You are on page 1of 69

‫منهج البحث التارخيي‬

‫ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬


‫ﻣﺠﻠﺔ ﻛﻠﻴﺔ ﺍﻵﺩﺍﺏ ‪ -‬ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﻨﻬﺎ ‪ -‬ﻣﺼﺮ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫ﺭﺳﻼﻥ‪ ،‬ﻋﺒﺪﺍﻟﻔﺘﺎﺡ ﻋﺒﺪﺍﻟﻌﺰﻳﺰ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬
‫ﻉ ‪26‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫د‪ .‬عبد الفتاح عبد العزيز رسالن‬
‫ﻧﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬

‫‪ 2011‬مدرس التاريخ اإلسالمي واحلضارة اإلسالمية‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬


‫ﺃﻛﺘﻮﺑﺮ‬ ‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪:‬‬

‫‪417‬اللغة العربية جامعة األزهر إبيتاي البارود‬


‫‪- 484‬بكلية‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫‪474972‬‬ ‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬‬
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ ‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫‪AraBase‬‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬
‫ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‪ ،‬ﻣﻨﺎﻫﺞ ﺍﻟﺒﺤﺚ ‪ ،‬ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ‪ ،‬ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎﺕ ‪ ،‬ﺍﻟﻮﺛﺎﺋﻖ‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ‪ ،‬ﺍﻵﺛﺎﺭ ‪ ،‬ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‬
‫‪http://search.mandumah.com/Record/474972‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬

‫© ‪ 2016‬ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬


‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫منهج البحث التارخيي‬

‫د‪ .‬عبد الفتاح عبد العزيز رسالن‬

‫مدرس التاريخ اإلسالمي واحلضارة اإلسالمية‬

‫بكلية اللغة العربية جامعة األزهر إبيتاي البارود‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫املقدمة‬

‫احلمدهلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف املرسلني سيدان حممد‪ ،‬وعلى آله‬

‫وأصحابه والتابعني‪،‬‬

‫وبعد‬

‫فإن منهج البحث من العلوم الىت ظهرت وتبلورت واستقلت ىف العصر احلديث‪ ،‬واملؤلفات‬

‫فيها اندرة وقليلة‪ ،‬ولذا أردت هبذة الدراسة أن أضيف إىل ذلك الصرح احلديث لبنة صغرية؛‬

‫عسى ان تكون إضافة جديدة ملا كتبه السابقون‪ ،‬وقد جعلت عنواهنا "منهج البحث‬

‫التارخيى"‪.‬‬

‫وقد قسمت هذه الدراسة إىل ثالثة فصول‪ :‬الفصل األول بعنوان "تعريف منهج البحث‬

‫والعلوم املساعدة ىف دراسة التاريخ"‪ ،‬وقد حتدثت فيه عن املعىن اللغوى لكلمات‪" :‬املنهج"‪،‬‬

‫و"البحث"‪ ،‬وتعريف مصطلح"منهج البحث التارخيى"‪ ،‬مث حتدثت عن العلوم املساعدة يف‬

‫دراسة التاريخ‪.‬‬

‫والفصل الثاىن عنوانه"خطوات إعداد البحث التارخيى"‪ ،‬وقد شرحت فيه ابلتفصيل اخلطوات‬

‫واملراحل الىت مير هبا البحث التارخيى –أثناء إعداده‪-‬والىت البد أن يعرفها ويفهمها جيداً كل‬

‫ابحث ىف التاريخ؛ من أختيار موضوع البحث‪ ،‬وحتديد املصادر واملراجع الىت جيمع منها‬

‫الباحث املادة العلمية الالزمة لبناء حبثه‪ ،‬مث عملية مجع املادة العلمية‪ ،‬ونقدها‪ ،‬وأخرياً مرحلة‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪814‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫أتليف البحث وإخراجه‪ ،‬وختمت احلديث عن هذه اخلطوات‪ ،‬ابحلديث عن عالمات‬

‫الرتقيم؛ الىت ينبغى أن يعرف الباحثون معانيها ومواضع استخدمها‪.‬‬

‫أما الفصل الثالث فعنوانه "موضوعات مهمة للبحث التارخيي"‪ ،‬وقد حتدثت فيه عن بعض‬

‫املوضوعات املهمة جداً للبحث التارخيى‪ ،‬والىت البد للباحثني ىف التاريخ اإلسالمى‪-‬بصفة‬

‫خاصة‪-‬أن يكونوا على دراية كاملة هبا‪ ،‬وأن تكون حاضرة ىف أذهاهنم أثناء قيامهم ابلبحث؛‬

‫ليتمكنوا من اإلستفادة منها ىف أحباثهم‪ ،‬وهي‪ :‬أمهية القرآن الكرمي واألحاديث النبوية‬

‫للتاريخ‪ .‬وأسس النقد التارخيى الىت ينبغى ان يعتمد عليها الباحثون ىف التاريخ اإلسالمى‪ ،‬وان‬

‫تكون حاضرة ىف أذهاهنم أثناء قيامهم ابلبحث؛ كى يتمكنوا مبوجبها من نقد األخبار‬

‫والرواايت‪ ،‬ومتييز الغَث من السمني منها‪ ،‬فيتمكنوا ابلتاىل من الرفض ورد كثري من األخبار‬

‫والرواايت الباطلة‪ ،‬وتنقية التاريخ منها‪ ،‬وتقدمي اتريخ صحيح إىل القراء‪ .‬واإلسرائيليات‬

‫وأقسامها وكيفية التعامل معها‪ .‬مث ختمت هذا الفصل ابحلديث عن الرواايت املتضاربة‬

‫واآلراء املختلفة وكيفية التعامل معها‪.‬‬

‫وقد اعتمدت يف هذا البحث على جمموعة من املراجع احلديثة املهمة املؤلفة ىف هذا الفن‪،‬‬

‫مثل‪ ":‬كيف تكتب حبثاً أو رسالة" لألستاذ الدكتور أمحد شليب‪ ،‬و"منهج البحث التارخيي"‬

‫لألستاذ الدكتور حسن عثمان‪ ،‬و"التاريخ وتطوره ىف داير اإلسالم " لألستاذ الدكتور حممد‬

‫عبدالوهاب فضل‪ ،‬و"مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه" لألستاذة الدكتورة سيدة‬

‫كاشف؛ وقد أمدتىن هذه الكتب مبعلومات كترية ومفيدة تتعلق ابلفصلني األول والثاين‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪914‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫وهناك مصادر ومراجع أخرى أفادتىن كثرياً ىف تكوين مادة الفصل الثالث‪ ،‬مثل "مقدمة ابن‬

‫خلدون" البن خلدون‪ ،‬و"البداية والنهاية" البن كثري‪ ،‬و"تفسري القرآن العظيم" البن كثري‬

‫أيضاً‪ ،‬و"اإلسرائيليات يف التفسري واحلديث "لألستاذ الدكتور حممد حسني الذهيب‪.‬‬

‫وأحب أن أذكر هنا أنين اقتصرت يف احلواشي على ذكر اسم املؤلف‪ ،‬والكتاب‪ ،‬ورقم اجلزء‬

‫ورقم الصفحة؛ من ابب االختصار والتخفيف‪ ،‬فلم أذكر رقم الطبعة‪ ،‬واترخيها‪ ،‬اكتفاء‬

‫بذكرها يف قائمة املصادر واملراجع آبخر البحث‪.‬‬

‫وبعد هذا العرض املوجز للجوانب املختلفة اليت تناوهلا البحث‪ ،‬وأهم املصادر واملراجع اليت‬

‫اعتمدت عليها‪ ،‬أرجوا أن أكون قد وفقت فيه‪ ،‬وأن يكون عملي فيه خالصاً لوجه هللا الكرمي‬

‫يب)‪.‬‬ ‫(وما تَوفِ ِيقي إالَّ ِِب َِّ‬


‫َّلل َعلَْي ِه تَوَّكل ُ ِ ِ‬
‫ْت وإلَْيه أُن ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬

‫دكتور‪ /‬عبد الفتاح عبد العزيز رسالن‬

‫مدرس التاريخ اإلسالمي واحلضارة‬

‫بكلية اللغة العربية إبيتاي البارود‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪811‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫الفصل األول‬

‫تعريف منهج البحث‬

‫والعلوم املساعدة يف دراسة التاريخ‬


‫ً‬
‫أوال‪ :‬تعريف منهج البحث‪:‬‬

‫املنهج‪:‬‬

‫يقال‪ :‬النهج‪ ،‬واملنهج‪ ،‬واملنهاج‪ ،‬مبعىن واحد هو الطريق الواضح‪ ،‬ويقال‪ :‬هنج يل األمر‬

‫أوضحه(‪ .)1‬ويراد به يف جمال التعليم والدراسة اخلطة املرسومة(‪.)1‬‬

‫فاملنهج هو الطريق املرسوم احملدد املعامل الذي يرشد الباحث إىل غايته املقصودة وهدفه‬

‫املنشود(‪.)3‬‬

‫وهو نوع من التنظيم العقلي ينبغي على الباحث اتباعه يف سبيل الوصول إىل احلقيقة‪ ،‬وهو‬

‫اخلطة أو التخطيط لعملية كتابة التاريخ(‪.)9‬‬

‫وهو عند ديكارت الفيلسوف الفرنسي‪ :‬قواعد وثيقة سهلة‪ ،‬متنع مراعاهتا الدقيقة من أن‬

‫يؤخذ الباطل على أنه حق‪ ،‬وتبلغ ابلنفس إىل املعرفة الصحيحة بكل األشياء اليت يستطيع‬

‫إدراكها دون أن تضيع يف جهود غري انفعة(‪.)1‬‬

‫‪ ،361‬حتقيننق األسننتاذ عبنند السننالم هننارون‪ ،‬والفننريوز‬ ‫(‪ )1‬ابننن فننارس‪ ،‬معجننم مقنناييس اللغننة‪ ،‬مننادة هنننج‪ ،‬ا لنند اخلننامس‪،‬‬
‫أابدي‪ ،‬القاموس احمليط‪ ،‬ج‪.112 ،1‬‬
‫(‪ )1‬املعجم الوسيط‪ ،‬ج‪.479 ،1‬‬
‫(‪ )3‬د‪ .‬عبد الفتاح أبو الفتوح إبراهيم‪ ،‬منهاج البحث اللغوي‪.4 ،‬‬
‫(‪ )9‬نفسه‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪911‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫البحث‪:‬‬

‫جاء يف مقاييس اللغة‪" :‬الباء واحلاء والثاء أصل واحد يدل على إاثرة الشيء"(‪.)1‬‬

‫وجاء يف املعجم الكبري‪ :‬حبث يف األرض يبحث حبثاً‪ ،‬حفرها وطلب الشيء فيها‪ ،‬فهو‬

‫ابحث وحباث‪ ،‬وحباثة‪ ...‬وحبث عن الشيء فتش يف الرتاب وحنوه‪ ،‬والبحث بذل اجلهد يف‬

‫موضوع ما‪ ،‬ومجع املسائل اليت تتصل به"(‪.)3‬‬


‫ف ي وا ِري سوء َة أ ِ‬
‫َخ ِيه) سورة‬ ‫ث ِِف األَر ِ ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ض ل ُُِييَهُ َك ْي َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ث َّ‬
‫اَّللُ غُ َر ااِب يَ ْب َح ُ‬ ‫ويف القرآن الكرمي (فَبَ َع َ‬

‫املائدة‪ ،‬آية ‪.31‬‬

‫فالبحث يف األصل حفر األرض وطلب ما فيها‪.‬‬

‫واصطالحاً‪ :‬العمل العلمي اهلادف الذي يتناول قضية علمية‪ ،‬ويستقصي أبعادها‪ ،‬ليسرب‬

‫غورها‪ ،‬وجيلي جوهرها‪ ،‬ويصل فيها إىل نتائج دقيقة حمكمة(‪.)9‬‬

‫وهذا يتطلب من الباحث جهداً عظيماً‪ ،‬وصرباً طويالً‪ ،‬وإصراراً عنيداً‪ ،‬حىت حيصل على‬

‫طلبته‪ ،‬وحيقق بغيته(‪.)9‬‬

‫فالبحث هو التعريف على الطريقة أو الوسيلة أو املنهج الذي يقود الباحث إىل الطريق‬

‫الصائب الذي يستخدمه يف سبيل الوصول إىل احلقيقة"(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬مقال يف املنهج‪ ،191 ،‬ترمجة حممود اخلضريي‪.‬‬


‫(‪ )1‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬مادة حبث‪ ،‬ا لد األول‪،‬‬
‫(‪ )3‬ج‪.22 ،1‬‬
‫(‪ )9‬د‪ /‬عبد املنعم عبد هللا حسن‪ ،‬معامل البحث اللغوي ‪.3‬‬
‫(‪ )9‬د‪ /‬عبد الفتاح أبو الفتوح إبراهيم‪ ،‬منهاج البحث اللغوي‪.11 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪811‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫"وما دامت دراستنا مبنية على اإلسالم فيمكن تعريفنا للبحث اإلسالمي أبنه كل دراسة‬

‫موضوعية تبني األحكام اليت تتصل جبانب من جوانب احلياة بياانً صحيحاً‪ ،‬أو تعاجل مشكلة‬

‫– اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية ‪ – ....‬من خالل قيم اإلسالم وأحكامه‪ ،‬وتستند إىل‬

‫فهم سديد وفحص عميق وإدراك صحيح ومنهج سليم"(‪.)1‬‬

‫منهج البحث‪:‬‬

‫مصطلح "منهج البحث" من املصطلحات احلديثة اليت ظهرت يف العصر احلديث‪ ،‬حيث‬

‫به‪ ،‬وهدف‬ ‫أصبح لكل علم من العلوم – وكل فرع من فروع املعرفة – منهج حمدد خا‬

‫واضح معلوم‪ .‬بل إن مناهج البحث يف عصران احلايل أصبحت من العلوم األصلية يف كل‬

‫ميادين العلم وجماالت املعرفة‪.‬‬

‫وليس هناك انفصال اتم بني هذه املناهج وبعضها البعض‪ ،‬فهناك مبادئ عامة تشرتك فيها‬

‫مجيع املناهج‪ ،‬وأخرى خاصة بكل علم من العلوم‪ ،‬ولذلك يقول أحد املستشرقني‪" :‬ليست‬

‫هناك مناهج تصلح لكل شيء‪ ،‬وإمنا هناك مبادئ عامة‪ ،‬وفيما عدا ذلك فكل مشكلة‬

‫يوضع تبعاً لطبيعية وقائعها والصعوابت اليت تثريها"(‪.)3‬‬ ‫خاصة ال حتل إال مبنهج خا‬

‫‪.17‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪،‬‬
‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عجاج‪ ،‬حملات يف املكتبة والبحث واملصادر‪.111 ،‬‬
‫(‪ )3‬النسون‪ ،‬مناهج البحث األديب‪ ،‬ترمجة د‪ /‬حممد مندور‪ ،911 ،‬ملحق بكتاب النقد املنهجي‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪913‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫ويعرف منهج البحث أبنه "فن التنظيم الصحيح لسلسلة من األفكار العديدة‪ ،‬من أجل‬

‫الكشف عن احلقيقة"(‪ .)1‬وأنه "خطوات منظمة يتبعها الباحث يف معاجلة املوضوعات اليت‬

‫يقوم بدراستها إىل أن يصل إىل نتيجة معينة(‪.)1‬‬

‫أما منهج البحث التارخيي فهو املراحل أو اخلطوات اليت ميضي فيها الباحث حىت يصل إىل‬

‫احلقيقة التارخيية عن طريق فحص وحتليل سجالت املاضي وخملفاته‪ ،‬مث يدوهنا ليقدمها‬

‫للناس(‪.)3‬‬

‫واحلقيقة التارخيية غري مطلقة‪ ،‬فمن العسري جداً بلوغ احلقيقة املطلقة ألي شيء يف املاضي‪،‬‬

‫بل ويف احلاضر‪ ،‬وذلك لعوامل كثرية تعرتض سبيل من ينشدها‪ ،‬ومن أمهها ضياع الرباهني‬

‫وانطماس األدلة‪ ،‬وتدخل األعراض واملصاحل‪ ،‬ولذلك نقرر منذ البداية أن احلقيقة اليت يصل‬

‫إليها املؤرخ ال تعدو أن تكون حقيقة نسبية‪ ،‬كلما زادت نسبة الصدق فيها اقرتبت من‬

‫احلقيقة املطلقة(‪.)9‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬العلوم املساعدة يف دراسة التاريخ‪:‬‬

‫التخصص يف البحث التارخيي وكتابة التاريخ مثل أنواع التخصص يف العلوم واملعارف‬

‫األخرى‪ ،‬يستلزم اإلعداد والدراسة‪ ،‬واكتساب ثقافة واسعة يف حقول املعرفة البشرية‪ ،‬والسيما‬

‫املوضوعات القريبة من التاريخ‪ ،‬وهذه الثقافة الواسعة متثل جمموعة من العلوم واملعارف‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬جالل موسى‪ ،‬منهج البحث عند العرب‪.31 ،‬‬


‫(‪ )1‬د‪ /‬عبد اللطيف حممد العبد‪ ،‬مناهج البحث العلمي‪.7 ،‬‬
‫‪.131‬‬ ‫(‪ )3‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪ ،11-11 ،‬ود‪ /‬حممد عواد حسني‪ ،‬صناعة التاريخ‪،‬‬
‫‪.131‬‬ ‫(‪ )9‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪ ،11-11 ،‬ود‪ /‬حممد عواد حسني‪ ،‬صناعة التاريخ‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪818‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫واألساليب والطرق يستعني هبا الباحث التارخيي يف مجع مصادره وفهمها ومتحيصها‬

‫ونقدها(‪.)1‬‬

‫ولعلنا ال نبالغ إذا قلنا أن البحث التارخيي من أصعب مواضيع البحث العلمي املعروفة‪ ،‬إن مل‬

‫يكن أصعبها‪ ،‬وأن هذه الصعوابت املالزمة للبحث التارخيي التقتصر على طبيعة املوضوع‬

‫الذي يعاجله الباحث التارخيي‪ ،‬بل إهنا انشئة كذلك من تنوع املوضوعات واملعارف والثقافية‬

‫الواسعة اليت جيب أن يلم هبا‪ ،‬واليت يطلق عليها العلوم املساعدة(‪.)1‬‬

‫وإذا كان يتعذر على الباحث يف التاريخ أن يتخصص يف هذه العلوم املساعدة كلها أو‬

‫بعضها‪ ،‬فإنه يلزم عليه أن يلم ابلعلوم الذي له صلة مباشرة مبوضوع حبثه؛ فإن العلوم‬

‫املساعدة اليت تلزم الباحث يف احلضارات القدمية ختتلف عن العلوم املساعدة اليت يلزمه اإلملام‬

‫يف حبثه من التاريخ اليوانين أو اإلسالمي أو التاريخ األورويب(‪.)3‬‬

‫وسنوضح فيما يلي أشهر العلوم واملوضوعات املساعدة اليت تعارف عليها املختصون مبنهج‬

‫البحث التارخيي‪.‬‬

‫أ‪ -‬اللغة‪:‬‬

‫اللغة من وسائل البحث التارخيي املهمة‪ ،‬فينبغي على الباحث يف التاريخ أن يكون على دراية‬

‫بلغات وكتاابت العصر الذي يريد البحث فيه‪ ،‬كي يتمكن من الفهم الكامل العميق للناحية‬

‫‪.12‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪،‬‬


‫(‪ )1‬نفسه‪.‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪919‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫اليت يريد أن يتناوهلا‪ ،‬فالذي يريد أن يدرس انحية من نواحي التاريخ املصري القدمي‪ ،‬ال‬

‫يستطيع أن يفعل ذلك إال إذا تعلم الكتابة ابللغة اهلريوغليفية‪ ،‬والذي يريد أن يبحث يف‬

‫التاريخ العثماين البد وأن يتعلم اللغة الرتكية ‪ ...‬وهكذا(‪.)1‬‬

‫وكلما تعددت اللغات األصلية القدمية واحلديثة اليت يلم هبا الباحث‪ ،‬اتسع أمامه أفق البحث‬

‫واالستقصاء‪ ،‬فعليه أن يدرس ما يلزمه منها مهما كانت قدمية أو صعبة‪ ،‬حىت يستطيع‬

‫الرجوع إىل األصول واملصادر التارخيية‪ ،‬األوىل‪ ،‬وهذه كلها أدوات أساسية ال ميكن بغريها‬

‫السري قدماً يف سبيل البحث التارخيي‪ .‬وكذلك ينبغي على الباحث أن يلم بلغة أو أكثر من‬

‫اللغات األوربية احلديثة الشائعة االستعمال‪ ،‬كاإلجنليزية‪ ،‬واألملانية‪ ،‬وهي لغات غنية برتاثها‬

‫التارخيي(‪.)1‬‬

‫ب‪ -‬علم قراءة اخلطوط‪:‬‬

‫علم قراءة اخلطوط من العلوم الالزمة لدراسة التاريخ القدمي والوسيط‪ ،‬وتبدو أمهية دراسة‬

‫وقراءة اخلطوط حني يتصدى الباحث لدراسة اتريخ الشرق القدمي‪ ،‬واتريخ اليوانن والرومان‪،‬‬

‫واتريخ العرب قبل اإلسالم‪ .‬فهناك اخلط املسماري يف حضارة وادي النيل‪ ،‬وخط املسند يف‬

‫حضارة اليمن‪ ،‬وهناك اخلطوط اليواننية واألوربية يف العصور الوسطى‪ ،‬واخلطوط العربية‬

‫بطرزها املتعددة(‪.)3‬‬

‫‪.133‬‬ ‫‪ ،16‬وحممد عواد حسني‪ ،‬صناعة التاريخ‪،‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪،‬‬
‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬نفسه‪.‬‬
‫‪.14‬‬ ‫(‪ )3‬د‪ /‬حممد فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪814‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫فيجب على الباحث يف التاريخ أن جييد قراءة اخلطوط املكتوبة هبا واثئق الفرتة اليت يتصدى‬

‫لدراستها‪ ،‬حىت ميكنه الرجوع إىل الواثئق اليت دونت هبا‪ ،‬فدراسة هذه اخلطوط حتفظ له‬

‫الوقت وجتنبه الوقوع يف كثري من اخلطأ(‪.)1‬‬

‫وعن طريق علم قراءة اخلطوط نستطيع أن حندد اتريخ أية وثيقة غري مؤرخة تعرض لنا مبجرد‬

‫النظر إىل اخلط الذي كتبت به ومعرفة خصائصه(‪.)1‬‬

‫ج‪ -‬علم النميات (املسكوكات)‪:‬‬

‫"النميات مجع النمي‪ ،‬ومعناها الفلوس أو الدراهم‪ ،‬وهذه الكلمة مشتقة من الالتينية‬

‫واليواننية ‪ Numms‬و ‪ Nomos‬مبعىن الفضة املضروبة أو النقد أو األنواط‪ ،‬ومنها مادة‬

‫‪ Nurmismatics‬يف اللغات األوربية"(‪.)3‬‬

‫والنميات (املسكوكات) من العلوم املهمة يف دراسة التاريخ‪ ،‬ودراسة السكة اإلسالمية من‬

‫الدراسات اليت يفيد منها التاريخ اإلسالمي أكرب فائدة والسيما التاريخ السياسي‪ ،‬فالكتاابت‬

‫املنقوشة على السكة تشتمل على ألقاب األمراء واحلكام‪ ،‬واتريخ الضرب‪ ،‬وبعض عبارات‬

‫خاصة مبذهبهم الديين‪ ،‬فهي بذلك سجل لأللقاب واألمساء‪ ،‬كما أهنا تبني تبعية الوالة‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬املرجع السابق‪.17 ،‬‬


‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عواد حسني‪ ،‬صناعة التاريخ‪.139 ،‬‬
‫‪.44‬‬ ‫(‪ )3‬د‪ /‬سيدة كاشف‪ ،‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪917‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫للخالفة أو استقالهلم عنها ومدى هذا االستقالل‪ ،‬وال شك أن قيمة هذه النميات كبرية يف‬

‫هذا الشأن‪ ،‬ألهنا واثئق صحيحة وقدمية ورمسية‪ ،‬وليس من السهل الطعن فيها"(‪.)1‬‬

‫"وعالوة على هذا كله فإن السكة اإلسالمية ختلد أمساء مدن كانت تضم دوراً لضرب‬

‫النقود‪ ،‬مما يشهد مبا كان هلذه املدن من شأن إداري كبري‪ ،‬مث أن العثور على كميات من‬

‫السكة اإلسالمية يشري يف كثري من األحيان إيل اآلفاق البعيدة اليت امتدت إليها التجارة‬

‫اإلسالمية‪ ،‬كما يشري يف الوقت نفسه إىل أنواع السكة اليت كان اإلقبال عليها عظيماً(‪.)1‬‬

‫وأخرياً‪ ،‬فإن سنوات ضرب النقود حتدد إىل حد كبري سنوات حكم بعض احلكام اليت مل تكن‬

‫معروفة‪ ،‬كذلك تفيد دراسة العمالت يف معرفة التاريخ االقتصادي‪ ،‬من حيث املادة اخلام اليت‬

‫ضربت منها‪ ،‬ونسبة املادة النفسية للمادة البخسة‪ ،‬ودالالهتا على ثراء وفقر الدول املنسوبة‬

‫إليها(‪.)3‬‬

‫د‪ -‬علم الرنوك واألختام‪:‬‬

‫ومن العلوم املساعدة أيضاً يف البحث التارخيي ما يعرف ابلرنوك واألختام‪.‬‬

‫والرنوك‪ :‬هي الشعر أو العالمات املميزة اليت تظهر على األختام أو الدروع‪ ،‬أو على مالبس‬

‫األمراء واجلند والفرسان احملاربني‪ ،‬أو على األعالم‪ ،‬ومن هذه العالمات والشارات‪ :‬السيف‪،‬‬

‫‪.44‬‬ ‫‪ .167‬نقالً عن‪ :‬د‪ /‬سيدة كاشف‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬زكي حممد حسن‪ ،‬دراسات يف مناهج البحث‪،‬‬
‫(‪ )1‬د‪ /‬سيدة كاشف‪ ،‬املرجع السابق‪.111 ،‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.31 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪814‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫والنسر‪ ،‬واهلالل‪ ،‬والصليب(‪ .)1‬فمعرفة الباحث يف التاريخ هبذه الرنوك جتعله قادراً على إثبات‬

‫صحة ما يقع حتت يده من دروع أو أسلحة أو واثئق أو ما شاكل ذلك‪ ،‬ففي الواثئق مثالً‬

‫قد ميحى اإلمضاء أو التاريخ‪ ،‬ويف هذه احلال تساعد الشارة أو العالمة – الرنك – الواضحة‬

‫يف التعرف على حقيقتها(‪.)1‬‬

‫أما األختام‪ :‬فهي اليت ميهر هبا الواثئق‪ ،‬وهي ذات أنواع وأشكال خمتلفة‪ ،‬ومعرفة أنواع‬

‫األختام تفيد الباحث يف التثبت من صحة الواثئق اليت حتت يده‪ ،‬وحتديد زمن الوثيقة‬

‫التارخيية اخلالية من التاريخ‪ ،‬هذا ابإلضافة إىل ما يستنتجه عن العهد الذي يبحث فيه‪ ،‬من‬

‫انحية ألقاب احلكام واألمراء‪ ،‬وشعاراهتم‪ ،‬والعبارات اخلاصة اليت يستعملوهنا يف تواقيعهم(‪.)3‬‬

‫هـ‪ -‬علم الوثائق‪:‬‬

‫ومن العلوم األساسية الوثيقة الصلة ابلتاريخ علم الواثئق أو الدبلومات‪ ،‬أي علم حتقيق‬

‫الواثئق ونقدها وحتديد أزماهنا‪.‬‬

‫والوثيقة هي املصدر األصلي الذي يعتمد عليه الباحث التارخيي‪ ،‬أو هي املادة اخلام اليت‬

‫يصوغ الباحث هنا نسيج حبثه‪ .‬وتتضمن الوثيقة أنواع املكاتبات الرمسية أو شبه الرمسية‪ ،‬مثل‬

‫القرارات‪ ،‬واملراسالت‪ ،‬واملعاهدات بكل أنواعها‪ ،‬واالتفاقيات‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.31 ،‬‬


‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.31 ،‬‬
‫‪.131-131‬‬ ‫(‪ )3‬د‪ /‬طه ابقر‪ ،‬طرق البحث العلمي يف التاريخ واآلاثر‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪914‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫وإذا كانت الواثئق من األصول التارخيية الالزمة لدراسة التاريخ‪ ،‬فإنه ليس من الضروري أن‬

‫توجد وافية عن كل حوادث التاريخ‪ ،‬إذ تنطمس آاثر كثري منها وتزول دالاللته بتعرضها يف‬

‫ظروف خمتلف للتلف أو الضياع‪ ،‬مثل ظروف الثورات‪ ،‬أو احلرائق‪ ،‬أو الرغبة يف التخلص‬

‫منها وإتالفها عن عمد‪ ،‬حينما تكون يف حوزة من ال يفهم قيمتها التارخيية‪ ،‬أو من يهمه منع‬

‫تداول معلوماهتا بني الناس ‪ ،‬وبذلك يضيع الكثري من فوائدها ابلنسبة للتاريخ‪ ،‬وكأن األفكار‬

‫واحلوادث اليت كانت حتمل يف طياهتا وثناايها مل تكن يف الوجود(‪.)1‬‬

‫وعلى ذلك فكثرياً ما جيد املؤرخ فجوات يف جمرى التاريخ ال ميكنه أن ميألها‪ ،‬وستبقى‬

‫حلقات كثرية من التاريخ جمهولة إىل األبد‪ ،‬ولذلك فالبحث عن الواثئق من العمليات‬

‫األساسية يف كتابه التاريخ‪ ،‬وإن كشف كمية منها عن موضوع معني هو الذي حيدد إمكانية‬

‫استمرار الباحث يف حبثه أو العدول عنه إىل موضوع آخر(‪.)1‬‬

‫وتعمل احلكومات اآلن‪ -‬وخباصة يف الغرب‪ -‬على نقل الواثئق من حوذة األفراد إىل األماكن‬

‫العامة‪ ،‬حيث حتفظها يف دور األرشيف‪ ،‬ودور الكتب‪ ،‬ويف املتاحف‪ ،‬واألديرة والكنائس‪،‬‬

‫وقد وضعت اهليئات املسئولة يف تلك النواحي فهارس للكثري من الواثئق اليت يف حوزهتا‪ ،‬ومع‬

‫التقدم املستمر يف هذه امليدان‪ ،‬فإن اهليئات العلمية يف الغرب تضع فهارس وصفية لبعض‬

‫نواح من الواثئق‪ ،‬وتعمل تلك اهليئات على جتميع الواثئق اليت هتم بالدها‪ ،‬وذلك إبرسال‬

‫‪.71‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪،‬‬


‫(‪ )1‬نفسه‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪831‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫بعوث خاصة من العلماء الباحثني إىل اخلارج لكي تبحث يف دور األرشيف األجنبية عن‬

‫تلك الواثئق‪.‬‬

‫والواقع أن األمم اإلسالمية فقرية يف احملفوظات والواثئق اليت ميكن الرجوع إليها يف دراسة‬

‫حياة الشعب وأموره اإلدارية والقضائية واالجتماعية والفنية يف العصور الوسطى‪ ،‬ويف التاريخ‬

‫اإلسالمي تكاد الواثئق تكون مقصورة على الواثئق الربدية(‪.)1‬‬

‫ومعظم الواثئق اليت وصلت إلينا من العصور الوسطى اإلسالمية – على قلتها‪ -‬واثئق‬

‫حكومية‪ ،‬ويرجع ضياع معظم الواثئق احلكومية بطبيعة احلال إىل عدم العناية حبفظها‪ ،‬وعدم‬

‫إدراك أمهيتها‪ ،‬فضالً عن تعرضها للحرائق وما إىل ذلك من أسباب التدمري(‪.)1‬‬

‫والواثئق اإلسالمية قليلة التنوع‪ ،‬فمظمها واثئق تتعلق ابإلدارة‪ ،‬وليس من بينها واثئق كثرية‬

‫خاصة ابلنظم االجتماعية واألحوال االقتصادية والنظم املالية‪ ،‬كما أن هناك بعض الفرتات يف‬

‫التاريخ اإلسالمي وبعض األقاليم يف داير اإلسالم مل تصل إلينا عنها إال واثئق قليلة جداً(‪.)3‬‬

‫وترجع معظم هذه الواثئق إىل مصر يف فجر اإلسالم‪ ،‬وهلذه الواثئق شأن كبري يف دراسة‬

‫احلياة االجتماعية والسياسية واالقتصادية واملالية‪ ،‬إذ أن من بينها أوراقاً بردية تتعلق نصوصها‬

‫ابجلزية واخلراج‪ ،‬وإسناد املناصب‪ ،‬وأنظمة اإلدارة‪ ،‬وطرق التجارة‪ ،‬وبناء العمائر واملساجد‪،‬‬

‫‪.23‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬سيدة كاشف‪ ،‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪،‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.29 ،‬‬
‫(‪ )3‬نفسه‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪931‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫وإنشاء األساطيل‪ ،‬وأمثان البضائع والبيوت واألرض‪ ،‬فضالً عن عقود الزواج والبيع والشراء‪،‬‬

‫وما إىل ذلك من املكاتبات اخلاصة اليت تكشف عن بعض العادات والنظم االجتماعية(‪.)1‬‬

‫ومن الواثئق اليت تفيد الباحث يف التاريخ اإلسالمي واثئق الوقف‪ ،‬أو األحباس‪ ،‬وهي واثئق‬

‫ترجع إىل العصور املتأخرة من التاريخ اإلسالمي‪ ،‬والوصول إىل دراستها ليس سهالً‬

‫للمؤرخني‪ ،‬بسبب قيمتها املادية‪ ،‬وحفظها بني واثئق احملاكم واحلكومات فضالً عن أهنا يف‬

‫معظم الدول اإلسالمية مل تنظم تنظيماً علمياً أو تفهرس حبيث تسهل دراستها(‪.)1‬‬

‫ولكي يستفيد الباحث يف التاريخ من الواثئق يلزمه أوالً التحقق من صحة الوثيقة اليت بني‬

‫يديه‪ ،‬ومعرفة ما إذا كانت أصلية وليست مزورة‪ ،‬والقدرة على قراءهتا‪ ،‬وذلك يتطلب منه‬

‫معرفة اللغة اليت كتبت هبا الوثيقة‪ ،‬واخلط الذي كتبت به‪ ،‬والطريقة اليت كانت متبعة يف‬

‫الكتابة الرمسية يف ذلك العصر‪ ،‬واألسلوب املستخدم يف الكتابة‪ ،‬واملصطلحات‪ ،‬وغري‬

‫ذلك(‪.)3‬‬

‫وأخرياً نذكر أن بعض املؤرخني والكتاب املسلمني يف العصور الوسطى نقلوا صور واثئق‬

‫حكومية يف مؤلفاهتم‪ ،‬ومع أننا قد نفيد من هذه الصور يف استنباط كثري من البياانت‪ ،‬إال أن‬

‫مثل هذه الفائدة حمدودة لسببني رئيسيني‪ :‬األول أننا ال نستطيع أن جنزم بصحة هذه الصور‪،‬‬

‫فقد تكون منقولة عن كتب أقدم وليست عن الواثئق األصلية نفسها‪ ،‬وقد تكون موضوعة‬

‫‪.26‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬سيدة كاشف‪ ،‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪،‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،23 ،‬و ‪.24‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬شوقي اجلمل‪ ،‬علم التاريخ‪.41-41 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪831‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫ومنتحلة لتأييد وجهة نظر خاصة‪ ،‬فضالً عن أن نقلها على يد الكتاب من جيل إىل جيل‬

‫قد يكون سبباً إلدخال كثري من التحريف والتصحيف واحلذف واإلضافة وما إليها‪ .‬أما‬

‫السبب الثاين فهو أن هذه الصور املنقولة عن الواثئق األصلية قليلة التنوع‪ ،‬فال تكاد تتجاوز‬

‫بعض املراسالت واخلطب واحملالفات‪ .‬ومن املؤلفني املسلمني الذين جند يف مؤلفاهتم عدداً‬

‫كبرياً من هذه الواثئق املنقولة‪ :‬القلقشندي يف كتابه صبح األعشى يف صناعة اإلنشا(‪.)1‬‬

‫و‪ -‬علم اآلثار‪:‬‬

‫علم اآلاثر هو العلم الذي يدرس املاضي على ضوء مجيع املخلفات اليت تصل إلينا منه"(‪.)1‬‬

‫أو هو العلم الذي خيتص بدراسة األشياء اليت صنعها اإلنسان أو استعملها من مسكن‬

‫وأاثث وأدوات منقولة وغري ذلك – مث ختلفت عنه‪ ،‬فتم الكشف عنها‪ ،‬واستخرج ما كان‬

‫منها يف ابطن األرض ابألساليب العلمية املتبعة يف التنقيب(‪.)3‬‬

‫واآلاثر مهمة جداً يف البحث التارخيي‪ ،‬فهي الشاهد الناطق عن العصور املاضية‪ ،‬ومدى ما‬

‫وصلت إليه احلضارات القدمية – واحلضارة واإلسالمية – من تقدم ورقي يف كل جماالت‬

‫احلياة‪ ،‬فضالً عن أهنا تفيد الباحث يف التاريخ يف الوقوف على درجة اإلتقان املهين اليت‬

‫‪.43-41‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬سيدة كاشف‪ ،‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪،‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.21 ،‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬حممد فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪.33 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪933‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫وصل إليها الفنانون املسلمون يف العصور املختلفة‪ ،‬كما تفيده يف معرفة التيارات الفنية اليت‬

‫تركت بصماهتا يف إنتاج الفنان املسلم‪ ،‬ومصادر هذه التيارات(‪.)1‬‬

‫"وعلم اآلاثر يساعد إىل حد كبري يف سد الفراغ الذي نلمسه يف املصادر األدبية التارخيية‪،‬‬

‫فضالً عن أنه يصحح يف بعض األحيان أخطاء اترخيية مشهورة"(‪.)1‬‬

‫"والواقع أن الباحثني يف اتريخ العصور القدمية يدركون متاماً الصلة الوثيقة بني علم اآلاثر‬

‫والتاريخ‪ ،‬فمؤرخ أي عصر من العصور القدمية البد أن يكون عاملاً من علماء اآلاثر‪ ،‬أو على‬

‫أقل تقدير يعتمد كل االعتماد على النتائج العلمية اليت يصل إليها رجال اآلاثر يف حضارة‬

‫املناطق اليت يشتغل بتارخيها‪ ،‬ألن خملفات تلك العصور هي املرجع األساسي يف اترخيها"(‪.)3‬‬

‫وينبغي على مؤرخي التاريخ اإلسالمي أن يكون هلم إملام ابآلاثر اإلسالمية‪ ،‬أو أن‬

‫يستخدموا‪ -‬على أقل تقدير – النتائج العلمية اليت يصل إليها علماء اآلاثر اإلسالمية(‪.)9‬‬

‫وهناك دراسات خمتلفة – تؤلف علم اآلاثر اإلسالمية – جيب أن يستخدمها املؤرخ إذا أراد‬

‫أن تكون حبوثه يف اتريخ العرب واملسلمني أقرب إىل الكمال‪ ،‬وهي‪ :‬دراسة الواثئق واألوراق‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪.33 ،‬‬


‫(‪ )1‬د‪ /‬سننيدة كاشننف‪ ،‬مصننادر التنناريخ اإلسننالمي ومننناهج البحننث فيننه‪ .21 ،‬ولعننل مننن أحسننن األمثلننة علننى أن اآلاثر‬
‫تصحح يف بعض األحيان أخطاء اترخيي ة مشهورة‪ ،‬أن املصادر التارخيية اليت بني أيدينا تكثنر فيهنا النرواايت التارخيينة النيت‬
‫تتحندث عننن ظلنم قننرة بننن شنريك وايل مصننر – يف الفننرتة منن ‪ 41‬إىل ‪ 46‬ه ن ألهنل مصننر بعامننة وأهنل الذمننة خباصننة‪ ،‬يف‬
‫حننني أن أوراق الننربدي العربيننة الننيت العثننور عليهننا يف كننوم أشننقاو سنننة ‪1411‬م تثبننت عكننس ذلننك‪ ،‬وتؤكنند مبننا ال ينندع‬
‫جماالً للشك أنه كنان منن أعندل النوالة وأننه بنري متامنا منن كنل منا ألصنقه بنه املؤرخنون املسنلمون واملسنيحيون منن صنفات‬
‫الظل ننم واجل ننور والفس ننق والقس ننوة وس ننوء الت نندبري واإلدارة‪ .‬انظ ننر تفص ننيل ذل ننك يف الب نناب الثال ننث م ننن رس نناليت للماجس ننتري‬
‫وعنواهنا" السياسة املال ية لألمويني يف مصر"‪ ،‬وهي موجود بكلية اللغة العربية‪ ،‬جامعة األزهر ابلقاهرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬سيدة كاشف‪ ،‬املرجع السابق‪.21 ،‬‬
‫(‪ )9‬د‪ /‬سيدة كاشف‪ ،‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪.21 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪838‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫الربدية‪ ،‬ودراسة الكتاابت التارخيية األثرية على العمائر والتحف وشواهد القبول‪ ،‬ودراسة‬

‫السكة أو النميات ودراسة اتريخ العمارة واتريخ الفنون الزخرفية والفنون التطبيقية‬

‫اإلسالمية(‪.)1‬‬

‫وأخرياً ال نكون مبالغني إذا قلنا إ ن علم اآلاثر أوثق وسيلة جلمع مصادر التاريخ األصلية اليت‬

‫ال ميكن أن يتطرق الشك إىل أصالتها واالعتماد عليها(‪.)1‬‬

‫ز‪ -‬علم اجلغرافية‪:‬‬

‫ومن العلوم املساعدة يف دراسة التاريخ أيضاً علم اجلغرافية‪ ،‬وهو علم ذو صلة وثيقة ابلتاريخ‪،‬‬

‫فقد "ارتبطت كتابة التاريخ عند املسلمني منذ البداية بعلم تقومي البلدان أو اجلغرافية‪ ،‬إذ‬

‫وصفوا املدن والبالد‪ ،‬وذكروا طرقها وشعاهبا وحاصالهتا وأجواءها"(‪ ".)3‬وضمت املؤلفات‬

‫اجلغرافية العربية حقائق كثرية جيب اإلفادة منها يف البحوث التارخيية‪ ،‬السيما وأن كثرياً منها‬

‫كان يعين بوصف البالد وبيان املسافات بينها‪ ،‬وحاصالت كل منها‪ ،‬وما يؤلف شهرهتا‬

‫وعادات أهلها"(‪ . )9‬بل كان من بني تلك الكتب ما يهدف إىل تثقيف القارئ‪ ،‬فيعرض‬

‫لكثري من النواحي التارخيية واألدبية واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬مما تصبح معه مصدراً عظيماً‬

‫ألحوال العامل اإلسالمي يف العصور الوسطى"(‪.)9‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق ‪.23-21‬‬


‫(‪ )1‬د‪ /‬طه ابقر‪ ،‬طرق البحث‪.133 ،‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬سيدة كاشف‪ ،‬املرجع السابق‪.32 ،‬‬
‫‪.67‬‬ ‫(‪ )9‬د‪ /‬سيدة كاشف‪ ،‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪،‬‬
‫(‪ )9‬نفسه‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪939‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫أضف إىل ذلك أن األحوال اجلغرافية لقطر ما كثرياً ما يكون هلا أثر كبري يف سري األحداث‬

‫اليت حتدث فيه‪ ،‬وابلتايل فإنه ال ميكن فهم تلك األحداث وتفسريها على الوجه األكمل ما مل‬

‫تدرس خلفيتها اجلغرافية‪ ،‬ولذلك درج معظم الباحثني يف تدوينهم اتريخ قطر ما أن ميهدوا‬

‫لذلك مبقدمة جغرافية يذكرون فيها اخلصائص والعناصر اجلغرافية اليت أثرت يف سري اترخيه(‪.)1‬‬

‫فالظواهر اجلغرافية كالسطح‪ ،‬واملناخ‪ ،‬والنبات وغريها عظيمة األثر يف األحداث التارخيية‪،‬‬

‫ففي السهول اخلصبة والوداين كوادي النيل ودجلة والفرات وغريها قامت أقدم احلضارات‬

‫البشرية اليت عرفها التاريخ‪ ،‬كاحلضارة الفرعونية القدمية‪ ،‬واحلضارة اآلشورية‪ ،‬واحلضارة البابلية‪،‬‬

‫بينما جند البيئة الصحراوية والبيئة اجلبلية بيئات طاردة تدفع اإلنسان للرحيل وعدم االستقرار‪،‬‬

‫حبثاً عن أماكن أخرى أكثر خصباً أو موارد أخرى للرزق‪ ،‬وإذا كان اإلنسان هو العامل‬

‫األساسي يف أحداث التاريخ‪ ،‬فإن العوامل اجلغرافية – كاحلرارة والربودة – تؤثر كثرياً يف‬

‫نشاطه وتشجعه على العمل‪ ،‬بل إهنا تؤثر يف طباعه وأخالقه(‪.)1‬‬

‫وهكذا تتضح أمهية اجلغرافية لدارس التاريخ‪ ،‬ويظهر إىل أي مدى يرتبط أحدمها ابآلخر‪،‬‬

‫فعلى الباحث يف التاريخ أن يعرف األحوال والعوامل اجلغرافية املختلفة اليت حتيط ابلناحية‬

‫اليت يدرسها‪ ،‬على النحو الذي يزيد من إمكانيته يف البحث(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬طه ابقر‪ ،‬طرق البحث العلمي‪.139 ،‬‬


‫(‪ )1‬د‪ /‬شوقي اجلمل‪ ،‬علم التاريخ‪.27 – 29 ،‬‬
‫(‪)3‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.36 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪834‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫ح‪ -‬علم االقتصاد‪:‬‬

‫ومن العلوم املساعدة يف دراسة التاريخ أيضاً علم االقتصاد‪ ،‬فعلى الباحث يف التاريخ‬

‫أن يكون على دراية ببعض األمور والعوامل االقتصادية اليت تؤثر يف مسار التاريخ وصنع‬

‫أحداثه‪ ،‬فكثرياً من احلروب اليت قامت يف التاريخ – القدمي واحلديث – كان الدافع إليها‬

‫دافعاً اقتصادايً حبتاً(‪ ،)1‬بل إن مكانة الدول يف الوقت احلايل تتوقف على أوضاعها‬

‫االقتصادية ‪ ،‬وتقاس بقوهتا االقتصادية ومدى أتثري اقتصادها على االقتصاد العاملي والسياسة‬

‫الدولية‪ ،‬وكذلك مدى أتثري اقتصادها على عالقتها مع الدول األخرى(‪ ،)1‬بل أن االستقالل‬

‫السياسي للدول أصبح مرتبطاً إىل حد كبري ابستقالهلا االقتصادي‪ ،‬وقدرهتا على سد‬

‫حاجات سكاهنا دون االعتماد على الدول الكربى اليت صارت تتحكم يف مصري الدول‬

‫الصغرى اليت تعيش على القروض‪.‬‬

‫وتتضح الصلة الوثيثة بني االقتصاد والتاريخ من الشكل اجلديد لالستعمار يف العصر‬

‫احلديث‪ ،‬فلقد مضى عهد االستعمار واالستيطان‪ ،‬وظهر يف عاملنا املعاصر شكل جديد‬

‫لالستعمار‪ ،‬هو االستعمار االقتصادي‪ ،‬الذي يظهر يف صورة مؤسسات مالية كبرية – اتبعة‬

‫للدول الكربى يف العامل – تقوم بفرض سياستها على الدول النامية عن طريق القروض‪،‬‬

‫(‪ )1‬وليس أدل على ذلك من احلرب اليت شنتها حديثاً الوالايت املتحدة األمريكية وحلفاهها على العراق‪ ،‬فأسقطت‬
‫حكومته واحتلت أراضيه وهنبت خرياته‪ ،‬فسببها الرئيس اقتصادي حبت‪ ،‬وقد اعرتفت بذلك أمريكا وحلفاهها‪.‬‬
‫(‪ )1‬وأحسن مثال على ذلك الياابن‪ ،‬فبالرغم من كوهنا دولة صغرية وضعيفة عسكرايً‪ ،‬إال أهنا قوية اقتصادايً بدرجة متكنها‬
‫من التأثري بقوة على االقتصاد العايل والسياسة الدولية‪ ،‬وتعد لذلك من الدول الكربى ذات التأثري القوي على الساحة‬
‫الدولية بسبب اقتصادها القوي‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪937‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫حيث تقوم هذه املؤسسات املالية إبقراض الدول النامية ما تشاء من األموال بشروط حمددة‬

‫– تتعلق يف الغالب مبواقفها السياسية اليت تؤثر يف مسار التاريخ وصنع أحداثه – وبفوائد‬

‫كبرية‪ ،‬مث تقوم بعد ذلك بتحصيل فوائد ديوهنا‪ ،‬فتزداد الدول الكربى غىن على غناها‪ ،‬وتزداد‬

‫الدول النامية فقراً على فقرها‪ ،‬ويزداد ارتباط الدول النامية ابلدول الكربة لدرجة يكاد‬

‫يستحيل معها القطع ابستقالل هذه الدول النامية استقالالً كامالً(‪.)1‬‬

‫والبرتول – وهو أهم مصدر للطاقة وأهم مورد اقتصادي يف العصر احلديث – يلعب دوراً‬

‫حامساً يف حتديد عالقات الدول ببعضها البعض‪ ،‬ويؤثر كثرياً يف السياسة الدولية وصنع‬

‫احلوادث التارخيية‪ ،‬فالبرتول اإليراين وبرتول دول اخلليج كان ومازال يؤثر يف األوضاع السياسية‬

‫الداخلية والعالقات اخلارجية للدول املنتجة له‪ ،‬وقد استخدمه العرب بنجاح يف حرب‬

‫رمضان‪ /‬أكتوبر ‪1473‬م‪ ،‬فالبرتول بالشك له أثر كبري على الدول الكربى اليت حتتاج إليه‬

‫واليت يتأثر اقتصادها وحياة سكاهنا مبا يصلها منه‪ ،‬بل وأبسعاره أيضاً‪ ،‬فارتفاعها أو‬

‫اخنفاضها يؤثر يف األوضاع االقتصادية للبالد املنتجة واملستغلة على السواء‪ ،‬ولذلك صارت‬

‫مصادره حمط أنظار الدول الكربى‪.‬‬

‫(‪ )1‬وليس أدل على ذلك من الدول األفريقية اليت انلت اسنتقالهلا حنديثاً‪ ،‬فمنا زال كثنرياً منهنا حنىت الينوم مرتبطناً يف اقتصناده‬
‫وسياسننته ابلنندول املسننتعمرة السننابقة (اجنلنرتا وفرنسننا)‪ ،‬ولننذلك جننند دوالً منهننا تسننري يف نطنناق اجلنيننة االسنرتليين‪ ،‬وأخننرى‬
‫تسري يف نطاق الفرنك الفرنسي‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪834‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫وهكذا تتضح أمهية االقتصاد للتاريخ‪ ،‬ويظهر إىل أي مدى ينبغي على الباحث يف التاريخ أن‬

‫يكون على دراية ابألحوال االقتصادية للعصر الذي يدرسه ويرغب يف الكتابة عنه‪ ،‬بل‬

‫والعوامل االقتصادية اليت تؤثر يف مسار التاريخ وصنع أحداثه‪.‬‬

‫ط‪ -‬األدب‪:‬‬

‫ومن العلوم املساعدة يف دراسة التاريخ أيضاً األدب‪ ،‬فاألدب هو املرآة اليت تعكس لنا احلالة‬

‫الثقافية لألمم السابقة‪ .‬وكتب األدب من املصادر املهمة اليت ينبغي للباحث يف التاريخ أن‬

‫اترخيية وأخبار ال جندها يف غريها من الكتب‪،‬‬ ‫يعتمد عليها‪ ،‬ملا تضمنه من واثئق ونصو‬

‫و"ال ريب يف أن الكتب األدبية القدمية معني ال ينضب للحقائق التارخيية املختلفة عن أحوال‬

‫ا تمع اإلسالمي يف العصور الوسطى‪ ،‬وال سيما من نواحي الذوق والعادات‪ ،‬واملقاييس‬

‫اخللقية واملثل العليا‪ ،‬ومستوى املعيشة‪ ،‬واألعياد‪ ،‬وأساليب التسلية‪ ،‬وأحوال املدن‪ ،‬وغري ذلك‬

‫من النواحي االجتماعية‪ ،‬فضالً عن أننا نظفر فيها ببعض احلقائق عن التاريخ السياسي"(‪.)1‬‬

‫بل إن النتاج األديب يف بعض األحيان يعد املصدر الرئيس ملعرفة أحوال وأخبار بعض‬

‫العصور‪ ،‬كالعصر اجلاهلي‪ ،‬فالشعر اجلاهلي مثالً حيتوي على مادة غزيرة عن أحوال العرب‬

‫قبل اإلسالم ال توجد يف املصادر التارخيية‪ ،‬بل إن العصر اجلاهلي نفسه ال توجد عنه مصادر‬

‫مكتوبة يعتد هبا‪ ،‬ومن هنا كان األدب‪ -‬مثالً يف الشعر اجلاهلي‪ -‬املصدر الرئيس ملعرفة‬

‫أخبار العرب يف اجلاهلية قبل اإلسالم‪.‬‬

‫‪.79‬‬ ‫(‪ )1‬سيدة كاشف‪ ،‬مصادر التاريخ اإلسالمي ومناهج البحث فيه‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪934‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫الفصل الثاني‬

‫خطوات إعداد البحث التارخيي‬

‫مير البحث التارخيي – أثناء إعداده ‪ -‬بعدة خطوات أو مراحل‪ ،‬تتبع إحداها األخرى – يف‬

‫تسلسل منطقي – وتتداخل بعضها يف بعض‪ ،‬وذلك على النحو التايل‪:‬‬


‫ً‬
‫أوال‪ :‬اختيار موضوع البحث‪:‬‬

‫أ‪ -‬املرحلة األوىل من اجلامعة‪:‬‬

‫خيتلف األمر يف حالة الطالب املبتدئني يف الكليات اجلامعية عنه يف حالة الباحث يف‬

‫الدراسات العليا‪ ،‬فطالب املرحلة اجلامعية األوىل يدربه أساتذته على وسائل حتصيل املادة‬

‫ومجعها‪ ،‬وهذه الوسائل هي اليت تصبح أسلحته يف املستقبل العلمي القريب(‪.)1‬‬

‫واهلدف من البحث يف املرحلة اجلامعية األوىل هو تدريب الطالب على الطريقة الصحيحة‬

‫للبحث التارخيي‪ ،‬وعلى املنهج السليم يف البحث‪ ،‬فهو غري مطالب أبن يضيف جديداً‬

‫ملعلوماتنا املتصلة مبوضوع البحث‪ ،‬لكنه مطالب أبن يقدم حبثاً يراعي فيه شروط البحث‬

‫التارخيي‪ ،‬حبيث نطمئن على أنه أمل هبذه الشروط‪ ،‬وأنه قادر يف املستقبل – إن شاء هللا –‬

‫على أن يسري يف االجتاه السليم للبحث‪ ،‬فضالً عن أن هذه املرحلة التمهيدية تكون فرصة‬

‫‪.32‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪881‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫يتعرض من خالهلا الطالب على املكتبات العلمية املوجودة – على األقل – يف دائرة الكلية‬

‫أو اجلامعة اليت يدرس فيها‪ ،‬وعلى بعض دور الكتب يف بلده(‪.)1‬‬

‫وخيتار الطالب يف هذه املرحلة – مبساعدة أستاذه وإرشاده – موضوعاً من املوضوعات اليت‬

‫سبق له أن درسها‪ ،‬هبدف مترينه وتدريبه على االقتباس والكتابة‪ ،‬معتمداً يف ذلك على‬

‫املصادر واملراجع اليت يرشده إليها أستاذه(‪.)1‬‬

‫ولنضرب على ذلك مثاالً من التاريخ اإلسالمي‪ ،‬فمن املمكن أن خيتار الطالب موضوعاً‬

‫عاماً‪ ،‬مثل كتابة ملخص عام عن اخلليفة الراشد أيب بكر الصديق رضي هللا عنه‪ ،‬معتمداً يف‬

‫ذلك على املراجع األساسية – عن هذا املوضوع – اليت يعرفها من أستاذه‪ ،‬أو اليت‬

‫يستخرجها بنفسه من املكتبات وكتب املراجع‪ ،‬فيجمع الطالب ما حصل عليه من معلومات‬

‫خمتلفة عن الصديق‪ ،‬ويقارن بينها‪ ،‬ويرتبها زمنياً ومنطقياً حسب تسلسل حدوثها‪ ،‬مث يعرض‬

‫لنا ذلك كله إبجياز‪ ،‬فيتحدث مثالً عن نشاة الصديق وإسالمه‪ ،‬ووقوفه جبانب الرسول صلى‬

‫هللا عليه وسلم وأتييده للدعوة اإلسالمية‪ ،‬وهجرته مع الرسول صلى هللا عليه وسلم إىل املدينة‬

‫املنورة‪ ،‬وجهاده معه يف غزواته حىت وفاته صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬مث يتحدث عن الظروف اليت‬

‫اختياره خليفة للرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬واملشاكل اليت واجهها يف أول‬ ‫يف ظلها‬

‫‪.32‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪،‬‬
‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عواد حسني‪ ،‬صناعة التاريخ‪.136 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪991‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫خالفته‪ ،‬من بعث جيش أسامه بن زيد رضي هللا عنه‪ ،‬وحركة الردة‪ ،‬وبداية حركة الفتوحات‬

‫اإلسالمية يف عهده‪ ،‬وكيفية إدارته للدولة اإلسالمية‪ ،‬وأخرياً وفاته رضي هللا عنه(‪.)1‬‬

‫وجيب على الطالب يف هذه احلالة أن يتجاوز عن كثري من التفصيالت‪ ،‬وأن يكتفي ابملسائل‬

‫املهمة فقط‪.‬‬

‫وبعد ذلك خيتار الطالب إبرشاد أستاذه جزءاً من املوضوع العام املشار إليه‪ ،‬مثل حروب‬

‫الردة‪ ،‬فيبحث الظروف واألسباب اليت أدت إليها‪ ،‬وكيف واجهها الصديق رضي هللا عنه‬

‫بصفة عامة‪ ،‬من حشده كل القوى اإلسالمية ضد هذه احلركة العاتية‪ ،‬وتقسيمه جيش‬

‫تطهري شبه اجلزيرة العربية وتوحيدها‬ ‫املسلمني إىل أحد عشر لواءاً لقتال املرتدين‪ ،‬حىت‬

‫حتت راية اإلسالم‪ .‬وبذلك يكون الطالب قد حبث موضوعا أضيق من املوضوع العام(‪.)1‬‬

‫مث يتدرج الطالب‪ -‬حتت إشراف أستاذه‪ -‬إىل حبث معركة من معارك املرتدين‪ ،‬مثل معركة‬

‫"عقرابء"‪ ،‬وكيف متكن خالد بن الوليد رضي هللا عنه من قتال مسليمة الكذاب وبين حنيفة‬

‫يف بالد اليمامة‪ ،‬وكيف انتهت املعركة ابنتصار خالد ومقتل مسليمة الكذاب‪ ،‬والنتائج اليت‬

‫ترتبت عليها(‪.)3‬‬

‫إن حبث الطالب حلياة الصديق وخالفته مث حبثه حلروب الردة‪ ،‬سيجعله أقدر على دراسة‬

‫الناحية األخرية‪ -‬عقرابء‪ -‬األكثر حتديداً‪ ،‬وسيعلمه هذا التدريب التدرجيي فائدة اإلملام‬

‫‪.34‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪،‬‬
‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.91-34 ،‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪.91 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪881‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫مبوضوع أوسع وانتقاله منه إىل نقاط أكثر حتديداً‪ ،‬وسيعلمه هذا التدرج ضرورة االهتمام‬

‫ابجلزئيات مع عدم إغفال النظرة العامة إىل العصر الذي يدرسه‪ ،‬إذ البد من العناية هباتني‬

‫الناحيتني معاً على اتساق وتوافق(‪.)1‬‬

‫ومن التدريبات املفيدة للطالب يف املرحلة اجلامعية أن خيتار كتاابً يف موضوع اترخيي ما –‬

‫ولتكن صفحاته ثالمثائه صفحة مثالً – ويقوم بتلخيصه‪ ،‬حبيث يصبح يف نصف حجمه‪ ،‬مث‬

‫يف ربعه‪ ،‬مث يف صفحات حمدودة‪ ،‬فإن ذلك يكسبه القدرة على االستيعاب والرتكيز‪ ،‬إىل‬

‫جانب اإلملام ابملعلومات التارخيية الواردة يف الكتاب الذي اختاره وخلصه‪ ،‬وما جينيه من‬

‫احلصيلة اللغوية والفكرية ابلقراءة واالقتباس(‪.)1‬‬

‫أهداف البحث يف املرحلة اجلامعية‪:‬‬

‫ميكن أن جنمل األهداف اليت نتوخاها من البحث يف املرحلة اجلامعية فيما يلي‪:‬‬

‫تدريب الطالب على كيفية اإلملام ابلعناصر الرئيسية ملوضوع اترخيي معني‪ ،‬والرتكيز‬ ‫‪-1‬‬

‫على املهم من املوضوعات‪ ،‬حبيث يستطيع الطالب أن يعطي تصوراً كامالً ملوضوع ما يف‬

‫صفحات قليلة‪.‬‬

‫‪1-‬‬ ‫تدريبهم على استخدام املكتبة ومعرفة كيفية التعامل معها‪ ،‬فيعرف الطالب أنواع‬

‫الفهارس وطريقة تقسيمها‪ ،‬ونظام االستعارة ويقضي أوقااتً للقراءة فيها‪ ،‬فيكتسب من كل‬

‫ذلك خربة ومعرفة‪.‬‬

‫‪.99‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪،‬‬


‫(‪ )1‬نفسه‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪993‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫تكوين عادة القراءة اجلادة عند الطالب حبيث ال يكتفي الطالب مبا أيخذه من‬ ‫‪-3‬‬

‫حماضرات‪.‬‬

‫تعليم الطالب املنهج السليم للبحث التارخيي من حيث طريقة تقسيم البحث‬ ‫‪-9‬‬

‫وتبويبه‪ ،‬والكتابة السليمة والعرض‪ ،‬والطريقة الصحيحة الستخدام اهلوامش (احلواشي)‬

‫واالستعماالت املختلفة هلا‪ ،‬وطريقة تنظيم املصادر واملراجع يف هناية البحث‪ ،‬ومعرفة أمهية‬

‫مالحق البحث‪ ،‬من خرائط‪ ،‬وواثئق‪ ،‬وغري ذلك(‪.)1‬‬

‫ب‪ -‬مرحلة الدراسات العليا‪:‬‬

‫تتطلب هذه املرحلة تعمقاً أكثر وإضافة جديد يف موضوع البحث‪ ،‬ويف أغلب جامعاتنا مير‬

‫الطالب قبل أن يسمح له ابختيار موضوع حبثه والتفرغ له مبرحلة مدهتا يف العادة عام دراسي‬

‫كامل(‪ ، )1‬يطلق عليها (السنة التمهيدية)‪ ،‬يدرس فيها بعض املوضوعات يف جمال ختصصه‪،‬‬

‫ابإلضافة إىل أنه يكلف إبعداد حبوث خاصة يف هذا ا ال(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪.91 ،‬‬
‫(‪ )1‬وعامان يف بعض الكليات‪ ،‬كما يف كليات اللغة العربية جبامعة األزهر‪.‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬نفسه‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪888‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫وهناك شروط تشرتط الكليات اجلامعية توفرها يف الطالب – ابإلضافة إىل رغبته الشخصية‬

‫– لتحديد التخصص الذي يسمح له ابلبحث فيه‪ ،‬كاالسرتشاد مثالً بتقديره العام‪ ،‬وتقديراته‬

‫يف فرع التخصص الراغب فيه طوال سين دراسته اجلامعية األوىل(‪.)1‬‬

‫وبعد أن يتم الطالب مرحلة السنة التمهيدية – يكون قد اطلع على آفاق جديدة يف مناهج‬

‫البحث‪ ،‬وجالس أساتذته عن قرب واستفاد من مناقشاته معهم‪ ،‬ومن اختالطه بزمالئه‬

‫طالب السنة التمهيدية‪ ،‬واملناقشات الواسعة اليت دارت يف قاعة الدراسات العليا‪ -‬أتيت‬

‫مرحلة اختيار موضوع حبث املاجستري‪.‬‬

‫واختيار موضوع البحث يف هذه املرحلة خيتلف متاماً عن املرحلة السابقة‪ ،‬فعلى الباحث أن‬

‫يدرك أن اختيار موضوع البحث مهمته هو ابلدرجة األوىل‪ ،‬وأن مهمة املشرف يف هذه‬

‫املرحلة ال تتعدى اإلرشاد ابلرأي حبكم خربته وسعة علمه‪ ،‬فعلى الباحث أن خيتار بنفسه‬

‫موضوع البحث الذي يروق له‪ ،‬وعلى األستاذ املشرف أن يتحقق من أنه يفعل ذلك‪.‬‬

‫والعالقة القدمية اليت كانت قائمة بني الطالب وأستاذة جيب أن تتغري وتتحول إىل عالقة‬

‫قائمة على أساس من املساواة‪ ،‬وعلى حتمل املسئولية‪ ،‬وعلى العمل العلمي املشرتك‪ ،‬وعلى‬

‫النقد احلر والتقدير املتبادل‪ .‬والباحث املبتدئ يف هذه املرحلة الذي يضطر إىل اخلضوع لرأي‬

‫أستاذه يف اختيار موضوع البحث‪ ،‬واألستاذ الذي يقبل ذلك‪ .‬أو الذي حياول أن ميلى على‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسنالم‪ .91 ،‬ولعنل اجلامعنات جلنأت إىل ختصنيص هنذا العنام‬
‫للدراسننة التمهيديننة ملرحلننة املاجسننتري فالنندكتوراه‪ ،‬بعنند أن ثبننت أن مننا يكتسننبه الطالننب خننالل فننرتة الدراسننة اجلامعيننة مننن‬
‫تدريب على البحث غري كاف‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪999‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫طالبه موضوعات معينة‪ ،‬كالمها خمط‪ ..‬وصحيح أن الباحثني املبتدئني والذين ميكنهم‬

‫االستقالل يف اختيار موضوعاهتم قليلون‪ ،‬ورمبا ال يعرفون كل ما يتعلق ابلعصر أو الناحية اليت‬

‫يرغبون يف دراستها‪ ،‬ولكن الباحث ميكنه يف هذا الدور استيضاح رأي أساتذته الذين ميكنهم‬

‫إرشاده فيما غمض عليه‪ ،‬دون أن ميلوا عليه رأايً معيناً‪ ،‬إذ أن االختيار النهائي ملوضوع‬

‫البحث التارخيي أو تعديله أو تركه إىل موضوع آخر‪ ،‬يبغي أن يرتك للباحث لكي يقرر بنفسه‬

‫ما يراه‪ ،‬مع مراعاة أن اختيار املوضوع يف هذه املرحلة ينبغي أال يكون بناء على رغبة الباحث‬

‫فحسب‪ ،‬بل بناء على ما جيب أن يبحث أو ما ميكن أن يبحث(‪.)1‬‬

‫وإذا استقر الباحث على موضوع معني وقرر تسجيله والكتابة فيه‪ ،‬فعليه أن يسأل نفسه عدة‬

‫أسئلة وأن جييب عليها أبمانة‪ ،‬ليطمئن على صحة اختياره‪ ،‬وهذه األسئلة هي‪ :‬ملاذا اختار‬

‫هذا املوضوع ابلذات؟ وهل حيبه ومييل إليه؟ وهل يف طاقاته (أي الباحث) أن يقوم هبذا‬

‫العمل؟ وهل هذا املوضوع جدير أبن يبحث ويستحق ما سيبذل فيه من جهد؟ وهل من‬

‫املمكن كتابة رسالة عن هذا املوضوع؟ وهل مل يسبق حبثه؟ وإن كان قد حبث من قبل فهل‬

‫الكتاابت اليت كتبت عنه كافية؟ وهل لديه من املصادر األصلية – كالواثئق وغريها – ما‬

‫يكشف عن حقائق جديدة أو يصحح آراء متداولة؟ وهل لديه كافة اإلمكانيات لإلطالع‬

‫على ما يتصل مبوضوع حبثه من مصادر أصلية؟ وهل هو على دراية كافية ابلعلوم املساعدة‬

‫املوصلة هلذا الفرع الذي يدرسه؟ فإذا شعر الطالب يف ضوء إجاابته على األسئلة السابقة –‬

‫‪.96‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪884‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫ابالطمئنان؛ فعليه أن يستمر يف حبثه ويطمئن الختياره‪ ،‬وإذا شعر بعدم االطمئنان‪ ،‬فعليه أن‬

‫يفكر يف موضوع آخر يشعر فيه ابالطمئنان‪ ،‬حىت ال يضيع وقته ونشاطه يف دراسة لن‬

‫تكتمل له فيها عناصر النجاح(‪.)1‬‬

‫مبادئ أساسية الختيار املوضوع‪:‬‬

‫وهناك مبادئ أساسية جيب أن يراعيها طالب الدراسات العليا عند اختيار موضوع حبثه‪،‬‬

‫وهي على النحو التايل‪:‬‬

‫أوالً‪ -‬ينبغي أن يالحظ الباحث عند التفكري يف اختيار موضوع حبثه ميله للموضوع من غري‬

‫حتيز‪ ،‬فليس هناك ما يدعوه إىل أن يقسر نفسه على ولوج ميدان ال يشعر يف نفسه ابمليل‬

‫إليه‪ ،‬وعلى العكس فإن طرق ا ال الذي مييل الباحث إليه جيعله أقدر على العمل‪ ،‬وأقوى‬

‫على كشف احلقائق التارخيية(‪.)1‬‬

‫اثنياً‪ :‬ليس من الضروري أن حيدد الباحث عنوان موضوع حبثه من أول األمر‪ ،‬بل يكفي‬

‫حتديد العصر والنواحي اليت تصلح موضوعاً للبحث يف نطاق معني‪ ،‬أما التحديد النهائي‬

‫للعنوان فيتم يف الغالب بعد أن يقطع الباحث شوطاً يف القراءة والبحث(‪.)3‬‬

‫اثلثاً‪ -‬ينبغي أن يكون املوضوع حمدداً بفرتة زمنية معقولة‪ ،‬وكلما كانت الفرتة اليت يتضمنها‬

‫املوضوع‪ -‬حمددة أمكن للباحث أن يتعمق يف حبثه‪ ،‬وأن يلم بكافة املعلومات والكتاابت‬

‫‪ .36‬ود‪ /‬حممند عبند الوهناب فضنل‪ ،‬التناريخ وتطنوره يف داير اإلسنالم‪،‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كينف تكتنب حبثناً أو رسنالة‪،‬‬
‫‪.99‬‬
‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.92 ،‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪.97 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪997‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫واملصادر املتعلقة هبا‪ ،‬وابلعكس‪ ،‬إذا كانت الفرتة طويلة أصبح من العسري على الباحث أن‬

‫يلم بكل ما كتب عن املوضوع‪ ،‬فال يتعدى األمر مجع معلومات عامة عادية ومعروفة(‪.)1‬‬

‫رابعاً‪ -‬ينبغي أال خيتار الطالب موضوعاً طويالً‪ ،‬إذ أن اختياره انحية أو مسألة حمددة ميكنه‬

‫من إجناز حبثه يف وقت مناسب‪ ،‬واإلتيان فيه بشيء جديد(‪ .)1‬فال جيوز للباحث الذي يريد‬

‫أن يكتب حبثاً علمياً اترخيياً أن يتخذ اتريخ الدولة األموية أبكمله موضوعاً للبحث‪ ،‬ألنه‬

‫موضوع طويل‪ ،‬فاألمويون حكموا دولتهم من سنة ‪ 91‬إىل سنة ‪131‬هن‪ ،‬ودراسة هذه الفرتة‬

‫دراسة عميقة مع كشف حقائق جديدة عنها ال ميكن أن يتم يف سنوات قليلة‪ ،‬وإذا أصر‬

‫الباحث على القيام هبذه الدراسة يف فرتة حمدودة من الزمن‪ ،‬فلن خيرج منها بنتيجة أكرب من‬

‫التلخيص واالقتباس ملا هو موجود عن هذا املوضوع يف املراجع السابقة عليه‪ ،‬أما إذا خصص‬

‫وقته وجهده يف نفس الفرتة احملدودة من الزمن لبحث انحية معينة ابلذات من اتريخ الدولة‬

‫األموية‪ -‬مثل السياسة اخلارجية‪ ،‬أو الناحية االقتصادية أو احلضارية‪ ،‬أو نظم احلكم‪ ،‬أو‬

‫موقف الدولة األموية من الفرق اخلارجة عليها‪ ،‬كاخلوارج أو الشيعة‪ ،‬أو عهد واحد من‬

‫خلفائها‪ ،‬كعمر ابن عبد العزيز أو عبد امللك بن مروان‪ ،‬أو غري ذلك من املوضوعات – فإنه‬

‫يستطيع يف هذه احلالة أن يسرب غور األرض ا هولة‪ ،‬ويكشف عن حقائق اترخيية جديدة‪.‬‬

‫‪.96-99‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪،‬‬
‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.97 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪884‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫"وبديهي أن الوقت واجلهد اللذين خيصصان لفرتة أقصر أيتيان بنتائج علمية أعمق وأدق مما‬

‫لو خصصاً لفرتة أطول امتداداً(‪.)1‬‬

‫خامساً‪ -‬ينبغي أن يعرف الطالب‪ -‬قبل أن يتورط ما إذا كان احلقل الذي اختاره للدراسة قد‬

‫اإلتيان فيه جبديد معدومة أو حمدودة‬ ‫درس من قبل دراسة كاملة وافية حبيث تصبح فر‬

‫للغاية‪ ،‬وهنا عليه أن يلجأ إىل مؤرخ خبري ليقف منه على جلية األمر‪ ،‬أو استشارة كتب‬

‫املراجع (الببليوغرافيا) وا الت الدورية‪ ،‬ففيها الكثري من املعلومات عن البحوث اليت متت يف‬

‫خمتلف فروع التاريخ‪ .‬ومن هنا نفسر حر أقسام التاريخ يف اجلامعات على ضرورة استشارة‬

‫تسجيله أم ال؟ ومىت كان‬ ‫بعضها عن املوضوعات اليت قدمت هلا‪ ،‬وهل املوضوع‬

‫التسجيل؟ وهل نوقش البحث أم ال؟ وغري ذلك من األسئلة العلمية املتعلقة ابلبحث لكي‬

‫تتخذ األقسام العلمية قراراً بشأن املوضوعات املقدمة هلا من طالب الدراسات العليا(‪.)1‬‬

‫سادساً‪ -‬وينبغي كذلك أال يقل الزمن الذي يفصل الباحث عن وقت حدوث املوضوع‬

‫الذي يبحثه عن مخسني عاماً‪ ،‬كي تتاح له الفرصة للبعد عن الوقوع حتت أي أتثريات‬
‫(‪)3‬‬
‫شخصية ‪ ،‬فيكتب كتابة احملايد املتحرر الذي يستطيع وزن املسائل وتقدير الظروف تقديراً‬

‫أقرب إىل احلق والعدل‪ ،‬ابإلضافة إىل أن انقضاء فرتة نصف قرن على وقوع األحداث يكفل‬

‫بلورهتا واخلروج هبا من حالة الفوران والغليان اليت تواكب وقوع احلدث‪ ،‬فتصبح أقرب إىل‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.92 ،‬‬


‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪.97 ،‬‬
‫(‪ )3‬كالرغبة يف منفعة‪ ،‬أو اخلشية من الوقوع يف مضرة‪ ،‬أو االنسياق وراء تيار عام‪ ،‬أو غري ذلك‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪994‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫الفهم واالستيعاب‪ ،‬فضالً عن أن الدول ال تنشر واثئقها املتصلة بسياستها املختلفة إال بعد‬

‫انقضاء مخسني عاماً عليها‪ ،‬وذلك مراعاة للمصاحل السياسية والعسكرية اليت حتر كل دولة‬

‫على رعايتها بقدر املستطاع(‪.)1‬‬

‫عنوان املوضوع وخطته‪:‬‬

‫وبعد أن أيخذ الباحث املبادئ السابقة بعني االعتبار ويستقر على موضوع معني ويقرر‬

‫الكتابة فيه‪ ،‬عليه أن خيتار عنواانً مناسباً هلذا املوضوع‪ ،‬وأن يضع خطة مناسبة له (حماور‬

‫البحث‪ ،‬أو اخلطوط العريضة للبحث) يتم من خالهلا تقسيم املوضوع إىل أبواب وفصول‬

‫ونقاط آخذاً بعني االعتبار األمور التالية‪:‬‬

‫أوالً‪ -‬جيب أن يكون عنوان املوضوع‪ -‬وكذلك عناوين كل األبواب والفصول والعناوين‬

‫الداخلية خمتصراً وقصرياً ودقيقاً وجذاابً‪ .‬وأن يكون واضحاً متام الوضوح‪ ،‬حبيث يفيد معىن‬

‫كامالً واضحاً حمدداً ال لبس فيه وال غموض‪ .‬وأن يكون شامالً لكل ما يكتب حتته من‬

‫جزئيات وتفاصيل‪ ،‬فالعنوان جيب أن يدل القارئ على ما حتتويه الرسالة‪ ،‬وليتحاش الطالب‬

‫أن يكون عنوان رسالته مبهماً أو ضعيفاً(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬حس ننن عثم ننان‪ ،‬م نننهج البح ننث الت ننارخيي‪،‬‬
‫‪ .61-94‬ود‪ /‬حمم نند عب نند الوه نناب فض ننل‪ ،‬الت نناريخ وتط ننوره يف داير‬
‫اإلسالم‪.97 ،‬‬
‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً أو رسالة‪ 92-97 ،‬ومبعىن آخر‪ :‬البد أن يدل العنوان على املعنون‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪851‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫اثنياً‪ -‬وجيب كذلك ان ختضع األبواب والفصول يف ترتيبها إىل أساس سليم‪ ،‬وفكر منظم‪،‬‬

‫ومنطق مقبول‪ ،‬ورابطة خاصة‪ ،‬كالرتتيب الزمين مثالً‪ ،‬أو كاألمهية أو حنو ذلك‪ ،‬وليحذر‬

‫الطالب أن يضع األبواب والفصول ارجتاالً‪ ،‬وعلى غري أساس مقبول(‪.)1‬‬

‫ولكي يتمكن الطالب من تنفيذ ذلك عليه أن ينتفع جبهود من سبقوه‪ ،‬فإن مكتبات‬

‫اجلامعات تشمل جمموعة من الرسائل الناجحة‪ ،‬وهذه الرسائل جيب أن تكون عوان كبرياً‬

‫لطالب الدرجات املماثلة‪ ،‬ألهنا تلقي للطالب ضوءاً ينري له السبيل‪ ،‬فعلى الطالب أن حياول‬

‫احلصول على رسالة أقرب من حيث اخلطوط العريضة إىل موضوعه‪ ،‬ليسرتشد هبا يف وضع‬

‫اخلطوط العريضة لرسالته‪ ،‬مع مالحظة أن الظروف ختتلف من موضوع آلخر‪ ،‬ومن فكرة‬

‫ألخرى(‪.)1‬‬

‫تسجيل املوضوع‪:‬‬

‫وبعد أن ينتهي الطالب من اختيار املوضوع وحتديد عنوانه ووضع خطته (أبوابه وفصوله) على‬

‫النحو السابق‪ ،‬يتقدم لس القسم بطلب لتسجيل املوضوع الذي اختاره واستقر عليه‪ ،‬مرفقاً‬

‫به نبذة عن املوضوع‪ -‬تتضمن‪ :‬امسه‪ ،‬ومدى أمهيته وجدارته ابلبحث‪ ،‬واألسباب (املربرات‬

‫العلمية) اليت دفعته الختياره – وخطة مبدئية للموضوع تتضمن األبواب والفصول األساسية‬

‫له وما سيتناوله كل منها من نقاط‪ -‬وهذه اخلطة تكون دائماً قابلة للتعديل حسب‬

‫مقتضيات البحث‪ -‬ابإلضافة إىل قائمة أبهم املصادر واملراجع اليت سيعتمد عليها الباحث يف‬

‫‪.92‬‬ ‫(‪ )1‬املرجع السابق‪،‬‬


‫‪.96 -99‬‬ ‫(‪ )1‬املرجع السابق‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪991‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫حبثه‪ ،‬فيقوم جملس القسم مبناقشة املوضوع‪ ،‬وبعد أن حيظى املوضوع ابملوافقة‪ ،‬يقوم جملس‬

‫القسم ابختيار املشرف الذي سيتوىل اإلشراف على الطالب أثناء عمله‪.‬‬

‫والقيمة احلقيقة لكل هذه البياانت األولية هي أن تطمئن اجلهات الرمسية (جملس القسم‬

‫وجملس الكلية والدراسات العليا ابجلامعة) إىل جدية الباحث‪ ،‬وإىل أن موضوعه جدير‬

‫ابلبحث‪ .‬وحىت تطمئن األقسام العلمية إىل جدية الباحث‪ ،‬وفهمه ملوضوع البحث وما يدور‬

‫حوله‪ ،‬فإهنا تطلب منه أن يقدم عرضاً للموضوع الذي اختاره إىل أحد االجتماعات العلمية‬

‫ابلقسم (السمينار) فتتاح له بذلك فرصة عظيمة لالستفادة من مناقشات احلاضرين‪ ،‬واألخذ‬

‫برأي األغلبية فيما يبدونه من مالحظات‪ ،‬وهذا ميثل فائدة علمية كبرية للباحث ومجوع‬

‫املشرتكني يف املناقشة(‪.)1‬‬

‫تغيري املوضوع‪:‬‬

‫وبعد أن يتم تسجيل املوضوع ويبدأ الطالب يف العمل فيه حيدث يف بعض األحيان أال جيد‬

‫الطالب مادة كافية عن املوضوع الذي اختاره‪ ،‬أو يعرف أن هذا املوضوع قد درس من قبل‬

‫على النحو الذي كان الطالب يزمع أن ينتهجه‪ ،‬أو يدرك صعوبة احلصول على بعض املراجع‬

‫األساسية يف املوضوع‪ ،‬فيجب على الباحث حينئذ أن يبادر إىل تغيري املوضوع‪ ،‬وأن يبحث‬

‫عن موضوع آخر يكون أكثر نفعاً‪ ،‬وأغزر مادة‪ ،‬حيت ال يضيع الوقت فيما ال طائل حتته‪،‬‬

‫وجيب أال أيسف على الوقت واجلهد اللذين قد يكون بذهلما يف املوضوع الذي يرتكه‪،‬‬

‫‪.92‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪851‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫وليفهم أنه يستفيد من كل قراءة‪ ،‬ويتزود من كل إطالع‪ ،‬وأنه يف سبيل تكوين نفسه‬

‫وختصصه سيقرأ كثرياً مما يتصل مبوضوعه أو ال يتصل(‪.)1‬‬


‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬مجع املصادر واألصول‪:‬‬

‫بعد أن يستقر الباحث على موضوع معني عليه أن يبدأ البحث جلمع املصادر واألصول اليت‬

‫سيستقي منها املادة العلمية الالزمة لتشكيل وبناء موضوع حبثه‪ .‬ومن البديهي أن نوع‬

‫املصادر واألصول اليت جيمعها الباحث التارخيي له ارتباط وثيق بنوع املوضوع أو املسألة‬

‫التارخيية اليت يهتم ببحثها ودراستها‪.‬‬

‫ويطلق على مرحلة مجع األصول مصطلح (التقميش)‪ .‬من املادة قمش القماش‪ ،‬أي مجعه‬

‫من هنا وهناك(‪.)1‬‬

‫وتنقسم املصادر التارخيية إىل قسمني‪ :‬القسم األول منها يسمى املصادر األصلية‪" ،‬وهي أقدم‬

‫ما حيوي مادة عن موضوع ما"(‪ .)3‬وتشمل الواثئق(‪ ،)9‬واآلاثر(‪ ،)9‬والكتب القدمية املخطوطة‬

‫‪.99-99‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً أو رسالة‪،‬‬


‫(‪ )1‬د‪ /‬طه ابقر‪ ،‬طرق البحث العلمي‪.72 ،‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.92 ،‬‬
‫(‪ )9‬توج نند الواثئ ننق يف دور احملفوظ ننات‪ ،‬ودور األرش ننيف الت ننارخيي‪ ،‬والوق ننائق ه نني امل ننادة األساس ننية ال ننيت يب ننين عليه ننا الباح ننث‬
‫التارخيي حبثه‪ ،‬والباحث الذي يكتب حبثاً اترخيياً ال يعتمند فينه علنى الوقنائق تتضناءل قيمنة حبثنه العلمينة‪ ،‬مهمنا بنذل منن‬
‫جمهود‪ ،‬ولذلك قيل‪ :‬ال اتريخ بال واثئق‪.‬‬
‫(‪ )9‬تشننمل اآلاثر مجيننع املخلفننات املاديننة الننيت جنناءت إلينننا مننن املاضنني والننيت خلفتهننا احلضننارات املختلفننة‪ ،‬وتعنند اآلاثر أوثننق‬
‫مصدر من مصادر التاريخ األصلية اليت ال ميكن أن يتطرق الشك إىل أصالتها واالعتماد عليها‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪993‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫واملطبوعة(‪ .)1‬والقسم الثاين يسمى املراجع‪ ،‬وهي الكتب اليت استقى مؤلفوها مادهتا العلمية‬

‫من املصادر األصلية (الكتب القدمية)‪.‬‬

‫فأما املراجع فتكمن أمهيتها يف أهنا تعطي الباحث فكرة عامة عن العصر الذي موضوع حبثه‬

‫جزء منه‪ ،‬ويف أهنا تتضمن آراء وتعليقات مهمة ملؤلفيها على بعض احلوادث التارخيية‪،‬‬

‫وتتضمن كذلك أمساء بعض املصادر واملراجع املهمة اليت تفيد الباحث وحيتاج إليها يف عمله‪،‬‬

‫فينبغي أن يبدأ الباحث ابملراجع – لتكوين تصور عام عن موضوع حبثه – وأن يستعني‬

‫ابملصادر واملراجع اليت اعتمدت عليها‪ ،‬وأن يبدأ من حيث انتهت‪.‬‬

‫وأما املصادر األصلية‪ ،‬فهي األصل الذي يعتمد عليه يف استقاء املادة العلمية الالزمة لتكوين‬

‫البحث‪ .‬وهي اليت تعطي لألحباث والرسائل العلمية قيمة‪ ،‬ولذلك جيب الرجوع إليها‬

‫واالعتماد عليها‪ ،‬وكلما زاد استخدامها وكثرت احلقائق املستقاة منها‪ ،‬كلما عظمت قيمة‬

‫الرسائل(‪.)1‬‬

‫كيف يعرف الباحث املصادر واملراجع املتعلقة مبوضوع حبثه؟‬

‫ميكن للباحث أن يستعني يف ذلك مبا ورد عن موضوعه‪ -‬أو أي جزء منه‪ -‬يف دوائر‬

‫املعارف(‪ ،)3‬فقد تضمنت هذه الدوائر مقاالت علمية عميقة ومركزة يف كل فروع العلم‪ ،‬كتبها‬

‫(‪ )1‬توجد الكتب املخطوطة يف دور املخطوطات‪ ،‬وتوجد الكتب املطبوعة يف املكتبات العامة واخلاصة ودور النشر‪.‬‬
‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً أو رسالة‪.94-92 ،‬‬
‫(‪ )3‬مث ننل‪ :‬دائ ننرة املع ننارف اإلس ننالمية‪ ،‬ودائ ننرة املع ننارف الربيطاني ننة‪ ،‬ودائ ننرة مع ننارف البس ننتاين‪ ،‬ودائ ننرة مع ننارف الق ننرن العش نرين‪،‬‬
‫وغريها‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪858‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫علماء متخصصون‪ ،‬وذيلوها أبمساء املصادر واملراجع اليت اعتمدوا عليها يف كتابة هذه‬

‫املقاالت‪ ،‬فيمكن للباحث أن يسجلها وأن يعتمد عليها يف حبثه‪.‬‬

‫وميكنه كذلك أن يستعني ابلكتب احلديثة القيمة اليت تثبت مراجع ما احتوته يف أسفل‬

‫الصفحات فمن هذه احلواشي سيحصل الطالب على كثري من املراجع األصلية اليت ميكنه‬

‫إضافتها إىل قوائم مراجعه(‪.)1‬‬


‫(‪)1‬‬
‫(الببليوغرافيا) اليت تتناول موضوع دراسته‪ ،‬فلقد‬ ‫وميكنه أيضاً أن يستعني بكتب املراجع‬

‫أصدر الغربيون أنواعاً خمتلفة من كتب املراجع‪ ،‬وأصدرت اهليئات العلمية يف مصر والعامل‬

‫العريب أنواعاً منها أيضاً‪ ،‬وبعض هذه الكتب يكتفي بذكر املراجع واملصدر‪ ،‬وأماكن وسين‬

‫طبعها‪ ،‬وعدد صفحاهتا‪ .‬بينما يعطي البعض اآلخر مذكرات وصفية موجزة عن املراجع‬

‫واألصول املطبوعة‪ ،‬ولكن يف الغالب ال تكون كتب املراجع هذه وافية يف كل األحوال‪ ،‬إذ‬

‫أهنا ال تذكر شيئاً عن املقاالت املنشورة يف ا الت العلمية(‪ – )3‬وهي كثرية ومتنوعة – فمن‬

‫الضروري إذاً مراجعة فهارس هذه ا الت‪ ،‬لإلملام مبا يكون قد كتب فيها عن موضوع‬

‫الدراسة املعىن(‪.)9‬‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً أو رسالة‪.93 ،‬‬


‫(‪ )1‬مثل‪ :‬كتاب "اتريخ األدب العنريب" لكنارل بروكلمنان وكتناب اترينخ النرتاث العنريب لفنؤاد سنزكني وكتناب معجنم املطبوعنات‬
‫العربية ليوسف إليان سركيس‪ ،‬وكتاب التاريخ العريب ومصادره ألمني مدين وغريها‪.‬‬
‫(‪ )3‬مثل‪ :‬جملة املعهد العلمني العنريب بدمشنق‪ ،‬جملنة املعهند العلمني العراقني‪ ،‬جملنة املشنرق‪ ،‬وجملنة كلينة اآلداب جبامعنة القناهرة‪،‬‬
‫وغريها‪.‬‬
‫(‪ )9‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.64-62 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪999‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫كما ميكنه قراءة تراجم الشخصيات (األعالم) اليت هلا صلة مبوضوع حبثه يف كتب الرتاجم‬

‫احلديثة – أمثال كتاب "األعالم" خلري الدين الزركلي‪ ،‬وكتاب معجم املؤلفني العرب تراجم‬

‫مصنفي الكتب العربية "لعمر رضا كحالة‪ -‬ويف كتب اتريخ اآلداب أيضاً‪ -‬مثل كتاب اتريخ‬

‫األدب العريب "لعمر فروخ‪ ،‬وكتاب "اتريخ آداب اللغة العربية" جلرجي زيدان – فإن هذه‬

‫الكتب قد ذكرت يف هناية ترمجة كل علم من األعالم اليت ترمجت هلا أهم املصادر واملراجع‬

‫اليت تناولت ترمجته وأخباره‪ ،‬مما سيفيد الباحث أيضاً يف هذا اجلانب‪.‬‬

‫وميكنه كذلك أن يتحدث مع من له خربة مبوضوع دراسته‪ ،‬فأغلب الظن أنه سريشده إىل‬

‫بعض املراجع‪ ،‬كما قد يفيده يف تنسيق املوضوع ويفتح له أبواابً انفعة(‪.)1‬‬

‫كما ميكنه أن يراجع فهارس املكتبات – املطبوعة وغري املطبوعة – اليت تتاح له فرصة الرتدد‬

‫عليها(‪ .)1‬وسيجد فيها فرصة أوسع للحصول على ما يريده من مصادر ومراجع تتعلق‬

‫مبوضوع حبثه‪.‬‬

‫وميكنه أيضاً أن يعقد صالت ودية مع املشرفني على املكتبات اليت يرتدد عليها‪ ،‬فأغلب‬

‫هؤالء هلم خربة كبرية ابملراجع‪ ،‬وببعض املخطوطات الثمينة اليت قد تتصل مبوضوع حبثه‪،‬‬

‫ولذلك فالشك يف أهنم سيمدونه بني احلني واآلخر مبا يعاونه معاونة ظاهرة(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً أو رسالة‪.93 ،‬‬


‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.64 ،‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬املرجع السابق‪.93 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪854‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫على الباحث إذا أن جيمع من كل هذه النواحي أمساء املراجع واألصول اليت تعنيه‪ ،‬لكي‬

‫يدرس ما جيده منها كلما استطاع إىل ذلك سبيالً‪ ،‬وسيضمن له ذلك جمموعة كبرية من‬

‫املراجع املفيدة والشاملة‪ ،‬ولذلك فليس غريباً أن يبدأ بعشرين مرجعاً وينتهي مبائتني‪.‬‬

‫وحيسن أن يستعني الباحث بعمل فهرس أجبدي ملراجعة وأصوله التارخيية على جزازات من‬
‫(‪)1‬‬
‫(أماكن وجودها‪،‬‬ ‫الكرتون (الفيش) أو يف صفحات من الورق‪ ،‬ويدون هبا مالحظاته‬

‫وأرقامها هبا‪ ،‬وطبعاهتا‪ ،‬وعدد أجزائها‪ ،‬وغري ذلك)‪ .‬ومن املفيد أيضاً أن يكتب الباحث يف‬

‫مفكرة خاصة به خواطره وتعليقاته على كل مصدر ومرجع اعتمد عليه‪ ،‬واجتاه مؤلفه‪ ،‬ومدى‬

‫استفادته منه‪ ،‬ليذيل بذلك تعليقاته على املصادر عند االنتهاء من كتابة البحث‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬إثبات صحة األصول التارخيية (النقد اخلارجي أو الظاهري)‪:‬‬

‫بعد أن ينتهي الباحث من مجع املصادر واألصول اليت سيستقي منها املادة العلمية الالزمة‬

‫لبناء حبثه‪ ،‬يبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من مراحل البحث هي مرحلة إثبات صحة هذه‬

‫األصول التارخيية (املصادر)‪ ،‬وذلك بتمحيصها وإثبات صحتها أو تزويرها‪ ،‬وإثبات خطها‪،‬‬

‫ومعرفة مؤلفيها‪ ،‬وحترى صدق ما جاء فيها من املعلومات‪ ،‬والتأكد أيضاً من صحة نسبة‬

‫النص إىل املؤلف‪ ،‬ابختبار نوع احلرب املستخدم‪ ،‬والقلم الذي كتب به النص‪ ،‬ومعرفة زمان‬

‫ومكان التدوين وغري ذلك‪ ،‬ألنه إذا كان األصل أو املصدر كله أو بعضه مزيفاً أو منتحالً‬

‫فال ميكن االعتماد عليه على وجه العموم ‪ ..‬والتزييف واالنتحال يوجدان يف كل أنواع‬

‫‪.64‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪997‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫األصول واملصادر التارخيية"(‪ .)1‬وهو ما يسميه علماء منهج البحث ابلنقد اخلارجي أو النقد‬

‫الظاهري‪.‬‬

‫أهداف النقد اخلارجي الظاهري‬

‫النقد اخلارجي أو الظاهري هو عماد التاريخ يف التوصل إىل احلقائق‪ ،‬وميكن إجياز أهدافه‬

‫وأغراضه يف األمور اآلتية‪:‬‬

‫أوالً‪ -‬التثبت من كون املعلومات اليت حتتويها الوثيقة أخباراً حقيقية صادقة‪ ،‬أي التحقق من‬

‫أصالة الوثيقة ونسبتها إىل مؤلفها‪ ،‬وأهنا غري مزورة أو مزيفة(‪.)1‬‬

‫"وينبغي أن يالحظ أن وضع اسم شخص ما على أصل اترخيي ال يعين حتماً أنه هو كاتبه‬

‫كله أو بعضه‪ ،‬ويف أحوال كثرية ميكن للمؤرخ أن يتعرف على كاتب األصل التارخيي‬

‫املخطوط بدراسة نوع الورق واخلط واحلرب‪ ،‬واللغة واألسلوب‪ ،‬واملصطلحات اخلاصة ابلعهد‬

‫التارخيي املعني‪ ،‬وبدراسة املعلومات التارخيية الواردة به"(‪.)3‬‬

‫اثنياً‪ -‬التثبيت من كون الوثيقة اليت بني أيدينا النسحة األصلية‪ -‬أي خبط املؤلف‪ -‬أو أهنا‬

‫إحدى النسخ اليت استنسخت عنها ومدى صلتها ابلنسخة األصلية األم(‪.)9‬‬

‫اثلثاً‪ -‬معرفة مؤلف الوثيقة التارخيية‪ ،‬وتعيني شخصيته وزمان ومكان التدوين‪ ،‬لكي نقف‬

‫على صحة ما جاء هبا من رواايت وأخبار‪ .‬فالوثيقة اليت ال يعرف مؤلفها وزمان ومكان‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.29 ،‬‬


‫‪.91‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪،‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.41 ،‬‬
‫‪.91‬‬ ‫(‪ )9‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪854‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫تدوينها‪ ،‬ليست مصدراً يعتمد عليه كل االعتماد يف كتابة التاريخ‪ ،‬فمن البديهيات يف منطق‬

‫البحث التارخيي أن قيمة األخبار والرواايت اليت جندها يف الوثيقة هلا صلة وثيقة بشخصية‬

‫كاتبها وشهرته ومكانته‪ ،‬من حيث اإلطالع واألمانة والصدق والتزوير‪ .‬وهلذا فإن معرفة‬

‫شخصية مؤلف الوثيقة يتوقع عليها حكم الباحث على ما جاء هبا من رواايت وأخبار(‪.)1‬‬

‫وهناك عدة طرق وأساليب وضعها أصحاب منهج البحث التارخيي ملعرفة ذلك‪ ،‬يستلزم‬

‫تطبيقها من الباحث بذل اجلهد وإعمال الفكر واالستدالل‪ ،‬وتتلخص هذه الطرق يف معرفة‬

‫زمن الوثيقة‪ ،‬والتوصل منه إىل شخص مؤلفها‪ ،‬ويعتمد ذلك على حتليل ما ورد فيها من‬

‫إشارات وأحداث اترخيية(‪.)1‬‬

‫وميكن معرفة زمن الوثيقة من خالل األمور التالية‪:‬‬

‫خط الوثيقة ونوع القلم املدون هبا‪ ،‬فاخلطوط وأنواع األقالم تتغري من عصر إىل‬ ‫أ‪-‬‬

‫عصر آخر‪.‬‬

‫ورق الوثيقة ونوع احلرب املستخدم يف تدوينها‪ ،‬فقد استنبط الباحثون املختصون عدة‬ ‫ب‪-‬‬

‫طرق لفحص ورق الواثئق ملعرفة الزمن الذي صنع فيه‪ ،‬مثل تركيبه الكيميائي‪ ،‬وتوزيع أليافه‪،‬‬

‫وفحص املزج الكيميائي للحرب وأجزائه املكون منها كالفحم والكربون‪.‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.93-91 ،‬‬


‫‪.93‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪994‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫التعرف على األساليب والتعبريات اللغوية واستعمال املصطلحات الفنية‪ ،‬فإن لكل‬ ‫ج‪-‬‬

‫عصر تعبرياته اخلاصة وأساليب اللغوية(‪.)1‬‬


‫ً‬
‫رابعا‪ :‬مجع املادة العلمية وتنظيمها‪:‬‬

‫بعد أن ينتهي الباحث من مجع املصادر واألصول‪ ،‬وإثبات صحتها‪ ،‬يبدأ مرحلة جديدة من‬

‫مراحل البحث‪ ،‬هي مرحلة مجع املادة العلمية اليت سيتشكل منها حبثه‪ ،‬حيث يقرأ الباحث‬

‫ابلتدريج املراجع اليت ختصه‪ ،‬وستلقي املعلومات الواردة هبا واملعلومات اليت تتضمنها الواثئق‬

‫واألصول التارخيية الضوء بعضها على بعض(‪.)1‬‬

‫ومن الضروري أن يبدأ الباحث يف هذه املرحلة ابإلفادة مبا كتبه السابقون‪ ،‬واالستعانة‬

‫ابملراجع اليت اعتمدوا عليها‪ ،‬ألن إغفال هذه املرحلة يعد مضيعة للوقت وإخالالً بشروط‬

‫البحث العلمي‪ ،‬لذا ينبغي على كل جيل من املؤرخني أن يعرف ما كتبه السابقون واملراجع‬

‫اليت أفادوا هبا‪ ،‬وعليه أن يبدأ من حيث انتهوا‪ ،‬وأن يعمل مؤرخ اليوم لكي ميهد ملؤرخ الغد‪،‬‬

‫وهكذا على التوايل‪.‬‬

‫"وعلي الباحث أن يتتبع املسألة أو الفكرة الواحدة يف بعض الكتب اجليدة والرديئة على‬

‫السواء‪ ،‬مع التعرف على الكتب اليت اعتمد عليها أولئك وهؤالء‪ ،‬لكي يدرك كيف منت هذه‬

‫الفكرة وتطورت‪ ،‬وكيف عاجلها الكتاب املختلفون‪ ،‬وهذه القراءة املقارنة تساعد الباحث‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬


‫‪.74-72‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪841‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫على معرفة أوجه القوة وأوجه الضعف‪ ،‬وتعينه على الوصول إىل حتديد املسائل اجلديرة‬

‫ابلدرس واإليضاح(‪.)1‬‬

‫وعلى ال باحث أن جيمع من األدلة العلمية كل ما اتصل مبوضوعه من قريب أو من بعيد‪،‬‬

‫وعليه أن يتذكر دائماً أن من السهل أن يرتك يف املستقبل من املادة اليت جيمعها ما يظهر له‬

‫أنه عدمي الفائدة أو قليلها‪ ،‬أما إذا ترك‪ -‬أثناء مجع املادة العلمية – بعض املعلومات ومل‬

‫جيمعها – ظناً منه أهنا غري الزمة – مث تذكرها فيما بعد وظهر له أهنا الزمة‪ ،‬فإن وقتاً طويالً‬

‫وجهداً عظيماً قد يبذالن رجاء العثور عليها‪ ،‬وقد تنجح احملاولة وقد تفشل(‪.)1‬‬

‫الباحث على نقل املعلومات من مصادرها ابللفظ دون املعىن‪ ،‬وبدون‬ ‫وينبغي أن حير‬

‫حتريف أو تعديل‪ ،‬ألن التعديل أو النقل ابملعىن يكون عند البدء يف الكتابة والتأليف‪.‬‬

‫وعلى الباحث أن أيخذ من املراجع املعلومات اليت تعنيه بلغتها األصلية أحياانً‪ ،‬وابلرتمجة‪،‬‬

‫وابلتلخيص‪ ،‬أحياانً أخرى‪ ،‬وذلك حبسب األمهية اليت يراها من موضع آلخر(‪.)3‬‬

‫ومن املفيد للباحث أن ينقل بنفسه جزءاً من الواثئق اليت جيدها يف دور األرشيف أو يف‬

‫مراكز األحباث‪ ،‬ليذيل هبا حبثه‪ ،‬فتزيد أمهيته وتفيد الباحثني من بعده‪.‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.67 ،‬‬


‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً أو رسالة‪.21 ،‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.74 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪961‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫ومن الضروري أن يفهم الباحث حمتوايت ما ينقله من األصول واملراجع ويستوعبها أوالً أبول‪،‬‬

‫فإن بدا له تعليق أو نقد أو مالحظة على وثيقة أو مصدر أو فكرة أو حنو ذلك‪ ،‬ابدر إىل‬

‫تسجيلها وتدوينها قبل أن ينساها‪ ،‬ألنه قد ال يتذكرها بعد ذلك‪.‬‬

‫وعلى الباحث أن يعلم أن اخلطة اليت أعدها ملوضوعه (تقسيم املوضوع إىل أبواب وفصول)‬

‫خطة مبدئية قابلة للتعديل‪ ،‬بل هي غالباً ما تعدل حبسب مقتضيات البحث واملادة العلمية‬

‫اليت جيمعها‪ ،‬فعلي ه إذا ما جتمع لديه قدر ال أبس به من املادة العلمية من عدد كاف من‬

‫املصادر األصلية‪ -‬وغري األصلية‪ -‬أن يتوقف معها‪ ،‬يعيد قراءهتا وتنظيمها‪ ،‬وسيجد أن املادة‬

‫التارخيية اليت مجعها داخلة يف الفصول اليت وضعها يف اخلطة املبدئية‪ ،‬وأن بعضها قد ينش‪.‬‬

‫فصوالً جديدة‪ ،‬فعليه حينئذ أن يعدل اخلطة ويعيد صياغتها حبسب ما توجهه املادة اليت‬

‫مجعها‪ ،‬وقد يكون هذا التعديل حبذف بعض األبواب أو الفصول‪ ،‬أو إبضافة أبواب أو‬

‫فصول جديدة‪ ،‬وقد يكون بتغيري ترتيب بعض األبواب أو الفصول‪ ،‬سواء ابلتقدمي‪ ،‬أو‬

‫التأخري(‪.)1‬‬

‫واخلالصة أن على الباحث أن يسلم نفسه للموضوع واملصادر‪ ،‬وأن يرتك املادة العلمية اليت‬

‫جيمعها توجه عدد األبواب والفصول اليت تتكون منها رسالته‪ ،‬وترتيبها‪.‬‬

‫نصائح للباحثني‪:‬‬

‫‪.29‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً أو رسالة‪،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪841‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫وأختم حديثي عن مجع املادة العلمية ببعض النصائح اليت ينبغي على الباحثني مراعاهتا أثناء‬

‫قيامهم جبمع املادة العلمية‪ ،‬وذلك فيما يلي‪:‬‬

‫على الباحث أن يكون حتت يده عدد وفري من األوراق(‪ )1‬املتساوية احلجم لكيتب‬ ‫‪-‬‬

‫فيها ما جيمعه من مادة‪ ،‬وأن يكتب على وجه ويرتك الوجه اآلخر‪ ،‬ويتجنب الكتابة يف‬

‫الكراسات‪.‬‬

‫وعليه أن جيتهد يف تدوين ما مجعه من املادة خبط واضح ودقة اتمة‪ ،‬كي ال تعوقه‬ ‫‪-‬‬

‫رداءة اخلط أو عدم وضوحه عن استعمال ما مجع عندما يبدأ يف الكتابة والتأليف‪ ،‬وأن‬

‫يكون ذلك بلون خمالف لأللوان األخرى اليت سيستخدمها يف نفس البطاقة (األزرق مثالً)‪.‬‬

‫وعليه أن يدون يف أعلى كل صفحة من الصفحات اليت يكتب فيها اسم املؤلف‪،‬‬ ‫‪-‬‬

‫واسم الكتاب‪ ،‬ورقم اجلزء والصفحة‪ ،‬وأن يكون ذلك بلون خمالف للون الذي يكتب به‬

‫املادة العلمية (األمحر مثالً)‪.‬‬

‫وعليه كذلك أن يضع يف أعلى كل صفحة عنواانً لكل اقتباس‪ ،‬ليدل على ما ورد‬ ‫‪-‬‬

‫يف البطاقة من معلومات‪ ،‬وأال يكتب يف كل بطاقة إال اقتباساً واحداً(‪ .)1‬ولتكتب هذه‬

‫العناوين بلون خمالف للون الذي كتبته به بياانت املصدر الذي مجع منه املادة العلمية‪،‬‬

‫وكذلك اللون الذي كتبته به املادة العلمية (األسود مثالً)‪.‬‬

‫(‪ )1‬وهننذه األوراق أمننا بطاقننات أو ورق عننادي‪ ،‬واألفضننل البطاقننات‪ ،‬وتصنننع غالبناً مننن الننورق املقننوى‪ ،‬وطننول البطاقننة حنوايل‬
‫‪19‬سم‪ ،‬وعرضها ‪ 11‬سم تقريباً‪ ،‬وتباع يف املكتبات‪ ،‬من املمكن أن يصنع الطالب بنفسه هذه البطاقات من الورق‪.‬‬
‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً أو رسالة‪.21 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪963‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫وعليه أن يدون يف ظهر كل بطاقة‪ -‬أوالً أبول‪ -‬املالحظات اليت تبدو له على املادة‬ ‫‪-‬‬

‫العلمية اليت كتبها يف نفس البطاقة‪ ،‬حىت ال ينساها‪ ،‬وليكن ذلك بلون خمالف لكل األلوان‬

‫اليت استعملها من قبل يف نفس البطاقة (األخضر مثالً)‪.‬‬

‫وعليه قبل أن يرتك املصدر الذي يبحث فيه‪ ،‬أن يدون يف ورقة مستقلة‪ :‬اسم‬ ‫‪-‬‬

‫الكتاب‪ ،‬واسم مؤلفه ابلكامل‪ ،‬وبياانت طبعته (رقم الطبعة‪ ،‬واترخيها‪ ،‬واسم املطبعة‪ ،‬ودار‬

‫فيه‪ ،‬وأن يتبع ذلك يف كل‬ ‫النشر)‪ ،‬وملخص حمتوايته‪ ،‬ومبلغ ما أفاد منه‪ ،‬ورأيه اخلا‬

‫مصدر يقرهه‪ ،‬حبيث يكون عنده يف النهاية ما ميكن أن نسميه حبثاً خمتصراً عن املصادر اليت‬

‫استعملها‪.‬‬

‫وعليه إذا استعمل مصدراً من طبعة معينة‪ ،‬أن يستمر يف قراءته إىل النهاية من نفس‬ ‫‪-‬‬

‫الطبعة‪ ،‬وأن ال يستعمل طبعة أخرى‪ ،‬ألن عدد الصفحات خيتلف من طبعة ألخرى‪،‬‬

‫والحتمال التعديل يف املادة بني طبعة وأخرى‪ ،‬حيث توجد طبعات منقحة ومزيدة لبعض‬

‫الكتب‪.‬‬

‫وبعد أن ينتهي الباحث من قراءة املصادر واملراجع اليت أعدها‪ ،‬ومن مجع املادة‬ ‫‪-‬‬

‫الالزمة ملوضوع حبثه يف البطاقات‪ ،‬يبدأ يف فرز املادة اليت مجعها وترتيبها وتوزيعها على‬

‫حسب األبواب والفصول اليت وضعها من قبل (خطة البحث)‪ .‬وحيسن أن يضع الباحث‪-‬‬

‫من أول األمر‪ -‬البطاقات اخلاصة بكل ابب أو فصل – من أبواب الرسالة وفصوهلا – يف‬

‫به‪ ،‬يكون كبري احلجم‪ ،‬ويكتب عليه عنوان الباب أو الفصل‪ ،‬وأن توضع‬ ‫ظرف خا‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪848‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫األوراق اليت مجعت من املصادر األكثر أمهية واألكثر فائدة من أعلى‪ ،‬وحتتها اليت مجعت من‬

‫املصادر األقل أمهية وهكذا‪.‬‬


‫ً‬
‫خامسا‪ :‬نقد املادة العلمية (النقد الداخلي أو الباطني)‪:‬‬

‫جاء يف لسان العرب أن "النقد متييز الدراهم وإخراج الزيف منها‪ ...‬ونقدت الدراهم وانتقدهتا‬

‫إذا أخرجت منها الزيف"(‪ .)1‬وينطبق هذا املعىن اللغوي على النقد التارخيي‪ ،‬فهو أيضاً‬

‫فحص الرواية التارخيية ووزهنا وإخراج الزيف منها‪ ،‬ملعرفة صحتها واالعتماد عليها كمصدر‬

‫اترخيي"(‪ .)1‬وهو ما يسميه علماء منهج البحث التارخيي ابلنقد الباطين أو الداخلي‪.‬‬

‫"والغرض من النقد الباطين هو الوصول إىل احلقائق التارخيية من خالل الواثئق واألصول‬

‫التارخيية"(‪.)3‬‬

‫الواثئق‪ ،‬وتفسريها‪ ،‬وإثبات صحة‬ ‫ويقوم النقد الداخلي (الباطين) على فهم نصو‬

‫احلقائق التارخيية منها‪ .‬وتعرف هذه املرحلة أيضاً مبصطلح‬ ‫املعلومات الواردة هبا‪ ،‬واستخال‬

‫النقد التفسريي‪ ،‬أي التفسري والتحليل‪ .‬ويضاهي مصطلح أهل احلديث "اجلرح والتعديل"(‪.)9‬‬

‫وينقسم النقد الباطين إىل قسمني مهمني مها‪ :‬النقد الباطين اإلجيايب‪ ،‬والنقد الباطين السليب‪،‬‬

‫وذلك على النحو التايل‪:‬‬

‫أ‪ -‬النقد الباطني اإلجيابي‪:‬‬

‫‪.919‬‬ ‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬ليان العرب‪ ،‬ابب الدال‪ ،‬فصل النون‪ ،‬مادة (نقد)‪ ،‬ا لد الثالث‪،‬‬
‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬التاريخ وتطوره يف داير اإلسالم‪.91 ،‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.117 ،‬‬
‫(‪ )9‬د‪ /‬طه ابقر‪ ،‬طرق البحث العلمي‪.21 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪969‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫وهو عبارة عن حتليل األصل التارخيي بقصد تفسريه وإدراك معناه‪ ،‬والتحقق من معىن األلفا‬

‫وقصد املؤلف مما كتبه‪ .‬ومبعىن آخر‪ :‬تفسري ظاهر النص وحتديد املعىن احلريف له‪ ،‬مث إدراك‬

‫املعىن احلقيقي للنص ومعرفة غرض املؤلف مما كتبه(‪ .)1‬وهذا األمر يقتضي من الباحث اإلملام‬

‫بلغة الكاتب وأسلوبه‪ ،‬واإلملام ابألساليب واملصطلحات اللغوية والتارخيية املستخدمة يف ذلك‬

‫العصر ومعرفة معانيها‪ ،‬وتفسري الكلمة أو اجلملة يف نطاق السياق العام للنص التارخيي‪،‬‬

‫ومراعاة تطور االستعماالت اللغوية من عصر إىل عصر ومن مؤلف إىل آخر(‪.)1‬‬

‫ب‪ -‬النقد الباطني السلبي‪:‬‬

‫حتدثت من قبل عن إثبات صحة األصول التارخيية كمرحلة من مراحل البحث العلمي‪-‬‬

‫وذكرت أهنا هتدف إىل التحقق من أصالة الوثيقة التارخيية وصحة نسبتها إىل مؤلفها‪ ،‬وإثبات‬

‫أهنا غري مزورة أو مزيفة‪ ،‬ومعرفة مؤلفها‪ ،‬وزمان ومكان تدوينها‪ ،‬لكي نقف على صحة ما‬

‫جاء هبا من رواايت وأخبار‪ ،‬وذكرت أيضاً أن قيمة األخبار والرواايت اليت جندها يف األصول‬

‫التارخيية هلا صلة وثيقة بشخصية كاتبها وشهرته‪ ،‬ومكانته وأمانته‪ ،‬ومدى صدقه أو كذبه‪.‬‬

‫وأضيف هنا أن إثبات صحة األصل التارخيي والتأكد من أنه غري مزيف‪ ،‬ال يعين ابلضرورة‬

‫صحة كل ما أورده من معلومات‪ ،‬إذ أنه حيتوي ابلضرورة على معلومات متعددة متنوعة‪ ،‬قد‬

‫يكون بعضها صحيحاً‪ ،‬وقد يكون بعضها اآلخر غري صحيح‪ ،‬عن عمد أو عن غري عمد‪،‬‬

‫‪.114-112‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪،‬‬


‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.111 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪844‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫ولذلك ينبغي أن يقوم الباحث بدراسة كل رواية أو حادثة به على حدة؛ لتصفية احلقائق‬

‫واستبعاد الزائف منها بقدر املستطاع(‪ .)1‬وهذا ما يعرف ابلنقد الباطين السليب‪.‬‬

‫فالنقد الباطين السليب يهدف إىل التثبت من صدق املؤلف وعدالته‪ ،‬وهل كذب أم مل‬

‫يكذب‪ .‬فضالً عن التثبت من صدق املعلومات اليت أوردها املؤلف ومبلغ دقتها‪ ،‬وهل أخطأ‬

‫املؤلف أو خدع بشأهنا‪ ،‬أم مل خيط‪ .‬ومل خيدع(‪.)1‬‬

‫وميكن للباحث أن يستفيد يف هذه املرحلة‪ -‬أعين مرحلة النقد الباطين السليب‪ -‬أبسس النقد‬

‫التارخيي اليت سأحتدث عنها يف الفصل الثالث أبذن هللا‪ ،‬فهي تساعد كثرياً‪ -‬إذا ما وضعها‬

‫الباحث نصب عينيه‪ -‬على حتقيق أهداف هذه املرحلة‪.‬‬

‫ً‬
‫سادسا‪ :‬تأليف البحث وإخراجه‪:‬‬

‫بعد أن ينتهي الباحث من املراحل السابقة‪ -‬وخاصة القراءة‪ ،‬ومجع املادة‪ ،‬وفرز البطاقات‬

‫على النحو الذي ذكرانه من قبل‪ -‬يكون قد جتمعت لديه حقائق ومعلومات موثقة‪ -‬بقدر‬

‫استطاعته واجتهاده‪ -‬عن املوضوع التارخيي الذي هو بصدد حبثه‪ ،‬بيد أهنا حقائق ومعلومات‬

‫متفرقة وغري منسقة‪ ،‬وال ميكن أن تكون حبد ذاهتا موضوعاً اترخيياً متكامالً أو مفهوماً‪،‬‬

‫ولذلك ينبغي على الباحث أن يقوم أوالً بتصفية املادة اليت مجعها أبن يعيد قراءهتا اثنية‬

‫‪.119‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪،‬‬


‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.117 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪967‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫بتمعن ورهية‪ ،‬وأن يفكر بعمق فيما احتوته‪ ،‬مث خيتار منها ما له أمهية كبرية وصلة وثيقة‬

‫مبوضوع حبثه‪ ،‬ويرتك الباقي‪.‬‬

‫وعليه أن يعلم أن من غري املمكن وغري املرغوب استخدام كل ما مجعه من مادة‪ ،‬ولذلك‬

‫ينبغي أن تكون لديه القدرة على تقييم املادة اليت مجعها‪ ،‬ليأخذ بعضها ويرتك البعض اآلخر‪،‬‬

‫ومن مث ينتقل إىل املرحلة األهم من مراحل البحث‪ ،‬وهي مرحلة التأليف والرتكيب‪ ،‬وذلك‬

‫أبن يؤلف أو يركب من تلك املادة واملعلومات املتفرقة واملبعثرة موضوعاً متجانساً مفهوماً‪.‬‬

‫فالرتكيب أو التأليف التارخيي وعرض املادة هو احلصيلة النهائية للجهود اليت بذهلا الباحث‬

‫يف املراحل واخلطوات اليت مر هبا أثناء البحث(‪.)1‬‬

‫وفيما يلي بيان ببعض اإلرشادات والقواعد اليت ينبغي على الباحثني مراعاهتا والتزامها يف‬

‫مرحلة التأليف والعرض التارخيي‪:‬‬

‫أ‪ -‬األسلوب وطريقة العرض‪:‬‬

‫ينبغي على الباحث أن يكتب مادته بلغة سهلة بسيطة وواضحة‪ ،‬تالئم املوضوع الذي‬

‫يتناوله‪ ،‬وأن يتجنب األلفا الصعبة واألساليب املعقدة الثقيلة‪ ،‬ولن يتأيت ذلك إال إذا‬

‫توفرت لديه القدرة على حسن التعبري ابللغة اليت يكتب هبا‪ ،‬حبيث يستطيع اختيار األلفا‬

‫واألساليب اليت تعرب عن غرضه(‪.)1‬‬

‫‪ ،24-27‬و د‪ /‬حممنند عبنند الوهنناب فضننل‪ ،‬التنناريخ وتطننوره يف داير‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحنند شننليب‪ ،‬كيننف تكتننب حبث ناً أو رسننالة‪،‬‬
‫اإلسالم‪.99 ،‬‬
‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.147 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪844‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫الذي تظهر فيه شخصيته‪ ،‬وأال يقلد غريه من‬ ‫وينبغي عليه أيضاً أن يكتب أبسلوبه اخلا‬

‫الكتاب والباحثني‪ ،‬فإن لكل كاتب طريقته اخلاصة يف التعبري عن آرائه يف نطاق اللغة اليت‬

‫يكتب هبا(‪.)1‬‬

‫وينبغي عليه كذلك أال يكتب أبسلوب أديب صرف‪ ،‬ألن ذلك رمبا يضطره إىل تغيري احلقائق‪،‬‬

‫وإىل املبالغة فيما يكتبه‪ ،‬إلحداث األثر املطلوب يف نفس القارئ‪ ،‬واي حبذا لو كانت‬

‫للباحث ملكة الكتابة اليت جيمع فيها بني البساطة والدقة وروح الفن‪ ،‬لكي يعرض احلقائق‬

‫واحلوادث بصورة جتعل القارئ يقبل عليه ليستفيد مبا كتبه(‪.)1‬‬

‫وعليه أن يعلم أن خري الكالم ما قل ودل‪ ،‬وأن اجلمل القصرية تفضل اجلمل الطويلة بوجه‬

‫عام‪ ،‬وأن اإلجياز واالرتباط بني اجلمل وبعضها – حبيث أتخذ كل منها بعجز سابقتها – من‬

‫مظاهر األسلوب اجلميل‪ ،‬ولذا ينبغي عليه أن يتحاشى الفواصل الطويلة بني شطري اجلملة‪،‬‬

‫فإن اضطر إىل ذلك فعليه أن جيعلها مجلة اعرتاضية ويضعها بني شرطتني هكذا ‪- ... -‬‬

‫(‪.)3‬‬

‫وعليه أن يستخدم بعض األساليب ويعرض عن بعضها‪ ،‬فمن األساليب اليت ينبغي عليه أن‬

‫يستخدمها‪" :‬ويتضح مما سبق"‪ ،‬ويظهر من ذلك"‪ ،‬و"وصفوة القول"‪" ،‬واخلالصة"‪ ،‬وغري‬

‫ذلك من األساليب اليت يكثر استخدامها بني املؤرخني‪ .‬ومن األساليب اليت ينبغي عليه أال‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬


‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.142-147 ،‬‬
‫(‪ )3‬وهذا يعين أن على الباحث أن يعرف عالمات الرتقيم ومعانيها ومواضع استخدامها‪ ،‬وسأحتدث عنها ابلتفصيل يف آخر‬
‫هذا الفصل إبذن هللا تعاىل‪ ،‬لتتم الفائدة‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪964‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫يستخدمها‪" :‬وحنن نرى"‪ ،‬ويف رأينا‪ ،‬و"يرى الباحث"‪ ،‬ويرى الكاتب‪ ،‬ويرى املؤلف"‪ ،‬وغري‬

‫ذلك من األساليب اليت جتعل القارئ يشعر أبن الباحث مغرور ومزهو بنفسه‪.‬‬

‫وينبغي عليه أن يعرض املادة اليت مجعها بطريقة علمية يراعى فيها الرتتيب الزمين واملنطقي‬

‫لألحداث اليت يذكرها‪ ،‬وأن يكتب طبقاً للتقسيم الذي وضعه للبحث (اخلطة النهائية)‪.‬‬

‫وعليه أن يعلم أن كل فصل من فصول الرسالة ينقسم إىل جمموعة من العناوين‪ ،‬وأن كل‬

‫عنوان منها يتكون من عدة فقرات‪ ،‬وأن كل فقرة متثل وحدة قائمة بذاهتا تتكون من جمموعة‬

‫من اجلمل تدور حول فكرة واحدة‪ ،‬وأن ترتيب الفقرات ينبغي أن يكون متسلسالً ومنطقياً‪،‬‬

‫حبيث تبين كل فقرة على ما قبلها‪ ،‬ومتهد ملا بعدها‪ ،‬فيحدث بينها ارتباط وثيق خيدم العنوان‬

‫الذي يشملها وتوضحه(‪.)1‬‬

‫وحيث إن كل فقرة وحدة قائمة بذاهتا‪ ،‬فينبغي أن يظهر ذلك للعني مبعىن أن تظهر كل فقرة‬

‫مستقلة على الورق‪ ،‬فيبدأ الباحث سطراً جديداً لكل فقرة‪ ،‬ويرتك فراغاً عند بدء ذلك‬

‫السطر‪ ،‬ويضع نقطة عند انتهاء الفقرة‪ ،‬ويرتك بني كل فقرتني فراغاً أوسع قليالً من الفراغ‬

‫املرتوك بني السطرين يف الفقرة الواحدة‪ ،‬وذلك حىت تظهر الفقرة مستقلة بنفسها متام‬

‫االستقالل(‪.)1‬‬

‫وينبغي عليه أيضاً أن يتسم ابألمانة العلمية‪ ،‬فينسب املعلومات اليت يذكرها إىل مصدرها‬

‫الذي اقتبسها منه‪ ،‬وحيسن أن يكون االقتباس بلغة النص األصلية‪ ،‬وأال يزيد النص املقتبس‬

‫‪.111‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً أو رسالة‪،‬‬


‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.113 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪871‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫عن بضعة سطور‪ ،‬وأن يكون دقيقاً يف النقل‪ ،‬وأن توضع األجزاء املنقولة بني عالميت تنصيص‬

‫شولتني هكذا "‪."....‬‬

‫وإذا اضطر الباحث القتباس أكثر من فقرة‪ ،‬فعليه أن يضع عالمة تنصيص (شولتني) يف أول‬

‫كل فقرة منها‪ ،‬والفقرة األخرية فقط هي اليت ختتم بعالمة تنصيص شولتني ويوضع عليها رقم‬

‫احلاشية ويشار يف اهلامش إىل املصدر أو املرجع الذي اقتبست منه كل هذه الفقرات(‪.)1‬‬

‫وجيوز أن حيذف الباحث من النص املقتبس بعض الكلمات أو اجلمل اليت ال حيتاجها يف‬

‫حبثه‪ ،‬بشرط أال يضر احلذف ابملعىن الذي أراده الكاتب األصلي‪ ،‬وعليه يف هذه احلالة أن‬

‫يضع ثالث نقاط أفقية (‪ )...‬مكان الكالم احملذوف(‪.)1‬‬

‫وجيب أال ختتفي شخصية الباحث بني ثنااي كثرة االقتباسات‪ ،‬وأال تكون الرسالة سلسلة‬

‫اقتباسات متتالية‪ ،‬كما جيب أن تنسق االقتباسات تنسيقاً بديعاً‪ ،‬وأال توضع خالية من‬

‫التقدمي واملقارنة والتعليق على حسب الظروف(‪.)3‬‬

‫وحيسن به به إذا ما انتهى من كتابة جزء من البحث أن يرتكه جانباً فرتة من الزمن‪ ،‬مث يعود‬

‫إليه مرة أخرى وحياول أن ينقد طريقة العرض اليت اتبعها‪ ،‬فإذا ما ظهر له شييء غامض‪ ،‬أو‬

‫ترتيبه سي يء‪ ،‬أو صياغته رديئة‪ ،‬أو لغته ركيكة‪ ،‬فعليه أن يوضحه ويعدله‪ ،‬أو يعيد كتابته من‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.119 ،‬‬


‫‪.116‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً أو رسالة‪،‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪.119 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪971‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫جديد إذا اقتضى األمر ذلك‪ ،‬وعليه أن يعلم أن إعادة الكتابة جتعل العبارة أدق وأوىف‬

‫ابلغرض(‪.)1‬‬

‫وعليه أن يناقش آراء اآلخرين – إن وجد جماالً ملناقشتها – بدون خوف أو تردد‪ ،‬لتظهر‬

‫شخصية يف البحث‪ ،‬وليكن ذلك أبدب جم‪ ،‬ولسان عف‪ ،‬وبدون هتكم أو سخرية أو‬

‫استهزاء‪ ،‬أو استهانة برأي اآلخرين‪ ،‬ألن الرسائل العلمية ليست جماالً لذلك(‪ .)1‬واخلالصة أن‬

‫عليه أن حيرتم آراء اآلخرين ولوم مل يتفق معهم‪.‬‬

‫وعليه أن يدعم آراءه ابألدلة‪ ،‬وأن يبدأ يف ذلك أببسط األدلة مث يتبعه آبخر أقوى منه(‪.)3‬‬

‫وأال يكثر من إيراد األدلة والرباهني على مسائل مسلم هبا أو ميكن التسليم هبا بسهولة(‪.)9‬‬

‫وعليه أن يقصد كل ما يكتب‪ ،‬وأن يتجنب املبالغات‪ ،‬وأال جيادل حباً يف اجلدل‪ ،‬ألن ذلك‬

‫يفقده مصداقيته‪ ،‬ويبعده عن الروح العلمية اليت ينبغي أن يتحلى هبا(‪.)9‬‬

‫وعليه أن يتجنب بقدر اإلمكان كل ما ميكن أن يفتح عليه ابابً للخالف‪ ،‬وأن يتجنب‬

‫توريط نفسه يف إاثرة مشكالت ميكنه أن يفلت منها(‪.)6‬‬

‫وعليه أن يتجنب االستطراد والتكرار‪ ،‬فإن االستطراد يفكك املوضوع ويذهب وحدته‬

‫وانسجامه‪ ،‬وحيدث قلقاً وارتباكاً للقارئ(‪ .)1‬واحلديث عن املسألة الواحدة يف أكثر من‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.142 ،‬‬


‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً أو رسالة‪.44 ،‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪.41 ،‬‬
‫(‪ )9‬املرجع السابق‪.42 ،‬‬
‫(‪ )9‬املرجع السابق‪.44 ،‬‬
‫(‪ )6‬املرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪871‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫موضع (التكرار) عيب كبري(‪ .)1‬ومعناه أن الباحث مشتت الذهن‪ ،‬وانسياً ملا كتبه من قبل‪،‬‬

‫ويعيش حالة من عدم الرتكيز‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فقد يذكر الباحث يف بعض األحيان مسألة ما يف مكاهنا الطبيعي الذي جيب أن‬

‫تذكر فيه‪ ،‬ويشرحها شرحاً وافياً‪ ،‬مث يضطر إىل اإلشارة إليها إشارة سريعة يف مكان آخر‪ ،‬وال‬

‫مانع من هذا‪ ،‬بشرط أن يشري يف املوضع غري الرئيسي إىل املوضع الرئيسي الذي تناوهلا فيه‬

‫ابلتفصيل‪ ،‬فيقول مثالً‪ :‬كما سبق شرحه‪ .‬أو يقول‪ :‬كما سيأيت تفصيله‪ .‬وهكذا‪ ،‬مع حتديد‬

‫املكان الذي ورد فيه التفصيل (الفصل أو الصفحة) ابهلامش(‪.)3‬‬

‫وعلى الباحث أن يفرض أحياانً أسئلة قد تثار‪ -‬يف مسألة من املسائل اليت تضمنها حبثه –‬

‫مث جييب عليها‪ ،‬فإن ذلك يكشف عن مدى إملامه بكل جوانب املوضوع‪ ،‬وقدرته على‬

‫التفكري والتعليق على احلوادث‪ ،‬ويوضح مدى سيطرته على املادة العلمية‪ ،‬ومدى متكنه من‬

‫أدوات البحث‪.‬‬

‫وعلى الباحث أن يوضح يف اهلامش معاين بعض الكلمات واملصطلحات الغامضة الواردة يف‬

‫وبلدن وغري ذلك‪ ،‬وحبيث‬ ‫املنت‪ ،‬وأن يرتجم فيه أيضاً لألعالم الواردة يف املنت‪ ،‬من أشخا‬

‫ال يثقله‪.‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق‪.41 ،‬‬


‫‪.47‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً او رسالة‪،‬‬
‫(‪ )3‬نفسه (هامش)‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪973‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫وعليه أيضاً أن يستخدم االختصارات الشائعة لبعض الكلمات اليت يكثر استخدامها يف‬

‫الرسائل العلمية والكتب التارخيية‪ ،‬مثل‪ :‬هن بدالً من كلمة هجرية‪ ،‬وم بدالً من كلمة ميالدية‪،‬‬

‫بدالً من كلمة صفحة(‪،)1‬‬ ‫وق م بدالً من كلمة قبل امليالد‪ ،‬وج بدالً من كلمة جزء‪ ،‬و‬

‫وهكذا‪.‬‬

‫ب‪ -‬اهلوامش واحلواشي‪:‬‬

‫اهلوامش هي املساحات اخلالية من الكتابة املوجودة يف كل صفحة من صفحات الرسالة‪،‬‬

‫على جانبيها (األمين واأليسر)‪ ،‬وأبعلى الصفحة وأسفلها‪ .‬فهي إذاً أربعة هوامش‪ ،‬وهذه‬

‫اهلوامش هلا نظام معني ينبغي أن يلتزم به كل الباحثني‪ ،‬فينبغي أن يكون عرض كل هامش‬

‫منها ‪1.9‬سم أو ‪ 1‬سم‪ ،‬ابستثناء اهلامش األمين فينبغي أن يزيد عرضه عن عرض اهلوامش‬

‫األخرى مبقدار ‪1‬سم‪ ،‬أي يكون عرضه ‪1.9‬سم‪ ،‬أو ‪ 3‬سم‪ ،‬وذلك من أجل التجليد‪.‬‬

‫واحلواشي هي املعلومات املوجودة يف أسفل الصفحات – أو يف أواخر الفصول – واملكتوبة‬

‫بعد أرقام مماثلة ألرقام مكتوبة يف منت الرسالة(‪ )1‬ومتعلقة هبا‪ .‬وألمهية املعلومات اليت تتضمنها‬

‫احلواشي‪ ،‬فإن أمهيتها ال تقل أبداً عن أمهية منت الرسالة‪.‬‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً او رسالة‪.111 ،‬‬


‫(‪ )1‬ينبغي أن تكون أرقام احلواشي املوجودة يف منت الرسالة مرتفعة قليالً عن السطر‪ ،‬على النحو الوارد هبذا الكتاب‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪878‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫طريقة كتابة احلواشي‪:‬‬

‫يستخدم الباحثون طريقتني لكتابة احلواشي ابلرسائل العلمية واألحباث‪ ،‬وهااتن الطريقتان‬

‫مها‪:‬‬

‫الطريقة األوىل‪ :‬تكتب فيها احلواشي أبسفل صفحات البحث بعد أن يضع الباحث خطاً‬

‫أفقياً قصرياً أسفل كل صفحة‪ ،‬يفصل به منت الرسالة عن احلواشي على النحو املتبع يف هذا‬

‫الكتاب‪ .‬وهذه الطريقة أحسن الطرق املتبعة يف كتابة احلواشي ابألحباث العلمية‪ ،‬ألهنا تتيح‬

‫للقارئ تتبع احلواشي املوجودة يف نفس الصفحة بسهولة ويسر‪ ،‬إذ جيدها أمام عينيه أبسفل‬

‫الصفحة‪ ،‬وال حيتاج إىل تقليب صفحات الرسالة للوصول إليها آبخر الفصل‪ ،‬كما هو احلال‬

‫يف الطريقة الثانية‪.‬‬

‫ويتبع الباحثون يف ترقيم احلواشي املوضوعة هبذه الطريقة طريقة من الطريقتني التاليتني‪:‬‬

‫الطريقة األوىل ‪ :‬وضع أرقام مستقلة حلواشي كل صفحة على حدة تبدأ برقم (‪ )1‬وتنتهي برقم‬

‫آخر حاشية يف الصفحة‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪979‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫وهذه الطريقة أفضل الطرق لرتقيم احلواشي على اإلطالق‪ ،‬فكل صفحة مستقلة حبواشيها‬

‫وأرقامها ومراجعها وكل ما يتصل هبا‪ ،‬ومن السهل على الباحث أن حيذف رقماً ويضيف‬

‫آخر دون أن يضطر إىل إحداث تغيري يف أرقام حواشي الصفحات األخرى(‪ .)1‬أي أن أي‬

‫تعديل أو تغيري يف أرقام احلواشي أي صفحة لن يتبعه تغيري يف أرقام حواشي الصفحات‬

‫األخرى‪ ،‬وهذه ميزة عظيمة‪.‬‬

‫والطريقة الثانية‪ :‬وضع سلسلة أرقام متصلة حلواشي كل فصل‪ ،‬تبدأ برقم (‪ )1‬وتنتهي برقم‬

‫آخر حاشية يف الفصل‪.‬‬

‫ومن عيوب هذه الطريقة أن أي تغيري جيريه الباحث على حواشي أي صفحة‪ -‬ابحلذف أو‬

‫اإلضافة أو التعديل‪ -‬يستلزم تغيري أرقام حواشي ما بعدها من صفحات حىت آخر‬

‫الفصل(‪.)1‬‬

‫والطريقة الثانية‪ :‬جتمع فيها حواشي كل فصل‪ ،‬وتوضع يف هنايته‪ ،‬وأتخذ سلسلة أرقام واحدة‬

‫ومتصلة‪ .‬ومن عيوب هذه الطريقة أن أي تعديل جيريه الباحث على رقم أي حاشية سيضطره‬

‫‪.116‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً او رسالة‪،‬‬


‫(‪ )1‬نفسه‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪874‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫إىل تعديل أرقام ابقي حواشي الفصل‪ ،‬وأن القارئ إذا أراد أن يتتبع حاشية من حواشي أي‬

‫صفحة ابلفصل الذي يقرهه فإنه حيتاج‪ -‬بل يضطر‪ -‬إىل تقليب صفحات الرسالة للوصول‬

‫إليها آبخر الفصل‪ .‬وهذا أمر متعب وممل وغري مرغوب‪.‬‬

‫وظيفة احلواشي‪:‬‬

‫للحواشي وظائف عديدة مهمة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫توثيق املعلومات اليت ذكرها الباحث يف منت الرسالة‪ ،‬ابإلشارة إىل املصادر اليت نقلها‬ ‫‪-1‬‬

‫عنها يف احلاشية‪ .‬فعلى الباحث أن يضع يف منت الرسالة رقماً يف هناية الفقرة(‪ )1‬املراد اإلشارة‬

‫إىل مصدرها (النص املقتبس)‪ ،‬ورقماً مماثالً له أبسفل الصفحة‪ -‬يكتب من جهة اليمني‬

‫أبرقام عربية بني قوسني‪ -‬يذكر فيه بياانت املصدر الذي نقل عنه هذه املعلومات (النص‬

‫املقتبس) على النحو التايل‪:‬‬

‫(‪ )1‬يوضننع الننرقم يف هنايننة النننص املقتننبس إذا مل يننذكر معننه اسننم املؤلننف‪ ،‬فننإذا ذكننر اسننم املؤلننف يف املنننت وضننع الننرقم بعنند اسننم‬
‫املؤلف‪ ،‬وينبغي أن يكون الرقم بني قوسني ومرتفعاً قليالً عن السطر؛ علي النحو املوجود هبذا الكتناب‪ .‬د‪ /‬أمحند شنليب‪،‬‬
‫كيف تكتب حبثاً أو رسالة‪.117 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪977‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫(‪)1‬‬
‫مث اسم‬ ‫عند ذكر املصدر أو املرجع ألول مرة يف البحث‪ ،‬يذكر اسم املؤلف‬ ‫‪-‬‬

‫الكتاب‪ ،‬ورقم اجلزء‪ -‬إن وجد‪ -‬مث رقم الصفحة‪ ،‬مث بياانت الطبعة (رقم الطبعة‪ ،‬وسنة‬

‫الطبع‪ ،‬دار النشر) (‪.)1‬‬

‫وليس من الضروري أن يذكر اسم املؤلف واسم املصدر ابلكامل‪ ،‬ما دامت اإلشارة إىل جزء‬

‫من أحدمها تعين عن الباقي وتدل على املطلوب‪ ،‬فيقال مثالً‪ :‬املقريزي‪ ،‬اخلطط‪ ،‬ج‪،1‬‬

‫‪ ،73‬بدالً من‪ :‬تقي الدين املقريزي‪ ،‬املواعظ واالعتبار بذكر اخلطط واآلاثر‪ ،‬ج‪،1‬‬

‫‪ .73‬وهكذا‪.‬‬

‫إذا كان املصدر الذي اعتمد عليه الباحث خمطوطاً يكتب اسم املؤلف‪ ،‬مث اسم‬ ‫‪-‬‬

‫الكتاب‪ ،‬مث رقم اجلزء إن وجد‪ ،‬ورقم الصفحة أو الورقة‪ ،‬وبني قوسني يذكر كلمة خمطوط‬

‫(‪ )1‬يف حالة النقل من مصدر يذكر االسم املشهور للمؤلف؛ مثل الطربي واملسعودي وابن كثري‪ ،‬وحنو ذلك‪ .‬ويف حالة النقل‬
‫من مرجنع حنديث ينذكر االسنم احلقيقني للمؤلنف‪ ،‬مثنل‪ :‬د‪ /‬أمحند شنليب‪ ،‬ود‪ /‬حسنن عثمنان‪ ،‬ود‪ /‬حممند حسنني هيكنل‪،‬‬
‫وحنو ذلك‪.‬‬
‫(‪ )1‬وميكننن عنندم ذكننر بينناانت الطبعننة يف احلاشننية‪ ،‬اكتفنناء بننذكرها يف ثبننت املصننادر واملراجننع آبخننر البحننث (انظننر‪:‬د‪ /‬أمحنند‬
‫شننليب‪ ،‬املرجننع السننابق‪ .)119 ،‬وقنند اعتمنندت علننى هننذا ال نرأي يف رسنناليت للنندكتوراه‪ ،‬ويف كننل األحبنناث الننيت قمننت‬
‫إبعدادها؛ لوجاهته واقتناعي الكامل به‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪874‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫‪119‬‬ ‫واسم املكتبة املوجود هبا ورقمه‪ ،‬مثل‪ :‬ابن حجر‪ ،‬رفع األصر عن قضاة مصر‪،‬‬

‫(خمطوط بدار الكتب املصرية رقم ‪ 119‬اتريخ)‪.‬‬

‫وإذا كان وثيقة ينبغي ذكر األرشيف اليت توجد هبا هذه الوثيقة‪ ،‬ورقم ا لد‪ ،‬ورقم‬ ‫‪-‬‬

‫امللف‪ ،‬والورقة أو الصفحة‪ ،‬واتريخ الوثيقة‪ ،‬ومكان تدوينها‪ ،‬وعمن صدرت وإىل من‬

‫أرسلت(‪.)1‬‬

‫وإذا كان االقتباس ليس من األصل‪ ،‬بل من كتاب اقتبس منه لتعذر احلصول على‬ ‫‪-‬‬

‫األصل وبعدها بياانت الكتاب الذي نقل عنه‪ ،‬مثل‪ :‬سبط أبن اجلوزي‪ ،‬مرآة الزمان‪ ،‬ج‪2‬‬

‫‪.)1(199‬‬ ‫‪ ،39‬نقالً عن كوركيس عواد‪ ،‬خزائن الكتب القدمية يف العراق‪،‬‬

‫وإذا كان االقتباس من ترمجة لكتاب‪ -‬وليس من الكتاب واألصل – يشار إىل ذلك‬ ‫‪-‬‬

‫‪،141‬‬ ‫يف احلاشية‪ ،‬مثل‪ :‬آدم متز‪ ،‬احلضارة اإلسالمية يف القرن الرابع اهلجري‪ ،‬ج‪،1‬‬

‫ترمجة حممد عبد اهلادي أبو ريدة(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬منهج البحث التارخيي‪.144 ،‬‬


‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬كيف تكتب حبثاً او رسالة‪.111-114 ،‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪.114 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪974‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫وإذا ذكر اسم املؤلف يف املنت فال داعي إلعادة ذكره يف احلاشية‪ ،‬بل يكتفي بذكر‬ ‫‪-‬‬

‫اسم الكتاب ورقم اجلزء والصفحة‪ ،‬كأن يذكر يف املنت مثالً عبارة "قال ايقوت‪ .":‬فتكون‬

‫‪.116‬‬ ‫احلاشية هكذا‪ :‬معجم البلدان‪ ،‬ج‪،9‬‬

‫وإذا ذكر اسم املؤلف واسم الكتاب يف املنت‪ ،‬يكتفي يف احلاشية بذكر رقم اجلزء‬ ‫‪-‬‬

‫والصفحة‪ ،‬فإذا ورد يف املنت مثالً عبارة "وذكر الطربي يف اترخيه‪ ."...‬تكتب احلاشية هكذا‪:‬‬

‫‪.119‬‬ ‫ج‪،9‬‬

‫وإذا ضمت احلاشية الواحدة أكثر من مصدر‪ ،‬يتم ترتيبها حسب أسبقية الوفاة‪ ،‬أي‬ ‫‪-‬‬

‫يذكر املصدر الذي تويف مؤلفه أوالً‪ ،‬مث الذي يليه‪ ،‬وهكذا‪ .‬وإذا ضمت احلاشية الواحدة‬

‫أكثر من مرجع‪ ،‬يتم ترتيبها أجبدايً حسب االسم احلقيقي للمؤلف‪ .‬وإذا ضمت احلاشية‬

‫الواحدة مصادر ومراجع معاً‪ ،‬تكتب املصادر أوالً‪ ،‬يليها املراجع‪ ،‬ويراعي يف ترتيب كل منها‬

‫الرتتيب السابق‪.‬‬

‫وإذا تكرر ذكر املصدر أو املرجع يف صفحة واحدة بدون فاصل‪ ،‬فإنه يذكر يف املرة‬ ‫‪-‬‬

‫األوىل كامالً‪ ،‬ويف املرة الثانية يكتفي بذكر عبارة‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬أو‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬مع‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪841‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫ذكر رقم اجلزء والصفحة إن كاان خمتلفني عن اجلزء والصفحة املذكورين يف املرة األوىل‪ .‬فإن‬

‫كان النقل من نفس املصدر واجلزء والصفحة‪ ،‬يكتفي يف اإلشارة إليه بكلمة‪ :‬نفسه‪ .‬أو‬

‫بعبارة‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪ .‬أو أبي عبارة تدل على أن النقل كان من نفس‬

‫املوضع(‪.)1‬‬

‫وإذا تكرر ذكر املصدر أو املرجع يف صفحة واحدة مع وجود فاصل‪ ،‬يذكر اسم‬ ‫‪-‬‬

‫املؤلف‪ ،‬وبعده عبارة‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬أو املرجع السابق‪ ،‬مث رقم اجلزء إن وجد‪ ،‬ورقم‬

‫‪.79‬‬ ‫الصفحة‪ ،‬مثل ابن كثري‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ج‪،11‬‬

‫أما إذا كان التكرار يف صفحات اتلية‪ ،‬فإن اسم املؤلف يذكر أوالً‪ ،‬وبعده عبارة‪ :‬مصدر‬

‫سبق ذكره – أو مرجع سبق ذكره – مث رقم اجلزء إن وجد‪ ،‬مث رقم الصفحة‪ ،‬مثل‪ :‬الطربي‪،‬‬

‫‪.116‬‬ ‫مصدر سبق ذكره‪ ،‬ج‪،2‬‬

‫(‪ )1‬وقد نفذت ذلك كله يف أكثر من موضع هبذا البحث‪.‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪921‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫وإذا اعتمد الباحث على أكثر من كتاب ملؤلف واحد‪ ،‬فالبد من اإلشارة يف كل‬ ‫‪-‬‬

‫مرة إىل اسم الكتاب املستخدم‪ ،‬متييزاً له عن سائر الكتب اليت اعتمد عليها الباحث لنفس‬

‫املؤلف(‪.)1‬‬

‫وإذا اشرتك يف أتليف الكتاب أكثر من مؤلف‪ ،‬يذكر اسم اجلميع‪ ،‬إال إذا ارتبط‬ ‫‪-‬‬

‫اسم واحد منهم ابلكتاب أكثر من الباقني‪ ،‬فيذكر امسه فقط وبعده كلمة‪( :‬وآخرون)‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫‪.)1(49‬‬ ‫أمحد اإلسكندري وآخرون‪ ،‬املنتخب من أدب العرب‪ ،‬ج‪،1‬‬

‫وإذا كان املؤلف جمهوالً‪ ،‬يكتب اسم الكتاب أوالً‪ ،‬يليه بني قوسني عبارة‪ :‬جمهول‬ ‫‪-‬‬

‫املؤلف‪ ،‬مث رقم اجلزء إن وجد‪ ،‬ورقم الصفحة‪ ،‬مثل‪ :‬أخبار جمموعة يف اتريخ اإلندلس‪ ،‬جمهول‬

‫‪،69‬أو تكتب احلاشية هكذا‪ :‬مؤلف جمهول‪ ،‬اخبار جمموعة يف اتريخ األندلس‬ ‫املؤلف‪،‬‬

‫‪.69‬‬

‫وتستخدم احلواشي أيضاً لإلشارة إىل رقم اخلريطة املوجودة مبلحق البحث لتوضيح‬ ‫‪-1‬‬

‫األماكن والبلدان(‪.)1‬‬

‫‪.94‬‬ ‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪،‬‬
‫(‪ )1‬د‪ /‬أمحد شليب‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.112 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪841‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫د‪.‬عبدالفتاح عبدالعزيز رسالن‬ ‫املنهج التارخيى‬

‫كما تستخدم احلواشي لشرح أو توضيح بعض املفردات اللغوية واملصطلحات‬ ‫‪-3‬‬

‫والبلدان واألنساب وغري ذلك(‪ .)1‬وأيضاً لتوثيق اآلايت‬ ‫الفنية‪ ،‬وترمجة األعالم‪ ،‬كاألشخا‬

‫القرآنية‪ ،‬وختريج األحاديث النبوية على طريقة احملدثني‪ ،‬أبن يذكر الباحث اسم مؤلف‬

‫الكتاب الذي ذكر فيه احلديث (البخاري‪ ،‬أو مسلم‪ ،‬أو غريمها) واسم الكتاب‪ ،‬واسم الباب‬

‫الذي ذكر حتته احلديث‪ ،‬ورقم احلديث إن وجد‪ ،‬على النحو املتبع هبذا الكتاب‪.‬‬

‫وأخرياً‪ ،‬ينبغي أن يعرف أنه ال يوجد حد واضح يفصل بني ما جيب إيراده يف منت الكتاب‬

‫(البحث) أو يف احلواشي‪ ،‬واملسألة مرتوكة لتقدير الباحث وميزانه‪ ،‬فقد يرى ابحث أن يضع‬

‫مسائل معينة يف املنت‪ ،‬بينما يفضل غريه وضعها يف اهلامش(‪.)3‬‬

‫ج‪ -‬هيئة الرسالة (إخراجها)‪:‬‬

‫ينبغي أن تتضمن الرسالة‪ -‬أو البحث‪ -‬يف صورهتا النهائية عدة أشياء‪ -‬هي مبثابة األركان‬

‫ابلنسبة ألي عمل علمي‪ -‬وعلى الباحثني أن يهتموا هبا‪ ،‬وحيرصوا عليها‪ ،‬لكي خترج أعماهلم‬

‫إىل النور يف صورة مثالية‪ ،‬وهذه األشياء هي‪:‬‬

‫‪ -1‬صفحة العنوان‪:‬‬

‫تشغل صفحة العنوان وجه أول ورقة يف الرسالة‪ ،‬وحيسن‪ -‬عند التجليد‪ -‬أن‬

‫تسبقها ورقة خالية من الكتابة متاماً‪.‬‬

‫(‪ )1‬د‪ /‬حممد عبد الوهاب فضل‪ ،‬املرجع السابق‪ .‬نفس املوضع‪.‬‬
‫(‪ )1‬نفسه‪.‬‬
‫(‪ )3‬د‪ /‬حسن عثمان‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪.111 ،‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪923‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬


‫جملة كلية اآلداب‬ ‫جامعة بنها‬

‫وتشمل صفحة العنوان‪ :‬عنوان الرسالة‪ ،‬واسم مقدمها‪ ،‬والدرجة العلمية اليت‬

‫يرغب يف احلصول عليها هبذه الرسالة‪ ،‬واسم األستاذ الذي أشرف عليه ودرجته‬

‫العلمية‪ ،‬واسم اجلامعة والكلية والقسم الذين يتبعهم الطالب‪.‬‬

‫وعلى الطالب أن يرتب هذه املعلومات على الصفحة بطريقة معينة‪ ،‬وأن‬

‫يكتب كل معلومة منها ببنط خمتلف عن البنط الذي يكتب به املعلومات‬

‫األخرى‪ ،‬وأن يكون البنط الذي يكتب به عنوان الرسالة أعرض بنط يف‬

‫الصفحة‪ ،‬وأن يكون البنط الذي يكتب به اسم الباحث واسم األستاذ الذي‬

‫أشرف عليه واحداً‪ ،‬وذلك على النحو املوجود يف الصفحة التالية‪ ،‬فهي مثال‬

‫طيب لذلك‪:‬‬

‫أكتوبر ‪1111‬‬ ‫‪848‬‬ ‫العدد السادس والعشرون‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like