة اليت تظهر على األختام أو الدروع ،أو على مالبس
األمراء واجلند والفرسان احملاربني ،أو على األعالم ،ومن هذه العالمات والشارات :السيف،
.44 .167نقالً عن :د /سيدة كاشف ،املرجع السابق، ( )1د /زكي حممد حسن ،دراسات يف مناهج البحث،
( )1د /سيدة كاشف ،املرجع السابق.111 ،
( )3د /حسن عثمان ،منهج البحث التارخيي.31 ،
والنسر ،واهلالل ،والصليب( .)1فمعرفة الباحث يف التاريخ هبذه الرنوك جتعله قادراً على إثبات
صحة ما يقع حتت يده من دروع أو أسلحة أو واثئق أو ما شاكل ذلك ،ففي الواثئق مثالً
قد ميحى اإلمضاء أو التاريخ ،ويف هذه احلال تساعد الشارة أو العالمة – الرنك – الواضحة
أما األختام :فهي اليت ميهر هبا الواثئق ،وهي ذات أنواع وأشكال خمتلفة ،ومعرفة أنواع
األختام تفيد الباحث يف التثبت من صحة الواثئق اليت حتت يده ،وحتديد زمن الوثيقة
التارخيية اخلالية من التاريخ ،هذا ابإلضافة إىل ما يستنتجه عن العهد الذي يبحث فيه ،من
انحية ألقاب احلكام واألمراء ،وشعاراهتم ،والعبارات اخلاصة اليت يستعملوهنا يف تواقيعهم(.)3
ومن العلوم األساسية الوثيقة الصلة ابلتاريخ علم الواثئق أو الدبلومات ،أي علم حتقيق
والوثيقة هي املصدر األصلي الذي يعتمد عليه الباحث التارخيي ،أو هي املادة اخلام اليت
يصوغ الباحث هنا نسيج حبثه .وتتضمن الوثيقة أنواع املكاتبات الرمسية أو شبه الرمسية ،مثل
وإذا كانت الواثئق من األصول التارخيية الالزمة لدراسة التاريخ ،فإنه ليس من الضروري أن
توجد وافية عن كل حوادث التاريخ ،إذ تنطمس آاثر كثري منها وتزول دالاللته بتعرضها يف
ظروف خمتلف للتلف أو الضياع ،مثل ظروف الثورات ،أو احلرائق ،أو الرغبة يف التخلص
منها وإتالفها عن عمد ،حينما تكون يف حوزة من ال يفهم قيمتها التارخيية ،أو من يهمه منع
تداول معلوماهتا بني الناس ،وبذلك يضيع الكثري من فوائدها ابلنسبة للتاريخ ،وكأن األفكار
وعلى ذلك فكثرياً ما جيد املؤرخ فجوات يف جمرى التاريخ ال ميكنه أن ميألها ،وستبقى
حلقات كثرية من التاريخ جمهولة إىل األبد ،ولذلك فالبحث عن الواثئق من العمليات
األساسية يف كتابه التاريخ ،وإن كشف كمية منها عن موضوع معني هو الذي حيدد إمكانية
وتعمل احلكومات اآلن -وخباصة يف الغرب -على نقل الواثئق من حوذة األفراد إىل األماكن
العامة ،حيث حتفظها يف دور األرشيف ،ودور الكتب ،ويف املتاحف ،واألديرة والكنائس،
وقد وضعت اهليئات املسئولة يف تلك النواحي فهارس للكثري من الواثئق اليت يف حوزهتا ،ومع
التقدم املستمر يف هذه امليدان ،فإن اهليئات العلمية يف الغرب تضع فهارس وصفية لبعض
نواح من الواثئق ،وتعمل تلك اهليئات على جتميع الواثئق اليت هتم بالدها ،وذلك إبرسال
بعوث خاصة من العلماء الباحثني إىل اخلارج لكي تبحث يف دور األرشيف األجنبية عن
تلك الواثئق.
والواقع أن األمم اإلسالمية فقرية يف احملفوظات والواثئق اليت ميكن الرجوع إليها يف دراسة
حياة الشعب وأموره اإلدارية والقضائية واالجتماعية والفنية يف العصور الوسطى ،ويف التاريخ
ومعظم الواثئق اليت وصلت إلينا من العصور الوسطى اإلسالمية – على قلتها -واثئق
حكومية ،ويرجع ضياع معظم الواثئق احلكومية بطبيعة احلال إىل عدم العناية حبفظها ،وعدم
إدراك أمهيتها ،فضالً عن تعرضها للحرائق وما إىل ذلك من أسباب التدمري(.)1
والواثئق اإلسالمية قليلة التنوع ،فمظمها واثئق تتعلق ابإلدارة ،وليس من بينها واثئق كثرية
خاصة ابلنظم االجتماعية واألحوال االقتصادية والنظم املالية ،كما أن هناك بعض الفرتات يف
التاريخ اإلسالمي وبعض األقاليم يف داير اإلسالم مل تصل إلينا عنها إال واثئق قليلة جداً(.)3
وترجع معظم هذه الواثئق إىل مصر يف فجر اإلسالم ،وهلذه الواثئق شأن كبري يف دراسة
احلياة االجتماعية والسياسية واالقتصادية واملالية ،إذ أن من بينها أوراقاً بردية تتعلق نصوصها
ابجلزية واخلراج ،وإسناد املناصب ،وأنظمة اإلدارة ،وطرق التجارة ،وبناء العمائر واملساجد،
.23 ( )1د /سيدة كاشف ،مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه،
( )1املرجع السابق.29 ،
( )3نفسه.
وإنشاء األساطيل ،وأمثان البضائع والبيوت واألرض ،فضالً عن عقود الزواج والبيع والشراء،
وما إىل ذلك من املكاتبات اخلاصة اليت تكشف عن بعض العادات والنظم االجتماعية(.)1
ومن الواثئق اليت تفيد الباحث يف التاريخ اإلسالمي واثئق الوقف ،أو األحباس ،وهي واثئق
ترجع إىل العصور املتأخرة من التاريخ اإلسالمي ،والوصول إىل دراستها ليس سهالً
للمؤرخني ،بسبب قيمتها املادية ،وحفظها بني واثئق احملاكم واحلكومات فضالً عن أهنا يف
معظم الدول اإلسالمية مل تنظم تنظيماً علمياً أو تفهرس حبيث تسهل دراستها(.)1
ولكي يستفيد الباحث يف التاريخ من الواثئق يلزمه أوالً التحقق من صحة الوثيقة اليت بني
يديه ،ومعرفة ما إذا كانت أصلية وليست مزورة ،والقدرة على قراءهتا ،وذلك يتطلب منه
معرفة اللغة اليت كتبت هبا الوثيقة ،واخلط الذي كتبت به ،والطريقة اليت كانت متبعة يف
ذلك(.)3
وأخرياً نذكر أن بعض املؤرخني والكتاب املسلمني يف العصور الوسطى نقلوا صور واثئق
حكومية يف مؤلفاهتم ،ومع أننا قد نفيد من هذه الصور يف استنباط كثري من البياانت ،إال أن
مثل هذه الفائدة حمدودة لسببني رئيسيني :األول أننا ال نستطيع أن جنزم بصحة هذه الصور،
فقد تكون منقولة عن كتب أقدم وليست عن الواثئق األصلية نفسها ،وقد تكون موضوعة
.26 ( )1د /سيدة كاشف ،مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه،
( )1املرجع السابق ،23 ،و .24
( )3د /شوقي اجلمل ،علم التاريخ.41-41 ،
ومنتحلة لتأييد وجهة نظر خاصة ،فضالً عن أن نقلها على يد الكتاب من جيل إىل جيل
قد يكون سبباً إلدخال كثري من التحريف والتصحيف واحلذف واإلضافة وما إليها .أما
السبب الثاين فهو أن هذه الصور املنقولة عن الواثئق األصلية قليلة التنوع ،فال تكاد تتجاوز
بعض املراسالت واخلطب واحملالفات .ومن املؤلفني املسلمني الذين جند يف مؤلفاهتم عدداً
كبرياً من هذه الواثئق املنقولة :القلقشندي يف كتابه صبح األعشى يف صناعة اإلنشا(.)1
علم اآلاثر هو العلم الذي يدرس املاضي على ضوء مجيع املخلفات اليت تصل إلينا منه"(.)1
أو هو العلم الذي خيتص بدراسة األشياء اليت صنعها اإلنسان أو استعملها من مسكن
وأاثث وأدوات منقولة وغري ذلك – مث ختلفت عنه ،فتم الكشف عنها ،واستخرج ما كان
واآلاثر مهمة جداً يف البحث التارخيي ،فهي الشاهد الناطق عن العصور املاضية ،ومدى ما
احلياة ،فضالً عن أهنا تفيد الباحث يف التاريخ يف الوقوف على درجة اإلتقان املهين اليت
.43-41 ( )1د /سيدة كاشف ،مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه،
( )1املرجع السابق.21 ،
( )3د /حممد فضل ،التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم.33 ،
وصل إليها الفنانون املسلمون يف العصور املختلفة ،كما تفيده يف معرفة التيارات الفنية اليت
"وعلم اآلاثر يساعد إىل حد كبري يف سد الفراغ الذي نلمسه يف املصادر األدبية التارخيية،
"والواقع أن الباحثني يف اتريخ العصور القدمية يدركون متاماً الصلة الوثيقة بني علم اآلاثر
والتاريخ ،فمؤرخ أي عصر من العصور القدمية البد أن يكون عاملاً من علماء اآلاثر ،أو على
أقل تقدير يعتمد كل االعتماد على النتائج العلمية اليت يصل إليها رجال اآلاثر يف حضارة
املناطق اليت يشتغل بتارخيها ،ألن خملفات تلك العصور هي املرجع األساسي يف اترخيها"(.)3
وينبغي على مؤرخي التاريخ اإلسالمي أن يكون هلم إملام ابآلاثر اإلسالمية ،أو أن
يستخدموا -على أقل تقدير – النتائج العلمية اليت يصل إليها علماء اآلاثر اإلسالمية(.)9
وهناك دراسات خمتلفة – تؤلف علم اآلاثر اإلسالمية – جيب أن يستخدمها املؤرخ إذا أراد
أن تكون حبوثه يف اتريخ العرب واملسلمني أقرب إىل الكمال ،وهي :دراسة الواثئق واألوراق
الربدية ،ودراسة الكتاابت التارخيية األثرية على العمائر والتحف وشواهد القبول ،ودراسة
السكة أو النميات ودراسة اتريخ العمارة واتريخ الفنون الزخرفية والفنون التطبيقية
اإلسالمية(.)1
وأخرياً ال نكون مبالغني إذا قلنا إ ن علم اآلاثر أوثق وسيلة جلمع مصادر التاريخ األصلية اليت
ومن العلوم املساعدة يف دراسة التاريخ أيضاً علم اجلغرافية ،وهو علم ذو صلة وثيقة ابلتاريخ،
فقد "ارتبطت كتابة التاريخ عند املسلمني منذ البداية بعلم تقومي البلدان أو اجلغرافية ،إذ
وصفوا املدن والبالد ،وذكروا طرقها وشعاهبا وحاصالهتا وأجواءها"( ".)3وضمت املؤلفات
اجلغرافية العربية حقائق كثرية جيب اإلفادة منها يف البحوث التارخيية ،السيما وأن كثرياً منها
كان يعين بوصف البالد وبيان املسافات بينها ،وحاصالت كل منها ،وما يؤلف شهرهتا
وعادات أهلها"( . )9بل كان من بني تلك الكتب ما يهدف إىل تثقيف القارئ ،فيعرض
لكثري من النواحي التارخيية واألدبية واالجتماعية واالقتصادية ،مما تصبح معه مصدراً عظيماً
أضف إىل ذلك أن األحوال اجلغرافية لقطر ما كثرياً ما يكون هلا أثر كبري يف سري األحداث
اليت حتدث فيه ،وابلتايل فإنه ال ميكن فهم تلك األحداث وتفسريها على الوجه األكمل ما مل
تدرس خلفيتها اجلغرافية ،ولذلك درج معظم الباحثني يف تدوينهم اتريخ قطر ما أن ميهدوا
لذلك مبقدمة جغرافية يذكرون فيها اخلصائص والعناصر اجلغرافية اليت أثرت يف سري اترخيه(.)1
فالظواهر اجلغرافية كالسطح ،واملناخ ،والنبات وغريها عظيمة األثر يف األحداث التارخيية،
ففي السهول اخلصبة والوداين كوادي النيل ودجلة والفرات وغريها قامت أقدم احلضارات
البشرية اليت عرفها التاريخ ،كاحلضارة الفرعونية القدمية ،واحلضارة اآلشورية ،واحلضارة البابلية،
بينما جند البيئة الصحراوية والبيئة اجلبلية بيئات طاردة تدفع اإلنسان للرحيل وعدم االستقرار،
حبثاً عن أماكن أخرى أكثر خصباً أو موارد أخرى للرزق ،وإذا كان اإلنسان هو العامل
األساسي يف أحداث التاريخ ،فإن العوامل اجلغرافية – كاحلرارة والربودة – تؤثر كثرياً يف
وهكذا تتضح أمهية اجلغرافية لدارس التاريخ ،ويظهر إىل أي مدى يرتبط أحدمها ابآلخر،
فعلى الباحث يف التاريخ أن يعرف األحوال والعوامل اجلغرافية املختلفة اليت حتيط ابلناحية
ومن العلوم املساعدة يف دراسة التاريخ أيضاً علم االقتصاد ،فعلى الباحث يف التاريخ
أن يكون على دراية ببعض األمور والعوامل االقتصادية اليت تؤثر يف مسار التاريخ وصنع
أحداثه ،فكثرياً من احلروب اليت قامت يف التاريخ – القدمي واحلديث – كان الدافع إليها
دافعاً اقتصادايً حبتاً( ،)1بل إن مكانة الدول يف الوقت احلايل تتوقف على أوضاعها
االقتصادية ،وتقاس بقوهتا االقتصادية ومدى أتثري اقتصادها على االقتصاد العاملي والسياسة
الدولية ،وكذلك مدى أتثري اقتصادها على عالقتها مع الدول األخرى( ،)1بل أن االستقالل
السياسي للدول أصبح مرتبطاً إىل حد كبري ابستقالهلا االقتصادي ،وقدرهتا على سد
حاجات سكاهنا دون االعتماد على الدول الكربى اليت صارت تتحكم يف مصري الدول
وتتضح الصلة الوثيثة بني االقتصاد والتاريخ من الشكل اجلديد لالستعمار يف العصر
احلديث ،فلقد مضى عهد االستعمار واالستيطان ،وظهر يف عاملنا املعاصر شكل جديد
لالستعمار ،هو االستعمار االقتصادي ،الذي يظهر يف صورة مؤسسات مالية كبرية – اتبعة
للدول الكربى يف العامل – تقوم بفرض سياستها على الدول النامية عن طريق القروض،
( )1وليس أدل على ذلك من احلرب اليت شنتها حديثاً الوالايت املتحدة األمريكية وحلفاهها على العراق ،فأسقطت
حكومته واحتلت أراضيه وهنبت خرياته ،فسببها الرئيس اقتصادي حبت ،وقد اعرتفت بذلك أمريكا وحلفاهها.
( )1وأحسن مثال على ذلك الياابن ،فبالرغم من كوهنا دولة صغرية وضعيفة عسكرايً ،إال أهنا قوية اقتصادايً بدرجة متكنها
من التأثري بقوة على االقتصاد العايل والسياسة الدولية ،وتعد لذلك من الدول الكربى ذات التأثري القوي على الساحة
الدولية بسبب اقتصادها القوي.
حيث تقوم هذه املؤسسات املالية إبقراض الدول النامية ما تشاء من األموال بشروط حمددة
– تتعلق يف الغالب مبواقفها السياسية اليت تؤثر يف مسار التاريخ وصنع أحداثه – وبفوائد
كبرية ،مث تقوم بعد ذلك بتحصيل فوائد ديوهنا ،فتزداد الدول الكربى غىن على غناها ،وتزداد
الدول النامية فقراً على فقرها ،ويزداد ارتباط الدول النامية ابلدول الكربة لدرجة يكاد
والبرتول – وهو أهم مصدر للطاقة وأهم مورد اقتصادي يف العصر احلديث – يلعب دوراً
حامساً يف حتديد عالقات الدول ببعضها البعض ،ويؤثر كثرياً يف السياسة الدولية وصنع
احلوادث التارخيية ،فالبرتول اإليراين وبرتول دول اخلليج كان ومازال يؤثر يف األوضاع السياسية
الداخلية والعالقات اخلارجية للدول املنتجة له ،وقد استخدمه العرب بنجاح يف حرب
رمضان /أكتوبر 1473م ،فالبرتول بالشك له أثر كبري على الدول الكربى اليت حتتاج إليه
واليت يتأثر اقتصادها وحياة سكاهنا مبا يصلها منه ،بل وأبسعاره أيضاً ،فارتفاعها أو
اخنفاضها يؤثر يف األوضاع االقتصادية للبالد املنتجة واملستغلة على السواء ،ولذلك صارت
( )1وليس أدل على ذلك من الدول األفريقية اليت انلت اسنتقالهلا حنديثاً ،فمنا زال كثنرياً منهنا حنىت الينوم مرتبطناً يف اقتصناده
وسياسننته ابلنندول املسننتعمرة السننابقة (اجنلنرتا وفرنسننا) ،ولننذلك جننند دوالً منهننا تسننري يف نطنناق اجلنيننة االسنرتليين ،وأخننرى
تسري يف نطاق الفرنك الفرنسي.
وهكذا تتضح أمهية االقتصاد للتاريخ ،ويظهر إىل أي مدى ينبغي على الباحث يف التاريخ أن
يكون على دراية ابألحوال االقتصادية للعصر الذي يدرسه ويرغب يف الكتابة عنه ،بل
ط -األدب:
ومن العلوم املساعدة يف دراسة التاريخ أيضاً األدب ،فاألدب هو املرآة اليت تعكس لنا احلالة
الثقافية لألمم السابقة .وكتب األدب من املصادر املهمة اليت ينبغي للباحث يف التاريخ أن
اترخيية وأخبار ال جندها يف غريها من الكتب، يعتمد عليها ،ملا تضمنه من واثئق ونصو
و"ال ريب يف أن الكتب األدبية القدمية معني ال ينضب للحقائق التارخيية املختلفة عن أحوال
ا تمع اإلسالمي يف العصور الوسطى ،وال سيما من نواحي الذوق والعادات ،واملقاييس
اخللقية واملثل العليا ،ومستوى املعيشة ،واألعياد ،وأساليب التسلية ،وأحوال املدن ،وغري ذلك
من النواحي االجتماعية ،فضالً عن أننا نظفر فيها ببعض احلقائق عن التاريخ السياسي"(.)1
بل إن النتاج األديب يف بعض األحيان يعد املصدر الرئيس ملعرفة أحوال وأخبار بعض
العصور ،كالعصر اجلاهلي ،فالشعر اجلاهلي مثالً حيتوي على مادة غزيرة عن أحوال العرب
قبل اإلسالم ال توجد يف املصادر التارخيية ،بل إن العصر اجلاهلي نفسه ال توجد عنه مصادر
مكتوبة يعتد هبا ،ومن هنا كان األدب -مثالً يف الشعر اجلاهلي -املصدر الرئيس ملعرفة
.79 ( )1سيدة كاشف ،مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه،
الفصل الثاني
مير البحث التارخيي – أثناء إعداده -بعدة خطوات أو مراحل ،تتبع إحداها األخرى – يف
خيتلف األمر يف حالة الطالب املبتدئني يف الكليات اجلامعية عنه يف حالة الباحث يف
الدراسات العليا ،فطالب املرحلة اجلامعية األوىل يدربه أساتذته على وسائل حتصيل املادة
واهلدف من البحث يف املرحلة اجلامعية األوىل هو تدريب الطالب على الطريقة الصحيحة
للبحث التارخيي ،وعلى املنهج السليم يف البحث ،فهو غري مطالب أبن يضيف جديداً
ملعلوماتنا املتصلة مبوضوع البحث ،لكنه مطالب أبن يقدم حبثاً يراعي فيه شروط البحث
التارخيي ،حبيث نطمئن على أنه أمل هبذه الشروط ،وأنه قادر يف املستقبل – إن شاء هللا –
على أن يسري يف االجتاه السليم للبحث ،فضالً عن أن هذه املرحلة التمهيدية تكون فرصة
.32 ( )1د /حممد عبد الوهاب فضل ،التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم،
يتعرض من خالهلا الطالب على املكتبات العلمية املوجودة – على األقل – يف دائرة الكلية
أو اجلامعة اليت يدرس فيها ،وعلى بعض دور الكتب يف بلده(.)1
وخيتار الطالب يف هذه املرحلة – مبساعدة أستاذه وإرشاده – موضوعاً من املوضوعات اليت
سبق له أن درسها ،هبدف مترينه وتدريبه على االقتباس والكتابة ،معتمداً يف ذلك على
ولنضرب على ذلك مثاالً من التاريخ اإلسالمي ،فمن املمكن أن خيتار الطالب موضوعاً
عاماً ،مثل كتابة ملخص عام عن اخلليفة الراشد أيب بكر الصديق رضي هللا عنه ،معتمداً يف
ذلك على املراجع األساسية – عن هذا املوضوع – اليت يعرفها من أستاذه ،أو اليت
يستخرجها بنفسه من املكتبات وكتب املراجع ،فيجمع الطالب ما حصل عليه من معلومات
خمتلفة عن الصديق ،ويقارن بينها ،ويرتبها زمنياً ومنطقياً حسب تسلسل حدوثها ،مث يعرض
لنا ذلك كله إبجياز ،فيتحدث مثالً عن نشاة الصديق وإسالمه ،ووقوفه جبانب الرسول صلى
هللا عليه وسلم وأتييده للدعوة اإلسالمية ،وهجرته مع الرسول صلى هللا عليه وسلم إىل املدينة
املنورة ،وجهاده معه يف غزواته حىت وفاته صلى هللا عليه وسلم ،مث يتحدث عن الظروف اليت
اختياره خليفة للرسول صلى هللا عليه وسلم ،واملشاكل اليت واجهها يف أول يف ظلها
.32 ( )1د /حممد عبد الوهاب فضل ،التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم،
( )1د /حممد عواد حسني ،صناعة التاريخ.136 ،
خالفته ،من بعث جيش أسامه بن زيد رضي هللا عنه ،وحركة الردة ،وبداية حركة الفتوحات
اإلسالمية يف عهده ،وكيفية إدارته للدولة اإلسالمية ،وأخرياً وفاته رضي هللا عنه(.)1
وجيب على الطالب يف هذه احلالة أن يتجاوز عن كثري من التفصيالت ،وأن يكتفي ابملسائل
املهمة فقط.
وبعد ذلك خيتار الطالب إبرشاد أستاذه جزءاً من املوضوع العام املشار إليه ،مثل حروب
الردة ،فيبحث الظروف واألسباب اليت أدت إليها ،وكيف واجهها الصديق رضي هللا عنه
بصفة عامة ،من حشده كل القوى اإلسالمية ضد هذه احلركة العاتية ،وتقسيمه جيش
تطهري شبه اجلزيرة العربية وتوحيدها املسلمني إىل أحد عشر لواءاً لقتال املرتدين ،حىت
حتت راية اإلسالم .وبذلك يكون الطالب قد حبث موضوعا أضيق من املوضوع العام(.)1
مث يتدرج الطالب -حتت إشراف أستاذه -إىل حبث معركة من معارك املرتدين ،مثل معركة
"عقرابء" ،وكيف متكن خالد بن الوليد رضي هللا عنه من قتال مسليمة الكذاب وبين حنيفة
يف بالد اليمامة ،وكيف انتهت املعركة ابنتصار خالد ومقتل مسليمة الكذاب ،والنتائج اليت
ترتبت عليها(.)3
إن حبث الطالب حلياة الصديق وخالفته مث حبثه حلروب الردة ،سيجعله أقدر على دراسة
الناحية األخرية -عقرابء -األكثر حتديداً ،وسيعلمه هذا التدريب التدرجيي فائدة اإلملام
.34 ( )1د /حممد عبد الوهاب فضل ،التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم،
( )1املرجع السابق.91-34 ،
( )3املرجع السابق.91 ،
مبوضوع أوسع وانتقاله منه إىل نقاط أكثر حتديداً ،وسيعلمه هذا التدرج ضرورة االهتمام
ابجلزئيات مع عدم إغفال النظرة العامة إىل العصر الذي يدرسه ،إذ البد من العناية هباتني
ومن التدريبات املفيدة للطالب يف املرحلة اجلامعية أن خيتار كتاابً يف موضوع اترخيي ما –
ولتكن صفحاته ثالمثائه صفحة مثالً – ويقوم بتلخيصه ،حبيث يصبح يف نصف حجمه ،مث
يف ربعه ،مث يف صفحات حمدودة ،فإن ذلك يكسبه القدرة على االستيعاب والرتكيز ،إىل
جانب اإلملام ابملعلومات التارخيية الواردة يف الكتاب الذي اختاره وخلصه ،وما جينيه من
ميكن أن جنمل األهداف اليت نتوخاها من البحث يف املرحلة اجلامعية فيما يلي:
تدريب الطالب على كيفية اإلملام ابلعناصر الرئيسية ملوضوع اترخيي معني ،والرتكيز -1
على املهم من املوضوعات ،حبيث يستطيع الطالب أن يعطي تصوراً كامالً ملوضوع ما يف
صفحات قليلة.
1- تدريبهم على استخدام املكتبة ومعرفة كيفية التعامل معها ،فيعرف الطالب أنواع
الفهارس وطريقة تقسيمها ،ونظام االستعارة ويقضي أوقااتً للقراءة فيها ،فيكتسب من كل
تكوين عادة القراءة اجلادة عند الطالب حبيث ال يكتفي الطالب مبا أيخذه من -3
حماضرات.
تعليم الطالب املنهج السليم للبحث التارخيي من حيث طريقة تقسيم البحث -9
واالستعماالت املختلفة هلا ،وطريقة تنظيم املصادر واملراجع يف هناية البحث ،ومعرفة أمهية
تتطلب هذه املرحلة تعمقاً أكثر وإضافة جديد يف موضوع البحث ،ويف أغلب جامعاتنا مير
الطالب قبل أن يسمح له ابختيار موضوع حبثه والتفرغ له مبرحلة مدهتا يف العادة عام دراسي
كامل( ، )1يطلق عليها (السنة التمهيدية) ،يدرس فيها بعض املوضوعات يف جمال ختصصه،
( )1د /حممد عبد الوهاب فضل ،التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم.91 ،
( )1وعامان يف بعض الكليات ،كما يف كليات اللغة العربية جبامعة األزهر.
( )3د /حممد عبد الوهاب فضل ،نفسه.
وهناك شروط تشرتط الكليات اجلامعية توفرها يف الطالب – ابإلضافة إىل رغبته الشخصية
– لتحديد التخصص الذي يسمح له ابلبحث فيه ،كاالسرتشاد مثالً بتقديره العام ،وتقديراته
يف فرع التخصص الراغب فيه طوال سين دراسته اجلامعية األوىل(.)1
وبعد أن يتم الطالب مرحلة السنة التمهيدية – يكون قد اطلع على آفاق جديدة يف مناهج
البحث ،وجالس أساتذته عن قرب واستفاد من مناقشاته معهم ،ومن اختالطه بزمالئه
طالب السنة التمهيدية ،واملناقشات الواسعة اليت دارت يف قاعة الدراسات العليا -أتيت
واختيار موضوع البحث يف هذه املرحلة خيتلف متاماً عن املرحلة السابقة ،فعلى الباحث أن
يدرك أن اختيار موضوع البحث مهمته هو ابلدرجة األوىل ،وأن مهمة املشرف يف هذه
املرحلة ال تتعدى اإلرشاد ابلرأي حبكم خربته وسعة علمه ،فعلى الباحث أن خيتار بنفسه
موضوع البحث الذي يروق له ،وعلى األستاذ املشرف أن يتحقق من أنه يفعل ذلك.
والعالقة القدمية اليت كانت قائمة بني الطالب وأستاذة جيب أن تتغري وتتحول إىل عالقة
قائمة على أساس من املساواة ،وعلى حتمل املسئولية ،وعلى العمل العلمي املشرتك ،وعلى
النقد احلر والتقدير املتبادل .والباحث املبتدئ يف هذه املرحلة الذي يضطر إىل اخلضوع لرأي
أستاذه يف اختيار موضوع البحث ،واألستاذ الذي يقبل ذلك .أو الذي حياول أن ميلى على
( )1د /حممد عبد الوهاب فضل ،التاريخ وتطوره يف داير اإلسنالم .91 ،ولعنل اجلامعنات جلنأت إىل ختصنيص هنذا العنام
للدراسننة التمهيديننة ملرحلننة املاجسننتري فالنندكتوراه ،بعنند أن ثبننت أن مننا يكتسننبه الطالننب خننالل فننرتة الدراسننة اجلامعيننة مننن
تدريب على البحث غري كاف.
طالبه موضوعات معينة ،كالمها خمط ..وصحيح أن الباحثني املبتدئني والذين ميكنهم
االستقالل يف اختيار موضوعاهتم قليلون ،ورمبا ال يعرفون كل ما يتعلق ابلعصر أو الناحية اليت
يرغبون يف دراستها ،ولكن الباحث ميكنه يف هذا الدور استيضاح رأي أساتذته الذين ميكنهم
إرشاده فيما غمض عليه ،دون أن ميلوا عليه رأايً معيناً ،إذ أن االختيار النهائي ملوضوع
البحث التارخيي أو تعديله أو تركه إىل موضوع آخر ،يبغي أن يرتك للباحث لكي يقرر بنفسه
ما يراه ،مع مراعاة أن اختيار املوضوع يف هذه املرحلة ينبغي أال يكون بناء على رغبة الباحث
وإذا استقر الباحث على موضوع معني وقرر تسجيله والكتابة فيه ،فعليه أن يسأل نفسه عدة
أسئلة وأن جييب عليها أبمانة ،ليطمئن على صحة اختياره ،وهذه األسئلة هي :ملاذا اختار
هذا املوضوع ابلذات؟ وهل حيبه ومييل إليه؟ وهل يف طاقاته (أي الباحث) أن يقوم هبذا
العمل؟ وهل هذا املوضوع جدير أبن يبحث ويستحق ما سيبذل فيه من جهد؟ وهل من
املمكن كتابة رسالة عن هذا املوضوع؟ وهل مل يسبق حبثه؟ وإن كان قد حبث من قبل فهل
الكتاابت اليت كتبت عنه كافية؟ وهل لديه من املصادر األصلية – كالواثئق وغريها – ما
يكشف عن حقائق جديدة أو يصحح آراء متداولة؟ وهل لديه كافة اإلمكانيات لإلطالع
على ما يتصل مبوضوع حبثه من مصادر أصلية؟ وهل هو على دراية كافية ابلعلوم املساعدة
املوصلة هلذا الفرع الذي يدرسه؟ فإذا شعر الطالب يف ضوء إجاابته على األسئلة السابقة –
ابالطمئنان؛ فعليه أن يستمر يف حبثه ويطمئن الختياره ،وإذا شعر بعدم االطمئنان ،فعليه أن
يفكر يف موضوع آخر يشعر فيه ابالطمئنان ،حىت ال يضيع وقته ونشاطه يف دراسة لن
وهناك مبادئ أساسية جيب أن يراعيها طالب الدراسات العليا عند اختيار موضوع حبثه،
أوالً -ينبغي أن يالحظ الباحث عند التفكري يف اختيار موضوع حبثه ميله للموضوع من غري
حتيز ،فليس هناك ما يدعوه إىل أن يقسر نفسه على ولوج ميدان ال يشعر يف نفسه ابمليل
إليه ،وعلى العكس فإن طرق ا ال الذي مييل الباحث إليه جيعله أقدر على العمل ،وأقوى
اثنياً :ليس من الضروري أن حيدد الباحث عنوان موضوع حبثه من أول األمر ،بل يكفي
حتديد العصر والنواحي اليت تصلح موضوعاً للبحث يف نطاق معني ،أما التحديد النهائي
اثلثاً -ينبغي أن يكون املوضوع حمدداً بفرتة زمنية معقولة ،وكلما كانت الفرتة اليت يتضمنها
املوضوع -حمددة أمكن للباحث أن يتعمق يف حبثه ،وأن يلم بكافة املعلومات والكتاابت
.36ود /حممند عبند الوهناب فضنل ،التناريخ وتطنوره يف داير اإلسنالم، ( )1د /أمحد شليب ،كينف تكتنب حبثناً أو رسنالة،
.99
( )1د /حسن عثمان ،منهج البحث التارخيي.92 ،
( )3املرجع السابق.97 ،
واملصادر املتعلقة هبا ،وابلعكس ،إذا كانت الفرتة طويلة أصبح من العسري على الباحث أن
يلم بكل ما كتب عن املوضوع ،فال يتعدى األمر مجع معلومات عامة عادية ومعروفة(.)1
رابعاً -ينبغي أال خيتار الطالب موضوعاً طويالً ،إذ أن اختياره انحية أو مسألة حمددة ميكنه
من إجناز حبثه يف وقت مناسب ،واإلتيان فيه بشيء جديد( .)1فال جيوز للباحث الذي يريد
أن يكتب حبثاً علمياً اترخيياً أن يتخذ اتريخ الدولة األموية أبكمله موضوعاً للبحث ،ألنه
موضوع طويل ،فاألمويون حكموا دولتهم من سنة 91إىل سنة 131هن ،ودراسة هذه الفرتة
دراسة عميقة مع كشف حقائق جديدة عنها ال ميكن أن يتم يف سنوات قليلة ،وإذا أصر
الباحث على القيام هبذه الدراسة يف فرتة حمدودة من الزمن ،فلن خيرج منها بنتيجة أكرب من
التلخيص واالقتباس ملا هو موجود عن هذا املوضوع يف املراجع السابقة عليه ،أما إذا خصص
وقته وجهده يف نفس الفرتة احملدودة من الزمن لبحث انحية معينة ابلذات من اتريخ الدولة
األموية -مثل السياسة اخلارجية ،أو الناحية االقتصادية أو احلضارية ،أو نظم احلكم ،أو
موقف الدولة األموية من الفرق اخلارجة عليها ،كاخلوارج أو الشيعة ،أو عهد واحد من
خلفائها ،كعمر ابن عبد العزيز أو عبد امللك بن مروان ،أو غري ذلك من املوضوعات – فإنه
يستطيع يف هذه احلالة أن يسرب غور األرض ا هولة ،ويكشف عن حقائق اترخيية جديدة.
.96-99 ( )1د /حممد عبد الوهاب فضل ،التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم،
( )1د /حسن عثمان ،منهج البحث التارخيي.97 ،
"وبديهي أن الوقت واجلهد اللذين خيصصان لفرتة أقصر أيتيان بنتائج علمية أعمق وأدق مما
خامساً -ينبغي أن يعرف الطالب -قبل أن يتورط ما إذا كان احلقل الذي اختاره للدراسة قد
اإلتيان فيه جبديد معدومة أو حمدودة درس من قبل دراسة كاملة وافية حبيث تصبح فر
للغاية ،وهنا عليه أن يلجأ إىل مؤرخ خبري ليقف منه على جلية األمر ،أو استشارة كتب
املراجع (الببليوغرافيا) وا الت الدورية ،ففيها الكثري من املعلومات عن البحوث اليت متت يف
خمتلف فروع التاريخ .ومن هنا نفسر حر أقسام التاريخ يف اجلامعات على ضرورة استشارة
تسجيله أم ال؟ ومىت كان بعضها عن املوضوعات اليت قدمت هلا ،وهل املوضوع
التسجيل؟ وهل نوقش البحث أم ال؟ وغري ذلك من األسئلة العلمية املتعلقة ابلبحث لكي
تتخذ األقسام العلمية قراراً بشأن املوضوعات املقدمة هلا من طالب الدراسات العليا(.)1
سادساً -وينبغي كذلك أال يقل الزمن الذي يفصل الباحث عن وقت حدوث املوضوع
الذي يبحثه عن مخسني عاماً ،كي تتاح له الفرصة للبعد عن الوقوع حتت أي أتثريات
()3
شخصية ،فيكتب كتابة احملايد املتحرر الذي يستطيع وزن املسائل وتقدير الظروف تقديراً
أقرب إىل احلق والعدل ،ابإلضافة إىل أن انقضاء فرتة نصف قرن على وقوع األحداث يكفل
بلورهتا واخلروج هبا من حالة الفوران والغليان اليت تواكب وقوع احلدث ،فتصبح أقرب إىل
الفهم واالستيعاب ،فضالً عن أن الدول ال تنشر واثئقها املتصلة بسياستها املختلفة إال بعد
انقضاء مخسني عاماً عليها ،وذلك مراعاة للمصاحل السياسية والعسكرية اليت حتر كل دولة
وبعد أن أيخذ الباحث املبادئ السابقة بعني االعتبار ويستقر على موضوع معني ويقرر
الكتابة فيه ،عليه أن خيتار عنواانً مناسباً هلذا املوضوع ،وأن يضع خطة مناسبة له (حماور
البحث ،أو اخلطوط العريضة للبحث) يتم من خالهلا تقسيم املوضوع إىل أبواب وفصول
أوالً -جيب أن يكون عنوان املوضوع -وكذلك عناوين كل األبواب والفصول والعناوين
الداخلية خمتصراً وقصرياً ودقيقاً وجذاابً .وأن يكون واضحاً متام الوضوح ،حبيث يفيد معىن
كامالً واضحاً حمدداً ال لبس فيه وال غموض .وأن يكون شامالً لكل ما يكتب حتته من
جزئيات وتفاصيل ،فالعنوان جيب أن يدل القارئ على ما حتتويه الرسالة ،وليتحاش الطالب
( )1د /حس ننن عثم ننان ،م نننهج البح ننث الت ننارخيي،
.61-94ود /حمم نند عب نند الوه نناب فض ننل ،الت نناريخ وتط ننوره يف داير
اإلسالم.97 ،
( )1د /أمحد شليب ،كيف تكتب حبثاً أو رسالة 92-97 ،ومبعىن آخر :البد أن يدل العنوان على املعنون.
اثنياً -وجيب كذلك ان ختضع األبواب والفصول يف ترتيبها إىل أساس سليم ،وفكر منظم،
ومنطق مقبول ،ورابطة خاصة ،كالرتتيب الزمين مثالً ،أو كاألمهية أو حنو ذلك ،وليحذر
ولكي يتمكن الطالب من تنفيذ ذلك عليه أن ينتفع جبهود من سبقوه ،فإن مكتبات
اجلامعات تشمل جمموعة من الرسائل الناجحة ،وهذه الرسائل جيب أن تكون عوان كبرياً
لطالب الدرجات املماثلة ،ألهنا تلقي للطالب ضوءاً ينري له السبيل ،فعلى الطالب أن حياول
احلصول على رسالة أقرب من حيث اخلطوط العريضة إىل موضوعه ،ليسرتشد هبا يف وضع
اخلطوط العريضة لرسالته ،مع مالحظة أن الظروف ختتلف من موضوع آلخر ،ومن فكرة
ألخرى(.)1
تسجيل املوضوع:
وبعد أن ينتهي الطالب من اختيار املوضوع وحتديد عنوانه ووضع خطته (أبوابه وفصوله) على
النحو السابق ،يتقدم لس القسم بطلب لتسجيل املوضوع الذي اختاره واستقر عليه ،مرفقاً
به نبذة عن املوضوع -تتضمن :امسه ،ومدى أمهيته وجدارته ابلبحث ،واألسباب (املربرات
العلمية) اليت دفعته الختياره – وخطة مبدئية للموضوع تتضمن األبواب والفصول األساسية
له وما سيتناوله كل منها من نقاط -وهذه اخلطة تكون دائماً قابلة للتعديل حسب
مقتضيات البحث -ابإلضافة إىل قائمة أبهم املصادر واملراجع اليت سيعتمد عليها الباحث يف
حبثه ،فيقوم جملس القسم مبناقشة املوضوع ،وبعد أن حيظى املوضوع ابملوافقة ،يقوم جملس
القسم ابختيار املشرف الذي سيتوىل اإلشراف على الطالب أثناء عمله.
والقيمة احلقيقة لكل هذه البياانت األولية هي أن تطمئن اجلهات الرمسية (جملس القسم
وجملس الكلية والدراسات العليا ابجلامعة) إىل جدية الباحث ،وإىل أن موضوعه جدير
ابلبحث .وحىت تطمئن األقسام العلمية إىل جدية الباحث ،وفهمه ملوضوع البحث وما يدور
حوله ،فإهنا تطلب منه أن يقدم عرضاً للموضوع الذي اختاره إىل أحد االجتماعات العلمية
ابلقسم (السمينار) فتتاح له بذلك فرصة عظيمة لالستفادة من مناقشات احلاضرين ،واألخذ
برأي األغلبية فيما يبدونه من مالحظات ،وهذا ميثل فائدة علمية كبرية للباحث ومجوع
املشرتكني يف املناقشة(.)1
تغيري املوضوع:
وبعد أن يتم تسجيل املوضوع ويبدأ الطالب يف العمل فيه حيدث يف بعض األحيان أال جيد
الطالب مادة كافية عن املوضوع الذي اختاره ،أو يعرف أن هذا املوضوع قد درس من قبل
على النحو الذي كان الطالب يزمع أن ينتهجه ،أو يدرك صعوبة احلصول على بعض املراجع
األساسية يف املوضوع ،فيجب على الباحث حينئذ أن يبادر إىل تغيري املوضوع ،وأن يبحث
عن موضوع آخر يكون أكثر نفعاً ،وأغزر مادة ،حيت ال يضيع الوقت فيما ال طائل حتته،
وجيب أال أيسف على الوقت واجلهد اللذين قد يكون بذهلما يف املوضوع الذي يرتكه،
وليفهم أنه يستفيد من كل قراءة ،ويتزود من كل إطالع ،وأنه يف سبيل تكوين نفسه
بعد أن يستقر الباحث على موضوع معني عليه أن يبدأ البحث جلمع املصادر واألصول اليت
سيستقي منها املادة العلمية الالزمة لتشكيل وبناء موضوع حبثه .ومن البديهي أن نوع
املصادر واألصول اليت جيمعها الباحث التارخيي له ارتباط وثيق بنوع املوضوع أو املسألة
ويطلق على مرحلة مجع األصول مصطلح (التقميش) .من املادة قمش القماش ،أي مجعه
وتنقسم املصادر التارخيية إىل قسمني :القسم األول منها يسمى املصادر األصلية" ،وهي أقدم
ما حيوي مادة عن موضوع ما"( .)3وتشمل الواثئق( ،)9واآلاثر( ،)9والكتب القدمية املخطوطة
واملطبوعة( .)1والقسم الثاين يسمى املراجع ،وهي الكتب اليت استقى مؤلفوها مادهتا العلمية
فأما املراجع فتكمن أمهيتها يف أهنا تعطي الباحث فكرة عامة عن العصر الذي موضوع حبثه
جزء منه ،ويف أهنا تتضمن آراء وتعليقات مهمة ملؤلفيها على بعض احلوادث التارخيية،
وتتضمن كذلك أمساء بعض املصادر واملراجع املهمة اليت تفيد الباحث وحيتاج إليها يف عمله،
فينبغي أن يبدأ الباحث ابملراجع – لتكوين تصور عام عن موضوع حبثه – وأن يستعني
وأما املصادر األصلية ،فهي األصل الذي يعتمد عليه يف استقاء املادة العلمية الالزمة لتكوين
البحث .وهي اليت تعطي لألحباث والرسائل العلمية قيمة ،ولذلك جيب الرجوع إليها
واالعتماد عليها ،وكلما زاد استخدامها وكثرت احلقائق املستقاة منها ،كلما عظمت قيمة
الرسائل(.)1
ميكن للباحث أن يستعني يف ذلك مبا ورد عن موضوعه -أو أي جزء منه -يف دوائر
املعارف( ،)3فقد تضمنت هذه الدوائر مقاالت علمية عميقة ومركزة يف كل فروع العلم ،كتبها
( )1توجد الكتب املخطوطة يف دور املخطوطات ،وتوجد الكتب املطبوعة يف املكتبات العامة واخلاصة ودور النشر.
( )1د /أمحد شليب ،كيف تكتب حبثاً أو رسالة.94-92 ،
( )3مث ننل :دائ ننرة املع ننارف اإلس ننالمية ،ودائ ننرة املع ننارف الربيطاني ننة ،ودائ ننرة مع ننارف البس ننتاين ،ودائ ننرة مع ننارف الق ننرن العش نرين،
وغريها.
علماء متخصصون ،وذيلوها أبمساء املصادر واملراجع اليت اعتمدوا عليها يف كتابة هذه
وميكنه كذلك أن يستعني ابلكتب احلديثة القيمة اليت تثبت مراجع ما احتوته يف أسفل
الصفحات فمن هذه احلواشي سيحصل الطالب على كثري من املراجع األصلية اليت ميكنه
أصدر الغربيون أنواعاً خمتلفة من كتب املراجع ،وأصدرت اهليئات العلمية يف مصر والعامل
العريب أنواعاً منها أيضاً ،وبعض هذه الكتب يكتفي بذكر املراجع واملصدر ،وأماكن وسين
طبعها ،وعدد صفحاهتا .بينما يعطي البعض اآلخر مذكرات وصفية موجزة عن املراجع
واألصول املطبوعة ،ولكن يف الغالب ال تكون كتب املراجع هذه وافية يف كل األحوال ،إذ
أهنا ال تذكر شيئاً عن املقاالت املنشورة يف ا الت العلمية( – )3وهي كثرية ومتنوعة – فمن
الضروري إذاً مراجعة فهارس هذه ا الت ،لإلملام مبا يكون قد كتب فيها عن موضوع
الدراسة املعىن(.)9
كما ميكنه قراءة تراجم الشخصيات (األعالم) اليت هلا صلة مبوضوع حبثه يف كتب الرتاجم
احلديثة – أمثال كتاب "األعالم" خلري الدين الزركلي ،وكتاب معجم املؤلفني العرب تراجم
مصنفي الكتب العربية "لعمر رضا كحالة -ويف كتب اتريخ اآلداب أيضاً -مثل كتاب اتريخ
األدب العريب "لعمر فروخ ،وكتاب "اتريخ آداب اللغة العربية" جلرجي زيدان – فإن هذه
الكتب قد ذكرت يف هناية ترمجة كل علم من األعالم اليت ترمجت هلا أهم املصادر واملراجع
اليت تناولت ترمجته وأخباره ،مما سيفيد الباحث أيضاً يف هذا اجلانب.
وميكنه كذلك أن يتحدث مع من له خربة مبوضوع دراسته ،فأغلب الظن أنه سريشده إىل
كما ميكنه أن يراجع فهارس املكتبات – املطبوعة وغري املطبوعة – اليت تتاح له فرصة الرتدد
عليها( .)1وسيجد فيها فرصة أوسع للحصول على ما يريده من مصادر ومراجع تتعلق
مبوضوع حبثه.
وميكنه أيضاً أن يعقد صالت ودية مع املشرفني على املكتبات اليت يرتدد عليها ،فأغلب
هؤالء هلم خربة كبرية ابملراجع ،وببعض املخطوطات الثمينة اليت قد تتصل مبوضوع حبثه،
ولذلك فالشك يف أهنم سيمدونه بني احلني واآلخر مبا يعاونه معاونة ظاهرة(.)3
على الباحث إذا أن جيمع من كل هذه النواحي أمساء املراجع واألصول اليت تعنيه ،لكي
يدرس ما جيده منها كلما استطاع إىل ذلك سبيالً ،وسيضمن له ذلك جمموعة كبرية من
املراجع املفيدة والشاملة ،ولذلك فليس غريباً أن يبدأ بعشرين مرجعاً وينتهي مبائتني.
وحيسن أن يستعني الباحث بعمل فهرس أجبدي ملراجعة وأصوله التارخيية على جزازات من
()1
(أماكن وجودها، الكرتون (الفيش) أو يف صفحات من الورق ،ويدون هبا مالحظاته
وأرقامها هبا ،وطبعاهتا ،وعدد أجزائها ،وغري ذلك) .ومن املفيد أيضاً أن يكتب الباحث يف
مفكرة خاصة به خواطره وتعليقاته على كل مصدر ومرجع اعتمد عليه ،واجتاه مؤلفه ،ومدى
استفادته منه ،ليذيل بذلك تعليقاته على املصادر عند االنتهاء من كتابة البحث.
ً
ثالثا :إثبات صحة األصول التارخيية (النقد اخلارجي أو الظاهري):
بعد أن ينتهي الباحث من مجع املصادر واألصول اليت سيستقي منها املادة العلمية الالزمة
لبناء حبثه ،يبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من مراحل البحث هي مرحلة إثبات صحة هذه
األصول التارخيية (املصادر) ،وذلك بتمحيصها وإثبات صحتها أو تزويرها ،وإثبات خطها،
ومعرفة مؤلفيها ،وحترى صدق ما جاء فيها من املعلومات ،والتأكد أيضاً من صحة نسبة
النص إىل املؤلف ،ابختبار نوع احلرب املستخدم ،والقلم الذي كتب به النص ،ومعرفة زمان
ومكان التدوين وغري ذلك ،ألنه إذا كان األصل أو املصدر كله أو بعضه مزيفاً أو منتحالً
فال ميكن االعتماد عليه على وجه العموم ..والتزييف واالنتحال يوجدان يف كل أنواع
األصول واملصادر التارخيية"( .)1وهو ما يسميه علماء منهج البحث ابلنقد اخلارجي أو النقد
الظاهري.
النقد اخلارجي أو الظاهري هو عماد التاريخ يف التوصل إىل احلقائق ،وميكن إجياز أهدافه
أوالً -التثبت من كون املعلومات اليت حتتويها الوثيقة أخباراً حقيقية صادقة ،أي التحقق من
"وينبغي أن يالحظ أن وضع اسم شخص ما على أصل اترخيي ال يعين حتماً أنه هو كاتبه
كله أو بعضه ،ويف أحوال كثرية ميكن للمؤرخ أن يتعرف على كاتب األصل التارخيي
املخطوط بدراسة نوع الورق واخلط واحلرب ،واللغة واألسلوب ،واملصطلحات اخلاصة ابلعهد
اثنياً -التثبيت من كون الوثيقة اليت بني أيدينا النسحة األصلية -أي خبط املؤلف -أو أهنا
إحدى النسخ اليت استنسخت عنها ومدى صلتها ابلنسخة األصلية األم(.)9
اثلثاً -معرفة مؤلف الوثيقة التارخيية ،وتعيني شخصيته وزمان ومكان التدوين ،لكي نقف
على صحة ما جاء هبا من رواايت وأخبار .فالوثيقة اليت ال يعرف مؤلفها وزمان ومكان
تدوينها ،ليست مصدراً يعتمد عليه كل االعتماد يف كتابة التاريخ ،فمن البديهيات يف منطق
البحث التارخيي أن قيمة األخبار والرواايت اليت جندها يف الوثيقة هلا صلة وثيقة بشخصية
كاتبها وشهرته ومكانته ،من حيث اإلطالع واألمانة والصدق والتزوير .وهلذا فإن معرفة
شخصية مؤلف الوثيقة يتوقع عليها حكم الباحث على ما جاء هبا من رواايت وأخبار(.)1
وهناك عدة طرق وأساليب وضعها أصحاب منهج البحث التارخيي ملعرفة ذلك ،يستلزم
تطبيقها من الباحث بذل اجلهد وإعمال الفكر واالستدالل ،وتتلخص هذه الطرق يف معرفة
زمن الوثيقة ،والتوصل منه إىل شخص مؤلفها ،ويعتمد ذلك على حتليل ما ورد فيها من
خط الوثيقة ونوع القلم املدون هبا ،فاخلطوط وأنواع األقالم تتغري من عصر إىل أ-
عصر آخر.
ورق الوثيقة ونوع احلرب املستخدم يف تدوينها ،فقد استنبط الباحثون املختصون عدة ب-
طرق لفحص ورق الواثئق ملعرفة الزمن الذي صنع فيه ،مثل تركيبه الكيميائي ،وتوزيع أليافه،
التعرف على األساليب والتعبريات اللغوية واستعمال املصطلحات الفنية ،فإن لكل ج-
بعد أن ينتهي الباحث من مجع املصادر واألصول ،وإثبات صحتها ،يبدأ مرحلة جديدة من
مراحل البحث ،هي مرحلة مجع املادة العلمية اليت سيتشكل منها حبثه ،حيث يقرأ الباحث
ابلتدريج املراجع اليت ختصه ،وستلقي املعلومات الواردة هبا واملعلومات اليت تتضمنها الواثئق
ومن الضروري أن يبدأ الباحث يف هذه املرحلة ابإلفادة مبا كتبه السابقون ،واالستعانة
ابملراجع اليت اعتمدوا عليها ،ألن إغفال هذه املرحلة يعد مضيعة للوقت وإخالالً بشروط
البحث العلمي ،لذا ينبغي على كل جيل من املؤرخني أن يعرف ما كتبه السابقون واملراجع
اليت أفادوا هبا ،وعليه أن يبدأ من حيث انتهوا ،وأن يعمل مؤرخ اليوم لكي ميهد ملؤرخ الغد،
"وعلي الباحث أن يتتبع املسألة أو الفكرة الواحدة يف بعض الكتب اجليدة والرديئة على
السواء ،مع التعرف على الكتب اليت اعتمد عليها أولئك وهؤالء ،لكي يدرك كيف منت هذه
الفكرة وتطورت ،وكيف عاجلها الكتاب املختلفون ،وهذه القراءة املقارنة تساعد الباحث
على معرفة أوجه القوة وأوجه الضعف ،وتعينه على الوصول إىل حتديد املسائل اجلديرة
ابلدرس واإليضاح(.)1
وعليه أن يتذكر دائماً أن من السهل أن يرتك يف املستقبل من املادة اليت جيمعها ما يظهر له
أنه عدمي الفائدة أو قليلها ،أما إذا ترك -أثناء مجع املادة العلمية – بعض املعلومات ومل
جيمعها – ظناً منه أهنا غري الزمة – مث تذكرها فيما بعد وظهر له أهنا الزمة ،فإن وقتاً طويالً
وجهداً عظيماً قد يبذالن رجاء العثور عليها ،وقد تنجح احملاولة وقد تفشل(.)1
الباحث على نقل املعلومات من مصادرها ابللفظ دون املعىن ،وبدون وينبغي أن حير
حتريف أو تعديل ،ألن التعديل أو النقل ابملعىن يكون عند البدء يف الكتابة والتأليف.
وعلى الباحث أن أيخذ من املراجع املعلومات اليت تعنيه بلغتها األصلية أحياانً ،وابلرتمجة،
وابلتلخيص ،أحياانً أخرى ،وذلك حبسب األمهية اليت يراها من موضع آلخر(.)3
ومن املفيد للباحث أن ينقل بنفسه جزءاً من الواثئق اليت جيدها يف دور األرشيف أو يف
مراكز األحباث ،ليذيل هبا حبثه ،فتزيد أمهيته وتفيد الباحثني من بعده.
ومن الضروري أن يفهم الباحث حمتوايت ما ينقله من األصول واملراجع ويستوعبها أوالً أبول،
فإن بدا له تعليق أو نقد أو مالحظة على وثيقة أو مصدر أو فكرة أو حنو ذلك ،ابدر إىل
وعلى الباحث أن يعلم أن اخلطة اليت أعدها ملوضوعه (تقسيم املوضوع إىل أبواب وفصول)
خطة مبدئية قابلة للتعديل ،بل هي غالباً ما تعدل حبسب مقتضيات البحث واملادة العلمية
اليت جيمعها ،فعلي ه إذا ما جتمع لديه قدر ال أبس به من املادة العلمية من عدد كاف من
املصادر األصلية -وغري األصلية -أن يتوقف معها ،يعيد قراءهتا وتنظيمها ،وسيجد أن املادة
التارخيية اليت مجعها داخلة يف الفصول اليت وضعها يف اخلطة املبدئية ،وأن بعضها قد ينش.
فصوالً جديدة ،فعليه حينئذ أن يعدل اخلطة ويعيد صياغتها حبسب ما توجهه املادة اليت
مجعها ،وقد يكون هذا التعديل حبذف بعض األبواب أو الفصول ،أو إبضافة أبواب أو
فصول جديدة ،وقد يكون بتغيري ترتيب بعض األبواب أو الفصول ،سواء ابلتقدمي ،أو
التأخري(.)1
واخلالصة أن على الباحث أن يسلم نفسه للموضوع واملصادر ،وأن يرتك املادة العلمية اليت
جيمعها توجه عدد األبواب والفصول اليت تتكون منها رسالته ،وترتيبها.
نصائح للباحثني:
وأختم حديثي عن مجع املادة العلمية ببعض النصائح اليت ينبغي على الباحثني مراعاهتا أثناء
على الباحث أن يكون حتت يده عدد وفري من األوراق( )1املتساوية احلجم لكيتب -
فيها ما جيمعه من مادة ،وأن يكتب على وجه ويرتك الوجه اآلخر ،ويتجنب الكتابة يف
الكراسات.
وعليه أن جيتهد يف تدوين ما مجعه من املادة خبط واضح ودقة اتمة ،كي ال تعوقه -
رداءة اخلط أو عدم وضوحه عن استعمال ما مجع عندما يبدأ يف الكتابة والتأليف ،وأن
يكون ذلك بلون خمالف لأللوان األخرى اليت سيستخدمها يف نفس البطاقة (األزرق مثالً).
وعليه أن يدون يف أعلى كل صفحة من الصفحات اليت يكتب فيها اسم املؤلف، -
واسم الكتاب ،ورقم اجلزء والصفحة ،وأن يكون ذلك بلون خمالف للون الذي يكتب به
وعليه كذلك أن يضع يف أعلى كل صفحة عنواانً لكل اقتباس ،ليدل على ما ورد -
يف البطاقة من معلومات ،وأال يكتب يف كل بطاقة إال اقتباساً واحداً( .)1ولتكتب هذه
العناوين بلون خمالف للون الذي كتبته به بياانت املصدر الذي مجع منه املادة العلمية،
( )1وهننذه األوراق أمننا بطاقننات أو ورق عننادي ،واألفضننل البطاقننات ،وتصنننع غالبناً مننن الننورق املقننوى ،وطننول البطاقننة حنوايل
19سم ،وعرضها 11سم تقريباً ،وتباع يف املكتبات ،من املمكن أن يصنع الطالب بنفسه هذه البطاقات من الورق.
( )1د /أمحد شليب ،كيف تكتب حبثاً أو رسالة.21 ،
وعليه أن يدون يف ظهر كل بطاقة -أوالً أبول -املالحظات اليت تبدو له على املادة -
العلمية اليت كتبها يف نفس البطاقة ،حىت ال ينساها ،وليكن ذلك بلون خمالف لكل األلوان
وعليه قبل أن يرتك املصدر الذي يبحث فيه ،أن يدون يف ورقة مستقلة :اسم -
الكتاب ،واسم مؤلفه ابلكامل ،وبياانت طبعته (رقم الطبعة ،واترخيها ،واسم املطبعة ،ودار
فيه ،وأن يتبع ذلك يف كل النشر) ،وملخص حمتوايته ،ومبلغ ما أفاد منه ،ورأيه اخلا
مصدر يقرهه ،حبيث يكون عنده يف النهاية ما ميكن أن نسميه حبثاً خمتصراً عن املصادر اليت
استعملها.
وعليه إذا استعمل مصدراً من طبعة معينة ،أن يستمر يف قراءته إىل النهاية من نفس -
الطبعة ،وأن ال يستعمل طبعة أخرى ،ألن عدد الصفحات خيتلف من طبعة ألخرى،
والحتمال التعديل يف املادة بني طبعة وأخرى ،حيث توجد طبعات منقحة ومزيدة لبعض
الكتب.
وبعد أن ينتهي الباحث من قراءة املصادر واملراجع اليت أعدها ،ومن مجع املادة -
الالزمة ملوضوع حبثه يف البطاقات ،يبدأ يف فرز املادة اليت مجعها وترتيبها وتوزيعها على
حسب األبواب والفصول اليت وضعها من قبل (خطة البحث) .وحيسن أن يضع الباحث-
من أول األمر -البطاقات اخلاصة بكل ابب أو فصل – من أبواب الرسالة وفصوهلا – يف
به ،يكون كبري احلجم ،ويكتب عليه عنوان الباب أو الفصل ،وأن توضع ظرف خا
األوراق اليت مجعت من املصادر األكثر أمهية واألكثر فائدة من أعلى ،وحتتها اليت مجعت من
جاء يف لسان العرب أن "النقد متييز الدراهم وإخراج الزيف منها ...ونقدت الدراهم وانتقدهتا
إذا أخرجت منها الزيف"( .)1وينطبق هذا املعىن اللغوي على النقد التارخيي ،فهو أيضاً
فحص الرواية التارخيية ووزهنا وإخراج الزيف منها ،ملعرفة صحتها واالعتماد عليها كمصدر
اترخيي"( .)1وهو ما يسميه علماء منهج البحث التارخيي ابلنقد الباطين أو الداخلي.
"والغرض من النقد الباطين هو الوصول إىل احلقائق التارخيية من خالل الواثئق واألصول
التارخيية"(.)3
الواثئق ،وتفسريها ،وإثبات صحة ويقوم النقد الداخلي (الباطين) على فهم نصو
احلقائق التارخيية منها .وتعرف هذه املرحلة أيضاً مبصطلح املعلومات الواردة هبا ،واستخال
النقد التفسريي ،أي التفسري والتحليل .ويضاهي مصطلح أهل احلديث "اجلرح والتعديل"(.)9
وينقسم النقد الباطين إىل قسمني مهمني مها :النقد الباطين اإلجيايب ،والنقد الباطين السليب،
.919 ( )1ابن منظور ،ليان العرب ،ابب الدال ،فصل النون ،مادة (نقد) ،ا لد الثالث،
( )1د /حممد عبد الوهاب فضل ،التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم.91 ،
( )3د /حسن عثمان ،منهج البحث التارخيي.117 ،
( )9د /طه ابقر ،طرق البحث العلمي.21 ،
وهو عبارة عن حتليل األصل التارخيي بقصد تفسريه وإدراك معناه ،والتحقق من معىن األلفا
وقصد املؤلف مما كتبه .ومبعىن آخر :تفسري ظاهر النص وحتديد املعىن احلريف له ،مث إدراك
املعىن احلقيقي للنص ومعرفة غرض املؤلف مما كتبه( .)1وهذا األمر يقتضي من الباحث اإلملام
بلغة الكاتب وأسلوبه ،واإلملام ابألساليب واملصطلحات اللغوية والتارخيية املستخدمة يف ذلك
العصر ومعرفة معانيها ،وتفسري الكلمة أو اجلملة يف نطاق السياق العام للنص التارخيي،
ومراعاة تطور االستعماالت اللغوية من عصر إىل عصر ومن مؤلف إىل آخر(.)1
حتدثت من قبل عن إثبات صحة األصول التارخيية كمرحلة من مراحل البحث العلمي-
وذكرت أهنا هتدف إىل التحقق من أصالة الوثيقة التارخيية وصحة نسبتها إىل مؤلفها ،وإثبات
أهنا غري مزورة أو مزيفة ،ومعرفة مؤلفها ،وزمان ومكان تدوينها ،لكي نقف على صحة ما
جاء هبا من رواايت وأخبار ،وذكرت أيضاً أن قيمة األخبار والرواايت اليت جندها يف األصول
التارخيية هلا صلة وثيقة بشخصية كاتبها وشهرته ،ومكانته وأمانته ،ومدى صدقه أو كذبه.
وأضيف هنا أن إثبات صحة األصل التارخيي والتأكد من أنه غري مزيف ،ال يعين ابلضرورة
صحة كل ما أورده من معلومات ،إذ أنه حيتوي ابلضرورة على معلومات متعددة متنوعة ،قد
يكون بعضها صحيحاً ،وقد يكون بعضها اآلخر غري صحيح ،عن عمد أو عن غري عمد،
ولذلك ينبغي أن يقوم الباحث بدراسة كل رواية أو حادثة به على حدة؛ لتصفية احلقائق
واستبعاد الزائف منها بقدر املستطاع( .)1وهذا ما يعرف ابلنقد الباطين السليب.
فالنقد الباطين السليب يهدف إىل التثبت من صدق املؤلف وعدالته ،وهل كذب أم مل
يكذب .فضالً عن التثبت من صدق املعلومات اليت أوردها املؤلف ومبلغ دقتها ،وهل أخطأ
وميكن للباحث أن يستفيد يف هذه املرحلة -أعين مرحلة النقد الباطين السليب -أبسس النقد
التارخيي اليت سأحتدث عنها يف الفصل الثالث أبذن هللا ،فهي تساعد كثرياً -إذا ما وضعها
ً
سادسا :تأليف البحث وإخراجه:
بعد أن ينتهي الباحث من املراحل السابقة -وخاصة القراءة ،ومجع املادة ،وفرز البطاقات
على النحو الذي ذكرانه من قبل -يكون قد جتمعت لديه حقائق ومعلومات موثقة -بقدر
استطاعته واجتهاده -عن املوضوع التارخيي الذي هو بصدد حبثه ،بيد أهنا حقائق ومعلومات
متفرقة وغري منسقة ،وال ميكن أن تكون حبد ذاهتا موضوعاً اترخيياً متكامالً أو مفهوماً،
ولذلك ينبغي على الباحث أن يقوم أوالً بتصفية املادة اليت مجعها أبن يعيد قراءهتا اثنية
بتمعن ورهية ،وأن يفكر بعمق فيما احتوته ،مث خيتار منها ما له أمهية كبرية وصلة وثيقة
وعليه أن يعلم أن من غري املمكن وغري املرغوب استخدام كل ما مجعه من مادة ،ولذلك
ينبغي أن تكون لديه القدرة على تقييم املادة اليت مجعها ،ليأخذ بعضها ويرتك البعض اآلخر،
ومن مث ينتقل إىل املرحلة األهم من مراحل البحث ،وهي مرحلة التأليف والرتكيب ،وذلك
أبن يؤلف أو يركب من تلك املادة واملعلومات املتفرقة واملبعثرة موضوعاً متجانساً مفهوماً.
فالرتكيب أو التأليف التارخيي وعرض املادة هو احلصيلة النهائية للجهود اليت بذهلا الباحث
وفيما يلي بيان ببعض اإلرشادات والقواعد اليت ينبغي على الباحثني مراعاهتا والتزامها يف
ينبغي على الباحث أن يكتب مادته بلغة سهلة بسيطة وواضحة ،تالئم املوضوع الذي
يتناوله ،وأن يتجنب األلفا الصعبة واألساليب املعقدة الثقيلة ،ولن يتأيت ذلك إال إذا
توفرت لديه القدرة على حسن التعبري ابللغة اليت يكتب هبا ،حبيث يستطيع اختيار األلفا
،24-27و د /حممنند عبنند الوهنناب فضننل ،التنناريخ وتطننوره يف داير ( )1د /أمحنند شننليب ،كيننف تكتننب حبث ناً أو رسننالة،
اإلسالم.99 ،
( )1د /حسن عثمان ،منهج البحث التارخيي.147 ،
الذي تظهر فيه شخصيته ،وأال يقلد غريه من وينبغي عليه أيضاً أن يكتب أبسلوبه اخلا
الكتاب والباحثني ،فإن لكل كاتب طريقته اخلاصة يف التعبري عن آرائه يف نطاق اللغة اليت
يكتب هبا(.)1
وينبغي عليه كذلك أال يكتب أبسلوب أديب صرف ،ألن ذلك رمبا يضطره إىل تغيري احلقائق،
وإىل املبالغة فيما يكتبه ،إلحداث األثر املطلوب يف نفس القارئ ،واي حبذا لو كانت
للباحث ملكة الكتابة اليت جيمع فيها بني البساطة والدقة وروح الفن ،لكي يعرض احلقائق
وعليه أن يعلم أن خري الكالم ما قل ودل ،وأن اجلمل القصرية تفضل اجلمل الطويلة بوجه
عام ،وأن اإلجياز واالرتباط بني اجلمل وبعضها – حبيث أتخذ كل منها بعجز سابقتها – من
مظاهر األسلوب اجلميل ،ولذا ينبغي عليه أن يتحاشى الفواصل الطويلة بني شطري اجلملة،
فإن اضطر إىل ذلك فعليه أن جيعلها مجلة اعرتاضية ويضعها بني شرطتني هكذا - ... -
(.)3
وعليه أن يستخدم بعض األساليب ويعرض عن بعضها ،فمن األساليب اليت ينبغي عليه أن
يستخدمها" :ويتضح مما سبق" ،ويظهر من ذلك" ،و"وصفوة القول"" ،واخلالصة" ،وغري
ذلك من األساليب اليت يكثر استخدامها بني املؤرخني .ومن األساليب اليت ينبغي عليه أال
يستخدمها" :وحنن نرى" ،ويف رأينا ،و"يرى الباحث" ،ويرى الكاتب ،ويرى املؤلف" ،وغري
ذلك من األساليب اليت جتعل القارئ يشعر أبن الباحث مغرور ومزهو بنفسه.
وينبغي عليه أن يعرض املادة اليت مجعها بطريقة علمية يراعى فيها الرتتيب الزمين واملنطقي
لألحداث اليت يذكرها ،وأن يكتب طبقاً للتقسيم الذي وضعه للبحث (اخلطة النهائية).
وعليه أن يعلم أن كل فصل من فصول الرسالة ينقسم إىل جمموعة من العناوين ،وأن كل
عنوان منها يتكون من عدة فقرات ،وأن كل فقرة متثل وحدة قائمة بذاهتا تتكون من جمموعة
من اجلمل تدور حول فكرة واحدة ،وأن ترتيب الفقرات ينبغي أن يكون متسلسالً ومنطقياً،
حبيث تبين كل فقرة على ما قبلها ،ومتهد ملا بعدها ،فيحدث بينها ارتباط وثيق خيدم العنوان
وحيث إن كل فقرة وحدة قائمة بذاهتا ،فينبغي أن يظهر ذلك للعني مبعىن أن تظهر كل فقرة
مستقلة على الورق ،فيبدأ الباحث سطراً جديداً لكل فقرة ،ويرتك فراغاً عند بدء ذلك
السطر ،ويضع نقطة عند انتهاء الفقرة ،ويرتك بني كل فقرتني فراغاً أوسع قليالً من الفراغ
املرتوك بني السطرين يف الفقرة الواحدة ،وذلك حىت تظهر الفقرة مستقلة بنفسها متام
االستقالل(.)1
وينبغي عليه أيضاً أن يتسم ابألمانة العلمية ،فينسب املعلومات اليت يذكرها إىل مصدرها
الذي اقتبسها منه ،وحيسن أن يكون االقتباس بلغة النص األصلية ،وأال يزيد النص املقتبس
عن بضعة سطور ،وأن يكون دقيقاً يف النقل ،وأن توضع األجزاء املنقولة بني عالميت تنصيص
وإذا اضطر الباحث القتباس أكثر من فقرة ،فعليه أن يضع عالمة تنصيص (شولتني) يف أول
كل فقرة منها ،والفقرة األخرية فقط هي اليت ختتم بعالمة تنصيص شولتني ويوضع عليها رقم
احلاشية ويشار يف اهلامش إىل املصدر أو املرجع الذي اقتبست منه كل هذه الفقرات(.)1
وجيوز أن حيذف الباحث من النص املقتبس بعض الكلمات أو اجلمل اليت ال حيتاجها يف
حبثه ،بشرط أال يضر احلذف ابملعىن الذي أراده الكاتب األصلي ،وعليه يف هذه احلالة أن
وجيب أال ختتفي شخصية الباحث بني ثنااي كثرة االقتباسات ،وأال تكون الرسالة سلسلة
اقتباسات متتالية ،كما جيب أن تنسق االقتباسات تنسيقاً بديعاً ،وأال توضع خالية من
وحيسن به به إذا ما انتهى من كتابة جزء من البحث أن يرتكه جانباً فرتة من الزمن ،مث يعود
إليه مرة أخرى وحياول أن ينقد طريقة العرض اليت اتبعها ،فإذا ما ظهر له شييء غامض ،أو
ترتيبه سي يء ،أو صياغته رديئة ،أو لغته ركيكة ،فعليه أن يوضحه ويعدله ،أو يعيد كتابته من
جديد إذا اقتضى األمر ذلك ،وعليه أن يعلم أن إعادة الكتابة جتعل العبارة أدق وأوىف
ابلغرض(.)1
وعليه أن يناقش آراء اآلخرين – إن وجد جماالً ملناقشتها – بدون خوف أو تردد ،لتظهر
شخصية يف البحث ،وليكن ذلك أبدب جم ،ولسان عف ،وبدون هتكم أو سخرية أو
استهزاء ،أو استهانة برأي اآلخرين ،ألن الرسائل العلمية ليست جماالً لذلك( .)1واخلالصة أن
وعليه أن يدعم آراءه ابألدلة ،وأن يبدأ يف ذلك أببسط األدلة مث يتبعه آبخر أقوى منه(.)3
وأال يكثر من إيراد األدلة والرباهني على مسائل مسلم هبا أو ميكن التسليم هبا بسهولة(.)9
وعليه أن يقصد كل ما يكتب ،وأن يتجنب املبالغات ،وأال جيادل حباً يف اجلدل ،ألن ذلك
وعليه أن يتجنب بقدر اإلمكان كل ما ميكن أن يفتح عليه ابابً للخالف ،وأن يتجنب
وعليه أن يتجنب االستطراد والتكرار ،فإن االستطراد يفكك املوضوع ويذهب وحدته
وانسجامه ،وحيدث قلقاً وارتباكاً للقارئ( .)1واحلديث عن املسألة الواحدة يف أكثر من
موضع (التكرار) عيب كبري( .)1ومعناه أن الباحث مشتت الذهن ،وانسياً ملا كتبه من قبل،
ومع ذلك ،فقد يذكر الباحث يف بعض األحيان مسألة ما يف مكاهنا الطبيعي الذي جيب أن
تذكر فيه ،ويشرحها شرحاً وافياً ،مث يضطر إىل اإلشارة إليها إشارة سريعة يف مكان آخر ،وال
مانع من هذا ،بشرط أن يشري يف املوضع غري الرئيسي إىل املوضع الرئيسي الذي تناوهلا فيه
ابلتفصيل ،فيقول مثالً :كما سبق شرحه .أو يقول :كما سيأيت تفصيله .وهكذا ،مع حتديد
وعلى الباحث أن يفرض أحياانً أسئلة قد تثار -يف مسألة من املسائل اليت تضمنها حبثه –
مث جييب عليها ،فإن ذلك يكشف عن مدى إملامه بكل جوانب املوضوع ،وقدرته على
التفكري والتعليق على احلوادث ،ويوضح مدى سيطرته على املادة العلمية ،ومدى متكنه من
أدوات البحث.
وعلى الباحث أن يوضح يف اهلامش معاين بعض الكلمات واملصطلحات الغامضة الواردة يف
وبلدن وغري ذلك ،وحبيث املنت ،وأن يرتجم فيه أيضاً لألعالم الواردة يف املنت ،من أشخا
ال يثقله.
وعليه أيضاً أن يستخدم االختصارات الشائعة لبعض الكلمات اليت يكثر استخدامها يف
الرسائل العلمية والكتب التارخيية ،مثل :هن بدالً من كلمة هجرية ،وم بدالً من كلمة ميالدية،
بدالً من كلمة صفحة(،)1 وق م بدالً من كلمة قبل امليالد ،وج بدالً من كلمة جزء ،و
وهكذا.
على جانبيها (األمين واأليسر) ،وأبعلى الصفحة وأسفلها .فهي إذاً أربعة هوامش ،وهذه
اهلوامش هلا نظام معني ينبغي أن يلتزم به كل الباحثني ،فينبغي أن يكون عرض كل هامش
منها 1.9سم أو 1سم ،ابستثناء اهلامش األمين فينبغي أن يزيد عرضه عن عرض اهلوامش
األخرى مبقدار 1سم ،أي يكون عرضه 1.9سم ،أو 3سم ،وذلك من أجل التجليد.
بعد أرقام مماثلة ألرقام مكتوبة يف منت الرسالة( )1ومتعلقة هبا .وألمهية املعلومات اليت تتضمنها
يستخدم الباحثون طريقتني لكتابة احلواشي ابلرسائل العلمية واألحباث ،وهااتن الطريقتان
مها:
الطريقة األوىل :تكتب فيها احلواشي أبسفل صفحات البحث بعد أن يضع الباحث خطاً
أفقياً قصرياً أسفل كل صفحة ،يفصل به منت الرسالة عن احلواشي على النحو املتبع يف هذا
الكتاب .وهذه الطريقة أحسن الطرق املتبعة يف كتابة احلواشي ابألحباث العلمية ،ألهنا تتيح
للقارئ تتبع احلواشي املوجودة يف نفس الصفحة بسهولة ويسر ،إذ جيدها أمام عينيه أبسفل
الصفحة ،وال حيتاج إىل تقليب صفحات الرسالة للوصول إليها آبخر الفصل ،كما هو احلال
ويتبع الباحثون يف ترقيم احلواشي املوضوعة هبذه الطريقة طريقة من الطريقتني التاليتني:
الطريقة األوىل :وضع أرقام مستقلة حلواشي كل صفحة على حدة تبدأ برقم ( )1وتنتهي برقم
وهذه الطريقة أفضل الطرق لرتقيم احلواشي على اإلطالق ،فكل صفحة مستقلة حبواشيها
وأرقامها ومراجعها وكل ما يتصل هبا ،ومن السهل على الباحث أن حيذف رقماً ويضيف
آخر دون أن يضطر إىل إحداث تغيري يف أرقام حواشي الصفحات األخرى( .)1أي أن أي
تعديل أو تغيري يف أرقام احلواشي أي صفحة لن يتبعه تغيري يف أرقام حواشي الصفحات
والطريقة الثانية :وضع سلسلة أرقام متصلة حلواشي كل فصل ،تبدأ برقم ( )1وتنتهي برقم
ومن عيوب هذه الطريقة أن أي تغيري جيريه الباحث على حواشي أي صفحة -ابحلذف أو
اإلضافة أو التعديل -يستلزم تغيري أرقام حواشي ما بعدها من صفحات حىت آخر
الفصل(.)1
والطريقة الثانية :جتمع فيها حواشي كل فصل ،وتوضع يف هنايته ،وأتخذ سلسلة أرقام واحدة
ومتصلة .ومن عيوب هذه الطريقة أن أي تعديل جيريه الباحث على رقم أي حاشية سيضطره
إىل تعديل أرقام ابقي حواشي الفصل ،وأن القارئ إذا أراد أن يتتبع حاشية من حواشي أي
صفحة ابلفصل الذي يقرهه فإنه حيتاج -بل يضطر -إىل تقليب صفحات الرسالة للوصول
وظيفة احلواشي:
توثيق املعلومات اليت ذكرها الباحث يف منت الرسالة ،ابإلشارة إىل املصادر اليت نقلها -1
عنها يف احلاشية .فعلى الباحث أن يضع يف منت الرسالة رقماً يف هناية الفقرة( )1املراد اإلشارة
إىل مصدرها (النص املقتبس) ،ورقماً مماثالً له أبسفل الصفحة -يكتب من جهة اليمني
أبرقام عربية بني قوسني -يذكر فيه بياانت املصدر الذي نقل عنه هذه املعلومات (النص
( )1يوضننع الننرقم يف هنايننة النننص املقتننبس إذا مل يننذكر معننه اسننم املؤلننف ،فننإذا ذكننر اسننم املؤلننف يف املنننت وضننع الننرقم بعنند اسننم
املؤلف ،وينبغي أن يكون الرقم بني قوسني ومرتفعاً قليالً عن السطر؛ علي النحو املوجود هبذا الكتناب .د /أمحند شنليب،
كيف تكتب حبثاً أو رسالة.117 ،
()1
مث اسم عند ذكر املصدر أو املرجع ألول مرة يف البحث ،يذكر اسم املؤلف -
الكتاب ،ورقم اجلزء -إن وجد -مث رقم الصفحة ،مث بياانت الطبعة (رقم الطبعة ،وسنة
وليس من الضروري أن يذكر اسم املؤلف واسم املصدر ابلكامل ،ما دامت اإلشارة إىل جزء
من أحدمها تعين عن الباقي وتدل على املطلوب ،فيقال مثالً :املقريزي ،اخلطط ،ج،1
،73بدالً من :تقي الدين املقريزي ،املواعظ واالعتبار بذكر اخلطط واآلاثر ،ج،1
.73وهكذا.
إذا كان املصدر الذي اعتمد عليه الباحث خمطوطاً يكتب اسم املؤلف ،مث اسم -
الكتاب ،مث رقم اجلزء إن وجد ،ورقم الصفحة أو الورقة ،وبني قوسني يذكر كلمة خمطوط
( )1يف حالة النقل من مصدر يذكر االسم املشهور للمؤلف؛ مثل الطربي واملسعودي وابن كثري ،وحنو ذلك .ويف حالة النقل
من مرجنع حنديث ينذكر االسنم احلقيقني للمؤلنف ،مثنل :د /أمحند شنليب ،ود /حسنن عثمنان ،ود /حممند حسنني هيكنل،
وحنو ذلك.
( )1وميكننن عنندم ذكننر بينناانت الطبعننة يف احلاشننية ،اكتفنناء بننذكرها يف ثبننت املصننادر واملراجننع آبخننر البحننث (انظننر:د /أمحنند
شننليب ،املرجننع السننابق .)119 ،وقنند اعتمنندت علننى هننذا ال نرأي يف رسنناليت للنندكتوراه ،ويف كننل األحبنناث الننيت قمننت
إبعدادها؛ لوجاهته واقتناعي الكامل به.
119 واسم املكتبة املوجود هبا ورقمه ،مثل :ابن حجر ،رفع األصر عن قضاة مصر،
وإذا كان وثيقة ينبغي ذكر األرشيف اليت توجد هبا هذه الوثيقة ،ورقم ا لد ،ورقم -
امللف ،والورقة أو الصفحة ،واتريخ الوثيقة ،ومكان تدوينها ،وعمن صدرت وإىل من
أرسلت(.)1
وإذا كان االقتباس ليس من األصل ،بل من كتاب اقتبس منه لتعذر احلصول على -
األصل وبعدها بياانت الكتاب الذي نقل عنه ،مثل :سبط أبن اجلوزي ،مرآة الزمان ،ج2
وإذا كان االقتباس من ترمجة لكتاب -وليس من الكتاب واألصل – يشار إىل ذلك -
،141 يف احلاشية ،مثل :آدم متز ،احلضارة اإلسالمية يف القرن الرابع اهلجري ،ج،1
وإذا ذكر اسم املؤلف يف املنت فال داعي إلعادة ذكره يف احلاشية ،بل يكتفي بذكر -
اسم الكتاب ورقم اجلزء والصفحة ،كأن يذكر يف املنت مثالً عبارة "قال ايقوت .":فتكون
وإذا ذكر اسم املؤلف واسم الكتاب يف املنت ،يكتفي يف احلاشية بذكر رقم اجلزء -
والصفحة ،فإذا ورد يف املنت مثالً عبارة "وذكر الطربي يف اترخيه ."...تكتب احلاشية هكذا:
.119 ج،9
وإذا ضمت احلاشية الواحدة أكثر من مصدر ،يتم ترتيبها حسب أسبقية الوفاة ،أي -
يذكر املصدر الذي تويف مؤلفه أوالً ،مث الذي يليه ،وهكذا .وإذا ضمت احلاشية الواحدة
أكثر من مرجع ،يتم ترتيبها أجبدايً حسب االسم احلقيقي للمؤلف .وإذا ضمت احلاشية
الواحدة مصادر ومراجع معاً ،تكتب املصادر أوالً ،يليها املراجع ،ويراعي يف ترتيب كل منها
الرتتيب السابق.
وإذا تكرر ذكر املصدر أو املرجع يف صفحة واحدة بدون فاصل ،فإنه يذكر يف املرة -
األوىل كامالً ،ويف املرة الثانية يكتفي بذكر عبارة :املصدر السابق ،أو :املرجع السابق ،مع
ذكر رقم اجلزء والصفحة إن كاان خمتلفني عن اجلزء والصفحة املذكورين يف املرة األوىل .فإن
كان النقل من نفس املصدر واجلزء والصفحة ،يكتفي يف اإلشارة إليه بكلمة :نفسه .أو
بعبارة :املصدر السابق ،نفس الصفحة .أو أبي عبارة تدل على أن النقل كان من نفس
املوضع(.)1
وإذا تكرر ذكر املصدر أو املرجع يف صفحة واحدة مع وجود فاصل ،يذكر اسم -
املؤلف ،وبعده عبارة :املصدر السابق ،أو املرجع السابق ،مث رقم اجلزء إن وجد ،ورقم
أما إذا كان التكرار يف صفحات اتلية ،فإن اسم املؤلف يذكر أوالً ،وبعده عبارة :مصدر
سبق ذكره – أو مرجع سبق ذكره – مث رقم اجلزء إن وجد ،مث رقم الصفحة ،مثل :الطربي،
وإذا اعتمد الباحث على أكثر من كتاب ملؤلف واحد ،فالبد من اإلشارة يف كل -
مرة إىل اسم الكتاب املستخدم ،متييزاً له عن سائر الكتب اليت اعتمد عليها الباحث لنفس
املؤلف(.)1
وإذا اشرتك يف أتليف الكتاب أكثر من مؤلف ،يذكر اسم اجلميع ،إال إذا ارتبط -
اسم واحد منهم ابلكتاب أكثر من الباقني ،فيذكر امسه فقط وبعده كلمة( :وآخرون) ،مثل:
وإذا كان املؤلف جمهوالً ،يكتب اسم الكتاب أوالً ،يليه بني قوسني عبارة :جمهول -
املؤلف ،مث رقم اجلزء إن وجد ،ورقم الصفحة ،مثل :أخبار جمموعة يف اتريخ اإلندلس ،جمهول
،69أو تكتب احلاشية هكذا :مؤلف جمهول ،اخبار جمموعة يف اتريخ األندلس املؤلف،
.69
وتستخدم احلواشي أيضاً لإلشارة إىل رقم اخلريطة املوجودة مبلحق البحث لتوضيح -1
األماكن والبلدان(.)1
.94 ( )1د /حممد عبد الوهاب فضل ،مرجع سبق ذكره،
( )1د /أمحد شليب ،مرجع سبق ذكره.112 ،
كما تستخدم احلواشي لشرح أو توضيح بعض املفردات اللغوية واملصطلحات -3
والبلدان واألنساب وغري ذلك( .)1وأيضاً لتوثيق اآلايت الفنية ،وترمجة األعالم ،كاألشخا
القرآنية ،وختريج األحاديث النبوية على طريقة احملدثني ،أبن يذكر الباحث اسم مؤلف
الكتاب الذي ذكر فيه احلديث (البخاري ،أو مسلم ،أو غريمها) واسم الكتاب ،واسم الباب
الذي ذكر حتته احلديث ،ورقم احلديث إن وجد ،على النحو املتبع هبذا الكتاب.
وأخرياً ،ينبغي أن يعرف أنه ال يوجد حد واضح يفصل بني ما جيب إيراده يف منت الكتاب
(البحث) أو يف احلواشي ،واملسألة مرتوكة لتقدير الباحث وميزانه ،فقد يرى ابحث أن يضع
ينبغي أن تتضمن الرسالة -أو البحث -يف صورهتا النهائية عدة أشياء -هي مبثابة األركان
ابلنسبة ألي عمل علمي -وعلى الباحثني أن يهتموا هبا ،وحيرصوا عليها ،لكي خترج أعماهلم
-1صفحة العنوان:
تشغل صفحة العنوان وجه أول ورقة يف الرسالة ،وحيسن -عند التجليد -أن
( )1د /حممد عبد الوهاب فضل ،املرجع السابق .نفس املوضع.
( )1نفسه.
( )3د /حسن عثمان ،مرجع سبق ذكره.111 ،
وتشمل صفحة العنوان :عنوان الرسالة ،واسم مقدمها ،والدرجة العلمية اليت
يرغب يف احلصول عليها هبذه الرسالة ،واسم األستاذ الذي أشرف عليه ودرجته
وعلى الطالب أن يرتب هذه املعلومات على الصفحة بطريقة معينة ،وأن
األخرى ،وأن يكون البنط الذي يكتب به عنوان الرسالة أعرض بنط يف
الصفحة ،وأن يكون البنط الذي يكتب به اسم الباحث واسم األستاذ الذي
أشرف عليه واحداً ،وذلك على النحو املوجود يف الصفحة التالية ،فهي مثال
طيب لذلك: