You are on page 1of 536

‫منطقة الباحة‬

‫دراسات ‪ ،‬وإضافات ‪ ،‬وتعليقات‬


‫(ق ‪ - 1‬ق ‪15‬هـ ‪ /‬ق ‪ - 7‬ق ‪ 21‬م )‬

‫الجزء األول‬

‫�إعداد‬
‫أ ‪ .‬د ‪ .‬غيثان بن عيل بن جريس‬
‫�أ�ستاذ التاريخ ‪ -‬جامعة امللك خالد‬
‫ال�سعودية ‪� -‬أبها‬
‫الطبعة الأوىل‬
‫(‪1440‬هـ ‪2019 /‬م)‬
‫غيثان بن علي بن جري�س ‪1440 ،‬هـ‬ ‫ح‬

‫فهر�سة مكتبة امللك فهد الوطنية �أثناء الن�شر‬

‫جري�س ‪ ،‬غيثان بن علي‬


‫منطقة الباحة (درا�سات وا�ضافات وتعليقات ) ‪( ،‬اجلزء الأول ) ‪ /.‬غيثان بن‬
‫علي جري�س ‪ .-‬الريا�ض ‪1440 ،‬هـ‬
‫‪� 536‬ص ؛ ‪� 24 × 17‬سم‬
‫ردمك‪978 - 603 - 02 - 7875 -6 :‬‬
‫�أ ‪ -‬العنوان‬ ‫ ‬
‫‪ -1‬الباحة (ال�سعودية) ‪ -‬تاريخ‬
‫‪1440/423‬‬ ‫ ‬ ‫ديوي ‪953.156‬‬

‫رقم الإيداع ‪1440/423‬‬


‫ردمك‪978 - 603-02 - 7875 -6:‬‬

‫الطبعة الأوىل‬
‫‪1440‬هـ ‪2019 /‬م‬

‫الريا�ض‪ :‬مطابع احلمي�ضي‬


‫حقوق الطبع حمفوظة للم�ؤلف‬
‫‪Email:Jrais 2009 @hotmail.com‬‬
‫(اململكة العربية ال�سعودية‪�-‬أبها‪�-‬ص‪.‬ب‪)9050:‬‬
‫ال على الرابط الآتي ‪prof-ghithan.com :‬‬
‫يوجد الكتاب كام ً‬
‫‪5‬‬ ‫الفهر�س العام ملحتويات الكتاب‬

‫الفهرس العام لمحتويات الكتاب‬

‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬ ‫م‬


‫‪7‬‬ ‫املقدمة‬ ‫�أو ًال‬
‫‪11‬‬ ‫منطقة الباحة (درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات)‬ ‫ثاني ًا‬
‫الدرا�س��ة الأوىل ‪� :‬صفح ��ات م ��ن تاري ��خ الباح ��ة ( غام ��د ‪13‬‬ ‫‪1‬‬
‫وزه ��ران) ال�سيا�س ��ي واحل�ض ��اري ع�ب�ر ع�ص ��ور التاري ��خ‬
‫الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ‪/‬ق‪7‬م ‪ -‬ق‪21‬م) ‪.‬‬
‫بقلم ‪� :‬أ ‪ .‬د ‪ :‬غيثان بن علي بن جري�س‬
‫‪77‬‬ ‫الدرا�س��ة الثاني��ة ‪ :‬التطور التاريخ ��ي ملنطقة الباحة خالل‬ ‫‪2‬‬
‫الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة ‪.‬‬
‫بقلم ‪� :‬أ ‪ .‬د ‪ :‬غيثان بن علي بن جري�س‬
‫‪111‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة‬ ‫‪3‬‬
‫الإدارية ب�أق�ل�ام مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬
‫بقلم ‪� :‬أ ‪ .‬د ‪ :‬غيثان بن علي بن جري�س‬
‫‪143‬‬ ‫الدرا�س��ة الرابع��ة ‪� :‬ص ��ور م ��ن تاريخ وح�ضارة ب�ل�اد دو�س‬ ‫‪4‬‬
‫وغريه ��ا م ��ن ع�ش ��ائر زه ��ران يف اجلاهلي ��ة والإ�س�ل�ام ‪.‬‬
‫بقلم ‪� :‬أ ‪.‬علي بن حممد بن �سدران الزهراين‬
‫‪177‬‬ ‫الدرا�س��ة اخلام�س��ة ‪ :‬الباحــ ��ة (ب�ل�اد غامـ ��د وزهـ ��ران)‬ ‫‪5‬‬
‫يف عي ��ون بع� ��ض الرحال ��ة امل�س ��لمني وغ�ي�ر امل�س ��لمني ‪.‬‬
‫بقلم ‪� :‬أ ‪ .‬د‪ :‬غيثان بن علي بن جري�س‬
‫‪231‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة‬ ‫‪6‬‬
‫الباحة �أمنوذج ًا ) ‪.‬‬
‫بقلم‪� :‬أ ‪.‬علي بن حممد بن �سدران الزهراين‬
‫‪273‬‬ ‫الدرا�س��ة ال�س��ابعة ‪ :‬تنبيه ��ات حول تاريخ منطق ��ة الباحة ‪:‬‬ ‫‪7‬‬
‫بقلم‪ :‬الدكتور ‪ /‬جمعان بن عبد الكرمي الغامدي‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪6‬‬
‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬ ‫م‬
‫الدرا�س��ة الثامن��ة ‪ :‬منطق ��ة الباحة (غام ��د وزهران ) كما ‪305‬‬ ‫‪8‬‬
‫�س ��معت عنه ��ا و�ش ��اهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪-15/‬‬
‫‪ . )2012/10/25‬بقلم ‪� :‬أ ‪ .‬د ‪ :‬غيثان بن علي بن جري�س‬
‫الدرا�س��ة التا�س��عة ‪� :‬ص ��ور م ��ن التعلي ��م النظام ��ي للبنني‪387 .‬‬ ‫‪9‬‬
‫مبنطق ��ة الباح ��ة خ�ل�ال العق ��ود املا�ض ��ية املت�أخ ��رة ‪.‬‬
‫بقلم‪� :‬أ ‪� .‬سعد بن عبد اهلل بن �أحمد امللي�ص‬
‫‪399‬‬ ‫الدرا�س��ة العا�ش��رة ‪ :‬وقف ��ات م ��ع �آث ��ار منطق ��ة الباح ��ة ‪:‬‬ ‫‪10‬‬
‫بقلم‪ :‬الدكتور جمعان بن عبد الكرمي الغامدي‬
‫‪419‬‬ ‫الدرا�س��ة احلادي��ة ع�ش��رة ‪� :‬إي�ض ��احات ‪ ،‬و�إ�ض ��افات ‪،‬‬ ‫‪11‬‬
‫وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول‬
‫املكت ��وب يف تاريخ اجلنوب ‪ .‬اجلزءان (الثالث ‪ ،‬واخلام�س )‬
‫بقلم ‪� .‬أ‪ .‬علي بن حممد بن �سدران الزهراين‬
‫‪463‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ع�شرة ‪ :‬الرد املكتوب على بع�ض ما ورد عن‬ ‫‪12‬‬
‫زه ��ران يف كتاب القول املكتوب يف تاري ��خ اجلنوب ( الباحة‬
‫وع�سري ) (اجلزء اخلام�س ) ‪.‬‬
‫بقلم‪� :‬أ ‪� .‬أحمد بن علي بن �أحمد احل�سني الزهراين‬
‫‪471‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ع�شرة ‪ :‬قراءة وت�صويبات يف كتاب ‪ :‬درا�سات يف‬ ‫‪13‬‬
‫تاريخ تهامة وال�س ��راة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬
‫(ق‪10 -1‬هـ‪/‬ق‪16-7‬م)‪.‬اجلزء الثاين (حتديد ًا منطقة الباحة)‪،‬‬
‫بقلم ‪� :‬أ‪ .‬علي بن حممد بن �سدران الزهراين‬
‫‪487‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ع�شرة ‪ :‬منطقة الباحة يف عني �أحد �أبنائها‬ ‫‪14‬‬
‫بقلم ‪ :‬الدكتور‪ /‬يحيى بن عبد اهلل ال�سعدي العبديل الغامدي‬
‫‪499‬‬ ‫الدرا�س��ة اخلام�س��ة ع�ش��رة ‪ :‬رحلت ��ي م ��ن بارق ع�س�ي�ر �إىل‬ ‫‪15‬‬
‫املخ ��واة وقلوة (م�ش ��اهدات ‪ ،‬وق ��راءات ) يف بع�ض الكتب ‪،‬‬
‫والوثائ ��ق‪ ،‬والبح ��وث (تهام ��ة غام ��د وزهران حتدي ��د ًا ) ‪،‬‬
‫بقلم ‪� :‬أ ‪ .‬د ‪ :‬غيثان بن علي بن جري�س‬
‫‪530‬‬ ‫ثالث ًا اخلامتة ‪ :‬النتائج والتو�صيات‬
‫‪533‬‬ ‫رابع ًا �سرية ذاتية خمت�صرة‬
‫‪7‬‬ ‫املقـــــــــــــــــــــــــــــــــدمة‬

‫أوال ‪ :‬المقــــــــــــــــــــــدمة‬
‫ً‬

‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ,‬الرحمن الرحيم ‪ ,‬مالك يوم الدين ‪ ,‬وال�ص�ل�اة وال�سالم على‬
‫�أ�ش ��رف خلقه �أجمعني ‪ ,‬عبده ور�س ��وله نبينا حممد وعلى �آله و�ص ��حبه ومن تبعهم ب�إح�سان‬
‫�إىل يوم الدين ‪� ...‬أما بعد ‪:‬‬
‫تتو�سط منطقة الباحة بالد تهامة وال�سراة املمتدة من منطقة ع�سري جنوب ًا �إىل بالد الطائف‬
‫ومكة املكرمة �شما ًال ‪ ,‬وتتنوع ت�ضاري�سها من جبال متفاوتة يف االرتفاع ‪ ,‬وه�ضاب ‪ ,‬و�أودية‪ ,‬وحرات‪,‬‬
‫وغابات ‪ .‬وتتميز �سرواتها باعتدال اجلو يف ال�صيف والربودة يف ال�شتاء ‪ ,‬بعك�س �أجزائها التهامية‬
‫فهي حارة �صيف ًا معتدلة �شتاء ‪ .‬وتتنوع مواردها الطبيعية من زروع ‪ ,‬و�أ�شجار برية ‪ ,‬ومياه جوفية‪,‬‬
‫(‪)1‬‬
‫كما ال تخلو من ثروات حيوانية �أليفة ووح�شية ‪ ,‬وطيور وزواحف متنوعة ‪.‬‬
‫ويغلب على تركيبة منطقة الباحة الب�شرية النمط القبلي ‪ ,‬فتتكون من ثالث قبائل رئي�سية‬
‫هي ‪ :‬غامد ‪ ,‬زهران ‪ ,‬وبني عمر ‪ ,‬والأ�ش ��هر يف معظم امل�ص ��ادر واملراجع �أنها قبيلتان رئي�سيتان‬
‫هما ( غامد ‪ ,‬وزهران ) ‪ ,‬وهناك من يدرج قبيلة بني عمر �ضمن قبيلة زهران ‪ ,‬وبع�ض بلدانها‬
‫تع ��ود باحللف والوالء �إىل قبيلة غامد (‪ . )2‬وهذه القبائل الثالث تتكون من ع�ش ��رات الع�ش ��ائر‪,‬‬
‫والفخوذ والأ�س ��ر ‪ ,‬والأ�س ��تاذ علي بن �ص ��الح ال�س ��لوك �ص ��نف معجم ًا جغرافي ًا وذكر فيه مئات‬
‫القرى واملوا�ضع التي ي�ستوطنها الكثري من �أ�سر وع�شائر زهران ‪ ,‬وغامد ‪ ,‬وبني عمر ‪. )3( .‬‬
‫واحلديث عن تاريخ منطقة الباحة (غامد وزهران ) يحتاج �إىل �آالف ال�صفحات‪ ,‬ولهذه‬
‫الب�ل�اد و�س ��كانها تاريخ قدمي يعود �إىل ع�ص ��ور ما قبل الإ�س�ل�ام ب�آالف ال�س ��نني ‪ ,‬وعند ظهور‬

‫((( للمزيد عن جغرافية املنطقة انظر‪ ,‬عبد الرحمن �ص ��ادق ال�ش ��ريف ‪ ,‬جغرافية اململكة العربية ال�س ��عودية ( اجلزء‬
‫الث ��اين ) ( �إقلي ��م جن ��وب غرب اململكة ) ( الريا�ض ‪ :‬دار املري ��خ ‪1404 ,‬هـ ‪1984 /‬م ) ‪ ,‬حـ ‪� , 2‬ص ‪ , 453 , 374 – 350‬علي‬
‫بن �صالح ال�سلوك الزهراين ‪ .‬املعجم اجلغرايف للبالد العربية ال�سعودية ( الريا�ض ‪ :‬من�شورات دار اليمامة للبحث والرتجمة‬
‫والن�ش ��ر ‪1401 ,‬هـ ‪1981 /‬م ) ( الطبعة الثانية ) (‪� 312‬ص ��فحة ) – وهناك العديد من الر�س ��ائل العلمية والبحوث املحكمة‬
‫املن�شورة يف بع�ض املجالت الأكادميية املحفوظة يف عدد من املكتبات اجلامعية املركزية يف اململكة العربية ال�سعودية ‪.‬‬
‫((( احلديث عن هذه القبائل الثالث ( غامد ‪ ,‬وزهران ‪ ,‬وبني عمر ) ي�شوبها نوع من الغمو�ض ‪ ,‬وبخا�صة �صلة قبيلة بني‬
‫عمر بقبائل غامد وزهران ‪ ,‬فهناك من يدعي �أنها فرع من زهران ‪ ,‬و�آخرون ينكرون هذا القول ‪ ,‬ويوجد العديد من‬
‫البحوث والدرا�سات املن�شورة وغري املن�شورة التي ناق�شت هذه الق�ضية ‪ .‬واليوم هي ثالث قبائل ‪ :‬بني عمر يف تهامة‪,‬‬
‫وغامد وزهران يف ال�س ��راة وتهامة وبع�ض البوادي ال�ش ��رقية ‪ .‬هذا ما عرفته و�ش ��اهدته �أثناء جتوايل يف بالدهم يف‬
‫بداية ثالثينيات هذا القرن ( ‪15‬هـ ‪21 /‬م ) ‪.‬‬
‫((( ن�ش ��كر الأ�س ��تاذ علي ال�س ��لوك على هذه الري ��ادة يف عمله املعجمي عن ب�ل�اد غامد وزهران ‪ ,‬و�أق ��ول �إن هذا الكتاب ما‬
‫زال يحتاج �إىل درا�س ��ة و�إ�ض ��افات ‪ ,‬ون�أمل من �أ�س ��اتذة التاريخ واجلغرافيا يف جامعة الباحة �أن يولوه �أهمية يف بحوثهم‬
‫ودرا�س ��اتهم العلمية ‪ .‬للمزيد انظر املعجم نف�س ��ه ‪� 312( ,‬ص ��فحة ) وانظر ‪ ,‬غيثان بن علي بن جري�س ( رواد الت�أليف‬
‫املعجمي اجلغرايف احلديث يف جنوبي البالد ال�سعودية (جازان‪ ,‬الباحة‪ ,‬ع�سري ) بحث من�شور يف كتاب ‪ :‬القول املكتوب‬
‫يف تاريخ اجلنوب ( اجلزء الثالث ع�شر) (‪ -‬الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪1439 ,‬هـ ‪2018/‬م) ‪� ,‬ص ‪. 225-209‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪8‬‬
‫الإ�س�ل�ام ا�ستمر تاريخهم ال�سيا�س ��ي واحل�ض ��اري داخل بالدهم وخارجها ‪ ,‬والباحث يف كتب‬
‫الرتاث الإ�سالمي املبكرة يجد �أ�سماء ع�شرات الأعالم الذين خرجوا من �سروات تهامة ومنطقة‬
‫الباحة و�ساهموا يف بناء احل�ضارة العربية الإ�سالمية داخل اجلزيرة العربية وخارجها ‪ .‬كما ال‬
‫تخلو م�ص ��ادر التاريخ واحل�ضارة الإ�سالمية الأوىل من �شذرات ت�شري �إىل حياة النا�س يف بالد‬
‫غامد وزهران قبيل الإ�س�ل�ام ‪ ,‬وعرب �أطوار التاريخ الإ�س�ل�امي املبكر والو�سيط ‪ .‬وهناك بع�ض‬
‫املخطوطات والوثائق املحلية واخلارجية ت�ش ��تمل على �ص ��ور من تاريخ وح�ضارة منطقة الباحة‬
‫خالل الع�صر احلديث وبخا�صة منذ القرن (‪15-11‬هـ‪21-17/‬م) (‪. )1‬‬
‫وال�س ��ائح يف منطقة الباحة اليوم ي�ش ��اهد الكثري من تاريخها املادي املتمثل يف �آثارها‬
‫املدفونة يف بع�ض احلوا�ض ��ر واملراكز احل�ض ��ارية القدمية ‪ ,‬و�أي�ض ًا �آثارها ال�سطحية املاثلة‬
‫يف نقو�ش ��ها ور�س ��وماتها ال�ص ��خرية ‪ ,‬ناهيك عن قراها ‪ ,‬و�آبارها ‪ .‬ومقابرها ‪ ,‬وكهوفها ‪,‬‬
‫ومدرجاتها الزراعية ‪ ,‬و�أحميتها ‪ ,‬و�أ�س ��واقها ال�ش ��عبية الأ�س ��بوعية ‪ ,‬و�س ��دودها ‪ .‬و�سككها‬
‫وطرقاته ��ا القدمي ��ة ‪ .‬كم ��ا يوجد الكثري م ��ن تراثها وتاريخه ��ا املعنوي املتمث ��ل يف �أعراف‬
‫(‪)2‬‬
‫وتقاليد وفنون ولهجات �سكانها ‪ ,‬وكل هذه امليادين ت�ستحق االهتمام‬
‫وهذا الكتاب ‪ :‬منطقة الباحة ( درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) يف م�ؤلفات غيثان‬
‫بن علي بن جري�س (ق‪ - 1‬ق‪15‬هـ ‪ /‬ق‪ - 7‬ق ‪21‬م) (اجلزء الأول) ‪ ,‬ح�صيلة درا�سة و�أعمال‬
‫علمية خالل اخلم�س ع�ش ��رة �سنة املا�ضية قدمنا بع�ض ��ها يف م�ؤمترات �أو ندوات علمية ‪ ,‬ثم‬
‫ن�شرناها جميع ًا يف �أوعية علمية متفرقة ‪ ,‬وقد حظي كتاب ‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬
‫‪ ,‬من اجلزء اخلام�س �إىل اجلزء الثاين ع�شر بالن�صيب الأوفر من هذه الدرا�سات (‪ . )3‬وقد‬
‫ارت�أينا جمعها يف كتاب واحد ‪ ,‬وذلك خدمة للبحث والباحثني ‪ .‬ومن الأ�س ��باب التي دفعتنا‬
‫�إىل �إعادة ن�شرها يف مكان واحد ما ي�أتي ‪:‬‬
‫‪1 .1‬اقرتاح بع�ض الزمالء الأكادمييني يف اجلامعات ال�سعودية املحلية �إىل جمع �أبحاث‬
‫كل منطقة من مناطق اجلنوب ال�س ��عودي يف كتب م�س ��تقلة (‪ . )4‬ثم عقب على هذا‬
‫لقد اطلعت على �ش ��يء من هذه امل�ص ��ادر والوثائق واملخطوطات خالل رحلتي العلمية داخل اململكة العربية ال�س ��عودية وخارجها‬ ‫(((‬
‫من ��ذ ع ��ام (‪1396‬هـ ‪1440 -‬ه� �ـ ‪1976/‬م – ‪2018‬م) و�أقول �أن منطق ��ة الباحة جديرة باالهتمام بحثي ًا ‪ ,‬ومن ي�س ��عى �إىل جمع‬
‫تاريخها وتوثيقه منذ ع�ص ��ور ما قبل الإ�س�ل�ام �إىل وقتنا احلا�ضر ف�إنه �سيجد م�صادر ومراجع تخدمه يف هذا الباب ‪ .‬ون�أمل من‬
‫جامعة الباحة �أن تقوم بهذا الأمر وذلك ب�إن�شاء مركز بحوث متخ�ص�صة ‪ ,‬وجلب باحثني وكوادر علمية جيدة تتوىل هذه املهمة ‪.‬‬
‫ما ذكرته �أعاله �ش ��اهدته ووقفت على بع�ض ��ه يف جبال و�أودية وقرى مبنطقة الباحة (تهامة و�س ��راة) خالل الع�ش ��ر‬ ‫(((‬
‫�س ��نوات املا�ض ��ية و�أقول �أن على �أمارة منطقة الباحة ‪ ,‬وجامعاتها ‪ ,‬وم�ؤ�س�ساتها التعليمية والفكرية والثقافية ‪ ,‬وعلى‬
‫معا�شر الباحثني م�س�ؤولية كبرية جتاه موروثهم احل�ضاري يقومون �إىل حمايته ‪ ,‬واحلفاظ عليه ‪ ,‬ثم درا�سته وتوثيقه‪.‬‬
‫بع�ض هذه الدرا�س ��ات ن�ش ��رت يف �أوعية علمية �أكادميية مثل مو�س ��وعة اململكة العربية ال�سعودية ‪ ,‬وغريها ثم �أعدنا‬ ‫(((‬
‫ن�ش ��رها يف �أوقات متفرقة ويف عدد من بع�ض م�ؤلفاتنا التي �ص ��درت خالل الع�شر �سنوات املا�ضية املت�أخرة ‪ ,‬ومن ثم‬
‫�أ�صبحت م�شتتة يف �أوعية ن�شر عديدة ‪ ,‬ي�صعب �أحيان ًا على الباحث �أو الدار�س احل�صول عليها ‪.‬‬
‫هن ��اك �أكادميي ��ون كث�ي�رون قالوا يل هذا الر�أي ‪ ,‬وبع�ض ��هم دون طلب ��ه يف خطابات موجهة �إلينا ‪ ,‬و�آخرون �س ��جلوا‬ ‫(((‬
‫اقرتاحاتهم يف مقاالت �صحفية ‪ .‬ومل تكن �أقوالهم مق�صوره على منطقة الباحة ‪ ,‬و�إمنا يق�صدون مناطق اجلنوب ال�سعودي‬
‫( القنفذة ‪ ,‬وجازان ‪ ,‬وجنران ‪ ,‬وع�سري ‪ ,‬وال�سروات املمتدة من الباحة �إىل الطائف ) ‪ ,‬ويف م�ؤلفاتنا الكثري من الدرا�سات‬
‫املتناثرة عن هذه النواحي ‪ ,‬و�أمل �أن ا�ستطيع حتقيق ذلك ‪ ,‬والآن بد�أت مع منطقة الباحة يف هذا ال�سفر ‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫املقـــــــــــــــــــــــــــــــــدمة‬

‫الطلب بع�ض طالبات وطالب الدرا�سات العليا ‪ ,‬وقد ا�ستح�سنت قولهم ملا يف ذلك‬
‫من منفعة وخدمة لطالب العلم ‪.‬‬
‫‪2 .2‬عندما تكون الدرا�س ��ات اخلا�ص ��ة بكل منطقة جمموعة يف كتاب �أو كتب معلومة ‪,‬‬
‫فقد ت�سهل على بع�ض الباحثني واملهتمني من �أبناء املنطقة املعنية يف كل كتاب �إىل‬
‫ت�صويب ‪� ,‬أو درا�سة ‪� ,‬أو نقد ‪� ,‬أو �إ�ضافة بع�ض ال�شروحات �أو املعلومات التي ت�صب‬
‫يف خدمة البحث املدرو�س �أو املق�صود (‪. )1‬‬
‫‪3 .3‬ال ندع ��ي الكم ��ال فيما مت درا�س ��ته ون�ش ��ره ‪ ,‬والذي ن�ص ��بو �إليه ه ��و خدمة ديننا‬
‫وبالدن ��ا و�أهلنا وبخا�ص ��ة ب�ل�اد تهامة وال�س ��راة ‪ ,‬التي مازال ��ت بحاجة كبرية يف‬
‫ميدان البحوث العلمية الر�ص ��ينة ‪ ,‬وق ��د ذكرت هذا الكالم يف �أكرث من مكان من‬
‫الدرا�س ��ات املن�شورة يف هذا ال�س ��فر وغريه من امل�ؤلفات الأخرى ‪ ,‬ونرجو �أن يثمر‬
‫هذا النداء ‪ ,‬ونرى من �أبنائنا امل�ؤرخني والباحثني من يعمل ويجتهد يف حتقيق ما‬
‫ننادي به ونتطلع �إليه ‪.‬‬
‫‪4 .4‬الناظ ��ر يف هذه البحوث املن�ش ��ورة يف هذا الكتاب يجدها �ش ��ملت جزئيات كثرية‬
‫من تاريخ وح�ضارة بلدان الباحة منذ ع�صر ما قبل الإ�سالم ‪ ,‬وعرب عهود التاريخ‬
‫الإ�سالمي املبكر والو�سيط ‪ ,‬واحلديث ‪ ,‬واملعا�صر ‪ .‬وهذا مما يدعم قولنا ب�أهمية‬
‫درا�س ��ة البالد النائية واملعزولة ‪ ,‬مثل منطقة الباحة ‪ ,‬فهي ذات تاريخ وح�ض ��ارة‬
‫عريقة حتى و�إن كانت قليلة الذكر يف م�صادر التاريخ والرتاث الإ�سالمي القدمي ‪.‬‬
‫ويف اخلتام ‪� :‬أ�ش ��كر كل من �س ��اهم يف �إخراج هذا الكتاب ‪ ,‬من م�شاركني �أ�سا�سيني يف‬
‫�إجن ��از بع� ��ض البحوث املن�ش ��ورة ‪� ,‬أو من كان له ر�أي ‪� ,‬أو اق�ت�راح ‪� ,‬أو وجهة نظر حول جمع‬
‫هذه الدرا�سات ون�شرها يف م�ؤلف م�ستقل ‪ ,‬و�أي�ض ًا من �ساعد يف طباعته الأولية و�صفه على‬
‫الكمبيوتر ‪� ,‬أو من راجعه و�صوبه �إمالئي ًا ‪ ,‬وبالغي ًا‪ ,‬ونحوي ًا ‪ ,‬وكذلك من عمل على تن�سيقه‬
‫وجتليده حتى �أ�صبح جاهز ًا لالطالع ‪ .‬ون�س�أل اهلل عز وجل �أن يجعل جميع �أعمالنا خال�صة‬
‫لوجهه الكرمي ‪ .‬و�أن ي�سخرنا لفعل اخلري يف القول والعمل ‪ .‬و�آخر دعوانا �أن احلمد هلل رب‬
‫العاملني ‪ ,‬و�صلى اهلل و�سلم على ر�سوله الأمني ‪.‬‬
‫جمعه وكتب مقدمته العبد الفقري �إىل رحمة اهلل عز وجل‬
‫غيثان بن علي بن عبد اهلل جري�س الثوابي اجلبريي ال�شهري احلجري الهنوئي الأزدي‬
‫يف مدينة �أبها الهادئة‬
‫( يف غرة �شهر املحرم ‪1440‬هـ املوافق ‪�/11‬سبتمرب ‪2018 /‬م )‬

‫((( هذا ما عرفته وجرى مع بع�ض م�ؤلفاتي املخ�ص�صة لناحية �أو منطقة معينة ‪ ,‬مثل كتاب ‪ :‬بالد بني �شهر وبني عمرو‬
‫خالل القرنني (‪14-13‬هـ ‪20-19/‬م) وكتاب ‪ :‬بالد القنفذة خالل خم�س ��ة قرون ( من ‪15-10‬هـ‪/‬من‪21-16‬م) ‪.‬‬
‫وكتاب ‪ :‬جنران ‪ ,‬درا�سة تاريخية ح�ضارية (من‪4-1‬هـ‪/‬من‪10-7‬م) ‪( ،‬اجلزء الأول ) ‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫ثـانـيـــاً‬

‫م ـن ـط ـقـ ـ ــة ال ـبــاح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬


‫دراسات ‪ ،‬وإضافات ‪ ،‬وتعليقات‬
‫(ق ‪ - 1‬ق ‪15‬هـ ‪ /‬ق ‪ - 7‬ق ‪ 21‬م )‬
‫‪13‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫الدراســــــة األولــــــى‬

‫�صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي‬


‫واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي‬
‫(ق‪1‬هـ ـ ق ‪15‬هـ‪/‬ق‪7‬م ـ ق‪21‬م) ‪:‬‬
‫(*)‬
‫بقلم ‪ :‬أ ‪ .‬د ‪ .‬غيثان بن علي بن جريس‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (الباحة ‪ ،‬وع�سري ‪ ،‬وجنران ) ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(‪1435‬هـ ‪2014 ،‬م) ‪( -‬اجلزء ال�سابع)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪186 - 111‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪14‬‬

‫الدرا�س��ة الأوىل ‪� :‬ص��فحات م��ن تاري��خ الباح��ة ( غام��د وزه��ران )‬


‫ال�سيا�س��ي واحل�ض��اري عرب ع�ص��ور التاريخ الإ�س�لامي (ق‪1‬هـ ـ ق ‪15‬هـ‪/‬‬
‫ق‪7‬م ـ ق‪21‬م)‪:‬‬
‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬ ‫م‬
‫‪15‬‬ ‫�أوال‪ :‬مدخل‬ ‫‪1‬ـ‬
‫ثاني ًا‪� :‬صفحات من تاريخ الباحة ال�سيا�سي (ق‪1‬ـ ق‪15‬هـ ‪ /‬ق‪7‬م ـ ق‪21‬م) ‪17‬‬ ‫‪2‬ـ‬
‫‪17‬‬ ‫‪1‬ـ وقفة مع تاريخ الباحة (ق‪1‬ـ ق‪10‬هـ‪/‬ق‪7‬م ـ ق‪16‬م)‬
‫‪2‬ـ خال�صة تاريخ الباحة احلديث ( ق‪ -10‬ق‪15‬هـ ‪ /‬ق‪16‬م ‪ -‬ق ‪21‬م) ‪23‬‬
‫ثالث ًا‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة احل�ضاري (ق‪13‬ـ‪14‬هـ ‪19/‬ـ‪20‬م) ‪38‬‬
‫‪39‬‬ ‫‪1‬ـ �صور من احلياة االجتماعية‬
‫‪56‬‬ ‫‪2‬ـ �صور من احلياة االقت�صادية‬
‫‪66‬‬ ‫‪3‬ـ �صور من احلياة العلمية والثقافية‬
‫‪75‬‬ ‫رابع ًا ‪� :‬آراء وتو�صيات‬ ‫‪4‬ـ‬
‫‪15‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫�أو ًال ‪ :‬مدخل ‪:‬‬


‫املق�ص ��ود مب�ص ��طلح ( الباحة )يف العنوان الرئي�سي(‪� ،)1‬أي منطقة الباحة يف ع�صرنا‬
‫احلا�ض ��ر(‪ ،)2‬واال�س ��م احلقيق ��ي التاريخي لهذه الناحي ��ة هو ( بالد غامد وزه ��ران ) (‪،)3‬‬
‫وهاتان القبيلتان �أزديتان ويعود ن�سبهما �إىل القبائل اليمانية القحطانية(‪. )4‬‬
‫والدار�س تاريخ وح�ض ��ارة ديار غامد وزهران يف ع�صور ما قبل الإ�سالم‪ ،‬يجد �صعوبة‬
‫كبرية يف اخلروج ب�ص ��ورة �ش ��به وا�ض ��حة عن هذه الأوطان التهامية وال�سروية‪ ،‬ومن خالل‬
‫جتوالنا يف هذه البالد لفرتة تزيد على ثالثة عقود (‪،)5‬ثم قراءتنا ودرا�ستنا عنها ا�ستطعنا‬
‫اخلروج ببع�ض اللمحات عن �أرا�ضي غامد وزهران قبل الإ�سالم‪ ،‬وهي على النحو التايل ‪:‬‬
‫‪1 .1‬اال�س ��تيطان الب�ش ��ري يف بالد غامد وزهران قدمي جد ًا ويعود �إىل الع�ص ��ور احلجرية‬
‫القدمي ��ة واحلديثة‪ ،‬وا�س ��تمر عرب التاري ��خ القدمي حتى ظهور الإ�س�ل�ام‪ ،‬والدليل على‬

‫الباحة ‪ :‬ا�سم حديث �أطلق على منطقة الباحة يف الع�صر احلديث واملعا�صر ‪ .‬ومدينة الباحة هي حا�ضرة منطقة الباحة‬ ‫(((‬
‫الرئي�سية‪ .‬للمزيد انظر تف�صيالت �أكرث‪ ،‬غيثان بن جري�س‪ .‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة (ق‪1‬ـق‪10‬هـ‪ /‬ق‪7‬م ـ ‪16‬م)‬
‫( الريا� ��ض‪ :‬مطابع احلمي�ض ��ي‪31 ،‬ـ ‪1432‬ه� �ـ ‪10/‬ـ‪2011‬م)‪،‬ج‪� ،2‬ص ‪ 133‬وما بعدها‪ ،‬انظر‪ :‬مو�س ��وعة اململكة العربية‬
‫ال�سعودية (املحور التاريخي ) ( الريا�ض ‪ :‬مكتبة امللك عبد العزيز العامة‪1428 ،‬هـ)مج(‪� ،)16‬ص ‪ 135‬وما بعدها ‪.‬‬
‫منطقة الباحة‪� :‬إحدى مناطق اململكة العربية ال�س ��عودية‪ ،‬بل رمبا تكون �أ�ص ��غرها م�س ��احة‪ ،‬وتقع �ض ��من املناطق اجلنوبية‬ ‫(((‬
‫ال�س ��عودية‪ ،‬و�س ��ط بالد تهامة وال�سراة‪ ،‬ويحدها من ال�شرق حمافظتا بي�شة وبلقرن التابعتان �إداري ًا لإمارة منطقة ع�سري‪،‬‬
‫و�أي�ض ًا �أجزاء من حمافظة رنية التابعة �إداري ًا لإمارة منطقة مكة املكرمة‪ ،‬ومن الغرب حمافظات الطائف والليث والقنفذة‪،‬‬
‫وجميعها تتبع �إداري ًا لإمارة منطقة مكة املكرمة‪ ،‬ومن اجلنوب �أجزاء من حمافظات بلقرن‪ ،‬والعر�ض ��يات‪ ،‬والقنفذة ومن‬
‫ال�ش ��مال �أج ��زاء من حمافظ ��ات الطائف وتربة ورني ��ة‪ .‬وامتدادها من ال�ش ��رق �إىل الغرب ح ��وايل ( ‪120‬ـ‪150‬كم)‪ ،‬ومن‬
‫ال�ش ��مال �إىل اجلنوب حوايل ( ‪140‬ـ ‪170‬كم)‪ ،‬وت�ضاري�س ��ها تتكون من مرتفعات ال�س ��روات التي ي�صل ارتفاع بع�ضها �إىل‬
‫(‪3000‬م) فوق �س ��طح البحر ورمبا �أكرث‪ ،‬وغرب هذه املرتفعات املنحدرات الغربية املعروفة با�س ��م ( الأ�صدار )‪ ،‬وغربها‬
‫�أرا�ض �س ��هلية تت�ص ��ل باخلبت التهامي الواقع �إىل ال�شرق من �س ��احل البحر الأحمر‪ ،‬ومن اجلهات ال�شرقية لهذه املنطقة‬
‫ت�أخذ يف االنحدار التدريجي نحو ال�شرق حتى تت�صل بال�صحراء‪ .‬امل�صدر‪ :‬م�شاهدات الباحث وجتواله يف منطقة الباحث‬
‫يف الف�ت�رة املمت ��دة ( ‪11/29‬ـ ‪1433/12/ 9‬ه� �ـ) ‪ .‬وللمزيد انظ ��ر‪ :‬غيثان بن جري�س‪ ،‬القول املكت ��وب يف تاريخ اجلنوب (‬
‫الباحة وع�سري ) ( الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي‪1434 ،‬هـ‪2013/‬م)‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 21‬ـ ‪ 93 ،91‬ـ ‪. 315‬‬
‫قبائل غامد وزهران من القبائل العربية العريقة‪ ،‬ولها �إ�سهامات تاريخية وح�ضارية قبل الإ�سالم وبعده ‪ .‬والذاهب‬ ‫(((‬
‫يف منطق ��ة الباح ��ة اليوم يجد من يقول �إن هذه املنطقة ت�ش ��تمل على ثالث قبائل رئي�س ��ية ه ��ي ‪ ( :‬غامد‪ ،‬وزهران‪،‬‬
‫وبني عمر )‪ ،‬وهناك من يق�صر املنطقة على قبيلتي ( غامد وزهران ) ويدرج قبيلة بني عمر �ضمن قبيلة زهران ‪.‬‬
‫ولي� ��س هذا جمال حديثنا‪ ،‬لكن يف اعتقادنا �أن هن ��اك ثالث قبائل كربى تعي�ش يف املنطقة‪ ،‬وهي ( زهران‪ ،‬وغامد‪،‬‬
‫وبني عمر) ‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬احل�س ��ن بن �أحمد الهمداين‪� ،‬ص ��فة جزيرة العرب ‪ .‬حتقيق حممد علي الأكوع ( �صنعاء‬
‫‪ :‬مكتبة الإر�ش ��اد‪1410 ،‬هـ‪1990/‬م)‪� ،‬ص‪ 260‬وما بعدها‪ ،‬حمد اجلا�س ��ر ‪ .‬يف �سراة غامد وزهران ( الريا�ض ‪ :‬دار‬
‫اليمامة للطباعة والن�ش ��ر‪1391 ،‬هـ‪1971/‬م)‪� ،‬ص ‪ 206‬وما بعدها‪ ،‬انظر �أي�ض� � َا مو�سوعة اململكة العربية ال�سعودية‪،‬‬
‫مج (‪� ،)16‬ص ‪ 115‬وما بعدها ‪.‬‬
‫امل�صادر واملراجع نف�سها‪ ،‬وللمزيد انظر‪ :‬غيثان بن جري�س‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 21‬وما بعدها‪.‬‬ ‫(((‬
‫جتوالنا خالل هذه العقود �ش ��مل جميع منطقة تهامة وال�س ��راة املمتدة من جازان وجنران جنوب ًا �إىل الطائف ومكة‬ ‫(((‬
‫املكرمة �شما ًال ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪16‬‬
‫ذلك �أن بع�ض الدرا�سات الأثرية من نقو�ش ور�سومات �صخرية �أثبتت ما ذهبنا �إليه(‪،)1‬‬
‫ثم �إن تنوع ت�ضاري�س ومناخ هذه الأوطان‪ ،‬وجودة موقعها اجلغرايف يف جزيرة العرب‪،‬‬
‫وحتديد ًا بني احلجاز واليمن تعد م�ؤهالت جيدة ال�ستيطانها والعي�ش فيها(‪.)2‬‬
‫‪2 .2‬ظهور ممالك اليمن الرئي�سية قبل الإ�سالم مثل‪� :‬سب�أ وحمري وغريها ومد نفوذها �إىل‬
‫نواح عديدة يف بالد تهامة وال�س ��راة‪ ،‬وكذلك هيمنة القبيلة على �أر�ض غامد وزهران‪،‬‬
‫فكانت �صاحبة احلل والعقد يف �أوطانها‪ ،‬ثم ات�صال الديار الغامدية والزهرانية ب�أر�ض‬
‫احلجاز وبخا�ص ��ة مكة املكرمة‪ ،‬كل هذه �أي�ض ًا م�ؤهالت تاريخية وح�ضارية ت�ؤكد وجود‬
‫تاريخ وتعاي�ش �سكاين يف هذه البالد املعنية ‪.‬‬
‫‪3 .3‬م ��ن خ�ل�ال جوالتنا يف تهامة وال�س ��راة وقفنا على �آث ��ار قدمية ج ��د ًا و�أغلبها يعود �إىل‬
‫ع�ص ��ور ما قبل الإ�س�ل�ام مث ��ل‪� :‬أجزاء م ��ن طريق البخ ��ور(‪ ،)3‬وبع�ض �أماك ��ن املعادن‬
‫والتعدي ��ن ومناذج من الآبار والكهوف واملدرجات الزراعية‪ ،‬بالإ�ض ��افة �إىل ر�س ��ومات‬
‫نواح عديدة من املنطقة الباحوية(‪. )4‬‬ ‫�صخرية ونقو�ش و�آثار متناثرة يف ٍ‬
‫‪ 4 .4‬يف �أثناء اطالعنا على ع�ش ��رات امل�صادر الإ�س�ل�امية املبكرة‪ ،‬وجدنا �أنها حتوي بع�ض‬
‫التف�ص ��يالت العلمية عن تاريخ وح�ض ��ارة الغامديني والزهرانيني قبل الإ�س�ل�ام‪ ،‬مثل‬
‫الإ�ش ��ارة �إىل �أن�س ��ابهم‪ ،‬وبع�ض من �ص ��راعاتهم وحروبهم مع بع�ض ��هم البع�ض‪� ،‬أو مع‬
‫جريانهم‪� ،‬أو مع بع�ض القوى �أو القبائل العربية القدمية‪ ،‬مثل‪ :‬قري�ش‪ ،‬وثقيف‪ ،‬وخثعم‪،‬‬
‫وبجيل ��ة‪ ،‬ومذحج‪ ،‬ومتيم وغريهم(‪.)5‬كما �أن هناك معلومات ال ب�أ�س بها عن عقائدهم‬
‫وبع�ض �أ�ص ��نامهم(‪ ،)6‬و�شعرائهم (‪ ،)7‬و�أحيان ًا �ص�ل�اتهم االجتماعية واالقت�صادية فيما‬

‫((( انظر‪ :‬مو�سوعة اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬مج (‪� ،)16‬ص ‪113‬ـ ‪173 ،132‬ـ ‪. 186‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل م�شاهدات الباحث يف منطقة الباحة يف نهاية عام (‪1433‬هـ ‪2012 /‬م ) ‪.‬‬
‫((( طريق البخور من الطرق الرئي�سية يف جزيرة العرب قبل الإ�سالم‪ ،‬ومازالت �أجزاء منه ماثلة للعيان يف بع�ض �أجزاء‬
‫من منطقة الباحة ال�شرقية‪ ،‬وقد �سلكه احلجاج والتجار واجلنود وغريهم يف ع�صور الدولة الإ�سالمية ‪ .‬م�شاهدات‬
‫الباحث لأجزاء من هذا الطريق يف نهاية عام ( ‪1433‬هـ ‪2012 /‬م ) ‪.‬‬
‫((( ن�أمل من جامعة و�إمارة الباحة �أن تتعاونا فيما بينهما وت�ؤ�س�س ��ا كلية �أو ق�س ��م ًا �أو مركز ًا للبحث العلمي يتخ�ص ���ص‬
‫بدرا�س ��ة التاري ��خ القدمي والآثار والنقو�ش والر�س ��ومات ال�ص ��خرية اخلا�ص ��ة بب�ل�اد غامد وزه ��ران �أو بالد تهامة‬
‫وال�سراة‪ ،‬ومن يقوم بدعم وخدمة هذا امل�شروع ف�سوف ي�سدي لأهل البالد بل لطالب العلم معروف ًا كبري ًا ‪.‬‬
‫((( اطلعنا على عدد من كتب الرتاث التي تذكر دور غامد وزهران يف بع�ض الأيام �أو احلروب ال�سابقة للإ�سالم‪ .‬وقبائل‬
‫تهامة وال�سراة ت�ستحق �أن يخرج عنها درا�سات علمية يف هذا الباب ‪.‬‬
‫((( من الأ�صنام التي كانت م�شهورة يف بالد غامد وزهران �أو قريبة منها �أوثان‪ :‬ذو اخلل�صة‪ ،‬وذو الكفني وغريهما‪.‬‬
‫((( من �أعالم و�ش ��عراء غامد وزهران قبل الإ�سالم‪ ،‬الطفيل بن عمرو الدو�سي‪ ،‬و�سواد بن قارب الدو�سي‪ ،‬واحلارث بن‬
‫الطفيل الدو�س ��ي‪ ،‬وال�ش ��نفرى‪ ،‬وهناك من قال �إنه ينت�سب يف رجال احلجر‪ ،‬و�أبو�أزيهر الدو�سي‪ ،‬وحممة بن احلارث‬
‫الدو�س ��ي‪ ،‬وعمرو بن حممة الدو�س ��ي‪ .‬ونقول �إن درا�سة احلياة الأدبية و�ش ��عراء و�أعالم غامد وزهران قبل الإ�سالم‬
‫مو�ضوع جيد وي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لر�سالة �أو كتاب علمي ‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫بينهم بني �أو مع بع�ض القبائل الأخرى يف احلجاز واليمن وتهامة وغريها(‪.)1‬‬
‫ويف املحاور التالية �س ��وف ن�ش�ي�ر �إىل بع�ض ال�ص ��فحات التاريخية واحل�ض ��ارية لبالد‬
‫غامد وزهران ( منطقة الباحة) خالل الع�ص ��ور الإ�س�ل�امية املختلفة منذ فجر الإ�س�ل�ام‬
‫حتى وقتنا احلا�ض ��ر‪ ،‬ومن هذه ال�ص ��فحات ما يركز على التاريخ ال�سيا�س ��ي‪ ،‬و�أخرى على‬
‫بع�ض ال�صور احل�ضارية يف الع�صر احلديث (‪.)2‬‬
‫ثاني ًا ‪� :‬ص��فحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران )ال�سيا�س��ي (ق ‪1‬هـ ـ‬
‫ق‪15‬هـ‪ /‬ق ‪7‬م ـ ق‪21‬م )‪:.‬‬
‫‪1‬ـ وقفة مع تاريخ الباحة ( غامد وزهران ( ق‪ 1‬ـ ق‪10‬هـ ‪/‬ق‪7‬هـ ـ ق ‪ 16‬م ) ‪.‬‬
‫بالد الباحة ( غامد وزهران ) جزء ب�س ��يط من بالد تهامة وال�س ��راة(‪ ،)3‬وهذه النواحي‬
‫ي�ش ��وب تاريخها القدمي والإ�سالمي املبكر والو�س ��يط الكثري من الغمو�ض لعدم وجود م�صادر‬
‫موثوقة ت�ش ��رح لنا �أحداثها ال�سيا�سية وتطورها احل�ض ��اري‪ ،‬وهذا ال يعني �أنه لي�س لها تاريخ‪،‬‬
‫ف�أر�ض ��ها عامرة بخرياتها‪ ،‬م�أهولة ب�س ��كانها‪ ،‬لكن امل�ؤرخني الأوائل مل ير�صدوا تاريخها‪ ،‬كما‬
‫فعلوا مع بع�ض احلوا�ض ��ر الإ�سالمية يف اجلزيرة العربية‪� ،‬أو الأم�صار الإ�سالمية الأخرى(‪.)4‬‬
‫ووعورة جغرافيتها‪ ،‬و�صعوبة و�شدة ب�أ�س �أهلها من الأ�سباب الرئي�سية التي جعلتها يف من�أى عن‬
‫امل�ؤرخني والرحالة و�أ�ص ��حاب القلم فلم يرتادوها ومل ي�س ��جلوا تاريخها لعدم و�صولهم �إليها‪،‬‬
‫و�إن ُذك ��رت يف بع� ��ض املدونات التاريخية املبكرة‪ ،‬فذلك عن طريق الرواة �أو بع�ض ال�س ��رويني‬
‫والتهاميني الذين خرجوا من �أوطانهم �إىل �أ�صقاع العامل الإ�سالمي‪ ،‬ومن ثم رووا ونقلوا بع�ض‬
‫الأح ��داث والأن�س ��اب والأخبار عن بالدهم �إىل بع�ض امل�ص ��نفني ومدوين الرتاث الإ�س�ل�امي‪،‬‬
‫ومن ثم و�صلتنا بع�ض ال�شذرات املخت�صرة واملنوعة عن هذه البالد العربية الأ�صيلة(‪.)5‬‬

‫((( درا�س ��ة احلياة االجتماعية واالقت�ص ��ادية يف غامد وزهران‪ ،‬و�ص�ل�اتهم االجتماعية واالقت�ص ��ادية مع احلجاز من‬
‫العناوين اجلديدة يف بابها واجلديرة بالبحث والدرا�س ��ة من قبل امل�ؤرخني والآثاريني‪ ،‬وهذه م�س� ��ؤوليات اجلامعات‬
‫و�أق�سامها العلمية والأكادميية املتخ�ص�صة ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( ال ندعي الكمال فيما �سوف ندون‪ ،‬ولكن نرجو �أن نلفت الأنظار �إىل بع�ض الق�ضايا العلمية املهمة‪ ،‬ونفتح �أبوبا يدخل‬
‫من خاللها الباحثات والباحثون اجلادون الذين ي�ص ��وبون ما �أخط�أنا فيه‪� ،‬أو ي�س ��تكملون ما مل ن�س ��تطيع �أن ن�أتي به‬
‫‪.‬ون�س�أل اهلل �أن ي�صلح قلوبنا ويوفقنا جميع ًا �إىل كل خري ‪.‬‬
‫((( ب�ل�اد تهام ��ة وال�س ��راة‪ ،‬الديار الواقعة بني اليم ��ن واحلجاز‪ ،‬وقد �أخرجن ��ا عنها العديد من الدرا�س ��ات املختلفة يف‬
‫عناوينها و�أزمانها‪.‬‬
‫((( مثل مدن الطائف‪ ،‬ومكة املكرمة‪ ،‬واملدينة املنورة يف احلجاز‪ ،‬و�صنعاء و زبيد و�صعدة يف اليمن ‪� .‬أما احلوا�ضر الإ�سالمية‬
‫خارج اجلزيرة العربية فهي كثرية يف ال�شام والعراق وم�صر وبالد املغرب والأندل�س وغريها من بلدان العامل الإ�سالمي ‪.‬‬
‫((( لنا بحث نعمل عليه منذ زمن‪ ،‬وعنوانه تقريب ًا ‪ :‬بالد تهامة وال�سراة يف كتب الرتاث الإ�سالمي‪ ،‬ون�أمل �أن يرى النور‬
‫قريب ًا ( ب�إذن اهلل تعاىل ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪18‬‬
‫وحديثن ��ا ع ��ن تاري ��خ وح�ض ��ارة الباح ��ة ( غام ��د وزه ��ران ) من ��ذ الق ��رن الهج ��ري الأول‬
‫( ال�س ��ابع امليالدي ) �إىل القرن العا�ش ��ر الهجري ( ال�س ��اد�س ع�شر امليالدي ) لن يكون جديد ًا �أو‬
‫مط ��و ًال بقدر م ��ا هو ذكر لعدد من بحوثنا �أو حتقيقاتنا املطبوعة ع ��ن تاريخ منطقة الباحة خالل‬
‫الع�صر الإ�سالمي املبكر والو�سيط(‪ ،)1‬التي ن�شرت خالل العقدين املا�ضيني وهي على النحو التايل‪:‬‬
‫‪1 .1‬بالد تهامة وال�س ��راة منذ فجر الإ�س�ل�ام حتى ال�س ��نة الثانية ع�ش ��رة للهجرة " درا�سة‬
‫من�ش ��ورة يف املجلة التاريخية امل�ص ��رية‪ ،‬مج (‪ )38‬ال�س ��نة (‪1991‬ـ ‪1995‬م )‪� ،‬ص ‪ 91‬ـ‬
‫‪ ،95‬ثم �أ�ضيف عليها معلومات جديدة و�أعيد ن�شرها يف جملة بيادر ال�صادرة من نادي‬
‫�أبها الأدبي ‪ .‬عدد (‪ ( )31‬رم�ض ��ان ‪1421‬هـ‪2000/‬م)‪� ،‬ص ‪17‬ـ ‪ ،47‬و�أخري ًا ن�شر هذا‬
‫البحث �أي�ض� � ًا يف كتابنا املو�س ��وم بـ ‪ :‬درا�س ��ات يف تاريخ تهامة وال�سراة خالل الع�صور‬
‫الإ�س�ل�امية املبكرة والو�سيطة (ق‪1‬ـ ق‪10‬هـ ‪/‬ق‪7‬ـ ق‪16‬م) ( الريا�ض‪ :‬مكتبة العبيكان‪،‬‬
‫‪1424‬هـ‪2003 /‬م) ‪ .‬اجلزء الأول‪� ،‬ص ‪21‬ـ ‪. 54‬‬
‫‪ "2 .2‬دور �أهل تهامة وال�س ��راة يف ميادين الفتوح الإ�س�ل�امية املبكرة يف �ص ��در الإ�سالم " ‪.‬‬
‫قدمت هذه الدرا�سة حما�ضرة على م�سرح كلية الرتبية ـ فرع جامعة امللك �سعود ب�أبها‪،‬‬
‫�ضمن �أن�ش ��طة اجلامعة خالل الف�صل الدرا�سي الثاين من العام اجلامعي (‪1415‬هـ‪/‬‬
‫‪1995‬م) ي ��وم االثنني املوافق (‪1415/10/19‬هـ)‪ ،‬ثم ن�ش ��رت كامل ��ة يف كتابنا الآنف‬
‫الذكر‪ ،‬واملو�سوم بـ ‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة‪ ،‬اجلزء الأول‪� ،‬ص ‪ 55‬ـ ‪. 91‬‬
‫‪ "3 .3‬بالد ال�س ��راة من خالل كتاب ‪� :‬ص ��فة جزيرة العرب للهمداين "‪ .‬درا�سة من�شورة يف‬
‫جمل ��ة الدارة )‪ ،‬العدد (‪ )3‬ال�س ��نة (‪ ( )19‬ربيع الآخ ��ر‪ ،‬اجلمادان ‪1414 /‬هـ )‪� ،‬ص‬
‫‪ 76‬ـ ‪ ،111‬ثم �أعيد ن�شرها مع بع�ض الإ�ضافات يف جملة بيادر ال�صادرة عن نادي �أبها‬
‫الأدبي‪ ،‬العدد (‪ )27‬جمادى الأوىل (‪1420‬هـ‪1999/‬م) �ص ‪14‬ـ ‪ ،44‬ثم ن�ش ��رت �أي�ض ًا‬
‫يف كتاب‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة‪ ،‬اجلزء الأول‪� ،‬ص ‪ 127‬ـ ‪. 164‬‬
‫‪ "4 .4‬بالد تهامة وال�س ��راة كما و�ص ��فها الرحالة اجلغرافيون امل�س ��لمون الأوائل (ق ‪3‬هـ ـ‬
‫‪ 8‬هـ) " درا�س ��ة من�ش ��ورة يف جملة امل�ؤرخ العربي ( القاهرة‪ ،‬مار�س ‪1994/‬م) ‪ .‬العدد‬
‫(‪ )2‬املجلد الأول‪� ،‬ص ‪ 73‬ـ ‪ ،100‬ثم �أعيد ن�ش ��رها يف جملة بيادر ال�ص ��ادرة عن نادي‬
‫�أبها الأدبي ‪ .‬عدد (‪ ( )29‬املحرم ‪1421/‬هـ‪2000/‬م)‪� ،‬ص ‪63‬ـ ‪ ،94‬ثم ن�ش ��رت �أخري ًا‬
‫يف كتاب‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة‪ ،‬اجلزء الأول‪� ،‬ص ‪165‬ـ ‪.169‬‬
‫‪ "5 .‬ال�ص�ل�ات الدعوية بني الر�س ��ول ﷺ وبني �أهل تهامة وال�س ��راة ( درا�سة تاريخية )‬
‫" درا�س ��ة من�شورة �ضمن مداوالت اللقاء العلمي ال�ساد�س بجمعية التاريخ والآثار بدول‬
‫((( جمي ��ع البح ��وث والكت ��ب املذك ��ورة يف ه ��ذه ال�ص ��فحات من�ش ��ورة اليكرتوني ��ا عل ��ى موقعن ��ا (املوق ��ع الر�س ��مي‬
‫للأ�ستاذ الدكتور ‪ /‬غيثان بن جري�س )‬
‫‪19‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية‪ ،‬والذي عقد يف دول الكويت ال�شقيقة من ( ‪11‬ـ‪/12‬‬
‫ربيع الأول ‪1426‬هـ املوافق ‪20‬ـ ‪� /11‬أبريل‪2005 ،‬م)‪� ،‬ص ‪ 157‬ـ ‪ ،211‬وقد �أعيد ن�شرها‬
‫كتابي ‪ )1( :‬درا�سات يف تاريخ �إفريقيا واجلزيرة العربية خالل الع�صور الإ�سالمية‬ ‫يف ّ‬
‫( ج ��ازان ‪ :‬ن ��ادي جازان الأدبي‪1428 ،‬ه� �ـ‪2007/‬م)‪� ،‬ص ‪13‬ـ ‪ )2( . 64‬درا�س ��ات يف‬
‫تاريخ تهامة وال�س ��راة خالل القرون الإ�س�ل�امية املبكرة والو�س ��يطة (ق‪1‬ـق‪10‬هـ‪/‬ق‪7‬ـ‬
‫ق‪16‬م)‪ .‬امل�س ��مى تاريخ اجلنوب ( الباحة‪ ،‬وع�س�ي�ر‪ ،‬وجازان‪ ،‬وجن ��ران) ( الريا�ض‪:‬‬
‫مطابع احلمي�ضي‪ 31 ،‬ـ ‪1432‬هـ‪10/‬ـ‪2011‬م)‪ ،‬اجلزء الثاين‪� ،‬ص ‪ 27‬ـ ‪. 98‬‬
‫‪ " 6 .6‬بالد ال�سراة يف الع�صر الأموي ‪ :‬درا�سة لبع�ض مظاهر احل�ضارة " ‪ .‬بحث قدم �ضمن‬
‫�أعم ��ال الندوة العاملية الرابعة لدار�س ��ات تاريخ اجلزيرة العربية ‪.‬اجلزيرة العربية يف‬
‫الع�ص ��ر الأم ��وي (الأحد‪-‬الثالث ��اء ‪1420/11/9-7‬هـ‪13/‬ـ‪/15‬نوفم�ب�ر‪2000/‬م)‪،‬‬
‫جامعة امللك �سعود‪ ،‬كلية الآداب ‪ .‬ون�شر يف الكتاب الرابع من درا�سات اجلزيرة العربية‬
‫اخلا�ص بالع�ص ��ر الأموي‪� ،‬ص ‪149‬ـ ‪ ،164‬ثم �أعيد ن�ش ��ره �أي�ض� � ًا يف كتاب‪ ،‬درا�سات يف‬
‫تاريخ تهامة وال�سراة ‪ .‬اجلزء الثاين‪� ،‬ص ‪99‬ـ ‪. 132‬‬
‫‪ "7 .7‬تاريخ منطقة الباحة خالل الع�صورالإ�س�ل�امية املبكرة والو�سيطة " ‪ .‬بحث من�شور‬
‫يف مو�س ��وعة اململك ��ة العربية ال�س ��عودية ( الريا�ض ‪ :‬مكتبة امللك عب ��د العزيز العامة‪،‬‬
‫‪1428‬هـ) ‪ .‬املجلد ال�ساد�س ع�شر‪� ،‬ص ‪ 133‬ـ ‪ ،151‬ثم �أعيد ن�شره حتت م�سمى " التطور‬
‫التاريخ ��ي ملنطق ��ة الباحة خالل الع�ص ��ور الإ�س�ل�امية املبكرة والو�س ��يطة " يف كتاب‪:‬‬
‫درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة‪ ،‬اجلزء الثاين‪� ،‬ص‪133‬ـ‪. 190‬‬
‫‪ "8 .8‬تنبيه ��ات ح ��ول تاري ��خ منطقة الباحة للدكتور جمعان عب ��د الكرمي الغامدي " بحث‬
‫من�شور يف كتاب‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة ‪ .‬اجلزء الثاين‪� ،‬ص ‪ 191‬ـ ‪. 250‬‬
‫‪ " 9 .9‬الباحة ( بالد غامد وزهران ) يف عيون بع�ض الرحالني امل�س ��لمني وغري امل�س ��لمني ‪.‬‬
‫بحث من�شور يف كتابنا ‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( الباحة وع�سري ) ( الريا�ض‪:‬‬
‫مطابع احلمي�ضي‪1434 ،‬هـ‪2013/‬م)‪ ،‬اجلزء اخلام�س‪� ،‬ص‪21‬ـ ‪. 91‬‬
‫‪� "1010‬صور من تاريخ منطقة الباحة احل�ضاري خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬
‫واحلديث ��ة ‪ .‬للدكتور جمعان عبد الكرمي الغامدي " دار�س ��ة من�ش ��ورة يف كتاب ‪ :‬القول‬
‫املكتوب يف تاريخ اجلنوب (الباحة وع�سري )‪ ،‬اجلزء اخلام�س‪� ،‬ص ‪ 92‬ـ ‪. 158‬‬
‫‪ "1111‬ق ��راءة وت�ص ��ويبات يف كت ��اب ‪ :‬درا�س ��ات يف تاري ��خ تهامة وال�س ��راة خ�ل�ال القرون‬
‫الإ�س�ل�امية املبك ��رة والو�س ��يطة ( ق‪1‬ـ ق‪10‬ه� �ـ ‪/‬ق‪7‬ـ‪16‬م ) ‪ .‬اجلزء الث ��اين ( حتديد ًا‬
‫منطقة الباحة ) للأ�س ��تاذ علي بن حممد بن �س ��دران الزهراين ‪ .‬درا�س ��ة من�شورة يف‬
‫كتاب ‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬اجلزء اخلام�س‪� ،‬ص ‪ 269‬ـ ‪. 286‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪20‬‬
‫‪�1212‬إي�ض ��احات‪ ،‬و�إ�ض ��افات‪ ،‬وانتقادات‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�ش ��ورة يف كتاب ‪ :‬القول‬
‫املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬اجلزءان " الثالث ‪ ،‬واخلام�س " ‪ .‬للأ�ستاذ علي بن حممد‬
‫بن �سدران الزهراين ‪ .‬وهي درا�سة من�شورة يف الق�سم الثالث من كتاب‪ :‬القول املكتوب‬
‫يف تاريخ اجلنوب ‪ .‬اجلزء ال�سابع‪� ،‬ص ‪. 241 – 190‬‬
‫ورمب ��ا يقول قائل‪ ،‬م ��ا هي الفائدة من �إدراج عناوين هذه البحوث والدرا�س ��ات حتت‬
‫مبحث ‪ :‬الباحة ( غامد وزهران ) ( ق‪ 1‬ـ ق‪10‬هـ‪/‬ق‪ 7‬ـ ق ‪16‬م )‪ ،‬ويرتاءى للقارئ �أنه �سوف‬
‫يجد حتت هذا العنوان تف�ص ��يالت تاريخية عن منطقة الباحة خالل الع�ص ��ر الإ�س�ل�امي‬
‫املبكر والو�سيط‪ ،‬و�إجابتنا عن هذا الت�سا�ؤل‪ ،‬هي على النحو التايل ‪:‬‬
‫‪�1 .1‬إن جميع هذه الدرا�س ��ات‪ ،‬وعددها (‪ )12‬درا�س ��ة مطبوعة ومن�شورة يف �أكرث من وعاء‬
‫علمي ت�صب يف تاريخ تهامة وال�سراة ب�شكل عام‪ ،‬وتاريخ بالد غامد وزهران ( منطقة‬
‫الباحة ) خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة ب�شكل خا�ص ‪.‬‬
‫‪2 .2‬الدرا�سات ال�ست الأوىل ( ‪ ) 6 ، 5 ، 4 ، 3 ، 2 ، 1‬تدر�س جوانب تاريخية وح�ضارية لبالد‬
‫تهامة وال�سراة‪ ،‬ومنطقة الباحة جزء منها‪ ،‬خالل الع�شرة قرون الإ�سالمية الأوىل (‪.)1‬‬
‫‪3 .3‬الدرا�سات ال�ست الأخرية ( ‪ )12 ، 11 ، 10 ، 9 ، 8 ، 7‬تدور بن�سبة كبرية جد ًا يف فلك‬
‫تاريخ وح�ضارة منطقة الباحة ( غامد وزهران ) منذ فجر الإ�سالم �إىل القرن العا�شر‬
‫الهجري ( ال�ساد�س ع�شر امليالدي ) ‪.‬‬
‫‪4 .4‬ذكر هذه الدرا�س ��ات وتبيان �أماكن و�س ��نوات ن�ش ��رها مهم جد ًا ملن �أراد معرفة بع�ض‬
‫التف�ص ��يالت التاريخية واحل�ض ��ارية املتعلقة مبنطقة الباحة خالل الع�صر الإ�سالمي‬
‫املبكر والو�س ��يط‪ ،‬وللإن�ص ��اف ال ندعي �إعطاء �ص ��ورة كاملة ووا�ض ��حة وتف�صيلية عن‬
‫تاريخ هذه البالد يف الزمن املذكور �آنف ًا‪ ،‬ولكننا نقول �إنها حتتوي على معلومات ح�سنة‬
‫مل ��ن �أراد الدرا�س ��ة والبح ��ث عن ه ��ذه البالد التي تعاين غمو�ض� � ًا ونق�ص� � ًا كبريين يف‬
‫تاريخها املكتوب ‪.‬‬
‫‪5 .5‬وحت ��ى ن�س ��هل على الطال ��ب �أو القارئ �أو الباح ��ث نقول �إن جميع الدرا�س ��ات املذكورة‬
‫�أعاله �أ�شارت �إىل جزئيات من تاريخ بالد غامد وزهران يف عهد الر�سول ﷺ وع�صور‬
‫اخللفاء الرا�ش ��دين ( ر�ض ��وان اهلل عليهم)‪ ،‬وبني �أمية وبني العبا�س‪ ،‬و�إذا نظرنا �إىل‬

‫((( م ��ازال هناك درا�س ��ات �أخرى عديدة مطبوعة ومن�ش ��ورة عن �أوطان تهامة وال�س ��راة‪ ،‬ومل نوردها يف هذا الق�س ��م‪،‬‬
‫ويوج ��د فيها بع�ض التف�ص ��يالت عن بالد غامد وزهران يف القرون الإ�س�ل�امية املبك ��رة ‪ .‬للمزيد‪ ،‬انظر‪ :‬غيثان ابن‬
‫جري�س ‪ .‬درا�س ��ات يف تاريخ تهامة وال�س ��راة‪ ،‬اجلزءان الأول والثاين‪ ،‬وجمموع �ص ��فحات هذين اجلزئني تزيد عن‬
‫الألف �صفحة ‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫ن�س ��بة ح�ض ��ور ذكر �أهل وتاريخ بالد غامد وزهران يف الأبحاث ال�س ��ابقة ف�إن ع�ص ��ر‬
‫الر�سول ( ﷺ ) فاز بالن�صيب الأكرب‪ ،‬يليه ع�صر اخللفاء الرا�شدين ‪� .‬أما الع�صران‬
‫الأموي والعبا�س ��ي والقرون الإ�سالمية الو�سيطة (الثامن‪ ،‬والتا�سع‪ ،‬والعا�شر) للهجرة‬
‫فهي �أقل حظ ًا ون�ص ��يب ًا مما �س ��بقها‪ ،‬بل �إن تاريخ املنطقة الباحوية منذ القرن الثاين‬
‫�إىل العا�ش ��ر الهجري يكاد يكون مغيب ًا يف معظم كتب الرتاث الإ�س�ل�امي‪ .‬وحتى نهون‬
‫عل ��ى الباحث �أو ن�س ��اعده �إذا رغ ��ب يف البحث يف تاريخ منطق ��ة الباحة خالل القرون‬
‫الإ�س�ل�امية املبكرة والو�سيطة‪ ،‬ف�إننا نذكر بع�ض التوجيهات �أو الن�صائح التي قد تعينه‬
‫يف بحثه‪ ،‬وتدله على الأماكن �أو امل�ص ��ادر الرئي�سية‪� ،‬أو املو�ضوعات اجلديرة بالدرا�سة‬
‫التي قد تعك�س بع�ض ال�صور التاريخية لهذه الأوطان التهامية وال�سروية ‪.‬‬
‫�أ ـ يج ��ب عل ��ى الباحث يف تاريخ هذه البالد �أن ال يح�ص ��ر نف�س ��ه يف فرع واحد من‬
‫كتب الرتاث الإ�س�ل�امي‪ ،‬فمث ُال ي�س ��عى �إىل االطالع فقط عل ��ى الكتب التاريخية‬
‫البحت ��ة العامة �أو املقت�ص ��رة على مو�ض ��وع حمدد (‪ ،)1‬و�إمن ��ا الواجب البحث يف‬
‫معظم كتب الرتاث مثل‪ :‬امل�صادر ال�شرعية كالقر�آن وعلومه‪ ،‬وكتب ال�سنن‪ ،‬وكتب‬
‫الفقه والأموال ‪ .‬وامل�ص ��ادر اللغوية كاملعاجم اللغوية‪ ،‬وكتب اللغة والأدب بجميع‬
‫فروعه ��ا ‪ .‬وامل�ص ��ادر التاريخي ��ة احلولية‪ ،‬وتواري ��خ البلدان‪ ،‬وال�س�ي�ر والرتاجم‬
‫والطبقات ‪ .‬وامل�صادر اجلغرافية ومعاجم البلدان وكتب الرحالت وامل�شاهدات‪.‬‬
‫والكت ��ب املو�س ��وعية مثل‪ :‬نهاية الأرب يف فنون الأدب للنويري‪ ،‬و�ص ��بح الأع�ش ��ى‬
‫للقلق�ش ��ندي‪ ،‬وم�سالك املمالك للعمري وغريها‪ ،‬كما يجب االطالع على م�صادر‬
‫�أخ ��رى متنوعة مثل‪ :‬كت ��ب املعادن‪ ،‬والنبات ��ات‪ ،‬واحليوانات‪ ،‬والفل ��ك والنجوم‪،‬‬
‫والأنواء وغريها ‪ .‬ومن يجتهد يف احل�صول على معلومات من هذه امل�صادر ف�إنه‬
‫بدون �شك �سوف يعرث على قدر الب�أ�س به عن تاريخ هذه الأوطان ‪ .‬وقد �أ�صبحت‬
‫الكثري من م�ص ��ادر الرتاث الإ�س�ل�امي مطبوعة وحمققة ومن�ش ��ورة‪ ،‬لكن مازال‬
‫هناك جزء خمطوط ورمبا مفقود و�إذا عرث على قدر من هذه امل�صادر فقد يجد‬
‫الباحث �أحيان ًا �ضالته املن�شودة‪.‬‬
‫ب ـ رمب ��ا كان تاري ��خ منطقة الباحة من القرن الثاين �إىل العا�ش ��ر الهجري قليل يف‬
‫امل�ص ��ادر الآنف ذكرها ولكن باالطالع على تواريخ اليمن �أو ال�سروات �أو احلجاز‬
‫يف الكت ��ب الإ�س�ل�امية الرتاثية فقد جند �إ�ش ��ارات �أو مقاربات �أو ت�ش ��ابهات �إىل‬

‫((( كت ��ب التاري ��خ العامة مثل‪ :‬تاري ��خ الأمم و امللوك للطربي‪ ،‬والكام ��ل يف التاريخ البن الأث�ي�ر‪ ،‬وتواريخ ابن كثري وابن‬
‫خل ��دون وغريهما ‪� .‬أما الكتب املتخ�ص�ص ��ة فمث ��ل ‪ :‬تاريخ املدن والنواحي‪� ،‬أو تاريخ الرجال‪� ،‬أو التاريخ ال�سيا�س ��ي و‬
‫احل�ضاري املحدد بالزمان واملكان ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪22‬‬
‫بع� ��ض ال�ص ��ور التاريخية الباحوية‪ ،‬والدار�س ل�س ��كان هذه البالد يجدهم يعي�ش ��ون‬
‫يف �أوطانهم منذ الع�ص ��ور القدمية وعرب ع�ص ��ور التاريخ الإ�س�ل�امي‪ ،‬ومن ثم فهم‬
‫�أ�صحاب تاريخ وفكر وح�ضارة‪ ،‬و�إن مل يدون يف امل�صادر الإ�سالمية الأولية‪ ،‬والتعويل‬
‫على الدرا�سات الأثرية مهم جد ًا ويجب احلر�ص على هذا امل�صدر املهم الذي يك�شف‬
‫لنا عن �صفحات تاريخية قيمة ي�صعب �أن جندها يف �أي م�صدر �أو مكان �آخر ‪.‬‬
‫ج ـ هناك الكثري من ال�ص�ل�ات الن�س ��بية واالجتماعي ��ة واالقت�ص ��ادية والثقافية بني‬
‫�س ��كان منطقة الباحة مع بع�ض ��هم البع�ض‪ ،‬ومع بع�ض املراكز احل�ضارية يف بالد‬
‫تهامة وال�س ��راة‪ ،‬ومع �أهل احلجاز وبخا�ص ��ة �س ��كان الطائف ومك ��ة املكرمة وما‬
‫حوله ��ا‪ ،‬وبالت ��ايل فالباحث يف تاري ��خ الباحة يج ��ب عليه االطالع على م�ص ��ادر‬
‫تاري ��خ تلك البلدان املجاورة لعله يجد ما يو�ض ��ح له بع� ��ض اجلزئيات املجهولة �أو‬
‫الغام�ض ��ة‪ .‬ومن خالل اطالعنا على بع�ض م�ص ��ادر تاريخ احلجاز وبخا�صة مكة‬
‫املكرمة وجدنا �أن هناك �صالت �سيا�سية وح�ضارية قدمية وعميقة بني احلجازيني‬
‫والغامديني والزهرانيني‪ ،‬بل وجدنا مواطن عديدة يف بالد غامد وزهران �سكانها‬
‫م ��ن احلجازي�ي�ن ومواق ��ع �إداري ��ة وجتارية وغريه ��ا يف حا�ض ��رتي الطائف ومكة‬
‫املكرمة و�أ�صحابها من �أهل ال�سراة كالغامديني والزهرانيني وغريهم ‪.‬‬
‫ومن املو�ضوعات والعناوين اجلديرة بالبحث يف تاريخ منطقة الباحة خالل‬
‫الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة ( ق‪1‬ـ ق‪10‬هـ‪/‬ق‪7‬ـ ق‪16‬م ) ما يلي ‪:‬‬
‫‪�1 .1‬س ��روات غامد وزهران وتهامتها قبيل الإ�سالم مبا�شرة ت�ستحق العديد من الدرا�سات‬
‫ال�سيا�سية والع�سكرية واالجتماعية واالقت�صادية واللغوية والأدبية ‪.‬‬
‫‪2 .2‬دور غامد وزهران يف ا�ستقبال الدعوة الإ�سالمية‪ ،‬ثم �إ�سهاماتهم التاريخية واحل�ضارية‬
‫يف بالدهم وخارجها يف عهد الر�سول ﷺ واخللفاء الرا�شدين ‪.‬‬
‫‪3 .3‬ب�ل�اد غامد وزهران يف ع�ص ��ر الدولة الأموية‪ ،‬وموقف �أهلها من الأحداث ال�سيا�س ��ية التي‬
‫وقعت يف نهاية ع�صر اخللفاء الرا�شدين وخالل العهد الأموي (‪60‬ـ‪132‬هـ‪679 /‬ـ ‪ 749‬م) ‪.‬‬
‫‪4 .4‬تاريخ غامد وزهران خالل الع�ص ��ر العبا�س ��ي ( ‪132‬ـ ‪656‬هـ ‪749 /‬ـ ‪1258‬م )‪ .‬وهذا‬
‫التاريخ ي�ش ��مل حي ��اة الزهراني�ي�ن والغامديني يف �أوطانهم‪ ،‬و�إ�س ��هاماتهم ال�سيا�س ��ية‬
‫واحل�ضارية يف �أرجاء الدولة العبا�سية‪� ،‬أو �أرجاء العامل الإ�سالمي �آنذاك ‪.‬‬
‫‪�5 .5‬أع�ل�ام غام ��د وزهران منذ فجر الدولة الإ�س�ل�امية �إىل نهاية الع�ص ��ر العبا�س ��ي عام‬
‫(‪656‬هـ‪1258/‬م) ‪.‬‬
‫‪6 .6‬غامد وزهران ( منطقة الباحة ) منذ القرن (‪10- 7‬هـ‪16-13 /‬م ) ( درا�سة تاريخية‬
‫ح�ضارية)‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫‪7 .7‬ال�ص�ل�ات التاريخية بني احلجاز وبالد غامد وزهران خالل ع�ش ��رة قرون (ق‪1‬ـ‪10‬هـ‪/‬‬
‫‪7‬ـ‪16‬م) ‪.‬‬
‫‪8 .8‬العالق ��ات التاريخي ��ة واحل�ض ��ارية ب�ي�ن غام ��د وزه ��ران و�أه ��ل اليمن خ�ل�ال القرون‬
‫الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة ‪.‬‬
‫‪9 .9‬م�ش ��اهري غامد وزهران يف الطائف‪� ،‬أو مكة املكرمة‪� ،‬أو املدينة املنورة خالل الع�ص ��ر‬
‫الإ�سالمية املبكر ( ق‪3-1‬هـ ‪9 - 7 /‬م ) �أو الو�سيط ( ق‪10-4‬هـ‪16-10 /‬م ) ‪.‬‬
‫‪ 1010‬درا�س ��ة لغ ��ة الغامدي�ي�ن والزهرانيني وف�ص ��احتهم خ�ل�ال القرون الإ�س�ل�امية الأوىل‬
‫(ق‪8 -2‬هـ‪ /‬ق‪14-8‬م)‪.‬‬
‫‪2‬ـ خال�صة تاريخ الباحة احلديث ( ق‪10‬ـ ق‪15‬هـ‪/‬ق‪16‬ـ ق‪21‬م) ‪:‬‬
‫�أ ـ تاريخ الباحة ( ق‪10‬هـ حتى �أوائل القرن ‪13‬هـ‪16/‬ـ ‪19‬م ) ‪.‬‬
‫كان ��ت منطق ��ة الباح ��ة ( غامد وزهران ) عرب ع�ص ��ور التاريخ الإ�س�ل�امي الو�س ��يط‬
‫واحلديث تخ�ض ��ع لنفوذ �شيوخها و�أعيانها‪ ،‬ومل تكن فع ًال ت�أمتر ب�أمر غريهم (‪ ،)1‬وجند يف‬
‫بع�ض امل�ص ��ادر احلجازية �أن قبائل غامد وزهران كانت على �ص�ل�ات جيدة ب�أهل احلجاز‬
‫وبخا�صة �إمارة الأ�شراف يف مكة املكرمة (‪ ،)2‬ففي عام (‪812‬هـ‪1409/‬م) نرى �شريف مكة‬
‫ح�س ��ن بن عجالن (ت ‪829‬هـ‪1425/‬م) يطلب العون واملدد من قبائل ال�س ��راة مثل‪ :‬غامد‬
‫وزهران وغريها ل�صد بع�ض االعتداءات اململوكية على احلجاز(‪.)3‬‬

‫((( هن ��اك بع� ��ض امل�ص ��ادر الإ�س�ل�امية املبك ��رة مث ��ل ‪ :‬تاري ��خ امل�ستب�ص ��ر الب ��ن املج ��اور‪ ،‬ونا�ص ��ر خ�س ��رو يف كتاب ��ه‬
‫( �س ��فرنامة)‪ ،‬واملقد�س ��ي يف كتابه ( �أح�سن التقا�سيم يف معرفة الأقاليم ) ت�ؤكد هيمنة القبيلة على البالد التهامية‬
‫وال�سروية خالل ع�صور �إ�سالمية خمتلفة‪ ،‬وهناك �أي�ض ًا مئات الوثائق احلديثة التي تذكر �سطوة قبائل �أهل ال�سراة‬
‫وكي ��ف كانت �ص ��احبة احلل والعقد يف بالده ��ا ومع جريانها ‪ .‬حبذا �أن يق ��وم �أحد الباحثني فيدر�س �أو�ض ��اع قبائل‬
‫ال�سراة ال�سيا�سية خالل القرون الإ�سالمية الو�سيطة واحلديثة املبكرة‪ ،‬وكيف كانت عالقاتها مع بع�ضها البع�ض �أو مع‬
‫جريانها من القبائل والقوى ال�سيا�سية الأخرى ‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬ابن جري�س‪ ،‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة ( ق‪1‬ـ ق‪10‬هـ‬
‫‪ /‬ق‪ 7‬ـ ق‪16‬م )‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪ 175‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( �أهل تهامة وال�س ��راة ومنهم غامد وزهران يرتادون مكة املكرمة با�س ��تمرار‪ ،‬وذلك لأداء احلج والعمرة‪ ،‬واملتاجرة‪،‬‬
‫وبع�ضهم ا�ستوطنوا احلجاز واختلطوا ب�أهلها �سيا�سي ًا و�إداري ًا واجتماعي ًا وثقافي ًا ‪ .‬للمزيد عن �أ�شراف مكة �سيا�سي ًا‬
‫وح�ض ��اري ًا‪ ،‬وعن �أهل ال�س ��راة وات�ص ��الهم باحلج ��از انظر رحلتي ابن جب�ي�ر وابن بطوطة‪ ،‬وتاريخ امل�ستب�ص ��ر البن‬
‫املجاور و�أي�ض� � ًا �أحمد ال�س ��باعي ‪ .‬تاريخ مك ��ة ( الريا�ض ‪ :‬مطبعة العبيكان‪1419 ،‬ه� �ـ‪1999/‬م )‪ ،‬ج‪� ،1‬ص ‪ 330‬وما‬
‫بعدها‪ ،‬انظر �أي�ض ًا مو�سوعة اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬مج (‪� ،)16‬ص ‪ 150‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( كانت احلجاز حتت نفوذ دولة املماليك يف م�ص ��ر‪ ،‬فهي تعني من تريد من الأ�ش ��راف وتعزل من تريد‪ ،‬ويف كثري من‬
‫الأحيان يحدث �ص ��دام بني �أمراء الأ�شراف على ال�س ��لطة يف احلجاز‪ ،‬ونتيجة لتلك ال�صراعات كانت قبائل ال�سراة‬
‫( غامد وزهران وما جاورهما ) تتورط يف تلك احلروب وذلك بت�أييد �أمري �ضد �آخر �أو قوة �ضد �أخرى ‪ .‬ونقول ‪� :‬إن‬
‫دور قبائل ال�سراة احلربي وال�سيا�سي يف احلجاز خالل القرون الإ�سالمية الو�سيطة واحلديثة ( ق‪4‬ـ ق‪13‬هـ ‪ /‬ق‪10‬‬
‫ـ ق ‪19‬م ) مو�ضوع ي�ستحق �أن يكون ر�سالة دكتوراه �أو عنوان ًا لكتاب علمي �أكادميي ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪24‬‬
‫ويف القرن العا�ش ��ر الهجري دخلت احلج ��از حتت نفوذ الإمرباطورية العثمانية‪ ،‬وبقي‬
‫الأ�ش ��راف احلكام املحليني ملكة املكرمة واملدينة املنورة وما جاورهما(‪ ،)1‬وال جند م�ص ��ادر‬
‫موثوق ��ة ت�ص ��ور لنا تاريخ بالد ال�س ��راة ب�ش ��كل عام �أو ب�ل�اد غامد وزهران ب�ش ��كل خا�ص‪،‬‬
‫لكنن ��ا نع�ث�ر على بع�ض ال�ش ��ذرات التي تذكر �أن �أمراء الأ�ش ��راف يف مك ��ة املكرمة كانوا يف‬
‫حروب �أهلية م�س ��تمرة من �أجل ال�س ��لطة والفوز بالإمارة‪ ،‬وكان بع�ضهم على �صالت دائمة‬
‫ببع�ض الزهرانيني والغامديني وغريهم من �أهل ال�سراة ليقدموا لهم امل�ساعدات احلربية‪،‬‬
‫وميدونه ��م ببع� ��ض املنتوجات الزراعي ��ة واحليوانية‪ ،‬و�أحيان� � ًا كان بع�ض �أمراء الأ�ش ��راف‬
‫يخرجون من مدن احلجاز الرئي�س ��ية متوجهني �إىل �س ��روات غامد وزه ��ران وما جاورها‪،‬‬
‫وذل ��ك من �أج ��ل الإقامة بني �أهلها �أو اال�س ��تعداد وطلب املدد ثم مهاجم ��ة �إخوانهم و�أبناء‬
‫عمومتهم من �أ�شراف مكة بهدف ال�سيطرة عليها‪ ،‬وطرد من كان يف �إمارتها(‪.)2‬‬
‫وق���د ي�س����أل �سائل‪ ،‬ماهي �أو�ضاع منطق���ة الباحة ( غامد وزهران ) التاريخية خالل‬
‫الق���رون الثالث���ة الأوىل يف الع�صر احلديث‪ ،‬وحتديداً من ع���ام ( ‪1218 -923‬هـ ‪-1516 /‬‬
‫‪1803‬م) ؟‪ ،‬و�إجاباتنا ح�سب قراءتنا يف كثري من امل�صادر والوثائق املتعلقة بتواريخ اليمن‬
‫واحلج���از وتهامة وال�سراة‪ ،‬وتواريخ الدولة العثمانية وغريها من الإمارات واحلكومات‬
‫والقوى املعا�صرة‪ ،‬هي على النحو التايل ‪:‬‬
‫‪1 .1‬هن ��اك الكثري م ��ن امل�ؤرخني العرب وامل�س ��لمني وغريه ��م حتدثوا عن تاري ��خ دولة بني‬
‫عثمان‪ ،‬فمنهم من ظلمها ومل يعطها حقها و�إمنا �س ��عى �إىل تعقب �س ��قطاتها وعيوبها‪،‬‬
‫و�آخ ��رون بالغ ��وا يف مدحها والثناء عليه ��ا وجتاهلوا ما وقعت فيه م ��ن �أخطاء‪ ،‬وفريق‬
‫ثالث وهم قلة وبخا�صة من العرب وامل�سلمني كانوا من�صفني �إىل حد ما فيما دونوا عن‬
‫هذه الإمرباطورية امل�س ��لمة‪ ،‬ونحن ال ننزه هذه الدولة الإ�س�ل�امية من العيب خ�صو�ص ًا‬
‫فيما يتعلق بتاريخ العرب وامل�س ��لمني‪ ،‬لكنها كانت دولة �إ�س�ل�امية �س ��نية ا�ستطاعت �أن‬
‫((( دخلت احلجاز حتت نفوذ الدولة العثمانية منذ القرن العا�شر الهجري ( ال�ساد�س ع�شر امليالدي ) وبقيت على هذا‬
‫احلال خالل ع�صر بني عثمان الأول حوايل ثالثة قرون ( ‪923‬ـ ‪1218‬هـ‪1516/‬ـ‪1803‬م) وبقي الأ�شراف هم �أمراء‬
‫احلجاز من قبل العثمانيني‪ ،‬ومعهم بع�ض القوى العثمانية التي ت�شارك يف حكم الديار احلجازية �سيا�سي ًا وع�سكري ًا‪.‬‬
‫((( الدار�س �أحوال احلجاز ال�سيا�س ��ية منذ القرن العا�ش ��ر الهجري �إىل بداية القرن الثالث ع�شر الهجري (‪16‬ـ‪19‬م)‪،‬‬
‫يجد �أن احلروب الأهلية بني الأ�ش ��راف كانت هي الطاغية يف �أنحاء البالد‪ ،‬والعثمانيون و�إن كانوا �أ�ص ��حاب النفوذ‬
‫الع ��ام على احلجاز وغريها كانوا م�ش ��غولني بحروب وم�ش ��اكل عديدة يف العامل‪ ،‬وترك ��وا �أر�ض احلجاز بل اجلزيرة‬
‫العربي ��ة يف �ص ��راعات وحروب دامية‪ ،‬وذلك مما �أث ��ر يف حياة النا�س االجتماعية واالقت�ص ��ادية والثقافية والعلمية‬
‫وغريه ��ا ‪ .‬ونق ��ول �إن درا�س ��ة �أحوال النا�س احل�ض ��ارية يف احلجاز وم ��ا جاورها يف الق ��رون ( ‪10‬ـ ‪13‬هـ‪16/‬ـ‪19‬م)‬
‫مو�ض ��وع ي�س ��تحق �أن يخ ��رج عن ��ه ع ��دد م ��ن الدرا�س ��ات العلمي ��ة الأكادميية‪ ،‬م ��ع احلر�ص عل ��ى درا�س ��ة الأحوال‬
‫ال�سيا�س ��ية و�أثره ��ا يف اجلوانب احل�ض ��ارية الأخ ��رى‪ ،‬ون�أمل �أن نرى بع� ��ض طالباتنا وطالبنا يف برامج املاج�س ��تري‬
‫والدكت ��وراه ب�أق�س ��ام التاري ��خ يف اجلامعات ال�س ��عودية يتولون ه ��ذه احلقب وهذه املو�ض ��وعات بالبحث والدرا�س ��ة‬
‫الأكادميية الر�صينة‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫حتمي املقد�س ��ات الإ�س�ل�امية وديار العرب وامل�س ��لمني لقرون عدي ��دة‪ ،‬يف الوقت الذي‬
‫كان يرتب�ص بهذه البالد الكثري من الأعداء وعلى ر�أ�س ��هم الدولة ال�ص ��فوية ال�ش ��يعية‬
‫الراف�ض ��ية‪ ،‬ناهي ��ك عن ق ��وى الغرب ب ��دء ًا بالربتغالي�ي�ن يف القرن العا�ش ��ر الهجري‬
‫(ال�س ��اد�س ع�شر امليالدي )‪ ،‬ومن جاء بعدهم من �أعداء امل�سلمني الذين كانوا ي�سعون‬
‫�إىل الق�ض ��اء على كل ما له �ص ��لة بالإ�سالم وامل�س ��لمني‪ ،‬وهذه الإمرباطورية العثمانية‬
‫كانت �ص ��احبة الف�ض ��ل بعد اهلل يف الذب عن حيا�ض العرب وامل�س ��لمني يف تلك العهود‬
‫ال�صعبة واحلرجة (‪.)1‬‬
‫‪2 .2‬كان ��ت جزيرة العرب ترزح حتت ق ��وى و�إمارات حملية تعرتف بال ��والء الفعلي و�أحيان ًا‬
‫بالوالء اال�س ��مي للإمرباطورية العثمانية‪� ،‬إال �إنها يف واقع الأمر يف حروب و�ص ��راعات‬
‫داخلي ��ة من �أجل ال�س ��يطرة على مقاليد احلكم‪� ،‬أو الفوز ببع�ض املكا�س ��ب ال�سيا�س ��ية‬
‫والإداري ��ة واملادية‪ ،‬و�إذا نظرنا يف �أحوال النا�س العامة يف ظل تلك القوى املت�ص ��ارعة‬
‫فال �أمن �أو حياة م�س ��تقرة اجتماعي ًا واقت�ص ��ادي ًا وثقافي ًا‪ ،‬و�إمنا عموم النا�س يعي�ش ��ون‬
‫حياة الكفاف وغالب ًا كان اجلهل والفقر واجلوع واملر�ض واخلوف هو ال�سائد يف �أرجاء‬
‫البالد(‪.)2‬‬
‫‪3 .3‬مل تكن بالد الباحة ( غامد وزهران) تخ�ضع ل�سلطة �سيا�سية مبا�شرة‪ ،‬و�إن كان بع�ض‬
‫�أعيانه ��ا و�ش ��يوخها على �ص�ل�ات بالأمراء الأ�ش ��راف يف احلجاز‪� ،‬أو ببع� ��ض القادة �أو‬
‫الق ��وى العثمانية يف احلج ��از �أواليمن وما بينهما(‪ ،)3‬ويف اعتق ��ادي اجلازم �أنهم كانوا‬
‫على منهاجهم الذي عرفوه وعا�ش ��وه خالل القرون الإ�س�ل�امية الو�س ��يطة‪ ،‬وذلك كما‬
‫((( من يدر�س تاريخ دولة بني عثمان �سيا�سي ًا وح�ضاري ًا‪ ،‬وعلى ال�صعيدين الداخلي واخلارجي‪� ،‬سوف يجد لها �سلبيات‬
‫عديدة وبخا�صة جتاه العرب‪ ،‬لكن �إيجابياتها �أي�ض ًا كثرية جتاه امل�سلمني و�أحيان ًا العرب‪ ،‬ون�أمل �أن نرى من الباحثني‬
‫املن�صفني من يقوم بدار�سة ما على هذه الدولة ومالها‪ ،‬مع احلر�ص على الإن�صاف وامل�صداقية يف الر�صد والتدوين‬
‫‪ .‬والناظر اليوم يف �سيا�سة الدولة ال�صفوية الإيرانية وعالقاتها بالقوى الغربية ال�صليبية وال�شرقية امللحدة يجد �أن‬
‫التاريخ يعيد نف�س ��ه جتاه العرب وامل�س ��لمني ‪ .‬ون�أمل من اهلل عز وجل �أن يقي�ض لبالد العرب وامل�سلمني يف يومنا هذا‬
‫�أمثال الإمرباطورية العثمانية فتدحر الظلم‪ ،‬وجتمع بالد الإ�سالم وامل�سلمني‪ ،‬ولي�س ذلك على اهلل بعزيز ‪.‬‬
‫((( كانت هناك حوا�ض ��ر رئي�س ��ية يف اجلزيرة العربية‪ ،‬وكانت حياة النا�س فيها �أح�سن حا ًال من عموم طبقات املجتمع‪،‬‬
‫يف �أنحاء البالد‪ ،‬وهذا ما قر�أنا عنه يف بع�ض امل�صادر �أو الوثائق التاريخية ال�سيا�سية واحل�ضارية‪ .‬ونقول �إن درا�سة‬
‫تاريخ عامة النا�س �سيا�س ��ي ًا وح�ض ��اري ًا يف نواح عديدة من جزيرة العرب خالل ثالثة قرون (‪900‬ـ ‪1200‬هـ‪1494 /‬ـ‬
‫‪1785‬م)‪ ،‬مو�ض ��وع مهم وجديد يف بابه وي�س ��تحق �أن يخرج عنه ع�شرات الر�س ��ائل والكتب والبحوث العلمية‪ ،‬ون�أمل‬
‫من امل�ؤرخني الباحثني اجلادين �أن يلتفتوا �إىل درا�سة هذه القرون الإ�سالمية احلديثة ‪.‬‬
‫((( يف اعتق ��ادي �أن م ��ا ب�ي�ن اليمن واحلجاز‪ ،‬واملعروفة بـ ( تهامة وال�س ��راة )‪ ،‬كانت خا�ض ��عة لأعيان و�ش ��يوخ القبائل‪،‬‬
‫و�أحيان ًا كانت القبائل تتحالف فيما بينها‪ ،‬وتكتب بينها عقود واتفاقيات من �أجل الدفاع عن بالدها �ضد من يعاديها‬
‫�أو يهاجمها ‪ .‬لقد اطلع الباحث على ع�شرات الوثائق واالتفاقيات التي تذكر حتالف عدد من القبائل يف حلف واحد‬
‫يطل ��ق عليه ا�س ��م القبائل املتحالفة‪� ،‬أو بع�ض الأ�س ��ماء الدال ��ة على حتالفهم‪ ،‬ومعظم بنود تل ��ك العقود ت�ؤكد الت�آزر‬
‫والتعاون والبقاء يد واحدة �ضد �أي عدو �أو خطر يداهمهم ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪26‬‬
‫و�صفهم بع�ض الرحالني املتقدمني‪ ،‬فابن املجاور يف القرن ( ال�سابع الهجري ‪ /‬الثالث‬
‫ع�ش ��ر امليالدي ) يقول " �أنهم قبائل وفخوذ من العرب لي�س يحكم عليهم �س ��لطان‪ ،‬بل‬
‫م�ش ��ائخ منهم ‪ .)1( "...‬ويورد تف�ص ��يالت �أكرث عنهم فيقول‪ .. " :‬ويحكم على كل قرية‬
‫�ش ��يخ من م�ش ��ائخها كبري القدر وال�س ��ن‪ ،‬ذو عقل وفطنة‪ ،‬ف�إذا حكم ب�أمر مل ي�ش ��اركه‬
‫وال يخالفه �أحد فيما ي�ش�ي�ر عليهم ويحكم فيهم‪ ،‬وجميع من يف هذه الأعمال مل يحكم‬
‫عليهم �س ��لطان ‪ ...‬وبه ��ذا ال يزال القتال د�أبهم‪ ،‬ويتغلب بع�ض ��هم على مال بع�ض ��هم‪،‬‬
‫وي�ضرب قرابة زيد على �أموال عمرو‪ ،‬وهم طوال الدهر على هذا الفن‪ ،‬وجميع زروعهم‬
‫احلنطة وال�شعري‪ ،‬و�شجرهم الكروم والرمان واللوز‪ ،‬ويوجد عندهم من جميع الفواكه‬
‫واخلريات‪ ،‬و�أكلهم ال�سمن والع�سل‪ ،‬وهم يف دعة اهلل و�أمانه ‪.)2( "...‬‬
‫وه ��ذه املعلوم ��ات التي حفظها لن ��ا ابن املجاور تقرب لنا ال�ص ��ورة نوع� � ًا ما عن حياة‬
‫الغامدي�ي�ن والزهرانيني ال�سيا�س ��ية و�ش ��ذرات م ��ن �أحواله ��م الإدارية واالقت�ص ��ادية‬
‫والأمنية(‪ ،)3‬ويف اعتقادي �أن هذه فع ًال احلياة التي عا�ش ��وها ثم ا�س ��تمروا عليها حتى‬
‫ظهور الدولة ال�سعودية احلديثة(‪.)4‬‬
‫‪4 .4‬م ��ن يدر�س م�ص ��ادر تاريخ اليمن واحلجاز �س ��وف يجد �ش ��ذرات متفرق ��ة عن التاريخ‬
‫ال�سيا�س ��ي واحل�ض ��اري لبالد غامد وزهران وم ��ا جاورها (‪ ،)5‬ومن يتج ��ول يف �أرجاء‬
‫منطق ��ة الباحة (غامد وزهران ) ف�س ��وف يلحظ الكثري من النماذج احل�ض ��ارية التي‬

‫((( انظر ‪ :‬جمال الدين ابن املجاور ‪ .‬تاريخ امل�ستب�صر ( ليدن ‪ :‬بريل‪1951 ،‬ـ ‪1954‬م)‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‪.26‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‪ . 27‬للمزيد انظر‪ :‬غيثان بن جري�س‪ ،‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪177‬ـ ‪،178‬‬
‫امل�ؤلف نف�سه‪ ،‬مو�سوعة اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬مج (‪� ،)16‬ص ‪. 147‬‬
‫((( للمزيد عن احلياة ال�سيا�سية واحل�ضارية ل�سكان بالد غامد وزهران وغريهم من �أهل تهامة وال�سراة خالل القرون‬
‫الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة و�أوائل احلديثة ‪ .‬انظر‪ ،‬نا�صر خ�سرو‪ ،‬كتابه �سفرنامة ( الريا�ض‪ :‬جامعة امللك �سعود‪،‬‬
‫‪1983‬م)‪�� � ،‬ص ‪ ،141‬وغ�ي�ره من اجلغرافيني والرحالة امل�س ��لمني مثل‪ :‬ابن خرداذبة‪ ،‬كتاب امل�س ��الك‪ ،‬واملقد�س ��ي‪،‬‬
‫�أح�سن التقا�سيم‪ ،‬وابن جبري‪ ،‬الرحلة‪ ،‬وابن املجاور‪ ،‬تاريخ امل�ستب�صر‪ ،‬وابن بطوطة‪ ،‬الرحلة وغريها ‪.‬‬
‫((( من خالل اطالعنا على �آالف الوثائق التاريخية يف القرون (‪9‬ـ‪14‬هـ‪15/‬ـ‪20‬م) وجدنا �أن عموم بالد تهامة وال�سراة‬
‫مبا فيها غامد وزهران كانت تدين بالوالء الكامل ل�شيوخها و�أعيانها‪ ،‬و�إذا رغبت يف امل�شاركة احلربية �أو االجتماعية‬
‫وغريه ��ا فال يخرج �أفراد الع�ش�ي�رة �أو القبيلة الواحدة عن ر�أي �ش ��يوخهم و�أعيانهم ‪ .‬و�أثن ��اء قراءتنا يف بع�ض تلك‬
‫الوثائق وجدن ًا �أحيان ًا اجلور والظلم قد يحل من �ش ��يوخ القبيلة على بع�ض �أفرادها‪ ،‬كما �أن العقوبات واحلل والعقد‬
‫هو يف يد �أولئك ال�ش ��يوخ ومعهم من ي�س ��اندهم و�أحيان ًا يداهنهم �أو ي�ش ��جعهم من �أبناء القبيلة نف�س ��ها على اتخاذ‬
‫قراراتهم وتطبيقها ‪ .‬ونقول �إن درا�س ��ة وثائق تلك الفرتة ومعرفة �أ�ص ��حاب النفوذ والقوى يف القبيلة‪ ،‬وما ينتج عن‬
‫�إدارتهم لقبائلهم من �سلب و�إيجاب مو�ضوع جديد وي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لر�سالة دكتوراه �أو كتاب علمي �أكادميي‪.‬‬
‫((( نعم تلك امل�صادر ال تخلو من جزئيات تعك�س تاريخ ال�سروات ب�شكل عام وغامد وزهران ب�شكل خا�ص‪ .‬ون�أمل �أن نرى‬
‫�أحد طالبنا يف ق�سم التاريخ بجامعة امللك خالد‪ ،‬برامج املاج�ستري والدكتوراة‪ ،‬فيدر�س تلك امل�صادر وي�ستخرج ما‬
‫ذكرت من تف�صيالت عن بالد تهامة وال�سراة منذ فجر الإ�سالم حتى القرن الرابع ع�شر الهجري (ق ‪ 7‬ـ ‪20‬م ) ‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫تعطي �صور ًا تقريبية لتاريخ هذه البالد(‪ ،)1‬ومن تلك النماذج ما يلي ‪:‬‬
‫�أ ـ بع�ض قرى ومنازل وق�ص ��ور ال�ش ��يوخ �أو الأ�س ��ر العريقة يف منطقة الباحة‪ ،‬وتلك‬
‫الأمن ��اط املعماري ��ة يعود تاريخه ��ا �إىل الوراء مئات ال�س ��نني‪ ،‬وهذا م ��ا ي�ؤكد �أن‬
‫�أ�صحاب هذه البالد �أ�صحاب بناء وح�ضارة(‪. )2‬‬
‫ب ـ بع�ض العقود وال�صكوك والوثائق التي ت�صور بع�ض العادات والتقاليد والأعراف‬
‫عند �أهل البالد‪� ،‬أو تذكر بع�ض العقار والأمالك وبها العديد من �أ�سماء الأماكن‬
‫والأعالم‪ ،‬ناهيك عن ماذكر فيها من معلومات‪� ،‬أو �صياغات علمية وثقافية (‪.)3‬‬
‫ج ـ وج ��ود بع�ض الطرق والأ�س ��واق القدمية‪ ،‬وكذل ��ك بع�ض الألب�س ��ة و�أدوات الزينة‬
‫والطعام التي عرفها �أهل البالد منذ مئات ال�س ��نوات‪ ،‬ورمبا بع�ض ��ها عرف عند‬
‫�أهل البالد من الع�صر اجلاهلي وعرب ع�صور الإ�سالم املختلفة(‪. )4‬‬
‫د ـ بع�ض الق�ص ���ص والروايات والأ�ش ��عار ال�ش ��عبية والأخبار واملفردات اللغوية التي‬
‫تناقلتها الأجيال عرب الع�ص ��ور الإ�س�ل�امية‪ ،‬ومثل هذا النوع من امل�ص ��ادر يجب‬
‫التعام ��ل مع ��ه تاريخي ًا بح ��ذر‪ ،‬لكنه ال يخلو من وم�ض ��ات ح�ض ��ارية تعك�س حياة‬
‫النا�س يف منطقة الباحة خالل القرون الإ�سالمية املا�ضية(‪. )5‬‬

‫((( جتول الباحث يف �أرجاء هذه البالد مرات عديدة‪ ،‬وكان �آخرها يف نهاية عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫((( �ش ��اهدنا يف �س ��روات غامد وزه ��ران‪ ،‬وكذلك يف �أجزائه ��ا التهامية العديد من القرى والطرق القدمية واحل�ص ��ون‬
‫الأثرية التي يعود تاريخها �إىل ثالثمائة ورمبا خم�س ��مائة عام تقريب ًا ‪ .‬ومثل هذه امل�ص ��ادر الأثرية جديرة باالهتمام‬
‫من قبل م�ؤ�س�سات التعليم وال�سياحة‪ ،‬كما �أنها �أي�ض ًا ت�ستحق البحث والدرا�سة من قبل الباحثني وامل�ؤرخني اجلادين‪.‬‬
‫((( ا�س ��تطاع الباحث �أن يح�ص ��ل �أو يطلع على بع�ض الوثائق والعقود وال�صكوك الغامدية والزهرانية التي يعود تاريخها‬
‫�إىل الق ��رون ( ‪11 ،10 ،9‬ه� �ـ‪ 17 ،16 ،15/‬م ) ‪ .‬وهذه الوثائق حتوي بع�ض التف�ص ��يالت االجتماعية واالقت�ص ��ادية‬
‫‪ .‬و�أحيانا العلمية اخلا�ص ��ة ب�أهل البالد‪ ،‬كما يغلب على معظم تلك الوثائق الو�ض ��وح يف خطها مع �ض ��عف يف لغتها‬
‫و�صياغتها ‪ .‬ن�أمل �أن نرى �أحد الباحثني من بالد غامد وزهران يجمع الوثائق املحلية املختلفة ثم درا�ستها من �شتى‬
‫اجلوان ��ب ‪ .‬كم ��ا ن�أمل �أن ت�س ��عى جامعة الباحة و�إمارتها على �إن�ش ��اء متحف علمي يجمع في ��ه وثائق املنطقة املحلية‬
‫وبع�ض املوروثات الأثرية ‪.‬‬
‫((( التاري ��خ االجتماعي واالقت�ص ��ادي يف منطق ��ة الباحة منذ فجر الإ�س�ل�ام �إىل القرن (‪14‬ه� �ـ‪20/‬م) جدير بالبحث‬
‫والدرا�سة ‪ .‬نعم �إنها مو�ضوعات �صعبة جد ًا‪ ،‬لكن من يعمل ويقارب ويقارن ويجتهد فقد يخرج لنا مادة علمية ذات‬
‫فائدة ‪.‬‬
‫((( عن ��د ذهاب ��ي �إىل بالد غامد وزه ��ران مرات عديدة‪ ،‬ثم التجول يف �أرجائها وال�س ��ماع من بع�ض رواتها و�ش ��عرائها‪،‬‬
‫و�أي�ض� � ًا التوقف مع بع�ض �ألفاظ �أهلها ولهجاتهم ات�ض ��ح يل �أنهم �أ�ص ��حاب ح�ض ��ارة وفكر وثقافة‪ ،‬بل �إن بع�ض� � ًا من‬
‫الأخبار التي �سمعتها تعود �إىل القرون الإ�سالمية الو�سيطة و�أوائل الع�صر احلديث ‪ .‬ون�أمل �أن نرى من باحثي جامعة‬
‫الباحة �أو من �أهل التاريخ واللغة يف منطقة الباحة من ي�سعى �إىل جمع ذلك املوروث ال�شعبي والأخبار واللهجات ثم‬
‫درا�س ��تها درا�س ��ة علمية �أكادميية ‪ .‬كما ن�أمل من �أق�سام االجتماع والتاريخ والفلكلور واللغة و�آدبها يف جامعة الباحة‬
‫وغريها من جامعات اململكة من يهتم بهذا الباب املهم يف معلوماته وتراثه وح�ضارته ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪28‬‬
‫ب ـ تاريخ الباحة منذ �أوائل القرن (‪13‬هـ ‪19/‬م) حتى عام (‪1289‬هـ‪1872/‬م)‪:‬‬
‫حتى مطلع القرن (‪13‬هـ‪19/‬م) نلحظ �أن الأو�ض ��اع ال�سيا�س ��ية يف احلجاز وما واالها‬
‫جنوب ًا كان ي�س ��ودها اال�ضطراب والفو�ضى وعدم الأمن(‪ ، )1‬ويف تلك الظروف كانت الدعوة‬
‫ال�س ��لفية الإ�ص�ل�احية قد ظهرت يف جند على يد الإمامني ‪:‬الأمري حممد بن �سعود وال�شيخ‬
‫حمم ��د بن عبد الوه ��اب (‪ ،)2‬وامتدت �آثارها الإيجابية �إىل مناطق الباحة وع�س�ي�ر وجازان‬
‫والقنفذة وجنران‪ ،‬وبع�ض �أجزاء من بالد اليمن (‪. )3‬‬
‫ولن نف�ص ��ل احلديث عن و�ص ��ول الدعوة ال�س ��لفية �إىل جنوبي البالد ال�س ��عودية‪ ،‬ولن‬
‫ن�س ��هب يف ال�ش ��رح عن امتداد نفوذ الدولة ال�س ��عودية الأوىل �إىل جازان وع�س�ي�ر وجنران‬
‫والقنفذة والباحة‪ ،‬وذلك لأنه �ص ��در عن تلك الفرتة ع�ش ��رات الكتب والبحوث والر�س ��ائل‬
‫العلمية(‪ ، )4‬ولكن البد من الإ�شارة �إىل بع�ض املحطات الرئي�سية‪ ،‬وهي على النحو التايل ‪:‬‬
‫‪�1 .1‬أن الدعوة ال�سلفية �أر�سلت بع�ض دعاتها واملوالني لها من بع�ض النواحي يف جنوب‬
‫البالد ال�سعودية كي ين�شروا مبادئ هذه الدعوة بني �أهليهم وع�شائرهم‪ ،‬وقد جنح‬
‫حمم ��د بن عامر و�أخوه عبد الوهاب ( �أبو نقطة ) يف ع�س�ي�ر‪ ،‬و�أحمد بن ح�س�ي�ن‬
‫الفلقي‪ ،‬وعرار بن �ش ��ار ال�ش ��عبي يف بع�ض نواحي جازان(‪ ،)5‬وه�ؤالء الر�سل يعدون‬
‫((( الدار� ��س �أح ��وال البالد املمتدة من مكة والطائف �ش ��ما ًال �إىل ج ��ازان وجنران جنوب ًا خ�ل�ال القرنني (‪11‬ـ‪12‬هـ ‪/‬‬
‫‪17‬ـ‪18‬م)‪ ،‬وكذلك العقود الأوىل من القرن (‪13‬هـ‪19/‬م) يجد �أن القبائل يف تلك النواحي كانت هي امل�سيطرة على‬
‫تلك الديار‪ ،‬بل كانت ال�صراعات والغارات القبلية هي ال�سائدة والفائزة بالن�صيب الأكرب يف جميع �أرجاء اجلزيرة‬
‫العربية ‪.‬‬
‫((( الدع ��وة الإ�ص�ل�احية �أو ال�س ��لفية يف جن ��د مرتبط ��ة بالإم ��ام املج ��دد ال�ش ��يخ حمم ��د ب ��ن عب ��د الوه ��اب (‪1115‬ـ‬
‫‪1206‬هـ‪1703/‬ـ‪1791‬م)‪ ،‬وهو من �أبرز ال�شخ�ص ��يات الإ�ص�ل�احية يف الع�ص ��ر احلديث‪ ،‬وقد �صدر عنه وعن دعوته‬
‫مئات البحوث والكتب العلمية ‪.‬‬
‫((( الدعوة الإ�ص�ل�احية ظهرت يف جند يف منت�ص ��ف القرن (‪12‬هـ‪18/‬م)‪ ،‬ومنت وترعرت يف �أح�ض ��ان �أئمة �آل �س ��عود‬
‫الأوائل‪ ،‬ثم امتدت هذه الدعوى حتت مظلة الدولة ال�س ��عودية الأوىل ( ‪1158‬ـ‪1233‬هـ ‪1745 /‬ـ‪1818‬م) حتى و�ص ��لت‬
‫�إىل جميع �أ�صقاع اجلزيرة العربية‪ ،‬وبلدان اخرى عديدة خارج اجلزيرة العربية ‪ .‬للمزيد من التف�صيالت عن تاريخ‬
‫الدولة ال�سعودية الأوىل والدعوة الإ�صالحية‪ ،‬انظر‪ :‬عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم ‪ .‬الدولة ال�سعودية الأوىل‬
‫( القاه ��رة ‪ :‬معه ��د البحوث والدرا�س ��ات العربية‪1976 ،‬م)‪�� � ،‬ص‪ ،72‬وما بعدها ‪ .‬وللمزيد انظر‪ ،:‬عثمان بن ب�ش ��ر‪،‬‬
‫عنوان املجد يف تاريخ جند ( الريا�ض‪ :‬د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‪ 14‬وما بعدها‪� ،‬أحمد عطية الزهراين ‪ .‬دعوة ال�شيخ حممد بن‬
‫عبد الوهاب و�أثرها يف العامل الإ�سالمي‪ ،‬ر�سالة دكتوراة‪ ،‬جامعة �أم القرى ( ‪1402‬هـ‪1982/‬م)‪� ،‬ص ‪ 28‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( انظ ��ر قائم ��ة املكتبات املركزي ��ة يف اجلامعات واملراك ��ز البحثية املحلية والإقليمية والعاملية و�س ��وف جتد م�ص ��ادر‬
‫ومراجع كثرية جد ًا ت�ص ��ب يف تاريخ الدعوة ال�س ��لفية والدولة ال�س ��عودية الأوىل ب�شكل عام ومناطق جنوب اجلزيرة‬
‫العربية ب�شكل خا�ص ‪.‬‬
‫((( للمزي ��د انظر حممد �أحمد العقيلي ‪ .‬تاريخ املخالف ال�س ��ليماين ( الريا� ��ض‪ :‬مطابع الريا�ض‪1378 ،‬هـ)‪ ،‬ج‪482 ،2‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬عبد الرحيم عبد الرحمن‪ ،‬الدولة ال�س ��عودية الأوىل‪� ،‬ص ‪ 24‬وما بعدها‪� ،‬أحمد �آل فائع‪ .‬دور �آل املتحمي‬
‫يف م ��د نفوذ الدولة ال�س ��عودية الأوىل يف ع�س�ي�ر وما جاورها (‪1215‬ـ‪1333‬ه� �ـ‪ 1800/‬ـ ‪1818‬م ) ( الريا�ض‪ :‬مطابع‬
‫احلمي�ضي‪1427 ،‬هـ‪2006/‬م)‪� ،‬ص ‪ 13‬وما بعدها‪ ،‬ابن جري�س‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،6‬ص ‪ 44‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫من �أوائل امل�ؤ�س�س�ي�ن للدعوة ال�س ��لفية يف اجلنوب‪ ،‬ومل ي�أت نهاية العقد الثاين يف‬
‫القرن (‪13‬هـ‪19/‬م) �إال ومعظم بلدان اجلنوب �أ�ص ��بحت موالية وحامية ومدافعة‬
‫عن الدعوة ال�سلفية يف �أوطانها(‪. )1‬‬
‫‪2 .2‬ظهر عدد من املناوئني للدعوة ال�سلفية والدولة ال�سعودية الأوىل مثل‪ :‬بع�ض الأ�شراف‬
‫يف منطقة جازان وبخا�ص ��ة ال�ش ��ريف حمود �أبو م�س ��مار يف �أبي عري� ��ش(‪ ،)2‬وبع�ض‬
‫�أ�ش ��راف احلجاز كال�ش ��ريف غالب بن م�ساعد (‪ ،)3‬الذي ت�ص ��دى للقوات ال�سعودية‬
‫جنوب الطائف وجرى بينه وبينها حروب عديدة �أدت يف نهاية املطاف �إىل هزميته‬
‫ودخول اجليو�ش ال�سعودية �إىل مكة املكرمة يف عام (‪1218‬هـ‪1803/‬م) (‪. )4‬‬
‫ويف العقدي ��ن الثاين والثالث من القرن (‪13‬هـ‪19/‬م)‪ ،‬كانت الدولة ال�س ��عودية الأوىل‬
‫ق ��د م ��دت نفوذها عل ��ى �أجزاء كبرية م ��ن اجلزيرة العربي ��ة‪ ،‬بل �أ�ص ��بحت احلجاز ( مكة‬
‫املكرمة واملدينة املنورة) التي يتوىل �أمرها الأمراء الأ�شراف للعثمانيني حتت �سيطرة �أئمة‬
‫�آل �سعود الأوائل‪ ،‬ناهيك عن بالد تهامة وال�سراة التي ي�سو�س �أمرها حلكام �آل �سعود �إمارة‬
‫�آل املتحمي يف ع�سري (‪1215‬ـ ‪1233‬هـ‪1800 /‬ـ ‪1818‬م) (‪. )5‬‬
‫ويف ظ ��ل تلك الظروف ال�سيا�س ��ية مل يكن عل ��ى الدولة العثمانية �إال �أن تت�ص ��دى لهذه‬
‫الدولة ال�س ��عودية النا�ش ��ئة‪ ،‬وقد حاولت ع ��ن طريق بع�ض املوالني له ��ا يف احلجاز‪ ،‬ووالتها‬

‫((( املراجع نف�سها ‪.‬‬


‫((( ا�س ��تطاع حمود �أبو م�س ��مار �أن ميد نفوذه على مناطق عديدة يف منطقة جازان‪ ،‬بل ت�ص ��دى للقوات ال�سعودية ومعظمها‬
‫م ��ن بالد ع�س�ي�ر حتت قي ��ادة الأمري حممد �أبو نقط ��ة و�أخوه عبد الوهاب‪ ،‬و�أخري ًا دخل يف �ص ��لح مع الدولة ال�س ��عودية‬
‫و�أ�صبح �أحد رجالها يف املخالف ال�سليماين ( منطقة جازان ) ‪ .‬للمزيد انظر‪ ،:‬عبد الرحمن �أحمد البهكلي ‪ ،‬نفح العود‬
‫يف �سرية دولة ال�شريف حمود ‪ .‬حتقيق حممد �أحمد العقيلي ( جازان ‪ :‬مطابع جازان‪1406 ،‬هـ‪� ،‬ص ‪ 211‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( للمزيد عن �إمارة ال�ش ��ريف غالب بن م�س ��اعد على مكة املكرمة وت�صديه لقوات الدولة ال�سعودية الأوىل يف الطائف‬
‫ومكة املكرمة انظر‪� ،‬أحمد ال�سباعي‪ ،‬تاريخ مكة‪� ،‬ص ‪ 558‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪ ،‬وللمزيد انظر‪ :‬عثمان بن ب�شر‪ ،‬عنوان املجد‪ ،‬ج‪� ،1‬ص ‪ 121‬وما بعدها ‪ .‬والدار�س لتاريخ الأ�شراف يف‬
‫تهامة وال�سراة خالل الع�صر احلديث يجد �أن بع�ضهم كانوا معادين للدول ال�سعودية الثالث‪ ،‬و�آخرين موالني لأئمة‬
‫�آل �سعود وغري متفقني مع �أخوانهم و�أبناء عمومتهم‪ ،‬وتلك املواالة والعداوة كانت خا�ضعة لأ�سباب وظروف �سيا�سية‬
‫متعددة ‪ .‬ونقول �إن درا�س ��ة تاريخ الأ�ش ��راف ال�سيا�س ��ي واحل�ضاري وبخا�صة يف بالد ال�س ��راة وتهامة خالل القرون‬
‫الإ�سالمية الو�سيطة واحلديثة مو�ضوع جدير بالبحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫((( للمزيد عن �إمارة �آل املتحمي يف ع�سري انظر‪ :‬عبد الرحيم عبد الرحمن‪ ،‬الدولة ال�سعودية الأوىل‪� ،‬ص‪ 28‬وما بعدها‪،‬‬
‫�أحمد �آل فائع‪ ،‬دور �آل املتحمي‪� ،‬ص‪ 17‬وما بعدها ‪ .‬ال جند م�ص ��ادر ووثائق وا�ض ��حة تبني تاريخ بالد غامد وزهران‬
‫يف تلك الفرتة‪ ،‬ولكن من خالل ا�ستقراء �أو�ضاع احلجاز وجازان وع�سري ندرك �أن منطقة الباحة قد رحبت بالدعوة‬
‫ال�س ��لفية من ��ذ �أوائل القرن (‪13‬هـ‪19/‬م)‪ ،‬ورمبا �س ��معوا بها من قب ��ل ذلك‪ ،‬كما �أن الغامدي�ي�ن والزهرانيني كانوا‬
‫م�ؤيدي ��ن وموالني حلكام الدولة ال�س ��عودية الأوىل مثلهم مثل بع�ض احلجازيني‪ ،‬و�أهل جازان وع�س�ي�ر الذين حاربوا‬
‫ونافح ��وا م ��ن �أجل تر�س ��يخ مبادئ الدعوة ال�س ��لفية يف �أوطانهم‪ ،‬و�أكرب مثال على ذلك �إم ��ارة املتاحمة التي حكمت‬
‫معظم �أجزاء اجلنوب الئمة الدولة ال�سعودية الأوىل ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪30‬‬
‫يف ال�ش ��ام والعراق‪ ،‬ولكنها مل ت�س ��تطع �إىل ذلك �س ��بي ًال‪ ،‬وعندئذ كلفت واليها على م�صر‪،‬‬
‫حممد علي با�ش ��ا‪ ،‬الت�ص ��دي لهذه القوة اجلديدة يف اجلزيرة العربية‪ ،‬ويف منت�صف العقد‬
‫الثالث من القرن (‪13‬هـ‪19/‬م) خرج حممد علي مع ابنيه طو�س ��ون و�إبراهيم للق�ضاء على‬
‫القوة ال�س ��عودية يف جند وغريها من �أجزاء اجلزي ��رة (‪ ،)1‬وكانت �أول حمطاته مدن احلجاز‬
‫الرئي�س ��ية التي ا�س ��توىل عليها يف الفرتة املمتدة من ( ‪1226‬ـ ‪1228‬هـ‪1813-1811/‬م)(‪،)2‬‬
‫ويف �أثن ��اء تلك احلروب مع ال�س ��عوديني يف �أر�ض احلجاز ات�ض ��ح ملحمد عل ��ي �أن �أكرب مدد‬
‫ي�أتيه ��م من الرجال والعتاد كان من بالد غامد وزهران وع�س�ي�ر وم ��ا جاورها‪ ،‬ولهذا �أرج�أ‬
‫الق�ض ��اء على الدولة ال�سعودية وعا�ص ��متها الدرعية يف جند‪ ،‬و�أر�سل قواته ثم ذهب بنف�سه‬
‫نح ��و الب�ل�اد الواقعة جنوب الطائ ��ف(‪ ،)3‬ودارت بينه وبني القوات ال�س ��عودية التي معظمها‬
‫م ��ن �أهل اجلنوب معارك عديدة من �أ�ش ��هرها و�أعنفها معركة ب�س ��ل جن ��وب الطائف عام‬
‫(‪1230‬ه� �ـ‪1815/‬م)‪ ،‬وق ��د �أح ��رز حمم ��د علي ن�ص ��ر ًا حا�س ��م ًا يف تلك املعرك ��ة‪ ،‬وفتح له‬
‫الب ��اب جتاه مناطق الباحة وبي�ش ��ة وع�س�ي�ر‪ ،‬وكان الأمري طامي بن �ش ��عيب‪� ،‬أمري ع�س�ي�ر‪،‬‬
‫(‪1230-1224‬هـ‪1814-1809/‬م) هو القائد العام جليو�ش ع�سري وما جاورها بعد معركة‬
‫ب�س ��ل(‪ ،)4‬وا�ستطاع البا�ش ��ا حممد علي �أن يوا�ص ��ل زحفه على �أجزاء من بالد ال�سراة حتى‬
‫دخل مدينة �أبها و�س ��يطر عليها و�أخري ًا مت القب�ض على الأمري طامي بن �شعيب و�أر�سل �إىل‬
‫م�صر ثم اال�ستانة حيث مت �إعدامه هناك عام ( ‪1232‬هـ‪1816/‬م) (‪. )5‬‬
‫ويف رحل ��ة حممد علي با�ش ��ا الع�س ��كرية �إىل بالد ع�س�ي�ر واجهت جيو�ش ��ه العديد من‬
‫العقبات مع قبائل ال�س ��راة ومنهم قبائل غامد وزهران التي ت�ص ��دت لتلك القوى الغازية‪،‬‬
‫وكان على مقدمة القوات ال�سروية الأمري بخرو�ش بن عال�س الزهراين‪ ،‬الذي �أحلق خ�سائر‬

‫((( ملزيد من التف�ص ��يالت انظر‪ :‬عب ��د الرحمن اجلربتي ‪ .‬تاريخ عجائب الآثار يف الرتاج ��م والأخبار ( بريوت‪ ،‬د‪.‬ت)‬
‫ج‪� ،3‬ص ‪ 228‬وما بعدها‪ ،‬عبد الرحيم عبد الرحمن‪ ،‬الدولة ال�سعودية الأوىل‪� ،‬ص‪ 27‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( امل�صادر واملراجع نف�سها‪ ،‬وللمزيد انظر‪ :‬حممود �شاكر‪ ،‬ع�سري ( بريوت‪ ،‬املكتب الإ�سالمي‪ ،‬د‪ .‬ت )‪ 162 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( جرت حروب بني جيو�ش حممد علي با�شا والقوات ال�سعودية وكانت احلرب يف بداية الأمر �سجا ًال‪ ،‬ولكن عتاد حممد‬
‫علي وجيو�شه كانت �أكرث و�أقوى‪ ،‬وبالتايل ا�ستطاع �أن يدحر اجليو�ش ال�سعودية ويهزمها يف �أماكن عديدة ‪.‬‬
‫((( الأمري طامي بن �ش ��عيب �أحد �أمراء �إمارة املتاحمة‪ ،‬و�أحد الرجال امل�ش ��اهري يف الدولة ال�س ��عودية الأوىل‪ ،‬وكان على‬
‫قدر كبري من ال�شجاعة والتقى وال�صالح‪ ،‬وهو جدير ب�أن يكتب عنه كتاب �أو ر�سالة علمية �أكادميية‪ ،‬ون�أمل من �أحد‬
‫طالب الدرا�س ��ات العليا يف �أق�س ��ام التاريخ باجلامعات ال�س ��عودية �أن يتخذ من هذا العلم وما قدمه من �إ�س ��هامات‬
‫ع�سكرية وح�ضارية مو�ضوع ًا لأطروحه ماج�ستري �أو دكتوراه‪ ،‬وهو فع ًال ي�ستحق ذلك ‪.‬‬
‫((( للمزيد انظر‪ ،‬عبد الرحيم عبد الرحمن‪ ،‬الدولة ال�سعودية الأوىل‪� ،‬ص ‪ ،320‬مازال هناك غمو�ض يف هزمية طامي‬
‫بن �شعيب والقب�ض عليه ثم ترحيله �إىل بالط الدولة العثمانية‪ ،‬ون�أمل �أن نرى باحث ًا جاد ًا يك�شف لنا بع�ض امل�صادر‬
‫والوثائق اجلديدة اخلا�ص ��ة بهذه الفرتة وهذا املو�ض ��وع‪ ،‬ومن امل�ؤكد �أنه مازال يف �أرا�شيف تركيا الكثري من الوثائق‬
‫التي ت�ستحق البحث والتحليل والدرا�سة ‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫فادح ��ة بجيو�ش حممد علي‪ ،‬لكنهم يف نهاية الأمر قب�ض ��وا عليه وقتل ��وه(‪ ،)1‬واملعروف عن‬
‫رجال ال�سروات �أنهم �أ�صحاب �شجاعة و�إقدام‪ ،‬لكن جودة �سالح حممد علي وتطوره جعلته‬
‫ينت�صر عليهم يف معارك عديدة(‪. )2‬‬
‫وبعد انت�ص ��ار حممد علي با�ش ��ا على �أهل اجلنوب كونهم القوة الرئي�سية يف جيو�ش الدولة‬
‫ال�سعودية الأوىل(‪ ،)3‬ركز جهوده جتاه عا�صمة ال�سعوديني الأوائل يف الدرعية‪ ،‬ومن ثم �أوكل تلك‬
‫املهمة �إىل ابنه �إبراهيم با�ش ��ا و�س ��انده بالرجال والعتاد حتى �أ�س ��قط الدولة ال�س ��عودية الأوىل‪،‬‬
‫ودمر عا�صمتها الدرعية عام (‪1233‬هـ‪1818/‬م)‪ ،‬وبالتايل حتقق للدولة العثمانية هدفها‪ ،‬وهو‬
‫الق�ضاء على هذه الدولة العربية ال�سعودية من خالل واليها على م�صر حممد علي با�شا (‪. )4‬‬
‫ترك حممد علي با�شا فرق ًا من جي�شه يف ع�سري لتحكم البالد با�سمه‪ ،‬ولكن �أهل ع�سري‬
‫مل يقبلوا ذلك‪ ،‬و�إمنا ثاروا على تلك احلامية وطردوها‪ ،‬وعندما انتهى �إبراهيم با�ش ��ا من‬
‫الق�ضاء على الدرعية كلفه والده التوجه �إىل بالد ال�سراة و�صو ًال �إىل ع�سري من �أجل معاقبة‬
‫الثائرين املتمردين على نفوذه‪ ،‬فخرج �إبراهيم من مكة والطائف ومعه ال�شريف حممد بن‬
‫عون قائد ًا عام ًا جلي�ش ��ه فو�صلوا �إىل بالد غامد وزهران ورجال احلجر حتى �شمال مدينة‬
‫�أبها‪ ،‬وهناك دارت معارك قوية بني الع�س�ي�ريني وقوات �إبراهيم با�ش ��ا وال�شريف حممد بن‬
‫ع ��ون(‪ ، )5‬ويف النهاي ��ة هُ زم الع�س�ي�ريون و�ألق ��ي القب�ض على �أمريهم حمم ��د املتحمي‪ ،‬ومت‬
‫�إخ�ضاع ع�سري مرة ثانية للجيو�ش العثمانية(‪. )6‬‬
‫((( الأمري بخرو�ش قائد بارع قاد رجاله �ض ��د العثمانيني وانت�صر عليهم يف مواقع عديدة‪ ،‬وهو جدير ب�أن يفرد له بحث‬
‫�أو ر�س ��الة علمية �أكادميية تر�ص ��د �إ�س ��هاماته املختلفة‪ ،‬كما �أن هناك �أعالم ًا �آخرين معا�ص ��رين لبخرو�ش مثل‪ :‬ابن‬
‫رقو�ش الزهراين‪ ،‬وابن �شكبان يف بي�شة وغريهما كثريون يف بالد تهامة وال�سراة ‪.‬‬
‫((( التاريخ العثماين الع�س ��كري يف احلجاز وبالد تهامة وال�س ��راة مو�ض ��وع ي�س ��تحق ب�أن يفرد له كتاب �أو ر�س ��الة علمية‬
‫�أكادميية‪ ،‬ويف �أرا�ش ��يف احلكومة الرتكية اليوم الكثري من الوثائق التاريخية اجلديدة وغري من�ش ��ورة وحتوي الكثري‬
‫من التف�ص ��يالت ال�سيا�س ��ية واحل�ض ��ارية لتاريخ العثمانيني يف ع�س�ي�ر وجازان والباحة خالل القرن (‪13‬هـ‪19/‬م)‬
‫وبدايات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪.‬‬
‫ً‬
‫((( ب ��ذل �أهل تهامة وال�س ��راة جهودا جبارة يف الت�ص ��دي للجيو� ��ش العثمانية خالل القرن (‪13‬ه� �ـ‪19/‬م)‪ ،‬ومن امل�ؤكد‬
‫�أن هن ��اك الكثري من الوثائق غري املن�ش ��ورة يف هذا الب ��اب ‪ .‬ون�أمل �أن نرى م�ؤرخ ًا جاد ًا يت ��وىل هذه الفرتة بالبحث‬
‫والدرا�سة العلمية املوثقة ‪.‬‬
‫((( انظر ‪ :‬مو�سوعة اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬مج (‪� )16‬ص ‪ . 160‬وللمزيد عن تو�سع حممد علي يف اجلزيرة العربية‪،‬‬
‫انظر‪ ،‬عائ�ض الروقي‪ ،‬حروب حممد علي يف �ش ��به اجلزيرة العربية‪ ،‬ر�س ��الة دكتوراه‪ ،‬جامعة �أم القرى‪1414 ،‬هـ )‪،‬‬
‫�ص ‪ 25‬وما بعدها ‪. .‬‬
‫((( هناك بحوث وكتب عديدة ناق�شت هذه التف�صيالت مثل‪ :‬تاريخ ع�سري لها�شم النعمي‪ ،‬وع�سري ملحمود �شاكر و�أخبار‬
‫ع�س�ي�ر لعبد اهلل بن م�س ��فر ‪ .‬ورمبا مازال يف �أرا�ش ��يف تركيا وثائق جديدة مل تن�ش ��ر عن هذه الفرتة ‪� .‬أما �أ�ش ��راف‬
‫احلجاز وعالقاتهم ال�سيا�س ��ية واحلربية ببالد ال�سراة وخا�ص ��ة منطقة ع�سري خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19 /‬ـ‪20‬م)‬
‫فهو مو�ضوع ي�ستحق العديد من الدرا�سات الأكادميية‪ ،‬وحتى هذه اللحظة مل يخدم بطريقة علمية جيدة ‪.‬‬
‫((( انظر املراجع ال�سابق ذكرها يف احلا�شية ال�سابقة ‪ .‬وللمزيد انظر عائ�ض الروقي‪ ،‬حروب حممد علي با�شا يف �شبه‬
‫اجلزيرة العربية‪� ،‬ص ‪ 28‬وما بعدها ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪32‬‬
‫لك ��ن الع�س�ي�ريني مل ي�س ��تكينوا له ��ذا االحت�ل�ال‪ ،‬و�إمنا قام الأمري �س ��عيد بن م�س ��لط‬
‫الع�س�ي�ري وا�س ��توىل عل ��ى البالد ع ��ام (‪1236‬هـ‪1820/‬م)‪ ،‬وط ��رد الق ��وى املوالية ملحمد‬
‫علي با�ش ��ا يف ع�س�ي�ر‪ ،‬ومن ثم دخلت بالد ال�س ��راة املمتدة من �أبها �إىل الطائف يف حروب‬
‫متتالي ��ة ب�ي�ن الع�س�ي�ريني يف ع�س�ي�ر والأ�ش ��راف‪ ،‬وجيو�ش حممد عل ��ي با�ش ��ا يف احلجاز‪،‬‬
‫وكان ��ت ب�ل�اد احلجر ( بللحمر‪ ،‬وبلل�س ��مر‪ ،‬وبنو �ش ��هر‪ ،‬وبن ��و عمر ) وب�ل�اد غامد وزهران‬
‫هي امليادين احلربية لتلك القوى املت�ص ��ارعة‪ ،‬وعند وفاة �أمري ع�س�ي�ر‪� ،‬س ��عيد بن م�سلط‪،‬‬
‫ت ��وىل �أمر البالد الع�س�ي�رية بعده ابن عمه علي بن جمثل ع ��ام (‪1242‬هـ ‪1826/‬م)‪ ،‬وبقي‬
‫يف حك ��م البالد حت ��ى وفاته عام (‪1249‬ه� �ـ‪1833/‬م)‪ ،‬وجاء بعده �أح ��د قادته وهو الأمري‬
‫عائ� ��ض بن مرع ��ي (‪1249‬ـ‪1273‬هـ‪1833/‬ـ‪1856‬م)‪ ،‬ثم ابن ��ه حممد بن عائ�ض بن مرعي‬
‫(‪1273‬ـ‪1289‬هـ‪1856/‬ـ‪1872‬م) (‪. )1‬‬
‫ويف الف�ت�رة املمتدة من �س ��قوط الدرعية ع ��ام (‪1233‬هـ‪1818/‬م) حت ��ى نهاية حكم‬
‫الأم�ي�ر حممد بن عائ�ض بن مرعي على ع�س�ي�ر عام (‪1289‬ه� �ـ‪1872/‬م) جند بالد غامد‬
‫وزهران ي�س ��ودها العديد من اال�ض ��طرابات ال�سيا�سية واحلربية‪ ،‬وذلك ب�سبب ما حدث يف‬
‫جند �أو احلجاز �أو ع�سري‪ ،‬وجنمل تلك الأو�ضاع يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬ا�ستمرت جيو�ش حممد علي با�شا و�أ�شراف احلجاز توا�صل حروبها �ضد غامد وزهران‬
‫وما واالها جنوب ًا حتى بالد ع�س�ي�ر‪ ،‬ومن ثم حدث الكثري من ال�ص ��دامات بني جيو�شه‬
‫و�أه ��ايل الب�ل�اد ال�س ��روية بقيادة بع�ض �أفراد ع�س�ي�ر مث ��ل‪ :‬ابن م�س ��لط‪ ،‬وابن جمثل‪،‬‬
‫وعائ�ض بن مرعي‪ ،‬وكانت �أوطان غامد وزهران يف مد وجزر بني تلك القوى املت�صارعة‬
‫يف ع�س�ي�ر ويف احلجاز‪ ،‬ف�أحيان ًا تن�ض ��وي �أو تهادن جيو�ش حممد علي والأ�شراف‪ ،‬ويف‬
‫�أوقات �أخرى تن�ض ��م �إىل جيو�ش ع�س�ي�ر �ض ��د �أعدائهم‪ ،‬ويف عام (‪1256‬هـ‪1840/‬م)‬
‫عقد م�ؤمتر لندن ومن �ض ��من قراراته ان�سحاب حممد علي با�شا وجيو�شه يف اجلزيرة‬
‫العربية‪ ،‬وقد مت هذا االن�سحاب فع ًال (‪. )2‬‬
‫‪2 .2‬يف الف�ت�رة املمتدة من (‪1256‬ـ‪1289‬هـ‪1840/‬ـ‪1872‬م) تكاتفت قوات الدولة العثمانية‬
‫والأ�ش ��راف يف احلجاز �ض ��د �أمراء ع�س�ي�ر‪ ،‬وبخا�ص ��ة يف عهدي الأمريي ��ن عائ�ض بن‬
‫مرعي وابنه حممد بن عائ�ض ( ‪1249‬ـ ‪1289‬هـ‪1833/‬ـ‪1872‬م ) وجرت حروب دامية‬

‫((( ملزيد من التف�ص ��يالت عن تاريخ تهامة وال�س ��راة وبخا�ص ��ة بالد ع�س�ي�ر وما جاورها خالل الق ��رن (‪13‬هـ‪19/‬م)‪،‬‬
‫انظ ��ر ‪ :‬الروق ��ي‪ ،‬ح ��روب حمم ��د عل ��ي يف �ش ��به اجلزي ��رة العربي ��ة‪ ،‬عل ��ي �أحم ��د ع�س�ي�ري ‪ .‬ع�س�ي�ر (‪1249‬ه� �ـ ‪/‬‬
‫‪1833‬ـ‪1289‬ه� �ـ‪1887/‬م) ( درا�س ��ة تاريخي ��ة ) ( �أبها ‪ :‬نادي �أبها الأدبي‪1407 ،‬ه� �ـ ‪1987/‬م)‪� ،‬ص‪ 73‬وما بعدها‪،‬‬
‫غيثان بن جري�س‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،6‬ص ‪ 59‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( انظر الروقي‪ ،‬حروب حممد علي يف �شبه اجلزيرة العربية‪� ،‬ص ‪ 33‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫ب�ي�ن الطرفني يف ب�ل�اد غامد وزهران وبي�ش ��ة ورجال احلجر و�أج ��زاء �أخرى من بالد‬
‫(‪،)1‬‬
‫ع�س�ي�ر‪ ،‬وهدف كل هذه الق ��وى مد نفوذها و�س ��يطرتها على بالد تهامة وال�س ��راة‬
‫والدار�س لأحوال القبائل الرئي�سية يف هذه البالد يجد �أنها متقلبة يف �سيا�ساتها‪ ،‬فهي‬
‫مرة تهادن �أو ت�س ��اند الع�س�ي�ريني �ض ��د العثمانيني والأ�ش ��راف‪ ،‬و�أحيان ًا تكون مع قوات‬
‫احلجاز �ضد �أهل ع�سري (‪ ،)2‬مع �أن الغلبة يف معظم الأحيان كانت للأمريين عائ�ض بن‬
‫مرعي وابنه حممد اللذين كانا ميدان نفوذهما �شما ًال �إىل مناطق غامد وزهران ورمبا‬
‫جتاوزوها يف بع�ض الأوقات نحو ال�شمال (‪. )3‬‬
‫‪3 .3‬يف عام (‪1289‬هـ‪1872/‬م) كانت نهاية �إمارة �آل عائ�ض يف ع�سري‪ ،‬وجميء العثمانيني‬
‫�إىل جازان وع�سري والباحة والقنفذة وال�سيطرة عليها �سيا�سي ًا وع�سكري ًا‪ ،‬وقد ا�ستمروا‬
‫يف حكم هذه البالد حوايل ن�صف قرن(‪. )4‬‬
‫‪4 .4‬ن ��ال منطقة الباحة ( غامد وزهران ) الكثري من الأذى نتيجة لل�ص ��راعات واحلروب‬
‫التي وقعت بني الإمارات الع�س�ي�رية وقوات الأ�ش ��راف والعثمانيني يف احلجاز (‪1233‬ـ‬
‫‪1289‬ه� �ـ‪1818 /‬ـ ‪1872‬م )‪ .‬وم ��ن تل ��ك الأ�ض ��رار ‪�( :‬أ) تدم�ي�ر قراه ��م ومزارعهم‪،‬‬
‫و�أحيان ًا قتل رجالهم �أو �إجبارهم على دفع �ض ��رائب و�إتاوات غري �ش ��رعية ‪(.‬ب) ن�ش ��ر‬
‫الرع ��ب يف بالدهم‪ ،‬وذل ��ك مما جعل الأمن مفقود ًا‪ ،‬وهذا ه ��و الذي جعلهم مذبذبني‬
‫يف والئه ��م �إىل تل ��ك القوى اخلارجية‪ ،‬وذلك التذبذب مل يكن مق�ص ��ور ًا على �أعيانهم‬
‫و�ش ��يوخهم و�إمنا �ش ��مل �ش ��رائح كبرية من املجتمع الغامدي والزه ��راين(‪( . )5‬ج) من‬
‫املع ��روف �أن ب�ل�اد غامد وزهران ثري ��ة بخرياتها الزراعية واحليواني ��ة‪ ،‬ولهذا حر�ص‬
‫الأ�ش ��راف والعثماني ��ون يف احلجاز على ال�س ��يطرة عليها‪ .‬وهناك الكث�ي�ر من الوثائق‬
‫واملرا�س�ل�ات ب�ي�ن �أمراء وقادة احلجاز وبني احلكومة العثمانية يف الآ�س ��تانة وم�ص ��ر‪،‬‬
‫للمزيد انظر علي ع�سريي‪ ،‬ع�سري‪� ،‬ص ‪ 160‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫(((‬
‫درا�س ��ة �أحوال بالد تهامة وال�س ��راة ال�سيا�سية والإدارية خالل القرن (‪13‬هـ‪19/‬م) مو�ضوع ي�ستحق �أن يكون عنوان ًا‬ ‫(((‬
‫لكت ��اب �أو ر�س ��الة ماج�س ��تري �أو دكتوراة ‪ .‬ن�أم ��ل �أن نرى �أحد طالبنا يف ق�س ��م التاريخ بجامعة املل ��ك خالد‪ ،‬برنامج‬
‫الدرا�سات العليا‪ ،‬يتواله بالبحث والدرا�سة يف ر�سالة علمية �أكادميية ‪.‬‬
‫درا�س ��ة علي �أحمد ع�س�ي�ري‪ ،‬ع�سري (‪1249‬ـ‪1289‬هـ )‪ ،‬وبخا�صة �إمارة �آل عائ�ض جيدة يف حمتواها وحتليلها‪ ،‬ولكن‬ ‫(((‬
‫هذه الفرتة مازالت بحاجة �إىل درا�س ��ة �أعمق و�أو�س ��ع خ�صو�ص ًا عن اجلوانب احل�ضارية يف ع�صري هذين الأمريين‬
‫الع�س�ي�ريني ‪ .‬ون�أم ��ل �أن نرى �أح ��د امل�ؤرخني �أو الباحثني اجلادين يتوىل هذا املو�ض ��وع مبزيد من البحث والدرا�س ��ة‬
‫العلمية الأكادميية املوثقة ‪.‬‬
‫درا�س ��ة تاريخ العثمانيني ال�سيا�س ��ي واحل�ضاري وبخا�ص ��ة يف بالد تهامة وال�س ��راة منذ نهاية القرن (‪13‬هـ‪19/‬م)‬ ‫(((‬
‫والعق ��ود الأوىل من القرن ( ‪14‬هـ‪20/‬م) مو�ض ��وع ي�س ��تحق �أن يخرج عنه العديد من البحوث والدرا�س ��ات العلمية‬
‫الأكادميية ‪.‬‬
‫درا�س ��ة تاريخ بالد غامد وزهران ال�سيا�س ��ي واحل�ض ��اري و�ص�ل�اتها مع جريانها يف احلجاز وع�س�ي�ر خالل العقود‬ ‫(((‬
‫ال�سبعة الأوىل من القرن (‪13‬هـ‪19/‬م) مو�ضوع مهم وجيد وي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لر�سالة �أو كتاب علمي موثق ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪34‬‬
‫وهي تذكر �ص ��راحة �أهمية غامد وزهران اقت�ص ��ادي ًا و�ض ��رورة العمل على دخولها يف‬
‫حوزة القوى العثمانية يف احلجاز ‪( .‬د) الع�س�ي�ريون مل ي�ألوا جهد ًا يف اال�س ��تيالء على‬
‫بالد غامد وزهران‪ ،‬وذلك لأهميتها االقت�صادية واجلغرافية فهي قريبة ال�شبه ملنطقة‬
‫ع�سري يف الت�ضاري�س واملناخ وكذلك العادات والتقاليد والأعراف(‪. )1‬‬
‫ج ـ تاري��خ الباحة منذ ع��ام (‪1289‬هـ‪1872/‬م) حت��ى العقود الأخرية‬
‫من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪:‬‬
‫امتد نفوذ �آل عائ�ض �شما ًال �إىل بالد غامد وزهران والقنفذة‪ ،‬و�سارت بع�ض اجليو�ش‬
‫الع�سريية من �أبها جنوب ًا حتى و�صلت احلديدة‪ ،‬وهذا التو�سع الع�سريي �أقلق الدولة العثمانية‬
‫وعندئذ جهزت جي�ش� � ًا بقيادة رديف با�ش ��ا و�أحمد خمتار با�شا و�أر�سلته �إىل بالد ع�سري يف‬
‫نهاي ��ة عام (‪1288‬هـ‪1872/‬م) من �أجل الق�ض ��اء على �إمارة �آل عائ�ض‪ ،‬وا�س ��تطاعت تلك‬
‫اجليو�ش العثمانية الق�ض ��اء على �أمري ع�س�ي�ر‪ ،‬حممد بن عائ�ض‪ ،‬وال�س ��يطرة على منطقة‬
‫ع�سري(‪. )2‬‬
‫يف ه ��ذه املرة ق ��ررت الدولة العثمانية ال�س ��يطرة على بالد ع�س�ي�ر ع�س ��كري ًا و�إداري ًا‪،‬‬
‫ومن ثم جعلت مدينة �أبها املقر الرئي�س ��ي حلكمهم‪ ،‬ثم مدوا نفوذهم �إىل القنفذة والباحة‬
‫�ش ��ما ًال‪ ،‬وجازان وقحطان وبالد وادعة جنوب ًا‪ ،‬وق�س ��مت هذه املنطقة �إىل �س ��بعة �أق�س ��ام‪،:‬‬
‫الإدارة الرئي�س ��ية (املت�ص ��رفية) يف �أبها‪ ،‬و�س ��ت مناطق �أخرى ه ��ي ‪ )1( :‬نواحي القنفذة‬
‫ومركزه ��ا مدين ��ة القفنذة ‪ )2( .‬بالد غامد وزهران ومركزه ��ا رغدان‪ )3( .‬حمائل وبارق‬
‫وقن ��ا ومركزها حمائ ��ل ‪ )4( .‬بالد رجال �أملع ومركزها ال�ش ��عبني ‪ )5( .‬بالد رجال احلجر‬
‫ومركزه ��ا النما� ��ص ‪ )6( .‬جازان و�ص ��بيا و�أبو عري� ��ش ومركزها �ص ��بيا(‪ ،)3‬وجعلت يف كل‬
‫((( املنطقة املمتدة من جنران �إىل الطائف مت�ش ��ابهه ومتقاربة يف ت�ضاري�س ��ها ومناخه ��ا وطبيعة �أهلها‪ ،‬ويف عقائدهم‬
‫و�أعرافهم ولهجاتهم وثرواتهم االقت�صادية‪ ،‬بل �إنهم م�شرتكون يف الكثري من حروبهم وتواريخهم ال�سيا�سية ‪ .‬ونقول‬
‫�إن درا�سة هذا الت�شابه والتقارب جدير بالبحث والدرا�سة‪ ،‬ون�أمل من اجلامعات ال�سعودية يف هذا اجلزء ال�سعودي‬
‫�أن تويل هذه البالد ( �أر�ض ًا و�سكان ًا ) الكثري يف بحوثها ودرا�ساتها العلمية والثقافية والفكرية والأدبية ‪.‬‬
‫((( تاري ��خ العثمانيني ال�سيا�س ��ي واحل�ض ��اري يف ب�ل�اد تهامة وال�س ��روات ( القنفذة‪ ،‬ج ��ازان‪ ،‬الباحة‪ ،‬ع�س�ي�ر) جدير‬
‫باالهتمام‪ ،‬بل ي�ستحق ب�أن ي�صدر عنه عدد من البحوث والدرا�سات العلمية املوثقة ‪.‬‬
‫((( هذه الإدارات العثمانية وتلك الفرتة الزمنية (‪1289‬ـ‪1337‬هـ‪1872/‬ـ‪1918‬م) مل تخدم بحثي ًا‪ ،‬وهناك �آالف الوثائق‬
‫اجلديدة وغري املن�ش ��ورة يف هذا الباب وهي متناثرة يف �أرا�ش ��يف تركيا وم�صر ورمبا عند بع�ض �أعيان و�شيوخ بالد‬
‫تهامة وال�سراة ‪ .‬ون�أمل �أن نرى من الباحثني اجلادين من يقوم بدرا�سة هذه احلقبة التاريخية املهمة ‪ .‬وللأ�سف فقد‬
‫ر�أيت خالل الثالثني عام ًا املا�ض ��ية بع�ض ال�ش ��يوخ والأعيان يف مناطق اجلنوب ال�س ��عودي ولديهم وثائق ومرا�سالت‬
‫عديدة تعود �إىل ذلك الع�ص ��ر‪ ،‬لكنهم ال يظهرونها وهم بذلك يحب�س ��ون علوم ًا ومعارف تخ�ص هذه الديار التهامية‬
‫وال�س ��روية‪ ،‬ورمبا يرون �أنهم يف ع�ص ��ر وحكم يختلف عن ذلك الزمن‪ ،‬وال يرغبون يف �إخراجها خوف ًا من امل�ساءلة‪،‬‬
‫�أو �أن يقال �إنهم م�صدر تلك الوثائق‪ ،‬وهذه فع ًال نظرية خاطئة ون�أمل �أن يتعقلوا وال ي�ضنون بهذا املوروث التاريخي‬
‫والثقايف واحل�ضاري لهذه البالد العربية املاجدة ‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫ناحية من هذه البالد التهامية وال�س ��روية حاكم ًا عثماني ًا يدير �ش� ��ؤون احلكم فيها ويرتبط‬
‫باملت�صرف العام يف �أبها (‪. )1‬‬
‫و�أ�صبحت بالد غامد وزهران ناحية �إدارية تتبع مت�صرف ع�سري‪ ،‬لكن امل�صادر وبع�ض‬
‫الوثائق ت�شري �إىل �أن الأ�شراف والنفوذ العثماين يف احلجاز كانوا ميدون نفوذهم �إىل منطقة‬
‫الباح ��ة من �أجل قم ��ع املتمردين والثورات املحلي ��ة هناك‪ ،‬ففي ع ��ام (‪1290‬هـ‪1873/‬م)‬
‫�أر�س ��لت حملة من مكة �إىل الباحة بقيادة علي با�ش ��ا ورفعت بك من �أجل �إخ�ض ��اع ومعاقبة‬
‫بع�ض ال�ش ��يوخ والأعي ��ان الغامديني والزهرانيني(‪ ،)2‬ويف عام (‪1300‬هـ‪1883/‬م) �أر�س ��لت‬
‫ق ��وات للإ�ش ��راف والعثمانيني من احلجاز ع�ب�ر منطقة الباحة وذلك م ��ن �أجل قمع بع�ض‬
‫الثورات املحلية يف بالد بني �شهر وبني عمرو وبلقرن وما جاورها(‪. )3‬‬
‫ويف عام (‪1321 ،1320‬هـ‪1903 ،1902 /‬م ) �أر�سلت مت�صرفية ع�سري بع�ض اجليو�ش‬
‫العثمانية �إىل بالد غامد وزهران‪ ،‬ودارت معارك بني �أهل البالد الأ�ص ��ليني وتلك اجليو�ش‬
‫الغازي ��ة‪ ،‬وكانت الغلبة يف معظم الأوق ��ات للغامديني والزهرانيني‪ ،‬بل تطورت تلك املعارك‬
‫�إىل قتل قادة اجلي�ش العثماين مثل �أحمد با�شا وم�ساعده وكثري من الع�ساكر العثمانيني(‪،)4‬‬
‫ويف عام (‪1321‬هـ‪1903/‬م) �أ�ص ��بحت القوات العثمانية يف الباحة غري قادرة على �ض ��بط‬
‫الب�ل�اد‪ ،‬بل �ص ��ارت عاجزة عن حماية نف�س ��ها‪ ،‬ومن ثم انح�س ��روا على �أنف�س ��هم‪ ،‬وحتول‬
‫ات�صال الأعيان وامل�شايخ من غامد وزهران مع ال�شريف يف مكة املكرمة(‪. )5‬‬
‫((( لقد توىل املت�ص ��رفية العثمانية يف �أبها ( ع�س�ي�ر ) �س ��تة ع�ش ��ر مت�صرف ًا هم‪ )1( :‬رديف با�ش ��ا (‪� )2‬أحمد خمتار با�شا‪.‬‬
‫(‪ )3‬عثمان بك (‪ )4‬حيدر بك (‪� )5‬أحمد في�ض ��ي با�ش ��ا ‪ )6(.‬حت�سني با�ش ��ا‪ )7( .‬رفعت با�شا‪ )8( .‬حممد �أمني با�شا‪.‬‬
‫(‪ )9‬يو�س ��ف با�ش ��ا ‪� )10(.‬أمني با�شا‪ )11( .‬مو�سى كاظم با�شا ‪� )12( .‬إ�سماعيل حقي با�شا‪ )13( .‬كاظم با�شا ‪)14(.‬‬
‫�س ��ليمان �ش ��فيق با�ش ��ا ‪ )15( .‬علي حيدر بك ‪ )16( .‬حمي الدين با�ش ��ا‪ .‬للمزيد انظر غيثان بن جري�س ‪� .‬أبها حا�ض ��رة‬
‫ع�سري (درا�سة وثائقية ) ( الريا�ض‪ :‬مطابع الفرزدق‪1417 ،‬هـ‪1997/‬م)‪� ،‬ص ‪ .54‬و�إيجاد تراجم مطولة له�ؤالء احلكام‬
‫وما قاموا به من جهود و�أعمال �سلبية و�إيجابية يف كثري من بالد تهامة وال�سراة مو�ضوع ي�ستحق �أن يفرد له العديد من البحوث‬
‫والدرا�سات‪ ،‬ونحن على يقني �أن يف �أرا�شيف م�صر وتركيا الكثري من الوثائق التي ت�صب يف خدمة هذا املو�ضوع ‪.‬‬
‫((( ا�س ��تطاعت تلك احلملة العثمانية القب�ض على بع�ض �ش ��يوخ غامد وزهران وحب�سهم‪ ،‬بل فر�ضوا عليهم �ضرائب وخدمات‬
‫�أخرى عديدة يقدمونها للجي�ش العثماين ‪ .‬للمزيد انظر علي ال�سلوك‪ .‬غامد وزهران‪ ،‬ال�سكان واملكان‪� ،‬ص ‪. 217‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪ . 218 ،217 ،‬انظر �أي�ض ًا ‪ :‬مو�سوعة اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬مج (‪� ،)16‬ص ‪. 165‬‬
‫((( املراجع نف�سها ‪.‬‬
‫((( املراج ��ع نف�س ��ها ‪ .‬وللمزي ��د انظ ��ر‪� ،‬إبراهي ��م �أحمد احل�س ��يل‪ .‬غام ��د وزه ��ران وانت�ش ��ار الأزد يف البل ��دان ( جدة‪،‬‬
‫‪1406‬ه� �ـ‪1986/‬م)‪ ،‬ج‪�� � ،1‬ص‪ 304‬وم ��ا بعدها ‪ .‬والوا�ض ��ح �أن بالد غامد وزه ��ران يف عهد النف ��وذ العثماين الأخري‬
‫(‪1289‬ـ‪1337‬هـ) كانت مت�أرجحة ف�أحيان ًا تقمع الثورات فيها من قبل احلجاز ورمبا ذلك لقربها من مكة والطائف‪،‬‬
‫و�أحيان� � ًا من ع�س�ي�ر‪ ،‬واملالحظ �أن القوات العثمانية يف احلجاز كانت �أف�ض ��ل من ع�س�ي�ر يف �ض ��بط البالد الغامدية‬
‫والزهراني ��ة للقوات العثمانية‪ ،‬وموقع منطقة الباحة ال�سيا�س ��ي والإداري يف القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) غري ثابت‬
‫ف�أحيان ًا يتبعون للحجاز و�أخرى لع�سري‪ ،‬وهذا الت�أرجح حلقهم �إداري ًا يف ع�صر الدولة ال�سعودية احلديثة فتارة يتبعون‬
‫للطائف �أو مكة �أو بي�ش ��ة �أو �أبها �أو الريا�ض �أو جدة‪ ،‬ورمبا يف الثالثني �س ��نة الأخرية بد�أ و�ضعهم الإداري ي�ستقر �أكرث‬
‫مما كان عليه من قبل ‪ .‬وذلك بفتح م�ؤ�س�سات �إدارية رئي�سية يف بالدهم تقوم على خدمة البالد والعباد‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪36‬‬
‫ويف عام (‪1327‬هـ‪1909/‬م) ظهر ال�س ��يد حممد بن علي الإدري�سي يف �صبيا مبنطقة‬
‫ج ��ازان(‪ ،)1‬وم ��د نف ��وذه �إىل نواح عدي ��دة يف بالد تهامة وال�س ��راة‪ ،‬وقد و�ص ��لت دعوته �إىل‬
‫بالد غامد وزهران‪ ،‬فلم يكن على بع�ض �ش ��يوخها الرئي�س�ي�ن مثل‪ :‬عب ��د العزيز الغامدي‪،‬‬
‫ورا�ش ��د بن جمعان بن رقو�ش �إال الذهاب عام ( ‪1328‬هـ‪1910/‬م ) مع وفود قبائل �س ��روية‬
‫وتهامية �أخرى حتى قدموا على الإدري�سي يف �صبيا‪ ،‬وقدموا له الوالء والطاعة(‪ ،)2‬ويف العام‬
‫نف�س ��ه �أر�سل ال�س ��يد الإدري�سي عامله وقائد جي�شه ال�سيد م�ص ��طفى بن حممد النعمي �إىل‬
‫بلجر�شي يف بالد غامد(‪ ، )3‬ف�أقام بينهم بع�ض الوقت‪ ،‬ثم عاد �إىل �أبها من �أجل امل�شاركة يف‬
‫حما�صرة الإدري�سي لأبها‪ ،‬ولكن ذلك احل�صارمل ي�ستمر لأن ال�شريف ح�سني بن علي خرج‬
‫من احلجاز ب�أمر من العثمانيني وفك ح�صار الإدري�سي عن �أبها عام (‪1329‬هـ‪1911/‬م(‪،)4‬‬
‫وبالتايل عادت بالد غامد وزهران �إىل والية ال�شريف ح�سني يف مكة (‪. )5‬‬
‫ومن ��ذ عام (‪1338-37‬هـ‪1920-19/‬م) مدت الدولة ال�س ��عودية احلديثة نفوذها �إىل‬
‫�أجزاء من بالد تهامة وال�س ��راة مثل‪ :‬ع�س�ي�ر وما جاورها‪ ،‬وتاريخ �ض ��م ع�س�ي�ر �إىل الدولة‬
‫ال�س ��عودية مكتوب يف كثري من البحوث والر�سائل والدرا�سات(‪� ،)6‬أما بالد الباحة فالو�صول‬
‫�إليه ��ا كان ع ��ن طريق ق ��ادة الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفي�ص ��ل يف بي�ش ��ة وتربه‬
‫واخلرمة ورنية �أمثال ‪� :‬سلطان بن بجاد‪ ،‬وال�شريف خالد بن ل�ؤي(‪ ،)7‬اللذين ات�صال ببع�ض‬
‫((( ملزيد من التف�صيالت عن ال�سيد حممد الإدري�سي ودعوته يف جازان وانت�شارها يف �أ�صقاع عديدة من البالد التهامية‬
‫وال�س ��روية‪ ،‬انظر‪ :‬العقيلي‪ ،‬تاريخ املخالف‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪ 626‬وما بعدها‪� ،‬أمرية علي املداح ‪ .‬املخالف ال�س ��ليماين حتت‬
‫حكم الأدار�سة ‪ .‬ر�سالة دكتوراة من ق�سم التاريخ ـ جامعة �أم القرى (‪1406‬هـ‪1985/‬م) �ص ‪ 11‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( انظر ‪:‬ال�سلوك‪ ،‬غامد وزهران‪� ،‬ص ‪ .222‬للمزيد انظر‪ :‬العقيلي‪ ،‬تاريخ املخالف‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪ 626‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( املراجع نف�سها ‪.‬‬
‫((( للمزيد عن ح�ص ��ار الإدري�س ��ي لأبها انظر‪ :‬يو�س ��ف ح�س ��ن العارف‪� .‬أ�ض ��واء على مذكرات �س ��ليمان �ش ��فيق با�ش ��ا‬
‫( مت�ص ��رف ع�س�ي�ر ) ( ‪1326‬ـ ‪1330‬هـ‪1908/‬ـ‪1912‬م) ( �أبها ‪ :‬نادي �أبها الأدبي‪1411 ،‬هـ‪1990 /‬م)‪� ،‬ص ‪70‬وما‬
‫بعدها ‪ .‬ابن جري�س‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،6‬ص ‪. 63‬‬
‫((( من يتابع تطور تاريخ مكة ال�سيا�سي واحل�ضاري منذ فجر الإ�سالم حتى الع�صر احلديث يجد �أنها على �صالت قوية‬
‫ومتينة مع حوا�ضر احلجاز الكربى مثل‪ :‬الطائف وجدة واملدينة املنورة ‪ .‬ومقارنة �أو�ضاع هذه البالد و�صالتها مع ما‬
‫يليها جنوب ًا مثل‪ :‬الباحة‪ ،‬وع�سري‪ ،‬وجازان‪ ،‬وجنران يجدها حمدودة و�أحيان ًا نادرة بعك�س عالقاتها مع بالد احلجاز‬
‫القدمية والقوية ‪ .‬وهذا املو�ضوع جدير بالبحث والدرا�سة‪ ،‬ن�أمل �أن نرى من يت�صدى له ويخرجه يف كتاب �أو ر�سالة‬
‫علمية �أكادميية‪ ،‬مع �أنه ي�ستحق درا�سات وبحوث عديدة ‪.‬‬
‫((( من خالل االطالع على قوائم املكتبات املركزية والعامة يف البالد ال�سعودية‪ ،‬ويف عدد من مراكز البحوث واملكتبات‬
‫العلمية املحلية والإقليمية والدولية جند ع�ش ��رات بل مئات الدرا�س ��ات التي ذكرت دخول منطقة ع�س�ي�ر حتت لواء‬
‫املل ��ك عب ��د العزيز‪ ،‬ومن امل�ؤكد �أنه الزال هناك وثائق وروايات جديدة مل تن�ش ��ر ورمبا مل توج ��د ون�أمل �أن نرى من‬
‫يجمعها ويدر�سها ‪.‬‬
‫((( �س ��لطان بن بجاد وال�شريف خالد بن ل�ؤي ي�ستحقان درا�ستني �أكادمييتني تو�ضح �سجلهما التاريخي قبل ان�ضمامهما‬
‫�إىل امللك عبد العزيز وبعده ‪ .‬كما �أن خالد بن ل�ؤي ي�س ��تحق �أن يفرد له درا�س ��ات عديدة تو�ض ��ح �أعماله عندما كان‬
‫يعمل مع ال�ش ��ريف احل�س�ي�ن بن علي‪ ،‬وما هي الأ�س ��باب التي جعلته يرتك ال�ش ��ريف ويلتحق بابن �سعود ؟ ثم �أعماله‬
‫يف حمارب ��ة �أه ��ل غامد وزهران وكيف مت حرق بع�ض قرى غامد مثل بلجر�ش ��ي وغريها‪ .‬وهذه مو�ض ��وعات مازالت‬
‫ت�ستحق البحث والدرا�سة‪ ،‬ون�أمل �أن يظهر يف امل�ستقبل من يدر�سها درا�سة علمية �أكادميية ‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫�ش ��يوخ زهران وغامد يدعونهم �إىل الدخول يف حكم ابن �س ��عود‪ ،‬بل �إن الإمام عبد العزيز‬
‫نف�سه �أر�سل العديد من الر�سائل �إىل �شيوخ غامد وزهران يحثهم على مراجعة القائد خالد‬
‫بن ل�ؤي يف جميع �أمورهم‪ ،‬ويف �آخر عام (‪1338‬هـ‪1920/‬م) خرج وفدان من زهران وغامد‬
‫وقابال خالد بن ل�ؤي يف تربه و�أعطوه البيعة للملك عبد العزيز(‪. )1‬‬
‫ومن بعد عام (‪1340‬هـ‪1922/‬م) �ساهمت غامد وزهران يف توحيد البالد ال�سعودية‪،‬‬
‫فقد �ش ��اركوا مع الأمري في�ص ��ل بن عبد العزيز الفي�ص ��ل عندما ذهب �إىل ع�س�ي�ر و�سيطر‬
‫عليها(‪ ،)2‬كما �شاركوا يف ح�صار جدة عام (‪1343‬هـ‪1924/‬م)‪ ،‬وا�شرتكوا �أي�ض ًا يف الق�ضاء‬
‫على مترد عبد اهلل بن فا�ض ��ل �ش ��يخ بني مالك جنوب الطائف ع ��ام (‪1347‬هـ ‪1928 /‬م)‪،‬‬
‫و�ش ��اركوا �أي�ض ًا يف قمع احل�سن الإدري�س ��ي يف جازان عام (‪1351‬هـ‪1932/‬م) (‪ ،)3‬كما �أنهم‬
‫مل يتوان ��وا يف دفع زكواتهم جلباة الدولة ال�س ��عودية‪ ،‬وكذلك االلتزام بدفع ح�ص�ص ��هم يف‬
‫اجلهاد يف �أثناء توحيد البالد(‪. )4‬‬
‫وكان ��ت بالد غام ��د مرتبط ��ة �إداري� � ًا ع ��ام (‪1339‬ه� �ـ‪1921/‬م) ببي�ش ��ة‪ ،‬وقبل ذلك‬
‫التاري ��خ كانت مرتبط ��ة ب�إمارة تربه(‪� ،)5‬أما �س ��راة زهران فقد ربط ��ت بالطائف منذ عام‬
‫(‪1343‬هـ‪1924/‬م)‪ ،‬وكانت من قبل مرتبطة ب�إمارة تربة(‪� ،)6‬أما الأجزاء التهامية من غامد‬
‫وزهران فكانت منذ عام (‪1343‬هـ‪1924/‬م) حتى �أوائل اخلم�س ��ينيات من القرن الهجري‬
‫املا�ض ��ي مرتبطة ب�إمارتي القنف ��ذة والليث(‪ ،)7‬ويف عام (‪1353‬هـ‪1934/‬م) �أن�ش ��ئت �إمارة‬
‫م�ستقلة يف زهران‪ ،‬تراجعها عموم قبائل غامد وزهران‪ ،‬و�أول �أمري لها هو الأمري تركي بن‬
‫((( مازالت هناك مئات الوثائق اجلديدة وغري املن�شورة التي ت�صب يف تاريخ بالد غامد وزهران يف �أثناء دخولهم حتت‬
‫نفوذ امللك عبد العزيز‪ ،‬وكيف كانت �صالتهم مع ال�شريف احل�سني بن علي يف احلجاز‬
‫((( ع�شرات الكتب والر�سائل العلمية دونت تاريخ ع�سري احلديث وبخا�صة يف بداية احلكم ال�سعودي احلايل كما ف�صلت‬
‫احلديث عن حمالت ابن �سعود على بالد ع�سري وجازان حتى دخلت يف حكمه ‪.‬‬
‫((( تاريخ منطقة الباحة ال�سيا�س ��ي يف بدايات الدولة ال�س ��عودية احلديثة ي�س ��تحق �إىل �أن يفرد له كتاب �أو ر�سالة علمية‬
‫�أكادميية‪ ،‬ون�أمل من م�ؤرخي بالد غامد وزهران �أن يتولوا هذا املو�ضوع بالبحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫((( ح�س ��ب علمنا �أن تاريخ منطقة الباحة املايل والإداري واحل�ض ��اري يف ع�ص ��ر امللك عب ��د العزيز ( ‪1373 -1338‬هـ‬
‫‪1953-1920/‬م ) مل يخ ��دم ومل ُيدر� ��س بطريق ��ة علمي ��ة �أكادميية‪ ،‬ون�أمل من طالب الدرا�س ��ات العليا يف �أق�س ��ام‬
‫التاريخ بجامعات �أم القرى‪ ،‬والباحة‪ ،‬وامللك خالد �أن يتولوا هذا املو�ضوع بالبحث العلمي اجلاد ‪.‬‬
‫((( بالد بي�شة وتربه وما بينهما ت�ستحق درا�سات تاريخية وح�ضارية متعددة‪ ،‬وذلك لقدمهما التاريخي‪ ،‬وما جرى فيهما‬
‫من �أحداث تاريخية وح�ض ��ارية عرب ع�ص ��ور التاريخ القدمي والإ�سالمي املبكر والو�سيط واحلديث‪ .‬وهاتان البلدتان‬
‫جديرتان ب�أن ي�صدر عنهما عدد ًا من الكتب والبحوث والر�سائل العلمية‪.‬‬
‫((( التاريخ الإداري واملايل احلديث لبالد الباحة وتربه ورنية واخلرمة والطائف و�صالتهم مع بع�ضهم البع�ض ت�ستحق‬
‫�إىل �أن ي�صدر عنها درا�سات �أكادميية موثقة ‪.‬‬
‫((( القنفذة والليث من حوا�ض ��ر بالد تهامة‪ ،‬ولها �س ��جل تاريخي جيد يف املجالني ال�سيا�س ��ي واحل�ض ��اري عرب ع�ص ��ور‬
‫التاريخ الإ�س�ل�امي املبكر والو�س ��يط واحلديث ‪ .‬وهات ��ان البلدتان مل تخدما بحثي ًا‪ ،‬ون�أم ��ل �أن نرى م�ؤرخني جادين‬
‫من�صفني يخرجوا عنها بع�ض الدرا�سات الأكادميية الر�صينة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪38‬‬
‫حممد املا�ض ��ي‪ ،‬وا�س ��تمرت يف مقرها يف قرية الظفري حتى ع ��ام (‪1371‬هـ‪1951/‬م)‪ ،‬ثم‬
‫نقلت �إىل بلجر�ش ��ي وبقيت هناك �إىل عام (‪1383‬هـ‪1963/‬م)‪ ،‬ثم نقلت من بلجر�شي �إىل‬
‫مدينة الباحة لتو�س ��طها بني غامد وزهران‪ ،‬ومازالت موجودة بها حتى الآن حتت م�س ��مى‬
‫( �إمارة منطقة الباحة ) (‪. )1‬‬
‫وقد تعاقب على �إمارة منطقة الباحة منذ ن�ش� ��أتها عام (‪1353‬هـ‪1934/‬م) حتى الآن‬
‫�أربعة ع�ش ��ر �أمري ًا هم ‪ )1( :‬تركي بن حممد املا�ض ��ي‪ )2( .‬فهد بن في�ص ��ل �آل �س ��عود ‪)3(.‬‬
‫نا�ص ��ر بن موين ��ع‪ )4( .‬عبد الرحمن بن �أحمد ال�س ��ديري‪ )5(.‬فهد بن ب ��از ‪� )6(.‬إبراهيم‬
‫بن عبد اهلل بن عرفج ‪ )7( .‬حممد بن �ص ��الح العذل ‪ )8( .‬عبد اهلل بن �س ��عيد بن جريد‪.‬‬
‫(‪ )9‬عبد العزيز بن �س ��ويلم‪� )10( .‬س ��عود ب ��ن عبد الرحمن ال�س ��ديري‪� )11( .‬إبراهيم بن‬
‫عبد العزيز ‪� )12( .‬إبراهيم حممد الزيد ‪ )13(.‬حممد بن �سعود بن عبد العزيز �آل �سعود‪.‬‬
‫(‪ )14‬م�شاري بن �سعود بن عبد العزيز �آل �سعود(‪. )2‬‬
‫ثالث ًا‪� :‬صفحات من تاريخ الباحة احل�ضاري (ق‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م)‪:‬‬
‫مت جمع مادة هذا املحور من م�صادر عديدة مثل‪� )1( :‬أوراق ومذكرات ووثائق حملية‬
‫جمعت خالل العقود الثالثة املا�ض ��ية‪ ،‬و�أ�صولها �أو �ص ��ورها توجد �ضمن مكتبة الباحث(‪.)3‬‬
‫(‪ )2‬بع� ��ض بح ��وث التخرج لطالب ق�س ��م التاريخ يف كلية الرتبية‪ ،‬فرع جامعة امللك �س ��عود‬
‫خ�ل�ال العق ��د الثاين من الق ��رن ( ‪14‬ه� �ـ‪20/‬م) (‪ )3(. )4‬روايات و�أقوال بع�ض امل�س ��نني يف‬
‫((( التاريخ الإداري ملنطقة الباحة يف ع�ص ��ر الدولة ال�س ��عودية احلديثة جدير بالبحث وهذا املو�ض ��وع ي�ستحق �أن يكون‬
‫عنوان ًا لكتاب �أو ر�سالة علمية �أكادميية ‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬غيثان بن جري�س‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( الباحة‬
‫وع�سري )‪ ،‬ج‪� ،5‬ص‪ 118‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( ملزيد من التف�ص ��يالت عن ه�ؤالء الأمراء انظر‪ :‬غيثان بن جري�س‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 118‬ـ‬
‫‪ ،119‬مو�سوعة اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬مج (‪� ،)16‬ص ‪ .169‬وكل واحد من ه�ؤالء الأمراء يحتاج �إىل ترجمة مطولة‬
‫تذكر فيها �إ�س ��هاماته احل�ض ��ارية يف منطقة الباحة خالل فرتة �إمارته‪ ،‬ومن امل�ؤكد �أن �أر�شيف الإمارة يحوي الكثري‬
‫من الوثائق التي ت�صب يف خدمة هذا املو�ضوع‪ ،‬كما �أن التاريخ االجتماعي واالقت�صادي والثقايف والتعليمي والتنموي‬
‫ملنطقة الباحة منذ عام (‪1439-1350‬هـ ‪2018 -1930 /‬م) ي�س ��تحق �أن ي�ص ��در عنه ع�شرات البحوث والدرا�سات‬
‫العلمي ��ة والأكادميي ��ة‪ .‬وهذا من م�س� ��ؤوليات جامعة الباحة التي يجب عليها �إن�ش ��اء مراكز بحثية متخ�ص�ص ��ة بهذا‬
‫اجلانب‪،‬كما يجب عليها �أي�ض� � ًا ت�شجيع الأكادمييني والباحثني العاملني فيها ليخدموا الأوطان الغامدية والزهرانية‬
‫علمي ًا وهذه من واجباتها الرئي�سية التي يجب العمل على حتقيقها ‪.‬‬
‫((( يوجد �ض ��من مكتبة الباحث مئات الوثائق �أو املذكرات اخلا�ص ��ة بتاريخ بالد تهامة وال�سراة خالل القرون الهجرية‬
‫املا�ضية‪ ،‬ولبالد الباحة ن�صيب ال ب�أ�س به من هذه امل�صادر املحلية ‪.‬‬
‫((( هناك بحوث عديدة غري من�ش ��ورة عن منطقة الباحة ومن �أهمها‪ :‬منطقة الباحة ( بالد بني عمر وغامد وزهران)‬
‫تاريخ وح�ضارة خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م)‪ ،‬لعبد اهلل بن علي بن �سامل ال ُعمري ‪ .‬وهو بحث تخرج من ق�سم‬
‫التاري ��خ بفرع جامعة امللك �س ��عود ب�أبها عام (‪1414‬هـ‪1994/‬م)‪ ،‬حتت �إ�ش ��راف �أ‪ .‬د‪ /.‬غيثان بن علي بن جري�س‪.‬‬
‫ورقم ��ه يف مكتب ��ة الباح ��ث ( ‪ )2( .)33‬حمافظ ��ة املخواة خالل الق ��رن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬من �إع ��داد حممد دروي�ش‬
‫الغ�شام الغامدي‪ ،‬وحمدي عامر مو�سى العماري‪ ،‬وعلي حممد علي الغامدي ‪ .‬بحث تخرج من ق�سم التاريخ ـ جامعة‬
‫امللك �سعود ب�أبها عام (‪1417‬هـ‪1997/‬م)‪ .‬حتت �إ�شراف �أ ‪ .‬د ‪ .‬غيثان بن جري�س ورقمه يف مكتبة الباحث (‪.)168‬‬
‫‪39‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫نواح عديدة يف بالد‬


‫منطق ��ة الباحة‪ ،‬بالإ�ض ��افة �إىل بع�ض الكتب املطبوعة واملن�ش ��ورة عن ٍ‬
‫تهامة وال�س ��راة خ�ل�ال العقدين الهجريني املا�ض ��يني‪ .‬ويف ال�صفحات التالي���ة نورد بع�ض‬
‫التف�صيالت عن العنا�صر التالية‪:‬‬
‫‪1‬ـ �صور من احلياة االجتماعية ‪:‬‬
‫(*) ات�ض���ح لن���ا �أن اجلن�س العربي القحط���اين اليماين هو الغالب على �أ�صول قبائل‬
‫غامد وزهران‪ ،‬ويوجد بينهم بع�ض الأجنا�س العربية العدنانية(‪ ،)1‬والفاح�ص للتاريخ ال�سيا�سي‬
‫واحل�ضاري الغامدي والزهراين خالل القرون املا�ضية املت�أخرة يجد �أنه وفد �إىل هذه البالد‬
‫بع�ض العنا�ص ��ر غري العربية مث ��ل‪ :‬الأفارقة‪ ،‬والأتراك وغريهم من بلدان العامل الإ�س�ل�امي‬
‫وغري الإ�س�ل�امي(‪ ،)2‬ومنهم من �أقام يف هذه البالد لفرتات ق�ص�ي�رة ثم غادروها(‪ ،)3‬و�آخرون‬
‫وهم قلة مكثوا فيها ومع مرور الزمن �صاروا من �شرائح املجتمع الباحوي الرئي�سية(‪. )4‬‬
‫(*) وجمتمع منطقة الباحة يتكون من �أ�سر وفخوذ وقرى وال�سائح يف هذه البالد‬
‫ي ��رى الق ��رى القدمي ��ة متناثرة يف كل م ��كان‪ ،‬والدار� ��س لطبوغرافية تل ��ك القرى يالحظ‬
‫ح�ص ��انة مواقعها‪ ،‬وتقارب �أزقتها ومنازلها‪ ،‬وب�س ��اطة مرافقها‪ ،‬وه ��ذا يعك�س لنا عدد من‬
‫الأمور التي جنملها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫�أ ـ فقدان الأمن يف ال�س ��ابق جعل �أهل البالد يتعاونون ويتقاربون ويت�آلفون يف نظام‬
‫حياتهم وك�سب �أرزاقهم ‪.‬‬
‫ب ـ ب�س ��اطة احلياة وقلة ذات اليد دفعت النا�س �إىل الر�ض ��ا بالقليل‪ ،‬فال مبالغة يف‬
‫بناء دورهم‪ ،‬وال رغبة يف الذهاب بعيد ًا عن �أهلهم وقراهم(‪. )5‬‬
‫((( هذا ما عرثنا عليه يف كتب بع�ض الأن�س ��اب املبكرة وبع�ض املذكرات والوثائق املوجودة يف مكتبتنا العلمية‪ .‬وقد ي�أتي‬
‫يوم ( ب�إذن اهلل ) فنخرج جميع هذه امل�صادر التاريخية يف كتاب مطبوع ومن�شور ‪.‬‬
‫((( نلحظ �أن بالد احلجاز كانت على عالقات �سيا�س ��ية وح�ض ��ارية م�س ��تمرة مع بالد غامدوزهران‪ ،‬ومن ثم ف�إن بع�ض‬
‫القوى الع�س ��كرية يف احلجاز كانت متد نفوذها �إىل بالد غامد وزهران‪ ،‬وبع�ض من �أفراد تلك اجليو�ش من عنا�صر‬
‫تركية و�إفريقية وغريها ‪ .‬كما �أن التجارة كانت ن�شطة بني موانئ البحر الأحمر واحلجاز‪ ،‬وكان يرتاد �أ�سواق غامد‬
‫وزهران بع�ض التجار وهم من عنا�صر غري عربية ‪ .‬وللمزيد من التف�صيالت عن طبقات املجتمع يف منطقة الباحة‬
‫انظر ‪ :‬غيثان بن جري�س ‪ .‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 168‬ـ ‪173‬‬
‫((( للمزيد انظر‪ :‬املرجع نف�سه ‪.‬‬
‫((( الذاه ��ب الآي ��ب يف ب�ل�اد غامد وزهران الي ��وم ( تهامة و�س ��راة ) يالحظ بع�ض العنا�ص ��ر وهم قلة م ��ن فئات غري‬
‫عربية‪ ،‬وبخا�صة يف الأجزاء التهامية‪،‬كما �أن املت�أمل يف بع�ض امل�صادر والوثائق اخلا�صة مبنطقة الباحة منذ القرن‬
‫(‪12‬ـ‪14‬هـ‪18/‬ـ ‪20‬م) يجد معلومات متناثرة ت�ؤكد جميء بع�ض العنا�صر غري العربية �إىل هذه البالد وا�ستقرارهم‬
‫بها حتى �صاروا �ضمن ن�سيج جمتمع الباحة العام ‪. .‬‬
‫((( مقارن ��ة مواط ��ن اال�س ��تيطان اليوم مع �أو�ض ��اع النا�س قدمي ًا يجد مبالغ ��ة النا�س يف وقتنا احلا�ض ��ر يف بناء املنازل‬
‫ومرافقها‪ ،‬بل �ص ��ار الكثري منهم يحر�ص على اال�س ��تقالل يف م�سكنه ومطعمه وم�ش ��ربه و�ش�ؤون حياته‪ .‬وهذا نتيجة‬
‫للأمن ال�س ��ائد يف الأوطان واملال واخلري الكثري املوجود يف �أيدي النا�س ‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬ابن جري�س‪ ،‬القول املكتوب‬
‫يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 174‬ـ ‪. 175‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪40‬‬
‫ج ـ �أف ��راد القري ��ة الواحدة و�أحيان ًا القرى املتقاربة ينت�س ��بون يف جد واحد ورمبا يف‬
‫جدي ��ن �أو ثالثة فقط‪ ،‬ومن ثم فهم �أ�س ��ر متقاربة يف الن�س ��ب ويف املوطن‪ ،‬وكان‬
‫له ��م من الأعراف والنظم والتقاليد ما يجعلهم متكاملني متوافقني متكاتفني يف‬
‫�ش�ؤون حياتهم االجتماعية واالقت�صادية والثقافية(‪. )1‬‬
‫(*) والعم���ران يف منطق���ة الباح���ة متن���وع من الق���رى املكونة من من���ازل وح�صون‬
‫حجري���ة وغالبي ��ة هذه القرى يف الأجزاء ال�س ��روية (‪، )2‬وال تخلو بع�ض القرى التهامية من‬
‫منازل مبنية بالق�ش والأخ�شاب‪ ،‬ويطلق عليها ع�ش�ش ومفردها ع�شة(‪ ،)3‬وهناك �أبنية اخرى‬
‫(‪)4‬‬
‫مثل‪ :‬الق�ص ��ور واحل�صون يف القرى �أو على ر�ؤو�س اجلبال �أو يف بع�ض الأودية واله�ضاب‬
‫‪ ،‬وكذلك امل�س ��اجد‪ ،‬والأ�سواق‪ ،‬واملقابر‪ ،‬والكهوف‪ ،‬والآبار‪ ،‬واملدرجات الزراعية‪ ،‬والعيون‪،‬‬
‫والأحمية‪ ،‬وال�سدود وامل�صدات الزراعية وغريها(‪. )5‬‬
‫واحلدي ��ث عن العمران‪ ،‬و�أدواته والو�س ��ائل امل�س ��تخدمة يف البناء‪ ،‬والثقافة ال�س ��ائدة‬
‫بني الغامديني والزهرانيني يف ميدان العمارة والت�ش ��ييد مو�ضوع كبري وي�ستحق العديد من‬
‫الدرا�سات العلمية (‪ ،)6‬ومن يقارن بني �أنواع العمارة قدمي ًا وحديث ًا ف�سوف يجد فروق ًا كبرية‬
‫((( يوجد يف مكتبة الباحث العديد من الوثائق واالتفاقيات التي يعود تاريخ بع�ضها �إىل القرنني (‪12‬ـ ‪13‬هـ‪18/‬ـ‪19‬م)‪،‬‬
‫وبها الكثري من البنود والعقود واالتفاقات التي تنظم �سري حياة النا�س يف القرية الواحدة �أو يف القرى املتعددة التي‬
‫تعود يف ن�س ��بها �إىل فخذ �أو ع�ش�ي�رة واحدة ‪ .‬ومثل هذه االتفاقات �أو القواعد االجتماعية جديرة بالبحث والدرا�سة‪.‬‬
‫ن�أم ��ل م ��ن م�ؤرخي منطقة الباحة �أن يجمعوا مثل هذه الوثائق التاريخية احل�ض ��ارية ثم يقوموا بدرا�س ��تها وحتليلها‬
‫وتوثيقها ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( ال�س ��ائح يف �س ��روات الباح ��ة يلحظ عددا م ��ن القرى القدمي ��ة التي تتكون منازله ��ا من دور ودورين ورمبا بع�ض ��ها‬
‫يرتف ��ع �إىل �أك�ث�ر م ��ن ذلك‪ ،‬ويوج ��د يف بع�ض هذه القرى ق�ص ��ور �أو ح�ص ��ون قدمية ي�ص ��ل ارتفاعه ��ا �إىل �أربعة �أو‬
‫خم�س ��ة طوابق‪ ،‬وبع�ض� � ًا من هذه احل�ص ��ون والقرى يعود تاريخها �إىل القرون الإ�سالمية الو�س ��يطة‪� ،‬أو �إىل القرنني‬
‫(‪12‬ـ‪13‬ه� �ـ‪18/‬ـ‪19‬م)‪ .‬كم ��ا يوج ��د يف حوزة الباحث �ص ��ور من بع�ض ال�ص ��كوك �أو الوثائق لبع�ض ح�ص ��ون ومنازل‬
‫منطقة الباحة وتواريخها منذ قرنني �أو ثالثة ‪.‬‬
‫((( للمزيد عن �أنواع املنازل يف منطقة الباحة انظر‪ :‬غيثان بن جري�س ‪ .‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 175‬ـ‬
‫‪ ،180‬وانظر عبد اهلل بن �سامل ال ُعمري ‪ .‬منطقة الباحة ‪ ..‬خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19 /‬ـ‪20‬م) ‪ .‬بحث تاريخي غري‬
‫من�ش ��ور‪ ،‬ق�س ��م التاريخ‪ ،‬جامعة امللك �سعود ـ فرع �أبها (‪1414‬هـ‪1994 /‬م) ‪� ،‬ص ‪33‬ـ ‪. 36‬ويف هذا البحث تف�صيالت‬
‫عن �أنواع املنازل و�أحجامها‪ ،‬وطريقة بنائها‪ ،‬وطرق ا�س ��تخدامها‪ ،‬والأيدي العاملة التي عمرتها‪ ،‬واختالف �أ�شكالها‬
‫وموادها يف البوادي وال�سروات وتهامة‪.‬‬
‫((( مت تدوين تف�صيالت حول هذه الأبنية يف كتاب‪:‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 175‬ـ ‪.180‬‬
‫((( املرجع نف�س ��ه‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 180‬ـ ‪ . 187‬وتاريخ العمارة القدمية يف منطقة الباحة ومقارنته مع �أنواع العمارة اجلديدة‬
‫اليوم مو�ض ��وع جديد وي�س ��تحق �أن يخرج عنه عدد من الدرا�س ��ات‪ ،‬ون�أمل من جامعة الباحة‪� ،‬أن تن�شئ كلية للعمارة‬
‫�ض ��من منظومتها الأكادميية حتى تقوم بدرا�س ��ة �أنواع العمارة يف منطقة الباحة بل يف عموم بالد تهامة وال�س ��راة ‪.‬‬
‫كما ن�أمل من امل�ؤرخني الغامديني والزهرانيني �أن ي�ؤرخوا لأنواع العمارة يف بالدهم ‪.‬‬
‫((( �إج ��راء درا�س ��ات مقارن ��ة بني �أن ��واع العمارة قدمي ًا وحديث ًا مو�ض ��وع ي�س ��تحق �أن يت�ص ��دى له العديد م ��ن الباحثني‬
‫املتخ�ص�ص�ي�ن اجليدين‪ ،‬بل �إن اجلامعات املحلية يف ع�سري والباحة وجنران وجازان عليها م�س�ؤولية كربى لدار�سة‬
‫العمران و�أنواعه وتاريخه يف عموم بالد تهامة وال�سراة ‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫وجوهري ��ة بني املا�ض ��ي واحلا�ض ��ر‪ ،‬بل �إن الأبني ��ة والعمارة اليوم تختلف يف كل �ش ��يء منذ‬
‫البداية حتى النهاية‪ ،‬ناهيك عن �أنواع العمران و�أ�شكاله‪ ،‬و�أدواته‪ ،‬والأيدي العاملة‪ ،‬و�أثاث‬
‫املنازل فكل ذلك يختلف متام ًا عما كان يعي�شه الأوائل يف القرون املا�ضية املت�أخرة(‪. )1‬‬
‫ويف ال�صفحات التالية ن�شري �إىل مناذج من �أدوات املنازل و�أثاثها يف القرون ال�سابقة‪،‬‬
‫التي انقر�ض معظمها‪ ،‬و�أ�صبحنا ال نراه �إال يف بع�ض املتاحف ال�شعبية املوجودة يف عدد من‬
‫مدن وقرى بالد تهامة وال�س ��راة‪ .‬وهذه الأدوات على النحو التايل‪ )1(.‬ال�س���رير(القعادة)‪:‬‬
‫وهي م�صنوعة من اخل�شب على �شكل م�ستطيل ويتم حتبيلها باحلبال امل�صنوعة من ال�سعف‬
‫والطفي‪ ،‬وهذه احلبال ت�س ��مى بـ( احلديرة )حيث ت�ص ��نعها بع�ض الن�ساء باملنطقة وتتخذ‬
‫منها و�سيلة لت�أمني معي�شتها‪ ،‬وهذه احلداير ت�صبغ بعدد من الألوان تك�سب ال�سرير منظر ًا‬
‫جمي ًال‪،‬ومل تكن هذه ال�س ��رر تت�س ��ع لأكرث من نفر واحد‪ ،‬وال تكفي ل�س ��د حاجة جميع �أفراد‬
‫الأ�سرة بل كان معظمهم ينام على الأر�ض‪ ،‬والبع�ض ينام مع �أخيه على الكر�سي �إن كانوا من‬
‫الأطفال‪ )2( ،‬املنرب (املقعد)‪ :‬م�صنوع من نف�س مادة ال�صنع لل�سرير‪ ،‬ولي�س هناك اختالف‬
‫�إال يف احلجم وامل�س ��احة‪ ،‬حيث يكون على �ش ��كل مربع وي�ستخدم للجلو�س من قبل ال�ضيوف‬
‫وكبار ال�س ��ن يف املنزل‪ ،‬وال�س ��يما عند تناول الوجبة الغذائية‪ ،‬وي�ستخدم يف حفالت الزواج‬
‫فتجل�س عليه العرو�س ليلة زفافها(‪ )3( . )2‬احل�صري‪ :‬ب�ساط كبري وجمعه ‪ُ ( :‬ح�صر) ي�ضعه‬
‫الأهايل كفر�ش للغرف وال�س ��طوح عند قدوم ال�ض ��يوف‪ ،‬وي�صنع من ال�سعف و�شجر الدوم‪.‬‬
‫(‪ )4‬الب�سطة ( املفتة ) ‪ :‬ال�سفرة امل�ستخدمة للطعام‪ ،‬وت�صنع من نف�س مادة الطفي‪ ،‬و�شكلها‬
‫دائري ورمبا م�ستطيلة �أومربعة ‪ )5(.‬التفال ‪� :‬أ�شبه ما تكون باملب�سطة وتو�ضع حتت املطحنة‬
‫لتلقي احلب املطحون وحجزه عن الرتاب‪ )6(.‬القفة‪ :‬وعاء كبري ت�س ��تخدم حلفظ احلبوب‬
‫عند احل�ص ��اد‪ ،‬وحفظ اللحم يف الوالئم‪ ،‬وت�س ��تخدم �أي�ض� � ًا لنقل الأغرا�ض من ال�سوق �إىل‬
‫املنزل وغريها‪ ،‬وي�صنع من الطفي ‪ )7( .‬املن�سف ( الطبق ) ‪� :‬أ�شبه ما يكون بال�صحن غري‬
‫انه مقعر ي�س ��تخدم لتقدمي اخلبز وبع�ض الأغرا�ض الأخرى‪ ،‬وهناك �أ�ص ��غر منه يف احلجم‬
‫ي�س ��مى املح�ص ��ل‪ ،‬وت�ص ��نع جميعها من مادة الطفي‪ )8( .‬احلف�ص( املخرجة) وعاء كبري‬
‫ب�ش ��كل م�س ��تطيل �أ�شبه ما يكون بحفرة القرب‪ ،‬ي�ص ��نع من الطفي وي�ستخدم يف نقل ال�سماد‬
‫احليواين والطني وغريه من الأغرا�ض الأخرى ‪ )9(.‬الزنبيل ‪ :‬وعاء �صغري ن�سبي ًا ي�ستخدم‬
‫لنقل بع�ض الأغرا�ض ال�شخ�ص ��ية‪ ،‬ورمبا ا�س ��تخدم لنقل املحا�صيل الزراعية والطني �أي�ض ًا‬

‫((( �أما تاريخ وطريقة �أنواع العمران احلديث فهو باب وا�س ��ع جد ًا وي�س ��تحق �إىل �إن�شاء �أق�سام �أو كليات علمية �أكادميية‬
‫تت ��وىل درا�س ��ة عمران املناطق اجلنوبية ال�س ��عودية ‪ .‬والأمل يف اجلامعات املحلية �أن تقوم به ��ذا العمل فهو يعد من‬
‫واجباتها ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( انظر ‪ :‬الكثري من هذه الأدوات موجودة عند بع�ض الأ�سر الزهرانية والغامدية‪ ،‬و�أ�صبحت جزءا من املوروث ال�شعبي‬
‫لديهم ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪42‬‬
‫‪ )10(.‬اجلونة‪� :‬أ�ش ��به ما تكون بالقدر ال�ص ��غري‪ ،‬ولها غطاء خا�ص بها‪ ،‬وت�ستخدم حلفظ‬
‫الأغرا�ض ال�شخ�ص ��ية كاحللي والنقود ‪ )11( .‬ال�س���جادة (امل�صالة ) ‪ :‬م�صنوعة من الطفي‬
‫وت�س ��تخدم لغر�ض �أداء ال�ص�ل�اة عليها‪ )12( .‬املروحة ( امل�ش���وفة )‪ :‬ت�ستخدم للتهوية عند‬
‫ا�شتداد احلر‪ ،‬ويف الأماكن املكتظة بالنا�س جللب الهواء البارد وت�سمى يف بع�ض القرى بـ (‬
‫املهفة ) ‪ )13( .‬التورة‪ :‬وعاء للطبخ وهي م�صنوعة من الطني‪ )14(.‬امل�صب ‪ :‬مبنزلة القدر‬
‫وي�ص ��ب منه املرق واحلليب وي�ص ��نع من الطني‪ )15( .‬املروب ‪ :‬وي�س ��تخدم حلفظ احلليب‬
‫وم�ش ��تقاته وي�ص ��نع من الطني‪ )16( .‬الزير‪ :‬حلفظ املاء بارد ًا وي�ص ��نع من الطني ‪)17( .‬‬
‫ال�صحفة‪� :‬صحن خ�شبي ي�صنع من �شجر الغرب ويكون عليه نقو�ش جميلة وي�ستخدم للأكل‪،‬‬
‫عندما يو�ض ��ع فيه الطعام ( العي�ش )‪� ،‬أو ما يعرف بـ ( امل�ش ��غوثة) (‪ )18(. )1‬القدح ‪� :‬أ�ش ��به‬
‫ما يكون بالقدر ال�ص ��غري‪ ،‬وي�صنع من اخل�شب‪ ،‬وي�ستخدم للماء واحلليب وم�شتقاته ‪)19(.‬‬
‫املهرا�س‪ :‬وي�س ��تخدم لطحن النب والهيل والزجنبيل وما �ش ��ابه ذلك‪ ،‬ويكون بع�ض ��ها كبري‬
‫احلج ��م‪ ،‬وي�س ��تخدم لطحن الب ��ارود‪ ،‬ومعه ما يعرف ب� �ـ ( الودي ) وهي الي ��د التي يطحن‬
‫بها ‪ )20(.‬ال�ش���بكة ‪� :‬أداة لتعليق الأ�ش ��ياء التي ُيخ�ش ��ى عليها من احل�شرات �إذا تركت على‬
‫الأر�ض كال�سمن وغريه‪ )21(.‬القربة‪ :‬ت�صنع من جلد الغنم وال�ض�أن‪ ،‬وت�ستخدم جللب املاء‬
‫من البئر �إىل املنزل‪ ،‬وهي ت�س ��اعد على بقاء املاء بارد ًا ‪ )21( .‬ال�ش���كوة‪ :‬ت�ص ��نع من جلود‬
‫الغنم ال�ص ��غرية‪ ،‬وت�س ��تخدم ملخ�ض اللنب‪ )23( .‬العكة ‪ :‬ت�ص ��نع من جلود البهم ( �ص ��غار‬
‫الغنم ) وت�س ��تخدم حلفظ الع�سل وال�سمن‪ ،‬وقد يلج�أ البع�ض ل�صناعتها من جلود القطط‪،‬‬
‫وذلك لعدم ا�س ��تطاعة الفئران قر�ض هذا النوع من اجللد‪ ،‬بينما ي�س ��هل على الف�أر قر�ض‬
‫جلود الأغنام والتغذي على ما بداخلها من ع�س ��ل و�سمن ‪ )24( .‬الدلو ‪ :‬ي�صنع من اجللد‪،‬‬
‫وي�س ��تخدم ال�ستخراج املاء من البئر‪ )25(.‬احلبال ‪ :‬عدة �أنواع منها ما ُي�صنع من الطفي‪،‬‬
‫وبع�ض ��ها ي�ص ��نع من ليف الأ�ش ��جار‪ ،‬مثل �ش ��جر ال�س ��لب‪ ،‬وحبال �أخرى من جلود اجلمال‬
‫وغريها‪ ،‬وتختلف يف متانتها ح�س ��ب نوعيتها وجودة ال�ص ��ناعة ‪ )26( .‬اخلرج ‪ :‬ي�ص ��نع من‬
‫الطفي‪ ،‬ورمبا من ال�ص ��وف �أو اجللد لو�ضع الأغرا�ض به‪ ،‬ويو�ضع غالب ًا على ظهور احلمري‬
‫‪ )27( .‬ال�شربة ‪( :‬الدلة) ‪ :‬م�صنوعة من الطني‪ ،‬وت�ستخدم للقهوة‪ ،‬وتغطى فوهتها ببع�ض‬
‫الألياف النباتية ‪ )28( .‬املحقن‪ ( :‬القمع ) ‪ :‬م�صنوع من الطفي‪ ،‬وي�ستخدم ل�صب ال�سمن‬
‫يف العكاك‪ ،‬و�ص ��ب املاء يف القربة ‪ )29( .‬امل�ش���هف ‪ :‬ي�س ��تخدم لتحمي�ص القهوة على النار‪.‬‬
‫(‪ )30‬املع�ش���رة ( الطاولة)‪ :‬ت�ص ��نع من اخل�شب‪ ،‬وت�ستخدم لو�ض ��ع القهوة والطعام عليها‪،‬‬
‫عند قدوم بع�ض ال�ضيوف ‪ .‬وت�سمى يف بع�ض الأماكن بـ ( التختة ) �أو ( الطربيزة ) ‪)31( .‬‬

‫((( ه ��ذا الوع ��اء ما زال م�س ��تخدم ًا يف بع�ض املنا�س ��بات كالزواج وغ�ي�ره‪ ،‬ويطلق عليه يف بالد بني �ش ��هر وبني عمرو (‬
‫ال�صحفة )‪ ،‬وهي �أحجام‪ ،‬واحلجم الكبري يو�ضع فيه العي�ش املعروف بـ ( امل�شغوثة ) ‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫املطحنة ‪ :‬نوع �ص ��غري من احلجارة‪ ،‬ي�ص ��ل طولها �إىل (‪� )60‬سم يف عر�ض يرتاوح بني (‪30‬ـ‬
‫‪� ) 40‬س ��م‪ ،‬ولها يد ُتعرف بـ ( الودي)‪ ،‬وت�س ��تخدم لطحن احلبوب‪ ،‬وت�صنع يف بع�ض القرى‬
‫مبنطق ��ة الباحة وقد ت�س ��تورد من بع� ��ض مدن جازان والقنفذة وغريه ��ا(‪ )32( . )1‬الرحى ‪:‬‬
‫ا�س ��م م�شهور من قدمي الزمن‪ ،‬ت�س ��تخدم لطحن احلبوب‪ ،‬وهي قر�ص حجري دائري ي�صل‬
‫قط ��ره �إىل �أك�ث�ر من مرت‪ ،‬ومثقوب من املنت�ص ��ف‪ ،‬ويرف ��ع على �أربع قواع ��د حجرية‪ ،‬وعليه‬
‫�ص ��خرة دائرية �أخرى �ص ��غرية ي�ص ��ل قطره ��ا �إىل (‪� )35‬س ��م �أو (‪� )40‬س ��م وبها ثقب يف‬
‫املنت�صف‪ ،‬وتو�ضع ع�ص ��ا يف ثقبي احلجرين وحترك ب�شكل دائري لطحن احلب(‪ ،)2‬وي�صنع‬
‫هذا النوع يف بع�ض قرى منطقة الباحة مثل قرية دار الرمادة ‪ : )33(.‬املق�شة ‪( :‬املكن�سة )‪:‬‬
‫ت�صنع من الطفي ورمبا من بع�ض �أغ�صان ال�شجر‪ ،‬وت�ستخدم لتنظيف املنزل‪ )34( .‬ال�سفود‬
‫( املخطافة)‪ :‬م�ص ��نوعة من احلديد‪ ،‬وت�س ��تخدم ال�س ��تخراج ما يقع يف الآبار من الدالء �أو‬
‫املالب�س وما �شابهها‪ ،‬وتعرف �أي�ض ًا بـ (الق�شا�شة ) يف بع�ض قرى منطقة ع�سري‪.‬‬
‫وهناك بع�ض الأثاث الذي كان م�ستخدم ًا يف املا�ضي يف املنازل‪ ،‬ويختلف يف نوعه وجودته‬
‫وعدده من منزل لآخر ح�س ��ب احلالة االقت�ص ��ادية عند النا�س �آنذاك‪ ،‬وال�شك �أن الظروف‬
‫يف املا�ض ��ي كانت �صعبة على �أ�ص ��حابها‪� ،‬إال �أنهم مل ي�ست�سلموا‪ ،‬بل بذلوا كل اجلهود للتكيف‬
‫مع بيئاتهم‪ ،‬ففي الأجزاء ال�سروية مل يكن هناك حاجة لآالت التربيد‪ ،‬لأن اجلو كان بارد ًا‪،‬‬
‫ب ��ل احلاجة �إىل �أدوات التدفئة‪ ،‬فتجدهم ي�س ��تخدمون النار بالإ�ض ��افة �إىل املالب�س الثقيلة‬
‫التي ُي�صنع بع�ضها من جلود الأنعام ‪� .‬أما يف الأجزاء املنخف�ضة من املنطقة (تهامة)‪ ،‬ذات‬
‫اجلو احلار �ص ��يف ًا‪ ،‬فلي�س هناك حاجة لو�س ��ائل التدفئة‪ ،‬بل حاجة النا�س �إىل الربد فكانوا‬
‫يقومون بر�ش جدران املنزل و�أر�ض ��يته باملاء‪ ،‬ليح�صلوا على جو بارد‪ ،‬بل يقوم البع�ض بر�ش‬
‫مالب�س ��ه واجللو�س �أمام الباب �أو ال�ش ��باك ليحظى بتيار هوائي بارد‪ ،‬وجند من يقوم بر�ش‬
‫قطعة من القما�ش ثم ي�ض ��عها على ال�شباك لتلطف من حرارة الهواء الداخل‪ ،‬وهكذا كانت‬
‫حياة النا�س قا�سية‪ ،‬فهم ي�ستخدمون املاء يف التكييف‪ ،‬على الرغم مما يواجهون من �صعوبة‬
‫رفعه وحمله من البئر �إىل املنزل على ظهورهم �أو ظهور الدواب(‪. )3‬‬
‫((( كث�ي�ر من ه ��ذه الأدوات موجود يف بع�ض املتاحف ال�ش ��عبية املوج ��ود يف بع�ض مدن وقرى منطقة الباحة‪ .‬امل�ص ��در‪:‬‬
‫م�شاهدات الباحث يف نهاية عام ( ‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫((( الرح ��ى ‪� :‬أداة معروف ��ة عند العرب من قبل الإ�س�ل�ام‪ ،‬وقد �أ�ش ��ارت �إليها كثري من كتب الرتاث الإ�س�ل�امي‪ ،‬بل وجد‬
‫بع�ضها يف بع�ض املواقع الأثرية يف جنران وع�سري والقنفذة‪ ،‬وهي تتفاوت يف �أحجامها بني الكبري وال�صغري ‪� .‬شاهد‬
‫الباحث عدد ًا من هذه الأرحية يف مواقع �أثرية ومتاحف عديدة يف جنران وجازان وع�سري‪.‬‬
‫((( ال ندع ��ي ذك ��ر كل �ش ��يء عن العم ��ران يف منطقة الباح ��ة قدمي ًا ‪ .‬وق ��د التقيت ببع�ض امل�س ��نني يف غام ��د وزهران‬
‫ورووا لنا تف�ص ��يالت ع ��ن بع�ض العادات والأعراف املعروف ��ة يف عامل البناء قدمي ًا‪ ،‬كما وجدن ��ا بع�ض الوثائق التي‬
‫تذكر تف�ص ��يالت عن مواقع مت البناء عليها‪ ،‬وفيها ما و�ص ��ل �إىل �أ�ص ��حابها بالإرث‪ ،‬و�أخرى بال�ش ��راء ‪ .‬وللمزيد من‬
‫التف�ص ��يالت انظ ��ر غيث ��ان بن جري�س الق ��ول املكتوب يف تاريخ اجلن ��وب‪ ،‬ج‪� 5‬ص ‪ 175‬ـ ‪ ،178‬عب ��د اهلل بن علي بن‬
‫�سامل ال ُعمري‪ ،‬منطقة الباحة‪� ،‬ص‪ 37‬ـ ‪ ،. 40‬حممد دروي�ش الغامدي و�آخرون‪ ،‬حمافظة املخواة‪ ،‬بحث تاريخي غري‬
‫من�شور‪ ،‬كلية الرتبية‪ ،‬جامعة امللك �سعود ـ فرع �أبها (‪1417‬هـ ‪1997 /‬م)‪� ،‬ص ‪ 16‬ـ ‪. 28‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪44‬‬
‫(*) �أما�أطعم���ة و�أ�ش���ربةالغامديني والزهراني�ي�ن فكان���ت م���ن ن���اجت مزارعه���م‬
‫وحيواناته���م(‪ ،)1‬ورمب ��ا جلبوا بع�ض الأطعمة عن طريق ال�ص ��يد �أو ال�ش ��راء من الأ�س ��واق‬
‫الأ�س ��بوعية(‪ ،)2‬وكان لديهم ب�س ��اتني ُتزرع فيها بع� ��ض الفواكه واخل�ض ��روات مثل‪ :‬التفاح‪،‬‬
‫والل ��وز‪ ،‬والفرك�س‪ ،‬والتني‪ ،‬والطماطم‪ ،‬واخليار‪ ،‬والكو�س ��ة‪ ،‬واجل ��زر‪ ،‬واخل�س‪ ،‬واجلرجري‬
‫وغريه ��ا م ��ن املزروع ��ات املحلي ��ة(‪ ،)3‬ومل تكن �أن ��واع الأطعمة والأ�ش ��ربة متوف ��رة عند كل‬
‫النا� ��س‪ ،‬و�إمنا الفقر واجلوع هما امل�س ��يطران على حياة ال�س ��كان‪ ،‬وتتفاوت �أو�ض ��اع النا�س‬
‫االقت�ص ��ادية‪ ،‬فالأغنياء مي�سورو احلال يف و�ض ��ع �أح�سن من الفقراء الذين ال ميلكون �شيئ ًا‬
‫من حطام الدنيا (‪. )4‬‬
‫وم ��ن عادات �أهل املنطقة �أن كل �أ�س ��رة لها �س ��فرة واحدة من الطعام‪ ،‬حيث ت�ص ��نعه‬
‫الن�س ��اء يف املنزل‪ ،‬ريثما يح�ض ��ر �أفراد الأ�س ��رة من �أعمالهم املتمثل ��ة يف الرعي والزراعة‬
‫وغريه ��ا‪ ،‬وعندما جتتمع الأ�س ��رة يو�ض ��ع الطعام على �س ��فرة واحدة ( املب�س ��طة ) ويلتف‬
‫حول ��ه جميع �أفراد الأ�س ��رة ابتدا ًء باجل ��د وانتهاء باحلفيد‪ ،‬وي�أكلون م ��ا لديهم‪ ،‬وقد يكون‬
‫الطعام قلي ًال‪ ،‬بحيث لو و�ض ��ع على املب�س ��طة لأكل البع�ض وبقي البع�ض الآخر دون ن�ص ��يب‪،‬‬
‫ومن ثم تلج�أ الأم الكربى‪� ،‬أو رب الأ�سرة �إىل تق�سيم الطعام بينهم‪ ،‬وال�سيما اخلبز واللحم‪،‬‬
‫وينال كل واحد ن�ص ��يبه‪ ،‬ويكون الن�ص ��يب الأوفر لكبري الأ�س ��رة‪ ،‬ولالبن املجتهد يف عمله‪،‬‬
‫�أو املري�ض(‪� . )5‬أما يف حالة قدوم �ض ��يف على الأ�س ��رة‪ ،‬ف�إنه ينادى من �ساحة املنزل با�سم‬
‫من الأطعمة القدمية يف منطقة الباحة اخلبز ( الأقرا�ص‪� ،‬أو القر�صان ) وت�صنع من حبوب الذرة واحلنطة وال�شعري‬ ‫(((‬
‫والدخن‪ ،‬والع�صيدة‪ ،‬والدغابي�س ‪ :‬وهي من �أطعمة غامد وزهران الرئي�سية‪ ،‬واملعروفة بهذا اال�سم يف منطقة الباحة‪،‬‬
‫وكذلك اللحوم ‪ .‬والأ�ش ��ربة مثل ‪ :‬اللنب واحلليب‪ ،‬واملرق‪ ،‬والقهوة‪ ،‬وال�شاهي‪ ،‬وال�سنوت‪ ،‬والزجنبيل‪ .‬انظر‪ :‬عبد اهلل‬
‫بن علي بن �سامل ال ُعمرى‪� ،‬ص ‪ 41‬ـ‪ ،43‬ابن جري�س‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 187‬ـ ‪. 188‬‬
‫يف حوزتنا بع�ض الوثائق التي تذكر بع�ض الأطعمة املوجودة يف �أ�سواق منطقة الباحة خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ)‪ ،‬مع‬ ‫(((‬
‫ذكر �أحجامها و�أ�سعارها‪ ،‬و�أماكن ا�ستريادها‪ ،‬و�أغلبها ي�صدر من احلجاز‪.‬‬
‫يوجد يف منطقة الباحة‪ ،‬بل عموم بالد تهامة وال�س ��راة الكثري من املزروعات والفواكه واخل�ض ��روات ‪ .‬وهناك بع�ض‬ ‫(((‬
‫الوثائق التي ت�ش ��رح حماية بع�ض الب�ساتني من الل�ص ��و�ص والطيور واحليوانات‪ ،‬وتف�صيالت �أخرى حول طريقة ري‬
‫تلك املزروعات �أو الب�ساتني‪ ،‬و�أنواع الفواكه واخل�ضروات واملحا�صيل املوجودة فيها ‪ .‬ونقول �إن درا�سة تاريخ الطعام‬
‫وال�ش ��راب يف ب�ل�اد غامد وزهران خالل القرون (‪11‬ـ‪14‬هـ‪17/‬ـ‪20‬م) مو�ض ��وع ي�س ��تحق ب�أن يك ��ون عنوان ًا لكتاب �أو‬
‫ر�س ��الة علمية‪ ،‬واجلميل �أن هناك كثري ًا من الوثائق والق�ص ���ص والروايات التي ت�صب يف خدمة مثل هذا املو�ضوع ‪.‬‬
‫ون�أمل �أن نرى م�ؤرخ ًا �أو باحث ًا يتوىل هذا املو�ضوع بالبحث العلمي املوثق‪.‬‬
‫�أطعمة النا�س و�أ�شربتهم يف الن�صف الثاين من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪� ،‬أف�ضل يف الكمية والنوع واجلودة‪ ،‬من العقود‬ ‫(((‬
‫ال�س ��ابقة لعام (‪1350‬هـ‪1930/‬م)‪ ،‬لأن �أحوال البالد بد�أت ت�س�ي�ر نحو اال�س ��تقرار بعد دخوله ��ا يف دولة امللك عبد‬
‫العزي ��ز ب ��ن عبد الرحمن الفي�ص ��ل‪ ،‬وقبل ذلك التاريخ كان النا�س يف حروب و�ص ��راعات وغ ��ارات‪ ،‬وذلك مما �أثر‬
‫يف مزروعاتهم ومواردهم االقت�ص ��ادية‪ ،‬ومن ثم فامل�س ��توى املعي�شي كان متوا�ض ��ع ًا جد ًا عما عرفه النا�س يف الفرتة‬
‫املمتدة من (‪1350‬ـ‪1400‬هـ‪1930/‬ـ‪1980‬م) ‪ .‬امل�ص ��در‪ :‬مت االطالع على عدد من الوثائق التي تعك�س معي�شة النا�س‬
‫منذ بداية القرن (‪13‬هـ‪19/‬م) حتى نهاية القرن الهجري املا�ضي (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬ومعظمها ي�صور ما �أ�شرنا �إليها‪.‬‬
‫هذه العادات عا�صرناها يف حمافظة النما�ص خالل العقود الأخرية من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) بل و�سمعنا من �آبائنا‬ ‫(((‬
‫نتف ًا من هذه الروايات التي عا�شها �آبا�ؤهم و�أجدادهم ‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫�ص ��احب املن ��زل ( يا ف�ل�ان ) فيواجهه الرجل بالرتحي ��ب‪ ،‬ثم يخرج من املنزل لي�س ��تقبله‬
‫ويهيئ له املتك�أ واملجل�س املنا�سب‪ ،‬ويفر�ش له الفرا�ش الذي ُيدخر لل�ضيوف وغالب ًا ما يكون‬
‫من اخل�ص ��ف‪ ( ،‬الهدم �أو الهتلة )‪ ،‬ثم ي�أخذ الأخبار من ال�ض ��يف (‪ ،)1‬وتقوم املر�أة بتجهيز‬
‫الوجبة لل�ض ��يف‪ ،‬وتقدم له في�أكل مبفرده‪ ،‬ورمبا �ش ��اركه رب الأ�س ��رة يف ذلك الطعام‪ ،‬وما‬
‫بقي من الأكل يقدم لأفراد الأ�س ��رة املوجودة داخل املنزل‪ ،‬ويت�ص ��ور الإن�سان عندما نذكر‬
‫كلم ��ة وجب ��ة �أنها من الوجبات املعروفة يف هذا الزم ��ن‪� ،‬أو �أنها كمية كبرية من الزاد‪ ،‬على‬
‫حني �أنها يف حقيقة الأمر ال تعدو عن كونها وجبة قليلة �إىل حد كبري‪ ،‬فقد تتمثل يف ك�س ��رة‬
‫خبز م�صحوبة بالقهوة �أو ال�سمن‪ ،‬ورمبا تكون قلي ًال من احلب �أو ال�سم�سم �أو غريها ‪.‬‬
‫(*) ال تختلف الألب�س ��ة والزينة يف بالد غامد وزهران عن عموم الألب�س ��ة يف جنوب‬
‫اجلزيرة العربية‪ ،‬لأن معظمها ُيجلب من الأ�س ��واق املجاورة ورمبا البعيدة ك�أ�س ��واق ع�س�ي�ر‬
‫�أو ج ��ازان �أو الطائ ��ف �أو مكة املكرمة �أو املدينة املنورة وغريها (‪ ،)2‬وتتنوع املالب�س ح�س ��ب‬
‫القدرة املادية‪ ،‬فالأغنياء يجلبون لأ�س ��رهم املالب�س ذات اجلودة احل�سنة‪ ،‬ثم تتدرج نوعية‬
‫اللبا� ��س ح�س ��ب �أح ��وال النا�س‪ ،‬حتى جند �أن الفق ��راء يكتفون مبا ي�س ��د حاجتهم و�إن قل‪،‬‬
‫بحيث ال يتعدى �س�ت�ر العورة‪ ،‬ونظر ًا لعدم وفرة الألب�س ��ة يف الأ�س ��واق بال�شكل الذي ي�ضمن‬
‫وجودها با�س ��تمرار فقد يلج�أ كثري من �أهل تهامة وال�س ��راة �إىل ا�س ��تخدام جلود موا�شيهم‬
‫و�أ�صوافها يف �صنع بع�ض املالب�س التي تقيهم �شدة الربد يف ال�سراة وتخفف من �شدة احلر‬
‫يف تهامة (‪ ،)3‬مع العلم �أن �أغلب هذه امل�صنوعات اجللدية ت�ستخدم يف ال�سراة حلاجتهم �إىل‬
‫ذلك ب�سبب برودة اجلو‪ ،‬ومنتوجات الأ�صواف واجللود يف تهامة تباع لأهل ال�سراة و ُي�شرتي‬
‫بها مواد غذائية �أخرى‪ ،‬ومما �أ�ش ��ار �إليه بع�ض امل�ؤلفني الأوائل �أن �س ��كان البالد ال�س ��روية‬

‫((( هذه عادة عرفها العرب منذ القدم مازالت معروفة عند كبار ال�س ��ن يف جنوبي البالد ال�س ��عودية‪ ،‬وهي �أن القادم �أو‬
‫امل�سافر �أو ال�ضيف يروي �سريته القريبة �أي من �أين جاء ؟ وماذا يريد من زيارته �أو قدومه ؟ وماذا واجه يف طريقه‬
‫؟ وغري ذلك من الأخبار ‪ .‬للمزيد عن تاريخ الطعام وال�شراب يف منطقة الباحة‪ ،‬انظر‪ :‬ابن جري�س‪ .‬القول املكتوب‬
‫يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 187‬ـ ‪ ،190‬حممد دروي�ش الغ�شام الغامدي و�آخرون‪ ،‬حمافظة املخواة‪� ،‬ص ‪ 29‬ـ ‪ ،36‬عبد‬
‫اهلل علي �س ��امل ال ُعمري‪ ،‬منطقة الباحة‪� ،‬ص ‪41‬ـ‪ . 45‬ومو�ض ��وع الطعام وال�ش ��راب يف القرنني ( ‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م)‬
‫ي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لر�سالة ماج�ستري �أو دكتوراة ‪.‬‬
‫((( الدار�س لتاريخ التجارة يف بالد تهامة وال�سراة خالل القرون املا�ضية املت�أخرة يجد �أن الأ�سواق الأ�سبوعية املختلفة‬
‫يف هذه الأوطان تتبادل التجارات فيما بينها‪ ،‬وكانت الألب�س ��ة والأقم�ش ��ة من ال�س ��لع الرئي�سية واملتبادلة‪ .‬يوجد لدى‬
‫الباحث ع�ش ��رات الوثائق التي تذكر �س ��لع ًا متنوعة متبادلة بني �أ�س ��واق احلجاز وع�سري وجازان والقنفذة مع �أ�سواق‬
‫منطق ��ة الباحة‪ .‬ونقول �إن درا�س ��ة تاري ��خ التجارة يف تهامة وال�س ��راة خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪10/‬ـ‪20‬م) مو�ض ��وع‬
‫ي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لكتاب �أو ر�سالة علمية �أكادميية ‪.‬‬
‫((( للمزيد انظر غيثان بن جري�س‪ .‬ع�سري (‪1100‬ـ‪1400‬هـ ) ( جدة ‪ :‬دار البالد للطباعة والن�شر‪1415 ،‬هـ‪1995/‬م)‪،‬‬
‫�ص ‪ 65‬وما بعدها ‪ .‬كما �ش ��اهدنا قبل �أربعة عقود الألب�س ��ة امل�س ��تخدمة يف تهامة وال�س ��راة‪ ،‬وبع�ض ��ها من ال�ص ��وف‬
‫واجللود ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪46‬‬
‫املمتدة من الطائف �إىل بالد اليمن كانوا ي�صدرون �إىل �أ�سواق مكة واملدينة املنورة احلبوب‬
‫املتنوعة‪ ،‬وذلك لبيعها �أو مقاي�ضتها مع �سلع �أخرى كالألب�سة والأقم�شة (‪ ،)1‬كما يذكر بع�ض‬
‫كبار ال�س ��ن باملنطقة الباحوية �أنهم كانوا يذهبون ب�أحمال اجلمال من تهامة وال�س ��راة �إىل‬
‫الطائ ��ف ثم مكة فيبيعونها هناك‪ ،‬ثم يعودون ب�أحمال �أخرى من املالب�س وال�س ��كر وبع�ض‬
‫الأغرا�ض الأخرى(‪ ،)2‬وتتنوع املالب�س امل�س ��تخدمة يف منطقة الباحة ح�س ��ب اجلن�س والعمر‬
‫وهي على النحو التايل ‪:‬‬
‫�أ ـ لبا�س الر�أ�س ‪ :‬ا�شتهرت املنطقة كغريها من املناطق الأخرى بتغطية الر�أ�س وهذا‬
‫اللبا�س على ثالثة �أنواع (‪ )1‬العمامة‪ :‬ويلب�س ��ها الرجال منذ الع�ص ��ر اجلاهلي‪ ،‬وهي قطعة‬
‫من القما�ش وتكون ـ غالب ًا ـ ذات لون �أبي�ض‪ ،‬وتلب�س بطرق خمتلفة ح�س ��ب رغبة �ص ��احبها‪،‬‬
‫فالبع� ��ض يلفها حول ر�أ�س ��ه‪ ،‬والبع�ض الآخر يطلقها على �أكتاف ��ه ويثبتها بقطعة �أخرى على‬
‫ر�أ�س ��ه‪ ،‬ومنهم من ي�ضعها على ر�أ�س ��ه ويلف �أطرافها حول رقبته‪ ،‬ونظر ًا لأنها تظهر مكانة‬
‫الرجل يف جماعته‪ ،‬وتزيد من وقاره‪ ،‬فال ترى رج ًال �إال هو الب�سها‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �أنها تقي‬
‫الر�أ�س من حرارة ال�شم�س و�شدة الربد‪ ،‬وت�ضفي على الب�سها املنظر احل�سن‪ ،‬وينت�شر لب�سها‬
‫بني الفقراء والأغنياء‪ ،‬وال تزال العمامة من �أف�ض ��ل الهدايا التي تهدى �إىل كبار ال�س ��ن يف‬
‫منطقة الباحة وما جاورها(‪ )2( ،)3‬القبع‪ :‬يلب�س ��ه غالب ًا الأطفال ذكور ًا و�إناث ًا ليقيهم �شدة‬
‫الربد وحرارة ال�ش ��م�س‪ ،‬وهو م�صنوع من القما�ش �أو ال�صوف ويو�ضع حتت العمامة وي�سمى‬
‫(القبعة) �أو الطاقية‪ ،‬كما �أن بع�ض الرجال ي�س ��تخدمون ما ي�س ��مى بالعقال‪ ،‬ويو�ض ��ع على‬
‫العمامة لتثبيتها على الر�أ�س‪ ،‬ونظر ًا لندرته يف املا�ض ��ي كان البع�ض منهم ي�س ��تخدم قطعة‬
‫من القما�ش بد ًال من العقال(‪ )3(،)4‬الع�ص ��ابة (املع�ص ��بة) ‪ :‬وت�ستخدم يف �صفوف الن�ساء‬
‫لتغطية الر�أ�س كنوع من احلجاب الإ�سالمي‪ ،‬ويكون ب�ألوان متعدده فمنه الأ�سود‪ ،‬والأحمر‪،‬‬
‫ومنها ما يجمع �ألوان ًا متعددة والغالب ا�س ��تعمال اللون الأ�س ��ود‪ ،‬وي�س ��مى (قناع ًا)‪ ،‬ومنها‬
‫ما هو ب�ألوان زاهية‪ ،‬وي�س ��مى( �شر�ش ��ف ًا) ويلب�س على الر�أ�س وي�سدل على الأكتاف وال�صدر‬
‫والظهر‪� ،‬أما الع�صابة فتو�ضع على الر�أ�س وهي �أ�شبه ما تكون بالغرتة ( العمامة ) احلديثة‬
‫التي يلب�سها الرجال‪ ،‬ومن القناع الأ�سود ما يقطع كقطع متو�سطة امل�ساحة وت�ستخدم كغطاء‬
‫((( انظ ��ر �أبا الوليد الأزرق ��ي‪� ،‬أخبار مكة وما جاء فيها ( مكة املكرم ��ة‪1423 ،‬ه‪1983/،‬م) ‪ .‬وللمزيد انظر‪ :‬رحلة ابن‬
‫جبري‪ ،‬ورحلة ابن بطوطة‪ ،‬واملقد�سي يف كتابه ‪� :‬أح�سن التقا�سيم‪ ،‬وابن املجاور ‪.‬‬
‫((( مقابلة الباحث مع بع�ض امل�سنني يف منطقة الباحة خالل �شهر ذي احلجة عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫((( للمزيد عن تاريخ العمامة‪ ،‬انظر‪ :‬غيثان بن جري�س " العمائم تيجان العرب " جملة بيادر ال�ص ��ادرة من نادي �أبها‬
‫الأدب ��ي‪ ،‬الع ��دد (‪ ( )8‬املح ��رم‪1413 ،‬هـ‪1993/‬م)‪� ،‬ص ‪ 66‬وما بعدها‪ ،‬امل�ؤلف نف�س ��ه ‪ .‬بالد بني �ش ��هر وبني عمرو‬
‫خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) ( الطبعة الثالثة) �ص ‪ 129‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( املراج ��ع نف�س ��ها ‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬عبد اهلل علي �س ��امل ال ُعمري‪ ،‬منطقة الباحة‪�� � ،‬ص ‪46‬ـ‪ ،47‬حممد دروي�ش الغامدي‬
‫و�آخرون‪ ،‬حمافظة املخواة‪� ،‬ص ‪ 42‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪47‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫للوجه‪ ،‬وقد تطور هذا الغطاء ف�أ�ص ��بح منه ما ي�س ��مى بـ (ال�شيلة) �أو الربقع ويغطي معظم‬
‫الوجه ما عدا العينني‪ ،‬وهناك نوع �آخر ي�س ��مى بـ ( النقاب ) ويغطي ما حتت العينني‪ ،‬وقد‬
‫يلب�س القبع امل�صنوع من الطفي خا�صة عند مزاولة مهنة الرعي(‪. )1‬‬
‫ب ـ لبا�س البدن الداخلي‪ :‬مل تكن الألب�سة الداخلية متوفرة بال�شكل الذي يتيح للجميع‬
‫لب�س ��ها‪ ،‬ومع ذلك فالقليل من النا�س ميلكها وبالأخ�ص الأغنياء ومي�سورو احلال‪ ،‬فالبع�ض‬
‫منهم يلب�س �ألب�سة داخلية مثل ال�سروال والإزار‪ ،‬والغالبية ال ميلكون ال�سراويل‪ ،‬و�إمنا يكتفون‬
‫بالإزار وهو اجلزء الذي يغطي ن�ص ��ف اجل�س ��م الأ�س ��فل‪ ،‬ومن ميلك �سرو ً‬
‫اال ف�إنه يلب�سه يف‬
‫الوالئم والأ�س ��فار وعند نزول الأ�سواق ف�إذا عاد �إىل منزله خلعه وعلقه ملثل هذه املنا�سبات‬
‫واكتفى بلب�س الإزار‪ ،‬وكذلك احلال بالن�سبة لكثري من الن�ساء‪ ،‬بل �إذا عزمت �إحداهن على‬
‫ال�س ��فر تر�س ��ل �أحد �أبنائها �إىل �إحدى جاراتها �أو قريباتها فت�ستعري منها �سرو ً‬
‫اال حتى تعود‬
‫من رحلتها‪ ،‬وجتدر الإ�شارة �إىل �أن بع�ض الن�ساء يف تهامة كن يلب�سن املالب�س اخلفيفة من‬
‫نف�س القما�ش الذي ت�ص ��نع منه الأقنعة ال�س ��وداء حالي ًا‪ ،‬ونظر ًا لكونه خفيف ًا و�شفاف ًا يظهر‬
‫ما حتته عندما يخاط على �ش ��كل ( مدرعة )‪ ،‬ف�إن الن�س ��اء وبخا�صة ال�شابات يلب�سن حتته‬
‫ما ي�س ��مى بـ ( �ص ��ديرية ) �أو فنيلة ذات �ألوان زاهية تغطي ن�صف اجل�سم الأعلى وت�سرت ما‬
‫حتت املدرعة‪ ،‬وهذه الفنايل مازالت تف�ص ��ل يف منطقة الباحة وتلب�س ��ها كبريات ال�سن من‬
‫الن�ساء يف املنا�سبات كالأعياد والأعرا�س والوالئم وغريها(‪. )2‬‬
‫ج ـ املالب���س اخلارجية ‪ :‬كان الغالب واملنت�ش ��ر يف ب�ل�اد الباحة لب�س الإزار كالإحرام‬
‫والفوطة اجلاوية وامل�صنف والثوب املطرز وغريها من الأزر الأخرى‪ ،‬كاحلوكة التي ت�صنع‬
‫من القما�ش الأبي�ض وت�ستخدمها ن�ساء ال�سراة لتغطية مفاتن املر�أة‪ ،‬ومازال بع�ض امل�سنات‬
‫يف ال�سراة ي�ستخدمنها �إىل يومنا هذا‪ ،‬مع وجود ما يغطى به اجلذع لدى الرجال كالفنيلة‪،‬‬
‫وهذا منت�ش ��ر ب�ي�ن الرجال يف تهام ��ة‪� ،‬أما الرجال يف ال�س ��راة فقد كانت �أحوالهم �أح�س ��ن‬
‫م ��ن �أهل تهامة‪ ،‬فرتاه ��م ميتلكون بع�ض الثياب الثقيلة‪ ،‬وبع�ض الفرو واجلباب امل�ص ��نوعة‬
‫من ال�ص ��وف �أو اجللد‪ ،‬وبع�ض ال�س ��راويل‪ ،‬اما الرجل الذي عنده ث ��وب من �أهل تهامة فال‬
‫ي�س ��تخدمه �إال يف ح�ضور الأفراح واملنا�سبات والوالئم‪ ،‬ويكتفي فيما عدا ذلك بلب�س الإزار‪،‬‬
‫وكذلك الن�س ��اء يف تهامة فال يعرف عندهن �إال الأزر املعروفة بـ (املدرعة) امل�ص ��نوعة من‬
‫القما�ش الأ�سود اخلفيف‪� ،‬أما الن�ساء يف ال�سراة فيلب�سن املالب�س الثقيلة وامل�شغولة باحلرير‬

‫((( املراجع نف�سها‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل جوالت الباحث يف منطقة الباحة يف نهاية عام ( ‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫((( للمزيد انظر‪ :‬ابن جري�س‪ ،‬بالد بني �شهر وبني عمرو‪� ،‬ص‪ 130‬وما بعدها‪ ،‬للم�ؤلف نف�سه‪ ،‬ع�سري (‪1100‬ـ‪1400‬هـ)‪،‬‬
‫�ص‪ 67‬ـ ‪. 71‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪48‬‬
‫وال�سلك الذهبي �أو املدار‪ ،‬وهو عبارة عن جبة من ال�صوف امللون (‪� . )1‬أما القدمان فلم يكن‬
‫معروف ًا لديهم لبا�س خا�ص �س ��وى ذلك النعل الذي كان ي�صنع من جلود الأنعام �أو القما�ش‬
‫القدمي لتغطية الأقدام(‪. )2‬‬
‫�أما �أدوات الزينة عند الرجال فتتمثل يف �أنواع ال�سالح كال�سيوف واجلنابي واخلناجر‬
‫وال�س ��كاكني ذات ال�سبتة وامل�شاعيب ( الع�صي) (‪ ،)3‬وبع�ض البنادق القدمية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬
‫الأدوات ال�شخ�ص ��ية‪ ،‬كالطيب الذي ي�ستخرجونه من الريحان والكادي‪ ،‬مع العلم �أن بع�ض‬
‫الرجال قد ( يتخنت ) يتغرز بالريحان والكادي على ر�أ�س ��ه‪ ،‬والبع�ض ي�س ��تخدم احلناء يف‬
‫اليدي ��ن والقدمني خا�ص ��ة حديثي الزواج‪ ،‬وبع�ض كبار ال�س ��ن يخ�ض ��بون حلاهم باحلناء‪،‬‬
‫وتكحل عيونهم بالكحل‪ ،‬ولب�س بع�ض اخلوامت الف�ضية(‪. )4‬‬
‫�أما الن�ساء فكان لهن من الزينة �أوفر ن�صيب‪ ،‬حيث تبد�أ املر�أة باالغت�سال قبل اخلروج‬
‫ال�س���عدى ) وهو نبات‬
‫للمكان املق�ص ��ود‪ ،‬ثم ت�س ��تخدم بع�ض البخور خا�ص ��ة ما ي�س ��مى بـ ( ُ‬
‫يزرع يف املزارع‪ ،‬وكذلك يخت�ض�ب�ن باحلناء وي�س ��تخدمن الكحل‪ ،‬ثم ت�ض ��فر املر�أة �شعرها‬
‫م�ستخدمة الطيب املخلوط من ( زر وحملب وغريه )‪ ،‬حيث ي�سحق ممزوج ًا باملاء ويو�ضع‬
‫على الر�أ�س‪ ،‬وت�س ��تخدم الن�س ��اء الريحان والربك والكادي‪ ،‬يحمع ويحزم ثم يو�ض ��ع على‬
‫الر�أ� ��س ويلف عليه بع�ص ��ابة �أو ما �ش ��ابهها فتظه ��ر تلك احلزمة م ��ن وراء املالب�س وك�أنها‬
‫خمدة تك�س ��بها رائحة جميلة‪ ،‬وت�س ��مى هذه احلزمة بـ ( العكرة ) ‪ .‬وكان الن�ساء ي�ستخدمن‬
‫�ألب�سة من الف�ض ��ة مثل الأحزمة والع�صائب والتيجان والعقود املنظومة من الف�ضة وت�سمى‬
‫بـ ( املثامني ) ومفردها (مثمنة )‪ ،‬وكذلك ما يو�ضع يف الأيدي مثل (ال�شمايل ) ومفردها‬
‫( �ش���ميلية )‪ ،‬و ( الأو�ض���اح ) ومفردها ( و�ض���ح )‪ ،‬و(امل�س���ك ) ومفردها (م�سكه) وجميعها‬
‫ف�ض ��ية‪ ،‬وبع�ض الن�س ��اء يلب�س ��ن احلجول ومفردها ( حجل) وتو�ضع يف الأرجل‪ ،‬وخزام من‬
‫الذهب يف الأنف‪ ،‬واخلر�ص ��ان ومفردها خر�ص‪ ،‬وتلب�س العقود املنظومة من اخلرز امل�سمى‬
‫بـ ( الظفار ) ن�س ��بة �إىل مدينة ظفار اليمنية‪ ،‬ويلب�س ��ن ما ي�سمى بـ ( لبة) وجمعها (لبات)‬
‫يف عنق املر�أة‪ ،‬ومنها ( البتوت) ولونها �أ�صفر وتكون مزدوجة ومفردها ( بتّ )‪ ،‬وتو�ضع يف‬
‫اليد‪ ،‬وي�صحب ذلك اخلوامت والدبل الف�ضية‪ ،‬وال ميلك كل الن�ساء هذه الأنواع‪ ،‬بل وجودها‬

‫((( املراجع نف�سها‪ ،‬انظر �أي�ض ًا‪ :‬حممد دروي�ش الغ�شام الغامدي و�آخرون‪� ،‬ص ‪ 43‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( املراجع نف�سها‪ ،‬للمزيد انظر‪ ،‬عبد اهلل بن علي �سامل ال ُعمرى‪� ،‬ص‪48‬ـ‪. 49‬‬
‫ً‬
‫((( امل�شاعيب‪ ،‬ومفردها م�شعاب‪ ،‬وهو الع�صا �أو الهراوة التي يحملها الرجل يف �أ�سفاره و�أحيانا يف االتكاء عليها �إذا كان‬
‫مري�ض ًا �أو كبري ًا يف ال�سن ‪.‬‬
‫((( بع�ض �أدوات الزينة القدمية عند الن�س ��اء �أو الرجال توجد يف بع�ض املتاحف ال�ش ��عبية يف بالد غامد وزهران وعند‬
‫بع�ض املناطق الأخرى املجاورة مثل‪ :‬ع�س�ي�ر‪ ،‬وجازان‪ ،‬والقنفذة ‪.‬م�شاهدات الباحث وجوالته يف هذه املناطق خالل‬
‫املا�ضية املت�أخرة ‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫ح�س ��ب احلالة املادية للأ�سرة‪ ،‬وقد ت�ستعري املر�أة من �إحدى قريباتها �شيئ ًا من ذلك‪ ،‬ورمبا‬
‫تك ��ون معه ��ا منذ زواجها(‪ ،)1‬ومن املعلوم �أن لب�س هذه الأدوات والزينة غالب ًا يف املنا�س ��بات‬
‫والأفراح ومن �أهمها الأعياد والزواج واخلتان(‪. )2‬‬
‫(*) ال���زواج م���ن ع���ادات �أه���ل الباح���ة‪ ،‬فه���و يزي���د الرتاب���ط الأ�س���ري ب�ي�ن الأف���راد‬
‫واجلماع���ات‪ ،‬ولك ��ن ه ��ذه الع ��ادات تختل ��ف من م ��كان لآخر �س ��وا ًء يف طريق ��ة اخلطبة �أو‬
‫الزواج(‪ ، )3‬و�سوف نو�ضح ذلك يف ال�صفحات التالية‪:‬‬
‫(�أ) اخلطبة ‪ :‬يف بع�ض الأماكن تتم اخلطبة عن طريق الن�س ��اء‪ ،‬وذلك عندما تخرج‬
‫املر�أة يف زواج �أو يف زيارة مهما كان نوعها‪ ،‬فتقابل بع�ض الن�س ��اء الالتي ي�ص ��طحنب معهن‬
‫بع� ��ض بناته ��ن‪ ،‬فعندما ترى �أم الولد �أو �أخته �أو قريبته تلك البنت وترى �أن فيها من الأدب‬
‫واجلمال ما ينا�سب �أن تكون زوجة لذلك ال�شاب(‪ ،)4‬ف�إنها تقرتب من �أم الفتاة فت�س�أل عما‬
‫�إذا كانت ابنتها متزوجة �أو خمطوبة‪ ،‬ف�إذا علمت �أنها لي�ست خمطوبة �أخذت يف حماورتها‬
‫حتى يح�ص ��ل االتفاق بني الن�س ��اء‪ ،‬ثم تذهب كل واحدة منهن �إىل حمارمها‪ ،‬ف�أم البنت �أو‬
‫قريبته ��ا تخ�ب�ر ويل تلك البنت ب�أن ابن فالن له رغبة يف الزواج من ابنتنا‪ ،‬وكذلك تعود �أم‬
‫الولد �أو قريبته �إىل الولد ووالده فتخربهما �أنها وجدت امر�أة من �آل فالن وتعدد حما�س ��ن‬
‫البنت التي اختارتها‪ ،‬و�أحيان ًا تبالغ يف مدح الفتاة لكي ت�شجع الولد على الإقدام‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫ت�أتي اخلطوة الثانية من الولد و�أبيه حيث يذهبان لإكمال ما بقي من التقاليد (‪. )5‬‬
‫ويف �أماك ��ن �أخرى يقوم الرجل الراغب يف الزواج بالتحدث مع بع�ض �أ�ص ��دقائه‪ ،‬وهم‬
‫ير�ش ��دونه �إىل الأ�س ��رة ال�صاحلة التي يرون �أنها ت�ص ��لح لأن يتزوج منها‪ ،‬ف�إما �أن يقوم هو‬
‫بالتقدم لتلك الأ�س ��رة �أو يو�س ��ط �أ�ص ��حابه �أولئك الذين ن�ص ��حوه ليكونوا هم اجل�سر بينه‬
‫وبني تلك الأ�س ��ر‪ ،‬وقد ير�س ��ل بع�ض جماعته �أو عائلته لبحث ذلك الأمر(‪ . )6‬وهناك طريق‬
‫((( الناظ ��ر يف كثري م ��ن الوثائق املحلية يف منطقة الباحة وما جاورها من مناطق اجلن ��وب يجد �أن املر�أة عند زواجها‬
‫البد �أن ي�ش�ت�ري لها زوجها و�أهلها بع�ض �أدوات الزينة مثل اخلوامت والأخرا�ص والع�ص ��ائب والألب�سة وغريها ‪ .‬وهذه‬
‫الأدوات تتف ��اوت م ��ن مكان لآخر وم ��ن زواج �إىل زواج‪� ،‬إال �أن اتفاقيات القبائل والع�ش ��ائر تن� ��ص على عدم املبالغة‬
‫يف مهور الن�س ��اء وما يتعلق من م�ص ��روفات يف الزواجات ‪ .‬حبذا جمع مثل هذه الوثائق ودرا�س ��تها درا�س ��ة تاريخية‬
‫ح�ضارية �أكادميية ‪.‬‬
‫((( درا�س ��ة تاريخ الألب�س ��ة والزينة �أو عادات الزواج واخلتان والأعياد وما يجري فيها من تقاليد اجتماعية مو�ضوعات‬
‫جيدة وت�ستحق �أن يفرد لها درا�سات علمية موثقة ‪.‬‬
‫((( ملزيد من التف�صيالت عن تاريخ الزواج يف بالد تهامة وال�سراة ( ع�سري‪ ،‬وجازان‪ ،‬والباحة وغريها ) انظر ابن جري�س‪،‬‬
‫ع�سري (‪1100‬ـ ‪1400‬هـ)‪� ،‬ص ‪ 78‬ـ ‪ . 85‬للم�ؤلف نف�سه‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 196‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( هذه العادة وغريها تغريت يف زمننا احلا�ضر‪ ،‬و�أ�صبحت املقارنة �صعبة بني املا�ضي واحلا�ضر‪ ،‬النفتاح العامل بع�ضه‬
‫على بع�ض‪ ،‬وكذلك دخول التقنية يف بيوت جميع النا�س ‪.‬‬
‫((( مازالت بع�ض هذه العادات عند كثري من �سكان تهامة وال�سراة‪ ،‬مع تبدل يف بع�ض الإجراءات �أو االت�صاالت‪.‬‬
‫((( �أي�ض ًا هذه العادة مازال معمو ًال بها وبخا�صة بني الرا�شدين و�أحيان ًا كبار ال�سن‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪50‬‬
‫ثالثة‪ :‬وهي الذهاب �إىل خاطبة‪ ،‬تقوم بالتوفيق بني النا�س‪ ،‬فيذهب �إليها من يريد الزواج‪،‬‬
‫ويطل ��ب منها �أن تبحث له عن فت ��اة يرغب الزواج منها وميلي عليها ال�ش ��روط التي يرغب‬
‫فيها ‪ ،‬و�أحيان ًا تذهب �أم الفتاة �إىل تلك اخلاطبة وتطلب منها �أن تبحث لها عن زوج البنتها‬
‫ب�شروط معينة‪ ،‬وقد تكون اخلاطبة ممن ي�أخذ ما ًال مقابل ذلك‪ ،‬وقد يكون هناك خاطبات‬
‫يقمن بهذا العمل ويطلنب الثواب من اهلل عز وجل (‪. )1‬‬
‫ويف �أي حالة من احلاالت ال�س ��ابقة‪ ،‬تتم معرفة ر�أي ويل �أمر الفتاة‪ ،‬وعندما يح�ص ��ل‬
‫القبول‪ ،‬يحدد موعد اخلطبة الر�سمية‪ ،‬ويلتقي اخلاطب وبع�ض �أقربائه مع ويل �أمر الزوجة‬
‫ويناق�شون عدة �أمور منها ‪:‬‬
‫(‪ )1‬امله��ر‪ :‬يحدد املهر الذي �س ��يتم دفعه ك�ص ��داق للمر�أة املخطوبة‪ ،‬وهذا ال�ص ��داق‬
‫�ش ��ك ًال و�أمام �أعني النا�س ه ��و للمخطوبة‪ ،‬ولكن يف كثري من الأحي ��ان ال تعلم املخطوبة عنه‬
‫�ش ��يئ ًا‪ ،‬وال تراه بعينها‪ ،‬و�إمنا ي�أخذه وليها ليق�ض ��ي لها منه ما �ش ��اء وي�ستبد بالباقي لنف�سه‪،‬‬
‫ويختلف ال�صداق من مكان لآخر(‪ ،)2‬ففي القرن (‪13‬هـ‪19/‬م) وبداية القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‬
‫و�ص ��ل مهر البكر يف تهامة �إىل خم�س ��ة �أوع�ش ��رة رياالت فران�س ��ة ولبتني ظفار‪ ،‬وو�ض ��حني‪،‬‬
‫وحجلني‪ ،‬وخامت ودبلة‪ ،‬وخر�ص ��ان من الف�ضة‪ ،‬وي�شرتط عليه �أن يك�سيها من املدارع والفوط‬
‫واملعا�صب وال�صداري ( الفنايل ) ‪� .‬أما يف ال�سراة فاملهر يراوح بني (‪ )50-10‬ريا ًال عربي ًا‪،‬‬
‫وال�ش ��روط ال�سابق ذكرها‪ ،‬با�ستثناء املالب�س‪ ،‬في�شرتط فيها الثوب امل�شتغل ( امل�شغول يدوي ًا‬
‫باحلرير)‪ ،‬وال�صمادة املكتلة باحلرير‪ ،‬وبع�ض احللي مثل التاج الف�ضي واخلر�صان ( �أقراط‬
‫ف�ضة تلب�س يف الأذن)‪� ،‬أما مهر الثيب يف تهامة وال�سراة فح�سب االتفاق بني الطرفني(‪. )3‬‬
‫ومنذ منت�ص ��ف القرن (‪14‬هـ‪ )20/‬بد�أت املهور تتزايد مع التح�سن امللمو�س يف �أحوال‬
‫ال�س ��كان‪ ،‬ف ��زاد املهر يف تهامة وال�س ��راة حتى و�ص ��ل خم�س ��مائة ورمبا �ألف ري ��ال‪ ،‬وكانت‬
‫ال�ش ��روط تتزايد وتتنوع ح�س ��ب الو�ض ��ع املادي لأهل البالد‪ ،‬وهكذا ا�س ��تمرت هذه الزيادة‬

‫((( الي ��وم كث�ي�ر من العوان� ��س يف املنازل‪ ،‬ب ��ل تزايد �أعداد ال�ش ��باب العازفني عن ال ��زواج‪ ،‬وعلى اجلامع ��ات واملحاكم‬
‫وامل�ؤ�س�س ��ات املعني ��ة �أن تبذل جهود ًا يف خدمة ال�ش ��باب وال�ش ��ابات على ال ��زواج‪ ،‬بل التوعية عل ��ى �إيجابيات الزواج‬
‫و�سلبيات العزوف عنه ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫((( كان ه ��ذا الظلم واجلور يف حق الزوجة منت�ش ��را على نطاق وا�س ��ع قدميا‪ ،‬ومازال موجودا حت ��ى اليوم‪ ،‬بل �إن بع�ض‬
‫�أولي ��اء الأمور ي�س ��عون �إىل ع�ض ��ل بناتهم و�أخواتهم وبخا�ص ��ة �إذا كن موظفات فال يوافقون عل ��ى من يتقدم للزواج‬
‫منهن‪ ،‬بل ي�ض ��عون العراقيل من �أجل اال�س ��تيالء على �أموالهن‪ ،‬ودون �أن يفكروا يف �إن�سانية وعواطف الواحدة منهن‬
‫( واهلل امل�ستعان ) ‪.‬‬
‫((( م ��ا مت ذكره لي�س قاعدة و�إمنا اطلعنا على مئات الوثائق االجتماعية اخلا�ص ��ة مبهور الن�س ��اء خالل القرون الثالثة‬
‫املا�ضية فوجدناها تختلف ح�سب الظروف االجتماعية واالقت�صادية‪� ،‬إال �أنها كانت يف املا�ضي قليلة مقارنة بال�ستني‬
‫عام� � ًا الأخ�ي�رة ( ‪1370‬ـ‪1435‬ه� �ـ‪1950/‬ـ‪2014‬م) فق ��د ارتفعت وبالغ النا� ��س فيها ‪ .‬وتاريخ ال ��زواج يف بالد تهامة‬
‫وال�سراة خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) مو�ضوع ي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لكتاب �أو ر�سالة علمية ‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫م ��ع الزم ��ن حتى و�ص ��لت يف بع�ض املناطق مع مطل ��ع هذا القرن البحري احل ��ايل �إىل مئتني‬
‫وثالثمائة �ألف ريال‪ ،‬و�أ�ص ��بح اجل�ش ��ع ي�س ��يطر على بع�ض النا�س ف�ص ��اروا ي�س ��ومون بناتهم‬
‫وك�أنهن يف �س ��وق الرقي ��ق‪ ،‬ويزوجوهن �إىل �أولئ ��ك الذين يدفعون �أكرث �س ��وا ًء كانوا من ذوي‬
‫الدين �أو غريهم‪ ،‬والأهم عندهم املال‪ ،‬ون�س ��وا قول الر�سول ﷺ ‪� " :‬إذا جاءكم من تر�ضون‬
‫دينه وخلقه فزوجوه �إال تفعلوا تكن فتنة يف الأر�ض وف�س ��اد عري�ض "‪ ،‬فيدفع املتزوج ن�ص ��فها‬
‫والباقي يتم على �شكل �أق�ساط يكتب بها �سند ًا على �أنها قر�ضة ح�سنة‪ ،‬وهي �أ�سا�س ًا باقي مهر‬
‫تلك الفتاة امل�سكينة التي لي�س لها من ذلك �شيء‪ ،‬ومل تكن �سوى �سلعة بيد ذلك الإن�سان (ويل‬
‫الأمر)اجل�ش ��ع‪ ،‬و�إذا ح�ضر ال�ش ��اب ليتم زواجه ويعقد قرانه ا�شرتط عليه ويل �أمر الفتاة �أال‬
‫يكت ��ب املهر كام ًال يف العقد‪ ،‬ثم يقول �أحيان ًا �أمام النا�س احلا�ض ��رين لعقد القر�آن " نحن ال‬
‫نريد �إال الإن�س ��ان الطيب الذي يقدر بنتنا ويح�ش ��مها‪ ،‬و�إال فالفلو�س ما هي �شيء تروح وجتي‪،‬‬
‫ونحن ما نريد �أننا ن�شق عليه لأننا ودنا الذي يراحمنا يكون مرتاح‪ ،‬ما نبغاه يتورط بالدين"‬
‫(‪ ،)1‬وهو ال يقول ال�ص ��دق‪ ،‬ويذكر من املهر �ش ��يئ ًا قلي ًال‪ ،‬ك�أن يقول املهر ع�ش ��رين �أو ثالثني �أو‬
‫�ستني �ألف ريال‪ ،‬واملهر احلقيقي مئة �أو مئتني �أو ثالثمائة �ألف ريال تزيد �أو تنق�ص‪ ،‬ومع هذا‬
‫وذاك ف�إن الزوج امل�س ��كني �ض ��حية للتهديد بني كل حني و�آخر‪� ،‬إما �أن يكمل �سداد ما عليه من‬
‫دين‪� ،‬أو يدخل ال�س ��جن بذلك ال�س ��ند‪� ،‬أو ت�س�ت�رد منه الزوجة حتى يتم ال�سداد ويبقى فقري ًا‬
‫ط ��وال عم ��ره‪ ،‬مثق ًال بالديون ال يجد حالوة لزواجة‪ ،‬وال ي�ش ��عر بلذته‪ ،‬ب ��ل رزق بع�ض النا�س‬
‫�أوالد ًا �ستة �أو �سبعة �أو �أكرث من ذلك ومل يكملوا �سداد الدين الذي عليهم يف زواجهم (‪. )2‬‬
‫والواقع �أن اخلري وال�ص�ل�اح باق يف هذه الأم ��ة �إذ �إن كثري ًا من النا�س زوجوا ومازالوا‬
‫يزوج ��ون بناته ��م ب�أق ��ل القليل م ��ن امل ��ال‪ ،‬و�إذا مل يدفعوا م ��ن جيوبهم عل ��ى زواج بناتهم‬
‫ف�إنهم ال يك�س ��بون �ش ��يئ ًا من وراء ذلك كله‪ ،‬ومن فرتة ب�سيطة قامت بع�ض القبائل بتحديد‬
‫امله ��ور بينهم فمنهم من حددها بـ (‪� 30‬ألف ًا ) كبع�ض قبائل ال�س ��راة‪ ،‬ومنهم من حددها بـ‬
‫(‪�60‬ألف ًا) للبكر و (‪� )35‬ألف ًا للثيب‪ ،‬مع العلم �أن الذهب والك�سوة تدخل �ضمن هذه املبالغ‪،‬‬
‫وقد مت العمل بهذه املهور مدة ب�سيطة من الزمن‪ ،‬فمنهم من التزم بذلك‪ ،‬و�آخرون احتالوا‬
‫علي ��ه فطلبوا زيادة على املهر املطلوب و�أحيان� � ًا ُيكنى عن هذه الزيادة بقولهم ( من حتت‬
‫الفرا�ش )‪� ،‬أو يقول للزوج لن �أطلب منك زيادة ولكن عليك �أن تقوم ب�شراء الذهب لزوجتك‪،‬‬

‫((( درا�سة مثل هذه الأقوال يف عادات و�أعراف و�أحوال النا�س يف جنوبي البالد ال�سعودية ( الباحة‪ ،‬وع�سري‪ ،‬وجازان‪،‬‬
‫وجن ��ران‪ ،‬والقنفذة ) ومقارنتها ب�أقوال ع�ص ��رنا احلا�ض ��ر‪ ،‬وكذل ��ك اختالفها وتفاوتها من ناحية لأخرى‪ ،‬و�أي�ض� � ًا‬
‫اجلانب الأدبي واللغوي فيها مو�ضوعات مهمة وجديرة بالبحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫((( هذا ما مل�س ��ته يف �أثناء جتوايل يف �أجزاء عديدة من بالد تهامة وال�س ��راة خالل الثالثني عام ًا املا�ضية‪ ،‬وعلى �أولياء‬
‫الأم ��ور ومن يت�ص ��فون بهذه ال�ص ��فات �أن يتق ��وا اهلل يف بناتهم و�أرحامهم في�س ��هلوا عليه ��م ويعينونهم على ظروف‬
‫احلياة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪52‬‬
‫وتك�س ��و �أمها ومن يدخل بيتك‪ ،‬وترتاوح ك�س ��وة الأم بني خم�سة �آالف وع�شرين �ألف ريال‪ ،‬و يف‬
‫�أثناء العقد يقول ويل �أمر الزوجة املهر كذا وكذا‪ ،‬وهناك من يحلف على ذلك زور ًا وبهتان ًا (‪. )1‬‬
‫(‪ )2‬اخلطبة الر�سمية ‪ :‬عندما يتفق الأرحام فيما بينهم على التفا�صيل اجلارية يف‬
‫الزواج‪ ،‬ف�إنهم يحددون يوم ًا معين ًا يذهب فيه الزوج وقرابته لزيارة �أهل الزوجة وي�أخذون‬
‫معهم مبلغ ًا من املال‪ ،‬وهو جزء من املهر‪ ،‬و�أحيان ًا املهر كله‪ ،‬ويكون �أهل الزوجة و�أقربا�ؤها‬
‫(‪،)2‬‬
‫يف ا�س ��تقبالهم فريحب ��ون بهم وينزلونهم يف جمل�س ال�ض ��يافة‪ ،‬ثم ي�أت ��ي دور ( املعاملة)‬
‫حيث يعطون العلم‪ ،‬فيبد�أ �أهل الزوج وعنهم �أكربهم �سن ًا �أو ال�شيخ فيقول‪ ":‬الق�صد ما�شي‬
‫�إال �س�ل�امتكم و�ص�ل�اة على النبي‪ ،‬نحن لفينا عندكم يا �أرحامن���ا ونعطيكم �أعالمنا‪� ،‬إما‬
‫بخ�صو�ص الديرة‪ ،‬فالديرة وال�سرية واحدة من عندنا ال عندكم‪� ،‬سوقنا و�سوقكم واحد‪،‬‬
‫وال�شيء جديد عليكم ونخربكم به‪� ،‬أما الأمطار فعند اهلل خري كثري‪ ،‬مثلما �شفتم الأيام‬
‫التي م�ض���ت علينا ح ّرة و�ش��� ّرة‪ ،‬يب�س فيها الزرع وجف منها ال�ض���رع‪ ،‬وعود احلالل على‬
‫ال�ش���عري‪ ،‬ما عاد ي�س���رح وال يروح‪ ،‬و�إن �ش���اء اهلل �أن الفرج قرب‪ ،‬للعباد والبالد‪ ،‬وال ن�س����أل‬
‫�إال اهلل �أن يرحمنا برحمة من عنده‪ ،‬و�س�ل�امتكم‪ ،‬و�ص���لى اهلل على حممد"‪ .‬ثم يتحدث‬
‫عن �أولياء الزوجة �أكربهم �س ��ن ًا �أو �شيخهم قائ ًال‪:‬ـ "حياكم اهلل وحيا علمكم‪ ،‬ويكرر نف�س‬
‫الكالم ال�س���ابق مع اختالف ب�س���يط يف ال�سجع‪ ،‬وح�سب القبيلة‪ ،‬حيث لكل قبيلة طريقة‪،‬‬
‫واملعاملة تختلف ح�س���ب املواقف‪ ،‬ثم يقوم املوكل عن �أهل الزوج فيوجه كالمه لويل الزوجة‬
‫قائ�ل ً�ا " ي���ا ف�ل�ان حن���ا لفين���ا عل���ى الزمة لولدنا ف�ل�ان عندك���م‪ ،‬وهذا مبلغ ( ك���ذا وكذا‬
‫م���ن امل���ال ) والباق���ي يلح���ق" (‪ ،)3‬فيقوم ويل الزوجة �أو املوكل عن ��ه ويكرر الرتاحيب‪ ،‬ورمبا‬
‫يكون �إمتام العقد يف تلك الليلة‪� ،‬أو يحدد له وقت ًا �آخر ويتع�ش ��ى ال�ض ��يوف من الذبائح التي‬
‫�أع ��دت لهم ثم يعودون �إىل منازلهم‪ ،‬ومن ثم مت ��ت اخلطبة‪ ،‬يلي ذلك حتديد موعد العقد‬
‫( امللكة ) �إن مل تتم ليلة اخلطبة‪ ،‬ثم يحدد وقت الزواج‪ ،‬مع العلم �أن الزوج ير�س ��ل ك�س ��وة‬
‫لزوجت ��ه يف كل عيد‪ ،‬وج ��رت العادة لدى بع� ��ض القبائل �أن ترافق الرج ��ال والدة الزوج �أو‬
‫�أخته الكربى ومعها بع�ض الن�س ��اء‪ ،‬وي�ص ��طحنب معهن بع�ض الهدايا للعرو�س مثل الأقم�شة‬
‫واملالب�س وبع� ��ض العطور والبخور والقهوة والهيل والزجنبي ��ل‪ ،‬و�أحيان ًا حلي للب�س والزينة‬

‫((( اخلريون مازالوا الأكرث لكن ما مت الإ�شارة �إليه يف املنت مازال �أي�ض ًا موجود ًا وبخا�صة االدعاء ب�أن املهر ح�سب املتفق‬
‫عليه يف قواعد واتفاقيات القبيلة �أو الع�شرية‪ ،‬لكن الواقع عند البع�ض غري ذلك ‪.‬‬
‫((( املعاملة ‪� :‬أي �س ��رد الأخبار‪ ،‬وهذه عادة مازالت �س ��ائدة عند بع�ض كبار ال�س ��ن يف تهامة وال�س ��راة �إىل الآن‪� ،‬إذ على‬
‫القادم �أن يروي �سريته وال�سبب الذي جعله يزور املتحدث �إليه‪ .‬ومثل هذه العادة جديرة بالبحث والدرا�سة‪.‬‬
‫((( درا�س ��ة مث ��ل هذا املوروث اللغ ��وي والثقايف واالجتماعي جدير باالهتمام والدرا�س ��ة‪ ،‬وعلى �أق�س ��ام اللغة العربية يف‬
‫جامع ��ات اجلنوب االهتمام مبثل هذا ال�ص ��نف من الثقافة التي انقر� ��ض �أكرثها اليوم ‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬ابن جري�س‪،‬‬
‫ع�س�ي�ر(‪1100‬ـ ‪1400‬هـ)‪� ،‬ص ‪ 78‬وما بعدها‪ ،‬للم�ؤلف نف�س ��ه‪ ،‬بالد بني �ش ��هر وبني عمرو‪� ،‬ص ‪ 132‬وما بعدها‪ ،‬عبد‬
‫اهلل بن علي �سامل ال ُعمرى‪ ،‬منطقة الباحة‪� ،‬ص ‪ 52‬ـ ‪. 54‬‬
‫‪53‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫وبع�ض الأقم�شة وال�شرا�شف والأحذية وغريها(‪ ،)1‬و يقوم العري�س ـ غالب ًا ـ بعد انتهاء الع�شاء‬
‫بال�سالم على والدة العرو�س ويعطيها هدية ح�سب حالته املادية ‪.‬‬
‫ب ـ ليل��ة الزف��اف( ال��زواج) ‪ :‬يقوم الزوج و�أهله ب�إح�ض ��ار الذبائح لهذه املنا�س ��بة‪،‬‬
‫وتختل ��ف ع ��ادات ليلة الزفاف من م ��كان لآخر‪ ،‬ففي بع�ض الأماكن ت ��زف الزوجة من قبل‬
‫�أهلها �إىل بيت زوجها قبل �ص�ل�اة املغرب‪ ،‬ويتع�ش ��ون عند الزوج مع ال�ض ��يوف‪ ،‬ويف �أماكن‬
‫�أخرى يذهب الزوج ببع�ض الن�س ��اء من �أقاربه �إىل بيت الزوجه فيع�ش ��يهم ويل الزوجة يف‬
‫منزله ويق�ض ��ون الليل كام ًال يف الرق�ص ومدح العرو�س ��ة و�أهلها والزوج و�أهله‪� ،‬إىل �أن يتم‬
‫موعد الزفة‪ ،‬ويف �أغلب الأوقات ت�صل العرو�س لبيت زوجها قبل �صالة الفجر‪ ،‬وامل�ألوف يف‬
‫املا�ض ��ي �أن العرو� ��س تزف �إىل بيت زوجها على جمل فتو�ض ��ع يف ه ��ودج‪ ،‬ويقوم �أحد �أفراد‬
‫القري ��ة �أو العبيد �أي عبي ��د عائلة �أهل الزوجة �إن وجد‪ ،‬وي�أخذ بخطام اجلمل مع امل�س�ي�رة‬
‫�إىل بيت الزوج �س ��وا ًء يف قرية الزوجة �أو غريها‪ ،‬و�أحيان ًا يقوم الزوج �أو �أحد �أفراد عائلته‬
‫بدف ��ع مبلغ معني ي�س ��مى ك�س ��وة لعبي ��د �أرحامهم ( �أه ��ل الزوجة ) وهي ما ي�س ��مى عرف ًا بـ‬
‫( القادي ��ة )‪ ،‬ورمب ��ا ي�ش�ت�رط مق ��دار املبلغ الذي يجب دفع ��ه للعبد �أو من ق ��اد اجلمل �إىل‬
‫منزل الزوج(‪ ،)2‬و�أحيان ًا يكون �أهل الزوجة قد �س ��بقوها يف �أول الليل وتع�ش ��وا عند الزوج مع‬
‫ال�ض ��يوف‪ ،‬ورمبا يت�أخرون �إىل اليوم الثاين ثم يذهبون ليباركوا للزوج فيومل لهم ويف�ض ��ل‬
‫بع�ض �أولياء الزوجات �أن يباركوا للزوج مببلغ من املال‪ ،‬والبع�ض الآخر يتع�شى ويذهب دون‬
‫�أن يدفع �أي عطاء‪ ،‬ويف ال�سراة وبع�ض قرى تهامة تزف العرو�س قبيل �أذان املغرب(‪. )3‬‬
‫ويف ليل ��ة الزفاف يح�ض ��ر �أ�ص ��دقاء الزوج و�أقاربه لي�ش ��اركوا يف احلفل‪ ،‬ويتع�ش ��ون ويباركون‬
‫مببلغ من املال كل ح�س ��ب مقدرته املالية‪ ،‬وتقوم بع�ض الأ�س ��ر بعمل حفلة للزواج ي�شارك فيها بع�ض‬
‫ال�ش ��عراء ال�شعبيني‪ ،‬ومن الألعاب التي متار�س يف منا�سبات الزواج العر�ضة وامله�شو�ش وامل�سحباين‬
‫وغريه ��ا ابتهاج� � ًا بزواج ابنه ��م‪ ،‬ويف ختام احلفل الذي متدح فيه الأ�س ��رة وال ��زوج و�أرحامه يقوم‬
‫الزوج �أو والده بتوزيع مبلغ من املال ُي�سمى ك�سوة ال�شعراء ويختلف مقدارها من �أ�سرة لأخرى(‪. )4‬‬

‫لقد قمنا بجوالت يف ال�سنوات املا�ضية املت�أخرة يف القنفذة‪ ،‬وجازان والباحة‪ ،‬وع�سري‪ ،‬وجنران فوجدنا تباين ًا كبري ًا‬ ‫(((‬
‫يف نظام الزواجات يف هذه املناطق‪ ،‬و�إجراء درا�س ��ة مقارنة يف عادة الزواج خالل القرنني املا�ض ��يني مو�ض ��وع جيد‬
‫وجديد وي�ستحق العناية والبحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫منطقة الباحة وما جاورها من بالد تهامة وال�سراة حتوي الكثري من املوروث اللغوي واالجتماعي والثقايف‪ ،‬ون�أمل �أن‬ ‫(((‬
‫تن�ش�أ مراكز بحثية يف جامعات تهامة وال�سراة تقوم بدرا�سة مثل هذا الفلكلور والثقافة املحلية املهمة ‪.‬‬
‫ح�ضرنا زواجات يف قرى ومدن ببالد تهامة وال�سراة منذ ت�سعينيات القرن املا�ضي (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬وهناك تغريات كبرية جد ًا‬ ‫(((‬
‫يف عادات النا�س قدمي ًا وحديث ًا وبخا�صة يف �أعراف ومرا�سيم زواجاتهم ‪ .‬وهذا املو�ضوع املقارن جدير بالبحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫ملزيد من التف�ص ��يالت عن الفنون ال�ش ��عبية يف بالد غامد وزهران انظر‪ :‬علي �ص ��الح ال�س ��لوك ‪ .‬املوروثات ال�شعبية‬ ‫(((‬
‫لغامد وزهران (‪1415‬هـ‪1994/‬م) ‪ .‬خم�سة �أجزاء‪ ،‬ومازال هناك �أ�شعار نبطية و�أحاج و�ألغاز ومفردات لغوية كثرية‬
‫يف منطقة الباحة جديرة بالبحث والدرا�سة‪ ،‬وهذه م�س�ؤوليات الأكادمييني املتخ�ص�صني يف جامعة الباحة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪54‬‬
‫وبعد ان�صراف النا�س من احلفل يعود الرجل �إىل بيته فيجده ـ غالب ًا ـ ممتلئ ًا بالن�ساء‬
‫م ��ن �أقارب ��ه و�أقارب الزوجة‪ ،‬عندئذ يقوم بتوزيع بع�ض الك�س ��وة على قريبات الزوجة‪ ،‬وقد‬
‫تك�س ��ى الأم من ريالني �إىل خم�س ��ة رياالت وم�ص ��نف مطرز بخيوط ذهبية‪ ،‬ويك�سي الن�ساء‬
‫الباقي ��ات بامل�ص ��انف فريق�ص ��ن بها وي�ض ��عنها على ر�ؤو�س ��هن تعبري ًا عن �ش ��كرهن للزوج‬
‫و�أ�سرته(‪. )1‬‬
‫ومن امل�س ��اوئ يف مرحل ��ة اخلطبة �أن العري�س ـ �أحيان ًا ـ ال ي ��رى خمطوبته وال يعرفها‪،‬‬
‫وهذا خالف ال�س ��نة النبوية‪ ،‬ومع ذلك فالزوج يكون يف حالة من التوتر والقلق نظر ًا ملا قد‬
‫يك ��ون فيه ��ا من عيوب ‪ ،‬وكذل ��ك الزوجة‪ ،‬وقدمي ًا ال متلك العرو� ��س �أن تعلن عن رغبتها يف‬
‫ذلك الزوج �أو عدمها نظر ًا لكون الأهل قد وافقوا عليه‪ ،‬بل عليها لزوم ال�صمت �سرها ذلك‬
‫�أم �س ��اءها‪ ،‬وغالب ًا ال تتكلم يف ذلك �إال لأمها �أو لأخواتها �أو لبع�ض �ص ��ديقاتها وبخا�صة من‬
‫تثق بهن(‪. )2‬‬
‫�أما الوقت احلا�ضر فلم يعد للم�صانف ذكر‪� ،‬إال يف النادر‪ ،‬بل حتولت �إىل مبالغ مالية‬
‫فتك�سى الأم بـ (‪� 5‬أو ‪� 10‬أو ‪� 20‬ألف ريال )‪ ،‬وتك�سى �أقل واحدة من الن�ساء بـ ( �ألف ريال)‪،‬‬
‫ثم يرحل �أهل الزوجة �إىل منازلهم وتبقى الزوجة يف بيت زوجها‪ ،‬و�أحيان ًا يتم االتفاق على‬
‫موعد حمدد ومتع ��ارف عليه لزيارة �أهل الزوجة من �أجل �إكرامهم والفرحة بهم‪ ،‬وعادات‬
‫ال ��زواج قدمي ًا يف تهامة وال�س ��راة متقارب ��ة‪� ،‬إال �أن قبائل غامد ال يبالغ ��ون كثري ًا يف املهور‪،‬‬
‫فكانوا وال يزالون �أي�سر و�أقل تكلفة من غريهم(‪. )3‬‬
‫اطلعن���ا عل���ى العدي���د م���ن الكت���ب والدرا�س���ات املن�ش���ورة وغ�ي�ر من�ش���ورة‪ ،‬وع�ش���رات‬
‫الوثائق املختلفة يف مو�ض���وعاتها وحماورها‪ ،‬فوجدنا العديد من التقاليد والنظم التي‬
‫عرفها �أهل تهامة وال�س���راة‪ ،‬ومنطقة الباحة جزء من هذه الأرا�ضي الوا�سعة‪ ،‬ومن تلك‬
‫الأعراف ما يلي‪:‬‬
‫�أ ـ الأعياد‪ ،‬واخلتان‪ ،‬وال�س��ماوة‪ ،‬وامل�آمت‪ :‬جميعها عادات مرتبطة مبوا�سم و�أعراف‬
‫عرفها ومار�س ��ها النا�س من ��ذ قدمي الزمن‪ ،‬وفيها جميع ًا يتم التعاون بني �أفراد الأ�س ��رة �أو‬
‫((( امل�صنف ‪ :‬وجمعه م�صانف‪ ،‬نوع ثقيل من الأقم�شة ذات الألوان الزاهية‪ ،‬وي�صنع �أحيان ًا يف بالد الهند ‪.‬‬
‫((( دخ ��ول التقني ��ات �إىل من ��ازل النا�س الي ��وم‪ ،‬وكذلك االنفت ��اح االجتماعي الذي تعي�ش ��ه جميع م ��دن اململكة العربية‬
‫ال�س ��عودية جعلت الزواج يتنوع يف �آلياته وطرقه ومرا�س ��يمه‪ ،‬ومنها ما هو خمالف لل�س ��نة واملنهج ال�ش ��رعي‪ ،‬ومنها‬
‫ما يتوافق معه‪ ،‬وللأ�س ��ف زادت ال�س ��لبيات ب�شكل كبري يف �أعراف وتقاليد النا�س االجتماعية‪ ،‬ومثل هذه املو�ضوعات‬
‫جديرة بالدرا�سة مع و�ضع احللول املنا�سبة ملحاربتها ومعاجلتها ‪.‬‬
‫((( هذا ما �س ��معته من كثري من كبار ال�س ��ن يف منطقة الباحة‪ ،‬مع �أنني على يقني �أن عموم منطقة تهامة وال�س ��راة من‬
‫الأ�س ��ر والع�ش ��ائر والقبائل حتارب املغاالة يف املهور‪ ،‬وت�س ��عى �إىل التي�سري يف كل ما ي�س ��اعد يف زواج وتزويج بناتهم‬
‫و�أبنائهم ‪.‬‬
‫‪55‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫القرية �أو الع�شرية الواحدة على ممار�ستها و�أداء مرا�سيمها االجتماعية �سوا ًء كانت �سعيدة‬
‫كالأعي ��اد وال�س ��ماية و�أحيان ًا اخلت ��ان‪� ،‬أو حمزنة مثل امل�آمت(‪ . )1‬ويف جمي ��ع هذه العادات يتم‬
‫�إطعام الطعام‪ ،‬وا�ستقبال وتوديع ال�ضيوف �أو امل�شاركني فيها‪ ،‬وقد �شاهدنا ع�شرات املنا�سبات‬
‫خالل العقود الثالثة املا�ضية‪ ،‬ثم قر�أنا عنها يف بع�ض الكتب والوثائق التي �أ�شارت �إىل حياة‬
‫�أجيال �س ��ابقة يف القرنني الهجريني املا�ض ��يني فوجدناها يف املا�ض ��ي واحلا�ض ��ر ت�سري على‬
‫وترية متقاربة ومت�شابهة يف كثري من تقاليدها‪ ،‬و�إذا كان هناك اختالفات ي�سرية يف العقود‬
‫املت�أخرة‪ ،‬فذاك �أمر طبيعي لأن النا�س تطوروا يف �أو�ضاعهم التعليمية واالقت�صادية (‪ ،)2‬وهذا‬
‫جعلهم يت�أثرون �سلب ًا مثل املبالغات يف بع�ض الوالئم والنفقات‪� ،‬أو �إيجابي ًا مثل تركهم بع�ض‬
‫العادات ال�سيئة املخالفة لل�شريعة كالتجمع يف �أيام عديدة يف منا�سبات العزاء ( امل�آمت)‪� ،‬أو‬
‫املبالغة يف عادة الطهار ( اخلتان ) التي كان يجريها الآباء والأجداد لأبنائهم(‪. )3‬‬
‫ب ـ ومن تقاليد �سكان منطقة الباحة ب�شكل خا�ص وعموم بالد تهامة وال�سراة‪:‬‬
‫ال�ش ��جاعة والك ��رم‪ ،‬وا�س ��تقبال ال�ض ��يوف‪ ،‬ودور امل ��ر�أة يف املجتمع‪ ،‬والإ�ص�ل�اح بني النا�س‬
‫وحل امل�ش ��اكل ال�س ��ائدة بينهم‪ ،‬و�إعطاء احلق ��وق‪ ،‬و�إغاثة امللهوف‪ ،‬و�إعط ��اء الوجه‪ ،‬وقبول‬
‫اجلوار‪ ،‬وو�ضع �شيخ القبيلة يف قبيلته‪ ،‬وعالقة الأ�سر �أو الع�شائر بع�ضها مع بع�ض‪ ،‬وحماية‬
‫البالد من �أي اعتداء داخل �أو خارج القبيلة الواحدة(‪،)4‬كل هذه الأعراف عرفها ومار�س ��ها‬
‫التهاميون وال�سرويون‪ ،‬وو�ضعوا لها القواعد والنظم املكتوبة وغري املكتوبة ‪ ،‬لكنها معروفة‬
‫ومتفق عليها(‪ ،)5‬والدار�س لتاريخ مناطق الباحة والقنفذة وع�سري االجتماعي خالل القرون‬
‫املا�ضية املت�أخرة يجد �أن �أهلها يعي�شون تبع ًا ملا تعارفوا واتفقوا عليه �شفاهة �أو كتابة (‪. )6‬‬

‫ملزيد من التف�ص ��يالت عن هذه الأعراف الوارد ذكرها �أعاله‪ ،‬انظر ابن جري�س‪ ،‬ع�س�ي�ر (‪ 1100‬ـ ‪1400‬هـ)‪� ،‬ص‪74‬‬ ‫(((‬
‫ـ‪ ،90‬امل�ؤلف نف�سه‪ ،‬بالد بني �شهر وبني عمرو‪� ،‬ص ‪132‬ـ ‪ ،139‬وامل�ؤلف نف�سه‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪،5‬‬
‫�ص ‪197‬ـ ‪ ،198‬حممد دروي�ش الغامدي‪ ،‬حمافظة املخواة‪� ،‬ص ‪ 42‬ـ ‪. 56‬‬
‫ميتلك الباحث ع�ش ��رات الوثائق غري املن�ش ��ورة التي حتوي بع�ض التف�ص ��يالت عن النظم والعادات واالتفاقيات بني‬ ‫(((‬
‫�أفراد بع�ض القرى والع�ش ��ائر وما يجب عليهم يف �أثناء ممار�س ��ة بع�ض عاداتهم و�أعرافهم مثل‪ :‬ال�سماوة‪ ،‬واخلتان‪،‬‬
‫والعزاء ‪ .‬ومثل هذا النوع من الوثائق جدير بالبحث والدرا�س ��ة‪ ،‬لأنه ي�ص ��ور التاريخ احل�ض ��اري لبع�ض النواحي يف‬
‫بالد تهامة وال�سراة ‪.‬‬
‫�إج ��راء درا�س ��ة مقارنة بني �أع ��راف النا�س قدمي ًا وحديث ًا مو�ض ��وع جديد وي�س ��تحق �أن يكون عنوان ًا لر�س ��الة علمية‬ ‫(((‬
‫�أكادميية ‪.‬‬
‫ً‬
‫كل حمور من هذه املو�ضوعات ي�ستحق �أن يكون عنوانا لبحث �أو كتاب �أو ر�سالة علمية �أكادميية ‪.‬‬ ‫(((‬
‫يوجد لدى الباحث ع�شرات الوثائق االجتماعية املختلفة عن مناطق جنوبي البالد ال�سعودية‪ ،‬ومعظمها يدور يف فلك‬ ‫(((‬
‫بع�ض املحاور املذكورة �أعاله خالل القرن ( ‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫للمزي ��د انظ ��ر‪ :‬ابن جري�س‪ ،‬ع�س�ي�ر (‪1100‬ـ ‪1400‬ه� �ـ)‪� ،‬ص ‪ 90‬ـ ‪ ،101‬امل�ؤلف نف�س ��ه‪ ،‬بالد بني �ش ��هر وبني عمرو‬ ‫(((‬
‫خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ)‪� ،‬ص ‪ 138‬ـ ‪ . 146‬لدينا وثائق عديدة ت�صب يف هذه الأبواب ون�أمل �أن نخرجها يف درا�سة‬
‫م�س ��تقلة‪ ،‬ولي� ��س لدينا �أي مان ��ع �أن نتعاون مع بع� ��ض طالبات وطالب الدرا�س ��ات العليا يف �أق�س ��ام التاريخ باململكة‬
‫العربية ال�سعودية ونقدم لهم ما يفيدهم يف بحوثهم ور�سائلهم العلمية‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪56‬‬
‫‪2‬ـ �صور من احلياة االقت�صادية ‪:‬‬
‫�س ��ار االقت�صاد مبنطقة الباحة يف جماالت عدة منها‪ :‬الرعي‪ ،‬وتربية املا�شية‪ ،‬والزراعة‪،‬‬
‫واحلرف اليدوية وال�ص ��ناعات التقليدية‪ ،‬والتجارة ‪ .‬والرعي من املهن الرئي�س ��ية عند �س ��كان‬
‫غامد وزهران منذ قدمي الزمان‪ ،‬وغالبية تربية املوا�شي واجلمال و�أحيان ًا املاعز واحلمري عند‬
‫�سكان البادية من املنطقة(‪�،)1‬أما الأجزاء ال�سروية والتهامية فكانوا ميار�سون رعي املا�شية �إىل‬
‫جانب ممار�سة الزراعة وبع�ض املهن الأخرى(‪ ،)2‬والرعاة ن�شيطون يف عموم بالد الباحة خالل‬
‫القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م)‪ ،‬بل كانت مهنة الرعي من املهن التي تعتمد عليها �شريحة كبرية‬
‫من املجتمع الباحوي‪ ،‬وهناك من الأعراف والأحمية يف كل ناحية �أو ع�شرية‪ ،‬وت�ستخدم بهدف‬
‫تنظيم الرعي(‪ ،)3‬وقد ناق�شنا مو�ضوع الرعي يف بع�ض درا�ساتنا ال�سابقة عن نواح عديدة يف بالد‬
‫تهامة وال�سراة‪ ،‬وهذه املهنة متقاربة يف �أنظمتها وطرقها عند عموم التهاميني وال�سرويني(‪. )4‬‬
‫(*) تنق�سم الزراعة يف منطقة الباحة �إىل نوعني‪ ،‬هما ‪:‬‬
‫( �أ ) ‪ :‬امل�س��قوي ‪ :‬وه ��ي الأرا�ض ��ي التي تعتم ��د يف ريها على مياه الآبار‪ ،‬وتنت�ش ��ر يف‬
‫ال�س ��راة‪ ،‬وكل جمموعة من النا�س يف القرية ميلكون بئر ًا خا�ص ��ة بهم ت�س ��مى بئر ال�شرابة‬
‫�أو بئر ال�ش ��راكة‪ ،‬ويتقا�سمون ال�س ��قيا منها بالأيام ح�س ��ب االتفاق وح�سب م�ساحة املزرعة‬
‫لكل �ش ��ريك يف هذا البئر‪ ،‬ويعتمد ا�س ��تخراج املاء قدمي ًا على املوا�ش ��ي (البقر ـ اجلمال ـ‬
‫احلمري)‪ ،‬ولي�س لأي �إن�س ��ان من خارج ال�ش ��راكة احلق يف �أن ي�س ��قي من تلك البئر �إال ب�إذن‬
‫�أ�صحابها‪� ،‬أما يف تهامة فلم تكن زراعة امل�سقوي منت�شرة بكرثة يف القدم‪ ،‬وقد انت�شرت �إىل‬
‫حد ما يف ال�س ��نوات القليلة املا�ض ��ية‪ ،‬وي�شرتط يف الأرا�ض ��ي التي ت�سقى من البئر باملوا�شي‬
‫�أن تكون على م�س ��توى البئر �أو �أقل حتى يجري املاء �إليها ب�س ��هولة‪� ،‬أما الآن ف�أ�صبحت ت�ضخ‬
‫املياه �إليها عن طريق الآالت واملكائن املخ�ص�صة للري(‪.)5‬‬
‫لقد جتولت يف نهاية عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) يف بع�ض نواحي بالد غامد وزهران ال�شرقية فلم �أجد �أثر ًا كبري ًا ملهنة الرعي‪،‬‬ ‫(((‬
‫بل عموم تلك البالد حتولت �إىل مواطن ا�ستيطان‪ ،‬مع �أنها يف ال�سابق كانت �أماكن البدو والرعاة من �أهل املنطقة ‪.‬‬
‫�شاهدنا مهنة الرعي يف �أجزاء من بالد ال�سروات خالل الثمانينيات والت�سعينيات من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬وكان معظم‬ ‫(((‬
‫�أهل ال�سراة يقتنون بع�ض البهائم واحليوانات �إىل جانب ممار�ستهم الزراعة وغريها‪.‬‬
‫�أثناء �س�ي�رنا يف منطقة الباحة عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) ا�س ��تطعنا مقابلة بع�ض امل�سنني‪ ،‬وعرثنا على بع�ض الوثائق التي‬ ‫(((‬
‫تذكر �أ�سماء بع�ض الأحمية يف �سروات غامد وزهران ‪ .‬وال�سائح يف هذه البالد يجدها ذات غطاء نباتي جيد‪ ،‬وكانت يف‬
‫املا�ضي �أح�سن مما هي عليه اليوم ‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬ابن جري�س‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 201‬ـ ‪. 205‬‬
‫للمزيد انظر‪ :‬ابن جري�س‪ ،‬بالد تهامة وال�سراة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‪ ،‬جزءان‪ ،‬وع�سري ‪1100‬ـ‬ ‫(((‬
‫‪1400‬هـ) �ص ‪ ،121‬وبالد بني �شهر وبني عمرو خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ)‪� ،‬ص‪. 147‬‬
‫نظ ��ام الري يف تهامة وال�س ��راة القدمي ي�ش ��به نظام الري يف اليمن‪ ،‬وهناك الكثري م ��ن الكتب واملراجع حتدثت عن‬ ‫(((‬
‫الزراع ��ة وريه ��ا عند العرب منذ قدمي الزمن حتى يومنا احلا�ض ��ر‪ ،‬كما �أن هناك الكثري من الوثائق غري املن�ش ��ورة‬
‫التي تدور يف فلك م�س ��ميات املزارع و�أطوالها ومالكها وطريقة زراعتها ودر�س حما�ص ��يلها‪ ،‬ومو�ضوع تاريخ الزراعة‬
‫يف الباحة �أو �أي ناحية من نواحي جنوب البالد ال�س ��عودية خالل القرنني الهجريني املا�ض ��يني باب جديد وي�س ��تحق‬
‫العناية من امل�ؤرخني والباحثني اجلادين ‪.‬‬
‫‪57‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫ب ـ العرثي‪ :‬وهي الأرا�ض ��ي التي ت�س ��قى مبياه الأمطار‪ ،‬ويف الف�ص ��ول املختلفة التي‬
‫يعرفها كبار ال�سن‪ ،‬فلكل ركيب ( مزرعة) فلج ميتد حتى يلتقي مع جمرى املاء الذي ي�صب‬
‫من ال�ش ��عاب �أو الأدوية‪ ،‬وي�س ��مى ذلك الفلج ( �س ��اقية )‪ ،‬ويجري منها امل ��اء �إىل املزرعة‪،‬‬
‫وعندما ترتوي يت�سرب الباقي عرب فتحة يف �أحد جوانب املزرعة ت�سمى ( املغي�ض )‪ ،‬وتبنى‬
‫من احلجر حلماية الطني من االجنراف يف املاء‪ ،‬وعندما جتف الأرا�ضي يقوم �صاحبها �أو‬
‫من ينوب عنه بحرثها وبذرها ثم دم�سها باملدم�س لت�سوية الرتاب‪ ،‬وترتك عدة �أيام لينبت‬
‫احلب‪ ،‬وطريقة البذر ال تختلف يف العرثي عنها يف امل�سقوي(‪. )1‬‬
‫كان ��ت عملية احلرث تعتمد على الث�ي�ران واجلمال وبع�ض احلمري القوية‪ ،‬و�أ�ص ��بحت‬
‫حالي� � ًا تعتم ��د كثري ًا على �آالت احل ��رث والزراع ��ة ( احلراثات )‪ ،‬وامل ��ر�أة يف القدمي تقوم‬
‫ب ��دور كب�ي�ر يف الزراعة فت�ش ��ارك يف جلب البذور �إىل البالد‪ ،‬و�ص ��نع الطع ��ام للعاملني يف‬
‫الزراعة من العائلة‪ ،‬وبع�ض الأعمال الأخرى مثل ت�س ��وية الأر�ض‪ ،‬وال�س ��قاية وحماية الزرع‬
‫من احليوانات والطيور‪ ،‬والعمل يف احل�ص ��اد ( احل�شو�ش‪� ،‬أو ال�صرام )‪ ،‬وتخزين الأعالف‬
‫واحلبوب وغريها(‪.)2‬‬
‫وتنق�س ��م مرحل ��ة الزراعة �إىل احلرث والبذر‪ ،‬ث ��م الإنبات وتبد�أ من الي ��وم الثالث �أو‬
‫الرابع من بذر احلبوب‪ ،‬ثم ت�س ��تمر يف النمو لعدة �شهور ح�سب عمر النبات املزروع ودورته‬
‫يف احلياة‪� .‬أما مرحلة احل�ص ��اد‪ ،‬فتمر مبرحلتني هم ��ا ‪ )1( :‬قبل ظهور الثمر‪ ،‬ويلج�أ �إليها‬
‫بع� ��ض النا�س عندم ��ا تنقطع املي ��اه‪ ،‬وتقل الأمطار ع ��ن املزرعة ويخ�ش ��ى �أن ميوت الزرع‪،‬‬
‫عندئ ��ذ يح�ص ��د ويك ��ون علف� � ًا للبهائم وه ��ذه العملية تنطب ��ق على ال ��ذرة والدخن وبع�ض‬
‫املزروعات الأخرى‪ )2( .‬بعد ظهور الثمر وال�س ��نابل يرتك املح�ص ��ول فرتة من الزمن حتى‬
‫ين�ضج‪ ،‬ويف هذا الوقت يالقي املزارع كثري ًا من املتاعب‪ ،‬ب�سبب اعتداء الطيور على احلبوب‬
‫واحل�ش ��رات التي تت�سبب يف �إتالف املح�ص ��ول‪ ،‬وبعد مرحلة الن�ضج يقوم املزارع بال�صرام‬
‫( قط ��ف ال�س ��نابل)‪ ،‬ثم احل�ش ��و�ش ( ح�ص ��اد الزرع)‪ ،‬وي�ت�رك الزرع يف و�س ��ط الركيب (‬
‫املزرعة) حتى يجف‪ ،‬ثم يلف على �ش ��كل حزم وتربط برباط من نف�س نوع النبات‪ ،‬و�أحيان ًا‬
‫ت�س ��تخدم احلبال وبع�ض الأقم�ش ��ة لربط تلك احلزم‪ ،‬ثم تنقل وتخزن يف املنازل‪� ،‬أو تردم‬
‫فيما ي�س ��مى بـ ( مرادمي ) جمع مردام‪ ،‬وي�س ��ند العلف مع بع�ض ��ه البع�ض على �شكل هرم‪،‬‬
‫((( عا�صرنا احلياة الزراعية يف �أجزاء من بالد ال�سراة منذ ثمانينيات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬وكانت ن�شيطة حتى بداية‬
‫هذا القرن (‪15‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬ثم بد�أت تتدهور‪ ،‬لأن �س ��كان البالد �ص ��اروا ي�س ��تبدلون مهن الزراعة مبهن �أخرى �أ�سهل‬
‫و�أكرث ربحية ‪.‬‬
‫((( تاريخ املر�أة يف الباحة وع�س�ي�ر وجازان خالل القرون املا�ض ��ية املت�أخرة مو�ض ��وع جيد‪ ،‬ون�أمل من طالباتنا يف ق�س ��م‬
‫التاريخ بجامعة امللك خالد‪ ،‬برنامج الدرا�س ��ات العليا‪� ،‬أن يلتفنت �إىل درا�س ��ة مثل هذا املو�ض ��وع الذي ي�س ��تحق �أن‬
‫ي�صدر عنه عدد من ر�سائل املاج�ستري �أو الدكتوراه ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪58‬‬
‫وي�س ��تفاد منه لتغذية املوا�ش ��ي وبناء الع�ش�ش والعر�شان التي ي�س ��كنها بع�ض البدو والفقراء‬
‫وبخا�صة يف الأجزاء التهامية(‪� ،)1‬أما ال�سنابل فتجمع يف �أكيا�س‪ ،‬وتن�شر على �سطوح املنازل‬
‫لتجففها ال�ش ��م�س‪ ،‬ثم تو�ضع فيما ي�سمى ( جرين) فت�ضرب بالع�صا حتى تنف�صل احلبوب‬
‫عن ال�س ��نابل‪ ،‬وقد تدا�س ب�أرجل البقر واحلمري‪ ،‬وتق�س ��م �إىل �أق�س ��ام(‪ : )2‬احلب وي�س ��تفاد‬
‫منه للتغذية‪ ،‬والق�ص ��رة �أو العزمة وهي فتات ال�سنابل وي�ستفاد منها لتغذية املوا�شي‪ ،‬وعند‬
‫احل�ص ��ول على احلبوب ف�إنها ت�صرف يف تغذية الأ�س ��رة‪ ،‬وذلك بعد �إخراج ن�صيب العمال‬
‫الذين قاموا بعملية ف�ص ��ل احلب عن التنب (الق�ص ��رة‪ ،‬العزمة )‪� ،‬أما الفائ�ض عن حاجة‬
‫الأ�سرة في�سعر ( يباع) وي�شرتى من ثمنه حاجات الأ�سرة الأخرى من مواد غذائية ومالب�س‬
‫وغريها‪ ،‬وكذلك جذوع الزرع تخرج منه ح�ص ��ة احل�شا�شة (الذين يح�صدونه)‪ ،‬والباقي من‬
‫ن�ص ��يب �صاحب املزرعة‪ .‬والن�ش ��اط الزراعي يعتمد على التعاون امل�س ��تمر �سوا ًء بني �أفراد‬
‫الأ�س ��رة الواحدة‪� ،‬أو بني �أفراد الأ�س ��ر الأخرى املتجاورة‪ ،‬وتلج�أ بع�ض الأ�س ��ر �إىل اخلرب(‬
‫املخابرة )‪ ،‬وهو �أن ي�أتي فالن من النا�س وي�أخذ املزرعة على �أن يزرعها ويتكفل بها مقابل‬
‫�إنتاجها‪ ،‬ويعطي جزء ًا من ذلك املح�صول �إىل �أ�صحاب املزرعة (‪. )3‬‬
‫والزراع ��ة يف منطق ��ة الباح ��ة ال تقت�ص ��ر عل ��ى زراعة احلب ��وب‪ ،‬بل متت ��د �إىل زراعة‬
‫اخل�ض ��روات والفواكه املختلفة‪ ،‬واحلبوب التي كانت تزرع هي‪ )1( :‬الدخن‪ ،‬وقد ا�ش ��تهرت‬
‫به تهامة لكرثة �إنتاجها له‪ ،‬ويعترب �أكرث احلبوب غال ًء يف �سعره وجودته ‪ ،‬ويزرع يف املناطق‬
‫احلارة‪ ،‬ويق�س ��م �إىل ق�سمني ‪ :‬دخن ال�ص ��يف‪ ،‬ودخن اخلريف ‪ )2( .‬الذرة‪ ،‬وهي حم�صول‬
‫�ش ��توي ي�أتي يف املرتبة الثانية بعد الدخن‪ ،‬وت�ص ��نف �إىل ذرة بي�ضاء‪ ،‬و�صفراء‪ ،‬و�صميماء‪،‬‬
‫ومقت�ص ��رة‪ ،‬وحم�ي�راء (القذاف ��ة) ‪ )3( .‬اخلرمان‪ )4(:‬وهو �أ�ش ��به ما يكون بال ��ذرة‪� ،‬إال �أن‬
‫لون حبته مييل �إىل ال�س ��واد ويكون اخلبز امل�ص ��نوع منه �أ�س ��ود اللون‪ )4( .‬الدق�س���ة ‪ :‬وهي‬
‫حم�ص ��ول �ش ��توي ويتكون من نوعني‪�( :‬أ) املجدولة ‪ :‬وحبتها �ص ��غرية جد ًا ذات لون �أبي�ض‬
‫((( لقد عا�ص ��رنا ومار�س ��نا الزراعة واحل�ص ��اد يف حمافظة النما�ص منذ عام (‪1385‬هـ‪1965/‬م)‪ ،‬و�ش ��اهدنا التطور‬
‫والتدهور الذي حل مبهنة الزراعة يف عموم بالد تهامة وال�س ��راة ‪ .‬وتاريخ مقارنة الزراعة بني املا�ض ��ي واحلا�ض ��ر‬
‫مو�ضوع جيد وي�ستحق البحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫((( وال�س ��ائح يف عم ��وم بالد غامد وزهران وم ��ا جاورها اليوم ال يجد �إال �آثار ًا ي�س�ي�رة لأماكن الزراعة مثل ( اجلرين)‬
‫وغ�ي�ره‪ ،‬ب ��ل �إن ثقاف ��ة الزراعة واملزارعني القدمية تال�ش ��ت‪ ،‬و�أ�ص ��بح اجليل ال�ص ��اعد ال يعرف م ��ن تلك الأمناط‬
‫احل�ضارية �أي �شيء ‪.‬‬
‫((( املخابرة‪� ،‬أو املزارعة‪� ،‬أو ال�ش ��راكة وغريها من الن�ش ��اطات الزراعية التي عرفها �أهل تهامة وال�سراة‪ ،‬ولهذه الأنواع‬
‫من الزراعة تف�ص ��يالت يف كتب الفقه وال�س�ن�ن وغريها من كتب الرتاث الإ�س�ل�امي ‪ .‬ومفردات ومعامالت وثقافات‬
‫التهاميني وال�س ��رويني الزراعية يف املا�ض ��ي مو�ضوعات ت�ستحق �أن يكتب عنها‪ ،‬وجديرة ب�أن تكون عناوين لبحوث �أو‬
‫ر�سائل علمية �أكادميية ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( اخلرم ��ان ‪ :‬يطل ��ق علي ��ه �أي�ض� �ا ( اخلرم ��د ) يف بع� ��ض �أجزاء م ��ن بالد ال�س ��راة املمتدة م ��ن الباحة �إىل ع�س�ي�ر ‪.‬‬
‫وامل�صطلحات املحلية اخلا�صة بالزراعة واملزارعة يف �أنحاء تهامة وال�سراة مو�ضوع جيد وي�ستحق الدرا�سة‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫وتزرع بعد ف�ص ��ل الربيع‪( .‬ب) ال�س���يال‪ :‬وحبتها �صغرية ولونها �أ�صفر م�شوب بحمرة وتزرع‬
‫�أي�ض� � ًا بعد ف�ص ��ل الربيع‪ )5( .‬احلنطة ‪ :‬وتزرع يف �س ��روات املنطقة فقط‪ ،‬ويعد هذا النوع‬
‫م ��ن �أجود احلبوب ‪)6( .‬ال�ش���عري‪ :‬وينق�س ��م �إىل ثالثة �أق�س ��ام‪ ،‬ويزرع ع ��ادة يف املرتفعات‬
‫مثل جبال ال�ش ��دوين ويف عموم �س ��روات الباحة وما جاورها‪ ،‬و�أنواعه (�أ) ال�شعري العربي‪:‬‬
‫ذو �س ��نبلة كبرية وحبته م�س ��تطيلة وهو �أجود الأنواع وت�س ��تغرق زراعته خم�سة �أ�شهر ‪( .‬ب)‬
‫ال�شعري العجالنة ‪ :‬ووا�ضح من ا�سمه �أنه �سريع الن�ضج وت�ستغرق زراعته ثالثة �أ�شهر‪( .‬ج)‬
‫ال�ش���عري امل�ص���ري ‪ :‬ذو �سنبلة طويلة ذات �شكل رباعي و�سدا�سي �أحيان ًا ‪ .‬ومن احلبوب التي‬
‫تزرع يف ال�س ��روات ولها �أ�س ��ماء متعددة مثل‪ :‬النعي�س ��ية‪ ،‬والقريطة‪ ،‬والب�سي�سة‪ ،‬واحلطمة‪،‬‬
‫والقحطانية‪ ،‬والدفني‪ ،‬والق�شا�شة‪ ،‬والبل�س‪ ،‬وغريها(‪. )1‬‬
‫�أم���ا اخل�ض���روات والفواك���ه فكان���ت ومازال���ت تنت�ش���ر بك�ث�رة يف املرتفع���ات ال�س���روية‬
‫و�ش ��دوين يف حمافظة املخواة‪ ،‬ومن �أ�شهرها (‪ )1‬النب ‪ :‬وهو عدة �أنواع النب ال�شدوي ن�سبة‬
‫�إىل جبل �شدا‪ ،‬واليمني ( اخلوالين )ن�سبة �إىل خوالن باليمن‪ ،‬ويزرع النب يف ال�صدر ببالد‬
‫بال�ش ��هم ووادي اخللي ببني ظبي ��ان بكميات قليلة ‪ )2( .‬املوز‪ :‬مثل موز ذي عني ن�س ��بة �إىل‬
‫قرية ذي عني الأثربة التي تقع �أ�سفل عقبة الباحة‪ ،‬وال�شدوي‪ ،‬وموز ال�صدر(‪ )3( . )2‬الليم‬
‫والليمون ‪ :‬وميتاز الليم ب�صغر حبته‪ ،‬والليمون بكرب حبته‪ ،‬وا�شتهرت به جبال �شدا و�سراة‬
‫املنطق ��ة‪ ،‬وبد�أت تنت�ش ��ر زراعته حالي� � ًا يف تهامة‪ )4( .‬اخل���وخ‪ ،‬وامل�ش���م�ش‪ ،‬والرمان وغريه‬
‫وتنت�ش ��ر زراعة هذه الفواكه يف ال�س ��راة نظر ًا العتدال اجلو فيها �ص ��يف ًا‪ ،‬ومن اخل�ضروات‬
‫�أي�ض� � ًا امللوخية‪ ،‬والبامية‪ ،‬والكو�س ��ة‪ ،‬والباذجنان‪ ،‬والدباء‪ ،‬والفجل‪ ،‬والب�صل‪ ،‬واجلرجري‪،‬‬
‫والك ��راث ( ال�ش ��خاميت )‪ ،‬والرجل ��ة‪ ،‬والقرا�ص‪ ،‬والثفلة‪ ،‬وال�س ��بانخ‪ ،‬وال�س ��لك‪ ،‬والدجر‪،‬‬
‫والبقدون�س‪ ،‬والق�ضب ( الرب�سيم )‪ ،‬والفا�صوليا‪ ،‬وامللفوف وغريها (‪. )3‬‬
‫وهناك مواقع ت�شتهر �أكرث من غريها بزراعة اخل�ضروات والفواكه مثل‪� :‬صدر لوبة يف‬
‫حوالة بال�ش ��هم‪ ،‬و�صدر اجلن�ش مما يلي احلمران ببلجر�ش ��ي‪ ،‬و�صدر مط ّيب التابع حلزنة‬
‫ببلجر�ش ��ي‪ ،‬و�صدر خم�ش ��و�ش ويقع ق�سم منها يف حزنة وق�س ��م �آخر تابع املدان ببلجر�شي‪،‬‬

‫((( لقد ع�شت ( واحلمد هلل ) جزء ًا من نهاية القرن املا�ضي فر�أيت الن�شاط الزراعي الذي مار�سه �أهل تهامة وال�سراة‪،‬‬
‫بل �ش ��اهدت كرثة املزروعات يف �أنحاء البالد‪ ،‬ومعظم القائمني عليها �آنذاك هم �أهل البالد �أنف�س ��هم‪ ،‬ومع تو�س ��ع‬
‫العمران وقدوم الوافدين من بلدان عربية وغري عربية �صارت الزراعة يف االنحدار وحل حملها العمل يف الوظائف‬
‫احلكومية واملهنية والتجارية وغريها ‪.‬‬
‫((( لقد زرت قرية ذي عني وال�شدوين يف حمافظة املخواة يف نهاية عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م )‪ ،‬ور�أيت كثري من املزروعات‬
‫يف هذه النواحي‪ ،‬ومنها املوز وبع�ض الفواكه واخل�ضروات الأخرى ‪.‬‬
‫((( ال�سائح يف �أ�سواق تهامة وال�سراة اليوم يلحظ امتالءها باخل�ضروات والفواكه املحلية‪ ،‬والعاملون عليها من عنا�صر‬
‫غري �سعودية مثل امل�صريني وال�سودانيني وبع�ض �سكان �شرق �آ�سيا مثل الهنود والباك�ستانيني والبنجاليني‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪60‬‬
‫و�ص ��در ماحلة‪ ،‬و�ص ��در حميدة مما يلي بلجر�ش ��ي ‪ .‬ووادي اخللي التابع لبني ظبيان‪ ،‬ومن‬
‫املحا�ص ��يل التي تزرع يف هذا الأ�ص ��دار امل ��وز‪ ،‬والليم ��ون‪ ،‬واحلناء‪ ،‬وال ��كادي‪ ،‬والريحان‪،‬‬
‫والبعيرثان‪ ،‬والعطر‪ ،‬وال�ش ��ار‪ ،‬والنب‪ ،‬واخل�ض ��ار ‪ .‬وبع�ض من ه ��ذه النباتات العطرية تزرع‬
‫قريبا من املنازل يف الأجزاء التهامية وال�سروية(‪. )1‬‬
‫�أم ��ا ال�ب�راري والغاب ��ات والأودية فتزخر بالعديد من الأ�ش ��جار املختلفة التي تكت�س ��ى‬
‫باخل�ض ��رة واجلمال(‪ ،)2‬ففي ف�ص ��ل الربيع هناك عدد من الأودية والغابات اخل�ضراء مثل‪:‬‬
‫غابة رغ ��دان بالباحة‪ ،‬وغابة الزرقاء‪ ،‬ووادي مليل‪ ،‬ووادي ناوان‪ ،‬ووادي الأح�س ��بة‪ ،‬وغابة‬
‫الظف�ي�ر ببن ��ي عبد اهلل‪ ،‬وغاباة النقب ��ات‪ ،‬وغابة ريع املحامي ببني ظبي ��ان‪ ،‬وغابة الرهوة‬
‫املطل ��ة عل ��ى وادي فيق‪ ،‬وغابة الغري امل�ش ��رفة عل ��ى وادي احلمى‪ ،‬وغاب ��ة �أم غيث وماحلة‬
‫ببللجر�ش ��ي‪ ،‬وغابة حزنة وغابة امل�ص ��نعة‪ ،‬وغابة القريع‪ ،‬وغابة �شكران ببلجر�شي‪ ،‬وغابة‬
‫العطف�ي�ن‪ ،‬وغابة ال�س ��كران‪ ،‬وغاب ��ة طاحية‪ ،‬وغابة حوال ��ة‪ ،‬وغابة امللتق ��ى‪ ،‬وغابة موطف‬
‫وجميعها يف بالد بال�شهم ببلجر�شي‪ ،‬وكذلك بع�ض املتنزهات مثل وادي ناوان التابع لنريا‪،‬‬
‫ووادي حنف امل�شهور بالآثار وبخا�صة املكان امل�سمى باحلجرين‪ ،‬وبع�ض الأودية املنت�شرة يف‬
‫مدينة قلوة وال�شعراء وما جاورها(‪. )3‬‬
‫ومن الأ�ش ��جار املنت�شرة يف املنطقة‪ :‬الظهيان‪ ،‬وال�سرح‪ ،‬وال�ضرب‪ ،‬وال�شقب‪ ،‬والقر�ض‪،‬‬
‫وال�س ��ري‪ ،‬والع�ص ��ر‪ ،‬والغ ��زر‪ ،‬وامل� ��ض‪ ،‬واملقل‪ ،‬والعت ��م‪ ،‬والعيد‪ ،‬و�ش ��ار الق ��رود‪ ،‬والدبيل‪،‬‬
‫والعيفقان‪ ،‬وال�ض ��يمران‪ ،‬والوزاب‪ ،‬وال�س ��كب‪ ،‬واجلنع‪ ،‬واملرخ‪ ،‬والأثل‪ ،‬والأراك‪ ،‬والب�ش ��ام‪،‬‬
‫وال�س ��در‪ ،‬وال�س ��مر‪ ،‬وال�س ��لم‪ ،‬والقطف‪ ،‬والريحان‪ ،‬وال�ب�رك‪ ،‬والكادي‪ ،‬والغلف‪ ،‬وال�س ��لع‪،‬‬
‫واحلناء‪ ،‬واحلنظل‪ ،‬والأثب‪ ،‬والع�شر وغريها (‪. )4‬‬
‫�أما موا�سم الزراعة يف بالد غامد وزهران و�أوقاتها فهي على النحو التايل (‪ )1‬جنم‬
‫اجلبهة‪ :‬مكون من �أربعة �أجنم‪ ،‬ويوافق طلوعها طلوع جنم �سهيل وفيه يقطف التمر‪ )2( .‬جنم‬
‫الذراع‪ :‬طلوعه ي�ؤذن ببداية زراعة الذرة البي�ضاء وال�صميماء ‪ )3(.‬جنم الرثيا‪ :‬وبطلوعها‬

‫�ش ��اهدت بع�ض� � ًا من هذه الأ�ص ��دار‪ ،‬وكذلك بع�ض املدن والقرى يف منطق ��ة الباحة التي تزرع �أ�ص ��ناف ًا خمتلفة من‬ ‫(((‬
‫الفواكه واخل�ضروات ‪ .‬م�شاهدات الباحث يف نهاية عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫معظم بالد ال�س ��روات والأ�صدار املمتدة من جازان وجنران �إىل الطائف يغلب عليها كرثة الأ�شجار وتعدد الغابات‪،‬‬ ‫(((‬
‫و�أبو حنيفة الدينوري من �أهل القرن ( ‪3‬هـ‪9/‬م) ذكر كثري ًا من �أ�سماء الأ�شجار والنباتات املوجودة يف هذه البالد‪،‬‬
‫انظر كتابه املو�سوعي ( النبات ) ‪.‬‬
‫وق ��ف الباح ��ث عل ��ى كثري م ��ن هذه الغاب ��ات واملواط ��ن ال�س ��ياحية �أثناء جتوال ��ه يف منطق ��ة الباح ��ة يف نهاية عام‬ ‫(((‬
‫(‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫ملزيد من التف�ص ��يالت عن هذه الأ�ش ��جار والنباتات انظر‪� :‬أبو حنيفة الدينوري‪ ،‬كتاب النبات‪� ،‬أجزاء عديدة‪� ،‬أنظر‬ ‫(((‬
‫�أي�ضا‪ :‬اجلزء الأول من كتاب‪� ،‬صفحات من تاريخ ع�سري‪ ،‬لغيثان بن جري�س ‪.‬‬
‫‪61‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫تبد�أ زراعة القمح وال�شعري ( وهذا النجم يفيد يف حتديد وقت ال�سحر يف �أيام �شهر رم�ضان )‪.‬‬
‫(‪ )4‬ثري ��ا اخلري ��ف‪ :‬عنقود مفتوح يف كوكب ��ة الثور فيه مئات النجوم‪ ،‬لك ��ن ال يرى منه �إال‬
‫�سبعة �أجنم‪ ،‬ولذلك ي�سميها الأهايل بال�سبع‪ ،‬و�سميت بالرثيا لكرثة جنومها‪ ،‬و�سميت �أي�ض ًا‬
‫برثيا اخلريف لأن طلوعها ي�ؤذن باال�ستعداد لزراعة دخن اخلريف‪ )5( .‬وي�ضاف �إىل ذلك‬
‫جنوم الكف‪ ،‬والنرثة واجلوزاء (‪. )1‬‬
‫�أما الأ�شهر وم�سمياتها لدى �أهايل منطقة الباحة ف�أ�شهر ال�سنة ت�سمى عندهم ‪)1( :‬‬
‫حمرم ( عا�شور) ‪� )2(.‬صفر( �سادية) ‪ )3(.‬ربيع �أول وثاين‪ ،‬وجمادى �أول وثاين وي�سمونها‬
‫( الأربعة ) و ( الأجمدة ) ‪ )4( .‬رجب ‪� )5( .‬شعبان ( ق�صري �أو ملي�ص ) ‪ )6( .‬رم�ضان‪.‬‬
‫(‪� )7‬شوال ( فطر�أول ) ‪ )8( .‬ذو القعدة (فطرثاين)‪ )9( .‬ذو احلجة ( �شهر احلج ) ‪.‬‬
‫�أما الأدوات امل�ستخدمة يف الزراعة فهي ‪ )1( :‬العود ( املحراث) ‪ :‬م�صنوع من اخل�شب‬
‫يثب ��ت م ��ن طرفه يف املقرن ��ة التي يقرن بها الث�ي�ران‪ ،‬والطرف الآخر تثبت به �س ��نة حديد‬
‫حادة ل�ش ��ق الأر�ض ‪ )2( .‬املقرنة ( م�ص���لبة )‪ :‬وت�س ��تخدم ك�ضابط مل�س ��ار الثورين‪ ،‬فتو�ضع‬
‫عل ��ى رقبتهما‪ ،‬وتربط باحلبال‪ ،‬وهي م�ص ��نوعة من اخل�ش ��ب‪ ،‬ويربط يف منت�ص ��فها العود‬
‫(املح ��راث)‪ ،‬واملدم� ��س يف حالة الدم�س‪ ،‬وعندم ��ا يربط بها الثوران ف�إنهما ي�س�ي�ران على‬
‫خطني متوازيني يف اجتاه واحد‪ )3( .‬املدم�س ‪ :‬وهو قطعة خ�ش ��بية ثقيلة ذات �س ��مك ي�صل‬
‫�إىل خم�س ��ة وع�شرين �سنتيمرت ًا‪ ،‬وذات طول ي�ص ��ل �إىل مرت و�سبعني �سنتيمرت‪ ،‬ومت�سح �آثار‬
‫احل ��رث و�أق ��دام الثريان‪ ،‬وتغطي احلب بالرتاب‪ ،‬وتربط باملقرن ��ة عن طريق احلبال �أو ما‬
‫(‪)2‬‬
‫ي�س ��مى اجلر‪ ،‬وت�سمى الثريان �إذا مت و�ضع �آالت احلرث عليها وجتهيزها للحرث ال�ضمد‬
‫‪� .‬أما ال�س ��ماد فيعتمد على خملفات املوا�شي وف�ض�ل�اتها‪ ،‬فتجمع حتى ت�صبح �أكوام ًا كبرية‬
‫ت�س ��مى ( دمن ��ة )‪ ،‬ثم تنق ��ل على ظهور اجلمال واحلمري بوا�س ��طة احلف�ص امل�ص ��نوع من‬
‫الطفي وتو�ضع يف البالد ( املزرعة )‪ ،‬وتنرث يف �أنحائها ‪.‬‬
‫(*) عرف �أهل الباحة الكثري من احلرف وال�صناعات التقليدية مثل‪ :‬جمع احلطب‪،‬‬
‫وال�ص ��يد‪ ،‬وحرف الدباغة واخلرازة‪ ،‬والن�سيج واخلياطة وال�صباغة‪ ،‬والنجارة‪ ،‬واحلدادة‬
‫و�صياغة الذهب والف�ضة‪ ،‬و�صناعة الفخار‪ ،‬والبناء‪ ،‬و�صناعة الطفي‪ ،‬واحلجامة‪ ،‬واحلالقة‪،‬‬

‫((( للمزيد عن موا�س ��م الزراعة عند العرب قدمي ًا انظر كتاب ( الأنواء ) البن قتيبة‪ ،‬ودرا�س ��ة موا�سم الزراعة يف بالد‬
‫تهامة وال�سراة مو�ضوع جيد وي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لبحوث �أكادميية عديدة ‪.‬‬
‫((( جميع هذه الأدوات انقر�ض ��ت و�أ�ص ��بحنا ال ن�ش ��اهدها �إال يف بع�ض املتاحف ال�ش ��عبية يف منطقة الباحة وغريها من‬
‫بل ��دان جنوبي البالد ال�س ��عودية‪ ،‬وامل ��وروث الزراعي القدمي مهم ويجب �أن ندر�س ��ه لأبنائن ��ا وحفدتنا حتى يدركوا‬
‫معاناة �آبائهم و�أجدادهم‪ ،‬ويطلعوا �أي�ض ًا على بع�ض من ال�صور احل�ضارية التي مار�سوها وعا�شوها ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪62‬‬
‫ومهن �أخ ��رى عديدة يف املجاالت الزراعية والتجارية وال�ص ��حة والتعليم وغريها(‪ . )1‬ومن‬
‫خالل جتوالنا يف نواح عديدة من بالد تهامة وال�س ��راة و�إجنازنا بع�ض البحوث احل�ضارية‬
‫مثل‪ :‬تاريخ احلرف وال�ص ��ناعات القدمية يف ع�س�ي�ر‪ ،‬و�أجزاء م ��ن مناطق جنران والباحة‬
‫وجازان(‪ ،)2‬ات�ضح لنا عدة �أمور نذكر �أهمها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬كان الآب ��اء والأج ��داد يف الق ��رون املا�ض ��ية املت�أخ ��رة يعتم ��دون بالدرج ��ة الأوىل‬
‫على �أنف�س ��هم‪ ،‬في�س ��عون �إىل توفري كل �أغرا�ض ��هم و�أدواتهم ال�ض ��رورية يف ك�سب‬
‫معا�ش ��هم‪ ،‬فاملزارع مث ًال ي�ص ��نع معظم احتياجاته يف الزراعة بنف�سه‪ ،‬و�إذا عجز‬
‫عن توفري �شيء ما ف�إنه يذهب �إىل �أحد �أبناء قريته �أو قبيلته �أو منطقته‪ ،‬والقادر‬
‫على تلبية حاجاته‪ ،‬يقدمها له بالإعارة �أو ي�ص ��نعها له �إذا كان من القادرين على‬
‫ذلك‪ ،‬وهكذا ت�س�ي�ر الأمور يف باقي الأغرا�ض �أو املهن الأخرى(‪ . )3‬و�إذا بحثنا عن‬
‫احلرفيني املتخ�ص�ص�ي�ن مبه ��ن حمددة مثل‪ :‬النجارة‪� ،‬أو احل ��دادة‪� ،‬أو اخلياطة‪،‬‬
‫�أو الدباغ ��ة واخل ��رازة وغريها‪ ،‬فهم قليلون‪ ،‬وعملهم يف الغالب ممار�س ��ة مهنهم‬
‫و�صنع �أدوات تباع للآخرين(‪. )4‬‬
‫‪�2 .2‬إذا وقفن ��ا مع كل �ص ��نعة �أو حرفة وجدن ��ا مقوماتها الأ�سا�س ��ية موجودة يف البيئة‬
‫التهامية وال�س ��روية‪ ،‬كاملواد اخلام لكل �ص ��نعة‪ ،‬والأيدي العاملة املحلية‪ ،‬واملناخ‪،‬‬
‫والأ�س ��واق الأ�س ��بوعية التي يوجد فيها كل احتياجات النا�س منذ بداية كل �صنعة‬
‫حتى بيع �أو �شراء خمرجاتها امل�صنوعة‪ .‬ومن ثم ترى عند النا�س �إىل حد ما اكتفاء‬
‫((( للمزيد عن بع�ض احلرف وال�صناعات يف منطقة الباحة خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م)‪ ،‬انظر عبداهلل بن علي‬
‫ب ��ن �س ��امل ال ُعمري‪ ،‬منطقة الباحة‪� ،‬ص ‪ 77‬ـ ‪ ،102‬حممد دروي�ش الغام ��دي‪ ،‬حمافظة املخواة‪� ،‬ص ‪ 74‬ـ ‪ ،100‬غيثان‬
‫ب ��ن جري� ��س‪ ،‬القول املكت ��وب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 208‬ـ ‪ . 212‬ويف �أثناء زيارتن ��ا ملنطقة الباحة يف نهاية عام‬
‫(‪1433‬هـ‪2012/‬م) �ش ��اهدنا يف بع�ض �أ�س ��واقها ومتاحفها ال�ش ��عبية العديد من الأدوات القدمية‪ ،‬امل�صنوعة حملي ًا‬
‫ب�أيدي حرفيني من �أهل البالد ‪.‬‬
‫((( للمزي ��د انظ ��ر ‪ :‬اب ��ن جري�س‪ ،‬ع�س�ي�ر (‪1100‬ـ‪1400‬هـ)‪�� � ،‬ص ‪ 147‬ـ ‪ ،163‬للم�ؤلف نف�س ��ه‪ ،‬القول املكت ��وب يف تاريخ‬
‫اجلنوب‪ ،‬الأجزاء‪ ( ،‬الثاين‪ ،‬والثالث‪ ،‬والرابع‪ ،‬واخلام�س‪ ،‬وال�س ��اد�س )‪ ،‬للم�ؤلف نف�س ��ه‪ ،‬بالد بني �شهر وبني عمرو‬
‫خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م)‪� ،‬ص ‪149‬ـ‪. 154‬‬
‫((( هكذا كان ديدن املجتمع يف ال�سابق‪ ،‬وظاهرة التعاون والت�آزر من القيم الرئي�سية التي كانت �سائدة بني �أفراد القرية‬
‫الواحدة �أو القرى املتجاورة‪ ،‬مع �أنها اليوم تدهورت بل �أ�صبحت �أحيان ًا مفقودة ‪.‬‬
‫((( التقى الباحث خالل الع�شرين عام ًا املا�ضية العديد من احلرفيني القدماء الذين عا�صروا الن�صف الثاين من القرن‬
‫(‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬فوجد عندهم �أخبار ًا وروايات منوعة عن مقومات �ص ��ناعاتهم القدمية‪ ،‬و�أ�س ��عار املواد امل�صنوعة‪،‬‬
‫وتعاي� ��ش النا�س وتراحمهم‪ ،‬بل عرثنا على بع�ض الوثائق اخلا�ص ��ة ببع�ض املهن مثل‪� :‬ص ��ناعة اخل�ص ��ف‪ ،‬والفخار‪،‬‬
‫واجللد‪ ،‬واخل�شب وغريها ‪ .‬ومعظم هذه الوثائق تدور حول �أ�سماء بع�ض املواد الأ�سا�سية يف تلك ال�صناعات‪ ،‬و�أ�سماء‬
‫احلرفيني و�أماكن وجودهم يف القرى الباحوية والع�سريية واجلازانية ‪ .‬و�إجراء درا�سة مقارنة عن احلرف ال�سعودية‬
‫يف جمال ال�ص ��ناعات مو�ض ��وع ي�س ��تحق �أن يخرج عنه ع�ش ��رات الدرا�س ��ات‪ ،‬ن�أمل �أن يلتفت الباحثون وال�صناعيون‬
‫واالقت�صاديون �إىل مثل هذه اجلوانب فترثى بالبحوث والدرا�سات الأكادميية ‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫ذاتي� � ًا حملي ًا‪ ،‬و�إذا احتاجوا �إىل �أ�ش ��ياء �أخرى وهي قليلة فت�س ��تورد من الأ�س ��واق‬
‫املحلية‪� ،‬أو من بع�ض الأ�سواق الأخرى يف احلجاز والقنفذة واليمن وغريها(‪. )1‬‬
‫‪3 .3‬نلحظ �أن جميع �أو معظم ال�ص ��ناعات واحلرف القدمية يف بلدان تهامة وال�س ��راة‬
‫انقر�ض ��ت‪ ،‬ف�ل�ا يعرف �أ�س ��ما�ؤها‪� ،‬أو ط ��رق �ص ��نعها‪� ،‬أو ا�س ��تخدامها �إال الأجيال‬
‫ال�سابقة‪ ،‬ومعظمهم ماتوا‪ ،‬و�أ�صبح جيل اليوم ال يعرف من ح�ضارة �آبائه و�أجداده‬
‫�ش ��يئ ًا‪ ،‬ومن ثم فامل�س� ��ؤولية كب�ي�رة على م�ؤ�س�س ��ات التعليم‪ ،‬والثقافة‪ ،‬وال�س ��ياحة‬
‫وغريها فت�ؤ�س ���س مراك ��ز علمية وبحثية تربط املا�ض ��ي باحلا�ض ��ر‪ ،‬وتبني للنا�س‬
‫الي ��وم كيف كانت حي ��اة �آبائهم ال�سيا�س ��ية واالجتماعية واالقت�ص ��ادية والثقافية‬
‫والفكرية (‪. )2‬‬
‫(*) تاريخ التجارة يف بالد الباحة خالل القرون املا�ضية املت�أخرة‪:‬‬
‫مو�ضوع مهم وجديد يف بابه وتف�صيالته‪ ،‬وقد �أ�شرنا �إليه يف كتابنا‪ :‬القول املكتوب يف‬
‫تاريخ اجلنوب (الباحة وع�سري ) ( اجلزء اخلام�س) يف �صفحات عديدة(‪ ،)3‬ونورد يف هذا‬
‫اجلزء فقرات �أخرى‪ ،‬هي على النحو التايل ‪:‬‬
‫‪1 .1‬موق ��ع منطق ��ة الباحة ا�س�ت�راتيجي فه ��و يربط بني مناطق وحوا�ض ��ر عدي ��دة يف بالد‬
‫تهامة وال�سراة‪ ،‬بل متتد بركات هذا املوقع �إىل �أن تت�صل ببع�ض موانئ البحر الأحمر‪،‬‬
‫وحوا�ضر اليمن واحلجاز(‪. )4‬‬
‫‪2 .2‬تعدد الأ�س ��واق الأ�س ��بوعية القدمية يف بالد الباحة تهامة و�سراة‪ ،‬بل �إن معظم القبائل‬
‫كانت تقيم �أ�س ��واق ًا �أ�س ��بوعية عديدة يف بالدها‪ ،‬وهذه الأ�سواق على �صالت اجتماعية‬
‫((( تاري ��خ احل ��رف وال�ص ��ناعات يف الباحة‪� ،‬أو ع�س�ي�ر‪� ،‬أو القنفذة واللي ��ث‪� ،‬أو جازان‪� ،‬أو جنران خ�ل�ال الثالثة قرون‬
‫املا�ض ��ية مو�ض ��وعات ت�س ��تحق �أن تك ��ون عناوين لكتب �أو ر�س ��ائل علمية‪ ،‬ون�أم ��ل من الطالبات والط�ل�اب يف برامج‬
‫املاج�س ��تري والدكتوراه ب�أق�س ��ام التاريخ يف جامع ��ات اجلنوب ومكة وجدة �أن يلتفتوا �إىل مث ��ل هذه امليادين العلمية‪،‬‬
‫وهي جديرة باالهتمام والدرا�سة ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( يف �أثناء جتوالنا يف مناطق ال�سراة خالل ال�سنوات املا�ضية املت�أخرة‪ ،‬زرنا متاحف �شعبية‪ ،‬والتقينا �أعدادا كبرية من‬
‫ال�ش ��باب الذين ترتاوح �أعمارهم من ( ‪15‬ـ ‪� ) 35‬س ��نة‪ ،‬وحتدثنا معهم عن بع�ض الثقافات واملفردات اللغوية لكثري‬
‫من الأدوات والأ�سماء القدمية فوجدناهم ال يعرفون عنها �أي �شيء‪ ،‬بل قال بع�ضهم هذه م�صطلحات وثقافات غري‬
‫�ص ��حيحة‪ ،‬و�آخرون يعلقون باحتقار �أو �س ��خرية‪ ،‬وال يعلمون �أنها كانت جزء ًا من حي ��اة الآباء والأجداد ولهذا فربط‬
‫ال�ش ��اب وال�شابة بح�ض ��ارة الآباء والأجداد مهمة‪ ،‬مهما كانت متوا�ضعة‪ ،‬وكم عرفنا من النجارين‪� ،‬أو احلدادين‪� ،‬أو‬
‫الدباغ�ي�ن‪� ،‬أو اخلياط�ي�ن‪� ،‬أو الرعاة‪ ،‬وغريهم يف العقود الأخرية من القرن الهجري املا�ض ��ي (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬ونرى‬
‫بع� ��ض �أبنائه ��م و�أحفاده ��م اليوم �أ�ص ��بحوا �أدباء �أو �ش ��عراء �أو �أطباء �أو مهند�س�ي�ن �أو علماء ي�ش ��ار �إليهم بالبنان ‪.‬‬
‫هك ��ذا هي �س ��نة احلياة لكن ترابط تاريخ الأمم مهم‪ ،‬ومعرفة الأجيال الالحق ��ة كيف كان تاريخ �آبائهم و�أجدادهم‬
‫و�أجيالهم ال�سابقة يف غاية الأهمية ‪.‬‬
‫((( انظر الكتاب نف�سه‪� ،‬ص ‪ 212‬ـ ‪. 231‬‬
‫((( منطقة الباحة متو�سطة بني احلجاز وع�سري والقنفذة والربك وبع�ض الأجزاء النجدية‪ ،‬ومن ثم فهي حلقة و�صل بني‬
‫هذه الأوطان املتباعدة ‪ .‬امل�صدر‪ :‬م�شاهدات الباحث يف نهاية عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪64‬‬
‫واقت�ص ��ادية وثقافية جيدة ب�أهل البالد(‪ ،)1‬وتلك الأ�س ��واق مرتبطة بطرق برية عديدة‬
‫ومتنوع ��ة يف �أطوالها وات�س ��اعها و�أهميتها‪ ،‬ومن تلك الطرق ترد �أو ت�ص ��در الكثري من‬
‫ال�س ��لع املتنوع ��ة يف �أحجامه ��ا و�أعداده ��ا و�أ�ش ��كالها(‪ ،)2‬وكان البع�ض م ��ن �أهل البالد‬
‫يتاجرون يف بع�ض ال�س ��لع املحلية‪ ،‬كاحلبوب‪ ،‬واملوا�ش ��ي و�أحيان ًا امل�صنوعات التقليدية‬
‫املحلي ��ة‪ ،‬كما ع ��رف �أهل الباحة الكث�ي�ر من التعام�ل�ات التجارية مثل‪ :‬املقاي�ض ��ة‪� ،‬أو‬
‫التعامل بالعديد من العمالت التي عرفتها اجلزيرة العربية خالل القرنني املا�ضيني (‬
‫‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) (‪. )3‬‬
‫‪3 .3‬جتارات املا�ض ��ي ال تقارن مع الو�ضع التجاري منذ نهاية القرن املا�ضي (‪14‬هـ‪20/‬م)‪،‬‬
‫والعقود الأوىل من هذا القرن (‪15‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬فاحلياة التجارية ال�سابقة كانت حمدودة‬
‫يف �أ�سواقها و�سلعها وجتارها وطرقها ب�سبب �ضيق احلياة االقت�صادية‪ ،‬وتدهور احلياة‬
‫ال�سيا�س ��ية‪ ،‬فالأم ��ن مفقود‪ ،‬وال توجد حكومات �ش ��مولية تفر� ��ض هيمنتها على البالد‬
‫بعك�س التاريخ املعا�ص ��ر الذي توفر فيه احلكم ال�سيا�س ��ي القوي‪ ،‬واخلدمات التنموية‪،‬‬
‫كالطرق واملوا�ص�ل�ات اجليدة‪ ،‬والأ�س ��واق املحلية والإقليمية والعاملية‪� ،‬إىل جانب توفر‬
‫امل ��ال والرخاء يف �أي ��دي النا�س وغريها من امل�ؤهالت اجلي ��دة وذلك يختلف متام ًا مع‬
‫ظروف النا�س ال�صعبة قدمي ًا(‪. )4‬‬
‫‪4 .4‬م ��ن خ�ل�ال البحث يف وثائقنا اخلا�ص ��ة‪ ،‬ويف بحوث طالبنا ال�س ��ابقة على مدار (‪)25‬‬
‫�س ��نة‪ ،‬وجتوالنا يف منطقة الباحة وزيارتنا لبع�ض الباحثني و�ش ��يوخ الع�شائر و�أ�صحاب‬
‫املكتبات اخلا�ص ��ة �أو املهتمني برتاث املنطقة ا�س ��تطعنا �أن نطلع على ع�شرات الوثائق‪،‬‬

‫((( الأ�س ��واق القدمية لي�ست للبيع وال�شراء فقط‪ ،‬ولكنها حا�ضنات اجتماعية وثقافية وفكرية واقت�صادية و�إعالمية ملن‬
‫يرتادها �أو يقوم على حمايتها ‪ .‬و�إجراء درا�س ��ة تاريخية ح�ض ��ارية على �أ�سواق غامد وزهران خالل القرون الثالثة‬
‫املا�ضية مو�ضوع ي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لكتاب �أو ر�سالة علمية ‪.‬‬
‫((( الطرق وو�س ��ائل النقل‪ ،‬وكذلك ال�ص ��ادرات والواردات من و�إىل منطقة الباحة خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) مو�ضوع‬
‫جدي ��د يف باب ��ه وي�س ��تحق �أن يكون بحث ًا �أكادميي ًا لر�س ��الة ماج�س ��تري �أو دكتوراه‪ ،‬ن�أمل من �أحد الباحثني يف �أق�س ��ام‬
‫التاريخ ال�سعودية �أن يتواله بالدرا�سة واالهتمام ‪.‬‬
‫((( عرفت منطقة الباحة بع�ض العمالت الأوروبية وامل�صرية والعثمانية‪ ،‬كما و�صلت �إليها بع�ض العمالت الأجنبية الأخرى‬
‫وبخا�صة يف القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬ويف الن�صف الثاين من القرن الهجري املا�ضي �سادت العمالت العربية ال�سعودية‬
‫‪ .‬للمزيد عن التعامالت التجارية يف مناطق اجلنوب ال�سعودي خالل القرنني املا�ضيني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) ‪ .‬انظر‬
‫علي �أحمد ع�سريي ‪ .‬ع�سري ( ‪1249‬ـ ‪1289‬هـ)‪� ،‬ص ‪ 413‬وما بعدها‪ ،‬ابن جري�س‪ ،‬ع�سري( ‪1100‬ـ‪1400‬هـ) �ص ‪175‬‬
‫وم ��ا بعدها‪ ،‬للم�ؤلف نف�س ��ه‪ ،‬بالد بني �ش ��هر وبني عمرو‪�� � ،‬ص ‪ 162‬وما بعدها‪ ،‬عبداهلل علي �س ��امل ال ُعمري‪ ،‬منطقة‬
‫الباحة‪� ،‬ص ‪ 106‬ومابعدها‪.‬‬
‫((( درا�س ��ة احلي ��اة التجارية احلديثة منذ �أربعني عام ًا مهمة وت�س ��تحق �أن تدر�س يف عدة جمل ��دات‪� ،‬أما تاريخ القرون‬
‫املا�ضية فهذه مهمة امل�ؤرخني واملتخ�ص�صني يف �أق�سام التاريخ بجامعات‪ :‬الباحة‪ ،‬وامللك خالد‪� ،‬أو الطائف فيدر�سوا‬
‫�أحوال التجارة والتجار يف بالد تهامة وال�سراة وهو مو�ضوع جيد وي�ستحق �أن ي�صدر عنه درا�سات تاريخية متعددة ‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫ون�س ��مع الكثري من الراويات والأخبار االقت�ص ��ادية للغامدي�ي�ن والزهرانيني‪ ،‬ومن ثم‬
‫خرجنا ببع�ض االنطباعات التي ندرج �أهمها يف البنود التالية ‪:‬‬
‫�أن التج ��ارات الغامدي ��ة والزهراني ��ة ب�ي�ن الباح ��ة وم ��دن احلج ��از الرئي�س ��ية‬ ‫�أ ـ ‬
‫كانت ن�ش ��طة وقوي ��ة‪ ،‬فهناك الكثري من ال�س ��لع ال ��واردة وال�ص ��ادرة عن الباحة‬
‫�إىل الطائ ��ف ومك ��ة وجدة والعك�س �ص ��حيح‪ ،‬وقد اطلعنا على �أ�س ��ماء الكثري من‬
‫التج ��ار الغامدي�ي�ن الذي ��ن كانوا �أ�ص ��حاب حم�ل�ات جتارية يف تلك احلوا�ض ��ر‬
‫احلجازية(‪. )1‬‬
‫بع�ض الوثائق ذكرت �أ�س ��ماء و�أ�س ��عار ال�س ��لع التي كانت ت�ص ��در ع ��ن احلجاز �أو‬ ‫ب ـ ‬
‫القنفذة �أو جازان �إىل الباحة‪ ،‬وهذه الوثائق احتوت �أي�ض� � ًا على �أ�سماء جتار من‬
‫منطقة الباحة وخارجها‪ ،‬و�أ�ش ��ارت �أي�ض ًا �إىل بع�ض الأ�سواق الأ�سبوعية يف تهامة‬
‫وال�سراة‪ ،‬و�أحيان ًا �إىل و�سائل النقل مثل اجلمال واحلمري و�أجورها مع �أ�صحابها‪،‬‬
‫�أو بدونهم (‪. )2‬‬
‫من الثابت �أن املنطقة مرت خالل الأربعة القرون املا�ضية بالعديد من ال�صراعات‬ ‫جـ‬
‫احلربية وال�سيا�سية‪ ،‬ويف وثائق تلك الفرتة ظهر لنا الكثري من املعلومات املتعلقة‬
‫ببع�ض ال�س ��لع احلربية و�أ�سعارها‪ ،‬وو�سائل النقل‪ ،‬والتعامالت التجارية بني �أهل‬
‫البالد والغازين لبالدهم مثل العثمانيني وغريهم‪ ،‬وما جرى من معوقات ودمار‬
‫على احلياة التجارية نتيجة لتلك ال�صراعات ال�سيا�سية (‪. )3‬‬
‫هناك وثائق �أو مراجع �أخرى �أ�ش ��ارت �إىل معوقات �أخرى يف امليادين االقت�ص ��ادية‬ ‫دـ‬
‫والتجاري ��ة مثل‪ :‬ال�ص ��راعات القبلي ��ة و�أثرها يف خراب االقت�ص ��اد‪ ،‬والل�ص ��و�ص‬
‫وم ��ا يقومون به من �س ��لب ونهب يف الأ�س ��واق �أو امل ��زارع‪� ،‬أو �س ��رقة بع�ض البهائم‬
‫واملوا�ش ��ي‪ ،‬وكذلك الأمرا� ��ض واجلفاف والقحط الذي كان يح ��ل على البالد من‬
‫وقت لآخر(‪. )4‬‬
‫((( تاريخ الغامديني والزهرانيني و�ص�ل�اتهم مع احلجازيني وبخا�ص ��ة �س ��كان مكة والطائف قدمي جد ًا يعود �إىل ما قبل‬
‫الإ�سالم وعرب ع�صور الإ�سالم املختلفة ‪ .‬وهذا الباب ي�ستحق �أن يت�صدى له عدد من امل�ؤرخني والباحثني اجلادين‪.‬‬
‫((( يوجد يف مكتبة الباحث العلمية بع�ض من هذه الوثائق التاريخية واحل�ض ��ارية‪ ،‬ون�أمل �أن يظهر لنا من �أبناء منطقة‬
‫الباح ��ة م�ؤرخ ج ��اد يتوالها بالبحث والدرا�س ��ة‪ ،‬ومازال منها الكثري عند بع�ض الأ�س ��ر والبيوت ��ات العلمية يف غامد‬
‫وزهران ‪.‬‬
‫((( تاريخ احلياة احل�ض ��ارية يف منطقة الباحة يف �ض ��وء الوثائق ال�سيا�سية والع�س ��كرية خالل القرون املا�ضية املت�أخرة‬
‫مو�ضوع مهم وي�ستحق االهتمام ‪.‬‬
‫((( املعوقات االقت�ص ��ادية يف القرون املا�ض ��ية مو�ضوع جدير بالدرا�س ��ة‪ .‬ومازال هناك بع�ض كبار ال�سن الذين يذكرون‬
‫بع�ض الق�ص�ص والروايات التي عا�شها �أهل البالد خالل الن�صف الثاين من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪66‬‬
‫هـ ـ يف بع�ض االتفاقات والوثائق القبلية جند ذكر بع�ض العقوبات التي ت�ضعها القبيلة‬
‫�أو الع�ش�ي�رة على من يتعدى على حقوق النا�س التجارية والزراعية وال�ص ��ناعية‪،‬‬
‫ومثل تلك العقود واالتفاقيات حتد من تدهور احلياة االقت�صادية يف البالد(‪. )1‬‬
‫‪3‬ـ �صور من احلياة العلمية والثقافية ‪:‬‬
‫(*) احلديث عن التعليم مو�ض���وع كبري ي�س���تحق مئات ال�صفحات‪ ،‬وموقع منطقة‬
‫الباح���ة اجلغرايف ي�ؤهلها �إىل �أن ي�ص ��ل �إليها بع� ��ض الفقهاء واملعلمني من احلجاز �أو بلدان‬
‫ال�س ��احل كالقنفذة وال�ب�رك وجازان وبع�ض املدن اليمنية الأخرى(‪ ،)2‬ولن نف�ص ��ل احلديث‬
‫عن تاريخ احلياة العلمية والتعليمية والثقافية يف بالد غامد وزهران خالل القرون املا�ضية‬
‫املت�أخرة ‪ .‬و�إمنا نذكر حماور رئي�س ��ية لعلها تقود بع�ض الباحثني وامل�ؤرخني �إىل درا�سة هذه‬
‫الباب الوا�سع‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫‪� 1 .1‬أ�شرنا �إىل �صور من تاريخ منطقة الباحة يف حوايل خم�سني �صفحة من كتابنا‪ :‬القول‬
‫املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( الباحة وع�سري ) ( اجلزء اخلام�س ) (‪. )3‬‬
‫‪ 2 .2‬هن ��اك بع� ��ض الكت ��ب املطبوعة‪� ،‬أو الر�س ��ائل العلمي ��ة‪� ،‬أو البحوث املن�ش ��ورة يف بع�ض‬
‫املجالت العلمية الأكادميية �أ�ش ��ارت �إىل نتف من تاريخ التعليم يف الباحة خالل القرن‬
‫(‪14‬هـ‪20/‬م) (‪. )4‬‬
‫‪ 3 .3‬يف بالد غامد وزهران بع�ض الأ�سر والبيوتات العلمية التي كان لها دور تعليمي تنويري‬
‫يف القرنني الهجريني املا�ض ��يني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م)‪ ،‬وقد قابلت بع�ض �أبناء �أو حفدة‬
‫ه ��ذه الأ�س ��ر يف نهاية ع ��ام (‪1433‬ه� �ـ‪2012/‬م) ورجوته ��م �أال يبخلوا ب�ت�راث �آبائهم‬
‫و�أجدادهم من الن�شر ومتكني الباحثني من االطالع عليه (‪. )5‬‬
‫((( �أثناء جتوالنا يف مناطق اجلنوب ال�سعودي خالل ال�سنوات املا�ضية املت�أخرة ا�ستطعنا �أن جنمع كثري ًا من االتفاقيات‬
‫والعقود ال�ص ��ادرة عن بع�ض القرى �أو الع�ش ��ائر‪ ،‬والهدف من �أقرارها والتوقيع عليها هو �إيجاد قواعد و�أنظمة بني‬
‫�أفراد الع�ش�ي�رة �أو القرية الواحدة‪ ،‬بهدف ن�ش ��ر الأمن بينهم ومنع االعتداء ات بع�ض ��هم على بع�ض‪ ،‬و�إيجاد جمتمع‬
‫مرتابط ت�سوده الرحمة والتعاون ودفع ال�ضرر عن �أهلهم وبالدهم‪ ،‬ومثل هذه االتفاقيات كثرية وبخا�صة يف القرنني‬
‫(‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م ) وهي جديرة باجلمع والدرا�سة والتحليل ‪.‬‬
‫((( و�ص ��ل �إىل ب�ل�اد الباح ��ة بع�ض املعلم�ي�ن من نواح عدي ��دة يف اجلزي ��رة العربية‪ ،‬بل ذه ��ب بع�ض �أبنائه ��ا يف القرن‬
‫( ‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) �إىل احلجاز �أو م�صر �أو اليمن ورمبا �إىل ال�سودان والقرن الإفريقي لطلب العلم هناك‪.‬‬
‫((( انظر الكتاب‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 138‬ـ ‪� ،144‬ص ‪ 231‬ـ ‪ 301 ،260‬ـ ‪. 315‬‬
‫((( هذا ما وجدته يف بع�ض املكتبات اجلامعية‪ ،‬مثل �أم القرى‪ ،‬وامللك عبد العزيز‪ ،‬والإ�س�ل�امية باملدينة املنورة‪ ،‬وامللك‬
‫�سعود‪ ،‬والإمام حممد بن �سعود الإ�سالمية‪ ،‬ومكتبة امللك فهد الوطنية‪ ،‬ومكتبة امللك عبد العزيز العامة ‪.‬‬
‫((( من امل�ؤ�س ��ف �أنن ��ي التقيت عدد ًا كثري من �أبناء وحفدة الأ�س ��ر والبيوتات العلمية التي ظه ��رت يف جازان‪ ،‬وجنران‪،‬‬
‫وع�س�ي�ر‪ ،‬والقنف ��ذة‪ ،‬والباحة خالل العقود الثالثة املا�ض ��ية املت�أخ ��رة‪ ،‬وطلبت منهم �أال يحج ��روا على تراث وعلوم‬
‫�أ�سرهم و�آبائهم و�أجدادهم الأوائل ( رحمهم اهلل ) والذين كان لهم ف�ضل على �أهل املنطقة تعليمي ًا وفكري ًا وثقافي ًا‪،‬‬
‫وغالبي ��ة ه� ��ؤالء الأبناء واحلفدة ( هداهم اهلل ) يتحججون ب�أعذار واهية‪ ،‬ك�أن يقولوا لي�س عندنا �ش ��يء‪ ،‬وهم غري‬
‫�صادقني‪ ،‬لأن �أجدادهم و�آباءهم ( غفر اهلل لهم ) كانوا �أعالم ًا يف بالدهم‪ ،‬وكثري منهم كان له مدونات ومرا�سالت‬
‫ووثائق متنوعة‪ ،‬وهناك من وعد بن�شرها �أو م�ساعدة الباحثني يف االطالع عليها ودرا�ستها‪ ،‬وفريق ثالث ال يتعاون وال‬
‫يعتذر وال يعد ب�شيء ‪ .‬وقد �أعالج هذه النقطة بتو�سع يف بحث �آخر و�أذكر ما عرفته و�شاهدته خالل ثالثني عام ًا ‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫‪4 .4‬يوج ��د يف منطقة الباحة الكثري من الوثائق املتناثرة يف �أيدي بع�ض الأ�س ��ر �أو الأفراد‪،‬‬
‫ويوجد فيها مادة علمية جيدة عن تاريخ التعليم‪ ،‬ون�أمل من �أ�صحابها �أن يدفعوها �إىل‬
‫من يدر�س ��ها‪ ،‬كما ن�أمل من جامعة الباحة �أن ت�ؤ�س�س مراكز بحثية �أكادميية تهتم مبثل‬
‫هذا النوع من الوثائق ثم ت�شجع الباحثني على درا�ستها وحتليلها (‪. )1‬‬
‫‪5 .5‬عل ��ى �إدارات التعلي ��م يف املنطق ��ة‪ ،‬وعلى الأدب ��اء واملتعلمني املت�أخري ��ن واملتقدمني �أن‬
‫يحافظوا على ال�س ��جالت والوثائ ��ق التي ت�ؤرخ للتعليم يف املنطقة‪ ،‬بل عليهم �أي�ض� � ًا �أن‬
‫يدون ��وا خرباتهم وذكرياتهم يف جمال التعليم‪ ،‬كما نرج ��و �أن نرى �أكادمييني م�ؤرخني‬
‫باحثني جادين من الغامديني والزهرانيني ليدر�سوا احلياة الثقافية والتعليمية يف هذه‬
‫البالد خالل القرون املا�ضية املت�أخرة (‪.)2‬‬
‫كان عن ��د الغامدي�ي�ن والزهرانيني بع� ��ض العلوم واملع ��ارف الأخرى مث ��ل‪ :‬معرفة علوم‬
‫الزراعة وف�ص ��ولها و�أمرا�ض ��ها‪� ،‬أو احلرف وال�ص ��ناعات التي �سبق الإ�ش ��ارة �إىل بع�ضها‪� ،‬أو‬
‫الأهازي ��ج والفن ��ون ( الفلك ��ور ) ال�ش ��عبية واللغوية والأدبي ��ة‪� ،‬أو احلكم والأمث ��ال والأحاجي‬
‫والفكاه ��ة وغريه ��ا(‪ . )3‬وهذه املو�ض ��وعات لن نناق�ش ��ها‪ ،‬ون�أم ��ل �أن نرى يف امل�س ��تقبل بع�ض‬
‫الباحثني اجلادين الذين يجمعون مادتها ويدر�سونها‪ ،‬ولكن يف ال�صفحات التالية ن�شري �إىل ‪:‬‬
‫(*) ملحات من حياة الطب والتطبيب عند �أهايل الباحة (‪. )4‬‬
‫م ��ادة ه ��ذه املح ��ور مت جمعها قبل �أكرث من ع�ش ��رين عام ًا عن طري ��ق �أحد طالبي يف‬
‫مرحل ��ة البكالوريو�س(‪ ،)5‬وهو عبد اهلل بن علي بن �س ��امل ال ُعمري(‪ ،)6‬الذي �أعد بحث تخرجه‬
‫على جامعة الباحة م�س�ؤوليات كبرية جتاه �سكان وبالد منطقة الباحة‪ ،‬ويجب �أن ت�ست�شعر هذه امل�س�ؤولية وت�سعى �إىل‬ ‫(((‬
‫خدمة البالد والعباد بكل ما يفيد ‪.‬‬
‫زرن ��ا منطق ��ة الباحة عام ( ‪1427‬هـ‪2006/‬م) والتقين ��ا بع�ض �أدبائها ومعلميها‪ ،‬كما زرن ��ا �إدارة التعليم العامة يف‬ ‫(((‬
‫الباحة‪ ،‬وحاولنا االطالع على �أر�شيفها لكن امل�س�ؤولني فيها مل ميكنونا من ذلك‪ ،‬وذهبنا �إىل �إدارة تعليم املخواة فلم‬
‫جند جتاوب ًا من �إدارتها �أي�ض� � ًا‪ ،‬وات�ص ��لنا بنادي الباحة الأدبي فلم جند يف مكتبته ما يفيد يف تاريخ التعليم ‪ .‬ونقول‬
‫�إن تاريخ التعليم خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) مو�ض ��وع مهم‪ ،‬ومادته العلمية متوفرة مقارنة بالقرون ال�سابقة‪ ،‬ون�أمل‬
‫�أن نرى باحث ًا جاد ًا فيدر�س هذا املو�ضوع‪ ،‬ومن يفعل ذلك ف�سوف ي�ضيف �إىل املكتبة العربية عم ًال علمي ًا جيد ًا ‪.‬‬
‫جميع هذه املو�ضوعات ت�ستحق البحث والدرا�سة خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫ملزي ��د من حياة الطب والتطبيب يف ع�س�ي�ر وجازان‪ ،‬انظر‪ :‬غيثان بن جري�س‪ ،‬ع�س�ي�ر (‪1100‬ـ ‪1400‬هـ)‪� ،‬ص‪ 108‬ـ‬ ‫(((‬
‫‪ ،117‬للم�ؤلف نف�سه‪� ،‬أبها حا�ضرة ع�سري‪� ،‬ص ‪ 392‬ـ ‪. 404‬‬
‫لقد �أ�ش ��رفنا على �أكرث من (‪ )400‬بحث طالبي‪ ،‬وجميعه ��ا بحوث تخرج من عام (‪1412‬ـ ‪1423‬هـ ‪1991 /‬ـ‪2003‬م)‪،‬‬ ‫(((‬
‫ون�سخ من تلك البحوث توجد �ضمن مكتبة الباحث حتت �أرقام ت�سل�سلية‪ ،‬وكل بحث ال يخلو من جديد كالوثائق وال�صور‬
‫وم ��ادة علمية وغريها‪ ،‬و (‪ )%98‬من هذه الدرا�س ��ات تتعلق بتاريخ وح�ض ��ارة وتراث بالد تهامة وال�س ��راة املمتدة من‬
‫احلجاز �شما ًال �إىل جازان وجنران جنوب ًا‪ ،‬وعلى وجه اخل�صو�ص يف الع�صر احلديث ( ق‪ 12‬ـ‪14‬هـ‪18/‬ـ‪20‬م) ‪.‬‬
‫عب ��د اهلل بن علي بن �س ��امل ال ُعمري من حمافظ ��ة املخواة‪ ،‬كان �أحد طالبنا يف بداية العق ��د الثاين من هذا القرن‬ ‫(((‬
‫(‪15‬هـ‪20 /‬م)‪ ،‬وتخرج عام (‪1414‬هـ‪1994/‬م)‪ ،‬وح�س ��ب علمنا �أنه عمل مدر�س� � ًا يف �أبها �س ��نوات عديدة‪ ،‬وا�شتغل‬
‫�إمام ًا يف م�س ��جد �سجن �أبها الرئي�س ��ي‪ ،‬ثم انتقل �إىل م�سقط ر�أ�سه يف مدينة املخواة‪ ،‬ويعمل حالي ًا يف جمال الرتبية‬
‫والتعليم هناك‪ ،‬وال �أعلم ما م�صريه الآن‪� ،‬إال �أنه من �سكان املخواة ومن قبيلة بني عمر يف منطقة الباحة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪68‬‬
‫�آنذاك حتت �إ�شرافنا عام (‪1414‬هـ‪1994/‬م)‪ ،‬واملو�سوم بـ ‪ :‬منطقة الباحة ( بالد بني عمر‪،‬‬
‫وغام���د‪ ،‬وزه���ران) ( خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ ‪19 /‬ـ‪20‬م) ( درا�س���ة تاريخية ح�ض���ارية) (‪. )1‬‬
‫(‪،)2‬‬
‫ويف ع�شر �صفحات من درا�سته �أورد عنوان ًا �سماه (ال�صحة وا�ستخدام البيئة يف الطب)‬
‫ثم دون تف�صيالت كثرية‪ ،‬لكننا نذكرها هنا بت�صرف بعد تهذيبها وت�شذيبها‪ ،‬و�أحيان ًا �صقل‬
‫�أ�س ��لوبها‪ ،‬فنقول ‪ :‬بع�ض النباتات امل�س ��تخدمة يف عالج عدد من الأمرا�ض مثل‪ :‬التوابل التي‬
‫ترتكز عليها �آالف الو�ص ��فات الطبية‪ ،‬كالكزبرة‪ ،‬والكمون‪ ،‬والقرفة‪ ،‬وال�ش ��يح‪ ( ،‬البابوجن)‪،‬‬
‫وامل�صطكى‪ ،‬واحلبة ال�سوداء‪ ،‬واللبان‪ ،‬والهيل‪ ،‬والنعناع‪ ،‬وتدخل الزهور كعنا�صر عالجية يف‬
‫بع�ض الو�صفات كالرنج�س‪ ،‬والورد‪ ،‬واحلناء(‪ . )3‬ومن الفواكه ال�سفرجل‪ ،‬وامل�شم�ش‪ ،‬والليمون‪،‬‬
‫واخلوخ‪ ،‬والرمان‪ ،‬والتني‪ ،‬والعنب‪ ،‬والنبق‪ ،‬والتوت‪ ،‬وهناك جمموعة �أخرى من احلبوب مثل‬
‫القمح‪ ،‬والزيوت ب�أنواعها‪ ،‬والزيتون‪ ،‬واجلوز‪ ،‬واللوز‪ ،‬والب�ص ��ل‪ ،‬والعد�س‪ ،‬والقثاء‪ ،‬وال�سمن‪،‬‬
‫والرجل ��ة‪ ،‬واجلرج�ي�ر‪ ،‬واخل�س‪ ،‬والث ��وم‪ ،‬واجلزر‪ ،‬والفج ��ل‪ ،‬واحلم�ص‪ ،‬وال�ش ��عري‪ ،‬والتمر‪،‬‬
‫والرب�سيم‪ ،‬وامللح‪ ،‬والقطران‪ ،‬واليان�سون‪ ،‬واخلل‪ ،‬وع�سل النحل‪ ،‬وال�سنا(‪. )4‬‬
‫واحليوانات و�أع�ض ��ا�ؤها وف�ضالتها تدخل يف خدمة الطب والتطبيب‪ ،‬وال يت�سع املجال‬
‫للحديث عن كل عن�ص ��ر من هذه العنا�ص ��ر وا�ستخداماته الطبية‪ ،‬ولكن نقت�صر على بع�ض‬
‫النماذج التي عرفها ومار�س ��ها �سكان منطقة الباحة مثل الكحل فلي�س للتجميل فقط و�إمنا‬
‫لعالج بع�ض �أمرا�ض العني وجالء الب�صر‪ ،‬وي�ستخدم الع�سل يف كثري من الأمرا�ض الع�ضوية‬
‫(‪)5‬‬
‫التي ي�صاب بها الإن�سان‪ ،‬وقد ورد ذكره يف القر�آن يف قوله تعاىل‪ ( :‬فيه �شفاء للنا�س )‬
‫(*) والكي بالنار من �أبرز �أ�ساليب العالج الطبي بعد الو�صفات التقليدية الأخرى‪،‬‬
‫والي�شك �أحد يف مدى �صعوبته وخطورته وما يتطلبه من حتمل‪ ،‬فهو كما يقال (�آخر الدواء‬
‫الك ��ي)‪ ،‬وال يلج� ��أ �إليه املري�ض وال املحيطون به �إال بعد �أن تعييهم احليل وت�س ��د �أمامهم كل‬
‫الأبواب للعالج‪ ،‬وي�ستخدم الكي لعالج �أمرا�ض الر�أ�س‪ ،‬واملعدة‪ ،‬و�أمل الظهر‪ ،‬وعرق الن�سا‪،‬‬
‫والروماتيزم‪ ،‬ولي�س كل �إن�س ��ان ي�ستطيع ممار�سة الكي‪ ،‬و�إمنا هناك رجال ون�ساء معروفون‬
‫((( البحث يقع يف (‪� )285‬ص ��فحة عالج فيها الكثري من الق�ض ��ايا التاريخية ملنطقة الباحة خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ ‪/‬‬
‫‪19‬ـ‪20‬م)‪ ،‬كما يحتوي على وثائق و�ص ��ور جديدة يف بابها‪ .‬والطالب حممد دروي�ش الغ�شام الغامدي وزمالء �آخرين‬
‫�أجن ��زوا بحث� � ًا عن املخواة خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) يف عام (‪1417‬هـ ‪1997 /‬م)‪ ،‬وقد ا�س ��تفادوا كثري ًا من بحث‬
‫عبد اهلل علي �سامل ال ُعمري ‪.‬‬
‫((( انظر بحث عبد اهلل ال ُعمري‪� ،‬ص ‪ 119‬ـ ‪. 128‬‬
‫((( منطقة تهامة وال�سراة مليئة بالكثري من النبات والزهور وال�شجريات الآنف ذكرها �أعاله ‪.‬‬
‫((( يج ��ب على جامعات املل ��ك خالد والباحة وجازان �أن تن�ش ��ئ كليات للزراعة حتى تدر�س الأو�ض ��اع الزراعية يف هذه‬
‫الب�ل�اد‪ ،‬كما �أن كليات ال�ص ��يدلة عليها م�س� ��ؤولية درا�س ��ة الكث�ي�ر من النباتات والأ�ش ��جار يف بالد تهامة وال�س ��راة‬
‫واال�ستفادة منها يف الأدوية والعقاقري الطبية‪.‬‬
‫((( �سورة النحل‪ ،‬الآية ( ‪. ) 69‬‬
‫‪69‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫يف بع�ض القرى باملنطقة‪ ،‬فهم م�شهورون بح�سن الت�صرف‪ ،‬ومعرفة موا�ضع الكي‪ ،‬و�أوقاته‪،‬‬
‫والأدوات امل�س ��تخدمة فيه(‪ )1‬ون�ش�ي�ر �إىل بع�ض الأمرا�ض وطرق عالجها مثل‪ )1( :‬الواهنة‬
‫‪� :‬أمل ي�ص ��اب به الإن�سان يف مف�صل الكتف ويعالج بالكي يف الكتف‪ )2( .‬ال�شوكة ‪ :‬وحتدث‬
‫اال �شديد ًا للج�سم ويعالج‬ ‫غالب ًا عند الأطفال حيث تبد�أ بكحة �شديدة وم�ستمرة وت�سبب هز ً‬
‫بالكي يف ال�ص ��در‪ )3( .‬امللحة ‪�:‬أمل ي�ص ��يب الإن�س ��ان يف الركبة ويعالج بالكي فوق الركبة‪.‬‬
‫(‪ )4‬ال�ش���قيقة ‪ :‬وه ��ي �أمل يف الر�أ� ��س ي�س ��ببه عرق يف اجلبهة ذو لون �أخ�ض ��ر مما ي�س ��بب‬
‫�أمل ًا ودوار ًا و�ص ��داع ًا بالر�أ�س ‪ .‬ويعالج ب�إحدى طريقتني ‪�( :‬أ) تو�ضع عليه قطعة من القما�ش‬
‫ث ��م يقوم �أحد احل�ض ��ور بع�ض ذل ��ك العرق‪ ،‬ويف هذه امل�س� ��ألة يدمن عليه ��ا املري�ض وي�أتيه‬
‫ال�ص ��داع من حني لآخر‪( .‬ب) تكوى اجلبهة �أو يف و�سط الر�أ�س فتكون �سبب ًا لل�شفاء ( ب�إذن‬
‫اهلل ) (‪ )5‬الرياح (املغ�ص) ‪ :‬يعالج بتناول بع�ض امل�ش ��روبات مثل �ش ��راب ال�سنوت املغلي �أو‬
‫احللبة املغلية(‪ )6( . )2‬العما�ش ( الرمد) ‪ :‬وهو مر�ض ي�ص ��يب العني‪ ،‬ويت�س ��بب يف �إقفالها‬
‫حي ��ث تظه ��ر مقفلة بعد القي ��ام من النوم ب�س ��بب �إفرازات تخ ��رج منها ت�ش ��به �إىل حد ما‬
‫ال�ص ��مغ‪ ،‬وقد ي�ستخدم املاء الدافئ‪ ،‬والبع�ض ي�س ��تخدم البول لغ�سل العني‪ )7( .‬الظفار‪:‬‬
‫مر�ض ي�صيب العني داخل اجلفن ويعالج بفركه بورق احلماط (التني ) اخل�شن حتى يدمي‬
‫اجلفن من الداخل ‪ )8( .‬اللقوة ( اللوف ) ‪ :‬وهو التفاف يف الفك عند الإن�س ��ان �أ�ش ��به ما‬
‫يكون بال�ش ��دق ويعالج بطريقتني (�أ) ‪� :‬ش ��ده وربطه بجبارة خا�صة كالك�سر ملدة معينة حتى‬
‫يع ��ود �إىل و�ض ��عه الطبيع ��ي ‪( .‬ب) ‪ :‬يعالج بالكي يف �أ�س ��فل الفك �أو يف و�س ��ط الر�أ�س‪)9( .‬‬
‫الب���داة �أو الأب���دة ( الل�ش���مانيا) ‪ :‬مر�ض يحدث للإن�س ��ان وخا�ص ��ة يف الوج ��ه ويعالج بعدة‬
‫طرق‪�( :‬أ) يكوى يف الر�أ�س في�ش ��فى (ب�إذن اهلل)‪( .‬ب) ‪ :‬يفرك بامللح ال�ص ��خري حتى يدمي‬
‫ويذهب ما بداخله من الأو�س ��اخ‪( .‬ج) ‪ :‬ت�ستخدم احلرباء حيث ت�سلط على البداة فتم�صها‬
‫حتى يخرج ما بداخلها من دم و�صديد عند ذلك ي�شفى املري�ض �أما احلرباء فتموت حا ًال ‪.‬‬
‫(‪ )10‬امل�شع‪ :‬مر�ض ي�شبه االنزالق الغ�ضرويف يف العمود الفقري ويعالج بجبارة خا�صة تثبت‬
‫العمود الفقري حيث ال ينثني مع حركة اجل�سم ‪ )11( .‬اخلفع ( العنك) ‪ :‬وهو �أمل يح�صل‬
‫يف مف�ص ��ل القدم �أو اليد غالب ًا �إما ل�س ��قوط مفاجئ يف حفرة �أو اختالل يف حركة اجل�س ��م‬
‫�أثناء امل�ش ��ي �أو ما �أ�ش ��به ذلك‪ .‬ويعالج بطريقتني ‪�( :‬أ) بالكي يف مو�ضع الأمل �أو قريب ًا منه ‪.‬‬

‫((( �شاهدنا بع�ض املمار�سني لعملية الكي يف ع�سري وجازان ونواح من الباحة خالل الع�شرين �سنة املا�ضية‪ ،‬وكان �أغلبهم‬
‫موفقني يف عالج كثري من الأمرا�ض‪ ،‬كما �ش ��اهدنا بع�ض �آباءنا و�أجدادنا‪ ،‬وهم غري خرباء يف عملية الكي‪ ،‬يقومون‬
‫بكي بع�ض �أبنائهم �أو �أقاربهم �إذا حلت بهم بع�ض الأمرا�ض التي حتتاج �إىل كي يف عرفهم �آنذاك ‪.‬‬
‫((( درا�س ��ة مثل هذه الأمرا�ض وطرق عالجها قدمي ًا مو�ضوع جيد وي�ستحق �أن يجرى حولها بع�ض الدرا�سات التاريخية‬
‫املوثقة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪70‬‬
‫(ب) يعالج يف بع�ض الأماكن با�س ��تخدام الرتبة ال�س ��بخة(‪ )1‬حيث ت�سخن يف ماء �إىل درجة‬
‫حرارة يطيقها اجل�س ��م ثم تو�ضع على حمل الإ�صابة لت�ساعد يف امت�صا�ص الورم وتخفيف‬
‫الأمل ثم يربط حمل اخلفع حتى ي�شفى‪ )12( .‬الفتاق‪� :‬أمل ي�صيب الإن�سان يف البطن ب�سبب‬
‫متزق يف الع�ضالت نتيجة حلمل بع�ض الأثقال مما ي�ؤدي �إىل بروز بع�ض الأجزاء الداخلية‬
‫للبطن بحيث تظهر وك�أنها ورم يف بطن الإن�س ��ان‪ ،‬وتعالج بال�شد للداخل حتى تلتئم �أن�سجة‬
‫اجللد وتعود �إىل طبيعتها(‪� )13( .)2‬أبو غبب ( �أبو حلي ) ‪ :‬انتفاخ يف الرقبة ي�ش ��به التهاب‬
‫اللوزت�ي�ن حالي� � ًا ويعالج بتكميده بقطعة قما�ش �س ��اخنة ونحوها ‪ )14( .‬اجل�ي�ر( الكدّاد ) ‪:‬‬
‫وهو مر�ض احلمو�ض ��ة حالي ًا‪ ،‬ويعالج بالع�س ��ل‪ ،‬والبع�ض الآخر ي�ستخدم الرماد حيث ي�سف‬
‫الرماد ليخفف من �أملها ‪ )15( .‬امل�سيكية ‪( :‬الزائدة الدودية ) ‪ :‬يتم �شرب بع�ض امل�شروبات‬
‫لتخفيف �أملها ويف الغالب يتوفى من ي�صيبه هذا املر�ض‪ )16( .‬عرق الن�سا ‪ :‬وهو عرق ميتد‬
‫من مف�صل الورك �إىل الكعب‪ ،‬وميتد من خلف الفخذ وت�ضعف معه الرجل والفخذ‪ ،‬ويعالج‬
‫بالف�ص ��د من بني �أ�صابع القدم‪ ،‬وكذا يعالج باحلجامة على ظهر القدم والكي �أحيان ًا‪ ،‬وهو‬
‫ي�ص ��يب الرجال والن�ساء على حد �سواء‪� )17( .‬آالم ال�ضر�س‪ :‬وهي �آالم ناجتة عن الت�سو�س‬
‫�أو االلتهابات وما �شابهها فيعالج بعدة طرق (�أ) تو�ضع مرارة الذبيحة عليه لتخفيف الأمل‪.‬‬
‫(ب) يعالج با�ستخدام امللح وو�ضعه على حمل الأمل لي�ساعد على تخفيفه ‪( .‬ج) يكوى ب�سلك‬
‫�ساخن �أو م�سمار‪( .‬د) يلج�أ البع�ض ال�ستخدام الدخان الأخ�ضر لأن فيه مادة خمدرة تخدر‬
‫الأمل‪ ،‬ولكن قد يدمن الإن�سان على هذا الدخان بعد فرتة من ا�ستعماله‪ ،‬وهناك عدد كثري‬
‫من الآالم التي كان ي�صاب بها الإن�سان ولكن ال يت�سع املجال حل�صرها‪.‬‬
‫�أما الأمرا�ض التي ت�صيب احليوانات وطرق عالجها فهي‪ )1( :‬احلمة ‪ :‬مر�ض ي�صيب‬
‫الغنم ( املاعز ) يف الفم وهو على هيئة جروح‪ ،‬ويعالج بالكي يف م�ؤخرة الأنف ‪ )2( .‬الدورة‬
‫( ال�صرع)‪ :‬مر�ض ي�صيب ال�ض�أن وي�سبب لها دوار ًا بحيث ال ت�ستطيع الوقوف على �أرجلها‪،‬‬
‫و�أحيان ًا يت�سبب يف موتها‪ ،‬وتعالج بالكي يف و�سط الر�أ�س ب�شكل طويل ‪ )3( .‬الرامي ‪ :‬مر�ض‬
‫ي�ص ��يب املاعز وال�ض�أن يف هيئة �إ�سهال ويعالج ب�إحدى طريقتني ‪�( :‬أ) تكوى يف الر�أ�س طو ًال‬
‫وعر�ض� � ًا ب�ش ��كل �ص ��ليب ‪( .‬ب) يلج�أ بع�ض الرعاة �إىل الرمي ببندق �أبي فتيل �أو قب�سون بعد‬
‫ح�ش ��وها بالبارود وذلك يف ال�ص ��باح الباكر حيث يرمي و�سط املراح ( �شبك الغنم ) فت�شم‬
‫الغنم رائحة البارود فت�شفى ( ب�إذن اهلل )(‪ )4(.)3‬احلرباء ( احلرة )‪ :‬مر�ض ي�صيب البقر‬
‫((( ال�سبخة ‪ :‬نوع من الرتبة �سوداء �شديدة امللوحة ‪.‬‬
‫((( لدى القدماء الفطنة وح�س ��ن التدبري‪ ،‬فرتاهم يتكيفون مع بيئاتهم وي�س ��خرونها يف خدمتهم‪ ،‬ولي�س ذلك يف جمال‬
‫التطبيب فقط‪ ،‬ولكن يف جميع �أمور حياتهم ال�سيا�سية واحل�ضارية ‪.‬‬
‫((( الدار�س �أحوال العرب من قبل الإ�سالم وعرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي يجدهم يبذلون ق�صارى جهودهم لال�ستفادة‬
‫من بيئاتهم يف كل ما يعود عليهم بالنفع والفائدة ‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫ويت�س ��بب يف �س ��يالن لعابها‪ ،‬ويتمركز يف فمها‪ ،‬ويت�سبب �أحيان ًا يف موتها‪ ،‬ويعالج ب�أن تكتف‬
‫البقرة وتلقى على الأر�ض ثم يفتح فمها وي�ش ��د ل�سانها ثم ت�ستخدم �أداة حادة كالإبرة مث ًال‬
‫يف نقر عرق �أخ�ضر من �آخر الل�سان حتى يظهر الدم ثم يدلك بامللح وت�شفى بعد �أيام قليلة‬
‫( ب�إذن اهلل )‪ )5( .‬الهيام ( الهياج)‪ :‬مر�ض ي�ص ��يب الإبل فتهيم يف الأر�ض على وجوهها‪،‬‬
‫وت�س�ي�ر بدون توقف وتكرث من �شرب املاء‪ ،‬ويعتقد �أن الإبل التي ترعى �شجر امل�ض والقر�ض‬
‫يك ��ون لديها مناعة �ض ��د هذا املر�ض‪� )6( .‬أبوكتيف ‪ :‬مر�ض ي�ص ��يب الغن ��م والإبل والبقر‬
‫ويت�س ��بب يف ت�س ��اقط ال�ش ��عر ‪ )7( .‬اجلرب‪ :‬وت�ص ��اب الغنم والإبل ويعالج بطالئها باملهل‬
‫(القطران ) ‪ )8( .‬القطبة‪ :‬ت�صيب ال�ض�أن يف ال�سبلة ( الذيل ) فيظهر مكانها بقع حمراء‬
‫�أ�شبه ما تكون باجلدري وتعالج �أي�ض ًا با�ستخدام القطران ‪.‬‬
‫(*) احلجامة ‪ :‬من الطرق التي يتم بها العالج لقوله (ﷺ )‪ :‬ال�شفاء يف ثالث‪:‬‬
‫�ش���ربة ع�س���ل‪ ،‬و�ش���رطة حمجم‪ ،‬وكية نار ‪ .‬و�أنا �أنهي �أمتى عن الكي"(‪ ،)1‬وقد ورديف الأثر‬
‫ع ��ن النبي (ﷺ ) �أنه احتجم و�أعطى احلجام �أجره‪ ،‬ويف ال�ص ��حيحني عن حميد الطويل‬
‫عن �أن�س ‪� :‬أن ر�س ��ول اهلل ( ﷺ ) ‪ " :‬حجمه �أبو طيبه ‪ :‬ف�أمر له ب�ص ��اعني من طعام‪ ،‬وكلم‬
‫مواليه ‪ :‬فخف�ضوا (‪ )2‬عنه من �ضريبته ‪.‬‬
‫وقت احلجامة فعن �أن�س قال‪ " :‬كان الر�س ��ول (ﷺ) يحتجم ل�س ��بعة ع�ش ��ر‪ ،‬وت�س ��عة‬
‫ع�ش ��ر‪ ،‬ويف �إح ��دى وع�ش ��رين‪ ،‬وتكون يف ال�ص ��باح الباكر ملا ورد يف الأث ��ر " احلجامة على‬
‫الريق دواء " وعلى ال�ش ��بع داء‪ ،‬ويف �س ��بعة ع�شر من ال�شهر �شفاء " �أما اليوم الذي ت�ستحب‬
‫فيه احلجامة فهو يوم االثنني حلديث نافع قال‪ :‬قال يل عبد اهلل بن عمر " تبيغ بي الدم‬
‫فاب���غ يل حجام���اً‪ ،‬وال يك���ن �ص���بياً‪ ،‬وال �ش���يخاً كب�ي�راً ‪ .‬ف����إين �س���معت ر�س���ول اهلل (ﷺ )‬
‫ال‪ ،‬فاحتجموا على ا�س���م اهلل تعاىل‪،‬‬ ‫يق���ول‪ :‬احلجام���ة تزيد احلافظ حفظاً‪ ،‬والعاقل عق ً‬
‫وال حتتجم���وا اخلمي����س واجلمع���ة وال�س���بت والأح���د ‪ .‬واحتجموا االثن�ي�ن ‪ .‬وما كان من‬
‫جذام وال بر�ص‪� ،‬إال نزل يوم الأربعاء" ‪.‬‬
‫�أما كيفية احلجامة فلها �أنا�س ي�ش ��تهرون بها يف كل منطقة‪ ،‬وي�ستخدمون قرون البقر‬
‫للحجام ��ة وتك ��ون كما يل ��ي ‪ :‬ـ يقوم احلجام بتحديد مو�ض ��ع احلجامة ثم يحلق ال�ش ��عر �إن‬
‫وجد‪ ،‬وبعد ذلك ي�ض ��ع املحجم على املو�ض ��ع ومي�ص ��ه م�ص ًا حتى يلت�ص ��ق املحجم باجللد‪،‬‬
‫ثم ي�س ��د فتحة املحجم بطني �أو لبان ح�س ��بما توفر‪ ،‬وي�ت�رك املحجم على ذلك احلال فرتة‬
‫ترتاوح بني ع�شر دقائق �إىل ع�شرين دقيقة‪ ،‬ثم يفك املحجم فيجد مكان املحجم وقد جتمع‬

‫((( �أخرجه الإمام �أحمد وابن ماجه ‪.‬‬


‫((( خف�ضوا عنه ‪ :‬خففوا عنه بع�ض ال�شيء من ال�ضرائب املطلوبة منه‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪72‬‬
‫به دم �ش ��ديد الزرقة‪ ،‬ثم يقوم بت�شريط ذلك املحل باملو�س ب�ضع �شرطات‪ ،‬ثم يقوم مبتابعة‬
‫امل�ص حيث يتواىل خروج ذلك الدم الفا�سد‪ ،‬وعند ذلك تكون احلجامة قد انتهت عند هذه‬
‫احلد‪ ،‬وتنت�شر يف �صفوف كبار ال�سن مبنطقة الباحة‪ ،‬فتجدهم يحتجمون بني فرتة و�أخرى‬
‫ح�سب ما اعتادوا عليه‪ ،‬ومل يكن احلجام قريب ًا من كل واحد بل يذهبون �إليه من مكان لآخر‬
‫لالحتجام‪ ،‬وغالب ًا يقوم بها العبيد(‪.)1‬‬
‫(*) اجلروح ‪ :‬تدفع احلاجة الإن�س���ان �إىل ا�س���تخدام موارد البيئة ب�ش���تى �أنواعها‪،‬‬
‫فالإن�س ��ان يعم ��ل يف الزراعة والبناء والتج ��ارة والرعي وقطع الأخ�ش ��اب وغريها‪ ،‬ومن ثم‬
‫فهي �أعمال �ش ��اقة ويتعامل مع �آالت حادة مما يجعله عر�ض ��ة للإ�ص ��ابة ب�أنواع خمتلفة من‬
‫الإ�ص ��ابات بني حني و�آخر‪ ،‬وكان على الإن�س ��ان �أن يفكر يف و�س ��ائل وطرق عالجية �إذا وقع‬
‫له بع�ض الإ�ص ��ابات‪ ،‬فبد�أ يبحث ويجرب بع�ض الأ�ش ��جار مثل‪ )1( :‬العرثب ‪ :‬وهي �شجرية‬
‫برية جتفف �أوراقها ثم تدق وي�ضمد بها اجلرح‪ )2(.‬البدا‪ :‬نبته حولية �صغرية ي�ستفاد من‬
‫ال�سائل الذي ي�ستخرج منها كمطهر للجروح‪)3(.‬الثفا �أو حب الر�شاد (احللف)‪ :‬ي�ستخدم‬
‫لعالج اجلروح فيدق ويعجن وي�ض ��مد به على اجلرح فيقتل امليكروبات وي�س ��اعد على التئام‬
‫اجلرح‪ ،‬وي�ستخدم للك�سور يف العظام‪ )4(.‬الغرب‪ :‬نوع من ال�شجر الربي تو�ضع �أخ�شابه بعد‬
‫قطعها يف �أفران ثم توقد عليها النار حتى يخرج منها مادة �س ��وداء تعرف بـ ( القطران)‪،‬‬
‫ي�س ��تخدم لعدد من الأمرا�ض التي ت�ص ��يب احليوانات مثل اجلرب‪)5( .‬الدبيل ‪ :‬وهو نبات‬
‫بري ينت�ش ��ر يف الأودية وي�س ��تفاد من ثماره فتو�ض ��ع على اجلرح ثم تربط لوقف النزيف ‪.‬‬
‫(‪ )6‬الرين‪ :‬وهو نبات ينت�ش ��ر يف الأودية وي�ستفاد من �أوراقه يف وقف النزيف من اجلروح‪،‬‬
‫وهناك الكثري من الأ�ش ��جار والنباتات التي ت�ستخدم لعالج اجلروح‪ ،‬و�أحيان ًا ي�ستخدم بيت‬
‫العنكبوت فيو�ضع على اجلروح في�ساعده على االلتئام ‪.‬‬
‫(*) ال�س���موم تكمن فيما يتناوله الإن�س���ان من مواد �س���امة‪ ،‬وقد تت�س���بب يف الوفاة‪،‬‬
‫و�أي�ض� � ًا ل ��دغ الزواحف مث ��ل احلية‪ ،‬والثعبان‪ ،‬والعقرب ‪ .‬والإن�س ��ان �إذا �أكل نبات ًا �أو �ش ��رب‬
‫�ش ��راب ًا �س ��ام ًا �س ��وا ًء عن طريق اخلط�أ‪� ،‬أو ع ��ن غري علم كالأطفال ف�إن ��ه يعالج بعدة طرق‬
‫�أهمها‪ :‬اال�س ��تفراغ‪ ،‬حيث يدفع نف�س ��ه وي�س ��اعده احلا�ض ��رون على �إخراج ما يف معدته من‬
‫مواد �سامة‪ ،‬ورمبا ي�سقى بع�ض امل�شروبات مثل احلليب ليتمكن من مقاومة ذلك ال�سم‪ ،‬ويف‬
‫�أكرث الأوقات كان املري�ض يق�ضي عدة �أيام يف الفرا�ش وقد ينجو ورمبا ميوت ‪.‬‬

‫((( �أ�ص ��بحت احلجام ��ة متار� ��س الي ��وم يف امل�ست�ش ��فيات واملراك ��ز ال�ص ��حية‪ ،‬وبط ��رق �أنظ ��ف و�أج ��ود مم ��ا كان ��ت‬
‫عليه عند الأوائل ‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫�أما ال�ش ��خ�ص الذي يتعر�ض للدغات ح�ش ��رات �أو زواحف �سامة فيعطى الب�صل والثوم‬
‫للأكل‪ ،‬وقد يفرك مكان اللدغة بهذه املواد اعتقاد ًا ب�أنها تبطل �أثر ال�سم‪ ،‬وتنق�سم اللدغات‬
‫�إىل عدة �أق�س ��ام هي‪ )1( :‬لدغة احلية ‪ :‬واحلية من الزواحف اخلطرية‪ ،‬و�أحيان ًا يتعر�ض‬
‫لها الإن�س ��ان لي ًال يف �أثناء �س�ي�ره على الأقدام‪ ،‬حيث تخرج عندما حت�س بالربودة والظالم‬
‫للبحث عن قوتها فتهاجمه عند �إح�سا�س ��ها باخلطر‪ ،‬ورمبا تعر� ��ض للدغتها نهار ًا يف �أثناء‬
‫مزاولته الأعمال مثل البناء واحلفر واحل�صاد‪ ،‬لأنها تكون يف مرحلة �سبات يف �أثناء النهار‪،‬‬
‫وعندما حت�س باخلطر قريب ًا منها تقوم مبهاجمة من يقرتب منها‪ ،‬وتفرز ال�سم يف ج�سده‪،‬‬
‫ويف هذه احلالة يعالج املري�ض بعدة طرق‪�( :‬أ) ي�س ��تخدم نبات (الغاقة) وهو نبات �أخ�ض ��ر‬
‫و�ص ��غري ينبت يف الأودية ويقطف ويدق ثم يخلط حتى يظهر منه جفال ( جفاء)‪ ،‬وي�ش ��رخ‬
‫مكان الل�س ��عة ثم يو�ض ��ع عليها في�ش ��فى ( ب�إذن اهلل )‪ ،‬ويف كثري من احلاالت ي�س ��تخدمون‬
‫حليب الإبل ك�شراب للملدوغ ‪( .‬ب) يلج�أ البع�ض �إىل ا�ستخدام نبات ال�شذاب فيدق ويو�ضع‬
‫على �صاج �ساخن ثم ي�شرخ مكان الل�سعة ويبخر ببخار ذلك ال�شذاب‪ ،‬وكذلك نبات الطباق‪.‬‬
‫(ج) يذبح البع�ض منهم �ش ��اة حال اللدغ ويفرغ كر�ش الذبيحة ثم يربط الكر�ش على املكان‬
‫امللدوغ‪ ،‬ويف كل احلاالت ال�سابقة يقوم جماعة املري�ض مب�سامرته وم�ساهرته ثالثة �أو �أربعة‬
‫�أي ��ام‪ ،‬ومينعوه من النوم خ�ش ��ية �أن يحلم بها‪ ،‬ففي اعتقاده ��م �أن امللدوغ �إذا ر�آها يف املنام‬
‫تعود عليه مرة �أخرى فينت�شر ال�سم يف ج�سده مما يودي بحياته‪ ،‬والطرق العالجية ال�سابقة‬
‫ت�ستخدم يف لدغات الأفعى واحلية والثعابني‪.‬‬
‫(‪ )2‬ل�س��عة الأ�س��ود ‪ :‬وهو ي�ش ��به احلية يف الطول والظروف املعي�ش ��ية‪� ،‬إال �أنه يتميز‬
‫باللون الأ�س ��ود الرباق واجل�س ��م النحيل الذي قد ال يزيد �س ��مكه عن �سمك قلم الر�صا�ص‪،‬‬
‫ويتميز ب�سرعة وخفة احلركة‪ ،‬فيقال �أنه يل�سع من ثالثة �أماكن وهي الفم والبطن ( ال�سرة)‬
‫والذن ��ب ( الذي ��ل)‪ ،‬ويرى البع�ض �أنه يطري ويلتف حول نف�س ��ه ك�س ��لك الزنربك‪ ،‬ثم يقفز‬
‫مل�سافات طويلة‪ ،‬وا�شتهر هذا النوع بقوة ل�سعته وقوة ال�سم الذي ينفثه يف امللدوغ‪ ،‬واملري�ض‬
‫�إذا م�ض ��ى عليه عدد من ال�س ��اعات ملدوغ ًا ومل يفارق احلياة ف�إن له �أمل يف احلياة ( ب�إذن‬
‫اهلل )‪ ،‬وغالب ًا يفارق امل�ص ��اب احلياة بعد اللدغة بوقت ق�صري‪ ،‬ومن املعتقدات ال�شائعة يف‬
‫املنطقة �أن الأ�س ��ود �إذا قتل البد من حرقه لأنهم يقولون �إذا ملع الربق يف ال�سماء ف�إنه يحيا‬
‫مرة �أخرى ‪ )3( .‬ل�سعة العقرب ‪ :‬وهي الوحيدة التي تهاجم الإن�سان حيثما كان‪ ،‬وتلدغ من‬
‫الفم �أو من الذنب (الذيل) ولكن ل�س ��عة الذيل �أ�شد من ل�سعة الفم‪ ،‬والعقارب على نوعني ‪:‬‬
‫الذكر‪ :‬ويتميز بظهره الأ�سود وهو �أ�شد ل�سع ًا من الأنثى‪ ،‬والأنثى وهي �أكرب حجم ًا من الذكر‬
‫وتتميز بظهرها الأ�ص ��فر وهي �أقل خطورة من الذكر‪ .‬ولعالج ل�سعات العقارب عدة طرق‪:‬‬
‫(‪ )1‬ي�ؤكل الثوم والب�ص ��ل بكرثة وي�ش ��رخ مكان الل�سعة ثم يفرك بالثوم والب�صل ‪ )2( .‬يقوم‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪74‬‬
‫البع�ض بكي املري�ض كية يف الر�أ�س‪ )3( .‬ي�شرخ مكان الل�سعة ومي�ص ال�سم حتى يخرج‪)4(.‬‬
‫كان بع�ض النا�س يجمعون عدد ًا من العقارب وي�ضعونها يف قارورة بها زيت‪ ،‬فتبقى بها عدة‬
‫�أ�ش ��هر‪ ،‬ف�إذا ل�س ��ع �أحدهم بعقرب قاموا ب�شرخ مكان الل�سعة وو�ض ��ع �شيء من ذلك الزيت‬
‫على الل�س ��عة‪ ،‬وي�س ��قى املري�ض يف جميع احلاالت ال�سابقة مرق الدجاج املذبوح حديث ًا‪ ،‬وقد‬
‫يتعر�ض البع�ض لع�ض الكالب والذئاب وغريها من احليوانات املفرت�س ��ة‪ ،‬وتعالج مثل هذه‬
‫الإ�صابات بح�شو الر�صا�ص يف املكان املع�ضو�ض‪.‬‬
‫(*) الك�سور‪:‬احلياة القا�سية والظروف ال�صعبة التي مر بها الإن�سان قدمياً كان لها‬
‫الأثر يف حياته‪ ،‬فكما �أنه ي�ؤثر يف البيئة فهو يت�أثر بتلك البيئة‪ ،‬وما فيها من �إيجابيات و�سلبيات‬
‫ترتب ��ط ارتباط ًا وثيق ًا ومبا�ش ��ر ًا بحيات ��ه‪ ،‬فالت�أثريات الإيجابية للبيئة على الإن�س ��ان هي تلك‬
‫الفوائد التي يجنيها وي�س�ي�ر بها �أمور حياته‪ ،‬ومن الت�أثريات ال�سلبية يف حياة الإن�سان الك�سور‬
‫وهي مرتبطة ارتباط ًا وثيق ًا بنوعية العمل الذي ميار�سه الإن�سان‪ ،‬و�أحيان ًا تكون عار�ضة ب�سبب‬
‫ما قد يفاج�أ الإن�س ��ان من حوادث �أي ًا كان نوعها‪ ،‬والإن�سان واحليوان معر�ضان للك�سور‪ ،‬وكان‬
‫على الإن�س ��ان اكت�شاف طريقة ملعاجلة هذه الك�سور عند حدوثها‪ ،‬فاكت�شف طريقة التجبري‬
‫�أو اجلبارة‪ :‬وهي فن م�ش ��هور له �أهله ففي كل ناحية جند �أنا�س� � ًا يعدون على الأ�صابع ممن‬
‫يجي ��دون هذا الفن‪ ،‬وقد يتم البحث عنهم يف عدد من القرى فال يوجد منهم �س ��وى واحد‬
‫�أو اثنني‪ ،‬ويكون املجرب �أكرث �ش ��هرة من غريه‪ ،‬وذلك ب�س ��بب مهارته وجتربته يف هذا الفن‪،‬‬
‫ومن اخلرباء يف التجبري بال�سراة‪� :‬صالح بن حم�سن بدار اجلبل بالباحة‪ ،‬و�سعيد بن جيالن‬
‫اجلبلي‪ ،‬واملرحوم ابن �صالح من الظفري‪ ،‬ومن املدان حامد بن عطاره ( رحمه اهلل ) وحممد‬
‫بن جلمود‪ ،‬ويف تهامة الباحة حممد بن �أحمد من ال�سند‪ ،‬واليف العقيلي من اخلريق‪ ،‬وحوتان‬
‫بن �أحمد الغامدي من �ش ��دا الأ�س ��فل‪ ،‬وعلي بن عبد اهلل وغريهم ممن لهم ال�صيت الذائع‬
‫يف هذا املجال(‪.)1‬‬
‫�أما طريقة التجبري ف�إنه ُي�شد الع�ضو املك�سور حتى يرجع العظم كما كان قبل الك�سر‪ ،‬ثم‬
‫يدلك بال�س ��من البلدي الدافئ‪� ،‬أو ب�ش ��حم النمر‪ ،‬ثم يلف عليه بخرقة من القما�ش حتافظ‬
‫على اجللد من �أثر اجلبارة‪ ،‬وبعد ذلك تكون اجلبارة جاهزة وهي �ص ��فائح من خ�ش ��ب مثل‬
‫ال�س ��در‪� ،‬أوال�سيال‪� ،‬أوالعرعر‪ ،‬والقر�ض فتق�ص مبا ينا�سب الع�ضو املك�سور من حيث الطول‬
‫وال�س ��مك‪ ،‬ثم تو�ضع وتربط بالقما�ش لكي حتافظ على ا�س ��تقامته ريثما يجرب‪ ،‬وتبقى تلك‬
‫اجلبارة مدة �أ�س ��بوع �أو �أ�س ��بوعني‪ ،‬ثم تفك‪ ،‬ويتم تعاهد ذلك الع�ض ��و من حني لآخر فتفك‬

‫((( الك�سور وطرق جتبريها قدمي ًا من املو�ضوعات اجلديرة بالبحث والدرا�سة ‪ .‬وكذلك الأعالم الذين عملوا يف جتبري‬
‫الك�س ��ور يف الباح ��ة والقنفذة وجازان وع�س�ي�ر وجن ��ران خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) مو�ض ��وع �أي�ض� � ًا جديد يف بابه‬
‫وي�ستحق الدرا�سة العلمية‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫اجلبارة ويدهن الع�ضو بال�سمن �أو �شحم النمر الدافئ‪ ،‬ثم تعاد مرة �أخرى حتى يتم الت�أكد‬
‫من �أن الك�س ��ر قد جرب متام ًا‪ ،‬وبنف�س الطريقة يجرب احليوان املك�س ��ور مع اختالف ب�سيط‬
‫يف اجلبائر واملواد امل�ستعملة للتجبري‪.‬‬
‫رابع ًا‪� :‬آراء وتو�صيات ‪:‬‬
‫ما مت طرحه يف هذا الق�س ��م يعد جما ًال وا�سع ًا �ش ��مل حماور �سيا�سية وح�ضارية كثرية‪،‬‬
‫و�إذا �أخ�ض ��عنا التف�ص ��يالت املدونة للمعايري العلمية الأكادميية فقد جند ثغرات و�س ��لبيات‬
‫عدي ��دة‪ ،‬ومن �أهمها طول املدة الزمنية املعنية يف هذه ال�ص ��فحات‪ ،‬ثم االخت�ص ��ار و�أحيان ًا‬
‫ال�س ��طحية فيما در�س‪ ،‬وغريها من الهنات املتنوعة‪ ،‬وال ندعي الكمال‪� ،‬أو الإبداع‪� ،‬أو التميز‬
‫فهذه موا�صفات كبرية‪ ،‬ومن رغب يف االت�صاف بها �أو ببع�ضها فالبد �أن يتحمل م�س�ؤولياتها‬
‫ونتائجها ‪ .‬وعادتي دائم ًا منذ ثالثة عقود ال�سعي �إىل الإ�سهام ببع�ض ال�شيء يف جمال البحث‬
‫والدرا�سات العلمية‪ ،‬ف�إذا �أ�صبت فهذا من ف�ضل اهلل و�إذا �أخط�أت فمن نف�سي وال�شيطان‪.‬‬
‫و�أق ��ول ومازلت �أ�ؤكد الق ��ول �أن منطقة الباحة من البالد التهامية وال�س ��روية العريقة‬
‫يف �أن�س ��ابها املاجدة يف تاريخها وح�ض ��ارتها‪ ،‬لكنها للأ�سف مل ُتخدم علمي ًا وبحثي ًا على مر‬
‫التاريخ‪ ،‬و�إن ظهر من �أبنائها من عمل ودر�س و�أنتج فمازال يف �أعمالهم خلل وق�صوركبري ‪،‬‬
‫وكل باحث در�س بالد غامد وزهران من �أهلها �أو من غريهم فهم م�شكورون على ما قدموا‪،‬‬
‫لكن هناك عدد من الن�صائح التي �أ�سديها لنف�سي‪ ،‬وكل من �سخر قلمه يف البحث والتدوين‬
‫وبخا�صة يف علم التاريخ والرتاث وغريه ‪.‬‬
‫‪�1 .1‬أن ي�ست�شعر كل واحد منا �أن كل ما يعمل ويكتب ويقدم �سوف يكون حجة له �أو عليه‪،‬‬
‫ومب ��ا �أننا زائلون من ه ��ذه الدنيا الفاني ��ة فالفوز يف الدنيا والآخ ��رة هو �أن نقدم‬
‫بحوث ًا و�أعما ًال علمية تكون ( ب�إذن اهلل عز وجل ) حجة لنا يف الدنيا والآخرة‪.‬‬
‫‪2 .2‬م ��ن خالل اطالع ��ي على بع� ��ض الأعم ��ال العلمي ��ة والكتابي ��ة والتاريخي ��ة وعلم‬
‫الأن�س ��اب التي �ص ��درت خالل اخلم�س�ي�ن عام ًا املا�ض ��ية عن عموم منطقة الباحة‬
‫يتخللها الكثري من العيوب‪ ،‬ومن �أكرثها العن�صرية والتع�صب املقيت‪ ،‬وهذا العلم‬
‫يحتاج �إىل تف�ص ��يالت كث�ي�رة مع ذكر الأدلة والرباه�ي�ن‪ ،‬ولي�س هذا جماله‪ ،‬لكن‬
‫�آمل من كل عامل يعمل وي�ؤلف �أن يتجرد من هذه ال�صفة النتنة(‪ ،)1‬والتفكري على‬

‫((( الدار�س تاريخ الأمم واحل�ضارات يف �أي زمان ومكان عرب ع�صور التاريخ يجد �أن العن�صرية �أو الع�صبية الفردية �أو‬
‫اجلماعية لعبت دور ًا كبري ًا يف قيام �أقوام �أو ح�ضارات و�سقوط �أخرى ‪ .‬وقد قر�أنا يف كثري من كتب الرتاث الإ�سالمي‬
‫ب�أن عامل الع�صبية كان ذا �أثر كبري يف �سقوط دول �إ�سالمية يف امل�شرق واملغرب‪ ،‬ومن �أمثلة ذلك بنو �أمية يف ال�شام‬
‫�أو الأندل�س‪ ،‬وبنو العبا�س‪ ،‬والفاطميون وغريهم ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪76‬‬
‫نطاق �ض ��يق‪ ،‬ك�أن ي�س ��عى فالن فيكتب عن �أ�س ��رته‪� ،‬أو قريته‪� ،‬أو بلدته‪� ،‬أو �أجماد‬
‫ع�شرية �أو قبيلة‪� ،‬أو فئة ما‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فنقول �إننا واهلل يف البالد العربية وبخا�صة يف‬
‫اجلزيرة العربية مل ن�صل �إىل الرتف الفكري والعلمي والبحثي الراقي �أو ال�شامل‬
‫�أو الدقيق حتى ن�ش ��غل �أنف�سنا ونخرج كتب ًا يف مئات ال�صفحات عن قرية �أو ناحية‬
‫حمدودة يف تاريخها وتراثها وح�ض ��ارتها‪ ،‬وال نق�ص ��د يف هذا القول التحقري من‬
‫�أح ��د وال من عمل ��ه‪ ،‬وهذا املر�ض الثقايف الذي الحظن ��اه يف منطقة الباحة جنده‬
‫يف ع�س�ي�ر‪ ،‬وجازان‪ ،‬وجنران‪ ،‬والطائف‪ ،‬والأح�ساء‪ ،‬واجلوف‪ ،‬وتبوك‪ ،‬وكل �أنحاء‬
‫وم ��دن وحوا�ض ��ر اململكة العربية ال�س ��عودية(‪� .)1‬إننا مع�ش ��ر امل�ؤرخ�ي�ن والباحثني‬
‫والأكادميي�ي�ن نريد �أعما ًال علمي ��ة تخدم العلم‪ ،‬ويكون العل ��م للعلم والعمل فقط‪،‬‬
‫حتى لو �أ�صدرنا �أعما ًال ي�شوبها النق�ص �أو اخلط�أ غري املق�صود‪.‬‬
‫‪�3 .3‬أن ن ��ادي الباح ��ة الأدب ��ي‪ ،‬و�إم ��ارة وجامع ��ة وم�ؤ�س�س ��ات منطقة الباح ��ة العلمية‬
‫والإداري ��ة والثقافي ��ة يجب �أن تعمل وتت�ض ��افر جهودها يف خدم ��ة البحث العلمي‬
‫والأدبي والفكري والتاريخي واحل�ضاري‪ ،‬وتكون هذه اخلدمة‪� ،‬أو اخلدمات مبنية‬
‫على �أ�س�س رئي�سية يف خدمة الدين والأمة العربية الإ�سالمية ‪.‬‬
‫‪4 .4‬مو�ض ��وعات وم�ش ��اريع البحوث التاريخية والأثرية واحل�ض ��ارية اخلا�صة مبنطقة‬
‫الباحة كثرية جد ًا‪ ،‬وقد �أ�ش ��رنا �إىل بع�ض ��ها يف عدد من بحوثنا ودرا�س ��تنا‪ ،‬ولكن‬
‫يج ��ب العل ��م �أن هذا الوط ��ن ( الباحة) ي�س ��تحق الكثري من �أهله وم ��ن �أبنائه كل‬
‫ح�سب مقدرته وتخ�ص�صه وعطائه ( واهلل من وراء الق�صد)(‪.)2‬‬

‫((( يف الأعوام الثالثني املا�ضية اطلعنا على ع�شرات بل مئات الكتب التاريخية والثقافية لنواح عديدة يف اململكة العربية‬
‫ال�س ��عودية ووجدنا بع�ض ��ها هزيلة يف مادتها العلمية‪ ،‬والأدهى والأمر من ذلك الفكر والتوجه يف �إ�صدارها‪ ،‬ف�أحيان ًا‬
‫تكون ذات مبادئ منحرفة فال تخدم الدين والأمة والبالد‪� ،‬أو �أنها مليئة باالنحياز �أو التع�صب لفريق �أو فئة �أو مكان‬
‫دون �آخ ��ر‪ ،‬وه ��ذا ما ال نريده‪ ،‬ونحث كل باحث �أو كاتب �أو م�ؤلف �أن يت�ص ��ف بالإن�ص ��اف واالعتدال واالتزان وطلب‬
‫الأجر يف كل ما يدون ويكتب ( واهلل من وراء الق�صد) ‪.‬‬
‫((( لي�س حديثنا هنا مق�ص ��ور ًا على الدرا�س ��ات التاريخية فقط‪ ،‬و�إمنا البحث يف �ش ��تى العلوم كل يف جمال تخ�ص�ص ��ه‬
‫وما يعرف‪ ،‬ومن ف�ضل اهلل �أن جامعة الباحة يوجد فيها ع�شرات الأكادمييني يف علوم خمتلفة‪ ،‬وعليهم واجب جتاه‬
‫هذه املنطقة الغنية مبواردها الطبيعية‪ ،‬امل�أهولة ب�سكانها‪ ،‬العريقة بتاريخها وح�ضارتها‪ ،‬اجلميلة بتنميتها وتطورها‬
‫احل�ضاري احلايل ‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫الدراســــــة الثانيـــــــة‬

‫التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية‬


‫املبكرة والو�سيطة ‪:‬‬
‫(*)‬
‫بقلم ‪ :‬أ ‪ .‬د ‪ .‬غيثان بن علي بن جريس‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف‪:‬‬


‫(مو�س��وعة اململكة العربية ال�سعودية ‪ :‬املحور التاريخي ‪ ،‬املجلد رقم‬
‫(‪ ، )16‬مكتبة امللك عبد العزيز العامة بالريا�ض ‪1431 ،‬هـ ‪2010/‬م)‪،‬‬
‫�ص �ص ‪ ،151 - 133‬ثم �أعيد ن�شرها يف كتاب ‪ :‬تاريخ تهامة وال�سراة ‪،‬‬
‫خالل القرن الإ�سالمي املبكرة الو�سيطة (ق‪ - 1‬ق‪10‬هـ ‪ /‬ق‪ - 7‬ق‪16‬م)‬
‫(اجلزء الثاين) ط‪1432 - 31( 1‬هـ ‪2011 - 201 /‬م)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪191 - 133‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪78‬‬

‫الدرا�س��ة الثاني��ة ‪ :‬التط��ور التاريخ��ي ملنطقة الباحة خالل الع�ص��ور‬


‫الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬
‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬ ‫م‬
‫‪79‬‬ ‫منطقة الباحة‪ :‬اال�سم ‪ ،‬الرتكيبة اجلغرافية والب�شرية‬ ‫�أو ًال‬
‫‪79‬‬ ‫‪� -1‬أ�صل اال�سم‬
‫‪80‬‬ ‫‪ -2‬الرتكيبة اجلغرافية‬
‫‪82‬‬ ‫‪ -3‬الرتكيبة الب�شرية‬
‫‪85‬‬ ‫تاريخ الباحة يف العهد النبوي‬ ‫ثاني ًا‬
‫‪85‬‬ ‫‪ -1‬ع�صر الدعوة املكية‬
‫‪87‬‬ ‫‪ -2‬ع�صر الدعوة املدنية‬
‫‪92‬‬ ‫تاريخ الباحة يف العهد الرا�شدي‬ ‫ثالث ًا‬
‫‪96‬‬ ‫تاريخ الباحة يف العهدين الأموي والعبا�سي وما بعدهما‬ ‫رابع ًا‬
‫‪96‬‬ ‫‪ -1‬الآث��ار ال�س��لبية عل��ى انتق��ال اخلالفة م��ن اجلزيرة‬
‫العربية �إىل ال�شام والعراق‬
‫‪98‬‬ ‫‪ -2‬بع�ض الفنت واحلركات ال�سيا�سية‬
‫‪ -3‬الأو�ض��اع العامة لبالد الباحة وما جاورها بعد القرن ‪101‬‬
‫الرابع الهجري (العا�شر امليالدي)‬
‫‪108‬‬ ‫اخلامتة التنائج وتو�صيات البحث‬ ‫خام�س ًا‬
‫‪79‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫�أو ًال‪ -‬منطقة الباحة(‪ :)1‬اال�سم‪ ،‬الرتكيبة اجلغرافية والب�شرية‪:‬‬


‫‪� - 1‬أ�صل اال�سم ‪:‬‬
‫عندم ��ا بحثن ��ا يف القوامي� ��س اللغوي ��ة عن كلم ��ة (الباح ��ة) وم�ص ��درها واملرتادفات‬
‫اخلا�صة بها وجدناها جاءت من التبحبح‪ ،‬واملق�صود بذلك ال�سعة يف النفقة‪� ،‬أو يف الأر�ض‪،‬‬
‫�أو يف املنزل(‪ .)2‬ويقال‪ :‬القوم يف ابتحاح �أي يف �سعة وخ�صب من �أر�ضهم‪ ،‬والبحبوحة و�سط‬
‫املحلة‪� ،‬أو و�سط الدار‪ .‬قال جرير‪:‬‬
‫ي��ن��ف��ون ت��غ��ل��ب ع��ن ب��ح��ب��وح��ة ال����دا ِر‬ ‫ق����وم����ي مت���ي���م ه����م ال����ق����وم ال����ذي����ن ه��م‬
‫ويف احلديث‪� :‬أن الر�س ��ول ﷺ‪ ،‬قال‪ (( :‬من �س ��ره �أن ي�س ��كن بحبوح ��ة اجلنة فليلزم‬
‫اجلماعة‪ ،‬ف�إن ال�شيطان مع الواحد‪ ،‬وهو من االثنني �أبعد ))‪ ،‬قال �أبو عبيدة‪� :‬أراد ببحبوحة‬
‫اجلنة و�سطها‪ .‬قال‪ :‬وبحبوحة كل �شيء و�سطه وخياره(‪ .)3‬ويقال‪ :‬قد تبحبحت يف الدار �إذا‬
‫تو�سطتها ومتكنتُ منها‪ .‬والتبحبح‪ :‬التمكن يف احللول واملقام‪ ،‬وقد بحبح وتبحبح �إذا متكن‬
‫وتو�سط املنزل واملقام‪ ،‬قال‪ :‬ومن حديث غناء الأن�صارية‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ت�������ب�������ح�������ب�������ح يف امل�����������������رب�����������������د‬ ‫و�أه�����������������������������������������دى ل������������ه������������ا ك��������ب�����������������ش��������اً‬
‫�أي متمكن ��ة يف املرب ��د‪ ،‬وهو املو�ض ��ع �أو املكان‪ .‬ويف حديث خزمي ��ة‪ (( :‬تفطر اللحاء‬
‫وتبحبح احلياء �أي ات�سع الغيث ومتكن من الأر�ض) )(‪.)5‬‬
‫و�إذا نظرن ��ا �إىل منطقة الباحة وجدناها �أر�ض� � ًا حتيط بها اله�ض ��اب واجلبال من كل‬
‫جانب‪ ،‬فلي�س ��ت هي تلك الأر�ض الوا�س ��عة الف�س ��يحة‪ ،‬و�إمنا تتو�س ��ط البالد الت ��ي تقع بها‪،‬‬
‫وحتيط بها القرى واجلبال واملزروعات املختلفة من كل جانب‪.‬‬

‫((( ا�ستخدام كلمة (منطقة) هنا‪ ،‬وهو م�صطلح حديث‪ ،‬جتاوز ًا من �أجل تو�ضيح �إطار البالد املعنية يف هذه الدرا�سة‪،‬‬
‫وهي جميع نواحي بالد غامد وزهران املعروفة اليوم با�سم (�إمارة الباحة)‪،‬وهي �إحدى املناطق الرئي�سية يف اململكة‬
‫العربية ال�س ��عودية التي �أ�ص ��بحت �إمارة م�س ��تقلة‪ ،‬تراجع وزارة الداخلية يف الريا�ض منذ عام (‪1383‬هـ‪1963/‬م)‪.‬‬
‫بينما كانت قبل عام (‪1353‬هـ‪ 1934/‬م ) تابعة لإمارتي الطائف وبي�شة‪،‬ثم ف�صلت عنهما‪ ،‬واتخذت الظفري مركز ًا‬
‫للإم ��ارة حتى ع ��ام (‪1370‬هـ‪1950/‬م)‪،‬ثم انتقلت �إىل بلجر�ش ��ي‪ ،‬و�أخري ًا منذ عام (‪1383‬هـ‪1963/‬م) �أ�ص ��بحت‬
‫مدين ��ة الباحة هي احلا�ض ��رة الرئي�س ��ية لعموم بالد غام ��د وزهران ‪ .‬انظر‪ :‬حممد بن م�س ��فر ح�س�ي�ن الزهراين‪،‬‬
‫بالد زهران‪( ،‬الريا�ض‪:‬الرئا�س ��ة العامة لرعاية ال�ش ��باب‪1408،‬هـ‪1988/‬م)‪39،‬؛ �ص ��الح ع ��ون الغامدي‪ ،‬الباحة‪،‬‬
‫(الريا�ض‪ :‬الرئا�سة العامة لرعاية ال�شباب‪1408،‬هـ‪1988/‬م)‪.45،‬‬
‫((( جمال الدين �أبو الف�ضل بن منظور‪ ،‬ل�سان العرب‪ ،‬ن�سقه وعلق عليه وو�ضع فهار�سه‪ :‬علي �شريي‪( ،‬بريوت‪ :‬دار �إحياء‬
‫الرتاث العربي‪ 1408 ،‬هـ ‪1988‬م)‪ ،‬جـ‪ . 323 – 1،322‬فعل (بحح)‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪80‬‬
‫‪ - 2‬الرتكيبة اجلغرافية‪:‬‬
‫تق ��ع منطقة الباحة يف موقع �إ�س�ت�راتيجي متميز‪� ،‬إذ تت�ص ��ل حدوده ��ا ببالد احلجاز‬
‫�ش ��ما ًال‪ ،‬وبالد ع�س�ي�ر (جر�ش قدمي ًا)(‪ )1‬جنوب ًا‪ ،‬يحيط بها عدد من احلوا�ض ��ر الرئي�سية‪،‬‬
‫كالطائ ��ف من ال�ش ��مال‪ ،‬وبي�ش ��ة و�أبها من ال�ش ��رق واجلنوب‪ ،‬والليث والقنف ��ذة من الغرب‬
‫واجلنوب الغربي على �ساحل البحر الأحمر(‪ ،)2‬ويحدها �شما ًال بلحارث (بنو احلارث) وبنو‬
‫مالك‪ .‬وجنوب ًا بنو عي�س ��ى‪ ،‬وبنو زبيد‪ ،‬وبنو بحري‪ ،‬وبنو �سهيم‪ ،‬والعوامر‪ ،‬وبنو ميمون‪ ،‬وهي‬
‫من قبائل بلقرن‪ ،‬وبلعريان وخثعم‪ .‬و�شرق ًا بع�ض بادية بني ميمون و�أكلب من قبائل البقوم‬
‫و�شمران‪ .‬ومن ال�شمال ال�شرقي �سبيع‪ ،‬وغرب ًا الليث‪ ،‬ومن اجلنوب الغربي القنفذة (‪. )3‬‬
‫وتنق�سم ت�ض ��اري�س منطقة الباحة �إىل ق�سمني رئي�سني هما‪ :‬مرتفعات جبال ال�سروات‬
‫و�س ��هول تهام ��ة(‪ .)4‬ومرتفعات ال�س ��راة جزء من �سل�س ��لة جبال ال�س ��روات املمتدة من بالد‬
‫ال�ش ��ام حتى قعر اليمن(‪،)5‬وهذه املرتفعات الواقعة يف بالد الباحة‪� ،‬ش ��ديدة االنحدار نحو‬
‫الغرب‪ ،‬قليلة املنافذ‪� ،‬صعبة امل�سالك‪ ،‬يزيد ارتفاعها على (‪ )2200‬مرت تقريب ًا‪ ،‬فوق �سطح‬
‫البحر(‪ .)6‬ويوجد بها عدد من اله�ضاب واجلبال والأودية املتفاوتة الأحجام والأطوال (‪.)7‬‬

‫((( للمزيد من التف�ص ��يالت عن بالد جر�ش (ع�س�ي�ر احلالية)‪ ،‬انظر‪� :‬أبو حممد عبد امللك بن ه�شام‪ ،‬ال�سرية النبوية‪،‬‬
‫حتقي ��ق‪ :‬م�ص ��طفى ال�س ��قا و�آخرين‪( .‬ب�ي�روت‪ :‬دار القلم‪ ،‬د‪ .‬ت)‪ ،‬ج� �ـ ‪234 – 233 ،4‬؛ حممد بن �س ��عد‪ ،‬الطبقات‬
‫الكربى‪( ،‬بريوت‪ :‬دار �ص ��ادر‪ 1405( ،‬هـ‪ 1985 /‬م)‪ ،‬جـ ‪338 – 337 ،1‬؛ حمد اجلا�س ��ر‪ ،‬يف �س ��راة غامد وزهران‪،‬‬
‫ن�صو�ص‪ ،‬انطباعات‪ ،‬م�شاهدات‪( .‬الريا�ض‪ :‬دار اليمامة للبحث والرتجمة والن�شر‪ 1391 ،‬هـ‪ 1971 /‬م)‪49 – 42 ،‬؛‬
‫غيثان بن علي بن جري�س‪ " ،‬تاريخ خمالف جر�ش (ع�س�ي�ر) خالل القرون الإ�س�ل�امية الأوىل "‪ ،‬جملة الع�صور‪ ،‬مج‬
‫‪ ،9‬جـ ‪ 1414( ،1‬هـ‪ 1994 /‬م)‪.78 – 63 ،‬‬
‫((( الزهراين‪ ،‬حممد بن م�سفر‪ .‬بالد زهران‪ ،‬مرجع �سابق‪.17 – 11 ،‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬وملزيد من الإي�ضاح انظر‪ :‬علي بن �صالح ال�سلوك‪ ،‬املعجم اجلغرايف للبالد العربية ال�سعودية‪ ،‬بالد‬
‫غامد وزهران‪( ،‬الريا�ض‪ :‬دار اليمامة للبحث والرتجمة والن�شر‪ 1401 ،‬هـ‪ 1981 /‬م)‪12 – 11 ،‬؛ الغامدي‪– 17 ،‬‬
‫‪22‬؛عاتق بن غيث البالدي‪ ،‬بني مكة واليمن‪( ،‬رحالت وم�ش ��اهد)‪( ،‬مكة املكرمة‪ :‬دار مكة للطباعة والن�شر‪1404 ،‬‬
‫هـ‪ 1984 /‬م)‪ 38 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( الزهراين‪ ،‬حممد بن م�س ��فر‪ .‬بالد زهران‪،‬مرجع �س ��ابق‪14 ،11 ،‬؛ اجلا�س ��ر‪ ،‬حمد‪ .‬يف �سراة غامد وزهران‪ ،‬مرجع‬
‫�سابق‪ 83،‬وما بعدها‪351 ،‬؛ الغامدي‪� ،‬صالح عون‪ .‬الباحة‪ ،‬مرجع �سابق‪ 17 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( املراجع ال�سابقة؛ وللمزيد عن جبال ال�سروات املعروفة �أي�ض ًا بـ (جبال احلجاز)‪ ،‬انظر‪� :‬صالح �أحمد العلي‪" ،‬حتديد‬
‫احلجاز عند املتقدمني"‪ ،‬جملة العرب‪ ،‬جـ ‪1388( ،1‬هـ‪ 1978 /‬م)‪9 – 1 ،‬؛ عبد اهلل الوهيبي‪" ،‬احلجاز كما حدده‬
‫اجلغرافيون العرب"‪ ،‬جملة كلية الآداب‪( ،‬جامعة الريا�ض‪1390:‬هـ‪1970/‬م)‪،‬جـ‪.70 – 1،53‬‬
‫((( ال�س ��لوك‪ ،‬علي بن �صالح‪ .‬املعجم‪ ،‬مرجع �سابق‪12 – 11،‬؛ الزهراين‪ ،‬حممد بن م�سفر‪ .‬بالد زهران‪،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫‪ 14 ،11‬؛ الغامدي‪�،‬صالح عون‪ .‬الباحة‪ ،‬مرجع �سابق‪ 17 ،‬وما بعدها؛ وللمزيد‪ ،‬انظر‪ :‬عبد الرحمن �صادق ال�شريف‪،‬‬
‫جغرافي ��ة اململكة العربية ال�س ��عودية‪� .‬إقليم جنوب غرب اململك ��ة‪( ،‬الريا�ض‪:‬دار املريخ‪ 1404 ،‬هـ‪ 1984 /‬م)‪ ،‬جـ ‪،2‬‬
‫‪ 205‬وما بعدها؛ البالدي‪ ،‬عاتق بن غيث‪ .‬بني مكة وح�ضرموت‪ 117،‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( الزهراين‪،‬حمم ��د ب ��ن م�س ��فر‪ .‬ب�ل�اد زه ��ران‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ .‬ال�س ��لوك‪ ،‬علي ب ��ن �ص ��الح‪ .‬املعجم‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪،‬‬
‫‪15 –11‬؛ الغامدي‪�،‬ص ��الح ع ��ون‪ .‬الباحة‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪21 – 17،‬؛ ف�ؤاد حمزة‪ ،‬يف بالد ع�س�ي�ر‪( ،‬الريا�ض‪ :‬مكتبة‬
‫الن�صر احلديثة‪ 1388 ،‬هـ‪ 1968/‬م)‪.91 ،‬‬
‫‪81‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫خارطة �إمارة منطقة الباحة املعروفة ببالد غامد وزهران امل�صدر‪:‬حمد اجلا�سر‪ ،‬يف �سراة غامد وزهران‪. 84 ،‬‬
‫�أما �سهل تهامة الباحة فهو جزء من �سهل تهامة الذي ميتد من �أق�صى �شمال اجلزيرة‬
‫العربية �إىل �أق�ص ��ى جنوبها‪ ،‬واملنح�ص ��ر بني �سل�سلة جبال ال�س ��روات �شرق ًا والبحر الأحمر‬
‫غرب ًا‪ ،‬ويراوح طول �سهل تهامة منطقة الباحة من تهامة بني مالك �شما ًال �إىل خثعم وبلقرن‬
‫و�شمران جنوب ًا (‪ ،)1‬بني (‪ 150‬و‪ )250‬كم تقريب ًا‪ ،‬ويراوح عر�ضه من �سفوح جبال ال�سروات‬
‫�شرق ًا �إىل بلدتي الليث والقنفذة على البحر الأحمر غرب ًا بني (‪ 100‬و‪ )150‬كم تقريب ًا(‪،)2‬‬
‫وي�أخذ �سهل تهامة منطقة الباحة يف االرتفاع التدريجي‪ ،‬كلما اجتهنا من الغرب �إىل ال�شرق‪،‬‬
‫ولهذا جند �س ��طحه يتكون من ثالثة �أق�س ��ام رئي�سية هي‪ :‬تهامة ال�ساحل يف الغرب (ويطلق‬
‫الأهايل على هذا اجلزء من �س ��هل تهامة "اخلبت " )‪ ،‬وكذلك تهامة العرو�ض يف الو�سط‪،‬‬
‫وتكرث فيها اجلبال املعرت�ض ��ة ذات االرتفاع ال�شاهق‪ .‬وتهامة الأ�صدار يف ال�شرق(‪ ،)3‬ويوجد‬
‫((( املراجع ال�سابقة‪.‬‬
‫((( املراجع ال�سابقة؛ البالدي‪ ،‬عاتق‪ .‬بني مكة واليمن‪،‬مرجع �سابق‪ 67 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( الزهراين‪ ،‬حممد بن م�سفر‪ .‬بالد زهران‪ ،‬مرجع �سابق‪.15 – 14 ،‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪82‬‬
‫فيها جبال �شاهقة االرتفاع غزيرة املياه‪ ،‬خ�صبة الرتبة‪� ،‬آهلة بال�سكان‪� ،‬أهمها‪ :‬جبل �شدا‪،‬‬
‫وجبل ني�س‪ ،‬وجبل ربا‪ ،‬وجبل نخرة‪ ،‬وت�شتهر هذه اجلبال بزراعة النب واملوز‪ ،‬والليمون‪ ،‬ويف‬
‫قممها تعي�ش الوحو�ش الكا�سرة مثل‪ :‬الذئاب والأ�سود‪ ،‬والنمور(‪.)1‬‬
‫‪ - 3‬الرتكيبة الب�شرية ‪:‬‬
‫تعي�ش يف منطقة الباحة قبيلتان كبريتان هما غامد وزهران الأزديتني ‪ ،‬ف�إذا �أطلقنا‬
‫(‪)2‬‬

‫م�ص ��طلح بالد الباحة مبفهومها الإداري الوا�س ��ع فذلك يعني بالد غامد وزهران‪،‬و�س ��وف‬
‫يرد معنا هذا امل�ص ��طلح (غامد وزهران) و�أحيان ًا (دو�س) يف �ص ��فحات البحث‪ ،‬لأن ا�سم‬
‫الباحة ب�ص ��فته م�صطلح ًا �سيا�سي ًا �إداري ًا‪ ،‬وحا�ضرة رئي�سية لبالد غامد وزهران مل يعرف‬
‫�إال يف الع�صر احلديث‪ ،‬ويف مدة زمنية ال تزيد على القرنني تقريب ًا (‪.)3‬‬
‫وغامد وزهران قبيلتان �أزديتان من �أ�صول قحطانية ي�صل ن�سبهما �إىل الأزد بن الغوث بن‬
‫نبت بن مالك بن زيد بن كهالن بن �سب�أ بن ي�شجب بن يعرب بن قحطان(‪ .)4‬و�أخذت قبيلة غامد‬
‫ا�س ��مها م ��ن جدها غامد‪ ،‬وهو عب ��داهلل بن كعب بن احلارث بن كعب ب ��ن عبداهلل بن مالك بن‬
‫ن�صر بن الأزد(‪ ،)5‬و�سمي غامد ًا لأنه كان وقع بني قومه �شيء ف�أ�صلحه‪ ،‬وتغمدهم بذلك فقال‪:‬‬

‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬


‫((( الأزد م ��ن القبائل العربية اليمنية امل�ش ��هورة‪ ،‬وتن�س ��ب �إىل �أزد بن الغوث بن يعرب بن ي�ش ��جب ب ��ن قحطان‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫�أب ��و حممد علي بن �أحمد بن حزم‪ ،‬جمهرة �أن�س ��اب العرب‪ ،‬راجعه‪ :‬جلنة من العلماء ب�إ�ش ��راف النا�ش ��ر‪( ،‬بريوت‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪1403،‬هـ‪ 1983 /‬م)‪484 ،329 ،‬؛ �أحمد بن حممد بن �إبراهيم الأ�ش ��عري‪ ،‬التعريف يف الأن�س ��اب‬
‫والتنويه لذوي الأح�س ��اب‪ ،‬حتقيق ‪� :‬س ��عد عبد املق�ص ��ود ظالم‪( .‬القاهرة‪ :‬دار املن ��ار‪ 1986 ،‬م)‪ 173 ،‬وما بعدها؛‬
‫اجلا�سر‪،‬حمد‪ .‬يف �سراة غامد وزهران‪ ،‬مرجع �سابق‪.224 – 206 ،‬‬
‫((( ال جند ذكر ًا ال�س ��م (الباحة) قبل القرن الثالث ع�ش ��ر الهجري (التا�س ��ع ع�ش ��ر امليالدي) و�إمنا كانت تعرف قبل‬
‫ذل ��ك بب�ل�اد غامد وزهران‪ ،‬و�أحيان� � ًا تعرف هي وما جاورها من القبائل الأخرى يف بالد ال�س ��راة ‪ ،‬بـ (ال�س ��رو) �أو‬
‫(ال�سروات) �أو (ال�سراة)‪ .‬انظر‪ :‬احل�سن بن �أحمد الهمداين‪� ،‬صفة جزيرة العرب‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد بن علي الأكوع‪.‬‬
‫(الريا�ض‪ :‬من�ش ��ورات دار اليمامة‪ 1397 ،‬هـ‪ 1977 /‬م)‪260 ،‬؛ غيثان بن علي بن جري�س‪ ،‬درا�س ��ات يف تاريخ تهامة‬
‫وال�س ��راة خالل الع�ص ��ور الإ�س�ل�امية املبكرة والو�س ��يطة (ق ‪ 1‬هـ ‪ -‬ق ‪ 10‬هـ‪ /‬ق ‪ 7‬م – ق ‪ 16‬م) (الريا�ض‪ :‬مطابع‬
‫العبيكان‪ 1424 ،‬هـ‪ 2003 /‬م)‪ ،‬جـ ‪.196 – 127 ،1‬‬
‫((( ابن حزم‪� ،‬أبوحممد علي بن �أحمد بن �س ��عيد‪ .‬جمهرة �أن�س ��اب العرب‪ ،‬مرجع �سابق‪484 – 329 ،‬؛ الأ�شعري‪� ،‬أحمد‬
‫بن حممد بن �إبراهيم‪ .‬التعريف‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،224 – 206 ،‬أبو احل�سن علي بن احل�سني امل�سعودي‪ ،‬مروج الذهب‬
‫ومع ��ادن اجلواهر‪ ،‬ترتيب‪ :‬يو�س ��ف �أ�س ��عد داغ ��ر (بريوت ‪ :‬دار الأندل� ��س‪ 1404 ،‬هـ‪ 1984 /‬م)‪ ،‬م ��ج ‪ ،1‬جـ ‪161 ،1‬‬
‫وم ��ا بعدها؛ وملزيد من الإي�ض ��اح عن قبائل الأزد يف بالد ال�س ��راة وغريها من البلدان‪ ،‬انظ ��ر‪ :‬عبد امللك بن قريب‬
‫الأ�صمعي‪ ،‬تاريخ العرب قبل الإ�سالم‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد ح�سن �آل يا�سني‪( ،‬بغداد‪ :‬مطبعة املعارف ‪ 1379‬هـ‪ 1959 /‬م‬
‫)‪ 81 ،‬وما بعدها ؛ الهمداين‪ ،‬احل�سن بن �أحمد ‪� .‬صفة جزيرة العرب‪ ،‬مرجع �سابق‪.374 – 370 ،‬‬
‫((( �أب ��و بك ��ر حمم ��د احل�س ��ن ب ��ن دري ��د‪ ،‬اال�ش ��تقاق‪،‬حتقيق‪ :‬عب ��د ال�س�ل�ام حمم ��د ه ��ارون‪( .‬القاهرة‪:‬مكتب ��ة‬
‫اخلاجني‪1985،‬م)‪،‬جـ‪492 ،2‬؛ اجلا�سر‪،‬حمد‪ .‬يف �سراة غامد وزهران‪ ،‬مرجع �سابق‪.249 ،‬‬
‫‪83‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫(‪)1‬‬
‫ف�أ�سماين القيل احل�ضوري غامدا‬ ‫حت��م��ل��ت ل��ل�����ص��ل��ح ال���ث����أى ع���ن ع�شريتي‬
‫كذلك �سميت زهران با�سم جدها زهران بن كعب بن احلارث بن كعب بن عبداهلل بن‬
‫مالك بن ن�ص ��ر الأزد(‪،)2‬و�إذا كان غامد هو عبداهلل فهو �ش ��قيق لزهران‪ ،‬مع �أن بع�ض كتب‬
‫الأن�س ��اب ت�ش�ي�ر �إىل �أن غامد هو ولد لعبداهلل(‪ ،)3‬وبالتايل فزهران ي�ص ��بح عم ًا لغامد(‪.)4‬‬
‫وكانت قبيلتا غامد وزهران �ض ��من قبائل الأزد التي نزحت من اليمن على �أثر انهدام �س ��د‬
‫م�أرب‪ ،‬وتفرقت مع غريها يف �أنحاء خمتلفة من اجلزيرة العربية(‪ .)5‬ويذكر �أن قبائل الأزد‬
‫افرتقت �إىل نيف وع�ش ��رين قبيلة توزعت داخل اجلزيرة العربية وخارجها(‪ .)6‬ومنها قبائل‬
‫غام ��د وزه ��ران التي نزلت مرتفعات ال�س ��روات وعرفت با�س ��م (�أزد ال�س ��راة)‪ ،‬و�أحيان ًا بـ‬
‫(ال�س ��رو)(‪ ،)7‬و�سار بع�ض �أوالد دو�س بن عدثان بن زهران �إىل �أر�ض تهامة ف�أقاموا بها(‪.)8‬‬

‫((( يقال‪� :‬إنه وقع بني ع�شريته �شر فتغمد ذنوبهم‪� ،‬أي غطاها و�سرتها‪ ،‬ومنه الغمد‪ ،‬وكان ابن الكلبي يقول‪� :‬سماه بهذا‬
‫اال�سم قيل من �أقيال حمري‪ ،‬وين�شد بيت ًا‪:‬‬
‫ف�أ�سماين القيل احل�ضوري غامدا‪ً.‬‬ ‫تالفيت �شر ًا كان بني ع�شريتي‬ ‫ ‬
‫ويقال‪ :‬غمدت ال�سيف و�أغمدته لغتان‪ .‬وبرك الغماد مو�ضع‪ ،‬وكان الأ�صمعي يقول‪ :‬ا�شتقاق غامد من قولهم ‪ :‬غمدت‬
‫الركي‪�:‬إذا كرث ما�ؤها‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬ابن دريد‪� ،‬أبو بكر حممد احل�سن‪ .‬اال�شتقاق‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.492 ،2‬‬ ‫ُّ‬
‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬جـ‪.515 – 496 ،491 ،2‬‬
‫((( ابن حزم‪.379 – 377 ،‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪،‬‬
‫((( للمزيد‪ ،‬انظر‪ :‬ابن دريد‪� ،‬أبو بكر حممد احل�س ��ن‪ .‬اال�ش ��تقاق‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ ‪ 480 ،2‬وما بعدها؛ ابن حزم‪ ،‬علي بن �أحمد‪.‬‬
‫جمهرة �أن�س ��اب العرب‪ ،‬مرجع �سابق‪ 382 ،‬وما بعدها؛ الهمداين‪ ،‬احل�س ��ن بن �أحمد‪� .‬صفة جزيرة العرب‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫‪274 – 370‬؛ الأ�ش ��عري‪� ،‬أحمد‪ .‬التعريف‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ 173 ،‬وما بعدها؛ اجلا�س ��ر‪ ،‬حمد‪ .‬يف �سراة غامد وزهران‪ ،‬مرجع‬
‫�سابق‪.224 – 206 ،‬‬
‫((( م ��ن قبائل الأزد‪ :‬غ�س ��ان‪ ،‬وجفنة‪ ،‬والأو�س‪ ،‬واخلزرج‪ ،‬وخزاعة‪ ،‬وم ��ازن‪ ،‬وثمالة‪ ،‬وخثعم‪ .‬فنزلت الأو� ��س واخلزرج يرثب (املدينة‬
‫املن ��ورة)‪ ،‬ونزل ��ت خزاعة بطن مر الظهران بالقرب من مكة‪ .‬وزهران وغامد وبع�ض �أوالد �أمنار بن �أرا�ش بن عمرو‪ ،‬و�أوالد احلجر‬
‫ب ��ن الهن ��و وغريهم نزلوا بالد ال�س ��روات الواقعة ب�ي�ن �أبها والطائف‪ .‬للمزي ��د‪ ،‬انظر ابن حزم‪ ،‬علي بن �أحمد‪ .‬جمهرة �أن�س ��اب‬
‫العرب‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪382،‬؛ وما بعدها‪ ،‬الأ�شعري‪� ،‬أحمد‪ .‬التعريف‪ ،‬مرجع �سابق‪ 173 ،‬وما بعدها؛ اجلا�سر‪ ،‬حمد‪ .‬يف �سراة‬
‫غامد وزهران‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ,224 – 206 ،‬غيثان بن علي بن جري�س‪ ،‬جنران‪ :‬درا�س ��ة تاريخية ح�ض ��ارية (ق ‪ – 1‬ق ‪4‬‬
‫هـ‪ /‬ق ‪ – 7‬ق ‪ 10‬م)‪( ،‬الريا�ض‪ :‬مطابع العبيكان‪ 1425 ،‬هـ‪2004 /‬م)‪ ،‬جـ ‪.34 – 33 ،1‬‬
‫((( �أزد ال�س ��راة �أو (ال�س ��رو)‪ :‬هي القبائل التي ا�ستوطنت البالد املمتدة من �شمال �أبها �إىل بالد زهران‪ .‬وعموم هذه القبائل نزلت يف‬
‫مواطنها احلالية منذ العهود ال�س ��ابقة لع�ص ��ر الإ�س�ل�ام‪ ،‬وال تزال تعي�ش فيها �إىل يومنا احلايل‪ .‬للمزيد عن م�سميات هذه القبائل‬
‫و�أن�س ��ابها وتاريخها انظر‪ :‬الهمداين‪ ،‬احل�س ��ن بن �أحمد‪� .‬ص ��فة جزيرة العرب‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪374 – 368 ،263 – 260 ،‬؛‬
‫ج ��واد علي‪ ،‬املف�ص ��ل يف تاريخ العرب قبل الإ�س�ل�ام‪( ،‬بغ ��داد‪ :‬جامعة بغ ��داد‪ 1413 ،‬هـ‪1993/‬م)‪،‬جـ‪ 438 ،4‬وم ��ا بعدها؛ ابن‬
‫جري�س‪ ،‬غيثان‪ .‬درا�س ��ات‪،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ ‪ 24 ،1‬وما بعدها؛ وللم�ؤلف نف�سه انظر‪" :‬بالد تهامة وال�سراة كما و�صفها الرحالة‬
‫واجلغرافيون امل�سلمون الأوائل (ق‪ 3‬هـ‪-‬ق ‪ 8‬هـ) "‪ ،‬جملة امل�ؤرخ العربي‪ ،‬ع ‪ ،3‬مج‪ 1994( ،1‬م)‪.100 – 73 ،‬‬
‫((( دو�س‪ :‬هو �أحد �أحفاد زهران بن كعب‪ .‬انظر‪:‬ابن حزم‪ ،‬علي بن �أحمد‪ .‬جمهرة �أن�س ��اب العرب‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪379 ،‬؛‬
‫الهمداين‪ ،‬احل�س ��ن بن �أحمد‪� .‬صفة جزيرة العرب‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ 260 ،‬وما بعدها؛ابن دريد‪ ،‬اال�شتقاق جـ‪496 ،2‬؛‬
‫غيثان بن علي بن جري�س‪"،‬بالد ال�س ��راة من خالل كتاب �ص ��فة جزيرة العرب للهمداين " جملة الدارة‪،‬ع‪�،3‬س ‪،19‬‬
‫(‪1414‬هـ)‪.111 – 76،‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪84‬‬
‫كم ��ا خرج ��ت جمموعات م ��ن رجال غام ��د وزهران �إىل خ ��ارج حدود منطقته ��م (منطقة‬
‫الباحة اليوم)‪ ،‬فمث ًال‪ :‬بع�ض من قبيلة دو�س من زهران التي انت�شر بع�ض رجالها يف �شرقي‬
‫�ش ��به اجلزي ��رة العرب ّية حيث كون ��وا �إمارة عربية يف عمان قبل الإ�س�ل�ام وا�س ��تمرت حتى‬
‫ظهور الإ�س�ل�ام‪ ،‬وال تزال فروع من الأزد �أكرثه ��م من دو�س يحافظون ويقيمون هناك على‬
‫�أن�س ��ابهم(‪ .)1‬ويالح ��ظ يف كتب ال�ت�راث �أن لفظ (دو�س) قد طغ ��ى �إىل حد كبري على لفظ‬
‫زهران و�أحيان ًا غامد يف اجلاهلية و�ص ��در الإ�س�ل�ام‪ .‬وهذا ما جعل بع�ض امل�ؤرخني يكتفون‬
‫بذك ��ر دو�س ب ��د ًال من زهران‪،‬بينما ظ ��ن �آخرون �أن دو�س� � ًا قبيلة م�س ��تقلة متام ًا عن غامد‬
‫وزهران‪ ،‬وهذا خط�أ‪ .‬فدو�س قبيلة من قبائل زهران‪ ،‬وجزء ال يتجز�أ منها(‪ .)2‬و�أف�ض ��ل قول‬
‫لغلبة ا�س ��م دو�س هو ما ذكره �أحد الباحثني املت�أخري ��ن(‪ )3‬عندما ذكر �أن رجال قبيلة دو�س‬
‫انت�شروا خارج بالدهم‪ ،‬ومتكن بع�ضهم من ت�أ�سي�س �إمارتني عربيتني يف عمان واحلرية(‪.)4‬‬
‫كما �أن بع�ض الدو�سيني �سارعوا يف قبول الدعوة الإ�سالمية‪ ،‬كما �سي�أتي معنا‪ ،‬فنالوا مكانة‬
‫�س ��امية يف �صدر الإ�س�ل�ام‪ .‬هذا ف�ض�ل ً�ا عما ُعرف عن رجال دو�س من �إخال�ص و�صدق يف‬
‫تلقي الدعوة (‪ ،)5‬وما �أظهروه من �ش ��جاعة و�إقدام يف الفتوحات الإ�س�ل�امية‪ ،‬ما زاد يف رفع‬
‫منزلة القبيلة وا�ش ��تهارها‪ .‬وعلى هذا الأ�س ��ا�س �إذا قلنا فالن الدو�س ��ي‪ ،‬فهو يف الأ�صل من‬
‫�أوالد زهران(‪ .)6‬وبالتايل فجميع �سكان منطقة الباحة قدمي ًا وحديث ًا‪�( ،‬سراة وتهامة) هم‬
‫من �أ�صول غامدية وزهرانية �أزدية قحطانية(‪.)7‬‬
‫((( اجلا�س ��ر‪،‬حمد‪ .‬يف �س ��راة غامد وزهران‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ .262 ،‬كما عرب ق�س ��م �آخر اخلليج العربي �إىل بالد فار�س‪،‬‬
‫و�سكنوا �أحد جبال كرمان ويدعى الفق�س‪ .‬و�سكن بع�ض الدو�سيني احلرية ونواحيها من بالد العراق و�أ�س�سوا مملكة‬
‫بها‪ ،‬كان من �أ�شهر ملوكها جذمية بن مالك بن فهم بن غنم بن دو�س امللقب بالأبر�ش‪ .‬انظر‪� :‬أحمد بن �أبي يعقوب‬
‫ب ��ن جعف ��ر اليعقوبي‪ ،‬تاريخ اليعقوبي‪( ،‬بريوت‪ :‬دار بريوت للطباعة والن�ش ��ر‪ 1400 ،‬ه� �ـ‪ 1980 /‬م)‪ ،‬جـ ‪– 208 ،1‬‬
‫‪209‬؛ �شهاب الدين ياقوت احلموي‪ ،‬معجم البلدان‪( ،‬بريوت‪ :‬دار �صادر‪ 1404 ،‬هـ‪ 1984 /‬م)‪ ،‬جـ ‪.381 – 380 ،4‬‬
‫((( ابن حزم‪،‬علي بن �أحمد‪ .‬جمهرة �أن�ساب العرب‪379 ،‬؛ ابن دريد‪�،‬أبوبكر حممد احل�سن‪ .‬اال�شتقاق‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.496 ،2‬‬
‫((( اجلا�سر‪ ،‬حمد‪ .‬يف �سراة غامد وزهران‪ ،‬مرجع �سابق‪.267 – 266 ،‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪267 – 266 ،262 ،‬؛ للمزيد انظر‪ :‬اليعقوبي‪� ،‬أحمد‪ .‬تاريخ اليعقوبي‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪209 – 208 ،1‬؛‬
‫ياقوت‪�،‬شهاب الدين ‪ .‬معجم البلدان‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.381 – 380 ،4‬‬
‫((( اجلا�س ��ر‪ ،‬حم ��د‪ .‬يف �س ��راة غامد وزهران‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ 266 ،‬وما بعده ��ا؛ وللمزيد عن �أخبار قب ��ول بع�ض رجال‬
‫دو� ��س لدع ��وة الإ�س�ل�ام و�إخال�ص ��هم لها‪ ،‬انظ ��ر‪ :‬ابن ه�ش ��ام‪�،‬أبو حمم ��د عبدامللك‪ .‬ال�س�ي�رة‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ‪،2‬‬
‫‪25 – 21‬؛ جم ��ال الدين بن اجلوزي‪�،‬ص ��فة ال�ص ��فوة‪،‬حتقيق‪ :‬حممود فاخوري‪ ،‬وحممد روا� ��س قلعجي‪( .‬حلب‪:‬دار‬
‫الوعي‪1389،‬هـ‪1969/‬م)‪،‬ج� �ـ ‪604 – 600 ،1‬؛ ع ��ز الدي ��ن ب ��ن عل ��ي بن الأثري‪�،‬أ�س ��د الغابة يف معرفة ال�ص ��حابة‪،‬‬
‫(بريوت‪:‬دار �إحياء الرتاث العربي‪،‬د‪ .‬ت)‪،‬جـ ‪.55 – 54 ،3‬‬
‫((( ابن دريد‪�،‬أبو بكر حممد احل�سن‪ ،‬اال�شتقاق‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ‪496 ،2‬؛ ابن حزم‪،‬علي بن �أحمد‪ .‬جمهرة �أن�ساب العرب‪،‬‬
‫مرجع �سابق‪379 ،‬؛ للمزيد انظر‪ :‬ابن جري�س‪ ،‬غيثان‪ .‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة‪،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.91 – 55 ،1‬‬
‫((( ملزيد من الإي�ضاح عن بطون و�أفخاذ قبيلتي غامد وزهران اليوم التي ا�ستوطنت �أمكنتها احلالية منذ عهود ما قبل‬
‫الإ�سالم‪ ،‬ومدينة الباحة التي ت�أتي يف �أر�ض قبيلة غامد هي العا�صمة الإدارية لعموم بالد غامد وزهران يف الأجزاء‬
‫ال�سروية والتهامية‪ ،‬وبخا�صة منذ �أوائل العقد التا�سع للقرن الهجري املا�ضي‪ ،‬يف حني �أن بلدتي الظفري ثم بلجر�شي‬
‫كانتا مركز ًا لإمارة املنطقة خالل الع�ص ��ر احلديث‪ ،‬وقبل �أن ت�ص ��بح الباحة �إحدى الإمارات الرئي�س ��ية يف اململكة‬
‫‪85‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫ثاني ًا ‪ -‬تاريخ الباحة يف العهد النبوي‪:‬‬


‫‪ - 1‬ع�صر الدعوة املكية ‪:‬‬
‫كانت قبيلة قري�ش �أ�ش ��د القبائل عداوة وكراهية لدعوة الإ�سالم التي جاء بها الر�سول‬
‫ﷺ‪ ،‬ومل تقت�صر حماربة القر�شيني للإ�سالم يف ح�صر �أن�شطتهم يف �إطار مكة وجمتمعها‪،‬‬
‫ونواح �أخ ��رى يف اجلزيرة‬
‫و�إمن ��ا كانوا ي�س ��عون �إىل االت�ص ��ال بالقبائل وال�ش ��يوخ يف بلدان ٍ‬
‫العربية‪ ،‬فيو�ص ��ونهم ويحر�ض ��ونهم على بذل ما ي�س ��تطيعون ملحاربة الر�س ��ول الكرمي ﷺ‬
‫والدين الذي جاء به �إىل جمتمع احلجاز‪ ،‬ثم �إىل عموم املجتمعات(‪.)1‬‬
‫وكان �س ��كان قبيلتي غامد وزهران يف بالد الباحة (�سراة وتهامة) من �أوائل الأقوام‬
‫الذين ُحر�ض ��وا من القر�ش ��يني ملعاداة الر�س ��ول ﷺ والوقوف يف طريق دعوته‪ .‬وتذكر لنا‬
‫كتب الرتاث الإ�س�ل�امي ق�ص ��ة الطفيل بن عمرو الدو�س ��ي الزهراين الذي كان �أحد �شيوخ‬
‫و�أعي ��ان قبيل ��ة دو� ��س الزهرانية‪ ،‬وكان على �ص�ل�ات جتاري ��ة واجتماعية مع بع� ��ض �أعيان‬
‫قري� ��ش ك�أبي �س ��فيان بن حرب وغ�ي�ره(‪ ،)2‬لكنه كان من �أوائل الداخلني يف دين الإ�س�ل�ام‪.‬‬
‫وق�ص ��ة دخوله الإ�س�ل�ام مع بع�ض �أهل بيته يف فرتة املرحلة املكية‪ ،‬كما يذكرها ابن ه�شام‬
‫�أن الطفيل قدم ذات يوم من بالده �إىل مكة‪ ،‬فقابله وجهاء مكة و�ش ��كوا �إليه الر�س ��ول ﷺ‬
‫وحذروه من ال�سماع �إليه (‪ ،)3‬وو�صفوه بال�ساحر الذي يفرق بني الرجل و�أبيه و�أخيه وزوجته‪،‬‬
‫و�أعربوا له عن خوفهم عند �سماعه �أن يدخل فيما يدعو �إليه‪ ،‬كما ح�صل لبع�ض القر�شيني‬
‫الذين دخلوا يف الإ�س�ل�ام من قبل(‪ ،)4‬وقد ت�أثر الطفيل مما �س ��معه من �أ�شراف قري�ش عن‬
‫العربية ال�س ��عودية يف عام (‪ 1383‬هـ‪ 1963 /‬م)‪ .‬انظر‪ :‬اجلا�س ��ر‪ ،‬حمد‪ .‬يف �س ��راة غامد وزهران‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪،‬‬
‫‪ 254‬وم ��ا بعدها؛ حمد بن �إبراهيم احلقيل‪ ،‬كنز الأن�س ��اب وجممع الآداب‪( ،‬الريا�ض‪ :‬مطابع اجلا�س ��ر‪ 1413 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪ 1993‬م)‪228 ،199 ،‬؛ ال�سلوك‪،‬علي بن �صالح‪ ،‬املعجم‪ ،‬مرجع �سابق‪ 11 ،‬وما بعدها؛ الغامدي‪�،‬صالح عون‪ .‬الباحة‪،‬‬
‫مرجع �سابق‪48 – 45 ،‬؛ الزهراين‪،‬حممد بن م�سفر‪ .‬بالد زهرن‪ ،‬مرجع �سابق‪.40 – 34 ،‬‬
‫((( ملزيد من التف�صيالت عن �أ�ساليب قري�ش يف حماربة الإ�سالم‪،‬انظر‪:‬اليعقوبي‪�،‬أحمد‪ .‬تاريخ‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ‪36 ،2‬‬
‫وما بعدها؛ ابن ه�ش ��ام‪ ،‬عبدامللك‪ .‬ال�س�ي�رة‪،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ‪ 2،9‬وما بعدها؛ �أبو جعفر حممد بن جرير الطربي‪،‬‬
‫تاريخ الأمم وامللوك‪،‬حتقيق‪ :‬حممد �أبو الف�ضل �إبراهيم‪( .‬بريوت‪:‬دار �سويدان‪1382 ،‬هـ ‪1962 /‬م )‪ ،‬جـ‪ 395 ،3‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫((( حمم ��د بن حبيب البغدادي‪ ،‬كتاب املنمق يف �أخبار قري�ش‪ ،‬حتقيق‪ :‬خور�ش ��يد �أحمد ف ��اروق‪( .‬بريوت‪ :‬عامل الكتب‪،‬‬
‫‪ 1405‬هـ‪ 1985 /‬م)‪211 – 199 ،‬؛ اجلا�س ��ر‪ ،‬حمد‪ .‬يف �س ��راة غامد وزهران‪ ،‬مرجع �سابق‪279 – 274 ،‬؛ للمزيد‪،‬‬
‫انظر‪ :‬ابن ه�ش ��ام‪،‬عبدامللك‪ .‬ال�سرية‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ ‪84 ،1‬؛ ابن دريد‪�،‬أبو بكر حممد احل�سن‪ .‬اال�شتقاق‪ ،‬مرجع‬
‫�سابق‪496 ،‬؛ اجلا�سر‪،‬حمد‪ .‬يف �سراة غامد وزهران‪ ،‬مرجع �سابق‪ 274 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( ابن ه�شام‪ ،‬عبدامللك‪ .‬ال�سرية‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.22 ،2‬‬
‫((( �أي بع�ض القر�ش ��يني الأوائل الذين دخلوا الإ�س�ل�ام يف مرحلة الدعوة املكية ك�أبي بكر ال�ص ��ديق (ر�ض ��ي اهلل عنه)‬
‫وغ�ي�ره من ال�ص ��حابة الذين كان ��وا يجتمعون مع الر�س ��ول ﷺ يف دار الأرقم بن �أبي الأرقم خ�ل�ال فرتتي الدعوة‬
‫ال�س ��رية والعلني ��ة يف مكة قب ��ل الهجرة �إىل املدينة‪ .‬للمزيد‪ ،‬انظر‪ :‬ابن ه�ش ��ام‪،‬عبدامللك‪ .‬ال�س�ي�رة‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪،‬‬
‫جـ ‪.336 ،312 – 311 ،279 – 266 ،264 ،257 ،228 ،1‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪86‬‬
‫الر�س ��ول ﷺ فو�ض ��ع يف �أذنيه كر�س ��ف ًا (قطن ًا) كي ال ي�س ��مع ما يقوله ﷺ (‪ ،)1‬وعندما‬
‫�أدرك الطفيل �أنه قادر على �أن مييز بني اخلبيث والطيب حدثته نف�سه �أن ي�سمعه ف�إذا كان‬
‫ما يقوله ﷺ ح�س ��ن ًا قبله‪ ،‬و�إن كان دون ذلك تركه‪ ،‬وك�أنه مل ي�س ��مع �ش ��يئ ًا‪ ،‬ثم ذهب �إىل‬
‫امل�س ��جد فوجد الر�س ��ول ﷺ قائم ًا ي�صلي ف�س ��مع منه كالم ًا ما �سمعه قبل ذلك من ل�سان‬
‫ب�ش ��ر‪ ،‬وعندما �أ�ص ��ابت �آيات القر�آن قلب الطفيل فتحت مغاليق قلبه للإ�سالم‪ ،‬ف�أ�سرع �إىل‬
‫دار الر�سول ﷺ وطلب منه �أن يعر�ض عليه الإ�سالم‪ ،‬ثم ما لبث �أن اطم�أن قلبه للإ�سالم‬
‫ف�أ�س ��لم(‪ .)2‬وعر�ض الطفيل على الر�س ��ول ﷺ �أن يحمل ر�س ��الة الإ�سالم �إىل قومه دو�س‬
‫يف �أر�ض غامد وزهران‪ ،‬حيث �إن له فيهم منزلة وهو فيهم مطاع‪ ،‬وطلب من الر�س ��ول ﷺ‬
‫�أن يدع ��و ل ��ه‪ ،‬و�أن يجع ��ل اهلل له عون ًا يف حمل الر�س ��الة �إىل قومه‪ ،‬فقال الر�س ��ول ﷺ ‪:‬‬
‫(( اللهم اجعل له �آية))(‪ ،)3‬وبد�أ دعوته بالأقربني عقب عودته �إىل منطقة الباحة فعر�ض‬
‫الإ�س�ل�ام على �أبيه ف�أ�س ��لم بعد �أن قام وتطه ��ر‪ ،‬وقال‪((:‬يا بني دين ��ي دينك))‪،‬ولكن �أمه‬
‫�أنكرت الإ�سالم(‪ .)4‬كما وجد الطفيل زوجته متيل �إىل الإ�سالم‪ ،‬فقال لها‪" :‬اذهبي �إىل ذي‬
‫ال�شرى(‪ )5‬وتطهري منه" ففعلت ذلك ثم �أ�سلمت(‪.)6‬‬

‫((( ابن ه�ش ��ام‪،‬عبدامللك‪ .‬ال�س�ي�رة‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ ‪25 – 2،21‬؛ ابن اجلوزي‪،‬جمال الدين‪� .‬ص ��فة ال�ص ��فوة‪ ،‬مرجع‬
‫�س ��ابق‪،‬جـ‪604-600 ،1‬؛ ابن الأثري‪ ،‬عز الدين ‪� .‬أ�س ��د الغابة‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪55 –54 ،3‬؛ �أبو الفداء احلافظ ابن‬
‫كثري‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد �أبو ملحم و�آخرين‪( .‬بريوت ‪ :‬دار الكتب العلمية‪ 1405،‬هـ‪ 1985 /‬م)‪ ،‬مج ‪،2‬‬
‫جـ ‪.125 – 115 ،3‬‬
‫((( املراجع ال�سابقة‪.‬‬
‫((( ي�شري ابن ه�شام �إىل الآية التي ُجعلت له‪ ،‬وهي نور بني عينيه‪ ،‬ف�س�أل اهلل �أن تكون يف غري وجهه‪ ،‬حتى ال يقول قومه‬
‫�إنه ��ا ( ُمثلة) وي�ش ��متوا به لفراقه دينهم‪ ،‬فتحول النور �إىل ر�أ�س �س ��وطه فكان ي�ض ��يء يف اللي ��ل‪ ،‬ولهذا لقب بـ (ذي‬
‫النور)‪ .‬ابن ه�ش ��ام‪،‬عبدامللك‪ .‬ال�سرية‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ ‪23 ،2‬؛ للمزيد‪ ،‬انظر‪ :‬حممد عجاج اخلطيب‪� ،‬أبو هريرة‬
‫راوية الإ�سالم‪( .‬القاهرة‪ :‬الهيئة امل�صرية العامة للكتاب‪ ،‬د‪ .‬ت)‪.85 ،‬‬
‫((( ابن ه�شام‪،‬عبدامللك‪ .‬ال�سرية‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.23 ،2‬‬
‫((( ذو ال�ش ��رى‪� :‬ص ��نم كان لدو�س‪ ،‬وكانوا قد حموا حوله حمى ي�أتي �إليه رجال دو�س ون�سا�ؤها كي يتعبدوا عنده ويتقربوا‬
‫�إليه يف ق�ضاء حوائجهم‪ .‬ابن ه�شام‪،‬عبد امللك‪ .‬ال�سرية‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪ .24 ،2‬وكان يف منطقة الباحة‪ ،‬بل يف بالد‬
‫تهامة وال�سراة الواقعة بني اليمن واحلجاز‪ ،‬عدد من الأ�صنام التي كان يتعبد �إليها �سكان هذه البالد قبل الإ�سالم‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬عائم‪ ،‬وال�س ��عيدة‪ ،‬وذو الكفني‪ ،‬وذو ال�ش ��رى‪ ،‬وذو اخلل�ص ��ة وكان �أ�ش ��هرها‪ ،‬ويقع يف �س ��روات غامد وزهران‬
‫وخثع ��م وبجيلة‪ ،‬وي�س ��مى بـ (الكعب ��ة اليمانية) لأن معظم قبائل ال�س ��راة الواقع ��ة بني �أبها والباحة كان ��ت تفد �إليه‬
‫وتقد�س ��ه‪ .‬وكانت قبيلة خثعم املخالطة لقبائل غامد وزهران من اجلنوب واجلنوب ال�ش ��رقي هي ال�سادنة الرئي�سية‬
‫ل�ص ��نم ذي اخلل�ص ��ة‪ .‬للمزيد انظر‪� :‬أبو املنذر ه�شام حممد بن ال�سائب الكلبي‪ .‬الأ�صنام‪( ،‬القاهرة‪ :‬د‪ .‬ن‪1343 ،‬‬
‫ه� �ـ) ‪43 ،37‬؛ اب ��ن ه�ش ��ام‪ ،‬عبدامللك‪ .‬ال�س�ي�رة‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪،‬جـ ‪ ،88 ،1‬ج� �ـ ‪24 ،2‬؛ �أبو الوليد حمم ��د بن عبد اهلل‬
‫الأزرقي‪� ،‬أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار‪ ،‬حتقيق‪ :‬ر�ش ��دي ال�ص ��الح ملح�س‪( .‬مكة املكرمة‪ :‬مطابع دار الثقافة‪،‬‬
‫‪ 1403‬هـ‪1983 /‬م)‪ ،‬جـ ‪389 – 374 ،1‬؛ اجلا�سر‪ ،‬حمد‪ .‬يف �سراة غامد وزهران‪ ،‬مرجع �سابق‪.350 – 333 ،‬‬
‫((( ابن ه�شام‪ ،‬عبدامللك‪ .‬ال�سرية‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.24 ،2‬‬
‫‪87‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫وعل ��ى الرغم من معار�ض ��ة �أمه للدعوة الإ�س�ل�امية �إال �أن معار�ض ��ة قومه كانت �أ�ش ��د‬
‫و�أكرب‪ ،‬ويت�ض ��ح ذلك حينما دعا قومه �إىل الإ�س�ل�ام‪ ،‬فكرث رف�ض ��هم‪ ،‬وا�ش ��تد �إنكارهم له‪،‬‬
‫وبعد �أن �أ�ص ��ابه الي�أ�س من �إ�س�ل�ام قومه عاد �إىل الر�س ��ول ﷺ وطلب منه �أن يدعو على‬
‫قوم ��ه‪ ،‬ولكن الر�س ��ول ﷺ دعا له ��م بالهداية وقال (( اللهم ِ‬
‫اهد دو�س� � ًا ))(‪ )1‬ويف رواية‬
‫�أخرى ((اللهم اهد دو�س ًا وارفق بها ))‪ ،‬وقال له ارجع �إىل قومك فادعهم وارفق بهم ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ويعود موقفهم املعار�ض من الإ�س�ل�ام �إىل مرياثهم الوثني الذي حال بينهم وبني قبولهم‬
‫الإ�س�ل�ام‪ ،‬ف�ض�ل� ًا ع ��ن �أن مرياثهم م ��ن الع ��ادات والتقاليد كان فا�س ��د ًا وقدوته ��م كانت على‬
‫�ضالل‪ ،‬وعاد الطفيل �إىل ع�شريته دو�س الزهرانية يدعو قومه ومن حولهم من الزهرانيني‬
‫والغامديني برفق‪ ،‬كما �أو�ص ��اه الر�س ��ول ﷺ‪ ،‬وقد امتدت دعوته لهم عدد ًا من ال�س ��نوات‪،‬‬
‫لأن الر�س ��ول ﷺ هاجر �إىل املدينة وم�ض ��ت غزوات الر�س ��ول ﷺ الأوىل (بدر‪ ،‬و�أحد‪،‬‬
‫واخلن ��دق)‪ ،‬ومل يزل �أبناء دو�س‪ ،‬ومن جاورهم من ع�ش ��ائر تهامة وال�س ��راة الأخرى‪ ،‬على‬
‫حالهم من الكفر والع�صيان(‪ .)3‬ويظهر �أن قبيلة دو�س‪ ،‬بل عموم قبائل منطقة الباحة ومن‬
‫حولها قد ت�أخروا يف �إ�سالمهم �إىل ال�سنة ال�سابعة للهجرة وما بعدها(‪.)4‬‬
‫­­‪ - 2‬ع�صر الدعوة املدنية ‪:‬‬
‫بقي الطفيل بن عمرو الدو�س ��ي الزهراين يدعو قومه للإ�سالم منذ عودته من مكة يف‬
‫فرتة الدعوة املكية حتى جاءت ال�سنة ال�سابعة للهجرة‪ ،‬ثم خرج ومعه نحو �سبعني �أو ثمانني‬
‫رج�ل ً�ا بذراريهم ون�س ��ائهم مبن فيهم �أبو هريرة‪ ،‬وعبداهلل بن �أزيهر الدو�س ��يان ‪ -‬ر�ض ��ي‬
‫اهلل عنهم ��ا‪ ،)5(-‬فقدموا املدينة كي ين�ض ��موا �إىل جمتمع امل�س ��لمني فيها(‪ ،)6‬لكنهم وجدوا‬

‫((( املرجع ال�سابق؛ اجلا�سر‪ ،‬حمد‪ .‬يف �سراة غامد وزهران‪ ،‬مرجع �سابق‪.293 ،236 ،‬‬
‫((( املرج ��ع ال�س ��ابق؛ وانظ ��ر‪ :‬اخلطيب‪،‬حممد عجاج‪� .‬أبو هريرة‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪85 ،‬؛ اجلا�س ��ر‪،‬حمد‪ .‬يف �س ��راة غامد‬
‫وزهران‪ ،‬مرجع �سابق‪.293 ،‬‬
‫((( ابن ه�ش ��ام‪ ،‬عبدامللك‪ .‬ال�س�ي�رة‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪24 ،2‬؛ للمزيد‪ ،‬انظر‪ :‬ابن اجلوزي‪ ،‬جمال الدين‪� .‬صفة ال�صفوة‪،‬‬
‫مرجع �س ��ابق‪،‬جـ ‪603 – 602 ،1‬؛ ابن الأثري‪� ،‬أُ�س ��د الغابة‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪55 – 54 ،4‬؛ اجلا�سر‪ ،‬حمد‪ .‬يف �سراة‬
‫غامد وزهران‪ ،‬مرجع �سابق‪.293،‬‬
‫((( للمزيد انظر‪ :‬ابن �س ��عد‪،‬حممد‪ .‬الطبقات‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ ‪– 345 ،344 ،342 ،339 ،337 ،335 ،332 ،328 ،1‬‬
‫‪.357 ،353 – 352 ،348‬‬
‫((( ابن ه�شام‪،‬عبدامللك‪ .‬ال�سرية‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪ ،24 ،2‬حممد بن عمر الواقدي‪ ،‬كتاب املغازي‪ ،‬حتقيق‪ :‬مار�سدن جون�س‪،‬‬
‫(بريوت‪ :‬عامل الكتب‪ ،‬د‪ .‬ت)؛ �ش ��م�س الدين حممد بن القيم‪ ،‬زاد املعاد يف هدي خري العباد‪ ،‬حتقيق‪� :‬ش ��عيب الأرن�ؤوط‬
‫و�آخرين‪( .‬بريوت‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ 1410 ،‬هـ‪ 1990 /‬م)‪،‬جـ‪628 – 624 ،3‬؛و ملزيد من املعلومات عن �أبي هريرة‪ ،‬وعبد‬
‫اهلل بن �أزيهر الدو�سي‪ ،‬انظر‪ :‬ابن حزم‪ ،‬علي‪ .‬جمهرة �أن�ساب العرب‪ ،‬مرجع �سابق‪382 ،381 ،‬؛ اخلطيب‪،‬حممد عجاج‪.‬‬
‫�أبو هريرة‪ ،‬مرجع �سابق‪85 ،‬؛ اجلا�سر‪،‬حمد‪ .‬يف �سراة غامد وزهران‪،‬مرجع �سابق‪.283 – 282 ،275 ،‬‬
‫((( الواقدي‪ ،‬حممد بن عمر‪ .‬كتاب املغازي‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪683 ،2‬؛ ابن القيم‪� ،‬شم�س الدين‪ .‬زاد املعاد‪،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫جـ ‪ ،624 ،3‬وما بعدها؛ اجلا�سر‪،‬حمد‪.‬يف �سراة غامد وزهران‪ ،‬مرجع �سابق‪.293 ،‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪88‬‬
‫الر�س ��ول ﷺ خ ��رج ملحاربة اليهود يف خي�ب�ر فلحقوا به‪ ،‬و�أعلنوا �إ�س�ل�امهم بني يديه‪ ،‬ثم‬
‫ق�س ��م لهم الر�س ��ول ﷺ من غنيمة خيرب(‪ ،)1‬وجعل �ش ��عارهم مربور ًا‪ ،،‬ثم عادوا معه �إىل‬
‫املدين ��ة فق ��ال الطفيل‪ :‬يا ر�س ��ول اهلل ال تفرق بين ��ي وبني قومي ف�أنزلهم ح ��رة الدجاج(‪.)2‬‬
‫وقال عبداهلل بن �أزيهر‪ (( :‬يا ر�س ��ول اهلل �إن يل يف قومي �س ��لطة ومكان ًا فاجعلني عليهم‪،‬‬
‫فقال ر�سول اهلل ﷺ يا �أخا دو�س‪� :‬إن الإ�سالم بد�أ غريب ًا‪ ،‬و�سيعود غريب ًا‪ ،‬فمن �صدق اهلل‬
‫جنا‪ ،‬ومن �آل �إىل غري ذلك هلك‪� ،‬إن �أعظم قومك ثواب ًا �أعظمهم �صدق ًا‪ ،‬ويو�شك احلق �أن‬
‫يغلب الباطل))(‪ )3‬و�إذا كان الإ�س�ل�ام تغلغل يف قلوب بع�ض الزهرانيني قبل فتح مكة فهذا‬
‫ال يعني �أن جمتمع بالد غامد وزهران �أ�ص ��بح م�س ��لم ًا‪ ،‬لأننا جند بع�ض الروايات تذكر �أن‬
‫الر�س ��ول ﷺ �أر�سل الطفيل بن عمرو الدو�س ��ي مع بع�ض قومه امل�سلمني بعد معركة حنني‬
‫يف ال�سنة الثامنة للهجرة ملحاربة من بقي على الوثنية يف بالد غامد وزهران(‪ ،)4‬و�أو�صاهم‬
‫بهدم �ص ��نم عمرو بن حممة الدو�س ��ي الذي يعرف بذي الكفني(‪ ،)5‬فما كان على الطفيل �إ ّال‬
‫�أن �أطاع �أمر الر�سول ﷺ وطلب الن�صيحة‪ ،‬فقال ﷺ للطفيل‪� (( :‬أف�ش ال�سالم‪ ،‬وابذل‬
‫الطعام‪ ،‬وا�س ��تح من اهلل كما ي�س ��تحيي الرجل ذو الهيئة(‪ )6‬من �أهله‪� ،‬إذا �أ�س�أت ف�أح�سن �إن‬
‫احل�سنات يذهنب ال�سيئات ذلك ذكرى للذاكرين ))(‪ ،)7‬ثم خرج الطفيل مبن معه فحارب‬
‫بع�ض امل�ش ��ركني يف بالد دو�س وما حولها‪ ،‬ثم هدم �ص ��نم ذي الكفني‪ ،‬وجعل يح�شو النار يف‬
‫جوفه ويقول‪:‬‬
‫م��ي�لادن��ـ��ـ��ا �أق���ـ���ـ���ـ���دم م��ـ��ـ��ن م��ي��ـ��ـ�لادك‬ ‫ي�����ا ذا ال����ك����ف��ي�ن ل���������س����تُ م�����ن عُ����� َّب�����ادك‬
‫(‪)8‬‬
‫�أن�������������ا ح�����������ش�����وت ال��������ن��������ار يف ف�������������������ؤادك‬
‫((( املراجع ال�سابقة‪.‬‬
‫((( ابن ه�شام‪،‬عبدامللك‪ .‬ال�سرية‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪25 – 24 ،2‬؛ ابن �سعد‪،‬حممد‪ .‬الطبقات‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.353 ،1‬‬
‫وحرة الدجاج �إحدى نواحي املدينة يف عهد الر�سول ﷺ‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬جـ ‪.353 ،1‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬الواقدي‪،‬حممد بن عمر‪ .‬كتاب املغازي‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ ‪923 ،3‬؛ ابن ه�ش ��ام‪ ،‬عبدامللك‪ .‬ال�س�ي�رة‪ ،‬مرجع‬
‫�سابق‪ ،‬جـ ‪ 21 ،2‬وما بعدها؛ ابن جري�س غيثان‪ .‬درا�سات‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ‪32 ،1‬؛ الزهراين‪،‬حممد بن م�سفر‪ .‬بالد‬
‫زهران‪ ،‬مرجع �سابق‪.22 – 21 ،‬‬
‫((( ذو الكفني‪� :‬صنم لدو�س‪ ،‬وهو م�صنوع من اخل�شب‪ ،‬كان لعمرو بن حممة‪،‬وعمرو هذا والد ال�صحابي اجلليل الطفيل‬
‫الذي �أر�س ��له الر�سول ﷺ لهدم هذا ال�ص ��نم و�إحراقه‪ .‬انظر‪ :‬ابن ه�شام‪،‬عبدامللك‪ .‬ال�سرية‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪،1‬‬
‫‪84‬؛ ابن حزم‪ ،‬علي بن �أحمد‪ .‬جمهرة �أن�ساب العرب‪ ،‬مرجع �سابق‪494 ،‬؛ جواد علي‪ .‬املف�صل‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪،6‬‬
‫‪.275 – 274‬‬
‫((( �أي ذو ال�ص ��ورة وال�ش ��كل احل�س ��ن‪� ،‬أو ذو الوقار‪ .‬وتقول هي�أت للأمر �أُه ِّيئ‪ ،‬هيئة‪ ،‬وتهي�أت تهي�ؤ ًا‪ ،‬والهيئة‪ :‬ال�ش ��ارة‪،‬‬
‫فيقال فالن ح�سن الهيئة‪ .‬ابن منظور‪ ،‬جمال الدين‪ .‬ل�سان العرب‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪ .170 ،15‬فعل (هي�أ)‪.‬‬
‫((( الواقدي‪،‬حممد بن عمر‪ .‬كتاب املغازي‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.722 ،2‬‬
‫((( املرجع ال�س ��ابق‪ ،‬علي بن احل�س�ي�ن امل�س ��عودي‪ ،‬التنبيه والإ�ش ��راف‪( .‬بريوت‪:‬دار مكتبة الهالل‪1981،‬م)‪243،‬؛ ابن‬
‫اجلوزي‪ ،‬جمال الدين‪� .‬صفة ال�صفوة‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬جـ‪.603 ،1‬‬
‫‪89‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫وبع ��د ذل ��ك رجع الطفيل وبع� ��ض قومه وعدده ��م �أربعمئة فقابلوا الر�س ��ول ﷺ يف‬
‫الطائ ��ف بعد مقدم ��ه �إليها ب�أربعة �أي ��ام‪ ،‬وكان معهم دبابة ومنجنيق(‪ .)1‬ويت�ض ��ح من هذه‬
‫ال�سرية التي �أر�سلها الر�سول ﷺ مع الطفيل توطيد قدم الإ�سالم يف بالد غامد وزهران‪،‬‬
‫والق�ض ��اء عل ��ى بقايا امل�ش ��ركني و�أوثانهم‪ ،‬ثم تتال ��ت الوفود من هذه البالد على الر�س ��ول‬
‫ﷺ يف املدينة‪ .‬وت�ش�ي�ر بع�ض امل�ص ��ادر �إىل وفد غامد الذي قدم املدينة يف �شهر رم�ضان‬
‫من ال�س ��نة العا�ش ��رة‪ ،‬وهم ع�ش ��رة نفر‪ ،‬فنزلوا ببقيع الغرقد‪ ،‬ثم لب�سوا من �صالح ثيابهم‪،‬‬
‫وانطلقوا �إىل ر�سول اهلل ﷺ ف�سلموا عليه و�أقروا بالإ�سالم‪ ،‬وكتب لهم الر�سول ﷺ كتاب ًا‬
‫فيه �شرائع الإ�سالم‪ ،‬و�أتوا �أبي بن كعب فع ّلمهم قر�آن ًا‪ ،‬و�أجازهم ر�سول اهلل ﷺ كما يجيز‬
‫الوفود‪ ،‬ثم عادوا �إىل بالدهم(‪.)2‬‬
‫ويذكر ابن �س ��عد �أن وفد �س�ل�امان الزه ��راين الأزدي(‪ )3‬قدموا على ر�س ��ول اهلل ﷺ‬
‫يف املدينة يف �ش ��هر �ش ��وال من ال�سنة العا�شرة‪ ،‬وكانوا �س ��بعة نفر‪ ،‬وعند مقابلته ﷺ كان‬
‫خارج ًا من امل�س ��جد �إىل جنازة دعي �إليها‪ (( ،‬فقالوا ال�س�ل�ام عليك يا ر�س ��ول اهلل‪ :‬فقال‬
‫وعليكم‪ ،‬من �أنتم‪ ،‬فقالوا‪ :‬نحن من �س�ل�امان قدمنا لنبايعك على الإ�سالم‪ ،‬ونحن على من‬
‫وراءن ��ا من قومنا ))(‪ ،)4‬فقال‪ :‬الر�س ��ول ﷺ لغالمه ثوبان‪� :‬أنزل ه�ؤالء الوفد حيث ينزل‬
‫الوف ��ود‪ ،‬فلما �ص ��لى الظهر اجتمع بهم فعلمهم �ش ��رائع الإ�س�ل�ام‪ ،‬و�أعط ��ى كل واحد منهم‬
‫أواق ف�ضة‪ ،‬وعادوا �إىل بالدهم (‪.)5‬‬ ‫خم�س � ٍ‬
‫((( للمزيد عن حماربة الطفيل للوثنيني يف بالد دو�س وما حولها‪ ،‬انظر‪ :‬الواقدي‪،‬حممد بن عمر‪ .‬املغازي‪،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫جـ ‪923 ،3‬؛ ابن �سعد‪ ،‬حممد‪ .‬الطبقات‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪157 ،2‬؛ ابن ه�شام‪،‬عبدامللك‪ .‬ال�سرية‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ‬
‫‪ ،25 – 21 ،2‬امل�سعودي‪ ،‬علي‪ .‬التنبيه‪،‬مرجع �سابق‪249 ،‬؛ ابن اجلوزي‪،‬جمال الدين‪� .‬صفة ال�صفوة‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫جـ ‪ .603 ،1‬وعند عودة الطفيل من بالد دو�س مع قومه‪ ،‬قال لهم الر�س ��ول ﷺ "يا مع�ش ��ر الأزد من يحمل رايتكم‪،‬‬
‫فق ��ال الطفيل من كان يحملها يف اجلاهلية‪ ،‬فقال‪� :‬أ�ص ��بتم "‪ ،‬وقي ��ل الذي كان يحملها يف اجلاهلية �أخو النعمان بن‬
‫الزراف ��ة اللهبي‪ ،‬وهذا ما ذكره الواقدي‪� ،‬أما ابن �س ��عد فذكر �أنه النعم ��ان بن بازية اللهبي‪ ،‬وذكر ابن عبد الرب �أنه‬
‫النعم ��ان ب ��ن الزراع عريف الأزد‪ .‬انظ ��ر‪ :‬الواقدي‪ ،‬حممد بن عمر‪ .‬املغازي‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪،‬جـ ‪923 ،3‬؛ ابن �س ��عد‪،‬‬
‫حممد‪ .‬الطبقات‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ ‪158 – 157 ،2‬؛ حممد بن �إ�س ��ماعيل البخاري‪� ،‬صحيح البخاري‪( ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫الرتبية للطباعة والن�شر والتوزيع‪ ،‬د‪ .‬ت)‪ ،‬مج‪ ،3‬جـ ‪.123 ،5‬‬
‫((( ابن �س ��عد‪ ،‬حممد‪ .‬الطبقات‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ ‪345 ،1‬؛ ابن دريد‪� ،‬أبو بكر حممد احل�سن‪ ،‬اال�شتقاق‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫‪493‬؛ اجلا�سر‪،‬حمد‪ .‬يف �سراة غامد وزهران‪ ،‬مرجع �سابق‪ .282 ،‬ويف رواية �أخرى‪ ،‬انفرد بها ابن �سعد‪ ،‬ت�شري �إىل‬
‫�أن الر�س ��ول ﷺ كتب �إىل �أبي ظبيان الأزدي الغامدي يدعوه ويدعو قومه �إىل الإ�س�ل�ام ((ف�أجابه يف نفر من قومه‬
‫مبكة‪ ،‬منهم‪ :‬خمنف‪ ،‬وعبد اهلل‪ ،‬وزهري بنو �سليم‪ ،‬وعبد �شم�س بن عفيف بن زهري‪ ،‬ه�ؤالء مبكة‪ ،‬وقدم عليه باملدينة‬
‫اجلح ��ن ب ��ن املرقع‪ ،‬وجن ��دب بن زهري‪ ،‬وجندب بن كعب‪ ،‬ث ��م قدم بعد مع الأربعني احلكم ب ��ن مغفل‪ ،‬ف�أتاه مبكة‬
‫�أربعون رج ًال‪ ،‬وكتب النبي ﷺ لأبي ظبيان كتاب ًا‪ ،‬وكانت له �ص ��حبة))‪ ،‬انظر‪ :‬ابن �س ��عد‪،‬حممد‪ .‬الطبقات‪ ،‬مرجع‬
‫�سابق‪ ،‬جـ ‪.280 – 279 ،1‬‬
‫((( اب ��ن �س ��عد‪ ،‬حممد‪ .‬الطبق ��ات‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬ج� �ـ ‪333 – 332 ،1‬؛ للمزيد انظ ��ر‪ :‬حممد بن علي الأك ��وع‪ ،‬الوثائق‬
‫ال�سيا�سية اليمنية من قبيل الإ�سالم �إىل �سنة ‪ 332‬هـ‪( ،‬بغداد‪ :‬دار احلرية للطباعة‪ 1396 ،‬هـ‪ 1976 /‬م)‪.87 ،‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪90‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وتذكر بع�ض الروايات �أن الر�سول ﷺ كان قد كتب �إىل �أبي ظبيان الأزدي الغامدي‬
‫يدع ��وه ويدعو قومه �إىل الإ�س�ل�ام‪ ،‬لكننا مل نعرث على ن�ص ه ��ذا املكتوب(‪ .)2‬ويف كتاب �آخر‬
‫�أر�س ��له الر�س ��ول ﷺ �إىل �أبي ظبيان عمري بن احلارث الأزدي الغامدي‪ ،‬قال فيه‪� (( :‬أما‬
‫بعد‪ :‬فمن �أ�س ��لم من غامد فله ما للم�س ��لم‪ ،‬حرم ماله ودمه‪ ،‬وال يع�ش ��ر وال يح�ش ��ر‪ ،‬وله ما‬
‫�أ�سلم عليه من �أر�ضه )) (‪.)3‬‬
‫وتذكر بع�ض امل�صادر ا�سم �سعد بن �أبي ذئاب الدو�سي(‪ ،)4‬الذي يقول‪� (( :‬أتيت ر�سول‬
‫اهلل ﷺ ف�أ�سلمت فا�ستعملني على قومي‪ ،‬وجعل لهم ما �أ�سلموا عليه من �أموالهم )) (‪.)5‬‬
‫ويت�ض ��ح مم ��ا �س ��بق �أن عموم قبائ ��ل غامد وزهران �أ�س ��لمت ما بني ال�س ��نة ال�س ��ابعة‬
‫والعا�ش ��رة للهجرة‪ ،‬وتوىل �ش� ��ؤون بالدهم بع�ض الوالة الدو�س ��يني والغامديني الذين وفدوا‬
‫عل ��ى ر�س ��ول اهلل ﷺ يف كل م ��ن مك ��ة واملدينة‪ ،‬كالطفيل ب ��ن عمرو‪ ،‬و�أبو ظبيان‪ ،‬و�س ��عد‬
‫ب ��ن �أب ��ي ذئاب‪ ،‬لكن قبل وفاة الر�س ��ول ﷺ ح ��دث ظهور بع�ض الكذاب�ي�ن املدعني للنبوة‬
‫�أمثال عبهلة‪ ،‬امللقب بـ (الأ�سود العن�سي) يف بالد اليمن وما حولها(‪ ،)6‬فاتخذ �صنعاء نقطة‬

‫((( �أب ��و ظبي ��ان الغامدي‪ :‬هو عبد �ش ��م�س بن احلارث بن كثري بن ج�ش ��م‪ ،‬تر�أ�س وفد غامد �إىل الر�س ��ول ﷺ‪ ،‬وكان يف‬
‫جي�ش �سعد بن �أبي وقا�ص يف معركة القاد�سية‪ ،‬وهو القائل ‪:‬‬
‫�أنا �أبو ظبيان غري املكذبة �أبي �أبو العنقاء وخايل اللهبة‬
‫�أكرم من يعلم بني ثعلبة‬
‫انظر‪� :‬إ�س ��ماعيل بن القا�س ��م القايل‪،‬الأمايل‪( ،‬بريوت‪ ،‬د‪ .‬ن‪ ،‬د‪ .‬ت)‪ ،‬جـ ‪276 ،2‬؛ اجلا�س ��ر‪،‬حمد ‪ .‬يف �سراة غامد‬
‫وزهران‪.282 ،‬‬
‫((( ابن �س ��عد‪ ،‬حممد‪ .‬الطبقات‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬ج� �ـ ‪280 ،1‬؛ الأكوع؛ حممد‪ .‬الوثائق‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪87 ،‬؛ حممد حميد‬
‫اهلل‪ ،‬جمموعة الوثائق ال�سيا�س ��ية للعهد النبوي واخلالفة الرا�ش ��دة‪( ،‬بريوت‪ :‬دار النفائ�س‪ 1405 ،‬هـ‪ 1985 /‬م)‪،‬‬
‫‪ .240‬هناك وفود ور�س ��ائل عديدة متبادلة بني الر�س ��ول ﷺ و�أهل تهامة وال�سراة‪ ،‬مبن فيهم �سكان منطقة الباحة‬
‫(الغامدي ��ون والزهراني ��ون)‪ ،‬وفيها �إعالن ل�س ��كان هذه البالد عن �إ�س�ل�امهم �أمام ر�س ��ول اهلل ﷺ‪� ،‬أو عن طريق‬
‫وفودهم‪ ،‬ثم �إقرارهم من قبل الر�س ��ول ﷺ على بالدهم‪ ،‬على �أن يقيموا حدود اهلل يف �أوطانهم‪ ،‬ومن �ص ��يغ تلك‬
‫الكتب التي كان يدونها الر�س ��ول ﷺ لتلك الوفود قوله ﷺ ((ب�س ��م اهلل الرحمن الرحيم‪ .‬هذا كتاب من حممد‬
‫ر�س ��ول اهلل جلنادة الأزدي وقومه ومن تبعه‪ :‬ما �أقاموا ال�ص�ل�اة‪ ،‬و�آتوا الزكاة‪ ،‬و�أطاعوا اهلل ور�س ��وله‪ ،‬و�أعطوا من‬
‫املغ ��امن خم�س اهلل‪ ،‬و�س ��هم النبي ﷺ‪ ،‬وفارقوا امل�ش ��ركني‪ ،‬ف�إن لهم ذمة اهلل‪ ،‬وذمة حمم ��د بن عبد اهلل))‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫الأكوع‪،‬حممد‪ .‬الوثائق‪ ،‬مرجع �سابق‪86 ،‬؛ حميد اهلل‪،‬حممد‪ .‬جمموعة الوثائق‪ ،‬مرجع �سابق‪.239 – 238 ،‬‬
‫((( حميد اهلل‪ ،‬حممد‪ .‬جمموعة الوثائق‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪240 ،‬؛ ويذكر الأكوع �أن الر�س ��ول ﷺ كتب كتاب ًا لعمر بن عبد‬
‫اهلل الأزدي من غامد و�ض ��ح له فيه �ش ��رائع الإ�س�ل�ام‪ ،‬وذلك يف �ش ��هر رم�ض ��ان �س ��نة ع�ش ��ر‪ ،‬ومل يرو ن�ص الكتاب؛‬
‫الأكوع‪،‬حممد‪ .‬جمموعة الوثائق‪ ،‬مرجع �سابق‪.87 ،‬‬
‫((( يذكر ابن حجر �أن ا�س ��م هذا ال�ص ��حابي هو‪� :‬سعد بن �أبي ذئاب‪ ،‬ويذكر ابن الأثري �أن ا�سمه (�سعد بن �أبي ذباب)‪،‬‬
‫ويف اعتقادنا �أن اال�س ��م ال�ص ��حيح ما �أورده ابن حجر‪ .‬للمزيد انظر‪� :‬شهاب الدين �أحمد بن علي بن حجر‪ .‬الإ�صابة‬
‫يف متييز ال�صحابة‪( ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬د‪ .‬ت) (م�صورة من طبعة كلكتا‪ 1853 ،‬م)‪ ،‬مج ‪ ،2‬جـ ‪86 ،3‬؛ ابن‬
‫الأثري‪ ،‬عز الدين ‪� .‬أُ�سد الغابة‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.276 ،2‬‬
‫((( املرجعان ال�سابقان‪.‬‬
‫((( ملزيد من التف�ص ��يالت عن الأ�س ��ود العن�س ��ي وحتركاته ال�سيا�سية بني �ص ��نعاء والطائف‪ ،‬انظر‪ :‬الطربي‪ ،‬حممد بن‬
‫جرير‪ .‬تاريخ الأمم‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪ 230 ،3‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫انطالقه نحو ال�ش ��مال حتى �س ��يطر على مناطق عديدة بني �ص ��نعاء والطائف‪ ،‬وكانت بالد‬
‫الباح ��ة م ��ن املناطق التي نالها وم ��ا حولها الأذى من هذا امل ّدعي الكذاب(‪ .)1‬وعند �س ��ماع‬
‫الر�سول ﷺ بظهور الأ�سود العن�سي و�سوء فعاله �أر�سل �إىل عموم والته وجميع امل�سلمني يف‬
‫البالد املمتدة من مكة والطائف حتى اليمن يحثهم على التم�س ��ك بدين الإ�سالم‪ ،‬والثبات‬
‫يف ت�ص ��ديهم للأ�س ��ود العن�س ��ي‪ ،‬وحذرهم من االرتداد عن دين اهلل‪ .‬ثم �أر�س ��ل جرير بن‬
‫عبداهلل البجلي مع بع�ض �ص ��حابته‪ -،‬ر�ض ��وان اهلل عليهم‪� -‬إىل �سروات غامد وزهران وما‬
‫جاورها كي يت�ص ��دوا للمرتدين وامل�ؤيدين للأ�سود العن�سي يف تلك النواحي(‪ ،)2‬وبعد خروج‬
‫جرير من املدينة جتاه �سروات الباحة‪ ،‬وما يقع جنوبها من ال�سروات جاءه نب�أ وفاة الر�سول‬
‫ﷺ فع ��اد �إىل املدين ��ة دون �أن يوا�ص ��ل مهمت ��ه‪ ،‬ورمب ��ا �أن خرب وفاة الر�س ��ول ﷺ فجع‬
‫جرير ًا ومن كان معه من امل�سلمني فعاد �إىل املدينة كي يقف على جمريات الأحداث فيها‪.‬‬
‫وجن ��د �أن بع� ��ض رج ��ال غامد وزه ��ران ت�أملوا ملوت الر�س ��ول ﷺ‪ ،‬وكذل ��ك مما قام‬
‫به الأ�س ��ود العن�س ��ي ومن �س ��انده من �أهل الردة‪ ،‬فهذا �س ��واد بن قارب الدو�سي الزهراين‬
‫يحث قومه على التم�س ��ك بدين اهلل وعدم الرجوع �إىل غريه‪ ،‬فقال يف بع�ض خطبه لقومه‪:‬‬
‫((ي ��ا مع�ش ��ر الأزد �إن �س ��عادة الق ��وم �أن يتعظ ��وا بغريه ��م‪ ،‬وم ��ن �ش ��قاوتهم �أ َّال يتعظ ��وا‬
‫�إ ّال ب�أنف�س ��هم‪ ،‬و�أن من مل تنفعه التجارب �ض� � ّرته‪ ،‬ومن مل ي�س ��عه احلق مل ي�سعه الباطل‪...‬‬
‫�إلخ ))(‪ .)3‬وقد �سمع له قومه ومت�سكوا بالإ�سالم فقال يف ذلك‪:‬‬

‫و�أَ َرى املُ���� ِ���ص���ي��� َب��� َة َب��� ْع��� َده���ا ت������ ْزدا ُد‬ ‫����ك ال������� َغ�������دا َة � َ����س����واد‬ ‫َج������ َّل������تْ ُم����� ِ����ص����ي���� َب���� ُت َ‬
‫� َ���ص��� ّل���ى الإل��������� ُه َع���لَ���ي���ه َم�����ا َي��� ْع���ت���ا ُد‬ ‫�أَ ْب������� َق�������ى َل����� َن�����ا َف������ ْق������ ُد ال���� َّن����ب����ي محُ َ ����� َّم�����دٍ‬
‫َ������ل لمِ َ�������نْ َف���� َق���� َد ال��� َّن���ب َّ���ي ُف��������ؤا ُد‬
‫�أو ه ْ‬ ‫م����امِ ����راً‬ ‫ُح���� ْزن����اً َل���� َع���� ْم���� ُر َك يف ال����� ُف������ؤاد خُ َ‬
‫����اب َف������ ْأج�����د ََب ال������� ُر َّوا ُد‬ ‫جل���� َن ُ‬ ‫�����ف ا َ‬ ‫َج َّ‬ ‫م������رع������اً‬ ‫�������ل ِب��������ه َج������ َن������اب������اً مُ ْ‬ ‫ُك������ َّن������ا َن�������حِ ُّ‬
‫َو َت����� َ����ص���� َّدعَ����تْ َو ْج�������داً ِب����� ِه الأَ ْك����� َب�����ا ُد‬ ‫َف���� َب���� َك����تْ عَ����لَ����ي���� ِه �أَ ْر� ُ������ض������ َن������ا َو� َ�����س����� َم�����ا�ؤُ َن�����ا‬
‫َب�����اقٍ َل��� َع��� ْم��� ُر َك يف ال��� ُن��� ُف���و� ِ���س ت�لاد‬ ‫����ف َو ُح���� ْز ُن����ه‬ ‫����ط���� ِري ُ‬ ‫����ان هُ ����� َو ال َ‬ ‫َك������ا َن ال���� َع���� َي ُ‬
‫حل ُّ‬
‫����������ق َح ٌّ‬
‫��������ق واجلِ ��������هَ��������ا ُد جِ �����هَ�����ا ُد‬ ‫ا َ‬ ‫������ح������ َي������اتِ������ ِه‬‫�إ َّن ال������ َّن������ ِب������ي َو َف����������ا ُت����������ه َك َ‬
‫ُب�����ذِ َل�����تْ َل����� ُه الأَ ْم������������ َو ُال َوالأَوال ُد‬ ‫����ي محُ َ ���� َّم����داً‬ ‫َل������� ْو قِ����ي���� َل َت����� ْف�����دُون ال���� ِّن���� ِب َّ‬
‫�����اب والأَ� ْ�����ش�����هَ�����ا ُد‬
‫هَ������� َذا َل������ ُه الأَ ْغ�����ي�����ـ َ ُ‬ ‫َو َت����� َ����س����ا َرعَ����تْ فِ���ي��� ِه ال��� ُّن��� ُف���و� ُ���س ب��� َب��� ْذ ِل��� َه���ا‬
‫َل������ ْو َك�������ا َن َي���� ْف����دِ ي���� ِه َف���������دَا ُه � َ����س���� َوا ُد‬ ‫هَ�������������� َذا َوهَ������������������� َذا ال َي���������������� ُر ُّد َن������ ِب������ َّيِ������ َن������ا‬

‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬


‫((( املرجع ال�سابق؛ عبدالرحمن بن خلدون‪ ،‬تاريخ بن خلدون‪ ،‬حتقيق‪ :‬خليل �شحادة و�سهيل زكار‪( ،‬بريوت ‪ :‬دار الفكر‪،‬‬
‫‪ 1401‬هـ‪ 1981 /‬م )‪ ،‬جـ ‪.493 ،2‬‬
‫جـ ‪.140 ،1‬‬ ‫((( عبد الرحمن بن عبد اهلل ال�سهيلي‪ ،‬الرو�ض الأنف‪( ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة اجلمالية‪ 1332 ،‬هـ)‪،‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪92‬‬
‫�أَ ْم������������راً ع���ا����ص���ف���اً ِري������حِ ������ ِه �إِ ْرعَ������������ا ُد‬ ‫�إنيَّ �أُ َح�������������������ا ِذ ُر َوا َ‬
‫حل���������������������� َواد ُِث َج����� َّم����� ٌة‬
‫������ض � ْإن َر َج���� َف����تْ ِب��� َن���ا َ�أو َت�������ا ُد‬ ‫ِل��ل���أَ ْر ِ‬ ‫������اف َف������أَ ْن����� ُت����� ُم‬
‫������خ ُ‬‫� ْإن َح������� َّل مِ ����� ْن�����ه َم������ا ُي َ‬
‫ْ (‪)1‬‬
‫ت َو َل���ي���� َ���س لمِ َ���� ِن���� َّي���� ٍة ُم�����������زدَا ُد‬ ‫ُز ْد مُ ْ‬ ‫َل������و َزا َد َق�������وم َف���������و َق م���ن���ي���ة � َ����ص����احِ ����بٍ‬
‫ثالثا ً‪ -‬تاريخ الباحة يف العـهـد الرا�شــدي ‪:‬‬
‫وعند عودة جرير البجلي و�صحبه �إىل املدينة املنورة وجدوا امل�سلمني قد اجتمعوا على‬
‫را�ض عن رجوعهم من‬ ‫تن�صيب �أبي بكر ال�صديق خليفة للر�سول ﷺ‪ ،‬ووجدوا �أبا بكر غري ٍ‬
‫املهمة التي كلفهم بها الر�س ��ول ﷺ‪ ،‬فما كان منهم �إ ّال الذهاب �إىل �أر�ض ال�س ��راة ملحاربة‬
‫م ��ن ارتد من ع�ش ��ائر وقبائل تلك البالد‪ ،‬ف�س ��اروا �إىل بالد بجيل ��ة وخثعم ودو�س واحلجر‬
‫وغريهم فحاربوا من ارت َّد �أو عاد �إىل الوثنية وتغلبوا عليهم(‪.)2‬‬
‫والواقع �أن املرتدين يف بالد غامد وزهران كانوا قلة‪ ،‬وبخا�صة �إذا قورنوا ببقية �أجزاء‬
‫�شبه اجلزيرة العربية(‪ )3‬فالأ�سود العن�سي ـ كما �أ�شرنا ـ ظهر يف حوا�ضر اليمن الكربى‪ ،‬ثم‬
‫م َّد نفوذه �شما ًال حتى جنران وجر�ش و�سروات غامد وزهران‪ ،‬ووجد بع�ض امل�ؤيدين لدعوته‬
‫يف تل ��ك الأج ��زاء بل وجد من ب�ي�ن �أهل تلك البالد من يتولىَّ قي ��ادات عامة ينوبون عنه يف‬
‫ال�س�ي�ر بحركة االرتداد يف �أوطانهم‪ ،‬فيقنعون من بقي على دين الإ�س�ل�ام‪ ،‬ويحببون �إليهم‬
‫الردة‪� ،‬أو يهاجمون من يقف يف طريقهم من م�س ��لمي البالد �أنف�س ��هم‪� ،‬أو من �س ��ي�أتي من‬
‫ِقب ��ل املدين ��ة املنورة وما حولها ويحاربونهم‪ .‬ومن �أولئك امل�ؤيدين للعن�س ��ي عمرو بن معدي‬
‫ك ��رب الزُبيدي ب�أر�ض جنب (قحطان) وخثعم املجاورين ملنطقة الباحة من اجلنوب الذي‬
‫تزعم وفد ُزبيد عندما قدموا �إىل املدينة ليعلنوا �إ�س�ل�امهم �أمام الر�سول ﷺ‪ ،‬وبعد ظهور‬
‫العن�سي ارتد عمرو وان�ضم �إىل حزب املرتدين‪ ،‬فجعله العن�سي نائب ًا عنه يف البالد املمتدة‬
‫من جنران جنوب ًا �إىل بي�ش ��ة والباحة وتربة �ش ��ما ًال (‪ ،)4‬وبرز �إىل جانب عمرو مع العن�س ��ي‬
‫قي�س بن عبد يغوث الأزدي املرادي الذي واله العن�س ��ي �إمرة اجلي�ش العامة‪ ،‬كما �ش ��ارك مع‬
‫العن�س ��ي معاوية بن قي�س اجلنب ��ي‪ ،‬ويزيد بن الأفكل الأزدي‪ ،‬وجميعهم من قبائل ال�س ��راة‬

‫((( الزهراين‪ ،‬حممد‪ .‬بالد زهران‪ ،‬مرجع �سابق‪.23،‬‬


‫((( الطربي‪ ،‬حممد بن جرير‪ .‬تاريخ الأمم‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪322 ،3‬؛ ابن خلدون‪ ،‬عبدالرحمن ‪ .‬تاريخ‪ ،‬جـ ‪.493 ،2‬‬
‫((( الطربي‪ ،‬حممد بن جرير‪ .‬تاريخ الأمم‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.342- 322 ،3‬‬
‫((( لتف�صيالت �أكرث عن �شخ�صية عمرو بن معدي كرب منذ الع�صر اجلاهلي حتى �إ�سالمه ثم ارتداده‪ ،‬انظر‪ :‬الطربي‪،‬‬
‫حممد بن جرير‪ .‬تاريخ الأمم‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ‪ 230 ،2‬ـ ‪231‬؛ ابن ه�ش ��ام‪ ،‬عبد امللك‪ .‬ال�سرية‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬جـ‪،4‬‬
‫‪ 230‬ـ ‪231‬؛ ابن �س ��عد‪،‬حممد‪ .‬الطبقات‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ‪328 ،1‬؛ حممد بن عبد اهلل بن قتيبة‪ ،‬ال�شعر وال�شعراء‪،‬‬
‫(ب�ي�روت‪ :‬دار �إحي ��اء العلوم‪1407 ،‬هـ‪1987/‬م)‪ 240 ،‬ـ ‪242‬؛ �أحمد بن حممد ب ��ن عبد ربه‪ ،‬العقد الفريد‪ ،‬حتقيق‪:‬‬
‫مفيد حممد قميحة و�آخرين‪( .‬بريوت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1404 ،‬هـ‪1983/‬م)‪ ،‬جـ‪ 318 ،124 ،1‬ـ ‪.319‬‬
‫‪93‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫الواقع ��ة بني جنران والطائ ��ف (‪ .)1‬ويورد الطربي جتمع بع�ض الأفراد من ع�ش ��ائر بجيلة‪،‬‬
‫وخثع ��م‪ ،‬وغام ��د وزه ��ران‪ ،‬و�أفخاذ �أخرى يف تهامة وال�س ��راة‪ ،‬ثم ان�ض ��وائهم حتت زعامة‬
‫حمي�ضة بن النعمان بن حمي�ضة البارقي‪ ،‬ثم �إعالنهم ارتدادهم(‪ )2‬ورمبا احتدوا مع �أعوان‬
‫الأ�س ��ود العن�سي‪ ،‬ونهجوا نهج املرتدين يف �ش ��به اجلزيرة العربية‪ ،‬وبخا�صة امتناعهم عـن‬
‫دفع الزكاة‪ ،‬وعدم التقيد ببع�ض �أحكام الإ�سالم‪.‬‬
‫وال�س���ؤال الذي يطرح نف�سه هو‪ :‬كم كان حجم املرتدين يف منطقة الباحة؟ والواقع‬
‫�أن الإجابة عن هذا ال�س� ��ؤال �ص ��عبة؛ لأن امل�ص ��ادر الأوىل ال ت�س ��عفنا مبعلومات وافرة حتى‬
‫ن�ستطيع من خاللها معرفة حجم حركة االرتداد يف البالد املعنية بالدرا�سة يف هذا البحث‪،‬‬
‫ولك ��ن يف اعتقادنا ـ وكما �أ�ش ��رنا �س ��ابق ًا ـ �أن حجمها كان �أقل بكثري م ��ن حجمها يف �أجزاء‬
‫�أخرى من �شبه اجلزيرة‪ ،‬بدليل �أنه عندما عزم اخلليفة �أبو بكر ال�صديق ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬على حماربة املرتدين يف كل مكان‪ ،‬ف�إنه مل ير�س ��ل جي�ش� � ًا خا�ص� � ًا �إىل تلك البالد‪ ،‬و�إمنا‬
‫�أر�س ��ل جي�ش ًا مر مبكة املكرمة ثم الطائف‪ ،‬ثم �سلك طريقه عرب ال�سراة حتى و�صل �صنعاء‬
‫يف اليمن‪ ،‬ومرور مثل ذلك اجلي�ش ب�س ��روات الطائف‪ ،‬وغامد وزهران‪ ،‬وجر�ش (ع�س�ي�ر)‬
‫جعل ��ه ي�ص ��طدم ببع�ض املرتدين الذين يبدو �أن حجمهم وخطرهم مل ي�ص ��ل �إىل م�س ��توى‬
‫خطورة وحجم جماعة م�سيلمة الكذاب �أو طليحة بن خويلد الأ�سدي �أو مالك بن نويرة ومن‬
‫ارتد معهم‪� ،‬أو غريهم يف �أطراف �أخرى من جزيرة العرب(‪.)3‬‬
‫ومل يكتف اخلليفة �أبو بكر ال�صديق ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه ‪ -‬برد جرير بن عبداهلل البجلي‬
‫ومن كان معه �إىل حيث �أر�س ��لهم الر�س ��ول ﷺ من �أر�ض ال�س ��روات‪ ،‬و�إمنا �أ�صدر تعليمات‬
‫�أخرى �إىل عماله يف مكة املكرمة والطائف ي�أمرهم �أن ير�س ��لوا البعوث �إىل الباحة وع�س�ي�ر‬
‫(تهام ��ة و�س ��راة)‪ ،‬بل �إىل �أج ��زاء عديدة من ب�ل�اد اليمن ليجمعوا من بقي على الإ�س�ل�ام‬
‫هن ��اك‪ ،‬ث ��م يجاهدوا بهم من ارتد عن دين اهلل‪ ،‬فما كان م ��ن �أمري مكة املكرمة عتـاب بن‬
‫�أ�سيد‪� ،‬إ ّال االمتثال لأمر اخلليفة‪ ،‬و�أر�سل �أخاه خالد بن �أ�سيد �إىل الأجزاء التهامية الواقعة‬
‫جنوب مكة املكرمة واملمتدة �إىل بالد اليمن(‪ .)4‬كذلك �أر�س ��ل وايل الطائف‪ ،‬عثمان بن �أبي‬
‫العا�ص بعث ًا �إىل بالد ال�س ��روات املمتدة م ��ن جنوب الطائف �إىل اليمن‪ ،‬فذهب ذلك البعث‬
‫حتى اجتمع بجرير بن عبداهلل البجلي يف و�س ��ط ال�س ��راة ببالد دو�س وخثعم واحلجر‪ ،‬ثم‬
‫ذهب ��وا جميع ًا حتى التقوا بحمي�ض ��ة البارقـي‪ ،‬ومن كان معه من املرتدين يف �س ��راة جر�ش‬

‫((( الطربي‪،‬حممد بن جرير‪ .‬تاريخ الأمم وامللوك‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.232 – 230 ،3‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬جـ ‪.332 – 321 ،3‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬جـ ‪.342 – 223 ،3‬‬
‫جـ ‪.491 ،2‬‬ ‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬جـ ‪320 – 319 ،3‬؛ ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن‪ .‬تاريخ ابن خلدون‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪94‬‬
‫(ع�س�ي�ر) فحاربوهم حت ��ى هزموهم ومزقوهم �ش� �ـر ممزق(‪ ،)1‬وفر قائدهم حمي�ض ��ة بن‬
‫النعمان البارقي(‪ )2‬فارجتل عثمان بن �أبي ربيعة �شعر ًا يف هزميتهم قائ ًال‪:‬‬
‫وق�����د ت���ع���دي ع���ل���ى ال����غ����در ال��ف��ت��وق‬ ‫ف�������ض�������ض���ن���ا ج���م���ع���ه���م وال�����ن�����ق�����ع ك���ـ���اب‬
‫(‪)3‬‬
‫ف�����ع�����ادت خ��� ّل���ب���ا ت���ل���ـ���ك ال�����ب����روق‬ ‫و�أب��������������������������رق ب������������������ارق مل�����������ا ال�����ت�����ق�����ي�����ن�����ا‬
‫كم ��ا �أدى �إ�ص ��رار اخلليفة �أبي بكر على قت ��ال املرتدين �إىل جتهي ��ز جيو�ش عديدة يف‬
‫املدين ��ة‪ ،‬ث ��م �أر�س ��ل كل واحد منها �إىل ناحية لكي يت�ص ��دى للمرتدين‪ ،‬فكان ن�ص ��يب بالد‬
‫تهامة وال�س ��راة واليمن جي�ش ًا �أر�سله حتت قيادة املهاجر بن �أبي �أمية‪ ،‬فخرج ذلك اجلي�ش‬
‫متوجه ًا �صوب مكة املكرمة والطائف‪ ،‬ثم حترك جنوب ًا �إىل �سروات الباحة وجر�ش (ع�سري)‬
‫حت ��ى اليمن‪ .‬ويف �س ��روات غامد وزه ��ران التقى املهاجر بن �أبي �أمي ��ة بجرير بن عبداهلل‪،‬‬
‫ومن هناك وا�ص ��ل الرجالن �س�ي�رهما �إىل بالد جر�ش (ع�سري) ال�س ��روية‪ ،‬وعند منت�صف‬
‫الطري ��ق التق ��ى املهاجر الذي كانت له قي ��ادة اجليو�ش بعبدالرحمن بن �أب ��ي العا�ص قائد‬
‫اجلي�ش ب�إمرة وايل الطائف عثمان بن �أبي العا�ص‪ .‬وان�ضم لهذه اجليو�ش �أي�ض ًا عبداهلل بن‬
‫ثور من تهامة فوا�ص ��ل اجلميع �س�ي�رهم عرب بالد احلجر‪ ،‬وبي�ش ��ة وجر�ش حتى قدموا على‬
‫بالد جنران وما واالها من بالد اليمـن(‪ .)4‬وبعد معارك كثرية و�ص ��راع طويل متكن القادة‬
‫امل�سلمون من �إحراز الن�صر‪ ،‬وتال ذلك هزمية املرتدين وا�ست�سالمهم يف النهاية وعودتهم‬
‫�إىل الإ�سالم‪ ،‬الأمر الذي �أدى �إىل �أن �صارت بالد جنران وجر�ش (ع�سري) والباحة (�سراة‬
‫وتهامة) جزء ًا من �أجزاء اخلالفة الإ�سالمية يف عهد اخلليفة �أبي بكر ال�صديق(‪.)5‬‬
‫وبع ��د ذل ��ك بد�أت املرحلة الثانية يف تاريخ اخلليفة �أبي بكر ال�ص ��ديق ومن جاء بعده‬
‫من اخللفاء الرا�ش ��دين‪ ،‬وهي مرحلة الفتوحات الإ�سالمية‪ ،‬فانخرط الكثري من التهاميني‬
‫وال�سرويني مبنطقة الباحة يف جيو�ش امل�سلمني مثل غريهم من عرب �شبه اجلزيرة العربية‪،‬‬
‫و�أبلوا بالء ح�س ��ن ًا يف فتح بالد ال�شام‪ ،‬وم�صر‪ ،‬واملغرب‪ ،‬والأندل�س‪ ،‬وفار�س وغريها‪ ،‬وعمل‬
‫((( الطربي‪،‬حممد بن جرير‪ .‬تاريخ الأمم‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.328 ،322 – 320 ،3‬‬
‫((( كان �أغلبهم من قبائل الأزد وخثعم‪ ،‬ولكن بعد هزمية حمي�ض ��ة ومن ارتد معه‪ ،‬ثم تفريق جمعهم‪ ،‬عاد بع�ض ��هم �إىل‬
‫الإ�سالم‪ ،‬وفيما يظهر �أن حمي�ضة نف�سه عاد �إىل الإ�سالم‪� ،‬إذ نرى �أن �أمري امل�ؤمنني عمر بن اخلطاب بعثه مع �سعد‬
‫بن �أبي وقا�ص �إىل العراق ملحاربة الفر�س‪ .‬الطربي‪،‬حممد بن جرير‪ .‬تاريخ الأمم‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.484 ،3‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬جـ ‪.320 ،3‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬جـ ‪.330 – 326 ،322 ،3‬‬
‫((( انظ ��ر‪ :‬حممد ب ��ن �أحمد العقيلي‪ ،‬تاريخ املخالف ال�س ��ليماين‪( ،‬الريا�ض‪ :‬من�ش ��ورات دار اليمامة للبحث والرتجمة‬
‫والن�ش ��ر‪ 1402 ،‬هـ‪1982 /‬م)‪ ،‬جـ‪ 71 ،1‬وما بعدها؛ وللم�ؤلف نف�س ��ه‪ ،‬التاريخ الأدبي ملنطقة جازان‪( ،‬جازان‪ :‬نادي‬
‫ج ��ازان الأدبي‪1411،‬ه� �ـ‪1990/‬م)‪ ،‬ج� �ـ ‪ 25 ،1‬وم ��ا بعدها؛ وانظ ��ر‪� :‬أحمد بن عمر الزيلعي‪ ،‬الأو�ض ��اع ال�سيا�س ��ية‬
‫والعالقات اخلارجية ملنطقة جازان (املخالف ال�س ��ليماين) يف الع�ص ��ور الإ�س�ل�امية والو�سيطة‪( ،‬الريا�ض‪ :‬مطابع‬
‫الفرزدق‪ 1413 ،‬هـ‪ 1992 /‬م)‪ 25 ،‬وما بعدها‪ ،‬وللم�ؤلف نف�سه‪ " ،‬املواقع الإ�سالمية املندثرة يف وادي حلي (ق ‪9-3‬‬
‫هـ‪ 15-9 /‬م "‪ ،‬جملة كلية الآداب‪ ،‬ع ‪( ،7‬الكويت‪ :‬جامعة الكويت‪ ،‬كلية الآداب‪ 1406،‬هـ‪ 1986 /‬م)‪.77-1 ،‬‬
‫‪95‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫الكثري منهم على ن�شر الإ�سالم يف تلك البقاع الإ�سالمية اجلديدة وا�ستقر بع�ضهم يف بع�ض‬
‫احلوا�ضر من تلك الأم�صار‪ ،‬ثم �شاركوا يف كثري من الأن�شطة ال�سيا�سية واحل�ضارية‪.‬‬
‫واملالحظ �أن امل�صادر الإ�سالمية املبكرة ال تف�صح عن الأحداث التي وقعت يف منطقة‬
‫الباح ��ة‪� ،‬أو م ��ا يعرف بـب�ل�اد "غامد وزهران"‪ ،‬و�إمنا ت�ش�ي�ر فقط �إىل بع� ��ض الوقائع التي‬
‫حد ما‪ ،‬ال يف ت�سمية الأمكنة‪،‬‬ ‫حدثت يف بع�ض �أجزائها‪ ،‬مع �أن تلك الإ�شارات غري دقيقة �إىل ٍّ‬
‫وال يف دور احلوا�ض ��ر ب�شكل مف�ص ��ل‪ ،‬الأمر الذي ال يروي ظم�أ القارئ �إىل معرفة الأو�ضاع‬
‫ال�سيا�سية واحل�ضارية لهذه الأجزاء من هذه البالد‪ ،‬وهو بدوره ال ي�شكل �إال جزء ًا حمدود ًا‬
‫من املنطقة اجلغرافية الوا�س ��عة التي �أطلقنا عليها بالد تهامة وال�س ��راة‪ .‬ويف اعتقادي �أن‬
‫بالد غامد وزهران (تهامة و�سراة) مل تتغري يف و�ضعها ال�سيا�سي خالل القرنني الأولني وال‬
‫�س ��يما بعد االنتهاء من حروب الردة‪ ،‬ثم �صارت من الأجزاء التابعة للخالفة الإ�سالمية يف‬
‫املدينة املنورة‪� ،‬إذ عينّ اخلليفـة �أبو بكر‪ -‬ر�ضي اهلل عنه ‪ -‬عليها والي ًا ينظم �ش�ؤون النا�س‪،‬‬
‫ثم �س ��ار من بعده اخللفاء الرا�ش ��دون يف تعيني والة على �أهل تهامة وال�س ��راة يقومون على‬
‫�إدارة �ش�ؤونهم‪ ،‬والف�صل يف خ�صوماتهم‪ ،‬وجباية زكاة �أموالهم(‪.)1‬‬
‫و�إذا حاولن ��ا معرفة الدور الذي قامت به ب�ل�اد غامد وزهران وغريها من بالد تهامة‬
‫وال�س ��راة يف بع� ��ض الأح ��داث ال�سيا�س ��ية التي �أمل ��ت بالدولة الإ�س�ل�امية يف عه ��د اخللفاء‬
‫الرا�ش ��دين‪ ،‬وبخا�ص ��ة يف الفتنة الكربى يف عه ��د اخلليفة عثمان بن عف ��ان‪ ،‬والعالقة بني‬
‫اخلليفة علي بن �أبي طالب وبني معاوية بن �أبي �سفيان ‪ -‬ر�ضي اهلل عنهما‪ -‬جند �أن �سكان‬
‫هذه البالد �أ�سوة بغريها من �سكان اجلزيرة العربية قد انخرطوا ــ بالت�أكيد ــ يف هذه الفتنة‪،‬‬
‫ومنهم من ان�ض ��م �إىل اخلليفتني الرا�ش ��دين عثمان وعلي ‪-‬ر�ضي اهلل عنهما‪ ،-‬ومنهم من‬
‫كان �ض ��دهما‪ ،‬وبخا�ص ��ة الذين هاجروا من بالدهم وتوزعوا يف الأم�ص ��ار الإ�س�ل�امية من‬
‫احلجاز �إىل ال�ش ��ام‪ ،‬وم�ص ��ر‪ ،‬والعراق‪ ،‬وبالد فار�س(‪� .)2‬أما �سكان منطقة الباحة املقيمون‬
‫يف �أوطانهم فال تذكر لنا امل�صادر تف�صيالت عن تفاعلهم مع �أحداث تلك احلقبة ال�صعبة‪،‬‬
‫((( �صالح �أحمد العلي‪� " ،‬إدارة احلجاز يف العهود الإ�سالمية الأوىل " جملة �أبحاث‪ ،‬مج ‪� 4–1‬س ‪1968( 21‬م) ‪.57–3‬‬
‫ويذكر �أن �س ��عد بن �أبي ذئاب الدو�س ��ي الزهراين كان والي ًا للر�س ��ول ﷺ على قومه يف بالد زهران‪ ،‬وبقي يف عمله‬
‫�إىل عهد اخلليفة عمر بن اخلطاب‪ ،‬وت�ش�ي�ر بع�ض الروايات �إىل �أن �س ��عد ًا قدم على قومه يف عهد عمر‪ ،‬فقال‪((:‬يا‬
‫قوم �أدوا زكاة الع�سل ف�إنه ال خري يف مال ال ت�ؤدى زكاته‪ ،‬قالوا كما ترى‪ ،‬قال الع�شر‪ ،‬ف�أخذ منهم الع�شر فبعث به �إىل‬
‫عمر فجعله يف �صدقات امل�سلمني))؛ ابن الأثري‪ ،‬عز الدين ‪� .‬أ�سد الغابة‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬جـ‪276 ،2‬؛ ابن حجر‪�،‬شهاب‬
‫الدين ‪ .‬الإ�صابة‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬مج ‪ ،2‬جـ ‪76 ،3‬؛ ابن جري�س‪،‬غيثان‪ .‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة‪،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫جـ ‪ 57 ،1‬وما بعدها؛ اجلا�سر‪،‬حمد‪ .‬يف �سراة غامد وزهران‪ ،‬مرجع �سابق‪ 280 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( �أب ��و حمم ��د �أحمد الكويف بن �أعثم‪ ،‬كتاب الفت ��وح‪( ،‬بريوت‪ :‬دار الندوة اجلديدة‪ /‬م�ص ��ورة من طبعة جمل�س دائرة‬
‫املعارف العثمانية بحيدر �أباد‪ ،‬الدكن‪ ،‬الهند‪ ،‬د‪ .‬ت)‪ ،‬جـ ‪69 – 53 ،4‬؛ القا�ضي �أبو بكر حممد بن العربي‪ ،‬العوا�صم‬
‫من القوا�صم يف مواقف ال�صحابة بعد وفاة النبي ﷺ‪ ،‬حتقيق‪ :‬حمب الدين اخلطيب‪( .‬القاهرة‪ :‬املطبعة ال�سلفية‪،‬‬
‫‪ 1396‬هـ)‪.110 – 61 ،‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪96‬‬
‫ولكننا ال ن�س ��تبعد ت�أثريهم وت�أثرهم بالأحداث‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أنهم يقيمون يف منطقة ح�سا�سة‬
‫تربط بالد اليمن باحلجاز‪ .‬و�إن مل يكن ت�أثريهم مبا�شر ًا فرمبا كان عاطفي ًا ونف�سي ًا‪.‬‬
‫رابع ًا‪ -‬تاريخ الباحة يف العهدين الأموي والعبا�سي وما بعدهما‪:‬‬
‫‪ - 1‬الآثار ال�سلبية على انتقال اخلالفة من اجلزيرة العربية �إىل ال�شام والعراق ‪.‬‬
‫�س ��اد اال�ض ��طراب �ش ��به اجلزيرة العربية عموم ًا ومنطق ��ة الباحة ب�ش ��كل خا�ص بعد‬
‫انتهاء ع�ص ��ر اخللفاء الرا�شدين‪ ،‬و�أهمل ذكرها يف طيات امل�صادر‪ ،‬وا�ستمر ذلك الإهمال‬
‫والن�سيان خالل الع�صر الإ�سالمي الو�سيط‪ ،‬ولعل ذلك يرجع �إىل عدد من الأ�سباب ي�أتي يف‬
‫مقدمتها انتقال حا�ضرة اخلالفة الإ�سالمية‪ ،‬ومركز الثقل ال�سيا�سي والزعامة من احلجاز‬
‫�إىل خارجه‪� ،‬أي من املدينة املنورة �إىل خارج �شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬حيث انتقلت العا�صمة‬
‫�أو ًال �إىل الكوف ��ة يف عه ��د اخلليف ��ه علي ب ��ن �أبي طالب‪ ،‬ثم �إىل دم�ش ��ق يف بالد ال�ش ��ام ثم‬
‫�إىل بالد العراق‪ ،‬وقد �أدى انتقال ال�س ��لطة املركزية‪ ،‬والزعامة ال�سيا�سية‪ ،‬خلارج اجلزيرة‬
‫العربي ��ة �إىل ظه ��ور عدد من امل�ش ��كالت والعقبات ال�سيا�س ��ية التي كان لها انعكا�س ��ها على‬
‫النواحي احل�ضارية‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫�أ‪ -‬تقل�ص الدور ال�سيا�س ��ي ل�ش ��به اجلزيرة العربية فتحولت جميع �أجزائها �إىل جمرد‬
‫والية عادية �ض ��من واليات الدولة الإ�س�ل�امية‪ ،‬بعد �أن كانت مقر ًا لل�سلطة املركزية‬
‫يف ع�صري الر�سالة واخلالفة الرا�شدة‪ ،‬ومل تعد ت�شكل �أهمية عند خلفاء بني �أمية‬
‫وبن ��ي العبا�س‪ ،‬فيما عدا حوا�ض ��ر احلجاز الكربى التي ظلت له ��ا مكانتها الدينية‬
‫وال�سيا�س ��ية يف هذين الع�ص ��رين لكونهما ‪ -‬مك ��ة املكرمة واملدينة املن ��ورة‪ -‬مقر ًا‬
‫للحرمني ال�شريفني مبا لهما من مكانة مقد�سة يف نفو�س امل�سلمني‪ ،‬كما �أن ال�سيطرة‬
‫عليهم ��ا‪ ،‬والقائم على خدمتهما و�إ�س ��باغ احلماي ��ة عليهما‪ ،‬يحوز الر�ض ��ا والت�أييد‬
‫ال�سيا�سي والروحي من عامة امل�سلمني وخا�صتهم فرتتفع مكانتهم‪ ،‬وبالتايل تتحقق‬
‫املكا�سب ال�سيا�سية لأولئك ال�سا�سة لكونهم رعاة للمقد�سات الإ�سالمية‪.‬‬
‫ب‪� -‬أ�ص ��بحت �أجزاء �ش ��به اجلزي ��رة العربية الأخ ��رى خالف مكة املكرم ��ة واملدينة‬
‫املن ��ورة املقد�س ��تني‪ ،‬منذ ع�ص ��ري بن ��ي �أمي ��ة وبني العبا� ��س وعلى م ��ر القرون‬
‫الإ�س�ل�امية الو�سيطة هام�شية‪ ،‬حتت مظلة تلك احلكومات‪ ،‬فلم تعد لها الأهمية‬
‫والق ��در اللذان كانت عليهما يف ع�ص ��ري الر�س ��الة واخللفاء الرا�ش ��دين‪ ،‬ويعود‬
‫ذلك يف ر�أينا �إىل البعد اجلغرايف ملعظم �أجزاء اجلزيرة العربية عن احلا�ض ��رة‬
‫ال�سيا�س ��ية للدولة الإ�سالمية ويرجع ‪�-‬أحيان ًا‪� -‬إىل �صعوبة الت�ضاري�س‪ ،‬ما �أثر يف‬
‫�س ��هولة االت�ص ��االت فيما بني تلك البقاع والعا�صمة‪ ،‬وهذان ال�سببان نالحظهما‬
‫يف بالد ال�سروات التي تعد بالد غامد وزهران (تهامة و�سراة) جزء ًا منها‪.‬‬
‫‪97‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫و�إذا ما �سعينا لتقدمي درا�سة تاريخية ح�ضارية ملنطقة الباحة خالل هذه الفرتة‪ ،‬جند‬
‫�أن الأمر يزداد غمو�ض� � ًا لأن العقبات املذكورة �أعاله تكاد ت�شمل �أغلب نواحي �شبه اجلزيرة‬
‫حد ما‪ ،‬ف�إذا ما تطرقنا ملحاولة تقدمي درا�سة عن تاريخ‬ ‫العربية با�ستثناء بالد احلجاز �إىل ٍ‬
‫وح�ض ��ارة منطقة �ص ��غرية من �ش ��به اجلزيرة العربية مثل �أر�ض غامد وزهران وما �شابهها‬
‫ف�إننا نقابل ب�صمت امل�صادر تقريب ًا عن �إفادتنا ب�أي �شيء حيال هذا الأمر‪ ،‬فالعلماء و�أرباب‬
‫القلم ال يذهبون غالب ًا و�أبد ًا �إال �إىل املواطن التي يجدون فيها الدعم والرعاية‪ ،‬حيث ت�صنع‬
‫الأحداث ال�سيا�سية‪ ،‬ويقيم احلكام‪ ،‬ويزداد الرثاء احل�ضاري‪ ،‬وهذا ال يتوافر �إال يف احلوا�ضر‬
‫الكربى وعليه فقد توافدوا على بالط خلفاء بني �أمية وبني العبا�س و�أمرائهم ليكونوا قريبني‬
‫من الأحداث و�ص ��نع القرار‪ ،‬فرتكز اهتمامهم على الت�أريخ للدول و�شخ�ص ��يات احلكام دون‬
‫االهتمام بالت�أريخ ملو�ض ��وعات متخ�ص�ص ��ة �إال يف القليل النادر‪ ،‬و�إن كانوا قد دونوا �شيئ ًا يف‬
‫م�ص ��نفاتهم عن تاريخ و�أدب وح�ض ��ارة بالد بعيدة عن مواطنهم ومواقع ا�س ��تقرارهم مثل‬
‫البالد املعنية يف هذه الدرا�س ��ة وغريها من النواحي ال�ص ��غرية‪ ،‬فذل ��ك ال يكون �إال اعتماد ًا‬
‫عل ��ى الرواية ال�ش ��فهية‪� ،‬أو باالط�ل�اع على بع�ض امل�ص ��ادر املحلية لتلك الأوط ��ان وغالب ًا ما‬
‫تك ��ون تلك امل�ص ��ادر ن ��ادرة �أو معدوم ��ة‪ .‬وتزداد الأمور �ص ��عوبة على الباح ��ث �إذا ما تطرق‬
‫�إىل الدرا�س ��ات احل�ض ��ارية حيث ي�ص ��ادف ندرة يف املعلومات التي تت�صل بعدد من جوانب‬
‫املو�ض ��وع‪ ،‬لرتكيز امل�ؤرخ�ي�ن يف كتاباتهم على الت�أريخ ال�سيا�س ��ي‪ ،‬الأمر الذي جعل اجلوانب‬
‫احل�ض ��ارية واالهتمام بها ي�ض ��يع يف زحام ال�ص ��راعات ال�سيا�س ��ية‪ ،‬فقد يقر�أ الباحث كتب ًا‬
‫عديدة دون �أن يجد ن�ص ًا واحد ًا يتناول مظهر ًا من مظاهر التاريخ احل�ضاري ملنطقة ما‪.‬‬
‫فعل ��ى �س ��بيل املث ��ال �إذا ما طالعنا امل�ص ��ادر الإ�س�ل�امية على اختالفها م ��ن تاريخية‬
‫وجغرافية و�أدبية لرنى ما دونته عن منطقة الباحة يف الع�ص ��رين الأموي والعبا�س ��ي‪ ،‬نكاد‬
‫ال نظف ��ر بطائ ��ل‪ ،‬حيث اعرتاه ��ا الإهمال‪ ،‬ومر امل�ص ��نفون عليها وعلى ما ج ��رى فيها من‬
‫وقائع و�أحداث دون �أن يتناولوها �س ��واء ب�إيجاز �أو تف�ص ��يل‪ ،‬فمث ًال �إذا حاولنا معرفة طبيعة‬
‫النظام الإداري هناك‪ ،‬ف�إن امل�صادر ال متدنا مبعلومات وا�ضحة �أو �صريحة عن ذلك‪ ،‬فكل‬
‫ما �أ�شارت �إليه يف هذا ال�صدد ذكر �أ�سماء الوالة املع َّينني من ِقبل خلفاء بني �أمية‪ ،‬وكذلك‬
‫تف�ص ��ل لنا ماهية الأو�ض ��اع الإدارية‬
‫بني العبا�س على احلجاز �أو اليمن �أو البحرين دون �أن ِّ‬
‫يف تلك الأجزاء ال�صغرية (‪.)1‬‬
‫((( انظر‪ :‬تقي الدين حممد الفا�سي‪� ،‬شفاء الغرام ب�أخبار البلد احلرام‪ ،‬حتقيق‪ :‬جلنة من العلماء‪( .‬بريوت‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬د‪ .‬ت)‪ ،‬جـ‪167 – 166 ،2‬؛ العلي‪� ،‬ص ��الح �أحمد " �إدارة احلجاز يف الع�ص ��ور الإ�س�ل�امية الأوىل "‪ ،‬مرجع‬
‫�سابق‪.57 – 3 ،‬‬
‫‪Hugh. Kennedy, ((Centeral government and Provincial elites in the early Abbasid Caliphate)) Bulletin‬‬
‫‪of the School of Oriental and African Studies , 44( (1981), 26 – 38. S.B. Samadi “Some Aspects of the‬‬
‫‪theory of State and Administration Under the Abbasids“ Islamic culture, 29 (1955) ,120−150, Elie‬‬
‫‪Salem, Muslim Administration Islamic Culture, 33 (1959), 19−30.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪98‬‬
‫وبالن�س ��بة �إىل منطق ��ة الباحة – مو�ض ��وع ه ��ذا البحث – فقد تعدى ع ��دم االهتمام‬
‫بذكرها‪ ،‬و�إهمال وقائعها يف بطون امل�ص ��ادر للتاريخ احل�ض ��اري لي�شمل تاريخها ال�سيا�سي‬
‫�أي�ض� � ًا‪ ،‬فبدء ًا من الع�ص ��ر الأموي ال نكاد جند يف طيات امل�ص ��ادر على اختالفها وتنوعها‬
‫ما ي�ش ��في غليل الباحث من املعلومات املت�ص ��لة بهذه البالد ودورها ال�سيا�سي واحل�ضاري‪،‬‬
‫وكل م ��ا نعرث عليه ال يزيد على �ش ��ذرات متناثرة و�أغلبها يعالج مو�ض ��وع الثورات وحركات‬
‫الع�ص ��يان ال�سيا�سي التي �ش ��هدتها �أرجاء �ش ��به اجلزيرة العربية بعامة‪ ،‬واملناطق الغربية‬
‫واجلنوبية الغربية منها بخا�صة ونعني بها احلجاز واليمن‪ ،‬وت�أتي �أر�ض غامد وزهران وما‬
‫يجاورها �ضمنها‪.‬‬
‫‪ - 2‬بع�ض الفنت واحلركات ال�سيا�سية ‪:‬‬
‫�أ‪ -‬ثورة �أبي حمزة اخلارجي‪:‬‬
‫ويدع ��ى املختار بن ع ��وف الأزدي ال�س ��لمي الدو�س ��ي الزهراين‪ ،‬وم�س ��تقره يف مدينة‬
‫الب�ص ��رة بالعراق‪ ،‬وكان معا�ص ��ر ًا للخليفة الأموي مروان بن حممد اجلعدي ‪132–127‬هـ‬
‫(‪749–744‬م) وقد اعتاد �أبو حمزة ارتياد مكة املكرمة يف كل موا�س ��م احلج لن�شر مذهبه‬
‫اخلارج ��ي وحتري�ض النا�س على الفتنة‪ ،‬بغية الق�ض ��اء عل ��ى اخلالفة الأموية‪ ،‬وخلع مروان‬
‫ب ��ن حممد‪ .‬ويف ع ��ام (‪128‬هـ‪745/‬م) التق ��ى (املختار) ب�أحد رجال ح�ض ��رموت ويدعى‪،‬‬
‫عبد اهلل بن يحيى الكندي الذي اقتنع بدعوته‪ ،‬ودعاه للذهاب معه �إىل ح�ض ��رموت لن�ش ��ر‬
‫رغبه يف ذلك بقوله‪� (( :‬إنني رجل‬ ‫دعوته بني قومه‪ ،‬و�أ�شارت بع�ض امل�صادر �إىل �أن الكندي َّ‬
‫مط���اع يف قوم���ي فاذه���ب مع���ي �إىل بالدي لتجد الن�ص���رة واملنعة ))‪ ،‬وبالفعل ا�ستح�س ��ن‬
‫�أبو حمزة الر�أي‪ ،‬وخرج ب�ص ��حبة الكندي �إىل بالد ح�ضرموت‪ ،‬حيث طفق �أبو حمزة ين�شر‬
‫�أفكاره‪ ،‬ودعا باخلالفة �إىل عبداهلل بن يحيى الكندي الذي تلقب بـ"طالب احلق"‪،‬ثم اجتمع‬
‫من حولهما عدد كبري من بالد ح�ضرموت وما حولها‪ ،‬فتكون لهما جي�ش كبري توجها به �إىل‬
‫مدينة �ص ��نعاء فا�س ��تولوا عليها وطردوا عمال بني �أمية منها‪ ،‬ثم امتد نفوذهما حيث خرج‬
‫�أبو حمزة اخلارجي على ر�أ�س جي�ش قوامه �ألف رجل فعرب بالد �ص ��عدة وجنران و�س ��روات‬
‫ع�سري والباحة حتى دخلوا مكة املكرمة فا�ستولوا عليها ووا�صلوا طريقهم �شما ًال �إىل املدينة‬
‫املنورة فا�س ��تطاعوا ال�سيطرة عليها(‪ ،)1‬وو�ص ��لت �أخبار تلك احلركة اخلارجية وا�ستيالئها‬

‫((( الطربي‪ ،‬حممد بن جرير‪ .‬تاريخ الأمم‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ ‪402–393 ،376-374 ،7‬؛ علي بن �أبي الكرم بن الأثري‪،‬‬
‫الكام ��ل يف التاري ��خ‪ ،‬حتقيق‪ :‬نخبة م ��ن العلماء‪( .‬بريوت‪ :‬دار الكت ��اب العربي‪ 1405 ،‬ه� �ـ‪ 1985 /‬م)‪ ،‬جـ ‪97 ،4‬؛ �أبو‬
‫احل�سن علي اخلزرجي‪ ،‬الكفاية والأعالم‪ ،‬اجلزء اخلا�ص باليمن يف عهد الوالة من حتقيق‪ :‬را�ضي دغفو�س‪( .‬تون�س‪:‬‬
‫من�ش ��ورات اجلامعة التون�س ��ية‪ 1979 ،‬م) ‪75 – 74‬؛ يحيى بن احل�س�ي�ن بن القا�س ��م‪ ،‬غاية الأماين يف �أخبار القطر‬
‫اليماين‪ ،‬حتقيق‪� :‬سعيد عبد الفتاح عا�شور (القاهرة‪ :‬دار الكاتب العربي‪ 1388 ،‬هـ‪ 1968 /‬م)‪ ،‬جـ ‪.125 – 124 ،1‬‬
‫‪99‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫عل ��ى �أغلب بالد اليمن وال�س ��روات واحلجاز �إىل م�س ��امع اخلليفة مروان ب ��ن حممد ف�أع ّد‬
‫جي�ش� � ًا قوامه �أربعة �آالف مقاتل و�أ�سند قيادته �إىل عبدامللك بن عطية ال�سعدي عام ‪130‬هـ‬
‫(‪747‬م)‪ ،‬فخرج على ر�أ�س هذا اجلي�ش قا�ص ��د ًا املدين ��ة املنورة‪ ،‬وجنح يف �إحلاق الهزمية‬
‫ب�أبي حمزة اخلارجي‪ ،‬الذي خرج فار ًا �إىل مكة املكرمة‪ ،‬فلحق به ابن عطية ليهزمه للمرة‬
‫الثانية‪ ،‬ويتمكن من قتله‪ ،‬وت�شتيت �شمل �أن�صاره‪ ،‬ثم حز ر�أ�سه و�أر�سله �إىل مروان بن حممد‬
‫ومعه كتاب يب�شره فيه بالن�صر وقهر اخلوارج(‪.)1‬‬
‫�أما �أن�صار اخلارجي‪ ،‬فقد عاد من جنا منهم �إىل �صنعاء مرور ًا ب�سراة غامد وزهران‪،‬‬
‫و�أج ��زاء من ب�ل�اد جنران‪ ،‬و�أخربوا طالب احلق بالهزمية‪ ،‬فخ ��رج على ر�أ�س جمموعة من‬
‫�أن�صاره �إىل �أر�ض جنران ثم بي�شة والباحة‪ ،‬ومنها اجته �إىل الطائف لي�أخذ بث�أر �أبي حمزة‬
‫ورجال ��ه‪ ،‬ومين ��ع زحف اجلي�ش الأموي على اليمن‪ ،‬فالتقى ب�أب ��ي عطية يف نواحي الطائف‪،‬‬
‫حي ��ث �أحل ��ق القائد الأم ��وي الهزمية بطالب احل ��ق وقتله مع عدد كبري م ��ن رجاله‪ ،‬ومزق‬
‫اخلوارج كل ممزق‪ ،‬ومل ينج �إال من الذ بالفرار �إىل �ص ��نعاء‪ ،‬وت�ش�ي�ر امل�صادر �إىل تفا�صيل‬
‫املعركة حيث تذكر �صمود اخلوارج وذودهم عن �أنف�سهم بب�سالة �إىل �أن متكن الأمويون من‬
‫فت يف ع�ضدهم وهزموا (‪.)2‬‬ ‫زعيمهم (طالب احلق) فقتلوه‪ ،‬عندئذ ّ‬
‫مل يكت ��ف ابن عطية بالق�ض ��اء عل ��ى اخلوارج يف احلج ��از‪ ،‬وقتل �أبي حم ��زة‪ ،‬وطالب‬
‫احلق بل ر�أى �ض ��رورة ا�ستئ�صال �ش� ��أفتهم بالكلية من بالد اليمن‪ ،‬فتوجه عرب �أر�ض غامد‬
‫وزهران‪ ،‬وجر�ش (ع�س�ي�ر) حتى و�صل جنران ثم �ص ��نعاء فغادرها �أتباع طالب احلق‪ ،‬وما‬
‫زال ابن عطية يالحقهم يف كل �صقع من �أ�صقاع اليمن حتى قتلهم و�أبادهم (‪.)3‬‬
‫ب‪ -‬ثورات العلويني وغريهم ‪:‬‬
‫وتتابعت الفنت وحركات املعار�ض ��ة �ض ��د خالفة بن ��ي العبا�س‪ .‬وكان ��ت احلجاز وبالد‬
‫اليم ��ن وما بينها �أر�ض تهامة وال�س ��راة‪ ،‬م�س ��رح ًا لعدد من هذه الثورات‪ ،‬وال �س ��يما ثورات‬
‫العلويني الذين كانوا من �أكرث العنا�ص ��ر �ش ��غب ًا‪ ،‬حيث �أثاروا عدد ًا من القالقل يف وجه بني‬
‫العبا�س‪ ،‬وهددوا ا�ستقرار اخلالفة و�سيطرة عمالها يف تلك البالد(‪.)4‬‬

‫((( الطربي‪ ،‬حممد‪ .‬تاريخ‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪،‬جـ ‪393 ،7‬؛ اخلزرجي‪ ،‬علي‪ .‬الكفاية‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪74 ،‬؛ ابن القا�سم‪ ،‬يحيى‬
‫بن احل�سني‪ ،‬غاية الأماين‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.125-124 ،1‬‬
‫((( الطربي حممد‪ .‬تاريخ‪،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪394 – 393 ،7‬؛ اخلزرجي‪،‬علي‪ .‬الكفاية‪ ،‬مرجع �سابق‪.75 – 74 ،‬‬
‫((( ابن القا�سم‪ ،‬يحيى بن احل�سني‪ ،‬الهادي‪ .‬غاية الأماين‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪ ،126 -124 ،1‬وللمزيد انظر‪ :‬ابن الأثري‪،‬‬
‫علي‪ .‬الكامل‪،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.297 ،4‬‬
‫((( للمزيد عن ثورات العلويني �ض ��د العبا�س ��يني خالل القرنني (‪ 3-2‬هـ‪9 -8 /‬م)‪ ،‬انظ ��ر‪ :‬الطربي‪ ،‬حممد بن جرير‪.‬‬
‫تاريخ الأمم‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪ 517 ،7‬وما بعدها‪ ،‬جـ ‪ ،533 – 528 ،203– 193 ،8‬جـ ‪.276 – 271 ،9‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪100‬‬
‫وت�شري امل�صادر �إىل �أن العلويني قد انتهزوا ن�شوب النزاع بني الأمني وامل�أمون‪ ،‬ووجدوا‬
‫يف ذلك فر�صة �سانحة لن�شر دعوتهم يف البالد‪ ،‬فخرج حممد بن �إبراهيم العلوي املعروف‬
‫باب ��ن طباطب ��ا على امل�أمون بالكوفة عام ‪199‬هـ (‪814‬م)‪ ،‬و�ص ��ار يدعو �إىل �آل الر�ض ��ا من‬
‫�آل حممد‪ ،‬وعاونه يف ن�شر دعوته قائد جنده �أبو ال�سرايا ابن من�صور ال�شيباين الذي ا�ستوىل‬
‫على الكوفة‪ ،‬وطرد والة بني العبا�س منها (‪ .)1‬وعندما تويف حممد بن �إبراهيم وىل �أبو ال�سرايا‬
‫بدله غالم ًا من العلويني يدعى حممد بن حممد بن يزيد‪ ،‬ثم �أر�سل والة من العلويني �إىل مكة‬
‫واملدينة وبالد ال�س ��راة واليمن‪ ،‬وكان داود بن عي�س ��ى بن مو�سى والي ًا لأمور مكة واملدينة من‬
‫ِقبل اخلالفة العبا�س ��ية‪ ،‬حينما وجه �أبو ال�س ��رايا �إىل مكة ح�س�ي�ن بن ح�سن الأفط�س العلوي‪،‬‬
‫و�إىل املدينة حممد بن �سليمان بن داود بن ح�سن بن احل�سني بن علي بن �أبي طالب‪ ،‬فدخلوها‬
‫دون قتال‪ ،‬وقد �ش ��جع ذلك بع�ض العلويني بزعامة �إبراهيم بن مو�س ��ى بن جعفر وجماعة من‬
‫�أهل بيته مبكة على مد الثورة �إىل بالد ال�س ��راة ف�ش ��ملت الطائف‪ ،‬وامتدت حتى و�ص ��لت �إىل‬
‫تربة وبالد غامد وزهران وجر�ش (ع�س�ي�ر)‪ ،‬فيما و�ص ��لت �إىل جنران و�ص ��نعاء دون مقاومة‬
‫تذكر‪ ،‬حتى �إن �إ�س ��حاق بن مو�س ��ى بن عي�س ��ى بن عبا�س وايل اليمن من ِقبل امل�أمون عندما‬
‫�س ��مع بقدوم �إبراهيم بن مو�سى ف ّر هارب ًا(‪ .)2‬وتذكر امل�صادر �أن �إبراهيم بن مو�سى نكل بكل‬
‫من اعرت�ض طريقه‪ ،‬و�أ�س ��رف يف القتل حتى لقب باجلزار‪ ،‬وا�س ��توىل على كثري من الأموال‬
‫والذخائر خالل الطريق من احلجاز �إىل الباحة وجنران ثم �صنعاء(‪.)3‬‬
‫وبع ��د �أن متت ال�س ��يطرة للعلوي�ي�ن على اليمن‪ ،‬رغ ��ب �إبراهيم بن مو�س ��ى العودة �إىل‬
‫مكة املكرمة واملدينة لإحكام ال�س ��يطرة عليهما فخرج من اليمن قا�ص ��د ًا احلجاز عرب بالد‬
‫جنران وجر�ش والباحة حتى و�ص ��ل �إىل مكة‪ ،‬ولكنه مل ي�ستطع ال�سيطرة عليها‪ ،‬حيث �سبقه‬
‫اخلليفة امل�أمون ب�إر�س ��ال جي�ش كبري �إليها عام ‪200‬هـ (‪815‬م) بقيادة �إ�س ��حاق بن هارون‬
‫الر�شيد حلفظ الأمن يف احلرمني‪ ،‬وقمع �أي بادرة للفتنة والع�صيان‪ ،‬وت�صدى هذا اجلي�ش‬
‫لإبراهيم بن مو�س ��ى و�أحلق به الهزمية‪ ،‬وفرق جموعه وعاد �إىل اليمن مهزوم ًا‪ ،‬و�ض ��اعت‬
‫هيبته‪ ،‬وبخا�ص ��ة بعد هزميته‪ ،‬ومقتل �أبي ال�س ��رايا يف بالد العراق على يد جي�ش عبا�س ��ي‬
‫�آخر لتنتهي �أحداث هذه الثورة العلوية التي كادت تف�ص ��ل بالد احلجاز وال�س ��راة وجنران‬
‫و�صعدة و�صنعاء عن بالد اخلالفة العبا�سية (‪.)4‬‬

‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬جـ ‪536 – 528 ،8‬؛ ابن الأثري‪،‬علي‪ .‬الكامل‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.177 – 173 ،5‬‬
‫((( الطربي‪،‬حممد بن جرير‪ ،‬تاريخ الأمم‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.540 – 529 ،8‬‬
‫((( املرجع ال�س ��ابق‪ ،‬جـ ‪356 – 535 ،8‬؛ ابن الأثري‪ ،‬علي‪ .‬الكامل‪،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ ‪177 ،5‬؛ مطهر بن طاهر املقد�سي‪،‬‬
‫كتاب البدء والتاريخ‪ ،‬حتقيق‪� :‬س‪ .‬هورت‪( .‬باري�س‪ :‬د‪ .‬ن‪ 1916 ،‬م)‪ ،‬جـ ‪.109 ،6‬‬
‫((( اليعقوبي‪�،‬أحمد‪ .‬تاريخ اليعقوبي‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ‪448 ،2‬؛ الطربي‪،‬حممد بن جرير‪ .‬تاريخ الأمم‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪،‬‬
‫جـ ‪ 535 ،8‬وما بعدها ؛ ابن الأثري‪ ،‬علي ‪ .‬الكامل‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ‪.177 ،5‬‬
‫‪101‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫يدب يف ج�س ��م اخلالفة‬ ‫ومن ��ذ القرن الثالث الهجري‪،‬التا�س ��ع امليالدي بد�أ ال�ض ��عف ُّ‬
‫العبا�س ��ية‪ ،‬فقام بع�ض �أهل ال�س ��روات وتهامة و�أعلنوا انف�ص ��الهم عن والية احلجاز‪ ،‬وقام‬
‫�أم�ي�ر من احلراميني يف حلي بن يعقوب بتهامة(‪ ،)1‬وا�س ��تقل اب ��ن طرف مبخالف حكم يف‬
‫منطق ��ة جازان (‪ ،)2‬وقامت فتنة يف بالد عك والأ�ش ��اعرة يف بع� ��ض الأجزاء من تهامة (‪.)3‬‬
‫ومل ي�أت ع�ص ��ر اخلليفة العبا�س ��ي امل�أمون �إ ّال وبع�ض من �أجزاء خماليف ال�سروات‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫بالد الباحة‪ ،‬وجنران‪ ،‬واليمن‪ ،‬وبع�ض الأجزاء التهامية قد �أعلنت ثورتها وا�س ��تقاللها عن‬
‫اخلالفة‪ ،‬وعندئذ التفت امل�أمون يف ج ّدية �إىل تلك املناطق اجلنوبية‪ ،‬فبعث حممد بن زياد‬
‫�إىل ح ��رب الأ�ش ��اعرة‪ ،‬والعكيني يف تهامة‪ ،‬وكانوا �أكرث الأط ��راف خطورة جتاه اخلالفة يف‬
‫تل ��ك الب�ل�اد‪ ،‬وقال لـه‪� (( :‬أ�س���معني �ص���وتهم ))‪� ،‬أي يقاتلهم بقوة ال هوادة فيها‪ ،‬فو�ص ��ل‬
‫اب ��ن زياد مزود ًا بامل ��ال والرجال و�أهل ال ��ر�أي‪ ،‬ومتكن من �إخماد الأ�ش ��اعرة وغريهم‪ ،‬بل‬
‫التنكيل بهم(‪ .)4‬وتفرغ ل�س ��كان ال�س ��روات وتهامة واملناطق الأخرى التي �أعلنت انف�ص ��الها‬
‫عن الواليات التابعة لها‪ ،‬فا�ستعمل الرتغيب والرتهيب ودعوة املن�شقني �إىل الوحدة‪ ،‬وعدم‬
‫اخل ��روج ع ��ن اجلماعة‪ ،‬والرجوع �إىل طاعة اخلليفة‪ ،‬وتعهد ب�إرج ��اع كل منهم �إىل �إمارته‪،‬‬
‫فوافقوا وعادوا �إىل الطاعة‪ ،‬وقاموا ب�إر�سال اخلراج‪ ،‬ولكن هذا الأمر مل ي�ستمر‪ ،‬فبعد موت‬
‫حممد بن زياد‪ ،‬جاء من بعده �أمراء �ضعاف فلم ي�ستطيعوا �إحكام القب�ضة على البالد التي‬
‫كانت يف حوزة الدولة الزيادية‪ ،‬فقام كل �أمري �أو �ش ��يخ قبيلة ي�س ��تقل بناحيته‪� ،‬أما خماليف‬
‫تهامة وال�سراة املمتدة من �شمال جنران حتى الطائف‪ ،‬فقد بقيت �شكلي ًا �أو �إ�سمي ًا مرتبطة‬
‫بعامل احلجاز (‪.)5‬‬
‫‪ - 3‬الأو�ضاع العامة لبالد الباحة وما جاورها بعد القرن الرابع الهجري ‪ /‬العا�شر امليالدي ‪.‬‬
‫وبع ��د القرنني‪ :‬الثالث والرابع الهجريني (التا�س ��ع والعا�ش ��ر امليالدي�ي�ن)‪ ،‬ال جند ما‬
‫يو�ض ��ح لنا تاريخ بالد غامد وزهران وما حولها‪ ،‬و�إمنا �أ�ش ��ارت بع�ض امل�صادر �إىل �أحداث‬

‫((( العقيلي‪،‬حمم ��د بن �أحمد‪ .‬تاريخ‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬ج� �ـ ‪67 ،1‬؛ البالدي‪ ،‬عاتق بن غيث‪ .‬بني مكة وح�ض ��رموت‪،‬مرجع‬
‫�سابق‪200 ،177 – 176 ،‬؛ الزيلعي‪� ،‬أحمد‪ " .‬املواقع الإ�سالمية املندثرة‪ ،" ...‬مرجع �سابق‪ 9 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( للمزيد عن �س ��ليمان بن طرف احلكمي‪ ،‬حاكم خمالف حكم خالل الع�ص ��ور الإ�س�ل�امية املبكرة‪ ،‬انظر‪ :‬العقيلي‪ ،‬حممد‬
‫بن �أحمد‪ .‬تاريخ‪،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪ ،71 ،1‬وما بعدها؛ الزيلعي‪� ،‬أحمد‪ ،‬الأو�ضاع ال�سيا�سية‪،‬مرجع �سابق‪ 12 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( انظر الطربي‪ ،‬حممد بن جرير‪ .‬تاريخ الأمم‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪ ،‬جـ ‪321 – 320 ،3‬؛ عبد اهلل بن عبد العزيز البكري‪،‬‬
‫معجم ما ا�س ��تعجم من �أ�س ��ماء البالد واملوا�ضع‪ ،‬حتقيق‪ :‬م�صطفى ال�س ��قا‪( .‬بريوت‪ :‬عامل الكتب‪ 1403 ،‬هـ‪1983 /‬‬
‫م)‪ ،‬مج ‪ ،2‬جـ ‪.962 ،3‬‬
‫((( عبد اهلل اجلرايف‪ ،‬املقتطف من تاريخ اليمن‪( ،‬بريوت‪ :‬من�ش ��ورات الع�ص ��ر احلديث‪ 1407 ،‬هـ‪ 1987 /‬م)‪107– 105 ،‬؛‬
‫حممد بن �أحمد العقيلي‪ ،‬التاريخ الأدبي ملنطقة جازان‪( ،‬جازان‪ :‬نادي جازان الأدبي‪1411 ،‬هـ)‪ ،‬جـ ‪.20 – 17 ،1‬‬
‫((( اجلرايف‪،‬عبداهلل‪ .‬املقتطف‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪107– 105 ،‬؛ العلي‪� ،‬ص ��الح �أحمد‪� " .‬إدارة احلجاز‪ ،" ...‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫‪ 24‬وما بعدها‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪102‬‬
‫�سيا�س ��ية حدثت يف بالد اليمن �أو بالد تهامة �أو ال�س ��راة‪ ،‬الواقعة �إىل اجلنوب من مدينتي‬
‫الطائف ومكة املكرمة التي اكت�س ��بت �ص ��بغة العمومية‪ ،‬و�أحيان ًا جند فيها �ش ��ذرات ت�ش�ي�ر‬
‫�إىل تاريخ املدن الكربى مثل‪ :‬زبيد‪ ،‬و�ص ��عدة‪ ،‬و�ص ��نعاء‪ ،‬وهي �أ�سماء ال تعطينا ما نريده عن‬
‫تاريخ الديار الغامدية والزهرانية يف الع�صر الإ�سالمي الو�سيط‪ ،‬وال تبني لنا مدى م�شاركة‬
‫�أهلها يف امل�ض ��مار احل�ضاري للحوا�ضر ال�سابقة الذكر‪ .‬ولعل يف كتب اجلغرافيا والرحالت‬
‫ما يلقي ب�صي�ص� � ًا من ال�ض ��وء على ب�ل�اد غامد وزهران خالل الفرتة حم ��ل البحث‪ ،‬حيث‬
‫جرت العادة �أن تذكر الكتب حمل الإ�ش ��ارة ال�س ��روات وتهامة الواقعة بني جنران وجازان‬
‫جنوب� � ًا والطائف ومكة �ش ��ما ًال‪ ،‬وفيها بالد غامد وزهران‪ ،‬وبخا�ص ��ة عندم ��ا تذكر الطرق‬
‫التجارية املارة بها والوا�صلة بني حوا�ضر اليمن واحلجاز‪.‬‬
‫فاب ��ن الفقيه يقول‪� ....(( :‬س���راة بني تهام���ة وجند �أدناها بالطائف‪ ،‬و�أق�ص���اها قرب‬
‫�ص���نعاء‪ ،‬وال�س���روات �أر�ض عالية‪ ،‬وجبال م�ش���رفة على البحر من الغرب وعلى جند من‬
‫ال�ش���رق‪ ،‬والطائف من �س���راة بني ثقيف‪ ،‬وهو �أدنى ال�سروات �إىل مكة‪ ،‬ومعدن الربم هي‬
‫ال�س���راة الثاني���ة‪ ،‬ب�ل�اد ع���دوان يف برية الع���رب‪ ،‬وبها مع���دن البل���ور‪ )1()) ...‬ويذكر ياقوت‬
‫معلوم ��ات جي ��دة‪ ،‬ومكملة ملا ذكره اب ��ن الفقيه فيقول "‪ ...‬وال�س���راة الثالث���ة �أر�ض عالية‬
‫وجب���ال م�ش���رفة عل���ى البح���ر الأحم���ر م���ن الغ���رب وعلى جن���د من ال�ش���رق‪ ،‬و�س���راة بني‬
‫�ش���بابة‪ ،)2( "...‬ثم ي�ش�ي�ر �إىل بع�ض الأجزاء الواقعة �إىل الغرب من ال�س ��روات فيورد الآتي‬
‫((‪ ...‬وب�أ�سفل ال�سروات �أودية ت�صب �إىل البحر الأحمر منها‪ :‬الليث‪ ،‬وقنونا‪ ،‬والأح�سبة‪،‬‬
‫و�ض���نكان‪ ،‬وع�ش���م‪ ،‬وبي�ش‪ ،‬ومركوب‪ ،‬وعليب))(‪ .)3‬ويتفق كل من القزويني وياقوت احلموي‬
‫على �أن �أهل ال�سراة القاطنني من الطائف �شما ًال حتى �صعدة جنوبـ ًا مـن �أف�صـح النا�س لغة‪،‬‬
‫و�أكرث َمنْ ات�س ��مت �أل�س ��نتهم ببالغة القول‪ ،‬كهذيل القاطنة بجوار الطائف‪ ،‬وبجيلة وثقيف‬
‫و�أزد ال�سراة (غامد وزهران) وما جاورها بالغة وبيان ًا(‪ .)4‬وزيادة يف القول ي�ضيف املقد�سي‬
‫من �أبناء القرن الرابع الهجري (العا�ش ��ر امليالدي)‪ ،‬معلومات �أكرث تف�ص ��ي ًال من �سابقيه‪،‬‬
‫فيذكر �أ�سماء بع�ض املواقع ما بني �صعدة وجنران جنوب ًا والطائف �شما ًال‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬
‫(( القبائ���ل ت�أخ���ذ من ال�س���روات نحو �أهل ال�ش���ام فتقع يف �أر����ض الأغ ّر بن هيثم‪ ،‬ثم‬
‫تخرج �إىل ديار يعلى بن �أبي يعلى‪ ،‬ثم �إىل �سردد‪ ،‬ثم �إىل ديار عنز بن وائل يف بني غزية‪،‬‬
‫((( �أب ��و بك ��ر �أحم ��د بن الفقيه‪ ،‬كتاب البل ��دان‪ ،‬حتقيق‪� :‬أم‪ .‬دي‪ .‬خوي ��ة‪( .‬ليدن‪ :‬مطبعة بريل‪ 1302 ،‬ه� �ـ‪ 1884 /‬م)‪،‬‬
‫‪.32 – 31‬‬
‫((( ياقوت‪�،‬شهاب الدين‪ .‬معجم البلدان‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.205 – 204 ،3‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬
‫((( زكريا حممد القزويني‪� ،‬آثار البالد و�أخبار العباد‪( ،‬بريوت‪ :‬دار بريوت‪ 1404 ،‬هـ‪ 1984 /‬م)‪89 ،‬؛ ياقوت‪� ،‬ش ��هاب‬
‫الدين‪ .‬معجم البلدان‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.205 ،3‬‬
‫‪103‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫ث���م تق���ع يف دي���ار جر����ش‪ ،‬والعتل وجالجل‪ ،‬ث���م �إىل ديار ال�ش���قرة وبها خثع���م‪ ،‬ثم يف ديار‬
‫احلارث (غامد وزهران) ثم يف �شكر وعامر‪ ،‬ثم يف بجيلـة‪ ،‬ثم يف فهم‪ ،‬ثم يف بني عا�صم‪،‬‬
‫مما ذكره املقد�س ��ي �أنه‬‫ثم يف عدوان‪ ،‬ثم يف بني �س���لول‪ ،‬ثم يف مطار‪ .)1()) ....‬وي�س ��تدل ّ‬
‫ربط ما بني ذكر الأمكنة الواقعة ما بني �صعدة والطائف والقبائل القاطنة فيها‪.‬‬
‫وي�ش�ي�ر ابن املجاور من م�ؤرخي القرن ال�س ��ابع الهجري (الثالث ع�شر امليالدي)‪� ،‬إىل‬
‫معلوم ��ات تخت�ص بالنواحي ال�سيا�س ��ية واحل�ض ��ارية لأهل تهامة وال�س ��راة‪ ،‬ال جندها عند‬
‫غريه‪ ،‬فيقول‪ (( :‬ف� ّأما ال�سرو ف�إنها قبائل وفخوذ من العرب لي�س يحكم عليهم �سلطان‪،‬‬
‫ب���ل م�ش���ايخ منهم‪ ،‬وفيهم بطون متفرق���ون‪ ، )2( ))....‬ويف مكان �آخر يتحدث عن املناطق‬
‫الواقعة بني �ص ��عدة والطائف‪ ،‬وبخا�ص ��ة الأجزاء ال�س ��روية املمتدة من جن ��ران �إىل غامد‬
‫ودو�س بن زهران فيذكر �أن تلك املناطق جميعها قرى متقاربة بع�ض ��ها من بع�ض يف الكرب‬
‫وال�صغر‪ ،‬ثم �إن كل قرية مقيمة ب�أهلها‪ ،‬وكل فخذ �أو بطن من البدو يف قرية‪ ،‬ومن جورهم‬
‫ال ي�سكن قراهم وال ينزلها �أحد �سواهم‪ ،‬ثم يوا�صل حديثه عن تلك الأجزاء و�أهلها فيقول‪:‬‬
‫(( وقد بني يف كل قرية ق�ص���ر من حجر وج�ص‪ ،‬وكل واحد من �أهل القرية له خمزن يف‬
‫الق�ص���ر يخ���زن في���ه جميع ما يكون له من حوزه وملك���ه‪ ،‬وال ي�أخذ منه �إال قوت يوم بيوم‪،‬‬
‫ويكون �أهل القرية حميطني بالق�ص���ر من �أربع ترابيعه‪ ،‬ويحكم على كل قرية �ش���يخ من‬
‫م�شائخها كبري القدر وال�سن ذو عقل وفطنة‪ ،‬ف�إذا حكم ب�أمر مل ي�شاركه وال يخالفه �أحد‬
‫فيم���ا ي�ش�ي�ر عليهم ويحكم فيهم‪ ،‬وجمي���ع من يف هذه الأعمال مل يحكم عليهم �س���لطان‪،‬‬
‫وال ي����ؤدون خراجـ���ا‪ ،‬وال ي�س���لمون قطع���ة وكل واحد منهم مع هوى نف�س���ه‪ ،‬وبهذا ال يزال‬
‫القتال د�أبهم ويتغلب بع�ضهم على مال بع�ض‪ ،‬وي�ضرب قرابة زيد على �أموال عمرو‪ ،‬وهم‬
‫طول الدهر على هذا الفن‪ ،‬وجميع زرعهم احلنطة وال�ش���عري و�شجرهم الكروم والرمان‬
‫والل���وز‪ ،‬ويوج���د عندهم م���ن جميع الفواكه واخلريات‪ ،‬و�أكلهم ال�س���من والع�س���ل‪ ،‬وهم يف‬
‫(‪.)3‬‬
‫دعة اهلل و�أمانه‪ ،‬وهم فخوذ يرجعون �إىل قحطان وغريهم من الأن�ساب‪))....‬‬
‫وهكذا �أورد لنا ابن املجاور من رحالة القرن ال�سابع الهجري (الثالث ع�شر امليالدي)‬
‫ن�ص� � ًا ي�ؤكد م ��ا حتويه منطقة �س ��روات غامد وزهران وجر�ش (ع�س�ي�ر) وم ��ا جاورها من‬
‫ح�ص ��ون وخمازن لغر�ض احل ��رب وتخزين املواد الغذائية عند احلاجة‪ ،‬وما ن�ش ��اهده الآن‬

‫((( �أبو عبد اهلل �شم�س الدين املقد�سي‪� ،‬أح�سن التقا�سيم يف معرفة الأقاليم‪ ،‬حتقيق‪� :‬أم‪ .‬دي‪ .‬خوية‪( .‬ليدن‪ :‬مطبعة بريل‪،‬‬
‫‪ 1877‬م)‪.104 ،‬‬
‫((( جمال الدين يو�س ��ف بن املجاور‪� ،‬ص ��فة بالد اليمن ومكة وبع�ض احلجاز‪ ،‬امل�س ��مى تاريخ امل�ستب�ص ��ر‪( ،‬ليدن‪ :‬مطبعة‬
‫برايل‪1954 –1951،‬م)‪ ،‬جـ ‪.26 ،1‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬جـ ‪.27 ،1‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪104‬‬
‫يف هذه البالد ما هو �إال رموز تدل على �صحة الروايات ال�سابقة‪ .‬وقد تبني لنا يف مقابالتنا‬
‫م ��ع كبار ال�س ��ن يف عدد م ��ن الأمكنة م ��ن بالد غام ��د وزه ��ران التهامية وال�س ��روية حول‬
‫احل�ص ��ون ومهامها �أن لها مه ّمتني‪ :‬مه ّمة حربية‪ ،‬ومه ّمة اقت�ص ��ادية �إذ تعد هذه احل�صون‬
‫م�س ��تودعات خلزن احلبوب‪ .‬كما تبني لنا من الأقوال وامل�ش ��اهدة �أن البنية االجتماعية يف‬
‫تلك املناطق تعتمد على القبيلة التي تعد الوحدة الأ�سا�س ��ية يف املجتمع‪ ،‬ويعد �ش ��يخ القبيلة‬
‫هو ال�س ��يد احلاكم ال ينازعه �أحد يف �س ��لطان‪ ،‬وهو الذي يعلن احل ��رب‪ ،‬وهو الذي يطفئها‬
‫مع امل�ش ��ايخ الآخرين‪ ،‬ولهذا ينعم بقية الأفراد يف املجتمع القبلي بالأمـن مبقدار ما مينحه‬
‫ال�ش ��يخ لهم‪ ،‬وي�ص ��حب املعارك عادة ال�س ��لب والنهب‪ ،‬وت�س ��ود �ش ��ريعة الغاب‪ ،‬فالقوة هي‬
‫احل ��ق‪ ،‬ولي�س احلق هو الق ��وة‪ .‬كما يذكر ابن املجاور بع�ض الع ��ادات التي كانت جارية بني‬
‫�أه ��ل جر�ش (ع�س�ي�ر) والباحة‪ ،‬حيث كان الرجال يخ�ض ��بون �أيديه ��م و�أرجلهم مثلهم مثل‬
‫الن�س ��اء يف منا�س ��بات الأعياد والزواج وغريها(‪ .)1‬كما ذكر عن ال�س ��رويني بع�ض العادات‬
‫يف اجلنائ ��ز فقـال‪((:‬و�أهل ال�س���راة يرثون البن���ت عند املوت‪ ...‬وللقوم ع�ص���بية عظيمة‪،‬‬
‫ف�إذا مات �أحدهم ال يحمل جنازته �إال ال�ش���بان‪ ،‬ومع ذلك يقولون‪� :‬س��� ّلم �س���لمك اهلل هذا‬
‫م���ا وع���د اهلل نعم القا�ض���ي! وه���م يتداول���ون بالنع�ش �إىل املق�ب�رة‪ ،‬وهم الذي���ن يحفرون‬
‫القرب‪ .)2())....‬ومن �أطعمتهم اللحم‪ ،‬وال�سمن‪ ،‬واخلبز‪ ،‬ومن �أكرث الأ�سماء �شيوع ًا بينهم‬
‫�س ��امل‪ ،‬وغامن‪ ،‬وقا�سم‪ ،‬ومفرج‪ ،‬ومفرح‪ ،‬ورا�ش ��د‪ ،‬وناجي‪ ،‬وجابر‪ ،‬والحق‪ ،‬و�صابر‪ ،‬و�سعيد‪،‬‬
‫وم�س ��اعد‪ ،‬وظافر‪ ،‬وفاتك‪ ،‬ومالك وغريها �أ�س ��ماء كثرية (‪ .)3‬ومن اهتمامهم بال�ض ��يف‪،‬‬
‫ل�ص �أو قاتل طعام �ص ��احب البيت‪ ،‬ف�إنه ال يقت ��ل �إال بعد خروجه من البيت‪،‬‬‫�أن ��ه �إذا �أطع ��م ّ‬
‫وبعد مدة من الزمن حتى ينتهي مفعول الطعام الذي �أكله ‪ .‬وي�شري ابن املجاور �أي�ض ًا �إىل‬
‫(‪)4‬‬

‫بع�ض عادات ال�س ��رويني الغامديني والدو�س ��يني ومن جاورهم يف الكرم‪ ،‬خ�صو�ص� � ًا الذين‬
‫تغلب عليهم البداوة‪ ،‬ومنها �أنهم ي�ؤخرون الغداء �أو الع�ش ��اء من �أجل �ض ��يف يقدم عليهم‪،‬‬
‫ف�إن ح�ص ��ل ذلك ينحر لـه على قدر مكانته‪ ،‬فقد ينحر لـه جمل ويقدم لـه ر�أ�س ��ه‪ ،‬و�إن كان‬
‫عابر �س ��بيل تذبح له �ش ��اة‪ ،‬ويق�سم �صاحب الدار الرغيف �إىل ثالثة �أو �أربعة �أق�سام ي�ضعها‬
‫�أمام ال�ض ��يف تكرمي ًا لـه‪ ،‬ثم يقدم لـه اللحم املطبوخ بعد �أن يرثد عليه اخلبز‪ ،‬ويهرق عليه‬
‫ال�س� �مـن �أو املرق‪ ،‬في�شرب بادئ الأمر املرق‪ ،‬ثم يوزع اللحم على الرثيد‪ ،‬وقد يطلق �أحيان ًا‪،‬‬

‫((( ابن املجاور‪،‬جمال الدين‪� .‬صفة بالد اليمن‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪ .27 ،7 ،1‬ومثل هذه العادات ال تزال م�ألوفة بني بع�ض‬
‫�سكان مناطق الباحة وع�سري يف الأجزاء التهامية وال�سروية‪ ،‬وبخا�صة عند كبار ال�سن من الرجال‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬جـ ‪.25 ،1‬‬
‫((( املرجع ال�سابق ‪ ،‬ومن الأ�سماء ال�شائعة عند �أهل غامد وزهران يف وقتنا احلا�ضر‪ :‬عي�ضة‪ ،‬وعطية‪ ،‬وجمعان‪ ،‬و�صالح‪،‬‬
‫ومعي�ض ( الباحث ) ‪.‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬جـ ‪.234 ،2‬‬
‫‪105‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫على هذا ال�ص ��نف من الطعام ا�س ��م العربي ��ة(‪ ،)1‬ومن عادات ال�س ��رويني من جنران حتى‬
‫الطائ ��ف �أي�ض� � ًا �أن يكون يف خمازنهم �ص ��نفان من احلبوب‪ ،‬ذرة وقم ��ح‪ ،‬يقدم خبز القمح‬
‫لل�ض ��يف‪ ،‬وخبز الذرة للأ�س ��رة‪ ،‬وينم هذا ال�س ��لوك عن �إيثار ال�ضيف وتقدميه على الأهل‪.‬‬
‫وم ��ا ق�ص ��ة الرجل الذي ينحر بعريه ل�ض ��يوفه‪� ،‬أو يقدم لهم �أف�ض ��ل ما لدي ��ه وهو يف حالة‬
‫الفقر‪� ،‬إال دليل وا�ضح على �أعلى مراتب الإيثار‪.‬‬
‫و�إ�ش ��ارة ابن املجاور �إىل �أن بالد تهامة وال�س ��راة مبا فيها �أر� ��ض غامد وزهران كانت‬
‫حتكم ب�شيوخ القبائل امل�ستقلني ب�سلطتهم يف ديارهم قول نوافقه عليه من حيث املبد�أ‪ ،‬ومن‬
‫حيث املركز االجتماعي الذي عرف ل�ش ��يوخ القبائل العربية على م ِّر التاريخ قبل الإ�س�ل�ام‬
‫وبع ��ده(‪ ،)2‬ولكن الذي عرف يف ظل الدولة الإ�س�ل�امية‪ ،‬وبخا�ص ��ة بع ��د انتقال اخلالفة من‬
‫احلجاز �إىل بالد ال�شام ثم العراق يف العهدين الأموي ثم العبا�سي �أن �شبه اجلزيرة العربية‬
‫حتول ��ت �إىل عدد م ��ن الواليات التابع ��ة ملركز اخلالفة‪ ،‬وم ��ن �أكرب واليات �ش ��به اجلزيرة‬
‫العربي ��ة منطقت ��ا احلج ��از واليمن‪ ،‬وبخا�ص ��ة الأج ��زاء التي ت�ش ��مل احلوا�ض ��ر احلجازية‬
‫واليمنية الكربى‪ ،‬فيما بقيت منطقة الباحة الواقعة بني املنطقتني ال�سابقتني تابعة يف �أغلب‬
‫الأحيان لوايل احلجاز الذي يتخذ مكة املكرمة �أو املدينة املنورة مقر ًا لـه(‪ .)3‬ومن الوا�ض ��ح‬
‫يف بع�ض كتب الرتاث الإ�س�ل�امي‪ ،‬خ�صو�ص� � ًا كتب اجلغرافيا والرحالت‪� ،‬أن منطقة تهامة‬
‫وال�س ��راة كانت مق�س ��مة �إىل مناطق �أو مراكز ح�ض ��ارية‪ ،‬ويطلق على كل ق�سم �إما خمالف‬
‫�أو عم ��ل (جمعه ��ا �أعمال)‪� ،‬أو ك ��ورة (جمـعها ك ��ور)‪ .‬فاليعقوبي حتت عنوان �س ��ماه (مكة‬
‫و�أعمالها) قام بذكر �أجزاء عديدة تابعة من الناحية الإدارية لوايل مكة املكرمة‪ ،‬ومن تلك‬
‫الأعمال الواقعة �إىل اجلنوب من مكة والطائف ذكر ما يلي يف الأجزاء ال�س ��روية‪(( :‬تبالة‬
‫و�أهلها خثعم‪ ،‬وجنران لبني احلارث بن كعب‪ ،‬فقد كانت منازلهم يف اجلاهلية‪ ،‬وال�سراة‬
‫(غامد وزهران) و�أهلهـا من الأزد))(‪ .)4‬ويف الأجزاء التهامية �أ�شار �إىل ع�شم‪ ،‬وذكر �أنها‬
‫معدن الذهب‪ ،‬وبي�ش‪ ،‬وال�سرين‪ ،‬والأح�سبة‪ ،‬وعرث‪ ،‬وكل هذه املناطق تقع على �ساحل البحر‬
‫الأحمر ما بني مكة املكرمة �ش ��ما ًال وجازان جنوب ًا(‪ .)5‬ويف مو�ض ��ع �آخر ذكر �أن لليمن �أربعة‬
‫وثمانني خمالف ًا‪ ،‬و�أغلبها حول حوا�ض ��ر اليمن الكربى‪ ،‬ولكنه �أورد بع�ض الأجزاء التي تقع‬

‫((( املرجع ال�سابق‪ ،‬جـ ‪.232 ،2‬‬


‫((( للمزيد عن �ش ��يوخ القبائل و�سعة نفوذهم من الع�ص ��ر اجلاهلي‪ ،‬انظر‪ :‬جواد علي‪ ،‬املف�صل يف تاريخ العرب‪ ،‬مرجع‬
‫�سابق‪ ،‬جـ ‪ ،271 – 5 ،4‬جـ ‪.333 – 253 ،5‬‬
‫((( الفا�س ��ي‪ ،‬تقي الدين‪� .‬ش ��فاء الغرام‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪265 – 262 ،2‬؛ العلي‪� ،‬ص ��الح �أحمد‪� " .‬إدارة احلجاز‪،" ...‬‬
‫مرجع �سابق‪ 33 ،‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( اليعقوبي‪� ،‬أحمد‪ .‬تاريخ‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.316 ،2‬‬
‫((( املرجع ال�سابق‪.318 ،316 ،‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪106‬‬
‫�ضمن م�ساحة درا�ستنا‪ ،‬مثل‪ :‬جر�ش وتبالة يف بالد ال�سراة‪ ،‬وبي�ش‪ ،‬وقنونا‪ ،‬ويبه‪ ،‬و�ضنكان‪،‬‬
‫والعر� ��ش م ��ن جازان يف الأجزاء التهامي ��ة(‪ .)1‬ويورد ابن خرداذبة بع�ض الإي�ض ��احات عن‬
‫خماليف مكة املكرمة‪ ،‬فيذكر �أن الطائف‪ ،‬وعكاظ‪ ،‬وبي�ش ��ة‪ ،‬وتبالة‪ ،‬وجر�ش‪ ،‬وال�س ��راة(‪،)2‬‬
‫وجنران يف الأجزاء ال�سروية‪ ،‬و�ضنكان‪ ،‬وع�شم‪ ،‬وبي�ش يف الأجزاء التهامية‪ ،‬وجميعها تابعة‬
‫لإم ��ارة مكة املكرمة �أو احلجاز ب�ش ��كل عام(‪ .)3‬ويخالف املقد�س ��ي اليعقوبي وابن خرداذبة‬
‫يف بع� ��ض ما ذك ��ر حيث يورد �أن جن ��ران‪ ،‬وجر�ش‪ ،‬وتربة‪ ،‬وال�س ��راة يف الأج ��زاء اجلبلية‪،‬‬
‫وبي�ش‪ ،‬وعرث‪ ،‬وحلي‪ ،‬وال�س ��رين من خماليف اليمن(‪ .)4‬ولكن الإدري�س ��ي يخالف املقد�س ��ي‬
‫ويتف ��ق مع اليعقوبي وابن خرداذب ��ة فيقول عن بع�ض خماليف مكة‪ ،‬وبخا�ص ��ة الواقعة بني‬
‫الطائ ��ف وجن ��ران (( وملكة خماليف وهي احل�ص���ون‪ ،‬فمنه���ا بنجد الطائ���ف وجنران‪...‬‬
‫وتربة وبي�شة وجر�ش وال�سراة )) ثم ي�ضيف �ضنكان‪ ،‬وال�سرين‪ ،‬وع�شم‪ ،‬وبي�ش يف الأجزاء‬
‫التهامية (‪ .)5‬وبهذه الأقوال ن�س ��تطيع القول‪� :‬إن عموم بالد تهامة وال�س ��راة كانت يف الغالب‬
‫تابع ��ة لوالي ��ة مكة املكرمة‪ ،‬بل و�أثبت ��ت بع�ض الروايات التاريخيـ ��ة �أنَّ وايل احلجاز كان يف‬
‫بع� ��ض الأحيان مينح تعيين ًا من اخلليفة يت�ض ��من واليته على احلج ��از واليمن معـ ًا‪ ،‬و�أحيان ًا‬
‫�أخرى ت�ض ��اف لـه والية بالد اليمامة �إىل جانب املنطقتني ال�س ��ابقتني(‪� .)6‬أما املنطقة التي‬
‫تقع بني احلجاز واليمن‪ ،‬التي �أطلقنا عليها ا�سم (تهامة وال�سراة) ومنطقة الباحة (غامد‬
‫وزهران) جزء منها‪ ،‬فمن دون �شك �أنها كانت تتبع �إداري ًا لوايل مكة املكرمة من حيث دفع‬
‫الزكاة �إىل بيت مال امل�سلمني‪ ،‬وبالتايل يكون الوالء للخالفة الإ�سالمية‪ ،‬لكن الذي ال �شك‬
‫فيه �أن ما �أ�ش ��ار �إليه ابن املجاور من حيث ا�ض ��طراب الأمن وانت�شار الفو�ضى بني �أهل هذه‬
‫البالد كان �أمر ًا واقع ًا‪ ،‬بل �إن �شيوخ القبائل كانوا �إىل عهد قريب‪� ،‬أقوى عن�صر يف املجتمع‪،‬‬
‫فكانوا �أ�صحاب احلل والعقد‪ ،‬بل و�إليهم ت�ؤول الأمور اخلا�صة ب�أبناء جمتمعاتهم‪ ،‬واخلا�صة‬
‫بالعالقات اخلارجية بينهم وبني غريهم من خارج حدود منطقتهم‪.‬‬
‫ومل يكن �س ��كان منطقة الباحة �أو عموم التهاميني وال�س ��رويني منغلقني على �أنف�سهم‪،‬‬
‫بل كان بع�ضهم ي�سافر �إىل حوا�ضر �شبه اجلزيرة العربية‪ ،‬وبخا�صة مدن احلجاز الكربى‪،‬‬

‫((( املرجع ال�سابق‪.‬‬


‫((( يق�صد بكلمة (ال�سراة) هنا‪� :‬أي بالد غامد وزهران وما جاورها من ال�سروات بني مدينتي الباحة و�أبها‪.‬‬
‫((( �أبو القا�سم عبد اهلل بن خرداذبة‪ ،‬كتاب امل�سالك واملمالك‪ ،‬حتقيق‪� :‬أم‪ .‬دي‪ .‬خويه‪( .‬ليدن‪ :‬مطبعة بريل‪ 1306.‬هـ‪/‬‬
‫‪ 1889‬م)‪.133 ،‬‬
‫((( املقد�سي‪�،‬شم�س الدين‪� .‬أح�سن التقا�سيم‪ ،‬مرجع �سابق‪.88 ،70 – 69 ،‬‬
‫((( حممد بن عبد اهلل الإدري�س ��ي‪ ،‬كتاب نزهة امل�ش ��تاق يف اخرتاق الآفاق‪( ،‬بريوت‪ :‬عامل الكتب‪ 1409 ،‬هـ‪ 1989 /‬م)‪،‬‬
‫جـ ‪.145 ،1‬‬
‫((( الفا�سي‪ ،‬تقي الدين‪� .‬شفاء الغرام‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪.164 – 162 ،2‬‬
‫‪107‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫فيعملون بالتجارة‪ ،‬وي�ؤدون احلج والعمرة‪ ،‬بل وميتلك بع�ضهم الدور والعقار (‪ .)1‬وقد حفظ‬
‫لنا اجلغرافيون والرحالة امل�س ��لمون الأوائل بع�ض املعلومات الق ّيمة التي ت�ؤكد ذهاب �أعداد‬
‫كبرية من ال�س ��رويني مثل ( �أهل غامد وزهران ) �إىل مكة املكرمة من �أجل �أداء واجباتهم‬
‫الدينية‪ ،‬واملتاجرة يف بع�ض �س ��لعهم التي يجلبونها معهم من بالدهم �إىل �أ�سواق مكة �أثناء‬
‫موا�سم العمرة يف رجب ورم�ضان ويف مو�سم احلج‪ ،‬و�أول من �شاهدهم ودون لنا مالحظاته‬
‫عنهم يف �أ�سواق مكة املكرمة‪ ،‬الرحالة الفار�سي نا�صر خ�سرو خالل القرن اخلام�س الهجري‬
‫(احلادي ع�ش ��ر امليالدي)‪ ،‬حيث �أ�ش ��ار �إىل كرثتهم يف مكة يف �أول رجب من كل �سنة‪ ،‬ويف‬
‫عيد الفطر‪ ،‬ويف مو�سم احلج(‪ .)2‬ويف القرن ال�ساد�س الهجري وبداية القرن ال�سابع زار مكة‬
‫املكرمة رحالة �أندل�سي‪ ،‬هو حممد بن جبري‪ ،‬فو�صف �أحوال ال�سرويني الذين ي�أتون من بالد‬
‫وال�شمل‪ ،‬مبدي ًا �سروره‬
‫الباحة وما حولها �إىل مكة املكرمة ومعهم قوافل الأرزاق‪ ،‬والفواكه‪ّ ،‬‬
‫و�إعجابه بذلك‪ ،‬وو�صف �أولئك القوم الب�سطاء ــ ح�سب ما �شاهدهم ــ بال�شجاعة‪ ،‬والنجدة‪،‬‬
‫واملروءة(‪ .)3‬وي�ؤكد الرحالة ابن املجاور ما ذكره كل من نا�ص ��ر خ�س� �ـرو وابن جبري‪ ،‬في�شـري‬
‫�إىل �أن �سرويي منطقة الباحة وما جاورها من ال�سروات املمتدة من اليمن �إىل احلجاز �إذا‬
‫دخلـوا مكة املكرمة مل�ؤوها من احلنطة‪ ،‬وال�ش ��عري‪ ،‬وال�س ��ويق‪ ،‬والع�س ��ل‪ ،‬والذرة‪ ،‬والدخن‪،‬‬
‫والزبي ��ب‪ ،‬والل ��وز‪ ،‬وما ي�ش ��ابه ذلك‪ ،‬ولذلك يق ��ول �أهل مكة‪(( :‬ح���اج العراق �أبونا نك�س���ب‬
‫من���ه الذهب‪ ،‬وال�س���رو �أمنا نك�س���ب منه القوت))(‪ .)4‬وعندم ��ا زار ابن بطوطة مكة املكرمة‬
‫يف القرن الثامن للهجرة (الرابع ع�ش ��ر امليالدي)‪� ،‬ش ��اهد ال�س ��رو من �أهل غامد وزهران‬
‫وغريهم من بالد تهامة وال�س ��راة يف �أ�سواقها يبيعون وي�ش�ت�رون‪ ،‬و�شاهدهم يطوفون حول‬
‫الكعبة ي�ؤدون احلج �أو العمرة‪ ،‬وقد �أورد يف رحلته نبذ ًا مما �شاهده يف حياتهم االجتماعية‬
‫واالقت�صادية والدينية‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((‪ ....‬ويجلبون �إىل مكة احلبوب وال�سمن والع�سل والزبيب واللوز فرتخ�ص الأ�سعار‬
‫مبكة‪ ،‬ويرغد عي�ش �أهلها وتعمهم املرافق‪ .‬ولوال �أهل هذه البالد ـ (ويق�صد �أهل ال�سراة)‬
‫ل���كان �أهل مكة يف �ش���ظف من العي�ش‪ .‬ويذكر �أنهم مت���ى �أقاموا ببالدهم‪ ،‬ومل ي�أتوا بهذه‬
‫املرية �أجدبت بالدهم‪ ،‬ووقع املوت يف موا�ش���يهم‪ ،‬ومتى �أو�ص���لوا املرية �أخ�ص���بت بالدهم‪،‬‬
‫وظه���رت فيه���م الربكة ومنت �أمواله���م‪ .‬فهم �إذا حان وقت مريتهم و�أدركهم ك�س���ل عنها‪،‬‬
‫اجتمعت ن�س���ا�ؤهم ف�أخرجنهم‪ ،‬وهذا من لطائف �صنع اهلل تعاىل وعنايته ببلده الأمني‪.‬‬
‫((( حممد �أحمد بن جبري‪ ،‬رحلة ابن جبري‪( ،‬بريوت‪ :‬دار الكتب‪ ،‬د‪ .‬ت)‪.104 – 102 ،‬‬
‫((( �أبو معني نا�ص ��ر خ�س ��رو‪� .‬سفر نامة‪( ،‬رحلة نا�صر خ�س ��رو)‪ ،‬ترجمها من الفار�سية‪� :‬أحمد خالد البديل‪( .‬الريا�ض‪:‬‬
‫جامعة امللك �سعود‪ 1983 ،‬م)‪.141 ،‬‬
‫((( ابن جبري‪� ،‬أحمد‪ .‬رحلة‪ ،‬مرجع �سابق‪.105 – 102 ،‬‬
‫((( ابن املجاور‪ ،‬جمال الدين‪� .‬صفة بالد اليمن‪،‬جـ ‪.27 ،1‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪108‬‬
‫وبالد ال�س���رو خم�ص���بة كثرية الأعناب وافرة الغالت‪ ،‬و�أهلها ف�صحاء الأل�سن لهم �صدق‬
‫نية وح�سن اعتقاد‪ .‬وهم �إذا طافوا بالكعبة يتطارحون عليها الئذين بجوارها‪ ،‬متعلقني‬
‫ب�أ�س���تارها‪ ،‬داعني ب�أدعية تت�ص���دع لرقتها القلوب‪ ،‬وتدمع العيون اجلامدة فرتى النا�س‬
‫حوله���ا با�س���طي �أيديه���م‪ ،‬م�ؤم ّنني عل���ى �أدعيتهم‪ ،‬وال ميكن غريهم الط���واف معهم‪ ،‬وال‬
‫ا�س���تالم احلج���ر لتزاحمهم على ذلك‪ .‬وهم �ش���جعان �أجناد ولبا�س���هم اجلل���ود‪ ،‬و�إذا وردوا‬
‫مكة هابت �أعراب الطرق مقدمهم‪ ،‬وجتنبوا اعرتا�ضهم‪ ،‬ومن �صحبهم من الزوار حمد‬
‫�صحبتهم ))(‪.)1‬‬
‫ولي�س ابن بطوطة هو الذي انفرد بهذه التف�ص ��يالت‪ ،‬بل ذكرها بالإ�ض ��افة �إليه بع�ض‬
‫امل�ؤرخني واجلغرافيني والرحالة ف�أثنوا على خ�صوبة تربة ال�سراة وكرثة خرياتها‪ ،‬وعلى ما‬
‫حت َّلى به �أهلها من ال�شجاعة وال�سلوك اجليد والقيم الطيبة(‪ ، )2‬و�سكان بالد غامد وزهران‬
‫كانوا يت�أثرون وي�ؤثرون فيما حولهم من بالد تهامة وال�سراة‪� ،‬أو يف بالد احلجاز التي كانوا‬
‫على �صالت �سيا�سية وح�ضارية بها منذ العهد اجلاهلي وخالل الع�صور الإ�سالمية املختلفة‪.‬‬
‫ورمبا كان موقع بالدهم الواقعة على الطريق التي تربط بني اليمن واحلجاز من الأ�س ��باب‬
‫الرئي�سية التي جعلت �سكان هذه البالد يكونون على علم مبا يدور من �أحداث يف احلوا�ضر‬
‫الكربى من �شبه اجلزيرة العربية مثل‪ :‬مكة املكرمة واملدينة املنورة و�صنعاء وغريها (‪. )3‬‬
‫خام�س ًا ‪ -‬اخلامتة ‪ :‬النتائج وتو�صيات الدرا�سة ‪:‬‬
‫ونخل�ص يف نهاية هذه الدرا�س ��ة �إىل العديد من النتائج والتو�ص ��يات التي نذكرها يف‬
‫النقاط التالية ‪:‬‬
‫�أ ‪ -‬البح ��ث يف التاريخ الإ�س�ل�امي وبخا�ص ��ة عن مناطق �أو موا�ض ��ع تفتق ��ر �إىل املادة‬
‫العلمية‪ ,‬قد ت�ض ��ع الباحث يف حرج �ش ��ديد للإجابة على كثري من الأ�سئلة‪ .‬وبالد‬
‫((( �أب ��و عبد اهلل حممد بن بطوطة‪ ،‬رحلة ابن بطوطة‪ ،‬امل�س ��ماة حتفة النظار يف غرائب الأم�ص ��ار وعجائب الأ�س ��فار‪،‬‬
‫حتقيق‪ :‬علي املنت�صر الكتاين‪( ،‬بريوت‪ :‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‪ 1405 ،‬هـ‪ 1985 /‬م)‪ ،‬جـ ‪.152 ،1‬‬
‫((( للمزي ��د ع ��ن توافر احلبوب واخلريات يف ب�ل�اد الباحة وما جاورها من البالد التهامية وال�س ��روية‪ ،‬انظر‪ :‬عرام بن‬
‫الأ�ص ��بغ ال�سلمي‪ .‬كتاب �أ�سماء جبال تهامة و�سكانها‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد ال�سالم هارون‪( .‬القاهرة‪ :‬مطبعة جلنة الت�أليف‬
‫والرتجمة والن�شر‪ 1374،‬هـ‪1955 /‬م)‪420 ،417،‬ــ‪421‬؛ القزويني‪ ،‬زكريا حممد‪� .‬آثار البالد و�أخبار العباد‪ ،‬مرجع‬
‫�س ��ابق‪89،‬؛ ابن جبري‪ ،‬حممد �أحمد‪ .‬رحلة‪ ،‬مرجع �س ��ابق‪104،‬؛ ياقوت‪�،‬شهاب الدين‪ .‬معجم البلدان‪ ،‬مرجع �سابق‪،‬‬
‫جـ ‪205 ،3‬؛ ابن املجاور‪،‬جمال الدين‪� .‬صفة بالد اليمن‪ ،‬مرجع �سابق‪ .‬جـ‪ 26 ،1‬ــ‪.27‬‬
‫((( وللمزي ��د ع ��ن بع�ض الكتب الت ��ي تفيد الباحث والقارئ عن بالد تهامة وال�س ��راة‪ ،‬والتي منطق ��ة الباحة جزء منها‪،‬‬
‫انظر‪ ،‬ح�س ��ن بن ابراهيم الفقيه ‪.‬‬ ‫وكذلك اليمن واحلجاز وعالقتهما ب�س ��روات غامد وزهران وما جاورها‬
‫خمالف ع�شم‪ ( ،‬الريا�ض ‪ :‬مطابع الفرزدق‪ 1413 ،‬هـ ‪ 1992 /‬م )‪ 79 ،‬وما بعدها‪� ،‬أحمد الزيلعي ‪ .‬نقو�ش �إ�سالمية‬
‫من حمدانة بوادي عليب ( الريا�ض ‪ :‬مكتبة امللك فهد الوطنية‪ 1415 ،‬هـ ‪ 1995 /‬م )‪ 30 ،‬وما بعدها‪ ،‬ابن جري�س‪،‬‬
‫غيثان ‪ .‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة‪ ،‬مرجع �سابق‪ ،‬جـ ‪ 23 ،1‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪109‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ‪ :‬التطور التاريخي ملنطقة الباحة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬

‫الباح ��ة من البالد الغنية برجاله ��ا وخرياتها على مر التاريخ الإ�س�ل�امي املبكر‬
‫والو�س ��يط واحلديث‪ ،‬ولكن موقعها بني منطقتني كبريتني هما ‪:‬ـ احلجاز واليمن‬
‫جع ��ل امل�ؤرخني و�أرب ��اب القلم ال يذكرونها �إال قلي ًال‪ ،‬و�أحيان ًا كثرية ترد �أ�س ��ماء‬
‫بع� ��ض مواقعه ��ا �أو �أعالمها مرور ًا �س ��ريع ًا بني طي ��ات ال�س ��طور‪ ،‬دون �أن يخرج‬
‫القاري بفائدة كبرية ملا يقر�ؤه عن هذه الديار ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نلح ��ظ ذكر تاريخ �س ��كان منطق ��ة الباحة (غامد وزه ��ران ) معلوم ًا �إىل حد ما‬
‫خالل ع�ص ��ري الر�سول (ﷺ) واخللفاء الرا�شدين‪ ،‬مع �أن هناك جوانب كثرية‬
‫الزلنا نبحث عن �إجابات لها �أثناء تلك الفرتة �أما ع�صور بني �أمية وبني العبا�س‬
‫حتى بداية الع�صر احلديث فال زلنا نواجه عقبات كبرية جد ًا ملعرفة تاريخ هذه‬
‫الأوطان ‪ .‬و�إذا نظرنا يف عموم امل�ص ��ادر الإ�س�ل�امية‪ ،‬تاريخي ��ة و�أدبية‪ ،‬ولغوية‪،‬‬
‫ورح�ل�ات‪ ،‬وغريه ��ا فانن ��ا ال جند �ض ��التنا عن تاريخ ب�ل�اد غامد وزه ��ران وما‬
‫جاورها من �أر�ض تهامة وال�سراة ‪ .‬وبالتايل ف�إنني �أرى الأتي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬عدم الي�أ�س يف احل�ص ��ول على �صورة تاريخية �ش ��به وا�ضحة عن هذه البالد‪،‬‬
‫وب�إمكاننا معرفة بع�ض ال�ش ��يء من خالل امل�ص ��ادر الت ��ي كتبت عن احلجاز‬
‫واليمن على مر التاريخ الإ�سالمي املبكر والو�سيط‪ ،‬وهي كثرية‪ ،‬ثم مقارنة ما‬
‫ورد بها مع تركيبة املجتمع الغامدي والزهراين واال�ستنتاج ب�أن هناك الكثري‬
‫من املت�شابهات وبخا�صة يف اجلوانب احل�ضارية املختلفة‪ ،‬وكذلك ال�سيا�سية‬
‫والفكري ��ة التي قد حتدث يف اليمن واحلجاز وتتخذ من بالد تهامة وال�س ��راة‬
‫طريق ًا لها �أثناء الذهاب والإياب بني مكة و�صنعاء ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الزلنا ن�ش ��اهد يف منطق ��ة الباحة الكثري من النقو�ش والر�س ��وم القدمية التي‬
‫بع�ض ��ها يعود �إىل فرتات �س ��ابقة للإ�س�ل�ام‪ ،‬وبالتايل ف�إن الدرا�سات الأثرية‬
‫هي من �أف�ض ��ل امل�صادر التي قد تفيدنا يف �إي�ضاح كثري من ال�صور عن تاريخ‬
‫هذه الأر�ض ذات املوقع الإ�سرتاتيجي والتي تربط بني �شمال اجلزيرة العربية‬
‫وجنوبها ‪ .‬و�أنادي جميع الأق�س ��ام العلمية الأكادميية وكذلك املقتدرين مالي ًا‬
‫�إىل ت�ش ��جيع ودعم الدرا�س ��ات الأثري ��ة القيمة التي تخدم ت ��راث هذه البالد‬
‫وغريها من �أجزاء �شبه اجلزيرة العربية الغنية مبوادها الآثارية املختلفة ‪.‬‬
‫ج ـ الغال ��ب على طبيعة بالد غامد وزهران �س ��يادة الطابع القبلي يف نظمه و�أعرافه‬
‫وعادات ��ه وتقاليده‪ ،‬ولهذا فالقبيلة بع�ش ��ائرها وبطونها كان ��ت والزالت �إىل وقت‬
‫قري ��ب يف اجلزي ��رة العربية هي �ص ��احبة ال�س ��يادة‪ ،‬و�ش ��يوخ القبائ ��ل و�أعيانها‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪110‬‬
‫ووجهائه ��ا هم الذين لهم الكلمة الف�ص ��ل بني �أفراد قبائلهم وع�ش ��ائرهم ‪ .‬و�إذا‬
‫كان هن ��اك ق ��وى خارجية يف احلج ��از �أو اليمن �أو يف بالط اخلالفة الإ�س�ل�امية‬
‫ترغب االت�ص ��ال ب�أهايل الباحة ( الغامديون والزهرانيون ) ف�إن ذلك ال يتم �إال‬
‫عن طريق �أولئك ال�ش ��يوخ والأعيان ‪ .‬ومن امل�ؤ�س ��ف حق ًا �أننا ال جند يف امل�ص ��ادر‬
‫الإ�س�ل�امية املبكرة والو�سيطة �صورة وا�ض ��حة ت�ؤكد �أقوالنا‪ ،‬لكننا على يقني مما‬
‫نق ��ول‪ ،‬لأن �أم ��راء احلجاز‪� ،‬أو خلف ��اء بني �أمية وبني العبا� ��س ومن جاء بعدهم‬
‫من الأمم‪ ،‬كانوا يف بادي الأمر يبحثون يف جميع والياتهم عن الوجهاء وال�ش ��يوخ‬
‫والأعيان كي يقربوهم‪ ،‬وبالتايل يعينونهم على تطبيق �سيا�سة اخلالفة �أو الإمارة‬
‫يف بالدهم ‪.‬‬
‫د ـ نقول للباحثني واملتخ�ص�ص�ي�ن والأق�سام العلمية والأدبية ومراكز البحث العلمي‬
‫و�أرب ��اب الرثوات واملقتدرين �أننا بحاجة �إىل درا�س ��ات و�أبحاث علميه جادة عن‬
‫منطق ��ة الباحة وغريه ��ا من مناطق بالدنا الغالية‪ ،‬ونحن للأ�س ��ف الزلنا نلم�س‬
‫الق�ص ��ور العلمي الذي يوج ��د يف مراكزنا ومكتبتنا العلمية‪ ،‬وال ميكن �س ��د هذا‬
‫النق� ��ص �إال بت�ض ��افر اجله ��ود‪ ،‬وت�ش ��جيع الباحث�ي�ن اجلادين واملراك ��ز العلمية‬
‫البحثي ��ة اجلي ��دة كي تعك ��ف على درا�س ��ة تراثن ��ا وتاريخنا وفكرن ��ا ومعتقداتنا‬
‫وثرواتنا وفلكلورنا وكل ماله فائدة علمية وثقافيه لبالدنا وجمتمعاتنا ‪.‬‬
‫‪111‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫الدراســــــة الثالثــــــة‬

‫�صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية‬


‫ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006 -1932/‬م)‬
‫(*)‬
‫بقلم ‪ :‬أ ‪ .‬د ‪ .‬غيثان بن علي بن جريس‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (الباحة ‪ ،‬وع�سري ) ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(‪1434‬هـ ‪2013 ،‬م) ‪( -‬اجلزء اخلام�س)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪156 - 118‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪112‬‬
‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية‬
‫ب�أقالم مديريها (‪1352‬ـ‪1427‬هـ ‪1993/‬ـ‪2006‬م)‬
‫للح�ص ��ول عل ��ى م ��ادة علمي ��ة له ��ذا املح ��ور خاطبن ��ا �إم ��ارة منطق ��ة الباح ��ة ع ��ام‬
‫(‪1427‬ه� �ـ‪2006/‬م)‪ ،‬وحددنا رغبتنا يف نقاط حمددة(‪ ،)1‬وتف�ض ��ل وكيل الإمارة امل�س ��اعد‬
‫(‪)2‬‬
‫�آنذاك ب�إر�سال تعميم �إىل جميع امل�ؤ�س�سات الإدارية يف املنطقة يحثهم على التعاون معنا‬
‫ويف غ�ض ��ون �ش ��هرين و�ص ��لنا �إجابات عددها (‪ )34‬مذكرة لبع�ض امل�ؤ�س�س ��ات الإدارية يف‬
‫املنطقة‪ ،‬وهانحن نورد خال�صتها يف ال�صفحات التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ �إمارة املنطقة ‪:‬‬
‫�أر�س ��ل لنا وكيل الإمارة امل�ساعد �أحمد املنيفي مذكرة خمت�صرة عن تاريخ الإمارة ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬

‫بتاري ��خ �ش ��هر جمادى الآخرة ع ��ام (‪1427‬هـ)‪ ،‬و�أ�ش ��ار �إىل �أن �إمارة املنطقة يتبعها �س ��ت‬
‫حمافظ ��ات هي ‪ :‬بلجر�ش ��ي‪ ،‬والعقيق‪ ،‬والق ��رى‪ ،‬وقلوة‪ ،‬واملخواة‪ ،‬واملن ��دق‪ )4(.‬و�أورد جدو ًال‬
‫ب�أ�س ��ماء وتواريخ الأمراء الذي ��ن تولوا منطقة الباحة منذ ع ��ام (‪1353‬هـ‪1934/‬م)‪ ،‬وهم‬
‫على النحو التايل ‪:‬‬
‫مدة العمل‬ ‫مدة العمل‬
‫مالحظات‬ ‫اال�ســم‬ ‫م‬
‫�شهر �سنة‬ ‫�إىل‬ ‫من‬
‫‪3‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪1356/11/1‬هـ‬ ‫‪1353/4/1‬‬ ‫تركي بن حممد بن ما�ضي‬ ‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1358/1/1‬هـ‬ ‫‪1356/11/1‬‬ ‫فهد بن في�صل‬ ‫‪2‬‬
‫ـ‬ ‫‪5‬‬ ‫‪1358/6/9‬هـ‬ ‫‪1358/1/1‬‬ ‫نا�صر بن موينع‬ ‫‪3‬‬
‫تقريب ًا‬ ‫‪3‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪1362/2/5‬هـ‬ ‫‪1358/6/9‬‬ ‫عبد الرحمن بن �أحمد ال�سديري‬ ‫‪4‬‬
‫تقريب ًا‬ ‫‪2‬‬ ‫ـ‬ ‫‪1364/2/1‬هـ‬ ‫‪1362/2/5‬‬ ‫فهد بن باز‬ ‫‪5‬‬
‫تقريب ًا‬ ‫‪1‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪1365/7/27‬هـ‬ ‫‪1364/2/1‬‬ ‫�إبراهيم بن عبد اهلل بن عرفج‬ ‫‪6‬‬
‫ـ‬ ‫‪7‬‬ ‫‪1366/3/1‬هـ‬ ‫‪1365/7/27‬‬ ‫حممد بن �صالح العذل‬ ‫‪7‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪1367/9/15‬هـ‬ ‫‪1366/3/1‬‬ ‫عبد اهلل بن �سعيد بن جريد‬ ‫‪8‬‬
‫تقريب ًا‬ ‫‪12‬‬ ‫ـ‬ ‫‪1379/9/10‬هـ‬ ‫‪1367/9/15‬‬ ‫عبد العزيز بن �سويلم‬ ‫‪9‬‬
‫‪18‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪1398/4/26‬هـ‬ ‫‪1379/9/10‬‬ ‫�سعود بن عبد الرحمن ال�سديري‬ ‫‪10‬‬

‫�صورة من خطابنا الذي �أر�سلناه لوكيل الإمارة امل�ساعد عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) يوجد �ضمن �أوراق مكتبتنا ‪.‬‬ ‫(((‬
‫�صورة من تعميم وكيل �إمارة منطقة الباحة يوجد �ضمن �أوراق مكتبتنا‪.‬‬ ‫(((‬
‫�صورة من هذه املذكرة �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫عند زيارتنا للمنطقة عام (‪1433‬هـ) كان عدد حمافظات املنطقة �س ��بع هي ‪ :‬بلجر�ش ��ي‪ ،‬والعقيق‪ ،‬والقرى‪ ،‬وقلوة‪،‬‬ ‫(((‬
‫واملخواة‪ ،‬واملندق‪ ،‬واحلجرة‪ ،‬ويتبع هذه املحافظات العديد من املراكز ‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫مدة العمل‬ ‫مدة العمل‬


‫مالحظات‬ ‫اال�ســم‬ ‫م‬
‫�شهر �سنة‬ ‫�إىل‬ ‫من‬
‫‪8‬‬ ‫‪� 11‬إبراهيم بن عبد العزيز بن �إبراهيم ‪1406/7/28 1398/4/26‬هـ ‪3‬‬
‫تقريب ًا‬ ‫‪1‬‬ ‫‪ 12‬د ‪� .‬إبراهيم بن حممد الزيد ‪1406/7/28‬هـ ‪1408/1/27‬هـ ‪6‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫‪� 13‬صاحب ال�سمو امللكي الأمري‬
‫العزيز ‪ 1408/1/27‬حتى وقت زيارتنا الباحة(ـ‪1427/4/‬هـ)‬ ‫حممد بن �سعود بن عبد‬
‫و�أ�ش ��ار املنيف ��ي �إىل �إجم ��ايل الوظائ ��ف يف الإم ��ارة وحمافظاتها فكانوا عل ��ى النحو‬
‫(‪)1‬‬
‫التايل‪:‬‬
‫عدد الوظائف‬
‫مالحظات‬ ‫الإجمايل‬ ‫املرتبة‬
‫املراكز‬ ‫املحافظات‬ ‫الديوان‬
‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫‪1‬‬ ‫‪15‬‬
‫‪5‬‬ ‫ـ‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪14‬‬
‫‪4‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫‪4‬‬ ‫‪13‬‬
‫‪10‬‬ ‫ـ‬ ‫‪6‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪12‬‬
‫‪10‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬
‫‪22‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫‪22‬‬ ‫‪10‬‬
‫‪22‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ـ‬ ‫‪16‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪34‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪8‬‬
‫‪28‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪37‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪90‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪77‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪19‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪410‬‬ ‫‪410‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪219‬‬ ‫جمموع‬
‫اجلدول �أعاله يو�ضح الآتي‪:‬‬
‫•�إذا ق�س ��منا عدد ال�س ��كان على عدد املوظفني (‪ )410÷377739‬ينتج �أن املوظف‬
‫الواحد يخدم (‪ )921‬مواطن ًا ومقيم ًا ‪.‬‬
‫•الوظائف القيادية (من العا�شرة �إىل اخلام�سة ع�شرة) عددها (‪ )52‬فقط ومتثل‬
‫(‪ )%13‬تقريب ًا ‪.‬‬
‫•جمموع الوظائف من املرتبة ال�ساد�سة �إىل اخلام�سة ع�شرة (‪ )187‬ومتثل (‪)%46‬‬
‫من جمموع الوظائف ‪.‬‬

‫((( �صورة من هذه املذكرة �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪114‬‬
‫‪2‬ـ فرع وزارة العدل (‪: )1‬‬
‫�أن�ش� ��أت وزارة الع ��دل فرع ًا لها مبنطق ��ة الباحة بتاري ��خ (‪1419/11/17‬هـ)‪ ،‬ويتوىل‬
‫الف ��رع �إدارة ال�ش� ��ؤون املالي ��ة والإداري ��ة للدوائر ال�ش ��رعية باملنطقة‪ .‬ويب ��ذل الفرع جهود ًا‬
‫متوا�ص ��لة ال�س ��تكمال م�ش ��اريع مباين املحاكم وكتابات العدل‪� ،‬إىل جان ��ب تنظيم الأعمال‬
‫الإدارية واملالية من خالل موظفني خمتارين يجرى تدريبهم على مهارات احلا�س ��ب الآيل‬
‫بغية تطوير وحتديث جمريات العمل الإداري‪.‬‬
‫ً (‪)2‬‬
‫جدول يو�ضح امل�س�ؤولني الذين تولوا �إدارات الفرع �سابقا‬
‫فرتة العمل‬ ‫امل�ؤهل املرتبة‬ ‫اال�سم‬ ‫م‬
‫‪1419/12/17‬هــ ــ ‪1421/11/19‬هـ‬ ‫‪10‬‬ ‫فرحة بن عطية بن عثمان الزهراين جامعي‬ ‫‪1‬‬
‫‪1421/11/19‬هـ ــ ‪1422/3/18‬هـ‬ ‫‪10‬‬ ‫عبد العزيز �أحمد الدميني جامعي‬ ‫‪2‬‬
‫‪1421/3/18‬هـ ــ ‪1426/7/1‬هـ‬ ‫‪10‬‬ ‫فرحة بن عطية بن عثمان الزهراين جامعي‬ ‫‪3‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪1426/7/1‬هـ ــ حتى الآن‬ ‫‪10‬‬ ‫عبد اخلالق نا�صر الغامدي جامعي‬ ‫‪4‬‬
‫تق ��وم ال ��وزارة ب�إع ��داد ميزانية الف ��رع كل عام‪ ،‬ويتم ال�ص ��رف على جميع امل�ش ��اريع‬
‫والأعمال دون ت�أخري بالإ�ض ��افة �إىل �أن الوزارة تخ�ص ���ص �س ��لفة م�ستدمية �سنوية ي�صرف‬
‫منه ��ا عل ��ى الأمور الطارئة‪ ،‬و�أول �س ��لفة كانت (‪ )35000‬ريال وذلك عندما �أ�س ���س الفرع‪،‬‬
‫وتزايدت كل عام حتى بلغت (‪ )1500000‬ريال عام ( ‪1426 -25‬هـ ) ‪.‬‬
‫و�أ�ش ��رف الفرع على تنفيذ عدد من امل�ش ��اريع وكانت على النحو التايل‪�:‬إن�ش ��اء جممع‬
‫الدوائر ال�ش ��رعية يف حمافظة بلجر�ش ��ي‪ ،‬ترميم مبنى املحكمة العام ��ة يف مدينة الباحة‪،‬‬
‫ت�س ��وير �أرا�ض ��ي الدوائر ال�ش ��رعية باملنطقة‪ ،‬ت�أ�س ��ي�س �شبكة احلا�س ��ب الآيل بالفرع وهذا‬
‫امل�شروع حتت التنفيذ‪.‬‬
‫جدول بالوظائف واملوظفني بالفرع ومراتبهم وجميعهم �سعوديون من عام(‪1419‬هـ ـ ‪1426‬هـ)‬
‫املراتب ‪1419‬هـ ‪1420‬هـ ‪1421‬هـ ‪1422‬هـ ‪1423‬هـ ‪1424‬هـ ‪1425‬هـ ‪1426‬هـ‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫احلادية ع�شر‬
‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫العا�شرة‬
‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫التا�سعة‬

‫((( ه ��ذه النبذة و�ص ��لتنا من مدير الفرع ال�ش ��يخ عبد اخلالق بن نا�ص ��ر الغام ��دي يف (‪1427/8/24‬هـ‪ .‬وهي حمفوظة‬
‫�ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية‪( .‬الوثائق العلمية) ‪.‬‬
‫((( يق�صد بكلمة ( الآن ) عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م)‪.‬‬
‫‪115‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫املراتب ‪1419‬هـ ‪1420‬هـ ‪1421‬هـ ‪1422‬هـ ‪1423‬هـ ‪1424‬هـ ‪1425‬هـ ‪1426‬هـ‬


‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الثامنة‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ال�سابعة‬
‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ال�ساد�سة‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫اخلام�سة‬
‫ـ‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الرابعة‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الثالثة‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫الثانية‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪4‬‬ ‫خارج الهيئة‬
‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ـ‬ ‫م�ؤقت‬
‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫‪2‬‬ ‫ـ‬ ‫نظام ال�ساعات‬
‫‪19‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪8‬‬
‫وهناك بع�ض التو�صيات التي يقرتحها القائمون على الفرع‪ ،‬مثل ‪:‬‬
‫البدء يف �إن�شاء قاعدة معلومات �شاملة تت�ضمن الآتي‪ :‬جميع املوظفني ومراتبهم وم�ؤهالتهم‬
‫يف جميع املحاكم وكتابات العدل‪ ،‬والق�ض ��ايا املعرو�ضة �أمام كل حمكمة وما �أنهي منها ومازال‬
‫قيد النظر‪ ،‬وعدد حاالت الزواج والطالق مع بع�ض التفا�ص ��يل عن �أعمار املتزوجني واملطلقني‬
‫وم�ستوياتهم العلمية ‪ .‬كما يجب ت�أمني �أر�ض للفرع لإن�شاء املقر الر�سمي عليها ‪.‬‬
‫‪3‬ـ املحكمة ال�شرعية العامة ‪:‬‬
‫ً‬
‫دون لنا رئي�س املحكمة العامة يف املنطقة ال�ش ��يخ مزهر بن حممد القرين موجزا عن‬
‫تاري ��خ املحكمة منذ عام (‪1353‬ه� �ـ‪1934/‬م) �إىل عام (‪1419‬ه� �ـ‪1999/‬م) ومن �أهم ما‬
‫�س ��جل يف هذه املذكرة �إيراد جدول يو�ضح تطور �إن�شاء املحاكم ال�شرعية باملنطقة من عام‬
‫(‪)1‬‬
‫(‪1353‬هـ‪1412‬هـ ‪1934 /‬ـ‪1991‬م)‪ ،‬وكانت على النحو التايل‪:‬‬
‫مالحظات‬ ‫تاريخ الت�أ�سي�س‬ ‫ا�سم املحكمة‬ ‫م‬
‫�أول حمكمة‬ ‫‪1353‬‬ ‫حمكمة الظفري‬ ‫‪1‬‬
‫‪1371‬‬ ‫حمكمة املندق‬ ‫‪2‬‬
‫‪1372‬‬ ‫حمكمة بلجر�شي‬ ‫‪3‬‬
‫‪1372‬‬ ‫حمكمة قلوة‬ ‫‪4‬‬
‫‪1379‬‬ ‫حمكمة بيدة‬ ‫‪5‬‬

‫((( هذا اجلدول كان ناق�ص ًا فلم يذكر ما مت ت�أ�سي�سه من حماكم يف املنطقة بعد عام (‪1412‬هـ ‪1991 /‬م) ‪ .‬ون�أمل �أن‬
‫نرى �أحد طالبنا يف ق�سم التاريخ بجامعة امللك خالد ( برنامج الدرا�سات العليا ) فيتخذ مو�ضوع الق�ضاء يف الباحة‬
‫عنوان ًا لر�سالته العلمية‪ ،‬فهو عنوان جدير بالبحث والدرا�سة‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪116‬‬
‫مالحظات‬ ‫تاريخ الت�أ�سي�س‬ ‫ا�سم املحكمة‬ ‫م‬
‫‪1381‬‬ ‫حمكمة القرى‬ ‫‪6‬‬
‫‪1386‬‬ ‫حمكمة املخواة‬ ‫‪7‬‬
‫‪1386‬‬ ‫حمكمة العقيق‬ ‫‪8‬‬
‫حتول ا�سمها �إىل املحكمة اجلزئية‬ ‫‪1391‬‬ ‫حمكمة الباحة امل�ستعجلة‬ ‫‪9‬‬
‫�ضمت �إىل حمكمة املندق عام ‪1416‬هـ‬ ‫‪1392‬‬ ‫حمكمة بني ح�سن‬ ‫‪10‬‬
‫‪1394‬‬ ‫حمكمة غامد الزناد‬ ‫‪11‬‬
‫‪1394‬‬ ‫رئا�سة املحاكم بالباحة‬ ‫‪12‬‬
‫‪1394‬‬ ‫حمكمة دو�س‬ ‫‪13‬‬
‫‪1412‬‬ ‫حمكمة احلجرة‬ ‫‪14‬‬
‫ج���دول �آخر ورد فيه �أ�س���ماء الق�ض���اة الذين تول���وا �إدارة املحاكم ال�ش���رعية باملنطقة‬
‫(‪)1‬‬
‫خالل الن�صف الثاين من القرن(‪14‬هـ‪20/‬م)‬
‫مدة العمل‬
‫مالحظات‬ ‫ا�سم القا�ضي‬ ‫م‬
‫�إىل‬ ‫من‬
‫رئي�س هيئة التمييز‬ ‫‪1373‬هـ‬ ‫ـ‬ ‫حممد بن �صالح بن �سليم‬ ‫‪1‬‬
‫‪1378‬هـ‬ ‫‪1374‬هـ‬ ‫حممد بن دحيم‬ ‫‪2‬‬
‫ـ‬ ‫‪1379‬هـ‬ ‫حممد بن عبد اهلل ال�شنقيطي‬ ‫‪3‬‬
‫‪1383‬هـ‬ ‫ـ‬ ‫�سليمان بن عثمان بن �أحمد‬ ‫‪4‬‬
‫ـ‬ ‫‪1384‬هـ‬ ‫ح�سن بن جعفر العتمي‬ ‫‪5‬‬
‫‪1400‬هـ �أول رئي�س حماكم ‪ :‬قا�ضي متييز‬ ‫‪1394‬هـ‬ ‫حممد بن �سعيد بن حممد العكوز‬ ‫‪6‬‬
‫قا�ضي متييز‬ ‫ـ‬ ‫‪1400‬هـ‬ ‫عبد اهلل بن حممد بن عبيد‬ ‫‪7‬‬
‫ج ��دول تط ��ور الوظائف واملوظفني باملحكمة العامة يف الباح ��ة يف بع�ض الأعوام خالل‬
‫الفرتة (‪1373‬هـ �إىل ‪1394‬هـ)‬
‫‪93‬هـ ‪94‬هـ‬ ‫‪91‬هـ‬ ‫‪89‬هـ‬ ‫‪86‬ـ‪87‬هـ‬ ‫م�سمى الوظيفة ** ‪1373‬هـ ‪75‬هـ ‪85‬هـ‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫رئي�س حمكمة‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ع�ضو‬
‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫كاتب عدل‬
‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫رئي�س كتاب ال�ضبط‬

‫((( املعلومات التي و�ص ��لتنا من ال�ش ��يخ مزهر ناق�صة فال ت�شمل العقود الأوىل من هذا القرن (‪15‬هـ‪20/‬م ـ ‪21‬م)‪ ،‬و�أن‬
‫اخلط ��اب الذي وجهنا �إىل �إمارة املنطقة يحتوي على نقاط حمددة منذ ن�ش� ��أة كل �إدارة حتى وقت زيارتنا للمنطقة‬
‫عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م)‪.‬‬
‫‪117‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫‪93‬هـ ‪94‬هـ‬ ‫‪91‬هـ‬ ‫‪89‬هـ‬ ‫‪86‬ـ‪87‬هـ‬ ‫م�سمى الوظيفة ** ‪1373‬هـ ‪75‬هـ ‪85‬هـ‬
‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫كتاب ال�ضبط‬
‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ع�ضو هيئة النظر‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫م�أمور بيت املال‬
‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫مدير �إدارة‬
‫‪22‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫�إداري‬
‫‪2‬‬ ‫ـ‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫م�ستخدم‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫�أمني �صندوق‬
‫ـ‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫حما�سب‬
‫‪22‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪9‬‬ ‫املجموع‬
‫ويف نهاية املذكرة جند عدد ًا من التو�ص ��يات الت ��ي دونها القائمون على �إدارة املحكمة‬
‫ال�شرعية يف املنطقة‪ ،‬وهي على النحو التايل ‪:‬‬
‫�أ ـ نظر ًا لت�ش ��ابك �أمور احلياة وتنوعها وقلة �أعداد الق�ضاة ف�إن احلاجة تدعو �إىل ‪:‬‬
‫(‪ )1‬مزيد من املحاكم‪ )2( .‬مزيد من الق�ضاة وكتاب العدل ‪.‬‬
‫ب ـ دع ��م قاع ��دة املعلوم ��ات بفرع وزارة الع ��دل بالباحة ويف كل حمكم ��ة وكل كتابة‬
‫عدل حتى ي�س ��هل الو�ص ��ول �إىل املعلومات ب�س ��هولة وب�س ��رعة‪ ،‬ويتمكن الباحثون‬
‫من بناء درا�س ��اتهم على معلومات �ص ��حيحة وبخا�ص ��ة عن (‪ )1‬امليزانيات التي‬
‫ت�صرف على املحاكم عموم ًا وعلى كل حمكمة ب�صفة خا�صة‪ )2( .‬عدد املوظفني‬
‫وم�ؤهالته ��م ومراتبهم الوظيفية بدء ًا من رئي�س املحكمة وانتها ًء مبوظفي خارج‬
‫الهيئة وموظفي الأجر اليومي‪ )3( .‬عدد الق�ض ��ايا و�أنواعها يف كل عام بالن�س ��بة‬
‫لكل حمكمة على حدة ‪.‬‬
‫ج ـ بذل اجلهود لإنهاء الق�ضايا املعلقة‪ ،‬وكذلك الق�ضايا التي تعر�ض من جديد على‬
‫كل حمكمة‪.‬‬
‫د ـ اجلدية يف جمازاة من يتمرد على مواعيد املحاكم والق�ضاة لأن التهاون يف ذلك‬
‫�أدى �إىل ت�أجيل وتطويل مدة البت يف كثري من الق�ضايا ‪.‬‬
‫هـ ـ تفعي ��ل الأنظم ��ة والتعليم ��ات الت ��ي تن�ص عل ��ى كيفية تنفي ��ذ وتطبي ��ق الأحكام‬
‫ال�ش ��رعية‪ ،‬حت ��ى ال تبقى كما ه ��و معظمها الآن بدون تنفيذ لع ��دم قدرة املواطن‬
‫العادي على ذلك ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪118‬‬
‫و ـ اختي ��ار قا� ��ض �أو رئي� ��س حمكم ��ة يف كل حمافظ ��ة لإلق ��اء درو�س ديني ��ة عامة‬
‫والت�ص ��دي للفتوى يف احد كبار امل�س ��اجد باملحافظة ولو مرة واحدة يف الأ�س ��بوع‬
‫وذلك تر�سيخ ًا للتوعية الدينية والفتاوى‪.‬‬
‫ز ـ املزيد من حم�ضري اخل�صوم الذين يتابعون �إح�ضار اخل�صوم حل�ضور اجلل�سات‬
‫الق�ض ��ائية يف �أوقاته ��ا‪ ،‬ومنع التمرد عن احل�ض ��ور‪ ،‬وم�س ��اعدة املحكمة يف �أداء‬
‫مهامها بدون ت�أخري‪.‬‬
‫ح ـ �إن حاج ��ة الن�س ��اء �إىل املحكمة وما تقدمه م ��ن خدمات لتحقي ��ق العدالة يحتم‬
‫فتح مكتب ال�س ��تقبال الن�ساء‪ .‬وعند ذلك يتحقق‪ )1( :‬ت�سهيل دخول الن�ساء �إىل‬
‫املحكمة وخروجهن‪ )2( .‬ت�س ��هيل مراجعة معامالتهن ومتابعة ق�ضاياهن‪)3( .‬‬
‫رفع احلرج عن الكثري منهن عند زيارة املحكمة‪ )4(.‬امل�ساهمة يف توظيف املر�أة‬
‫(‪)1‬‬
‫وتخفيف حدة البطالة‪.‬‬
‫‪4‬ـ فرع هيئة التحقيق واالدعاء العام ‪:‬‬
‫و�صلنا مذكرة بتاريخ (‪1427/5/2‬هـ)‪ ،‬وكانت موجهة �إىل وكيل الإمارة امل�ساعد‪،‬‬
‫ح�سب التعميم املر�سل �إىل جميع امل�ؤ�س�سات الإدارية يف املنطقة(‪ ،)2‬وتت�ضمن موجز ًا تاريخي ًا‬
‫لف ��رع هيئ ��ة التحقيق والإدعاء يف الباحة وهي من �إعداد رئي�س الفرع الأ�س ��تاذ ‪� /‬س ��عد بن‬
‫حمود �آل �س ��لطان(‪� ،)3‬أ�ش ��ار فيها �إىل بداي ��ة الفرع يف عام (‪1419-18‬ه� �ـ‪1998-97/‬م)‪،‬‬
‫وكان �أول مدير لها الدكتور‪� /‬إبراهيم بن يحيى عطيف‪ ،‬ثم جاء بعده الأ�ستاذ �إبراهيم بن‬
‫عبد اهلل ال�ش ��اردي (‪1424-1421‬هـ‪2003-2001/‬م)‪ ،‬ثم �س ��عد بن حمود �آل �سلطان من‬
‫(ـ‪1425/12/‬هـ ـ حتى الآن )(‪.)4‬‬

‫ج ��رى على الق�ض ��اء واملحاكم يف اململكة العربية ال�س ��عودية كثري من التعديالت والتطوير‪ ،‬ولك ��ن الزالت مثلها مثل‬ ‫(((‬
‫غريها من امل�ؤ�س�سات الإدارية بحاجة �إىل نزاهة يف التعامل‪ ،‬ودقة يف �إدارة �أداء العمل‪ ،‬و�إجناز م�صالح العباد ‪.‬‬
‫ورد يف اخلطاب املر�س ��ل �إىل وكيل الإمارة امل�س ��اعد قوله " �إ�ش ��ارة �إىل تعميم �سعادتكم رقم (‪1‬ح‪)423/1201/5/‬‬ ‫(((‬
‫وتاري ��خ (‪1427/4/10‬ه� �ـ) وامل�ش ��ار في ��ه �إىل ع ��زم �أ‪ .‬د‪ .‬غيثان بن عل ��ي بن جري�س �أ�س ��تاذ التاريخ بق�س ��م العلوم‬
‫االجتماعية يف كلية اللغة العربية والعلوم االجتماعية والإدارية بجامعة امللك خالد �إعداد كتاب ي�صور تاريخ منطقة‬
‫الباحة يف املا�ض ��ي واحلا�ضر‪ ،‬و�أي�ض� � ًا معرفة تاريخ الباحة احلديث واملعا�صر وبخا�صة فيما يتعلق بالنمو احل�ضاري‬
‫والتط ��ور ال ��ذي مرت به الأجه ��زة احلكومية بهذه املنطقة‪ ،‬وطلبك ��م بع�ض املعلومات عن الف ��رع عليه جتدون بطيه‬
‫املطلوب‪� "..‬ص ��ورة هذا اخلطاب واملذكرة �ض ��من �أوراق مكتب ��ة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�ص ��ة)‪.‬‬
‫ومعظم امل�ؤ�س�س ��ات الإدارية التي و�ص ��لنا مذكرات عنها توجد �أ�ص ��ول و�ص ��ور هذه املذكرات يف مكتبة د‪ .‬غيثان بن‬
‫جري�س العلمية (الوثائق اخلا�صة )‪.‬‬
‫�أ�صل و�صورة هذه املذكرة توجد �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫بق�صد بكلمة (الآن) عام تدوين هذه املذكرة‪ ،‬وزيارتنا للمنطقة عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪119‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫وتتك ��ون دائ ��رة التحقي ��ق واالدع ��اء الع ��ام يف الباح ��ة م ��ن خم� ��س دوائ ��ر ه ��ي‪:‬‬
‫(‪ )1‬دائ ��رة الإدع ��اء العام وبد�أ ممار�س ��ة العمل فيها م ��ن (‪1419/5/1‬ه� �ـ)‪ )2(.‬دائرة‬
‫التحقيق يف ق�ضايا املخدرات ابتدا ًء من (‪1423/7/21‬هـ)‪ )3(.‬دائرة التحقيق يف ق�ضايا‬
‫االعتداء على العر�ض والأخالق بد�أ من (‪1423/1/2‬هـ)‪ )4( .‬دائرة التحقيق يف ق�ض ��ايا‬
‫االعت ��داء على النف�س م ��ن (‪1424/7/2‬هـ)‪ )5( .‬دائرة املال والعمل جاري يف افتتاح هذه‬
‫الدائرة عام (‪1427‬هـ) (‪.)1‬‬
‫ويتكون الفرع يف عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) من (‪ )25‬ع�ضو ًا‪ ،‬و (‪� )29‬إداري ًا ‪ .‬وميزانية‬
‫الفرع �ض ��من ميزانية املركز الرئي�س ��ي بالريا�ض‪ ،‬ويتبع ف ��رع الباحة دوائر �أخرى يف بع�ض‬
‫املحافظ ��ات مثل‪ :‬دائرة هيئة التحقيق واالدعاء العام مبحافظة بلجر�ش ��ي‪ ،‬وكان افتتاحها‬
‫عام (‪26‬ـ‪1427‬هـ‪2006/‬م)‪ ،‬ودائرة هيئة التحقيق واالدعاء العام‪ ،‬مبحافظة املخواة �أي�ض ًا‬
‫يف عام (‪26‬ـ‪1427‬هـ ‪2006 /‬م)(‪.)2‬‬
‫واجلدول التايل يو�ض ��ح عدد املوظفني ومراتبهم يف فرع هيئة التحقيق واالدعاء العام‬
‫مبنطقة الباحة من عام (‪1426-1419‬هـ‪2005-1998/‬م)‪.‬‬
‫‪26‬هـ‬ ‫‪25‬هـ‬ ‫‪24‬هـ‬ ‫‪23‬هـ‬ ‫‪22‬هـ‬ ‫‪19‬هـ ‪20‬هـ ‪21‬هـ‬ ‫املرتبة‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫رئي�س (ب‪)1‬‬
‫‪2‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وكيل (�أ)‬
‫‪3‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫وكيل (ب)‬
‫‪4‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫حمقق �أول‬
‫‪11‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪5‬‬ ‫حمقق ثاين‬
‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪4‬‬ ‫م�ساعد حمقق‬
‫ـ‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪22‬‬ ‫مالزم حتقيق‬
‫‪23‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪32‬‬ ‫جمموع الأع�ضاء‬
‫ـ‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫املرتبة التا�سعة‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫املرتبة الثامنة‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫املرتبة ال�سابعة‬
‫‪7‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫املرتبة ال�ساد�سة‬

‫((( مذك ��رة من تدوين رئي�س الفرع بالباح ��ة عام(‪1427‬هـ‪2006/‬م) ‪ .‬ون�أمل �أن نرى �أح ��د الباحثني اجلادين فيدر�س‬
‫التاريخ الإداري ملنطقة الباحة من عام (‪1350‬هـ ـ‪1434‬هـ ‪1931 /‬ـ‪2013‬م)‬
‫((( مل نتاب ��ع التط ��ور الإداري له ��ذه امل�ؤ�س�س ��ة الإداري ��ة يف الباحة بعد عام ( ‪1427‬ه� �ـ‪2006/‬م) ‪ .‬ون�أم ��ل �أن نرى �أحد‬
‫الباحث�ي�ن اجلادين فيدر� ��س التاريخ الإداري ملنطقة الباحة من عام (‪1350‬ـ ‪1434‬هـ‪1931/‬ـ‪ .)2013‬وهو مو�ض ��وع‬
‫هام وي�ستحق �إىل �أن يكون عنوان ًا لكتاب �أو ر�سالة علمية يف �أحد �أق�سام التاريخ الأكادميية باجلامعات ال�سعودية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪120‬‬
‫‪26‬هـ‬ ‫‪25‬هـ‬ ‫‪24‬هـ‬ ‫‪23‬هـ‬ ‫‪22‬هـ‬ ‫‪19‬هـ ‪20‬هـ ‪21‬هـ‬ ‫املرتبة‬
‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫املرتبة اخلام�سة ‪2‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫املرتبة الرابعة ‪4‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫املرتبة الثالثة والثالثون ‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫املرتبة الثانية والثالثون ـ‬
‫‪25‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪16‬‬ ‫جمموع الإداريني ‪11‬‬
‫‪48‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪41‬‬ ‫املجموع الكلي ‪43‬‬
‫وجمي ��ع موظفي هذه امل�ؤ�س�س ��ة �س ��عوديون‪ ،‬كما �أن معظمهم حا�ص ��لون على ال�ش ��هادة‬
‫اجلامعية وكثري منهم خريجو كليات ال�شريعة يف اململكة(‪.)1‬‬
‫‪5‬ـ فرع هيئة الرقابة والتحقيق ‪:‬‬
‫�أر�س ��ل لنا وكيل الإمارة امل�س ��اعد �ص ��فحة واحدة من �إعداد رئي�س ف ��رع هيئة الرقابة‬
‫والتحقيق يف الباحة الأ�س ��تاذ‪ /‬م�س ��اعد بن عي�ضة الزهراين(‪ ،)2‬ذكر فيها �أن هيئة الرقابة‬
‫�أن�ش� ��أت فرع� � ًا يف الباحة يف (‪1408/9/14‬ه� �ـ ‪1988/‬م)‪ ،‬وذلك للنظر يف الق�ض ��ايا التي‬
‫تخ�ص موظفي الدولة ومتابعة �س�ي�ر العمل يف جميع امل�ؤ�س�س ��ات الإدارية احلكومية(‪ .)3‬وقد‬
‫تعاق ��ب على �إدارة الفرع منذ ت�أ�سي�س ��ه حتى عام (‪1427‬ه� �ـ‪2006/‬م) �أربعة مديرين‪ ،‬هم‬
‫على النحو التايل ‪.‬‬
‫(‪)5( )4‬‬

‫الدرجة العلمية‬ ‫فرتة �إدارته‬ ‫اال�سم‬ ‫م‬


‫لي�سان�س �شريعة‬ ‫‪1408/9/14‬ـ‪1409/7/29‬هـ‬ ‫معي�ض بن عاي�ض الزهراين‬ ‫‪1‬‬
‫بكالوريو�س �إدارة عامة‬ ‫‪1409/7/29‬ـ‪1412/12/2‬هـ‬ ‫وليد بن �أ�سعد �صادق‬ ‫‪2‬‬
‫لي�سان�س �شريعة‬ ‫‪1413/1/18‬ـ‪1414/12/2‬هـ‬ ‫حممد بن �سعد القرين‬ ‫‪3‬‬
‫بكالوريو�س‬ ‫‪1414/4/23‬ـ حتى الآن(‪.)5‬‬ ‫م�ساعد بن عيظة الزهراين‬ ‫‪4‬‬
‫وفيما يلي �إح�صائية عامة بعدد املوظفني يف الفرع (‪1426-1409‬هـ ‪2005-1989 /‬م(‪.)6‬‬

‫((( هذه امل�ؤ�س�س ��ة حديثة وفتحها كان �ض ��رورة لتعدد الق�ضايا وتزايد امل�ش ��اكل الأخالقية واالجتماعية خالل الع�شرين‬
‫�سنة املا�ضية ‪.‬‬
‫((( هذه ال�صفحة توجد �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية (الوثائق اخلا�صة)‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( املق�صود بكلمة ( الآن ) ‪ ،‬عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫‪121‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫العدد‬ ‫الفرتة‬ ‫العدد‬ ‫الفرتة‬


‫‪10‬‬ ‫‪1411‬ـ‪1413‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪ 1409‬ـ‪1411‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪15‬ـ‪1417‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪13‬ـ‪1415‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪19‬ـ‪1421‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪17‬ـ‪1419‬‬
‫‪18‬‬ ‫‪1426‬هـ‬ ‫‪19‬‬ ‫‪1421‬ـ‪1425‬‬
‫بيان مب�ؤهالت املوظفني يف عام (‪1426‬هـ‪2005/‬م)(‪.)1‬‬
‫مالحظات‬ ‫عدد املوظفني‬ ‫امل�ؤهل‬
‫‪11‬‬ ‫البكالوريو�س‬
‫‪1‬‬ ‫الدبلوم‬
‫‪5‬‬ ‫املتو�سطة‬
‫‪1‬‬ ‫بدون‬
‫‪18‬‬ ‫املجموع‬
‫‪6‬ـ هيئة الأمر باملعروف والنهي عن املنكر‪:‬‬
‫�ضمن الأوراق التي �أر�سلت لنا من �إمارة منطقة الباحة تقرير مكون من �أربع �صفحات‬
‫م ��ن �إعداد رئي�س فرع الهيئة يف الباحة ال�ش ��يخ ح�س ��ن بن �س ��عيد الربيع ��ي(‪ ،)2‬ذكر فيه �أن‬
‫جهاز الهيئة ت�أ�س ���س يف الباح ��ة عام (‪1373‬هـ‪1953/‬هـ)‪ ،‬ويف ع ��ام (‪1412‬هـ‪1992/‬م )‬
‫�ضمت مراكز الهيئة مبنطقة الباحة �إىل فرع الرئا�سة العامة يف املنطقة اجلنوبية‪ ،‬ويف عام‬
‫(‪1414‬هـ‪1994/‬م) مت �إن�ش ��اء فرع رئي�سي للرئا�سة مبنطقة الباحة (‪ ،)3‬وتعاقب على �إدارة‬
‫الهيئ ��ة يف عموم املنطقة عدد من ال�ش ��يوخ هم ‪� )1( :‬س ��امل املرابي(‪ ،)4‬وزي ��د بن �إبراهيم‬
‫اخلث�ل�ان (‪1380‬ـ‪1390‬هـ‪1960/‬ـ‪1970‬م)‪،‬وحممد بن مانع الدو�س ��ري (‪1390‬ـ‪1400‬هـ ‪/‬‬
‫‪1970‬ـ‪1980‬م)‪ ،‬وحمم ��د بن يحيى الغامدي(‪1400‬ه� �ـ ـ‪1410‬هـ‪1980/‬ـ‪ 1990‬م)‪ ،‬وحممد‬
‫ب ��ن �إبراهيم الغبي�ش ��ي (‪1410‬ـ‪1415‬ه� �ـ ‪1990 /‬ـ‪1995‬م)‪ ،‬و�أحمد ب ��ن عو�ض الزهراين‪،‬‬
‫و�صالح بن عبد العزيز احل�ضريي (‪1415‬ـ ‪1417‬هـ ‪1995 /‬ـ‪1997‬م) (‪.)5‬‬

‫((( امل�ص ��در نف�سه ‪ .‬وهذه امل�ؤ�س�س ��ة �أي�ض ًا حديثة‪ ،‬ودورها متابعة �س�ي�ر �أعمال املوظفني يف �أعمالهم ومتابعة ح�ضورهم‬
‫وعدم تق�صريهم يف �أداء واجباتهم ‪.‬‬
‫((( هذا التقرير بتاريخ (‪1427/5/2‬هـ ) ‪ .‬ويوجد �أ�ص ��له و�ص ��ورته �ض ��من مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق‬
‫اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( مل يذكر تاريخ رئا�سة هذا الرئي�س لفرع الرئا�سة يف الباحة‪ ،‬لكن كان من �أوائل من توىل �إدارة هذه امل�ؤ�س�سة‪.‬‬
‫((( التقرير الذي و�صلنا مل يذكر من توىل �إدارة هذه امل�ؤ�س�سة بعد عام (‪1417‬هـ‪1997/‬م)‪ .‬ون�أمل �أن نرى �أحد طالب‬
‫الدرا�س ��ات العليا يف �أحد �أق�س ��ام التاريخ بجامعات الطائف‪� ،‬أو الباحة‪� ،‬أو امللك خالد فيتخذ مو�ض ��وع تطور التاريخ‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪122‬‬
‫ومن خالل هذا التقرير ات�ضح لنا �أنه افتتح حوايل(‪ )21‬مركز ًا للهيئة منذ ن�ش�أتها يف‬
‫منطق ��ة الباحة عام (‪1373‬حتى عام‪1425‬هـ‪1953/‬ـ‪2004‬م)‪ ،‬وهي الباحة‪ ،‬وعراء‪ ،‬ورهو‬
‫الرب‪ ،‬وبلجر�شي‪ ،‬وبني كبري‪ ،‬وبال�شهم‪ ،‬وبني ظبيان(‪ ،)1‬والعقيق‪ ،‬والقرى‪ ،‬واملندق‪ ،‬ودو�س‪،‬‬
‫واملخواة‪ ،‬وقلوة‪ ،‬وغامد الزناد‪ ،‬واحلجرة‪ ،‬وبني ح�س ��ن‪ ،‬وناوان‪ ،‬وجرب‪ ،‬وال�شعراء‪ ،‬وكراء‬
‫احلائط‪ ،‬وجرد(‪.)2‬‬
‫وكان عدد موظفي مراكز الهيئة عام(‪1427-26‬هـ‪2006/‬م) حوايل (‪ )122‬موظف ًا‪،‬‬
‫ومنه ��م (‪ )90‬موظف ًا على مراتب رئي�س ��ية من املرتبة الثانية حتى الثانية ع�ش ��رة‪ ،‬و(‪)32‬‬
‫موظف ًا على املرتبة (‪ ،)32‬والأجر اليومي‪ ،‬ونظام ال�ساعات‪ ،‬كما ترتاوح ال�شهادات العلمية‬
‫له�ؤالء املوظفني من �شهادة االبتدائية حتى ال�شهادة اجلامعية(‪.)3‬‬
‫‪7‬ـ ال�شرطة ‪:‬‬
‫ج ��اء يف خط ��اب ومذكرة بتاري ��خ (‪1427/4/19‬هـ) من �إعداد مدير �ش ��رطة منطقة‬
‫الباحة اللواء �ص ��الح بن �إبراهيم العليان تف�ص ��يالت عن تطور �إدارة ال�شرطة باملنطقة (‪،)4‬‬
‫وقد �أن�شئت ال�شرطة عام(‪1367‬هـ‪1947/‬م) با�سم مفو�ضية الظفري وتتبع �شرطة الطائف‪،‬‬
‫ويف عام(‪1377‬هـ‪1957/‬م) �أن�ش ��ئت مفو�ض ��ية املندق‪ ،‬ويف عام(‪1382‬هـ‪1962/‬م) نقلت‬
‫مفو�ض ��ية الظفري �إىل بلجر�شي مع الإمارة وغريها من امل�ؤ�س�سات الإدارية الرئي�سية‪ ،‬وعند‬
‫�إع ��ادة الإمارة وامل�ؤ�س�س ��ات الإداري ��ة �إىل الباحة مت ا�س ��تحداث عدد من مراكز ال�ش ��رطة‬
‫يف الق ��رى‪ ،‬وبي ��دة‪ ،‬والعقي ��ق‪ ،‬ودو� ��س‪ ،‬واحلج ��رة‪ ،‬واملخواة‪ ،‬وغام ��د الزن ��اد(‪ .)5‬ويف عام‬
‫(‪1392‬هـ‪1972/‬م) ا�س ��تحدث خمفر �ش ��رطة بلخزمر‪ ،‬ويف عام (‪1395‬هـ ‪1975 /‬م) مت‬
‫تعديل �أ�سماء مفو�ضيات بلجر�شي‪ ،‬واملندق‪ ،‬وقلوة �إىل ق�سم‪ ،‬ويف عام (‪1396‬هـ ‪1976/‬م)‬
‫مت �إن�ش ��اء مركزي �شرطة يف كل من ال�شعراء وبني ح�سن(‪ .)6‬ويف عام (‪1400‬هـ ‪1980/‬م)‬
‫مت �إن�ش ��اء ع ��دد من املخافر والأق�س ��ام مثل‪ :‬خمافر �ش ��رطة بني كبري‪ ،‬وبال�ش ��هم‪ ،‬ونخال‪،‬‬

‫الإداري يف الباحة من عام (‪1350‬ـ‪1434‬هـ‪1931 /‬ـ‪2013‬م) عنوان ًا لر�سالته يف درجتي املاج�ستري �أو الدكتوراه ‪.‬‬
‫((( نقل هذا املركز من بني ظبيان �إىل جرد يف (‪1425/11/16‬هـ) امل�صدر‪ :‬مذكرة عن تاريخ مراكز الهيئة يف منطقة‬
‫الباحة توجد �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة )‪.‬‬
‫((( معظم املراكز املذكورة �أعاله مت �إن�شا�ؤها قبل عام (‪1400‬هـ‪1980/‬م)‪ .‬امل�صدر نف�سه‪.‬‬
‫((( ع ��دد احلا�ص ��لني على �ش ��هادة البكالوريو� ��س (‪ )25‬موظف� � ًا‪ ،‬والثانوي ��ة العام ��ة (‪ )35‬موظف ًا‪ ،‬واملتو�س ��طة (‪،)11‬‬
‫واالبتدائية (‪ )18‬موظف ًا ‪ .‬امل�صدر‪ :‬مذكرة �ضمن �أوراق مكتب د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( �أ�صل و�صورة اخلطاب واملذكرة يف مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية‪ ( .‬الوثائق اخلا�صة)‪.‬‬
‫((( امل�صدر ‪ :‬مذكرة من مدير �شرطة الباحة عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) حمفوظة �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س‬
‫العلمية (الوثائق اخلا�صة) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫‪123‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫ومع�شوقة‪ ،‬وبني حرير وبني عدوان‪ ،‬وبرحرح‪ ،‬وجرداء بني علي‪ ،‬وبطاط‪ ،‬وق�سم االت�صاالت‬
‫ال�سلكية والال�سلكية(‪.)1‬‬
‫ومنذ عام (‪1419-1401‬هـ‪1998 -1981/‬م) �أجري العديد من الإجنازات والتطوير‬
‫عل ��ى م�س ��توى املنطق ��ة مثل‪ :‬ا�س ��تئجار مبنى حدي ��ث ل�ش ��رطة املنطقة يف مدين ��ة الباحة‪،‬‬
‫و�إحداث دوريات �أمن بلجر�ش ��ي‪ ،‬وا�س ��تئجار مبنى للدوريات الأمنية‪ ،‬و�صدور املوافقة على‬
‫�إن�ش ��اء مبنى مركز التجنيد والتدريب يف املنطقة‪ ،‬وتعديل م�س ��مى �أق�سام �شرطة بلجر�شي‪،‬‬
‫واملندق‪ ،‬واملخواة‪ ،‬والعقيق �إىل مراكز‪ ،‬كما عدل ا�س ��م خمفري �شرطة العقيق والقرى �إىل‬
‫ا�س ��م مركز‪ ،‬وعدل مركز �شرطة حمافظة بلجر�شي �إىل �شرطة مدينة‪ ،‬وا�ستحداث �شرطة‬
‫مدين ��ة الباحة‪ ،‬وا�س ��تحدثت وحدة مراقب ��ة املخزون‪ ،‬ونقطة �أمن غامد و�س ��بيع‪ ،‬وخمفري‬
‫�شرطة جرب وناوان(‪.)2‬‬
‫وخالل الأعوام (‪1423-1421‬هـ‪2003-2001/‬م) مت �إن�شاء غرفة العمليات امل�شرتكة‬
‫يف الدوري ��ات الأمنية يف (‪1421/6/27‬هـ‪2001/‬م)‪ ،‬وعدل ا�س ��م مركزي �ش ��رطة املندق‬
‫والعقي ��ق �إىل �ش ��رطة حمافظة‪ ،‬ومت تعديل �أ�س ��ماء خمافر بني ح�س ��ن‪ ،‬وال�ش ��عراء‪ ،‬ودو�س‬
‫�إىل مراك ��ز(‪ ،)3‬وا�س ��تحدثت ع ��دد من املخافر يف الرهوة وبني �س ��ار‪ ،‬وبن ��ي ظبيان‪ ،‬وبني‬
‫�س ��امل‪ ،‬وج ��رد‪ ،‬ويب� ��س‪ ،‬ون�ي�را‪ ،‬والرمي�ض ��ة‪ ،‬واجلري ��ن‪ ،‬وك ��راء احلائ ��ط‪ ،‬وراخ‪ ،‬ويف عام‬
‫(‪1423‬هـ‪2003/‬م) عدلت �أ�س ��ماء مراكز املخواة‪ ،‬وقلوة‪ ،‬والقرى‪ ،‬وبلجر�ش ��ي �إىل ا�سم (‬
‫�شرطة حمافظة ) لكل من هذه املدن(‪.)4‬‬
‫وتوىل �إدارة �ش ��رطة منطق ��ة الباحة منذ ع ��ام (‪1425-1367‬ه� �ـ ‪2004-1947 /‬م)‬
‫حوايل ع�شرين مدير ًا تراوحت رتبهم من مفو�ض ثاين ووكيل قائد �إىل مقدم وعقيد وعميد‬
‫ول ��واء‪ ،‬وهم على النحو الت ��ايل‪ )1( :‬عبد اهلل كاتب (‪1370-1367‬هـ ‪1950- 1947 /‬م)‪.‬‬
‫(‪� )2‬أحمد ح�ضرمي (‪1371-1370‬هـ‪1951-1950 /‬م)‪� )3(.‬أحمد حممد مياه (‪-1371‬‬
‫‪ 1373‬ه� �ـ ‪1953-1951 /‬م) (‪ )4‬يحي ��ى نا�ص ��ر اليام ��ي (‪1375-1373‬ه� �ـ ‪-1953 /‬‬
‫‪1955‬م)‪ )5( .‬عبد اهلل دروي�ش بلو�ش ��ي ( ‪1375‬ـ‪ 1378‬هـ ‪1955 /‬ـ‪1958‬م) ‪ )6(.‬ح�س�ي�ن‬
‫مري ع ��امل ‪1378‬ـ ‪1381‬هـ ‪1958 /‬ـ‪1961‬م) ‪ )7(.‬عب ��د احلفيظ (‪1381‬ـ ‪1384‬هـ‪1961/‬ـ‬
‫‪1964‬م) (‪ )8‬ح�س ��ن علي جنبي (‪1384‬ـ‪1386‬هـ ‪ 1964 /‬ـ‪1966‬م)‪ )9( .‬عبد اهلل مفرح‬

‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬


‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه ‪ .‬تاريخ ال�شرطة يف منطقة الباحة منذ �س ��تينيات القرن الهجري املا�ضي �إىل اليوم مو�ضوع ي�ستحق‬
‫البحث والدرا�سة‪ ،‬حبذا �أن نراه عنوان ًا لر�سالة ماج�ستري يف �أحد �أق�سام التاريخ يف جامعاتنا ال�سعودية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪124‬‬
‫ال�شهري (‪1386‬ـ‪1387‬هـ‪1966/‬ـ‪1967‬م) ‪ )10( .‬عبد العزيز عبد الرحمن قاده ( ‪1387‬ـ‬
‫‪1389‬هـ‪1967/‬ـ‪1969‬م) ‪ )11(.‬جودي حممد الطيب (‪1389‬ـ ‪1391‬هـ ‪1969 /‬ـ‪1971‬م)‪.‬‬
‫(‪� )12‬ص ��الح من�ص ��ورالقحطاين (‪1391‬ـ ‪1392‬ه� �ـ‪ 1971 /‬ـ ‪1972‬م) ‪ )13(.‬د ‪� .‬أ�س ��عد‬
‫خليفة (‪1392‬ـ‪1395‬هـ‪1972 /‬ـ ‪1975‬م ) ‪ )14( .‬عبد اهلل نا�صر ال�شريف (‪1395‬ـ‪1401‬هـ‬
‫‪1975 /‬ـ‪1981‬م)‪ )15(.‬عبد الرحمن حممد ال�شهراين (‪1401‬ـ‪1408‬هـ‪1981/‬ـ‪1988‬م)‪.‬‬
‫(‪�)16‬أحمد �س ��عد يا�س�ي�ن (‪ 1408‬ـ‪ 1414‬هـ ‪1988 /‬ـ‪1994‬م)‪ )17( .‬حممد را�ش ��د البلي‬
‫(‪1414‬ـ ‪1420‬هـ ‪1994 /‬ـ‪2000‬م) ‪ )18(.‬عبد الرحمن نا�صر ال�سنيدي (‪1421‬ـ‪1423‬هـ‪/‬‬
‫‪2001‬ـ ‪2003‬م) ‪ )19(.‬عب ��د الرحمن علي الطوي ��ان ( ‪1423‬ـ‪1425‬هـ‪ /2003‬ـ ‪2005‬م) ‪.‬‬
‫(‪� )20‬صالح �إبراهيم العليان (‪1425‬ـ حتى تاريخه ) (‪.)1‬‬
‫‪� - 8‬إدارة �سجون الباحة‪:‬‬
‫ورد يف خطاب ومذكرة بتاريخ (‪1427/5/16‬هـ) من �إعداد مدير �إدارة �سجون منطقة‬
‫الباحة العقيد �ص ��الح بن حممد القحطاين بع�ض التف�ص ��يالت عن تاريخ �سجون املنطقة‪،‬‬
‫فذكر �أن ت�أ�س ��ي�س ه ��ذه الإدارة كان قبل ع ��ام (‪1380‬ه� �ـ‪1960/‬م)‪ ،‬والرقيب عقيل �أحمد‬
‫الغامدي �أول مدير لهذه امل�ؤ�س�س ��ة ومعه �آنذاك (‪ )49‬ع�س ��كري ًا وثالثة موظفني وعاملتان‪.‬‬
‫وكانت �إدارة ال�س ��جون مرتبطة ب�ش ��رطة منطقة الباحة ثم ف�ص ��لت ب�إدارة م�ستقلة وربطت‬
‫(‪)2‬‬
‫باملديرية العامة لل�سجون عام (‪1421‬هـ‪2000/‬م)‬
‫وتعاق ��ب عل ��ى �إدارة ه ��ذه امل�ؤ�س�س ��ة ت�س ��عة م ��دراء م ��ن عام(‪1380‬ـ‪1427‬ه� �ـ ‪/‬‬
‫‪1960‬ـ‪2006‬م)‪ ،‬ورتبه ��م الع�س ��كرية ت�ت�راوح م ��ن رقي ��ب �إىل عقي ��د‪ ،‬وه ��م‪ )1( :‬الرقيب‬
‫عقي ��ل �أحم ��د الغام ��دي (‪1380‬ـ‪1382‬ه� �ـ‪60/‬ـ‪1962‬م)‪ )2(.‬رئي� ��س رقباء تركي م�ش ��رف‬
‫ال�ش ��هري (‪1382‬ـ‪1394‬ه� �ـ‪62/‬ـ‪1974‬م)‪ )3(.‬امل�ل�ازم عب ��د الرحي ��م عي�ض ��ة ال�س ��فياين‬
‫(‪1394‬ـ‪1402‬ه� �ـ‪1974/‬ـ‪1982‬م)‪ )4(.‬الرائ ��د خال ��د ب ��ن �س ��ليمان الدو�س ��ري (‪1402‬ـ‬
‫‪1409‬هـ‪1989-82/‬م)‪)5(.‬املق ��دم عبد الرحمن حمم ��د احلاقان (‪1415 -1409‬هـ ‪89/‬‬
‫‪1994-‬م)‪)6(.‬العقيد حممد �ص ��الح العمري(‪1415‬ـ‪1421‬هـ ‪2001-94/‬م)‪ )7(.‬املقدم‬
‫عثم ��ان �أحم ��د الغام ��دي (‪1422-1421‬ه� �ـ‪2002-2001/‬م) ‪ )8(.‬العقي ��د عو� ��ض على‬
‫((( يق�ص ��د بتاريخه �أي عام (‪1427‬ه� �ـ‪2006/‬م) زمن زيارتنا ملنطقة الباحة وجمع م ��ادة تاريخية عن بع�ض اجلوانب‬
‫احل�ض ��ارية فيها‪ .‬و�إدارات ومراكز �ش ��رطة منطقة الباحة اليوم متعددة الفروع يف جميع �أنحاء املنطقة‪ ،‬ناهيك عن‬
‫منوها وتطورها يف عدد الع�ساكر واملوظفني‪ ،‬وتوفري الإمكانات املادية من من�ش�آت عمرانية والآالت و�أجهزة خمتلفة‬
‫‪ .‬درا�سة تاريخ ال�شرطة خالل العهد ال�سعودي احلديث مو�ضوع هام وي�ستحق العناية من قبل الباحثني وامل�ؤرخني يف‬
‫منطقة الباحة وغريها من مناطق اململكة العربية ال�سعودية ‪.‬‬
‫((( خطاب ومذكرة من مدير �س ��جون الباحة �إىل الباحث‪ ،‬والأ�ص ��ل وال�ص ��ورة لهذه الأوراق �ض ��من مكتبة د‪ .‬غيثان بن‬
‫جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة) ‪.‬‬
‫‪125‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫ال�ش ��مراين (‪1426-1422‬ه� �ـ‪2006-2002/‬م)‪ )9(.‬العقيد حممد بن �ص ��الح القحطاين‬


‫(‪1426‬ـ حتى الآن) (‪.)1‬‬
‫ويف ع ��ام (‪1427‬ه� �ـ‪2006/‬م) كان عدد موظفي �س ��جون منطقة الباحة (‪� )20‬ض ��ابط ًا‬
‫و(‪ )332‬فرد ًا ع�سكري ًا برتب خمتلفة‪ ،‬وثالثة ع�شر موظف ًا و�أربع عامالت‪ .‬ويتبع �إدارة �سجون‬
‫املنطقة الرئي�سية �أربعة فروع يف املخواة‪ ،‬واملندق‪ ،‬وبلجر�شي‪ ،‬وقلوة(‪ .)2‬ويف زمن زيارتنا للباحة‬
‫عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) �شاهدنا العمل جاري ًا يف ت�شييد مقر ال�سجن العام للمنطقة(‪.)3‬‬
‫‪9‬ـ �إدارة املرور ‪:‬‬
‫ويف مذك ��رة من مدي ��ر �إدارة مرور الباحة ع ��ام (‪1427‬ه� �ـ‪2006/‬م) العقيد علي بن‬
‫�سلطان ال�سلطان �إ�شارة �إىل تواجد �أربعة �أق�سام للمرور يف املنطقة هي‪� :‬إدارة بلجر�شي وكان‬
‫ت�أ�سي�س ��ه عام (‪1399‬ه� �ـ‪1979/‬م)‪ ،‬واملخواة عام (‪1400‬ه� �ـ‪1980/‬م)‪ ،‬واملندق‪ ،‬والعقيق‬
‫عام(‪1403‬ه� �ـ‪1983/‬م)‪ .‬وتعاق ��ب على �إدارة املرور الرئي�س ��ية باملنطق ��ة منذ عام (‪-98‬‬
‫‪1399‬ه� �ـ‪1427 /‬ه� �ـ‪2006-1979/78 /‬م) ثمانية مدراء ه ��م(‪ )1( .)4‬الرائد عبد العزيز‬
‫حممد الدهلوي (‪1402 -1398‬هـ ‪1982-1978/‬م)‪ )2( .‬املقدم ف�ؤاد حممد قطان( ‪1402‬‬
‫‪1406-‬ه� �ـ‪82/‬ـ‪1986‬م) ‪ )3( .‬املقدم حممود علي نعم ��ت(‪1406‬ـ ‪1409‬هـ‪86/‬ـ‪1989‬م)‪.‬‬
‫(‪)4‬املق ��دم في�ص ��ل غال ��ب النزه ��ة (‪1412 - 1409‬ه� �ـ ‪1992- 89 /‬م)‪ )5(.‬الرائ ��د‬
‫�ص ��الح �إبراهي ��م العليان(‪1415 -1412‬ه� �ـ ‪1995-92 /‬م)‪ )6(.‬املق ��دم ابن عبد اخلالق‬
‫الغام ��دي (‪1419-1415‬هـ‪1999 -95/‬م)(‪ )7(.)5‬املقدم ح�س ��ن عل ��ي احلارثي(‪-1419‬‬
‫‪1425‬ه� �ـ‪1999/‬ـ‪2004‬م)‪)8( .‬العقيد علي بن �س ��لطان ال�س ��لطان (‪1425‬ـ حتى الآن)(‪.)6‬‬
‫وكان ع ��دد العاملني يف مرور منطقة الباح ��ة �أثناء زيارتنا عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) حوايل‬
‫ثمانية �ضباط‪ ،‬و (‪ )272‬ع�سكري ًا من جندي �إىل ما دون رتبة �ضابط‪ ،‬وموظفني مدنيني(‪.)7‬‬

‫((( يق�ص ��د بكلم ��ة ( الآن ) عام (‪1427‬هـ‪ )2006/‬وهو زمن تدوين ه ��ذه املذكرة و�أثناء زيارتنا منطقة الباحة �آنذاك‪.‬‬
‫امل�صدر‪ :‬مذكرة �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة)‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( م�ش ��اهدات الباحث وجوالته يف منطقة الباحة عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) ‪ .‬و�إدارة ال�س ��جن وجميع م�ؤ�س�س ��ات الأمن‬
‫العام يف منطقة الباحة جديرة بالبحث والدرا�س ��ة وت�س ��تحق �أن تكون عنوان ًا لر�س ��الة علمية منذ الن�صف الثاين يف‬
‫القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) �إىل وقتنا احلا�ضر عام ‪1433‬هـ‪2013/‬م) ‪.‬‬
‫((( �ص ��ورة اخلطاب واملذكرة التي و�ص ��لتنا من مدير �إدارة مرور املنطقة توجد �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س‬
‫العلمية‪ ( .‬الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( ورد ا�سم ابن عبد اخلالق يف املذكرة التي و�صلتنا وقد �سقط اال�سم الأول لهذا املدير �أثناء ت�صويرها ‪.‬‬
‫((( �صورة اخلطاب واملذكرة التي و�صلتنا من مدير املرور �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬ابن جري�س العلمية (الوثائق اخلا�صة )‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪126‬‬
‫‪10‬ـ �إدارة اجلوازات ‪:‬‬
‫وج ��اء يف مذك ��رة م ��ن مدي ��ر الإدارة يف الباح ��ة العقي ��د حمم ��د بن �س ��عد ال�ش ��هري‬
‫ع ��ام (‪1427‬ه� �ـ‪2006/‬م) معلوم ��ات ذك ��ر فيه ��ا �أن �إن�ش ��اء ه ��ذه امل�ؤ�س�س ��ة كان يف‬
‫(‪1403/7/1‬ه� �ـ‪1983/‬م)‪ ،‬وتتك ��ون �إدارة اجل ��وازات يف ع ��ام (‪1426‬ـ‪1427‬ه� �ـ‬
‫‪2005/‬ـ‪2006‬م) م ��ن ع ��دة �أق�س ��ام ه ��ي‪� :‬ش ��عبة اجل ��وازات‪ ،‬و�إدارة الوافدي ��ن‪ ،‬وقي ��ادة‬
‫الدوريات‪ ،‬و�ش ��عبة مكافحة التزوير‪ ،‬و�ش ��عبة االت�ص ��االت ال�سلكية والال�س ��لكية (‪ .)1‬ويتبع‬
‫الإدارة الرئي�س ��ية يف الباحة �أربع �إدارات للجوازات يف حمافظات بلجر�ش ��ي وت�أ�س�ست عام‬
‫(‪1403‬هـ‪1983/‬م)‪ ،‬واملندق(‪1418‬هـ‪1998/‬م)‪ ،‬واملخ ��واة‪ ،‬وقلوة (‪1423‬هـ ‪2003/‬م)‪،‬‬
‫ومكتب جوازات يف مطار الباحة مت �إن�شا�ؤه عام (‪1419‬هـ‪1999/‬م) (‪.)2‬‬
‫وتعاق ��ب عل ��ى �إدارة ج ��وازات املنطق ��ة من ��ذ ت�أ�سي�س ��ها عام(‪1404-1403‬هـ‪-83 /‬‬
‫‪1984‬م) �س ��تة م ��دراء هم ‪ )1( :‬ح�س ��ن علي حيان (‪1403‬ـ‪1404‬ه� �ـ‪ 83 /‬ـ‪1984‬م)‪ ،‬وكان‬
‫موظف ًا مدني ًا‪ )2( .‬الرائد فهد ال�سيف (‪1405‬ـ ‪1407‬هـ‪85/‬ـ ‪1987‬م)‪)3(.‬النقيب معي�ض‬
‫�سعد اجلعيد (‪1407‬ـ ‪1408‬هـ ‪ 87 /‬ـ ‪1988‬م)‪ )4(.‬العميد حممد �أحمد مقاب�ص (‪1408‬ـ‬
‫‪1419‬هـ ‪88 /‬ـ ‪1999‬م) ‪ )5(.‬العميد عبد احلفيظ الرحيلي (‪1419‬ـ ‪99 / 1421‬ـ‪2001‬م)‪.‬‬
‫(‪ )6‬العقيد حممد بن �سعد ال�شهري (‪1421‬هـ ـ حتى الآن )(‪.)3‬‬
‫‪11‬ـ مكتب العمل ‪:‬‬
‫يف تقرير موجز من مدير مكتب العمل بالباحة الأ�س ��تاذ عبد العزيز بن �س ��عد املغرم‬
‫ذكر فيها �أن املكتب مت افتتاحه يف (‪1400/1/1‬هـ‪1980/‬م)‪ ،‬وكان مديره �آنذاك الأ�س ��تاذ‬
‫�سامل ف�ضيل �سامل ويعمل معه موظفان و�سائق وعامل(‪ .)4‬ويف عام (‪1415‬هـ‪1995/‬م) توىل‬
‫الأ�ستاذ عبد العزيز بن �سعد املغرم �إدارة املكتب والزال فيه حتى عام (‪1427‬هـ ‪2006/‬م)(‪.)5‬‬
‫ويف وق ��ت تدوين هذه املذكرة عام (‪1427‬ه� �ـ‪2006/‬م) كان يعمل يف املكتب (‪ )36‬موظف ًا‬
‫وعامل و�س ��ائقان‪ .‬ويقع املكتب يف مبنى حكومي من عام (‪1414‬هـ‪1994/‬م)‪ ،‬كما �أ�ض ��يف‬
‫له بع�ض املالحق و�صاالت للمراجعني و�صيانته وترميمه يف عام (‪1426‬هـ‪2005/‬م)(‪.)6‬‬

‫((( املذكرة التي و�صلتنا من مدير جوازات الباحة توجد �ضمن مكتبة د‪ .‬ابن جري�س العلمية‪ (.‬الوثائق اخلا�صة )‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( املق�ص ��ود بعبارة حتى ( الآن )‪ ،‬تاريخ تدوين هذه املعلومات عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م)‪ .‬امل�ص ��در ‪ :‬مذكرة و�صلت الباحث‬
‫من مدير جوازات منطقة الباحة‪ ،‬و�أ�صلها و�صورتها �ضمن مكتب د‪ .‬ابن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( �أ�ص ��ل و�ص ��ورة املذكرة التي و�ص ��لتنا من مدير مكتب العمل بتاريخ (‪1427/4/17‬هـ) توجد �ض ��من �أوراق مكتبة د‪.‬‬
‫غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة)‪.‬‬
‫((( هذا العام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) وهو التاريخ الذي زار فيه الباحث منطقة الباحة وطلب بع�ض التف�صيالت عن تاريخ‬
‫امل�ؤ�س�سات الإدارية يف املنطقة ‪.‬‬
‫((( �أ�ص ��ل و�ص ��ورة املذك ��رة املر�س ��لة م ��ن مدي ��ر املكت ��ب توج ��د �ض ��من مكتب ��ة د‪ .‬اب ��ن جري� ��س العلمي ��ة‬
‫( الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫‪12‬ـ �إدارة مكافحة املخدرات ‪:‬‬


‫يف مذك ��رة من مدي ��ر مكافحة املخ ��درات بالباحة املق ��دم مريع بن �س ��ليمان بن علي‬
‫اب ��ن عي�س ��ى بتاري ��خ (‪1427/4/24‬هـ) �أ�ش ��ار فيه ��ا �إىل �أن ت�أ�س ��ي�س ه ��ذه الإدارة كان يف‬
‫(‪1403/3/1‬ه� �ـ) (‪ ،)1‬وكان ��ت م ��ن فئ ��ات (ج) ‪ .‬ويف عام (‪1409‬ه� �ـ ‪1989 /‬م) مت �إعادة‬
‫هيكل ��ة ه ��ذه الإدارة حتى �أ�ص ��بحت م ��ن فئ ��ات (ب) (‪ .)2‬ويف (‪1424/11/9‬هـ‪2004/‬م)‬
‫ا�س ��تحدثت وحدة ملكافحة املخدرات يف حمافظة املخواة ومديرها �آنذاك رئي�س رقباء علي‬
‫ابن ح�سن الرا�شدي‪.‬‬
‫�أم ��ا امل ��دراء الرئي�س ��يون يف الإدارة الرئي�س ��ية بالباحة فهم‪ )1( :‬م�ل�ازم �أول عوا�ض‬
‫ابن �س ��عد اجلعي ��د (‪1417/5/1-1403/3/1‬هـ)‪ )2( .‬العقيد حممد بن �ص ��الح العمري‬
‫م ��ن (‪1417/5/1‬ه� �ـ ‪1420/1/13-‬ه� �ـ) ‪ )3(.‬الرائ ��د �س ��عد ب ��ن عب ��د اهلل العمري من‬
‫(‪1420/10/13‬ه� �ـ ‪1421/9/1-‬ه� �ـ)‪ )4( .‬العقي ��د عب ��د اهلل ب ��ن عطي ��ة احلارث ��ي من‬
‫(‪1421/9/1‬ه� �ـ ‪1426/7/1-‬ه� �ـ)‪ )5( .‬املق ��دم مري ��ع بن �س ��ليمان بن علي عي�س ��ى من‬
‫(‪ -1426/7/1‬حت ��ى الآن ) (‪ .)3‬وعدد من�س ��وبي الإدارة ع ��ام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) (‪)104‬‬
‫م ��ا بني �ض ��ابط و�أفراد وموظفني‪ )4(.‬وميزانية هذه الإدارة �ض ��من ميزاني ��ة الإدارة العامة‬
‫ملكافح ��ة املخدرات‪ ،‬وهي امل�س� ��ؤولة عن دع ��م جميع الإدارات الفرعي ��ة يف اململكة بالآليات‬
‫(‪)5‬‬
‫والت�سليح واملوظفني وغريهم‬
‫‪13‬ـ الأحوال املدنية ‪:‬‬
‫يف نبذة خمت�ص ��رة من مدير الإدارة الأ�ستاذ م�س ��اعد بن �إبراهيم ال�ضاوي ذكر فيها‬
‫�أن هذه الإدارة �أن�ش ��ئت ع ��ام (‪1366‬ه� �ـ‪1946/‬م) (‪ ،)6‬ومقر الإدارة الرئي�س ��ية يف الباحة‬
‫ويتبعه ��ا ثالث ��ة ف ��روع هي ‪ :‬فرع بلجر�ش ��ي وت�أ�س ���س ع ��ام (‪1384‬ه� �ـ‪1964 /‬م)‪ ،‬وف ��رع قلوة‬
‫(‪1395‬هـ‪1975/‬م)‪ ،‬وفرع املندق(‪1401‬هـ‪1981 /‬م)(‪ .)7‬وتعاقب على �إدارة الفرع الرئي�سي‬

‫((( �أ�صل و�صورة هذه املذكرة توجد �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة) ‪.‬‬
‫((( فئات (ج)‪ ،‬و (ب) وغريها ت�صنيفات �إدارية يف قطاع مكافحة املخدرات وغريها من امل�ؤ�س�سات الإدارية‪.‬‬
‫((( حتى الآن �أي‪ :‬عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) ‪.‬وهو زمن تدوين هذه املذكرة ‪.‬‬
‫((( كانوا خم�س ��ة �ض ��باط‪ ،‬و (‪ )96‬ف ��رد ًا منهم (‪ )72‬بالإدارة الرئي�س ��ية يف الباح ��ة‪ ،‬و (‪ )24‬بوح ��دة املخواة‪ ،‬وثالثة‬
‫موظفني ‪ .‬امل�صدر‪� :‬أ�صل و�صورة املذكرة �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬ابن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( �أ�صل و�صورة هذه املذكرة يف مكتبة د‪ .‬ابن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة) ‪ .‬ومل يظهر عليها تاريخ تدوينها �إال‬
‫�أنها �صدرت عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) ‪.‬‬
‫((( ورد يف النبذة التي و�ص ��لتنا عدد املوظفني يف بع�ض هذه الفروع والإدارة عام (‪1406‬هـ‪2005/‬م)‪ ،‬فكان يف الإدارة‬
‫الرئي�س ��ية (‪ )12‬موظف� � ًا وثمانية �آخرين على وظيفة عامل‪ ،‬و (‪ )16‬موظف ًا وعام�ل ً�ا يف فرع املندق‪ ،‬و (‪ )17‬عام ًال‬
‫وموظف ًا يف فرع بلجر�شي ‪� .‬أ�صل و�صورة املذكرة يف مكتبة د‪ .‬ابن جري�س العلمية (الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪128‬‬
‫يف الباح ��ة �أربعة مدراء ه ��م‪ )1(:‬حامد بن �س ��عد الدميني(‪1366‬ـ‪1388‬هـ‪1946/‬ـ‪1968‬م)‪.‬‬
‫(‪ )2‬علي بن نا�صر ال�شهري (‪1389‬ـ‪1394‬هـ‪1969/‬ـ‪1974‬م)‪� )3(.‬صالح بن �أحمد بن ناجي‬
‫(‪1394‬ـ ‪1415‬هـ ‪1974 /‬ـ‪1995‬م)‪ )4(.‬م�ساعد بن �إبراهيم ال�ضاوي (‪1415‬ـ حتى الآن)(‪.)1‬‬
‫‪14‬ـ املركز ال�صحي لقوى الأمن بالباحة ‪:‬‬
‫و�ص ��لنا مذكرة من مدير املركز الرائد �صيديل عتيق بن يحيى حممد الزهراين ي�شري‬
‫�إىل �أن ه ��ذا املركز ت�أ�س ���س يف (‪1407/10/25‬ه� �ـ) (‪ . )2‬ومقره يف �س ��جن الباحة‪ ،‬ويخدم‬
‫من�س ��وبي وزارة الداخلية و�أفراد �أ�س ��رهم بالإ�ض ��افة �إىل نزالء ال�سجن‪ .‬وتعاقب على �إدارة‬
‫هذه امل�ؤ�س�س ��ة �أربع ��ة مدراء هم‪� )1( . )3( :‬س ��امل عبد اهلل ال�ص ��فيان (‪1406/10/25‬هـ ـ‬
‫‪1409/3/4‬ه� �ـ)‪ )2(.‬عل ��ي عب ��د اهلل الغام ��دي (‪1409/3/5‬ـ‪1411/1/30‬م)‪)3(.‬‬
‫حمم ��د فائ ��ز البكري(‪1411/2/1‬ه� �ـ ـ ‪1423/1/23‬ه� �ـ)‪ )4(.‬عتي ��ق ب ��ن يحي ��ى حممد‬
‫الزهراين(‪1423/1/24‬هـ ـ حتى الآن)(‪ . )4‬ويف �إح�صائية تو�ضح عدد الأطباء واملمر�ضني‬
‫والفنيني يف عام (‪1427‬هـ‪1987/‬م) الذين كان عددهم (‪ )25‬موظف ًا(‪� . )5‬أما عدد املر�ضى‬
‫املراجعني يف عام (‪1407‬ه� �ـ‪1987/‬م) فكانوا (‪ )15972‬مراجع ًا‪ ،‬وارتفع عددهم يف عام‬
‫(‪1425‬هـ‪2004/‬م) �إىل (‪ )92750‬مري�ض ًا(‪. )6‬‬
‫‪15‬ـ الإدارة العامة للرتبية والتعليم ( بنني )(‪. )7‬‬
‫ح�ص ��لنا يف عام (‪1427‬ه� �ـ‪2006/‬م) على مذكرة م ��ن مدي ��ر �إدارة الرتبية والتعليم‬
‫يف الباحة الأ�س ��تاذ مطر بن �أحم ��د رزق اهلل الزهراين ذكر فيها �أن �أول مدر�س ��ة ابتدائية‬
‫حكومي ��ة �أن�ش ��ئت يف الظف�ي�ر ع ��ام (‪1353‬ه� �ـ‪1933/‬م) (‪ ،)8‬و�أول مدر�س ��ة متو�س ��طة يف‬
‫بلجر�ش ��ي بغامد ع ��ام (‪1380‬هـ‪1960/‬م) (‪ ،. )9‬و�أول مدر�س ��ة ابتدائية �أهلية‪ ،‬ومتو�س ��طة‬

‫((( امل�صدر نف�سه ‪ .‬ويق�صد بعبارة (حتى الآن ) عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) ‪.‬‬
‫((( ه ��ذه املذك ��رة غري م�ؤرخة لكنها تعود �إىل عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م)‪ ،‬و�أ�ص ��لها و�ص ��ورتها �ض ��من �أوراق مكتبة د‪ .‬ابن‬
‫جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( حتى الآن‪ :‬يق�صد بذلك زمن تدوين هذه املذكرة عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) ‪.‬‬
‫((( تقدر ن�سبة الزيادة بحوايل ‪. %14‬‬
‫((( زاد عدد املراجعني �ست مرات عما كان عليه عام (‪1407‬هـ‪1987/‬م) وذلك بن�سبة تقدر بحوايل (‪. ) %581‬‬
‫((( مت احل�ص ��ول على هذه املعلومات عام(‪1427‬هـ‪2006/‬م) عندما كان تعليم البنني منف�ص�ل ً�ا عن تعليم البنات‪ .‬وقد‬
‫دمج التعليم ( بنني وبنات يف �إدارة واحدة عام (‪29‬ـ‪1430‬هـ ‪2009 /‬ـ‪2010‬م)‪ .‬تاريخ التعليم يف منطقة الباحة منذ‬
‫عام (‪1350‬ـ‪1434‬هـ ‪1930 /‬ـ‪2013‬م) ي�ستحق �أن يفرد له كتاب �أو ر�سالة علمية �أكادميية �شاملة‪.‬‬
‫((( �صورة املذكرة التي و�صلتنا من الأ�ستاذ مطر الزهراين توجد �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬ابن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( مت �إن�شاء هذه املدر�سة بقرية الريحان ببني ظبيان ثم �أغلقت بعد فتحها ب�سنوات ‪.‬‬
‫‪129‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫دار الفي�ص ��ل الأهلية عام (‪1424‬ـ‪1425‬هـ ‪2004 /‬ـ‪2005‬م)‪ ،‬و�أول �إدارة للتعليم يف الباحة‬
‫عام (‪1373‬هـ‪1953/‬م)‪ ،‬مب�س ��مى( معتمدية املعارف )‪ ،‬ثم تغري اال�س ��م �إىل �إدارة تعليم‪،‬‬
‫و�أخري ًا �إىل الإدارة العامة للرتبية والتعليم ( بنني ) (‪. )1‬‬
‫وتعاقب على �إدارة تعليم الباحة منذ ن�ش�أتها عام (‪73‬ـ‪1374‬ـ‪1427‬هـ‪1954/53 /‬ـ‪2006‬م)‬
‫�إثنى ع�ش ��ر مدير ًا‪ ،‬هم‪ )1( :‬ح�سن حكيم (‪1374‬ـ‪1375‬هـ ‪1954 /‬ـ‪1955‬م)(‪ )2(.)2‬علي بن‬
‫حممد التويجري (‪1375‬ـ‪1377‬ه ـ‪55 /‬ـ‪1957‬م)‪ )3(.‬عبد العزيز عبد املح�سن �آل ال�شيخ(‪1377‬ـ‬
‫‪1385‬هـ‪57/‬ـ‪1965‬م)‪ )4( .‬علي بن �س ��ليمان املقو�ش ��ي(‪1385‬ـ ‪1386‬ه� �ـ‪65/‬ـ‪1966‬م)‪)5(.‬‬
‫علي بن �سعد معجل (‪1386‬ـ ‪1391‬هـ‪66/‬ـ‪1971‬م)‪ )6(.‬حممد بن دخيل اهلل الثبيتي (‪1391‬ـ‬
‫‪1391‬هـ ‪71 /‬ـ‪1971‬م)‪� )7(.‬ص ��بحي بن يحيى احلارثي (‪1391‬ـ‪1391‬هـ ‪71 /‬ـ‪1971‬م)‪)8(.‬‬
‫فه ��د بن جابر احلارث ��ي (‪1392‬ـ‪ 1405‬ه� �ـ‪72/‬ـ‪1985‬م)‪ )9(.‬عبد العزيز ب ��ن عبد الرحمن‬
‫البط�ي�ن (‪1405‬ـ‪1407‬هـ‪85/‬ـ‪1987‬م)‪)10(.‬عب ��د الرحم ��ن ب ��ن �أحم ��د الده ��ري (‪1407‬ـ‬
‫‪1419‬هـ‪87/‬ـ‪1999‬م)‪ )11(.‬د‪.‬هج ��اد بن عمر الغامدي(‪1419‬ـ‪1423‬ه� �ـ‪1999 /‬ـ‪2003‬م)‪.‬‬
‫(‪ )12‬مطر بن �أحمد رزق اهلل الزهراين ( ‪1423‬ـ حتى الآن)(‪.)3‬‬
‫وت�ش ��تمل املذك ��رة على �إح�ص ��ائيات ع ��ام (‪26‬ـ‪1427‬ه� �ـ‪2005/‬ـ‪2006‬م)‪ ،‬فكان عدد‬
‫مدار�س املنطقة (ابتدائي‪ ،‬ومتو�سطة‪ ،‬وثانوي ) (‪ )373‬مدر�سة‪ ،‬وعدد الف�صول (‪)1648‬‬
‫ف�ص�ل ً�ا‪ ،‬وعدد الطالب (‪ )24753‬طالب ًا ‪� .‬أما املعلمون فالعدد الإجمايل (‪ )3328‬مدر�س� � ًا‬
‫جميعهم �س ��عوديون ماع ��دا (‪ )145‬معلم ًا غري �س ��عودي(‪ . )4‬و�إجمايل املكاف� ��آت والإعانات‬
‫لطالب املنطقة بلغت يف عام (‪1426‬هـ‪2005/‬م) بـ (‪ )1,273,1400‬ريا ًال(‪. )5‬‬
‫‪16‬ـ �إدارة الرتبية والتعليم مبحافظة املخواة ‪. )6( :‬‬
‫�أر�سل �إلينا تقرير من �أربع �صفحات حتت توقيع مدير �إدارة املخواة الأ�ستاذ‪� /‬سعيد بن‬
‫((( �ص ��ورة املذكرة �ض ��من مكتبة د‪ .‬ابن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة ) ‪ .‬ومو�ضوع تاريخ التعليم يف منطقة الباحة‬
‫منذ عام (‪1350‬ـ‪1434‬هـ‪1930/‬ـ‪2013‬م) عنوان جيد وي�س ��تحق �إىل �أن يكون مو�ض ��وع ًا لر�س ��الة دكتوراه‪ ،‬ن�أمل �أن‬
‫ي�سجل لأحد طالب الدرا�سات العليا يف �أحد �أق�سام التاريخ باجلامعات ال�سعودية‪.‬‬
‫((( ح�س ��ن حكيم ‪ :‬توىل �إدارة التعليم يف منطقة الباحة حتت م�س ��مى ( معتمد املعارف )‪ ،‬وكان مقره مدينة بلجر�ش ��ي‪،‬‬
‫وهو امل�ؤ�س�س الأول لإدارة التعليم يف املنطقة ‪ .‬للمزيد يتم االطالع على �أر�شيف �إدارة التعليم يف منطقة الباحة حيث‬
‫يوجد بها الكثري من ال�سجالت والوثائق التي ت�ؤرخ لهذه الإدارة الرتبوية ‪.‬‬
‫((( �صورة من مذكرة مدير تعليم الباحة �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬ابن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة)‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه ‪ .‬ويف نهاية التقرير العديد من التو�ص ��يات التي حتث على رفع م�س ��توى التعليم يف املنطقة‪ ،‬وزيادة‬
‫الإمكانات التي تي�سر �سري العلمية التعليمية على الطالب واملعلم و�إدارة التعليم‪.‬‬
‫((( ال يوج ��د مبنطق ��ة الباحة حتى الآن �إال �إدارتا تعليم ‪ .‬الأوىل والرئي�س ��ية يف الباحة‪ ،‬والثانية يف املخواة ‪ .‬م�ش ��اهدات‬
‫الباحث عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪130‬‬
‫حممد بن خماي�ش الزهراين(‪ ، )1‬و�أ�شار �إىل �أن الإدارة بد�أت مبكتب للإ�شراف الرتبوي عام‬
‫(‪1389‬ه� �ـ‪1969/‬م)‪ ،‬ثم تطور �إىل �إدارة تعليم ع ��ام (‪1403‬هـ‪1983/‬م)‪ ،‬وكانت مرتبطة‬
‫مبنطقة الليث والقنفذة‪ ،‬ويف عام (‪1415‬هـ‪1995/‬م) �أ�ص ��بح ا�س ��م ه ��ذه الإدارة ( �إدارة‬
‫التعليم مبحافظة املخواة )‪ ،‬و�صارت تتبع �إداري ًا منطقة الباحة التعليمية ‪ .‬وقبل ن�ش�أة الإدارة‬
‫حينئذ‬
‫كانت �أول مدر�س ��ة ابتدائية هي مدر�س ��ة قلوة االبتدائية (‪1369‬هـ‪1949/‬م)‪ ،‬وتتبع ٍ‬
‫منطقة الظفري‪ ،‬ثم افتتحت ابتدائية املخواة عام (‪1372‬هـ‪1952/‬م)‪ ،‬واحلجرة االبتدائية‬
‫ع ��ام (‪1373‬ه� �ـ ‪1953 /‬م)‪ ،‬ثم تلتها عدد من املدار�س ابتدائية ومتو�س ��طة وثانوية ومعهد‬
‫للمعلم�ي�ن حتى عام (‪1402‬ه� �ـ‪1982/‬م) (‪ . )2‬وبعد فتح الإدارة ع ��ام (‪1403‬هـ‪1983/‬م)‬
‫تزايد فتح املدار�س جلميع املراحل(‪. )3‬‬
‫و�أ�ش ��ارت بع� ��ض الإح�ص ��ائيات �إىل �أن ع ��دد املدار�س عن ��د �إن�ش ��اء الإدارة كان (‪)94‬‬
‫مدر�س ��ة ابتدائي ��ة ومتو�س ��طة وثانوي ��ة‪ ،‬و(‪ )720‬معلم� � ًا‪ ،‬و(‪ )7163‬طالب� � ًا‪ ،‬وميزانية عام‬
‫(‪1403‬ـ‪1404‬هـ‪83/‬ـ‪1984‬م) (‪ ،)90,448,48‬ريا ًال (‪. )4‬ثم تزايدت الأعداد وامل�صروفات‬
‫حتى �أ�ص ��بح عدد املدار�س يف عام (‪1427‬هـ ‪2006 /‬م) (‪ )158‬مدر�س ��ة(‪ ،)5‬وعدد املعلمني‬
‫(‪ )1877‬معلم� � ًا‪ ،‬و (‪ )13858‬طالب� � ًا‪ ،‬وقد بلغ امل�ص ��روف من رواتب من�س ��وبي الإدارة من‬
‫معلمني وموظفني يف ال�ش ��هر الواحد عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) م ��ا يقدر بـ(‪)20,536,718‬‬
‫مليون ريال(‪. )6‬‬
‫وت ��وىل �إدارة التعلي ��م يف املخ ��واة ع ��دد م ��ن امل ��دراء ه ��م ‪ )1( :‬عب ��د اهلل ب ��ن‬
‫عل ��ي العبادي(‪1403‬ـ‪1407‬ه� �ـ‪83/‬ـ‪1987‬م) ‪� )2(.‬س ��عيد ب ��ن �أحم ��د العم ��ري (‪1407‬ـ‬
‫‪1409‬ه� �ـ‪87/‬ـ‪1989‬م)‪ )3( .‬مطر بن �أحمد رزق اهلل الزهراين ( ‪ 1409‬ـ ‪1423‬هـ ‪1989/‬‬
‫ـ‪2003‬م) ‪� )4(.‬سعيد بن حممد خماي�ش الزهراين (‪1423‬ـ حتى الآن ) (‪. )7‬‬

‫((( �صورة من التقرير �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬ابن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪ .‬يوجد بالتقرير الكثري من التف�صيالت ‪ .‬كما يوجد يف �أر�شيف �إدارة تعليم املخواة عدد من ال�سجالت‬
‫والوثائق التي ت�ؤرخ لتاريخ التعليم يف تهامة غامد وزهران ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( منها (‪ )94‬مدر�س ��ة ابتدائية‪ ،‬و(‪ )47‬مدر�س ��ة متو�س ��طة‪ ،‬و(‪ )17‬مدر�س ��ة ثانوية ‪ .‬امل�ص ��در‪ :‬التقرير الذي و�صلنا‬
‫من مدير تعليم املخواة يف عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) ‪� .‬ص ��ورته �ض ��من �أوراق مكتبة د‪ .‬ابن جري�س العلمية ( الوثائق‬
‫اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( حت ��ى الآن ‪� :‬أي ع ��ام (‪1427‬ه� �ـ‪2006/‬م)‪ ،‬وهو زم ��ن زيارة الباحث منطق ��ة الباحة جلمع مادة ه ��ذا املحور ‪ .‬كما‬
‫�أ�ش ��رنا �س ��ابق ًا ب�أن تاريخ التعليم والثقافة والفكر يف منطقة الباحة مو�ض ��وع هام وي�س ��تحق البحث والدرا�سة حبذا‬
‫�أن نرى �أحد طالبنا يف ق�س ��م التاريخ ‪ .‬بجامعة امللك خالد فيتخذه مو�ض ��وع ًا لأطروحته العلمية وبخا�ص ��ة من عام‬
‫(‪1350‬ـ‪1430‬هـ‪1930/‬ـ‪2010‬م) ‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫‪17‬ـ الإدارة العامة لكليات البنات ‪. )1(:‬‬


‫و�صلنا نبذة خمت�صرة من مدير عام �إدارة الكليات الأ�ستاذ �صالح بن �أحمد بن حممد‬
‫احلامد يف عام (‪1426‬هـ)‪ ،‬ذكر فيها �أن ت�أ�سي�س هذه الإدارة بد�أ يف عام (‪1419‬هـ‪1999/‬م)‬
‫(‪ ،)2‬وكان يتبعه ��ا �أربع كليات هي‪ :‬كلية الرتبية للبنات بالباحة ( الفرع الأدبي )‪ ،‬ويف الكلية‬
‫نف�سها فرع علمي‪ ،‬وكلية �إعداد املعلمات ببلجر�شي‪ ،‬وكلية املجتمع باملندق‪ ،‬وعدد الطالبات‬
‫يف هذه الكليات عام (‪25‬ـ‪1426‬هـ‪2004/‬ـ‪2005‬م) يقدر بـ (‪ )6665‬طالبة‪ ،‬و�أ�شار �صاحب‬
‫هذه املذكرة �إىل �إح�ص ��ائية �ش ��املة ب�أع�ض ��اء هيئة التدري�س واملعيدات واملعلمات بالكليات‬
‫الأربع فكان العدد الإجمايل يف عام (‪1426‬هـ‪2005/‬م) (‪ )138‬ع�ضو هيئة تدري�س(‪. )3‬‬
‫وه ��ذه الإدارة العام ��ة تتبع �آنذاك ع ��ام (‪1426‬ه� �ـ‪2005/‬م) وزارة الرتبية والتعليم‪،‬‬
‫وكانت الوزارة تدفع �س ��لفة �س ��نوي ًا للإدارة من �أجل ال�ص ��رف على امل�ستلزمات ال�ضرورية‪،‬‬
‫وال�سلفة املدفوعة لها يف عام (‪25‬ـ‪1426‬هـ ‪2004 /‬ـ‪2005‬م) تقدر بـ (‪ )745000‬ريا ًال (‪.)4‬‬
‫ويف العام نف�س ��ه يجري تنفيذ ا�س ��تكمال املرحلة الأوىل ملباين الكليات الأكادميية يف مدينة‬
‫الباحة‪ ،‬وقد ر�صد لهذا امل�شروع حوايل (‪ )30,000,000‬ثالثني مليون ريا ًال(‪. )5‬‬
‫وكان مدير عام الكليات عند االفتتاح الأ�ستاذ عبد اهلل بن جمعان �سعيد الزهراين‪،‬‬
‫وا�س ��تمر يف �إدارة هذه امل�ؤ�س�س ��ة حتى (‪1423/1/30‬هـ)‪ ،‬ثم جاء بعده الأ�س ��تاذ �صالح بن‬
‫�أحمد بن حممد احلامد يف (‪1423/4/22‬هـ) وهو الزال على ر�أ�س هذه الإدارة حتى تاريخ‬
‫تزويدنا بهذه املذكرة يف عام (‪1427‬هـ‪2006 /‬م )(‪. )6‬‬
‫((( للأ�س ��ف مل نح�ص ��ل على تاريخ تعليم البنات العام يف منطقة الباحة‪ ،‬مع �أن وكيل الإمارة امل�ساعد م�شكور ًا قد �أر�سل‬
‫تعميم� � ًا عام� � ًا �إىل جميع امل�ؤ�س�س ��ات الإدارية يف املنطقة‪ ،‬لكنه مل ي�ص ��لنا �إجاب ��ة بع�ض الإدارات مث ��ل �إدارة تعليم‬
‫البنات‪ .‬وتاريخ التعليم العام والعايل ( ذكور ًا و�إناث ًا ) مو�ض ��وع مهم وي�س ��تحق الدرا�سة حبذا �أن نرى �أحد �أكادميي‬
‫جامعة الباحة فيتوىل هذا املو�ضوع بالبحث والتحليل العلمي الأكادميي ‪.‬‬
‫((( �أ�صل و�صورة هذه النبذة �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ‪ ( .‬الوثائق العامة واخلا�صة )‪.‬‬
‫((( كلية الأق�س ��ام الأدبية (‪ )51‬ع�ض ��وة هيئة تدري�س‪ ،‬منهن (‪ )33‬ع�ضوة يحملن درجتي الدكتوراه واملاج�ستري و(‪)18‬‬
‫عل ��ى درج ��ة معيدة ومعلم ��ة ‪ .‬وكلية الأق�س ��ام العلمي ��ة (‪ )49‬ع�ض ��وة هيئة تدري� ��س (‪ )35‬على درجتي املاج�س ��تري‬
‫والدكت ��وراه‪ .‬و (‪ )14‬معي ��دة ومعلمة‪ ،‬ومعلمات بلجر�ش ��ي (‪ )38‬ع�ض ��و (‪ )26‬على درجتي الدكتوراه واملاج�س ��تري‪،‬‬
‫و(‪ )12‬معيدة ومعلمة‪� ،‬أما جمتمع املندق فلم يذكر عنها �أي �إح�صائية ‪� .‬أ�صل و�صورة املذكرة التي و�صلتنا من مدير‬
‫�إدارة الكليات �ضمن �أوراق الباحث ( ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( وي�ش�ي�ر �أحد التقارير �أنه �س ��بق و�أن ر�صد مبلغ �ستة ع�ش ��ر مليون ريال لتجهيز املوقع اجلديد للكليات‪ .‬وجميع كليات‬
‫البنات اليوم �أ�ص ��بحت �ض ��من منظومة التعليم العايل يف اململكة‪ ،‬وجامعة الباحة �أ�ص ��بحت الآن هي امل�س� ��ؤولة عن‬
‫التعليم العايل يف منطقة الباحة ( ذكور ًا و�إناث ًا )‪.‬‬
‫((( تاريخ التعليم العام والعايل منذ عام (‪1353‬هـ ـ ‪1434‬هـ ‪1934/‬ـ‪3023‬م) مو�ضوع جدير بالبحث واالهتمام‪ ،‬ون�أمل‬
‫من �أ�س ��اتذة الرتبية والتاريخ يف جامعة الباحة �أن يلتفتوا �إىل درا�س ��ة وبحث هذا املو�ض ��وع وما �ش ��ابهه يف املنطقة‬
‫الغامدية والزهرانية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪132‬‬
‫‪18‬ـ نادي الباحة الأدبي ‪:‬‬
‫و�صل �إلينا خطاب من الأ�ستاذ �سعد بن عبد اهلل �أحمد امللي�ص رئي�س النادي الأدبي‬
‫مبنطقة الباحة يف (‪1427/5/7‬هـ ) قال فيه بعد الب�س ��ملة والديباجة الأوىل(‪� " : )1‬إ�ش ��ارة‬
‫�إىل خطاب �سعادة وكيل �إمارة منطقة الباحة امل�ساعد رقم ( ‪1‬ح ‪ . 223/1201/5/‬بتاريخ‬
‫‪1427/4/10‬هـ ) واملت�ضمن تزويد �سعادتكم مبعلومات عن النادي الأدبي بالباحة لت�سهيل‬
‫مهمتكم رغبة يف �إعداد كتاب ي�ص ��ور تاريخ منطقة الباحة يف املا�ض ��ي واحلا�ض ��ر ومعرفة‬
‫تاري ��خ الباحة احلديث واملعا�ص ��ر‪ .‬عليه نبعث لكم طيه بهذه الن�س ��خة من التقرير الإداري‬
‫وامل ��ايل والفن ��ي رق ��م ( ‪ / 2/ 37‬ث ‪�/‬أ ‪�� �/‬س) الذي ميث ��ل الهيكل الإداري ع ��ن املعلومات‬
‫اخلا�صة بالنادي ‪ ،)2(" ...‬ثم �أورد ملخ�ص ًا لتطور النادي يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫�أ ـ ت�أ�س ��ي�س نادي الباحة الأدبي ب�أمر �ص ��احب ال�س ��مو امللكي الرئي�س العام لرعاية‬
‫ال�ش ��باب ‪ ....‬برقم (‪ 4817‬وتاري ��خ ‪1415/3/27‬هـ) ‪ .‬وكان االفتتاح الر�س ��مي‬
‫للنادي حتت رعاية �أمري منطقة الباحة �ص ��احب ال�س ��مو امللكي الأمري حممد بن‬
‫�سعود بن عبد العزيز يف �صباح الثالثاء املوافق ( ‪1416/2/27‬هـ) ‪.‬‬
‫ب ـ رئي� ��س الن ��ادي منذ االفتتاح �إىل �إر�س ��ال ه ��ذه املذكرة ع ��ام ( ‪1427‬هـ‪2006/‬م)‬
‫هو الأ�س ��تاذ �س ��عد بن عبد اهلل بن �أحمد امللي�ص(‪ .)3‬وكان معه عند االفتتاح �س ��بعة‬
‫�أع�ضاء يف جمل�س �إدارة النادي‪ ،‬وحوايل (‪ )45‬ع�ضو ًا‪ ،‬وتزايد �أع�ضاء النادي حتى‬
‫و�صلوا �إىل (‪ )200‬ع�ضو وع�ضوة يف عام (‪1427-26‬هـ‪2006-2005/‬م) (‪.)4‬‬
‫ج ـ ع ��دد املوظف�ي�ن يف النادي ع ��ام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) �س ��تة �أ�ش ��خا�ص هم ‪ :‬عبد‬
‫اهلل بن �أحمد ال�س ��يد‪ ،‬وكمال �أبو اخلري‪ ،‬وعبد اهلل ال�ش ��اعر‪ ،‬وعبد اهلل دحمان‪،‬‬
‫و�ص ��ديق �أحمد عبد القادر‪ ،‬ون�صر الدين حميي الدين‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل عاملني �أو‬
‫ثالثة م�ؤقتني من �أجل حرا�سة النادي وتنظيفه(‪. )5‬‬
‫د ـ كان هن ��اك عدد من فروع وجل ��ان النادي يف بع�ض املحافظات مثل‪ :‬بلجر�ش ��ي‪،‬‬
‫وقل ��وة‪ ،‬واملن ��دق‪ ،‬والأطاول ��ة ( الق ��رى )‪،‬والعقي ��ق‪ ،‬واملخواة‪ ،‬وه ��ذه الفروع لها‬
‫((( �أ�صل و�صورة هذا اخلطاب �ضمن مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة )‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( م ��ن يق ��ر�أ وي�ؤرخ للنوادي الأدبية يف اململكة العربية ال�س ��عودية منذ افتتاح �أولها يف ت�س ��عينيات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‬
‫حت ��ى ع ��ام (‪27‬ـ‪1428‬هـ‪2006/‬ـ‪2007‬م ) يجد �أنها كانت منارات فكر و�أدب وثقافة فقد �أثرت على الفرد واملجتمع‪،‬‬
‫وكان لها منا�شط ممتازة‪ ،‬وهذه احلقبة جديرة بالبحث والتوثيق‪ ،‬ون�أمل �أن نرى باحثني جادين فيتولوا هذا املو�ضوع‬
‫بالر�صد والبحث والتحليل‪ ،‬مثل هذا املو�ضوع ي�ستحق �إىل �أن ي�صدر عنه ع�شرات الكتب والر�سائل العلمية ‪.‬‬
‫((( �أ�صل و�صورة املذكرة التي و�صلتنا من الأ�ستاذ امللي�ص �ضمن �أوراق مكتبة الباحث (ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫‪133‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫ممثلني هم حلقة الو�صل بني النادي وجمتمع املثقفني يف تلك املحافظات(‪.)1‬‬


‫‪19‬ـ ال�ش�ؤون ال�صحية ‪:‬‬
‫�أر�س ��ل �إلين ��ا تقرير م ��ن الدكتور عل ��ي حامد الغامدي‪ ،‬مدير عام ال�ش� ��ؤون ال�ص ��حية‬
‫مبنطق ��ة الباح ��ة ع ��ام (‪1427‬ه� �ـ) (‪� ،)2‬أ�ش ��ار في ��ه �إىل �أنه �أن�ش ��ئ طباب ��ة يف الظفري عام‬
‫(‪1365‬ه� �ـ‪1945/‬م)‪ ،‬ث ��م تزايدت عدد امل�ستو�ص ��فات حت ��ى بلغت (‪ )16‬م�ستو�ص ��ف ًا عام‬
‫(‪1382‬هـ‪1962/‬م)‪ ،‬و�أن�ش ��ئ م�ست�ش ��فى بلجر�ش ��ي عام (‪1393‬هـ ‪1973 /‬م)‪ ،‬ثم افتتحت‬
‫املديرية العامة لل�صحة مبنطقة الباحة يف عام (‪1402‬هـ‪1982 /‬م )(‪. )3‬‬
‫وي�ش�ي�ر التقري ��ر �أي�ض� � ًا �إىل �أن ع ��دد املراك ��ز الطبي ��ة يف منطق ��ة الباح ��ة ع ��ام‬
‫(‪1427‬هـ‪2006/‬م) كانت ( ‪ )86‬مركز ًا موزعة على مدينة الباحة وحمافظات بلجر�ش ��ي‪،‬‬
‫والق ��رى‪ ،‬واملن ��دق‪ ،‬واملخواة‪ ،‬وقل ��وة‪ ،‬والعقي ��ق‪ ،‬ومنه ��ا (‪ )83‬مركز يف مبان م�س ��ت�أجرة‪،‬‬
‫وثالث ��ة فق ��ط يف مب ��ان حكومي ��ة‪� ،‬أم ��ا الإجم ��ايل لع ��دد املراجعني له ��ذه املراك ��ز يف عام‬
‫(‪1427‬هـ‪2006/‬م) فقد بلغ (‪ )92,300‬مري�ض ًا‪� ،‬أكرثهم يف مراكز مدينة الباحة‪ ،‬و�أقلهم‬
‫يف حمافظة القرى (الأطاولة)(‪.)4‬‬
‫ويف اجلدولني التاليني جند بيان ًا بالأطباء ح�س ��ب وظائفهم‪ ،‬و�إح�صائية بالأطباء‬
‫(‪)5‬‬
‫ال�سعوديني يف منطقة الباحة عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م)‬
‫بيان بالأطباء يف منطقة الباحة ح�سب وظائفهم يف عام (‪1427-26‬هـ)‬
‫الإجمايل‬ ‫�شاغر‬ ‫جمموع قيد التعاقد‬ ‫ذكور �إناث‬ ‫الوظيفة‬
‫‪40‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪11‬‬ ‫ـ‬ ‫‪11‬‬ ‫طبيب ا�ست�شاري‬
‫‪227‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪169‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪151‬‬ ‫طبيب �أخ�صائي‬
‫‪213‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪211‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪186‬‬ ‫طبيب مقيم‬
‫‪480‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪391‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪348‬‬ ‫املجموع‬

‫((( عا�ص ��ر الباحث بع�ض منا�شط الأندية الأدبية يف جنوبي البالد ال�س ��عودية ( الطائف‪ ،‬والباحة‪ ،‬وع�سري‪ ،‬وجازان )‪ ،‬فكانت‬
‫�أن�ش ��طتها مركزة يف املدينة الرئي�س ��ية التي يوجد بها النادي‪� ،‬أما املحافظات والقرى والأرياف فلم جتد رعاية حقيقية من‬
‫تلك الأندية‪ ،‬ورمبا كانت بع�ض الأندية تقوم ببع�ض املنا�شط يف املحافظات والقرى الكبرية‪ ،‬لكنها كانت حمدودة جد ًا ‪.‬‬
‫((( �أ�صل و�صورة هذا التقرير يوجد �ضمن مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ‪ ( .‬الوثائق اخلا�صة )‪.‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�سه‪ .‬درا�سة تاريخ ال�صحة يف منطقة الباحة منذ عام (‪1350‬ـ‪1400‬هـ‪1931 /‬ـ‪1980‬م) مو�ضوع ي�ستحق‬
‫�إىل �أن يكون ر�سالة ماج�ستري �أو دكتوراه‪ ،‬ون�أمل �أن نرى �إحدى طالباتنا �أو طالبنا يف �أق�سام التاريخ بجنوبي البالد‬
‫ال�سعودية فيتخذ هذا املو�ضوع عنوان ًا لأطروحته العلمية ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫((( كان ع ��دد املراجع�ي�ن يف مدين ��ة الباح ��ة ح ��وايل(‪ )23822‬مري�ض� �ا‪ ،‬وحمافظة الق ��رى (‪ )8994‬مراجع� �ا‪ ،‬وباقي‬
‫املحافظات يرتاوح املراجعون فيها بني اثني ع�ش ��ر وخم�س ��ة ع�ش ��ر �ألف مري�ض‪ .‬مذكرة �ض ��من �أوراق مكتبة د‪ .‬ابن‬
‫جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪134‬‬
‫�إح�صائية عن الأطباء ال�سعوديني ووظائفهم باملنطقة‬
‫(‪)1‬‬

‫املجموع‬ ‫�إناث‬ ‫ذكور‬ ‫الوظيفة‬


‫‪7‬‬ ‫ـ‬ ‫‪7‬‬ ‫طبيب ا�ست�شاري‬
‫‪2‬‬ ‫ـ‬ ‫‪2‬‬ ‫طبيب �أخ�صائي‬
‫‪16‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪14‬‬ ‫طبيب مقيم‬
‫‪25‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪23‬‬ ‫املجموع‬
‫وتعاق ��ب على �إدارة املديرية العامة لل�ص ��حة يف منطقة الباحة حوايل �س ��بعة مديرين‬
‫ه ��م‪ )1( :‬علي حم ��دان الغام ��دي (‪1401‬ـ‪1405‬ه� �ـ‪81/‬ـ‪1985‬م) ‪ )2( .‬ف� ��ؤاد عمر �أزهر‬
‫(‪1405‬ـ‪1407‬هـ‪85/‬ـ‪1987‬م)‪� )3( .‬س ��عيد ما�ضي املا�ضي (‪1407‬ـ‪1412‬هـ‪87/‬ـ‪1992‬م)‪.‬‬
‫(‪ )4‬حمم ��د داي ��ل ال�ش ��مراين (‪1412‬ـ‪1417‬ه� �ـ ‪92 /‬ـ‪1997‬م) ‪ )5( .‬د‪ .‬جم ��ال عبا� ��س‬
‫(‪1418‬ـ‪1421‬هـ‪98/‬ـ‪2001‬م)‪ )6(.‬د‪� .‬صالح العبد العايل (‪ 1421‬ـ ‪1422‬هـ‪2001/‬ـ‪2002‬م)‬
‫‪ )7(.‬د‪.‬علي حامد الغامدي (‪1422‬ـ حتى تدوين هذا التقرير)(‪.)2‬‬
‫‪20‬ـ املعهد ال�صحي للبنات بالباحة ‪:‬‬
‫�أ�ش ��ارت مديرة املعهد عام (‪26‬ـ‪1427‬هـ‪2005/‬ـ‪2006‬م) الدكتورة عزة عبيد القريان‬
‫�إىل �أن املعهد ت�أ�س ���س عام (‪1411‬هـ‪1991/‬م)‪ ،‬والتحق به �آنذاك حوايل (‪ )17‬طالبة‪ ،‬ثم‬
‫توق ��ف عن العمل يف ع ��ام (‪1417‬هـ‪1997/‬م)‪ ،‬و�أعيد افتتاحه ع ��ام (‪1423‬هـ‪2003/‬م)‪،‬‬
‫ودر�س يف املعهد حتى عام (‪1426‬هـ‪2005/‬م) حوايل (‪ )140‬طالبة(‪. )3‬‬
‫ويعم ��ل يف املعهد عام (‪26‬ـ‪1427‬ه� �ـ‪2005/‬ـ‪2006‬م) حوايل (‪ )12‬معلمة‪ ،‬منهن (‪)4‬‬
‫معلمات �سعوديات‪ ،‬ثالث يحملن درجة البكالوريو�س وواحدة حا�صلة على درجة الدكتوراه‪،‬‬
‫وثم ��ان غري �س ��عوديات (‪ )6‬حا�ص ��لة على درج ��ة البكالوريو� ��س‪ ،‬وواحدة دكت ��وراه و�أخرى‬
‫ماج�ستري‪ ،‬ومن ثم فال�سعوديات ميثلن تقريب ًا (‪ )%33‬من معلمات املعهد‪.‬‬
‫‪21‬ـ مركز الت�أهيل ال�شامل ‪:‬‬
‫يتب ��ع ه ��ذا املركز ل ��وزارة العم ��ل وال�ش� ��ؤون االجتماعية‪ ،‬افتت ��ح يف مدين ��ة الباحة يف‬
‫(‪1413/11/17‬ه� �ـ) ومديره منذ ت�أ�سي�س ��ه حتى زيارتنا ملنطقة الباحة الأ�س ��تاذ �أحمد بن‬
‫((( ومن خالل هذه الإح�صائية جند �أن الأطباء والطبيبات ال�سعوديني ميثلون تقريب ًا (‪ )%5‬من عدد الأطباء الكلي يف املنطقة ‪.‬‬
‫((( كان تدوين هذا التقرير من قبل د‪ .‬علي حامد الغامدي يف عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م)‪ .‬كما �أن تاريخ الطب والتطبيب‬
‫مو�ض ��وع هام وجدير بالدرا�س ��ة العلمية الأكادميية ‪� .‬أي�ض� � ًا تاريخ ال�ش� ��ؤون ال�ص ��حية يف املنطقة خالل هذا القرن‬
‫(‪15‬هـ‪20/‬ـ‪21‬م) مو�ضوع ي�ستحق البحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫((( خطاب وتقرير خمت�ص ��ر و�ص ��لنا من مديرة املعهد د‪ /‬عزة عبيد يف عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م)‪ ،‬و�أ�ص ��ل و�ص ��ورة هذا‬
‫التقرير �ضمن �أوراق مكتبة الباحث ( ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫‪135‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫�إبراهيم العا�ص ��مي(‪ ، )1‬ويعم ��ل باملركز يف ع ��ام (‪1426‬هـ‪2005/‬م)اثنان وثالثون موظف ًا‬
‫بالإ�ض ��افة �إىل خم�س ��ة عل ��ى بن ��د الت�أهيل العالج ��ي والكادر ال�ص ��حي‪ ،‬وتوزيعهم ح�س ��ب‬
‫م�ؤهالتهم على النحو التايل‪ )16( :‬يحملون درجة جامعية‪ ،‬و(‪� )19‬شهادة الثانوية‪ ،‬واثنان‬
‫ابتدائية (‪. )2‬‬
‫ويق ��دم املركز خدم ��ات �إيوائية وعالجية للملتحقني به من املعاقني‪ ،‬وي�س ��اعد الأ�س ��ر‬
‫التي تف�ضل رعاية �أبنائها يف مقر �إقامتها‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �إعانة الأ�سر التي حتت�ضن �أطفا ًال‬
‫يتام ��ى‪ ،‬وم ��ن ثم فال�س ��اكنون ( ذك ��ور ًا و�إناثا) باملرك ��ز يف عام (‪26‬ـ‪1427‬ه� �ـ) يقدرون بـ‬
‫(‪� )270‬إن�سان ًا‪ ،‬واملعاقون يف رعاية �أ�سرهم (‪ )2544‬فرد ًا‪ ،‬وبلغت قيمة الإعانة املالية التي‬
‫قدمت للأ�س ��ر الراعية لأبنائها يف عام (‪25‬ـ‪1426‬هـ) (‪ )11,015,500‬ريا ًال‪ ،‬وقد �شاهدنا‬
‫يف عام (‪26‬ـ‪1427‬هـ) العمل جاري ًا يف تنفيذ مقر حكومي للمركز يف مدينة الباحة‪ ،‬ويذكر‬
‫�أنه ر�صد لذلك امل�شروع (‪ )28,636,223‬ريا ًال (‪. )3‬‬
‫‪22‬ـ دار املالحظة االجتماعية ‪:‬‬
‫�أن�ش ��ئت هذه الدار عام (‪1418‬هـ‪1997/‬م)‪ ،‬ويتوىل �إدارتها منذ ت�أ�سي�س ��ها حتى عام‬
‫(‪1427-26‬هـ) الأ�ستاذ �سعيد عطية الزهراين(‪ ،)4‬وحتت�ضن الدار ال�شباب ال�صغار الذين‬
‫ترتاوح �أعمارهم من (‪� )18-12‬س ��نة‪ ،‬وتقوم على تدري�س ��هم ورعايتهم تعليمي ًا واجتماعي ًا‬
‫وريا�ض ��ي ًا و�ص ��حي ًا‪ ،‬ويعمل بال ��دار يف عام (‪1426‬ه� �ـ‪2005/‬م) اثنا ع�ش ��ر موظف ًا ترتاوح‬
‫مراتبهم الوظيفية من املرتبة الثالثة �إىل العا�ش ��رة‪ ،‬ومقر الدار يف بناية م�ست�أجرة‪ ،‬ويذكر‬
‫�أن وزارة ال�ش�ؤون االجتماعية ت�سعى �إىل �إقامة مقر حكومي لهذه الدار‪.‬‬
‫‪23‬ـ بريد وات�صاالت الباحة ‪:‬‬
‫مل ي�صلنا �أي �إجابة من �إدارة االت�صاالت‪� ،‬أما م�ؤ�س�سة الربيد فقد و�صلنا نبذة خمت�صرة‬
‫من مدير الربيد العام يف منطقة الباحة الأ�س ��تاذ عبد اخلالق بن �شهاب الغامدي(‪ ،)5‬ذكر‬
‫((( الأ�ستاذ العا�صمي هو الذي �أر�سل لنا تقرير ًا خمت�صر ًا عن هذا املركز منذ الت�أ�سي�س �إىل عام (‪26‬ـ‪1427‬هـ)‪� .‬أ�صل‬
‫و�صورة هذا التقرير �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�س‪ .‬ذكر مدير املعهد و�ص ��احب هذا التقرير بع�ض التوجيهات التي يتمنى �أن حتقق ل�صالح املركز‪ .‬مثل‪:‬‬
‫�إن�شاء فرع متكامل لوزارة ال�ش�ؤون االجتماعية باملنطقة‪ ،‬و�إن�شاء م�ؤ�س�سة للرعاية االجتماعية للفتيات‪ ،‬و�إن�شاء مكتب‬
‫لل�ضمان االجتماعي‪ ،‬ودار للرعاية االجتماعية‪ ،‬وفتح مركز للتنمية بقطاع تهامة غامد وزهران ‪.‬‬
‫((( و�ص ��لنا خط ��اب وتقري ��ر خمت�ص ��ر م ��ن مدي ��ر ال ��دار الأ�س ��تاذ �س ��عيد الزه ��راين يف ع ��ام (‪1427‬ه� �ـ‬
‫‪ 2006 /‬م )‪ ،‬ويوجد �أ�صله و�صورته �ضمن �أوراق مكتبة الباحث ( ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( مل يذكر الغامدي امل�س�ؤولني الذين تولوا �إدارة الربيد يف املنطقة ‪ .‬وقد و�صلنا �صفحة واحدة من الأ�ستاذ عبد اخلالق‬
‫وهي توجد �ضمن �أوراق مكتبة الباحث ( ابن جري�س)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪136‬‬
‫فيها �أن �إدارة الربيد ت�أ�س�ست يف مدينة الباحة عام (‪1402‬هـ‪1982/‬م) (‪ ،)1‬ويتبعها يف عام‬
‫(‪1426‬هـ‪2005/‬م) (‪ )24‬فرع ًا للربيد‪ ،‬و�شعبتان اثنتان والربيد املمتاز‪ ،‬ويعمل يف الربيد‬
‫يف عام (‪26‬ـ‪1427‬هـ‪2005/‬ـ ‪2006‬م) حوايل (‪ )208‬موظف ًا (‪.)2‬‬
‫‪24‬ـ فرع وزارة اخلدمة املدنية ‪:‬‬
‫�أر�س ��ل �إلينا خطاب مع تقرير بتاريخ (‪1427/4/15‬هـ) من مدير فرع وزارة اخلدمة‬
‫املدنية مبنطقة الباحة الأ�ستاذ عماد بن عبد اهلل ال�ضويلع ذكر فيه بعد الب�سملة والديباجة‬
‫الأوىل ب� ��أن بداي ��ة املكتب يف مدين ��ة الباحة كان يف عام (‪1410‬هـ‪1990/‬م) حتت ا�س ��م (‬
‫مكتب التوظيف بالباحة ) ويتبع �إداري ًا مكتب التوظيف باملنطقة الغربية‪ ،‬ثم عدل امل�س ��مى‬
‫يف (‪1414/6/22‬هـ) �إىل فرع الديوان العام للخدمة املدنية مبنطقة الباحة‪ ،‬ويراجع نائب‬
‫الرئي�س العام لل�ش� ��ؤون التنفيذية(‪ ،)3‬وبعد تعديل م�س ��مى الديوان العام للخدمة املدنية �إىل‬
‫وزارة اخلدم ��ة املدني ��ة يف (‪1420/3/1‬هـ)‪ ،‬ثم تعديل فرع الدي ��وان العام للخدمة املدنية‬
‫بالباحة �إىل فرع وزارة اخلدمة املدنية‪ ،‬و�أ�صبح مرجعه املبا�شر وكيل الوزارة(‪.)4‬‬
‫واملهمة الرئي�سية لهذه الإدارة ا�ستقبال طلبات الباحثني عن وظائف حكومية وترتيبها‬
‫وفرزها‪ ،‬و�إجراء املفا�ض�ل�ات بني املتقدمني ح�سب �شهاداتهم العلمية وخرباتهم الوظيفية‪،‬‬
‫ث ��م �إع�ل�ان النتائ ��ج ب�أ�س ��ماء الفائزين يف احل�ص ��ول على وظائ ��ف يف قطاع ��ات حكومية‬
‫خمتلفة(‪ .)5‬ويف التقرير الذي و�ص ��لنا من مدير الفرع �إح�صائية ب�أعداد املتقدمني( ذكور ًا‬
‫و�إناث� � ًا ) يف الفرتة من (‪1419‬ـ ‪1426‬ه� �ـ ‪1999 /‬ـ‪2005‬م) فكان عددهم (‪ )56212‬فرد ًا‪،‬‬
‫واملر�شحون لوظائف من هذا العدد الكلي كانوا (‪ )8901‬موظف ًا وموظفة(‪.)6‬‬
‫�أم ��ا الذي ��ن تول ��وا �إدارة ف ��رع الباح ��ة فه ��م‪ )1( :‬حمم ��د ب ��ن عب ��د اهلل الغام ��دي‬
‫(‪1410‬ـ‪1420‬هـ‪1999/‬ـ‪2000‬م)‪ )2( .‬حامت بن حممد علي املغام�سي (‪ 1422-1421‬هـ ‪/‬‬
‫‪2001‬ـ‪2002‬م)‪ )3( .‬عماد بن عبد اهلل ال�ض ��ويلع(‪1422‬هـ ـ حتى تاريخ هذا التقرير) (‪.)7‬‬
‫((( م�ؤ�س�س ��ة الربيد قدمية يف منطقة الباحة‪ ،‬فهناك ع�ش ��رات الوثائق التي ت�ؤكد �أن بريد احلجاز وع�س�ي�ر كان ي�ص ��ل‬
‫�إىل منطقة الباحة ال�س ��روية يف الأربعينيات واخلم�س ��ينيات من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪ .‬ون�س ��تطيع القول �إن درا�س ��ة‬
‫تاريخ امل�ؤ�س�سات الإدارية يف منطقة الباحة خالل الن�صف الثاين من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) جدير بالبحث والدرا�سة‬
‫واالهتمام من امل�ؤرخني والباحثني اجلادين ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪ .‬نبذة الغامدي �ضمن �أوراق مكتبة الباحث (ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( خطاب مع مذكرة من مدير فرع وزارة اخلدمة املدنية مبنطقة الباحة برقم (‪ 5294‬وتاريخ ‪1427/4/15‬هـ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪ .‬وتاريخ هذا التقرير يف (‪1427/4/15‬هـ)‪ .‬و�أ�صل و�صورة التقرير توجدان �ضمن مكتبة د‪ .‬غيثان بن‬
‫جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة )‪.‬‬
‫‪137‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫وكان عدد العاملني يف فرع الباحة (‪ )15‬موظف ًا وموظفة (‪ .)1‬ومل ي�شتمل التقرير على موقع‬
‫الفرع هل هو يف بناية حكومية �أو م�س ��ت�أجرة ؟ ومل يذكر �أي معلومة عن ميزانيته و�إمكاناته‬
‫املادية‪ ،‬وما يقدم من دورات �أو خدمات تثقيفية �أو تدريبية ملوظفيه(‪.)2‬‬
‫‪25‬ـ الت�أمينات االجتماعية ‪:‬‬
‫و�صلنا �صفحة واحدة بدون تاريخ من مدير مكتب الت�أمينات يف الباحة الأ�ستاذ‪ /‬علي‬
‫ابن �س ��عد الغامدي ذكر فيه افتتاح املكتب يف (‪1415/6/2‬هـ)‪ ،‬وقد توىل الغامدي نف�س ��ه‬
‫�إدارة هذه امل�ؤ�س�سة من (‪1418/10/10‬هـ) (‪ ،)3‬وعدد موظفي املكتب عند زيارتنا للمنطقة‬
‫عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) �أربعة وع�شرون موظف ًا‪� ،‬ستة منهم جامعيون‪ ،‬و(‪ )18‬دون مرحلة‬
‫اجلامعة‪� .‬أما امل�شرتكون يف نظام الت�أمينات من امل�ؤ�س�سات احلكومية والقطاعات اخلا�صة‬
‫يف عام (‪1427‬هـ ‪2006/‬م) فكان عددهم (‪� )33562‬شخ�ص� � ًا �أو م�ؤ�س�سة(‪ .)4‬وكانت بناية‬
‫هذه امل�ؤ�س�س ��ة الإدارية م�س ��ت�أجرة‪ ،‬والقائمون عليها ي�س ��عون �إىل �إيجاد �أر�ض حكومية كي‬
‫تن�شئ عليها مقر ًا حكومي ًا لهذه الإدارة‪ ،‬ويو�صي مدير املكتب بافتتاح مكتب خا�ص بطلبات‬
‫الن�ساء لتزايد الطلب والإحلاح من قبل العن�صر الن�سوي يف منطقة الباحة (‪.)5‬‬
‫‪26‬ـ الإدارة العامة للمياه ‪:‬‬
‫ت�أ�س�س ��ت هذه الإدارة مبدينة الباحة يف (‪1424/11/20‬هـ) ويتبع لها فرعان‪ ،‬الأول‪:‬‬
‫يف تهام ��ة غامد وزهران مبدينة املخ ��واة‪ ،‬والثاين‪ :‬يف مدينة بلجر�ش ��ي(‪ ،)6‬ويتوىل �إدارتها‬
‫منذ ن�ش�أتها �إىل الآن(‪ )7‬املهند�س حممد بن من�صور �آل ع�ضيد‪ ،‬ويعمل يف هذه الإدارة (‪)13‬‬
‫موظف ًا تندرج رتبهم من املرتبة الرابعة �إىل احلادية ع�ش ��رة‪ ،‬ومنهم (‪ )8‬موظفني يحملون‬

‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه ‪ .‬اثنان فقط منهم يحمالن �ش ��هادات جامعية والآخرون دون املرحلة اجلامعية‪ ،‬ورتبهم تتدرج من‬
‫املرتبة الثالثة �إىل العا�شرة ‪.‬‬
‫((( امل�ص ��در ‪:‬التقري ��ر ال ��ذي و�ص ��لنا م ��ن مدي ��ر الف ��رع‪ .‬وتاري ��خ امل�ؤ�س�س ��ات الإداري ��ة يف منطق ��ة الباح ��ة م ��ن‬
‫(‪1350‬ـ‪1434‬هـ‪1931/‬ـ‪2013‬م) جدير بالبحث والدرا�سة العلمية الأكادميية‪.‬‬
‫((( مل يذكر تاريخ ًا لهذه ال�ص ��فحة التي �أر�س ��لت لنا‪ ،‬لكن من امل�ؤكد �أنها كانت يف عام (‪1427‬هـ ‪2006 /‬م)‪� ،‬أي العام‬
‫الذي و�ص ��لني فيه جميع الإجابات التي طلبناها من �إمارة املنطقة وغريها من امل�ؤ�س�س ��ات الإدارية الأخرى‪� .‬أ�ص ��ل‬
‫و�صورة ال�صفحة التي و�صلتنا من مدير هذه امل�ؤ�س�سة توجد �ضمن �أوراق البحث ( ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪ .‬وكان عدد امل�ؤ�س�سات احلكومية والأهلية اخلا�صة (‪ )2839‬م�ؤ�س�سة‪ ،‬منها (‪ )26‬حكومية‪ ،‬و(‪)2803‬‬
‫خا�ص ��ة ‪� .‬أم ��ا عدد الأفراد فكان عدده ��م الإجمايل(‪� )30723‬شخ�ص� � ًا‪ ،‬منهم (‪� )4871‬س ��عودي ًا و(‪ )25852‬غري‬
‫�سعودي ‪ .‬امل�صدر ‪ :‬مذكرة و�صلتنا من مدير مكتب الت�أمينات االجتماعية يف الباحة‪ ،‬وهي بدون تاريخ ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( و�صلنا تقرير يف �صفحة واحدة من مدير الإدارة املهند�س حممد �آل ع�ضيد‪ ،‬و�أ�صل و�صورة هذا التقرير توجد �ضمن‬
‫مكتبة الباحث ( ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( املق�صود بكلمة ( الآن ) �أي عام (‪1427‬هـ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪138‬‬
‫�ش ��هادات جامعية‪ ،‬واخلم�س ��ة الباقون ترتاوح �شهاداتهم من املرحلة االبتدائية �إىل �شهادة‬
‫الثانوية(‪.)1‬‬
‫‪27‬ـ فرع ال�شركة ال�سعودية للكهرباء ‪:‬‬
‫�أر�س ��ل لنا املهند�س م�سفر القرين مدير �ش ��ركة الكهرباء يف الباحة تقرير ًا خمت�صر ًا‬
‫ج ��د ًا �أ�ش ��ار فيه �إىل �أن افتتاح هذا الف ��رع يف الباحة يعود �إىل تاري ��خ (‪1379/7/9‬هـ)(‪،)2‬‬
‫وكان ع ��دد املوظف�ي�ن به ��ذه الإدارة يف ع ��ام (‪1426‬ه� �ـ ‪2005 /‬م) (‪ )26‬موظف� � ًا‪ ،‬وعدد‬
‫امل�ش�ت�ركني يف العام نف�س ��ه (‪ )122,189‬ف ��رد ًا‪� ،‬أما الذين تولوا �إدارة ه ��ذا الفرع الإداري‬
‫فهم‪� )1( :‬إبراهيم عبد اهلل عطية (‪1397‬ـ‪1419‬هـ‪1977/‬ـ‪1999‬م)‪ )2(.‬عبد اهلل فا�ض ��ل‬
‫الزهراين(‪1419‬ـ‪1425‬ه� �ـ‪1999/‬ـ ‪2004‬م) ‪ )3(.‬علي غرم اهلل �ش ��نان (‪ 1425‬ـ ‪1427‬هـ‬
‫‪2004/‬ـ ‪2006‬م) ‪ )4( .‬املهند�س م�سفر القرين من عام ( ‪1427‬هـ ـ حتى الآن ) (‪.)3‬‬
‫‪28‬ـ مطار الباحة ومكتب اخلطوط ال�سعودية‪:‬‬
‫افتت ��ح مط ��ار الباح ��ة يف (‪1402/10/2‬هـ)‪ ،‬والعامل ��ون باملطار ع ��ام (‪25‬ـ‪1426‬هـ‪/‬‬
‫‪2004‬ـ‪2005‬م) على مالك هيئة الطريان املدين �س ��تون موظف ًا‪ ،‬وامليزانية الت�شغيلية للمطار‬
‫يف العام نف�س ��ه تقدر بـ (‪ )130,067,822‬ريا ًال �سنوي ًا(‪.)4‬وتعاقب على �إدارة املطار عدد من‬
‫املديري ��ن‪ ،‬ه ��م ‪ )1( :‬علي بن عدي الغام ��دي (‪1402‬ـ‪1410‬ه� �ـ‪82/‬ـ ‪1990‬م)‪� )2( .‬أحمد‬
‫حممد �أبو ح�س�ي�ن (‪1410‬ـ‪1419‬هـ‪1990/‬ـ ‪1999‬م)‪� )3(.‬س ��عيد بن عبد الرحمن ال�س ��املي‬
‫(‪1419‬ـ‪1424‬هـ‪1999/‬ـ‪2004‬م)‪ )4( .‬فهد بن عبد اهلل العدواين (‪1424‬هـ حتى الآن )(‪.)5‬‬
‫كما ت�أ�س�س مكتب اخلطوط ال�سعودية يف الباحة عام (‪1410‬هـ‪1981/‬م)‪ ،‬ثم تزايدت‬
‫وكاالت ال�س ��فر الأهلي ��ة يف املنطق ��ة حت ��ى �أ�ص ��بح عدده ��ا ح ��وايل الع�ش ��ر وكاالت يف عام‬

‫((( �أ�صل و�صورة التقرير الذي و�صلنا من املهند�س ابن ع�ضيد �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ‪ .‬وال جند‬
‫تف�صيالت عن الأعمال املوكلة �إىل هذه الإدارة‪ ،‬وال مقرها هل هو حكومي �أم م�ست�أجر ؟ وغري ذلك من التف�صيالت‬
‫التي ت�شري �إىل �سري العمل يف هذه امل�ؤ�س�سة الإدارية ‪.‬‬
‫((( تاري ��خ ه ��ذا التقرير يع ��ود �إىل عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) �أ�ص ��ل و�ص ��ورة التقرير يف مكتبة د‪ .‬اب ��ن جري�س العلمية (‬
‫الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( �أي عام(‪1427‬هـ‪2006/‬م)‪ .‬وكهرباء الباحة تابعة لفرع ع�س�ي�ر منذ ن�ش� ��أة الكهرباء يف املنطقة اجلنوبية ‪ .‬للمزيد عن �ش ��ركة‬
‫الكهرباء يف ع�سري‪ ،‬انظر ابن جري�س‪� ،‬أبها حا�ضرة ع�سري ( درا�سة وثائقية ) ( ‪1427‬هـ‪1997/‬م)‪� ،‬ص ‪ 405‬ـ ‪. 415‬‬
‫((( و�ص ��لنا تقرير خمت�صر جد ًا من مدير املطار عام (‪26‬ـ‪1427‬هـ) الأ�ستاذ فهد بن عبد اهلل العدواين‪ ،‬و�أ�صل و�صورة‬
‫هذا التقرير يوجد �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق العلمية )‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪ .‬املق�صود بكلمة ( الآن ) عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م)‪ .‬وقد زرت مطار الباحة عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م)‬
‫فوجدته متوا�ض ��ع ًا يف �إمكاناته املادية ويف م�س ��احته اجلغرافية‪ ،‬و�أقول �أنه يحتاج �إىل اهتمام �أكرب فتو�سع مدرجاته‬
‫وتتعدد �ص ��االته والرحالت منه و�إليه لأن منطقة الباحة م�أهولة بال�س ��كان وحتتاج �إىل مطار �أكرب و�أن�شط من مطار‬
‫الباحة احلايل‪.‬‬
‫‪139‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫(‪1425‬هـ‪2004/‬م)‪ ،‬وبلغ عدد موظفي املكتب يف العام نف�سه حوايل خم�سني موظف ًا (‪.)1‬‬
‫‪29‬ـ �صندوق التنمية العقاري‪:‬‬
‫ت�أ�س ���س ال�ص ��ندوق ع ��ام (‪1402‬ه� �ـ‪1982/‬م)‪ ،‬ويت ��وىل �إدارت ��ه من ��ذ ع ��ام‬
‫(‪1405‬هـ‪1985/‬حتى الآن ) املهند�س علي عبد اهلل �أبو مغدي(‪ ،)2‬وجند �أن ال�ص ��ندوق قد‬
‫�أجنز حوايل (‪ )6049‬قر�ض ًا على مدار ثالثني عام ًا‪ ،‬ويف معظم حمافظات املنطقة‪ ،‬وكان‬
‫ال�صرف الإجمايل لهذه القرو�ض حوايل (‪ )1.171.810.215‬ريا ًال(‪.)3‬‬
‫‪30‬ـ البنك الزراعي ‪:‬‬
‫�أن�ش ��ئ البنك الزراع ��ي يف الباحة عام (‪1386‬ه� �ـ‪1966/‬م)‪ ،‬وقدم البنك منذ ت�أ�سي�س ��ه‬
‫حت ��ى ع ��ام (‪1426‬هـ‪2005/‬م) ح ��وايل (‪ )14352‬قرو�ض� � ًا زراعي ��ة بلغت قيمته ��ا الإجمالية‬
‫(‪ ) 376,530,220‬ري ��ا ًال (‪ .)4‬ودع ��م البن ��ك ثالث ��ة ع�ش ��ر م�ش ��روع ًا للنح ��ل والدواجن مببلغ‬
‫(‪ )20,860,538‬ري ��ا ًال (‪ ،)5‬وت ��وىل �إدارة البن ��ك ثالث ��ة مديري ��ن ه ��م ‪ )1( :‬ه�ش ��ام عن ��اين‬
‫(�أردين اجلن�س ��ية ) (‪1386‬ـ‪1395‬ه� �ـ ‪1966 /‬ـ‪1975‬م)‪ )2(.‬عب ��د اهلل ب ��ن �ص ��الح بن مزهر‬
‫(‪1395‬ـ‪1425‬هـ ‪1975/‬ـ‪2004‬م) ‪� )3(.‬أحمد بن علي الغامدي (‪1425/7/1‬هـ حتى الآن)(‪.)6‬‬
‫‪31‬ـ تلفزيون الباحة ‪:‬‬
‫مت افتت ��اح مرك ��ز تلفزي ��ون الباح ��ة يف ع ��ام (‪1398‬ه� �ـ‪1978/‬م)‪ ،‬ويف ع ��ام‬
‫((( تقرير يف �س ��طور قليلة من مدير مكتب اخلطوط ال�سعودية يف الباحة عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) الأ�ستاذ را�شد �أحمد‬
‫الزهراين‪ ،‬ومل يذكر تف�صيالت عن مديري هذا املكتب منذ ن�ش�أته �إىل توليه �إدارة املكتب عام (‪1422‬هـ‪2001/‬م)‪.‬‬
‫ومل ي�شر �أي�ض ًا �إىل اخلدمات التي يقدمها هذا املكتب وال �إمكاناته املادية ‪� .‬صورة من هذا التقرير توجد �ضمن �أوراق‬
‫مكتبة الباحث (ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( هذه املعلومات و�ص ��لتنا يف تقرير موجز من املهند�س �أبو مغدي نف�س ��ه عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م)‪ ،‬وال نعلم هل الزال‬
‫مدير ًا لهذه الإدارة بعد هذا التاريخ �أم حل حمله مدير �آخر ‪.‬‬
‫((( وكان توزيعه ��ا عل ��ى النحو الت ��ايل ‪ )1( :‬مدينة الباح ��ة (‪ )434,681,340‬ريا ًال لـ (‪ )2169‬قر�ض� � ًا‪ )2( .‬حمافظة‬
‫بلجر�شي (‪ )577,861,476‬ريا ًال لـ (‪ )3044‬قر�ض ًا ‪ )3( .‬حمافظة املندق (‪ )53,335,019‬ريا ًال لـ (‪ )276‬قر�ض ًا ‪.‬‬
‫(‪ )4‬حمافظة املخواة (‪ )66,553,904‬ريا ًال لـ (‪ )334‬قر�ض ًا ‪ )5( .‬حمافظة قلوة (‪ )39,378,473‬ريا ًال لـ(‪)226‬‬
‫قر�ض� � ًا ‪ .‬والذاهب يف �أنحاء منطقة الباحة يجد �أن �ص ��ندوق التنمية قد �أ�س ��هم يف تطور الناحية العمرانية‪ ،‬فحلت‬
‫املن ��ازل والق�ص ��ور والفل ��ل حمل البيوت القدمية‪ ،‬و�أ�ص ��بحت املنطقة مليئ ��ة بالأبنية احلديثة الت ��ي يتوفر بها جميع‬
‫املرافق الرئي�سية ‪.‬‬
‫((( و�ص ��لنا تقري ��ر عن البنك ع ��ام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) من مديره الأ�س ��تاذ �أحمد علي الغامدي‪ ،‬و�ص ��ورة هذا التقرير‬
‫توجد �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( ُيق�ص ��د بكلمة الآن عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) ‪ .‬مل يذكر التقرير تف�ص ��يالت عن �آليات �ص ��رف القرو�ض للأفراد �أو‬
‫امل�ش ��اريع‪ ،‬ومل يذكر �أي �ش ��يء عن مقر البنك هل هو حكومي �أو م�ست�أجر‪ ،‬ومل يذكر عدد موظفي البنك وم�ؤهالتهم‬
‫الدرا�سية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪140‬‬
‫(‪1426‬هـ‪2005/‬م) يوجد باملركز خم�سة موظفني بع�ضهم فنيون ورتبهم الوظيفية ترتاوح‬
‫ما بني املرتبة اخلام�س ��ة والثامنة‪ ،‬وكان مدير املركز يف عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) الأ�س ��تاذ‬
‫عبد اللطيف بن حممد ال�شاعر(‪.)1‬‬
‫‪32‬ـ مكتب الرئا�سة العامة لرعاية ال�شباب ‪:‬‬
‫و�صلنا مذكرة من مدير مكتب الرئا�سة العامة لرعاية ال�شباب بالباحة الأ�ستاذ جمعان‬
‫ب ��ن عبدالرحم ��ن الغامدي يف (‪1427/4/23‬هـ) (‪� ،)2‬أ�ش ��ار فيها �إىل �أن املكتب ت�أ�س ���س يف‬
‫مدينة الباحة عام (‪1402‬هـ‪1982/‬م)‪ ،‬وكان يوجد يف �ش ��قة �صغرية‪ ،‬ويعمل به يف البداية‬
‫الأ�ستاذ �سعيد جمعان الغامدي‪ ،‬ثم ان�ضم �إليه الأ�ستاذ عبد اهلل ملة‪ ،‬ومعهما �سائق‪ ،‬وبقي‬
‫الثالثة ي�ش ��رفون على �س�ي�ر العمل يف املكتب عدة �س ��نوات(‪ ،)3‬ثم تطور املكتب حتى �أ�ص ��بح‬
‫ي�ش ��رف على مدينة امللك �سعود الريا�ض ��ية بالباحة والتي م�ساحتها تقدر بـ (‪45,000‬م‪،) 2‬‬
‫وهي حتتوي على العديد من املرافق مثل‪ :‬مالعب كرة القدم املزروعة‪ ،‬وامل�سابح‪ ،‬وال�صاالت‬
‫املغلقة‪ ،‬و�صاالت الألعاب الأخرى(‪ .)4‬وي�شرف املكتب على �أربعة �أندية يف منطقة الباحة هي‪:‬‬
‫(‪ )1‬نادي احلجاز يف حمافظة بلجر�شي ‪ )2( .‬ونادي ال�سراة يف الباحة ‪ )3( .‬ونادي العميد‬
‫يف حمافظة القرى ‪ )4( .‬ونادي الت�سامح يف حمافظة القنفذة (‪.)5‬‬
‫ت ��وىل �إدارة املكتب �أربعة مديرين هم ‪� )1( :‬س ��عيد بن علي جمعان الغامدي (‪1402‬ـ‬
‫‪1408‬ه� �ـ‪1982/‬ـ‪1988‬م) ‪ )2( .‬عبد اهلل بن حممد ملة (‪1408‬ـ‪1417‬هـ ‪1988 /‬ـ‪197‬م)‪.‬‬
‫(‪ )3‬جمع ��ان بن عب ��د الرحمن الغام ��دي (‪1417‬هـ ـ حت ��ى الآن)(‪ .)6‬ويعم ��ل باملكتب عام‬
‫(‪1427-26‬ه� �ـ ‪2006-2005 /‬م) ح ��وايل (‪ )15‬موظف ًا ترتاوح رتبهم الوظيفية من درجة‬
‫ثالثة وثالثني �إىل املرتبة التا�س ��عة‪ ،‬وكلهم �س ��عوديون حا�صلون عل �شهادات خمتلفة تتدرج‬
‫من املرحلة االبتدائية �إىل ال�شهادة اجلامعية (‪.)7‬‬
‫((( زودنا الأ�س ��تاذ عبد اللطيف ب�س ��طور حمدودة عن تلفزيون الباحة دون �أن يذكر املديرين الذين تعاقبوا على �إدارة‬
‫هذه امل�ؤ�س�س ��ة‪ ،‬ومل يذكر تف�ص ��يالت عن الن�ش ��اطات والربامج التي قدمها مركز التلفزيون باملنطقة‪ ،‬ومل يذكر �أي‬
‫�شيء عن مقر املركز‪ ،‬وهل هو حكومي �أم م�ست�أجر ؟ ون�ستطيع القول �أن مركز تلفزيون الباحة كان وال زال حمدود ًا‬
‫يف �أعماله و�إجنازاته ‪.‬‬
‫((( �أ�صل و�صورة هذه املذكرة توجد �ضمن �أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة )‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( تاريخ الريا�ضة يف منطقة الباحة منذ (‪1350‬ـ‪1430‬هـ‪1931/‬ـ‪2010‬م)‪ ،‬مو�ضوع جدير بالبحث والدرا�سة‪ ،‬حبذا �أن‬
‫نراه مدرو�س ًا يف كتاب �أو ر�سالة علمية �أكادميية ‪.‬‬
‫((( املق�صود بكلمة ( الآن ) �أي عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) ‪.‬‬
‫((( امل�ص ��در ‪ :‬نبذة و�ص ��لتنا من مدير املكتب يف الباحة يف عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) ‪ .‬و�أ�ص ��ل و�صورة هذه النبذة توجد‬
‫�ض ��من �أوراق الباحث ( ابن جري�س )‪ .‬وقد �أورد مدير املكتب بع�ض التو�ص ��يات يف تقريره مثل‪ :‬وجوب زيادة املعونة‬
‫‪141‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ‪� :‬صفحات تاريخية لبع�ض م�ؤ�س�سات الباحة الإدارية ب�أقالم مديريها (‪1427-1352‬هـ ‪2006-1932/‬م)‬

‫‪23‬ـ فرع وزارة التجارة وال�صناعة ‪:‬‬


‫ت�أ�س ���س الفرع ع ��ام (‪1402‬ه� �ـ‪1982/‬م)‪ ،‬ومدير الفرع يف ع ��ام (‪1427‬هـ‪2006/‬م)‬
‫الأ�س ��تاذ �ص ��الح بن �س ��عيد الزهراين(‪ .)1‬وكان يعمل باملكت ��ب وقت زيارتن ��ا للمنطقة عام‬
‫(‪1427‬هـ‪2006/‬م) (‪ )14‬موظف ًا جميعهم �سعوديون‪ ،‬ومراتبهم ترتاوح من املرتبة الرابعة‬
‫�إىل العا�شرة‪ ،‬ومنهم اثنان فقط جامعيان‪ ،‬والباقون �شهاداتهم دون املرحلة اجلامعية (‪.)2‬‬
‫‪34‬ـ الغرفة التجارية ال�صناعية ‪:‬‬
‫�أن�شئت الغرفة يف مدينة الباحة عام ( ‪1403‬هـ‪1983/‬م)‪ ،‬وللغرفة فرعان يف حمافظتي‬
‫بلجر�ش ��ي واملخواة (‪ ،)3‬وت ��وىل �أمانة الغرفة منذ ت�أ�سي�س ��ها �إىل ع ��ام (‪1413‬هـ‪1993/‬م)‬
‫الأ�س ��تاذ �س ��عيد بن عثمان الغامدي‪ ،‬ثم تاله الأ�ستاذ يحيى بن مر�ضي ابن �صويلح من عام‬
‫(‪1413‬هـ ـ حتى الآن )(‪ ،)4‬ويقوم على الغرفة جمل�س �إدارة مكون من �س ��تة �أع�ض ��اء ورئي�س‬
‫يت ��م انتخاب بع�ض ��هم وتعي�ي�ن البع�ض الآخر ملدة �أربع �س ��نوات‪ ،‬ويقوم الأم�ي�ن العام للغرفة‬
‫مبتابع ��ة الأعم ��ال التنفيذية ‪ .‬ويوجد بالغرف ��ة عام (‪26‬ـ‪1427‬ه� �ـ‪2006/‬م) (‪ )33‬موظف ًا‪،‬‬
‫منهم ع�شرة يحملون �شهادات عليا‪ ،‬والباقون �شهاداتهم ثانوية وما دونها (‪.)5‬‬
‫(*) خال�صة القول ‪:‬‬
‫هذه الدرا�س ��ة مل تذكر تاريخ جميع امل�ؤ�س�س ��ات الإدارية يف منطقة الباحة ‪ ،‬الن بع�ض‬
‫مديري امل�ؤ�س�س ��ات مل برددا على تعميم الإمارة الذي �س ��بق الإ�شارة اليه يف مقدمة البحث‬
‫‪ ،‬وتاريخ امل�ؤ�س�س ��ات املذكورة ينتهي يف عام (‪1427‬هـ ‪2007 -‬م) ‪ ،‬وهو العام الذي ا�س ��تلم‬
‫فيه الباحث التقارير املذكورة يف هذا الدرا�س ��ة ‪ ،‬ومن عام (‪1427‬هـ ‪1440 -‬هـ ‪2007 /‬م‬
‫‪ )2019 -‬تو�س ��عت بع�ض الإدارات الرئي�س ��ية و�أ�ص ��بح لها فروع ًا عديدة يف عموم املنطقة ‪،‬‬
‫املالية للمكتب‪ ،‬وزيادة عدد الأندية الريا�ض ��ية باملنطقة‪ ،‬وعقد جل�س ��ات دورية لر�ؤ�س ��اء الأندية مع م�س� ��ؤويل مكتب‬
‫الرئا�سة بالباحة‪ ،‬ون�شر الوعي الثقايف ب�أهمية الأندية الريا�ضية ور�سالتها يف تنمية قدرات ميول ال�شباب ‪.‬‬
‫((( الأ�س ��تاذ �ص ��الح زودين مبعلومات حمدودة عن هذا الفرع‪ ،‬لكنها غري كافية‪ ،‬فلم يو�ضح الأعمال التي تقوم بها هذه‬
‫امل�ؤ�س�س ��ة‪ ،‬وما عالقتها مع امل�ؤ�س�س ��ات الإدارية العاملة يف جمال التجارة وال�ص ��ناعة ‪� .‬أ�صل و�صورة املعلومات التي‬
‫و�صلتنا �ضمن �أوراق الباحث ( ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( و�ص ��لنا تقرير من �أمني الغرفة يف الباحة الأ�س ��تاذ يحيى بن مر�ض ��ي �صويلح‪ ،‬ويوجد �أ�ص ��ل التقرير و�صورته �ضمن‬
‫�أوراق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ‪ ( .‬الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( الآن ‪� :‬أي عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر ‪ :‬تقرير �أمني الغرفة التجارية يحيى بن مر�ضي‪� ،‬أ�صل و�صورة هذا التقرر �ضمن �أوراق الباحث ( ابن جري�س‬
‫)‪ .‬وقد ورد يف التقرير بع�ض التو�ص ��يات مثل‪ :‬ال�س ��ماح للغرفة مبزاولة اال�ستثمار وتدعيم مواردها املالية‪ ،‬كما ذكر‬
‫�أن الرتاخي�ص النظامية ال�صادرة من �إدارة ال�سجل التجاري بلغت (‪ )8050‬ترخي�ص ًا‪ ،‬وهذا م�ؤ�شر على تدين هذا‬
‫العدد‪ ،‬والواجب املبادرة وت�شجيع من مل ي�سجل بالغرفة على الت�سجيل ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪142‬‬
‫ون�ش� ��أت �إدارات جدي ��دة مل تكن موج ��ودة يف الربع الأول من هذا الق ��رن (‪15‬هـ ‪20 /‬م) ‪،‬‬
‫و�أقول �أن تاريخ الإداري ملنطقة الباحة خالل الع�ص ��ر احلديث واملعا�ص ��ر من املو�ض ��وعات‬
‫املهمة واجلديدة ‪ ،‬وي�س ��تحق �أن يدر�س يف عدد من البحوث والكتب العلمية ‪ ،‬و�أمل �أن يقوم‬
‫�أحد امل�ؤرخني �أو الباحثني من بالد غامد وزهران فيدر�س هذا امليدان املهم واحليوي ‪.‬‬
‫‪143‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫الدراســــــة الرابعــــــة‬

‫�صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر‬


‫زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‪.‬‬
‫(*)‬
‫بقلم ‪:‬أ‪ .‬علي بن محمد بن سدران الزهراني‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (�أجزاء من تهامة وال�سراة ) ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(‪1439‬هـ ‪2017 ،‬م) ‪( -‬اجلزء الثاين ع�شر)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪133 - 99‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪144‬‬
‫الدرا�س��ة الرابع��ة‪� :‬ص��ور م��ن تاريخ وح�ض��ارة ب�لاد دو���س وغريها من‬
‫ع�ش��ائر زه��ران يف اجلاهلي��ة والإ�س�لام(‪ .)1‬بقل��م �أ‪ .‬علي ب��ن حممد بن‬
‫�سدران الزهراين(‪.)2‬‬
‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬ ‫م‬
‫‪144‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬متهيد‬
‫‪145‬‬ ‫ثاني ًا‪� :‬ص��ور م��ن تاري��خ وح�ض��ارة ع�ش�يرة دو���س وغريها من ع�ش��ائر‬
‫زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬
‫‪175‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬اخلال�صة‬

‫�أو ًال‪ :‬متهيد‪:‬‬


‫�أوطان زهران �إحدى �أجزاء بالد ال�س ��راة وتهامة ‪ ،‬وتقع �إىل ال�ش ��مال من قبائل غامد‬
‫وبن ��ي عمر‪ .‬و�س ��كانها هم �أزد ال�س ��راة الذين تعود �أ�ص ��ولهم �إىل بالد اليم ��ن‪ .‬ولهذه الديار‬
‫تواريخ �سيا�س ��ية وح�ض ��ارية متنوعة‪ ،‬ومن �أ�ش ��هر و�أقدم قبائلها ع�ش�ي�رة دو�س التي ينت�سب‬
‫�إليها عدد من ال�صحابة (ر�ضوان اهلل عليهم )�أمثال الطفيل بن عمرو الدو�سي‪ ،‬و�أبو هريرة‬
‫(ر�ضي اهلل عنهما ) ‪ .‬وهذه الدرا�سة التي بني �أيدينا لأحد �أبناء زهران ‪� ،‬إنه علي بن �سدران‬
‫الزه ��راين الذي كتب �ص ��فحات من تاريخ ه ��ذه البالد يف عدد من الكت ��ب والبحوث ‪ ،‬ومن‬
‫�ضمنها هذا البحث الذي يحتوي على �صفحات من تاريخ قبيلة دو�س يف اجلاهلية والإ�سالم‪،‬‬
‫وال تخلو الدرا�س ��ة �أي�ض� � ًا من �ص ��ور تاريخية �أخرى عن بع�ض الأمكنة والع�ش ��ائر الزهرانية‬
‫الأخرى ‪ .‬ونقول ل�صاحب البحث( ابن �سدران) �شكر اهلل له فلقد فتح �أبواب ًا عديدة تدور يف‬
‫فلك ح�ض ��ارة وتاريخ �أر�ض و�س ��كان زهران‪ .‬ون�أمل منه �أو من �أي باحث جمتهد �أن ي�ضاعفوا‬
‫اجلهود لدرا�س ��ة �سروات وتهامة زهران التي مت ا�ستيطانها منذ �آالف ال�سنني ‪ ،‬وهي جديرة‬
‫�أن تدر�س وي�صدر عنها ع�شرات الدرا�سات املتنوعة يف مو�ضوعاتها و�أهدافها (‪. )3‬‬

‫((( العنوان الذي �أر�سل لنا �صاحب البحث هو ‪ :‬قبيلة دو�س �أول قبيلة من زهران �ش ُرفت بالإ�سالم ‪ .‬وبعد قراءة الدرا�سة‬
‫كامل ��ة مت تعديل العنوان ال�س ��ابق �إىل ه ��ذا العنوان املذكور �أعاله ‪ ،‬وذلك من �أجل تواف ��ق العنوان مع املادة العلمية‪.‬‬
‫(ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( اب ��ن �س ��دران من م�ؤرخي بالد زهران وغامد ‪ ،‬وله عدد من الكت ��ب والبحوث املطبوعة ‪ .‬للمزيد عن ترجمته انظر‪.‬‬
‫غيثان بن جري�س ‪ .‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ .‬الأجزاء اخلام�س ‪� ،‬ص ‪ ،269‬وال�س ��ابع �ص‪189‬ـ ‪ ،253‬والثامن‪،‬‬
‫�ص ‪159‬ـ ‪،210‬والعا�شر‪� ،‬ص ‪121‬ـ ‪ ( .171‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( نعم منطقة الباحة ( غامد ‪ ،‬وزهران ‪ ،‬وبني عمر) من البالد التي مل تخدم بحثي ًا وبخا�صة يف ميادين التاريخ والآثار واللغة‬
‫والأدب وعلم االجتماع وغريها من العلوم الإن�سانية ‪ .‬ون�أمل �أن تقوم جامعة الباحة بواجبها فت�سخر مراكز البحوث‬
‫والباحثني لدرا�سة هذه البالد العريقة يف تاريخها وح�ضارتها و�أجماد رجالها عرب �أطوار التاريخ‪ ( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫‪145‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫ثاني ًا ‪� :‬ص��ور من تاريخ وح�ضارة ع�شرية دو�س وغريها من ع�شائر زهران‬


‫يف اجلاهلية والإ�سالم ‪.‬‬
‫ي�سر‪.‬‬ ‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف الأنبياء واملر�سلني ‪ ،‬رب ّ‬
‫قبائل زهران العظام ‪ ،‬تنت�سب �إىل عدثان بن عبد اهلل بن زهران بن كعب‬ ‫دو�س هي �إحدى َ‬
‫بن احلارث بن عبداهلل بن مالك بن ن�ص ��ر بن الأزد بن الغوث ‪ ،‬واملعروف يف ال�س ��ابق منها‬
‫قبيلتان هما منهب بن دو�س بن عدثان بن عبداهلل بن زهران بن كعب ‪ ،‬وفهم بن غنم بن‬
‫دو�س بن عدثان بن عبد اهلل بن زهران ‪ .‬وتدخل يف الأخرية قبيلة ‪ :‬بني الطفيل (بالطفيل)‬
‫رهط الطفيل بن عمرو الدو�سي ر�ضي اهلل عنه ‪ ،‬لأنهم يعودون �إىل قبيلة ُ�سليم بن فهم بن‬
‫َغ ْنم بن دو�س ‪ .‬والقبيلة الثانية هي ‪ :‬فهم بن غنم بن دو�س‪ ،‬وبقية ن�سبها كما ورد يف ن�سب‬
‫قبيلة بني منهب ‪ ،‬ومنهم ال�ص ��حابي اجلليل ‪� :‬أبو هريرة ر�ض ��ي اهلل عنه ‪ .‬وي�ؤخذ من ن�سب‬
‫هاتني القبيلتني �أن منهب بن دو�س ‪ ،‬هو عم فهم بن َغ ْنم بن دو�س(‪. )1‬‬
‫�أما يف هذا الع�ص ��ر فتنق�س ��م دو�س �إىل خم�س قبائل هي ‪ :‬دو�س بني فهم ‪ ،‬ودو�س بني‬
‫منه ��ب ‪ ،‬ودو� ��س بني علي‪ ،‬ودو�س �آل ع َّيا�ش ‪ ،‬ودو�س بالطفيل ‪ ،‬وكل قبيلة معروفة ب�ش ��يخها‬
‫وديارها ‪.‬وا�س ��مها م�شتق من الدو�س كما قال ابن دريد الأزدي يف كتابه اال�شتقاق‪ :‬الدو�س‪:‬‬
‫دو�سا ‪ ،‬وكل �شيء وطئته فقد د�سته‪ ،‬والذي يدا�س به مدو�س ‪ ،‬واملدو�س‬ ‫م�صدر دا�سه يدو�سه ً‬
‫(‪)2‬‬
‫ما ي�سن به ال�صيقل ال�سيف‪ ،‬وهو قول ال�شاعر ‪:‬‬
‫ق����ي����ون ب����امل����ـ����داو�����س ن�������ص���ف ���ش��ه��ر‬ ‫و�أب�����ي�����������ض ك����ال����غ����ـ����دي����ر ث�����ـ�����وى ع��ل��ي��ه‬
‫وجاء يف كتاب "الزاهر يف معاين كلمات النا�س" قال �أبو بكر ‪ :‬الدو�س ‪ :‬ت�سوية احلديقة‬
‫َ‬
‫ال�سيف‬ ‫وجال�ؤه ‪ .‬يقال ‪ :‬دا�س ال�صيقل‬ ‫وتزيينها وهو م�أخوذ من ديا�س ال�سيف ‪ ،‬وهو �صق ُل ُه ِ‬
‫(‪)3‬‬
‫يا�سا ‪� :‬إذا �صقله وجاله ‪ .‬قال ال�شاعر ‪:‬‬ ‫يدو�س ُه َد ْو ً�سا و ِد ً‬ ‫ُ‬
‫�ير جائع‬ ‫���ول ال�� ِّدي��ا���س وب��ط ُ��ن ط ٍ‬ ‫ط ُ‬ ‫����ص���ايف احل�����دي�����د ِة ق����د �أَ� َ�����ض����� َّر ب�����ص��ق�� ِل�� ِه‬
‫ويقال للحجر الذي ُيجلى به ال�سيف ‪ِ :‬م ْد َو�س ‪� .‬أن�شد �أبو العبا�س لأبي ذ�ؤيب الهذيل(‪:)4‬‬
‫�����ف �إال �أن���������ه ه������و �أَ� ْ�����ض�����ل�����ع‬
‫ب�����ال�����ك ِّ‬ ‫وك���������أمن��������ا ه�������و مِ ������������ ْد َو� ٌ������������س م����ت����ق���� ِّل ٌ‬
‫����ب‬
‫وحا�س ُهم‬
‫فجا�س ُهم َ‬ ‫وجاء يف معجم "ل�سان العرب" ُي َق ُال ‪َ :‬نزَ َل العد ُّو ِب َب ِني ُفلاَ ٍن فيِ الخْ َ ْي ِل َ‬

‫يا �أ�ستاذ علي �أ�شكرك على هذا الطرح ‪ ،‬و�أرجو �أن تزودنا بقراءات مطولة وعميقة يف تاريخ وح�ضارة و�أن�ساب بالد غامد‬ ‫(((‬
‫وزهران ‪ ( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫مي ( ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫العباب ‪ . )110( :‬وال�شاعر هو ‪� :‬أبو �أ�سامة معاوية بن ُزهَ يرْ ا ُ‬
‫جل َ�ش ُّ‬ ‫(((‬
‫كتاب ‪:‬الفاخر ‪ 57‬بالد عزو ( ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫ديوانه ‪( 6:‬ابن �سدران )‪.‬‬ ‫(((‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪146‬‬
‫اث ِف ِيه ْم ‪ .‬وقال اخلليل بن �أحمد الفراهيدي الزهراين‬ ‫ودا�سهم �إِذا َق َت َل ُه ْم َوت ََخ َّل َل ِد َيا َرهُ ْم َو َع َ‬
‫َ‬
‫‪ ،‬يف كت ��اب "الع�ي�ن" ‪ :‬وال َّد ْو� � ُ�س ‪ :‬الدِّ يا�س ‪ ،‬والبقر الت ��ي َتدُو�س ال ُك ْد�س ه ��ي ‪ :‬ال َّدوائ�س ‪..‬‬
‫دا�س به ال ُك ْد�س ُي َج ُّر عليه َج ًّرا ‪ .‬واجلميع َمدا ِو�س ‪ .‬وامل ِْد َو ُ�س ‪َ :‬خ َ�شب ٌة ُي َ�ش ُّد‬ ‫وامل ِْد َو�س ‪ :‬ال ّذي ُي ُ‬
‫ال�س ْي َف حتّى َي ْج ُل َو ُه‪ ،‬وجمعه َمداو�س ‪ ،‬والدو�س ‪� :‬شدة الوطء‬ ‫ال�ص ْيق ُل َّ‬ ‫دو�س بها َّ‬ ‫عليها ِم َ�سنٌّ َي ُ‬
‫خل ْي ُل‬‫ُو�س ‪ .‬وا َ‬ ‫ِبالأق ��دام حتّى يتفتَّت م ��ا وطئ ‪ .‬ويف كتاب "تهذيب اللغة" ُي َق ��ال ‪َ :‬ط ِري ٌق َمد ٌ‬
‫احل ِ�ص ِيد ُف�أ ْهمِ دُوا(‪َ )1‬و َق َال‬ ‫فدا�سوهُ م َد ْو�س َ‬ ‫و�س ال َقتْلى بحوا ِف ِرها ‪�ِ :‬إذا وط َئتْهم ‪َ .‬و�أ ْن�شد ‪ُ :‬‬ ‫ت َْد ُ‬
‫ي�سة ‪� :‬أَي ‪� :‬شجا ٌع َ�ش ِديد َيدُو�س ك َّل َمنْ نا َز َله ‪ .‬وورد يف قامو�س‬ ‫ي�س من الدِّ َ‬ ‫�أَ ُبو زيد ‪ :‬فال ٌن ِد ٌ‬
‫ا�سا وكل‬ ‫ُو�س َها َد ْو ً�سا َو ِد َي ً‬ ‫"امل�صباح املنري يف غريب ال�شرح الكبري" َد َ‬
‫ا�س ال َّر ُج ُل الحْ ِ ْن َط َة َيد ُ‬
‫وال�صالبة ‪ .‬وتقع دو�س يف اجلزء ال�شمايل الغربي‬ ‫ما ورد ال تخرج عن معاين ال�شدة والقوة ّ‬
‫من �س ��راة زهران وتهامتها ‪ ،‬لقول �أبي الفداء بعد �أن ذكر القبائل النازحـة عن م�أرب ومن‬
‫بينها دو�س ‪ :‬و�سكنت بنو دو�س �إحدى ال�سروات املطلة على تهامة وكانت لهم دولـة ب�أطراف‬
‫العراق ‪ ،‬و�أول من ملك منهم ‪ :‬مالك بن فهم بن غنم بن دو�س(‪. )2‬‬
‫ودو� ��س معروفة بهذا اال�س ��م من ��ذ �أن كانت �ض ��من قبائل زهران الأخ ��رى يف موطنها‬
‫الأ�ص ��لي ب�س ��ب�أ حول �سد م�أرب ال�شهري ‪ ،‬لقول ال�شيخ حمد اجلا�سر ‪ ،‬نقال من كتاب ال�سرية‬
‫لدغفل‪ :‬و�س ��ارت �أوالد دو�س ابن زهران بن ن�ص ��ر بن الأزد يف �أهاليه ��م �إىل �أر�ض تهامة ‪،‬‬
‫فج ��اوروا �أوالد معد بن عدنان فيها(‪ .)3‬ولذا فقد ظن بع�ض امل�ؤرخني �أنها قبيلة م�س ��تقلة ال‬
‫ن�سب بزهران ‪ ،‬وال�صحيح �أنها �إحدى قبائل زهران النازحة من �أر�ض �سب�أ ‪ ،‬ولكن‬ ‫يربطها ٌ‬
‫ل�ش ��هرتها يف الإ�سالم وكرثة امل�س ��لمني من هذه القبيلة الزهرانية يف �أول الإ�سالم �أكرث من‬
‫غريه ��ا م ��ن قبائل زهران الأخ ��رى فكان الرجل منه ��م �إذا قيل له مم ��ن الرجل قال ‪ :‬من‬
‫دو�س ‪ .‬مما جعل بع�ض الن�سابني يعتقد �أنها لي�ست من زهران ‪ .‬ويورد ال�شيخ حمد اجلا�سر‬
‫رحمه اهلل يف �سبب ا�شتهارها �آنذاك عن جدها زهران عدة �أمور نوجزها فيما يلي(‪)1()4‬‬
‫�س ��كناهم يف قمة ال�س ��راة ‪ ،‬مما جعل بالدهم ح�ص ��ينة ‪� ،‬أك�س ��بتهم قوة ومتا�سكا ‪ ،‬وبقاء ‪.‬‬
‫(‪ )2‬انت�ش ��ار �أفرادها خارج بالدهـا ‪ ،‬حيث انتق ��ل منهم �أنا�س �إىل عمـان والعراق ‪ ،‬فكونوا‬
‫�إمارتني يف تلك البالد(‪ )3( .)5‬م�سارعة رجالها �إىل الإ�سالم ‪ ،‬وبرو ُز كثري منهم يف جانب‬
‫تهذيب اللغة ‪ ، 31/13:‬ول�سان العرب ‪ 90/6 :‬بالد عزو ‪( .‬ابن �سدران )‪.‬‬ ‫(((‬
‫يا �أ�ستاذ بن �سدران مازال هناك قبائل �أزدية زهرانية وغامدية لها تاريخ عريق ومذكور يف كتب الرتاث الإ�سالمي‬ ‫(((‬
‫‪ ،‬ونرجو �أن تتوىل هذه الع�شائر �أو القبائل بالدرا�سة والتوثيق والتحليل ‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫يف �سراة غامد وزهران ‪ ( .223 .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫يف �سراة غامد وزهران ‪( .226 :‬ابن �سدران )‪.‬‬ ‫(((‬
‫احلقيقة �أنها ثالث �إمارات ‪.‬الأوىل يف ُعمان برئا�سة مالك بن فهم الدو�سي‪ ،‬والثانية والثالثة برئا�سة ابنيه ‪ ،‬واحدة‬ ‫(((‬
‫يف احلرية برئا�سة ابنه جذمية بن مالك املعروف بالأبر�ش‪ ،‬والأخرى يف مكران من �أر�ض فار�س برئا�سة ابنه �سليمة‬
‫بن مالك‪(.‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫‪147‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫من جوانب املعرفة الإ�سالمية‪� )4( )1( .‬إخال�ص كثري من رجالها و�صدقهم يف تلقي الدعوة‬
‫الإ�سالمية ‪ .‬وما قاله ال�شيخ يعد حقيقة واقعة يف حق �أفراد هذه القبيلة الدو�سية ‪ ،‬و�أحب �أن‬
‫نقاطا �أخرى ‪� ،‬أراها من وجهة نظري متممة لتلك الأ�سباب الداعية �إىل �شهرة ذلك‬ ‫�أ�ضيف ً‬
‫الفرع الدو�س ��ي وغلبته على �أ�ص ��له "زهران"‪ ،‬وعلى غريه من فروع زهران الأخرى ف�أقول ‪:‬‬
‫(�أ) �إن من يتتب ُع �أ�س ��ماء القبائل العربية املهاجـرة من �أر�ض �س ��ب�أ‪ ،‬يجد �أن بع�ض امل�ؤرخني‬
‫وبع�ضا من بطون زهران الأخـرى من بني تلك القبائل املهاجـرة التي كانت حول‬ ‫دو�س ��ا ً‬
‫عد ً‬
‫ال�س ��د ‪ ،‬وهذا يعني �أن هذه البطون التي تفرعت عن زهـران كانت معروفة مب�س ��مياتها تلك‬
‫ومل ��ا تزل يف مواطنها الأ�ص ��لية ب�س ��ب�أ ‪ ،‬ومن بينها قبيلة دو�س ‪ ،‬وح�ي�ن انتقلت �إىل مواطنها‬
‫وعمـان ‪ ،‬والعـراق ‪ ،‬ظلت حمتفظة مب�سمياتها التي عرفت بها من قبل‬ ‫اجلديدة يف ال�سراة ‪ُ ،‬‬
‫‪ ،‬ف�ش ��هرت بها وا�س ��تغنى رجالها ومن نزح معهم من قبائل زهران الأخرى بتلك امل�سميات‬
‫عن غريهـا ‪(.‬ب) وهناك حقيقة �أخرى وهي �أن �أكرث رجـال زهران امل�ش ��هورين يف الع�صر‬
‫اجلاهلي و�ص ��در الإ�س�ل�ام �إمنا كانوا من هذه القبيلة الدو�س ��ية ‪ .‬من �أمثال‪ :‬الطفيل و�أبي‬
‫هريرة ر�ض ��ي اهلل عنهما ‪ .‬ويف الع�ص ��ر اجلاهل ��ي �أمثال ‪ :‬مالك بن فهم الدو�س ��ي ‪ ،‬حاكم‬
‫ُع َمان‪ ،‬وابنه جذمية الأبر�ش ‪ ،‬حاكم احلرية ب�أر�ض العراق ‪ ،‬وعمرو بن حممة حكيم العرب‬
‫وغريه ��م ‪( .‬ج) كان ��ت دو�س يف العهد اجلـاهلي مركزًا من مراكز العبـادة الوثنية املعروفة‬
‫لدى عرب اجلزيرة ‪ ،‬فاك�سبها ذلك �شهرة وا�سعة ‪.‬‬
‫ويزع ��م ال َّن َّ�س ��ابون �أنه ��م من ولد عدوان بن عم ��رو بن قي�س عيالن بن م�ض ��ر(‪ .)2‬و�أن‬
‫ليل ��ى بنت الظ ��رب (�أخت عمرو بن الظ ��رب العدواين) ه ��ي �أم دو�س ب ��ن عدثان(‪.)3‬لكن‬
‫لي�س هذا ب�ص ��حيح ‪ ،‬لأن ن�س ��ب قبيل ِة دو�س كما ورد عند ُق َد َامى الن�س ��ابني يت�ص ��ل بيعرب‬
‫ب ��ن قحط ��ان ‪ ،‬ج ّد القبائ ��ل اليمني ��ة ‪ ،‬وال ميت �إىل العدنانيني ب�ص ��لة ‪ .‬فن�س ��بها املت�ص ��ل‬
‫بيع ��رب ب ��ن قحط ��ان كالت ��ايل‪ :‬دو� ��س ب ��ن عدثان ب ��ن عب ��د اهلل بن زه ��ران ب ��ن كعب بن‬
‫احل ��ارث ب ��ن كعب ب ��ن عبداهلل بن مالك بن ن�ص ��ر ب ��ن الأزد بن الغوث بن نب ��ت بن مالك‬
‫ب ��ن كه�ل�ان بن �س ��ب�أ بن ي�ش ��جب بن يع ��رب بن قحط ��ان(‪ .)4‬وي�ش�ت�ركون هم وبقي ��ة قبائل‬
‫زه ��ران الأخ ��رى ‪ ،‬وك ��ذاك قبائ ��ل الأزد يف هذا الن�س ��ب اليعرب ��ي(‪� .)5‬أما كيف ا�س ��تقرت‬

‫هناك ع�ش ��رات الرجال الذين خرجوا من ع�ش�ي�رة دو�س ومن غريها من قبائل تهامة وال�س ��راة ‪ ،‬ف�أبلوا بال ًء ح�سن ًا‬ ‫(((‬
‫يف الفتوحات الإ�سالمية ‪ ،‬ويف بناء احل�ضارة الإ�سالمي ‪ ،‬ون�أمل �أن يتوىل هذا اجلانب �أحد الباحثني اجلادين فيكون‬
‫عنوان ًا لر�سالة ماج�ستري �أو دكتوراه يف �أق�سام التاريخ يف اململكة العربية ال�سعودية‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫جمهرة �أن�ساب العرب البن حزم (‪( .)243/1‬ابن �سدران )‪.‬‬ ‫(((‬
‫املزهر يف علوم اللغة و�أنواعها (‪( .)433/2‬ابن �سدران )‪.‬‬ ‫(((‬
‫املناقب املزيدية يف �أخبار امللوك الأ�سدية (‪( .)271/1‬ابن �سدران )‪.‬‬ ‫(((‬
‫يا ابن �سدران �إن ع�شائر ال�سروات وتهامة املمتدة من اليمن �إىل احلجاز حتتاج �إىل درا�سات علمية موثقة لي�س يف الأن�ساب‬ ‫(((‬
‫فقط و�إمنا يف ميادين عدة وبخا�صة يف الع�صور ال�سابقة للإ�سالم ‪ ،‬والقرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‪ ( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪148‬‬
‫دو� ��س على هذا اجلزء ال�س ��روي من �س ��راة زهران ‪ ،‬فيذك ��ر لنا امل�ؤرخ ��ون �أن قبائل الأزد‬
‫ومنها قبيلة زهران هاجرت من �أر�ض �س ��ب�أ باليمن ‪ ،‬قبيل انهيار �س ��د م�أرب وذلك يف عام‬
‫(‪ )115‬قب ��ل املي�ل�اد ‪ ،‬و�س ��ارت بجموعه ��ا حتى و�ص ��لت �أر�ض تهام ��ة فا�س ��تقرت بها ‪ ،‬وملا‬
‫تالحق ��ت الأزد �ض ��اقت بهم تلك الأر� ��ض ‪ ،‬فاتفقت قبيلة بني بجيلة "بن ��ي مالك" مع بني‬
‫احلارث بن عبد اهلل بن ي�شكر بن مب�شر بن ال�صعب بن دهمان بن ن�صر بن زهـران‪ .‬وهم‬
‫الغطاريف على �إجالء قبيلة خثعم عن جزء من �أر�ض ال�سراة‪ْ � ،‬إذ كانت �أغلب �أر�ض ال�سراة‬
‫�آن ��ذاك لقبيلة خثعم فاتفقت الغطاري ��ف وقبيلة بجيلة (بني مالك حال ًّيا) على اال�س ��تعانة‬
‫بقبائ ��ل الأزد القاطن ��ة يف اجلزء التهامي لدحر قبيبلة خثع ��م عن جزء من ديارها على �أن‬
‫ُت ْ�س � ِ�كن قبائل الأزد يف تلك الأج ��زاء بعد حتريرها ‪ ،‬وملا متكنت الغطاريف وبجيلة و�س ��ائر‬
‫قبائ ��ل الأزد م ��ن هزمية خثعم ‪� ،‬أ�س ��كنت الغطاري ��ف قبائل زهران القادم ��ة من تهامة يف‬
‫نواحي �س ��راة زهران ‪ ،‬ف�س ��كنت دو�س يف ال�ش ��مال الغربي من �س ��راة زهران ‪ ،‬فيما يعرف‬
‫ب�سراة دو�س ‪ ،‬ومن قبائلهم يف هذا الوقت ‪ :‬بنو منهب ‪ ،‬وبنو فهم ‪ ،‬وبنو علي‪ ،‬وبنو الطفيل‬
‫(وبالطفيل) و�آل َع َّيا�ش ‪ ،‬و�س ��كنت بنو �أو�س (بنو يو�س) اجلزء اجلنوبي من �س ��راة زهران‬ ‫ُّ‬
‫فيم ��ا ُيعرف ب�س ��راة النمر بن عثمان ‪ ،‬ومن قبائلهم حال ًّيا ‪" :‬بن ��و كنانة ‪ ،‬وباخلزمر ‪ ،‬وبنو‬
‫ح�س ��ن ‪ ،‬وبي�ض ��ان وبنو عامر"‪ .‬و�سكنت بنو �سالمان �شرقي قبيلة دو�س و�شمايل قبيلة بني‬
‫�أو� ��س فيم ��ا ُيعرف حال ًّيا بديار بني ُع َمر‪ ،‬ومن القبائل التي �س ��كنت ديار بني �س�ل�امان من‬
‫بعده ��م‪ :‬بنو َع � ْ�د َوان ‪ ،‬وبنو ُح َر ْير ‪ ،‬و ُق َر ْي� ��ش ‪ ،‬وبنو ُج ْندُب ‪ ،‬وبنو َب ِ�ش�ْي�ررْ ‪ .‬فكانت الغطاريف‬
‫لها ال�س ��يادة على بقية قبائل زهران ‪ ،‬لأنها هي التي �أ�س ��كنتهم تلك البالد‪ ،‬لقول الأ�ص ��فهاين‬
‫يف كتابه الأغاين(‪�" :)1‬إن احلارث بن عبد اهلل بن بكر بن ي�ش ��كر بن مب�ش ��ر ابن ال�ص ��عب بن‬
‫دهمان بن ن�صر بن زهـران ‪ ،‬كان ي�أخذ من جميع الأزد �إذا غنموا الربع‪ ،‬لأن الريا�سة يف الأزد‬
‫كانت لقومه‪ ،‬وكان يقال لهم الغطاريف ‪ ،‬وهم �أ�سكنوا الأ�سد (الأزد) بلد ال�سراة "‪ .‬ومل يبطل‬
‫تل ��ك الإتاوة �إال عم حاجز بن عوف ال�س�ل�اماين الزهراين ‪ ،‬من قبيلة �س�ل�امان بن مفرج بن‬
‫مالك بن زهران‪ ،‬ا�س ��مه مالك بن ذهل ابن مالك بن �س�ل�امان‪ ،‬كان فار�س ��ا مهيبا وهو الذي‬
‫�أبطل عادة املرباع التي كانت عليهم لبني عمهم الغطاريف‪ ،‬فلقد غزت بنو فقيم بن عدي بن‬
‫الديل بن بكر بن عبد مناف بن كنانة‪ ،‬الغطاريف فظفرت بهم‪ ،‬فا�س ��تغاثوا ببني �س�ل�امان ‪،‬‬
‫ف�أغاثوهم حتى هزموا بني فقيم و�أخذوا منهم الغنائم و�سلبوهم‪ ،‬ف�أراد احلارث الغطريفي ‪،‬‬
‫�أن ي�أخذ ربع الغنيمة كما كان يفعل يف ال�سابق ‪ ،‬فمنعه مالك بن ذهل ال�سالماين ‪ ،‬من ذلك ‪،‬‬
‫ويف ذلك يقول حاجز يف �أبيات له(‪:")2‬‬
‫((( الأغاين ‪( .213 ،212/13 :‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( انظر ‪ :‬الأغاين ‪�. 213/13 :‬أكرر القول هذا الكالم الذي �أوردته ذكرته بع�ض كتب التاريخ والأدب ‪ ،‬وهي من امل�صادر‬
‫الرئي�سية يف درا�سة التاريخ ‪ ،‬لكن مازلنا بحاجة �إىل معرفة كتب الن�سب يف هذه الأقوال‪ (.‬ابن جري�س )‪.‬‬
‫‪149‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫وع����م����ي م����ال����ك و�����ض����ع ال�����س��ه��ام��ا‬ ‫�أب�������������ي رب����������ع ال��������ف��������وار���������س ي����������وم داج‬


‫وعن حرب قبائل الأزد قبيلة خثعم وزحزحتها عن هذه الديار ‪ ،‬يقول ياقوت احلموي‬
‫يف معجمه (‪" : )319/1‬و�أقامت خثعم بن �أمنار يف منازلهم من جبال ال�س ��راة وما واالها‬
‫جبل يقال له ‪� :‬ش ��ن وجبل يقال له ‪ :‬بارق وجبـال معهما ‪ ،‬حتى مرت بهم الأزد يف م�س�ي�رها‬
‫من �أر�ض �س ��ب�أ وتفرقه ��ا يف البـالد ‪ ،‬فقاتلوا خثعما ف�أنزلوهم م ��ن جبالهم ‪ ،‬و�أجلوهم عن‬
‫منازلهم ‪ ،‬ونزلتها �أزد �شنوءة ‪ :‬غامد وبارق ودو�س وتلك القبائل من الأزد ‪ ،‬فظهر الإ�سالم‬
‫وهم �أهلها و�س ��كانها"‪ .‬هذا فيما يخ�ص قبائل زهران التي يف ال�س ��راة ‪� ،‬أ ّما التي يف تهامة‬
‫فال تخرج عن �أ�صل قبائل �سراة زهران املار ذكرها ‪ ،‬حيث �آثروا البقاء يف تهامة بعد طلوع‬
‫ال�ش ْغ َبان ‪ ،‬وقبيلة بالمْ ُ َف َّ�ضل ‪ ،‬وقبيلة‬ ‫غالبيتهم �إىل �أر�ض ال�سراة كما ر�أينا �ساب ًقا وهي ‪ :‬قبيلة ُّ‬
‫�أوالد �س ��عدي ‪ ،‬وقبيلة �آل عبد احلميد ‪ ،‬وقبيلة �أحالف بال َّل ْ�س� � َود ‪ ،‬وقبيلة �آل �س ��عد ‪ ،‬وقبيلة‬
‫الجْ ُ �َّب�رَّ ‪ ،‬وقبيلة �أحالف َد ْو َقة ‪ ،‬ويندرج حتت هذه امل�س ��ميات قبائل �أخرى ‪ ،‬بالإ�ض ��افة �إىل‬
‫جمموع ��ة قبائل تتبع �إمارة منطقة مكة املكرمة ‪ .‬وكان لقبائل زهران ميناء بحري يف قرية‬
‫دوقة الواقعة على البحر الأحمر ‪ ،‬ذكر ذلك الأ�س ��تاذ ‪ :‬علي ال�س ��لوك‪ ،‬نق ًال عن ال�شيخ عبد‬
‫املجي ��د بن را�ش ��د بن رقو� ��ش ‪ ،‬رحمهما اهلل ‪ ،‬حيث قال له ‪� :‬إن ابن عائ�ض ‪ ،‬حاكم ع�س�ي�ر‬
‫�ساب ًقا كلف غامد وزهران ب�شراء �سفينتني ‪ ،‬وقد قاما ب�شراء �سفينتني مببلغ �أربعمائة ريال‬
‫وربع وثمن ! وقد �أبحرتا من ميناء دوقة(‪ .)1‬وقد تقابلت �أثناء زيارتي لدوقة ‪ ،‬يف �صيف عام‬
‫(‪1414‬هـ) ‪ ،‬مع �أحد �أبنائها الطـاعنني يف ال�س ��ن‪ ،‬وهو �إمام �أحد امل�س ��اجد يف دوقة ‪ ،‬فذكر‬
‫يل �أنه كانت توجد بالفعل ُف ْر َ�ضة يف عهد امللك عبد العزيز �آل �سعود و�أن الآمر عليها �آنذاك‬
‫�أح ��د �أبن ��اء دوقة ‪ ،‬و ُيدعى ‪� :‬ص ��الح بن عبد اهلل ب ��ن زيلع الزهراين ‪ .‬ويحدثن ��ا التاريخ �أن‬
‫حكامهم كانوا من �أنف�سهم حيث حكمهم يف العهد اجلاهلي �أُ َ�سر من قبيلة الغطاريف‪ ،‬بعد‬
‫ا�س ��تقرارهم على �أر�ض ال�س ��راة ‪ ،‬ومالك بن فهم الدو�س ��ي ‪ ،‬قبل رحيله �إىل ُع َمان ‪ ،‬ثم من‬
‫بعده �آل ُح َم َمة ‪ ،‬وقد عرفنا منهم ‪ :‬حممة بن احلارث ‪ ،‬وابنه عمرو بن حممة ‪ ،‬الذي بلغ من‬
‫العمر قرابة �أربعمائة �سنة (‪ ،)2‬وهو القائل لدو�س بعد تر�ؤ�سه عليهم " يا مع�شر دو�س ؛ لقد‬
‫ك َّلفتم ��وين ِث ْق�ل ً�ا ‪� ،‬إن القلب يخلق كما يخلق البدن ‪َ ،‬ومن لكم ب�أخيكم �إنْ كنتم �س� � َّودمتوين‬
‫ف� ��إين �ألنتُ لكم جانب ��ي ‪ ،‬وخ َّففْت عليكم مئونتي وحت َّملت مئونتك ��م(‪ "..)3‬ثم انتقل احلكم‬

‫((( املعجم اجلغرايف لبالد غامد وزهران ‪ .102 :‬يا علي ذكرت يف هذه ال�سطور عدة موا�ضيع مثل �صالت قبائل ال�سراة‬
‫بفروعها يف تهامة وبخا�صة التي تقع عند �سفوح جبال ال�سروات الغربية‪ .‬وكذلك �أهمية البحر الأحمر وبع�ض موانئه‬
‫التي تخدم �س ��كان ال�س ��راة وتهامة ‪ .‬وللأ�س ��ف �إن هذه امليادي ��ن مل تخدم بحثي ًا ‪ ،‬ون�أمل م ��ن امل�ؤرخني اجلادين من‬
‫يتوالها بالدرا�سة والتحليل‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( هذا قول مبالغ فيه ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( لطائف الأخبار وتذكرة الأب�صار ‪ (45 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪150‬‬
‫قبيل الإ�س�ل�ام �إىل �أبي �أزيهر الغطريفي ‪ ،‬وبعد ذلك �إىل �س ��عد ابن �أبي ُذباب وقيل ذئاب ‪،‬‬
‫والطفيل بن عمرو الدو�س ��يني ر�ض ��ي اهلل عنهما ‪ ،‬وملا جاء الإ�س�ل�ام جدد ر�سول اهلل ﷺ ‪،‬‬
‫الإمرة ل�س ��عد بن �أبي ذباب الدو�س ��ي ‪ ،‬على دو�س وا�س ��تمر يف �إدارة دفة حكم القبيلة حتى‬
‫خالفة عمر بن اخلطاب ر�ض ��ي اهلل عنه ‪� ،‬أما الطفيل بن عمرو الدو�س ��ي ر�ض ��ي اهلل عنه ‪،‬‬
‫فقد �آ َثر اجلهاد يف �سبيل اهلل على امل�شيخة فالتحق بجيو�ش امل�سلمني جماهدً ا يف �سبيل اهلل‬
‫مع ر�سول اهلل ﷺ‪� ،‬إىل �أن ا�ست�شهد يف يوم اليمامة ‪ ،‬يف عهد �أبي بكر ال�صديق ‪ .‬ر�ضي اهلل‬
‫عنه ‪� ،‬أما يف الع�ص ��ر الأموي ‪ ،‬فـال نعلم عن والة دو�س �أو قبائل زهران الأخرى �ش ��ي ًئا ‪ ،‬غري‬
‫�أنه من امل�ؤكد �أنها كانت تتبع �إمارة الطائف‪ ،‬كبقية قبائل الأزد اجلنوبية ‪ .‬ويف عهد املهدي‬
‫العبا�س ��ي ‪ ،‬عني عبدالرحمن بن عبد اهلل بن النعمان الدو�س ��ي على �إمرة ال�سراة(‪ ،)1‬فقتل‬
‫بعد عام ت�سعة و�ستني ومائة يف معركة مع �أحد �أمراء ع�سري وا�سمه علي بن حممد(‪ .)2‬ومنذ‬
‫�أوا�س ��ط القرن الثالث الهجري‪� ،‬س ��رى ال�ضعف يدب يف ج�سم الدولة العبا�سية ‪ ،‬مما �أطمع‬
‫فيها الوالة واحلكام‪ ،‬ف�ص ��اروا ي�س ��تقلون باحلكم مـع احتفاظهم ب�س ��يادة ا�س ��مية للخليفة‬
‫القابع يف ق�ص ��ره القانع مبا ير�سل �إليه‪ ،‬فكانت زهران كبقية القبائل العربية الأخرى التي‬
‫انف�ص ��لت عن ال�س ��لطة احلاكمة يف بغداد ‪ ،‬تحُ كم بوا�سطة �شيوخ من �أبنائها ‪ ،‬وال �ش�أن لهم‬
‫أحد من حكامهم �إال ما كان‬ ‫باحلكومة املركزية ‪ ،‬وكانت تلك الفرتة مظلمة ال تف�ص ��ح عن � ٍ‬
‫من القرون الأخرية فقد ذكرت الوثائق �أن زعامة دو�س كانت ل�شيوخ من �أ�سرة �آل خ�ضران‬
‫ال�ص َغيرِّ من بني فهم بن غنم‬ ‫(ع َم َ�ض ��ان) ‪ ،‬و�أ�س ��رة �آل ُّ‬
‫‪ ،‬من بني منهب بن دو�س من قرية َ‬
‫حكاما عليها �إىل‬‫بن دو�س ‪ ،‬من قرية كانت ت�س ��مى (محَ ْ ِظ َّية) ‪ .‬ا�سمها الآن "ا ْل َه َّرة" وظلوا ً‬
‫عهد امللك عبد العزيز بن عبد الرحمن �آل �س ��عود ‪ ،‬و�أول �ش ��يخ ُعرف من �أ�س ��رة قبيلة بني‬
‫منهب هو ‪ :‬ال�ش ��يخ خ�ض ��ران بن عطية املنهبي الدو�سي املعروف بخ�ضران الأول ‪ ،‬كما �أن �أول‬
‫�شيخ عرف من قبيلة بني فهم هو ال�شيخ‪ :‬مبارك بن فرحان الفهمي الدو�سي ‪ ،‬وقد قتل يف �أبها مع‬
‫الأمري الع�سريي ‪ :‬حممد بن عائ�ض ‪� ،‬سنة (‪1289‬هـ) ثم انق�سمت القبيلة يف عهد امللك عبد‬
‫العزيز بن عبد الرحمن �آل �س ��عود ‪� ،‬إىل خم�س قبائل هي ‪ :‬م�ش ��يخ ٌة ت�ضم قبائل بني منهب‬
‫(ع َم�ض ��ان) ‪،‬‬‫الطفيل ‪ ،‬وبني علي ‪ ،‬و�آل َع ّيا�ش ‪ ،‬يف يد �ش ��يوخ �آل خ�ض ��ران من قرية َ‬ ‫‪ ،‬وبني ُّ‬
‫ال�ص َغيرِّ من قرية (ال َه َّرة) التي ذكرنا �ساب ًقا �أن‬
‫وم�ش ��يخة قبيلة بني فهم ‪ ،‬يف يد �شيوخ �آل ُّ‬
‫ا�سمها كان (حمظية) ‪ ،‬و�أول �شيوخها هو ال�شيخ ‪ :‬مبارك بن فرحان الفهمي الدو�سي ‪ .‬كما‬
‫تقدم ‪ ،‬ثم انتقلت م�ش ��يخة بني فهم من �أ�س ��رة �شيوخ ال�صغري‪� ،‬إىل �أ�س ��رة �شيوخ ال َّدا ُموك‬

‫((( جمهرة �أن�ساب العرب البن حزم (‪ .)382/1‬تاريخ الوالية �أو الإدارة يف بلدان تهامة وال�سراة خالل ع�صور ما قبل الإ�سالم‬
‫وبعده مل تدر�س ومن املو�ضوعات اجلديدة ‪ ،‬حبذا �أن نرى باحث ًا جاد ًا فيتوله بالبحث والتوثيق( ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( امتاع ال�سامر بتكملة متعة الناظر ؛ ‪ ( . 9‬ابن �سدران )‪ .‬هذه املعلومة يجب �أن توثق من م�صدر �أو م�صادر مبكرة ولي�س من‬
‫مرجع حديث ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫‪151‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫اجة) ‪ ،‬و�أولهم ال�ش ��يخ ‪� :‬سعيد بن حممد الداموك ‪ ،‬و�شيخهم احلايل‬ ‫الفهمية بقرية (�آل َخ َ‬
‫هو ال�ش ��يخ خ�ضران بن فراج بن �سعيد بن حممد الداموك ‪� ،‬إ ْثر وفاة والده ال�شيخ فراج بن‬
‫�سعيد الداموك ‪ ،‬ويف �سنة (‪1366‬هـ)‪ ،‬انف�صلت كل من قبيلتي بني علي ‪ ،‬و�آل عيا�ش ‪ ،‬عن‬
‫م�ش ��يخة قبيلة بني منهب وكونتا م�ش ��يختني ‪ ،‬الأوىل وهي م�ش ��يخة بني عل ��ي ‪ ،‬بزعامة �أول‬
‫�شيخ لها هو ال�شيخ فرحة بن علي العلوي الدو�سي ‪ ،‬من قرية ( َر َم�س) �سنة (‪1366‬هـ)‪ .‬وملا‬
‫تويف �أعقبه ابنه ال�ش ��يخ ‪ :‬عبد ربه ابن فرحة ‪ ،‬وال�ش ��يخ احلايل هو ال�ش ��يخ م�ساعد بن عبد‬
‫ربه العلوي الدو�سي ‪ ،‬مع العلم �أنّ القبيلة لمَ ّا كانت تتبع مل�شيخة ابن خ�ضران كان لها �شيوخ‬
‫من �أبنائها يقومون على رعاية م�ص ��الح �أفرادها ‪ ،‬عرف منهم ال�ش ��يخ ‪ :‬ال�ش ��اطئ بن فايز‬
‫من قرية (ال ّريحان)‪ ،‬وال�ش ��يخ �س ��عيد بن ِع ْي َفة ‪ ،‬من قرية (�آل ِع ْي َفة) ‪ ،‬وال�ش ��يخ ‪ :‬م�شرف‬
‫بن حكيم العلوي الدو�س ��ي‪ ،‬من قرية ( َر َم ْ�س) ‪ ،‬ثم ا�س ��تقرت امل�شيخة يف بيت ال�شيخ فرحة‬
‫ب ��ن عل ��ي ‪ .‬وتر�أ�س على امل�ش ��يخة الثانية وهي م�ش ��يخة �آل َع َّيا�ش بعد انف�ص ��الها يف العهد‬
‫(غ َدي) ثم‬ ‫ال�س ��عودي الثالث ‪ ،‬ال�ش ��يخ ‪ :‬م�س ��فر بن عبد اهلل العيا�شي الدو�س ��ي ‪ ،‬من قرية ُ‬
‫ابنه ال�ش ��يخ عي�سى بن م�سفر بن عبداهلل العيا�شي الدو�سي‪ ،‬ثم انتقلت امل�شيخة �إىل ال�شيخ‬
‫يحيى بن �أحمد ال َع َّي ِا�ش ��ي الدو�س ��ي‪ ،‬من القرية نف�سها‪ ،‬ويف �أثناء مر�ضه كان يدير امل�شيخة‬
‫ابنه حممد ابن يحيى العيا�ش ��ي الدو�س ��ي ‪ ،‬بينما احتفظ �ش ��يوخ �آل خ�ض ��ران بقبيلتي بني‬
‫منهب وبالطفيل ‪ ،‬و�شيخهم يف هذا الوقت هو ‪ :‬ال�شيخ عو�ض بن خ�ضران املنهبي الدو�سي‪،‬‬
‫وعندما ن�ش� ��أت احلكومة ال�سعودية الأوىل ان�ضمت قبيلة زهران �إليها و�شاركت قبائل دو�س‬
‫بجي� ��ش لغزو جن ��وب العراق‪ ،‬مع الإمام �س ��عود بن عبد العزيز ابن حممد ‪ ،‬بقيادة ال�ش ��يخ‬
‫مبارك بن فرحان الفهمي الدو�س ��ي ‪� ،‬ش ��يخ قبيلة بني فهم الدو�س ��ية ‪ .‬كما �شاركت يف عهد‬
‫امللك عبد العزيز بن عبد الرحمن �آل �سعود يف فتح املدينة النبوية بقيادة الأمري �أحمد بن‬
‫َع ْب ِ�س ��ي الفهمي الدو�س ��ي(‪ .)1‬بالإ�ض ��افة �إىل م�ش ��اركات حلفظ الأمن داخل البالد قام بها‬
‫ال�ش ��يخان را�ش ��د بن جمعان بن رقو�ش الزهراين ‪ ،‬وال�ش ��يخ َم ِّكي بن َج َمل الغامدي ‪ .‬وتخلل‬
‫تلك احلقبة التي كانت دو�س تدار بوا�س ��طة �ش ��يوخ من �أبنائها �أنْ دخلت دو�س و�سائر قبائل‬
‫زهران �س ��راة وتهامة ‪ ،‬حتت �ش ��ياخة ال�شيخ ‪ :‬علي ا ْل ِق ْف ِعي‪ :‬من قرية ُق َّرا ‪� ،‬إحدى ُق َرى قبيلة‬
‫بي�ض ��ان بال�س ��راة ‪ ،‬جاء يف من�شور �أر�سله الإمام �س ��عود ابن عبد العزيز بن حممد بن �سعود‬
‫‪� ،‬أحد حكام الدولة ال�س ��عودية الأوىل‪� ،‬إ َّبان دخول احلجاز حتت حكم �آل �س ��عود ‪� ،‬س ��نة �ألف‬
‫ومائتني وثماين ع�ش ��رة هجرية‪ " :‬و�أمري العا َّمة علي القفعي ‪ ،‬و َلز َْمتُه(‪ )2‬يقوم على الأمراء‪،‬‬

‫((( انظر ملا �سبق ‪ :‬كتابنا ‪:‬بطون قبيلة زهران ‪ :‬يا علي �سردت معلومات عامة من قبل الإ�سالم �إىل وقتنا احلا�ضر ‪ ،‬وال‬
‫نقول �إال �شكر اهلل لك ‪ ،‬ون�أمل �أن نرى بع�ض الباحثني من دياركم �أو من �أبنائنا طالب الدرا�سات العليا فيتولوا هذه‬
‫النقاط العامة التي �أ�شرت �إليها فتدر�س يف بحوث تف�صيلية موثقة‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( معنى َلزْ َمتُه ‪ ،‬واجبه ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪152‬‬
‫فالأمري اللي يقوم بحق الإمارة �أجره على اهلل ‪ ،‬واللي ما يقوم ويعمل مبا دبرنا يعزل ويحط‬
‫يراب ��ط ف ��ى الثغر(‪ .")1‬ثم حكم م ��ن بعده القائ ��د احلربي الأمري ‪ :‬بخرو� ��ش بن عال�س بن‬
‫م�س ��عود القر�ش ��ي الزهراين ‪ ،‬من قرية "ا ْل ُع َد َّية" التابعة لقبيلة قري�ش ‪� ،‬أ�س ��ماه بوركهارت‬
‫يف كتابه ‪ " :‬رحالت يف �ش ��به جزيرة العرب ‪�" " 403 :‬ش ��يخ زهران"‪ .‬وملا مات مقتوال عام ‪:‬‬
‫(‪1230‬هـ) انتقلت امل�ش ��يخة �إىل ال�ش ��يخ ‪ :‬جمعان بن را�شد بن رقو�ش ‪ ،‬من قرية "بني �سار"‬
‫التابعة لقبيلة بني عامر �إحدى قبائل بني �أو�س الزهرانية ‪ ،‬عام‪ )1258( :‬ثم �إىل ابنه را�شد‬
‫اب ��ن جمعان بن رقو�ش‪ ،‬وقد حكما زهران ُق َرابة مائة �س ��نة من عام ‪1258( :‬هـ ـ ‪ 1348‬هـ)‬
‫(‪ .)2‬ثم ا�ستقلت بعد هذا التاريخ كل قبيلة ب�شيوخها لأ�سباب خالفية ‪.‬‬
‫وقد �ش ��هرت دو�س يف اجلاهلية بثقل مركزها القبلي بني القبائل العربية ‪ ،‬حيث كانت‬
‫م ��ن القبائل ذات اجلانب املرهوب بني قبائل الع ��رب ‪ ،‬فغدت بع�ض القبائل تخطب ودها ‪،‬‬
‫ورغب ��ت يف التحالف معه ��ا كقبيلة قري�ش وثقيف العدنانيت�ي�ن‪� ،‬أورد خرب هذا احللف "ابن‬
‫حبي ��ب" �ص ��احب كتاب ‪ :‬املنمق يف �أخبار قري�ش (‪ )233‬فق ��ال‪" :‬فلما حالفت قري�ش ثقيفا‬
‫قال ��ت قري� ��ش لثقيف ‪ :‬نطلب من دو�س ما طلبنا منكم من ال�ش ��ركة يف الدار ‪ ،‬فقالت ثقيف‬
‫‪ :‬ب ��ل دو� ��س حتالفك ��م ‪ ،‬فركب عبد يا ليل بن معتب ‪ ،‬وم�س ��عود بن عم ��رو ‪ ،‬وهما من ثقيف‬
‫ث ��م من الأحالف يف نفر حتى �أتوا دو�س ��ا فقالوا لهم �إن قري�ش ��ا طلب ��ت منا �أن ندخلهم يف‬
‫وج و�أن يدخلون ��ا يف احل ��رم ‪ ،‬ف�أبين ��ا ذلك عليهم ث ��م حالفناهم ‪ ،‬فرغب ��وا �إىل ما عندكم‬ ‫ّ‬
‫ف�أدخلوه ��م وليدخلوكم وحالفوهم ‪ ،‬فحالفت دو�س قري�ش ��ا" ‪ .‬وقبل هذا احللف وبعده كان‬
‫رج ��ال من قبيل ��ة زهران عقدوا �أحال ًفا منفردة مع رجال م ��ن قبيلة قري�ش ‪ ،‬وذلك لرعاية‬
‫م�ص ��احلهم مبكة حيث �أنهم كانوا كث ًريا ما يق�ض ��ون بع�ض الوقت يف مكة املكرمة‪ ،‬فكان ال‬
‫بد من عقد مثل تلك الأحالف الفردية لتحا�ش ��ي امل�ضايقات من بع�ض ال�سفهاء ‪ .‬وكان من‬
‫رجال دو�س امل�ش ��هورين يف اجلاهلية حممة بن احلارث الدو�س ��ي ‪ ،‬كان من �أ�سخى العرب‪،‬‬
‫ومطع ��م احلاج يف مكة املكرمة(‪ ،)3‬فقد كان يفد �إىل مكة وقت مو�س ��م احلج بقافلة حمملة‬
‫بالطع ��ام ‪ ،‬فيزاحم �أعيان قري�ش وكرماءها على �إطعام احلجاج طيلة �أيام املو�س ��م ‪ ،‬وكان‬
‫من �أجمل العرب ‪ ،‬ف�إذ ما نزل مكة ت َق َّنع خمافة �أن يفتنت به الن�س ��اء �أو ي�ص ��اب هو بالعني ‪.‬‬
‫ذكر ذلك ابن حبيب يف كتاب املحرب (‪� . )232‬أ ّما ابنه عمرو بن حممة الدو�س ��ي ‪ ،‬حكيم‬

‫((( انظر كتاب ‪ :‬بطون قبيلة زهران ‪ ( . 330 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( تخللها �سنوات َغزْ ٍل ي�سرية من قبل الأتراك لأ�سباب غام�ضة ‪ ( ،‬ابن �سدران ) ‪� .‬أعتقد يا علي �أنها معلومات مبالغ فيها ‪.‬‬
‫كما �أن القائد بخرو�ش بن عال�س وكذلك �أ�س ��رة �آل رقو�ش ت�س ��تحق �أن يفرد لها درا�س ��ات علمية موثقة ‪ .‬ون�أمل من‬
‫�أ�س ��اتذة التاري ��خ يف جامعة الباح ��ة ‪� ،‬أو بع�ض امل�ؤرخني الأكادمييني من زهران �أن يدر�س ��وا هذه العناوين يف بحوث‬
‫علمية موثقة‪ (.‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( انظر ‪ :‬العقد الفريد ‪( ، )336/3( :‬ابن �سدران )‪.‬‬
‫‪153‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫الع ��رب فق ��د كانت تتحاكم �إليه العرب ُقرابة ثالثمائة �س ��نة ‪ ،‬فعن جمالد ال�ش ��عبي ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أعرابي فقال ‪� :‬أفتيتهم‬ ‫" ك ّنا عند ابن عبا�س ‪ ،‬وهو يف �ضفة زمزم يفتي النا�س �إذ قام �إليه � ّ‬
‫ف�أفتنا قال ‪ :‬هات ‪ ،‬قال ‪ :‬ما معنى قول ال�شاعر(‪:)1‬‬
‫وم�����ا ع��� ّل���م الإن���������س����ان � اّإل ل��ي��ع��ل��م��ا‬ ‫ل��ذي احلِ��ل ِ��م قبل اليوم ما تقرع الع�صا‬
‫فقال له ابن ع ّبا�س ‪ :‬ذاك عمرو بن حممة ال ّدو�سي ‪ ،‬ق�ضى بني العرب ثالثمائة �سنة ‪،‬‬
‫فكرب ف�ألزموه ال�سابع �أو التا�سع من ولده ‪ ،‬فكان �إذا غفل قرع له الع�صا ‪ .‬فلما ح�ضره املوت‬
‫اجتمع �إليه قومه ف�أو�صاهم بو�صية ح�سنة فيها حكم ‪ ،‬تقدم ن�صها(‪ .)2‬وقد جمـع �أبا عمرو ‪:‬‬
‫حممة بن رافع الدو�سي ‪ ،‬وعمرو بن الظرب العدواين ‪ ،‬جمل�س عند ملك من ملوك حمري ‪،‬‬
‫فقال لهما امللك ‪ :‬ت�ساءال حتى �أ�سمع ما تقوالن ‪ .‬ويبدو �أن امللك لي�س بحاجة �إىل ت�سا�ؤالتهما‬
‫لبع�ض ‪ ،‬ولكنه يريد اختبار ف�صاحتهما ‪ .‬فقال عمرو حلممة ‪� :‬أين حتب �أن تكون �أياديك ؟‬
‫قال عند ذي الرثية(‪)3‬العدمي ‪ ،‬وعند ذي اخللة(‪)4‬الكرمي ‪ ،‬واملع�س ��ر الغرمي ‪ ،‬وامل�ست�ض ��عف‬
‫اله�ض ��يم ‪ .‬قال‪ :‬من �أحق النا�س باملقت ؟ قال ‪ :‬الفقري املختال ‪ ،‬وال�ضعيف ال�صوال‪ ،‬والعي‬
‫الق ��وال ‪ .‬قال‪ :‬فمن �أحق النا� ��س باملنع ؟ قال‪ :‬احلري�ص الكاند(‪ )5‬وامل�ستميد(‪)6‬احلا�س ��د ‪،‬‬
‫عطي �ش ��كر ‪ ،‬و�إذا‬ ‫وامللح ��ف الواج ��د ‪ .‬قال ‪ :‬فمن �أجدر النا�س بال�ص ��نيعة ؟ قال ‪ :‬من �إذا �أُ ِ‬
‫ُمن ��ع ع ��ذر ‪ ،‬و�إذا ُموطل �ص�ب�ر ‪ ،‬و�إذا قدُم العهد ذكر ‪ .‬قال‪ :‬من �أكرم النا�س ع�ش ��رة ؟ قال ‪:‬‬
‫من �إن قرب منح ‪ ،‬و�إن ب ُعد مدح ‪ ،‬و�إن ظلم �ص ��فح ‪ ،‬و�إن ُ�ض ��ويق �سمح‪ .‬قال ‪ :‬من �ألأم النا�س؟‬
‫قال ‪ :‬من �إذا �س� ��أل َخ َ�ض ��ع ‪ ،‬و�إذا ُ�س ��ئل َم َن ��ع ‪ ،‬و�إذا ملك َك َن ��ع(‪ ،)7‬ظاهره َج َ�ش ��ع(‪ ،)8‬وباطنه‬
‫َط َبع(‪ .)9‬قال ‪ :‬فمن �أحلم النا�س؟ قال ‪ :‬من عفا �إذا قدر ‪ ،‬و�أجمل �إذا انت�صر ‪ ،‬ومل ُتطغه عزة‬
‫الظفر‪ .‬قال ‪ :‬فمن �أحزم النا�س ؟ قال ‪ :‬من �أخذ رقاب الأمور بيديه ‪ ،‬وجعـل العواقب ُن�ص ��ب‬
‫عيني ��ه ونب ��ذ الته ُّيب َد ْبر �أذني ��ه(‪ .)10‬قال‪ :‬فمن �أخرق(‪)11‬النا�س ؟ ق ��ال ‪ :‬من ركب اخلطـار ‪،‬‬

‫((( الإ�صابة يف متييز ال�صحابة (‪ )615/1‬والبيت للمتلم�س وهو يف ديوانه ‪ (26 :‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الإ�صابة يف متييز ال�صحابة (‪ ( .)615/1‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( الرثية‪ :‬وجع املفا�صل واليدين والرجلني ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫خل ّلة ‪ :‬ال�صداقة ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪ .‬من يدر�س كتب الرتاث يجد هناك الكثري من احلكم والأقوال التي‬‫خل ْلة‪ :‬احلاجة ‪ .‬وا ُ‬
‫((( ا َ‬
‫�صدرت من رجال يعودون يف �أ�صولهم �إىل بالد تهامة وال�سراة‪ .‬حبذا �أن نرى من يدر�س الأقوال ال�سديدة ‪ ،‬والأمثال‬
‫واحلكم التي عرفتها بالد ال�سراة وتهامة خالل ع�صور ما قبل الإ�سالم وبعده‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( الكاند‪ :‬الذي يكفر النعمة ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( امل�ستميد‪ :‬امل�ستعطي ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( كنع ‪ :‬تقب�ض يريد �أنه مم�سك بخيل ‪� ( .‬سدران ) ‪.‬‬
‫((( اجل�شع ‪� :‬أ�سو�أ احلر�ص ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( الط َب َع ‪ :‬الدن�س ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫(‪ ((1‬يقال ‪ :‬جعلت ال�شيء دبر �أذين �إذا مل �ألتفت �إليه ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫(‪ ((1‬الأخرق ‪ :‬الأحمق ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪154‬‬
‫واعت�س ��ف(‪)1‬العثار ‪ ،‬و�أ�س ��رع يف الب ��دار قبل االقت ��دار ‪ .‬قـال ‪ :‬فمن �أجود النا� ��س ؟ قـال ‪ :‬من‬
‫(‪)2‬‬
‫بذل املجهود ‪ ،‬ومل ي�أ�س على املعهود‪ .‬قال ‪ :‬فمن �أبلغ النا�س ؟ قال ‪ :‬من حلى املعنى املزيز‬
‫عي�ش ��ا ؟ قال ‪ :‬من حتلى‬ ‫باللفظ الوجيز‪ ،‬وطبق املف�ص ��ل قبل التحزيز ‪ .‬قال‪ :‬من �أنعم النا�س ً‬
‫بالعفاف‪ ،‬ور�ضي بالكفاف‪ ،‬وجتاوز ما يخاف �إىل ما ال يخاف‪ .‬قال‪ :‬فمن �أ�شقى النا�س ؟ قال‬
‫من ح�س ��د على النعم ‪ ،‬وت�س ��خط على الق�سم ‪ ،‬وا�ست�ش ��عر الندم على فـوت ما مل يحتم‪ .‬قال‪:‬‬
‫من �أغنى النا�س؟ قال ‪ :‬من ا�ست�ش ��عر الي�أ�س و�أبدى التجمل للنا�س(‪ ،)3‬وا�س ��تكرث قليل النعم‬
‫‪ ،‬ومل ي�س ��خط على الق�س ��م ‪ .‬قال ‪ :‬فمن �أحكم النا�س ؟ قال من �صمت فا َّدكر‪ ،‬ونظر فاعترب ‪،‬‬
‫ووعظ فازدجر‪ .‬قال ‪ :‬من �أجهل النا�س ؟ قال ‪ :‬من ر�أى اخلرق مغن ًما ‪ ،‬والتجاوز مغرما(‪.")4‬‬
‫�أو تلك املفاخرة التي جرت بني طريف بن العا�ص ��ي الدو�سي ‪ ،‬واحلارث بن ذبيان ابن‬
‫(‪)5‬‬
‫جل ��ا بن منهب‪ ،‬وكالهما من قبيلة دو�س ‪ ،‬عند بع�ض مقاول حمري ‪ ،‬وما فيها من بالغة‬
‫وبيان ‪ .‬وا�شتهر من رجالهم يف الع�صرين اجلاهلي والإ�سالمي‪ :‬جندب بن عمرو بن حممة‬
‫ب ��ن عوف ال َّد ْو�س ��ي (ر�ض���ي اهلل عن���ه) ‪ ،‬كان يق ��ول يف اجلاهلية‪�" :‬إنَّ للخلق خال ًق ��ا لكني ال �أدري‬
‫من هو" ؟ فلما �س ��مع بخرب النبي ﷺ خرج ومعه خم�س ��ة و�س ��بعون رج ًال من قومه ف�أ�سلم‬
‫ا�ست ُْ�ش ِه َد ِب�أَ ْج َنا ِدينَ وقيل‬
‫و�أ�سلموا‪ .‬قال �أبو هريرة ‪ :‬فكان جندب يقدِّ مهم رج ًال رج ًال(‪ْ . ")6‬‬
‫بالريم ��وك ‪ ،‬وقال قبل ا�ست�ش ��هاده وهو يح�ض الأزد على قتال الكفار ‪" :‬يا مع�ش ��ر الأزد �إنه‬
‫ال ينج ��و م ��ن القتل والعدو والإثم �إال م ��ن قاتل ‪� ،‬أال و�إن املقتول ال�ش ��هيد واخلائب من توىل‬
‫‪ ،‬ث ��م �أخ ��ذ يقول يا مع�ش ��ر الأزد ‪� :‬إنه ال مينع الراية �إال الأبط ��ال(‪ .")7‬ومنهم " ُمعيقيب بن‬
‫�أبي فاطمة الدو�س ��ي ‪ ،‬ر�ض ��ي اهلل عنه ‪ ،‬كان على خامت ر�سول اللهَّ �ص� � ّلى اللهَّ عليه و�س ّلم ‪،‬‬
‫فا�س ��تعمله �أبو بكر وعمر ر�ض ��ى اللهَّ عنهما على بيت املال"(‪ .)8‬وهو الذي �س ��قط منه خامت‬
‫النب ��ي ﷺ(‪ ،)9‬يف عه ��د عثمان بن ع ّفان ر�ض ��ي اهلل عنه ‪ ،‬يف بئر �أري� ��س باملدينة النبوية ‪،‬‬
‫�أراد �أن يناول ��ه عثم ��ان وهو جال�س على حافة البئر ‪ ،‬ف�س ��قط فيما بينهما ‪ ،‬وكان ِمنْ َح ِد ٍيد‬

‫((( االعت�ساف ‪ :‬ركوب الطريق على غري هداية ‪ ،‬وركوب الأمر على غري معرفة ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( املزيز من قولهم ‪ :‬هذا �أمر من هذا �أي �أف�ضل منه و�أزيد ‪.‬‬
‫((( ي ��ا �س ��بحان اهلل �أق ��وال وعبارات جميلة يف معانيها ومظانها وما حتث عليه ‪ .‬وهذا ال ي�س ��تغرب ف�أهل ال�س ��راة ظهر‬
‫فيهم ال�ش ��عراءواحلكماء قبل الإ�سالم وبعده ‪ .‬ومازلت �أقول �أن هذه البالد غنية مبوروثها املحتاج �إىل جمع ودرا�سة‬
‫وحتقيق ‪ ( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( الأمايل للقايل ‪ 276/2:‬العقد الفريد ‪ ( .117/2 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( انظر ‪ :‬كتاب ‪ :‬الأمايل ‪ ،‬لأبي علي القايل ‪ ( . 73/1 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( حياة ال�صحابة (‪ ( . )238/1‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( تاريخ دم�شق البن ع�ساكر (‪ ( .)153/2‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( �إمتاع الأ�سماع (‪ ( . )238/9‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( الكامل يف التاريخ (‪ ( . )755/2‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫‪155‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫َم ْل ِو ٍّي َع َل ْي ِه ِف َّ�ض� � ٌة(‪ .)1‬و�س ��واد بن قارب الدو�س ��ي ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬كان �أحد كهان العرب يف‬
‫اجلاهلية ‪ ،‬ا�ش ��تهر بالكرم �أدرك الإ�سالم ف�أ�سلم ‪ ،‬و�صحب النبي ﷺ ‪ ،‬وكان �شاع ًرا �ألقى‬
‫بني يدي الر�سول ﷺ ق�صيدة تعد من عيون ال�شعر العربي ‪ ،‬وكان له رئي من اجلن يزوده‬
‫هلل‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق َام ِحي َن ِئ ٍذ‬ ‫�ول ا ِ‬ ‫بالأخب ��ار‪ ،‬فلما �أ�س ��لم انقطع عنه رئيه وملا بل ��غ دو�س َو َفاة َر ُ�س � ِ‬
‫الَ ْز ِد ‪� ،‬إنّ ِمنْ َ�س� � َعا َد ِة ا ْل َق� � ْو ِم َ�أنْ َي ّت ِع ُظوا ِب َغيرْ ِ ِه ْم َو ِمنْ َ�ش� � َقا ِئ ِه ْم �أَ اّل َي ّت ِع ُظوا‬ ‫�ال َيا َم ْع َ�ش� � َر ْ أ‬ ‫َف َق � َ‬
‫� اّإل ِب�أَ ْن ُف ِ�س � ِ�ه ْم َو َمنْ لمَ ْ َت ْن َف ْع ُه الت َّجار ُِب َ�ض� � ّر ْت ُه ‪َ ،‬و َمنْ لمَ ْ َي َ�س� � ْع ُه الحْ َ قّ لمَ ْ َي َ�س ْع ُه ا ْل َب ِاط ُل‪َ .‬و ِ�إنمّ َ ا‬
‫ُت ْ�س ِل ُمونَ ا ْل َي ْو َم بمِ َ ا �أَ ْ�س َل ْمت ُْم ِب ِه َ�أ ْم ِ�س َو َق ْد َع ِل ْمت ُْم َ�أنّ ال ّن ِب ّي ‪ -‬ﷺ ‪َ -‬ق ْد َت َنا َو َل َق ْو ًما َ�أ ْب َع َد ِم ْن ُك ْم‬
‫َف َظ ِف َر ِب ِه ْم َو�أَ ْو َع َد َق ْو ًما �أَكْثرَ َ ِم ْن ُك ْم َف َ�أ َخا َف ُه ْم َولمَ ْ يمَ ْ َن ْع ُه ِم ْن ُك ْم ِع ّد ٌة َو اَل َع َد ٌد‪َ .‬و ُك ّل َبلاَ ءٍ َم ْن ِ�س ّي‬
‫ا�س َو اَل َي ْن َب ِغي ِ ألَ ْه ِل ا ْل َبلاَ ِء � اّإل َ�أنْ َي ُكو ُنوا �أَ ْذ َك َر ِمنْ َ�أ ْه ِل ا ْل َعا ِف َي ِة ِل ْل َعا ِف َي ِة‬ ‫� اّإل َم ��ا َب ِق َي �أَ َث ُر ُه ف ال ّن ِ‬
‫هلل َع ْن ُك ْم َما َك ّف ُك ْم َع ْن ُه َف َل ْم تَزَ ا ُلوا َخار ِِج�ي َ�ن ممِ ّ ا ِفي ِه َ�أ ْه ُل ا ْل َبلاَ ِء َد ِاخ ِل َني‬ ‫‪َ ،‬و ِ�إنمّ َ ��ا َك � ّ�ف َن ِب ّي ا ِ‬
‫يب َعنْ‬ ‫هلل ـ ﷺ ـ َخ ِطي ُب ُك ْم َو َن ِقي ُب ُك ْم َفعَبرّ َ الخْ َ ِط ُ‬ ‫ممِ ّ ا ِفي ِه �أَ ْه ُل ا ْل َعا ِف َي ِة َحتّى َق ِد َم َع َلى َر ُ�س ِول ا ِ‬
‫ال�سلاَ َم ُة‬ ‫ا�س َج ْو َل ٌة َف ِ�إنْ َت ُكنْ َف ّ‬ ‫يب َعنْ ا ْل َغا ِئ ِب‪َ .‬و َل ْ�ست �أَ ْدرِي َل َع ّل ُه َت ُكونُ ِلل ّن ِ‬ ‫�اه ِد َو َن ّق َب ال ّن ِق ُ‬ ‫ال�ش � ِ‬‫ّ‬
‫وها ‪َ ،‬ف�أَ َجا َب ُه ا ْل َق ْو ُم َو َ�س ��مِ ُعوا َق ْو َل ُه "‪ .‬وملا مات الر�س ��ول ﷺ‬ ‫ُ‬
‫الَ َنا ُة َو َاهلل ُي ِح ّب َها ‪َ ،‬ف�أَ ِح ّب َ‬ ‫ِم ْن َها‪ ْ :‬أ‬
‫‪ ،‬رثاه بالق�صيدة التالية ‪:‬‬
‫و�أ َرى امل�������ص���ي���ب���ة ب���ع���ده���ا ت��������زدا ُد‬ ‫���ك ال�������غ�������دّاة ������س�����وا ُد‬ ‫ج������ َّل������تْ ُم�������ص���ي���ب���ت َ‬
‫�����ص���� َّل����ى الإل����������ه ع���ل���ي���ه م�����ا ي���ع���ت���ا ُد‬ ‫������ي حم����م����دٍ‬ ‫�أب�������ق�������ى ل�����ن�����ا ف������ ُّق������د ال������ن������ب ِّ‬
‫����ي ف���������ؤا ُد‬ ‫�أوه���������ل لمِ َ���������نْ ف����ق���� َد ال����ن����ب ّ‬ ‫���رك يف ال������ف�������ؤا ِد خم����امِ ����راً‬ ‫ح����زن����اً ل���ع���م َ‬
‫(‪)2‬‬
‫�اب ف� ��أج ��دب ��ال� � ُّر َّوا ُد‬ ‫َج�� َّ�ف اجل��ن� ُ‬ ‫م�������� ِرع��������اً‬
‫ُك������� َّن�������ا ن�����ح�����ل ب�������ه ج������ن������اب������اً مُ ْ‬
‫وج����������دًا ب����ه الأك�����ب�����ا ُد‬ ‫وت���������ص���� َّدعَ����تْ ْ‬ ‫ف����ب����ك����تْ ع����ل����ي���� ِه �أر� ُ������ض������ن������ا و�����س����م����ا�ؤُن����ا‬
‫���رك يف ال���ن���ف���و����س ت��ل�ا ُد‬ ‫ب������اقٍ ل���ع���م َ‬ ‫ك������ان ال����ع����ي����ان ه�����و ال����ط����ري����ف وح���زن���ه‬
‫�����������ق ح ٌّ‬
‫���������ق واجل���������ه���������ا ُد ج�����ه�����ا ُد‬ ‫احل ُّ‬ ‫��������ي وف����������ات����������ه ك����ح����ي����ات����ه‬ ‫�إن ال��������ن��������ب َّ‬
‫�������������وال والأوال ُد‬ ‫ُ‬ ‫ُب�������ذِ َل�������تْ ل�����ه الأم‬ ‫ل������و ق����ي����ل ت������ف������دون ال����ن����ب����ي حم����م����داً‬
‫ه�������ذا ل�����ه الأغ�������ي�������اب والأ� ْ������ش������هَ������ا ُد‬ ‫وت���������س����ارع����تْ ف���ي���ه ال���ن���ف���و����س ب���ب��� ْذل���ه���ا‬
‫ل������و ك��������ان ي����ف����دي����ه ف����������داه ������س�����وا ُد‬ ‫ه����������������ذا وه��������������������ذا ال ي����������������رد ن����ب����ي����ن����ا‬
‫�أم��������������راً ع����ا�����ص����ف����ا ري�����ح�����ه �إرع����������اد‬ ‫ُ‬
‫�������������������وادث َّج����م����ة‬ ‫ِ�إنيّ �أُح���������������������ا ِذ ُر واحل‬

‫((( البداية والنهاية ‪ . )377/5( :‬كلما و�سع الباحث قراءاته يف كتب الرتاث الإ�سالمي ‪ ،‬وحاول معرفة تاريخ وتراث �أر�ض‬
‫و�سكان ال�سراة وتهامة ف�إنه بدون �شك �سوف يجد �أعالم ًا كثريين ينتمون �إىل هذه البالد ولهم تاريخ و�آثار ح�سنة ‪.‬‬
‫(ابن جري�س)‪.‬‬
‫يقال م َرع املكانُ والوادي َم ْرع ًا َوم َرع ًا و� ْأم َر َع ُكلُّه‪� :‬أخ�صب و�أكلأ ‪� ،‬أن�شد‬‫((( اجلناب ‪ :‬ما ق ُر َب من محَ َ ّل ِة القوم ‪ .‬املُ ُم ِر ُع ‪ُ :‬‬
‫للأع�شى يف الل�سان(‪ )4183/6‬وهو يف ديوانه ‪ ( . 285‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫ل َخ ُّد ُه َم ِر ٌع َج َنا ُب ُه‬ ‫َ�س ِل�س ُم َق َّل ُد ُه �أ�س ِْيـ ‬ ‫ ‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪156‬‬
‫ل��ل���أر������ض �إن رج����ف����ت ب���ن���ا �أوت�������اد‬ ‫�إن ح�������ل م�����ن�����ه م�������ا ي������خ������اف ف�����أن����ت����م‬
‫زدمت ول������ي�������������س مل�����ن�����ي�����ة م�����������زداد‬ ‫ل������و زاد ق��������وم ف��������وق م����ن����ي����ة ����ص���اح���ب‬
‫تويف ر�ض ��ي اهلل عنه فيِ ال�سنة اخلام�سة ع�ش ��رة من الهجرة النبوية ال�شريفة(‪ .)1‬وقد‬
‫ا�صطدمت قبيلة دو�س بقبيلة قري�ش يف حروب عديدة كان منها ‪:‬‬
‫(*)مقتل �أبي �أُزيهر الدو�سي‪:‬‬
‫كان من حديث �أبي �أزيهر بن �أني�س بن اخلي�سق بن مالك بن �سعد بن كعب بن احلارث‬
‫بن عبد اهلل ابن عـامر وهو الغطريف بن بكر بن ي�ش ��كر بن مب�ش ��ر بن �صعب بن دهمان بن‬
‫ن�صر بن زهران بن كعب بن احلارث بن كعب بن مالك بن ن�صر بن الأزد ‪� ،‬أنه كان حلي ًفا‬
‫لأبي �سفيان بن حرب وكانت دو�س �أخواله‪ ،‬وكان ال يعرف �إال بالدو�سي‪ ،‬فكان يقعد هو و�أبو‬
‫�س ��فيان يف �أيامهما يف قبة لهما في�ص ��لحان بني من ح�ضر ذلك املكان الذي هما فيه‪ ،‬وكان‬
‫�أبو �أزيهر قد زوج ابنته عاتكة‪� ،‬أبا �س ��فيان فولدت له حممدا وعنب�سة‪ ،‬وزوج زينب بنت �أبي‬
‫�أزيه ��ر‪ ،‬عتب ��ة بن ربيعة ‪ ،‬فولدت له ربيعة ونعمان ‪ ،‬ثم خلف عليها �أبو حبيب بن مه�ش ��م بن‬
‫املغ�ي�رة‪ ،‬فول ��دت له وزوج ابنة له �أخرى الوليد ب ��ن املغرية بن عبد اهلل بن عمر بن خمـزوم‬
‫‪ ،‬ثم �أم�س ��كها عنه‪ ،‬فلم يدخلها عليه حتى مات‪ ،‬قال وكان بلغ �أبا �أزيهر بعد ما زوجه و�أخذ‬
‫امله ��ر منه �أنه غليظ على الن�س ��اء ي�ض ��ربهن‪ ،‬فحب� ��س �أبو �أزيهر ابنته عنه‪ ،‬و�أم�س ��ك املهر‪،‬‬
‫ق ��ال ابن حبيب‪ ،‬وذك ��ر �إبراهيم بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدي ‪ ،‬عن �أ�ش ��ياخ الأزد �أنها‬
‫هدي ��ت �إلي ��ه ‪ ،‬فلما هديت �إليه قال ‪� :‬أنا �أ�ش ��رف �أم �أبوك ؟ قالت‪ :‬ال بل �أبي ؛ لأن �أبي �س ��يد‬
‫�أهل ال�سراة ‪ ،‬و�أن العرب ي�صدرون عن ر�أيه و�إمنا �أنت �سيد بني �أبيك ‪ ،‬ومنهم من ينازعك‬
‫ال�شرف‪ ،‬فرفع يده فلطمها ‪ ،‬فهربت �إىل �أبيها ‪ ،‬فحلف �أال يردها و�أم�سك املهر ‪ ،‬وملا ح�ضر‬
‫الوليد بن املغرية‪ ،‬املوت �أو�ص ��ى بنيه الثالثة وهم ‪ :‬خالد وه�ش ��ام والوليد ‪ ،‬فقال لهم ‪� :‬أي‬
‫بني؛ �أو�ص ��يكم بثالث ‪ :‬دمي يف خزاعة فال تطلوه‪ ،‬ورباي يف ثقيف فال تدعوه حتى ت�أخذوه‬
‫‪ ،‬وعقري(‪)2‬عند �أبي �أزيهر الدو�سي فال يفوتنكم به‪ .‬فلما نزل النا�س �سوق ذي جماز ‪ ،‬وهو‬
‫�س ��وق من �أ�س ��واق الع ��رب ‪ ،‬فنزل �أبو �أزيهر على �أبي �س ��فيان بن حرب‪ ،‬ف�أت ��ى بنو الوليد ‪،‬‬
‫ف�س�ألوه املهر ‪ ،‬فقال ‪� :‬أما و�أنتما حتت ظالل ال�سيوف فال ‪ ،‬ف�ضربه ه�شام بن الوليد‪ ،‬فقتله‪،‬‬
‫وكان مقتله بعد ما هـاجر ر�س ��ول اهلل ﷺ ‪ ،‬وانق�ض ��ى �أمر بدر ‪ ،‬و�أ�ص ��يب من �أ�ص ��يب من‬

‫((( الرو�ض الأنف (‪ ( . )211/2‬ابن �سدران ) ‪ .‬هناك الكثري من الأعالم يف ميادين �شتى ‪ ،‬وجميعهم من بلدان تهامة‬
‫وال�س ��راة‪،‬حبذا �أن نرى باحث ًا جاد ًا يدر�س تراجم �أولئك الأعالم يف اجلاهلية والقرون اخلم�س ��ة الأوىل من ع�ص ��ر‬
‫الإ�سالم ‪ (.‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( العقر‪ :‬املهر املدفوع من الزوج للزوجة ‪ ( .‬ابن �س ��دران ) ‪ .‬ال�ص�ل�ات بني �أهل مكة وبالد تهامة وال�س ��راة قدمية جدا ‪ ،‬وتلك‬
‫ال�صالت يف ع�صور ما قبل الإ�سالم وبعده مل تدر�س يف بحوث علمية ‪ ،‬وحتتاج �إىل من يدر�سها ويوثقها ‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫‪157‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫�أ�شراف قري�ش من امل�شركني ‪ ،‬فدعا ر�سول اهلل ر�سول اهلل ﷺ‪ ،‬ح�سان بن ثابت ر�ضي اهلل‬
‫عنه‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا ح�سان �إنه قد حدث بني املطيبني و�أحالفهم �شر ‪ ،‬فقل يف مقتل �أبي �أزيهر‬
‫�شع ًرا حتر�ض به املطيبني على الأحالف(‪ ،)1‬وانبعث ح�سان يحر�ض يف دم �أبي �أزيهر ويعري‬
‫�أبا �سفيان خفرته ويجبنه ‪ ،‬فقال يف �أبيات(‪:)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وج��ار اب��ن ح��رب باملغ َّم�س م��ا يغدو‬ ‫غ��دا �أه���ل ح�ضني ذي امل��ج��از ب�سحرة‬
‫فلم ��ا بل ��غ قوله يزيد بن �أبي �س ��فيان خرج فجم ��ع بني عبد مناف و�ص ��اح يف املطيبني‬
‫فاجتمعوا و�أبو �س ��فيان بذي املجاز ‪ ،‬قال ‪� :‬أيها النا�س ‪� ،‬أخفر �أبو �س ��فيان يف جاره و�ص ��هره‬
‫فه ��و ثائر ‪ ،‬فتهي�أ يزي ��د ‪ ،‬واجتمع بهم وبرز بهم ‪ ،‬فلما ر�أت ذلك الأحالف اجتمعوا فخيموا‬
‫قري ًبا ‪ ،‬فلما ر�أي ذلك �أبو �سفيان بن احلارث بن عبد املطلب ‪ ،‬خرج على فر�س له حتى �أتى‬
‫�أبا �سفيان بن حرب ‪ ،‬ف�أخربه اخلرب ‪ ،‬وكان �أبو �سفيان حلي ًما منك ًرا يحب قومه ح ًّبا �شديدً ا‬
‫‪ ،‬وخ�ش ��ي �أن يكون يف قري�ش حرب يف �أبى �أزيهر ‪ ،‬فدعا بفر�س ��ه فطرح عليها لبدً ا ثم قعد‬
‫عليه ‪ ،‬و�أخذ الرمح ثم �أقبل �إىل مكة وبها اجلمعان‪ ،‬وجعل �أبو �س ��فيان بن احلارث يقول يف‬
‫الطري ��ق لأبى �س ��فيان بن حرب ‪ :‬ف ��داك �أبي و�أمي �أحجز بني النا� ��س ‪ ،‬فجعل ال يجيبه �إىل‬
‫�ش ��يء حتى قدم عليهم‪ ،‬فوقف بني اجلمعني وقد تهي� ��أوا للقتال‪ ،‬فنظر ف�إذا اللواء مع ابنه‬
‫يزيد ‪ ،‬وهو يف احلديد مع قومه املطيبني ‪ ،‬فنزع اللواء من يده و�ض ��رب به بي�ضته(‪� )4‬ضربة‬
‫قري�شا بع�ضها ببع�ض يف رجل من الأزد ؟‬ ‫ه َّده منها ثم قال ‪ :‬قبحك اهلل ! �أتريد �أن ت�ضرب ً‬
‫(‪)5‬‬
‫لعمري ما بدو�س عجز عن طلب ث�أرهم‪� ،‬سن�ؤتيهم العقل �إن قبلوه‪ ،‬ثم نادى ب�أعلى �صوته‪:‬‬
‫�أيه ��ا النا� ��س‪� ،‬إن خلفنا عدو �ش ��امت ـ يعني النبي ﷺ ومتى نفرغ مم ��ا بيننا وبينه‪ ،‬ننظر‬
‫فيما بيننا وبينكم ‪ ،‬فلين�ص ��رف كل �إن�س ��ان منكم �إىل منزله ‪ ،‬فتفرقوا و�أ�صلح ذلك الأمر‪،‬‬
‫وبلغ �أبا �سفيان قول ح�سان فقال ‪ :‬يريد �أن ي�ضرب بع�ضنا ببع�ض يف رجل من دو�س ‪ ،‬فبئ�س‬
‫واهلل ما ظن‪ .‬و�أر�س ��ل �أبو �س ��فيان �إىل مائتي ناقة فعقل بها �أبا �أزيهر ‪ ،‬ثم بعث بها مع رهط‬
‫من قري�ش فيهم �ضرار بن اخلطاب ‪� ،‬إىل قوم �أبي �أزيهر بال�سراة ‪ ،‬ف�أتوا بالدية رهط �أبي‬
‫اب ��ن حبي ��ب ؛ املنم ��ق يف �أخب ��ار قري� ��ش ‪ . 200 :‬املط ِّيب ��ون ه ��م ‪ :‬بن ��و ها�ش ��م وعب ��د �ش ��م�س واملطل ��ب ونوف ��ل بن ��و عب ��د من ��اف‪ ،‬وبن ��و‬ ‫(((‬
‫�أ�س ��د ب ��ن عب ��د العزى ‪ ،‬وبنو زهرة ب ��ن كالب ‪ ،‬وبنو تيم بن مرة ‪ ،‬وبنو احلارث بن فهر‪ .‬والأحالف هم ‪ :‬بنو عبد الدار بن ق�ص ��ي ‪ ،‬وبنو‬
‫خمزوم بن يقظة ‪ ،‬وبنو جمح بن عمرو ‪ ،‬وبنو �سهم بن عمرو بن ه�صي�ص ‪ ،‬وبنو عدي بن كعب ‪ .‬انظر امل�صدر ال�سابق ‪. 200 :‬‬
‫ديوان ح�سان ‪( . 91:‬ابن جري�س)‪.‬‬ ‫(((‬
‫ح�ض ��ني‪ :‬مثنى ح�ض ��ن وهو اجلانب والناحية ‪ ،‬ب�سحرة ‪ :‬ال�سحر بفتح ال�سني ‪ :‬الفجر ‪ .‬املغم�س ‪ :‬جبل �شرقي عرفات‬ ‫(((‬
‫املح�صب( ابن �سدران) ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫‪،‬وقيل‪:‬‬
‫البي�ضة ‪ :‬غطاء على الر�أ�س يتلقى به الفار�س ال�ضربات ‪( .‬ابن �سدران)‪ .‬كان يف اجلاهلية حروب و�صراعات بني قري�ش‬ ‫(((‬
‫وبع�ض قبائل ال�سراة ‪ ،‬وكان �أي�ض ًا بينهم �صالت اقت�صادية واجتماعية ‪ .‬وكل هذه املو�ضوعات مل تدر�س وت�ستحق �أن تكون‬
‫عناوين لأبحاث �أكادميية �أو ر�سائل علمية‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫العقل ‪:‬الدية ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪158‬‬
‫�أزيهر ‪ ،‬فقبلوا منهم ‪ ،‬ثم �أمهلوا حتى �إذا �أرادوا االن�صراف �شدت عليهم الغطـاريف‪ ،‬وهم‬
‫�أهل احلارث بن عبد اهلل بن عامر الغطريف والنمر ودو�س‪ ،‬فقتلوا بع�ضهم وجنا بع�ضهم‪،‬‬
‫فهرب �ض ��رار بن اخلطاب وا�س ��تجار بامر�أة من دو�س يقال لها �أم غيالن‪ ،‬ف�أدخلته منزلها‬
‫و�أجارت ��ه و�أقبل ��ت الأزد‪ ،‬فلما ر�أتهم �أخرجت بناتها ح�س� � ًرا دونه‪ ،‬فلم ��ا جاءت دو�س تطلبه‬
‫قالت‪� :‬إين قد �أجرته وحرماتكم ح�س ��ر دونه‪ ،‬ف�إن �ش ��ئتم اهتكوا ال�س�ت�ر وا�ستحلوا حرمته‪،‬‬
‫فرتكوه لها‪ ،‬فان�صرف وهو يقول يف �أبيات‪:‬‬
‫ون�����س��وت��ه��ا �إذ ه����ن ���ش��ع��ث ع���واط���ل‬ ‫حل��ا فهن‬ ‫ج��زى اهلل عنا �أم غ��ي�لان ���ص��ا ً‬
‫وق������د ب��������رزت ل���ل���ث���ائ���ري���ن امل���ق���ات���ل‬ ‫دف��ع��ن امل���وت ب��ع��د اق�ت�راب���ه دع���ت دع��ـ��وة‬
‫(‪)1‬‬
‫برجل و�أردف��ه��ا ال�شروج القوابل‬ ‫دو� ً��������������س��������������ا ف���������������س�������ال�������ت ������ش�����ع�����اب�����ه�����ا‬
‫وعلم ح�س ��ان بن ثابت ر�ض ��ي اهلل عنه بالأمر‪ ،‬وخ�شي �أن ت�سكت دو�س بعد �أخذ الدية‪،‬‬
‫فقال يحر�ضها على قري�ش‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫�أ���ص��دا�ؤه ره��ن امل�ض َّيح فاقدحي‬ ‫ي�����ا دو���������س �إن �أب��������ا �أزي������ه������ر �أ����ص���ب���ح���ت‬
‫(‪)3‬‬
‫ي����أت���ي ال���دن���ي���ة ك���ل ع���ب���دٍ ن��ح��ن��ح‬ ‫ح�����رب�����اً ي�������ش���ي���ب ل����ه����ا ال����ول����ي����د ف�����إمن����ا‬
‫(‪)4‬‬
‫وب��ك��ل �أب��ي�����ض كالعقيقة م�صفح‬ ‫واب������ك������ي �أخ������������اك ب����ك����ل �أ������س�����م�����ر ذاب������ل‬
‫(‪)5‬‬
‫ف��ت��خ��اء ك���ا����س���رة ت����دف وت���ط���م���ح‬ ‫وب�������ك�������ل ������ص�����اف�����ي�����ة الأدمي ك������أن�����ه�����ا‬
‫(‪)6‬‬
‫����س���ي���د مب���ق���ف���رة و����س���ه���ب �أف�����ي�����ح‬ ‫وطِ ����������مِ ���������� َّرة م���������رط اجل��������������راء ك�����أن����ه����ا‬
‫(‪)7‬‬
‫ب���أب��ي �أزي��ه��ر م��ن رج���ال الأب���ط���ح‬ ‫�إن ت�����ق�����ت�����ل�����وا م�������ائ�������ة ب���������ه ف����دن����ي����ة‬
‫فهيج هذا القول دو�س� � ًا ‪ ،‬وتنادوا لأخذ الث�أر ‪ ،‬ف�أغاروا على قري�ش ‪ ،‬فقتلوا منهم مقتلة‬
‫عظيمة ثم جعلوا يرت�ص ��دون عريهم ‪ ،‬فيقتلون من قدروا عليه حتى ر�ض ��وا منهم‪ ،‬وفر�ضوا‬
‫عليهم �إتاوة دينار ًا يف كل قتب ‪ ،‬فر�ض ��وا بذلك ‪ ،‬وقال �ش ��اعرهم الدو�س ��ي يرد على ح�سان‬
‫بن ثابت ‪:‬‬
‫ب������أن�����ا ث������أرن�����ا م�����ن ق���ت���ي���ل امل�������ض��� َّي���ح‬ ‫�أال �أب����ل����غ����ا ح�������س���ان �أع�����ن�����ي اب������ن ث���اب���ت‬

‫((( ال�شروج ‪ :‬الفرق ‪ ،‬واحدها ال�شرج على وزن القرب‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( اقدحي‪� :‬أثريي‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( النحنح ‪ :‬اللئيم ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( العقيقة ‪ :‬الربق و�سط ال�سحاب ك�أنه �سيف م�سلول‪ .‬امل�صفح ‪ :‬العري�ض املمال ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( فتخاء ‪ُ :‬عقاب ‪ ،‬ويف البيت �إقواء ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( الطمرة بك�س ��ر الطاء وامليم والراء امل�ش ��ددة املفتوحة ‪ :‬ال�سريعة ‪ ،‬ي�صف الفر�س ‪ ،‬ومرطى اجلراء‪� :‬سريعة ‪ .‬ال�سيد‪:‬‬
‫الذئب ‪ ،‬ال�سهب ‪ :‬الفالة ‪ .‬الأفيج ‪ :‬الوا�سع ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( الأبطح ‪ :‬مكة ‪ ،‬وانظر الأبيات يف ديوان ح�سان ‪ ( . 45 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫‪159‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫وع�������ش���ري���ن �إال واح���������دًا مل ي��ت�� َّي��ح‬ ‫ث��ل�اث��ي�ن م�����ن �أب�����ن�����اء ف���ه���ر ب�����ن م���ال���ك‬
‫(‪)1‬‬
‫و���س��ه�� ًم��ا وخم���زو ًم���ا ك�����ش��اء م��ذ َّب��ح‬ ‫ت���رك���ن���ا ������س�����راة احل������ي ت���ي��� ًم���ا وع�����ام����� ًرا‬
‫(‪)2‬‬
‫ت��ق��ـ��ر ب��ه��ا ع��ـ�ين ال�����ش��ج��ي امل����د َّب����ح‬ ‫وال بد من �أخـرى على �أبطحيهـم فدونكها‬
‫(‪)3‬‬
‫�شماطيط �أم��ث��ال القطا امل�ت�روح‬ ‫ي������������ا اب����������������ن ال��������ف��������ري��������ع��������ة ��������ش�������ز ًب�������ا‬
‫(‪)4‬‬
‫�سخينة بيـع الأحت��م��ي امل�س َّيـح‬ ‫ُت���ن���� ِّ���س���ي ه�����ش��ـ��ام ب����ن ال���ـ���ول���ي���د وره��ط��ـ��ه‬
‫بع�ضا من قبائل الأزد �شاركت قبيلة دو�س يف حربها لقري�ش‬ ‫وتذكر بع�ض امل�ص ��ادر �أن ً‬
‫مكة ث�أ ًرا لأبي �أزيهر الدو�سي ‪ ،‬ومن تلك القبائل قبيلة بارق ‪ ،‬لقول �شاعرهم �سراقة الأكرب‬
‫بن مردا�س معددًا بع�ض َمن قتلوهم من �صناديد قري�ش ب�أبي �أزيهر ‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ت���ق���ح���م���ن���ا امل�������ش���اع���ر م���ع���ل���م���ي���ن���ا‬ ‫ل������ق������د ع�����ل�����م�����ت ب������ن������و �أ����������س���������د ب�������أن������ا‬
‫وح��������ر ًب��������ا وامل�����������س�����ي�����ب �إذ ل���ق���ي���ن���ا‬ ‫ت������رك������ن������ا ب�����ع�����ك�����ك�����ا واب���������ن���������ي ه���������ش����ام‬
‫(‪)6‬‬
‫ومل ن���ك م���ن ق��ري�����ش �أوج���ري���ن���ا‬ ‫وع����������و ًف����������ا ب��������ع��������ده ال����������ع����������وام ره������ ًن������ا‬
‫مب�����ك�����ة وال�������������س������ب������اع م���ط���رح���ي���ن���ا‬ ‫ت������رك������ن������ا ت�����������س�����ع�����ة ل�����ل�����ط��ي��ر م���ن���ه���م‬
‫ن����ري����د ال�������س���ل���م ق���ل���ن���ا ق�����د ر���ض��ي��ن��ا‬ ‫ف����ل����م����ا �إن ق�������ض���ي���ن���ا ال������دي������ن ق����ال����وا‬
‫(‪)7‬‬
‫ي�������ـ��������ؤدون الإت�������ـ�������اوة �آخ����ـ����ري����ن����ا‬ ‫و����ض���ع���ن���ا اخل�����ـ�����رج م���و����ص���ـ���و ًف���ا ع��ل��ي��ه��م‬
‫ب���������ه ح���������ز احل����ل����اق���������م ي����ت����ق����ون����ا‬ ‫ل������ن������ا يف ال��������ع����ي���ر دي���������ن���������ار م�������س���م���ى‬
‫����ش���ـ���م���ا ًال يف ال���ب���ـ���ـ���ـ�ل�اد والمي���ي���ن���ـ���ا‬ ‫ول���ـ���ـ���وال ذاك م����ـ����ا ج���ـ���ال���ت ق��ري�����ش‬
‫فل ��م يزل ذلـك عليه ��م ي�ؤدونه �إىل الأزد ‪ ،‬حتى ظهر النب ��ي ﷺ ‪ ،‬وطرحه فيما طرح‬
‫حروب‬
‫ٌ‬ ‫من �س�ن�ن اجلاهلية ‪ .‬وقد جرى بني قبائلها �أي (قبائل دو�س) يف الع�ص ��ر اجلاهلي‬
‫�أهلية ‪ ،‬من �أهمها حربان هما "يوم ِح ْ�ض َرة" ‪ ،‬ويوم " ُثروق" ‪� ،‬أعر�ضنا عن ذكر تفا�صيلها‬
‫خ�ش ��ية الإطالة ‪ .‬ومن �ش ��عرائهم و�أدبائهم ‪ :‬يف اجلاهلية ‪ :‬مالك بن فهم الدو�س ��ي ‪ ،‬وولده‬
‫((( �سراة احلي ‪� :‬أ�شرافهم ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( املدبح ‪ :‬الذليل ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( ال ُفريعة‪� :‬أم ح�سان بن ثابت ‪ .‬ال�شزب ‪ :‬اخليل ال�ضمر‪� .‬شماطيط ‪ :‬فرقا ‪ .‬القطا ‪ :‬جمع القطاة ‪ ،‬وهي طائر يف حجم‬
‫احلمام ‪ .‬املرتوح ‪ :‬ال�سائر يف الع�شي ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( ال�سخينة ‪ :‬طعام كانت تتخذه قري�ش من الدقيق دون الع�صيدة يف الرقة وفوق احل�ساء ‪ ،‬ت�أكله يف �شدة الدهر وغالء‬
‫ال�س ��عر وعج ��ف املال وكانت تع�ي�ر به ‪ .‬انظر بلوغ الأرب يف معرفة �أحوال العرب (‪ . )38/1‬والأحتمي ‪� :‬ض ��رب من‬
‫الربود ‪ ،‬وامل�س ��يح من الثياب‪ :‬املخطط ‪ ( .‬ابن �س ��دران ) ‪ .‬التاريخ الأدبي يف �أر�ض ال�س ��روات يف اجلاهلية و�ص ��در‬
‫الإ�س�ل�ام من املو�ض ��وعات التي مل تدر�س حبذا �أن يت�ص ��دى لهذا املو�ض ��وع �أحد طالبنا يف برنامج الدرا�سات العليا‬
‫بق�سم التاريخ يف جامعة امللك خالد ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( امل�شاعر‪ :‬مكة ‪ .‬معلمينا من �أعلم نف�سه �إذا و�سمها ب�سيماء احلرب‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( �أوجرين ‪ :‬خائفني ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( الإتاوة ‪ :‬نوع من النكال كاجلزية‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪160‬‬
‫�س ��ليمة ‪ ،‬وعمرو بن حممة الدو�س ��ي ‪ ،‬حكيم العرب ‪ ،‬وكهم�س بن ُ�شعيب الدو�سي ‪ ،‬ذكره �أبو‬
‫حامت ال�سج�س ��تاين يف املعمرين ‪ ،‬وقال عنه‪ :‬عا�ش �أربعني ومائة �س ��نة(‪ )1‬وغري هم ‪� .‬أ ّما يف‬
‫الإ�سالم فمنهم ‪ :‬عدي بن وداع الع ِّقي ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬وا�سم الع ِّقي منقذ بن احلارث ‪ ،‬وقيل‬
‫احل ��ارث بن مالك بن فه ��م بن غنم بن دو�س بن عدثان بن عب ��داهلل بن زهران(‪ .)2‬وكعب‬
‫بن معدان الأ�ش ��قري ‪ ،‬من ولد �س ��عد بن عائذ بن مالك بن عمرو بن فهم بن غنم بن دو�س‬
‫بن عدثان بن عبداهلل ابن زهران ‪ ،‬له ق�ص ��ائد تعد من غرر الق�ص ��ائد العربية(‪ .)3‬ووهب‬
‫بن جرير بن حازم بن زيد بن عبداهلل ابن �ش ��جاع اجله�ض ��مي ‪ .‬من ولد مالك بن فهم بن‬
‫غنم ابن دو�س بن عدثان بن عبداهلل بن زهران الأزدي ‪ ،‬له �أرجوزة طويلة يف و�صف طريق‬
‫احلج من الب�ص ��رة �إىل مكة املكرمة(‪ .)4‬ومحُ َ َّم ُد ْبنُ الحْ َ َ�س � ِ�ن ْب ِن ُد َر ْي ِد بن عتاهية بن حنتم‬
‫بن الحْ �سن بن حمامى بن جرو بن وهب بن َوا�سع بن َ�سل َمة بن َحا�ضر بن حنتم بن َظالمِ بن‬
‫َحا�ضر بن �أ�سد بن عدى بن َع ْمرو بن ملك بن فهم بن غنم بن دو�س بن عدنان ْبن عبد اهلل‬
‫ب ��ن زه ��ران بن َك ْعب بن الحْ َ ْرث بن َك ْعب بن عبد اهلل بن َمالك بن االزد بن ا ْل َغ ْوث(‪ ..)5‬ورد‬
‫عن ال�س ��معاين (‪ )343/5‬قوله فيه ‪":‬كان يقال هو �أعلم ال�ش ��عراء و�أ�شعر العلماء" ‪ ،‬وجاء‬
‫يف كتاب " معجم ال�ش ��عراء العرب" ‪ :‬من �أئمة اللغة والأدب ‪ ،‬قال عنه �ص ��احب م�ص ��نف ‪:‬‬
‫الوفيات والأحداث (‪� : )76‬إمام اللغة و�شيخ الأدب ‪� ،‬سلفي ‪ ،‬له ثنا ٌء على �أهل احلديث" كما‬
‫قال عنه القفطي يف كتابه " املحمدون من ال�ش ��عراء و�أ�شعارهم (‪ : ")61‬الإمام‪ ،‬العالمة ‪،‬‬
‫اللغوي ‪ ،‬الإخباري ‪ ،‬الفا�ضل ‪ ،‬الكامل‪ ،‬ال�شاعر ‪� ،‬شيخ امل�شايخ ‪ ،‬فريد الوقت ‪ ،‬نادرة ال ّدهر‬
‫‪� ،‬إمام الأم�صار"‪ .‬من ت�صانيفه ‪ :‬اجلمهرة يف اللغة ‪ ،‬ا�شتقاق �أ�سماء القبائل ‪� ،‬أدب الكاتب‪،‬‬
‫املق�ص ��ور واملمدود ‪ ،‬وغريب القر�آن مل يكمل(‪ .)6‬له ديوان �ش ��عر ‪ ،‬حققه‪ :‬حممد بدر الدين‬
‫العلوي‪ .‬ومنهم اللغوي البارع‪ :‬علي بن ح�سن الهنائي ‪ ،‬امللقب ‪" :‬كراع النمل" �صاحب كتاب‬
‫"املنج ��د" يف اللغة(‪ ،)7‬وغريه من امل�ص ��نفات اللغوية املفيدة ‪ .‬ول ��و ذهبنا نعدد علماءهم‬ ‫‪َّ :‬‬
‫و�أدباءهم يف اللغة وال�ش ��عر يف اجلاهلية والإ�س�ل�ام ل�ضاق بنا املجال لكرثتهم ‪ ،‬وما �أوردناه‬
‫يكفي للتعريف بهم ‪.‬‬

‫ال�سج�ستاين ‪ :‬املعمرون والو�صايا‪ ( . 29 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬


‫الق�صائد احل�سان لبع�ض �شعراء غامد وزهران ‪ ( .175 .‬ابن �سدران ) ‪�.‬إن تاريخ الأدب وال�شعر وال�شعراء يف �سروات‬ ‫(((‬
‫غامد وزهران قبل الإ�سالم وبعده من املو�ضوعات التي مل تدر�س ون�أمل من �أ�ساتذة اللغة يف جامعة الباحة �أن يتولوا هذا‬
‫املو�ضوع بالبحث والتوثيق ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫امل�صدر نف�سه ‪ ( .211 .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫امل�صدر نف�سه ‪ ( .275 .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫االنتقاء يف ف�ضائل الثالثة الأئمة الفقهاء (‪ ( . )115/1‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫معجم امل�ؤلفني ‪ ( .)189/9( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫البحث اللغوي عند العرب ‪ ( . )289/1( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪161‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫وكان ��ت لهم عدة ممالك يف اجلزيرة العربية وخارجها ‪ ،‬فكانت لهم مملكة يف القطر‬
‫ال ُع َماين بزعامة مالك بن فهم الدو�سي ‪� ،‬أ�س�سها يف ذلك القطر �إبان رحيله �إليه‪ ،‬و�أخرى يف‬
‫احلرية من �أر�ض العراق ‪ ،‬بزعامة ابنه جذمية بن مالك بن فهم الدو�سي‪ ،‬امللقب بالأبر�ش‬
‫�أو الو�ضاح ‪ ،‬لرب�ص كان به ‪ ،‬وثالثة يف �أر�ض فار�س ‪ ،‬بزعامة ابنه َ�س ِليمة بن مالك بن فهم‬
‫الدو�سي ‪� ،‬أ�س�سها بعد �أن رحل �إىل "مكران" من �أر�ض فار�س عقب قتله والده مالك بن فهم‬
‫‪ ،‬بطريق اخلط�أ ‪ ،‬وذلك خوف بط�ش �إخوته به ‪ ،‬ورابعة يف العهد الإ�س�ل�امي بتهامة زهران‬
‫‪ ،‬بزعامة �س�ل�اطني من قبيلة بني ُ�س ��ليم الدو�س ��ية القاطنة يف اجلزء التهامي الزهراين ‪،‬‬
‫وهم يعودون يف قبيلة دو�س ‪ ،‬حيث كان يت�ص ��در ا�س ��م احلاكم منهم عبارة "ال�س ��لطان بن‬
‫ال�سلطان" ‪ .‬وتعد قبيلة دو�س يف الع�صر اجلاهلي من القبائل املتح�ضرة ‪� ،‬إذ كان لها قرية‬
‫كب�ي�رة ت�س ��مى‪ُ " :‬ث ُر ْوق" يف وادي ثروق احل ��ايل ‪ ،‬التي ذكر ياقوت احلموي يف معجمه وجود‬
‫منرب فيها ‪ ،‬واملنرب يف العادة ال يكون �آنذاك �إال يف القرى الكبرية ‪ ،‬وهو ُم َع ٌّد للخطابة و�إعالن‬
‫احلرب ‪� ،‬أو �إقرار ال�سلم ‪ ،‬وخلع ال�صعاليك‪ ،‬وكتابة العهود واملواثيق والأحكام التي تتخذها‬
‫القبيل ��ة ‪ ،‬يف ��د �إليها العرب م ��ن كل مكان للتحاكم على يد حكيم الع ��رب ‪ :‬عمرو بن حممة‬
‫الدو�س ��ي ‪ ،‬ولت�أدية الطقو�س الوثنية عند �صنميها ال�شهريين (ذي اخلل�صة ‪ ،‬وذي الكفني)‬
‫(�س َليم)‪ .‬التي كانت تعقد يف ال�سنة‬ ‫‪ ،‬وللت�س ��وق يف �س ��وق تلك القرية اجلامعة امل�سماة �سوق ُ‬
‫مرتني فقط ‪ ،‬ملدة ثالثة �أيام الأوىل يف عيد الفطر والثانية يف عيد الأ�ض ��حى‪ .‬ويف اجلانب‬
‫الغربي من تلك ال�سوق التاريخية‪ ،‬حتت �شجرة عظيمة ت�سمى‪":‬ال ُّر َّق َاعة" يوجد حجر كبري‬
‫م�ست ٍو ر�سم عليه خطوط لعبة (ال َق ْط َرة) امل�سماة يف اللغة (ا ْل ِق ْرق) ال تزال ت�شاهد بو�ضوح‬
‫على ذلك احلجر �إىل وقتنا احلايل‪ ،‬وحوله حجارة كاملقاعد رمبا و�ض ��عت للمتفرجني على‬
‫حجر �أكرب من‬ ‫اللاَّ ِع َبينْ االثنني وهما يلعبانها ‪ ،‬وكل واحد منهما يلعب بت�س ��عة �أحجار ‪،‬كل ٍ‬
‫الحْ ِ َّم َ�ص ��ة ‪ .‬ويطلق عليها �أم ت�س ��ع‪ ،‬وهناك ال�صغرية وت�س ��مى "�أم ثالث" لأن كل واحد من‬
‫الالعبني يحمل ثالثة �أحجار يلعب بها‪ ،‬جاء يف ل�س ��ان العرب (‪َ " : )322/10‬و ِمنْ كَلاَ ِم ِه ْم‬
‫"ا�ستوى ال ِق ْر ُق َف ُقو ُموا ِب َنا �أَ ِي ْ‬
‫ا�س َت َو ْي َنا فيِ ال َّل ِع ِب َف َل ْم ( َي ْق ُم ْر) َو ِاح ٌد ِم َّنا َ�ص ِاح َبهُ"(‪ .)1‬ومن‬ ‫َ‬ ‫‪:‬‬
‫�أ�س ��مائها كما ورد يف كتاب ‪" :‬تاج العرو�س" ‪ُّ : " 530 /11‬‬
‫"ال�س � َ�در"‪� .‬إ َّال �أنها م�ش ��هورة يف‬
‫زهران با�س ��م ‪" :‬ا ْل َق ْط َرة"‪ .‬ومما يدل على حت�ض ��ر قبيلة دو�س وبقية قبائل زهران الأخرى‬
‫(ال�ش َّدات) الوثائق‬ ‫يف الع�ص ��ر اجلاهلي‪ ،‬و�أخذها ب�أ�سباب اال�ستقرار تلك الوثائق امل�سماة َّ‬
‫املنظمة للأ�سواق الأ�س ��بوعية املنعقدة يف كل قبيلة و�أمور النا�س االجتماعية الأخرى ‪ ،‬فقد‬

‫((( هي لي�ست بقمار حتى ُيقال هذا القول بعاليه ‪ ،‬فال ُجعل فيها وال بني الالعبني �شرط ‪ ،‬و�إمنا هي مو�ضوعة للت�سلية ال غري ‪،‬‬
‫ولو قال ‪ " :‬فلم يغلب واحد منا �صاحبه " ‪ .‬لكان �صواب ًا‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪� .‬أ�شكرك يا علي على هذا ال�سرد التاريخي ‪،‬‬
‫وهذا مما ي�ؤكد على �أن �أر�ض تهامة وال�سراة لها تاريخ قدمي ومتنوع ولكنه للأ�سف �ضاع لعدم تدوينه ‪ ،‬ومازال منه النزر‬
‫الي�سري متناثر يف كتب الرتاث الإ�سالمي ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪162‬‬
‫�أعط ��ت لكل حادثة حك ًما جزائ ًّيا ‪ ،‬لردع املعتدي يف تلك الأ�س ��واق ‪� ،‬أو الطرق امل�ؤدية �إليها‪،‬‬
‫وب�س ��طت الأمن يف ربوع ديارها ثالثة �أيام لرواد الأ�س ��واق ‪ ،‬بحيث ي�أمن املرء على نف�س ��ه‪،‬‬
‫وعلى ب�ض ��اعته وم�ش�ت�رياته فيما ي�س ��مى (بعقود ال�سوق) وعقود ال�س ��وق ت�شمل حماية من‬
‫يوما‬‫يدخل قبيلة راعية ال�س ��وق التي ُتعقد يف حماها ‪ ،‬وت�أمني الطرق امل�ؤدية �إليها ‪ ،‬فجعلت ً‬
‫قبل يوم انعقاد ال�س ��وق ‪ ،‬بحيث ي�س ��تطيع املرء املبيت يف ال�سوق بتجارته ‪� ،‬أو يف �أحد البيوت‬
‫املجاورة دون �أن يعرت�ضه �أحد ‪ ،‬حتى ولو كان غرميه �أحد �أفراد قبيلة �صاحبة ال�سوق ‪ ،‬فله‬
‫حرية ال�س�ي�ر يف طرق ال�س ��لطان ‪ ،‬حتى ي�صل �إىل ال�س ��وق ب�أمان تام ‪ ،‬ويوم انعقاد ال�سوق ‪،‬‬
‫ويوما بعد يوم انعقاد‬ ‫قاتل �أبيه و�س ��ط ال�س ��وق فال يعرت�ض �س ��بيله ‪ً ،‬‬‫بحيث لو قابل الرجل َ‬
‫ال�س ��وق ‪ ،‬وذل ��ك لت�أمني طريق ع ��ودة املت�س ��وقني �إىل ديارهم وهم �آمنون ‪ .‬جاء يف �ش ��دتي‬
‫(وثيقتي) �سوقي (اخلمي�س والثالثاء) بقبيلة بني فهم الدو�سية ‪ ،‬الأوىل كانت تعقد بقرية‬
‫(�آل ِن ْع َم ��ة) والثاني ��ة ببل ��دة (ب َر ْح َرح) وكلتا القريت�ي�ن من ُق َرى قبيلة بني فه ��م ‪ِ " :‬وك َّن ُهم‬
‫(وك�أ َّنه ��م) مع املبلي حيال ٍيد واحدة والبايل غرازه ُح� � ْوب(‪� )1‬أذنه ‪ِ ،‬وكنَّ ( وك�أنَّ ) الأخ ما‬
‫ي�ؤخ ��ذ يف ُج ��رم �أخيه ‪ ،‬وال الولد ي�ؤخ ��ذ يف �أبيه ‪ ،‬وال (ابن) العم ي�ؤخ ��ذ يف جرم ابن عمه‪،‬‬
‫ِوك َّن ُهم دخلوا بني فهم يف عقود �س ��وق اخلمي�س و�س ��وق الثالثاء‪ ،‬بني فهم من ُح ْ�ض� � َوة �إىل‬
‫َ�س� � ْي َحان ‪ ،‬ويوم اخلمي�س لبني فهم �آمن �ض ��امن ‪ ،‬من �ص ��بح يومه �إىل �صبح اجلمعة ‪ ،‬وكنَّ‬
‫يوم الثالثاء لبني فهم �آمن �ضامن ‪ ،‬من �صبح يومه �إىل �صبح الربوع ‪ ،‬وباقي عقد اخلمي�س‬
‫بني �أهله ‪ ،‬وباقي عقد الثالثاء بني �أهله ‪ ،‬وكنَّ �ش� � َّدات ال�س ��وقني البندقة �إىل نا�ضت(‪ )2‬بال‬
‫معزرة(‪ )3‬و�إن � َآ�س � ْ�ت(‪ )4‬فعتبها مث ��ل َن ِّ�ص ما يحكم به‬
‫�س ��بب ‪ ،‬ففيها ع�ش ��رة ريال و�أربعون ِّ‬
‫ال�شرع(‪ ،)5‬و�إن ح�صل منها موت ف َن َقا باملفتعل ‪ ،‬واجلنب َّية �إىل ُ�س َّلت بال �ساية ‪ ،‬فعليها ثالثة‬
‫عط َبها ‪ ،‬واحلجر و(الع�صاة) �إىل‬ ‫معزرة ‪ ،‬و�إنْ ح�صل منها �سبب فعتبها مثل َ‬ ‫ريال وع�شرون ِّ‬
‫(‪)6‬‬
‫ومعزرتها ع�شرون ‪ ،‬وال�سوق من املكتفالت ‪ ." ..‬وجاء يف‬ ‫ُ�ض ِرب بها ‪ ،‬عت َبها مثل َعطبها ‪ِّ ،‬‬
‫َ�ش َّدة (وثيقة) �سوق اخلمي�س التي كانت �سو ًقا جامعة لقبائل بني ُع َمر ببلدة الأطاولة ب�سراة‬

‫ُح ْوب ‪ :‬م�صطلح حملي له عدة معاين ‪ ،‬وهو هنا مبعنى يخ�ص نف�سه ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫"نا�ضت" �أي �أُ ْط ِل َقت ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫قوله ‪َ :‬‬ ‫(((‬
‫قوله "المْ ُ َعزِّ َرة" هم من يقومون ب�أخذ ال َع ِزير من املتعدِّ ي ‪ ،‬وا ْل َع ِزير لهجة حملية يق�صد بها التغرمي ‪ ،‬وهو بخالف‬ ‫(((‬
‫ال َّت ْع ِز ْير ‪ ،‬فالتعزير حكم �ش ��رعي يحكم به القا�ض ��ي على املعتدي فيما دون احلدود ال�ش ��رعية �أ َّما العزير فهو ُع ْرف‬
‫قبل ��ي يحك ��م به ال َعا ِر َفة على من يعتدي على غريه يف نف�س ��ه و�أهله �أو �أمالكه ‪ ،‬و�ص ��ورته ‪� :‬إ َّم ��ا يدفع للقبيلة دراهم‬
‫معلومة �أو يذبح له�ؤالء امل َعزِّ َرة ً‬
‫كب�شا �أو �أكرث �أو ثو ًرا ‪ ،‬واجلرم يقرر مقدار التعزير ‪.‬‬
‫�أي جرحت ‪.‬‬ ‫(((‬
‫يوجد الكثري من الوثائق احلديثة يف �أيدي الأ�سر والأفراد يف بالد تهامة وال�سراة‪ .‬ومثل هذه امل�صادر مهمة فيجب‬ ‫(((‬
‫جمعها وحفظها وت�شجيع درا�ستها وحتليلها‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫انظر ‪ :‬بطون قبيلة زهران ‪ ( . 476 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪163‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫زهران ‪" :‬ومن ال�ش ��روط الذي بينهم ف�إنه �آمن �ض ��امن ب�أم ��ن اهلل و(�أمن) �أهله ‪ :‬اجلارم‬
‫الرقبة وغرق اليد ‪ ،‬و�إن �ش ��رط هذا ال�س ��وق من ُظهر نهار الرب ��وع �إىل ُظهر نهار اجلمعة ‪،‬‬
‫و�إن يف (الهو�شات) �أن يف احلجر �شاتني‪ ،‬و�إن �أخط�أ ففيه �شاة ‪ .‬و�أن يف َم ْ�ش َقة اجلنبية �شاة‬
‫‪ ،‬و�إن �ض ��رب بها و�س ��ال الدم ففيها ثور ‪ .‬و�إن امل�ش ��عاب والع�صا �إىل ُ�ضرب بها ففيها �شاة‪،‬‬
‫و�إن �سال الدم ففيها �شاتان ور�ضا امل�ضروب‪ .‬ونك�سة العود فيها �شاة‪ .‬واللطمة فيها �شاتان‪..‬‬
‫ال�ص� �فْح التابعة لقبيلة باخلزمر ‪،‬‬ ‫(‪ .")1‬وجاء يف َ�ش� � َّدة (وثيقة) �س ��وق ربوع ال�صفح بقرية َّ‬
‫�إحدى قبائل بني �أو�س ب�سراة زهران ‪" :‬و�إن ما يقع يف العقود �إنه يف وجه الكفالء(‪ ،)2‬املثل‬
‫وال�س ��اية يف الأجنبي(‪� ،)3‬إن كان ��ت من الأحالف‬ ‫مبثل ��ه يف الرق ��اب واملال بر�أ�س ��ه �أو مثله‪َّ ،‬‬
‫َّ َ (‪)4‬‬
‫فنذر ال�شريعة وعزير �أربعني من الكفالء ‪ ،‬والرقاب فيها النقا ‪ ،‬و�إن كانت من �أجنبي يف‬
‫�أجنب ��ي ‪ ،‬فك ٌّل يقوم بقبيله حتى ترتف ��ع البي�ض ‪ ،‬وال منهم من (يذخر) قبيله ‪ ،‬و�إنهم حيا ٌل‬
‫لل�س� � َّباب وال قبيل يحوطه حتى تطلع‬ ‫على املفت ِعل و�إذا كان عد ًّوا فالبالد وال�س ��وق مفرو�ش ��ة َّ‬
‫ال�س� � َّباب ‪ ،‬وال عليهم ( ُل َغا ) �إال مبا ذكر ‪ ،‬وه ْو َ�ش ��ة ال�س ��وق ما فيها َم َع ِّ�صب ‪،‬‬
‫(‪)5‬‬
‫البي�ض من َّ‬
‫َ (‪)6‬‬
‫الفاعل �ش ��رطهما واحد ‪ ،‬واجلنب َّية �إذا ُ�س َّلت يف ال�س ��وق ومل ُتك ِّون فعزير‬ ‫والمْ َ َع ِّ�ص ��ب مثل ِ‬
‫�أربعني‪ ،‬و�إن َك َّو َنت فنذر ال�ش ��ريعة وعزير �س ��تني ‪ ،‬ومن �ضرب بالع�صا فعزير �أربعني ‪ ،‬ومن‬
‫�ش ��ال احلجر ورمى به ومل ي�صب فعزير ع�شرين ‪ ،‬و�إن �أ�صاب فنذر ال�شريعة وعزير �أربعني‬
‫‪� ،‬إ َّال الفارع �إذا َ�ض� � َرب بالع�ص ��ا فال عليه وجه‪� ،‬إ َّال �أن ُي�ستحانّ منه ‪ ،‬فعليه ميني ما َع َّ�ص ْبت‬
‫‪ ،‬و�إنّ ما يلحق املفت ِعـل(‪ )7‬يف ال�س ��وق �إنّ ما فيه وجه من الكفالء و�أنه ي�س ��تحق ما (جاه) يف‬
‫هو�ش ��ة ال�س ��وق و�أ َّما النقا يف الر َق َبة فال فيها �إ َّال اجلارم ‪ ." )8( ..‬كما خ�ص�ص ��ت جلنة من‬
‫�أفراد القبيلة �صاحبة ال�سوق ومن مهامها الإ�صالح بني املتخا�صمني‪ ،‬وف�ض املنازعات التي‬
‫قد حتدث يف حميط ال�س ��وق ‪ ،‬والإ�ش ��راف عل ��ى مكاييل وموازين الباعة ‪ ،‬بعد �أن فر�ض ��ت‬

‫بطون قبيلة زهران ‪ ( . 575 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬


‫لكل �سوق هيئة ت�شرف عليها ي�سمون الأمناء �أو الكفالء ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫قوله‪ :‬ال�س ��اية يف الأجنبي ؛ �أي التعدي على الأجنبي‪ ،‬واملق�ص ��ود بالأجنبي كل َمن هو من غري �أفراد القبيلة �صاحبة‬ ‫(((‬
‫ال�سوق‪( .‬ابن �سدران )‪.‬‬
‫"ال َّن َقا" ‪ :‬حكم قبلي وهو ‪ :‬الق�ص ��ا�ص ال غري ‪ ،‬فمن قتَل ال بد �أن ُي ْقتَل يف ال�ش ��ريعة �أو الطبيعة كما ي�س ��مونها ‪ ،‬لكن‬
‫َ‬ ‫(((‬
‫"النق ��ا" يف عرفه ��م حك ��م جائر ‪ ،‬وي�أتي جوره من �أنه ��م �إذا مل يتمكنوا من القاتل �إ َّما لمِ َ َن َع ِته �أو هربه �أو موته‪ ،‬فالبد‬
‫�أن ُت َع�ِّينِنِّ قبيلت ��ه �أح ��د �أفرادها لتقتله قبيلة املقتول ‪ ،‬وغال ًبا ما يكون خامل الذكر يف قبيلته �أو ممن ال ي�س ��تفاد منه ‪.‬‬
‫والغريب �أن هذا ال�ضحية ال يعلم مبا ُد ِّبر له ‪ ،‬وت َُ�س ِّهل قبيلته الطريق لقتله ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫المْ ُ َع ِّ�صب هو املنحاز �إىل �أحد املتقاتلني بق�صد ن�صرته ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫قوله‪" :‬تك ِّون �أي جترح ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫قوله ‪ :‬امل ْف َت ِعل ؛ �أي البادئ بالقتال فهو لي�س يف وجه الكفالء ‪ ،‬وال له حق املطالبة ب�أر�ش ما �أ�صابه ‪ ،‬ومثل ما تقول‬ ‫(((‬
‫العامة ‪ :‬يلح�س د ََمه ‪ ( ..‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫بطون قبيلة زهران ‪ ( . 172 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪164‬‬
‫عليه ��م توحيدها لتطابق م ��ا لدى تلك اللجنة ‪ .‬ف�إن تطابقت معه ��ا تركوها له ‪ ،‬و�إ َّال �أنذروا‬
‫�ص ��احبها بعدم ا�س ��تعمالها يف ذلك اليوم ‪ ،‬وعليه �أن يعمل على مطابقتها مبا لدى اللجنة‪،‬‬
‫و�إن هبط بها ال�سوق يف الأ�سبوع القادم وهي ناق�صة ك�سروها �أمام رواد ال�سوق‪ ،‬ومما يجب‬
‫التنبيه عليه هو �أن تلك القوانني املنظمة للأ�س ��واق الأ�س ��بوعية ‪ ،‬م�أخوذة من القانون العام‬
‫‪ ،‬املعمول به بني قبائل زهران كافة ‪� ،‬إىل جانب عملهم بقانون ال�شريعة الإ�سالمية الغراء ‪،‬‬
‫فقد عرثنا على نظام متكامل ي�شبه قانون الأحوال ال�شخ�صية ‪ ،‬ي�سمى (ال�ست اللوازم(‪))1‬‬
‫‪ ،‬ويق�ص ��د بال�س ��ت اللوازم يف مفهوم القوم ‪ :‬هي ما َيلزم الوفاء بها ‪ ،‬واللوازم ال�س ��ت التي‬
‫وال�س � ِ�د ْيدُ‪،‬‬ ‫التزموا بها ونا�ص ��روها يف ه ��ذا القانون املكتوب هي حماية ال َّر ِح ُيم‪ ،‬والحْ ِ ْل ُف‪َّ ،‬‬
‫والجْ َ ا ُر‪ ،‬والزَّادُ‪ ،‬ويف بع�ض الن�سخ‪ :‬الق�صبة املربوعة‪ ،‬وهي الديرة التي تخ�ص القبيلة ‪ ،‬ويف‬
‫وال�ض ْي ُف ‪ .‬بدل الق�صبة(‪ .)2‬ثم و�ضعوا لكل الزمة من تلكم اللوازم ال�ست يف‬ ‫بع�ض الن�سخ ‪َّ :‬‬
‫حال ارتكابها جزاءات بدنية وغرامات مالية ‪ ،‬وعندما بد�أوا يف تطبيقها ظهرت لهم لوازم‬
‫أي�ضا عقوبات وغرامات منا�سبة ‪� ،‬أو�ضحتها‬ ‫�أخرى ‪ ،‬ف�أو�صلوها �إىل ع�شر لوازم وو�ضعوا لها � ً‬
‫يف كتابي ‪( :‬بطون قبيلة زهران) ‪ .‬ولعلي �أن�شرها بتو�سع يف بع�ض م�ؤلفات الأ�ستاذ الدكتور‬
‫غيثان بن جري�س(‪ ،)3‬وفيما يلي �أمثلة لبع�ض ما و�ضعوه لتلك اللوازم من عقوبات وغرامات‬
‫‪ .‬ولنب ��د�أ باحلل ��ف الذي يتم بني الأفراد �أو القبائل فقالوا عن ��ه ‪ :‬والحْ ِ ْل ُف �أَ ْق َوى َالز َِمة ‪َ ،‬و�إنَّ‬
‫الذ ْينَ َب ْي َن ُه ْم َ�ش َّد ٌة َو�إ َّال ِكت ُ‬
‫َاب ِح ْل ٍف ِ�إ َّن ُه ْم ُم ْلزَ ُم ْونَ بمِ َ ا فيِ َ�ش َّد ِت ِه ْم(‪.)4‬‬ ‫ال�ش َر َكا َء ِّ‬
‫الحْ ِ ْل َف َو ُّ‬
‫ال�س � ِ�د ْي ِد َم َع َ�س � ِ�د ْي ِد ِه َ�س ْب َع ُة‬
‫وقالوا عن ال�س ��ديد ‪ ،‬وهو الرفيق يف الطريق ‪:‬وَفيِ ُع ْر َ�ض� � ِة َّ‬
‫اب ‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫ال�س َّب ِ‬ ‫ا�س ِان َتق َْدى َث ْو َب ال َّر ْو َع ِة َبينْ َ َّ‬
‫ال�س ِد ْي ِد َوالمْ ُ َ�سدِّ ِب ِر َ�ضا َّ‬ ‫ُر ْو ٍ�س َم َطا ِب ْيقَ ِل ْل َقا ِئ ِم ِب َها‪َ ،‬و َر َ‬
‫وقال ��وا ع ��ن اجلار املجاور ‪َ :‬والجْ َ ا ُر َال ِف ْي ِه َف َّكة ‪َ ،‬و َال َل َك ِم ْن ُه نجَ َ اة ‪َ ،‬ف َال َي ْ�س� � َل ُم َجا ُر ُه ِم ْن ُه ِ�إ َّال‬
‫ال�س ْو َق َث َال َث َم َّر ٍات ‪ِ ،‬منْ َث َال َث ِة �أَ ْ�س َو ٍاق ‪َ ،‬و ُي َن َّف ُر َد َب ُ�ش ُه(‪َ )6‬ث َال َث َم َّر ٍات ِمن َم َر ِاح ِه‬ ‫َب ْعد َي ْب ِدي ِب ِه ُّ‬

‫�أوردنا لها بح ًثا يف كتابنا ‪ :‬بطون قبيلة زهران ‪ ،‬من �صفحة ‪� 38 :‬إىل �صفحة ‪ ( . 73‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫لي�ست بالد زهران الوحيدة التي متتلك مثل هذه الوثائق و�إمنا توجد مثل هذه الأنظمة والأعراف عند عموم قبائل تهامة‬ ‫(((‬
‫وال�سراة ‪ .‬وقد جمعنا مئات الوثائق االجتماعية والإدارية وال�سيا�سية واالقت�صادية خالل الأربعني �سنة املا�ضية ‪ ،‬ومعظم‬
‫تواريخها منذ القرن العا�شر الهجري ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫نحن على ا�ستعداد لن�شر بحوثك يا �أ�ستاذ علي بن �سدران ‪ ،‬وذلك ملا متتاز به من الدقة والر�صانة ‪ ،‬ون�أمل �أن توا�صل جهودك‬ ‫(((‬
‫�أي�ض ًا يف درا�سة الكثري من املو�ضوعات اجلديدة واملتعلقة ب�أر�ض و�سكان غامد وزهران‪ (.‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫احللف ‪ :‬عقد بني اثنني �أو قبيلتني على التنا�صر والت�آزر ‪ ،‬و�أ َّال يغدر �أحدهما بالآخر ‪ ( ..‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫�إذا �أحد اعرت�ض ال�سديد وهو مي�شي مع �سديده ‪ ،‬فلل�سديد من معرت�ضه �سبعة رو�س جديدة من القما�ش ‪ ،‬ويلحقها ر�أ�سان‬ ‫(((‬
‫تق�سم بني ال�سديد و�سديده لقاء الروعة التي حلقت بهما‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫�أي �أن اجلار ملزم بجاره لقرابة الإ�سالم وقرب الدار من الدار ‪� ،‬إال �أن ينفد �صربه من �أفعاله ال�سيئة وم�ضايقاته املتكررة له‬ ‫(((‬
‫حل منه �أمام القبائل فعليه �أن يعلن ذلك للملأ من على �شرفات ثالثة �أ�سواق ‪ ،‬ثالث‬ ‫ولأهل بيته وجريانه ‪ ،‬ولكي يكون يف ٍّ‬
‫مرات متتاليات ‪ ،‬وبعدها يطرد ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫‪165‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫‪َ ،‬و ُت ْك َ�س ُر َت ْو َر ُت ُه(‪َ .)1‬و َب ْع َد َها َما َع َلى المْ ُت ََج ِّو ِر ُ�س َّب ٌة(‪ .)2‬وقالوا عن الزَّاد‪َ :‬و ِ�إنَّ َمنْ تمَ َ َّت َع فيِ َق ْر َي ٍة‬
‫بمِ َ ت ٍَاع َو َخ َر َج ِم ْن َها َو ُذ ِب َح‪َ ،‬ف�إِنْ َكانَ ُذ ِب َح فيِ ِد ْي َر ِة ا ْل َق ْر َي ِة َف َت ْلزَ ُم ُه ْم َالز َِم ٌة فيِ الزَّا ِد َوا ْل ِب َال ِد(‪.)3‬‬
‫َو ِ�إنْ ُق ِت � َ�ل فيِ َغيرْ ِ َب َل ِد ا ْل َق ْر َي ِة ا َّل ِذي تمَ َ َّت َع ِف ْي َه ��ا ‪َ ،‬ف ِ�إنَّ ا َّلالز َِم َة َع َلى �أَ ْه ِل ا ْل ِب َال ِد(‪ .)4‬وقالوا عن‬
‫الق�ص ��بة ‪ ،‬وهي الديرة املربوعة ‪ :‬وَفيِ َو ْط َي ِة الدِّ ْي َر ِة المْ َ ْر ُب ْو َع ِة المْ َ ْر ُف ْو َع ِة َل ْو ُط ِر َد ِف ْي َها َق ْو ٌم َو َال‬
‫ال�ض ْي ُف‬ ‫ا�س(‪ .)5‬وقالوا عن ال�ضيف ِ�إنْ َبا َر َّ‬ ‫َو َق َع َب ْي َن ُه ْم َ�س ��ا َي ٌة ‪َ ،‬ف َع َلى ُك ِّل َر َّج ٍال ِم ْن ُه ْم ِن ْ�ص � ُ�ف َر ٍ‬
‫الذ ِم ْي ُم ُث َّم َي ْعت َُب الجْ َ ا ُر‬‫ال�س� � ْو ِق‪َ ،‬و َذ ِل َك َب ْع ُد َي ْعت َُب َّ‬ ‫َف ُت ْك َ�س� � ُر َ�ص � ْ�ح َف ُت ُه ا َّل ِتي �أَ َك َل ِم ْن َها ِمنْ ِع َر ِاق ُّ‬
‫ال�س � ِ�د ْيدُ‪َ ،‬و ِ�إ َذا َبا ُروا ُك ّل ُه ْم َ�أ َّن ُه ْم ُي ْد َع ْونَ ِب َ�أ ْ�س� � َما ِء ا ْل ِك َال ِب(‪ .)6‬وقالوا عن ال�س ��وق ‪:‬‬ ‫ُث � َّ�م َي ْعت َُب َّ‬
‫ال�س َدا ِد ‪َ ،‬و َعن َّ‬
‫الط ِو ْي َل ِة‬ ‫ال�ض ْي ِف ‪َ ،‬و َعن الجْ َ ا ِر ‪َ ،‬و َعن َّ‬ ‫وق ِمنَ المْ ُ ْك َت ِف َال ِت َعن ِّ‬
‫الذ َّم ِة ‪َ ،‬و َعن َّ‬ ‫ال�س ُ‬‫َو ُّ‬
‫َ‬
‫ال�س ْو ُق َي ْك ُف ُل َمنْ َي ْه ِب ُط ُه َو َي ْ�ص ُد ُر ِم ْن ُه َو ُي ِ�ص ْي ُب ُه �آ ِت ْيه ‪.‬‬
‫َوا ْل َق ِ�صيرْ َ ِة ‪َ .‬و ُّ‬
‫حتى احل�ص ��ن املبني يف �أي مكان من �أر�ض القبيلة ‪� ،‬إذا ما جت َّر�أ الأعداء وهدموه �أو‬
‫ال�س ِامي �إِ َذا هُ َّد �أ ْو ُ�ش َّب‪� ،‬أنَّ ِف ْي ِه‬ ‫�شبوه (�أحرقوه) ف�إن له عقوبة رادعة فقالوا ‪ :‬وَفيِ الحْ ِ ْ�ص ِن َّ‬
‫اب ‪َ ،‬و�إ َّال ُي ْب َنى ِب َح�ص ��ى ِمنْ َغيرْ ِ َح َ�ص ��اه(‪َ ،)7‬و ُي ��زَ ا ُد فيِ ُك ِّل َط َب َق ٍة ِذرِا ٌع ‪ .‬وتطرقوا‬
‫(‪)8‬‬
‫�أَ ْر َب َع ِر َق ٍ‬
‫يف هذا القانون امل�س ��مى ‪( :‬ال�س ��ت اللوازم) �إىل بع�ض الأفراد يف املجتمع ممن اعتربوهم‬

‫ال َّت ْورة ‪ :‬وعاء ي�ش ��به القدر م�ص ��نوع من الفخار املحروق ُي�ص ��نع فيه الطعام ‪ .‬وهي عربية ف�ص ��يحة ففي حديث �أن�س‬ ‫(((‬
‫حي�سا فجعلته يف تو ٍر ‪� .‬صحيح م�س ��لم برقم ‪ . 2572 :‬ويق�صد باملتجور مجُ ري‬ ‫(ر�ض���ي اهلل عنه)‪ :‬ف�ص ��نعت �أُ ِّمي �أُم ُ�س ��ليم ً‬
‫اجلار ‪.‬احللف ‪ :‬عقد بني اثنني �أو قبيلتني على التنا�صر والت�آزر ‪ ،‬و�أ َّال يغدر �أحدهما بالآخر ‪ ( ..‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫�أي ما على جاره مالم فيما يفعل بجاره بعد �أن يب ّلغ بقبيح فعله هُ َّباط ال�س ��وق ثالث مرات من على �ش ��رفات ثالثة‬ ‫(((‬
‫�أ�س ��واق ‪ ،‬ويق ��ال يف املثل ال�ش ��عبي ‪ :‬للجار �س ��بع زالت ‪ .‬و�إذا تعدى بعد ذلك ترب�أ منه ج ��اره بالطريقة التي وردت يف‬
‫الن�ص ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪ .‬من يقر�أ مثل هذه الوثائق املحلية يجدها تعك�س عدة جوانب مثل ‪� )1( :‬صور من التاريخ‬
‫االجتماعي لأهل البالد ‪ )2( .‬م�س ��توى اللغة �أو اللهجات امل�س ��تخدمة يف هذه الوثائق ‪ )3( .‬قدرة �أهل البالد على‬
‫�إيجاد �أنظمة و�أعراف ت�سري حياتهم وتعاي�شهم مع بع�ضهم البع�ض‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫�أي يف زادهم الذي �أكله لأن الزاد الزمة من ال�س ��ت اللوازم ‪ ،‬ويف بلدهم الذي ُقتل فيها ف�إن الق�ص ��بة وهي الديرة‬ ‫(((‬
‫الزمة من اللوازم ال�ست ‪ ( ...‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫التي ُقتل فيها ‪ ( ...‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫لقاء ما �أحدثوه من بلبلة وت�شوي�ش ‪ .‬ولأنها لي�ست مبكان قتال ‪ ( ..‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫�أي �إذا جتاوز ال�ضيف حدوده ُي ْ�شكى �إىل كل ه�ؤالء قبل اتخاذ قرا ٍر ب�ش�أنه‪ ،‬ف�إن عجزوا عن �إقناعه بالعدول عن َغ ِّيه ‪ ،‬فعندئذٍ‬ ‫(((‬
‫أي�ضا ك�سر الإناء الذي ُعمِ َل له الطعام فيه وهي ال َّت ْو َرة‬
‫ال�ص ْح َفة ‪ .‬وتقدَّم � ً‬
‫ُيك�سر املاعون الذي ُ�صنع له فيه الطعام وهي َّ‬
‫أي�ضا ‪ ،‬للداللة على الرباءة منه ‪ ،‬ومن بعد ذلك فلمن له احلق عليه النيل منه‪ ،‬و�إن مل يقم كل ه�ؤالء بردع ال�ضيف عن‬ ‫� ً‬
‫غوايته ومالوا �إىل جانبه ‪ ،‬فيحق بحقهم مناداتهم من على ال�سوق ب�أ�سماء الكالب �إهانة لهم ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫�أي �أن احل�صن املبني ‪� ،‬إذا هدمه قوم �أو �أحرقوه ‪ ،‬ففيه نقا ب�أربع رقاب من �أبناء القبيلة التي �أقدم بع�ض �أفرادها على هدمه‬ ‫(((‬
‫�أو �إحراقه ‪ ،‬وال تنازل عن نقا القتل �إ َّال �أن تتعهد القبيلة الفاعلة ببنائه بح�صى غري ح�صاه التي بني بها ‪ ( ...‬ابن‬
‫�سدران ) ‪.‬‬
‫ِل ُيعلم �إنه ُب ِني ُعنوة بعد هَ دمه �أو ح ْرقه ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪ .‬ن�شكرك يا �أ�ستاذ علي بن �سدران على ن�شر مثل هذه الوثائق التي‬ ‫(((‬
‫تعك�س �صور ًا من تاريخ وح�ضارة بع�ض ع�شائر زهران‪ .‬وحبذا �أن نرى �أ�شخا�ص ًا �آخرين �أمثالك ينقبون ويدر�سون تاريخ‬
‫�أهلهم وبالدهم عرب �أطوار التاريخ ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪166‬‬
‫ناق�ص ��ي الأهلية ف�أ�ص ��دروا بحقهم الفقرة التالي ��ة ‪َ :‬و�أَ ْر َب َع ٌة َما ت َْط ُل ُع ِب ِهم ا ْل َب ْي َ�ض ��ا َو َال ُت ْط َل ُع‬
‫َل ُه � ْ�م َوهُ ْم ‪ :‬المْ َ ْي ِ�س ��ي َي ْع ِني المْ ُ َخ ْن َث ��ى(‪َ ، )1‬والأُ ْن َثى ‪َ ،‬وا ْل َع ْب ُد ‪َ ،‬وا ْل ُه َت ْيمِ ��ي(‪َ .)2‬و َال ِف ْي ِه ْم َالز َِم ٌة َو َال‬
‫َق ْت� � ٌل ‪� ،‬إِ َّال ِد َي ٌة ُم َن َّق َ�ص� � ٌة ُت�س� � َّمى �أَ ْث َال ًثا ؛ ُث ُلثٌ َي ِط ْي ُح َو ُث ُل َث ِان َت ْر ِج ُع َ�أ ْث َال ًث ��ا ‪َ :‬ح ٌّب ‪َ ،‬و َغ َن ٌم َق ِاط َع ُة‬
‫الجْ َ َّل ِة(‪َ ،)3‬و َد َر ِاه ُم ‪َ .‬و َت ُك ْونُ ِمنْ ثَلاَ ِث ِث َما ٍر ‪ .‬وهذه اللوازم التي بلغوا بها ع�ش� � ًرا مت و�ض ��عها‬
‫م ��ن قب ��ل ثمانية رجال ‪� :‬س ��بعة م ��ن زهران وواحد من بن ��ي مالك ‪ ،‬ثم فرقوه ��ا بني قبائل‬
‫زهران من �أجل العمل بها يف "الرقاب وال ِق َ�صاب" ‪ .‬كما قالوا يف حكم املر�أة‪َ " :‬و َمنْ �أَ ْفتَا ُه‬
‫َع َلى َم َر ِت ِه ‪� ،‬إِنْ َكانَ َلز ََّم �أَ َما ِر َّي ًة �أَ ْو َك ْونَ َو ْ�س � ٍ�م ‪َ ،‬ف ُه َو ِ�ص � ْ�د ٌق ِ �إنْ َذ َب َح َها َو َذ َب َح ُه َف َال ِف ْي ِه ِ�إ َّال ِد َي ٌة‬
‫ُم َن َّق َ�ص� � ٌة ‪َ ،‬و ِه َي َما ِف ْي َه ��ا ِد َي ٌة(‪َ .)4‬و ِ�إنْ َ�أ ْفتَا ُه ال َّر ُج ُل َع َلى َم َر ِت ِه َوا ْرتجَ َ َع َو َك َّذ َب َنف َْ�س� � ُه(‪َ ،)5‬ف َل َها‬
‫َع َل ْي� � ِه يُبرَ ِّ ي َه ��ا ِب َخ ْم ِ�س ُح َال ‪َ ،‬و ِل� � ُك ِّل َو ِاح ٍد ِمنْ �أَ ْه ِل َه ��ا َر� ٌأ�س ُم ْط َل ٌق َو ُت َر ُّد َع َل ْي ِه(‪ .)6‬وقد ا�س ��تمد‬
‫ُع� � َّراف زه ��ران �أحكامه ��م القبلية من هذه القوان�ي�ن عند حاجتهم �إىل �إ�ص ��دار حكم على‬
‫�أح ��د � َأخ� � َّل بنظام القبيلة �أو ارتكب ُج ْر ًما �أوجب عقابه‪ ،‬وفيما يلي حكم �أحد ُع َّراف زهران‬
‫وجه �إليه ال�س�ؤال التايل‪ِ :‬من �أحكام �أحمد بن‬ ‫ويدعى �أحمد بن �ش ��ما�س الدو�س ��ي ‪ ،‬بعد �أن ِّ‬
‫�شما�س الدو�س‪ ،‬ما يلي‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬الذي �أظهر احلق ونار ‪ ،‬وك�سر الباطل وحار ‪ ،‬وال�صالة وال�سالم‬
‫وح َّكام‬
‫على حممد املختار ‪� ،‬آناء الليل و�أطراف ( النهار ) ‪ ،‬يعلم من يراه ِمن ُوالة الإر�شاد ُ‬
‫البالد ‪ ،‬لقد َ�س�أَ َلنا عبد الكرمي وال َّدعبة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬لنا جار ِمن بني مالك ثم جاه �ضربة ع�صا‬
‫�صحيحا ال خلل‬
‫ً‬ ‫يف ر�أ�سه ‪ ،‬ثم �أر�س ْلنا للم َق ِّ�ضي المْ ُ ْع َتيرَ ‪ ،‬ثم َ�ش َّطاه على يدي �أخيار ‪ ،‬ثم وجده‬
‫وه َبط ال�سوق وطرد الوفاق ‪،‬‬ ‫فيه ‪ ،‬ثم بعد ما َ�ص َّح َ�س َّد ْي َناه يف َدمه َو َح َفا َو َ�ص َفا و َب َدا البي�ضا َ‬
‫هو الخْ ُ ْن َثى الذي بني الذكر والأنثى ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫ه�ؤالء ال تن�شر لهم البي�ضاء من على �شرفات الأ�سواق وال يدعون لأخذها ‪ ،‬وال يعتربون من �أهل اللوازم ‪ ،‬والهتيمي (يف‬ ‫(((‬
‫ُعرف زهران) هو الذي ال �أ�صل له ‪ .‬فلو قتل �أحد ه�ؤالء فلي�س فيه �إ َّال دية منقَّ�صة يتم �سدادها كما هو مف�صل يف الن�ص ‪،‬‬
‫وقد ي�ستغرق �سدادها ثالث �سنني من ثالث ثمار ‪ ،‬لأن الثمرة وهي املح�صول تتم يف �سنة واحدة ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪� .‬إنها‬
‫�أعراف وعادات ال تتوافق مع منهج الإ�سالم و�شرع اهلل ‪ ،‬فالنا�س يف �أحكام ال�شرع �سوا�سية‪ ( .‬ابن جري�س )‪.‬‬
‫اجللة عند زهران هي مكان م�سيل الوادي الذي ال ت�صلح �أر�ضه للزراعة ‪ .‬ومعنى قاطعة اجللة �أي من غنم ترعى يف اجللة ‪،‬‬ ‫(((‬
‫وال يتكلف قاتل �أحد ه�ؤالء �شراء الغنم لدفعها دية ‪ ،‬و�إمنا يدفعها من غنمه التي ترعى‪ .‬واهلل �أعلم ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫معنى هذا القول ‪� :‬إن افرتى زيد على امر�أة عمرو ‪ ،‬و�أبلغه ب�أنها ترتكب الفاح�شة وعرث الزوج على ب ِّينة جل ّية‪� ،‬إ َّما قب�ض‬ ‫(((‬
‫عليه عندها‪� ،‬أو رماه فجرحه ثم ُوجد اجلرح فيه بعد القب�ض عليه‪� ،‬أو �أن الوا�شي ذكر عالمة يف الرجل ‪ .‬فله قتل الزوجة‬
‫والرجل الذي ي�أتيها وال دية للمر�أة البتة ‪� ،‬أما الرجل فله دية ولكن ناق�ص ��ة ‪ ،‬وقد تقدم تف�ص ��يل الدية املنق�ص ��ة وكيف‬
‫ُتعطى ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬اللهم لك احلمد فال�شرع احلنيف و�ضح احلقوق والواجبات لكل م�سلم ( ابن جري�س)‪.‬‬
‫�أي افرتى عليها �أو ًال ثم عدل عن ذلك ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫�أي ُت َر ُّد املر�أة على زوجها لكونها بريئة مما ُرميت به ‪ ،‬و َي ْك�س ��و كل واحد من �أهلها ر� ًأ�س ��ا من قما�ش ‪ ( ..‬ابن �سدران‬ ‫(((‬
‫) ‪ .‬كم نحن يف �أم�س احلاجة �أن يكتب تاريخنا من م�ص ��ادر موثوقة ‪ ،‬والوثائق تعد من امل�ص ��ادر التي يثق بها امل�ؤرخ‬
‫ويعتم ��د عليه ��ا يف تدوي ��ن التاريخ‪ .‬وال تخل ��و بالدنا م ��ن �آالف الوثائق عند عام ��ة النا�س ‪ ،‬وفيها �ص ��ور من التاريخ‬
‫احل�ضاري لهذه الأوطان التهامية وال�سروية‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫‪167‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫ن�س�أَلك‬ ‫ثم زاد َم ِر�ض ومات ‪ ،‬ثم قاموا َي َّد ُعـون �أهله فيه ويقولون‪ :‬ما َغ َدا به �إ َّال ر�أ�سه ‪ ،‬فنحب ْ‬
‫ما َي ِ�صح يف ذلك الأمر ‪� ،‬أفتونا جزاكم اهلل خريا‪)*( .‬حكم العارفة ‪� :‬أحمد بن �شما�س‬
‫الدو�سي ‪ ،‬مبا يلي ‪ :‬احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬نقول اجلواب واهلل املوفق لل�صواب ‪� :‬إنَّ ر�سول‬
‫بدعواهم ال َّد َعى نا�س �أموال نا�س ودماءهم(‪َ .)1‬ف َن ُجوا‬ ‫اهلل ﷺ يقول ‪) :‬ولو �أن النا�س �أعطوا ْ‬
‫ق�ضي و�أربعة �شهود �أنهم لقيوا ر�أ�سه �سامل العيب ‪ ،‬فواجب على ال َّد َعبة خم�س‬ ‫ال َّد َع َبة بهذا المْ ِّ‬
‫ال�ض� � ْربة فال عاد عليه ��م اعرتا�ض ‪ ،‬ما له ُق ْب َلة‬‫وع�ش ��رون ِح ْل َي ��ة �أنه ما جاءه َق َد َره ِمن هذه َّ‬
‫و�ص � َ�در‪( ،‬و�إنْ ) َع ِدموا يف ذلك فيحلفون �أهل الولد خم�س ��ا وع�شرين ِح ْل َية‬ ‫ا�س� � َت َّد َ‬
‫حليث �أنه ْ‬
‫ما قتله �إ َّال �أنتم يا َد َع َبة ‪ ،‬وما َ�ض� � َواهُ م ُي ْح َ�س ��ب ِمن الدِّ َية ‪ ،‬قال بذلك �أحمد بن �ش َّما�س‪ ،‬من‬
‫أحكام عربية ‪ ،‬و�صلى اهلل على حممد و�آله وال�سالم ‪ .‬ختم‪ .‬فت�أ َّيد حكمه من‬ ‫�سوالف مبن َّية و� ٍ‬
‫ق َبل جمموعة من ا ْل ُع َّراف و�ش ��يوخ القبائل ‪ ،‬و�أ َّولهم العارفة ‪ :‬مو�س ��ى بن �أحمد ‪ ،‬حيث قال ‪:‬‬
‫" احلم ��د هلل رب العامل�ي�ن‪ ،‬لق ��د �أ�ش ��رفت �أن ��ا ي ��ا مو�س ��ى ب ��ن �أحم ��د‪ ،‬عل ��ى ما ق ��ال ابن‬
‫�ش ��ما�س‪ ،‬فوجدن ��اه عني ال�ص ��واب‪ ،‬ال خلل فيه ‪ ،‬علينا �إم�ض ��اه والعمل مبقت�ض ��اه ‪ ،‬و�ص ��لى‬
‫اهلل عل ��ى حمم ��د و�آل ��ه وال�س�ل�ام ‪ .‬و�أ َّيد احلك ��م عارفة �آخر ُيدع ��ى‪ :‬حميدين بن م�س ��فر‪،‬‬
‫بقول ��ه ‪ :‬احلم ��د هلل ‪ ،‬اجل ��واب واهلل املوف ��ق لل�ص ��واب ‪ ،‬لق ��د نظرن ��ا يف ال�س� �ـ�ؤال وما فيه‪،‬‬
‫وم ��ا قال ��وا ا ْل ُع َّراف فهو عني ال�ص ��واب ‪� ،‬إىل َب َدت البي�ض ��ا ِم ��ن ِع َراق ال�س ��وق و�أعفا و�أقفا‬
‫( فال له بعد ذلك رجوع ‪ ،‬يكون عند َمن يراه معلوم) ‪ ،‬حميدين بن م�سفر‪ .‬ثم تاله ال�شيخ‪:‬‬
‫خ�ض ��ران بن عطية الدو�س ��ي ‪� ،‬ش ��يخ قبيلة دو�س فق ��ال‪ :‬احلمد هلل ‪ ،‬اجل ��واب واهلل املوفق‬
‫لل�ص ��واب‪ ،‬لقد �أ�ش ��رفت على ما يف بطن هذه الورقة من قول ا ْل ُع َّراف فهو عني ال�ص ��واب‪،‬‬
‫َومن قال بغريه فقد �أخط�أ ‪ ،‬في�ص ��ح �إم�ضاه والعمل مبقت�ضاه قال بذلك خ�ضران ابن عطية‬
‫‪ ،‬غفر اهلل له ولوالديه ‪ .‬ختم وبعد �أن ت�أيد احلكم من كل ه�ؤالء ا ْل ُع َّراف ُعر�ض ��ت على �أحد‬
‫علماء ال�ش ��ريعة وهو الفقيه‪� :‬أحمد ابن علي احل َرفيِ ‪ ،‬للنظر يف الق�ض ��ية واحلكم من وجهة‬
‫�شرعية‪ ،‬فقال ‪ :‬احلمد هلل وحده �أ�شرفتُ على قول ا ْل ُعـ َّراف وما حكموا به ‪ ،‬فحكمهم موافق‬
‫حكم ال�ش ��رع ‪ ،‬وما كان موافقا قول ال�ش ��رع فهو �ص ��حيح ‪ ،‬يكون عند َمن يراه معلـوم ‪ ،‬قال‬
‫بذلك ‪� :‬أحمد بن علي الحْ َ َريف ‪ .‬ختم(‪. )2‬‬
‫ولق ��د �س ��ارعت دو� ��س �إىل الإ�س�ل�ام طواعية ‪ ،‬فق ��د كان رجالها يف الع�ص ��ر اجلاهلي‬
‫ي�س ��افرون �إىل مكة للحج والتجارة ‪ ،‬وكان �أول من �أ�س ��لم منهم ‪ :‬الطفيل بن عمرو الدو�سي‬
‫ر�ض ��ي اهلل عن ��ه ‪ ،‬فقد كان ي�س ��افر �إىل مكة كث�ي ً�را وله حلف مع بع� ��ض رجالها ‪ ،‬ويف بع�ض‬
‫((( احلديث يف �صحيح �سنن الن�سائي ‪ :‬برقم ‪ ، )5425( :‬بتحقيق الألباين رحمه اهلل ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪ .‬يت�ضح لنا نقاء‬
‫العقيدة يف �أوطان تهامة وال�س ��راة ‪ .‬نعم قد يوجد بع�ض املخالفات ال�ش ��رعية ب�س ��بب اجلهل بالعلوم ال�شرعية ‪ ،‬لكن‬
‫عموم النا�س يحملون عقائد جيدة يوحدون فيها اهلل عز وجل ويرجون رحمته ومغفرته ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( بطون قبيلة زهران ‪� :‬صورة الوثيقة رقم ‪ ( . )4( :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪168‬‬
‫�سفراته �إىل مكة(‪� )1‬سمع من بع�ض القر�شيني �أن اهلل عز وجل اختار حممدا ﷺ ليكون نبي‬
‫ه ��ذه الأم ��ة ‪ ،‬و�أنه �أتى بدين جديد يخالف ما عليه العرب ‪ ،‬فحذروه من مقابلة النبي ﷺ‪،‬‬
‫حتى ال ي�سمع منه فيتبعه ‪ ،‬ول�شدة حتذيره له و�ضع يف �أذنيه قط ًنا لئال ي�سمع كالمه ‪ ،‬ف�أبى‬
‫اهلل �إال �أن ي�سمع منه يف امل�سجد احلرام ‪ ،‬ف�إنه ملا ر�أى النبي ﷺ‪ ،‬قائ ًما ي�صلي اقرتب منه‬
‫‪ ،‬ولنرتك ابن �س ��عد يف طبقاته يحكي ق�ص ��ة �إ�س�ل�امه فيقول عنه‪" :‬قدم الطفيل بن عمرو‬
‫الدو�س ��ي ر�ض ��ي اهلل عنه مكة ور�سول اهلل ﷺ ‪ ،‬بها ‪ ،‬فم�شى �إليه رجال من قري�ش فقالوا‪:‬‬
‫ي ��ا طفي ��ل �إنك قدمت بالدنا‪ ،‬وهذا الرجل الذي بني �أظهرنا قد �أع�ض ��ل بنا وفرق جماعتنا‬
‫‪ ،‬و�ش ��تت �أمرنا ‪ ،‬و�إمنا قوله كال�س ��حر يفرق بني الرجل وبني �أبيه ‪ ،‬وبني الرجل وبني �أخيه ‪،‬‬
‫وبني الرجل وبني زوجته ‪� ،‬إنا نخ�شى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا منه ‪ ،‬فال تكلمه‬
‫‪ ،‬وال ت�سمع منه ‪ ،‬قال الطفيل ‪ :‬فواهلل ما زالوا بي حتى �أجمعت �أال �أ�سمع منه �شي ًئا وال �أكلمه‬
‫‪ ،‬فغدوت �إىل امل�س ��جد وقد ح�ش ��وت �أذين كر�س� � ًفا فرق ًا من �أن يبلغني �شيء من قوله ‪ ،‬حتى‬
‫كان يقال يل ‪ :‬ذو القطنتني ‪ ،‬قال ‪ :‬فغدوت يوما �إىل امل�س ��جد ‪ ،‬ف�إذا ر�س ��ول اهلل ﷺ قائم‬
‫كالما‬
‫ي�صلي عند الكعبة ‪ ،‬فقمت قري ًبا منه ‪ ،‬ف�أبى اهلل �إال �أن ُي�سمعني بع�ض قوله‪ ،‬ف�سمعت ً‬
‫ح�س ��نا‪ ،‬فقلت يف نف�س ��ي ‪ :‬واثكل �أمي واهلل �إين لرجل لبيب �ش ��اعر ‪ ،‬ما يخفى علي احل�سن‬
‫م ��ن القبي ��ح ‪ ،‬فما مينعني من �أن �أ�س ��مع من هذا الرجل ما يقول ؟ ف� ��إن كان الذي ي�أتي به‬
‫قبيحا تركته ‪ .‬فمكثت حتى ان�صرف �إىل بيته ثم اتبعته حتى �إذا دخل‬ ‫ح�س ًنا قبلته‪ ،‬و�إن كان ً‬
‫بيت ��ه دخل ��ت معه فقلت ‪ :‬يا حممد ‪� ،‬إن قوم ��ك قالوا يل كذا وكذا ـ للذي قالوا يل ـ فواهلل ما‬
‫تركوين يخوفوين �أمرك حتى �سددت �أذين بكر�سف لئال �أ�سمع قولك ‪ ،‬ثم �إن اهلل �أبى �إال �أن‬
‫ي�سمعنيه ‪ ،‬ف�سمعت قو ًال ح�س ًنا فاعر�ض علي �أمرك ‪ ،‬فعر�ض عليه ر�سول اهلل ﷺ الإ�سالم‬
‫وتال عليه القر�آن فقال ‪ :‬ال واهلل ما �س ��معت قو ًال قط �أح�س ��ن من هذا وال �أم ًرا �أعدل منه ‪،‬‬
‫ف�أ�س ��لمت و�ش ��هدت �ش ��هادة احلق فقلت ‪ :‬يا نبي اهلل‪� ،‬إين امر�ؤ مطاع يف قومي ‪ ،‬و�أنا راجع‬
‫�إليهم فداعيهم �إىل الإ�س�ل�ام ‪ ،‬فادع اهلل �أن يكون يل عو ًنا عليهم فيما �أدعوهم �إليه ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬ﷺ ‪ ،‬اللهم اجعل له �آية ‪ ،‬زاد ابن عبد الرب يف كتاب اال�ستيعاب‪ :‬تعينه على ما ينوي من‬
‫اخل�ي�ر ‪ .‬قال‪ :‬فخرجت �إىل قومي حتى �إذا كنت بثنية تطلعني على احلا�ض ��ر ‪ ،‬وقع نور بني‬
‫عيني مثل امل�ص ��باح فقلت ‪ :‬اللهم يف غري وجهي ‪ ،‬ف�إين �أخ�شى �أن يظنوا �أنها مثلة وقعت يف‬
‫وجهي لفراق دينهم ‪ ،‬فتحول النور فوقع يف ر�أ�س �س ��وطي ‪ ،‬فجعل احلا�ضرون يرتا�ؤون ذلك‬

‫((( حددها �صفي الرحمن املباركفوري ‪� ،‬صاحب كتاب ‪" :‬الرحيق املختوم" (‪ : )120‬بعام (‪ )11‬من البعثة ال�شريفة ‪ ،‬وال‬
‫�أدري ما م�ستنده يف ذلك ‪� ،‬سيما و�أن �أمر ظهور امل�صطفى ﷺ ا�شتهر بني القبائل من �أول �سنة ُبعث فيها ‪ ( .‬ابن‬
‫�س ��دران)‪ .‬هناك م�ص ��ادر �أولية ت�ؤرخ للطفيل بن عمرو الدو�س ��ي‪ ،‬وهناك كتب لل�سري والتاريخ �أ�شارت �إىل �شيء من‬
‫�أعماله‪ .‬و يف �صفحات �سابقة ناق�شت يا ابن �سدران �صفحات من التاريخ االجتماعي احلديث واملعا�صر يف بالد زهران‪،‬‬
‫ثم رجعت الآن للحديث عن ع�شرية دو�س الزهرانية يف اجلاهلية و�صدر الإ�سالم ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫‪169‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫النور يف �س ��وطي كالقنديل املعلق ‪� ..‬إىل �آخر تلك احلادثة التي نقلت دو�س ��ا من ال�شرك �إىل‬
‫الإ�سالم ومن الظلمات �إىل النور(‪ .)1‬ومن عبادة الأ�صنام �إىل عبادة رب الأنام ‪ ،‬و�أ�سلم معه‬
‫يف تل ��ك الرحلة امليمونة زوجه و�أبوه و�أبو هري ��رة ‪ .‬و�أخذ الطفيل و�أبو هريرة يف دعوة دو�س‬
‫�إىل الإ�س�ل�ام ‪ ،‬فلما ا�ستع�ص ��ت عليهما ‪ ،‬عادا �إىل مكة ي�شكوان ع�صيان دو�س �إىل الر�سول‬
‫ﷺ ‪ ،‬ويطل ��ب منه الطفي ��ل الدعاء عليهم لعدم دخولهم يف الإ�س�ل�ام ‪ ،‬فامتنع ﷺ ‪ ،‬من‬
‫الدعاء على دو�س قائال للطفيل ‪ :‬ر�ض ��ي اهلل عنه ‪� ،‬إن فيهم مثلك كثري ‪ .‬ثم رفع يديه ب�أبي‬
‫هو و�أمي ﷺ‪ ،‬وقال ‪ :‬اللهم اهد دو�س ��ا و�أت بهم ‪ .‬واحلديث يف ال�ص ��حيحني من رواية �أبي‬
‫هريرة ر�ضي اهلل عنه ‪ ،‬ويف ف�ضائل ال�صحابة لأحمد بن حنبل ‪� ،‬أنه قالها ثالث مرات‪ .‬وملا‬
‫�أراد الر�س ��ول ﷺ ‪� ،‬أن يدعو بالهداية لدو�س ‪ ،‬تو�ض� ��أ ‪ ،‬فظن �أبو هريرة �أن �س ��يدعو عليهم‬
‫فقال‪( :‬فلما �ص ��لى النبي ﷺ ‪ ،‬خفت �أن يدعو على قومي فيهلكوا ف�صحت‪ :‬واقوماه ‪ ،‬فلما‬
‫الطفيل‬ ‫دعا لهم �سري عني(‪ . )2‬وجاء يف كتاب‪ :‬الإ�صابة يف متييز ال�صحابة (‪� : )424/3‬أن ّ‬
‫النبي ﷺ ‪ ،‬و�س�ألوه �أن يخترب حاله ‪ ،‬ف�أتاه ف�أن�شده‬ ‫ملا قدم م ّكة ذكر له نا�س من قري�ش �أمر ّ‬
‫النبي ﷺ ‪ ،‬الإخال�ص واملع ّوذتني ‪ ،‬ف�أ�س ��لم يف احلال ‪ ،‬وعاد �إىل قومه ‪،‬‬ ‫من �ش ��عره ‪ ،‬فتال ّ‬
‫ق�ص ��ة �سوطه ونوره‪� .‬أما الرواية التي تذكر ب�أن الطفيل ابن عمرو الدو�سي ر�ضي اهلل‬ ‫وذكر ّ‬
‫حاجا ‪ ،‬وقد ُبعث ر�سول اهلل ﷺ‪ ،‬وهاجر �إىل املدينة ‪� "..‬إىل �آخر‬ ‫عنه ‪ ،‬خرج حتى �أتى مكة ًّ‬
‫ما ورد فيها ‪ .‬فلي�س ��ت من ال�ص ��حة يف �شيء لقول الطفيل بن عمرو الدو�سي ر�ضي اهلل عنه‬
‫‪ ،‬للر�س ��ول ﷺ وقد عاين ا�ض ��طهاد قري�ش له ﷺ ‪ ،‬وحتذيره ��ا الطفيل من مقابلته مما‬
‫حدا بالطفيل ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬دعوة امل�ص ��طفى ﷺ‪� ،‬إىل دو�س حلمايته من �أذى قري�ش ‪،‬‬
‫قائ ًال له " هلم �إىل ح�ص ��ن ح�ص�ي�ن ‪ ،‬وعدد وعدة ‪ .‬ف�أبى ذلك ر�سول اهلل ﷺ ‪ ،‬للذي ذخر‬
‫اهلل للأن�ص ��ار ‪ .‬ولو كان الطفيل ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬قابل الر�س ��ول ﷺ يف املدينة النبوية ملا‬
‫كان لهذا القول معنى ‪ ،‬ملنعته ﷺ ‪ ،‬بالأن�ص ��ار من �أذى قري�ش ‪ .‬ولي�س من ال�ص ��حة �أي�ض� � ًا‬
‫دو�س ��ا التي بزهران �إمنا �أ�س ��لمت فرق� � ًا من قول كعب بن مالك‬ ‫قول بع�ض امل�ؤرخني من �أن ً‬
‫الأن�صاري(‪: )3‬‬
‫وخ����ي��ب�ر ث�����م �أج����م����ع����ن����ا ال�������س���ي���وف���ا‬ ‫ق���������ض����ي����ن����ا م��������ن ت������ه������ام������ة ك��������ل ري������ب‬
‫ق����واط����ع����ه����ن دو��������س�������اً او ث���ق���ي���ف���اً‬ ‫ن������خ���ي��ره������ا ول������������و ن�����ط�����ق�����ت ل����ق����ال����ت‬

‫((( هذه املعلومات مف�صلة يف بع�ض م�صادر التاريخ الإ�سالمي املبكرة ‪ .‬ونقول �إن تاريخ غامد وزهران يف اجلاهلية و�صدر‬
‫الإ�سالم يحتاج �إىل �أن يدون يف كتاب �أو ر�سالة علمية موثقة‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( الأغاين ‪ ،‬للأ�ص ��فهاين‪ ( . )220/13 ( :‬ابن �س ��دران ) ‪ .‬ترجع هنا يا علي يف توثيق معلوماتك �إىل الأ�ص ��فهاين (‬
‫الأغاين)‪ ،‬وهناك م�ص ��ادر �س ��ابقة للأ�صفهاين‪ ،‬وتعد �أولية وموثوقة �أكرث من الأغاين ‪ ،‬وكان عليك الرجوع �إليها ‪(.‬‬
‫ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( ديوانه ‪ ( . 24 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪170‬‬
‫فقالت دو�س حني �س ��معت ذلك ‪ :‬اذهبوا فخذوا لأنف�سكم الأمـان من قبل �أن ينزل بكم‬
‫ما نزل بغريكم ‪ .‬قلت ‪ :‬هذا حمال ؛ لقوله بعد هذين البيتني ‪:‬‬
‫����اح���� ِة دَا ِر ُك������������ ْم مِ ���� َّن����ا �أُ ُل�����و ًف�����ا‬
‫ِب����� َ����س َ‬ ‫َف����لَ����� ْ����س����تُ لمِ َ��������ال ٍ‬
‫ِ��������ك ِ�إ ْن لمَ ْ َي�������� َز ْر ُك�������� ْم‬
‫َو ُت���� ْ���ص��� ِب��� ُح دُو ُر ُك�������� ْم مِ ��� ْن��� ُك��� ْم ُخ�� ُل��و َف��ا‬ ‫�����ن َو ٍّج‬ ‫�����ط ِ‬‫َو َن������� ْن������� َت������� ِز ُع ا ْل������� ُع������� ُرو� َ�������ش ِب����� َب ْ‬
‫دو�سا مع ثقيف يف بلد واحد وهو الطائف ‪ ،‬ولعل كعب بن مالك الأن�صاري‪،‬‬ ‫حيث جعل ً‬
‫ي�ش�ي�ر يف �ش ��عره �إىل دو� ��س بن ع ��دوان ‪ ،‬لقول الدكتور ج ��واد علي يف ُم َف ّ�ص ��له (‪: )98/8‬‬
‫"�أم ��ا �أبناء عدوان بن عمرو فهم زيد‪ ،‬وي�ش ��كر ‪ ،‬و َد ْو� ��س ‪ .‬ويقال �إنهم َد ْو�س التي يف الأزد ‪،‬‬
‫وكان ��ت دياره ��م بالطائف ‪ ،‬ثم تركوها بعد نزول ثقي ��ف فيها وارحتلوا �إىل تهامة" ‪ .‬قلت ‪:‬‬
‫مل يرد عن امل�ؤرخني �أن دو�س زهران �سكنت الطائف ثم رحلت عنها �إىل تهامة ‪ .‬ثم �إنَّ هذا‬
‫ال�ش ��عر بالطبع ‪ ،‬قيل بعد فتح خيرب يف ال�س ��نة ال�س ��ابعة للهجرة ‪ ،‬بل �إنه قيل بعد فتح مكة‬
‫�أي يف ال�س ��نة الثامنة كما يقول ابن كثري رحمه اهلل وغريه(‪ ،)1‬يف حني تذكر كتب ال�س�ي�ر �أن‬
‫دو�س ��ا �أ�سلمت زمن البعثة النبوية ال�شريفة ‪ .‬وذلك بف�ضل من اهلل عز وجل ثم بربكة دعوة‬ ‫ً‬
‫الر�س ��ول ﷺ لهم بالهداية ‪ .‬ولقد هاجر الطفيل بن عمرو و�أبو هريرة ر�ض ��ي اهلل عنهما ‪،‬‬
‫يف ال�سنة ال�سابعة من هجرة الر�سول ﷺ ب�أربعمائة رجل وامر�أة والتحقوا بر�سول اهلل ﷺ‬
‫‪ ،‬وهو يقاتل يهود يف خيرب و�ش ��اركوا جموع امل�س ��لمني يف الفتح و�أق�سم لهم الر�سول ﷺ من‬
‫أي�ضا يف فتح مكة يف ال�سنة الثامنة من الهجرة النبوية ‪ ،‬فكيف‬ ‫غنائمها ‪ ،‬ثم �إنهم �ش ��اركوا � ً‬
‫يقال �إنها �أ�س ��لمت فر ًقا من �ش ��عر مالك بن فهم ‪ ،‬وهي قد �ش ��اركت يف فتح خيرب ومكة وما‬
‫بعدهما من فتوح ! حتى �إن الر�س ��ول (ﷺ)‪� ،‬أمر الطفيل ر�ض ��ي اهلل عنه ‪ ،‬بعد فتح مكة �أن‬
‫الط َف ْي ُل ر�ضي‬ ‫يذهب �إىل دو�س حلرق �صنم ذي الكفني ويجمع من قومه حلرب الطائف ‪َ ،‬ف َق َال ّ‬
‫الط َع َام‪َ ،‬و ْا�س َت ْح ِي ِمنْ ا ِ‬
‫هلل‬ ‫هلل �أَ ْو ِ�ص� � ِني ‪َ .‬ق َال ﷺ ‪� :‬أَ ْف ِ�ش ّ‬
‫ال�س�َل اَ َم ‪َ ،‬وا ْب ُذ ْل ّ‬ ‫�ول ا ِ‬ ‫اهلل عنه‪َ :‬يا َر ُ�س � َ‬
‫ئات‬
‫ال�س ِّي ِ‬ ‫ب َّ‬ ‫نات ُي ْذ ِه نْ َ‬ ‫َك َما َي ْ�س َت ْح ِيي ال ّر ُج ُل ُذو ا ْل َه ْي َئ ِة ِمنْ �أَهْ ِل ِه ‪َ � .‬إذا َ�أ َ�س�أْت َف�أَ ْح ِ�سنْ ‪�ِ [ ،‬إنَّ الحْ َ َ�س ِ‬
‫ذ ِل َك ِذ ْكرى ِل َّلذا ِك ِرينَ ](‪ .)2‬فانحدر من دو�س بعد �أن �أحرق �صنم ذي الكفني ب�أربعمائة فار�س‬
‫‪ ،‬وافى بهم ر�سول اهلل ﷺ ‪ ،‬يف الطائف(‪. )3‬‬
‫وقد ورد يف ف�ض ��ل قبيلة دو�س جملة من الأحاديث النبوية ال�ش ��ريفة منها دعوته ﷺ‬
‫لهم بالهداية كما تقدم ‪ ،‬ويا لها من ف�ض ��يلة من ر�س ��ول جماب الدعوة انقادت دو�س بعدها‬
‫هلل َ�ص� � َّلى ُ‬
‫اهلل‬ ‫((( ابن كثري ‪ . 652/3 :‬وقال البيهقي يف كتابه‪ :‬دالئل النبوة‪َ : )151/5( :‬و َق َال َك ْع ُب ْبنُ َما ِل ٍك ِح َني َف َر َغ َر ُ�س � ُ‬
‫�ول ا ِ‬
‫الطا ِئ ِف"‪ .‬الق�صيدة ومنها البيتان بعاليه ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫عَ َل ْي ِه َو َ�س َّل َم ‪ِ ،‬منْ َم َّك َة ‪َ ،‬و ُح َنينْ ٍ ‪َ ،‬و�أَ ْج َم َع َّ‬
‫ال�سيرْ َ ِ�إلىَ َّ‬
‫ئات ذ ِل َك ِذ ْكرى ِل َّلذ ِاك ِرينَ "‪ .‬هي من الآية الكرمية من‬ ‫((( مغازي الواقدي ‪ . )923/3( :‬وقول ‪�" :‬إِنَّ الحْ َ َ�س ِ‬
‫نات ُي ْذ ِهبنْ َ َّ‬
‫ال�س ِّي ِ‬
‫�سورة هود ‪ ( . 114 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( كما �أ�شرت �سابق ًا �إىل قبيلة دو�س وغريها من قبائل ال�سراة مازالت حتتاج �إىل درا�سات علمية موثقة ‪ ،‬والأمل يف جامعاتنا‬
‫املحلية فتفتح بع�ض املراكز البحثية التي تدر�س �أر�ض و�سكان هذه البالد‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫‪171‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫�إىل الإ�س�ل�ام ُزرافات ووحدانا ‪ ،‬وجنتزئ من ف�ض ��ائلهم على ل�س ��ان ر�س ��ول اهلل ﷺ ‪ ،‬ما‬
‫ينا�س ��ب املقام ‪ ،‬فلقد امتدح الر�س ��ول ﷺ �أه ��ل اليمن ودو�س من اليمن ‪ ،‬ون�س ��ب الإميان‬
‫�إليهم ونعتهم برقة القلوب ‪ ،‬ومن كان قلبه رقي ًقا كان �أ�س ��رع �إىل طاعة اهلل وامتثال �أوامره‬
‫‪ ،‬كما و�ص ��ف امل�ص ��طفى ﷺ ‪ ،‬ب� ��أن الفقه يف الدين ‪ ،‬وهو الفهم ل ��ه ‪ ،‬واحلكمة وهي العلم‬
‫املت�ص ��ف بالأحكام امل�ش ��تمل على معرفة اهلل تعاىل ‪ ،‬امل�ص ��حوب بنفاذ الب�ص�ي�رة وتهذيب‬
‫ال َّنف� ��س َوتحَ ْ ِقي ��ق الحْ ق َوا ْل َع َمل ِب ِه وال�ص ��د َعن اتبا َع ا ْلهوى َوا ْل َب ِاط ��ل ‪ ،‬مما ميتاز بهما �أهل‬
‫اليمن ‪ ،‬كل هذا جاء يف حديث رواه ال�شيخان فقاال " َعنْ �أَ ِبي هُ َر ْي َر َة ر�ضي اهلل عنه ‪َ ،‬ق َال ‪:‬‬
‫ال َميانُ يمَ َ ٍان ‪َ ،‬وا ْل ِف ْق ُه‬ ‫"جا َء �أَ ْه ُل ا ْل َي َم ِن ‪ ،‬هُ ْم �أَ َر ُّق �أَ ْف ِئ َد ًة ‪َ ،‬و َ�أ ْلينَ ُ ُق ُلو ًبا ‪ ِْ ،‬إ‬
‫هلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫ول ا ِ‬ ‫َق َال َر ُ�س ُ‬
‫�ان ‪َ ،‬والحْ ِ ْك َم� � ُة يمَ َ ا ِن َي� � ٌة" ‪ .‬ويقول ابن حج ��ر رحمه اهلل ‪ ،‬يف فتح الباري ‪َ ( :‬و َ�س� � َب ُب ال َّث َنا ِء‬ ‫يمَ َ � ٍ‬
‫ِيم ‪.‬‬‫(‪)1‬‬
‫ال َمي ِان َوح�سن قبولهم ِل ْل ُب ْ�ش َرى ِح َني لمَ ْ َت ْق َب ْل َها َب ُنو تمَ ٍ‬ ‫َ‬
‫َع َلى �أ ْه ِل ا ْل َي َم ِن ِ�إ ْ�س� � َر ُاع ُه ْم ِ�إلىَ ْ ِإ‬
‫وهاجرت �أم �أبي هريرة ر�ضي اهلل عنها وعنه ‪ ،‬مع ابنها من �أر�ض دو�س �إىل املدينة النبوية‬
‫يرغبها يف الإ�س�ل�ام وهي ممتنعة ‪ ،‬فلما دعا لها الر�س ��ول ﷺ‬ ‫وهي م�ش ��ركة ‪ ،‬وكان ولدها ِّ‬
‫‪ ،‬بالهداي ��ة قائ ًال كما ورد يف �ص ��حيح م�س ��لم ‪" :‬الله � ّ�م اهد �أ ّم �أبي هريرة" �أ�س ��لمت ‪ .‬ويف‬
‫هلل ا ْد ُع َ‬
‫اهلل �أَنْ‬ ‫�ول ا ِ‬ ‫هذا يقول �أبو هريرة ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬لر�س ��ول اهلل ﷺ ‪ُ " :‬ق ْلتُ ‪َ :‬يا َر ُ�س � َ‬
‫هلل ﷺ‪" :‬الل ُه َّم‬ ‫ول ا ِ‬ ‫ُي َح ِّب َب ِني �أَ َنا َو�أُ ِّمي �إِلىَ ِع َبا ِد ِه المْ ُ�ؤْ ِم ِن َني ‪َ ،‬و ُي َح ِّب َب ُه ْم �إِ َل ْي َنا ‪َ ،‬ق َال ‪َ :‬ف َق َال َر ُ�س ُ‬
‫َح ِّب � ْ�ب ُع َب ْي � َ�د َك َه َذا ـ َي ْع ِني َ�أ َبا هُ َر ْي َر َة ـ َو ُ�أ َّم ُه ِ�إلىَ ِع َب ��ا ِد َك المْ ُ ْ�ؤ ِم ِن َني ‪َ ،‬و َح ِّب ْب ِ�إ َل ْي ِه ِم المْ ُ�ؤْ ِم ِننيَ" ‪.‬‬
‫ويقول �أبو هريرة ر�ض ��ي اهلل عنه ‪ ،‬بعد هذا الدعاء املبارك ‪َ ،‬ف َما ُخ ِلقَ ُم�ؤْ ِمنٌ َي ْ�س� � َم ُع ِبي َو اَل‬
‫َي� � َرانيِ ِ �إ اَّل �أَ َح َّب ِن ��ي(‪ . ")2‬قل ��ت �أنا ‪( :‬غري الراف�ض ��ة) عليهم من اهلل ما ي�س ��تحقون ‪ ،‬ف�إنهم‬
‫نا�صبوه العداء ‪ .‬وورد يف كتاب "اجلامع البن وهب" ‪�" :‬أَتَى َر ُج ٌل �إِلىَ َر ُ�س ِول اللهَّ ِ ﷺ‪َ ,‬ف َق َال‬
‫‪َ " :‬يا َن ِب َّي اللهَّ ِ ا ْل َعنْ َد ْو ً�سا ‪َ ,‬ف َواللهَّ ِ َما َر�أَ ْيتُ َق ْو ًما َق ُّط �أَ ْفت ََك َر ُجلاً َول �أَ ْفت ََك َفتَا ًة ِم ْن ُه ْم ‪َ ،‬ف َق َال‬
‫ﷺ‪�" :‬إِ َّنا لمَ ْ ُن ْب َعثْ َط َّعا ِن َني َو اَل َل َّعا ِن َني‬ ‫ول اللهَّ ِ َ‬ ‫�أَ ُبو هُ َر ْي َر َة ر�ضي اهلل عنه ‪َ :‬يا َق ْو َما ُه‪َ ،‬ف َق َال َر ُ�س ُ‬
‫َو َل ِك َّنا ُب ِع ْث َنا َر ْح َم ًة ِل ْل َعالمَ ِ َني(‪. ")3‬‬
‫ويف كتاب "الأدب املفرد" عن �أبي هريرة ر�ضي اهلل عنه َق َال ‪� :‬أَهدى َرج ٌل ِمن ِبني َفزَ ارة‬
‫ﷺعلى املِنرب َيقول ‪َ " :‬يهدي �أَحدُهُ م‬ ‫النبي َ‬ ‫َ�سخ َط ُه ‪َ ،‬ف�سمِ عتُ َ‬ ‫عو�ضه ‪َ ،‬فت َّ‬ ‫لل َّنبي ﷺ َناق ًة َف َ‬
‫قبل َبعد َعامي َهذا ِمن ال َعرب َهدي ًة ِ�إ اَّل‬ ‫�سخ ُطه ‪ ،‬و�أَمي اللهَّ ِ اَل �أَ ُ‬ ‫َف�أع ِّو ُ�ض ��ه َبقد ِر َما ِعندي ُثم َي َ‬
‫ر�ش ��ي �أَو �أَ ْن َ�صار ٍِّي �أَ ْو َثقفي �أَ ْو َدو�سي" واحلديث �صحيح ورد يف "ال�صحيحة" للألباين‬ ‫ِمن ُق ِ‬
‫برق ��م (‪ . )1684‬وقال حممد املدعو بعبد ال ��ر�ؤوف بن علي بن زين العابدين احلدادي ثم‬

‫((( عمدة القاري �شرح �صحيح البخاري ‪ ( . )192/15( :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( �صحيح م�سلم (‪ ( . )1938/4‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( اجلامع البن وهب (‪ ( .. )473‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪172‬‬
‫املناوي القاهري ‪� ،‬صاحب كتاب "التي�سري ب�شرح اجلامع ال�صغري" يف �شرح هذا احلديث"‬
‫طيب عن�صرهم اَل تطمح ُن ُفو�سهم ِ�إلىَ َما ي ْنتَظر‬ ‫�شرف ُن ُفو�سهم َو ِ‬ ‫‪" :‬لأَنهم ملكارم �أَ ْخلاَ قهم َو ِ‬
‫ال�س� �فْلة وال َّر َعاع من ا�س ��تكثار ا ْل ِع َو�ض على ا ْل َه ِد َّية ‪َ ،‬ونب َه باملذكورين على َمن �س ��واهُ م‬ ‫�إِ َل ْي ِه ِّ‬
‫ممِ َّ ن اتّ�صف ب�شرف ال َّنف�س "‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫�أما يف الإ�سالم ‪ ،‬فقد زادهم اهلل رفعة به ‪ ،‬فكان منهم احلافظ املتقن وهو �أبو هريرة‬
‫الدو�سي ر�ضي اهلل عنه ‪� ،‬أحفظ ال�صحابة حلديث امل�صطفى ﷺ‪ ،‬والفار�س املغوار الطفيل‬
‫بن عمرو الدو�سي ر�ضي اهلل عنه ‪ ،‬والقائد املحنك جندب بن عمرو بن حممة الدو�سي (ر�ضي‬
‫اهلل عن���ه)‪ ،‬ه�ؤالء مناذج من �ص ��حابة دو�س ر�ض ��ي اهلل عنهم ‪� ،‬أما م ��ن التابعني وتابعيهم فال‬
‫يح�ص ��ون كرثة ‪ ،‬حي ��ث كان منهم احلافظ لكتاب اهلل واملحدث والقا�ض ��ي والوايل والأمري‬
‫والقائد واللغوي وال�شاعر ‪ ،‬ومن يقر�أ �سري الرجال يجد �أن رجال دو�س لهم ال�صدارة فيما‬
‫وع َمان ‪ ،‬وما‬ ‫من �ش� ��أنه رفعة الإ�س�ل�ام و�أهله(‪ ،)2‬فلقد �ش ��اركت دو�س بق�س ��ميها يف زهران ُ‬
‫تف ��رع عنه ��ا يف الع ��راق ‪ ،‬وفـار�س‪ ،‬وبالد ال�ش ��ام ‪ ،‬قبائل العرب الأخ ��رى ‪ ،‬يف حماربة �أهل‬
‫ال�ش ��رك والف�س ��اد ‪ ،‬وتو�س ��يع رقعة الإ�س�ل�ام ‪ ،‬بد ًءا من عهد الر�س ��ول (ﷺ)‪ ،‬وعهد خلفائه‬
‫الرا�ش ��دين ‪ ،‬وم ��ن �أتى من بعدهم م ��ن �أمراء امل�س ��لمني ووالتهم ‪ ،‬فكانوا يف جي�ش امل�س ��لمني‬
‫ملحارب ��ة املرتدي ��ن ‪ ،‬وكانوا مع جيو�ش امل�س ��لمني يف فت ��ح العراق‪ ،‬وفار�س ‪ ،‬وال�ش ��ام ‪ ،‬وال يزال‬
‫ميناء يف (لبنان) ي�س ��مى �إىل هذا اليوم (ميناء الزهراين)‪ .‬با�س ��م ال�صحابي اجلليل جنادة‬
‫بن �أبي �أمية الزهراين (ر�ض���ي اهلل عنه) ‪ ،‬قائد الأ�س ��طول احلربي الإ�سالمي يف عهد معاوية بن �أبي‬
‫�سفيان (ر�ضي اهلل عنه)‪ ،‬وكانوا مع عمرو بن العا�ص يف فتح م�صر‪ ،‬وكان �أبو هريرة (ر�ضي اهلل عنه)‪ ،‬يف‬
‫املعارك التي �ش ��ارك فيها يطوف على املجاهدين ويحر�ض ��هم على القتال قائلاً لهم ‪" :‬تزينوا‬
‫للحور العني" ‪ ،‬وجعل ر�س ��ول اهلل (ﷺ) ‪ ،‬ملا �أتوه يف خيرب �ش ��عارهم يف احلرب " يا مربور"‬
‫"الط َف ْي � ِ�ل ِبن َع ْم ٍرو َر ِ�ض � َ�ي اللهَّ ُ َع ْن ُه ‪ُ :‬ق ْل َنا ‪َ :‬يا َر ُ�س � َ‬
‫�ول اللهَّ ِ ‪ْ ،‬اج َع ْل َن ��ا َم ْي َم َنت ََك‪َ ،‬و ْاج َع ْل‬ ‫‪ .‬لق ��ول ‪ُّ :‬‬
‫ِ�ش� � َعا َر َنا ‪َ " :‬يا َمبرْ ُ و ُر" ‪َ " ،‬ف َف َع َل ﷺ" ثم �أ�ص ��بح هذا ال�شعار فيما بعد لكافة الأزد وكانوا يف‬
‫(‪)3‬‬

‫جي�ش مو�سى بن ن�صري لفتح الأندل�س ‪ ،‬ومنهم بعد عودتهم ِمن فتح الأندل�س ‪َ ،‬من وزر يف دولة‬
‫الأدار�س ��ة باملغرب العربي �إبان ظهورها ‪ .‬وهو الوزير م�ص ��عب بن عمري بن م�ص ��عب الأزدي‬
‫الزهراين ‪ ،‬وهذا الوزير �أي م�ص ��عب بن عمري ‪ ،‬هو الذي اختار للأمري �إدري�س ‪ ،‬موقع مدينة‬

‫((( التي�سري ب�شرح اجلامع ال�صغري (‪ ( . )324/1‬ابن �سدران ) ‪.‬‬


‫((( نعم من دو�س ومن اليمن وبالد تهامة وال�سراة رجال كثريون �أ�سهموا يف بناء التاريخ واحل�ضارة الإ�سالمية داخل اجلزيرة‬
‫العربية وخارجها‪ .‬ونقول �إن �أفراد تراجم مطولة لأولئك الأعالم من الواجبات على م�ؤرخي هذا لع�صر وعلى الباحثني‬
‫اجلادين من �أهل هذه البالد‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( امل�ستدرك على ال�صحيحني للحاكم (‪ ( . )291/3‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫‪173‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫(فا�س) فاختطها يف حدود �س ��نة اثنتني وت�س ��عني ومائة والتي تليها(‪ .)1‬وكان لهم دور بارز يف‬
‫قم ��ع الفنت و�إخم ��اد الثورات التي كانت تهيج بنواحي فار�س وغريها من بالد الإ�س�ل�ام ‪ ،‬فقد‬
‫�ش ��اركوا �آل املهلب يف حروبهم �ض ��د اخلوارج ‪ ،‬و�أخل�صوا الطاعة لأمراء هذا البيت ‪ ،‬وبيت �آل‬
‫املغرية وغريهم من �أمراء وقادة امل�س ��لمني ‪� ،‬أينما �ساروا بهم �ساروا ‪ .‬ومن الأماكن التاريخية‬
‫يف قبيلة "دو�س" والتي حفظ التاريخ لنا �أ�س ��ماءها ‪ :‬جبل"ال ِع ْر َنني" وهو حمى لهم ‪ ،‬ي�ش ��رف‬
‫على قرية‪" :‬الجْ ُ ُب ْور" قرية �أبي هريرة الدو�سي (ر�ضي اهلل عنه) ‪ ،‬وعلى عدة ُق َرى تابعة لقبيلة فهم‬
‫الدو�س ��ية ‪ ،‬وفيه يقول مالك بن فهم الدو�سي ‪ ،‬بعد �أن هاجر �إىل �أر�ض ُع َمان �شرقي اجلزيرة‬
‫العربية(‪:)2‬‬
‫م����ل����ك����ن����ا ب�������رب�������را وب������ن������ي ق�������ران‬ ‫ويف ال��������ع��������رن����ي���ن ك�������ن�������ا �أه�����������������ل ع����ز‬
‫"ح ْ�ض� � َرة" بني قبيلة بني احلارث من بني‬ ‫"ع ِو ْي� � َرة" بدو�س ‪ ،‬وفيه كانت وقعة ‪ِ :‬‬ ‫وجب ��ل َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ي�ش ��كر م ��ن الغطارف ��ة ‪ ،‬وقبيلة دو�س ‪ ،‬فكان الظف ��ر يف هذه احلرب لدو� ��س ‪ .‬وعلى هذا‬
‫اجلبل يف الوقت احلايل قرية عامرة ت�س ��مت با�س ��م اجلبل‪" :‬عويرة"‪ .‬وهي من ُق َرى قبيلة‬
‫ُوم َ�ض ��ان ‪ :‬وهو جبل ي�ش ��رف عل ��ى وادي ثروق من‬ ‫"بن ��ي الطفي ��ل" �إحدى ُق َرى دو�س ‪ .‬و ُقد ُ‬
‫الناحية ال�ش ��رقية ‪ ،‬ورد ذكره يف حديث معركة خيرب ‪ ،‬فقد جاء يف كتاب ‪ :‬خمت�ص ��ر فتح رب‬
‫الأرب ��اب مبا �أهمل يف لب اللباب من واجب الأن�س ��اب (‪� )47‬أن ��ه ‪ " :‬ثنية بجبل يف بالد دو�س‬
‫بال�س ��راة يقال لها قدوم �ض� ��أن" ‪ .‬و" َعنْ �أَ ِبي هُ َر ْي َر َة َر ِ�ض � َ�ي اللهَّ ُ َع ْن ُه ‪َ ،‬ق َال ‪�َ :‬أ َت ْيتُ َر ُ�س � َ‬
‫�ول اللهَّ ِ‬
‫ﷺ َوهُ َو ِب َخيْبرَ َ َب ْعدَ َما ا ْف َتت َُحوهَ ا‪َ ،‬ف ُق ْلتُ ‪َ :‬يا َر ُ�س َول اللهَّ ِ ‪� ،‬أَ ْ�س ِه ْم ليِ ‪َ ،‬ف َق َال َب ْع ُ�ض َب ِني َ�س ِع ِيد ْب ِن‬
‫�ول اللهَّ ِ ‪َ ،‬ف َق َال َ�أ ُبو هُ َر ْي َر َة ‪" :‬هَ َذا َقا ِت ُل ا ْب ِن َق ْو َق ٍل" ‪َ ،‬ف َق َال ا ْبنُ َ�س ِع ِيد‬ ‫ا�ص‪َ :‬ال ُت ْ�س� � ِه ْم َل ُه َيا َر ُ�س � َ‬ ‫ال َع ِ‬
‫ا�ص ‪َ :‬و َاع َج ًبا ِل َو ْب ٍر‪َ ،‬تدَ لىَّ َع َل ْي َنا ِمنْ َقدُوم َ�ض� ��أْ ٍن ‪َ ،‬ي ْن َعى َع َل َّي َقت َْل َر ُج ٍل ُم ْ�س� � ِلم �أَ ْك َر َم ُه اللهَّ ُ‬ ‫ْب ِن ال َع ِ‬
‫(‪ٍ )4‬‬ ‫ِ‬
‫َع َلى َيدَ َّي ‪َ ،‬ولمَ ْ ُي ِه ِّني َع َلى َيدَ ْي ِه ‪َ ،‬ق َال ‪َ " :‬ف َال �أَ ْد ِري �أَ ْ�س َه َم َل ُه �أَ ْم لمَ ْ ُي ْ�س ِه ْم َلهُ" "‪.‬‬
‫"ذي َم ْن َعا" التي ورد لها ذكر يف‬ ‫ومن ا ْل َع َق َبات التي ت�صل �سراة زهران بتهامتها عقبة ِ‬
‫حديث �إ�س�ل�ام �أبي هريرة ر�ض ��ي اهلل عنه ‪ ،‬على يد الطفيل بن عمرو الدو�س ��ي ‪ ،‬ر�ضي اهلل‬
‫عن ��ه ‪ ،‬حي ��ث " كان �أبو هريرة هو و�أهله يف جبل يقال له ‪" :‬ذو منعا"‪ ،‬فلقيه الطفيل بطريق‬
‫برح ��رح (‪ .")5‬وه ��ذه العقب ��ة �إىل اجلنوب الغربي من بلدة "برحرح" الدو�س ��ية ‪� ،‬أن�ش� ��أت‬
‫احلكومة منها طريقا ي�صل ال�سراة بتهامة ‪ ،‬وقد مت الق�ضاء يف الع�صر احلديث على جي�ش‬

‫انظر ‪ :‬اال�ستق�صا يف �أخبار املغرب الأق�صى ‪ ، 30 :‬وبيوتات فا�س الكربى ‪ ( .13 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫الأن�ساب ‪ :‬لل�صحاري العماين ‪ ( . 237 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫امل�صدر نف�سه ‪ (.274 ،‬ابن �سدران) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫�صحيح البخاري ‪ ( .)24/4( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫الأغاين ‪ ،‬للأ�صفهاين ‪ ( .220/13 ،‬ابن �سدران )‪.‬‬ ‫(((‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪174‬‬
‫الغزاة الرتك من قبل رجال دو�س ‪� ،‬أ�س ��فل هذه العقبة يف مو�ض ��ع منها ي�س ��مى‪" :‬الباب" ال‬
‫ت ��زال قبورهم ظاهرة �إىل هذه ال�س ��اعة ‪ ،‬وذلك �س ��نة (‪1300‬هـ)(‪ .)1‬وم ��ن بلدانهم قرية‬
‫وق‪ :‬مرجتل‪ ،‬مل �أر هذا املر ّكب‬ ‫" ُث ُروق" ذكرها الأ�صفهاين‪ ،‬واحلموي الذي قال عنها ‪َ " :‬ث ُر ُ‬
‫م�ستعمال يف كالم العرب ‪ :‬وهو ا�سم قرية عظيمة لبني دو�س بن عدثان بن زهران بن كعب‬
‫ب ��ن احلارث بن ن�ص ��ر بن الأزد ‪ ،‬ج ��اء ذكرها يف حديث حممة الدو�س ��ي‪ ،‬ويف حديث وفود‬
‫الطفيل بن عمرو ر�ضي اهلل عنه ‪ ،‬زمن البعثة النبوية ال�شريفة‪ ،‬على النبي ﷺ ‪� ،‬أنه �أ�سلم‬ ‫ّ‬
‫ورج ��ع �إىل قوم ��ه يف ليلة مطرية ظلماء حت ��ى نزل ثروق ‪ ،‬وهي قرية عظيم ��ة لدو�س ‪ ،‬فيها‬
‫منرب ‪ ،‬فلم يب�صر �أين ي�سلك ‪ ،‬ف�أ�ضاء له نور يف طرف �سوطه ‪ ،‬ف�شهد النا�س ذلك ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫�أنار �أخذت على القدوم ثم على ثروق ال تطف�أ احلديث ‪ ،‬وقال رجل من دو�س يف حرب كانت‬
‫بينهم وبني بني احلارث بن عبد اهلل وهم الغطاريف ‪:‬‬
‫�����ش���� ّراب����ة امل���ح�������ض ت��������روك ال��ق��ي��ل‬ ‫ق����د ع���ل���م���ت ����ص���ف���راء ح���و����س���اء ال���� ّذي����ل‬
‫� ّأن ث������روق������ا دون������ه������ا ك������ل ال����وي����ل‬ ‫ت����رخ����ي ف�����روع�����ا م���ث���ل �أذن�����������اب اخل���ي���ل‬
‫(‪)2‬‬
‫وق������د �أت�������ت واد ك���ث�ي�ر ال�������س���ي���ل‬ ‫ودون���������ه���������ا خ����������رط ال������ق������ت������اد ب���ال���ل���ي���ل‬
‫و ُث ُروق الآن ‪ :‬واد زراعي عظيم ي�ضم معظم ُق َرى قبائل‪ :‬دو�س بن منهب وبني علي و�آل‬
‫ع َّيا�ش ‪ ،‬ويف مو�ض ��ع منه كان �صنم ذي الخْ َ َل َ�صة الذي هُ ِدم يف عهد الر�سول ﷺ ‪ ،‬غري �أنه‬
‫وح ْ�ض َوة‪ :‬قرية جاهلية‬ ‫لي�س ال�صنم الذي هدمه جرير بن عبداهلل البجلي ر�ضي اهلل عنه ‪ُ .‬‬
‫قدمية من قرى دو�س بني فهم ‪ ،‬بني جبال �ش ��اهقة ‪ ،‬يف و�س ��ط غابة كثيفة الأ�ش ��جار‪ُ ،‬بنيت‬
‫بيت من‬ ‫واد ُ�س ��مي با�س ��مها ‪ ،‬وهو �أح ��د روافد وادي تربة امل�ش ��هور ‪ ،‬وقد ع�ث�رتُ على ٍ‬ ‫على ٍ‬
‫ال�شعر حلاجز بن عـوف ال�سالماين الزهراين ‪ ،‬يذكر فيه َت َع ُّر�ض دو�س يف هذه القرية لغارة‬
‫�شعواء و�أرجح �أنها ب�سبب تلك الغـارات التي كان ي�شنها الغطاريف عليهم ‪ ،‬يقول حاجز بن‬
‫عوف(‪: )3‬‬
‫ع��ل��ى دو� ٍ�����س َك�����ذِ ى ال������دَّا ِء ال�� َك��ظِ ��ي��ـ ِ��م‬ ‫َرم���������وا دو�����س����ـً����ا ب���ح�������ض���وة ث�����م �أم�������س���وا‬
‫وق ��د �أن�ش� ��أت احلكومة يف هذا الوادي َ�س� �دًّا لال�س ��تفادة من مي ��اه الأمطار ح ��ال نزولها لري‬
‫وح ْج َرة دو�س هو واد يف تهام ��ة دو�س عليه حال ًّيا مدينة‬ ‫املزروعات املنت�ش ��رة حوله لأبن ��اء القرية ‪َ .‬‬
‫ال�ش� � ْغ َبان الزهرانية ‪ ،‬ح�صل فيه وقعة يف اجلاهلية‬ ‫ا�س ��مها الحْ َ ْج َرة ‪ ،‬وهي قاعدة قبيلة بني ُ�سليم ُّ‬

‫((( كتاب بطون قبيلة زهران ‪( .)456( :‬ابن �سدران)‪ .‬هذا الكالم حقيقة فقد قمت بجولة يف بالد غامد وزهران عام‬
‫( ‪1433‬هـ‪2012/‬م) ور�أيت الكثري من الآثار والأمكنة التاريخية ‪ ،‬ون�أمل من امل�ؤرخني والآثاريني اجلادين �أن يدر�سوا‬
‫هذه البالد درا�سة علمية موثقة‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( معجم البلدان ‪ ( .)77/2( :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( �أبو عمرو ال�شيباين ‪ ،‬كتاب اجليم ‪ ( .183/3 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫‪175‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ‪� :‬صور من تاريخ وح�ضارة بالد دو�س وغريها من ع�شائر زهران يف اجلاهلية والإ�سالم‬

‫‪ :‬بني بني كنانة ودو�س‪ ،‬وهو �إىل اليوم يعرف بحجرة دو�س ‪ ،‬قال ابن وهب الدو�سي يف �أبيات(‪:)1‬‬
‫ث��� ّم ن��ك��ن ك��ال��ذي ب��الأم�����س يعتدل‬ ‫�إن ت��������ؤت ح���ج���رت���ن���ا ن���ع���ق���د ن��وا���ص��ي��ه��ا‬
‫ثالث ًا ‪ :‬اخلال�صة ‪:‬‬
‫هذا ما تي�س ��ر لنا �س ��رده م ��ن تاريخ هذه القبيلة الدو�س ��ية الزهراني ��ة العريقة ‪ ،‬يف هذه‬
‫العجالة ‪ ،‬والتي هي بحاجة �إىل درا�سة عميقة لت�سليط ال�ضوء على تاريخها و�سري رجالها ‪ ،‬وما‬
‫دار على تراب �أر�ض ��ها من �أحداث ج�س ��ام ‪ ،‬ويف مثقفيها من ي�ستطيع القيام بذلك(‪ .)2‬نرجو‬
‫�أن نك ��ون ق ��د وفقنا �إىل تزويد الق ��راء ببع�ض تاريخها املجيد ‪ ،‬واهلل من وراء الق�ص ��د ‪ ،‬وهو‬
‫الهادي �إىل �س ��واء ال�سبيل ‪ ،‬و�ص ��لى اهلل و�سلم على �سيدنا حممد وعلى �آله و�صحبه‪ ،‬وال�سالم‬
‫عليك ��م ورحمة اهلل وبركات ��ه ‪ .‬انتهيت من حترير هذه املدونة يف (‪ 1438/4/20‬هـ) ‪( .‬علي‬
‫بن حممد بن �سدران الزهراين) ‪.‬‬

‫((( معج ��م البل ��دان ‪ ( . )88/3( :‬ابن �س ��دران ) ‪ .‬يف ع ��ام (‪1438‬هـ‪2017/‬م) ويف عام ( ‪1433‬ه� �ـ‪2012/‬م ) جتولت يف تهامة‬
‫و�سروات زهران وغامد و�شاهدت الكثري من ال�شواهد التاريخية التي يعود زمنها �إىل الع�صر اجلاهلي وع�صور الإ�سالم املبكرة‪.‬‬
‫و�أقول جلامعة الباحة وغريها من امل�ؤ�س�سات العلمية �إن مثل هذه الأمكنة حتتاج �إىل درا�سة وتوثيق‪(.‬ابن جري�س)‬
‫((( �ش ��كر اهلل لك يا علي بن �س ��دران على هذا التدوين التاريخي الذي �ش ��مل �شيئ ًا من تاريخ ع�شرية دو�س يف اجلاهلية‬
‫والإ�سالم ‪ ،‬وكذلك ع�شائر و�أمكنة �أخرى من بالد زهران تهامة و�سراة ‪ .‬ون�أمل منكم يا �أبناء غامد وزهران وبخا�صة‬
‫�أرباب القلم واملتخ�ص�صني يف علوم الرتاث الإ�سالمي فتدر�سوا تاريخ وح�ضارة �أهلكم وبالدكم ‪ ،‬وهذا من الواجب‬
‫عليكم فعله‪ .‬واهلل املوفق‪( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫‪177‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫الدراســــــة الخامســـــة‬

‫الباحة (بالد غامد وزهران )‬


‫يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬
‫(*)‬
‫بقلم ‪:‬أ‪.‬د‪ .‬عيثان بن علي بن جريس‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (الباحة وع�سري) ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(‪1434‬هـ ‪2013 ،‬م) ‪( -‬اجلزء اخلام�س)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪91 - 21‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪178‬‬
‫الدرا�س��ة اخلام�س��ة‪ :‬الباح��ة (ب�لاد غام��د وزه��ران ) يف عي��ون بع�ض‬
‫الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني ‪:‬‬
‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬ ‫م‬
‫‪179‬‬ ‫�أو ًال‪ :‬مدخل‬
‫‪182‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬التعريف بالرحالة ومدوناتهم‬
‫‪182‬‬ ‫‪1‬ـ احل�سن بن �أحمدالهمداين(ق‪3‬ـ‪4‬هـ‪9 /‬ـ‪10‬م)‬
‫‪2‬ـ �شم�س الدين �أبو عبد اهلل املعروف بالب�شاري املقد�سي(ق‪4‬هـ ‪10/‬م) ‪183‬‬
‫‪185‬‬ ‫‪3‬ـ نا�صر خ�سرو(ق‪5‬هـ‪11/‬م)‬
‫‪186‬‬ ‫‪4‬ـ حممد بن �أحمد بن جبري (ق‪6‬ـ‪7‬هـ ‪12 /‬ـ‪13‬م)‬
‫‪5‬ـ جمال الدين يو�سف بن يعقوب املعروف بـ(ابن املجاور) (ق‪7‬هـ‪13/‬م) ‪188‬‬
‫‪191‬‬ ‫‪6‬ـ �شهاب الدين �أحمد بن ف�ضل اهلل ال ُعمري (ق‪8‬هـ‪14/‬م)‬
‫‪193‬‬ ‫‪7‬ـ ابن بطوطة (ق‪8‬هـ‪14/‬م)‬
‫‪195‬‬ ‫‪8‬ـ العبا�س بن علي املو�سوي(ق‪12‬هـ‪18/‬م)‬
‫‪196‬‬ ‫‪9‬ـ موري�س تاميزيه(ق‪13‬هـ‪19/‬م)‬
‫‪11+10‬ـ ال�سريكيناهان كورنوالي�س‪ +‬روبن بدول (ق‪14‬هـ‪20 /‬م) ‪199‬‬
‫‪203‬‬ ‫‪12‬ـ ال�شريف الربكاتي (ق‪14‬هـ‪20/‬م)‬
‫‪204‬‬ ‫‪13‬ـ حممد عمر رفيع (ق‪14‬هـ‪20/‬م)‬
‫‪206‬‬ ‫‪14‬ـ ولفرد ث�سيجر (ق‪14‬هـ‪20/‬م)‬
‫‪207‬‬ ‫‪15‬ـ حمد بن حممد اجلا�سر (ق‪14‬ـ‪15‬هـ‪20/‬ـ‪21‬م)‬
‫‪210‬‬ ‫‪16‬ـ علي �صالح ال�سلوك الزهراين (ق‪14‬ـ‪15‬هـ‪20 /‬ـ‪21‬م)‬
‫‪214‬‬ ‫‪17‬ـ عاتق بن غيث البالدي (ق‪14‬ـ‪15‬هـ‪20/‬ـ‪21‬م)‬
‫‪216‬‬ ‫‪18‬ـ عبد الرحمن �صادق ال�شريف(ق‪ 14‬ـ‪15‬هـ‪20/‬ـ ‪21‬م)‬
‫‪217‬‬ ‫‪19‬ـ علي حافظ (ق‪14‬ـ‪15‬هـ‪20/‬ـ‪21‬م)‬
‫‪220‬‬ ‫‪20‬ـ م�سفر الغامدي(ق‪14‬ـ‪15‬هـ‪20/‬ـ‪21‬م)‬
‫‪221‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬وقفة ت�أمل وحتليل للرحالة ومدوناتهم‬
‫‪221‬‬ ‫‪1‬ـ تنوع ثقافة الرحالة‬
‫‪223‬‬ ‫‪2‬ـ امل�صادر واملنهج امل�ستخدم يف جمع مادة املدونات‬
‫‪224‬‬ ‫‪3‬ـ درا�سة مقارنة ملدونات الرحالني‬
‫‪229‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬اخلال�صة مع بع�ض النتائج‬
‫‪179‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫�أو ًال ‪ :‬مدخل ‪:‬‬


‫منطق ��ة الباح ��ة هي تلك الأوطان امل�أهولة بال�س ��كان يف و�س ��ط بالد تهامة وال�س ��راة‪،‬‬
‫والواقعة بني منطقتي مكة املكرمة يف ال�ش ��مال وع�س�ي�ر يف اجلنوب ‪ .‬و�أهلها هم الغامديون‬
‫والزهرانيون الأزديون الوارد ذكرهم يف كثري من كتب الرتاث الإ�سالمي(‪ . )1‬وعند مقارنة‬
‫التاري ��خ امل ��دون عن هذه البالد م ��ع ما مت تدوينه عن املناطق املج ��اورة مثل‪ :‬مدن احلجاز‬
‫الرئي�سية‪� ،‬أو ع�سري وجنران وغريها جند �أن الديار الزهرانية والغامدية من �أقل البلدان‬
‫املكتوب عنها(‪� ،)2‬أو املذكورة يف الكتب واملدونات املطبوعة واملن�ش ��ورة ‪ .‬ورمبا كان تو�سطها‬
‫يف �أر�ض ال�سراة‪ ،‬وبعدها عن الطرق التجارية الرئي�سية القدمية التي تربط احلجاز باليمن‬
‫من الأ�س ��باب التي �ساهمت يف �ضعف �أو قلة التدوين عنها ‪ .‬والذاهب الآيب يف قرى وجبال‬
‫و�أودية وحوا�ض ��ر منطقة الباحة يت�ض ��ح له �أن ه ��ذه البالد ذات تاريخ عري ��ق فهي م�أهولة‬
‫بال�س ��كان‪ ،‬مليئة باخلريات الزراعية والرثوات احليوانية ‪ .‬بل �أهلها �أ�ص ��حاب كرم وجندة‬
‫و�شجاعة وب�سالة و�شيم‪ ،‬ناهيك عن �إحاطة العديد من القبائل الكبرية واملراكز احل�ضارية‬
‫الهامة ‪ .‬وكل هذه العوامل كفيلة ب�أن يكون لها تاريخ وح�ض ��ارة‪ ،‬ولكن للأ�س ��ف ـ وكما �أ�شرنا‬
‫�سابق ًا ـ هذا التاريخ مل يحفظ عن هذه البالد العربية املاجدة(‪. )3‬‬
‫ويف ه ��ذا البح ��ث املو�س ��وم ب� �ـ ‪ :‬الباح���ة ( ب�ل�اد غام���د وزه���ران ) يف عي���ون‬
‫بع����ض الرحال�ي�ن امل�س���لمني وغ�ي�ر امل�س���لمني‪� ،‬س ��وف نطل ��ع الق ��ارئ الك ��رمي عل ��ى‬
‫�ش ��ريحة م ��ن العلم ��اء والكت ��اب الذي ��ن تعر�ض ��وا يف مدوناته ��م �إىل �ص ��ور م ��ن تاري ��خ‬
‫وح�ض ��ارة منطق ��ة الباح ��ة ‪ .‬وه ��ذه ال�ش ��ريحة ه ��ي الت ��ي �أطلقن ��ا عليه ��ا م�ص ��طلح‬
‫( الرحال�ي�ن‪� ،‬أو الرحال ��ة )‪ ،‬والكث�ي�ر منه ��م ي�أت ��ون يف م�ص ��اف اجلغرافي�ي�ن والرحال�ي�ن‬

‫((( قبائل غامد وزهران لها ذكر ح�س ��ن وجيد يف كتب الرتاث الإ�س�ل�امي منذ فجر الإ�س�ل�ام �إىل ع�ص ��رنا احلا�ض ��ر‪.‬‬
‫ودرا�س ��ة تاريخ وح�ض ��ارة الدي ��ار الغامدي ��ة والزهرانية خالل الق ��رون الإ�س�ل�امية الع�ش ��رة الأوىل جدير بالبحث‬
‫واالهتمام والدرا�س ��ة ‪ .‬ون�أمل من امل�ؤرخني املتخ�ص�ص�ي�ن وبخا�ص ��ة �أهل غامد وزه ��ران �أن يولوا هذا اجلانب كبري‬
‫اهتمام يف بحوثهم ودرا�ساتهم العلمية والأكادميية ‪.‬‬
‫((( ب�ل�اد جنران ‪ :‬هي الأخ ��رى الزالت فقرية يف جمال البحث والتدوين ‪ .‬ون�أمل �أن تقوم جامعة جنران ب�إن�ش ��اء بع�ض‬
‫املراك ��ز البحثي ��ة التي تتوىل البحث والتمويل للدرا�س ��ات التي ت�ص ��ب يف خدمة املجتمع النج ��راين ثقافي ًا وتاريخي ًا‬
‫وح�ضاري ًا ‪. .‬‬
‫((( لقد زرت منطقة الباحة �أكرث من مرة‪ ،‬وجتولت يف ربوعها‪ ،‬وجال�س ��ت �أهلها‪ ،‬و�سمعت من بع�ض رواتها‪ ،‬ووقفت على‬
‫بع�ض موروثاتها و�آثارها التاريخية فت�أكد يل �أن هذه البالد و�سكانها �أهل ح�ضارة وتاريخ وجمد عريق ‪ .‬وكما �أ�شرت‬
‫يف �أك�ث�ر من مكان‪ ،‬ب� ��أن الباحثني وامل�ؤرخني الغامدي�ي�ن والزهرانيني‪ ،‬وكذلك القائمني عل ��ى جامعة الباحة عليهم‬
‫جميع ًا م�س�ؤولية كبرية جتاه املجتمع الغامدي والزهراين‪ ،‬والواجب عليهم خدمته يف �شتى املجاالت العلمية والبحثية‬
‫الثقافية والفكرية ‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬غيثان بن جري�س ‪ .‬درا�س ��ات يف تاريخ تهامة وال�س ��راة خالل القرون الإ�س�ل�امية‬
‫املبك ��رة والو�س ��يطة (ق‪1‬ـ ق‪ 10‬ه� �ـ ‪ /‬ق‪ 7‬ـ ‪16‬م ) ( الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ض ��ي‪31 ،‬ـ ‪1432‬ه� �ـ‪2010 /‬ـ‪2011‬م ) ‪.‬‬
‫اجلزء الثاين‪� ،‬ص ‪ 133‬ـ‪. 250‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪180‬‬
‫اجليدين‪ .‬وعدد ه�ؤالء الرحالة الوارد ذكرهم يف هذا الكتاب ع�شرون رحا ًال‪ ،‬وال ندعي �أننا‬
‫�شملنا كل الرحالني الذين زاروا منطقة الباحة �أو �أ�شاروا �إليها يف كتبهم ومدوناتهم‪ ،‬ولهذا‬
‫فق ��د ذكرنا كلمة ( بع�ض) يف عنوان هذه الدرا�س ��ة‪ ،‬حتى ن�ت�رك الباب مفتوح ًا ملن �أراد �أن‬
‫ي�س ��تكمل ما مل ن�ستطع الو�ص ��ول �إليه �أو االطالع عليه ‪ .‬كما �أننا �أي�ض ًا ال ندعي الكمال فيما‬
‫�أوردناه‪ ،‬ومن ثم ندعو كل من لديه علم‪ ،‬واطلع على ق�صور �أو نق�ص وقعنا فيه �أن ي�ستكمل‬
‫وي�صحح �إذا كان ذا فائدة علمية ت�ضيف جديد ًا �أو ت�صحح خط�أً(‪. )1‬‬
‫الرحال ��ون ال ��وارد ذكره ��م يف هذا البح ��ث بد�أوا بامل�ؤرخ والن�س ��ابه ( ل�س ��ان اليمن )‬
‫احل�س ��ن بن �أحمد الهمداين‪ ،‬وانتهوا ببع�ض الغامديني واحلجازيني الذين تعر�ض ��وا لبالد‬
‫الباح ��ة يف مدوناته ��م مثل‪ :‬علي حافظ‪ ،‬وم�س ��فر مرزح الغامدي(‪ .)2‬والناظر يف فهر�س ��ت‬
‫البحث العام له�ؤالء الرحالة يجد �أن �س ��بعة منهم �أ�ش ��اورا �إىل ذكر غامد وزهران �أو الديار‬
‫ال�سروية الزهرانية والغامدية من القرن (‪8-3‬هـ‪14-9/‬م) ‪� .‬أما الفرتة املمتدة من القرن‬
‫(‪11-9‬ه� �ـ‪17-15 /‬م) فلم جن ��د �أي رحال ذكر تاريخ هذه الب�ل�اد‪ .‬ويف الزمن املمتد من‬
‫الق ��رن (‪15-12‬هـ‪21-18/‬م) جند (‪ )13‬كاتب ًا �أو رحا ًال تعر�ض ��وا لذكر تاريخ وح�ض ��ارة‬
‫منطق ��ة الباح ��ة ( غامد وزه ��ران ) مع التف ��اوت يف احلجم والتن ��وع يف مدوناتهم‪ .‬ونقول‬
‫للقارئ الكرمي �أن هناك �أ�س ��باب عديدة جعلتنا نفرد ق�س ��م ًا م�س ��تق ًال يف هذه الدرا�سة عن‬
‫بع� ��ض امل�ؤرخني والرحالني �أو الكت ��اب الذين زاروا �أو عرفوا الب�ل�اد الزهرانية والغامدية‪،‬‬
‫ومن هذه الأ�سباب ما يلي‪:‬‬
‫‪1 .1‬التاريخ لي�س حم�ص ��ور ًا يف كتب التاريخ البحتة‪ ،‬و�إمنا هو علم وا�سع فم�صادره متنوعة‬
‫ومت�ش ��عبة ‪ .‬والبح ��ث يف التاري ��خ يختلف ح�س ��ب الزمان وامل ��كان‪ ،‬وح�س ��ب العنوان �أو‬
‫املو�ضوع الذي يراد درا�سته وبحثه ‪ .‬وكتب اجلغرافيا والرحالت من امل�صادر الهامة يف‬
‫علم التاريخ‪ ،‬وهذا ما مل�سناه يف هذا الق�سم‪ ،‬فهناك العديد من الرحالني واجلغرافيني‬
‫الذين ذكروا بع�ض التف�ص ��يالت عن بالد غامد وزهران‪ ،‬وقد ي�ص ��عب �أحيان ًا �أن جند‬
‫بع�ض املعلومات التي ذكروها عند غريهم من امل�ؤلفني والكتاب ‪.‬‬
‫‪2 .2‬من امل�ؤكد �أن هناك �أقوال وروايات عند بع�ض الرحالني الذين جابوا اجلزيرة العربية‬
‫ومل نطلع على مدوناتهم‪ ،‬وبع�ض ��هم كانوا علماء يف اللغة وال�ش ��ريعة �أو يف علوم �أخرى‪،‬‬
‫وقد يكون منهم �أمراء وق�ضاة ورجال حكم و�سيا�سة‪ ،‬ومثل ه�ؤالء رمبا ذكروا �أو �أ�شاروا‬

‫((( ه ��ذه دع ��وة نذكرها دائم ًا يف جميع كتبنا ودرا�س ��اتنا‪ ،‬واحلكمة �ض ��الة امل�ؤمن �أنى وجدها �أخذه ��ا‪ .‬فالواجب علينا‬
‫جميع ًا �أن نتنا�ص ��ح ون�صحح بع�ض ��نا‪ ،‬فكل منا مر�آة لأخيه امل�سلم ‪ .‬ونرجو كل من يجد خط�أً �أو ق�صور ًا وقعنا فيه �أن‬
‫ينبهنا �إىل هذا العيب حتى ن�صححه ونتالفاه يف قادم الأيام‪.‬‬
‫((( انظر الفهر�س العام لهذه الدرا�سة ‪.‬‬
‫‪181‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫�إىل ب�ل�اد غامد وزه ��ران ‪ .‬ومن ثم فال ندعي الكمال وال�ش ��مولية لكل الرحالني الذين‬
‫تعر�ض ��وا ملنطقة الباحة‪ .‬ونحن ننادي من على �صفحات هذا الكتاب �أن ُتدر�س منطقة‬
‫غامد وهران ب�ش ��كل �أو�س ��ع و�أ�ش ��مل وبخا�ص ��ة يف �أقوال وروايات امل�ؤرخ�ي�ن والرحالني‬
‫والأدباء وال�شعراء واجلغرافيني‪ .‬ومن يفعل ذلك ف�سوف يطلعنا على مادة طيبة ت�صور‬
‫التاريخ احل�ضاري للمجتمعات الغامدية والزهرانية ‪.‬‬
‫‪3‬اجلمي ��ل يف �إيراد �أقوال ه�ؤالء الرحال�ي�ن املختلفني يف الثقاف ��ات واالجتاهات و�أحيان ًا‬ ‫‪.3‬‬
‫يف الدي ��ن والدم ��اء‪ ،‬وكذلك يف مواطنهم الرئي�س ��ية‪ ،‬ويف ع�ص ��ورهم الزمنية‪،‬كل هذا‬
‫ي�ؤكد على �أن العلم �ش ��يء م�ش ��اع لكل النا�س‪ ،‬فهذا الأندل�س ��ي‪ ،‬وذاك الفار�س ��ي‪ ،‬و�آخر‬
‫املغربي‪ ،‬بل ذاك امل�سلم و�آخر الن�صراين كلهم اجتمعوا على تدوين التاريخ واحل�ضارة‬
‫ملجتمعات عربية �أزدية �س ��روية منزوية يف �صقع من �أ�ص ��قاع بالد ال�سراة‪ .‬وهذا ف�ضل‬
‫م ��ن اهلل عزوج ��ل �أن جعل يف هذه الدني ��ا �أقوام يخدمون �آخرين ولي�س بينهم �ص ��لة �أو‬
‫قرابة‪ ،‬و�إمنا العلم وخدمة الثقافة والفكر هو الذي �سخرهم ودفعهم لذلك ‪.‬‬
‫‪�4‬إذا اطلع بع�ض الباحثني املحدثني‪� ،‬أو بع�ض مثقفي بالد غامد وزهران �إىل هذا ال�سرد‬ ‫‪.4‬‬
‫التاريخ ��ي‪ ،‬وما دونه لنا �أولئك الرحالون املتقدم ��ون واملت�أخرون‪ ،‬فرمبا �أدى ذلك �إىل‬
‫بعث الن�ش ��اط واحلما� ��س يف قلوبهم وهممهم فيكتبوا بع� ��ض مدوناتهم �أو رحالتهم يف‬
‫بالدهم �أو غريها‪ ،‬و�إذا فعلوا ذلك‪ ،‬ف�إنه مما يرثي امليادين الثقافية والعلمية والفكرية‬
‫يف بالدنا وبني جمتمعاتنا ‪.‬‬
‫‪5‬مو�ض ��وع الرحلة والرحالني يف بالد غامد وزهران خالل الع�ص ��ور الإ�س�ل�امية املبكرة‬ ‫‪.5‬‬
‫والو�س ��يطة واحلديثة واملعا�صرة جدير بالدرا�سة ‪ .‬بل ي�ستحق �أن يفرد له كتاب م�ستقل‬
‫�أو ر�س ��الة علمية �أكادميية ‪ .‬ولو قام �أحد الباحثني اجلادين بدرا�س ��ة هذا املو�ضوع ف�إنه‬
‫ـ بدون �شك ـ �سوف ي�ضيف �إىل املكتبة العربية كل جديد ونافع (ب�إذن اهلل تعاىل ) ‪.‬‬
‫‪6‬هناك الكثري من املوظفني جا�ؤوا �إىل منطقة الباحة منذ منت�صف القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪،‬‬ ‫‪.6‬‬
‫بل وبع�ض ��هم من الأدب ��اء واملعلمني وال�ش ��عراء‪ ،‬وقد يكون لهم �آث ��ار يف املنطقة‪ ،‬ورمبا‬
‫�س ��جلوا بع�ض ملحوظاتهم �أو انطباعاتهم وم�شاهداتهم ‪ .‬ون�أمل �أن نرى �أحد الباحثني‬
‫اجلادين املعا�صرين فيدر�س مثل هذا املو�ضوع الذي قد يدون عنه مادة علمية جديدة‬
‫تعك�س �صور ًا من تاريخ وح�ضارة الإن�سان يف منطقة الباحة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪182‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬التعريف بالرحالة ومدوناتهم ‪:‬‬
‫‪1‬ـ احل�سن بن �أحمد الهمداين ( ق‪3‬ـ‪4‬هـ‪9/‬ـ‪10‬م) ‪.‬‬
‫�أب ��و حممد احل�س ��ن بن �أحمد بن يعق ��وب الهمداين‪ ،‬املعروف باب ��ن احلائك‪ ،‬وهو من‬
‫بي ��ت متو�س ��ط من بي ��وت بكيل بب�ل�اد هم ��دان(‪ . )1‬ولد يف �ص ��نعاء يف الن�ص ��ف الثاين من‬
‫القرن (‪3‬هـ‪9/‬م) (‪ .)2‬ن�ش� ��أ يف ع�صر تقدمت فيه العلوم والآداب وتفنن �أهلها يف الت�صنيف‬
‫والت�أليف‪ ،‬وقد �ش ��ارك ه ��ذا الرحالة اليمني يف جميع معارف ع�ص ��ره من تاريخ و�أن�س ��اب‬
‫وجغرافي ��ة وفلك ودرا�س ��ة حلركات الكواكب وبحث عن �س�ن�ن الطبيع ��ة و�آراء امللل والنحل‬
‫وغريها من العلوم(‪ . )3‬وهناك �آثار كثرية لهذا العامل اليمني قد فقدت‪ ،‬و�أ�ش ��ار �إىل بع�ضها‬
‫عبد اهلل بن حممد عبد اهلل احلب�شي(‪. )4‬‬
‫والكت ��اب الذي يهمنا يف هذه الدرا�س ��ة هو كتاب ‪� :‬ص���فة جزيرة الع���رب‪ ،‬فهو من �أهم‬
‫م�ؤلفات الهمداين‪ ،‬وهو من �أهم الكتب ملعرفة جزيرة العرب وبخا�ص ��ة اجلنوبي منها‪ ،‬ومل‬
‫يكت ��ف هذا الرحالة بو�ص ��فها نق ًال عن غريه و�إمنا تنقل يف معظ ��م �أجزائها (‪ .)5‬وقد زودنا‬
‫بتف�صيالت قيمة عن البالد املمتدة من الطائف ومكة املكرمة �إىل حوا�ضر اليمن الكربى‪.‬‬
‫و�إذا قارن ��ا م ��ا حفظ لنا هذا الرحالة م ��ع غريه ف�إنه يفوقهم يف دقة الر�ص ��د وجودة املادة‬
‫العلمية التي يندر �أن جندها عند �سواه(‪.)6‬‬
‫وع ��ن منطقة الباحة ( ب�ل�اد غامد وزهران )‪ ،‬فالظاهر عل ��ى الرحالة �أنه جاب بالد‬
‫ال�س ��راة املمتدة م ��ن جنران وقحط ��ان �إىل زهران والطائ ��ف مرات عدي ��دة(‪ ،)7‬وكان لديار‬
‫((( لقد �أورد الهمداين ن�سبه كام ًال يف كتابه‪ ،‬الإكليل‪ ،‬ج‪192 ،10‬ـ ‪. 204‬‬
‫((( لي�س هناك تاريخ دقيق يحدد والدته‪ ،‬وتذكر بع�ض امل�صادر �أن والدته كانت من اخلم�سينيات �إىل نهاية ال�سبعينيات‬
‫من القرن (‪3‬هـ‪9/‬م) ‪ .‬وجند الأ�ستاذ حممد علي الأكوع حمقق كتاب ‪� :‬صفة جزيرة العرب للهمداين‪ ،‬يحدد تاريخ‬
‫ميالده يف عام (‪280‬هـ) ‪ .‬انظر ‪ :‬الهمداين ‪� .‬صفة جزيرة العرب ‪ .‬حتقيق الأكوع ( الريا�ض ) (‪1397‬هـ‪1997/‬م)‪،‬‬
‫�ص ‪ 5‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( للمزيد عن حياة الهمداين انظر بع�ض كتبه التي مت العثور عليها مثل‪� :‬ص ��فة جزيرة العرب‪ ،‬وكتاب اجلوهرتني‪ ،‬وكتاب‬
‫الإكليل‪ ،‬وكتاب الدامغة ‪ .‬وهناك كتب �أخرى مل ت�صلنا ويف الغالب �أنها �ضاعت مثل‪ :‬كتاب الأيام الذي ورد ذكره يف بغية‬
‫الوعاة لل�سيوطي‪ ،‬وكتب �أخرى مثل‪ :‬احليوان‪ ،،‬و�سرائر احلكمة‪ ،‬واليع�سوب يف �آالت احلرب و�أخبار الأبطال وال�شجعان‬
‫الذين امتازوا با�ستعمالها وقد �سماه الهمداين يف كتاب ‪� :‬صفة جزيرة العرب (القو�س من اليع�سوب ) ‪.‬‬
‫((( للمزيد انظر‪ ( :‬عبد اهلل احلب�شي ‪ .‬مراجع تاريخ اليمن ( طبعة دم�شق �سنة ‪1972‬م)‪� ،‬ص‪ 13‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( لق ��د اعتمدن ��ا على الن�س ��خة الت ��ي حققها حمم ��د علي الأكوع و�أ�ش ��رف عل ��ى مراجعته ��ا وطباعتها حمد اجلا�س ��ر‬
‫( الريا�ض‪ :‬من�شورات دار اليمامة ) (‪1397‬هـ‪1977/‬م)‪� ،‬ص ‪ 6‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( لق ��د كان ��ت �س ��عة الثقافة التي يتمتع به ��ا الهمداين‪ ،‬بالإ�ض ��افة �إىل كرثة تنقالت ��ه وجتواله يف �أرج ��اء اجلزيرة من‬
‫الأ�سباب الرئي�سية يف ثراء مادة كتاب ‪� :‬صفة اجلزيرة ‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬ابن جري�س‪ ،‬القول املكتوب‪ ،‬ج‪� ،3‬ص‪ 326‬وما‬
‫بعهدها ‪ .‬ج‪� ،4‬ص‪ 26‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( الهمداين‪� ،‬صفة‪� ،‬ص‪ 255‬وما بعدها‪ ،‬غيثان بن جري�س " بالد ال�سراة من خالل كتاب �صفة جزيرة العرب للهمداين‬
‫" جملة الدارة‪ ،‬ربيع الآخر واجلمادان (‪1414‬هـ) ‪ .‬العدد (‪ . )3‬ال�سنة(‪� ،)19‬ص ‪ 76‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪183‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫قحطان و�شهران ورجال احلجر(‪ ،)1‬ثم الطائف ن�صيب ال ب�أ�س به يف �شروحاته ‪� .‬أما بالد غامد وزهران‬
‫فل ��م يولها كبري اهتمام‪ ،‬و�إمنا �أ�ش ��ار �إليها يف �إحدى رحالته من اليم ��ن �إىل احلجاز عندما كان يعدد‬
‫بع�ض ال�س ��روات الواقعة بني �ص ��نعاء والطائف فقال ‪ ... " :‬ثم �س ��راة زهران من الأزد دو�س وغامد ‪...‬‬
‫جندهم بنو �س ��واءة بن عامر وغورهم لهب‪ ،‬وعويل من الأزد وبنو عمرو‪ ،‬وبنو �س ��واءة خليطي والدعوة‬
‫عامرية‪ ،‬ثم �س ��راة بجيلة‪ .)2(" ..‬ويف مكان �آخر من الكتاب يعدد ال�س ��روات فيقول‪ .. " :‬ثم يتلو �سراة‬
‫(‪)3‬‬
‫عنز �س ��راة احلجر بن الهنو ‪ ..‬ثم يتلوها �س ��راة غامد‪ ،‬ثم �سراة دو�س‪ ،‬ثم �سراة فهم وعدوان ‪"...‬‬
‫‪ .‬ويف�ص ��ل احلديث عن بع�ض ال�سروات الواقعة �إىل اجلنوب من بالد غامد وزهران(‪ ،)4‬وعندما ي�صل‬
‫�إىل الديار الغامدية ي�ش�ي�ر �إليها بقوله ‪ ... " :‬ثم غامد‪ ،‬ثم بلد النمر‪ ،‬ثم بلد دو�س من وراء ذلك ‪"..‬‬
‫(‪ .)5‬وي�شري �إىل لغة �أهل ال�سروات املمتدة من اليمن �إىل الطائف وي�شيد بح�سن بيانهم وف�صاحة لغتهم‬
‫(‪ .)6‬ويف �ص ��فحات عديدة من كتابه يذكر بع�ض اجلوانب االجتماعية واالقت�صادية يف �أر�ض ال�سروات‬
‫م ��ن �ص ��نعاء �إىل احلجاز‪� ،‬إال �أن البالد املعنية يف هذا الق�س ��م مل ينلها ن�ص ��يب يذك ��ر‪ ،‬ورمبا �أن هذا‬
‫الرحالة كان يجتاز بالد غامد وزهران ب�ش ��كل �س ��ريع دون �أن ميكث به ��ا بع�ض الوقت ويدون بع�ض ما‬
‫�سمع �أو �شاهد‪ ،‬كما كان يفعل يف �سروات منطقة ع�سري �أو �أجزاء من بالد اليمن(‪.)7‬‬
‫‪2‬ـ �شم�س الدين �أبو عبد اهلل املقد�سي املعروف بالب�شاري (ق‪4‬هـ‪10/‬م) ‪:‬‬
‫ال نع ��رف �إال القليل عن ميالد املقد�س ��ي ون�ش� ��أته‪ ،‬وكان مولده يف بي ��ت املقد�س‪ ،‬جاب‬
‫عدد ًا من �أقاليم العامل الإ�سالمي(‪ ، )8‬ثم دون كتابه املو�سوم بـ‪� :‬أح�سن التقا�سيم يف معرفة‬
‫((( بالد قحطان و�ش ��هران ورجال احلجر �أجزاء من منطقة ع�س�ي�ر يف ع�ص ��رنا احلا�ض ��ر وهي ديار وا�س ��عة وم�أهولة‬
‫بال�س ��كان‪ ،‬وت�س ��تحق العدي ��د من الدرا�س ��ات التاريخية واحل�ض ��ارية ‪ .‬ون�أمل م ��ن جامعة امللك خال ��د �أن تويل هذه‬
‫النواحي وغريها اهتمام ًا كبري ًا يف جمال البحوث والدرا�سات ‪.‬‬
‫((( الهمداين‪� ،‬صفة‪� ،‬ص ‪ 119‬ـ ‪. 120‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( وبخا�ص ��ة �س ��روات احلجر املعروفة اليوم ببالد بني عمرو‪ ،‬وبني �شهر‪ ،‬وبلل�سمر‪ ،‬وبللحمر فقد �أورد عنها تف�صيالت‬
‫جيدة ‪ .‬انظر ‪ :‬الهمداين‪� ،‬صفة‪� ،‬ص ‪261‬ـ ‪. 262‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪. 262‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه‪� ،‬ص ‪� . 279‬أ�شار �إىل بالد غامد وزهران �ضمن بالد ال�س ��روات فقال ‪ " :‬الف�صاحة من العر�ض يف‬
‫وادعة فجنب فيام فزبيد فبني احلارث‪ ،‬فما ات�ص ��ل ببلد �ش ��اكر من جنران �إىل �أر�ض يام ف�أر�ض �س ��نحان‪ ،‬ف�أر�ض‬
‫نهد وبني �أ�سامة فعنز فخثعم فهالل بن ربيعة ف�سرة احلجر فدو�س فغامد ‪ . " ..‬الهمداين‪� ،‬صفة‪� ،‬ص ‪. 279‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه ‪� ،‬ص ‪ 120‬وما بعدها ‪ .‬و�شخ�صية الهمداين وكذلك م�ؤلفاته التي و�صلتنا حتتاج العديد من البحوث‬
‫والدرا�س ��ات الأكادميي ��ة ‪ .‬ون�أمل �أن نرى م ��ن طالبنا �أو طالباتنا يف برامج املاج�س ��تري والدكتوراة ‪ .‬بجامعات امللك‬
‫خال ��د‪ ،‬والطائ ��ف‪ ،‬والباحة‪ ،‬وجازان‪ ،‬وجن ��ران فيولوا هذا العامل اليمن ��ي وكتبه كبري اهتم ��ام يف �أعمالهم العلمية‬
‫والأكادميية ‪ .‬والدعوة موجهة �أي�ض� � ًا �إىل �أع�ض ��اء هيئة التدري�س يف �أق�س ��ام التاريخ بهذه اجلامعات الآنفة الذكر �أو‬
‫غريها من اجلامعات ال�سعودية الأخرى ‪.‬‬
‫((( زار ه ��ذا الرحالة حوايل �أربعة ع�ش ��ر �إقليم� � ًا هي ‪ :‬اجلزيرة العربية‪ ،‬والعراق‪ ،‬و�أقور‪ ،‬وال�ش ��ام‪ ،‬وم�ص ��ر‪ ،‬واملغرب‪،‬‬
‫وامل�شرق‪ ،‬والديلم‪ ،‬والرحاب‪ ،‬واجلبال‪ ،‬وخوز�ستان‪ ،‬وفار�س‪ ،‬وكرمان‪ ،‬وال�سند ‪ .‬انظر‪ :‬املقد�سي‪� ،‬أح�سن التقا�سيم ‪.‬‬
‫حتقيق �أم ‪ .‬ج ‪ .‬دي ‪ .‬خوية ( ليدن ‪ :‬مطبعة بريل‪1876 ،‬م)‪� ،‬ص ‪ 9‬ـ ‪. 10‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪184‬‬
‫الأقالي ��م‪ ،‬وكان تدوينه لهذا ال�س ��فر يف مدينة �ش�ي�راز الفار�س ��ية ع ��ام (‪375‬هـ‪985/‬م)‪،‬‬
‫وعمره �آنذاك حوايل �أربعني �سنة (‪.)1‬‬
‫وي�ش�ي�ر املقد�س ��ي �إىل �س ��بب تدوين هذا الكتاب‪ ،‬فيقول ‪� .." :‬أما بعد مازالت العلماء‬
‫ترغب ت�ص ��نيف الكتب لئال تدر�س �آثارهم‪ ،‬وال تنقطع �أخبارهم‪ ،‬ف�أحببت �أن �أتبع �س ��ننهم‪،‬‬
‫و�أقيم علم ًا �أحيي به ذكري‪ ،‬ووجدت العلماء قد �سبقوا �إىل العلوم ف�صنفوا على االبتداء‪ ،‬ثم‬
‫تبعتهم الأخالف ف�ش ��رحوا كالمهم واخت�صروه‪ ،‬فر�أيت �أن �أق�صد علم ًا قد �أغفلوه‪ ،‬و�أنفرد‬
‫بفن مل يذكروه ‪ ...‬وهو ذكر الأقاليم الإ�س�ل�امية وما فيها من املفاوز والبحريات والأنهار‪،‬‬
‫وو�ص ��ف �أم�ص ��ارها امل�ش ��هورة‪ ،‬ومدنها املذكورة‪ ،‬ومنازلها امل�س ��لوكة‪ ،‬وطرقها امل�س ��تعلمة‪،‬‬
‫وعنا�ص ��ر العقاق�ي�ر والآالت‪ ،‬والتج ��ارات‪ ،‬واختالف �أه ��ل البلدان يف كالمهم و�أ�ص ��واتهم‬
‫و�أل�س ��نتهم و�ألوانهم‪ ،‬ومذاهبهم ومكاييلهم و�أوزانهم ونقودهم‪ ،‬و�ص ��فة طعامهم و�شرابهم‬
‫وثمارهم ومياههم‪ ،‬ومعرفة مفاخرهم وعيوبهم ‪.)2( "...‬‬
‫واملقد�س ��ي جاء �إىل جزيرة العرب وجتول يف حوا�ض ��رها ومدنه ��ا الكربى‪ ،‬ودون عنها‬
‫تف�صيالت قيمة(‪ .)3‬وبالد احلجاز واليمن فازتا بن�صيب الأ�سد يف مدوناته‪� ،‬أما بالد غامد‬
‫وزهران‪ ،‬واملعروفة‪� ،‬أي�ض� � ًا ببالد ال�سراة‪ ،‬فلم يرتدها �أو يزرها و�إمنا �أ�شار �إليها عن طريق‬
‫ال�سماع و�أقوال الرواة ‪ .‬وذكر �أنها تقع �ضمن بالد ال�سروات الواقعة بني اليمن واحلجاز‪ ،‬بل‬
‫عده ��ا من املخاليف التابعة لبالد احلجاز وبخا�ص ��ة الطائف ومكة املكرمة(‪ . )4‬ومن خالل‬
‫مدوناته عن التاريخ االجتماعي واالقت�صادي يف مكة املكرمة ن�ست�شف يف طيات احلديث �أن‬
‫�أهل بالد ال�سروات مثل غامد وزهران كانوا على اطالع و�صالت باحلراك احل�ضاري الذي‬
‫كان جاري ًا يف مدن احلجاز الكربى‪ .‬فكانوا على �صالت اجتماعية وجتارية مع �أهل احلجاز‪،‬‬
‫بل كانوا يرتادون �أ�سواق مكة والطائف ويعملون يف العديد من امل�ضاربات التجارية‪ ،‬ف�ض ًال‬
‫عن ممار�سة �شعائرهم الدينية يف موا�سم احلج والعمرة وطوال �أيام ال�سنة(‪.)5‬‬

‫((( امل�صدر نف�سه ‪� .‬ص ‪ 2‬وما بعدها‪ ،‬وللمزيد انظر‪� :‬أحمد رم�ضان �أحمد‪ ،‬الرحلة والرحالة‪� ،‬ص ‪ 129‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( املقد�سي‪� ،‬أح�سن التقا�سيم‪� ،‬ص ‪ 1‬ـ ‪. 2‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪� .‬ص ‪ 10‬وما بعدها ‪ .‬هناك العديد من الرحالني الذين جابوا �أجزاء من جزيرة العرب وحتدثوا عن‬
‫جوانب عديدة من تاريخها احل�ض ��اري‪ ،‬ومن �أولئك الرحالة ‪ .‬الهم ��داين‪ ،‬واليعقوبي‪ ،‬وابن الفقيه‪ ،‬وابن خرداذبة‪،‬‬
‫وابن ر�سته‪ ،‬وابن حوقل‪ ،‬والإ�صطخري‪ ،‬وابن املجاور‪ ،‬والإدري�سي‪ ،‬وابن بطوطة وغريهم ‪ .‬واملقد�سي ي�أتي يف مقدمة‬
‫ه�ؤالء الرحالني امل�سلمني الأوائل‪.‬‬
‫((( املقد�سي‪� ،‬أح�سن‪� ،‬ص ‪ 103 ،96 ،88 ،70‬ـ ‪. 104‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه ‪� .‬ص ‪ 67‬ـ ‪ . 113‬الدار�س لتاريخ اليمن وال�س ��روات واحلجاز يجد �أن هذه البالد متقاربة يف الأوطان‬
‫مت�ش ��ابهة يف الكثري من العادات والتقاليد ‪ .‬ثم �إن حوا�ض ��ر احلجاز واليمن مرتادة من �أهل املدن والأرياف القريبة �أو‬
‫املحيطة بها ‪ .‬وال�سرويون ال غنى لهم على الإطالق من ارتياد تلك احلوا�ضر الكربى وبخا�صة مدن احلجاز الرئي�سية‬
‫مثل‪ :‬الطائف‪ ،‬ومكة املكرمة‪ ،‬واملدينة املنورة فهي مرتادة من قبل ال�سرو �أو ال�سرويون عرب ع�صور التاريخ ‪.‬‬
‫‪185‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫‪3‬ـ نا�صر خ�سرو (ق‪5‬هـ‪11/‬م ) ‪:‬‬


‫ول ��د هذا الرحالة يف بل ��دة قباديان من نواحي بلخ عام (‪394‬ه� �ـ‪1003/‬م)‪ ،‬وتويف يف‬
‫العقد الثالث من القرن اخلام�س الهجري ( احلادي ع�ش ��ر امليالدي) يف بالد الأفغان عند‬
‫حدود ك�شمري من بالد الهند(‪.)1‬‬
‫هذا الرحالة فار�س ��ي الأ�ص ��ل واملن�ش� ��أ‪ ،‬عمل يف بالط الدولتني الغزنوية وال�سلجوقية‪،‬‬
‫وكان معظ ��م عمل ��ه يف دواوين هاتني الدولت�ي�ن(‪ . )2‬خلف العديد من الكت ��ب‪ ،‬منها الكتاب‬
‫ال ��ذي يهمنا يف مبحثنا هذا واملو�س ��وم بـ ( رحلة نا�ص���ر خ�س���رو)‪ ،‬وهو رحل ��ة قام بها لعدة‬
‫�س ��نوات (‪444-437‬ه� �ـ‪1052 -948/‬م ) ‪ .‬ذك ��ر فيه ��ا الكثري من البلدان يف قارتي �آ�س ��يا‬
‫و�إفريقي ��ا‪ ،‬وق ��د زار اجلزيرة العربية يف عام (‪442‬ه� �ـ‪ )1050/‬وتنقل ما بني مكة واملدينة‬
‫والطائف واليمامة والأح�ساء والبحرين وغريها(‪. )3‬‬
‫وهذا الرحالة مل يزر �سروات �أو تهامة غامد وزهران‪ ،‬ومل يذكرها ب�شكل مبا�شر‪ ،‬لكنه‬
‫(‪)4‬‬
‫ذكر البالد املمتدة من احلجاز �إىل اليمن فقال �إنهم �أهل �إبل وما�شية وم�ساكنهم اخليام‬
‫‪ .‬و�أ�ش ��ار �إىل الأجزاء ال�سروية وذكر �أنها مناطق �شديدة الربودة‪ ،‬وبها العديد من امل�ضائق‬
‫اجلبلية واحل�صون املحكمة(‪ . )5‬وبالد ال�سروات و�سراة غامد وزهران جزء ًا من هذه الديار‬
‫فق ��د ذك ��ر �أن ��ه يوجد بها ق ��رى كثرية وب ��واد ال تدخل حتت احل�ص ��ر‪ ،‬ثم ق ��ال ‪ " :‬ويف كل‬
‫بادية حاكم م�س ��تبد ال يخ�ض ��ع لأي �س ��لطة مركزية‪ ،‬وتكرث يف هذه النواحي ال�سرقة والقتل‬
‫والنهب"(‪ . )6‬ومن هذه الإ�شارات القليلة لهذا الرحالة خرجنا ببع�ض النتائج والآراء مثل‪:‬‬
‫‪1 .1‬منطقة الباحة ( غامد وزهران ) تقع �ضمن هذه البالد التي �أ�شار �إليها هذا الرحالة‪،‬‬
‫ثم �إن بع�ض �س ��كان هذه الديار �أهل ما�ش ��ية و�إبل‪ ،‬بل بع�ض ��هم بدو رحل مع موا�ش ��يهم‬
‫وثرواتهم احليوانية‪ .‬كما �أن مرتفعات زهران وغامد �ش ��ديدة الربودة يف ال�ش ��تاء وبها‬
‫العديد من احل�صون واجلبال ال�شاهقة(‪. )7‬‬

‫((( معني الدين نا�صر خ�سرو ‪� .‬سفر نامة ( رحلة نا�صر خ�سرو ) ‪ .‬ترجمه من الفار�سية �إىل العربية �أحمد خالد البديل‬
‫( الريا�ض ‪ :‬عمادة �ش�ؤون املكتبات بجامعة امللك �سعود ‪1403‬هـ‪1983/‬م) ‪ .‬انظر‪ :‬مقدمة املرتجم‪� ،‬ص‪. 5‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪ 5‬ـ ‪ . 6‬وللمزيد انظر‪ :‬غيثان بن جري�س ‪ .‬بالد القنفذة خالل خم�سة قرون (ق‪10‬ـ‪15‬هـ‪16/‬ـ‪21‬م‬
‫) ( درا�سة تاريخية ح�ضارية ) ( الريا�ض‪ :‬مطابع احلمي�ضي‪1432 ،‬هـ‪2011/‬م )‪� ،‬ص ‪ 163‬ـ ‪. 164‬‬
‫((( انظر كتابه ‪� :‬س ��فر نامة ( رحلة نا�صر خ�س ��رو )‪� ،‬ص‪ 9‬ومابعدها ‪ .‬للمزيد انظر‪� :‬أحمد رم�ضان �أحمد‪ ،‬الرحلة‪� ،‬ص‬
‫‪ 239‬ـ ‪. 250‬‬
‫((( نا�صر خ�سرو‪� ،‬سفر نامة‪� ،‬ص ‪. 142‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪،‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪. 142‬‬
‫((( م�شاهدات الباحث لهذه البالد التي زارها مرات عديدة وبخا�صة يف عامي (‪1424‬هـ‪2003/‬م و (‪1433‬هـ‪2012/‬م)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪186‬‬
‫‪2 .2‬القرى يف �سروات غامد وزهران وما جاورها من ال�سروات كثرية وم�أهولة بال�سكان(‪ .)1‬ثم‬
‫�إن �س ��كان هذه البالد كانوا يف ال�س ��ابق حمكومني من قبل �شيوخ القبائل الذين يعود �إليهم‬
‫الأمر والنهي يف �أمور بالدهم ‪ .‬والدار�س لتاريخ بالد ال�سراة منذ القرن (‪12-3‬هـ ‪-18 /‬‬
‫‪19‬م) يجد �أن الفو�ض ��ى كانت �ض ��اربة �أطنابها يف عموم هذه البالد‪ ،‬فكل قبيلة م�س ��تقلة‬
‫بذاتها‪ ،‬بل جندها يف �صراع دائم مع القبائل والع�شائر املخالطة لها يف اال�ستيطان(‪. )2‬‬
‫و�إذا كان نا�صر خ�سرو مل يزر بالد زهران وغامد وما حولها من ال�سروات املمتدة من‬
‫�ص ��نعاء حتى الطائف‪� ،‬إال �أن و�صفه �شيوخها باال�س ��تبداد‪ ،‬وانت�شار ال�سرقة والقتل والنهب‬
‫بينهم ال يخلو من ال�ص ��واب‪ ،‬ويعود ال�س ��بب �إىل عدم وجود �س ��لطة �إدارية نظامية ت�ض ��بط‬
‫البالد والعباد ‪ .‬ويف اعتقادي �أنه لو زار �أر�ض ال�س ��روات ف�إنه بدون �شك �سيحفظ لنا �صور ًا‬
‫من تاريخ هذه البالد خالل الع�صور الإ�سالمية الو�سيطة(‪. )3‬‬
‫‪4‬ـ حممد بن �أحمد بن جبري ( ق‪ 6‬ـ ‪7‬هـ ‪12/‬ـ‪13‬م) ‪:‬‬
‫هو ابن جبري البلن�س ��ي الأ�صل الغرناطي باال�س ��تيطان ولد مبدينة بلن�سية يف الأندل�س‬
‫�سنة (‪439‬هـ �أو ‪940‬هـ ‪1144/‬م �أو ‪1145‬م)‪ ،‬وكانت وفاته مبدينة الإ�سكندرية عام (‪614‬هـ‬
‫‪1217/‬م) ‪ .‬كان من علماء الأندل�س يف الفقه واحلديث‪ ،‬وله م�شاركات يف الأدب ‪ .‬ترجم له‬
‫العديد من امل�ؤرخني والأدباء يف القدمي واحلديث (‪. )4‬‬

‫ون�س ��تطيع الق ��ول ب�أن هذه الأوطان جديرة بالبحث والدرا�س ��ة العلمي ��ة الأكادميية اجلادة ‪ .‬ون�أم ��ل �أن تقوم جامعة‬
‫الباحة ب�إن�شاء مراكز بحثية تتوىل �أمور الدرا�سات املوثقة عن هذه البالد البكر يف ميدان البحوث العلمية التاريخية‬
‫والأثرية والفكرية واالجتماعية واالقت�صادية وغريها ‪.‬‬
‫�إن الذاهب يف هذه البالد اليوم يلحظ تناثر القرى القدمية يف كل مكان‪ ،‬بل يجد النقو�ش والآثار الكثرية التي تدل‬ ‫(((‬
‫على وجود م�ستوطنات �سكانية قدمية‪ ،‬والتي يعود تاريخ بع�ضها �إىل ع�صور ما قبل الإ�سالم ‪.‬‬
‫تاريخ بالد ال�سراة يف الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة غري معروف ب�شكل وا�ضح‪ ،‬مع �أن هناك �شذرات كثرية‬ ‫(((‬
‫يف كتب الرتاث الإ�س�ل�امي ت�ش�ي�ر �إىل �صور وملحات من التاريخ ال�سيا�س ��ي واحل�ضاري لهذه البالد ‪ .‬والذي ت�أكد لنا‬
‫من تلك ال�ش ��ذرات ومن بع�ض الروايات املتواترة �أن الفو�ض ��ى كانت �ص ��احبة القدح املعلى يف هذه الديار‪ ،‬فال يوجد‬
‫حكومة مركزية قوية ت�سو�س النا�س‪ ،‬و�إمنا �شيوخ القبائل هم �أ�صحاب القرار الأول والأخري يف �أوطانهم ‪.‬‬
‫تاري ��خ ب�ل�اد تهامة وال�س ��راة املمتدة من �ص ��نعاء وزبيد جنوب� � ًا �إىل الطائف ومك ��ة املكرمة �ش ��ما ًال الزال يحتاج �إىل‬ ‫(((‬
‫درا�سات علمية �أكادميية موثقة ‪ .‬ون�أمل من الأكادمييني وامل�ؤرخني اجلادين يف جنوبي البالد ال�سعودية �أن يولوا هذه‬
‫البالد اهتمامات جادة يف بحوثهم ودرا�ساتهم ‪ .‬كما ن�أمل من طالب وطالبات الدرا�سات العليا يف جامعات ‪ :‬امللك‬
‫خالد‪ ،‬وجنران‪ ،‬وجازان‪ ،‬والباحة‪ ،‬والطائف �أن يركزوا يف �أطروحاتهم العلمية على بالدهم وم�س ��اقط ر�ؤو�سهم‪� ،‬أو‬
‫�أي جزء من بالد تهامة وال�سراة اجلديرة بالبحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫ترجم له كل من ل�س ��ان الدين اخلطيب يف كتابه ‪ :‬الإحاطة يف �أخبار غرناطة‪ ،‬والقا�س ��م بن يو�سف التجيبي ال�سبتي‬ ‫(((‬
‫يف كتاب ��ه ‪ :‬م�س ��تفاد الرحلة واالغ�ت�راب‪ ،‬واملقري يف كتابه ‪ :‬نفح الطيب من غ�ص ��ن الأندل� ��س الرطيب ‪ .‬وترجم له‬
‫�أي�ض ًا املقريزي‪ ،‬وجرجي زيدان‪ ،‬وامل�ست�شرق الرو�سي كرات�شكوف�سكي‪ ،‬وكارل بروكلمان‪ ،‬وف�ؤاد �سزكني‪ ،‬وزكي حممد‬
‫ح�سن‪ ،‬وح�سني ن�صار وغريهم‪.‬‬
‫‪187‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫ق ��ام بث�ل�اث رحالت �إىل �أج ��زاء عديدة م ��ن �إفريقيا‪ ،‬و�آ�س ��يا‪ ،‬و�أوروبا‪ ،‬ث ��م دون تلك‬
‫الرحالت يف كتابه امل�شهور بـ ‪ :‬رحلة ابن جبري ‪.‬‬
‫بد�أ �أول رحالته من الأندل�س عام (‪578‬هـ‪1182/‬م) متجه ًا �إىل بالد املغرب وم�ص ��ر‬
‫ثم اجلزيرة العربية‪ ،‬كما زار ـ �أي�ض� � ًا ـ ك ًال من العراق وال�ش ��ام و�ص ��قلية‪ ،‬و�أخري ًا ا�ستقر به‬
‫القرار يف م�صر حتى وافته املنية هناك يف العقد الثاين من القرن ال�سابع الهجري (الثالث‬
‫(‪)1‬‬
‫ع�شر امليالدي )‬
‫والوا�ض ��ح �أن ه ��ذا الرحال ��ة زار مك ��ة املكرمة واملدين ��ة املنورة‪ ،‬ومل يذه ��ب جنوبهما‬
‫�إىل �أر� ��ض ال�س ��روات �أو بالد اليمن ‪ .‬والذي جعلنا ندرجه م ��ع الرحالني الذين ذكروا بالد‬
‫غامد وزهران‪� ،‬أنه دون يف كتابه املعروف بـ ( الرحلة ) حوايل �أربع �ص ��فحات حتت عنوان‬
‫(ال�س ��رو املائرون ) ‪ .‬واملق�صود به�ؤالء ال�سرويون هم �أهل البالد املمتدة من الطائف وبني‬
‫�س ��عد وبلحارث �إىل غامد وزهران و�شمران ومن جاورهم من القبائل ال�سروية الواقعة بني‬
‫الطائف وجنران(‪. )2‬‬
‫ويف امل���ادة الت���ي دونه���ا هذا الرحال عن ال�س���رويني يت�ض���ح لنا عدة �أم���ور نذكرها يف‬
‫النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬من العنوان الذي ذكره ابن جبري ( ال�سرو املائرون )(‪ . )3‬يت�أكد لنا �أن �أهل ال�سراة من‬
‫غامد وزهران ومن جاورهم كانوا حري�ص�ي�ن على ارتياد حوا�ض ��ر احلجاز وبخا�ص ��ة‬
‫مكة املكرمة من �أجل �أداء احلج والعمرة‪ ،‬وكذلك حمل العديد من ال�سلع للمتاجرة بها‬
‫يف بالد احلرمني ‪ .‬وقد ذكر ابن جبري ذلك ب�شكل وا�ضح عندما قال ‪� " :‬إنهم يجمعون‬
‫بني النية والعمرة ومرية البلد(‪ )4‬ب�ض ��روب من الأطعمة كاحلنطة و�س ��ائر احلبوب �إىل‬
‫اللوبياء �إىل ما دونها ‪ .‬ويجلبون ال�س ��من والع�س ��ل والزبيب واللوز‪ ،‬فتجمع مريتهم بني‬
‫الطعام والإدام والفاكهة ‪ .‬وي�ص ��لون يف �آالف من العدد رجا ًال وجما ًال موقرة بجميع ما‬
‫ذكر‪ ،‬فريغدون معاي�ش �أهل البلد‪ ،‬واملجاورين فيه"(‪ . )5‬ويقول �أي�ض� � ًا ‪ " :‬ومن العجيب‬
‫يف �أمر ه�ؤالء ( ال�سرو) املائرين �أنهم ال يبيعون من جميع ما ذكرناه بدينار وال درهم‪،‬‬
‫((( ابن جبري‪ ،‬رحلة ابن جبري ( بريوت ‪ :‬دار �صادر‪ ،‬د ‪ .‬ت ) ‪� .‬ص‪ 5‬وما بعدها‪� ،‬أحمد رم�ضان �أحمد‪ ،‬الرحلة والرحالة‪،‬‬
‫�ص‪ 323‬ـ ‪. 338‬‬
‫((( جند الهمداين ف�صل احلديث عن هذه ال�سروات‪ ،‬وللمزيد انظر‪ ،‬كتابه ‪� :‬صفة جزيرة العرب‪� ،‬ص ‪ 119‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( انظ ��ر اب ��ن جبري‪ ،‬الرحلة‪�� � ،‬ص‪ . 110‬والدار� ��س لتاريخ ال�س ��راة وعالقة �أهلها باحلج ��از يج ��د �أن العالقات متينة‬
‫وم�ستمرة منذ الع�صر اجلاهلي وعرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي املبكر والو�سيط واحلديث واملعا�صر ‪ .‬ون�أمل �أن نرى‬
‫درا�سات علمية �أكادميية جيدة تر�صد تلك العالقات التاريخية واحل�ضارية منذ القدم حتى ع�صرنا احلديث‬
‫((( يق�صد بـ (البلد) هنا ‪� :‬أي مكة املكرمة ‪.‬‬
‫((( ابن جبري‪ ،‬الرحلة‪� ،‬ص‪. 110‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪188‬‬
‫�إمن ��ا يبيعونه باخلرق والعباءات وال�ش ��مل‪ ،‬و�أهل مكة يعدون له ��م من ذلك مع الأقنعة‬
‫واملالحف املتان وما �أ�شبه ذلك مما يلب�سه الأعراب ويبايعونهم به وي�شارونهم‪.)1( "...‬‬
‫‪2 .2‬من خالل مقابلة ابن جبري لبع�ض ال�سرويني و�س�ؤالهم عن �أوطانهم ات�ضح له �أنها بالد "‬
‫خ�صبة كثرية التني والعنب وا�سعة املحرث وافرة الغالت "(‪ . )2‬و�أثناء م�شاهدته لأولئك‬
‫ال�س ��رو قال عنهم ‪ " :‬القوم عرب �ص ��رحاء حفاة �أ�صحاء‪ ،‬مل تغذهم الرقة احل�ضرية‪،‬‬
‫وال هذبتهم ال�س�ي�رة املدنية‪ ،‬وال �سددت مقا�صدهم ال�س�ن�ن ال�شرعية‪ ،‬فال جند لديهم‬
‫من �أعمال العبادات �سوى �صدق النية"(‪ . )3‬وي�سهب احلديث يف ممار�ساتهم عباداتهم‬
‫عندما يكونون يف جوار البيت احلرام(‪ . )4‬ثم يذكر بع�ض �صفاتهم و�شدة ب�أ�سهم فيقول‪:‬‬
‫" وال ملب�س لهم �سوى �أزر و�سخة‪� ،‬أو جلود ي�سترتون بها ‪ .‬وهم �أهل ب�أ�س وجندة‪ ،‬ولهم‬
‫الق�سي العربية الكبار‪ ،‬ال تفارقهم يف �أ�سفارهم ‪ .‬فمتى رحلوا �إىل الزيارة هاب �أعراب‬
‫الطريق املم�س ��كون للحجاج مقدمهم‪ ،‬وجتنبوا اعرتا�ض ��هم‪ ،‬وخل ��وا لهم عن الطريق‪،‬‬
‫وي�صحبهم احلجاج الزائرون فيحمدون �صحبتهم(‪"... )5‬‬
‫‪3 .3‬مم ��ا �أورد لنا هذا الرحالة ومعرفتنا الطويلة ببالد ال�س ��راة املمتدة من غامد وزهران‬
‫�إىل الطائ ��ف ت�أك ��د لنا �ص ��حة ماجاء عند ابن جب�ي�ر‪ .‬فهذه البالد م�أهولة بال�س ��كان‪،‬‬
‫مليئ ��ة باخلريات وال�ث�روات الزراعية واحليواني ��ة‪ .‬كما �أن �أهلها �أ�ص ��حاب قوة وب�أ�س‪،‬‬
‫ورمبا �ص ��عوبة ت�ضاري�س بالدهم �أك�سبتهم القوة يف �أج�سادهم‪ ،‬وال�صرامة يف �أفعالهم‬
‫و�أقوالهم ‪ .‬كما �أنهم �أ�صحاب عقائد �صافية فلم ي�شب معتقداتهم �أفكار هدامة‪ ،‬و�إمنا‬
‫دينهم على مر التاريخ الإ�س�ل�امي االتباع يف القول والعم ��ل(‪ .)6‬ناهيك عن نقاء لغتهم‬
‫فه ��م �أهل ف�ص ��احة‪ ،‬وهذا ما �أكده ابن جبري عندما قاب ��ل البع�ض منهم فقال ‪�.." :‬أما‬
‫ف�صاحتهم فبديعة جد ًا‪ ،‬ودعا�ؤهم كثري التخ�شيع للنفو�س‪. )7( " ..‬‬
‫‪5‬ـ جمال الدين يو�سف بن يعقوب املعروف بـ ( ابن املجاور‪/‬ق‪7‬هـ‪13/‬م)‪:‬‬
‫اب ��ن املجاور من رح ��ايل القرن (‪7‬هـ‪13/‬م)‪ ،‬ويذك ��ر �أنه من �أهل ال�ش ��ام‪ ،‬ور�أي �آخر‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪ 110‬ـ ‪. 111‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪. 111‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪. 112‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪. 112‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( ب�ل�اد ال�س ��راة ال زالت بحاجة �إىل درا�س ��ات علمية �أكادميية جيدة يف طبائع النا� ��س و�أخالقهم ومعتقداتهم و�أدبهم‬
‫ولغاته ��م ‪ .‬كما �أن ال�ص�ل�ات بني بالد ال�س ��راة و�أر� ��ض احلجاز من املو�ض ��وعات الهامة واجلدي ��رة بالبحث العلمي‬
‫الأكادميي الر�صني ‪.‬‬
‫((( ابن جبري‪ ،‬الرحلة‪� ،‬ص‪.113‬‬
‫‪189‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫ين�سبه �إىل بالد فار�س(‪ . )1‬له كتاب بعنوان ‪� :‬صفة بالد اليمن ومكة وبع�ض احلجاز‪ .‬وي�سمى‬
‫�أي�ض ًا ‪ :‬تاريخ امل�ستب�صر ‪ .‬قام امل�ست�شرق �أو�سكار لوفغرين على درا�سة وحتقيق هذا الكتاب‬
‫ث ��م طبع ون�ش ��ر مبطبعة بري ��ل يف مدينة ليدن بهولندا ع ��ام ( ‪1951‬م)‪ ،‬وهذه الطبعة التي‬
‫اعتمدن ��ا عليها يف هذه الدرا�س ��ة ‪ .‬وهذا ال�س ��فر يق ��ع يف جزءين مبجل ��د واحد يف (‪)303‬‬
‫�صفحة من القطع املتو�سط(‪. )2‬‬
‫ومن عنوان الكتاب يت�ضح لنا �أنه خا�ص ببالد اليمن واحلجاز‪ ،‬لكنه ال يخلو من بع�ض‬
‫التف�ص ��يالت عن جند والبحرين وبالد ال�س ��راة ‪ .‬ويبدو �أن ابن املجاور مل يزر �أو ي�ش ��اهد‬
‫�س ��روات غامد وزهران وما جاورهما من �أر�ض ال�س ��روات املمتدة من �أبها �إىل الطائف(‪،)3‬‬
‫لكنه �أورد معلومات قيمة وذكر فيها بع�ض ال�صور االجتماعية واالقت�صادية لتلك ال�سروات‬
‫فق ��ال‪� ( ..." :‬إنه ��ا) قرى متقاربة بع�ض ��ها من بع�ض يف الكرب وال�ص ��غر‪ ،‬وكل قرية مقيمة‬
‫ب�أهلها‪ ،‬كل فخذ من فخوذ العرب وبطن من بطون البدو يف قرية‪ ،‬ومن جاورهم ال ي�شاركهم‬
‫يف نزله ��ا‪ ،‬وال ي�س ��كنها �أحد �س ��واهم ‪ .‬وقد بني يف كل قرية ق�ص ��ر من حج ��ر وج�ص‪ ،‬وكل‬
‫�س ��اكن يف القرية له خمزن يف الق�ص ��ر يخزن يف املخزن جميع ما يكون له من حوزة وملكه‪،‬‬
‫وال ي�ؤخ ��ذ منه �إال ق ��وت يوم بيوم‪ ،‬ويكون �أهل القرية حمتاطني بالق�ص ��ر م ��ن �أربع ترابيع ‪.‬‬
‫ويحكم كل قرية �ش ��يخ من م�ش ��ائخها كبري القدر وال�س ��ن‪ ،‬ذو عقل وفطنة‪ ،‬ف�إذا حكم ب�أمر‬
‫مل ي�ش ��اركه وال يخالفه �أحد فيما ي�ش�ي�ره عليهم ويحكم فيهم ‪ .‬وجمي ��ع من يف هذه الأعمال‬
‫مل يحكم عليهم �س ��لطان‪ ،‬وال ي�ؤدون خراج ًا‪ ،‬وال ي�س ��لمون قطعة‪� ،‬إال كل واحد منهم مع هوى‬
‫نف�سه‪ ،‬ال يزال القتال د�أبهم‪ ،‬ويتغلب بع�ضهم على مال بع�ض‪ ،‬وي�ضرب قرابة زيد على �أموال‬
‫عمرو‪ ،‬وهم طوال الدهر على هذا الفن‪ ،‬وجميع زروعهم احلنطة وال�ش ��عري و�ش ��جر الكروم‬
‫والرمان‪ ،‬واللوز‪ ،‬ويوجد عندهم من جميع الفواكه واخلريات‪ ،‬و�أكلهم ال�سمن والع�سل ‪ .‬وهم‬
‫يف دعة اهلل و�أمانه‪ ،‬وهم فخوذ يرجعون �إىل قحطان وغريهم من الأن�س ��اب "(‪ .)4‬ويف مكان‬
‫((( من يطلع على كتاب هذا الرحالة واملو�س ��وم بـ‪ :‬تاريخ امل�ستب�ص ��ر‪ ،‬يجد �أن �صاحب الكتاب ذا ثقافة ومعارف فار�سية‬
‫جيدة‪ ،‬وهذا مما ي�ؤكد على �أنه من �أ�ص ��ول فار�س ��ية ‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬ب�ش�ي�ر �إبراهيم ب�ش�ي�ر ( ابن املجاور ‪ :‬درا�س ��ة‬
‫تقوميية لكتابه ‪ :‬تاريخ امل�ستب�صر)‪ .‬بحث مقدم �إىل الندوة العاملية الأوىل لدرا�سات تاريخ اجلزيرة العربية ‪ .‬جامعة‬
‫الريا� ��ض ( امللك �س ��عود ) ( ‪5‬ـ‪ 10‬جمادى الأخرة ‪1397‬هـ‪1979/‬م) ‪ .‬درا�س ��ات تاري ��خ اجلزيرة العربية ( الكتاب‬
‫الثاين )‪� ،‬ص ‪41‬ـ‪. 60‬‬
‫((( امل�صدر واملرجع نف�سه ‪.‬‬
‫((( من يطالع مادة الكتاب يجد �أن هذا الرحالة زار العديد من حوا�ض ��ر احلجاز واليمن الرئي�س ��ية مثل الطائف‪ ،‬ومكة‬
‫املكرمة‪ ،‬واملدينة املنورة‪ ،‬وعدن‪ ،‬و�ص ��نعاء‪ ،‬و�ص ��عدة‪ ،‬وزبيد‪ ،‬وجنران وما جاورها‪ ،‬كما �أنه �س ��ار على �ساحل البحر‬
‫الأحمر من احلجاز �إىل تهامة اليمن ‪� .‬أما �أر�ض تهامة وال�سراة املمتدة من �أبها ورجال �أملع وحمائل جنوب ًا �إىل بالد‬
‫الباحة وما حولها �ش ��ما ًال فلم يرتدها و�إمنا دون عنها بع�ض املعلومات التاريخية واحل�ض ��ارية اجليدة ‪ .‬انظر كتابه ‪:‬‬
‫تاريخ امل�ستب�صر ( حتقيق لوفغرين )‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‪ 3‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪ ،‬ج‪� ،1‬ص ‪ 37‬ـ ‪. 38‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪190‬‬
‫�آخر ي�ص ��ف الرتكيبة االجتماعية ل�سكان �سراة غامد وزهران وما جاورهم فيقول‪� .." :‬أما‬
‫ال�س ��رو ف�إنهم قبائل وفخوذ من العرب لي�س يحكم عليهم �س ��لطان بل م�شائخ منهم وفيهم‪،‬‬
‫وهم بطون متفرقون ‪ .)1("...‬وعن ال�ص�ل�ات االقت�ص ��ادية بني �سروا ت زهران وغامد ومن‬
‫جاوره ��م م ��ع �أهل مكة املكرم ��ة جند ابن املج ��اور ي�ؤكد على ما ذكر اب ��ن جبري من حركة‬
‫التبادل التجاري بني اجلانبني‪ ،‬وعن ت�ص ��دير �أهل ال�س ��راة بع�ض �س ��لعهم �إىل �أ�سواق مكة‪،‬‬
‫فيقول‪ .. " :‬ف�إذا دخلوا ـ �أي ال�سرويني ـ مكة ملئوها خبز ًا من احلنطة وال�شعري وال�سويق‬
‫وال�س ��من والع�س ��ل والذرة والدخن واللوز والزبيب وما ي�شابه ذلك‪ ،‬ولذلك يقول �أهل مكة ‪:‬‬
‫حاج العراق �أبونا نك�سب منه الــذهب‪ ،‬وال�سرو �أمنا نك�سب منهم القوت‪. )2( "..‬‬
‫ومم��ا اطلعن��ا علي��ه يف كت��اب ه��ذا الرحال��ة وله عالق��ة بب�لاد ال�س��روات املمتدة من‬
‫الطائف حتى بالد ع�سري‪ ،‬ا�ستطعنا الو�صول �إىل بع�ض الر�ؤى والنتائج‪ ،‬ونذكر منها ما يلي ‪:‬‬
‫‪1 .1‬الوا�ض ��ح �أن هذا الرحالة ذكر الكثري من طباع وحياة ال�س ��رويني‪ ،‬وبخا�ص ��ة �س ��روات‬
‫غامد وزهران وع�سري وما جاورها ‪ .‬واملتجول يف هذه البالد يجد ن�سبة احلقيقة عالية‬
‫فيم ��ا �أورد ابن املج ��اور‪ ،‬ورمبا يف بع�ض �أقواله ـ وهي قليلة ـ نظر ويجب الوقوف عندها‬
‫والتثبت من �صحتها‪ ،‬لكن ما ذكره من ال�صعوبة جنده يف م�صادر �أخرى(‪. )3‬‬
‫‪�2 .2‬أهمية بالد ال�س ��راة حلوا�ض ��ر احلجاز الرئي�س ��ية وبخا�ص ��ة يف اجلانب االقت�ص ��ادي‪،‬‬
‫فكان ��ت جل احلب ��وب واملزروعات واحليوانات ت�ص ��در من �أر�ض ال�س ��راة �إىل �أ�س ��واق‬
‫الطائف ومكة‪ ،‬ومن ثم يح�ص ��ل ال�سرويون على ما يحتاجونه من الأقم�شة وغريها من‬
‫الأ�سواق احلجازية(‪. )4‬‬
‫‪3 .3‬يف بع�ض املواقع من الكتاب �أ�شار هذا الرحالة �إىل بع�ض العادات والأعراف التي يدعي‬
‫�أنها موجودة عند �أهل تهامة وال�سراة ‪ .‬واملت�أمل يف بع�ض تلك الأقوال يجدها تتعار�ض‬
‫مع منهج ال�ش ��ريعة الإ�س�ل�امية‪ ،‬بل يجدها خارجة عن �إطار الأدب واحل�ش ��مة ‪ .‬ولهذا‬
‫جتنبنا ذكرها �أو �إيراد �أي �شيء من هذه الروايات يف هذه الدرا�سة‪ ،‬وذلك لأنها بعيدة‬
‫عن ال�ص ��واب‪ ،‬ومن يطالع بع�ض الكتب الرتاثية التي �أ�ش ��ارت �إىل تاريخ وح�ضارة هذه‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪ ،‬ج ‪� ،1‬ص‪. 26‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه‪ ،‬ج ‪� ،1‬ص ‪ . 27‬بالد ال�س ��روات غنية برثواتها الزراعية واحليوانية‪ ،‬ومن ثم كانت �أ�س ��واق الطائف‬
‫ومكة املكرمة من �أهم املراكز التجارية امل�س ��توردة لب�ض ��ائع و�سلع ال�سرويني‪ .‬هذا ما وجدناه يف العديد من امل�صادر‬
‫الإ�س�ل�امية املبكرة‪ ،‬وكذلك يف مئات الوثائق احلديثة واملعا�ص ��رة‪ ،‬بل �ش ��اهدناه و�س ��معناه من كثري من رواة وجتار‬
‫القرن (‪14‬هـ ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫((( وبخا�صة ما ذكر عن الرتكيبة الب�شرية ل�سكان ال�سراة‪ ،‬و�صالتهم احل�ضارية مع �أهل مكة ‪ .‬انظر‪ ،‬ابن املجاور‪ ،‬تاريخ‬
‫امل�ستب�صر‪ ،‬ج‪� ،1‬ص ‪ 26‬ـ ‪ 37 ،27‬ـ ‪. 38‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫‪191‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫البالد ال يجد �أي �ش ��يء من مغالطات هذا الرحالة‪ .‬ورمبا يعود �سبب �إيرادها �إىل �أخذ‬
‫معلوماته من �أنا�س غري مثقفني ومن�ص ��فني فيما ذكروه‪� ،‬أو �أن هذا امل�ؤلف تعمد �إيراد‬
‫تلك الروايات املكذوبة والبعيدة عن احلقيقة(‪. )1‬‬
‫‪6‬ـ �شهاب الدين �أحمد بن ف�ضل اهلل ال ُعمري(ق‪8‬هـ‪14/‬م) ‪:‬‬
‫ولد ال ُعمري يف دم�ش ��ق عام(‪700‬هـ ‪1300/‬م)‪ ،‬وكانت �أ�س ��رته تتوىل ديوان الإن�ش ��اء‬
‫مب�ص ��ر وال�شام يف ع�ص ��ر دولة املماليك‪� ،‬شب وعا�ش وتعلم �شهاب الدين يف م�صر‪ .‬وتتلمذ‬
‫على ع�شرات العلماء‪ ،‬والق�ضاة‪ ،‬والأدباء‪ ،‬وتقلد العديد من الوظائف احلكومية جميعها يف‬
‫الأعمال الكتابية والديوانية‪ ،‬ومل ميتد به العمر فمات وعمره (‪� )49‬سنة ‪ .‬وقد �ألف العديد‬
‫(‪،)3‬‬
‫من الكتب(‪ ، )2‬ويف مقدمتها مو�س ��وعته ال�ضخمة ‪ :‬م�سالك الأب�صار يف ممالك الأم�صار‬
‫وتقع يف �أكرث من ع�شرين جملد ًا ‪ .‬وقد اعتمدنا يف درا�ستنا على اجلزء الذي �سماه ‪ :‬م�سالك‬
‫الأب�صار يف ممالك الأم�صار(ممالك م�صر وال�شام واحلجاز واليمن) (‪.)4‬‬
‫والوا�ض ��ح �أن ال ُعمري مل يقم برحالت �إىل اجلزيرة العربية كما فعل كل من املقد�سي‪،‬‬
‫ونا�ص ��ر خ�س ��رو‪ ،‬واب ��ن جب�ي�ر‪ ،‬وابن املج ��اور‪ ،‬و�إمنا �أل ��ف مو�س ��وعته نق ًال عن �س ��ابقيه �أو‬
‫معا�ص ��ريه ‪ .‬واملت�أمل يف هذا اجلزء الذي تعر�ض للحديث فيه عن احلجاز واليمن يجد �أنه‬
‫ف�ص ��ل القول يف التاريخ ال�سيا�س ��ي واحل�ضاري للقوى ال�سيا�س ��ية والإدارية التي تتوىل �أمر‬
‫احلجاز وبخا�ص ��ة يف ع�ص ��ر الدولة اململوكية ( ‪648‬ـ‪923‬هـ‪1250 /‬ـ ‪1517‬م) (‪ .)5‬وال جند‬
‫ل�س ��روات غامد وزه ��ران وما جاورها من �أر�ض ال�س ��راة كثري ذكر يف ه ��ذا الكتاب‪ ،‬و�إمنا‬
‫�أورد عنها �سطور عديدة‪ ،‬نق ًال عن بع�ض الرواة‪ ،‬فقال‪ " :‬حدثني �أبو جعفر بن غامن(‪� ،)6‬إن‬
‫((( القارئ لكتاب ابن املجاور يجده �أورد الكثري من املغالطات عن بع�ض �أعراف وتقاليد وعادات النا�س يف بالد ال�سراة‬
‫واليم ��ن واحلج ��از ‪ .‬ب ��ل �إن بع�ض من تلك الروايات ال يقبلها العقل �أو الذوق الإن�س ��اين‪ ،‬ناهي ��ك �أنه يكتب عن عرب‬
‫م�س ��لمني يحتكمون �إىل كتاب اهلل و�س ��نة ر�س ��وله ( ﷺ ) ‪ .‬و�إنني �أنادي من على �ص ��فحات هذا الكتاب �إىل وجوب‬
‫درا�س ��ة كتابه درا�سة حتليلية نقدية‪ ،‬وهذه م�س�ؤولية امل�ؤرخني املن�صفني وطالب وطالبات الدرا�سات العليا اجلادين‬
‫‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬ابن املجاور‪ ،‬تاريخ امل�ستب�صر‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‪ 26‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( لقد �ألف ال ُعمري حوايل (‪ )12‬كتاب ًا‪ ،‬مثل‪ :‬نفحة الرو�ض ��ة‪ ،‬و�س ��فرة ال�سفرة‪ ،‬وخمت�صر قالئد العقيان البن خاقان‪،‬‬
‫وال�ش ��تويات‪ ،‬والدعوة امل�ستجابة‪ ،‬وذهبية الع�صر‪ ،‬ودمعة الباكي ويقظة ال�شاكي‪ ،‬والنزهة الكافية يف معرفة الكتابة‬
‫والقافية وغريها ‪.‬‬
‫((( هذا الكتاب مو�سوعة �ضخمة تقع يف جملدات عديدة‪ ،‬ويعد هذا العمل من �أهم ما �أنتجه ع�صر �سالطني املماليك‪ ،‬رغم �أنه‬
‫مل يلق ما ينا�سبه من ال�شهرة ‪ .‬وقد و�صفها ال�صفدي ـ معا�صر العمري ـ ب�أنها " كتاب حافل ما يعلم �أنه لأحد مثله " ‪.‬‬
‫((( ه ��ذا اجل ��زء بتحقي ��ق �أمي ��ن ف� ��ؤاد �س ��يد‪ ،‬م ��ن مطبوع ��ات املعه ��د العلم ��ي الفرن�س ��ي للآث ��ار ال�ش ��رقية بالقاهرة‬
‫( ‪1405‬هـ‪1985/‬م) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪ 149‬ـ ‪ . 170‬ومو�سوعة ال ُعمري ب�شكل عام حتدثت عن ممالك �إ�سالمية عديدة يف قارات �آ�سيا و�إفريقيا‬
‫و�أوروبا ‪ .‬ومن ثم فهي من امل�صادر الرئي�سية التي ال ي�ستغنى عنها �أي باحث يف تاريخ الع�صور الإ�سالمية الو�سيطة ‪.‬‬
‫((( مل جند له ترجمة ورمبا كان من �أهل احلجاز �أو اليمن ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪192‬‬
‫بالد ال�ش ��رفاء(‪ )1‬ه�ؤالء مت�صلة ببالد ال�سراة �إىل الطائف‪� ،‬إىل مكة املعظمة‪ ،‬و�أنها طريقه‬
‫التي �س ��لكها يف عوده من اليمن‪ ،‬وهي جبال �ش ��اخمة عل َّية‪ ،‬ذات عيون دافقة ومياه جارية‪،‬‬
‫على قرى مت�ص ��لة الواحدة �إىل جانب الأخرى‪ ،‬ولي�ست للواحدة تعلق بالأخرى‪ ،‬لكل واحدة‬
‫�أهل يرجع �أمرهم �إىل كبريهم‪ ،‬ال ي�ض ��مهم ملك وال يجمعهم حكم �س ��لطان‪ ،‬وال تخلو قرية‬
‫منها من �أ�ش ��جار وعرو� ��ش ذوات فواكه �أكرثها العنب واللوز‪ ،‬ولها مزارع �أكرثها ال�ش ��عري‪،‬‬
‫ولأهلها ما�شية �أعوزتها الزرائب و�ضاقت بها احلظائر‪ ...‬و�أهلها �أهل �سالمة وخري ومت�سك‬
‫بال�شريعة ووقوف معها‪ ،‬يع�ضون على دينهم بالنواجذ‪ ،‬ويقرون كل من مير بهم‪ ،‬وي�ضيفونه‬
‫م ��دة مقامه حت ��ى يفارقهم‪ ،‬و�إذا ذبحوا ل�ض ��يفهم �ش ��اة قدم ��وا له جميع حلمها ور�أ�س ��ها‬
‫و�أكارعه ��ا وكر�ش ��ها وكبدها وقلبه ��ا‪ ،‬ي�أكل ما ي� ��أكل ويحمل ما يحمل‪ .‬و�أه ��ل هذه البالد ال‬
‫يف ��ارق �أحد منهم قريته م�س ��افر ًا �إىل الأخرى �إال برفيق ي�س�ت�رفقه منه ��ا ليخفره‪ ،‬و�إال فال‬
‫ي�أمن �أولئك لعداوة بينهم وتفرق ذات بني‪.)2( "...‬‬
‫ومن هذا الو�صف الذي �أورد لنا هذا امل�ؤرخ يت�ضح لنا عدة �أمور نذكر منها ‪:‬‬
‫‪1 .1‬الت�أكيد على �أقوال نا�صر خ�سرو وابن املجاور ب�أن هذه الديار ال�سروية يعود �أمرها �إىل‬
‫�أعيانها وم�ش ��ائخها ‪ .‬كما �أن الفو�ض ��ى وع ��دم وجود الأمن �ض ��ارب �أطنابه بني �أهلها‪،‬‬
‫وذلك لعدم وجود �سلطة �سيا�سية رئي�سية ت�سو�س البالد والعباد ‪.‬‬
‫‪ 2 .2‬وفرة اخلريات املوجودة يف هذه البالد وبخا�صة املوا�شي والزروع والثمار وغريها‪ ،‬كما‬
‫�أن �صفات الكرم من طبائع �أهل ال�سروات فتجدهم يكرمون ال�ضيف ويقدمون له كل ما‬
‫يف و�سعهم‪ .‬وهذه عادة الزالت �سارية بينهم حتى اليوم ‪ .‬والقارئ يف الوثائق التاريخية‬
‫خالل القرون املت�أخرة املا�ض ��ية يجدها مليئة باحلقائق التي ت�ؤكد على كرمهم وحبهم‬
‫ال�ستقبال ال�ضيوف(‪. )3‬‬
‫‪3 .3‬الق ��ارئ لهذه امل ��ادة التي �أورده ��ا ال ُعمري‪ ،‬وكذلك ابن جبري‪ ،‬ونا�ص ��ر خ�س ��رو‪ ،‬وابن‬
‫املج ��اور‪ ،‬ثم الذاهب الآيب يف �أر�ض ال�س ��روات‪ ،‬واحلري�ص على مقارنة ما ذكر ه�ؤالء‬
‫امل�ؤرخني وما تعي�ش ��ه هذه البالد يف وقتنا احلا�ض ��ر يلم�س حقيقة و�صدق بع�ض الأقوال‬
‫التي �أوردها ه�ؤالء امل�ؤلفني(‪. )4‬‬
‫((( املق�ص ��ود بـ ( ال�ش ��رفاء ) هنا‪� :‬أي الأ�شراف الزيدون الذين اتخذوا من �صعدة و�صنعاء مقر ًا لإقامة دولتهم‪ ،‬الدولة‬
‫الزيدية يف اليمن ‪ .‬والتي كان لها �صالت �سيا�سية وع�سكرية مع بالد ال�سراة املمتدة من جنران حتى غامد وزهران‬
‫والطائف وما جوارها ‪.‬‬
‫((( ال ُعمري‪ ،‬م�سالك الأب�صار ( ممالك م�صر وال�شام واحلجاز واليمن ) حتقيق �أمين ف�ؤاد‪� ،‬ص ‪.167‬‬
‫((( حبذا �أن نرى بع�ض الباحثني اجلادين الذين يدر�سون عادات وتقاليد و�أعراف بالد غامد وزهران وما جاورها من‬
‫�أر�ض ال�سروات ‪ .‬ومن يفعل ذلك ف�سوف يجد مادة علمية جيدة وبخا�صة يف وثائق القرون الثالثة املا�ضية املت�أخرة‬
‫‪.‬‬
‫((( حبذا �أن نرى درا�س ��ات تاريخية وح�ض ��ارية مقارنة لبالد ال�سروات وبخا�صة ما ذكر عنها يف كتب الرتاث الإ�سالمي‬
‫‪193‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫‪ 4 .4‬عقائد �أهل ال�س ��راة �ص ��افية مل تدن�س ��ها �أفكار �أو تيارات مذهبي ��ة منحرفة ‪ .‬ومن ثم‬
‫جندهم حري�ص ��ون على �أداء �ش ��عائرهم الدينية بطريقة �ش ��رعية �صحيحة ‪ .‬واملتجول‬
‫يف عموم ال�سروات من �أبها وخمي�س م�شيط �إىل الباحة والطائف يجد �آثار م�ساجدهم‬
‫و�أماكن عباداتهم‪ ،‬بل حبهم للحفاظ على �ش ��عائرهم ودينهم ‪ .‬وعندما ننظر يف بع�ض‬
‫الكتب الرتاثية والوثائق التاريخية ون�سمع للأقوال والروايات ال�شفاهية يت�أكد لنا �صفاء‬
‫عقائدهم منذ دخل الإ�سالم �إىل بالدهم حتى وقتنا احلا�ضر(‪. )1‬‬
‫‪7‬ـ ابن بطوطة ( ق‪8‬هـ ‪14/‬م) ‪:‬‬
‫حممد بن عبد اهلل‪ ،‬املعروف بابن بطوطة‪ ،‬ولد يف مدينة طنجة على م�ضيق جبل طارق‬
‫ب�ش ��مال املغرب عام (‪703‬هـ‪1034/‬م) ‪ .‬جاب العديد من البلدان يف قارات‪� :‬آ�س ��يا و�أوروبا‬
‫و�إفريقي ��ا‪ ،‬وزار اجلزيرة العربية وحج عدة مرات‪ ،‬ومات عام(‪779‬هـ‪1377/‬م )(‪ . )2‬ق�ض ��ى‬
‫هذا الرحالة يف ميدان الرحالت (‪ )30‬عام ًا ات�ص ��ل خاللها بكثري من امللوك وال�س�ل�اطني‬
‫والأم ��راء والأعيان والوجه ��اء وعامة النا�س ‪ .‬ويف منت�ص ��ف القرن (‪8‬ه� �ـ‪14/‬م) عاد �إىل‬
‫املغ ��رب‪ ،‬وعك ��ف على كتابة رحالت ��ه وفرغ من تدوينه ��ا يف (‪ 3‬ذي احلجة ع ��ام ‪1356‬هـ‪/‬‬
‫دي�سمرب ‪1355‬م)‪ ،‬و�سمى تلك الرحلة‪ :‬حتفة النظار يف غرائب الأم�صار وعجائب الأ�سفار‪،‬‬
‫وهذا الكتاب هو الذي رجعنا له يف هذا الق�سم ‪.‬‬
‫ويف ع ��ام (‪726‬ه� �ـ‪1325/‬م) زار ابن بطوطة املدينة املن ��ورة ومكة املكرمة‪ ،‬وحج تلك‬
‫ال�سنة‪ ،‬ودون تف�صيالت جيدة عن بالد احلرمني(‪ . )3‬ويف عنوان جانبي �سماه‪ :‬مكة املكرمة‬
‫وعادات �أهلها‪ ،‬ويف هذه اجلزئية �أ�ش ��ار �إىل ال�س ��رويني الذين ذكرهم ابن جبري يف القرن‬
‫ال�س ��اد�س الهجري ( الثاين ع�ش ��ر املي�ل�ادي)‪ ،‬وابن املجاور يف الق ��رن (‪7‬هـ‪13/‬م) وكيف‬
‫كان قدومه ��م من ب�ل�اد غامد وزهران وما جاوره ��ا �إىل مكة املكرمة‪ ،‬فيق ��ول‪ ... " :‬و�أهل‬

‫املبكر‪ ،‬وما يوجد يف الوثائق التاريخية احلديثة واملعا�ص ��رة غري املن�شورة‪ ،‬وما ميكن م�شاهدته �أو �سماعه من �سكان‬
‫هذه ال�سروات ‪ .‬ومن يفعل ذلك ف�إنه بدون �شك �سوف يخرج لنا درا�سة علمية �أكادميية موثقة وجيدة ‪.‬‬
‫((( للمزيد عن تاريخ وح�ض ��ارة هذه ال�س ��روات منذ فجر الإ�سالم �إىل ع�صرنا احلا�ضر انظر العديد من م�ؤلفاتنا مثل‪:‬‬
‫درا�س ��ات يف تاريخ تهامة وال�س ��راة خالل القرون الإ�س�ل�امية املبكرة والو�س ��يطة ( ق‪1‬ـ ق‪4‬هـ ‪ /‬ق‪7‬ـ‪16‬م) جزءان‪،‬‬
‫والقول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪� ،‬أربعة جملدات‪ ،‬وجنران درا�سة تاريخية ح�ضارية ( ق‪1‬ـ ق‪4‬هـ‪/‬ق‪7‬ـ‪10‬م)‪ ،‬اجلزء‬
‫الأول‪ ،‬وع�س�ي�ر درا�س ��ة تاريخية ح�ض ��ارية (‪ 1100‬ـ ‪1400‬هـ) ‪ .‬مع العلم �أن بالد تهامة وال�س ��راة الزالت حتتاج �إىل‬
‫جهود جبارة وجادة يف جماالت البحوث التاريخية والأثرية‪ .‬وهذه م�س�ؤوليات اجلامعات يف جنوبي البالد ال�سعودية‬
‫مثل‪ :‬جامعات امللك خالد‪ ،‬والطائف‪ ،‬والباحة‪ ،‬وجازان‪ ،‬وجنران ‪ .‬ون�أمل من القائمني على هذه اجلامعات ا�ست�شعار‬
‫م�س�ؤولياتهم جتاه هذه البالد وبخا�صة يف جماالت البحوث والدرا�سات‪.‬‬
‫((( انظر ‪ :‬حممد (ابن بطوطة) ‪ .‬رحلة ابن بطوطة‪ ،‬امل�سماة‪ :‬حتفة النظار يف غرائب الأم�صار ‪� .‬شرحه وكتب هوام�شه‬
‫ط�ل�ال ح ��رب ( بريوت ‪ :‬دار الكتب العلمي ��ة‪1428 ،‬هـ‪2007/‬م)‪ ،‬ط‪� ،4‬ص‪ ، 11-7‬للمزي ��د انظر‪ :‬ابن جري�س‪ ،‬بالد‬
‫القنفذة خالل خم�س ��ة قرون‪� ،‬ص‪ ،166‬والقول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( ع�س�ي�ر وجازان‪ ،‬والقنفذة ) (الريا�ض‪:‬‬
‫مطابع احلمي�ضي‪1433 ،‬هـ‪2012/‬م )‪ ،‬ج‪� ،4‬ص ‪35‬ـ ‪. 36‬‬
‫((( انظر ابن بطوطة‪ ،‬الرحلة‪� ،‬ص‪ 129‬وما بعدها ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪194‬‬
‫الب�ل�اد املوالية مثل بجيلة(‪ ،)1‬وزهران‪ ،‬وغامد يبادرون حل�ض ��ور عمرة رجب‪ ،‬ويجلبون �إىل‬
‫مكة احلبوب وال�س ��من والع�س ��ل والزبيب والزي ��ت واللوز‪ ،‬فرتخ�ص الأ�س ��عار مبكة‪ ،‬ويرغد‬
‫عي� ��ش �أهله ��ا‪ ،‬وتع ��م املرافق ‪ ،‬ولوال �أهل ه ��ذه البالد لكان �أهل مكة يف �ش ��ظف من العي�ش‪.‬‬
‫ويذك ��ر �أنهم متى �أقاموا ببالدهم ومل ي�أتوا بهذه امل�ي�رة(‪� )2‬أجدبت بالدهم‪ ،‬ووقع املوت يف‬
‫موا�ش ��يهم‪ ،‬ومتى �أو�ص ��لوا املرية �أخ�ص ��بت بالدهم‪ ،‬وظهرت فيها الربكة‪ ،‬ومنت �أموالهم‪.‬‬
‫فه ��م �إذا ح ��ان وقت مريتهم و�أدركهم ك�س ��ل عنه ��ا‪ ،‬اجتمعت ن�س ��ا�ؤهم ف�أخرجنهم‪ .‬وبالد‬
‫ال�سراة التي ي�سكنها بجيلة وزهران وغامد و�سواهم من القبائل خم�صبة‪ ،‬كثرية الأعناب‪،‬‬
‫وافرة الغالت‪ ،‬و�أهلها ف�ص ��حاء بالأل�س ��ن‪ ،‬لهم �صدق نية وح�س ��ن اعتقاد ‪ .‬وهم �إذا طافوا‬
‫بالكعب ��ة يتطارح ��ون عليه ��ا‪ ،‬الئذين بجواره ��ا‪ ،‬متعلقني ب�أ�س ��تارها‪ ،‬داعني ب�أدعية ت�ص ��دع‬
‫لرقتها القلوب وتدمع العيون اجلامدة ‪ .‬فرتى النا�س حولهم با�س ��طي �أيديهم‪ ،‬م�ؤمنني على‬
‫�أدعيتهم‪ ،‬وال يتمكن لغريهم الطواف معهم‪ ،‬وال ا�ستالم احلجر‪ ،‬لتزاحمهم على ذلك ‪ .‬وهم‬
‫�شجعان �أجناد‪ ،‬ولبا�سهم اجللود ‪ .‬و�إذا وردوا مكة هابت �أعراب الطريق مقدمهم‪ ،‬وجتنبوا‬
‫اعرتا�ضهم ‪ .‬ومن �صحبهم من الزوار حمد �صحبتهم‪ .‬وذكر �أن النبي(ﷺ) ذكرهم و�أثنى‬
‫عليهم خري ًا‪ ،‬وقال ‪ ( :‬علموهم ال�ص�ل�اة يعلموكم الدعاء) ‪ .‬وكفاهم �ش ��رف ًا وفخر ًا دخولهم‬
‫ميان واحلكمة ميانية)‪ .‬وذكر �أن عبد اهلل بن عمر (ر�ضي‬ ‫يف عموم قوله ( ﷺ ) (الإميان ٍ‬
‫اهلل عنهم ��ا ) كان يتح ��رى وقت طوافه ��م‪ ،‬ويدخل يف جملته ��م‪ ،‬تربك ًا بدعائهم‪ .‬و�ش� ��أنهم‬
‫عجيب كله ‪ .‬وقد جاء يف �أثر ( زاحموهم يف الطواف‪ ،‬ف�إن الرحمة تن�صب عليهم �صب ًا)(‪. )3‬‬
‫ون�س��تنج من هذا االقتبا�س الذي ذكره هذا الرحالة القدير‪ ،‬عدة �أمور‬
‫نذكرها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬ذكر ابن بطوطة ب�ش ��كل �ص ��ريح �أن ال�سرو �أو ال�س ��رويني هم �أهل غامد وزهران وبجيلة‬
‫وما جاورهم من القبائل العربية ال�س ��اكنة يف مرتفعات ال�س ��روات املمتدة من الطائف‬
‫حتى بالد ع�سري‪.‬‬
‫‪�2 .2‬أهمية بالد ال�س ��راة للمكيني اقت�صادي ًا‪ ،‬فكان ال�س ��رويون ي�صدرون حبوبهم وثمارهم‬
‫وموا�ش ��يهم �إىل �أ�س ��واق مكة املكرمة ‪ .‬ومن ثم كانوا من التجار الرئي�سيني الذين تقوم‬
‫عليهم �أ�سواق احلجاز وبخا�صة يف مدينتي الطائف ومكة املكرمة ‪.‬‬

‫((( بجيلة بطن عظيم ين�س ��ب �إىل �أمهم بجيلة‪ ،‬وهم بنو �أمنار بن �أرا�ش بن كهالن من القحطانية‪ ،‬وكان وال يزال بع�ض‬
‫ع�شائر هذه القبيلة يعي�شون يف البالد الواقعة �إىل ال�شمال من قبائل زهران و�إىل اجلنوب من بالد الطائف ‪ .‬جوالت‬
‫الباحث يف هذه البالد خالل عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫((( املرية ‪ :‬طعام يدخر �أو يجمع لل�سفر ‪.‬‬
‫((( ابن بطوطة‪ ،‬الرحلة‪� ،‬ص ‪ 180‬ـ ‪. 181‬‬
‫‪195‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫‪�3 .3‬ص ��فاء عقائد �أهل ال�س ��راة و�ص ��دق نياته ��م يف �أداء عباداتهم ويف كتب ال�س�ن�ن بع�ض‬
‫الأحادي ��ث الت ��ي ت�ؤكد ه ��ذا القول ‪ .‬وهذا اب ��ن بطوطة ومن قبله ابن جب�ي�ر ينقلون ما‬
‫�ش ��اهدوه م ��ن �ش ��عائرهم الدينية يف احلرم املك ��ي ‪ .‬والذاهب الآيب يف بالد ال�س ��راة‪،‬‬
‫وكذل ��ك اجلامع ل�ت�راث هذه الدي ��ار يت�أكد له �ص ��حة معتقده ��م وخلوه م ��ن التيارات‬
‫والعقائد الفا�سدة(‪. )1‬‬
‫‪4 .4‬حر� ��ص �أهل ال�س ��راة رجا ًال ون�س ��ا ًء على االت�ص ��ال ببالد احلرمني‪ ،‬ب ��ل �إنهم يتفاءلون‬
‫ويتربكون يف حياتهم العامة واخلا�صة بارتياد �أر�ض احلجاز وبخا�صة مكة املكرمة‪.‬‬
‫‪�5 .5‬ش ��دة ب�أ�س ��هم و�ش ��جاعتهم مع لطف مع�ش ��رهم وح�س ��ن �ص ��حبتهم وهذا ما �أكده هذا‬
‫الرحال ��ة عندم ��ا قال ‪ ... " :‬و�إذا وردوا مكة هابت �أع ��راب الطريق مقدمهم‪ ،‬وجتنبوا‬
‫اعرتا�ضهم‪ ،‬ومن �صحبهم من الزوار حمد �صحبتهم ‪. )2(" ..‬‬
‫‪8‬ـ العبا�س بن علي املو�سوي (ق‪12‬هـ‪/‬ق‪18‬م) ‪:‬‬
‫العبا�س بن علي بن نور الدين بن �أبي احل�سن املكي املو�سوي‪ ،‬ولد وعا�ش يف مكة املكرمة‪،‬‬
‫تنقل �سائح ًا يف العراق والهند واليمن من �سنة (‪1131‬ـ ‪1142‬هـ ‪1718 /‬ـ‪1729‬م)‪ ،‬وا�ستقر‬
‫يف املخا �سنة (‪1145‬هـ ‪1732 /‬م)‪ ،‬وعكف على جمع ما لديه من �أوراق ثم دونها يف رحلته‬
‫امل�سماة ‪ :‬نزهة اجللي�س ومنية الأديب الأني�س‪ ،‬يف جملدين انتهى منه يف (‪� 4‬شوال ‪1148‬هـ‬
‫‪1735/‬م)‪ ،‬وجعله هديه لوايل بندر املخا(‪. )3‬‬
‫ويف �شهر �ش ��وال (‪1141‬هـ‪1782/‬م) انفرد هذا الرحالة بو�صف الطريق من الطائف‬
‫و�أجزاء من ال�سروات حتى و�صل بالد القنفذة ثم بندر اللحية يف اليمن(‪ . )4‬و�أ�شار �إىل بع�ض‬
‫النواحي يف �سراة وتهامة غامد وزهران (‪ ، )5‬ومنذ بد�أ �سائر ًا يف �أر�ض ال�سراة قال ‪... " :‬‬
‫ثم �أتينا ( ال�سراة ) وهي قرية(‪ . )6‬كبرية وبها مزارع كثرية ومياه غزيرة‪ ،‬و�أ�شجار مثمرة‪،‬‬
‫وح�ص ��ون �ش ��واهق ‪ ...‬ثم �أ�ضاف ‪� :‬أقول ( ال�سراة ) مت�ص ��لة �إىل ديار بجيلة وزهران وعنز‬
‫((( حب ��ذا �أن ن ��رى �أح ��د م�ؤرخي تهامة وال�س ��راة‪� ،‬أو �أحد طالب الدرا�س ��ات العليا يف �أق�س ��ام التاري ��خ باململكة العربية‬
‫ال�سعودية يتخذ احلياة العلمية والدينية خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة �أو الو�سيطة‪� ،‬أو احلديثة واملعا�صرة عنوان ًا‬
‫لأطروحته يف درجة الدكتوراه ‪ .‬ومن يفعل ذلك ف�سوف يطلعنا على درا�سة علمية جديدة يف بابها ويف حمتوياتها ‪.‬‬
‫((( ابن بطوطة‪ ،‬الرحلة‪� ،‬ص ‪. 181‬‬
‫((( للمزيد انظر‪ ،‬خري الدين الزركلي ‪ .‬الأعالم ‪ ( .‬بريوت ‪ :‬دار العلم للماليني‪1984 ،‬م)‪� ،‬ص‪ ،6‬ج‪� ،3‬ص ‪ ،263‬غيثان‬
‫بن جري�س ‪ .‬بالد القنفذة خالل خم�سة قرون (ق‪10‬ـ‪15‬هـ)‪� ،‬ص ‪. 169‬‬
‫((( املراجع نف�سها ‪.‬‬
‫((( املراجع نف�سها ‪.‬‬
‫((( قال هنا ( قرية) واملفرو�ض يقول‪ ( :‬قرى ) لأن بالد ال�سراة من الطائف حتى بالد غامد وزهران يوجد بها مئات القرى‬
‫املتفاوتة يف ال�صغر والكرب‪ .‬م�شاهدات الباحث �أثناء عبوره هذه البالد مرات عديدة خالل العقود الثالثة املا�ضية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪196‬‬
‫وبني القرن وبني �شبابة واملعافر(‪ ،)1‬وفيها قرى عظيمة وجبال ‪ . )2(".....‬وا�صل هذا الرحالة‬
‫طريقه يف �أر�ض ال�س ��روات عرب بالد بني عدوان وبني �س ��عد وبجيلة و�أجزاء من بالد زهران‬
‫وذك ��ر مواقع عديدة بحثنا عن تعريف لها يف بع� ��ض املعاجم القدمية واحلديثة فلم جند لها‬
‫ذكر ًا(‪ .)3‬وي�أتي �إىل عقبة ذي قني(‪ ،)4‬فيقول‪..." :‬عقبة ما ر�أت مثلها يف الطول عني‪� ،‬ص ��عبة‬
‫ال�س ��لوك جد ًا‪ ،‬وي�سلكها عرب يقال لهم ( الغيمات) (‪ . )5‬وقد و�صفهم و�صف ًا غري جيد‪ ،‬ورمبا‬
‫كانت �أقواله مبالغ فيها‪ ،‬وقال عنهم ‪ .. " :‬ب�أنهم ي�سكنون الكهوف �إىل غري ذلك مما و�صمهم‬
‫ب ��ه ‪ . )6( "...‬ث ��م يذكر �أجزاء من تهامة عن ��د نزوله من عقبة ذي قني‪ ،‬فيق ��ول ‪ ...." :‬نزلنا‬
‫م ��ن العقبة ف�أتين ��ا �أر�ض تهامة‪...‬ويف هذه الأر�ض �أنواع احليات والأفعوان خمتلفة الأ�ش ��كال‬
‫والألوان‪ ،‬ونوع منها ي�س ��مى الفا�سق كالليل ين�شط ب�أنيابه‪ ،‬وينكز ب�أنفه وو�سطه وذيله‪.)7( "...‬‬
‫ويذكر بع�ض القرى والأ�سر والع�شائر يف تهامة غامد وزهران‪ ،‬وي�سري حتى ي�صل �سوق االثنني‬
‫يف تهام ��ة زهران(‪ . )8‬وي�أتي �إىل قرية اخلليف(‪ : .)9‬وقد �س ��ماها قرية ال�ش ��يخ الويل �إبراهيم‬
‫اخلليفي‪ ،‬وو�صف قربه‪ ،‬وذكر �أوالده وا�صف ًا �إياهم ب�أنهم �أهل �سماحة ووقار و�صالح(‪. )10‬‬
‫‪9‬ـ موري�س تاميزيه ( ق‪13‬هـ‪19/‬م ) ‪:‬‬
‫هذا الرحالة من �أوائل الرحالة الأوروبيني الفرن�س ��يني الذين رافقوا حملة حممد علي‬
‫((( تعري ��ف املو�س ��وي هنا �أق ��رب �إىل احلقيقة‪ ،‬فبالد ال�س ��راة �أر�ض وا�س ��عة م�أهولة بال�س ��كان كثرية الق ��رى والأماكن‬
‫اال�ستيطانية املتعددة‬
‫((( انظر حمد اجلا�س ��ر " مع املو�س ��وي املكي يف رحلته (‪ : )8‬نزهة اجللي�س ومنية الأديب الأني�س " ‪ .‬جملة الفي�ص ��ل ‪.‬‬
‫العدد (‪ )230‬ال�سنة (‪� ( )20‬شعبان ‪1416/‬هـ)‪� ،‬ص ‪ 35‬ـ ‪. 37‬‬
‫((( وم ��ن تل ��ك املواقع احلدب‪ ،‬وهن ��اك �أكرث من مكان يف ب�ل�اد غامد وزهران يعرف بهذا اال�س ��م ‪ .‬وعتمة‪ ،‬ونا�ص ��رة‪،‬‬
‫واملخرة‪ ،‬ودار ال�ش ��عاب‪ ،‬ودار احلباب ‪ .‬انظر‪ ،‬حمد اجلا�س ��ر " مع املو�سوي املكي ورحلته (‪� ، "... )8‬ص ‪ . 36‬انظر‬
‫�أي�ض� � ًا ‪ :‬علي بن �ص ��الح ال�س ��لوك الزهراين ‪ .‬املعج ��م اجلغرايف للبالد العربية ال�س ��عودية ( ب�ل�اد غامد وزهران )‬
‫(الريا�ض ‪ :‬من�شورات دار اليمامة‪1401 ،‬هـ‪1981/‬م)‪� ،‬ص ‪. 153 ،124 ،71‬‬
‫((( مل �أجد تعريف ًا دقيق ًا لهذه العقبة‪ ،‬ورمبا تقع يف بالد غامد وزهران ‪.‬‬
‫((( حمد اجلا�سر " مع املو�سوي املكي يف رحلته (‪� ،" ... )8‬ص ‪. 136‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه‪ .‬وبالد تهامة م�ش ��هورة ب�أنواع الأفاعي واحليات والعقارب والزواحف اخلط�ي�رة ‪ .‬وكذلك الوحو�ش‬
‫وال�س ��باع املفرت�س ��ة ‪ .‬ويف املا�ض ��ي كانت هذه الكائنات تتواجد بكرثة يف جميع نواحي تهامة ‪ .‬واليوم بعد �أن انت�ش ��ر‬
‫العمران‪ ،‬وفتحت الطرق‪ ،‬وزاد التمدن بد�أت هذه الكائنات تتال�ش ��ى بل بع�ض ��ها انقر�ض فال يوجد له ذكر �أو �أثر ‪.‬‬
‫م�شاهدات الباحث وجتوله يف بالد تهامة منذ ثالثني عام ًا ‪.‬‬
‫((( ال جند تف�صيالت دقيقة تو�ضح لنا مكان هذا ال�سوق ون�شاطه التجاري خالل القرون الإ�سالمية املا�ضية ‪ .‬ورمبا كان‬
‫يقع على مقربة من قرى اخللف واخلليف املذكورة يف التاريخ ‪ .‬للمزيد عن هذه القرى انظر احلا�شيتني التاليتني ‪.‬‬
‫خل ِل ْي َف ‪ :‬ب�ض ��م اخلاء وك�س ��ر الالم و�سكون الياء بعدها فاء‪ ،‬قرية كبرية من قرى قبيلة اجلرب بتهامة زهران ‪ .‬تقع‬ ‫((( ا ُ‬
‫�ش ��مال قلوة على م�س ��افة �أربعة �أو خم�سة �أكيال‪ ،‬وي�سمى �س ��كانها ( امل�شاييخ)‪ ،‬ويقال �أنهم ينت�سبون �إىل بني ها�شم‪،‬‬
‫وي�سمون �أي�ض ًا بالفقهاء لأنهم يعرفون القراءة والكتابة يف وقت كانت الأمية متف�شية يف �سكان املنطقة ‪ .‬انظر‪ :‬علي‬
‫ال�سلوك الزهراين‪ ،‬املعجم اجلغرايف‪� ،‬ص ‪. 94‬‬
‫(‪ ((1‬املرجع نف�س ��ه ‪ .‬وللمزيد عن بلدة اخلليف الأثرية‪ ،‬انظر‪� ،‬أحمد عمر الزيلعي ‪ .‬اخللف واخلليف �آثارهما ونقو�ش ��هما‬
‫الإ�سالمية ( الريا�ض ‪ :‬مطابع اخلالد للأوف�ست‪1417 ،‬هـ)‪� ،‬ص ‪ 11‬ومابعدها ‪.‬‬
‫‪197‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫با�ش� � ًا على ع�سري عام (‪1249‬هـ‪1834/‬م) (‪ . )1‬وال منلك معلومات دقيقة عن بداية حياته‪،‬‬
‫و�أول من �أ�شار �إىل رحلته جاكلني بريين الفرن�سية يف كتابها عن الرحالني الأوروبيني الذين‬
‫زاروا اجلزي ��رة العربي ��ة (‪ . )2‬وكان عمل ��ه كاتب ًا للبعث ��ة الطبية التي رافقت حملة البا�ش ��ا‪،‬‬
‫وقام بتدوين يومياته ب�ش ��كل تف�ص ��يلي(‪ . )3‬وكتاب رحلته الذي يهمنا يف هذا الق�سم بعنوان‪:‬‬
‫(رحلة يف بالد العرب) احلملة امل�ص���رية على ع�س�ي�ر (‪1249‬هـ ‪1834 /‬م) ‪ .‬طبع لأول مرة‬
‫باللغة الفرن�سية يف باري�س عام (‪1840‬م)‪ ،‬ويقع يف جز�أين حتت عنوان‪ :‬رحلة يف اجلزيرة‬
‫العربي���ة ‪ .‬اجلزء الأول يدور حول مرحلة دخ ��ول اجلزيرة حتى احلجاز‪� .‬أما اجلزء الثاين‬
‫(‪� )402‬ص ��فحة فهو اخلا�ص ببالد ع�س�ي�ر وحملة حممد علي عليها‪ ،‬وق ��د �أعيدت طباعته‬
‫يف فين ��ا ع ��ام (‪1976‬م) (‪ . )4‬واجلزء الثاين من هذا الكتاب ترج ��م �إىل اللغة العربية عام‬
‫(‪1414‬هـ‪1993/‬م)(‪ ،)5‬وهذه الن�س ��خة املرتجمة هي التي اعتمدنا عليها يف هذا الق�س ��م ‪.‬‬
‫والكتاب يقع يف حوايل(‪� )358‬ص ��فحة من القطع املتو�س ��ط م�ش ��تم ًال على مقدمة املرتجم‬
‫وفهار�س �أخرى‪ ،‬ويف (‪ )15‬ف�ص ًال يدون هذا الرحالة الأحداث ال�سيا�سية واحل�ضارية التي‬
‫خا�ض ��تها حملة حممد علي با�شا فى ع�سري منذ خروجه من الطائف مرور ًا ببع�ض الأجزاء‬
‫ال�ش ��رقية م ��ن بالد غامد وزهران حتى بي�ش ��ة ثم �أبها(‪ . )6‬و�إذا كان ج ��ل الكتاب يدور حول‬
‫التاريخ ال�سيا�س ��ي واحل�ض ��اري لبالد ع�س�ي�ر يف منت�ص ��ف القرن (‪13‬هـ‪19/‬م) (‪� ، )7‬إال �أن‬
‫بع�ض الأجزاء ال�شرقية من منطقة غامد وزهران قد ورد ذكرها يف هذا الكتاب(‪ ،)8‬ووادي‬
‫�أو بالد العقيق يف ديار غامد حظيت بن�صيب جيد يف �شروحات هذا الرحالة(‪. )9‬‬
‫ووادي العقيق كان �إحدى املحطات الرئي�سية التي اتخذتها جيو�ش حممد علي با�شا قاعدة‬
‫لالنطالق نحو بالد ع�س�ي�ر‪ ،‬بل �إن بع�ض الأ�ش ��راف كانوا يتول ��ون �إدارة بالد غامد وزهران‪،‬‬
‫((( للمزيد انظر غيثان بن جري�س " �إقليم ع�سري يف عيون الرحالة الأوروبيني " بحث مقدم �ضمن ندوة احتاد امل�ؤرخني‬
‫العرب بالقاهرة (‪ 8‬ـ ‪�10‬ش ��عبان ‪1420/‬هـ املوافق ‪ 8/16‬نوفمرب‪1999‬م) ‪ .‬ون�ش ��ر يف كتاب الندوة ‪ :‬العرب و�أوروبا‬
‫ع�ب�ر ع�ص ��ور التاريخ ( بحوث ودرا�س ��ات ) ( القاهرة‪1420 ،‬ه� �ـ‪1999/‬م)‪� ،‬ص ‪ 409‬وما بعدها‪ ،‬وللم�ؤلف نف�س ��ه ‪.‬‬
‫بحوث يف تاريخ ع�سري احلديث واملعا�صر ( جدة ‪ :‬العويفي للن�شر والإعالن‪1423 ،‬هـ‪2002 /‬م)‪� ،‬ص ‪. 165‬‬
‫((( انظ ��ر جاكل�ي�ن بريي ��ن ‪ .‬اكت�ش ��اف جزيرة العرب ( خم�س ��ة ق ��رون م ��ن املغامرة والعل ��م ) ‪ .‬ترجمة ق ��دري قلعجي‬
‫( بريوت ‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬د ‪ .‬ت )‪� ،‬ص ‪ 251‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه ‪.‬‬
‫((( انظر ‪ :‬ابن جري�س‪� ( ،‬إقليم ع�سري ‪� ،) ..‬ص ‪ 420‬وما بعدها‪ ،‬للم�ؤلف نف�سه‪ ،‬بحوث يف تاريخ ع�سري‪� ،‬ص ‪. 128‬‬
‫((( ترجمة الدكتور حممد بن عبد اهلل �آل زلفة‪� ،‬أ�س ��تاذ التاريخ امل�ش ��ارك ً‬
‫�سابقا بجامعة امللك �سعود ‪ .‬وعنوان الكتاب املرتجم ‪ .‬رحلة‬
‫يف بالد العرب ( احلملة امل�صرية على ع�سري )(‪1249‬هـ‪1834/‬م) ( الريا�ض ‪ :‬مطابع و�إعالنات ال�شريف‪1414 ،‬هـ ‪1993/‬م) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪ ( .‬الن�سخة العربية )‪� ،‬ص‪ 28‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪� .‬ص ‪ 91‬وما بعدها ‪.‬‬
‫واد وبلدة كبرية تقع �شرقي الباحة مب�سافة (‪ )45‬كي ًال‪ ،‬وتبعد عن بي�شة حوايل (‪ )80‬كيلو مرت ًا ‪ .‬وهي حا�ضرة‬ ‫((( العقيق ‪ٍ :‬‬
‫بادية غامد ‪ .‬والعقيق �أي�ض� � ًا منطقة زراعية خ�ص ��بة يزرع بها النخيل والعنب والرمان وامل�ش ��م�ش واحلنطة وال�ش ��عري‪،‬‬
‫وجميع �أنواع اخل�ضار ‪ .‬وت�سوق منتجاتها الفائ�ضة �إىل الطائف ومكة ‪ .‬وتقع البلدة �شمال وادي العقيق‪ ،‬وقد �سميت با�سم‬
‫الوادي ‪ .‬ولهذا الوادي ذكر يف بع�ض كتب الرتاث ‪ .‬انظر‪ :‬ال�سلوك الزهراين‪ ،‬املعجم اجلغرايف‪� ،‬ص ‪ 168‬ـ ‪. 169‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪198‬‬
‫وكانوا على �ص ��لة ح�سنة بالعثمانيني ‪ .‬ومنهم ال�شريف من�ص ��ور بن زيد ال�شنربي‪ ،‬الذي كان‬
‫�شيخ ًا لوادي زهران �أيام حملة حممد علي‪ ،‬وقد ورد ذكر هذا ال�شريف يف كتاب تاميزيه‪ ،‬وما‬
‫قدم من م�س ��اعدات معنوية ومادية جليو�ش البا�ش ��ا‪ ،‬بل �إن ال�شريف من�صور نف�سه كان على‬
‫ر�أ�س �ألفني من رجاله للم�ش ��اركة يف احلملة(‪ .)1‬ويف الكت ��اب معلومات جيدة عن جتمع بع�ض‬
‫جيو�ش البا�ش ��ا يف وادي العقيق‪ ،‬وا�س ��تعداداتهم‪ ،‬وا�ستعرا�ضهم‪ ،‬بل ا�ستقبالهم بع�ض الوفود‬
‫والفرقة الع�سكرية التي كانت تتوافد على اجلي�ش والقيادة الع�سكرية يف ذلك الوادي(‪.)2‬‬
‫�أما بالد العقيق نف�س ��ها و�أهلها فقد �أ�ش ��ار �إليها تاميزيه عند جميئه �إليها مع اجلي�ش‬
‫يف (‪ 12‬يوليو‪1384/‬م)‪ ،‬حتت عنوان جانبي �س ��ماه ‪ :‬الإقامة يف العقيق‪ ،‬فقال ‪ ... " :‬موقع‬
‫العقيق يتكون من �س ��هل زراعي فيه الكثري من مزراع النخيل‪ ،‬وحماط ب�سل�س ��لة من اجلبال‬
‫متتد من ال�ش ��مال �إىل ال�ش ��مال الغربي‪ ...‬وب�أعلى �أحد جبال العقيق ال�ص ��غرية بنيت قرية‬
‫العقيق املتوا�ض ��عة‪ .)3(...‬ثم ف�ص ��ل احلديث عن �إقامة جيو�ش البا�ش ��ا يف بالد العقيق‪ ،‬مع‬
‫ذكر بع�ض �أ�س ��لحتهم وعتادهم و�أجنا�س ��هم‪ ،‬وكيف تكيفوا مع طبيع ��ة الأر�ض �أثناء النزول‬
‫والإقامة(‪.)4‬ويتحدث �أي�ض ًا عن قرية العقيق و�أهلها فيقول‪ ..." :‬تتكون قرية العقيق الكئيبة‬
‫من حوايل ثالثني منز ًال ن�صفها مبني باحلجارة والن�صف الآخر مبني بالآجر الطيني‪ ،‬ولها‬
‫�ش ��كل مكون من �س ��تة �أقدام مربعة‪ ،‬وبع�ضها لي�س له �س ��قف‪ ،‬ومع هذا ف�إن النا�س ي�سكنون‬
‫بها‪ .)5("...‬وي�ش�ي�ر �إىل �أهل العقيق عندما و�ص ��لت جيو�ش البا�شا �إىل بالدهم فيذكر �أنهم‬
‫هرب ��وا م ��ن منازلهم‪ ،‬ومل يبق �إال املر�ض ��ى �أو العبيد من الن�س ��اء والرج ��ال الذين يقومون‬
‫بحرا�سة ممتلكات �أ�سيادهم‪ ،‬ثم ي�صفهم عندما �شاهدهم فيقول ‪ ... " :‬خرجوا ال�ستقبالنا‬
‫يف منظ ��ر م�ؤمل جد ًا‪ ،‬ومالب�س ��هم خرق رثة‪ ،‬بينما الأطفال ع ��راة‪ ،‬والكبار يرتدون مالب�س‬
‫جلدية ‪ .)6( "...‬ويذكر �أن �أولئك العبيد الذين ر�أوهم يف وادي العقيق كانوا من ذوي الب�شرة‬
‫ال�سوداء‪ ،‬وبع�ضهم كانوا �أحرار ًا‪ ،‬لكنهم الميانعون يف بيع بع�ض �أطفالهم‪ ،‬وقد عر�ضوا على‬
‫تاميزيه �شراء بع�ض الأطفال ال�صغار بثالثة و�أربعة رياالت فران�سي للفرد الواحد(‪.)7‬‬
‫وي�شري تاميزيه �إىل بع�ض ال�صور االجتماعية التي �شاهدها يف وادي العقيق الغامدي‪،‬‬
‫فيق ��ول‪ ... " :‬يتك ��ون �أثاث منازل العقيق من فرا�ش واحد فقط ي�س ��تخدم لغر�ض�ي�ن‪ ،‬الأول‬
‫للجلو�س عليه يف النهار‪ ،‬والآخر فرا�ش لكل العائلة عند املنام‪ ،‬وت�صنع الن�ساء بطانيات من‬

‫((( تاميزيه‪ ،‬الرحلة‪� ،‬ص ‪ 96‬وما بعدها ‪.‬‬


‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( تاميزيه‪ ،‬امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪. 104‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪ 104‬ـ ‪. 105‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص‪. 105‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪. 105 ،‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص‪ 105‬ـ ‪. 106‬‬
‫‪199‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫ال�ص ��وف اخلال�ص امللون"(‪ .)1‬ويقول �أي�ض� � ًا‪..." :‬ر�أينا بالقرب من القرية بنا ًء مربع ًا ي�شبه‬
‫القلعة قد هدمته ال�س ��نون‪ ،‬و�إىل ال�ش ��مال الغربي من القرية توجد �أبراج كثرية مبنية على‬
‫قمم اجلبال‪ ،‬وذات لون رمادي‪ ،‬هذا النوع من الأبراج ال ي�ستفاد منه �إال �أثناء حروب البدو‬
‫مع بع�ض ��هم‪� ،‬إذ �أن ر�صا�ص ��ات قليلة كافية لهدمها‪ .)2( "..‬وي�ش�ي�ر تاميزيه �إىل مناخ بالد‬
‫العقيق فاجلو لي ًال مييل �إىل الربودة‪ ،‬ودرجة احلرارة مرتفعة ن�سبي ًا يف النهار‪ ،‬وذكر بع�ض‬
‫الأ�شجار والنباتات التي �شاهدها يف الأجزاء ال�شرقية من الديار الغامدية(‪.)3‬‬
‫‪11+10‬ـ ال�سري كيناهان كورنوالي�س ‪ +‬روبن بدول (ق‪14‬هـ‪20/‬م) ‪:‬‬
‫ه ��ذان الرح ��االن �إجنليزيان عا�ش ��ا خ�ل�ال القرن�ي�ن (‪13‬ـ‪14‬ه� �ـ‪20،19/‬م)‪ .‬الأول ‪:‬‬
‫كورنوالي� ��س ) ‪� (Cornwallis‬أحد رجال اال�س ��تخبارات الربيطانية‪� ،‬أر�س ��لته حكومته �إىل‬
‫ال�ش ��رق الأو�سط من �أجل تدوين تقرير عن �أو�ض ��اعها التاريخية واحل�ضارية‪ ،‬وا�ستطاع �أن‬
‫ي ��دون عنها معلومات قيمة يف ع ��ام (‪1335‬هـ‪1916/‬م)‪ ،‬رفعها �إىل املكت ��ب العربي التابع‬
‫للمخاب ��رات الربيطاني ��ة يف القاهرة(‪ .)4‬وق ��د �أعيد طباعة هذا التقرير يف لغته الرئي�س ��ية‬
‫( الإجنليزي ��ة ) ون�ش ��ر يف بع� ��ض املطاب ��ع الربيطانية والوالي ��ات املتح ��دة الأمريكية عام‬
‫(‪1396‬هـ‪1976/‬م)‪ ،‬وخرج يف هيئة كتيب من القطع ال�ص ��غري بعنوان‪:‬ع�س�ي�ر قبل احلرب‬
‫العاملي ��ة الأوىل )‪ ،(Asir Before World War1.‬ويق ��ع يف (‪� )155‬ص ��فحة‪ ،‬ويحت ��وي على‬
‫(‪ )17‬ف�ص ًال ق�صري ًا‪ ،‬وهي الن�سخة التي اعتمدنا عليها يف هذا الق�سم(‪.)5‬‬
‫�أم ��ا روب ��ن ب ��دول ) ‪ ،( R. Bidwall‬فلي�س رحال ��ة بقدر ما هو �أ�س ��تاذ جامعي �أكادميي‬
‫بجامعة كمربدج‪ ،‬وله العديد من الدرا�س ��ات‪ ،‬وقد ترجم بع�ض ��ها �إىل اللغة العربية (‪ .)6‬وله‬

‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص‪. 109‬‬


‫((( امل�صدر نف�سه ‪� ،‬ص‪ . 109‬ون�ستطيع القول �أن بالد غامد وزهران جديرة بالبحث والدرا�سة وبخا�صة يف التاريخ احل�ضاري‬
‫خالل القرون املا�ض ��ية املت�أخرة ‪ .‬والزال هناك الكثري من الآثار والنقو�ش والوثائق والروايات ال�ش ��فاهية التي ت�ص ��ب يف‬
‫خدم ��ة البح ��ث التاريخي له ��ذه البالد ‪ .‬وجامعة الباحة عليها م�س� ��ؤولية ك�ب�رى جتاه الأر�ض والنا� ��س فتدر�س �أحوالهم‪،‬‬
‫وتن�شئ مراكز بحثية علمية �أكادميية تقوم باخلدمات البحثية واالجتماعية جتاه املجتمع الغامدي والزهراين ‪.‬‬
‫((( تاميزيه‪� ،‬ص ‪ 116‬ـ ‪. 118‬‬
‫((( للمزي ��د عن ه ��ذا الرحالة‪ ،‬وع ��ن وظيفة املكتب العرب ��ي الذي كان يف القاه ��رة‪ ،‬وتابع لال�س ��تخبارات الربيطانية‪،‬‬
‫انظ ��ر‪ :‬مديح ��ة دروي�ش ‪ .‬تاريخ الدولة ال�س ��عودية خالل الربع الأول من القرن الع�ش ��رين ( الريا�ض‪ :‬دار ال�ش ��روق‪،‬‬
‫‪1400‬ه� �ـ‪1980/‬م)‪�� � ،‬ص‪ 111‬وم ��ا بعدها‪ ،‬غيث ��ان بن جري�س ‪ .‬بحوث يف تاريخ ع�س�ي�ر احلديث واملعا�ص ��ر ( جدة ‪:‬‬
‫دار العويفي للن�ش ��ر‪1423 ،‬هـ‪2002/‬م) �ص‪ 124‬ـ ‪ ،125‬للم�ؤلف نف�س ��ه ‪ .‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( ع�س�ي�ر‪،‬‬
‫وجازان‪ ،‬والقنفذة ) ‪ ( .‬الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي‪1433 ،‬هـ‪2012/‬م) ‪ .‬ج‪� ،4‬ص‪ 37‬ـ ‪. 38‬‬
‫((( انظر الن�س ��خة الإجنليزية‪ ،PP . 7FF ،‬وهذا الكتاب ترجم ترجمة �ش ��عبية �إىل اللغة العربية‪ ،‬منذ بداية القرن (‪15‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫وهذه الرتجمة متداولة بني �أيدي النا�س ‪ .‬ومل يحقق هذا الكتاب حتى الآن حتقيق ًا علمي ًا‪ ،‬وهو جدير بالتحقيق والدرا�سة‪ ،‬بل‬
‫ي�ستحق �إىل �أن يكون مو�ضوع ر�سالة ماج�ستري‪ ،‬ترجمة ودرا�سة وحتقيق ًا ‪ .‬ومن امل�ؤ�سف �أن �أحد �أبناء منطقة ع�سري قد اعتدى‬
‫على الن�سخة ال�شعبية املرتجمة ون�سبها �إىل نف�سه‪ ،‬وطبعها على هيئة كتاب يف اليمن ‪ .‬و�صارت هذه الطبعة متداولة بني �أيدي‬
‫النا�س ‪ .‬ومن قام بهذا العمل فقد ظلم نف�سه ‪ ،‬ون�سب ل�شخ�صه عم ًال مل يكن من تعبه �أو جهده ‪ (.‬واهلل امل�ستعان ) ‪.‬‬
‫((( للمزي ��د ع ��ن روب ��ن بدول‪ ،‬انظ ��ر‪ ،‬كتابه ‪ :‬الرحال ��ة الغربي ��ون يف اجلزيرة العربي ��ة ‪ .‬ترجمة عبد اهلل �آدم ن�ص ��يف‬
‫( الريا�ض ‪ :‬د‪ .‬ن‪1409 ،‬هـ‪1989/‬م)‪� ،‬ص‪ 7‬وما بعدها‪ ،‬ابن جري�س‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،4‬ص‪. 38‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪200‬‬
‫كت ��اب الزال باللغ ��ة الإجنليزية بعنوان ‪ :‬ال�شخ�ص ��يات العربية يف مطلع القرن الع�ش ��رين‪،‬‬
‫قام �أحد الباحثني املعا�ص ��رين برتجمة الف�صلني الثاين والعا�شر من هذا الكتاب(‪ ،)1‬وهذه‬
‫الن�سخة املرتجمة الزالت م�سودة �أولية‪ ،‬ومل تن�شر يف هيئة كتاب حتى الآن‪ ،‬وجل مادة هذين‬
‫الف�ص ��لني عن تاريخ بلدان و�شخ�ص ��يات يف مناطق جازان وع�س�ي�ر والباحة‪ ،‬وهذه امل�سودة‬
‫هي التي رجعنا �إليها يف هذا الق�سم (‪.)2‬‬
‫وجن ��د كورنوالي�س يورد تف�ص ��يالت جدي ��دة عن املناخ والت�ض ��اري�س وبع�ض التجارات‬
‫يف مناط ��ق ع�س�ي�ر‪ ،‬والباحة‪ ،‬والقنف ��ذة‪ ،‬وجازان(‪ ،)3‬ويذك ��ر القوى ال�سيا�س ��ية التي كانت‬
‫�ص ��احبة النف ��وذ يف هذه املناطق خ�ل�ال الثلث الأول من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬وي�ش�ي�ر �إىل‬
‫�أن الإدري�س ��ي يف جازان كان ميد نفوذه �أحيان ًا �إىل مرتفعات ع�س�ي�ر وبالد غامد وزهران‪.‬‬
‫ناهيك عن الأجزاء التهامية فهو �صاحب ال�سلطة الرئي�سية على منطقة جازان وما جاورها‬
‫�شما ًال حتى بالد القنفذة(‪.)4‬‬
‫وعن بالد غامد وزهران ذكر لنا بع�ض ال�شروحات املخت�صرة عن هاتني القبيلتني من‬
‫حيث عدد �س ��كانها‪ ،‬و�أ�سماء �شيوخها ومكانتها ال�سيا�سية‪ ،‬و�صالتها مع الأتراك والأ�شراف‬
‫والإدري�س ��ي(‪ .)5‬ونوه �أي�ض� � ًا ببع�ض �أعالم ه ��ذه البالد فذكر لنا منهم �س ��تة هم ‪ :‬عزيز بن‬
‫م�ش ��يط �ش ��يخ الأجزاء احل�ض ��رية من بالد غامد‪ ،‬وحممد بن عبد الرحمن �ش ��يخ الأجزاء‬
‫البدوية يف القبائل الغامدية‪ ،‬وحممد بن علي من ع�شرية بني كبري الغامدية وكان ع�ضو ًا يف‬
‫الربملان العثماين‪ ،‬ورا�ش ��د بن جمعان �ش ��يخ الأجزاء احل�ضرية من زهران‪ ،‬وكان ذا عالقة‬
‫ح�سنة مع �آل عائ�ض يف ع�سري ومع الأتراك‪ ،‬ثم حتالف يف نهاية الأمر مع الإدري�سي‪ ،‬و�سعيد‬
‫بن ع�ص ��يدان �شيخ الع�ش ��ائر البدوية الزهرانية‪ ،‬ويذكر �أنه كان حمارب ًا م�شهور ًا ومتحالف ًا‬
‫مع الإدري�س ��ي‪ ،‬و�ص ��الح بن عجلة‪ ،‬وهو تاجر غني ي�سيطر على معظم التجارة ما بني غامد‬
‫ومكة‪ ،‬وكان يتاجر يف التبغ الذي كان يزرع منه كميات كبرية يف بالد غامد(‪.)6‬‬
‫ويف موق ��ع �آخ ��ر من كتابه ي�ش�ي�ر �إىل الطرق الت ��ي كانت تخرج من �أبه ��ا �إىل الطائف‬
‫((( �أ ‪ .‬د ‪� .‬إ�سماعيل حممد الب�شري‪ ،‬مدير جامعة اجلوف حالي ًا‪ ،‬هو الذي قام برتجمة هذين اجلزءين‪ ،‬ون�أمل �أن ي�سعى‬
‫�إىل ترجمة الكتاب كام ًال ون�شره ‪.‬‬
‫((( توج ��د �ص ��ورة م ��ن هذي ��ن الف�ص ��لني املرتجم�ي�ن ترجم ��ة �أولي ��ة يف مكتب ��ة د‪ .‬غيث ��ان ب ��ن جري� ��س العلمي ��ة‬
‫( ق�سم البحوث والدرا�سات غري املن�شورة ) ‪.‬‬
‫((( ‪.Cornwallis, 7-23‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪PP. 22 FF .‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه ‪ . PP . 22FF‬وكما ذكرنا �س ��ابق ًا‪ ،‬فهذا الكتاب ي�س ��تحق الرتجمة العلمية‪ ،‬ثم الدرا�س ��ة والتحقيق‬
‫الدقيقني على �ش ��رط �أن يكون عم ًال علمي ًا �أكادميي ًا جيد ًا ‪ .‬وحبذا �أن يقوم �أحد طالب الدرا�س ��ات العليا يف �أق�س ��ام‬
‫التاريخ باململكة العربية ال�سعودية بهذا العمل العلمي ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪PP .89 ,95 ,96,100,101,102‬‬
‫‪201‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫عرب جبال ال�س ��روات‪ ،‬وعند و�ص ��وله �إىل بالد غامد وزهران ذكر بع�ض املحطات على تلك‬
‫الطريق مثل‪ :‬الباحة‪ ،‬ورمبا �أن هذه البلدة هي مدينة الباحة احلالية‪ ،‬وذكر �أنه �شاهد فيها‬
‫حوايل (‪ )250‬بيت ًا‪ ،‬ثم �أ�ش ��ار �إىل حمطات �أخرى تقع �إىل ال�ش ��مال من مدينة الباحة مثل‪:‬‬
‫مقتل البا�ش ��ا‪ ،‬ورهوة الرب‪ ،‬واملندق‪ ،‬وعقبة ع�ص ��يدان ‪ .‬وذكر بع�ض املعلومات املخت�ص ��رة‬
‫عن جغرافية هذه املحطات‪ ،‬و�أ�ش ��ار �أي�ض ًا �إىل بع�ض املزروعات واخل�ضروات والفواكه التي‬
‫�شاهدها يف تلك النواحي(‪.)1‬‬
‫�أم ��ا روبن بدول فقد نقل كثري ًا من معلوماته من كورنوالي�س‪ ،‬وبخا�ص ��ة يف حديثه عن‬
‫يكتف‬
‫بع�ض �أعالم غامد وزهران‪ ،‬و�شروحاته عن القبيلتني الغامدية والزهرانية‪� ،‬إال �أنه مل ِ‬
‫مبا ذكر كورنوالي�س عن هاتني القبيلتني‪ ،‬و�إمنا رجع �إىل بع�ض امل�صادر والكتب الأخرى التي‬
‫�أ�شارت �إىل هذه القبائل(‪ .)2‬وكون تف�صيالت بدول �أ�شمل ف�سوف نقتب�س بع�ض التف�صيالت‬
‫من مدوناته‪ ،‬فذكر موقع قبيلة غامد وما يحيط بها من القبائل‪ ،‬و�أ�شار �إىل �أعداد مقاتليهم‬
‫نق ًال من الرحالة بوركهارت(‪ .)3‬وتقارير �أخرى فذكر �أنهم يرتاوحون بني (‪ 5000‬ـ ‪)10,000‬‬
‫مقاتل‪ ،‬وهناك من قال �أن عدد �أفراد القبيلة حوايل (‪ )60,000‬رجل‪ ،‬مع �أن بدول رجح �أن‬
‫يكون ��وا �أكرث من ذل ��ك بكثري(‪ .)4‬ثم قال ‪ ..." :‬الطريق الداخلي الوا�ص ��ل بني �أبها والطائف‬
‫ي�ش ��ق وطنهم اخل�ص ��يب والكثري املياه‪ ،‬والقبيلة منق�سمة �إىل ق�س ��مني بدو وم�ستقرون(‪...)5‬‬
‫فالبدو ‪�...‬أثرياء بجيادهم و�إبلهم و�أغنامهم وال يخ�ض ��عون لأي �س ��لطة ورئي�س ��هم حممد بن‬
‫عب ��د الرحم ��ن(‪ ...)6‬ورئي�س العرب امل�س ��تقرين عزيز بن م�ش ��يط يتبع �ش ��ريف مكة ويزوره‬
‫با�س ��تمرار‪ ،‬ويذهب عدد كبري من رجاله كل عام �إىل مكة وجدة والطائف‪ ،‬ويعملون حمالني‬
‫يف مو�س ��م احلج‪ ،‬وميكثون هناك حوايل �أربعة �أ�شهر ويعودون مب�ؤن لباقي العام‪ ،‬كثري منهم‬
‫ي�ستثمرون مدخراتهم يف �شراء البنادق التي ي�شرتونها من �أحد ال�سوقني الرئي�سني‪ ،‬الروي�س‬
‫بالق ��رب من جدة‪� ،‬أو نزلة بني مالك ‪ .‬كما ي�ش�ت�رون البنادق �أي�ض� � ًا م ��ن رجال �أملع ‪.)7( "...‬‬
‫ويذكر �أي�ض ًا ‪ ...." :‬ولن�سائهم �ش�أن �أكرث �أهمية من غريهم من معظم القبائل‪ ،‬ولهم ق�سمة‬

‫((( امل�صدر نف�سه‪.P . 124 ،‬‬


‫((( انظ ��ر امل�س ��ودة املرتجم ��ة م ��ن كت ��اب ب ��دول‪�� � ،‬ص ‪61 ،17 ،16 ،11 ،9 ،7 ،5‬ـ ‪. 65‬‬
‫(ون�سخة من هذه امل�سودة يف مكتبة د‪.‬غيثان بن علي بن جري�س العلمية (البحوث والدرا�سات غرياملن�شورة)‪.‬‬
‫((( بوركهارت ‪ :‬هو جوهن لوي�س (‪1199‬ـ‪1232‬هـ‪1784/‬ـ‪1817‬م) �سوي�سري الأ�صل عا�ش يف بريطانيا وتعلم بها‪ ،‬ثم �سافر‬
‫�إىل ال�شرق الأو�سط وتنقل يف بالدها‪ ،‬ودخل الإ�سالم‪ ،‬وله العديد من امل�ؤلفات منها‪ :‬رحلة �إىل اجلزيرة العربية‪ ،‬طبع‬
‫يف لندن عام (‪1829‬م)‪ .‬انظر جنيب العقيقي‪ .‬امل�ست�شرقون ( القاهرة ‪ :‬دار املعارف‪1980 ،‬م)‪ ،‬ج‪� ،2‬ص‪. 52‬‬
‫((( امل�سودة املرتجمة من كتاب بدول‪� ،‬ص ‪. 61‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪. 62‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪� ،‬ص ‪ 62‬ـ ‪. 63‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪� ،‬ص ‪. 62‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪202‬‬
‫مت�س ��اوية يف �أ�ش ��كال العمل اليدوي‪ ،‬ولهن ر�أيه ��ن يف املجال�س القبلية(‪ .. .)1‬وتغزل الن�س ��اء‬
‫املالب�س والبطاطني من �ش ��عر البعري‪ ،‬ونظر ًا للهجرة ال�س ��نوية �إىل احلج‪ ،‬ف�إن القبيلة �أكرث‬
‫حت�ضر ًا من غالبية القبائل‪ ،‬ولها �شهرة طيبة يف الكرم وال�ضيافة‪ .)2( ..‬ويف �صفحات �أخرى‬
‫يعدد ع�ش ��ائر قبيلة غامد احل�ضرية التي كان �ش ��يخها عزيز بن م�شيط‪ ،‬فيذكر(‪ )27‬ق�سم ًا‬
‫مع ذكر ال�شيخ �أو النائب لكل فخذ وع�شرية (‪ .)3‬ويذكر �أي�ض ًا ا�سم البدو الذين كان �شيخهم‬
‫حممد بن عبد الرحمن‪ ،‬لكنه مل ي�شر �إىل �أق�سام وع�شائر البادية(‪.)4‬‬
‫كما تعر�ض بدول لقبيلة زهران‪ ،‬فذكر حدودها‪ ،‬والأق�سام القروية والبدوية و�شيوخها‬
‫مثل ‪ :‬را�ش ��د بن جمعان و�س ��عيد بن ع�ص ��يدان‪ ،‬ثم قال عنهم ‪ " :‬منطقتهم خ�صبة وكثيفة‬
‫ال�سكان‪� ،‬إذ يقال �أن القبيلة ب�أ�سرها تبلغ (‪ )30,000‬رجل(‪ .)5‬ثم قال‪ " :‬وزهران جن�س مقاتل‬
‫خال� ��ص وال يرتكون منطقتهم �أبد ًا‪ ،‬ع ��دا وقت الغارات‪ ،‬وهم يزرعون الأر�ض وي�ص ��بحون‬
‫�أغنياء من خالل ذلك‪ ،‬ولكنهم يحتقرون كل �أ�شكال العمل اليدوي الأخرى‪.)6("..‬‬
‫وعن بطون قبيلة زهران يذكر �س ��ت ع�ش ��ائر يف الق�س ��م القروي مع ذكر �ش ��يوخهم �أو‬
‫نوابهم‪ ،‬وامل�ش ��يخة الرئي�س ��ية يف هذه الع�ش ��ائر تعود �إىل را�ش ��د بن جمعان(‪� .)7‬أما الأجزاء‬
‫البدوية التي تقع حتت م�ش ��يخة ال�ش ��يخ �سعيد بن ع�ص ��يدان فذكر �أي�ض ًا �سبع ع�شائر ت�أمتر‬
‫ب�أمره‪ ،‬دون �أن يذكر نواب ًا لتلك الع�شائر ال�سبع(‪.)8‬‬
‫ون�ستخل�ص من �أقوال هذين الإجنليزيني عدة نقاط نوردها على النحو التايل‪:‬‬
‫‪1 .1‬كورنوالي�س يعد امل�صدر الرئي�س لبدول‪ ،‬مع �أن الأخري وظف جتاربه البحثية يف الرجوع‬
‫�إىل م�صادر �أخرى �أ�شارت �إىل قبيلتي غامد وزهران ب�شكل �أو�سع‪.‬‬
‫‪2 .2‬م ��ا دون هذين الباحثني خمت�ص ��ر جد ًا مقارنة مبا ذكراه عن مناط ��ق �أخرى يف جنوبي‬
‫البالد ال�سعودية مثل جازان وع�سري وغريها ‪ .‬ورمبا وجود بالد غامد وزهران �إىل الداخل‬
‫�أو يف الو�س ��ط من بالد ال�سراة كان �سبب ًا رئي�س ًا يف جتاهلها �أو عدم ذكرها ب�شكل مطول‬
‫عند الرحالني وبخا�ص ��ة الوافدين من خارج اجلزيرة العربية‪ ،‬مثل ‪ :‬بدول وكورنوالي�س‪.‬‬

‫((( امل�صدر نف�سه ‪� ،‬ص ‪. 62‬‬


‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص‪62‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪ 62‬ـ ‪. 64‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪� ،‬ص ‪. 64‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪� ،‬ص ‪ . 64‬و�أعتقد �أن هذا العدد غري �صحيح لأن بالد زهران �أر�ض وا�سعة وع�شائرها وبطونها كثرية‬
‫ومن ثم فهم �أكرث من ذلك بكثري‪ ،‬حتى و�إن كانت هذه الإح�صائيات يف الن�صف الأول من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫((( انظر امل�سودة املرتجمة من كتاب بدول‪� ،‬ص ‪. 65‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪� ،‬ص ‪. 65‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪� ،‬ص‪. 66‬‬
‫‪203‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫�أو من الرحالة احلجازيني �أو اليمنيني الذين كانوا يرتادون الطرق التهامية �أو ال�س ��روية‬
‫ال�ش ��رقية التي متر عرب رنية وبي�ش ��ة وغريهما ‪ .‬ومن ثم فالأجزاء ال�س ��روية مثل الديار‬
‫الغامدية والزهرانية وما جاورها كانت يف معزل عن امل�ؤلفني و�أرباب القلم(‪.)1‬‬
‫‪12‬ـ ال�شريف الربكاتي ( ق‪14‬هـ‪20/‬م) ‪:‬‬
‫هو �شرف بن عبد املح�سن الربكاتي‪ ،‬ولد يف احلجاز عام (‪1288‬هـ ‪1871 /‬م)‪ ،‬عمل يف‬
‫حكومة ال�شريف ح�سني بن علي‪ ،‬وبعد زوال ملك الأ�شراف من احلجاز عمل يف دولة الإمام‬
‫عبد العزيز بن عبد الرحمن �آل �س ��عود(‪ .)2‬وقد دون رحلته املو�س ��ومة بـ ‪ :‬الرحلة اليمانية‪،‬‬
‫وهي نتاج لرحلة ال�ش ��ريف ح�س�ي�ن بن علي (�أمري مكة) عندما خرج من احلجاز �إىل �أبها عرب‬
‫منطقة ال�س ��احل عام (‪1329‬هـ‪1911/‬م ) من �أجل فك ح�ص ��ار الإدري�سي على �أبها(‪ .)3‬ومادة‬
‫الكتاب تدور حول املعارك الع�س ��كرية التي وقعت بني جي�ش ال�شريف ح�سني وجيو�ش الإدري�سي‪،‬‬
‫وانتهت بدحر الإدري�سي ثم رجوع ال�شريف �إىل احلجاز عرب الأجزاء ال�شرقية لبالد ال�سراة(‪.)4‬‬
‫وب�ل�اد غام ��د وزهران مل يكن لها ن�ص ��يب كب�ي�ر يف هذه الرحل ��ة(‪ ،)5‬و�إمن ��ا ورد فيها‬
‫معلوم ��ات بع�ض ��ها غري دقيق �أو �ص ��حيح‪ ،‬فعن قبيلة غام ��د يقول الربكاتي ‪ " :‬يف ال�س ��اعة‬
‫العا�ش ��رة يوم اخلمي�س اخلام�س ع�ش ��ر من �شعبان �سرنا ونزلنا يف �أعلى وادي رنية ‪ ..‬وهذه‬
‫الديار لقبائل غامد من �أهل ال�ش ��رق ‪ ..‬وقبيلة غامد متفرقة‪ ،‬بع�ض ��هم قاطن بهذه الديار‪،‬‬
‫والق�سم الأعظم منهم قاطن بتهامة يف اجلهة الغربية من جبل احلجاز ‪ .)6(" ..‬واحلقيقة‬
‫�أن قبائ ��ل غامد ال ت�س ��كن رنية �أو حتى �أوديتها الرئي�س ��ية و�إمنا ه ��ي قريبة من بع�ض فروع‬
‫واديي رنية وتربة بل بع�ض بوادي غامد ت�سكن يف �أعايل وادي رنية ومتتد غرب ًا وجنوب ًا �إىل‬
‫الباحة ثم الأجزاء التهامية يف املخواة وغامد الزناد وما وجاورها(‪.)7‬‬
‫((( وهذا االنعزال و�ص ��عوبة ت�ض ��اري�س �أر�ض ال�س ��روات جعلها قليلة الذكر عند امل�ؤلفني وكتب الرتاث الإ�سالمي املبكر‪.‬‬
‫واملتجول يف هذه البالد ي�ش ��اهد الكثري من النقو�ش والآثار املتنوعة واجلديرة بالدرا�س ��ة ‪ .‬و�إن بحثنا عن تاريخ هذه‬
‫البالد يف مثل هذه امل�ص ��ادر‪ ،‬فقد جند مادة علمية جيدة تو�ض ��ح لنا بع�ض التاريخ واحل�ض ��ارات التي عا�شتها هذه‬
‫البالد منذ الع�صر اجلاهلي �إىل بدايات الع�صر احلديث واملعا�صر‪.‬‬
‫((( للمزي ��د م ��ن التف�ص ��يالت ع ��ن ه ��ذا ال�ش ��ريف انظر كتاب ��ه ‪ :‬الرحل ��ة اليماني ��ة ‪ .‬حتقيق عات ��ق بن غي ��ث البالدي‬
‫( بريوت ‪ :‬دار النفائ�س‪1426 ،‬هـ‪2005/‬م)‪� ،‬ص‪ 5‬وما بعدها‪ ،‬ابن جري�س‪ ،‬بالد القنفذة خالل خم�سة قرون‪� ،‬ص‪190‬‬
‫وم ��ا بعده ��ا‪ ،‬للم�ؤلف نف�س ��ه‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلن ��وب‪ ،‬ج‪� ،4‬ص ‪346‬ـ‪ .347‬وهذا الكت ��اب قام على حتقيقه‬
‫ون�شره �أكرث من واحد‪ ،‬وقام بطباعته �أكرث من دار ن�شر‪ ،‬و�أول طبعة خرجت منه كانت يف عام (‪1330‬هـ‪1912/‬م )‪،‬‬
‫وقد اعتمدنا يف درا�ستنا هذه على طبعة دار النفائ�س ( حتقيق البالدي )‬
‫((( للمزيد من التف�ص ��يالت عن الإدري�س ��ي وح�ص ��اره مدينة �أبها‪ ،‬انظر‪ ،‬حممد العقيلي ‪ :‬تاريخ املخالف ال�سليماين (‬
‫الريا�ض‪ :‬من�شورات دار اليمامة‪1402 ،‬هـ‪1982/‬م)‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪ 619‬ـ ‪665 ،622‬ـ ‪. 706‬‬
‫((( انظر كتاب ‪ :‬الرحلة اليمانية‪� ،‬ص ‪ 12‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( الكتاب يقع يف (‪� )205‬صفحة من القطع املتو�سط ‪ ...‬انظر الكتاب نف�سه‪ ،‬طبعة دار النفائ�س ( بريوت ) ‪.‬‬
‫((( الربكاتي‪ ،‬الرحلة اليمانية‪� ،‬ص ‪. 99‬‬
‫((( م�ش ��اهدات الباحث وجتواله يف بالد غامد وزهران عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م)‪ ،‬وللمزيد انظر ‪ :‬ف�ؤاد حمزة‪ ،‬يف بالد‬
‫ع�سري ( الريا�ض‪ :‬مكتبة الن�صر احلديثة‪1388 ،‬هـ‪1968/‬م)‪� ،‬ص ‪. 48‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪204‬‬
‫ويتح ��دث الربكات ��ي يف موق ��ع �آخ ��ر من كتابه عن ق�ض ��اء غام ��د يف عهد املت�ص ��رفية‬
‫العثماني ��ة يف ع�س�ي�ر(‪1289‬ـ‪1337‬هـ‪1872/‬ـ‪1918‬م) (‪ ،)1‬ويق ��ول‪ " :‬قائ ��م مقامية غامد‪،‬‬
‫ومركزها رغدان �ش ��مال النما�ص‪ ،‬و�شرقي مرف�أ دوقة التي هي على البحر الأحمر‪ ،‬ويتبعها‬
‫من القبائل غامد‪ ،‬وهي قحطانية وعددها مائتان وع�ش ��رون �ألف ًا ‪ .‬وقبيلة زهران‪ ،‬وعددها‬
‫مائة وخم�س ��ون �ألف ًا ‪ ..‬وهي واقعة يف احلد بني مت�ص ��رفية ع�س�ي�ر ومدين ��ة الطائف التابع‬
‫لوالية مكة امل�شرفة‪ ،‬ويتبعها قبيلة املحلف وعددها �أربعون �ألف ًا وهي قحطانية �أي�ض ًا ‪.)2( "..‬‬
‫والوا�ض ��ح م ��ن هذه النقوالت التي و�ص ��لتنا من هذا الرحالة‪ ،‬ومن �س�ي�ر رحلته �أنه مل‬
‫يذه ��ب �إىل بالد غامد وزهران على الإطالق‪ ،‬و�إمنا �س ��ار يف الذه ��اب �إىل �أبها من �أجزاء‬
‫تهامي ��ة تق ��ع �إىل الغرب من الديار الزهراني ��ة والغامدية‪ ،‬ويف الرجوع �إىل الطائف �س ��لك‬
‫�س ��فوح ال�سروات ال�شرقية عرب بي�ش ��ة ورنية واخلرمة‪ ،‬وهذه املواقع جميعها تقع �إىل ال�شرق‬
‫وال�شمال ال�شرقي من بالد غامد وزهران ‪� .‬أما ذكره الإح�صائيات ال�سكانية عن الغامديني‬
‫والزهرانيني فهي معلومات غري دقيقة وحتتاج �إىل م�صادر تثبيت‪ ،‬ورمبا ح�صل عليها من‬
‫عامة النا�س‪� ،‬أو من م�صادر غري موثوقة ‪ .‬وقوله �أن قبيلة املحلف تتبع لقبائل زهران وغامد‬
‫فهذا قول غري �صحيح‪ ،‬لأن قبيلة املحلف من �شهران العري�ضة‪ ،‬وموطنهم بالد بي�شة(‪.)3‬‬
‫‪13‬ـ حممد عمر رفيع ( ق‪14‬هـ‪20/‬م) ‪:‬‬
‫الأ�س ��تاذ رفي ��ع م ��ن �أهل مك ��ة املكرمة‪ ،‬ذه ��ب �ض ��من بعث ��ة تعليمية �إىل ع�س�ي�ر عام‬
‫(‪1359‬ه� �ـ‪1940/‬م)‪ ،‬وت ��وىل وظيفة مدير مدر�س ��ة رجال �أملع‪ ،‬ودون كتابه املو�س ��وم بـ ‪ :‬يف‬
‫ربوع ع�سري (ذكريات وتاريخ )(‪ .)4‬جمع فيه بني منهجي الرحلة والبحث يف كتب وم�صادر‬
‫�أخ ��رى(‪ .)5‬وه ��ذا املعلم والرحالة �س ��ار من احلج ��از �إىل �أبها عرب الطريق ال�ش ��رقية لبالد‬
‫ال�س ��راة‪ ،‬وقد اجتاز اخلرمة ورنية وبي�ش ��ة وخمي�س م�ش ��يط حتى �أبها‪ ،‬كما تنقل يف �أجزاء‬
‫عديدة من منطقة ع�سري‪ ،‬و�سار �إىل بع�ض القرى اجلازانية(‪.)6‬‬
‫مل يثب ��ت �أن حممد رفي ��ع زار بالد غامد وزه ��ران‪ ،‬ولكنه �أورد عنه ��ا بع�ض املعلومات‬
‫التاريخية احل�ض ��ارية اجليدة التي �س ��معها �أو قر�أها يف م�صادر �أخرى‪ ،‬فقال‪ ... " :‬قبل �أن‬
‫((( الربكاتي‪ ،‬الرحلة اليمانية‪� ،‬ص ‪. 99‬‬
‫((( الربكاتي‪ ،‬الرحلة اليمانية‪� ،‬ص ‪. 123‬‬
‫((( م�شاهدات الباحث وجتواله يف مناطق الباحة وع�سري خالل عام ( ‪1433‬هـ‪2012/‬م ) ‪.‬‬
‫((( طبع لأول مرة يف مكتبة املعارف بالطائف (‪1373‬هـ‪1954/‬م)‪ ،‬وهذه الن�سخة هي التي مت الرجوع �إليها يف هذه الدرا�سة ‪.‬‬
‫((( للمزيد انظر امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص‪ 4‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( حممد رفيع‪ ،‬يف ربوع ع�سري‪� ،‬ص ‪ 10‬وما بعدها ‪ .‬للمزيد عن هذا الرائد التعليمي يف بالد ع�سري‪ ،‬انظر بع�ض التف�صيالت‬
‫عنه يف كتابنا ‪ :‬تاريخ التعليم يف منطقة ع�س�ي�ر‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‪ 58‬ـ ‪ 254 ،59‬ـ ‪ . 256‬وهناك رواد عديدون ظهروا يف مناطق‬
‫ع�سري والباحة وغريها خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) وهم جديرون بالبحث والدرا�سة العلمية الأكادميية ‪.‬‬
‫‪205‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫يتي�س ��ر يل طبع هذه الرحلة كانت احلكومة قد �س�ي�رت يف �أواخر عام ( ‪1369‬هـ‪1949/‬م)‬
‫بعث ��ة زراعية من بع�ض املخت�ص�ي�ن لإر�ش ��اد املزارعني من �س ��كان ال�س ��راة وغريهم‪ ،‬وكان‬
‫ي�ش ��ارك البعثة يف غايتها الأخ ال�س ��يد ح�س ��ن �ش ��طا اخلب�ي�ر الزراعي يف مديري ��ة الزراعة‬
‫ال�س ��عودية (‪ .)1‬وقد �أخربين �أنهم يف �أثناء جتوالهم يف بالد غامد من ال�س ��راة اطلعوا على‬
‫�أعداد وفرية من �أ�ش ��جار العتم‪ ،‬وحتقق لديهم �أنه الزيتون الربي‪ ،‬كما اطلعوا على �أ�ش ��جار‬
‫ت�سمى ( ال�ضرو) وحتقق �أنه �شجر الف�ستق الربي ‪ .‬وذكر يل �أنه من املتي�سر املمكن تطعيم‬
‫�شجر العتم وال�ضرو ب�أقالم من �شجر الزيتون والف�ستق الثمريني فتنقلب الأ�شجار املطعمة‬
‫�إىل �أ�ش ��جار جتود باملحا�ص ��يل الوفرية من النوعني لأن �أ�ش ��جار العتم وال�ضرو املوجودة يف‬
‫ال�سل�سلة اجلبلية من ال�سراة تقدر بكميات وفرية تتجاوز ع�شرات الألوف"(‪.)2‬‬
‫ومم ��ا �س ��مع وقر�أ قول ��ه ‪� ... " :‬إن منطقة ال�س ��راة على ا�س ��تعداد كامل لزراعة �ش ��تى‬
‫�أن ��واع الثم ��ار و�أجودها‪ ،‬فقد ج ��اء يف تقرير البعثة الأمريكية الزراعي ��ة التي جابت اململكة‬
‫للدرا�س ��ة واالختب ��ار قولها ‪ :‬وزراعة الأن ��واع الطيبة من اخلوخ وامل�ش ��م�ش والربقوق والتني‬
‫وال�س ��فرجل والعنب يف هذه املناطق ال تكفي حاجة ال�س ��كان بالفواك ��ه الطازجة يف �أوقاتها‬
‫وجتفيفه ��ا وا�س ��تعمالها يف الأوقات الأخرى فح�س ��ب‪ ،‬ب ��ل ميكن �أن متون الأ�س ��واق البعيدة‬
‫بالفواك ��ه اجلاف ��ة ‪ .)3( "...‬ون�ؤك ��د عل ��ى �أن ما ورد يف ه ��ذه الأقوال عني ال�ص ��واب‪ ،‬فبالد‬
‫ال�سراة من الطائف حتى غامد وع�سري وقحطان وما جاورها تتمتع مبناخ جيد وبخا�صة يف‬
‫ف�ص ��لي ال�صيف واخلريف‪ ،‬كما �أنه يوجد بها غطاء نبات جيد‪ ،‬ناهيك عن الرتبة والزروع‬
‫والنبات ��ات والأ�ش ��جار واحليوانات التي توجد يف هذه البالد‪ ،‬فجميعه ��ا متوفرة‪ ،‬وفوائدها‬
‫كثرية ‪ .‬وحتتاج �إىل من يرعاها واال�ستفادة منها(‪.)4‬‬
‫((( �أ�س ��رة �آل �ش ��طا من الأ�س ��ر احلجازي ��ة املعروفة‪ ،‬وفيها رم ��وز عديدون كان لهم �إ�س ��هامات عدي ��دة يف بناء املجتمع‬
‫احلجازي‪ ،‬ومنهم ‪ :‬ال�سيد �صالح بن بكري �شطا وغريه ‪ .‬انظر‪ :‬حممد علي مغربي ‪� .‬أعالم احلجاز يف القرن الرابع‬
‫ع�شر الهجري ( جدة ‪ :‬مكتبة تهامة‪1401 ،‬هـ‪1981/‬م)‪� ،‬ص ‪ 63‬ومابعدها ‪.‬‬
‫((( انظر ‪ :‬حممد رفيع‪ ،‬يف ربوع ع�س�ي�ر‪� ،‬ص ‪ 47‬ـ ‪ ،48‬حا�ش ��ية رقم (‪ . )1‬واملتجول يف بالد ال�س ��روات من الطائف حتى‬
‫ب�ل�اد قحط ��ان وجنران يجد توافر ماليني الأ�ش ��جار والنباتات املتنوع ��ة يف �أحجامها و�أ�ش ��كالها وفوائدها ‪ .‬وكتاب‬
‫النب ��ات‪ ،‬للدين ��وري م ��ن �أهل القرن (‪3‬ه� �ـ‪9/‬م ) يف عدة جملدات عن النب ��ات‪ ،‬وجل مادة تلك الأ�س ��فار تدور حول‬
‫�أ�ش ��جار ونباتات �أر�ض ال�س ��روات املمتدة من احلجاز �إىل اليمن ‪ .‬ونقول �أن اجلامعات ال�س ��عودية املحلية يف جنوبي‬
‫البالد ال�س ��عودية عليها م�س� ��ؤليات كربى فت�ش ��جع الباحثني ومراكز البحوث التي تدر�س نباتات و�أ�ش ��جار وحيوانات‬
‫مناط ��ق الباحة وع�س�ي�ر والقنفذة وج ��ازان وجنران‪ ،‬ويجب على هذه اجلامع ��ات �أال تتقاع�س عن االنخراط يف هذه‬
‫امل�شاريع العلمية البحثية املهمة ‪.‬‬
‫((( يذكر رفيع يف تو�ص ��ياته �أن احلكومة ال�س ��عودية بجب �أن تهتم مبا ورد يف هذا التقرير ‪ .‬وي�ش�ي�ر �إىل �أن هذا التقرير‬
‫اخلا�ص بالبعثة الأمريكية الزراعية يف اململكة قد ن�شر يف مطبعة م�صر عام (‪1943‬هـ)‪ ،‬واملعلومات التي �أ�شار �إليها‬
‫يف �صفحة (‪ )184‬من هذا التقرير ‪ .‬انظر ‪ :‬حممد رفيع‪ ،‬يف ربوع ع�سري‪� ،‬ص‪ 47‬ـ ‪. 48‬‬
‫((( ه ��ذا م ��ا مل�س ��ناه من خالل جتوالن ��ا يف هذه البالد من ��ذ �أربعة عق ��ود ‪ .‬كما �أن بع� ��ض البحوث والدرا�س ��ات العلمية‬
‫والإن�سانية قد �أ�شارت �أي�ض ًا �إىل الرثاء الطبيعي والب�شري لهذه الأوطان ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪206‬‬
‫‪14‬ـ ولفرد ث�سيجر ( ق‪14‬هـ‪20/‬م) ‪:‬‬
‫ه ��ذا الرحالة الإجنليزي ق ��ام بالعديد من الرحالت يف بل ��دان عديدة‪ ،‬ومنها جزيرة‬
‫الع ��رب‪ ،‬جاء �إىل �أجزاء من بالد تهامة وال�س ��راة‪ ،‬فكتب من خالل امل�ش ��اهدات يف جوانب‬
‫عدي ��دة ‪ .‬كم ��ا حظ ��ي برعاية وحماي ��ة امللك عبد العزيز ب ��ن عبد الرحمن الفي�ص ��ل الذي‬
‫منحه �إذن ًا بالتنقل يف اململكة العربية ال�س ��عودية ‪ .‬وقد �أ�شار �إىل ذلك يف رحلته التي ن�شرت‬
‫لأول م ��رة باللغ ��ة الإجنليزية ع ��ام ( ‪1367‬ه� �ـ‪1947/‬م)‪ ،‬واملجلة اجلغرافية التي ت�ص ��در‬
‫ع ��ن اجلمعي ��ة اجلغرافي ��ة امللكية يف لندن‪ ،‬ه ��ي التي توىل ن�ش ��رها ‪ .‬وقام الدكت ��ور �أحمد‬
‫عم ��ر الزيلع ��ي برتجمة ه ��ذه الرحلة ون�ش ��رها يف جملة ال ��دارة‪ ،‬العدد (‪ )1‬ال�س ��نة (‪)14‬‬
‫ع ��ام (‪1408‬ه� �ـ ‪1988/‬م) (‪ .)1‬وه ��ذه الن�س ��خة املرتجمة الت ��ي اعتمدنا عليه ��ا يف مبحثنا‬
‫ه ��ذا(‪ .)2‬وجند ث�س ��يجر يرتاد مرتفعات ع�س�ي�ر من �أبها �إىل وادعة قحط ��ان وبع�ض �أجزاء‬
‫من جبال تهامة‪ ،‬ثم يعود �أدراجه نحو احلجاز في�س ��لك �سروات ع�سري وغامد وزهران حتى‬
‫الطائف(‪ .)3‬واحلقيقة �أن ما و�صلنا من مدونات هذا الرحالة ي�أتي يف مرتبة جيدة من حيث‬
‫ن ��درة املعلومات وجودتها‪� ،‬إال �أن بالد زهران وغامد مل جتد عناية كبرية عنده فقد مر بها‬
‫�س ��ريع ًا‪ ،‬ومل يدون عنها تف�ص ��يالت كثرية مثلما فعل مع مناطق �أخرى يف تهامة و�س ��روات‬
‫منطقة ع�سري‪� ،‬أو بالد القفنذة وغريها(‪ .)4‬ومما �شاهد يف ديار غامد وزهران قوله ‪... " :‬‬
‫وبع ��د �أن ارحتلنا على امتداد بالد بلقرن وخثعم(‪ ،)5‬دخلنا منطقة غامد التي ُتدار مركزي ًا‬
‫من الظفري (‪ .)6‬وهي قرية �ص ��غرية بنيت حول قلعة‪ ،‬و�س ��وقها الثالثاء‪ ،‬ومنها يوجد منظر‬
‫جميل جلبل �ش ��دا ال�شامي الذي ي�ش ��كل �إطار ًا عند تهامة الوادي‪ ،‬لقد وجدت قبيلتي غامد‬
‫وزهران‪ ،‬ب�ش ��كل ظاهر من �أكرث قبائل احلجاز �إكرام ًا لل�ض ��يوف(‪ .)7‬وال تو�صد الأبواب بني‬
‫((( انظر ‪ :‬جملة الدارة‪� ،‬ص‪ 93‬ـ ‪. 123‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه ‪.‬كانت رحلة هذا الرحالة يف جنوبي البالد ال�سعودية يف عام ( ‪65‬ـ ‪1366‬هـ‪45/‬ـ‪1946‬م) ‪ .‬للمزيد‬
‫انظر‪ :‬ابن جري�س‪ ،‬بالد القنفذة خالل خم�سة قرون‪� ،‬ص‪199‬ـ‪ ،200‬امل�ؤلف نف�سه‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪،‬‬
‫ج‪� ،3‬ص ‪ 363‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( بلقرن وخثعم من القبائل ال�سروية التي تقع بني قبائل رجال احلجر من اجلنوب وقبائل غامد وزهران من ال�شمال ‪.‬‬
‫وهي ت�ستوطن ال�سراة و�أجزاء منها تعي�ش يف الإ�صدار وعند �سفوح ال�سروات الغربية ‪ .‬والع�شائر القاطنة يف ال�سراة‬
‫تتبع �إمارة منطقة ع�سري �إدراي ًا ‪� .‬أما الأجزاء التهامية فتعود تبعيتها �إىل حمافظة القنفذة التي تراجع منطقة مكة‬
‫املكرمة ‪ .‬م�شاهدات الباحث وجتواله يف هذه البالد عام ( ‪1433‬هـ‪2012/‬م ) ‪.‬‬
‫((( الظفري ‪� :‬إحدى مدن بالد غامد الرئي�سية‪ ،‬وقد تنقل مركز الإمارة ما بينها وبني بلجر�شي ورغدان‪ ،‬ومركز الإمارة‬
‫اليوم يف مدينة الباحة ‪.‬‬
‫((( ال�سائر يف جنوبي البالد ال�سعودية يجد جميع قبائل وع�شائر وبطون هذه الأجزاء ت�شتهر بالكرم والنخوة وال�شهامة‬
‫‪ .‬وق ��د دون عنه ��م ذلك يف �أكرث من م�ص ��در ورواية وتقرير‪ .‬حب ��ذا �أن نرى �أحد الباحث�ي�ن اجلادين فيدر�س عادات‬
‫وتقاليد هذه الأوطان امل�ضيافة واملتنوعة يف �أعرافها ونظمها االجتماعية والقبلية ‪.‬‬
‫‪207‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫القبائل امل�ض ��يافة‪ ،‬وال�ضيوف يدخلون البيت �إذا كان �صاحبه خارج عنه‪ ،‬ويجعلون �أنف�سهم‬
‫ك�أنهم يف بيوتهم‪.)1(".‬‬
‫‪15‬ـ حمد بن حممد اجلا�سر ( ق‪14‬ـ‪15‬هـ‪20/‬ـ‪21‬م ) ‪:‬‬
‫ولد حمد اجلا�س ��ر تقريب ًا عام ( ‪1327‬هـ‪1909/‬م)‪ ،‬يف �أ�سرة فقرية ت�شتغل بالزراعة‬
‫ال�س ��ر الواقع جنوب الق�ص ��يم من جند ‪ .‬حفظ الق ��ر�آن وتعلم‬ ‫يف قري ��ة ال�ُب�رُ ُ ود م ��ن �إقليم ِّ‬
‫الكتابة ثم انتقل �إىل الريا�ض �س ��نة ( ‪1341‬هـ‪1922/‬م) وهو يف الرابعة ع�ش ��رة من عمره‬
‫‪ .‬لك ��ن �إقامته فيها مل تطل(‪ .)2‬عاد �إىل الريا� ��ض عام (‪1346‬هـ‪1927/‬م) وقر�أ على بع�ض‬
‫م�ش ��ايخ جند ‪ .‬ويف ع ��ام (‪1349‬ه� �ـ‪1930/‬م) التحق باملعهد ال�س ��عودي يف مك ��ة املكرمة‪،‬‬
‫و�أكمل الدرا�س ��ة فيه �س ��نة (‪1354‬هـ‪1935/‬م) ‪ .‬حاول نظم ال�ش ��عر يف وقت مبكر(‪ .)3‬ويف‬
‫�س ��نة (‪1354‬هـ‪1935/‬م) عني مدر�س� � ًا يف ينبع وبعد �سنتني عني مدير ًا للمدر�سة‪ ،‬ثم تدرج‬
‫يف العمل حتى �أ�صبح معاون ًا ملعتمد املعارف يف جدة(‪.)4‬‬
‫�سافر اجلا�سر عام ( ‪1358‬هـ‪1939/‬م) �إىل م�صر للدرا�سة‪ ،‬والتحق بكلية الآداب يف اجلامعة‬
‫امل�ص ��رية‪ ،‬ولكن قيام احلرب العاملية الثانية حالت دون �إكمال درا�سته فعاد �إىل وطنه(‪ .)5‬عمل بعد‬
‫ذلك يف التعليم يف الإح�ساء‪ ،‬ثم م�شرف ًا على مدار�س �أرامكو يف الظهران‪ ،‬ثم مدير ًا للتعليم يف جند‪،‬‬
‫ثم وكي ًال ملدير املعاهد والكليات العلمية‪ ،‬ثم مدير ًا لكليتي ال�شريعة واللغة العربية يف الريا�ض(‪.)6‬‬
‫ا�ش ��تغل بعد ذلك بالعمل ال�ص ��حفي‪ ،‬ف�أ�ص ��در يف الريا�ض ع ��ام (‪1372‬هـ‪1953/‬م )‬
‫العدد الأول من جملة اليمامة‪ ،‬وكان يطبعها يف م�ص ��ر‪ ،‬ثم مكة‪ ،‬ثم لبنان‪ ،‬و�أخري ًا فكر يف‬
‫�إن�شاء مطبعة يف الريا�ض عام ( ‪1374‬هـ‪1945/‬م) ‪ .‬ويف عام ( ‪1375‬هـ‪1955/‬م) حتولت‬
‫املجل ��ة ال�ش ��هرية �إىل �أ�س ��بوعية(‪ .)7‬ويف عام ( ‪1381‬هـ ‪1961/‬م) ُنق ��ل امتياز اليمامة عن‬
‫حمد اجلا�سر ‪ .‬و يف عام (‪1383‬هـ‪1963/‬م) كون هو و�آخرون ( م�ؤ�س�سة اليمامة ) و�صدر‬
‫عن هذه امل�ؤ�س�سة جريدة �أ�سبوعية با�سم ( اليمامة )‪ ،‬وكان اجلا�سر رئي�سها(‪.)8‬‬

‫((( ولفرد ث�س ��يجر‪ ،‬الن�س ��خة املرتجمة‪� ،‬ص‪ 111‬ـ ‪ . 112‬وهذه العادة كانت منت�ش ��رة بني النا�س �إىل عهد قريب‪ ،‬واليوم‬
‫فا�ض اخلري على النا�س و�سارت تقاليد ال�ضيافة ت�أخذ �أ�ساليب و�أمناط ًا متعددة يف املكان والزمان ‪.‬‬
‫((( علي جواد الطاهر " حمد اجلا�سر" ‪ .‬جملة العرب‪ ،‬ال�سنة ال�ساد�سة‪�( ،‬شوال ‪1391‬هـ ‪ /‬دي�سمرب ‪1971‬م)‪ ،‬مج‪� ،6‬ص‪. 446‬‬
‫((( املرج ��ع نف�س ��ه ‪ .‬مل يكن حمد اجلا�س ��ر �ش ��اعر ًا‪ ،‬وقد اعرتف بذل ��ك عندما قال ‪ " :‬وال �أدري ه ��ل يل �أن �أحتدث عن‬
‫ال�ش ��عر‪ ،‬ول�س ��ت �شاعر ًا ‪� ...‬أن ال �أجد يف نف�سي مي ًال لقراءة كثري مما ين�ش ��ر من ال�شعر احلديث‪ ،‬ولي�س العيب عيب‬
‫ذلك ال�شعر‪ ،‬ولكنه عيبي �أنا ‪ . " ...‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪.447‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪. 446‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪. 447‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪. 447‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪ 447‬وما بعدها ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪208‬‬
‫مل تطل �ص ��لة اجلا�س ��ر املبا�ش ��رة مب�ؤ�س�س ��ة اليمامة ال�ص ��حفية‪ ،‬و�إمنا ترك العمل يف‬
‫تلك امل�ؤ�س�س ��ة عام ( ‪1386‬هـ‪1966/‬م )‪ ،‬و�أن�ش� ��أ لنف�س ��ه ( دار اليمام ��ة للبحث والرتجمة‬
‫والن�ش ��ر ) واتخذ لها مرك ��ز ًا يف الريا�ض وفرع ًا يف بريوت لت�س ��هيل عملية الطباعة ‪ .‬وكان‬
‫�أول عمل قامت به هذه الدار �إ�ص ��دار جملة �ش ��هرية با�س ��م ( العرب ) تعنى بتاريخ العرب‬
‫و�آدابهم وتراثهم الفكري(‪� .)1‬ص ��در اجلزء الأول منها يف رجب �سنة ( ‪1386‬هـ‪1966/‬م )‪،‬‬
‫وا�ستمرت ت�صدر حتى وفاة ال�شيخ حمد ( رحمه اهلل ) ‪.‬‬
‫�أم ��ا يف جم ��ال البح ��ث والت�أليف والدرا�س ��ة والتحقيق فله ع�ش ��رات‪ ،‬ورمبا مئ ��ات الكتب‬
‫والدرا�سات العلمية الر�صينة التي ت�صب يف خدمة تاريخ وتراث وفكر اجلزيرة العربية ‪ .‬ول�سنا‬
‫هنا ب�ص ��دد �سرد كل بحوثه وم�ؤلفاته فهي م�ش ��روع جبار ي�ستحق العمل الدءوب من اجلامعات‬
‫ومراك ��ز البح ��وث وامل�ؤرخني واللغوي�ي�ن واملحققني ‪ .‬بل �إن ع�ش ��رات الكتب والر�س ��ائل العلمية‬
‫الأكادميية غري كافية لدرا�سة ما خلف لنا ال�شيخ العالمة حمد بن حممد اجلا�سر(‪.)2‬‬
‫واجلا�س ��ر من الرحالني املحدثني الذي ��ن زاروا منطقة الباحة ‪ .‬ففي عام ( ‪1390‬هـ‪/‬‬
‫‪1970‬م ) رح ��ل م ��ن احلجاز �إىل بالد غامد وزهران‪ ،‬و�أ�ص ��در عن تل ��ك الرحلة كتاب قيم‬
‫�سماه ‪ :‬يف �سراة غامد وزهران(ن�صو�ص‪ ،‬م�شاهدات‪ ،‬انطباعات)‪ ،‬ون�شره من خالل داره‪،‬‬
‫دار اليمامة للبحث والرتجمة والن�شر‪ ،‬عام ‪1391‬هـ ‪1971 /‬م)(‪ .)3‬والكتاب يقع يف (‪)595‬‬
‫�صفحة من القطع املتو�سط ‪ .‬تنقل هذا الرحال يف ربوع البالد الزهرانية والغامدية‪ ،‬فذكر‬
‫بع� ��ض �أعالمه ��ا وقراها‪ ،‬وع�ش ��ائرها وبطونها‪ ،‬و�إمارته ��ا والفروع التابعة له ��ا يف الأجزاء‬
‫التهامي ��ة وال�س ��روية(‪ .)4‬كم ��ا �أ�ش ��ار �إىل امل�ؤ�س�س ��ات الإدارية التي كانت يف حوا�ض ��ر غامد‬
‫وزه ��ران‪ ،‬ومل يغف ��ل عن ذكر بع�ض املراف ��ق اخلدماتية مث ��ل‪� :‬إدارات الزراعة‪ ،‬والأوقاف‪،‬‬
‫واملوا�ص�ل�ات وغريها‪ .‬وذكر �أي�ض� � ًا الأطوال وامل�س ��افات بني القرى واملراكز الرئي�س ��ية يف‬
‫املنطق ��ة (‪ . )5‬وعرج يف حديثه على التعليم يف املنطقة و�أ�ش ��ار �إىل انت�ش ��ار املدار�س ( بنني‬
‫وبنات ) يف كل �أنحاء البالد(‪� . )6‬أما اجلوانب االجتماعية واالقت�ص ��ادية يف منطقة الباحة‬
‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه‪� ،‬ص ‪ . 448‬ويقول عل ��ي جواد الطاهر عن حمد اجلا�س ��ر وجملته " ‪� ...‬إن رج ًال واح ��د ًا‪ ،‬ال يعرف تاريخ‬
‫ميالده �إال تقريب ًا ‪ ...‬خرج من �أعماق قرية �ض ��ائعة يف طوايا جزيرة �شا�س ��عة‪ ،‬ينه�ض مبجلة ر�صينة راقية نادرة‪ ،‬يغذيها‬
‫وي�ش ��بعها وي�س ��منها ور�صيده قلمه‪ ،‬وي�س ��هر عليها وماله من ن�ص�ي�ر‪ ،‬ويتقدم بها وما يكون لها من نظري‪ . "...‬علي جواد‬
‫الطاهر ‪ " .‬العرب يف عامها الع�شرين " جملة العرب‪� ،‬سنة (‪ / 20‬رجب و�شعبان ‪1405‬هـ‪1985/‬م)‪ ،‬مج‪�،20‬ص ‪1‬ـ ‪. 11‬‬
‫((( ن�شكر القائمني على مركز ال�شيخ حمد اجلا�سر‪ ،‬وعلى ر�أ�سهم خادم احلرمني ال�شريفني امللك �سلمان بن عبد العزيز الذي �أمر ب�إن�شاء هذا‬
‫املركز ورعايته ‪ .‬ونرجو من القائمني على هذا املركز �أن ي�ضاعفوا اجلهود لال�ستفادة ودرا�سة كل ما حقق �أو دون �أو �ألف ال�شيخ اجلا�سر‪.‬‬
‫((( انظر الكتاب نف�سه‪� ،‬ص ‪ 12‬وما بعدها ‪:‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪ 83‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪ 85‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( من يزور بالد غامد وزهران يجد الو�ض ��ع تطور يف جماالت التمدن واحل�ض ��ارة‪ ،‬بل يجد كل م�ؤ�س�سة �إدارية ت�ستحق‬
‫درا�س ��ة م�ستقلة ‪ .‬ناهيك عن التعليم فقد قفز قفزات كبرية وي�ستحق ع�شرات الدرا�سات ‪ .‬ون�أمل من جامعة الباحة‬
‫�أن ت�ضاعف اجلهود يف جماالت البحوث والدرا�سات التي تعود على جمتمع منطقة الباحة بالنفع والفائدة ‪.‬‬
‫‪209‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫فقد حظيت هي الأخرى بن�ص ��يب جيد يف درا�س ��ات ال�ش ��يخ اجلا�س ��ر‪ ،‬فذكر حوايل (‪)22‬‬
‫�سوق ًا �أ�سبوعي ًا منت�شرة يف �أنحاء املنطقة‪ ،‬كما �أ�شار �إىل بع�ض املعلومات عن بع�ض العادات‬
‫والأعراف والتقاليد التي عرفها الغامديون والزهرانيون(‪ . )1‬و�أورد بع�ض التف�ص ��يالت عن‬
‫قرى غامد وزهران‪ ،‬وذكر بع�ض الإح�ص ��ائيات التي ح�ص ��ل عليها من �أهل املنطقة‪ ،‬لكنها‬
‫غري دقيقة وقد �أ�شار هو نف�سه �إىل ذلك(‪. )2‬‬
‫ويف ع�ش ��رات ال�ص ��فحات من الكتاب حتدث عن بالد غامد وزه ��ران كما وردت يف بع�ض كتب‬
‫الرتاث‪ ،‬ف�أ�شار �إىل �أن�سابها‪ ،‬وموقعها يف بالد ال�سراة‪ ،‬وعالقتها بال�سروات املجاورة‪ .‬و�أورد ن�صو�ص ًا‬
‫عديدة �أ�شارت �إىل بع�ض الأحداث ال�سيا�سية واحل�ضارية التي عرفتها هذه البالد يف عهود �سابقة(‪.)3‬‬
‫كما ذيل كتابه ب�ص ��فحات عديدة ذكر فيها بع�ض اال�س ��تدراكات وت�صويب بع�ض الأخطاء الواردة يف‬
‫هذا ال�سفر‪ ،‬ثم �سرد العديد من الفهار�س العامة التي تخدم كل من يرجع �إىل هذا الكتاب(‪. )4‬‬
‫وبع ��د مرور حوايل ثمانية ع�ش ��ر عام ًا م ��ن رحلته �إىل بالد غامد وزهران جن ��ده يعود �إليها يف‬
‫( ‪1408/11/21‬هـ املوافق ‪1988‬م)كي يلقي حما�ضرة يف مدينة الباحة �ضمن الربنامج الثقايف الذي‬
‫نظمته �إمارة الباحة‪ .‬وكان عنوان حما�ضرته‪ :‬ملحات وانطباعات عن م�شاهداتي يف ال�سروات(‪. )5‬‬
‫�أ�ش ��ار يف حما�ض ��رته �إىل رحلته ال�س ��ابقة للبالد الزهرانية والغامدية‪ ،‬ثم ركز حديثه‬
‫(‪)6‬‬
‫يف نقطتني‪ ،‬الأوىل ‪� :‬ص ��راحة �أن�س ��اب �سكان ال�س ��راة ‪ .‬والثانية ‪� :‬صفاء لغة �أهل ال�سراة‬
‫‪ .‬و�أ�ش ��ار يف املحور الأول �إىل عموم القبائل ال�س ��روية املمتدة من الطائف حتى بالد �شهران‬
‫وقحط ��ان‪ ،‬وكان حديث ��ه على منوال منهج الهمداين �أثناء عبوره �أر�ض ال�س ��روات ‪ ،‬وي�ش�ي�ر‬
‫�إىل ف�ص ��احة اهل ال�س ��راة‪ ،‬ويعلل �س ��بب ف�ص ��احتهم بقوله ‪ .... " :‬وترجع ف�صاحة �سكان‬
‫ال�سروات �إىل كون بالدهم بعيدة عن االختالط مبن لي�س عربي ًا‪ ،‬فطرق القوافل التجارية‪،‬‬
‫وط ��رق احلج ��اج الذين ي�أتون من خارج اجلزيرة كلها ال متر بهذه ال�س ��روات‪ ،‬ومن هنا قل‬
‫اختالط �أهلها بالأعاجم‪ ،‬ف�صفت لغتهم‪ ،‬وخل�صت من العجمة ‪. )7(" ..‬‬
‫((( حمد اجلا�سر‪ ،‬يف �سراة غامد وزهران‪� ،‬ص ‪ 99‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪ 107‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪ 199‬ـ ‪� ،350‬أ�شار �إىل من �سكن ال�سروات قبل الإ�سالم‪ ،‬ثم خروج قبائل الأزد من اليمن وا�ستيطان‬
‫بع�ضهم يف �أر�ض ال�سروات‪ ،‬وهم �سكانها اليوم ‪ .‬للمزيد انظر‪ ،‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪ 355‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪ 495‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( ن�شرت هذه املحا�ضرة يف جملة العرب‪� ،‬سنة (‪ ( )24‬رجب و�شعبان ‪1409 /‬هـ ‪ /‬املوافق فرباير ومار�س ‪1989‬م )‪ ،‬مج ‪� ،24‬ص ‪ 58‬ـ ‪. 71‬‬
‫((( للمزيد انظر ‪ :‬احل�سن بن �أحمد الهمداين‪� ،‬صفة جزيرة العرب‪� ،‬ص‪ 119‬وما بعدها‪ ،‬حمد اجلا�سر‪ ،‬املرجع ال�سابق‪،‬‬
‫�ص‪ 58‬وما بعدها‪ ،‬ابن جري�س " بالد ال�س ��راة من خالل كتاب �ص ��فة جزيرة العرب للهمداين "‪ ،‬جملة الدارة‪ ،‬عدد‬
‫(‪� ،)3‬سنة (‪1414( )19‬هـ)‪� ،‬ص‪76‬ـ ‪. 111‬‬
‫((( اجلا�س ��ر‪ " ،‬ملحات وانطباعات عن م�ش ��اهداتي يف ال�س ��روات " �ص ‪ . 70‬ونقول �إن درا�س ��ة لغة ولهجات �أهل ال�سراة‬
‫جديرة بالبحث والدرا�س ��ة ‪ .‬ون�أمل من املتخ�ص�ص�ي�ن يف �أق�س ��ام اللغة العربية يف جامعاتنا ال�سعودية �أن يلتفتوا �إىل‬
‫مثل هذا املو�ضوع اجلدير بالبحث والدرا�سة ‪ .‬والهمداين �أو اجلا�سر وغريهما يتحدثون عن �صفاء لغة �أهل ال�سراة‬
‫قدمي� � ًا‪� ،‬أما اليوم فقد اختلط �س ��كان هذه البالد بغريهم‪ ،‬بل وف ��د �إىل بالدهم �أ جنا�س غري عربية ‪ .‬بل �إن التقنية‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪210‬‬
‫ومن خالل هذه امل�شاهدات اجلا�سرية ا�ستطعنا اخلروج ببع�ض الر�ؤى والنتائج مثل‪:‬‬
‫‪�1 .1‬إن و�ص ��ول الأ�ستاذ حمد اجلا�سر �إىل �س ��روات غامد وزهران يف نهاية القرن الهجري‬
‫املا�ض ��ي كان ك�س ��ب ًا ل�س ��كان تلك الب�ل�اد‪ ،‬فقد حف ��ظ بع� ��ض التف�ص ��يالت التاريخية‬
‫واحل�ضارية اجليدة واجلديدة ‪.‬‬
‫‪2 .2‬مزج اجلا�سر بني الن�صو�ص املنقولة من كتب الرتاث الإ�سالمي املبكر وبني ما �شاهده‬
‫�أو ا�ستنتجه �أثناء جتواله يف تلك الديار‪.‬‬
‫‪3 .3‬مدونات اجلا�سر من خالل انطباعاته وم�شاهداته جديرة بالبحث والدرا�سة واملقارنة‬
‫مع ما جرى يف �سروا ت زهران وغامد منذ ت�سعينيات القرن الهجري املا�ضي �إىل وقتنا‬
‫احلا�ضر ‪ .‬وحبذا �أن نرى �أحد الدار�سني �أو امل�ؤرخني املتخ�ص�صني فيخرج لنا مقالة �أو‬
‫بحث ًا علمي ًا حتليلي ًا عن كتاب ‪ :‬يف �سراة غامد وزهران‪ ،‬ويذكر ما ورد فيه من �سلبيات‬
‫و�إيجابيات ت�صب يف خدمة تاريخ الزهرانيني والغامديني ‪.‬‬
‫‪16‬ـ علي �صالح ال�سلوك الزهراين ( ق‪14‬ـ ‪15‬هـ‪20/‬ـ‪21‬م) ‪:‬‬
‫ال�س ��لوك من مواليد قرية ق ��رن ظبي ببالد زهران عام ( ‪1360‬ه� �ـ‪1941/‬م)‪ ،‬در�س‬
‫يف ال َّكت ��اب عام (‪1370‬هـ ‪1950/‬م)‪ ،‬ثم �أكمل درا�س ��ته يف املدار�س النظامية ‪ .‬بد�أ حياته‬
‫الوظيفية عام (‪1377‬هـ‪1957/‬م)‪ ،‬و تدرج يف العمل بوزارة الداخلية‪ ،‬قطاع الإمارات حتى‬
‫و�ص ��ل مدي ��ر عام ب�إمارة منطق ��ة الباحة(‪ . )1‬كان ع�ض ��و ًا يف كثري من اللج ��ان واجلمعيات‬
‫وامل�ؤ�س�س ��ات الإدارية واالجتماعية واخلريية(‪ .)2‬كما ح�ص ��ل على بع� ��ض اجلوائز والتكرمي‬
‫على م�ستوى بالد غامد وزهران‪ ،‬وعلى م�ستوى اململكة العربية ال�سعودية (‪ . )3‬عمل يف نادي‬
‫الباحة الأدبي حتى �صار نائب ًا لرئي�س النادي(‪. )4‬‬
‫احلديثة غزت كل �إن�س ��ان ودار‪ ،‬ومن ثم بد�أت ف�ص ��احة هذه البالد وغريها تذوب‪ ،‬و�أ�ص ��بحنا نرى ون�سمع ون�شاهد‬
‫انعدام الف�صاحة وال�ضعف اللغوي الذي يعي�شه �سكان هذه الأوطان ومن جاورهم من �أر�ض ال�سروات ‪.‬‬
‫((( نب ��ذة مكتوبة و�ص ��لتنا من ابنه العقي ��د مهند�س زهران بن علي ال�س ��لوك يف (‪1433/9/10‬هـ) ‪ .‬وهذه النبذة توجد‬
‫�ضمن مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ( الوثائق اخلا�صة ) ‪.‬‬
‫((( كان ع�ضو ًا يف جلنة مكافحة الأمية بالباحة‪� ،‬ساهم يف ت�أ�سي�س بع�ض اجلمعيات التعاونية مبنطقة الباحة‪ ،‬وع�ضوا يف‬
‫ً‬
‫اجلمعية ال�س ��عودية اخلريية للأطفال املعاقني بالريا�ض‪ ،‬وع�ضو جلنة �أ�صدقاء املر�ضى‪ ،‬وع�ضو اجلمعية التاريخية‬
‫ال�سعودية‪ ،‬وع�ضو جمل�س منطقة الباحة من عام (‪1421‬هـ ‪2000/‬م) ‪.‬‬
‫((( ف ��از باجلائ ��زة العلمية الأوىل لع ��ام ( ‪1431‬هـ‪2009/‬م) عن كتاب ��ه ‪ :‬وثائق من التاريخ‪ ،‬كما ح�ص ��ل على اجلائزة‬
‫التقديرية يف جمال الت�أليف ‪ .‬واملانح لهاتني اجلائزتني م�شروع توا�صل زهران خالل عام (‪1431 ،1426‬هـ‪ 2005 /‬ـ‬
‫‪2009‬م ) ‪ .‬مت تكرميه �ضمن الرواد امل�ؤرخني ال�سعوديني الأحياء الذين �أ�صدروا كتب ًا يف تاريخ اجلزيرة العربية عام‬
‫( ‪1400‬ه� �ـ‪1980/‬م) �أو قبل ��ه من قبل وزارة الثقافة والإعالم‪ ،‬وكان ذلك يف معر�ض الريا�ض الدويل للكتاب عام (‬
‫‪1430‬هـ)‪ ،‬عن كتابه ‪ :‬املعجم اجلغرايف لبالد غامد وزهران ‪.‬‬
‫((( انظر ترجمته �أي�ض ًا يف نهاية بع�ض م�ؤلفاته ‪ .‬كما و�صلنا �سرية ذاتية خمت�صرة له من �أحد �أبنائه يف (‪1433/9/10‬هـ)‬
‫‪ .‬والأ�س ��تاذ ال�س ��لوك تويف �أواخر عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) واهلل �أ�س�أل �أن يح�س ��ن لنا وله اخلتام‪ ،‬و�أن يجعل �أعمالنا‬
‫و�أعماله خال�صة نقية لوجه رب العاملني ‪.‬‬
‫‪211‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫ويف جم��ال البح��ث والت�أليف فهو يعد من الرواد املعا�ص��رين يف هذا الباب ‪ .‬فله‬
‫العديد من امل�ؤلفات التي تدور يف فلك تاريخ وح�ضارة بالد غامد وزهران‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫‪1 .1‬املعجم اجلغ ��رايف لبالد غامد وزهران‪ ،‬عام ( ‪1391‬هـ‪1971/‬م)‪� ،‬أ�ص ��درته دار اليمامة‬
‫والبحث والرتجمة والن�ش ��ر ل�ص ��احبها وامل�ش ��رف عليها حمد اجلا�س ��ر ‪ .‬وقد �أعيد طباعة‬
‫هذا الكتاب عام ( ‪1401‬هـ‪1981/‬م)‪ ،‬ثم طبع للمرة الثالثة عام (‪1417‬هـ‪1996/‬م)(‪. )1‬‬
‫‪2 .2‬املوروثات ال�ش ��عبية لغام ��د وزهران‪ ،‬عام ( ‪1415‬هـ‪1994/‬م) يف خم�س ��ة �أجزاء وقام‬
‫على طباعته ون�شره مطابع م�ؤ�س�سة املدينة لل�صحافة ( دار العلم ) بجدة ‪.‬‬
‫‪3 .3‬له كتابان �آخران الأول بعنوان ‪ :‬غامد وزهران ( ال�سكان واملكان )‪ ،‬عام (‪1422‬هـ‪2002/‬م)‪.‬‬
‫والثاين بعنوان ‪ :‬وثائق من التاريخ‪ ،‬عام (‪1423‬هـ‪2003/‬م) (‪.)2‬‬
‫وعن ��د االطالع على كتب هذا امل� ��ؤرخ الزهراين‪ ،‬وجدنا كتابه املعجم قام على الرحلة‬
‫والتجوال يف ربوع منطقة غامد وزهران‪ ،‬ومن ثم ر�صد لنا معظم قراها ومعاملها اجلغرافية‬
‫البارزة ‪ .‬والقارئ لهذا املعجم يدرك التعب والعناء الذي واجهه هذا الباحث من �أجل جمع‬
‫م ��ادة كتاب ��ه والتثبت من �ص ��حتها (‪� . )3‬أما كتاب ��ه الثاين‪ :‬فهو مو�س ��وعة يف بع�ض اجلوانب‬
‫التاريخي ��ة االجتماعية‪ ،‬وكل جزء من الأجزاء اخلم�س ��ة لفن من فنون املوروثات ال�ش ��عبية‬
‫الغامدية والزهرانية ‪ .‬فاجلزء الأول خا�ص بق�ص ��ائد اجلبل واللبيني (‪ . )4‬واجلزء الثاين‬
‫لق�ص ��ائد العر�ضة يف منا�س ��باتها املختلفة ‪ .‬واجلزء الثالث يف ق�صائد اللعب وامل�سحباين‪،‬‬
‫والهرموج والعزاوي وال�سامر(‪ . )5‬واجلزء الرابع الأنا�شيد ال�شعبية القاف ‪ .‬واحلزء اخلام�س‬
‫الأمثال واحلكم ‪ .‬والقارئ لهذه الأجزاء اخلم�سة يدرك اجلهد العظيم الذي بذله الأ�ستاذ‬
‫ال�سلوك من خالل خربته وجتواله يف بالده وجمع مادة هذا الكتاب القيم‪ ،‬فهو ر�صني ثري‪،‬‬
‫بل �إن �ص ��احبه �صاحب ف�ض ��ل كبري على �أهله وبني جلدته يف جمع وتدوين وحفظ جزء من‬
‫تراثهم وثقافته ��م و�أدبهم وفكرهم(‪ .)6‬والكتاب الثالث غامد وزهران ( ال�س ��كان واملكان)‬
‫فه ��و يجمع ب�ي�ن علمي التاري ��خ واجلغرافيا‪ ،‬وهو الآخ ��ر كتاب قيم يف م�ض ��مونه وجوهره ‪.‬‬
‫�أم ��ا الكت ��اب الرابع ‪ :‬وثائق م ��ن التاريخ فهو كتاب تاريخي وثائقي جمع فيه �ص ��احبه مادة‬

‫مت االطالع على هذا الكتاب يف طبعته الثانية ( ‪1401‬هـ‪1981/‬م) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫جميع كتبه متوفرة وموجودة يف عموم املكتبات العامة‪ ،‬وبع�ضها مت طباعتها �أكرث من مرة ‪.‬‬ ‫(((‬
‫للمزيد انظر الكتاب نف�سه يف طبعاته الثالث وما ي�شتمل عليه من مادة علمية جديدة ت�ستحق الدرا�سة والإ�شادة ‪ .‬وجل مادة‬ ‫(((‬
‫الكتاب قامت على امل�شاهدات والتجربة والروايات ال�شفهية واملكتوبة‪ .‬وهذه م�صادر رئي�س وهامة يف تدوين التاريخ ‪.‬‬
‫ه ��ذا الف ��ن الغنائ ��ي عرفته ب�ل�اد غامد وزه ��ران وما جاورها م ��ن البل ��دان‪ ،‬وي�س ��تحق البحث والدرا�س ��ة من قبل‬ ‫(((‬
‫املتخ�ص�صني يف علوم اللغة وعلم االجتماع وغريها ‪.‬‬
‫كل هذه الفنون عرفتها بالد زهران وغامد وال زالت متار�س يف منا�سباتها االجتماعية حتى يومنا احلا�ضر‪. .‬‬ ‫(((‬
‫هذا الكتاب ي�س ��تحق درا�س ��ات علمية �أكادميية �أطول و�أعمق ون�أمل �أن نرى بع�ض �أبناء غامد وزهران املبدعني املثقفني‬ ‫(((‬
‫املتخ�ص�صني فيفردوا له بع�ض البحوث الأكادميية املوثقة ‪ .‬وهذا من �أقل واجبات ال�سلوك على �أبناء منطقته وبالده‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪212‬‬
‫علمية جديدة وقيمة‪ ،‬وحفظ لنا �صور ًا تاريخية وح�ضارية للمجتمع الغامدي والزهراين يف‬
‫الع�صر احلديث واملعا�صر ‪ .‬والكتاب ي�شتمل على �أربعة مباحث ‪ :‬الأول ‪ :‬ي�شتمل على مناذج‬
‫م ��ن وثائق املعاه ��دات واالتفاقي ��ات والأحالف بني القبائ ��ل والقرى(‪ . )1‬والث ��اين ‪ :‬مناذج‬
‫م ��ن وثائق الأحكام وال�ص ��لح الت ��ي كان يتم فيها ح ��ل النزاعات القبلي ��ة والقروية ومناذج‬
‫من املبايعات واحلجج �أو ال�ص ��كوك ال�ش ��رعية(‪ . )2‬والثالث ‪ :‬مناذج من وثائق املرا�س�ل�ات‬
‫من احلكام �إىل امل�ش ��ايخ والق�ض ��اة والأعيان‪ ،‬ومعظم هذه الوثائق تدور يف زمن القرنني (‬
‫‪13‬ـ‪14‬ه� �ـ‪19/‬ـ‪20‬م) (‪ . )3‬واملبحث الرابع والأخري(‪ : )4‬من ��اذج من وثائق الزكوات واجلهاد‬
‫قبل عام ( ‪1338‬هـ‪1919/‬م) وبعده ‪ .‬كما يحتوي على �ص ��ور من وثائق ت�أ�س ��ي�س �أول �إمارة‬
‫لغامد وزهران يف عام (‪1353‬هـ‪1934 /‬م)‪ ،‬وكذلك �أول ميزانية مالية لهذه الإمارة(‪. )5‬‬
‫وبعد االطالع على هذه امل�ؤلفات ال�س��لوكية‪ ،‬وما قام به م�ؤلفها من جمع وتدوين ثم‬
‫طباعة ون�شر خرجنا بالعديد من النتائج والتو�صيات التي نذكرها يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪1 .1‬الأ�س ��تاذ على ال�س ��لوك اعتمد يف جمع مواد كتبه على خربت ��ه وجتربته وحياته مع �أهله‬
‫ويف بالده ‪ .‬كما نذر نف�س ��ه التنقل والرتحال يف قرى وجبال و�أودية ووهاد منطقة غامد‬
‫وزهران حتى ا�ستطاع �أن يخلف لنا هذا الكم اجليد من املادة العلمية القيمة ‪.‬‬
‫‪2 .2‬ات�صال الأ�ستاذ ال�سلوك بالأ�ستاذ حمد اجلا�سر يف العقود املت�أخرة من القرن الهجري‬
‫املا�ضي (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬كان ات�صا ًال مبارك ًا‪ ،‬فالأخري �شجع الأول على التجول يف عموم‬
‫البالد الزهرانية والغامدية‪ ،‬و�أخرج معجم ًا جغرافي ًا ي�ش ��رح ويو�ضح معامل هذه البالد‬
‫ال�س ��روية والتهامية التي طواها الن�س ��يان قرون ًا عديدة ‪ .‬وقد كان االثنان ( اجلا�س ��ر‬
‫وال�س ��لوك ) موفقان يف �إجناز هذا امل�شروع منذ جمعت مادته ومراجعتها ثم طباعتها‬
‫ون�ش ��رها ‪ .‬ومن ثم �أ�ص ��بح م�ص ��در ًا هام ًا ال ي�س ��تغني عنه �أي دار�س �أو باحث يف تاريخ‬
‫وتراث وح�ضارة منطقة الباحة ‪.‬‬
‫‪3 .3‬كوين �أبحث يف تاريخ وح�ضارة اجلزيرة العربية وبخا�صة جنوبيها منذ �أربعة عقود‪ ،‬مل‬
‫�أعرف �أ�شياء كثرية من معامل بالد زهران وغامد �إال عن طريق معجم الأ�ستاذ ال�سلوك‬
‫‪ .‬فهو فع ًال رجل رائد وله ال�سبق يف هذا امل�ضمار‪.‬‬
‫‪4 .4‬مل ت�شغله تكاليفه االجتماعية والعملية من الإ�سهام يف جانب �آخر من جوانب العلم واملعرفة‬
‫اخلا�صة ببالده و�أهله ‪ .‬و�إمنا التفت �إىل عامل الفنون ال�شعبية التي عرفتها دياره‪ ،‬ومن ثم‬
‫((( انظر الكتاب نف�سه‪� ،‬ص‪ 9‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪ 71‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪ 127‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪ 303‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه ‪.‬‬
‫‪213‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫جمع لنا كم ًا هائ ًال من الرتاث الثقايف والأدبي ( ال�ش ��عري والنرثي) الذي عرفه ومار�سه‬
‫الغامديون والزهرانيون ‪ .‬ومن يطالع مو�س ��وعته املوروثات ال�ش ��عبية ف�إنه يدرك �أنه �أمام‬
‫قام ��ة علمية وهبت نف�س ��ها خلدمة بالدها و�أهله ��ا‪ ،‬بل يت�أكد له �أن ما احتوته مو�س ��وعته‬
‫من تراث علمي وفكري يجب الإ�ش ��ادة به‪ ،‬بل يجب على �أق�س ��ام اللغة والتاريخ واالجتماع‬
‫والأدب يف جامعة الباحة وغريها من جامعات اجلنوب �أن توجه بع�ض �أبحاث �أع�ض ��ائها‬
‫وطالبها �إىل درا�سة هذه املو�سوعة اجلديرة باالقتناء والدرا�سة والبحث والتحليل ‪.‬‬
‫‪5 .5‬الناظر �إىل كتاب ال�سلوك‪ :‬وثائق من التاريخ‪ ،‬يدرك �أن هذا الرمز ال�سروي الزهراين‬
‫يحمل بني جنبيه هم ًا وحب ًا خلدمة بالده وذويه ‪ .‬فكان حري�ص� � ًا على �أن يظهر للقراء‬
‫والباحث�ي�ن م ��ادة علمية خام ًا من تاريخ �أهل ��ه ووطنه‪ ،‬وهذا وا�ض ��ح وجلي من الوثائق‬
‫اجلديدة التي ن�ش ��رها و�أخرجها لأول مرة ‪ .‬ومن ثم فهذه الوثائق �أ�ص ��بحت م�س� ��ؤولية‬
‫الباحثني وامل�ؤرخني املن�صفني الذي يجب عليهم درا�ستها وحتليلها وذكر ف�ضل من كان‬
‫ال�سبب يف ن�ش ��رها وخروجها عند املرة الأوىل‪ .‬كما �أن كتابه‪ :‬غامد وزهران‪ ..‬ال�سكان‬
‫واملكان‪ ،‬مل يكن �أي�ض� � ًا بعيد ًا يف الأهداف ال�س ��امية التي حققها‪ ،‬وكان دائم ًا ي�سعى �إىل‬
‫حتقيقها من �أجل خدمة بالده ‪.‬‬
‫‪6 .6‬عندم ��ا ا�ستعر�ض ��ت كل من خدم تاريخ وتراث وح�ض ��ارة بالد غام ��د وزهران‪ ،‬وجدت‬
‫الأ�ستاذ ال�سلوك يرتبع على عر�ش الريادة يف الع�صر احلديث واملعا�صر نعم رمبا يقول‬
‫قائ ��ل �أن ��ت بالغت يف مدح الرجل و�إطرائه‪ ،‬ف�أقول‪ ،‬واهلل ي�ش ��هد على م ��ا �أقول‪� ،‬إنني ال‬
‫�أعرف ��ه‪ ،‬ومل �أقابل ��ه البت ��ة‪ ،‬و�إمنا علمت من حمبي ��ه وبع�ض �أقاربه �أنه كان مري�ض� � ًا يف‬
‫�أحد م�ست�ش ��فيات الريا�ض منذ ع�ش ��ر �س ��نوات ‪ .‬وقد انتقل �إىل الدار الآخرة يف نهاية‬
‫عام (‪1433‬هـ ‪2012/‬م) ( رحمه اهلل )‪ ،‬ولكن من وجهة نظري ف�إنني �أراه من الرواد‬
‫العظ ��ام‪ ،‬فلقد اطلعت على �أعماله الأربعة ال�س ��ابقة الذك ��ر‪ ،‬و�أعمال غريه ممن كتبوا‬
‫عن بالد غامد وزهران ‪ .‬فوجدت عمله ميتاز بالدقة واجلدة وال�ش ��مولية‪ ،‬وال نقول �أن‬
‫�أعماله كاملة فالنق�ص واخلط�أ من �أعمال الب�ش ��ر‪ ،‬لكنه عمل و�ألف عندما كان النا�س‬
‫يف غفلة من �أمرهم‪ ،‬فله منا ال�شكر‪ ،‬ون�س�أل اهلل عز وجل �أن ال يحرمه �أجر ما قدم يف‬
‫حياته‪� ،‬إنه على كل �شيء قدير‪.‬‬
‫‪7 .7‬من خالل االطالع على �س�ي�رة ال�س ��لوك‪ ،‬وكذلك ال�س� ��ؤال عنه يف بالده ات�ض ��ح لنا �أنه‬
‫ذك ��ر و ُكرم من بع�ض اجلهات املحدودة يف منطقته‪� ،‬أو يف الريا�ض �أثناء �إقامة معر�ض‬
‫الريا� ��ض ال ��دويل للكتاب ع ��ام (‪1430‬ه� �ـ‪2009/‬م) ‪ .‬ونقول من على �ص ��فحات هذا‬
‫الكت ��اب �أن الرج ��ل مل ين ��ل حق ��ه الالئق به ال من �أبن ��اء جلدته يف الباح ��ة وال من قبل‬
‫اجلهات امل�س�ؤولة عن الفكر والثقافة يف بالدنا ‪ .‬وننادي �إمارة منطقة الباحة‪ ،‬وجامعة‬
‫الباحة‪ ،‬ونادي الباحة الأدبي‪ ،‬و�أمانة منطقة الباحة ونقول لهم �إن هذا الرجل ي�ستحق‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪214‬‬
‫التكرمي من قبل هذه امل�ؤ�س�س ��ات فيذكر ا�س ��م �شارع با�س ��مه يف املنطقة‪ ،‬ويطلق ا�سمه‬
‫على �إحدى قاعات املحا�ضرات يف النادي واجلامعة وهذا من �أقل الواجبات جتاه هذا‬
‫الرجل‪ ،‬الذي ق�ضى جزء ًا كبري ًا من حياته يف البحث والت�أليف ‪.‬‬
‫‪8 .8‬كم ��ا �أن امل�ؤرخني واملتخ�ص�ص�ي�ن من �أهايل غام ��د وزهران وكذل ��ك الباحثني يف جامعة‬
‫الباحة عليهم �أي�ض� � ًا م�س� ��ؤولية جتاه هذا العلم الزهراين فتعقد بع�ض الندوات عن كتبه‪،‬‬
‫وتعمل بع�ض البحوث والدرا�س ��ات عن �شخ�ص ��ه و�إجنازاته العلمية والعملية ‪ .‬بل �إن ق�سم‬
‫التاري ��خ يف جامع ��ة الباح ��ة‪� ،‬أو يف �أي جامعة �أخرى يجب على �أع�ض ��ائه ذكر هذا الرجل‬
‫وااللتفات �إىل جمهوداته العلمية‪ ،‬فيخ�ص�ص عنه ر�سالة علمية �أكادميية لدرجة املاج�ستري‬
‫�أو الدكتوراه‪ ،‬وهو و�إجنازاته العلمية جدير بهذه امل�شاركة والإ�سهام العلمي الأكادميي ‪.‬‬
‫‪ 9 .9‬نرج ��و من �أبنائ ��ه و�أحفاده وطالبه وحمبيه �أن ال ين�س ��وه هم الآخ ��رون فيخرجوا عنه‬
‫درا�سة �أو كتاب ًا علمي ًا يجمع فيه �أعماله و�آثاره االجتماعية والتاريخية والعلمية ‪ .‬وحبذا‬
‫�إذا كان لديه مكتبة ثرية مبحتوياتها �أن حتفظ �أو ت�صان من قبل �أ�سرته �أو ممن يحبه‬
‫�أو يوده‪� ،‬أو ُت�س ��لم �إىل �إحدى امل�ؤ�س�س ��ات العلمية الرئي�س ��ية يف بالدنا‪ .‬ويف اعتقادي �أن‬
‫جامعة �أو نادي الباحة �أوىل بحفظ و�صيانة هذه املكتبة ‪.‬‬
‫‪1010‬م ��ن املحتمل �أنه له م�س ��ودات كتب جمع مادتها ودونها قب ��ل �أن يداهمه املر�ض‪ ،‬ونقول‬
‫لأبنائ ��ه و�أفراد �أ�س ��رته حبذا �أن ي�س ��لموها لأكادميي �أمني فيخرجها با�س ��م �أبيهم مع‬
‫احلر�ص على حفظ حق �صاحبها العلمي‬
‫‪17‬ـ عاتق بن غيث البالدي (‪14‬ـ‪15‬هـ ‪20 /‬ـ‪21‬م) ‪:‬‬
‫هذا الرحالة حجازي الأ�ص ��ل واملولد زار العديد من مناطق اململكة العربية ال�سعودية‪،‬‬
‫ودون العدي ��د م ��ن كت ��ب الرحالت (‪ . )1‬وم�ؤلفه ال ��ذي يهمنا يف هذا الق�س ��م‪ ،‬هو‪ :‬بني مكة‬
‫وح�ض ��رموت ( رح�ل�ات وم�ش ��اهدات ) م ��ن مطبوع ��ات دار مك ��ة للن�ش ��ر والتوزي ��ع ع ��ام‬
‫(‪1402‬هـ‪1982/‬م) (‪ . )2‬هذا الكتاب يقع يف �أكرث من �أربعمائة �صفحة من القطع املتو�سط‪،‬‬
‫وهو رحلة قام بها امل�ؤلف يف �ش ��هر �ش ��عبان ع ��ام (‪1400‬هـ‪1980/‬م) �إىل كل من �س ��روات‬
‫الطائف والباحة وع�سري وجنران‪ ،‬وا�ستغرق خاللها حوايل (‪� )8‬أيام �سجل فيها الكثري من‬
‫التف�صيالت التاريخية واحل�ضارية(‪. )3‬‬

‫((( للمزيد عن هذا الرحالة انظر‪ :‬ابن جري�س‪ ،‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� 2‬ص ‪214‬ـ‪ . 217‬ج‪� ،3‬ص ‪ 37‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( عاتق البالدي‪ ،‬الكتاب نف�سه‪� ،‬ص‪ 5‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫‪215‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫وفيم��ا يخ���ص بالد الباحة ( غامد وزهران )‪ ،‬وجدن��ا هذا الرحالة يدون لنا فقط حوايل‬
‫خم�س �صفحات �شملت بالد زهران وغامد من دخولها من ال�شمال �إىل اجلنوب‪ ،‬وعند قراءة هذه‬
‫املدونات العاتقية ا�ستطعنا اخلروج ببع�ض النقاط الرئي�سية التي نذكرها يف البنود التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬البالدي مل يبذل جهد ًا كبري ًا للتنقل يف �أرجاء غامد وزهران وتدوين ما ميكن ت�سجيله‬
‫من خالل االنطباعات وامل�شاهدات ‪ .‬ولو فعل ذلك لكان زودنا مبادة علمية قيمة ت�شمل‬
‫طبيعة املكان وحياة ال�سكان ‪.‬‬
‫‪2 .2‬منذ دخوله بالد زهران من ال�شمال حتى خرج من بالد غامد نحو اجلنوب ذكر فقط‬
‫خم� ��س قرى رئي�س ��ية تخرتقها الطريق الرئي�س ��ية الت ��ي تخرج من الطائ ��ف حتى �أبها‬
‫وجن ��ران‪ .‬وه ��ذه القرى هي‪ :‬قري�ش احل�س ��ن‪ ،‬الأطاولة‪ ،‬رغدان‪ ،‬الباحة‪ ،‬وبلجر�ش ��ي ‪.‬‬
‫االثنت ��ان الأوليان يف بالد زه ��ران‪ ،‬والثالث الأخرى يف بالد غام ��د(‪ .)1‬كما ذكر توفر‬
‫املدار� ��س وبع�ض امل�ؤ�س�س ��ات الإدارية يف بع�ض هذه القرى مثل‪ :‬الباحة وبلجر�ش ��ي(‪. )2‬‬
‫و�أ�ش ��ار �إىل وجود بع�ض املوا�ش ��ي واملحالت التجارية واملن ��ازل املكونة من طابق واثنني‬
‫وثالث ��ة يف عموم هذه القرى اخلم�س(‪ .)3‬وذكر �أي�ض� � ًا �أهمية بع�ض هذه القرى تاريخي ًا‬
‫مث ��ل رغدان وبلجر�ش ��ي التي كانت مراك ��ز �إدارية لبع�ض القوى ال�سيا�س ��ية يف املنطقة‬
‫خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) (‪. )4‬‬
‫‪3 .3‬من الن�ص ��و�ص التي �أورده ��ا عن بع�ض هذه القرى‪ ،‬قوله عن قرية ( قري�ش احل�س ��ن)‬
‫" ‪ ....‬هذه قرية �أهلها قري�ش‪� ،‬سميت بهم‪ ،‬وكثري من قرى اجلنوب ت�سمى ب�أ�سماء‬
‫القبائ ��ل التي ت�س ��كنها ‪ )5("..‬وقال عنها �أي�ض� � ًا ‪ .... ":‬وهذه البل ��دة فيها حركة تعمري‬
‫ظاهرة‪ ،‬وبها ق�صور حديثة البناء بالأ�سمنت امل�سلح‪ .)6( "..‬وقال عن قرية( الأطاولة)‪:‬‬
‫"‪ ..‬هي متقدمة عمراني ًا وزراعي ًا‪ ،‬و�ش ��وارعها معبدة‪ ،‬وبها مدار�س و�شرطة وحمكمة‪،‬‬
‫وكل مراف ��ق الدولة‪ .‬والبيوت احلديثة ذات الطوابق املتعددة تغلب على بنائها ‪.)7( "...‬‬
‫وقال عن بلجر�شي‪ .." :‬هي مدينة جميلة بني تالل خ�ضر‪ ،‬وحركة العمران فيها ن�شطة‪،‬‬
‫وهي ثاين مدينة يف بالد غامد‪.)8( "..‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪11‬ـ ‪. 15‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪13‬ـ ‪. 14‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪11‬ـ ‪. 15‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪13‬ـ ‪. 14‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪ . 12‬ودرا�سة �أ�سماء القرى والبلدات والع�شائر والبطون يف بالد ال�سراة جدير بالبحث والدرا�سة‬
‫وبخا�صة يف جمال الأن�ساب‪ ،‬والأ�سماء واملدلوالت وغريها ‪.‬‬
‫((( البالدي‪ ،‬امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪. 12‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪ 12‬ـ ‪.13‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪. 14‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪216‬‬
‫‪4 .4‬ج ��اء البالدي �إىل الدي ��ار الزهرانية والغامدي ��ة يف بداية القرن (‪15‬ه� �ـ‪20/‬م)‪ ،‬وقد‬
‫دخل ��ت البالد طري ��ق التنمية والعم ��ران‪ ،‬وكان عليه �أن يف�ص ��ل احلدي ��ث عن التطور‬
‫احل�ض ��اري الذي تعي�ش ��ه هذه البالد يف ذلك الزمن ‪ .‬ولو مكث بع�ض الوقت يف القرى‬
‫اخلم�س املذكورة‪� ،‬أو حر�ص على االلتقاء ببع�ض الأعيان والوجهاء و�أ�صحاب القرار يف‬
‫املنطقة ف�إنه بدون �ش ��ك �س ��وف يكون ح�ص ��ل على مادة عليمة جديرة بالتدوين ‪ .‬ومن‬
‫يذه ��ب �إىل بالد زهران وغامد ويتج ��ول يف قراها وبواديها وجبالها و�أوديتها ف�س ��وف‬
‫ي�شاهد تاريخ ًا متنوع ًا ي�ستحق احلفظ والتدوين(‪.)1‬‬
‫‪18‬ـ عبد الرحمن �صادق ال�شريف (ق‪14‬ـ‪15‬هـ‪20/‬ـ‪21‬م) ‪:‬‬
‫الأ�س ��تاذ ال�ش ��ريف من الأكادمييني اجليدين الذين عملوا يف ق�سم اجلغرافيا يف كلية‬
‫الآداب بجامعة امللك �س ��عود ل�س ��نوات عديدة(‪� .)2‬أ�ص ��در درا�س ��ة بعنوان ‪ :‬جغرافية اململكة‬
‫العربي ��ة ال�س ��عودية‪ ،‬يف جزءي ��ن (‪.)3‬اجلزء الأول خ�ص�ص ��ه جلغرافية اململكة ب�ش ��كل عام‬
‫فناق�ش فيه املعامل الطبيعية امل�ؤثرة يف حياة ال�س ��كان‪ ،‬ثم املالمح الب�ش ��رية االقت�صادية يف‬
‫اململكة‪ ،‬و�أخري ًا �أوجز احلديث عن و�سائل النقل احلديثة يف البالد ال�سعودية(‪.)4‬‬
‫�أما اجلزء الثاين ف�أفرده لإقليم جنوب غرب اململكة‪ ،‬وناق�ش فيه الكثري من الأو�ض ��اع‬
‫اجلغرافية واحل�ضارية يف كل من جازان‪ ،‬وع�سري‪ ،‬والقنفذة والباحة وجنران(‪ .)5‬واجلميل‬
‫يف هذه الدرا�س ��ة �أن م�ص ��ادرها قامت على الرحلة والتجوال‪ ،‬وكذلك الرجوع �إىل امل�صادر‬
‫واملراجع املكتوبة التي �أ�شارت �إىل هذه البلدان اجلنوبية ‪ .‬كما �أن الذي قام بهذا العمل هو‬
‫�أ�س ��تاذ �أكادميي يعمل يف �أروقة اجلامعات منذ زمن طويل‪ ،‬وبالتايل فهو على دراية ب�أدوات‬
‫البحث العلمي الذي طبقه يف كتابه �أثناء درا�سة طبيعة و�سكان هذه البالد(‪.)6‬‬
‫ويف حوايل �أربعني �صفحة حتدث ال�شريف عن منطقة الباحة‪ ،‬وبد�أ بالأجزاء التهامية‬
‫الواقعة يف حميط حمافظتي املخواة وقلوة(‪ .)7‬ثم وا�ص ��ل �ش ��روحاته على الأجزاء ال�سروية‬

‫((( ن�أمل من جامعة الباحة �أن ت�سعى �إىل حفظ تاريخ منطقة غامد وزهران �سوا ًء كان موجود ًا يف كتب مطبوعة �أو وثائق‬
‫غري من�ش ��ورة‪� ،‬أو نقو�ش ور�س ��وم متناثرة يف �أنحاء املنطقة‪� ،‬أو �أقوال وروايات مدونة و�شفهية ‪ .‬و�إن فعلت ذلك ف�إنها‬
‫�سوف ت�سدي للزهرانيني والغامديني ف�ض ًال كبري ًا ‪.‬‬
‫((( الدكت ��ور ال�ش ��ريف‪� ،‬أ�س ��تاذ يف عل ��م اجلغرافي ��ا‪ ،‬عم ��ل بجامعة امللك �س ��عود من ��ذ نهاية الق ��رن الهجري املا�ض ��ي‬
‫(‪14‬هـ‪20/‬م) حتى العقود الأول من القرن(‪15‬هـ‪20/‬ـ‪21‬م) ‪.‬‬
‫((( اجل ��زء الأول م ��ن مطبوعات دار املريخ يف الريا�ض عام (‪1407‬هـ‪1987/‬م) ‪ .‬واجلزء الثاين مطبوع يف نف�س الدار‬
‫عام (‪1404‬هـ‪1984/‬م) ‪.‬‬
‫((( انظر اجلزء الأول‪� ،‬ص‪ 3‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( انظر اجلزء الثاين ‪� ،‬ص ‪ 33‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( هذا ما يلم�سه القارئ �أثناء فح�ص هذا الكتاب ودرا�سته ‪.‬‬
‫((( ال�شريف‪ ،‬جغرافية اململكة‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪231‬ـ ‪. 244‬‬
‫‪217‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫اجلبلية‪ ،‬وكذلك ال�سفوح ال�شرقية من �سروات غامد وزهران فذكر بالد بلجر�شي‪ ،‬ومقاطعة‬
‫الباحة‪ ،‬و�س ��راة زهران‪ ،‬مع �إيراد تف�صيالت كثرية عما ت�شتمل عليه هذه البالد من معامل‬
‫طبيعة وتركيبات �سكانية(‪ .)1‬وقد خرجنا ببع�ض اخلال�صات والنتائج على هذا الكتاب‪،‬‬
‫ن�سردها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬معظم املادة املدونة عن منطقة الباحة قيمة وجديدة يف حمتوياتها‪ ،‬و �صاحبها م�شكور ًا‬
‫قد زار البالد الغامدية والزهرانية‪ ،‬ودون ما �شاهده يف ربوعها‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل اطالعه‬
‫على كثري من الإح�صائيات وال�سجالت والوثائق وامل�صادر التي ترفد �أقواله وم�شاهداته‪.‬‬
‫‪�2 .2‬ش ��رح الكثري من الرتكيب ��ات الطبيعية ملنطقة الباح ��ة‪ ،‬فذكر �أ�ش ��هر �أوديتها وجبالها‬
‫وه�ضابها ومعاملها اجلغرافية التي امتازت بها يف معظم نواحيها‪.‬‬
‫‪�3 .3‬أ�ش ��ار يف مواطن عديدة �إىل القرى والبلدات و�أماكن اال�ستيطان الرئي�سية يف املنطقة‪،‬‬
‫وذكر بع�ض الإح�ص ��ائيات ال�سكانية لبع�ض القرى واحلوا�ضر‪ .‬و�أورد �أحيان ًا تف�صيالت‬
‫جديدة عن الأعمال واملهن املتنوعة التي ميار�سها �سكان املنطقة‪.‬‬
‫‪4 .4‬ذكر بع�ض امل�ؤثرات التي طر�أت على طبيعة البالد الب�شرية نتيجة الظروف االجتماعية‬
‫واالقت�ص ��ادية‪ ،‬و�أ�شار �إىل تقهقر الن�ش ��اطات الرعوية وبخا�صة عندما �أ�صبح كثري من‬
‫�أه ��ايل الب�ل�اد يهاجرون م ��ن �أوطانهم �إىل مدن وحوا�ض ��ر ك�ب�رى يف اململكة من �أجل‬
‫احل�ص ��ول على مكا�سب تعليمية ووظيفية �أف�ضل من حياتي الرعي والزراعة التي كانوا‬
‫ميار�سونهما يف مواطنهم الرئي�سية ‪.‬‬
‫‪5 .5‬مع �أن ال�ش ��ريف متخ�ص ���ص يف علوم اجلغرافيا‪� ،‬إال �أننا نظرنا �إليه رحال قام بالعديد‬
‫م ��ن الرحالت يف اململكة العربية ال�س ��عودية ‪ .‬وكانت منطق ��ة الباحة قد حظيت ببع�ض‬
‫اهتماماته ومدوناته وجوالته ‪.‬‬
‫‪�6 .6‬ش ��اهد الكثري م ��ن �ص ��ور التنمية التي عا�ش ��تها منطق ��ة الباحة يف بداية ه ��ذا القرن‬
‫(‪15‬هـ‪20/‬م) ‪ .‬ودون ملحات مما ر�أى‪ ،‬وكنا نتمنى �أن يكون قد �أ�س ��هب يف مدوناته عن‬
‫اجلوانب االجتماعية واالقت�صادية والثقافية والتعليمية والفكرية(‪.)2‬‬
‫‪19‬ـ علي حافظ ( ق‪14‬ـ‪15‬هـ‪20/‬ـ‪21‬م ) ‪:‬‬
‫ول ��د يف املدين ��ة املنورة ع ��ام ( ‪1327‬ه� �ـ‪1909/‬م)‪ ،‬ودر� ��س يف مدار�س ��ها‪ ،‬ثم التحق‬
‫بالدرا�س ��ة يف امل�سجد النبوي عدة �س ��نوات ‪ .‬تدرج يف العديد من الوظائف يف املدينة فبد�أ‬
‫كاتب ًا يف ق�س ��م املحا�س ��بة مبديرية املالية يف املدينة املنورة‪ ،‬كما عمل يف م�ؤ�س�س ��ات �إدارية‬
‫((( املرجع نف�سه‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪350‬ـ‪. 374‬‬
‫((( ن�أم ��ل �أن نرى بع�ض املتخ�ص�ص�ي�ن يف التاريخ واجلغرافي ��ا والرتبية وعلم االجتماع بجامعة الباحة يقومون بدرا�س ��ة‬
‫املجتمعات الزهرانية والغامدية‪ ،‬ويقارنون بني ما تعي�ش ��ه البالد يف ع�ص ��رنا احلا�ض ��ر‪ ,‬وبني �أو�ض ��اعها يف الع�صور‬
‫القريبة املا�ضية ‪ .‬ومن يفعل ذلك ف�سوف يرى التطور الهائل الذي ومرت به خالل اخلم�سني �سنة املا�ضية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪218‬‬
‫�أخرى وكان �آخرها رئي�س� � ًا لبلدية املدينة املنورة حتى ع ��ام (‪1385‬هـ‪1965 /‬م)‪ ،‬ثم تفرغ‬
‫لأعماله اخلا�صة والكتابة(‪.)1‬‬
‫�أ�س ���س م ��ع �أخي ��ه ال�س ��يد عثم ��ان عل ��ي حاف ��ظ جري ��دة املدين ��ة املن ��ورة حت ��ى ع ��ام‬
‫(‪1385‬هـ‪1965/‬م) ‪� .‬ش ��ارك يف العديد م ��ن اخلدمات االجتماعية التطوعية‪ ،‬وقدم بع�ض‬
‫الأوراق يف بع�ض امل�ؤمترات والندوات العلمية ‪ .‬اختري ع�ض ��و ًا يف م�ؤمتر الأدباء ال�س ��عوديني‬
‫املنعق ��د بجامعة امللك عب ��د العزيز عام ( ‪1394‬هـ‪1974/‬م)‪ ،‬ومن ��ح العديد من اجلوائز‪،‬‬
‫و ُكرم يف بع�ض املحافل املحلية والإقليمية(‪.)2‬‬
‫ل ��ه عدد م ��ن امل�ؤلفات مثل‪ :‬ف�ص ��ول م ��ن تاريخ املدين ��ة‪ ،‬عام (‪1388‬ه� �ـ ‪1968 /‬م)‪،‬‬
‫و�أعي ��دت طباعت ��ه يف ع ��ام (‪1405‬ه� �ـ‪1985/‬م)‪ ،‬وله جمموع ��ة املقاالت التي ن�ش ��رتها له‬
‫جري ��دة املدينة من عام (‪1356‬ـ‪1405‬هـ ‪1937 /‬ـ‪1984‬م)‪ ،‬وبحث عن الإ�س�ل�ام يف �ش ��عر‬
‫�ش ��وقي‪ ،‬قدمه مل�ؤمتر الأدباء ال�سعوديني الأول عام (‪1394‬هـ ‪1974 /‬م)‪ ،‬وكتيب عن نخيل‬
‫املدين ��ة املنورة‪ ،‬وديوان با�س ��م �أوالدنا‪ ،‬والكتاب الذي يخ�ص ��نا يف درا�س ��تنا هذه‪ ،‬بعنوان ‪:‬‬
‫�أربعة �أيام يف منطقة الباحة‪ ،‬من مطبوعات �ش ��ركة املدينة املنورة للطباعة والن�ش ��ر بجدة‬
‫عام (‪1405‬هـ‪1985/‬م)(‪.)3‬‬
‫جن ��د ابن حافظ يذهب مع بع�ض زمالئه احلجازيني يف زيارة �إىل منطقة الباحة ملدة‬
‫�أربعة �أيام (‪16( .)4‬ـ‪ /19‬املحرم ‪1405‬هـ ـ ‪1984‬م)‪ ،‬وذلك من �أجل زيارة �ص ��ديقهم �أمري‬
‫ب�ل�اد غامد وزهران �آن ��ذاك �إبراهيم بن عبد العزيز بن �إبراهيم (‪ .)5‬ويف تلك الزيارة ذكر‬
‫علي حافظ كيف ر�أى و�ش ��اهد بالد الباحة وحفظ لنا بع�ض املدونات التاريخية احل�ض ��ارية‬
‫لهذه املنطقة ون�شرها يف جريدة املدينة يف حلقات متتالية‪ ،‬ثم جمعها �أي�ض ًا يف كتابه ‪� :‬أربعة‬
‫�أيام يف منطقة الباحة‪ ،‬فجاءت يف (‪� )123‬صفحة من القطع املتو�سط(‪.)6‬‬
‫بد�أ هذه الرحلة بنبذة خمت�صرة عن �أ�سرة �آل �إبراهيم التي ينت�سب �إليها �أمري الباحة‬
‫يف زمن الزيارة وهو الأمري �إبراهيم بن عبد العزيز الإبراهيم(‪ .)7‬ثم �أ�ش ��ار �إىل ت�ض ��اري�س‬
‫ومناخ و�أطوال وقرى وع�ش ��ائر وح ��دود وموقع منطقة الباحة‪ .‬ويب ��دو �أن جل املادة الواردة‬
‫يف ه ��ذه اجلزئية منقولة عن معجم الأ�س ��تاذ علي ال�س ��لوك الزهراين ال ��ذي قام مبرافقه‬

‫((( ح�صلنا على ترجمته من ال�صفحات الأخرية يف بع�ض م�ؤلفاته ‪.‬‬


‫((( املرجع نف�سه ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه ‪ .‬و�أولئك الزمالء هم ‪ :‬عبد الرحمن �إبراهيم الرتكي‪ ،‬وها�شم يو�سف الزواوي‪ ،‬وم�صطفى حممد زاهد ‪.‬‬
‫((( انظر نبذة خمت�صرة عن �أ�سرة �آل �إبراهيم يف كتاب علي حافظ ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪ 5‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه ‪� ،‬ص ‪11‬ـ ‪. 15‬‬
‫‪219‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫عل ��ي حافظ يف معظم �أنحاء املنطقة(‪ .)1‬وي�ش�ي�ر ابن حافظ �إىل معن ��ى الباحة لغة(‪ .)2‬وما‬
‫يوجد �أي�ض ًا يف مدينة الباحة من م�شاريع تنموية‪ ،‬ثم يوجز احلديث عن امل�ؤ�س�سات الإدارية‬
‫الر�سمية والأهلية التي كانت يف حا�ضرة الباحة �أثناء زيارته لها(‪ .)3‬وي�سرد �أي�ض ًا م�شاهداته‬
‫عن حماور �أخرى ر�آها يف املنطقة مثل‪ :‬الزراعة التي متار�س على نطاق حمدود‪ ،‬وم�صادر‬
‫املي ��اه‪ ،‬وتعدد الغابات املتناثرة يف �أنحاء الب�ل�اد(‪ .)4‬ثم يذكر ما ر�آه من خدمات يف امليدان‬
‫ال�صحي مع الإ�شارة �إىل بع�ض امل�ست�شفيات من م�ستو�صفات ومرافق �صحية �أخرى‪ ،‬وي�شري‬
‫�أي�ض� � ًا �إىل املدار� ��س املتواجدة واملتناثرة يف كل مكان‪ ،‬والكهرب ��اء التي تخدم بع�ض املراكز‬
‫والنواح ��ي الرئي�س ��ية يف املنطق ��ة(‪ .)5‬ومل ين�س الإ�ش ��ارة �إىل طرق املوا�ص�ل�ات التي تربط‬
‫�أج ��زاء البالد الغامدية والزهراني ��ة‪ ،‬وكان �أهمها الطريق الرئي�س الذي يربط الطائف مع‬
‫الباح ��ة و�أبها(‪ .)6‬ويذكر بع�ض اخلدمات الأخرى املوجودة مثل‪ :‬امل�س ��اجد و�أماكن العبادة‪،‬‬
‫والهاتف‪ ،‬والتلفاز ( الرائي)‪ ،‬واملطار وغريها(‪ .)7‬وي�شري �إىل تواجد بع�ض الفنادق و�أماكن‬
‫اال�سرتاحة التي يرتادها امل�سافرون وال�سياح وغريهم(‪.)8‬‬
‫ويذكر هذا الرحالة يف نهاية كتابه معلومات قيمة ت�ش ��تمل على رحلة قام بها �ش ��قيقه‬
‫ال�س ��يد عثم ��ان حاف ��ظ �إىل منطق ��ة الباح ��ة قب ��ل(‪� )42‬س ��نة من زيارت ��ه ه ��و �إىل الباحة‬
‫عام(‪1405‬ه� �ـ‪1984/‬م) ‪ .‬ويقول علي حافظ ‪ ... ":‬زار �أخي ال�س ��يد عثمان حافظ منطقة‬
‫الباحة �سنة (‪1363‬هـ)‪ ،‬وعندما قر�أ ما كتبته عن الباحة ‪ ...‬ثارت يف نف�سه ذكريات رحلته‬
‫لتل ��ك املنطقة فكتب مقا ًال يف جريدة املدين ��ة املنورة يف ( ‪ /13‬جمادى الأوىل ‪1405 /‬هـ )‬
‫بعنوان‪ :‬ما مل ين�شر عن الباحة ـ الباحة املتح�ضرة ‪.)9(" ..‬‬
‫واله ��دف م ��ن ن�ش ��ر عل ��ي حاف ��ظ م ��ا ر�آه �أخ ��وه عثم ��ان يف منطق ��ة الباح ��ة ع ��ام‬
‫(‪1363‬هـ‪1943/‬م)‪ ،‬ي�ؤكد مقارنة النمو والتطور احل�ضاري يف الديار الباحوية يف الزمنني‬
‫(‪ 1363‬و ‪1405‬هـ‪1943 /‬و ‪1984‬م ) ‪ .‬فكان �ضعيف ًا متوا�ضع ًا يف الزمن الأول‪ ،‬متطور ًا �إىل‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪ 17‬ـ ‪ . 22‬وللمزيد عن معجم ال�سلوك انظر ما ذكرناه عن هذا الكتاب وم�ؤلفه يف �صفحات �سابقة‬
‫من هذا البحث ‪.‬‬
‫((( للمزيد عن تاريخ منطقة الباحة‪ ،‬وم�س ��مى الباحة ‪ .‬بهذا اال�س ��م انظر‪ :‬غيثان بن جري�س ‪ .‬درا�سات يف تاريخ تهامة‬
‫وال�س ��راة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�س ��يطة (ق‪1‬ـق‪10‬هـ‪/‬ق‪ 7‬ـ ‪16‬م) ( الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي‪ 31 ،‬ـ‬
‫‪1432‬هـ‪2010/‬ـ ‪2011‬م) ‪ .‬اجلزء الثاين‪� ،‬ص‪ 133‬ـ ‪. 250‬‬
‫((( علي حافظ‪� ،‬أربعة �أيام يف منطقة الباحة‪� ،‬ص‪ 23‬ـ ‪. 31‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪ 32‬ـ ‪. 38‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪ 39‬ـ ‪. 45‬‬
‫((( املرجع نف�سه ‪ 69‬ـ ‪. 75‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪ 78‬ـ ‪. 82‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص‪ 57‬ـ ‪. 68‬‬
‫((( املرجع نف�سه ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪220‬‬
‫حد ما يف التاريخ الثاين ( ‪1405‬هـ‪1984/‬م) ‪ .‬وجند ال�سيد علي حافظ ي�ؤكد ذلك منوه ًا‬
‫باملقالة التي ن�ش ��رها �شقيقه يف جمادى الأوىل �س ��نة (‪1405‬هـ‪1984/‬م) فيقول‪ .. " :‬قف‬
‫على م�ش ��ارف منطقة الباحة وانظر �إليها من خالل �س ��نة (‪1363‬هـ) ت ��رى بلد ًا بدائي ًا(‪.)1‬‬
‫ولكن يد الدولة امتدت �إليه فانتف�ض ��ت انتفا�ض ��ة عارمة‪ .‬وقد بد�أت االنتفا�ض ��ة من �سنة (‬
‫‪1367‬ه� �ـ) عندم ��ا افتتح الطريق من الطائ ��ف للباحة املواطن الباحوي العمالق �س ��عد بن‬
‫�ش ��يبان الغام ��دي(‪ ،)2‬بدعم وت�أييد الدول ��ة‪ ،‬وانطلقت املنطقة بعد هذه االنتفا�ض ��ة ترك�ض‬
‫يف طريق التطور والنمو والتح�ض ��ر حتى �ص ��ارت تقف يف �صف مثيالتها من مناطق بالدنا‬
‫املتطورة املتح�ض ��رة‪ .‬اق ��ر�أ عن تطور منطقة الباحة ومنوها يف ه ��ذا الكتاب(‪ ،)3‬وقارن بني‬
‫باحة اليوم �سنة (‪1405‬هـ) وباحة الأم�س يف �سنة (‪1363‬هـ) (‪.)4‬‬
‫‪ 20‬ـ م�سفر مرزح الغامدي ( ق‪14‬ـ‪15‬هـ‪21/20/‬م ) ‪:‬‬
‫ال نعرف تف�ص ��يالت كثرية عن ه ��ذا الرحالة‪ ،‬و�إمنا عرفنا من بع� ��ض مدوناته �أنه من‬
‫قري ��ة العب ��ادل‪ ،‬وهي فخذ من بط ��ون بني كبري الغامدية‪ .‬عا�ش فيه ��ا بداية حياته ثم انتقل‬
‫�إىل بلدة بي�شة فمكث بها ت�سع �سنوات‪ ،‬ثم انتقل �إىل مدينتي �أبها وخمي�س م�شيط وما حولها‬
‫لعدة �سنوات ‪ .‬كما جتول يف بالد جنران وظهران اجلنوب و�سراة عبيدة وبالد �شهران وبالد‬
‫احلجر‪ ،‬وبالد غامد وزهران‪ ،‬ودون كتابه املو�سوم بـ ‪ :‬جولة يف ربوع اململكة(‪ ،)5‬وكان الأف�ضل‬
‫�أن يك ��ون �س ��ماه جولة يف رب ��وع جنوب اململكة العربية ال�س ��عودية‪ ،‬لأن احلدي ��ث الوارد بهذا‬
‫ً (‪)6‬‬
‫الكتاب اقت�صر على البالد املمتدة من غامد وزهران �شما ًال �إىل قحطان وجنران جنوبا‬

‫((( مدون ��ة ال�س ��يد عثم ��ان حاف ��ظ التي دونها ع ��ام ( ‪1363‬ه� �ـ‪1943/‬م) �أ�ش ��ارت �إىل �أن منطقة الباحة ال مت�ش ��ي بها‬
‫ال�سيارات وال توجد �إطالق ًا‪ ،‬وال يوجد بها كهرباء‪ ،‬وال ت�صل �إليها املياه يف الأنابيب‪ ،‬وبيوتها من احلجارة املر�صو�صة‬
‫وال تزيد عن دورين و�سقوفها مغطاة بالق�ش والأخ�شاب‪ ،‬وال تطلى بيوتها بالطالء الأبي�ض‪ ،‬وتوجد بها بع�ض الأ�سواق‬
‫الأ�سبوعية التي ُيباع بها كل ما يحتاجه النا�س‪ ،‬وال يوجد بها �أ�سواق جتارية يومية ‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬علي حافظ‪� ،‬أربعة‬
‫�أيام يف منطقة الباحة‪� ،‬ص ‪ 105‬ـ ‪. 113‬‬
‫((( �سعد بن �شيبان الغامدي ي�ستحق الذكر احل�سن‪ ،‬حبذا �أن نرى عنه درا�سة علمية تاريخية تو�ضح جهوده يف منطقته‬
‫وما قدم لها من �أعمال مثل افتتاحه الطريق الرتابي بني الطائف ومكة عام (‪1367‬هـ‪1947/‬م) ‪.‬‬
‫((( نلح ��ظ يف كت ��اب علي حافظ �أن منطقة الباحة تطورت ب�ش ��كل الب�أ�س به عام ( ‪1405‬هـ‪1984/‬م) ‪ .‬وهذا ما مل�س ��ناه‬
‫يف هذا الكتاب ويف م�ص ��ادر ومراجع �أخرى وبخا�صة �إذا قارنا تلك احلقبة بالعقود الو�سطى من القرن الرابع ع�شر‬
‫الهجري ( الع�شرين امليالدي ) ‪� .‬أما �إذا قارنا بالد غامد وزهران اليوم مبا ر�آه ال�سيد علي حافظ‪ ،‬فالو�ضع يختلف‬
‫كثري ًا‪ ،‬بل لي�س هناك ن�س ��بة للمقارنة ‪ .‬فمنطقة الباحة �ص ��ارت اليوم من املناطق الهامة واحل�ض ��ارية يف عمرانها‪،‬‬
‫ومنوها‪ ،‬وتعليمها و�س ��ياحتها ‪ .‬ونرى �أن على جامعة الباحة م�س�ؤولية كبرية يف �إن�شاء مراكز بحثية تقوم على درا�سة‬
‫املنطقة يف املا�ض ��ي واحلا�ضر وتو�ض ��ح ما مرت ومتر به من تدرج ح�ضاري منذ منت�صف القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) �إىل‬
‫وقنت احلا�ض ��ر ‪ .‬كما ن�أمل من �أق�س ��ام علوم التاريخ واجلغرافيا وعلم االجتماع والإدارة والتخطيط يف اجلامعة �أن‬
‫تلتفت هي �أي�ض ًا �إىل درا�سة املنطقة تنموي ًا وح�ضاري ًا ‪.‬‬
‫((( علي حافظ‪� ،‬أربعة �أيام يف منطقة الباحة‪� ،‬ص ‪. 105‬‬
‫((( الكتاب ال يظهر عليه معلومات للن�شر‪ ،‬ومكتوب على غالفه الأول عبارة ( اجلزء الأول ) ‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪ 7‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪221‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫هذا الرحال الذي مل يذكر تاريخ جتواله يف جنوبي البالد ال�سعودية‪ ،‬تنقل يف �سروات‬
‫غامد وزهران(‪ )1‬و�أ�ش ��ار �إىل بع�ض ال�ص ��ور احل�ضارية التي �ش ��اهدها فذكر بع�ض املالمح‬
‫حلي ��اة الغامدي�ي�ن‪ ،‬فكان منه ��م البدو الرحل واملتح�ض ��رون امل�س ��تقرون‪ ،‬ومدينت ��ا الباحة‬
‫والظف�ي�ر من �أكرب املراكز احل�ض ��ارية يف الديار الزهرانية والغامدي ��ة(‪ . )2‬كما نوه ببع�ض‬
‫العادات والتقاليد وال�ص ��ناعات التقليدية املتواجدة يف البالد الغامدية ال�س ��روية(‪ .)3‬وذكر‬
‫دور املر�أة يف هذه الأوطان فقال ‪ ..." :‬تقوم الن�ساء ب�صناعة العباءات الغامدية من �صوف‬
‫الأغنام والإبل و املفار�ش ال�ص ��وفية ال�ستعمالها للمنازل‪ ،‬ودباغة اجللود‪ ،‬ويعملن كالرجال‬
‫يف زراعة الأر�ض‪ ،‬كما تنوب عنه يف غيابه‪ ،‬يف كل ما يتعلق ب�ش�ؤون املزرعة واملنزل ‪. )4( "..‬‬
‫ويوا�صل حديثه يف ذكر بع�ض الأودية واجلبال يف ديار زهران وغامد(‪ ،)5‬ثم يوجز احلديث‬
‫عن التاريخ ال�سيا�س ��ي لهذه البالد منذ فجر الإ�س�ل�ام �إىل ع�صرنا احلا�ضر‪ ،‬ومعلوماته يف‬
‫هذا اجلانب خمت�صرة جد ًا ومنقولة من بع�ض امل�صادر واملراجع املختلفة(‪. )6‬‬
‫الكتاب مع �ص ��غر حجمه(‪ ،)7‬واخت�ص ��ار املادة اخلا�صة بالبالد الزهرانية والغامدية ال‬
‫يخلو من بع�ض ال�ش ��ذرات التاريخية احل�ض ��ارية التي �شاهدها ودونها �صاحب هذا امل�ؤلف‪.‬‬
‫وكن ��ا نتمنى �أن ي�س ��هب يف حديثه عن حياة النا�س االجتماعية واالقت�ص ��ادية ‪� .‬أما اجلانب‬
‫التعليمي والثقايف والفكري فذكره ب�ش ��كل �س ��ريع وعابر‪ .‬وكان جل حديثه عن �سراة البالد‪،‬‬
‫�أما بواديها و�أجزائها التهامية فلم يكن لها ن�صيب يذكر عنده(‪.)8‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬وقفة ت�أمل وحتليل للرحالة ومدوناتهم ‪:‬‬
‫‪1‬ـ تنوع ثقافاتهم ‪:‬‬
‫الناظ ��ر يف تراج ��م ه� ��ؤالء الرحالني ونتاجه ��م العلمي والثقايف يت�ض ��ح له ع ��دة �أمور‬
‫نوجزها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫�أ ـ اخت�ل�اف �أزمانه ��م وبيئاتهم جعلهم خمتلفني متفاوت�ي�ن يف ثقافاتهم ‪ .‬فالكتاب‬
‫وامل�ؤلفون الأوائل مثل‪ :‬الهمداين‪ ،‬واملقد�س ��ي‪ ،‬ونا�ص ��ر خ�سرو‪ ،‬وابن جبري‪ ،‬وابن‬
‫((( من خالل مقارنة مادة هذا الكتاب مع املادة املدونة عند البالدي وعلي حافظ جندها متقاربة يف حمتوياته‪ ،‬وهذا مما ي�ؤكد‬
‫�أن هذا الرحال (الغامدي ) جتول يف �أنحاء املنطقة ودون بع�ض م�شاهدات يف بدايات القرن (‪15‬هـ‪21/20/‬م) ‪.‬‬
‫((( م�سفر الغامدي‪ ،‬جولة يف ربوع اململكة‪� ،‬ص‪. 18‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪ 16‬ـ ‪. 17‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪. 17‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪. 20‬‬
‫((( املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪ 21‬ـ ‪. 30‬‬
‫((( جميع �ص ��فحات الكتاب تقع فقط يف (‪� )105‬ص ��فحة من القطع دون املتو�س ��ط ‪ .‬وال�ص ��فحات التي تخ�ص منطقة‬
‫الباحة فقط (‪� )23‬صفحة ‪.‬‬
‫((( انظر ‪ :‬م�سفر الغامدي‪ ،‬جولة يف ربوع اململكة‪� ،‬ص ‪ 8‬وما بعدها ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪222‬‬
‫املجاور‪ ،‬وال ُعمري‪ ،‬وابن بطوطة مو�س ��وعيون يف معارفهم وعلومهم‪ .‬فهم جميع ًا‬
‫�أو معظمهم لديهم علم وا�س ��ع باللغة العربية وعلومها‪ ،‬وكذلك العلوم ال�ش ��رعية‬
‫والعقائدي ��ة فه ��م ملمون بالكثري منها ‪ .‬وقد يكون بع�ض ��هم �ش ��اعر ًا‪ ،‬وله �أي�ض� � ًا‬
‫خ�ب�رة ودراية بعلوم احليوان والأفالك والنجوم‪ ،‬والنباتات‪ ،‬واملياه‪ ،‬واجلغرافيا‪،‬‬
‫والأن�س ��اب وغريه ��ا‪ .‬واملت�أم ��ل يف كتبه ��م التي و�ص ��لتنا‪ ،‬ومنها كت ��ب اجلغرافيا‬
‫والرحالت يجد ذلك ملمو�س ًا و�أحيان ًا وا�ضح ًا جلي ًا يف �أقوالهم و�شروحاتهم ‪.‬‬
‫ب ـ التاريخ احل�ض ��اري والثقايف للم�سلمني من القرن ( ‪3‬ـ ‪8‬هـ‪9 /‬ـ‪14‬م) كان ع�صر ًا‬
‫ذهبي ًا للإبداع العلمي والفكري‪ ،‬وه�ؤالء ال�سبعة الرحالون ال�سابق ذكرهم عا�شوا‬
‫خالل ذلك الزمن‪ ،‬ومن ثم فهم جزء من ع�ص ��رهم الذي جعلهم من �أ�ص ��حاب‬
‫الإبداع والثقافات والعلوم الوا�سعة واملتنوعة ‪.‬‬
‫ج ـ النظر يف البيئات التي جاءوا منها جتدهم من جميع �أرجاء العامل الإ�سالمي‪� ،‬آنذاك‪،‬‬
‫من الأندل�س واملغرب‪� ،‬إىل ال�ش ��ام وم�ص ��ر‪� ،‬إىل جزيرة العرب وغريها ‪ .‬بل جتدهم‬
‫�أي�ض� � ًا تنقلوا يف بل ��دان عديدة‪ ،‬ودونوا مدونات كثرية عن م�ش ��اهداتهم ورحالتهم ‪.‬‬
‫وهذا مما جعلهم ذوي ثقافات متنوعة‪ ،‬وذوي جتارب وخربات عديدة ‪.‬‬
‫د ـ الرحال ��ون الذي ��ن ظهروا بعد القرن ( ‪12‬ـ ‪15‬هـ‪18 /‬ـ‪21‬م ) �أي�ض� � ًا متفاوتون يف‬
‫ثقافاته ��م‪ ،‬لكنه ��م ال يرقون يف �س ��عة معارفهم �إىل الرحالني الأوائل‪ .‬وبع�ض ��هم‬
‫لغاتهم الرئي�س ��ية غري العربية‪ ،‬وعند جميئه ��م �إىل بالد العرب تعلموا العربية ‪.‬‬
‫�أما بيئاتهم فال�س ��واد الأعظم منهم من �أبناء اجلزيرة العربية‪� ،‬أو عا�ش ��وا ردح ًا‬
‫من الزمن فيها ‪ .‬والأوربيون مثل‪ :‬تاميزيه‪ ،‬وكورنوالي�س‪ ،‬وبدول‪ ،‬وث�سيجر قدموا‬
‫�إىل بالد العرب لأهداف �سيا�س ��ية وا�س ��تخباراتية‪ ،‬و�أحيان ًا ع�س ��كرية �أو عليمة‪،‬‬
‫بالإ�ضافة �إىل تدوين رحالتهم وم�شاهداتهم ‪.‬‬
‫هـ ـ ثقافات الع�صر احلديث واملعا�صر (ق‪12‬ـ‪15‬هـ‪18/‬ـ‪21‬م) ه�شة يف درا�سة العلوم‬
‫ال�ش ��رعية واللغوي ��ة والآداب واجلغرافي ��ا والرحالت والتاريخ مقارنة بالع�ص ��ور‬
‫الإ�سالمية املبكرة والو�س ��يطة ‪ .‬وخروج بع�ض الرحالني وامل�ؤلفني اجليدين مثل‪:‬‬
‫حمد اجلا�سر‪ ،‬وال�س ��لوك‪ ،‬وال�شريف‪ ،‬والبالدي‪ ،‬وعلي حافظ يعد مفخرة كبرية‬
‫وبخا�صة عند ان�صراف النا�س �إىل ثقافات متنوعة �سطحية‪ .‬ومثل ه�ؤالء الرحالة‬
‫املت�أخري ��ن يعدون من �ص ��فوة املجتمع تعليمي ًا وثقافي ًا و�أدبي� � ًا وفكري ًا ‪ .‬والدار�س‬
‫لرتاثهم الأدبي يت�أكد له �صحة ما ذهبنا �إليه ‪.‬‬
‫و ـ كما �أ�شرنا �سابق ًا‪� ،‬إىل التفاوت يف ثقافات الرحالني املتقدمني واملت�أخرين‪ ،‬وهذا‬
‫�أمر م�سلم به‪ ،‬لكنهم يف غالب الأمر كانوا على ثقافة جيدة ووا�سعة مقارنة ب�أهل‬
‫ع�صرهم‪� ،‬أو مقارنة مبثقفي وعلماء ع�صرنا احلا�ضر‪.‬‬
‫‪223‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫ز ـ معظم الرحالني الع�شرين الوارد ذكرهم يف هذه الدرا�سة قاموا برحالتهم رغبة‬
‫يف طل ��ب العل ��م والتدوين ‪ .‬نعم بع�ض ��هم رحلوا بهدف احلج والعم ��رة‪ ،‬و�آخرون‬
‫لأهداف �سيا�سية �أو �سياحية �أو تعليمية �أو غريها‪ ،‬ولكنهم جميع ًا دونوا مذكراتهم‬
‫وم�ش ��اهداتهم م ��ن باب الرغبة و�إف ��ادة الآخرين ‪ .‬وما و�ص ��لنا عن طريقهم يعد‬
‫�إ�ض ��افة معرفي ��ة وفكرية وثقافية‪ .‬ولو مل يكونوا على م�س ��توى جي ��د من الإدراك‬
‫والثقافة واملعرفة ملا فعلوا ذلك ‪.‬‬
‫ح ـ ه� ��ؤالء الرحالة يذكرون بع�ض اللمحات �أو التف�ص ��يالت ع ��ن منطقة معزولة يف‬
‫بالد ال�سراة مثل‪� :‬أوطان غامد وزهران وما جاورها من ال�سروات‪ ،‬بل �إن بع�ضهم‬
‫زارها ودون م�شاهداته عنها ‪ .‬وهذا ي�ؤكد على �أنهم �أ�صحاب فكر وثقافة ودراية‬
‫بالعلم و�إفادة الآخرين ‪.‬‬
‫ط ـ �ش ��مولية ثقافة بع�ضهم وبخا�ص ��ة فيما دون عن منطقة الباحة ‪ .‬وحمد اجلا�سر‪،‬‬
‫وال�سلوك‪ ،‬وال�شريف من ذوي الثقافات الوا�سعة فيما يخ�ص بالد غامد وزهران‬
‫‪ .‬فقد زودونا مبعلومات وتف�صيالت وا�سعة ومتنوعة قل �أن جندها عند غريهم ‪.‬‬
‫‪2‬ـ امل�صادر واملنهج امل�ستخدم يف جمع مادة املدونات ‪:‬‬
‫هناك م�صادر ومناهج عديدة ا�ستخدمها ه�ؤالء الرحالني‪ ،‬ومن �أهمها ما يلي ‪:‬‬
‫�أ ـ الرحل ��ة وامل�ش ��اهدة واالنطباعات من �أهم امل�ص ��ادر التي قام به ��ا معظم ه�ؤالء‬
‫الرحال�ي�ن‪ ،‬فمنهم م ��ن زار منطقة الباحة وكتب م�ش ��اهدات يف جوانب تاريخية‬
‫وح�ضارية متنوعة‪.‬‬
‫ب ـ الروايات واملقابالت كانت م�ص ��احبة �أي�ض ًا للرحلة والتجوال ‪ .‬فهناك من جتول‬
‫يف بع� ��ض �أجزاء من بالد زه ��ران وغامد‪ ،‬وقابل بع�ض �أعيانها �أو �س ��كانها ونقل‬
‫منه ��م بع�ض الأخبار والرواي ��ات‪ .‬وفريق �آخر مل يروا ب�ل�اد الباحة لكنهم التقوا‬
‫ببع�ض �س ��كانها ال�سرويني يف مكة املكرمة �أو الطائف و�سمعوا منهم ونقلوا عنهم‬
‫خللقية لأولئك‬ ‫وعن بالدهم �أخبار ًا متنوعة‪ ،‬ثم ذكروا بع�ض الأو�صاف ِ‬
‫اخللقية وا ُ‬
‫الذين �شاهدوهم يف �أر�ض احلرمني ‪.‬‬
‫ج ـ هن ��اك بع�ض امل�ؤلفني الذين مل ي ��زوروا منطقة الباحة‪ ،‬ومل يلتق ��وا ب�أحد منها‪،‬‬
‫لكنه ��م نقلوا بع�ض التف�ص ��يالت من بع�ض املدونات وكت ��ب الرحالت ‪ .‬وال ُعمري‬
‫وبدول منوذجان من هذا ال�صنف من الكتاب وامل�ؤلفني ‪.‬‬
‫د ـ تنوع املادة املدونة يف كتب الرحالني‪ ،‬فالبع�ض منهم ركز على الأو�ضاع اجلغرافية‬
‫وال�سيا�سية مثل تاميزيه وكورنوالي�س‪ ،‬وهناك من اقت�صر فقط على ذكر �شذرات‬
‫�س ��معها �أو �ش ��اهدها �أو نقلها من م�صدر �أو م�ص ��ادر حمددة‪ .‬وفريق ثالث مثل‪:‬‬
‫ال�سلوك‪ ،‬واجلا�سر تو�س ��عا يف كتابة مدوناتهما عن البالد الزهرانية والغامدية‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪224‬‬
‫مع �أن معظم �شروحاتهما م�ستقاة من امل�شاهدات والتجربة بالإ�ضافة �إىل ال�س�ؤال‬
‫واملقابلة والرواية ال�شفهية(‪. )1‬‬
‫‪3‬ـ درا�سة مقارنة وحتليل ملدونات الرحالني ‪:‬‬
‫�أ ـ من درا�س ��ة الرحالة الع�شرين‪ ،‬مل�سنا �أن بع�ضهم كان مو�س ��وعي ًا �شمولي ًا يف مدوناته‬
‫عن بالد غامد وزهران ‪ .‬وي�أتي على ر�أ�س القائمة الأ�س ��تاذان حمد اجلا�س ��ر‪ ،‬وعلي‬
‫ال�س ��لوك الزه ��راين ‪ .‬ف ��الأول ‪ :‬ه ��و بحق رجل مو�س ��وعي يف درا�س ��ة تاري ��خ وتراث‬
‫(‪)2‬‬
‫وفك ��ر وح�ض ��ارة اجلزي ��رة العربية م ��ن الع�ص ��ور القدمي ��ة �إىل وقتنا احلا�ض ��ر‬
‫‪.‬وق ��د �أفرد لنا ذلك بدرا�س ��تني متفاوتت�ي�ن يف احلجم عن بالد غام ��د وزهران ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫دون لن ��ا فيهما تف�ص ��يالت كثرية ع ��ن جغرافية منطقة الباحة‪ ،‬وم�ش ��اهداته لكثري‬
‫من املعامل احل�ض ��ارية االجتماعية واالقت�ص ��ادية والثقافية والفكري ��ة التي ر�آها يف‬
‫املنطقة الزهرانية والغامدية يف الت�س ��عينيات م ��ن القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬ويف العقد‬
‫الأول م ��ن القرن (‪15‬ه� �ـ‪20/‬م)‪ .‬والثاين ‪ :‬هو علي ال�س ��لوك‪ ،‬اب ��ن منطقة الباحة‪،‬‬
‫و�ص ��احب الريادة يف مدوناته عن بالد غامد وزهران يف الع�صر احلديث واملعا�صر‪.‬‬
‫وكما ذكرنا �س ��ابق ًا‪ ،‬فهذا الرجل الزهراين وهب نف�س ��ه خلدمة دينه وبالده ف�أخرج‬
‫درا�سات عديدة عن املنطقة الباحوية ‪ .‬ومن تلك الدرا�سات ما هو يف باب اجلغرافيا‬
‫وتق ��ومي البلدان‪ ،‬ومنها ما يخت�ص بالتاريخ احل�ض ��اري االجتماعي والثقايف و�أحيان ًا‬
‫ال�سيا�س ��ي والأدبي ‪ .‬وجل ما جمعه ودونه ون�ش ��ره مرتكز ًا على التجارب واخلربات‪،‬‬
‫ثم االنطباعات وامل�شاهدات‪ ،‬وكذلك الروايات واملقابالت(‪. )4‬‬
‫ب ـ بعد ال�سلوك واجلا�سر جند الرحالون الآخرون ي�سردون تف�صيالت متنوعة ومتفاوتة‪.‬‬
‫ففي ميدان اجلغرافيا نرى الهمداين يورد ملحات جغرافية خمت�ص ��رة عن �س ��روات‬
‫غامد وزهران‪ .‬وخ�س ��رو ينوه بوجود جبال وم�ض ��ائق ح�ص ��ينة يف �أر�ض ال�س ��روات‪،‬‬
‫ويذكر �أنها �شديدة الربودة وبخا�صة يف ف�صل ال�شتاء ‪� .‬أما املو�سوي في�شري �إىل بع�ض‬
‫((( �إن جمع كل ما كتب يف م�ص ��ادر الرتاث الإ�س�ل�امي املبكر والو�سيط عن بالد غامد وزهران جدير باجلمع والدرا�سة‬
‫واالهتمام ‪ .‬وهناك م�ؤلفات تراثية‪ ،‬غري كتب الرحالت‪ ،‬مليئة ب�ش ��ذرات متفرقة وحتتاج �إىل من يجمعها ويدر�س ��ها‬
‫ويوثقه ��ا ‪ .‬والأمل يف الباحث�ي�ن وامل�ؤرخني الغامدين والزهرانيني فيقوموا مبثل ه ��ذا العمل العلمي اجليد ‪ .‬و�إن فعل‬
‫بع�ضهم ذلك ف�سوف ي�ضيف �إىل املكتبة العربية والإ�سالمية �إ�ضافة علمية ثقافية قيمة ‪.‬‬
‫((( الناظر يف م�ؤلفات ال�شيخ حمد اجلا�سر‪ ،‬ويف جملته الرائدة‪ ،‬جملة العرب‪ ،‬يدرك فع ًال �أنه �أمام عامل جهبذ ا�ستطاع‬
‫�أن يخل ��ف لنا كم ًا هائ ًال من الرتاث احل�ض ��اري والفكري عن بالد العرب وبخا�ص ��ة اجلزي ��رة العربية‪ ،‬فرحمه اهلل‬
‫رحمة الأبرار و�أ�سكنه ف�سيح جناته ‪.‬‬
‫((( الدرا�س ��ة الأوىل خرج ��ت يف كتاب ��ه ‪ :‬يف �س ��راة غام ��د وزه ��ران ‪ .‬والثانية ‪ :‬يف حما�ض ��رة قدمه ��ا يف الباحة عام (‬
‫‪1408‬هـ‪1988/‬م) بعنوان ‪ :‬ملحات وانطباعات عن م�ش ��اهداتي يف ال�س ��روات ‪ .‬للمزيد انظر ‪ :‬تف�ص ��يالت عن حمد‬
‫اجلا�سر يف �صفحات �سابقة من هذا الق�سم ‪.‬‬
‫((( نقول �إن ما حفظ لنا الأ�س ��تاذ ال�س ��لوك ي�س ��تحق الإ�ش ��ادة والبحث والتحليل والدرا�س ��ة ‪ .‬وهذه م�س�ؤوليات الباحثني‬
‫وامل�ؤرخني املن�ص ��فني من �أبناء منطقة الباحة‪ ،‬فالواجب عليهم درا�س ��ة �آثار هذا الباحث وذكر م�آثره احل�س ��نة التي‬
‫�أ�سداها لأبناء بلده ومنطقته ‪.‬‬
‫‪225‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫املع ��امل اجلغرافية يف الأج ��زاء الغربية من الديار الزهرانية والغامدية‪ ،‬بالإ�ض ��افة‬
‫�إىل ك�ث�رة احلي ��ات والثعابني والزواحف يف تلك النواح ��ي ‪ .‬وتاميزيه يذكر الأجزاء‬
‫ال�ش ��رقية لبالد غام ��د‪ ،‬وبخا�ص ��ة وادي العقيق وي�ش�ي�ر �إىل تنوع ت�ضاري�س ��ه وتبدل‬
‫مناخ ��ه ما بني اللي ��ل والنهار ‪ .‬وحممد عم ��ر رفيع نق ًال عن بع� ��ض التقارير العلمية‬
‫يذكر كرثة الأ�شجار والنباتات الربية يف منطقة غامد وزهران(‪. )1‬‬
‫ج ـ وعن الرتكيبة الب�ش ��رية وال�س ��كانية‪ ،‬جند الهمداين‪ ،‬ونا�صر خ�سرو‪ ،‬وابن املجاور‪،‬‬
‫وابن ف�ض ��ل ال ُعمري يذكرون تعدد البطون والع�ش ��ائر يف بالد ال�سراة‪ ،‬ثم �إن ال�شيوخ‬
‫والأعيان هم �أ�صحاب احلل والعقد يف قبائلهم وع�شائرهم ‪ .‬كما وجد العبيد واملوايل‬
‫الذين كانوا يعملون يف الأعمال ال�ش ��اقة والو�ضيعة عند ع�شائرهم و�سادتهم ‪ .‬وي�أتي‬
‫كورنوالي�س وبدول فيذكران معلومات قيمة عن البطون والع�شائر احل�ضرية والبدوية‬
‫الغامدية والزهرانية‪ ،‬وي�شريان �إىل بع�ض الأعيان وال�شيوخ يف تلك القبائل‪ ،‬و�أحيان ًا‬
‫ذكرا �أعداد دقيقة وحمددة ل�سكان بع�ض الع�شائر يف املنطقة(‪. )2‬‬
‫د ـ ويف احلياة ال�سيا�سية والإدارية واحلربية ‪ :‬نرى ال ُعمري وابن املجاور وخ�سرو يذكرون‬
‫�أن الق ��رار ال�سيا�س ��ي يف �س ��روات غام ��د وزهران كان عند �ش ��يوخ و�أعي ��ان القبائل‪.‬‬
‫و�أورد بدول وكورنوالي�س �أمثلة لبع�ض �ش ��يوخ زهران وغامد الذين يحكمون بالدهم‪،‬‬
‫حا�ضرة وبادية‪ ،‬فكانوا على �صالت �سيا�سية و�إدارية وحربية مع بع�ض القوى القائمة‬
‫يف احلج ��از �أو ع�س�ي�ر �أو ج ��ازان ‪ .‬بل جند هن ��اك الكثري من الوثائ ��ق احلديثة التي‬
‫ت�ؤك ��د على التقارب و�أحيان ًا التباعد بني �أولئك ال�ش ��يوخ وتلك الإمارات �أو احلكومات‬
‫ال�سيا�سية مثل‪� :‬آل عائ�ض يف ع�سري‪ ،‬والأ�شراف يف احلجاز‪ ،‬والإدري�سي يف جازان(‪.)3‬‬
‫�أم ��ا املرك ��ز الإداري لبالد غامد وزهران يف الع�ص ��ر الإ�س�ل�امي املبكر والو�س ��يط‪،‬‬
‫فال جند ه�ؤالء الرحالني يذكرون لنا �ش ��يئ ًا يف هذا الباب(‪ . )4‬ويف الع�ص ��ر احلديث‬

‫بالد ال�س ��راة ب�ش ��كل عام مليئة بالأ�ش ��جار والنباتات املتنوعة يف �أحجامها و�أ�ش ��كالها وفوائدها العامة واخلا�ص ��ة ‪.‬‬ ‫(((‬
‫وجامعات جنوبي البالد ال�س ��عودية عليها م�س� ��ؤولية كبرية يف درا�س ��ة �أزهار و�أ�ش ��جار ونباتات بالد تهامة وال�س ��راة‬
‫املمتدة من الطائف ومكة املكرمة �شما ًال �إىل جازان وجنران جنوب ًا ‪.‬‬
‫بالد الباحة م�أهولة بال�س ��كان‪ ،‬والع�شائر والبطون املتعددة واملتفرقة ‪ .‬وذكر بع�ض الإح�صائيات عند بع�ض الرحالة‬ ‫(((‬
‫الوارد ذكرهم يف هذه الدرا�سة غري دقيقة‪ ،‬لأنهم مل يعتمدوا يف جمع مادتهم على م�صادر وا�ضحة وموثوقة‪ ،‬و�إمنا‬
‫كانوا يجمعون معلوماتهم من عامة النا�س‪ ،‬ورمبا من بع�ض الأعيان وال�شيوخ الذين يغلب عليهم الهوى �أو الرغبة يف‬
‫�إيراد معلومات تعود عليهم بفائدة �أو م�صلحة حمددة ‪.‬‬
‫للمزيد من التف�صيالت انظر‪ :‬امل�صادر واملراجع التي ناق�شت التاريخ ال�سيا�سي لتلك القوى واحلكومات يف القرنني‬ ‫(((‬
‫(‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م ) ‪.‬‬
‫عندما نعود �إىل م�ص ��ادر التاريخ الإ�س�ل�امي املبكر والو�سيط ‪ .‬جند �أن ناحيتي جر�ش حول مدينة �أبها‪ ،‬وتبالة قريباً‬ ‫(((‬
‫من بي�ش ��ة وبالد غامد كانتا من احلوا�ض ��ر الرئي�سية يف بالد ال�سراة ‪ .‬ورمبا �أن تبالة كانت هي املركز الرئي�س الذي‬
‫يدير دفة البالد من النما�ص وبي�ش ��ة �إىل بلجر�ش ��ي والباحة ‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬غيثان بن جري�س ‪ .‬درا�س ��ات يف تاريخ‬
‫تهامة وال�سراة خالل الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‪ ،‬اجلزءان الأول والثاين ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪226‬‬
‫واملعا�ص ��ر يذكرون �أن بالد رغدان والظفري وبلجر�ش ��ي ثم الباحة كانت هي املراكز‬
‫الإداري ��ة حلكم منطقة الباحة(‪ . )1‬وجند اجلا�س ��ر والب�ل�ادي وعلي حافظ يذكرون‬
‫بع� ��ض امل�ؤ�س�س ��ات الإدارية يف منطق ��ة الباحة �أثن ��اء زيارتهم له ��ا يف �أواخر القرن‬
‫الهجري املا�ضي وبداية هذا القرن(‪. )2‬‬
‫هـ ـ ويف احلي ��اة االجتماعي ��ة نلحظ خ�س ��رو‪ ،‬والهمداين‪ ،‬وابن املجاور‪ ،‬وابن ف�ض ��ل اهلل‬
‫ال ُعمري‪ ،‬واملو�س ��وي‪ ،‬وكورنوالي�س‪ ،‬وبدول‪ ،‬والب�ل�ادي ي�ؤكدون على �أن تركيبة البالد‬
‫الزهرانية والغامدية قبلية ع�ش ��ائرية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل كرثة القرى املتناثرة يف �أنحاء‬
‫البالد التهامية وال�س ��روية‪ .‬ويذكر بدول وكورنوالي�س �أ�س ��ماء بع�ض القرى والبطون‬
‫مع �إيراد �أ�س ��ماء �ش ��يوخها �أو نوابها ‪ .‬وي�شري ابن املجاور وخ�سرو �إىل كرثة احل�صون‬
‫يف املرتفع ��ات ال�س ��روية‪ ،‬وي�ص ��ف تاميزي ��ه بع�ض القرى واحل�ص ��ون واملن ��ازل التي‬
‫�ش ��اهدها يف وادي العقيق‪ ،‬وكيف كانت ب�س ��يطة ومتوا�ضعة ‪ .‬والبالدي وعلي حافظ‬
‫و�أخوه ال�س ��يد عثمان حافظ من قبله يذكرون �أن املنازل املبنية من البلك والأ�سمنت‬
‫دخل ��ت بالد زهران يف العقود املت�أخرة يف القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪ .‬ومنذ �أوائل القرن‬
‫(‪15‬هـ‪21/‬م) جند �أن العمران تطور يف عموم منطقة الباحة(‪. )3‬‬
‫�أما الألب�سة والزينة فلي�س لها ذكر كبري يف مدونات ه�ؤالء الرحالني‪ ،‬اللهم �إال �إ�شارات‬
‫ب�س ��يطة ذكره ��ا ابن جبري وابن بطوطة عندما و�ص ��فا �أهل ال�س ��راة الذين يرتادون‬
‫ب�ل�اد احلرم�ي�ن‪ ،‬فذك ��را �أنهم كانوا ي�ش�ت�رون اخلرق والعب ��اءات وال�ش ��مل والأقنعة‬
‫واملالح ��ف من مكة ويعودون بها �إىل بالدهم(‪ . )4‬وقد و�ص ��ف ابن جبري ملب�س ��هم‬
‫فقال ‪ ... " :‬وال ملب�س لهم �س ��وى �أزر و�س ��خة‪� ،‬أو جلود ي�س ��ترتون بها ‪� .)5( " ...‬أما‬
‫الأطعم ��ة فذكر بع�ض ��هم معلومات قيم ��ة يف هذا الباب‪ ،‬فابن جب�ي�ر‪ ،‬وابن بطوطة‪،‬‬
‫واب ��ن املجاور‪ ،‬وال ُعمري‪ ،‬وحممد رفيع‪ ،‬وث�س ��يجر �أكدوا على وفرة احلبوب والفواكه‬
‫يف �سروات غامد وزهران وما جاورها‪ ،‬و�أ�شاروا �إىل �أن تلك ال�سلع كانت فائ�ضة عن‬
‫حاجة النا�س في�صدرون الكثري منها �إىل �أ�سواق احلجاز ‪ .‬والأمر الذي ال�شك فيه �أن‬
‫الأرا�ض ��ي الزهرانية والغامدية زراعية‪ ،‬وتتوفر بها املياه والأيدي العاملة التي تقوم‬

‫((( ن�أم ��ل �أن ن ��رى �أح ��د امل�ؤرخني اجلادي ��ن �أو واحد ًا من طالب الدرا�س ��ات العليا يف �أق�س ��ام التاري ��خ باململكة العربية‬
‫ال�سعودية فيدر�س التاريخ الإداري ملنطقة الباحة خالل القرنني ( ‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م)‪.‬‬
‫((( املرجع نف�سه ‪.‬‬
‫((( تاريخ التنمية يف منطقة الباحة جدير بالبحث والدرا�س ��ة منذ ثمانينيات القرن الهجري املا�ض ��ي حتى يومنا احلا�ض ��ر ‪.‬‬
‫وهذه م�س�ؤولية جامعة الباحة فتن�شئ مراكز بحوث ودرا�سات تقوم على درا�سة مثل هذه اجلوانب التاريخية احل�ضارية ‪.‬‬
‫((( ابن جبري‪� ،‬ص‪ 110‬ـ ‪ ،111‬ابن بطوطة‪� ،‬ص ‪ 180‬ـ ‪. 181‬‬
‫((( ابن جبري‪� ،‬ص ‪. 112‬‬
‫‪227‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫على زراعة الأر�ض وخدمتها‪ .‬وكانت هذه البالد �إىل عهد قريب م�ص ��در ًا رئي�س ًا للحبوب‬
‫والفواكه التي ت�صدر �إىل احلجاز وغريها من املناطق املجاورة ‪� .‬أما اليوم فالزهرانيون‬
‫والغامديون تخلوا عن ممار�س ��ة الزراعة و�أ�ص ��بحوا يعملون يف �أعمال ووظائف حكومية‬
‫�أخرى جتلب لهم املكا�سب املالية الكثرية وال�سريعة مقارنة ب�أعمال الزراعة(‪. )1‬‬
‫ومن �صفات �سروات غامد وزهران ما �أ�شار �إليه ابن جبري‪ ،‬وابن بطوطة‪ ،‬وال ُعمرى‪،‬‬
‫وتاميزيه فهم �أهل �ش ��جاعة وكرم‪ ،‬و�أ�ص ��حاب عقائد خال�ص ��ة �ص ��افية‪ ،‬ومما ذكر‬
‫عنهم ابن بطوطة عندما �ش ��اهد بع�ض ��هم يف مكة املكرمة‪ ،‬قوله ‪ ... " :‬بالد ال�س ��رو‬
‫التي ي�سكنها ‪ ...‬زهران وغامد و�سواهم من القبائل خم�صبة‪ ،‬كثرية الأع�شاب وافرة‬
‫الغالت‪ ،‬و�أهلها ف�ص ��حاء بالأل�س ��ن‪ ،‬لهم �صدق نية وح�س ��ن اعتقاد ‪ .‬وهم �إذا طافوا‬
‫بالكعبة يتطارحون عليها الئذين بجوارها‪ ،‬متعلقني ب�أ�ستارها‪ ،‬داعني ب�أدعية تت�صدع‬
‫لرقتها القلوب وتدمع العيون اجلامدة‪ ،‬فرتى النا�س حولهم با�سطي �أيديهم‪ ،‬م�ؤمنني‬
‫على �أدعيتهم‪ ،‬وال يتمكن لغريهم الطواف معهم‪ ،‬وال ا�ستالم احلجر لتزاحمهم على‬
‫ذلك ‪ .‬وهم �شجعان �أجناد‪ ،‬ولبا�سهم اجللود‪ ،‬و�إذا وردوا مكة هابت �أعراب الطريق‬
‫مقدمهم‪ ،‬وجتنبوا اعرتا�ضهم ‪. )2( "...‬‬
‫وعن احلياة االقت�ص ��ادية ي�ش�ي�ر نا�صر خ�سرو �إىل �أن �أهل ال�س ��راة كانوا �أ�صحاب �إبل‬ ‫و ـ ‬
‫وما�ش ��ية ‪ .‬وي�ؤك ��د معظم الرحالة من اب ��ن جبري‪ ،‬وابن املجاور‪ ،‬وال ُعمري‪ ،‬واجلا�س ��ر‪،‬‬
‫أرا�ض زراعية‬
‫وال�س ��لوك‪ ،‬وابن حافظ‪ ،‬وم�س ��فر الغام ��دي �إىل �أن بالد زهران وغام ��د � ٍ‬
‫يزرع بها �صنوف احلبوب والفواكه واملزروعات ‪� .‬أما ال�صناعات واحلرف اليدوية مثل‪:‬‬
‫النجارة‪ ،‬والدباغة‪ ،‬واخلرازة‪ ،‬والن�سيج واخلياطة‪ ،‬واحلدادة وال�صياغة‪ ،‬وال�صناعات‬
‫الفخاري ��ة وغريها فكانت تتواجد بك�ث�رة يف �أر�ض غامد وزهران‪ ،‬والقائمون عليها من‬
‫�أهل البالد‪ ،‬ورمبا جلبوا بع�ض العبيد ملمار�سة بع�ض هذه املهن ‪.‬‬
‫�أم ��ا التج ��ارة فكان ��ت ه ��ي املهن ��ة الرائجة عند كث�ي�ر م ��ن الغامدي�ي�ن والزهرانيني ‪.‬‬
‫فاملقد�س ��ي‪ ،‬وابن جبري‪ ،‬وابن املجاور‪ ،‬وابن بطوطة‪ ،‬وابن رفيع‪ ،‬وث�س ��يجر‪ ،‬والبالدي‪،‬‬
‫وابن حافظ‪ ،‬وم�س ��فر الغامدي ي�ش�ي�رون �إىل الن�ش ��اط التجاري اجلي ��د الذي كان بني‬
‫�س ��روات زهران وغامد وبني �أ�س ��واق الطائ ��ف ومكة املكرمة ‪ .‬وابن جبري ي�ص ��ف تلك‬
‫ال�صالت التجارية فيقول‪� .. " :‬إنهم ـ �أي �سروات زهران وغامد وما جاورهم ـ يجمعون‬
‫بني النية والعمرة ومرية البلد ب�ضروب الأطعمة كاحلنطة و�سائر احلبوب �إىل اللوبياء‬

‫((( هذه العادات �أ�ص ��بحت تقريب ًا �س ��ائدة يف �أنحاء البالد ال�س ��عودية وبخا�ص ��ة جنوبيها‪ ،‬فالنا�س تركوا �أعمال ال�صيد‬
‫والرعي والزراعة و�أ�صبحوا ميار�سون التجارة والأعمال الوظيفية احلكومية التي جتلب لهم الراحة والفائدة املادية‬
‫‪ .‬هذا ما مل�سه الباحث و�شاهده خالل الأربعني عام ًا ملا�ضية ‪.‬‬
‫((( ابن بطوطة‪� ،‬ص ‪ 180‬ـ ‪. 181‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪228‬‬
‫و�إىل ما دونها ‪ .‬ويجلبون ال�س ��من والع�س ��ل والزبيب واللوز‪ ،‬فتجمع مريتهم من الطعام‬
‫والإدام والفاكه ��ة ‪ .‬وي�ص ��لون يف �آالف م ��ن العدد رجا ًال وجما ًال موق ��رة بجميع ما ذكر‬
‫فريغدون معاي�ش �أهل البلد‪ . )1( "...‬ويقول �أي�ض� � ًا ‪ ..." :‬ومن العجيب يف �أمر ه�ؤالء (‬
‫ال�س ��رو ) املائري ��ن �أنهم ال يبيعون من جميع ما ذكرنا بدين ��ار وال درهم‪� ،‬إمنا يبيعونها‬
‫باخلرق والعباءات وال�شمل‪. )2( "...‬‬
‫وجند كورنوالي�س وبدول يذكران بع�ض الطرق التجارية التي تربط الباحة مع غريها‪.‬‬
‫وم ��ن تلك الطرقات طري ��ق �أبها الطائف‪ ،‬وذكر كورنوالي� ��س بع�ض املحطات املوجودة‬
‫على تلك الطريق وما يوجد بها من �سلع وجتارات ‪ .‬كما يوجد يف منطقة الباحة �أ�سواق‬
‫عديدة‪ ،‬ومن �أهمها ‪� :‬أ�سواق الظفري‪ ،‬ورغدان‪ ،‬وبلجر�شي‪ ،‬والباحة‪ ،‬والعقيق وغريها‪.‬‬
‫مل يتعر� ��ض الرحالون �إىل العمالت التي كان ��ت موجودة يف بالد زهران وغامد‪ ،‬مع �أن‬
‫املقد�س ��ي �أ�شار �إىل العمالت واملكاييل والأوزان التي كانت موجودة يف �أ�سواق احلجاز‪،‬‬
‫وم ��ن امل�ؤك ��د �أن الغامدي�ي�ن والزهرانيني قد عرفوه ��ا وتعاملوا بها ‪� .‬أما الأ�س ��عار فال‬
‫جن ��د لها ذكر ًا عند املتقدمني واملت�أخرين منهم‪ ،‬مع �أن بع�ض الرحالني املحدثني مثل‪:‬‬
‫البالدي‪ ،‬وعلي حافظ‪ ،‬واجلا�س ��ر‪ ،‬وم�سفر الغامدي �أ�شاروا �إىل وجود الأ�سواق اليومية‬
‫التي تخدم النا�س على مدار النهار وال�ساعات الأوىل من الليل ‪.‬‬
‫زـ �أما احلياة الثقافية والتعليمية والفكرية فال جند الرحالني الأوائل ي�شريون �إىل �أو�ضاع‬
‫الغامدي�ي�ن والزهرانيني يف هذا امليدان‪ ،‬اللهم �إال �أن الهمداين‪ ،‬وابن جبري‪ ،‬وال ُعمري‪،‬‬
‫وابن بطوطة �أ�شاروا �إىل ف�صاحة تلك البالد ‪ .‬وذكروا �صفاء عقائدهم الدينية‪ ،‬لكننا‬
‫ال نعلم �أي �ش ��يء عن علمائهم ومدار�س ��هم وثقافاتهم وبخا�صة يف الع�صور الإ�سالمية‬
‫املبكرة والو�س ��يطة ‪ .‬ومن امل�ؤك ��د �أنه كان عندهم بع�ض املعلم�ي�ن واملتعلمني والعارفني‬
‫بعلوم ال�ش ��ريعة و�ص�ل�اتهم ب�أهل احلج ��از جتاري ًا ويف �أوقات احل ��ج والعمرة كفيلة ب�أن‬
‫جتعلهم ي�ؤثرون ويت�أثرون بالحياة العلمية يف �أر�ض احلجاز(‪. )3‬‬
‫�أم ��ا الرحال ��ة املت�أخ ��رون م ��ن اجلا�س ��ر وال�س ��لوك �إىل م�س ��فر الغامدي فق ��د ذكروا‬
‫م�ش ��اهداتهم لبع�ض املدار�س املوج ��ودة يف املناطق الزهرانية والغامدية‪ .‬كما �أ�ش ��اروا �إىل‬
‫العديد من امل�ؤ�س�سات الإدارية املوجودة يف املنطقة‪ ،‬والتي كان يعمل بها العديد من املوظفني‬
‫املتعلمني‪ ،‬وبع�ضهم من �أهايل زهران وغامد‪ ،‬و�آخرون وفدوا �إليها من مواطن �أخرى(‪. )4‬‬
‫((( ابن جبري‪� ،‬ص ‪. 110‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪ 110‬ـ ‪. 111‬‬
‫((( حبذا �أن نرى �أحد الباحثني اجلادين يقوم بدرا�س ��ة ال�صالت الثقافية واحل�ضارية بني بالد ال�سراة واحلجاز خالل‬
‫القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة ‪ .‬ومن يفعل ذلك ف�إنه �سوف ي�ضيف للمكتبة العربية عم ًال علمي ًا مفيد ًا وقيم ًا ‪.‬‬
‫((( درا�سة احلياة الثقافية والفكرية والتعليمية يف منطقة الباحة منذ منت�صف القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) �إىل وقتنا احلا�ضر‬
‫‪229‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ‪ :‬الباحــة (بالد غامـد وزهـران ) يف عيون بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني‬

‫رابع ًا ‪ :‬اخلال�صة مع بع�ض النتائج ‪:‬‬


‫�إن الرحال�ي�ن املذكوري ��ن يف هذا املبحث اختلف ��ت �أزمانهم‪ ،‬وثقافاته ��م‪ ،‬و�أهدافهم ‪.‬‬
‫فمنه ��م الذي ��ن جابوا �أجزاء من جزيرة العرب‪ ،‬وذكروا �س ��روات غام ��د وزهران يف طيات‬
‫حديثه ��م م ��ع �أنهم مل يروا �أو ي ��زوروا هذه املنطقة‪ ،‬ومن �أولئك املقد�س ��ي‪ ،‬وخ�س ��رو‪ ،‬وابن‬
‫جب�ي�ر‪ ،‬واب ��ن املجاور‪ ،‬وال ُعمري‪ ،‬وابن بطوطة‪ ،‬وحممد رفي ��ع‪ ،‬وقد جمعوا ما مت تدوينه من‬
‫بع�ض الرواة ال�سرويني‪ ،‬و�أحيان ًا بالنقل من بع�ض الكتب واملدونات الأخرى ‪ .‬وفريق �آخر من‬
‫الرحال ��ة زار منطق ��ة الباحة‪ ،‬وكتب عن بع�ض معاملها اجلغرافية والتاريخية واحل�ض ��ارية‪،‬‬
‫وه ��ذا الن ��وع من الرحالني تفاوت ��وا فيما ذكروه عن هذه البالد‪ ،‬ويف الأوقات التي ق�ض ��وها‬
‫فيها‪ ،‬والنواحي والبلدات التي حتدثوا عنها ‪.‬‬
‫واملت�أم ��ل يف �أه ��داف كل رحالة ذكر منطقة الباح ��ة ( غامد وزهران ) جند معظمهم‬
‫�أ�شاروا �إليها من باب الرغبة يف التدوين وحفظ بع�ض الثقافات واملعارف عن منطقة نائية‬
‫مث ��ل �أر�ض ال�س ��راة الواقعة ب�ي�ن الطائف وجازان وجن ��ران ‪ .‬لكن هناك �أي�ض� � ًا من كان له‬
‫�أهداف �سيا�س ��ية وا�س ��تخباراتية مثل‪ :‬كورنوالي�س الذي زار مناطق ع�س�ي�ر وما جاورها يف‬
‫�أوائل القرن الهجري املا�ضي من �أجل جمع وتدوين بع�ض احلقائق العلمية عن هذه البالد‪.‬‬
‫وذلك بدافع تقدميها �إىل رجال ال�سيا�س ��ة واال�س ��تخبارات الربيطانيني ‪ .‬ومع �أنه قد �أر�سل‬
‫من �سادته الإجنليز لتحقيق هدف �سيا�سي معلوماتي حمدد‪� ،‬إال �أننا نحن معا�شر الباحثني‬
‫ا�س ��تفدنا منه مادة علمية جيدة عن هذه البلدان اجلنوبية‪ ،‬والتي ي�صعب علينا �أن جندها‬
‫يف م�صدر �أو مرجع �آخر‪ .‬وما و�صلنا من معلومات عن طريق جميع الرحالني املذكورين يف‬
‫هذا الكتاب يعد مك�سب ًا علمي ًا جيد ًا‪ ،‬وقد يفتح �آفاق ًا �أو�سع فت�صدر درا�سات علمية �أكادميية‬
‫جادة ومطولة‪ ،‬ومن ثم فلنا بع�ض التو�صيات التي ن�سردها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬كتب الرحالت من امل�ص ��ادر الهامة والرئي�س ��ية التي تفيد امل�ؤرخ يف كتبه و�أبحاثه‬
‫ور�سائله العلمية‪ ،‬وبالتايل فال غنى للباحث من الرجوع �إليها واال�ستفادة منها ‪.‬‬
‫‪2 .2‬ما �أوردنا يف هذا الق�سم يخت�ص ببالد مل تنل حقها من البحث والدرا�سات العلمية‬
‫والتاريخي ��ة‪ ،‬وكث�ي�ر من الرحال�ي�ن الذين جاء ذكرهم معنا مل يقدموا لنا �ص ��ورة‬
‫وا�ض ��حة عن تاريخ وح�ض ��ارة هذه املنطقة ‪ .‬مع �أن بالد غامد وزهران عندها من‬
‫امل�ؤهالت احل�ض ��ارية ما يجعلها ذات تاريخ ح�ض ��اري جميد ‪ .‬ويف املحاور التالية‬
‫ن�شري �إىل بع�ض العناوين اجلديرة بالبحث والدرا�سة يف ميدان الرحلة والرحالني‬

‫مو�ضوع جدير باالهتمام وي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لكتاب علمي‪� ،‬أو ر�سالة علمية لدرجة ماج�ستري �أو دكتوراه ‪ .‬ن�أمل‬
‫�أن نرى �أحد الباحثني يف منطقة الباحة فيتناول هذا املو�ضوع بالبحث والتحليل والدرا�سة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪230‬‬
‫وبخا�صة ما يتعلق منها ب�سراة وتهامة غامد وزهران‪ ،‬ونذكر منها ما يلي ‪:‬‬
‫�أ ـ الباح ��ة ( بالد غامد وزهران ) كما وردت يف كتب الرتاث الإ�س�ل�امي املبكر‬
‫والو�سيط ‪.‬‬
‫ب ـ ب�ل�اد غامد وزهران كما ر�آها الرحالة امل�س ��لمني وغري امل�س ��لمني يف الع�ص ��ر‬
‫احلديث واملعا�صر‪.‬‬
‫ج ـ درا�سة التاريخ ال�سيا�سي واحل�ضاري ملنطقة الباحة من خالل كتب الرحالت‬
‫قدمي ًا وحديث ًا ‪.‬‬
‫د ـ بالد غامد وزهران يف م�ؤلفات حمد اجلا�سر ( درا�سة تاريخية حتليلية ) ‪.‬‬
‫هـ ـ منطقة الباحة ( بالد غامد وزهران ) يف م�ؤلفات علي �صالح ال�سلوك الزهراين‬
‫( درا�سة تاريخية حتليلية ) ‪.‬‬
‫و ـ �سراة وتهامة غامد وزهران يف روايات و�أقوال املعلمني واملوظفني مبنطقة الباحة‬
‫( ‪1350‬ـ ‪1400‬هـ ‪1930 /‬ـ ‪1980‬م) ( درا�سة تاريخية حتليلية)‪.‬‬
‫ز ـ منطقة الباحة يف عيون �أعيان و�أعالم و�ش ��يوخ غامد وزهران خالل الن�صف‬
‫الثاين من القرن الرابع ع�شر الهجري ( الع�شرين امليالدي ) ‪.‬‬
‫‪231‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫الدراســــــة السادســـــة‬

‫ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة‬


‫( منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬
‫بقلم ‪:‬أ‪ .‬علي بن محمد بن معيض بن سدران الزهراني‬
‫(*)‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (الباحة وجنران) ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(‪1437‬هـ ‪2016 ،‬م) ‪( -‬اجلزء العا�شر)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪178 - 121‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪232‬‬
‫ً‬
‫أمنوذجا)‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة ( منطقة الباحة �‬
‫بقلم الأ�ستاذ علي بن حممد بن معي�ض بن �سدران الزهراين (‪.)1‬‬
‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬ ‫م‬
‫‪232‬‬ ‫مدخل‪:‬‬ ‫‪1‬ـ‬
‫ت�ص��ويبات على �ص��فحات م��ن كت��اب‪ :‬الق��ول املكتوب يف ‪234‬‬ ‫‪2‬ـ‬
‫تاريخ اجلنوب ( اجلزء الثامن ) وغريه‬
‫‪244‬‬ ‫�صور من الأحالف القبلية ( بالد زهران �أمنوذج ًا)‬ ‫‪3‬ـ‬
‫‪244‬‬ ‫�أـ متهيد‬
‫‪252‬‬ ‫ب‪ -‬من �أحالف زهران‬
‫‪ -1‬مناذج من �أحالف زهران قبل الإ�سالم ويف �صدره ‪252‬‬
‫‪257‬‬ ‫‪ -2‬بع�ض �أحالف زهران يف الع�صر احلديث‬
‫‪257‬‬ ‫�أ ـ �أحالف مع زهران وغريها‬
‫‪262‬‬ ‫ب ـ �أحالف مع ع�شائر وقرى زهرانية‬
‫‪1‬ـ مدخل ‪:‬‬
‫و�صلني يوم الأربعاء (‪1437/3/19‬هـ ) درا�سة من الأ�ستاذ علي بن حممد بن �سدران‬
‫الزه ��راين بعنوان ‪ :‬جواهر �أبي املثنى(‪ ،)2‬وذلك من �أجل ن�ش ��رها يف �سل�س ��لة كتاب ‪ :‬القول‬
‫املكتوب يف تاريخ اجلنوب( املجلد العا�ش ��ر)‪ ،‬وبعد قراءتها وجدت �ص ��فحاتها الأوىل تدور‬
‫حول الأ�س ��تاذين حمم ��د بن معبرِّ وغيثان ب ��ن جري�س‪ ،‬ثم انتقل كاتب الدرا�س ��ة �إىل �إيراد‬
‫بع� ��ض الت�ص ��ويبات على �ص ��فحات من كت ��اب‪ :‬القول املكت ��وب يف تاريخ اجلن ��وب ( اجلزء‬
‫الثامن)‪ ،‬وعلى املجلد اخلا�ص مبنطقة الباحة يف مو�س ��وعة اململكة العربية ال�س ��عودية التي‬
‫�أ�صدرتها مكتبة امللك عبد العزيز العامة‪ ،‬ثم وا�صل الأ�ستاذ بن �سدران مدونته فتحدث عن‬
‫احللف والأحالف يف اجلزيرة العربية وبخا�صة يف احلجاز قبيل و�أثناء ظهور الإ�سالم‪ ،‬ثم‬
‫ركز جل حديثه على الأحالف يف منطقة الباحة ‪ ،‬ونالت الأحالف يف بالد زهران الن�صيب‬
‫الأكرب من �ص ��فحات الدرا�س ��ة‪ ،‬ولهذا غريت عنوان الدرا�س ��ة �إىل ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة‬

‫((( الأ�ستاذ علي بن �سدران الزهراين من �أعالم منطقة الباحة‪ ،‬ومن الباحثني اجلادين املدققني‪ ،‬له العديد من الكتب والبحوث‬
‫املطبوعة واملن�شورة ‪ .‬للمزيد عن ترجمته‪ ،‬انظر ‪ :‬غيثان بن جري�س ‪ .‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬الأجزاء‪ ،‬اخلام�س‪� ،‬ص‬
‫‪ .269‬وال�سابع‪� ،‬ص ‪189‬ـ ‪ .253‬والثامن‪� ،‬ص ‪159‬ـ ‪ ( . 210‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( يق�صد ب�أبي املثنى‪� ،‬أي غيثان بن علي بن جري�س ( ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫‪233‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫وال�س ��راة ( منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‪ ،‬ثم قمنا ب�إدراج هذه الدرا�س ��ة لهذا العلم الزهراين‬
‫املتمكن‪ ،‬فكانت على النحو التايل‪ " :‬احلمد هلل الذي ع ّلم بالقلم ع ّلم الإن�سان ما مل يعلم‪،‬‬
‫وال�ص�ل�اة وال�سالم على �أ�شرف العرب والعجم �س ��يدنا ونبينا حممد بن عبد اهلل وعلى �آله‬
‫و�ص ��حبه ومن وااله‪� ،‬أما بعد ‪ :‬فلقد و�ص ��لتني من الأ�ستاذ القدير الدكتور غيثان بن علي بن‬
‫جري�س ال�ش ��هري‪ ،‬م�ؤرخ تهامة وال�س ��راة‪ ،‬كما �أطلق عليه الأ�س ��تاذ الباحث حممد بن �أحمد‬
‫مع�ِّب�رِّ ‪ ،‬بتاري ��خ ( ‪ 1436/ 7/17‬هـ)‪ .‬جمموعة كتب من نفائ�س ��ه التي يتحف بها قراءه بني‬
‫ح�ي�ن و�آخر‪ ،‬منها كتابه "القول املكتوب يف تاريخ اجلن ��وب" اجلزء الثامن‪ ،‬وتلك املنظومة‬
‫الأدبية الفريدة امل�سماة ‪" :‬وثائق غيثان بن جري�س اخلا�صة" ذات املعلومات ال�شاملة لفنون‬
‫الأدب‪ ،‬التي قام بتن�سيقها و�إخراجها يف قالب علمي فريد الأ�ستاذ ‪ :‬حممد بن �أحمد معبرِّ ‪،‬‬
‫ويف احلقيقة ف�إن هذا اجلهد املبذول من قبل الأ�ستاذ ابن معبرِّ ‪ ،‬يف �إخراجها ال يقل �أهمية‬
‫�أدبية عما حوته تلك املنظومة الفريدة من معلومات ذات قيمة �أدبية مميزة‪� ،‬س ��يما �إذا ما‬
‫�س ��مح �سعادة الأ�س ��تاذ الدكتور غيثان بن جري�س‪ ،‬و�أجاز للباحثني وطالب الدرا�سات العليا‬
‫‪ -‬عن طيب نف�س‪ -‬االقتبا�س منها دون الرجوع �إليه‪ .‬فلهما من القراء والباحثني عن املعرفة‬
‫الدعاء بح�سن املثوبة واجلزاء على ما قدماه (‪.)1‬‬
‫�أ ّما تلك البادرة احل�سنة من الأ�ستاذ الدكتور غيثان بن جري�س‪ ،‬جتاه الأ�ستاذ الباحث‬
‫حمم ��د بن معبرِّ ‪ ،‬والت ��ي تتلخ�ص يف تكرميه لقاء جهوده الأدبية و�إ�س ��هاماته الفكرية‪ ،‬فهي‬
‫بحق فكرة رائدة ورائعة من �أ�س ��تاذنا العزي ��ز الدكتور �أبي املث ّنى‪ ،‬لرمز من رموز الأدب يف‬
‫مملكتنا احلبيبة ولي�ست مب�ستغربة من دكتورنا القدير‪ ،‬وكما قال القائل ال�شعبي ‪" :‬الدكتور‬
‫قدر ومعبرِّ ي�س ��تاهل"‪ ،‬وال يعرف الف�ض ��ل لذوي الف�ضل �إ ّال �أهل الف�ضل‪ ،‬ولكرثة ما حدثني‬
‫َي ِ‬
‫الدكتور ابن جري�س عنه عرب الهاتف �أحببت ‪ -‬واهلل ‪� -‬أن �أجال�سه و�أقتب�س من علمه ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫�سعادة الأ�ستاذ القدير الدكتور غيثان‪ ،‬لعلنا نلتقي قري ًبا �إن �شاء اهلل و�أناق�شك مناق�شة‬
‫�أدبية "�أخوية" ‪ -‬و�إن كنتُ الأكرب منك ِ�س� � ًّنا ‪ -‬مع بع�ض العتاب‪ ،‬يف تلك الأقوال "احلا ّدة"‬
‫التي َع ّلقت بها على مقايل املن�ش ��ور يف كتابكم ‪" :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب"(اجلزء‬
‫الثامن)‪ ،‬ومل تكن يف الواقع باملن�ص ��ف العدل(‪ ،)3‬وك�أنك مل تكن من �أ�ص ��حاب االخت�صا�ص‬

‫((( جزاك اهلل كل خري ياابن �س ��دران‪ ،‬فلم نعرفك �إال جاد ًا �ص ��ادق ًا‪ ،‬و�أنت واهلل �أهل للتقدير واالحرتام‪ ،‬فلقد خدمت‬
‫تاريخ وح�ض ��ارة بالدك يف جوانب عديدة‪ ،‬و�أرجو اال�س ��تمرارية يف درا�س ��ة �أهلك وموطنك‪ ،‬واعلم �أننا تعلمنا منك‬
‫ال�شيء الكثري‪ ،‬فزادك اهلل من ف�ضله وكرمه وجوده (ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( الأ�س ��تاذ ابن معبرَّ من الأعالم املتوارين‪ ،‬فهو ال ي�س ��عى �إىل الربيق الإعالمي‪ ،‬وال االنخراط يف االجتماعات العامة‬
‫التي ال تفيد يف ميدان العلم واملعرفة‪ ،‬و�إمنا هو عاكف على كتبه و�أبحاثه يف مكتبته منذ عقود عديدة‪ ،‬ون�س�أل اهلل له‬
‫التوفيق والهدى والر�شاد يف دينه ودنياه ‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( لقد ن�ش ��رنا عدد ًا من الدرا�س ��ات للأ�ستاذ القدير علي بن حممد بن �سدران‪ ،‬وما ق�صد يف هذه الإ�شارات‪ ،‬هو ما مت‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪234‬‬
‫يف تاري ��خ املنطقة و�أن�س ��اب قبائلها‪ ،‬فتميز بني اخلط�أ وال�ص ��واب مبي ��زاين العقل والنقل!‬
‫و�أراك ِم ْلت ع َل ّي مي ًال عظي ًما‪ ،‬وكم كنت �أمتنى �أن تديل بقولك العلمي‪� ،‬أو ر�أيك ال�شخ�صي‬
‫حول �صحة �أو خط�أ ما ن�شر يف القولني‪� ،‬أو م�صداقية البحثني �سيما و�إين علمت �أنك اطلعت‬
‫على بحث الأ�ستاذ قبل طباعته (‪ ،)1‬ف�إما �أن تقول كلمة حق و�إما �أن تقف على احلياد‪ ،‬لكنك‬
‫�أدخلت نف�س ��ك كطرف ثان يدعم الآخر‪ ،‬وك�أنك ال تعلم عن �أ�ص ��ل املو�ض ��وع �شي ًئا و�إنْ كنتُ‬
‫على يقني من معرفتك للمو�ض ��وع باعرتاف ��ك‪ ،‬وللعلم فقد جاءت تعليقاتك عليه على عك�س‬
‫تعليقاتك على"ملحوظات وت�ص ��ويبات خمت�ص ��رة على كتاب بالقرن تاريخ وح�ضارة "بد ًءا‬
‫م ��ن �ص ��فحة‪ )252(:‬فقد كنت هناك وا�ض � ً�حا غري منحاز‪ ،‬ورجل يف مث ��ل علمك ورجاحة‬
‫عقلك‪ ،‬وتعاملك فكر ًّيا مع كثري من فئات الب�شر يف مراحل ُعمرية مخُ تلفة‪ ،‬يفر�ض احرتامه‬
‫على الآخرين‪ ،‬وقد تكون كلمتك يف مثل هذا النقا�ش‪،‬هي الفي�صل بغ�ض النظر عن اختالف‬
‫وجهات النظر اخلا�ص ��ة‪،‬التي ال دخل لها مب�س�ألة تاريخ و�أن�ساب القبائل العربية(‪.)2‬على كل‬
‫حال فقد تنا�سيت املو�ضوع ومل �أعد �أذكره لكنها كلمة عتاب ال بد منها‪� ،‬أوجهها ل ٍأخ عرفته‬
‫من خالل بوابة الأدب والثقافة "(‪.)3‬‬
‫‪2‬ـ ت�ص��ويبات على �ص��فحات من كتاب‪ :‬القول املكت��وب يف تاريخ اجلنوب‬
‫(اجلزء الثامن) وغريه ‪.‬‬
‫وقب ��ل عر�ض م�ش ��اركتي �س� ��أكتفي ببع�ض الت�ص ��ويبات على مقالكم "خال�ص ��ة تاريخ‬
‫جنران عرب �أطوار التاريخ الإ�سالمي" لرتابط مو�ضوعه وهي مالحظات ي�سرية (‪ . )4‬ف�أقول‬

‫ن�شره يف كتاب ‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬اجلزء الثامن‪� ،‬صفحة (‪159‬ـ‪ (. )210‬ابن جري�س )‪.‬‬
‫((( يق�ص ��د الأ�س ��تاذ بن �س ��دران يف تعليقاته املذكورة �أعاله‪� ،‬أي ما جرى من تعليقات على كتاب ‪ :‬العنوان يف �أن�س ��اب‬
‫زهران‪ ،‬للأ�ستاذ �أحمد بن علي الزهراين‪ ،‬واعتقد �أننا ناق�شنا جميع ًا املو�ضوع ب�شكل وا�سع‪ ،‬واقرتحت على الأ�ستاذ‬
‫علي بن �س ��دران �أكرث من مرة‪� ،‬أن نتجاوز الإ�س ��هاب يف مو�ض ��وع هذا الكتاب‪ ،‬ونناق�ش مو�ضوعات علمية جديدة يف‬
‫تاريخ وح�ض ��ارة بلدان تهامة وال�س ��راة‪ ،‬و�أر�ض غامد وزهران من املناطق التي ما زالت بحاجة �إىل درا�س ��ات علمية‬
‫�أكادميية عميقة يف كثري من اجلوانب ( ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( يا �أ�ستاذ علي واهلل لقد اطلعت على كتاب الأ�ستاذ �أحمد الزهراين منذ كان م�سودة‪ ،‬ومنذ �أر�سل لنا من قبل وزارتي الداخلية‬
‫خال من الأخطاء فالكمال هلل عز وجل‪ ،‬ولكنه جهد مبارك‪ ،‬وقد ذكرت لك وللأخ �أحمد �أنه يجب علينا‬ ‫والإعالم‪ ،‬وال �أقول �أنه ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫�أن نتناق�ش يف ق�ضايانا العلمية نقا�شا علميا هادئا‪ ،‬من �أجل الو�صول �إىل احلقيقة‪ ،‬كما �أنه يجب ان ي�سود االحرتام والتقدير‬
‫بني �أرباب العلم والقلم مثلكما ‪ .‬و�أكرر رجائي لك يا �أبا حممد �أن نعمل وندر�س مو�ضوعات �أخرى جديدة يف مادتها وميادينها‬
‫العلمية‪ ،‬ولك جزيل ال�شكر ( ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( و�أقول يا �أ�س ��تاذ علي �إنك رجل عزيز وقدير‪ ،‬وعتابك على عيني ور�أ�س ��ي‪ ،‬وال ت�س ��مي ما وجهت يل عتابا‪ ،‬و�إمنا هو‬
‫نفثات رجل �ص ��ادق وكرمي يحب اخلري والر�ش ��اد جلميع الباحثني والأكادمييني‪ ،‬وهذه واهلل �صفات الأدباء والعلماء‬
‫القديري ��ن ‪ .‬وم ��ا زلت ي ��ا �أخي علي �أقول �أمتعنا و�أفدن ��ا من علمك عن تراث وتاريخ وح�ض ��ارة بالدك و�أهلك ونحن‬
‫متعط�شون لذلك و�شكر ًا ‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( انظر الدرا�س ��ة نف�س ��ها يف كتاب ‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( اجلزء الثامن ) ( الريا�ض‪ :‬مطابع احلمي�ضي‪،‬‬
‫‪235‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫(�ص ًّبا )‬ ‫وباهلل التوفيق ‪ :‬ورد يف �ص ��فحة (‪ )17‬ال�س ��طر (‪ )7‬يف نهاية �صدر البيت ال�شعري َ‬
‫ولع ��ل ال�ص ��واب املوافق للبيت الوارد‪ :‬عن �أبي عبيدة (حتى) كم ��ا يف بع�ض الروايات ‪ .‬ويف‬
‫ال�س ��طر العا�ش ��ر من ال�صفحة نف�سها ورد يف �أول �صدر البيت (و�ص� � ْيتُ الباب ) وال�صواب‬
‫(�ص ��ببت املاء) وقد وردت �ص ��حيحة يف البيت نف�سه �س ��طر (‪ . )7‬ورد يف �صفحة (‪� )25‬أن‬
‫عمرو بن حزم الأن�صاري ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬ملا ولد له مولود كتب للنبي ﷺ يخربه ب�أنه �سماه‬
‫حمم ��دا وكن ��اه ب�أبي �س ��ليمان‪ ،‬فرد عليه الر�س ��ول ﷺ‪ ،‬بقوله ‪ :‬بل كنه ب�أب ��ي عبد امللك" ‪.‬‬
‫هذا اخلرب ورد يف عدة كتب منها كتاب ‪" :‬امل�س ��تخرج من كتب النا�س للتذكرة وامل�ستطرف‬
‫من �أحوال الرجال للمعرفة (‪ )6/1‬وزاد يف كتاب‪ :‬اال�س ��تيعاب يف معرفة الأ�ص ��حاب (‪/3‬‬
‫‪" :)1375‬ف�ل�ا ت ��كاد جت ��د فيِ �آل َع ْمرو ْبن حزم مولودا ي�س ��مى حممدا �إال وكنيت ��ه �أَ ُبو َع ْبد‬
‫المْ َ ِل ِك"‪ .‬قلت يا �أبا املثنى وردت عدة �أقوال يف ا�سم وكنية حممد بن عمرو بن حزم‪ ،‬يف عدة‬
‫م�ص ��ادر يذكر بع�ضها �أن الر�سول ﷺ‪ ،‬هو الذي �سماه حممدا دون الكنية‪ ،‬ي�ؤيد ذلك خرب‬
‫ين من‬ ‫ورد يف كتاب " الإ�ص ��ابة يف متييز ال�ص ��حابة (‪ " : )12/6‬و�أخرج �أبو الفرج الأ�صبها ّ‬
‫علي باملح ّمدين‪،‬‬ ‫وجهني‪ ،‬عن عبدامللك بن عمري‪ ،‬قال ‪� :‬أتى عمر بن اخلطاب بحلل فقال ‪ّ :‬‬
‫ف�أت ��ى مبحمد ب ��ن �أبي بكر‪ ،‬وحممد بن جعف ��ر‪ ،‬وحممد بن طلحة‪ ،‬وحمم ��د ابن عمرو ابن‬
‫(حطاب)‪ ،‬وكلهم �س� � ّماه النبي �ص� � ّلى اللهَّ‬ ‫ح ��زم‪ ،‬وحممد بن حاطب‪ ،‬وابن عمه حممد بن ّ‬
‫عليه و�س� � ّلم حممدا"‪ .‬وال�شاهد من قوله ‪" :‬وكلهم �س ّماه النبي �ص ّلى اللهَّ عليه و�س ّلم حممدا"‬
‫‪ .‬وجاء يف كتاب‪ :‬اخل�صائ�ص الكربى (‪ )346 /2‬قلت ْاخرج ا ْبن �سعد َعن �أبي بكر بن محُ َ َّمد‬
‫ابن َع ْمرو بن حزم‪� ،‬أَن عمر بن الخْ طاب‪ ،‬جمع كل ُغلاَ م ا�سمه ا�سم َن ِبي ف�أدخلهم ال َّدار ليغري‬
‫فجاء �آبا�ؤهم ف�أقاموا ا ْل َب ِّي َنة َ�أن َر ُ�س ��ول اهلل �ص ��لى اهلل َع َل ْي ِه َو�سلم‪� ،‬سمى عامتهم‬ ‫�أ�س ��ماءهم‪َ ،‬‬
‫فخلى َع ْن ُهم ‪َ ,‬ق َال �أ ُبو بكر َو َكانَ �أبي فيهم" ‪� .‬أي �أبوه حممد بن عمرو بن حزم ‪.‬وهناك م�صادر‬ ‫َ‬
‫تذكر �أنّ �أباه‪ ،‬هو الذي �سماه ‪ :‬حممدا‪ ،‬وكناه ب�أبي �سليمان ‪ .‬كما ورد يف خرب الأ�ستاذ الدكتور‬
‫غيثان(‪. )1‬وم�صادر �أخرى تذكر �أن حممدا بن عمرو‪ ،‬كان يكنى ب�أبي القا�سم فغري كنيته عندما‬
‫زار �أخواله لقوله ‪ُ " :‬ك ْنتُ �أَ َت َك َّنى ب�أبي ا ْل َق ِا�س � ِ�م َف ِج ْئتُ (�إِلىَ ) �أَ ْخ َواليِ َب ِني َ�س � ِ‬
‫�اع َد َة‪َ ،‬ف َ�س ��مِ ُعونيِ‬
‫ا�سمِ ي َفال َي َت َك َّنى ِب ُك ْن َي ِتي(‪َ . )2‬ف َح َّو ْلتُ ُك ْن َي ِتي‬
‫"منْ ت ََ�س َّمى ِب ْ‬ ‫َف َن َه ْونيِ َو َقا ُلوا‪�ِ :‬إنَّ النبي ﷺ َق َال ‪َ :‬‬
‫ِب�أَ ِبي َع ْب ِد المْ َ ِل ِك"‪ .‬وقيل بلغ الر�سول ﷺ‪� ،‬أن �أباه كناه ب�أبي القا�سم‪ ،‬فكناه النبي ﷺ ب�أبي‬
‫ورجح‬ ‫عبد امللك‪ ،‬كما تقدم‪ .‬فليت �س ��عادة �أ�س ��تاذنا الدكتور غيثان ا�ستعر�ض هذه الأقوال ّ‬

‫‪1436‬هـ‪2015/‬م) �ص ‪ 15‬ـ ‪. 70‬‬


‫((( �أ�شكرك يا �أ�ستاذ علي بن �سدران على هذه الت�صويبات اجليدة‪ ،‬وفع ًال عندما و�صلتني درا�ستك رجعت �إىل عدد من‬
‫امل�صادر التي ذكرت وغريها‪ ،‬فوجدت ملحوظاتك �صائبة‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫ا�س ��مِ ي‪َ ،‬فلاَ‬
‫"منْ ت ََ�س� � َّمى ِ ْ‬
‫((( احلديث حققه الألباين يف امل�س ��ند املو�ض ��وعي اجلامع للكتب الع�ش ��رة (‪ )453/1‬بلفظ ‪َ :‬‬
‫ا�سمِ ي" وقال عنه ‪ :‬منكر ‪(.‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫َي َت َك َّنى ِب ُك ْن َي ِتي‪َ ،‬و َمنْ َت َك َّنى ِب ُك ْن َي ِتي‪َ ،‬فلاَ َيت ََ�س َّمى ِب ْ‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪236‬‬
‫ال�صواب منها‪.‬‬
‫ي�ض ��اف يف ال�س ��طر الرابع من �ص ��فحة (‪ )29‬بعد (في�ؤمن به) قول ذلك الن�صراين‪:‬‬
‫( َق َال‪َ :‬م ْهال َيا �أَ ِخي َف ِ�إنمَّ َ ا ُك ْنتُ َماز ًِحا ‪َ .‬ق َال ‪َ :‬و ِ�إنْ ) ‪ ,‬كما ورد يف م�ص ��در الأ�س ��تاذ الدكتور‪.‬‬
‫ويف نهاية ال�س ��طر (‪ )15‬ي�ض ��اف بعد نهاية ال�سطر ‪َ ( :‬و َل ْو َف َع ْلتُ َنزَ ُعوا ِم َّنا ُك َّل َما َت َرى) ‪.‬يف‬
‫�صفحة "‪ "28‬ال�سطر ال�سابع وما بعدها من �صفحات ‪�" :‬أبو احلارث بن علقمة"‪ ،‬مل يذكره‬
‫بهذا اال�س ��م �سوى ابن �سعد‪ ،‬وقلة من ال ُكتَّاب على حد علمي املتوا�ضع‪ ،‬وبقية امل�صادر وهي‬
‫الأغلبية ت�س ��ميه ‪�" :‬أبو حارثة بن علقمة" (‪ )1‬ورد يف ال�ص ��فحة الثانية والثالثني‪ ،‬ال�س ��طر‬
‫الثام ��ن ‪( :‬فواع ��دوا) وال�ص ��واب ‪( :‬فوا ِدعوا) من املوادعة ولي�س ��ت م ��ن املواعدة ‪.‬ورد يف‬
‫ال�ص ��فحة الثاني ��ة والثالثني قول ع ��ن املباهلة‪ ،‬قلت ‪ :‬هذه املباهل ��ة وردت يف كثري من كتب‬
‫�أهل ال�س ��نة‪ ،‬كما وردت �أحاديثها �صحيحة يف كتب احلديث املعتربة‪ ،‬لكن هناك من ي�شكك‬
‫يف اقت�ص ��ارها على (النبي ﷺ‪ ،‬وعلى علي بن �أبي طالب واحل�س ��نني وفاطمة ر�ض ��ي اهلل‬
‫عنهم)‪ ،‬وي�شرك معهم يف املباهلة زوجات النبي ﷺ‪ ،‬لتوافق معنى الآية الكرمية "ون�ساءنا‬
‫ون�س ��اءكم " ومن �أولئك ‪ :‬عبد الكرمي يون�س اخلطيب (املتوفى ‪ :‬بعد ‪1390:‬هـ) �صاحب كتاب‬
‫"التف�س�ي�ر الق ��ر�آين للق ��ر�آن( ‪� )484/2‬إذ يقول ‪" :‬ولقد خرج النبي الكرمي بنف�س ��ه‪ ،‬وبابنته‬
‫فاطمة‪ ،‬وولديها احل�س ��ن واحل�سني‪ ،‬وبن�سائه جميعا وطلب �إىل هذا الوفد �أن يلقوه ب�أنف�سهم‪،‬‬
‫وب�أبنائهم وبن�سائهم‪ ،‬و�أن يبتهلوا جميعا‪ -‬هو ومن معه‪ ،‬وهم ومن معهم ‪� -‬إىل اهلل‪� :‬أن يجعل‬
‫لعنته على الكاذب من الفريقني "‪.‬وجاء يف كتاب "تف�سري ال�شعراوي ( ‪ ) "1519/3‬فالر�سول‬
‫َ�ص َّلى اللهَّ ُ َع َل ْي ِه َو َ�س َّل َم‪ ،‬مدعو لدعوة �أبنائه ون�سائه‪ ،‬ومن له الوالية عليهم‪ ،‬وبح�ضوره هو َ�ص َّلى‬
‫اللهَّ ُ َع َل ْي ِه َو َ�س َّل َم‪ ،‬وهم مدعون لدعوة �أبنائهم ون�سائهم و�أنف�سهم لالبتهال"‪.‬‬
‫ومن امل�ؤلفني من ي�ش ��رك زوجتني من زوجات ر�س ��ول اهلل ﷺ ‪( :‬عائ�شة وحف�صة) يف‬
‫هذه املباهلة‪ ،‬كما جاء يف كتاب ال�س�ي�رة احللبية = �إن�س ��ان العيون يف �سرية الأمني امل�أمون‬
‫(‪ )299/3‬وعن عمر ر�ض ��ي اهلل عنه ‪�" :‬أنه قال للنبي ﷺ‪ :‬لو ال عنتهم يا ر�س ��ول اهلل‪ ،‬بيد‬
‫(‪)2‬‬
‫علي وفاطمة واحل�س ��ن واحل�سني وعائ�شة وحف�صة"‬ ‫َمن كنت ت�أخذ ؟ قال ﷺ‪� :‬آخذ بيد ّ‬
‫وهذا �أي زيادة عائ�ش ��ة وحف�صة يف هذه الرواية دل عليه قوله تعاىل ‪َ " :‬و ِن�سا َءنا َو ِن�سا َء ُك ْم"‬
‫[�آل عمران ‪ :‬الآية ‪.]61‬‬
‫بل �إن بع�ض امل�ؤلفني من يجعل املباهلة املقت�ص ��رة على النبي ﷺ‪ ،‬وعلى علي ابن �أبي‬
‫طالب وزوجه وولديه ر�ض ��ي اهلل عنهم‪ ،‬من �ص ��نع الراف�ض ��ة لعدة �أ�سباب منها ‪�" :‬إن جملة‬
‫((( نعم هذا قول �صحيح‪ ،‬فا�سمه ورد يف كثري من امل�صادر ( �أبو حارثة بن علقمة ) ( ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( مل �أج ��ده يف كت ��ب احلدي ��ث‪ ،‬ووجدت ��ه يف كت ��اب ‪" :‬ال�س�ي�رة احللبي ��ة = �إن�س ��ان العي ��ون يف �س�ي�رة‬
‫الأمني امل�أمون ‪ "299/3‬بدون حتقيق ‪ (.‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫‪237‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫مدع ًّوا‪ ،‬و�إن عل ًّيا واحلالة هذه �أف�ض ��ل‬ ‫َو�أَ ْن ُف َ�س ��نا عن ��ت َع ِل ًّيا لأن النبي ه ��و الداعي فال يكون ُ‬
‫اخلل ��ق بعد النبي‪ ،‬و�أف�ض ��ل من �س ��ائر الأنبياء‪ ،‬لأنه يف مقام النب ��ي حممد ﷺ‪ ،‬و�إن عدم‬
‫ا�ص ��طحاب النبي �أحدا من ن�س ��ائه‪ ،‬وا�ص ��طحابه فاطمة يدل على �أن كلمة " َو ِن�س ��ا َءنا" يف‬
‫الآي ��ة ال تعن ��ي زوجاته و�إمنا عنت بنته" ‪ .‬ومنها �أن "النبي ﷺ‪ ،‬ال ميكن �أن يناق�ض القر�آن‬
‫الكرمي يف ت�سمية بنته الوحيدة بن�سائه‪ ،‬حيث عنى القر�آن بهذه الكلمة زوجات النبي ﷺ‪،‬‬
‫يف �آي ��ات �س ��ورة الأحزاب ‪ )1( . "30-28 :‬ومنه ��ا "�أن الدعوة كانت م�ش�ت�ركة ‪" :‬تَعا َل ْوا َن ْد ُع‬
‫�أَ ْبنا َءنا َو َ�أ ْبنا َء ُك ْم َو ِن�سا َءنا َو ِن�سا َء ُك ْم َو َ�أ ْن ُف َ�سنا َوَ�أ ْن ُف َ�س ُك ْم "فلم ي�س�ألوا �أنف�سهم ماذا تكون َع َنت‬
‫كلمة َو�أَ ْن ُف َ�س� � ُك ْم بالن�س ��بة للوفد حينما �أ ّولوها بالن�س ��بة للنبي بعلي‪� ،‬أي بغري النبي ‪ .‬ومل يرو‬
‫(‪)2‬‬
‫�أحد �أن الوفد كان ي�صطحب ن�ساء و�أوالدا"‪.‬‬
‫ولقد ت�ص� � ّدى ال�ش ��يخ حممد عبده‪ ،‬لهذه امل�س� ��ألة على ما جاء يف تف�س�ي�ر ر�شيد ر�ضا‬
‫فقال" ال ِّر َوا َياتُ ُم َّت ِف َق ٌة َع َلى �أَنَّ ال َّن ِب َّي ‪�َ -‬ص َّلى اللهَّ ُ َع َل ْي ِه َو َ�س َّل َم ‪ْ -‬اختَا َر ِل ْل ُم َب َاه َل ِة َع ِل ًّيا َو َف ِاط َم َة‬
‫َو َو َل َد ْي ِه َما‪َ ،‬و َي ْحمِ ُلونَ َك ِل َم َة َو ِن َ�سا َء َنا َع َلى َف ِاط َم َة َو َك ِل َم َة َو َ�أ ْن ُف َ�س َنا َع َلى َع ِل ٍّي َف َق ْط‪َ ،‬و َم َ�صا ِد ُر َه ِذ ِه‬
‫ا�ست ََط ُاعوا َحتَّى‬ ‫يج َها َما ْ‬ ‫وف‪َ ،‬و َق ِد ْاج َت َهدُوا فيِ َت ْر ِو ِ‬ ‫ال�ش ��ي َع ُة‪َ ،‬و َمق ِْ�صدُهُ ْم ِم ْن َها َم ْع ُر ٌ‬ ‫ات ِّ‬ ‫ال ِّر َوا َي ِ‬
‫ا�ض� � ِعي َها لمَ ْ ُي ْح ِ�س ُنوا ت َْط ِبي َق َها َع َلى ْ آ‬
‫ال َي ِة‪َ ،‬ف ِ�إنَّ َك ِل َم َة‬ ‫َر َاج ْت َع َلى َك ِث ٍري ِمنْ �أَ ْه ِل ُّ‬
‫ال�س� � َّن ِة‪َ ،‬و َل ِكنَّ َو ِ‬
‫" َو ِن َ�سا َء َنا" اَل َي ُقو ُل َها ا ْل َع َر ِب ُّي َو ُي ِري ُد ِب َها ِب ْنتَه اَل ِ�س َّي َما ِ�إ َذا َكانَ َل ُه �أَ ْز َوا ٌج َو اَل ُي ْف َه ُم َه َذا ِمنْ‬
‫ُل َغ ِت ِه ْم‪َ ،‬و�أَ ْب َع ُد ِمنْ َذ ِل َك �أَنْ ُي َرا َد ِب�أَ ْن ُف ِ�س َنا ‪َ :‬ع ِل ٌّي ‪َ -‬ع َل ْي ِه ال ِّر ْ�ض َوانُ ‪ُ -‬ث َّم ِ�إنَّ َو ْف َد نجَ ْ َرانَ ا َّل ِذينَ‬
‫(‪)3‬‬
‫ال َي َة َنزَ َل ْت ِف ِيه ْم لمَ ْ َي ُكنْ َم َع ُه ْم ِن َ�سا�ؤُهُ ْم َو َ�أ ْو اَلدُهُ ْم‪" .‬‬ ‫َقا ُلوا ‪�ِ :‬إنَّ ْ آ‬
‫وجاء يف كتاب " ‪� :‬أ�سمى املطالب يف �سرية �أمري امل�ؤمنني علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل‬
‫عنه (‪" ،)863 /2‬وهنا تظهر املزاجية يف تف�س�ي�ر �آية املباهلة حني يتجاهل علماء ال�ش ��يعة‬
‫كل هذه الن�ص ��و�ص ث ��م ي�أتون �إىل هذه الآي ��ة الكرمية فيبالغون يف معناه ��ا �إىل حد قولهم‬
‫‪ :‬ب� ��أن عل ًّيا هو نف�س حممد عليه ال�ص�ل�اة وال�س�ل�ام‪� ،‬س ��وى النبوة ‪ ,‬وحت ��ى بع�ض الروايات‬
‫ال�ش ��يعية ت�ش�ي�ر �إىل �أن �إطالق لفظ "�أنف�س ��نا" على الأخ �أو القريب �أو �أرباب الفئة الواحدة‬
‫�شيء متعارف عليه بني العرب"‪ .‬وي�ؤيد هذا القول الأخري ما جاء يف كتاب " املباهلة لل�سيد‬
‫عبداهلل احل�سيني الراف�ضي (‪ )98 / 1‬و�إن كان �أنكره �إ ّال �أنه عاد ف�أثبته �ش�أنهم يف التالعب‬

‫((( واهلل لقد �أح�سنت يا �أ�ستاذ علي بذكر هذه التف�صيالت العلمية التاريخية‪ ،‬ف�شكر اهلل لك‪ ،‬وزادك من ف�ضله‪ ( .‬ابن‬
‫جري�س ) ‪.‬‬
‫((( ال ي�س ��تغرب من ال�ش ��يعة الراف�ض ��ة‪ ،‬فالقارئ لكتبهم يجدها مليئة بالتجاوزات والأخطاء الفادحة‪ ،‬بل تراهم دائماً‬
‫مارقون يف معظم ن�صو�صهم الدينية املدونة يف م�صادرهم ومراجعهم املختلفة ‪ (.‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( انظر ‪ :‬تف�س�ي�ر املنار ( ‪ ،)265/3‬ودروزة حممد عزت‪ ،‬التف�س�ي�ر احلديث ‪ . 159/7‬والقارئ لكثري من التفا�سري عن‬
‫�آية املباهلة يجدها قد ف�ص ��لت احلديث فيها وبخا�ص ��ة من وجهة نظر علماء �أهل ال�سنة واجلماعة ‪ ( .‬ابن �سدران ‪،‬‬
‫ابن جري�س )‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪238‬‬
‫بالألفاظ كما �س ��نورده بعد قليل‪ ،‬فقال ‪" :‬ومن نوادر ق�ص ��ة املباهلة ما ذكره بع�ض العلماء‬
‫‪ -‬ومل ي�س ��مه ال�ش ��ريف الر�ضي ‪ -‬من �أن للعرب يف ل�س ��انها �أن تخرب عن ابن العم الال�صق‪،‬‬
‫والقري ��ب املق ��ارب ب�أنه نف�س ابن عمه‪ ،‬و�أن احلميم نف�س حميمه ‪ .‬ومن ال�ش ��اهد على ذلك‬
‫قول ��ه تع ��اىل " وال تلم ��زوا �أنف�س ��كم وال تنابزوا بالألق ��اب " �أراد تعاىل وال تعيب ��وا �إخوانكم‬
‫امل�ؤمن�ي�ن ف�أج ��رى الأخوة بالديان ��ة جمرى الأخوة بالقراب ��ة و�إذا وقعت النف� ��س عنده على‬
‫البعيد الن�س ��ب كانت �أخلق �أن تقع على القريب الن�س ��ب‪ "..‬ثم قال معرت ًفا ب�أن عل ًّيا ر�ض ��ي‬
‫اهلل عنه‪ ،‬لي�س نف�س الر�سول ﷺ‪ ،‬وهو بيت الق�صيد ‪" :‬ونحن ال ندعي �أنّ عليا نف�س ر�سول‬
‫اهلل حقيقة‪ ،‬و�إمنا الدعوة �أن اهلل �س ��بحانه نزل نف�س علي عليه ال�سالم‪ ،‬منزلة نف�س ر�سول‬
‫اهلل �صلى اهلل عليه و�آله و�سلم "!!(‪.)1‬‬
‫ولقد ر�أيت �أ�ستاذنا الدكتور غيثان حفظه اهلل‪ ،‬ينقل يف �صفحة ‪ "32" :‬عن اليعقوبي يف‬
‫تاريخه ‪ -‬وهو معروف بت�شيعه ‪ -‬ما ن�صه ‪ " :‬وجاء العاقب وال�سيد بابنني لهما عليهما الدر‬
‫واحللي وقد حفوا ب�أبي حارثة ‪ . "..‬قلت ‪ :‬ومع �أن الن�صو�ص الواردة يف جميع امل�صادر تفيد‬
‫بعدم ا�ست�ص ��حابهم للن�س ��اء والأبناء �إال �أن هذه الرواية ال�ش ��اذة ينق�صها التوثيق ‪ .‬والأمر‬
‫الذي ال ريب فيه �أن هذه املباهلة �إمنا هي من �صنع الراف�ضة(‪ . )2‬فما قول �أ�ستاذنا الدكتور‬
‫يف ه ��ذه الأق ��وال الت ��ي رمبا مرت علي ��ه ‪ .‬ونحن ن�ؤم ��ن بالأحاديث الواردة يف هذا ال�ش� ��أن‪،‬‬
‫ال�س ��يما تلك التي وردت يف البخاري وم�سلم‪ ،‬ولكن تخ�صي�ص ه�ؤالء اخلم�سة باملباهلة يثري‬
‫الت�سا�ؤل حول مغايرته للآية الكرمية ومفهوم العرب(‪. )3‬‬
‫يف �ص ��فحة "‪ "33‬ال�سطر الثالث ع�ش ��ر كلمة "بخيانة" وال�صواب ‪" :‬بجناية" ‪� .‬صواب‬
‫العبارة الواردة يف كتاب (الطربي)‪� ،‬صفحة (‪ )35‬ال�سطر الثاين ع�شر كالتايل ‪� ...( :‬إِلىَ‬
‫َع َر ِب ِه ْم َو َ�س ِاك ِني الأَ ْر ِ�ض ِمنْ َغيرْ ِ ا ْل َع َر ِب‪َ ،‬ف َث َبتُوا َف َت َن َّح ْوا َوا ْن َ�ض ُّموا ‪. )...‬ورد يف �صفحة (‪)46‬‬
‫ال�س ��طر الثامن كلمة ‪" :‬ب�سر" وال�صواب ‪" :‬ب�س� � ًرا" ‪ .‬ورد يف �صفحة (‪ )46‬ال�سطر العا�شر‬
‫أي�ض ��ا يف ال�س ��طر احلادي ع�شر ‪( :‬من حرث‬ ‫‪( :‬مروا به) ويف امل�ص ��در ‪( :‬وقعوا به) وورد � ً‬
‫الأرث) ويف امل�ص ��در (م ��ن جريب الأر� ��ض) ‪ .‬ومل يذكر دكتورنا عالم اعتمد يف ت�ص ��حيح‬

‫((( ي ��ا هلل العجب ما �أكرث الرتهات واملغالطات عند ال�ش ��يعة الرواف�ض‪ ،‬وبخا�ص ��ة �إذا حتدثوا ع ��ن علي بن �أبي طالب ‪t‬‬
‫ومنزلته من الر�س ��ول ﷺ ‪ .‬ومن يقر�أ كثري ًا من جتاوزاتهم و�أخطائهم املق�ص ��ودة ف�إنه يعجب له�ؤالء القوم ‪ .‬كيف‬
‫يفكرون ؟ وكيف يف�سرون �أقوالهم ح�سب �أهوائهم ورغباتهم ‪ ( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( ال ت�س ��تطيع يا �أ�س ��تاذ علي �أن تنفي �آية املباهلة وتف�س�ي�راتها فقد وردت يف القر�آن وكثري من التفا�س�ي�ر املوثوقة عند‬
‫�أهل ال�س ��نة واجلماعة‪ ،‬لكن بع�ض كتب الرتاث نقلت بع�ض الروايات والن�صو�ص التي قال بها علماء ال�شيعة‪ ،‬وقولك‬
‫" �إن املباهلة �إمنا هي من �صنع الراف�ضة " قول غري دقيق ويجب �إعادة �صياغة اجلملة‪ ،‬واالعرتاف بذكر املباهلة‬
‫يف القر�آن وغريه من كتب التفا�س�ي�ر املعتمدة‪ ،‬وقد �أ�ش ��رت �إىل ذلك يف ن�صو�ص �سابقة‪ ،‬لكن ما �أجرى ال�شيعة عليها من‬
‫تعديالت وتف�سريات هي التي يجب درا�ستها ونقدها ‪ (.‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( ال نقول يا �أ�ستاذ علي �إال زادك اهلل من ف�ضله وكرمه على هذه الت�صويبات القيمة ‪ (.‬ابن جري�س )‪.‬‬
‫‪239‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫هاتني اللفظتني؟(‪ )1‬يف �ص ��فحة "‪ "47‬ال�سطر الأول‪ ،‬كلمة "معتدى" وال�صواب ‪" :‬معنوف"‬
‫أي�ضا يف كتاب ‪ :‬ال�سرية النبوية على �ضوء القر�آن وال�سنة ‪ .‬ومعناها الأخذ ب�شدة‬ ‫وقد وردت � ً‬
‫وق�سوة ‪ .‬ورد يف �صفحة (‪ )59‬ال�سطر التا�سع ‪ :‬التاريخ العربي الهجري‪ ،‬على النحو التايل‪:‬‬
‫(‪ )1405‬ولعل ال�صواب هو ‪ )1044( :‬واهلل �أعلم ‪.‬‬
‫يقول الأ�س ��تاذ الدكتور يف �ص ��فحة (‪ )67‬من بداية ال�سطر الثالث ‪ " :‬يف ع�صر النفوذ‬
‫العثماين الأخري على ع�سري وما جاورها (‪1337-1289‬هـ‪1918-‬م) ا�ستمرت بالد جنران‬
‫على و�ض ��عها ال�سيا�سي اال�س ��تقاليل حتت نفوذ زعمائها و�شيوخها املحليني ‪�...‬إىل �أن يقول‬
‫‪ " :‬كم ��ا �أن العثمانيني مل ي�س ��عوا يف ال�س ��يطرة على بالد جنران‪ . "..‬م ��ع �أنّ الزركلي يقول‬
‫يف كت ��اب (الأعالم ‪ )185/2‬يف ترجمة ‪ :‬ح�س ��ن بن �إ�س ��ماعيل املكرمي‪�" :‬أمري مياين‪ ،‬من‬
‫الباطنية الإ�س ��ماعيلية‪ .‬كانت له جبال حراز واحليمة‪ ،‬ا�س ��تقالال ‪ .‬ودامت بها �إمارته نحو‬
‫عاما‪� ،‬أق ��ام بها املعاقل‪ ،‬ونظم �أموره‪� ،‬إىل �أن هاجم ��ه جي�ش من الرتك بقيادة وليِ ّ‬ ‫ثالث�ي�ن ً‬
‫وجهه امل�ش�ي�ر �أحمد خمتار با�ش ��ا ‪ .‬فا�ض ��طر املكرمي للدفاع عن ا�س ��تقالل‬ ‫الدين با�ش ��ا‪ّ ،‬‬
‫�إمارته‪ ،‬فح�ش ��د جموعا من جنران‪ ،‬وحاول �ص ��د الرتك عن �ص ��عود اجلب ��ال �إليه‪ ،‬فقهروه‬
‫و�أ�س ��روه‪ ،‬و�أر�س ��لوه مع �أوالده وجماعة من �أقاربه �إىل احلديدة‪ ،‬وكانت مقر القيادة العامة‬
‫للرتك‪ ،‬ويقيم بها �أحمد خمتار با�شا فلم يكد يبلغها املكرمي حتى مات فيها �أو قتل " ‪ .‬فدل‬
‫على دخول جنران يف فرتة من الفرتات يف حكم الأتراك ولو لربهة من الزمن "‪.‬‬
‫ورد يف �ص ��فحة (‪ )88‬ال�س ��طر الرابع (�ش ��ويها) وال�ص ��واب لغ� � ًة ‪َ :‬‬
‫(�ش� � ِّيها) ‪.‬ورد يف‬
‫�ص ��فحة (‪ )89‬ال�سطر الثالث (متر ال�سدر) وال�ص ��واب (ثمر ال�سدر) وهو النبق ‪ .‬عزيزي‬
‫�أبا املثنى تطرقت يف حا�ش ��ية �ص ��فحة (‪� )97‬إىل ذكر مو�س ��وعة اململكة العربية ال�سعودية‪،‬‬
‫التي �ص ��درت يف جملدات ِع ّدة‪ ،‬منها املجلد الذي يتحدث عن منطقة الباحة‪ ،‬حيث �ص ��در‬
‫يف �أكرث من‪� )800( :‬ص ��فحة‪ ،‬على اعتبار �أن تلك املو�س ��وعة م�صدر من امل�صادر املهمة يف‬
‫جميع العلوم الإن�س ��انية‪ ،‬ولعلك �أحد امل�ستكتبني فيها‪� ،‬إال �أنه ويا للأ�سف ال�شديد رغم كرثة‬
‫ورود الألقاب العلمية الرفيعة التي تت�ص� � َّدر موا�ض ��يعها وما ر�صد لها من ميزانية �ضخمة‪،‬‬
‫و�إدارة و َك َتب ��ة وحمقق�ي�ن وحمكمني و‪� ،...‬إ َّال �أنها �ص ��درت وهي مليئ ��ة بالأخطاء التاريخية‬
‫واجلغرافي ��ة والعلمي ��ة واللغوية و‪ ،...‬وحتى النواحي ال�س ��ياحية‪ ،‬رغ ��م �أن �أغلب كتبتها من‬
‫الأكادمييني �أ�ص ��حاب االخت�ص ��ا�ص‪ ،‬ولعل جملد منطقة الباحة دليل على �أخطاء جملدات‬
‫املو�س ��وعة بكاملها‪ ،‬يف نواح ��ي الأدب والرتاث والتاريخ وغريها من العلوم الإن�س ��انية التي‬
‫اطلعت على جملد منطقة الباحة‪ ،‬وذلك عند توزيع ن�سخ من هذه‬ ‫حوتها املو�س ��وعة(‪ ،)2‬وقد ّ‬
‫((( ت�صويبات �صحيحة ودقيقة و�شكر اهلل لك يا �أ�ستاذ علي بن �سدران ‪ (.‬ابن جري�س )‪.‬‬
‫((( يا �أ�ستاذ علي �إن عمل �ضخم مثل املو�سوعة البد �أن يرد فيها �أخطاء وق�صور‪ ،‬واحلمد هلل �أنها خرجت بهذه ال�صورة‪،‬‬
‫ويف الطبعة الثانية للمو�س ��وعة �أرجو �أن تُدر�س وتُ�ص ��حح جميع الأخطاء الواردة يف هذا العمل العلمي الذي �أرى �أنه‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪240‬‬
‫املو�سوعة على املناطق‪ ،‬بق�صد مراجعتها قبل اعتماد توزيعها‪ ،‬فكان فيه جملة من الأخطاء‬
‫ال�ش ��نيعة التي يتحتم ت�صحيحها قبل توزيعها‪ ،‬ومع الأ�سف �صدرت املو�سوعة وتلك الأخطاء‬
‫مل تع ��دل‪ ،‬وقد غدت تلك املو�س ��وعة بع ��د توزيعها مرج ًعا لكل الباحثني والدار�س�ي�ن و َي ِث ُقون‬
‫مبعلوماتها(‪ ،)1‬بل ويف�ضلون الرجوع �إليها والأخذ مبعلوماتها عن املراجع الأخرى التي رجع‬
‫�إليها بع�ض باحثي املو�سوعة‪ ،‬فلو قلت على �سبيل املثال ‪�( :‬أ�سلم الطفيل ابن عمرو الدو�سي‬
‫ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬عام خيرب �س ��نة �س ��بع من الهجرة و�ش ��ارك يف فتح مكة �سنة ثمان) ‪ -‬و�إن‬
‫كان الأَ ْولىَ �أن يق ��ال "�أ�س ��لم الطفيل بن عمرو الدو�س ��ي ر�ض ��ي اهلل عنه زم ��ن البعثة‪ ،‬كما‬
‫ورد يف ‪ :‬الطبق ��ات الك�ب�رى‪ ،‬والبداية والنهاية‪ ،‬وتاريخ دم�ش ��ق‪ ،‬وغريه ��ا من الكتب‪ ،‬و�إمنا‬
‫هاجر �س ��نة �سبع ليجدد �إ�س�ل�امه(‪ ،)2‬ويحظى ب�شرف ال�صحبة والهجرة‪ ،‬وي�شارك امل�سلمني‬
‫يف جهاد الكفار ‪ -‬لقالت لك املو�سوعة بقلم �أحد الأكادمييني‪�( :‬أ�سلم بعد فتح مكة مبا�شرة‬
‫والذي �أ�ص ��بح مندوب قوم ��ه �إىل دو�س يف منطقة الباحة‪ ،‬حيث عاد �إىل قومه و�أ�س ��لم على‬
‫يديه‪ )80( :‬رج ًال‪ ،‬و�أحرق �صنم ذي الكفني‪ !)..‬فكيف ي�سلم ويحارب امل�شركني �إىل جانب‬
‫ر�س ��ول اهلل ﷺ‪ ،‬يف املواقع التي ما بني �س ��نة �س ��بع �إىل �س ��نة ثمان‪ ،‬وفيها فتح خيرب ومكة‪،‬‬
‫وه ��و مل ُي�س ��لم �إال بعد فتح مك ��ة كما قال الكات ��ب(‪ )3‬؟ ويف احلقيقة ف�إن ه ��ذه العبارة التي‬
‫�أورده ��ا الكاتب مغلوطة‪ ،‬و�ص ��وابها ما �أو�ض ��حناه بعاليه من كتب امل�ؤرخني‪ ،‬كما �أنه ر�ض ��ي‬
‫اهلل عنه‪ ،‬ا�ص ��طحب معه يف هجرته �إىل املدينة النبوية يف ال�س ��نة ال�سابعة‪ ،‬ولي�س بعد فتح‬
‫مكة مبا�شرة ثمانني بيتًا ولي�س "رج ًال " ـ كما قال الكاتب ـ من دو�س‪ ،‬بلغ عددهم كما تقول‬
‫بع�ض الروايات �أربعمائة ما بني رجل وامر�أة‪ ،‬وهم الذين �أ�سلموا على يديه فيما بني البعثة‬
‫وال�سنة ال�سابعة من الهجرة‪ ،‬وهم الذين �شارك بهم يف فتح خيرب ومكة‪� ،‬أما حني عودته من‬
‫مكة بعد �أن �شارك يف فتحها �إىل ديار قومه حلرق �صنم ذي الكفني‪ ،‬فقد انحدر ب�أربعمائة‬
‫دو�س ��ي للم�ش ��اركة يف غزوة الطائف ‪ .‬وهذه املعلومات مبثوثة يف كتب امل�ؤرخني ال�س ��ابقني ‪.‬‬
‫ومنها على �س ��بيل املثال كتاب ‪" :‬البداية والنهاية (‪ْ � )371 /6‬إذ يقول ‪" :‬الطفيل بن عمرو‬
‫بن طريف بن العا�ص بن ثعلبة بن �س ��ليم بن [فهر ْب ِن] (فهم بن) َغ ْن ِم ْب ِن َد ْو ٍ�س ال ُّدو�س � ّ�ي‪،‬‬
‫�أَ ْ�س� � َل َم َق ِد ًميا َق ْب َل ا ْل ِه ْج َر ِة‪َ ،‬و َذ َه َب ِ�إلىَ َق ْو ِم ِه َف َد َعاهُ ْم ِ�إلىَ اللهَّ ِ َف َه َداهُ ُم اللهَّ ُ َع َلى َي َد ْي ِه‪ ،‬فل َّما‬

‫جيد �إىل حد ما ‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬


‫((( و�أنا �أقول يا علي �إن هذا العمل جيد‪ ،‬وفع ًال هي م�ص ��در مهم لتاريخ وح�ض ��ارة وتنمية بالدنا العربية ال�س ��عودية‪ ،‬وال‬
‫ننف ��ي �أن ��ه لي�س بها �أخطاء‪ ،‬لكنها ال تف�س ��د هذا العم ��ل العلمي الكبري‪ ،‬وبالإمكان تدارك كل الق�ص ��ور والأخطاء يف‬
‫الطبعة الثانية ( ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( نعم ال�ص ��حيح �أنه �أ�س ��لم ال�سنة ال�سابعة للبعثة‪ ،‬وهاجر مع قومه امل�س ��لمني �إىل املدينة يف ال�سنة ال�سابعة للهجرة‪( .‬‬
‫ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( معلومات هذا الكاتب غري �صحيحة‪ ،‬وال�صحيح ما ذكرناه يف احلا�شية ال�سابقة ‪ (.‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫‪241‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫بي ﷺ �إِلىَ المْ َ ِدي َن ِة َجا َء ُه ِب ِت ْ�س ِع َني �أَ ْه َل َب ْي ٍت ِمنْ َد ْو ٍ�س ُم ْ�سلِمِ نيَ" (‪. )1‬‬ ‫اج َر ال َّن ّ‬ ‫َه َ‬
‫�أو ما �أورده ذلك الكاتب الأكادميي الآخر الذي جعل "�أم �أبي �سفيان بن حرب" ر�ضي‬
‫اهلل عنه‪ ،‬دو�سية الن�سب‪ ،‬حيث يقول ‪" :‬ومن املعروف �أن دو�سا �أخوال �أبي �سفيان بن حرب‪،‬‬
‫ف�أمه دو�س ��ية ! وقد كان لهذا الن�س ��ب �أثره البالغ يف تقوية �أوا�صر العالقة بني قري�ش ودو�س‬
‫‪ ."..‬قلت ‪ :‬ومن املعروف �أن �أم �أبي �سفيان بن حرب ر�ضي اهلل عنه هاللية‪ ،‬وا�سمها ‪� :‬صفية‬
‫بن ��ت َح ��زْ ن ‪ .‬لها ترجمة يف كثري من املراجع منها كتاب‪" :‬الطبقات الكربى‪ْ � ،‬إذ يقول عنها‬
‫‪َ :‬و�أُ ُّم ُه َ�ص� � ِف َّي ُة ِب ْنتُ َحزْ ِن ْب ِن ُب َجيرْ ِ ْب ِن ا ْل َهزْ ِم ْب ِن ُر َو ْي َب َة ْب ِن َع ْب ِد اللهَّ ِ ا ْب ِن ِهلاَ ِل ا ْب ِن َع ِام ِر ْب ِن‬
‫َ�ص ْع َ�ص َع َة ْب ِن َق ْي ِ�س َع ْيلاَ نَ " ‪ .‬مبعنى �أنها هاللية عدنانية‪ ،‬ولي�ست دو�سية قحطانية ‪ .‬وينبغي‬
‫دو�س ��ا �أخوال ولدي �أبي �س ��فيان‪( :‬عنب�س ��ة وحممد) لأنّ �أبا �سفيان تزوج �أ ّمهما‬ ‫�أن يقال �إنّ ً‬
‫عاتكة بنت �أبي �أزيهر الدو�س ��ي‪ ،‬ف�أجنبت ‪ :‬عنب�س ��ة ْبن �أبي ُ�س� � ْف َيان‪ ،‬وحممدً ا‪ ،‬كما جاء يف‬
‫كتاب ‪� :‬أن�ساب الأ�شراف للبالذري (‪. )6 /5‬‬
‫ونرى كات ًبا �أكادمي ًّيا �آخر ال يف ِّرق بني �ص ��وف ال�ض� ��أن و�ش ��عر املعز فيق ��ول ‪ ..( :‬تقوم‬
‫ال�ش� � ْعر من �أ�صواف املعز غال ًبا)‪ .‬مع �أن ما على جلد ال�ض�أن ي�س َّمى �صو ًفا‪ ،‬وما‬ ‫بن�س ��ج بيوت َّ‬
‫على جلد املعز ي�س� � ّمى َ�ش ْع ًرا‪ ،‬وما على جلود الإبل ي�س ّمى َو َب ًرا (‪ ،)2‬جاء يف كتاب‪" :‬فقه اللغة‬
‫وغيرْ ِ ِه ‪ .‬ا ِمل ْر ِعزَ ى وا ِمل ْر ِعزا ُء لل َم َع ِز‪ .‬ال َو َب ُر لل ِإبل‬ ‫�ان َ‬ ‫ال�ش� � َع ُر للإ ْن َ�س � ِ‬‫و�س ��ر العربية (�ص ‪َّ )83 :‬‬
‫الز ُّف لل َّن َع ِام ‪.‬‬ ‫للط ِري‪ .‬الز ََّغ ُب لل َف� � ْر ِخ‪ِّ .‬‬ ‫ي�ش َّ‬ ‫�وف ِل ْل َغ ِنم ‪ .‬ال ِع َفا ُء ِل َلحمِ ِري‪ .‬ال ِّر ُ‬ ‫ال�ص � ُ‬ ‫وال�س� � َبا ِع ‪ُّ .‬‬
‫ِّ‬
‫ا ْل ُه ْل ُب ِل ِلخ ْن ِز ِير "‪ .‬وجاء يف كتاب‪ :‬تكملة املعاجم العربية (‪َ )160/5‬م ْرع ًزى‪ :‬كلمة م�أخوذة‬
‫من الأرمنية‪ ،‬وهي تعني ‪� :‬ش ��عر املاعز" ‪ .‬فقال ‪�" :‬ش ��عر املاعز" ومل يقل �صوفها‪.‬قال تعاىل‬
‫يف �س ��ورة النح ��ل ‪َ ( :‬واللهَّ ُ َج َع � َ�ل َل ُك ْم ِمنْ ُب ُيو ِت ُك ْم َ�س� � َك ًنا َو َج َع � َ�ل َل ُك ْم ِمنْ ُج ُل ��و ِد ْ َ أ‬
‫ال ْن ِ‬
‫عام ُب ُيو ًتا‬
‫تاعا ِ�إىل‬ ‫قام ِت ُك ْم َو ِمنْ َ�أ ْ�ص ��وا ِفها َو�أَ ْوبارِها َو َ�أ ْ�شعارِها �أَثا ًثا َو َم ً‬ ‫ت َْ�س� �ت َِخ ُّفو َنها َي ْو َم َظ ْع ِن ُك ْم َو َي ْو َم ِ�إ َ‬
‫ِح ٍني (‪. )80‬وقد يطلق ال�ص ��وف جما ًزا على �ش ��عر املعز‪ ،‬لكن ينبغي �أن ن�س ��مي امل�س ��ميات‬
‫ب�أ�سمائها و�إال الختلط الأمر على القارئ ‪.‬‬
‫�أ َّما الأكادميي الآثاري الرابع فقد نفى يف �صفحة ‪� )208( :‬أن يكون يف منطقة الباحة‬
‫ويف املكان الذي زاره وهو (وادي َث َراد غربي �س ��د العقيق حيث م�ص ��به) نق�ش م�ؤرخ‪ ،‬لقوله‬
‫نق�شا �ص ��خر ًّيا غري م�ؤرخ ‪ "..‬فحكم من‬ ‫‪" :‬وي�ش ��تمل هذا املوقع على ما يقارب ثالثة ع�ش ��ر ً‬
‫تلق ��اء نف�س ��ه على خلو نقو� ��ش الوادي من �أي تاريخ‪ ،‬ولو �س ��لك طريق ال ��وادي �إىل منتهاها‬
‫ل ��ر�أى على الأقل نق�ش�ي�ن قريبني من حافة ال ��وادي م�ؤ َّرخة بالتاريخ الإ�س�ل�امي‪ ،‬ولقد زرت‬
‫((( معلوماتك يا ابن �س ��دران �ص ��حيحة‪ ،‬وقد ت�أكدت من ذلك بعد الرجوع �إىل عدد من كتب الرتاث وبخا�ص ��ة امل�صادر‬
‫التاريخية ‪ (.‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( �أح�سنت يا �أ�ستاذ علي يف هذه الت�صويبات و التو�ضيحات القيمة ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪242‬‬
‫ذل ��ك الوادي امل�س ��مى (ثراد) مع جمموعة من الزمالء بتاري ��خ‪ 1427/7/22(:‬هـ)‍‪ ،‬حيث‬
‫نزلنا من �ش ��رقي بلدة‪( :‬بني �س ��ار) و�س ��رنا عرب واديه املتعرج حتى و�صلنا �إىل العقيق‪ ،‬يف‬
‫رحلة طولها ثالثون كي ًال‪ ،‬ا�س ��تغرقت �سبع �ساعات ون�ص ��ف ال�ساعة‪ ،‬ومل نكن نعلم من قبل‬
‫بطول الوادي‪ ،‬ولقد عانينا من �ص ��عوبة الطريق كث ًريا‪ ،‬حتى �إننا كنا نبني طري ًقا لتمر منها‬
‫ال�سيارة‪ ،‬وخالل تلك الرحلة ال�شاقة عرثنا على جمموعة كثرية من النقو�ش وال�صور‪� ،‬أَ ْن َ�ستنا‬
‫�صعوبة الطريق‪ ،‬وا�س ��تطعنا ت�صوير بع�ضها‪ ،‬وبع�ضها الآخر مل ن�ستطع ت�صويرها الرتفاعها‬
‫عن الوادي ووجدنا يف بع�ض نواحيه عدة نقو�ش �إ�سالمية عليها تاريخ هجري‪ ،‬قمت برفعها‬
‫�أن ��ا وزمالء الرحلة‪ ،‬ومن ب�ي�ن تلك النقو�ش نق�ش ترجمته كالت ��ايل ‪�( :‬آمن املطلب بن عروة‬
‫باهلل العظيم‪ ،‬وكتب يوم االثنني يف �ش ��وال �س ��نة �إحدى و�س ��تني ومائة) ‪ .‬وبالقرب منه نق�ش‬
‫�آخ ��ر با�س ��م ‪( :‬عبد الرحمن بن عمر)‪ ،‬على نحو ما هو مكت ��وب عند املطلب‪ ،‬وعليه التاريخ‬
‫نف�س ��ه‪� ،‬إال �أنه �أ�ض ��اف بعد ا�سمه بع�ض العبارات ومل ن�س ��تطع قراءتها ‪ .‬ويبدو واهلل �أعلم �أن‬
‫ه ��ذا الباحث �أو الآثاري مل ي�ص ��ل �إىل املنطقة الت ��ي بها بع�ض النقو�ش الإ�س�ل�امية امل�ؤرخة‬
‫ل�ص ��عوبة الطريق(‪. )1‬فريجى الت�ص ��حيح مبا يفيد وجود كتابات �إ�س�ل�امية م�ؤرخة يف وادي‬
‫ثراد الأ�سفل خال ًفا لنفي الباحث ‪ .‬فهذه مناذج ي�سرية مما ورد من �أخطاء �شنيعة يف جملد‬
‫منطقة الباحة �ض ��من تلك املو�سوعة القيمة ال�ضخمة ‪.‬فما تعليل �أ�ستاذنا الدكتور غيثان‪ ،‬يف‬
‫عدم ا�س ��تجابة �أولئك امل�س�ؤولني وت�س ��اهلهم يف عدم ت�صحيح بع�ض معلومات هذه املو�سوعة‬
‫املهمة‪ ،‬التي طبعت باللغتني العربية والإجنليزية‪ ،‬بق�صد توزيعها على بع�ض املراكز العلمية‬
‫داخ ��ل وخ ��ارج اململكة ؟؟ وغدت من املراجع املوثوقة‪ ،‬وهي دعوة �أجدها منا�س ��بة لإطالقها‬
‫ع�ب�ر كتابكم ‪" :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب"‪ ،‬لت�ص ��حيح تاريخ جن ��وب اململكة العربية‬
‫ال�سعودية (‪ ،)2‬يف تلك املو�سوعة ال�ضخمة‪ ،‬ولعلي �إن �شاء اهلل �أوايف دكتورنا ببع�ض املالحظات‬
‫التي ر�صدتها على بع�ض مو�ضوعات جملد منطقة الباحة يف تلك املو�سوعة قبل ت�سويقها (‪. )3‬‬
‫((( �إن منطقة الباحة بل جميع مناطق جنوبي اململكة العربية ال�س ��عودية مليئة بالآثار والنقو�ش والر�سومات ال�صخرية‪،‬‬
‫وهذا ما ر�أيته و�س ��معت عنه �أثناء جتوايل يف هذه البلدان‪ ،‬و�إن كان خرج بع�ض الدرا�س ��ات الأثرية عن هذه البالد‪،‬‬
‫لكنها مازالت غري كافية‪ ،‬ويجب على اجلامعات املحلية‪ ،‬وكذلك �أق�س ��ام وكليات الآثار يف اململكة العربية ال�س ��عودية‬
‫�أن تب ��ذل جه ��ود ًا كبرية حلفظ ودرا�س ��ة نقو�ش و�آثار مناطق اجلنوب‪ ،‬و�إذا مل ت�س ��ارع وتقوم به ��ذه الأعمال العلمية‬
‫الأكادميية‪ ،‬و�إال ف�إنه �سوف ي�ضيع الكثري منها مع �أنه قد �ضاع �أكرثها‪ ،‬لكن على هذه امل�ؤ�س�سات �أن جتتهد يف حفظ‬
‫ما بقي ‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( يا �أ�ستاذ علي لقد اطلعت على املو�سوعة كاملة‪ ،‬و�أقول �إنها عمل جيد‪ ،‬وال تخلو من الأخطاء العلمية واللغوية وغريها‪،‬‬
‫وقد �أ�شرت �إىل مناذج من تلك امللحوظات يف املجلد اخلا�ص لبالد الباحة‪ ،‬و�إنني �أ�ضم �صوتي �إىل �صوتك و�أقول �إن‬
‫على مكتبة امللك عبد العزيز العامة‪ ،‬لأنها التي �أ�شرفت وطبعت ون�شرت هذه املو�سوعة‪ ،‬م�س�ؤولية عظيمة فت�شكل لها‬
‫هيئة علمية �أكادميية لدرا�سة جميع جملدات املو�سوعة‪ ،‬فت�صحح �أخطاءها‪� ،‬أو ت�ستكمل مواطن النق�ص فيها‪ ،‬و�أرجو‬
‫�أن جتد دعوتنا هذه �آذان ًا �ص ��اغية‪ ،‬فرتاجع هذا العمل العلمي الكبري‪ ،‬حتى يظهر يف �ص ��ورة �أف�ض ��ل و�أقوى و�أح�سن‬
‫مما هي عليه جملدات املو�سوعة احلالية ‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( �أرجو يا �أ�س ��تاذ علي �أن تلتزم بقولك وت�س ��تكمل هذا العمل‪ ،‬حتى نن�ش ��ره يف �أحد جملدات كتاب‪ :‬القول املكتوب يف‬
‫تاريخ اجلنوب القادمة‪ ،‬ون�س�أل اهلل لك التوفيق ‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫‪243‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫ويف اخلت ��ام ؛ ف�إن ه ��ذا الكتاب الذي اطلعت عليه وهو ‪ :‬جملد منطقة الباحة‪� ،‬ض ��من‬
‫مو�سوعة اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬مبعلوماته احلالية الناق�صة واملبتورة وامل�شو�شة �أحيا ًنا‪ ،‬ال‬
‫وال�سيرَ وفنون الآداب والعمارة والزراعة وال�صناعات‬ ‫ميثل منطقة الباحة يف جمال التاريخ ِّ‬
‫التقليدية‪ ،‬ويحتاج بالفعل �إىل �إعادة �صياغته من جديد لكي ُيعطي �صورة �صادقة عن تاريخ‬
‫وح�ض ��ارة �أولئك الرجال من واقع ما ُد ِّون عنهم يف كتب امل�ؤلفني ال�س ��ابقني‪ ،‬وما خلفوه من‬
‫تراث ي�ش ��هد على �أ�ص ��التهم ‪ .‬فل�سنا ب�صدد �إعطاء القارئ ملحة موجزة عن ما�ضي املنطقة‬
‫العريق يف وريقات معدودة تفتقر بع�ض ��ها �إىل الدقة وامل�ص ��داقية‪ ،‬بل نريد �أن نوثق ب�صدق‬
‫هذا املا�ض ��ي التليد من جميع جوانبه‪ ،‬ون�ضيف �إليه جملة من املكت�سبات احل�ضارية يف ظل‬
‫هذا العهد ال�س ��عودي الزاهر‪ ،‬ونكون بذلك قد �أو�ص ��لنا مكت�س ��بات حا�ضرنا ال�سعيد برتاث‬
‫ما�ضينا املجيد‪ ،‬ولذا ف�إين �أن�صح ب�إعادة كتابة مو�ضوعاته على نحو �أكرث دقة وواقعية‪ ،‬ففي‬
‫مثقفي �أبناء (زهران وغامد) ‪ -‬وما �أكرثهم ‪ -‬ممن لهم املقدرة يف كتابة تاريخهم وتخليد‬
‫تراث �أجدادهم على نحو �سليم (‪. )1‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪ )118‬عن �س ��ك النقود الف�ض ��ية يف عهد امللك عبد العزيز �آل �سعود‪ ،‬مبكة‬
‫املكرم ��ة(‪�. )2‬أول َ�س � ٍّ�ك للريال الف�ض ��ي ال�س ��عودي كان يف �س ��نة (‪1346‬هـ) وعل ��ى جهتيه تلك‬
‫العبارات التي �أوردها �س ��عادة الأ�س ��تاذ الدكتور غيثان‪ ،‬وقد وهم الأ�ستاذ الدكتور ‪/‬حممد بن‬
‫عبد اهلل ال�س ��لمان‪ ،‬يف كتابه " قيام اململكة العربية ال�س ��عودية‪ ،‬وبدايات نه�ض ��تها احل�ضارية‪،‬‬
‫�ص ��فحة (‪ )131‬عندما نقل عن غريه �أنَّ الريال الف�ض ��ي ال�س ��عودي ُ�س ��ك �س ��نة (‪1347‬هـ) ‪.‬‬
‫وكان هناك على ما �أعتقد نوعان من الرياالت الف�ض ��ية (كبري و�صغري) فلدَ َّي ريال كبري ُ�سك‬
‫�سنة‪1346( :‬هـ)‪ ،‬وعليه تلك العبارات التي وردت يف مقال الأ�ستاذ الدكتور غيثان‪ ،‬الوجه الأول ‪:‬‬
‫(ريال عربي �سعودي واحد) ويف دائرة يف املنت�صف ‪�( :‬ضرب يف مكة املكرمة ‪1346‬هـ)‪ ،‬ولي�س يف‬
‫امل�ستطيل الأ�سفل �سيفان‪ ،‬وما فيه �سوى نخلتني جانبيتني وقيمته النقدية‪ ،‬ويف الوجه الآخر ‪( :‬ملك‬
‫احلجاز وجند وملحقاتها) ويف دائرة املنت�ص ��ف ‪( :‬عبد العزيز بن عبد الرحمن ال�س ��عود)‪ ،‬ويف‬
‫بحجم �أقل من حجم الريال‬ ‫الأ�سفل امل�ستطيل وبه ال�سيفان املقلوبان والنخلتان اجلانبيتان‪ ،‬وهو ٍ‬
‫بحجم �أ�صغر من الأول ُ�سك �سنة (‪1367‬هـ) حل‬ ‫دَي ريال �آخر ٍ‬ ‫الفرن�سي (ماريا تريزا)‪ ،‬بقليل‪ ،‬و َل َّ‬

‫((( �أقوالك يا ابن �سدران �صحيحة‪ ،‬فبالد الباحة (غامد وزهران ) ذات تاريخ عريق يف �شتى اجلوانب احل�ضارية‪ ،‬وما‬
‫تنادي به يحتاج �إىل فريق عمل من الغامديني والزهرانيني الأكادمييني والباحثني اجليدين �أمثالك‪ ،‬ون�أمل �أن نرى‬
‫منكم من يتول هذا امل�شروع العلمي الذي �أ�شرت �إليه‪ ،‬ومن يفعل ذلك ف�إنه �سوف ي�ضيف للمكتبة العربية والإ�سالمية‬
‫عم�ل ً�ا قيم ًا‪ ،‬ون�أمل �أي�ض� � ًا من جامع ��ة الباحة �أن تتوىل التخطيط والدعم واملتابعة لإجناز مثل هذه الدرا�س ��ة املهمة‬
‫واجلديدة ‪( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( للمزيد انظر‪ :‬غيثان بن جري�س ‪ .‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬اجلزء الثامن‪� ،‬ص ‪118‬ـ ‪( . 122‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪244‬‬
‫فيه ا�سم‪" :‬اململكة العربية ال�سعودية " مكان (ملك احلجاز وجند وملحقاتها) (‪. )1‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪ )"124‬قولك عن الهندا�س ��ة وحدة القيا�س امل�س ��تعملة قب ��ل املرت ‪" :‬يبلغ‬
‫طولها حوايل ت�سعني �سنتيمرتًا" ‪ .‬قلت ‪ :‬ال�صواب �أنّ طولها يعادل �سبعني �سنتيمرتًا‪َّ ،‬‬
‫فلدي‬
‫واح ��دة م�ص ��نوعة من احلديد ال تزي ��د عن هذا الطول املذكور ‪ .‬يف �ص ��فحة (‪ )175‬وردت‬
‫كلمة "الغري" و�صوابها "ا ْل َغب" ‪.‬يف حا�شية �صفحة (‪ )176‬رقم (‪ُ )2‬ك ِتب يف هذه اللهجات‬
‫املحلية التي �أ�شرت �إليها ثالثة كتب‪ ،‬الأول للأ�ستاذ الدكتور ‪ :‬عبد الرزاق بن حمود الفقيه‬
‫الزه ��راين‪ ،‬بعنوان ‪" :‬الف�ص ��احة يف منطق ��ة الباحة" ‪ .‬والثاين للأ�س ��تاذ ‪ :‬حممد بن َز َّياد‬
‫الزه ��راين‪ ،‬بعنوان ‪ ":‬لغة التخاطب والق�ص ��د يف لغة غامد وزه ��ران الأزد" ‪ .‬ولكاتب هذه‬
‫الأ�س ��طر كت ��اب بعنوان‪" :‬البيان يف ل�س ��ان زهران" ‪ .‬جميعها تتح ��دث عن اللهجات املحلية‬
‫املوافق ��ة لمِ ��ا ورد يف الق ��ر�آن الكرمي وال�س ��نة النبوية وكالم العرب(‪ . )2‬يف حا�ش ��ية �ص ��فحة‬
‫(‪ )210‬ورد يف ال�سطر الأخري عبارة ‪" :‬واليالد" وال�صواب "والبالد" ‪.‬‬
‫‪3‬ـ �صور من الأحالف القبلية ( بالد زهران �أمنوذج ًا )‪:‬‬
‫�أ ـ متهيد ‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�ص�ل�اة وال�س�ل�ام على �أ�ش ��رف الأنبياء واملر�س ��لني‪� ،‬سيدنا‬
‫حمم ��د ب ��ن عبد اهلل وعلى �آله و�ص ��حبه �أجمع�ي�ن ‪ .‬وبعد ‪ :‬الأحالف جمع ِح ْلف‪ ،‬بالك�س ��ر ‪:‬‬
‫تعاهدُوا ‪ .‬ويف حديث �أَن�س ر�ضي‬ ‫عاه َده‪ ،‬وحتال ُفوا �أَي َ‬ ‫ال َع ْهد يكون بني القوم‪ .‬وقد حا َل َفه �أَي َ‬
‫اهلل عنه ‪" :‬حا َل َف ر�س ��ول اللهَّ �ص� � ّلى اللهَّ عليه و�س� � ّلم‪ ،‬بني املهاجرين والأَن�ص ��ار يف دارنا‬
‫"حا َل َف بني ق َري�ش والأَن�ص ��ار �أَي � َآخى بينهم لأَنه ال‬ ‫م َّرتني(‪� ،)3‬أَي � َآخى بينهم"‪ ،‬ويف رواية ‪َ :‬‬
‫ِح ْلف يف الإِ ْ�س�ل�ام"(‪ ،)4‬ويف حديث �آخر‪" :‬ال ِح ْلف يف الإِ�سالم"(‪ ،)5‬والأحالف تكتالت قبلية‬
‫احل ْلف‬ ‫وج ��دت بني القبائل منذ القدم بق�ص ��د التنا�ص ��ر والت�آزر‪ ،‬قال ابن الأَثري ‪�" :‬أَ�ص ��ل ِ‬
‫فاق‪ ،‬فما كان منه يف اجلاهلية على ال ِفتنَ ِ‬ ‫والت�ساع َد واال ِّت ِ‬
‫ُ‬ ‫َّعا�ض � ِ�د‬ ‫المْ ُعاقد ُة والمْ ُ َ‬
‫عاه َد ُة على الت ُ‬

‫((( درا�سة احلياة االقت�صادية وبخا�صة الأ�سواق والعملة والأ�سعار يف جنوبي البالد ال�سعودية من املو�ضوعات اجلديدة‬
‫وحتتاج �إىل من يفرد لها درا�سة علمية �أكادميية ‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( لق ��د اطلع ��ت عل ��ى بع�ض الكتب املذك ��ورة �أعاله‪ ،‬وهي جه ��ود طيبة ومباركة‪ ،‬وق�س ��م اللغ ��ة العربية بجامع ��ة الباحة عليه‬
‫م�س� ��ؤولية‪ ،‬فالواجب على �أع�ض ��اء هيئة التدري�س بهذا الق�سم �أن يدر�س ��وا اللغة واللهجات املحلية مبنطقة الباحة‪ ،‬كما �أن‬
‫مراكز البحوث يف جامعة الباحة هي الأخرى عليها م�س� ��ؤولية �أي�ض� � ًا لدرا�سة وبحث كل ما يفيد �أر�ض و�سكان هذه البالد‪،‬‬
‫وامل�صطلحات والعبارات واللهجات من املو�ضوعات اجليدة واجلديدة التي حتتاج �إىل بحث ودرا�سة ‪ (.‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( وزاد (�أو ثالثا) �صححه الألباين رحمه اهلل‪ ،‬انظر �صحيح �سنن �أبي داود ‪ (. 2/1‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( تهذيب اللغة ‪ ( . 44/5 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( النهاية يف غريب احلديث والأثر ‪ . 424/1 :‬قلت ‪ :‬ولعل هذه امل�ؤاخاة الإ�سالمية جاءت بدال عن الأحالف التي كانت‬
‫تعقد بني القبائل والأفراد‪ ،‬واهلل �أعلم‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫‪245‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫�ارات‪ ،‬فذلك ال ��ذي و َر َد ال َّن ْه ُي عنه يف الإِ�س�ل�ام بقوله ﷺ‪" :‬ال‬ ‫القبائل والغ � ِ‬ ‫ِ‬ ‫�ال ب�ي�ن‬ ‫وال ِقت � ِ‬
‫كح ْل ِف‬ ‫حام ِ‬ ‫َ‬ ‫ِح ْلف يف ا ِلإ�سالم "‪ ،‬وما كان منه يف اجلاهلية على َن ْ�ص ِر المْ َ ْظ ُل ِوم و�صل‬
‫اللهَّ ِة الأ ْر ِ‬
‫(‪)1‬‬

‫�ول اللهَّ �ص� � ّلى عليه و�س� � ّلم‪" :‬‬ ‫المْ ُ َط َّي ِب�ي َ�ن(‪ ،)2‬وما َجرى مجَ ْ راه‪ ،‬فذلك الذي قال فيه ر�س � ُ‬
‫�سالم ِ�إال ِ�ش َّد ًة(‪ ،" )3‬يريد من المْ ُعاقدة على اخلري‪،‬‬ ‫و�أَيمُّ َ ا ِح ْل ٍف كان يف اجلاهلية مل َي ِز ْده ا ِلإ ُ‬
‫�سالم‪ ،‬والمْ َ ْم ُنو ُع‬
‫احل ْل ُف الذي َي ْقت َِ�ضيه الإِ ُ‬ ‫و ُن ْ�ص ��ر ِة احلقّ ‪ ،‬وبذلك يجتمع احلديثان‪ ،‬وهذا هو ِ‬
‫من ��ه ما خا َل َف ُح ْك َم ا ِلإ�س�ل�ام"(‪".)4‬وكث ًريا م ��ا كانت تقوم بني القبائ ��ل حمالفاتٌ ومواثيق‬
‫لتق ��ف �ص� � ًّفا واحدً ا مت�س ��اندً ا �أمام بع�ض الدواعي‪ ،‬فتن�ش� ��أ الأحالف بني القبائل ل�ص ��يانة‬
‫امل�ص ��الح امل�شرتكة‪� ،‬أو ل�ضرورة ال�س ��لم بني املتجاورين‪� ،‬أو عن طريق املعاهدة بني رجالها؛‬
‫فتن�ش�أ بذلك ع�صبية بني هذه القبائل املتحالفة تدفعها �إىل الت�ضامن يف احلروب والتعاون‬
‫يف تبعات الدماء(‪.")5‬قال زهري ابن �أبي �سلمى‪،‬يف ديوانه ‪:107‬‬
‫و ُذب��ي��ان‪ :‬ه َْ��ل َ�أ ْق��� َ��س�� ْم�� ُت�� ُم ك�� َّل َم ْق َ�س ِم‬ ‫َ‬
‫������ل�����اف عَ���� ِّن����ي ِر����س���ال��� ًة‬ ‫�أَال �أَ ْب������ ِل������ ِغ الأَ ْح‬
‫وق ��د ذك ��ر ابن الأثري يف كتاب ‪ :‬البداي ��ة والنهاية ط هج ��ر (‪�" )658 /7‬أَنَّ َب ِني ِك َنا َن َة‬
‫َحا َل َف � ْ�ت ُق َر ْي ً�ش ��ا َع َلى َب ِني َه ِا�ش � ٍ�م‪� ،‬أَنْ اَل ُي َن ِاك ُحوهُ � ْ�م َو اَل ُي َبا ِي ُعوهُ ْم َو اَل ُي�ؤْ ُووهُ � ْ�م ‪َ -‬ي ْع ِني َحتَّى‬
‫�ول اللهَّ ِ َ�ص� � َّلى اللهَّ ُ َع َل ْي ِه َو َ�س� � َّل َم" ‪( .‬ومن الأحالف التي ذكرها التاريخ‬ ‫ُي َ�س� � ِّل ُموا ِ�إ َل ْي ِه ْم َر ُ�س � َ‬
‫يف مك ��ة حل ��ف املطيبني‪ ،‬وحل ��ف الأحالف‪ ،‬وحلف الف�ض ��ول" ‪ .‬املطيبون ه ��م خم�س قبائل‬
‫وه ��م ‪" :‬بن ��و عبد مناف وم ��ن حالفهم من بني �أ�س ��د بن عبد العزى وبن ��ي زهرة وبني تيم‬
‫وبن ��ي احل ��ارث بن فهر(‪"." )6‬واالحالف خم�س قبائل ‪ :‬وهو جت ّمع ي�ض ��م بني عبد الدار‪،‬‬
‫ومن حالفهم من بني �س ��هم وجمح وخمزوم وعدي(‪ . )7‬ف�أ َّما حلف املطيبني فكان قبل حلف‬
‫الف�ض ��ول " لقول �ص ��احب كتاب ‪ :‬التنبيه والإ�ش ��راف (‪ : )180/1‬ف�أما حلف املطيبني فهو‬
‫قبل حلف الف�ض ��ول وكان �سببه فيما ذكر �أبو عبيدة معمر بن املثنى يف كتاب مناقب قري�ش‬

‫((( �صحيح البخاري (‪ (. )96 /3‬ابن �سدران ) ‪.‬‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫((( وي�سمى �أي�ضا حلف الف�ضول ت�شبي ًها بح ْلف كان قد ًميا مب ّكة �أ ّيام ُج ْرهُ م على التنا�صف والأخذ لل�ضعيف من القويِّ ‪ ،‬والغريب‬
‫القاطن‪ ،‬و�سمي ِح ْلف ال ُف ُ�ضول لأَنه قام به رجال من ُج ْرهُ م كلهم ي�سمى ال َف ْ�ضل ‪ :‬ويف احلديث ‪�" :‬شهدت يف دار عبد‬ ‫من ِ‬
‫اهلل بن ُج ْدعان‪ِ ،‬ح ْل ًفا لو د ُِعيت ِ�إىل مثله يف ا ِلإ�سالم لأَ َج ْبت" ؛ يعني ِح ْلف ال ُف ُ�ضول‪� ،‬س ّمي به ويف احلديث �أي�ضا َ‬
‫"�شهِ دْتُ ‪،‬‬
‫غالما مع ُعمومتي‪ِ ،‬ح ْل َف املُ َط ِّي ِبني"‪ .‬اجتم َع بنو ها�شم‪ ،‬وبنو ُز ْه َرة‪ ،‬و َت ْي ٌم يف دا ِر ابن ُجدْعانَ يف اجلاهلية‪ ،‬وجعلوا ِطي ًبا يف‬
‫ً‬
‫وغ َم�سوا �أَيد َيهم فيه‪ ،‬وتحَ ا َل ُفوا على التنا�صر والأَخذ للمظلوم من الظامل‪ُ ،‬‬
‫ف�س ُّموا املُ َط ِّيبني ‪ .‬ل�سان العرب ‪ :‬مادة ‪:‬‬ ‫َجفْن ٍة‪َ ،‬‬
‫طيب ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( �صححه الألباين يف "الأدب املفرد (�ص ‪ )200 :‬بلفظ ‪" :‬من كان له حلف ‪ ( "..‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( النهاية يف غريب احلديث والأثر ‪ ( . 424/1:‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( مكة واملدينة يف اجلاهلية وعهد الر�سول ﷺ (�ص ‪ (. )56 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( ن�ضرة النعيم يف مكارم �أخالق الر�سول الكرمي (‪ (. )189 /1‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر ال�سابق ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪246‬‬
‫وف�ض ��ائلها‪� ،‬أنّ ق�ص ��ي ب ��ن كالب بن مرة ب ��ن كعب بن ل� �� ّؤي كان جعل �إىل ابن ��ه عبد الدار‬
‫احلجابة ودار الندوة واللواء‪ ،‬وجعل �إىل ابنه عبد مناف ال�س ��قاية والرفادة فلما كرثت بنو‬
‫عب ��د من ��اف يف اجلاهلية‪ ،‬قالوا نحن �أح ��ق باللواء واحلجابة والندوة م ��ن بنى عبد الدار‪،‬‬
‫فتفرق ��ت عن ��د ذلك قري�ش‪ ،‬وعبد اهلل ب ��ن جدعان التيمي َح ّي‪ ،‬وقال بع�ض ��هم واهلل ال يرد‬
‫�أمر ق�صي‪ ،‬فن�صرت بنو خمزوم وجمح و�سهم وعدي بنى عبد الدار‪ ،‬وحتالفوا عند الكعبة‬
‫ف�سموا الأحالف‪ ،‬فلما ر�أت ذلك بنو عبد مناف حالفوا بنى �أ�سد بن عبد العزى وبنى زهرة‬
‫بن كالب‪ ،‬وبنى تيم بن مرة‪ ،‬وبنى احلارث بن فهر‪ ،‬فتحالفوا يف دار عبد اهلل بن جدعان‪،‬‬
‫وجاءهم عبد اهلل ب�آنية فيها طيب فغم�س ��وا �أيديهم فيها‪ ،‬ويقال �أخرج �إليهم الطيب �إحدى‬
‫بنات عبد املطلب‪ ،‬ويقال �إنهم و�ض ��عوا الطيب يف امل�س ��جد وغم�س ��وا �أيديهم فيه ثم م�سحوا‬
‫الكعبة‪ ،‬وحتالفوا �أنْ ال ي�س ��لم بع�ضهم بع�ضا ف�س ��موا املطيبني‪ ،‬فح�صلت خم�س قبائل ب�إزاء‬
‫خم�س‪ ،‬ف�س ��موا �أولئك الأحالف‪ ،‬وه�ؤالء املطيبني ‪ .‬قال عمر بن �أبى ربيعة املخزومي ويقال‬
‫عبيداهلل بن قي�س الرقيات يذكر املطيبني والأحالف‪.‬‬
‫ث������م ن�����ال�����ت ذوائ������������ب الأح�����ل����اف‬ ‫ول����������ه����������ا يف امل�������ط�������ي�������ب���ي���ن ج��������ـ��������دود‬
‫(‪)1‬‬
‫ح�ي�ن ت���دع���ى وب��ي�ن ع��ب��د م���ن���اف‬ ‫�إن����������ه����������ا ب�����ي����ن ع��������ام��������ر ب����������ن ل��������ـ���������ؤيّ‬
‫أي�ضا حلف لعقة الدم‪ ،‬فقال عنه �صاحب كتاب ‪ :‬املف�صل‬ ‫و�أما حلف الأحالف وي�س ��مى � ً‬
‫فى تاريخ العرب قبل الإ�س�ل�ام (‪" : )60/7‬ويذكر �أهل الأخبار �أن بني عبد مناف �أجمعوا‬
‫عل ��ى �أن ي�أخ ��ذوا من بني عبد الدار "الرفادة" و"ال�س ��قاية"‪ ,‬ف�أبى بن ��و عبد الدار ترك ما‬
‫يف �أيديه ��م و�أ�ص ��روا على االحتفاظ ب ��ه‪ ،‬فتفرقت عند ذلك قري�ش‪ ،‬فكان ��ت طائفة مع بني‬
‫عب ��د ال ��دار‪ ،‬وطائفة مع بني عبد من ��اف‪ ،‬وحتالف كل قوم م�ؤكدً ا‪ ،‬و�أخ ��رج بنو عبد مناف‬
‫جفنة مملوءة طي ًبا‪ ،‬فو�ض ��عوها عند الكعبة‪ ،‬وحتالفوا‪ ،‬وجعلوا �أيديهم يف الطيب‪ ،‬ف�س ��موا‬
‫املطيب�ي�ن‪ .‬وتعاقد بنو عب ��د الدار ومن معهم‪ ,‬وحتالفوا‪ ,‬ف�س ��موا الأحالف‪ ،‬وتعبئوا للقتال‪،‬‬
‫ثم تداعوا �إىل ال�ص ��لح‪ ،‬على �أن يعطوا بني عبد مناف ال�س ��قاية والرفادة ‪ ,‬فر�ض ��وا بذلك‪،‬‬
‫وحتاجز النا�س عن احلرب‪ ،‬واقرتعوا عليهما ف�ص ��ارتا لها�شم بن عبد مناف ‪ .‬و�أما الذين‬
‫كونوا حلف الأحالف ولعقة الدم‪ ،‬فهم ‪ :‬بنو خمزوم‪ ،‬وبنو جمح‪ ،‬وبنو �س ��هم‪ ،‬وبنو عدي بن‬
‫كع ��ب‪ .‬وقيل يرجع ت�أريخ حل ��ف "لعقة الدم" �إىل �أيام بنيان الكعب ��ة‪ ،‬الذي كان قبل املبعث‬
‫بخم�س �سنني ‪ .‬واهلل �أعلم "(‪. )2‬‬
‫ومن الأحالف التي �ش ��هدها الر�سول ﷺ‪ ،‬مبكة قبل البعثة ال�شريفة و�أ�شاد بها‪ :‬حلف‬

‫((( امل�سعودي‪ ،‬التنبيه والإ�شراف ‪ ،180 :‬والبيتان يف زوائد ديوان ابن الرقيات املن�سوبة �إليه �ص ‪ (..186 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( املف�صل فى تاريخ العرب قبل الإ�سالم (‪ (. )62 /7‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫‪247‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫ﷺ ‪َ " :‬ل َق ْد َ�ش ِه ْدتُ فيِ َدا ِر َع ْب ِد اللهَّ ِ ْب ِن ُج ْد َعانَ ِح ْل ًفا َما �أُ ِح ُّب �أَنَّ ليِ ِب ِه ُح ْم َر‬ ‫الف�ضول لقوله َ‬
‫َ‬
‫ال ْ�سلاَ ِم َ أل َج ْبتُ " ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ال َّن َع ِم‪َ ،‬و َل ْو �أُ ْد َعى ِب ِه فيِ ْ ِإ‬
‫وكان �س ��بب هذا احلل ��ف �أن الزبري بن عب ��د املطلب‪ ،‬وعبد اهلل بن جدعان‪ ،‬ور�ؤ�س ��اء‬
‫ه ��ذه القبائل‪ ،‬اجتمعوا فاحتلف ��وا ال يدعوا �أحدا يظلم مبكة �أحدا �إال ن�ص ��روا املظلوم على‬
‫الظ ��امل و�أخ ��ذوا ل َه بحق ��ه ‪ " .‬وكان الذي َج َّر على ذلك �أن رجال من بني زبيد قدم ب�س ��لعة‬
‫فباعها من العا�ص بن وائل ال�س ��همي‪ ،‬فظلمه ثمنها‪ ،‬فنا�ش ��ده الزبي ��دي‪ ،‬يف حقه قبله فلم‬
‫يعطه‪ ،‬ف�أتى الزبيدي الأحالف‪ :‬عبد الدار وخمزوما وجمح و�س ��هما وعديا‪ ،‬ف�أبوا �أن يعينوه‬
‫وزبروه وزجروه‪ ،‬فلما ر�أى الزبيدي ال�شر وافى على �أبي قبي�س قبل طلوع ال�شم�س وقري�ش يف‬
‫�أنديتهم حول الكعبة و�صاح ‪:‬‬
‫ب��ب��ط��ن م���ك���ة ن�������أى احل�����ي وال��ن��ف��ر‬ ‫ي��������ا ل������ل������رج������ال مل������ظ������ل������وم ب���������ض����اع����ت����ه‬
‫وال ح������رام ل���ث���وب���ي ال ب�������س ال���غ���در‬ ‫�إن احل���������������رام مل��������ن مت��������ت ح�����رام�����ت�����ه‬
‫قال ‪ :‬فم�شى يف ذلك الزبري بن عبد املطلب وقال ‪ :‬ما لهذا منزل‪ ،‬فاجتمعت بنو ها�شم‬
‫وزهرة وتيم يف دار عبد اهلل بن جدعان ف�صنع لهم طعاما فحالفوا يف ذي القعدة‪ ،‬يف �شهر‬
‫حرام قياما يتما�س ��حون �ص ��عدا وتعاقدوا وتعاه ��دوا باهلل قائلني لنكونن م ��ع املظلوم حتى‬
‫ي�ؤدى �إليه حقه ما بل بحر �صوفة‪ ،‬ويف الت�أ�سي يف املعا�ش‪ ،‬ف�سمت قري�ش ذلك احللف حلف‬
‫الف�ضول‪ ،‬ويف ذلك احللف يقول الزبري بن عبد املطلب(‪:)2‬‬
‫و�إن ك��ن��ـ��ا جميعـا �أه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل دار‬ ‫ح�����ل�����ف�����ت ل�����ن�����ع�����ق�����دن ح�����ل�����ف�����ا ع���ل���ي���ه���م‬
‫ي���ع���ز ب����ه ال���غ���ري���ب ل�����دى اجل��ـ��ـ��ـ��وار‬ ‫ن�������س���م���ي���ه ال����ف���������ض����ول �إذا ع��ق��ـ��دن��ـ��ـ��ـ��ـ��ا‬
‫�أق���م���ن���ا ب��ال�����س��ي��وف ذوي االزورار‬ ‫�إذا رام ال�������ع�������ـ�������دو ل���������ه ح�����ـ�����راب�����ـ�����ا‬
‫�أب����اة ال�ضـيم مننـع ك��ل ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار‬ ‫وي�����ع�����ل�����م م�������ن ح������������وايل ال�����ب�����ي�����ت �أن�������ا‬
‫ومن �أحالف العرب امل�ش ��هورة على �س ��بيل املثال‪ :‬حلف الرباب‪ ،‬وهو بني خم�س قبائل‪:‬‬
‫�ض ��بة وث ��ور وعكل وتيم وعدي‪" ،‬وهو حل ��ف عقد بني املتحالفني ب�إدخ ��ال �أيديهم يف " ُر ّب"‬
‫وحتالف ��وا علي ��ه‪� ،‬أو لأنهم جاءوا ب ��رب ف�أكلوا منه‪ ،‬وغم�س ��وا �أيديهم في ��ه‪ ،‬وحتالفوا عليه‪,‬‬
‫وع ْكل و ُمزَ ينة‬ ‫ف�صاروا يدً ا واحدة‪ ،‬وقيل‪ :‬لأنهم اجتمعوا كاجتماع الربابة‪ ،‬وهم‪ :‬تيم وعدي ُ‬
‫و�ض َّبة �أو ‪� :‬ضبة ‪ ,‬وثور‪ ،‬وعكل‪ ،‬وتيم‪ ،‬وعدي(‪. ")3‬‬ ‫َ‬
‫((( مك ��ة واملدين ��ة يف اجلاهلي ��ة وعهد الر�س ��ول ﷺ (�ص ‪ ،)112 :‬واحلديث يف ‪ :‬ال�س�ن�ن الك�ب�رى للبيهقي (‪)596 /6‬‬
‫بتحقيق ‪ :‬حممد عبد القادر عطا ‪ (.‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( الرو� ��ض الأن ��ف‪ ،‬ت الوكي ��ل (‪ )73/2‬ع ��دا البي ��ت الثال ��ث فم ��ن كت ��اب " املنم ��ق يف �أخب ��ار قري� ��ش � ��ص‪187 :‬‬
‫(ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( املف�صل يف تاريخ العرب قبل الإ�سالم ‪( . 378/7 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪248‬‬
‫وحلف عب�س وبني عامر �ض ��د بطن ذبيان و�أحالفهم من تيم و�أ�س ��د ‪ .‬لقول جواد علي‪،‬‬
‫يف كت ��اب ‪ :‬املف�ص ��ل ف ��ى تاريخ العرب قبل الإ�س�ل�ام (‪" )341 /7‬فعب�س مث�ًلتاً حتالفت مع‬
‫"بني عامر" يف حرب الب�سو�س على "ذبيان"‪ ،‬وهي �أختها"‪ .‬وحلف الحْ ُ ْم�س بني قري�ش‪،‬‬
‫وكنان ��ة‪ ،‬وخزاع ��ة‪ ،‬ذكر ذلك �أحمد �ش ��وقي عبد ال�س�ل�ام‪ ،‬يف كتابه ‪ :‬تاري ��خ الأدب العربي‬
‫الع�ص ��ر اجلاهلي (� ��ص ‪ .)1( )59 :‬وكذلك حلف قري�ش والأحابي� ��ش‪ ،‬ذكر هذا احللف ابن‬
‫حبيب يف كتابه ‪ :‬املنمق يف �أخبار قري�ش (�ص ‪ )229 :‬فقال ‪" :‬هذا حلف قري�ش الأحابي�ش‪:‬‬
‫ق ��ال عبدالعزي ��ز بن عم ��ران ابن عبدالعزيز الزه ��ري‪ ،‬الذي يقال له ابن �أب ��ي ثابت ‪ :‬كان‬
‫ال ��ذي بد�أ حلف الأحابي� ��ش �أن رجال من بني احلارث عبد مناة ب ��ن كنانة‪ ،‬هبط مكة فباع‬
‫�س ��لعة له ثم �أوى �إىل دار من دور بني خمزوم‪ ،‬فا�ست�س ��قى فخرجت �إليه امر�أة من قري�ش‪،‬‬
‫فق ��ال ‪ :‬ه�ل�ا كنت �أمرت بع� ��ض احلفدة فقالت ‪ :‬تركتنا بنو بكر نعام ��ا‪ ،‬ذا مثل حماد‪( ،‬انا‬
‫�أن ن�ت�رك يف حرمن ��ا) قال ‪ :‬فخرج الرجل حتى �أتى بني احلارث بن عبد مناة فقال‪ :‬يا بني‬
‫احلارث ! ذلت قري�ش لبني بكر‪ ،‬ف�إن كان عندكم ن�صر فن�صر‪ ،‬فقالوا‪ :‬ادعوا �إخوانكم بني‬
‫امل�ص ��طلق‪ ،‬واحليا بن �س ��عد ابن عمرو‪ ،‬فركبوا �إليهم فجا�ؤوا بهم‪ ،‬و�سمعت بهم بنو الهون‬
‫ب ��ن خزمي ��ة‪ ،‬فركبت معهم وذلك بعد خروج بني �أ�س ��د من تهامة‪ ،‬فخرج ��وا حتى اجتمعوا‬
‫بذنب حب�شي وهو جبل ب�أ�سفل مكة فتحالفوا باهلل القائلني �إنا ليد ته ّد الهد‪ ،‬وحتقن الدم ما‬
‫�أر�س ��ى حب�شي‪ ،‬قال ابن �أبي ثابت الزهري ‪ :‬وملا غلب ق�صي على مكة وغلبت قري�ش وكرثت‬
‫وتفرق عنها من كان ين�صرها من ق�ضاعة و�أ�سد َق ّلت قري�ش وخافت بكرا‪ ،‬فبعث عبد مناف‬
‫�إىل الهون بن خزمية‪ ،‬واحلارث بن عبد مناة ف�أجابوهم‪ ،‬فبعثت بنو احلارث �إىل امل�صطلق‬
‫واحلي ��ا ف�أجابوه ��م‪ ،‬ف�أقبلت الهون يقودها �أبو �ض ��رار بن مالك‪ ،‬و�أقبل ��ت احلارث يقودها‬
‫�ش ��يظن بن عمرو �أخو بني �أحمر وخرج عبد مناف �إليهم فحالفهم" ‪ .‬ثم �إنّ الإ�س�ل�ام منع‬
‫�أن تقوم �أحالف جديدة‪ ،‬ولكنه �أكد الأحالف التي متت يف اجلاهلية(‪ ))2‬املوافقة لل�ش ��ريعة‬
‫الإ�سالمية ‪ .‬ويقول جواد علي‪ ،‬يف كتابه‪ :‬املف�صل يف تاريخ العرب قبل الإ�سالم (‪: )372/7‬‬
‫"والفكرة التي حملت العرب على عقد الأحالف‪ ،‬هي نف�س الفكرة التي تدفعهم اليوم على‬
‫عقد الأحالف بينهم �أو مع غريهم ‪ .‬وهي ال�ض ��رورة والدفاع عن م�ص ��الح خا�صة �أو عامة‪،‬‬
‫�أي‪ :‬نف� ��س الفكرة التي تدفع ال ��دول على التكتل والتحزب وعق ��د الأحالف الدولية يف هذا‬
‫اليوم �أو يف امل�س ��تقبل‪ ،‬وهناك �أحالف عقدت لأغرا�ض هجومية‪ ،‬و�أحالف عقدت مل�ص ��الح‬
‫اقت�صادية‪ ،‬مثل �أكرث �أحالف قري�ش مع القبائل ‪ ,‬و�أحالف لتثبيت نظم و�إقرار قوانني و�أخذ‬

‫((( تاريخ الأحالف يف اجلزيرة العربية منذ الع�صر اجلاهلي �إىل القرن الرابع ع�شر الهجري( الع�شرين ميالدي ) من‬
‫املو�ض ��وعات اجلديدة التي مل تدر�س درا�س ��ة علمية �أكادميية‪ ،‬ون�أمل من �أق�سام التاريخ يف اململكة العربية ال�سعودية‬
‫�أن تويل هذا اجلانب �أهمية كبرية ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( مكة واملدينة يف اجلاهلية وعهد الر�سول ﷺ (�ص‪ ( . )48 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫‪249‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫حقوق وردع ظامل و�إن�صاف مظلوم"‪.‬وكان احللف بني القبائل قد ي�ستمر جيلاً بعد جيل‪ ،‬وال‬
‫وعندئذ ي�صبح �صلة الحمة بني القبائل املتحالفة ‪ .‬وقد‬‫ٍ‬ ‫ينق�ضي �إال ب�سبب �أحداث ج�سيمة‪،‬‬
‫ا�ستم ّر هذا النوع من التحالف وتبعاته �إىل ما بعد البعثة النبوية ‪.‬‬
‫وقد كان عبد املطلب بن ها�شم حتالف مع خزاعة يف الزمن اجلاهلي ف�أقره الر�سول‬
‫ﷺ يف مبد�أ الإ�س�ل�ام‪ ،‬فلقد جاء يف ‪( :‬ال�س�ي�رة احللبية = �إن�س ��ان العيون يف �سرية الأمني‬
‫امل�أمون (‪ )102 /3‬ويف الإمتاع �أن ن�سخة كتابهم ‪" :‬با�سمك اللهم‪ ،‬هذا ما حتالف عليه عبد‬
‫املطلب بن ها�شم‪ ،‬ورجاالت عمرو بن ربيعة من خزاعة‪ ،‬حتالفوا على التنا�صر واملوا�ساة ما‬
‫ب ّل بحر �ص ��وفة‪ ،‬حلفا جامعا غري مفرق‪ ،‬الأ�ش ��ياخ على الأ�شياخ‪ ،‬والأ�صاغر على الأ�صاغر‪،‬‬
‫وال�ش ��اهد عل ��ى الغائب‪ ،‬وتعاهدوا وتعاق ��دوا �أوكد عهد و�أوثق عق ��د ال ينق�ض وال ينكث‪ ،‬ما‬
‫�أ�ش ��رقت �ش ��م�س على ثبري‪ ،‬وحنّ بفالة بعري‪ ،‬وما �أقام الأخ�شبان‪ ،‬وعمر مبكة �إن�سان‪ ،‬حلف‬
‫�أبد لطول �أمد‪ ،‬يزيده طلوع ال�ش ��م�س �ش� � ّدا‪ ،‬وظالم الليل م ��دا‪ ،‬و�أن عبد املطلب وولده ومن‬
‫معهم ورجال خزاعة متكافئون متظاهرون متعاونون‪ ،‬فعلى عبد املطلب‪ ،‬الن�صرة لهم مبن‬
‫تابع ��ه عل ��ى كل طالب‪ ،‬وعلى خزاعة‪ ،‬الن�ص ��رة لعب ��د املطلب وولده وم ��ن معهم على جميع‬
‫العرب يف �شرق �أو غرب �أو حزن �أو �سهل‪ ،‬وجعلوا اهلل على ذلك كفيال‪ ،‬وكفى باهلل جميال‪،‬‬
‫فقال ر�س ��ول اهلل ﷺ ‪ :‬ما �أعرفني بحقكم و�أنتم على ما �أ�س ��لفتم عليه من احللف"‪ .‬فقال‬
‫عبد املطلب �آنذاك(‪:)1‬‬
‫ب�إم�ساك م��ا بيني وب�ين بني عمرو‬ ‫���س���أو���ص��ي زب��ي�را �إن �أت��ت��ن��ي مني ـ ـ ـ ـ ــتي‬
‫وال ي��ل��ح��دن ف��ي��ه بظلـم وال غـ ــدر‬ ‫و�أن ي��ح��ف��ظ ال��ع��ه��د ال��وك��ي��د بجه ـ ــده‬
‫�أب���اك وك��ان��وا دون ق��وم��ك م��ن فهر‬ ‫ه����م ح���ف���ظ���وا الإِ َّل ال����ق����دمي وح���ال���ف���وا‬
‫وحك ��ى ابن حبيب �س ��بب هذا احللف فق ��ال يف كتاب ‪" :‬املنمق يف �أخب ��ار قري�ش (�ص‬
‫‪ )86‬وكان �س ��بب حلف خزاعة لعبد املطلب‪� ،‬أن نفرا من خزاعة قالوا فيما بينهم‪ :‬واهلل ما‬
‫ر�أين ��ا يف هذا الورى �أحدا �أح�س ��ن وجها وال �أمت خلقا وال �أعظ ��م حلما من عبد املطلب‪ ،‬وقد‬
‫ظلمه عمه حتى ا�ستن�صر �أخواله‪ ،‬وقد ولدناه كما ولده بنو النجار‪ ،‬فلو �أنا بذلنا له ن�صرتنا‬
‫وحالفن ��اه ! ف�أجم ��ع ر�أيهم على ذلك‪ ،‬ف�أتوا عبد املطلب فقالوا ‪ :‬ي ��ا �أبا احلارث �إن كان بنو‬
‫النجار ولدوك فقد ولدناك ونحن بعد و�أنت متجاورون يف الدار فهلم فلنحالفك ! ف�أجابهم‬
‫ف�أقبل بديل بن ورقاء بن بديل العدوي‪ ،‬و�س ��فيان بن عمرو‪ ،‬و�أبو ب�ش ��ر القمريي‪ ،‬وهاجر بن‬
‫عم�ي�ر ب ��ن عبدالعزى القمريي‪ ،‬وهاجر بن عبد مناف بن �ض ��اطر‪ ،‬وعب ��د العزى بن قطن‬
‫امل�ص ��طلقي‪ ،‬وخلف بن �أ�س ��عد امللحي‪ ،‬وعمرو بن مالك بن م�ؤمل احلبرتي‪ ،‬يف جماعة من‬

‫((( �أن�ساب الأ�شراف‪ ،‬للبالذري ‪( . )72/1( :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬


‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪250‬‬
‫قومه ��م‪ ،‬فدخلوا دار الن ��دوة فكتبوا بينهم كتابا‪ ،‬و�أقبل عبد املطلب يف �س ��بعة نفر من بني‬
‫املطلب‪ ،‬والأرقم بن ن�ضلة بن ها�شم‪ ،‬وكان من رجال قري�ش‪ ،‬وال�ضحاك وعمرو ابنا �صيفي‬
‫ابن ها�شم‪ ،‬ومل يح�ضره �أحد من بني عبد �شم�س وال نوفل‪ ،‬لليد التي منهم‪ ،‬وعلقوا الكتاب‬
‫يف الكعبة ‪.‬‬
‫وا�س ��تمر هذا احللف حتى جاء الإ�سالم‪ ،‬فلما كان �صلح احلديبية بني ر�سول اهلل ﷺ‬
‫وب�ي�ن �أهل مكة‪ ،‬ذكر ُع ْر َو َة بن الزبري عن امل�س ��ور بن خمرم ��ة‪َ ،‬و َم ْر َوانَ ْب ِن الحْ َ َك ِم " َ�أ َّن ُه َمنْ‬
‫َ�ش ��ا َء �أَنْ َي ْد ُخ َل فيِ َعق ِْد محُ َ َّم ٍد َو َع ْه ِد ِه َد َخ َل‪َ ،‬و َمنْ َ�ش ��ا َء �أَنْ َي ْد ُخ � َ�ل فيِ َعق ِْد ُق َر ْي ٍ�ش وعهدهم‪،‬‬
‫َف َت َوا َث َب � ْ�ت ُخزَ َاع� � ُة َو َقا ُلوا ‪َ :‬ن ْحنُ َن ْد ُخ ُل فيِ َعق ِْد محُ َ َّم ٍد َو َع ْه � ِ�د ِه‪َ ،‬و َت َوا َث َب ْت َب ُنو َب ْك ٍر َو َقا ُلوا َن ْحنُ‬
‫ال�س� � ْب َع َة َ�أ ِو ال َّث َما ِن َي َة َع َ�ش� � َر َ�ش ْه ًرا‬ ‫َن ْد ُخ ُل فيِ َعق ِْد ُق َر ْي ٍ�ش َو َع ْه ِد ِه ْم‪َ ،‬ف َم َك ُثوا فيِ ِت ْل َك ا ْل ُه ْد َن ِة َن ْح َو َّ‬
‫يب ِمنْ َم َّك َة‪َ ،‬و َقا َل ْت ُق َر ْي ٌ�ش‬ ‫ُث َّم �إِنَّ َب ِني َب ْك ٍر َو َث ُبوا َع َلى ُخزَ َاع َة َل ْيلاً بمِ َ اءٍ ُي َق ُال َل ُه ا ْل َو ِت ُري َوهُ َو َق ِر ٌ‬
‫ال�س�َلحاَ ِح‬ ‫‪َ :‬م ��ا َي ْع َل � ُ�م بنا حممد وهذا الليل وم ��ا يرانا من �أَ َح� � ٌد‪َ ،‬ف�أَ َعا ُنوهُ ْم َع َل ْي ِه ْم ِبا ْل ُك َرا ِع َو ِّ‬
‫ل�ض� � ْغ ِن َع َلى َر ُ�س ِول اللهَّ ِ َ�ص� � َّلى اللهَّ ُ َع َل ْي ِه َو َ�س َّل َم‪ ،‬و�أن عمرو ابن �سامل‪ ،‬ركب‬ ‫َو َقا َت ُلوهُ ْم َم َع ُه ْم ِل َّ‬
‫�ول اللهَّ ِ َ�ص� � َّلى اللهَّ ُ َع َل ْي ِه‬ ‫عن ��د ما َكانَ ِم ��نْ �أَ ْم ِر ُخزَ َاع َة َو َب ِني َب ْك ٍر ِبا ْل َو ِت ِري َحتَّى َق ِد َم َع َلى َر ُ�س � ِ‬
‫�ول اللهَّ ِ َ�ص� � َّلى اللهَّ ُ َع َل ْي ِه َو َ�س َّل َم‬ ‫َو َ�س� � َّل َم يخرب الخْ َ برَ َ َو َق ْد َق َال �أَ ْب َياتَ ِ�ش� � ْع ٍر‪َ ،‬ف َل َّما َق ِد َم َع َلى َر ُ�س � ِ‬
‫�أن�شدها �إياه ‪:‬‬
‫الَ ْت��لَ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دَا‬
‫حِ �� ْل��ـ َ��ف �أَ ِب���ي��� ِه َو َ�أ ِب���ي��� َن���ـ���ا ْ أ‬ ‫ي���ا رب ِ�إنيِّ َن���ا� ِ���ش���ـ��� ٌد محُ َ �� َّم��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دًا‬
‫ُث��� َّم���تَ �أَ� ْ���س���لَ��� ْم��� َن���ا َف���لَ��� ْم َن���� ْن���� ِز ْع ي ـ ــدا‬ ‫ق����د ك���ن���ت���م���وا ُو ْل�����������دًا َو ُك������ َّن������ا َوا ِل���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���دَا‬
‫َوا ْد ُع عِ ��� َب���ـ���ا َد اللهَّ ِ َي�����أْ ُت����وا َم��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� َددَا‬ ‫ف����ان���������ص����ر ر�������س������ول اهلل ن���������ص����را �أب��������دا‬
‫�إىل �أن قال ‪:‬‬
‫َو َق�� َّت�� ُل��ـ��و َن��ا ُر َّك���ـ��� ًع���ا َو ُ�س َّج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـدَا‬ ‫ِ��ي��ر هُ َّ��ج��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دًا‬ ‫هُ ����ـ���� ْم َب��� َّي��� ُت���و َن���ا ِب�����ا ْل����� َوت ِ‬
‫�ول اللهَّ ِ ﷺ‪" :‬ن�ص ��رت يا عمرو بن �س ��امل" ‪.‬وقد تنقطع هذه الأحالف كما‬ ‫َف َق َال َر ُ�س � ُ‬
‫ذكرنا �س ��اب ًقا ل�س ��بب من الأ�س ��باب‪ ،‬ومن ذلك احللف الذي عقد بني الأو�س وقري�ش‪ ،‬ف�إنه‬
‫انقطع ومل يتم‪ ،‬و�سببه كما جاء يف كتاب ‪ :‬املنمق يف �أخبار قري�ش (�ص‪ )268 :‬قال ‪ :‬خرجت‬
‫الأو� ��س جالية من اخلزرج حتى نزلت على قري�ش مبكة فحالفتها‪ ،‬فلما حالفتها قال الوليد‬
‫ب ��ن املغ�ي�رة ‪ :‬واهلل ! ما نزل قوم قط على قوم �إال �أخذوا �ش ��رفهم وورث ��وا ديارهم فاقطعوا‬
‫حلف الأو�س‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ب�أي �ش ��يء ؟ قالوا ‪� :‬إن يف القوم ح�ش ��مة‪ ،‬فقولوا ‪� :‬إنا قد ن�س ��ينا �شيئا‬
‫مل نذكره لكم‪� ،‬إنا قوم �إذا طاف الن�س ��اء بالبيت (الكعبة) فر�أى الرجل امر�أة تعجبه قبلها‬
‫ومل�س ��ها بي ��ده‪ ،‬فلما قالوا ذلك للأو�س نفروا وقالوا ‪ :‬اقطع ��وا احللف بيننا وبينكم‪ ،‬فقطعوه‬
‫‪ ..‬وكان له ��ذه الأحالف منزلة �س ��امية عند العرب حترتمه ��ا وال تخرمها‪ ،‬وحتاول جاهدة‬
‫‪251‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫احلفاظ على بقائها ما مل ُتغلب على ذلك‪ ،‬ولهذا يقول احلارث بن حلزة الي�شكري(‪:)1‬‬
‫َم ف����ي����ه ال����ع����ه����ود وال���� ُك����ف��ل�ا ُء‬ ‫واذك�����������روا ح���ل���ف ذي امل����ج����از وم������ا ُق���� ِّد‬
‫ـ���ق�������ض م�����ا يف امل������ه������ارق الأه���������واء‬ ‫ح������ذر اجل��������ور وال����ت����ع����دي وه������ل ي��ن��ـ‬
‫ومن الأحالف امل�ش ��هورة التي �ض ��مت معظم القبائل العربية حلفان كبريان هما حلف‬
‫ِخ ْن ِدف وحلف َ�ش َبابة ‪ .‬وكانت قبيلة زهران‪ ،‬ال تزال يف حلف �ش َبابة‪ ،‬بينما قبيلة غامد‪ ،‬وهي‬
‫القريبة منها ن�س ًبا يف حلف ِخندف(‪.)2‬‬
‫وعقدت بع�ض دول �أوروبا و�آ�س ��يا‪� ،‬س ��نة (‪878‬هـ) حل ًفا �ض ��د الدول ��ة العثمانية‪ ،‬فلقد‬
‫ج ��اء يف كتاب‪ :‬املو�س ��وعة التاريخية ‪ -‬الدرر ال�س ��نية (‪" : )261/7‬تعاه ��دت ثالثون دولة‬
‫�أوروبية و�آ�س ��يوية �ض ��د العثمانيني يف الثاين من �ش ��باط‪ /‬فرباير �سنة (‪1468‬م)‪ ،‬وحاولت‬
‫قوات التحالف �ض ��م مملكة املماليك امل�ص ��رية ال�سورية �إليهم‪ ،‬ولكن دولة املماليك رف�ضت‬
‫ذلك ال�ش�ت�راكهم مع العثمانيني بالدين واملذهب‪ ،‬وعب�أت دول التحالف قواها الع�س ��كرية‪،‬‬
‫وخا�ضت �ض ��د العثمانيني معارك فا�شلة‪ ،‬ثم تعاهدت على خو�ض املعركة العمومية الكربى‬
‫بح� � ًرا وب ًّرا‪ ،‬وبد�أت املعارك البحرية �ض ��د العثمانيني يف �س ��واحل البحر الأبي�ض املتو�س ��ط‬
‫انطال ًق ��ا م ��ن قرب�ص وحترك �أوزون ح�س ��ن الآق قوينل ��و‪ ،‬بجي�ش يتجاوز ع ��دده ثالث مائة‬
‫�أل ��ف خ ّيال‪ ،‬وغادر خربوط قا�ص ��دً ا �أرزجنان ‪ .‬وترك ال�س ��لطان الفاحت ق ��وة كافية حلماية‬
‫�إ�سالمبول‪ ،‬وترك ابنه الأ�صغر َج ّم �سلطان نائ ًبا عنه �أثناء غيابه‪ ،‬وحترك ال�سلطان الفاحت‬
‫من �إ�س�ل�امبول يف ‪1473 /4 /11‬م‪ ،‬ومعه مائة وت�س ��عون �ألف جماهد يتوزعون يف خم�س ��ة‬
‫فيالق ‪ .‬وكان ال�س ��لطان الفاحت يقود فيلق املقدمة‪ ،‬ويق ��ود فيلق امليمنة ابنه الأمري �أبا يزيد‬
‫الث ��اين‪ ،‬ويقود الفيلق الأي�س ��ر ابنه الأمري م�ص ��طفى‪ ،‬وترك يف امل�ؤخ ��رة فيلقني لاللتفاف‬
‫على العدو‪ ،‬وو�ص ��ل �إىل �س ��يوا�س‪ ،‬وق�ص ��د عدوه املت�آمر‪ ،‬فو�ص ��ل �إىل اجلنوب من غوم�ش‪،‬‬
‫خان ��ة الرتكي ��ة ال�ش ��رقية يف ‪1473 /8 /11 :‬م‪ ،‬وح�ص ��لت املعركة الت�ص ��ادمية يف ُ�س� � ُهوب‬
‫بلدة �أوطلوق بلي "‪ ،"Otlukbeli‬الواقعة �ش ��مال �ش ��رق مركز حمافظة �أرزجنان الرتكية ‪.‬‬
‫وحتركت يف البلقان ق ��وات احللفاء التابعة مللك املجر متيا�س‪ ،‬و�إمرباطور �أملانيا فريدريك‬
‫الثالث‪ ،‬وملك البندقية وتوابعه‪ ،‬وقرر احللفاء تكرار هزمية القوات العثمانية مثلما ح�صل‬
‫قبل ذلك ب�إحدى و�سبعني �سنة يف موقعة �أنقرة بني ال�سلطان العثماين با يزيد الأول‪ ،‬واملرتد‬
‫((( ديوانه ‪ (. 70 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( يقول ال�شيخ حمد اجلا�سر رحمه اهلل يف ‪" :‬معجم قبائل اململكة العربية ال�سعودية (�ص‪ِ )214 :‬خ ْندِ ُف ‪ :‬ا�سم ي�شمل‬
‫و�س َل ْيم و َث ِق ْيف‪ ،‬و�سبيع‪ ،‬وال ُب ُق ْوم‪ ،‬وغامد‪ ،‬وبجيلة‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫جمموعة من القبائل متباعدة الن�سب منها ُم َطيرْ ٍ وهُ َذ ْيل ُ‬
‫وج َه ْي َنة و َب ٍّلي‪ ،‬و َز ْه َران‬
‫ُ‬ ‫"‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ي‬ ‫ج‬
‫َِْ‬ ‫ب‬ ‫"‬ ‫مالك‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ِث‬
‫ر‬ ‫ا‬ ‫ح‬ ‫ْ‬
‫وح� � ْر َ َ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ويقابله ا�س ��م �ش ��بابة ي�ض ��م قبائل �أخرى منها ُع َت ْي َب َة َ‬
‫وغريه ��ا‪ .‬وهو تق�س ��يم كان ��ت تلك القبائل تلج� ��أ �إليه حينما حتدث بينها ح ��روب كبرية يف العهود املا�ض ��ية"‪ (.‬ابن‬
‫�سدران ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪252‬‬
‫تيمورلنك ‪ .‬ودارت احلرب العاملية بني �س ��لطان امل�سلمني حممد الفاحت و�أعدائه الأوروبيني‬
‫وعمالئهم املرتدين الآ�س ��يويني‪ ،‬فهجمت �أ�س ��اطيل البندقية وغريه ��ا على املواقع البحرية‬
‫العثماني ��ة‪ ،‬ولكنها ُ�ص� � ّدت‪ ،‬ومل حتقق انت�ص ��ا ًرا ُيذكر‪ ،‬وف�ش ��لت القوات الربي ��ة يف البلقان‬
‫بقيادة الإمرباطور الأملاين فريدريك‪ ،‬وملك املجر متيا�س‪ ،‬وتراجعت �أمام هجمات فر�سان‬
‫الروملل ��ي العثماني�ي�ن ‪ .‬وبد�أت املعركة الربي ��ة الكربى بني قوات ال�س ��لطان حممد الفاحت‪،‬‬
‫وقوات ح�سن الطويل الرتكماين‪ ،‬وانطلقت قذائف املدفعية العثمانية‪ ،‬وبد�أ ح�صاد فر�سان‬
‫الع ��د ّو‪ ،‬و�أوعز الفاحت لفيلقي االحتياط بااللتفاف على العدو‪ ،‬ف�ش� � ّكال فكي كما�ش ��ة‪ ،‬ومنعا‬
‫ع�س ��اكر العدو من الفرار‪ ،‬و َقت ََل الأمري العثماين م�صطفى بن الفاحت َ‬
‫قائد اجلناح املعادي‪:‬‬
‫زينل مريزا بن ح�سن الطويل‪ ،‬و�أ�سر ثالثة �أمراء تيموريني‪ ،‬وهجم الأمري العثماين �أبا يزيد‬
‫الثاين‪ ،‬على �سرادق ح�سن الطويل‪ ،‬فهرب ح�سن الطويل‪ ،‬من ميدان املعركة‪ ،‬وقال حلليفه‬
‫القره ماين �أحمد بك ‪" :‬يا قره مان �أوغلو خ ّرب اهلل بيت �س�ل�التك‪�َ ،‬س� � َّب ْب َت خزيي وعاري‪،‬‬
‫م ��ايل وبن ��ي عثمان ؟ "و�أم ��ر الفاحت بعدم مالحق ��ة الفارين‪ ،‬ومكث يف املي ��دان مدة ثالثة‬
‫�أيام يتفقد اجلرحى وال�شهداء‪ ،‬وينظم �أمور الأ�سرى‪ ،‬وطلب ح�سن الطويل ال�صلح‪ ،‬ف�أجابه‬
‫الفاحت‪ ،‬ووقعا معاهدة �ص ��لح ت�ض ��منت اعرتاف ح�س ��ن الطويل بامتالك العثمانيني ململكتي‬
‫طرابزون وقره مان‪ ،‬و�أ�صبح حلي ًفا للعثمانيني يف �آ�سيا هو و�أوالده من بعده(‪.")1‬‬
‫و�شاع يف هذا الع�صر احلديث حلفان كبريان م�شهوران‪ ،‬الأول ‪ :‬بقيادة الواليات املتحدة‬
‫الأمريكية‪ ،‬وعدد من دول العامل �س ��نة ‪1411( :‬هـ‪1990/‬م) ال�ستعادة دولة الكويت بعد �أن‬
‫احتلته ��ا دول ��ة العراق ‪ .‬والثاين احللف ال ��ذي تقوده هذه الأيام اململكة العربية ال�س ��عودية‬
‫ودول اخلليج العربي‪ ،‬وبع�ض الدول العربية‪ ،‬من �أجل ا�ستعادة ال�شرعية يف جمهورية اليمن‬
‫من ع�صابتي املخلوع ‪ :‬علي بن عبداهلل بن �صالح‪ ،‬وراف�ضة احلوثيني ‪.‬‬
‫ب ـ من �أحالف زهران ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ مناذج من �أحالف زهران قبل الإ�سالم ويف �صدره ‪:‬‬
‫دخل ��ت قبيلة زهران عرب ع�ص ��ور التاريخ يف عدة �أحالف مع بع� ��ض القبائل العربية‪،‬‬
‫و�أول حلف �ش ��اركت فيه �ض ��من قبائل قحطان هو ذاك الذي مت مع قبيلة ربيعة يف الع�ص ��ر‬
‫اجلاهلي على يد تبع ملك يكرب اليماين ‪ .‬ثم جتدد هذا احللف يف الإ�س�ل�ام مرتني ‪ :‬املرة‬
‫الأوىل‪ :‬يف عه ��د اخلليف ��ة الأموي يزيد بن معاوية بن �أبي �س ��فيان‪ ،‬والذي توىل جتديده بني‬
‫الأزد وربيعة ‪ :‬م�س ��عود بن عمرو بن عدي بن حمارب بن �ص ��نيم بن مليح بن �ش ��رطان بن‬
‫مع ��ن بن مالك ب ��ن فهم بن غنم بن دو�س بن عدثان بن عب ��د اهلل بن زهران‪ ،‬امللقب بقمر‬

‫((( املو�سوعة التاريخية ‪ -‬الدرر ال�سنية ‪ ( . )261 /7( :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫‪253‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫العراق‪ ،‬كان ذلك يف والية عبيد اهلل بن زياد على العراق‪ ،‬وقد �أنفق ابن زياد ما ًال كث ًريا بني‬
‫القبيلتني حتى مت احللف(‪.)1‬ومل يكن الهدف منه يف الظاهر �إال اال�ستعانة برجال القبيلتني‬
‫يف �إعادة �إقليم العراق الثائر �آنذاك �إىل �س ��يطرة الدولة الأموية ‪ .‬واملرة الثانية ‪ :‬يف �أواخر‬
‫الع�ص ��ر الأم ��وي‪ ،‬يف والية مروان بن حمم ��د‪ ،‬وكان الذي جدده بني القبيلتني ال�س ��ابقتني ‪:‬‬
‫�أبو علي جديع بن علي ابن �ش ��بيب بن عامر بن براري بن �ص ��نيم ابن مليح بن �ش ��رطان بن‬
‫معن بن مالك بن فهم بن غنم بن دو�س الكرماين الزهراين‪ ،‬حيث طلب ن�س ��خته من عمر‬
‫ب ��ن �إبراهي ��م‪ ،‬من ولد �أبرهة بن ال�ص ��باح‪ ،‬ملك حمري (‪ ،)2‬وجمع �أ�ش ��راف اليمن وعظماء‬
‫ربيعة وقر�أ عليهم ن�س ��خة احللف وهي كالتايل ‪" :‬ب�س ��م اهلل العل ��ي الأعظم‪ ،‬املاجد املنعم‪،‬‬
‫ال�س ��وا‪ ،‬والأوا�ص ��ر‬ ‫ال�س ��واء َّ‬ ‫هذا ما احتلف عليه �آل قحطان‪ ،‬وربيعة الأخوان‪ ،‬احتلفوا على َّ‬
‫والإخا‪ ،‬ما احتذى رجل حذا‪ ،‬وما راح راكب واغتدى‪ ،‬يحمله ال�صغار عن الكبار‪ ،‬والأ�شرار‬
‫ع ��ن الأخيار ‪� .‬آخر الدهر والأبد‪� ،‬إىل انق�ض ��اء مدة الأمد‪ ،‬وانقرا� ��ض الآباء والولد‪ ،‬حلف‬
‫ُيوط� ��أ و ُيثب‪ ،‬ما طلع جنم وغ ��رب‪ ،‬خلطوا عليه دماهم عند ملك �أر�ض ��اهم‪ ،‬خلطها بخمر‬
‫و�س ��قاهم‪ ،‬جز من نوا�ص ��يهم �أ�ش ��عارهم وقلم عن �أناملهم �أظفارهم‪ ،‬فجمع ذلك يف �صر‪،‬‬
‫ودفنه حتت ماء غمر‪ ،‬يف جوف قعر بحر‪� ،‬آخر الدهر‪ ،‬ال �س ��هو فيه وال ن�س ��يان‪ ،‬وال غدر وال‬
‫ِخذالن بعقد ُمو ّكد �شديد‪� ،‬إىل �آخر الدهر الأبيد‪ ،‬ما دعا �صبي �أباه‪ ،‬وما حلب عبد يف �إناه‪،‬‬
‫حتمل عليه احلوامل‪ ،‬وتقبل عليه القوابل‪ ،‬ما حل بعد عام قابل‪ ،‬عليه املحيا واملمات‪ ،‬حتى‬
‫ييب�س الفرات‪ ،‬وكتب يف ال�ش ��هر الأ�صم(‪ ،)3‬عند ملك �أخي ِذممَ ‪ ،‬ت ّبع بن ملك يكرب‪ ،‬معدن‬
‫الف�ض ��ل واحل�س ��ب‪ ،‬عليهم جميعا كفل‪ ،‬و�ش ��هد اهلل الأجل‪ ،‬الذي ما �ش ��اء فعل‪ ،‬عقله من‬
‫عقل‪ ،‬وجهله من جهل " ‪.‬وكان هدف جديع من ذلك �أن تنحاز معه قبيلة ربيعة‪� ،‬ض ��د وايل‬
‫خرا�سان من قبل بني �أمية‪ ،‬ن�صر بن �سيار وقبيلته متيم من امل�ضرية ‪.‬‬
‫وذك ��ر ابن حبيب �أن قبيلة دو�س بن عب ��د اهلل بن عدثان بن زهران‪ ،‬حتالفت مع قبيلة‬
‫قري� ��ش يف العه ��د اجلاهلي فقال ‪ :‬ملا كرثت قري�ش رغبت يف وج‪ ،‬وهو وادي الطائف‪ ،‬فقالت‬
‫لثقيف ‪ :‬ن�ش ��رككم يف احلرم و�أ�ش ��ركونا يف وج‪ ،‬فقالت ثقيف ‪ :‬كيف ن�ش ��رككم يف واد نزله‬
‫�أبونا وحفره بيده يف ال�صخر مل يحفره باحلديد‪ ،‬وفيه يقول ‪:‬‬
‫وت�����������رم�����������ي�����������ن�����������ي ب�����ج�����ل�����م�����ود‬ ‫ف�����������������أرم����������������ي����������������ه����������������ا ب�������ج�������ل�������م�������ود‬
‫وك�������������������������ل ه����������������ال����������������ك م�������������������ودي‬ ‫ف�������������أف������������ن������������ي������������ه������������ا وت������ف������ن������ي������ن������ي‬
‫ق ��ال‪ :‬و�أنتم مل جتعل ��وا احلرم‪� ،‬إمن ��ا جعله �إبراهيم عليه ال�ص�ل�اة وال�س�ل�ام‪ ،‬فقالت‬
‫((( تاريخ خليفة بن خياط ‪ ،258 :‬الكامل يف التاريخ ‪ (.136/4 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( تاريخ اليعقوبي ‪ ( . 257/2 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( ا�سم ل�شهر رجب يف اجلاهلية‪� ،‬سموه به لعدم �سماع ال�سالح فيه ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪254‬‬
‫قري�ش‪ :‬ال تدخلوا حرمنا علينا وال ندخل عليكم وجكم‪ ،‬فلما خ�ش ��وا احلرب وخ�ش ��يت ثقيف‬
‫من قري�ش‪ ،‬وخزاعة‪ ،‬وبني بكر بن عبد مناة‪ ،‬حالفت قري�شا ودعت �أخوتها من دو�س قال ‪:‬‬
‫فلما حالفت قري�ش ثقي ًفا قالت قري�ش لثقيف ‪ :‬نطلب من دو�س ما طلبنا منكم من ال�شركة‬
‫يف الدار‪ ،‬فقالت ثقيف ‪ :‬بل دو�س حتالفكم‪ ،‬فركب عبد ياليل ابن معتب‪ ،‬وم�سعود بن عمرو‪،‬‬
‫قري�ش ��ا طلبت منا‬ ‫دو�س ��ا‪ ،‬فقالوا لهم �إن ً‬ ‫وهما من ثقيف ثم من الأحالف يف نفر حتى �أتوا ً‬
‫�أن ندخله ��م يف وج و�أن يدخلونا يف احلرم ف�أبينا ذلك عليهم‪ ،‬ثم حالفناهم فرغبوا �إىل ما‬
‫عندكم‪ ،‬ف�أدخلوهم وليدخلوكم وحالفوهم‪ ،‬فحالفت دو�س ً‬
‫قري�شا ‪.‬‬
‫وكان م ��ن نتيج ��ة مفاو�ض ��ات عبد ياليل ب ��ن معتب‪ ،‬وم�س ��عود بن عم ��رو الثقفيني‪� ،‬أنْ‬
‫حالفت معظم قبائل دو�س قري�شا‪ ،‬حيث حالف من دو�س "بنو منهب بن دو�س بن عدثان بن‬
‫عبداهلل بن زهران‪ ،‬وبنو مالك بن فهم بن غنم بن دو�س بن عدثان بن عبداهلل بن زهران‪،‬‬
‫وعام ��ة نبي�ش‪ ،‬ومل يحالف �س ��ائر دو�س(‪ .")1‬وقد َجه ��دت يف معرفة نبي�ش‪ ،‬فلم �أعرث على‬
‫َمن ذكرهم من امل�ؤرخني �سوى ابن حبيب‪ ،‬ولعل �صواب ا�سمه "حبي�ش"‪ ،‬وهو من ولد �أمنار‬
‫بن النمر بن عثمان بن ن�صر بن زهران ‪.‬كما عقدت دو�س حل ًفا مع �أحد بطون قبيلة ثقيف‪،‬‬
‫وه ��م بن ��و مالك‪ ،‬لقول ابن الأثري يف كامله (‪َ " : )606 /1‬ف َ�س ��ا َر ْت َب ُنو َما ِل ٍك َت ْب َت ِغي الحْ ِ ْل َف‬
‫الَ ْحلاَ ُف ِ�إلىَ المْ َ ِدي َن ِة َت ْب َت ِغي الحْ ِ ْل َف ِمنَ‬
‫الَ ْحلاَ ِف‪َ ،‬و َخ َر َج ِت ْ أ‬
‫ِم ��نْ َد ْو ٍ�س َو َخ ْث َع ٍم َو َغيرْ ِ َها‪َ ،‬ع َلى ْ أ‬
‫الَ ْن َ�صا ِر َع َلى َب ِني َما ِل ٍك"‪.‬‬ ‫ْأ‬
‫وهناك �أحالف فردية متت بني �أ�شخا�ص من بطون قبيلة زهران ‪( :‬دو�س‪ ،‬وبني �أو�س‪،‬‬
‫وبني �س�ل�امان)‪ ،‬و�أ�شخا�ص من قبيلة قري�ش‪ ،‬نذكر منهم‪)1( :‬جعثمة بن ي�شكر الزهراين‬
‫خ ��رج جعثمة �أي ��ام خرجت الأزد من م�أرب فن ��زل يف بني الديل بن بكر ب ��ن عبد مناة ابن‬
‫كنانة‪ ،‬فحالفهم وزوجهم فزوجوه(‪)2(.)2‬مالك بن الق�ش ��ب وا�سم الق�شب جندب بن ن�ضلة‬
‫ب ��ن عبد اهلل بن رافع بن حم�ض ��ب بن مب�ش ��ر بن �ص ��عب ب ��ن دهمان بن ن�ص ��ر بن زهران‬
‫ب ��ن كعب بن احلارث بن عبداهلل بن ن�ص ��ر بن الأزد ‪.‬كان مالك قد غ�ض ��ب على قومه بني‬
‫حم�ض ��ب‪ ،‬يف �شيء فحلف �أال يجمعه و�إياهم م ْنزل فلحق مبكة‪ ،‬فحالف عبداملطلب بن عبد‬
‫من ��اف‪ ،‬وتزوج بحينة بنت احلارث بن املطلب(‪� )3(.)3‬أبو �أزيهر بن �أني�س بن اخلي�س ��ق بن‬
‫مالك بن �سعد ابن كعب بن احلارث بن عبد اهلل بن عامر وهو الغطريف بن بكر بن ي�شكر‬
‫بن مب�ش ��ر بن �ص ��عب بن دهمان بن ن�صر بن زهران بن كعب بن احلارث بن كعب بن مالك‬
‫بن ن�صر بن الأزد ‪.‬كان من حديث �أبي �أزيهر‪� ،‬أنه كان حلي ًفا لأبي �سفيان بن حرب‪ ،‬وكانت‬

‫((( املنمق يف �أخبار قري�ش (�ص‪ ( . )232 :‬ابن �سدران )‪.‬‬


‫((( �أخبار مكة للأزرقي ‪ 14/1 :‬وال�سرية النبوية ‪ ( . 105/1 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( الطبقات البن �سعد ‪ ،64/4 :‬والبداية والنهاية ‪ (. 107/8 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫‪255‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫دو� ��س �أخواله وكان ال يعرف �إال بالدو�س ��ي‪ ،‬ف ��كان يقعد هو و�أبو �س ��فيان يف �أيامهما يف قبة‬
‫لهما في�ص ��لحان بني من ح�ض ��ر ذلك املكان ال ��ذي هما فيه‪ ،‬وكان �أب ��و �أزيهر قد زوج ابنته‬
‫عاتكة �أبا �س ��فيان فولدت له حممدا وعنب�س ��ة‪ ،‬وزوج زينب بنت �أبي �أزيهر‪ ،‬عتبة بن ربيعة‪،‬‬
‫فولدت له ربيعة ونعمان‪ ،‬ثم خلف عليها �أبو حبيب بن مه�ش ��م بن املغرية‪ ،‬فولدت له‪ ،‬وزوج‬
‫ابنة له �أخرى الوليد بن املغرية بن عبد اهلل بن عمر بن خمزوم‪ ،‬ثم �أم�سكها عنه‪ ،‬وب�سببها‬
‫ُقت ��ل(‪ . )1‬كما حالف قري�ش ��ا من قبائل بني �أو�س الزهرانية العائدة �إىل ن�ص ��ر بن زهران ‪:‬‬
‫(‪)4‬احلارث بن �سخربة بن جرثومة اخلري بن عادية بن مرة بن ج�شم بن الأو�س بن عامر‬
‫بن حفني بن النمر بن عثمان بن ن�ص ��ر بن زهران الأزدي ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬حيث كان حليفا‬
‫لأبي بكر ال�صديق ر�ضي اهلل عنه قبل الإ�سالم‪ ،‬وهو الذي خلفه �أبو بكر ال�صديق ر�ضي اهلل‬
‫عنه‪ ،‬على امر�أته �أم رومان بعد موته‪ ،‬ف�أجنبت له عبدالرحمن‪ ،‬وعائ�ش ��ة �أم امل�ؤمنني ر�ضي‬
‫اهلل عنهما(‪)5(.)2‬الطفيل بن عبداهلل بن احلارث بن �سخربة بن جرثومة اخلري بن عادية‬
‫ب ��ن مرة بن ج�ش ��م بن الأو�س ب ��ن عامر بن حفني بن النمر بن عثمان بن ن�ص ��ر بن زهران‬
‫الأزدي ‪ .‬ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬حليف قري�ش و�أحد �صحابة ر�سول اهلل ﷺ‪ ،‬وهو �أخو عبدالرحمن‬
‫وعائ�ش ��ة‪ ،‬ابني �أبي بكر ال�صديق ر�ض ��ي اهلل عنهم لأمهما �أم رومان ر�ضي اهلل عنها‪ ،‬وكان‬
‫�أ�سنهما(‪.)3‬كما ذكر ابن حبيب �أن بني �سالمان بن مفرج بن مالك بن زهران‪ ،‬والتي كانت‬
‫ت�س ��توطن وادي �أبيدة وما حوله‪ ،‬وجاء الإ�س�ل�ام وهي به حالفت قبيلة قري�ش �أي�ضا‪ ،‬ويفهم‬
‫من قوله �أنهم من قبيلة دو�س‪ ،‬ولي�سوا منها‪ ،‬فهم قبيلة قائمة بذاتها �إىل ال�شرق من مواطن‬
‫قبيلة دو�س(‪)6(.)4‬وحلاجز ابن عوف ال�س�ل�اماين الزهراين ال�ش ��اعر ال�صعلوك اجلاهلي‬
‫وهو منهم‪ ،‬حلف مع بني خمزوم بن يقظة ابن مرة بن كعب بن ل�ؤي‪ ،‬رهط خالد بن الوليد‬
‫ر�ضي اهلل عنه‪،‬ويف حلفه لبني خمزوم من قري�ش يقول مفتخرا(‪:)5‬‬
‫مي احل�� ْل��فِ وال َّن َ�سبِ‬ ‫ري�ش ك��ر ُ‬ ‫وفيِ ُق ٍ‬ ‫ق����وم����ي �����س��ل�ام����ان �إ َّم���������ا ك����ن����تِ ����س���ائ���ل��� ًة‬
‫ال يرع�شون ل�ضربِ القو ِم من َك َثبِ‬ ‫�إنيّ ِ م��� َت���ى �أد ُع خم����زو ًم����ا َت�����رى عُ�� ُن�� ًق��ا‬
‫َ‬
‫�أوالد م��� ْر�أ� َ���س��� ٍة ل��ي��� ُ��س��وا مِ ���ن ال�� َّذ َن��بِ‬ ‫ُي�����دعَ�����ى امل����غ��ي�رة فيِ �أولىَ عَ����دي����ده���� ُم‬
‫ومي�ض ��ي ابن حبي ��ب يف تعداد َم ��ن حالف قبيلة قري� ��ش من دو�س وغريه ��ا من قبائل‬
‫زهران فيقول ‪ " :‬ودخل يف الأحالف ب�س ��بب دو�س �آل �أبي ذباب‪ ،‬ولي�س ��وا من دو�س �إمنا هم‬

‫((( املنمق يف �أخبار قري�ش‪199 :‬وما بعدها‪،‬وال�سرية النبوية‪ ،413/1 :‬ون�سب قري�ش‪(.323 :‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( الطبقات البن �سعد ‪ 202/8 :‬و ‪ 186/5‬والإ�صابة ‪ (. 350/2 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( ()الإ�صابة يف متييز ال�صحابة ‪ ،224 :‬واال�ستيعاب ‪ ،229/2 :‬واملعارف ‪(. 173/1 :‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( انظر ‪ :‬املنمق يف �أخبار قري�ش (�ص‪ (. )235 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( الأغاين ‪ 211/13 :‬و ‪ ،218/13‬والأبيات يف ديوانه ‪ ( .28 :‬ابن �سدران) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪256‬‬
‫بنو احلارث بن عمرو‪ ،‬ولي�س لهم حلف‪ ،‬قال ‪ :‬ودخل فيهم �آل معيقيب بن �أبي فاطمة موىل‬
‫�س ��عيد بن العا�ص وهم ين�س ��بون �إىل بني احل ��ارث بن عامر "قلت معيقيب هو ال�ص ��حابي‬
‫اجلليل الذي كان على خامت ر�س ��ول اهلل ﷺ‪ ،‬وعلى بيت مال امل�س ��لمني على عهد �أبي بكر‪،‬‬
‫وعمر‪ ،‬وعثمان ر�ض ��ي اهلل عنهم ‪ -‬وقوله يف كتابه �س ��الف الذكر �إىل �أنهم ُين�سبون �إىل بني‬
‫احل ��ارث بن عامر‪ -‬بن عبداهلل بن عدي بن حيان بن معاوية بن حمرة بن عبيدة بن ُعربة‬
‫اب ��ن زه ��ران ‪ -‬وق ��د حالف معيقيب ر�ض ��ي اهلل عنه بني �أمي ��ة) لي�س ب�ص ��واب‪ ،‬لأنَ هذين‬
‫البيت�ي�ن‪ ،‬و�أعني بهما بيت �آل �أبي ذباب‪ ،‬وبيت معيقيب بن �أبي فاطمة‪ ،‬م�ش ��هوران يف دو�س‬
‫فمن البيت الأول‪� :‬س ��عد بن �أبي ذباب احلجازي الدو�س ��ي الزهراين ر�ض ��ي اهلل عنه‪� ،‬أمري‬
‫دو�س يف اجلاهلية‪ ،‬و�س ��يدها الذي كانت ت�ص ��در عن ر�أيه‪ ،‬وفد على الر�سول ﷺ‪ ،‬ف�أ�سلم‪،‬‬
‫و�أقره على �إمارة دو�س‪ ،‬وا�س ��تمر �أم ًريا عليها �إىل خالفة عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫ومن البيت الثاين ‪ :‬معيقيب بن �أبي فاطمة الدو�سي‪ ،‬ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬وقد مر ذكره ذكرهما‬
‫ابن حزم يف جمهرته‪ ،‬وابن حجر الع�سقالين‪ ،‬يف كتابه‪ :‬تهذيب التهذيب‪ ،‬ويف كثري من كتب‬
‫ال�س�ي�ر والرتاجم ‪)7( .‬وممن له حلف من دو�س بن ��ي منهب‪ ،‬يف قري�ش ‪ :‬الطفيل بن عمرو‬
‫الدو�س ��ي‪ ،‬ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬كان حلي ًفا لبن ��ي �أمية(‪)8(.)1‬ومن دو�س بني فه ��م ‪� :‬أبو هريرة‬
‫الدو�س ��ي ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬حيث كان حليفا لأبي بكر ال�ص ��ديق‪ ،‬ر�ض ��ي اهلل عنهما(‪)9(.)2‬‬
‫ومروان بن قي�س الدو�س ��ي‪ ،‬ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬ال �أدري من �أي بطن من دو�س‪،‬كان له حلف يف‬
‫قبيلة ثقيف بالطائف‪ ،‬لقول الر�سول ﷺ له‪ :‬بل �أنت �أحدهم يف الع�صب‪ ،‬وحليفهم باهلل ما‬
‫دام الطائف مكانه‪ ،‬حتى تزول اجلبال‪ ،‬ولن تزول اجلبال ما دامت ال�سماوات والأر�ض(‪. )3‬‬
‫وقد انهارت هذه الأحالف اجلماعية والفردية عندما قتلت قري�ش �أبا �أزيهر الدو�سي‪،‬‬
‫ف�ش ��نت دو�س مع بع�ض القبائل الأزدية حربا على قري�ش‪ ،‬وفر�ض ��ت عليها �إتاوة يف جتارتها‬
‫�إىل اليمن‪ ،‬مل ي�ض ��عها عن قري�ش �إ َّال ر�س ��ول اهلل ﷺ بعد فتح مكة‪ ،‬وي�ؤخذ من معظم هذه‬
‫الأح�ل�اف �أنه ��ا متت م ��ن قبل �أفراد م ��ن زهران لنظرائهم م ��ن قري� ��ش‪ ،‬و�أن �أغلب �أولئك‬
‫املحالفني من زهران رمبا رحل �إىل حليفه القر�ش ��ي وجاوره مل�ص ��الح �شخ�ص ��ية ومل ن�سمع‬
‫بقر�ش ��ي حالف زهرانيا ورحل �إليه‪ ،‬ف�أبو �أُزيهر الدو�س ��ي‪ ،‬رحل �إىل مكة‪ ،‬وحالف �أبا �سفيان‬
‫اب ��ن ح ��رب‪ ،‬وزوج بناته الثالث على رجال من قبيلة قري�ش مكة‪ ،‬و ُقتل يف مكة ‪ .‬وحاجز بن‬
‫عوف ال�سالماين الزهراين حليف بني خمزوم‪ ،‬كان مبكة حني ُقتل �أبو �أزيهر الدو�سي‪ ،‬وهو‬

‫((( امل�ستخرج من كتب النا�س للتذكرة وامل�ستطرف من �أحوال الرجال للمعرفة (‪(. )403 /2‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( الإ�صابة يف متييز ال�صحابة ‪ ،241 ،202/4 :‬واال�ستيعاب ‪ (. 202/4 :‬ابن �سدران) ‪.‬‬
‫((( ال�سرية النبوية ‪ :‬املجلد الثاين ‪ ،485 :‬الإ�صابة يف متييز ال�صحابة ‪(. 404/3 :‬ابن �سدران) ‪.‬‬
‫‪257‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫الذي �أبلغ دو�سا مبقتله وذلك بعد هجرة امل�صطفى ﷺ(‪ .)1‬ومعيقيب بن �أبي فاطمة‪ ،‬الزم‬
‫حلف ��اءه الأمويني من �أهل مكة‪� ،‬إىل �أن �أتى الإ�س�ل�ام‪ ،‬فهاجر مع املهاجرين �إىل احلب�ش ��ة‪،‬‬
‫وعاد منها �إىل املدينة النبوية مع جعفر الطيار ر�ضي اهلل عنه‪� ،‬سنة فتح خيرب يف ال�سفينتني‬
‫اللتني �أقلتا جم ًعا من ال�ص ��حابة(‪.)2‬واحلارث بن �س ��خربة‪ ،‬هاجر قبل الإ�س�ل�ام بامر�أته �أم‬
‫رومان �إىل مكة‪ ،‬وحالف �أبا بكر ال�صديق ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬ومل يعد �إىل قبيلته‪ ،‬وملا مات خلف‬
‫�أبو بكر ال�صديق ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬على امر�أته �أم رومان ر�ضي اهلل عنها(‪.)3‬‬
‫‪ 2‬ـ بع�ض �أحالف زهران يف الع�صر احلديث ‪:‬‬
‫�أ ـ �أحالف مع زهران وغريها ‪:‬‬
‫و�إىل جانب هذه الأحالف الفردية‪ ،‬ميكن تق�سيم الأحالف يف زهران �إىل عدة �أق�سام‬
‫فهن ��اك �أح�ل�اف مع قبائل من خ ��ارج القبيلة‪ ،‬يعقدها �ش ��يوخ القبائل �أو م ��ن ينوب عنهم‪،‬‬
‫و�أح�ل�اف قبيلة زهراني ��ة مع بع�ض قبائله ��ا‪ ،‬و�أحالف قرية من قرى قبيل ��ة من زهران مع‬
‫�أخ ��رى م ��ن قبيلة خارج قبيلة زه ��ران‪ ،‬و�أحالف تتم ب�ي�ن قريتني من قبيلت�ي�ن زهرانيتني‪،‬‬
‫و�أح�ل�اف قريتني م ��ن قبيلة زهرانية واح ��دة‪ ،‬و�أحيانا بني �أفراد قرية واح ��دة �أو بيوت من‬
‫"ال�ص � ْ�ح َبة" ‪ .‬ومتتاز هذه‬
‫قرية واحدة من قبيلة من قبائل زهران‪ ،‬وي�س ��مى هذا احللف ‪ُّ :‬‬
‫الأحالف ب�إيجاز �ص ��ياغتها و�س ��جع �ألفاظها من مثل‪� " :‬أوكد عهد و�أوثق عقد ال ينق�ض وال‬
‫ينكث‪ ،‬ما �أ�شرقت �شم�س على ثبري‪ ،‬وحنّ بفالة بعري‪ ،‬وما �أقام الأخ�شبان وعمر مبكة �إن�سان‬
‫حلف �أبد لطول �أمد‪ ،‬يزيده طلوع ال�ش ��م�س �ش� � ّدا‪ ،‬وظالم الليل مدا" ‪ .‬ومثل ‪" :‬ما دام اهلل‬
‫ُيعبد‪ ،‬والغراب �أ�سود‪ ،‬واجلبال ُر َّكد‪ ،‬واملاء يورد‪ ،‬واملالئكة �أو النا�س ي�صلون على حممد" ‪.‬‬
‫ومثل ‪" :‬و�إنّ من بار عليه اهلل ثار‪ ،‬وعليه �أريا�ش الغربان‪ ،‬ولبا�س الن�سوان" ‪ .‬ومثل ‪" :‬ما دام‬
‫الغراب غراب‪ ،‬والرتاب تراب‪ ،‬حلف ال ينق�صه العقاب‪ ،‬وال يفكه الطالب"‪.‬‬
‫و�إذا م ��ا اعتدت قبيلة على �أح ��د الأحالف‪ ،‬وت�أخرت حليفتها عن ن�ص ��رتها ر�أينا تلك‬
‫املعتدى عليها تذكر حليفتها مبا بينهما من حلف وت�س ��تحثها على ن�ص ��رتها �إنْ هي‬‫القبيلة َ‬
‫ن�ص موجه من �أحد �أفراد قبيلة رمبا تكون بدوية من الز ُّْه َران‪� ،‬إىل حلفائهم‬
‫تباط�أت‪ ،‬يقول ٌّ‬
‫من قريتي ال َك َرا ِد َ�سة وال�ضحوات وكال القريتني من قبيلة بني َعدوان " احلمد هلل وحده‬
‫(‪)4‬‬

‫((( الأغاين ‪ ( .187/1 :‬ابن �سدران )‪.‬‬


‫((( انظر‪ :‬امل�صباح امل�ضي يف كتاب النبي الأمي ور�سله �إىل ملوك الأر�ض من عربي وعجمي‪(.186/1 :‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( ال�ص�ل�ات احل�ض ��ارية ب�ي�ن بالد غامد وزهران وحوا�ض ��ر احلج ��از الكربى �ص�ل�ات قدمية تعود �إىل ع�ص ��ر ما قبل‬
‫الإ�سالم‪ ،‬وهذا املو�ضوع جدير بالدرا�سة‪ ،‬فيكون عنوان ًا لكتاب �أو ر�سالة دكتوراه ‪(.‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( لق ��د اطلعت خ�ل�ال الثالثني عام ًا املا�ض ��ية على مئات الوثائق احلديثة‪ ،‬وبخا�ص ��ة من بعد القرن العا�ش ��ر الهجري‬
‫(ال�ساد�س ع�شر امليالدي)‪ ،‬وجميعها عن قبائل اجلزيرة العربية‪ ،‬وعلى وجه التحديد يف احلجاز وال�سروات وتهامة‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪258‬‬
‫من عبد اهلل بن ح�س ��ن بن بوخري‪� ،‬إىل من يراه معي�ض بن ح�س�ي�ن‪ ،‬وكافة الكراد�سة خا�ص‬
‫وعام‪ ،‬ال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته ور�ضاه �آمني وبعد ‪:‬جاءنا ح�سن بن معجب‪ ،‬ويذكر‬
‫له يف ذمة من ابن م�سعر‪ ،‬ورحنا نطلب ذمة لكم و(وحدونا) �شهرين جمادوين وع�شر ليايل‬
‫م ��ن (غر)‪� ،‬ش ��هد على ذلك اهلل‪ ،‬ثم ر�س ��وله وهي يف وجه اهلل ور�س ��وله ووج ��ه جمعان بن‬
‫م�س ��فر و�أخيه ح�س ��ن‪ ،‬وحنا �ش ��هودها يا �آل بوخري‪ ،‬وحمد بن عمر ‪ ...‬و�أنا ال�س ��يد فا�ض ��ل‬
‫الرفاعي ن�س� � ًبا‪ ،‬وال�ش ��افعي مذهبا‪ ،‬كاتب و�ش ��اهد واهلل خري ال�ش ��اهدين ‪ .‬وغري ذلك غزا‬
‫ابن م�سعر وغدا منا يا �آل بوخري (ورع) ما �أر�ضانا وال جا منه باثة وال خباثة‪ ،‬وا ّد َعى علينا‬
‫اب ��ن ه َّيا�س يف خم�س�ي�ن ريال‪ ،‬وخذها من ��ا بالطالق و�إ ّال �أذبحكم ي ��ا �آل بوخري‪ ،‬و�أعطيناه‪،‬‬
‫و�أ�ص ��بح (انت�ص(‪ ))1‬اب ��ن ه ّيا�س يف رجاله‪ ،‬فحن ��ا مثورينكم يا كراد�س ��ة بحلف اهلل الذي‬
‫بينن ��ا وبينكم‪ ،‬وحممد المْ َ ْق َر َدة حليف مقومينه مث ��ل قومتكم‪ ،‬فال نعذركم فيها وال تعذرونا‬
‫يف مثلها‪ ،‬وال�سالم ختام"(‪. )2‬‬
‫كم ��ا يقوم �أحد �ش ��يوخ القبيل ��ة �أو من ينيبه بعقد حل ��ف مع قبيلة �أخرى م ��ن غري قبائل‬
‫زهران‪ ،‬كما فعل �أحد �ش ��يوخ قبيلة بني ُح َرير ال�ش ��يخ‪ :‬خبتي بن غر�سان الدعيبي الزهراين‪،‬‬
‫مع ال�شيخ ُمطري بن مطر الهذيل الظهوين‪� ،‬أحد �شيوخ قبيلة يف تهامة‪ ،‬من �أجل رعاية م�صالح‬
‫�ص احللف ‪ ":‬احلمد هلل وحده َح َ�ض ْر ُت‬ ‫�أفراد القبيلتني و�سريهما ب�أمان يف ديارهما‪ ،‬يقول َن ُّ‬
‫الرجل�ي�ن املكرم�ي�ن وهم ‪ :‬املكرم خبتي بن غر�س���ان الدُّعي ِبي الزه���راين‪ ،‬واملكرم مطري بن‬
‫موطئ الرقاب‬ ‫مط���ر اله���ذيل الظهوين‪ ،‬وحتالفوا وتعاطوا وتعاهدوا باهلل �ش���ديد العق���اب ِّ‬
‫كل منهم يدفع‬ ‫�أنهم متحالفون ومتعاطون ومتخاوون باهلل وحده ال غريه‪ ،‬يف جميع املنافع‪ٌّ ،‬‬
‫اخلري بجهده للثاين‪ ،‬وكل يدفع ال�شر بجهده عن الآخر‪ْ � ،‬إن كان ملطري عازة يف اليمن‪ ،‬يكون‬
‫وخ ْ�ص���ره و ُب ْ�صره وماله ووجهه‪ ،‬و� ْإن كان خلبتي عازة يف تهامة‬ ‫َّ‬
‫ال�ش��� ِو ْير فيها خبتي بجهده ُ‬
‫وخ ْ�صره و ُب ْ�صره وماله ووجهه‪ ،‬والكل منهم �صديق الآخر‬ ‫يكون َّ‬
‫ال�ش ِو ْير فيها مطري بجهده ُ‬
‫�صديق �صديقه عدو عدوه‪ ،‬وحِ ْلفهم حِ ْلف موروث‪ ،‬يرثه احلي بعد امل ِّيت‪ ،‬وعلى هذا ح�صل‬
‫الر�ض���ا بينهما‪ ،‬واخلط �شاهد واهلل خري ال�ش���اهدين‪ ،‬و�صلى اهلل على �سيدنا حممد وعلى‬
‫�آله و�صحبه و�سلم‪ ..‬يف رجب (‪1208‬هـ) (‪. )3‬‬
‫وبع� ��ض بلدان اليم ��ن‪ ،‬ومادتها العلمية تدور يف فل ��ك االتفاقات والأحالف القبلية بني بع�ض الع�ش ��ائر �أو البطون �أو‬
‫الق ��رى املتج ��اورة يف املنطقة الواحدة ‪ .‬ودرا�س ��ة الأحالف واالتفاقات الع�ش ��ائرية من املو�ض ��وعات الكبرية‪ ،‬والتي‬
‫ت�س ��تحق �إىل �أن ي�ص ��در عنها ع�شرات الدرا�س ��ات العلمية‪ ،‬ون�أمل من �أق�س ��ام التاريخ يف اجلزيرة العربية وبخا�صة‬
‫اململكة العربية ال�سعودية �أن توجه وتدعم درا�سة مثل هذه املو�ضوعات احل�ضارية ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( لعلها (انتخى) ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( من وثائق الأ�ستاذ ‪� :‬سعد بن عو�ضة الزهراين‪ ،‬من قرية الكرا ِد َ�سة ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪ .‬كان يجب على الأ�ستاذ علي‬
‫بن �سدران تف�سري بع�ض الكلمات العامية‪ ،‬و�إ�صالحها نحوي ًا و�إمالئي ًا ‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( من وثائق �س ��عدي بن ح�س ��ن بن را�ش ��د الزهراين‪ ،‬عريفة قرية الدعية‪ ( .‬ابن �س ��دران ) ‪ .‬يوجد �آالف الوثائق عند‬
‫‪259‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫وكذلك َف َعل ال�ش ��يخ عطية بن خ�ضران الدو�سي‪� ،‬شيخ قبيلة دو�س‪ ،‬حيث عقد حل ًفا مع‬
‫قبيلة ذوي ح�سن بتهامة‪ ،‬و�شيخهم ذهوب بن �إبراهيم اجل�سا�سي‪ ،‬وفيما يلي ن�ص احللف‪:‬‬
‫" احلم ��د هلل وح ��ده �إنه ملا كان يوم الأحد خلون من �ش ��هر جماد �أول‪ ،‬يكون �أحد ع�ش ��ر يوما‬
‫�س ��نة ( ‪1269‬هـ )‍ح�ض ��ر ذهوب بن �إبراهيم اجل�سا�سي‪ ،‬وعطية بن خ�ضران الدو�سي‪ ،‬وبعد‬
‫ح�ض ��ورهما �س ��ار بينهما عهد باهلل العظيم عامل الغيب وال�ش ��هادة‪ ،‬عليهما وعلى ما يتعقب‬
‫من عقبهما‪ ،‬حلف ذهوب‪ ،‬على ذوي ح�سن‪ ،‬وعلى ما يف باطنهم‪ ،‬وعلى ما يعدي عانيه عليه‬
‫م ��ن الأ�ش ��راف‪ ،‬و�أنه حلف م ��وروث‪ ،‬حتى يرث اهلل الأر�ض ومن عليه ��ا‪ ،‬و�أن حلف عطية بن‬
‫خ�ض ��ران‪ ،‬على دو�س وعلى ما يعدي عانيه عليه من زهران‪ ،‬و�أنه للولد بعد �أبيه‪ ،‬و�أ�ش ��هدوا‬
‫اهلل‪ ،‬و�ش ��هد على حلفهم ‪ :‬عطية بن م�س ��اعد الطويل‪ ،‬من اخلب�شان‪ ،‬ومبارك بن ح�سن‪ ،‬من‬
‫�س�ل�امان عويرة‪ ،‬وبخرو�ش اليزيدي‪ ،‬وكتب عنهم و�شهد الفقيه ‪ :‬علي بن �صالح وكفى باهلل‬
‫�شهيدا‪ ،‬و�صلى اهلل على �سيدنا حممد و�آله و�صحبه و�سلم‪1269 (:‬ه‍ـ)(‪.)1‬‬
‫وعق ��دت قبيل ��ة بني عامر من زه ��ران‪ ،‬حل ًفا مع قبيلة بني عب � ِ�د اهلل من غامد‪ ،‬اتفقتا‬
‫مبوجبه على احلماية من القبائل الأخرى‪ ،‬وعلى جور حكام ذلك الزمان‪ ،‬ون�صه ‪ ":‬احلمد‬
‫هلل وبع ��د‪ :‬مل ��ا كان يوم الثالثاء نهار واحد وع�ش ��رين يف( ‪1206‬هـ) حتا�ض ��روا الرجاجيل‬
‫الذي ��ن ه ��م بني عام ��ر وبني ع ْب ِد اهلل‪ ،‬ح�ض ��ر من بني عامر ‪ ..‬وح�ض ��ر م ��ن بني عبد اهلل‬
‫‪ ..‬ث ��م �إن املذكوري ��ن اتفق ��وا وتعاهدوا وتواثقوا ب ��اهلل الذي ال �إله �إ َّال هو احل ��ي ال َق ُّيوم على‬
‫الظ ْب َيانيِ ‪ ،‬وعلى جميع من‬ ‫الط ْل ِقي‪ ،‬وعلى ِّ‬‫منافع الدنيا على الحْ َ َ�س ِني وعلى الخْ ُ َث ْيمِ ي‪ ،‬وعلى َّ‬
‫يعداه ��م‪ ،‬و�إنّ الديار واح ��دة و�إن الريع املفجور(‪�)2‬إن كان عند العام ��ري‪� ،‬إن ا ْل َع ْب َدليِ يتاله‬
‫يف ريعه‪ ،‬و�إنْ كان عند العبديل‪� ،‬إنّ العامري يتاله يف ريعه‪ ،‬و�إن ال َّنق َْ�ص ��ة وا ْل َبق َْ�ص ��ة ت�س�ي�ر‬
‫واح ��د بينهم‪ ،‬و�إنّ الريع املفجور ما يغ َّلق واملازي بعد له �ش ��يء‪ ،‬و�إنْ �أ�ص ��بح يجيهم خمطية‬
‫من حاكم نا�صي بالدهم �أو يكون فيها �إنهم عليه من ر�أ�س واحد ‪� .‬شهد على ذلك اهلل‪ ،‬ثم من‬
‫خلقه جمع كثري‪ ،‬و�أنا �أحمد ابن هالل‪ ،‬كاتب و�شاهد واهلل كايف‪ ،‬و�صلى اهلل على �سيدنا حممد‬
‫(‪)3‬‬
‫و�آلهو�صحبهو�سلم"‬
‫قبائ ��ل وبط ��ون تهامة وال�س ��راة‪ ،‬ومعظمها تدور يف فل ��ك التاريخ االجتماعي وال�سيا�س ��ي واالقت�ص ��ادي وغريها من‬
‫اجلوانب احل�ضارية‪ ،‬حبذا �أن جنمع مثل هذه الوثائق وتدر�س درا�سة علمية �أكادميية ‪ (.‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( من وثائق �سعدي بن ح�سن بن را�شد الزهراين‪ ،‬عريفة قرية الدعية‪( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( يق�ص ��د بالري ��ع‪ :‬مكان احلرب‪ ،‬لأنها كان ��ت تثار يف الأماكن العالية‪ :‬امل�س ��ماة (الأرياع) التي ب�ي�ن القبيلتني‪ ( .‬ابن‬
‫�سدران )‬
‫ال�شدَّة �أن من بني �شهودها جمعان بن را�شد‪( ،‬املولود‬ ‫((( من وثائق ال�شيخ‪ :‬عبد العزيز بن عبد اهلل بن رقو�ش‪ ،‬وذكرت َّ‬
‫�س ��نة ‪ 1220:‬هجرية)‪ ،‬ف�إن كان املق�ص ��ود به �شيخ القبيلة فهو خط�أ حم�ض‪ ،‬لأن �شيخ فرتة كتاب َّ‬
‫ال�شدَّة (االتفاقية)‬
‫ُيدعى ‪ :‬را�ش ��د بن جمعان بن را�ش ��د‪ ،‬امللقب بالعود‪ ،‬واهلل �أعلم ‪ ( .‬ابن �س ��دران ) ‪ .‬حبذا �أن يقوم طالبنا يف �أق�سام‬
‫الدرا�سات العليا وبيوتات العلم وممن ميلكها ثم درا�ستها درا�سة علمية �أكادميية‪ ،‬ومن يفعل ذلك ف�سوف ي�سدي لنا‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪260‬‬
‫وم ��ن الأحالف التي متت بني قبيل ��ة دو�س بني فهم‪ ،‬وميثلها رج ��ال �آل َع ْب َد َله‪ ،‬وقبيلة‬
‫دو�س بني علي‪ ،‬وهما متجاورتان هذا احللف الذي يق�ض ��ي بالت�ش ��ارك يف ديرتي القبيلتني‬
‫وعلى ما مل يذكر له ن�ص يف االتفاقيات ال�س ��ابقة التي جرت بينهما ون�ص ��ه ‪ " :‬الذي يعلم‬
‫به من يراه من امل�س ��لمني‪ ،‬ملا كان يوم االثنني ثمانية وع�ش ��رين خلت من �ش ��هر �ص ��فر �سنة‬
‫�س � ٍّ�ت و�س ��تني بعد الألف مبائت�ي�ن‪ ،‬من هجرة حمم ��د ﷺ‪ ،‬وبعد ‪:‬لقد تق ��ا ُّروا وتعارفوا �أيل‬
‫َع ْب َد َل ��ه‪ ،‬وبني علي‪ ،‬على احللف بني جدهم وبني �أبيه ��م‪ ،‬و�إنهم تقاروا وتعارفوا �أنهم َم ْق َت َلة‬
‫و�أوالد م ْق َتل ��ة(‪ )1‬عند امل ْب ِل ��ي‪ ،‬و�إن الديرة واحدة من دون ما ح َّرم اهلل‪ ،‬و�إ َّال احلمى املحزور‪،‬‬
‫ال�س � ْ�درة �س ��تمها د ْرب �س ��دورهم‪ ،‬و�إنَّ العلوي �سيف العبديل �إىل‬ ‫و�إ َّال املحال املعمور(‪ ،)2‬و�إنَّ ِّ‬
‫ُبلي و�إ َّال ُعني‪ ،‬و�إنَّ ما بينهم من اللوازم �ش ��يء �إ َّال املذكورة و�إ َّال املنقورة(‪ ،)3‬و�إنهم �ش ��رطوا‬
‫ال ُّر ْف َقة‪� ،‬إ َّال املذكورات املنقورات‪ ،‬و�إنَّ العلوي يعطي العبديل العزير ر�أ�س ال�سنة �إىلنزل يف‬
‫الديرة‪َ ،‬ومن مات يف النهار الأبي�ض(‪ ،)4‬و�إ َّال ( ُك ِّون(‪� ،))5‬إنه يحا�سب الكل منهم �إ َّال اله�ضلة‬

‫معروف ًا كبري ًا ‪( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬


‫((( قول ��ه ؛ مقتل ��ة و�أوالد مقتل ��ة �أي �أنه ��م تع ��ودوا القت ��ال والقت ��ل ه ��م و�آبا�ؤه ��م للدف ��اع ع ��ن حقوقه ��م ‪ .‬كق ��ول عمر‬
‫ابن �أبي ربيعة ‪ُ :‬ك ِت َب ا ْل َقت ُْل وا ْل ِقت َُال َعلينا ‪ ...‬ديوانه ‪(. 338 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( قول ��ه‪" :‬و�إ َّال احلم ��ى املحزور و�إ َّال املحال املعم ��ور" �أي التي تخ�ص القبيلة‪ ،‬فال هي داخل ��ة يف اتفاقية احللف ‪(.‬ابن‬
‫�سدران )‬
‫((( املذكورة هي املد َّونة يف (ال�ش ��دة) واملنقورة عادة جرت يف زهران لمِ َن ال ير�ض ��ى بحكم ال�ش ��ريعة وال يرت�ض ��ي �صلح‬
‫امل�ص ��لحني فيقوم امل�ص ��لحون بالنق ِْر يف دعامة بيته (الزَّا ِفر) ثالث نقرات وا�ض ��حات داللة على عدم قبوله ال�شرع‬
‫وال�ص ��لح‪ ،‬و لي�س له بعد ذلك �أنْ يتع َّدى على خ�ص ��مه‪ ،‬جاء يف وثيقة ُمر�س ��لة �إىل ال�ش ��يخ عبد الكرمي بن بخيت بن‬
‫ع َّال�س الدُّعيبي الزهراين �شيخ قبيلة بني حرير‪ ،‬عر�ض فيها م�صلحون ُ�صلحا بني رجل من قبيلة بني مالك ورجال‬
‫الدع َبة من قبيلة بني ُحرير‪ ،‬وذكروا لل�ش ��يخ �إنْ مل يقبل املالكي بال�ش ��رع �أو ال�ص ��لح و�أراد‬ ‫من بني م�س ��لم من قرية َ‬
‫أي�ض ��ا نقر امل�ص ��لحون يف‬‫حكم الطبيعة‪ ،‬ف�إنهم �س ��يطلبونه من على �أيدي �أُنا�س من قبيلته وقبيلة زهران‪ ،‬و�إنْ �أ َبى � ً‬
‫زافر بيته ثالث نقرات و�ضمنوا لرجال بني ُحرير عدم تع ُّر�ض املالكي لهم ‪ .‬يقول الن�ص ‪" :‬و�إنْ قلت يا ابن �سرحان‬
‫ما ير�ض ��يني �إ َّال حكم الطبيعة ف�أنت تلف ثمانية من عرايف بني مالك �أ ْر َبعة ا ْل ُب ُد ْود والد َُّع ْي ِبي يلف �س ��تة من زهران‬
‫الثالثة ا ْل ُبدُود (�أي اثنان من دو�س واثنان من بني �أو�س واثنان من بني ُع َمر) وامليعاد عند حممد بن مبارك (�شيخ‬
‫قبيل ��ة دو� ��س بني فهم وهي القبيلة املجاورة لبني مالك) �إنْ قالوا بني مال ��ك وزهران بحثنا ما جاء يف ِم َّلة بخرو�ش‬
‫(�أي م ��ا ورد من قانون يف هذه الق�ض ��ية على عهد الأمري بخرو�ش بن ع َّال�س �أم�ي�ر قبائل بني ُع َمر) �أول و�آخر بعثنا‬
‫لكم يا �سراحني من جائز القبائل‪ ،‬ويعطونكم احلق و�أنتم يا �سراحني َح ُّي ُكم ِوذ َرا ُكم مقروعني بوجوهنا على ما ُذكر‬
‫ثم ينقرون يف زافر بيت ابن �س ��رحان ثالث نقرات وي�ش ��هدون عليه ثم يجيئكم م�شاهد وعليها ر�شم (ختم) �أنكم يا‬
‫بني م�س ��لم منقولون ب ًّرا وبح ًرا �س ��د وجه اهلل ثم وجوهنا ‪ ) ..‬قلت ‪ :‬قوله ‪� " :‬أنكم يا بني م�س ��لم منقولون ب ًّرا وبح ًرا‬
‫�سد وجه اهلل ثم وجوهنا " داللة �أكيدة على �أنه كان لقبيلة زهران ميناء على البحر الأحمر يف قرية " َد ْو َقة" ‪ .‬مكتبة‬
‫�سعدي بن ح�سن بن را�شد الزهراين‪ ،‬عريفة قرية الد ََّع َبة �إحدى ُقرى قبيلة بني ُحرير ‪.‬‬
‫اقت�صت الفئتان من قاتله على طريقة‬ ‫((( النهار الأبي�ض هو الذي ال يكون فيه قتال البتّة‪ ،‬ف�إن ُقتل فيه �أحد من احللفني ّ‬
‫النقا‪ ( .‬ابن �سدران )‪.‬‬
‫((( ُك ِّون ‪� :‬أي ُج ِرح ‪ ( .‬ابن �سدران )‬
‫‪261‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫والف�ضلة والغزَّة �إنها ل�صاحب ال ِّريع‪ ،‬و�إنَّ طالب الهوى(‪)1‬من العبديل‪ ،‬و�إ َّال العلي‪� ،‬إنَّ غرازه‬
‫حوب ��ه‪ ،‬و�إنْ َب َّ�ص ��ر باذرة م ��ن العلوي و�إ َّال العب ��ديل‪� ،‬إنهم مقروعون‪ ،‬و�إنها عن ��د قول �أربعة‬
‫العلوي والعبديل ‪�.‬ض ��من على ه ��ذا القول وما يف باطن الورقة اهلل ور�س ��وله‪(،‬ثم) من �أيل‬
‫عبدلة ‪ ..‬و�ضمن من بني علي ‪�َ ..‬ش َّه ْدت اهلل ور�سوله‪ ،‬على هذا ثم كفى‪ِ ،‬ومن خلقه ‪ ..‬وعبد‬ ‫َ‬
‫الف�ض ��لي كاتب و�شاهد واهلل خري ال�شاهدين ‪.‬وفيما يلي اتفاقيتان (حلفان)‬
‫(‪)2‬‬
‫اهلل بن علي ْ‬
‫الأوىل بني قبيلة بني عامر‪ ،‬من قبيلة زهران‪ ،‬وميثلهم ال�شيخ‪ :‬جمعان بن رقو�ش‪ ،‬وال َّن�شاوي‬
‫وهم من �أكلب‪ ،‬وميثلهم حزام بن عيفان الأكلبي الن�ش ��اوي‪ ،‬ولعله �ش ��يخهم‪ ،‬وفحواها تعهد‬
‫ال�ش ��يخني العامري والأكلبي‪ ،‬بحماية رعايا القبيلة الأخرى و�إعطاء احلق لطالبه امل�ستحق‬
‫يق ��ول َن ُّ�ص ��ها(‪ ":)3‬احلمد هلل وحده لقد ح�ص ��ل ب�ي�ن جمعان بن رقو�ش‪ ،‬وح ��زام بن عيفان‬
‫الأك ُلبي ال َّن�ش ��اوي‪ِ ،‬ع ْم َلة م�ؤ َّبدة موروثة‪ ،‬جمعان عامله على بني عامر �أنه ال َق َّوام للن�ش ��اوي‬
‫يف جمي ��ع م ��ا يثبت لهم عند بني عام ��ر‪ ،‬وحزام بن عيفان‪ ،‬ال َق َّوام لبن ��ي عامر‪ ،‬فيما يثبت‬
‫لهم عند الن�ش ��اوى من بقو�ص ونقو�ص‪ ،‬و�إنها يف وجه اهلل‪ ،‬ثم وجوه املذكورين وورثتهم من‬
‫بعده ��م ما دام اهلل ُيع َبد‪ ،‬واملاء يورد‪ ،‬والغراب �أ�س ��ود‪ ،‬والنا�س ي�ص ��لون على حممد‪ ،‬و�إنها‬
‫ال�س ��ود من كل �سوق‪ ،‬ومدعاه يبقى يف‬ ‫يف وجوه املذكورين ومن بار فعليه اهلل يثور‪ ،‬و ُت ْبدا له ُّ‬
‫وجهه‪ ،‬و�أ�شهدوا على ذلك ال�شرط ال�شيخ ‪ :‬حامد ال�شاوو�ش‪ ،‬واحلميدي بن م�سعود‪ ،‬وال�سيد‬
‫حممد عزب بن �س ��عد‪ ،‬و�أن ��ا الفقري �إىل اهلل عبد الرحمن بن جمعان كاتب و�ش ��اهد‪ ،‬واهلل‬
‫كايف و�ش ��هيد ‪ .‬و�ص ��لى اهلل على �س ��يدنا حممد و�آله و�صحبه و�س ��لم ‪ .‬واالتفاقية الثانية بني‬
‫أي�ضا‪ ،‬وميثلهم ال�شيخ جمعان ابن رقو�ش و�أكلب من خثعم‪ ،‬وميثلهم‬ ‫بني عامر‪ ،‬من زهران � ً‬
‫�ش ��يخهم بلدم بن مق�س ��ر‪ ،‬بخ�ص ��و�ص عدم التعدي على عابري ال�س ��بيل‪� ،‬أو املتزاورين من‬
‫�أبناء القبيلتني‪ ،‬يقول ن�ص االتفاقية ‪" :‬احلمد هلل رب العاملني هذا ما اتفقوا عليه بني �سار‪،‬‬
‫وب ْل َدم بن مق َْ�س ��ر ‪ .‬ال�ش ��يخ جمعان بن رقو�ش‪ ،‬على بني �س ��ار‪ ،‬وبلدم على بني عامر �أُ ْك ُلب‪،‬‬
‫ب�ش ��هادة اهلل‪ ،‬ث ��م من خلقه �س ��ويد من الز ُّْهران‪ ،‬وم�س ��امح‪ ،‬ه�ؤالء م ��ن الز ُّْه َران‪ ،‬وحممد‬
‫عزب‪ ،‬و�أنا عبداهلل بن م�ضحي‪ ،‬كاتب و�شاهد واهلل خري ال�شاهدين و�صلى اهلل على �سيدنا‬
‫(حممد) ‪.‬‬
‫وم ��ن �أقبل م ��ن بني عامر �أكلب من قال بلدم عليه مزاور �أو طار�ش �إنه يف وجه اهلل ثم‬
‫يف وجه ال�ش ��يخ جمعان بن را�ش ��د‪ ،‬وبني �سار حيث �أن ما عندهم ال دعوى وال طلب وال َع ِن َّية‬
‫وال َج ِن َّية يكون عند من يراه معلوم ‪.‬وبعد موت بلدم‪ ،‬ت�سلم �أخوه مق�سر‪� ،‬ش�ؤون قبيلة �أُكلب‪،‬‬

‫((( �أي طالب ال�شر ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬


‫((( من وثائق ال�شيخ ‪ :‬عبد ر ّبه بن َف ْر َحة الزهراين‪ ،‬رحمه اهلل‪� ،‬شيخ دو�س بني علي �ساب ًقا ‪ (.‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( من وثائق ال�شيخ ‪ :‬عبد العزيز بن عبد اهلل بن رقو�ش‪� ،‬شيخ قبيلة بني عامر‪( .‬ابن �سدران‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪262‬‬
‫فزار ال�شيخ جمعان بن رقو�ش‪ ،‬يف مقره ببلدة بني �سار‪ ،‬لل�سالم عليه وجتديد احللف الذي‬
‫جرى بينهما على عهد �أخيه‪َ ،‬ف ُ�ألحْ ِ ق يف ذيل ورقة احللف ال�سابق ما َن ُّ�صه ‪" :‬احلمد هلل رب‬
‫العاملني مات بلدم رحمه اهلل‪ ،‬ثم بعد مات و�ص ��ل �إليه �أخوه مق�س ��ر‪� ،‬إىل عند ال�شيخ جمعان‬
‫وبني �س ��ار‪ ،‬ثم احتمل فيما يف باطن هذه الورقة‪� ،‬إنه غرم ال�ش ��يخ وجماعته بني �س ��ار على‬
‫�أكلب �إن ما يح�ص ��ل يف بني �س ��ار �إنه يف وجهه‪ ،‬و�أنه ال َق َّوام على ربعه‪ ،‬وال�ش ��يخ جمعان ال َق َّوام‬
‫عل ��ى ربع ��ه بن ��ي عامر ‪� .‬ش ��هد على ذلك م ��ا يف باطن الورق ��ة‪ ،‬وحممد عزب وعب ��د اهلل ابن‬
‫م�ض ��حي‪ ،‬كاتب و�ش ��اهد‪ ،‬واهلل كايف ‪ .‬حرر ‪1263‬هـ"(‪. )1‬وفيما يلي حلف مت بني ال�ش ��يخ علي‬
‫عبداهلل وبالنعيم‬ ‫بن مر�ض ��ي القفعي‪� ،‬شيخ قبيلة بي�ضان بزهران وعي�ض ��ة بن َر َّدة وميثل بني ِ‬
‫من قبيلة غامد‪ ،‬على عدم تعدي القبيلتني على بع�ض ��هما البع�ض ب�ض ��مانة �ش ��يخي القبيلتني ‪:‬‬
‫" احلمد هلل هذا حلف �سار بني علي بن مر�ضي القفعي‪ ،‬وبني عي�ضة بن َر َّدة‪ ،‬و�أقر عي�ضة‬
‫و�ش ��رط على نف�سه‪ ،‬و�أقر �إنّ ح ْلفه وقومته على ربعه بني عبداهلل وبال ّنعيم الم(‪ ،)2‬وعلي كذلك‬
‫�ش ��رط على نف�س ��ه �إنّ حلفه وقومته على �أهل بي�ضان الم‪ ،‬كان ذلك مب�شهد اهلل ثم من عباده ‪:‬‬
‫هب�سان من بالعالء‪ ،‬وعلي بن م�سفر من بالحْ َ َكم‪ ،‬وكتبه ح�سن بن علي بتاريخ �سنة ‪1298‬هـ" ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ �أحالف مع ع�شائر وقرى زهرانية ‪:‬‬
‫ق ��د تعقد التحالفات بني عدة قبائل من زهران �ض ��د قبيلة زهرانية ليكون �أقوى و�أرهب‬
‫للعدو كما حدث �أن عقدت قبائل دو�س قاطبة‪،‬وقبيلتا بني ُجندب وبني ب�شري‪ ،‬وهما من قبائل‬
‫بني ُع َمر ب�س ��راة زهران حلفا بينهم‪ ،‬ت�ض� � َّمن �أربعة �أمور رئي�س ��ية هي ‪ :‬الأمر الأول ‪ :‬ت�س ��هيل‬
‫تنقل �أفراد هذه القبائل يف ديار بع�ضها دون مع ِّوقات ‪ .‬الأمر الثاين ‪ :‬الترَّ يث عند وقوع حادثة‬
‫م ��ا‪ ،‬م ��ن �أحد �أفراد القبائ ��ل املتحالفة على �أح ��د احللفاء‪ ،‬وعدم اخلو�ض يف مو�ض ��وعها �إ َّال‬
‫بعد م�ض ��ي ثالثة �أيام من وقوعها‪ ،‬وعندها يكون اجلو منا�س ��با ملناق�شتها مع احلليف ‪ .‬الأمر‬
‫الثالث‪ :‬ن�ص ��رة بع�ضهم �ض ��د عدو يغري على �إحدى القبائل املتحالفة ‪.‬الأمر الرابع‪ :‬املقاطعة‬
‫اجلماعية من قبل �أفراد هذه القبائل املتحالفة ل�سوق الأطاولة‪ ،‬والت�شديد على من يهبطه من‬
‫�أ�صحاب الدور �أو َمن يف جوارهم ولعل هذا احللف هو �أقوى حلف ُد ِّون بني قبائل عديدة ُتع ُّد‬
‫من �أقوى قبائل زهران يف الع�صور املت�أخرة‪ ،‬ويتط َّرق لأمور بالغة اخلطورة يف ذلك الع�صر‪،‬‬
‫�فحا عن ذكرها‪ ،‬لكون‬ ‫ومن املعلوم �أنَّ له �أ�س ��بابه التي دعت �إىل عقده‪ ،‬غري �أننا �ض ��ربنا �ص � ً‬
‫اله ��دف من �إيراد مثل ه ��ذه التحالفات �إمنا هو لال ِّتعاظ فقط ول ْإطالع الأجيال القادمة على‬
‫تناحر يف ظل غياب ال�سلطة احلاكمة‪ ،‬وعدم وجود‬ ‫ما كانت تعانيه القبائل العربية قاطبة من ٍ‬
‫ن�ص اتفاقية احللف ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫الأمن الذي ننعم به وهلل احلمد يف هذه الأيام‪ ،‬وفيما يلي ُّ‬

‫((( امل�صدر ال�سابق ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬


‫((( قوله ‪" :‬الم" �أي كافة ‪.‬‬
‫((( من وثائق ال�ش ��يخ ‪ :‬عبداهلل بن علي ال�ص� �غيرِّ الزهراين‪ ،‬من �أهايل قرية ا ْل َه َّرة بربحرح �إحدى ُقرى قبيلة دو�س بني‬
‫‪263‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫" احلمد هلل وحده و�صلى اهلل على من ال نبي بعده وبعد ‪ :‬يعلم من يراه‪ ،‬ويفهم من‬
‫االغب(‪،)1‬‬ ‫يق ��راه‪ ،‬لقد اتفقوا ال ِّر َج ��ال املذكورين الذين هم ‪ :‬دو�س من احلف ��ر �إىل ال َّنقْب ْ‬
‫بني فهم وبني منهب وال ِّر َجال املذكورين بني ب�شري وبني ُجندب من املكاتيم �إىل �آل َ�س ْلمان‪،‬‬
‫ومن �أيل الرا�س �إىل �آل د ُْغ َمان و�إىل َحدهم مع بني كنانة �أيل �سرور‪ ،‬اتفقوا الفئتني وارتفقوا‬
‫على ما ُير�ضي اهلل ور�سوله وعلى ِح ْلف بينهم عهد باهلل العظيم‪� ،‬إ َّنا �أخوان وعلى ما ُير�ضي‬
‫جد لولد‪ ،‬م ��ا دام اهلل ُيعبد واملاء يورد واجلب ��ال ُر َّكد والنا�س‬ ‫اهلل �أع ��وان‪ِ ،‬ح ْل ��ف م�ؤ َّبد ِمن ٍّ‬
‫ُي�ص� �لُّون عل ��ى حممد ﷺ‪ ،‬حلف موروث من ج � ٍّ�د لولد‪ ،‬الأول م ��ع الأول‪ ،‬والتايل مع التايل‬
‫حت ��ى يرث اهلل الأر� ��ض َومن عليها وهو خ�ي�ر الوارثني‪ ،‬و�إنَّ احللف عل ��ى ديارهم ورقابهم‬
‫ونفو�سهم‪ ،‬وحلف من كبارهم و�صغارهم و�إنَّ جميع بواق�صهم(‪)2‬ونواق�صهم ي�ستوفونها من‬
‫ديار احلليفني ك ٌّل ي�س ��تويف م ��ن ديرة حليفه �أكربه ��ا ال َّر َّجال ال َّر َق َبة و�أ�ص ��غرها الجْ َ فْر(‪،)3‬‬
‫وال�س� � َّداد والزَّاد‪ ،‬و�إنَّ‬
‫و�إنَّ ذلك �ش ��رط بني احلليفني والفئتني املذكورة‪ ،‬ويبقى بينهم اجلار َّ‬
‫َ�ص� � َّكة احلني بني احلليفني فيها ُر َعة ثالثة �أيام(‪)4‬و�إنَّ املتمتِّع بني احلليفني يف َ�ص� � َّكة احلني‬
‫ما ُي ْد َعى بوجهه‪ ،‬و�إنَّ املت ََخ ِّبط بني احلليفني َ�ش� � َّر ُه ُح ْو َبه‪ ،‬وذلك احللف عهد باهلل و�ض ��مان‬
‫م�سل�س ��بلي(‪.)5‬ومن بار عليه اهلل ثار‪ ،‬وعليه �ألف َعتَب‪ ،‬و�ألف هندية(‪.)6‬وت�ض� � َّمنوا احلليفني‬
‫وت�ش ��ارطوا على َق ْط ِع(‪�)7‬س ��وق الأطاولة‪ ،‬وحتاف ْلن ��ا وتكاف ْلنا �أنَّ َمن يهبط ��ه من دو�س‪ ،‬وبني‬
‫ُجندب‪ ،‬وبني ب�ش�ي�ر‪� ،‬أول مرة عليه عزير ع�ش ��رة وخروف‪ ،‬وثاين مرة ع�ش ��رين وخروفني‪،‬‬
‫وثالث مرة عليه مائة وثور‪� ،‬إنْ كان من دو�س‪ ،‬و�إنْ كان من بني ب�ش�ي�ر وبني جندب‪ ،‬و�ش ��رط‬
‫بتجره (لفتنه(‪�))9‬أو‬ ‫اجلار ب�ش ��رط راعي ال َّدار(‪ ،)8‬و�شرطوا �أن امل�سابلي من ديرة احلليفني ْ‬
‫لغريه �إىل �س ��وق الأطاولة �إنَّ ح َّقه م�أخوذ ومن (�أخذه) ل�س ��وقه �أو �إىل داره �أو �إىل �سوق غري‬

‫فهم ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬


‫((( يف الوثيقة ؛ نقب الغرب‪ ،‬وهو خط�أ �إمالئي وال�صواب ما �أثبتناه ‪ ( .‬ابن �سدران )‪.‬‬
‫((( قوله‪( :‬بواق�ص ��هم ونواق�ص ��هم ي�س ��توفونها من ديار‪� )..‬أي �إذا تعدَّى �أحد احلليفني على الآخر‪ ،‬ف�إن املعتدي يخ�ضع‬
‫للحق حتى ي�ستويف منه حليفه ‪ (.‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( اجلفر ‪� :‬صغري املاعز ‪.‬‬
‫((( كال�ضيف‪ ،‬واجلار‪ ،‬وعابر ال�سبيل‪ ،‬فه�ؤالء لي�س لهم دخل فيما يحدث بني احلليفني �أثناء وجود �أحدهم بينهم‪( .‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( مل يت�ضح يل معناها‪ ،‬ولعلها ‪ ( :‬دائم) ‪( .‬ابن �سدران )‬
‫((( قوله ‪" :‬و�ألف هندية" �أي ُي ْر َمى بالزنا وكانت هذه الفاح�شة كبرية يف املجتمع الزهراين ‪( .‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( قوله ؛ "قطع" �أي مقاطعة ‪( .‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫أي�ضا‪ ،‬و�إنْ كانت القوانني القبلية �آنذاك حتميه وترتك له حرية التنقل‪� ،‬إ َّال �أنها‬‫((( �أي �أن اجلار يدخل يف هذه املقاطعة � ً‬
‫ال جتيز له يف مثل هذه احلال اخلروج على قوانني القبيلة التي هو فيها ‪( .‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( كلمة مبهمة غري �أن معناها مع ما قبلها وما بعدها كالآتي ‪ :‬و�ش ��رطوا على عابر ال�س ��بيل من ديرة احلليفني بتجارة‬
‫�إىل �س ��وق الأطاولة �إنَّ حقَّه م�أخوذ‪ ،‬ومن �أخذ امل�س ��ابلي �إىل �سوقه �أو �إىل داره وباع ما لديه يف تلك الدار �أو �إىل �سوق‬
‫غري �سوق الأطاولة‪ ،‬فلي�س لديهم مانع �أ َّما �إذا �أ�ص َّر على هبوط �سوق الأطاولة من ديار احللفاء‪ ،‬ف�إنهم ُي�صادرون ما‬
‫معه وربمَّ ا ال ي�سلم من ال�ضرب �إنْ �سلم القتل (ابن �سدران)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪264‬‬
‫�سوق الأطاولة فال َن ْك َره‪ ،‬و�شرط اجلندبي‪ ،‬والب�شريي‪ ،‬على حليفه ال َّدو�سي‪� ،‬إنْ �أ�صبح اهلل‬
‫يبليهم َعن َّية �أو َجن َّية‪� ،‬إنه وفايته يف ما يحتاجه فيه‪ ،‬و�إنَّ من بار يف ال�ش ��رط َّ‬
‫وال�ض ��مان �إنَّ‬
‫عليه الزمة و�إ َّال ِذ ْب َحته وال فيه ال قتل وال ِد َية و�إنَّ احلليفني عليه حيال ٍيد واحدة‪� ،‬ضمن على‬
‫ذلك اهلل‪ ،‬ثم من خلقه وعباده من الفئتني من دو�س بني فهم حممد بن مبارك‪ ،‬و�سعيد بن‬
‫�إبراهيم‪ ،‬وح�سن بن �سرحان‪ ،‬و�سامل ابن م�سفر من ال�سالطني‪ ،‬وتهامي وعلي بن �إبراهيم‪،‬‬
‫ور َّدة بن �ش ��ريفة‪ ،‬ومعج ��ب ومعي�ض ابن حامد‪ ،‬وعلي بن عبد اهلل‪ ،‬وم�س ��اعد وبريقع وعبد‬
‫اهلل بن يحيى‪ ،‬وعلي بن م�س ��عود‪ ،‬وحممد بن معي�ض‪ ،‬و�سعدي بن فريخ‪ ،‬و�سعيد بن فارعة‪،‬‬
‫م�شني وخ�ضر بن عطية بن ع َّال�ص‪ ،‬وحممد بن �سامل‪،‬‬ ‫وعطية ابن بنان‪ ،‬وعطية بن علي ابن ْ‬
‫وعطية بن فاران‪ ،‬ومو�سى بن خيرب‪ ،‬و�شولة وعبداهلل بن عطية ومطر بن ح�سني‪ ،‬و�أحمد بن‬
‫عو�ضة ‪.‬ومن بني منهب م�شرف بن حكيم‪ ،‬ومفرح بن يحيى‪ ،‬وعطية بن معي�ض‪ ،‬وخبتي بن‬
‫�س ��عيد وخبتي بن ُفليته‪ ،‬وزايد ومفرح املطلي‪ ،‬ورويد و�أبو الكف‪ ،‬وبرتاوي بن �سامل‪ ،‬و َق َذ َلة‬
‫بن عطية‪ ،‬ودخيل اهلل بن طوير‪ ،‬و�سعد بن جار اهلل‪ ،‬وحيدي بن ح�سحو�س‪ ،‬و�سعيد الط َّيار‪،‬‬
‫وعبد اهلل بن م�س ��فر‪،‬وعبد اهلل الأ�ش ��ول‪ ،‬و�س ��عيد بن عبد اهلل‪ ،‬وم�ساعد الفار‪ ،‬وحممد بن‬
‫�سعيد‪ ،‬ومعيوف وحممد بن مو�سى بن عيد‪ ،‬و�أحمد بن عطية‪ ،‬وعبداهلل النا�صر وخ�ضران‬
‫بن عطية‪ ،‬و�أحمد بن دروي�ش‪ ،‬وعلي بن �أحمد‪ ،‬و�أحمد الف�ض ��لي‪ ،‬وعلي بن حم�س ��ن‪ ،‬ه�ؤالء‬
‫جد لولد ‪ .‬و�ض ��من من بني‬ ‫ال�ض ��مناء والكف�ل�اء م ��ن دو�س كافة عامة‪� ،‬ض ��مان موروث من ٍّ‬
‫واطي‪ ،‬وبخيت بن بخيت‪ ،‬و ُم َل ِّهي‪ ،‬و�أحمد بن عبد الرحيم‪،‬‬ ‫ُجندب وبني ب�شري مهرا�س ُّ‬
‫وال�ش ِ‬
‫و َق َّ�ص ��اع و�س ��عيد بن �أحمد‪ ،‬وعلي بن فرحان‪ ،‬وحم�س ��ن بن عائ�ض‪ ،‬وحممد اليتيم‪ ،‬وبخيت‬
‫ابن زايد‪ ،‬وعلي القا�ض ��ي‪ ،‬وحممد ابن يحيى‪ ،‬وعبد اهلل بن ح�س�ي�ن‪ ،‬وحممد بن �ص ��ويلح‪،‬‬
‫وه َّيا�س بن ح�سني‪ ،‬وعلي الهجمي‪ ،‬وخ�ضر بن‬ ‫وعلي بن ح�سني بن عو�ضة‪ ،‬وح�سن بن �شراز‪َ ،‬‬
‫اطان‪ ،‬و(‪) ..‬ابن معي�ض‪،‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫�س ��عيد‪ ،‬وح�سن بن مبارك �أبو �شمال ‪.‬ومن بني ب�شري �أحمد َح َم َ‬
‫وحممد بن فريخ‪ ،‬و�س ��عيد القبي�س ��ي وعبد اهلل بن بخيت‪ ،‬وعي�ض ��ة بن معجب‪ ،‬وبخيت بن‬
‫حممد‪ ،‬ومعي�ض بن ح�س ��ن‪ ،‬ومعي�ض بن يحيى‪ ،‬وعي�س ��ى بن ح�س ��ن‪ ،‬وعو�ض ��ة بن �سامل بن‬
‫خريان‪ ،‬و�ص ��الح بن عو�ض ��ة‪ ،‬وجم ِّري ابن حممد‪ ،‬وم�س ��اعد بن مان ��ع‪ ،‬و ُز ْع ِبي بن جمعان‪،‬‬
‫و�أحمد بن حثلني‪ ،‬واجلهامة‪ ،‬ومن�سي ‪.‬ومن �آل حممد‪ :‬عبدان بن �سامل‪ ،‬وح�سن ابن �صالح‪،‬‬
‫وعلي بن حممد‪ ،‬وح�سن بن م�سفر و�أحمد بن م�سعود‪ ،‬وحا�سن امل ْع َكاين‪ ،‬وحممد النويري‪،‬‬
‫و�س� � َع ِّيد بن عطية‪ ،‬وح�سن ابن ح ْربي‪ ،‬وم�سفر بن مقيطيف‪ ،‬وعيد بن‬ ‫وب�س ��ي�س بن ُخ ْرمان‪ُ ،‬‬
‫�س ��امل‪ ،‬ومعي�ض بن خاطر‪ ،‬وح�سني بن �سعيد‪ ،‬و�سعيد ال ُّر ْقباين‪ ،‬وه�ؤالء ال�ضمناء والكفالء‬
‫عل ��ى ما يف باطن الورقة من الطرفني‪ ،‬و�ش ��هد على ذلك اهلل‪ ،‬ثم من خلقه وعباده علي بن‬
‫ِق َّذان‪ ،‬و�سعيد بن معي�ض ومعي�ض بن عوا�ض‪ ،‬وقما�ش بن حمبوب‪ ،‬ونا�صر بن بخيت‪ ،‬وعبد‬

‫علي ردِّه �إىل ا�سم معروف ‪( .‬ابن �سدران)‪.‬‬ ‫((( َّ‬


‫تعذر َّ‬
‫‪265‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫اهلل بن �سامل‪ ،‬وح�سن بن علي‪ ،‬وعبد اهلل بن فالح‪ ،‬ومبارك الغرب‪ ،‬وه�ؤالء ال�شهود من بني‬
‫كنانة وبني ُ�س ��ليم‪ ،‬و�س ��امل بن حممد القا�ضي‪ ،‬كتب و�ش ��هد وكفى باهلل �شهيدا بتاريخ يوم‬
‫اخلمي�س ‪ /‬اجلمعة (‪ )21/20‬يف �ش ��هر رجب �س ��نة (‪ 1295‬هـ)‪ .‬و�ص ��لى اهلل على �س ��يدنا‬
‫حممد و�آله و�صحبه و�سلم ‪.‬خامت عبداهلل بن فالح خامت عطية بن خ�ضران خامت �صالح بن‬
‫عو�ضة خامت حممد بن مبارك خامت م�شرف بن حكيم"‪.‬‬
‫وقد نلحظ كرثة مثل هذه الأحالف بني بطون قبيلة زهران زمن احلكم العثماين الذي‬
‫�سيطر على احلجاز وع�سري فرتة من الزمن‪ ،‬فلج�أت بطون قبيلة زهران �إىل عقد حتالفات‬
‫ملواجه ��ة جيو�ش �آل عثمان‪ ،‬التي كانت تباغت القبائل يف قراها بني الفينة والفينة‪ ،‬البتزاز‬
‫�أموالهم و�إخ�ضاعهم بقوة ال�سالح ل�سلطانهم اجلائر(‪. )1‬‬
‫كما حتالفت قرية بني �س ��ار‪ ،‬من قبيلة بني عامر‪ ،‬وقرية القرن‪ ،‬من قبيلة بني ح�س ��ن‪،‬‬
‫م ��ن �أجل �أن تكونا يدا واحدة يف ال�س ��راء وال�ض ��راء‪ ،‬و�أن ت�أمن كل قري ��ة حليفتها عند حلول‬
‫ال�شدائد‪ ،‬يقول ن�ص احللف ‪ ":‬ب�سم اهلل الرحمن الرحيم يعلم من يراه لقد اتفقوا بني �سار‬
‫و�أهل ال َق ْرن بالعهد الوثيق الذي تبيد الأر�ض وهو ما يبيد على منافع الدنيا‪ ،‬و�إن ريعنا واحد‬
‫عل ��ى من يبلين ��ا‪ ،‬و�إن الر َق َبة بال َّر َق َبة والكون بالكون و�إنّ م�ص ��دارنا واحد‪ ،‬ومريادنا واحد‪،‬‬
‫و�إنّ من بار عليه اهلل ثار‪ ،‬وعليه �أريا�ش الغربان ولبا�س الن�سوان‪ ،‬عهد موروث ن�سل بعد ن�سل‬
‫ما دام اهلل ُيع َبد واملاء يورد والغراب �أ�سود‪ ،‬و�إن كفالء بني �سار (بعد) اهلل ثم من خلقه من‬
‫احلجرة ‪ ..‬ومن بني حممد ‪ ..‬ومن �أهل القرن ‪ ..‬وكفى باهلل وكيال‪ ،‬و�ص ��لى اهلل على �س ��يدنا‬
‫حممد وعلى �آله و�ص ��حبه و�سلم‪ ،‬وكتبه و�أثبته الفقري �إىل اهلل جمعان ابن عي�ضة‪ ،‬لطف اهلل‬
‫بحاله �آمني ‪ .‬حرر ذلك يوم الربوع يوم ‪ 5‬من �شهر ذي احلجة �سنة ‪ 1243‬وال�سالم"(‪.)2‬‬
‫حلف قرية احلناديد وقرية العفو�ص ‪ :‬وهذا حلف قرية احلناديد‪ ،‬من قبيلة بي�ضان‪ ،‬وقرية‬
‫العفو�ص من قبيلة بني ح�سن‪ ،‬يقول ن�صه ‪ :‬بعد ذكر الب�سملة واحلمد‪ ،‬وال�صالة على ر�سول اهلل‬
‫ﷺ ‪ ..":‬وه ��و حلف باهلل الكبري املتكرب تبيد الأر�ض وهو ما يبيد‪ ،‬وهو حلف ماروث جلد بعد‬
‫جد ولولد بعد ولد‪ ،‬و�إنه على جميع احلناديد وعلى جميع العفو�ص‪ ،‬من�شور ما هو مبق�صور ما‬

‫((( بالد تهامة وال�سراة مليئة بالوثائق املحلية غري املن�شورة‪ ،‬ون�أمل من امل�ؤرخني والباحثني املحليني اجلادين �أن ي�سعوا‬
‫�إىل جمع هذا املوروث التاريخي ودرا�س ��ته درا�س ��ة علمية �أكادميية ‪� .‬إما القول �أن حكم بني عثمان جائز فهذه عبارات‬
‫جندها من�ش ��ورة يف كثري من م�ؤلفات العرب وامل�س ��لمني‪ ،‬و�أعتقد �أن فيها مبالغة‪ ،‬لأن بني عثمان لهم �إيجابيات كثرية‪،‬‬
‫وبخا�ص ��ة يف البالد العربية‪ ،‬ومن اهم �إيجابياتهم �أنهم �ض ��موا بالد العرب حتت لوائهم‪ ،‬يف الوقت الذي كانت تتطلع‬
‫القوى الفار�س ��ية لل�س ��يطرة على هذه الأوطان التي ت�ض ��م كثري ًا من مقد�س ��ات امل�س ��لمني ‪ .‬ومن يدر�س ما كتب الغرب‬
‫وكتب العرب عن تاريخ الدولة العثمانية يجدهم قد جتاوزوا كثري ًا يف ظلم هذه الدولة الإ�س�ل�امية وعدم الإن�ص ��اف يف‬
‫تدوين تاريخها‪ ،‬وهم جميع ًا �أجمعوا على و�صفها بالظلم واجلور و�صفات �سلبية �أخرى كثرية ولو بحث امل�ؤرخ املن�صف‬
‫يف تاريخ هذه الإمرباطورية ف�إنه �سوف يجدها دولة �إ�سالمية عظيمة ولها �إيجابيات كثرية (ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( من وثائق ال�شيخ ‪ :‬عبدالعزيز بن عبداهلل بن رقو�ش الزهراين‪� . ،‬شيخ قبيلة بني عامر ‪( ..‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪266‬‬
‫دام الغراب غراب‪ ،‬والرتاب تراب‪ ،‬حلف ال ينق�صه العقاب وال يفكه الطالب حلف باهلل الواحد‬
‫القهار ثم �إنهم ما �أبقوا بني العفو�ص واحلناديد من الف�ضالت وال�شدات ال قول يغرب وال قفري‬
‫(يقفر) وال كتاب ين�شر وال قبيل يح�ضر �إال قول اهلل ثم قول �صالح بن قا�سم‪ ،‬وحمد بن حممد‬
‫بن زبريي‪ ،‬على ما يفق بينهم ‪� .‬ضمن على هذا القول اهلل ثم ر�سوله وال�شيخ مو�سى بن عي�سى‬
‫ومن بار يف هذا القول �إن اهلل ور�سوله عليه كفال و�ضمنا يف من يبور يف هذا العهد ‪ ..‬وح�سن بن‬
‫�أحمد كتب و�شهد واهلل خري ال�شاهدين ‪ .‬حرر ذلك يوم اجلمعة‪ ،‬يف �شهر جمادى الأوىل‪ ،‬عقب‬
‫�سنة ‪ :‬خم�س و�ستني بعد مائتني والألف من الهجرة النبوية" ‪.‬‬
‫أي�ض ��ا الت ��ي متت بني قريتني م ��ن قبيلتني من زهران‪ ،‬م ��ا مت بني قرية‬ ‫وم ��ن الأحالف � ً‬
‫امل�ص ��اقري �إحدى ُقرى قبيلة بني عامر‪ ،‬وقرية َخيرْ َ ة �إحدى ُقرى قبيلة بني ح�س ��ن ‪ ":‬احلمد‬
‫هلل وحده و�ص ��لى اهلل على من ال نبي بعده وبعد ذلك ‪ :‬فليعلم الواقف عليه والناظر �إليه لقد‬
‫وقع مواجه بني �أهل َخيرْ َ ة والمْ َ َ�ص ��ا ِقري‪ ،‬بعد َ�ص� � َّدروا يف ريع رجا‪ ،‬ثم �إنهم ا�س ��تحبوا كلهم يف‬
‫الزم ��ة اهلل الذي �أم ��ر اهلل بها‪ ،‬ثم �إن القبيل�ي�ن املذكورين احتلفوا ب ��اهلل العظيم‪ ،‬وهو عه ٌد‬
‫باهلل على ما ُير�ض ��ي اهلل‪ ،‬و�س ��اروا �إخوان وعلى دين اهلل �أعوان على �أن امل�ص ��اقري عاهدوا‬
‫�أهل َخيرْ َ ة‪ ،‬على �إ َّنا يا ه�ؤالء �أحالف لكم و�أوالدنا �أحالف لأوالدكم ن�س ��ل بعد ن�س ��ل‪ ،‬ما دام‬
‫اهلل ُيعبد والغراب �أ�س ��ود واجلبال ُر َّكد واملاء يورد واملالئكة ي�صلون على حممد‪ ،‬و�أنهم عد ٌو‬
‫لعدوه ��م و�أ�ص ��دقاء لأ�ص ��دقائهم‪ ،‬و�أنهم احتلفوا حلفا م ��ن �أيديهم يف ال�ب�ر والبحر‪� ،‬إن ما‬
‫بع�ض ��هم يقطع �س ��اقة بع� ��ض و�إن �أهل خرية معاهدين المْ َ َ�ص ��اقري مبثل ما �أخ ��ذوا منهم من‬
‫عه ��د اهلل الوثي ��ق‪ ،‬و�إن راعي خرية َح َّده عل ��ى ديرته‪ ،‬من بحرا بيت �أبو هَ َد َّل�س‪ ،‬ومن �ش ��اما‬
‫ال�ص� � َّوا َنة ومن مينا َقزَ َعة َّ‬
‫ال�ض ْر َما اليمانية‪،‬‬ ‫ِج َّر الوادي‪ ،‬ومن ر�أ�س َح َدب ا ْل َق ْلت ومن �ش ��رق َّ‬
‫وقزعة �شعب ال َق َلح و اخل�ضريا و قزعة ال َّز َّنا ‪ .‬هذا ما ذكر ح َّد ديرة خرية‪ ،‬و �إنَّ راعي خرية‬
‫�ض ��من البن َم ْ�ص� � َقر ديرته‪ ،‬ال َي ِر ُد منها قوم عليه وال ي�ص ��در منها‪ ،‬و�إنْ َ�ض� � َّد ْت ابن م�صقر‬
‫َ�ض� � َّدة‪� ،‬إنَّ راعي خرية ُم ْب ِ�س ٌط ديرته البن َم ْ�ص� � َقر‪ ،‬و�إنَّ ماله حمفوظ‪� ،‬ضمن على ذلك اهلل‬
‫ثم من خلقه ‪ ..‬ه�ؤالء �ضمناء من �أهل خرية على ما �سبق يف الورقة و�إن املواقذ الذي بينهم‬
‫من �صغار وكبار قد �سبقت يف �ش َّد ٍات بينهم و�إنْ وقع حادثة عقوبة على ابن َم ْ�ص َقر‪� ،‬إنَّ راعي‬
‫خرية ي�شرف عليها �إنْ وجده خمط ًئا يرده‪ ،‬و�إنْ وجد عليه اخلط�أ ف�إن ِك َّن ُه معه على من �أخط�أ‬
‫عليه‪ ،‬و�إن وقع ُد َوا�س(‪.)1‬عند راعي امل�ص ��اقري وطاح من راعي خرية طائح‪� ،‬إنه يحا�س ��ب به‬
‫بن م�صقر دونه‪ ،‬واهلل على ما نقول وكيل ‪.‬كان ذلك يوم من �أيام اهلل وهو يوم اجلمعة �أربعة‬
‫وع�شرين يف �شهر �صفر اخلري �سنة �أربع وت�سعني بعد الألف واملائتني‪ ،‬وكتبه و�شهد به الفقري‬

‫((( ال ُّد َوا�س ‪ :‬القتال ‪( .‬ابن �سدران)‪.‬‬


‫‪267‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫�إىل اهلل �صالح بن �سفر الغامدي و�صلى اهلل على �سيدنا حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم(‪.)1‬‬
‫�ص التايل حلف �صداقة‪ ،‬وتبادل منافع‪ ،‬بني قرية بني �سار العامرية بال�سراة‪ ،‬وقبيلة‬ ‫وال َّن ُّ‬
‫بني ُ�س ��ليم الزهراني ��ة القاطنة بتهامة ميثله ��م �أعيان �آل حبيبة‪ ،‬يق ��ول الن�ص ‪:.‬احلمد هلل‬
‫(‪)2‬‬

‫وحده م�شهد كرمي بيد بني �سار‪ ،‬لقد ح�ضروا �أقابيلهم ‪� :‬آل حبيبة الذين هم ‪� :‬أحمد ال�سربوت‪ ،‬وعبد‬
‫اهلل بن خ�شالن‪ ،‬وعبد اهلل بن ح�سن‪ ،‬ومر�ضي بن على من ال ُّر ْح َمة ‪ ...‬وح�ضر حل�ضورهم كبار بني‬
‫�س ��ار الذين هم ‪ :‬جمعان بن رقو�ش ‪ ..‬وبعد ح�ضور اجلميع من الفئتني تقارروا وت�صادقوا ب�أن بني‬
‫�سار �أقابيل �آل حبيبة‪ ،‬من ر�أ�س ِن ْي�س �إىل َق ِر ْيع ال�صقور‪ ،‬و�آل حبيبة �أقابيلهم بني �سار على بني ُ�سليم‬
‫كافة‪ ،‬فليعلم بذلك من يراه‪ ،‬و�صلى اهلل على حممد و�آله و�صحبه و�سلم‪ ،‬وكل معه على ذلك حجة‬
‫بيده النطق بالنطق ‪�.‬شهد بذلك عطيفة وعبداهلل بن ح�سن من عويرة‪ ،‬ومنران من ولد احلارث‪،‬‬
‫وراقمه ال�سيد حممد عزب ابن �سعد‪ ،‬كاتب و�شاهد على مقارر اجلميع‪ ،‬وال�سالم ‪18 :‬ج ‪1289‬هـ" ‪.‬‬
‫الأحالف التي تتم بني قرية من قبيلة من زهران وقبيلة من خارج زهران ‪.‬وهذا حلف‬
‫بني قرية بني �س ��ار التابعة لقبيلة بني عامر‪ ،‬وقبيل ��ة الز ُّْه َران من غامد‪ ،‬يدلنا هذا الن�ص‬
‫على �أن ُق َرى القبيلة لها احلرية يف عقد الأحالف مع من ت�ش ��اء �إذا ر�أت يف ذلك م�ص ��لحة‬
‫له ��ا‪ ،‬دون الرج ��وع �إىل �ش ��يخ القبيل ��ة‪ ،‬يقول الن�ص ‪ " :‬احلمد هلل و�ص ��لى اهلل على �س ��يدنا‬
‫حممد‪ ،‬وعلى �آله و�ص ��حبه و�س ��لم‪ ،‬لقد حتا�ضروا بني �س ��ار والز ُّْه َران �صغريهم وكبريهم‪،‬‬
‫وبعد ح�ض ��ورهم اتفقوا وارتفقوا على ما ير�ض ��ي اهلل‪� ،‬س ��بحانه وتعاىل‪ ،‬وتعاهدوا وتواثقوا‬
‫ب ��اهلل العظيم �إنهم �إخوان وعلى الدين �أعوان �ش ��ركاء يف الديرة من �أعالها �إىل �أ�س ��فلها‪،‬‬
‫و�إنهم واحد يف زحفات الع�ش ��ائر يف الديرة �إنْ ح�ص ��لت يف �أعلى الديرة عند الي�ساري يفزع‬
‫(‪)3‬‬
‫له‪ ،‬و�إنْ ح�ص ��لت يف �أ�س ��فلها عند الزهريي‪� ،‬إنّ الي�س ��اري يفزع له‪ ،‬و�إنّ ال�س ��ارق والب َّياع‬
‫�إنْ كان م ��ن الزه�ي�ري و�إنْ كان من الي�س ��اري‪َ ،‬ن َظ َره عند �أربعة الز ُّْهران و�أربعة بني �س ��ار‪،‬‬
‫و�إن الب ّي ��اع م ��ن الزه ��ران �أو من بني �س ��ار �إنّ م ��ا فيه �إ ّال ُيك�س ��ر ر�أ�س ��ه و�إ ّال ي�ؤخذ منه دية‬
‫�شرعية‪ ،‬هذا الذي يبتاع الرجال‪ ،‬و�إنّ الي�ساري ال َق َّوام على ما يحدث من طرفه والزهريي‬
‫وفايته‪ ،‬والزهريي الق ّوام على ما يحدث من طرفه والي�س ��اري وفايته‪ ،‬و�إنّ �سوق ال ُّر ْو ِمي �إنّ‬
‫الزهريي ي� ِّؤمن �أ�سباله ويهبطه‪ ،‬و�إنّ ال�سوق للي�ساري والزهريي‪ ،‬وما يحدث فيه �إ ّنه يف وجوه‬
‫املذكورين يف عقوده املعروفة‪ ،‬و�إنّ القافلة والجْ َ َلب وجميع امل�صالح ما ُت َر ُّد عنه ل�سوق غريه‪،‬‬
‫ومن عدلها �إىل �س ��وق غريه �أو ك�س ��بها‪� ،‬أو ردها قفاها‪� ،‬إنّ بني �سار والزهران الق ّو َامة عليه‪،‬‬

‫((( من وثائق ال�شيخ ‪ :‬عي�ضة بن حممد بن فرير الزهراين‪ ،‬من قرية المْ َ َ�صا ِقيرْ ‪ ،‬رحمه اهلل‪( .‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( من وثائق ال�شيخ ‪ :‬عبد العزيز بن عبد اهلل بن رقو�ش الزهراين‪� ،‬شيخ قبيلة بني عامر ‪( .‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( قول ��ه ‪ :‬ال َب َّي ��اع" م�ص ��طلح بني القبائل يق�ص ��د به م ��ن يبتاع الرج ��ال‪� ،‬أي ي�س ��لمهم بطريقة اخليانة �إىل اخل�ص ��م‬
‫للتخل�ص منهم ‪ .‬فك�أنه باعهم ‪( ..‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪268‬‬
‫و�إنّ ال َّر َفق(‪)1‬بني الي�ساري والزهريي مقطوع ما ي�ؤخذ ال من ال�شرق‪ ،‬وال من احلجاز‪� ،‬ضمن‬
‫على ذلك اهلل �سبحانه وتعاىل وكفى‪ ،‬ثم من الزهران من �أهل ال�شام ‪ ..‬و�ضمن من بني �سار‬
‫‪ ..‬و�ضمن على �ضمانهم وكفالهم ال�شيخ ‪ :‬را�شد بن جمعان‪ ،‬و�شهد على اتفاق الزهران‪،‬وبني‬
‫�س ��ار و�ضمان ال�ضمناء منهم ال�شيخ حممد بن �ص ��الح من باخلزمر‪ ،‬و�أحمد بن مر�ضي من‬
‫باخلزمر وخر�شان من بني كنانة ‪ ..‬وكتبه و�شهد بجميع ما فيه خادم ال�شرع ال�شريف �أحمد‬
‫بن عائ�ض‪� ،‬س ��احمه اهلل ووالديه وم�ش ��ائخه‪ .. ،‬تاريخ ثالثة وع�شرين يو ًما من �شهر احلجة‬
‫أي�ضا ال�سيد حممد عزب بن �س ��عد‪ ،‬و�صلى اهلل على �سيدنا‬ ‫�س ��نة (‪1308‬هـ)‪ ،‬و�ش ��هد بذلك � ً‬
‫حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم وقد جعلنا بيد الزهريي َ�ش َّدة وبيد الي�ساري مثلها " ‪.‬‬
‫ومثل ما �سبق‪ ،‬فهذا حلف معقود بني بيت من الأطاولة عن قبيلة قري�ش‪ ،‬وبيت من قبيلة‬
‫بن ��ي ُجندب ي�ض ��من كافة بن ��ي ُجندب‪" :‬احلمد هلل وحده و�ص ��لى اهلل على من ال نبي بعده‪،‬‬
‫وبعد ذلك ‪� :‬إن هذا ما اتفقوا عليه القينان والزرعان ت�س ��لمة بينهما‪ ،‬الزرعان �س� �ـاملوا ابن‬
‫قينان ومن يجر غ�ص ��نه معه من الأطـاولة‪ ،‬وابن قينان �س ��امل الزرعان ومن يجر غ�صنهم‬
‫م ��ن بن ��ي جندب معهم‪ ،‬هذا م ��ا تقـاروا عليه يف مقعد القر والقرار ‪ :‬ابن قينان �س ��املهم لو‬
‫كان ُيذبح من الأطاولة ع�ش ��رة‪ ،‬والزرعان �س ��املوا القينان ومن يجر غ�ص ��نهم لو كان ًيذبح‬
‫من بنى جندب ع�ش ��رة ‪.‬هذا ما اتفقوا عليه‪� ،‬ش ��هد على ذلـك اهلل‪ ،‬ثم من خلقه ‪ :‬يحيى بن‬
‫معي�ض ابن م�س ��اوا‪ ،‬وم�س ��فر بن �شهوان بن �س ��عيدان‪ ،‬و�أحمد بن يحيى‪ ،‬من �أهـل املندق‪ ،‬و‬
‫كتب و�أثبت ُم َر ِّيع ابن حممد‪ ،‬واهلل خري ال�شاهدين ‪ .‬قدر ذلك اليوم االثنني �سبعة وع�شرون‬
‫يف �شهر رجب �ألف ومائتني واثني ع�شر ‪ .‬و�صلى اهلل على �سيدنا حممد و�آله"(‪.)2‬‬
‫وق ��د تفو�ض القرية �أحد �أعيانها‪ ،‬ليتوىل عقد حلف مع قبيلة �أو قرية يف طريق حجهم‬
‫�أو جتارتهم حيث فو�ضت قبيلة قري�ش ‪ :‬عطية بن قفي�ص‪� ،‬أحد �أعيان بلدة الأطاولة‪ ،‬ليعقد‬
‫حلف ��ا مع جمعان ب ��ن جري�س‪� ،‬أحد �أعيان ال�ش ��واحطة من قبيلة باحلارث‪ ،‬عل ��ى رعاية منافع‬
‫رجال القريتني يقول الن�ص(‪ ":.)3‬احلمد هلل وحده �أما بعد ؛ ف�إذا علم ذلك لقد حتالف عطية‬
‫ب ��ن قفي�ص‪ ،‬من الأطاولة‪ ،‬وجمعان بن جري�س من ال�ش ��واحطة‪ ،‬وذل ��ك احللف باهلل العظيم‪،‬‬
‫((( ال َّر َف ��ق (اخلف�ي�ر)‪ :‬املراد به الرجل الذي ي�ص ��احب الأجنبي ليمرره م ��ن الديرة ‪ .‬ولهذا الفعل �أَ ْ�ص� � ٌل عند العرب‪،‬‬
‫فلقد �أورد ابن ه�ش ��ام يف �س�ي�رته ‪�" )184 /1( :‬أَنَّ ُع ْر َو َة ال َّر َّح َال ْبنَ ُع ْت َب َة ْب ِن َج ْع َف ِر ْب ِن ِكلاَ ِب ْب ِن َر ِبي َع َة ْبن َع ِام ِر ْب ِن‬
‫ا�ض ْبنُ َق ْي ٍ�س‪� ،‬أَ َح ُد َب ِني َ�ض ْم َر َة‬ ‫َ�ص ْع َ�ص َع َة ْب ِن ُم َعا ِو َي َة ْب ِن َب ْك ِر ْب ِن هَ َوازِنَ ‪� ،‬أَ َجا َر َل ِطي َم ًة ِلل ُّن ْع َم ِان ا ْبن المْ ُ ْن َذرِ‪َ ،‬ف َق َال َل ُه ا ْلبرَ َّ ُ‬
‫ْب � ِ�ن َب ْك � ِ�ر ْب ِن َع ْبدِ َم َنا َة ْبن ِك َنا َن� � َة ‪�َ :‬أتجُ ِ ُريهَ ا َع َلى ِك َنا َن َة ؟ َق َال ‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬و َع َلى الخْ َ ْل ِق ( ُك ِّل� � ِه) ‪َ .‬ف َخ َر َج ِفي َها ُع ْر َو ُة ال َّر َّح ُال‬
‫ا�ض َف َق َت َل ُه ِفى‬ ‫ا�ض َي ْط ُل � ُ�ب َغ ْف َل َتهُ‪َ ،‬حتَّى �إِ َذا َكانَ ِب َت ْي َمنَ ِذي ِط�َللاَ ٍل ِبا ْل َعا ِل َي ِة‪َ ،‬غ َف َل ُع ْر َو ُة‪َ ،‬ف َو َث َب َع َل ْي� � ِه ا ْلبرَ َّ ُ‬ ‫َو َخ� � َر َج ا ْلبرَ َّ ُ‬
‫ا�ض ا ْل ِع َري َو َ�سا َر َع َلى َو ْجهِ ِه ِ�إلىَ َخيْبرَ َ ‪. "..‬‬ ‫َاق ا ْلبرَ َّ ُ‬ ‫ا�س� �ت َ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫(‪)529/1‬‬ ‫التاريخ‬ ‫يف‬ ‫الكامل‬ ‫‪:‬‬ ‫َاب‬
‫ِ ِ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ويف‬ ‫‪.‬‬ ‫"‬ ‫ام‬ ‫ِّ‬
‫ال�ش� � ْه ِر الحْ َ َر ِ‬
‫قال ال�شاعر �أع�شى تغلب يف كتاب ‪ :‬ال�صبح املنري يف �شعر �أبي ب�صري ‪: 344‬ال يجوزنّ �أر�ضنا ُم َ�ض ِر ٌّي *** بخف ٍري وال‬
‫بغري خفري (ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( من وثائق الأ�ستاذ ‪ :‬عبد اهلل بن جابر الزهراين‪ ،‬من الأطاولة ‪( .‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( من وثائق عبداهلل بن ب َّالع الربود‪ ،‬من الأطاولة‪ ،‬رحمه اهلل ‪( .‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫‪269‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫لولد بعد ولد ما تنا�س ��لوا بطن‬ ‫حل ��ف (موروث) على جميع املنافع يف الزمان حلف (موروث) ٍ‬
‫بع ��د بط ��ن وولد بعد ولد‪ ،‬على جميع املثاور ِوكنّ عطية بن قفي�ص‪ِ ،‬م ْنزاع ما عند الأطاولة من‬
‫بواخ�ص لل�شواحطة من جميع ما يكن‪ ،‬وكنّ جمعان بن جري�س‪ِ ،‬م ْنزاع ما يكن عند ال�شواحطة‬
‫للأطاولة‪ ،‬من جميع املثاورة‪ِ ،‬وكنّ ذلك احللف على جميع املنافع يف الزمان ‪� .‬شهد على ذلك‬
‫اهلل ور�سوله ثم من خلقه غيالن الوريدي‪ ،‬واهلل خري ال�شاهدين‪ ،‬و�صلى اهلل على حممد ‪.‬‬
‫وهذا حلف بني قرية بني �سار من قبيلة بني عامر من زهران‪ ،‬واجلنبة من �أُ ْك ُلب من قبيلة‬
‫خثعم‪ ،‬ين�ص على حرية تنقل الأفراد يف ديار القبيلتني‪ ،‬فمن �أراد من بني �س ��ار وهم ميثلون‬
‫زهران عموما‪ ،‬ال�س�ي�ر عرب ديار خثعم �إىل �أبها فال يعرت�ضه �أحد‪ ،‬ومن �أراد من اجلنبة وهم‬
‫ميثلون كافة خثعم‪ ،‬ال�س�ي�ر عرب دي ��ار زهران يف طريقه �إىل مكة املكرم ��ة للحج �أو العمرة �أو‬
‫التجارة‪ ،‬فهو �آمن يف ذهابه و�إيابه‪ ،‬و�أول هذه االتفاقيات �أُ ْبرمت بني كبري بني �س ��ار‪ ،‬و ُيدعى‬
‫بطاح‪ ،‬وتن�ص على‬ ‫�سامل بن م�سفر‪ ،‬واثنني من كبار اجلنبة هما‪ :‬حمد بن عثمان وحرمل بن َّ‬
‫حماية الأموال من ال�سلب والأنف�س من القتل وت�شمل �إىل جانب حماية �أفراد القبيلتني حماية‬
‫�فر‪� ،‬أو �ص ��احب جتارة �أو �ص ��ناعة‪،‬‬ ‫أي�ض ��ا كالقطري وهو اجلار والرفيق يف �س � ٍ‬ ‫َمن يف ديارهما � ً‬
‫تقول الوثيقة ‪ " :‬ب�سم اهلل الرحمن الرحيم يعلم من يراه من امل�سلمني ‪� .‬سالم عليكم ورحمة‬
‫اهلل وبركاته وبعد ‪ ":‬يكون عندكم معلوم لقد تعامل �س ��امل بن م�س ��فر‪ ،‬من بني �س ��ار‪ ،‬وحمد‬
‫بطاح من الجْ نبة من �أُكلب‪ ،‬باهلل الذي ال�إله �إ َّال هو ما دام املاء يورد‪،‬‬ ‫ب ��ن عثم ��ان‪ ،‬وحرمل بن َّ‬
‫والغراب �أ�سود‪ ،‬ما ن�شا ن�سل بعد ن�سل‪ِ ،‬ع ْملة على املال والفعول‪ ،‬عملة حمد بن عثمان‪ ،‬وحرمل‬
‫وال�ش ��نفة والبال�شنني والعطاوين واجلربة‪ ،‬وكافة بني‬ ‫بن بطاح‪ ،‬على اجلنبة واملنيع واملزايدة َّ‬
‫حل َمدَ ة والرفاعة والفالح والع�صيف واخلمي�سة واحلامت و�آل‬ ‫عامر‪ ،‬و�س ��امل بن م�س ��فر‪ ،‬على ا َ‬
‫�ص ��ادع واحلجرة وكافة بني �س ��ار‪ ،‬عملة موروثة ما دام اهلل ُيعبد‪ ،‬والغراب �أ�سود‪ ،‬و�أن العملة‬
‫على القطري ورفيق اجلنب ‪� .‬ش ��هد على ذلك اهلل‪ ،‬ثم من خلقه �س ��عيد ابن دخيل اهلل من �آل‬
‫زياد‪ ،‬ومبارك بن �سعيد من بني قي�س‪ ،‬كان تاريخه ‪ :‬يوم �سبعة ع�شر من �شهر �شعبان �سنة (‬
‫‪1239‬هـ) ‪ .‬و�صلى اهلل على �سيدنا حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم(‪.)1‬‬
‫وم ��ن الأح�ل�اف التي متت بني قريتني من ُقرى القبيلة الواح ��دة من قبائل زهران‪ ،‬ما‬
‫مت بني قرية الحْ ِ ِ�ص� � َنة‪ ،‬وقرية بني �سار‪ ،‬وكالهما من ُقرى قبيلة بني عامر بال�سراة‪ ،‬وذلك‬
‫لتوثيق الروابط بينهما و�إنْ كانتا من قبيلة واحدة‪ ،‬ون�صه ‪" :‬احلمد هلل وحده �أ َّما بعد ‪ :‬لقد‬
‫وح ْلف من عهد اجلدود‪ ،‬وكان �سدران عريفة بني �سار‬ ‫وقع بني الحْ ِ �ص ��نة وبني �س ��ار‪� ،‬أُ ُخ َّوة ِ‬
‫يف احل�ص ��نة‪ ،‬وق�ض ��ى اهلل عليه هو وعياله‪ ،‬وقام بها م�سفر بن م�صلح‪ ،‬و�سار فيما �سار فيه‬
‫�س ��دران‪ ،‬هو ومن يليه ولد بعد ولد ‪�.‬ش ��هد على ذلك اهلل‪ ،‬ثم من خلقه ‪ ..‬بح�ض ��رة ال�ش ��يخ‬
‫جمعان بن را�شد بن رقو�ش ‪ ..‬واهلل خري ال�شاهدين ‪.‬حرر ذلك يوم اخلمي�س ت�سعة وع�شرين‬
‫((( من وثائق ال�شيخ ‪ :‬عبدالعزيز بن عبد اهلل بن رقو�ش الزهراين‪� ،‬شيخ قبيلة بني عامر ‪( .‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪270‬‬
‫من �شهر عا�شور �سنة " ‪ 1281‬هـ" و�صلى اهلل على �سيدنا حممد وعلى �آله و�صحبه و�سلم(‪.)1‬‬
‫وفيما يلي �شدة (اتفاقية) ُعقدت بني الحْ َ َن�ش من �أهايل �شدا بتهامة‪ ،‬وبني عويف‬
‫م ��ن الدارين القاطنني بجبال بي�ض ��ان بال�س ��راة‪ ،‬وكلت ��ا القريتني من ُق َرى قبيلة بي�ض ��ان‪،‬‬
‫تن�ص على �أنهما يحتمالن قتلى بع�ض ��هما‪ ،‬وال مينع‬ ‫الأوىل م ��ن تهامة والثانية من ال�س ��راة ُّ‬
‫حلي ��ف حليفه من ا�س ��تخدام دياره �إذا احتاج امل ��رور منها‪ ،‬حتى ينت�ص ��ر لقتاله من قبيلة‬
‫�أو قري ��ة �أجنبية‪ ،‬يقول الن� ��ص(‪ ":)2‬احلمد هلل وحده وبعد ‪ :‬فهذا ما اتفقوا عليه بني ُع َو ْيف‪،‬‬
‫وح َمل ابن احلن�ش برقبة العويف‬ ‫والحْ َ َن� ��ش‪ ،‬طلب العويف ��ي من ابن احلن�ش الحْ ُ ْم َلة يف ِر ْي َع ��ه‪َ ،‬‬
‫يف احل�ص ��ن وال ِّر ْيع �أ َّنه الأ َّول (و�إ َّال ابن احلن�ش ال ْأع َقب) ُح ْم َله عليها اهلل ور�سوله‪ ،‬وكفلها من‬
‫احلن�ش عليها‪ ...‬و�أ َّنه ما ُي َغ ِّلق ابن احلن�ش الريع وعاد َمق َْذى بندقة‪� ،‬شهد على ذلك اهلل (ثم)‬
‫ر�سوله ومن خلقه ‪ ..‬وكتبه و�أثبته عط َّية بن عي�سى‪ُ ،‬حرر ذلك نهار الأربعاء خم�سة ع�شر يوما يف‬
‫�شهر جماد �أ َّوله �سنة ( ‪ 1112‬هـ ) ‪.‬‬
‫وقد تعقد القبائل �أو القرى املتجاورة �أو املتباعدة (املتناحرة �أو املت�صاحلة) ما ُي�س َّمى‬
‫"الذ َّم ��ة" �أي هدن ��ة مطلقة �أو مقيدة‪ ،‬لل�س ��ماح لتلك القبيل ��ة �أو القرية املوتورة ‪ -‬و�إن كانت‬ ‫ِّ‬
‫معادي ��ة‪ -‬ب�أخ ��ذ ث�أرها من واتريها يف �أي وقت‪ ،‬فتفتح ديارها كي متر عربها متى ما �أرادت‬
‫�إن كانت مطلقة‪� ،‬أو يف زمن حمدد �إن كانت لغر�ض معني‪ ،‬دون �أخذ �إذن م�س ��بق كما فعلت‬
‫قريتا بني هُ ريرة‪ ،‬و�أهل ال َّدا َر ْي ِن‪ ،‬كالهما من قبيلة بي�ضان‪ ،‬يف هذا الن�ص املكتوب بينهما‪،‬‬
‫الذي ورد فيه االتفاق على العبور من ديرة القريتني‪ ،‬يف ليل �أو نهار‪ " :‬احلمد هلل وحده يعلم‬
‫من يراه �إن هذا ما اتفقوا عليه‪ ،‬يف ِذ َّمة عا َّمة تا َّمة ليل ونهار �سر وجهار‪ ،‬ذ ّمة �آمنة �ضامنة‬
‫بني بني هريرة‪ ،‬و�أهل الدارين‪ ،‬وال�ضمناء اهلل �أ ّول ما يكون‪ ،‬ثم يف وجوه الأقابيل ‪ ..‬و�شهد‬
‫على ذلك اهلل رب العاملني‪( ،‬ثم) من خلقه ‪ ..‬واهلل خري ال�ش ��اهدين رقم ذلك اخلط يوم‬
‫اجلمعة‪� ،‬سادي ع�شر من �شهر رجب‪� ،‬سنة ثالث و�أربعني بعد �ألف ومائتني ‪ .‬و�صلى اهلل على‬
‫�س ��يدنا حممد و�آله و�ص ��حبه و�س ��لم يا كرمي ‪ .‬ثم ُك ِتب يف نهاية الورقة ‪ :‬ما يلي "و�إنها ‪� -‬أي‬
‫الذمة ‪ -‬من �سادي ع�شر يف �شهر رجب �إىل َب َياح رم�ضان‪.)3("...‬‬
‫ق ��د يعق ��د احللف بني �أبناء القرية الواحدة لتاليف امل�ش ��اكل التي حتدث بني �أبناء القرية‬
‫الذين تربطهم �ص ��لة قرابة‪ ،‬و�ض ��رورة �إيجاد حلول لها يف جو من الطم�أنينة‪ ،‬و�أنهم يد واحدة‬
‫على من يخالفهم‪ ،‬ومن �ش ��ذ منهم و�س ��لك غري طريقهم‪ ،‬فهو وحده يتحمل نتيجة �شذوذه وال‬
‫دخل لهم فيه‪ ،‬وفيما يلي حلف ُع ِقد بني �أبناء قرية بني �س ��ار‪ ،‬التابعة لقبيلة بني عامر‪ ،‬يقول‬
‫((( من وثائق ال�شيخ ‪ :‬عبد العزيز بن عبد اهلل بن رقو�ش الزهراين‪� ،‬شيخ قبيلة بني عامر ‪( .‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( من وثائق الأ�ستاذ ‪� :‬إبراهيم بن عبداهلل بن حنا�س الزهراين‪ ،‬من قرية الدارين ‪( .‬ابن �سدران)‪.‬‬
‫((( قول ��ه ‪َ " :‬ب َي ��اح رم�ض ��ان" نهاي ��ة �ش ��هر رم�ض ��ان ‪ .‬م ��ن وثائ ��ق الأ�س ��تاذ ‪ :‬عب ��د الرحم ��ن ب ��ن خمي� ��س ال ِق ْف ِع ��ي‬
‫الزهراين‪ ،‬يرحمه اهلل‪ ،‬من قرية ُق َّرى ‪ (.‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫‪271‬‬ ‫الدرا�سة ال�ساد�سة ‪ :‬ملحات من تاريخ تهامة وال�سراة (منطقة الباحة �أمنوذج ًا )‬

‫ن�ص ��ه ‪ ":‬احلمد هلل وحده و�ص ��لى اهلل على من ال نبي بعده وبعد ‪ :‬هذا الذي اتفقوا عليه‬
‫بني �سار‪ ،‬من علو الوادي �إىل �أ�سفله يف ما يرد عليهم من بوايل الزمان متقدمة و�إ ّال مت�أخرة‪،‬‬
‫�إنهم واحد يكون �إن�س ��ان يتب ّل ��ى النا�س‪� ،‬إنها من قرنه �إىل قدمه‪� ،‬أكربها الرجال‪ ،‬و�أ�ص ��غرها‬
‫ال�ش ��اة‪ ،‬و�إنّ من يبلى �إما طرف حقه و�إ ّال يف الفي�ض و�إ ّال يف �س ��ابلة ال�س ��وق‪ ،‬و�إ ّال عند عن َّية و�إ ّال‬
‫جني َّية و�إال عند ِ�ض ��ي َفة و�إ ّال عند جاره �إنهم واحد عن اثنني‪ ،‬و�إن من ت�شهوى �شهوة ما ح�ضروا‬
‫عليه بني �سار �إنها حوب راعيها من قرنه �إىل قدمه‪ ،‬و�إنهم حيال يد واحدة على من يلتوي على‬
‫ال�ص� � َّدة‪ ،‬و�ضمن على ذلك اهلل‪ ،‬ثم ر�سوله ثم من احلجرة ‪ ..‬ومن بني حممد ‪ ..‬ومن ال ُّر ْو ِمي‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫المْ‬
‫‪ ..‬ومن ال ُّر ْبيان ‪ ..‬ومن ْ�ص� � َرخ ‪ ..‬و�أنا ح�س ��ن بن �ش ��راز العماري‪ ،‬كاتب و�ش ��اهد‪ ،‬واهلل خري‬
‫ال�شاهدين ‪.‬حرر ذلك يوم الربوع (الأربعاء) يوم ت�سعة وع�شرين يف الفطر التايل يف �سنة ت�س ٍع‬
‫وثالثني بعد املائتني والألف‪ ،‬و�صلى اهلل على �سيدنا حممد و�آله و�صحبه و�سلم يا كرمي"(‪.)1‬‬
‫"ال�ص � ْ�ح َبة" وهو عهد ُيعقد بني �أهل القرية الواحدة‪ ،‬ويرونه‬ ‫كما �أن هناك حل ًفا ُي�س ��مى ‪ُّ :‬‬
‫�أق ��وى م ��ن احللف‪ ،‬وقد عقد بني �أهايل قري ��ة القهاد �إحدى ُقرى قبيلة قري�ش ب�س ��راة زهران‪،‬‬
‫ون�ص ��ه(‪" .)2‬احلمد هلل وحده ‪.‬و�ص ��لى اهلل على م ��ن ال نبي بعده وبعد ذلك لقد ا�ص ��طحبوا �آل‬
‫وع ْربة على ما‬ ‫ُج� � ُّد ْوع م ��ن بيت �آل مبارك �إىل دار ا ْل ِق َهاد على �أنهم واحد‪ ،‬واهلل واحد‪�ُ ،‬ص ��حبة ُ‬
‫ير�ض ��ي اهلل ور�س ��وله‪ ،‬ثم �إنهم ت�ضامنوا بينهم‪� ،‬ضمن عليهم اهلل‪ ،‬ثم من �آل مبارك حممد بن‬
‫�سعيد‪ ،‬ومن احلامد �أحمد بن علي‪ ،‬وال�سلطان �سعيد املوت‪ ،‬وولده �سويلم‪ ،‬ومن القروف جدوع‪،‬‬
‫ومن العجالن ُ�ش َل َّية‪�ُ ،‬صحبة �أكربها الرقبة و�أ�صغرها الع�صا(‪ ،)3‬ومن يخرج من ر�شد رفاقته �أو‬
‫أحد‬‫ي�سرق حق النا�س وميد يده ويح�صل عليه حادثة �إنها بنظر الرفاقة‪ ،‬و�أنهم �إىل ح�صل بني � ٍ‬
‫يح�شم(‪.)4‬لولده وال (�أخوه) وال واحد يقرب له‪،‬‬ ‫(خ َ�صام) �أو هَ ْو َ�شة‪� ،‬إن الواحد ما ْ‬
‫منهم ُز ْع َمة ِ‬
‫ومن َفزع لولده و�أخيه �إن الرفاقة عليه من ر� ٍأ�س واحد واملخطئ يقومون عليه حيال ٍيد واحدة" ‪.‬‬
‫ُق ْلتُ ‪ :‬هذه ال�ص ��حبة حت ِّتم عليهم ال�ش ��راكة يف كل �شيء يقع على �أحدهم‪ ،‬حتى �إذا مات‬
‫امليت حتف �أنفه‪ ،‬يف بيت من بيوت امل�صطحبني ف�إنهم يقومون باقت�سام ديته‪ ،‬وما يخ�سر عليه‬
‫ن�ص ُكتب بني �أفراد َح ٍّي ا�سمه حي ‪" :‬ا ْل َب ْق َعاء" من الأطاولة(‪ ":)5‬احلمد‬ ‫َمن مات يف بيته يقول ٌّ‬
‫هلل وحده"�إنّ هذا ما اتفقوا عليه البقعاء يف �صحبة بينهم‪ ،‬ثم �إنهم مثلوا �إن اجلار و�إال ال�ضيف‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫�إذا مات يف بيت واحد منهم‪� ،‬إنّ ما يخ�س ��ر عليه �أنهم فيه واحد‪ ،‬بنظر ال ُّر َ�شدَ اء منهم‪ ،‬و�إنهم‬
‫عند المْ ُ ْب َلى واحد‪� ،‬ص ��ح ذلك‪� ،‬شهد على ذلك ‪ ..‬و�أبو اخلري بن يحيى كاتب وكفى باهلل �شهيدا‬
‫‪.‬حرر ذلك يوم اجلمعة يف �شهر ذي القعدة �سنة ( ‪1261‬هـ)‪ ،‬م�ص ِّل ًيا على حممد ﷺ ‪.‬‬

‫من وثائق ال�شيخ ‪ :‬عبد العزيز بن عبداهلل بن رقو�ش الزهراين‪� ،‬شيخ قبيلة بني عامر ‪ ( .‬ابن �سدران )‬ ‫(((‬
‫من وثائق الأ�ستاذ ‪ :‬حممد بن �سعيد بن عوا�ض الزهراين‪ ،‬من القهاد ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫�أي �أكربها القتل و�أ�صغرها ال�ضرب بالع�صا ‪ (.‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫قوله ؛ يح�شم �أي ينحاز ‪ (.‬ابن �سدران ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫ال�ساهر الزهراين‪ ،‬عريفة بلدة الأطاولة �ساب ًقا‪ ،‬رحمه اهلل ‪ (.‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫من وثائق ‪ :‬حممد بن �صالح َّ‬ ‫(((‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪272‬‬
‫وقد ُيعقد حلف ال�صحبة بني قريتني متجاورتني من قبيلتني زهرانيتني‪ ،‬ومن مل يلتزم‬
‫به ��ا م ��ن �أحد �أفراد القريتني‪ ،‬ف�إنه يطرد من قريته‪ ،‬وال يحق له االنتفاع ب�ش ��يء من ديرتي‬
‫القريتني امل�ص ��طحبتني‪ ،‬ويفر�ض ��ان عليه قيودا قا�س ��ية‪ ،‬ويظ ��ل طري ��دً ا �إىل �أن يرجع �إىل‬
‫ن�ص َعقْد ُ�ص ��حبة بني قرية الحْ ُ ُم َرة من قبيلة بني ِك َنا َنة‪ ،‬وقرية الحْ َ َطا ِو َرة‬
‫ال�ص ��حبة‪ ،‬يقول ُّ‬
‫من قبيلة بن ��ي ُح َرير ‪،‬والقبيلتان متجاورتان ‪ ":‬احلمد هلل رب العاملني والعاقبة للمتقني‪،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وبع ��د ‪ :‬يعلم م ��ن يراه من امل�س ��لمني ووالة �أم ��ور الدين‪ ،‬وهذا م ��ا اتفقوا علي ��ه الرجاجيل‬
‫املذكوري ��ن الذين ه ��م‪ :‬الحْ ُ ُم َرة‪ ،‬وقبيلهم ابن الحْ َ ْط َور‪ ،‬ب�أ�س ��باب ما ح�ص ��ل من ال َّد َّباغ يف‬
‫ديرة حموطة بني القبيلني‪ ،‬ثم �إنه َ�ش� � َرد ب�ص ��حبته عن احلمرة‪ ،‬ثم �إنّ احلمرة �ش ��كوا على‬
‫قبيلهم وركزوا عليه يطلبونه ال�صحبة "التي" م�ضت بينهم وبني �أهله‪( ،‬وطرحوا) احلمرة‬
‫َع َل َق ُه ��م فيم ��ا ي ّد ِعي به عندهم‪ ،‬و�أبى م ��ن ال َع َلق و�أبى على ال�ص ��حبة‪ ،‬ومن مي البيت الذي‬
‫َب َّو َثه(‪�،)2‬ص ��الح قبله وقرعوه احلمرة عنه ثم "�إنه" ُق ِرع وزاد ا�س ��تباثه �س ��عد‪ ،‬وقرعوا عليه‬
‫و�أبى ينقرع عنه‪ ،‬حيث �أنه يف ق�ص ��بة مربوعة مرفوعة بني قبيلني‪ ،‬والبا َثة فيه ُت ْ�س� � َت ْن َكر‪ ،‬ثم‬
‫�إنهم اتفقوا على �إخراجه حيث �أنه �أبى على ال�ص ��حبة‪ ،‬واتفقوا على �أنّ َم ِّيتَه ما يح�ضرونه‪،‬‬
‫و�إنّ ث ��وره �إىل طاح يف البئر ما يطلعونه‪ ،‬ثم �إنهم َق َر ُعوه عن ديارهم �أكربها البيت ما ُي ْب َنى‬
‫و�أ�صغرها امل�سواك �إنّ ما فيه �إ ّال عزير �إنْ �أخذه من ديرة ابن احلطور �أو ديرة ابن احلمري‪،‬‬
‫ويلهي من ال َبا َثة التي حتدث بالفتنة وهذا ما اتفقوا عليه الرجاجيل‬ ‫�إ ّال �أنْ يعود لل�ص ��حبة ِ‬
‫املذكوري ��ن الذي ��ن هم من احلط ��اورة ‪ ..‬ه�ؤالء من احلط ��اورة وال َّد َع َبة‪ ،‬وم ��ن احلمرة ‪،..‬‬
‫و�شهد على �ضمانهم ومقعدهم و�ش ّدتَهم اهلل وكفى‪ ،‬ثم من خلقه ‪ ..‬و�صالح بن �أحمد كاتب‬
‫و�ش ��اهد واهلل خري ال�شاهدين ‪ .‬حرر ذلك يوم اجلمعة‪ ،‬يف �شهر �شعبان على �أحد ع�شر يوم‬
‫يف �سنة �أربع و�سبعني بعد الألف واملائتني‪ ،‬على �صاحبها حممد �أف�ضل ال�صالة وال�سالم ‪.‬‬
‫والأح�ل�اف ‪ :‬بط ��ن من زهران يف تهامة فيه �أربعة �أفخاذ ‪ :‬وهم ‪َ :‬ب َّلل ْع َور (بنو الأعور)‪،‬‬
‫بن ��و نقمة‪ ،‬بن ��و خري�ض‪ ،‬وبا َّل ْل�س� � َود (بنو الأ�س ��ود) ‪ .‬ذكرهم ف� ��ؤاد حم ��زة يف كتابه‪(:‬قلب‬
‫جزيرة العرب �ص ‪. )154‬هذا ما تي�س ��ر لنا عر�ض ��ه ب�إيجاز عن الأحالف التي عقدت بني‬
‫قبيل ��ة زهران وبع�ض القبائل العربية الأخرى‪ ،‬وما مت عقده �أي�ض ��ا بني قبائل وقرى القبيلة‬
‫نف�سها منذ القدم‪ ،‬و�صلى اهلل على �سيدنا حممد بن عبداهلل وعلى �آله و�صحبه و�سلم ‪.‬يف ‪:‬‬
‫(‪ 1437/3/17‬هـ) ‪.‬علي بن حممد بن معي�ض بن �سدران الزهراين(‪. )3‬‬

‫((( من وثائق ‪� :‬سعدي بن ح�سن بن را�شد الزهراين‪ ،‬عريفة قرية الد ََّع َبة ‪ (.‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( َب َّو َثه ‪� :‬أحدثه ‪.‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( �أ�ش ��كرك �أيها الأ�س ��تاذ الزهراين ( علي بن �س ��دران ) على هذه الوثائق اجلديدة وغري املن�ش ��ورة‪ ،‬والتي �أوردتها يف‬
‫ه ��ذا املح ��ور‪ ،‬ون�أمل منك ومن �أمثالك يف بالد غامد وزهران �أن ت�ض ��اعفوا جهودكم يف جمع وثائق بالدكم املحلية ثم‬
‫درا�س ��تها وحتقيقها‪ ،‬و�إن قمتم بهذا العمل ف�إنكم �سوف تقدمون ملعا�شر امل�ؤرخني والباحثني مادة علمية قيمة وجديدة‬
‫‪ .‬و�أقول �إن بالدنا ( تهامة وال�س ��راة ) مليئة باملوروث التاريخي احل�ض ��اري الذي يعك�س �ص ��ور ًا من تاريخ حياة الآباء‬
‫والأجداد الذين عا�شوا يف هذه الديار منذ ع�صور ما قبل الإ�سالم حتى الع�صور احلديثة واملعا�صرة ( ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫‪273‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫الدراســــــة السابعــــــة‬

‫تنبيهات حول‬
‫تاريخ منطقة الباحة‬
‫(*)‬
‫بقلم ‪ :‬د‪ .‬جمعان بن عبد الكريم الغامدي‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة‬
‫والو�سيطة (ق‪ - 1‬ق‪10‬هـ ‪ /‬ق‪ - 7‬ق‪16‬م) (اجلزء الثاين )‬
‫ط‪1432 ، 31(1‬هـ ‪2011 - 2010 /‬م)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪250 - 191‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪274‬‬
‫ال��درا���س��ة ال�سابعة‪ :‬تنبيهات ح��ول ت��اري��خ منطقة ال��ب��اح��ة(‪، )1‬‬
‫بقلم ‪ :‬د‪ .‬جمعان بن عبد الكرمي الغامدي(‪. )2‬‬
‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬ ‫م‬
‫‪275‬‬ ‫مقدمة‬ ‫�أو ًال‬
‫‪275‬‬ ‫تنبيهات حول التاريخ القدمي‬ ‫ثاني ًا‬
‫‪275‬‬ ‫‪ -1‬ت�سمية املكان‬
‫‪277‬‬ ‫‪� -2‬آثار منطقة الباحة‬
‫‪279‬‬ ‫�أ ‪� -‬صنم ذي اخلل�صة‬
‫‪281‬‬ ‫ب ‪� -‬ألآثار املدمرة‬
‫‪282‬‬ ‫ج ‪� -‬آثار مل ت�سجل حتى الآن يف الباحة وما جاورها‬
‫‪283‬‬ ‫‪ -3‬حتقيقات يف الن�سب القدمي‬
‫تنبيهات حول الت�أريخ الإ�سالمي من القرن ( ‪4-1‬هـ ‪10-7 /‬م ) ‪285‬‬ ‫ثالث ًا‬
‫‪285‬‬ ‫‪ -1‬ال�صحابة الكرام ( ر�ضوان اهلل عليهم )‬
‫‪286‬‬ ‫‪ -2‬وفود غامد �أربعة ولي�سوا اثنني‬
‫‪286‬‬ ‫‪ -3‬ق�صة الغامدية‬
‫‪287‬‬ ‫‪ -4‬ق�ضية الردة‬
‫تنبيهات حول الفرتة الغام�ضة من ت�أريخ ما ي�سمى الآن الباحة ‪289‬‬ ‫رابع ًا‬
‫ق ( ‪12-4‬هـ ‪18-10 /‬م ) ‪.‬‬
‫‪291‬‬ ‫خام�س ًا تنبيهات حول التاريخ احلديث من ( ق ‪14-12‬هـ ‪20-18 /‬م ) ‪.‬‬
‫‪291‬‬ ‫‪ -1‬الت�سميات‬
‫‪293‬‬ ‫‪ -2‬حتقيقات يف الن�سب احلديث‬
‫‪296‬‬ ‫‪ -3‬الأحداث التاريخية‬
‫‪301‬‬ ‫‪ -4‬ملحات من احلركة الفكرية والعلمية يف منطقة الباحة‬
‫‪302‬‬ ‫‪ -5‬بع�ض املقابالت التي �أجريتها‬

‫((( هذه الدرا�س ��ة زودنا بها الدكتور ‪ /‬جمعان بن عبد الكرمي الغامدي بناء على طلبنا ورغبتنا يف ن�ش ��رها �ض ��من �إحدى‬
‫م�ؤلفاتنا التي تتحدث عن تاريخ وح�ضارة جنوب البالد ال�سعودية ‪ .‬وقد زودنا م�شكورا بهذه الدرا�سة ‪ ،‬وبخطاب بخط‬
‫يده يف تاريخ ( ‪1427/12/15‬هـ ) يخولنا بن�شرها ‪ ،‬ونحن نن�شرها ‪ ،‬كما وعدناه ‪ ،‬يف هذا املجلد الذي بني �أيدينا ‪.‬‬
‫((( الدكتور ‪ /‬جمعان الغامدي من مواليد الريا�ض عام ( ‪ 1390‬هـ‪1970 /‬م ) ‪ ،‬تلقى تعليمه يف املراحل التعليمية الأوىل‬
‫مبدينة الباحة ‪ .‬ح�صل على درجة البكالوريو�س يف اللغة العربية من جامعة االمام حممد بن �سعود – فرع �أبها عام‬
‫( ‪ 1412‬هـ‪ 1992 /‬م ) ‪ ،‬وعلى درجة املاج�ستري عام ( ‪ 1419‬هـ‪2000 /‬م ) ‪ ،‬ثم الدكتوراة من جامعة امللك �سعود‬
‫‪ ،‬كلية الآداب ‪ ،‬عام ( ‪ 1427‬هـ‪ 2007 /‬م ) ‪ .‬له بع�ض الدرا�س ��ات املن�ش ��ورة مثل ‪ )1( :‬لهجة �أزد ال�س ��راة يف ع�ص ��ر‬
‫االحتجاج اللغوي ‪� )2( .‬إ�شكاالت الن�ص املداخلة �أمنوذج ًا ‪.‬‬
‫‪275‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫�أو ًال ‪ :‬مقدمة ‪:‬‬


‫البد يف مفتتح هذه التنبيهات من التذكري ب�أمر جد مهم يتمثل يف �أن الكتابات الت�أريخية‬
‫الت ��ي كانت ت�ؤرخ للمنطقة اجلنوبية الغربية من اجلزيرة العربية فيما بني احلجاز �ش ��ماال‬
‫واليمن جنوب ًا وت�س� �ـمى يف الكتـب القدميـة " ال�س���روات " مل تتوافر فيها درا�س ��ات ت�أريخية‬
‫م�ستقلة �إال يف الع�صر احلديث‪ ،‬ويلحظ على �أغلب تلك الدرا�سات التي تناولت هذا اجلزء‬
‫�أن التناول لها كان تناوال عر�ض ��يا‪ ،‬ناهيك عن الفقر ال�ش ��ديد يف املعلومات حول ت�أريخها‪،‬‬
‫ومل يكن يف جممله ت�أريخ ًا �ص ��حيح ًا ودقيق ًا لإن�س ��ان ال�س ��روات ولأحداثه هو‪ ،‬وموقفه مما‬
‫يحيط به من �أحداث ت�أريخية ب�ص ��فة امل�ش ��ارك الفاعل ال امل�ش ��ارك ال�سلبي الهام�شي ‪ .‬وال‬
‫يكاد الناظر يف هذا الأمر ي�ستثني حتى الكتب امل�ؤلفة حديث ًا ‪.‬‬
‫�إن امل�ؤمل يف �أ�س ��اتذة الت�أريخ لهذا اجلزء وخ�صو�ص ��ا منطقة الباحة �أن يدركوا خطر‬
‫الناحي ��ة الإب�س ��تمولوجية الت�أ�سي�س ��ية حينم ��ا يقومون بت�أري ��خ هذا اجلزء امله ��م و�أن تكون‬
‫كتابته ��م الت�أريخي ��ة متثل وجهة نظر �س ��اكن ال�س ��راة احلقيقي ��ة مهما كانت �س ��واء �أكانت‬
‫منق�صة �أم حممدة ‪ ،‬مفخرة �أم مثلبة‪ ،‬فالت�أريخ درو�س للحا�ضر كي يبنى بها امل�ستقبل بناء‬
‫�أحكم و�أقوم ‪.‬‬
‫�أم ��ا طبيعة ه ��ذه التنبيهات فالداعي فيها ال�س ��تعرا�ض كل م ��ا ورد يف الكتب القدمية‬
‫�أو احلديث ��ة ؛ فذل ��ك مب�س ��وط يف مظان ��ه ولكن ه ��ذه التنبيهات تقف عند بع� ��ض الأحداث‬
‫�أو االختالف ��ات �أو الأمور التي كانت مهم�ش ��ة �أو من�س ��ية �أو الأمور الت ��ي يل فيها ر�أي خا�ص‬
‫اعتم ��دت فيه عل ��ى مقارناتي بني الكت ��ب القدمية وعلى بع�ض املخطوطات امل�ص ��ورة لدي‪،‬‬
‫وعلى روايات �ش ��فهية‪ ،‬وم�ش ��اهدات‪،‬وزيارات و�ص ��ور لبع� ��ض الأماكن التي اندثر بع�ض ��ها‪،‬‬
‫وخرب بع�ضها الآخر ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ثاني ًا ‪ :‬تنبيهات حول الت�أريخ القدمي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ ت�سمية املكان ‪:‬‬
‫تعد ت�س ��مية الباحة بهذا اال�س ��م ت�س ��مية حديثة‪ ،‬وكانت ت�س ��مى يف التق�س ��يم الإداري‬
‫للممملكة العربية ال�سعودية مبنطقة " بالد غامد وزهران " ن�سبة للقبليتني اللتني ت�سكنان‬
‫معظم �أرجاء املنطقة ‪ .‬والباحة كانت قرية �ص ��غرية تقع يف الطرف ال�ش ��مايل لقبيلة غامد‬
‫والتبعد عن قبيلة زهران �س ��وى ع�ش ��رة �أكيال وهي تعود لقبيلة بني عبداهلل من غامد وقد‬
‫كانت املنطقة �إداري ًا مق�سومة يف البداية بني بي�شة والطائف فلما ا�ستقلت كانت الإمارة يف‬
‫الظفري وكادت تنقل �إىل بلجر�ش ��ي ‪ .‬ولكن موقع الباحة املتو�سط جعلها �أف�ضل الأماكن بعد‬
‫�أن خرج مقر احلكم ال�س ��عودي من الظفري ولي�س ��ت �أ�سباب هذا اخلروج من الظفري ( التي‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪276‬‬
‫يقال ‪� :‬إنها كانت مقرا حلكام �آل عائ�ض فرتة ق�صرية ) معروفة على وجه الدقة ؛ فالظفري‬
‫والباحة متجاورتان وهما لبني عبداهلل وقد �أ�صبحت الظفري حي ًا من �أحياء الباحة الآن و�إن‬
‫كان ا�سم املنطقة يف بع�ض اخلرائط اجلغرافية القدمية مايزال مب�سمى الظفري ‪.‬‬
‫وق ��د كادت املنطقة ت�س ��مى برغ ��دان لو انتقل مق ��ر احلكم �إليها ولك ��ن �أهايل رغدان‬
‫كما يقال يف الروايات املتناقلة رف�ض ��وا ذلك عل ��ى الرغم من �أن رغدان كانت مقر ًا للحكم‬
‫الرتك ��ي للمنطقة وفيها كانت نهايته ‪ .‬ول�ش ��هرة رغدان يف بع� ��ض الوثائق الت�أرخية وبع�ض‬
‫الكتب كانت ت�ض ��اف �إليها الباحة فيقال " باحة رغدان " وهذا غري �ص ��حيح فرغدان قرية‬
‫كبرية جد ًا وتتبع قبيلة بني خثيم وكان فيها �أكرب �سوق من �أ�سواق املنطقة الأ�سبوعية وكانت‬
‫مقر ًا للأتراك و الأ�شراف والأدار�سة يف حكمهم للمنطقة ‪.‬‬
‫�أما �أ�س ��باب رف� ��ض الأهايل وجود املق ��رات احلكومية يف رغدان ورمب ��ا يف غريها من‬
‫القرى فيعود �إىل ما كان ميار�سه بع�ض الأفراد التابعني للحكم من ظلم وتطاول على النا�س‬
‫وعل ��ى حقوقه ��م �إ�ض ��افة �إىل طبيعة احلكم املت�س ��لطة التي كانت تخ ��وف النا�س وترهبهم‬
‫كو�س ��يلة ل�ض ��مان بقاء والئهم يف الأزمنة املا�ضية ‪ ،‬ولفظ " الباحة " لي�س موجود ًا يف كتب‬
‫املعاجم اجلغرافية واللغوية فال تكاد تذكر �أنها ا�س ��م ملو�ض ��ع‪ ،‬ومع ذلك فهناك باحة ربيعة‬
‫يف بالد ع�س�ي�ر‪ ،‬وهناك الباحة ملو�ض ��ع يف اليمن‪ ،‬وعلى ذلك فيمكن �أن يكون اال�سم قدميا‬
‫اجتلبه معهم الأزد من موطنهم يف اليمن كما اجتلبوا �أ�س ��ماء بع�ض املوا�ضع الأخرى كجبل‬
‫�أثرب‪ ،‬وكقرية الطويلة ‪� .‬أو �أن الباحة ا�س ��م ا�شتق للبلدة من طبيعة املكان ‪ ،‬ولكن الروايات‬
‫ال�ش ��فهية التي ترد �أ�ص ��ول �سكان قرية الباحة �إىل بني ِ�س ْيد بك�س ��ر ال�سني و�إ�سكان الياء يف‬
‫رو�ض ��تهم امل�شهورة برو�ضة بني �س ��يد بعد �إجالئهم منها هم وبع�ض القرى الأخرى وهي "‬
‫م�س ��ب‪ ،‬وج ��درة‪ ،‬ودار الرمادة‪ ،‬واحلم ��ران " تدل على �أنهم مل ي�س ��كنوها �إال مت�أخرين �إذ‬
‫من املرجح �أن وقعة رو�ض ��ة بني �س ��يد مت�أخرة الزمن ال كما يذهب الأ�ستاذ ال�سلوك �أنها يف‬
‫القرن ال�س ��اد�س الهجري‪ ،‬فهو مل يذكر دلي ًال على كالمه‪ ،‬ولكن ا�ش ��تهار الأمر عند العامة‬
‫وكون القبائل امل�شاركة يف الوقعة مازالت ب�أ�سمائها احلديثة التي مل تكن يف �سل�سلة الن�سب‬
‫القدمية‪ ،‬و�أ�سباب الوقعة ومادار فيها من ق�ص�ص يدل على جدتها ؛ ولذلك فهي رمبا وقعت‬
‫يف القرن العا�شر �أو �أواخر القرن التا�سع امليالدي ‪.‬‬
‫فهل كان هذا اال�سم موجودا �أو هم ا�ستحدثوه‪� ،‬أوهل كان املوقع لقبيلة �أخرى فطردت‬
‫من هذا املو�ضع ال �أحد يدري على وجه التحديد ‪ ،‬ومن امللفت للنظر �أن موقع الباحة قدمي‬
‫جديد كموقع �سكني فقد وجدتُ يف جبل الباهر املطل على الباحة وحتديدا يف جبل " غيب‬
‫" نقو�شا ثمودية قدمية قامت البلدية بجرف �أكرث معاملها حيث وزعتها يف املخطط ال�سكني‬
‫يف اجلبل ويظهر �أن البقية �ستجرف وقد قمت بت�صويرها جميع ًا ‪ ،‬وهذا الأمر ينطبق على‬
‫‪277‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫بع� ��ض الأماك ��ن القريبة جدا من الباحة كموقع �س ��فح الكتاب يف الغم ��دة وكموقع املفارجة‬
‫�إذ تعر�ض ��ا للتخريب من البلدية �أي�ض� � ًا ‪ ،‬ولأجل ما ا�س ��تحدث من �شوارع يف مدينة الباحة‬
‫و�أ�سواق فقد اختفت القرية القدمية بجميع معاملها ‪ .‬وهي القرية الوحيدة التي اختفت بهذه‬
‫الطريقة يف املنطقة وذلك يدل على جهل القائمني على التخطيط للمدينة يف تلك الفرتة ‪.‬‬
‫والباحة هي �إحدى القرى التي مت �إحراقها يف �إحدى الغارات عليها من قبل الأطراف‬
‫املتناف�س ��ة على حكم املنطقة كما �أخربتني بذلك جدتي لأمي وهي من قرية احلب�ش ��ي‪ ،‬وقد‬
‫ت�أكدت من �ص ��حة معلومتها حينما طالعت ت�أريخ املن�ص ��وري �إذ ذكر ذلك يف حوادث �س ��نة‬
‫(‪ 1249‬هـ ) وكان الذي �أحرقها ال�شريف حممد بن عون بعد �أن قتل �أهل غامد من املغاربة‬
‫" امل�صريني " ثالثني وغنموا خم�سني من خيولهم ‪.‬‬
‫ويج ��ب �أن يك ��ون من املعل ��وم �أن منطقة الباحة ملا حدث من تنازع �سيا�س ��ي حولها بني‬
‫الأ�شراف و�آل عائ�ض وقبلهم الأتراك ثم �آل �سعود كانت متثل مفتاح ًا لكل املنطقة اجلنوبية‬
‫ف�ضال عن كونها مركز ًا متويني ًا ملكة منذ القدم كما حكى ذلك ابن بطوطة وابن جبري وهي‬
‫�إىل احلج ��از �أقرب و�أهلها �أكرث ات�ص ��اال مبك ��ة من بقية �أجزاء املنطق ��ة اجلنوبية ولهم يف‬
‫الطائف ومكة ح�ض ��ور بارز وكان يطلق على واحدهم "حجازي " امتدادا للت�سمية القدمية‬
‫التي ت�سمي جبال ال�سروات " حجاز ًا " وهذا يذكرنا ب�أن هذه املنطقة قد اخت�صت با�سم‬
‫قدمي مييزها عن باقي جبال ال�سراوات وهو " احلجاز الأ�سود " �إما ل�سواد حراتها ال�شرقية‬
‫�أو ل�شدة خ�ضرة غاباتها يف اجلهة الغربية ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ �آثار منطقة الباحة ‪:‬‬
‫لقد �أهملت �آثار املنطقة �إهماال م�ؤ�س ��ف ًا مما دفعن ��ي �إىل القيام بالبحث يف هذا الأمر‬
‫وا�س ��تمر بحث ��ي مدة جاوزت ثمان �س ��نوات‪ ،‬وقد قمت بت�س ��ليم الدكتور غيث ��ان بن علي بن‬
‫جري� ��س جزءا من ذلك البحث‪ ،‬ولن �أ�س ��تعر�ض ما فيه جميعا لك ��ن بع�ض املعلومات املهمة‬
‫يجب الإ�شارة �إليها �إ�ضافة �إىل �أن بع�ض املعلومات قد جدت لدي بعد كتابتي لذلك البحث ‪.‬‬
‫�أ ‪ -‬يظه ��ر م ��ن نقو�ش �س ��فح الكتاب والباهر �أن �س ��كنى منطقة ال�ش ��فا من اجلبال‬
‫قدمي ��ة ق ��دم الت�أريخ‪ ،‬ولي�س كما يتوهم البع�ض ب�أن �س ��كنى املنطق ��ة العالية من‬
‫اجلبال حديثة ن�س ��بي ًا و�أنها كانت غابات و�أدغا ًال موح�ش ��ة‪ ،‬بل يبدو �أن ال�صالت‬
‫بني �أ�س ��فل هذه اجلبال من جهة تهامة " الأ�ص ��دار " واجلبال كانت قدمية �أي�ض ًا‬
‫يدل على ذلك نقو�ش قرية احلنجور التي قمت باكت�ش ��افها وقد �س ��جلها بع�ضهم‬
‫فيم ��ا بع ��د يف بع�ض الكتب امل�ص ��ورة عن املنطقة با�س ��م نق� ��ش يف ذي عني وهذا‬
‫خط�أ‪ ،‬كما �أن بع�ض اجلبال املحيطة باحلنجور كما �أخربين �أحد كبار ال�س ��ن من‬
‫احلنجور فيها بع�ض النقو�ش واحلنجور قريبة من �شفا الغمدة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪278‬‬
‫وعلى ذلك فرمبا كانت معظم هذه القرى احلجرية القدمية البناء يف �أغلب قرى‬
‫غامد وزهران من قبل الإ�س�ل�ام ‪ .‬ويحتاج الأم ��ر �إىل فح�ص �آثاري دقيق ملعرفة‬
‫ت�أريخها وهذا ما مل تقم به اجلهة امل�س�ؤولة عن الآثار حتى الآن ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نظرية كمال ال�صليبي حول �سكن اليهود يف هذه املنطقة‪ ,‬ثم زياد منى يف كتابه‪:‬‬
‫جغرافية التوراة م�ص ��ر وبنو �إ�س ��رائيل يف ع�س�ي�ر ‪ ,‬ومن بعدهم ��ا �أحمد داود يف‬
‫كتابه ‪:‬العرب وال�ساميون والعربانيون وبنو �إ�سرائيل واليهود‪ ,‬الذي ركز النظرية‬
‫يف منطق ��ة الباحة ‪ .‬ومل يكتب �إىل هذه اللحظة بحث علمي يناق�ش هذه النظرية‬
‫من قبل �س ��كان املنطق ��ة‪ ،‬ويعتمد على النقو�ش والآثار‪ ،‬وت�أريخ �أ�س ��ماء املوا�ض ��ع‬
‫وطريقة نطقها كما ينطقها �أبناء املنطقة ومقارنتها ب�أ�سماء املوا�ضع يف التوراة‪،‬‬
‫�إال �أن هناك بع�ض الإ�شارات املهمة يف هذا ال�سياق وهي ‪:‬‬
‫‪ 1 .1‬مل �أج ��د خ�ل�ال بحثي الذي دام �أكرث من ثمان �س ��نوات �أي نق�ش عربي وكانت النقو�ش‬
‫الت ��ي وجدته ��ا �إما خمرب�ش ��ات غري وا�ض ��حة املعنى و�إما نقو�ش� � ًا ثمودي ��ة وهي الأكرث‪،‬‬
‫بالإ�ضافة �إىل نق�ش واحد فقط بخط امل�سند ‪.‬‬
‫‪2 .2‬تتناقل الروايات �أن خرائب مع�ش ��وقة قد كان ي�س ��كنها قوم م ��ن اليهود‪ ،‬ومازال هناك‬
‫بالقرب منها موقع يدعى �ش ��عيب "عزرا" بالقرب من الغتامية‪ ،‬ثم �إن البع�ض يذكرون‬
‫�أن بع�ض الأ�س ��ر يف املنطقة تعود �إىل �أ�ص ��ول يهودية‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن يف مدينة بلجر�شي‬
‫مو�ض ��ع يدعى " قاع اليهود " والقاع هو املقابل للجيتو يف �أوروبا �أي املكان املخ�ص ���ص‬
‫لليهود ‪ .‬وهذا يدل على الآتي ‪:‬‬
‫• �أن خرائب مع�شوقة يف وادي �أبيدة قد بنيت قبل الإ�سالم يرجح ذلك اختالف‬
‫طريقة بناء الأحجار عن الطريقة املوجود يف القرى احلالية حيث توجد مادة‬
‫امل�ل�اط بني احلجارة وهي الطريقة التي اكت�ش ��فها اليمنيون قبل الإ�س�ل�ام ‪.‬‬
‫ث ��م �إن تق�س ��يمات البناء الداخلي يف تل ��ك البيوت تق�س ��يمات متميزة �إذ هي‬
‫عبارة عن غرف �صغرية جدا يف بع�ض تلك اخلرائب حتى �إن بع�ضهم ي�شبهها‬
‫مبرابط اخليل‪ ،‬ومما يلفت النظر يف قبور هذه اخلرائب �أنها لي�س ��ت متجهة‬
‫�إىل القبلة ويروي يل �سعيد بن من�سي من الزُهران من غامد �أن الذين دخلوا‬
‫�إىل ه ��ذا الوادي م ��ن غامد وجدوا يف بع�ض البيوت جل ��ود �أبقار مكتوب فيها‬
‫كتابات غري مفهومة وقد �أتلفت تلك اجللود ‪.‬‬
‫ويروي ال�ص ��حاري يف كتاب‪ :‬الأن�س ��اب‪� ,‬أن جتمع الأزد حينما خرجوا من اليمن كان‬
‫بهذا الوادي وحول جبل قملى القريب منه ثم تفرقوا منها ‪:‬‬
‫‪279‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫يقول ال�شاعر ‪:‬‬


‫ول����و جت��م��ع ف��ي��ه��ـ��ـ��ا امل��ـ��ـ��اء وال�����ش��ج��ر‬ ‫�أب�������ل�������غ �أب��������ي��������دة �أين غ���ي���ر ����س���اك���ن���ه���ا‬
‫ك��م��ا ي��ن��اط ب��ج��ن��ب ال���راك���ب الغمر‬ ‫وال �أق��������ي��������م ب����ق����م����ل����ى ال �أف������ارق������ه������ا‬
‫ويبدو �أن بع�ض يهود اليمن قد رافقوا الأزد يف هجرتهم و�إن مل ت�ش ��ر �إىل ذلك امل�ص ��ادر‬
‫الت�أريخي ��ة القدمية �أو �أن يف الأزد من دان باليهودي ��ة يف اجلاهلية حينما قوي �أمرها باليمن‬
‫يدل على ذلك �أن الفطيون امللك اليهودي يف يرثب كان من بني عمرو بن مزيقياء كما تروي‬
‫ذلك بع�ض كتب الن�سب‪ ،‬ثم انتقلت جموع اليهود من هذا الوادي للحاق ب�إخوتهم يف املدينة ‪.‬‬
‫فيهود املدينة مل ي�أتوا من �شمايل اجلزيرة العربية فقط بل �أتوا من جنوبيها �أي�ض ًا‪.‬‬
‫ومما يلفت النظر �أن �أ�سفل الوادي ي�سمى بطحان كالوادي املوجود يف املدينة وبالقرب‬
‫م ��ن �أبي ��دة جن ��د وادي العقيق ال ��ذي انتقل ا�س ��مه �إىل املدين ��ة فهل نقل الأو� ��س واخلزرج‬
‫الت�سميتني من هنا ؟ رمبا كان ذلك ‪.‬‬
‫والرواي ��ة ال�ش ��عبية ع ��ن خرائب مع�ش ��وقة �أنها لبني ه�ل�ال كالع ��ادة يف كل �أثر قدمي‪،‬‬
‫وبع�ض ��هم يق ��ول �إنها لأنا�س كانوا يعي�ش ��ون يف رخاء وجترب وو�ص ��ل بهم احلال �أن ي�س ��كبوا‬
‫ال�سمن يف �أفالج الوادي ف�أهلكهم اهلل‪ ،‬وبع�ض الرويات ال�شفهية تن�ص على �أنهم من اليهود‪.‬‬
‫�أما قاع اليهود وما ي�شاع عن بع�ض الأ�سر فذلك ي�شري يف فرتة ما �إىل خروج بع�ض يهود‬
‫اليمن يف الع�صر احلديث �إىل بع�ض نواحي ال�سراوات مبا يف ذلك منطقة الباحة و�إقامتهم‬
‫به ��ا‪ ،‬وق ��د كانوا �أفرادا قليلني ثم هاجروا �إما بالعودة �إىل اليمن �أو الذهاب �إىل جهات غري‬
‫حمددة �أو �إىل فل�سطني ‪.‬‬
‫• وجود �أخطاء يف حتديد املوا�ضع لدى �أحمد داود الذي اهتم بتحديد موا�ضع الأماكن‬
‫وذكر طبيعتها اجلغرافية‪ ،‬وحدودها ومل يكتف بالت�ش ��ابه بني الأ�سماء كما هي احلال‬
‫عند ال�صليبي مما ي�ستدعي مراجعة النتائج التي تو�صلت �إليها الدرا�سة ‪.‬‬
‫�أ ‪� -‬صنم ذي اخلل�صة ‪:‬‬
‫�ص ��نم ذي اخلل�صة من الأ�صنام اجلاهلية امل�شهورة‪ ،‬وقد كرثت املرويات ال�شفهية‬
‫�أن الإخ ��وان قاموا بهدمه �أخريا �س ��نة ( ‪1343‬ه� �ـ ) ‪ .‬وقد قمت يف بحثي عن الآثار بنفي �أن‬
‫يكون �ص ��نم ذي اخلل�ص ��ة يف دو�س بعد زيارات متعددة للموقع‪ ،‬وبعد نزويل حتى يف �أ�س ��فل‬
‫اجلب ��ل م ��ن جهة احلجرة يف تهامة للبحث عن البقايا املزعومة لل�ص ��نم فلم �أجد �ش ��يئ ًا ؛‬
‫وعلى ذلك فالأمر مل يعد كونه ت�ش ��ابها يف ا�س ��م الوادي اقرتن بجهل وتع�ص ��ب عند الغالة‬
‫من الإخوان و�سوء ا�ستدالل باحلديث ال�شريف حول ن�ساء دو�س و�صنم ذي اخلل�صة ‪ .‬ورمبا‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪280‬‬
‫كان املكان �سقيفة ي�سكنها رجل �صالح قام الإخوان بهدمها �أو مكيدة لإبعادهم عن الع�سف‬
‫بالأهايل وظلمهم ؛ �إذ �إن �أهايل هذه املنطقة م�ش ��هورون بالدهاء ف�أعطوا جهلة الإخوان ما‬
‫ير�ضيهم ويدلهم على مبتغاهم لأنهم كانوا يعتقدون �أن النا�س ماعداهم م�شركني ‪.‬‬
‫ومن الأدلة الأخرى غري ما ذكرت يف بحث الآثار ما يلي ‪:‬‬
‫•�أن اب ��ن ب�ش ��ر يذكر يف ت�أريخه �ص (‪ ) 182‬عن تبالة م ��ا يلي ‪ " :‬تبالة وهي البلدة‬
‫التي هدم امل�س ��لمون فيها (ذا اخلل�ص ��ة ) زمن الإمام عب ��د العزيز بن حممد بن‬
‫�سعود‪ ،‬وهو ال�صنم الذي بعث �إليه النبي ﷺ جرير بن عبد اهلل البجلي فهدمه‬
‫فلما طال الزمان �أعادوه فعبدوه" ‪.‬‬
‫• �أن موق ��ع ال�ص ��نم املزعوم ال ي�س ��اعد عل ��ى طواف النا�س به �إذ هو على ال�ش ��فا‬
‫املطل على تهامة مبا�شرة ‪.‬‬
‫•�أن قبيل ��ة دو� ��س من القبائل العربية التي ثبتت على الإ�س�ل�ام عن ��د ارتداد العرب‬
‫ويظهر ذلك من ا�شرتاك زعمائها يف معركة احلديقة باليمامة وا�ست�شهاد الطفيل‬
‫بن عمرو الدو�سي يف املعركة نف�سها ‪ .‬والطفيل الذي قام بهدم ذي الكفني �أما كان‬
‫الأوىل �أن يقوم بهدم ذي اخلل�صة ‪.‬‬
‫•�أن ا�ض ��طراب �إليات ن�س ��اء دو�س يدل على ثراء �أولئك الن�س ��وة وه ��و ينايف تكوين‬
‫ن�س ��اء �أعايل ال�س ��راة التي ميتزن بالنحف والر�ش ��اقة لكرثة ما يعملن يف احلقول‬
‫ويف الرعي ويف اال�ستقاء وحمل احلطب‪ ،‬وبناء على ذلك فهو لن�ساء ثريات يع�شن‬
‫يف عا�ص ��مة مهمة كتبالة وقد حدث ذلك اال�ض ��طراب يف زمن الردة وانتهى وكان‬
‫من ن�سوة دو�س‪ ،‬لأن الن�ساء يغلب عليهن التم�سك بامل�ألوف من العادات فهو خا�ص‬
‫بالن�سوة �أما رجال دو�س فقد كانوا ح�صنا ح�صينا للإ�سالم ‪ .‬وتخ�صي�ص الر�سول‬
‫لن�ساء دو�س يدل فيما يدل عليه على �أن ذلك الأمر عجيب من هذه القبيلة وعجيب‬
‫من ن�س ��ائها كذلك‪ ،‬ولكنه �س ��يحدث وقد حدث وانتهى ‪� .‬أما وجود �إ�شاعات بذكر‬
‫�أن ��ه مل ي ��زل قوم يعبدون �ص ��نم ًا هنا �أو �ش ��جرة هناك فهو �أمر غري �ص ��حيح وفيه‬
‫تكذيب للر�سول ﷺ الذي �أخرب بعدم رجوع جزيرة العرب �إىل عبادة الأ�صنام ‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وي�ؤكد تفرق قبيلة دو�س يف جبال ال�س ��راة وتهامة �إ�ضافة �إىل ما ذكره عرام‬
‫ب ��ن الأ�ص ��بغ من وجود عدة قبائ ��ل يف وتبالة وورود روايات يف الأغاين ت�ش�ي�ر �إىل‬
‫�س ��كنى بع�ض ��هم يف وادي قنونا بتهامة وهي تبعد عن موا�ضعهم احلالية �أكرث من‬
‫مائتي كيل ‪.‬‬
‫•�أن امل�ش ��هور يف املروي ��ات القدمية �أنه لي�س �ص ��نما بل بيت ‪ .‬والرواي ��ات تذكر �أنه‬
‫لدو�س ولغريها من القبائل‪ ،‬لكنها حينما حتدد مو�ضعه جتعله يف تبالة ‪.‬‬
‫‪281‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫•�أن املخرب�شات التي يذكر ال�سلوك �أنه �شاهدها يف �صخرة قد تكون من خمرب�شات‬
‫الأطفال يف ال�صخور �أو تكون من �آثار هدم ال�سقيفة وقد وجدت �آثار نق�ش ت�شبهها‬
‫يف عتبة بيت قدمي ب�أ�صدار املعرق ‪.‬‬
‫ب ـ الآثار املدمرة ‪:‬‬
‫توجد يف املنطقة بع�ض الآثار املدمرة التي مل يعد لها �أي �أثر‪ ،‬ومن تلك الآثار م�س ��جد‬
‫علي بن �أبي طالب يف قرية امل�سيد ببني كنانة و�أحتفظ بو�صف لهذا امل�سجد �أخذته من فقيه‬
‫قرية امل�س ��يد بوا�س ��طة �أحد طالبي ويدل الو�صف على �أنه م�س ��جد مميز وكبري وبه �أماكن‬
‫للو�ض ��وء �إ�ضافة �إىل كون النا�س كانوا �أحيانا ي�أتون �إليه من �أنحاء املنطقة لل�صالة فيه يوم‬
‫اجلمعة على الرغم �أن هذه املنطقة هي منطقة �شافعية منذ القدم ولي�س فيها ت�شيع ‪.‬‬
‫وقد �أقيم يف مكان امل�س ��جد م�س ��جد حديث غري �أنه ال يختلف عن بقية امل�س ��اجد التي‬
‫بنتها الأوقاف ومل ي�س ��مح بت�س ��ميته مب�سجد علي بن �أبي طالب �أو ت�س ��مية احللقة التي فيه‬
‫بهذا اال�سم كما �أخربين �إمام امل�سجد ‪.‬‬
‫وا�ستبعاد �أن يكون علي بن �أبي طالب بهذه الناحية غري �صحيح فهو كان عام ًال للر�سول‬
‫ﷺ على اليمن فاحتمال مروره بهذا املكان وال�صالة فيه �أمر وارد ‪.‬‬
‫ومن تلك الآثار م�سجد �أبي هريرة يف قرية اجلبور وهي من قرى دو�س بني فهم‪ ،‬وقد‬
‫ذهبت �إىل مو�ض ��عه �أكرث من مرة ووجدته م�سورا ب�سور حديث وبداخله ح�صن �أثري ي�سمى‬
‫حتى الآن ح�صن �أبي هريرة‪ ،‬وقد �أخربين �أحد كبار ال�سن بكيفية هدم امل�سجد و�إزالة �آثار‬
‫قرب بجانبه كان يدعى النا�س �أنه قرب �أبي هريرة وكيف خيم ابن �سعود �أياما هناك �إىل �أن‬
‫فرغوا من عملية الهدم ‪.‬‬
‫وال ي�س ��تبعد �أن يكون امل�س ��جد قد بناه �أبو هريرة يف ديار قومه �أما وجود قربه يف هذا‬
‫املو�ضع فيحتاج �إىل حتقيق وتق�صي‪ ،‬لأن الثابت �أنه تويف باملدينة املنورة ‪.‬‬
‫ومن تلك الآثار �س ��ور بلجر�شي الذي ي�ضم داخله ثالث قرى كانت تدعى قرى ال�سوق‪،‬‬
‫وت ��كاد �أن تك ��ون بلجر�ش ��ي هي البلدة الوحي ��دة احلديثة التي كان يحيط بها �س ��ور يف بالد‬
‫ال�سراة‪ ،‬ومل يذكر هذا الأمر املهم �أحد من امل�ؤرخني الذين تناولوا ت�أريخ املنطقة حتى الآن‪.‬‬
‫ونقل يل الباحث خ�ض ��ر بن �س ��ند �أن ال�شيخ حممد بن �س ��عد الربكي قد قام بتحديد مو�ضع‬
‫ال�سور ولديه بحث حول هذا املو�ضوع ‪ ،‬وي�شبه �سور بلجر�شي وجود �آثار جلدار ميتد م�سافة‬
‫طويلة ك�أنه �س ��ور ويقع على ميني الطريق املو�ص ��لة �إىل "�صخوان" بعد �أن يرتك الطالع من‬
‫الطري ��ق ق ��رى بني كبري التي يف ال ��وادي‪ ،‬ويظهر �أن هذا �أثر مغ ��رق يف القدم ويحتاج �إىل‬
‫تنقيب �آثاري ملعرفة املزيد عنه وقد وجدت بالقرب منه نق�ش ًا �إ�سالمي ًا باخلط الكويف ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪282‬‬
‫ج ‪� -‬آثار مل ت�سجل حتى الآن يف الباحة و ما جاورها ‪.‬‬
‫هذه جمموعة من الآثار التي مل تكت�شف وقد كان بع�ضها مكتوب ًا يف ق�صا�صات متفرقة‬
‫ومل �أجدها �إال حديثا‪ ،‬وبع�ض ��ها ُاكت�ش ��ف بعد كتابة بحثي حول الآثار يف م�سودته التي ميلك‬
‫ن�س ��خة منها الدكتور غيثان بن جري�س لذلك فهو يعد �إ�ض ��افة �إىل الآثار غري املكت�ش ��فة يف‬
‫ذل ��ك البحث ‪ )1( .‬نقو�ش قر�ش ��ع وهي جمموعة من النقو� ��ش الثمودية التي تقع يف املنزل‬
‫من قر�شع بالقرب من �أحد الكهوف جنوبي الداحون ‪ )2( ،‬نق�ش قبور الزينات وهو النق�ش‬
‫الوحيد باخلط امل�سند الذي وجدته يف املنطقة‪ .‬وقبور الزينات يف بني كبري وت�شبهها قبور‬
‫�أخرى يف موا�ضع من وادي قر�شع‪ ،‬وما كان ي�سمى بقبور البنات يف بال�شهم هي قبور مبنية‬
‫على وجه الأر�ض ومزينة باملرو وهي ت�ش ��به القبور التي �أ�ش ��ار �إليها الدكتور غيثان يف وادي‬
‫ت ��رج وحتت ��اج �إىل مزيد عناية ملعرفة ت�أريخها احلقيقي ‪ )3( ،‬نق�ش �ش ��عب �آل عي�س ��ى وهو‬
‫نق�ش �إ�سالمي يقع يف قرية اجلادية وحتديد ًا يف �شعب �آل عي�سى حيث يوجد يف �إحدى قمم‬
‫اجلبل الفا�ص ��ل بني �شعب �آل عي�سى واحلازم ‪ )4( ،‬نق�ش �صدر املعرق يف عتبة بيت قدمي‬
‫من البيوت التي تقع يف �أ�س ��فل عقبة الباحة وهو ي�ش ��به املخرب�ش ��ات التي �ص ��ورها ال�سلوك‬
‫على ال�ص ��خرة التي يزعم �أنها من بقايا ذي اخلل�صة ‪ )5( ،‬الفر�ش موقع �شرقي قرية بني‬
‫م�ش ��هور ويظهر �أنها قرية موغلة يف القدم وبه �آثار �س ��وق والقرية على �ش ��كل غرف �صغرية‬
‫ت�شبه بع�ض ما هو موجود يف مع�شوقة ‪ )6( ،‬نق�ش ثمودي يف بئر يف رباع ببالد زهران ول�ست‬
‫مت�أكدا منه بل نقله �إىل ناقل ‪ )7( ،‬ر�س ��ومات جبل الهريتة يف نريا وبه خمرب�ش ��ات ور�سوم‬
‫ملون ��ة ‪ .‬ويقال �أن هذا النق�ش قد �ص ��ور قبل فرتة م ��ن الزمن من قبل بع�ض الباحثني ولكنه‬
‫غ�ي�ر موج ��ود يف قائمة �آثار الباحة املكت�ش ��فة ‪ )8( ،‬قرب لقمان وهو قرب قدمي يف بلجر�ش ��ي‬
‫ورمبا كان حوله بع�ض النقو�ش ومل �أ�س ��تطع الو�ص ��ول �إىل مو�ض ��عه‪ ،‬وم ��ن املحتمل �أن يكون‬
‫املو�ض ��ع له عالقة بلقمان احلكيم ‪ )9( ،‬خمرب�شات وادي منحل وفيه ر�سوم لأوعال ورجل‬
‫راكب فوق اخليل عار�ض ��ا رحم ��ه ونق�ش مكتوب فيه ‪ " :‬اللهم اغف���ر يارحيم (كلمات غري‬
‫وا�ض���حة) ل�س���عيد ( كلم���ات غ�ي�ر وا�ض���حة) " وهو بخ ��ط كويف ‪ )10( ،‬نق� ��ش بخط كويف‬
‫�إ�س�ل�امي يف درب الفيل �ش ��مايل جرب ‪ )11( ،‬نق�ش مذود وهو نق�ش ق�ص�ي�ر يقع يف وادي‬
‫م ��ذود وكلماته غري وا�ض ��حة ‪ )12( ،‬عقبة ذي منعا تعترب هذه العقب ��ة �أقدم عقبة ورد لها‬
‫ذكر با�س ��مها يف امل�ص ��ادر التاريخية وذلك يف ق�صة �إ�س�ل�ام الطفيل بن عمرو الدو�سي ذي‬
‫الن ��ور ‪ .‬وق ��د �أهمله ��ا الدكتور اب ��ن جري�س يف �أحد كتب ��ه وهو يعدد �أه ��م العقبات يف جبال‬
‫ال�س ��راة ‪ .‬وموقع هذه العقبة الت�أريخي يحتاج �إىل حتقيق �إذ تذكر الروايات �أن النا�س كانوا‬
‫ينظ ��رون �إىل الن ��ور يف طرف �س ��وط الطفيل وهو �ص ��اعد من العقبة ولك ��ن العقبة احلالية‬
‫يف مو�ض ��ع بعي ��د عن القرى ولي�س ما يدل على �أن هناك بقاي ��ا �آثار يف �أعلى العقبة ‪)13( ،‬‬
‫نقو�ش يف اجلبال املحيطة باحلنجور‪ ،‬ومل يتح يل الو�ص ��ول �إليها ‪ )14( ،‬نقو�ش جبل �أثرب‬
‫واجلبال املحيطة به مل �أ�ستطع الو�صول �إليها ‪ )15( ،‬نق�ش وادي �شوا�ص وهو نق�ش �إ�سالمي‬
‫‪283‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫يف �ص ��خرة يف وادي �ش ��وا�ص بالقرب من بيت حممد العرياين ‪ )16( ،‬نق�ش حبا�ش ��ة‪ ،‬وقد‬
‫زرت مو�ض ��ع حبا�ش ��ة �أكرث من مرة يف املو�ض ��ع الذي يدعى احلواري وكتبت كتابة مف�ص ��لة‬
‫عن هذا ال�س ��وق‪ ،‬ومما يجب التنويه به �أنه يوجد بالإ�ضافة �إىل �آثار احلوانيت كالتي ر�أيتها‬
‫يف �س ��وق العب�ل�اء اجلاهلي ب ��وادي رنية ‪ .‬وبع�ض قط ��ع الفخار وبع�ض الرح ��ي‪ .‬يوجد نق�ش‬
‫�إ�س�ل�امي ور�سومات يف �أعلى اجلبل املطل على ال�سوق من الناحية ال�شمالية وال �أدري �أذكر‬
‫ذلك النق�ش عبداهلل الرزقي يف بحثه عن �سوق حبا�شة �أم مل يذكره غري �أن الذي دلني على‬
‫مو�ض ��ع ال�س ��وق من �أهل املنطقة عندما �أريته النق�ش والر�سم قال �إن هذه املرة الأوىل التي‬
‫يرى فيها ذلك ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من �أن ت�أكيد ال�شيخ ح�سن الفقيه �أن �سوق حبا�شة بهذا املو�ضع وميلي �إىل‬
‫ت�أييد ذلك‪� ،‬إال �أن يف النف�س ملا تزل �شكوك ًا حول املو�ضع ال�صحيح �إذ جتمع الرويات �أنه يف‬
‫�ص ��در قنونا ‪ .‬وهذا املكان اليعد �ص ��درا للوادي يف عرف الأقدمني �إذ ال�ص ��در ما قرب من‬
‫اجلبال ومازالت الأ�صدار ا�سم يطلق على �أ�سافل اجلبال حتى الآن‪ ،‬ثم �إن ال�شاعر يعلى بن‬
‫الأحول الأزدي يقول عن نباتات �صدر الأودية التهامية ‪:‬‬
‫و�أ����س���ف���ل���ـ���ـ���ه ب���امل���ـ���ـ���رخ وال�������ش���ب���ـ���ه���ان‬ ‫ب���������واد مي�������ان ي���ن���ب���ت ال���������س����در �����ص����دره‬
‫‪ -‬و�ص ��در وادي قنون ��ا يتمث ��ل فيما يدع ��ى الآن بوادي اخليطان حيث ينمو ال�س ��در يف‬
‫املنطقة القريبة من اجلبال وقد تواترت الروايات ال�ش ��فهية �أن بوادي اخليطان �سوق قدمي‬
‫مندثر‪ ،‬ولأجل ذلك ف�أزعم �أن م�س�ألة ت�أكيد مو�ضع �سوق حبا�شة حتتاج �إىل حتقيق �أكرث ‪.‬‬
‫‪ - 3‬حتقيقات يف الن�سب القدمي ‪:‬‬
‫‪ -‬ترج ��ع معظ ��م القبائل التي ت�س ��كن الباحة وما حولها �إىل �أزد ال�س ��راة و�أود �أن �أدل‬
‫الق ��ارئ على حتقيق ن�س ��ب �أزد �ش ��نوءة الذي اختل ��ف فيه كثري من الن�س ��ابني‪ ،‬حيث قمت‬
‫بتحقيق ذلك الن�سب يف متهيد بحثي العلمي حول لهجة �أزد ال�سراة فلريجع �إليه‪ ،‬ولكن ما‬
‫�أ�ش�ي�ر �إليه هنا هو ماورد يف بع�ض كتب احلديث ال�ص ��حيحة من ت�شبيه مو�سى عليه ال�سالم‬
‫ب�أزد �ش ��ن�ؤة �إذ يقول الر�س ��ول ﷺ عن مو�س ��ى �أنه رجل طوال �آدم ك�أنه من �أزد �ش ��نوءة ‪.‬‬
‫�إذن فال�ص ��فة الأ�صيلة لهذة القبيلة هي الطول الفارع والأدمة �أي ال�سمرة‪ ،‬وتغري اللون �إىل‬
‫ال�سمرة هو من �آثار التعر�ض ل�شم�س اجلبال في�صبح الوجه ملوح ًا مائ ًال �إىل اال�سمرار ‪.‬‬
‫ثم �إن البحث اللهجي الذي قمت به ي�ؤكد وجود بقايا كثري من اللهجات املن�س ��وبة �إىل‬
‫�أزد ال�سراة �أو �أزد �شنوءة حتى الآن وهذا دليل لغوي ي�شري �إىل عراقتهم و�صحة �أ�صولهم ‪.‬‬
‫كم ��ا �أدل الق ��ارئ على اخلالف الذي جرى بيني وبني الدكتور �أحمد ق�ش ��ا�ش حول‬
‫اندثار قبيلة �شكر الأزدية ال�سروية وعدم وجود بقايا لها الآن‪ ،‬ويوجد على حلقات م�سل�سلة‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪284‬‬
‫يف ملح ��ق الرتاث بجريدة البالد ال�س ��عودية � ��س (‪ )69‬ع (‪ )15756‬يف (‪29‬جمادى الأوىل‬
‫‪ 1420‬هـ )‪.‬‬
‫�أما قبيلة لهب امل�ش ��هورة فيظهر �أنها كانت ت�س ��كن بالقرب م ��ن غامد التي �أجلتها من‬
‫�أرا�ض ��يها يف " ن�ي�را " فرحل بع�ض هذه القبيلة و�س ��كن بالقرب من قبيل ��ة بلحارث جنوبي‬
‫الطائف تبعد عنها حوايل �س ��بعني كيال وي�ش�ت�ركون يف بع�ض قراهم مع قبيلة ربيع يف حني‬
‫رحل بع�ضها الآخر و�سكن اخلبت من تهامة ‪.‬‬
‫وينبغي التنبه يف هذا املجال �أن هناك بطن من غامد هم بنو ال َله َبة وقد يتغري �ض ��بط‬
‫ال�ش ��كل م ��ع طول تغريات الزم ��ن ثم �إن ا ِللهب هو ال�ش ��ق يف اجلبل كما تق ��ول معاجم اللغة‬
‫فيحتم ��ل �أن يك ��ون اللهب يف نريا ا�س ��م للم ��كان وطبيعتها توحي بذلك ؛ ل ��ذا ف�إين ال �أرجح‬
‫دخول بني لهب يف بني عبد اهلل من غامد كما يذهب لذلك ال�شيخ حمد اجلا�سر ؛ �إذ يروي‬
‫�أبو علي الهجري يف م�ؤلفه النفي�س �أن الغارات بني هاتني القبيلتني �أعني لهب وغامد كانت‬
‫م�ستمرة وقوية مما ي�ضعف احتمال دخول لهب يف غامد ‪.‬‬
‫•ن�س ��ب ال�ش ��نفرى‪ ،‬تكاد جتمع معظم الرويات �أن ال�ش ��نفرى م ��ن الأوا�س ابن احلجر‬
‫وي�س ��تثنى من ذلك جمهرة �أن�س ��اب العرب البن حزم الذي ن�س ��به لبني �سالمان بن‬
‫مفرج بن زهران ‪ .‬ومعظم الأماكن التي ذكرها يف �شعره هي يف ديار زهران يف هذا‬
‫الزمان وذلك الأمر قد ي�ؤيد قول ابن حزم يف ن�سبه �إىل زهران ‪ .‬والنكاد جند خالف ًا‬
‫يف ق�ض ��ية ن�س ��به اللهم �إال ما جنده عند ال�ص ��حاري الذي ين�س ��به �إىل بني زِمان من‬
‫�س�ل�امان بن مفرج بن عوف بن ميدعان بن مالك بن ن�ص ��ر بن الأزد ‪ .‬ورمبا يكون‬
‫هذا هو ال�ص ��واب حيث �أن بع�ض قبائل الأزد التي يذكر الن�س ��ابون �أنها يف ال�س ��راة‬
‫دخلت يف قبيلة زهران امل�سمى الكبري ويرجح �أن منها ميدعان بفروعها املتعددة ‪.‬‬
‫ويجب �أن يكون من املعلوم �أن هناك روايات متعددة تنفي �أن يكون ال�شنفرى من �أغربة‬
‫العرب وي�ساعد على ترجيح ذلك �سياق ق�صته مع قومه من بني �سالمان ‪.‬‬
‫�أما قتل ال�ش ��نفرى وورود قاتله با�سم �أ�س ��يد بن جابر ال�سالماين مرة و�أ�سيد بن جابر‬
‫الغام ��دي م ��رة �أخرى يف بع�ض امل�ص ��ادر املوثوقة كاملف�ض ��ليات‪ ،‬فتف�س�ي�ره ل ��دي �أن هناك‬
‫�س�ل�امان �أخرى يف غامد وقد وجدت �سل�س ��لة �س�ل�امان هذه يف ن�سب بع�ض �أعالم غامد ثم‬
‫�أن بن ��ي الرمداء من غامد �أر�س ��لوا يف �أثره بع�ض كالبه ��م فرمبا كان بنو الرمداء بطنا من‬
‫�س�ل�امان غام ��د ‪ .‬ويذكر ال�ص ��حاري �أن غام ��د ًا تعد جمرة من جم ��رات العرب مل حتالف‬
‫غريها من القبائل ومل يهاجر منها �أحد �إىل عمان ‪.‬‬
‫‪285‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫وم ��ن عزيز الن�س ��ب يف هذا اخل�ص ��و�ص �أن بع�ض قبائ ��ل قي�س يرجع ��ون يف خ�ؤولتهم‬
‫لغامد‪� ،‬إذ �إن �ض ��بينة بنت �س ��عد مناة بن غامد هي �أم ابني جعدة بن غني ( عب�س و�سعد )‬
‫كما يذكر ذلك الكلبي ‪� ،‬أما ما يتناقله بع�ض العامة وبع�ض �أن�صاف املتعلمني يف املندق ويف‬
‫دو�س �أن القرية التي تدعى �س�ل�امان يف قبيلة دو�س هي مو�ض ��ع مقتل ال�ش ��نفرى وبها قربه‬
‫ف�إن ذلك من التخليط وا�شتباه الأ�سماء‪ ،‬ف�سالمان كانت ت�سكن يف �أبيدة كما يذكر البكري‬
‫وكل الكت ��ب التي تذكر مو�ض ��ع مقتل ال�ش ��نفرى جتع ��ل ذلك يف �أبيدة ومازال النا�ص ��ف من‬
‫�أبيدة الذي قتل به ال�ش ��نفرى حتى الآن باال�س ��م نف�سه وقد زرته �أكرث من مرة وهو نا�صفان‬
‫النا�ص ��ف الأعلى وبه مو�ضع فيه قبور دائرية ال�ش ��كل مكومة احلجارة وهناك ما ي�شبه �آثار‬
‫دائرة من الأحجار املبنية على �شكل �سور كبري يزعم �أهل املكان �أنها حلبة اخليل والظاهر‬
‫�أن لها عالقة مبو�ض ��ع قتل ال�ش ��نفرى ‪� .‬أما النا�صف الأ�س ��فل ففيه بع�ض احل�سي والكظائم‬
‫التي يرجح بع�ض الأهايل �أن ال�شنفرى قب�ض عليه عند �أحدها‪ .‬وكان ال�شنفرى يغري عليهم‬
‫هن ��اك ومل يذك ��ر �أنه �أغ ��ار على دو�س ق ��ط ‪ .‬ثم �إن �س�ل�امان احلالية يف دو�س ا�س ��م قرية‬
‫ولي�س ��ت ا�س ��م القبيلة القدمية املندثرة التي ين�س ��بها بع�ض امل�ؤرخ�ي�ن �إىل زهران من غري‬
‫و�ص ��لها بدو�س وين�س ��بها بع�ضهم �إىل ميدعان فما الذي جعل �س�ل�امان يف دو�س الآن وجعل‬
‫�أه ��ل تل ��ك الناحي ��ة ي�ؤكدون �أن بني �س�ل�امان هم قتلوا ال�ش ��نفرى و�أنهم دو�س ��يون �إال لقلة‬
‫ب�ضاعة من يحمل العلم حيث �أن مرحلة ما �أ�سميه "احلبو الت�أليفي" لها �آثار �سلبية يف قلب‬
‫كثري م ��ن املفاهيم واحلقائق والوعي الثقايف يف املنطقة مازال رهينا لهذه املرحلة البعيدة‬
‫عن العلمية‪ ،‬وي�ضاف �إىل ذلك �سبب �آخر جعل الدو�سيني ي�شيعون هذا الأمر بوعي �أو بدون‬
‫وعي �أال وهو جعل النا�س ين�س ��ون ما ي�ش ��اع عنهم �أن �صنم ذي اخلل�صة كان عندهم وكانوا‬
‫يعبدون ��ه‪ ،‬وذاك غري �ص ��واب البتة ‪ ،‬ومن الأمور املهمة التي ينبغ ��ي التنبيه عليها �أن قبائل‬
‫الأزد وخ�صو�ص ��ا قبيلة غامد ت�ص ��دت لأبرهة الأ�ش ��رم بقيادة عبد �شم�س بن م�سروح الأزدي‬
‫حيث �أر�سل �إليهم خي ًال فهزموا خيله ‪ .‬واخلرب بتمامه يف كتاب املنمق البن حبيب �ص( ‪.) 74‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬تنبيهات حول الت�أريخ الإ�س�لامي م��ن القرن الأول الهجري �إىل‬
‫القرن الرابع الهجري ( ق ‪ – 7‬ق ‪ 10‬م ) ‪.‬‬
‫‪ -1‬ال�صحابة الكرام (ر�ضوان اهلل عليهم)‪.‬‬
‫يكرث ال�ص ��حابة الذين ينت�س ��بون �إىل قبيلتي زهران وغامد القاطنتني يف ال�سراة مما‬
‫يجعل منطقة الباحة �أكرث الأجزاء يف ال�سراوات عمقا ت�أريخي ًا و جمد ًا ال ينازعه �أي مو�ضع‬
‫�آخر يف اجلزيرة العربية �س ��وى مكة واملدينة ويظهر �أن قبيلتي غامد وزهران اللتني تعودان‬
‫لأزد �ش ��ن�ؤة كانتا من القبائل املتميزة منذ اجلاهلية ؛ فالر�س ��ول ﷺ بعد �أن يرد لأعرابي‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪286‬‬
‫�ست بكرات عو�ض ًا عن هديته فيت�سخطها‪ ،‬يخطب يف النا�س ويقول هممت �أال �أقبل هدية �إال‬
‫من قر�شي �أو ثقفي �أو دو�سي ‪.‬‬
‫والطفيل بن عمرو الدو�س ��ي ي�س ��لم قدميا يف مكة ويعر�ض على الر�س ��ول ﷺ الهجرة‬
‫�إىل ديار دو�س‪ ،‬و�أبوظبيان الأعرج ي�س ��لم يف مكة قدمي ًا‪ ،‬و�أبو هريرة راوية الإ�س�ل�ام الذي‬
‫يذك ��ر د‪ .‬حمم ��د عبده مياين �أن ��ه مل ينفرد من الأحاديث �إال ب�س ��بعة �أحاديث فقط يف حني‬
‫يذك ��ر حممود املراكبي وهو خمت�ص يف الربجميات �أنها مائتا حديث التي انفرد بها فقط‪،‬‬
‫و�أميل �إىل قول املراكبي لأنه متخ�ص ���ص يف احلا�س ��وب ‪ .‬وذلك يرد على كثري من امل�شككني‬
‫يف �ص ��دقه ‪ -‬ر�ض ��ي اهلل عنه ‪ ، -‬وعدد ال�صحابة املرتجم لهم من القبيلتني يفوق �أي قبيلة‬
‫قحطانية الأ�ص ��ول على وجه العموم �س ��وى الأو�س واخلزرج‪ ،‬ثم �إن م ��ن القبيلتني كثري من‬
‫التابعني امل�ش ��هورين �أي�ض� � ًا‪ ،‬ف�ض�ل�ا عن من يكون م ��ن القبيلتني وترجم له بالن�س ��ب للأزد‬
‫عموم� � ًا ‪ ،‬ومم ��ا مييز املرتجم له ��م من كال القبيلتني ال�ش ��جاعة والعل ��م‪ ،‬فجندب بن زهري‬
‫الغامدي ‪ -‬ر�ض ��ي اهلل عنه ‪ -‬كان هو والأ�ش�ت�ر النخعي �أ�ش ��جع العرب يف زمانهما‪ ،‬وقبلهما‬
‫�أب ��و ظبيان الأعرج ‪� .‬أما لوط بن خمنف فكان م ��ن �أوائل امل�ؤرخني العرب‪ ،‬واخلليل بن �أحمد‬
‫الفراهيدي على ر�أي ابن حزم الذي يجعل بني �شبابة بن فهم الذين منهم اخلليل يف ال�سراة‬
‫ويف الب�ص ��رة هو عامل العرب غري مدافع‪ ،‬واحلديث هنا يطول ‪ ،‬ومن الأمور التي قر�أتها عن‬
‫ت�أريخ الأزد �أن �شعارهم الذي تابعوا فيه ال�صحابي اجلليل الطفيل بن عمرو ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬هو كلمة " يامربور " �أما رايتهم �أو راية بع�ضهم فهو �سوداء اللون وفيها هالل ‪.‬‬
‫‪ -2‬وفود غامد �أربعة ولي�س اثنني ‪.‬‬
‫يظن كثري من الباحثني �أن غامد مل يفد منها �إىل الر�سول ﷺ �إال وفدان ‪ .‬وال�صحيح‬
‫�أن غام ��د وف ��دت �إىل الر�س ��ول ﷺ �أرب ��ع م ��رات ‪ :‬امل ��رة الأوىل مبكة حينما وف ��د �إليه �أبو‬
‫ظبيان ‪ -‬ر�ضي اهلل عنه ‪ -‬واملرة الثانية الع�شرة الذين وفدوا �إىل املدينة وتركوا �صبي ًا عند‬
‫رحاله ��م يف البقيع‪ ،‬واملرة الثالثة كان عددهم �أربعني ـ وقد كتبت معلومات حول هذا الوفد‬
‫يف جزازة و�أ�ض ��عتها لذلك ف�أنا ل�س ��ت مت�أكدا من �ص ��حتها حتى الآن ـ‪ ،‬واملرة الرابعة كانت‬
‫لبني البكاء من غامد كما ذكر ذلك �أ�صحاب التواريخ والرتاجم امل�شهورة‪.‬‬
‫‪ -3‬ق�صة الغامدية ‪.‬‬
‫من الق�ص ���ص امل�ش ��هورة يف كتب �أهل احلديث‪ ،‬وا�س ��مها �س ��بيعة الغامدية وقيل �آمنة‬
‫(ر�ض ��ي اهلل عنه ��ا)‪ ،‬ومعظ ��م الكتب التي تناولت الق�ص ��ة بال�ش ��رح ترد ن�س ��بها �إىل الأزد‬
‫‪ .‬لك ��ن امل�ش ��كل ه ��و بعد ديار غامد ع ��ن املدينة املن ��ورة �إذ تبعد عنها مبا يق ��ارب ثمامنائة‬
‫كي�ل ً�ا فكيف �أتت للر�س ��ول ﷺ من قومها‪ ،‬وكيف راجعت ��ه �أكرث من مرة ؟ ميكن حل هذا‬
‫الإ�ش ��كال برتجيح كون الغامدية من غامدة التي هي بطن من جهينة علما �أن بع�ضهم جعل‬
‫‪287‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫جهينة بطنا من غامد ‪ .‬ولكن الأ�صوب هو احتمال �أن �أ�سرة �أو بيوت ًا من غامد جاورت �أبناء‬
‫عمومتهم من الأن�صار وكانت هذه الغامدية منهم واهلل �أعلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬ق�ضية الردة ‪.‬‬
‫ق�ض ��ية ارتداد القبائل العربية ق�ض ��ية ت�أريخية مهمة جد ًا وقد �أثار هذه الق�ضية حديث‬
‫الأ�ستاذ الدكتور‪ /‬غيثان بن جري�س يف ملتقى عقد يف الباحة م�ؤخر ًا ‪ ،)1(1‬حيث ذكر �أن بع�ض‬
‫هاتني القبيلتني ارتد عن الإ�سالم مما �أثار حفيظة كثري من مثقفي املنطقة وكثري ممن بلغهم‬
‫اخل�ب�ر ‪ ،‬وعن ��د العودة �إىل تلك الفرتة الع�ص ��يبة من الت�أريخ العربي جن ��د بع�ض الروايات‬
‫تق ��ول �إن قبائ ��ل العرب قد ارتدت جميع ًا ـ على اخت�ل�اف يف نوع الردة ـ ما عدا قبيلتني هما‬
‫قري�ش وثقيف‪ .‬وهذا تعميم خاطئ وتخ�ص ��ي�ص خاطئ �أي�ض ًا بل �إن يف تخ�صي�ص القبيلتني‬
‫ال�سابقتني نوعا من االدعاء جللب بع�ض الفخر لهما كونهما من �آخر القبائل �إ�سالما �إ�ضافة‬
‫�إىل �أن ��ه مل ي�ش ��ر �إىل الأو�س واخلزرج ب�إ�ش ��ارة مما يفهم منه ارتدادهم ��ا كبقية القبائل‪،‬‬
‫وذلك غري �صحيح البتة ‪.‬‬
‫ولأج ��ل ذلك البد من التثبت عند و�ص ��ف قبيلة ما ب�أنها ارتدت �أو ثبتت على الإ�س�ل�ام‬
‫وتوخ ��ي احلقائق الت�أريخية للو�ص ��ول �إىل احلقيق ��ة جمردة بعيد ًا عن التع�ص ��ب والأهواء‪،‬‬
‫فبع� ��ض القبائ ��ل كما يب ��دو قد ارت ��د جمهورها وبقيت منه ��ا قلة على احلق وبع�ض ��ها ثبت‬
‫جمهوره ��ا عل ��ى احلق وارتد منها قلة قليلة ‪ .‬يف حني �أن بع�ض القبائل ارتد منها كثري وبقي‬
‫منها على احلق كثري وهذا هو احلال لأغلب القبائل العربية فكيف كان حال هاتني القبيلتني‬
‫يف تلك الق�ضية ‪.‬‬
‫�أول ما يلفت النظر هو ا�ست�ش ��هاد الطفيل بن عمرو الدو�س ��ي ‪ -‬ر�ض ��ي اهلل عنه ‪ -‬يف‬
‫اليمامة وهو يقاتل املرتدين هناك‪ ،‬وقد كان �سيد قومه وال ريب �أن قومه قد رافقوه يف هذه‬
‫املعرك ��ة‪ ،‬ويف ذل ��ك دليل على ثب ��ات قبيلة دو�س على احلق ‪ ،‬ث ��م �إن الروايات التي تذكر �أن‬
‫الأ�س ��ود بن الأفكل الأزدي كان قائدا للأ�سود العن�سي تذكر �أن املبعوث لقتل الأ�سود هو وبر‬
‫بن يحن�س الأزدي على خالف يف ن�س ��به ويف ا�س ��مه وبع�ضهم يجعله من �أقارب الأ�سود مما‬
‫يوحي ب�أنه قد يكون هو والأفكل من الأزد الذين �سكنوا بالقرب من جنران ‪.‬‬
‫ورواي ��ة الط�ب�ري جتعل املرتدين جتمعوا ب�ش ��نوءة علم ملكان وه ��و مل يزل �إىل اليوم يف‬
‫بالد بني مالك ع�س�ي�ر‪ ،‬وجتعل املجتمعني �أخالط ًا من الأزد وبجيلة وخثعم وجتعل قائدهم‬

‫((( ه ��ذا احلديث عبارة عن حما�ض ��رة قدمها ابن جري�س يف امللتقى الأدبي الذي عقده ن ��ادي الباحة الأدبي يف الفرتة‬
‫املمت ��دة م ��ن ( ‪ 1427/10/18 - 16‬ه� �ـ املواف ��ق ‪ 2006/11–9 - 7‬م ) ‪ .‬وكان عن ��وان هذه املحا�ض ��رة هو ‪ " :‬بالد‬
‫الباحة ( غامد وزهران ) خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة "‪ ،‬وقد �أجري عليها بع�ض التعديالت ون�شرت‬
‫يف مو�سوعة اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ويف املجلد اخلا�صة مبنطقة الباحة‪ ،‬مج (‪� ،)16‬ص ‪. 151 - 133‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪288‬‬
‫حمي�ض ��ة بن النعمان وتذكر هزميتهم وتفرقهم عن حمي�ض ��ة الذي هرب يف البالد‪ ،‬وهذا‬
‫يوح ��ي بقلتهم و�أنهم من قبائل متفرقة م ��ن الأزد وغريهم ‪ .‬وهنالك يف الطربي ن�ص �آخر‬
‫مهم يذكر خروج �سعد بن �أبي وقا�ص من املدينة يف �أربعة الآف ثالثة الآف ممن قدم عليه‬
‫من اليمن وال�س ��راة‪ ،‬ويذكر �أن �أهايل ال�س ��روات عليهم حمي�ض ��ة بن النعمان بن حمي�ض ��ة‬
‫البارقي وهم بارق و�أملع وغامد و�س ��ائر �أخوتهم يف �س ��بعمائة من �أهل ال�س ��راة و�أهل اليمن‬
‫�ألفان وثالثمائة ‪ ،‬وهذا الن�ص ي�ؤكد التفريق بني �أقليم اليمن و�أقليم ال�سراة منذ القدم وكما‬
‫تذهب لذلك معظم الكتب التي اهتمت بتحديد املوا�ضع‪ ،‬ثم �إنه يجعل قائد املجاهدين من‬
‫�أهل ال�س ��راة يف القاد�س ��ية هو نف�س ��ه قائد املرتدين مما يثري عدة �أ�سئلة حول �صحة اخلرب‬
‫الأول �أو اخلرب الثاين حول هذا القائد �أما الأمر املهم فهو �إ�شارة الن�ص �إىل ن�سبة الإ�سهام‬
‫العددي بني ال�سراة واليمن مما يوحي ب�أهمية هذا الأقليم منذ القدم ‪.‬‬
‫وخال�ص ��ة الأمر �أن ��ه لي�س هناك من الرواي ��ات ما يثبت ارتداد غام ��د �أو زهران بهذا‬
‫اال�س ��م �أو مايثب ��ت ارتداد �أزد �ش ��نوءة التي تنتمي �إليها هاتان القبيلت ��ان‪ ،‬بل �إن املرجح هو‬
‫ثبات قبيلة دو�س كافة من زهران ي�ضاف �إىل ذلك �أن قائد املرتدين حتوم حول �شخ�صيته‬
‫ال�شكوك بيد �أن املرتد من �أهل ال�سراة مبا فيهم الأزد كما يبدو قليل جد ًا وقد عادوا �سريع ًا‬
‫�إىل الإ�س�ل�ام ‪ .‬ولكنه ��م مل يخ�ص ��وا بقبيلة معينة م ��ن قبائل الأزد ‪ .‬ب ��ل �إن بع�ض الروايات‬
‫ن�صت على �أن املرتدين اجتمعوا يف �سراة عنز �أي ما يعرف اليوم بقبيلة ع�سري التي حتيط‬
‫ب�أبها‪ ،‬وهذا املو�ضع بعيد جدا عن �سراة غامد وزهران ‪.‬‬
‫ومبراجعة كتب املعارك الإ�س�ل�امية يف العراق وال�ش ��ام جند �سري �أبطال و�شجعان كرث‬
‫�أ�س ��هموا يف دخول هذه البالد �إىل الإ�س�ل�ام بل ا�ستوطن كثري منهم فيها كالب�صرة والكوفة‬
‫واملدائن واملو�ص ��ل وكمدينة حم�ص التي ما تزال حتتفظ بقبور كثري من ال�ص ��حابة ومنهم‬
‫�س ��فيان بن عوف الغامدي الذي كاد يفتح الق�س ��طنطينة ‪ ،‬وي�ستطيع من �أحب االطالع على‬
‫جهود قبيلتي غامد وزهران ودورهما التاريخي يف الدولة الأموية والدولة العبا�سية مراجعة‬
‫ذل ��ك الأمر فهو متوفر ومتاح ‪ ،‬لأجل ذلك فقد ذكرت يف ورقة موجزة قدمتها �إىل الدكتور‬
‫غيث ��ان �أن م ��ا يعرف مبنطق ��ة الباحة الآن قد يك ��ون من �أكرث �أجزاء ال�س ��راة �أهمية وثقال‬
‫ت�أريخي ًا ‪ ،‬وميكن �أن يكون من مالمح احلياة يف ع�صر بني �أمية زيادة الرتف وانت�شار الغناء‬
‫يدلنا على ذلك بيت يعلى بن الأحول ال�شكري ‪:‬‬
‫وباحلـي ذي الروذيـن عـزف قـيـان‬ ‫وع������زف احل����م����ام ال�������ورق يف ظ����ل �أي���ك���ة‬
‫وال غراب ��ة يف ذلك فكثري م ��ن جيو�ش الفتح هم من هذه املنطقة والريب �أن بع�ض ��هم‬
‫�أثرى مما ح�ص ��ل من غنائم عالوة على ذلك ف�إن الغناء انت�ش ��ر يف احلجاز وهذه املنطقة‬
‫�أقرب مناطق الأزد �إىل مكة واملدينة ‪.‬‬
‫‪289‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫رابع ًا ‪ :‬تنبيهات حول الفرتة الغام�ض��ة من ت�أريخ ما ي�سمى الآن الباحة‬


‫( ق ‪ 12 – 4‬هـ‪ 18 – 10/‬م )‬
‫تع ��د الفرتة املمتدة م ��ن �أواخر القرن الراب ��ع الهجري �إىل �أوائل القرن الثالث ع�ش ��ر‬
‫الهج ��ري من الفرتات التي �ش ��حت فيها الأخبار عن بالد ال�س ��روات مبا فيها �س ��راة غامد‬
‫وزه ��ران‪ ،‬وهي فرتة ي ��كاد الناظر فيها يجزم ب� ��أن اجلزيرة العربية عل ��ى وجه العموم قد‬
‫�أو�ش ��كت على االختفاء من خريطة الأحداث وك�أنها خارج الت�أريخ لوال اهتمام بت�أريخ بع�ض‬
‫�أجزائها كاليمن واحلجاز وعمان �أما بقية الأجزاء ف�أخبارها نزرة قليلة ‪.‬‬
‫وتكاد تكون اجلزيرة العربية يف هذه القرون املتطاولة عبارة عن قبائل و�إمارات �صغرية‬
‫ال وزن له ��ا وال ت�أثري حيث ازدادت رقعة اجلهل فيه ��ا‪ ،‬وغلب على �أهلها حياة البدو �أو حياة‬
‫�أهل القرى ال�ص ��غرية و�إن كان الت�أريخ يحكي عن العرب املجاورين للعراق ومالهم من �أثر‬
‫يف الأحداث هناك �أو يحكي عن حتول بع�ض �أعراب احلجاز �إىل قطاع طريق تخ�ص�صوا يف‬
‫قطع طريق احلاج �أو يحكي عن دعوة ال�شيخ حممد بن عبد الوهاب وحتالفه مع حممد بن‬
‫�س ��عود يف الدرعية ‪� .‬أما منطقة البحث املعروفة الآن مبنطقة الباحة فيمكن ت�س ��جيل بع�ض‬
‫الأمور عنها على النحو الآتي ‪:‬‬
‫‪1 .1‬و�صف بع�ض الرحالة لأهايل ال�سراة كالهمداين ونا�صر خ�سرو وابن املجاور وابن جبري‬
‫وابن بطوطة‪ ،‬وذلك الو�ص ��ف معروف وم�ش ��هور ولكن ميكن للم�ؤرخ �أن ي�ستنتج منه �أن‬
‫تلك البالد كانت م�س ��تقلة تتبع ل�ش ��يوخ القبائل و�أنها كانت ب�ل�اد ًا وافرة اخلريات متد‬
‫ب�ل�اد احلجاز بامل�ؤن‪ ،‬كما ميتاز �أهلها بال�ش ��جاعة وبالف�ص ��احة وبالكرم ‪ .‬ومن الكتب‬
‫املهمة التي تناولت ت�أريخ ال�سراة وقلما التفت �إليها الباحثون كتاب التعليقات والنوادر‬
‫لأب ��ي عل ��ي الهجري فهو لي� ��س كتاب �أدب ولغة فح�س ��ب بل هو كتاب ت�أريخ �أي�ض� � ًا وفيه‬
‫معلومات ال توجد يف غريه من الكتب ‪.‬‬
‫‪ 2 .2‬تقول بع�ض الروايات ال�ش ��فهية �أن بع�ض �أهايل املنطقة قد �ش ��اركوا �ص�ل�اح الدين يف‬
‫حروبه �ضد ال�صلبيني وتخ�ص بني ثعفل حيث يرى بع�ضهم �أنهم كانوا جزءا من بع�ض‬
‫القبائل التي �ش ��اركت �ص�ل�اح الدين يف غزواته و�أنهم ملا و�صلوا �إىل بع�ض الأجزاء من‬
‫بني ظبيان ا�ستقروا بها ‪ .‬وهذه �إحدى الروايات يف �أ�صل ه�ؤالء القوم مع روايات �أخرى‬
‫غري هذه ‪ .‬بل �إن يف الأ�س ��ر املقد�س ��ية من ينت�س ��ب �إىل غامد وزهران حتى اليوم‪ ،‬كما‬
‫�أخربين بذلك �أحد الأكادمييني يف كلية الآداب بجامعة امللك �سعود‪.‬‬
‫‪3 .3‬تتمي ��ز املنطق ��ة املعروفة الآن مبنطق ��ة الباحة ب�أنه ��ا اجلزء الوحيد ال ��ذي قامت فيه‬
‫�إمارات �أو �سلطنات �أزدية خال�صة ‪ .‬ف�إذا كانت كتب الرحالة قد و�صفت �أحوال ال�سراة‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪290‬‬
‫ال�سيا�س ��ية ب�أنها جمرد قبائل �أو قرى �صغرية م�س ��تقلة تتبع ل�شيوخ القبائل‪ ،‬و�إذا كانت‬
‫الفرتات ال�س ��ابقة لهذا الفرتة الت�أريخية الغام�ض ��ة من الت�أريخ الإ�س�ل�امي قد جعلتها‬
‫تابع ��ة لعم ��ل مكة املكرمة ‪ .‬والفرتات الالحقة جعلتها منطقة نزاع م�س ��تمرة بني �أنا�س‬
‫لي�س ��وا من �أهلها الأ�ص ��ليني و�إمنا وفدوا �إليها كالأدار�س ��ة و�آل عائ�ض وبع�ض الأ�شراف‬
‫وبني حمالت خارجية قام بها �أ�شراف مكة والأتراك وحممد علي با�شا و�آل �سعود ‪.‬‬
‫�إذا كان كل ذلك معروف ًا ف�إن اجلديد الذي �أظهرته الك�ش ��وف الأثرية الأولية يف ع�ش ��م‬
‫والأح�س ��بة ه ��و قيام �إمارات و�س ��لطنات �أزدية م�س ��تقلة ففي ع�ش ��م ووداي الأح�س ��بة جند‬
‫�أ�س ��رة �آل عويد‪ ،‬وقد ذكر الأ�ستاذ ح�س ��ن �إبراهيم الفقيه يف كتابه ‪ :‬خمالف ع�شم �أن هذه‬
‫الأ�س ��رة لها مقربة م�س ��تقلة يف ع�ش ��م وقد ت�ص ��درت �أ�سماء بع�ض ��هم لقب " الأمري " �أو "‬
‫ال�سلطان " �ص (‪.) 72‬‬
‫ورغ ��م �أهمية الكت ��اب الذي �ألفه الفقيه ع ��ن خمالف ع�ش ��م �إال �أن معلومات التنقيب‬
‫الأثرية �س ��تمدنا ب�أ�ضعاف �أ�ضعاف املعلومات التي ذكرها الفقيه وقد توجهت �إىل كثري من‬
‫امل�س� ��ؤولني يف وكالة الآثار بالإ�س ��راع يف تنقيب مدينة ع�شم لأنها عر�ضة لنهب ال�سيول التي‬
‫نقل ��ت �آثارها �إىل الوادي املجاور قبل �أكرث من �س ��بع �س ��نوات ولكن �إىل الآن مل يتم �ش ��يء‪،‬‬
‫وي�ؤك ��د الزيلع ��ي يف كتابه‪ :‬اخلل ��ف واخلليف � ��ص( ‪) 30‬حيث يقول ‪ " :‬ووجد يف الأح�س ��بة‬
‫اجلنوبية‪ ،‬على بعد حوايل ثالثني كيلو مرت ًا �إىل اجلنوب الغربي من بلدة املخواة‪ ،‬عدد من‬
‫النقو�ش ملتوفني ين�سبون �إىل اخلليف‪ ،‬و�إىل بني �سليم من زهران تلقبوا ب�ألقاب �سالطني " ‪.‬‬
‫واملعلوم ��ات الت�أريخي ��ة يف امل�ص ��ادر املكتوب ��ة المتدن ��ا ب�ش ��يء يذك ��ر عن ح ��دود تلك‬
‫ال�سلطنات والإمارات وعن تنظيماتها الإدارية واحل�ضارية وعن نهاياتها‪ ،‬ولكنها ت�شري �إىل‬
‫تطور التنظيم ال�سيا�س ��ي واحل�ضاري يف تهامة وتقدمه على ال�سراة التي كانت �إىل البداوة‬
‫والتنظيم القبلي �أقرب ومل تقم فيها �إمارات م�ستقلة بل �إن تكاف�ؤ القبائل ال�سروية يف القوة‬
‫وغلبة الع�صبية واجلهل �إ�ضافة �إىل وعورة م�سالك اجلبال وقلة االت�صال بالعامل اخلارجي‬
‫يف مكة واليمن ر�س ��خت القبلية فيها و�إن ا�ش�ت�ركت تلك القبائ ��ل يف �أحالف ومعاهدات مع‬
‫بع�ض ��ها �أو مع قبائل من خارج ال�س ��راة كاحللف الغام�ض الذي انق�سمت فيه بع�ض القبائل‬
‫احلجازي ��ة والنجدية ق�س ��مني هما خندف الذي دخلت فيه غامد و�ش ��بابة الذي دخلت فيه‬
‫زهران ‪ .‬هذا وت�ش�ي�ر ت�س ��مية احللف بهذين اال�سمني �إىل �سل�س ��لة الن�سب املغرقة يف القدم‬
‫للقبائل العربية خ�صو�ص ًا " خندف " �أما �شبابة فهناك �شبابة الأزد و�شبابة قي�س ‪ .‬والعجيب‬
‫�أن احللف �ضم قبائل خمتلطة الأ�صول ما بني قحطان وعدنان ‪ .‬واملعلومات عن هذا احللف‬
‫ال ت�ش ��في غلة و لكن احللف بهذا التكوين ال�ض ��خم ي�ش�ي�ر �إىل م�ش ��اكل كربى كانت تع�صف‬
‫باجلزيرة العربية يف فرتاتها الغام�ضة والراجح �أنها حروب داخلية فيما بني القبائل ‪.‬‬
‫‪291‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫فمن املرجح على �سبيل املثال �أن قبائل بني هالل ومن حتالف معهم قد ملكوا يف تلك‬
‫الفرتة الغام�ض ��ة �أجزاء وا�س ��عة من اجلزيرة العربية قبل رحيلهم �إىل املغرب العربي يدل‬
‫على ذلك بقاء �صيتهم يف جميع ما خلف من �آثار �إذ ترجعه عامة النا�س لبني هالل �إ�ضافة‬
‫�إىل تفرق بطون �ص ��غرية منهم يف �أرجاء اجلزيرة العربية ماتزال تن�س ��ب �إليه ـ و�إن مل �أجد‬
‫�أح ��د ًا من امل�ؤرخني ذكر ذلك ـ وعلى ذلك ميكن تف�س�ي�ر ما تتفوه ب ��ه عامة النا�س من كبار‬
‫ال�سن يف رد كل ما حولهم �إىل بني هالل فيما يعرف مبنطقة الباحة �أو غريها من املناطق ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ال ن ��كاد جند �أخبار ًا مهمة عن احلرك ��ة العلمية �إال ما جنده يف اخللف واخلليف‬
‫وع�شم ‪ .‬و�أذكر �أن �أحد املحدثني الكبار كان من ال�سراة وقد ن�سيت الكتاب الذي قر�أت فيه‬
‫ذلك ‪.‬ولكن كرثة �شواهد القبور ت�شري �إىل معرفة كثري من �أهايل ال�سراة القراءة والكتابة ‪.‬‬
‫وينبغ ��ي يف هذا املجال احلذر من �أن�ص ��اف الباحثني الذين يلحق ��ون �أي علم �أو عامل‬
‫�أزدي �أو غامدي �أو دو�سي �أو زهراين باملنطقة بغ�ض النظر عن املكان الذي عا�ش فيه حتى‬
‫و�إن كان فيما وراء بالد النهر فت�أريخ املنطقة �ش ��يء وت�أريخ القبيلة �ش ��يء �آخر ‪ .‬وهنا ت�أتي‬
‫م�س� ��ألة �إتقان مهارات البحث العلم ��ي ومتابعة املنهج العلمي ال�ص ��ارم يف الت�أليف‪ ،‬ونادرة‬
‫كالكربيت الأحمر هي تلك الأبحاث التي ت�شفي الغليل فيما يكتب من كتابات ت�أريخية حول‬
‫املنطق ��ة وما حولها من املناطق‪ ،‬وه ��ذا الأمر يحتاج �إىل بحث م�س ��تقل لتقييم امل�ؤلفات يف‬
‫الت�أري ��خ والأن�س ��اب يف املنطقة وما جاورها من املناط ��ق‪� ،‬إذ �إن معظمها كتابات بعيدة عن‬
‫املنه ��ج العلمي ناهيك عم ��ا فيها من �أخطاء يف املعلومات‪ ،‬وقد �أطلقت (�س ��ابق ًا) على تلك‬
‫البحوث " مرحلة احلبو الت�أليفي " ‪.‬‬
‫خام�س ًا ‪ :‬تنبيهات حول الت�أريخ احلديث ( ق ‪ 14 – 12‬هـ‪ 20 – 18 /‬م ) ‪:‬‬
‫يع ��د الت�أري ��خ احلديث يف جممله امتداد ًا للفرتة الغام�ض ��ة �إىل ما قب ��ل توحيد اململكة‬
‫العربية ال�س ��عودية على يد امللك عبد العزيز �آل �س ��عود ؛ �إذ املعلومات التي ت�ص ��لنا تت�صف‬
‫بالقلة واال�ضطراب‪ ،‬بل �إن بع�ض الكتب التي تروي �أحداث ًا يف هذه الفرتة جرى الت�شهري بها‬
‫واعتبار ما فيها �أكاذيب و�أباطيل وحرم االعتماد على املعلومات الواردة فيها ‪...‬‬
‫و�ستدور التنبيهات يف هذه الفرتة الزمنية حول الأمور التالية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الت�سميات ‪:‬‬
‫من املوا�ضع املهمة التي لها ذكر يف الت�أريخ ما يلي ‪:‬‬
‫�أ ـ الث�لاث الغامدي��ات ‪ :‬ثالث ��ة جبال ترى م ��ن اجلنوب بثالث قمم مت�س ��اوية وك�أنها‬
‫�أهرامات‪ ،‬وهي تبعد عن الطائف م�سافة �أربعني كي ًال جنوب ًا‪ ،‬وقد ت�ضاربت الرويات ال�شفهية‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪292‬‬
‫حول ت�س ��مية هذه اجلبال بالث�ل�اث الغامديات ‪ ،‬فبع�ض الروايات ال�ش ��فهية جتعل قبيلة غامد‬
‫و�صلت �إىل هذا املكان وجرت بينها وبني قبيلة عتيبة معركة كبرية انت�صر فيها الغامديون‪ ،‬يف‬
‫ح�ي�ن بع�ض الروايات جتعل املعركة بني غامد وبلح ��ارث ‪ .‬وقد وقفت على هذه الثالث اجلبال‬
‫بنف�س ��ي ووجدت بها �آثار ًا موغلة يف القدم حيث تتناثر ر�س ��وم الوعول وبع�ض املخرب�ش ��ات لذا‬
‫فمن املرجح �أن الت�سمية قد تعود �إىل فرتة قدمية جد ًا وقد اندثر خربها الآن ‪.‬‬
‫ب ـ �ش��مرخ ‪ :‬جب ��ل عظي ��م �ش ��مايل منطقة الباحة وق ��د قر�أت يف بع� ��ض كتب الفرق‬
‫�أن بع� ��ض فرقة الكي�س ��انية يعتقدون �أن غيبة الإمام حممد ب ��ن احلنفية هي يف هذا اجلبل‬
‫و�سيظهر منه �آخر الزمان ‪.‬‬
‫ج��ـ ـ برح��رح ‪ :‬بلدة مهم ��ة يف دو�س بل تكاد تكون �أهم بل ��دان قبيلة دو�س الآن ‪ ،‬وقد‬
‫وردت يف الأغاين يزحزح بياء وزاي وهو خط�أ ‪.‬‬
‫د ـ جعاليف �أبيدة ‪ :‬هكذا وردت يف الأغاين يف ق�صة ال�شنفرى وذلك خط�أ وال�صواب‬
‫(جنى �أليف �أبيدة )؛ �إذ �أليف واد �أ�سفل بيدة وينطق ليف كما تنطق �أبيدة ‪ :‬بيدة ‪.‬‬
‫ه��ـ ـ �ص��فا العج�لان ‪ :‬وهذا املوقع يف داخ ��ل مدينة الباحة ويقع �ش ��مايل غرب فندق‬
‫الزلفان جماور ًا لإ�ش ��ارة املرور ال�ض ��وئية من ناحية ال�ش ��مال ويقع الآن يف مو�ض ��عه �س ��وق‬
‫حدي ��ث‪ ،‬وق ��ل من يعرف ه ��ذا املوقع �أو من ي�ش�ي�ر �إليه وقد وقعت فيه املوقعة الفا�ص ��لة بني‬
‫ال�ت�رك وقبيلتي غامد وزهران ‪ .‬وهنا يجب مالحظة ت�س ��ميات ال�ش ��وارع التي نفذتها �أمانة‬
‫منطق ��ة الباحة ؛ �إذ �إن �أكرثها العالقة له بت�أريخ املنطقة �أو برجاالتها‪ ،‬بل �إن �إهمال الآثار‬
‫والتعدي عليها من �أمانة منطقة الباحة نف�سها ب�سبب اجلهل ميثل كارثة علمية كربى ‪.‬‬
‫و ـ بلجر�ش��ي ‪ :‬جرى خالف حول مدينة بلجر�ش ��ي‪ ،‬وجر�ش �أدى ببع�ض ��هم �إىل القول‬
‫�أن بلجر�ش ��ي هي املدينة التي وجه الر�س ��ول ﷺ لقتال �أهلها ‪ .‬وذلك غري �صحيح والداعي‬
‫للتف�ص ��يل يف الأم ��ر‪ ،‬فجر� ��ش مات ��زال �إىل الآن مب�س ��ماها القدمي يف جنوبي �إمارة ع�س�ي�ر‬
‫والأدلة على �أنها املق�ص ��ودة وا�ض ��حة و�ض ��وح ال�ش ��م�س يف رابعة النهار ‪�.‬أما تف�سري م�سمى‬
‫مدينة بلجر�شي فهو �آت �إما من ا�سم القبيلة القاطنة يف املكان �إذ ا�سمها " قري�ش " ثم قيل‬
‫‪ :‬بلقر�شي �أي ابن القر�شي �أو بنو القر�شي‪ ،‬و�أبدلت القاف جيم ًا فقيل بنو اجلر�شي ثم جرى‬
‫نطقه ��ا بح ��ذف النون والواو �أو الياء عل ��ى طريقة الأزد يف هذا احلذف فقيل ‪ :‬بلجر�ش ��ي‪،‬‬
‫ويرجح وقوع هذا �إبدال القاف جيم ًا م�س ��مى القبيلة نف�س ��ها ‪�.‬أو يكون بلجر�ش ��ي ن�س ��بة �إىل‬
‫�أحد التابعني من غامد وا�س ��مه ‪ :‬عبد الرحمن اجلر�شي احلاري بن احلارث الغامدي على‬
‫ا�ض ��طراب يف ا�س ��م هذا الرجل ذكرته كتب احلديث ‪ ،‬ومبنا�سبة الت�سميات ينبغي الإ�شارة‬
‫�إىل �أن الهمداين مل يذكر م�سمى زهران حينما مر بهذه ال�سروات و�إمنا ذكر غامد والنمر‬
‫‪293‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫ابن عثمان ثم دو�س‪ ،‬والنمر بن عثمان هم قبيلة من قبائل زهران القدمية ‪ ,‬وي�س ��تنتج من‬
‫ذل ��ك �أن قبائل زهران احلا�ض ��رة هي جمموع ��ة قبائل متحالفة تع ��ود �إىل زهران القدمية‬
‫�سواء التقت يف الن�سب من قريب �أو من بعيد ‪.‬‬
‫كما يلحظ يف بع�ض ت�س ��ميات القرى �أنها ت�شبه بع�ض الت�سميات يف اليمن �أو يف الأردن‬
‫كالطويل ��ة الت ��ي تطلق على �أكرث من مو�ض ��ع يف اليمن وكالزرق ��اء واجلادية التي تطلق على‬
‫موا�ض ��ع يف الأردن وه ��ذا م ��ن الت�أث�ي�رات الأزدية �إذ رمب ��ا نقلت تلك امل�س ��ميات معهم بعد‬
‫هجراته ��م املتع ��ددة‪� ،‬أما رغدان التي تطلق على بع�ض الق�ص ��ور يف الأردن‪ ،‬فيقال �إن ذلك‬
‫ب�س ��بب زواج بع�ض الأ�ش ��راف من قرية رغدان �أو دليل على و�صول نفوذ الأ�شراف �إىل هذه‬
‫القري ��ة �إذ �إن ما ي�س ��مى منطقة الباحة الآن قد خ�ض ��ع للأ�ش ��راف �أكرث م ��ن �أي طرف من‬
‫الأطراف املتنازعة عليه ‪.‬‬
‫وقد �أخربين الأ�س ��تاذ حممد ربيع الذي يقال �إن لديه مو�س ��وعة ت�أريخية حول منطقة‬
‫الباح ��ة ف�أن لدي ��ه خمطوط ًا ملحمد بن جالل الغامدي يذكر فيه �س ��بب ت�س ��ميات كثري من‬
‫املوا�ضع يف منطقة الباحة ب�أ�سمائها احلالية ‪.‬‬
‫‪ - 2‬حتقيقات يف الن�سب احلديث ‪:‬‬
‫على الرغم من �أن قبائل ال�س ��راة عموم ًا من �أ�ص ��رح القبائل العربية ن�سب ًا‪ ،‬ومل تتغري‬
‫م�س ��مياتها القدمي ��ة كم ��ا ح ��دث يف معظم �أرجاء اجلزي ��رة العربي ��ة‪ ،‬ناهيك عن بقاء‬
‫مي ��زات اجلن�س العربي جلية وا�ض ��حة يف ال�س ��راة‪ ،‬ف�إن هناك بع�ض مالب�س ��ات يف ق�ض ��ية‬
‫الن�سب تتمثل يف الآتي ‪:‬‬
‫فقدان بع�ض حلقات الن�س ��ب املت�ص ��لة ب�شجرات الن�سب القدمية فعند الرجوع �إىل‬
‫م�ش ��جرات الن�س ��ب القدمية جند بع�ض الفروع مازالت ب�س ��مياتها‪ ،‬وبع�ض الفروع الأخرى‬
‫اختفت �أو تغريت م�س ��مياتها ‪ ،‬وهذا الأمر يحتاج �إىل حتقيق يف الن�سب �أكرث باالعتماد على‬
‫ما ي�سمى بالعزوة �أو �أجداد القرى والبطون �أو بالرجوع �إىل الق�صائد ال�شعبية الأكرث قدما‬
‫التي فيها �إ�شارات �إىل الأن�ساب ‪.‬‬
‫فعلى �س ��بيل املثال ال جند قبيلتي بني عبد اهلل وبني خثيم يف م�ش ��جرة غامد القدمية‬
‫لكنا جند يف �إحدى الق�صائد ال�شعبية القدمية قول ال�شاعر ‪ ":‬حي قيف الثعلبي " يق�صد‬
‫بها القبيلتني ويرتدد عند كبار ال�س ��ن وال�ش ��عراء �أن القبيلتني من بن ��ي ثعلبة وعند الرجوع‬
‫�إىل م�شجرة ن�سب غامد جند ثعلبة بن الدول بن �سعد مناة بن غامد فتلحق به القبيلتان ‪.‬‬
‫لك ��ن الأم ��ر قد يكون بالعك�س يف قبيلة بني كبري التي هي موجودة يف �سل�س ��لة الن�س ��ب‬
‫مبا�شرة �إىل غامد ولكن �أهلها يرفعونها هي وقبيلة الرهوة �إىل جد غري مذكور يف ال�سل�سلة‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪294‬‬
‫وه ��و " قابو����س " فيقولون ‪ :‬نحن بنو قابو�س ‪ .‬ويظه ��ر �أنه �أحد الأجداد الأدنني �أي �أنه من‬
‫�أبناء " كبري " الذين �سقطوا يف ال�شجرة غلب على الت�سمية ولذلك ف�أرجح �أن الرهوة وبني‬
‫كبري هما قبيلة واحدة ترجع �إىل " كبري" ‪.‬‬
‫وهن ��اك قبائل من غامد كغامد الزناد وقبيلة بال�ش ��هم التي يق ��ال �إن بينهما قرابة مل‬
‫�أ�ص ��ل �إىل و�صلها ب�شجرة غامد الأم حتى الآن‪ ،‬وينطبق الأمر على بع�ض قبائل بادية غامد‬
‫الت ��ي ميكن و�ص ��ل بع�ض ��ها عن طريق " طلق " وال ميكن و�ص ��ل بع�ض ��ها الآخ ��ر �أما زهران‬
‫فريجع ��ون قبائلهم التي تزيد على �س ��بع وع�ش ��رين قبيلة �إىل �أربعة ج ��ذم كبرية هي �أو�س‪،‬‬
‫ودو�س‪ ،‬و�سليم‪ ،‬وعمر ‪ .‬وي�ضيف �إليهم حمد اجلا�سر قبيلة بلحارث الطائف ‪ ،‬وميكن و�صل‬
‫دو�س وفروعها املتعددة الآن ب�س ��هولة �إىل م�ش ��جرة ن�س ��ب زهران القدمية �أما بقية القبائل‬
‫فرمبا وجد املرء �ص ��عوبة يف ذلك فعلى �س ��بيل املثال قبيلة " بي�ضان " جند يف بع�ض الكتب‬
‫القدمية �أن " بي�ضان " جبل لغامد ‪.‬‬
‫ويف املقابل جند يف الكتب القدمية �أن يف زهران بطن يدعى " بنو فاح�ش " لكننا جند‬
‫فاح�ش ًا ا�سم جبل يطل على قرية مراوة يف قبيلة بني ح�سن ‪.‬‬
‫�أما بني عمر زهران فنجد جمموعة من قبائل �س ��راة زهران تنتمي �إىل عمر وجند يف‬
‫الوقت نف�سه قبيلة بني عمر يف تهامة الذين ينق�سمون الآن ق�سمني من يتبع ال�شيخ ابن مواال‬
‫مازل ��وا ي�ص ��رون على �أنهم من زهران وهم ينت�ش ��رون يف وادي را�ش واملعرق و�أ�ص ��دارهما‬
‫وممنا وغريها من الأماكن حتى بلدة املخواة ثم يبد�أ ق�س ��م بني عمر العلي ويتبعون ال�شيخ‬
‫حممد بن علي ويرف�ض ��ون �أن يكونوا من زهران ولكنهم اليدرون فيمن ينت�س ��بون وراء عمر‬
‫‪ .‬وهن ��اك من �أخربين �أن القبيلتني �أي بني عمر الأ�ش ��اعيب التابع�ي�ن البن مواال وبني عمر‬
‫العلي كانتا قبيلة واحدة يف ال�سابق تتبع ابن مواال ثم انف�صلتا يف حني هناك من ي�ؤكد �أنهما‬
‫منف�ص ��لتان منذ القدم بل �إن من ال�س ��هولة التفريق بني القبيلت�ي�ن يف مالحمهما مما يدل‬
‫�أن العالقة بينهما وعموما ف�إن وادي الأح�س ��بة هو منذ القدم حتى الآن اليخلو قاطنوه من‬
‫كونهم من �إحدى القبيلتني غامد �أو زهران كما تدل على ذلك املرويات القدمية ‪.‬‬
‫وخال�صة الأمر �أن حتقيقات الن�سب يف بع�ض بطون امل�شجرات القدمية حتتاج �إىل جهد‬
‫خا� ��ص وكنت ندبت نف�س ��ي مع �أحد الإخوة من زهران لذل ��ك لننتهي يف وقت معلوم قبل �أكرث‬
‫من �سنتني وعلى الرغم من غزارة معلوماته ف�إنه مل يقم بالعمل مما ثبط الهمة لدي �أي�ض ًا ‪.‬‬
‫ومم ��ا يج ��ب التنبه له يف هذه الق�ض ��ية هو وقوع الت�ص ��حيف والتحريف يف بع�ض كتب‬
‫الن�سب القدمية‪ ،‬فقد وقع مث ًال يف غامد الذي جنده يف بع�ض امل�شجرات القدمية "عامر "‬
‫كما وقع يف بني كبري الذي ت�ص ��حف �إىل كثري يف بع�ض كتب الن�س ��ب بينما جندها " كبري "‬
‫يف الكتب الأكرث �ض ��بط ًا وجندها كبري �أي�ض� � ًا يف كتب �أدب وت�أريخ ولي�س كتب ن�سب فح�سب‬
‫‪295‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫ولعل من �أقدم الكتب �إيل ذكرتهم مب�س ��مى " كبري " كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري يف‬
‫القرن الثالث الهجري‪ ،‬فينبغي �أخذ احليطة يف م�س� ��ألة الت�صحيف والتحريف ومعرفة قيم‬
‫الكتب القدمية و�أيها الناقل و�أيها املنقول منه ‪ .‬ومثل هذا الت�صحيف الذي يكون يف الكتابة‬
‫فقط يدعو املرء للعجب من �ص ��نيع د‪� .‬س ��عيد بن فالح الغامدي الذي يجزم ب�أن اال�سم تغري‬
‫من كثري �إىل كبري بعد ان�ضمام بني والبة و�شكر �إىل القبيلة وال �أدري كيف يتغري ا�سم كثري‬
‫�إىل كبري وهو ت�صحيف يف الكتابة �إىل املنطوق �إن الأمر برمته يذكرنا بالنكتة ال�شهرية التي‬
‫تقول ‪� :‬إن رج ًال �سمع كلمة �إجنليزية من الي�سار �إىل اليمني ‪.‬‬
‫والنكتة ذاتها تتكرر مع بع�ض �أن�ص ��اف املتعلمني حينما يقولون عن �شخ�صية ت�أريخية‬
‫مثل �أبي ظبيان الأعرج �أنه من قبيلة بني ظبيان لت�شابه الأ�سماء‪� ،‬أو كما يدعي بع�ضهم �أنه‬
‫من بني كبري بدليل قول بع�ض الروايات التاريخية �أنه كان يف �ألفني وخم�سمائة من العطاء‬
‫‪ .‬حيث يقول �إنه من قبيلة �آل عطا من بني كبري البادية ‪ .‬مع �أن املق�صود يف جميع الروايات‬
‫هو العطاء �أي ما يعطيه اخلليفة لكبار ال�ص ��حابة ‪ .‬وكل كتب الن�س ��ب ترد هذا ال�ص ��حابي‬
‫اجلليل �إىل بني ثعلبة بن الدول ‪ .‬ثم �إن �آل عطا م�سمى حديث لي�س له وجود يف كتب الن�سب‬
‫القدمية قط‪.‬‬
‫�أم ��ا بن ��و والبة فقد دخل ��وا الآن يف بني كبري وه ��م من �أبناء عمومته ��م وتداخل بطون‬
‫غامد �أو زهران موجود ومعروف لكن ينبغي التفريق بني م�س ��مى القرية �أو م�س ��مى املو�ضع‬
‫وم�س ��مى البطن ‪ .‬ولأجل ذلك فالميكن رد بع�ض م�س ��ميات القرى �إىل م�سمى قبيلة �إال بعد‬
‫�أدلة ومرجحات كثرية وقد عر�ض يل الأمر مع ابن �ش ��ائق �شيخ حوالة حينما �أتاين ي�س�ألني‬
‫حول ا�س ��م قبيلته وكنت قد و�ض ��عتها كقبيلة م�ستقلة فقد ن�ص ��حته ب�إبقاء احلوايل كم�سمى‬
‫ن�س ��ب دون القط ��ع �أنهم م ��ن حوالة القدمية �أو م ��ن العوامر �أو من خثعم �أو من �ش ��مران �أو‬
‫من غامد �إال بعد �أدلة قاطعة لأن م�س ��مى القرية �ش ��يء وم�س ��مى القبيلة �ش ��يء �آخر وينبغي‬
‫�أال تدخل الأهواء يف هذه امل�س� ��ألة �إذ �إن اللعنة تطال من ينت�س ��ب �إىل غري �أبيه ‪ .‬فهل ميكن‬
‫يف الو�ض ��ع ذاته �أن يقال ‪� :‬إن قرية بني �س ��عد تن�سب �إىل بني �س ��عد الطائف �أو غريهم ‪� .‬إن‬
‫م�ش ��كالت م�شجرات الن�س ��ب يف هذا الع�صر �أ�ضحت من امل�شتبهات التي ال يعلمها كثري من‬
‫النا�س وينبغي التوقف فيها �أو ردها �إىل �أهل العلم ‪.‬‬
‫ومن هذا القبيل وجود م�س ��مى قري�ش يف غامد التي هي قبيلة بلجر�ش ��ي ووجود م�سمى‬
‫قري�ش يف زهران التي هي قري�ش احل�س ��ن وهذا امل�س ��مى ينت�شر يف بع�ض القبائل اجلنوبية‬
‫الأخرى كبني �شهر وبلقرن‪ ،‬فهل هذه القبائل تعود �إىل قبيلة قري�ش ؟ �إن الت�شابه يف اال�سم‬
‫جعل بع�ض �أن�ص ��اف املتعلمني وبع�ض من ي�ست�ش ��عرون النق�ص ي�سارعون يف �إحلاق �أنف�سهم‬
‫بقري�ش دون �أدلة وا�ض ��حة وقوية وقد �أ�ش ��رت فيما �سبق �إىل قبيلة بلجر�شي �أما قبيلة قري�ش‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪296‬‬
‫احل�س ��ن وغريها ف�أحب �أن �ألفت النظر �إىل �أن ا�س ��م " قري�ش " كان من �أ�س ��ماء الأعالم‬
‫املوجودة يف ال�س ��راة ولق ��د ر�أيت �أحد املرتجم لهم يف التعليقات والنوادر ا�س ��مه قري�ش بن‬
‫عب ��د الرحمن العذمي �أو عب ��د الرحمن بن قري�ش العذمي وهو من رجال احلجر وهذا يدل‬
‫على �أن قري�ش بني �شهر قد يكونون من ذريته ‪ ...‬والأمر يحتاج �إىل بحث �أكرث ‪.‬‬
‫�أما الق�ض ��ية الأخرى يف م�س� ��ألة الأن�س ��اب فتتمحور حول ن�س ��ب بع�ض �ش ��يوخ القبائل‬
‫وبع�ض طائفة الفقهاء ‪.‬حيث ي�س ��توقف النظر �أن بع�ض �ش ��يوخ القبائل كما هو م�ش ��هور بني‬
‫�س ��كان املنطقة لي�سوا من القبائل خ�صو�صا من كان ي�سمى منهم ب�شيخ ال�شمل وقد اعرتف‬
‫يل بذل ��ك منهم على �س ��بيل املثال �أحد �أفراد �أ�س ��رة القفعي‪ ,‬كما �أن بع�ض �ش ��يوخ القبائل‬
‫ال�صغرية من �أ�صول �إما من خارج القبيلة ال�صغرية �أو حتى من خارج القبيلة الأم ‪.‬‬
‫ومل ي�ش ��ر �إىل ه ��ذا الأم ��ر م ��ن قريب �أو م ��ن بعيد الدكت ��ور �إبراهيم الزي ��د يف كتابه‪:‬‬
‫الرئا�س���ة يف قبيل���ة زه���ران ‪�,‬أو حت ��ى يحاول �إثارت ��ه والرد عليه وذلك ال�ش ��ك نق�ص �أو كتم‬
‫لبع�ض املعلومات الت�أريخية ‪.‬و�س ��بب كون بع�ض ال�ش ��يوخ من خارج القبائل خ�صو�ص ًا �شيوخ‬
‫ال�شمل �أنهم كانوا يعينون قدمي ًا من بع�ض الذين فر�ضوا �سيطرتهم على املنطقة ثم م�ضى‬
‫الزمان ون�س ��ي النا�س �أ�ص ��ول �أولئك القوم ‪ ،‬ويتحقق الأمر ذاته بالن�س ��بة لطائفة الفقهاء‪،‬‬
‫�إذ �إن معظمهم لي�س ��وا من �أهل املنطقة الأ�ص ��ليني و يدعي بع�ضهم �أنهم من �آل البيت وهي‬
‫دع ��وى ك�ث�ر مدعوها وكرث مزورو �أ�ش ��جارها منذ القدم ومعظم �أولئ ��ك الفقهاء قدموا من‬
‫اليمن‪ ،‬وبع�ض ��هم قد يرد �أ�ص ��وله �إىل املغرب وعلى العموم فالنا�س م�ؤمتنون على �أن�س ��ابهم‬
‫غري �أن كرثة من يدعي ن�سب ًا �إىل �آل البيت يف القطاع التهامي ويف طائفة الفقهاء يحمل يف‬
‫ت�ضاعيفه �شك ًا كبري ًا حول ه�ؤالء القوم ‪.‬‬
‫وهناك بع�ض �ص ��ور التداخل يف الن�س ��ب بني غامد وزهران �أو يف �إطار القبيلة نف�س ��ها‬
‫وتتم يف الغالب ب�س ��بب بع�ض م�ش ��اكل القتل �أو امل�ش ��اكل الكربى املتعلقة باحلروب وغريها‬
‫فرتى بع�ض النا�س من غامد و�أ�صوله من زهران والعك�س �صحيح ‪.‬‬
‫‪ - 3‬الأحداث الت�أريخية ‪.‬‬
‫ظل ما يعرف مبنطقة الباحة متنازعة بني الأ�شراف‪ ،‬و�آل عائ�ض الذين حكموها فرتة‬
‫ق�ص�ي�رة‪ ,‬ثم الأتراك‪ ,‬ثم الأدار�س ��ة الذين حكموها لأ�ش ��هر وكان الإدري�س ��ي حري�صا على‬
‫دخول قبائل ال�س ��راة يف حكمه لأنهم بي�ض ��ة الإ�س�ل�ام كما يذكر ‪ .‬ثم �إننا جند عنده و�صفا‬
‫لقبيلة غامد ب�أنها غامد العري�ضة وهذا قد يكون دلي ًال على كرثة هذه القبيلة �آنذاك ‪.‬‬
‫و املنطق ��ة الآن يف حكم �آل �س ��عود الذي ��ن امتد نفوذهم �إىل ه ��ذه املنطقة منذ الدولة‬
‫ال�س ��عودية الأوىل يقوى وي�ض ��عف مابني مد وجزر‪ ،‬وهي الآن م�ستتبة حتت احلكم ال�سعودي‬
‫تنعم بالأمن والرخاء ‪.‬‬
‫‪297‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫بي ��د �أن م ��ن املهم �أن يدرك املرء �أن فرتات احلكم ال�س ��ابقة كانت املنطقة تخ�ض ��ع يف‬
‫الغالب ا�س ��مي ًا لتلك الدول بو�س ��اطة �ش ��يوخ القبائل املحليني الذين كان ��وا يحكمون داخليا‬
‫وميلكون �سجون ًا وبع�ض الأتباع والعبيد ‪ .‬وكان يتمتع كثري منهم باحلكمة و�سداد الر�أي ومن‬
‫ثم يطيعهم �أفراد القبيلة طاعة عمياء كما يقال ‪.‬‬
‫ولكن �أغلبهم مل يكن يهتم ب�ش�أن قبيلته بل كان عام ًال يف زيادة تخلفها وفقرها وبقائها‬
‫عل ��ى ماهي علي ��ه ‪ .‬وكان ه�ؤالء ال�ش ��يوخ ي�ض ��طرون �إىل طاعة تلك احلكوم ��ات التي تبعث‬
‫خطابات تهديد وا�ض ��حة لهم تدعوهم �إىل االمتثال لأوامرها و�إخراج الزكاة من القبيلة �أو‬
‫�إخراج ما يتوجب عليها من الرجال يف �إبان احلروب �أو ينتظرون الويل والثبور ‪ .‬و قد ر�أيت‬
‫�ص ��ورا لبع�ض هذه الوثائق واخلطابات التهديدية بنف�س ��ي ‪ .‬و�أحيان ًا تر�س ��ل �إليهم الأموال‬
‫ال�ستمالتهم خ�صو�ص ًا الأقوياء منهم �أو من كانت قبيلته كثرية العدد ‪.‬‬
‫�إذن الأداة هي �شيخ القبيلة الذي يحكم با�سم من ي�ستطيع ال�سيطرة على املنطقة ‪.‬‬
‫ويلفت النظر يف الأتراك الذين جعلوا املنطقة تابعة ل�س ��نجق ع�س�ي�ر وتق�س ��يمها ثالثة‬
‫�أق�ض ��ية �أحدها �سموه ق�ض ��اء غامد ويحكم �إىل حدود النما�ص �أنهم هم الذين �أ�شاعوا لفظ‬
‫ع�س�ي�ر لل�س ��روات اجلنوبية وهو الي�ص ��ح كم�س ��مى غامد الذي كان يف عهدهم ي�شمل قبائل‬
‫كثرية من بينها زهران لذلك فالت�سمية الأ�صح للمنطقة اجلنوبية هي ال�سروات �أو احلجاز ‪.‬‬
‫�أما �أبرز الأحداث التي ميكن الإ�شارة �إليها �أو �إىل بع�ض الأمور املهمة حولها‪ ،‬فهي كالآتي ‪:‬‬
‫�أ ـ ت�ص ��دي غام ��د وزهران لق ��وات حممد على با�ش ��ا بقي ��ادة بخرو�ش ب ��ن عال�س‬
‫الزهراين و�أخبار ذلك الت�صدي البطويل معروفة لكن الذي �أود الإ�شارة �إليه �أن‬
‫�أبرز قائدين يف تلك الفرتة هما اثنان بخرو�ش بن عال�س وطامي بن �شعيب وقد‬
‫قتل بخرو�ش بن عال�س وبعث بر�أ�سه مع طامي بن �شعيب الذي قتل الحق ًا ‪.‬‬
‫ب ـ �أن بع�ض الذين �أ�س ��روا ورحلوا �إىل الأ�س ��تانة فيما يعرف عند الأتراك ب�س ��نجق‬
‫ع�سري بعد �أهل �أبها ورجال �أملع هم من غامد وزهران ‪.‬‬
‫ج ـ �أن �أحداث ت�ص ��دي �أه ��ل اجلزيرة العربية ممثلني يف جند وال�س ��روات للأتراك‬
‫وحممد علي با�ش ��ا هو ت�ص ��د قدم في ��ه �أهل جند و�أهل ال�س ��روات بطوالت رائعة‬
‫وت�ضحيات كثرية جد ًا يجب �أال تن�سى ‪.‬‬
‫د ـ كنت قد كتبت مقاال قبل فرتة من الزمن عنونته " من �أبعاد العالقة اال�سرتاتيجية‬
‫ب�ي�ن ال�س ��راة والدرعي ��ة " وكان يدور حول �س� ��ؤال مفاده ملاذا ذه ��ب حممد علي‬
‫با�ش ��ا بنف�س ��ه ملقاتلة قبائل ال�سراة يف حني �أر�س ��ل ابنه �إىل الدرعية ‪�.‬إن الإجابة‬
‫تتمثل يف كون �أهل ال�س ��راة كانوا هم ال�شوكة الع�س ��كرية القوية التي �ساهمت مع‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪298‬‬
‫غريها من القبائل يف توحيد اجلزيرة العربية حتت لواء الدولة ال�سعودية الأوىل‬
‫ب ��ل هي من �أق ��وى القبائل و�أكرثها �أث ��ر ًا و�أعظمها دورا يف تلك الفرتة‪� ،‬إ�ض ��افة‬
‫�إىل كونها مركز ًا متويني ًا ا�س�ت�راتيجي ًا للحجاز �أي للأ�شراف الذين حر�صوا على‬
‫�إخ�ضاعها منذ البداية ‪.‬‬
‫هـ ـ يلفت النظر يف م�س�ألة تطور احلياة ال�سيا�سية �أنه و�إن كانت �سيا�سة تبعية تهدف‬
‫�إىل الإفادة من خريات ال�سروات ورجالها عن طريق �شيوخ القبائل فح�سب �إال �أن‬
‫بع�ض امل�صادر تذكر �أن �آل عائ�ض �أقاموا جمل�س �شورى يف �أبها كما �أقاموا جمل�س‬
‫�شورى يف الظفري وهي ذات امل�صادر التي حتدثت عن �إ�صدار بع�ض ال�صحف يف‬
‫عهد �آل عائ�ض‪ ،‬و�إن مل يت�س ��ن �إىل الآن الت�أكد من �صحة هذه املعلومات وما فيها‬
‫م ��ن خطوات تطويرية �س ��ابقة لزمانها ف�إن الناظر للوثائ ��ق املتبادلة بني خديوي‬
‫م�ص ��ر وبع�ض �آل عائ�ض �إ�ضافة �إىل �أ�س ��ر بع�ض �أهل ع�سري وبقائهم يف الآ�ستانة‬
‫فرتة من الزمن قد ي�ؤيد ت�أثرهم بالتطور ال�سيا�سي يف الأ�ستانة وم�صر ‪.‬‬
‫و ـ �أن خ�ض ��ران الدو�س ��ي �أحد �ش ��يوخ دو�س يعد �إ�ض ��افة �إىل بخرو�ش بن عال�س �أهم‬
‫رجاالت القرن الثالث ع�شر الهجري ( التا�سع ع�شر امليالدي ) يف املنطقة‪� ،‬إذ يبدو‬
‫�أن ��ه مل ير� ��ض عن التبعية لآل عائ�ض مما �أدى �إىل �س ��جنه‪ ،‬وهو ميثل نقطة �ض ��وء‬
‫يف ت�أريخ ال�ش ��يوخ يف تلك الفرتات حيث حر�ص معظمهم على م�ص ��احله م�ضحي ًا‬
‫مب�صالح قبيلته‪ ،‬ثم �إن وعيهم بالأحداث التي تدور حولهم مل يكن يرقى كثري ًا عن‬
‫وعي عامة النا�س ‪.‬‬
‫ز ـ �إن �أهم �أحداث القرن الرابع ع�شر يف املنطقة تتمحور حول الآتي ‪:‬‬
‫‪ -1‬موقعة وادي قوب والق�ضاء على بقايا الأتراك يف املنطقة على يد �أبناء غامد وزهران‪،‬‬
‫وتفا�صيل تلك املوقعة التي كما ا�ستطعت جمعها من عدة روايات �شفهية على النحو الآتي ‪:‬‬
‫كان ��ت املوقعة ع ��ام (‪1321‬هـ) وبع�ض الروايات تقول �إنها يف عام (‪1323‬هـ) حيث‬
‫�أقبل الأتراك على املنطقة يف عدد كبري يريدون االن�سحاب من ع�سري عقب احلرب العاملية‬
‫الأوىل �إ�ض ��افة �إىل وجود حامية لهم يف رغدان وكانوا قد �أر�س ��لوا البن رقو�ش �شيخ زهران‬
‫يطلبون ت�أمني مرور القوات ‪ .‬وتقول بع�ض الروايات �إن ال�س ��بب املبا�ش ��ر للحرب هو �أن هذه‬
‫القوات ملا و�ص ��لت �إىل الفرعة قامت بقتل بع�ض �أفراد قبيلة بني ح�س ��ن وتعليق ر�ؤو�سهم يف‬
‫�أ�ش ��جار اللوز‪ ،‬وكيفما كان الأم ��ر ف�إن املتتبع لأحداث املعركة يدل عل ��ى �أنها قد خطط لها‬
‫تخطيط ًا ع�سكري ًا حمكم ًا اعتمد على عن�صر املفاج�أة حيث ف�أج�أ �أبطال املنطقة الأتراك يف‬
‫م�ض ��يق الوادي عند جبل الرباقة وقتلوا منهم مقتلة كبرية �أدت �إىل ان�س ��حابهم �إىل رغدان‬
‫التي تبعد عن الرباقة �أكرث من ع�شرة �أكيال تقريب ًا‪ ،‬ثم جرت املوقعة الفا�صلة يف وادي قوب‬
‫‪299‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫عند �ص ��فا العجالن حيث ا�س ��تحر القتل يف اجلي�ش الرتكي حتى تغري لون مياه الوادي �إىل‬
‫الأحمر القاين ففر الأتراك ورجع قائدهم �أحمد با�شا �إىل رغدان مع بع�ض معاونيه فطارده‬
‫جمموعة من الأبطال على ر�أ�س ��هم ال�ش ��اعر ابن ثامرة الذي يقال �إنه ا�ستطاع القب�ض عليه‬
‫وحز ر�أ�س ��ه‪ ،‬ويف رواية �أخرى �أن �أحمد با�ش ��ا اختب�أ يف "�س���فل" مع البقر وهم يطردونه مع‬
‫بع�ض �أعوانه فعرفوا مكانه من �أ�ص ��وات احليونات فقب� ��ض عليه وبد�أوا بالرق�ص واالبتهاج‬
‫فما كان من القائد الرتكي �إال �أن �أطلق على نف�سه ر�صا�صة من م�سد�سه قبل �أن يقتلوه‪.‬‬
‫�أما بقية اجلي�ش الفار فقد نزل من اجلبال ناحية عقبة الباحة يريد تهامة وقد تعقب‬
‫�أبناء غامد وزهران اجلي�ش الرتكي هناك و�أبادوه عن بكرة �أبيه يف املعرق حيث بقيت جثث‬
‫ذلك اجلي�ش فرتة من الزمن ‪.‬‬
‫هذا ما ا�ستطعت �أن �أجمعه من عدة روايات متعددة لكبار ال�سن ولي�س من رواية واحدة ‪.‬‬
‫وق ��د وج ��دت و�أنا طفل �ص ��غري قذيف ��ة مدفع م ��ن مدافع الأت ��راك مدفون ��ة يف �إحدى‬
‫"الركائب" حول بيتنا الذي ال يبعد عن رغدان �سوى خم�سة �أكيال ولدي �شبه يقني �أنها من‬
‫الذخائر التي غنمها �سكان املنطقة من اجلي�ش الرتكي ‪.‬‬
‫وكنت �أظن �أن امل�ش�ت�ركني فقط هم من زهران �إىل �أن �س� ��ألت علي بن م�س ��لم اخلفوي‬
‫(رحمه اهلل) عن املوقعة يف �ص ��فا اجلالن فقال ‪" :‬ا�ش�ت�رك يف املوقعة غامد وزهران"‪ ،‬ثم‬
‫وجدت ت�أكيد كالمه يف ت�أريخ ال�شيخ حممد بن عبداهلل املن�صوري الذي حققه الزيد ولكنه‬
‫يذكر �أن بداية احلرب كانت يف قرن املغ�س ��ل عام (‪1320‬هـ ) و�أرجح �أن ذلك يف �أواخر ذلك‬
‫العام وقد ا�ش�ت�رك يف الوقعة كما يقول غامد ال�ش ��امية وزهران وقد هزم يو�س ��ف با�شا قوات‬
‫غام ��د وزه ��ران ولكنهم الحقوه �إىل الظفري و�أ�س ��روا الع�س ��كر وغنموا �أ�س ��لحة منهم ثم ذكر‬
‫املن�صوري قتل املت�صرف الكمندار‪ ،‬ولكن جعاث يذكر اخلرب مف�ص ًال كما يقول الزيد وي�سمي‬
‫القائد الرتكي �أبو ناب ويذكر ا�س ��م القائد الكبري وهو �أحمد با�شا والكمندار �إ�سماعيل با�شا‬
‫وقد رحل الأتراك من ما يعرف مبنطقة الباحة بعد هذه الوقعة يف حني �أنهم ا�ستمروا يف �أبها‬
‫�إىل عام( ‪1337‬هـ )‪ ،‬و�إن يكن �أبناء غامد وزهران قد �أبلوا بالء ح�س ��ن ًا يف هذه املعركة ف�إن‬
‫من ذهب بفخرها هم قبيلة بني ح�س ��ن من زهران وهي �أكرب قبيلة يف زهران‪ ،‬وكان لل�شاعر‬
‫ابن ثامرة دور كبري يف هذه احلرب وهناك ق�صيدة م�شهورة ت�ؤرخ لهذه املعركة ين�سبها �أغلب‬
‫النا�س البن ثامرة وهي لي�ست له بل ل�شاعر زهراين يدعى عيفان‪.‬‬
‫وتعد هذه الق�صيدة من غرر الق�صائد ال�شعبية التي قيلت بطريقة ال�شقر ولو قيلت‬
‫هذه الق�ص ��يدة بال�ش ��عر الف�ص ��يح لكانت من �أهم ق�ص ��ائد التحرر العربي وكانت ق�صيدة‬
‫متثل عالمة مهمة يف ال�شعر لي�س فقط مبو�ضوعها بل ب�أ�سلوبها وقيمها الفنية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪300‬‬
‫‪ -2‬مل يذك ��ر الت�أريخ ال�ش ��فهي وقعة ب�ي�ن بع�ض غامد وزهران �إال وقعة بني بني ح�س ��ن‬
‫وبن ��ي خثيم وقد �ش ��هدها �أحد �أجدادي وهو طفل ولكن �ش ��رارة احلرب �أخمدت يف بدايتها‬
‫وكان �سببها تعدي بع�ض �أفراد قرية احلم�ض على حمى اجلادية ‪ .‬غري �أن هناك وقعة مهمة‬
‫له ��ا عالق ��ة باحلرب مع الأتراك رواها يل علي بن �أحمد بن م�س ��لم رحمه اهلل يف ( ‪/1/9‬‬
‫‪ 1420‬هـ ) يف بيته‪ ،‬حيث ذكر يل �أنه كان هناك اتفاق بني غامد وزهران على �ض ��رب م�ؤن‬
‫الأت ��راك و�أن ابن قرحان من الأزاهرة كان مع جمال ت�ؤدى �إىل الأتراك ف�أ�س ��ر مع اجلمال‬
‫عند �ش�ب�رقة وكان لونه مييل �إىل ال�س ��واد فطالبت غامد ب�إح�ض ��ار الفتى ال�صغري ‪ .‬وقد مت‬
‫رد الفت ��ى بعد �أن �س ��رقه نا�س من ب ��دو غامد و�أرجعوه �إىل �أهله ‪ .‬ثم جرى �ص ��لح بني غامد‬
‫وزهران يف ال�سكران حيث ع�سكر من زهران ثمامنائة رجل وذبح لهم (‪ )25‬جم ًال و (‪)40‬‬
‫ح�سيال ‪ .‬وانتهى الأمر بال�صلح واال�ستمرار على الت�ضييق على الرتك ‪.‬‬
‫‪ -3‬ق�ص ��ة دخول القوات ال�س ��عودية بقيادة خالد بن ل�ؤي املنطقة حيث مل تلق مقاومة‬
‫تذكر‪ ،‬وقد و�ص ��لت بلجر�شي وهناك قامت القوات ب�إحراق بلجر�شي وما تزال �آثار احلريق‬
‫باقية يف بع�ض البيوت القدمية �إىل الآن‪ ،‬وميكن �أن يكون لدى بع�ض �أهل العلم من بلجر�شي‬
‫تف�ص ��يالت لهذه الوقعة �أكرث حتري ًا للدقة لكن ال�شائع بني املهتمني بهذا الأمر �أن بلجر�شي‬
‫�س ��لمت للإخوان يف البداية ثم طلب ال�ش ��يخ عب ��د العزيز الغامدي �أن يعود لل�ش ��ريف لفك‬
‫بع� ��ض الرهائن م ��ن غامد عنده وكان ابن ل�ؤي قد اتفق معه ال�ش ��يخ عب ��د العزيز الغامدي‬
‫و�أهداه خي ًال‪ ،‬ولكنه بعد خروجه و�شى به بع�ض النا�س وقال ‪� :‬إنه مل يخرج �إال لكي ي�ستن�صر‬
‫ال�ش ��ريف فجرى حرق بلجر�شي وتتبع الرجال وقتلهم ثم �أ�سر عبد العزيز الغامدي و�أر�سل‬
‫�إىل ال�سجن يف الريا�ض ‪.‬‬
‫ومن �أهم �أحداث معركة بلجر�شي �أن بع�ض الإخوان حا�صروا جبل حزنة فامتنع عليهم‬
‫�أه ��ل حزنة و�ص ��عدوا �أعلى اجلبل وقاموا ب�ش ��ق بع�ض ق ��رب املاء �أمام الإخ ��وان مما �أجرب‬
‫الإخوان على تركهم وهناك ق�صائد �شعبية ت�شري �إىل ما قام به �أهل حزنة يف هذه املوقعة ‪.‬‬
‫‪ – 4‬دور قبائ ��ل غامد وزهران يف توحيد الدولة ال�س ��عودية الثالث ��ة ‪ :‬يتمثل هذا الدور‬
‫يف �إخ ��راج �أف ��واج املجاهدين لتوحيد اململكة كلما طلب منهم ويل الأمر ذلك‪� ،‬إ�ض ��افة �إىل‬
‫ال ��دور ال ��ذي قام به حمم ��د بن جمل املك ��ي الغامدي يف قي ��ادة غامد البادية واحلا�ض ��رة‬
‫للم�ش ��اركة يف توحيد اململكة العربية ال�سعودية وال تزال �أ�سرته حتتفظ بالبريق الذي �سلمه‬
‫املل ��ك عبدالعزي ��ز البن جمل املك ��ي حتى الآن‪ ،‬وقد انخرط بعد ذلك كث�ي�ر من �أبناء غامد‬
‫وزهران والقبائل اجلنوبية يف اجلي�ش ال�س ��عودي منذ بداية ت�أ�سي�س ��ه‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أن كثريا‬
‫منهم قد هاجر �إىل �أ�ص ��قاع اململكة املرتامية و�أ�س ��هموا يف ت�أ�سي�س امل�شروع احل�ضاري لهذه‬
‫الدولة و�شاركوا يف التعليم واالقت�صاد وا�شرتكوا مع غريهم من �أبناء الوطن يف دفع م�سرية‬
‫التنمية �إىل الأمام ‪.‬‬
‫‪301‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫‪ - 4‬ملحات من احلركة الفكرية والعلمية يف منطقة الباحة ‪:‬‬


‫يج ��ب يف البداي ��ة �أن يعرف �أن التعليم مل ينقطع من منطقة الباحة وكان التعليم يقوم‬
‫عل ��ى نظ ��ام الفقهاء الذين يتوزعون يف كل قرية وكلما مات فقيه �أتى �آخر مكانه حيث يقوم‬
‫الفقيه ب�إمامة ال�ص�ل�اة و�أداء ال�ش ��عائر الدينية الأخرى‪ ،‬ومداواة الأمرا�ض‪ ،‬ويقوم الفقيه‬
‫بتعليم �ص ��بيان القري ��ة يف املعالمة‪ ،‬وه�ؤالء الفقه ��اء كانوا من اليمن يف الغالب وبع�ض ��هم‬
‫يدعي �أنه من �آل البيت وكان الفقهاء ي�أخذون الع�شر من كل مزارع �إ�ضافة �إىل مبالغ زهيدة‬
‫مقاب ��ل التعلي ��م‪ ،‬وكانوا يعلمون القراءة وخ�صو�ص� � ًا ق ��راءة القر�آن ورمبا ال يعلم بع�ض ��هم‬
‫الكتابة لأن مهنة الكتابة تقت�ص ��ر على الفقهاء الذين يكتبون احلجج والوثائق‪� ،‬أما الفقهاء‬
‫الذي ��ن من �أهل املنطقة نف�س ��ها فهم قلة‪ ،‬وقد حر�ص �أغلب ه� ��ؤالء الفقهاء على عدم قيام‬
‫تعليم �صحيح وعلى �إبقاء �أهل املنطقة يف جهل جزئي لي�ستفيدوا من امليزات التي يح�صلون‬
‫عليها ‪ .‬وبع�ض ه�ؤالء الفقهاء كانوا من الأثرياء ولي�س كما ي�شاع �أنهم فقراء �أو كما كان �أهل‬
‫املنطقة يحقرونهم لأنهم اليعملون يف املزارع ب�أيديهم ‪.‬‬
‫واحلديث عن الدور ال�سلبي الذي مار�سه الفقهاء ال يعني �أنه لي�س من �إيجابيات لديهم‬
‫فبع�ضهم قد �أدى �أمانة ن�شر العلم مبا تتيحه له ظروف ع�صره ‪.‬‬
‫�أما بداية التعليم احلقيقة يف املنطقة فقد كانت بعد �أن �أ�س�س ��ت �أول مدر�س ��ة حكومية‬
‫يف جنوبي اململكة على الإطالق وذلك يف الظفري �سنة (‪1350‬هـ) ويعد الذين طالبوا امللك‬
‫عبد العزيز بت�أ�سي�س ��ها من �أهايل الظفري هم الرواد الأوائل للتعليم يف املنطقة و�أ�سما�ؤهم‬
‫موجودة لدى الأ�ستاذ �صالح بن ناحي ‪.‬ولي�س للمدر�سة القرعاوية �أثر يذكر حيث مل تدم يف‬
‫املنطقة �إال فرتة ق�صرية جد ًا ‪.‬‬
‫ومن �أهم رواد التعليم يف منطقة الباحة حممد بن علي �آل جماح حيث �أ�س�س املدر�سة‬
‫ال�س ��لفية الأهلية يف بلجر�ش ��ي يف ال�س ��بعينيات الهجرية وقد قر�أ القر�آن على والده وختمه‬
‫يف مدة ثمانية �أ�ش ��هر‪،‬ثم �أعاده مرة �أخرى على �أحد امل�ش ��ائخ وقر�أ كتب ًا يف التف�سري والفقه‬
‫واحلدي ��ث والنح ��و وال�س�ي�رة النبوية‪ ،‬وكان ال�ش ��يخ الذي تلق ��ى عليه العل ��م يدعى علي بن‬
‫�إبراهي ��م امل ��داين‪ ،‬كما رافق بع�ض علماء الأزهر من �أن�ص ��ار ال�س ��نة املحمدية وتلقى عليه‬
‫بع�ض الدرو�س يف �ص ��حيح البخاري يف �أثناء ذهابه �إىل احلب�ش ��ة حيث كان كثري من �سكان‬
‫املنطقة يهاجرون �إىل احلب�شة طلب ًا للرزق‪.‬‬
‫وفكرة �إن�شاء املدر�سة وفتحها والإ�شراف عليها الذي ا�ستمر(‪�)40‬سنة هي منقبة لهذا‬
‫الرجل‪ ،‬وقد كان لطالب هذه املدر�س ��ة عظيم الأثر يف توعية النا�س حيث كان ير�سلهم �إىل‬
‫القرى لإلقاء املواعظ ومل يكتف بذلك بل �أر�س ��ل بع�ض ��هم �إىل ع�س�ي�ر ومكة وجدة وقد كان‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪302‬‬
‫بهذه املدر�س ��ة ق�س ��م داخلي لإيواء الطالب املتغربني وقد تخرج يف هذه املدر�س ��ة كثري من‬
‫�أفذاذ العلماء يف اململكة ‪.‬‬
‫وميك ��ن الق ��ول �إن ابن جماح يعد �أهم �شخ�ص ��ية تعليمية يف املنطقة و�س ��يكتب الت�أريخ‬
‫ماقدم ��ه بح ��روف ال ميكن �أن متح ��ى ‪ .‬ومن ال�شخ�ص ��يات املهمة التي لها دور يف ت�أ�س ��ي�س‬
‫التعليم يف الباحة �سعيد �أحمد ال�سبايل الزهراين‬
‫ومبوازنة بني ماتوفر لدي من ر�صيد ثقايف وحراك �أدبي يف داخل املنطقة مع ا�ستثناء‬
‫�أبنائها املهاجرين �أجد الفرتة ال�س ��ابقة على ت�أ�س ��ي�س النادي الأدبي يف الباحة �أكرث �أ�صالة‬
‫و�أقوى �إنتاج ًا مع فارق الو�سائل والدعم و�شيوع الوعي يف الفرتة املعا�صرة ‪ ،‬و لدي جمموعة‬
‫من امل�ؤلفات امل�صورة منها املخطوط ومنها املطبوع بالإ�ضافة �إىل بع�ض املعلومات املتفرقة‬
‫عن احلياة الفكرية والعلمية يف املنطقة وقد ي�ض ��يق املقام عنها يف هذه التنبيهات املوجزة‬
‫التي تنحو نحو املهم والنادر من املعلومات‪ ،‬ولكني �أرجو �أن تكون نواة لت�أريخ خا�ص بالفكر‬
‫والأدب يف املنطقة ‪.‬‬
‫وهناك كثري من الكتب املخطوطة يف املكتبات اخلا�ص ��ة يف املنطقة بع�ض ��ها �ألفها علماء من‬
‫داخل املنطقة وقد �أطلعت على بع�ض تلك املكتبات ومازال بع�ضها خمفي ًا حتى الآن وكل ما �أرجوه‬
‫من �أ�صحاب تلك النفائ�س �أن يقوموا على الأقل بت�صويرها خوف ًا عليها من ال�ضياع ومن الآفات ‪.‬‬
‫‪ - 5‬بع�ض املقابالت التي �أجريتها ‪:‬‬
‫لق ��د �أجريت العدي ��د من املقابالت ويف خمططي �أن �أج ��ري مقابالت �أخرى مع بع�ض‬
‫كب ��ار ال�س ��ن خ�صو�ص� � ًا من رجاالت املنطق ��ة امل�ش ��هورين وبع�ض تلك املقاب�ل�ات دونتها يف‬
‫جزازت وبع�ضها يف دفاتر �صغرية‪ ،‬وهذان منوذجان لبع�ض تلك املقابالت ‪.‬‬
‫�أ ‪ -‬لق��اء مع ال�ش��يخ عب��د الرحمن بن علي ب��ن عبد الرحي��م القحطاين‬
‫الغام��دي (رحم��ه اهلل) مرت�ين يف بيت��ه يف ي��وم اجلمع��ة( ‪/8/1‬‬
‫‪1419‬هـ )‪ ،‬ويف يوم الأربعاء(‪ 1419/8 /27‬هـ)‬
‫من �أهم املعلومات يف هذين اللقائني ما يلي ‪:‬‬
‫•عبد الرحمن بن ح�س�ي�ن بن حممد توىل الق�ض ��اء يف عهد العثمانيني وكان يق�ضي‬
‫�ستة �أ�شهر يف الظفري و�ستة �أ�شهر يف النما�ص ‪.‬‬
‫•كتب كثري ًا من املخطوطات بخط يده ‪.‬‬
‫•ذكر يل �أخبار وقعة بني غامد الزناد وبني بحري وقد �أجندهم غامد ال�سراة وكان‬
‫يف املقدمة ال�شاعر امل�شهور الزبري ‪.‬‬
‫•كان �ضنين ًا على خمطوطاته وقد �أطلعني على بع�ضها‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫‪303‬‬ ‫الدرا�سة ال�سابعة ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‬

‫" ج ��زء من تف�س�ي�ر في ��ه احتفاء ب�أقوال ابن عبا�س‪ ،‬كتاب ال�س ��بتي لأبي بكر �أحمد‬
‫بن عبد الرحمن ال�س ��بتي القحط ��اين يف الفرائ�ض‪ ،‬جزء من خمطوط يف النحو‪ ،‬خمطوط‬
‫�صغري يف احلديث‪ ،‬كتاب �أقرب الو�سائل ب�شرح بغية العامل يف نظم العوامل لأبي الفرج بن‬
‫الهادي اجلعفري احلتي ال�شهري بالقربي‪،‬خمطوطة كبرية يف النحو بخط عبد الرحمن بن‬
‫ح�س�ي�ن‪ ,‬خمطوطني يف الفقه‪ ،‬كتاب �إيقاظ الغافلني وتنبيه ال�س ��الكني بخط عبد الرحمن‬
‫بن ح�س�ي�ن( ‪1273‬هـ )‪ ،‬جمموع فيه ‪� :‬ش ��رح الآجرومية لعبد الرحمن بن ح�سني بن حممد‬
‫ب ��ن �أحمد يف(‪ 1290‬هـ )‪ ،‬خمطوط يف التجويد‪ ،‬كتاب حتفة النا�س ��ك يف �أحكام املنا�س ��ك‬
‫لعبد اهلل داود‪ ،‬وكتاب منية �أهل الورع يف بيان عدد من ي�صح بهم اجلمعة لأحمد بن حممد‬
‫املدين ال�شهري بالق�شا�ش‪ ،‬كتاب معاين ال �إله �إال اهلل لل�شيخ حممد بن عبد الوهاب ‪ ،‬ق�صيدة‬
‫م�س ��مطة لن�ش ��وان احلمريي‪ ،‬ق�ص ��يدة لعلي بن �أبي طالب ‪ ،‬ب�ش ��رى الكئي ��ب بلقاء احلبيب‬
‫جلالل الدين ال�س ��يوطي‪� ،‬ش ��رح الهمزية للبو�ص�ي�ري‪� ،‬ص ��فوة الزبد لويل اهلل �أبي العبا�س‬
‫�أحمد �أر�س�ل�ان واحلا�شية بعنوان ب�ش ��رى الإخوان بحل زبد �أر�سالن بخط عبد الرحمن بن‬
‫ح�س�ي�ن بن حممد الغام ��دي �أو بت�أليفه‪ ،‬وهناك بع�ض كتب الت�ص ��وف وكثري من كتب الفقه‬
‫ال�ش ��افعي وبع�ض الكتب الأخرى التي مات ��زال عناوينها مكتوبة لدي �أما ما مل يطلعني عليه‬
‫بالإ�ضافة �إىل املكتبة كاملة فقد وجدت بع�ض املخطوطات بد�أت ت�ؤثر فيها الرطوبة والأكلة‬
‫وحاولت �إقناعه ب�إح�ضار �آلة ت�صوير لت�صويرها حتى ال تتلف وال �أدري �أ�صورت املخطوطات‬
‫�أم ال و�أنا �أنا�شد �أبناءه بعدم كتمها فهي جزء من ت�أريخ املنطقة ويف �إ�شاعتها ن�شر للعلم " ‪.‬‬
‫ب‪ -‬لقاء مع ال�ش��يخ علي بن �أحمد بن م�س��فر بن م�س��لم اخلفوي الغامدي‬
‫رحمه اهلل يف منزله( ‪ 1420/1/9‬هـ) ‪.‬‬
‫و�أبرز امللحوظات يف هذا اللقاء ما يلي ‪:‬‬
‫•يتميز بخطه الذي ي�شبه املخطوطات القدمية وقد تلقى العلم على يد علي بن عبد‬
‫الرحيم القحطاين ‪.‬‬
‫•ه ��و �آخر املتم�س ��كني باملذهب ال�ش ��افعي يف املنطق ��ة عن علم وفهم ولي� ��س تقليد ًا‬
‫كبع� ��ض كبار ال�س ��ن‪ ،‬وق ��د كان رحمه اهلل معتز ًا ب�ش ��افعيته و�إماما مل�س ��جد قريته‬
‫حري�ص� � ًا على اجلهر بالب�س ��ملة يف قراءة الفاحتة ‪ .‬ومبوت هذا ال�ش ��يخ الفا�ض ��ل‬
‫مات الفقه ال�شافعي يف املنطقة ‪.‬‬
‫•�أراين بع�ض احلجج والوثائق القدمية التي تتعلق بالقرية وي�صل �أقدمها �إىل عام(‬
‫‪1015‬هـ)‪.‬ومن تلك الأوراق ورقة يف حتديد املهر وورقة يف احلظر على ال�شبك ‪.‬‬
‫•ذكر �أن �أخاه علي بن �سعد امل�سلم حب�س �شهر ًا لعدم خ�ضوعه لآل عائ�ض‪.‬‬
‫•�أخربين بق�ص ��يدتني لل�ش ��اعر الزرقوي قال الأوىل �أمام الإدري�س ��ي ثم قب�ض عليه‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪304‬‬
‫ال�ش ��ريف وقال ق�ص ��يدة �أخرى ملدح ال�ش ��ريف من القاف واالعتذار عما بدر منه‬
‫ف�أجزل له ال�ش ��ريف ح�س�ي�ن ثم ابنه في�صل العطاء و�أ�صبح الزرقوي بعد ذلك من‬
‫الأغنياء‪ ،‬والق�صيدتان م�سجلتان عنده بخط يده ‪.‬‬
‫•فهمت منه �أنه �ش ��ارك يف احلرب �ض ��د �إمام اليمن وكان من الذين دخلوا جنران‬
‫مع امللك �سعود (رحمه اهلل) ‪.‬‬
‫•مل يطلعني على خمطوطات الكتب على الرغم من �إحلاحي ال�شديد ‪.‬‬
‫هذا وهناك من املقابالت املهمة مقابلتي مع ال�شيخ حممد بن دخيخ وقد �أطلعني على كثري من‬
‫الوثائق الرتكية والعربية ومنها وثائق فيها معاهدة حماية بني قبيلة غامد وقبيلة الثبتة يف الطائف ‪.‬‬
‫ومن ذلك �أي�ض� � ًا لقاء مع ال�شيخ عي�سى القفعي يف( ‪1418 /3/25‬هـ)‪ ،‬ومن ذلك �أي�ض ًا‬
‫لقاء مع ال�ش ��يخ �إبراهيم بن �أحمد بن �س ��اعد من الباحة بت�أريخ( ‪1418/5/21‬هـ )‪�،‬إ�ضافة‬
‫�إىل �أن بع�ض �آل ال�شاعر قد �أطلعني على بع�ض املخطوطات املهمة وقد �صورت بع�ضها وهناك‬
‫ق�صا�صات حتتوي على اللقاء بكثري من كبار ال�سن الذين حدثتهم يف ت�أريخ املنطقة بع�ضهم‬
‫تويف �إىل رحمة اهلل وبع�ضهم مازلوا على قيد احلياة �أطال اهلل �أعمارهم ومتع ب�صحتهم ‪.‬‬
‫وبذل ��ك �أك ��ون قد انتهيت من تدوين هذه التنبيهات التي حر�ص ��ت فيها على ال�ص ��دق‬
‫وتوخ ��ي احلقيق ��ة‪ ،‬وما فيها من خط�أ فهو غري مق�ص ��ود ويرجع �إىل ال ��ذي نقلت منه ال �إيل‬
‫خ�صو�ص ًا يف الروايات ال�شفهية ‪.‬‬
‫�أما امللحوظات والتعليقات فهي اجتهادات مني �إن �أكن �أخط�أت فمن نف�سي وال�شيطان‬
‫و�إن �أك ��ن �أ�ص ��بت فبتوفي ��ق اهلل الذي �أ�س� ��أله �أن يكون ه ��ذا العمل يف �س ��بيله ولإثارة الهمم‬
‫والعزائم يف قومي الذين لهم يف نف�سي مكانة ال تقل �سموا ورفعة عن الرثيا ‪.‬‬
‫والدر�س امل�ستفاد من كثري مطالعاتي يف الت�أريخ يف الفرتة الأخرية هو �أن الإن�سان �إذا‬
‫عرف احلق وتيقن منه فيجب عليه الوقوف مع احلق مهما كان الثمن ‪.‬‬
‫وعلم ��ت �أي�ض� � ًا �أن اجلزي ��رة العربية التي ابتلي ��ت فيها جند وال�س ��راة بفنت ومعارك‬
‫وغزوات وجمازر وظلم �أظلم خالل القرنني املا�ض ��يني تنتظر �أن تتحول �إىل نه�ض ��ة وتقدم‬
‫ح�ض ��اري وعلم ��ي يف الق ��رن هذا وما بعده من ق ��رون يجعل �أمتنا العربية ترفع ر�أ�س ��ها بني‬
‫الأمم وال�س ��بيل الوحيد هو العلم والإخال�ص وا�س ��تثمار نعمة العقل واتباع �صوت احلكمة "‬
‫وما توفيقي �إال باهلل عليه توكلت و�إليه �أنيب "‬
‫كتبه الدكتور ‪:‬‬
‫جمعان بن عبد الكرمي بن عطية بن‬
‫عبداهلل �آل �أحمد اخلثيمي الغامدي ‪.‬‬
‫يف ( ‪ 1427/12/14‬هـ )‬
‫‪305‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫الدراســــــة الثامـنـــــــة‬

‫منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها‬


‫(‪11/29‬ـ‪1433/12/9‬هـ‪15/‬ـ‪)2012/10/25‬‬
‫(*)‬
‫بقلم ‪:‬أ‪.‬د‪ .‬غيثان بن علي بن جريس‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (الباحة وع�سري) ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(‪1434‬هـ ‪2013 ،‬م) ‪( -‬اجلزء اخلام�س)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪264 - 159‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪306‬‬
‫الدرا�س��ة الثامن��ة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �س��معت عنها‬
‫و�شاهدتها (‪11/29‬ـ‪1433/12/9‬هـ‪15/‬ـ‪)2012/10/25‬‬
‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬ ‫م‬
‫‪307‬‬ ‫�أوال مدخل ‪:‬‬
‫‪308‬‬ ‫ثاني ًا الو�ضع اجلغرايف وال�سكاين‬
‫‪316‬‬ ‫ثالثا الأو�ضاع االجتماعية‬
‫‪316‬‬ ‫‪1‬ـ الأ�سرة واملجتمع‬
‫‪318‬‬ ‫‪2‬ـ العمارة ومرافقها‬
‫‪327‬‬ ‫‪3‬ـ الأطعمة والأ�شربة‬
‫‪329‬‬ ‫‪4‬ـ الألب�سة والزينة‬
‫‪332‬‬ ‫‪5‬ـ الفنون ال�شعبية والألعاب الريا�ضية‬
‫‪334‬‬ ‫‪6‬ـ عادات وتقاليد و�أعراف �أخرى‬
‫‪338‬‬ ‫رابع ًا الأو�ضاع االقت�صادية‬
‫‪338‬‬ ‫‪1‬ـ اجلمع وااللتقاط‬
‫‪339‬‬ ‫‪2‬ـ ال�صيد‬
‫‪341‬‬ ‫‪3‬ـ الزراعة‬
‫‪343‬‬ ‫‪4‬ـ احلرف وال�صناعات‬
‫‪347‬‬ ‫‪5‬ـ التجارة‬
‫‪359‬‬ ‫‪6‬ـ معوقات احلياة االقت�صادية‬
‫‪361‬‬ ‫خام�س ًا الأو�ضاع التعليمية والثقافية والفكرية‬
‫‪361‬‬ ‫‪1‬ـ التعليم‬
‫‪374‬‬ ‫‪2‬ـ الفكر والثقافة‬
‫‪380‬‬ ‫‪3‬ـ اللهجات‬
‫‪383‬‬ ‫�ساد�س ًا اخلامتة‪ :‬نتائج وتو�صيات­­‬
‫‪307‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫�أو ًال ‪ :‬مدخل ‪:‬‬


‫منطق ��ة الباحة تقع بني مناطق اململكة الرئي�س ��ية الو�س ��طى وع�س�ي�ر من ال�ش ��رق‬
‫واجلن ��وب(‪ ،)1‬ومك ��ة املكرمة من ال�ش ��مال والغرب(‪ .)2‬وت�ش ��مل ت�ضاري�س ��ها �أج ��زاء تهامة‬
‫والأ�ص ��دار من الغرب‪ ،‬وال�س ��روات يف الو�س ��ط‪ ،‬والبوادي يف ال�ش ��رق(‪ .)3‬وه ��ي واحدة من‬
‫مناط ��ق اململكة الرئي�س ��ية(‪ . )4‬ويف هذا الق�س ��م ل ��ن ندر�س منطقة الباحة درا�س ��ة توثيقية‬
‫تعتمد على الوثائق وامل�ص ��ادر والكتب املطبوعة‪ ،‬فهذا منهج �س ��لكناه يف �أق�س ��ام �أخرى من‬
‫هذا ال�س ��فر(‪ ،)5‬وقد نفرد درا�س ��ة م�س ��تقلة يف امل�س ��تقبل ن�ؤرخ فيها لهذه املنطقة منذ فجر‬
‫الإ�س�ل�ام �إىل ع�ص ��رنا احلديث(‪ ،)6‬والذي �س ��وف ندونه هو ما �سمعناه و�ش ��اهدناه يف هذه‬
‫البالد الغامدية والزهرانية ‪ .‬ولن ن�س ��لك م�سلك الرحالة ال�سابقني الذين �ساروا يف مناكب‬
‫الأر�ض ور�صدوا حتركاتهم وم�ش ��اهداتهم �ساعة ب�ساعة ويوم ًا بيوم و�شهر ًا ب�شهر(‪ ،)7‬و�إمنا‬
‫�س ��رنا وجتولنا يف �أرج ��اء هذه املنطقة اجلنوبية‪ ،‬وجمعنا ما ا�س ��تطعنا جمعه‪ ،‬م�س ��تعينني‬
‫بالعديد من الأ�س ��اتذة الك ��رام يف البالد الباحوية(‪ ،)8‬ثم دون ��ا مادتنا املجموعة يف حماور‬

‫((( حتده ��ا ب�ل�اد خثعم وما جاورها من اجلنوب‪ ،‬وقبائل �س ��بيع والبقوم من ال�ش ��رق ‪ .‬وحتده ��ا العديد من حمافظات‬
‫ومراك ��ز منطقة مكة املكرمة من ال�ش ��رق وحتده ��ا العديد من حمافظات ومراكز منطقة مكة املكرمة من ال�ش ��مال‬
‫والغرب‪ .‬م�شاهدات الباحث خالل �شهر ذي احلجة عام ( ‪1433‬هـ‪2012/‬م)‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( جتول الباحث يف �أرجاء هذه املنطقة يف نهاية عام ( ‪1433‬هـ‪2012/‬م)‪.‬‬
‫((( منطقة الباحة من مناطق اجلنوب الرئي�س ��ية مثل‪ :‬ع�سري‪ ،‬وجازان‪ ،‬وجنران ‪ .‬بالإ�ضافة �إىل مناطق اململكة العربية‬
‫ال�س ��عودية ‪ :‬الو�س ��طى‪ ،‬ومكة املكرمة‪ ،‬واملدينة املنورة‪ ،‬واملنطقة ال�ش ��رقية‪ ،‬والق�ص ��يم‪ ،‬واجل ��وف‪ ،‬وتبوك‪ ،‬وحائل‪،‬‬
‫واحلدود ال�ش ��مالية ‪ .‬للمزيد من التف�ص ��يالت عن هذه املناطق انظر �س ��جالت وتقارير وزارة الداخلية‪ ،‬والتقارير‬
‫والكتيبات ال�صادرة من كل �إمارة الرئي�سية يف هذه املناطق ‪.‬‬
‫((( انظر الأق�سام ال�سابقة يف هذا الكتاب ‪.‬‬
‫((( �سبق و�أن �أخرجنا درا�سة عن الباحة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة ‪ .‬انظر‪ :‬ابن جري�س‪ ،‬درا�سات يف تاريخ‬
‫تهامة وال�سراة (ق‪1‬ـ ق‪10‬هـ‪/‬ق‪7‬ـق‪16‬م)‪ ،‬ج‪� ،2‬ص‪ 133‬وما بعدها ‪ .‬وقد نخرج درا�سة مو�سعة يف كتاب م�ستقل عن هذه‬
‫البالد خالل الع�صر الإ�سالمي املبكر والو�سيط‪ ،‬وهي فع ًال ت�ستحق �أن ي�صدر عنها درا�سات �أكادميية عديدة ‪.‬‬
‫((( من ينظر يف كتب الرحالني امل�س ��لمني وغري امل�س ��لمني يجدهم يتحدثون عن املواقع ح�س ��ب �سريهم اجلغرايف والزمني‪ ،‬فعندما‬
‫ينزل الواحد يف مكان ما يذكر وقت نزوله‪ ،‬ثم ي�شرح ما ر�آه و�شاهده‪ ،‬ثم ينتقل �إىل مكان �آخر‪ ،‬وهكذا ي�سري على نف�س املنهج ‪.‬‬
‫((( يف الأ�س ��بوع الأخ�ي�ر م ��ن �ش ��هر ذي القع ��دة ع ��ام (‪1433‬ه� �ـ‪2012/‬م) خاطبنا الأ�س ��تاذ الكرمي ح�س ��ن بن حممد‬
‫الزه ��راين‪ ،‬رئي� ��س نادي الباحة الأدبي‪ ،‬و�أبدينا له ولأع�ض ��اء جمل�س �إدارة النادي رغبتن ��ا يف زيارة منطقة الباحة‬
‫وجمع مادتنا لهذا الق�س ��م‪ ،‬وجتاوب م�ش ��كور ًا هو وجمل�س �إدارة ناديه على ا�ست�ض ��افتنا ع�ش ��رة �أيام من (‪/11/29‬‬
‫‪1433/12/9 -‬ه� �ـ)‪ ،‬وقد و�ص ��لت �إىل مدينة الباحة يوم الثالثاء املواف ��ق (‪1433/11/29‬هـ ‪2012/10/15 /‬م )‪،‬‬
‫وقابلني ممثل النادي الأ�س ��تاذ عبد اهلل بن �س ��عيد بن نا�ص ��ر الغامدي و�سهل يل �أمر ال�س ��كن‪ ،‬وبد�أت �أت�صل ب�شكل‬
‫ودي و�شخ�ص ��ي ببع� ��ض مثقفي املنطقة‪ ،‬فوجدت العديد من الإخوان والأ�ص ��دقاء الذين قدم ��وا لنا يد العون وتنقل‬
‫معنا بع�ضهم يف �أرجاء املنطقة‪ ،‬وبع�ضهم ا�ست�ضافني يف منزله‪ ،‬و�آخرون رتبوا يل زيارة بع�ض الأعالم واملوا�ضع يف‬
‫�أنحاء البالد ‪ .‬ومن باب ذكر �أهل الف�ض ��ل بف�ض ��لهم ف�إنني �أ�شكرهم و�أذكرهم‪ ،‬وهم على النحو التايل ‪ :‬الدكتور جمعان‬
‫عب ��د الكرمي عطية الغامدي‪ ،‬والدكتور علي بن عثمان الزن ��دي‪ ،‬والدكتور حممد بن جمعان بن دادة الغامدي‪ ،‬والدكتور‬
‫عو�ض علي ال�س ��بايل الزهراين‪ ،‬والأ�س ��اتذة الكرام ‪ :‬عبد اهلل حممد الدربي‪ ،‬وحممد فرحة �ش ��اهر الغامدي‪ ،‬ومو�س ��ى‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪308‬‬
‫رئي�س ��ية‪ ،‬مع احلر�ص على وحدة املو�ض ��وع دون �أن نذكر ال�ساعة �أو اليوم الذي زرنا فيه كل‬
‫ناحية‪ ،‬و�إمنا اكتفينا يف احلا�ش ��ية ال�سابقة بذكر التاريخ الذي مكثناه يف بالد الباحة �أثناء‬
‫جمع مروياتنا وم�ش ��اهداتنا‪ ،‬وقد يتخلل هذا الق�س ��م النق�ص والق�ص ��ور‪ ،‬ون�أمل �أن نورد ما‬
‫يفي ��د وينف ��ع‪ ،‬كم ��ا ن�أمل �أن يظهر يف امل�س ��تقبل من ي�ص ��حح ما وقعنا فيه م ��ن �أخطاء غري‬
‫مق�صودة‪� ،‬أو ي�ستكمل ما مل ن�ستطع تدوينه‪ ( .‬واهلل من وراء الق�صد )‪.‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬الو�ضع اجلغرايف وال�سكاين ‪:‬‬
‫�أ ـ اجلانب اجلغرايف ‪:‬‬
‫تنقلن ��ا يف �أرجاء منطقة الباحة بدء ًا من مركز �ش ��رى جنوب املنطقة حتى مدينة‬
‫بلجر�شي وما جاورها من �أحياء(‪ ،)1‬ثم �سرنا يف جنبات و�ضواحي املدينة‪ ،‬وزرنا بع�ض مراكز‬
‫حمافظة بلجر�ش ��ي مثل‪ :‬مركز بال�ش ��هم‪ ،‬ومركز جرد(‪ . )2‬ثم انتقلنا من حا�ضرة بلجر�شي‬
‫�إىل بوادي غامد التي متتد من �ش ��رق مدينة بلجر�ش ��ي مرور ًا مبركز جرد حتى �شرق وادي‬
‫العقي ��ق يف غام ��د‪ ،‬ووادي بيدة يف زهران‪ ،‬بل و�ص ��لنا �إىل �أطراف غامد وزهران ال�ش ��رقية‬
‫قريب ًا من بالد �س ��بيع والبقوم‪ )3(.‬وذهبنا يف جوالتنا ال�س ��روية �ش ��ما ًال �إىل بالد بني كبري‬
‫وبني ظبيان وبني عبد اهلل وبني خثيم يف مدينة الباحة وما جاورها من املراكز والنواحي‪،‬‬
‫ث ��م �س ��رنا �إىل قرية بني �س ��ار يف بني عامر من زهران‪ ،‬ودخلن ��ا �إىل وادي بيدة الذي يتجه‬
‫م ��ن �س ��روات زهران �ش ��ما ًال �إىل وادي تربة‪ ،‬و�ش ��اهدنا حمافظة القرى وم ��ا يوجد بها من‬
‫معامل جغرافية‪ ،‬واجتهنا �شما ًال حتى ر�أ�س جبل �شمرخ‪ ،‬ثم �سرنا نحو ال�شمال الغربي مرور ًا‬
‫بعقبة ذالله التي �أخذتنا �إىل بالد دو�س‪ ،‬ووا�ص ��لنا ال�س�ي�ر من هناك �إىل بالد بني ح�س ��ن‬
‫الزهراني ��ة‪ ،‬وبالد باحلك ��م وبلخزمر مرور ًا مبحافظة املندق‪ ،‬وه ��ذه البالد يعربها طريق‬

‫�أحمد حممد العبديل‪ ،‬ومن�صور حممد عبد اهلل مواال‪ ،‬وحممد �سعيد مواال‪ ،‬وحممد �سعيد رمزي الغامدي‪ ،‬وعلي في�صل‬
‫عبد الرحمن الزهراين‪ ،‬و�أحمد عبد الكرمي عطية الغامدي‪ ،‬وعلي حممد �ص ��الح الزهراين‪ ،‬وح�س ��ن عبد الكرمي عطية‬
‫الغامدي‪ ،‬وجمعان غرم اهلل �آل مو�سى الغامدي‪ ،‬وخالد حممد كرت الغامدي‪ ،‬وعلي حممد �سعيد �آل م�سعود الزهراين ‪.‬‬
‫((( وادي �شرى وما يوجد به من ع�شائر وقرى يقع �إىل ال�شمال من قبائل خثعم وعليان و�شمران‪ ،‬وكان يتبع �إداري ًا �إمارة‬
‫منطقة ع�س�ي�ر‪ ،‬ويف عام (‪1426‬هـ‪2005/‬م) �ص ��ار تابع ًا لإمارة منطقة الباحة وي�س ��كنه قبائل بني ميمون وع�شائر‬
‫�أخرى ‪ .‬م�شاهدات الباحث يف �شهر ذي احلجة عام(‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫((( حمافظة بلجر�ش ��ي مدينة رئي�س ��ية يف منطقة الباحة وكانت الإمارة الرئي�س ��ية فيها يف العقود الأوىل من الن�ص ��ف‬
‫الثاين للقرن الهجري املا�ضي‪ ،‬ويتبع لها العديد من املراكز مثل‪ :‬بال�شهم‪ ،‬وبني كبري‪ ،‬و�شرى‪ ،‬وجرد وغريها ‪ .‬وهي‬
‫املدينة الثانية تنموي ًا وح�ضاري ًا بعد مدينة الباحة ‪ .‬م�شاهدات الباحث يف عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫((( من خالل جولتنا ات�ض ��ح لنا �أن بالد غامد ال�س ��راة والبادية �أو�س ��ع �أر�ض ًا و�أكرث �س ��كان ًا من بالد زهران ال�سراة ‪ .‬ثم �إن‬
‫وبواد و�أجزاء تهامية‪ ،‬يف حني �أن زهران لي�س بها بوادي‪ ،‬وم�ساحتها �أ�صغر من غامد يف ال�سراة‪،‬‬ ‫قبيلة غامد لها �سروات ٍ‬
‫لكن �أر�ضها وم�ستوطناتها يف تهامة �أو�سع �أر�ض ًا و�أكرث �سكان ًا ‪ .‬م�شاهدات الباحث عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪. .‬‬
‫‪309‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫را يف مدينة الباحة وقراها و�ض ��واحيها‪ )1(،‬ثم‬ ‫الباح ��ة الطائف ال�س ��ياحي‪ ،‬ثم جتولنا �أخ�ي� ً‬
‫نزلن ��ا �إىل الأج ��زاء التهامية �س ��الكني عقبة الباحة املخ ��واة(‪ . )2‬وتوقفنا يف قرية ذات عني‬
‫الواقعة يف �أ�س ��فل تلك العقبة(‪ ،)3‬وعند و�ص ��ولنا �إىل املخواة جتولنا يف �أرجائها‪ ،‬ثم اجتهنا‬
‫خللف واخلليف الأثرية‪ ،‬ووا�صلنا‬ ‫�ش ��ما ًال �إىل حمافظة قلوة الزهرانية‪ ،‬وو�ص ��لنا �إىل قرية ا ُ‬
‫ال�سري حتى بلدة ال�شعراء ثم حمافظة احلجرة يف �أق�صى تهامة زهران من ال�شمال‪ ،‬وعند‬
‫عودتن ��ا مررنا على �أ�س ��فل جبل �ش ��دا الأعلى والأ�س ��فل(‪ ،)4‬ثم اجتهن ��ا �إىل وادي نريا‪ ،‬ومن‬
‫هناك ذهبنا �إىل بالد غامد الزناد وجنوب تهامة غامد(‪ ،)5‬و�أخري ًا وا�صلنا ال�سري يف اجلهة‬
‫ال�ش ��مالية الغربية حتى و�ص ��لنا �إىل �أجزاء من وادي الأح�سبة‪ ،‬وناحية ناوان الزهرانية(‪،)6‬‬
‫وعن ��د االنته ��اء من ه ��ذه اجلولة التهامي ��ة عدنا للإقام ��ة يف مدينة الباحة م ��ن �أجل جمع‬
‫(‪)7‬‬
‫وت�صنيف وترتيب مادة هذه الرحلة ال�سروية والتهامية يف منطقة الباحة‪.‬‬

‫((( ق�ض ��ينا خم�س ��ة �أيام يف التنق ��ل يف هذه الأجزاء ال�س ��روية والب ��وادي‪ ،‬وجميع ه ��ذه البالد التي مررن ��ا بها غامدية‬
‫وزهراني ��ة‪ ،‬ومركزه ��ا �إمارة الباحة‪ ،‬ويوجد بها العديد من املحافظ ��ات واملراكز التابعة للإمارة‪ ،‬ناهيك عن مئات‬
‫امل ��دن والقرى ‪� .‬أما الع�ش ��ائر والأفخاذ فهي �أي�ض� � ًا تدخل يف خانة املئات �أي�ض� � ًا ‪ .‬وهناك ع�ش ��رات الكتب املطبوعة‬
‫واملن�ش ��ورة الت ��ي حتدثت عن �أ�س ��ماء وقرى وع�ش ��ائر وقبائل هذه الب�ل�اد ‪ .‬وكثري من هذه الكتب حتتاج �إىل درا�س ��ة‬
‫وحتليل ملا يوجد فيها من اخللط وعدم الدقة يف ر�صد كثري من املعلومات‪.‬‬
‫((( املخواة ‪� :‬أكرب حمافظة تهامية تتبع �إمارة منطقة الباحة‪ ،‬و�س ��كانها الرئي�س ��يني قبيلة بني عمر‪ .‬وهذه القبيلة تدعي‬
‫�أنها قبيلة م�ستقلة عن غامد وزهران‪ ،‬وهناك من يقول �أنها تابعة ن�سبي ًا وقبلي ًا لقبيلة زهران ‪ .‬وهذا املو�ضوع يحتاج‬
‫�إىل درا�سة علمية �أكادميية قائمة على وثائق وم�صادر موثوقة‪ ،‬ون�أمل �أن يظهر من �أبناء هذه البالد من يتوىل هذا‬
‫املو�ضوع بالبحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫((( قرية ذي عني ‪� :‬س ��ميت بهذا اال�س ��م ن�سبة �إىل العني اجلارية فيها‪ ،‬وهي قرية �أثرية يعود �سكانها �إىل قبيلة بني عمر‬
‫وقد هُ جرت‪ ،‬وتتكون منازلها من دور �إىل �أربعة وخم�سة �أدوار‪ ،‬وتعد معلم ًا ح�ضاري ًا هام ًا ت�ستحق ال�صيانة واالعتناء‬
‫من قبل اجلهات امل�س�ؤولة يف �إمارة الباحة �أو يف الدولة‪ .‬وقد �شاهدنا �إقامة بع�ض املن�ش�آت القليلة وال�ضئيلة من قبل‬
‫الهيئة العليا لل�سياحة‪ ،‬وحتتاج �إىل جهود و�إنفاق �أكرب من �أجل حفظها من اخلراب واالندثار الظاهر عليها ‪.‬‬
‫((( مل ن�ص ��عد �إىل ر�أ�س هذين اجلبلني ‪ .‬ون�أمل �أن نزوره مره �أخرى وجنري حوله بع�ض الدرا�س ��ات مع �أنه ُذكر لنا �أن‬
‫معظم �أهله نزلوا �إىل ال�سهول ومل يبق يف �أعالها �شيء كبري من احلياة ال�سكانية ‪.‬‬
‫((( غامد الزناد ‪ :‬الذين �شيوخهم �أ�سرة �آل الزندي ميثلون جزء ًا كبري ًا من قبيلة غامد ‪ .‬وهذه النواحي التهامية حتتاج‬
‫�إىل ت�ضافر جهود امل�ؤرخني يف درا�سة تاريخها وح�ضارتها ‪.‬‬
‫((( هذه املناطق حماذية لأطراف حمافظة القنفذة ال�ش ��رقية‪ ،‬و�سكان هذه البالد يتقا�سمون احلياة املعي�شية مع �إمارة‬
‫منطقة مكة املكرمة ‪ .‬و�س ��بب بعدها عن مراكز النمو احل�ض ��اري يف الباحة ومكة املكرمة فقد نالها بع�ض الإهمال‬
‫التنموي‪ ،‬والزالت حتتاج �إىل ت�ض ��افر جهود �أهلها وامل�س� ��ؤولني يف بالدها ويف مواطن �ص ��نع القرار يف الباحة �أو يف‬
‫الوزارات حتى يرتقوا بالأر�ض والإن�سان يف هذه البالد التهامية ‪.‬‬
‫((( ق�ض ��ينا يوم�ي�ن يف رحلة تهامة‪ ،‬وثالثة �أيام �أخرى يف مدينة الباحة من �أج ��ل مراجعة مادتنا املجموعة‪ ،‬والت�أكد من‬
‫�ص ��حة بع�ض املعلومات امل�سموعة وامل�ش ��اهدة ‪ .‬وكان الإخوة الكرام الذين ذكرنا �أ�سماءهم يف �إحدى حوا�شي املحور‬
‫ال�س ��ابق خري دليل و�س ��ند ومعاون يف �إجناز هذه املهمة‪ ،‬فاهلل ن�س�أل �أن يرزقنا و�إياهم الثبات على دينه‪ ،‬و�أن يخل�ص‬
‫لنا ولهم النية‪ ،‬و�أال يحرمهم �أجر ما قدموا لنا ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪310‬‬
‫من خالل هذه الرحلة ا�ستطعنا �أن نخرج يف باب اجلغرافيا بالعديد من‬
‫احلقائق واملدونات وامل�شاهدات التي نذكر �أهمها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫�أ ـ تتنوع ت�ضاري�س بالد الباحة‪ ،‬فقد جمعت بني البادية‪ ،‬وال�سراة‪ ،‬والأجزاء التهامية‪.‬‬
‫ونلحظ يف القدمي واحلديث �أن معظم مواطن اال�ستيطان كانت يف �أر�ض ال�سراة‪،‬‬
‫ويف الأج ��زاء التهامي ��ة ‪ .‬وقد �ش ��اهدنا مئ ��ات القرى القدمي ��ة املندثرة يف هاتني‬
‫الناحيت�ي�ن‪� ،‬أم ��ا البادية فل ��م تكن خالية من ال�س ��كان‪� ،‬إال �أنهم كانوا يف ال�س ��ابق‬
‫من البدو الرحل الذين يذهبون وراء موا�ش ��يهم بحث ًا عن املاء واملرعى‪ ،‬ون�ش ��اهد‬
‫الي ��وم �أن �أماكن اال�س ��تيطان احلديثة حلت قريب ًا من الأماك ��ن القدمية‪� ،‬إال �أنها‬
‫�أكرث ات�س ��اع ًا وتنظيم ًا وكثافة �سكانية‪ ،‬كما �شاهدنا البوادي وقد �أ�صبحت م�أهولة‬
‫بال�سكان امل�ستقرين الذين ميلكون املنازل امل�سلحة‪ ،‬واخلدمات ال�ضرورية(‪. )1‬‬
‫ب ـ طبيعة الأر�ض تختلف من مكان لآخر‪ ،‬فالبوادي والأجزاء ال�ش ��رقية من �س ��راة‬
‫زهران ذات غطاء نباتي فقري‪ ،‬وقد �ش ��اهدنا بع�ض ال�شجر وال�شجريات القليلة‪،‬‬
‫لك ��ن طبيعته ��ا اجل ��رداء ه ��ي الغالبة على ه ��ذه الناحي ��ة بعك�س �س ��روات غامد‬
‫والأج ��زاء الغربي ��ة من زه ��ران وغامد املطلة عل ��ى تهامة‪ ،‬والنواحي ال�ش ��مالية‬
‫الغربي ��ة من �س ��راة زهران فهي ذات غطاء نباتي جي ��د‪ ،‬حيث يوجد فيها غابات‬
‫و�أ�ش ��جار و�شجريات عديدة و�إذا ح�صرنا �أنواع و�أ�سماء الأ�شجار يف هذه الأجزاء‬
‫ف�إنه ��ا تعد باملئ ��ات ورمب ��ا الآالف‪ )2(.‬و�إذا طالعن ��ا منطقة تهام ��ة وجدناها هي‬
‫(‪)3‬‬
‫الأخرى ال تخلو من غابات و�أ�شجار و�شجريات عديدة ومتنوعة‪.‬‬
‫ج ـ �ش ��اهدنا ع�شرات اجلبال واله�ضاب والأدوية يف البادية وال�سراة وتهامة‪ ،‬ور�أينا‬
‫تفاوت �أطوالها‪ ،‬وكثافة غطائها النباتي‪ ،‬بالإ�ض ��افة �إىل كثافتها ال�سكانية(‪ )4‬وقد‬
‫خرجنا من هذا الر�صد وامل�شاهدة بالعديد من امللحوظات مثل‪:‬‬
‫درا�س ��ة التغريات االجتماعية التي جرت يف منطقة الباحة خالل اخلم�سني �أو ال�ستني �سنة املا�ضية القريبة جديرة بالبحث‬ ‫(((‬
‫والدرا�سة ‪ .‬ويجب على جامعة الباحة �أن تن�شئ مراكز �أبحاث لدرا�سة الأر�ض وال�سكان والتغريات التي جرت عليها ‪.‬‬
‫على �أق�س ��ام علم النبات والطب يف جامعة الباحة م�س� ��ؤولية عظمى جتاه درا�س ��ة نباتات هذه املنطقة‪ ،‬مع �إي�ض ��اح‬ ‫(((‬
‫فوائدها‪ ،‬وكيفية توظيفها خلدمة �إن�سان هذه املنطقة ‪.‬‬
‫من �أهم نباتات و�أ�ش ��جار منطقة الباحة ( تهامة و�س ��راة وبادية )‪ ،‬العرعر‪ ،‬والعتم‪ ،‬والأثب‪ ،‬والر ِّقع‪ ،‬وال�سلم‪ ،‬والن�شم‪،‬‬ ‫(((‬
‫وال�س ��مر‪ ،‬والعرفج‪ ،‬والطباق‪ ،‬وال�ش ��ث‪ ،‬والإبراء‪ ،‬والنيم‪ ،‬والأثل‪ ،‬وال�س ��در‪ ،‬والقر�ض‪ ،‬والظهياء‪ ،‬وال�ش ��وحط‪ ،‬والت�ألب‪،‬‬
‫والطلح‪ ،‬والثعب‪ ،‬وامل�ض‪ ،‬والع�ش ��ر‪ ،‬واملرخ‪ ،‬والب�ش ��ام‪ ،‬وال�س ��عور وغريها ‪ .‬ومن خالل جتول الباحث �ش ��اهدنا ع�ش ��رات‬
‫الغابات املتناثرة يف �سراة غامد‪ ،‬ويف ال�سروات الغربية الزهرانية‪ ،‬ويف �أودية الأح�سبة ونريا وبع�ض النواحي القريبة من‬
‫حمافظة املخواة ‪ .‬ودرا�سة الغابات وما يوجد بها من نباتات وكيفية اال�ستفادة منها مو�ضوع جدير بالبحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫مل نتعر�ض لذكر �أ�سماء اجلبال والأودية يف منطقة الباحة‪ ،‬فال تخلو كل حمافظة من كتب تعريفية بالأر�ض‪ ،‬كما �أن‬ ‫(((‬
‫الأ�س ��تاذ علي ال�س ��لوك �أ�صدر معجم ًا تو�ضيحي ًا ف�ص ��ل فيه قرى وجبال و�أودية بالد غامد وزهران ‪ .‬والزالت منطقة‬
‫الباحة حتتاج �إىل درا�س ��ات ت�أ�ص ��يلية توثيقية عن الأر�ض وال�س ��كان ‪ .‬ون�أمل �أن يلتفت بع�ض الأكادمييني يف جامعة‬
‫الباحة �إىل هذا اجلانب الهام ‪.‬‬
‫‪311‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫‪�1 .1‬أماكن اال�س ��تيطان قدمي ًا جتدها يف �أعايل اله�ض ��اب واجلبال و�أحيان ًا على �أطراف‬
‫الأودية‪ ،‬يف حني �أن معظم �أماكن اال�ستيطان اليوم يف ال�سهول وعند الأجزاء ال�سفلية‬
‫م ��ن اجلبال و�أحيان� � ًا يف جماري الأودي ��ة �أو عل ��ى �أطرافها(‪ ،)1‬والتنمي ��ة احلديثة‪،‬‬
‫و�س ��هولة املوا�ص�ل�ات‪ ،‬وتوفر الأمن‪ ،‬وتكاثر امل ��ال يف �أيدي النا�س جعل اال�س ��تفادة‬
‫عمراني ًا وح�ضاري ًا من اجلبال والأودية �أف�ضل مما كانت عليه يف ال�سابق(‪. )2‬‬
‫‪2 .2‬امت ��داد يد الإن�س ��ان �إىل بيئ ��ات الأودية واجلبال وما جاورها فقام ب�ش ��ق الطرق‪،‬‬
‫وبناء القرى والأحياء واملدن‪ ،‬و�إن�ش ��اء بع�ض امل�ش ��اريع االقت�ص ��ادية‪ ،‬كل ذلك �أثر‬
‫�سلب ًا على الغطاء النباتي‪ ،‬وجمال الأر�ض الطبيعي (‪. )3‬‬
‫د ـ مما �سمعنا وعرفنا وجود العديد من احليوانات الربية‪ ،‬والأليفة والطيور التي كانت‬
‫تتواجد بكرثة يف �أنحاء منطقة الباحة(‪ .)4‬ويف العقود املا�ضية املت�أخرة الزلنا ن�شاهد بع�ض‬
‫احليوانات والطيور املوجودة يف بوادي و�أرياف و�أ�ص ��دار املنطقة‪ ،‬مثل‪ :‬ال�ض ��باع والثعالب‪،‬‬
‫والني�ص‪ ،‬والغزالن‪ ،‬والع�صافري‪ ،‬واحلجل‪ ،‬واحلمام‪ .‬بالإ�ضافة �إىل احليوانات الأليفة مثل‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫املاعز‪ ،‬والغنم‪ ،‬والبقر‪ ،‬واجلمال‪ .‬وبع�ض الطيور مثل‪ :‬الدجاج‪ ،‬واحلمام وغريه‬
‫هـ ـ تعاين طبيعة منطقة الباحة اليوم من م�شاكل عديدة مثل‪:‬‬
‫‪1 .1‬الت�صحر الذي جرى على بع�ض اجلبال والأودية‪ ،‬وهذا يعود �إىل اجلفاف وقلة الأمطار‪،‬‬
‫وامت ��دت يد الإن�س ��ان بدون وعي‪� ،‬أو من باب الطم ��ع‪� ،‬إىل البيئة فقام بتجريف الأر�ض‬
‫وقطع الأ�ش ��جار من �أجل �إقامة م�ش ��روع خا�ص �أو عام‪ ،‬والتو�سع العمراين‪ ،‬و�إن كان ذا‬
‫(‪)6‬‬
‫جانب �إيجابي‪� ،‬إال �أنه �أثر �سلب ًا على جغرافية الأر�ض وطبيعتها‪.‬‬

‫((( م�شاهدات الباحث خالل �شهر ذي احلجة عام ( ‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬


‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( ك ��وين من �أبناء منطقة ع�س�ي�ر‪ ،‬املج ��اورة ملنطقة الباحة من اجلنوب‪ ،‬ثم معرفتي لبالد اجلنوب ( الباحة وع�س�ي�ر‬
‫وجازان والقنفذة وجنران ) منذ �أربعني �سنة فقد عرفت و�شاهدت جمال الطبيعة يف هذه الأوطان قدمي ًا‪ ،‬وما جرى‬
‫عليها من تدهور وجفاف وجتريف خالل هذه العقود املا�ض ��ية‪ ،‬كل هذا �أثر �س ��لب ًا على طبيعة هذه البالد‪ .‬ودرا�س ��ة‬
‫التاري ��خ اجلغرايف لهذه املناطق منذ خم�س�ي�ن عام ًا �إىل اليوم جدير بالبحث واالهتم ��ام من اجلغرافيني والباحثني‬
‫اجلادين ‪ .‬وهذه م�س� ��ؤوليات جامعاتنا املحلية‪ ،‬التي يجب عليها �إن�ش ��اء مراكز بحثية تقوم ب�إجراء مثل هذه البحوث‬
‫الأكادميية الهامة ‪.‬‬
‫((( كانت منطقة الباحة يف القدمي من البالد امل�أهولة باحليوانات الربية‪ ،‬مثل ‪ :‬النمور‪ ،‬والأ�س ��ود‪ ،‬وال�ض ��باع‪ ،‬والذئاب‬
‫وغريه ��ا‪ ،‬و�أن ��واع عدي ��دة م ��ن الطيور ‪ .‬كما �أن ال�س ��كان كانوا ميتلك ��ون قطعان ًا كب�ي�رة من الأغن ��ام واملاعز والبقر‬
‫واجلمال‪ ،‬ومنذ بداية هذا القرن بد�أ النا�س يرتكون امتالك هذه الرثوة احليوانية‪ ،‬ويلج�أون �إىل �أعمال �أخرى وهذا‬
‫مما �أثر يف حياة الأر�ض وال�سكان ‪.‬‬
‫((( امت�ل�اك مث ��ل ه ��ذه احليوانات والطيور �أ�ص ��بحت موج ��ودة على نطاق �ض ��يق مقارنة بالن�ص ��ف الث ��اين من القرن‬
‫(‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( درا�سة ما حل بطبيعة الأر�ض �سلبيا يحتاج �إىل �إجراء درا�سة علمية �أكادميية‪ ،‬وهذه م�س�ؤوليات اجلامعات والأق�سام الأكادميية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪312‬‬
‫‪2 .2‬انح�س ��ار وقل ��ة املي ��اه يف الآبار اجلوفي ��ة‪ ،‬وتزاي ��د الآب ��ار االرتوازية‪ ،‬وجف ��اف العيون‬
‫واجلداول كل هذا �أثر على تدهور الزراعة والغطاء النباتي يف املنطقة(‪.)1‬‬
‫‪3 .3‬امتداد يد الإن�س ��ان �إىل قطع �ص ��خور اجلبال �إىل قوالب ونقلها من �أماكنها �إىل �أماكن‬
‫(‪)2‬‬
‫�أخرى من �أجل التجارة وا�ستخدامها يف العمارة والبناء‪.‬‬
‫‪4 .4‬ظهور العديد من امل�شاكل املناخية مثل‪ :‬الأعا�صري والغبار‪ ،‬واختالف مواعيد الأمطار‪،‬‬
‫وغالب ًا عدم هطولها‪ ،‬وحدوث بع�ض ال�ص ��واعق‪ ،‬واجلف ��اف‪ ،‬وارتفاع احلرارة كل هذا‬
‫�ساعد يف �إحلاق ال�ضرر ب�أر�ض و�إن�سان منطقة الباحة وما جاورها ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الو�ضع ال�سكاين ‪:‬‬
‫معظ ��م �س ��كان منطق ��ة الباحة م ��ن قبيل ��ة الأزد القحطانية ‪ .‬وهن ��اك العديد من‬
‫كتب الن�س ��ب القدمية‪ ،‬ودرا�س ��ات حديثة قالت بذلك(‪ . )3‬وال تخلو قبائل منطقة الباحة من‬
‫خمالطتها لبع�ض الع�شائر �أو الفخوذ �أو الأ�سر العدنانية‪ ،‬وذلك يعود لبع�ض الأ�سباب مثل‪:‬‬
‫‪1 .1‬ات�صال قبائل غامد وزهران ب�أهل احلجاز منذ الع�صر اجلاهلي‪ ،‬فكانوا على عالقات‬
‫اجتماعية و�سيا�سية واقت�صادية وثقافية(‪. )4‬‬
‫‪2 .2‬كان �أ�ش ��راف مكة و�أحيان ًا املدينة املنورة ميدون نفوذهم �سيا�سي ًا وع�سكري ًا �إىل الديار‬
‫الغامدية والزهرانية ‪ .‬بل �إن بع�ض �أمراء الأ�ش ��راف جاءوا �إىل هذه البالد وا�س ��تقروا‬
‫به ��ا‪ ،‬وملكوا به ��ا الدور والعق ��ار‪ ،‬و�أحيان ًا يطلب �أمراء الأ�ش ��راف الع ��ون والنجدة من‬
‫الغامدين والزهرانيني �ضد �أمراء و�أ�شراف �آخرين يف مكة واملدينة(‪.)5‬‬
‫هذه م�شكلة ال تعاين منها منطقة الباحة فقط و�إمنا معظم �أجزاء اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬والبد من عمل درا�سات‬ ‫(((‬
‫و�إيجاد بدائل وحلول لهذه امل�شكالت الطبيعية اجلغرافية ‪.‬‬
‫يف املا�ض ��ي كانت جميع مواد البناء حملية‪ ،‬وكانت الطبيعة يف �أزهى ازدهارها وجمالها ‪ .‬واليوم �أ�صبحت معظم بل‬ ‫(((‬
‫جميع مواد البناء م�س ��توردة‪ ،‬ومع ذلك قام الإن�س ��ان باالعتداء على الطبيعة فجرف �أتربتها‪ ،‬ونقل حجارتها‪ ،‬وقطع‬
‫�أ�ش ��جارها ونباتاتها‪ ،‬وكل هذا �أثر �س ��لب ًا على ت�ض ��اري�س ومناخ البالد‪ ،‬بل �إن هذه الآثار ال�س ��لبية امتدت �إىل حياة‬
‫الإن�سان االجتماعية واالقت�صادية ‪.‬‬
‫هناك العديد من امل�صادر واملراجع التي ذكرت تاريخ و�أن�ساب بالد غامد وزهران‪ ،‬واعتقد �أن معظمها يحتاج �إىل‬ ‫(((‬
‫درا�س ��ة وحتليل‪ ،‬ثم التثبت من �ص ��حة ما ورد بها ‪ .‬كما �أن �أن�س ��اب غامد وزهران الزالت حتتاج �إىل درا�سات علمية‬
‫�أكادميية موثوقة ‪.‬‬
‫كت ��ب الرتاث الإ�س�ل�امي املبكرة ت�ش ��تمل على �ش ��ذرات ورواي ��ات ت�ؤكد على عالق ��ة زهران وغامد ب�س ��كان احلجاز‬ ‫(((‬
‫وبخا�ص ��ة قبيلة كنانة التي منها ع�ش�ي�رة قري�ش ‪ .‬وتاريخ هذه البالد الأزدية قبل الإ�سالم وخالل القرون الإ�سالمية‬
‫الأوىل جدير بالبحث والدرا�سة العلمية الأكادميية ‪.‬‬
‫م�ص ��ادر تاريخ احلجاز منذ القرن (‪3‬ـ‪12‬هـ‪9/‬ـ ‪18‬م) حتوي بع�ض الروايات التي ت�ؤكد ا�س ��تعانة بع�ض �أ�شراف مكة‬ ‫(((‬
‫بالزهرانيني والغامدين من �أجل ا�س ��تعادة �س ��لطانهم من بع�ض عمومتهم الذين تغلبوا عليهم‪ ،‬وال�صالت التاريخية‬
‫واحل�ض ��ارية بني غامد وزهران و�أهل احلجاز خالل القرون الإ�س�ل�امية املبكرة والو�س ��يطة‪ ،‬مو�ضوع جدير بالبحث‬
‫والدرا�س ��ة ‪ .‬وي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لر�سالة ماج�ستري‪ ،‬ون�أمل �أن يتوىل ذلك �أحد طالب �أق�سام التاريخ الأكادميية‬
‫يف جامعاتنا ال�سعودية ‪.‬‬
‫‪313‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫‪3 .3‬الذاهب يف �أرجاء بالد غامد وزهران اليوم‪ ،‬تهامة و�س ��راة‪ ،‬يجد بع�ض القرى والأ�س ��ر‬
‫التي تدعي ن�س ��بها يف القبائل العدنانية ‪ .‬وقد التقيت �أثناء جولتي التي قام عليها هذا‬
‫�واح من تهامة و�س ��راة زهران‪،‬‬ ‫البح ��ث ببع� ��ض الأعيان والوجه ��اء والعامة يف قرى ون � ٍ‬
‫و�أطلع ��وين عل ��ى بع�ض املخطوطات وامل�ش ��جرات الن�س ��بية التي ترجع ن�س ��بهم �إىل بني‬
‫ها�شم و�أحيان ًا �إىل قري�ش ‪ .‬وقد حاولت احل�صول على �صور من تلك امل�شجرات لكنهم‬
‫امتنعوا‪ ،‬ف�أو�ص ��يتهم بالكتابة عنها‪ ،‬مع �أنهم طلبوا منا عدم ذكر �أ�س ��مائهم‪ ،‬ون�أمل �أن‬
‫ي�أت ��ي الي ��وم الذي يقتنعون فيخرجون ما لديهم من تراث وموروث علمي‪� ،‬أو ي�س ��لموها‬
‫�إىل باحثني �أو مركز بحث يتوىل درا�ستها و�إخراجها(‪. )1‬‬
‫يف الع�ص ��ر احلدي ��ث جتاذب ��ت بالد الباح ��ة بع�ض الق ��وى ال�سيا�س ��ية والإدارية‪ ،‬ففي‬
‫الن�ص ��ف الأول من القرن (‪13‬هـ‪19/‬م) دخلت حتت نفوذ الأ�ش ��راف والقوى العثمانية يف‬
‫احلجاز‪ ،‬ويف فرتة �أخرى �صارت �إىل جانب �إمارة �آل املتحمي يف ع�سري‪ ،‬وا�ستمرت على هذا‬
‫املنوال منذ اخلم�س ��ينيات �إىل ثمانينيات القرن نف�س ��ه(‪ . )2‬وعندما �أ�ص ��بحت ع�سري حتت‬
‫حك ��م املت�ص ��رفية العثمانية يف �أبه ��ا ( ‪1289‬ـ ‪1337‬هـ ‪1873/‬ـ‪1918‬م) �أ�ص ��بحت منطقة‬
‫الباحة �إداري ًا و�سيا�سي ًا تابعة حلكومة بني عثمان يف �أبها(‪ . )3‬وعند جميء احلكم ال�سعودي‬
‫احلدي ��ث �إىل اجلنوب يف �أربعينيات القرن ( ‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬دخلت هذه البالد حتت حكومة‬
‫ابن �سعود‪ ،‬وتطورت حتى �أ�صبحت منطقة رئي�سية من مناطق اململكة العربية ال�سعودية(‪. )4‬‬
‫ومن ثم فاملنطقة الباحوية بقيت والزالت متم�س ��كة ب�ص ��راحة ن�سب �أهلها‪ ،‬مع �أنه وفد‬
‫�إىل املنطقة خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) العديد من الأجنا�س الب�شرية‪ ،‬ومنهم من‬
‫مكث بها وقت ًا ق�صري ًا‪ ،‬و�آخرون �أقاموا فيها �أوقات ًا طويلة‪ ،‬ون�سبة قليلة ا�ستوطنوها وال زالوا‬
‫يعي�ش ��ون بها �إىل اليوم‪ ،‬وقد جرى على الرتكيبة ال�سكانية الغامدية والزهرانية منذ القرن‬
‫(‪13‬هـ‪19/‬م) بع�ض التحوالت التي نذكر بع�ضها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫م ��ن خالل جتوالنا يف عموم منطقة الباحة‪ ،‬ومقابلتنا لبع�ض الأ�س ��ر والأفراد الذين ينتمون �إىل بيوتات علم قدمية‬ ‫(((‬
‫وجدنا �أنهم يقتنون بع�ض الوثائق ال�سطحية يف مادتها العلمية‪ ،‬ورمبا لو در�ست فقد يجد الباحث فيها معلومات ذات‬
‫قيم ��ة ‪ .‬م ��ع العلم �أنني على يقني �أن هن ��اك وثائق حملية متناثرة بني �أيدي النا�س‪ ،‬ورمبا تكون ذات فائدة كبرية يف‬
‫ميدان البحث التاريخي واحل�ض ��اري لبالد غامد وزهران ‪ .‬ون�أمل �أن يقوم �أحد طالبنا يف برنامج الدرا�س ��ات العليا‬
‫يف ق�سم التاريخ بجامعة امللك خالد فيتوىل هذا املو�ضوع بالبحث والدرا�سة العلمية الأكادميية ‪.‬‬
‫هن ��اك العدي ��د من الدرا�س ��ات احلديثة التي ذك ��رت تاريخ منطقة الباح ��ة خالل حكمي الأ�ش ��راف يف احلجاز و�آل‬ ‫(((‬
‫املتحمي و�آل عائ�ض يف ع�س�ي�ر ‪.‬خالل القرن (‪13‬هـ‪19/‬م)‪ ،‬وتاريخ غامد وزهران يف تلك احلقبة ي�س ��تحق �أن يفرد‬
‫له كتاب �أو ر�سالة علمية م�ستقلة ‪.‬‬
‫هناك�إ�شاراتودرا�ساتخمت�صرةعنمت�صرفيةع�سرييفع�صرالنفوذالعثماينمن(‪1289‬ـ‪1337‬هـ‪1873/‬ـ‪1918‬م)‪،‬‬ ‫(((‬
‫و�إفراد بحث م�ستقل عن البالد املمتدة من �أبها �إىل الباحة خالل تلك احلقبة جدير باالهتمام‪ ،‬ون�أمل �أن يقوم �أحد‬
‫طالب الدرا�سات العليا يف واحد من �أق�سام التاريخ باململكة فيتوىل هذه الفرتة بالبحث والدرا�سة العلمية ‪.‬‬
‫تاريخ منطقة الباحة يف الع�ص ��ر ال�سعودي احلايل ي�ستحق ع�ش ��رات الكتب وهذه مهمة جامعة الباحة فتن�شئ مركز‬ ‫(((‬
‫بحث يتوىل هذه احلقبة بالبحث والدرا�سة الأكادميية اجلادة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪314‬‬
‫�أ ـ ال�سكان الأ�صليون مقيمون يف مواطنهم‪ ،‬والذاهب الآيب يف البالد يجد �أن كل قرية‪،‬‬
‫وكل فخذ وع�ش�ي�رة وبطن ي�س ��كنون يف ناحية من ه ��ذه الديار ال�س ��روية والتهامية‪،‬‬
‫و�إذا انتقلوا من مواطنهم �أو م�س ��اكنهم فهم ال يذهبون بعيد ًا و�إمنا يبقون يف حميط‬
‫ديارهم التي قطنوها منذ �أزمنة قدمية(‪. )1‬‬
‫ب ـ ممار�سة التجارة‪� ،‬أو الزراعة‪� ،‬أو غزوات حربية قدمت �إىل املنطقة‪ ،‬كل هذه الأعمال‬
‫ال�سيا�سية واحل�ض ��ارية جلبت بع�ض الأجنا�س والعنا�صر الب�شرية �إىل املنطقة لكنها‬
‫مل ت�ؤثر ب�شكل ملمو�س يف تغيري الرتكيبة ال�سكانية ‪.‬‬
‫ج ـ من ��ذ قي ��ام الدولة ال�س ��عودية احلديث ��ة وفت ��ح امل�ؤ�س�س ��ات الإدارية واملدار� ��س‪� ،‬أدى‬
‫ذلك �إىل وفود عنا�ص ��ر ب�ش ��رية �إىل املنطقة بع�ض ��هم من داخل اململكة و�آخرين من‬
‫خارجها ‪ .‬فالعاملون يف امل�ؤ�س�س ��ات الإداري ��ة قدموا من احلجاز وجند للعمل يف هذه‬
‫القطاع ��ات احلكومية‪ ،‬وعا�ش ��روا �أهل املنطقة‪ ،‬وقليل منهم تزوج ��وا من هذه الديار‬
‫الغامدية والزهرانية‪� ،‬أما مهنة التعليم فقد جاء للعمل فيها �أجنا�س عديدة من داخل‬
‫اململكة ومعظمهم من خارجها(‪ . )2‬والرا�ص ��د حلركة املعلمني يف منطقة الباحة منذ‬
‫الت�س ��عينيات يجد �أن معظمهم من بالد ال�شام‪ ،‬وم�صر‪ ،‬وال�سودان‪ ،‬وهناك مدر�سون‬
‫�آخ ��رون غربيون لتدري�س اللغة الإجنليزية‪ ،‬وا�س ��تمر ذلك حت ��ى الثمانينيات‪ ،‬ثم بد�أ‬
‫املعلمون ال�سعوديون ي�صلون �إىل منطقة الباحة ويحلون حمل الوافدين املتعاقدين(‪.)3‬‬
‫د ـ تدف ��ق الب�ت�رول بكميات كبرية‪ ،‬وات�س ��اع وتطور التنمية يف اململك ��ة‪ ،‬ووجود جامعات‬
‫ووظائ ��ف حكومي ��ة‪ ،‬جع ��ل �أبناء منطق ��ة الباحة يهاج ��رون من �أوطانه ��م �إىل املدن‬
‫واحلوا�ض ��ر الك�ب�رى م ��ن �أجل تنمي ��ة �أنف�س ��هم وتطوي ��ر �أو�ض ��اعهم االقت�ص ��ادية‬
‫والتعليمي ��ة‪ ،‬وم ��ن ثم حدثت هجرة كبرية من قرى منطق ��ة الباحة �إىل مدن اململكة‬
‫الكربى‪ ،‬وعندما افتتحت املدار�س العليا والوظائف احلكومية يف الباحة وبلجر�ش ��ي‬
‫جند �شباب ورجال القرى والبوادي يتجهون �إىل مراكز النمو واحل�ضارة‪ ،‬يف املنطقة‬
‫نف�س ��ها‪ ،‬وهذا مما جعل الرتكيبة ال�سكانية تت�أثر من خالل هذه الهجرات ‪ .‬والغالب‬
‫�أن الن�س ��اء والأطفال وامل�س ��نني مكثوا يف مواطنهم الرئي�سية‪ ،‬واملتنقلون هم من فئة‬
‫ال�شباب والرجال(‪.)4‬‬

‫((( وقف الباحث على قرى حديثة وقدمية يف مواطن الع�ش�ي�رة الواحدة‪ ،‬و�س ��اكنيها من بطن �أو فخذ �أو ن�س ��ب واحدة ‪.‬‬
‫واحلراك العمراين �أحيان ًا هو الذي يجعلهم ينتقلون من مكان لآخر �ضمن حدود قبائلهم �أو ع�شائرهم الرئي�سية ‪.‬‬
‫((( تاريخ التطور الإداري والتعليمي يف منطقة الباحة خالل الن�ص ��ف الثاين من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ي�س ��تحق �أن يكون‬
‫مو�ض ��وع ًا لأطروحة علمية لدرجتي املاج�س ��تري �أو الدكتوراه‪ ،‬ن�أمل �أن نرى طالب ًا جاد ًا يف �أحد �أق�سام التاريخ فيقوم‬
‫بالبحث والدرا�سة الأكادميية لهذا املو�ضوع ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( تاريخ هذا احلراك االجتماعي خالل الثمانني �سنة املا�ضية جدير بالبحث والدرا�سة العلمية الأكادميية ‪.‬‬
‫‪315‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫هـ ـ فتح الطرق وربط القرى واملدن بع�ض ��ها ببع�ض جعل �أبناء املنطقة �أنف�س ��هم يت�صلون‬
‫ببع�ض ��هم البع�ض يف جتاراتهم و�أو�ض ��اعهم االقت�ص ��ادية‪ ،‬كما �أن امل�صاهرة والزواج‬
‫انت�ش ��ر وتو�سع بني الع�شائر والبطون‪ ،‬ففي املا�ضي كان الرجل �أو املر�أة ال يتزوجون �إال‬
‫يف حميط قراهم‪ ،‬ومنذ عقدين �أو ثالثة جند �أن الرجال ال يقت�صرون على الزواج من‬
‫قبائل غامد وزهران و�إمنا خرجوا �إىل القبائل الأخرى يف اجلنوب ال�س ��عودي و�أحيان ًا‬
‫يف مناط ��ق بعي ��دة من اململكة‪ ،‬ب ��ل �إن البع�ض ـ وه ��م قلة ـ تزوجوا من خ ��ارج البالد‪،‬‬
‫كذلك الن�س ��اء �أ�ص ��بحن يتزوجن يف �أط ��راف املنطقة‪ ،‬ويف �أنحاء عدي ��دة من اململكة‬
‫العربية ال�سعودية‪ ،‬كما �أن �أهل البادية وال�سراة وتهامة يف الباحة �أ�صبحوا على �صالت‬
‫اجتماعية قوية‪ ،‬والناظر يف �أحوال املنطقة قبل ثالثة �أو �أربعة عقود‪ .‬يجد �أن ات�ص ��ال‬
‫�أهل ال�س ��راة بتهامة كان �ص ��عب ًا جد ًا‪ ،‬وذلك لوعورة الطرق‪� ،‬أم ��ا اليوم فالغالبية من‬
‫ال�س ��رويني امتلكوا عقارات ومنازل يف الأج ��زاء التهامية املمتدة من مكة املكرمة �إىل‬
‫ج ��ازان(‪ .)1‬وكث�ي�ر من الغامديني والزهرانيني يعي�ش ��ون يف املدن ال�ص ��غرى والكربى‬
‫من اململكة‪ ،‬و�ص ��اروا �أ�صحاب �أموال وعقار‪ ،‬وال ي�أتون بالدهم الرئي�سية �إال يف �أوقات‬
‫ال�ص ��يف‪ ،‬و�أحيان� � ًا ال يعودون �إليها �إال يف ف�ت�رات متباعدة(‪ .)2‬وق ��د عرثنا على بع�ض‬
‫الوثائ ��ق التي ت�ش�ي�ر �إىل هجرة بع�ض رجال غامد وزه ��ران �إىل خارج اململكة العربية‬
‫ال�س ��عودية منذ منت�ص ��ف القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬وذلك لأ�س ��باب تعليمي ��ة �أو جتارية‪،‬‬
‫وبع�ض ��هم عادوا �إىل بالدهم وا�س ��تقر بع�ض ��هم يف اليمن وبع�ض البالد الإفريقية مثل‬
‫�إريرتيا واحلب�شة وم�صر وغريها(‪.)3‬‬
‫و ـ نلحظ �أن �سكان بادية غامد كانوا بدو ًا يتنقلون يف �أرجاء املنطقة‪ ،‬ورمبا خرجوا منها‬
‫�إىل �أط ��راف جند‪ .‬وم ��ع ظهور التمدن والتوطني تركوا التنق ��ل والرتحال وبنوا منازل‬
‫م�سلحة وا�ستقروا يف حميط قبائلهم‪ ،‬واملتجول يف بوادي �شرق غامد يجد مواطنهم‬
‫�أ�ص ��بحت قراه ��م وبيوته ��م ت�ت�راوح م ��ن دور �إىل ثالث ��ة �أدوار‪ ،‬مع توف ��ر اخلدمات‬
‫ال�ضرورية لهم مثل‪ :‬الكهرباء‪ ،‬وال�سيارات وغريها(‪. )4‬‬
‫و�إذا �ألقين ��ا نظ ��رة عامة عل ��ى مواط ��ن اال�س ��تقرار يف املنطقة وجدناها �أ�ص ��بحت‬
‫مكتظ ��ة بال�س ��كان‪ .‬فهن ��اك كثري من امل ��دن والق ��رى املتمدنة يف معظ ��م خدماتها‪،‬‬
‫ونرى املخططات والأحياء احلديثة املنت�ش ��رة يف كل حا�ض ��رة ومدينة وكذلك البنية‬
‫�إن ات�ص ��ال �أهل ال�س ��راة بتهامة خالل الثالثني �سنة املا�ضية يحتاج �إىل درا�س ��ة �أكادميية ت�شرح العوامل واملقومات‬ ‫(((‬
‫التي �ساعدت يف هذا ال�صالت‪ ،‬مع ذكر الإيجابيات وال�سلبيات التي ترتبت على هذه العالقات الب�شرية ‪.‬‬
‫تاريخ الهجرة داخل اململكة العربية ال�سعودية جدير بالبحث والدرا�سة‪ ،‬مع ذكر الأ�سباب والنتائج لتلك الهجرات ‪.‬‬ ‫(((‬
‫هجرة بع�ض الغامديني والزهرانيني خارج اململكة العربية ال�سعودية مو�ضوع هام وجدير بالبحث والدرا�سة ‪ .‬ن�أمل �أن يتخذ‬ ‫(((‬
‫مو�ضوع ًا لر�سالة ماج�ستري يف ق�سم التاريخ بجامعة امللك خالد �أو �أي ق�سم من �أق�سام التاريخ يف اجلامعات ال�سعودية ‪.‬‬
‫تاريخ توطني البادية يف جنوبي البالد ال�سعودية مو�ضوع جدير بالبحث والدرا�سة الأكادميية املوثقة ‪.‬‬ ‫(((‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪316‬‬
‫التحتية اجليدة التي ميتلكها النا�س يف مدنهم وقراهم و�أريافهم‪ ،‬فهناك امل�ؤ�س�سات‬
‫احلكومية املتطورة‪ ،‬واجلامعات‪ ،‬وامل�ست�شفيات وغريها من اخلدمات(‪ ،)1‬كل هذا �أثر‬
‫على �أهل البالد ال�ساكنني يف املدن الرئي�سية يف اململكة‪ ،‬فالبع�ض منهم تركوا املدينة‬
‫وعادوا �إىل موطن الآباء والأجداد‪ ،‬وا�ستمروا يعي�شون بني �أهلهم وع�شريتهم‪ ،‬و�أحيان ًا‬
‫يعود البع�ض وي�سكن املدن الكبرية يف منطقة الباحة مثل‪ :‬الباحة‪ ،‬وبلجر�شي‪ ،‬واملندق‬
‫وغريها ‪ .‬وفيها يجدون معظم احتياجاتهم‪ ،‬فال يفكرون باخلروج واال�س ��تقرار خارج‬
‫املنطقة(‪. )2‬‬
‫من ��ذ �أربع ��ة عقود م�ض ��ت �س ��ارت عجلة التنمي ��ة والتط ��ور يف بالد الباحة‪ ،‬فات�س ��عت‬ ‫زـ‬
‫املدن‪ ،‬وازدادت الأ�س ��واق‪ ،‬ون�شطت احلياة االقت�ص ��ادية واالجتماعية‪ ،‬وبد�أت العمالة‬
‫اخلارجي ��ة تف ��د �إىل البالد‪ ،‬وكان اليمنيون الأكرث ن�س ��بة يف الت�س ��عينيات من القرن‬
‫(‪14‬ه� �ـ‪20/‬م)‪ ،‬ثم ا�س ��تقدمت جن�س ��يات �أخرى منهم‪:‬امل�ص ��ريون‪ ،‬وال�س ��ودانيون‪،‬‬
‫والأفغان‪ ،‬والباك�س ��تانيون‪ ،‬والهنود‪ ،‬وبع�ض الفلب�ي�ن‪ ،‬والبنجاليني‪ ،‬و�أعداد قليلة من‬
‫الغربيني‪ ،‬وال�صينيني والكوريني‪ ،‬وغريهم ‪ .‬واملتجول اليوم يف �أرجاء منطقة الباحة‬
‫يجد �أن هذه العمالة الوافدة هي املحرك االقت�ص ��ادي يف املنطقة‪ ،‬فال يخلو م�ص ��نع‬
‫�أو �سوق �أو م�ؤ�س�سة �أهلية �أو حكومية من وجود هذه العنا�صر اخلارجية(‪. )3‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬الأو�ضاع االجتماعية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الأ�سرة واملجتمع‪:‬‬
‫كانت الأ�س ��رة يف املا�ض ��ي القريب تعي�ش يف منزل واحد‪ ،‬وتتكون �آن ��ذاك من الأجداد �إن‬
‫وج ��دوا‪ ،‬والآباء‪ ،‬والأحفاد‪ ،‬واجل ��د �أو الأب الأكرب هو رئي�س العائلة‪ ،‬فال يتخذ قرار هام مثل‪:‬‬
‫�س ��فر‪� ،‬أو زواج‪� ،‬أو �إقام ��ة وليم ��ة‪� ،‬أو القيام ب�أمر ما من �أي فرد من �أف ��راد العائلة �إال بعد �أخذ‬
‫ر�أي وموافقة كبري الأ�س ��رة ‪ .‬و�أحيان ًا تكون بع�ض الأ�سر يف مكان واحد‪ ،‬وتعي�ش يف دار واحدة‪،‬‬
‫وتتعاون فيما بينها على ك�س ��ب �أرزاقهم ‪ .‬والرجال غالب ًا يعملون خارج البيت‪ ،‬والن�س ��اء يعملن‬

‫((( حركة التنمية يف منطقة الباحة ال ب�أ�س بها لكن الزالت حتتاج �إىل جهود كبرية من �أجل النهو�ض باملنطقة وتطويرها‬
‫حتى تت�ساوى مع املناطق الأخرى املتح�ضرة واملتطورة يف اململكة ‪.‬‬
‫((( ه ��ذا م ��ا مل�س ��ه الباحث‪ ،‬وقابل بع�ض الأ�س ��ر والرجال الذي ��ن تركوا املدن الك�ب�رى وعادوا �إىل بالده ��م‪ .‬و�أعتقد �أن‬
‫ن�سبتهم الزالت قليلة‪ ،‬لأن منطقة الباحة الزالت تعاين من بع�ض الق�صور يف جماالت التنمية مثل‪ :‬القطاع ال�صحي‪،‬‬
‫واملطارات‪ ،‬واملياه وخدمات ال�صرف ال�صحي وغريها ‪.‬‬
‫((( هذه العمالة غري م�س ��تقرة‪ ،‬وتعي�ش يف املنطقة �ض ��من قوانني �س ��نتها الدولة‪ ،‬لكنهم �شكلوا �شريحة كبرية يف احلياة‬
‫ال�س ��كانية ‪ .‬وجميع مدن وحوا�ض ��ر وقرى و�أرياف اململكة تعي�ش الو�ض ��ع نف�س ��ه واختالط هذه الأجنا�س الوافدة مع‬
‫�سكان البالد الأ�صليني جعلهم ي�ؤثرون ويت�أثرون يف احلياة االجتماعية واحل�ضارية و درا�سة عالقة هذه العمالة ب�أهل‬
‫البالد الأ�صليني‪ ،‬والآثار املرتتبة على ذلك مو�ضوع ي�ستحق الدرا�سة والبحث الأكادميي اجلاد ‪.‬‬
‫‪317‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫يف البيوت وي�ساعدن رجالهن يف الأعمال اخلارجية مثل‪� :‬أعمال الزراعة‪ ،‬والرعي‪ ،‬واالحتطاب‬
‫وغري ذلك (‪ . )1‬وكان �أهل ال�سراة يعملون يف الزراعة �إىل جانب الرعي وجمع احلطب‪ ،‬والو�ضع‬
‫نف�سه عند �أهل تهامة‪�،‬أما البوادي فعملهم الرئي�س رعي موا�شيهم ومتابعتها(‪.)2‬‬
‫وجمتمع القرية الواحدة يتكون من �أ�سر عديدة يجتمعون �أحيان ًا يف جد واحد‪ ،‬وقد تعي�ش‬
‫�أ�سر عديدة يف القرية و�أجدادهم خمتلفون‪� ،‬إال �أنهم ينت�سبون �إىل قبائل �أزدية قحطانية‪ ،‬ورمبا‬
‫عا�ش ��ت بع�ض الأ�س ��ر العدنانية �إىل جوار هذه الأ�س ��ر القحطانية(‪ .)3‬وكل جمتمع قروي يوجد‬
‫عن ��د �س ��كانه العديد من الأعراف والنظم التي ت�س ��اعدهم على التج ��اور والتعاون والتعاي�ش‪،‬‬
‫والع�شرية الواحدة تت�ألف من عدد من الأ�سر والقرى التي يجمع بينها رابط الن�سب �أو اجلوار‬
‫�أو احللف ‪ .‬وهكذا كان نظام حياة �سكان منطقة الباحة يف القرون ال�سابقة(‪.)4‬‬
‫التم ��دن والتطور الذي تعي�ش ��ه منطق ��ة الباحة خالل العق ��ود الثالثة املا�ض ��ية جعل �أفراد‬
‫الأ�س ��رة الواحدة و�أفراد املجتمع القروي �أو الع�شائري ال�صغري يتغري‪ ،‬فلم ي�صبح هناك اجتماع‬
‫وت�آلف وتقارب كما كانوا يف ال�سابق‪ ،‬وذلك لأ�سباب عديدة نذكر �أهمها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫�أ ـ وف ��رة املال يف �أيدي النا�س جعلتهم يتفرقون يف ال�س ��كن وبن ��اء الدور‪ ،‬فنادر ًا ما‬
‫جتد االبن بعد زواجه يبقى �س ��اكن ًا مع والده‪ ،‬و�إمنا ي�س ��عى �إىل بناء منزل خا�ص‬
‫به و�أبنائه‪� ،‬أو ي�ست�أجر بيت ًا م�ستق ًال‪.‬‬
‫ب ـ تكاثر �أفراد الأ�س ��رة‪ ،‬ورغبة الرجل يف اال�س ��تقالل بزوجت ��ه ومنع اختالطها مع‬
‫غري املحارم(‪ ،)5‬و�أحيان ًا �ض ��يق النفو�س فالأخ �أو الأخت كل منهما يف�ض ��ل العي�ش‬
‫مبفرده ويف مكان منف�صل عن الآخر‪.‬‬

‫درا�سة تاريخ الأ�سرة يف منطقة الباحة مو�ضوع هام‪ ،‬وي�ستحق �أن يكون مو�ضوع بحث علمي �أو ر�سالة �أكادميية ‪.‬‬ ‫(((‬
‫هذا ما �س ��معه الباح ��ث من بع�ض الغامديني والزهرانيني الذين عا�ص ��روا حياة النا�س يف الن�ص ��ف الثاين من القرن‬ ‫(((‬
‫(‪14‬هـ‪20/‬م)‪ .‬كما �أن الباحث عا�صر الو�ضع نف�سه يف منطقة ع�سري خالل الت�سعينيات من القرن الهجري املا�ضي ‪.‬‬
‫م ��ن خ�ل�ال جتوالن ��ا يف �أجزاء م ��ن تهامة و�س ��راة منطق ��ة الباح ��ة وجدنا بع� ��ض الأ�س ��ر العدنانية‪ ،‬وه ��م قليلون‪،‬‬ ‫(((‬
‫ي�س ��توطنون بع� ��ض الق ��رى الت ��ي ج ��ل �س ��كانها م ��ن الأزد ‪ .‬م�ش ��اهدات الباح ��ث يف �ش ��هر ذي احلج ��ة ع ��ام‬
‫( ‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫حياة القرى والع�ش ��ائر الغامدية والزهرانية يف املا�ض ��ي ي�س ��ودها الرتابط والتعاون والتكاتف‪ ،‬و�ش ��يخ الع�ش�ي�رة �أو‬ ‫(((‬
‫القبيلة هو �ص ��احب احلل والرب ��ط بني �أفراد قبيلته‪ ،‬وهناك الكثري من الوثائ ��ق االجتماعية التي تعك�س نظام حياة‬
‫الأ�سرة واملجتمعات الع�شائرية يف املنطقة ‪ .‬ودرا�سة التاريخ االجتماعي للمنطقة خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪� ،‬أو �أي‬
‫قرن �سابق لذلك مو�ضوع جدير بالبحث والدرا�سة وي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لكتاب �أو �أطروحة علمية ‪.‬‬
‫�إىل نهاية القرن الهجري املا�ض ��ي كان االختالط �س ��ائد ًا بني النا�س‪ ،‬فالن�ساء ال يغطني وجوههن‪ ،‬ويجال�سن الغريب‬ ‫(((‬
‫وغري املحرم‪ ،‬ويعملن مع الرجال يف ممار�س ��ة املهن االقت�ص ��ادية املختلفة ‪ .‬ومن ��ذ بداية هذا القرن (‪15‬هـ‪20/‬م)‬
‫ن�ش ��طت الدعوة والتعليم بني النا�س وبد�أ الن�س ��اء تدريجي ًا يلب�س ��ن احلجاب‪ ،‬ومل ي�أت العقد الثاين من القرن نف�سه‪،‬‬
‫�إال وجميع الن�س ��اء متحجبات‪ ،‬وجمتمع الن�س ��اء منف�ص�ل ً�ا عن املجتمع الرجايل ‪ .‬هذا ما �س ��معه الباحث يف الباحة‬
‫و�شاهده يف �أرجاء منطقة ع�سري خالل ت�سعينيات القرن( ‪14‬هـ‪20/‬م)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪318‬‬
‫ج ـ ات�س ��اع القرى واملدن‪ ،‬واختالط النا�س بع�ضهم ببع�ض‪ ،‬وال�سفر خارج املنطقة �أو‬
‫داخلها من �أجل العمل يف بع�ض الوظائف‪� ،‬أو التعليم ‪ .‬وال�سفر للوظيفة والتعليم‬
‫والتعلم مل ي�ص ��بح مق�ص ��ور ًا على الرجال فقط‪ ،‬و�إمنا �شمل �شريحة من الن�ساء‪،‬‬
‫وهذا �س ��اعد يف تفتت الأ�س ��ر وتناثرها‪ ،‬وقد ال يلتقون �إال يف املنا�سبات‪ ،‬و�أحيان ًا‬
‫متر ال�شهور وال�سنوات وال يتقابلون(‪.)1‬‬
‫‪2‬ـ العمارة ومرافقها ‪:‬‬
‫�أ ـ القرى واملدن ‪:‬‬
‫�ش ��اهدنا مئ ��ات الق ��رى املتناثرة يف �س ��روات زهران وغام ��د‪ ،‬ويف ب ��وادي غامد‪ ،‬ويف‬
‫الأج ��زاء التهامية املمتدة من غامد الزناد جنوب ًا �إىل قرية احلجرة �ش ��مال تهامة زهران‪،‬‬
‫ويف مدينة املخواة‪ ،‬و�أ�س ��فل �ش ��دا الأعلى والأ�س ��فل‪ ،‬ويف واديي الأح�سبة ونريا‪ .‬وقد خرجنا‬
‫بانطباعات عامة ندرج �أهمها يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪1 .1‬جمي ��ع القرى مبنية باحلج ��ارة‪ ،‬وال يوجد يف منطقة الباحة قرى م�ش ��يدة بالطني كما‬
‫هي يف بالد �شهران‪ ،‬و�أجزاء من مناطق ع�سري وجازان وجنران(‪ ،)2‬والقرى تبنى على‬
‫م�س ��احة �ضيقة من الأر�ض‪ ،‬وت�شيد على �ض ��فاف الأودية‪ ،‬وهناك قرى كثرية يف ر�ؤو�س‬
‫اجلبال‪ ،‬ومنازل القرى متال�ص ��قة بع�ض ��ها مع بع�ض‪ ،‬وترتاوح ارتفاعاتها من دور �إىل‬
‫دورين‪ ،‬ورمبا و�صل بع�ضها �إىل �أربعة �أو خم�سة �أدوار وبخا�صة منازل الأعيان وال�شيوخ‬
‫والوجهاء و�أ�صحاب املال(‪.)3‬‬
‫‪2 .2‬املالحظ على معظم القرى وجود بع�ض الأزقة ( امل�ساريب‪ :‬جمع م�سراب ) التي تربط‬
‫�أجزاء القرية بع�ض ��ها ببع�ض‪ ،‬وهي ممرات �ض ��يقة ي�س ��تخدمها املارة �أثناء التنقل يف‬
‫القرية‪ ،‬والظاهر على هذه الطرقات �أنها �ض ��يقة ف�ل�ا يزيد عر�ض الزقاق الواحد عن‬
‫مرت ورمبا و�صل �إىل مرتين يف بع�ض الأماكن‪ ،‬كما �أن كل قرية يتو�سطها م�سجد‪ ،‬وجميع‬
‫مواد بناء القرية حملية‪ ،‬ونادر ًا ما ت�ستورد �شيئ ًا من خارج املنطقة(‪.)4‬‬
‫مقارنة و�ض ��ع الأ�س ��ر واملجتمعات بني املا�ضي واحلا�ض ��ر‪ ،‬ففي املا�ضي كانوا يعي�ش ��ون يف وئام وت�آلف وتراحم وت�آزر‬ ‫(((‬
‫وتكاتف‪ ،‬مع �أن ظروف املعي�ش ��ة كانت �ص ��عبة وقا�س ��ية ‪� .‬أما اليوم ف�أ�صبحوا يف �أو�ض ��اع اقت�صادية وثقافية وتعليمية‬
‫و�ص ��حية �أف�ض ��ل من ال�س ��ابق‪� ،‬إال �أن اجلانب املعنوي االجتماعي الإيجابي �أ�ص ��بح �ض ��عيف ًا‪ ،‬فتج ��د �أحيان ًا القطيعة‬
‫والبغ�ضاء بني �أفراد الأ�سرة �أو املجتمع الواحد‪ ،‬بل ت�صل الأمور �أحيان ًا عند بع�ض الأفراد �إىل الكراهية‪ ،‬وهذه �أمور‬
‫خطرية ت�ؤدي �إىل هدم الأ�سر واملجتمعات ‪.‬‬
‫ً‬
‫م�شاهدات الباحث يف مناطق اجلنوب( جازان‪ ،‬وجنران‪ ،‬وع�سري‪ ،‬والقنفذة‪ ،‬والباحة ) خالل الثالثني عاما املا�ضية ‪.‬‬ ‫(((‬
‫م�شاهدات الباحث وجوالته يف �شهر ذي احلجة عام ( ‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫تاريخ القرى الغامدية والزهرانية ت�ستحق �أن يفرد لها درا�سة علمية موثقة بال�صورة ‪ .‬ون�أمل �أن نرى �أحد الباحثني‬ ‫(((‬
‫اجلادين فيتوالها بالبحث والتوثيق ‪.‬‬
‫‪319‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫‪�3 .3‬أ�ص ��اب الكثري من قرى ال�سراة اخلراب‪ ،‬وهناك قرى كثرية اندثرت متام ًا ومل يبق �إال‬
‫�أثرها‪ ،‬بعك�س قرى تهامة فالزال الكثري منها متما�سك العمارة مع �أنها مهجورة‪ ،‬وهي‬
‫يف طريقها �إىل الدمار‪.‬‬
‫‪4 .4‬تفتقد القرى القدمية �إىل بع�ض املرافق الرئي�س ��ية مثل احلمامات‪ ،‬واملطابخ امل�ستقلة‪،‬‬
‫ويحيط ببع�ضها �أحوا�ش من احلجارة‪ ،‬و�أحيان ًا ت�شيد بع�ض املالحق القريبة من املنزل‬
‫الرئي�س‪ ،‬وذلك من �أجل ا�ستخدامها خمازن لبع�ض الأعالف �أو �سكن ًا للحيوانات‪ ،‬وقد‬
‫ت�ستخدم للنوم �أحيان ًا (‪.)1‬‬
‫‪5 .5‬عرف �سكان تهامة بع�ض القرى املبنية من الق�ش والأخ�شاب‪� ،‬أما �سكان البوادي فكانوا‬
‫بدو ًا رح ًال و�إذا مكثوا يف مكان ما ف�إنهم يبنون جتمعاتهم ال�سكنية من بيوت ال�شعر(‪.)2‬‬
‫وقد قامت قرى وبلدات ومدن حديثة يف املنطقة‪ ،‬والناظر �إىل مدن الباحة‪ ،‬وبلجر�ش ��ي‪،‬‬
‫واملندق‪ ،‬واملخواة‪ ،‬وقلوة ‪� .‬أو �إىل بع�ض الأحياء يف حا�ضرة الباحة مثل‪ :‬الظفري‪� ،‬أو بني ظبيان‪،‬‬
‫�أو العقيق‪� ،‬أو رغدان ‪� .‬أو �إىل �أي قرية �صغرية �أو كبرية يف املنقطة‪ ،‬ف�إنه يلحظ ما يلي‪:‬‬
‫‪1 .1‬جمي ��ع منازل املدينة �أو القرية احلديثة م�س ��لحة‪ ،‬وترتاوح �أدوراه ��ا من دور واحد �إىل‬
‫خم�س ��ة و�س ��تة �أدوار يف القرى واملراكز الفرعية‪ ،‬ورمبا و�صلت بع�ض الأبنية يف مدينتي‬
‫الباحة وبلجر�شي �إىل ثمانية وع�شرة �أدوار‪ ،‬وهي قليلة(‪.)3‬‬
‫‪2 .2‬م�س ��احة الق ��رى وامل ��دن احلديثة �أكرب من م�س ��احات الق ��رى القدمية‪ ،‬كم ��ا �أنها ذات‬
‫تخطيط �أف�ض ��ل من القرية‪ ،‬فهناك �ش ��وارع وا�س ��عة ترب ��ط �أطراف القري ��ة �أو املدينة‬
‫بع�ضها مع بع�ض‪ ،‬وتوجد �أي�ض ًا طرق �سهلة م�سفلتة تربط بني املدن والقرى(‪.)4‬‬
‫‪3 .3‬جميع القرى واملدن واحلوا�ضر ت�شتمل على م�سجد وا�سع‪ ،‬ويجتمع �سكان القرية �أوالبلدة‬
‫يف م�سجد جامع تقام فيه �صالة اجلمعة‪ ،‬وجميع منازل املدن الع�صرية تتكون من غرف‬
‫وجمال�س متعددة بالإ�ض ��افة �إىل مطابخ م�ستقلة وحمامات‪ ،‬وال تخلو كل مدينة �أو قرية‬
‫من دكاكني �أو �أ�سواق جتارية تتفاوت يف معرو�ضاتها وم�ساحاتها وطريقة ت�شييدها (‪.)5‬‬

‫((( ال توجد هذه املرافق �إال يف بيوت الأغنياء والوجهاء وال�شيوخ‪� ،‬أما �أغلبية منازل القرية فهي متوا�ضعة وحمدودة امل�ساحة ‪.‬‬
‫((( ما �سمعه الباحث من بع�ض الرواة يف منطقة الباحة‪ ،‬كما �شاهد هذا النوع من التجمعات ال�سكنية يف منطقة ع�سري‬
‫خالل ت�سعينيات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫((( م�شاهدات الباحث يف �شهر ذي احلجة عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( �إجراء درا�سة تاريخية عمرانية مقارنة بني القرى القدمية �أو املدن والقرى احلديثة مو�ضوع جدير بالبحث والدرا�سة‬
‫‪ .‬ون�أمل �أن نرى �أحد طالبنا يف ق�س ��م التاريخ بجامعة امللك خالد في�س ��جل هذا املو�ضوع عنوان ًا لأطروحته يف درجتي‬
‫املاج�ستري �أو الدكتوراه ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪320‬‬
‫‪4 .4‬تختل ��ف مدن وق ��رى اليوم عن الق ��رى القدمية‪ ،‬ففي ال�س ��ابق كانت كل قرية م�س ��تقلة‬
‫بذاته ��ا‪ ،‬كما �أن �أغلب القرى يف ال�س ��ابق ُتبنى يف املرتفعات‪� ،‬أم ��ا التجمعات العمرانية‬
‫يف الع�صر احلديث فتكون متقاربة و�أحيان ًا مرتابطة بطرق م�سفلتة م�ضاءة ومر�صوفة‪،‬‬
‫والناظر يف مدينة الباحة �أو بلجر�شي مث ًال يجدها تتكون من عدة �أحياء كونت احلا�ضرة‬
‫مبفهومها الوا�سع(‪.)1‬‬
‫ب ـ املنازل‪ ،‬واحل�صون‪ ،‬وامل�ساجد‪:‬‬
‫منازل املنطقة قدمي ًا حمدودة يف غرفها ويف �أدوارها‪ ،‬فال�سواد الأعظم تتكون من دور‬
‫و�أحيان ًا دورين‪ ،‬والدور الأول ل�س ��كنى البهائم وخزن الأعالف‪ ،‬والثاين لل�س ��كن ورمبا خزن‬
‫احلبوب وبع�ض الأمتعة والأغرا�ض الثمينة‪ ،‬و�أبواب ونوافذ و�س ��قوف املنازل من الأخ�ش ��اب‬
‫املحلية‪ ،‬وامل�ش ��يدون للمنزل م ��ن البداية �إىل النهاية من �س ��كان املنطقة‪ ،‬وهناك من يعمل‬
‫بالأجر مثل‪ :‬البناء‪ ،‬وبع�ض العمال املاهرين يف �إ�صالح احلجارة(‪.)2‬‬
‫كانت �إ�ض ��اءة املنازل �س ��ابق ًا بدائية‪ ،‬وتنق ��ل املياه �إليها من الآبار عل ��ى ظهور النا�س‪،‬‬
‫و�أحيان� � ًا ينقل امل ��اء يف القرب على ظهور احلمري‪� ،‬أما الأثاث فكان ب�س ��يط ًا‪ ،‬فال �أ�س ��رة �أو‬
‫كرا�س ��ي �إال عند بع�ض الأ�س ��ر وغالب ًا تكون لرب البيت �أو كبار ال�سن‪ ،‬وجميع الأثاث حملي‪،‬‬
‫وقد يجلب بع�ض الأثاث �أو �أدوات الطبخ من ميناء القنفذة �أو �أ�سواق احلجاز(‪.)3‬‬
‫�أما احل�صون والق�صور‪ ،‬فالثانية قليلة ومق�صورة على التجار والوجهاء و�شيوخ القبائل‪،‬‬
‫وقد �ش ��اهدنا ق�ص ��ور ابن كد�سة يف بلجر�شي‪ ،‬وق�صور ابن رقو�ش يف قرية بني �سار من بالد‬
‫بني عامر يف زهران‪ ،‬ويظهر عليها �س ��عة امل�س ��احة‪ ،‬وتعدد املرافق والأدوار‪ ،‬كما يبدو عليها‬
‫الفخامة يف البناء فلها جدر عري�ضة و�أبواب وا�سعة‪ ،‬و�سقف و�أعمدة كبرية وقوية (‪.)4‬‬

‫درا�س ��ة مدن منطقة الباحة الرئي�س ��ية جديرة بالبحث التاريخي‪ ،‬ون�أمل �أن ت�ست�ش ��عر جامعة الباحة هذه امل�س� ��ؤولية‬ ‫(((‬
‫فت�ؤ�س�س مراكز بحثية تقوم بواجباتها البحثية كما يجب ‪.‬‬
‫يقدم �ص ��احب املنزل الأطعمة والأ�ش ��ربة للعاملني يف البناء والت�ش ��ييد ملنزله ‪ .‬وكان �أهل القري ��ة الواحدة يتعاونون‬ ‫(((‬
‫فيم ��ا بينه ��م �أثناء بناء منازلهم ‪ .‬كما �أن البناء نف�س ��ه ي�س ��اعد �ص ��احب البيت ب�إعفائه من �أج ��رة عدد من الأيام ‪.‬‬
‫معا�صرة الباحث لهذا النوع من التعاون يف �أجزاء من منطقة ع�سري ‪ .‬كما �سمع هذه الروايات من بع�ض الزهرانيني‬
‫والغامدين �أثناء جتواله يف بالدهم ‪.‬‬
‫عرث الباحث على بع�ض الوثائق االجتماعية واالقت�ص ��ادية التي ت�ش�ي�ر �إىل �ش ��راء بع�ض الأدوات والأثاث الذي ي�ستخدم يف‬ ‫(((‬
‫البيوت من الأ�سواق الأ�سبوعية ومن ا�سواق احلجاز ‪ .‬كما �سمع روايات بهذا املعنى من بع�ض امل�سنني يف منطقة الباحة ‪.‬‬
‫م�ش ��اهدات الباح ��ث يف �ش ��هر ذي احلجة عام ( ‪1433‬ه� �ـ‪2012/‬م) ‪ .‬يوجد يف منطقة الباحة ( تهامة وال�س ��راة )‬ ‫(((‬
‫العديد من الق�ص ��ور وبخا�ص ��ة بيوت الوجهاء و�ش ��يوخ القبائ ��ل‪ ،‬والزال �أكرثها قائم ًا ويج ��ب ترميمها وحفظها من‬
‫االندثار ‪ .‬كما ت�ستحق �إىل �أن يجرى عنها العديد من الدرا�سات الأكادميية ‪.‬‬
‫‪321‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫�أما احل�ص ��ون فالزلنا ن�ش ��اهدها متناث ��رة يف �أرجاء املنطقة‪ ،‬ومنها ما يوجد و�س ��ط‬
‫الق ��رى وكان ي�س ��تخدم خلزن احلبوب اخلا�ص ��ة ب�أف ��راد القرية‪ ،‬واحل�ص ��ون القريبة من‬
‫املزارع وت�س ��تخدم لغر�ض حرا�س ��ة الأرا�ضي الزراعية‪� ،‬أما احل�ص ��ون املوجودة على ر�ؤو�س‬
‫اجلبال فت�س ��تخدم للمراقبة الأمنية‪ ،‬و�أحيان ًا ت�ستخدم �أثناء احلروب القبلية‪ ،‬وقد الحظنا‬
‫تعدد هذه احل�صون يف بوادي و�سروات تهامة املنطقة‪ ،‬وت�ستحق االهتمام والعناية من قبل‬
‫الهيئة العليا لل�سياحة‪ ،‬ون�أمل �أن حتفظ وترمم حتى ال تندثر(‪.)1‬‬
‫ال تخلو �أي قرية من م�س ��جد يتو�س ��طها‪ ،‬والغالب على امل�س ��اجد قدمي ًا �ضيق م�ساحتها‬
‫وارتفاعه ��ا حم ��دود ف�ل�ا يزيد ع ��ن مرتين‪ ،‬وال يوج ��د بها خدم ��ات مثل ‪� :‬أماكن للو�ض ��وء‬
‫وحمامات‪ ،‬كما �أن فر�ش ��ها ب�س ��يط‪ ،‬و�أحيان ًا تكون دون فر�ش ويكتفى بالرتاب‪ ،‬و�إ�ض ��اءتها‬
‫بالقناديل البدائية‪ ،‬و�أحيان ًا كانت ت�ستخدم الفواني�س القدمية يف �إ�ضاءتها لي ًال(‪.)2‬‬
‫ال يوج ��د وجه مقارنة للمنازل والق�ص ��ور يف وقتنا احلايل مبا كانت عليه يف ال�س ��ابق‪،‬‬
‫فالذاهب يف �أرجاء املنطقة يجد منازل وا�س ��عة يف م�س ��احتها وتعدد مالحقها‪ ،‬كما يجدها‬
‫فخمة يف مواد بنائها وتزويقها‪ ،‬ناهيك عن �أثاثها و�إ�ض ��اءتها وت�شييد حماماتها ومطابخها‬
‫فه ��ي على قدر كب�ي�ر من اجلودة‪ ،‬و�إن نظ ��رت يف �أبوابها ونوافذها وجدتها وا�س ��عة‪ ،‬ومواد‬
‫بنائه ��ا جميل ��ة‪ ،‬والفارق بني مواد البناء والعاملني يف مهنة البناء والت�ش ��ييد قدمي ًا وحديث ًا‬
‫�أنه ��ا حملية يف العمارة القدمية‪� ،‬أم ��ا اليوم فالأيدي العاملة واملواد جميعها م�س ��توردة من‬
‫خ ��ارج حدود البالد ال�س ��عودية‪ ،‬وبع�ض املواد قد يكون م�ص ��نوع ًا داخلي� � ًا لكن املواد اخلام‬
‫الرئي�سية م�ستوردة من اخلارج(‪.)3‬‬
‫�أما امل�س ��اجد الي ��وم فال تقارن مع ال�س ��ابق‪ ،‬وبناء امل�س ��اجد عالمة ممي ��زة يف تاريخ‬
‫اململك ��ة العربي ��ة ال�س ��عودية‪ ،‬فالذاهب يف �أنح ��اء البالد يجد منظومة كبرية من امل�س ��اجد‬
‫التي تتفاوت يف �أحجامها وم�س ��احاتها‪ ،‬بل يجدها ت�ش ��تمل على جميع اخلدمات الرئي�س ��ية‬
‫مثل‪ :‬احلمامات‪ ،‬والإ�ض ��اءة والأثاث املمتاز‪ ،‬ومواقف لل�س ��يارات‪ ،‬و�أماكن لتدري�س القر�آن‪،‬‬
‫و�أحيان ًا م�س ��اكن للإم ��ام وامل�ؤذن يف اجلوام ��ع الكربى(‪ ،)4‬ومن خالل جت ��وايل يف املنطقة‬
‫هذه احل�ص ��ون من املعامل احل�ض ��ارية التي تعك�س �ص ��ور من تاريخ الأوائل ويجب على مالك هذه احل�صون �أن يحافظوا عليها‬ ‫(((‬
‫من اخلراب ‪ .‬كما يجب على الهيئة العليا لل�سياحة �أن تبذل جهود ًا كبرية من �أجل احلفاظ على هذا املوروث العمراين ‪.‬‬
‫وقفت على بع�ض امل�س ��اجد القدمية يف قرى الباحة وبلجر�ش ��ي‪ ،‬وبع�ض قرى �سراة زهران‪ ،‬ويف املخواة وقلوة وغامد‬ ‫(((‬
‫الزناد‪ ،‬فوجدتها خربة مندثرة مثلها مثل منازل وح�صون القرى القدمية ‪ .‬بل وجدت على جدر بع�ضها نقو�ش ًا تذكر‬
‫تاريخ بناء امل�س ��جد‪ ،‬و�أحيان ًا ا�س ��م الباين للم�س ��جد �أو من قام على ت�شييده ‪ .‬م�شاهدات الباحث يف �شهر ذي احلجة‬
‫عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م ) ‪.‬‬
‫تاري ��خ العم ��ارة قدمي ًا وحديث ًا جدير بالبحث والدرا�س ��ة ‪ .‬ن�أم ��ل �أن نرى �أحد طالب الدرا�س ��ات العليا يف جامعاتنا‬ ‫(((‬
‫ال�سعودية وقد اتخذ مو�ضوع العمران يف جنوبي البالد ال�سعودية مو�ضوع ًا لدرجة الدكتوراه‪.‬‬
‫تاريخ امل�س ��اجد يف اململكة العربية ال�س ��عودية جدير بالبحث والدرا�س ��ة‪ ،‬ويجب �أن ي�صدر عن هذا املو�ضوع ع�شرات‬ ‫(((‬
‫الكتب والدرا�سات ون�أمل من اجلامعات ال�سعودية �أن تلتفت ملثل هذا املو�ضوع العلمي الهام ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪322‬‬
‫اطلعت على عدة م�س ��اجد متو�سطة امل�ساحة بالإ�ض ��افة �إىل جوامع كبرية مثل‪ :‬جامع امللك‬
‫فهد يف حي الظفري‪ ،‬وجامع الفاروق و�سط مدينة الباحة‪ ،‬وجامع بني �سار يف بني �سار من‬
‫�س ��راة زهران‪ ،‬وجامع الأمري حممد بن �س ��عود يف بلجر�ش ��ي‪ ،‬وجامع الأطاولة يف حمافظة‬
‫القرى‪ ،‬وجامعا �أبو بكر ال�صديق وعمر بن اخلطاب يف حمافظة املخواة‪ ،‬وجامع امللك عبد‬
‫اهلل يف حمافظة قلوة (‪.)1‬‬
‫ج ـ املقابر‪ ،‬الكهوف‪ ،‬الأ�سواق ‪:‬‬
‫الحظن ��ا املقاب ��ر منت�ش ��رة يف �أرجاء منطق ��ة الباحة ( بادية و�س ��راة وتهام ��ة )‪ ،‬وقامت‬
‫البلديات بجهود م�ش ��كورة يف ت�سوير املقابر بالبلك واخلر�سانة امل�سلحة‪ ،‬وهناك بع�ض املقابر‬
‫امل�س ��ورة ب�سياج حديدي (‪ ،)2‬وقد �شاهدنا يف �أجزاء عديدة من �سراة وبادية غامد العديد من‬
‫املقابر ال�سطحية‪ ،‬والتي ي�صل ارتفاع بع�ضها �إىل مرتين‪ ،‬بل تتكون �أحيان ًا من دور ودورين(‪،)3‬‬
‫ومن تلك املقابر مقربتان يف جبل مهرا�س وقبور الزينات يف بادية غامد فارتفاع بع�ضها ي�صل‬
‫�إىل املرت‪ ،‬واملرت والن�صف‪ ،‬واملرتين‪ ،‬وم�ساحتها تقريب ًا بني (‪2×2‬م) و(‪3×3‬م)‪ ،‬ومبنية من‬
‫احلج ��ارة املحلية‪ ،‬وبع�ض القبور منقو�ش باملرو الأبي�ض(‪ ،)4‬ومعظمها على اجتاه القبلة‪ ،‬وقليل‬
‫منها غري ذلك‪ ،‬ورمبا يعود بناء مثل هذه املقابر ال�سطحية �إىل عدة �أ�سباب هي‪:‬‬
‫‪�1 .1‬أ�ص ��حابها كانوا من الب ��دو الرحل ولي�س لديهم �أدوات حف ��ر يحفرون بها الأر�ض‬
‫لدفن موتاهم‪ ،‬لذا جل�أوا �إىل بناء هذه القبور التي يت�س ��ع بع�ض ��ها خلم�س و�أحيان ًا‬
‫لع�شر جثث ‪.‬‬
‫‪2 .2‬ع ��دم بناء بع�ض ��ها على اجت ��اه القبلة وذلك يع ��ود �إىل جهل �أهله ��ا ببع�ض تعاليم‬
‫الإ�سالم‪.‬‬
‫‪3 .3‬بع� ��ض القبور التي �ش ��اهدناها يف بادية غامد لي�س حولها �أماكن ا�س ��تيطان‪ ،‬ومن‬
‫امل�ؤكد �أن �أهلها كانوا من البدو وبيوتهم من ال�شعر فهم ال ي�ستقرون يف مكان واحد‬
‫و�إمنا ي�سعون وراء املاء والكلأ‪.‬‬

‫((( م�ش ��اهدات الباحث يف �ش ��هر ذي القعدة عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪ .‬و�أجرى درا�س ��ة مقارنة بني تاريخ امل�س ��اجد يف‬
‫القدمي وم�س ��اجد وجوامع اليوم‪ ،‬مو�ضوع جدير بالدرا�س ��ة واالهتمام‪ ،‬ون�أمل �أن نرى من يتول هذا املو�ضوع بالبحث‬
‫والدرا�سة والتحليل الأكادميي ‪.‬‬
‫نواح عديدة من الأجزاء التهامية وال�سروية يف �شهر ذي احلجة عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬ ‫((( م�شاهدات الباحث يف ٍ‬
‫((( جتولنا يف قرى �س ��راة غامد و�أجزاء من زهران ف�ش ��اهدنا تواجد املقابر ال�س ��طحية يف كل م ��كان‪ ،‬وهذه ظاهرة مل‬
‫�أ�ش ��اهدها يف مناطق �أخرى من جنوب البالد ال�س ��عودية ‪ .‬اللهم �إال يف �أماكن حم�صورة وقليلة يف ع�سري و�أجزاء من‬
‫جنران ‪ .‬م�شاهدات الباحث خالل الثالثني عام ًا املا�ضية ‪.‬‬
‫((( امل ��رو الأبي� ��ض ‪ :‬ا�س ��مه يف علم اجليولوجيا (الكوارتز) ‪ .‬ويف علم الكيمياء ( �أك�س ��يد ال�س ��ليكون ) ‪ .‬وهذا النوع من‬
‫احلجارة ي�ستخدم كزينة للأبنية يف جنوب البالد ال�سعودية‪ ،‬مثل ‪ :‬الق�صور‪ ،‬واحل�صون‪ ،‬واملنازل‪ ،‬واملقابر‪ ،‬و�أحيان ًا‬
‫املدرجات الزراعية وغريها ‪ .‬م�شاهدات الباحث خالل العقود املا�ضية املت�أخرة ‪.‬‬
‫‪323‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫كان لكل قرية �أو قرى متجاورة وتعود يف ن�س ��ب واحد مقربة خا�ص ��ة بهم‪ ،‬و�أحيان ًا جتد‬
‫لبع�ض الأ�س ��ر مقابر تخ�صها وال ت�سمح لأحد من خارج �أ�سرهم الدفن فيها‪ ،‬والزالت بع�ض‬
‫املقابر على هذا النهج �إىل يومنا احلايل ‪ .‬كما وجد م�ؤخر ًا مقابر عامة وبخا�ص ��ة يف املدن‬
‫واحلوا�ضر الكربى‪ ،‬فهي لكل النا�س يدفنون فيها موتاهم(‪.)1‬‬
‫ال تخلو بوادي و�أ�ص ��دار منطقة الباحة من الكهوف ال�ص ��خرية التي �س ��كنها الإن�س ��ان‬
‫قدمي ًا‪ ،‬و�أحيان ًا كانت الوحو�ش املفرت�س ��ة ت�س ��كن يف بع�ض الكهوف(‪ ،)2‬وقد �ش ��اهدنا كهف ًا‬
‫يف بادي ��ة بني كبري ببالد غامد‪ ،‬ويف وادي ال�س ��اق حتديد ًا فكان عبارة عن مغارة كبرية يف‬
‫ال�صخر ي�صل طوله تقريب ًا �إىل ع�شرة �أمتار‪ ،‬وعر�ضه يف املقدمة تقريب ًا ثالثة �أمتار‪ ،‬وكلما‬
‫اجتهن ��ا �إىل الداخل ي�ض ��يق العر�ض حتى ي�ص ��ل �إىل مرت �أو مرت ون�ص ��ف تقريب� � ًا(‪ .)3‬وهذا‬
‫الكهف يحيط به ال�صخر من جميع اجلهات‪ ،‬وبداخله �آثار لل�سكنى(‪.)4‬‬
‫كانت الأ�س ��واق الأ�س ��بوعية يف كل ناحية �أو ع�ش�ي�رة من منطقة الباحة (تهامة وبادية‬
‫و�س ��راة)(‪ ،)5‬وكان لكل �سوق �أنظمة وقوانني ي�سنها ويتوىل تفعيلها الع�شرية �أو الع�شائر التي‬
‫يوجد ال�سوق يف �أر�ضها(‪ ،)6‬وال�سوق قدمي ًا يقام ب�ساحة مك�شوفة يف �إحدى النواحي �أو القرى‬
‫التي يتبع لها ال�س ��وق‪ ،‬وقد وقفنا على العديد من الأ�س ��واق القدمية يف �س ��راة وتهامة غامد‬
‫وزهران‪ ،‬ولت�شابه الأ�سواق يف املكان والعر�ض‪ ،‬و�ضيق امل�ساحة املخ�ص�صة لهذا املحور نذكر‬
‫و�ص ��ف ًا موجز ًا ل�سوق احلجرة يف حمافظة احلجرة يف �شمال تهامة زهران(‪ ،)7‬فهذا ال�سوق‬
‫يقع يف �أر�ض قبيلة ال�ش ��غبان‪ ،‬وم�س ��احته تقريب ًا ( ‪100 × 100‬م )‪ ،‬ويف طرفه ح�ص ��ن من‬
‫ثالثة طوابق‪ ،‬وجزء منه م�س ��احة مك�ش ��وفة وعلى جوانبه دكاكني �ص ��غرية مبنية باحلجارة‬
‫وم�س ��احة الواح ��د منها يرتاوح م ��ا ب�ي�ن (‪2×2‬م) و(‪3×3‬م)‪ ،‬وارتفاعه ��ا تقريب ًا مرتين‬
‫ون�ص ��ف وم�سقوفة باخل�ش ��ب‪ ،‬ولها �أبواب مبقا�س (‪2×1‬م)‪ ،‬وهذا ال�س ��وق يقع عند �أ�سفل‬
‫ه�ض ��بة �ش ��مالية تعلوها قرية ترتاوح منازلها من (‪� 20‬إىل ‪ )30‬منز ًال‪ ،‬ولتلك القرية نوافذ‬
‫درا�س ��ة املقابر القدمية يف منطقة الباحة ثم مقارنتها مع املقابر احلديثة مو�ضوع جدير باالهتمام والبحث ‪ .‬ون�أمل‬ ‫(((‬
‫�أن نرى �أحد الباحثني اجلادين من بالد الباحة فيتوىل هذا املحور بالدرا�سة والبحث العلمي الأكادميي املوثق ‪.‬‬
‫يوجد يف منطقة الأ�صدار العديد من الكهوف التي كانت ت�سكنها ال�سباع‪ ،‬ورمبا اتخذت ً‬
‫مقرا للراحة من بع�ض القاطنني �أو امل�سافرين‬ ‫(((‬
‫عرب بالد الأ�صدار‪ .‬م�شاهدات الباحث يف نواحي عديدة من مناطق الباحة وع�سري وجازان خالل ال�سنوات القريبة املا�ضية ‪.‬‬
‫م�شاهدات الباحث يف �شهر ذي احلجة عام ( ‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫حبذا �أن نرى �أحد الباحثني اجلادين فيقوم بدرا�سة تاريخ الكهوف يف بالد تهامة وال�سراة خالل القرون الإ�سالمية‬ ‫(((‬
‫املبكرة والو�سيطة واحلديثة ‪ .‬وهذا املو�ضوع جدير بالبحث والدرا�سة العلمية الأكادميية ‪.‬‬
‫�س ��وف نذكر �أ�س ��ماء العديد من الأ�سواق الأ�س ��بوعية القدمية يف منطقة الباحة‪ ،‬يف ال�ص ��فحات اخلا�صة بالأو�ضاع‬ ‫(((‬
‫االقت�صادية يف نهاية هذا الق�سم‪ ،‬ويف حمور التجارة حتديد ًا‪.‬‬
‫يوجد لدى الباحث مئات الوثائق اخلا�صة بالأ�سواق الأ�سبوعية القدمية يف كل من الباحة وع�سري وجازان والقنفذة‬ ‫(((‬
‫وجن ��ران ‪ .‬وجميع هذه الوثائق تدور يف فلك القرن�ي�ن (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م)‪ ،‬وقد ي�أتي اليوم الذي نخرجها يف كتاب‬
‫�أو درا�سة م�ستقلة ‪. .‬‬
‫زيارة الباحث لهذا ال�سوق يف �أوائل �شهر ذي احلجة عام ( ‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪324‬‬
‫�ص ��غرية ‪ ،‬واملالحظ عل ��ى هذه القرية وال�س ��وق عالمات اخلراب واالندثار ب�س ��بب هجرة‬
‫�أهلها(‪ ،)1‬ومن خالل م�ش ��اهداتنا لهذه ال�س ��وق والقرية املحيطة به‪ ،‬وكذلك �أ�س ��واق �أخرى‬
‫عديدة وم�شابهة ل�سوق احلجرة‪ ،‬نخل�ص �إىل النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬الأ�س ��واق الأ�س ��بوعية القدمية ت�ش ��تمل على �أر�ض مك�شوفة ودكاكني �ص ��غرية يف �أجزاء من ال�سوق‪،‬‬
‫وهذه الدكاكني ملالك مقيمني و� ً‬
‫أحيانا ت�ست�أجر من �أ�صحابها للبيع وال�شراء يف بع�ض ال�سلع املتنوعة‪.‬‬
‫‪2 .2‬الأ�سواق تكون دائم ًا قريب ًا من القرى‪ ،‬و�أحيان ًا تكون يف مكان متو�سط من �أر�ض الع�شائر‬
‫التي متلك ال�سوق وترتاده ‪.‬‬
‫‪3 .3‬جميع مواد البناء يف الأ�سواق حملية مثلها مثل مواد بناء القرى واحل�صون وغريها‪.‬‬
‫د ـ الآبار‪ ،‬وال�سدود وامل�صدات‪ ،‬والعيون‪ ،‬واملدرجات الزراعية‪ ،‬والأحمية ‪:‬‬
‫الآبار من امل�ص ��ادر املائية الرئي�س ��ية يف حياة �س ��كان منطقة الباحة‪ ،‬فال تخلو قرية‪،‬‬
‫واد �أو ناحي ��ة بدوية �أو�س ��روية �أوتهامية من وجود �آبار جوفية‪ ،‬يق ��وم على تعيني �أماكنها‬
‫�أو ٍ‬
‫وحفره ��ا �أهل الب�ل�اد‪ ،‬وت�ت�راوح �أطوالها م ��ن (‪20‬ـ‪50‬م) ‪ .‬ويتعاون �س ��كان القرى فيما‬
‫(‪)2‬‬

‫يخ�ص ��هم من �آبار‪ ،‬وحفرها يكون ب�شكل �أ�س ��طواين دائري‪ ،‬و�أحيان ًا على �شكل مربع‪ ،‬وعند‬
‫االنتهاء من احلفر يتم بناء اجلزء العلوي منها باحلجارة حتى ال يت�ساقط الرتاب يف البئر‬
‫مرة �أخرى‪ ،‬وكل بئر يو�ض ��ع لها �ش ��ارة‪ :‬تدل عليها كبئر‪ ،‬وت�ستخدم ال�سواين �أثناء رفع املياه‬
‫م ��ن الآب ��ار‪ ،‬وكل بئر يعمل يف �أحد �أطرافها العلوية حو�ض� � ًا ي�س ��مى ( القف)‪ ،‬وكذلك ممر‬
‫ي�سري فيه احليوان ( الأبقار و�أحيان ًا اجلمل) �أثناء رفع املاء لل�شرب وري املزارع(‪.)3‬‬
‫وم��ن خ�لال جوالتن��ا يف منطق��ة الباح��ة والوق��وف على بع���ض الآبار‬
‫اجلوفية ات�ضح لنا عدد من الأمور نذكر �أهمها‪:‬‬
‫‪1 .1‬معظم الآبار اجلوفية جفت وغارت مياهها‪ ،‬ورمبا كان اجلفاف وعدم �سقوط الأمطار‬
‫م ��ن �أهم العوام ��ل التي �أدت �إىل هذا الو�ض ��ع‪ ،‬ثم �إن كثري ًا من النا� ��س قام بحفر �آبار‬
‫ارتوازية ت�صل �أطوالها �إىل ع�شرات �أو مئات الأمتار‪ ،‬وهذا ت�سبب يف ت�سرب مياه الآبار‬
‫اجلوفي ��ة‪ ،‬كما �أن بع� ��ض مالكي الآبار القدمي ��ة قام ب�إجراء بع� ��ض احلفريات وتعميق‬
‫�آبارهم مع ا�ستخدام بع�ض املتفجرات ( الديناميت ) وهذا �أي�ض ًا مما خلخل ال�صخور‬
‫و�ساعد يف ن�ضوب وت�سرب مياه الآبار اجلوفية‪.‬‬
‫((( م�شاهدات الباحث ل�سوق احلجرة يف ( ‪1433/12/3‬هـ) ‪.‬‬
‫((( الذاهب يف �أرجاء جنوب اجلزيرة العربية من مكة والطائف �إىل �أق�صى اليمن يجد طريقة حفر وبناء الآبار متقاربة‬
‫ومت�ش ��ابهة يف هذه النواحي ‪ .‬وقد �ش ��اهدنا مئات الآبار من �ص ��نعاء �إىل الطائف‪ ،‬والزال بع�ضها ي�ستخدم �إىل وقتنا‬
‫احلا�ضر‪ ،‬وتواريخ البع�ض منها يعود �إىل املا�ضي مبئات ال�سنني ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( يف العق ��ود املا�ض ��ية املت�أخ ��رة حلت املكائ ��ن والآالت التي ترف ��ع املياه بدال من ا�س ��تخدام احليوان ��ات‪ ،‬ومل نعد نرى‬
‫ا�ستخدام احليوان يف هذه املهنة ‪ .‬م�شاهدات الباحث خالل الثالثني عام ًا املا�ضية ‪.‬‬
‫‪325‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫‪2 .2‬الزالت بع�ض الآبار ت�س ��تخدم يف ال�ش ��رب والزراعة‪ ،‬وذلك لتوفر املياه بها‪ ،‬ويعود ذلك‬
‫�إىل وقوعه ��ا يف بط ��ون الأودية �أو قريب ًا من بع�ض العيون واملياه اجلوفية اجلارية‪ ،‬ومثل‬
‫هذه الآبار يطلق عليها ا�س ��م ( ال ِع ّد ) وذلك لوف ��رة مياهها وغزارتها‪ ،‬ونالحظ بع�ض‬
‫الوايت ��ات وجتار املياه الذين يقومون بنقل مياه هذه الآبار �إىل املنازل والقرى املتناثرة‬
‫يف منطقة الباحة يف يومنا احلا�ضر(‪.)1‬‬
‫‪3 .3‬بع� ��ض الآب ��ار قريبة من التجمعات ال�س ��كانية يف املدن والقرى‪ ،‬و�أدى هذا �إىل ت�س ��رب‬
‫مياه احلمامات ودورات املياه �إىل هذه الآبار‪ ،‬ومن ثم �أ�ص ��بحت غري �ص ��احلة لل�شرب‪،‬‬
‫و�أحيان ًا كثرية ال ت�صلح لري املزارع واخل�ضروات التي تزرع حولها �أو قريب ًا منها (‪.)2‬‬
‫‪4 .4‬جميع الآبار اجلوفية املوجودة يف عموم منطقة الباحة لها �أ�سماء‪ ،‬فقد ت�سمى با�سم القرية‬
‫�أو املكان الذي وجدت فيه‪ ،‬وقد ت�س ��مى با�س ��م امر�أة �أو رجل‪ ،‬و�أحيان ًا ت�سمى با�سم جبل �أو‬
‫وادي‪ ،‬وم�صطلحات �أخر عديدة تطلق على الآبار املتناثرة يف طول وعر�ض البالد ‪.‬‬
‫مل ن�س ��مع يف ال�سابق عن ال�س ��دود مبنطقة الباحة �س ��وى القليل �أو النادر‪ ،‬وذلك لعدم‬
‫الإمكانات قدمي ًا وكذلك وجود العديد من العقبات التي تقابل بناء ال�س ��دود‪ .‬ويف ال�سنوات‬
‫الأخرية قامت وزارة الزراعة ب�إن�ش ��اء العديد من ال�سدود يف منطقة الباحة من �أجل حفظ‬
‫مياه الأمطار‪ ،‬وتزويد املدن والقرى باملياه عن طريق تركيب م�ض ��خات على بع�ض ال�س ��دود‬
‫بع ��د �إج ��راء التنقية والتعقيم الالزم‪ ،‬ومن ال�س ��دود التي مت بنا�ؤها ‪� :‬س ��د وادي اجلنابني‪،‬‬
‫و�سد قذانة‪ ،‬و�سد الطلقية‪ ،‬و�سد القمع‪ ،‬و�سد الأجاعدة يف حمافظة بلجر�شي‪ ،‬ويف حا�ضرة‬
‫الباح ��ة ‪� :‬س ��د وادي امللد‪ ،‬و�س ��د وادي ثراد‪ ،‬و�س ��د وادي العقيق ويوج ��د عليه حمطة حتلية‬
‫مي ��اه لتزويد مدينة الباحة وما جاورها باملياه النقية‪ ،‬ويف تهامة �س ��د احلجرة يف حمافظة‬
‫احلجرة‪ ،‬و�سد وادي الأح�سبة‪ ،‬و�سد امللح �شرق املخواة(‪.)3‬‬
‫ويف بع�ض �أودية تهامة القريبة من املدن الرئي�سية مثل‪ :‬املخواة‪ ،‬وقلوة وغريها وجدنا‬
‫م�ص ��دات �أ�سمنتية م�سلحة يف بع�ض الأودية‪ ،‬وذلك من �أجل حماية القرى �أو املدن القريبة‬
‫منها من �س ��يول الأودي ��ة �أثناء هطول الأمطار‪ ،‬وترتاوح �أطوال هذه امل�ص ��دات من مئة �إىل‬
‫ثالثمائ ��ة و�أربعمائ ��ة م�ت�ر‪ ،‬وارتفاعها من (‪2‬ـ‪4‬م)‪ ،‬وعند �س� ��ؤال ال�س ��كان القاطنني قريب ًا‬

‫((( �ش ��اهد الباح ��ث بع�ض الوايت ��ات (‪ )16‬طن و(‪ )14‬طن تنقل املي ��اه من بع�ض الآبار �إىل املنازل ب�أ�س ��عار ترتاوح من‬
‫(‪100‬ـ ‪ )300‬ريال ‪.‬‬
‫((( هذه امل�شكلة تكاد تكون �سائدة يف �أنحاء اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬فهناك الكثري من الآبار داخل املدن والقرى‪ ،‬لكن‬
‫مياهها ال ت�صلح لال�ستخدام الآدمي �أو ري املزروعات ‪.‬‬
‫((( وقف الباحث على بع�ض هذه ال�سدود فوجدها مليئة باملاء‪ ،‬وتقوم بخدمات عديدة �أ�شرنا �إىل بع�ضها يف املنت �أعاله‪،‬‬
‫بالإ�ض ��افة �إىل ري امل ��زارع القريبة من بع�ض ال�س ��دود‪ ،‬ونقل املياه �أحيان ًا بوا�س ��طة الوايتات ل ��ري بع�ض املزروعات‬
‫و�سقي البهائم يف القرى واملدن ‪ .‬م�شاهدات الباحث يف منطقة الباحة من (‪11/29‬ـ ‪1433/12/9‬هـ ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪326‬‬
‫من هذه امل�ص ��دات ع ��ن مدى فاعليتها �أ�ش ��اروا �إىل �أهميتها يف حماي ��ة بيوتهم وعقاراتهم‬
‫و�أمالكهم من �سيول الأودية عند �سقوط الأمطار(‪.)1‬‬
‫ال تخل ��و منطق ��ة الباحة من القنوات والعيون املائية التي ا�س ��تخدمها الإن�س ��ان يف ري‬
‫الزراعة‪ ،‬و�س ��قيا بهائمه‪ ،‬وا�س ��تخداماته اليومي ��ة(‪ .)2‬ويف قرية ذي عني الواقعة يف �أ�س ��فل‬
‫عقبة الباحة املخواة(‪ ،)3‬عني جتري عند �أ�س ��فل القرية وهي تنبع من �س ��فوح اجلبال املطلة‬
‫عل ��ى القرية‪ ،‬واملالحظ �أن اجلزء العلوي من العني مغطى باحلجارة‪ ،‬ومياهها تتجه غرب ًا‪،‬‬
‫فت�سقي مزارع املوز والأ�شجار املثمرة يف بطن الوادي(‪.)4‬‬
‫واملدرج ��ات الزراعي ��ة من املعامل العمرانية التي عرفها �س ��كان املنطقة‪ ،‬فال�س ��ائر يف‬
‫�أنحاء البادية وال�سراة وتهامة ي�شاهد �آالف القطع الزراعية التي حتيط بها الأ�سوار حلفظ‬
‫تربته ��ا ومياهه ��ا(‪ .)5‬والزلنا ن�ش ��اهد املدرجات متناث ��رة يف �أنحاء البالد وه ��ي مبنية من‬
‫احلجارة وترتاوح ارتفاعاتها من (‪1‬ـ‪4‬م)(‪.)6‬‬
‫والأحمية العامة واخلا�ص ��ة من املظاهر احل�ض ��ارية التي عرفته ��ا غامد وزهران‪ ،‬فقد‬
‫كان النا�س يف املا�ضي ميار�سون مهن الرعي وال�صيد واالحتطاب‪ ،‬ومن ثم كان لكل ع�شرية‬
‫�أو قرية ِح ًمى خا�ص ُي ْح َمي يف بع�ض �أيام �أو �ش ��هور من ال�سنة‪ ،‬وعند احلاجة �إليه يتم الرعي‬
‫وجمع احلطب من تلك الأحمية‪ .‬والذاهب يف بع�ض �أرجاء املنطقة ي�شاهد �آثار بع�ض الأحمية‬
‫احل َمي �أنه يحاط ب�أ�س ��وار حجرية ي�ص ��ل ارتفاعها‬
‫يف اجلب ��ال وال�ش ��عاب والأودية‪ ،‬وطبيعة ِ‬
‫�إىل م�ت�ر ومرتين(‪ ،)7‬وقد عرث الباحث عل ��ى العديد من الوثائق التي تن�ص على حفظ بع�ض‬
‫الأحمية وحرا�س ��تها‪ ،‬ومتى ت�س ��تخدم ومتى متنع من اال�س ��تخدام‪ ،‬ومن هم امل�س ��ئولون عن‬
‫احل َمى(‪.)8‬‬
‫احلمي‪� ،‬إىل غري ذلك من القوانني والأنظمة العرفية التي تعارف عليها �أ�صحاب ِ‬

‫((( م�شاهدات الباحث لبع�ض هذه امل�صدات يف �أودية مدينة املخواة وما جاورها يف (‪1423/12/4‬هـ) ‪.‬‬
‫((( من خالل جوالتنا يف املنطقة وجدنا �آثار بع�ض العيون املندثرة يف بوادي و�سراة غامد وزهران‪.‬‬
‫((( هذه القرية مبنية على ه�ضبة من �صخور اجلرانيت‪ ،‬ويزيد عدد منازلها عن (‪ )100‬منزل‪ ،‬وارتفاع بع�ضها �إىل �أربعة وخم�سة‬
‫طوابق‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل املرافق امللحقة ببع�ض املنازل مثل امل�سجد والأفنية وغريها ‪ .‬م�شاهدة الباحث يف (‪1433/12/3‬هـ) ‪.‬‬
‫((( الزالت العني جارية حتى الآن‪ ،‬وهذه القرية تُعد من املعامل الهامة والرئي�س ��ية يف بالد تهامة وال�س ��راة‪ ،‬ولي�س هناك‬
‫اهتمام� � ًا �أو رعاي ��ة بها وامل�س� ��ؤولية ملقاة على عاتق �إمارة الباحة وعلى الهيئة العليا لل�س ��ياحة فتقوم على �ص ��يانتها‬
‫وتوفري اخلدمات الالزمة لها حتى تتحول �إىل معلم �سياحي ح�ضاري يرتاده زوار منطقة الباحة وغريهم‪.‬‬
‫((( املدرج ��ات الزراعية من الأبنية التي عرفها �س ��كان جن ��وب اجلزيرة العربية‪ ،‬وذلك لأن معظم الأرا�ض ��ي الزراعية‬
‫توجد يف اجلبال و�س ��فوحها ويف جوانب الأودية‪ ،‬فكان على الإن�سان �أن يحيط مزارعه باجلدر واملدرجات العمرانية‬
‫التي حتفظ حدود وتربة املزرعة ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( درا�س ��ة تاريخ املدرجات يف بالد تهامة وال�سراة مو�ض ��وع جدير بالبحث‪ ،‬ون�أمل �أن يكون مو�ضوعا لر�سالة ماج�ستري‬
‫�أو دكتوراه يف �أحد �أق�سام التاريخ يف جامعاتنا ال�سعودية ‪.‬‬
‫((( م�شاهدات الباحث وجوالته يف منطقة الباحة من (‪ 11/29‬ـ ‪1433/12/8‬هـ) ‪.‬‬
‫((( يوج ��د يف مكتب ��ة الباحث مئات الوثائق اخلا�ص ��ة ببع� ��ض ال ْأحمِ َية و�أنظمته ��ا يف جنوبي البالد ال�س ��عودية (الباحة‪،‬‬
‫وع�سري‪ ،‬وجازان‪ ،‬وجنران ) ‪ .‬وهذا املو�ضوع ي�ستحق �إىل �أن يكون عنوان ًا لدرا�سة �أو ر�سالة علمية �أكادميية موثقة ‪.‬‬
‫‪327‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫و�إذا نظرن ��ا يف العم ��ارة احلديث ��ة يف منطق ��ة الباحة‪ ،‬وجدناها �ش ��ملت كل جانب من‬
‫جوانب التنمية احل�ضارية‪ ،‬فهناك املدن والقرى‪ ،‬وبها املنازل والق�صور‪ ،‬وال�شقق املفرو�شة‪،‬‬
‫والفنادق‪ ،‬وامل�ؤ�س�سات احلكومية والأهلية ‪ .‬وبها �أي�ض ًا الأ�سواق التجارية املتفاوتة يف �أحجامها‬
‫وم�س ��احاتها‪ ،‬واملراكز الطبية وال�صناعية‪ ،‬وامل�شاريع ال�سياحية‪ ،‬كما ن�شاهد الطرق الربية‬
‫امل�س ��فلتة داخل املدن والقرى وخارجها‪ ،‬وهناك بع�ض املعامل العمرانية الكبرية يف املنطقة‬
‫مثل‪ :‬مباين الإمارة واملحافظات يف الباحة وبلجر�شي وغريهما‪ ،‬ومباين البلديات يف بع�ض‬
‫م ��دن املنطق ��ة‪ ،‬ومباين جامعة الباح ��ة داخل املدين ��ة‪ ،‬ويف املدينة اجلامعي ��ة يف حمافظة‬
‫العقيق‪ ،‬واملطار‪ ،‬وامل�ست�ش ��فيات الرئي�س ��ية يف الباحة وبلجر�شي‪ ،‬وغريها من �أنواع العمارة‬
‫املتنوعة يف �أحجامها و�أهداف ا�ستخداماتها‪ ،‬وم�ساحاتها وطريقة ت�شييدها(‪.)1‬‬
‫‪3‬ـ الأطعمة والأ�شربة ‪:‬‬
‫كانت �أطعمة �أهل الباحة قدمي ًا من ناجت مزارعهم‪ ،‬والأ�س ��رة يف املنزل تعتمد ب�ش ��كل‬
‫رئي�س على الرب( احلنطة ) والذرة و�أحيان ًا ال�ش ��عري يف ال�س ��راة‪ ،‬والدخن والذرة يف تهامة‪،‬‬
‫�أو ما حت�صل عليه بع�ض الأ�سر من �أبقارها و�أغنامها مثل‪ :‬اللنب وال�سمن(‪ ،)2‬وهناك �أطعمة‬
‫تجُ لب من الأ�سواق الأ�سبوعية كل �أ�سبوع �أو كل �شهر مثل ‪ :‬اللحم والتمر(‪.)3‬‬
‫من الأطعمة التي عرفها الغامديون والزهرانيون ما يلي‪:‬‬
‫ً‬
‫�أ ـ الع�ص��يدة‪ ،‬واللبزة‪ ،‬والقر�ص��ان‪ ،‬والأوىل ‪ :‬من دقيق الرب �أو الذرة �أو بهما معا يف‬
‫ماء مغلي‪ ،‬والثانية �أ�ش ��به بالع�صيدة‪ ،‬لكنها تعمل من القر�ص ��ان بعد لبزها‪� ،‬أما القر�صان‬
‫فت�صنع من دقيق الرب وتو�ضع يف �صاج من احلديد حتى تن�ضج ‪.‬‬
‫ب ـ اخلبزة ‪ :‬والدغابي�س‪ ،‬واملر�صو�ص‪ ،‬والعي�ش‪ ،‬والك�سك�سية ‪:‬‬
‫الأوىل‪� :‬أكلة �شعبية م�شهورة ومتتاز بها بالد زهران‪ ،‬وهي من الرب اخلال�ص‪ ،‬وتختلف‬
‫يف حجمها باختالف املنا�سبة‪ ،‬وهي ب�شكل دائري يرتاوح قطرها من(‪� 30‬إىل ‪�100‬سم)(‪.)4‬‬
‫والدغابي�س ‪� :‬أكلة م�ش ��هورة عرفها �أهل غامد وزهران‪ ،‬وت�ص ��نع من الرب‪ ،‬وتو�ضع يف املرق‬

‫((( تاري ��خ العم ��ارة احلديث ��ة يف منطقة الباحة ي�س ��تحق �أن يفرد له درا�س ��ات علمية �أكادميية ‪ .‬ويج ��ب مقارنة العمارة‬
‫القدمي ��ة مع العمارة احلديثة مع تو�ض ��يح ال�س ��لبيات والإيجابيات بني النوعني من العم ��ارة ‪ .‬كما يجب على جامعة‬
‫الباحة �أن تن�شئ كلية هند�سة للعمارة والتخطيط كي تتوىل درا�سة عمارة املنطقة‪ ،‬واحلفاظ على عمارتها القدمية‪.‬‬
‫امل�صدر‪ :‬م�شاهدات الباحث وجوالته يف منطقة الباحة (‪ 11/19‬ـ ‪1433/12/9‬هـ) ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( هذه �أطعمة �أهل البادية الرئي�سية‪� ،‬أما �أهل تهامة وال�سراة فكانت من �أطعمتهم �أي�ضا بالإ�ضافة �إىل ما يزرعونه يف‬
‫مزارعهم ‪.‬‬
‫((( اللحم والتمر ال متلكه كل الأ�سر‪ ،‬و�إمنا املقتدرون منهم‪ ،‬وهناك �أفراد و�أ�سر ال ي�ستطيعون �شراءه لعدم وجود النقود لديهم ‪.‬‬
‫((( �شاهدها الباحث �أثناء جوالته جلمع مادة هذا الق�سم و�أكل منها يف عدد من بيوت زهران (‪1‬ـ‪1433/12/9/9‬هـ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪328‬‬
‫حتى ت�ستوي ثم ت�ؤكل(‪ .)1‬واملر�صو�ص‪ :‬خبزة تزال ق�شرتها العليا ثم تقطع وتر�ص مع بع�ضها‬
‫البع�ض‪ ،‬وت�س ��مى ( العريكة) يف بع�ض مناطق ع�س�ي�ر(‪ . )2‬والعي�ش ‪� :‬أكلة م�شهورة يف جنوب‬
‫اململكة‪ ،‬وت�صنع من اللنب ودقيق الذرة‪ ،‬وتقدم لل�ضيوف يف �آنية خ�شبية ت�سمى (ال�صحفة)‬
‫بقطر ي�ص ��ل �إىل (‪�100‬س ��م)‪ ،‬وي�صب عليها ال�سمن والع�س ��ل(‪ . )3‬والك�سك�سية من الأكالت‬
‫أوان فخارية‬
‫املعروفة عند �سكان منطقة الباحة‪ ،‬وت�صنع من دقيق الذرة‪ ،‬ويتم �إعدادها يف � ٍ‬
‫خم�ص�صة لها‪ ،‬وت�ستوي على بخار املاء �أو املرق مع اللحم(‪.)4‬‬
‫ج ـ �أطعمة �أخرى ‪ :‬ال َق ِل َّية ‪ :‬وهي من احلب املقلي على النار ‪ .‬والفواكه مثل‪ :‬الرمان‪،‬‬
‫والعنب‪ ،‬والتفاح‪ ،‬والرب�شومي‪ ،‬والتني‪ ،‬واللوز‪ ،‬والرب�سيم‪ ،‬والدجر‪ ،‬والبل�سن وغريها ‪.‬‬
‫د ـ الأ�ش��ربة القدمية املتنوعة‪ ،‬مثل‪ :‬ال�سمن‪ ،‬واللنب‪ ،‬والع�سل‪ ،‬والفريقة امل�صنوعة‬
‫من اللنب والدقيق ‪ .‬وال�س ��ويق امل�صنوع من �سنابل ال�شعري(‪ .)5‬واملرق‪ ،‬والروبة‪ ،‬وهو احلليب‬
‫الرائب قبل خ�ضه(‪. )6‬‬
‫والأطعمة والأ�شربة ال�سابقة الذكر يغلب عليها �أمور عديدة نذكر �أهمها‪:‬‬
‫‪�1 .1‬إن جميع الأطعمة والأ�ش ��ربة حملية من نت ��اج مزارع وحيوانات �أهل البالد‪ ،‬ثم �إن‬
‫القائمني على �إعدادها هم �أهل البالد وبخا�صة الن�ساء ‪.‬‬
‫‪ 2 .2‬كان الطع ��ام وال�ش ��راب يف منطق ��ة الباح ��ة قدمي ًا ي�س ��د حاجة النا� ��س‪ ،‬ومن ثم‬
‫جتدهم يف عمل دءوب يف مزارعهم ورعي موا�شيهم من �أجل ك�سب �أقواتهم(‪.)7‬‬
‫أوان حملية ت�ص ��نع يف‬
‫‪ 3 .3‬جميع الأطعمة والأ�ش ��ربة كانت ت�ص ��نع وتقدم يف �أدوات و� ٍ‬
‫حميط جنوب البالد ال�سعودية‪ ،‬و�أحيان ًا كانوا ي�ستوردون بع�ض الأواين من �أ�سواق‬
‫احلجاز ومن ميناء القنفذة وغريه(‪.)8‬‬
‫((( �أكل منها الباحث �أثناء جوالته يف بالد غامد (‪3‬ـ‪1433/12/ 5‬هـ) ‪.‬‬
‫((( م�شاهدات الباحث وجوالته يف جنوبي البالد ال�سعودية خالل العقود الثالثة املا�ضية‪.‬‬
‫((( هذه الأكلة تعرف يف بالد بني �ش ��هر با�س ��م ( امل�ش ��غوثة )‪ ،‬ويتفنن �س ��كان بني عمرو وبني �شهر يف عملها وتقدميها‪،‬‬
‫وهي من الأكالت املف�ضلة عندكثري من النا�س وبخا�صة كبار ال�سن ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( تاري ��خ الأطعم ��ة والأ�ش ��ربة يف منطقة الباحة مو�ض ��وع جدير بالبحث والدرا�س ��ة ن�أمل �أن يتخذ مو�ض ��وعا لر�س ��الة‬
‫ماج�ستري يف �أحد �أق�سام التاريخ يف جنوبي البالد ال�سعودية‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( هذا ما �س ��معه الباحث من بع�ض كبار ال�س ��ن يف منطقة الباحة ‪ .‬كما �أنه �ش ��اهد الأ�ش ��ربة املذكورة �أعاله يف مناطق‬
‫ع�س�ي�ر وجنران وجازان‪ ،‬و�أحيان ًا تكون امل�س ��ميات خمتلفة‪� ،‬إال �أن نوع الطعام واحد ‪ .‬م�شاهدات وجوالت الباحث يف‬
‫جنوبي البالد ال�سعودية منذ ثالثة عقود ‪.‬‬
‫((( عا�ص ��ر الباحث ج ��زء ًا من حياة النا�س القدمي ��ة يف نهاية القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬ومن ث ��م جتدهم مكتفني ذاتي ًا يف‬
‫توفري �أطعمتهم و�أ�شربتهم ‪.‬‬
‫((( زار الباحث بع�ض املتاحف التاريخية وال�ش ��عبية يف مدينتي بلجر�شي والباحة �أثناء تواجده يف املنطقة من (‪11/29‬ـ‬
‫‪1433/12/9‬ه� �ـ )‪ ،‬و�ش ��اهد يف تل ��ك املتاحف العدي ��د من الأدوات الأثري ��ة التي عرفتها املنطق ��ة وكان بينها بع�ض‬
‫الأواين اخلا�صة ب�صنع الطعام وال�شراب وتقدميه ‪.‬‬
‫‪329‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫ما �سبق ذكره �أطعمة و�أ�شربة قدمية عرفها الأوائل‪ ،‬وهي طعامهم و�شرابهم منذ مئات‬
‫ال�س ��نني‪ ،‬ومنذ الن�ص ��ف الثاين للقرن (‪14‬هـ‪20/‬م) بد�أت الأطعمة والأ�ش ��ربة امل�س ��توردة‬
‫ت�ص ��ل �إىل �أ�س ��واق منطقة الباحة‪ ،‬وبد�أ النا�س ينوعون م�آكلهم‪ ،‬وبخا�صة ال�شيوخ والأعيان‬
‫و�أ�ص ��حاب امل ��ال‪ ،‬ثم تطورت �أح ��وال النا�س الوظيفي ��ة والتعليمية واملادي ��ة‪ ،‬وازدادت �أنواع‬
‫الأطعمة يف املنطقة‪ ،‬و�صارت تفتح املطاعم التي تقدم بع�ض الأطعمة‪ ،‬وهكذا ا�ستمر احلال‬
‫حتى فا�ض اخلري على النا�س وتعددت امل�ش ��ارب وامل�آكل‪ ،‬وتنوعت املواد الغذائية التي جلها‬
‫م�س ��تورد من خارج املنطقة‪ ،‬ومن خالل جتوالن ��ا يف املنطقة خرجنا ببع�ض االنطباعات يف‬
‫باب الأكل وال�شرب مثل ‪:‬‬
‫‪1 .1‬ازدحام املنطقة بالدكاكني (وال�س ��وبر ماركت) اخلا�ص ��ة بالبيع وال�شراء يف مواد‬
‫الأطعمة املختلفة‪.‬‬
‫‪ 2 .2‬تعدد املطاعم ( والبوفيهات ) واال�س�ت�راحات واملطابخ اخلا�صة ب�صنع الأطعمة‪،‬‬
‫واملتفاوتة يف �أحجامها‪ ،‬و�أماكنها‪ ،‬و�أنواع �أطعمتها‪ ،‬و�أ�سعارها ‪.‬‬
‫‪ 3 .3‬ازدي ��اد الأطعمة والأ�ش ��ربة عند الأ�س ��ر‪ ،‬ويف املجتمعات‪ ،‬واملنا�س ��بات‪ ،‬والوالئم‪،‬‬
‫حتى �أ�صبح الإن�سان غري قادر على معرفة �أ�سمائها وح�صر �أنواعها‪.‬‬
‫‪4 .4‬ـ جميع الأيدي العاملة يف �صنع الأطعمة يف املطاعم واملطابخ التجارية من العمالة‬
‫الوافدة من بلدن عربية و�ش ��رقية و�أحيان ًا غربية‪ ،‬ونادر ًا ‪ ،‬جند �س ��عودي ًا يعمل يف‬
‫مهنة الطبخ واملطاعم ‪ .‬وكثري من الأ�سر الغامدية والزهرانية ا�ستقدموا عامالت‬
‫منزليات من خارج البالد‪ ،‬و�أ�صبح بع�ضهن يقمن بعمل الأطعمة والأ�شربة اخلا�صة‬
‫ب�أفراد الأ�سرة(‪.)1‬‬
‫‪4‬ـ الألب�سة والزينة ‪:‬‬
‫ع ��رف �س ��كان منطق ��ة الباحة العدي ��د من الألب�س ��ة‪ .‬فالرجال يلب�س ��ون ثوب ًا م ��ن قما�ش‬
‫(الدوت)‪ ،‬ق�صري الأكمام‪ ،‬وي�سمى ( الثوب املزند ) ن�سبة �إىل زند الرجل‪ ،‬وهو منطقة ال�صدر‬
‫والذراعني‪ ،‬ويلف الرجل على ر�أ�سه عمامة بي�ضاء و�أحيان ًا مقلمة بخطوط �سوداء‪ ،‬وتلف حول‬
‫الر�أ�س‪ ،‬واملالب�س الداخلية عند بع�ض املقتدرين �سروال من قما�ش الدوت‪ ،‬وكثري من الرجال‬
‫ال يجد مالب�س داخلية يلب�س ��ها‪ ،‬وبخا�صة يف العقود الأوىل من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬ويحتزم‬
‫الرجل بحزام من اجللد‪ ،‬و�أحيان ًا يربط مع احلزام �سكين ًا �صغرية يف غمدها(‪.)2‬‬
‫((( �إجراء درا�س ��ة مقارنة لتاريخ الأطعمة والأ�شربة قدمي ًا ويف ع�صرنا احلا�ضر مو�ضوع هام وجدير بالبحث والدرا�سة‬
‫‪ .‬ون�أمل من بع�ض �أق�سام التاريخ واحل�ضارة يف جامعاتنا ال�سعودية �أن تكلف بع�ض طالبها لدرا�سة مثل هذا العنوان‬
‫يف مناطق عديدة من اململكة ‪.‬‬
‫((( درا�سة تاريخ الألب�سة والزينة يف بالد تهامة وال�سراة خالل القرون املا�ضية املت�أخرة مو�ضوع جدير بالدرا�سة والتوثيق ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪330‬‬
‫وللرج ��ال مالب� ��س خا�ص ��ة يف املنا�س ��بات مثل‪ :‬الث ��وب‪ ،‬والعمامة‪ ،‬واخلنج ��ر‪ ،‬وحزام‬
‫من اجللد يثبت عليه اخلنجر‪ ،‬وغالب ًا يلب�س يف املنا�س ��بات حزام مر�ص ��و�ص بالر�ص ��ا�ص‪،‬‬
‫وي�صطحب الوجيه �أو ال�شيخ بندقيته‪ ،‬و�أحيان ًا ال�سيف والب�شت(‪.)1‬‬
‫ويف ف�ص ��ل ال�ش ��تاء يرتدي الرجال (العباءة ) �أو ( اجلبة ) وهي م�صنوعة من �صوف‬
‫الغن ��م‪ ،‬ومفتوحة من الأمام ولها �أكمام طويلة‪ ،‬وغالب ًا ‪ ،‬تكون ذات لون �أبي�ض‪ ،‬وت�ص ��نع يف‬
‫وادي بيدة من بالد زهران‪ ،‬وبع�ض الأ�سر الغامدية متتهن �صنعها(‪.)2‬‬
‫ويلب�س الن�س ��اء ثياب ذات �ألوان �سوداء �أو حمراء‪ ،‬و�أحيان ًا �ألوان �أخرى خمتلفة‪ ،‬وهذا‬
‫النوع من الثياب تلب�س ��ه امل ��ر�أة يف املنزل وخارجه ‪ .‬وهناك �ألب�س ��ة �أخرى مطرزة الأكمام‪،‬‬
‫وهذا اللون من اللبا�س ي�س ��تخدم يف منا�س ��بات الأفراح(‪ ،)3‬ومن �ألب�س ��ة الن�س ��اء ال�شيلة �أو‬
‫القناع الذي تلفه املر�أة على ر�أ�س ��ها وعنقها‪ ،‬ولونه يف الغالب �أ�س ��ود‪ ،‬والن�ساء يلب�سن �أي�ض ًا‬
‫ال�سراويل التي ت�صل �إىل القدمني‪ ،‬وذات خطوط �سوداء �أو حمراء �أو غريها‪.‬‬
‫وعرف الرجال والن�س ��اء الأحذية ح�سب الإمكانات فالأغنياء والأعيان يلب�سون �أحذية‬
‫م�ص ��نوعة من اجللد‪� ،‬أو البال�س ��تيك ‪ .‬والأحذية �أنواع فمنها امل�س ��تورد من �أ�سواق احلجاز‬
‫وغريها‪ ،‬ومنها امل�صنوع حملي ًا من جلود الأبقار واجلمال‪ .‬وكثري من ال�سكان �صغار ًا وكبار ًا‬
‫مي�شون حفاة لعدم وجود املال الذي ي�شرتون به �أحذية وما �شابهها ‪.‬‬
‫كان الرج ��ال يحر�ص ��ون ع ��ل لب�س احلزام‪ ،‬وهن ��اك �أحزمة من اجللد و�س ��عف النخل‬
‫و�أحيان� � ًا م ��ن القما� ��ش‪ ،‬ويلب�س الرج ��ال يف املنا�س ��بات �أحزم ��ة كبرية وحمالة بالف�ض ��ة‪،‬‬
‫و�أحيان ًا يلب�سون �أحزمة وقد ثبت عليها اخلناجر يف �أجفانها املزدانة بزخارف من الف�ضة‪.‬‬
‫وي�س ��تخدمون الكح ��ل يف العيون‪ ،‬واحلن ��اء يف اللحية والر�أ�س‪ ،‬وبخا�ص ��ة يف منطقة تهامة‪،‬‬
‫ويلب�س ��ون العقال وي�ض ��عون �أغ�ص ��ان الريحان مع العقال �أو العمامة‪ .‬ويلب�س بع�ض الرجال‬
‫اخلامت يف اليد‪ ،‬وبع�ض الأعيان والوجهاء يحملون امل�سبحة يف اليد(‪.)4‬‬
‫وكان الن�س ��اء يتزين بالقالئد واخلوامت يف ال�ص ��در و�أ�ص ��ابع اليد‪ ،‬وبع�ضهن يلب�سن يف‬
‫منا�سبات الزواج الع�صابة على الر�أ�س‪ ،‬واحلزام الذهبي‪� ،‬أو الف�ضي على الو�سط‪ ،‬والزمام‬

‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬


‫((( ه ��ذا النوع من اللبا�س ُي َ�ص ��در �إىل خارج منطقة الباحة ‪ .‬وعرفت يف جنران وبالد ع�س�ي�ر بالعباءة البيدية‪ ،‬ن�س ��بة‬
‫�إىل ( وادي بيدة ) �أو الغامدية ن�س ��بة �إىل بالد ( غامد ) ‪ .‬هذا ما �ش ��اهده و�س ��معه الباحث من بع�ض كبار ال�سن يف‬
‫منطقتي جنران وع�سري خالل �أعوام ما�ضية ‪.‬‬
‫((( زار الباحث بع�ض متاحف منطقة الباحة و�شاهد بع�ض الألب�سة القدمية التي كان يلب�سها الرجال والن�ساء وكذلك الأطفال ‪.‬‬
‫((( لي� ��س عم ��وم الرجال يتزينون مب ��ا ذكرنا �أعاله‪ ،‬وغالبية ال�س ��كان يكتف ��ون باللبا�س العادي الذي �س ��بق ذكره‪ ،‬لكن‬
‫املجتمع ال يخلو ممن كان يتزين مبا �أ�شرنا �إليه ‪.‬‬
‫‪331‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫يف الأنف وبع�ض الأخرا�ص يف الأذن‪ ،‬واملفارد امل�ص ��نوعة من اخلرز و�أحيان ًا من الذهب �أو‬
‫الف�ضة يف اليد(‪.)1‬‬
‫�أما لبا�س الأطفال فهو من نوع الأقم�ش ��ة التي يلب�سها الآباء والأمهات ‪ .‬وكانت الألب�سة‬
‫قليل ��ة‪ ،‬فالواحد منه ��م ال ميلك �إال ثوب ًا واح ��د ًا ورمبا ثوبني بالكث�ي�ر‪� ،‬أحدهما للعمل داخل‬
‫البيت وخارجه‪ ،‬والآخر ل�صالة اجلمعة �أو ح�ضور املنا�سبات االجتماعية يف منطقته ‪.‬‬
‫ومنذ ثمانينيات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) بد�أت �أو�ض ��اع الغامديني والزهرانيني تتح�س ��ن‬
‫تنموي ًا واقت�صادي ًا‪ ،‬وتزايد املال يف �أيديهم‪ ،‬وتطوروا يف �ألب�ستهم‪ ،‬ف�أ�صبحوا ميتلكون �أنواع ًا‬
‫عديدة من الألب�سة والزينة‪ ،‬و�أ�صبح كل فرد يف املجتمع يقتني العديد من الألب�سة الداخلية‬
‫واخلارجي ��ة ‪ .‬ومل ي�أت هذا القرن (‪15‬هـ‪20/‬م) �إال ومدن منطقة الباحة حتت�ض ��ن العديد‬
‫من الدكاكني والأ�س ��واق اخلا�ص ��ة باللبا�س واخلياطة‪ ،‬وهكذا تط ��ور الأمر حتى يومنا هذا‬
‫والذاهب �إىل �أ�س ��واق املنطقة يجدها تعج مبئات الأ�سواق اخلا�صة بالألب�سة والزينة (ن�سا ًء‬
‫ورجا ًال و�أطفا ًال ) ومعظم �أ�سواق اليوم تخت�ص بالأطفال والن�ساء(‪ ،)2‬وهناك �أماكن خياطة‬
‫يف كل مدينة وقرية تقوم بتف�صيل جميع �أنواع املوديالت اخلا�صة باجلن�سني (‪.)3‬‬
‫ومن خالل الإ�ش��ارة �إىل بع�ض �ألب�س��ة املا�ضي وما و�ص��لت �إليه يف الوقت‬
‫احلا�ضر‪ ،‬وما جرى من تبدالت على النا�س يف باب اللبا�س نذكر بع�ض الر�ؤى‬
‫واالنطباعات عن ما عرفنا و�شاهدنا‪ ،‬وهي على النحو التايل ‪:‬‬
‫�أ ـ ن ��درة اللبا� ��س قدمي ًا جعل النا�س يقت�ص ��دون يف مالب�س ��هم ويحافظ ��ون عليها ‪.‬‬
‫بعك� ��س الوق ��ت احلا�ض ��ر الذي بالغ في ��ه الفرد واملجتمع يف ا�س ��تخدام الألب�س ��ة‬
‫و�أدوات الزينة املختلفة ‪.‬‬
‫ب كان الن�س ��اء قدمي ًا يحر�ص ��ن على لب�س املالب�س ال�ساترة لأج�سادهن يف الداخل‬
‫واخلارج مع ترك وجوههن �س ��افرة‪ ،‬واليوم �أ�ص ��بح الن�س ��اء يت�س�ت�رن باحلجاب‬
‫والعب ��اءة خارج املنزل لك ��ن يف الأفراح واملنا�س ��بات االجتماعي ��ة كالزواج مث ًال‬
‫جتدهن يبالغن يف لب�س مالب�س كا�شفة لأج�سادهن‪ ،‬مع املبالغة يف التزين ‪ .‬وهذا‬
‫�أمر ال يتفق مع ال�شرع والعرف حتى و�إن كن �أمام الن�ساء فقط ‪.‬‬
‫ج ـ نالحظ دخول موديالت حديثة عند الرجال والن�س ��اء وبخا�ص ��ة ال�ش ��باب‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫بع�ض �أنواع البنطال‪ ،‬ومالب�س داخلية وخارجية �أخرى ‪ .‬واملت�أمل يف هذه الألب�سة‬
‫((( كان الو�ض ��ع عند الن�س ��اء كما هو عند الرجال فلي�س كل الن�ساء يقدرن على التزين مبا �سبق ذكره‪� ،‬أما عموم الن�ساء‬
‫فكن يكتفني ب�ألب�سة و�أحزمة عادية‪ ،‬و�إذا لب�سن بع�ض احللي ف�إنها ذات �أنواع رخي�صة‪.‬‬
‫((( يف �ص ��فحات قادمة من هذا الق�سم‪ ،‬ويف عن�ص ��ر التجارة �سوف نذكر �أ�سماء بع�ض الأ�سواق الكبرية يف مدن الباحة‬
‫الرئي�سية وجميع هذه الأ�سواق تعر�ض �آالف الأنواع والأ�شكال من الألب�سة والزينة التي يحتاجها �إن�سان اليوم ‪.‬‬
‫((( تاريخ اللبا�س والزينة واملقارنة بني املا�ضي واحلا�ضر مو�ضوع هام وجدير بالدرا�سة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪332‬‬
‫يجد فيها خد�ش� � ًا للكرامة واملروءة وبخا�ص ��ة �إذا �أعدنا ذلك �إىل ال�شرع القومي‪،‬‬
‫و�إىل ما عرفه وعا�شه الآباء والأجداد (‪.)1‬‬
‫د ـ مالب�س الأوائل كانت تقوم يف الغالب على مواد و�أيدي عاملة حملية بعك�س �ألب�سة‬
‫اليوم امل�س ��توردة م ��ن خارج البالد‪ ،‬والقائمون على عر�ض ��ها وبيعها وتف�ص ��يلها‬
‫وخياطتها من العمالة القادمني من خارج اململكة العربية ال�سعودية(‪.)2‬‬
‫هـ ـ وف ��رة الألب�س ��ة و�أدوات الزينة اليوم مل ت�ؤثر يف رخ�ص �أ�س ��عارها ‪ .‬و�إمنا البع�ض‬
‫منها ذات �أ�س ��عار عالية مثل‪ :‬الذهب‪ ،‬وبع�ض �أدوات الزينة‪ ،‬والثياب والف�ساتني‪،‬‬
‫والأحذية للرجال والن�ساء ‪.‬‬
‫و ـ �أدوات الزين ��ة مث ��ل‪ :‬الع�ص ��ابة‪ ،‬و�أحزمة الذهب والف�ض ��ة للن�س ��اء‪ ،‬والأ�س ��لحة‬
‫للرجال‪ ،‬وكثري من الألب�س ��ة القدمية عند اجلن�س�ي�ن �أ�ص ��بحت جزء ًا من الرتاث‬
‫ف�ل�ا ي�س ��تخدمها �أحد‪ ،‬اللهم �إال بع�ض الأ�س ��لحة التي ي�س ��تخدمها بع�ض الرجال‬
‫يف املنا�س ��بات االجتماعي ��ة‪ ،‬كذلك احلزام الذي كان ال يفارق الرجال والن�س ��اء‬
‫والأطفال قدمي ًا �صار غري مرغوب عند جميع عنا�صر املجتمع(‪.)3‬‬
‫‪5‬ـ الفنون ال�شعبية والألعاب الريا�ضية ‪:‬‬
‫عرفت منطقة الباحة العديد من الفنون ال�ش ��عبية‪ ،‬وقد ف�ص ��لها اال�س ��تاذ علي �صالح‬
‫ال�س ��لوك يف مو�س ��وعته ‪ :‬املوروثات ال�ش���عبية لغامد وزهران‪ ،‬و�أفرد لكل فن �سفر م�ستقل‪،‬‬
‫الأول‪ :‬ق�ص ��ائد اجلب ��ل واللبين ��ي ‪ .‬والث���اين ‪ :‬ق�ص ��ائد العر�ض ��ة يف منا�س ��باتها املختلفة‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬ق�ص ��ائد اللعب وامل�سحباين‪ ،‬والهرموج‪ ،‬والعزاوي وال�سامر ‪ .‬والرابع ‪ :‬الأنا�شيد‬
‫ال�شعبية (القاف ) ‪ .‬واخلام�س‪ :‬الأمثال واحلكم(‪ .)4‬ومن خالل هذا الر�صد التاريخي‬
‫الأدبي نورد الآراء والأقوال التالية‪:‬‬
‫�أ ـ منطقة الباحة غنية برتاثها و�أدبها ال�شعبي ‪.‬‬
‫ب ـ غنى اجلانب اللغوي واحلكم والأمثال يف هذه البالد الأزدية القحطانية ‪.‬‬

‫بع�ض هذه الألب�س ��ة تظهر مفاتن املر�أة‪ ،‬و�أخرى ال تليق بالرجل ال�ش ��اب‪ ،‬لأنها تظهر �أحيان ًا �أطراف ًا من عورته‪� ،‬أو �أن‬ ‫(((‬
‫فيها ت�شبه ًا بالن�ساء �أو بلبا�س اليهود والن�صارى ‪.‬‬
‫من �أراد اال�س ��تزادة عن �أنواع و�أ�س ��ماء و�أ�ش ��كال املالب�س و�أدوات الزينة القدمية يف منطقة الباحة فليذهب لزيارة‬ ‫(((‬
‫بع�ض املتاحف املحلية يف مدن املنطقة‪ ،‬و�س ��وف يجد الكثري من �ألب�س ��ة القدماء ‪ .‬ومعظمها �ص ��ناعة حملية‪ ،‬مع �أن‬
‫بع�ض موادها الرئي�سية مثل‪ :‬القما�ش و�أدوات الزينة كانت م�ستوردة من �أ�سواق احلجاز واليمن وغريها ‪.‬‬
‫درا�س ��ة تاري ��خ اللبا� ��س والزينة يف منطق ��ة الباحة خالل الق ��رن (‪14‬هـ‪20/‬م) مو�ض ��وع جدير بالبحث والدرا�س ��ة‬ ‫(((‬
‫وي�ستحق �إىل �أن يكون مو�ضوع ًا لر�سالة ماج�ستري �أو دكتوراه ‪.‬‬
‫هذه الكتب اخلم�سة التي �ألفها ون�شرها الأ�ستاذ ال�سلوك‪ ،‬طبعت يف مطابع م�ؤ�س�سة املدينة يف جدة عام (‪1415‬هـ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪333‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫ج ـ على جامعة الباحة م�س� ��ؤولية كربى جتاه موروث منطقة الباحة ال�شعبي والثقايف‬
‫والأدبي واللغوي‪ ،‬ومن ثم يجب عليها �إن�شاء مراكز �أبحاث متخ�ص�صة يف درا�سة‬
‫الرتاث ال�ش ��عبي للمنطقة‪ ،‬كما يجب عليها ت�شجيع �أق�سام اللغة العربية والتاريخ‬
‫واالجتماع على درا�سة �أدب وتراث ولغة هذه البالد(‪.)1‬‬
‫د ـ الأدب ال�ش ��عبي الذي تتميز به منطقة الباحة ي�س ��تحق ال�صيانة واحلفاظ عليه‪،‬‬
‫ف�إم ��ارة املنطقة مع اجلامع ��ة والنادي الأدب ��ي‪ ،‬وجمعية الثقاف ��ة والفنون عليها‬
‫جميع ًا م�س�ؤولية التعاون والت�ضافر لإنقاذ هذا املوروث من ال�ضياع‪.‬‬
‫هـ ـ ال�سائر يف منطقة الباحة اليوم ي�شاهد �أجيا ًال �صاعدة ال تعرف عن موروث �آبائها‬
‫و�أجداده ��ا �أي �ش ��يء‪ ،‬وهذه كارثة كبرية وبخا�ص ��ة �إذا غرفوا فيما ت�ص ��در لهم‬
‫و�س ��ائل التقنية والقنوات الف�ض ��ائية من ثقافات وفنون �س ��لبية وبعيدة عن تراث‬
‫�آبائهم‪ ،‬وما عرفته منطقة الباحة من �أ�صالة وقيم ومبادئ‪.‬‬
‫وـ عل ��ى �إدارة التعليم مع القائمني على مهنة الرتبية والتعليم يف املراحل اجلامعية‬
‫والعامة م�س� ��ؤولية احلفاظ على املوروث الأدبي القدمي‪ ،‬ثم نقله �إىل �أجيال اليوم‬
‫التي تعي�ش مرحلة فا�صلة كبرية ما بني املا�ضي واحلا�ضر‪.‬‬
‫زـ امل�ش ��اهد للفنون ال�شعبية التي متار�س يف بع�ض املنا�سبات االجتماعية والر�سمية‬
‫را يف �أدائها وحف ��ظ تراثه ��ا ‪ .‬فهن ��اك �أجيال جدي ��دة ال جتيد‬ ‫يج ��د خل�ل ً�ا كب�ي� ً‬
‫ممار�س ��تها‪ ،‬وال يوجد هناك �ش ��عراء �أكفاء يقولون ويحفظون ويبدعون كما كان‬
‫عمالقة املوروث ال�شعبي ال�سابق(‪.)2‬‬
‫ع ��رف الغامدي ��ون والزهراني ��ون �ألعاب� � ًا ريا�ض ��ية قدمي ��ة مث ��ل ‪ :‬ال�س ��باحة يف الآبار‬
‫والغدران‪ ،‬وامل�ص ��ارعة‪ ،‬وال�س ��باق وهناك �ألعاب حملية �أخرى عديدة‪ ،‬ولها �أ�س ��ماء �شعبية‬
‫عن ��د النا�س(‪ .)3‬مث ��ل ‪ :‬الدالوة‪ ،‬واللقطة‪ ،‬والأمثال‪ ،‬والبي ��وت‪ ،‬والقبة‪( ،‬وماك) باحلجارة‪،‬‬
‫ولعبة الل�س ��ح‪ ،‬و�ساري بالغرتة‪ ،‬او ب�أغ�صان �ش ��جر ال ي�ؤمل عند ال�ضرب‪ ،‬و�ألعاب على �ضوء‬
‫القمر‪ ،‬و�ألعاب يجتمع ال�ش ��باب له ��ا لي ًال فيوقدون النار وي�ؤدونها على �ض ��وء القمر والنار‪،‬‬
‫و�ألعاب القفز وال�سمر وغريها(‪.)4‬‬

‫((( منطقة الباحة جديرة بالعديد من الدرا�سات الأكادميية وبخا�صة يف موروثها الثقايف واللغوي وال�شعبي ‪.‬‬
‫((( ن�أمل �أن نرى دار�س�ي�ن ومتخ�ص�ص�ي�ن يف �أدب وثقافة الفنون ال�ش ��عبية ‪ .‬كما ن�أمل �أن نرى بع�ض الباحثني اجلادين‬
‫الذين يتولون درا�س ��ة تاريخ الأدب ال�ش ��عبي القدمي مع ذكر �س ��لبياته و�إيجابياته يف ال�س ��ابق‪ ،‬وما ناله من التقهقر‬
‫وال�ضعف يف ع�صرنا احلايل‪ ،‬ثم ر�صد بع�ض النتائج والتو�صيات التي ت�ؤدي �إىل �إنقاذ ما بقي منه‪.‬‬
‫((( للمزي ��د ع ��ن هذه الألعاب‪ ،‬انظر‪� :‬أحمد �س ��امل عثم ��ان ‪� .‬ألوان من تراث غام ��د وزهران ( الريا� ��ض‪ :‬الدار العربية‬
‫للطباعة والن�شر‪1424 ،‬هـ)‪� ،‬ص‪52‬ـ‪. 54‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�سه ‪ .‬ودرا�س ��ة تاريخ الألعاب الريا�ضية القدمية يف بالد ال�س ��راة وتهامة من مدن احلجاز الرئي�سية �إىل‬
‫جازان وجنران خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) مو�ض ��وع ي�س ��تحق �أن يفرد له كتاب علمي موثق‪ ،‬والزال يف هذه املنطقة‬
‫من كبار ال�سن من يروي تف�صيالت عن �ألعاب ذلك الزمن الغابر ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪334‬‬
‫ويف العقود املا�ض ��ية املت�أخ ��رة عرفت املنطقة العديد من الألعاب الريا�ض ��ية احلديثة‬
‫مث ��ل‪ :‬ك ��رة القدم‪ ،‬والطاولة‪ ،‬وال�س ��لة‪ ،‬واليد‪ ،‬و�ألعاب القوى املختلف ��ة ‪ .‬والآن عرف �أجيال‬
‫الي ��وم العدي ��د م ��ن الريا�ض ��ات التقني ��ة والإلكرتونية عن طري ��ق اجل ��واالت‪ ،‬والكمبيوتر‪،‬‬
‫والبالي �ستي�ش ��ن وغريه ��ا‪ ،‬ومن خالل ما عرفنا و�س ��معنا عند الأوائل وما ن�ش ��اهده اليوم‬
‫ن�ستطيع القول ‪:‬‬
‫‪1 .1‬جهل وعدم معرفة جيل اليوم لألعاب وو�سائل ت�سلية الآباء والأجداد ‪ .‬وهذا مما �سوف‬
‫يو�سع الفجوة النف�سية والثقافية واالجتماعية والفكرية بني الأوائل واملت�أخرين ‪.‬‬
‫‪2 .2‬الألعاب الريا�ض ��ية القدمية تبني عقول و�أج�س ��ام املمار�س�ي�ن لها‪ ،‬كما �أنهم ي�ش ��عرون‬
‫بالر�ض ��ى النف�س ��ي‪ ،‬وتزيد من الألفة والرتاب ��ط بينهم ‪ .‬بعك�س كثري م ��ن �ألعاب اليوم‬
‫فهي ت�س ��بب التوتر والقلق يف عقول و�أج�سام من ميار�سها‪ ،‬كما �أن بع�ضها مثل الألعاب‬
‫التقنية ت�سبب البدانة و�أمرا�ض ال�ضغط وال�سكر وغريها من العلل لأن املمار�سني لهذه‬
‫الألعاب يق�ضون �أوقات ًا طويلة وهم جال�سون‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ا�ستهالك كميات كبرية من‬
‫الطعام وامل�شروبات الغازية(‪.)1‬‬
‫‪3 .3‬تن ��وع الألع ��اب الرتفيهي ��ة يف بع� ��ض املراكز ال�س ��ياحية مث ��ل ‪ :‬احلدائ ��ق واملتنزهات‪،‬‬
‫والتجمعات ال�سكانية ‪ .‬وهذا النوع من الألعاب له جوانب �إيجابية للرتويح واال�ستجمام‬
‫مل ��ن يذهب �إليها وميار�س ��ها بطريقة �س ��ليمة ومقنن ��ة‪� ،‬أما الذي يذه ��ب �إىل مثل هذه‬
‫الأماكن فيق�ضي بها �أوقات ًا طويلة‪� ،‬أو يتعامل مع بع�ض �آالت اللعب بق�سوة وغري ب�صرية‬
‫فهذا مما قد ي�سبب له �أذى ج�سدي ًا يودي بحياته(‪.)2‬‬
‫‪6‬ـ عادات وتقاليد و�أعراف �أخرى ‪:‬‬
‫عرفت منطقة الباحة العديد من التقاليد والأعراف االجتماعية مثل‪ :‬عادات الزواج‪،‬‬
‫وامل� ��آمت‪ ،‬والأعي ��اد‪ ،‬والتعاون والتكافل‪ ،‬وحفظ اجلوار‪ ،‬والأح�ل�اف القبلية‪ ،‬و�أعراف �أخرى‬
‫عديدة �أثناء ممار�س ��ة بع�ض الأعمال االقت�ص ��ادية يف التجارة‪ ،‬والزراعة‪ ،‬و�ص ��ناعة بع�ض‬
‫احلرف وال�صناعات التقليدية(‪ .)3‬كما مار�س الغامديون بع�ض التقاليد والأعراف يف زيارة‬
‫((( هذا ما �شاهده الباحث �أثناء زيارة بع�ض ال�صاالت واملقاهي الرتفيهية يف منطقة الباحة �أثناء فرتة جمع مادة هذا‬
‫البحث (‪11/29‬ـ ‪1433/12/9‬هـ) ‪.‬‬
‫((( هن ��اك من فقد حياته يف بع�ض املراكز �أو الألعاب الرتفيهية يف منطقة الباحة‪ ،‬نتيجة ل�س ��وء اللعبة التي ميار�س ��ها‪،‬‬
‫�أو ع ��دم �ص ��يانة بع�ض الألعاب قبل ا�س ��تخدامها ‪ .‬هذا ما �س ��معه الباحث من بع�ض القائمني عل ��ى بع�ض املجمعات‬
‫الرتفيهية يف مدينة الباحة يف (‪1433/12/5‬هـ)‪.‬‬
‫((( للمزي ��د م ��ن التف�ص ��يالت ع ��ن بع� ��ض التقاليد والع ��ادات الت ��ي عرفها �س ��كان منطقة الباح ��ة انظر‪� :‬س ��عيد فالح‬
‫الغامدي‪ .‬الرتاث ال�ش ��عبي يف القرية واملدينة ( منطقة الباحة مدينة جدة ) ‪ ( .‬جدة ‪ :‬دار العلم للطباعة والن�ش ��ر‪،‬‬
‫‪1405‬هـ‪1985/‬م)‪� ،‬ص ‪ 146‬وما بعدها‪ ،‬انظر �أي�ض� � ًا ‪� :‬أحمد �س ��امل عثمان‪� ،‬ألوان من تراث غامد وزهران‪� ،‬ص ‪23‬‬
‫وما بعدها ‪.‬‬
‫‪335‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫مر�ض ��اهم‪ ،‬واختالطهم ببع�ضهم يف قراهم و�أ�س ��واقهم و�أ�سفارهم‪ ،‬وا�ستقبالهم �ضيوفهم‬
‫وتوديعهم‪ ،‬ويف حروبهم و�سلمهم(‪.)1‬‬
‫و�إذا قارن��ا ما �س��معنا وعرفنا من �أعراف وع��ادات وتقاليد قدمية يف منطقة‬
‫الباحة‪ ،‬ثم �شاهدنا ما تعي�شه البالد اجتماعي ًا يف الوقت احلا�ضر‪ ،‬ف�إننا ن�ستطيع‬
‫اخلروج بالعديد من االنطباعات التي نذكر �أهمها يف النقاط التالية‪.‬‬
‫�أ ـ تن ��وع بيئ ��ة منطقة الباح ��ة �أثرت قدمي� � ًا يف تقاليد و�أع ��راف النا�س ف�أه ��ل البوادي‬
‫ميار�س ��ون مهن ��ة الرعي‪ ،‬ومن ثم فهم يعي�ش ��ون تقالي ��د وعادات �أه ��ل البادية ‪� .‬أما‬
‫�أهل تهامة وال�س ��راة فقد جمعوا بني ح�ض ��ارة احل�ض ��ر والبادية فهم ميار�سون رعي‬
‫موا�شيهم ويعملون يف مهن ال�صناعات اليدوية والزراعة والتجارة(‪.)2‬‬
‫ب ـ يغل ��ب على النا�س قدمي ًا الب�س ��اطة وع ��دم التكلف يف بع�ض عاداته ��م‪ ،‬مثل الأعياد‪،‬‬
‫وال ��زواج‪ ،‬وجتد التقارب واملحبة يف ممار�س ��ة �أعمالهم املختلفة ‪ .‬وكان جميع �أفراد‬
‫الأ�سرة �أو القرية �أو املجتمع الواحد يتعاونون يف كل ما يعود عليهم بالنفع والفائدة‪،‬‬
‫وال تخلو املنطقة من �ص ��راعات بني الع�شائر املتجاورة‪ ،‬وكانت جل �صراعاتهم تدور‬
‫يف فلك املراعي واملزارع وموارد املياه وال�شرف وغريها(‪.)3‬‬
‫ج ـ الزال ��ت بع�ض عادات الزواج‪ ،‬والأعي ��اد‪ ،‬وامل�آمت متار�س عند �س ��كان منطقة الباحة‬
‫�إىل الي ��وم‪� ،‬إال �أنه جرى عليها �أي�ض� � ًا بع�ض التغريات‪ ،‬فالأماكن اخلا�ص ��ة بالزواج‪،‬‬
‫والهداي ��ا‪ ،‬وامله ��ور والفن ��ون التي متار� ��س �أثناء الزواجات �أ�ص ��بح مبالغ ��ا فيها كم ًا‬
‫وكيف� � ًا(‪ ،)4‬والرتاحم والتقارب الذي كان م�ألوف ًا يف الأعياد �ص ��ار حمدودا بل �ص ��ار‬
‫يف حكم املفقود يف �أحيان �أخرى (‪� .)5‬أما عادات امل�آمت فممار�س ��تها اليوم �أف�ضل مما‬
‫((( املرجعان نف�س ��هما ‪ .‬والزالت منطقة الباحة ( بادية و�س ��راة وتهامة ) حتتاج �إىل درا�سات علمية �أكادميية تركز على‬
‫ع ��ادات و�أع ��راف النا�س ‪ .‬وهن ��اك ثروة ثقافية ولغوية يف ممار�س ��ة كثري من التقاليد والأع ��راف‪ ،‬والباحث يف هذا‬
‫املحور يجد منطقة الباحة غنية يف هذا اجلانب الثقايف والتعليمي ‪.‬‬
‫((( هذا ما �س ��معه الباحث �أثناء جتواله يف منطقة الباحة‪ ،‬بل عا�ص ��ر �ص ��ور ًا من هذه احلياة يف منطقة ع�س�ي�ر خالل‬
‫العقود الأربعة املا�ضية ‪.‬‬
‫((( عا�ش ��ت منطقة الباحة وعموم بالد تهامة وال�س ��راة خالل القرون الإ�س�ل�امية الو�س ��يطة واحلديثة املا�ض ��ية بع�ض‬
‫�أ�ش ��كال من ال�صراعات والفو�ضى‪ ،‬وذلك ب�س ��بب فقدان الأمن‪ ،‬وعدم وجود �سلطة مركزية ت�سو�سهم‪ ،‬وعند جميء‬
‫احلكم ال�س ��عودي احلديث وحد البالد حتى �ص ��ارت خا�ض ��عة حلكومة رئي�سية حتكم فيهم �ش ��رع اهلل ‪ .‬هناك مئات‬
‫الوثائق التاريخية غري املن�شورة التي ت�ؤكد ما ذهبنا �إليه ‪ .‬ودرا�سة �أحوال بالد ال�سراة وتهامة �سيا�سي ًا و�إداري ًا خالل‬
‫القرنني ( ‪14-13‬هـ‪20-19‬م) ‪ .‬مو�ضوع جدير بالبحث والدرا�سة العلمية الأكادميية ‪.‬‬
‫((( امل�شاهد حلفالت الزواجات اليوم يجد املبالغة يف �شراء املالب�س وامل�صروفات التي تنفق على احلفل‪ ،‬من �إيجار �صاالت‪ ،‬وتقدمي‬
‫والئم وهدايا وغريها ‪ .‬م�شاهدات الباحث لعادات الزواج قدمية وحديث ًا يف مناطق عديدة من جنوبي البالد ال�سعودية ‪.‬‬
‫((( الزال ��ت عادات االحتفال بالأعياد متار�س‪ ،‬لكنها حتولت يف الغالب من النهار �إىل الليل‪ ،‬ومل يعد لها النكهة والطعم‬
‫الذي عرفناه وع�شناه يف �أواخر القرن الهجري املا�ضي ‪ .‬درا�سة عادات وتقاليد الأعياد يف املا�ضي واحلا�ضر مو�ضوع‬
‫ي�ستحق الدرا�سة واالهتمام ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪336‬‬
‫كانت عليه يف املا�ضي وبخا�صة يف الوالئم والتكاليف التي كانت تقام يف منزل امليت‬
‫وي�صرف عليها من ماله(‪.)1‬‬
‫د ـ كان التعاون والتكافل والرتاحم �سائد ًا بني النا�س قدمي ًا‪ ،‬وحل التباعد والقطيعة بني‬
‫الأقارب ب�ش ��كل خا�ص وبني بع�ض �أفراد القرية واملجتمع الواحد ب�ش ��كل عام‪ ،‬ورمبا‬
‫كان لعوامل التمدن واحل�ض ��ارة‪ ،‬والأ�س ��فار‪ ،‬ووفرة املال يف �أيدي النا�س‪ ،‬وال�سعي يف‬
‫جمع الأموال‪ ،‬والتو�سع يف امل�آكل وامل�شرب وامل�سكن‪ ،‬و�أحيان ًا �ضعف الوازع الديني �أثر‬
‫يف تباعد �أفراد املجتمع‪ ،‬وفقدانهم �ص ��فات الرتاحم والتعاون التي كانت �سائدة بني‬
‫�آبائهم و�أجدادهم(‪.)2‬‬
‫هـ ـ مقارن ��ة الكثري م ��ن الأع ��راف والتقاليد التي ميار�س ��ها �ش ��باب و�ش ��ابات اليوم مع‬
‫التقالي ��د وعادات �ش ��باب املا�ض ��ي يجدها متباين ��ة وخمتلفة يف التفك�ي�ر‪ ،‬واللبا�س‪،‬‬
‫والطع ��ام‪ ،‬ونظرته ��م للأجيال ال�س ��ابقة‪ ،‬وتعاملهم م ��ع ع�ص ��رهم ‪ .‬فالأوائل كانوا‬
‫�س ��ائرين على خطى �آبائهم يف جميع �أفراحهم و�أتراحهم وتعاي�ش ��هم مع جمتمعهم‬
‫املحدود جغرافي ًا وثقافي� � ًا وتعليمي ًا‪� ،‬أما جيل اليوم فقد خرجوا بتفكريهم من �إطار‬
‫جمتمعه ��م‪ ،‬و�أ�ص ��بحوا يعي�ش ��ون مع جمي ��ع �أنحاء الع ��امل من خالل و�س ��ائل التقنية‬
‫احلديث ��ة التي غزت عقولنا ومنازلنا وجمتمعاتنا‪ ،‬وامل�ؤ�س ��ف �أن كثري ًا من ناجت هذه‬
‫الو�س ��ائل قاد �أجيالنا املعا�ص ��رة �إىل �س ��لبيات كثرية �أثرت يف قيم و�أعراف وتقاليد‬
‫املجتمع الأ�صيلة(‪.)3‬‬
‫وـ ظهور املدن الكبرية وات�س ��اعها‪ ،‬و�شق الطرق وتعبيدها بني الأرياف والقرى واملدن‪،‬‬
‫وترابط املنطقة ( تهامة و�س ��راة وبادي ��ة ) جغرافي ًا‪ ،‬كل هذا �أنتج تقارب الثقافات‪،‬‬
‫وتبادل بع�ض العادات والأعراف والتقاليد وبخا�ص ��ة يف جمال‪ :‬اللهجات‪ ،‬والأطعمة‪،‬‬

‫((( كانت عادات وتقاليد امل�آمت قدمي ًا قا�سية على �أهل امليت‪ ،‬وذلك باجتماع �أهل القرية والع�شرية يف منزل املتوفى لعدة‬
‫�أيام‪ ،‬وهم ي�أكلون وي�شربون من مال امليت مدة �إقامتهم للعزاء ‪.‬‬
‫((( ه ��ذا ما �س ��معه الباحث م ��ن بع�ض �أفراد يف تهامة و�س ��راة منطق ��ة الباحة‪ ،‬بل عا�ص ��ر حياة النا� ��س يف هذا الباب‬
‫قدمي� � ًا وحديث� � ًا ‪ .‬و�أجرى درا�س ��ة مقارن ��ه عن تاريخ التكاف ��ل والتعاون يف جنوب ��ي البالد ال�س ��عودية خالل القرنني‬
‫(‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) عنوان ي�س ��تحق البحث والدرا�س ��ة ‪ .‬وهناك �آالف الوثائق املحلية التي بني �أيدي بع�ض الأ�س ��ر‬
‫ال�سروية والتهامية‪ ،‬وجميعها ت�صب يف خدمة هذا املو�ضوع ‪.‬‬
‫((( ي�صعب علينا ح�صر هذه الت�أثريات يف هذه ال�سطور املحدودة‪ ،‬لكن البع�ض من هذه الت�أثريات مي�س عادات الطعام‬
‫وال�شراب‪ ،‬واللبا�س‪ ،‬وتعلم القيم واملبادئ ال�سامية مثل‪ :‬بر الوالدين‪ ،‬واحرتام الكبري‪ ،‬وال�صدق‪ ،‬والأمانة‪ ،‬واملروءة‪،‬‬
‫وال�شيم وغريها ‪ .‬و�إجراء درا�سة تقارن بني �أعراف وتقاليد وقيم ال�شباب اليوم ويف املا�ضي مو�ضوع جدير بالبحث‪.‬‬
‫ن�أمل �أن نرى �أحد الباحثني يتواله بالدرا�سة العلمية الأكادميية اجلادة ‪.‬‬
‫‪337‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫والأ�ش ��ربة‪ ،‬والألب�س ��ة والزينة‪ ،‬واالحتفاالت واملنا�سبات االجتماعية‪ ،‬وبع�ض الألعاب‬
‫والفنون ال�شعبية وغريها(‪.)1‬‬
‫ز ـ ح�ص��ل الباح��ث �أثن��اء جولت��ه جلم��ع مادة ه��ذا الق�س��م على بع���ض الوثائق‬
‫االجتماعية املحلية التي تعود �إىل العقود الو�سطى من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪،‬‬
‫وبعد قراءتها ات�ضح له عدة �أمور نذكر �أهمها يف النقاط التالية‪:‬‬
‫وعمرية‪ ،‬وهي تناق�ش‬ ‫‪1 .1‬جميع هذه الوثائق تتعلق بقرى وع�ش ��ائر غامدية وزهرانية ُ‬
‫بع� ��ض �أعراف املجتمع مثل ‪ :‬حتديد مهور الزواج‪ ،‬ومقدار الك�س ��وة التي يقدمها‬
‫العري�س لعرو�س ��ه قبل الدخول بها‪ ،‬ومق ��دار الوليمة التي تقدم يف الزواج‪ ،‬وعدد‬
‫الرجال الذاهبني مع العري�س يوم زواجه ‪ .‬وجميع البنود الواردة يف هذه الوثائق‬
‫ت�ص ��ب يف احلد من املبالغة يف التكاليف وت�س ��هل �أمورالزواج ب�ي�ن �أفراد القبيلة‬
‫التي تخ�صها مثل هذه الوثائق‪.‬‬
‫‪2 .2‬ورود بن ��ود �أخ ��رى يف بع� ��ض الوثائ ��ق وه ��ي تق ��در ن�س ��بة الن ��كال �أو التعزي ��ر‬
‫(العقوب ��ة) ملن يتج ��اوز يف �أر�ض جاره �أو يعتدي على �أحد م ��ن �أفراد القبيلة‪� ،‬أو‬
‫يقوم ب�أي ت�صرف يتعار�ض مع قوانني ونظم القبيلة ‪.‬‬
‫‪3 .3‬يت�ض ��ح يف ع ��دد م ��ن الوثائق بع�ض الن�ص ��و�ص الت ��ي تنظم نظ ��ام الأحالف بني‬
‫القبائل �أو الع�ش ��ائر‪ ،‬وحماية الأ�س ��واق الأ�س ��بوعية‪� ،‬أو الطرق والأحمية التي بني‬
‫القرى �أو الع�شائر‪.‬‬
‫‪4 .4‬هن ��اك وثائ ��ق ت ��دور يف فلك التكاف ��ل والتع ��اون والت� ��آزر االجتماعي ب�ي�ن �أفراد‬
‫القرية �أو الع�ش�ي�رة امل�س� ��ؤولة عن مثل هذا النوع من الوثائق ‪ .‬ووثائق �أخرى حول‬
‫ال�س ��ماية‪ ،‬و�إغاثة امللهوف‪ ،‬وا�س ��تقبال امل�س ��افرين وتوديعهم‪ ،‬و�إكرام ال�ضيوف‪،‬‬
‫وتبادل الهدايا بني �أفراد املجتمع الواحد وغريها(‪.)2‬‬
‫‪5 .5‬يج ��ب على جامعة الباح ��ة‪ ،‬والنادي الأدب ��ي‪ ،‬وجمعية الثقافة والفن ��ون‪ ،‬و�إمارة‬
‫وحمافظ ��ات املنطقة �أن جتمع مثل هذه الوثائق الآنفة الذكر‪ ،‬وحتفظ يف متحف‬

‫((( يف املا�ض ��ي كانت كل قرية منعزلة على نف�س ��ها‪ ،‬وغالب ًا بع�ض القرى املتقاربة التي تنتمي �إىل ع�ش�ي�رة واحدة جتدها‬
‫تعي�ش �أعراف وتقاليد وقيم واحدة‪ ،‬وهكذا و�ض ��ع الع�ش ��ائر والقبائل قدمي ًا ‪ .‬ويف ع�ص ��رنا احلا�ض ��ر ات�ص ��ل ال�شرق‬
‫بالغرب وال�ش ��مال باجلنوب‪ ،‬و�صارت املنطقة الواحدة مع ات�س ��اع �أر�ضها وتعدد قراها وع�شائرها وبطونها تعي�ش يف‬
‫جمتمع واحد ي�س ��وده الأمن وتبادل امل�ص ��الح الإدارية واحل�ضارية‪ ،‬ومن ثم ان�صهرت العادات واللهجات والأعراف‪،‬‬
‫و�أ�صبح الذي يف �أق�صى تهامة الباحة يعي�ش كما يعي�ش الذي يف �أعايل ال�سراة �أو �أق�صى البادية ‪ .‬لقد عا�صر الباحث‬
‫احلراك االجتماعي الذي عا�شته مناطق اجلنوب ( الباحة‪ ،‬وع�سري‪ ،‬والقنفذة‪ ،‬وجازان‪ ،‬وجنران) منذ �أربعة عقود‬
‫‪ .‬ولذا ف�إجراء درا�سة �أكادميية مقارنه على �أحوال النا�س االجتماعية احل�ضارية يف املا�ضي واحلا�ضر مو�ضوع جدير‬
‫بالبحث والتوثيق‪ ،‬ون�أمل �أن نرى بع�ض طالبنا الأكادمييني فيقوموا بدرا�سة هذا املو�ضوع ‪.‬‬
‫((( درا�سة التاريخ االجتماعي لبالد الباحة خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) مو�ضوع جدير بالدرا�سة‪ ،‬وي�ستحق �إىل �أن يكون‬
‫عنوان ًا لكتاب �أو ر�سالة علمية �أكادميية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪338‬‬
‫عام خلدمة املنطقة وتراثها‪ .‬كما يجب على هذه امل�ؤ�س�س ��ات �أن ت�ش ��جع درا�س ��ة‬
‫ه ��ذه الوثائق وا�س ��تخال�ص ما فيها م ��ن درو�س وعرب جميلة وطباعتها ون�ش ��رها‬
‫للق ��راء‪ ،‬ويجب عل ��ى وزارة الرتبية والتعليم �أن تر�ص ��د يف مقرراتها التي تدر�س‬
‫للطالب والطالبات بع�ض ًا من اجلوانب الإيجابية التي وردت يف مثل هذه الوثائق‬
‫‪ .‬و�إذا مت �إجن ��از مثل هذه اجلهود قو ًال وعم ًال ف�إننا دون �ش ��ك �س ��وف ن�س ��هم يف‬
‫ربط �أجيالنا احلا�ضرة ببع�ض القيم والأعراف القدمية ال�صاحلة يف بناء الفرد‬
‫والأ�سرة واملجتمع(‪.)1‬‬
‫رابع ًا ‪ :‬الأو�ضاع االقت�صادية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ اجلمع وااللتقاط ‪:‬‬
‫كانت حياة �سكان منطقة الباحة ب�سيطة اقت�صادي ًا‪ ،‬ومهنة اجلمع وااللتقاط من املهن‬
‫التي مار�سوها ب�شكل كبري‪ ،‬ففي الوقت الذي مل يكن فيه كهرباء كان النا�س جميع ًا يحر�صون‬
‫على جمع احلطب من اجلبال والأدوية حتى ي�ستخدموه يف طهي طعامهم‪ ،‬والتدفئة (‪ ،)2‬كما‬
‫كان ��وا ينقلون املياه على ظهورهم �أو على ظهور الدواب من الآبار �أو م�ص ��ادر املياه القريبة‬
‫من �أماكن ا�س ��تيطانهم(‪ .)3‬ويقومون �أي�ض ًا على جمع الأع�ش ��اب واحل�شائ�ش التي يقدمونها‬
‫حليواناتهم الأليفة يف منازلهم(‪.)4‬‬
‫و�أثناء ح�صد الثمار واحلبوب يف مناطق ال�سراة وتهامة كان هناك بع�ض املتجولني من �أهل‬
‫املنطقة‪ ،‬و�أحيان ًا من املناطق املجاورة الذين يت�ص ��لون ب�أ�صحاب الزروع وقت احل�صاد ويطلبون‬
‫منهم ال�ص ��دقة ـ غالب ًا ـ يح�ص ��لون على مطلبهم‪ ،‬وهكذا يتنقلون بني �أ�ص ��حاب املزارع للغر�ض‬
‫نف�سه(‪ .)5‬وعندما يتجمع عندهم مقادير من احلبوب �أو الثمار ينقلونها �إىل �أماكن �إقامتهم(‪.)6‬‬
‫((( الذاه ��ب يف �أرجاء بالد تهامة وال�س ��راة‪ ،‬والفاح�ص ملوروثها الأدبي والثقايف واالجتماعي ف�إنه �س ��وف يجد خمزون ًا‬
‫قيم ًا وجيد ًا يف بناء املجتمعات على مبادئ العزة والقوة وال�ش ��هامة والإن�س ��انية‪ .‬وال ننكر �أنه كان عند الأوائل بع�ض‬
‫ال�سلبيات‪ ،‬لكن عندهم من الإيجابيات ما ي�ستحق الت�أمل فيه واال�ستفادة منه يف حا�ضرنا وم�ستقبلنا ‪.‬‬
‫((( عند ا�ستخدام الكهرباء بد�أت مهنة جمع احلطب تتال�شى‪ ،‬ومل يبق �إال �أفراد قليلون يقومون بجمع احلطب من بع�ض‬
‫اجلبال والأودية وحمله يف �س ��ياراتهم من �أجل بيعه يف الأ�س ��واق ‪ .‬وغالب ًا ‪ ،‬ي�س ��تخدم لطهي بع�ض الأطعمة والأ�شربة‬
‫�أثناء اخلروج للرتويح والنزهة يف اجلبال‪ ،‬وي�ستخدم �أي�ض ًا يف حرق البخور �أو العودة التي تقدم لل�ضيوف و�أحيان ًا يف‬
‫امل�ساجد يوم اجلمعة وخالل �شهر رم�ضان ‪.‬‬
‫((( هذا ما �سمعه الباحث وعا�صره يف منطقة ع�سري خالل العقد الأخري من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( هذا ما �س ��معه الباحث من بع�ض كبار ال�س ��ن يف �سروات الباحة‪ ،‬و�ش ��اهده يف بالد بني �شهر وبني عمرو من منطقة‬
‫ع�سري خالل ت�سعينيات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫((( كان �أ�ص ��حاب امل ��زارع يطلب ��ون �أحيان ًا من �أولئ ��ك املتجولني �أن يعملوا معهم �أثناء ح�ص ��د املحا�ص ��يل والثمار‪ ،‬لعدة‬
‫�أيام ورمبا �أ�س ��ابيع �أو �ش ��هور حتى االنتهاء من ح�ص ��د ودر�س ثمار مزارعهم ‪ .‬م�ش ��اهدات الباحث يف نهاية القرن‬
‫(‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫‪339‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫وهناك العديد من الأ�شجار والنباتات املثمرة يف الأودية واجلبال‪ ،‬مثل ‪ :‬التني ال�شوكي‬
‫( الرب�ش ��ومي)‪ ،‬والعن ��ب‪ ،‬والرم ��ان‪ ،‬والت�ي�ن‪ ،‬والل ��وز‪ ،‬وفواك ��ه وثمار �أخ ��رى‪ ،‬وهي �أمالك‬
‫خا�ص ��ة لبع�ض الأ�س ��ر يف املنطقة‪ ،‬وعند التقاطها ي�س ��تعان ببع�ض �أفراد القرية �أو عابري‬
‫ال�س ��بيل‪ ،‬وعند االنتهاء من قطعها وجمعها تعطى تلك الأيدي العاملة ن�صيب ًا من حما�صيل‬
‫ه ��ذه الثمار(‪ .)1‬ويوج ��د يف اجلبال والأدوية العامة بع�ض الأ�ش ��جار املثمرة‪ ،‬مثل‪ :‬النبق من‬
‫�أ�ش ��جار ال�سدر‪ ،‬والهدب من �أ�ش ��جار العرعر‪ ،‬ورمبا التفاح البلدي والتني اجلبلي‪ ،‬و�أحيان ًا‬
‫ال�ص ��مغ(‪ ،)2‬وكل هذا يتم جمعه من قبل بع�ض �أفراد القرية �أو الع�شرية القريبة من منابت‬
‫ه ��ذا ال�ش ��جر(‪ ،)3‬وكان يجتاح املنطقة �أحيان� � ًا موجة اجلراد الذي يهب ��ط على الزروع ويف‬
‫الأودية واجلبال‪ ،‬ومن ثم تكون فر�صة لل�سكان ل�صيده وجمعه و�أكله(‪.)4‬‬
‫ويف العق��ود املت�أخرة تال�ش��ت واختف��ت مهنة اجلم��ع وااللتقاط‪ ،‬وذلك‬
‫لعدة �أ�سباب نذكر �أهمها ‪:‬‬
‫�أ ـ ع ��دم احلاجة �إىل هذه املهن ��ة لوفرة املال واخلري يف �أيدي النا� ��س‪ ،‬وكانت احلاجة هي‬
‫التي تدفع الأوائل �إىل ممار�سة هذه احلرف ب�شكل كبري وبخا�صة يف جمع املاء واحلطب‬
‫من م�صادرها الرئي�سية ‪.‬‬
‫ب ـ انت�ش ��ار التعلي ��م‪ ،‬وامتداد التنمية والتمدن جعل ت ��راث وتاريخ هذه املهنة غري معروفة‪،‬‬
‫والزائ ��ر لبع�ض املتاحف املحلية يف منطقة الباح ��ة‪� ،‬أو احلديث مع �أهل املنطقة ال يجد‬
‫ذكر ًا وال �أثر ًا كبري ًا لها‪ ،‬ويجب على م�ؤ�س�سات التعليم والثقافة يف اململكة ويف املنطقة �أن‬
‫ُتطلع الأجيال احلا�ضرة على كيفية ممار�سة هذه املهن‪ ،‬وفوائدها‪ ،‬و�أ�سباب انقرا�ضها‪،‬‬
‫والعرب والدرو�س امل�ستفادة منها(‪.)5‬‬
‫‪2‬ـ ال�صيد ‪:‬‬
‫�إن الطبيعة اجلغرافية ملنطقة الباحة ت�ؤكد الغنى الكبري يف ثرواتها احليوانية‪ ،‬فهناك‬
‫العديد من �أنواع ال�س ��باع‪ ،‬واحليوانات والطيور‪ .‬وهناك �صيادون ميار�سون مهنة ال�صيد يف‬
‫جميع �أرجاء املنطقة‪ ،‬وكانوا على النحو التايل‪:‬‬
‫م�شاهدات الباحث يف �أواخر القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬و�سماع مثل هذه الروايات من بع�ض �أفراد غامد وزهران �أثناء رحلتنا ‪.‬‬ ‫(((‬
‫يوجد ال�صمغ بكمية جيدة يف �أ�شجار �سروات و�أ�صدار منطقة الباحة ‪.‬‬ ‫(((‬
‫م�شاهدات الباحث يف ت�سعينات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫كانت موجات اجلراد جتتاح منطقة تهامة وال�س ��راة خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬ويح�صل ب�سببه الأذى الكبري على‬ ‫(((‬
‫حما�صيل ومنتوجات �أهل البالد ‪.‬‬
‫مث ��ل هذه املهن وغريها من املهن التي انقر�ض ��ت ت�س ��تحق الذكر والتدوين بل �إن نقل م ��وروث الأجيال القدمية �إىل‬ ‫(((‬
‫الأجيال احلديثة �أمانة يف �أعناقنا‪ ،‬ويجب �أن ت�ؤدى هذه الأمانة ب�أ�ساليب قولية وعملية فعالة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪340‬‬
‫‪�1 .1‬ص��يادو الطيور مثل‪ :‬احلمام‪ ،‬واحلجل‪ ،‬والع�ص ��افري وغريها من �أجل اقتنائها‪.‬‬
‫و�ص ��يادو الطيور مثل‪ :‬الغربان‪ ،‬واحلد�أة‪ ،‬و�أحيان ًا الن�سور للتخل�ص منها ملا ي�صدر‬
‫منها من �أذى على املزارع وبع�ض الطيور واحليوانات الأليفة(‪.)1‬‬
‫‪�2 .2‬ص��يادو ال�سباع واحليوانات الربية مثل‪ :‬الأ�سود‪ ،‬والنمور‪ ،‬وال�ضباع‪ ،‬والذئاب‪،‬‬
‫والني�ص‪ ،‬والثعالب وجميعها مفرت�س ��ة لبع�ض احليوانات والطيور الأليفة‪ ،‬ومن ثم‬
‫ال يتورع الإن�س ��ان عن �صيدها والق�ضاء عليها‪ ،‬وهناك �صيادون للغزالن‪ ،‬والوبران‬
‫وغريها بهدف �أكلها(‪.)2‬‬
‫‪3 .3‬كان هن��اك بع���ض ال�ص��يادين للزواح��ف ‪ :‬مثل العق ��ارب‪ ،‬والثعابني‪ ،‬واحليات‬
‫وغريه ��ا ‪ .‬وهذه الزواحف كانت تتواجد بكرثة يف جميع �أرجاء املنطقة‪ ،‬وي�ص ��در‬
‫منها بع�ض الأذى على ال�سكان‪ ،‬لهذا ال يتورعون عن الق�ضاء عليها عند وجودها(‪.)3‬‬
‫ولل�ص��يادين العديد من الأ�س��اليب واحليل‪� ،‬أثناء ممار�س��ة ال�صيد‪ ،‬ومن‬
‫تلك احليل ما يلي‪:‬‬
‫‪1 .1‬ا�س��تخدام الأ�س��لحة النارية مثل‪ :‬بنادق الر�ص ��ا�ص والبارود‪ ،‬وبهذه الو�س ��يلة‬
‫ت�صطاد ال�سباع واحليوانات والطيور والزواحف(‪.)4‬‬
‫‪2 .2‬ت�ستخدم بع�ض الطرق البدائية مثل ‪ :‬حفر احلفر يف طريق بع�ض ال�سباع‪ ،‬مع‬
‫تغطيتها ببع�ض الق�ش حتى ال ينتبه لها احليوان الذي ُيراد ا�صطياده(‪.)5‬‬
‫‪3 .3‬هن��اك العدي��د م��ن الأدوات مث��ل‪ :‬احلب ��ال‪ ،‬وامل�س ��امري و�أحيان ًا البال�س ��تيك‪،‬‬
‫والأغطية مثل‪ :‬احلنابل وال�س ��جاد وفر�ش ال�س ��عف التي ت�ستخدم يف بع�ض اخلدع‬
‫ال�صطياد بع�ض الطيور يف �أوكارها‪� ،‬أو بع�ض احليوانات وال�سباع يف مغاراتها(‪.)6‬‬

‫((( هذا ما �سمعه الباحث من بع�ض كبار ال�سن يف منطقة الباحة يف(‪1433/12/ 5 ،1‬هـ)‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( تاريخ ال�ص ��يد يف بالد تهامة وال�س ��راة خالل القرون املا�ض ��ية املت�أخرة مو�ض ��وع ي�س ��تحق �أن يجرى عنه العديد من‬
‫الدرا�سات العلمية الأكادميية ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( ال�صيد مهنة قدمية عرفها العربي‪ ،‬وهناك العديد من الدرا�سات الأكادميية اجليدة التي در�ست تاريخ ال�صيد عند‬
‫العرب قبل الإ�س�ل�ام وبعده‪ ،‬وذكر بهذه البحوث العديد من الأ�س ��اليب والطرق التي جل�أ لها ال�صياد �أثناء ممار�سة‬
‫ال�ص ��يد‪ ،‬ومنطقة تهامة وال�س ��راة املمتدة من احلجاز �إىل اليمن كانت بيئة منا�س ��بة لل�ص ��يد‪ .‬وهذه البالد جديرة‬
‫بدرا�سة تاريخ ال�صيد فيها خالل القرون الإ�سالمية الو�سيطة واحلديثة واملعا�صرة‪ ،‬ومن يتخذ هذا املو�ضوع عنوان ًا‬
‫لأطروحة الدكتوراه‪� ،‬أو كتاب �أكادميي ف�إنه �سوف يخرج لنا بفوائد علمية جيد ‪.‬‬
‫‪341‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫وقد �س���ألنا بع�ض الغامديني والزهرانيني عن ممار�سة ال�صيد يف ع�صرنا‬


‫احلا�ضر‪ ،‬فذكروا لنا ندرة ممار�سته‪ ،‬وذلك للأ�سباب التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬ع ��دم احلاج ��ة �إىل �ص ��يد احليوان ��ات والطيور ال�ص ��احلة ل�ل��أكل‪ ،‬وذل ��ك لوفرة‬
‫الأطعمة والأ�شربة املتنوعة‪ ،‬ومن ثم فال حاجة �إىل مثل هذه املهنة ‪ .‬والزال هناك‬
‫قلة من ال�ص ��يادين ميار�سون ال�ص ��يد يف جبال املنطقة و�أوديتها من �أجل النزهة‬
‫واال�ستمتاع فقط ‪.‬‬
‫‪2 .2‬بعد �ش ��ق الطرق‪ ،‬وقي ��ام املدن‪ ،‬وازدي ��اد ال�س ��يارات والكهرب ��اء والآالت الأخرى‬
‫هاجرت ال�سباع املتوح�شة �أو انقر�ضت‪ ،‬والو�ضع نف�سه امتد �إىل الطيور والزواحف‬
‫ال�ضارة‪ ،‬ومن ثم فال حاجة لل�صياد �أن ميار�س هذه املهنة(‪.)1‬‬
‫‪3‬ـ الزراعة ‪:‬‬
‫تنت�ش ��ر الأرا�ض ��ي الزراعي ��ة يف �أنح ��اء منطقة الباح ��ة‪ ،‬فكل �أ�س ��رة لها مزارع خا�ص ��ة بها‬
‫يتوارثونها فيما بينهم‪ ،‬واملتجول يف املنطقة يلحظ البالد الزراعية حمفوظة باملدرجات الزراعية‬
‫يف الأجزاء ال�سروية‪ ،‬و�أحيان ًا بالعقوم الرتابية �أو املدرجات يف النواحي التهامية(‪ ،)2‬وقد اطلعنا‬
‫على بع�ض الوثائق التاريخية يف بالد زهران وغامد‪ ،‬وا�ستخل�صنا منها اجلوانب التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬جمي ��ع تلك الوثائق يع ��ود تاريخها �إىل القرن�ي�ن (‪13‬ـ ‪14‬ه� �ـ‪19/‬ـ‪20‬م)‪ ،‬ومكتوبة‬
‫بخط اليد‪ ،‬وعليها �أ�سماء من تخ�صهم و�شهود بع�ض احلا�ضرين على تدوينها(‪.)3‬‬
‫‪2 .2‬وجدن ��ا كل قطع ��ة زراعي ��ة له ��ا ا�س ��م‪ ،‬وح ��دود‪ ،‬و�أحيان ًا ي�ش�ت�رك فيه ��ا �أكرث من‬
‫وارث‪ ،‬ومنها ما هو م�س ��قوي ت�س ��قى من الآبار �أو العيون‪ ،‬ومنها الذي يروى مبياه‬
‫الأمطار(‪.)4‬‬
‫أرا�ض موقوفة من �أ�ص ��حابها و�أ�س ��رهم على �أهل بيوته ��م وذراريهم‪ ،‬فال‬ ‫‪3 .3‬هن ��اك � ٍ‬
‫ُتباع �أو ُتهدى‪ ،‬و�إمنا تبقى وقف ًا ي�أكل منها الداخلون والباقون �ض ��من �إطار مالكها‬
‫وذريته‪ ،‬وال تذهب �إىل غريهم(‪.)5‬‬

‫ت�ستخدم �أحيان ًا الأ�سلحة النارية يف قتل هذه احليوانات �أو الطيور وبخا�صة �إذا ظهرت قريب ًا من مواطن اال�ستيطان‬ ‫(((‬
‫يف املنطقة ‪ .‬م�شاهدات الباحث‪ ،‬وما �سمعه من بع�ض �سكان املنطقة يف (‪1433/12/6‬هـ)‪.‬‬
‫تاريخ املدرجات الزراعية يف بالد تهامة وال�سراة جدير بالبحث والدرا�سة ‪.‬‬ ‫(((‬
‫تقدر الوثائق التي اطلعنا عليها باملئات‪ ،‬ويوجد منها �صور يف مكتبة الباحث ( مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية )‪.‬‬ ‫(((‬
‫جمي ��ع الأرا�ض ��ي يف منطق ��ة الباحة ت�س ��قى من الآب ��ار �أو الأمط ��ار ويطلق عل ��ى الن ��وع الأول( م�س ��قوي)‪ ،‬والثاين‬ ‫(((‬
‫( عرثي ) ‪.‬‬
‫نلحظ بع�ض مزارع الوقف التي هلك ورثتها تنتقل �إىل ملكية الدولة‪ ،‬و�أ�ص ��بح هناك م�ؤ�س�س ��ة �إدارية حكومية ت�شرف‬ ‫(((‬
‫على هذه العقارات‪ ،‬وهي ( وزارة ال�ش�ؤون الإ�سالمية والأوقاف ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪342‬‬
‫كان جميع �س ��كان ال�س ��راة وتهامة ميار�س ��ون الزراع ��ة(‪ ،)1‬فهي املهنة الرئي�س ��ية التي‬
‫يقتاتون منها‪ ،‬ولديهم و�سائل وطرق عديدة خلدمة �أرا�ضيهم‪ ،‬وزراعتها وريها وح�صدها ‪.‬‬
‫وهناك الكثري من الأدوات امل�ستخدمة يف ممار�سة هذه املهنة (‪.)2‬‬
‫واملحا�ص ��يل الزراعية يف الباحة ‪ :‬الرب( القمح)‪ ،‬والذرة‪ ،‬وال�ش ��عري‪ ،‬والدجر‪ ،‬والبل�س ��ن‪،‬‬
‫وجميع هذه احلبوب تزرع يف ال�س ��راة ‪� .‬أما تهامة فالذرة والدخن من �أكرث حما�ص ��يلها ‪ .‬ومن‬
‫الفواكه التي ا�شتهرت بها املنطقة الرمان والعنب واللوز‪ ،‬وهناك فواكه �أخرى تزرع يف الأجزاء‬
‫التهامية وال�س ��روية مثل‪ :‬التني والتفاح‪ ،‬واخلوخ‪ ،‬واملوز‪ ،‬وامل�ش ��م�ش‪ ،‬والرب�ش ��ومي‪ .‬و ُيزرع فيها‬
‫بع�ض اخل�ضروات كالكو�سة‪ ،‬والطماطم‪ ،‬والبطاط�س‪ ،‬واخل�س‪ ،‬واجلرجري‪ ،‬والب�صل وغريها(‪.)3‬‬
‫و�س ��كان املنطق ��ة متعاون ��ون يف ممار�س ��ة �أعماله ��م الزراعي ��ة م ��ن ت�س ��وية الأر� ��ض‬
‫وا�ست�ص�ل�احها �إىل زراعتها و�س ��قياها وح�ص ��ادها ‪ .‬وهناك موروث اقت�صادي واجتماعي‬
‫وثقايف ولغوي وا�س ��ع عند �أ�ص ��حاب الأر�ض‪ ،‬وما يقومون به من �أعمال وو�سائل �أثناء القيام‬
‫على مزارعهم وخدمتها(‪.)4‬‬
‫و�إذا قارنا الزراعة قدمي ًا مبا ن�ش��اهده عن زراعة اليوم‪ ،‬ف�إننا جند الفرق �شا�سع ًا‪،‬‬
‫و�سوف نذكر يف ال�سطور التالية �أهم تلك املفارقات وهي على النحو التايل ‪:‬‬
‫‪�1 .1‬أدوات الزراعة قدمي ًا يدوية وتقليدية‪ ،‬واليوم ت�س ��تخدم الآالت والكهرباء يف ممار�س ��ة‬
‫ه ��ذه املهن ��ة‪ ،‬م ��ع �أن الزراعة يف ال�س ��ابق كانت هي العم ��ود الفقري ال ��ذي يقوم عليه‬
‫اقت�ص ��اد البالد فيكفي الناجت الزراعي ل�سد حاجة ال�س ��كان املحليني‪ ،‬وي�صدر الكثري‬
‫من حما�صيل منطقة الباحة وما جاورها �إىل �أ�سواق احلجاز وجند وغريها(‪.)5‬‬

‫�أهل البوادي ال ميتهنون الزراعة و�إمنا الرعي واجلمع وااللتقاط مهنهم الرئي�سية ‪.‬‬ ‫(((‬
‫الزائر لبع�ض املتاحف املحلية يف الباحة وبلجر�ش ��ي ي�ش ��اهد الكثري من تلك الأدوات امل�ص ��نوعة من اخل�ش ��ب �أو احلديد‬ ‫(((‬
‫و�أحيان ًا من اجللود‪ ،‬كما �أن �س ��كان املنطقة ميتلكون �آالف الوثائق التي ت�ص ��ور تاريخ الزراعة يف منطقة الباحة ‪ .‬ودرا�س ��ة‬
‫مو�ضوع الزراعة خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) مو�ضوع ي�ستحق �إىل �أن يكون مو�ضوع ًا لر�سالة ماج�ستري‪� ،‬أو دكتوراه‪.‬‬
‫هذا ما �سمعه الباحث من بع�ض امل�سنني يف منطقة الباحة ‪ .‬وهذه املزروعات نف�سها عرفتها منطقة ع�سري‪ .‬للمزيد‬ ‫(((‬
‫انظر‪ :‬ابن جري�س‪ ،‬ع�سري (‪1100‬ـ‪1400‬هـ( ‪1415‬هـ‪1995/‬م)‪� ،‬ص ‪ 142‬وما بعدها‪ ،‬ويوجد يف �أودية وجبال منطقة‬
‫الباحة الكثري من الأ�شجار وال�شجريات واحل�شائ�ش التي تعي�ش على مياه الأمطار‪ ،‬ولي�س للإن�سان تدخل يف زراعتها‬
‫وا�ست�صالحها‪ ،‬ومن تلك النباتات ‪ :‬العرعر‪ ،‬العتم‪ ،‬ال�شث‪ ،‬الأثب‪ ،‬الت�ألب‪ ،‬الن�شم‪ ،‬العرفج‪ ،‬الطباق‪ ،‬ال�سدر‪ ،‬ال�سمر‪،‬‬
‫الطلح‪ ،‬و�شجريات وح�شائ�ش متعددة الأ�شكال والأغرا�ض ‪.‬‬
‫هناك تف�ص ��يالت ح�ضارية وثقافية عن موا�س ��م الزراعة يف منطقة الباحة‪ ،‬وعن طريق احلراثة والزراعة والري‪،‬‬ ‫(((‬
‫و�أ�س ��اليب �أخرى عديدة يف الن�شاط والتبادل الزراعي‪ ،‬والأدوات الزراعية امل�ستخدمة يف هذه املهنة منذ ا�ست�صالح‬
‫الأر�ض حتى جني املحا�ص ��يل ودر�س ��ها وتخزينها ‪ .‬وتاريخ الزراعة يف بالد تهامة وال�س ��راة خالل القرون املا�ض ��ية‬
‫املت�أخرة جدير بالبحث والدرا�سة الأكادميية ‪.‬‬
‫كانت منطقة الباحة وعموم بالد ال�س ��راة ت�ص ��در حبوبها بكميات كبرية �إىل �أ�س ��واق احلجاز ‪ .‬وهناك الكثري من امل�صادر‬ ‫(((‬
‫التاريخية املبكرة والوثائق احلديثة �أ�شارت �إىل التجارات املتبادلة بني الطائف ومكة وبني �أر�ض ال�سراة‪ .‬وتاريخ ال�صالت‬
‫االقت�صادية بني هاتني الناحيتني يف الع�صر الإ�سالمي املبكر واحلديث مو�ضوع جدير بالبحث والدرا�سة العلمية ‪.‬‬
‫‪343‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫‪2 .2‬قام ال�سكان الأ�صليون قدمي ًا ( ن�سا ًء ورجا ًال ) على خدمة �أرا�ضيهم وا�ست�صالحها‪ ،‬بل‬
‫كانت مهنتهم الرئي�سية يف احل�صول على �أقواتهم‪ ،‬واليوم تدهورت الزراعة يف منطقة‬
‫الباحة‪ ،‬فرتكت الأرا�ض ��ي الزراعية‪ ،‬وحول بع�ض ��ها �إىل مدن وقرى و�أحياء �سكنية(‪.)1‬‬
‫و�إن بق ��ي ن�س ��بة قليلة جد ًا من ال�س ��كان متار� ��س الزراعة يف بع�ض الأودي ��ة �أو النواحي‬
‫ف�إنهم يجلبون لها مزارعني من خارج اململكة(‪.)2‬‬
‫‪3 .3‬مل يج ��د املزارع ��ون قدمي� � ًا �أي م�س ��اعدة �أو دع ��م حكوم ��ي‪ ،‬وذلك ل�ض ��عف الظروف‬
‫االقت�ص ��ادية‪ ،‬ومع ذلك فالزراعة كانت ن�شطة وعامرة يف كل مكان ‪ .‬ومنذ �أربعة عقود‬
‫م�ض ��ت مل ت� ُأل الدولة جهد ًا يف تقدمي القرو�ض للمزارعني‪ ،‬وتزويدهم بالآالت الالزمة‬
‫مثل‪ :‬احلراثات‪ ،‬ومواتري رفع املياه من الآبار‪ ،‬واحل�صادات وغريها‪ ،‬ومع هذا كله جند‬
‫الزراعة تدهورت بل انعدمت يف معظم �أنحاء املنطقة (‪.)3‬‬
‫‪4 .4‬الفجوة الكبرية التي يعي�شها جيل اليوم‪ ،‬وعدم معرفته للتاريخ والرتاث الزراعي الذي‬
‫عا�ش ��ه الآباء واجلدد يعد �س ��لبية ثقافية وح�ضارية تف�ص ��ل بني �أجيال اليوم والأجيال‬
‫ال�س ��ابقة‪ ،‬وم ��ن ثم ف�إن عل ��ى وزارة الزراع ��ة وامل�ؤ�س�س ��ات التعليمية العام ��ة والعالية‪،‬‬
‫والإمارات واملحافظات عليها م�س� ��ؤولية كبرية يف معاجلة هذه الهوة وذلك با�ست�صالح‬
‫الأرا�ض ��ي الزراعي ��ة‪ ،‬ورب ��ط جيل الي ��وم بهذه املهنة الهام ��ة والرئي�س ��ية يف بناء حياة‬
‫املجتمعات اقت�صادي ًا وح�ضاري ًا(‪.)4‬‬
‫‪4‬ـ احلرف وال�صناعات ‪:‬‬
‫مار�س �س ��كان منطقة الباح ��ة العديد من ال�ص ��ناعات واحلرف اليدوي ��ة مثل‪ :‬دباغة‬
‫اجللود وخرازتها‪ ،‬والنجارة و�ص ��ناعة اخل�ش ��ب‪ ،‬والتعدين واحلدادة وال�ص ��ياغة‪ ،‬و�صناعة‬
‫الفخار والأحجار‪ ،‬و�ص ��ناعة امللح‪ ،‬و�صناعة اخل�صف والن�سيج‪ ،‬وال�صباغة واخلياطة‪ ،‬كما‬

‫((( يلح ��ظ املتجول يف عموم منطقة الباحة ( بادية و�س ��راة وتهامة ) كثري ًا من الأرا�ض ��ي الزراعي ��ة حتولت �إىل � ٍ‬
‫أرا�ض‬
‫�س ��كنية ‪ .‬ويالحظ �أي�ض� � ًا �أن الأرا�ضي الزراعية التي الزالت على و�ض ��عها الطبيعي �أ�صابها اخلراب والدمار‪ ،‬وذلك‬
‫الن�صراف عموم ال�سكان �إىل الوظائف احلكومية وممار�سة �أعمال �صناعية وجتارية �أخرى ‪ .‬م�شاهدات الباحث يف‬
‫الفرتة املمتدة من ( ‪/11/29‬ـ ‪1433/12/29‬هـ )‪.‬‬
‫((( معظم املزارعني املجلوبني من م�صر وال�سودان واليمن ‪ .‬وهذه ظاهرة �سائدة يف عموم املنطقة اجلنوبية ‪ .‬م�شاهدات‬
‫الباحث خالل ال�سنوات املا�ضية املت�أخرة ‪.‬‬
‫((( تاريخ الزراعة يف الع�ص ��ر احلديث وما قدمت الدولة من �إعانات عينية ومادية مو�ض ��وع جدير بالدرا�س ��ة‪ ،‬ن�أمل �أن‬
‫نرى �أحد الباحثني اجلادين فيخرج لنا درا�سة �أكادميية يف هذا اجلانب ‪.‬‬
‫((( العمل على �إجناز درا�س ��ة مقارنة بني و�ض ��ع الزراعة يف القدمي واحلديث مو�ض ��وع ي�ستحق �إىل �أن يجرى عليه بع�ض‬
‫الدرا�س ��ة الأكادميية ‪ .‬كما �أن �إجراء درا�س ��ات ومقارنات حتليلية بني �أو�ض ��اع الزراعة يف الباحة وع�س�ي�ر وجنران‬
‫وج ��ازان ت�س ��تحق االهتمام م ��ن اجلامعات املحلية يف هذا اجلنوب ال�س ��عودي ‪ .‬وكذلك فتح كلي ��ات للزراعة يف هذه‬
‫اجلامعات اجلنوبية جدير باالهتمام‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪344‬‬
‫مار�س ��وا حرف احلالق ��ة‪ ،‬واحلجامة‪ ،‬وجمع الثمار واحلبوب واحلط ��ب‪ ،‬ونقل الأمتعة على‬
‫ظهور الدواب وغريها(‪.)1‬‬
‫والغالب على ممار�س��ة ال�ص��ناعات القدمية يف بالد غام��د وزهران �أمور‬
‫عديدة نذكر �أهمها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬جميع ال�ص ��ناعات واحلرف ال�س ��ابقة الذكر وغريها من �ضروريات احلياة عند جميع‬
‫طبقات املجتمع‪ ،‬وذلك الحتياجهم �إىل جميع امل�ص ��نوعات التي ت�ساعدهم على العي�ش‬
‫وممار�سة نظام حياتهم االجتماعي واالقت�صادي(‪.)2‬‬
‫‪2 .2‬العاملون يف احلرف وال�صناعات قدمي ًا من �سكان املنطقة‪ ،‬وبع�ض املهن ي�شرتك فيها‬
‫الأب والأم و�أفراد الأ�سرة‪ ،‬وهناك �صناعات يقوم بها �أنا�س متخ�ص�صون يف ممار�ستها‬
‫مثل ‪ :‬النجارة‪ ،‬واحلدادة‪ ،‬واخلياطة‪ ،‬وال�صناعة‪ ،‬والبناء وغريها(‪.)3‬‬
‫‪3 .3‬جمي ��ع املواد الأولية ملمار�س ��ة معظم احلرف وال�ص ��ناعات يف منطق ��ة الباحة حملية‪،‬‬
‫وغالب ًا يتم جلبها من �أنحاء املنطقة‪ ،‬كما �أن مناخ البالد ي�س ��اعد �أي�ض� � ًا يف ممار�س ��ة‬
‫بع�ض احلرف وال�ص ��ناعات فمث ًال‪ :‬الدباغة واخلرازة جند موادها الرئي�س ��ية جملوبة‬
‫من البيئة املحلية‪ ،‬ثم �إن الطق�س يف الأجزاء ال�سروية و�أحيان ًا البدوية �أف�ضل يف معاجلة‬
‫الأدمي و�صناعته من املناطق التهامية (‪.)4‬‬
‫‪4 .4‬بع�ض ال�ص ��ناعات حتتاج �إىل ا�س ��ترياد بع�ض املواد الرئي�س ��ية ملمار�ستها مثل‪ :‬الن�سيج‬
‫واخلياطة‪ ،‬فالأقم�ش ��ة ت�ستورد من �أ�س ��واق احلجاز والقنفذة واليمن(‪ .)5‬وكذلك بع�ض‬
‫ال�صناعات املعدنية وغريها(‪.)6‬‬

‫((( تاريخ احلرف وال�ص ��ناعات يف منطقة الباحة خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) جدير بالبحث والدرا�سة ‪ .‬حبذا‬
‫�أن ُيتخذ مو�ضوع ًا لر�سالة ماج�ستري �أو دكتوراه يف �أحد �أق�سام التاريخ باجلامعات ال�سعودية‪.‬‬
‫((( فال�ص ��ناعات اخل�شبية مث ًال �ضرورية يف �أدوات الطعام وال�ش ��راب‪ ،‬ويف الأعمال الزراعية والتجارية وغريها‪ .‬وق�س‬
‫على ذلك جميع الأدوات ال�صناعية واحلرفية الأخرى الهامة وال�ضرورية يف ا�ستقامة حياة النا�س ومعي�شتهم ‪.‬‬
‫((( عندم ��ا كن ��ت متجو ًال يف منطقة الباحة ذكر لنا العديد من �أ�س ��ماء الأ�س ��ر والأفراد الذين كانوا م�ش ��هورين يف عمل‬
‫بع� ��ض احلرف وال�ص ��ناعات بل التقيت ب�أبناء و�أحفاد بع�ض تلك الأ�س ��ر و�أطلعوين على بع� ��ض الوثائق التي تدور يف‬
‫فلك ممار�سة �أجدادهم �أو �آبائهم لبع�ض ال�صناعات اليدوية التقليدية ‪.‬‬
‫((( �ص ��ناعة الأدمي‪ ،‬واحلديد‪ ،‬والنجارة من �أهم احلرف التي مار�س ��ها �سكان غامد وزهران ‪ .‬وهذه ال�صناعات الثالثة‬
‫ت�س ��تحق �أن يفرد لها درا�سة مف�صلة تو�ض ��ح �أهميتها يف حياة النا�س ‪ .‬وهناك �صناعات �أخرى عديدة ت�ستحق �أي�ض ًا‬
‫البحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫((( ح�ص ��ل الباحث على ع�ش ��رات الوثائق التي ت�ص ��ور �ش ��راء بع�ض املواد الأولية لعدد من ال�ص ��ناعات ‪ .‬وكانت �أ�سواق‬
‫احلجاز والقنفذة هي املورد الرئي�س لكثري من تلك ال�س ��لع‪ ،‬مثل‪ :‬الأقم�ش ��ة‪ ،‬و�أدوات اخلياطة‪ ،‬و�أحيان ًا بع�ض �أدوات‬
‫ال�صباغة وال�صياغة‪ ،‬وبع�ض الأواين املنزلية وغريها‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫‪345‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫‪5 .5‬تتفاوت نوعية احلرف وال�صناعات من مكان لآخر‪ ،‬فالبوادي مث ًال ال يحتاجون كثري ًا من‬
‫امل�صنوعات لأنهم بدو رحل‪ ،‬و�أهم حاجياتهم ن�سج و�صناعة بيوتهم من �شعر حيواناتهم‪،‬‬
‫ورمبا ح�صلوا على بع�ض الأدوات ال�صناعية من الأ�سواق الأ�سبوعية فهم يقاي�ضونها مع‬
‫بع�ض �سلعهم �أو ي�شرتونها بالنقود‪� ،‬أما �سكان ال�سراة وتهامة فهم م�ستقرون يف �أوطانهم‬
‫وميار�س ��ون الزراعة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬و�أعمال ح�ض ��ارية �أخرى‪ ،‬ومن ثم فهم بحاجة �إىل كثري‬
‫من الأدوات ال�صناعية واحلرفية ‪ .‬التي ي�ستخدمونها يف حياتهم اليومية(‪.)1‬‬
‫‪6 .6‬املمار�سون لبع�ض احلرف وال�صناعات يواجهون العديد من العقبات‪ ،‬مثل‪ :‬نق�ص املواد‬
‫الأولية ملمار�س ��ة �ص ��نعتهم‪ ،‬وعدم توفر امل ��ال �أحيان ًا يكون عائق ًا يف تطوير ال�ص ��ناعة‬
‫وزي ��ادة الإنتاج‪ ،‬كما �أن الأدوات امل�ص ��نوعة قد ال تباع بالنق ��ود لعدم وجود املال‪ ،‬ومن‬
‫ثم يلج�أ ال�ص ��ناع �إىل بيع �س ��لعهم بالأجل �أو مقاي�ض ��تها مع �س ��لع �أخرى مثل‪ :‬احلبوب‬
‫واملوا�شي وم�شتقاتها(‪.)2‬‬
‫‪7 .7‬بع�ض الدار�سني �أو الكتاب الغامديني والزهرانيني �أ�شاروا يف بع�ض درا�ساتهم �إىل �صور‬
‫�أو �شذرات من ال�ص ��ناعات واحلرف التي عرفتها جمتمعاتهم يف الع�صور املا�ضية(‪،)3‬‬
‫وحتى هذه اللحظة مل نطلع على درا�سة وافية �أكادميية تناق�ش هذا املو�ضوع‪ ،‬ون�أمل �أن‬
‫نرى من �أ�ساتذة جامعة الباحة �أو بع�ض امل�ؤرخني �أو الأكادمييني من زهران وغامد من‬
‫يتناول هذا املو�ضوع بالبحث والدرا�سة العلمية اجلادة والر�صينة(‪.)4‬‬
‫وعند جتوالنا يف املنطقة الحظنا تال�شي معظم ال�صناعات واحلرف اليدوية القدمية‪،‬‬
‫و�إذا كان هناك من ميار�س ��ها فهم قليلون ‪ .‬وقد �ش ��اهدت بع�ض �أدوات ال�صناعات الرتاثية‬
‫القدمي ��ة يف �أ�س ��واق املنطقة‪ ،‬وعند �س� ��ؤايل عن �أماكن �ص ��نعها قال لنا بع� ��ض الباعة �أنها‬
‫متار�س على نطاق �ض ��يق جد ًا ‪ .‬ورمبا قام على ممار�س ��تها بع�ض العمالة الوافدة وامل�ؤجرة‬
‫من قبل بع�ض التجار املحليني(‪.)5‬‬

‫((( الزائر لبع�ض املتاحف املحلية يف منطقة الباحة يلحظ �أدوات �ص ��ناعية كثرية‪ ،‬ومعظمها �ص ��ناعة حملية ‪ .‬ودرا�س ��ة‬
‫ال�صناعات واحلرف القدمية يف منطقة الباحة مو�ضوع ي�ستحق البحث والدرا�سة العلمية الأكادميية‪.‬‬
‫((( هن ��اك �ص ��ناعات مثل‪ :‬احلدادة‪ ،‬وال�ص ��ياغة ورمبا ح ��رف �أخرى تحُ تقر اجتماعي ًا فال�ص ��ناع الذين ميار�س ��ونها ال‬
‫يزوج ��ون �أو يتزوج ��ون �إال من فئاتهم ‪ .‬وعموم طبقات املجتمع ينظرون �إليهم بهذه النظرة مع �أنها �ص ��ناعات هامة‬
‫يف حياة املجتمع ‪ .‬وهذه العادة عرفها وتوارثها العرب منذ الع�ص ��ر اجلاهلي والزالت �س ��ارية عند كثري من القبائل‬
‫العربية وبخا�صة قبائل اجلزيرة العربية حتى يومنا احلا�ضر‪.‬‬
‫((( هناك ع�شرات الدرا�سات احلديثة التي خرجت يف العقود الأربعة املا�ضية عن تاريخ وح�ضارة منطقة الباحة ‪ .‬وبع�ض من‬
‫هذه الدرا�سات �أ�شارت ب�شكل موجز �إىل حرف و�صناعات مار�سها الغامديون والزهرانيون يف القرون املا�ضية ‪.‬‬
‫((( ن�أمل �أن نرى مثل هذا املو�ض ��وع مدرو�س يف ر�س ��الة دكتوراه بق�س ��م التاريخ يف جامعة الباحة �أو �أي ق�س ��م من �أق�سام‬
‫التاريخ يف اجلامعات ال�سعودية ‪.‬‬
‫((( �شاهدنا يف الأ�سواق الأ�سبوعية يف منطقة الباحة بع�ض الهنود والباك�ستانيني واليمنيني والبنجاليني وغريهم الذين كانوا‬
‫ميار�سون �أعمال احلدادة‪ ،‬وال�صياغة‪ ،‬واخلياطة‪ ،‬والدباغة وغريها‪ .‬م�شاهدات الباحث يف ( ‪1433/12/ 6-2‬هـ)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪346‬‬
‫وهناك بع�ض الأ�سباب �أو املعوقات �أو االختالفات امل�صاحبة لل�صناعات‬
‫واحلرف القدمية واحلديثة‪ ،‬ومن �أهمها ما يلي ‪:‬‬
‫‪1 .1‬ان�صراف �س ��كان املنطقة �إىل مهن التعليم والوظائف احلكومية الأخرى‪ ،‬ثم ا�ستقدام‬
‫الأي ��دي العاملة اخلارجية‪ ،‬وبالتايل ممار�س ��تهم جميع ال�ص ��ناعات واحلرف التي كن‬
‫ميار�سها �أهل البالد يف القرون املا�ضية(‪.)1‬‬
‫‪2 .2‬النم ��و والتط ��ور الذي �س ��اد البالد‪ ،‬جعل ال�ص ��ناعات اليدوية القدمية تتال�ش ��ى‪ ،‬وحل‬
‫حملها الآالت واملعدات والأدوات والأجهزة التقنية‪ ،‬ومن ثم تطورت نوعية ال�ص ��ناعة‪،‬‬
‫وزاد �إنتاجها‪ ،‬وارتفعت �سرعة الإجناز‪ ،‬ودقة وجودة ال�صنع(‪.)2‬‬
‫‪3 .3‬الف ��رق ب�ي�ن الأيدي العامل ��ة القدمية واحلديث ��ة‪� ،‬إن جميع العامل�ي�ن اليوم يف احلرف‬
‫وال�ص ��ناعات من خارج اململكة العربية ال�س ��عودية‪� ،‬أما الأيدي العاملة القدمية فكانوا‬
‫من �سكان املنطقة‪ ،‬ونادر ًا جتد يد عاملة وفدت من منطقة �أو �إقليم �آخر‪ ،‬كما �أن املواد‬
‫الأولية لأي �ص ��نعة �أو حرفة م�س ��توردة من الأ�س ��واق الكربى يف اململكة‪ ،‬وغالب ًا امل�صدر‬
‫الرئي�س لكثري من هذه املواد م�ستورد من خارج اململكة(‪.)3‬‬
‫‪�4 .4‬صناعات اليوم �أجود و�أجمل يف ال�شكل‪ ،‬لكنها رمبا تكون �أخطر �صحي ًا من ال�صناعات‬
‫القدمية‪ ،‬وال�س ��بب �أن املواد ال�ص ��ناعية ال�سابقة يتم احل�ص ��ول عليها من الطبيعة‪ ،‬يف‬
‫حني �أن �صناعات اليوم �أ�صبحت ممزوجة مبواد كيماوية وبرتولية �سامة وخطرية(‪.)4‬‬
‫‪5 .5‬كانت ال�ص ��ناعات واحل ��رف القدمية متار�س ل�س ��د حاجة �أفراد الأ�س ��رة �أو القرية يف‬
‫نطاقها ال�ضيق‪ ،‬و�إذا �صدرت بع�ض امل�صنوعات �إىل الأ�سواق املحلية فهي جتارات قليلة‬
‫وحمدودة جد ًا‪� ،‬أما �ص ��ناعات وحرف اليوم فهي �أكرث انت�شار ًا و�أكرث يف العدد واحلجم‬
‫والن ��وع‪ ،‬وذلك عائد �إىل كثافة ال�س ��كان الكبرية‪ ،‬وتوفر املال يف �أي ��دي النا�س‪ ،‬وزيادة‬
‫النمو والتطور احل�ضاري الذي تعي�شه البالد(‪.)5‬‬
‫((( جتولت يف �أ�س ��واق ومدن وحوا�ض ��ر منطقة الباحة و�ش ��اهدت ع�شرات اجلن�س ��يات من العمالة الوافدة‪ ،‬وكثري منهم‬
‫كانوا يعملون يف ع�شرات ال�صناعات واحلرف اليدوية التجارية يف الأ�سواق واملدن ال�صناعية‪ ،‬وال تخلو قرية �أو حي‬
‫�أو ناحية من نواحي املنطقة �إال يوجد بها العديد من العاملني املهرة وال�صناع والأيدي العاملة املختلفة ‪ .‬م�شاهدات‬
‫الباحث (‪1433/12/9-1‬هـ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫((( �إجراء درا�سة مقارنة عن الأيدي العاملة واملواد الأولية لل�صناعات قدميا وحديثا مو�ضوع ي�ستحق الدرا�سة‪ .‬ن�أمل �أن‬
‫نرى بع�ض الباحثني يف جامعة الباحة فيدر�سون هذا املحور درا�سة علمية جادة‪.‬‬
‫((( ن�أم ��ل �أن تق ��وم كلية الطب‪ ،‬و�أق�س ��ام الكيمي ��اء وعلوم احلي ��اة يف جامعة الباحة ب�إج ��راء بع�ض الدرا�س ��ات العلمية‬
‫الأكادميية على بع�ض ال�صناعات القدمية واحلديثة يف منطقة الباحة‪ ،‬و�إبراز املنافع والأ�ضرار لكل �صنعة ‪.‬‬
‫((( درا�سة ال�صناعات التقليدية يف منطقة الباحة ومقارنتها مع النمو والتطور احلريف وال�صناعي الذي تعي�شه املنطقة‬
‫اليوم مو�ض ��وع ي�س ��تحق البحث والدرا�س ��ة‪ ،‬ن�أم ��ل �أن نرى �أحد الباحث�ي�ن اجلادين من بالد الباح ��ة فيتواله بالبحث‬
‫والتق�صي والدرا�سة ‪.‬‬
‫‪347‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫‪6 .6‬عادات وثقافات وم�شاكل ال�صناع واحلرفيني قدمي ًا وحديث ًا تتنوع يف بيئاتها‪ ،‬والظروف‬
‫الطبيعية واالجتماعية واالقت�ص ��ادية التي عا�صرتها‪ ،‬وقد �سمعت العديد من الروايات‬
‫يف هذا اجلانب �أثناء جتوايل يف منطقة الباحة خالل الأيام الأوىل من �شهر ذي احلجة‬
‫عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) (‪.)1‬‬
‫‪5‬ـ التجارة ‪:‬‬
‫�أ ـ مدخل ‪:‬‬
‫هناك العديد من املقومات التجارية واالقت�صادية يف منطقة الباحة مثل‪:‬‬
‫‪1 .1‬املنطقة بني مناطق جازان وجنران وع�س�ي�ر‪ ،‬من اجلنوب واجلنوب ال�شرقي‪ ،‬ومنطقة‬
‫مكة املكرمة من ال�ش ��مال والغرب‪ ،‬و�أجزاء من املنطقة الو�سطى من الناحية ال�شرقية‪،‬‬
‫وهذا املوقع جعلها على �صالت جتارية واقت�صادية بهذه املناطق اجلغرافية والإدارية ‪.‬‬
‫‪2 .2‬كان ��ت منطق ��ة الباحة غني ��ة‪ ،‬بخرياته ��ا وثرواتها الزراعي ��ة واحليواني ��ة‪ ،‬والناظر يف‬
‫بع� ��ض كتب ال�ت�راث‪ ،‬والوثائق احلديثة واملعا�ص ��رة‪ ،‬و�أقوال بع�ض ال ��رواة يجد �أن هذه‬
‫البالد الزهرانية والغامدية مليئة بجميع �أنواع املحا�صيل الزراعية‪ ،‬ناهيك عن الرثوة‬
‫احليواني ��ة التي كانت ت�ص ��در �إىل �أ�س ��واق احلجاز وبع�ض الأ�س ��واق الأ�س ��بوعية داخل‬
‫منطقة الباحة وخارجها(‪.)2‬‬
‫ب ـ الطرق والأ�سواق ‪:‬‬
‫كان ��ت الطرق يف املا�ض ��ي وع ��رة وغري معبدة‪ ،‬وال تخل ��و �أي قري ��ة �أو ناحية يف منطقة‬
‫الباحة من طرق �ضيقة ت�صل بع�ضها ببع�ض‪ ،‬وتعد اجلمال واحلمري و�سائل النقل الرئي�سية‬
‫عند عامة النا�س‪ ،‬ومنذ الن�ص ��ف الثاين يف القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ات�ص ��لت مناطق احلجاز‬
‫وع�س�ي�ر وجازان وجنران عرب منطقة الباحة بطريق رئي�س معبد ت�س ��لكه ال�س ��يارات‪ ،‬وكان‬
‫حت ��ى �أوائ ��ل هذا القرن طريق �ض ��يق وخطري يف معظم �أجزائه(‪ ،)3‬كم ��ا �أن نواحي منطقة‬

‫((( لقد �س ��معت روايات حول م�ش ��اكل وثقافات ال�ص ��ناع قدمي ًا وحديث ًا ‪ .‬بل عرثت على العديد من الوثائق التي تعك�س‬
‫بع�ض الأعراف �أو التقاليد امل�صاحبة لبع�ض احلرف وال�صناعات احلديثة ‪ .‬ومو�ضوع الثقافات والأعراف والتقاليد‬
‫عند احلرفيني وال�صناع قدمي ًا وحديث ًا مو�ضوع جديد وجدير �أن يكون عنوان ًا لكتاب �أو ر�سالة علمية ‪.‬‬
‫((( درا�س ��ة التاري ��خ التجاري ملنطقة الباحة خالل القرون الإ�س�ل�امية الو�س ��يطة واحلديثة ‪ .‬مو�ض ��وع جدير باالهتمام‬
‫والدرا�سة‪ ،‬وي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لكتاب �أو ر�سالة علمية �أكادميية ‪.‬‬
‫((( من ��ذ حوايل ع�ش ��ر �س ��نوات بد�أت التو�س ��عات يف ه ��ذا الطريق ويف ه ��ذا العام الهج ��ري ورمبا الع ��ام القادم (‪-34‬‬
‫‪1435‬هـ‪2014 -2013/‬م) �س ��وف ي�س�ي�ر يف اجتاهني‪ ،‬وقد مت التغلب على كثري من تعرجاته ووعورته ‪ .‬م�ش ��اهدات‬
‫الباحث خالل هذا العام (‪1434-33‬هـ ‪2013-2012/‬م) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪348‬‬
‫الباحة البدوية والتهامية كانت مت�ص ��لة مع الأجزاء ال�س ��روية بطرق وعقبات �ضيقة ووعرة‬
‫يف م�سالكها وحزونها(‪.)1‬‬
‫وعن��د زي��ارة املنطقة يف نهاية ع��ام (‪1433‬ه��ـ‪2012/‬م)‪ ،‬والتجوال يف‬
‫معظ��م �أجزائها ات�ض��حت لنا مظاه��ر عديدة يف باب الطرق وو�س��ائل النقل‬
‫نذكر �أهمها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬جميع املدن والقرى والبوادي والأرياف مت�ص ��لة بع�شرات الطرق امل�سفلتة واملتفاوتة يف‬
‫الط ��ول والعر� ��ض‪ ،‬و�إذا نظرنا �إىل مدن الباحة واملندق وبلجر�ش ��ي واملخواة‪ ،‬جند �أنها‬
‫تتميز على غريها يف جودة و�س ��عة طرقها‪ ،‬ورمبا مدينة الباحة ب�أحيائها وخمططاتها‬
‫تعد الأف�ض ��ل بني امل ��دن الآنفة الذكر‪ ،‬والزالت حتتاج �إىل املزيد من الطرق الف�س ��يحة‬
‫واخلدمات الهامة وال�ضرورية لأنها احلا�ضرة الرئي�سية للمنطقة(‪.)2‬‬
‫‪2 .2‬الطري ��ق الرئي�س امل ��زدوج يف منطقة الباحة‪ ،‬هو طريق الطائ ��ف �أبها الذي يعرب مدن‬
‫منطقة الباحة الرئي�سية‪ ،‬بدء ًا من جبل �شمرخ وحمافظة القرى يف بلدة الأطاولة �شما ًال‬
‫�إىل مركزي بال�شهم و�شرى‪ ،‬يف �أق�صى جنوب املنطقة‪ ،‬كما يوجد بع�ض الطرق القليلة‬
‫واملزدوجة داخل مدينتي الباحة وبلجر�ش ��ي‪ ،‬مع �أن بع� ��ض تلك الطرق يعرتيها العديد‬
‫من العقبات مثل‪� :‬ض ��يق امل�س ��احة‪� ،‬أو عدم نفاذ بع�ضها‪ ،‬فقد تكون وا�سعة مفتوحة من‬
‫ناحية‪ ،‬و�ضيقة مقفولة من ناحية �أخرى(‪.)3‬‬
‫‪3 .3‬جميع الطرق املنت�شرة يف املدن والقرى والأرياف ( بادية‪ ،‬و�سراة‪ ،‬وتهامة) مكونة من‬
‫اجتاه واحد‪ ،‬ومل �أ�شاهد �أي طريق �آخر مزدوج غري ما ذكر يف النقطة ال�سابقة‪ ،‬ويلحظ‬
‫امل�ش ��اهد �أن جمي ��ع املحافظ ��ات واملراكز والق ��رى والنوحي يف عم ��وم البالد مرتابطة‬
‫ب�شبكة طرق معبدة‪ ،‬لكنها الزالت حتتاج �إىل املزيد من حيث العدد والتطوير(‪.)4‬‬
‫تاريخ التجارة لبالد الباحة خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) مو�ض ��وع هام وي�س ��تحق �أن يكون عنوان ًا لر�سالة ماج�ستري �أو‬ ‫(((‬
‫دكتوراه ‪ .‬ون�أمل من �أحد طالبنا يف ق�سم التاريخ بجامعة امللك خالد �أن يتخذه مو�ضوع ًا لأطروحته العلمية ‪.‬‬
‫عندما نقارن مدينة الباحة �أو املدينة الثانية يف املنطقة ( بلجر�ش ��ي ) مع مدن �أخرى يف ع�س�ي�ر �أو مكة املكرمة �أو‬ ‫(((‬
‫املدينة املنورة وغريها فطرق منطقة الباحة ت�أتي يف م�س ��توى �أقل من غريها من مناطق اململكة الرئي�س ��ية ‪ .‬ون�أمل‬
‫�أن نرى بالد الباحة يف م�س ��توى �أجمل و�أف�ض ��ل مما هي عليه الآن‪ .‬م�ش ��اهدات الباحث خالل �شهر ذي احلجة عام‬
‫(‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫ه ��ذه العقب ��ات تتواجد بن�س ��بة �أكرب يف مدينة بلجر�ش ��ي ‪ .‬وهناك م�س� ��ؤولية كبرية على الأمانة العام ��ة للبلديات يف‬ ‫(((‬
‫املنطقة‪ ،‬ويجب عليها ال�س ��عي �إىل حل هذه امل�ش ��اكل التي ت�س ��بب االزدحام و�إعاقة ال�س�ي�ر‪ .‬م�ش ��اهدات الباحث من‬
‫(‪2‬ـ‪1433/12/4‬هـ) ‪. .‬‬
‫يف ال�سنوات الع�شر املا�ضية قمت بالعديد من الرحالت يف �أنحاء اململكة العربية ال�سعودية وبخا�صة جنوبها ومنطقة‬ ‫(((‬
‫الباح ��ة الزالت حتتاج �إىل م�ش ��اريع �أكرب و�أ�ش ��مل يف مي ��دان العمارة العامة مث ��ل‪ :‬الأبنية احلكومية‪ ،‬و�ش ��ق الطرق‬
‫وتو�س ��يعها‪ ،‬وتو�سيع املطار‪ ،‬وتوفري خدمات �أكرث و�أو�س ��ع يف جمال النقل واملوا�صالت ‪ .‬م�شاهدات الباحث يف �أوائل‬
‫�شهر ذي احلجة عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م)‪.‬‬
‫‪349‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫‪4 .4‬يف ال�س��ابق هن��اك عقب��ات ( ط��رق) �ص��عبة و�ض��يقة ترب��ط ب�لاد تهامة‬
‫بال�س��راة‪ ،‬والي��وم حتول��ت بع�ض هذه العقبات �إىل طرق م�س��فلتة ت�س��لكها‬
‫معظم ال�سيارات(‪ .)1‬ومن هذه(العقبات ) ما يلي ‪:‬‬
‫�أ ـ عقب ��ة الباحة (طري ��ق امللك فهد) وهي �أكربها و�أ�س ��هلها‪ ،‬وتربط مدينة الباحة‬
‫م ��ع مدينة املخ ��واة يف تهامة‪ ،‬بل �إنها تت�ص ��ل بالطرق الرئي�س ��ية التي تربط بني‬
‫مك ��ة املكرمة وع�س�ي�ر وجازان عرب تهامة وال�س ��راة (‪ .)2‬ويبل ��غ طولها من الباحة‬
‫�إىل املخواة حوايل (‪25‬ـ‪30‬كم)‪ ،‬وتتكون من بع�ض اجل�س ��ور وحوايل (‪ )25‬نفق ًا‪.‬‬
‫وتعد من �أطول و�أف�ضل الطرق التي تربط بني تهامة وال�سراة وبخا�صة يف منطقة‬
‫الباحة وما جاورها من البلدان(‪.)3‬‬
‫ب ـ عقب ��ة الأبن ��اء التي تخرج من قري ��ة الأبناء جنوب حمافظة بلجر�ش ��ي �إىل وادي‬
‫اخليطان ثم بلدة منرة يف العر�ضية ال�شمالية التابعة ملحافظة القنفذة(‪ ،)4‬وهذه‬
‫الطريق معبدة وجتتازها معظم ال�سيارات ال�صغرية(‪.)5‬‬
‫ج ـ عقب ��ة حزن ��ة ( طري ��ق امللك عبد اهلل )‪ ،‬وه ��ي معبدة تخرج م ��ن قرية حزنة يف‬
‫حا�ضرة بلجر�شي وتعرب وادي ظبيان حتى مدينة املخواة ‪.‬‬
‫د ـ طريق امللك خالد‪ ،‬وا�س ��مها �س ��ابق ًا عقبة م�ساعد ن�س ��بة �إىل م�ساعد بن رقو�ش‪،‬‬
‫�أحد �ش ��يوخ م�ش ��ايخ زه ��ران يف القرن (‪14‬ه� �ـ‪20/‬م)‪ ،‬وتنطلق م ��ن ديار قبائل‬
‫بي�ض ��ان الزهرانية يف ال�س ��راة �إىل �أعايل وادي دوقة ومنه �إىل حمافظة قلوة يف‬
‫تهامة زهران‪ ،‬والزال العمل جاري ًا على تعبيدها حتى تدوين هذه ال�سطور(‪.)6‬‬
‫هـ ـ عقبة ذي منعاء وتنزل من بلدة برحرح يف ال�سروات الزهرانية وت�صل �إىل جرداء‬

‫لقد �س ��لكنا بع�ض ��ها مع بع�ض الرفاق الغامدي�ي�ن والزهرانيني‪� ،‬أثن ��اء زيارتنا ملنطقة الباح ��ة يف الفرتة (‪-11-29‬‬ ‫(((‬
‫‪1433/12/9‬هـ) ‪.‬‬
‫هناك طريقان تربطان بني احلجاز وع�سري عرب بالد الباحة ‪ .‬الأوىل ‪ :‬الطريق اجلبلي الذي يخرج من الطائف �إىل‬ ‫(((‬
‫الباحة ثم �أبها ‪ .‬والثاين ‪ :‬الطريق التهامي الذي ينطلق من مكة �إىل املظيلف ثم املخواة فتهامة ع�س�ي�ر‪ .‬م�ش ��اهدات‬
‫الباحث يف عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫�سلك الباحث بع�ض العقبات التي تربط بني تهامة وال�سراة يف كل من ع�سري والباحة وجازان وجنران ‪ .‬وكانت عقبة‬ ‫(((‬
‫الباحة من �أكرب و�أ�سهل تلك الطرق ‪ .‬م�شاهدات الباحث (‪1433 -1430‬هـ‪212-2010/‬م ) ‪.‬‬
‫للمزي ��د من التف�ص ��يالت عن حمافظة القنفذة‪ ،‬والعر�ض ��ية ال�ش ��مالية وبلدة منرة‪ ،‬انظر غيث ��ان بن جري�س ‪ .‬بالد‬ ‫(((‬
‫القنفذة خالل خم�س ��ة قرون ( ق‪15-10‬هـ‪/‬ق‪21-16‬م) درا�س ��ة تاريخية ح�ض ��ارية ( الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي‪،‬‬
‫‪1432‬هـ‪2011/‬م) ‪� .‬ص ‪301‬ـ‪ .356‬للم�ؤلف نف�سه ‪ .‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( ع�سري والقنفذة ) ( الريا�ض‬
‫‪ :‬مطابع احلمي�ضي‪1432 ،‬هـ‪2011/‬م) ج‪� ،2‬ص ‪. 432 - 331‬‬
‫حب ��ذا �أن تجُ ��رى درا�س ��ات �أكادميية على ه ��ذه العقبة وغريها م ��ن الدروب وامل�س ��الك التي تربط �س ��روات الباحة‬ ‫(((‬
‫بالأجزاء التهامية ‪.‬‬
‫م�شاهدات الباحث يف الأيام الأوىل من �شهر ذي احلجة عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪350‬‬
‫بني علي يف تهامة(‪ .)1‬وهناك عقبة حميدة بني عمر وتنطلق من �شفاء حمافظة‬
‫بلجر�شي حتى ت�صل �إىل املخواة‪ ،‬وهي طريق عادية ت�ستخدم للرجل فقط(‪.)2‬‬
‫ويف منطقة الباحة ال�س ��روية بع�ض العقبات والط ��رق الوعرة نوع ًا ما مثل‪ :‬عقبة ذاللة‬
‫الت ��ي تنحرف م ��ن ر�أ�س جبل �ش ��مرخ نحو ال�ش ��مال الغربي وت�س ��تمر ت�س�ي�ر يف العديد من‬
‫املرتفعات والأودية واله�ضاب حتى ت�صل جبال وقرى قبائل دو�س الزهرانية ال�سروية‪ ،‬وهذه‬
‫الطريق معبدة وعر�ضها تقريب ًا يرتاوح من ( ‪ 5‬ـ ‪8‬م)(‪ ،)3‬وطرق �أخرى تهامية �شبيهة بعقبة‬
‫ذاللة مثل‪ :‬عقبتي عر�ش ��ة وامل�س ��ودة وكالهما تبد�أ من وادي بطاط يف تهامة الباحة وتنتهي‬
‫الأوىل يف ر�أ�س جبل عر�شة‪ ،‬والثانية يف فرعة امل�سودة(‪.)4‬‬
‫والأ�سواق الأ�سبوعية قدمي ًا موجودة يف كل ناحية من �أجزاء املنطقة الباحة‬
‫تهامة و�س��راة‪ ،‬وقد �ش��اهدنا �أماكن تلك الأ�سواق‪ ،‬فوجدنا �أغلبها قد اندثر‪ ،‬والزال‬
‫هناك بع�ض الأ�س��واق الأ�س��بوعية التي تقام حتى اليوم‪ ،‬لكن ن�ش��اطها مل يعد كما‬
‫كان يف ال�سابق(‪ .)5‬ومن الأ�سواق التي �شاهدناها �أو �سمعنا عنها ما يلي ‪:‬‬
‫‪�1 .1‬س ��وق ال�سبت يف مدينة بلجر�ش ��ي‪ ،‬و�سبت الغ�شامرة ببلدة الغ�ش ��امرة يف �سراة غامد‪،‬‬
‫و�س ��بت النقع ��ة ببن ��ي ح�س ��ن الزهرانية‪ ،‬و�س ��بت قرية الروم ��ي غرب قرية بني �س ��ار‬
‫الزهرانية‪ ،‬و�سوق املندق ببلدة املندق الزهرانية‪ ،‬و�سبت ناوان يف تهامة‬
‫‪�2 .2‬أ�س ��واق الأحد يف بلدة رغ ��دان‪ ،‬وبني كبري يف قرية والب ��ة الغامدية‪ ،‬و�أحد احلجرة يف‬
‫تهامة(‪.)6‬‬

‫((( هذه العقبة مل ن�سلكها لكنها الزالت من الطرق الوعرة وال�صعبة التي تربط بني تهامة وال�سراة ‪ .‬م�شاهدات الباحث‬
‫يف (‪1433/12/5‬هـ) ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫((( املتج ��ول يف املنطق ��ة املمت ��دة من بالد جنران وقحط ��ان جنوبا �إىل الطائف �ش ��ماال يجد �آثار مئ ��ات الطرق العادية‬
‫التي كان ي�س ��لكها النا�س قدمي ًا عندما يذهبون من بالد ال�س ��راة �إىل تهامة �أو العك�س‪ .‬وجميع هذه الطرق �أ�ص ��بحت‬
‫مهجورة وال ت�س ��تخدم لأنه حل حملها طرق معبدة ت�س ��لكها ال�س ��يارات ‪ .‬و�إجراء درا�سة مقارنة على الطرق القدمية‬
‫واحلديث ��ة التي تربط تهامة بال�س ��راة مو�ض ��وع ي�س ��تحق البحث والدرا�س ��ة‪ ،‬م ��ع الرتكيز على طريق ��ة بنائها قدمي ًا‬
‫وحديث ًا‪ ،‬وال�سلبيات والإيجابيات لكل نوع من هذه الدروب ‪.‬‬
‫((( الباحث �سلكها مع بع�ض الأخوة الزهرانيني يف (‪1433/12/6‬هـ) ‪.‬‬
‫((( الباحث مل ي�ش ��اهد هاتني العقبتني ومل ي�س ��لكهما‪ ،‬ولكن �س ��مع عنهما من بع�ض رفاقه الغامديني الذين رافقوه �إىل‬
‫تهامة غامد يف (‪1433/12/4‬هـ) ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( الباحث �ش ��اهد �أماكن بع�ض هذه الأ�س ��واق و�أ�صبحت خربة ومندثرة ‪ .‬واملعروف �أن الأ�سواق الأ�سبوعية قدميا كانت‬
‫متث ��ل جامعة اقت�ص ��ادية واجتماعي ��ة وثقافية تعك�س حي ��اة النا�س العامة ‪ .‬والواج ��ب على امل�ؤ�س�س ��ات املعنية بهذه‬
‫الأ�سواق �أن حتافظ عليها فتقوم ب�صيانتها وجعلها من الأماكن ال�سياحية الهامة واجلديرة بالزيارة‪.‬‬
‫((( �ش ��اهد الباحث مواقع بع�ض هذه الأ�س ��واق‪ ،‬وهي مدمرة مندثرة‪ ،‬بل ت�شغل �أحيان ًا �أماكن رئي�سية ومتو�سطة يف بع�ض‬
‫القرى املختلطة بالعمارة القدمية واحلديثة ‪.‬‬
‫‪351‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫‪�3‬أ�س ��واق اثنني القرن يف بلدة بني �س ��امل ب�س ��راة غامد‪ ،‬واثنني بني علي يف وادي تروق‬ ‫‪.3‬‬
‫دو�س بن علي بزهران‪ ،‬واثنني بني عي�سى بقرية بني عي�سى يف تهامة ‪.‬‬
‫‪4‬ومن �أ�س ��واق الثالث ��اء ‪ :‬قل ��وة‪ ،‬والظفري‪ ،‬واحلميد‪ ،‬وبن ��ي عدوان يف قرية ال�ض ��حوات‬ ‫‪.4‬‬
‫بزهران‪ ،‬و�أيل نعمة يف قرية نعمة بزهران(‪.)1‬‬
‫‪5‬و�أ�س ��واق الأربعاء مثل ‪� :‬س ��وق قرية الأطاولة الزهرانية‪ ،‬وقد عرف �أي�ض ًا بربوع قري�ش‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫و�سوق قرية ال�صفح يف حمافظة املندق‪ ،‬ويف بلدة بلخزمر الزهرانية ال�سروية حتديد ًا ‪.‬‬
‫‪6‬و�أ�س ��واق اخلمي� ��س‪ ،‬مث ��ل خمي� ��س الباحة‪ ،‬ويق ��ام يف و�س ��ط مدينة الباح ��ة‪ ،‬وخمي�س‬ ‫‪.6‬‬
‫املخواة(‪ ،)2‬وخمي�س برحرح الزهراين‪ ،‬و�س ��وق ال�ش ��عراء يف تهامة‪ ،‬و�سوق اخلمي�س يف‬
‫بيدة مبحافظة القرى الزهرانية‪ ،‬وقد اندثر ومت �إن�ش ��اء �س ��وق �أ�سبوعي جديد يف وادي‬
‫بي ��دة ببادي ��ة �آل زياد ويقام يوم اجلمعة(‪ .)3‬وهناك �س ��وق اخلمي�س يف قرية مع�ش ��وقة‬
‫الزهرانية ال�سروية‪ ،‬ويقع يف �أ�سفل وادي بيدة من بالد زهران(‪.)4‬‬
‫هذه بع�ض الأ�سواق التي �شاهدناها �أو �سمعنا عنها‪ ،‬وهناك بع�ض الآراء‬
‫�أو االنطباع��ات الت��ي خرجن��ا بها �أثن��اء ال�س�ير يف املنطق��ة واالطالع على‬
‫�أ�سواقها الأ�سبوعية‪ ،‬ومنها ما يلي‪:‬‬
‫‪1 .1‬عدم االهتمام بهذه الأ�س ��واق �سوا ًء من �أهلها‪� ،‬أو من امل�ؤ�س�سات احلكومية املعنية‬
‫مث ��ل‪ :‬البلدي ��ات‪� ،‬أو الإدارات التعليمية والأكادميية‪� ،‬أو من الهيئة العليا لل�س ��ياحة‬
‫التي يجب عليها م�ضاعفة اجلهود ل�صيانة ورعاية مثل هذه املعامل احل�ضارية ‪.‬‬
‫‪ 2 .2‬مت االط�ل�اع عل ��ى بع� ��ض الوثائق املحلي ��ة التي �أ�ش ��ارت �إىل بع�ض تلك الأ�س ��واق‪،‬‬
‫والقوان�ي�ن التي كانت �س ��ائدة فيها‪ ،‬بل �إن معظم تل ��ك الوثائق ال تخلو من معارف‬
‫علمي ��ة وثقافي ��ة و�أدبي ��ة وفكري ��ة تعك�س حياة جمتم ��ع منطقة الباح ��ة يف القرون‬
‫املا�ضية املت�أخرة‪.‬‬

‫((( مل ي�شاهد الباحث هذه الأ�سواق و�إمنا �سمع عنها من بع�ض الرواة الذين التقى بهم يف تهامة و�سراة املنطقة‪.‬‬
‫((( هن ��اك من �أخربين �أن هذا ال�س ��وق يقام يوم الثالثاء‪ ،‬ب ��ل ذكر �أنه يبد�أ الثالثاء ويبقى م�س ��تمر ًا �إىل يوم الأربعاء ‪.‬‬
‫امل�ص ��در‪ :‬بع�ض الرواة التهاميني الغامديني الذين جرى اللقاء بهم يف حمافظة املخواة �أثناء زيارتنا ملنطقة الباحة‬
‫يف الفرتة ( ‪1433/12/9-11-29‬هـ) ‪.‬‬
‫((( هذا ما �سمعه الباحث من بع�ض الرواة الزهرانيني الذين التقى بهم يف وادي بيدة ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪352‬‬
‫‪3 .3‬بع� ��ض �أماكن الأ�س ��واق القدمية املندثرة ت�ش ��كل الوجه احل�ض ��اري ال�س ��يئ للنمو‬
‫والتطور الذي متر به املنطقة ‪.‬وبخا�ص ��ة �أن موا�ض ��ع بع�ض الأ�سواق جتدها و�سط‬
‫التمدن العمراين احلديث(‪.)1‬‬
‫وال�س ��ائر يف منطق ��ة الباحة اليوم يالحظ �أنه ��ا تكتظ بالأ�س ��واق احلديثة املتنوعة يف‬
‫�أحجامه ��ا‪ ،‬وم�س ��احاتها‪ ،‬و�أنواعه ��ا ومعرو�ض ��اتها‪ ،‬وقد زرنا ع ��دد ًا من الأ�س ��واق الكبرية‬
‫واحلديثة وجتولنا يف �أرجائها‪ ،‬و�أحيان ًا مررنا ببع�ض ��ها‪ ،‬ومن تلك الأ�س ��واق التي �ش ��اهدنا‪.‬‬
‫�أ�س ��واق الغنيم يف �ش ��فاء الباحة‪ ،‬و�أ�س ��واق �أبو اخلري و�س ��ط الباحة يف حي اجلادية‪ ،‬و�سوق‬
‫التوفري مول بجوار م�ست�ش ��فى امللك فهد يف مدينة الباحة‪ ،‬ومتاجر �أوفريل يف بلدة رغدان‬
‫بالباحة‪ ،‬والباحة مول يف �ش ��مال املدينة ‪ .‬و�س ��وق الراية �ش ��مال مدينة بلجر�ش ��ي‪ ،‬و�أ�سواق‬
‫بن زومة و�س ��ط بلجر�ش ��ي‪ ،‬و�أ�س ��واق بن قزي يف حي الربكة‪ ،‬ومركز عبد الواحد وكالهما‬
‫و�س ��ط مدينة بلجر�شي‪ ،‬وبلجر�شي مول‪ ,‬و�أ�سواق امل�س ��تهلك جنوب مدينة املخواة‪ ،‬و�أ�سواق‬
‫احلازمي و�س ��وق ال�سالم‪ .‬والأول يف و�س ��ط مدينة املخواة‪ ،‬والثاين يف �شمالها(‪ .)2‬وال يخلو‬
‫حي �أو مدينة �أو قرية �أو بادية �أو ريف من �أ�سواق متنوعة يف امل�ساحات وال�سلع املعرو�ضة(‪.)3‬‬
‫وهناك قليل من الت�ش��ابه وكثري من االختالفات بني الأ�س��واق القدمية‬
‫واحلديثة‪ ،‬ونذكر بع�ض ًا منها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬مار�س �سكان منطقة الباحة مهن ًا جتارية عديدة يف املا�ضي واحلا�ضر‪ ،‬وتقوم الأ�سواق‬
‫الأ�س ��بوعية قدمي ًا على جتارات ون�ش ��اطات ال�سكان املحليني‪ ،‬ومنذ �س ��بعينيات القرن‬
‫الهجري املا�ض ��ي وفد �إىل املنطقة عنا�صر ب�شرية خمتلفة‪ ،‬داخلية وخارجية(‪ ،)4‬وكانوا‬
‫يرتادون الأ�س ��واق لل�ش ��راء �أو البيع وال�ش ��راء مع ًا(‪ ،)5‬ومنذ نهاية القرن (‪14‬هـ‪20 /‬م)‬
‫وبداي ��ة هذا القرن (‪15‬ه� �ـ‪20/‬م) تزايدت الأي ��دي العاملة اخلارجية حتى �أ�ص ��بحوا‬
‫عماد الأعمال التجارية يف �أنحاء املنطقة(‪.)6‬‬
‫((( يجب على البلديات القريبة من بع�ض الأ�س ��واق املندثرة �أن ت�ص ��ونها وترممها حتى تظهر ب�صورة ح�ضارية جميلة‪،‬‬
‫و�إذا كان ��ت غ�ي�ر قادرة على ذلك ف�أزالتها من �أماكنها �أف�ض ��ل حتى ال تبقى �ص ��ورة م�ش ��وهة و�س ��ط البناء والعمارة‬
‫احلديثة ‪ .‬م�شاهدات الباحث �أثناء جتواله يف املنطقة (‪29‬ـ‪11‬ـ‪1433/12/9‬هـ ) ‪.‬‬
‫((( م�شاهدات الباحث �أثناء زيارته منطقة الباحة يف (‪1433/12/9 -11/29‬هـ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( جاء �إىل املنطقة بع�ض املوظفني من ال�س ��عوديني الذين قدموا من مناطق �أخرى‪� ،‬أو من الوافدين من بلدان عربية‪،‬‬
‫وجميعهم عملوا يف م�ؤ�س�سات �إدارية خمتلفة و�شاركوا �سكان منطقة الباحة اجتماعي ًا واقت�صادي ًا ‪. .‬‬
‫((( املوظفون والأيدي العاملة الأخرى مثل اليمنيني وغريهم �ش ��اركوا �أهل البالد يف �أ�س ��واقهم وتعامالتهم االقت�صادية‬
‫واحل�ضارية ‪. .‬‬
‫((( الناظر اليوم يف جميع الأماكن التجارية يجد �أن الأيدي العاملة اخلارجية منت�شرة يف �أنحاء املنطقة‪ ،‬بل هم املحرك‬
‫االقت�صادي الرئي�س لهذا القطاع احل�ضاري الهام ‪.‬‬
‫‪353‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫‪2 .2‬يظهر عدم التنظيم �أثناء عر�ض ال�س ��لع املراد بيعها يف الأ�سواق الأ�سبوعية‪ ،‬و�إمنا تعر�ض‬
‫ب�شكل ع�شوائي‪ ،‬وعند انتهاء ال�سوق تنقل �أي�ض ًا بطريقة ع�شوائية(‪� ،)1‬أما الأ�سواق احلديثة‬
‫فهي ذات و�ضع �أف�ضل و�أجمل يف العر�ض والبيع وال�شراء واخلزن(‪ ،)2‬ومعظم ال�سلع قدمي ًا‬
‫حملي ��ة مثل‪ :‬احلب ��وب‪ ،‬واخل�ض ��روات‪ ،‬والفواكه‪ ،‬وبع�ض الألب�س ��ة‪ ،‬واحليوان ��ات والطيور‬
‫الأليف ��ة املختلفة‪ :‬كالأبقار‪ ،‬واجلمال‪ ،‬واحلمري‪ ،‬والدج ��اج‪ ،‬واحلمام وغريها‪ ،‬والقائمون‬
‫على بيع و�شراء هذه ال�سلع من �أهل البالد نف�سها(‪ ،)3‬ويف وقتنا احلا�ضر �أ�صبحت الأ�سواق‬
‫حتتوي على �آالف الأنواع من الب�ضائع امل�ستوردة‪ ،‬وان�صرف �أبناء غامد وزهران عن العمل‬
‫يف التجارة(‪ ،)4‬حتى و�إن كانوا �أ�ص ��حاب الأموال التي قامت بها الأ�س ��واق التجارية‪ ،‬و�إمنا‬
‫يوظفون � ٍأيد عاملة خارجية و�أحيان ًا داخلية ملمار�سة الن�شاطات التجارية املختلفة(‪.)5‬‬
‫‪3 .3‬طرق املوا�ص�ل�ات بني الأ�س ��واق الأ�س ��بوعية قدمي ًا قليلة ووعرة و�ض ��يقة يف م�س ��احتها‬
‫اجلغرافية‪ ،‬بعك�س الطرق التجارية اليوم فهي ممهدة معبدة‪ ،‬وغالب ًا م�ضاءة‪ ،‬وت�سلكها‬
‫جميع �أنواع ال�سيارات(‪.)6‬‬
‫‪4 .4‬مت االطالع على ع�ش��رات الوثائق والعقود واالتفاقيات التي تدور حول بناء وتنظيم‬
‫و�إدارة الأ�س��واق الأ�سبوعية القدمية والأ�سواق التجارية احلديثة واملعا�صرة‪ ،‬فات�ضح‬
‫لنا العديد من االنطباعات واال�ستنتاجات التي نذكر �أهمها يف النقاط التالية‪:‬‬
‫•لغ ��ة هذه الوثائق واالتفاقيات يظهر عليه ��ا الركاكة والأخطاء النحوية والإمالئية‬
‫وبخا�ص ��ة ما يتعلق بوثائق الأ�س ��واق الأ�س ��بوعية‪ ،‬والوثائق احلديثة ال تخلو �أي�ض� � ًا‬
‫من ذلك مع ت�ض ��مينها �أحيان ًا مب�ص ��طلحات ومفردات �أجنبي ��ة‪ ،‬وغالب ًا من اللغة‬
‫الإجنليزية �أو بع�ض اللغات الأوربية الأخرى(‪.)7‬‬
‫م�شاهدات الباحث لعدد من الأ�سواق الأ�سبوعية يف جنوبي البالد ال�سعودية خالل العقد املا�ضي‪.‬‬ ‫(((‬
‫نواح عديدة بجنوبي البالد ال�سعودية منذ ثمانينيات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬ ‫هذا ما عا�صره الباحث يف ٍ‬ ‫(((‬
‫معا�صرة الباحث لهذه املظاهر منذ نهاية القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪.‬‬ ‫(((‬
‫ه ��ذه الظاه ��رة موجودة يف جميع الأ�س ��واق التجاري ��ة يف اململكة‪ ،‬وقلي ًال م ��ا ترى الفرد ال�س ��عودي يعمل يف الأعمال‬ ‫(((‬
‫التجارية املختلفة مثل‪ :‬بيع الألب�سة و�أدوات الزينة‪� ،‬أو املواد الغذائية‪ ،‬وغالب ًا يعملون يف جتارة العقارات ورمبا عمل‬
‫بع�ضهم يف جتارة الذهب وغريها ‪ .‬م�شاهدات الباحث خالل الثالثة عقود املا�ضية املت�أخرة ‪.‬‬
‫نواح عديدة من منطقة الباحة وزرنا بع�ض �أ�سواقها التجارية احلديثة ال�صغري واملتو�سطة والكبرية فوجدنا‬ ‫جتولنا يف ٍ‬ ‫(((‬
‫غالبية العاملني يف هذا القطاع االقت�صادي الهام من الأيدي العامل امل�ستقدمة من خارج اململكة العربية ال�سعودية ‪.‬‬
‫جميع الطرق القدمية ت�س ��تخدم م�ش ��ي ًا على الأقدام‪ ،‬وت�سلكها �أي�ض� � ًا اجلمال واحلمري التي كانت تنقل الب�ضائع بني‬ ‫(((‬
‫الأ�س ��واق واملدن والقرى ‪ .‬ويف العقود الأخرية من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) كان هناك طرق حمدودة ا�س ��تخدمت فيها‬
‫بع�ض ال�س ��يارات‪ ،‬ثم تو�س ��عت �ش ��بكة الطرق الربية حتى �أ�صبحت ال�سيارة ت�ص ��ل �إىل كل مكان يف املنطقة‪ ،‬ومن ثم‬
‫�صارت الو�سيلة الرئي�سية لنقل الب�ضائع يف �أرجاء البالد‪ ،‬هذا ما �شاهده و�سمعه الباحث من بع�ض الرواة الغامديني‬
‫والزهرانيني �أثناء رحلته يف املنطقة (‪29‬ـ‪11‬ـ‪1433/12/9‬هـ) ‪.‬‬
‫درا�سة اللغة واللهجات يف الأ�سواق الأ�سبوعية القدمية واحلديثة واملعا�صر مو�ضوع هام وي�ستحق البحث والدرا�سة ‪.‬‬ ‫(((‬
‫ون�أمل من بع�ض املتخ�ص�صني يف ق�سم اللغة العربية بجامعة الباحة �أن يلتفتوا �إىل مثل هذا اجلانب املعريف فيخدم‬
‫بدرا�سات �أكادميية علمية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪354‬‬
‫•كانت الع�شرية �أو القبيلة التي يقام فيها ال�سوق الأ�سبوعي هي التي ت�صدر الوثائق‬
‫اخلا�صة ب�أ�سواقها‪ ،‬ومعظم الن�صو�ص التي ترد يف هذا النوع من الوثائق ت�ؤكد على‬
‫حماية ال�س ��وق وحرمة دماء و�أموال و�أعرا� ��ض كل من يرتاده‪ ،‬و�إذا حدث ما يهدد‬
‫�أمن الأ�سواق ف�إن القبيلة التي يقام يف �أر�ضها ال�سوق هي امل�س�ؤولة عن كل ذلك(‪،)1‬‬
‫�أما اتفاقيات وعقود الأ�س ��واق احلديث ��ة‪ ،‬فهناك عقود فردية و�أحيان ًا جماعية بني‬
‫�أ�صحاب الب�ضائع و�أماكن الأ�سواق‪ ،‬كما �أن هناك عقود ًا بني �شركات �أو م�ؤ�س�سات‬
‫جتارية وبني مالك الأرا�ض ��ي التي تقام عليها الأ�سواق‪ .‬كما �أن للبلديات والغرف‬
‫التجارية وم�ؤ�س�س ��ات �إدارية �أخرى �إ�س ��هامات وا�ض ��حة ومعروفة نظامي ًا و�إداري ًا‬
‫�أثناء بناء �أي �سوق �صغري ًا كان �أو كبري ًا(‪.)2‬‬
‫ج ـ ال�سلع‪ ،‬الأ�سعار‪ ،‬التعامالت جتارية ‪:‬‬
‫كما �أ�شرنا �سابق ًا �إىل قلة ال�سلع قدمي ًا لندرة املال يف �أيدي النا�س‪ ،‬و�ضعف االقت�صاد‪،‬‬
‫�إال �أن الأ�س ��واق الأ�س ��بوعية كانت تقوم على احتياجات النا�س حملي ًا �أو ما ُي َّ�صدر �إليها من‬
‫بع�ض الأ�س ��واق واملراكز املجاورة �أو القريبة من منطقة الباحة‪ .‬وبعد ات�ساع �شبكة الطرق‪،‬‬
‫ودخول البالد مرحلة من النمو والتطور التاريخي واحل�ضاري (‪ ،)3‬ات�سع نطاق التجارة حتى‬
‫�صارت املنطقة تعج ب�آالف الأ�سواق واملتاجر ال�صغرية والكبرية‪ ،‬و�أ�صبح الإن�سان غري قادر‬
‫على ح�ص ��ر الب�ضائع املعرو�ضة للبيع وال�شراء‪ ،‬والتي جاء معظمها من خارج حدود اململكة‬
‫العربية ال�سعودية (‪.)4‬‬
‫�أما الأ�س���عار فهو مو�ض���وع مهم‪ ،‬ومن ال�ص���عب الإملام به يف �ص���فحات حمدودة‪ ،‬لكننا‬
‫�س���وف نورد مناذج عديدة لأ�س���عار بع�ض التجارات القدمية واحلديثة واملعا�ص���رة‪ ،‬وذلك‬

‫جم ��ع الباح ��ث وثائق عديدة ع ��ن بع�ض الأ�س ��واق الأ�س ��بوعية يف منطقة الباحة ويتطل ��ع يف امل�س ��تقبل �إىل �أن يقوم‬ ‫(((‬
‫بدرا�ستها ون�شرها ( ب�إذن اهلل تعاىل ) ‪.‬‬
‫نظام الأ�س ��واق احلديثة واملعا�ص ��رة‪ ،‬وم ��ا يدور حولها من عق ��ود واتفاقيات‪ ،‬وتعاون امل�ؤ�س�س ��ات الإدارية احلكومية‬ ‫(((‬
‫يف النظ ��م والإج ��راءات اخلا�ص ��ة ببناء �أو فتح �س ��وق جتاري جديرة بالبحث والدرا�س ��ة‪ ،‬ون�أمل من �أق�س ��ام التاريخ‬
‫واجلغرافيا‪ ،‬والإدارة‪ ،‬والت�سويق يف جامعة الباحة �أن تويل مثل هذه املو�ضوعات �أهمية كربى يف بحوثها ودرا�ساتها ‪.‬‬
‫تاريخ التنمية يف منطقة الباحة مو�ضوع جدير بالبحث والدرا�سة‪ ،‬ون�أمل من جامعة الباحة �أن ت�شجع بع�ض البحوث‬ ‫(((‬
‫العلمية التي ت�صب يف هذا املجال احل�ضاري الهام ‪.‬‬
‫ح�ص ��ر ال�س ��لع املعرو�ضة يف الأ�سواق احلديثة واملعا�صرة مو�ض ��وع كبري ويحتاج �إىل جملدات حتى يتم معرفة �أ�سماء‬ ‫(((‬
‫هذه الب�ض ��ائع‪ ،‬و�أنواعها‪ ،‬و�أماكن �ص ��نعها‪ ،‬وطرق ا�ستريادها‪ ،‬وال�س ��لبيات والإيجابيات امل�صاحبة لهذه ال�سلع‪ .‬كما‬
‫�أن �إجراء درا�س ��ة مقارنة بني �ص ��ادرات وواردات منطقة الباحة يف الع�ص ��ر احلديث واملعا�صر‪ ،‬ويف القرون املا�ضية‬
‫املت�أخرة مو�ض ��وع هام وي�س ��تحق �أن يكون عنوان ًا لكتاب �أو ر�س ��الة ماج�ستري �أو دكتوراه‪ ،‬ون�أمل �أن نرى �إحدى طالبنا‬
‫يف برامج الدرا�سات العليا يف جامعات اجلنوب فيتخذه عنوان ًا لأطروحته ‪.‬‬
‫‪355‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫من خالل ما �سمعنا‪� )1(،‬أو �شاهدنا(‪.)2‬‬


‫الأ�س ��عار يف �ستينيات القرن الهجري املا�ضي وما �سبقه �ضئيلة جد ًا‪ ،‬فهي تقدر بالهلل‬
‫والقرو�ش‪ ،‬وكانت املقاي�ض ��ة من املعامالت الرئي�س ��ية بني �س ��كان منطق ��ة الباحة(‪ ،)3‬ومنذ‬
‫�س ��بعينيات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) جند الأ�س ��عار الزالت قليلة‪ ،‬و�صارت ترتفع تدريجي ًا حتى‬
‫بداي ��ة الق ��رن (‪15‬هـ‪20/‬م) ‪ .‬فاملواد الغذائي ��ة مثل‪ :‬احلبوب( القمح‪ ،‬وال�ش ��عري‪ ،‬والذرة‪،‬‬
‫والدجر‪ ،‬والبل�س ��ن وغريها) تباع بال�ص ��اع ‪ .‬وقد يباع املد �أو املدين ورمبا الأربعة واخلم�سة‬
‫بربع ون�صف وثالثة �أرباع الريال يف �أوائل ال�سبعينيات (ق‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬وذلك ح�سب نوعية‬
‫احلب املباع‪ ،‬فالقمح �أغلى من الذرة وال�ش ��عري(‪ ،)4‬ثم ت�ص ��اعدت �أ�س ��عار هذه ال�س ��لع حتى‬
‫و�ص ��لت �إىل الري ��ال والريالني والثالثة يف �أواخر ت�س ��عينيات القرن (‪14‬ه� �ـ‪20/‬م) وبداية‬
‫القرن (‪15‬هـ‪20/‬م) (‪ ،)5‬ثم ارتفعت �أ�سعار هذه ال�سلع حتى �أ�صبح �سعر املد يف وقتنا احلايل‬
‫ع�ش ��رة رياالت و�أكرث حلبوب القمح و�أحيان ًا الذرة وال�ش ��عري(‪ ،)6‬وا�س ��تمرت جميع الأطعمة‬
‫والأ�ش ��ربة مبنطقة الباحة ت�س�ي�ر يف هذا التزايد التدريجي يف الأ�سعار حتى �أ�صبحت عالية‬
‫و�ش ��اقة يف وقتنا احلا�ض ��ر‪ ،‬بل �إن الأ�سر الفقرية واملتو�سطة وما دونها تعاين ب�شكل كبري يف‬
‫توفري طعامها و�شرابها(‪.)7‬‬

‫((( لقد �سمعنا روايات كثرية عن الأ�سعار قدمي ًا‪ ،‬ومن ينظر �إىل وثائق القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) غري املن�شورة يجدها مليئة‬
‫باملادة العلمية اجلديدة التي ت�شرح �أ�سعار الب�ضائع وال�سلع املختلفة يف �أ�سواق املنطقة‪ ،‬كما �أن بع�ض من هذه الوثائق‬
‫تعك�س تاريخ النقل والأجور والعاملني يف التجارات املختلفة ‪ .‬ومثل هذا املو�ض ��وع ي�س ��تحق �أن يكون ر�سالة ماج�ستري‬
‫�أو دكتوراه‪ ،‬نرجو من �إحدى طالباتنا �أو طالبنا يف ق�س ��م التاريخ بجامعة امللك خالد �أن يتخذه مو�ضوع ًا لأطروحته‪،‬‬
‫فهو من املو�ضوعات اجلديدة واجلديرة بالبحث والدرا�سة‪.‬‬
‫((( تاريخ الأ�سعار يف منطقة الباحة منذ بداية القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) �إىل وقتنا احلا�ضر مو�ضوع جيد وي�ستحق �أن يكون‬
‫بحث ًا علمي ًا �أكادميي ًا مطو ًال يف مئات ال�ص ��فحات ‪ .‬والباحث يف الوثائق وامل�ص ��ادر واملراجع‪ ،‬واملدونات‪ ،‬واملذكرات‪،‬‬
‫واملقابالت وبخا�ص ��ة مع من عملوا يف التجارات منذ القرن املا�ض ��ي �إىل يومنا هذا ف�إنه �س ��وف يجمع مادية علمية‬
‫جديدة وجيدة ت�سحق الن�شر وتعك�س التطور التاريخي للأ�سعار يف املنطقة ‪.‬‬
‫((( لقد اطلعت على مئات الوثائق غري املن�ش ��ورة التي تعك�س تاريخ الأ�س ��عار والرواتب والأجور يف بالد تهامة وال�س ��راة‬
‫املمتدة من الطائف وجنوبي مكة �إىل جازان وجنران وبخا�ص ��ة منذ الثالثينيات �إىل نهاية �ستينيات القرن الهجري‬
‫املا�ضي فوجدتها قليلة جد ًا ‪ .‬ف�أ�سعار اجلمل‪� ،‬أو الثور‪� ،‬أو اخلروف‪� ،‬أو املاعز تقدر بالهلل و�أحيان ًا بالقرو�ش مثل‪ :‬ربع‬
‫�أو ثلث �أو ن�صف الريال‪ .‬وق�س على ذلك جميع الب�ضائع وال�سلع التي كانت تعر�ض يف �أ�سواق هذه املنطقة ال�شا�سعة‪،‬‬
‫وبالد الباحة جزء ب�س ��يط من هذه الأوطان ‪ .‬ومن يدر�س هذا املو�ض ��وع ويطلع على الوثائق التي ت�ص ��ب يف خدمته‬
‫ف�سوف يجد مادة علمية قيمة وجديدة يف بابها‪ ،‬وهي جديرة بالبحث والن�شر‪.‬‬
‫((( هذا ما وجدته يف بع�ض الوثائق االقت�صادية يف منطقة الباحة و�سمعته �أي�ض ًا من بع�ض الرواة الزهرانيني والغامديني‬
‫يف فرتة زيارتنا (‪1433/12/9 -11/29‬هـ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( هذا ما �شاهدته يف بع�ض �أ�سواق منطقة الباحة ال�سروية والتهامية ‪.‬‬
‫((( هذا ما �ش ��اهدته يف �أ�س ��واق منطقة الباحة و�سمعته من بع�ض �أرباب الأ�سر يف املنطقة بل �إن هذه امل�شكلة عامة على‬
‫ال�شعب ال�سعودي والعربي والإ�سالمي والعاملي ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪356‬‬
‫و�أ�سعار الألب�سة و�أدوات الزينة مرت يف اخلطوات التي حدثت ل�سلع الطعام وال�شراب‪،‬‬
‫فجميع �ألب�سة الرجال والن�ساء والأطفال ال تتجاوز الهلل يف منت�صف القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪،‬‬
‫وذل ��ك للبا� ��س الواحد‪ ،‬وقد تدخ ��ل يف خانة الري ��االت �إذا كانت مالب�س عدي ��دة(‪ )1‬وهكذا‬
‫تدرجت حتى �أ�ص ��بح �س ��عر الثوب يف ت�س ��عينيات القرن الهجري املا�ض ��ي يقدر بـ (‪)15-5‬‬
‫ريا ًال‪ ،‬ورمبا كان �أقل من ذلك �أو �أكرث ح�سب نوعية القما�ش‪ ،‬والأردية �أحيان ًا مثل‪ :‬العباءة‪،‬‬
‫وال�شملة وغريها قد تكون �أغلى بن�سبة ب�سيطة(‪ ،)2‬والناظر يف �أ�سواق املنطقة منذ عقدين �أو‬
‫ثالثة حتى يومنا احلايل يجد الأ�سواق امتلأت ب�أنواع كثرية من الألب�سة والزينة‪ ،‬وغالبيتها‬
‫م�س ��توردة من خارج البالد ال�س ��عودية‪ ،‬و�أ�س ��عارها ترتاوح من اخلم�س ��ة وع�شرة �إىل املئات‬
‫و�أحيان� � ًا �آالف الرياالت ‪ .‬وق ��د تدخل بع�ض �أدوات الزينة مثل‪ :‬الذه ��ب والأملا�س والأحجار‬
‫الكرمية يف مئات الآالف(‪.)3‬‬
‫�أما بيع و�شراء العقارات مثل‪ :‬الأرا�ضي الزراعية وال�سكنية‪ ،‬واملنازل ومرافقها فكانت‬
‫ب�سيطة جد ًا يف اخلم�سينيات وال�ستينيات من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) فقد تباع مزرعة م�ساحتها‬
‫( ‪50×50‬م ) �أو (‪100×100‬م) بن�ص ��ف ري ��ال ورمبا و�ص ��ل �س ��عرها �إىل ري ��ال �أو ريالني‬
‫ح�س ��ب جودتها‪ ،‬و�أحيان ًا قد تباع مبقاي�ض ��ة مد �أو مدين �أو ثالثة من بر‪� ،‬أو ذرة‪� ،‬أو �ش ��عري‪،‬‬
‫�أو تي�س‪� ،‬أو خروف(‪ ،)4‬ثم ارتفعت �أ�س ��عار الأر�ض تدريجي ًا حتى نهاية القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‬
‫و�أ�ص ��بحت �أ�س ��عار بع�ض الأرا�ض ��ي الزراعية تقدر بـ (‪ )20000- 5000‬ورمبا (‪)30,000‬‬
‫�ألف ريال‪ ،‬وكذلك الأرا�ض ��ي ال�س ��كنية تقريب ًا بنف�س الأ�س ��عار وبخا�صة يف القرى والأرياف‬
‫�أم ��ا املدن واحلوا�ض ��ر مثل‪ :‬الباح ��ة‪ ،‬وبلجر�ش ��ي‪ ،‬واملندق‪ ،‬واملخ ��واة فقد ارتفعت �أ�س ��عار‬
‫�أرا�ض ��يها وعمائرها حتى دخلت ع�ش ��رات و�أحيان ًا مئات الآالف(‪ ،)5‬ومنذ بداية هذا القرن‬
‫(‪15‬هـ‪20/‬م) نلحظ �أ�س ��عار العقارات ترتفع ب�ش ��كل �سريع وكبري‪ ،‬فالأر�ض التي كانت تباع‬
‫برياالت معدودة يف حا�ض ��رة الباحة يف الن�ص ��ف الثاين من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) �أ�صبحت‬
‫تباع اليوم مبئات الآالف‪ ،‬ورمبا دخلت خانة املاليني‪ ،‬وذلك ح�س ��ب م�س ��احتها وموقعها(‪.)6‬‬
‫واملنازل ـ �أي�ض� � ًا ـ التي كانت تباع بعدد من الرياالت دخلت خانة الع�ش ��رات يف ال�س ��تينيات‬
‫وال�س ��بعينيات من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬وجند �أ�سعارها اليوم تقدر مبئات الآالف‪ ،‬وهناك‬
‫((( كان الكثري من الأ�سر تعاين من احل�صول على الألب�سة وبخا�صة يف البوادي والأرياف والقرى وقد ال يكون عند الفرد‬
‫�إال لبا�س واحد لفرتة طويلة‪ ،‬ومن الأنواع الرديئة ‪.‬‬
‫((( ه ��ذا م ��ا وجده الباحث يف بع�ض الوثائق‪ ،‬و�س ��معه من بع�ض ال ��رواة الذين عملوا يف جمال التج ��ارة يف نهاية القرن‬
‫(‪14‬هـ) وبداية القرن (‪15‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫((( هذه الأ�سعار تكاد تكون �سائدة يف مناطق الباحة وع�سري وغريها من مدن وحوا�ضر اململكة ‪ .‬وقد �شاهدت ذلك و�سمعته‬
‫من كثري من الباعة والتجار �أثناء جتوايل يف نواحي عديدة من البالد ال�سعودية خالل الع�شرين �سنة املا�ضية ‪.‬‬
‫((( هذا ما وجدناه يف بع�ض الوثائق غري املن�شورة و�سمعناه من بع�ض امل�سنني يف منطقة الباحة ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( هذا ما مل�سته يف بع�ض مكاتب العقار يف منطقة الباحة يف الفرتة من (‪1433/12 / 9-11/29‬هـ)‪.‬‬
‫‪357‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫عمائر ومنازل كبرية يف حوا�ضر منطقة الباحة مثل‪ :‬الباحة‪ ،‬وبلجر�شي‪ ،‬واملخواة‪ ،‬واملندق‬
‫و�صلت �أ�سعارها �إىل ع�شرات و�أحيان ًا مئات املاليني(‪.)1‬‬
‫وعند جتوالنا يف بع�ض الأ�سواق الأ�سبوعية يف منطقة الباحة و�س�ؤالنا عن �أ�سعار بع�ض‬
‫الأدوات املختلفة وامل�ستخدمة يف مهن الزراعة والتجارة و�صنع الطعام وال�شراب‪ ،‬واحلدادة‬
‫وال�صباغة والدباغة واخلرازة وغريها ‪ .‬وجدنا �أ�سعارها ترتاوح من خم�سة �أو ع�شرة رياالت‬
‫�إىل املئة واخلم�سمائة والألف والألفني ورمبا �أكرث‪ ،‬وذلك ح�سب نوعية الأداة املباعة‪ ،‬وحجمها‬
‫وجودة �صنعها‪ .‬فمث ًال ال�سيوف واخلناجر التي ي�صنعها ال�صاغة واحلدادون قد ت�صل �أ�سعار‬
‫بع�ض ��ها �إىل الآالف من الرياالت‪ ،‬ورمبا وجد منها بع�ض الأنواع تباع باخلم�س ��مائة والألف ‪.‬‬
‫كذلك �أدوات احلراثة والزراعة القدمية ترتاوح �أ�س ��عار بع�ض ��ها من الع�شرة واملئة ريال �إىل‬
‫اخلم�سمائة والألف ريال(‪ ،)2‬وهناك بع�ض ال�صناعات اجللدية �أو املن�سوجات من القما�ش �أو‬
‫اخل�صف ترتاوح �أ�سعارها بني الع�شرات واملئات من الرياالت(‪.)3‬‬
‫وهناك بع�ض التعامالت التجارية التي عرفتها منطقة الباحة ‪ .‬مثل املقاي�ضة بني التجار‬
‫وعامة النا�س‪ ،‬فاملزارعني مث ًال يقاي�ض ��ون حبوبهم مع جتار الأقم�ش ��ة وبع�ض �أدوات الزينة‪،‬‬
‫وهك ��ذا تتم عملية املقاي�ض ��ة‪ ،‬وذلك لندرة النق ��ود املتداولة بني �أي ��دي النا�س(‪ )4‬كما ظهرت‬
‫بع� ��ض العمالت املتداولة بني النا�س مثل‪:‬الريال املجيدي ن�س ��بة �إىل ال�س ��لطان العثماين عبد‬
‫املجيد ب ��ن حممود (‪1278-1255‬ه� �ـ‪1861-1839 /‬م )‪ ،‬وكانت هذه العملة م�ص ��نوعة من‬
‫الذهب والف�ضة ومتداولة يف جميع �أقطار البالد العربية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل عدة عمالت عثمانية‬
‫�ضربت يف م�صر وو�صل التداول بها �إىل منطقة الباحة وما جاورها من بلدان احلجاز وتهامة‬
‫وال�سراة واليمن(‪ ،)5‬ثم �أعقب ذلك التعامل بالعمالت ال�سعودية املعدنية والورقية(‪.)6‬‬
‫((( هذا ما وجده الباحث عند �س�ؤال بع�ض العقاريني يف منطقة الباحة يف الفرتة (‪1433/12/9 - 11/29‬هـ) ‪.‬‬
‫((( م�شاهدات ومقابالت الباحث �أثناء جتواله يف �أ�سواق منطقة الباحة الأ�سبوعية يف الفرتة من (‪1433/12/9 - 11/29‬هـ) ‪.‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه ‪ .‬ونلحظ �أن جل العاملني يف هذه ال�ص ��ناعة من العمالة الوافدة‪ ،‬وقد يعمل معهم بع�ض ال�سعوديني‪،‬‬
‫وترتاوح �أجور العامل اليوم بني (‪ )2000 -500‬ريال يف ال�ش ��هر‪ ،‬ورمبا عمل بع�ض ��هم بالن�س ��بة مع مكفوله ال�سعودي‬
‫فق ��د يك ��ون ل ��كل واحد منهم (‪ )%50‬من �س ��عر ال�س ��لعة الواح ��دة ‪ .‬و�إذا قارنا �أج ��ور عمالة اليوم م ��ع عمالة القرن‬
‫(‪14‬ه� �ـ‪20/‬م)‪ ،‬لوجدن ��ا فرق� � ًا كبري ًا فقد كانت �أج ��ور العمالة �آنذاك ال تتج ��اوز القرو�ش و�أحيان� � ًا الرياالت‪ ،‬ورمبا‬
‫ح�صل العامل على �أجرته من املهنة التي ميار�سها ‪ .‬فاملزارع مث ًال ي�أخذ �أجوره من حما�صيل الزراعة التي يقوم على‬
‫خدمتها‪ ،‬وهكذا ت�سري الأمور مع التجارات واملهن وال�سلع الأخرى ‪.‬‬
‫((( تاريخ املقاي�ض ��ة يف جنوبي البالد ال�س ��عودية خالل القرون املا�ض ��ية املت�أخرة مو�ضوع ي�ستحق �إىل �أن يفرد له درا�سة‬
‫علمية �أكادميية موثقة ‪.‬‬
‫((( للمزيد عن العمالت يف مناطق الباحة وع�س�ي�ر وجازان وما جاورها خالل القرن (‪13‬هـ‪19/‬م) والن�صف الأول من‬
‫القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ .‬انظر‪ :‬علي �أحمد عي�س ��ى ع�س�ي�ري ‪ .‬ع�سري من ( ‪ 1833-1249‬م ‪1872/1289 -‬م) ( �أبها ‪:‬‬
‫مطبوعات نادي �أبها‪1407 ،‬هـ‪1987/‬م) �ص ‪. 410 - 407‬‬
‫((( ملزيد من التف�ص ��يالت عن العمالت يف مناطق الباحة وجازان وع�سري خالل العهد ال�سعودي احلديث انظر‪ ،‬غيثان‬
‫بن جري�س ‪ .‬ع�س�ي�ر درا�سة تاريخية يف احلياة االجتماعية واالقت�صادية (‪1100‬ـ‪1400‬هـ ‪1688 /‬ـ‪1980‬م) ( جدة ‪:‬‬
‫دار البالد للطباعة والن�شر‪1415 ،‬هـ‪1994/‬م)�ص ‪181‬ـ ‪. 187‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪358‬‬
‫�أم ��ا الأوزان واملكاييل واملقايي�س فال جند م�ص ��ادر موثوقة ت�ش ��رح لن ��ا كيفية التعامل‬
‫معه ��ا ‪ .‬فالوزن �أو الكيل‪ ،‬مل يعرف عند �س ��كان منطقة الباحة ما ي�س ��مى بـ( الكيلو جرام)‬
‫�إال يف العق ��ود املا�ض ��ية القريبة(‪ .)1‬وقب ��ل ا�س ��تخدام الكيلوجرام كانوا ي�س ��تخدمون نظام‬
‫الأق ��ة‪ ،‬والرط ��ل‪ ،‬والأوقي ��ة‪ ،‬والدرهم‪ ،‬والأق ��ة قطعة م�ص ��نوعة من احلدي ��د‪ ،‬عرف منها‬
‫الأق ��ة الواحدة‪ ،‬ون�ص ��ف ورب ��ع الأقة‪ ،‬ورمبا كانت ت�ص ��نع خارج بالد الباحة‪ ،‬وبخا�ص ��ة يف‬
‫املدن الكربى من �ش ��به اجلزيرة‪� ،‬أو ال�شام‪ ،‬وم�ص ��ر وغريها‪ ،‬وهذه الأداة ت�ساوي �أربعمائة‬
‫دره ��م‪� ،‬أو رطلني ون�ص ��ف‪� ،‬أو اثنني وثالثني �أوقية‪ ،‬وتزيد ع ��ن وزن الكيلو جرام الواحد يف‬
‫وقتنا احلا�ض ��ر(‪ ،)2‬والرطل اثنتا ع�ش ��رة �أوقية‪� ،‬أو ما يقارب اثني ع�شر ريا ًال فرن�سي ًا‪ ،‬ومن‬
‫�أجزائه ن�ص ��ف الرطل‪ ،‬والربع‪ ،‬والثمن‪� ،‬أما الأوقية الواحدة فت�س ��اوي اثني ع�ش ��ر درهم ًا‪.‬‬
‫وجميع الأدوات ال�سابقة ت�ستخدم يف وزن ال�سوائل مثل‪ :‬ال�سمن والعطور وغريها‪ ،‬والبخور‪،‬‬
‫والتوابل‪ ،‬وبع�ض املواد الغذائية اخلفيفة‪ ،‬كالهيل‪ ،‬والنب والزعفران وغري ذلك من املعادن‬
‫الثمينة والأطياب الغالية‪ ،‬وي�ستخدم يف هذا ما ي�سمى بـ ( امليزان )(‪.)3‬‬
‫�أم ��ا وحدة الكيل فت�س ��تخدم بالدرج ��ة الأوىل يف كيل احلب ��وب وما�ش ��ابهها‪ ،‬ومنها املد‪،‬‬
‫وال�ص ��اع‪ ،‬والف ��رق‪ ،‬والأردب‪ ،‬والكيل ��ة‪ ،‬والقدح‪ ،‬والو�س ��ق وغريه ��ا‪ .‬فاملد ي�س ��اوي ثالثة �أقق‪،‬‬
‫وع ��رف منه املد الكامل‪ ،‬ون�ص ��ف املد وربعه وثمنه‪ ،‬وكانت تعتم ��د مبقايي�س موحدة يف �أنحاء‬
‫بالد غامد وزهران‪ ،‬وت�ص ��نع يف الأ�سا�س من اخل�شب(‪ .)4‬والإردب وحدة من وحدات املكاييل‪،‬‬
‫وي�ساوي اثنتي ع�شرة كيلة‪ ،‬والكيلة ت�ساوي �أربع �أقق‪ ،‬وهو ماعون �أ�سطواين �أو م�ستطيل ال�شكل‬
‫م�صنوع من اخل�شب‪ ،‬وخمرم من اخلارج ب�أطر من احلديد ومنه ن�صف الكيلة وربعها وثمنها‪،‬‬
‫وهي ت�ساوي ثمانية �أقداح‪ ,‬والقدح وحده من وحدات املكاييل (‪.)5‬‬
‫و�أدوات ال ��وزن والكيل غري متوف ��رة يف كل مكان من بالد الباح ��ة‪ ،‬و�أغلب وجودها يف‬
‫الأ�س ��واق الكب�ي�رة‪ ،‬و�أحيان� � ًا توجد عند التجار الكبار‪ ،‬ورمبا توفر بع�ض ��ها‪ ،‬كاملد وال�ص ��اع‬
‫عند بع�ض �أفراد املجتمع‪ ،‬وبخا�ص ��ة الذين ميار�سون مهنة الزراعة والتجارة ‪ .‬وعرف البيع‬

‫((( هذا ما �س ��معه الباحث من بع�ض التجار الكبار يف منطقة الباحة‪ ،‬والذين عا�ص ��روا فرتة اخلم�س ��ينيات وال�ستينيات‬
‫من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫((( للمزيد انظر‪ ،‬مغربي‪ ،‬حممد علي ‪ .‬مالمح احلياة االجتماعية يف احلجاز يف القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) (جدة‪ :‬دار العلم‬
‫للطباعة والن�شر‪1405 ،‬هـ‪1984/‬م)‪� ،‬ص ‪ ،160‬مبارك حممد املعبدي ‪ .‬النظم الإدارية واملالية يف تهامة ع�سري خالل‬
‫الإ�شراف ال�سعودي (‪1345‬ـ‪1351‬هـ)‪ ( .‬جدة ‪� :‬شركة دار العلم للطباعة والن�شر‪1405 ،‬ـ ‪1406‬هـ)‪� ،‬ص‪. 204 ،94‬‬
‫((( م�شاهدات ومقاالت الباحث مع بع�ض التجار الزهرانيني والغامديني يف الفرتة (‪1433 /12 /9 - 11-29‬هـ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪ .‬درا�سة هذه الوحدات جديرة بالبحث والتدوين‪ ،‬ون�أمل من طالب الدرا�سات العليا يف �أق�سام التاريخ‬
‫بجامعات جنوبي البالد ال�سعودية �أن تويل مثل هذا املو�ضوع �أهمية يف بحوثها ودرا�ساتها ‪.‬‬
‫((( مغربي‪ ،‬مالمح احلياة االجتماعية‪� ،‬ص ‪. 160‬‬
‫‪359‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫باجلملة‪ ،‬فقد ال تكال وال توزن ال�س ��لع التي يراد بيعها‪ ،‬و�إمنا تو�ض ��ع على هيئة �أكوام‪� ،‬أو يف‬
‫�أكيا�س كبرية‪ ،‬ثم تقدر �أ�سعارها نظري ًا ويتم بيعها(‪.)1‬‬
‫مل يك ��ن هن ��اك �أدوات ت�س ��تخدم يف القيا�س‪ ،‬كامل�ت�ر والكيلومرت �إال بع ��د ظهور احلكم‬
‫ال�س ��عودي احلايل‪ ،‬وخ�صو�ص� � ًا يف العقود الأخرية من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬لكن الأرا�ض ��ي‬
‫الزراعية واملواقع التي تقام عليها امل�س ��اكن تقا�س باخلط ��وة �أو القدم عند الرجال‪ ،‬وهناك‬
‫بع�ض الأ�سماء التي تطلق على الأرا�ضي الزراعية مثل ‪ :‬الفلق ‪ :‬وهو جزء �صغري من القطعة‬
‫الزراعية الكبرية ‪ .‬وال�شقة و�أحيان ًا الركيب وهي‪ :‬القطعة الزراعية املحدودة بحدود وا�ضحة‬
‫من جميع �أطرافها ب�ص ��رف النظر عن م�س ��احتها ‪ .‬والزهب ‪ :‬وهو ما يكون حمدود ًا بحدود‬
‫معلومة ومال�صق ًا لقطع زراعية �أخرى تكون �أكرب منه يف امل�ساحة و�أح�سن يف نوعية الرتبة(‪.)2‬‬
‫وم ��ن املقايي�س ـ قبل ا�س ��تخدام امل�ت�ر ـ الذراع ‪ :‬وه ��و ذراع اليد‪ ،‬وبخا�ص ��ة يف مناطق‬
‫الأرياف و�أ�س ��واق البادية ‪ .‬والهندا�س ��ة ‪ :‬وه ��ي قطعة حديدية رفيعة ‪ .‬والذراع والهندا�س ��ة‬
‫ي�ستعمالن يف قيا�س الألب�سة والأقم�شة وما �شابهها(‪.)3‬‬
‫‪6‬ـ معوقات احلياة االقت�صادية ‪:‬‬
‫العقب���ات الت���ي واجهت الأوائ���ل يف منطقة الباحة وغريها من �أجزاء �ش���به اجلزيرة‬
‫العربية كثرية وحتتاج �إىل درا�س���ة وافية وموثقة يف جميع جوانب احلياة(‪ .)4‬وما �س���وف‬
‫ندرجه يف ال�س���طور التالية لي�س �إال �ش���ذرات لنبني للقارئ الكرمي ما عانى منه الأوائل‪،‬‬
‫وما يعانيه �أهل املنطقة اليوم يف حياتهم االقت�صادية ‪ .‬ومن تلك املعوقات ما يلي ‪:‬‬
‫‪1 .1‬غالء الأ�س ��عار يف الأ�س ��واق والبوادي ‪ .‬وهذا ما �س ��معته من بع�ض امل�س ��نني يف منطقة‬
‫الباح ��ة حي ��ث ذكروا لن ��ا غالء الأ�س ��عار الذي عرفت ��ه املنطقة يف بع�ض عق ��ود القرن‬
‫الرابع ع�ش ��ر الهجري ( الع�ش ��رين امليالدي)(‪ .)5‬و�أ�ش ��اروا �إىل �أن القحط الذي �س ��اد‬
‫البالد وقلة �س ��قوط الأمطار كان من الأ�سباب الرئي�سية الرتفاع �أ�سعار ال�سلع الرئي�سية‬

‫((( مقابلة الباحث مع بع�ض جتار غامد وزهران الذين عا�ص ��روا �س ��تينيات و�سبعينيات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬وذلك يف‬
‫الفرتة التي زار فيها املنطقة جلمع مادة هذا الق�سم (‪29‬ـ‪11‬ـ‪1433/12/9‬هـ) ‪.‬‬
‫((( م�شاهدات الباحث ومقابالته مع بع�ض الغامديني والزهرانيني �أثناء زيارته مناطقهم بهدف جمع مادة هذا الق�سم‬
‫يف (‪1433/12/9-11/29‬هـ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪ .‬والعمالت واملكاييل واملقايي�س والأوزان يف منطقة الباحة مو�ضوع هام وجدير بالدرا�سة املقارنة التي‬
‫ت�ص ��ور كيف كانت يف املا�ض ��ي وكيف �أ�ص ��بحت اليوم‪ .‬ون�أمل �أن نرى �أحد �أبنائنا يف �أق�سام التاريخ ال�سعودية فيتخذ‬
‫هذا العنوان مو�ضوع ًا لر�سالة ماج�ستري �أو دكتوراه‪.‬‬
‫((( درا�س ��ة العقبات واملعوقات التاريخية واحل�ض ��ارية يف منطقة الباحة خالل القرون املا�ض ��ية املت�أخرة مو�ض ��وع هام‬
‫وي�س ��تحق �إىل �أن يك ��ون عنوان ًا لر�س ��الة ماج�س ��تري �أو دكتوراه ‪ .‬ون�أم ��ل �أن نرى �أحد من طالبنا يتوىل هذا املو�ض ��وع‬
‫بالبحث والدرا�سة والتوثيق ‪.‬‬
‫((( ما �سمعه الباحث من بع�ض كبار ال�سن يف منطقة الباحة خالل زيارته لها يف (‪11/29‬ـ ‪1433/12/9‬هـ)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪360‬‬
‫وال�ض ��رورية(‪ ،)1‬والناظر اليوم يف �أ�س ��واق منطقة الباحة وغريها يجد الأ�س ��عار عالية‬
‫جد ًا‪ ،‬و�أ�صحاب الدخل القليل يعانون من �ضيق احلياة يف �شتى اجلوانب‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬
‫عدم وجود الأموال التي ت�ساعدهم على ت�صريف �ش�ؤون حياتهم اليومية(‪.)2‬‬
‫‪2 .2‬كانت �ص ��عوبة املوا�ص�ل�ات قدمي ًا عائق ًا رئي�س� � ًا يف نقل الب�ض ��ائع والتجارات من مكان‬
‫لآخر‪ ،‬بالإ�ض ��افة �إىل قلة و�س ��ائل النقل‪ ،‬فلي� ��س كل واحد ي�س ��تطيع �أن ميتلك جم ًال �أو‬
‫حم ��ار ًا ينق ��ل عليه �س ��لعه واحتياجات ��ه(‪ ،)3‬مع وجود بع�ض الل�ص ��و�ص وقط ��اع الطرق‬
‫الذين يعرت�ض ��ون العاملني يف جمال التجارة فيقومون ب�س ��لبهم و�إيذائهم يف �أنف�س ��هم‬
‫و�أموالهم(‪ ،)4‬ويف ع�ص ��رنا احلايل توفرت �شبكة طرق جيدة وو�سائل نقل مريحة‪ ،‬لكن‬
‫كرثة احلوادث املرورية �أ�ص ��بحت من امل�شاكل الرئي�سية التي �أودت بالكثري من الأرواح‬
‫والأموال والعقارات والتجارات وغريها(‪.)5‬‬
‫‪3 .3‬يف ال�س ��ابق كانت احلروب وال�ص ��راعات والثارات القبلية من العقبات الرئي�س ��ية التي‬
‫تول ��د اخلوف وفقدان الأمن عند ال�س ��كان‪ ،‬بالإ�ض ��افة �إىل ما ينت ��ج عن ذلك من دمار‬
‫وخراب يف الأموال والعقارات والأرواح(‪.)6‬‬

‫جند بع�ض امل�ص ��ادر ت�ش�ي�ر �إىل غالء الأ�س ��عار وانت�ش ��ار اجلوع والقحط بني �سكان �ش ��به اجلزيرة العربية ‪ .‬فيذكر‬ ‫(((‬
‫ابن ب�ش ��ر و�أيوب �ص�ب�ري با�ش ��ا ب�أن الأعوام (‪1046‬هـ ‪1047 ،‬هـ ‪1081 ،‬هـ ‪1220 ،‬هـ ‪1243 ،‬هـ ‪1329 ،‬هـ ‪1333 ،‬هـ‬
‫‪1334 ،‬هـ) ارتفعت فيها الأ�س ��عار‪ ،‬وقلت الأمطار‪ ،‬و�س ��اد اجلوع والفقر بني النا�س ‪ .‬للمزيد انظر ‪ :‬عثمان بن ب�شر‪.‬‬
‫عن ��وان املج ��د يف تاري ��خ جند ( القاه ��رة‪1973 ،‬م)‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‪� ،52 ،46‬أيوب �ص�ب�ري با�ش ��ا‪ .‬مر�آة جزي ��رة العرب ‪.‬‬
‫ترجمه من اللغة الرتكية �إىل العربية �أحمد ف�ؤاد متويل وال�صف�صايف �أحمد املر�سي ( الريا�ض‪ :‬دار الريا�ض للن�شر‪،‬‬
‫‪1403‬هـ‪1983 /‬م)‪ ،‬ج‪� ،1‬ص ‪. 143‬‬
‫هذا ما مل�سه و�سمعه الباحث من عدد من الأفراد والأ�سر يف منطقة الباحة �أثناء زيارتها يف (‪11/29‬ـ ‪1433/12/9‬هـ ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫كانت معظم الأ�س ��ر متتلك حمار ًا ورمبا �أكرث من �أ�س ��رة‪ ،‬و�أحيان ًا ت�شرتك جميع الأ�سر ‪� ,‬أو الفخذ �أو القرية يف جمل‬ ‫(((‬
‫�أو جملني فقط ‪.‬‬
‫مل تكن �أعمال الل�صو�ص مقت�صرة على مهاجمة التجار و�سرقة ما ب�أيديهم‪ ،‬لكنهم كانوا يقتحمون املزارع والب�ساتني‬ ‫(((‬
‫�أثناء الليل‪ ،‬وكان البع�ض منهم يهاجمون البيوت في�س ��رقون بع�ض املوا�شي �أو ما يجدونه يف املنازل التي يداهمونها‪،‬‬
‫واحلاجة وانت�شار اجلوع بني النا�س هما ال�سببان الرئي�سان اللذين يدفعان الل�صو�ص للقيام بال�سرقة و�إيذاء النا�س‪.‬‬
‫هذا املو�ض ��وع جدير بالدرا�س ��ة‪ ،‬ن�أمل �أن نرى �أحد طالبنا يف ق�سم التاريخ بجامعة امللك خالد ( برنامج الدرا�سات‬
‫العليا ) فيتخذ هذا العنوان مو�ضوع ًا لأطروحته وبخا�صة يف القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬وذلك لوفرة الرواة املعا�صرين‪،‬‬
‫وبع�ض الوثائق اجلديرة بالدرا�سة‪.‬‬
‫هناك ن�سب عالية يف ميدان احلوادث املرورية‪ ،‬والكثري من الأموال والتجارات والأرواح تذهب نتيجة لهذه الأخطار‪،‬‬ ‫(((‬
‫حبذا �أن نرى �أحد �أكادميي جامعة الباحة فيدر�س هذا اجلانب مع ر�ص ��د الإيجابيات وال�س ��لبيات له‪ ،‬وذكر الو�سائل‬
‫واحللول التي يجب �أن تُتبع للتخفيف من �آثاره ال�سيئة ‪.‬‬
‫درا�سة تاريخ الأمن يف منطقة الباحة خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) مو�ضوع جديد وجدير بالبحث والدرا�سة‪،‬‬ ‫(((‬
‫وي�س ��تحق �إىل �أن يكون عنوان ًا لكتاب �أو ر�س ��الة علمية �أكادميية‪ ،‬وهناك مئات الوثائق اجلديدة وغري املن�ش ��ورة التي‬
‫ت�صب يف خدمة مثل هذا العنوان‪.‬‬
‫‪361‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫‪4 .4‬هن ��اك بع�ض الآف ��ات والأوبئة التي حت ��ل باملزروعات مثل اجل ��راد والديدان وغريها‪،‬‬
‫وتذكر بع�ض الروايات املدونة وامل�سموعة �إىل اجتياح اجلراد ملنطقة الباحة خالل بع�ض‬
‫الأعوام م ��ن القرنني (‪14-13‬هـ‪20-19/‬م)‪ ،‬وقد �أحلقت �أ�ض ��رار ًا بالغة مبحا�ص ��يل‬
‫املزارعني‪� ،‬أو ببع�ض الأ�شجار املثمرة(‪.)1‬‬
‫‪5 .5‬كانت الأيدي العاملة حمدودة يف جميع املجاالت االقت�صادية خالل القرن (‪13‬هـ‪20/‬م)‬
‫والثماني ��ة عقود الأوىل من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬وكانت غالب ًا مق�ص ��ورة على �س ��كان‬
‫البالد الأ�صليني(‪ ,)2‬والزراعة من �أهم املهن الرئي�سية والن�شطة �آنذاك(‪ .)3‬ومنذ نهاية‬
‫الق ��رن (‪14‬هـ‪20/‬م) وبداي ��ة القرن (‪15‬هـ‪20/‬م) تال�ش ��ت الزراعة حتى �أ�ص ��بحت‬
‫�ش ��به معدوم ��ة(‪ ،)4‬وتط ��ورت املهن االقت�ص ��ادية الأخرى وبخا�ص ��ة الأعم ��ال التجارية‬
‫وال�ص ��ناعية‪ ،‬ومن ثم تراجع انخراط ال�س ��كان املحليني يف هذه احلرف‪ ،‬وحل حملهم‬
‫العم ��ال الوافدون من بلدان عديدة يف العامل العربي والإ�س�ل�امي وغري الإ�س�ل�امي(‪،)5‬‬
‫وهذه التحوالت االجتماعية واالقت�صادية �أثرت �سلب ًا على �أبناء البالد فانت�شرت بينهم‬
‫البطالة واالتكالية و�أحيان ًا الالمباالة وعدم االكرتاث وبخا�صة بني جيل ال�شباب(‪.)6‬‬
‫خام�س ًا ‪ :‬الأو�ضاع التعليمية والفكرية والثقافية‪:‬‬
‫‪1‬ـ التعليم ‪:‬‬
‫مل تكن بالد غامد وزهران خالية من الن�شاطات العلمية والثقافية والفكرية‪ ،‬والباحث‬
‫يف كتب الرتاث الإ�س�ل�امي املبكر يجد �أن �أهل هذه البالد تلقوا بع�ض� � ًا من العلوم ال�شرعية‬
‫والعربي ��ة منذ فجر الإ�س�ل�ام وبخا�ص ��ة عندما وفد �إليها بع�ض ال�ص ��حابة ( ر�ض ��وان اهلل‬
‫عليهم )‪ ،‬كما هاجر منها بع�ض �أهلها حتى التقوا بالر�س ��ول ( ﷺ ) و�ص ��حابته يف املدينة‬

‫((( ه ��ذا م ��ا �س ��معه الباحث م ��ن بع�ض امل�س ��نني يف مناط ��ق الباحة وع�س�ي�ر للمزيد انظ ��ر ‪ :‬غيثان بن جري�س‪ .‬ع�س�ي�ر‬
‫(‪1100‬ـ‪1400‬هـ)‪� ،‬ص ‪190‬ـ‪. 191‬‬
‫((( ما قر�أه الباحث و�ش ��اهده و�سمعه �أثناء الدرا�سة والتجوال يف منطقة الباحة وما جاورها من املناطق خالل الثالثني‬
‫عام ًا املا�ضية ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪.‬‬
‫((( معا�ص ��رة الباح ��ث له ��ذه التغ�ي�رات االجتماعي ��ة واالقت�ص ��ادية يف جمي ��ع �أج ��زاء املنطق ��ة اجلنوبي ��ة من ��ذ ع ��ام‬
‫(‪1434-1395‬هـ‪2013-1975/‬م) ‪.‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه ‪ .‬والثابت �أن هناك �أمو ًال كبرية ج ��د ًا جتنى من قبل الأيدي العاملة الأجنبي ��ة نتيجة عملهم يف هذه‬
‫املهن االقت�ص ��ادية الهامة واملربحة‪ ،‬ومن باب �أوىل �أن يعمل ال�ش ��باب املحلي يف هذه الأعمال ويك�س ��بوا منها �أرباح ًا‬
‫طائلة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪362‬‬
‫املن ��ورة(‪ ،)1‬وهكذا ا�س ��تمرت منطقة الباحة على �ص�ل�ات ثقافية وح�ض ��ارية خالل القرون‬
‫الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة(‪.)2‬‬
‫ومنذ القرن�ي�ن (‪13-12‬هـ‪19-18/‬م) جند عدد ًا من �أبن ��اء غامد وزهران يهاجرون‬
‫من بالدهم بهدف ك�س ��ب العي�ش وطلب العلم‪ ،‬وكانت �شرعتهم �إىل مدن احلجاز الرئي�سية‬
‫(مكة املكرمة واملدينة املنورة )‪� ،‬أو اليمن‪� ،‬أو ال�ش ��ام‪� ،‬أو م�صر‪� ،‬أو �إريرتيا وغريها‪ ،‬ومنهم‬
‫من يذهب للبقاء يف بع�ض هذه البلدان لفرتة وجيزة ثم يعودون �إىل م�سقط ر�ؤو�سهم لتعليم‬
‫�أبن ��اء بن ��ي جلدتهم‪ .‬والبع�ض من �أولئ ��ك املهاجرين تنقل يف بلدان عدي ��دة بهدف التعليم‬
‫والتعلم‪ ،‬وكانت ت�ص ��ل غربة بع�ض ��هم �إىل الع�ش ��ر والع�شرين �س ��نة‪ ،‬ثم يعودون �إىل وطنهم‬
‫الرئي�س‪� ،‬أو ي�س ��تقرون �أحيان ًا يف بع�ض حوا�ض ��ر �شبه اجلزيرة العربية الرئي�سية مثل‪ :‬مدن‬
‫اليمن �أو احلجاز الكربى(‪.)3‬‬
‫والباحث يف م�صادر ومراجع تاريخ منطقة الباحة يلحظ �أ�سماء عدد من الأ�سر العلمية‬
‫التي قامت بن�ش ��ر العلم والثقافة والدعوة والإفتاء والإ�ص�ل�اح بني �س ��كان املنطقة وبخا�صة‬
‫منذ القرن الثاين ع�ش ��ر الهجري ( الثامن ع�شر امليالدي ) حتى القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) (‪.)4‬‬
‫وهناك ع�شرات الكتاتيب املتناثرة يف بالد غامد وزهران (تهامة و�سراة )‪ ،‬وكان القائمون‬
‫عليه ��ا من الفقهاء وبع� ��ض طالب العلم الذين تلقوا تعليمهم يف �أماكن عديدة داخل �ش ��به‬
‫اجلزي ��رة العربية وخارجها(‪ ،)5‬وغالبية هذه الكتاتي ��ب كانت للذكور التي ترتاوح �أعمارهم‬
‫م ��ن (‪�10‬س ��نوات �إىل ‪ ،20‬و‪ ،30‬و‪� 40‬س ��نة )‪ ،‬وكتاتيب �أخرى للفتيات والن�س ��اء وهي قليلة‬

‫((( ملزيد من التف�ص ��يالت انظر بع�ض كتب الرتاث الإ�س�ل�امي املبكر والو�سيط ‪ :‬مثل‪ :‬كتب الرحالت‪ ،‬واملعاجم اللغوية‬
‫واجلغرافي ��ة‪ ،‬وكت ��ب الأدب والتاري ��خ العامة‪ ،‬وكت ��ب تاريخ احلجاز املحلي وبخا�ص ��ة تواريخ مك ��ة املكرمة والطائف‬
‫واملدينة املنورة ‪.‬‬
‫((( امل�ص ��ادر نف�س ��ها ‪ .‬وللمزيد انظر‪ :‬مو�سوعة اململكة العربية ال�س ��عودية ( منطقة الباحة )‪ ( .‬الريا�ض ‪ :‬مكتبة امللك‬
‫عبد العزيز العامة‪1428 ،‬هـ) املجلد رقم (‪� ،)16‬ص ‪ 367‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( للمزي ��د انظ ��ر‪ ،‬مو�س ��وعة اململكة العربي ��ة ال�س ��عودية ( منطقة الباحة ) م ��ج‪�� � ،16‬ص‪ 373‬ـ ‪ .376‬وتاريخ الهجرات‬
‫العلمي ��ة م ��ن منطقة الباح ��ة و�إليها خالل القرون الهجرية املا�ض ��ية املت�أخ ��رة (‪12‬ـ‪14‬هـ‪18/‬ـ‪20‬م)‪ ،‬مو�ض ��وع هام‬
‫وجدير بالدرا�سة وي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لر�سالة دكتوراه‪ ،‬حبذا �أن نرى �أحد الباحثني اجلادين يف �أق�سام التاريخ‬
‫باجلامعات ال�س ��عودية فيتخذه مو�ض ��وع ًا لأطروحته‪ ،‬وهناك عدد من املخطوطات ومئات الوثائق غري املن�شورة التي‬
‫ت�صب يف خدمته مثل هذا املو�ضوع العلمي ‪.‬‬
‫((( للمزيد عن الأ�سر العلمية يف منطقة الباحة منذ الع�صر الإ�سالمي الو�سيط �إىل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬انظر �سعدي‬
‫بن عيد احلريتي ‪ .‬احلركة التعليمية يف �سراة منطقة الباحة ( جدة‪ :‬املطابع الإ�سالمية احلديثة‪1421 ،‬هـ)‪� ،‬ص‪،32‬‬
‫علي بن �ص ��الح ال�س ��لوك‪ .‬غامد وزهران ( ال�س ��كان واملكان) ‪ ( .‬جدة‪� :‬ش ��ركة املدينة املنورة للطباعة‪1422،‬هـ )‪،‬‬
‫�ص‪ .199 ،159‬مو�سوعة اململكة العربية ال�سعودية (منطقة الباحة )‪ ،‬مج‪� ،16‬ص ‪ 375‬ـ ‪. 376‬‬
‫((( انظر احلريتي‪� ،‬ص ‪ ،87 / 61‬ال�سلوك‪ ،‬غامد وزهران ( ال�سكان واملكان)‪� ،‬ص‪.150‬‬
‫‪363‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫وي�شرف عليها غالب ًا بع�ض الن�ساء املتعلمات يف املنطقة(‪.)1‬‬


‫�أ ـ التعليم النظامي احلكومي العام ‪:‬‬
‫ب ��د�أ يف الع�ص ��ر احلدي ��ث واملعا�ص ��ر تعلي ��م البن�ي�ن النظام ��ي يف املنطق ��ة ع ��ام‬
‫(‪1353‬ه� �ـ‪1934/‬م)‪ ،‬عندم ��ا افتتح ��ت �أول مدر�س ��ة ابتدائية حت�ض�ي�رية �أمريي ��ة يف بلدة‬
‫الظف�ي�ر(‪ ،.)2‬وقام بالتدري�س يف هذه املدر�س ��ة عدد من الأ�س ��اتذة الف�ض�ل�اء الذين قدموا‬
‫�إليها من مدن احلجاز الكربى مثل‪ :‬الأ�س ��تاذ �شاكر بن علي‪ ،‬والأ�ساتذة ‪ :‬عبد احلي كمال‪،‬‬
‫واب ��ن هليل‪ ،‬وعبد العزيز ابن ر�ش ��يد‪ ،‬وحممد بن �س ��ليم وغريهم(‪ ،)3‬ث ��م افتتحت مدار�س‬
‫ابتدائية عديدة يف �أنحاء املنطقة الغامد والزهرانية‪.‬‬
‫ويف عام ( ‪1380‬هـ‪1960/‬م) افتتحت �أول مدر�س ��ة متو�س ��طة يف بلدة بلجر�ش ��ي‪ ،‬ويف‬
‫عام (‪ 86‬ـ ‪1387‬هـ‪66/‬ـ‪1967‬م) افتتحت �أول مدر�سة ثانوية يف بلجر�شي �أي�ض ًا(‪.)4‬‬
‫وكانت الإدارة الرئي�سية للمدار�س الآنفة الذكر تتبع يف البداية لإدارة املدر�سة االبتدائية‬
‫التح�ضريية يف الظفري‪ ،‬بل كانت �إدارة هذه املدر�سة الأخرية مبثابة حلقة الو�صل بني مدار�س‬
‫املنطقة النظامية املبكرة وبني مديرية املعارف يف مكة (‪ ،)5‬ويف عام (‪73‬ـ‪1374‬هـ‪53/‬ـ‪1954‬م)‬
‫�أن�شئت �أول معتمدية للتعليم يف الباحة‪ ،‬ثم حتولت �إىل �إدارة تعليم عام (‪1377‬هـ‪1957/‬م)‪،‬‬
‫ثم �إدارة عامة للتعليم يف املنطقة عام (‪1415‬هـ‪1995/‬م)(‪ .)6‬ويف عام (‪1419‬هـ‪1999/‬م)‬
‫افتتح ثالثة مراكز �إ�ش ��راف تربوي يف كل من حمافظة بلجر�ش ��ي وحمافظة املندق‪ ،‬والعقيق‬
‫بالإ�ضافة �إىل مركز الإ�شراف الرتبوي مبحافظة القرى(‪.)7‬‬

‫((( ال�س ��لوك‪ ،‬غامد وزهران ( ال�سكان واملكان ) �ص‪ ،87‬مو�س ��وعة اململكة العربية ال�سعودية ( منطقة الباحة ) مج‪،16‬‬
‫�ص ‪376‬ـ ‪ . 377‬ومو�ضوع تاريخ الأ�سر العلمية والكتاتيب يف منطقة الباحة من القرن (‪12‬ـ‪14‬هـ‪18/‬ـ‪20‬م) ي�ستحق‬
‫الدرا�س ��ة ‪ ,‬حبذا �أن نرى �أحد الباحثني اجلادين فيدر�س ��ه درا�س ��ة علمية �أكادميية ويو�ض ��ح لنا الرموز العلمية التي‬
‫عرفتها املنطقة وجهودهم يف ذلك الزمن‪ ،‬و�أ�س ��ماء الكتاتيب‪ ،‬ونظامها وطرق التدري�س فيها‪ ،‬واملواد التي تدر�س‪،‬‬
‫وعالقة تلك الكتاتيب والأ�سر مع جمتمعاتها‪.‬‬
‫((( الطفري ‪� :‬أحد الأحياء الرئي�سية يف مدينة الباحة ويوجد به اليوم العديد من امل�ؤ�س�سات الإدارية الرئي�سية احلكومية‬
‫والأهلية ‪ .‬م�شاهدات الباحث يف (‪2‬ـ‪1433/12/ 3‬هـ) ‪.‬‬
‫((( م ��ن خالل اطالعنا على بع�ض �س ��جالت وزارة الرتبي ��ة والتعليم يف عام (‪1415‬هـ‪1995/‬م)‪ ،‬وما ا�س ��تطعنا جمعه‬
‫من وثائق ومذكرات عن منطقة الباحة‪ ،‬ومن خالل ما و�صلنا من الأ�ستاذ �سعد امللي�ص يف قوله املن�شور يف الق�سم الرابع من‬
‫كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ‪ ،‬اجلزء اخلام�س حتت ا�س ��م ( القول الثالث ) ات�ض ��ح لنا �أ�سماء �أعالم كثريين عملوا‬
‫يف مهنة الرتبية والتعليم منذ عام (‪1353‬ـ‪1390‬هـ ‪1933 /‬ـ‪1960‬م) ‪ .‬ون�أمل من املتعلمني الباحثني يف بالد الباحة �أن يجمعوا‬
‫تراجم �أولئك الرواد الأوائل يف تاريخ منطقة الباحة احلديث ومن يفعل ذلك ف�سوف ي�سدي للمنطقة و�أهلها خري ًا كثري ًا‪.‬‬
‫((( للمزيد انظر‪ ،‬مو�سوعة تاريخ التعليم يف اململكة العربية ال�سعودية يف مائة عام ـ ( وزارة املعارف‪1419 ،‬هـ)‪� ،‬ص ‪ 56‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( هذا ما وجده الباحث يف بع�ض الوثائق التاريخية املبكرة التي تعود �إىل اخلم�سينيات �أو ال�ستينيات من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫((( هذا ما �سمعه الباحث من بع�ض الأ�ساتذة الرتبويني يف منطقة الباحة �أثناء زيارتها يف (‪11/29‬ـ ‪1433/12/9‬هـ) ‪.‬‬
‫((( انظر ‪ :‬الكتيبات واملطويات والتقارير ال�سنوية اخلا�صة ب�إدارة الرتبية والتعليم يف الباحة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪364‬‬
‫�أم ��ا الأجزاء التهامية من منطقة الباحة فت�ش�ي�ر بع�ض الوثائق واملذكرات �إىل تبعيتها‬
‫�إداري� � ًا وتعليمي ًا �إىل بالد القنفذة التابعة ملنطقة مكة املكرمة ‪ .‬وكان بها مكتب للإ�ش ��راف‬
‫منذ عام (‪1389‬هـ‪1969/‬م) (‪ ،)1‬ويف عام (‪1403‬هـ‪1983 /‬م) حتول هذا املكتب �إىل �إدارة‬
‫تعليم‪ ،‬ومنذ عام (‪1415‬هـ‪1995/‬م) حتول ا�س ��م ه ��ذه الإدارة �إىل �إدارة التعليم مبحافظة‬
‫املخواة‪ ،‬و�أ�ص ��بحت تابعة ملنطقة الباحة التعليمية(‪.)2‬وكانت �أول ابتدائية باملخواة عام (‪1372‬هـ‪/‬‬
‫‪1952‬م)‪ ،‬و�أول متو�سطة عام (‪1386‬هـ‪1966/‬م)‪ ،‬و�أول ثانوية يف عام ( ‪1397‬هـ) (‪.)3‬‬
‫�أما تعليم البنات فقد و�ص ��ل مت�أخر ًا‪ ،‬وذلك يف عام (‪1382‬هـ‪1962/‬م) عندما افتتحت‬
‫�أول مدر�س ��تني ابتدائيت�ي�ن يف بلجر�ش ��ي والظف�ي�ر‪ ،‬وكان ي�ش ��رف على تعلي ��م املنطقة خم�س‬
‫مندوبي ��ات‪ ،‬منها ثالثة يف ال�س ��راة وتتبع �إداري� � ًا �إدارة تعليم الطائ ��ف(‪ ،)4‬واثنتان يف تهامة‪،‬‬
‫باملخواة وقلوة‪ ،‬وترتبط ب�إدارة تعليم البنات يف مكة املكرمة(‪ ،)5‬ويف عام (‪1399‬هـ‪1979/‬م)‬
‫�أن�شئت �أول �إدارة تعليم م�ستقلة للبنات يف الباحة وربطت بها جميع مندوبيات املنطقة(‪.)6‬‬
‫ويف ع ��ام (‪1429‬ه� �ـ‪2010 /‬م) ج ��رى بع�ض الق ��رارات العليا على التعلي ��م يف اململكة‬
‫العربية ال�س ��عودية‪ ،‬ومن ثم دمج �إدارة التعليم للبنني و�إدارة التعليم للبنات حيث �أ�صبحت‬
‫�إدارة واحدة ت�شرف على التعليم ( الذكور والإناث ) يف كل منطقة(‪ ،)7‬وجند �إدارة الرتبية‬
‫والتعليم يف الباحة ت�شرف على جميع مراحل التعليم يف الأجزاء ال�سروية والبدوية(‪ ،)8‬وقد‬
‫و�ص ��ل عدد الطالب والطالبات يف ع ��ام (‪32‬ـ‪1433‬ه� �ـ) �إىل (‪ )23600‬طالب ًا و(‪)23910‬‬
‫طالبة‪.‬‬

‫((( هذا ما عرث عليه الباحث �أثناء جمع مادة كتابه اخلا�ص مبنطقة القنفذة‪ ،‬واملو�س ��وم بـ ‪ :‬بالد القنفذة خالل خم�س ��ة‬
‫قرون (ق‪10‬ـ‪15‬هـ‪/‬ق‪16‬ـ‪21‬م ) ( الريا�ض‪ :‬مطابع احلمي�ضي‪1432 ،‬هـ ‪2011/‬م) ‪.‬‬
‫((( انظر ‪ :‬مو�سوعة تاريخ التعليم يف اململكة العربية ال�سعودية يف مائة عام‪� ،‬ص ‪. 57‬‬
‫((( مت االطالع على بع�ض التقارير واملذكرات والكتب ال�س ��نوية ال�صادرة من �إدارة الرتبية والتعليم يف حمافظة املخواة‬
‫�أثناء زيارتنا للمنطقة يف (‪1433/12/9-11/29‬هـ) ‪.‬‬
‫((( وتلك املندوبيات هي (بلجر�شي‪ ،‬والظفري‪ ،‬والن�صباء ) ‪.‬‬
‫((( مت االط�ل�اع عل ��ى بع� ��ض املن�ش ��ورات والتقاري ��ر ال�ص ��ادرة م ��ن �إدارة الرتبي ��ة والتعلي ��م ‪ .‬مبحافظ ��ة املخ ��واة يف‬
‫(‪2‬ـ‪1433/12/3‬هـ )‪.‬‬
‫((( تاري ��خ التعلي ��م يف منطقة الباحة منذ عام (‪1400-1353‬هـ‪1980-1993/‬م) مو�ض ��وع علمي �أكادميي ي�س ��تحق �أن‬
‫يكون عنوان ًا لر�س ��الة دكتوراه‪ ،‬حبذا �أن نرى �أحد طالبنا يف ق�س ��م التاريخ بجامعة امللك خالد �أو �أي جامعة �سعودية‬
‫�أخ ��رى فيتخ ��ذه عنوان� � ًا لأطروحته وهو جدير بالبحث والدرا�س ��ة‪ .‬كم ��ا �أن يف �إدارات تعليم منطق ��ة الباحة ووزارة‬
‫الرتبية كم ًا هائ ًال من ال�سجالت والوثائق اجلديدة يف مادتها العلمية واملفيدة خلدمة مثل هذا املو�ضوع‪.‬‬
‫((( للمزيد عن هذه الإجراءات الإدارية انظر �س ��جالت ومن�ش ��ورات وكتب عديدة �أ�ص ��درتها وزارة الرتبية والتعليم يف‬
‫اململكة من عام ( ‪1430‬ـ‪1433‬هـ‪2010/‬ـ‪2012‬م)‬
‫((( وهناك بع�ض امل�س�ؤوليات لدى �إدارة تعليم الباحة جتاه �إدارة التعليم يف املخواة ‪ .‬ف�إدارة تعليم الباحة عامة وتراجعها‬
‫�إدارة تعلي ��م املخ ��واة يف بع�ض اجلوانب الإداري ��ة واملالية والتعليمية ‪ .‬للمزيد عن تاري ��خ التعليم يف منطقة الباحة ‪.‬‬
‫انظر‪ ،‬مو�سوعة اململكة العربية ال�سعودية (منطقة الباحة )‪ .‬مج‪� ،16‬ص ‪ 476‬ـ ‪. 481‬‬
‫‪365‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫�أم ��ا عدد املدار�س التابعة لإدارة تعليم املخواة فهي (‪ )352‬مدر�س ��ة‪ )179( ،‬للبنات‪،‬‬
‫و(‪ )173‬للبنني‪ ،‬وعدد املدر�س�ي�ن (‪ )2546‬معلم ًا و(‪ )2449‬معلمة‪ ،‬وجمموع عدد الطالب‬
‫والطالبات حوايل (‪ )28000‬طالب ًا وطالبة(‪.)1‬‬
‫ويتواج ��د يف املنطقة ع ��دد من املعاهد التي متن ��ح طالبها ( دبلوم ��ات ) يف بع�ض العلوم‬
‫مث ��ل‪ :‬املعاه ��د العلمية‪ ،‬وهي ثالث ��ة‪ ،‬الأول ‪ :‬يف مدينة بلجر�ش ��ي وكان افتتاح ��ه عام (‪1383‬هـ‬
‫‪1963 /‬م)‪ ،‬والث ��اين يف الباح ��ة ع ��ام (‪85‬ـ‪1386‬ه� �ـ‪65 /‬ـ‪1966‬م) ‪ .‬والثال ��ث يف املندق عام‬
‫(‪1398‬ه� �ـ ‪1978/‬م) وجل املناه ��ج التي تدر�س يف هذه املعاهد تاريخية وعربية و�ش ��رعية(‪،)2‬‬
‫وهي تابعة �إداري ًا جلامعة الإمام حممد بن �س ��عود الإ�س�ل�امية‪ ،‬ومن خالل االطالع على بع�ض‬
‫الوثائق وال�سجالت اخلا�صة ببع�ض هذه املعاهد ات�ضح لنا �أنه تخرج فيها طالب جنباء مبدعون‬
‫يف علوم ال�شريعة واللغة العربية‪ ،‬فمنهم من �أ�صبح قا�ضي ًا �أو �أ�ستاذ ًا يف اجلامعة‪ ،‬و�صار الكثري‬
‫من طالب هذه املعاهد �أدباء و�شعراء ووعاظ ودعاة وحمامني وم�ست�شارين وغريهم(‪.)3‬‬
‫وهناك معاهد �أخرى علمية وفنية مثل‪ :‬املعاهد ال�صحية‪ ،‬و�أول معهد افتتح يف الباحة‬
‫عام(‪1402‬ه� �ـ‪1982/‬م)‪ ،‬ومن مهامه تخريج كوادر فنية يف علوم التمري�ض‪ ،‬وال�ص ��يدلة‪،‬‬
‫والأ�ش ��عة‪ ،‬والتخدي ��ر‪ ،‬واملخترب‪ ،‬والأ�س ��نان‪ ،‬والتغذية‪ ،‬والتفتي�ش ال�ص ��حي‪ ،‬وقد مت تطويره‬
‫�إىل كلي ��ة علوم تطبيقية تابعة جلامع ��ة الباحة(‪ .)4‬ومعاهد فنية مثل‪ :‬مركز التدريب املهني‬
‫ال ��ذي افتتح يف مدين ��ة الباحة ع ��ام (‪1397‬ه� �ـ‪1977/‬م)‪ ،‬واملعهد الثان ��وي التجاري عام‬
‫(‪1413‬ه� �ـ‪1992/‬م)‪ ،‬والكلي ��ة التقنية يف حا�ض ��رة الباح ��ة عام (‪1419‬ه� �ـ‪1988/‬م)(‪،)5‬‬
‫((( مقاب�ل�ات م ��ع بع�ض موظفي �إدارة تعليم حمافظ ��ة املخواة يف الفرتة املمتدة م ��ن (‪11/29‬ـ ‪1433/12/9‬هـ)‪ .‬ومن‬
‫امل�ؤكد �أن هناك كم ًا هائ ًال من املذكرات والوثائق وال�سجالت يف �إدارتي التعليم يف منطقة الباحة (الباحة واملخواة)‪،‬‬
‫ومل �أمتك ��ن من االطالع عليه ��ا لأن قدومي �إىل املنطقة كان يف وقت �إجازة عيد الأ�ض ��حى عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م)‬
‫ون�ستطيع القول �أن الر�صد التاريخي للتعليم يف منطقة الباحة منذ عام (‪1400‬ـ‪1433‬هـ ‪1980 /‬ـ‪2012‬م)‪ ،‬مو�ضوع‬
‫هام و�سهل ون�أمل �أن نرى بع�ض الباحثني اجلادين يف جامعة الباحة فيتولوه بالبحث والدرا�سة والتحليل‪.‬‬
‫((( ومنذ ت�س ��عينيات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) مت �إدخال مناهج ذات �ص ��بغة علمية بحتة يف هذه املعاهد مثل‪ :‬الريا�ض ��يات‪،‬‬
‫والإجنليزي‪ ،‬والفيزياء‪ ،‬والكيمياء وغريها‪ ،‬و�ص ��ارت تدر�س جنب ًا �إىل جنب مع املناهج ال�شرعية والعربية الرئي�سية‬
‫والأ�سا�سية ‪.‬‬
‫((( درا�س ��ة تاري ��خ املعاه ��د العلمي ��ة يف منطقة الباح ��ة �أو يف �أي منطقة من مناط ��ق اململكة مو�ض ��وعات هامة وجديرة‬
‫بالدرا�س ��ة واالهتمام‪ ،‬ومن يفعل ذلك ف�س ��وف يطلعنا على الأدوار العلمية والثقافي ��ة املهمة التي �أدتها هذه املعاهد‬
‫منذ ن�ش�أتها �إىل اليوم ‪ .‬للمزيد انظر‪ ،‬مو�سوعة اململكة العربية ال�سعودية ( منطقة الباحة ) ‪ .‬مج‪� ،16‬ص ‪. 480‬‬
‫((( انظر يف �صفحات قادمة جتد بع�ض التف�صيالت عن التعليم العايل يف املنطقة ‪.‬‬
‫((( هذه الكلية تطوير للمعهد الثانوي ال�ص ��ناعي وتخ�ص�ص ��اتها �أق�س ��ام متقدمة يف املجاالت الفنية وال�صناعية‪ ،‬وتتبع‬
‫�إداري ًا للم�ؤ�س�س ��ة العامة للتعليم التقني واملهني وعميد الكلية هو الذي يتوىل الإ�ش ��راف على جمل�س التدريب التقني‬
‫واملهني يف كل منطقة‪ ،‬ودور هذا املجل�س متابعة �سري العملية التعليمية والإدارية واملالية والتخطيط جلميع امل�ؤ�س�سات‬
‫الفنية والتقنية ‪ .‬هذا ما �سمعه الباحث من بع�ض العاملني الرئي�سيني يف بع�ض امل�ؤ�س�سات الفنية والتقنية �أثناء زيارة‬
‫بالد الباحة يف (‪ 11/29‬ـ ‪1433/12/9‬هـ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪366‬‬
‫والكلية واملعاهد التقنية تقوم على تدري�س تخ�ص�صات فنية وتقنية مثل‪ :‬الكهرباء‪ ،‬والنجارة‪،‬‬
‫وميكانيكا ال�س ��يارات‪ ،‬والتمديدات ال�ص ��حية‪ ،‬والتربي ��د والتكييف‪ ،‬والتقني ��ة الكهربائية‪،‬‬
‫وتقنية احلا�سب الآيل‪ ،‬والتقنية الإدارية‪ ،‬واللحام‪ ،‬وامليكانيكا العامة وغريها(‪.)1‬‬
‫ب ـ التعليم احلكومي العايل ‪:‬‬
‫ب ��د�أ التعلي ��م اجلامعي للبنات يف الباحة عام (‪1403‬ـ ‪1404‬هـ ‪ 83 /‬ـ ‪1984‬م) عندما‬
‫افتتح ��ت �أول كلية متو�س ��طة مبدين ��ة الباحة‪ ،‬ومدة الدرا�س ��ة بها �آنذاك �س ��نتان‪ ،‬ويف عام‬
‫(‪1412‬ه� �ـ‪1991/‬م) مت تطوير تلك الكلية لت�ص ��بح كلية جامعية يف جمال الرتبية و�أ�ص ��بح‬
‫زمن الدرا�س ��ة بها �أربع �سنوات‪ ،‬ونظر ًا لتزايد الطالبات على هذه الكلية مت ف�صلها يف عام‬
‫(‪1415‬هـ‪1995/‬م) �إىل كليتني �إحداهما للأق�س ��ام الأدبية والأخرى للأق�س ��ام العلمية‪ ،‬ثم‬
‫افتتح ��ت كليات م�ش ��ابهة يف بلدان �أخرى م ��ن منطقة الباحة مثل مدن بلجر�ش ��ي واملخواة‬
‫واملن ��دق وغريها بهدف التي�س�ي�ر على طالبات املنطقة وتلبي ��ة احتياجات التعليم العام من‬
‫الك ��وادر الوطنية امل�ؤهلة (‪ ،)2‬ويف ع ��ام (‪1420‬هـ‪2000/‬م) �أن�ش ��ئت الإدارة العامة لكليات‬
‫البن ��ات مبنطق ��ة الباحة من �أجل الإ�ش ��راف الإداري والتعليمي واملايل عل ��ى تلك الكليات‪،‬‬
‫وكانت هذه الإدارة تابعة �إداري ًا ومالي ًا لوكالة الرئا�سة العامة لتعليم البنات يف الريا�ض(‪.)3‬‬
‫�أما التعليم اجلامعي للبنني فقد بد�أ بكلية املعلمني عام (‪1409‬ـ‪1410‬هـ‪ 88 /‬ـ ‪1989‬م)‪،‬‬
‫وعدد �أع�ضاء هيئة التدري�س �آنذاك (‪� )9‬أع�ضاء‪� ،‬أربعة �سعوديني وخم�سة متعاقدين‪ ،‬وعدد‬
‫الط�ل�اب (‪ )150‬طالب ًا‪ ،‬ويف ع ��ام (‪1422‬هـ‪2002/‬م) ارتفع ع ��دد الطالب �إىل (‪)1186‬‬
‫طالب ًا‪ ،‬وعدد الأ�س ��اتذة (‪ )85‬ع�ضو هيئة تدري�س‪ )49( ،‬متعاقد ًا‪ ،‬و (‪� )36‬سعودي ًا‪ ،‬وعدد‬
‫املبتعثني لدرجتي املاج�ستري والدكتوراه (‪ )31‬طالب ًا‪ )24( ،‬للماج�ستري و(‪ )7‬للدكتوراه(‪.)4‬‬
‫وا�س ��تمر التعليم الع ��ايل يف منطقة الباحة حم ��دود ًا حتى �أن�ش ��ئت جامعة الباحة‬
‫عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م)‪ ،‬وخ�ص ���ص لها �أر�ض م�س ��احتها حوايل ثالث ��ة ماليني مرت مربع‬

‫((( جميع هذه التخ�ص�ص ��ات مهمة و�ض ��رورية يف حي ��اة النا�س اليومية‪ ،‬ويتخرج فيها مئ ��ات الطالب لكنهم ال يذهبون‬
‫للعمل يف جمال العلوم التي در�س ��وها ‪ .‬ونرى اليوم معظم العاملني يف هذه املهن الفنية التقنية من العمال الوافدين‬
‫من خارج البالد‪ ،‬مع �أن �أرباحها جيدة وعالية ‪ .‬هذا ما �شاهده الباحث يف املدن ال�صناعية بجنوبي البالد ال�سعودية‪،‬‬
‫ويف بع�ض املدن الكربى باململكة العربية ال�سعودية ‪.‬‬
‫((( تاريخ التعليم العايل للبنات يف منطقة الباحة مو�ض ��وع ي�س ��تحق البحث والدرا�س ��ة ‪ .‬حب ��ذا �أن نرى �إحدى طالباتنا‬
‫يف ف�س ��م التاريخ‪ ،‬بجامعة امللك خالد فتتخذه مو�ض ��وع ًا لأطروحتها لدرجة املاج�س ��تري‪ ،‬وهناك الكثري من الوثائق‬
‫وال�سجالت اجلديدة ت�صب يف خدمة هذا املو�ضوع ‪.‬‬
‫((( هذا ما عرفته من بع�ض امل�س�ؤولني يف تعليم البنات يف منطقة الباحة �أثناء زيارتي للمنطقة عام (‪1427‬هـ‪2006/‬م)‬
‫بل ح�صلت �آنذاك على بع�ض املذكرات والوثائق املتعلقة بالتعليم العايل للبنات يف بالد الباحة ‪.‬‬
‫((( امل�صدر‪ :‬مذكرة و�صلتنا من عميد كلية املعلمني يف الباحة يف عام (‪1427‬هـ‪6 200/‬م) ‪ .‬و�أ�صل و�صورة هذه املذكرة‬
‫�ضمن �أوراق مكتبة الباحث ( ابن جري�س)‪.‬‬
‫‪367‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫يف منطقة العقيق‪ ،‬والعمل جا ٍر الآن يف ا�س ��تكمال م�ش ��اريعها العمرانية‪ ،‬وقد �أجنز �أغلبها‪،‬‬
‫و�أ�صبح يعمل يف املوقع اجلديد معظم الكليات‪ ،‬وبع�ض الإدارات الرئي�سية(‪ .)1‬وعند زيارتي‬
‫�أر�ض اجلامعة يف (‪1433/12/2‬هـ) ات�ضح يل �أنها ت�ضم خم�س ع�شرة كلية هي‪ )1( :‬كلية‬
‫الطب التي مت �إن�ش ��ا�ؤها عام (‪1429‬هـ)‪ ،‬وبد�أت الدرا�س ��ة به ��ا يف (‪30‬ـ‪1431‬هـ)‪ )2( .‬كلية‬
‫العل ��وم الطبية التطبيقية يف عام (‪1426‬هـ)‪ )3( .‬كلية الهند�س ��ة ع ��ام ‪26‬ـ‪1427‬هـ)‪)4( .‬‬
‫كلي ��ة العلوم ع ��ام (‪1426‬هـ) ‪ )5( .‬كلية العلوم الإدارية واملالي ��ة عام (‪1429‬هـ)‪ )6( .‬كلية‬
‫الرتبية‪ ،‬وهي امتداد لكلية املعلمني بالباحة‪ ،‬ويف (‪1427/5/3‬هـ) �صدر قرار ب�إحلاق كليات‬
‫املعلمني وكليات البنات وكلية املجتمع بجامعة الباحة‪ ،‬و�ص ��درت املوافقة ال�س ��امية على قرار‬
‫جمل� ��س التعلي ��م العايل بتاري ��خ (‪1429 /4/29‬هـ) على �إعادة هيكلة ه ��ذه الكليات من �أجل‬
‫�إحلاقها مبنظومة التعليم اجلامعي‪ )7( .‬كلية العلوم والآداب الإن�سانية يف عام (‪1430‬هـ)‪.‬‬
‫(‪ )10 ،9 ،8‬ثالث كليات للعلوم والآداب ببلجر�شي‪ ،‬واملخواة‪ ،‬واملندق عام (‪1429‬هـ) (‪)11‬‬
‫كلية املجتمع بالباحة عام (‪1422‬هـ)‪ )12( ،‬كلية الدرا�سات التطبيقية والتعليم امل�ستمر عام‬
‫(‪1431‬ه� �ـ)‪ )13( ،‬كلية ال�ص ��يدلة الإكلينيكية عام (‪1432‬هـ)‪ )14( ،‬كلية علوم احلا�س ��ب‬
‫وتقنية املعلومات عام (‪1432‬هـ)‪ )15( ،‬كلية العلوم الإدارية بقلوة عام (‪1433‬هـ)(‪.)2‬‬
‫ويوجد بهذه الكليات الآنفة الذكر ع�ش ��رات الأق�س ��ام يف �ش ��تى العلوم واملعارف ويعمل‬
‫به ��ا حوايل ( ‪ ) 1009‬ع�ض ��و هيئة تدري� ��س من وظيفة معيد �إىل درجة �أ�س ��تاذ‪ .‬كما يدر�س‬
‫باجلامعة حوايل ( ‪ ) 19756‬طالب وطالبة منتظمون ومنت�س ��بون‪ ،‬ناهيك عن م�ش ��اريعها‬
‫التنموية يف من�ش�آتها العمرانية ون�شاطاتها العلمية والفكرية والثقافية والأدبية(‪.)3‬‬

‫((( لق ��د زرت منطقة الباحة ع ��ام (‪1430-29‬هـ‪2010-2009/‬م) فوجدت الإدارة الرئي�س ��ية للجامعة وجميع الكليات‬
‫الزال ��ت داخ ��ل مدينة الباحة‪ ،‬ث ��م زرتها يف الفرتة م ��ن (‪1433/12/ -11/29‬هـ) فوجدت معظ ��م كليات و�إدارات‬
‫اجلامعة‪ ،‬طالب ًا و�أ�ساتذة وموظفني‪ ،‬يعملون يف املوقع اجلديد مبنطقة العقيق‪ ،‬والزال هناك كليات و�أق�سام و�إدارات‬
‫قليلة يف �أماكنها القدمية بحا�ض ��رة الباحة ‪ .‬و�س ��وف تنتقل �إىل �أماكنها اجلديدة يف موقع اجلامعة اجلديد قريب ًا ‪.‬‬
‫هذا ما �سمعه الباحث من بع�ض امل�س�ؤولني يف جامعة الباحة يف الفرتة من (‪1433/12/5 -11/29‬هـ) ‪.‬‬
‫((( ح�ص ��ل الباحث عل ��ى هذه املعلومات من املن�ش ��ورات والتقارير ال�س ��نوية جلامع ��ة الباحة‪ ،‬وقد زودين بها م�ش ��كور ًا‬
‫الدكتور علي الزندي‪ ،‬عميد �ش�ؤون القبول والت�سجيل باجلامعة يف (‪1433/12/3‬هـ)‪.‬‬
‫((( حتتاج جامعة الباحة �إىل ر�ص ��د تاريخي علمي موثق ي�ش ��مل بداية ن�ش�أتها وتطورها‪ ،‬وعالقتها باملجتمع‪ ،‬وما يقابلها‬
‫من �س ��لبيات‪ ،‬وما �أجنزت من �أعمال وما يجب عليها من �أجل خدمة الأر�ض وال�س ��كان‪ ،‬ون�أمل �أن يتوىل �أحد �أع�ضاء‬
‫هيئ ��ة التدري� ��س باجلامعة ه ��ذه املهمة‪ ،‬و�إن فعل �أحد ذلك ف�س ��وف يقدم خدمة جليلة للجامع ��ة وللمجتمع ولكل من‬
‫يرغب تف�صيالت علمية عن هذه اجلامعة الوليدة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪368‬‬
‫وك��وين �أح��د �أبن��اء املنطقة اجلنوبي��ة و�أعرف منطقة الباحة �أر�ض�� ًا و�س��كان ًا‪،‬‬
‫ف�إنن��ي قد خرج��ت ببع�ض االنطباعات يف باب التعليم والفك��ر والثقافة وما قدمته‬
‫اجلامعة‪ ،‬وما يجب �أن تقدم يف هذا الباب‪ ،‬ومن تلك الر�ؤى واالنطباعات ما يلي‪:‬‬
‫‪1 .1‬ت�أ�س ��ي�س جامعة يف املنطقة قرار �ص ��ائب‪ ،‬فقد �س ��هل على �أبناء وبنات املنطقة العناء‪،‬‬
‫فبق ��وا يف �أوطانهم‪ ،‬ومنت وتط ��ورت بالدهم اجتماعي ًا واقت�ص ��ادي ًا وثقافي ًا ‪ .‬وحتولت‬
‫املنطقة من طاردة ل�س ��كانها �إىل م�س ��تقطبة م�س ��تقبلة لهم‪ ،‬ويجب م ��ن القائمني على‬
‫اجلامع ��ة �أن يدرك ��وا ه ��ذا اجلانب احل�ض ��اري التنم ��وي فيعملوا بج ��د و�إخال�ص على‬
‫تذليل ال�ص ��عاب وتوفري الإمكانات العلمية والإدارية والتنموية لتحقيق كل ما ي�صب يف‬
‫االرتقاء بهذا اجلانب(‪.)1‬‬
‫‪2 .2‬للجامع ��ة دور كب�ي�ر وم�ؤثر يف الرقي بامل�س ��توى العلم ��ي والفكري‪ ،‬والثق ��ايف‪ ،‬والأدبي‪،‬‬
‫واحل�ض ��اري‪ ،‬ويجب على �ص ��ناع الق ��رار يف اجلامعة �أن يدركوا �أهمي ��ة هذا اجلانب ‪.‬‬
‫فاملنطق ��ة بك ��ر يف ميدانها العلمي ويف �ش ��تى املج ��االت‪ ،‬كما �أنها حتت�ض ��ن الكثري من‬
‫الكف ��اءات والق ��درات الثقافية والإبداعية‪ ،‬وم ��ن ثم فيجب عليها �أن تت�ص ��ل باملجتمع‬
‫وت�شركه وت�ستنري به يف �صنع بع�ض قراراتها وبخا�صة فيما يتعلق ب�أحوال النا�س العلمية‬
‫والثقافية واحل�ضارية ‪.‬‬
‫‪3 .3‬يجب على اجلامعة �أن ت�س ��تقطب دائم ًا الكفاءات والطاقات الب�ش ��رية اجليدة الفعالة‬
‫املنتج ��ة‪ ،‬كما يجب عليها �أن تق ��ارب وتزاوج ثقافي ًا وعلمي ًا بني �أع�ض ��ائها الأكادمييني‬
‫واملبدعني وم�ؤ�س�س ��ات املجتمع املدين‪ ،‬و�إن فعلت ذلك فقد جتني ثمار ًا يانعة �ص ��احلة‬
‫على املدى القريب والبعيد ‪.‬‬
‫‪4 .4‬لق ��د زرت منطقة الباحة من عام (‪1433 -1424‬هـ‪2012-2004/‬م) عدة مرات‪ ،‬ويف‬
‫كل زي ��ارة �أزور بع�ض الكليات وم�ؤ�س�س ��ات اجلامعة العلمية والإداري ��ة‪ ،‬و�ألتقي ببع�ض‬
‫فئات املجتمع من �أق�صى البالد �إىل �أدناها‪ ،‬كما �سمعت �أقوال بع�ض الوجهاء والأعيان‬
‫واملثقفني واملوظفني والعامة‪ ،‬ومن ثم مل�ست حراك ًا اجتماعي ًا واقت�صادي ًا وثقافي ًا تعي�شه‬
‫املنطقة وال�س ��بب الرئي�س يف ذلك هو ت�أ�س ��ي�س جامعة علمي ��ة ثقافية �أكادميية يف هذه‬
‫الناحية اجلغرافية الهامة (‪.)2‬‬

‫((( والو�ض ��ع نف�سه وجدته يف مناطق ع�سري وجازان وجنران والطائف‪ ،‬ون�أمل �أن نرى جامعات �أخرى جديدة يف �أماكن‬
‫التجمعات ال�سكانية الكبرية مثل‪ :‬بالد القنفذة‪ ،‬وحمائل‪ ،‬و�شرورة‪ ،‬وبي�شة وغريها‪.‬‬
‫((( حبذا �أن نرى درا�س ��ة علمية موثقة ت�ص ��ور احلراك احل�ض ��اري الذي تعي�ش ��ه منطقة الباحة قبيل وبعد افتتاح جامعة‬
‫الباحة �إىل وقتنا احلا�ضر‪ ،‬ون�أمل من مراكز اجلامعة البحثية �أن تتوىل مثل هذا املو�ضوع بالبحث والدرا�سة‪ ،‬كما ن�أمل‬
‫من اجلامعة �أي�ض ًا �أن تن�شئ مراكز بحثية متخ�ص�صة تقوم على دار�سة ما تتميز به منطقة الباحة‪� ،‬أو بع�ض الظواهر‬
‫الطبيعية �أو ال�سكانية �أو االجتماعية �أو االقت�صادية يف البالد الزهرانية والغامدية ( بادية و�سراة وتهامة ) ‪.‬‬
‫‪369‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫ج ـ التعليم الأهلي العام والعايل ‪:‬‬


‫قب ��ل التعلي ��م النظام ��ي كان هناك بع� ��ض الفقهاء ورج ��ال العلم الذي ��ن يقومون على‬
‫تعليم النا�س �أمور دينهم وي�ؤمونهم يف �ص ��لواتهم‪ ،‬ويق�ض ��ون بينهم يف خ�صوماتهم وتق�سيم‬
‫مواريثه ��م‪ ،‬وعقود �أنكحتهم(‪ ،)1‬ث ��م جاء التعليم احلكومي وتطور‪ ،‬كما ذكرنا �س ��ابق ًا‪ ،‬كما‬
‫�شهدت املنطقة خالل الن�صف الثاين من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) بع�ض املدار�س الأهلية التي‬
‫قام على ت�أ�سي�س ��ها بع�ض الوجهاء وامل�ش ��ايخ والعلماء والدعاة‪ ،‬وبالتايل �أ�سهمت بدور رائد‬
‫يف احلركة العلمية والثقافية‪ ،‬وا�س ��تفاد منها طالب عديدون يف العقود الأخرية من القرن‬
‫الرابع ع�شر الهجري ( الع�شرين امليالدي )‪ ،‬ومن تلك املدار�س ‪:‬‬
‫‪1‬ـ املدر�سة ال�سلفية ببلجر�شي ‪:‬‬
‫�أن�ش ��ئت هذه املدر�سة عام (‪1370‬هـ‪1951/‬م) على يد م�ؤ�س�سها ال�شيخ حممد بن علي‬
‫ب ��ن جم ��اح الغامدي(‪ ،)2‬فكان �ص ��احب فكرتها وت�أ�سي�س ��ها ومن ثم بقي مدي ��ر ًا لها وقائم ًا‬
‫على �ش� ��ؤونها عدة عقود‪ ،‬وقد دون عنها كتاب ًا يقع يف (‪� )270‬ص ��فحة من القطع املتو�س ��ط‬
‫�سماه‪ :‬رحلتي مع الإميان واملدر�سة ال�سلفية والدعوة والقر�آن من جبال ال�سروات‬
‫جلمي��ع الإخوة والأخوات ( مواعظ وعرب)(‪� ،)3‬ش ��رح يف هذا الكت ��اب بداية حياته‪،‬‬
‫ثم رحالته يف طلب العلم‪ ،‬و�أخري ًا رجوعه �إىل موطنه من �أجل ت�أ�س ��ي�س مدر�سته (املدر�سة‬
‫ال�س ��لفية)‪ ،‬مع ذكر الرواد الأوائل الذين �س ��اندوه �أثناء البناء والت�أ�سي�س حتى وجد الدعم‬
‫وامل�ؤازرة من ملوك �آل �سعود (عبد العزيز و�أبنائه‪� :‬سعود‪ ،‬وفي�صل‪ ،‬وخالد‪ ،‬وفهد‪ ،‬وعبد اهلل‪،‬‬
‫و�س ��لطان وغريهم(‪ ،)4‬ويف الكتاب تف�ص ��يالت عن حتديد مكان املدر�سة يف بلدة بلجر�شي‪،‬‬
‫ث ��م جم ��ع التربعات من بع�ض املح�س ��نني لبنائه ��ا‪ ،‬وتوافد الط�ل�اب لالن�ض ��مام �إليها‪ ،‬ثم‬
‫دعمها مالي ًا ومعنوي ًا من امللك �س ��عود �أثناء زيارة منطقة الباحة عام (‪1374‬هـ‪1955/‬م)‪،‬‬

‫((( تاريخ تعليم امل�س ��اجد والكتاتيب والأ�س ��ر العلمية يف منطقة الباحة قبل خم�س ��ينيات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) مو�ض ��وع‬
‫جديد وجدير بالبحث والدرا�سة وي�ستحق �إىل �أن يكون عنوان ًا لأطروحة ماج�ستري �أو دكتوراه يف �أحد �أق�سام التاريخ‬
‫ب�إحدى اجلامعات ال�سعودية‪.‬‬
‫((( حمم ��د بن جماح ‪� :‬أحد رجاالت حا�ض ��رة بلجر�ش ��ي‪ ،‬رحل يف طلب العل ��م داخل وخارج اململكة العربية ال�س ��عودية‪،‬‬
‫ومن الدعاة الف�ضالء الذين لهم جهود تذكر فت�شكر عا�ش معظم حياته يف خدمة الدين والعلم والدعوة يف منطقة‬
‫الباحة ( بلجر�ش ��ي )‪ ،‬وي�س ��تحق �أن ي�ص ��در عنه كتاب علمي موثق‪� ،‬أو يخ�ص�ص له ر�س ��الة دكتوراه يف �أحد الأق�سام‬
‫الأكادميية ب�إحدى جامعاتنا ال�س ��عودية‪ ،‬ون�أمل من �أبنائه و�أحفاده �أن ي�س ��عوا �إىل جمع وثائقه ومرا�سالته ومدوناته‬
‫وكتب ��ه وتوفريها لباحث نزيه يقوم بر�ص ��د م�آث ��ره وجهوده يف ميادين الدعوة والإ�ص�ل�اح والتعليم فهو جدير �إىل �أن‬
‫يكتب عنه كتب وبحوث علمية عديدة ‪.‬‬
‫((( كتاب جملد طبعة ‪ :‬املدينة املنورة ‪ :‬مكتبة العلوم واحلكم‪1429 ،‬هـ‪2008/‬م) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪ 2‬وما بعدها ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪370‬‬
‫ثم دعم امللك في�ص ��ل لها �أي�ض� � ًا(‪ ،)1‬وكانت علوم ال�ش ��ريعة والعربية جل املواد التي ُتدر�س‬
‫فيه ��ا‪ ،‬ويف عام(‪1388‬ه� �ـ‪1968/‬م) طبقت فيه ��ا مناهج وزارة املعارف‪ ،‬ث ��م افتتحت فيها‬
‫املرحلة الثانوية بق�س ��ميها(العلمي والأدبي)‪ .)2( ،‬وبقي ال�ش ��يخ ابن جم ��اح وبع�ض �أقربائه‬
‫وطالبه قائمني على �سري هذه املدر�سة �أكرث من �أربعني عام ًا‪ ،‬كما قابل العديد من العقبات‬
‫�أثناء رعايته و�إ�ش ��رافه على هذه امل�ؤ�س�سة الأهلية املباركة ‪ .‬ويف �أوائل القرن (‪15‬هـ‪20/‬م)‬
‫�أ�س ��ندت ال�س ��لفية الأهلية �إىل مديرين تعينهم وزارة املعارف‪ ،‬وقد مت حتويل ا�سم مرحلتي‬
‫املتو�س ��طة والثانوية �إىل م�س ��مى ( مدر�س ��ة بدر) وبقيت املرحلة االبتدائية با�سم ‪ :‬املدر�سة‬
‫ال�سلفية االبتدائية (‪.)3‬‬
‫وعن��د االط�لاع على لفي��ف م��ن املذك��رات والوثائ��ق والأوراق التي مت‬
‫جمعه��ا عن هذه املدر�س��ة من عام (‪1424‬ـ‪1433‬هـ‪2004 /‬ـ‪2012‬م) ات�ض��ح‬
‫لنا نقاط عديدة نذكر �أهمها يف ال�سطور التالية ‪:‬‬
‫�أ ـ هذه املدر�س ��ة ن�ش ��رت الوعي الثقايف واملعريف والديني بني �سكان منطقة الباحة‪،‬‬
‫فتخرج فيها طالب ترقوا يف درجات املعرفة حتى �ص ��ار منهم املعلمون والق�ضاة‬
‫والدعاة وغريهم ‪.‬‬
‫ب ـ جهود فردية من ال�ش ��يخ ابن جماح جعلت �أهل اخلري وال�ص ��احلني ين�ض ��مون �إليه‬
‫في�ؤازرون ��ه باملال والفكر واجل�س ��د‪ ،‬ب ��ل وقفوا معه يف كثري م ��ن العقبات واملحن‬
‫التي واجهها �أثناء الرعاية والإ�شراف على هذه امل�ؤ�س�سة التعليمية اخلريية ‪ .‬وقد‬
‫عرثنا على ع�ش ��رات الوثائق والر�سائل التي �أر�س ��لت �إىل ال�شيخ �صاحب املدر�سة‬
‫وهي �صادرة من علماء وم�شايخ ودعاة ووجهاء و�شيوخ قبائل ومدراء وموظفني يف‬
‫الدولة داخل منطقة الباحة وخارجها‪ ،‬وجميعهم يثنون على جهود ال�ش ��يخ وعلى‬
‫جهود مدر�سته املباركة يف ميادين الدعوة والثقافة والتعليم(‪.)4‬‬
‫ج ـ ح�س ��ب ما علمت من بع�ض �أعيان ووجهاء بلجر�ش ��ي �أثناء جتوايل يف بالدهم يف‬
‫(‪1433 /12 /2-1‬هـ)‪� ،‬أن موقع املدر�سة ال�سلفية القدمي �أ�صبح مهجور ًا‪ ،‬ونرجو‬
‫((( امل�صدر نف�سه‪� ،‬ص ‪ 80‬ـ ‪ 110 ،91‬ـ ‪. 111‬‬
‫((( امل�ص ��در نف�س ��ه‪� ،‬ص‪ 12‬وما بعدها ‪ .‬هناك بع�ض الأعالم والرموز الذين د َّر�سوا و�ساهموا يف بناء هذه املدر�سة‪ ،‬وكل‬
‫واح ��د منهم ي�س ��تحق بحث ًا م�س ��تق ًال �أو ترجمة مطولة‪ ،‬ون�أمل �أن نرى �أحد �أبناء غام ��د وزهران املثقفني فيتوىل هذا‬
‫املو�ضوع بالبحث والتدوين ‪ .‬ومن يفعل ذلك ف�سوف يطلعنا على �صور ثقافية وعلمية لأولئك الرعيل النقي الويف ‪.‬‬
‫((( مت ف�ص ��ل املرحلة االبتدائية عن املرحلتني املتو�س ��طة والثانوية يف عام (‪1419‬هـ‪1999/‬م)‪ ،‬ثم تغري ا�س ��م املدر�سة‬
‫ال�سلفية االبتدائية �إىل بدر �أي�ض ًا يف عام (‪1422-1421‬هـ‪2001/‬م)‪.‬‬
‫((( حبذا �أن جتمع هذه الر�س ��ائل املتبادلة مع ال�ش ��يخ‪ ،‬وقد يكون معظمها عند �أبنائه وطالبه و�أقاربه و�أحفاده ومريديه‬
‫وحمبيه ثم تدر�س درا�سة علمية تاريخية ثقافية لغوية �أكادميية‪ ،‬وهذا �أقل واجب على �أهايل منطقة الباحة وبخا�صة‬
‫�سكان حمافظة بلجر�شي‪.‬‬
‫‪371‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫من �أبناء ال�ش ��يخ ابن جماح وطالبه وحمبيه �أن ي�س ��عوا �إىل �ص ��يانة وترميم هذا‬
‫املعلم التاريخي احل�ض ��اري‪ ،‬ثم جعله مكتبة عامة ي�س ��تفيد منها النا�س‪ ،‬وتذكري‬
‫�أجيال اليوم وامل�ستقبل مبا بذله ال�شيخ ورفاقه وطالبه من جهود مباركة يف ن�شر‬
‫العلم والف�ضيلة والقول احل�سن‪.‬‬
‫د ـ كون املدر�سة ال�سلفية بقيت حتت �إ�شراف ال�شيخ وطالبه وزمالئه لعقود عديدة‪،‬‬
‫فالب ��د �أن يك ��ون هناك كم هائل م ��ن املذكرات والوثائق التاريخية واحل�ض ��ارية‬
‫اخلا�صة باجلهود املبذولة من و�إىل هذه امل�ؤ�س�سة التعليمية‪ ،‬ون�أمل �أن يجمع هذا‬
‫الرتاث الثقايف الذي ي�ص ��ور حقب ��ة من الزمان كان اجله ��ل والفقر واجلوع هي‬
‫الآفات املدمرة واخلانقة لإن�سان ذلك الع�صر‪.‬‬
‫‪2‬ـ املدر�سة الريحانية ببني ظبيان ‪:‬‬
‫هذه املدر�س ��ة ن�س ��بة �إىل قرية الريحان ببني ظبيان يف �سراة غامد‪ ،‬وم�ؤ�س�سها الأ�ستاذ‬
‫�سعد ابن عبد اهلل امللي�ص‪� ،‬صاحب القول الثالث يف الق�سم الرابع من كتاب ‪ :‬القول املكتوب‬
‫يف تاريخ اجلنوب اجلزء اخلام�س(‪ ،)1‬وكان �إن�شا�ؤها يف عام(‪1378‬هـ‪1958/‬م)(‪ ،)2‬ومراحل‬
‫الدرا�س ��ة بها املتو�سطة والثانوية على منهج نظام دار التوحيد بالطائف‪ ،‬وقد تفرع عن هذه‬
‫املدر�سة فرعان‪� ،‬أحدهما مبدينة الباحة‪ ،‬والآخر مبدينة بلجر�شي‪ ،‬وكانت الدرا�سة باملجان‬
‫عل ��ى نفقة م�ؤ�س�س ��ها و�أهل بيته وقرابته بالإ�ض ��افة �إىل بع�ض التربعات واملعونات الي�س�ي�رة‬
‫م ��ن وزارة املع ��ارف وبع�ض اجلهات احلكومية والأهلية الأخرى‪ .‬وقد توقفت الدرا�س ��ة بهذه‬
‫املدار� ��س ع ��ام (‪1410‬ـ‪1411‬ه� �ـ‪1989 /‬ـ‪1990‬م)(‪ ،)3‬تخرج فيها عدد كب�ي�ر من الطالب‪،‬‬
‫ومنهم من ترقى يف �سلم الوظيفة والتعليم حتى و�صل �إىل منا�صب عالية يف الدولة(‪.)4‬‬

‫((( انظر تف�ص ��يالت �أكرث عن الأ�س ��تاذ امللي�ص وعن تعليم البنني يف منطقة الباحة خالل العقود املا�ض ��ية املت�أخرة‪ ،‬يف‬
‫هذا الكتاب‪ ،‬ويف الق�سم الرابع حتديد ًا ‪.‬‬
‫((( للمزيد انظر‪� :‬سعد عبد اهلل امللي�ص ‪ ".‬تاريخ التعليم النظامي للبنني مبنطقة الباحة " جملة املنتدى‪ ،‬نادي الباحة‬
‫الأدبي‪ ،‬عدد(‪ ( )7‬الباحة‪1425 ،‬هـ)‪� ،‬ص‪ 34‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( مقابالت مع ال�ش ��يخ �س ��عد امللي�ص مرات عديدة من (‪1424‬ـ‪1433‬هـ ‪2004 /‬ـ‪2012‬م)‪ ,‬والزال ال�ش ��يخ حتى تدوين‬
‫هذه ال�س ��طور ي�ؤدي ر�س ��الته العلمية والثقافية واحل�ضارية‪ ،‬ون�س�أل اهلل له ال�صحة والثبات والتوفيق ‪ .‬كما �أن ال�شيخ‬
‫�سعد امللي�ص ي�ستحق �أن تكون حياته عنوان ًا لر�سالة ماج�ستري �أو دكتوراه يف �أحد �أق�سام التاريخ بجامعاتنا ال�سعودية‪،‬‬
‫ون�أم ��ل من طالبه و�أحبابه و�أبنائه �أن ي�س ��عوا �إىل جم ��ع �أوراقه ووثائقه ومذكراتها ودفعها �إىل باحث نزيه يدر�س ��ها‬
‫ويخرجها يف كتاب علمي �أكادميي موثق ‪.‬‬
‫((( املدر�سة الريحانية ا�ستمرت ت�ؤدي ر�سالة علمية �سامية عقود ًا عديدة‪ ،‬والواجب على مثقفي منطقة الباحة وبخا�صة‬
‫ممن ا�س ��تفاد من هذه املدر�س ��ة �أن يقوموا على �ص ��يانة مكانها وترميمه ليكون متحف ًا �أو مكتبة عامة ي�س ��تفيد منها‬
‫�أجي ��ال الي ��وم‪ ،‬كما يجب �أن يجمع يف هذا املكان جميع ما يتعلق باملدر�س ��ة من �س ��جالت ووثائ ��ق ومذكرات و�أدوات‬
‫�أثرية‪ ،‬وهذا يف نظري �أقل واجب يجب عمله جتاه هذه املدر�سة‪ ،‬واملدر�سة نف�سها ت�ستحق �أن يفرد لها ر�سالة �أو كتاب‬
‫علمي ير�صد فيه اجلهود التاريخية التي حققتها هذه امل�ؤ�س�سات الأهلية على مدار ثالثة عقود ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪372‬‬
‫‪3‬ـ مدار�س القرعاوي‪ ،‬ومدر�سة زهران ال�سلفية‪:‬‬
‫ال�ش ��يخ عب ��د اهلل القرع ��اوي �أح ��د رج ��االت عني ��زة يف الق�ص ��يم‪ ،‬ول ��د به ��ا ع ��ام‬
‫(‪1315‬ه� �ـ‪1897/‬م) وتعل ��م بها يف بداية حياته ثم �س ��افر �إىل بلدان عدي ��دة داخل اململكة‬
‫العربي ��ة ال�س ��عودية وخارجها من �أج ��ل طلب العلم(‪ ،)1‬ويف بداية الن�ص ��ف الثاين من القرن‬
‫(‪14‬هـ‪20/‬م) قرر اخلروج �إىل جنوبي البالد ال�سعودية من �أجل الدعوة ون�شر العلم والثقافة‪.‬‬
‫ويف عام (‪1358‬هـ‪1939/‬م) و�ص ��ل منطقة جازا ن وا�ستوطن ببلدة �صامطة وفتح بها عدد ًا‬
‫من املدار�س وزودها بجميع م�س ��تلزمات الطلبة(‪ ،)2‬ثم و�س ��ع ن�ش ��اطاته التعليمية وانت�ش ��رت‬
‫مدار�سه يف تهامة وال�سراة حتى و�صلت مناطق القنفذة والباحة وع�سري وجنران(‪.)3‬‬
‫وكان لل�ش ��يخ القرعاوي جهود يف ن�ش ��ر مدار�س ��ه يف بع�ض قرى غامد وزهران‪ ،‬وهناك‬
‫بع� ��ض الأعالم الزهرانية والغامدية الت ��ي تعاونت معه وعملوا يف مدار�س ��ه(‪ ،)4‬وقد اطلعت‬
‫على بع�ض الوثائق يف منطقة الباحة وفيها ذكر لبع�ض املدر�س�ي�ن الذين د ّر�س ��وا يف مدار�سه‬
‫ب�س ��روات املنطقة‪ ،‬و�أ�س ��ماء بع�ض الطالب الذي ��ن تعلموا يف تلك املدار� ��س‪ ،‬كما وقفنا على‬
‫بع�ض القرى والبيوت التي عملت فيها بع�ض مدار�س هذا ال�شيخ املحت�سب ( رحمه اهلل ) (‪.)5‬‬
‫�أما مدر�س ��ة زهران ال�س ��لفية فم�ؤ�س�سها ال�ش ��يخ عبد اهلل بن م�سفر الزهراين يف بلدة‬
‫جافان ب�س ��راة زهران (‪ ،)6‬ويف عام (‪1375‬هـ‪19565/‬م) �س ��ميت باملدر�س ��ة ال�سلفية على‬
‫غرار املدر�س ��ة ال�سلفية ببلجر�ش ��ي‪ ،‬ومناهجها الرئي�سية اللغة العربية وعلوم ال�شريعة‪ ،‬ومل‬
‫((( للمزيد عن ال�ش ��يخ القرعاوي انظر مو�س ��ى بن حا�س ��ر ال�س ��هلي ‪ .‬ال�ش ��يخ عبد اهلل بن حممد القرعاوي ودعوته يف‬
‫جنوبي اململكة العربية ال�س ��عودية ( معلومات الن�ش ��ر غري مذكورة‪1413 ،‬هـ)‪� ،‬ص‪ 10‬وما بعدها‪ ،‬غيثان بن جري�س‬
‫‪ .‬تاري ��خ التعليم يف منطقة ع�س�ي�ر (‪1354‬ـ‪1386‬هـ‪1934/‬ـ‪1966‬م) ( جدة ‪ :‬دار البالد للطباعة والن�ش ��ر‪1416 ،‬هـ‬
‫‪1995/‬م)‪ ،‬ج‪� ،1‬ص ‪ 260‬ـ ‪. 261‬‬
‫((( انظ ��ر �أحم ��د بن �إبراهيم ال�س ��لوم ‪ .‬تاريخ احلرك ��ة التعليمية يف اململكة العربية ال�س ��عودية ‪� ( .‬أمريكا ‪ :‬وا�ش ��نطن‪،‬‬
‫‪1411‬هـ‪1991/‬م) ج‪� ،2‬ص‪ . 647‬ابن جري�س‪ ،‬تاريخ التعليم يف منطقة ع�سري‪ ،‬ج‪� ،1‬ص ‪. 260‬‬
‫((( وعندما عجز ال�ش ��يخ من متابعة مدار�س ��ه �ض ��مت جميعها �إىل وزارة املع ��ارف والكليات واملعاه ��د العلمية الدينية‪،‬‬
‫وجه ��ود القرع ��اوي العلمية والتعليمية والثقافية يف جنوب اململكة الزال ��ت بحاجة �إىل بحوث علمية �أكادميية موثقة‪،‬‬
‫واجلامعات املحلية يف هذه البلدان اجلنوبية عليها م�س�ؤوليات كبرية فتعمل على جمع تراث �أعالم هذه الأوطان ومن‬
‫كان له جهود تذكر فت�ش ��كر مثل ال�ش ��يخ عبد اهلل القرعاوي وغريه ( رحمهم اهلل جميع ًا )‪ .‬كما يوجد عند الباحث‬
‫بع� ��ض املذكرات املدونة من الأ�س ��تاذين القديرين حممد �أحمد �أنور و�س ��عد بن عب ��د اهلل امللي�ص وفيها ذكر جلهود‬
‫ال�شيخ القرعاوي يف منطقتي ع�سري والباحة ‪.‬‬
‫((( هذا ما �سمعه الباحث من بع�ض رجاالت غامد �أثناء جمع مادة هذه الرحلة يف (‪11/29‬ـ ‪1433/12/9‬هـ) ‪.‬‬
‫((( من خالل جتوالنا يف مناطق عديدة من جنوبي البالد ال�س ��عودية و�س�ؤالنا عن جهود ال�شيخ القرعاوي‪ ،‬وجدنا ذكره‬
‫يف كل مكان‪ ،‬بل قابلنا �أفراد ًا عديدين يف القنفذة وع�س�ي�ر وجنران والباحة وجميعهم �ش ��اهدوا ال�ش ��يخ والتقوا به‬
‫و�أغلبهم در�سوا يف مدار�سه املتوا�ضعة يف الإمكانات والإعداد والرتتيب‪� ،‬إال �أنها مع ب�ساطتها كانت منت�شرة يف جميع‬
‫البلدات والقرى والأرياف والبوادي باملناطق ال�سعودية اجلنوبية ‪.‬‬
‫((( م ��ن موالي ��د عام (‪1320‬ه� �ـ‪1902/‬م)‪ ،‬تنقل يف طلب العلم بني اليمن واحلجاز‪ ،‬وعا�ص ��ر ع ��دد ًا من علماء و�أعالم‬
‫منطق ��ة غام ��د وزهران‪ ،‬در�س على يديه كثري من الطالب ‪ .‬للمزيد انظر‪� :‬س ��عدي بن عي ��د احلريتي‪� ،‬ص ‪ ،56‬علي‬
‫ال�سلوك‪ ،‬غامد وزهران‪ ،‬ال�سكان واملكان‪� ،‬ص ‪. 196‬‬
‫‪373‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫ت�س ��تمر طوي ًال و�إمنا حتولت �إىل مدر�س ��ة حكومية‪ ،‬وقد تخرج فيها عدد من الطالب الذين‬
‫عملوا يف جمال الدعوة والتعليم باملنطقة(‪.)1‬‬
‫‪4‬ـ مدر�ستا زهرة بنت �سعيد الأعمى ببلجر�شي ‪:‬‬
‫مل يكن �إن�ش ��اء املدار�س الأهلية مق�ص ��ور ًا على الرجال‪ ،‬و�إمنا كان للن�ساء دور رائد يف‬
‫ذلك‪ ،‬وتذكر بع�ض الروايات �إىل �أن الأ�س ��تاذة زهرة بنت �س ��عيد الأعمى من قرية املكارمة‬
‫ببلجر�شي �أن�ش�أت مدر�ستني يف عام (‪1358‬هـ‪1939 /‬م) (‪ ،)2‬واحدة للبنني و�أخرى للبنات‪،‬‬
‫وقد �ضمت مدر�سة البنني �إىل املدر�سة ال�سلفية للذكور يف بلجر�شي عام(‪1372‬هـ‪1953/‬م)‪،‬‬
‫�أما مدر�سة البنات فقد ا�ستمرت حتت م�سمى ‪ :‬املدر�سة ال�سلفية للبنات باملكارمة‪ ،‬وكانت‬
‫حتت �إ�ش ��راف املدر�س ��ة ال�سلفية الرئي�س ��ية للرجال يف بلجر�ش ��ي‪ ،‬وعند وفاة املعلمة زهرة‬
‫قامت الأ�س ��تاذة عزة بنت عبد الرحمن ن�س ��يلة بالإ�ش ��راف على املدر�س ��ة حتى �ضمت �إىل‬
‫مدار�س التعليم النظامي للبنات يف املنطقة يف �أوائل الت�سعينيات (‪.)3‬‬
‫‪5‬ـ مدار�س وكليات التعليم الأهلي احلديث‪:‬‬
‫من خالل جتوالنا يف املنطقة ات�ضح لنا �أن جميع مدار�س التعليم العام فيها حكومية‪،‬‬
‫وهناك عدد حمدود جد ًا من املدار�س الأهلية يف املنطقة وهي خا�ص ��ة لبع�ض امل�س ��تثمرين‬
‫م ��ن �أه ��ل البالد الزهراني ��ة والغامدي ��ة(‪� ،)4‬أما التعليم الع ��ايل فقد افتتح ��ت كلية الباحة‬
‫الأهلية العاملية للعلوم عام (‪1422‬هـ‪2002/‬م)‪ ،‬وهي كلية متخ�ص�ص ��ة يف اجلانب العلمي‪،‬‬
‫وقد �أن�شئت لتكون نواة جلامعة �أهلية ت�ضم العديد من الكليات العلمية يف الطب والهند�سة‬

‫((( املرجعان نف�سهما ‪.‬‬


‫((( حبذا �أن نرى �أحد طالب العلم اجلادين فيجمع كل ما يتعلق بالتعليم الن�سائي يف بالد غامد وزهران خالل القرنني‬
‫(‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) ويخرج عن ذلك بحث �أو درا�سات علمية �أكادميية يف هذا الباب الهام واجلدير باالهتمام ‪.‬‬
‫((( ه ��ذا م ��ا �س ��معه الباحث م ��ن بع�ض ال ��رواة يف حمافظة بلجر�ش ��ي يف الف�ت�رة التي زار فيه ��ا املنطقة م ��ن (‪-11/29‬‬
‫‪ .)1433/12/9‬وم ��ا مت الإ�ش ��ارة �إلي ��ه يف ميدان التعليم الأهلي يف املنطقة‪ ،‬لي�س �إال �ش ��ذرات ي�س�ي�رة من جهود كثري‬
‫من املحت�س ��بني واملحت�س ��بات خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ ‪ 19 /‬ـ‪20‬م)‪ ،‬بل �إن هناك رواد ًا يف جمال هذا ال�صنف من هذا‬
‫التعليم‪ ،‬والزالت جهودهم مغمورة‪ ،‬و�آثارهم الإيجابية غري مدونة ‪ .‬ون�أمل �أن نرى �أحد طالب البحث العلمي يف منطقة‬
‫الباحة‪� ،‬أو �أحد طالب الدرا�سات العليا يف �أق�سام التاريخ بجامعاتنا ال�سعودية فيتوىل هذا املو�ضوع بالبحث والدرا�سة‬
‫العلمية الأكادميية ‪ .‬وهو مو�ضوع جدير �أن يكون عنوان ًا لكتاب �أو ر�سالة علمية �أكادميية ‪.‬‬
‫((( م ��ن تل ��ك املدار� ��س الأهلية ‪ :‬مدار�س جيل امل�س ��تقبل‪ ،‬ومدار�س الباح ��ة وغريها‪ ،‬والفرق بني التعلي ��م الأهلي قدمياً‬
‫وحديث ًا �أن م�ؤ�س�سي التعليم الأهلي يف القرون املا�ضية املت�أخرة كانوا يقومون على �إن�شاء الكتاتيب واملدار�س من باب‬
‫االحت�ساب ونفع النا�س ون�شر الوعي والفكر والثقافة‪ ،‬ناهيك عن �أنهم كانوا قدوة ح�سنة يف �أنف�سهم ولكل من يت�صل‬
‫بهم‪� ،‬أما التعليم الأهلي اليوم ف�أ�ص ��حابه ي�س ��عون �إىل العمل التجاري الربحي من خالل فتحهم مدار�س وم�ؤ�س�سات‬
‫تعليمي ��ة‪ ،‬وق ��د زرت العدي ��د من املدار� ��س الأهلية يف املنطق ��ة اجلنوبية‪ ( ،‬ع�س�ي�ر‪ ،‬وجنران‪ ،‬وج ��ازان‪ ،‬والقنفذة‪،‬‬
‫والباحة) ودر�س ��ت عن بع�ض الكتاتيب واملحت�س ��بني القدم ��اء يف هذه البالد فوجدت الفرق �شا�س ��ع ًا بني الفريقني‪،‬‬
‫فالأوائل كانوا �أف�ضل و�أرقى يف �أهدافهم ومبادئهم وبحثهم عن الأجر واالحت�ساب من اهلل عز وجل‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪374‬‬
‫والتقني ��ة والإدارة‪ ،‬واعتم ��دت اللغ ��ة الإجنليزية كلغة رئي�س ��ية للتدري� ��س‪ ،‬وتقدم براجمها‬
‫للبنات والبنني‪ ،‬وت�ضم العديد من الأجهزة واملعامل واملختربات العلمية املتخ�ص�صة(‪.)1‬‬
‫‪2‬ـ الفكر والثقافة ‪:‬‬
‫�إذا در�س ��نا فكر �س ��كان منطق ��ة الباحة جندهم �أ�ص ��حاب فكر �س ��ليم يف معتقداتهم‬
‫وتوجهاته ��م العلمي ��ة والثقافية‪ ،‬والباح ��ث عن تاريخ هذه البالد خالل القرون الإ�س�ل�امية‬
‫املبكرة والو�س ��يطة واحلديثة واملعا�صرة يجدهم من �أوائل من دخل حوزة الإ�سالم‪ ،‬ومنهم‬
‫علم ��اء وفقهاء ورج ��ال فكر وثقافة كثريون �س ��اهموا يف بناء احل�ض ��ارة الإ�س�ل�امية داخل‬
‫اجلزيرة العربية وخارجها(‪ ،)2‬وكان املذهب ال�ش ��افعي هو ال�س ��ائد يف بالدهم منذ القرون‬
‫الإ�س�ل�امية الأوىل حتى القرن (‪13‬هـ‪19 /‬م)‪ ،‬ثم بد�أ املذهب احلنبلي ينت�ش ��ر حتى �ص ��ار‬
‫الأكرث �أتباع ًا يف املنطقة حتى يومنا احلا�ضر(‪.)3‬‬
‫واملت�أم ��ل لتاريخ منطقة الباحة احلديث واملعا�ص ��ر يجده خالي� � ًا من التيارات والأفكار‬
‫العقدية وال�سيا�سية املنحرفة‪ ،‬ورمبا وجد بع�ض الأفراد �أو الأ�شخا�ص املحدودين واملدافعني‬
‫�أو املقتنعني ب�آراء وفتاوى �أو توجهات ثقافية وعلمية وفكرية �سلبية‪ ،‬لكن و�ضع مثل ه�ؤالء مل‬
‫ي�صل �إىل ن�سبة الظاهرة �أو الر�أي العام(‪.)4‬‬
‫((( زار الباحث الكلية يف عام (‪1430‬هـ‪ ،‬و ‪1433‬هـ‪2012 ،2010/‬م) وهي الزالت على و�ضعها عند الت�أ�سي�س مكونة من‬
‫كلية واحدة ت�ضم العديد من التخ�ص�صات‪ ،‬ورمبا تتطور �إىل جامعة �أهلية يف امل�ستقبل‪� ،‬إال �أن �إن�شاء جامعة الباحة‬
‫احلكومية �سد حاجة �أبناء املنطقة يف كثري من العلوم والتخ�ص�صات الأكادميية ‪.‬‬
‫((( كت ��ب الرتاث الإ�س�ل�امي مليئ ��ة بالأق ��وال والروايات والن�ص ��و�ص والأ�ش ��عار التي ت�ؤكد عل ��ى �إ�س ��هامات الغامديني‬
‫والزهرانيني احل�ض ��ارية على مر القرون الإ�س�ل�امية املبكرة والو�س ��يطة و�أوائل احلديثة ‪ .‬وهذا املو�ضوع ي�ستحق �أن‬
‫ي�ص ��در عنه كتب ور�س ��ائل وبحوث عديدة‪ ،‬ون�أمل من الباحثني وامل�ؤرخني الأكادمييني املن�ص ��فني �أن يدر�س ��وا جهود‬
‫�سكان هذه البالد‪ ،‬بل ن�أمل من �أبناء منطقة الباحة �أن يظهر منهم من يهتم بهذا اجلانب العلمي الهام‪.‬‬
‫((( كان املذه ��ب ال�ش ��افعي هو ال�س ��ائد يف عم ��وم اجلزيرة العربي ��ة‪ ،‬واملذاهب الثالث ��ة الأخرى ( املالك ��ي‪ ،‬واحلنبلي‪،‬‬
‫واحلنفي) كانت هي �أي�ض� � ًا متواجدة لكن بن�س ��ب �أقل‪� ،‬أما املذهب الزيدي واملذهب الإ�سماعيلي فكان لهما وجود يف‬
‫اليمن‪ ،‬ومنذ ظهور ال�شيخ حممد بن عبد الوهاب يف جند وقيام الدولة ال�سعودية الأوىل �صار املذهب احلنبلي ينت�شر‬
‫يف كل املناطق التي �سيطرت عليها الدولتان ال�سعوديتان الأوىل والثانية وجميع �سكان اململكة العربية ال�سعودية اليوم‬
‫على مذهب الإمام �أحمد بن حنبل‪ ،‬وهو املذهب الذي تتبعه احلكومة ال�س ��عودية احلديثة‪ .‬ودرا�س ��ة احلياة العلمية‬
‫والثقافية والفكرية والأدبية يف جنوب اجلزيرة العربية خالل الع�صور الإ�سالمية املختلفة‪ ،‬منذ فجر الإ�سالم حتى‬
‫يومنا احلا�ض ��ر مهم وجدير بالدرا�س ��ة والتدوين‪ ،‬وي�ستحق �أن ي�ص ��در عنه العديد من الدرا�سات والبحوث والكتب‬
‫العلمية ‪ .‬ون�أمل من جامعات اليمن وجنوبي البالد ال�سعودية �أن تهتم بهذا اجلانب العلمي اجلدير باالهتمام‪.‬‬
‫((( الناظر يف الأحداث ال�سيا�سية التي حدثت يف العامل العربي والإ�سالمي خالل الأربعني �سنة املا�ضية يلحظ �أنه خرج‬
‫العديد من املجاهدين املتحم�س�ي�ن الذين �ش ��اركوا يف �أفغان�ستان والبو�سنة وال�ص ��ومال والعراق وال�شي�شان وغريها‪،‬‬
‫بل ظهر هناك بع�ض الإرهابيني التكفرييني واملفجرين وغريهم‪ ،‬و�س ��معنا و�ش ��اهدنا دعوات وفئات �أخرى منحرفة‪،‬‬
‫وكل هذه الإرها�ص ��ات الفكرية و�ص ��ل �ش ��رها �إىل املجتمع ال�س ��عودي وانخرط فيها الكثري من �شباب البالد‪ ،‬وعانت‬
‫والزالت تعاين الدولة واملجتمع من هذه الأفكار والتوجهات الهدامة‪ ،‬وجنوبي البالد ال�س ��عودية ( الباحة‪ ،‬وع�س�ي�ر‪،‬‬
‫وج ��ازان‪ ،‬وجنران‪ ،‬والقنفذة ) نالها بع�ض� � ًا من هذه ال�ش ��رور واملعتق ��دات اخلاطئة‪ ،‬و�إذا فح�ص ��نا جمتمع منطقة‬
‫الباحة‪ ،‬وفت�ش ��نا يف وثائقه و�أرا�ش ��يفه وجدناه من �أقل املجتمعات ال�سعودية التي �ش ��ارك بع�ض �أفرادها يف مثل هذه‬
‫االنتكا�س ��ات واملعتقدات والأفكار املعوجة واخلاطئة ‪ .‬ودرا�سة الأفكار الهدامة التي عا�صرها املجتمع ال�سعودي منذ‬
‫‪375‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫�أما احلياة الثقافية التي عا�ش��تها منطقة الباحة والزالت تعي�ش��ها �إىل‬
‫اليوم فقد مرت مبراحل عديدة هي ‪:‬‬
‫�أ ـ مرحلة ما قبل التعليم النظامي ‪:‬‬
‫حياة النا�س الثقافية كانت ب�س ��يطة ومتوا�ض ��عة‪ ،‬فال مدار�س وال م�ؤ�س�س ��ات وال مراكز‬
‫علمية وثقافية‪ ،‬و�إمنا النا�س يتبادلون ثقافاتهم يف �أ�س ��واقهم الأ�سبوعية‪� ،‬أو يح�صلون على‬
‫بع� ��ض الأخب ��ار االجتماعية واالقت�ص ��ادية وال�سيا�س ��ية والدينية من بع�ض امل�س ��افرين من‬
‫�أبناء املنطقة �إىل خارجها‪ ،‬وعند عودتهم يروون ما �ش ��اهدوه يف البلدان التي زاروها �سوا ًء‬
‫كانت داخل اجلزيرة العربية �أو خارجها‪ ،‬وكان للأ�س ��ر والقرى واحلوا�ض ��ر جمال�س �س ��مر‬
‫حمدودة وخا�ص ��ة يتبادلون فيها الأخبار �أو ما �س ��معه بع�ضهم من ق�ص�ص �أو �أمثال �أو حكم‬
‫�أو �أ�ش ��عار بالف�ص ��حى والعامية‪ ،‬ويف �ص ��لوات اجلمع واجلماعات خط ��ب ودرو�س ومواعظ‬
‫يتلوها بع�ض الفقهاء �أو العارفون ببع�ض العلوم ال�ش ��رعية والعربية‪ ،‬وجند بع�ض ال�ش ��عراء‬
‫ال�ش ��عبيني �أو احلف ��اظ �أو الرواة الذين يلقون بع�ض الق�ص ��ائد �أو الأهازيج �أو الأنا�ش ��يد �أو‬
‫احلك ��م �أو الق�ص ���ص ال�ش ��عبية يف بع�ض املنا�س ��بات االجتماعي ��ة مثل‪ :‬الأعي ��اد‪ ،‬والزواج‪،‬‬
‫واخلتان‪ ،‬وا�س ��تقبال امل�س ��افرين �أو توديعهم‪ ،‬وللمزارعني‪ ،‬والرعاة‪ ،‬والتجار‪ ،‬واحلرفيني‪،‬‬
‫واحلجاج وغريهم لهم �أي�ض� � ًا ن�شاطات معرفية وثقافية ميار�سونها �أثناء ممار�سة �أعمالهم‬
‫االجتماعية واالقت�صادية واحل�ضارية(‪.)1‬‬
‫ب ـ مرحلة ما بعد التعليم النظامي ‪:‬‬
‫ما �س ��بق الإ�ش ��ارة �إليه يف املرحلة ال�سابقة ا�ستمر هو �ص ��لب احلياة الثقافية للمجتمع‬
‫الغامدي والزهراين‪ ،‬وبعد �إن�ش ��اء املدار�س النظامية وا�س ��تقدام مدر�سني من بلدان عربية‬
‫عديدة‪ ،‬واقتناء الكتب واملواد الدرا�سية املختلفة‪ ،‬وحتديد مواعيد و�أنظمة ولوائح للدرا�سة‪،‬‬
‫بالإ�ض ��افة �إىل وجود بع�ض الفقهاء واملتعلمني القالئل يف املنطقة وبخا�ص ��ة من ورثوا كتب‬
‫�أو مكتب ��ات من �آبائهم �أو �أجدادهم‪� ،‬أو من �س ��افروا لطلب العل ��م يف القرن (‪13‬هـ‪20/‬م)‬
‫والن�ص ��ف الأول م ��ن القرن(‪14‬ه� �ـ ‪20/‬م)‪ ،‬وتزاي ��د بع�ض و�س ��ائل النق ��ل والإعالم مثل‪:‬‬
‫ال�س ��يارات والراديو‪ ،‬و�س ��هولة بع� ��ض الطرق مثل‪ :‬الدروب الوا�ص ��لة ب�ي�ن الباحة واحلجاز‬

‫�أربعة عقود �إىل اليوم مو�ضوع مهم وجدير بالدار�سة ‪ .‬ويجب على مراكز البحوث الإن�سانية واالجتماعية والتاريخية‬
‫والعقدية يف جامعاتنا ال�سعودية �أن تويل مثل هذا اجلانب اهتمام ًا كبري ًا يف بحوثها ودرا�ساتها العلمية الأكادميية‪.‬‬
‫((( تاريخ احلياة الثقافية العامة عند عامة النا�س يف منطقة الباحة‪ ،‬وبخا�صة طبقات املجتمع الو�سطى والدنيا مو�ضوع‬
‫جديد وجيد وجدير بالدرا�س ��ة واالهتمام‪ ،‬حبذا �أن نر �أحد طالبنا فيدر�س ��ه كر�سالة دكتوراه وبخا�صة منذ الن�صف‬
‫الأول من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪376‬‬
‫وع�سري وبي�شة‪ ،‬كل هذا رفع من �ش�أن امل�ستوى الثقايف واملعريف عند بع�ض النا�س(‪.)1‬‬
‫ج ـ مرحلة الطفرة التنموية ‪:‬‬
‫ه ��ذه املرحلة بد�أت مع نهاية الت�س ��عينيات م ��ن القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) وا�س ��تمرت حتى‬
‫الي ��وم‪ ،‬وكان ��ت املرحلتان ال�س ��ابقتان ق ��د �أ�س�س ��تا القواعد الرئي�س ��ية للحي ��اة الثقافية يف‬
‫املنطقة‪ ،‬وعند توفر الأموال يف �أيدي النا�س‪ ،‬وحت�سن �أو�ضاعهم االجتماعية واالقت�صادية‪،‬‬
‫وتزايد �أعداد املدار�س وامل�ؤ�س�سات الرتبوية والتعليمية والأكادميية‪ ،‬وازدياد �أعداد الطالب‬
‫واملعلمني واملتعلمني يف املنطقة‪ ،‬وم�ضاعفة الدولة جهودها من خالل اخلطط اخلم�سية على‬
‫تطوير الأر�ض وال�سكان‪ ،‬وكذلك وعي املواطن وحر�صه على تطوير نف�سه و�أفراد �أ�سرته‪ ،‬كل‬
‫هذا زاد من م�س ��توى احلياة الثقافية والعلمية يف املنطقة حتى �أ�ص ��بحت قريبة من املناطق‬
‫الرئي�سية يف اململكة العربية ال�سعودية(‪.)2‬‬
‫وهناك م�ؤ�س�س��ات وروافد رئي�سية �أ�سهمت يف تطوير احلياة الثقافية يف‬
‫املنطقة‪ ،‬ومنها ما يلي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ املكتب���ات �أح���د ال�ش���رايني الرئي�س���ية لنم���و وتطور احلرك���ة الثقافي���ة يف املنطقة ‪.‬‬
‫فمن ��ذ ع ��ام (‪1427‬ـ ‪1434‬ه� �ـ‪2006/‬ـ‪2013‬م) و�أنا �أتردد على منطقة الباحة وقد �س ��معت‬
‫ور�أيت ع�ش ��رات املكتبات اخلا�صة والعامة مثل‪ :‬مكتبات بع�ض البيوتات العلمية يف القرنني‬
‫(‪13‬ـ‪14‬ه� �ـ‪19/‬ـ‪20‬م)(‪ ،)3‬واملكتب ��ات احلكومي ��ة العام ��ة يف املنطقة‪ ،‬كاملكتب ��ات العامة يف‬
‫الباح ��ة‪ ،‬وبلجر�ش ��ي‪ ،‬واملخ ��واة‪ ،‬وقلوة‪ ،‬واملكتب ��ات املدر�س ��ية (‪ ،)4‬ومكتب ��ة اجلامعة العامة‬
‫تاري ��خ احلي ��اة الثقافية العامة يف منطقة الباحة من ع ��ام (‪1350‬ـ ‪1400‬هـ‪1930/‬ـ‪1980‬م)‪ ،‬مو�ض ��وع هام وجديد‬ ‫(((‬
‫وي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لر�سالة ماج�ستري �أو دكتوراه‪ ،‬ون�أمل من �إحدى طالباتنا �أو طالبنا يف ق�سم التاريخ بجامعة‬
‫امللك خالد �أن يكون مو�ضوع ًا لأطروحتها‪� ،‬أو �أطروحته العلمية‪ ،‬و�سوف يجد وين�شر جديد ًا عن مثل هذا املو�ضوع ‪.‬‬
‫درا�سة تاريخ التنمية التي �شهدتها منطقة الباحة منذ (‪1400‬ـ‪1434‬هـ ‪1980 /‬ـ‪2013‬م)‪ ،‬والرتكيز على دور التنمية‬ ‫(((‬
‫يف تطوي ��ر احلياة الثقافية باملنطقة مو�ض ��وع مهم ي�س ��تحق �إىل �أن يكون عنوان ًا لكت ��ب من عدة جملدات ‪ .‬ون�أمل من‬
‫جامعة الباحة وبخا�ص ��ة من الأق�س ��ام ومراكز البحوث املتخ�ص�ص ��ة �أن تويل مثل هذا الباب اهتمام ًا كبري ًا لأهميته‬
‫وفائدته العلمية احل�ضارية ‪.‬‬
‫�س ��معت م ��ن بع�ض ال ��رواة عن عدد من املكتب ��ات التي عرفتها املنطقة خ�ل�ال القرنني (‪13‬ـ‪14‬ه� �ـ‪19/‬ـ‪20‬م) مثل ‪:‬‬ ‫(((‬
‫مكتب ��ات عبد الرحمن الغامدي‪ ،‬و�آل من�ص ��ور‪ ،‬وزهرة �س ��عيد الأعمى‪ ،‬و�س ��اعد الغامدي‪ ،‬والربك ��ي‪ ،‬وعلي املدين‪،‬‬
‫وال�س ��لفية الريحانية وجميعها يف �س ��راة غامد ‪ .‬ومكتبات �أخرى يف تهامة و�س ��راة زهران مثل‪ :‬مكتبة عائلة ال�سلويل‬
‫يف بلدة املخواة‪ ،‬ومكتبات �أحمد وعبد اهلل وحممد يف قرى �آل مو�سى وخرية والقوارير يف �سروا ت زهران‪ .‬نرجو �أن‬
‫نرى �أحد الباحثني اجلادين فيخرج لنا درا�سة علمية مطولة عن هذه املكتبات و�أ�صحابها وما قاموا به من �إ�سهامات‬
‫يف ن�شر الثقافة يف بالد غامد وزهران ‪.‬‬
‫لقد �شاهدت وجتولت يف �أرجاء بع�ض املكتبات العامة يف املنطقة وبع�ض املكتبات املدر�سية مثل‪ :‬مكتبة املعهد العلمي‬ ‫(((‬
‫يف الباحة وبع�ض الثانويات واملتو�س ��طات يف �سروات غامد وزهران فوجدتها حتوي مئات وبع�ضها �آالف ًا من امل�صادر‬
‫واملراجع يف علوم ومعارف عديدة ‪. .‬‬
‫‪377‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫ومكتبات الكليات الن�س ��ائية والرجالية‪ ،‬ومكتبات نادي الباحة الأدبي والنوادي الريا�ض ��ية‬
‫وف ��رع جمعي ��ة الثقافة والفن ��ون يف الباح ��ة‪ ،‬ومكتبات �أخ ��رى عديدة يف بع�ض امل�ؤ�س�س ��ات‬
‫الإداري ��ة مث ��ل‪ :‬الإم ��ارة‪ ،‬واملحافظ ��ات‪ ،‬وفروع بع� ��ض ال ��وزارات يف املنطقة مث ��ل‪ :‬العدل‪،‬‬
‫وال�ش� ��ؤون الإ�س�ل�امية‪ ،‬والبلديات‪ ،‬والداخلية‪ ،‬والثقافة والإعالم وغريها(‪.)1‬و�إذا نظرنا يف‬
‫بع� ��ض املكتبات اخلا�ص ��ة منذ �أوائل ه ��ذا القرن(‪15‬هـ‪20/‬م) حتى يومن ��ا احلايل فهناك‬
‫مئات املكتب ��ات الفردية واملتنوعة يف حمتوياتها‪ ،‬و�أحجامها و�أماكنها‪ ،‬وم�ص ��ادرها وطرق‬
‫ت�صنيفها ومدى اال�ستفادة منها (‪.)2‬‬
‫‪2‬ـ الكث�ي�ر من امل�ؤ�س�س���ات الإداري���ة والرتبوي���ة والعلمية واالجتماعي���ة والثقافية يف‬
‫املنطق���ة لديها ن�ش���اطات ثقافي���ة متنوعة متار�س���ها يف حدود نطاقها اجلغ���رايف‪ ،‬و�أحيان ًا‬
‫على م�ستوى املنطقة‪� ،‬أو اململكة‪� ،‬أو العامل العربي �أو الإ�سالمي �أو العاملي‪ .‬ومن الأمثلة على‬
‫ذلك �إدارات الرتبية والتعليم �أو اجلامعة‪� ،‬أو النادي الأدبي‪� ،‬أو فرع جمعية الثقافة والفنون‬
‫باملنطقة لها ن�شاطات خمتلفة تتدرج من داخل املدر�سة �أو الكلية �أو مقر النادي الأدبي �إىل‬
‫خارج املنطقة و�إىل خارج اململكة(‪.)3‬‬
‫‪3‬ـ من خالل جتوالنا يف املنطقة يف �ش���هر ذي احلجة عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) �ش���اهدنا‬
‫بع����ض املنا�ش���ط والرواف���د الثقافي���ة يف املنطق���ة مث���ل‪� :‬إن�ش ��اء مرك ��ز امللك عب ��د العزيز‬
‫احل�ض ��اري الذي مت �إن�شا�ؤه يف مدينة الباحة‪ ،‬وهدفه ن�شر التنمية الثقافية واحل�ضارية بني‬
‫�س ��كان املنطقة‪ ،‬وكذلك الغرفة التجارية ال�صناعية وفروعها يف املنطقة فهي الأخرى ذات‬
‫ن�شاط ح�ضاري ثقايف اقت�صادي اجتماعي هام‪ ،‬ومركز تلفزيون و�إذاعة الباحة‪ ،‬وما ي�صل‬
‫((( من ��ذ ع ��ام (‪1427‬ـ‪1434‬ه� �ـ‪2006/‬ـ‪2013‬م) زرت بع�ض� � ًا من هذه املكتبات مث ��ل‪ :‬مكتبة اجلامع ��ة العامة‪ ،‬والنادي‬
‫الأدبي‪ ،‬وبع�ض النوادي الريا�ض ��ية مثل‪ :‬نادي ال�س ��راة فوجدتها ت�ض ��م �آالف الكتب العربية‪ ،‬والأجنبية وبخا�ص ��ة يف‬
‫مكتبة اجلامعة العامة‪ ،‬وع�شرات املعاجم واملو�سوعات والدوريات ‪.‬‬
‫((( خالل ال�س ��نوات املا�ض ��ية زرت ع�شرات الأ�ساتذة والأ�سر يف منطقة الباحة (تهامة و�س ��راة ) ومنهم من يعود ن�سبه‬
‫يف غام ��د وزه ��ران‪ ،‬و�آخرون من خارج املنطقة الغامدي ��ة والزهرانية و�أحيان ًا من خارج اململكة العربية ال�س ��عودية‪،‬‬
‫و�أولئك الأ�س ��اتذة وبع�ض �أفراد الأ�سر التي زرنا جميعهم �أ�صحاب �شهادات عليا ترتاوح بني درجة البكالوريو�س �إىل‬
‫درجة الدكتوراه يف تخ�ص�ص ��ات عديدة ‪ .‬وبع�ض� � ًا من حملة الدكتوراه كانوا على درجات خمتلفة من �أ�ستاذ م�ساعد‬
‫�إىل درج ��ة �أ�س ��تاذ‪ ،‬وجميعهم ميتلكون مكتبات كل يف جمال تخ�ص�ص ��ه‪ ،‬فالطبيب مث ًال جت ��د جل مكتبته يف الطب‪،‬‬
‫وامل�ؤرخ‪� ،‬أو اللغوي �أو القا�ض ��ي وغريهم كل يف جمال تخ�ص�ص ��ه‪ ،‬و�أ�ستطيع القول �أن معظم الأ�سر يف منطقة الباحة‬
‫اليوم يقتنون مكتبات ترتاوح حمتوياتها كل ح�سب طاقته واهتمامه من كتب عديدة �إىل مئات ورمبا �آالف العناوين‪.‬‬
‫((( عندم ��ا زرت منطق ��ة الباح ��ة يف عام ��ي (‪1433 ،1430‬ه� �ـ‪2012 ،2010/‬م) واطلع ��ت عل ��ى ن�ش ��اطاتها وندواته ��ا‬
‫وم�ؤمتراتها العلمية والثقافية وجدتها بالع�ش ��رات خالل الع�ش ��ر �س ��نوات املا�ض ��ية‪ ،‬ووجدت منه ��ا املحلي والإقليمي‬
‫والعاملي‪ ،‬وهذا يدل على احلراك الثقايف اجليد الذي تعي�ش ��ه املنطقة‪ ،‬و�إذا نظرنا �إىل ن�ش ��اطات �أي منطقة �أخرى‬
‫يف البالد ال�سعودية وجدناها تعي�ش الو�ضع نف�سه‪ ،‬وهذا مما يدل على ازدياد احلراك العلمي والثقايف الذي تعي�شه‬
‫البالد ال�س ��عودية خالل الثالثني �س ��نة املا�ضية ‪ .‬ودرا�س ��ة احلياة الثقافية والعلمية والفكرية يف البالد ال�سعودية يف‬
‫الع�صر احلديث واملعا�صر مو�ضوع هام وكبري ويحتاج ع�شرات بل مئات الدرا�سات العلمية الأكادميية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪378‬‬
‫�إىل هذه البالد من و�سائل الإعالم املرئية واملقروءة وامل�سموعة كلها بدون �شك �أ�سهمت يف‬
‫ن�ش ��ر الوعي الثقايف وتطويره عند الأفراد والأ�س ��ر واملجتمع ��ات يف املنطقة‪ ،‬كذلك التقنية‬
‫احلديثة �أ�س ��همت يف تو�س ��يع دائرة الفكر والثقافة يف الديار الزهراني ��ة والغامدية فهناك‬
‫مواقع ومنتديات و�ص ��حف �إليكرتونية عديدة‪ ،‬بل �إن و�س ��ائل التقنية احلديثة �أ�ص ��بحت يف‬
‫متن ��اول جميع �ش ��رائح املجتمع وه ��ي حتمل كم ًا هائال م ��ن الفكر والعل ��م والثقافة املحلية‬
‫والإقليمية والعاملية(‪.)1‬‬
‫‪4‬ـ الت�آلي��ف والطباعة تعد من �أهم روافد احلياة الفكرية والثقافية يف �أي زمان‬
‫وم��كان‪ .‬و�إذا بحثنا عن هذا اجلانب يف املجتمع الغامدي والزهراين وجدنا له ذكر وتطور‬
‫فف ��ي القرون املا�ض ��ية املت�أخرة عرثنا عل ��ى بع�ض الوثائق واملدون ��ات واملخطوطات التي مت‬
‫تدوينها وحفظها عند بع�ض الفقهاء �أو البيوتات العلمية يف املنطقة(‪ .)2‬ومنذ ن�ش� ��أة التعليم‬
‫النظامي يف هذه البالد‪ ،‬وقدوم بع�ض املعلمني الوافدين من بلدان عربية �أخرى ظهر بع�ض‬
‫الر�سائل واملذكرات والن�صو�ص املكتوبة عن املنطقة‪ ،‬وغالبيتها كانت من نتاج بع�ض �أولئك‬
‫املعلمني املتعاقدين(‪� .)3‬أي�ض ًا �إن�شاء امل�ؤ�س�سات الإدارية يف املنطقة‪ ،‬ثم عمل بع�ض املتعلمني‬
‫القادم�ي�ن من خارج املنطقة بها(‪ ،)4‬وكذلك ظه ��ور بع�ض الرواد يف العلم والتعليم احلديث‬
‫من �أهل املنطقة كل هذا �أ�س ��هم يف تدوين العدي ��د من املدونات �أو الكتب واملطبوعات‪ ،‬وقد‬
‫اطلعنا على فهار�س مكتبات جامعات الباحة‪ ،‬و�أم القرى‪ ,‬وامللك عبد العزيز‪ ،‬وامللك �سعود‪،‬‬
‫والإمام حممد بن �س ��عود الإ�سالمية‪ ،‬ومكتبة امللك فهد الوطنية‪ ،‬ومكتبة امللك عبد العزيز‬
‫العامة‪ ،‬ومكتبة مركز امللك في�صل للبحوث والدرا�سات الإ�سالمية‪ ،‬ومكتبة دارة امللك عبد‬
‫العزيز‪ ،‬ومكتبة نادي الباحة الأدبي‪ ،‬ومكتبة احلرم املكي يف مكة املكرمة من �أجل معرفة ما‬

‫هذه التقنية احلديثة �سالح ذو حدين فقد و�صلنا عن طريقها ثقافات متنوعة يف املحتوى والأهداف‪ ،‬ومنها ال�سلبي‬ ‫(((‬
‫والإيجابي‪ ،‬و�ش ��ريحة كبرية من النا�س اليوم يق�ض ��ون �أوقات ًا طويلة يف االطالع على ما تنقل وتبث‪ ،‬ون�س� ��أل اهلل عز‬
‫وجل �أن يهدينا ويهدي جميع امل�سلمني �إىل خريها وي�صرف عنا �شرورها‪� ،‬آمني يارب العاملني ‪.‬‬
‫لق ��د ع�ث�ر الباحث على ع ��دد من هذه امل�ص ��ادر العلمية والثقافي ��ة وجميعها ت ��دور يف اجلوانب املعرفية الإن�س ��انية‬ ‫(((‬
‫والأدبي ��ة‪ ،‬ون�أم ��ل �أن تقوم �إمارة �أو جامعة الباحة ب�إن�ش ��اء مركز علمي ثقايف يجمع في ��ه جميع الوثائق واملخطوطات‬
‫واملذكرات التي تتعلق مبنطقة الباحة منذ فجر الإ�س�ل�ام حتى وقتنا احلا�ض ��ر ‪ .‬وهذا م�ش ��روع علمي ثقايف ح�ضاري‬
‫يخدم هذه البالد يف احلا�ضر وامل�ستقبل ‪.‬‬
‫لقد عرث الباحث على بع�ض الق�ص ��ائد ال�ش ��عرية والر�سائل واملذكرات التي دونها بع�ض املدر�سني عن منطقة الباحة‬ ‫(((‬
‫منذ اخلم�س ��ينيات �إىل ت�س ��عينيات القرن الهجري املا�ضي ون�أمل نت�شر بع�ض ��ها يف كتب �أو بحوث قادمة ( ب�إذن اهلل‬
‫تعاىل ) ‪.‬‬
‫�إفراد درا�س ��ة عن الوافدين من خارج املنطقة للتدري�س �أو العمل يف جماالت ح�ض ��ارية عديدة منذ الأربعينيات �إىل‬ ‫(((‬
‫ت�سعينيات القرن الهجري املا�ضي‪ ،‬مع احلر�ص على درا�سة الت�أثري والت�أثر بني �أولئك الوافدين و�أهل املنطقة مو�ضوع‬
‫هام وجدير بالدرا�سة وي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لكتاب �أو ر�سالة علمية‪ ،‬ون�أمل �أن نرى �أحد الأ�ساتذة الأكادمييني يف‬
‫جامعة الباحة فيتواله بالبحث والدرا�سة والتحليل ‪.‬‬
‫‪379‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫مت تدوينه عن منطقة الباحة يف �شتى املعارف والعلوم‪ ،‬وكذلك معرفة �إ�سهامات �أهل املنطقة‬
‫وبخا�صة املتعلمني واملثقفني والأكادمييني منهم فوجدت مئات البحوث والدرا�سات والكتب‬
‫يف اللغ ��ة والأدب‪ ،‬والتاريخ واجلغرافي ��ا والرحالت‪ ،‬والنبات‪ ،‬والبيئة‪ ،‬والأن�س ��اب والقبائل‬
‫واملعاجم والأعالم والرتاجم‪ ،‬كما وجدت العديد من الدرا�سات العلمية الأكادميية يف بع�ض‬
‫العل ��وم العلمية البحتة مثل‪ :‬الأحياء‪ ،‬والكيمياء‪ ،‬والط ��ب‪ ،‬والفيزياء وغريها(‪ ،)1‬وهذا يدل‬
‫على �أن منطقة الباحة حظيت بجهود ال ب�أ�س بها يف التدوين والت�أليف من �أبنائها وبخا�صة‬
‫يف العل ��وم التاريخي ��ة والأدبية‪ ،‬وم ��ن بع�ض الأكادمي�ي�ن الزهراني�ي�ن والغامديني وغريهم‬
‫يف ميادي ��ن العلوم العلمية(‪ .)2‬ومن و�س ��ائل الثقافة يف املنطقة �ص ��دور العديد من املجالت‬
‫الورقية خالل الثالثني �سنة املا�ضية مثل‪ :‬جملة الباحة‪ ،‬وهي جملة �شائعة ت�صدرها الغرفة‬
‫التجارية يف الباحة‪ ،‬وكان �أول عدد �ص ��در منها يف عام (‪1405‬هـ‪1985/‬م) ‪ .‬وجملة �صحة‬
‫الباحة التي ت�ص ��در من املديرية العامة لل�ش� ��ؤون ال�ص ��حية بالباحة‪ ،‬و�ص ��دور العدد الأول‬
‫منها كان يف عام (‪1409‬هـ‪1989/‬م)‪ ،‬وجميع موادها املن�ش ��ورة ت�ص ��ب يف خدمة االرتقاء‬
‫مب�س ��توى الثقافة ال�ص ��حية يف املنطقة ‪ .‬وجملة املنتدى التي ي�صدرها النادي الأدبي وتهتم‬
‫ب�ش�ؤون الأدب والثقافة والفكر يف اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ويف منطقة الباحة‪ ،‬ويف العامل‬
‫العربي‪ ،‬و�ص ��در �أول عدد منها يف ع ��ام (‪1416‬هـ‪1995/‬م)‪ .‬وجمالت ومن�ش ��ورات �أخرى‬
‫عديدة ت�ص ��در من �إدارات الرتبية والتعليم ومن بع�ض املدار�س‪ ،‬ومن اجلامعة‪ ،‬ومن بع�ض‬
‫امل�ؤ�س�سات الإدارية يف املنطقة‬
‫و�إذا نظرنا �إىل الن�ش ��ر الإليكرتوين فهناك بع�ض ال�ص ��حف التي ت�صدر من �أو عن‬
‫املنطقة‪ ،‬وهناك مواقع فردية وجماعية لبع�ض �أبناء غامد وزهران‪ ،‬ولي�س هناك �ص ��حيفة‬
‫يومية ورقية ت�صدر من هذه املنطقة‪ ،‬ون�أمل �أن نرى مثل هذه الو�سيلة قريب ًا ت�صدر يف هذه‬
‫املنطقة العريقة ب�أر�ضها و�سكانها‪.‬‬

‫((( عرثنا على العديد من الر�سائل العلمية يف درجتي املاج�ستري والدكتوراه ومنها املكتوب باللغة العربية و�أخرى باللغة‬
‫الإجنليزية‪ ،‬وكثري منها تناق�ش مو�ض ��وع ًا �أو مو�ض ��وعات �أدبية �أو علمية يف منطقة الباحة ‪ .‬حبذا �أن يخرج من �أبناء‬
‫منطق ��ة الباحة من يق ��وم ب�إخراج كتاب علمي يف هيئة فهر�س ( بيليوجرايف ) عن كل ما كتب عن منطقة الباحة يف‬
‫�ش ��تى العلوم باللغتني العربية والإجنليزية‪ .‬ومن يفعل ذلك ف�إنه �س ��وف ي�سدي �إىل كل باحث و�إىل �أبناء املنطقة عمل‬
‫رائد ورائع يف حمتواه ويف بابه ‪.‬‬
‫((( كث�ي�ر من ه ��ذه البحوث طبعت يف مطابع حملية وعربية‪ ،‬وبع�ض ��ها طب ��ع يف كتب �أو جمالت �إقليمي ��ة وعاملية‪ ،‬وعند‬
‫�س�ؤالنا عن املطابع يف منطقة الباحة وجدنا مطابع حمدودة يف �إمكاناتها و�إنتاجها مثل‪ :‬مطبعة دار املنار‪ ،‬ومطبعة‬
‫دار الغامدي للطباعة‪ ،‬واملطابع الريحانية‪ ،‬وهناك بع�ض الزهرانيني والغامديني الذين ميتلكون مطابع خا�ص ��ة يف‬
‫بع� ��ض مدن اململكة الكربى مثل‪ :‬جدة والريا�ض وغريها ‪ .‬وجميع املطابع الآنفة الذكر جتارية‪ ،‬وطباعة الكتب اليوم‬
‫�أ�ص ��بحت ي�س�ي�رة و�س ��هلة لتوفر مطابع كثرية داخل وخارج املنطقة‪ ،‬وكذلك الطبع والن�ش ��ر الإليك�ت�روين الذي بد�أ‬
‫يناف�س بقوة الكتب التقليدية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪380‬‬
‫‪3‬ـ اللهجات ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫�إن جتوالن����ا يف منطق����ة الباحة ومعرفتنا ب�س����كان و�أر�ض هذه البالد منذ زمن طويل ‪،‬‬
‫لفت �أنظارنا �إىل بع�ض الأمور اخلا�صة بلهجات هذه البالد ونورد �أهمها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫�أ ـ �إن لهج ��ة بالد الباح ��ة من �أقرب لهجات العرب �إىل العربية الف�ص ��يحة‪ ،‬بل هي‬
‫�ضمن مناطق معقل ال�ضاد يف اجلزيرة العربية (‪.)2‬‬
‫ب ـ ت ��كاد تكون لهجة املنطقة واحدة يف �أنحاء املحافظات واملراكز والقرى والأرياف‬
‫مع تباين طفيف ب�سبب تنوع بيئات البالد (‪ ،)3‬ويف الوقت نف�سه ينفرد �سكان هذه‬
‫البالد ببع�ض الألفاظ وامل�صطلحات التي ال ت�ستخدم �إال بني �أفرادها(‪.)4‬‬
‫ج ـ ب�سبب ال�سفر واختالط �أبناء املنطقة مع غريهم‪ ،‬وو�سائل االت�صال احلديثة كل‬
‫ه ��ذا �أثر على لهجات منطقة غامد وزهران‪ ،‬فتج ��د بع�ض اللهجات �أو املفردات‬
‫النجدية‪ ،‬بالإ�ض ��افة �إىل مفردات �أجنبية مثل الإجنليزية وغريها‪ ،‬ووجود عمالة‬
‫كب�ي�رة من ال�ش ��رق مثل‪ :‬الهن ��د وباك�س ��تان وبنجالدي� ��ش والفلبني و�إندوني�س ��يا‬
‫و�سرلنكا وغريها جعلت �أبناء املنطقة ( ن�سا ًء ورجا ًال ) ي�سيئون للغتهم بتك�سريها‬
‫والتالع ��ب يف حروفه ��ا ومفرداته ��ا من �أجل �إي�ص ��ال ما يرغبون قول ��ه �إىل هذه‬
‫العمالة الأعجمية(‪.)5‬‬

‫((( الباح ��ث ه ��و م ��ن �س ��كان حمافظ ��ة النما� ��ص الت ��ي تبع ��د ع ��ن الباح ��ة �إىل اجلن ��وب ح ��وايل (‪150‬ـ‪180‬ك ��م)‪،‬‬
‫وجماورة منطقة الباحة ملنطقة ع�س�ي�ر جعل �س ��كان املنطقتني على ات�صال ح�ضاري دائم منذ ع�صر ما قبل الإ�سالم �إىل‬
‫يومنا احلايل‪ ،‬بل �إن عموم �سكان املنطقتني هم من �أزد ال�سراة ‪ .‬حبذا �أن جترى درا�سات معمقة عن �أر�ض و�سكان هاتني‬
‫املنطقتني منذ العهد اجلاهلي �إىل وقتنا احلا�ضر‪ .‬وهذا العمل م�س�ؤولية الباحثني وامل�ؤرخني املنتمني لهاتني الناحيتني ‪.‬‬
‫((( درا�سة اللهجات يف جنوبي البالد ال�سعودية‪� ،‬أو يف املنطقة التي �أطلقنا عليها ا�سم ( تهامة وال�سراة) من املو�ضوعات‬
‫الهامة والغنية يف مادتها العلمية‪ ،‬واجلميل �أنه يوجد فيها عدد من اجلامعات ال�س ��عودية احلديثة وكل جامعة يوجد‬
‫بها كلية لغات وترجمة‪ ،‬و�أق�س ��ام للغة العربية‪ ،‬وهذه الكليات والأق�س ��ام عليها م�س� ��ؤولية كربى جتاه لهجات املنطقة‬
‫فتدر�س ��ها درا�س ��ات علمي ��ة �أكادميي ��ة موثقة‪ ،‬وه ��ذا �أقل واجب على ه ��ذه امل�ؤ�س�س ��ات الأكادميية‪ ،‬فرنج ��و �أن تقوم‬
‫بواجباتها جتاه �أهل هذه املناطق ( الباحة‪ ،‬وع�سري‪ ،‬وجنران‪ ،‬وجازان‪ ،‬والقنفذة )‪ ( .‬واهلل من وراء الق�صد)‪.‬‬
‫((( الذاهب يف �أرجاء �س ��راة وبوادي وتهامة املنطقة ال يجد �ص ��عوبة يف احلديث مع النا�س والأخذ والعطاء معهم لغوي ًا‪،‬‬
‫�إال �أن هن ��اك بع� ��ض االختالف ��ات يف خمارج الأ�ص ��وات‪ ،‬ومعاين بع�ض املف ��ردات‪ ،‬و�أحيان ًا تغري احل ��ركات �أو بع�ض‬
‫نواح دون �أخرى ‪ .‬انظر �أمثلة �أكرث يف �صفحات قادمة ‪.‬‬ ‫احلروف لبع�ض الكلمات يف ٍ‬
‫((( نعم هناك كلمات �أو عبارات يتميز بها �أبناء منطقة الباحة‪ ،‬بل �إن العارف باملنطقة و�أهلها ي�ستطيع �أن مييز �أي فرد‬
‫غامدي �أو زهراين عندما يتكلم من خالل لهجته ومفردات لغته انظر �أمثلة يف �صفحات تالية ‪.‬‬
‫((( هذه ظاهرة عند عموم �س ��كان اجلزيرة العربية بل عند جميع �س ��كان العامل العربي الذين يتعاملون مع هذه العمالة‬
‫الآ�س ��يوية الأعجمي ��ة‪ ،‬وهذه التعام�ل�ات االجتماعية �أثرت كثري ًا و�س ��وف تكون ت�أثرياتها �أ�س ��و�أ و�أعم ��ق مع الأجيال‬
‫القادمة من �أبنائنا و�أحفادنا‪ ،‬مع �أن جيل ال�شباب اليوم يعي�ش م�شكلة �أخرى �أدهى و�أمر‪ ،‬وهي دخول و�سائل التقنية‬
‫وم ��ا حتمله من لهجات وعبارات �س ��يئة وح�س ��نة‪ ،‬وه ��ذا اجلانب التقني و�إفراط ال�ش ��باب يف ا�س ��تخدامه دون تعقل‬
‫ودون معرفة الغث من ال�س ��مني �س ��وف يكون له عواقب وخيمة على الفكر واللهجة واللغة والقيم وغريها‪ .‬ويجب على‬
‫اجلامعات ومراكز الأبحاث العلمية املتخ�ص�صة �أن تدر�س هذه الظواهر وتعمل جادة على �إيجاد حلول جيدة ت�صب‬
‫يف خدمة الدين والأخالق واللغة واملبادئ والقيم ال�سامية ‪.‬‬
‫‪381‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫د ـ املت�أمل يف لهجات املنطقة خالل الن�صف الثاين من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬والعقد‬


‫الأول من هذا القرن (‪15‬هـ‪20/‬م) وبخا�ص ��ة ما كان م�ستعم ًال يف الأ�سواق املحلية‬
‫الأ�سبوعية ويف مهن الرعي وال�صيد واجلمع وااللتقاط والزراعة والتجارة واحلرف‬
‫ال�صناعية التقليدية‪ ،‬ويف بع�ض الن�شاطات االجتماعية مثل‪ :‬االحتفاالت‪ ،‬والأعياد‪،‬‬
‫و�ص ��ور التعاون والتكافل والت�آزر جند الكثري من املفردات �أو اللهجات امل�ستخدمة‬
‫يف هذه امليادين املختلفة قد تال�ش ��ت وكثري منها �ض ��اع واختفى‪ ،‬وهذا مما �سوف‬
‫ي�س ��بب فجوة كبرية بني الأجيال ال�س ��ابقة والالحقة‪ ،‬بل �إن �أجيال امل�ستقبل �سوف‬
‫تكون جاهلة متام ًا بالإرث اللغوي الذي عا�شه �آبا�ؤهم و�أجدادهم(‪.)1‬‬
‫هـ ـ مما �ش ��اهدناه و�س ��معناه بع�ض الفوارق الب�س ��يطة بني لهج ��ات املنطقة‪ ،‬فلهجة‬
‫البادية يف ال�ش ��رق �أ�شبه بلهجة البدو عامة وخا�ص ��ة قبائل �سبيع والبقوم و�أكلب‬
‫وباحلارث وغريها(‪� .)2‬أما لهجة تهامة والأ�ص ��دار يف الغرب فهي �أ�ش ��به بلهجات‬
‫باق ��ي تهامة وبخا�ص ��ة م ��ا حولها م ��ن قبائل العر�ض ��يتني ال�ش ��مالية واجلنوبية‬
‫وزبي ��د والأ�ش ��راف مبنطقة القنف ��ذة (‪ .)3‬ولهجة جن ��وب �س ��روات املنطقة مثل‪:‬‬
‫قبائل بال�ش ��هم وبني ميمون يف وادي �ش ��رى فهي �أقرب �إىل لهجات خثعم وعليان‬
‫و�ش ��مران وبلقرن(‪� ،)4‬أما لهجة باقي �س ��روات املنطقة من مدينة بلجر�شي جنوب ًا‬
‫�إىل حمافظة القرى يف زهران �ش ��ما ًال فتكاد تكون مت�شابهة مع فروق طفيفة بني‬
‫لهجة �سكان الأ�شعاف‪ ،‬ولهجات �أهل الأودية والأ�سواق واحلوا�ضر الكبرية(‪.)5‬‬
‫و�إذا اختفى املوروث اللغوي الذي عرفه الآباء والأجداد فهذا �سوف ي�ؤثر على �أدب وثقافة وقيم ومبادئ الأجيال القادمة‬ ‫(((‬
‫‪ .‬ونن ��ادي م ��ن على �ص ��فحات هذا الكت ��اب ونحث اجلامعات وامل�ؤ�س�س ��ات العلمي ��ة والأكادميية‪ ،‬واجلهات وامل�ؤ�س�س ��ات‬
‫املخت�ص ��ة �أن جتمع وتر�ص ��د موروث الأوائل اللغوي والثقايف واحل�ض ��اري وحتفظه وتدونه للأجيال القادمة ‪ .‬كما ننادي‬
‫نوادي ومتاحف ومراكز ح�ض ��ارية حتافظ على تراث الأوائل يف �ش ��تى اجلوانب‪ ،‬ومن يفعل ذلك ف�سوف ي�سدي‬ ‫ب�إن�ش ��اء ٍ‬
‫لأهله وبالده كنوز ثقافية وح�ضارية جيدة‪ ،‬بل �سوف يحفظها من اخلراب واالندثار( واهلل من وراء الق�صد)‪.‬‬
‫قبائل �س ��بيع والبقوم و�أكلب وباحلارث جماورة ملنطقة غامد وزهران من ال�ش ��رق وال�ش ��مال ال�شرقي ‪ .‬وهذه القبائل‬ ‫(((‬
‫متيل لهجاتها �إىل لهجة البدو يف الألفاظ وخمارج الأ�ص ��وات وغريها‪ ،‬وهذه البالد جديرة بالبحث والدرا�س ��ة وهي‬
‫م�س� ��ؤولية �أق�س ��ام اللغة العربية يف جامعتي الطائف والباحة‪ ،‬ون�أمل �أن نرى يف هذه الأق�سام بحوث علمية لغوية عن‬
‫هذه الأوطان اجلديرة بالبحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫منطق ��ة تهام ��ة م ��ن مك ��ة املكرم ��ة �إىل القنفذة وج ��ازان جدي ��رة بدرا�س ��ة تراثه ��ا اللغ ��وي واحل�ض ��اري ‪ .‬للمزيد‬ ‫(((‬
‫انظ ��ر اب ��ن جري� ��س‪ ،‬ب�ل�اد القنفذة خالل خم�س ��ة ق ��رون‪� ،‬ص‪ 159‬وم ��ا بعده ��ا‪ ،‬امل�ؤلف نف�س ��ه‪ ،‬الق ��ول املكتوب يف‬
‫تاري ��خ اجلن ��وب ( ع�س�ي�ر والقنف ��ذة ) ج‪� ،2‬ص‪ 331‬وم ��ا بعدها‪ ،‬امل�ؤلف نف�س ��ه‪ ،‬الق ��ول املكت ��وب يف تاريخ اجلنوب‬
‫( ع�سري وجازان والقنفذة )‪ ،‬ج‪� ،4‬ص‪ 26‬وما بعدها ‪.‬‬
‫هذه القبائل هي يف الأجزاء ال�ش ��مالية من منطقة ع�س�ي�ر‪ ،‬ولها خ�صو�ص ��ية يف بع�ض الأ�ص ��وات واملفردات وخمارج‬ ‫(((‬
‫الأ�ص ��وات‪ ،‬وه ��ي الأخرى جديرة بالبحث والدرا�س ��ة ‪ .‬ون�أمل من �أق�س ��ام اللغة العربية �أو كلي ��ات اللغات يف جامعتي‬
‫امللك خالد والباحة �أن تت�ضافر جهودها يف درا�سة لهجات منطقتي الباحة وع�سري وهذا ميدان جدير باالهتمام من‬
‫�أ�صحاب االخت�صا�ص ‪.‬‬
‫�س ��روات منطقة الباحة جديرة بدرا�س ��ة لهجاتها ولغاتها و�سوف نورد يف �س ��طور قادمة بع�ض الأمثلة القليلة لبع�ض‬ ‫(((‬
‫املفردات ومعانيها يف هذه البالد ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪382‬‬
‫من خالل تنقلنا يف جنوب �س ��روات املنطقة وبخا�ص ��ة عند قبائل بني ميمون وبال�شهم‬
‫وجدن ��ا من يقل ��ب �أل التعريف �إىل ميم فيق ��ال = الرجال ‪� :‬أم رج ��ال‪ ،‬واجلمل = �أم جمل‬
‫وهك ��ذا(‪ ،)1‬وهناك من يقلب الكاف �إىل جيم م�ش ��ربة ب�ش�ي�ن فيق ��ال‪ :‬بيتك = بيتج‪ ،‬وعمك‬
‫= عمج‪ ،‬ويف بع�ض النواحي من حمافظة بلجر�ش ��ي يحدث لبع�ض املفردات تقدمي وت�أخري‬
‫يف حروفها‪ ،‬وهذا ي�س ��مى القلب املكاين فمث ًال كلمة �سروال تقلب �إىل ر�سوال‪ ،‬وحبذا تنطق‬
‫وحذب(‪ ،)2‬وقد �س ��معنا �أن نون الأفعال اخلم�س ��ة يف كل حاالتها ترفع وتن�صب وجتزم عند‬
‫غالبية �سكان املنطقة‪� ،‬أما جنوب بلجر�شي‪ ،‬ويف قبائل بال�شهم حتديد ًا‪ ،‬فتجدهم يحذفون‬
‫الن ��ون من ه ��ذه الأفعال فمث ًال كلم ��ة تقومون‪� ،‬أو ال تقوم ��ون يلفظونها تقوم ��وا �أوال تقوموا‬
‫وهكذا‪ ،‬ويف عموم املنطقة ينطق ال�س ��كان ( �أبو‪� ،‬أخو ) بالألف والهمزة مثل‪� :‬أبو �سعيد‪� ،‬أبو‬
‫حممد‪� ،‬أبوعلي‪� .‬أما يف بالد بال�ش ��هم من حمافظة بلجر�شي فيحذفون الألف والهمزة مثل‪:‬‬
‫بو �س ��عيد‪ ،‬بوحممد‪ ،‬بوعلي‪ ،‬وقد ح�ص ��رنا بع�ض املفردات يف حمافظة بلجر�شي فوجدناها‬
‫تختلف من مكان لآخر يف النطق واملعنى ونذكر �أمثلة من ذلك يف اجلدول التايل‪:‬‬
‫املعنى‬ ‫بلجر�شي وما جاورها �شما ًال جنوب بلجر�شي ( بال�شهم)‬ ‫م‬
‫نزل‬ ‫دعب‪ ،‬ديح‬ ‫نحو‪ ،‬ندر‬ ‫‪1‬ـ‬
‫�أوالد‬ ‫بثور‬ ‫ُ�س َفان‬ ‫‪2‬ـ‬
‫انظر‬ ‫تخ َّيل‬ ‫�ألمْ ْح ـ ت َّلمح‬ ‫‪3‬ـ‬
‫اجلدار ال�صغري‬ ‫احلدة‬ ‫ِّ‬ ‫ال ُثمالة‬ ‫‪4‬ـ‬
‫حقيبة‬ ‫َ�ش ْنطه‬ ‫َ�ش ْمطة‬ ‫‪5‬ـ‬
‫ب�صاق‬ ‫ُب َ�صاق‬ ‫ُم َ�صاق‬ ‫‪6‬ـ‬
‫ال�سروال‬ ‫�سروال‬ ‫ر�سوال‬ ‫‪7‬ـ‬
‫اللبان �أو العلك‬ ‫َ�ص َمغ‬ ‫َغ َم�ص‬ ‫‪8‬ـ‬
‫لنب‬ ‫َل َبنة‬ ‫َح ِق ْي َنه‬ ‫‪9‬ـ‬
‫ماذا دهاك‬ ‫ماذا بك‪ ،‬وراك‬ ‫وي ذابك‬ ‫ْ‬ ‫‪10‬ـ‬
‫مابك‬ ‫و�ش بك‬ ‫و�ش معك‬ ‫‪11‬ـ‬
‫مرجيحا( �أرجوحة)‬ ‫َم ْد َر ْيها‬ ‫ُد ْر َو ْيها‬ ‫‪12‬ـ‬
‫َح َجر‬ ‫َح ْيد‬ ‫َح َجر‬ ‫‪13‬ـ‬
‫هذا‬ ‫َذ ْي ْه‬ ‫ذ َّيا َي ْه‬ ‫‪14‬ـ‬
‫تروحون‬ ‫تروحوا‬ ‫تروحون‬ ‫‪15‬ـ‬

‫((( هذه لهجة قدمية يف اليمن وعند بع�ض �س ��كان منطقة تهامة وال�س ��راة‪ ،‬والزالت م�س ��تخدمة حتى اليوم ‪ .‬م�شاهدات‬
‫الباحث يف جنران وع�سري وجازان والقنفذة والباحة خالل ال�سنوات املا�ضية املت�أخرة ‪.‬‬
‫((( هذا ما �سمعه الباحث �أثناء جتواله يف حمافظة بلجر�شي يف الأيام الأوىل من �شهر ذي احلجة عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) ‪.‬‬
‫‪383‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫املعنى‬ ‫بلجر�شي وما جاورها �شما ًال جنوب بلجر�شي ( بال�شهم)‬ ‫م‬
‫عرفتك‬ ‫عرفتك‬ ‫عرفتوك‬ ‫‪16‬ـ‬
‫هاهنا‬ ‫ِه ِن َّيا وهَ ِن ِيه‬ ‫ِه َّنيابه‪َ ،‬وهَ َّنا‪ِ ،‬‬
‫وه ِن ْه‬ ‫‪17‬ـ‬
‫�سوف ت�أتون‬ ‫بتاجوا‬ ‫ِذ ْب جتون‬ ‫‪18‬ـ‬
‫محُ َ م َّد‬ ‫محَ َ م َّد‬ ‫محُ ُ َّمد‬ ‫‪19‬ـ‬
‫الأر�ض‬ ‫امل َّل ْه‬ ‫احل ْي َل ْه‬
‫َ‬ ‫‪20‬ـ‬
‫وللمنطقة بع�ض اخل�صو�صية يف بع�ض املفردات والعبارات‪ ،‬فعلى �سبيل املثال كلمة ذب‬
‫�أي �س ��وف‪ ،‬فمث ًال ذب من�شي = �سوف من�ش ��ي ‪ .‬جاء غويره مبعنى جاء ي�سعى ‪ .‬ويف �سروات‬
‫املنطقة من يقلب اجليم يا ًء فيقول للجمل = اليمل‪ ،‬بلجر�شي = بلري�شي‪ ،‬الرجال = الريال‬
‫وهكذا ‪ .‬ويف بع�ض نواحي املنطقة من بقلب اجليم قاف ًا كاللهجة امل�ص ��رية فيقول جرب =‬
‫قرب‪ ،‬وهناك من يقلب الواو �ألف ًا فيقال عو�ضه = عا�ضه‪ ،‬وهي �إمالة �إىل الفتح‪ ،‬وقد تقلب‬
‫الت ��اء كاف� � ًا فيقال‪� :‬أنت = �إن ��ك وهذه من لهجة حم�ي�ر(‪ .)1‬وعرف عند �س ��كان املنطقة ما‬
‫مي�س ��ى بالإ�ش ��باع يف العربية مثل‪� :‬أنا عرفتوها مبعنى �أنا عرفتُها‪� ،‬إ�شباع ال�ضمة �إىل الواو‪،‬‬
‫�أن ��ت عرفتاها مبعنى �أنت َعرفتَها‪� ،‬إ�ش ��باع الفتحة �إىل الأل ��ف‪ ،‬وعلى هذا ق�س‪� :‬أخذتوها =‬
‫�أخذ ًتها‪� ،‬أخذناها ‪� .‬سمعتوك= �سمعتُك‪� ،‬سمعناك‪ ...‬وهكذا(‪.)2‬‬
‫ويف �سراة غامد وزهران عندهم �ضم �آخر الكلمة يف حالة الرفع عند التوقف‪ ،‬وعندما‬
‫تنطق الكلمة كان يف �آخرها واو ًا ‪ .‬مث ًال بيت = ت�سمع من ينطقها بيتو ‪ .‬رز= رزو وهكذا‪ ،‬ويف‬
‫بوادي غامد يقلب �أحيان ًا الكاف �س ��ين ًا مثل‪ :‬بيتك = بيت�س ‪ .‬جيدك = جيد�س ‪ .‬ويف بع�ض‬
‫نواحي املنطقة حتذف �أل التعريف مثل‪ :‬البيت = �آبيت‪ .‬ال�سيارة = �آ�سيارة‪� .‬أو ا�س= �آ�س(‪.)3‬‬
‫�ساد�س ًا ‪ :‬اخلامتة ـ نتائج وتو�صيات ‪:‬‬
‫يف الأيام الع�شرة التي ق�ضيناها يف التجوال يف ربوع منطقة الباحة‪ ،‬ا�ستطعنا �أن نخرج‬
‫بعدد من الر�ؤى والنتائج والتو�صيات التي ندرجها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫�أ ـ عراقة �أن�س ��اب وتاريخ وح�ض ��ارة هذه البالد‪ ،‬وقد �ش ��اهدنا ذلك يف تقا�س ��يم وجوه‬
‫�أهلها ويف طباعهم و�أعرافهم وكرمهم وحبهم مل�ؤان�س ��ة الأجنبي والغريب‪ ،‬كما مل�س ��نا ذلك‬
‫((( لهجات منطقة ال�س ��راة خلي ��ط من لهجات الأزد وحمري ومذحج وبع�ض قبائل احلج ��از مثل‪ :‬هذيل وهوازن وثقيف‬
‫وغريه ��ا ‪ .‬ودرا�س ��ة لهجات ه ��ذه املنطقة حتتاج �إىل جهود جبارة م ��ن الباحثني وامل�ؤ�س�س ��ات الأكادميية يف املنطقة‬
‫وبخا�صة كليات و�أق�سام اللغة العربية ‪ .‬ون�أمل �أن نرى بحوث ًا عملية ر�صينة يف هذا امليدان ‪.‬‬
‫((( هذا ما �شاهده و�سمعه الباحث �أثناء جتواله يف املنطقة يف الفرتة من (‪1433/12/9 - /11/29‬هـ) ‪.‬‬
‫((( ما مت الإ�ش ��ارة �إليه يف هذه اجلزئية اخلا�ص ��ة باللهجات فقط �أمثلة ومناذج‪ ،‬مع �أن منطقة الباحة غنية مبفرداتها‬
‫ولهجتها وحتتاج �إىل درا�س ��ات عديدة منذ الع�ص ��ر اجلاهلي �إىل اليوم‪ ،‬ومن يقم بخدمة مثل هذا املو�ض ��وع علمي ًا‬
‫و�أكادميي ًا ف�س ��وف ي�س ��دي لنا معا�ش ��ر الباحثني و�س ��كان منطقة الباحة معروف ًا كبري ًا‪ ،‬ولن يحرمه اهلل عز وجل من‬
‫الأجر واملثوبة ( ب�إذنه تعاىل ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪384‬‬
‫يف قراهم ومنازلهم و�أ�سواقهم الأ�سبوعية وطرقهم القدمية‪ ،‬و�إذا انتقلنا �إىل �صور التمدن‬
‫الذي تعي�شه املنطقة حديث ًا فمنها الإيجابي مثل‪ :‬تطور التعليم‪ ،‬واالقت�صاد‪ ،‬و�أحوال النا�س‬
‫املعي�ش ��ية‪ ،‬وات�ص ��ال �أهل البالد بغريهم من �س ��كان اململكة وغريهم من خارج البالد‪� ،‬أما‬
‫ال�سلبية فهي الأخرى عديدة مثل‪� :‬ضعف الروابط االجتماعية يف التكافل والتعاون‪ ،‬وات�ساع‬
‫نظام احلياة على الفرد والأ�سرة واملجتمع‪ ،‬والتفاوت يف �أحوال النا�س االقت�صادية وغريها‪.‬‬
‫ب ـ �إذا نظرنا �إىل نظام الرتبية والتعليم والثقافة والفكر والتنمية ب�ش ��كل عام‪ ،‬وجدنا‬
‫املنطق ��ة تعي� ��ش يف طفرة ح�ض ��ارية ال ب�أ�س بها من حيث تزايد عدد ال�س ��كان‪ ،‬وتزايد عدد‬
‫املراكز احل�ضارية الإدارية والتجارية والتنموية‪ ،‬بل �إن �إن�سان اليوم �أ�صبح يف و�ضع ح�ضاري‬
‫متمدن �أح�س ��ن مم ��ا كان عليه جيل الآباء والأجداد‪ ،‬لكن مب ��ادئ وقيم و�أخالقيات الأوائل‬
‫كانت �أكرث متانة ور�س ��وخ ًا و�ص ��دق ًا وثبات ًا من جيل يومنا احلا�ضر(‪ ،)1‬وهناك بع�ض النتائج‬
‫والتو�صيات التي نذكرها على النحو التايل‪:‬‬
‫‪1 .1‬املنطق ��ة �إىل عهد قريب كانت ذات منتوجات و�ص ��ادرات عديدة مثل‪ :‬اللوز‪ ،‬والع�س ��ل‪،‬‬
‫واحلبوب‪ ،‬واملوا�ش ��ي‪ ،‬والعنب‪ ،‬والرمان وغريها ‪ .‬وقد انقر�ض ��ت اليوم وتال�شت جميع‬
‫هذه ال�ص ��ادرات‪ ،‬و�أ�ص ��بحت البالد معتمدة على اال�س ��ترياد من داخل وخارج اململكة‬
‫العربية ال�سعودية(‪ .)2‬والواجب على امل�ؤ�س�سات الإدارية املعنية و�أعيان ووجهاء و�أغنياء‬
‫املنطقة �أن يبحثوا عن بدائل اقت�صادية ا�ستثمارية مثل‪ :‬فتح بع�ض امل�شاريع االقت�صادية‬
‫التي تخدم الفرد واملجتمع على حد �سواء‪ ،‬كما يجب �أن تكون هناك درا�سات وم�شاريع‬
‫�سياحية جيدة تعود على املنطقة بعوائد مادية واقت�صادية جيدة(‪.)3‬‬
‫‪2 .2‬تغ� ��ص املنطق ��ة بع�ش ��رات املواق ��ع الرتاثية الأثري ��ة مثل‪ :‬الق ��رى القدمية‪ ،‬والأ�س ��واق‬
‫الأ�س ��بوعية‪ ،‬واحل�ص ��ون والق�ص ��ور الأثرية‪ ،‬والطرق‪ ،‬واملدرج ��ات الزراعية‪ ،‬والأودية‬
‫واجلب ��ال التاريخية‪ ،‬والر�س ��ومات والنقو�ش والآثار‪ ،‬والآب ��ار‪ ،‬واملقابر وغريها‪ ،‬وجميع‬
‫هذه امل�ص ��ادر الرتاثية الزال الكثري منها ماث ًال للعيان‪ ،‬لكنها يف طريقها �إىل اخلراب‬
‫والدمار‪ ،‬والواجب على الإمارة واملحافظات‪ ،‬واجلامعة‪ ،‬وم�ؤ�س�س ��ات الرتبية والتعليم‪،‬‬
‫((( م ��ن يجري درا�س ��ة مقارنة ع ��ن مبادئ و�أخالقيات وقيم و�ص ��فات الفرد واملجتم ��ع قدمي ًا وحديث ًا ف�إنه �س ��وف يجد‬
‫بون ًا �شا�س ��ع ًا وفروق ًا جلية بني املا�ض ��ي واحلا�ض ��ر‪ .‬فاحلياة املادية اليوم طغت ب�ش ��كل كبري على �س ��لوكيات النا�س‪ ،‬ومن‬
‫ثم تراجعت ال�ص ��فات الأخالقية على م�س ��توى الفرد والأ�س ��رة واملجتمع والأمة ‪ .‬وجامعات جنوبي البالد ال�سعودية عليها‬
‫م�س� ��ؤولية عظمى جتاه درا�س ��ة املا�ضي واحلا�ض ��ر وا�س ��تخال�ص الفوائد والعرب والدرو�س‪ ،‬وهذا لن يتوفر �إال بفتح مراكز‬
‫بحوث علمية تخدم مثل هذا اجلانب‪ ،‬وجلب كوادر علمية مدربة �صادقة ونزيهة تتوىل مثل هذه امل�شاريع الهامة واملفيدة ‪.‬‬
‫((( هذا ما �شاهدناه و�سمعناه وقر�أنا عنه يف بع�ض الكتب والوثائق واملذكرات‪ ،‬وتاريخ منطقة الباحة االقت�صادي خالل‬
‫الن�صف الثاين من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لر�سالة ماج�ستري �أو دكتوراه ‪.‬‬
‫((( جتول ��ت يف بع� ��ض الأماكن ال�س ��ياحية يف البوادي وال�س ��راة وتهامة فوجدت مواق ��ع جغرافية م�ؤهلة لل�س ��ياحة مثل‪:‬‬
‫الغابات‪ ،‬واجلبال‪ ،‬والطرق‪ ،‬والأ�سواق‪ ،‬والقرى الأثرية وغريها‪ ،‬لكن اخلدمات والعوامل امل�ساعدة لل�سائح وال�سياحة مثل‪:‬‬
‫الفنادق وال�شقق املفرو�شة‪ ،‬ودورات املياه‪ ،‬والأ�سواق واحلدائق واملالهي يف الأماكن ال�سياحية‪ ،‬ومراكز للإر�شاد ال�سياحي‬
‫وغريها تكاد تكون معدومة‪ ،‬و�إن وجد بع�ض ��ها يف املدن الكربى مثل‪ :‬الباحة وبلجر�ش ��ي وغريها فتجد �أ�س ��عارها عالية‪ ،‬بل‬
‫�إنها الت�صل �إىل مرتبة اجليد يف اجلودة واخلدمة ‪ .‬م�شاهدات الباحث يف الفرتة من (‪1433/12/9 -11/29‬هـ) ‪.‬‬
‫‪385‬‬ ‫الدرا�سة الثامنة ‪ :‬منطقة الباحة (غامد وزهران ) كما �سمعت عنها و�شاهدتها (‪1433/12/9-11/29‬هـ‪)2012/10/25-15/‬‬

‫والهيئة العليا لل�س ��ياحة والوجهاء والأغنياء من �أهل املنطقة �أن يقوموا مب�س� ��ؤولياتهم‬
‫جتاه هذا التاريخ امل�ش ��رق فيحافظوا على هذا املوروث احل�ضاري‪ ،‬و�إن فعلوا ذلك فهو‬
‫م ��ن باب الواجب عليهم‪ ،‬ثم �إنهم �س ��وف يحفظون لأبنائه ��م و�أحفادهم تاريخ �آبائهم‬
‫و�أجدادهم خالل القرون والعقود املا�ضية(‪.)1‬‬
‫‪�3 .3‬أم ��ا التنمية العمرانية‪ ،‬فالواق ��ع �أن املنطقة تعي�ش مرحلة تطور جيد‪ ،‬لكن الزال هناك‬
‫العدي ��د من اجلوانب الت ��ي حتتاج �إىل تطوير �أف�ض ��ل‪ ،‬مثل‪ :‬زيادة الط ��رق املعبدة بني‬
‫املحافظ ��ات واملراكز الرئي�س ��ية‪ ،‬وحبذا �أن تكون طرق ًا مزدوج ��ة‪ ،‬كما �أن بع�ض القرى‬
‫والب ��وادي والأري ��اف الزال ��ت بحاج ��ة �إىل طرق جدي ��دة ‪� .‬أم ��ا مطار الباح ��ة فطاقته‬
‫حم ��دودة‪ ،‬ويحتاج �إىل تو�س ��يع يف مدرجاته و�أبنيته وخدماته‪ ،‬كم ��ا �أن اجلزء التهامي‬
‫م ��ع منطق ��ة القنفذة يحتاج �إىل مط ��ار �آخر كي يخ ��دم مئات الآالف من ال�س ��كان(‪.)2‬‬
‫واملدن واحلوا�ض ��ر الرئي�س ��ية يف املنطقة ( تهامة و�س ��راة ) حتتاج �إىل تخطيط �أف�ضل‬
‫يف �ش ��وارعها و�أ�سواقها وخدماتها وم�ؤ�س�س ��اتها الإدارية‪ ،‬وبع�ض الطرق الرئي�سية التي‬
‫تربط �أطراف املنطقة مع بع�ض ��ها البع�ض‪ ،‬ب ��ل تربط املنطقة مع مناطق �أخرى حتتاج‬
‫�إىل زيادة خدمات يف حمطاتها وا�سرتاحاتها وغريها(‪.)3‬‬
‫‪4 .4‬منطق ��ة الباحة داخلية بالن�س ��بة ملناط ��ق مكة املكرمة وجازان وع�س�ي�ر‪ ،‬وهذه املناطق‬
‫الثالث الأخرية لها منافذ طبيعية على البحر الأحمر‪ ،‬ومنطقة الباحة ح�سب م�ساحتها‬
‫اجلغرافي ��ة الكبرية وعدد �س ��كانها الكبري ف�إنها هي الأخ ��رى حتتاج �إىل منفذ بحري‪،‬‬
‫وه ��ذا مما �س ��يعود على �أهلها بفوائد اجتماعية واقت�ص ��ادية عدي ��دة‪ ،‬حبذا �أن يدر�س‬
‫هذا املو�ضوع من قبل امل�س�ؤولني يف الدولة‪ ،‬وحبذا �أن يطالب �سكان منطقة الباحة بهذه‬
‫اخلدمة‪ ،‬ون�أمل �أن يتحقق كل ما فيه خري و�صالح للبالد والعباد (‪.)4‬‬
‫‪5 .5‬الزالت منطقة الباحة بحاجة �إىل العديد من املحا�ضن وامل�ؤ�س�سات الثقافية والتعليمية‪،‬‬
‫فاجلامع ��ة عليه ��ا دور �أكرب بزيادة فروعها وفتح كليات وم�ؤ�س�س ��ات �أكادميية يف جميع‬
‫حمافظات املنطقة‪ ،‬والنادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون عليهما �أي�ض� � ًا م�س�ؤوليات‬
‫�أعظم فت�ض ��اعف منا�ش ��ط هاتني امل�ؤ�س�س ��تني وتزيد فروعها باملحافظ ��ات الكربى يف‬

‫�شاهدنا ع�شرات النقو�ش والر�سومات ال�صخرية التي يرجع تاريخ بع�ضها �إىل ما قبل الإ�سالم‪ ،‬وهناك قرى وح�صون‬ ‫(((‬
‫وط ��رق ومدرج ��ات يعود تاريخها �إىل مئات ال�س ��نني ‪ .‬كما �أن هن ��اك بع�ض املخطوطات والوثائ ��ق املوجودة عند بع�ض‬
‫الأ�س ��ر وبيوتات العلم القدمية ‪ .‬وكل هذا الرتاث يحتاج �إىل حفظ ورعاية وتوثيق وتدوين‪ ،‬وهذه م�س�ؤوليات امل�ؤ�س�سات‬
‫الأكادميية‪ ،‬لكن البد من توفر دعم معنوي ومادي من اجلهات امل�س�ؤولة ومن الأغنياء و�أ�صحاب الرثاء يف املنطقة ‪.‬‬
‫منطقة تهامة من مكة املكرمة �إىل جازان حتتاج �إىل �أكرث من مطار للكثافة ال�سكانية العالية يف هذه املنطقة‪ ،‬وللحاجة ال�شديدة‬ ‫(((‬
‫وامللحة �إىل مثل هذه امل�شاربع التنموية احل�ضارية ‪ .‬هذا ما�شاهده الباحث ومل�سه �أثناء جتواله يف هذه البالد منذ عدة �سنوات‪.‬‬
‫هذا ما مل�سه الباحث �أثناء جتواله يف املنطقة يف الفرتة من (‪1433/12/9 -11/29‬هـ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫منذ عقود عديدة و�أنا �أجتول يف �أرجاء املنطقة اجلنوبية‪ ،‬وهذا ما مل�سته �أثناء امل�شاهدة واخلربة وال�سري يف مناكب‬ ‫(((‬
‫تهام ��ة وال�س ��راة‪ ،‬ونقول �إن منطق ��ة الباحة بحاجة �إىل البحر‪ ،‬ولو �ض ��مت منطقة القنفذة م ��ع منطقة الباحة حتى‬
‫ت�صبح منطقة واحدة‪ ،‬فهذا قد يرفع ويزيد من تنمية وتطوير املنطقتني ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪386‬‬
‫املنطقة‪ ،‬ويكون الباب والت�ش ��جيع مفتوح ًا ومي�س ��ر ًا لكل مثقف ��ي ومثقفات املنطقة‪ ،‬وال‬
‫تكون خدمات مثل هذه املراكز حم�صورة يف ناحية �أو مدينة �أو �شريحة حمدودة(‪.)1‬‬
‫‪6 .6‬على �ص ��فوة �أهل العلم والأدب والفكر والثقافة من بالد غامد وزهران وخا�ص ��ة املقيمني‬
‫خ ��ارج منطق ��ة الباحة �أن تكون لهم �إ�س ��هامات مبا�ش ��رة على �أر�ض ��هم و�أهله ��ا فيكونوا‬
‫على ات�ص ��ال دائم بحراكها الثقايف والعلمي والفكري‪ ،‬بل عليهم �أن ي�س ��هموا من خالل‬
‫تخ�ص�ص ��اتهم وعلومهم وخرباتهم مبا يخدم �أوطانهم معرفي ًا وح�ضاري ًا‪ .‬كما �أن �صناع‬
‫القرار وطبقة الفكر والثقافة والعلم داخل املنطقة عليهم �أي�ض ًا م�س�ؤوليات كبرية فيكونون‬
‫على ات�ص ��ال دائم ب�إخوانهم وبني جلدتهم من �أهل العلم والفكر والأدب خارج املنطقة‪،‬‬
‫ويتع ��اون الفريقان يف كل ما يع ��ود باخلري والفائدة على دياره ��م و�أهلها‪ ،‬وعلى اجلميع‬
‫�أن يبذلوا ق�ص ��ارى جهودهم ال�س ��تجالب بع�ض املنا�شط العلمية والفكرية والثقافية �إىل‬
‫بالدهم مثل‪ :‬معار�ض الكتاب الإقليمية والدولية‪ ،‬والندوات وامل�ؤمترات العلمية والفكرية‪،‬‬
‫وبع�ض املنا�شط الدعوية واالجتماعية واالقت�صادية والتطوعية وغريها(‪.)2‬‬
‫‪7 .7‬هناك العديد من الق�ض ��ايا التي يجب على �أهل الر�أي والقرار والوعي ال�س ��ليم يف املنطقة االنتباه‬
‫�إليها مثل‪ :‬ت�ش ��جيع الهجرة العك�س ��ية لأبناء املنطقة من املدن الكربى �إىل مدنهم وحوا�ض ��رهم يف‬
‫منطق ��ة الباح ��ة‪ ،‬مع احلر�ص عل ��ى توفري اخلدمات الهامة وال�ض ��رورية لهم ولغريهم من �س ��كان‬
‫الب�ل�اد(‪ ،)3‬حبذا �أن ي�ش ��جع فتح املجال�س واملنتديات ( ال�ص ��والني ) الأدبية والثقافية يف املنطقة‪،‬‬
‫وهذا �سوف ي�ساعد على تنمية الوعي والثقافة والفكر عند النا�س‪ ،‬كما يجب فتح مراكز اجتماعية‬
‫ريا�ضية ثقافية وين�شر من خاللها الوعي الثقايف البناء مثل‪ :‬احلفاظ على مقدرات البالد وتراثها‬
‫وموروثها احل�ض ��اري‪ ،‬وحماربة ال�سلوكيات االجتماعية والأخالقية الهدامة‪ ،‬ون�شر الثقافة والأدب‬
‫العفيف للفرد والأ�سرة واملجتمع(‪.)4‬‬

‫زرت منطقة الباحة عدة مرات‪ ،‬وح�ض ��رت عدد ًا من املنا�سبات الثقافية والفكرية‪ ،‬وجميعها تقام يف مدينة الباحة‪،‬‬ ‫(((‬
‫وعن ��د ذهابنا �إىل م ��دن وحمافظات �أخرى قابلنا العديد من املثقفني و�أرباب القلم‪ ،‬لكنهم يف عزلة عما يحدث من‬
‫حراك ثقايف يف مدينة الباحة‪ ،‬ويجب على املراكز وامل�ؤ�س�س ��ات نف�س ��ها �أن تبادر وت�شرك اجلميع يف منا�شط احلياة‬
‫الثقافية والأدبية والفكرية والتعليمية‪ ،‬وهذا العمل من �أهم م�س�ؤولياتها ‪.‬‬
‫هناك ع�ش ��رات املنا�ش ��ط املتنوعة يف �أطروحاتها و�أهدافها على م�س ��توى اململكة �أو العامل العربي‪ ،‬وقد ي�ست�ض ��اف‬ ‫(((‬
‫بع�ضها على �أرا�ضي الباحة‪ ،‬وا�ستجالب مثل هذه الن�شاطات يعود بفوائد ح�ضارية عديدة على البالد و�أهلها‪.‬‬
‫تطوي ��ر الق ��رى والأرياف واملناط ��ق النائية‪ ،‬وتوفري اخلدم ��ات ال�ص ��حية والتعليمية واالجتماعي ��ة وغريها تعد من‬ ‫(((‬
‫الأ�س ��باب الت ��ي تخلق هجرة عك�س ��ية من املدن الك�ب�رى �إىل املناطق والبلدان ال�ص ��غرية‪ ،‬وهذا م ��ا حتتاجه منطقة‬
‫الباحة ومثيالتها من مناطق اململكة العربية ال�سعودية‪. .‬‬
‫يف املجتمع كثري من امل�ش ��اكل االجتماعية والثقافية واحل�ضارية‪ ،‬و�إن�شاء مراكز ونوادي تعالج مثل هذه الق�ضايا يعد‬ ‫(((‬
‫من ال�ضروريات التي يجب على الدولة واملجتمع �أن يعمل من �أجل ت�أ�سي�سها ورعايتها ‪.‬‬
‫‪387‬‬ ‫الدرا�سة التا�سعة ‪� :‬صور من التعليم النظامي للبنني‪ .‬مبنطقة الباحة خالل العقود املا�ضية املت�أخرة‬

‫الدراســــــة التاسعــــــة‬

‫�صور من التعليم النظامي للبنني ‪ .‬مبنطقة الباحة خالل‬


‫العقود املا�ضية املت�أخرة ‪.‬‬
‫(*)‬
‫بقلم ‪:‬أ ‪ .‬سعد بن عبد الله بن أحمد المليص‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (الباحة وجنران) ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(‪1434‬هـ ‪2013 ،‬م) ‪( -‬اجلزء اخلام�س)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪315 - 301‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪388‬‬
‫الدرا�سة التا�سعة ‪� :‬صور من التعليم النظامي للبنني ‪ .‬مبنطقة الباحة خالل‬
‫العقود املا�ضية املت�أخرة ‪ .‬بقلم �أ ‪� .‬سعد بن عبد اهلل بن �أحمد امللي�ص(‪.)1‬‬

‫(*) مدخل(‪:)2‬‬
‫كان يل ال�ش ��رف �أن �ألتقي بال�ش ��يخ �سعد امللي�ص يف بالده مدينة الباحة عام (‪1424‬هـ‬
‫‪2004/‬م)‪ ،‬فوجدت ذلك الرجل الطاعن يف ال�سن‪ ،‬على قدر كبري جد ًا من الأدب واللطف‬
‫وح�س ��ن اخللق(‪ .)3‬ومن ال�ص ��دف �أثناء احلديث مع هذا ال�شيخ الكرمي �أن �أخربين �أنه كان‬
‫�صديق ًا حميم ًا وزمي ًال للأ�ستاذ حممد �أحمد �أنور ع�سريي(‪.)4‬‬
‫ويف �إح ��دى الليايل‪� ،‬أثناء زيارته يف مكتب ��ه بنادي الباحة الأدبي(‪ ،)5‬حتدثنا عن تاريخ‬
‫ح�ض ��ارة ب�ل�اد الباحة‪ ،‬وطلبت منه �أن ي ��زودين ببع�ض املدونات عن ه ��ذه البالد الكرمية‪،‬‬
‫وقدمت له خطاب ًا ي�شتمل على عدد من املحاور(‪ ،)6‬ووعدين بعد ذلك خري ًا‪ ،‬ومع االت�صاالت‬
‫((( ال�ش ��يخ �س ��عد بن عبد اهلل بن �أحم ��د امللي�ص من مواليد مكة املكرمة عام (‪1346‬ه� �ـ) ‪ .‬تعلم يف مدار�س ومعاهد مكة‬
‫وتخرج منها عام (‪1369/68‬هـ) ‪ .‬بد�أ حياته الوظيفية موظف ًا �إداري ًا مبالية منطقة الباحة عام (‪1368‬هـ)‪ ،‬ثم مدير ًا‬
‫للأحوال املدنية مبنطقة الباحة عام (‪1369‬هـ)‪ ،‬ويف نف�س العام �ص ��ار مدير ًا ملدار�س بني ظبيان‪ ،‬ثم ا�س ��تمر يف مهنة‬
‫التدري�س والإدارة والإ�شراف الرتبوي حتى �أحيل للتقاعد املبكر عام (‪1405‬هـ) ‪ .‬ومن يتابع �إجنازاته وجهوده الرتبوية‬
‫والتعليمة يف منطقة الباحة يجد �أنه ق�ضى حياته يف خدمة بالده و�أهله‪ ،‬بل هو جدير �أن ي�صدر عنه درا�سات تر�صد ما‬
‫قدم من جهود تذكر فت�شكر يف ميادين عديدة وبخا�صة يف ميدان الرتبية والتعليم ‪ .‬وله جهود �أخرى يف خدمة منطقة‬
‫الباحة فتجده ع�ضو ًا يف العديد من اللجان وامل�ؤ�س�سات الأهلية‪ ،‬كما �أنه يعمل يف جماالت الرب والدعوة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬
‫رئا�س ��ته عرافة جماعته �أهايل قرى املقا�ض ��ية مبنطقة الباحة ‪ .‬توىل رئا�س ��ة نادي الباحة �س ��نوات عديدة‪ ،‬وهو ع�ضو‬
‫يف العديد من اجلمعيات وامل�ؤ�س�س ��ات احلكومية والأهلية ‪ .‬ح�ص ��ل على العديد من اجلوائز والتكرميات داخل اململكة‬
‫العربية ال�سعودية وخارجها‪ .‬وله العديد من امل�ؤلفات مثل‪ )1( :‬كتاب تب�سيط املعامالت املالية يف ال�شريعة الإ�سالمية ‪.‬‬
‫(‪ )2‬كتاب حوار تربوي ق�صري‪ )3( .‬كتاب رحلتي مع التعليم ‪ .‬ولديه العديد من الكتب والدرا�سات التي الزالت م�سودة‬
‫وقد تطبع وتن�ش ��ر يف امل�ستقبل‪ .‬وال�شيخ �سعد امللي�ص رجل على قدر كبري من اللطف وح�سن اخللق‪ ،‬فهو ميتاز بالهدوء‬
‫يف ت�ص ��رفاته‪ ،‬و�أليف �أثناء تعامالته مع الآخرين‪ ،‬بالإ�ض ��افة �إىل ورعه ودماثة �أخالقه ‪ .‬وقد التقيت به مرات عديدة‬
‫فوجدت ��ه قام ��ة اجتماعية وثقافية ت�س ��تحق �أن يكت ��ب عنها‪ ،‬فلديه من الأخب ��ار والتجارب والروايات م ��ا يفيد �أجيالنا‬
‫املعا�ص ��رة وامل�س ��تقبلية ‪ .‬و�إين �آم ��ل �أن يقوم �أحد �أبناء بالد غام ��د وزهران الكرام بت�أليف كتاب عن هذه ال�شخ�ص ��ية‬
‫الغامدية ال�سروية الأزدية‪ ،‬وهو جدير بذلك وي�ستحقه ‪ ( .‬واهلل من وراء الق�صد ) ‪.‬‬
‫((( هذا املدخل من عمل �صاحب الكتاب (ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( ال�شيخ امللي�ص و�أعالم �آخرون كثريون قبله وبعده من �أهايل منطقة الباحة ي�ستحقون �أن يدون عنهم تراجم مطولة‬
‫تر�صد جهودهم و�إجنازاتهم لدينهم وبالدهم وبني جلدتهم ‪ ( .‬ابن جري�س )‪.‬‬
‫((( حممد �أنور‪ ،‬كما ذكرنا �أكرث من مرة يف م�ؤلفاتنا‪ ،‬مل نقابله نره‪ ،‬مع العلم �أننا �أخرجنا العديد من الدرا�سات واملدونات‬
‫ع ��ن هذا الرائد يف جمال الرتبية والتعليم ‪ .‬انظر ابن جري�س‪ ،‬من رواد الرتبية والتعليم يف اململكة العربية ال�س ��عودية‬
‫(حممد �أحمد �أنور ( الريا�ض‪ :‬مطابع احلمي�ض) ‪1431‬هــ‪2010/‬م)‪� ،‬ص ‪ 12‬وما بعدها ‪ ( .‬ابن جري�س )‪.‬‬
‫((( توىل امللي�ص رئا�سة نادي الباحة الأدبي �سنوات عديدة‪ ،‬انظر ترجمته يف حا�شية �سابقة‪.‬‬
‫((( هذا اخلطاب عام يف �ص ��يغته فقد يقدم لأي رائد �أو من ي�س ��تطيع �أن يقدم لنا معلومات تاريخية جديرة بالن�شر عن‬
‫جنوبي البالد ال�س ��عودية‪ ،‬وقد ن�ش ��رنا مناذج من هذا اخلطاب يف بع�ض م�ؤلفاتنا ‪ .‬للمزيد انظر‪ ،‬القول املكتوب يف‬
‫تاريخ اجلنوب‪ ،‬ج‪� ،3‬ص‪ 601‬ـ ‪ . 607‬ج‪� ،4‬ص‪529‬ـ ‪. 537‬‬
‫‪389‬‬ ‫الدرا�سة التا�سعة ‪� :‬صور من التعليم النظامي للبنني‪ .‬مبنطقة الباحة خالل العقود املا�ضية املت�أخرة‬

‫والإ�ص ��رار علي ��ه‪ ،‬وفق ��ه اهلل تعاىل‪� ،‬أر�س ��ل لنا بع�ض ملح ��ات عن تاريخ التعلي ��م يف منطقة‬
‫الباحة‪ ،‬واجلميل يف هذه الأقوال التي �أوردها �ش ��يخنا �أنها �ص ��درت من علم عا�ص ��ر وعمل‬
‫يف الرتبية والتعليم منذ �س ��بعينيات القرن الهجري املا�ض ��ي ‪ .‬ولهذا �أوردناها كما و�صلتني‬
‫مع و�ض ��ع عنوان لها هو‪� :‬ص��ور من التعليم النظامي للبنني مبنطقة الباحة خالل‬
‫العقود املا�ضية املت�أخرة(‪. )1‬‬
‫‪1‬ـ التعليم والتعلم‪:‬‬
‫�ش ��هدت منطقة الباحة قفزة يف ن�ش ��ر الأدب والثقافة والتعل ��م والتعليم يف هذا العهد‬
‫ال�سعودي املبارك‪ ،‬الذي مي�سي وي�صبح حتت مظلته ال�شعب ال�سعودي الويف قرير العني �آمن ًا‬
‫يف �س ��ربه معافى يف عقيدته‪ ،‬يتزاحم مع �أقران ��ه حتت لواء العز والكرامة والوفاء والرخاء‬
‫والإخاء للتنمية ال�شاملة منذ توحدت اململكة العربية ال�سعودية يف عهد امل�ؤ�س�س الأول امللك‬
‫العظيم ال�س ��لفي عبد العزيز بن عبد الرحمن الفي�ص ��ل �آل �س ��عود و�أبنائه امللوك‪� :‬س ��عود‪،‬‬
‫وفي�صل‪ ،‬وخالد‪ ،‬وفهد (رحمهم اهلل) وحتى عهد خادم احلرمني ال�شريفني امللك عبد اهلل‬
‫بن عبد العزيز و�سمو ويل عهده و�إخوتهم و�أبنائهم و�أحفادهم ـ والأ�سرة الكرمية ال�سعودية‬
‫قيادة و�شعب ًا حفظهم اهلل جميع ًا ‪.‬‬
‫‪2‬ـ �آلية التعليم �سابق ًا ‪:‬‬
‫�أ�س�ست املدر�سة الأمريية باملنطقة ـ حتت م�سمى ‪ :‬مدر�سة حت�ضريية تارة‪ ،‬ومدر�سة قروية‬
‫تارة �أخرى‪ ،‬وكان نظام التدري�س بهذه املدار�س �أ�ش ��به بنظام الكتاتيب ال يتعدى التح�ص ��يل‬
‫الدرا�سي فيها عن‪ :‬حفظ كتاب اهلل نظر ًا‪ ،‬وحفظ التوحيد والفقه والتاريخ واجلغرافي ًا حفظ ًا‬
‫�آلي� � ًا‪ ،‬كم� � ًا ال كيف ًا‪� ،‬إال �أن القائمني عليها يهتمون بغر�س العقيدة ال�س ��لفية يف نفو�س النا�ش ��ئة‬
‫بلفت �أنظارهم �إىل الآيات الكونية التي تقع حتت حوا�سهم‪ ،‬ويطبقون هيئة الو�ضوء وال�صالة‬
‫تطبيق� � ًا عملي� � ًا ‪ :‬ويطبقون بع�ض قواع ��د اللغة العربي ��ة حفظ ًا‪ ،‬ويهتمون بتح�س�ي�ن اخلطوط‬
‫والإم�ل�اء والإن�ش ��اء‪ ،‬وقواعد احل�س ��اب الأرب ��ع‪ :‬اجلمع والطرح وال�ض ��رب والق�س ��مة حلاجة‬
‫املجتمع الإداري �آنذاك �إىل كتاب يتقنون القراءة والكتابة ومبادئ الريا�ضيات البحتة(‪.)2‬‬
‫‪3‬ـ تفوق بع�ض املدار�س يف قواعد احل�ساب الأربع وحت�سني اخلط والإمالء والإن�شاء‪:‬‬
‫حق ًا �إن بع�ض طلبة هذه املدار�س كمدر�س ��ة الظفري‪ ،‬ومدر�س ��ة بلجر�ش ��ي‪ ،‬ومدر�س ��ة بني‬
‫((( هذا العنوان من عمل �صاحب الكتاب‪ ،‬كما �أوردنا يف احلوا�شي بع�ض التعليقات والتو�ضيحات‪ ،‬وحتى منيز ما ذكرنا‬
‫مع ما دون �شيخنا امللي�ص‪ ،‬نورد كلمة ابن جري�س بني قو�سني ‪.‬‬
‫((( التعليم النظامي يف بداياته كان ب�س ��يط ًا يف �إمكاناته وكوادره الب�ش ��رية ‪ .‬و�أ�صبح التعليم العام والعايل اليوم منت�شراً‬
‫يف كل �صقع من �أ�صقاع اململكة العربية ال�سعودية( ابن جري�س)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪390‬‬
‫ظبيان‪ ،‬ومدر�س ��ة رغدان‪ ،‬وبع� ��ض املدار�س باملنطقة تفوقوا يف �إتقان اخلط وقواعد احل�س ��اب‬
‫الأربع والإن�ش ��اء مما جع ��ل الدوائر احلكومية ت�س ��تفيد من ه�ؤالء الطلب ��ة يف الأعمال الإدارية‬
‫واملحاكم ال�شرعية مثل‪ :‬الأ�ساتذة عبد الرحمن ال�سعدي‪ ،‬و�سعيد حممد حامد‪ ،‬وحمدان عطية‪،‬‬
‫وحمم ��د �أحم ��د الزهراين‪ ،‬وعب ��د اهلل بن علي بن �ص ��الح اجليالين‪ ،‬وعل ��ي حممد اجليالين‪،‬‬
‫و�أحمد الأفندي‪ ،‬وعلي بن �س ��عيد بن عزه‪ ،‬وعبد اخلالق مدي�س‪ ،‬وحممد �س ��عد في�ضي‪ ،‬وعو�ضة‬
‫بن مياين‪ ،‬وعلي بن مقبول بن ح�سن‪ ،‬و�صقر �سعيد‪ ،‬و�صالح بن ناجي‪ ،‬وم�شرف عدنان‪ ،‬و�أحمد‬
‫حممد الزهراين‪ ،‬وح�سني عبد اهلل موجان‪ .‬الذي كان له ول�سلفه من مديري مدر�سة بني ظبيان‬
‫�سبق العطاء الرتبوي اجلاد املخل�ص‪ ،‬وعبد الرحمن رمزي‪ ،‬و�سامل بن �صالح احلمري‪ ،‬وجابر‬
‫بن عبد الرحيم بن جابر وغريهم يف دنيا التعلم والتعليم الأويل اجلاد �آنذاك‪ ،‬وه�ؤالء الرعيل‬
‫كان ��وا مبدعني جادي ��ن جمتهدين‪ ،‬وكان لكل واح ��د منهم ومن طلبتنا ببن ��ي ظبيان وباملنطقة‬
‫تاريخ م�ش ��رف يف خدم ��ة الوطن واملواطنني قي ��ادة وتربية وتوجيه� � ًا و�إدارة رحم اهلل من تويف‬
‫منهم وحفظ من بقي منهم على قيد احلياة وبارك اهلل يف �أبنائهم و�أحفادهم(‪.)1‬‬
‫‪4‬ـ تخريج ال�شهادة االبتدائية ‪:‬‬
‫�إال �أن هذه املدار�س مل تخرج ال�ش ��هادة االبتدائية حتى بداية عام (‪1376‬هـ‪1956/‬م)‬
‫عدا مدر�س ��ة بني ظبي ��ان التي بد�أت تخرج ال�ش ��هادة االبتدائية ع ��ام( ‪1373‬هـ‪1953/‬م)‬
‫وتلتها عام (‪1376‬هـ‪1956/‬م) مدر�س ��ة بني حممد ببني ظبيان بقيادة الأ�س ��تاذ �سعيد �أبو‬
‫را�س وزمالئه رحمه اهلل‪ ،‬ومدر�سة اجلبل والرمادة بقيادة بع�ض �أبنائنا الطلبة كعلي حممد‬
‫�أحمد الكردي‪ ،‬والدكتور �سعيد حممد امللي�ص وغريهم من �أبنائنا الطلبة‪ ،‬ومدار�س �أخرى‬
‫باملنطقة كمدر�سة الظفري ومدار�س الرهوة ورغدان وبلجر�شي بقيادة ال�شيخ الفقيه حممد‬
‫بن �سعد الربكي وبالرقو�ش وغريها من مدار�س املنطقة �سه ًال وجب ًال‪ ،‬وتهامة وبادية‪ ،‬وذلك‬
‫بعد �أن مت لنا نحن من�سوبي مديرية املعارف �آنذاك خالل الأعوام من (‪1370‬هـ‪1950/‬م)‬
‫حتى عام (‪1373‬هـ‪1953/‬م) كالأ�س ��تاذ ح�سن �ص ��الح فقيها‪ ،‬والأ�ستاذ ح�سن علي غ�سال‪،‬‬
‫والأ�س ��تاذ عبد املنعم عبد امللك قا�ض ��ي‪ ،‬والأ�س ��تاذ حممد علي ال�شايل وغريهم من رجال‬
‫الرتبية والتعليم فر�ص ��ة م�سح املنطقة �س ��راة وتهامة وبادية �إبان زيارتهم للمنطقة بتكليف‬
‫من وزارة الداخلية التي كانت مديرية املعارف �آنذاك ترتبط بها قبل تكوين الوزارة برئا�سة‬
‫الأمري فهد بن عبد العزيز يف عهد امللك �سعود بن عبد العزيز ( رحمه اهلل )(‪.)2‬‬
‫((( حبذا �أن نرى من �أبناء بالد غامد وزهران‪� ،‬أو من �أحد طالب الدرا�س ��ات العليا يف �أق�س ��ام التاريخ باململكة العربية‬
‫ال�سعودية من يقوم بدرا�سة تاريخ التعليم يف منطقة الباحة خالل الع�صر احلديث واملعا�صر‪ ،‬ومن يفعل ذلك ف�سوف‬
‫ي�ضيف �إىل املكتبة العربية الإ�سالمية درا�سة علمية جيدة ومفيدة ( ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( تاريخ بالد غامد وزهران ال�سيا�سي واحل�ضاري خالل ع�صور ملوك �آل �سعود ( عبد العزيز‪ ،‬و�سعود‪ ،‬وفي�صل‪ ،‬وفهد‪،‬‬
‫وعبد اهلل ) جدير بالبحث والدرا�س ��ة ‪ .‬وجامعة الباحة عليها م�س� ��ؤولية عظمى جتاه هذه املنطقة فت�ش ��جع الباحثني‬
‫على درا�سة هذه املنطقة اجلديرة بالبحث والدرا�سة واالهتمام‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫‪391‬‬ ‫الدرا�سة التا�سعة ‪� :‬صور من التعليم النظامي للبنني‪ .‬مبنطقة الباحة خالل العقود املا�ضية املت�أخرة‬

‫�أخذت البالد ت�ش ��ق طريقها علم ًا وعم ًال �إىل الهدف املن�شود الذي ر�سمه لها م�ؤ�س�سها‬
‫املل ��ك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفي�ص ��ل ( رحمه اهلل ) حتت قيادة �أبناء و�أحفاد هذه‬
‫العائلة ال�س ��عودية املباركة ف�أ�صبحت اململكة املرتامية الأطراف منوذج ًا للتمدن واحل�ضارة‬
‫والتنمية ال�ش ��املة وم�ض ��رب الأمثال بني الأمم املتح�ض ��رة ‪ :‬رخا ًء و�أمن ًا وا�س ��تقرار ًا وعلم ًا‬
‫وثقافة و�صناعة و�شوكة و�إخا ًء بف�ضل من اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫‪5‬ـ النه�ضة القيادية الرتبوية ببني ظبيان‪:‬‬
‫للنه�ض ��ة القيادية الرتبوية ببني ظبيان ف�صول زمنية ومكانية ت�ضيق هذه امل�ساحة‬
‫بذكرها �إال �أن الذي ال يدرك كله ال يرتك جله وكان لزام ًا علينا �أن ننوه عن بع�ض منجزات‬
‫هذه النه�ضة باخت�صار‪:‬‬
‫�أ ـ ن�ش�أة النه�ضة الرتبوية والثقافية ببني ظبيان‪:‬‬
‫ن�ش� ��أت النه�ض ��ة الرتبوية والثقافية ببن ��ي ظبيان عام (‪69‬ـ‪1370‬ه� �ـ ‪49 /‬ـ‪1950‬م)‬
‫امت ��داد ًا جلذوره ��ا مع �أ�س�ل�افنا ال�س ��ابقني بها عندم ��ا ا�س ��تثمرنا مديرية املع ��ارف عام‬
‫(‪1370‬ه� �ـ‪1950/‬م) نح ��ن وبع�ض الزمالء و�ض ��متنا وزمالءنا �إىل رك ��ب الرتبية والتعليم‬
‫باملنطقة ومنا العائدون من املدن احل�ض ��ارية مثل‪ :‬مكة املكرمة‪ ،‬واملدينة املنورة‪ ،‬و�أ�سندت‬
‫�إىل هذه الكوكبة قيادة مدر�س ��ة بني ظبيان فت ��م جمع فلول الطلبة املبدعني وذوي الطموح‬
‫فكونوا بهم قيادة النه�ضة الثقافية والرتبوية باملنطقة فكانت االنطالقة الرتبوية ‪.‬‬
‫ب ـ ت�أ�سي�س معهد ليلي حتت م�سمى مدر�سة ليلية بني ظبيان‪:‬‬
‫‪1‬ـ ت�أ�س ��ي�س معهد ليلي‪ :‬لتعليم الذين فاتهم التو�س ��ع يف التعليم يف ال�صغر ببني ظبيان‬
‫وتهيئته ��م للعمل الرتبوي والإداري ومت ذلك بعون اهلل بجهود ذاتية وا�ش�ت�رك معنا يف هذا‬
‫املعهد الذي كان ي�سمى �آنذاك ‪ :‬املدر�سة الليلية بني ظبيان �أ�صحاب الف�ضيلة ال�شيخ حممد‬
‫بن حمود بن �صالح‪ ،‬وال�شيخ �صالح بن ح�سني الع�شماوي وغريهما من الأ�ساتذة الذين زاروا‬
‫املدر�سة من مديرية املعارف كالأ�ستاذ ح�سن بن �صالح فقيها زميل الدرا�سة الذي �سلم �إىل‬
‫ه ��ذه الكوكبة قيادة املدر�س ��ة االبتدائية ببن ��ي ظبيان وقال‪ ( :‬يف بني جلدتك قدم ر�س ��الة‬
‫الدكتوراه ) عندما �س� ��ألناه هل حت�صلت على ر�سالة الدكتوراه التي كنا منني �أنف�سنا و�إياك‬
‫على ا�ستح�صالها من كلية دار العلوم ـ بجامعة القاهرة رغم �أنني ال �أدرك كنهها �آنذاك [‬
‫ولهذا ق�صة تاريخية يف نفو�سنا] ال ت�سع هذه ال�صفحة �سردها ـ والأ�ستاذ علي ح�سن غ�سال‪،‬‬
‫والأ�س ��تاذ عبد املنعم قا�ض ��ي وغريهم ـ كما حتدثنا �آنف ًا ـ وجميعهم من من�س ��وبي املعارف‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪392‬‬
‫وتخ ��رج م ��ن هذا املعهد �أي املدر�س ��ة الليلية املذكورة (‪ [ )1‬رجال �ص ��دقوا م ��ا عاهدوا اهلل‬
‫فمنهم من ق�ضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبدي ًال ] ك�أ�صحاب الف�ضيلة والأ�ساتذة‬
‫يحي ��ى بن علي بن حمود‪ ،‬وعلي �س ��عد �أبو عايل‪ ،‬ورا�ش ��د بن �أحمد بن خ�ض ��ر‪ ،‬وح�س ��ن بن‬
‫�س ��عيد املبعوث‪ ،‬وعطية بن حممد �أبو رياح‪ ،‬و�أحمد املن�ص ��وري‪ ،‬و�ص ��الح الزبري‪ ،‬و�صقر بن‬
‫�س ��عيد الذي كان له اليد امل�س ��اعدة ال�ص ��ادقة لهذا املعهد واملدر�سة االبتدائية ببني ظبيان‬
‫�إدارة وتطوي ��ر ًا‪ ،‬وحم ��ود بن يحيى امله ��دي‪ ،‬وعلي بن يحيى بن حم ��ود‪ ،‬وعلي بن يحيى بن‬
‫�س ��عيد‪ ،‬وحممد ابن يحيى بن �س ��عيد‪ ،‬وعبد اهلل بن �س ��عيد‪ ،‬وهاج�س بن م�س ��فر‪ ،‬و�سعد بن‬
‫�أحم ��د ب ��ن عبد الرحمن‪ ،‬وحممد ال�ش ��مالين‪ ،‬وعبد الرحمن بن عي�س ��ى‪ ،‬وعل ��ي بن �أحمد‬
‫دما�س‪ ،‬وعلي بن م�سفر دما�س‪ ،‬و�أحمد بن �صالح اليماين الذي عا�صر التح�صيل الدرا�سي‬
‫لهذه امل�ؤ�س�س ��ات‪ ،‬وا�شرتك يف تنمية الثقافة ال�شعبية وحمو الأمية بتعليم الباحة مع زمالئه‬
‫املوجهني ال�س ��عوديني وال�س ��وريني كالأ�س ��تاذين جمال الع�س‪ ،‬وحممد عبد ال�س�ل�ام حافظ‪،‬‬
‫والرجل املهاجر املخ�ضرم �صالح بن عبد اهلل الزبري‪ ،‬و�أحمد عبد اهلل بن �ضيف اهلل‪ ،‬وعلي‬
‫بن �س ��عيد بن ق�س ��ق�س‪ ،‬و�أحمد بن م�سفر‪ ،‬وعبد اهلل بن �سعيد بن خ�ضر‪ ،‬ويحيى بن مهدي‪،‬‬
‫و�س ��عيد ب ��ن دما�س بن حمم ��د‪ ،‬وحممد و�أحمد وخ�ض ��ر �أبناء ريح اهلل‪ ،‬وعل ��ي بن هاج�س‪،‬‬
‫وعبد اخلالق بن غرم اهلل‪ ،‬وعدد كبري ال ت�س ��مح م�ساحتنا هذه لذكرهم‪ ،‬وقد ا�شرتك معنا‬
‫يف تهيئتهم للعلوم الع�ص ��رية عدد من الزمالء �أبناء الدول العربية الذين مت ا�س ��تقدامهم‬
‫للتدري� ��س باملدار� ��س احلكومي ��ة االبتدائي ��ة النهارية �آن ��ذاك حتى مت له ��ذه النخبة املوفقة‬
‫الت�أهي ��ل للتدري� ��س والقيادة واالقت�ص ��اد‪ ،‬ففتح اهلل لهم الطريق ال�س ��وي لال�ش�ت�راك معنا‬
‫يف الرتبية والتعليم‪ ،‬وانخراط بع�ض ��هم يف الأعم ��ال القيادية كهيئة الأمر باملعروف ومنهم‬
‫ف�ض ��يلة ال�ش ��يخ حممد بن يحيى بن علي ابن �س ��عيد‪ ،‬ويحيى بن مهدي‪ ،‬و�أحمد املن�ص ��وري‬
‫وغريهم‪ )2(.‬ومنهم من نال الدرجات العلمية الأكادميية رحم اهلل من ق�ض ��ي نحبه وحفظ‬
‫اهلل من هو منتظر ومد اهلل يف �أعمار �أبنائهم و�أحفادهم ليحذوا حذو �أ�سالفهم‪.‬‬
‫ج‪ -‬ت�صنيف الف�صول الدرا�سية بداخل املدر�سة‪:‬‬
‫ت�ص ��نيف الطلبة املتفوقني بداخل مدر�س ��ة بني ظبيان ‪� :‬إىل ف�ص ��ول درا�س ��ية ح�س ��ب‬
‫م�س ��توياتهم العلمية ‪ :‬بداية من ال�ص ��ف الأول �إىل ال�ص ��ف ال�س ��اد�س ومتابعة حت�ص ��يلهم‬
‫الدرا�س ��ي ليل نهار حتى متكنت املدر�س ��ة من تخريج الدفعة الأوىل لل�شهادة االبتدائية عام‬
‫((( �إيج ��اد درا�س ��ة وتراجم لأعالم ب�ل�اد غامد وزهران خ�ل�ال القرنني (‪13‬ـ ‪14‬ه� �ـ ‪19 /‬ـ ‪20‬م) مو�ض ��وع هام وجدير‬
‫بالبحث والدرا�سة ‪.‬حبذا �أن نرى من �أبنائنا الباحثني من يتوىل هنا املو�ضوع بالبحث والدار�سة (ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( �شكر اهلل لك يا �شيخنا �سعد امللي�ص فقد حفظت �أ�سماء رجال كرام كان لهم اليد البي�ضاء على بالد و�سكان غامد‬
‫وزه ��ران وبخا�ص ��ة يف جمايل التنوير والتعليم ‪ .‬ون�أمل �أن نرى من �أح ��د امل�ؤرخني اجلادين من يتوىل ه�ؤالء الرجال‬
‫بالبحوث والدرا�سات العلمية الأكادميية الر�صينة ( ابن جري�س) ‪.‬‬
‫‪393‬‬ ‫الدرا�سة التا�سعة ‪� :‬صور من التعليم النظامي للبنني‪ .‬مبنطقة الباحة خالل العقود املا�ضية املت�أخرة‬

‫(‪1373‬هـ ‪1953 /‬م) وهي�أتهم للعمل الرتبوي والقيادي‪ ،‬وبهم بعد اهلل الذين متت النه�ضة‬
‫الرتبوية ببني ظبيان وباملنطقة ومنهم ‪:‬‬
‫(*) الدفع��ة الأوىل ع��ام (‪1373‬ه��ـ‪1953/‬م) ‪ )1( :‬د‪� .‬س ��عيد حمم ��د امللي� ��ص‬
‫تخ ��رج ع ��ام (‪1373‬هـ‪1953/‬م) وقد ا�ش�ت�رك يف ت�أ�س ��ي�س املدار�س الريحاني ��ة واملدار�س‬
‫الليلية‪ ،‬وامتطى �ص ��هوة املنا�صب القيادية مثل‪ :‬وكيل وزارة املعارف وع�ضو جمل�س ال�شورى‬
‫�إىل مدي ��ر مكت ��ب الرتبي ��ة العربي ل ��دول اخللي ��ج ‪ )2( .‬حممد عبد اهلل غن ��ام تخرج عام‬
‫(‪1373‬ه� �ـ‪1953/‬م) و�ش ��ارك يف املدار� ��س الليلي ��ة‪� )3( .‬س ��عد عل ��ي الك ��ردي تخرج عام‬
‫(‪1373‬هـ ‪1953 /‬م ) وقد ا�ش�ت�رك يف ت�أ�س ��ي�س املدار�س الريحانية واملدار�س الليلية‪)4(.‬‬
‫عبد اهلل �ص ��نقور تخرج عام (‪1373‬هـ‪1953/‬م) وقد ا�ش�ت�رك يف عمل املدار�س الريحانية‬
‫واملدار� ��س الليلي ��ة‪ )5( .‬حمم ��د العب ��د اهلل تخ ��رج ع ��ام (‪1373‬هـ‪1953/‬م) ا�ش�ت�رك يف‬
‫ت�أ�س ��ي�س املدار� ��س الليلي ��ة‪� )6( .‬أحمد بن حممد عي ��ده تخرج ع ��ام (‪1373‬هـ‪1953/‬م)‪.‬‬
‫(‪ )7‬عب ��د اهلل �س ��عد الدربي تخرج ع ��ام (‪1373‬هـ‪1953/‬م) ‪� )8( .‬أحم ��د التابعي تخرج‬
‫عام (‪1373‬هـ‪1953/‬م)‪� )9( .‬س ��عيد بن عو�ض ��ة دما�س تخرج عام (‪1373‬هـ ‪1953 /‬م)‬
‫وا�ش�ت�رك مع زمالئه يف التنمية التعليمية ‪ .‬وجميعهم ا�ش�ت�ركوا معنا يف ن�شر العلم والثقافة‬
‫باملنطقة بجهود م�شكورة (‪. )1‬‬
‫(*) الدفع��ة الثانية عام (‪1374‬هـ‪1954/‬م) ‪� )1( :‬أحمد امللي�ص‪ )2( .‬علي بن‬
‫حممد الكردي (‪ )3‬د‪� .‬س ��عيد بن عطية �أبو عايل وقد ا�ش�ت�ركوا معنا يف ت�أ�س ��ي�س املدار�س‬
‫الريحانية واملدار�س الليلية باملنطقة مالي ًا وعملي ًا واجتماعي ًا‪ )4(.‬م�س ��اعد �أحمد العبا�سي‬
‫(‪ )5‬في�ص ��ل بن �س ��عيد وا�ش�ت�رك يف املدار�س الليلية ‪ )6( .‬حمود بن يحيى (‪ )7‬عبد اهلل‬
‫جع ��ري‪ )8( .‬عب ��د العزيز �إبراهيم الفقي ��ه‪ )9( .‬عبد اهلل بدران‪� )10( .‬أحمد �س ��عيد �أبو‬
‫را�س وغريهم مثل‪� :‬أحمد �أبورا�س‪ ،‬و�أحمد الع�س ��ي�س‪ ،‬و�س ��عيد �صالح اخل�ضر و�إخوانه وبنو‬
‫عمهم و�أحمد بن م�س ��فر دما�س و�إخوانه ولهم جميع ًا ا�ش�ت�راك يف النه�ضة التعليمية وعدد‬
‫�آخر تخرجوا يف عام (‪75‬ـ ‪1376‬هـ ‪55/‬ـ ‪1956‬م) مل نذكرهم هنا ل�ضيق امل�ساحة‪.‬‬
‫د ــ ا�ستمرارية التخرج من املدر�سة حتى يومنا هذا ‪:‬‬
‫ا�ش�ت�ركت مدار� ��س املنطق ��ة يف تخري ��ج ال�ش ��هادة االبتدائي ��ة ابت ��دا ًء م ��ن ع ��ام‬
‫(‪1376‬هـ‪1956/‬م) وكان عدد طالب ال�ش ��هادة االبتدائية مبدر�س ��ة بن ��ي ظبيان يف العام‬
‫نف�س ��ه ينوف عن ال�ستني طالب ًا من �أنحاء املنطقة‪ ،‬لوال بع�ض الظروف الطارئة لرفعنا بهم‬

‫((( ه�ؤالء الكوكبة من املعلمني منذ �سبعينيات القرن الهجري املا�ضي جديرة ب�أن يخرج عنها بع�ض الرتاجم والدرا�سات‬
‫التاريخية والرتبوية وهذا دور جامعة الباحة ( ابن جري�س) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪394‬‬
‫تغذي ��ة للمعه ��د االبتدائي الذي مت ت�أ�سي�س ��ه ببني ظبيان ع ��ام (‪76‬ـ‪1377‬هـ‪56/‬ـ ‪1957‬م)‬
‫ك�أول معهد باملنطقة ملدر�س ال�ض ��رورة حتت م�سمى معهد املعلمني االبتدائي كنواة ل�شمولية‬
‫التعلي ��م الع ��ام علمي ًا و�أدبي ًا حكومي� � ًا �آنذاك‪ .‬الذي كان التعليم فيه يقت�ص ��ر على الكتاتيب‬
‫واملرحلة االبتدائية كما حتدثن ًا �آنف ًا‪.‬‬
‫‪6‬ـ اخلطوة الثالثة للتنمية الفكرية والتعليمية ببني ظبيان ومنطقة الباحة‪:‬‬
‫قام ��ت ه ��ذه النه�ض ��ة الرتبوي ��ة املبارك ��ة ببني ظبي ��ان التي متثل ��ت يف الدفع ��ة الأوىل‬
‫والثانية لل�ش ��هادة االبتدائية بت�أ�سي�س مدر�سة متو�سطة عام(‪1378‬هـ‪1958/‬م) وثانوية عام‬
‫(‪1381‬هـ‪1961/‬م) والق�سم العايل عام (‪1382‬هـ‪1962/‬م) ببلدة الريحان ‪ /‬حتت م�سمى‬
‫املدار� ��س الريحانية ببني ظبيان امتداد ًا ل�ص ��ندوق الرب الذي �أ�س�س ��ه زمال�ؤن ��ا و�أبنا�ؤنا يف‬
‫بداي ��ة عام(‪1370‬هـ‪1950/‬م) ببني ظبيان بجهد املقل ‪ .‬والذي حتدثنا عنهم �آنف ًا يف بداية‬
‫ملخ�صنا هذا و�سنفرد بحث ًا م�ستق ًال عن ت�أ�سي�س �صندوق الرب وم�ؤ�س�سيه ون�شاطاتهم بداخل‬
‫املنطقة �إن �شاء اهلل وا�شرتك معنا يف الت�أ�سي�س وا�ستمرارية العمل يف هذا املجهود الرتبوي‪،‬‬
‫كل من معايل وزير املعارف ال�س ��ابق ال�ش ��يخ عبد العزيز بن عبد اهلل بن ح�س ��ن �آل ال�ش ��يخ‪،‬‬
‫ومدي ��ر التعليم باملنطقة ال�ش ��يخ عبد العزيز بن عبد املح�س ��ن �آل ال�ش ��يخ‪ ،‬وم�س ��اعده مدير‬
‫التعلي ��م ال�ش ��يخ حممد �أحمد �أنور ع�س�ي�ري(‪ )1‬وجمموعة كبرية من رج ��ال التعليم باملنطقة‬
‫من �أبناء البالد ال�س ��عودية والدول العربية املجاورة‪ ،‬وقد تخرج عدد كبري من هذه املدار�س‬
‫امل�سماة ( املدار�س الريحانية ) من طلبة مدر�سة بني ظبيان ومدار�س املنطقة الذين فاتهم‬
‫التعليم الثانوي واجلامعي يف �سن ال�صغر حيث ا�شتغلوا يف الوظائف الرتبوية والإدارية ‪.‬‬
‫ومت فتح فروع لها بكل من الباحة برئا�س ��ة جمموعة من �أبنائنا ال�ش ��باب ومنهم �س ��عد‬
‫وعب ��د اهلل ابن ��ي حممد �أحمد امللي�ص‪ ،‬وعبد اهلل علي ال�ش�ب�رقي‪ ،‬وعلي بن عو�ض ��ة دما�س‬
‫وغريهم‪ ،‬ومن زمالئنا ‪ :‬الدكتور نا�ص ��ر علي ب�ش ��يه‪ ،‬وبع�ض املدر�سني املتعاقدين للتدري�س‬
‫باملنطقة‪ ،‬وكذلك بلجر�ش ��ي برئا�س ��ة الأ�س ��تاذ حممد علي املطوع رحمه اهلل‪ ،‬و�أ�شرف على‬
‫هذه الكوكبة املباركة فيما بعد رعاية وتوجيه ًا وروح ًا لهذه امل�ؤ�س�سة التعليمية مديرو التعليم‬
‫ال�سابقني منهم ال�شيخ علي �سليمان املقو�شي‪ ،‬وال�شيخ علي بن �سعد معجل‪ ،‬وال�شيخ الدكتور‬
‫فهد بن جابر احلارثي ونائبه �س ��عد �س ��عيد احلارثي‪ ،‬وال�ش ��يخ عبد العزيز البطني‪ ،‬وال�شيخ‬
‫عبد الرحمن الدهري الذي الزم امل�ؤ�س�س ��ة دعم ًا وت�أييد ًا ميداني ًا مع �إخوته ر�ؤ�س ��اء �أق�س ��ام‬
‫�إدارة التعليم بالباحة كالأ�ساتذة‪ :‬تركي ملة‪ ،‬وعبد اخلالق مدي�س‪ ،‬ورجال التوجيه الرتبوي‬
‫على اختالف تخ�ص�ص ��اتهم ومنهم‪ :‬الأ�س ��تاذ �إبراهيم �سعيد الزهراين‪ ،‬وحممد �سعيد �أبو‬
‫را�س‪ ،‬وعبد اهلل �ص ��نقور‪ ،‬و�س ��عد الكردي‪ ،‬و�شرف الزهراين‪ ،‬وعبد اهلل عطية قران‪ ،‬وعبد‬
‫((( ملزيد من التف�صيالت عن الأ�ستاذ �أنور انظر ‪ :‬غيثان بن جري�س‪ ،‬من رواد الرتبية والتعليم يف اململكة‪ ،‬حممد �أحمد‬
‫�أنور‪� ،‬ص‪ 18‬وما بعدها ‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫‪395‬‬ ‫الدرا�سة التا�سعة ‪� :‬صور من التعليم النظامي للبنني‪ .‬مبنطقة الباحة خالل العقود املا�ضية املت�أخرة‬

‫اهلل جار اهلل‪ ،‬و�صقر بن �سعيد‪ ،‬وم�شهور بن حممد دروي�ش بن غرم اهلل‪ ،‬وحمود بن يحيى‪،‬‬
‫و�إبراهيم عبا�س‪ ،‬وح�سني عبدان‪ ،‬وحممد �سعد يحيى وغريهم (‪. )1‬‬
‫‪7‬ـ ا�ستمرارية التنمية التعلمية والتعليمية باملدار�س الريحانية ‪:‬‬
‫�ش ��قت هذه املدار�س وفروعه ��ا طريقها يف التنمية التعليمي ��ة يف الوقت الذي كان فيه‬
‫التعلي ��م باملنطقة يقت�ص ��ر على املرحل ��ة االبتدائية وتخرج من هذه النه�ض ��ة املباركة جمع‬
‫كبري من رجال الفكر والأدب والتعليم والتعلم منهم على �س ��بيل املثال ال احل�ص ��ر‪ :‬د �سعيد‬
‫حمم ��د امللي� ��ص طالب ًا ومعلم� � ًا و�إداري ًا‪ ،‬د عبد اهلل �أبو را�س‪ ،‬و�س ��عيد غرم اهلل‪ ،‬م�ش ��خ�ص‬
‫عبد اهلل‪ ،‬وفي�صل اخلربطي‪ ،‬ودروي�ش غرم اهلل‪ ،‬وعلي �صالح ال�سلوك‪ ،‬و�سعد علي الكردي‬
‫طالب� � ًا ومعلم ًا و�إداري ًا‪ ،‬وعلي حمم ��د الكردي طالب ًا ومعلم ًا و�إداري� � ًا‪ ،‬و�أحمد امللي�ص طالب ًا‬
‫ومعلم ًا و�إداري ًا‪ ،‬وعبد اهلل عطية قران و�أخيه د‪� .‬س ��عد عطية قران‪ ،‬و�س ��عيد عو�ض ��ة‪ ،‬وعلي‬
‫م�س ��فر‪ ،‬و�أحمد م�س ��فر‪ ،‬وعلي عو�ض ��ه‪ ،‬وحممد العبد اهلل‪ ،‬و�س ��امل قحو�ش‪ ،‬وحممد غنام‪،‬‬
‫وعبد اهلل �صقور طالب ًا و�إداري ًا‪ ،‬و�صالح الزبري‪ ،‬و�أعداد كبرية من قطاع بلجر�شي والأطاولة‬
‫يف املراحل الثالث‪ ( ،‬متو�سط‪ ،‬وثانوي‪ ،‬ودار التوحيد )‪ ،‬ف�شقوا طريقهم لإكمال درا�ساتهم‬
‫العلي ��ا‪ ،‬ومنه ��م من تخ ��رج بالبكالوريو�س واللي�س ��ان�س ومنه ��م من نال درجتي املاج�س ��تري‬
‫والدكتوراه‪ ،‬ومت ا�ش�ت�راكهم بعون اهلل يف �إعداد �آلية النه�ض ��ة الرتبوي ��ة والثقافية باملنطقة‬
‫خا�ص ��ة وباململكة عامة‪ ،‬وملفات �إدارة تعليم منطقة الباحة تزخر باملعلومات الثبوتية لهذه‬
‫الأعمال الرتبوية وبخا�صة �أق�سام االمتحانات‪ ،‬ومكافحة الأمية‪ ،‬والتوجيه الرتبوي‪� ،‬إ�ضافة‬
‫�إىل التوثي ��ق الرتبوي بالتعليم الأهلي والتعلي ��م العام واالمتحانات بوزارة الرتبية والتعليم‪،‬‬
‫وبجهودهم الذاتية بعون اهلل ن�شطت احلركة الرتبوية مبنطقة الباحة ومبناطق اململكة التي‬
‫عملوا بها بعد التخرج من الدرا�سات العليا‪ ،‬وكانوا وما زالوا مع �أقرانهم من �أبناء املنطقة‬
‫رموز ًا للتمدن واحل�ضارة على اختالف تخ�ص�صاتهم بحمد اهلل تعاىل(‪. )2‬‬
‫‪8‬ـ طموح ال�شباب �إىل ت�أ�سي�س التعليم الأكادميي باملنطقة‪:‬‬
‫اخلطوة الرابع ��ة كنا نحن واملبدعني من �أبنائنا الطلبة وزمالئنا يف التنمية ال�ش ��املة‬
‫نعقد العزم ب�أن نقوم بت�أ�س ��ي�س �أكادميية تعليمية نواة جلامعة ترنو �إىل ت�أ�سي�س ��ها باملنطقة‬
‫�آنذاك الحت�ض ��ان الق�س ��م العايل بهذه املدار�س‪ ،‬وقد تعرث علينا العطاء املايل واالجتماعي‬
‫((( �إن منطق ��ة الباحة الزالت بالد من�س ��ية يف باب البحوث والدرا�س ��ات التاريخية ‪ .‬والتاريخ ال�سيا�س ��ي واالقت�ص ��ادي واالجتماعي‬
‫والثق ��ايف والرتبوي والتعليمي من �أهم املو�ض ��وعات التي ت�س ��تحق �أن يف ��رد لها بحوث ًا علمية �أكادميية ون�أم ��ل من الأكادمييني يف‬
‫جامعة الباحة وغريها �أن يولوا هذه الأوطان اهتمام ًا جاد ًا يف بحوثهم و�أعمالهم ور�سائلهم العلمية والأكادميية ( ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( جزى اهلل ال�ش ��يخ امللي�ص خري اجلزاء فقد �أورد لنا يف هذه الأقوال حماور رئي�س ��ية ت�س ��اعد من يرغب من الباحثني‬
‫التو�سع يف تاريخ الرتبية والتعليم يف منطقة الباحة ‪ .‬وامل�س�ؤولية كبرية على الأ�ساتذة الأكادمييني واملتخ�ص�صني يف‬
‫جماالت التاريخ والتعليم والرتبية وبخا�ص ��ة من �أهايل غامد وزهران فيدر�س ��وا تاريخ التعليم واحل�ض ��ارة والتنمية‬
‫التي مرت بها بالدهم منذ �سبعني عام ًا حتى يومنا احلا�ضر ( ابن جري�س) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪396‬‬
‫والإبداع ��ي يف تلك الفرتة‪ ،‬ففازا م�ؤخر ًا بهذه املهم ��ة التاريخية التعليمية كل من الأمريين‬
‫�ص ��احب ال�س ��مو امللكي الأمري حممد بن �س ��عود �أمري منطقة الباحة و�س ��مو الأمري الدكتور‬
‫في�ص ��ل بن حمم ��د بن �س ��عود نائب �أم�ي�ر منطقة الباحة ف�أ�س�س ��ا م�ش ��كورين ه ��ذه الكلية‬
‫حت ��ت م�س ��مى (كلي ��ة الباحة الأهلي ��ة للعلوم) و�أ�س ��ندت �إدارته ��ا �إىل �أحد �أبنائن ��ا الأبرار‬
‫الذين ا�ش�ت�ركوا معنا يف ت�أ�س ��ي�س �آلية التنمية التعلمية والتعليمية باملنطقة يف ال�سبعينيات‬
‫والثمانينيات الأ�س ��تاذ الدكتور �سعيد بن عطية �أبو عايل‪ ،‬الأ�ستاذ بجامعة �أم القرى �سابق ًا‬
‫ومدي ��ر عام الرتبية والتعليم باملنطقة ال�ش ��رقية �س ��ابق ًا‪ ،‬ورئي�س جائ ��زة الأمري حممد بن‬
‫فهد للتفوق العلمي حالي ًا‪ ،‬فكان ملن�س ��وبي النه�ض ��ة الرتبوية ببني ظبيان ن�ص ��يب الوفاء مع‬
‫�أ�ص ��حاب الف�ضل والكرم والوطنية ال�ص ��ادقة والعطاء حكامنا و�أمرائنا‪ ،‬فجزاهم اهلل عنا‬
‫وعن هذه املنطقة وطلبة العلم واملعرفة خري اجلزاء(‪. )1‬‬
‫‪9‬ـ م�شاركة املدر�سة ال�سلفية ببلجر�شي يف التنمية التعليمية والتعلمية‪:‬‬
‫ت�أ�س ���س يف جنوب املنطقة ببلدة ال�ش ��عبة من قطاع حمافظة بلجر�شي يف الت�سعينيات‬
‫الهجرية مدر�سة ‪� :‬أ�شبه ما تكون �أكادميية حتت �إ�شراف ذوي الطول من علمائنا وم�شائخنا‬
‫ومنهم‪� :‬أ�صحاب ال�سماحة ال�شيخ حممد بن �إبراهيم‪ ،‬وال�شيخ عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز‬
‫مفتيا اململكة العربية ال�سعودية رحمهما اهلل‪ ،‬حيث مت يف �أروقتها �شبه مناهج التعليم العام‬
‫( ابتدائي ـ متو�سط ـ ثانوي) وحماذاة التعليم العايل ملا فوق مراحل التعليم فقه ًا وتف�سري ًا‬
‫ولغة وتاريخ ًا وعلوم الآلة‪� ،‬إ�ض ��افة �إىل درا�س ��ة علوم القر�آن الكرمي وحفظه ب�أ�سلوب روحي‬
‫�أقرب منه تطبيقي ًا عملي ًا‪ ،‬وكان مل�ؤ�س�س ��ي هذه امل�ؤ�س�س ��ة التعليمية التي �س ��ميت باملدر�س ��ة‬
‫ال�س ��لفية(‪ )2‬نظرية علمية �س ��لفية ت�شخ�صت يف �أ�صحاب الف�ض ��يلة �آنذاك ال�شيخ نا�صر بن‬
‫مغرم ( رحمه اهلل ) رئي�س هيئات الأمر باملعروف مبنطقة بلجر�ش ��ي‪ ،‬وال�ش ��يخ حممد علي‬
‫جماح رئي�س ��ها بعد ذلك وزمالئهما الذين �أنكروا ذاتهم يف �س ��بيل حتقيق م�صلحة تعليمية‬
‫عالية باملنطقة بعد العقد ال�س ��اد�س من القرن الرابع ع�شر الهجري‪ ،‬وكنا والإخوان املربني‬
‫ببني ظبيان يف ال�ساقة مع هذه النخبة الطيبة الأعراق بقطاع بلجر�شي‪ ،‬ومن ثم ُ�ضمت هذه‬
‫امل�ؤ�س�س ��ة التعليمية �إىل ركب التعليم بوزارة املعارف م�ؤخر ًا‪ ،‬وكان ملو�س ��ري بالدنا املقد�سة‬
‫جتاه هذه امل�ؤ�س�س ��ة جهود تذكر فت�شكر فجزاهم اهلل خري اجلزاء‪� ،‬إ�ضافة �إىل تبني الدولة‬
‫ب�سخاء تكاليف براجمها ‪.‬‬

‫((( تاري ��خ التعلي ��م العام والع ��ايل يف منطقة الباحة جدير بالبحث والدرا�س ��ة‪ ،‬ون�أم ��ل �أن نرى �أحد �أبن ��اء منطقة الباحة‬
‫وبخا�صة الباحثني الأكادمييني من يتوىل هذا املو�ضوع بالبحث والدرا�سة العلمية الأكادميية اجلادة ( ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( هذه املدر�س ��ة ت�س ��تحق �إىل �أن يف ��رد لها كتاب علمي ًا �أكادميي� � ًا ون�أمل من �أبناء منطقة الباح ��ة امل�ؤرخني والباحثني‬
‫اجلادين �أن يتولوا هذا املو�ض ��وع بالبحث والدرا�س ��ة الأكادميية العلمية الر�ص ��ينة‪ .‬ومن يفعل ذلك ف�إنه �سوف يطلع‬
‫�أجيال احلا�ضر وامل�ستقبل على الدور الهام الذي لعبته تلك امل�ؤ�س�سة التعليمية ‪ (.‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫‪397‬‬ ‫الدرا�سة التا�سعة ‪� :‬صور من التعليم النظامي للبنني‪ .‬مبنطقة الباحة خالل العقود املا�ضية املت�أخرة‬

‫‪10‬ـ جهود رجال هذا ال�صرح املعريف باملنطقة يف هذا العهد ال�سعودي املبارك‪:‬‬
‫مل تكن هذه النه�ضة املباركة للتنمية الفكرية والأدبية والتعليمية �أتت بال�صدفة بل �إن‬
‫هذا ال�ص ��رح املعريف منبثق عن نه�ض ��ة بالدنا التنموية التي �أ�س ���س �أطرها موحد اجلزيرة‬
‫العربية جاللة امللك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفي�ص ��ل �آل �س ��عود ملك اململكة العربية‬
‫ال�س ��عودية ورعاه ��ا �أبن ��ا�ؤه و�أحف ��اده واخلل�ص م ��ن �أبن ��اء اململكة ومناها خ ��ادم احلرمني‬
‫ال�ش ��ريفني املل ��ك عبد اهلل ب ��ن عبد العزيز و�س ��مو ويل عه ��ده الأمني و�إخوانه ��م و�أبنائهم‬
‫و�أحفادهم و�أبناء هذه البالد املقد�سة‪ ،‬ولقد تزاحم رجال الرتبية والتعليم والفكر والقيادة‬
‫مدي ��رو التعلي ��م مبنطقة الباحة الآتية �أ�س ��ما�ؤهم ‪ :‬حت ��ت لواء التطوي ��ر والتوجيه واملتابعة‬
‫والعطاء العلمي حتقيق ًا ملا ت�صبو �إليه قيادتنا الوطنية ال�سلفية فنه�ضوا ب�إخال�ص وا�ستجابة‬
‫لطموحات املواطنني‪ .‬وهذه النخبة العاملة ذات القيم التي حملت �ش ��علة الر�سالة الرتبوية‬
‫مبنطقة الباحة بكفاءة ووطنية �صادقة ومن مديري التعليم ووكالئهم الذين تولوا م�س�ؤولية‬
‫الإدارة الرتبوية منذ �إن�ش ��ائها حتى الآن وهم‪ )1( :‬ال�ش ��يخ خليل كتب خانة معتمد املعارف‬
‫بالطائف ومنطقة الظفري حتى عام (‪1370‬هـ‪1950/‬م)‪ .‬وقد توزعت امل�س�ؤولية الإ�شرافية‬
‫على بع�ض مدار�س املنطقة منها مدر�س ��تي بني ظبيان والظفري‪ )2( .‬ال�ش ��يخ ح�سن حكيم‬
‫معتمد املعارف ببلجر�ش ��ي من �آخر عام (‪1373‬ه� �ـ ‪1953/‬م) (‪1374‬هـ‪1954/‬م)‪ )3(.‬د‬
‫عل ��ي ابن حمم ��د التويجري (‪ 1375‬ـ‪1377‬ه� �ـ ‪1955 /‬ـ ‪1957‬م)‪ )4(.‬ال�ش ��يخ عبد العزيز‬
‫عبد املح�س ��ن �آل ال�ش ��يخ (‪1377‬ـ ‪1385‬هـ‪1957 /‬ـ ‪1965‬م)‪ )5( .‬ال�شيخ حممد �أحمد �أنور‬
‫ع�س�ي�ري وكي ًال ومدير ًا‪ )6( .‬ال�ش ��يخ علي بن �س ��ليمان املقو�ش ��ي (‪1385‬ـ ‪1386‬هـ‪1965/‬ـ‬
‫‪1966‬م)‪ )7(.‬ال�ش ��يخ عل ��ي ب ��ن معج ��ل اب ��ن �س ��عد (‪1386‬ـ ‪1391‬ه� �ـ ‪1966/‬ـ ‪1971‬م) ‪.‬‬
‫(‪ )8‬الأ�س ��تاذ عم ��ر ال�ص ��يني وكي ًال ومدي ��ر ًا‪ )9( .‬الأ�س ��تاذ حممد بن و�ص ��ل اهلل الثبيتي‬
‫(‪1971/1391‬م)‪ )10( .‬الأ�س ��تاذ �صبحي بن يحيى احلارثي (‪1391‬هـ‪1971/‬م) ‪)11( .‬‬
‫الأ�س ��تاذ فهد بن جابر احلارثي (‪1392‬ـ ‪1405‬هـ‪1972/‬ـ ‪1985‬م) ‪ )12( .‬الأ�س ��تاذ �س ��عد‬
‫�سعيد احلارثي وكي ًال ومدير ًا ‪ )13( .‬الأ�ستاذ عبد العزيز بن عبد الرحمن البطني(‪1405‬ـ‬
‫‪1407‬هـ ‪1985 /‬ـ ‪1987‬م) ‪ )14( .‬ال�شيخ عبد الرحمن �أحمد الدهري (‪1407‬ـ ‪1419‬هـ ‪/‬‬
‫‪1987‬ـ ‪1999‬م) ‪ )15( .‬د هجاد عمر الغامدي (‪1419‬ـ ‪1423‬هـ‪1999 /‬ـ ‪2003‬م) ‪)16( .‬‬
‫الأ�س ��تاذ �إبراهيم �س ��عيد الزهراين وكي ًال فني ًا‪ )17( .‬الأ�ستاذ حممد �سعيد �أبو را�س وكي ًال‬
‫�إداري ًا ثم فني ًا ‪ )18( .‬الأ�س ��تاذ �إبراهيم �س ��عيد حمدان وكي ًال �إداري ًا ‪ )19( .‬الأ�ستاذ مطر‬
‫�أحم ��د رزق اهلل مدير ًا للتعليم من عام (‪1423‬هـ‪2003/‬م)‪ )1(.‬ثم املدير احلايل الأ�س ��تاذ‬
‫�س ��عيد خماي�ش الزهراين ومازال قائم ًا على الإدارة �أعانه اهلل وملن�س ��وبي التعليم باملنطقة‬
‫من مدر�س�ي�ن ومدي ��ري مدار�س وموجهني داخل الهيئة وخارجها امل� ��ؤازرة امليدانية ملديري‬

‫((( هذه املذكرة و�ص ��لتنا من ال�ش ��يخ امللي�ص يف عام (‪1424‬هـ‪2004/‬م) ‪ .‬مع �أن هناك مدراء وم�س�ؤويل تعليم جاءوا بعد ذلك‬
‫العام ‪ .‬ون�أمل �أن نرى درا�سات مطولة عن تاريخ التعليم يف منطقة الباحة يف الع�صر احلديث واملعا�صر ‪ (.‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪398‬‬
‫التعليم وزمالئهم اليد الطوىل يف توجيه النا�شئني ملا فيه �صقل عقيدتهم ال�سلفية وتهيئتهم‬
‫للخدمة الوطنية علم ًا وثقافة وتنمية �شاملة (‪. )1‬‬
‫(*) ر�أي وتعليق(‪:)2‬‬
‫بعد االطالع على هذه اخلال�ص ��ة التي زودنا بها �أحد رواد الرتبية والتعليم يف منطقة‬
‫الباح ��ة خ�ل�ال العقود املت�أخرة من القرن الهجري املا�ض ��ي‪ ،‬و�أوائل القرن اخلام�س ع�ش ��ر‬
‫الهجري‪ ،‬خرجنا بالعديد من الآراء والتعليقات التي نوردها يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪1 .1‬منطقة الباحة بالد �شا�س ��عة متنوعة الت�ض ��اري�س متعددة الع�ش ��ائر والقرى والبوادي‪،‬‬
‫ومن ثم فهي بالد لها تاريخ قدمي وو�س ��يط وحدي ��ث ‪ .‬بل يوجد بها من الآثار والنقو�ش‬
‫والر�س ��ومات ال�ص ��خرية ما ي�ؤكد عراقة تاريخ ه ��ذه الديار الغامدي ��ة الزهرانية التي‬
‫تعود �إىل ع�ص ��ور ما قبل الإ�س�ل�ام ‪ .‬ون�أمل �أن نرى هناك درا�سات تاريخية �أثرية جيدة‬
‫ع ��ن هذه البالد الباحوية‪ ،‬والأمل معقود يف �أ�ص ��حاب الأم ��وال والأكادمييني اجلادين‬
‫فتت�ضافر جهودهم يف خدمة تاريخ وح�ضارة هذه البالد العريقة ب�ساكنيها منذ القدم‪.‬‬
‫‪2 .2‬و�إذا عرجنا على تاريخ هذه البالد يف الع�صور الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة واحلديثة‬
‫واملعا�ص ��رة فهي امتداد حل�ضارة وتاريخ الأوائل من �سكان هذه البالد ‪ .‬ون�أمل �أن نرى‬
‫من يخدمها يف ميادين البحوث العلمية التاريخية الر�صينة‪.‬‬
‫‪3 .3‬ك ��ون ه ��ذه امل�ش ��اركة من �ش ��يخنا امللي�ص ت ��دور يف فل ��ك التاريخ احلدي ��ث ويف جمال‬
‫الرتبي ��ة والتعلي ��م حتدي ��د ًا فذلك م�س ��اهمة مباركه من ه ��ذا الرائد الغام ��دي‪ ،‬ولكن‬
‫الأه ��م �أن منطقة الباحة اليوم ت�ش ��تمل على مئات ب ��ل �آالف املتعلمني والأكادمييني يف‬
‫جماالت علمية عديدة ( نظرية �إن�س ��انية وعلمية بحتة) وه�ؤالء عليهم م�س� ��ؤولية كبرية‬
‫جت ��اه بالدهم فيقوموا ويعملوا ما يف و�س ��عهم خلدمة بالده ��م و�أهليهم‪ ،‬كل يف جمال‬
‫تخ�ص�صه واهتماماته‪ ،‬وامل�ؤرخون والأثريون والرتبويون على ر�أ�س القائمة الذين يجب‬
‫عليهم العكوف على درا�سات �أكادميية تعود بالنفع على �أوطانهم وبني جلدتهم‪.‬‬
‫‪�4 .4‬إم ��ارة منطق ��ة الباحة‪ ،‬واجلامعة‪ ،‬و�إدارات الرتبية والتعلي ��م يف املنطقة عليها هي الأخرى‬
‫م�س�ؤوليات يف ميدان الدعم يف دعم وت�شجيع البحوث العلمية الإن�سانية والرتبوية التاريخية‬
‫واحل�ض ��ارية التي تعود على بالد و�س ��كان منطقة الباحة بالنفع والفائدة‪ .‬ويف اعتقادنا �أن‬
‫هذا اجلانب العلمي واملعريف يجب �أن ت�س ��خر له الأموال وت�ش ��جع الكوادر الب�ش ��رية العلمية‬
‫من �أجل الإ�سهام يف كل ما له دور يف التنمية والبناء واحل�ضارة ‪ .‬واهلل من وراء الق�صد‪.‬‬
‫((( ه�ؤالء امل�س� ��ؤولون الرتبويون ي�س ��تحقون �إفراد درا�س ��ة علمية م�س ��تقلة عن جهودهم و�إجنازاتهم العلمية ‪ .‬وبع�ضهم وخا�صة‬
‫الأوائل منهم يجب على جامعة الباحة �أن ت�ش ��جع الباحثني بها على درا�س ��ة تراجم �أولئك الرجال‪� .‬أما املت�أخرون وبخا�ص ��ة‬
‫الذين الزالوا على قيد احلياة فالواجب عليهم تدوين مذكراتهم وما عرفوا وعا�صروا يف ميدان الرتبية والتعليم ‪ .‬ومن يفعل‬
‫ذلك ف�إنه �سوف ي�سدي لأهايل الباحة فائدة كبرية حتفظ جزء من تاريخ بالدهم احل�ضاري ‪ (.‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( هذا الر�أي �إ�ضافة من �صاحب الكتاب‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫‪399‬‬ ‫الدرا�سة العا�شرة ‪ :‬وقفات مع �آثار منطقة الباحة‬

‫الدراســــــة العاشــــــرة‬

‫وقفات مع �آثار منطقة الباحة‬


‫(*)‬
‫بقلم ‪:‬د ‪ .‬جمعان بن عبد الكريم الغامدي‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (الباحة وع�سري) ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(‪1434‬هـ ‪2013 ،‬م) ‪( -‬اجلزء اخلام�س)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪117 - 96‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪400‬‬
‫الدرا�س��ة العا�ش��رة ‪ :‬وقفات مع �آثار منطقة الباح��ة(‪ : )1‬بقلم الدكتور‬
‫جمعان بن عبد الكرمي الغامدي ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫(*) مواقع �أثرية مكت�شفة‪:‬‬
‫�س� �� ِّأعرف يف هذا البحث ببع�ض املواقع الأثرية املكت�شفة يف منطقة الباحة‪ ،‬وقد �أردت‬
‫�أن �أ�ض ��رب �ص ��فح ًا عن التعريف بها لوال ما ر�أيت من تق�صري وا�ضح من اجلهة امل�س�ؤولة يف‬
‫االهتمام بالآثار‪ ،‬و�إ�س ��نادها �إىل غري املخت�ص�ي�ن‪ ،‬فعلى �س ��بيل املثال ال يذكرون نقو�ش� � ًا يف‬
‫الرحي‪ ،‬ويف جبل القهب‪ ،‬بينما يوجد يف غربي الرو�ضة كثري ًا من‬ ‫ِّ‬ ‫رو�ضة بني �سيد �إال يف تل‬
‫النقو�ش التي قمت بت�ص ��ويرها‪ .‬كما �أنهم �أهملوا �آثار الباهر وهي يف و�س ��ط مدينة الباحة‬
‫حتى قامت البلدية باالعتداء عليها �ض ��من خمططه ��ا يف الباهر‪ ،‬بل �إن البلدية جعلت �آثار‬
‫املفارجة يف حيز املخطط‪ ،‬و�ش ��قت الآثار لإقامة طريق من و�س ��طها‪ ،‬واالعتداء نف�سه مت يف‬
‫�آثار �صفح الكتاب‪� ،‬أما ه�ضبة �أبي احل�صني فقد ذقت الأمرين للو�صول �إليها فلم �أجد �شيئ ًا‬
‫ذا ب ��ال و�إمنا هي خرب�ش ��ات حديثة لبع� ��ض الرعاة وهم يعدونها يف جملة الآثار املكت�ش ��فة‪.‬‬
‫وجهودي املتوا�ض ��عة على مدار �أكرث من خم�س �سنوات جعلتني �أع ِّرف ب�أهم الآثار املكت�شفة‬
‫(‪)3‬‬
‫يف املنطقة‪ ،‬ع�ساها حتظى باهتام �أكرب‪.‬‬
‫‪1‬ـ قملي ‪:‬‬
‫لقد �سمعت عن هذا املكان كثري ًا وقد �شدين �إىل حتديد موقعه ما روي من �أن الأزد قد‬
‫اجتمعوا يف هجرتهم الكبرية عند هذا اجلبل ويف �أبيدة يقول �س ��لمة بن م�سلم ال�صحاري ‪:‬‬
‫" وافرتقت الأزد من �أبيدة فرق ًا ثالث ًا ‪ ) 200/2( "...‬الأن�ساب ‪.‬‬
‫وق ��د جه ��دت كثري ًا حتى عرفت موقعه بعد �أن مررت على رجل بدوي من �س ��كان وادي‬
‫بهر فدلني على جبل قملي امل�ش ��مخر ذي القمم اخلم�س الذي يقع �شرقي وادي بهر و�شمال‬
‫�ش ��رقي مدين ��ة الباحة ويبعد عنها ع�ش ��رة �أكي ��ال تقريب ًا‪ ،‬وقد وج ��دت يف اجلبل كثري ًا من‬

‫((( هذا العنوان من �إعداد �ص ��احب الكتاب‪ ،‬مع �أن جميع الأوراق التي و�ص ��لتنا من الدكتور جمعان حتت عنوان ‪ :‬مدخل‬
‫�إىل �آث ��ار منطق ��ة الباحة ‪ .‬اجلزء الأول ‪ .‬ويوجد �ص ��ورة من جميع هذه الأوراق �ض ��من مكتب ��ة ‪ .‬د‪ .‬غيثان بن جري�س‬
‫العلمية (بحوث ودرا�سات )‪.‬‬
‫((( ه ��ذا العن ��وان من عمل الدكت ��ور جمعان الغام ��دي‪ ،‬انظر الأوراق الرئي�س ��ية يف مكتب د‪ .‬غيثان ب ��ن جري�س العلمية‬
‫(بحوث ودرا�سات )‪.‬‬
‫((( للمزيد عن �آثار منطقة الباحة انظر تف�ص ��يالت �أوردها جمعان عبد الكرمي الغامدي يف بحثه املو�س ��وم بـ ‪ :‬تنبيهات‬
‫حول تاريخ منطقة الباحة‪ ،‬واملن�شور يف كتابنا ‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة‪ ،‬ج‪� 2‬ص ‪ 198‬ـ ‪. 210‬‬
‫‪401‬‬ ‫الدرا�سة العا�شرة ‪ :‬وقفات مع �آثار منطقة الباحة‬

‫املخرب�ش ��ات والر�س ��وم املتفرقة التي يغلب عليها ر�س ��وم الأوعال‪ ،‬ويلحظ �أن ر�سوم الوعول‬
‫لي�س ��ت بطريقة واحدة فهناك �أكرث من طريقة لر�س ��م الوعول ‪ .‬ثم �إين وجدت حجائر على‬
‫�ش ��كل حذوة ح�ص ��ان يقول البدو �إنها مرابط للخيل‪ ،‬ويبدو �أنها �آثار م�س ��اكن ب�ش ��رية غاية‬
‫يف القدم‪ ،‬ويرجح �أن الأزد قد وجدوا �آثار ًا قدمية عندما �س ��كنوا يف اجلبل وحوله‪ ،‬وهناك‬
‫�آثار بناء قرية يف و�س ��ط وادي عرق الكراء �أ�س ��فل املركز الريا�ضي بالباحة‪ ،‬وهي تبعد عن‬
‫جبل قملي ما يقارب ع�شرة �أكيال غربا‪ ،‬ورمبا لها عالقة بالأزد �أي�ض ًا‪ ،‬ولكني مل �أجد �آثار ًا‬
‫كتابية بامل�س ��ند �أو بغريه من اخلطوط مما يدل على �أن الأزد كانوا قوم ًا ُبداة على الأغلب‪،‬‬
‫�أو �أنهم �أقاموا يف هذا املكان م�ؤقت ًا و�إن كانت بقاياهم ما تزال �ساكنة حول هذا اجلبل حتى‬
‫الآن ‪ .‬وقد قمت بثالث رحالت �أخرى �إىل جبل قملي و�ص ��ورت فيها كثري ًا من الر�س ��ومات‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫�أما هذه الرحلة فقد كانت يف (‪1419/2/8‬هـ)‪.‬‬
‫‪2‬ـ �آثار الباهر‪:‬‬
‫�آث ��ار الباه ��ر هي �أق ��رب الآث ��ار �إىل مدينة الباحة‪ ،‬بل ه ��ي يف مدينة الباحة نف�س ��ها‪،‬‬
‫وبالتحديد يف جبل غيب من الباهر‪،‬وهي �آثار خمرب�شات على هيئة دوائر ومربعات و�أ�شكال‬
‫�أخ ��رى متعددة‪ ،‬وقد قمت بالذهاب �إليه يف (‪1418/4/27‬ه� �ـ) ور�أيت يف �أحد التحقيقات‬
‫ال�ص ��حفية ر�س ��وم ًا مماثلة للر�س ��وم يف جبل غيب‪ ،‬وذلك يف جبال بن ��ي مالك بالقرب من‬
‫الطريق ال�سياحي الطائف ـ الباحة ‪ .‬ويدعي بع�ض النا�س �أن تلك املخرب�شات والر�سوم هي‬
‫من فعل الرعاة يف هذه الأزمنة املت�أخرة ولكن طبيعة تلك الر�سوم توحي ب�إيغالها يف القدم‪،‬‬
‫و�إن كان بع� ��ض الرعاة ر�س ��م بع�ض الر�س ��ومات فهي خمتلفة عن الر�س ��ومات القدمية كما‬
‫ي ��رى بالنظر‪ ،‬والذي يدمي الف�ؤاد �أن املخطط الذي قام ��ت البلدية بتوزيعه يف الباهر �أدى‬
‫�إىل تدمري كبري للموقع ونقل لكثري من ال�صخور من �أماكنها‪ ، )2(.‬ولرمبا كان ملوقع الباهر‬
‫عالقة قوية مبوقعي �صفح الكتاب واحلنجور الأثريني‪� ،‬إذ متثل تلك املواقع فرتة قدمية من‬
‫(‪)3‬‬
‫اال�ستيطان الب�شري‪.‬‬

‫((( �أكد لنا الدكتور جمعان عند مقابلته يف عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) �أن لديه ع�ش ��رات ال�ص ��ور عن �آثار منطقة الباحة‪،‬‬
‫وذكر �أنه ميتلك �أي�ض ًا معلومات وتف�صيالت مدونة عن تراث و�آثار املنطقة‪ ،‬حبذا �أن يبذل بع�ض اجلهود لإخراجها‬
‫للقراء ‪ (.‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( عدم االهتمام بالآثار مل يكن حم�صور ًا على منطقة الباحة و�إمنا �شاهدت ذلك يف مناطق ونواحي عديدة من جنوبي‬
‫الب�ل�اد ال�س ��عودية خ�ل�ال جتوالنا ورحالتنا يف هذه الأوطان من ��ذ ثالثني عام ًا ‪ .‬ون�أمل �أن ينت�ش ��ر الوعي بني النا�س‬
‫فيدركوا �أهمية هذه امل�صادر التاريخية احل�ضارية الهامة ( ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( بالد تهامة وال�س ��راة‪ ،‬ولي�س بالد الباحة فقط‪ ،‬من املواطن الب�ش ��رية القدمية‪ ،‬ويوجد يف جبالها ووهادها و�أوديتها‬
‫الكث�ي�ر من الر�س ��ومات ال�ص ��خرية والنقو�ش والآث ��ار القدمية ‪ .‬ون�أمل �أن ت�ض ��اعف اجلامعات ال�س ��عودية اجلنوبية‬
‫جهودها فتن�شئ مراكز علمية بحثية تدر�س مثل هذا الرتاث احل�ضاري املهم ( ابن جري�س) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪402‬‬
‫‪3‬ـ رو�ضة بني �سيد ‪:‬‬
‫تقع رو�ض ��ة بني �س ��يد �ش ��مايل مدين ��ة العقيق بحوايل ع�ش ��رة �أكيال‪ ،‬وتق ��ع �إجما ًال يف‬
‫ال�س ��فوح ال�ش ��رقية ملنطقة الباحة‪ ،‬وهي �سهل وا�س ��ع من الأر�ض حتدها اجلبال من ال�شرق‬
‫مبان قدمية جد ًا‪ ،‬وهذه الرو�ض ��ة ترتبط ب�ش ��يء‬ ‫ومن الغرب‪ ،‬وبها جمار للماء‪ ،‬كما �أن بها ٍ‬
‫من التاريخ القبلي لهجرة بع�ض قبائل املنطقة �إىل ر�ؤو�س قمم اجلبال كما حتكي الروايات‬
‫ال�ش ��فهية‪� ،‬أما رحلتي �إىل الرو�ض ��ة فقد كانت يف ع�ص ��ر يوم االثن�ي�ن (‪1420/2/16‬هـ)‪،‬‬
‫وبعد ع�ش ��رة �أكيال تقريب ًا من امل�شي يف الطريق الرتابي و�صلت �إىل و�سط الرو�ضة‪ ،‬و�س�ألت‬
‫بع�ض البدو من رفاعة فدلوين على جبل القهب وي�س ��مى قهب عليا‪ ،‬ووجدت ب�أ�س ��فل اجلبل‬
‫خمرب�ش ��ات قمت بت�ص ��ويرها‪ ،‬ويظهر �أن الرو�ض ��ة كانت خم�ص ��بة يف الزم ��ن القدمي لأن‬
‫املخرب�ش ��ات ت�ش�ي�ر كما يت�ض ��ح لأول وهلة �إىل مرحلة زمنية موغلة يف الق ��دم‪ ،‬وبع�ض تلك‬
‫املخرب�ش ��ات تكاد تندثر‪ ،‬غري بعيد من جبل القهب يقع تل �ص ��غري ا�سمه تل ال ُر ِّحي وب�أ�سفله‬
‫�أي�ض� � ًا بع�ض املخرب�ش ��ات‪ ،‬كما يلفت النظر �أي�ض� � ًا وج ��ود �آثار قبور �أو رج ��وم مرتفعة حول‬
‫اجلبلني ويبدو �أنها قبور ًا قدمية جد ًا ‪ .‬كما �أن هناك جب ًال �آخر يدعى جبل ال�ش ��ظو به �آثار‬
‫ور�سومات وا�ضحة لغزالن ووعول‪ ،‬ومل �أ�ستطع ت�صويرها لت�أخر الوقت ودنو ال�شم�س للمغيب‬
‫‪� .‬إال �أنني وجدت ت ًال يف غربي الرو�ضة به الكثري من املخرب�شات فقمت بت�صويرها جميع ًا‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويغلب على هذا التل املخرب�شات التي على �شكل مربعات مق�سمة‪.‬‬
‫‪4‬ـ خرائب مع�شوقة ‪:‬‬
‫مبان �أثرية قدمية ال يعرف من بناها و�إن كانت حتاك الأ�س ��اطري حولها‪ ،‬ووقوع‬ ‫وه ��ي ٍ‬
‫ه ��ذه الآثار �أ�س ��فل الوادي ( �أبيدة امل�ش ��هور)‪ ،‬يدل على �أن هذه املب ��اين مرتبطة بتجمعات‬
‫ب�ش ��رية كثرية وكبرية لعل �أهمها ا�ستيطان قبائل الأزد لها فرتة من الزمن‪ ،‬بل �إن الأزد قد‬
‫اجتمعت بق�ض ��ها وق�ضي�ضها كما تقول �إحدى الروايات يف �أبيدة‪ ،‬ثم تفرقت مرة �أخرى من‬
‫هذا املكان‪ ،‬ويبدو �أن كارثة بيئية كاجلفاف مث ًال �أو االزدحام ال�سكاين رمبا �أدى �إىل هجرة‬
‫�س ��كان مع�ش ��وقة منها‪ ،‬وحتاك �أ�س ��اطري كثرية حول العقاب الذي نزل ب�أهل هذه اخلرائب‬
‫لرتفهم الزائد وبطرهم بنعمة اهلل‪ ،‬كما تذكر بع�ض الروايات �أن عنا�صر يهودية قد �سكنت‬
‫ه ��ذه اخلرائب ‪ .‬وقد قمت بتفتي�ش بع� ��ض تلك اخلرائب يف فرتات خمتلفة فلم �أجد �أي �أثر‬
‫كتابي ميكن �أن ي�شري �إىل �أهلها‪ ،‬ولكن الراجح �أن �أهلها من الأزد‪ ،‬ورمبا هاجر معهم �أثناء‬
‫هجرته ��م بع�ض يه ��ود اليمن‪ ،‬فاليهود كانوا يف اليمن حينما كانت �أثرى و�أ�س ��عد بالد اهلل‪،‬‬
‫وهجروها كما يبدو مع الأزد‪ ،‬ونزل بع�ض ��هم بهذا املكان والتحق �آخرون ب�أقوام يف املدينة‪.‬‬

‫((( لقد زرت هذه الناحية يف نهاية عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م ) و�شاهدت العديد من الر�سومات ال�صخرية والنقو�ش التي‬
‫يبدو �أنها قدمية جد ًا ‪ .‬ومثل تلك الآثار حتتاج �إىل درا�سات علمية �أكادميية من متخ�ص�صني �آثاريني يف علم النقو�ش‬
‫والر�سوم ‪(.‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫‪403‬‬ ‫الدرا�سة العا�شرة ‪ :‬وقفات مع �آثار منطقة الباحة‬

‫ويبدو �أن خرائب مع�ش ��وقة كانت مزدهرة بقبائل �ش ��تى من العرب بعد الإ�س�ل�ام ولي�س من‬
‫الأزد فقط كما تذكر كتب الن�س ��ب وخا�ص ��ة من قبائل قي�س ‪ .‬كما �أن للآثار الواقعة يف عرق‬
‫الكراء‪ ،‬وهي منازل مهدمة‪ ،‬عالقة بخرائب مع�شوقة‪� ،‬إذ �أنها تقع ما بني جبل قملي ووادي‬
‫�أبيدة امل�ش ��هور الذي فيه خرائب مع�ش ��وقة ‪ .‬كما �أن �أ�س ��ماء للأزد يف هذه املوا�ض ��ع ورد ما‬
‫مياثله ��ا يف املدين ��ة كوادي بطحان‪ ،‬وهو مو�ض ��ع يف �أبيدة �أي�ض� � ًا‪ ،‬ووادي العقيق يف املدينة‪،‬‬
‫وماء وادي �أبيدة ي�ص ��ل �إىل وادي العقيق يف منطقة الباحة �أي�ض� � ًا‪ ،‬وهذا ي�ؤكد �سكنى الأزد‬
‫جميع ًا لهذه البالد مبا فيهم الأو�س واخلزرج الذين رحلوا �إىل يرثب‪.‬‬
‫ومن املعامل التاريخية يف �أبيدة‪ ،‬النا�ص ��ف من �أبيدة‪ ،‬وهو مكان مرتفع بني قرى �أبيدة‬
‫وقرى مع�ش ��وقة يف منت�صف امل�س ��افة بينهما تقريب ًا‪ ،‬ورمبا �سمي النا�صف لأنه ين�صف املاء‬
‫(‪)1‬‬
‫�إىل ق�سمني‪ ،‬والنا�صف نا�صفان‪ ،‬وبهذا املوقع قتل ال�شنفرى كما ورد يف كتاب الأغاين ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪5‬ـ ذو اخلل�صة ‪:‬‬
‫‪6‬ـ مدينة ع�شم ‪:‬‬
‫ه ��ي من �أه ��م املواقع الأثري ��ة يف جنوب ��ي اململكة على الرغ ��م من �أنه مل تقم درا�س ��ة‬
‫�أثري ��ة مكتملة مل�س ��ح �آثار ه ��ذه املدينة ‪ ،)3(.‬وم ��ع �أن القائمني عن الآثار قد �أقاموا �س ��ياج ًا‬
‫ح ��ول مدينة ع�ش ��م‪� ،‬إال �أن �آثار ال�س ��يول اجلارفة قد تفعل فعلها يف الذه ��اب ببع�ض �آثارها‬
‫املطمورة �إذا مل ي�سرع امل�س�ؤولون يف �إر�سال بعثة تنقيبية حمرتفة للقيام ب�أعمال حفر وم�سح‬

‫((( مل �أجد �آثار ًا وا�ض ��حة يف املوقع �أو بئر ًا كما ت�ش�ي�ر بع�ض الروايات التاريخية ‪ .‬واملكان يف حاجة �إىل مزيد من البحث‬
‫والتنقيب للعثور على ما ع�س ��اه ي�ؤكد �أو ينفي الأهمية التاريخية الأثرية لهذه البالد ‪ .‬كما �أن خرائب مع�ش ��وقة ووادي‬
‫�أبيدة الزالت بحاجة �إىل درا�س ��ات تاريخية وح�ض ��ارية‪ ،‬وهناك �ش ��ذرات عديدة عن هذه املوا�ض ��ع يف كتب الرتاث‬
‫الإ�س�ل�امي املبكر والو�س ��يط‪ ،‬حبذا �أن نرى �أحد الباحثني اجلادين فيقوم بجمع هذا املوروث التاريخي‪ ،‬وذلك رمبا‬
‫ي�س ��اعد يف تقدمي �صورة �أو�ض ��ح و�أدق عن هذه الديار ال�سروية ‪ .‬م�شاهدات وانطباعات الباحث يف �شهر ذي احلجة‬
‫عام (‪1433‬هـ ‪2012/‬م) ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( �ص ��نم ذو اخلل�ص ��ة من الأ�صنام امل�شهورة يف بالدة ال�سراة‪ ،‬وهناك من قال �إنه يف بالد دو�س و�آخرون ذكروا �أنه يف‬
‫بالد تبالة من ديار خثعم‪ ،‬والر�أي الأخري هو ال�ص ��حيح ‪ .‬وجند جمعان الغامدي يزودنا ب�أربع �ص ��فحات عن �ص ��نم‬
‫ذو اخلل�ص ��ة �ض ��من الأوراق التي قدم لنا عن �آثار الباحة‪ ،‬وقد ا�س ��تبعدنا ما و�ص ��لنا يف هذه اجلزئية لأنه �سبق و�أن‬
‫خل�ص لنا هذا املو�ض ��وع يف بحثه املو�س ��وم بـ ‪ :‬تنبيهات حول تاريخ منطقة الباحة‪ ،‬واملن�ش ��ورة يف كتابنا‪ :‬درا�سات يف‬
‫تاريخ تهامة وال�س ��راة‪ ،‬اجلزء الثاين‪� ،‬ص‪ 203‬ـ ‪ . 205‬وللمزيد من التف�ص ��يالت عن ذو اخلل�ص ��ة وال�صنم امل�شهور‬
‫بها‪ ،‬انظر الكتاب نف�س ��ه‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪430‬ـ ‪ 433‬كما انظر‪ ،‬غيثان بن جري�س‪ " .‬تبالة و�أهميتها التاريخية واحل�ض ��ارية‬
‫خالل القرون الإ�سالمية الأوىل" ن�شر هذا البحث يف مداوالت اللقاء العلمي ال�سنوي الثامن جلمعية التاريخ والآثار‬
‫بدول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربي املنعقد يف مدينة املنامة بدولة البحرين يف الفرتة من (‪7‬ـ‪ 10‬ربيع الآخر‬
‫‪1428‬هـ املوافق ‪24‬ـ‪� 27‬أبريل ‪2007/‬م)‪� ،‬ص ‪ 179‬ـ ‪. 215‬‬
‫((( ُيعد �أحمد بن عمر الزيلعي �أول من قام بدرا�س ��ة لهذه املدينة يف ر�س ��التيه للماج�ستري والدكتوراه ولكن م�سحه لآثار‬
‫مدين ��ة ع�ش ��م مل يكن كام ًال ثم �أتى الأ�س ��تاذ ح�س ��ن بن �إبراهيم الفقيه ف�أ�ص ��در يف ع ��ام (‪1992‬م) كتاب ًا عنوانه ‪:‬‬
‫خمالف ع�ش ��م‪ ،‬وهو �أي�ض� � ًا درا�سة �أثرية �س ��طحية غري مكتملة �إال �أنه مل ي�ش ��ر �إىل جهود د‪� .‬أحمد بن عمر الزيلعي‬
‫الذي كان قد �أجنز ر�سالته للدكتوراه عام (‪1983‬م) وفيها جهود رائدة و التنبه �إىل �أهمية املدينة وم�سحها‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪404‬‬
‫�أثري علمي ر�ص�ي�ن قد يلقي ب�أ�ضواء كا�ش ��فة على حقائق تاريخية قد ال تخطر على بال‪� ،‬إذ‬
‫يف املظن ��ون �أن ه ��ذه املدينة لها �أهمية تاريخية موغلة يف القدم‪ ،‬ولي�س ��ت مدينة �إ�س�ل�امية‬
‫فح�س ��ب كما يذهب ُج َّل من �أ�ش ��ار �إليها‪ ،‬ويدل ذلك ارتباطها بعف�ي�ر �أم ( �أوفري)‪ ،‬وكذلك‬
‫ارتباطه ��ا برحالت التجارة الدولية من اليمن �إىل ال�ش ��ام‪ )1(.‬وتقع مدينة ع�ش ��م يف تهامة‬
‫منطقة الباحة وهي قريبة جد ًا من مدينة ناوان �إذ تبعد عنها حوايل ع�ش ��رة �أكيال �ش ��ما ًال‪،‬‬
‫وتك�ش ��ف الآثار ال�س ��طحية لهذه املدينة عن وجود م�س ��جد جامع كبري‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �سوق‬
‫املدين ��ة والكث�ي�ر من املنازل ومقابر املدينة التي حتتوي على كثري من ال�ش ��واهد التي كتبت‬
‫بخطوط كوفية جميلة ‪ .‬وقد لفت نظري يف حتديد القبور ب�أحجار حتيط بها‪ ،‬مبا هو موجود‬
‫من قبور عند خربة ال�س ��باع ببني ح�س ��ن �ش ��مايل مدينة الباحة بحوايل ع�شرين كي ًال ‪� .‬أما‬
‫حي التي كانت تطحن‬ ‫املخلف ��ات الأثري ��ة الأخرى املتناثرة فهي حتتوي على كميات م ��ن ال ُر ِّ‬
‫بها الأحجار ال�س ��تخراج الذه ��ب‪ ،‬وكذلك بع�ض قطع الفخار والزج ��اج امللون‪ ،‬وقد جهدت‬
‫للعثور على بع�ض القطع النقدية فلم يتي�سر يل ذلك‪ ،‬و�أرجو �أن تك�شف البحوث القادمة عن‬
‫(‪)2‬‬
‫كثري من الغمو�ض الذي مازال يحيط بهذه املدينة ‪.‬‬
‫لف وا َ‬
‫خل ْليف ‪:‬‬ ‫‪7‬ـ ا ُ‬
‫خل ُ‬
‫هم ��ا قريت ��ان �أثريتان تقع ��ان بالقرب من مدين ��ة قلوة يف القط ��اع التهامي يف منطقة‬
‫الباحة‪ ،‬وتبعدان عن مدينة قلوة مب�س ��افة (‪ )14‬كي ًال تقريب� � ًا‪ ،‬كما تبعد عن مدينة الباحة‬
‫ب�أك�ث�ر من مائ ��ة كيل‪ .‬وقد تعر� �ّ�ض د‪� .‬أحمد بن عمر الزيلعي لدرا�س ��ة �آثار ه ��ذا املوقع يف‬
‫خللي ��ف �آثارهما ونقو�ش ��هما الإ�س�ل�امية ‪ .‬كما عرث‬ ‫خل ُلف وا َ‬
‫بح ��ث علمي ر�ص�ي�ن عنوان ��ه‪ :‬ا ُ‬
‫لف على بع�ض‬ ‫بالإ�ض ��افة �إىل املظاه ��ر العمرانية من احلي ال�س ��كني واملقابر وم�س ��جد ا ُ‬
‫خل ُ‬
‫النقو�ش وعددها ثمانية وع�ش ��رون نق�ش� � ًا تغطي فرتة زمنية متتد من الن�ص ��ف الأول للقرن‬
‫الثالث الهجري حتى الن�ص ��ف الثاين من القرن اخلام�س الهجري ماعدا نق�ش ًا واحد ًا يعود‬
‫تقريب� � ًا �إىل �أواخ ��ر القرن الثام ��ن و�أوائل القرن التا�س ��ع الهجريني‪ ،‬وهي جميع ًا منقو�ش ��ة‬
‫باخلط الكويف‪ ،‬ويرتاوح �أ�س ��لوب خطها وزخرفتها بني الكويف الب�س ��يط‪ ،‬فالكويف املورق �إىل‬
‫الكويف امل�ش ��جر �أو املزهر‪ .. )3(.‬وقد زرت املوق ��ع ووجدت الكتابات يف جدران املنازل‪ ،‬وهي‬
‫�آيات قر�آنية مل �أجد لها در�س� � ًا بني ال�ش ��واهد التي قام بدرا�ستها الدكتور الزيلعي ‪ .‬ويحمد‬
‫لف واخلليف ‪ .‬ويف املعتقد �أن‬ ‫للزيلعي عدم �إغفاله للمكانة العلمية التي كانت تتمتع بها ا ُ‬
‫خل ً‬
‫((( يف ر�أيي �أن طريق التجارة �إىل اليمن كان ذا م�س ��ارين ‪� .‬أحدهما ‪ :‬طريق للذهاب من ال�س ��فوح ال�ش ��رقية لل�س ��راة‪،‬‬
‫والآخ ��ر للإي ��اب مير بتهام ��ة ‪ ( .‬جمعان الغام ��دي ) ‪ .‬وهاتان الطريقان خرج عنهما بع�ض الدرا�س ��ات والر�س ��ائل‬
‫العلمية والزالتا حتتاجان �إىل مزيد من البحوث والدرا�سات العلمية والأكادميية ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( هذه املدينة حتتاج �إىل حفريات �أثرية رئي�س ��ية‪ ،‬و�إن مت ذلك ف�س ��وف يتم العثور على مادة تاريخية ح�ض ��ارية هامة‬
‫ت�صور جزء ًا من تاريخ تهامة يف الع�صور القدمية والإ�سالمية ( ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( انظر ‪ :‬الزيلعي‪ ،‬اخللف واخلليف‪� ،‬ص ‪. 4‬‬
‫‪405‬‬ ‫الدرا�سة العا�شرة ‪ :‬وقفات مع �آثار منطقة الباحة‬

‫بع�ض� � ًا من �س�ل�الة الأ�س ��ر العلمية فيها متلك خمطوطات رمبا �ألقت ب�ضوء �آخر على املوقع‬
‫خللف‬‫و�ساكنيها وقد تفرقت هذه ال�ساللة يف بع�ض �أرجاء منطقة الباحة‪ .‬وعموم ًا ف�إن �آثار ا ُ‬
‫واخلليف‪ ،‬و�آثار ع�ش ��م‪ ،‬وكذلك الآثار الإ�س�ل�امية يف حمدانة بوادي علي ��ب‪ ،‬كل هذه الآثار‬
‫ت�ؤك ��د الأهمية التاريخية والأثرية لتهامة منطقة الباحة‪ ،‬بل �إن منطقة الباحة ب�أكملها تكاد‬
‫(‪)1‬‬
‫�أن تكون كنز ًا �أثري ًا مازال بحاجة �إىل كثري من البحث لإخراج روائعه‪.‬‬
‫‪8‬ـ مواقع �أخرى مكت�شفة ‪:‬‬
‫هناك بع�ض املواقع الأثرية املهمة املكت�شفة من �أهمها ‪:‬‬
‫‪1 .1‬نقو�ش ثمودية ومدافن من دورين يف وادي املنزَّل �أ�س ��فل عي�س ��ان �ش ��مال �ش ��رقي‬
‫مدينة الباحة بحوايل (‪ )30‬كم‪ ،‬وقد قام باكت�شافها الأ�ستاذ عو�ض ال�سبايل وهو‬
‫يبحث فيها الآن‪.‬‬
‫‪2 .2‬طري ��ق الفي ��ل �أو درب الفيل وه ��ذا الدرب املمتد من اليمن قد ته ��دم �أكرثه �إال �أن‬
‫اجلزء الواقع يف منطقة الباحة يعد من �أف�ضل �أجزائه وهو يقرب من (‪ )60‬كي ًال‬
‫‪3 .3‬ويف املنطق ��ة عدد م ��ن القبور الأثري ��ة التي كان رمب ��ا لها �أهمي ��ة تاريخية كقبور‬
‫(‪)2‬‬
‫الزينات �أو الزينة على بعد (‪ )13‬كم من بني كبري ب�سروات غامد ‪.‬‬
‫(*) مواقع �أثرية غري مكت�شفة ‪:‬‬
‫‪1‬ـ الرحلة �إىل جحو�شة ‪:‬‬
‫كانت الرحلة يف يوم الأحد املوافق ( ‪1419/2/27‬هـ) بعد �أن �أعددت لها مع الأ�س ��تاذ‬
‫حمم ��د ب ��ن دخيخ‪� ،‬أح ��د �أفراد �أ�س ��رة ابن دخيخ �ش ��يوخ قبيل ��ة الرهوة من غامد �س ��ابق ًا ‪.‬‬
‫احل�ص ��ن ) التي �أ�ش ��ار �إليها احل�سيل(‪ ،)3‬وذكر‬
‫كان هدف الرحلة الو�ص ��ول �إىل ه�ض ��بة ( ِ‬
‫((( لق ��د وقف ��ت عل ��ى الكثري من معامل ع�ش ��م‪ ،‬واخلل ��ف واخلليف‪ ،‬ووادي علي ��ب وت�أكد لن ��ا عراقة تاريخ ه ��ذه البالد‪،‬‬
‫فهناك الكثري من املعامل الأثرية‪ ،‬وقدم اال�س ��تيطان الب�ش ��ري‪ ،‬وثراء الطبيعة‪� .‬أما منطقة الباحة ب�شكل عام (بادية‬
‫و�س ��راة وتهامة ) فهي فع ًال حتتفظ بكنوز تاريخية و�أثرية‪ ،‬وهي بحاجة �إىل ت�ض ��افر جهود �أهلها وبخا�ص ��ة املثقفني‬
‫والأكادميي�ي�ن والأغني ��اء منهم فيبذلوا الغ ��ايل والنفي�س من �أجل خدم ��ة �أهليهم وبالدهم علمي ًا وفكري� � ًا وثقافي ًا‪،‬‬
‫وتنموي ًا‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( يف الأي ��ام الع�ش ��رة التي ق�ض ��يناها يف منطقة الباحة م ��ن (‪1433/12/9-11/29‬هـ) �ش ��اهدنا الكثري من النقو�ش‬
‫والر�سومات ال�صخرية يف نواح عديدة من املنطقة‪ ،‬كما �شاهدنا مقابر‪ ،‬و�أحمية‪ ،‬و�آبار ًا‪ ،‬ومدرجات‪ ،‬وقرى وح�صو ًا‬
‫�أثرية تتفاوت �أعمارها بني ع�ش ��رات و مئات ال�س ��نني ‪ .‬و�إذا �أمد اهلل يف العمر ف�س ��وف نقوم بجولة ودرا�س ��ة �أخرى‬
‫يف املنطقة ونخ�ص�ص ��ها للموروث والرتاث والآثار القدمية ‪ .‬واملنطقة فع ًال ت�س ��تحق ع�ش ��رات بل مئات الدرا�س ��ات‬
‫التاريخي ��ة احل�ض ��ارية‪ ،‬ون�أمل من م�ؤرخي غامد وزهران �أن ي�ض ��اعفوا جهودهم لدرا�س ��ة تاريخ و�أحوال وح�ض ��ارة‬
‫�أوطانهم درا�سة علمية �أكادميية موثقة ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( �إبراهيم احل�سيل‪� ،‬صاحب كتاب‪ ( :‬غامد وزهران وافرتاق الأزد يف البلدان ) ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪406‬‬
‫�أن ��ه يوج ��د بها بع�ض النقو�ش التي حاول ر�س ��مها يف كتابه‪ .‬انطلقت ال�س ��يارة قبل الع�ص ��ر‬
‫و�أديت �ص�ل�اة الع�صر بوادي فيق ثم توجهت �إىل قرية الع�سلة وبالتحديد بلدة القرى منها‪،‬‬
‫وكان يف ا�س ��تقبايل الأ�س ��تاذ حمم ��د بن دخيخ يف ا�س�ت�راحته يف �أحد اجلب ��ال القريبة‪ ،‬ثم‬
‫واد جميل منب�سط وا�س ��ع‪ ،‬و�أخذت ال�سيارة طريقها يف جمرى‬ ‫نزلنا �إىل وادي الع�س ��لة وهو ٍ‬
‫امل ��اء املفرو�ش بالبطحاء حتى و�ص ��لنا �إىل ملتقى وادي الع�س ��لة بوادي ( َج ْحو�ش ��ة )‪ ،‬وهنا‬
‫ب ��د�أت املي ��اه تظه ��ر يف وادي َجحو�ش ��ة جتري على وج ��ه الأر�ض غي ًال على الرغ ��م من �أننا‬
‫يف �ش ��هر(يوليو) من �ش ��هور ال�ص ��يف‪ .‬وكلما تقدمنا يف الوادي زادت غزارة املاء اجلاري‪،‬‬
‫وللأ�سف فقد (غ ّرزت) ال�سيارة يف املاء وحاولنا حتريكها �أو دفعها �أو احلفر لها ولكن دون‬
‫جدوى‪ ،‬فرتكناها وذهبنا �إىل حيث موقع ه�ض ��بة احل�ص ��ن م�ش ��ي ًا على الأقدام‪ ،‬و�أ�شار �إىل‬
‫مو�ضع ال�صخرة ولكنه مل يعرف موقع النق�ش بدقة‪ ،‬وكانت مفاج�أتي كبرية �إذ كنت �أظن �أن‬
‫هذه ال�ص ��خرة بعيدة جد ًا‪ ،‬ولقد بحثنا عن النق�ش دون جدوى �إذ دُمرت ال�صخور بوا�سطة‬
‫(الديناميت) وغطت على جزء كبري من ه�ضبة احل�صن‪� ،‬أكد يل الأ�ستاذ حممد بن دخيخ‬
‫�أن ال�صخرة املنقو�ش عليها حتت تلك ال�صخور املتفجرة املنهارة ف�أ�سفت �أ�سف ًا كبري ًا‪ ،‬علم ًا‬
‫�أنه توجد على اله�ض ��بة �آثار عمران‪ ،‬لكن الأ�س ��تاذ حممد �أراد �أن يرين ��ي مكان ًا يدعى ّغلة‬
‫َجحو�شة‪ ،‬والغلة مبعنى الكنز هنا‪ .‬ويف براح من الأر�ض �أخذ ي�ضرب بقدمه بقوة مدعي ًا �أن‬
‫هذا نوع من ال�صوت الغريب حتت هذه الأر�ض �أ�شبه ب�صوت الطرق على القدر ولكنا قرعنا‬
‫دون جدوى‪ ،‬ويبدو على الأر�ض �آثار �إ�ص�ل�اح بالآالت احلديثة وعلى مقربة من غلة َج ْحو�شة‬
‫�صخور عليها �آثار عمران ‪.‬‬
‫يبدو �أن غلة ( َج ْحو�ش ��ة ) والنق�ش ��ان وال�ص ��خور املتناث ��رة حوله و�آث ��ار البنيان بقايا‬
‫لقرية �إ�س�ل�امية قدمية جد ًا والبد من الإ�س ��راع يف احلفر والتنقي ��ب فيها ومن حولها فمن‬
‫امل�ؤكد �أنها ممتلئة ب�شواهد ونقو�ش �أخرى ‪ .‬وبعد �أن مالت ال�شم�س �إىل املغيب قررنا العودة‬
‫عرب وادي الع�س ��لة ووادي العذبة اجلميل‪ ،‬وهناك ر�أينا قرية الع�س ��لة املتناثرة حول �ضفاف‬
‫ال ��وادي وت�أك ��دت م ��ن قرية ( �آل �س�ل�امة ) التي ادعى د‪� .‬ص ��الح عون‪ ،‬ومن قبله ال�س ��لوك‬
‫وج ��ود عقبة لها‪ .‬وياهلل �أنها يف براح من الأر�ض بعيدة عن كل وعورة وارتفاع فمن �أين �أتت‬
‫العقبة و�إن كان �ص ��دق قول د‪� .‬ص ��الح عون �أن العقبة كل طريق وعر يف اجلبال �س ��وا ًء اجته‬
‫�إىل ناحي ��ة تهامة �أو �إىل جهة �أخرى‪ ،‬ف�إن م ��ن املتعارف عليه منذ القدم �أن العقاب ما كان‬
‫جهة تهامة‪ ،‬ثم �إن موقع �آل �س�ل�امة ال ي�س ��اعد على ت�أييد ر�أيه لعدم الوعورة واالرتفاع بها‬
‫ثم �إنه ال عقبة بهذه القرية البتة هناك‪ .‬وملا عدنا �إىل ال�س ��يارة قمنا ب�إخراجها مب�س ��اعدة‬
‫بع�ض ال�شباب وتبعت الدليل �إىل غار ُي�سمى بغار ال�سد تروى فيه ق�صة الرجل املغربي الذي‬
‫�أتى قبل �أكرث من خم�سني عام ًا و�أخذ الكنز املدفون بجانبه عند �أحد ال�صخور‪ .‬رجعنا �إىل‬
‫‪407‬‬ ‫الدرا�سة العا�شرة ‪ :‬وقفات مع �آثار منطقة الباحة‬

‫ال�س ��يارة وطلعنا من جمرى ال�س ��يل �إىل الطريق الرئي�س ��ي وال�شم�س تر�س ��م يف الأفق �ألوان‬
‫ال�ض ��ياء اخلالدة التي تو�ش ��ح بردائها الذهبي �أ�سالفنا‪ ،‬وها نحن بعد �آالف ال�سنني نتو�شح‬
‫(‪)1‬‬
‫بردائها الذهبي مرة �أخرى‪.‬‬
‫‪2‬ـ �آثار �صخوان ‪:‬‬
‫علم ��ت �أن يف ناحي ��ة بني كبري �آثار ًا كث�ي�رة وكان يل �أكرث من رحلة �إىل جهة بني كبري‪،‬‬
‫أق�ص نب�أ �آخر رحالتي �أال وهي رحلتي �إىل (�ص ��خوان)‪ ،‬فلقد علمت بوجود �آثار‬ ‫ولكنني �س� �� ّ‬
‫خمرب�شات يف �صخور متناثرة حول �صخوان يف احلمراء ويف �أم الطلحة ويف ال�شعب احلمر‬
‫ويف ريع الكحل‪ ،‬وكانت الرحلة يف يوم (‪1421/1/11‬هـ) حيث كانت املفاج�أة الكربى �إذ مت‬
‫اكت�شاف ما يوحي ب�أنه �آثار موقع كبري جد ًا ملدينة موغلة يف القدم ويبدو �أنها ( �إ�سالمية)‪،‬‬
‫وهذه املدينة يف مكان يدعى ذات الثودة وبها ر�سومات وخرب�شات قدمية‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أنني‬
‫وجدت بها نق�ش ًا واحد ًا بخط كويف وا�ضح‪ ،‬كما �أن �أمام املدينة موقع ح�صن مراقبة �أو قرية‬
‫�ص ��غرية بها ر�س ��ومات متقنة‪ ،‬ووجدت حول �ص ��خوان �آثار رجوم على �ش ��كل قبور يف �أماكن‬
‫متفرق ��ة ‪ .‬ويب ��دو �أن مدين ��ة ذات الثودة تدل عل ��ى �أنها �أكرب و�أقدم ‪ .‬وهن ��اك �آثار ًا يف جبل‬
‫الع�ص ��فارة يف طرف ��ه الأمين‪ ،‬وهذا امل ��كان قريب من ذات الثودة‪ ،‬لذا ف� ��إن من املرجح �أن‬
‫(‪)2‬‬
‫يكون لتلك الآثار عالقة ب�آثار ذات الثودة‪.‬‬
‫‪3‬ـ �آثار يبو�س ‪:‬‬
‫وهو وادي م�ش ��هور ورد ذكره يف ق�ص ��يدة لعبد اهلل بن �س ��لمة الغامدي يف قوله ‪ ( :‬ملن‬
‫الدي���ار بتال���ع فيبو����س )‪ .‬وه ��ذا الوادي يقع يف بادي ��ة بني كبري وكانت رحلت ��ي �إليه يف يوم‬
‫اخلمي� ��س (‪1420/2/18‬هـ) حيث مررت بجرب ث ��م اجلاوة ثم جرد‪ ،‬ويف جرد وقعت على‬
‫نق�ش ه�ض ��بة �أبي احل�ص�ي�ن‪ ،‬وقد �ص ��ورت ذلك النق�ش‪ ،‬وهو لي�س نق�ش� � ًا يف احلقيقة و�إمنا‬
‫خرب�ش ��ات حتت �ص ��خرة كبرية ويب ��دو �أنها من عمل الرع ��اة‪ ،‬وكان هناك �آث ��ار يف جمل�س‬
‫الوادي عند لقائه برثاد‪ ،‬ووجدنا �آثار قرية قدمية �إ�ضافة �إىل قبور قدمية‪ ،‬وهناك �آثار كثري‬
‫من الرجوم يف الغري�س‪ ،‬وقيل يل �أن البدو باعوا بع�ض الأحجار املنقو�شة جلامعة امللك عبد‬
‫العزيز قبل �أكرث من خم�سة ع�شر عام ًا‪ ،‬كما باعوا بع�ضها لبع�ض الأجانب الذين جابوا هذه‬
‫النواحي ‪ .‬وما ي�ستلفت النظر بالقرب من جرب هو �آثار طريق الفيل التي نظن ظن ًا �أنها مل‬

‫((( وي�شري الدكتور جمعان �إىل �أن النقو�ش التي �شاهدها يف موقع َج ْحو�شة لها �صلة كبرية بالنقو�ش التي يف وادي مقمور‪،‬‬
‫�إذ �أن َج ْحو�شة يف �أ�سفل الوادي وال تبعد ديار َج ْحو�شة عن هذه النقو�ش �إال نحو ثالثة �أكيال ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( وي�ضيف جمعان الغامدي قوله �أن �آثار ذات الثودة تدل على مدينة موغلة يف القدم تعاقب عليها العديد من الأقوام ‪.‬‬
‫كما �أن �آثار جحو�شة ذات عالقة ب�آثر ذات الثودة ‪ ( .‬جمعان) ‪ .‬حبذا �أن نرى باحثني �آثاريني جادين فيدر�سون �آثار‬
‫هذه البالد الغامدية وغريها من �آثار بالد تهامة وال�سراة‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪408‬‬
‫تكن للفيل بل كانت طريق التجارة من اليمن �إىل ال�شام يف ال�شتاء‪ ،‬وهو طريق الذهاب‪� ،‬أما‬
‫طريق الإياب فهو الطريق التهامي الذي مل ُيكت�ش ��ف �إىل الآن‪ ،‬وكان مير بحبا�ش ��ة فع�ش ��م‪،‬‬
‫فهما طريقان �سروي للذهاب‪ ،‬وتهامي للإياب تفادي ًا لق�ساوة املناخ اجلبلي وطلب ًا العتدال‬
‫(‪)1‬‬
‫املناخ التهامي‪.‬‬
‫‪4‬ـ احلنجور ‪:‬‬
‫يف ي ��وم الأربعاء املوافق (‪1420/2/17‬هـ) قمت برحلة �إىل احلنجور وهي قرية جميلة يف‬
‫�أ�صدار دار اجليل ـ القطاع التهامي ـ ت�صطبغ بلون املحبة وتتوج باالخ�ضرار الليموين وتنت�شر يف‬
‫جنباته ��ا مزارع النب واملوز والكاذي وبع�ض النخالت الطويلة‪ ،‬كما تفوح القرية بعطر النباتات‬
‫اجلبلية را�س ��مة لوحة ب�صرية م�شمومة‪ ،‬فتبارك اهلل �أح�سن اخلالقني ‪� .‬إن تناثر �أ�شجار القفل‬
‫ال�شوكية التي قال عنها مع َّقر بن حمار البارقي يف اجلاهلية البنته اق�صدي بي قفلة ف�إنها تنبت‬
‫مبنجاة من ال�س ��يل‪� ،‬إن تناثر هذه ال�ش ��جرة الرائعة بني ح�ش ��ائ�ش احلداب ليوحي �إىل النف�س‬
‫بجمال خال�ص ال ميكن �أن ي�شاهده �إال يف احلنجور‪ ،‬ويف طريق الولوج �إىل قرية احلنجور قمت‬
‫بت�ص ��وير حجر الظاهر‪ ،‬وهو �ص ��خرة كبرية جد ًا تقع يف حو�ش بي ��ت من بيوت �أهايل احلنجور‬
‫وبحجر الظاهر �ص ��ورة منقو�ش ��ة لوعول كما �أن بها �آثار ًا لنقو�ش كتابية يف طريقها �إىل الزوال‪،‬‬
‫كما �أفادين الدليل ح�س ��ن اجلراد بوجود كثري من الر�س ��ومات واملخرب�شات يف الدخن والهيالة‬
‫وهي قمم �شاهقة يف اجلنوب الغربي من احلنجور يف ناحيتها ال�شرقية ‪.‬‬
‫‪5‬ـ �آثار �صفح الكتاب ‪:‬‬
‫�س ��بق و�أن ذكر عبد القدو�س الأن�صاري عند زيارته للغمدة من بني ظبيان قبل حوايل‬
‫(‪ )25‬عام ًا �أنه ر�أى حجر ًا فيه نق�ش �أو خمرب�شات حديثة‪ ،‬وقد دفعني ذلك لل�س�ؤال والبحث‬
‫حت ��ى وج ��دت موقع ًا �أثري ًا يبدو �أنه لي�س املكان الذي عناه الأن�ص ��اري‪ ،‬واملوقع اجلديد يقع‬
‫يف �أعل ��ى وادي احلريق ��ة يحوي الكثري م ��ن النقو�ش‪ ،‬ومل �أجد فيه �إال ر�س ��مني لوعلني فقط‬
‫ومعظم النقو�ش مربعات‪ ،‬وبها نقاط يف و�س ��طها املق�س ��مة لأربعة �أق�س ��ام‪ ،‬ويبدو �أن �ص ��فح‬
‫الكتاب �س ��مي بهذا اال�س ��م ملا فيه من النقو�ش والكتابات‪ ،‬وقد �أفادين الدليل ب�أن كثري ًا من‬
‫الأحج ��ار نقلت للبناء بها يف القرية منذ وقت طوي ��ل حيث بنى بها �أحد �أفراد قرية الغمدة‬
‫لأنها �صاحلة للبناء‪ ،‬ويلحظ يف املوقع �أحجار كثرية متفرقة وطريق �شق موقع الأحجار وقد‬
‫(‪)2‬‬
‫�أحدث فيها دمار ًا ظاهر ًا‪ ،‬ورمبا يف املوقع �آثار معادن‪.‬‬

‫((( هاتان الطريقان الزالتا حتتاجان �إىل مزيد من الدرا�سات العلمية الأكادميية التاريخية والأثرية ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( للأ�سف �أن الوعي عند النا�س مفقود ب�ش�أن الآثار و�أهميتها التاريخية واحل�ضارية ‪ .‬وقد وجدنا خالل الثالثني عام ًا‬
‫املا�ضية �أماكن �أثرية كثرية واختفت من الوجود ‪ .‬ودُمر �أغلبها بحجة تنمية وتطوير البالد ‪ ،‬وهذا يف اعتقادي �أعلى‬
‫مراتب اجلهل والتخلف ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫‪409‬‬ ‫الدرا�سة العا�شرة ‪ :‬وقفات مع �آثار منطقة الباحة‬

‫‪6‬ـ قرب كليب ربيعة و�آثار حرب الب�سو�س‪:‬‬


‫وتوج ��د بقايا هذا القرب يف وادي اخليط ��ان بتهامة‪ ،‬وتوجد �آثار قبور كثرية بالقرب منه‪،‬‬
‫ويق ��ال �أن �أول معركة يف حرب الب�س ��و�س امل�ش ��هورة جرت يف وادي اخليط ��ان الذي كان حمى‬
‫لكليب‪ ،‬وقد كتبت يف ذلك مقالني يف �صحيفتي البالد والريا�ض ال�سعوديتني وهذا هو ن�صهما ‪:‬‬
‫(*) حرب الب�سو�س بد�أت يف تهامة الباحة ‪:‬‬
‫�س ��معت قبل حني من الزمن �أن هناك من يقول ‪� " :‬إن حرب الب�س ��و�س يف تهامة‪،‬‬
‫و�أعر�ض ��ت عن اخلرب لعلمي �أن وقائع احلرب التي عركت العرب بثفالها �أربعني عام ًا �إمنا‬
‫هي يف جند و�أثناء ان�ش ��غايل بالأن�س ��اب والآثار يف الباحة قابلت يف مه ّل �شعبان لهذا العام‬
‫(‪1421‬ه� �ـ) بع� ��ض �أهل حوالة ( قري ��ة يف جنوبي الباح ��ة) وهم ي�ؤك ��دون �أن قرب كليب يف‬
‫تهامة �أ�سفل �شفا حوالة يف وادي (اخليطان) و�أن هناك م�سيل ماء ي�سمى الب�سو�س‪ ،‬ف�أردت‬
‫أحوال مرت ب�شيخ حوالة ( ابن �شائق ) ت�أجلت الزيارة �أكرث من مرة ‪.‬‬ ‫زيارة املكان‪ ،‬ولكن ل ٍ‬
‫وعندما ذكرت الأمر لأخي الأ�س ��تاذ جمعان الكرت مندوب جريدة الوطن يف الباحة اتفقنا‬
‫عل ��ى الذهاب �إىل م ��كان قرب كليب‪ ،‬ولقينا �أح ��د الإخوة من حوالة و ُيدعى علي بن فا�ض ��ل‬
‫و�أران ��ا مو�ض ��ع القرب من �أعايل اجلب ��ال ووعدنا �أن نذهب مع ًا لر�ؤي ��ة القرب يف ٍ‬
‫موعد �آخر‪،‬‬
‫وزو َّدنا مبخطط دقيق ملو�ض ��ع القرب قرب كليب وقرب ابنته اليمامة وم�س ��يل الب�سو�س‪ ،‬وموقع‬
‫معركة ج�سا�س مع املهلهل‪ ،‬و�أعلمنا بكيفية �إخفاء املهلهل لل�سالح يف بطحاء وادي الب�سو�س‬
‫كما هو متواتر عن �أهايل حوالة‪ ،‬ويف امل�ساء ات�صلت بالأ�ستاذ جمعان الكرت وزودته ببع�ض‬
‫املعلومات و�أحلحت عليه �أن ي�س ��رع يف ن�ش ��ر املو�ضوع‪ .‬ون�شر املو�ض ��وع ولكنه كان على هيئة‬
‫كتابة �ص ��حفية خلو ًا من البحث والتدقيق واملنهجية العلمية‪ ،‬ولذا قررت �أن �أزور املوقع مرة‬
‫�أخ ��رى بنف�س ��ي و�أن �أبد�أ بتجميع الأدلة التي ترجح �أن كليب وائ � ٍ�ل كان يعي�ش هو وقبيلته يف‬
‫هذا املو�ضع من تهامة الباحة‪.‬‬
‫ويف ظه ��ر يوم اجلمع ��ة املوافق(‪1421/10/16‬هـ) توجهت �إىل املو�ض ��ع وو�ص ��لت �إىل‬
‫مكان قرب كليب‪ ،‬وهو يقع بال�ضبط �أ�سفل حمطة العربات الكهربائية املعلقة يف جبل �أثرب‪.‬‬
‫وهناك وجدت حار�س م�ش ��روع العربات وهو من الذين �سكنوا قدمي ًا يف هذا املو�ضع و�أراين‬
‫املقربة‪ ،‬وقد قام م�ش ��روع العربات بتدمري معظمها‪ ،‬ولدى �س� ��ؤايل للحار�س ( ابن �س َّعيد )‬
‫عن املقربة قال ‪� " :‬إنها ق�سمان ق�سم مقربة �آبائنا و�أجدادنا‪ ،‬وق�سم لقبور قدمية تبدو على‬
‫هيئة و�ش ��كل غريبني فهي دائرية وكبرية احلجم‪ ،‬ومل ي�ص ��دق �أ�ص ��حاب امل�شروع �أنها قبور‬
‫حتى اطلعنا على بقايا عظام �إحدى القبور ‪ .‬وملا �س�ألته عن قرب كليب بالذات �أنكر �أن يكون‬
‫ربا بعينه لكليب لكن املو�ض ��ع كله ي�س ��مى (حدبة كليب)‪ ،‬واحلدبة هي املكان‬ ‫�أحد يعرف ق ً‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪410‬‬
‫املرتفع قلي ًال عما حوله ‪ .‬ويبدو من هيئة قربين يف املو�ض ��ع وكرب حجمهما وارتفاعهما عن‬
‫غريهم ��ا �أنهم ��ا اللذان ع َّينهما الأخ علي بن فا�ض ��ل على �أنهما قربا كلي ��ب وابنته اليمامة‪،‬‬
‫وهو امل�ش ��هور عند �أهايل حوالة كلهم‪� ،‬أما حار�س امل�ش ��روع فلم يكن �أ�ص�ل ً�ا من �ساكني هذا‬
‫املو�ض ��ع‪ ،‬وقد اتفق حار�س امل�ش ��روع وعلي بن فا�ضل على اختفاء ًن�ص ��ب على القرب كان به‬
‫نق�ش منذ �أكرث من ع�ش ��ر �س ��نوات‪ ،‬وبعد ذلك �أر�شدين حار�س امل�ش ��روع ( ابن �سع ِّيد ) �إىل‬
‫وادي الب�س ��و�س فذهبت �إليه وقمت بت�ص ��ويره‪ ،‬ولفت انتباهي ح�ص ��ن يف �أعلى �أحد اجلبال‬
‫املقابلة للوادي‪ ،‬وعرفت ا�س ��م احل�ص ��ن يف جولت ��ي الثالثة �إىل املكان ي ��وم الأربعاء املوافق‬
‫ج�س ��ا�س كما‬‫(‪1415 /11 /18‬ه� �ـ) �إذ ع ��زاه مرافق ��ي علي بن فا�ض ��ل من �أهل حوالة �إىل ّ‬
‫يقول كبار ال�سن‪ ،‬وقد وجدت �أمام احل�صن �آثار �صهر معادن و�إن كان �صغر حجم احل�صن‬
‫جعلني �أ�شك يف ن�سبته �إىل ج�سا�س بن مرة ومما يلفت النظر خ�صب وادي الب�سو�س وروعته‬
‫وكرثة �أ�شجار ال�سدر العمالقة يف الوادي ومن حوله‪.‬‬
‫وبعد ه ��ذه الرحالت امليدانية قمت برحالت �أخرى يف بطون الكتب ال�س ��تجالء الأدلة‬
‫التي قد ت�ؤيد �أو تنفي �أن حرب الب�س ��و�س بد�أت هنا‪ ،‬ووجدت �أهم الأدلة ت�ؤيد �أو ت�ش�ي�ر �إىل‬
‫ترجيح كون احلرب قد بد�أت يف هذا املو�ضع‪ ،‬ومن تلك الأدلة‪:‬‬
‫�أ ـ م��ا ورد يف العق��د الفري��د ‪ " :‬وكانت بنو ج�ش ��م وبنو �ش ��يبان يف دار واحدة بتهامة‬
‫وكان كلي ��ب ق ��د تزوج جليلة ‪� ...‬إلخ " ب ��ل �إن معظم القبائل العربي ��ة املعدية وغريها كانت‬
‫تعي�ش يف تهامة ثم تفرقت يف �أرجاء اجلزيرة العربية ( انظر �سرية ابن ه�شام ‪. )43/1‬‬
‫ب ـ وردت�أبياتمن�شعراملهلهلت�ؤكد�أنديارهمكانتبتهامة‪،‬فقدورديفالعقدالفريد‬
‫( ج ‪ . ) 73-72/6‬وقال املهلهل يرثي كليب ًا ‪:‬‬
‫�أرق�������ب ال���ن���ج���م ����س���اه���راً �أن ي����زوال‬ ‫ً‬
‫�����وي��ل��ا‬ ‫ب����������تُّ ل�����ي�����ل�����ي ب������الأن������ع������م���ي��ن ط‬
‫م�����ن ب����ن����ي وائ����������لٍ ي���ن�������س���ي ق���ت ً‬
‫���ي�ل�ا‬ ‫ك������ي������ف �أه������������������د�أ وال ي�������������زال ق����ت����ي ً‬
‫��ل�ا‬
‫وف������ي������ه������ا ب������ن������و َم�������ع�������ـ������� ِّد ح������ل������و ًال‬ ‫غ����� ِّي�����ب�����ت درا َن���������������ا ت�����ه�����ام�����ة يف ال�����ده�����ر‬
‫ج ـ �إن ياقوتا احلموي �أ�ش��ار �إيل ما �س��ماه �س��وق الذنائب قائ ًال ‪ " :‬و�س ��وق الذنائب‬
‫قرية دون زبيد من �أر�ض اليمن‪ ،‬وبه قرب كليب‪ ،‬وقال مهلهل يرثي �أخاه كليب ًا‪:‬‬
‫�إذا �أن��������ت ان���ق�������ض���ي���ت ال حت�����وري‬ ‫�أل�����ي�����ل�����ت�����ن�����ا ب�����������ذي ح�������� ُ�������س������� ُم �أن�����ي�����ري‬
‫ف���ق���د �أب����ك����ي م����ن ال���ل���ي���ل ال��ق�����ص�ير‬ ‫ف�����������إن ي������ك ب�����ال�����ذن�����ائ�����ب ط��������ال ل��ي��ل��ي‬
‫ف���ت���خ���ب���ـ���ر ب�����ال�����ذن�����ائ�����ب �أي زي���ـ���ر‬ ‫ف������ل������و ن�����ب�����������ش امل�������ق�������اب�������ر ع��������ن ك���ل���ي���ب‬
‫(معجم البلدان ‪8/3‬ـ‪) 9‬‬
‫‪411‬‬ ‫الدرا�سة العا�شرة ‪ :‬وقفات مع �آثار منطقة الباحة‬

‫وبهذا املو�ض ��ع بالذات من تهامة الباحة مو�ض ��ع يقال ل ��ه ‪ :‬الذنبة وهي قريبة من قرب‬
‫كليب‪ ،‬ويحكى �أنه كان بقربه �أي�ض� � ًا �س ��وق قدمي ي�سمى �سوق املدارات‪ ،‬وكان يتجر �إليه كبار‬
‫ال�سن من �أهايل حواله ‪ .‬فلعله من بقايا �سوق الذنائب القدمي ‪� .‬أما قول ياقوت (دون زبيد)‬
‫�أي قب ��ل مدين ��ة زبيد فهذه العادة تكرث عن ��ده وعند غريه يف حتدي ��د الأماكن فال يحددها‬
‫بدقة وبخا�ص ��ة املوا�ض ��ع الواقعة بني مكة واليمن‪ .‬وقد �أتى ياقوت بعد ذلك بقول �أبي زياد‪:‬‬
‫" الذنائ ��ب م ��ن احلمي حمي �ض ��رية من غربي احلمي و�أردف ياق ��وت قائ ًال ‪ :‬واهلل �أعلم ‪.‬‬
‫معج ��م البل ��دان (‪8/3‬ـ‪ . ) 9‬وذل ��ك دليل على عدم ت�أكده من مو�ض ��ع قرب كلي ��ب‪ ،‬و�إن كان‬
‫ق ��د ورد يف الأغ ��اين القول ب�أن‪ ":‬مقتل كليب بالذنائب عن ي�س ��ار فلجة م�ص ��عد ًا �إىل مكة "‬
‫الأغ ��اين (‪ ،)44/5‬ولعل ذلك من تخلي ��ط الرواة �أو لعل من املمكن �أن تكون الذنائب لأكرث‬
‫من مو�ضع‪ ،‬ومن هنا ت�أتي �أهمية التحديد املكاين لبداية حرب الب�سو�س التاريخية‪.‬‬
‫د ـ تذكر امل�صادر التاريخية �أن من �أوائل معارك املهلهل معركة مباءٍ يقال له النَّهي‪.‬‬
‫وهن ��اك واد يج ��زع قرية حوالة يف ال�س ��راة ُي�س ��مى النهيني تثنية ( نه ��ي ) وهو مير بحوالة‬
‫متجه ًا �ش ��رق ًا �إىل جند ورمبا �س ��مي النهيني لأنه ينق�سم ق�سمني يف بدايته يلتقيان يف �أ�سفل‬
‫قرية حوالة وكل منهما نهي‪ ،‬وحتى لو ثبت �أن النهي هو املاء املعروف بو�سط جند ف�إن الوقعة‬
‫قد حدثت فيه بعد خروج قبائل بكر وتغلب وارحتالهم عن تهامة �إىل جند‪� ،‬أما ا�ستبعاد كون‬
‫قبيلة تغلب قد �س ��كنت يف هذا املو�ض ��ع واملعروف �أنها قبيلة عا�شت يف و�سط جند ثم انتقل‬
‫معظمها فيما بعد �إىل �شمال العراق �أو ال�شام‪ ،‬فذلك غري �صحيح على �إطالقه فمازال جزء‬
‫من قبيلة تغلب يعي�ش بالقرب من هذا املو�ض ��ع وال يبعدون عنه �س ��وى (‪ )150‬كي ًال ويدعون‬
‫�أكل ��ب وهم يف احلقيقة م ��ن بني ربيعة بن نزار"انظر‪:‬كتاب تاري���خ بني خثعم وبالدهم يف‬
‫املا�ضي واحلا�ضر�ص‪50‬ـ‪ 51‬ـ‪.52‬‬
‫هـ ـ مل تف�سر الروايات التاريخية �سبب رحيل املهلهل �إىل قبيلة جنب من مذحج‬
‫و�إجبارهم �إياه على تزويج ابنته يف جنب‪ ،‬ولكن اكت�ش ��اف هذا املو�ض ��وع ويف هذا املكان‬
‫بالذات من اجلزيرة العربية قد يف�س ��ر لنا ال�سبب احلقيقي لعودة املهلهل من �أوا�سط جند‬
‫�إىل نواح ��ي اليم ��ن‪ ،‬وذلك ال�س ��بب يتمثل يف �إيثاره الع ��ودة �إىل قرب �أخيه لق�ض ��اء ما تبقى‬
‫م ��ن عمره عن ��ده‪ ،‬وقد عادت معه ابنت ��ه اليمامة‪ ،‬ولكنه ملا عاد �إىل القرب بعد �أربعني �س ��نة‬
‫وجد قوم ًا من مذحج ي�س ��كنون عنده فجل�س بينهم ولرمب ��ا امتهن دباغة اجللود ليعي�ش هو‬
‫وابنته‪� ،‬إذ �أ�س ��اطري �أهل حوالة ت�ش�ي�ر �إىل �أنه كان يعمل بدباغة اجللود‪ ،‬وهناك زوج ابنته‬
‫( ل�ش ��مران) وه ��و الفرع الوحيد من مذحج الذي نزل بالقرب م ��ن هذا املكان حتى الآن‪� ،‬أو‬
‫�أنه زوج ابنته لبع�ض جنب ف�أولدت �ش ��مران ف�ش ��مران ن�س ��ب �إىل عبيدة كما تقول بع�ض كتب‬
‫الن�سب‪ ،‬و�شمران هو الفرع الوحيد من قبائل مذحج الذي نزل بالقرب من هذا املكان وفارق‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪412‬‬
‫بقية �إخوته من مذحج الذين مازالت م�س ��اكنهم متتد من �ش ��مايل اليمن و�سراة عبيدة حتى‬
‫�أوا�س ��ط جند بالقرب من مدينة الريا�ض‪ ،‬وقد كان تزويج ابنة املهلهل على �ص ��داق من �أدم‬
‫وحينذاك �أن�شد املهلهل بكائيته يف تزويج ابنته بهذا املهر وهو ال�سيد املطاع يف قومه ولطاملا‬
‫هابت ��ه الع ��رب جمعاء‪ ،‬ولكنه �آثر تزوي ��ج ابنته والبقاء بهذا املكان حت ��ى توفته املنية بجانب‬
‫ق�ب�ر �أخيه‪ ،‬ال كم ��ا تذهب بع�ض الرواي ��ات التاريخية التي حتدثت عن �أ�س ��ره ثم قتله‪ ،‬وبعد‬
‫ف�إن من املرجح و�أقول املرجح �أن حرب الب�سو�س قد بد�أت يف تهامة الباحة‪ ،‬ولعل الدرا�سات‬
‫الأثرية القائمة على حتديد عمر بع�ض �آثار �صهر املعادن �أو بع�ض العظام عن طريق الإ�شعاع‬
‫الكرب ��وين قد تلقي مزيد ًا من ال�ض ��وء عل ��ى هذا الأمر‪ ،‬وما مقايل �إال خط ��وة �أرجو �أن تليها‬
‫خطوات كثرية‪ ،‬واهلل املوفق‪ ،‬وكتبه جمعان بن عبد الكرمي الغامدي (الباحة)‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ م�سجد علي بن �أبي طالب ( ر�ضي اهلل عنه ) ‪:‬‬
‫لقد جعلت الإدارة العامة للآثار من م�س ��جد ُين�س ��ب �إىل عمر بن اخلطاب (ر�ضي اهلل‬
‫عنه) يف اجلوف �ش ��عار ًا‪ ،‬وللأ�س ��ف ف�إن م�سجد ًا �آخر ين�سب �إىل علي بن �أبي طالب هدم يف‬
‫عام (‪1402‬هـ) و�أقيم مكانه م�سجد حديث على منط امل�ساجد التي �شيدتها وزارة الأوقاف‪،‬‬
‫وذلك يف قرية دار امل�س ��يد يف باحلكم من قبيلة بني كنانة بالقرب من مدينة املندق‪ ،‬حتى‬
‫�أن �أهل القرية �أرادوا ت�س ��مية امل�س ��جد با�سمه ال�سابق �أو على الأقل حلقة حتفيظ القر�آن يف‬
‫امل�س ��جد فرف�ض ��ت �إدارة الأوقاف يف املنطقة‪ ،‬وطلبت �أهايل القرية ب�إثبات يدل على �صحة‬
‫الت�سمية‪ ،‬وهذا قول غري �سليم‪ ،‬فلقد بعث الر�سول ( ﷺ ) علي ًا �إىل اليمن واحتمال مروره‬
‫بهذه الأنحاء احتمال كبري‪ )1(.‬وقد عاد �إىل الر�س ��ول (ﷺ) يف العام العا�شر‪ ،‬ووافاه مبكة‬
‫يف حج ��ة الوداع‪ ،‬وهناك دالئل �أخرى ت�ؤيد احتمال �إثبات ن�س ��بة هذا امل�س ��جد �إىل علي �أبي‬
‫طالب ( ر�ضي اهلل عنه) ومنها ما يلي ‪:‬‬
‫‪1 .1‬ت�س ��مية القرية با�س ��م (دار امل�س ��يد) �أي امل�سجد وامل�س ��يد لهجة عربية قدمية ما تزال‬
‫م�س ��تعملة يف بع�ض مناطق الباحة‪ ،‬ون�س ��بت �إىل (امل�س ��جد) كما يبدو ل�ش ��هرته‪ .‬بل �إن‬
‫كثري ًا من �أهل القرى يف غامد وزهران كانوا ي�صلون اجلمعة يف هذا امل�سجد قبل �أكرث‬
‫من خم�سني �سنة حتى الآن ‪.‬‬
‫‪2 .2‬تواتر الروايات ال�ش ��فهية بني النا�س �أن امل�س ��جد من�سوب لعلي بن �أبي طالب لأنه �صلى‬
‫يف مو�ض ��عه‪ ،‬والتواتر ال�ش ��فهي من الأدلة املعتربة �ش ��رع ًا التي ي ّعول عليها حتى و�إن مل‬

‫((( لي�س لدينا روايات م�ؤكدة تثبت مرور علي بن �أبي طالب ( ر�ضي اهلل عنه ) من �سروات غامد وزهران ‪ .‬مع �أن الروايات‬
‫التاريخية املبكرة ت�ؤكد على ذهابه من احلجاز �إىل اليمن عدة مرات يف عهد الر�سول (ﷺ )‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫‪413‬‬ ‫الدرا�سة العا�شرة ‪ :‬وقفات مع �آثار منطقة الباحة‬

‫توجد نقو�ش ومعامل ظاهرة‪ )1(،‬وهناك بع�ض �آثار م�صلى يف �أعلى اجلبل امل�شرف على‬
‫القرية وامل�س ��مى جبل الأن�صب‪ ،‬وباملو�ضع قرب لأحد ال�صاحلني كان عليه قبة �أزيلت يف‬
‫بداية العهد ال�سعودي وكان اجلبل �أحيان ًا ي�سمى بجبل القبة ‪.‬‬
‫‪3 .3‬قيل �إن هناك عند �أهايل القرية وخمطوطات تثبت �ص ��حة ن�س ��بة هذا امل�سجد ومل �أ�ستطع‬
‫احل�صول عليها‪ ،‬وقد ح�صلت على بع�ض التف�صيالت يف و�صف امل�سجد املهدوم ويف ق�صة‬
‫ت�س ��ميته من �أحد كبار القرية‪ ،‬وهو �أح ��د املعمرين فيها وهو ( عقيل بن عطية الزهراين)‬
‫ال ��ذي كان �إمام� � ًا ومعلم ًا وفقيه ًا يف القري ��ة‪ ،‬و�إفادته جاءت على النح ��و التايل‪� " :‬إن هذا‬
‫امل�س ��جد كان مبني� � ًا منذ الق ��دم‪ ،‬وكان مبني ًا م ��ن احلجارة والأخ�ش ��اب والطني حيث كان‬
‫�س ��قفه معمور ًا بخ�ش ��ب �أ�ش ��جار العرعر فكانت تطرح الأخ�ش ��اب ويو�ض ��ع عليه ��ا نوع من‬
‫الأحجار التي ت�شبه ال�صفيح وت�سمى ( ال�صالة ) ومن ثم يو�ضع الرتاب والطني وكانت له‬
‫�أي�ض� � ًا منارة مرتفعة ن�سبي ًا‪ ،‬وكان بامل�سجد ما ي�شبه دورات املياه‪ ،‬ويف �إحدى زوايا امل�سجد‬
‫توجد تق�س ��يمات ب�س ��يطة ت�س ��تخدم فيها بع�ض الأواين القدمية‪� ،‬أما بقية جدران امل�سجد‬
‫فهي من الأحجار والطني‪ ،‬وم�س ��احة امل�س ��جد كبرية‪ ،‬فهو ي�س ��توعب ح ��وايل (‪150‬ـ‪)200‬‬
‫م�ص� � َّل ‪�.‬أما ن�س ��بة وت�س ��مية امل�سجد با�س ��م م�س ��جد علي بن �أبي طالب ( ر�ضي اهلل عنه )‬
‫فق�ص ��ة متوارث ��ة من �آبائنا و�أجدادنا حي ��ث �أنهم كانوا يحدثوننا بهذه الق�ص ��ة حينما كنا‬
‫ن�س� ��ألهم بها"‪ ،‬وعندما �سئل عن ق�صة امل�سجد الآخر الواقع يف ر�أ�س جبل الأن�صب �أجاب‪:‬‬
‫" �إن هذا امل�س ��جد م�س ��جد �أثري وقدمي جد ًا وكان يق�ص ��د من قبل �آبائنا و�أجدادنا لأداء‬
‫�ص�ل�اة اال�ست�س ��قاء فقط �أومن �أدركته ال�ص�ل�اة وهو باجلبل‪� ،‬أما القرب الذي كان بالقرب‬
‫من هذا امل�سجد فيقال �إنه لرجل �صالح اهتم به بع�ض النا�س وقاموا ببناء قبة عليه "‪.‬‬
‫هذا ما ا�ستطعت احل�صول عليه من معلومات حول م�سجد علي بن �أبي طالب وامل�سجد‬
‫املبني على اجلبل امل�ش ��رف على القرية‪ ،‬و�أ�شكر كل من �ساعدين يف �إمدادي مبعلومات عن‬
‫هذا املكان الأثري املهم وبخا�صة الأخ نا�صر بن �صغري بن نا�صر الزهراين‪ ،‬و�أرجو �أن �أكون‬
‫قد �أ�شرت جمرد �إ�شارة �إىل موقع �أثري من املواقع التي تزخر بها منطقة الباحة (واهلل من‬
‫(‪)2‬‬
‫وراء الق�صد)‪.‬‬
‫((( انظ ��ر بح ��ث ‪ :‬الآثار الإ�س�ل�امية بقرية البطالية لفه ��د بن علي احل�س�ي�ن ( ط‪1422/ 1‬هـ) �إ�ص ��دارات وكالة الآثار‬
‫واملتاح ��ف يف وزارة املع ��ارف‪ ،‬وهو يف �أ�ص ��له ر�س ��الة ماج�س ��تري‪ ،‬وق ��د عول كثري ًا عل ��ى الروايات ال�ش ��فهية يقول يف‬
‫�ص(‪ )13‬قرية البطالية �إحدى قرى حمافظة الإح�ساء و�أهم املواقع الأثرية الظاهرة بالقرية م�سجد جامع ‪ ...‬وهذه‬
‫الآثار على الرغم من �أهميتها ال حتمل نقو�ش ًا حتدد تاريخها بينما تفيد روايات حملية متواترة بني �سكان القرية �أن‬
‫هذه الآثار تعود �إىل فرتات �إ�سالمية مبكرة ‪ (.‬جمعان الغامدي ) ‪.‬‬
‫((( وت�أكيد ًا على ما ذكر الدكتور جمعان‪ ،‬فاملنطقة فع ًال تزخر مبئات الر�سومات ال�صخرية‪ ،‬ناهيك عن املواقع الأثرية‬
‫فه ��ي الأخ ��رى كثرية ومتناثرة يف �أنحاء املنطقة ‪ .‬ون�أمل �أن نرى �أق�س ��ام وكليات الآث ��ار‪ ،‬وكذلك الآثاريني يف اململكة‬
‫فيتجهوا يف درا�ساتهم الأكادميية �إىل بالد تهامة وال�سراة الغنية بتاريخها وح�ضارتها ‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪414‬‬
‫‪8‬ـ �صفا الطهيان ‪:‬‬
‫هو موقع قدمي ورد ذكره يف ال�ش ��عر الأموي‪ ،‬وجند الل�ص الأزدي يعلى بن الأحول‪،‬‬
‫الذي كان يف �سجن مكة املكرمة خالل الع�صر الأموي‪ ،‬يتمنى �أنه �ساكن ًا يف جبل حزنة ويف‬
‫�صفا الطهيان وغريهما من بالد غامد‪ )1(.‬وتوجد �أ�سفل �صفا الطهيان قرى مهجورة‪ ،‬ورمبا لو‬
‫(‪)2‬‬
‫�أُ ْجريت درا�سة �أثرية لهذه القرى وما جاورها فقد يحدد العمر الزمني ل�سكن هذه البالد‪.‬‬
‫والوا�ضح �أن هذه املواطن مل تذكر يف ال�شعر اجلاهلي‪ ،‬مع �أن �شعراء اجلاهليني كانوا مغرمني‬
‫ومولعني بذكر املوا�ضع يف �أ�شعارهم‪ )3(،‬ورغم جمال طبيعة �صفا الطهيان وجبل حزنة وعموم‬
‫منطقة الأ�صدار من بالد تهامة وال�سراة‪ ،‬فرمبا �أنها مل ت�سكن �إال منذ القرن الثاين الهجري‬
‫( الثام ��ن املي�ل�ادي ) وحتديد ًا منذ الع�ص ��ر الأموي‪ )4(،‬ومن املحتم ��ل �أن كثري ًا من قبائل‬
‫املنطقة كانوا بدو ًا يف �س ��فوح بالد ال�س ��راة ال�ش ��رقية والتي ورد ذكر كثري من موا�ضعها يف‬
‫ال�ش ��عر وغريه م ��ن كتب الرتاث الإ�س�ل�امي‪ ،‬كما تك�ث�ر النقو�ش والآثار بها‪ ،‬ورمبا ا�ض ��طر‬
‫ً (‪)5‬‬
‫اجلفاف �أهلها فنزحوا �إىل قمم اجلبال بعد �أن كانت غابات و�أحرا�شا‪.‬‬
‫‪9‬ـ �آثار اللجيحة ‪:‬‬
‫يف ي ��وم اخلمي� ��س املوافق (‪1423/2/18‬ه� �ـ) كانت الرحل ��ة �إىل وادي غينة الذي‬
‫ي�ص ��ب يف وادي جرب‪ ،‬ومن وادي غينة اجتهت ق�ص ��د ًا نحو ال�ش ��مال �إىل �ش ��عب اللجيحة‬
‫الواقع عند �س ��فوح جبل ال ُعمدان‪ ،‬وهي ثالثة جبال �ش ��اخمات ك�أنه ��ا براكني خامدة ويقع‬
‫((( جبل حزنة و�صفا الطهيان �ضمن منطقة �أ�صدار حمافظة بلجر�شي‪ ،‬وهذه الأوطان تت�صف باجلمال الطبيعي‪ ،‬ووعورة‬
‫الت�ضاري�س ال�شديدة ‪ .‬م�شاهدات الباحث �أثناء زيارة منطقة الباحة يف الفرتة من (‪1433/12/29 -11/29‬هـ ) ‪.‬‬
‫( ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( بالقرب من �صفا الطهيان يف حزنة توجد �آثار لقرب يدعى �أنه قرب لقمان‪ ،‬ويظن البع�ض‪ ،‬وهذا غري �صحيح‪� ،‬أنه قرب‬
‫لقمان احلكيم ‪ .‬وتذكر بع�ض الروايات ‪� .‬أن هذا القرب كان يزوره بع�ض الهنود ‪ .‬كما يوجد نق�ش يف ال�صخور القريبة‬
‫من القرب وهذه النقو�ش والقرب الزالت بحاجة �إىل درا�سات علمية �أكادميية موثقة‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( الق ��ارئ يف كتب الرتاث ويف الأ�ش ��عار القدمي ��ة يجد ذكر مواقع كثرية يف �ص ��حارى اجلزيرة العربية ويف �س ��رواتها‬
‫وبواديها ‪ .‬للمزيد انظر الدواوين ال�ش ��عرية القدمية‪ ،‬وانظر م�ص ��ادر اللغة والأدب العربي فهي مليئة ب�أ�سماء مواقع‬
‫يف بالد ال�سراة املمتدة من اليمن �إىل احلجاز ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( منطقة الأ�ص ��دار كانت ترتاد من قبل �أهل ال�س ��راة منذ القدم لكن �صعوبة �أر�ضها ووعورة طرقها وخطورة �سباعها‬
‫وزواحفها رمبا جعلت النا�س ال يرتادونها �إال بهدف رعي موا�شيهم‪� ،‬أو جلب احلطب �أو ال�صيد من جبالها و�أوديتها‪،‬‬
‫وم ��ن ثم ف�إقامته ��م بها كانت حمدودة ‪ .‬ومنذ �أربعني عام ًا كنا ن�ش ��اهد �آباءنا و�أجدادن ��ا يذهبون �إىل هذه النواحي‬
‫من �أجل الرعي �أو جمع احلطب‪ ،‬وقد ميكثون بها بع�ض الوقت‪ ،‬لكنهم يعودون �إىل �أماكن ا�ستقرارهم الرئي�سية يف �أعايل‬
‫ال�سروات �أو يف �سهول تهامة وعند �سفوح ال�سروات الغربية ‪ .‬م�شاهدات الباحث منذ �أربعة عقود م�ضت ‪ ( .‬ابن جري�س )‪.‬‬
‫((( هذه �آراء و�أقوال يتخللها عدم ال�ص ��حة‪ ،‬فبالد ال�س ��راة وبخا�ص ��ة قممها كانت م�سكونة منذ ع�صور قدمية قبل الإ�سالم‪ ،‬وال�صالت‬
‫بني �س ��كان اجلبال ال�س ��روية و�سفوحها البدوية ال�شرقية و�ساكني �سفوح ال�سروات الغربية‪ ،‬بل �إن الع�شائر والبطون القاطنة يف هذه‬
‫النواحي الثالث يعودون يف الأ�س ��ا�س �إىل �أعراق و�أن�س ��اب واحدة ‪ .‬م�ش ��اهدات الباحث وقراءته عن تاريخ وح�ض ��ارة بالد‬
‫تهامة وال�سراة خالل الثالثني �سنة املا�ضية ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫‪415‬‬ ‫الدرا�سة العا�شرة ‪ :‬وقفات مع �آثار منطقة الباحة‬

‫�أعلى �ش ��عب اللجيحة‪ ،‬وعند �أوا�س ��ط اجلبال الثالثة �آثار �إ�س�ل�امية مكتوبة باخلط الكويف‬
‫ا�س ��تطعت احل�ص ��ول على ثالثة منها وت�صويرها‪ ،‬وهناك ما ي�شري �إىل بقايا قرية �إ�سالمية‬
‫يف ه ��ذه النواحي من �آثار رجوم وامتدادات حجرية ب�ش ��كل طويل‪� ،‬أما اجلبل الأو�س ��ط من‬
‫جب ��ال العمدان والتي تقع عند �س ��فحه قري ��ة اللجيحة الأثرية �أو ما تبق ��ى منها ففي بع�ض‬
‫�صخوره ر�سوم لأوعال وخمرب�شات قمت بت�صويرها‪ ،‬الأمر الذي ي�شري �إىل ِق َدم ُ�سكنى هذه‬
‫اجلب ��ال‪ ،‬كم ��ا �أن كثري ًا من البدو ي�ؤكدون �أن ر�س ��وم الأوعال واملخرب�ش ��ات وبع�ض النقو�ش‬
‫منت�ش ��رة بكرثة يف �سل�سلة جبال �شعري املنقادة �إىل �أعايل جرب‪ ،‬وكذلك يف �سفوح و�صخور‬
‫(‪)1‬‬
‫وادي ليف القريب من جرب ويف وادي تالع وثراد‪.‬‬
‫‪10‬ـ �آثار جبل عي�سان‪ ،‬وخربة ال�سباع ‪:‬‬
‫تقع عي�س ��ان يف �ش ��مايل قرية بني �س ��ار‪ ،‬وهو حمى م�ش�ت�رك بني بني �سار من زهران‪،‬‬
‫والزَّهران من غامد وقد وجدت فيه ر�س ��م ًا لوعل يف العر�ش‪ ،‬كما وجدت بع�ض املخرب�ش ��ات‬
‫القدمية التي تبدو كخط من اخلطوط ال�س ��امية‪ ،‬ور�س ��م ًا لوعل وجمل عليه راكبه مع بع�ض‬
‫(‪)2‬‬
‫الكتابات احلديثة‪.‬‬
‫�أم ��ا خربة ال�س ��باع فتقع و�س ��ط ديار بني ح�س ��ن من زهران‪ ،‬وه ��ي �إىل الغرب من‬
‫الطريق القدمي بني الطائف والباحة غرب الفرعة بعد النزول من قرية القحف �إىل ال�شولة‬
‫ث ��م �إىل خربة ال�س ��باع يف مرتفع م ��ن الأر�ض‪ ،‬وهي �أ�ش ��به بقلعة كبرية‪ ،‬ووجدنا بها نق�ش� � ًا‬
‫�إ�س�ل�امي ًا كتب باخلط الكويف‪ ،‬ويبدو �أنه �ش ��اهد لقرب ا�س ��تخدم يف بناء القلعة‪ ،‬وهناك ما‬
‫ي�شبه اخلطوط الثمودية‪� ،‬أما النق�ش فلم يت�ضح يف ال�صورة لعلوه يف جدار القلعة‪ ،‬وهو يبد�أ‬
‫(‪)3‬‬
‫بكلمة ( اللهم ‪� ...‬إلخ ) ‪.‬‬
‫(*) مواقع �أخرى غري مكت�شفة ‪:‬‬
‫ الباحة غنية جد ًا مبا فيها من �آثار ولعل الأيام القادمة تك�ش ��ف مزيد ًا من كنوزها‬
‫الأثرية‪ ،‬ومن املواقع الأثرية غري املكت�شفة التي �أعرفها ما يلي ‪:‬‬

‫((( لقد �ش ��اهدنا الكثري من الآثار والنقو�ش والر�س ��ومات ال�ص ��خرية يف الأجزاء ال�ش ��رقية من بالد غامد ‪ .‬وتلك الآثار‬
‫بحاجة �إىل درا�سات علمية �أكادميية موثقة ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( جب ��ل عي�س ��ان م ��ن اجلبال امل�ش ��هورة يف منطقة الباح ��ة وله ذكر عن ��د كثري من ال�ش ��عراء املتقدم�ي�ن واملت�أخرين ‪.‬‬
‫م�شاهدات الباحث يف ( ‪1433/12/5‬هـ‪2012/‬م) ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( هناك بع�ض الروايات ال�شفهية التي تذكر �أن بني ح�سن كانوا يف هذه القلعة‪ ،‬ويبدو �أنها من �أوائل الأماكن القدمية‬
‫التي �س ��كنتها ع�ش ��ائر الأزد يف قمم ال�س ��راة ‪ .‬وتاريخ الأر�ض وال�سكان يف بالد ال�س ��راة الزال بحاجة �إىل بذل جهود‬
‫كبرية من قبل اجلامعات والباحثني والأكادمييني النزيهني املن�صفني ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪416‬‬
‫(‪ )1‬كهوف اجلنية خلف قرية ال�س ��كران بتهامة ‪ )2( .‬ما ي�س ��مى ب�آثار رجل �أبي زيد‬
‫الهاليل يف �أعلى قرية العق�شان ببني ظبيان‪ )3( .‬ما ي�سمى ب�سوق بني هالل وم�سدح خامتة‬
‫يف �أعلى جبل �أفعان بالطويلة ومل �أجد فيهما �آثار ًا وا�ضحة‪� ،‬إال �أنني وجدت ر�سومات قيل يل‬
‫�أنها حديثة وذلك يف ه�ض ��بة اخلربات �ش ��رقي جبل �أفعان‪� )4(.‬آثار منازل يف عرق الكراء‬
‫�أ�سفل املركز الريا�ضي يف الباحة ‪� )5( .‬آثار قرية الفر�ش �شرقي بني م�شهور‪ )6( .‬الدخن‬
‫والهيالة بالقرب من قرية احلنجور يف تهامة ‪ )7(.‬جبل الع�صفرة ببني كبري يحوي ر�سوم ًا‬
‫ونقو�ش� � ًا قدمية ‪ .‬والأماكن ال�س ��ابقة رمبا كان فيها املهم وغري املهم �إال �أنه البد من �إجراء‬
‫درا�سة علمية لتقومي �أهميتها وقد زرت �أكرثها ما بني عامي ( ‪1418‬ـ ‪1420‬هـ) ‪.‬‬
‫(*) املخلفات الب�شرية ‪:‬‬
‫مما ال�شك فيه �أن يف �أيدي بع�ض �أهل املنطقة بع�ض املخلفات الأثرية املهمة لنقود‬
‫و�أ�س ��لحة قدمية جد ًا مل حتظ بدرا�س ��ة‪� ،‬أما املخلفات الب�ش ��رية التي حظيت بدرا�س ��ة غري‬
‫مكتمل ��ة فه ��ي تلك البقايا الت ��ي وجدت قريبة من ال�س ��طح يف مدينة ع�ش ��م �إذ تتناثر قطع‬
‫الفخ ��ار والزجاج امللونة بكرثة‪ ،‬ويب ��دو �أن ذلك الفخار والزجاج يعود لفرتة مبكرة ت�س ��بق‬
‫ظهور الإ�س�ل�ام �إذ هو قريب ال�ش ��به للموجود يف مدينة الفاو‪ .‬ومدينة ع�ش ��م تنتظر �أعمال‬
‫تنقيب علمية تظهر الكثري من دفائنها التي رمبا تغري م�سار النظريات الأثرية ‪.‬‬
‫وم ��ن املخلف ��ات الب�ش ��رية التي وج ��دت بالقرب م ��ن مدينة ع�ش ��م بقاي ��ا الرحي‬
‫امل�س ��تعملة يف طحن ال�ص ��خور ال�س ��تخراج الذهب‪ ،‬كما يوجد يف املنطقة كثري من املوا�ضع‬
‫التعدينية و�أهمها‪ )1( :‬منجم لغبة �شمال بلدة العقيق ‪ )2(.‬منجم الوقرة �شمال �شرق بلدة‬
‫العقيق‪ )3(.‬منجم بغبغ‪ )4( .‬منجم العملة �ش ��مال �ش ��رق قري ��ة منحل‪ )5(.‬منجم منحل‬
‫�ش ��رق الأطاولة بـ (‪ )15‬كم‪ )6(.‬منجم الع�ش ��مة ‪ )7( .‬منجم حلحال‪ )8( .‬منجم بوبري‪.‬‬
‫(‪ )9‬منجم بني دكة ـ بوادي بال�ش ��هم‪ )10( .‬منجم العنق يف بادية بني كبري‪ )11( .‬منجم‬
‫ال�صفر قرب الع�صداء‪ )12( .‬معملة حموية ‪.‬‬
‫(*) الر�سومات ‪:‬‬
‫ُتعد منطقة الباحة من املناطق الغنية بهذه الر�س ��ومات وهذه الر�سومات تتنوع ما بني‬
‫ر�س ��ومات لأوعال وهي �أكرث الر�س ��وم وقد ُوجدت هذه الأوعال يف ‪ :‬قملي‪ ،‬وذات الثودة‪ ،‬و�أم‬
‫ال�س ��درة‪ ،‬واللجيحة‪ ،‬واملفارجة ‪ .‬وتلك الر�س ��ومات تختلف يف طريقة ر�س ��مها ويف حجمها‬
‫من مو�ض ��ع �إىل �آخره كما وجد ر�س ��م للأبقار يف �ش ��دا‪ ،‬ووجد كذلك ر�سم اجلمل يف قملي‪،‬‬
‫وذات الثودة‪ ،‬و�أم ال�س ��درة‪ ،‬و�أف�ض ��ل ر�س ��م للجمل و�أكربه حجم ًا ما وجد بذات الثودة ‪� .‬أما‬
‫الر�س ��ومات الآدمية فهي يف جبل غيب يف الباهر ويف رو�ض ��ة بني �س ��يد ويف غربي الرو�ضة‬
‫‪417‬‬ ‫الدرا�سة العا�شرة ‪ :‬وقفات مع �آثار منطقة الباحة‬

‫كما وجد يف الرو�ضة ر�سم �آدمي ب�شكل مميز‪ ،‬كما توجد بع�ض الر�سومات الآدمية يف �صفح‬
‫الكتاب ويوجد يف ذات الثودة ر�س ��م لرجل ي�ص ��يد بال�س ��هام ‪ .‬كما �أن هناك �ص ��ورة لرجل‬
‫(‪)1‬‬
‫يركب اجلمل يف عي�سان‪.‬‬
‫(*) الكتابات والنقو�ش ‪:‬‬
‫واملخرب�ش ��ات غ�ي�ر املفهوم ��ة هي �أك�ث�ر النقو� ��ش انت�ش ��ار ًا يف منطقة الباح ��ة‪ ،‬وتكرث‬
‫املخرب�شات التي على �شكل مربعات غري منتظمة يف �أكرث من موقع‪ ،‬وتوجد هذه املخرب�شات‬
‫يف ذات الثودة �أو �أم ال�س ��درة و�ص ��فح الكتاب‪ ،‬وعي�س ��ان‪ ،‬وقملى يف جبل غيب بالباهر‪ ،‬ويف‬
‫رو�ضة بني �سيد‪ ،‬ويف �صخرة دو�س ‪� .‬أما اخلطوط القدمية للكتابات الثمودية وال�سبيئة فقد‬
‫بحثت كثري ًا عن مثل هذه النقو�ش فلم �أجد �ش ��يئ ًا ذا بال‪ ،‬و�إن كان قد منى �إىل علمي عثور‬
‫ال�سبايل على نقو�ش ثمودية يف وادي امل َّنزل بعي�سان ‪� .‬أما النقو�ش الق�صرية‬ ‫الدكتور عو�ض َّ‬
‫التي وجدتها فيبدو �أنها نقو�ش ثمودية‪ ،‬ومنها نق�ش وجد بحجر يف بئر بقرية رباع‪ ،‬وللأ�سف‬
‫(‪)2‬‬
‫ف�إن احلجر رمي يف البئر التي حتتوي على كوة ت�ؤدي �إىل �سرداب‪.‬‬
‫وخال�صة القول ‪:‬‬
‫منطقة الباحة غنية ب�آثارها ال�س ��طحية واملدفونة ‪ ،‬وجباله ��ا ووهادها مليئة بالنقو�ش‬
‫والر�س ��ومات ال�صخرية ‪ ،‬وهذه امل�ص ��ادر التاريخية جديرة باالهتمام والدرا�سة والتحليل ‪،‬‬
‫ون�أم ��ل من �أبناء هذه الب�ل�اد ‪ ،‬ومن امل�ؤرخني والأثاريني �أن يولوا ه ��ذه الأوطان اهتمام ًا يف‬
‫بحوثهم ور�سائلهم العلمية ‪.‬‬

‫((( ن�أمل �أن تن�ش ��ئ جامعة الباحة ق�س ��م ًا للآثار وال�س ��ياحة كي تدر�س منطقة الباحة تاريخي ًا و�أثري ًا و�س ��ياحي ًا‪ ( .‬ابن‬
‫جري�س ) ‪.‬‬
‫((( جنوب ��ي الب�ل�اد ال�س ��عودية ( الباحة‪ ،‬وع�س�ي�ر‪ ،‬وجازان‪ ،‬وجن ��ران‪ ،‬والقنفذة ) مليئ ��ة بالنقو�ش والكتاب ��ات والآثار‬
‫والر�سومات ال�صخرية والأبنية‪ ،‬والكهوف‪ ،‬واملقابر‪ ،‬والآبار‪ ،‬واملدرجات الزراعية‪ ،‬والقرى‪،‬والأ�سواق وغريها‪ ،‬وهي‬
‫حتتاج �إىل ع�ش ��رات الدرا�س ��ات الأكادميية جلمع وتدوي ��ن تاريخ هذه الأوطان العريقة ب�أهلها وتراثها وح�ض ��ارتها‪،‬‬
‫ون�أم ��ل م ��ن اجلامع ��ات املحلية يف ه ��ذه النواحي وكذلك م ��ن الباحثني الأكادميي�ي�ن اجلادين �أن يول ��وا هذه البالد‬
‫اهتمام ًا كبري ًا يف بحوثهم ودرا�ساتهم العلمية ‪ ( .‬ابن جري�س )‬
‫‪419‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫الدراسـة الحادية عشرة‬

‫�إي�ضاحات‪ ،‬و�إ�ضافات‪ ،‬وانتقادات‪ ،‬وتعليقات علـ ــى جزئيات‬


‫من�شورة يف كـتاب‪ :‬الق ــول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪.‬‬
‫اجلزءان (الثالث‪ ،‬واخلام�س)‬
‫(*)‬
‫بقلم ‪:‬أ‪ .‬علي بن محمد بن سدران الزهراني‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (الباحة وع�سري ‪ ،‬وجنران) ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(‪1435‬هـ ‪2014 ،‬م) ‪( -‬اجلزء ال�سابع)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪241 - 190‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪420‬‬
‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات‪ ،‬و�إ�ضافات‪ ،‬وانتقادات‪ ،‬وتعليقات علـ ــى‬
‫جزئي��ات من�ش��ورة يف كـت��اب‪ :‬القـ ـ��ول املكت��وب يف تاريخ اجلن��وب‪ .‬اجلزءان‬
‫(‪)1‬‬
‫(الثالث‪ ،‬واخلام�س) ‪ ،‬بقلم ‪� .‬أ‪ .‬علي بن حممد بن �سدران الزهراين‬
‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬ ‫م‬
‫‪420‬‬ ‫�أوال‪ :‬مدخل‬ ‫‪1‬ـ‬
‫ثاني ًا ‪� :‬إي�ضاحات‪ ،‬وانتقادات‪ ،‬على كتاب‪( :‬القول املكتوب يف ‪421‬‬ ‫‪2‬ـ‬
‫تاريخ اجلنوب) ‪ ( .‬اجلزء الثالث )‬
‫ثالث�� ًا ‪ :‬تعليقات وا�ض��افات‪ ،‬عل��ى كتاب‪( :‬الق��ول املكتوب يف ‪447‬‬ ‫‪3‬ـ‬
‫تاريخ اجلنوب) ‪ ( .‬اجلزء اخلام�س )‬

‫�أو ًال ‪ :‬مدخل ‪:‬‬


‫عل ��ي بن �س ��دران الزه ��راين �أحد �أعالم منطق ��ة الباحة‪ ،‬ومن الباحث�ي�ن البارعني يف‬
‫تاريخ و�أن�س ��اب وح�ضارة بالد زهران(‪ ،)2‬وحتى هذه ال�س ��اعة مل �أقابله‪ ،‬لكنني على ات�صال‬
‫معه ثقافي ًا وعلمي ًا‪ ،‬بل �أكرمنا ـ جزاه اهلل كل خري ـ ببع�ض الت�صويبات القيمة على كتابنا ‪:‬‬
‫درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة‪ ،‬اجلزء الثاين(‪ ،)3‬ثم ا�ستمرت االت�صاالت بيننا حتى الآن‪،‬‬
‫ويف كل مرة يذكر لنا بع�ض امللحوظات القيمة يف جمال التاريخ والأن�س ��اب واحل�ضارة‪ ،‬و�أنا‬
‫�أطلبه و�أرجوه �أن يدون ما يراه من ال�صواب علمي ًا وفكري ًا ‪ .‬و�أخري ًا ات�صل بنا يوم اخلمي�س‬
‫(‪1435/3/14‬ه� �ـ) و�أر�س ��ل لن ��ا هذه الإي�ض ��احات والت�ص ��ويبات على بع�ض التف�ص ��يالت‬
‫واملدونات التاريخية املن�شورة يف �سل�سلة كتاب ‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬اجلزءان‬
‫الثالث(‪ ،)4‬واخلام�س (‪ ، )5‬كما تطرق يف مدونته �إىل بع�ض امل�ؤلفني والكتب التي در�ست تاريخ‬

‫((( للمزيد عن ترجمة الأ�س ��تاذ ‪ /‬علي بن حممد بن �س ��دران الزهراين‪ ،‬انظر‪ :‬غيثان بن علي بن جري�س ‪ .‬القول املكتوب‬
‫يف تاريخ اجلنوب ( الباحة وع�سري ) ( الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي‪1434 ،‬هـ ‪2013/‬م )‪ ،‬اجلزء اخلام�س‪� ،‬ص ‪269‬‬
‫((( يف ب�ل�اد غامد وزهران �أعالم ي�س ��تحقون البحث والكتابة عنهم وما قدموه من خدم ��ات لدينهم وبالدهم و�أهلهم‪،‬‬
‫وابن �سدران �أحد �أولئك الرجال‪ ،‬ون�أمل �أن نرى �أحد الباحثني اجلادين يخرج لنا درا�سة تراجم عن �أعالم منطقة‬
‫الباحة خالل القرون املا�ضية املت�أخرة ‪.‬‬
‫((( انظر هذه الت�صويبات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( الباحة وع�سري )‪ ،‬ج‪� ،5‬ص ‪ 269‬ـ ‪. 286‬‬
‫((( عن ��وان ه ��ذا اجلزء ‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ‪ ( .‬ع�س�ي�ر وجنران ) ( الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ض ��ي‪1432 ،‬ـ‬
‫‪1433‬هـ‪2010 /‬ـ ‪2011‬م )‪ .‬اجلزء الثالث (‪�625‬صفحة ) ‪.‬‬
‫((( هذا اجلزء هو ‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ‪ ( .‬الباحة وع�سري ) ( الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي‪1434 ،‬ـ ‪2013‬م‬
‫)‪ .‬اجلزء اخلام�س (‪�605‬صفحة ) ‪.‬‬
‫‪421‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫منطقة ع�س�ي�ر �أو بالد ال�س ��راة‪ ،‬و�أ�ش ��ارت �أحيان ًا �إىل بالد غامد وزهران و�ص�ل�اتها ببالد‬
‫ع�س�ي�ر(‪ . )1‬ومن ثم دونا عنوان ًا رئي�س ًا لهذه امل�شاركة‪ ،‬وهي على النحو التايل ‪� :‬إي�ضاحات‪،‬‬
‫و�إ�ض��افات‪ ،‬وانتق��ادات‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�ش��ورة يف كت��اب‪ :‬القول املكتوب يف‬
‫تاريخ اجلنوب ‪ .‬اجلزءان ( الثالث واخلام�س ) ‪.‬‬
‫‪1‬ـ �إي�ضاحات ‪ ،‬وانتقادات‪ ،‬على كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ‪.‬‬
‫(اجلزء الثالث)‪:‬‬
‫ب�س ��م اهلل الرحمن الرحيم ‪ .‬احلمد هلل وال�ص�ل�اة وال�سالم على ر�سول اهلل حممد بن‬
‫عب ��د اهلل وعلى �آله و�ص ��حبه وم ��ن وااله �أما بعد‪ :‬فقد اطلعت على املالحظات املن�ش ��ورة يف‬
‫كتا َبي الدكتور ‪ :‬غيثان بن جري�س ال�ش ��هري امل�س ��مى بـ (القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب)‬
‫يف اجلزء الثالث اخلا�ص بع�س�ي�ر وجنران‪ ،‬واجلزء اخلام�س املتعلق بالباحة وع�س�ي�ر‪ ،‬بقلم‬
‫العميد املتقاعد �إبراهيم بن علي بن مو�سى الأملعي‪ ،‬وات�ضح يل �صحة بع�ض تلك املالحظات‬
‫الواردة فيما يتعلق ب�إقليم ع�س�ي�ر احلايل‪ ،‬غري �أن العميد ـ هداين اهلل و�إياه ـ خرج يف بع�ض‬
‫الأحيان عن روح احلوار الأدبي املتعارف عليه بني الأدباء والنقاد‪ ،‬مع �أن مركزه االجتماعي‬
‫والثقايف وما بلغ من رتبة ع�سكرية‪ ،‬تفر�ض عليه تخفيف لهجة الكتابة املو�صلة �إىل ما يريد‬
‫دون جتريح‪ ،‬لكن هذا �أمر يخ�صه وحده‪ ،‬فقد يكون وراء الأكمة ما وراءها‪ ،‬ف�أنا يف احلقيقة‬
‫مل �أت�شرف مبعرفة العميد وال الدكتور‪ ،‬ولكن ينبغي كما هو املتعارف عليه �أن ي�سود الود بني‬
‫الناقد والكاتب‪ ،‬يف �أي مو�ضوع تتم معاجلته يراه الناقد من وجهة نظره يخالف ر�أيه‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل االحتكام �إىل امل�ص ��ادر التي تناولته �أو �أ�شارت �إليه‪ ،‬ومناق�شة الكاتب يف �ضوء ما‬
‫ورد فيه ��ا ب�إ�س ��لوب هادئ ور�ص�ي�ن‪� ،‬أ َّما �أن يكون النقد ب�ص ��فة (عامة) حمم ��و ًال على ر�ؤية‬
‫الناقد ال�شخ�صية ومبثل تلك الحْ ِ َّدة التي قر�أتها يف مالحظات العميد‪ ،‬ويخلو من اال�ستناد‬
‫�إىل كت ��ب الأقدم�ي�ن يف حني �أن الكاتب ميتلك الأدوات التي توث ��ق بحثه‪ ،‬فهذا يف نظري ال‬
‫يخدم م�س ��ار البحث �أ ًّيا كان نوعه‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل لنبيه حممد ﷺ‪ :‬يف �س ��ورة النحل‪،‬‬
‫من الآية الكرمية ‪َ " 125‬و َجا ِد ْل ُه ْم ِبا َّل ِتي ِه َي �أَ ْح َ�سنُ " وال �سيما يف املجال الأدبي الذي يعتمد‬
‫املدعمة للبحث‪ ،‬فال يق ��دم �أحد على نق�ض‬‫بالدرج ��ة الأوىل على تقدمي الأدل ��ة والرباهني ِّ‬
‫حجة اخل�ص ��م �إال بدليل مقنع‪ ،‬حتى يف جمال احلديث النبوي ال�ش ��ريف‪ ،‬فمن �أورد حدي ًثا‬
‫يرى �ص ��حة ن�سبته �إىل الر�س ��ول (ﷺ )‪ ،‬فهو مطالب بال�سند املو�صل �إىل الر�سول(ﷺ)‪،‬‬

‫((( نرجو من الأ�ستاذ علي بن �سدران �أن يح�سن الظن يف كل الباحثني الع�سرييني الذي �أ�شار �إليهم يف هذا املبحث وغريهم‪،‬‬
‫والذين �أ�ش ��اروا �إىل �ش ��ذرات من تاريخ غامد وزهران وعالقتهم بجريانهم يف ع�س�ي�ر وغريها عرب التاريخ‪ ،‬ولو كان ما‬
‫ذكروه غري �صحيح‪� ،‬أو ف�سره الأ�ستاذ علي بطريقة مغايرة ملا ق�صدوه‪ .‬واحلكمة �ضالة امل�ؤمن �أينما وجدها �أخذها‪ ،‬ونحن‬
‫على يقني ( �إن �شاء اهلل )�أن معظم من ذكر ابن �سدران يبحثون عن احلقيقة (واهلل من وراء الق�صد)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪422‬‬
‫و�إ ّال اعت�ب�ر قول ��ه ال فائدة منه‪ ،‬ولو كان يزعم �أن احلديث �ص ��ادر عن امل�ص ��طفى (ﷺ)‪،‬‬
‫وقد و�ضع العلماء قاعدة مفادها �أن من يخلو بحثه من املراجع فال يعتد به‪ ،‬وكال الطرفني‬
‫الكات ��ب والناقد يعلمان هذا جيدًا‪ ،‬ول ��ذا ينبغي للناقد �أن يقر�أ البحث جيدً ا ليفهم مناحيه‬
‫وغوام�ض ��ه‪ ،‬وي�س ��تخدم عقله فيما يرمي �إليه الكاتب‪� ،‬إذا خال من الدليل‪ ،‬فالناقد يرى يف‬
‫البحث ماال يراه الكاتب‪ ،‬وال ي�ص ��در احلكم عليه �إال بعد درا�س ��ة م�صادر الكاتب للت�أكد من‬
‫يخط َئه‪ ،‬وما‬ ‫�ص ��حتها‪ ،‬ومالءمتها للحدث الذي عناه الكاتب ومن ثم ي�ص ّوب ر�أي الكاتب �أو ِّ‬
‫يهمن ��ي م ��ن هذه املالحظات التي �أوردها العميد‪ ،‬ب�ص ��فتي �أحد �أبناء ال�س ��راة‪ ،‬هو تعميمه‬
‫�إقليم (ع�س�ي�ر) جغراف ًّيا و�إدار ًّيا وحتى قبل ًّيا‪ ،‬على جميع قبائل ال�س ��راة وتهامة من جنران‬
‫�إىل زهران دون م�صدر قدمي يتكئ عليه ‪� .‬سوى �أقوال بع�ض امل�ؤرخني حديثي العهد‪� ،‬إ�ضافة‬
‫�إىل بع�ض مالحظات �أخرى �أوردها عن الأزد وغريها مما �س�أو�ضحه يف هذه العجالة ‪.‬‬
‫وال �أدري ملاذا يحلو لبع�ض �أدباء وكتاب ع�سري الإ�صرار على �ضم قبيلتي زهران وغامد‬
‫�إىل �إقليم ع�س�ي�ر‪ ،‬دون م�ص ��در تاريخي �صريح‪ ،‬وليتهم بهذا ال�ض ��م �أن�صفونا وجعلونا ِن ًّدا‬
‫لقبائل ع�س�ي�ر فيما يكتبونه عنها من موروثات ومعلومات‪ ،‬لكننا نرى مع الأ�س ��ف با�س ��تثناء‬
‫الدكت ��ور غيثان ب ��ن جري�س (م�ؤرخ تهام��ة وال�س��راة)‪َ ،‬ي َتكَثرَّ ون بنا ثم ال ي ��وردون عنا يف‬
‫كتبهم �إال ما تفتقر �إليه قبائلهم من معلومات �أو �أعراف‪ ،‬و�أحيانا يكتبون عنا للتندر ال غري‪،‬‬
‫في�أتون بتلك املعلومة �أو ذلك اخلرب ال�ساذج مغلوطا �أو غري موثق‪ ،‬وين�سبونه لهاتني القبيلتني‬
‫املظلومتني‪ ،‬فعلى �سبيل املثال عندما كتب الدكتور (عبد اهلل �أبو داه�ش) كتابه امل�سمى ‪" :‬‬
‫عموما بحجم املعلومات التي‬ ‫�أهل ال�س ��راة"‪ ،‬ظننت �أن الدكتور �أتى على ذكر قبائل ال�سراة ً‬
‫�أوردها عن بع�ض قبائل ع�س�ي�ر‪ ،‬لكون عنوانه كما يفهم منه ي�ش ��مل �أهل ال�س ��راة جميعهم‪،‬‬
‫و�إذا بي �أجده يكتب عن واقعة �سوق اخلمي�س اخلرافية التي تذكر �أماكن متباعدة ج ًّدا عن‬
‫ذلك ال�س ��وق الوهمي الواردة ب�أ�س ��لوب ركيك متناق�ض‪ ،‬وت�ص ��ف قبيلة زهران دون غريهم‬
‫بحرمان البنت من مرياثها ال�شرعي‪ ،‬ومل �أره يعلق عليها مبا يفيد �شذوذها وعدم �صحة ما‬
‫ورد فيها‪ ،‬ويف جمال احلياة الأدبية يورد ر�سالة ذلك الغامدي‪ ،‬الذي رمبا ذهب للتزود من‬
‫العلم يف مدينة الدرعية‪ ،‬وي�ست�ش ��هد بها على تف�ش ��ي العامية بني �أفراد تلك القبيلة‪ ،‬وك�أنه‬
‫يح�ص ��ر التخلف الأدبي واجلهل بلغة العرب على �س ��كان هذه البالد دون غريها من بلدان‬
‫ال�س ��راة‪ ،‬ويقول لق ��راء كتابه بطريقة غري مبا�ش ��رة ‪ :‬انظروا �إىل جهل �أبن ��اء هذه القبيلة‬
‫باللغ ��ة العربية حتد ًث ��ا وكتابة‪ ،‬يف حني �أن الهمداين قبل عدة ق ��رون ذكر غامدا من قبائل‬
‫ال�سروات الف�صيحة ‪.‬‬
‫ومث ��ل تل ��ك الوثيقة ورد كث�ي�ر منها يف كت ��اب الدكتور‪ ،‬كتل ��ك التي اعتنى بت�ص ��ويبها‬
‫�ص ��فحة‪ . )153 - 151 ( :‬و�أغفل ت�ص ��ويب (ممتثلني ‪ )153‬وما قلته يا دكتور عن �ص ��احب‬
‫‪423‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫هذه الر�سالة (الغامدي) ينطبق على �أ�صحاب تلك الوثيقة �آنفة الذكر‪ ،‬ولعل ُج ْرم الغامدي‬
‫يف �أُ ِّميته ـ �إن اعتربته جرما ثقاف ًّيا ـ �أخف بكثري من جرم قحطان يف ُعريهم من امل�س ��لمني‬
‫كما قالت الوثيقة ‪ .‬فلتكن كتابتك (يا دكتور) يف جمملها عادلة متوازنة ومن�صفة يف الوقت‬
‫نف�س ��ه بحي ��ث ال جترح قبيلة معينة لأن ج ��ل القبائل ال تخلو من عي ��وب يف بع�ض اجلوانب‪،‬‬
‫و�أنت تعلم يقي ًنا �أنه ال يقا�س �أدب �أمة من الأمم مبثل ه�ؤالء الأميني‪.‬‬
‫وال �أرى يف كتابه يف جمال الآثار ذك ًرا ملا تزخر به هاتان القبيلتان منها‪ ،‬حتى �إنه ذكر‬
‫يف وادي (عياء) من بالد بللحمر ـ على �س ��بيل املثال ـ خم�س ��ة ع�ش ��ر ح�ص� � ًنا بع�ض ��ها لي�س‬
‫بذي �أهمية‪ ،‬وتنا�س ��ى �أن يتكرم على (زهران �أو غامد) بذكر ح�ص ��ن واحد من ح�صونهما‬
‫التاريخية الهامة املنت�شرة يف ق�سميها ال�سروي والتهامي ‪.‬‬
‫وجاء من بعده الأ�ستاذ عبدالرحمن بن عبداهلل بن عائ�ض بكتاب عن العادات والتقاليد‬
‫يف �إقليم ع�س�ي�ر ف�ضم قبيلتي (زهران وغامد) كمن �سبقه �ضمن �إقليم ع�سري وك�أننا �أيتام‬
‫على يديه‪ ،‬وليته حني �ضمنا �أورد �شي ًئا ي�ستحق الذكر من موروثنا العريق‪ ،‬لكنه جعلنا وبقية‬
‫قبائ ��ل ال�س ��راة الأخرى ِق َّلة فيما َد َّو َن ��ه عنها‪ ،‬فلم يذكرنا و�إياه ��م �إال بعد عجزه عن �إيجاد‬
‫"ع ْل ْكم" هي النموذج‬ ‫�شاهد من قبيلته حلادثة معينة‪ ،‬والأدهى من ذلك �أنْ جعل من قبيلته َ‬
‫�يخا على كرثة �شيوخ ال�س ��راة وتهامتها‪� ،‬إال من َع ْل َكم‪ ،‬وال‬‫املحتذى‪ ،‬فال يذكر يف الكتاب �ش � ً‬ ‫َ‬
‫يورد وثيقة �أو اتفاقية قبلية �أو قبيلية �إال من علكم‪ ،‬وال يدون ق�ص ��يدة �ش ��عبية �أو ف�صيحة �إال‬
‫ل�شاعر من قبيلة علكم‪ ،‬وال ي�أتي بحادثة �إال من قبيلة علكم‪ ،‬ومن يطالع كتابه يجده ال ي�أخذ‬
‫من القبائل الأخرى �إال لرت�ض ��يتها فقط‪ ،‬حتى الناظر يف تلك ال�صور التي �أوردها يف نهاية‬
‫الكتاب ال يجد لزهران �أو غامد �ص ��ورة رجل مرموق‪� ،‬أو ح�ص ��ن من ح�صونهما التاريخية‪،‬‬
‫�أو �ص ��ورة لأث ��ر من �آثارهما املنت�ش ��رة يف عر� ��ض البالد وطولها‪ ،‬مما يدل عل ��ى �أن الكتاب‬
‫خم�ص ���ص لقبيلة (علكم) النائبة نيابة ق�سرية عن قبائل ع�سري والباحة وجنران وجازان‪،‬‬
‫وقد �أثار هذا الكتاب عند �ص ��دوره �س ��خط قبائل املنطقة اجلنوبية‪ ،‬ملا فيه من حتيز وا�ضح‬
‫لقبيلة علكم‪ ،‬ولإيراده بع�ض العادات املنافية لل�شريعة الإ�سالمية والأخالق العربية الأ�صيلة‬
‫التي متنيت �أ َّال ي�ضمنها كتابه‪ ،‬وقد قال الأجداد (رحمهم اهلل)‪ ،‬واحلكمة فيما قالوا ‪( :‬ما‬
‫ُك ُّل ما ُيقال ُيكتب) لكن لأ�س ��باب �أعلم بع�ضها خمدت تلك العا�صفة‪ ،‬وكان من املفرو�ض �أن‬
‫يخ�ص ���ص هذا البحث بقبيلة علكم وحدها كما قلت �س ��اب ًقا‪ ،‬لأن �أغلب احلديث عنها‪ ،‬ولنا‬
‫عل ��ى الكت ��اب مالحظات كثرية‪ ،‬لعلي �أدونها �إن �ش ��اء اهلل تعاىل يف �أح ��د كتبي القادمة‪� ،‬أو‬
‫�أن�شرها على �أحد مواقع �شبكة املعلومات ليطلع مقتني الكتاب على بع�ض تلك الأخطاء ‪.‬‬
‫�إذن بع�ض �إخواننا الكتّاب يف ع�س�ي�ر ال �أدري بال�ض ��بط ما هدفهم من َ�ض � ِّ�م َنا �إليهم‪،‬‬
‫وه ��م يعلمون �أنَّ ديار زهران وغامد ال تتبع ديار ع�س�ي�ر جغراف ًّيا‪ ،‬بالإ�ض ��افة �إىل �أنَّ قبائل‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪424‬‬
‫ال�س ��راة قاطب ��ة تنفر من حكم الأجنبي‪ ،‬وال تر�ض ��ى بحكومة �إال من ب�ي�ن �أفرادها‪� ،‬أما �إذا‬
‫كان هناك تنظيم حكومي يف مكة �أو �أبها‪ ،‬تدعمه القوة الغا�ش ��مة‪ ،‬وفر�ض نف�س ��ه على تلك‬
‫القبائل العاجزة ع�سكر ًّيا عن مقاومة جي�شها امل�سلح‪ ،‬ف�إنها تر�ضخ له �إىل حني‪ ،‬ثم تثور عليه‬
‫وتطرده من بالدها ‪ .‬و�أنا وغريي من الكتّاب ال ننكر احتالل حكومة �أبها �أو مكة املكرمة �أو‬
‫حتى الإدري�سي ـ قبل العهد ال�سعودي الزاهرـ قبائل (زهران وغامد) ك�سائر قبائل املنطقة‬
‫اجلنوبي ��ة‪ ،‬من �أجل ا�س ��تغالل خرياتها دون مردود‪ ،‬والزج ب�أبنائه ��ا يف �أتون احلروب التي‬
‫ت�ش ��علها مع قبائ ��ل �أخرى من �أجل ال�س ��يطرة عليها‪ ،‬ف�إذا ما انتهت احلرب �س ��رحتهم �إىل‬
‫بلدانه ��م‪ ،‬ومن �أجل ذلك بد�أ �ص ��راع الإمارتني (الأ�ش ��راف و�آل عائ� ��ض) على ديار قبيلتي‬
‫زهران وغامد لهذين الغر�ضني‪ ،‬وحني زوال ذلك احلكم تعود القبائل �إىل و�ضعها ال�سابق‪،‬‬
‫فاال�س ��م الإداري العام املطلق يف ظل هيمنة تلك احلكومات املتعاقبة‪� ،‬إمنا هو ا�س ��م وقتي‬
‫فر�ض ��ته احلكومة املحتلة ال ي�أخذ �ص ��فة الدميومة ‪� .‬أما �أخون ��ا العميد فيعتقد بل يجزم �أن‬
‫م�سمى(ع�س�ي�ر) ال يزال يهيمن ب�ص ��فة دائمة على تلك القبائل ال�سروية والتهامية املمتدة‬
‫من بجيلة (بني مالك) �شماال �إىل جنران جنو ًبا‪ ،‬وعلى كل ما هو �أزدي متنا�س ًيا �أننا جمي ًعا‬
‫يف هذا الوقت الزاهر حتت ظل حكم دولة وحدت تلك القبائل يف كيان واحد با�سم (اململكة‬
‫العربي ��ة ال�س ��عودية)‪ ،‬و�أطلقت على كل منطقة ا�س� � ًما تتميز به عن الأخريات ‪ .‬وتنح�ص ��ر‬
‫مالحظات العميد يف نقطتني رئي�ستني هما ‪:‬‬
‫‪1 .1‬تعميم لفظة ع�سري جغراف ًّيا وحتى قبل ًّيا‪ ،‬على القبائل املنت�شرة يف جبال ال�سروات‬
‫من بجيلة �شماال �إىل جنران جنو ًبا‪ ،‬ويف تهامة من الليث �شماال �إىل جازان جنو ًبا‪.‬‬
‫‪2 .2‬الإ�صرار على �أزدية قبائل ع�سري ‪( :‬علكم‪ ،‬ومغيد‪ ،‬ورفيدة وربيعة‪ ،‬وبنومالك) ‪.‬‬
‫ويف هاتني النقطتني تدور مالحظات �سعادة العميد �إبراهيم الأملعي ‪.‬ومما قاله العميد‬
‫يف مالحظاته ‪ :‬قال يف اجلزء الثالث من كتاب (القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ‪ .‬ع�س�ي�ر‬
‫وجن ��ران) � ��ص (‪( : )114‬الباحة (بتحفظ) ‪ -‬وهو يعنيها كمنطقة ت�ض ��م قبيلتي (زهران‬
‫وغامد) ‪( -‬ملا يروج �أنها كانت �إدار ًّيا تابعة للحجاز‪� ،‬أما جغراف ًّيا فال حتفظ) ‪.‬‬
‫قل ��ت ‪ :‬بينن ��ا وب�ي�ن العميد �أقوال من �س ��بقنا م ��ن امل�ؤرخني‪ ،‬وما كتب ��وه يف هذا املجال‬
‫ولقد ح�سم هذا الأمر حكيم العرب ‪ :‬حممة بن عمرو الدو�سي الزهراين‪ ،‬قبل حواىل �ألفي‬
‫�س ��نة حني قال للمر�أة التي �س� ��ألته عن منزله‪ ،‬فقال لها كما ورد يف كتاب ‪ :‬رو�ضة املحبني‪:‬‬
‫‪ 309‬وخمت�ص ��ر تاريخ دم�ش ��ق ‪� " : 187/11 :‬أنا امر�ؤ من الأزد من دو�س منزيل برثوق" ‪.‬‬
‫فل ��و كانت زهران �آنذاك تتبع ع�س�ي�ر جغراف ًّيا ـ كما زعم العمي ��د �إبراهيم ـ لقال لها ‪� " :‬أنا‬
‫ام ��ر�ؤ من ع�س�ي�ر منزيل برثوق "‪ .‬وللهم ��داين قول ينفي �أن تكون ب�ل�اد ( زهران وغامد)‬
‫تتبع جغراف ًّيا لع�س�ي�ر لأنها من �أعمال احلجاز‪ ،‬فقد ورد يف كتابه ال�ش ��هري ‪�( :‬ص ��فة جزيرة‬
‫‪425‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫العرب) حتديدً ا لإقليم (احلجاز) التي تقع زهران وغامد �ض ��من حدوده اجلغرافية فقال‬
‫�صفحة (‪( : )339‬وكتنة �أول حد احلجاز) ‪.‬‬
‫ذك ��ر الناق ��د �أن لفظة (ج ��ازان) تكتب هكذا (جيزان) ‪ .‬قلت ‪ :‬ال�ص ��واب يف كتابتها‬
‫هك ��ذا "جازان" كما وردت يف كت ��ب اللغة ومنها (القامو�س املحي ��ط) للفريوز �أبادي (�ص‬
‫واد بال َي َم ِن) ‪ .‬وقال الزبيدي يف كتابه ‪( :‬تاج العرو�س (‪)354/34‬‬ ‫‪ )1186‬فقال ‪( :‬جازانُ ‪ٍ :‬‬
‫باليمن)‪�ُ ،‬س � ِّ�م َيت ِب ِه ال َق ْري ُة ا َمل ْوجو َد ُة الآنَ عل ��ى ال َب ْح ِر ِ‬
‫امللح‪َ ،‬و ِهي‬ ‫ِ‬ ‫(واد‬
‫‪( :‬ج ��ازانُ ) ‪َ :‬وهُ � � َو ٍ‬
‫� ْإحدى ال ُّثغو ِر ال َيم ِن ّية)‪.‬وكما قال به الهمداين يف �أكرث من مو�ضع من كتابه ‪�" :‬صفة جزيرة‬
‫العرب" وهو �أحد مراجع الناقد ‪.‬‬
‫ويف � ��ص ‪ )115( :‬ذك ��ر الناقد عن �إقليم ع�س�ي�ر م ��ا يلي ‪� ( :‬إن لهذا اجلزء من �ش ��به‬
‫اجلزيرة العربية ا�س� � ًما م�س ��تق ًّال بار ًزا على مر الع�صور وهو �إقليم ع�سري‪ ،‬تكرر هذا اال�سم‬
‫مرا ًرا يف ثنايا هذا الكتاب وغريه‪ ،‬فلماذا نورده بهذ الطريقة ولدينا ا�سم معلوم يف ع�صرنا‬
‫احلديث لهذا يف بع�ض الكتب لي�س ا�س ��ما جغراف ًّيا فقط‪ ،‬و�إمنا كان ا�س� � ًما اجتماع ًّيا يرتفع‬
‫�إليه ن�س ًبا جميع قبائل املنطقة �أي ع�سري اجلغرافية)‪ .‬ويف �ص ‪ )394( :‬من اجلزء اخلام�س‬
‫يقول ‪ ( :‬واال�سم اجلغرايف وال�سيا�سي والإداري هو ع�سري) كما يقول يف �ص (‪( )418‬تبتدئ‬
‫بالد ع�سري �شما ًال �ضلعها ال�شمايل من الليث فزهران ف�شمران �إىل حدود وادي رنية)‪.‬‬
‫قل ��ت ‪ :‬هذا كالم يفتقر �إىل الدقة التاريخية‪ ،‬فع�س�ي�ر (اجلغرافيا) مل تذكر قد ًميا يف‬
‫كتب امل�ؤرخني حتى تعمم ا�سمها على قبائل املنطقة دون م�ستند تاريخي‪ ،‬و�إمنا عرفت بهذا‬
‫اال�س ��م �أي ‪( :‬ع�س�ي�ر) كجهة �إدارية يف العهد العثماين حني احتلتها و�س ��متها "مت�ص ��رفية‬
‫ع�سري"وفر�ض العثمانيون ا�سمها (الإداري) على القبائل اخلا�ضعة ل�سلطانهم وملا �أحدثت‬
‫احلكومة العثمانية �آنذاك يف نواحي ال�سراة املحتلة عددًا من املت�صرفيات‪ ،‬مل نر يف �أواخر‬
‫�أ�سماء تلك املت�صرفيات كلمة ‪( :‬بع�سري) مما يدل على ا�ستقالل كل مت�صرفية عن الأخرى‪،‬‬
‫و�أن ك ًّال منها مرتبطة ع�سكر ًّيا باملركز (ع�سري) ‪ .‬ولنا قول ها�شم النعمي‪ ،‬يف كتابه "تاريخ‬
‫ع�سري يف املا�ضي واحلا�ضر ‪ْ � ) 13 /‬إذ يقول عن ع�سري اجلغرافية‪( :‬يطلق ا�سم ع�سري على‬
‫جمموعة جبال �شاهقة الذرى ‪ ..‬يحدها �شماال بالد بللحمر وحمائل‪ ،‬وجنو ًبا بالد قحطان‬
‫ودرب بني �ش ��عبة‪ ،‬و�شرقا بالد �ش ��هران‪ ،‬وغربا �ساحل البحر الأحمر) ‪ .‬ويقول عن القبائل‬
‫التابعة لها قدميا وحديثا‪( :‬ويتبعها �إدار ًّيا قد ًميا وحدي ًثا القبائل الآتية ‪ :‬قحطان و�ش ��هران‬
‫وبللحمروبلل�س ��مر وبنو �ش ��هر وبنو عمرو وبارق وحمائل وقنا والبحر‪ ،‬وت�شكل جمموعة هذه‬
‫القبائل يف حدودها اجلغرافية م�سافة متتد من ال�شمال من بالد بني عمرو وبني �شهر حتى‬
‫ظهران فنجران جنو ًبا‪ ،‬ومن الغرب �إىل ال�شرق ما بني تهامة كنانة املحاذية للبحر الأحمر‪،‬‬
‫ف�س ��واحل القحمة حتى تثليث فرمال الربع اخلايل املعروفة قدميا برمال حقا) ‪ .‬فهل جند‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪426‬‬
‫نفوذا �إدار ًّيا يف هذا الن�ص الوارد‬‫لع�س�ي�ر اجلغرافيا امتدادا �إىل قبيلة زهران‪� ،‬أو جند لها ً‬
‫عن �أحد كتاب ع�سري ؟؟ ‪.‬‬
‫� ��ص ‪ 115‬ذك ��ر الناقد بع�ض والة املنطقة م ��ن بعد الطائف يف الع�ص ��ر النبوي فقال ‪:‬‬
‫(وق ��د جند يف ثنايا كتب التاريخ ذكر بع�ض الوالة من قبل اخللفاء الرا�ش ��دين على �أجزاء‬
‫من بالد ال�سراة كجر�ش �أو دو�س وغريها ‪ ..‬وهل وجد �أمثالهم يف بالد بني �شهر وبني عمرو‬
‫�أو �أن نفوذ وايل بالد دو�س �أو جر�ش كان ي�شمل جميع بالد ال�سراة مبا فيها قبيلتا بني �شهر‬
‫وبني عمرو) ‪ .‬ثم قال ‪( :‬فهذا يعني التبعية �إما جلر�ش �أو دو�س �أما عن التولية فقد قر�أت‬
‫يف بع�ض الكتب ! �أن الوالية على جر�ش �س ��بقت عهد اخللفاء الرا�ش ��دين ر�ض ��ي اهلل عنهم‪،‬‬
‫�إىل عهده (�صلوات اهلل عليه و�سلم) ‪.‬‬
‫قلت ‪� :‬إن قبائل ال�س ��راة وغريها من قبائل اجلزيرة العربية عرفت التنظيم القبلي يف‬
‫�ش ��خ�ص ما ي�س ��مى ب�ش ��يخ القبيلة الذي كان يطلق عليه قد ًميا قبل �ش ��يوع لفظ (ال�شيخ ) ‪:‬‬
‫الأمري �أو الرئي�س ‪ .‬فكل قبيلة ال تخلو من �شيخ تختاره من �أبنائها يدير �ش�ؤونها ويقدمها يف‬
‫املحافل القبلية �أو الدفاع عنها‪� ،‬أو يقودها يف حربها لغريها ‪ .‬وال يخ�ض ��ع هو وقبيلته حلكم‬
‫قبيلة �أخرى‪ ،‬ودو�س يا �سعادة العميد عرفت التنظيم القبلي يف الع�صر اجلاهلي‪ ،‬رمبا قبل‬
‫ع�س�ي�ر بزمن‪ ،‬فقد كان مالك بن فهم الدو�س ��ي يف الع�ص ��ر اجلاهلي‪� ،‬أم ًريا على دو�س قبل‬
‫رحيل ��ه �إىل ُع َم ��ان‪ ،‬ومن بعده كان عمرو بن حممة الدو�س ��ي‪ ،‬وولده حكيم العرب حممة بن‬
‫عم ��رو‪� ،‬أمريي ��ن على دو�س‪ ،‬جاء يف كلمة لعمرو بن حممة‪� ،‬أوردها �ص ��احب كتاب ‪ :‬لطائف‬
‫الأخبار وتذكرة �أويل الأب�صار ‪ . 45 :‬بعد تن�صبه على دو�س ما يلي ‪ " :‬يا مع�شر دو�س؛ لقد‬
‫ك َّلفتوين ِثق ًال‪� ،‬إنَّ القلب يخلق كما يخلق البدن‪َ ،‬ومن لكم ب�أخيكم �إنْ كنتم �س َّودمتوين ف�إين‬
‫�ألنتُ لكم جانبي‪ ،‬وخ َّففْت عليكم مئونتي وحت َّملت مئونتكم ‪. "..‬‬
‫ومن بعدهما كان لدو�س قبيل الإ�س�ل�ام �س ��يدان ال حتيد عن ر�أيهما‪ ،‬وهما ‪� :‬أبو �أزيهر‬
‫الدو�س ��ي‪ ،‬ذك ��ره ابن حبي ��ب ؛ يف كتابه (املنمق يف �أخب ��ار قري�ش ‪ . )200 :‬وب�س ��بب مقتله‬
‫قام ��ت احلرب ب�ي�ن دو�س وقري�ش‪ ،‬والثاين هو ‪ :‬طريف بن العا� ��ص‪ ،‬ذكره القايل يف �أماليه‬
‫‪ ،72/1 :‬و�ص ��احب كت ��اب بل ��وغ الأرب يف معرفة �أحوال الع ��رب ‪ ،177 /3 :‬ثم من بعده �أتى‬
‫�أمريان هما الطفيل بن عمرو الدو�س ��ي‪ ،‬و�س ��عد بن �أبي ذباب‪ ،‬وقيل ذئاب الدو�س ��ي ر�ضي‬
‫اهلل عنهما‪ ،‬والطفيل ر�ضي اهلل عنه هو الذي قال للر�سول (ﷺ)‪ ،‬ملا �أ�سلم على يديه قبل‬
‫الهج ��رة والر�س ��ول (ﷺ) مبكة‪ ،‬ور�أى بع�ض ما يعانيه من كف ��ار قري�ش‪ ،‬كما ورد يف كتاب‬
‫الأن�س ��اب ‪ 232‬يدعوه ليحميه من �أذى قري�ش قائال له ‪ " :‬هلم �إىل ح�ص ��ن ح�ص�ي�ن‪ ،‬وعدد‬
‫وعدة "ولو مل يكن ر�ضي اهلل عنه‪� ،‬صاد ًقا يف قوله‪ ،‬وواث ًقا من قومه يف الوقوف �إىل جانبه‪،‬‬
‫وعدم خوفهم من قري�ش ملا طلب ا�ست�ض ��افة الر�س ��ول ﷺ حلمايته ون�ص ��رته‪ ،‬ولمَ ّا �أ�س ��لم‬
‫‪427‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫�س ��عد ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬على يد النبي (ﷺ)‪ ،‬قال له كما ورد يف الكتب التالية ‪ :‬الطبقات ‪:‬‬
‫‪ /64/4‬ق‪ ،2‬م�ص ��نف ابن �أبي �ش ��يبة ‪ ،142/3 :‬التاريخ الكبري‪/45/4 :‬ق‪ 2‬ج‪ ،2‬اال�ستيعاب‬
‫يف معرفة الأ�ص ��حاب‪� ،60 ،26/2 :‬أ�س ��د الغابة يف معرفة ال�ص ��حابة‪ ،431/2 :‬الإ�صابة يف‬
‫متيي ��ز ال�ص ��حابة ‪ ،124/2 :‬ويف غريه ��ا ‪ " :‬يا ر�س ��ول اهلل ‪ :‬اجعل لقومي ما �أ�س ��لموا عليه‬
‫من �أموالهم قال ‪ :‬ففعل ر�س ��ول اهلل (ﷺ)‪ ،‬وا�س ��تعملني عليهم ثم ا�س ��تعملني �أبو بكر‪ ،‬ثم‬
‫ا�س ��تعملني عمر ر�ض ��ي اهلل عنهما "‪� .‬أما عن ع�س�ي�ر وتبعيتها ملن تك ��ون جلر�ش �أو لدو�س‪،‬‬
‫ف�أقول لك �أ َّما يف �أول الإ�س�ل�ام فكان على دو�س �أمري‪ ،‬وعلى جر�ش �أمري‪ ،‬وبعد انتهاء العهد‬
‫الرا�ش ��دي كان ��ت واليتهما غال ًبا تتبعان حل ��كام مكة‪،‬ويف فرتات �أخ ��رى تتبع جر�ش لليمن‪،‬‬
‫ودو�س ملن يتوىل حكم الطائف ‪.‬‬
‫كما ذكر الناقد يف نهاية هذه ال�صفحة قوله ‪( :‬فكان �أول من وليِّ على ُجر�ش ال�صحابي‬
‫�ص ��رد بن عبداهلل‪ ،‬ثم ا�ستخلفه بال�ص ��حابي ‪� :‬سعيد بن الق�شب (ر�ضي اهلل عنهما) ‪ .‬قلت‬
‫وىل الر�س ��ول (ﷺ)‪ ،‬ال�ص ��حابي اجلليل �ص ��رد بن عبد اهلل الأزدي ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬على‬
‫(جر�ش) بعد �إ�س�ل�امه‪ ،‬ثم مات الر�سول (ﷺ)‪ ،‬و�صرد يليها ملا رواه ابن �سعد يف طبقاته‬ ‫ُ‬
‫اللهَّ‬
‫�ول ِ (�ص� � ّلى اهلل عليه‬ ‫و�س ��ى ْب � ِ�ن ِع ْم َرانَ ْب � ِ�ن َم َّن ٍاح‪َ ،‬ق َال ‪ُ :‬ت ُوفيِّ َ َر ُ�س � ُ‬
‫(ع ��نْ ُم َ‬
‫(‪َ : )527/5‬‬
‫ال ْز ِد ُّي)‪ .‬فكيف ي�ستبدله الر�سول (ﷺ)‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اللهَّ‬
‫و�س ��لم)‪َ ،‬و َع ِام ُل ُه َع َلى ُج َر َ�ش ُ�ص َر ُد ْبنُ َع ْب ِد ِ ْ أ‬
‫بال�صحابي �سعيد بن الق�شب ‪ -‬ولي�س (الق�شيب) كما ذكره الناقد‪ -‬وقد مات عليه ال�صالة‬
‫وال�سالم‪ ،‬و�صرد على واليتها ! وقد ذكرتَ يف اجلزء اخلام�س من كتاب " القول املكتوب"‬
‫�صفحة ‪ 435‬ما يفيد �أن �صرد ًا كان على ُج َر�ش‪� ،‬إىل �أن تويف ر�سول اهلل (ﷺ)! وال�صواب‬
‫(ج َر�ش) التي يف بالد ال�شام‪،‬‬ ‫�أن الر�س ��ول ﷺ ولىّ �سعيد بن الق�شب ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬على َ‬
‫وم ��ات الر�س ��ول (ﷺ) وه ��و على واليتها‪ ،‬لقول املقريزي يف ر�س ��الته ‪�� �( :‬ص ‪ : )48‬فمات‬
‫ر�سول اهلل (ﷺ) وهو عليها)‪.‬‬
‫وذكر حمققا كتاب "الإ�صابة يف متييز ال�صحابة" (‪ : )96/3‬عادل �أحمد عبد املوجود‬
‫وعلى حمم ��د معو�ض‪ .‬نقال عن كتاب "معجم البلدان" لياقوت احلموي ‪� ،127/2‬أن مدينة‬
‫(ج َر�ش بالتحريك ‪ :‬وهو ا�س ��م مدينة عظيمة كانت‪ ،‬وهي يف �ش ��رقي جبل ال�سواد من �أر�ض‬ ‫َ‬
‫البلقاء وحوران من عمل دم�شق) ‪ .‬وهي من �أعمال الأردن يف هذا الزمان ‪.‬‬
‫وج َر�ش ال�ش ��امية تب ًع ��ا لقول حممود‬ ‫و�أرى �س ��عادة العميد خلط بني ُج َر�ش الع�س�ي�رية َ‬
‫�ش ��اكر عن َج َر�ش ال�ش ��امية وهو يظن �أنه يتحدث عن ُجر�ش التي يف �إقليم ع�سري ف�أورد من‬
‫النبي (ﷺ)‪ ،‬يف �س ��نة ع�ش ��ر للهجرة ‪ )..‬مكتف ًيا‬ ‫ق ��ول احلموي‪( :‬وفتحت جر�ش يف حياة ّ‬
‫به ��ذا القول‪ ،‬ليوهم القراء �أن القول عن ُجر�ش الع�س�ي�رية‪ ،‬ومل يلحظ �س ��عادة العميد هذا‬
‫�لحا عل ��ى الفيء و�أن‬‫االلتبا� ��س‪ ،‬وه ��ا ه ��و بقية قول احلموي بع ��د قوله (للهجرة) ‪� ..( :‬ص � ً‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪428‬‬
‫يتقا�س ��موا الع�شر ون�صف الع�ش ��ر) ومن املعلوم �أن ُجر�ش التي يف ناحية ع�سري فتحت عنوة‬
‫بوا�س ��طة ال�ص ��حابي �صرد بن عبد اهلل ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬بينما َجر�ش ال�ش ��امية كما ورد يف‬
‫�لحا ! ويبدو �أنها نق�ض ��ت العهد بعد وفاة الر�سول ﷺ‪ ،‬لقول احلموي‬ ‫هذا اخلرب فتحت �ص � ً‬
‫‪ ( : 148/1‬افتتح �شرحبيل بن ح�سنة‪ ،‬الأردنّ عنوة ما خال طربية‪ ،‬ف�إن �أهلها �صاحلوه على‬
‫�أن�ص ��اف منازلهم وكنائ�س ��هم‪ ،‬وكان فتحه طربية بعد �أن حا�صر �أهلها �أياما‪ ،‬ف�أمنهم على‬
‫�أنف�س ��هم و�أموالهم وكنائ�س ��هم اال ما جلوا عنه وخ ّلوه‪ ،‬وا�س ��تثنى مل�س ��جد امل�سلمني مو�ضعا‪،‬‬
‫ثم �إنهم نق�ض ��وا يف خالفة عمر‪ ،‬ر�ض ��ي اهلل عنه‪� ،‬أي�ضا واجتمع �إليهم قوم من �سواد الروم‬
‫وغريهم‪ ،‬ف�س�ّي�ررّ �إليهم �أبو عبيدة عمرو بن العا�ص‪ ،‬يف �أربعة �آالف ففتحها على مثل �ص ��لح‬
‫فتحا ي�سريا بغري قتال‪،‬‬ ‫�ش ��رحبيل‪ ،‬وكذلك جميع مدن الأردن وح�صونها على هذا ال�ص ��لح ً‬
‫ففتح بي�س ��ان و�أفيق وجر�ش وبيت ر�أ�س وقد�س واجلوالن وعكا و�ص ��ور و�صفورية‪ ،‬وغلب على‬
‫�سواد الأردن وجميع �أر�ضها) ‪.‬‬
‫�ص‪� 116 :‬أقول �إن احلكم اليزيدي الذي كرره الناقد يف �أكرث من مو�ضع من مالحظاته‬
‫قد ذكره �شعيب الدو�سري يف كتاب ‪�" :‬إمتاع ال�سامر"‪ ،‬وهو على ما يبدو تكملة لكتاب والده‬
‫(متعة الناظر) ‪ .‬ولكن يبقى احلكم باالعرتاف بكتاب "امتاع ال�سامر" والت�صديق مبا ورد‬
‫في ��ه من معلومات تتعلق ب�أمراء تلك احلكومة و�أح ��وال بالدهم‪ ،‬مرهون بالعثور على كتاب‬
‫والده ‪ .‬لكونه الأ�ص ��ل لهذا الكتاب‪ ،‬لأن �أغلبية كتاب هذا الع�صر ال يعرتفون ب�صحة ما ورد‬
‫فيه لتناق�ض بع�ض �أقواله‪.‬‬
‫�ص‪ 122 :‬يقول الناقد‪ :‬عن �ش ��يوع ا�س ��م ع�س�ي�ر قبل عهد الهمداين ‪( :‬لأن هذا اال�سم‬
‫وامل�سمى قبل عهد الهمداين وبعده ‪ )..‬وقد َخ َّط�أ الهمداين يف ح�صر هذا اال�سم على �أجزاء‬
‫ب�س ��يطة من الأرا�ض ��ي التي حتتلها قبائل ع�س�ي�ر حول �أبها ‪ )..‬وذكر ب� ��أن على الباحث �أن‬
‫"يذكر توحد قبائل الأزد" حتت م�سمى (الأزد) �إىل �أن قال ‪( :‬وهذا هو اال�سم االجتماعي‬
‫قبل ع�س�ي�ر جلميع قبائل منطقة م ��ا بني احلجاز واليمن ) ‪ .‬و�ض ��رب لذلك التوحد مدينة‬
‫(جر�ش)‪ ،‬حيث ذكر �أنها كانت " قاعدة الأزد و�إىل الأزد تنتمي جميع قبائل منطقة ع�سري"‪،‬‬
‫ويف �ص ‪ )413( :‬من الكتاب اخلام�س يقول ‪ ..( :‬ومن هنا برز ا�س ��م ع�س�ي�ر �سيا�س ًّيا ليحل‬
‫حمل جر�ش واجتماع ًّيا حمل الأزد) ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ورد هذا اال�س ��م ‪" :‬ع�سري" يف كتاب ‪" :‬جمهرة الن�سب" البن الكلبي " يف �سياق‬
‫ن�س ��ب بني تغل ��ب ‪ 319/2‬حيث قال " ول ��د َع ْنز بن وائل رفيدة و�إرا�ش ��ة فولد �إرا�ش ��ة قنا ًنا‬
‫وع�س�ي�را وجندلة‪ ،‬فولد ع�سري مالكا وتيما فولد مالك غ ْنما وولد تيم �سلمة وزهريا وعمرا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وول ��د رفيدة ب ��ن عنز عبداهلل وعامرا وربيع ��ة ومعاوية وعمرا وحمارا‪ ،‬فولد عمرو �ش ��قيقا‬
‫و�س ��لمة وتيما وعبد اهلل‪ ،‬وولد ربيعة بن رفيدة مالكا‪ ،‬فولد مالك َج ِذمية و�س�ل�امان وتولبا‬
‫‪429‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫فول ��د �س�ل�امان حجرا وول ��د عامر بن ربيع ��ة عبد اهلل و�إيا�س ��ا ووهبا) ‪ .‬ثم ج ��اء من بعده‬
‫الهمداين يف كتابه "�ص ��فة جزيرة العرب" (�ص‪ )256 :‬م�ؤ ِّكدً ا عدنانيتها فقال ‪( :‬وي�صاىل‬
‫ق�ص ��بة جر� ��ش �أوطان حزمية من عن ��ز‪ ،‬ثم يواطن حزمية من �ش ��اميها ع�س�ي�ر قبائل من‬
‫عنز)‪ .‬ثم �أخذ يعدد ديارها ‪.‬‬
‫(ع ْنز) يف �إقليم ع�س�ي�ر ‪ ( :‬وال� � ّدارة‪ ،‬و�أبها‬
‫ويق ��ول �ص ��فحة ‪ )257( :‬وه ��و يعدد ديار َ‬
‫واحللل ��ة والفتيحا فحمرة وطبب ف�أتانه واملغوث فجر�ش ��ة فالإيداع �أوطان ع�س�ي�ر من عنز‪،‬‬
‫وت�سمى هذه �أر�ض طود) ‪.‬ويقول حممود �شاكر يف كتابه (ع�سري ‪( : )54‬وع�سري �أربع قبائل‬
‫كربى هم ‪ :‬مغيد وعلكم ويقال لهما ولد �أ�سلم وربيعة ورفيدة‪ ،‬وبنو مالك) ‪.‬‬
‫و�إذا كان الناق ��د ي ��رى �ص ��حة قول ��ه‪ ،‬فنتمن ��ى عليه �أن يذك ��ر لنا َمن تط� � َّرق �إىل ذكر‬
‫"ع�سري" من امل�ؤرخني ال�سابقني‪ ،‬كقوة ع�سكرية هيمنت على �أزد ال�سراة ‪ .‬ويف �أي ع�صر‬
‫توح ��دت قبائل الأزد حتت م�س ��مى "الأزد"‪� ،‬إ َّال ما كان منها يف احلروب الإ�س�ل�امية‪ ،‬حيث‬
‫كانت الأزد منحازة (للع�ص ��بية) عن القي�سيني ال تخ�ض ��ع لرايتهم وال حتارب يف �صفوفهم‬
‫‪ .‬وال بد لذلك االحتاد الذي ذكره العميد من م�ص ��در ك�أنْ تعقد بينها وثيقة تنظم كيفيته‪،‬‬
‫وه ��ل هو احتاد (فدرايل)‪� ،‬أو �أنها ارت�ض ��ت مبوجبه تفوي�ض قبيلة ع�س�ي�ر على قيادتها �أبد‬
‫الده ��ر ؟ فم ��ن الطبيعي �أن يكون �آنذاك بني قبائل ال�س ��راة وثيقة مكتوب ��ة لذلك احللف �أو‬
‫االحت ��اد‪ ،‬كتلك املربمة بني (ربيعة وقحطان) �أوردت بع�ض امل�ص ��ادر التاريخية �ص ��يغتها‪،‬‬
‫فحبذا لو يطلعنا العميد على �ص ��ورتها‪َ ،‬ومن ذكرها م ��ن امل�ؤرخني الأقدمني ؟ و�أما تخطئة‬
‫الهمداين يف ق�ص ��ره ا�س ��م ع�س�ي�ر على �أجزاء من املنطقة الع�س�ي�رية‪ ،‬فالهمداين مل يذكر‬
‫�س ��وى �أوطان القبيلة الع�سريية‪ ،‬دون �أن يتعر�ض لذكر �سيادتها املزعومة على �أر�ض ال�سراة‬
‫لعدم �شعوره بوجود �أثر تلك ال�سيادة يف �أو�ساط القبائل الأزدية التي زارها‪ ،‬ولو علم �شمول‬
‫�س ��يادة ع�س�ي�ر الع�س ��كرية �أو اجلغرافية يف عهده على جميع قبائل �أزد ال�س ��راة ملا تردد يف‬
‫ذكرها‪ ،‬وقد دون يف كتابه �أي�سر من هذا �أفال يدون هذا احلدث املهم ‪ .‬و�أما �أن تكون جر�ش‬
‫قاعدة الأزد جمي ًعا كما زعم‪ ،‬في�ص ��عب على الناقد �إثباته لوجود �إمارة �إ�س�ل�امية يف دو�س‬
‫قبل وجودها يف ُج َر�ش بزمن طويل كما بينا ذلك يف مو�ضعه ‪ .‬وعليه فال معنى لقوله ‪..( :‬‬
‫ومن هنا برز ا�س ��م ع�سري �سيا�س ًّيا ليحل حمل جر�ش واجتماع ًّيا حمل الأزد) �إال فيما يتعلق‬
‫ب�إقليم ع�سري احلايل‪ ،‬وما مل ي�أت بالدليل فال يلتفت �إىل قوله ‪� .‬أما نحن فال نرجم بالغيب‬
‫و َن ّدعي �سيادة دو�س �أو ُجر�ش على جميع قبائل �أزد ال�سراة‪ ،‬ملا نظن �أنَّ كل �إمارة من هاتني‬
‫الإمارتني حتكم ما يليها من القبائل واهلل �أعلم ‪.‬‬
‫�ص‪� 123 :‬أورد الناقد من كالم الهمداين للداللة على �شمول م�سمى (الأزد) جميع‬
‫قبائل ع�سري ما يلي ‪ " :‬قال فيما يت�صل ب�إطالق ا�سم الأزد على منطقة ع�سري احلالية ‪( :‬ثم‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪430‬‬
‫�سراة بجيلة والأزد بن �سالمان و�أملع وبارق ودو�س وغامد واحلجر �إىل جر�ش ‪� )..‬إىل �أن قال‬
‫‪( :‬ويف هذا داللة قطعية �أن هذا اال�س ��م "الأزد" قد ًميا‪ ،‬كان هو اللقب االجتماعي و�أ�ص ��بح‬
‫(ع�سري!)‪ .‬وت�أكيدً ا لقوله هذا فيما زعم �أورد قول الأ�ستاذ حممود �شاكر يف كتابه "ع�سري"‬
‫�صفحة (‪ )12‬بعد �أن ن�سب كل �سراة �إىل قبيلة جعل من �ضمنها �سراة الأزد فيقول‪(:‬وع�سري‬
‫جزء من هذه ال�سروات متتد �شمال اليمن حتى �سراة احلجاز‪. )..‬‬
‫أي�ض ��ا عرب �ص ��رحاء نفهم ما يقوله الهمداين‬ ‫قلت ‪ :‬الهمداين عربي �ص ��ريح‪ ،‬ونحن � ً‬
‫ويرم ��ي �إليه‪ ،‬فالهم ��داين رحمه اهلل‪� ،‬إمنا َ�س� � َّمى �س ��روات الأزد ب�أ�س ��ماء قاطنيها يف هذا‬
‫الط ��ور‪ ،‬ولي�س يف قوله داللة قطعية كما زعم على ا�س ��م الأزد و�إن كانوا يعرفون به من قبل‬
‫جميء الهمداين‪ ،‬ولي�س فيه �أي�ضا �أن الهمداين ذكر ا�سم ع�سري حل مكان الأزد‪ ،‬فهذا كتاب‬
‫الهمداين بني �أيدينا‪ ،‬وال جند فيه ما يوحي ب�إطالق لقب ع�س�ي�ر على قبائل ال�س ��راة ‪ .‬كما‬
‫�أنّ قول حممود �شاكر ي�ؤيد ما ذهبنا �إليه من �أن الهمداين يق�صد ت�سمية ال�سروات ب�أ�سماء‬
‫قاطنيها من الأزد وغريهم من �ش ��مال اليمن حتى �سراة احلجاز‪ ،‬وال يق�صد الأزدحتديدً ا‪،‬‬
‫فقول ��ه ب�أنها (متتد �ش ��مال اليمن حتى �س ��راة احلج ��از) يخالف ما ذهب �إلي ��ه العميد من‬
‫�أنه يق�ص ��د امتداد ع�سري من �ش ��مال اليمن حتى �سراة احلجاز �إذ االمتداد املذكور يف قول‬
‫حممود �ش ��اكر‪� ،‬إمنا هو لل�س ��روات ولي�س لع�س�ي�ر‪ ،‬ومن يقر�أ كتاب حممود �شاكر يلحظ �أنه‬
‫مل ي�أت يف كتابه بخرب عن (زهران وغامد) وال ذكر تبعيتهما لع�س�ي�ر ومل يورد يف خرائطه‬
‫التو�ض ��يحية لقبائل ع�س�ي�ر و�أوديتها املعروفة لدينا خارطة واح ��دة لقبيلتي زهران وغامد‬
‫ت�ش ��عر بذلك االنتماء املزعوم‪ ،‬كما �أنه مل يورد ا�س ��م (زهران �أو غامد) يف تلك اخلرائط‪،‬‬
‫وكل م ��ا ذكره ه ��ي تلك الغارات التي كانت ت�ش ��نها �إمارة ع�س�ي�ر يف عه ��د �آل عائ�ض‪ ،‬على‬
‫ديار القبيلتني (زهران وغامد) بق�ص ��د اال�ستيالء عليها‪ ،‬فكتابه من �أوله �إىل �آخره لقبائل‬
‫منطقة ع�سري احلالية ‪ .‬و�أخونا العميد‪ ،‬مبجرد ما تقع عينه على ا�سم (ع�سري) يف �أي كتاب‬
‫ي�س ��ارع �إىل نقل ��ه دون �أن يعل ��م �أن بع�ض ما ينقله حجة عليه ال ل ��ه‪ ،‬كمثل نقله كالم حممود‬
‫�ش ��اكر بعاليه‪ ،‬وقول العميد (فيما يت�ص ��ل ب�إطالق ا�سم الأزد على منطقة ع�سري احلالية)‬
‫فه ��و مل يتنب ��ه على قوله ‪( :‬منطقة ع�س�ي�ر احلالية) باعتبار ما نعرف ��ه نحن يف هذا الوقت‬
‫عنها‪ ،‬فهو يف هذا القول يعرتف بع�سري (املنطقة احلالية) بحدودها املعروفة لدينا حال ًّيا‪،‬‬
‫أي�ضا ‪ .‬وال ُي َف َّ�سر قوله �إال هكذا ‪.‬‬
‫وبحدودها املعروفة لديه � ً‬
‫� ��ص‪ 124 :‬ق ��ال الناقد حتت م�س ��مى ‪( :‬ع�س�ي�ر اجلغرافية االجتماعية) ا�س ��تنادًا �إىل‬
‫قول ورد عند عبداهلل بن علي بن م�س ��فر‪ ،‬يف كتابه "ال�س ��راج املنري" عن حدود ع�سري �أنها‬
‫(من زهران �إىل ظهران) وقال الناقد عقب هذا ‪( :‬فكانت هي املنطقة اجلغرافية الرابعة‬
‫مع جند والأح�س ��اء واحلجاز‪ . )..‬ثم قال �أي�ض ��ا �ص (‪ )157‬عن ع�س�ي�ر اجلغرافية ‪( :‬هي‬
‫‪431‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫املنطق ��ة الواقعة بني احلجاز �ش ��ماال‪ ،‬واليمن جنو ًبا‪ ،‬والبحر الأحم ��ر غر ًبا‪ ،‬ومنطقة جند‬
‫والبح ��ر العرب ��ي �ش ��ر ًقا) ‪ .‬ونقل قول (من زه ��ران �إىل ظهران) من الكت ��اب اخلام�س �ص‬
‫(‪ )413‬لأحد كبار ال�س ��ن من الع�س�ي�ريني ‪ .‬كما ذكر ابن م�س ��فر يف كتابه ال�سالف ذكره �أنّ‬
‫ع�سريا (متتد من ح�ضن وقبائل البقوم وزهران وغامد وبالقرن �شماال �إىل ظهران اجلنوب‬
‫وجن ��ران وقبائل قحطان ووادعة جنو ًبا بتخ ��وم اليمن)‪ .‬وهو كقوله يف كتابه الآخر (�أخبار‬
‫ع�سري) �صفحة (‪ )11‬و�صفحة (‪.)13‬‬
‫قلت ‪ :‬و�ص ��ف الدكتور عبد اهلل �أبو داه�ش يف كتابه (�أهل ال�س ��راة �ص‪ )26‬ذلك القول‬
‫ال�ص ��ادر ع ��ن ابن م�س ��فر‪ ،‬يف كتابيه ‪( :‬ال�س ��راج املن�ي�ر‪ ،‬و�أخبار ع�س�ي�ر) يف حتديد بالد‬
‫ع�س�ي�ر باملبالغة‪ ،‬وزيادة على ذلك ت�ضارب �أقواله حول هذا التحديد حيث ذكر مرة �أخرى‬
‫يف كتابي ��ه‪�( :‬أخبار ع�س�ي�ر �ص ‪ ،22‬ويف ال�س ��راج املن�ي�ر �ص ‪ ( : )20‬وتنتهي حدود ع�س�ي�ر‬
‫اجلغرافية بحدود قبيلة غامد)‪ ،‬وعندما �أورد الدكتور حتديد ع�س�ي�ر ال�سيا�س ��ي (‪ )27‬يف‬
‫أي�ض ��ا على حدود بالد غامد ‪ .‬كما �أن قول ابن م�س ��فر‪ ،‬ال دليل‬ ‫كتاب ��ه �آنف الذكر وقف بها � ً‬
‫علي ��ه من كتب ال�س ��ابقني‪ ،‬ولأن �أغل ��ب معلومات كتابي ��ه مل يرجعها �إىل م�ص ��ادر معروفة‪،‬‬
‫أي�ض ��ا ع ��ن رجل جمه ��ول‪ ،‬والرج ��ل �إذا كان جمهو ًال ف�ل�ا يقبل له ق ��ول عند عامة‬
‫و�أخ ��ذه � ً‬
‫العلم ��اء وعل ��ى فر�ض �أنّ ذلك الرجل معلوم ونتوخى فيه ال�ص ��دق �إن �ش ��اء اهلل‪ ،‬ف َع َّمن نقل‬
‫تل ��ك املعلومة ؟ ومعلومات كتاب ابن م�س ��فر‪� ،‬أو كتابيه بالأحرى ‪( :‬ال�س ��راج املنري‪ ،‬و�أخبار‬
‫ع�سري)‪ ،‬وهما ن�سخة لكتاب واحد‪ ،‬ال �أدري ما ال�سابق منهما خللو الكتابني اللذين �أقتنيهما‬
‫من تاريخ الطبع غري �أنه ورد فيهما �صفحة (‪)5‬من �أنه عر�ض عمله هذا على حمد اجلا�سر‬
‫يرحم ��ه اهلل عام‪1371( :‬هـ) ومن املرجح �أن الن�س ��خة املو�س ��ومة بـ (ال�س ��راج املنري) هي‬
‫الن�س ��خة الأخ�ي�رة للكتاب‪ ،‬لوج ��ود تعليقات عليها‪ ،‬لك ��ن �أغلب معلومات الن�س ��ختني تفتقر‬
‫�إىل التوثيق الذي هو �ش ��رط �أ�س ��ا�س يف �ص ��حة املعلومة‪ ،‬و�إن كان �أتى يف نهاية الكتاب الأول‬
‫بجملة من املراجع‪ ،‬فكيف ن�ص ��دق ب�ص ��حة ما ورد فيهما و�أغل ��ب معلوماتهما غري دقيقة ؟‬
‫وعل ��ى الكتابني مالحظ ��ات كثرية‪ ،‬ونحن ال ننكر �أن حكوم ��ة �آل عائ�ض يف فرتة من فرتات‬
‫حكمها ب�س ��طت هيمنتها على تلك الأماكن املذكورة‪� ،‬أما حتديده الوا�سع الذي �أورده لع�سري‬
‫اجلغرافي ��ة فيذكرين بتحديد �أر�ض ( َف َدك) من قبل مو�س ��ى بن جعفر‪ ،‬للخليفة العبا�س ��ي‬
‫هارون الر�شيد‪ ،‬فقد ذكر املجل�سي الراف�ضي يف كتابه‪ (:‬بحار الأنوار‪ ) 200/29 :‬حدودها‬
‫اخليالية فقال ‪�( :‬إن هارون الر�شيد‪،‬كان يقول ملو�سى بن جعفر ُح َّد فدكا حتى �أردها �إليك‪،‬‬
‫في�أبى حتى �ألح عليه‪ ،‬فقال مو�س ��ى بن جعف ��ر ‪ :‬ال �آخذها �إال بحدودها‪ ،‬قال وما حدودها؟‬
‫ق ��ال ‪� :‬إن حددته ��امل تردها ‪ .‬قال ‪ :‬بحق جدك �إ ّال فعلت ‪ .‬قال‪� :‬أما احلد الأول فعدن‪ ،‬فتغري‬
‫وجه الر�ش ��يد‪ ،‬وقال‪� :‬إيها ! قال ‪ :‬واحلد الثاين �س ��مرقند‪ ،‬ف�أربد وجهه قال ‪:‬واحلد الثالث‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪432‬‬
‫�أفريقية‪ ،‬فا�س ��ود وجهه‪ ،‬وقال ‪ :‬هيه ! قال ‪ :‬والرابع ‪� :‬سيف البحر ما يلي اخلزر‪ ،‬و�أرمينية‪.‬‬
‫قال الر�شيد ‪ :‬فلم يبق لنا �شيء) ‪ً � .‬إذا نحن الآن ومبوجب ما نقله �سعادة العميد وغريه �أمام‬
‫ثالثة �أقول حتدد امتداد ع�سري القبيلة جغراف ًّيا ‪:‬‬
‫القول الأول ‪( :‬تبتدئ بالد ع�سري �شما ًال‪� ،‬ضلعها ال�شمايل من الليث فزهران ف�شمران‬
‫�إىل ح ��دود وادي رنية)‪.‬الق��ول الثاين‪( :‬هي املنطقة الواقعة بني احلجاز �ش ��ماال‪ ،‬واليمن‬
‫جنو ًبا‪ ،‬والبحر الأحمر غر ًبا ومنطقة جند والبحر العربي �شر ًقا) ‪.‬القول الثالث‪( :‬متتد من‬
‫ح�ض ��ن وقبائل البقوم وزهران وغامد وبالقرن �شماال �إىل ظهران اجلنوب وجنران وقبائل‬
‫قحطان ووادعة جنو ًبا بتخوم اليمن) ‪ .‬هذه القارة الع�س�ي�رية ابتلعت قبائل �ش ��تى من ديار‬
‫ال�س ��راة‪ ،‬وخ�صو�ص ��ا جهة جند والبحر العربي‪ ،‬واقتطعت �أجزاء من ديار احلجاز‪ ،‬فكيف‬
‫تق ّل�ص ��ت يف هذا الوقت !! وكون العميد يعترب ع�س�ي�را (هي املنطقة اجلغرافية الرابعة مع‬
‫جند والأح�ساء واحلجاز) من جزيرة العرب‪ ،‬فريد عليه مبا كتبه امل�ؤرخون الأوائل ومن �أتى‬
‫من بعدهم‪ ،‬ونكتفي بذكر �أحد كتاب هذا الع�صر‪ ،‬وهو م�صطفى بن حممد �سليم الغاليينى‬
‫(املتوفى ‪1364 :‬هـ) وما �أورده يف كتابه " رجال املعلقات الع�ش ��ر " ال�ص ��فحة الأوىل‪ ،‬حيث‬
‫يقول عن �أق�س ��ام اجلزيرة يف هذا الع�ص ��ر ‪( :‬وهي اليوم تق�سم �إىل ثمانية �أق�سام‪ :‬الق�سم‬
‫الأول ‪ :‬احلجاز‪ ،‬الق�سم الثاين ‪ :‬اليمن‪ ،‬الق�سم الثالث ‪ :‬ح�ضرموت‪ ،‬يف �شرق (اليمن)‪،‬‬
‫الق�س��م الرابع ‪� :‬إقليم مهرة يف �ش ��رق (ح�ض ��رموت)‪ ،‬الق�س��م اخلام�س ‪ُ :‬عمان‪ ،‬الق�سم‬
‫ال�س��اد�س ‪ :‬احل�س ��ا‪ ،‬الق�س��م ال�س��ابع ‪ :‬جند‪ ،‬الق�س��م الثامن ‪� :‬إقلي ��م الأحقاف)‪ .‬وذكر‬
‫تق�س ��يماتها لدى بع�ض اجلغرافيني ال�س ��ابقني فقال‪�( :‬أما يف القدمي فكانت تق�سم �إىل �ستة‬
‫�أق�س ��ام ‪ :‬احلج ��از‪ ،‬واليم ��ن ‪ ،‬وجن ��د ‪ ،‬وتهامة ‪ ،‬والإح�س ��اء ‪ ،‬واليمامة) ‪ .‬وج ��اء يف كتاب ‪:‬‬
‫(معجم البلدان ‪ .‬لياقوت احلموي (‪� )137 /2‬أن اجلزيرة تنق�س ��م (خم�س ��ة �أق�س ��ام عند‬
‫العرب) هي ‪( :‬تهامة ‪ ,‬واحلجاز‪ ،‬وجند‪ ،‬والعرو�ض‪ ،‬واليمن )‪.‬ويقول امل�سعودي‪ ،‬يف كتابه‬
‫(التنبيه والإ�شراف (‪( : )69 /1‬وبالد العرب اليوم وبرها ومدرها اليمن وتهامة واحلجاز‬
‫واليمامة والعرو�ض والبحرين وال�ش ��حر وح�ضرموت وعمان‪ ،‬وبرها ا ّلذي يلي العراق وبرها‬
‫ا ّلذي يلي ال�ش� ��أم)‪.‬فهل ترى �س ��عادة العميد يف تق�س ��يمات اجلزيرة العربية القدمية منها‬
‫واحلديثة من ذكر ع�سريا من �ضمن �أق�سامها ؟؟‬
‫�ص‪ 124 :‬ا�س ��تدل الناقد على �أن ‪( :‬ع�س�ي�ر اجلهة) با�ستثناء اليمن (الدولة احلالية)‬
‫م ��ن جنوب البيت احلرام �إىل البحر العربي هي املق�ص ��ودة بقول عمر بن اخلطاب ر�ض ��ي‬
‫اهلل عن ��ه‪ ،‬عندما �س� ��أل �أهل اليمن عن �أوي� ��س القرين‪ ،‬قائ ًال ‪ " :‬يا �أه ��ل اليمن دلوين على‬
‫�أوي�س القرين" ‪.‬‬
‫متاما‪ ،‬لأنه عا�صر‬
‫قلت ‪� :‬أما عمر بن اخلطاب ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬فكان يعرف اليمن ً‬
‫جت ��ارة قومه يف العهد اجلاهلي �إليها‪ ،‬ويعرف ع�س�ي�ر اجلهة � ً‬
‫أي�ض ��ا ب�أنه ��ا جزء من اليمن‪،‬‬
‫‪433‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫والع ��رب من ��ذ اجلاهلية �إىل ه ��ذا الوقت تطلق على م ��ا بعد الركن اليم ��اين للبيت احلرام‬
‫را وغريها يف‬ ‫(مي ��ن)‪ ،‬وله ��ذا كان ندا�ؤه ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬باعتبار اجلهة التي ت�ض ��م ع�س�ي� ً‬
‫مفه ��وم اليم ��ن ‪ .‬ولي� ��س يف ق ��ول الفاروق ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬ما يدل على تخ�ص ��ي�ص ع�س�ي�ر‬
‫بالنداء‪ ،‬لدخول ع�س�ي�ر يف اليمن ولي�س العك�س‪ ،‬و�أرى �س ��عادة العميد ي�س�أل الدكتور غيثان‬
‫�ص ��فحة‪ )458( :‬م ��ن كتاب ‪( :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلن ��وب‪ .‬اجلزء اخلام�س) قائ ًال ‪:‬‬
‫(فق ��ل يل برب ��ك من هي بالقرن غري هذه الت ��ي ينتمي �إليها �أوي�س الق ��رين ‪ . )..‬قلت ‪� :‬إنَّ‬
‫�أوي�س� � ًا القرين رحمه اهلل لي�س من قبيلة بالقرن الأزدية التي �أ�شرتَ �إليها التي هي مبنطقة‬
‫ع�سري احلالية‪ ،‬بل هو من قبيلة مراد املذحجية لقول ابن �سعد يف طبقاته ‪ )204/6( :‬عن‬
‫�أوي�س القرين‪� :‬إنه (من مراد وهو �أوي�س بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن �س ��عد بن‬
‫ع�ص ��وان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد‪ .‬وهو يحابر بن مالك بن �أدد من مذحج)‪.‬‬
‫ويف (تاريخ دم�ش ��ق البن ع�س ��اكر (‪�( )414 /9‬أما َق َرن بفتح القاف والراء ففي مراد قرن‬
‫اب ��ن ردم ��ان بن ناجية بن مراد‪ ،‬منهم �أوي�س بن عمرو الق ��رين الزاهد) ‪ .‬ومن الكتب التي‬
‫ذكرته يف َق َرن بن ردمان بن ناجية بن مراد (ن�س ��ب معد واليمن الكبري (‪ )328/1‬وتاريخ‬
‫الإ�س�ل�ام (‪ )313/2‬و�سري �أعالم النبالء (‪ )519/4‬ونهاية الأرب يف معرفة �أن�ساب العرب‬
‫(� ��ص ‪ ،)397 :‬والإنب ��اه على قبائل ال ��رواة (�ص‪ )129 :‬وغريها من الكتب‪ .‬ولمِ َ ْذ ِحج �س ��راة‬
‫با�سم ‪�( :‬سراة َم ْذ ِحج) ذكرها الهمداين يف كتابه (�صفة جزيرة العرب �ص ‪. )378‬‬
‫�أم ��ا ن�س ��ب قبيلة بال َق ْرن الأزدية فقد �أورده اجلا�س ��ر رحمه اهلل‪ ،‬يف م�ش ��جره �ص ��فحة‬
‫(‪ )227‬عل ��ى النح ��و التايل ‪( :‬ق ��رن بن �إحجن بن مالك بن كعب ب ��ن احلارث بن عبد اهلل‬
‫بن مالك بن ن�ص ��ر ب ��ن الأزد بن الغوث) ‪ .‬وهناك من يختلف مع اجلا�س ��ر يف زيادة بع�ض‬
‫الأ�س ��ماء �إال �أنهم يتفقون على �أزدية هذه القبيلة‪ .‬وقد ناق�ض العميد بني قوليه عن (ع�سري‬
‫اجله ��ة) يف ه ��ذا اخلرب الوارد ع ��ن �أوي�س القرين رحم ��ه اهلل‪ ،‬فبينما ه ��و يقول يف اجلزء‬
‫الثالث من كتاب (القول املكتوب �ص ‪ ..( : )124‬فال�ش ��اهد هنا �إطالق لفظ (�أهل اليمن)‬
‫على قبيلة من قبائل ع�س�ي�ر ‪ْ � )..‬إذ به يعرتف بيمانية اجلهة التي عناها الفاروق ر�ضي اهلل‬
‫عن ��ه‪ ،‬وذل ��ك يف اجل ��زء اخلام�س من الكتاب املذك ��ور �ص ‪ : 458‬فيق ��ول ‪ ..( :‬يقول يا �أهل‬
‫اليمن جهة‪ ،‬واحلالية مينية اجلهة عن الركن اليماين) ‪.‬‬
‫�ص‪ 126 :‬يقول الناقد مبا معناه �أنه بعد انتهاء �أبناء املنطقة من االنتماء ( �إىل الأزدي‬
‫يف �صدر الإ�سالم وما قبله‪ ،‬ثم حل الع�سريي بعده ‪ . )..‬ويخل�ص يف النهاية �إىل (�أن كل ما‬
‫ورد يف كتب التاريخ وال�سري عن ع�سري فهو يعني املنطقة والقبيلة جزء منها)! ‪.‬‬
‫قل ��ت‪ :‬يا �س ��عادة العميد جميع َمن كتب عن ع�س�ي�ر املنطقة هم م�ؤرخون معا�ص ��رون‪،‬‬
‫ا�ستقوا معلوماتهم من بع�ضهم البع�ض‪ ،‬و�أغلب �أولئك الكتاب عا�صروا حكومتي (�آل عائ�ض‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪434‬‬
‫و�أ�ش ��راف مكة) حني كانتا ت�س ��يطران با ْل َغ َل َبة على بع�ض �أجزاء ال�س ��راة (زهران وغامد)‬
‫�سيطرة �إ�سمية‪ ،‬فمن الطبيعي �أن يكتبوا ما �شاهدوه �آنذك‪ ،‬ونقل عنهم َمن جاء بعدهم‪� ،‬أما‬
‫�أن يكون ا�سم ع�سري حل حمل الأزد‪ ،‬مبعنى �أن الزهراين والغامدي واحلجري �أو اجلازاين‬
‫والنجراين يقول �أنا ع�س�ي�ري‪ ،‬فهذا يحتاج منك �إىل دلي ��ل تاريخي يثبت �أوال ذكر من �أورد‬
‫ا�س ��م ع�س�ي�ر كقبيلة من قبائل ال�س ��راة كانت تهيمن على قبائل الأزد‪ ،‬ثم �شيوعه �إدار ًّيا يف‬
‫الزمن ال�س ��ابق للحكومتني ال�سابقتني ‪( :‬الأ�ش ��راف و�آل عائ�ض) ‪ .‬وللعلم ف�إنّ كتب التاريخ‬
‫وال�سري القدمية‪ ،‬مل تذكر ع�سريا و�إمنا ذكرت بلدة ُجر�ش ‪.‬‬
‫و�أراك �ش ��ديد التحم�س على تعميم (ع�س�ي�ر) على جميع قبائل ال�س ��راة‪ ،‬ف�إذا كان يف‬
‫قولك بع�ض� � ًا من ال�صحة‪ ،‬فلماذا ال تبادر يا �ص ��احب هذه الدعوة االحتادية ب�شطب كلمة ‪:‬‬
‫"الأملعي" من انتمائك القبلي وت�ستبدلها يف هويتك الوطنية بكلمة (الع�سريي) فلعل �أفراد‬
‫قبيلتك يتبعونك ثم تقتدي بكم قبائل ع�س�ي�ر الأخرى ‪ .‬ف�إن الر�سول الأعظم ﷺ ملا منعته‬
‫قري�ش من دخول البيت احلرام عام احلديبية‪ ،‬وبعد �أن مت ال�ص ��لح بينه وبينها �أمر النا�س‬
‫ب�أمر فلم ي�أمتروا به حتى يروه يفعل ما �أمر به‪ ،‬فقام ﷺ‪ ،‬مب�شورة من �أم �سلمة ر�ضي اهلل‬
‫عنها بفعل ما �أمر به عند ذلك ت�س ��ابق ال�ص ��حابة على االقتداء به (ﷺ )‪ ،‬فقد روت كتب‬
‫الأحاديث ومنها م�س ��ند الإمام �أحمد رحمه اهلل برقم ‪َ )18910( :‬ع ِن المْ ِْ�س� � َو ِر ْب ِن مخَ ْ َر َم َة‪،‬‬
‫ومروان بن احلكم‪ ،‬من حديث طويل ن�أتي بال�شاهد منه بعد كتابة ال�صلح بينه وبني قري�ش‬
‫ا�س‪ ،‬ا ْن َح ُروا َو ْاح ِل ُقوا" َق َال‬ ‫(ﷺ ) َف َق َال ‪َ " :‬يا �أَ ُّي َه ��ا ال َّن ُ‬ ‫�ول اللهَّ ِ َ‬ ‫�أال وه ��و ‪َ .." :‬ق َال َف َق َام َر ُ�س � ُ‬
‫�ام �أَ َح ٌد‪َ ،‬ق َال ‪ُ :‬ث َّم َعا َد بمِ ِ ْث ِل َها‪َ ،‬ف َما َق َام َر ُج ٌل‪َ ،‬ح َّت ��ى َعا َد بمِ ِ ْث ِل َها‪َ ،‬ف َما َق َام َر ُج ٌل‪َ ،‬ف َر َج َع‬ ‫َف َم ��ا َق � َ‬
‫ا�س؟" َقا َل ْت ‪َ :‬يا‬ ‫(ﷺ )‪َ ،‬ف َد َخ َل َع َلى �أُ ِّم َ�س َل َم َة َف َق َال ‪َ " :‬يا �أُ َّم َ�س َل َم َة‪َ ،‬ما َ�ش ْ�أنُ ال َّن ِ‬ ‫ول اللهَّ ِ َ‬ ‫َر ُ�س ُ‬
‫�ول ِ َق ْد َد َخ َل ُه ْم َما َق ْد َر َ�أ ْي َت‪َ ،‬فال ُت َك ِّل َمنَّ ِم ْن ُه ْم �إِ ْن َ�س ��ا ًنا‪َ ،‬و ْاعمِ ْد ِ�إلىَ َه ْد ِي َك َح ْيثُ َكانَ‬ ‫اللهَّ‬ ‫َر ُ�س � َ‬
‫(ﷺ)‪ ،‬اَل ُي َك ِّل ُم‬ ‫�ول ِ َ‬ ‫اللهَّ‬ ‫ا�س َذ ِل َك ‪َ .‬ف َخ َر َج َر ُ�س � ُ‬ ‫َفا ْن َح� � ْر ُه َو ْاح ِل ��قْ ‪َ ،‬ف َل ْو َق ْد َف َع ْل َت َذ ِل � َ�ك َف َع َل ال َّن ُ‬
‫�أَ َح ��دً ا َحتَّى َ�أ َت ��ى َه ْد َي ُه َف َن َح َر ُه‪ُ ،‬ث َّم َج َل َ�س‪َ ،‬ف َح َلقَ َف َق َام ال َّنا� � ُ�س َي ْن َح ُرونَ َو َي ْح ِل ُقونَ " ‪ .‬احلديث‬
‫بتحقيق �شعيب الأرنا�ؤوط ‪.‬‬
‫� ��ص‪َ 154:‬خ َّط� ��أ الناقد الهمداين رحمه اهلل‪ ،‬يف ح�ص ��ر ا�س ��م ‪( :‬ع�س�ي�ر) على �أربعة‬
‫بط ��ون من البطون القاطنة يف ال�س ��راة وهذه البطون ه ��ي‪( :‬مغيد‪،‬وعلكم‪ ،‬وربيعة ورفيدة‪،‬‬
‫وبنو مالك) وذكر ب�أنه "�أغفل بطون تهامة ‪."..‬قلت الهمداين مل يغفل بطون تهامة ع�س�ي�ر‬
‫بالك ِّلية‪ ،‬و�إن كان اقت�ص ��ر يف ذلك على بع�ض ��ها كقوله عن بني جابرة ‪( :‬و�أما �أغوارها �إىل‬
‫وال�ساقة لبني جابرة من �شيبة)‪.‬‬ ‫ناحية �أم جحدم فالذيبة ّ‬
‫�ص‪ 155 :‬ذكر الناقد ان ا�سم (ع�سري) ورد عند الهمداين بالداللة القطعية يف �صفحة‬
‫(‪ )279‬حيث �أورد من كالم الأ�ستاذ �آل فائع ‪� ( :‬إال �أنه من امل�ؤكد �أن هذا اال�سم "احلديث‬
‫‪435‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫عن ا�س ��م ع�س�ي�ر)‪ ،‬مل يطلق فج�أة بعد و�ص ��ول �أخبار الدعوة ال�س ��لفية وان�ض ��مامها للدولة‬
‫ال�سعودية الأوىل‪ ،‬بل �إن من الوا�ضح �أن اال�سم قد �أطلق يف فرتات متقدمة ‪. "..‬‬
‫قلت نحن ال ننكر ورود ا�س ��م ع�سري عند ابن الكلبي والهمداين‪َ ،‬ومن جاء بعدهما‬
‫ي�أخذ عنهما‪ ،‬لكن ابن الكلبي والهمداين‪� ،‬أورداه ا�س ًما لقبيلة حددا ديارها‪ ،‬فقال الهمداين‬
‫يف �ص ��فة جزيرة العرب‪� ،‬ص ��فحة (‪( : )256‬وي�صاىل ق�صبة جر�ش �أوطان حزمية من عنز‬
‫ثم يواطن حزمية من �ش ��اميها ع�س�ي�ر قبائل من عنز‪ ،‬وع�س�ي�ر ميانية تن� �زّرت‪ ،‬ودخلت يف‬
‫عن ��ز‪ ،‬ف�أوطان ع�س�ي�ر �إىل ر�أ�س ت ّية وهي عقبة من �أ�ش ��راف تهامة‪ ،‬وه ��ي �أبها وبها قرب ذي‬
‫القرنني فيما يقال عرث عليه على ر�أ�س ثالثمئة من تاريخ الهجرة ‪ . ) ..‬ثم �أخذ يعدد �أوطان‬
‫ع�سري دون �أن يذكر امتدادها �إىل زهران �شماال وجنران جنوبا ‪.‬‬
‫�أم ��ا قول الناقد ‪�( :‬إن ا�س ��م ع�س�ي�ر ورد عند الهم ��داين بالداللة القطعية يف �ص ��فحة‬
‫‪ )279( :‬فل ��م ي ��رد يف تلك ال�ص ��فحة ذك ��ر لقبيلة ع�س�ي�ر و�إمنا ورد الذك ��ر لقبيلة (عنز)‬
‫العدناني ��ة وبع� ��ض القبائل الأزدية والعدنانية الأخرى‪ ،‬يف �س ��ياق تعداده �أرباب الف�ص ��احة‬
‫من القبائل التي تقطن ال�سروات ‪ .‬و�أما قوله ‪� ( :‬إن اال�سم (�أي ع�سري) قد �أطلق يف فرتات‬
‫متقدمة)‪ .‬فقوله �ص ��حيح حيث �أطلقته الدولة الرتكية حني وجودها يف ع�سري كقاعدة لهذه‬
‫القبائل املحتلة ‪ .‬ثم الدولة ال�سعودية كمقر حلكم قبائل ع�سري ‪.‬‬
‫� ��ص‪ 155 :‬عم ��ن �أخذ ه�ؤالء الكت ��اب الذين ذكرتهم ؟ هل �أخ ��ذوا عن م�ؤرخني قدامى‬
‫ذكروا ع�سريا باال�سم؟؟ �ص‪ 156 :‬ذكر الناقد �أن َمن �أ�سماه عبد الرحمن (بن حممد) كان‬
‫�أمريا على جر�ش يف عهد عمر بن عبد العزيز‪ ،‬وقال ‪( :‬وقد ا�س ��تقر يف املنطقة من عام ‪:‬‬
‫(‪ )132‬وقتل عام ‪ )169( :‬وال�صواب �أن هذا اال�ستقرار وهذين التاريخني ملن ا�سمه‪ :‬علي‬
‫بن حممد‪ ،‬كما ورد عند �شعيب الدو�سري‪ ،‬وهو �أول �أمري ذكره �شعيب‪ ،‬و�صواب تاريخ دخوله‬
‫ع�سري عند احلفظي يف تاريخه هو (‪ )133‬ولي�س كما ذكر الناقد‪.‬‬
‫�ص‪ 180 :‬قال عن ال َغ ْرب وحبليه ‪( :‬ا�س ��م الغليظ "مر�س ��ب" والآخر ا�س ��مه (ال�سعن)‬
‫يوثق طرفاهما بالغرب‪ ،‬والطرفان الآخران مرتبطان برحل الثور �صعودًا ونزو ًال لرفع املاء)‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬هذه ت�سميات حملية‪ ،‬و�أنت تكتب يف كتاب تاريخي وا�سع االنت�شار‪ ،‬وال �أحد يعرف هذه‬
‫امل�ص ��طلحات املحلية من خارج ديار ع�س�ي�ر ‪ .‬فلو قلت عن (املر�سب!) �إنه (الر�شاء) وهي‬
‫ف�ص ��يحة‪ ،‬وعن ال�سعن ‪ -‬وهذه الكلمة غريبة ج ًّدا لأن ال�س ��عن قربة �صغرية‪ ،‬وت�سمى � ً‬
‫أي�ضا‬
‫�س ��قاء ‪� -‬إنه (املقاط)‪ ،‬ج ��اء يف كتاب جمهرة اللغة‪ )924/2( :‬البن دريد ‪َ ( :‬و ُر َمبا ُ�س � ِّ�م َي‬
‫(ال�سريح)‪ ،‬ثم‬ ‫اطا)‪ ،‬وي�سمى يف بع�ض مناطق اململكة وبع�ض البالد العربية َّ‬ ‫ر َِ�شا ُء ال َّد ْلو ِم َق ً‬
‫�أو�ض ��حت يف احلا�شية الت�سمية املحلية لكل منهما‪ ،‬لعرفهما القا�صي والداين من الناطقني‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪436‬‬
‫بالعربي ��ة ‪ .‬وللعلم ف�إن الر�ش ��اء ُيرب ��ط يف (العراقي) �أعلى الغ ��رب‪ ،‬بينما املقاط يربط يف‬
‫�أ�س ��فل الغرب حيث م�ص ��ب املاء منه فيما ي�سمى بـ (ا ْل ُكم)‪� ،‬أما قولك (والطرفان الآخران‬
‫مرتبط ��ان برح ��ل الثور)‪ ،‬فالغالب على ت�س ��مية ذلك الرح ��ل ‪( :‬ا ْلقتَب) ‪ .‬لق ��ول ابن دريد‬
‫يف كت ��اب (جمهرة اللغة ‪( : )255/1‬القتب قتب َ�ص� � ِغري َي ْج َعل على ظهر ال�س ��انية) ‪ .‬وقال‬
‫الأزهري يف كتاب (تهذيب اللغة ‪َ ( )69/9‬و ُي َقال َل ُه ال ِقتب‪ ،‬و�إنمَّ ا يكون ّ‬
‫لل�سانية)‪.‬‬
‫وه ��ذا بع�ض م ��ا ورد يف كتاب "الق ��ول املكتوب يف تاريخ اجلن ��وب" ‪ .‬اجلزء اخلام�س‪.‬‬
‫الق�سم اخلام�س ‪� .‬ص‪ 396/5 :‬طلب الناقد من الباحث ذكر القبائل التي ال تنتمي �إىل الأزد‬
‫أي�ضا بيان من ينت�سب �إىل قحطان �إذا كانت ال تنتمي �إىل‬ ‫من قبائل �إقليم ع�سري‪ ،‬كما طلب � ً‬
‫الأزد) ‪ .‬حيث قال يف �ص (‪ )418‬من اجلزء اخلام�س ‪( :‬فتذكر لنا من هم املنت�س ��بني �إىل‬
‫قحطان ولي�سوا من الأزد‪ ،‬ومن هم املنت�سبني �إىل الأزد ولي�سوا من قحطان) ‪.‬قلت ‪� :‬إن كنت‬
‫تق�صد جد العرب (العاربة)‪ ،‬فهو كما ذكرته امل�صادر ‪ :‬قحطان بن الهمي�سع بن تيمن بن‬
‫قي�س بن نبت بن �إ�سماعيل بن �إبراهيم ) ‪.‬و�إن كنت تق�صد قحطان القبيلة احلالية القاطنة‬
‫يف جنوب اململكة العربية ال�س ��عودية و�ش ��رقها فريجعهم ال�ش ��يخ ‪� :‬سعيد بن عو�ض �آل رداد‬
‫الأ�س ��مري‪ ،‬يف كتاب ��ه " تاريخ رجال احلج ��ر �ص ‪� "40‬إىل همدان وخ ��والن ‪ .‬و�إن كنت تعني‬
‫القبائل (الأزدية والعدنانية) الأخرى ف�ستجد الإجابة �ضمن هذه الإي�ضاحات ‪.‬‬
‫يقول الناقد عن قبائل ال�س ��راة ‪( :‬فما ال�ض�ي�ر �أن ينت�سبوا �إىل ع�سري بعد التجايف عن‬
‫عموما �أب ينتهي ن�سبها‬ ‫االنت�ساب �إىل الأزد)‪.‬قلت لكل قبيلة من قبائل الأزد وقبائل العرب ً‬
‫�إليه‪ ،‬فلو انت�س ��بت �إىل غري �أبيها لتعر�ض ��ت للعن الوارد عن الر�س ��ول (ﷺ)‪ ،‬فقد ورد يف‬
‫�صحيح الإمام م�سلم برقم (‪ )1370‬من حديث طويل عن �إبراهيم التيمي عن �أبيه‪� ،‬أنّ علي‬
‫بن �أبي طالب ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬قال قال ر�س ��ول اهلل (ﷺ) ‪َ .." :‬و َم ِن ا َّد َعى ِ�إلىَ َغيرْ ِ َ �أ ِبي ِه‪،‬‬
‫ا�س �أَ ْج َم ِعنيَ‪ ،‬اَل َي ْق َب ُل ُ‬
‫اهلل ِم ْن ُه َي ْو َم‬ ‫�أَ ِو ا ْن َت َمى �إِلىَ َغيرْ ِ َم َوا ِلي ِه‪َ ،‬ف َع َل ْي ِه َل ْع َن ُة ا ِ‬
‫هلل‪َ ،‬والمْ َلاَ ِئ َك ِة‪َ ،‬وال َّن ِ‬
‫ا ْل ِق َي َام ِة َ�ص� � ْر ًفا‪َ ،‬و اَل َع ْدل" ‪ .‬فقل يل بربك يا �س ��عادة العميد ؛ من ير�ض ��ى �أن يع ِّر�ض نف�سه‬
‫للعنة اهلل ومالئكته والنا�س �أجمعني ‪ .‬على �أن ع�س�ي ً�را كما تعلم لي�س �أ ًبا لعموم قبائل الأزد‬
‫القاطنة يف �أر�ض ال�سراة حتى تنتمي �إليه‪� ،‬إ�ضافة �إىل كونه عدناين الن�سب كما ذكر ها�شم‬
‫النعمي‪ ،‬وغريه من م�ؤرخي ع�سري‪.‬‬
‫� ��ص‪ 397 :‬ذك ��ر الناق ��د �أن الر�س ��ول (ﷺ)‪ ،‬وىل �أم ��ر املنطقة ب�ص�ل�احيات مطلقة‬
‫ال�ص ��حابي اجلليل �ص ��رد ب ��ن عب ��د اهلل الأزدي‪ ،‬ويقول بع ��د وفاة الر�س ��ول ﷺ ويف عهد‬
‫ال�ص ��ديق ر�ض ��ي اهلل عنه (يويل على نف� ��س الإقليم عبد اهلل بن ث ��ور ‪. )..‬قلت ‪ :‬ما دليلك‬
‫على �أن �ص ��رد بن عبد اهلل ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬واله الر�سول (ﷺ)‪� ،‬أمر املنطقة ب�صالحيات‬
‫مطلقة‪ ،‬كما يفهم من قولك‪ ،‬وهو مل يتول �س ��وى جر�ش وما حولها‪ ،‬ومل ي�س ��لم �إال يف ال�س ��نة‬
‫‪437‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫العا�ش ��رة من الهجرة‪ ،‬فهل كانت قبائل الأزد امل�س ��لمة منذ ال�سنة ال�سابعة على �سبيل املثال‬
‫بدون قائد حتى �أ�سلم �صرد ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬وويل �أمرها‪ ،‬وقد ر�أيت يف قول �سابق �أن الطفيل‬
‫بن عمرو‪ ،‬و�سعد بن �أيي ذباب ر�ضي اهلل عنهما‪� ،‬أ�سلما قبله بثالث �سنني‪ ،‬وتوىل �سعد �إمرة‬
‫دو�س ب�أمر من الر�سول (ﷺ)‪ ،‬وا�ستمر �أم ًريا على دو�س �إىل عهد اخلليفة الرا�شد عمر بن‬
‫اخلطاب ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬و�س�ؤايل ل�س ��عادة العميد هل نزع الر�سول (ﷺ) �إمرة دو�س من‬
‫هذا ال�ص ��حابي و�سلمها �ص ��رد بن عبد اهلل‪ ،‬و ُكتُب التاريخ حتدث با�ستمراره فيها �إىل عهد‬
‫الفاروق‪ ،‬وهل لديك ما يثبت ت�أ ُّمر �ص ��رد ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬على كافة قبائل الأزد من بجيلة‬
‫�إىل جنران ؟ فنحن �أمام ثالثة خيارات ‪� :‬أما �أن يكون الر�س ��ول (ﷺ)‪ ،‬عزل �سعد بن �أبي‬
‫ذباب‪ ،‬بعد ثالث �س ��نوات من ت�أ ُّمره على دو�س‪ ،‬و�أحلق �إمرة دو�س ب�إمرة جر�ش ووىل عليها‬
‫�صرد بن عبداهلل‪ ،‬و�أما �أنه �أبقى �سعد بن �أبي ذباب على دو�س‪ ،‬و�أ َّمر عليه وعلى بقية قبائل‬
‫ال�سراة �صرد بن عبد اهلل‪ ،‬و�أما �أنه ﷺ‪ ،‬جعل كل �أمري ي�ستقل بناحية من نواحي ال�سراة ‪.‬‬
‫ف�أي هذه اخليارات ثبت عندك من خالل �أقوال امل�ؤرخني ال�سابقني ؟؟‬
‫� ��ص‪ 405 :‬يق ��ول الناقد عن �أحوال املنطقة الواقعة بني احلجاز واليمن قبل الإ�س�ل�ام‬
‫‪( :‬لأن حكوم ��ة جر�ش قد فر�ض ��ت �إتاوة على عري قري� ��ش الذاهبة �إىل اليمن ‪ . )..‬قلت ‪ :‬مل‬
‫يذك ��ر ابن حبيب يف كتاب ��ه ‪( :‬املنمق يف �أخب ��ار قري�ش) (�ص‪)205 :‬حكومة با�س ��م جر�ش‬
‫فر�ض ��ت �إتاوة على ع�ي�ر قري�ش‪ ..‬كما زعمت �أيه ��ا العميد‪ ،‬و�إمنا ذكر بعد �إيراده ق�ص ��يدة‬
‫ح�س ��ان بن ثابت ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬التي حر�ض فيها قبيلة دو�س على الأخذ بث�أر �أبي �أُزيهر‪،‬‬
‫فق ��ال‪( :‬فل ��م تر�ض الأزد بذل ��ك حتى غارت قري�ش ��ا‪ ،‬فقتلوا منهم مقتل ��ة عظيمة‪ ،‬وجعلوا‬
‫ي�ضعون الر�صد يف العري فيقتلون من قدروا عليه حتى ر�ضوا منهم)‪ ،‬ويبدو من بقية القول‬
‫�أن الأزد فر�ضت على قري�ش �إتاوة دينا ًرا يف كل قتب كما يفهم من ق�صيدة �سراقة البارقي‬
‫وع ْنز‪ ،‬كما ذكر‬ ‫‪ .‬فابن حبيب يتحدث عن الأزد ولي�س عن حكومة جر�ش التي هي من َع ْنز َ‬
‫الن�سابون الأوائل عدنانية الن�سب ‪ .‬و�إنْ كان لدى العميد من امل�صادر التاريخية القدمية ما‬
‫يفيد مب�شاركة جر�ش يف هذه احلرب فليتحفنا به‪.‬‬
‫كما يقول يف ال�ص ��فحة نف�س ��ها عن والة اليمن والأزد ‪ :‬وقد ولىّ عليه ال�صالة وال�سالم‬
‫على كل منها �أم ًريا ‪ :‬باذان على اليمن و�ص ��رد على جر�ش) ‪ .‬قلت ‪ :‬عندما ي�س ��لم قوم ف�إن‬
‫الر�س ��ول ﷺ‪ ،‬يويل عليهم �أمريا منهم‪ ،‬و�أراك تنا�سيت �أمري دو�س ال�صحابي �سعد بن �أبي‬
‫ذباب ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬الذي واله الر�سول (ﷺ)‪ ،‬على دو�س قبل �أن يويل �صرد على ُجر�ش ‪.‬‬
‫وهذا يدل على عدم ارتباط دو�س (زهران) جغراف ًّيا بع�سري‪ ،‬و�إ َّال لكان لواليها ذكر عندك‬
‫�ضمن والة ال�سراة واليمن ‪.‬‬
‫� ��ص‪ 410 :‬يق ��ول الناقد نقال عن ف�ؤاد حمزة يف كتابه " يف بالد ع�س�ي�ر" (وا�ش ��تهرت‬
‫البالد با�س ��م ع�س�ي�ر) مل يحدد مت ��ى حتولت الت�س ��مية يف ع�س�ي�ر) ‪( .‬ويف العهد العثماين‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪438‬‬
‫جعلت بالد ع�سري مت�صرفية با�سم "مت�صرفية ع�سري) ثم يوا�صل القول عن ف�ؤاد حمزة يف‬
‫مقدمة كتابه ‪ ( :‬الأ�ص ��ل يف اال�ص ��طالح اجلغرايف هو �إطالق ا�سم القبيلة على البالد التي‬
‫ت�س ��كنها فهي �س ��راة الأزد‪ ،‬وهي بهذا اال�س ��م‪ ،‬وكذلك عندما حتولت �إىل ع�س�ي�ر القبيلة �أو‬
‫الإقليم ‪ ..‬ومل يرد ذكرها ‪� -‬أي ع�س�ي�ر‪ -‬يف تقا�س ��يم بالد العرب املعلومة وهي ‪ ( :‬احلجاز‬
‫واليمن وجند والعرو�ض ) ومل يذكر املراجع التي ا�ستند �إليها يف قوله هذا)!‪.‬‬
‫قلت هذا هو ال�صواب الوارد يف كتاب ف�ؤاد حمزة‪ ،‬الذي �أكرثت من النقل عنه‪ ،‬فقوله ‪:‬‬
‫(وا�شتهرت البالد با�سم ع�سري)‪ ،‬يق�صد به ديار القبائل الأربع املنت�سبة لع�سري وهم ‪( :‬بنو‬
‫مغي ��د‪ ،‬وعلك ��م‪ ،‬وربيعة ورفيدة‪ ،‬وبن ��و مالك) ‪ .‬وكذلك قوله ‪( :‬وكذل ��ك عندما حتولت �إىل‬
‫ع�سري القبيلة �أو الإقليم ) ‪� .‬أي بعد حتالف قبائلها الأربع املار ذكرها �إنْ ثبت هذا احللف‪،‬‬
‫وقول ��ه الأخري ينفي زعمه ال�س ��ابق وهو ‪ ( :‬فكانت هي املنطق ��ة اجلغرافية الرابعة مع جند‬
‫والأح�س ��اء واحلجاز‪ )..‬لأن ف�ؤاد حمزة تبع يف ذلك �أقوال امل�ؤرخني ال�سابقني الذين ق�سموا‬
‫جزيرة العرب ومل ي�أتوا على ذكر (ع�س�ي�ر) �ضمن �أق�سام اجلزيرة العربية‪ ،‬وقد �أتينا على‬
‫تقا�س ��يم اجلزيرة فيما �سبق‪ ،‬و�أراك تعيب على ف�ؤاد حمزة عدم ذكر املرجع الذي نفى فيه‬
‫عدم وجود ذكر لع�س�ي�ر يف تقا�س ��يم جزيرة العرب ! فمن �أين ي�أتي باملرجع ومل يقل به �أحد‬
‫م ��ن امل�ؤرخني ؟؟ وكان م ��ن باب �أوىل �أن توجه ا�س ��تغرابك لنف�س ��ك‪ ،‬ف�أنت يف مالحظاتك‬
‫النقدي ��ة مل ت�أتنا مبن تكلم عن ع�س�ي�ر ودورها القيادي املزعوم لقبائل ال�س ��راة قبل �إمارة‬
‫�آل عائ� ��ض م ��ن �أمثال الطربي وابن الأث�ي�ر وابن كثري وابن خل ��دون والرحالة وغريهم‪� ،‬أو‬
‫حتى اليعقوبي رغم ت�شيعه ‪ .‬وكان الأحرى بك يا �سعادة العميد �أن توجه بالن�صح والإر�شاد‬
‫�إذا ر�أيت معلومة ت�س ��تحق الت�صحيح‪ ،‬و�أن تلتفت �إىل ما كتب هذا امل�ؤلف ف�ؤاد حمزة ‪ -‬وقد‬
‫�أكرثت النقل عنه ـ عن قبيلة ع�سريية عربية �أ�صيلة فتفند قوله‪ ،‬وتبني للنا�س عدم �صحة ما‬
‫دون ��ه عنها‪ ،‬وهذا يف نظري �أجمل مما لو �أخط� ��أ الدكتور غيثان بن جري�س‪ ،‬يف معلومة عن‬
‫غري ق�صد ودخلتما يف عراك �أدبي بالإمكان ت�صحيحه مبكاملة هاتفية ‪.‬‬
‫�ص‪� 413 :‬أورد الناقد من قول امل�ؤلف الدكتور غيثان‪ ،‬القول املكتوب‪،‬اجلزء اخلام�س)‬
‫(ثم ملا قويت �ش ��وكة القبيلة وامتدت �سيطرتها �إىل بالد القبائل املجاورة لها‪ ،‬غطى ا�سمها‬
‫حي يرزق‪ ،‬ويق�صد‬ ‫على ا�س ��م تلك القبائل‪ ،‬و�أ�صبحت تعرف با�سمها)‪.‬قلت الدكتور غيثان ٌّ‬
‫بقوله "املجاورة لها" �أي التي من حولها وزهران وغامد لي�ستا من قبائل اجلوار‪ْ � ،‬إذ �أن بني‬
‫تلك القبيلة الع�سريية ذات ال�شوكة وبينهما م�سرية �أيام وليال‪ ،‬ومل تخ�ضعا لإقليم ع�سري �إ ّال‬
‫يف عهد حكومة �آل عائ�ض ‪.‬‬
‫�ص‪ 416 :‬يقول الناقد عن القبائل خمتلطة الأن�س ��اب يف ع�س�ي�ر ‪�( :‬أجمع ر�أيهم على‬
‫الت�س ��مية بع�س�ي�ر‪ ،‬وهو �أي ع�سري �أحد بطون الأزد الع�شرين الذين مكثوا يف املنطقة) ‪ .‬قلت‬
‫‪439‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫يف �أي م�صدر يا �سعادة العميد قر�أت فيه هذا الإجماع املزعوم فهال ذكرت لنا ذلك امل�صدر‬
‫! ومن �أورده من امل�ؤرخني القدماء لنتيقن �ص ��دق اخلرب‪� ،‬أم كنت �ش ��اهدا معهم حني �أجمع‬
‫ر�أيهم على تلك الت�س ��مية ؟ �صحيح �أن هنالك حتالفا وقع بني قبائلها الأربع ن�سمع عنه ‪ -‬ال‬
‫�أدري �أمكتوبا �أم غري مكتوب ‪ -‬فتق ّوت من بعده و�أ�صبحت �سيدة القبائل من حولها دون �أن‬
‫ي�صل نفوذها القبلي �إىل قبيلتي زهران وغامد �إال يف عهد �صراع احلكومتني الأ�شراف مبكة‬
‫و�آل عائ�ض ب�أبها‪ ،‬فما �إن ت�س ��تويل عليهما حكومة الأ�ش ��راف حتى تنه�ض حكومة �آل عائ�ض‬
‫ال�ستعادتهما‪ ،‬وهكذا حتى جاء احلكم ال�سعودي ‪.‬‬
‫ويف احلقيق ��ة ف�إن �ش ��عيب الدو�س ��ري يف كتابه "�إمتاع ال�س ��امر" ‪ -‬عل ��ى عدم قناعتنا‬
‫ب�ص ��حة معلومات ��ه ما مل يع�ض ��ده م�ؤَ َّلف �آخر ‪ -‬ذك ��ر ذلك التحالف بني القبائل الع�س�ي�رية‬
‫الأربع (‪ ،)224/2‬ومل يتعد بهذا احللف �إىل قبائل �س ��روية �أخرى‪ ،‬ومل يو�ضح متى مت ذلك‬
‫وع َّم ��ن �أخذ هذه املعلوم ��ة‪� ،‬إال �أنه ذك ��ر �أنّ ‪ :‬علي بن حممد‪ ،‬جدده ع ��ام ‪)163( :‬‬
‫احلل ��ف َ‬
‫دون م�س ��تند تاريخي ‪�.‬أما قولك من �أن (ع�س�ي�ر �أحد بطون الأزد الع�شرين الذين مكثوا يف‬
‫املنطقة) ‪ .‬فلم يثبت لدى امل�ؤرخني �أو الن�سابني (قدميهم وحديثهم) �أن اعتربوا ع�سريا من‬
‫قبائل الأزد‪ ،‬و�أنا �أ�سوق لك �أقوال امل�ؤرخني ومن بينهم بع�ض م�ؤرخي ع�سري ف�أقول ‪:‬‬
‫‪1 .1‬يقول ها�ش ��م النعمي يف كتابه "تاريخ ع�س�ي�ر يف املا�ضي واحلا�ضر �ص ‪( : 228‬و�أح�سن‬
‫ا�ستئنا�س ��ا مبا‬
‫ً‬ ‫ما يقال يف هذا املعنى �أن ع�س�ي ً�را من عنز بن وائل من العدنانية‪ ،‬وذلك‬
‫جاء يف اجلزء الأول من الإكليل للن�سابة الهمداين ‪. )..‬‬
‫‪2 .2‬ويقول حممد بن م�س ��لط الو�ص ��ال الب�ش ��ري‪ ،‬حمقق كت ��اب (تاريخ ع�س�ي�ر) لإبراهيم‬
‫احلفظي)‪ ،‬والب�ش ��ري كما ذكر يف هذا الكتاب (هو �أحد بني ب�ش ��ر بن حرب بن ربيعة‬
‫بن عنز بن وائل) �أي �أنه من �أ�صل ع�سريي‪ ،‬ذكر يف �صفحة (‪� )11‬أن قبيلته كانت تقيم‬
‫يف اجلن ��وب الغربي من مدينة ُجر�ش‪ ،‬وملا هاج ��ر غالبيتها يف القرن الأول والثاين من‬
‫الهجرة �إىل ال�شام تخلف من بطونهم يف (ع�سري) (�آل الو�صال‪ ،‬وجارمة‪ ،‬وبنو مالك‪،‬‬
‫و�ش ��يبة‪ ،‬وعا�ص ��م‪ ،‬وبنو حديد‪ ،‬وقد دخلت هذه البطون باحللف يف قبائل �ش ��هران ويف‬
‫قبيلة رفيدة قحطان ويف قبائل �أوالد �أ�س ��لم وبني مالك ع�س�ي�ر) ‪ .‬والغريب هو ما �صدر‬
‫ع ��ن �إبراهيم احلفظ ��ي‪ ،‬يف هذا الكتاب (‪ )33-31‬من (�أنّ جدهم مو�س ��ى بن جغثم‪،‬‬
‫�أول داع �إىل الإ�س�ل�ام يف بالد ع�س�ي�ر) ‪ .‬الغ ًيا دور �ص ��رد بن عبداهلل ر�ض ��ي اهلل عنه‪،‬‬
‫يف ن�ش ��ر الإ�سالم �سنة ع�ش ��ر من الهجرة النبوية ال�شريفة‪ ،‬فهل ت�أخر �إ�سالم ع�سري‪� ،‬أو‬
‫ارتدوا بعد �إ�س�ل�امهم والعياذ باهلل‪ ،‬مبوجب هذا الق ��ول �إىل �أنْ �أتى �إبراهيم احلفظي‬
‫عف ��ا اهلل عنه‪ ،‬يف القرن الثالث ع�ش ��ر الهجري‪ ،‬ف�أ�س ��لموا على يدي ��ه‪� ،‬أو �أعادهم بعد‬
‫ر ّدتهم �إليه ؟ وقد ورد �إ�س�ل�امهم وم�س ��اهمتهم يف الفتوحات الإ�س�ل�امية مع الر�س ��ول‬
‫(ﷺ)‪ ،‬ومن بعده من خلفاء امل�سلمني ! فمثل هذه الفرية �أوىل بالنقا�ش ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪440‬‬
‫‪3 .3‬ويقول الدكتور عبد اهلل �أبو داه�ش‪ ،‬يف كتابه (�أهل ال�س ��راة �ص ‪�( : )21‬إنّ ا�س ��م ع�سري‬
‫يومئ � ٍ�ذ يطلق على �أربع قبائل م ��ن جمموعة القبائل العربية القدمي ��ة التي ظهر عليها‬
‫الإ�س�ل�ام وهي يف مواقعها على �س ��طح منطقة ع�س�ي�ر املعروفة قدميا مبخالف جر�ش‪،‬‬
‫وتلك القبائل الأربع هي ‪" :‬ولد �أ�سلم وهم ما يطلق عليهم ا�سم بني مغيد‪ ،‬وعلكم وهم‬
‫�أبناء �أ�س ��لم بن عليان بن ع�س�ي�ر بن عب�س بن �شحارة بن غالب بن عبد اهلل بن عك بن‬
‫عدنان‪ ،‬ورفيدة وهم �أبناء رفيدة بن �سبيعة بن عليان بن ع�سري بن عب�س بن �شحارة بن‬
‫غالب بن عبد اهلل بن عك بن عدنان‪ ،‬وبنو مالك وهم �أبناء مالك بن عب�س بن �شحارة‬
‫بن غالب بن عبد اهلل بن عك بن عدنان ‪� )..‬إىل �أن يقول عن هذا الن�سب ‪.. ( :‬ومل يلق‬
‫هذا القول قبوال كثريا عند كثري من املهتمني بالأن�س ��اب‪ ،‬مما يجعل البحث يف ميدانه‬
‫م�ستم ًّرا حتى تتبني حقيقته) ‪.‬‬
‫قلت فهذا هو الدكتور �أبو داه�ش‪ ،‬ي�ست�أن�س بقول من ن�سب هذه القبائل الع�سريية الأربع‬
‫�إىل عدنان‪� ،‬إال �أنه مل يعطنا القول الف�ص ��ل �أهي عدنانية �أم �أزدية؟‪ ،‬بل �إنه ترك الأمر‬
‫لبيان حقيقة ذلك جلهود الن�س ��ابني‪ ،‬فانه�ض يا رعاك اهلل و�أظهر لنا بالأدلة القاطعة‬
‫ن�سب قبائل ع�سري �إىل الأرومة الأزدية ‪.‬‬
‫‪4 .4‬ويقول الأ�ستاذ الباحث من�صور بن �أحمد الع�سريي‪ ،‬يف ا�ستدراكاته على مقال للأ�ستاذ‬
‫عبداهلل ابن علي بن عفتان‪ ،‬ن�ش ��ر يف �ص ��حيفة ‪" :‬الوطن" العدد ( ‪ ( ) 4466‬املوافق ‪8‬‬
‫�ص ��فر ‪1434 :‬هـ )‪ ،‬بعنوان ‪( :‬مراجعات يف كتاب "اجله ��وة" للدكتور علي العواجي)‪،‬‬
‫(‪�..‬إن احلدي ��ث عن توارث الن�س ��ب ال�ش ��نوئي يف ع�س�ي�ر غ�ي�ر دقيق‪ ،‬فل ��و كان هنالك‬
‫ا�ستفا�ض ��ة حول ن�س ��ب ع�س�ي�ر الأزدي ملا ذكر عبد الرحمن احلفظي‪ ،‬قبل حوايل مائة‬
‫عاما �إىل‬
‫را قبيلة عدنانية‪ ،‬وملا اجته عاك�ش قبل مائة وخم�س�ي�ن ً‬ ‫عاما �إن ع�س�ي� ً‬
‫وثمانني ً‬
‫ربطه ��ا بعك بن عدنان‪ ،‬وملا ذكر علي ع�س�ي�ري �أنّ قبيلة بن ��ي مغيد هي قبيلة عدنانية‪،‬‬
‫وملا ذكر �أعيان بني رزام‪� ،‬أنّ قبيلتهم تنتمي �إىل "رزام بن مالك"‪ ،‬وملا �أوردوا ال�شاعر‬
‫"هالل بن الأ�س ��عر" الرزامي التميمي ك�أحد �ش ��عراء قبيلتهم‪ ،‬وملا قال النعمي ب�أنها‬
‫عكية‪ ،‬ونالحظ �أن كل ه�ؤالء هم من �أبناء ع�سري‪ ،‬ما عدا عاك�ش ال�ضمدي) ‪.‬‬
‫‪5 .5‬ويقول الأ�س ��تاذ العمروي‪ ،‬يف كتابه "قبائل �إقليم ع�س�ي�ر يف اجلاهلية والإ�س�ل�ام" (‪..‬‬
‫فق ��د تفرق ��ت بطون بن ��و عنز بن وائ ��ل يف اجلزي ��رة العربية وخارجها‪ ،‬و�س ��كن الذين‬
‫�ش ��اركوا يف الفتوحات الإ�س�ل�امية يف منطقة الهالل اخل�ص ��يب من غرب الفرات �إىل‬
‫حوران وحلب وفل�سطني‪� ،‬أما الباقون فقد دخلوا يف قبائل املنطقة املعا�صرة ومنهم‪)1( :‬‬
‫كود وهم يف عداد �ش ��هران‪ )2( .‬بنو مالك يف متنية يف عداد �ش ��هران ‪ )3(.‬جارمة يف‬
‫رفيدة قحطان (‪� )4‬ش ��يبة يف �ش ��هران‪ )5 ( .‬بنو غنم يف مغيد‪ )6( .‬بنو �أ�سد يف رجال‬
‫‪441‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫احلجر‪ )7( .‬بنوعا�صم ‪ )8( .‬بنو حديد يف بني مالك ع�سري‪ )9 ( .‬بنو العرا�ص‪ ،‬و�أفاد‬
‫الأخ علي بن �سعيد التمني‪� ،‬أن بني مالك من عنز بن وائل يقال لهم البدار ومنهم ‪� :‬آل‬
‫ينفع يف قرية �آل ينفع بال�سراة‪ ،‬وبنو علي بن حاوي وهم املربة يف تهامة ) ‪.‬‬
‫هذه بع�ض الأقوال ال�ص ��ادرة عن م�ؤرخي ع�س�ي�ر احلاليني حول الن�سب الع�سريي‪� ،‬أما‬
‫من �سبقهم يف �إثبات عدنانية ن�سب قبائل ع�سري‪ ،‬من غري م�ؤرخي قبيلة ع�سري بخالف ابن‬
‫الكلبي والهمداين فهم ‪ :‬ابن حزم يف كتابه "جمهرة �أن�ساب العرب" (‪ )303 /1‬حيث يقول‬
‫‪( :‬وبن ��و عنز بن وائل بجهة اجلند من اليمن‪ ،‬ذوو عدد عظيم‪ ،‬يبلغون ع�ش ��رات الألوف)‪.‬‬
‫وقول ��ه �ص ��فحة (‪( :)484/1‬وبن ��و عنز بن وائ ��ل‪ ،‬و�أخربنى �أبو �س ��امل ال�ش ��يباين الأنباري‬
‫ال�ش ��اعر ‪� :‬أنه ر�أى دارهم باليمن‪ ،‬و�أ ّنهم �أزيد من ثالثني �ألف مقاتل)‪ .‬وورد عن عمر ر�ضا‬
‫كحالة‪ ،‬يف كتابه "معجم قبائل العرب القدمية واحلديثة" (‪ُ ( )440/2‬ر َف ْيدة ال�شام ‪ :‬ق�سم‬
‫من قبيلة ربيعة ورفيدة‪ ،‬التي متتد بالدها من م�سافة ب�ضعة �أميال‪� ،‬إىل ال�شمال الغربي من‬
‫�أبها‪� ،‬إىل م�سافة ‪ 15‬ميال عن حمايل)‪.‬ويقول عن رفيدة اليمن (‪( : )441/2‬رفيدة اليمن‬
‫‪ :‬ق�س ��م من قبيلة ربيعة)‪ ،‬وي�ؤكد عدنانيتهما بقوله �ص (‪ُ ( : )440/2‬ر َف ْيدة بن َع ْنز ‪ :‬بطن‬
‫م ��ن عنز بن وائل من �أ�س ��د بن ربيعة‪ ،‬م ��ن العدنانية‪ ،‬وهم ‪ :‬بنو رفيدة بن عنز بن وائل بن‬
‫دعمي بن جديلة بن �أ�سد بن ربيعة) ‪.‬‬ ‫قا�سط بن هنب بن �أف�صى بن ّ‬
‫ويقول ابن �سعيد الأندل�سي يف كتابه "ن�شوة الطرب" ‪( : 603/2‬ودخلت جزيرة العرب‬
‫ف�س� ��ألت هل بقي يف �أقطارها �أحد من ربيعة ؟ فقالوا ‪ :‬مل يبق من يركب اخليل وفيه عربية‬
‫وح ��ل وترحال غري عنزة‪ ،‬وهم بجهات خيرب‪ ،‬وبني �ش ��عبة امل�ش ��هورين (بـ) قطع الطرقات‬
‫وهتك الأ�ستار يف �أطراف احلجاز مما يلي اليمن والبحر‪ ،‬وبني عنز بجهة تبالة وغري ذلك‬
‫ال نعلمه يف ال�شرق وال يف الغرب) ‪ .‬كما يقول (�ص ‪( : )650/2 :‬و�أما عنز ابن بكر بن وائل‪،‬‬
‫فالباقية الآن لهم‪ ،‬وقد غلبوا على تبالة وجهاتها من اليمن)‪.‬‬
‫وع ��ن جر�ش‪ ،‬يق ��ول عاتق بن غيث البالدي‪ ،‬يف ‪ :‬معجم املعامل اجلغرافية يف ال�س�ي�رة‬
‫اك َكانَ َط ِريقُ الحْ َ ِّاج ا ْل َي َم ِن ِّي َّ‬
‫ال�س� � َر ِو ِّي َوالحْ َ ْ�ض� � َر ِم ِّي‬ ‫النبوية (�ص‪َ ( : )82 :‬و ِه َي َم ْع ُرو َف ٌة هُ َن َ‬
‫الط ِريقُ ا َّل ِذي يمَ ُ ُّر ِب َها ُي َ�س� � َّمى" َد ْر ُب ا ْل َب ُخورِ"‪َ .‬و َكا َن ْت ِمنْ ِبلاَ ِد َم ْذ ِح َج‪ُ ،‬ث َّم‬
‫يمَ ُ ُّر ِب ُج َر َ�ش َو َكانَ َّ‬
‫َنزَ َل ْت َها َع ْن ُز ْبنُ َوا ِئ ٍل َو ِه َي ا ْل َي ْو َم ِمنْ ِبلاَ ِد َ�ش ْه َرانَ ِمنْ َخ ْث َع ٍم) ‪.‬والدليل على �أن مدينة ُجر�ش‬
‫م ��ن بالد عنز قول الهمداين يف كتابه "�ص ��فة جزيرة الع ��رب ‪(255 :‬جر�ش هي كورة جند‬
‫العليا‪ ،‬وهي من ديار عنز) ‪.‬‬
‫ويق ��ول الزركلي يف كتابه "الأعالم" (‪( )241/3‬عائ� ��ض بن مرعي املغيدي ‪� :‬أول من‬
‫توىل بالد ع�س�ي�ر من ع�ش�ي�رته ‪ .‬وهو من �آل يزيد‪ ،‬من بني مغيد ويرتفع ن�س ��بهم �إىل عنز‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪442‬‬
‫ابن وائل) ‪.‬ويقول الأ�شعري يف كتاب "التعريف بالأن�ساب والتنويه بذوي الأح�ساب" (�ص ‪:‬‬
‫‪( : )31‬و�إمنا �س ��مى ع�س�ي�را لأن �أمه متخ�ضت به ثالثة �أيام وتع�سرت والدته ف�سمى ع�سريا‬
‫ف�أولد ع�س�ي�ر احل ��رث وعليان وعبيدا‪� ،‬إىل �أن يق ��ول ‪ ..( :‬و�أما عليان وثوبان بنو �ش ��هر بن‬
‫ع�س�ي�ر ف�أولد �س ��بيعة والباري و�أ�س ��لم وزيدا‪ ،‬فمن ولد �أ�سلم �س ��هم واملغري وثوبان بنو �سهم‬
‫بن �أ�س ��لم بن عليان بن ع�س�ي�ر‪. )..‬و�أما �إرا�شة الوارد يف قول ابن الكلبي ‪ 319/2‬والذي من‬
‫ولده (ع�س�ي�ر)‪ ،‬فهو عنده عدناين الن�س ��ب كما ر�أينا ‪ .‬وقال به ابن دريد الأزدي يف كتابه ‪:‬‬
‫أي�ض ��ا قول �صاحب كتاب‬ ‫(اال�ش ��تقاق ‪( : )107/1‬فمن بني َع ْن ٍز ‪َ � :‬‬
‫إرا�ش ��ة‪ ،‬و ُر َف ْي َد ُة) ‪ .‬وهو � ً‬
‫(عجالة املبتدي وف�ض ��الة املنتهي يف الن�س ��ب (�ص ‪ْ � )10 :‬إذ يقول ‪( :‬ا ِلإ َر ِا�ش ��ي من�سوب �إىل‬
‫مي بن جديلة بن �أ�سد بن ربيعة‬ ‫أف�صى بن د ُْع ّ‬ ‫�إِرا�شة بن عنز بن وائل بن قا�سط بن هنب بن � َ‬
‫بن نزار �أخي رفيدة وهما داخالن يف خثعم) ‪.‬‬
‫ويقول النويري‪ ،‬يف كتابه "نهاية الأرب ‪( : 102/3‬فمن عنز بن وائل بن قا�سط فخذان‬
‫وهما‪ :‬رفيدة بن عنز‪ ،‬و�أرا�ش ��ة بن عنز‪ ،‬وفيهما ع ّدة �أفخاذ وع�شائر)‪ .‬ويف كتاب "املف�صل‬
‫ف ��ى تاريخ العرب قبل الإ�س�ل�ام" جل ��واد علي (‪" : )58 /2‬و�أما وائل بن قا�س ��ط‪ ،‬فولد بكر‬
‫بن وائل‪ ،‬وتغلب بن وائل‪ ،‬وعنز بن وائل ‪� ,‬أمهم هند بنت متيم بن مر ‪ .‬ف�أما عنز بن وائل‪،‬‬
‫ف�أولد �أرا�شة‪ ،‬ورفيدة ‪ ,‬فمن �أرا�شة ‪� :‬أ�شجع وع�ضا�ضة) ‪.‬‬
‫ويقول النويري يف كتابه نهاية الأرب ‪ 83/3‬وهو يعدد قبائل نزار ‪( :‬و�أما نزار ابن مع ّد‬
‫بن عدنان‪ ،‬ففيها من الأبطن والأفخاذ والع�ش ��ائر ‪ :‬كبني ربيعة الفر�س‪ ،‬و�ض ��بيعة �أ�ضجم‪،‬‬
‫و�أكلب‪ ،‬و�أ�س ��لم‪ ،‬ويق ��دم‪ ،‬و�أجالن‪ ،‬وهميم‪ ،‬وعب ��د القي�س‪ ،‬ودهن‪ ،‬وال َّنم ��ر‪ ،‬وتغلب‪ ،‬ووائل‪،‬‬
‫وبكر‪ ،‬و�ص ��عب‪ ،‬وعلي‪ ،‬وحبيب‪ ،‬وعنزة‪ ،‬وعنز‪ ،‬ورفيدة‪ ،‬و�إرا�ش ��ة‪ ،‬وي�ش ��كر‪ ،‬وعكابة‪ ،‬وعجل‪،‬‬
‫وبلي‪ ،‬وعوف‪ ،‬وبدر‪،‬‬ ‫وذهل‪ ،‬ومازن‪ ،‬و�س ��دو�س‪ّ ،‬‬ ‫وجليم‪ ،‬وحنيفة‪ ،‬وز َّمان‪ ،‬والدول‪ ،‬و�ش ��بيان‪ُ ،‬‬
‫وحذاقة ‪ .‬ف�أما �أمنار بن نزار‪ ،‬فانقلب يف مين كما انقلبت ق�ضاعة‬ ‫ُعمي‪ ،‬وزهرة‪ُ ،‬‬
‫ومعن‪ ،‬ود ّ‬
‫يف غري ذلك من الأفخاذ والع�شائر) ‪.‬‬
‫(ع ْنز ‪� :‬س ��راة‬
‫ويق ��ول حم ��د اجلا�س ��ر يف كتابه‪( :‬يف �س ��راة غام ��د وزه ��ران ‪َ : )478‬‬
‫عنز‪ ،‬تقع بني �س ��راة جنب جنو ًبا و�سراة الحْ َ ْجر �ش ��ما ًال‪ ،‬جندها خثعم وغورها بارق‪ ،‬وهي‬
‫املعروفة الآن ب�س ��راة ع�س�ي�ر‪ ،‬ن�س ��بة �إىل �أحد �أجداد القبيلة‪ ،‬وهو ع�سري بن �إرا�شة بن عنز‬
‫ب ��ن وائل ‪ .‬من ربيعة بن م�ض ��ر بن نزار بن معد بن عدنان‪ )..‬و�أح ��ال على كتا َبي (جمهرة‬
‫الن�س ��ب‪ ،‬والن�س ��ب الكبري‪ ،‬البن الكلبي‪ ،‬وكتاب الإكليل‪ ،‬للهمداين ‪.‬وهناك مو�ضع يف ع�سري‬
‫�إىل اجلنوب من مدينة �أبها يعرف با�سم (�شعف �أرا�شة) حتى هذه ال�ساعة ن�سبة �إىل �أرا�شة‬
‫بن عنز بن وائل ‪.‬‬
‫‪443‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫وكثري من كتاب هذا الع�صر من �أدباء وباحثني يقرون بانت�ساب ع�سري �إىل عنز بن وائل‬
‫اعرتا ًفا منهم بعدنانيتها‪ ،‬فقد كتب الباحث الأ�ستاذ ‪ :‬حمد بن عبد اهلل بن حمد اخلمي�س‪،‬‬
‫يف �أح ��د مواقع �ش ��بكة املعلومات فقال ‪" :‬عن ��ز بن وائل ‪( :‬وهي قبيلة �س ��كنت جنوب غرب‬
‫اجلزيرة العربية (منطقة ع�س�ي�ر احلالية) منذ الع�ص ��ر اجلاهل ��ي وحالف قبائل قحطان‬
‫قدميا ‪ .‬وذهب بع�ض امل�ست�ش ��رقني �إىل �أن القبيلة ق�ض ��ى عليها الطاعون �سنة ‪1200( :‬م)‪،‬‬
‫وبقي منها اليوم قبيلتان هما ‪( :‬ربيعة مقاطرة) التي كانت ت�س ��مى قدميا "ربيعة ال�ش ��ام"‬
‫و (ربيعة الطحاحني) التي كانت ت�س ��مى "ربيعة اليمن" و(حماليل) هذه القبائل اليوم يف‬
‫تهامة ع�سري‪� ،‬إذا متتد منازل ربيعة املقاطرة "ربيعة ال�شام" ما بني واديني كبريين بتهامة‬
‫هما وادي يبة �ش ��ماال وحلي جنوب ��ا‪ ،‬بينما متتد منازل "ربيع ��ة الطحاحني" من وادي حلي‬
‫�شماال وحتى وادي عتود ومربة جنوبا وهاتان القبيلتان هما البقية املتبقية من قبائل ربيعة‬
‫يف املنطق ��ة الت ��ي مل تزل حتتفظ بالن�س ��بة القدمي ��ة �إىل ربيعة الفر�س‪ ،‬ف�أ�س ��ما�ؤهم تنتهي‬
‫بـ"ال َّر َبعي" بالراء امل�ش ��ددة املفتوحة والباء املفتوحة‪ ،‬املذكورة يف كتب الأن�س ��اب القدمية‪،‬‬
‫و�إمنا قل ا�ستخدامها لكرثة بطون ربيعة قبائلها)‪.‬‬
‫ويقول الباحث الأ�س ��تاذ ‪ :‬من�ص ��ور بن �أحمد الع�س�ي�ري‪ ،‬م�ؤكدً ا عدنانية بع�ض البطون‬
‫التي ذكرت يف كتب الأقدمني ممن عد ع�س�ي�را عدنانية الن�س ��ب ‪( :‬وجدنا بطونا من ع�سري‬
‫ال زال ��ت حتمل نف�س الأ�س ��ماء الت ��ي ذكرت يف كتب التاريخ قبل مئات ال�س ��نني يف ال�س ��راة‬
‫مثل ‪ :‬ع�ضا�ض ��ة‪ ،‬ومالك وغنم ‪ .‬ويف تهامة مثل ‪� :‬ش ��ديدة‪ ،‬وزيد‪ ،‬وهازم‪ ،‬و�أ�س ��لم‪ ،‬وثوبان‪،‬‬
‫واملنجحة‪ ،‬واملغلبة)‪.‬‬
‫ويف عدة مواقع من �ش ��بكة املعلومات جمموعة كتاب من قبائل ع�س�ي�ر يرجعون ن�س ��ب‬
‫ع�س�ي�ر �إىل عدنان‪� ،‬أما غريهم من الكتاب املعا�ص ��رين املتع�ص ��بني �إىل الن�سب الأزدي فال‬
‫حجة معهم يف ذلك �إال الأخذ من بع�ضهم واعتبار ذلك حجة يف توثيق الأن�ساب ونحن ن�س�ألهم‬
‫ما م�صادرهم التاريخية املعتمدة‪ ،‬لأننا واحلق يقال جندهم يرمون بالن�سب العدناين لهذه‬
‫القبيلة العريقة عر�ض احلائط‪ ،‬وي�أخذون عن �أنا�س من مثل �ش ��عيب الدو�س ��ري‪ ،‬وتركي بن‬
‫ما�ض ��ي‪ ،‬وغريهما ممن عا�ش ��وا يف الع�ص ��ر احلديث دون �إ�س ��ناد �إىل �أحد من املتقدمني‪،‬‬
‫و�إمنا ت�ؤخذ الأن�س ��اب من امل�ؤرخني ال�س ��ابقني ‪ .‬وقد قال ابن املبارك رحمه اهلل‪ ،‬فيما نقله‬
‫عنه �ص ��احب كتاب ‪" :‬فتح املغيث يف علوم احلديث �ص ‪" : " 32‬والإ�س ��ناد من الدين ؛ لوال‬
‫الإ�سناد لقال َمن �شاء ما �شاء" ‪.‬‬
‫ولداللة التزوير الوا�ض ��ح يف ن�س ��ب ع�س�ي�ر �إىل الأزد ومل يتنبه له املعا�ص ��رون‪ ،‬ما نقله‬
‫حممود �شاكر‪ ،‬يف كتابه ‪" :‬ع�سري" �صفحة (‪ )47‬امل�شجر الذي �صنعه حمد اجلا�سر يرحمه‬
‫اهلل‪ ،‬لقبائل �أزد ال�س ��راة يف كتابه ‪( :‬يف �س ��راة غامد وزهران) �صفحة (‪ )227‬ولمَ َّا مل يجد‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪444‬‬
‫الأ�ستاذ حممود �شاكر لقبيلة (ع�سري) ا�س ًما يف ذلك امل�شجر‪ ،‬كتب بت�صرف �شخ�صي حتت‬
‫(�إحجن بن مالك) ‪�( :‬أ�سلم) وقال‪( :‬ومنه قبائل ع�سري) ليوهم القراء ب�أن اجلا�سر ‪ -‬وهو‬
‫بريء من �إ�ض ��افة حممود هذه ‪ -‬هو الذي كتبه‪ ،‬مع �أن اجلا�س ��ر رحمه اهلل وقف مب�ش ��جره‬
‫عند (ثمالة) وجعل (�أ�سلم) �أ ًبا لثمالة فقال يف ن�سب ثمالة ‪( :‬ثمالة بن �أ�سلم بن �إحجن بن‬
‫مالك بن كعب بن احلارث بن عبد اهلل بن مالك بن ن�صر بن الأزد بن الغوث) ‪ .‬ومل يذكر‬
‫اب ًنا �أو � ًأخا لثمالة يف هذا امل�ش ��جر‪ ،‬و�أ�ضاف حممود لهذا امل�شجر قبل (ثمالة) ‪( :‬قرن) ثم‬
‫‪�( :‬أ�س ��لم) فوقه وهو الذي زعم �أنّ منه قبائل ع�س�ي�ر‪ ،‬وبعد ثمالة �أ�ضاف ‪( :‬عمرو) وحتته‬
‫‪�( :‬أ�س ��لم) ف�أما عمرو ف�صحيح يف الن�س ��ب لأنه �أحد �أوالد ثمالة و�إن كان اجلا�سر مل يدونه‬
‫يف م�ش ��جره القت�ص ��اره على ثمالة وهو الأ�ش ��هر‪ ،‬و�أما بقية �إ�ض ��افات الأ�ستاذ حممود‪ ،‬فال‬
‫�أعلم من �أين �أتى بها و�أ�س ��ندها زو ًرا �إىل حمد اجلا�س ��ر‪ ،‬وهذه جر�أة وافرتاء على اجلا�سر‬
‫يرحمه اهلل‪� ،‬سي�س� ��أل عنها يوم القيامة ‪ .‬فع�س�ي�ر قبيلة عريقة من �أ�ص ��ل عدناين ينتمي‬
‫�إليه ر�س ��ول الب�ش ��رية حممد ﷺ‪ ،‬ن�سب ال يرقى �إليه ن�س ��ب‪ِ ،‬ل َق ِول َر ُ�س ِول اللهَّ ِ ﷺ كما ورد‬
‫يف "�ش ��عب الإمي ��ان (‪ )158 /3‬بتحقيق الدكت ��ور عبد العلي عبد احلميد حام ��د ‪�":‬إِنَّ َ‬
‫اهلل‬
‫ع ��ز وجل‪َ ،‬خ َلقَ الخْ َ ْلقَ َف ْ‬
‫اختَا َر ِمنَ الخْ َ ْل ِق َب ِني �آ َد َم‪َ ،‬و ْاخ َت ��ا َر ِمنْ َب ِني �آ َد َم ا ْل َع َر َب‪َ ،‬و ْاختَا َر ِمنَ‬
‫ا ْل َع َر ِب ُم َ�ض� � َر‪َ ،‬و ْاختَا َر ِمنْ ُم َ�ض َر ُق َر ْي ً�ش ��ا‪َ ،‬و ْاختَا َر ِمنْ ُق َر ْي ٍ�ش َب ِني َه ِا�ش ٍم‪َ ،‬و ْاختَا َرنيِ ِمنْ َب ِني‬
‫َه ِا�ش � ٍ�م‪َ ،‬ف�أَ َنا ِمنْ ِخ َيا ٍر ِ�إلىَ ِخ َيارٍ‪ " ..‬احلديث ‪.‬فكيف يتن�ص ��ل الأواخر من هذا الن�سب الذي‬
‫ينتمي �إليه حممد �سيد اخللق ﷺ ! وقد ذكره امل�ؤرخون والن�سابون الأقدمون‪ ،‬ونحن ن�س�أل‬
‫ه�ؤالء الكتبة املعا�ص ��رين ‪َ :‬ع َّمن �أخذ �شعيب الدو�سري‪ ،‬وحممود �شاكر‪ ،‬وتركي بن ما�ضي‪،‬‬
‫وغريهم من كتاب الع�صر احلايل هذا الن�سب الأزدي لقبائل ع�سري ؟‬
‫�ص‪� 419:‬أورد الناقد تق�س ��يمات الأزد البالغة "�س� �تًّا وع�ش ��رين قبيل ��ة" ثم قال بعدها‬
‫نق�ل�ا عن عبد اهلل بن م�س ��فر من كتابه ‪" :‬ال�س ��راج املنري" ‪�( :‬إن غام ��د من بجيلة ونرجح‬
‫جد واحد) ‪ .‬يا �س ��عادة العميد التق�سيم املذكور بعاليه‬ ‫�أن قبائل ع�س�ي�ر وبجيلة ينتمون �إىل ٍّ‬
‫لي� ��س عل ��ى �إطالقه فهو �أقل من ذل ��ك بكثري ومن ذكره بذلك العدد فق ��د جهل قبائل الأزد‬
‫و�إن كان ه ��ذا املفه ��وم ُيتداول منذ الق ��دم‪ ،‬ولعلك تعلم �أن من بني �أ�س ��ماء تلك (القبائل)‬
‫الواردة يف ذلك التق�س ��يم بطو ًنا تنت�س ��ب �إىل قبيلة (زهران بن كعب)‪ ،‬كما �سنو�ضحه بعد‬
‫قلي ��ل‪ ،‬فكيف يعدونها من تق�س ��يمات قبائل الأزد وهي معدودة يف قبيل ��ة زهران ‪ .‬والقبائل‬
‫الأزدي ��ة الت ��ي قال بها امل�ؤرخون وذكروا �أنها �س ��ت وع�ش ��رون قبيلة هي ‪( :‬جفنة‪ ،‬وغ�س ��ان‪،‬‬
‫والأو�س‪ ،‬واخلزرج‪ ،‬وخزاعة‪ ،‬ومازن‪ ،‬وبارق‪ ،‬و�أملع‪ ،‬واحلجر‪ ،‬والعتيك (العتيق)‪ ،‬ورا�س ��ب‪،‬‬
‫وغامد‪ ،‬ووالبة‪ ،‬وثمالة‪ ،‬ولهب‪ ،‬وزهران ودهمان‪ ،‬واحلدان‪ ،‬و�ش ��كر‪ ،‬وعك‪ ،‬ودو�س‪ ،‬وفهم‪،‬‬
‫واجلها�ضم‪ ،‬والأ�شاقر‪ ،‬والق�سامل‪ ،‬والفراهيد) ‪.‬‬
‫‪445‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫ه ��ذا م ��ا قاله الأوائل عن ع ��دد قبائل الأزد‪ ،‬ويالحظ على ه ��ذا العدد عدم وجود‬
‫قبيلة با�س ��م "ع�س�ي�ر" من بني هذه القبائل الأزدية‪ ،‬وال حتى لواحدة م ��ن قبائلها الأربع ‪-‬‬
‫الت ��ي َي ّد ِعي �س ��عادة العميد ن�س ��بها الأزدي‪ ،‬وامتدادها اجلغ ��رايف �إىل قبيلة زهران ‪-‬رغم‬
‫�ش ��مول التق�س ��يم قبائل ‪( :‬ب ��ارق‪ ،‬و�أملع‪ ،‬واحلج ��ر)‪ ،‬الواقعة يف �إقليم ع�س�ي�ر احلايل فه َّال‬
‫ذك ��رت لنا ال�س ��بب يف ع ��دم ذكرها مع القبائل الأزدي ��ة املذكورة يف ه ��ذه املعلومة؟ و�إليك‬
‫�أ�س ��ماء ما يتبع قبيلة زهران من تلك القبائل التي ذكرها الن�س ��ابون ‪( :‬دهمان‪ ،‬واحلدان‪،‬‬
‫ودو�س‪ ،‬وفهم‪ ،‬واجلها�ضم‪ ،‬والأ�شاقر‪ ،‬والق�سامل‪ ،‬والفراهيد‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل زهران) ‪ .‬وها‬
‫هي �أن�سابها ‪ :‬دهمان ‪ :‬هو دهمان بن ن�صر بن زهران ‪.‬الفراهيد ‪ :‬هم فرهود بن �شبابة بن‬
‫مال ��ك ب ��ن فهم ابن غنم بن دو�س بن عدثان بن عبد اهلل ب ��ن زهران ‪ .‬منهم العامل اللغوي‬
‫وخم�ت�رع عل ��م العرو�ض اخلليل بن �أحمد الفراهيدي ‪ .‬اجلها�ض ��م هم ‪ :‬م ��ن �أبناء جذمية‬
‫الأبر� ��ش بن مال ��ك بن فهم بن غنم بن دو�س بن عدثان بن عبد اهلل بن زهران ‪.‬الق�س ��امل‬
‫ه ��م‪ :‬بن ��و معاوية بن عم ��رو ابن مالك بن فهم بن غنم بن دو�س ب ��ن عدثان بن عبداهلل بن‬
‫زهران ‪ .‬احلدان ن�سبة �إىل حدان بن �شم�س بن عمرو بن غنم بن غالب بن عثمان بن ن�صر‬
‫بن زهران ‪.‬الأ�شاقر ن�سبة �إىل �أ�سعد بن مالك بن َعمرو بن مالك بن فهم بن غنم بن دو�س‬
‫ب ��ن عدثان بن عبداهلل بن زهران ‪ .‬دو�س ب ��ن عدثان بن عبد اهلل بن زهران ‪.‬فهم بن غنم‬
‫بن دو�س ابن عدثان بن عبد اهلل بن زهران ‪.‬انظر �أن�ساب هذه القبائل وغريها من �أن�ساب‬
‫قبائل زهران الأخرى يف‪�( :‬شجرة ن�سب قبائل زهران القدمية) يف كتابي ‪ :‬التبيان يف تاريخ‬
‫�أن�ساب زهران ‪.103/1 :‬‬
‫و�أما قول عبد اهلل بن م�س ��فر ‪�( :‬إن غامد من بجيلة‪ ،‬ونرجح �أن قبائل ع�س�ي�ر وبجيلة‬
‫جد واحد) ‪ .‬فقد وهم لأن لغامد ـ و�أنت تعلم ذلك جيدً ا ـ ن�س ًبا غري ن�سب بجيلة‪،‬‬ ‫ينتمون �إىل ٍّ‬
‫فغامد �صريحة يف الأزد‪� ،‬أما بجيلة فقد اختلف الن�سابون يف ن�سبها‪ ،‬و�إن كان �أغلبهم عدها‬
‫يف قبائ ��ل اليمن‪ ،‬ول ��و جعل التقارب بني (بجيلة وخثعم) لأ�ص ��اب كبد احلقيقة لأنهما من‬
‫ولد �أمنار بن �أرا�ش بن عمرو بن الغوث ‪ ..‬ويرتفع ن�سبهما �إىل كهالن ‪ .‬و�أما �إذا كان يق�صد‬
‫التقارب بني بجيلة عدنان وبع�ض قبائل ع�سري العدنانية فقوله �صواب ‪.‬‬
‫�ص‪ 419 :‬ذكر الناقد الوفود التي وفدت من قبائل الأزد على الر�سول ﷺ‪ ،‬بعد الهجرة‬
‫النبوية ال�شريفة ‪.‬قلت هل يف هذه الوفود الأزدية وفد با�سم قبيلة (ع�سري) حتى نطمئن �إىل‬
‫وجودها زمن البعثة النبوية ال�شريفة �ضمن قبائل الأزد ؟؟‪� .‬ص‪� 421 :‬أورد الناقد من قول‬
‫الأ�س ��تاذ عمر غرامة‪�( :‬إن ع�س�ي ً�را هو لقب عدد من قبائل الأزد وا�س ��مه عمرو مزيقياء بن‬
‫عامر ‪ .)..‬قلت يف هذا نظر‪ ،‬لأننا مل نر ع�س�ي�را �ض ��من قبائل الأزد فيما �سبق ذكره بعاليه‬
‫ويج ��ب عليه ذكر امل�ص ��در ال ��ذي �أورد ذلك ‪� .‬ص‪ 434 :‬ذكر الناقد وفد ال�ص ��حابي اجلليل‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪446‬‬
‫�صرد بن عبد اهلل الأزدي‪ ،‬و�أنه كان (على ر�أ�س وفد من قومه‪� ،‬إىل املدينة املنورة يف ال�سنة‬
‫العا�شرة الهجرية‪ ،‬فلما �أ�سلموا �أمره عليه ال�صالة وال�سالم على من �أ�سلم من قومه‪ ،‬و�أمره‬
‫�أن يجاهد بهم من يليه من �أهل ال�شرك‪. )..‬‬
‫عزيزي �س ��عادة العمي ��د‪ :‬لقد ظهر احلق يف ه ��ذه املعلومة‪ ،‬ف�أنت تقول �أن �ص ��رد ًا‬
‫وقومه �أ�سلموا �سنة ع�شر من الهجرة بينما دو�س �أ�سلمت �سنة �سبع‪ ،‬ولي�س من عادة الر�سول‬
‫كافر على م�ؤمن بعد �إ�س�ل�امه‪ ،‬وبناء على �أقوالك ال�س ��ابقة من �أن‬
‫(ﷺ)‪� ،‬أن يبق ��ي والية ٍ‬
‫ع�س�ي�را لها من االمتداد الع�س ��كري واجلغرايف �إىل ما بعد زهران �ش ��ما ًال‪ ،‬فكيف �إذا كان‬
‫لقولك حقيقة وهي �إ�س�ل�ام قبيلة زهران يف ال�س ��نة ال�س ��ابعة من الهجرة النبوية وير�ضى‪،‬‬
‫نفي‬
‫الر�سول (ﷺ)‪ ،‬بتبعيتها لع�سري وهي مل ت�سلم بعد �إال يف ال�سنة العا�شرة ؟ معنى هذا ٌ‬
‫أي�ضا‬‫لت�أمري الر�س ��ول (ﷺ)‪ ،‬ال�صحابي �سعد بن �أبي ذباب على دو�س‪ ،‬كما ورد يف اخلرب � ً‬
‫�أن �ص ��رد ًا بن عبداهلل ر�ض ��ي اهلل عنه‪ ،‬رحل يف ال�سنة العا�ش ��رة بوفد من قومه �إىل املدينة‬
‫النبوية‪ ،‬وملا �أ�س ��لموا �أمره الر�س ��ول (ﷺ)‪� ،‬أن يجاهد بهم من يليه من �أهل ال�ش ��رك‪� ..‬أي‬
‫ممن كان م�شر ًكا يف ُجر�ش وما حولها‪ ،‬فعاد بهم �إىل جر�ش كما ذكرتَ ‪ ،‬وجر�ش بعيدة عن‬
‫زهران مبئات الكيلومرتات‪ً � ،‬إذا �أر�س ��له الر�س ��ول (ﷺ)‪� ،‬إىل �أه ��ل جر�ش َومن حولها من‬
‫ديار ع�س�ي�ر‪ ،‬فكيف تزعم امتداد ع�س�ي�ر اجلغرايف والع�س ��كري �إىل قبيلة زهران والر�سول‬
‫(ﷺ)‪� ،‬إمنا �أمره �أن يجاهد بهم من يليه من �أهل ال�ش ��رك وزهران ال تليه‪ ،‬وقد خ ُل�ص ��ت‬
‫�آنذاك من ال�شرك ؟ ‪.‬‬
‫� ��ص ‪ 437‬يقول الناقد (�إن ا�س ��م ع�س�ي�ر احللف ظه ��ر يف عهد اخلالفة الرا�ش ��دة‪� ،‬أو‬
‫بداية احلكم الأموي على وجه التقدير ) ‪.‬قلت‪ :‬هذا ما نتوق �إىل معرفته ف�أين جند �ص ��يغة‬
‫ذل ��ك احلل ��ف بغ�ض النظر عن زمن �ص ��دوره‪ ،‬لأن ما ذكره �ش ��عيب الدو�س ��ري‪ ،‬هو حتالف‬
‫تلك القبائل الع�س�ي�رية الأربع مع بع�ض ��ها دون دخول �س ��واها فيه من قبائل املنطقة‪ ،‬ولعل‬
‫عجل لنا‬ ‫ذلك احللف ير�ش ��دنا �إىل معلومات �أكرث مما نعرفه عن ذلك احللف‪ ،‬فلو تكرمت ِّ‬
‫ب�إظهار �صورته وجزاك اهلل عن م�ؤرخي املنطقة وكتابها وقرائها خري اجلزاء ‪.‬‬
‫�ص‪� 438 :‬س� ��ؤايل للأخ الناقد‪ ،‬وللدكتور الكاتب ‪َ :‬من كتب عن الإمارة اليزيدية التي‬
‫قامت يف ع�سري قبل �شعيب الدو�سري ؟ �ص ‪ 442‬عبد الرحمن بن عبد اهلل‪ ،‬مل يكن غامد ًّيا‬
‫ب ��ل هو دو�س � ٌّ�ي من زهران‪ ،‬عينه املهدي يف خالفته على ال�س ��راة‪ ،‬وق ��د ورد هذا اخلط�أ يف‬
‫كتاب "امتاع ال�سامر" ل�شعيب الدو�سري �ص (‪ ،)9‬و�إليك ما ورد عند ابن حزم يف جمهرته‬
‫‪ 382/2 :‬وه ��و يع ��دد رجال زهران ‪" :‬وعبد اهلل بن النعمان بن عبد اهلل بن وهب بن �س ��عد‬
‫بن عوف بن عامر بن عبد غنم بن غنام بن �أ�س ��امة بن مالك بن عامر بن حرب بن �س ��عد‬
‫بن ثعلبة بن �س ��ليم بن فهم ‪ .‬وهو الذي قتل احلازوق احلنفي قائد جندة ؛ بعثه جندة �إىل‬
‫‪447‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫ال�س ��راة ف�أوغل فيهم‪ ،‬ولهم �ش ��عاب منكرة ف�أخذ عليه يف �شعب منها‪ ،‬فر�ضخ هو ومن معه‬
‫باحلج ��ارة حت ��ى ماتوا ؛ ومن ولده عبد الرحمن بن عب ��داهلل بن عبد احلر بن عبداهلل بن‬
‫النعمان‪ ،‬واله املهدي ال�سراة " ‪.‬‬
‫�ص‪ 454 :‬نقل الناقد بعد احلديث عن قوة ع�س�ي�ر يف ع�ص ��ر �إمارة مكة وما قبله‪ ،‬قول‬
‫حممود �ش ��اكر‪�( :‬أعلنوا الطاعة ملن يلي �أمر احلجاز‪ ،‬جريانهم يف ال�ش ��مال وبخا�صة و�أنهم‬
‫يف الأ�ص ��ل يتبع ��ون مك ��ة املكرمة‪.)..‬قلت ‪� :‬إذا كان ��وا �أعلنوا الطاعة ملن يل ��ي �أمر احلجاز‪،‬‬
‫و�أنه ��م يف الأ�ص ��ل يتبعون مكة املكرمة فكيف ي�س ��تولون على قبائل �أزد ال�س ��راة ؟؟�ص ‪447‬‬
‫يق ��ول الناقد من قول حممود �ش ��اكر‪ ،‬وهو يتحدث عن مبايعة بع�ض قبائل الأزد �س ��عيد بن‬
‫م�س ��لط‪ (:‬وبايعته بالإمارة قبائل ع�سري ال�سراة وتهامة‪ ،‬وكذا قبائل رجال احلجر وقحطان‬
‫و�شهران ) ‪ .‬قلت‪ :‬جميل منك �إيراد هذه املعلومة التي ُيفهم منها عدم دخول قبائل (زهران‬
‫وغامد) يف ع�س�ي�ر‪ ،‬وهي ت�ؤكد �أنهما لي�س ��تا من قبائل ع�سري �أ�ص�ل�ا ‪ .‬لأن املبايعة �إمنا تنبع‬
‫من داخل القبيلة التي منها احلاكم وتكون طواعية‪ ،‬وهي تختلف عن �إخ�ض ��اع قبيلة �أخرى‬
‫بالقوة الع�سكرية ثم انتزاع املبايعة من �أفرادها بطريقة قهرية‪ ،‬كما �أن هذه املعلومة الهامة‬
‫�أفادت �أن قبائل رجال احلجر‪ ،‬وقحطان‪ ،‬و�ش ��هران‪ ،‬مل ي�ش ��ملها �آنذاك ا�سم (ع�سري) كما‬
‫زعم هذا العميد �س ��اب ًقا ‪ .‬ولو كانت هذه القبائل يف والية ع�س�ي�ر (القبيلة) �س ��اب ًقا الكتفى‬
‫الكاتب ب�سردها حتت م�سمى ع�سري ‪�.‬ص ‪ 447‬الأمري ح�سن بن علي‪ ،‬مل يقتل ولكنه مات يف‬
‫الريا�ض ‪ .‬لقول حممود �ش ��اكر �ص ‪( : 267‬بقي الأمري ح�س ��ن يف الريا�ض حتى وافاه �أجله‬
‫عام ‪ 1357‬هـ) ‪.‬‬
‫�أم ��ا م ��ا ورد يف مالحظ ��ات العميد �إبراهي ��م من �أخط ��اء لغوية ونحوية فق ��راء كتاب‬
‫الدكتور غيثان كفيلون ب�إ�ص�ل�احها ‪ .‬هذا ما تي�س ��ر لنا بيانه و�أرجو �أن يت�س ��ع �ص ��در �سعادة‬
‫العمي ��د لتقب ��ل ما ورد‪ ،‬ويعلم اهلل يف ُعاله �أنني مل �أرد بتو�ض ��يحي ه ��ذا االنتقا�ص من قدر‬
‫وعل ��م العميد �إبراهيم الأملعي بقدر ما �أريد تبيان احلقيقة التي جمي ًعا نكتب من �أجلها من‬
‫خ�ل�ال كتب امل�ؤرخني والن�س ��ابني الأقدمني‪ ،‬واهلل من وراء الق�ص ��د وهو الهادي �إىل �س ��واء‬
‫ال�سبيل ‪( .‬حتريرا يف ‪) 1435/3/12 :‬من هجرة امل�صطفى (ﷺ)‪ .‬منطقة الباحة‪ .‬بالد‬
‫زهران ‪ .‬حمافظة ا ْل َق َرى‪ .‬مدينة الأَ َطا ِولة‪ .‬علي بن حممد بن �سدران الزهراين‪.‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬تعليقات و�إ�ض��افات على كت��اب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬
‫(الباحة وع�سري)‪ .‬اجلزء اخلام�س ‪:‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وال�صالة وال�سالم على �أ�شرف الأنبياء واملر�سلني نبينا حممد‬
‫بن عبد اهلل وعلى �آله و�ص ��حبه �أجمعني ‪� .‬أما بعد فقد و�ص ��لني بتاريخ التا�س ��ع والع�ش ��رين‬
‫من �ش ��هر حمرم احلرام �س ��نة �ألف و�أربعمائة وخم�س وثالثني من هجرة امل�ص ��طفى ﷺ‪،‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪448‬‬
‫املجموع ��ة الثاني ��ة م ��ن م�ؤلفات الأ�س ��تاذ الدكتور ‪ :‬غيث ��ان بن علي بن جري�س ال�ش ��هري ‪.‬‬
‫�أ�س ��تاذ التاريخ بجامعة امللك خالد ب�أبها‪ ،‬ومن �ض ��منها كتابه املو�سوم بـ "القول املكتوب يف‬
‫تاري ��خ اجلنوب" يف جزئه اخلام�س‪� ،‬ض ��من منظومته التاريخية القيمة عن بالد ال�س ��راة‪،‬‬
‫وهذا الكتاب يبحث يف تاريخ‪ :‬بالد (الباحة وع�سري) على وجه اخل�صو�ص‪ ،‬ولقد ت�صفحت‬
‫الكتاب فوجدت غالب ما ورد فيه �إذا ا�س ��تثنينا م�ش ��اركة القراء وم�ض ��ات �سريعة عن بالد‬
‫(غام ��د وزهران) تنق ��ل الدكتور خاللها من عل ��م �إىل علم‪ ،‬ف�أورد فيه وال �س ��يما ما يتعلق‬
‫مبنطقة (الباحة) من كل علم قطرة‪ ،‬وك�أنه ي�س ��تحث القارئ لهذا الكتاب على البحث بني‬
‫كتب الرتاث لإمتام بقية املعلومة ‪.‬‬
‫ولذا ي�ص ��عب على القارئ التقاط �أية مالحظة‪ ،‬لأنه و َّثق بحثه يف هذا الكتاب بوثاقني‬
‫مدعم ��ة ب�أرقام وتواريخ ال جمال فيما‬
‫الأول‪ :‬اعتم ��اده عل ��ى حقائق من قبل جهات حكومية َّ‬
‫نظ ��ن لل�ش ��ك فيها‪ ،‬والثاين �إثبات معظم مادة كتابه بوق ��ف قدمه وما ر�أته عيناه‪ ،‬فلم ينقل‬
‫عن "قيل وقال" يتوج ذينك الوثاقني غزارة علمه و�س ��عة اطالعه و�ص�ب�ره الد�ؤوب‪ ،‬وتنقله‬
‫يف �أرج ��اء البالد (ال�س ��روية والتهامي ��ة) للبحث ع ��ن احلقيقة وتقدميها للقارئ ب�ص ��ورة‬
‫�صحيحه‪� ،‬إىل جانب بعده عن التحيز الذي اب ُت ِلي به بع�ض امل�ؤلفني ال�ساعني لل�شهرة يف هذا‬
‫الع�ص ��ر‪ ،‬ممن ا�ستغل من�ص ��به االجتماعي فكتب بح ًثا مطوال �أوهم فيه القراء ب�أنه عنى به‬
‫�سكان ال�سراة جميعهم‪ ،‬و�إذا به يح�صره يف قبيلته‪ ،‬فال �شيخ ُيذكر �إال منها‪ ،‬وال وثيقة تعالج‬
‫�وعا من املو�ض ��وعات �إال من وثائقها‪ ،‬حتى لو كانت حديثة ن�س ��ب ًّيا‪ ،‬وال ق�صيدة وردت‬ ‫مو�ض � ً‬
‫يف كتابه �إال ل�ش ��اعر من تلك القبيلة‪ ،‬وال �ش ��اردة �أو واردة حتكي تراث وعادات �أهل ال�سراة‬
‫مبجم ��وع قبائله ��ا �إال من تلك القبيل ��ة ‪ .‬ف�أنا يف احلقيقة �أنزهك "�أب ��ا املثنى" عن مثل هذا‬
‫الرجل الذي ح�ص ��ر قبائل (ال�س ��راة وتهامة) يف قبيلة واحدة‪ ،‬وم�ؤلفاتك ت�ش ��هد ب�شمولية‬
‫مكملة ملا طلبه‬
‫�أبحاثك قبل �ش ��هادتي ‪�.‬أما م�ش ��اركتي ف�ستكون على �شكل �إي�ضاحات موجزة ِّ‬
‫الدكتور ‪�-‬ضم ًنا‪ -‬من قرائه الكرام ‪.‬‬
‫وللعلم فلم �أت�ش ��رف مبقابلة الدكتور غيثان �أطال اهلل عمره يف طاعة اهلل‪ ،‬ومل �أعرفه‬
‫وط ��دت العالقة بيننا على �أح�س ��ن حال حتى‬ ‫�إال بوا�س ��طة الهات ��ف‪ ،‬و�أكرم به ��ا من معرفة َّ‬
‫أعواما عديدة جمعن ��ا اهلل به والق ��راء يف جنة الفردو�س ‪.‬وقب ��ل �أن �أديل‬
‫ك�أنن ��ي جال�س ��ته � ً‬
‫بدلوي يف موا�ض ��يع الكتاب ا�س ��توقفني قول الأخ الدكتور يف احلا�شية رقم (‪ )2‬من �صفحة‬
‫(‪ )282‬الآتي ‪� .. " :‬أنا ل�س ��ت �ض ��د �أي م�ؤرخ �أو �أي �أحد ‪ ."..‬ومل �أذكر ‪ -‬على حد علمي‪ -‬يف‬
‫قراءتي ال�س ��ابقة �أنن ��ي اتهمت الدكتور بتحيزه مل� ��ؤرخ قدمي �أو حديث‪ ،‬فحا�ش ��اه من ذلك‪،‬‬
‫ولي�س ذلك من طبعي �أبدً ا ‪.‬و�إمنا كان ا�ستف�س ��اري عن بع�ض امل�ؤرخني املجهولني يف ع�صور‬
‫�س ��ابقة‪ ،‬كالع�ص ��ر العبا�س ��ي على �س ��بيل املثال فقد �أوردوا معلومات و ِث ْق َنا بها رغم جهلنا‬
‫‪449‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫بهم ونقلناها عنهم‪ ،‬بينما هناك م�ؤرخ و�أديب معلوم الن�س ��ب عا�ش يف القرن املا�ضي‪� ،‬أورد‬
‫معلومات �أغلبها موثقة يف كتب امل�ؤرخني ال�س ��ابقني والالحقني‪� ،‬إال �أن من بني م�ؤرخي هذا‬
‫الع�ص ��ر َمن مل يعرتف مبعلوماته تلك‪ ،‬فلماذا ال ُيعامل معاملة �أولئك املجهولني وي�ؤخذ من‬
‫�أقواله ما ثبتت �صحته عند غريه ؟ هذا جمرد ر�أي �شخ�صي �أوردته عن ذلك الكاتب‪ ،‬لكون‬
‫بع�ض امل�ؤلفني ال يرى غ�ضا�ضة من الأخذ عن �أمثاله والتنبيه على �أوهامه ‪.‬‬
‫ويف اجل ��زء اخلا� ��ص مبنطق ��ة الباحة من ه ��ذا الكتاب ‪( :‬الق��ول املكت��وب يف تاريخ‬
‫اجلن��وب ) �أحببت الإ�ش ��ارة �إىل عدة تنبيهات منها ‪ :‬يف حا�ش ��ية �ص ��فحة (‪ )60‬رقم (‪)6‬‬
‫مل تنتق ��ل الإم ��ارة �إىل بلدة "رغدان" كما جاء يف املعلومة فهي كانت يف الظفري ثم انتقلت‬
‫�إىل باجلر�شي فالباحة ‪ .‬ورد يف رقم ‪ )1( :‬من حا�شية �صفحة ‪ )119( :‬ا�سم �أمري منطقة‬
‫الباحة احلايل ب�أنه (�ص ��احب ال�س ��مو امللكي الأمري م�ش ��عل بن �س ��عود ‪ .‬بينما ال�صواب �أنه‬
‫�صاحب ال�سمو امللكي الأمري م�شاري بن �سعود)‪.‬‬
‫يف م�ت�ن �ص ��فحة (‪ )215‬فقرة (د) ذكرتَ ‪ :‬م�س ��اعد بن را�ش ��د بن رقو� ��ش‪ ،‬ب�أنه �أحد‬
‫�ش ��يوخ م�ش ��ايخ زهران‪ ،‬وال�ص ��واب �أنه من بيت (�آل الرقو�ش) بيت امل�شيخة‪ ،‬ولكنه مل يكن‬
‫�أحد �ش ��يوخها‪ ،‬و�إمنا كان نائ ًبا عن �أبيه ‪ :‬را�ش ��د بن جمعان بن رقو�ش‪ ،‬على الق�سم التهامي‬
‫من زهران ‪ .‬وكان له بيت ومزرعة يف و�سط تلك العقبة ‪ .‬ولذا ُ�س ِّميت العقبة با�سمه‪ ،‬وكانت‬
‫من قبل ُت�س� � ّمى ‪" :‬عقبة َمزْ َحك"‪ .‬وت ََد َّرج ا�س ��مها من عقبة مزحك‪� ،‬إىل م�ساعد‪� ،‬إىل امللك‬
‫خالد‪� ،‬إىل ِق ْل َوة‪ ،‬ثم عاد ا�سمها حال ًّيا �إىل امللك خالد ‪.‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪ )227‬مل ُي�س ��تخدم "الق ��دح" يف بالد زه ��ران كوحدة كي ��ل‪ ،‬و�إمنا كانوا‬
‫ال�ش ْطرة‪ ،‬ال َّرا ِب َعة‪،‬‬
‫ي�س ��تخدمون على الرتتيب "ال�صاع‪ ،‬الخْ َ ِليفي‪ ،‬المْ ُد‪ ،‬ال ُّن َ�ص� � ْيف‪ ،‬ال ُّربيع‪ُّ ،‬‬
‫ال َّث ِام َنة" ‪ .‬وهي �أجزاء بع�ض ��ها من بع�ض ‪ .‬يف �ص ��فحة (‪ )228‬يف مو�ضوع املقايي�س‪َ ،‬‬
‫ن�سيت‬
‫وال�شبرْ وا ْل ِفترْ ‪ ،‬والإ�صبع‪ ،‬وا ْل َق َدم ‪ .‬و�إىل ال ُّر ْك َبة‪ ،‬و�إىل المْ َ ْحتَزَ م"‬
‫ِذ ْكر ‪ " :‬ا ْل َب ْوع وا ْل َق َامة والمْ َ َّدة ِّ‬
‫‪ .‬كل هذه كانت ت�س ��تخدم ولها تف�ص ��يالت ‪.‬ورد يف ال�س ��طر ال�س ��اد�س من �ص ��فحة (‪)278‬‬
‫"مفرح" باحلاء املهملة‪ .‬وال�صواب ‪" :‬مفرج" باجليم املعجمة ‪ .‬ورد يف ال�سطر العا�شر من‬
‫�صفحة (‪ )281‬كلمة ‪" :‬احلوف" باحلاء املهملة ‪ .‬وال�صواب �أنها "اجلوف" باجليم املعجمة‬
‫‪ .‬يف �ص ��فحة (‪ )226‬ال�س ��طر العا�ش ��ر‪ ،‬الذي �أعرفة �أن الأ ّقة تعادل �أربعني �أوقية‪ ،‬ال اثنتني‬
‫وثالثني ‪ .‬و�أراك ن�س ��يت ِذكر الوحدة الوزنية التي كانت م�س ��تخدمة يف املنطقة وغريها �إىل‬
‫عهد قريب‪ ،‬وهي "ا ْل َف َر ِا�س َلة" ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫والآن نبد�أ بعد االتكال على اهلل �س ��بحانه يف �إيراد الإي�ضاحات املقت�ضبة على بع�ض ما‬
‫ورد يف اجل ��زء اخلا�ص بقبيلتي (زهران وغامد) فنقول ‪�:‬أن ��ا �أوافق الدكتور �أبا املثنى على‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪450‬‬
‫ما �أورده ابن املجاور (الفار�س ��ي) من �ش ��طحات يف حق �أبناء ال�س ��راة مما دونه يف كتابه‪،‬‬
‫أنا�س ��ا مبا لي� ��س فيهم‪ ،‬لكننا ال نلومه يا دكتور غيثان‬ ‫فقد جتاوز فيها حدود الأدب‪ ،‬وقذف � ً‬
‫فهو فار�س ��ي متع�ص ��ب بغي�ض‪ ،‬ال ننتظر منه حمبة امل�س ��لمني‪ ،‬ومع الأ�سف مل يجد يف زمانه‬
‫من يت�ص ��دى له ويفند �س ��قطاته القبيحة‪ ،‬ولكنن ��ا نلوم من جاء بعده بع ��دة قرون وتوخينا‬
‫ال�ص ��حة وامل�ص ��داقية فيما يكتب عن بني دينه‪ ،‬والبعد عن الأخذ عن (قالوا) و�إذا به �أرد�أ‬
‫ح ��ا ًال م ��ن ابن املجاور‪ ،‬وذلك الكاتب الذي �أعنيه كان يف من�ص ��ب رفيع يف دولة الإ�س�ل�ام‪،‬‬
‫فكان من الواجب الذي يفر�ض ��ه عليه دينه وخلقه ومركزه‪ ،‬عدم اخلو�ض يف مثل ما خا�ض‬
‫فيه ابن املجاور‪ ،‬والن�أي بنف�سه عن �إثبات �أمور قبيحة زعم �أنها قيلت له‪ ،‬وذلك الكاتب ملن‬
‫مل يعرفه هو ‪( :‬ف�ؤاد حمزة)‪ ،‬حيث و�صم قبيلة عربية �إ�سالمية �شهرية بو�صمة عار‪� ،‬سوف‬
‫ُي�س� ��أل عنه ��ا يوم القيامة‪ ،‬حني اته ��م بنات تلك القبيلة بالزنا والعي ��اذ باهلل‪ ،‬و�أن من يريد‬
‫منهن التزوج �س ��ري ًعا فعليها �أن ت�أتي مبولود من �س ��فاح !! وال �أدري كيف َ�ص� � َّدق هذا القول‬
‫ال�ش ��نيع يف �أعرق قبيلة دينها الإ�س�ل�ام ود�س ��تورها القر�آن‪ ،‬وجتر�أ بتدوينه يف كتاب َ�س َّيار ؟‬
‫وقد �س ��بقه ابن بطوطة‪ ،‬بقوله ال�ش ��نيع يف جمل�س �أحد �سالطني ُع َمان‪ ،‬واهلل �سبحانه يقول‬
‫اب‬‫ملثل ه�ؤالء يف �سورة النور ‪�ِ ":‬إنَّ ا َّل ِذينَ ُي ِح ُّبونَ �أَنْ ت َِ�شي َع ا ْل َف ِاح َ�ش ُة فيِ ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا َل ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫�أَ ِلي ٌم فيِ ال ُّد ْن َيا َو ْال ِآخ َر ِة َواللهَّ ُ َي ْع َل ُم َو�أَ ْنت ُْم اَل َت ْع َل ُمونَ (‪ . ")19‬فكان ينبغي �إتالف كتب ه�ؤالء‬
‫امل�ش ِّو ِهني ل�سمعة الأبرياء‪ ،‬ال كتاب ذلك امل�ؤرخ الأديب الذي �أ�شرت �إليه �ساب ًقا ‪.‬‬
‫و�إنن ��ي �أنادي �أ�س ��اتذة اجلامع ��ات يف اململكة العربي ��ة ال�س ��عودية‪ ،‬ويف العاملني العربي‬
‫والإ�س�ل�امي‪ ،‬حذف تلك الأقوال امل�س ��يئة "لبع�ض الأ�ش ��خا�ص �أو القبائ ��ل" املبثوثة يف كتب‬
‫الأقدم�ي�ن �أو املعا�ص ��رين‪ ،‬و�إن �أرادت كل جامعة وم�ؤ�س�س ��ة تعليمية االحتفاظ بن�س ��خة من‬
‫الأ�صل للرجوع �إليها فال ب�أ�س‪ ،‬وتخرج للنا�س طبعة منقحة خالية من ال�سباب وفح�ش القول‬
‫‪ .‬وقد وقع يا �أبا املثنى بع�ض َك َت َب ِة هذا الع�ص ��ر يف مثل ما وقع فيه �أولئك الأقدمون‪ ،‬فهناك‬
‫كاتب ذو �شهرة اجتماعية‪ ،‬له كتاب يربو على �ألف �صفحة‪ ،‬ذكر فيه بع�ض العادات املنافية‬
‫للأخالق والدين‪�َ ،‬ش َّوه بها �سمعة بع�ض القبائل التي حواها كتابه‪ ،‬ومع ذلك فقد حاز ذلك‬
‫الكت ��اب عل ��ى جائزة بع�ض �أندية اململك ��ة الأدبية‪ ،‬دون �أن يتنبه املجي ��زون له على بع�ض ما‬
‫َكتب ‪ .‬وليتني �أعرف من �أجازه لأر�سل لهم بع�ض ما الحظته عليه‪ ،‬فلعلهم بعد مطالعة تلك‬
‫املالحظات يطالبونه برد اجلائزة ‪.‬‬
‫ورد يف ال�سطر العا�شر من �صفحة (‪ " : )99‬بل �إن الأزد قد اجتمعت بق�ضها وق�ضي�ضها‬
‫كما تقول �إحدى الروايات يف �أبيدة ثم تفرقت مرة �أخرى من هذا املكان " قلت ‪ :‬هذا القول‬
‫جمانب لل�ص ��واب فالأزد �إمنا افرتقت من تهامة يف ق ��ول امل�ؤرخني املوثوق بعلمهم‪� ،‬أما من‬
‫‪451‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫جتمع من الأزد يف "�أبيدة" ف�إمنا هم بع�ض قوم مالك بن فهم الدو�سي حينما �أراد مغادرة‬
‫دي ��ار دو�س بعد حادثة الكلبة ال�ش ��هرية‪ ،‬فتالح ��ق قومه يف �أبيدةومعهم مه ��رة بن حيدان‪،‬‬
‫وبع�ض �أفراد ق�ضاعة ثم �سار بهم �إىل ُع َمان‪.‬‬
‫وهذا القول املغلوط الذي اعتمد عليه الكاتب �أورد ما ي�شبهه "ال�صحاري العماين" يف‬
‫كتاب "الأن�ساب �ص ‪ "233‬فقال ‪":‬ثم �سار الباقون من الأزد حتى نزلوا النا�صف من �أبيدة‪،‬‬
‫وهو واد فيما بني جند وال�س ��روات يف �س ��ند جبل ال�س ��راة‪ ،‬وهو �أحد جمامع �ش ��نوءة اليوم‪،‬‬
‫الذي يجمعهم فيه امل�ص ��دق ‪ .‬وافرتقت الأزد من �أبيدة‪ ،‬فرقا ثالثا ‪ :‬ف�س ��ارت فرقة منهم‪،‬‬
‫ومعهم مهرة بن حيدان بن عمرو بن احلاف‪ ،‬وق�ض ��اعة بن مالك بن حمري‪ ،‬ومالك وعمرو‬
‫ابن ��ا فهم تيم اهلل بن �أ�س ��د بن وب ��رة بن ثعلب بن حلوان بن احلاف بن ق�ض ��اعة‪ ،‬يف قبائل‬
‫ق�ضاعة ومن ا�ستجمع معهم من اليمن‪ ،‬وقد ملكوا عليهم مالك بن فهم الأزدي‪ ،‬ف�سار بهم‬
‫مالك بن فهم على اليمانية ‪ .‬ثم �سار بهم على برهوت وهو واد بح�ضرموت‪ ،‬ثم جنب اخليل‬
‫وامتط ��ى الإبل‪ ،‬وجعل على مقدمته ابنه هناءة بن مالك يف �ألفي فار�س من �ص ��ناديد الأزد‬
‫وفر�سانهم‪ ،‬وجعل يجد ال�سري حتى ان�صب على عمان يف طريق ال�شحر‪." ..‬‬
‫وق ��ال يف مو�ض ��ع �آخ ��ر " قال‪ :‬فخ ��رج مالك بن فهم م ��ن �أر�ض ال�س ��راة‪ ،‬يريد عمان‪،‬‬
‫فيم ��ن �أطاع ��ه من ولده وقومه وع�ش�ي�رته من الأزد‪ ،‬ومن اتبعه من �أحياء ق�ض ��اعة‪ .‬و�س ��ار‬
‫متوجها نحو عمان‪."..‬وهو القول نف�س ��ه الذي �أورده عبداهلل بن حميد بن �س ��لوم ال�س ��املي‬
‫العماين‪� ،‬ص ��احب كتاب "حتفة الأعيان ب�س�ي�رة �أهل عمان"‪.‬فه ��ل ورد يف اخلربين اجتماع‬
‫الأزد بق�ض ��ها وق�ضي�ض ��ها يف �أبيدة وتفرقهم من هناك ؟ �أو �أن ما ورد فيه هو اجتماع قوم‬
‫مالك بن فهم ومن تبعه من �أحياء ق�ض ��اعة ومهرة‪ ،‬ومرافقته �إىل ُع َمان بعد �أن كره البقاء‬
‫يف �سراة (دو�س) ‪.‬وممن ذكر افرتاق الأزد يف البلدان يف غري املو�ضع �أعاله �صاحب كتاب‪:‬‬
‫"التيجان" والأزرقي يف كتابه ‪�" :‬أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار" وغريهما ‪.‬‬
‫أي�ض ��ا‪ ،‬واحلديث عن خرائب (مع�شوقة) " ولكن الراجح �أن �أهلها من‬ ‫ويف �ص‪ً � )99( :‬‬
‫الأزد‪. "..‬قلت ‪ :‬نقل اجلا�س ��ر يرحمه اهلل‪� ،‬أن "�أبيدة" كانت موط ًنا لثالث قبائل فقال ‪" :‬‬
‫�أعاله لعدوان وفهم‪ ،‬و�أ�سفله لبني هالل" ‪ .‬وهو ما قال به الهمداين يف كتابه ‪�" :‬صفة جزيرة‬
‫العرب" ‪ .‬ي�ؤيد ذلك �أن قبيلة بني �س�ل�امان من زهران‪� ،‬س ��كنت بهذا الوادي يف منت�ص ��فه‪،‬‬
‫وكان حاجز بن عوف ال�س�ل�اماين يوزع غاراته على بني عدوان يف �أعلى الوادي‪ ،‬وعلى بني‬
‫هالل يف �أ�سفله‪ ،‬فلعل �أهله �ساب ًقا كانوا من بني هالل‪ ،‬ملا ثبت من �شعر هذا ال�شاعر‪ ،‬ولقول‬
‫البكري ‪ :‬من �أنّ �أبيدة"من منازل �أزد ال�سراة" ‪ .‬واهلل �أعلم‪ .‬يف �صفحة (‪" )100‬وماء وادي‬
‫أي�ضا من �أوهام الباحث‪،‬‬ ‫أي�ضا"‪.‬قلت وهذا � ً‬
‫�أبيدة ي�صل �إىل وادي العقيق يف منطقة الباحة � ً‬
‫ف�أبيدة رافد من روافد وادي تربة‪ ،‬واملاء ال ي�صعد يف الأودية بل ينحدر عربها ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪452‬‬
‫ولف ��ت نظ ��ري يف هذه ال�ص ��فحة ق ��ول الباح ��ث " ومن املع ��امل التاريخي ��ة يف �أبيدة "‬
‫النا�ص ��ف" ‪ ..‬وبه ��ذا املوقع قتل ال�ش ��نفرى ‪ "..‬قل ��ت ‪ :‬كان هذه املعلم من الآث ��ار التاريخية‬
‫مبنطق ��ة الباحة �أما اليوم فقد �أ�ص ��بح �أث ًرا بعد عني‪ ،‬بع ��د �أن قامت بلدية ا ْل َق َرى بتخطيطه‬
‫وتوزيعه على ال�س ��كان ومل يبق مع الأ�س ��ف �إال م�س ��احة دائرية يبلغ قطرها مائة وخم�س�ي�ن‬
‫مرتا‪ ،‬حماطة ب�س ��ور حجري قدمي ت�س ��مى " َز ْر َب ��ة اخليل" والزربة عندنا تعني "ال�س ��احة"‬
‫كانت قد ًميا مع َّدة فيما يبدو لرتوي�ض اخليل قبل �أن تنطلق يف م�ض ��مار ال تزال �آثاره قائمة‬
‫يف جزء من النا�صف‪� ،‬إىل ال�شرق من مدر�سة البنات املقامة حال ًّيا يف الوادي‪ ،‬يبد�أ من قعر‬
‫اجلبل الغربي املطل على النا�ص ��ف‪ ،‬وينتهي �إىل قمة جبل �ش ��رقي النا�صف بطول ثالثمائة‬
‫وخم�سني مرتا تقري ًبا‪ ،‬و�إجمايل م�سافة ال�صعود يف اجلبل ال�شرقي من هذا امل�ضمار حواىل‬
‫مائ ��ة وخم�س�ي�ن مرتًا‪ ،‬وعلى م�س ��افات متقاربة م ��ن جانبي هذا امل�ض ��مار �أحجار مركومة‪،‬‬
‫رمبا كانت �أبراجا �ص ��غرية ملراقبة خيول ال�س ��باق عند الت�س ��ابق‪� ،‬أ َّما عند نهاية ال�سباق يف‬
‫قمة اجلبل ال�ش ��رقي‪ ،‬فتوجد حجارة ك�أنها مهي�أة جللو�س كبار امل�س� ��ؤولني الذين يح�ضرون‬
‫ال�س ��باق‪ ،‬فهناك حجر �أمل�س م�س ��تطيل ذو عر�ض منا�سب‪ ،‬يت�س ��ع جللو�س �شخ�صني‪ ،‬و�إىل‬
‫جانبيه حجران يت�س ��ع كل منهما جللو�س �شخ�ص واحد‪ ،‬و�أمام هذه الأحجار حجارة �أخرى‬
‫�أخف�ض من الأوىل‪ ،‬والغريب يف هذا امل�ض ��مار �أنه يبد�أ من غربي الوادي �إىل �ش ��رقية‪ ،‬مما‬
‫�باحا ولي�س م�ساء كما هي عليه احلال هذه الأيام‪ ،‬وقد‬ ‫يدل على �أن ال�س ��باق كان يجري �ص � ً‬
‫أي�ض ��ا على هذا امل�ض ��مار بحيث �أزيل ��ت معامله من بطن الوادي بوا�س ��طة‬ ‫َع � َ�دت الع ��وادي � ً‬
‫اجلراف ��ات التي نقلت �أتربته لغر�ض الدفن يف موا�ض ��ع البناء و�أ�ص ��بح اجل ��زء العلوي من‬
‫امل�ضمار مع َّل ًقا ‪ .‬وكم من املعامل الأثرية �أ�صابها ما �أ�صاب النا�صف نتيجة التو�سع العمراين‬
‫‪ .‬فهناك ح�ص ��ون هُ دِّ مت‪ ،‬وبيوت �أثرية د ُِّمرت‪ ،‬و�آثار طمرت �أو ُ�سرقت ‪ .‬وهيئة �آثار املنطقة‬
‫ال متلك �إال و�ض ��ع ِبترَ ٍ من الإ�س ��منت ت�شعر الزائر على �أنها منطقة �آثار‪ ،‬وليتها مل تفعل فقد‬
‫لفتت انتباه الل�صو�ص وذوي النفو�س املري�ضة �إىل �سرقتها �أو تخريبها ‪.‬‬
‫"ع َ�شم" التاريخية الواقعة يف الق�سم‬ ‫يف �ص ��فحة ‪ )101( :‬وهو يتحدث عن �آثار مدينة َ‬
‫التهام ��ي ‪ .‬يق ��ول الباحث‪ " :‬ومقابر املدينة التي حتتوي على كثري من ال�ش ��واهد التي كتبت‬
‫بخط ��وط كوفية جميلة ‪ ."..‬قلت‪ :‬لقد �أ�س ��عد احلظ هذا الأخ الباحث حيث زار تلك املدينة‬
‫الأثري ��ة فوجده ��ا تخ�ب�ر الأحياء ب�أماكن و�أ�س ��ماء الأم ��وات من خالل تلك ال�ش ��واهد على‬
‫قبورهم‪� ،‬أما �أنا فقد زرت هذه املدينة املنهوبة يف �ص ��يف عام (‪ )1429‬من الهجرة بدافع‬
‫اال�س ��تطالع على ماكتبه عنها الدكتور �أحمد بن عمر الزيلعي‪ ،‬وبعد �س ��ماعي حما�ض ��رة له‬
‫�ألقاه ��ا يف النادي الأدبي بالدمام‪ ،‬وبعد قراءة كتاب الأ�س ��تاذ ح�س ��ن بن �إبراهيم الفقيه ‪:‬‬
‫"خمالف َع َ�شم" وعند وقويف على �أطاللها مل �أر �شي ًئا من تلك ال�شواهد التي حتدث عنها‬
‫‪453‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫الكاتب ��ان‪ ،‬فظنن ��ت �أن هذا املكان لي�س هو املق�ص ��ود‪ ،‬فما كان مني �إ َّال �أن ات�ص ��لت هاتف ًّيا‬
‫بالأخ الدكتور ‪ :‬عو�ض ال�سبايل‪ ،‬فرد علي قائ ًال ‪ :‬لو �س�ألتني و�أنت يف ال�سراة لأخربتك بخلو‬
‫املقربة من �أي �شاهد ‪ .‬فت�ساءلت �أين ذهبت تلك ال�شواهد الأثرية‪ ،‬التي �سمعتُ بها وقر�أت‬
‫عنه ��ا ؟ وما الفائ ��دة من �أخذها من مكانها ون�ص ��بها يف مكان �آخ ��ر ال عالقة له بوجودها‬
‫فيه‪ ،‬وال�س ��يما �أن هيئة الآثار يف القنفذة �أَ ْج َه َد ْت نف�س ��ها ف�أحاطتها ب�سياج حديدي‪ ،‬وبنت‬
‫من ��زال رمبا كان مع ًّدا حلرا�س ��تها يف ربوة ت�ش ��رف عل ��ى املقربة وما حولها‪ ،‬فلم ��ا ر�أيت ما‬
‫�ص ��نعت هذه الهيئة‪ ،‬ور�أيت املقربة بدون �ش ��واهد‪َ ،‬ذ َّك َرنيِ هذا املوقف بق�ص ��ة �سمعتها من‬
‫الأجداد مفادها ‪� :‬أن رج ًال جاء له ولد بعد ي�أ�س ��ه ودخوله يف �س ��ن ال�شيخوخة‪ ،‬ففرح به هو‬
‫فرحا �ش ��ديدً ا‪ ،‬وكانا ي�س ��كنان يف الطبقة الثانية من املبنى‪ ،‬وكان لذلك املنزل باب‬ ‫وزوجته ً‬
‫ِب ُ�ش� � ْر َفة ت�شرف على احلديقة‪ ،‬ي�س ��مى يف لهجتنا "الخْ َ ْلف"‪ ،‬وملا �صار الولد يحبو ويتنقل يف‬
‫البيت من مكان �إىل مكان‪ ،‬قالت الزوجة لزوجها " يا �أبا فالن ولدنا �صار يحبو و�أنا خائفة‬
‫عليه‪َ ،‬ف َ�س� � ِّي ْج ُ�ش ْر َفة اخللف ب�س ��ياج متني حتى ال ي�سقط منه‪ .‬ف�أخذ يتم ّهلها حتى جاء اليوم‬
‫املوعود لذلك الطفل‪ ،‬فعرب باب اخللف على حني غفلة من �أمه‪ ،‬و�سقط �إىل الأ�سفل ومات‪،‬‬
‫ال�ش� � ْرفة ‪.‬ولو كان النا� ��س ال يزالون يبنون بيوتهم‬ ‫و�س� � َّي َج تلك ُّ‬
‫فقام ذلك الرجل على الفور َ‬
‫ل�س ِرقت تلك احلجارة املركومة التي ال تزال ماثلة للزائر ت�شهد بح�ضار ٍة �سادت‬ ‫باحلجارة‪ُ ،‬‬
‫يف ذلك املكان ثم بادت ‪ .‬فع�سى �أن تكون هيئة �آثار القنفذة قد نقلتها من �أماكنها حلمايتها‬
‫من ال�سرقة‪� ،‬أ َّما �إذا ُ�سرقت من على القبور فهي امل�سئولة عن ذلك ‪.‬‬
‫يف �صفحة (‪ِ )107‬ذ ْك ٌر لقرب كليب وائل وبداية حرب الب�سو�س ‪ !!.‬قلت ‪ْ :‬‬
‫ا�س ُتهْترِ النا�س‬
‫وبخا�ص ��ة كتاب هذا الع�ص ��ر ب�إيراد روايات عن كليب وائل والزير �س ��امل و�أبي زيد الهاليل‬
‫وال�ش ��نفرى ونعمان احلكيم وو‪ ..‬وك ٌّل َي َّد ِعي �أن ه� ��ؤالء �أو �أحدً ا منهم مدفون يف ديار قبيلته‬
‫‪ .‬وال لوم على �أحد منهم لوجود �أ�س ��ماء تت�ش ��ابه مع �أ�س ��ماء مواقع تلك الأحداث املا�ض ��ية‪،‬‬
‫فيعتقدون بل يجزم بع�ضهم �أن هذا املكان هو قرب ذلك الرجل‪� ،‬أو �أن املوقعة الفالنية كانت‬
‫به ��ذا املكان‪ ،‬لكن يبقى التحقيق العلمي وامل�س ��ح الكربوين هو الذي يثب ��ت ما َي َّد ِعيه بع�ض‬
‫ه� ��ؤالء الكت ��اب‪ ،‬ولئن قال �أخونا يف هذا البحث بوجود قرب كلي ��ب يف وادي اخليطان بغامد‬
‫الزن ��اد بتهامة منطقة الباحة‪ ،‬فقد قال يل �أح ��د املهتمني ب�آثار املنطقة‪ ،‬ب�أن قرب كليب يقع‬
‫يف قبيلة �أوالد �سعدي الزهرانية بتهامة يف القرية امل�سماة "ذنائب"‪ ،‬وكانت يف هذه القرية‬
‫"ذ َنائب" ‪.‬‬
‫�سوق ت�س َّمى �سوق َ‬
‫وق�ص ��ة ذلك القول �أنني زرت ديار دو�س التي يف ال�س ��راة‪ ،‬لت�ص ��وير بع�ض ح�ص ��ونها‬
‫القدمي ��ة فوقفت �أمام ح�ص ��ن يف بلدة "ا ْل َق� � ْرن" بوادي ُثروق التاريخي‪ ،‬يرتفع يف ال�س ��ماء‬
‫بطبقات ِ�س � ٍّ�ت‪ ،‬وهو مبني بحجارة �ضخمة ج ًّدا وال �سيما حجارة‬ ‫ٍ‬ ‫حوايل خم�س ��ة ع�شر مرت ًا‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪454‬‬
‫�يخا يبلغ من العمر قرابة ال�سبعني‪ ،‬ف�أخذنا يف احلديث‬ ‫الطبقة الأوىل‪ ،‬ف�ص ��ادفت عنده �ش � ً‬
‫عن �أهمية هذه احل�ص ��ون قد ًميا فقال يل‪ :‬هل تعرف ا�س ��م هذا احل�ص ��ن ؟ فقلت له ‪ :‬ال ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬ا�س ��مه ح�ص ��ن "خيرب" �أما ا�سمه القدمي فهو ح�ص ��ن "كليب" ‪ .‬فقلت ‪َ :‬من كليب ؟‬
‫فقال ‪ :‬كليب وائل هل �س ��معت به‪ ،‬وانظر �إىل ال�ش ��رق من هذا احل�ص ��ن هل ترى �سفح ذلك‬
‫اجلبل ‪ -‬و�إذا هو ي�ش�ي�ر �إىل جبل "قدوم �ض ��ان" التاريخي الوارد ذكره يف خرب �أبي هريرة‬
‫الدو�سي ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬قلت ‪ :‬نعم �أراه فما �ش�أنه ؟ قال ‪ :‬ذلك جزء من ِح َمى كليب‪ ،‬فقلت‬
‫له بدافع الف�ض ��ول ‪� :‬إذا كان هذا ح�ص ��ن كليب وهذا ِح َماه ف�أين موقع ذنائب التي بها قربه‬
‫؟ فق ��ال يل �إذا �أ�ش ��رفت م ��ن هذا املكان ف�س ��وف ترى موقع قرب كليب وائل ‪ .‬و�إذا به ي�ش�ي�ر‬
‫�إىل قرية ذنائب بتهامة‪ ،‬وكنا على مقربة من ال�ش ��فا املطل على تهامة ‪.‬وقد �أكد �أحد �أفراد‬
‫ويدعى علي بن جمعان الزهراين‪ ،‬كان يعمل معلما باملنطقة ال�شرقية‪،‬‬ ‫قبيلة �أوالد �س ��عدي‪َ ،‬‬
‫ب�أن ال�س ��وق "�سوق ذنائب" كانت قائمة وخربت و�أرادت القبيلة �إقامتها ثانية‪ ،‬وت�شاوروا يف‬
‫ال�ش ْع َراء والحْ َ ْج َرة منهم فعدلوا عن ذلك ‪.‬‬‫ذلك‪ ،‬فر�أوا قرب �أ�سواق َّ‬
‫وم ��ن املعل ��وم �أن العرب كانوا ي�س ��كنون تهامة‪ ،‬قبل تفرقهم يف الب�ل�اد لقول البكري يف‬
‫معجم ��ه‪ .." :‬فل ��م يبق بتهام ��ة وغورها من ولد عدنان �إ َّال ُم َ�ض ��ر وربيعة وم ��ن كان معهم �أو‬
‫دخي ًال فيهم �أو جماو ًرا لهم‪ ،‬و�إ َّال َق ِ�س ُّي بن ُم َن ِّبه بن النبيت ‪ ..‬فكرثوا وت�ضايقوا ِفى منازلهم‪،‬‬
‫فانت�ش ��رت ربيع ُة فيما يليهم من بالد جند وتهامة‪ )1(..‬ويقول يف مو�ض � ٍ�ع �آخر و�أقامت �سائر‬
‫و�ض� � َبيعة يف بالدهم من ظواهر جند واحلجاز‬ ‫وع َنزَ ة ُ‬
‫قبائ ��ل ربيع ��ة‪ ،‬من بكر وتغلب وغفيلة َ‬
‫و�أطراف تهامة‪ ،‬حتى وقعت احلرب بينهم يف قتل ج�سا�س بن مرة بن ذهل بن �شيبان كليب‬
‫و�ض َبيع ُة ببكر‬
‫وغفيلة �إىل بني تغ ِلب‪ ،‬ف�صاروا معهم‪ ،‬وحلقت َع ْنزَ ُة ُ‬ ‫بن ربيعة‪ ،‬وان�ض َّمت ال َّن ِم ُر ُ‬
‫أر�ض �إىل �أر�ض‪،‬‬‫بلد �إىل بل ��د وتنفيهم من � ٍ‬ ‫ب ��ن وائ ��ل‪ ،‬فلم تزل احلروب والوقائع تنقلهم من ٍ‬
‫وتغلب يف كل ذلك ظاهرة على بكر‪ ،‬حتَّى التقوا يوم ِق َ�ض ��ة‪ ،‬وق�ضة عقبة يف عار�ض اليمامة‪،‬‬
‫وعار�ض‪ :‬جبل‪ ،‬وق�ض ��ة من اليمامة على ثالث ليال‪ ،‬وذل ��ك يوم التَّحالق فكانت ال َّد ْبرة على‬
‫(‪)2‬‬
‫بني تغلب فتف َّرقوا على ذلك اليوم وتلك الوقيعة‪ ،‬وتب َّددوا ِفى البالد‪� ،‬أعني بني تغلب‬
‫ويذكر �ص ��احب كتاب ‪" :‬العقد الفريد" ب�أن كليب وائل كان من �س ��كان تهامة � ْإذ يقول‬
‫بنوج�ش ��م َ‬
‫وبنو�ش ��يبان يف دار واحدة ب ِتهامة وكان‬ ‫يف كتاب اجلمانة الثانية‪ ،‬مايلي‪" :‬وكانت ُ‬
‫ُكليب بن وائل قد تز ّوج َجليلة بنت ُمرة بن ُذهل بن َ�ش ��يبان‪"..‬‏‪.‬ويقول احلموي يف معجمه ‪:‬‬
‫‪ 8/3‬عن �سوق ذنائب ‪" :‬و�سوق الذنائب قرية دون زبيد من �أر�ض اليمن وبه قرب كليب وائل‬
‫‪ .‬قال مهلهل يرثي �أخاه كلي ًبا ‪:‬‬
‫((( البكري‪ ،‬معجم ما ا�ستعجم ‪ 79 /1 :‬وما بعدها ‪.‬‬
‫((( امل�صدر ال�سابق ‪ 85/1 :‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪455‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫ف���ق���د �أب����ك����ي م����ن ال���ل���ي���ل ال��ق�����ص�ير‬ ‫ف�����������إن ي������ك ب�����ال�����ذن�����ائ�����ب ط��������ال ل��ي��ل��ي‬
‫خل�����َّب����رَّ ب�����ال�����ذن�����ـ�����ائ�����ب �أي زي����ـ����ر‬ ‫ف�����ل�����و ن�����ب�����������ش امل������ق������اب������ر ع��������ن ك����ل����ي����بٍ‬
‫فمن هذه الن�ص ��و�ص يظهر لنا �أن كليب وائ ��ل كان يتخذ من �أر�ض تهامة وط ًنا له و�أنه‬
‫عا� ��ش بها �إىل �أن ُقتل‪ ،‬وب�س ��بب احلروب ا�ض ��طر قوم ��ه �إىل مغادرة �أر� ��ض تهامة �إىل جند‬
‫أر�ض �إىل‬ ‫بلد �إىل بلد وتنفيهم من � ٍ‬ ‫لق ��ول البكري " فلم تزل احلروب والوقائع تنقله ��م من ٍ‬
‫�أر� ��ض "‪ .‬فف ��ي هذه اجلزئي ��ة من اخلرب نعلم �أن احل ��رب �أبعدتهم عن دي ��ار تهامة‪ ،‬ولي�س‬
‫م ��ن املعقول �أنهم ظلوا يتنقلون يف تهام ��ة طوال مدة احلرب �إ َّال بدليل يحتاج �إىل مزيد من‬
‫متعذران ِفى الوقت احلايل‪ ،‬لعدم وجود امكانات تتيح لنا‬ ‫البح ��ث والتحري‪ ،‬وهذان �أمران ِّ‬
‫مكان نحدده ما مل تدعمه ال�شواهد ‪.‬‬ ‫التحقق من ذلك ‪ ..‬ولذا فال جنزم بوجود القرب يف ٍ‬
‫�أ َّما بخ�ص ��و�ص الآثار والر�س ��ومات يف نواحي املنطقة‪ ،‬فهي من الكرثة بحيث ي�ص ��عب‬
‫عل ��ى الباحث ح�ص ��رها‪ ،‬ففي �ش ��مال قبيلة قري�ش على �س ��بيل املثال‪ ،‬ويف منطقة �شا�س ��عة‬
‫"م َن َ�ضحة‬ ‫�ش ��مايل قرية "ال ِق َ�س َمة" ت�سمى ‪�" :‬أُ ّم اجلنا ِدل"‪ ،‬و�إىل ال�شرق منها �شمال قريتي َ‬
‫َوم ْن َحل" توجد �آثار كثرية من الر�سوم والكتابات جاهلية و�إ�سالمية‪ ،‬ولقد عرثت يف منطقة‬
‫�أم اجلن ��ادل على ثالث لوحات نادرة ج ًّدا‪ ،‬الأوىل لفار�س ميتطي �ص ��هوة مهر بدون �س ��رج‬
‫لرتوي�ض ��ه‪ ،‬والثانية ملجموعة من الفر�س ��ان راكبة وراجلة وهم يتحاربون‪ ،‬والثالثة ل�ص ��ياد‬
‫على فر�س‪ ،‬وقد �أم�س ��ك برمح طويل وهو ي�س ��دده على غزال �أمامه‪ ،‬وامر�أته فيما يبدو �إىل‬
‫جانبه حتمل �ش ��ي ًئا لعلها حزمة حطب �أعدتها ل�ش ��واء ما �سي�صيده زوجها ‪ .‬و�إليكها مع هذه‬
‫الإي�ضاحات ‪.‬‬
‫�أما ما وجدته يف �ش ��مال قرية "من�ض ��حة"‪ ،‬فهناك بئر حمفورة يف ال�ص ��خر ال�ص ��لد‬
‫يف بط ��ن ال ��وادي‪ ،‬لعلها بفعل نيزك �س ��قط يف ذلك املكان‪ ،‬وذلك لعدم ا�س ��تطاعة �أحد يف‬
‫الزمان املتقدم حفر مثل تلك البئر يف �صخر كهذا �إ َّال مع وجود معدات حفر متطورة كالتي‬
‫ن�ش ��اهدها يف هذا الزمان ‪ .‬بالإ�ض ��افة �إىل �أنها يف جمرى ال�س ��يل‪ ،‬ومما يلفت النظر وجود‬
‫نق� ��ش بديع باخلط الك ��ويف �أعلى هذه البئ ��ر‪ ،‬يف اجلبل الذي هي يف �أ�س ��فله يق َّدر ارتفاعه‬
‫عن البئر بحواىل خم�س ��ة ع�ش ��ر مرتا‪ ،‬وقد كتب على �صخرة مل�ساء هذه العبارة "اهلل ويل‬
‫حممد بن الطفيل‪ ،‬ال ويل له غريه‪ ،‬وال رب له �سواه"‪ .‬وبعد التدقيق يف الكتابات التي �أوردها‬
‫"ع َ�شم" ومقارنتها بهذا‬ ‫الأ�س ��تاذ ‪ :‬ح�سن الفقيه يف كتابه �س ��الف الذكر‪ ،‬على �شواهد قبور َ‬
‫اخلط‪ ،‬وبعد قراءة �أ�سماء اخلطاطني لتلك ال�شواهد‪ ،‬تبني لنا �أنّ كاتب تلك العبارة املكتوبة‬
‫�ش ��مال قرية "من�ض ��حة" ‪ .‬هو �أحد كتاب بع�ض عبارات ال�شواهد على بع�ض قبور "ع�شم" ‪.‬‬
‫فعرفنا من خالل ذلك �أن هذا الكاتب من قبيلة "قري�ش" التي يف زهران‪ ،‬و�أنه يكون يف مكة‬
‫املكرمة فيكتب على �شواهد قبور "ع�شم" ملن ي�أتيه من �أهلها‪ ،‬ويذهب �إىل قريته التي ر�أينا‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪456‬‬
‫�آثاره ��ا �ش ��اهدة للعيان �إىل هذا الوقت قريبة ج ًّدا من النق� ��ش املكتوب بهذا الوادي ‪ .‬وهذه‬
‫النقو�ش منت�ش ��رة يف منطقة الباحة ب�شكل وا�س ��ع‪ ،‬وهي مت�شابهة يف الكتابة بع�ضها منقوط‬
‫وبع�ضها من غري نقط‪ ،‬ولقد عرثت على نق�ش يف وادي ثراد قرب �سد العقيق (عقيق غامد)‬
‫م�ؤرخ ب�سنة (‪ )161‬من الهجرة ‪.‬‬
‫ويف �ص ��فحة (‪ )190‬عن الألب�س ��ة والزينة بالن�س ��بة للرجال فقد كانوا يلب�س ��ون ثالثة‬
‫�أن ��واع من الثياب �أولها ‪( :‬المْ ُ َف� � َّرج)‪ ،‬وهو ثوب عري�ض البدن‪ ،‬و�أكمامه طويلة عري�ض ��ة من‬
‫"ذا ُل ْوق" ‪ .‬وجمعه َذ َوا ِليق‪ .‬وي�صل الذالوق �إىل الأر�ض‬ ‫الأعلى وتنتهي بطرف مدبب ي�سمى‪َ :‬‬
‫يعقدهم ��ا الالب�س لهذا الث ��وب خلف عنقه ‪ .‬وثانيها ‪ :‬الثوب (المْ ُزَ َّند)‪ ،‬وهو غالب لبا�س ��هم‬
‫ي�ش ��به ثيابنا العادية غري �أن ُك َّم ْيه ي�ضيقان عند الكف‪ ،‬ولي�س له ياقة‪ ،‬وال ك َّفة له من �أ�سفله‬
‫�إال كفة �ص ��غرية �أقل من عر�ض الإ�ص ��بع‪ ،‬حتف ��ظ خيوط الثوب من �أن َت ْن ُ�س ��ل‪ ،‬وذلك لغالء‬
‫القما�ش‪ ،‬وقلة النقد يف �أيدي النا�س‪� ،‬أو لأنه ال�س ��ائد للخدمة اليومية كما يحكيه واقع ذلك‬
‫احلال‪ ،‬وهو �إىل منت�ص ��ف ال�س ��اقني ‪ .‬وثالثها ‪ :‬الثوب (المْ َق ُْطوع) و ُيلب�س يف املنا�س ��بات وهو‬
‫كا�س ��مه يتكون م ��ن قطعتني ‪ :‬القطع ��ة العليا كثيابن ��ا العادية لكنه منقو� ��ش بخيوط زاهية‬
‫الألوان‪ ،‬والقطعة ال�سفلى تخاط يف القطعة العليا من عند منطقة احلزام‪ ،‬وتتميز باالت�ساع‬
‫وك�ث�رة اجلن ��وب املخاطة بخيوط ملونة‪ ،‬حتى �إن بع�ض الثي ��اب يبلغ جنبها الواحد �أكرث من‬
‫ع�ش ��ر قطع من القما�ش‪ ،‬وهي طولية تبد�أ من الأعلى بعر�ض خم�س ��ة �س ��نتيمرتات �أو �أقل‪،‬‬
‫وتنتهي عند �أ�س ��فله بع�ش ��رين �سنتيمرتًا‪ ،‬وهكذا �إىل حدود ع�ش ��رة جنوب يف الثوب الواحد‬
‫ورمبا �أكرث‪ ،‬بحيث �إذا دار املرء حول نف�سه دورات �سريعة انت�شرت تلك اجلنوب فكانت مثل‬
‫املظلة‪ ،‬كالثياب التي نراها هذه الأيام فيما يعر�ض ��ه ال َّرائي من رق�ص ��ات �ش ��عبية يف بع�ض‬
‫نواحي اململكة ‪.‬‬
‫�أما �ألب�س ��ة الن�س ��اء‪ ،‬فلإي�ض ��اح ما ذكره الباحث ف�إن للن�س ��وة يف ب�ل�اد زهران ثوبان‪،‬‬
‫�أحدهم ��ا للزينة‪ ،‬وي�س ��مى الثوب ‪" :‬المْ ُ َك َّل ��ف" ‪� .‬أي المْ ُ َط َّرز بخيوط الق�ص ��ب واحلرير ‪ .‬وهو‬
‫ال�س� �تَان �أو غريه‪ُ ،‬ي َط َّرز ب�ش ��كل هند�س ��ي على ال�ص ��در �إىل قرب ال�سرة‪،‬‬ ‫قما�ش �أ�س ��ود من َّ‬
‫و ُي َب َّطنُ من داخله من خلف الظهر بقما�ش �أحمر ُي َط َّرز من اخلارج بخيوط ت�ش ��به تلك التي‬
‫يط ��رز بها ال�ص ��در‪ ،‬لكنه ��ا بعر�ض واحد �إىل اثنني �س ��م طولية تبد�أ م ��ن �أعلى الكتف حتى‬
‫�أ�س ��فل الثوب‪ ،‬والهدف من و�ض ��ع تلك البطانة هو تثقيل الثوب في�صبح من�سدال على ج�سم‬
‫املر�أة بحيث ال تلعب به الرياح فتك�ش ��ف عن �س ��اقيها‪ ،‬ولتثبيت اخلياطة على قما�ش الثوب‬
‫ال ��ذي رمب ��ا يكون خفي ًف ��ا ‪ .‬وكذلك تطرز �أكمام هذا الثوب ب�ش ��كل دائري م ��ن بدايته عند‬
‫الكفني حتى منت�ص ��ف ال�س ��اعدين‪ ،‬ويو�ص�ل�ان خياط ًة �إىل �أعلى الكتفني بخطني عري�ضني‬
‫م ��ن اخلي ��وط امللونة‪ ،‬و ُتثب ��ت �أعلى الكتفني مما يل ��ي العنق قطعتان من قما�ش منقو�ش ��تان‬
‫‪457‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫أي�ض ��ا مر�صو�صة ب�إتقان وتلك‬ ‫بخيوط ملونة‪ ،‬يتدىل من على جوانبهما خيوط دقيقة ملونة � ً‬
‫القطعتان ت�سمى ‪" :‬ا ْل َك َفا ِيت"‪ .‬وهما على �شكل تلك التي نراها على �أكتاف �ضباط البحرية‬
‫‪ .‬والثوب الثاين للمر�أة هو ثوب املهنة الذي تتخذه للعمل يف البيت واملزرعة وغري ذلك‪ ،‬وهو‬
‫ي�شبه الأول �إ َّال �أن تطريزه �أقل وال بطانة له ‪.‬‬
‫"�ص َما َدة"‪ ،‬ويف بع�ض جهات‬ ‫وتلب�س املر�أة فوق ال�ش ��يلة �شا ًال �أ�ص ��فر يف الغالب‪ ،‬ي�سمى ُ‬
‫زهران ي�س ��مى ( ِب ْ�ش � ِ�كيرْ ً ا)‪ ،‬الهدف منه الزينة وتثبيت ال�شيلة‪ ،‬كما �أنها تتخذ حتت ال�شيلة‬
‫خريطة طويلة ن�س ��ب ًّيا‪ ،‬حم�شوة ب�أنواع امل�شمومات املوجودة يف املنطقة (كالكادي والريحان‬
‫وال ��ورد والبعيرثان وال�ش ��يح وال ُف َل)‪ ،‬ت�ض ��عها فوق ر�أ�س ��ها بحيث تتدىل من جانبيه ُت َ�س� � َّمى‬
‫"ا ِل ِع َكا َفة"‪ .‬ولزيادة احت�شام املر�أة‪ ،‬نراها تتخذ من القما�ش الأبي�ض قطعة مربعة ال�شكل‬
‫بعر�ض مرت ون�صف املرت‪ُ ،‬ت�سمى ‪" :‬الحْ َ ْو َكة" ‪ .‬تمُ َ ِّر ُر �إحدى طرفيها من حتت �إبطها الأمين‬
‫عل ��ى هيئة الإحرام‪ ،‬ثم تعقد طرفيها فوق كتفها الأي�س ��ر‪ ،‬والهدف من ذلك هو الزيادة يف‬
‫الت�س�ت�ر ال غري‪ ،‬ف�إذا ما �أقبلت على الرجال �أدارتها �أمامها ف�س�ت�رت بها ثدييها‪ ،‬وما تخفي‬
‫م ��ن زينة‪ ،‬و�إذا �أدبرت عنه ��م �أدارتها خلفها‪ ،‬ف�أخفت عجيزتها عن الأنظار‪ ،‬ويف حال عدم‬
‫وج ��ود الرجال يف طريقه ��ا‪ ،‬ف�إن تلك القطعة تبقى من�س ��دلة خلفها ‪ .‬فهل من ن�س ��ائنا من‬
‫أي�ضا ولكنها‬ ‫يفعل ذلك هذه الأيام!! وكما �أن للرجال جبة طويلة من ال�صوف‪ ،‬فللن�ساء جبة � ً‬
‫ق�صرية ‪� .‬أما ِح ْلية املر�أة فيحتاج بيانها وت�سمية قطعها و�أماكن لب�سها �إىل بحث م�ستقل‪.‬‬
‫"م ْن َحل"‪ ،‬ال يقع �ش ��رق الأطاولة‪ ،‬و�إمنا يقع �شمال الأطاولة‬ ‫يف �ص ��فحة (‪َ )161‬م ْن َجم َ‬
‫وامل�س ��افة املقدرة �ص ��حيحة‪ ،‬ويوجد مبو�ض ��ع املنجم مكانان ل�ص ��هر احلجارة ال�س ��تخراج‬
‫املعادن منها دون حملها �إىل مكان �آخر‪ ،‬ويف بقعة املنجم عدة بيوت لعلها كانت مع ّدة ل�سكن‬
‫عمال املنجم‪ ،‬ويف �صفحة (‪ )179‬يقول الباحث عن م�ساجد منطقة الباحة يف ال�سابق دون‬
‫ا�س ��تثناء (وال يوجد لها خدمات مثل‪� :‬أماكن للو�ض ��وء وحمامات‪ ،‬كما �أن فر�ش ��ها ب�س ��يط‪،‬‬
‫و�أحيا ًن ��ا تك ��ون دون فر�ش ‪ . )..‬هذا القول ينطبق على امل�س ��اجد ال�ص ��غرية التي تكون بني‬
‫الأحياء‪� ،‬أما اجلوامع التي ي�ؤمها عدد كبري من امل�صلني وتقام فيها اجلمعة فاخلدمات فيها‬
‫مبوجب �إمكانات ذلك الع�ص ��ر متوفرة‪ ،‬ومفرو�شة بب�سط م�صنوعة من اخلو�ص‪ ،‬و�أعطيك‬
‫مثا ًال على ذالك ‪ :‬امل�سجد اجلامع بالأطاولة‪ ،‬ففيه بركة �أر�ضها وجدرانها معمولة باجل�ص‪،‬‬
‫ِمن �صنع حملي ‪� -‬أقوى من الإ�سمنت ‪ -‬وماء �سطحها و�سطح امل�سجد ينزل �إليها وقت نزول‬
‫املطر من خالل ثقب يف �سطحها‪ ،‬ويكاد املوجود فيها من املاء ي�سد حاجة املتو�ضئني �إىل �أن‬
‫ت�أتي �أمطار ال�سنة املقبلة‪ ،‬وهناك عدة �أحوا�ض �صغرية دائرية على ا�ستقامة واحدة‪ ،‬ت�سمى‬
‫(املطاه ��ر)‪ ،‬يربطه ��ا فلج من عند باب الربكة �إىل �آخر حو� ��ض‪ ،‬وعلى فم الربكة دلو ُينزع‬
‫بوا�سطته املاء من الربكة‪ ،‬و ُي�صب يف حو�ض عميق ن�سب ًّيا يف �أول هذه الأحوا�ض‪ ،‬ويجري به‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪458‬‬
‫الفلج �إىل الأحوا�ض الأخرى‪ ،‬و�أمام هذه الأحوا�ض يجل�س املتو�ض ��ئون على مرتفع منا�س ��ب‬
‫بط ��ول ه ��ذه الأحوا�ض‪ ،‬و�أمامهم جمرى لت�ص ��ريف ماء و�ض ��وئهم‪ ،‬ويف نهاية تلك املطاهر‬
‫عملوا حو�ضني م�س ��تطيلني �أخف�ض من م�ستوى �أحوا�ض الو�ضوء‪ ،‬تت�سع ملن يريد اال�ستنجاء‬
‫ولها فلج م�س ��تقل ع ��ن الأول‪ ،‬ومل يغفل الأج ��داد حمام الترَّ ْ ِو ْي�ش (اال�س ��تحمام)‪ ،‬فقد بنوا‬
‫(م ْر َو ً�ش ��ا) يف نهاية هذه الأحوا� ��ض وجعلوا جمراه �أعلى من جم ��رى ماء املطاهر‬ ‫َح ّم ًام ��ا َ‬
‫يتجمع ماءه بعد �ص ��به من الربكة على �س ��طح هذا املرو�ش‪ ،‬ويف و�س ��ط �سطحه ثقب دائري‬
‫�صغري ي�سده املرت ِّو�ش بخرقة‪ ،‬ف�إذا ما ملأ �سطح احلمام باملاء �أو ُملئ له دخل احلمام ونزع‬
‫تلك اخلرقة وا�س ��تمتع بانهمار املاء على ج�س ��ده‪ ،‬وكلما احتاج نادى بالزيادة في�صب له من‬
‫كان بالق ��رب من الربكة وهكذا‪ ،‬وقد �ش ��اهدتُ مثل هذا النظام يف م�س ��اجد عديدة‪ ،‬منها‬
‫على �سبيل املثال ‪ :‬م�سجد بيوت �شيوخ زهران �ساب ًقا �آل الرقو�ش‪ ،‬بقرية بني �سار بقبيلة بني‬
‫عامر‪ ،‬ويف امل�س ��جد اجلام ��ع بقرية �آل نعمة بدو�س‪ ،‬ويف امل�س ��جد اجلامع بقرية بني حممد‬
‫بقبيلة قري�ش ‪ .‬وال تخلو قرية بها م�سجد جامع من هذا ‪.‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪ )185‬تكملة ملعلومة ال�س ��دود ف�إن يف �س ��راة زهران �س ��دودًا مل �أر امل�ؤلف‬
‫ذكرها مع �أنني مت�أكد �أنه ر�أى بع�ضها وهو يتجول يف �أنحاء البالد لقربها من طريقه الذي‬
‫ال�صدر ‪� :‬س ��د ِم ْد َها�س‪� ،‬سد‬
‫�س ��لكه‪ ،‬ومن تلك ال�س ��دود املهمة ‪� :‬س ��د وادي بيدة‪� ،‬سد وادي َّ‬
‫ُح ْ�ض َوة‪ ،‬و�سدود �إ�سمنتية وترابية عديدة ‪.‬‬
‫يف �صفحة (‪ )191‬ال�سطر الثاين‪� :‬أخي �أبا املثنى ؛ لي�س للجبة (ال�صوفية) التي يلب�سها‬
‫الرجال يف ال�ش ��تاء �أكمام طويلة‪ ،‬وال تلك التي تلب�سها الن�ساء ف�أكمام اجلبتني ق�صرية ج ًّدا‬
‫ك�أكمام الب�ش ��ت ‪.‬تعقيب على ما ذكر امل�ؤلف يف �ص ��فحة (‪ )194‬وما بعدها ‪ :‬الأ�ستاذ ‪ :‬علي‬
‫بن �ص ��الح ال�س ��لوك الزهراين رحم ��ه اهلل‪ ،‬علم من �أعالم البالد‪ ،‬وق ��د خلف وراءه مورو ًثا‬
‫ينهل منه �أ�ص ��حاب الر�سائل اجلامعية والدرجات العلمية العالية‪ ،‬وقد تك َّفل النادي الأدبي‬
‫بالباحة بطباعة كتبه‪ ،‬وتعهدتُ حينها �أمام احل�ش ��د احلا�ض ��ر لت�أبين ��ه رحمه اهلل‪ ،‬بتنقيح‬
‫كتبه والإ�شراف عليها �إن رغب �أوالده يف ن�شرها ‪.‬‬
‫أي�ضا ُي�ستدرك على الأ�س ��تاذ ‪ :‬علي بن �صالح ال�سلوك رحمه اهلل‬ ‫ويف �ص ��فحة (‪ً � )194‬‬
‫لون �آخر من �ألوان املوروثات ال�ش ��عبية �أال وهو (المْ َ َجا ِل ِ�س ��ي)‪ ،‬وعادة ما يكون يف املجال�س يف‬
‫�أثناء ال�سمر �أو املنا�سبة وهم جلو�س‪ ،‬وطريقته �أن ين�شد ال�شاعر الق�صيدة كاملة‪ ،‬ويف �أثناء‬
‫ذلك يقوم بتف�س�ي�ر بع�ض ما يغم�ض من مفرداتها‪ ،‬وما �إن ي�أتي على �آخر �ش ��طر فيها حتى‬
‫يعرف اجلال�س ��ون نهايتها‪ ،‬وذلك من تغري نربات �ص ��وته‪ ،‬فيقومون ب�إن�شاد �آخر �شطر فيها‬
‫ب�صوت هادئ وملرة واحدة فقط‪ ،‬ثم يبد�أ يف الرد عليها �أو يتوىل ذلك �شاعر غريه‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬
‫ولي�س لهذا اللون وقت معني فهو ي�ؤدى يف كل الأوقات وقد ي�ستح�سن �أحد اجلال�سني ق�صيدة‬
‫‪459‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫�س ��معها لأحد ال�ش ��عراء املوجودين باملجل�س قالها فى منا�سبة �س ��ابقة‪ ،‬فيطلب منه �إي�ضاح‬
‫منا�س ��بتها للحا�ض ��رين‪ ،‬و�إن�ش ��ادها �أمامهم‪ ،‬وتدور يف هذه املجال�س الأحاديث والق�ص�ص‬
‫املقرتن ��ة ببع� ��ض الأ�ش ��عار والأمث ��ال الدراج ��ة يف املنطقة‪ ،‬وكث ًريا م ��ا توجه فيها الأ�س ��ئلة‬
‫واالنتقادات املوجهة �إىل ال�ش ��عراء ‪.‬وقد يبدي بع�ض ال�ش ��عراء �إعجابه بق�صيدة ل�شاعر ما‪،‬‬
‫فال يرتدد يف ذكر منا�سبتها و�إحتاف اجلال�سني بها ‪.‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪ )201‬ا�س ��تنبط الباحث من خالل ما ح�ص ��ل عليه من وثائق عدد الرجال‬
‫الذي ��ن يذهبون مع العرو�س ‪( .‬العرو�س كما وردت به املعاجم للرجل واملر�أة) هذا التحديد يا‬
‫�أبا املثنى يعتمد على موافقة والد العرو�س بدفع ما ُي�س َّمى (المْ َ ْك َ�سر) وهو مبلغ من املال يدفعه‬
‫لعريف القرية التي منها العرو�س لو�ضعه يف �صندوق اجلماعة ل�صرفه فيما ينوبهم‪� ،‬إذا كانت‬
‫العرو� ��س �أجنبية ‪ -‬ومعنى �أجنبية يف مفهوم القوم �أي تزوجت يف غري قبيلتها لأن الرجال من‬
‫غري القبيلة ي�س ��مون الأجانب ‪ -‬يتقي به زي ��ادة عدد الذاهبني مع العرو�س‪� ،‬أما �إذا رف�ض دفع‬
‫املك�سر‪� ،‬أو كانت العرو�س �ستتزوج يف قرية من قرى قبيلتها فال حتديد لعدد الذاهبني ‪.‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪ )217‬الأ�سواق التي �شاهدها امل�ؤلف �أو �سمع عنها ‪ :‬ال�سطر الرابع ‪� :‬سوق‬
‫قرية "الرومي" كانت تعقد يوم االثنني ولي�س يوم ال�س ��بت‪ ،‬و�س ��وق اثنني دو�س بني علي يف‬
‫وادي " ُثروق" ولي�س ‪" :‬تروق"‪� ،‬أ ّما �سوق بني َعدوان‪ ،‬و�سوق �أيل نعمة‪ ،‬وكل هذه الأ�سواق مل‬
‫يعد لها وجود هذه الأيام ‪ .‬و�س ��وق قرية ال�ص ��فح ا�س ��مه"ربوع ال�صفح" كانت تعقد يف قرية‬
‫ال�ص� �فْح ‪� .‬أما باخلزمر التي ح َّددْتَ عقد ال�س ��وق بها‪ ،‬فهو ا�س ��م القبيل ��ة التي تتبعها قرية‬ ‫َّ‬
‫ال�صفح �صاحبة ال�سوق ‪.‬‬
‫و�أخ ًريا ورد يف �صفحة ‪ِ )287( :‬ذ ْك ٌر للداعية عبد اهلل بن �سعدي الغامدي يرحمه اهلل‪،‬‬
‫ف�أذكر عندما كنت �صغريا قول النا�س ‪� :‬سوف ي�أتي ابن �سعدي ليلقي موعظة يف "الأطاولة"‬
‫(غا ِبرة) ‪.‬‬‫وذل ��ك يف يوم (ن�س ��يت اليوم والتاريخ)‪ ،‬فتجمع النا�س يف قطع ��ة زراعية كبرية َ‬
‫وذهبنا نحن ال�ص ��غار معهم‪ ،‬وملا جتمهر النا�س يف وقت ال�ض ��حى‪ ،‬انطلقنا نحن ال�ص ��غار‬
‫مثن على الرجل و�ساخط‪ ،‬لطول‬ ‫للعب وبعد �صالة الظهر بحني‪ ،‬عدنا مع �آبائنا وهم ما بني ٍ‬
‫املوعظة التي امتدت �إىل قرب �صالة الع�صر‪ ،‬املهم �أننا عرفنا �أنه من طرف الهيئة امل�س َّمني‬
‫عندنا بـ"المْ ُ َد ِّي َنة"‪ ،‬و�أنّ ه�ؤالء املدينة خمت�ص ��ون بالوعظ والإر�ش ��اد يف املنطقة‪ ،‬ثم ن�س ��يت‬
‫الرج ��ل غفر اهلل ل ��ه‪ ،‬ومل �أذكره �إال يف عام ‪1418( :‬هـ) على م ��ا �أذكر‪ ،‬حينما ر�أيت يف يد‬
‫�أحد الزمالء كتا ًبا بعنوان ‪" :‬الإي�ض ��احات ال�س ��لفية لبع�ض املنكرات واخلرافات الوثنية" ‪.‬‬
‫لل�شيخ املجاهد عبداهلل بن �سعدي الغامدي العبديل‪ ،‬غفر اهلل له وهداه‪ ،‬ووفقه وامل�سلمني ملا‬
‫يحبه وير�ضاه"‪ .‬الطبعة الثانية ‪ :‬مطبعة الأمل للأوف�ست بالطائف عام ‪1412( :‬هـ) وتولت‬
‫"مكتبة الطرفني" بالطائف ن�ش ��ره ‪ .‬فلما ملحته يف يد ذلك ال�ص ��ديق ا�ستهواين عنوانه‪،‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪460‬‬
‫وطلب ��ت منه �إعارته يل لقراءته فاعتذر بحج ��ة �أن الكتاب لي�س له‪ ،‬وبعد عدة �أيام وكل يوم‬
‫و�أن ��ا �أكرر الطل ��ب وافق على �إعارتي �إ َّياه‪ ،‬املهم �أنني ق ��ر�أت الكتاب‪ ،‬وكان يف الكتاب بع�ض‬
‫ما �أ�ش ��ار �إليه ال�ش ��يخ غفر اهلل له‪ ،‬من �أمور تخالف العقيدة ال�ص ��حيحة وذلك لقلة الدعاة‬
‫وعدم انت�شار العلم يف ذلك الزمن الغابر‪ ،‬لكنني وجدت ال�شيخ غفر اهلل له يذكر املخالفني‬
‫وبع�ض امل�ش ��عوذين باال�س ��م‪ ،‬بل �إنه ُي َع ِّرف با ْل ُق َرى التي هم منها‪ ،‬ومل يبخل بو�ص ��م �س ��كان‬
‫املنطقة دون ا�س ��تثناء بال�ش ��رك املخرج من امللة‪ ،‬وقد َع َّراهم غفر اهلل له من كل ف�ض ��يلة‪،‬‬
‫وك�أنه ��م يف الع�ص ��ر اجلاهل ��ي‪ ،‬مما �أثار �س ��خط النا�س عليه‪ ،‬لأن ه ��ذا الفعل منه بخالف‬
‫م ��ا كان يفعله الر�س ��ول (ﷺ)‪ ،‬عندم ��ا يرى منك ًرا من �أحد ف�إنه يقول "م ��ا بال �أقوام" �أو‬
‫كلم ��ة نحوها‪ ،‬فال يذكر �إن�س ��ا ًنا بعينه‪ ،‬ولكنه يعمم القول‪ ،‬في�س�ت�ر املخال ��ف الذي يعلم �أن‬
‫ال ��كالم موجه �إلي ��ه فيقلع عن فعله القبي ��ح‪ ،‬وال يعلم النا�س من هو املق�ص ��ود بذلك القول‬
‫ال�ص ��ادر منه (ﷺ)‪ ،‬وما كان ينبغي ن�ش ��ر ذلك الكتاب يف تلك الفرتة ال�سابقة �أي يف عام‬
‫‪1371( :‬هـ) يف عهد ال�شيخ ابن �سعدي‪ ،‬فهيئة الأمر باملعروف والنهي عن املنكر �آنذاك‪ ،‬ال‬
‫زالت يف بدايتها‪ ،‬وكان عليها تكثيف اجلهود لتب�ص�ي�ر جهلة النا�س وتعريفهم ب�أمور دينهم‬
‫باحل�س ��نى‪ ،‬فقد مكث ر�سول اهلل (ﷺ)‪ ،‬يدعو النا�س للدين ثالث ع�شرة �سنة‪ ،‬وحتمل يف‬
‫تعجل الهداية‪ ،‬فنال عداوة النا�س وبغ�ضهم‪،‬‬ ‫�سبيل ذلك �أذى كث ًريا ‪ .‬لكن ال�شيخ رحمه اهلل ّ‬
‫وم�ض ��ى ال�ش ��يخ رحمه اهلل ل�س ��بيله‪ ،‬وتنا�س ��ى النا�س ذل ��ك الكتاب‪ ،‬ومات بع ��د �أن اهتدى‪،‬‬
‫جمزي بعمله‪ ،‬وان�ص ��لح حال امل�س ��لمني بعد‬ ‫ٌّ‬ ‫�أو مل يهت ��د َم ��ن ذكره ��م يف ذلك الكتاب‪ ،‬وكل‬
‫ذلك‪ ،‬حيث انت�ش ��ر التعليم فق�ضى على تلك املعتقدات الفا�سدة التي مل تخت�ص بها منطقة‬
‫الباح ��ة وحدها‪ ،‬ب ��ل عمت �أنحاء اجلزي ��رة العربية يف ذلك الوقت املظل ��م بظالم اجلهل‪،‬‬
‫و�أ�ص ��بح النا�س بحمد اهلل ال يذكرون ما كان �س ��ائدً ا يف بع�ض املجتمعات من بدع وخرافات‬
‫�إال ليحم ��دوا اهلل على نعمة الإ�س�ل�ام‪ ،‬يف ظل الأمن ال�س ��ائد يف هذا العه ��د الزاهر ‪� .‬إ َّال �أنَّ‬
‫املفاج� ��أة التي �أذهلتني و�أذهلت معظم النا�س يف املنطقة‪ ،‬هو �إعادة ن�ش ��ر ذلك الكتاب مبا‬
‫فيه يف هذا الوقت الذي دخلت فيه ال�صحوة الدينية كل بيت ‪.‬وال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه ‪:‬‬
‫ملاذا �أعاد الإخوان ن�شر ذلك الكتاب �سنة ‪1412( :‬هـ) وقد زالت تلك اخلرافات بحمد اهلل‬
‫من �س ��ائر �أنحاء اجلزيرة العربية ؟ ثم �أال يوجد يف كتب ال�ش ��يخ العديدة التي خ ّلفها وراءه‬
‫كتا ًبا واحدً ا ي�س ��تحق الن�ش ��ر بدل هذا الذي ال فائدة من ن�شره يف هذا الوقت الذي عم فيه‬
‫العلم‪ ،‬واندثر اجلهل �إىل غري رجعة‪ ،‬وهل خدموا م�ؤلفه رحمه اهلل‪ ،‬بن�ش ��ره ؟؟ �إنني �أطلب‬
‫م ��ن ابنه الدكتور يحيى‪ ،‬و�إن كن ��ت ال �أعرفه �إال من خالل التعريف به من قبل الأخ الدكتور‬
‫غيث ��ان بن جري� ��س يف كتابه ‪ :‬القول املكت ��وب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬اجلزء اخلام�س‪� ،‬ص ��فحة‬
‫(‪ ،)287‬ج ��زاه اهلل خ�ي�را‪� ،‬أن يعتذر لأه ��ايل املنطقة عن �إحياء هذا الكت ��اب بعد ما طواه‬
‫الزمن ون�سيه النا�س‪ ،‬و�أن يطلب منهم الدعاء لوالده بالرحمة واملغفرة ‪ .‬وهذا ما �أمت َّناه ‪.‬‬
‫‪461‬‬ ‫الدرا�سة احلادية ع�شرة ‪� :‬إي�ضاحات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وانتقادات ‪ ،‬وتعليقات على جزئيات من�شورة يف كتاب‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬

‫وكن ��ت ق ��د ذكرت يف مالحظاتي للدكتور املن�ش ��ورة يف هذا الكت ��اب ‪( :‬القول املكتوب‬
‫يف تاري ��خ اجلنوب ‪ .‬اجلزء اخلام�س)‪� ،‬أنني مل �أجد حت ��ى تاريخه من املراجع التي اطلعت‬
‫عليها مرج ًعا واحدً ا يرجع قبائل (بني ُع َمر) ب�س ��راة زهران‪� ،‬إىل زهران بن كعب‪ ،‬فن�س ��ب‬
‫قبائ ��ل (دو�س وقبائ ��ل بني �أو�س و�س�ل�امان)‪ ،‬كما هو معروف يرتف ��ع �إىل جدهم الأعلى ‪:‬‬
‫زه ��ران بن كع ��ب‪ ،‬بينما قبائل بن ��ي ُعمر مل �أجد من الن�س ��ابني الأقدمني من ن�س ��بهم �إىل‬
‫زهران‪ ،‬و�إن كان ورد ذكرهم يف ق�ص ��يدة لل�شاعر ال�شعبي حممد بن ثامرة رحمه اهلل‪ ،‬قبل‬
‫�أكرث من قرن‪ ،‬ك�أحد �أبناء زهران الأربعة ‪( :‬دو�س‪ ،‬بني �أو�س‪ ،‬بني ُ�س ��ليم‪ ،‬بني ُعمر)‪ ،‬ولمَ ّا‬
‫مل �أج ��د الدلي ��ل من كتب الأقدمني حتى تاريخه‪� ،‬أرجعته ��م �إىل زهران باحللف �أو اجلوار‪،‬‬
‫ال �س ��يما �أن هناك �إ�ش ��ارات �ص ��ريحة وردت عن بع�ض امل�ؤرخني تفيد بانت�س ��اب بع�ض تلك‬
‫ولدي بحث مل يكتم ��ل عن هذه القبائل‪،‬‬ ‫القبائ ��ل ال ُع َمري ��ة �إىل قري�ش مكة‪ ،‬وقي� ��س عيالن‪ّ ،‬‬
‫وقب ��ل عدة �أيام و�ص ��لتني ر�س ��الة من الأخ الكات ��ب ‪� :‬أحمد بن علي بن �أحم ��د الزهراين‪،‬‬
‫�ص ��احب كتاب‪( :‬العنوان يف �أن�س ��اب زهران) ي�ستغرب فيها كيف مل يكونوا من زهران وقد‬
‫حق ��ق ن�س ��بهم بزعمه يف الكت ��اب املذكور ! والأخ �أحم ��د‪ ،‬جل�أ يف �إثبات ن�س ��بهم �إىل �إجراء‬
‫معادلة تاريخية من تلقاء نف�س ��ه �ش ��بيهة بتلك التي كنا جنريها يف م�سائل اجلرب والهند�سة‬
‫�شخ�صا �أدخله يف الن�سب‪ ،‬ال �أدري‬ ‫�أيام الدرا�س ��ة‪ ،‬ومنحنا من عنده لربط ن�سبهم بزهران ً‬
‫م ��ن �أي ��ن �أتى به � ْإذ مل يورده الن�س ��ابون من قبل‪ ،‬وال يوجد يف ن�س ��ب �ش ��جرة زهران‪ ،‬حتى‬
‫ال�س� � ّلوك رحمهم ��ا اهلل‪ ،‬مل يقدما على مثل ما �أق ��دم عليه الأخ �أحمد‬‫حمد اجلا�س ��ر‪ ،‬وعلي ّ‬
‫الزه ��راين‪ ،‬وم ��ا ينبغي التنبي ��ه عليه يف هذا الوقت ال ��ذي كرث فيه امل�ؤلف ��ون �أن الأخذ عن‬
‫أ�سا�س ��ا‬
‫املعا�ص ��رين يف مو�ض ��وع الأن�س ��اب‪ ،‬ال ميكننا الركون �إليهم دون �أن جند لأقوالهم � ً‬
‫يف كت ��ب التاريخ والأن�س ��اب القدمي ��ة التي هي مرجعنا يف ذلك‪ ،‬ف�أقول ‪ :‬اتق اهلل يا �أ�س ��تاذ‬
‫�أحمد ومن يدور يف فلكه‪ ،‬وال ت ْعر�ض معلومة �إ َّال بدليل �ص ��حيح و�ص ��ريح تتكئ عليه من كتب‬
‫الأوائ ��ل‪� ،‬أم ��ا �أن تقول بغري علم وت ّدعي ن�س ��بهم الزهراين بذلك الأ�س ��لوب الذي مل يقل به‬
‫�أح ��د غريك‪ ،‬وقد ناق�ش� �تُك يف هذا املو�ض ��وع عند �ص ��دور كتابك‪ ،‬ف�أنت ُت َع ِّر�ض نف�س ��ك ملا‬
‫قاله الر�س ��ول (ﷺ)‪ ،‬يف م�س� ��ألة الأن�س ��اب‪ ،‬فكن على حذر‪ ،‬ولو كان لهم �أ�ص ��ل يف زهران‬
‫لقال به الأوائل من قبلنا من الذين ي�ؤخذ التاريخ والن�س ��ب عنهم‪ ،‬وملا �س ��بقتنا �إىل تدوينه‪،‬‬
‫فالأن�س ��اب ال تخ�ضع ملثل تلك املعادالت واال�س ��تنتاجات ال�شخ�صية‪ ،‬وما ذا �سيكون موقفك‬
‫غ ��دً ا عندم ��ا ي�أتي �أحد الباحثني ويك�ش ��ف عن ن�س ��بهم املغاير ملا �أثبته ؟ هذا ما تي�س ��ر لنا‬
‫�إي�ض ��احه على عجالة‪ ،‬لأن كل مو�ضوع طرقه �س ��عادة الدكتور غيثان ي�ستحق منا �صفحات‪،‬‬
‫خا�ص بها‪ ،‬ولنا �إن‬‫لكننا ن�أمل من دكتورنا التو�سع يف هذه املو�ضوعات الح ًقا و�إ�صدار كتاب ٍّ‬
‫�شاء اهلل‪ ،‬عودة ملناق�شة بع�ض ق�ضايا وردت يف الق�سم اخلام�س من هذا الكتاب القيم مما‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪462‬‬
‫يتعلق مبنطقة الباحة‪ .‬و�أ�ش ��كر الدكتور غيثان بن علي ابن جري�س اجلبريي ال�ش ��هري‪ ،‬على‬
‫ما يقوم به من توثيق لعموم قبائل ال�سراة وتهامة‪ ،‬جعل اهلل ذلك يف ميزان ح�سناته‪ ،‬واهلل‬
‫من وراء الق�صد‪ ،‬وهو الهادي �إىل �سواء ال�سبيل‪ ،‬و�صلى اهلل و�سلم على �سيدنا حممد وعلى‬
‫�آله و�ص ��حبه‪ .‬حرر يف ( ‪ 1435/2/15‬هـ )‪ .‬علي بن حممد بن �سدران الزهراين ‪ .‬الباحة‪،‬‬
‫حمافظة القرى‪ ،‬مدينة الأَ َطا ِو َلة ‪.‬‬
‫‪463‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ع�شرة ‪ :‬الرد املكتوب على بع�ض ما ورد عن زهران يف كتاب القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( الباحة وع�سري )‬

‫الدراسـة الثانية عشرة‬

‫الرد املكتوب على بع�ض ما ورد عن زهران يف كتاب القول‬


‫املكتوب يف تاريخ اجلنوب ‪( .‬الباحة وع�سري ) ( اجلزء اخلام�س )‬
‫بقلم ‪:‬أ‪ .‬أحمد بن علي بن أحمد الحسني الزهراني‬
‫(*)‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (الباحة وع�سري ‪ ،‬وجنران) ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(‪1435‬هـ ‪2014 ،‬م) ‪( -‬اجلزء ال�سابع)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪249 - 242‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪464‬‬
‫الدرا�سة الثانية ع�شرة ‪ :‬الرد املكتوب على بع�ض ما ورد عن زهران يف كتاب‬
‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب [ الباحة وع�سري ] ‪ (.‬اجلزء اخلام�س )‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ .‬بقلم �أ ‪� .‬أحمد بن علي بن �أحمد احل�سني الزهراين‪.‬‬
‫�إىل الغ ��ايل والعلم العايل الأ�س ��تاذ غيثان بن جري�س ‪� .‬أ�س ��تاذ التاري ��خ بجامعة امللك‬
‫خالد ب�أبها حفظه اهلل ‪.‬‬
‫وح����ب ل��غ��ي��ث��ان اجل��ري�����س ال ي�شق‬ ‫��������س���ل���ام م��������ن ������ص�����ب�����ا زه����������������ران �أرق‬
‫وه������و ي����ج����ري يف ع����روق����ي وي���ـ���دق‬ ‫�أق������������ل م�����ث�����ل ه����������ذا ال�������ق�������ول �����ص����دق����اً‬
‫يا ر�سالتي اذهبي على جناح ال�سرعة �إليه‪ ،‬وقبلي نيابة عني يديه‪ ،‬فهو ال�سراج املنري‪،‬‬
‫والبحر الغزير للتاريخ‪� ،‬أخي �أنا ل�ست �شاعر ًا �إال بك‪ ،‬ومل �أقل ال�شعر بل النظم فما نا�سبك‬
‫فخذه وما مل ف�أبعده‪.‬‬
‫�إن ابن �سبعني من موت على خطر ‪.‬‬ ‫�أن�����ا اب����ن ���س��ب��ع�ين ال زادت وال نق�صت‬
‫�أخ ��ي كن ��ت �أود امل�ش ��اركة مع ��ك ومع قرائك �س ��ابق ًا‪ ،‬لكن ح ��ال دون ذل ��ك �أهوال من‬
‫الأمرا� ��ض و (الغرغرين ��ا ) وعندم ��ا قر�أت كتاب ��ك‪ ( :‬القول املكت ��وب يف تاريخ اجلنوب )‬
‫( الباح ��ة وع�س�ي�ر) ( اجل ��زء اخلام�س ) �ش ��جعتني �أخالق ��ك العالية‪ ،‬و�ص ��فاتك النبيلة‪،‬‬
‫و�ص�ب�رك اجلميل على جت�ش ��م العن ��اء والغو�ص مع م ��ن غا�ص يف بحر التاري ��خ املتالطم‪،‬‬
‫وهمه ��م �أن يجدوا الأ�ص ��داف التي حتم ��ل الل�ؤل�ؤ واملرج ��ان‪ ،‬وبذلك قدمت رج�ل ً�ا و�أخرت‬
‫�أخرى‪ ،‬فب�ضاعتي مزجاة وعلمي قطرة �أمام �أعالم �شاركوك الر�أي وغرفوا من بحر غزير‪،‬‬
‫و�أنت املحيط الهادي‪ ،‬فيك الأمواج الهادرة يف الداخل‪ ،‬ويف ال�سطح هادي حتى يتمكن مثلي‬
‫ومثلهم من ال�س ��باحة دون خوف �أو وجل‪ ،‬فلله درك يا ابن جري�س‪ ،‬وهذا ما �ش ��جعني على‬

‫((( هو �أحمد بن علي بن �أحمد احل�س ��ني الزهراين من مواليد قرية وادي ال�ص ��در بزهران عام ( ‪1368‬هـ‪1948 /‬م)‬
‫‪ .‬بد�أ حياته الدرا�س ��ية يف موطنه الرئي�س‪ ،‬ثم ذهب �إىل الطائف ال�س ��تكمال درا�سته هناك فدر�س يف معهد املعلمني‬
‫وتخرج فيه عام (‪1385‬هـ‪1965/‬م)‪ ،‬ثم كلية املعلمني املتو�س ��طة وتخرج فيها عام (‪1401‬هـ‪1981/‬م)‪ ،‬ثم الدبلوم‬
‫التكميل ��ي وتخ ��رج فيه عام (‪1405‬هـ‪1985/‬م) عمل يف جم ��ال الرتبية والتعليم حوايل (‪� )32‬س ��نة‪ ،‬ثم تقاعد من‬
‫عمله عام (‪1418‬هـ ‪1998 /‬م) ‪ .‬مل ي�س ��بق �أن قابلته‪ ،‬و�إمنا االت�ص ��االت بيني وبينه عن طريق الهاتف �أو املكاتبة‪،‬‬
‫وقد قابلت عدد ًا كثري ًا من الذين يعرفونه‪ ،‬وهم يثنون على خلقه ولطفه وح�س ��ن مع�ش ��ره‪ ،‬وقد �أخربين هاتفي ًا �أنه‬
‫يعاين بع�ض الأمرا�ض‪ ،‬ف�أ�س� ��أل اهلل العلي القدير �أن يلب�س ��ه ثوب ال�ص ��حة والعافية‪ ،‬و�أال يحرمه �أجر ما �أ�صابه‪ ،‬وله‬
‫اهتمامات علمية وبحثية عديدة ومن �أهم كتبه‪ ،‬كتاب‪ :‬العنوان يف �أن�س ��اب زهران من احلجاز �إىل عمان وغريهما‪،‬‬
‫وهو كتاب علمي قيم ال ي�ستغني عنه �أي باحث يكتب عن تاريخ و�أن�ساب وح�ضارة قبائل زهران عرب ع�صور التاريخ‪،‬‬
‫�صدر منه حتى الآن خم�س طبعات‪� ،‬آخرها الطبعة اخلام�سة عام (‪1434‬هـ‪2013/‬م) ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫‪465‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ع�شرة ‪ :‬الرد املكتوب على بع�ض ما ورد عن زهران يف كتاب القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( الباحة وع�سري )‬

‫ال�س ��باحة‪ ،‬وقالت يل نف�سي تقدم فقد �أفنيت نف�س ��ك يف القراءة والتعلم منذ �سن العا�شرة‬
‫عام ( ‪1378‬هـ‪1958/‬م)‪ ،‬ف�إن ر�أيتني �أغرق ف�أر�سل يل طوق النجاة وردين �إىل �أهلي �سامل ًا‬
‫غامن ًا فمثلك يفعل ‪.‬‬
‫�أخي قمت بت�أليف كتاب ( العنوان يف �أن�س ��اب زهران من احلجاز �إىل ُعمان وغريهما‬
‫من البلدان) فيما يزيد ربع قرن من الزمن من البحث حتى نقارن بني املراجع ونح�صل على‬
‫اجلديد القدمي‪ ،‬وال�س ��فر �إىل عمان كان مفيد ًا حق ًا للح�ص ��ول على بع�ض املراجع والتحقق‬
‫من وجود قبائل زهران املهاجرة على �أر�ض الواقع‪ ،‬ولي�س يف املراجع فقط وال�س� ��ؤال ملاذا؟‬
‫واجل ��واب �أن م�ؤرخني قبلي �ألفوا عن زهران‪ ،‬وه ��م ُكرث‪ ،‬و�إذا مل �آت مع القدمي بجديد فال‬
‫لدي الكثري من الأ�ص ��دقاء‬ ‫داع ��ي للعن ��اء‪ ،‬ولكن وهلل احلمد ح�ص ��لت على املراد‪ ،‬و�أ�ص ��بح ّ‬
‫والعلماء الأفا�ضل الذين يعملون يف الدولة واجلامعات‪ ،‬وقد زارين وفود منهم مرات عديدة‬
‫و�أعجبوا مبا كتبت ‪.‬‬
‫�أخي الدكتور غيثان بن جري�س �إن ما دفعني �أكرث للكتابة وامل�شاركة هو بع�ض الكتابات‬
‫التي كتبها البع�ض عن زهران بح�س ��ن ني ��ة كقولهم �إن زهران ال تقدر على قري�ش لوحدها‪،‬‬
‫و�أن بع�ض قبائل زهران قد يجد املرء �صعوبة يف رفعها �إىل �أبيها زهران‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬وهذا‬
‫غ�ي�ر �ص ��حيح‪ ،‬ومع هذا �أقدر له ��م اجتهادهم فلكل جمتهد ن�ص ��يب‪ ،‬والبحث عن احلقيقة‬
‫غاي ��ة كل باحث‪ ،‬لكن ب�ش ��رط االلتزام باملو�ض ��وعية‪ ،‬وع ��دم �إدخال التع�ص ��ب والذاتية يف‬
‫املو�ض ��وعات ذات البحث(‪ ،)1‬و�أنا مقدر للجميع‪ ،‬وقبائل اجلنوب وغري اجلنوب عندي حمل‬
‫تقدي ��ر واحرتام‪ ،‬ال �أتع�ص ��ب لقبيلتي زهران‪ ،‬وال �أقلل من حق الآخري ��ن‪ ،‬فكما يقول املثل‬
‫يف كل قبيل ��ة حقها م ��ن رجالها‪ ،‬وما �أطرحه هنا للتاريخ فقط‪ ،‬فال يظ ��ن �أحد �أن ما �أقوله‬
‫تع�صب ال و�ألف ال ‪� .‬أخي �س�أكتب لكم من خالل كتابي(‪ ،)2‬وفيه الرد على بع�ض الأقوال‪.‬‬

‫((( هذا كالم جيد‪ ،‬وال�سعي للبحث عن احلقيقة هدف �سام ويجب على كل دار�س �أو باحث �أن يت�صف بالدقة والإن�صاف‬
‫واحليادية والنزاهة‪ ،‬ومن يفعل ذلك فهو على خري ( ب�إذن اهلل ) (ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( يف املذك ��رة التي و�ص ��لتنا من الأ�س ��تاذ �أحمد بن عل ��ي بن �أحمد الزهراين حوايل (‪� )16‬ص ��فحة مقتب�س ��ة من كتابه‬
‫(العن ��وان يف �أن�س ��اب زه ��ران من احلجاز �إىل ُعمان وغريهم ��ا من البلدان )‪ ،‬وهذه املادة املقتب�س ��ة مت حذفها‪ ،‬فلم‬
‫نورده ��ا يف هذا ال�س ��فر لأنها مكررة‪ ،‬وم ��ن �أراد االطالع عليها فلريجع �إىل كتاب الأ�س ��تاذ �أحمد الذي يقع يف حوايل‬
‫(‪� )700‬صفحة‪ ،‬وهو كتاب جدير بالقراءة ‪� .‬أما املحاور التي �أ�شار �إليها يف مذكرته التي و�صلتنا منه‪ ،‬وقمنا بحذفها‪،‬‬
‫فذكر خال�ص ��ة خمت�ص ��رة ملحتوي ��ات الكتاب‪ ،‬ثم ذك ��ر (‪ )1‬قبائل زهران املعا�ص ��رة وكيف تكونت ‪ )2( .‬التو�ض ��يح‬
‫ال�صحيح عن قبائل زهران يف احلجاز ‪ )3(.‬له ر�أي عن قبائل بني عمر و�أ�صولها وعالقتها بزهران ‪ )4( .‬ديار بني‬
‫�س�ل�امان‪ ،‬ثم تعر�ض لذكر بع�ض البطون والع�ش ��ائر الزهرانية مثل‪ :‬ديار بني ن�ص ��ر بن زهران‪ ،‬وهم يعرفون حالي ًا‬
‫با�سم بني مو�سى ( �أو�س )‪ ،‬وقبيلة بي�ضان ‪ ،‬وقبائل الأحالف يف تهامة زهران يف قلوة وناوان‪ ،‬وبني ح�سن‪ ،‬و�أحالف‬
‫زهران يف �أجزاء من تهامة وال�سراة ‪ )5(.‬زهران يف عمان فروعها وبع�ض �أجمادها التاريخية‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪466‬‬
‫(*) مرئيات (‪:)1‬‬
‫‪1 .1‬كنت �أخي الدكتور غيثان قلت ب�أن زهران وغامد من اجلنوب‪ ،‬وهذا غري �ص ��حيح‬
‫فهي من قبائل احلجاز‪ ،‬و�إن كانت تتبع يف بع�ض الفرتات منطقة ع�س�ي�ر(‪ . )2‬قال‬
‫�ش ��اعر عمان يف الع�ص ��ور القدمي ��ة ‪� :‬أال هل �أتى عنا حجازي قومن ��ا �إىل �آخر �ص‬
‫(‪ )382‬الطبعة الرابعة(‪ ،)3‬وتكتب قبائل الباحة (غامد وزهران) ولي�س ��ت كلها يف‬
‫الباحة‪ ،‬فحبذا �أن تكتب قبيلة غامد وزهران وعا�صمة منطقتهم الباحة(‪. )4‬‬
‫‪2 .2‬ع�س�ير ‪ :‬كثري ًا ما تكتب قبائل ع�س�ي�ر‪ ،‬وال�ص ��حيح �أنها لي�س ��ت من ع�س�ي�ر‪ ،‬فبني‬
‫احلجر لهم ن�سبهم اخلا�ص‪ ،‬والقبائل الأخرى لي�ست من ع�سري‪ ،‬قبيلة ع�سري‪ ،‬والتي‬
‫يطلق عليها ع�س�ي�ري‪ ،‬ال ميكن �أن تكون ممثلة لكل قبائل املنطقة (‪�.)5‬إن ع�سري �أخي‬
‫كما قلت �أنت لي�ست �إقليمي ًا من �أقاليم اجلزيرة‪ ،‬ونحن نقول �إن هذا اال�سم مل يكن‬
‫معروف ًا يف الع�ص ��ر اجلاهلي والإ�س�ل�امي الأول‪ ،‬و�إننا نفخر بع�سري وقبائل اجلنوب‬
‫كلها وال نف�ضل �أحد ًا على �أحد‪ ،‬وحبذا لو كتبت بدل قبائل اجلنوب ( قبائل احلجاز‬
‫اجلنوبي ) ‪ .‬لي�شمل زهران وغامد �إىل ع�سري لأن اجلنوب ميتد �إىل عدن(‪.)6‬‬
‫((( هذا العنوان‪ ،‬كما ورد يف مذكرات الأ�ستاذ �أحمد الزهراين ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( �أ�ستاذ �أحمد �إنها فع ًال من �أر�ض اجلنوب‪ ،‬وقد عرفت يف كثري من كتب الرتاث الإ�سالمي با�سم بالد ال�سراة ( �أر�ض‬
‫ال�س ��روات )‪� ،‬أو ( بالد اليمن )‪� ،‬أما ا�س ��م ( احلجاز ) فهناك مئات الدرا�سات باللغة العربية وغري العربية‪ ،‬ومنها‬
‫من قال �إن �أر�ض احلجاز من بالد ال�ش ��ام �إىل اليمن‪ ،‬واالختالفات كثرية يف هذا الباب‪ ،‬وحتى تت�ض ��ح لك ال�ص ��ورة‬
‫ارجع �إىل كتاب‪ :‬اجلغرافيا والرتاث الإ�س�ل�امي املبكر‪ ،‬و�س ��وف جتد �شروحات كثرية حول احلجاز‪ ،‬وجبال احلجاز‬
‫وحدودها وم�سمياتها ‪� .‬أما بالد غامد وزهران تاريخي ًا و�سيا�سي ًا فهي من بالد اجلنوب‪ ،‬حتى و�إن كانت على �صالت‬
‫قوية وجيدة مع حوا�ضر احلجاز الكربى ( ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( ()) ملزي ��د م ��ن التف�ص ��يالت انظر كتاب ‪� :‬أحم ��د علي �أحمد الزهراين ‪ .‬العنوان يف �أن�س ��اب زه ��ران من احلجاز‬
‫�إىل ُعمان وغريهما من البلدان ( معلومات الن�ش ��ر ب ��دون‪1432 ،‬هـ‪2011 /‬م) (الطبعة الرابعة )‪� ،‬ص ‪( . 382‬ابن‬
‫جري�س ) ‪.‬‬
‫((( املق�ص ��ود ب� �ـ ( الباحة) هنا‪� ،‬أي منطقة الباحة‪ ،‬وللأ�س ��ف �أننا جند هذه احل�سا�س ��ية املفرطة عند بع�ض الع�ش ��ائر‬
‫والقبائل يف جنوبي البالد ال�سعودية مثل ( الباحة ) �أو ( ع�سري ) �أو (جازان )‪ ،‬فهذه امل�صطلحات �أ�صبحت عامة‬
‫على عموم املنطقة‪ ،‬ويجب �أن نعرتف بذلك‪� ،‬أما �إذا عدنا �إىل درا�س ��ة الأن�س ��اب وما يتعلق بها فهذا باب �آخر‪ ،‬وكل‬
‫ناحية �أو قبيلة معروفة بن�سبها و�أ�صولها ( ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( يا �أ�س ��تاذ �أحمد هذا فع ًال �ص ��حيح‪ ،‬لكنها اليوم �إداري ًا و�سيا�س ��يا ومنذ زمن �أ�ص ��بحت منطقة ع�سري‪ ،‬بل ا�سم ع�سري‬
‫ً‬
‫�أطلق على جميع ع�شائر وقبائل منطقة ع�سري ‪ .‬وهناك من يعار�ضني وينتقدين من قبائل رجال احلجر‪ ،‬وقحطان‪،‬‬
‫و�ش ��هران و غريهم يف تهامة وجازان ويقولون مثل قولك على زهران والباحة‪� ،‬أو ع�س�ي�ر ورجال احلجر وغريها ‪.‬‬
‫ونك ��رر الق ��ول �إن هذه القبائل معروفة ب�أ�ص ��ولها و�أجمادها التاريخية‪ ،‬لكنها اليوم ومنذ زمن �أ�ص ��بحت حتت مظلة‬
‫�إدارية عامة مثل‪ :‬منطقة الباحة‪� ،‬أو منطقة ع�سري‪� ،‬أو منطقة جازان وهكذا ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( �أنت تناق�ض نف�س ��ك يا �أ�س ��تاذ �أحمد فتقول وتكتب �أحيان ًا ( قبائل اجلنوب )‪ ،‬و�إذا اعتربنا احلجاز �أو جبال احلجاز‬
‫من ال�ش ��ام �إىل اليمن‪ ( ،‬وكما ورد يف كثري من الدرا�س ��ات فالب�أ�س �أن نطلق على جميع بالد الباحة وع�س�ي�ر ا�س ��م‬
‫احلجاز ن�سبة �إىل جبال احلجاز‪ ،‬لكن هذا لي�س املتبع وامل�سلوك يف كثري من البحوث والدرا�سات العلمية الأكادميية‬
‫التي �صدرت خالل املئة �سنة املا�ضية (ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫‪467‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ع�شرة ‪ :‬الرد املكتوب على بع�ض ما ورد عن زهران يف كتاب القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( الباحة وع�سري )‬

‫(*) حتية و�إكبار و�إعجاب (‪: )1‬‬


‫‪1 .1‬التقدي ��ر واالحرتام لأخ ��ي العميد متقاعد �إبراهيم الأملع ��ي (‪ ،)2‬ملا ميلكه من معلومات‬
‫غزيرة وعلم نافع‪ ،‬لكن يغلب عليه الطابع الع�س ��كري والتع�ص ��ب‪ ،‬قال يف كتاب‪ :‬القول‬
‫املكت ��وب يف تاري ��خ اجلن ��وب (الباح ��ة وع�س�ي�ر ) ( اجل ��زء اخلام�س )‪�� � ،‬ص(‪،)433‬‬
‫واحلديث عن ق�صة مقتل �أبي �أزيهر الدو�سي‪ ،‬وهو لي�س من دو�س‪ ،‬لكنه من بني احلارث‬
‫الغطريف‪ ،‬وهو ابن عم �ضماد بن م�سرح قائد الغطاريف يف معركة ح�ضوة التي جرت‬
‫بني دو�س والغطاريف‪ ،‬ويلتقيان يف �سعد بن احلارث الغطريف‪ ،‬وكانت زهران معروفة‬
‫با�س ��مها وقبائلها‪ ،‬لكنها خارج القبيلة ال تعرف �إال بدو�س ل�ش ��هرة دو�س وخا�ص ��ة عند‬
‫�أهل مكة‪ ،‬ثم تخلت قبائل زهران عن ا�س ��م دو�س‪ ،‬وبقي هذا اال�س ��م يطلق على ناحية‬
‫من نواحي زهران حتى وقتنا احلا�ض ��ر ‪ .‬وقد �أراد ال�ش ��اعر عتبة بن مردا�س �أن يهجو‬
‫عبد اهلل بن عبا�س‪ ،‬لكن احل�سني بن علي ( ر�ضي اهلل عنهم �أجمعني ) ا�سرت�ضاه فقال‬
‫معاتب ًا‪ (:‬انظر‪ :‬العنوان يف �أن�ساب زهران �ص ‪ 139‬الطبعة الرابعة )‪،‬‬
‫ولكنني مـوىل جميـل بن معمـر‬ ‫ف��ل��و ك��ن��ت م��ن زه����ران مل ين�س حاجتي‬
‫وه ��و يعاتبه لأنه ال ينظر �إال لزوجته �ش ��ميلة بنت �أبي حناءة ب ��ن �أبي �أزيهر‪ ،‬و�أبو �أزيهر‬
‫م ��ن الغطاري ��ف من زهران‪ ،‬فهو يق ��ول لو كنت من زهران �أرح ��ام عبد اهلل بن عبا�س‬
‫يل‪ ،‬وقد قال �أخي العميد الأملعي مل تر�ض دو�س بقتل �أبي �أزيهر‪ ،‬واحلقيقة �أنه‬ ‫لنظ ��ر �إ ّ‬
‫لي�س من دو�س بل من الغطاريف من فروع دهمان من ن�ص ��ر من زهران‪ ،‬وجتد ن�س ��به‬
‫كام ًال يف ق�صة مقتلة يف الكتاب ‪� .‬أخي يق�صد بدو�س زهران كاملة‪ ،‬وما �أورده من �شعر‬
‫�ص ��حيح‪ ،‬لكن فاته قول �أبي �س ��فيان ملا قال لعمري ما بدو�س‪ ( ،‬ويق�صد زهران كافة )‬
‫عجز عن طلب ث�أرهم‪� ،‬إننا نقدر كل الأزد واجلنوب وقبائل العرب‪ ،‬لكن زهران ما بهم‬
‫عجز عن طلب ث�أرهم وقد حتقق ذلك ‪.‬‬
‫‪2 .2‬طلب الطفيل بن عمرو الدو�سي من ر�سول اهلل ( ﷺ ) الهجرة �إىل بالد زهران حينما‬
‫قال تعال �إىل ح�صن ح�صني وعدد وعدة وهو يتحدث با�سم زهران‪ ،‬لأن زهران يف تلك‬
‫الفرتة يت�سمون بدو�س ‪.‬‬
‫‪3 .3‬من فر�ض الإتاوة على قري�ش ؟ �إنهم زهران ولي�ست قبائل الأزد كلها‪ ،‬لأن قري�ش ًا كانت‬
‫متر ببالد زهران �إىل �سوق حبا�شة بوادي قنونا‪ ،‬وقبائل الأزد الأخرى لي�ست يف طريق‬
‫قافلة قري�ش ‪.‬‬

‫((( هذا العنوان �أورده �صاحب املذكرة‪ ،‬الأ�ستاذ �أحمد الزهراين ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( املق�ص ��ود بالعمي ��د متقاعد �إبراهي ��م الأملعي هو �إبراهيم بن علي بن مو�س ��ى الأملعي له ثالث م�ش ��اركات خمتلفة يف‬
‫�سل�س ��لة كت ��اب ‪ :‬القول املكت ��وب يف تاريخ اجلنوب‪ ،‬اجلزء الثاين‪� ،‬ص (‪ 301‬ـ ‪ ،308‬اجل ��زء الثالث‪� ،‬ص ‪ 109‬ـ ‪،180‬‬
‫اجلزء اخلام�س‪� ،‬ص ‪ 389‬ـ ‪ . 460‬للمزيد انظر ترجمته‪ ،‬القول املكتوب‪ ،‬ج‪� ،2‬ص ‪ ( ،301‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪468‬‬
‫‪�4‬إنني هنا ال �أتع�صب وال �أقلل من قدر �أي قبيلة‪ ،‬لكن هذه حقائق تاريخية‪ ،‬وغري العميد‬ ‫‪.4‬‬
‫م ��ن كتب عن الطفيل‪ ،‬وقال �إنه حتدث با�س ��م غامد وزهران‪ ،‬و�أرى �أننا يجب �أن ننظر‬
‫مبو�ضوعية للبحوث‪.‬‬
‫‪5‬هناك م�ص ��ادر حتدث ��ت عن الغطاريف‪ ،‬وهم م ��ن زهران من فرع دهمان بن ن�ص ��ر‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫وهم حالي ًا قبيلة بني ح�سن‪ ،‬كانوا من عهد احلارث الغطريف ا�سمهم الأ�سياد‪ ،‬وكانوا‬
‫ي�أخ ��ذون م ��ن الأزد املرباع‪ ،‬وهو رب ��ع الغنيمة‪ ،‬وفروع دهمان من ن�ص ��ر كثرية‪ ،‬وكانوا‬
‫يت�س ��مون ببني �ص ��عب بن دهمان‪ ،‬ثم ببني ي�ش ��كر بن مب�ش ��ر بن �ص ��عب‪ ،‬و�أخري ًا ببني‬
‫احلارث �إىل عهد قريب‪ ،‬ثم ببني ح�سن وهو لقب احلارث‪.‬‬
‫‪�6‬أرى لأخي الدكتور غيثان بن جري�س �أال يعمم ا�س ��م ع�س�ي�ر على كل القبائل يف منطقة‬ ‫‪.6‬‬
‫ع�س�ي�ر �إذ لكل ن�س ��به اخلا�ص‪ ،‬و�أن ي�س ��تبدل ـ كما قلت �سابق ًا ـ ا�س ��م ( قبائل احلجاز‬
‫اجلنوب ��ي ) وال �أري ��د الإ�س ��هاب فهذا يح�س ��ب م ��ن �أقاليم احلج ��از ولي�س م ��ن �أقاليم‬
‫اليمن(‪.)1‬‬
‫‪7‬كتب الأن�س ��اب كثرية ومتعددة الأقوال يف �أن�س ��اب ع�سري‪ ،‬بع�ض ��ها قال ميانية تنزرت‪،‬‬ ‫‪.7‬‬
‫وبع�ض ��ها ن�س ��بها �إىل عنز مبا�ش ��رة‪ ،‬و�أرى �أن مالك التي قال عنه ��ا الهمداين �أنها من‬
‫عنز‪ ،‬و�أنها دخلت يف متنية يف �شهران ‪.‬‬
‫‪8‬بنو مالك التي يف �أبها �أرى �أنها �أزدية م�ؤيد ًا ملن قال ذلك ‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫‪9‬م ��ن �أي الأزد ه ��ي ؟ �أرى �أنه ��ا م ��ن بني جعثم ��ة و�أحيان� � ًا يكتب خثعم ��ة ‪ .‬وجعثمة ‪ :‬هو‬ ‫‪.9‬‬
‫جعثمة بن بكر بن ي�ش ��كر بن مب�ش ��ر بن �ص ��عب بن دهمان بن ن�ص ��ر ابن زهران‪ ،‬فهم‬
‫من الغطاريف يف ن�س ��ب واحد‪ ،‬وكيف نف�س ��ر ذلك ؟ نف�سره �أن بع�ض بطون بني ي�شكر‬
‫�إخوة عامر الغطريف وبع�ض �أبنائه مل يوا�صلوا امل�سري �إىل �سراة زهران‪ ،‬ومنهم ‪)1( :‬‬
‫احلارث بن بكر بن ي�ش ��كر بن مب�ش ��ر بن �ص ��عب بن دهمان بن ن�صر بن زهران دخلوا‬
‫يف زبيد منهم �ض ��ماد ال�شاعر‪ )2( .‬بني جعثمة‪ ،‬والن�سب تقدم �أو ًال‪ ،‬حالفوا بني نفاثة‬
‫ابن الديل من بني كنانة‪ ،‬وبع�ض ��هم نزل قريب ًا من مكة ومنهم عامر اجلادر الذي من‬
‫حفدته �س ��عد بن �س ��يل ال ��ذي زوج ابنته فاطمة ل ��كالب بن مرة فولدت له ق�ص ��ي �أحد‬
‫�أج ��داد الر�س ��ول ( ﷺ )‪ ،‬ومن املع ��روف �أن قبائل بني كنانة منت�ش ��رة يف كل مناطق‬
‫تهامة‪ ،‬من �أجل ذلك �أ�ؤيد من قال �إن قبائل ع�س�ي�ر من بني جعثمة ‪� )3( .‬إن يف جبال‬
‫ع�س�ي�ر جبل �شنوءة‪ ،‬وبه ت�سمت قبائل �ش ��نوءة‪ ،‬وهو ن�صر بن الأزد‪ ،‬وال ي�صح على غري‬
‫�أبناء ن�ص ��ر بن الأزد ‪)4( .‬من �أبناء عبد اهلل بن عامر (الغطريف) الأكرب احلويرث‬

‫((( لق ��د كررت ه ��ذا القول‪ ،‬وقل ��ت �إنني غري متفق معك‪ ،‬وو�ض ��حت لك وجهة نظ ��ري‪ ،‬و�إذا كنت مقتن ��ع بر�أيك فنحن‬
‫نحرتمه‪ ،‬لكن ينق�صه الدليل والربهان العلمي ‪( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫‪469‬‬ ‫الدرا�سة الثانية ع�شرة ‪ :‬الرد املكتوب على بع�ض ما ورد عن زهران يف كتاب القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( الباحة وع�سري )‬

‫الذي دخل مراد ‪ )5(.‬هناك من قال عن بني �س�ل�امان الذين يف بني �ش ��هر �أنهم من‬
‫�س�ل�امان بن ي�شكر بن مب�شر بن �ص ��عب بن دهمان بن ن�صر بن زهران‪� ،‬إال �أنني ل�ست‬
‫مت�أك ��د ًا من ذلك‪ ،‬لكن ح�س ��ب معرفتي ببع�ض �أبناء ي�ش ��كر الداخلني يف قبائل �أخرى‪،‬‬
‫ومنهم من قال �أنهم من �سالمان بن مفرج بن مالك بن زهران‪ ،‬لكن هذا غري �صحيح‬
‫فهم يف ديارهم �إىل الآن‪ ،‬لكن �س�ل�امان اال�س ��م حتول �إىل ب�سري اللقب‪ ،‬والديار هي يف‬
‫�أبيدة والقرى ودحي�س ‪.‬‬
‫غال عندي‪،‬‬‫‪�1010‬أخي الدكتور غيثان �آ�سف فقد �أكرثت عليك‪ ،‬وهو غي�ض من في�ض‪ ،‬ووقتك ٍ‬
‫وما �شجعني هو �سعة حلمك وعلمك‪ ،‬ولقد كتبتها �سريع ًا وملرة واحدة ومل �أراجعها‪ ،‬ف�إن‬
‫ر�أيت خري ًا و�إال �أ�سرته و�شكر ًا ‪� .‬أخوكم وحمبكم م�ؤلف كتاب‪ :‬العنوان يف �أن�ساب زهران‬
‫‪� .‬أحم ��د علي �أحم ��د الزهراين‪ .‬وكل ما �أوردته ال يغني عن ق ��راءة الكتاب(‪( .)1‬حرر يف‬
‫‪1435/2/20‬هـ) ‪ (.‬جوال ‪( . )0501023999 :‬املندق �ص ‪ .‬ب ‪ : 496‬بالد زهران )‪.‬‬
‫(*) ر�أي وتعليق(‪: )2‬‬
‫اجلميل يف مثل هذه املالحظات هو ت�ص ��ويب بع�ض ��نا بع�ض ��ا‪ ،‬وال�ش ��يء ال ��ذي ال نريد‬
‫ويج ��ب �أن نرتفع عنه هو نبذ الع�ص ��بية والعن�ص ��رية فه ��ي �أمر مقيت‪ ،‬و�ض ��ررها �أكرث من‬
‫نفعها‪ ،‬وهذا اجلنوب ال�سعودي احلبيب املمتد من الطائف ومكة �شما ًال �إىل جازان وجنران‬
‫جنوب� � ًا بحاج ��ة �إىل باحثني جادين حري�ص�ي�ن على توثيق مروياته ��م و�أقوالهم ومدوناتهم‬
‫من م�ص ��ادر �ص ��ادقة وموثوقة‪ ،‬و�إذا اتبعنا هذا املنهج ف�إننا‪ ،‬ب�إذن اهلل‪� ،‬سوف نح�صل على‬
‫درا�سات عليمة �أكادميية جيدة‪ ،‬ومن ثم �سوف نبني بالدنا و�أهلنا على �أ�س�س علمية متينة‪.‬‬
‫وما نراه من ت�صويبات �أو �إ�ضافات �أو انتقادات‪� ،‬أو تعليقات يف هذه الدرا�سة ‪ ،‬ودرا�سة‬
‫الأ�س ��تاذ علي بن �س ��دران ال�س ��ابقة(‪ )3‬تعد ظاهرة جي ��دة‪ ،‬مع احلر�ص عل ��ى النقد البناء‬
‫اله ��ادف‪ ،‬كم ��ا �أن على املنقود عليه �أن ي�س ��تفيد من �آراء‪ ،‬وت�ص ��ويبات وتعليقات الآخرين‪،‬‬
‫فالإن�س ��ان ق ��وي ب�إخوانه‪ ،‬و�أال يزهو بعلم ��ه‪� ،‬أو يرى توجيه الآخرين له عيب ًا‪ ،‬وبخا�ص ��ة �إذا‬
‫�ص ��درت االنتقادات والإي�ض ��احات عن �أنا�س متخ�ص�صني يحر�ص ��ون على البناء ال الهدم‪،‬‬
‫وكل عم ��ل بن ��ي �آدم ينتابه النق�ص والعيب‪ ،‬ون�أمل من كل الباحثني اجلادين يف بالد تهامة‬
‫((( الكت ��اب قر�أت ��ه عندما كان م�س ��ودة قبل طباعت ��ه‪ ،‬الطبعة الأوىل‪ ،‬وهو كم ��ا ذكرت من الكتب العلمي ��ة اجليدة التي‬
‫يجب الرجوع عليها‪ ،‬وعلى طالب البحث العلمي‪ ،‬وبخا�صة طالبات وطالب مرحلتي املاج�ستري والدكتوراه‪ ،‬وكذلك‬
‫امل�ؤرخني والباحثني الرجوع �إىل هذا ال�سفر العلمي اجليد‪ ،‬واهلل من وراء الق�صد ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( هذا الر�أي من قول �صاحب هذا ال�سفر (ابن جري�س )‬
‫((( �أي الدرا�س ��ة رق ��م (‪ )11‬يف ه ��ذا الكتاب ‪ ،‬ونطل ��ب اهلل الرحمة لأخينا الأ�س ��تاذ �أحمد بن علي بن �أحمد احل�س ��ني‬
‫الزه ��راين ‪ ،‬فق ��د انتقل �إىل جوار ربه قبل �أن ي�ص ��در هذا الكتاب ‪ ،‬ون�س� ��أل اهلل التوفيق وال�ص ��حة والعافية لأخينا‬
‫الفا�ضل الأ�ستاذ علي بن �سدران ‪ ،‬ونطمع �أن ين�شر مالديه من بحوث علمية جاهزة للطبع والن�شر ‪( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪470‬‬
‫وال�س ��راة �أن يعم ��ل كل يف جماله‪ ،‬وال ين�س ��ى �أهل ��ه وبالده من فوائد علم ��ه ‪ .‬ون�أمل من اهلل‬
‫ع ��ز وجل �أن يوفق كل باحث نزيه على العم ��ل واالجتهاد يف خدمة دينه و�أهله وبالده‪ .‬واهلل‬
‫الهادي �إىل �سواء ال�سبيل‪.‬‬
‫‪471‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ع�شرة ‪ :‬قراءة وت�صويبات يف كتاب ‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة (ق‪10 -1‬هـ‪/‬ق‪16-7‬م)‬

‫الدراسـة الثالثة عشرة‬

‫قراءة وت�صويبات يف كتاب ‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة‬


‫وال�سراة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬
‫( ق‪1‬ـ ‪10‬هـ‪/‬ق‪7‬ـ‪16‬م)‪.‬اجلزء الثاين( حتديد ًا منطقة الباحة)‬
‫(*)‬
‫بقلم ‪:‬أ‪ .‬علي بن محمد بن سدران الزهراني‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (الباحة وع�سري ) ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(‪1434‬هـ ‪2013 ،‬م) ‪( -‬اجلزء اخلام�س)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪286 - 269‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪472‬‬
‫الدرا�س��ة الثالث��ة ع�ش��رة ‪ :‬ق��راءة وت�ص��ويبات يف كت��اب ‪ :‬درا�س��ات يف تاريخ تهامة‬
‫وال�س��راة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�س��يطة( ق‪1‬ـ ‪10‬هـ‪/‬ق‪7‬ـ‪16‬م)‪.‬اجلزء‬
‫(‪)3‬‬
‫حتديدا منطقة الباحة)(‪ )2‬بقلم ‪ :‬علي بن حممد بن �سدران الزهراين‬ ‫ً‬ ‫الثاين(‪( )1‬‬
‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬ ‫م‬
‫‪472‬‬ ‫�أوال ‪ :‬مدخل‬
‫‪473‬‬ ‫ثاني ًا ن�صو�ص الت�صويبات‬
‫‪485‬‬ ‫ثالث ًا �أراء وتعليقات‬
‫(‪)4‬‬
‫‪1‬ـ مدخل‪:‬‬
‫احلمد هلل وال�صالة وال�سالم على ر�سول اهلل حممد بن عبد اهلل وعلى �أهل بيته و�صحابته‬
‫ومن وااله وبعد‪ :‬فقد اطلعت يف مكتبة نادي الباحة الأدبي قبل عدة �أيام على م�ؤلف با�سم‪:‬‬
‫درا�س ��ات يف تاريخ تهامة وال�س ��راة خالل القرون الإ�س�ل�امية املبكرة والو�سيطة) امل�سمى‪:‬‬
‫(تاري ��خ اجلن ��وب)‪ .‬اجلزء الثاين للأ�س ��تاذ الدكت ��ور غيثان بن علي بن جري�س ال�ش ��هري‪،‬‬
‫�أ�ستاذ التاريخ بجامعة امللك خالد ب�أبها‪ ،‬يف طبعته الأوىل (‪1432‬هـ)‪ ،‬ف�ألفيته كتاب ًا جامع ًا‬

‫ه ��ذا الكت ��اب من ت�أليف غيثان بن علي ب ��ن جري�س ( الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ض ��ي‪31 ،‬ـ ‪1432‬هـ‪ 2010/‬ـ ‪2011‬م )‬ ‫(((‬
‫الطبعة الأوىل ( ‪� 619‬صفحة قطع متو�سط ) ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫عبارة ( حتديد ًا منطقة الباحة ) �إ�ضافة من �صاحب الكتاب‪ ،‬لأن جل الآراء والت�صويبات الواردة يف هذا القول تدور‬ ‫(((‬
‫حول املادة املن�شورة يف الكتاب اخلا�صة مبنطقة الباحة ( غامد وزهران ) ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫ه ��و علي ب ��ن حممد بن معي�ض بن �س ��دران الزهراين‪ ،‬م ��ن مواليد عام (‪1365‬ه� �ـ‪194/‬م) ببلدة الأطاولة ب�س ��راة‬ ‫(((‬
‫زهران‪ .‬ويف عام ( ‪1371‬هـ‪1951/‬م) التحق مبدر�سة القرعاوي يف بيت الفقيه ح�سن بن �أحمد بن معجب الزهراين‬
‫بقري ��ة الأطاول ��ة ‪ .‬ومنذ عام (‪1381‬ـ ‪1405‬هـ‪ 1961/‬ـ ‪1985‬م) تدرج يف �س ��لك التعليم م ��ن املرحلة االبتدائية‪� ،‬إىل‬
‫معه ��د املعلم�ي�ن االبتدائ ��ي‪� ،‬إىل الثانوي ��ة العامة‪� ،‬إىل �أن ح�ص ��ل على درج ��ة البكالوريو�س يف اللغ ��ة العربية من فرع‬
‫جامعة الإمام حممد بن �س ��عود الإ�س�ل�امية بالإح�س ��اء عام (‪1405‬هـ‪1985/‬م) ‪ .‬عمل معلم ًا يف منطقة الباحة حتى‬
‫عام (‪1399‬هـ‪1979/‬م)‪ ،‬ثم انتقل �إىل املنطقة ال�ش ��رقية وعمل مدر�س� � ًا ثم وكي ًال ثم مدير ًا لعدد من املدار�س حتى‬
‫منت�ص ��ف ع ��ام ( ‪1419‬ه� �ـ ‪1988 /‬م)‪ ،‬ثم �أحيل للتقاعد املبك ��ر ‪ .‬له عدد من الكتب املطبوعة واملن�ش ��ورة مثل‪)1( :‬‬
‫التبيان يف تاريخ �أن�ساب زهران (‪1415‬هـ) ‪ )2(.‬من �أعالم غامد (‪1418‬هـ)‪ )3( .‬الق�صائد احل�سان لبع�ض �شعراء‬
‫غام ��د وزه ��ران (‪1419‬ه� �ـ) ‪ )4( .‬البيان يف ل�س ��ان زه ��ران (‪1425‬هـ) ‪ )5( .‬بطون قبيلة زهران ‪ /‬ق�س ��م ال�س ��راة‬
‫(‪1428‬هـ)‪ )6(.‬ديوان ابن ع ّقار ( �شعر �شعبي ) (‪1431‬هـ)‪ )7( .‬من ق�ضاة زهران (‪1433‬هـ) ‪ .‬ولديه كتب عديدة‬
‫حت ��ت الطبع والدرا�س ��ة ‪ .‬وله �أي�ض� � ًا جهود اجتماعية وثقافي ��ة وفكرية يف حمافظته ( حمافظ ��ة القرى )‪ ،‬ويف عموم‬
‫منطقة الباحة‪ .‬زاده اهلل من ف�ض ��له وجوده و�إح�س ��انه‪ ،‬ونفع بعلمه‪ ،‬والب�س ��ه ثوب ال�ص ��حة والعافية‪ ،‬ورزقنا اهلل و�إياه‬
‫الثبات على دينه‪ ،‬و�أ�صلح لنا جميع ًا الظاهر والباطن‪ ،‬وجعل �أعمالنا خال�صة لوجهه الكرمي ‪ ( .‬ابن جري�س )‪.‬‬
‫ه ��ذا العن ��وان اجلانبي وغريه م ��ن العناوين الفرعية م ��ن �إعدادنا حتى ي�س ��هل على القارئ متابعة م ��ا ورد يف هذه‬ ‫(((‬
‫الت�صويبات ب�سهولة وي�سر ( ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫‪473‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ع�شرة ‪ :‬قراءة وت�صويبات يف كتاب ‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة (ق‪10 -1‬هـ‪/‬ق‪16-7‬م)‬

‫تطرق فيه �إىل حقبة من التاريخ لهذه ال�س ��روات مل يرد �أغلبها يف كتب امل�ؤرخني ال�س ��ابقني‬
‫�إال ملام ًا‪ ،‬ف�أو�ضح ما جهلناه من تاريخها العريق‪ ،‬و�أبان لنا ما �أمل بها من �أحداث مل يذكرها‬
‫من كان قبله‪ ،‬والكتاب بحق ُيعد وثيقة ملن �أراد �أن يكتب عن �سكان هذه ال�سروات‪ ،‬فله مني‬
‫ومن قراء التاريخ ال�ش ��كر والتقدير على اجلهد الذي بذله يف البحث والتق�صي‪ ،‬حتى ظهر‬
‫الكت ��اب وفيه هذه املعلومات الرثية‪ ،‬وهذه ال�ص ��ياغة الأدبية الر�ص ��ينة‪ ،‬ولقد قر�أته قراءة‬
‫القارئ ال�ش ��غوف مبا ُيكتب عن هذه الديار الأزدية‪ ،‬وا�س ��تفدت مما جاء فيه من معلومات‬
‫قيمة يف ميدان اجلغرافيا والتاريخ غري �أنه اعرت�ضني بع�ض الهنات الهينة التي ال جترح يف‬
‫�شخ�ص ��ية الباحث وال تقلل من معلومات الكتاب القيمة‪ ،‬ولمَ َّا كنت من �أهل هذه ال�س ��روات‪،‬‬
‫علي وعلى مثقفي هذه البالد الأزدية موافاة الأخ الدكتور غيثان مبا‬ ‫ف�إن من واجب الدكتور َّ‬
‫ورد من �أخطاء عامة غري مق�صودة يف �أثناء هذا الكتاب‪ ،‬غري م�ست َغ َّلة يف النقد �أو التجريح‬
‫ملعرفتنا بالق�ص ��د الأ�سا�س ��ي من الت�أليف‪ ،‬ومل �أتعر�ض للحوا�شي والتعليقات يف مالحظاتي‬
‫ه ��ذه‪ ،‬و�إمنا نظرت يف املنت فقط‪ ،‬فكتبت هذه امللحوظات الي�س�ي�رة التي �أرجو �أن ي�أخذ مبا‬
‫�ص ��ح منها عنده يف الطبعة الثانية‪ ،‬ومن امل�ؤكد �أنه ظهر للأخ الدكتور معظمها بعد الطبع‪،‬‬
‫وما �إر�س ��ايل لها �إال ملقارنتها مبا عنده من مالحظات عرث عليها‪ ،‬وليعلم �أنها لي�س ��ت نقد ًا‬
‫موجه� � ًا مل�ؤرخ بلغ القمة يف الكتابة عن تاريخ ال�س ��روات وغريه ��ا يف جمموعة كتب و�أبحاث‬
‫فاقت ما كتبه غريه بع�شرات املرات‪ ،‬و�إمنا هي من قارئ يود له ولأمثاله االقرتاب من درجة‬
‫الكمال فيما ُين�ش ��ر عن هذا اجلزء من بالدنا الغالية‪ ،‬واهلل من وراء الق�ص ��د وهو الهادي‬
‫(‪)1‬‬
‫�إىل �سواء ال�سبيل‬
‫ثاني ًا ‪ :‬ن�صو�ص الت�صويبات ‪:‬‬
‫نبد�أ االتكال على اهلل �سبحانه‪� ،‬إيراد بع�ض املالحظات على الكتاب املذكور �أعاله ‪:‬‬
‫ال�صواب‬ ‫اخلط�أ‬ ‫رقم ال�صفحة رقم ال�سطر‬
‫و�سراة دو�س �أو غامد وزهران و�سراة دو�س وغامد وزهران‬ ‫‪14‬‬ ‫‪32‬‬
‫وحبذا لو كتبنا ( بني عمرو )‬ ‫بنو عمر‬
‫‪16‬‬ ‫‪32‬‬
‫وبني �شهر تبع ًا للقاعدة النحوية‬ ‫بنو �شهر‬
‫�ص (‪� )44‬سطر (‪ )9‬تقول ‪ ( :‬ولكن عموم �سكان هذه البالد جاءوا �إىل املدينة زرافات‬
‫ووحدان� � ًا بعد ال�س ��نة الثامن ��ة للهجرة ) ‪ .‬ولو قلت ( �أغلب �س ��كان هذه الب�ل�اد هاجروا يف‬
‫((( الأ�س ��تاذ ابن �س ��دران مل ي�سبق �أن قابلته حتى تدوين هذه ال�س ��طور‪ ،‬ولكن �إح�سا�سه بامل�س�ؤولية و�صدق الكلمة جعلته‬
‫يكت ��ب لنا ه ��ذه امللحوظات القيمة‪ ،‬ونق ��ول جزاه اهلل عنا كل خري‪ ،‬ون�أم ��ل منه ومن �أبناء منطقة الباحة الف�ض�ل�اء‬
‫الكرام املهتمني بتاريخ وتراث وح�ض ��ارة بالدهم �أن ي�ض ��اعفوا اجلهود يف خدمة هذه الب�ل�اد علمي ًا وثقافي ًا وفكري ًا‬
‫وتعليمي ًا‪ ،‬فهي فع ًال بكر �إن �صح التعبري‪ ،‬ومن يبذل جهود ًا �صادقة خمل�صة يف درا�سة �سكانها و�أر�ضها عرب ع�صور‬
‫التاريخ ف�إنه �سوف يطلعنا على تاريخ وح�ضارة جديرة باالهتمام والدرا�سة ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪474‬‬
‫ال�سنة ال�سابعة للهجرة ) لأدخلت زهران وغريهم ممن هاجر قبل الثامنة ‪ .‬لأن دو�س ًا �شاركت‬
‫يف فت ��ح خي�ب�ر كما نعلم ‪.‬و �ص(‪� )49‬س ��طر (‪ )9‬كلم ��ة ثمانون تكتب ثمان�ي�ن ‪ .‬ذكرت يف �آخر‬
‫�س ��طر �صفحة (‪ )49‬و�أول �ص ��فحة (‪� )50‬أن دو�س ًا قدموا على الر�سول ﷺ يف املدينة و�أعلنوا‬
‫�إ�س�ل�امهم‪ ،‬وال�ص ��حيح �أنهم مل يجدوه ﷺ يف املدين ��ة‪ ،‬وقد �أُخربوا ب�أن ��ه يقاتل يهود خيرب‪،‬‬
‫ف�شدوا الرحال �إليه‪ ،‬وهناك َج َّددوا �إ�سالمهم على يديه و�شاركوا امل�سلمني يف الفتح والغنائم ‪.‬‬
‫كما تقول يف �ص ��فحة (‪ )50‬من ال�س ��طر الثالث ما يلي‪� :‬أر�س ��ل الر�سول ﷺ الطفيل بن‬
‫عمرو الدو�سي مع بع�ض قومه امل�سلمني بعد معركة حنني يف ال�سنة الثامنة للهجرة ملحاربة من‬
‫بقي على الوثنية يف بالد غامد وزهران ودو�س ) ‪ .‬قلت‪ :‬مل ن�س ��مع مبثل هذا اخلرب‪ ،‬وما ورد‬
‫هذا اخلرب يف املرجعني اللذين رجعت �أنت �إليهما‪ ،‬ف�أما ما ُذكر يف كتاب‪ :‬ال�ص���فوة من كالم‬
‫الطفي ��ل ( ر�ض ��ي اهلل عن ��ه)‪ ،‬فهاهو ‪ (..‬فلم �أزل مع النبي ﷺ حت ��ى فتح مكة فقلت ابعثني‬
‫يا ر�س ��ول اهلل �إىل ذي الكفني �ص ��نم عمرو بن حممة �أحرقه فبعث ��ه �إليه فحرقه‪ ،‬فلما �أحرقه‬
‫بان ملن مت�سك به �أنه لي�س على �شيء ف�أ�سلموا جميع ًا ورجع الطفيل فكان مع النبي ﷺ حتى‬
‫مات ‪ .‬و�أما ما ورد يف هذا اخل�صو�ص يف كتاب‪� :‬سرية ابن ه�شام فهو على النحو التايل ‪( :‬ثم‬
‫حلقنا بر�سول اهلل ـ ﷺ ـ بخيرب ف�أ�سهم لنا مع امل�سلمني‪ ،‬ثم مل �أزل مع ر�سول اهلل ـ ﷺ ـ حتى‬
‫�إذا فتح اهلل عليه مكة‪ ،‬قال ‪ :‬قلت‪ :‬يار�سول اهلل‪ ،‬ابعثني �إىل ذي الكفني �صنم عمرو بن حممة‬
‫حتى �أحرقه ‪ .‬قال ابن �إ�سحاق‪ :‬فخرج �إليه فجعل طفيل يوقد عليه النار ويقول ‪:‬‬
‫م�����ي��ل��ادن�����ا �أق�����������دم م������ن م���ي�ل�ادك���ا‬ ‫ي������ا ذا ال����ك����ف��ي�ن ل�������س���ت م������ن ع���ب���ادك���ا‬
‫�إين ح���������������ش�������وت ال�����������ن�����������ار يف ف������������ؤادك�����������ا‬
‫قال‪ :‬ثم رجع �إىل ر�سول اهلل ـ ﷺ ـ فكان معه باملدينة‪ ،‬حتى قب�ض اهلل ر�سوله ﷺ)‪.‬‬
‫فها نحن مل نر يف اخلربين جي�ش� � ًا كان مع الطفيل ر�ض ��ي اهلل عنه حني ذهب حلرق �ص ��نم‬
‫ذي الكفني(‪ )1‬ويف �ص ��فحة (‪� )52‬س ��طر(‪ )2‬وردت كلمة حب ًا وال�ص ��حيح ح َّبا‪ ،‬و�ص(‪)55‬‬
‫�س ��طر (‪ )4‬يدينوا وال�صحيح يدينون‪ ،‬و�ص (‪� )56‬سطر(‪ )5‬لي�س يف قول جرير ر�ضي اهلل‬
‫عنه ‪ ( :‬لقد هدمته ) ‪ .‬وكذلك يف ال�س ��طر الأخري من �ص ��فحة (‪ . )2( )436‬وتعدل لفظة ‪:‬‬
‫(هوي) �إىل ( يهوى ) ‪ .‬وقد راجعت م�صادرك الثالثة فلم �أجد هذه الألفاظ فيما دار بني‬
‫ر�س ��ول اهلل ﷺ‪ ،‬وجرير البجلي ر�ضي اهلل عنه ‪ .‬ويف �صفحة (‪� )57‬سطر(‪ )16‬كلمة �سمع‬
‫وال�صحيح �سمعا‪ ،‬ويف �ص (‪� )57‬سطر(‪ )20‬هذا ال�شعار هو �شعار الأزد يف ميادين اجلهاد‬
‫كما ذكرت والر�س ��ول ( ﷺ ) قاله للطفيل بن عمرو الدو�س ��ي وقومه يف معركة خيرب �سنة‬
‫((( كل الن�ص ��و�ص يف الواقدي وابن ه�ش ��ام وابن اجلوزي ذكرت �إر�س ��ال الر�س ��ول ( ﷺ ) الطفيل بن عمرو الدو�س ��ي‬
‫ملواجهة امل�شركني وهدم بع�ض �أ�صنامهم‪ .‬نعم �إنه مل ير�سل معه جي�ش ًا لكنه �أر�سله ومن امل�ؤكد مل يكن مبفرده ‪( .‬ابن‬
‫جري�س)‪.‬‬
‫((( �أ�شكر الأ�ستاذ ابن �سدران على هذه امللحوظات الدقيقة والهامة يف بناء وت�صحيح ما �سبق �أن ن�شرناه‪ ،‬و�سوف ن�أخذ‬
‫بجميع هذه املالحظات عند �إعادة الطبعة الثانية للكتاب املعني يف هذا القول‪(.‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫‪475‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ع�شرة ‪ :‬قراءة وت�صويبات يف كتاب ‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة (ق‪10 -1‬هـ‪/‬ق‪16-7‬م)‬

‫�س ��بع من الهجرة‪ ،‬وهو ما قلت �أنت به يف �ص ��فحة (‪ )149‬فحبذا لو ذكرت لهم هذا الف�ضل‬
‫الذي منحهم الر�سول الأعظم ( ﷺ )‪ ،‬وقد قاتلوا به نحو ثالث �سنوات قبل �إ�سالم غالبية‬
‫�أهل ُجر�ش فت�ش ��اركهم فيه‪ ،‬ال�س ��يما و�أنت تقول عن �إ�س�ل�ام دو�س يف �صفحة (‪ ( )66‬وقد‬
‫�أ�س ��لموا مع زعيمهم الطفيل بن عمرو الدو�س ��ي منذ ال�سنة ال�سابعة للهجرة ) َومن ثم فلك‬
‫تعميمه على جميع قبائل الأزد كما فعلت ‪.‬‬
‫�ص ��فحة (‪� )63‬س ��طر(‪ )14‬كلمة �أحد هي �أحد ًا‪ ،‬و�ص(‪� )64‬سطر(‪ )1‬كلمة امل�سلمني‬
‫تعدل �إىل امل�س ��لمون‪ ،‬و�ص(‪� )151 ،67‬س ��طر(‪ )1 ،1‬بن �أزيهر وال�ص ��حيح بن �أبي �أزيهر‪،‬‬
‫و �ص ( (‪� )151 ,67‬س ��طر (‪� )1‬س ��لطة وال�صحيح ِ�س � َ�طة‪ ،‬هكذا وردت يف املراجع ومعناها‬
‫‪ :‬القب ��ول واملحب ��ة‪ ،‬ويف �ص ��فحة (‪� )67‬س ��طر(‪ )11‬وفود وكتب‪ ،‬وال�ص ��حيح وف ��ود ًا وكتب ًا‪،‬‬
‫نا�صر ًا‪ ،‬و�ص (‪� )70‬سطر‬ ‫ا�ض ًا‪َ ،‬نا�ص َر ًا وال�صحيح فرا�ض ًا‪ِ ،‬‬ ‫و�ص(‪� )69‬س ��طر (‪َ ) 17 ،14‬ف َّر َ‬
‫(‪َ )11‬م ْه ِد َّي ًا وال�صحيح َم ْه ِد ًّيا‬
‫و�صفحة (‪� )70‬سطر (‪َ )17‬ح َّي ًا َوم ِّي َت ًا‪َ ،‬م ْه ِد َّي ًا وال�صحيح َح َّيا َوم ِّيتًا‪َ ،‬م ْهد ًّيا ‪ ،‬و�ص (‪)72‬‬
‫�س ��طر(‪ )15‬كلمة حممد وال�ص ��حيح حممد ًا‪ ،‬و�ص (‪ )72‬مل تذكر من وفود زهران وغامد‬
‫الفردي ��ة �أحد ًا رغم كرثته ��م‪ ،‬و�أراك اكتفيت ب�إيراد جنادة الأزدي الزهراين (ر�ض ��ي اهلل‬
‫عنه)‪ .‬يف �صفحة (‪� )73‬سطر (‪ ) 16 ،15‬دنو‪ ،‬حممد وال�صحيح دنوا‪ ،‬حممد ًا‪ ،‬و�ص(‪)73‬‬
‫�س ��طر (‪ ( )18‬الأ�شعريون يف النا�س ك�ص ��رة فيها م�سك ) هذا القول ذكره الألباين رحمه‬
‫اهلل يف الأحاديث ال�ضعيفة برقم ( ‪ ) 3369‬فليتك نبهت عليه ‪.‬‬
‫�ص ��واب الألف ��اظ الت ��ي وردت يف � ��ص‪ )105( :‬ال�س ��طر(‪ )9‬وما بع ��ده ‪ ( :‬جندهم ‪..‬‬
‫وغورهم لهب ‪ ...‬وبنو عمرو ) (‪. )1‬‬
‫ال�صواب‬ ‫اخلط�أ‬ ‫رقم ال�سطر‬ ‫رقم ال�صفحة‬
‫يكفي‬ ‫يكف‬ ‫‪3‬‬ ‫‪76‬‬
‫امل�سقى‪ ،‬وعلى‬ ‫امل�سقي‪ ،‬وعلي‬ ‫‪9 ،7‬‬ ‫‪107‬‬
‫خبز امللة‬ ‫اخلبز‬ ‫‪1‬‬ ‫‪109‬‬
‫مراع‬
‫ٍ‬ ‫مراعي‬ ‫‪18‬‬ ‫‪109‬‬
‫يغفل‬ ‫يغفعل‬ ‫‪17‬‬ ‫‪111‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪� )114‬س ��طر(‪ )9‬املفردة التي يف نهاية �ص ��در بيت اب ��ن الدمينة الأوىل‬
‫هي‪� ( :‬س ��نة) ال ( بي�ش ��ة) فهال ذكرت لنا امل�ص ��در الذي يقول عنها ب�أنها ( بي�شة )(‪ )2‬؟ ‪.‬‬
‫((( �أكرر �شكري للأخ الكرمي الأ�ستاذ علي بن �سدران على هذه امللحوظات القيمة‪ ،‬ون�س�أل اهلل عز وجل �أن يجعل �أعمالنا‬
‫جميع ًا خال�صة لوجهه الكرمي ‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( املفردة ال�ص ��حيحة هي بي�ش ��ة‪ ،‬انظر‪ :‬ديوان ابن الدمينة‪ ،‬حتقيق �أحمد راتب النفاخ (القاهرة ‪ :‬مكتبة دار العروبة‪،‬‬
‫ومطبعة املدين بالقاهرة‪1378 ،‬هـ‪1959/‬م) �ص‪( . 78‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪476‬‬
‫ويف �ص ��فحة (‪� )119‬س ��طر(‪ )3‬ابن جرة وال�صحيح ابن حرة ‪ ،‬و�ص((‪� )135‬سطر(‪ )8‬مل‬
‫�أج ��د هذا احلديث به ��ذا اللفظ يف �أوله‪ ،‬و�إمنا وجدته يف �س�ن�ن الرتمذي من حديثني الأول‬
‫( من �أراد بحبوحة اجلنة فليزم اجلماعة‪ ،‬من �س ��رته ح�س ��نته و�ساءته �سيئته فذلك امل�ؤمن‬
‫‪ .‬والثاين ‪ ( :‬و�إياكم والفرقة ف�إن ال�ش ��يطان م ��ع الواحد وهو من االثنني �أبعد ) ‪ .‬وجمعهما‬
‫اب ��ن حبان على هذا النحو ( فمن �أحب منك ��م �أن ينال بحبوحة اجلنة فليزم اجلماعة ف�إن‬
‫ال�شيطان مع الواحد وهو من االثنني �أبعد ) ‪ .‬وبلفظ ( من اراد بحبوحة ‪ )...‬وبلفظ ( من‬
‫�أراد منكم )‪ .‬واتفق معهم الإمام �أحمد يف م�سنده ف�أورد‪ ( :‬فمن �أحب منكم �أن ينال بحبوحة‬
‫اجلنة فيلزم اجلماعة ف�إن ال�ش ��يطان مع الواحد وهو من االثنني �أبعد )‪ .‬وكذلك ابن حبان‬
‫يف زوائ ��ده ‪ ( :‬فمن �أح ��ب منكم �أن ينال بحبوحة اجلنة فليزم اجلماعة ف�إن ال�ش ��يطان مع‬
‫الواحد وهو من االثنني �أبعد )‪ .‬و�صحح الألباين منها قول الر�سول ﷺ ‪ ( :‬فمن �أحب منكم‬
‫�أن ين ��ال بحبوح ��ة ) و�أورد من حديث �آخر ‪ ( :‬فمن �س ��ره بحبوح ��ة اجلنة فليزم اجلماعة‪،‬‬
‫ف�إن ال�شيطان مع الواحد ) ‪ .‬وبلفظ (من �أراد بحبوحة اجلنة فيلزم اجلماعة‪ ،‬ف�إن يد اهلل‬
‫على اجلماعة و�إن ال�شيطان مع الواحد وهو من االثنني �أبعد‪ .)..‬وقال عنه ‪ :‬رواه الطرباين‬
‫يف الأو�س ��ط وفيه عبد اهلل بن �إبراهيم بن عبد اهلل بن خالد امل�صي�صي وهو مرتوك ‪ .‬ولذا‬
‫فرواية احلديث بلفظ ( من �سره) يف �أوله فيه مقال‪ .‬واهلل �أعلم ‪.‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪� )136‬سطر(‪ )4‬كب�ش ًا وال�صحيح �أ ْك ُب�ش ًا‪ ،‬و�ص(‪� )137‬سطر(‪ )11‬قولك‪:‬‬
‫( يف بالد الباحة) ُي�س ��قط بالد زهران‪ ،‬والقول الذي تعارف عليه الكتاب هو (بالد غامد‬
‫وزه ��ران ) و�إن كان الأوىل به ��م تقدمي زهران على غامد لأنه عمه ‪ .‬وقد ر�أيتك كررت هذا‬
‫القول يف �ص ��فحات عدة فحبذا لو �أ�ص ��لحته يف الطبعة الثاني ��ة ‪� .‬أو قلت ( منطقة الباحة)‬
‫الرتفع احلرج (‪ .)1‬ويف �صفحة (‪� )139‬سطر(‪ )14 ،5 ،3‬ويراوح‪ ،‬نخرة وال�صحيح ويرتاوح‪،‬‬
‫ر ِْخزَ ة‪ ،‬و�ص(‪� )140‬سطر(‪ )3‬الأزديتني هي الأزديتان‪ ،‬و�ص(‪� )141‬سطر(‪ ( )7‬غامد) مل‬
‫يرد يف امل�صادر القدمية ب�أنه �شقيق زهران‪ ،‬ويف �صفحة (‪� )147‬سطر(‪( )1‬دو�س ) لي�ست‬
‫يف �أر�ض (غامد وزهران) كما ذكرت‪ ،‬و�إمنا هي يف �أر�ض زهران (‪. )2‬‬
‫�ص(‪ )147‬لمِ َ لمَ ْ تذكر �إ�س�ل�ام �أبي هريرة على يد الطفيل (ر�ض ��ي اهلل عنهما ) زمن‬
‫البعث ��ة ال�ش ��ريفة‪ ،‬بل �إنك مل ت�أت عل ��ى ذكره البتة (‪ )3‬و�ص(‪� )148‬س ��طر(‪ )5‬الذي ورد يف‬
‫�ص ��حيحي البخاري وم�س ��لم قول الر�سول ﷺ ‪ ( :‬ال َّل ُه َّم ْاه ِد َد ْو ً�س ��ا َو ْ�أ ِت ِب ِه ْم ) ‪ .‬ويف رواية‬
‫الإم ��ام �أحم ��د ( و�أت به ��ا ) ال كما قلت �أن ��ت ‪ ( :‬ال َّل ُه َّم ْاه ِد َد ْو ً�س ��ا وارفق به ��م ) ف�إن قوله‬

‫((( يا �أ�ستاذ علي �أعتقد �أن مفردة ( بالد ) مبفهومها الوا�سع هي �أو�سع و�أ�شمل من كلمة (منطقة) (ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( هذا قول �صحيح ون�شكر �صاحب الت�صويبات على هذه امللحوظات القيمة ‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( هذا قول �سليم وكان يجب علينا الإ�شارة �إىل �إ�سالم ال�صحابي اجلليل �أبو هريرة ( ر�ضي اهلل عنه ) ‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫‪477‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ع�شرة ‪ :‬قراءة وت�صويبات يف كتاب ‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة (ق‪10 -1‬هـ‪/‬ق‪16-7‬م)‬

‫ﷺ ‪ ( :‬وارفق بهم) من حديث �آخر(‪ .)1‬و�ص (‪� )148‬س ��طر(‪ )8‬يقول الدكتور غيثان عفا‬
‫اهلل عن ��ه عن قبيلة دو�س ( زهران) ( ف�ض�ل ً�ا عن �أن مرياثهم م ��ن العادات والتقاليد كان‬
‫فا�س ��د ًا)‪� .‬أنا ال �أنكر ما كانت عليه العرب قاطبة قبل الإ�س�ل�ام ومنهم قبيلة ( زهران) من‬
‫ممار�س ��ة بع�ض العادات الفا�س ��دة التي نبذها الإ�س�ل�ام‪ ،‬ويف مقابل هذه العادات الفا�سدة‬
‫كان ��ت لهم �أي�ض� � ًا بع�ض العادات احل�س ��نة �أقرها الإ�س�ل�ام‪ ،‬ولذا فينبغ ��ي �أن يقول دكتورنا‬
‫العزي ��ز ‪ ( :‬ف�ض�ل ً�ا ع ��ن �أن مرياثهم م ��ن بع�ض الع ��ادات والتقاليد كان فا�س ��د ًا )‪ .‬حتى ال‬
‫ت�ش ��مل عبارته تقبيح كل عادة ح�س ��نة �أتتها العرب و�أقرها الإ�س�ل�ام ‪ .‬ومما ي�ؤ�سف له �أنني‬
‫اطلعت على هذا البحث وفيه هذه العبارة يف كتاب‪ :‬مو�س ��وعة اململكة العربية ال�س ��عودية ‪.‬‬
‫ويف �ص ��فحة (‪� )150‬س ��طر(‪ )8‬مل تذكر الروايات على حد علمي (وق ��د �أكون خمطئ ًا) �أن‬
‫الر�س ��ول ﷺ‪ ،‬بعث الطفيل بن عمرو الدو�س ��ي مع بع�ض قومه ملحاربة من بقي على الوثنية‬
‫يف (بالد زهران وغامد) �إمنا بعثه مبفرده ملهمة حمددة وهي حرق �صنم ذي الكفني ‪ .‬وهو‬
‫ما �صرح به الواقدي ( م�صدرك) حيث يقول‪ ( :‬ملا ا ْف َتت ََح ر�سول اهلل ُح َن ْي ًنا و�أراد امل�س َري �إىل‬
‫الطائف‪َ ،‬بعثَ الطفيل بن عمرو الدو�س ��ي �إىل ذي الكفني ـ �ص ��نم عمرو بن ُح َم َمة ـ يهدمه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫و�أمره �أن ي�س ��تمد قومه ويوافيه بالطائف ) ‪ .‬ويف �صفحة (‪� )152‬سطر(‪ )6‬مل يذكر ابن‬
‫(‪)2‬‬

‫�س ��عد يف طبقاته �أن وفد‪� ( :‬س�ل�امان) هو وفد (�س�ل�امان‪ :‬زهران) كم ��ا ذكرت يا دكتور‪،‬‬
‫وال�ص ��واب �أن هذا الوفد من ُق�ض ��اعة ولي� ��س من زهران‪ ،‬وهاهو اخل�ب�ر الوارد يف طبقات‬
‫( ابن �س ��عد ) (م�ص ��در الباحث) �أنقله بطوله(‪ ( : )3‬وفد �س�ل�امان قال‪� :‬أخربنا حممد بن‬
‫عم ��ر الأ�س ��لمي‪ ،‬قال حدثني حممد بن يحيى بن �س ��هل بن �أبي حثمة ق ��ال‪ ،‬وجدت يف كتب‬
‫�أبي‪� ،‬أن حبيب بن عمرو ال�س�ل�اماين‪ ،‬كان يحدث قال‪ :‬قدمنا وفد �س�ل�امان على ر�سول اهلل‬
‫ﷺ‪ ،‬ونحن �س ��بعة ف�ص ��ادفنا ر�سول اهلل ﷺ‪ ،‬خارج ًا عن امل�س ��جد �إىل جنازة دعي �إليها‪،‬‬
‫فقلنا ‪ :‬ال�س�ل�ام عليك يا ر�س ��ول اهلل‪ ،‬فقال‪ " :‬وعليكم من �أنتم "؟ قلنا نحن من �س�ل�امان‬
‫قدمن ��ا لنبايعك على الإ�س�ل�ام ونحن على من ورائنا من قومن ��ا‪ ،‬فالتفت �إىل ثوبان غالمه‬
‫فق ��ال‪� " :‬أن ��زل ه� ��ؤالء الوفد حيث ينزل الوفد " ‪ .‬فلما �ص ��لى الظهر جل� ��س بني املنرب وبيته‬
‫فتقدمنا �إليه ف�س� ��ألناه عن �أمر ال�صالة و�شرائع الإ�سالم‪ ،‬وعن الرقى و�أ�سلمنا‪ ،‬و�أعطى كل‬
‫رجل منا خم�س �أواق‪ ،‬ورجعنا �إىل بالدنا وذلك يف �ش ��وال �س ��نة ع�ش ��ر) (‪ . )4‬هذا ما ورد يف‬
‫((( ( وارفق بهم ) وردت يف حديث عن الر�سول ( ﷺ ) ‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( وردت هذه امللحوظة يف �صفحة �سابقة وقولك فيه ن�سبة من ال�صحة‪ ،‬لكن الطفيل ( ر�ضي اهلل عنه) كان ي�صطحب‬
‫معه بع�ض قومه امل�س ��لمني �أثناء ذهابه و�إيابه ما بني مدن احلجاز الرئي�س ��ية وبالد زهران‪ ،‬و�أكرب دليل على ذلك ما‬
‫�أوردته يف بع�ض ن�ص ��ائحك عندما قلت ( و�أمره ـ ﷺ ـ �أن ي�س ��تمد قومه ) ‪ .‬وهذه العبارة تدل على �أن الطفيل كان‬
‫على �صالت جيدة مع قومه وبني جلدته وبخا�صة ال�صاحلني امل�سلمني منهم ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫((( الطبقات الكربى البن �سعد ‪ ( . 332/1 :‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪ ( .‬ابن �سدران ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪478‬‬
‫كت ��اب الطبقات‪ ،‬ومل يرد فيه ذكر �س�ل�امان زهران‪ ،‬ومن املعل ��وم �أن رئي�س هذا الوفد هو ‪:‬‬
‫( حبيب بن عمرو ال�س�ل�اماين ) ذكره �أهل ال�س�ي�ر يف ق�ضاعة‪ ،‬فقالوا يف ترجمته‪ ( :‬حبيب‬
‫ب ��ن عم ��رو ال�س�ل�اماين من بني �س�ل�امان بن �س ��عد بن زيد بن ليث بن �س ��ود بن �أ�س ��لم بن‬
‫�إحلاف بن ق�ضاعة )‪ ،‬وق�صته والوفد عند ابن حجر يف كتابه ‪ :‬الإ�صابة يف متييز ال�صحابة‬
‫(‪ ،)306/1‬وعن ��د اب ��ن الأثري يف كتابه ‪� :‬أ�س ��د الغاب ��ة يف معرفة ال�ص ��حابة ‪،)371 /1( :‬‬
‫ويف الطبق ��ات الك�ب�رى البن �س ��عد (‪ )332/1‬ويف غريها من الكتب ‪ .‬فثب ��ت بذلك �أن هذا‬
‫ال�صحابي وهو‪ :‬حبيب بن عمرو ال�سالماين ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬ق�ضاعي ال زهراين‪ ،‬و�أن الوفد‬
‫هو وفد �سالمان ق�ضاعة ال وفد �سالمان زهران(‪. )1‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪� )168‬س ��طر(‪ )9‬كلمة ال�س ��لمي وال�ص ��حيح ال�س ��ليمي‪ ،‬وج ��اءت اللفظة‬
‫�ص ��حيحة يف �صفحة (‪ )440‬ال�س ��طر الثاين ‪ .‬و�ص(‪� )170‬سطر(‪ )5‬ما ا�سم امل�صدر الذي‬
‫يذك ��ر التقاء ابن عطي ��ة‪ ،‬ولي�س (�أبي عطية) بعبد اهلل الكن ��دي‪ ،‬يف نواحي الطائف ؟ وقد‬
‫قل ��ت يف �ص ��فحة (‪ ( : )440‬وكان الأخ�ي�ر ( �أي عب ��د اهلل الكندي) ق ��د متركز مع حوايل‬
‫(‪ )3000‬من رجاله يف بلدة كتنة ب�أر�ض ُجر�ش ونزل ابن عطية يف تبالة ‪� ) ..‬إىل �آخر اخلرب‬
‫الذي يثبت التقائهما يف ُجر�ش(‪. )2‬‬
‫ال�صواب‬ ‫اخلط�أ‬ ‫رقم ال�سطر‬ ‫رقم ال�صفحة‬
‫اجلبانة ‪ .‬كما وردت عنه‬ ‫املقربة‬ ‫‪16‬‬ ‫‪179‬‬
‫امل�ؤرخون‬ ‫امل�ؤرخني‬ ‫‪1‬‬ ‫‪188‬‬
‫ووجها�ؤها‬ ‫ووجهائها‬ ‫‪14‬‬ ‫‪189‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪� )195‬سطر(‪ )12‬قال الباحث عن �إمارة الباحة احلالية‪ ( :‬وكادت تنقل‬
‫�إىل باجلر�شي ) والذي الريب فيه �أنها انتقلت بالفعل �إىل باجلر�شي قبل انتقالها�إىل مدينة‬
‫الباحة ‪ ،.‬و�ص (‪� )196‬س ��طر(‪ )2‬الت�أرخية ت�صحح �إىل الت�أريخية‪ ،‬و�ص (‪� )198‬سطر(‪)9‬‬
‫مركز متويني وال�ص ��حيح مركز ًا متوين ًّيا‪ ،‬و�ص (‪� )202‬س ��طر(‪ )3‬قول الباحث عن وادي‬
‫بيدة ( �أبيدة) ‪ ( :‬ومما يلفت النظر �أن �أ�س ��فل الوادي ي�س ��مى بطحان)‪ .‬قلت‪( :‬الوادي من‬
‫�أعاله �إىل �أ�س ��فله يطلق عليه بطحان ) و�أهل مكة �أدرى ب�ش ��عابها(‪ . )3‬ويف �ص ��فحة (‪)211‬‬
‫�سطر(‪ )19 ،6 ،2‬لهذة‪� ،‬شن�ؤة‪ ،‬نري وال�صحيح لهذه‪� ،‬شنوءة‪ ،‬نريا ‪.‬‬

‫((( �أ�شكر �صاحب الت�صويبات على هذه املعلومات املوثقة والقيمة ‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( املزيد من التف�صيالت عن ال�صراعات التي وقعت بني ابن عطية والكندي انظر‪ :‬م�صادر التاريخ احلولية مثل‪ :‬كتب‬
‫الطربي وابن الأثري وابن كثري ‪ .‬وانظر بع�ض م�صادر تاريخ اليمن املحلية واملبكرة ‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( ن�ش ��كرك ي ��ا �أ�س ��تاذ عل ��ي عل ��ى ه ��ذا التو�ض ��يح القي ��م‪ ،‬ونح ��ن عل ��ى يق�ي�ن �أن ��ك �أدرى بب�ل�ادك من ��ا و�أمثالن ��ا ‪.‬‬
‫(ابن جري�س)‪.‬‬
‫‪479‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ع�شرة ‪ :‬قراءة وت�صويبات يف كتاب ‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة (ق‪10 -1‬هـ‪/‬ق‪16-7‬م)‬

‫ذكر الباحث من �ص ��فحة (‪ )212‬ال�س ��طر‪� )5( :‬إىل �صفحة (‪ )214‬ال�سطر(‪ )8‬ن�سب‬
‫ال�شنفرى‪ ،‬و�أراه مييل �إىل ت�أييد من يقول ب�أنه من زهران‪ ،‬وقد قالت �أغلب امل�صادر القدمية‬
‫�أنه من رجال الحْ َ ْجر الأزدية‪ ،‬كذلك قال بهذا القول �أغلب كتاب هذا الع�صر‪ ،‬والذي يجعل‬
‫القائلون ب�أنه زهراين الن�س ��ب ورود ا�سم قبيلتني يف زهران با�سم الأو�س ولي�ستا الإوا�س هو‬
‫ال ��ذي �أوجد ه ��ذا اللب�س عند من عده يف زه ��ران‪ ،‬غري �أن تلكما القبيلت�ي�ن الزهرانيتني ال‬
‫ترجعان �إىل �سالمان بن مفرح ابن مالك ون�سبها �إليه هكذا ‪ :‬الأو�س بن عامر بن جفني بن‬
‫النمري بن عثمان بن ن�صر بن زهران‪ ،‬والأخرى ترجع �إىل دهمان بن ن�صر بن زهران‪� ،‬أما‬
‫هو ف�إوا�سي حجري لقوله ‪:‬‬
‫و�أم����ي اب��ن��ة الأح������رار ل��و تعلمينها‬ ‫�أل����ي���������س �أب�������ي خ��ي�ر الإوا������������س وغ�ي�ره���ا‬
‫وكون قربه يف قرية �سالمان الدو�سية هو قول جمانب لل�صواب ذلك لأن ذلك (احلي)‬
‫فخ ��ذ م ��ن قرية عوي ��رة‪ ،‬وعويرة ترجع يف ن�س ��بها �إىل دو� ��س بالطفيل ( بن ��و الطفيل) �إىل‬
‫جانب كونها قرية‪ ،‬والتي كان يهاجمها ال�ش ��نفرى قبيلة تعود يف �أ�ص ��لها �إىل مفرح بن مالك‬
‫ب ��ن زه ��ران ‪ .‬وقول الباحث ‪ ( :‬ومن املعل ��وم �أن قبيلة غامد هزمت خي ًال لأبرهة احلب�ش ��ي‬
‫�إبان مروره عليهم لهدم الكعبة امل�ش ��رفة )‪ ،‬قلت‪ :‬ما عالقة ورود هذا اخلرب بق�ص ��ة ن�س ��ب‬
‫ال�شنفرى(‪ )1‬؟‬
‫يف �ص ��فحة (‪� )214‬سطر(‪� )19‬شن�ؤة وال�ص ��حيح �شنوءة‪ ،‬و�ص(‪� )219‬سطر(‪)11 ، 9‬‬
‫الأقليم‪� ،‬ش ��ن�ؤة ي�ص ��حح �إىل الإقليم‪� ،‬شنوءة‪ ،‬و�ص(‪ )223‬ذكر الباحث ا�سم �أ�سرة �آل عويد‬
‫حي ��ث كان له ��م �إمارة يف تهامة ( ع�ش ��م وما حولها ) وتنا�س ��ى ذكر �أ�س ��رة من بني �س ��ليم‬
‫زه ��ران‪ ،‬كانت لهم �أي�ض� � ًا �إم ��ارة يف تلك النواح ��ي وكان الأمري منهم يتقدم ا�س ��مه عبارة‬
‫(ال�سلطان ابن ال�سلطان ) ذكرتُ هذا التنبيه لي�س �إال ‪ .‬ويف �صفحة (‪� )228‬سطر( ‪) 8 ،7‬‬
‫يقول الباحث الدكتور الغامدي ‪ ( :‬ومبنا�سبة الت�سميات ينبغي الإ�شارة �إىل �أن الهمداين مل‬
‫يذكر م�س ��مى زهران حينما مر بهذه ال�س ��روات‪ .)..‬قلت‪ :‬يف هذا القول �إنه غري دقيق على‬
‫الهمداين رحمه اهلل‪� ،‬أو جتاهل من الباحث الغامدي‪� ،‬أو �أنه مل يقر�أ كتاب الهمداين قراءة‬
‫الباحث املدقق‪ ،‬فالهمداين رحمه اهلل‪ ،‬ذكر �س ��راة زهران يف معر�ض حديثه عن ال�سروات‬
‫فقال وهو يعدد �س ��روات القبائل التي مر عليها‪ ،‬وال�س ��يما ما ورد يف �ص ��فحة (‪ ( :)131‬ثم‬
‫�س ��راة اخلال ل�شكر جندهم خثعم وغورهم قبائل من الأ�س ��د بن عمران‪ ،‬ثم �سراة زهران‬
‫م ��ن الأزد ودو� ��س وغامد واحلر‪ .) ..‬و�أرى دكتورنا العزيز املتخ�ص ���ص يف تاريخ الأزد الأخ‬

‫((( ن�ش ��كر كل من الأخوين الكرميني الدكتور جمعان الغامدي‪� ،‬ص ��احب املادة املن�شورة يف الكتاب املعني يف هذا القول‪،‬‬
‫والأ�س ��تاذ علي بن �سدران الزهراين على ما ذكر من تف�صيالت عن تاريخ ال�شنفرى ‪ .‬ونقول �أن بالد غامد وزهران‬
‫الزالت حتتاج �إىل ت�ضافر جهود الباحثني اجليدين الذين ي�ستطيعون �أن يك�شفوا لنا جديد ًا �أو ي�صححوا لنا معلومات‬
‫ناق�صة �أو مغلوطة ‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪480‬‬
‫غيث ��ان ب ��ن علي‪ ،‬وهو املدقق ملا ر�أيناه يف غري هذا البح ��ث ( بحث الغامدي ) مل يعلق على‬
‫هذه املعلومة اخلاطئة الواردة يف هذا البحث ‪ .‬مع العلم ب�أن الدكتور غيثان �أتى على ذكرها‬
‫عند الهمداين يف �صفحة (‪ . )105‬فما معنى �سكوته هاهنا(‪! )1‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪� )230‬س ��طر(‪ )14‬يقول الباحث الدكتور الغامدي ‪ ( :‬وميكن و�صل دو�س‬
‫وفروعها املتعددة الآن ب�س ��هولة �إىل م�ش ��جرة ن�س ��ب زهران القدمية �أما بقية القبائل ( وهو‬
‫يق�ص ��د بقية قبائل زه ��ران ) فرمبا وجد املرء �ص ��عوبة يف ذلك‪ .)..‬قل ��ت واخلطاب موجه‬
‫للدكت ��ور غيث ��ان ‪ :‬ما ت ��رى يف هذا القول ! وقد ورد يف كتب الأن�س ��اب م�س ��مى ( كنانة ) جد‬
‫(ك َنانة بن عامر بن جفني بن النمر ابن عثمان بن ن�صر‬ ‫القبيلة الزهرانية احلالية من ولد ‪ِ :‬‬
‫بن زهران ) ‪ .‬ثم �إن قبائل ( بني كنانة وبني ح�س ��ن وبي�ض ��ان وبني عامر وباخلزمر) ت�سمى‬
‫بن ��ي �أو�س والعامة تنطقها ( بني يو�س ) ن�س ��بة �إىل �أخي كنانة املذكور‪� ( :‬أو�س بن عامر بن‬
‫جفني بن ال َّنمر بن عثمان بن ن�صر بن زهران ) ‪ .‬وقد �صدق الغامدي يف قوله عن قبائل بني‬
‫عم ��ر‪ْ � ،‬إذ �أن ��ه حتى تاريخه مل جند من يرفع ن�س ��بهم �إىل جدهم الأعلى ( زهران بن كعب)‬
‫مما يدل �إذا مل يرد الدليل الذي يلحقهم بزهران على حلفهم �أو جوارهم يف زهران ‪.‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪� )233‬س ��طر(‪ ) 18 ،13‬يقول الباحث الغامدي يف بحث ��ه املثبت بهذا الكتاب‬
‫( ووج ��ود م�س ��مى قري�ش يف زهران الت ��ي هي قري�ش احل�س ��ن‪ .)..‬ثم يقول‪� (:‬أم ��ا قبيلة قري�ش‬
‫احل�سن ‪ .)..‬يا دكتور غيثان ؛ ال يوجد قبيلة يف �سراة زهران وتهامتها با�سم ( قري�ش احل�سن)‬
‫وهذا اال�س ��م ( قري�ش احل�س ��ن ) م�س ��مى به مدر�سة يف قرية ( احل�س ��ن ) التابعة لقبيلة قري�ش‬
‫ب�سراة زهران‪ ،‬فالقبيلة ا�سمها ( قبيلة قري�ش ) فقط‪� .‬أما ( قري�ش احل�سن ) فهو ا�سم املدر�سة‬
‫االبتدائية بقرية ( احل�سن )‪ ،‬ويجب على الباحث �أي باحث الت�أكد من معلوماته قبل ن�شرها(‪. )2‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪� )240‬س ��طر(‪ )8‬اجلالن وال�ص ��حيح العجالن‪ ،‬و�ص(‪� )241‬سطر (‪)4‬‬
‫الق�ص ��يدة امل�ش ��هورة التي ورد ذكرها يف هذا اخلرب هي لل�ش ��اعر الفار�س امل�شارك يف هذه‬

‫((( ي ��ا �أ�س ��تاذ علي نلتم�س الع ��ذر لأخينا الدكتور الغام ��دي‪ ،‬ويف اعتقادنا �أنه لي�س جتاه ًال منه ع ��دم ذكر زهران التي‬
‫�أوردها الهمداين‪ ،‬ورمبا �أنه مل يدقق النظر يف التف�صيالت التي ذكرها الهمداين ( ابن احلائك)‪� ،‬أو �أنها �سقطت‬
‫منه �سهو ًا ‪ .‬ون�شكرك على هذه التنبيهات وامللحوظات القيمة ‪� .‬أما �سكوتنا على ما ذكر ابن عمك الدكتور الغامدي‬
‫فلي�س عمد ًا و�إمنا عدم االنتباه والت�أمل فيما �أ�شرت �إليه واهلل من وراء الق�صد‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( �آم ��ل من ��ك يا �أ�س ��تاذ عل ��ي �أن تقول‪ :‬يجب على كل باحث جاد من�ص ��ف �أن يدق ��ق معلوماته ويتثبت من م�ص ��ادرها‬
‫ال�ص ��حيحة الرئي�س ��ية ‪� .‬أما م ��ا ذكرت عن ( قري�ش احل�س ��ن ) �أو ( قبيلة احل�س ��ن ) ف�أنت �أع ��رف النا�س ببالدك‬
‫وقراك‪ ،‬ورمبا الدكتور جمعان وقع يف هذا اخلط�أ بدون ق�صد ‪ .‬وعند زيارتي بالد زهران ال�سراة وبخا�صة الأوطان‬
‫الواقعة �أو القريبة من خط الباحة الطائف ال�سياحي تعجبت من ع�شرات القرى املتناثرة يف تلك النواحي‪ ،‬بل ت�أكد‬
‫لنا �أن هذه البالد �أر�ض تاريخ وح�ضارة يعود �إىل الوراء �آالف ال�سنني ‪ .‬والواجب عليكم �أرباب الثقافة والقلم يف تلك‬
‫النواحي �أن تبذلوا ق�ص ��ارى جهودكم يف درا�س ��ة هذه البالد من �شتى النواحي وبخا�صة التاريخية والأثرية واللغوية‬
‫واحل�ضارية وغريها‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫‪481‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ع�شرة ‪ :‬قراءة وت�صويبات يف كتاب ‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة (ق‪10 -1‬هـ‪/‬ق‪16-7‬م)‬

‫املعرك ��ة ( حممد ب ��ن غرم اهلل بن ثامرة ) ‪ .‬وقد �أكد يل حفيده علي بن عبد هلل بن حممد‬
‫بن ثامرة‪� ،‬أنها جلده ‪ .‬ويف �ص ��فحة (‪� )241‬س ��طر(‪ )15‬قال الباحث الغامدي ‪ ( :‬و�أن ابن‬
‫قرح ��ان م ��ن الأزاهرة كان مع جمال ت�ؤدي للأتراك ف�أ�س ��ر مع اجلمال عند �ش�ب�رقة‪ ،‬وكان‬
‫لونه مييل �إىل ال�سواد‪ . )...‬قلت ما ذكره الباحث من وقعة كادت حتدث بني زهران وغامد‬
‫ب�س ��بب ابن قرحان على ما �أ�س ��ماه ف�إننا ال جند يف اخلرب ب ��وادر وقعة كما قال‪ ،‬ويف اخلرب‬
‫�أن الفت ��ى كان ل ��دى بدو غامد فكيف تكون املواجهة �إن كان الفتى املزعوم عند بدو غامد ؟‬
‫ولعل اخلرب الذي ورد فيه تكرمي رجال زهران يف ال�س ��كران مقتطع ًا من ق�ص ��ة �أخرى‪� ،‬أما‬
‫املواجهة التي كادت حتدث بني زهران وغامد فقد ذكرها على ال�سلوك ( رحمه اهلل )‪ ،‬يف‬
‫كتابه الثاين من املوروثات ال�شعبية (‪. )1( )50/2‬‬
‫�أم ��ا حقيق ��ة ( ابن قرحان ) فلم يكن فت ��ى من غامد كما قال ه ��ذا الباحث(‪ ،)2‬و�إمنا‬
‫ه ��و جم ��ل من جمال غامد ( ومن �أ�س ��ماء اجلم ��ل يف زهران ( القرح ��ان ) يقول �أحدهم‪:‬‬
‫عندي ُقرحان جيد ‪ .‬وق�ص ��ته‪� :‬أن اجلمل وهو يف الأ�ص ��ل لرجل من الأزاهرة من غامد من‬
‫جهة باجلر�ش ��ي اغتنمه �أحد رجال زهران من الأتراك يف �إحدى املعارك‪ ،‬فعرفه �ص ��احبه‬
‫الغامدي يف �سوق رغدان و�أراد �أخذه من الزهراين وحتزب �أهل ال�سوق حزبني �أحد احلزبني‬
‫يقول اجلمل جمل الغامدي فينبغي للزهراين ت�سليمه له‪ ،‬واحلزب الثاين يقول‪ :‬اجلمل من‬
‫غنائ ��م الأت ��راك وال للغامدي فيه حق بعد �أن �س ��لب م ��ن الأتراك ومل ُي�س ��لب من الغامدي‬
‫الذي كما تقول الرواية �أعطاه اجلي�ش الرتكي كي يحملوا فوقه العتاد لقتال زهران‪ ،‬وكادت‬
‫حتدث فتنة‪ ،‬وكان ال�ش ��اعر ابن ثامرة حا�ض ��ر ًا فقال ق�صيدة �أثبت فيها �أن اجلمل من حق‬
‫الزهراين‪ ،‬لأنه �أخذه من الرتك يف معركة حربية‪ ،‬ولي�س من الغامدي‪ ،‬ويجب على الغامدي‬
‫مطالبة الأتراك ولي�س الزهراين ومن �ضمن ق�صيدته التي ح َّلت امل�شكلة قوله ‪:‬‬
‫ي���اق���ب���ي��� ِل���ي ال ي�����ف�����ارق ب���ي���ن���ن���ا ُق������ ْرح������ان الأزه�����������رِي‬
‫ي�س َت ِق َّل الجْ ُ َن َب َخا َنة فو َق ْه‬
‫ال�ش َتهَي يعطيه حيد ْر ْ‬ ‫ْ‬

‫((( الروايات ال�شعبية‪ ،‬والأحاجي‪ ،‬واحلكم‪ ،‬والألغاز‪ ،‬والأ�شعار والق�ص�ص ال�شعبية من امل�صادر املهمة يف تدوين التاريخ‬
‫واملت�أم ��ل يف تاري ��خ بالد غامد وزهران‪ ،‬وبخا�ص ��ة يف القرون املا�ض ��ية املت�أخرة‪ ،‬يجده مليئ ًا به ��ذا املوروث الثقايف‪،‬‬
‫والزال الكثري منه يقال �ش ��فاه ًا يف جمال�س الغامديني والزهرانيني‪ .‬و�إذا كان الأ�س ��تاذ ال�س ��لوك ( رحمه اهلل ) قد‬
‫جم ��ع من ��اذج من هذه الفنون‪� ،‬إال �أنه الزال هناك ال�ش ��يء الكثري الكثري غري املدون‪ ،‬ون�أمل �أن نرى من �أبناء منطقة‬
‫الباحة بع�ض اجلادين املجتهدين املن�صفني الذين يقومون على جمع هذه امل�صادر القيمة والهامة ‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( �أعالم منطقة الباحة ( غامد وزهران ) خالل القرنني (‪13‬ـ ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) مو�ضوع هام وجدير بالبحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫ن�أمل �أن نرى من �أبناء زهران وغامد من يدون لنا كتاب ًا علمي ًا ير�صد فيه الأعالم امل�شاهري الذين عرفتهم بالد الباحة‬
‫خالل القرنني �أو القرون املا�ض ��ية املت�أخرة ‪ .‬وبحث مثل هذا املو�ض ��وع يعد �سه ًال وبخا�صة �أن هناك الكثري من الوثائق‬
‫غري املن�ش ��ورة التي ت�س ��اعد يف �إخراج مثل هذه الدرا�س ��ة ‪ .‬كما �أن هناك �أ�س ��ر ًا و�أعالم ًا الزالوا على قيد احلياة وقد‬
‫ي�ساعدون يف ذكر ما عرفوه عن �آبائهم و�أجدادهم الذين كانوا ذا �ش�أن تاريخي وح�ضاري يف املنطقة ‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪482‬‬
‫���خ���ى ال � َ���ص���خِ ��� ْي��� َن���ا َد ْم ر َِج���ال���ن���ا‬
‫������ذ ْر ب����� ْه و َي���� ْ���ص َ‬
‫وي������ع ِّ‬
‫ما َغد ْيتَ ْاغزيه يف وادِي ا ْلقِم ْع والحْ َ وف وا ْنه ْز ماه‬
‫�إىل �آخر هذه الق�صيدة التي �أ�صلحت بني القبيلتني يف �سوق رغدان ب�سبب هذا اجلمل(‪.)1‬‬
‫يف �ص ��فحة (‪� )253‬سطر(‪ )18‬يف وال�صحيح على‪ ،‬و�ص ( ‪� )256‬سطر (‪ )2‬كلمة وبني‬
‫عمر ت�ص ��حح �إىل وبني عمرو‪ ،‬و�ص ( ‪� )267‬سطر(‪ )12‬قولك‪(:‬وبعد معركة حنني وح�صار‬
‫الطائف‪ ،‬قدم وفد من ثقيف على ر�سول اهلل ﷺ‪ ،‬يف املدينة املنورة بعد فتح مكة‪� .)..‬أخي‬
‫العزيز يف هذا القول تقدمي وت�أخري‪ ،‬فح�صار الطائف جاء بعد فتح مكة والأ�صوب يف نظري‬
‫تقدمي فتح مكة على ح�ص ��ار الطائف‪ ،‬كما قلت بذلك يف �ص ��فحة (‪ )268‬ال�س ��طر الثامن ‪.‬‬
‫ويف �ص ��فحة (‪� )271‬سطر(‪ )10‬منافع وال�صحيح مناخ‪ ،‬و�ص(‪� )272‬سطر(‪ )2‬كلمة با�سم‬
‫اهلل ت�صحح �إىل با�سمك اللهم‪ ،‬و�ص(‪� )272‬سطر(‪ ،) 13 ،12‬ال جتز‪ ،‬وال ترعى‪� ،‬أو من مر‬
‫وال�صحيح ال جتد‪ ،‬و�أن ال ترعى‪ ،‬ومن مر ‪ .‬و�صفحة (‪� )275‬سطر(‪� )14‬أبو �سفيان وال�صحيح‬
‫�أبي �سفيان‪ ،‬و�ص (‪� )284‬سطر(‪� )1‬صدرايد(‪ )2‬؟؟ و�ص (‪� )285 ،284‬سطر(‪ ) 1 ،11‬قولك‬
‫‪ ( :‬من بني �أثلة ر�ؤو�س بني ن�صر بن ربيعة بن �شهر بن احلجر ) لي�س هذا من قول الهمداين‪،‬‬
‫فريجى ف�ص ��له عن قول الهمداين‪ .‬ويف �صفحة (‪� )291‬سطر (‪� )8‬شئ وال�صحيح �شيء ‪ ،‬و�ص‬
‫(‪� )296‬س ��طر(‪ ) 8 ،6‬قوله‪ ،‬وما �ش ��ابه تعدل �إىل قوله‪ ،‬وما ي�ش ��به‪ ،‬ويف �صفحة ( ‪� )301‬سطر‬
‫(‪ )10‬و�ص ��يت وال�ص ��حيح �ص َب ْبتُ ‪ ،‬و �ص (‪� ) 303‬س ��طر(‪ )11‬قولك‪ ( :‬واملق�صود بالرتاج‪� ،‬أي‬
‫الإغالق) ‪ .‬لي�س هذا تف�سري ًا ملعنى الرتاج‪ْ � ،‬إذ �أن الرتاج يف اللغة كما ورد عند ابن منظور هو‪( :‬‬
‫الباب العظيم؛ وقيل‪ :‬هو الباب املُغ َلق) ‪ .‬والبيت الذي �أوردته يو�ضح ما �أوردناه ‪.‬‬
‫ال�صواب‬ ‫رقم ال�صفحة رقم ال�سطر اخلط�أ‬
‫قوم نبي ًا‪� ،‬إلف‬ ‫( ‪ ) 10 ،9‬نبي ًا‪� ،‬ألف‬ ‫(‪)321‬‬
‫يف عدة‬ ‫عدة‬ ‫(‪)8‬‬ ‫(‪)328‬‬
‫ب�سر ًا‬ ‫ب�سر‬ ‫(‪)5‬‬ ‫(‪)339‬‬
‫معنوف‪ ،‬هكذا وردت يف امل�صدر ف�أين وجدت لفظة (معتدي)‬ ‫معتدي‬ ‫(‪)10‬‬ ‫(‪)342‬‬
‫وجهه‬ ‫وجهك‬ ‫(‪)12‬‬ ‫(‪)359‬‬
‫واد‬
‫ٍ‬ ‫وادي‬ ‫(‪)12‬‬ ‫(‪)361‬‬
‫كانتا‬ ‫كانت‬ ‫(‪)15‬‬ ‫(‪)372‬‬

‫((( ن�ستفيد من هذا القول �إىل �أن منطقة الباحة حتتاج �إىل درا�سات علمية �أكادميية ت�صور �أو�ضاع هذه البالد �أثناء امتداد‬
‫النفوذ العثماين �إليها ‪ .‬و�إذا كان العثمانيون لهم عالقة جيدة مع الأ�ش ��راف يف مكة وكان ( الأ�ش ��راف والعثمانيون )‬
‫يتعاونون يف مد نفوذهم �إىل بالد غامد وزهران‪ ،‬فدرا�س ��ة املنطقة وعالقتها ب�أ�ش ��راف مكة مو�ضوع هو الآخر ي�ستحق‬
‫البحث والتق�ص ��ي ‪� .‬أما ال�ش ��عراء وال�ش ��عر العامي فهو �أي�ض ًا مو�ض ��وع جدير بالبحث والدرا�س ��ة ‪ .‬ون�أمل من امل�ؤرخني‬
‫والأكادمييني الزهرانيني والغامديني �إىل �أن يلتفتوا �إىل مثل هذه املو�ضوعات اجلديدة والهامة ‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫((( �ص ��دريد ‪ :‬وال�ص ��حيح �ص ��در �أيد‪ ،‬وهي ا�س ��م قرية يف قبيلة كعب ببالد بني عمرو احلجرية‪ ،‬وهي جماورة لقرية �آل‬
‫مقبول التي ولدنا فيها عام ( ‪1379‬هـ)‪ ،‬وتبعد عن مدينة النما�ص �شما ًال بحوايل (‪� )5-3‬أكيال ‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫‪483‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ع�شرة ‪ :‬قراءة وت�صويبات يف كتاب ‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة (ق‪10 -1‬هـ‪/‬ق‪16-7‬م)‬

‫يف �ص ��فحة (‪� )374‬س ��طر(‪ )17‬يا دكتورنا العزيز‪ ،‬عرفت ما ترمي �إليه متام ًا‪ ،‬و�إنني‬
‫�أ�س� ��أل دكتورن ��ا العزيز كيف ن�أخذ بع� ��ض تاريخنا عن م�ؤلفني جمهولني ُذكروا يف الع�ص ��ر‬
‫العبا�س ��ي وغريه كما تعلم‪ ،‬وال ن�أخذ عن بع�ض �أولئك ومنهم من نعرف ن�س ��به وح�سبه‪ ،‬ويف‬
‫بع� ��ض �أقواله التاريخية حوادث وردت يف بع�ض كتب التاريخ والأن�س ��اب املعا�ص ��رة(‪ . )1‬ويف‬
‫�صفحة (‪� )380‬سطر(‪ )5‬قولك ‪ ( :‬والرثيد) ‪ .‬هو مما يعمله الإن�سان‪ ،‬ولي�س مما ُيزرع يف‬
‫الأر�ض �أو ينتج من احليوان حتى تورده مع تلك املنتجات ‪.‬‬
‫ال�صواب‬ ‫اخلط�أ‬ ‫رقم ال�سطر‬ ‫رقم ال�صفحة‬
‫رط ًال‬ ‫رطل‬ ‫‪9‬‬ ‫(‪)387‬‬
‫املح�شوما‬ ‫املح�شوم‬ ‫‪12‬‬ ‫(‪)387‬‬
‫احل�صى‪ ،‬مادام‬ ‫احل�ص‪ ،‬مادم‬ ‫‪19‬‬ ‫(‪)388‬‬
‫ُحفزت وزيلها‬ ‫جفزت و�أزيلها‬ ‫‪5‬‬ ‫(‪)389‬‬
‫واتلأبت‬ ‫وتالبت‬ ‫‪7‬‬ ‫(‪)389‬‬
‫غنتني ‪ ،‬يبنبما‬ ‫عنتني‪ ،‬يبمبما‬ ‫‪9‬‬ ‫(‪)389‬‬
‫الآبار‪ ،‬احل�صى‬ ‫الأبار‪ ،‬احل�ص‬ ‫(‪)15 ،10‬‬ ‫(‪)389‬‬
‫�صفحة (‪� )389‬سطر(‪ )15‬هذا البيت لل�سمهري‪ ،‬ورد يف نهاية ال�صفحة ال�سابقة فيحذف‬
‫من هنا‪ ،‬ويحل حمله بيت الأحو�ص املثبت يف ال�صفحة رقم (‪ ،)390‬و�ص(‪� )390‬سطر(‪)8‬‬
‫الهيجاء‪ ،‬ك�أ�س ��د‪ ،‬بغاب وال�ص ��حيح الهياج ‪� :‬أ�س ��د‪ ،‬بغاف‪ ،‬و�ص(‪� )431‬س ��طر(‪ )6‬وتهتدي‬
‫تعدل �إىل وتهدي‪ ،‬و�ص ��فحة (‪� )439‬أما اجلا�س ��ر رحمه اهلل فيذكر �أن جندة احلنفي بعث‬
‫احلازوق ي�صدق الأزد فقتلته دو�س‪ ،‬و�أما م�صدرك الثاين فلي�س فيه ذكر ا�ستيالء جندة على‬
‫ال�سراة‪ ،‬وهاهو اخلرب كما ورد عند الزركلي �صفحة (‪ )10‬ج(‪ ( : )8‬خرج م�ستق ًال باليمامة‬
‫( �س ��نة‪66‬هـ) �أي ��ام عبد اهلل ابن الزب�ي�ر‪ ،‬يف جماعة كبرية ‪ .‬ف�أتي البحرين وا�س ��تقر بها‪،‬‬
‫وت�س ��مى ب�أمري امل�ؤمنني ‪ .‬ووجه �إليه م�ص ��عب بن الزبري خي ًال بعد خيل‪ ،‬وجي�ش ًا بعد جي�ش‪،‬‬
‫فهزموهم‪ ،‬و�أقام نحو خم�س �سنني وعماله بالبحرين وعمان وهجر وبع�ض �أر�ض العر�ض)‪.‬‬
‫ال �أر�ض العر�ض جميعها‪.‬‬

‫((( يا ابن �س ��دران �أنا ل�س ��ت �ض ��د �أي م�ؤرخ �أو �أي �أحد‪ ،‬و�إمنا �أبحث عن م�ص ��ادر متواترة وموثوقة ‪ .‬وامل�ؤرخون الأوائل‬
‫�أمثال الطربي وغريه �أف�ضل يف مدوناتهم من املت�أخرين وبخا�صة �إذا كانت بع�ض الأخبار والأحداث تعود �إىل القرون‬
‫الإ�س�ل�امية املبكرة والو�س ��يطة ‪ .‬للمزيد انظر الق�س ��م الثاين يف كتابنا املو�س ��وم بـ ‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب‬
‫(ع�س�ي�ر وجنران) ( الريا�ض‪ :‬مطابع احلمي�ض ��ي‪32 ،‬ـ‪1433‬هـ ‪2010 /‬ـ ‪2011‬م) ‪ .‬اجلزء الثالث‪� ،‬ص ‪ 109‬ـ ‪. 180‬‬
‫(ابن جري�س)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪484‬‬
‫ال�صواب‬ ‫اخلط�أ‬ ‫رقم ال�صفحة رقم ال�سطر‬
‫الوراد‬ ‫الورود‬ ‫‪6‬‬ ‫‪446‬‬
‫ومنكم‬
‫ُ‬ ‫ومل يكن‬ ‫‪12‬‬ ‫‪346‬‬
‫غيث‪ ،‬حيي‪ ،‬قبل �أن ( يتفرقوا )‬ ‫غري‪ ،‬حي‬ ‫‪8 ،7‬‬ ‫‪447‬‬
‫فقريحا�ؤها فرنية قد �س�أل‬ ‫فقريحا�ؤها فقد �س�أل‬ ‫‪12‬‬ ‫‪447‬‬
‫تردي‬ ‫تروي‬ ‫‪15‬‬ ‫‪447‬‬
‫للربدان‬ ‫الربدان‬ ‫‪17‬‬ ‫‪447‬‬
‫�آثار‬ ‫�أثار‬ ‫‪4‬‬ ‫‪451‬‬
‫قادر‬ ‫قادرا‬ ‫‪6‬‬ ‫‪474‬‬
‫وفر�ضة‬ ‫وفر�ضت‬ ‫‪15‬‬ ‫‪477‬‬
‫حلى‪ ،‬وا�ضح ًا‪� ،‬أي�ض َا‪،‬‬
‫أي�ضا‪ ،‬حال ًّيا‪ ،‬مطابق‬ ‫وا�ضحا‪ً � ،‬‬
‫ً‬ ‫حلي‪،‬‬ ‫‪12،7 ،6 ،5‬‬ ‫‪478‬‬
‫حالي َا‪ ،‬مطابق َا‬
‫بنو زياد‬ ‫بني زياد‬ ‫‪2‬‬ ‫‪483‬‬
‫َ�صالحِ ً ا‬ ‫َ�ص ِلح ًا‬ ‫‪18‬‬ ‫‪486‬‬
‫َاب‬‫ا ْل ِكت ِ‬ ‫تب‬ ‫ا ْل ِك ِ‬ ‫‪5‬‬ ‫‪487‬‬
‫يام ِة‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ُي�سيء‪� ،‬إ َميانهم‪ ،‬ال ِق َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪ُ 18 ،14 ،8‬ي�سئ‪� ،‬إِ َمين ُهم‪ ،‬ال ِقي َم ِة‬ ‫‪489‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫�أال ُتقا ِتلونَ‬ ‫ال ُت َق ِت ُلونَ‬ ‫‪15‬‬ ‫‪490‬‬
‫�إِخْ َوا ًنا‬ ‫ً‬
‫�إِخونا‬ ‫‪11‬‬ ‫‪494‬‬
‫والداخلون‬ ‫والداخلني‬ ‫‪13‬‬ ‫‪496‬‬
‫الرا�شدون‬ ‫الرا�شدين‬ ‫‪18‬‬ ‫‪499‬‬
‫ت�أثري ًا‬ ‫ت�أثري‬ ‫‪9‬‬ ‫‪507‬‬
‫�أال تقاتلون‪� ،‬أميانهم‬ ‫�أال تقتلون‪� ،‬أمينهم‬ ‫‪19‬‬ ‫‪512‬‬
‫بنزيل‬ ‫برنيل‬ ‫‪11‬‬ ‫‪513‬‬
‫هار ًبا‬ ‫ً‬
‫هار َبا‬ ‫‪10‬‬ ‫‪515‬‬
‫�آمن‬ ‫�آمان‬ ‫‪11‬‬ ‫‪540‬‬
‫ابتدا ًء‬ ‫ً‬
‫ابتدا‬ ‫‪18‬‬ ‫‪544‬‬
‫� ��ص (‪� )548‬س ��طر(‪� )11‬أرى دكتورن ��ا العزي ��ز يغ� ��ض طرفه عن طائف ��ة الزيدية يف‬
‫تقدميهم علي بن �أبي طالب ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬على �أبي بكر وعمر ر�ضي اهلل عنهما‪ ،‬حيث مل‬
‫يعلق على هذه الفقرة التي هي بخالف ما عليه معتقد �أهل ال�س ��نة واجلماعة‪ ،‬وال على تلك‬
‫الت ��ي تق ��ول ب�أن القر�آن حمدث ! وال على ما قاله ذلك الرجل ( املرافق ) يف حق من اجتهد‬
‫طاقته يف �ض ��يافتهم‪ ،‬فخانه الزمان املجدب‪ ،‬فبدال من �أن ي�ش ��كره على كرم ال�ضيافة وقد‬
‫جاد مبا لديه يف زمن اعرتف هذا الرجل ب�أنه زمن �أغرب‪ ،‬و�أن الرجل بالغ يف الرتحيب بهم‪،‬‬
‫‪485‬‬ ‫الدرا�سة الثالثة ع�شرة ‪ :‬قراءة وت�صويبات يف كتاب ‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة خالل القرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة (ق‪10 -1‬هـ‪/‬ق‪16-7‬م)‬

‫�إذا ب ��ه ينتق ��د تلك الذبيحة التي قدمها لهم وي�ص ��فها بالهزيلة‪ ،‬وقد قيل يف املثل‪ ( :‬اجلود‬
‫من املوجود ) وغريها من انتقادات يف العقيدة قيلت يف احلرم املكي ‪ .‬فما هو ر�أي دكتورنا‬
‫وقد �صدر الكتاب دون تعليق(‪. )1‬‬
‫ال�صواب‬ ‫اخلط�أ‬ ‫رقم ال�سطر‬ ‫رقم ال�صفحة‬
‫و�أبدى‪ ،‬ف�أظهرا‬ ‫و�أبدي‪ ،‬ف�أظهر‬ ‫‪11‬‬ ‫‪551‬‬
‫ف�س�ألنه‬ ‫ف�س�ألناه‬ ‫‪13‬‬ ‫‪563‬‬
‫و�أظهرا‬ ‫و�أطهرا‬ ‫‪4‬‬ ‫‪573‬‬
‫غري ًبا ـ ال�سرويون‬ ‫غريب ُا ـ ال�سرويني‬ ‫‪12 ،2‬‬ ‫‪575‬‬
‫هذا ما تي�سر �ضبطه‪ ،‬واهلل من وراء الق�صد‪ ،‬وال�سالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته ‪ .‬علي‬
‫ابن حممد بن �س ��دران الزهراين ‪ .‬يف‪1433/10/27:‬هـ ‪ .‬منطقة الباحة‪ .‬حمافظة القرى‪.‬‬
‫مدين ��ة الأطاولة ‪� .‬ص‪.‬ب‪ .111:‬هات ��ف‪ .)0505879091( :‬كما �أهدي دكتورنا العزيز �آخر‬
‫م�ؤلف �أ�ص ��درته بعد �شهر رم�ض ��ان املبارك‪ ،‬وهو بعنوان‪ :‬من ق�ضاة زهران ‪�.‬أرجو �أن حتوز‬
‫مادت ��ه العلمية على ر�ض ��اه‪ ،‬ومعه ن�س ��خة �أخرى �أرجو و�ض ��عها يف مكتب ��ة اجلامعة وله مني‬
‫ال�شكر والتقدير‪.‬‬
‫ثالث ًا ‪� :‬آراء وتعليقات‪:‬‬
‫‪1 .1‬نح ��ن ال ندع ��ي الكمال يف �أعمالن ��ا العلمية‪ ،‬و�إمنا نرحب ونحب ��ذ كل نقد بناء من �أجل‬
‫الو�ص ��ول �إىل احلقيقة‪ ،‬وهذا الديدن الذي �سرنا عليه منذ ثالثة عقود‪ ،‬و�سوف نوا�صل‬
‫ال�س�ي�ر يف هذا املنهج ‪ .‬وما و�ص ��لنا يف هذه الورقات يعد �إ�ض ��افة علمية جيدة‪ ،‬ون�شكر‬
‫�ص ��احب هذه الت�ص ��ويبات على ما قدم وبذل من جهد يذكر في�شكر‪ ،‬ون�س�أل اهلل العلي‬
‫القدير �أن ال يحرمنا جمي ًعا �أجر ما نقوم به‪ ،‬كما ن�س� ��أله �أن يدلنا دائ ًما �إىل ال�ص ��واب‬
‫وقول احلق واحلقيقة ‪.‬‬
‫را م ��ن الت�ص ��حيحات القيم ��ة‪ ،‬ون�أم ��ل �أن ن�أخ ��ذ‬ ‫‪2 .2‬ذك ��ر �ص ��احب الت�ص ��ويبات كث�ي� ً‬
‫ب�أغلبه ��ا �إن �ش ��اء اهلل ‪ ,‬عندم ��ا نعي ��د طباع ��ة الكت ��اب‪ ،‬وه ��ذا �أم ��ر �س ��وف نعم ��ل‬
‫علي ��ه يف الزم ��ن القري ��ب الق ��ادم‪ ،‬وه ��و �إع ��ادة طباع ��ة اجلزءي ��ن الأول والث ��اين‬
‫بالإ�ض ��افة �إىل ج ��زء ثال ��ث جدي ��د يف طبعته الأوىل وحت ��ت العنوان نف�س ��ه‪ ،‬درا�س���ات‬
‫يف تاري���خ تهام���ة وال�س���راة خ�ل�ال الق���رون الإ�س�ل�امية املبك���رة والو�س���يطة‬
‫( ق‪1‬ـ‪ 10‬هـ ‪7 /‬ـ‪16‬م) ‪.‬‬
‫((( يا �أ�س ��تاذ علي ات�ص ��ال الزيدية ببالد ال�سراة مو�ضوع كبري وي�س ��تحق �إىل �أن يفرد له كتاب �أو ر�سالة علمية وبخا�صة‬
‫يف القرون الإ�س�ل�امية الو�س ��يطة ‪ .‬ون�أمل �أن نرى �أحد طالبنا يف برامج الدرا�سات العليا فيتخذ هذا املو�ضوع عنوان ًا‬
‫لأطروحته يف درجة املاج�ستري �أو الدكتوراه ‪( .‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪486‬‬
‫‪�3‬أنادي من على �صفحات هذا الكتاب العلمي كل �أبناء غامد وزهران اجلادين املجدين‬ ‫‪.3‬‬
‫�أمثال ابن �س ��دران و�أ�ش ��باهه �أن ي�ض ��اعفوا اجلهود يف درا�س ��ة تاريخ وتراث وح�ضارة‬
‫بالدهم‪ ،‬وهم يف احلقيقة �أوىل و�أجدر �أن يتولوا ذلك‪ ،‬وكما قال �ص ��احب الت�ص ��ويبات‬
‫يف ثنايا ملحوظاته ( �أهل مكة �أدرى ب�ش���عابها ) وهذا قول �ص ��حيح وحقيقي ف�أهل بالد‬
‫غامد وزهران �أدرى و�أعرف بتاريخ �أوطانهم وموروثها الثقايف واحل�ضاري‪.‬‬
‫‪�4‬أرجو �أن تتحرك �شجون وهمم �أرباب القلم من الغامديني والزهرانيني عندما يقر�ؤون‬ ‫‪.4‬‬
‫ما مت طرحه يف هذا ال�سفر‪ ،‬ومن ثم يكملون ما مل ن�ستطع الإتيان به‪� ،‬أو ي�صححون ما‬
‫وقعنا فيه من �أخطاء غري مق�ص ��ودة‪� ،‬أو يقدمون درا�س ��ات علمية �أكادميية منهجية يف‬
‫مو�ض ��وعات تاريخية ح�ض ��ارية جديدة ‪ .‬وكما ذكرنا يف �أكرث من مكان من هذا الكتاب‬
‫�أن منطقة الباحة ت�ستحق ال�شيء الكثري من �أهلها و�أبنائها وهم م�ؤهلون لذلك ( بعون‬
‫اهلل تعاىل ) ‪.‬‬
‫‪�5‬أك ��رر �ش ��كري وتقدي ��ري وامتناين للأ�س ��تاذ علي بن �س ��دران الذي �أه ��دى �إىل عيوبي‬ ‫‪.5‬‬
‫و�أخطائ ��ي يف الكتاب املذكور عنوانه يف �أول هذا الق ��ول ‪ .‬ونرجو من كل باحث وطالب‬
‫علم نزيه �أن ال يبخل علينا مبا يكت�شف من �أخطاء يف بحوثنا ودرا�ساتنا املن�شورة‪ ،‬ونعد‬
‫كل من يدون لنا �أخطاءنا �أن نن�ش ��رها كما و�ص ��لتنا حتت ا�س ��م �ص ��احبها‪ ،‬واهلل املوفق‬
‫والهادي �إىل �سواء ال�سبيل ‪.‬‬
‫‪6‬ما مت �إيراده من تعليقات يف احلوا�ش ��ي نذكر يف �آخر كل حا�ش ��ية كلمة ( ابن جري�س)‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫و�إذا كان هناك حوا�ش من �إعداد �ص ��احب الت�ص ��ويبات نورد كلمة ( ابن �س ��دران ) ‪.‬‬
‫وذلك للتمييز بني �أقوالنا و�أقوال �صاحب هذه الأقوال ‪.‬‬
‫‪ 7‬ن�ش ��ر مث ��ل ه ��ذه التعليقات والت�ص ��ويبات العلمي ��ة ترثي ال�س ��احة الثقافي ��ة والفكرية‬ ‫‪.7‬‬
‫والعلمي ��ة‪ ،‬ويج ��ب �أن ي�ص ��حح بع�ض ��نا لبع�ض من �أج ��ل الو�ص ��ول �إىل احلقيقة والعمل‬
‫الأكادميي اجليد ( واهلل من وراء الق�صد) ‪.‬‬
‫‪487‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ع�شرة ‪ :‬منطقة الباحة يف عني �أحد �أبنائها‬

‫الدراسـة الرابعة عشرة‬

‫منطقة الباحة يف عني �أحد �أبنائها‬


‫بقلم‬
‫د ‪ / .‬يحيى بن عبد الله السعدي العبدلي الغامدي‬
‫(*)‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (الباحة وع�سري ) ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(‪1434‬هـ ‪2013 ،‬م) ‪( -‬اجلزء اخلام�س)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪300 - 287‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪488‬‬
‫الدرا�س��ة الرابعة ع�ش��رة ‪ :‬منطقة الباحة يف عني �أح��د �أبنائها ‪ .‬بقلم‬
‫(‪)1‬‬
‫الدكتور‪ /‬يحيى بن عبد اهلل ال�سعدي العبديل الغامدي‬
‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوع‬ ‫م‬
‫‪488‬‬ ‫�أوال ‪ :‬مدخل‬
‫‪489‬‬ ‫ثاني ًا انطباعات وم�شاهدات‬
‫‪498‬‬ ‫ثالث ًا خال�صة القول‬
‫�أو ًال ‪ :‬مدخل ‪:‬‬
‫�إىل �أخ ��ي الغ ��ايل‪ ،‬الأ�س ��تاذ الدكتور ‪ /‬غيثان بن جري�س �س ��لمه اهلل ‪ .‬ال�س�ل�ام عليكم‬
‫ورحم ��ة اهلل وبركات ��ه وبعد‪� :‬أخي الك ��رمي‪� ،‬إن احلديث عن منطقة ث ��رة كمنطقة الباحة يف‬
‫ورق ��ات معدودات‪ ،‬لي ُعد �ض ��رب ًا من اخلي ��ال‪ ،‬ودخو ًال يف جمال املحال‪ ،‬وق ��د ترددت كثري ًا‪،‬‬
‫و َق َّدمت و� ّأخرت‪ ،‬و�أبرمت ونق�ض ��ت‪ ،‬وبد�أت و�أعدت‪ ،‬ولكن مل �أجد عن تلبية رغبتك م�ص ��د ًا‬
‫وال م ��ن �إنفاذ مطلبك ب ّد ًا‪ ،‬فلم ميكنني �إال �إ�س ��عافك فيما طلبت و�إجابتك فيما �إليه ندبت‪،‬‬
‫علي‬‫ف�إنك متف�ض ��ل واملتف�ض ��ل املح�سن ال يق�ص ��ى‪ ،‬وال ين�سى‪� ،‬أو ُيع�ص ��ى‪ ،‬و�أراك قد هونت ّ‬
‫علي الأمر‪ ،‬ب�إ�ش ��ارة لطيفة‪ ،‬وعبارة �شريفة ؛ ب�أن مرادك باال�ستكتاب عن‬ ‫اخلطب وي�س ��رت ّ‬
‫هذه املنطقة‪ ،‬لي�س الغو�ص يف �أعماق الت�أريخ و�س ��وقه يف �س ��طور مالحم ال�س ��رد والتوثيق‪،‬‬
‫والتحلي ��ل والتعليق والتكميل والتدقيق‪ ،‬وفق املنهجية العلمية املعتربة‪ ،‬والطريقة الت�أريخية‬
‫امل�ش ��تهرة‪ ،‬و�إمنا الغاية واملرام‪� ،‬إعطاء مالمح عابرة‪ ،‬ووم�ض ��ات �س ��ائرة‪ ،‬مما ا�س ��تقر يف‬
‫النف�س واخللد‪ ،‬وتنامى مع الأيام عن ذ ّياك البلد ‪ .‬ولذا ف�إنني دونتُ بع�ض االنطباعات عن‬
‫بع�ض اجلوانب املتعلقة باملكان وال�س ��كان ا�س ��توحيت بع�ض مالحمها من �أول ر�ؤية يل لهذه‬
‫املنطقة‪ ،‬وقد كان ذاك يف �سنة �سبع وت�سعني وثالثمائة و�ألف عندما دخلنا �إليها من اجلنوب‬
‫متجهني ملدينة الباحة ل�صلة بع�ض الأقارب ومن ّثم �إىل مدينة الطائف ‪ .‬فكانت هذه الزيارة‬
‫((( يحيى عبد اهلل ال�س ��عدي العبديل الغامدي من مواليد مدينة �أبها عام (‪1379‬هـ‪1959/‬م) ق�ض ��ى معظم حياته يف‬
‫مدينة �أبها وتعلم يف مدار�س ��ها وكلياتها ‪ .‬عمل يف فرع جامعة الإمام حممد بن �س ��عود الإ�سالمية ب�أبها ثم يف جامعة‬
‫امللك خالد‪� ،‬أما والده عبد اهلل ال�س ��عدي فقد ولد يف بلده وم�س ��قط ر�أ�س ��ه" م�سب" وهي �أحد �أحياء حا�ضرة الباحة‬
‫اليوم‪ ،‬عمل يف الدعوة يف �أجزاء عديدة من جنوبي البالد ال�سعودية و�شمالها‪ ،‬وذهب �إىل اليمن لال�ستزادة يف طلب‬
‫العلم ‪ .‬ثم ا�س ��تقر به القرار يف مدينة الطائف حتى وافاه الأجل عام ( ‪1425/7/12‬هـ) ‪ .‬ون�أمل من �أوالده الكرام‬
‫�أن يجمعوا تراثه ووثائقه ومروياته ومدوناته ودرا�س ��تها ون�ش ��رها‪ ،‬وت�صحيح عدد من الأقوال والروايات التي ن�سمع‬
‫ذكرها يف العديد من جمال�س املناطق اجلنوبية فيما يتعلق بحزمه و�شدته وق�سوته على النا�س �أثناء عمله يف الدعوة‬
‫بهذه الأجزاء اجلنوبية ‪ .‬للمزيد من التف�ص ��يالت عن ال�ش ��يخ عبد اهلل ال�سعدي الغامدي وابنه الدكتور يحيى انظر‪،‬‬
‫غيثان بن علي بن جري�س ‪� .‬أبها حا�ضرة ع�سري ( درا�سة وثائقية ) ‪ ( .‬الريا�ض‪ :‬مطابع الفرزدق‪1417 ،‬هـ‪1977/‬م)‬
‫( الطبعة الأوىل) �ص ‪ 336‬ـ ‪ (. 338‬الطبعة الثانية ) ( الريا�ض‪ :‬مطابع احلمي�ض ��ي ‪1430‬هـ‪2009/‬م) ال�ص ��فحات‬
‫نف�س ��ها (‪336‬ـ ‪ . ) 338‬للم�ؤل ��ف نف�س ��ه ‪ .‬من رواد الرتبي ��ة والتعليم يف اململكة العربية ال�س ��عودية‪ :‬حممد �أحمد �أنور‬
‫(درا�سات‪ ،‬و�شهادات ووثائق ) ( الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي‪1433 ،‬هـ‪2012/‬م)‪� ،‬ص ‪ 307‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪489‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ع�شرة ‪ :‬منطقة الباحة يف عني �أحد �أبنائها‬

‫يف �إحدى منازل الربيع لعلها منزلة " الر�شا " والأر�ض خمرية وال�سماء مطرية‪ ،‬فعلقت تلك‬
‫الر�ؤى بالذاكرة وا�ستمرت على م ِّر ال�سنني ب�صحبتي م�سافرة‪ ،‬فا�ستمطرت بع�ض ًا مما علق‬
‫بالذه ��ن وبع�ض ما ا�س ��تقر يف الذاك ��رة من جمموع القراءات عن ت�أريخها وما �س ��معته من‬
‫والدي رحمه اهلل عنها‪� ،‬أو من �أكابر من عرفته من �أهلها‪ ،‬ف�سبكت ذلك يف عدد من اجلمل‬
‫والكلمات و�أعلم �أنني قد طويت كثري ًا مما كان ينبغي التوقف عنده‪ ،‬وذكر القبائل والأعالم‬
‫واملواقع والبلدان غري �أن �أدنى ذكر ن�ش� ��أ من ذلك ينتهب الوقت وي�س ��تغرق الأ�س ��فار مما ال‬
‫�أطيق معه التوفيق بني تدوينه وبني التزاماتي الأخرى فا�س ��تميحك العذر و�أ�س ��تميح كل من‬
‫قر�أ ما كتبت ب�أن ما دونته هنا ال �أعطيه �أكرث من ا�سم انطباعات عن م�شاهدات وقراءات ‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬انطباعات وم�شاهدات ‪:‬‬
‫�أخي الكرمي ؛ �إن منطقة الباحة ذات عمق ت�أريخي وبعد ح�ض ��اري‪ ،‬ي�ض ��رب يف �أعماق‬
‫الزم ��ن‪ ،‬ويحت ��ل منه املق ��ام والعطنْ ‪ ،‬وفيه ��ا التاريخ �آه ��ل‪ ،‬وبندى راحها تفي� ��ض املناهل‪،‬‬
‫فثمارها البدور الأماثل‪ ،‬وال�سيوف ال�صواقل‪ ،‬من الأواخر والأوائل‪.‬‬
‫وال�����ش��م�����س ت�����ش��رق وال����ب����دور حت��وم‬ ‫�أر����������������ض ب�����ه�����ا ف�����ل�����ك امل��������ع��������ايل دائ��������ر‬
‫ول����ه����ا ع���ل���ى �أف�������ق ال�������س���م���اء جن���وم‬ ‫وب�����ه�����ا م������ن ال������� َّزه�������ر امل����ن����� ّ����ض����د �أجن������م‬
‫�أخ ��ي‪� ،‬إن رم ��ت ال�س� ��ؤال عن املكان ؛ فف ��ي �أعلى مكان ف ��وق ُذرىً تبني ال�ص ��قور بها‬
‫�أوكارها‪ ،‬وحتمي الأ�س ��ود بها �أ�ش ��بالها وتهوى ظبي القاع كهفها وكنا�س ��ها‪� ،‬ش ��واهد وقنن‪،‬‬
‫و�س ��هول ودم ��ن‪ ،‬وجنود وحزون‪ ،‬وغي ��وم ومزون ‪ .‬دقت يف تخوم الق ��اع �أوتادها‪ ،‬ورفعت يف‬
‫العلياء �أعالمه ��ا‪ ،‬وقبابها‪ ،‬وعلى الأجماد لفت �أطنابها‪ ،‬فعلى ثراها تعاقبت الأجيال وعلى‬
‫ُرباه ��ا �أثمرت الآم ��ال‪ ،‬فمرابعها للهدى م� ��أوى ومعاهدها للوفا مرفى‪ ،‬ق ��د حل الندى بها‬
‫وهمى‪ ،‬و�أثمر النجح بها و�سما‪ ،‬تقع بني منطقة ع�سري ومنطقة مكة املكرمة فهي من �أحواز‬
‫�أر�ض احلجاز‪ ،‬ومتهد �إليه املجاز‪ ،‬نالت من بركات دعوات امل�ص ��طفى ﷺ ‪ .‬فكانت �أر�ض� � ًا‬
‫طيبة‪ ،‬و�أ�صوابها �صيبة‪ ،‬فيها ال�سحب جوامع‪ ،‬والغيوث هوامع‪.‬‬
‫و�أن��������ف��������ا���������س ال�����������ش�����م�����ال �����ش����م����ول‬ ‫ب��ل�ا ٌد ب��ه��ا احل�����ص��ب��اء در وت��رب��ه��ا ع��ب�ُي�رُ ُ‬
‫لقد ع�شت بعيد ًا عن تلك الديار غري �أنني ال �أن�سى �أول ما ر�أيتها وقد كانت يف �أيام ربيع‬
‫واد و�ساح بها قد ارتوى‬ ‫رائع‪ ،‬قد ب ّل ثراها الطل والندى‪ ،‬وواكف ال�سحب عليها جرى‪ ،‬وكل ٍ‬
‫نف�س ال��رب��ي��ع بلطفه م��ي��ت ال�ثرى‬ ‫�أح��ي��ى ع��ل��ى ر���س��م ال�����س��ح��اب وق���د �سرى‬
‫ُف��ر���ش��ت ب����أل���وان احل��ري��ر جم��وه��را‬ ‫وت���ل���ف���ع���ت ب����ال����زه����ر ح����ت����ى ‪ ..‬خ��ل��ت��ه��ا‬
‫ب���ل���ط���اف���ة وال����ن����ه����ر ف���ي���ه���ا ك����وث����را‬ ‫ف���ت���رى ج����ن����ان����اً وال�����ري�����ا������ض ظ�ل�ال���ه���ا‬
‫�أب�������داً وال ح���ر ي���ج���ور ع��ل��ى ال����ورى‬ ‫�أي��������������������ام ال ب�������������رد ي�������������ض������ر ب�������أه������ل������ه‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪490‬‬
‫مل�����ا ج������رى ف������وق ال����ن����ب����ات م��ع��ن�برا‬ ‫�������وق �إىل ال����ن���������س����ي����م ول���ي���ن���ه‬ ‫ك ٌ‬
‫���������ل ي�������ت ُ‬
‫ر�أيت وادي الطرية طري ًا �أبيا‪ ,‬وما�ؤه �ص ��افيا ونقي ًا‪ ،‬قد تلوى به جدول رقراق‪ ،‬وحتنت‬
‫عليه الغ�ص ��ون والأوراق‪ ،‬ومتايلت يف لقاء وعناق‪ ،‬ي ُد ال�ص ��با وترنح دوحها‪ ،‬والورق يطرب‬
‫�ش ��دوها‪ ،‬والبلبل ال�ص ��داح ين�ش ��ر عرفها‪ ،‬ف�س ��رحت الأحداق‪ ،‬و�س ��اح الفكر وتاق‪ ،‬وهتف‬
‫الل�سان �سبحانك يا جليل يا خالق‪.‬‬
‫�أم ���س��ن��ا ال��ب��رق �إذ ي��خ��ب وي��خ��ب��و؟‬ ‫�أ���������ش��������ج��������اك ال�����ن�����������س�����ي�����م ح����ي����ن ي���ه���ب‬
‫�أم ه����ت����ون م����ن ال�������س���ح���اب���ة ���س��ك��ب‬ ‫�أم ه�����ت�����وف ع����ل����ى الأراك����������������ة ت�������ش���دو‬
‫�أي ������ص�����ب دم�������وع�������ه ال ت�������ص���ب‬ ‫ك������������ل ه�������������������ذاك ل������ل�������������ص������ب������اب������ة داع‬
‫وكلما غدوت ال�س�ي�ر‪ ،‬ف�إن يف كل �ش�ب�ر روعة وكم ��ال‪ ،‬وبهاء وجمال ون�س ��يم واعتدال‪،‬‬
‫و�أن�س واعتالل ‪.‬‬
‫م��������ن ط��������ي زه��������ره��������ا ال����ن���������ض����ي����د‬ ‫ك���ل���م���ا ه����ب����ت ال���ن�������س���ي���م ي����ف����وح امل�������س���ك‬
‫�أينم ��ا تلفت ��ت العني ف�إنها ال ترى �إال الأزاهر والأنداء‪ ،‬والأ�ش ��اول والأنواء ‪ .‬ف�أينما متد‬
‫طرف ًا جتد ظرف ًا جبال ك�ساها �إهلل باحل�سن ُبرد ًا منمنما ‪.‬‬
‫رب�����ي�����ع �أت�������اه�������ا زائ�������������راً وم�������س���ل���م���ا‬ ‫�أج�����د ل�����ش��وق ال��ب�����ش��ر وال�������روح م��و���س��م��اً‬
‫ف���ق���ل���ده���ا م���ن���ه و�����ش����اح����اً م��ن��ظ��م��ا‬ ‫ك�����س��ا ع���ر����ص���ات الأر���������ض ب�������رداً م��ف��وف��اً‬
‫و�أنهارها الأفالك واخل�ضرة ال�سما‬ ‫�أزاه�ي�ره���ا حتكي الأجن���م ال��زه��ر ن�ضرة‬
‫ت����رى ال���ن���ور يف �أرج���ائ���ه���ا متب�سما‬ ‫�إذا م����ا ب���ك���ت ع��ي�ن ال�������س���ح���اب ري��ا���ض��ه��ا‬
‫ت��ظ��ن ع��ل��ى الأل������واح خ��ط��اً منمنما‬ ‫ت�������رى زه����������راً ����س���ب���ط���اً وم����������ا ًء جم���ع���دا‬
‫ك����������أن ل������ه ب�����ال�����ل�����وز ق����ل����ب����اً م��ت��ي��م��ا‬ ‫�إذا م��ا���س ع��ط��ف ال��ل��وز ي�����ش��دو حمامها‬
‫�أم ارت��������اح‪� ،‬أو ن�����ال امل���ن���ى ف�ترمن��ا‬ ‫ي������ن������وح ف���ل���ا �أدري �أخ�������������وف ت����ف����رق‬
‫وماذا حتدث الكلمات عن ُربى قذانه وقد جللها العرعر الأخ�ضر‪� ،‬أو عن �سفوح حوالة و�أثربها‬
‫رو�ض �سمري �أخيه‪،‬‬ ‫وقد ا�شتمل الرداء وتعطر �شعاب ووهاد ال ميل �سائرها‪ ،‬وال يند ُم قا�صدها‪ ،‬كل ٍ‬
‫وكل ط ��ود م ��ع تلة ك�أبيه‪ ،‬ترى على �س ��فوحها وبقمم �أجبالها الق�ص ��ور امل�ش ��يدة باحلجر واملطرزة‬
‫باملرو يف ن�سق متالئم مع تلك الطبيعة اخلالبة‪ ،‬وبهند�سة بديعة �أملتها الفطرة الوثابة ‪.‬‬
‫وك��������أمن�������ا ت����ل����ك ال�����ب�����ق�����اع �����س����م����ا ُء‬ ‫ف������ك�������أمن������ا ت�����ل�����ك ال�����ق�����������ص�����ور ك�����واك�����ب‬
‫ول����ع����ت ب����ه����ا الأف�������ي�������اء والأن�������������دا ُء‬ ‫وب���������ك���������ل ق�������ط�������ر ج�����������������دول يف ج����ن����ة‬
‫تق ��ر�أ م ��ن خاللها م�س�ي�رة عزائم �أهلها‪ ،‬وت�ص ��ميم ذويه ��ا وتنبئك عن متانة �أ�ص ��لها‬
‫وحمتدها‪ ،‬ودور الأجيال فيها‬
‫‪491‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ع�شرة ‪ :‬منطقة الباحة يف عني �أحد �أبنائها‬

‫ن���ح���ت���ت���ه���ا �أ�����س��ل�اف����ن����ا ل������ن ت���ب���ي���دا‬ ‫ف������ل������ن������ا ب������ت������ل������ك اجل�����������ب�����������ال ب������ي������وت‬


‫ك�أنه ��ا بطريق ��ة ر�ص ��فها ونظمها قد �أُع ��دت لتهلي وترح ��ب‪ ،‬وتروي وتكت ��ب‪ ،‬يف قرى‬
‫مت�صالت‪ ،‬ومنازل �سامقات‪ ،‬تتعاىل بها ال�شرفات‪ ،‬وترتفع بينها املنارات مهلالت ومكربات‪.‬‬
‫ن�����������س�����ج�����ت م�����ت�����ن�����ه ي����������� ُد الآب��������������اء‬ ‫�������ون يف ك��������ل ق�������ص���ر‬ ‫ف������ت������ح������ا ُر ال�������ع�������ي ُ‬
‫وال يكاد يخلو �س ��فح �أ�س ��يل‪ ،‬من ق�ص ��ر جميل‪ ،‬وظل ظليل‪ ،‬ونبع عليل ال جتوز من متن ّزه �إال‬
‫وحللت ب�آخر فتلقى احلمران ويلقاك وادي احلال‪ ،‬و�أين منك وادي ال�سكران ( ال�شكران) ففيه ‪:‬‬
‫�������ص �أغ�������ص���ان وت��ف�تر غ����دران‬ ‫وت���رق ُ‬ ‫ت���������ص����ف����ق �أوراق ٌ وت�����������ش����� ُد ح���م���ائ���م‬
‫ل��ه م��ن ف��ن��ون ال��زه��ر وال��ن��ور �أل���وان‬ ‫وق�����د ف���ر����ش���ت �أق����ط����اره����ا ل����ك ���س��ن��د���س��اً‬
‫وي��ل��ق��اك �أن����ى ���س��رت روح وري��ح��ان‬ ‫ت����واف����ي����ك م����ن����ه �أي����ن����م����ا ك����ن����ت رو�����ض����ة‬
‫وتفيء �إىل يفء بلجر�ش ��ي و�س ��ايليها وعذباتها وقراها وجناتها اخل�ضراء‪ ،‬وم�ساحاتها‬
‫الغناء فرتى جنباتها تفي�ض باخلريات وتهدي املكرمات‪ ،‬وحزنة على �شفري �أ�صدارها ذات‬
‫�أط�ل�ال حتك ��ي بتاريخها عن �أجيال و�أجي ��ال‪ ،‬وقرى بني كبري وواديها و�س ��فوحها ووهادها‬
‫تكتنز اجلمال وتفوق اخليال ومن يل ‪:‬‬
‫جت��ر ذي���ول اله�ضب م��ن ف��وق �آك��ام‬ ‫أر�������ض ك��������أن ال�����رو������ض يف ج��ن��ب��ات��ه��ا‬ ‫ب������� ٍ‬
‫ت����������درج �أث��������������راً يف غ����������رار ح�������س���ام‬ ‫�إذا ���ص��اف��ح��ت غ����دران����ه ال����ري����ح خ��ل��ت��ه��ا‬
‫ت����دي����ر ع���ل���ى ال�����ن�����وار ك�����أ�����س م����دام‬ ‫ون�������������ام ح������وال������ه������ا ال���������ع���������رار ك������أن�����ه�����ا‬
‫واد ك�ساه اهلل من احل�سن ما ك�سا‪.‬‬ ‫وعلى مقربة من ردهاتها ترى وادي فيق بالبهاء يفيق ٍ‬
‫م���ن���م���ق و�����ش����ي ح����اك����ه ي�����د ����ص���ادق‬ ‫ك��������أن وج�������وه الأر����������ض ح�������س���ن���اً وب��ه��ج��ة‬
‫ت�����ب�����ارك م�����ن ربٍ مل�����ا �����ش����اء خ���ال���ق‬ ‫�����ص����ن����ائ����ع رب ال�����ع�����ر������ش ج������ل ج�ل�ال���ه‬
‫يتهادى بك امل�س�ي�ر فرتى العني ما يروقها‪ ،‬وت�س ��مع الأذن ما ي�ش ��وقها حتى حتل بوادي‬
‫امللد و�ش�ل�االت املياه ب ��ه تتحدر‪ ،‬وغديرها يرتقرق وزهرها يتفتق‪ ،‬و�ش ��ث و�س ��ذاب‪ ،‬وعر ُر‬
‫وعناب‪ ،‬تذهب غيمة وجتئ دمية ‪.‬‬
‫وم�شى الن�سيم على الريا�ض مق ّيدا‬ ‫وق�����ف ال�������س���ح���اب ع���ل���ى ال����رب����ا م��ت��ح�يراً‬
‫وي����روق����ن����ي خ����د الأ�����ص����ي����ل م������وردا‬ ‫وي���������ش����وق����ن����ي وج��������ه ال�����ن�����ه�����ار ُم���ل���ث���م���اً‬
‫ول ��و َن َه َد ْت خطى ال�س�ي�ر قلي�ل ً�ا حل َّلت بالظفري‪ ،‬ول ��ر�أت الباحة وك�أنه ��ا الأمل املومق‪،‬‬
‫فمقط ُنها ال�سماء‪ ،‬ومتك�أها الأجنم الغراء‪،‬‬ ‫وال�ص ��باح امل�ش ��رق‪ ،‬تهل ًال وبها ًء‪ ،‬وروعة ونقاء‪ِ ،‬‬
‫الكواكب ون�صيفها وخمارها من داكن ال�سحائب‪ ،‬و�أ�سيل خد ّيها من ملع‬ ‫ُ‬ ‫وعقودها من و�ضئ‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪492‬‬
‫البوارق‪ ،‬وملى �شفتيها من ر�ضاب الغوادق‪ ،‬امتياحها من ركايا الغمام وم�ستقاها من �صوب‬
‫ال�ضباب �سحابها �صدوق‪ ،‬و�سيلها عذوق‬
‫جم������رورة ال���ذي���ل ����ص���ـ���دوق ال���وع���دِ‬ ‫ذات ارجت����������ـ����������از ب�����ح�����ن��ي��ن ال������ـ������رع������دِ‬
‫ل����ـ����ه����ا ن�������س���ي���ـ���م ك���ن�������س���ي���ـ���م ال������ـ������ور ِد‬ ‫م���������س����ف����ـ����وح����ة اخل�������ـ������� ِّد ل�����غ��ي��ر وج�����ـ�����دِ‬
‫ف���ان���ت�������ش���رت م���ث��� َل ان���ت�������ش���ـ���ار ال������ور ِد‬ ‫ج���������اءت ب����ه����ا ري�������ح ال�������ص���ب���ا م������ن ب���ع���دِ‬
‫م����ن و����ش���ي �أن��������وار ال���� ُّرب����ى يف ب����ر ِد‬ ‫ف��������راح��������ت ال������ق������ـ������اع ب����ع����ي���������ش َرغ�������ـ�������دِ‬
‫����ن م����ن َح���ب���ـ���اب���ه���ا ب���ال���ن���ـ���ر ِد‬ ‫َي���� ْل���� َع���� ْب����ـ َ‬ ‫ك��������أنمّ�������ـ�������ا غ������ـ������دران������ه������ا يف ال�����وه�����ـ�����دِ‬
‫تبدو باهرة بباهرها‪ ،‬غيداء برغدانها‪� ،‬ش ��ادية ب�شداها ‪ .‬كم يحار احلديث يف و�صف‬
‫غامد وزهران ‪.‬‬ ‫ح�سنها‪ ،‬وكم تكبو اجلمل عند بابها وداللها ‪ .‬تو�سطت عقد اجلمان بني ٍ‬
‫و�أت��������ت ب�ل�اب���ل���ه���ا ب��ح�����س��ن حل��ون��ه��ا‬ ‫���ف دوح���ه���ا‬ ‫ه����ي ب����اح����ة رق�������ص���ت م���ع���اط ُ‬
‫مل�������ا ت�������ز َّي�������ن وج�����ه�����ه�����ا ب���ع���ي���ون���ه���ا‬ ‫غ��������ن��������اء ق�����ب�����ل�����ه�����ا ال�����ن�����������س�����ي�����م مب��������� ّرة‬
‫ج��������اءت ع���ل���ى �أف����ن����ائ����ه����ا ب��ف��ن��ون��ه��ا‬ ‫�����ش���� ّف����ت غ�����رام�����ي وال��������غ��������را ُم �����س����واج���� ُع‬
‫حيث ال�شهامة والي�سار‪ ،‬وعج ببقاع بني ح�سن‪ ،‬وبها‬ ‫ومغنى يف بني �سار ُ‬ ‫ويبقى للجمال معنى ً‬
‫فارجحن‪ ،‬ففيها املواهب والفطن والفكر �سرى والوجد همى بوادي القرى‪ ،‬وكن باللوى من بيدة‬
‫لرتى م�أواها ومغناها وثمارها وجمتناها‪ ،‬وامتد يف �شوا�سع الرحاب لأر�ض الكرم والرتحاب جتد‬
‫ن�سج حلمتها‬ ‫املندق وبرحرح وتلك القرى واملنازل واجلبال ال�ش ��م بربودها وبران�س ��ها وعمائمها ُ‬
‫وو�شي �سداها من العرعر والزيتون املت�ضوع بعبري ال�شيح والريحان‪ ،‬وعبق الع�شرق والبعيرثان ‪.‬‬
‫�أن������ف������ا�������س������ه م���������س����ك����ي����ة الأردان‬ ‫وب���ب���ه���ج���ة ال�����زه�����ر الأن�����ي�����ق �إذا ����س���رت‬
‫اجل������ن������ي وخ�������������ض������رة ال�����ري�����ح�����ان‬ ‫وب�����ص��ف��رة امل���ن���ث���ور م��ن��ه وح���م���رة ال����ورد‬
‫����رب الأحل�������ان‬ ‫�أ�������ص������وات �����ش����اد م����ط ُ‬ ‫�����س�����ب �أن�����ه�����ا‬
‫وت������������رمن الأط����������ي����������ار حت������ ُ‬
‫ك�������ال�������دَّر ك�����ال�����ي�����اق�����وت ك����امل����رج����ان‬ ‫��ص��ى‬ ‫وت�����رق�����رق امل�������اء ال�����ق�����راح ع���ل���ى ح��� ً‬
‫لو متهل املتمهل يف رباها‪ ،‬ومتلى املتملي يف ذراها وعالها وجتا�سر اجل�سور لأ�صدارها‪،‬‬
‫مبعان ت�ستلهم الفكرا‪ ،‬وت�ستنطق احلجرا‪ ،‬وت�ستعطف‬ ‫فر�أى الأطوار والأغوار‪ ،‬حلفل العقل منه ٍ‬
‫ال�شجرا لت�صوغ عبارات حتمل العربا‪ ،‬تتمازج منها الأ�ضداد‪ ،‬وتتعاند فيها الأنداد‪ ،‬ف�ضحك‬
‫الربوق‪ ،‬يف بكاء الغيوم‪ ،‬و�سلوى الن�سيم يف ن�شيج الرعود‪ ،‬وجحفل الريح وهديره‪ ،‬مع ترا�سل‬
‫الغدير وخريره‪ ،‬ودموع ال�سحائب يف عطوف احلدائق تب�سم منه ال�شقائق‪.‬‬
‫عيون النور فيه من الغم�ض‬ ‫وه ّبت ُ‬ ‫ت��ب�����س��م ث���غ���ر ال����ب���رق‪ ،‬وان���ت���ح���ب احل��ي��ا‬
‫حكت ما حكت من �أ�صفر بني مبي�ض‬ ‫ك�����������������أن دن�����������ان�����ي�����را خ������ل������ال دراه�������������م‬
‫لقد خلعت ثوب ال�سماء على الأر�ض‬ ‫�سقى اهلل تلك ال�سحب ما �سقت الرثى‬
‫‪493‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ع�شرة ‪ :‬منطقة الباحة يف عني �أحد �أبنائها‬

‫�صور متداخلة‪ ،‬وغ�صون متمايلة‪ ،‬وزهور متنا�سقة‪ ،‬وبالبل متناغمة‪،‬‬


‫وال�����������ورد م���ف�ت�ر و�����س����ط امل���ي���ادي���ن‬ ‫ف������ال������رو�������ض م���ب���ت���ه���ج وامل������������اء م���ط���رد‬
‫�إن �سلوان النف�س ال تنتهي مهما تطوف من تلك الديار وحتوم من تلك املرابع والأ�صدار‪،‬‬
‫ترى اجلديد يبوح بالقدمي فطريف ماجد من تليد تالد ‪.‬‬
‫�أخ ��ي ؛ ه ��ذه مناذج من �س ��رواتها‪ ،‬ومعان من فلواتها‪ ،‬ولكن ل ��و هبطت التهائم وجلت‬
‫فيها‪ ،‬لر�أيت احل�س ��ن ينبع منها يتبدى ميين ًا و�شما ًال وجنوب ًا و�شما ًال‪ ،‬فنري ًا‪ ،‬وناوان والزناد‬
‫والأبن ��اء ووادي خيطان و�ض ��يان‪ ،‬واملخواة وال�ش ��دوان والأح�س ��بة وواديه ��ا‪ ،‬وعد لذي عني‬
‫لت�ستن�ش ��ق ال ��كاذي والع�ش ��رق والأقحوان‪ ،‬واقر�أ من الآثار ما �ش ��ئت يف ع�ش ��مة �أو يف خلف‬
‫واخلليف‪ ،‬وطف بقلوة وال�ش ��عراء واحلجرة وما �ش ��ئت من تلك الق ��رى والوهاد لتلق املنائر‬
‫واملنابر والآثار‪ ،‬مع ما �أودع اهلل فيها‪ ،‬من البهجة وال�سرور والإنا�سة واحلبور‬
‫�����س����ل���� ٌو ل���ق���ل���ب امل���������س����ت����ه����ام امل���ت���ي���م‬ ‫ه��������واه��������ا دواء ل����ل����ك����ئ����ي����ب ورب����ع����ه����ا‬
‫ي��ح��اك��ي ع���ب�ي�راً يف �أري������ج ال��ت��ن�����س��م‬ ‫�������ش������ذاه������ا ح������ي������اة ل�����ل�����ق�����ل�����وب ه���ن���ي���ئ���ة‬
‫و�أن��ع��م بها يف �أرغ���د العي�ش و�أن��ع��م‬ ‫ف��ع��ط��ر ق���ط���اف ال������ورد م���ن ري����ح ت��رب��ه��ا‬
‫�أيها ال�شادي املغر ّد‪ ،‬ال تلوم اخلواطر‪ ،‬عندما ترتامى بني قمم اجلبال وال�سهول والتالل‬
‫واد �أو تل �أو جبل‪� ،‬أو قرية �أو مقام �أو مكان‬ ‫من �س ��راة وتهامة �إن توارى عن ذاكرتها قطر �أو ٍ‬
‫ف�إنها جبال نايفات و�سهول ف�سيحات وتالل واجمات وقرى �آهالت ومهما يكن فللخاطر نحو‬
‫ال�شرق يف منطقة الباحة ح�ضور و�سياحة حيث مغناه ظريف‪ ،‬ومعناه لطيف‪ ،‬ي�سكب الت�أريخ‬
‫�س ��كب ًا‪ ،‬ويحكي عن احلياة ب�ألوانها مد ًا وجذب ًا‪ ،‬فربيق �س ��هلها من تبالة �إىل بي�ش ��ة �إىل تلك‬
‫القيعان من واحتي جرب والعقيق‪� ،‬إىل املغنى اخل�صيب يف م�صب وادي نخال‪ ،‬و�أودية تتحدر‬
‫من طورها الغربي ت�سمو على املقال فت�سيح يف ف�سيح الرمال‪ ،‬فتزرى بالأقوال والأفعال ‪� .‬إنها‬
‫ت�ض ��اري�س تزخ ُر ب�ش ��تى الأنواع من املعاين والأ�سجاع‪ ،‬من �س ��هول وواحات حتكي عن رحابة‬
‫ال�صدور وجبال �شاخمات تروي عن عزة الأجيال‪ ،‬وه�ضاب �صليبات َت ُن ُّم عن �صالبة القلوب‬
‫�أمام املخاطر والأحداث‪ ،‬و�شماريخ �صامدات توازي �صمود الرجال �أمام حتديات الزمان ‪.‬‬
‫�إن مرت بها ال�س ��نون اجلائرة فهي معلمة ال�ص�ب�ر للنفو�س احلائرة و�إن جللها القطر‪،‬‬
‫و�ساح ب�سيحها في�ض النعائم والإنعام فهي معلمة اليد ال�سحاء‪ ،‬والرو�ضة الغناء ‪.‬‬
‫و�أ����ش���ج���اره���ا زي���ن���ت ب��ت�ين و�أع���ن���اب‬ ‫ف����أن���ه���اره���ا جت������ري‪ ،‬و�أزه������اره������ا ت�����ض��ي‬
‫وف���ي���ه���ا ن��خ��ي��ل م���ث���م���رات ب�����أرط����اب‬ ‫و������س�����در وط�����ل�����ح ق�����د ت�����دل�����ت غ�������ص���ون���ه‬
‫و�س ��عت �أهله ��ا وزائريها‪ ،‬و�أنالت قا�ص ��يها ودانيها ‪� .‬أخي‪ ،‬من يلملم جنبات �شا�س ��عات‪،‬‬
‫و�أطواد �ش ��اخمات‪ ،‬و�أغوار غائرات يف جمل من�ص ��فات وكلمات جامعات‪ .‬ذاك �ش ��يء حمال‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪494‬‬
‫ولكن خذها �إ�ش ��ارات دالالت ووم�ض ��ات عابرات‪ ،‬ويكفي من القول ب�أنها منطقة تتنوع �أر�ضها‬
‫من جنود و�سهول‪ ،‬و�ضراب وه�ضاب‪ ،‬وقمم �شم و�أ�صدار وتهم‪ ،‬و�أنها حتتل من جبال ال�سروات‬
‫الن�صيب الأوفر من احل�سن والدّل بجمال ال�سهل والتل رافعة اجلناب‪ ،‬عتيقة الأح�ساب ‪.‬‬
‫ه ��ذه نفاث� � ُة بوح‪ ،‬عن �أر�ض ��ها وخط ��ور خطرة ع ��ن حوزه ��ا تفيدك دالل ��ة‪ ،‬ومتنحك‬
‫�إمي ��اءة‪ ،‬و�إن رمت املن ��اخ فمناخها يتنوع كتنوع �أر�ض ��ها فقمم اجلبال معتدلة اجلو �ص ��يف ًا‬
‫ي�ؤمها امل�ص ��طافون وينعم فيها ال�س ��ائحون‪ ،‬ويهن� ��أ فيها ال�س ��ائرون‪ ،‬ويف التهائم مييل �إىل‬
‫احلرارة غالب ًا برطوبة �أحيان ًا فيكرث الراحلون �إىل حجازها م�صطاف ًا ومرتبع ًا‪ ،‬ويف �سهولها‬
‫ال�شرقية دفء مييل �إىل الن�شوفة �أحيان ًا عندما تهب الرياح النجدية ‪� .‬أما الربيع ففي قمم‬
‫اجلبال مييل �أوله �إىل الربودة ومن بعد منت�ص ��فه مييل �إىل االعتدال مع اكت�س ��اء �أنواع من‬
‫الزهور والنبات وتكرث فيه الأمطار واجلداول‪.‬‬
‫����س���ق���ي���ط ال�����ط�����ل �أو د ّر ال���ع���ه���اد‬ ‫جم�����ام�����ي�����ع م��������ن ال����������ودي����������ان ت�������س���ق���ي‬
‫�����ض����رب����ن ب���ل���ون���ه���ن �إىل ال���������س����واد‬ ‫م��ل��اب�����������س�����ه�����ن خ�������������ض������ر م���������ش����ب����ع����ات‬
‫رخ���������اء ت���ق���ت�������ض���ي���ه ي������د ال������غ������وادي‬ ‫�إذا َذ ّرتْ ع�����ل�����ي�����ه امل�������������س������ك ري������ح‬
‫����ص���ن���ي���ع امل���������ش����ط ب���ال���ل���م���م امل�����ع�����ا ِد‬ ‫ت����خ����ل����ل����ت����ه����ا ال���������ري���������اح ف�����������س����� ّر ح���ت���ه���ا‬
‫وط���������اب ن�������س���ي���م���ه���ا يف ك������ل وادي‬ ‫وج����������رت وه�����ن�����ا ب����ه����ا و�������س������رت ع��ل��ي��ه��ا‬
‫ويتبع االعتدال يف قمم هذه اجلبال اعتدال ال�س ��هول ال�ش ��رقية للمنطق ��ة ويكون فيها املناخ‬
‫�ألطف �آنذاك ‪ .‬وكذلك تخف حرارة تهامة والتزال ن�سائمها ترقرق الأنفا�س وتالم�س الإح�سا�س ‪.‬‬
‫�أما �ش ��تا�ؤها ففي �أوله مييل �إىل الربودة ثم ي�ش ��تد الربد فيه بعد م�ض ��ي �ستة وع�شرين‬
‫يوم ًا وي�س ��تمر مائ ًال �إىل الربودة‪ ،‬وكثري ًا ما تنعم فيه تل ��ك اجلبال بنعيم الأمطار املدرارة‬
‫وال�س ��يول اجل ��رارة ولك ��ن الربودة مع ذل ��ك حمتملة وبرده ��ا فيه ليونة وتدفعه الأ�ص ��واف‬
‫وو�س ��ائل التدفئة املتو�س ��طة ‪� .‬أما ال�سهول ال�شرقية فربدها �أخف وط�أة ولكنه قد يكون جاف ًا‬
‫عند هبوب ال�شمال �أو ال�شرق و�أ ّما �أجواء تهامة‪ ،‬فال حر وال قر وال �س�آمة يهن�أ فيه ال�شاتون‬
‫وي�ؤمه اخللق الكثري من �س ��كان ال�س ��روات والفلوات بحث ًا عن الأج ��واء احلاملة‪ ،‬تزدان فيها‬
‫البقاع ب�أنواع النباتات و�أ�شكال من الزهور املغريات و�أو�شال نديات غذيات رقيقات ناعمات‪.‬‬
‫��ص��ب ي����ذوب م��ن ال��وج��د‬ ‫�إىل ح�� ّب��ه � ّ‬ ‫ن�������س���ي���م ك�����أن����ف����ا�����س احل����ب����ي����ب �أت��������ى ب��ه‬
‫كما دب لطف امل��اء يف ق�ضب الرند‬ ‫ت�������دب �إىل ال����������روح ال���ل���ط���ي���ف���ة روح�����ه‬
‫�أم ��ا ف�ص ��ل اخلري ��ف ففي قمم اجلب ��ال �أوله لطي ��ف ثم يب ��د�أ ميله �إىل ال�ب�رودة لي ًال‬
‫وت�س ��اقط فيه كثري من �أ�ش ��جار الفاكهة �أوراقها وتهب فيه هبوب ال�ش ��رق ويكون فيه �أواخر‬
‫الفواكه املو�سمية من العنب والرمان وغريها‪.‬‬
‫‪495‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ع�شرة ‪ :‬منطقة الباحة يف عني �أحد �أبنائها‬

‫�أما يف ال�س ��هول ال�ش ��رقية فال يزال فيه معت ��د ًال �إال �أنها تكرث فيه الزوابع والأعا�ص�ي�ر‬
‫الرملية و�شم�سه يف النهار حارة وليله مييل �إىل الربودة وتتعاوره الريحان من �صبا و�شمايل‪.‬‬
‫�أما يف تهامة فخريفها ي�ؤذن برحيل الغبار وتقل�ص الأتربة ومب�ش ��ر بحلول ال�ش ��تاء ون�سائم‬
‫اجلن ��وب والغرب ويعتدل فيها اجلو لي ًال و�أما نهاره فال يزال حار ًا ‪ .‬هكذا يتنوع فيها املناخ‬
‫تبع ًا لتنوع تلك الت�ض ��اري�س مبا يحقق يف الغالب معنى تكامل الأجواء وتبادل املحا�س ��ن ف�إن‬
‫كدر الربد �أطوار اجلبال رقت ن�سائم الأغوار و�إن فاح حر التهائم عللت القمم الن�سائم ‪.‬‬
‫ف�����أح����ي����ا ب����ر ّي����ه����ا وي����ه����ت����اج ذك���ره���ا‬ ‫و�أغ�����������دو ف���ت���ل���ق���اين ال������ري������اح ب��ط��ي��ب��ه��ا‬
‫ب����ك����ل ط�����ري�����ق ك����������أن ف����ي����ه مم���ره���ا‬ ‫ك���������أن ف���ت���ي���ت امل���������س����ك ي���ن�������ض���ح ب���ع���ده���ا‬
‫وقد تق�سو اجلبال فرتق ال�سهول مبر�أى الأغادير و�أ�صوات البالبل والع�صافري ‪ .‬وتر�سل‬
‫الن�سمات رياح �صباها واجلنوب ‪.‬‬
‫و�أرق�����������������������������������ه مل���������������ع ب��������������������رق مل�����ح‬ ‫������ص�����ب�����ى ن���������س����ي����م ال�����������ص�����ب�����ا �إذ ن���ف���ح‬
‫وع��������ه��������داً ل�������ق�������ادم �������س������رب ����س���ن���ح‬ ‫و�أذك���������������������������������ره ع�������ي���������������ش�������ه ب������احل������م������ى‬
‫ف�������������س������اح ل��������ه دم�������ع�������ه وان���������س����ف����ح‬ ‫ف����ح����ن �إىل ال�������س���ف���ح ����س���ف���ح ال���ع���ق���ي���ق‬
‫ول�����ك�����ن ج�������رى دم�����ع����� ُه ف��اف��ت�����ض��ح‬ ‫وك���������������ان ك�������ت�������وم�������اً ل�������������س������ ِّر ال������ه������وى‬
‫و�إن زعزعت الريح رمال ال�ش ��رق فتلقى �س ��فوح القمم مت ُّد ذراعيها لزائريها وحتنو‬
‫بوجد ريح اجلنوب و�أنفا�س ال�شمال فتقول قلوب الكلمى ‪:‬‬
‫�����وب‬
‫وك���������ان ج�����واب�����ه�����ا م����ن����ي اجل�����ن ُ‬ ‫حت�����م�����ل�����ت ال�����������ش�����م�����ال ��������س���ل���ام ل���ي���ل���ى‬
‫ك���م���ا خ�������ص ال�������ش���م���ال ب����ه احل��ب��ي ُ��ب‬ ‫ف���ب���ح���ت م�����ن اجل�����ن�����وب ب�������س���ر ن��ف�����س��ي‬
‫������وب‬
‫�أح��������������ن مل���������ا ت���������ول���������ده ال������ق������ل ُ‬ ‫ف�����������ص�����رت �إذا ت����ن����ف���������س����ن����ا ج����م����ي����ع����اً‬
‫وخذ ب�إثر تلك املناخات املتنوعة واملوا�س ��م املت�ض ��وعة �أ�صناف ًا من النواجت املتعددة من‬
‫الفواكه املو�سمية فال�سراة لها �أنواع من الفاكهة كالتفاح واللوز واخلوخ وامل�شم�ش والزيتون‬
‫والعن ��ب والرم ��ان والتني والكمرثى‪ ،‬وكلها يف موا�س ��م ال�ص ��يف واخلريف‪ ،‬وله ��ا �أنواع من‬
‫احلبوب كالرب ب�أنواعه والعد�س والذرة البي�ض ��اء ب�أنواعها والدجر وال�شعري‪ ،‬وميتاز ال�سهل‬
‫ال�ش ��رقي فيها ب�إنتاج التمور وجودة العنب والرمان‪ ،‬و�أما تهامة ففيها املوز والليمون و�أنواع‬
‫الذرة احلمراء وال�س ��يال والدخن ويكرث فيها �شجر ال�سدر وال�سلم وت�شرتك ال�سراة وتهامة‬
‫ب�إنتاج �أجود �أنواع الع�سل ‪ .‬بالإ�ضافة �إىل كل ذلك فيها من �أنواع احليوانات الربية والبلدية‬
‫فت�شتهر �سراتها و�سهولها ال�شرقية وتهامتها بالرثوة احليوانية املتنوعة يف ال�شرق الإبل ويف‬
‫ال�سراة قليل من الإبل والأغنام والأبقار ويف تهامة الإبل و�أنواع الأغنام من ال�ض�أن واملاعز‪،‬‬
‫وفيه ��ا من املعادن الثمينة وغريها وباجلمل ��ة فهي منطقة ثرة غنية معطاءة مبا وهبها اهلل‬
‫تعاىل و�أودعه فيها و�سخره لأهلها‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪496‬‬
‫ومن رام احلديث بعد املكان عن ال�س ��كان ف�س ��كانها هم الأماثل من �أرومة الأزد الأوائل‬
‫ينتمون �إليه يف �أ�ص ��لب عرق‪ ،‬وينحدرون من �أماجد الأجداد وهم من رواد الهجرة ال�سبيئية‬
‫الأوىل قبل البعثة النبوية بع�شرات من القرون فقر منهم القرار‪ ،‬و�صار ن�صيبهم من البقاع‬
‫هذه الديار و�أفرعت منهم الأغ�صان وحتنت بالثمار لتثمر احلي من بني ماء ال�سماء بطيبة‬
‫الطيب ��ة وتكون منهم جهينة وخزاع ��ه وبنو ثمالة لتدركهم العناية الربانية فيكونوا لر�س ��ول‬
‫الهدى ﷺ �أن�صار ًا و�أ�صهار ًا‪ ،‬فيحيا ما اندر�س من �صالت �أن�ساب ببني �إ�سماعيل من ق�صي‬
‫وكالب‪ ،‬وما برحت تلك العالئق ترتى جي ًال بعد جيل فمنطقة الباحة �سكانها من بني الأزد‬
‫جذمان عظيمان بقيا على م ِّر الزمان اال�سم هو اال�سم والر�سم هو الر�سم واملكان هو املكان‪،‬‬
‫�أ�ص ��ل ثابت وفرع �س ��ما يف ال�سماء بفروع با�س ��قة وثمار يانعة وقبائل المعة هما قبيلتا غامد‬
‫وزهران‪ ،‬عم وابن �أخيه نرثت نثائرهم �ش ��رق ًا وغرب ًا و�ش ��ما ًال وجنوب ًا �ص ��فوات تربعت على‬
‫عرو�ش من املجد وغدوا ذوي �ش� ��أو و�ش� ��أن ح�ض ��ور ذهني‪ ،‬ومثول واقعي يف جاهلية و�إ�سالم‬
‫فهم قبل مبعث الر�سول ﷺ يف هذا احلي من العرب ذوو حظوة بني القبائل والع�شائر‪ ،‬لهم‬
‫مع املجد بذل ويف الواقع �سيف ون�صل كان منهم حكماء وحكام �ساد منهم من �ساد يف ُعمان‬
‫حقب من الزمان عندما يطلق لفظ الأزدي �أو الأزد‬ ‫وبقيت �أن�سابهم بها �إىل الآن‪ ،‬بل �إنه مر ٌ‬
‫ف�إمنا ين�ص ��رف املعنى �إىل هاتني القبيلت�ي�ن وما تفرع منهما‪ ،‬ومنهم من قطن �أر�ض العراق‬
‫واحلرية وكان لهم بها ال�ص ��والت واجلوالت جنود وقواد وحكام ودويالت هنا وهناك‪ .‬وكذا‬
‫فلهم ترحل باجلناح الغربي وبالقطر ال�ش ��مايل من اجلزيرة يف الأردن وفل�س ��طني و�س ��وريا‬
‫و�ش ��مال �إفريقية وحل منهم من حل ب�أر�ض الأندل�س وحتدرت منهم �س�ل�االت عربية و�أعراق‬
‫نقي ��ة ‪ .‬وتبق ��ى ديارهم حافلة ب�أخباره ��م وبها قرار العظيم من �أجداده ��م و�أحفادهم ونبع‬
‫حمتده ��م ‪ .‬وهاتان القبيلتان وما تفرع منهما من القبائل والع�ش ��ائر حتف بها قبائل عربية‬
‫�ص ��رفة تربطهم بهم �أوا�صر الن�سب واملجاورة والأ�صل وامل�صاهرة فلهم بهم روابط عظيمة‬
‫ومنا�س ��ب كرمية و�أوا�صر و�ص ��يلة‪ ،‬فتحفهم قبائل بلقرن وهي من �أرومة الأزد وقبائل خثعم‬
‫و�شمران وقبائل �أكلب و�شهران و�سبيع والبقوم ال�شالوي وبني مالك من بني بجيلة والعوامر‬
‫وبني زبيد‪ .‬و�سكان منطقة الباحة يح�سنون املجاورة‪ ،‬ويحمدون املتاجرة ولهم رحالت �أبيات‬
‫لك�سب العي�ش �أو لنماء الأموال �أو لطلب العلم يف البلدان �ش�أنهم يف ذلك �ش�أن قبائل العرب‪،‬‬
‫وجاءهم الإ�سالم فكانوا من الطالئع الأوىل فوفودهم بفهودهم �إليه �سباقة وللخري م�شتاقة‬
‫كان عدد وافر منهم من ال�صحابة الأبرار والعلماء الأخيار فمنهم الطفيل و�أبو هريرة و�أبو‬
‫�ص ��خر وظبيان و�أبو نعيم و�آخرون‪� .‬ش ��اركوا يف بناء لبنات طود الإ�سالم‪ .‬فكان منهم القادة‬
‫واجلنود والعلماء والتجار‪ ،‬وقد فتحت بهم �أقاليم من �أر�ض الأعاجم و�أر�ض الهند وال�سند ‪.‬‬
‫وط�����اب�����ت ف��������روع م���ن���ه���م و�أ������ص�����ول‬ ‫ي�������ش���ي���دون جم������داً �����ش�����أوه غ��ي�ر م����درك‬
‫ر�سموا للعبقرية منار ًا‪ ،‬وللت�أرخ �أخبار ًا و�آثار ًا ‪ .‬وكان من التابعني ومن تابعهيم من ا�شتغل‬
‫بالعلم فكانوا من �أوعيته املتينة ب�أذهان فطينة وعقول رزينة‪ ،‬فحفظوا الأخبار والآثار‪.‬‬
‫‪497‬‬ ‫الدرا�سة الرابعة ع�شرة ‪ :‬منطقة الباحة يف عني �أحد �أبنائها‬

‫ع��ق��ول ع��ل��ى ج��ي��د ال��زم��ان عقودها‬ ‫ل��ه��م م���ع ك��م��ال امل��ج��د وال��ع��ل��م وال��ت��ق��ى‬
‫وت��خ��ف��ق م���ا ب�ي�ن ال���ع���وايل ُب��ن��وده��ا‬ ‫وك��������م ل����ه����م م������ن ه����م����ة ت����ب����ل����غ امل������دى‬
‫�إن قر�أت كتب ال�ص ��حاح �ألفيت منهم �أفذاذ ًا �أف�ص ��اح فلهم م�شيخة يف العلم للبخاري‬
‫وم�سلم وغريهم ويف الفقه والتف�سري و�أ�صناف العلوم الدينية لهم باع طويل وعمق �أثيل و�إن‬
‫ت�صفحت �صحائف الت�أريخ وجدت لهم عقائل ومعاقل و�أخالق ًا و�شمائل ‪.‬‬
‫وع����ل����ى ر�ؤاه�����������ا ك�����ل ق����ل����ب ي��خ��ف��ق‬ ‫ي���ت���ن���ف�������س ال������ت�������أري������خ ع����ط����ر زه�����وره�����ا‬
‫�إال مب����ا ي���ذك���ي ال���ن���ف���و����س وي���غ���دق‬ ‫مل ي����رح����ل ال�����ت������أري�����خ ع�����ن ����س���اح���ات���ه���ا‬
‫و�إن طاف خيال الأديب يف رو�ضة اخل�صيب‪ ،‬مللم من زهر �آدابهم نواره العجيب فكم‬
‫فيه ��م م ��ن �أديب �أريب‪ ،‬وحكيم م�ص ��يب و ّقوال خطيب جتلى َحبرْ َ ه يف ِحربه‪ ،‬ويف�ض ��ح زهر‬
‫الأفق رو�ضه بزهره وتتحقق النواظر ح�سن �صنائعه‪ ،‬وما يدبجه القلم منه ب�أثره حتى ك�أمنا‬
‫�ألقت فيه املحا�سن ودائعها‪ ،‬و�أجرت فيه اللطائف ينابعها‪،‬‬
‫�إىل درج������������ات ال ُي������������رام ع�ل�اه���ا‬ ‫ح���وو م��ن ب��دي��ع ال��ن��ظ��م وال��ن�ثر م��ا رق��ى‬
‫وكم فيهم من �ش ��اعر يحوي امل�ش ��اعر في�س ��وق من معاين البالغة �أح�سن الأنواع‪ ،‬مبا‬
‫ي�شرف الأب�صار وي�شنف الأ�سماع‪ ،‬وي�سلب النفو�س‪ ،‬وي�سبي الألباب‪.‬‬
‫ف��ق��د �أزرت ق���واف���ي���ه ب�����د ِّر ال��ع��ق��ود‬ ‫ون�������������اظ�������������م �إن ق�����������������ال ���������ش��������ع��������راً‬
‫كم خلف �ش ��عرا�ؤهم من الأبيات الأب ِّيات‪ ،‬ال�ص ��ادرة عن ال�سجيات ال�سخيات ما �شئت‬
‫من بدائع �إبداع‪ ،‬وروائع يراع‪ ،‬تقف الف�صاحة عندها وت�ستظل بظلها وتقفوا البالغة ح َّدها‬
‫ور�س ��مها‪ ،‬مبعان حيرّ ت املعاين‪ ،‬حاك الربيع و�شيها‪ ،‬وامتثلت الأقالم �أمرها ونهيها‪ ،‬كانت‬
‫ف�ص ��ارت جامعة للح�سن والإح�س ��ان‪ ،‬بارعة الفنون يانعة الأفنان ‪ .‬ولهم يف العربية قطوف‬
‫�سوية وثمار �شهية ولو مل يذكر من دعائمهم الأوىل غري اخلليل بن �أحمد الفراهيدي لكفى‬
‫ب ��ه �ش ��اهد ًا وم�ش ��هود ًا‪ .‬و�إن رمت جم ��ال الكرام فلهم ب�ي�ن �أيديهم الباع الط ��وىل‪ ،‬والرتبة‬
‫الأوىل‪ ،‬فكم منهم كرمي �سخي ‪.‬‬
‫ك����رم����اً وي���ب���ع���ث ل��ل��ب��ع��ي��د ���س��ح��ائ��ب��اً‬ ‫ك���ال���ب���ح���ر ي����ق����ذف ل���ل���ق���ري���ب ج�����واه�����راً‬
‫وبني الفوار�س هم بنو بجدتها وحماة بي�ض ��تها هم جنود �أوفياء وقادة �أكفياء ال يحبون‬
‫االعتداء وال يقبلون ال�ضيم وال تزعزعهم العوا�صف �أو تثنيهم القوا�صف ‪.‬‬
‫ول��ك��ن ع��ل��ى �أق��دام��ن��ا تقطر ال�� ِّدم��ا‬ ‫ف��ل�����س��ن��ا ع��ل��ى الأع����ق����اب ت���دم���ي ك��ل��وم��ن��ا‬
‫د�أبهم ال ُبنا يف �ص ��فوف البناة والتفاين يف �إ�س ��داء الأ�س ��هام والبذل يف جمتمعهم �ص ��حبوا‬
‫القرون الأوىل و�ساروا يف ميادين قرون ترتى �سائرون بثبات وجناح �ساعدتهم رحالتهم التجارية‬
‫والعلمية على اكت�ساب اخلربات ومعرفة املجتمعات و�أمناط الت�صرفات ف�أفادوا من ذلك ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪498‬‬
‫و�أن البن ��ان لت�ش�ي�ر �إىل �أعالمه ��م ‪ ،‬وتزف ال�ص ��حائف �أخبارهم‪ ،‬وت ��رق الأوراق �إىل‬
‫�أقالمهم فيبكي لهم الرياع وحتن لهم الأوراق يبني �أواخرهم على ُبني �أوائلهم ‪.‬‬
‫ت���ب���ن���ي ون����ف����ع����ل ف�������وق م������ا ف���ع���ل���وا‬ ‫ن������ب������ن������ي ك�������م�������ا ك���������ان���������ت �أوائ���������ل���������ن���������ا‬
‫ويف ع�ص ��رنا احلا�ض ��ر لهم الإ�س ��هام يف املجتمع الكبري بعلماء �أ�ص ��فياء يف فنون من‬
‫العلم �أبانوا ال�ش ��رع وحملوا لواء الدين وجددوا معامل اليقني و�أ�سهموا مع �صفوف ال�سابقني‬
‫ال�صحوة احلق وفق ال�شرع ال�صايف القومي وكان منهم املفكرون والأعالم والأدباء وال�شعراء‬
‫الذين �أثروا مكتبات الثقافة ودور العلم والن�شر وال�صحافة وو�سائل الإعالم ب�أ�صنافها وكان‬
‫منهم القادة الع�سكريون واجلنود املنتظمون املخل�صون ‪ .‬وكان منهم املخرتعون والبارعون‬
‫واملوهوب ��ون وكان منهم الأطب ��اء الباذلون املاهرون ومنهم �أع�ل�ام التجار وخرباء التجارة‬
‫واالقت�صاد ومنهم املهند�سون و�أ�ساتذة اجلامعات لقد طرقوا جميع جماالت احلياة يعملون‬
‫مع بني جمتمعهم يف ر�أب ال�ص ��دع ومل ال�ش ��مل ف�س ��اهموا يف دفع عجلة النه�ض ��ة املعا�صرة‬
‫والعم ��ل بج ��د و�إخال�ص يف بناء هذا ال�ص ��رح العايل وموطننا واحلم ��د هلل يبني من �أرومة‬
‫عريقة وي�ضم قبائل عريقة يف �شرقه و�شماله وو�سطه وجنوبه وغربه �أنى توجهت جتد العز‬
‫والفخار كل منهم يفتخر ب�أنه مادة الإ�سالم و�صلب العربية‪.‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬خال�صة القول ‪:‬‬
‫وختام� � ًا �أق ��ول �إن جمتمعن ��ا الكبري ق ��د بني على ُعمد �ص ��لبة وركائز ف ��ذة‪ ،‬وحتقق له‬
‫م ��ن مقومات النج ��اح والثبات ما يك ��ون به يف �أعل ��ى املقامات فعقيدة را�س ��خة نقية‪ ،‬حتل‬
‫يف قلوب ر�ض ��ية‪ ،‬وتفكر بها عقول �س ��وية‪ ،‬ومت�ض ��ي بها رجال �أبية‪ ،‬تربط بينهم ال�ص ��داقة‬
‫القوية‪ ،‬وموطن متو�س ��ط ف�س ��يح‪ ،‬يحمل الدين ال�ص ��حيح‪� ،‬أودع اهلل في ��ه خزائن اخلريات‬
‫املتنوعة‪ ،‬و�أكرمه ب�أ�ش ��رف املقد�س ��ات وجعله قبلة لأهل الطاعات‪ ،‬و�أر�ش ��د ذويه �إىل �سبيل‬
‫النجاة و�أ�ص ��فى املعتقدات‪ ،‬ووعدهم بالتمكني �إن هم �أقاموا على دينه‪ ،‬و�ساروا على �سبيله‬
‫فيما وهبهم‪ ،‬و�ش ��كروا واهبها وم�سديها ( لئن �شكرمت لأزيدنكم )‪ ،‬فعزّنا وفخارنا وجمدنا‬
‫وتالدنا وطريقنا هو الإ�سالم �أو ًال و�آخر ًا فال عزة �إال فيه وال منعة �إال به‪ ،‬وال اعتماد �إال عليه‪،‬‬
‫فنح ��ن �أحوج ما نكون �إليه في ��ه عزتنا ومنعتنا وبقا�ؤنا ‪ .‬اللهم ف�أع ��ز دينك وارزقنا الثبات‬
‫عليه واجعلنا ممن ينميه يف النفو�س ويزرعه يف القلوب ويتمثله يف ال�س ��لوك والت�ص ��رفات‪،‬‬
‫ويذب عنه ويحميه ويعلي �ش� ��أنه ويبنيه ويدعو �إليه و�صلى اهلل و�سلم على نبينا حممد وعلى‬ ‫ُّ‬
‫�آله و�ص ��حبه و�س ��لم �أجمعني ‪ .‬حمبكم‪ /‬يحيى بن عبد اهلل ال�س ��عدي العب ��ديل الغامدي يف‬
‫(‪1434/1/2‬هـ ‪2012/11/16 /‬م) ‪.‬‬
‫‪499‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫الدراسـة الخامسة عشرة‬

‫رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة‬


‫(م�شاهدات وقراءات ) (تهامة غامد وزهران حتديد ًا )‬
‫(*)‬
‫بقلم ‪:‬أ ‪ .‬د‪ .‬غيثان بن علي بن جريس‬

‫(*) ن�شرت هذه الدرا�سة يف كتاب‪:‬‬


‫القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (�أجزاء من تهامة وال�سراة) ‪ ،‬ط‪1‬‬
‫(‪1439‬هـ ‪2017 ،‬م) ‪( -‬اجلزء الثاين ع�شر)‬
‫الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪� ،‬ص �ص ‪311 - 249‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪500‬‬
‫الدرا�س��ة اخلام�س��ة ع�ش��رة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�س�ير �إىل املخواة وقلوة‬
‫(م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات) (تهامة غامد وزهران حتديد ًا)(‪. )1‬‬
‫ال�صفحة‬ ‫املو�ضوعات‬ ‫م‬
‫‪500‬‬ ‫ً‬
‫�أوال‪ :‬مدخل‬
‫‪500‬‬ ‫ثاني ًا رحلتي من بارق ع�سري �إىل قلوة زهران ( م�شاهدات ‪ ،‬وانطباعات )‬
‫‪501‬‬ ‫‪1‬ـ املخواة وقلوة‬
‫‪509‬‬ ‫‪2‬ـ ال�شدوان الأ�سفل والأعلى‬
‫‪513‬‬ ‫‪3‬ـ م�شاهدات عامة‬
‫‪515‬‬ ‫ثالث ًا‪� :‬صورة من تاريخ بع�ض بلدان تهامة (املخواه وقلوة وما جاورهما)‬
‫‪515‬‬ ‫‪1‬ـ من تاريخها يف بع�ض امل�صادر واملراجع‬
‫‪519‬‬ ‫‪2‬ـ من تاريخها يف بع�ض الوثائق مبكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية‬
‫‪521‬‬ ‫‪3‬ـ من تاريخها يف بع�ض البحوث واملقاالت واملدونات املن�شورة وغري املن�شورة‬
‫‪528‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬نتائج وخال�صات‬
‫�أو ًال‪ :‬مدخل ‪:‬‬
‫ي�شتمل هذا البحث على �صور من تاريخ بلدان تهامة املمتدة من �شمال حمايل ع�سري �إىل‬
‫قلوة زهران ‪ ،‬ويتكون من حمورين رئي�س ��يني هما ‪ )1( :‬ذكر �ش ��يء من تاريخ هذه البالد من‬
‫خالل م�شاهداتي وانطباعاتي �أثناء رحلتي يف مناكبها ‪ )2( .‬تدوين �صفحات من تاريخها يف‬
‫الع�صور الإ�سالمية املختلفة املدونة يف بع�ض امل�صادر واملراجع املن�شورة وغري املن�شورة(‪. )2‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل قلوة زهران ( م�شاهدات ‪ ،‬وانطباعات ) ‪.‬‬
‫خرجت من مدينة �أبها ‪ ،‬يف رحلة علمية ‪ ،‬ملدة خم�س ��ة �أيام ‪ ،‬من �ص ��باح يوم اخلمي�س �إىل م�ساء‬
‫االثنني (‪1438/4/11-7‬هـ املوافق ‪2017/1/9-5‬م)‪ ،‬وكانت وجهتي �إىل حمافظة حمايل ع�سري(‪،)3‬‬
‫((( �ش ��ملت رحلتن ��ا الب�ل�اد املمتدة من بارق �إىل قلوة ‪ ،‬ون�ش ��رت تلك الرحلة يف اجلزء الثاين ع�ش ��ر م ��ن كتابنا (القول‬
‫املكتوب يف تاريخ اجلنوب) (‪1439‬هـ ‪2017 /‬م) ‪� ،‬ص ‪ ، 311 - 249‬ويف هذا الكتاب �أقت�صرنا على ن�شر ما يخت�ص‬
‫بتهامة غامد وزهران وبخا�صة حمافظتي املخواة وقلوة وما حولهما ‪.‬‬
‫((( املزيد من التف�صيالت عن بالد تهامة املمتدة من �شمال حمايل �إىل مدينة قلوة الزهرانية ‪ ،‬انظر كتاب ‪ :‬القول املكتوب‬
‫يف تاريخ اجلنوب (�أجزاء من تهامة وال�س ��راة ) (الريا�ض ‪ :‬مطابع احلمي�ض ��ي ‪1439 ،‬هـ ‪2017 /‬م) ‪� ،‬ص ‪311 - 249‬‬
‫‪ ،‬ويف هذا ال�س ��فر اخلا�ص ��ة مبنطقة الباحة حاولنا جاهدي ��ن حذف ملادة العلمية اخلارجة ع ��ن تهامة غامد وزهران ‪،‬‬
‫و�أحيانا �أبقينا بع�ض املعلومات املتعلقة بالبالط املمتدة من بارق �إىل املخواة وذلك لرتابط املو�ضوع وتداخله ‪.‬‬
‫((( حمافظة حمايل ع�س�ي�ر ‪ ،‬من املحافظات الرئي�س ��ية يف منطقة ع�سري ‪ ،‬ولها تاريخ قدمي وحديث ومعا�صر ‪ ،‬وحتى هذه‬
‫ال�ساعة ال جند �أي عمل علمي ي�صدر عنها ‪ ،‬و�سوف �أكتب عنها كتابة مو�سعة يف �أحد �أعمايل امل�ستقبلية ‪ ،‬ون�أمل �أن نرى‬
‫�أحد من �أبنائها ي�صدر عنها كتاب ًا �أو درا�سة علمية موثقة ‪ .‬للمزيد انظر ‪ :‬غيثان بن جري�س " حمايل ع�سري يف الع�صر‬
‫احلديث ( درا�سة تاريخية ح�ضارية خمت�صرة " ‪ .‬بحث من�شور يف اجلزء ال�ساد�س من �سل�سلة كتاب‪ :‬القول املكتوب يف‬
‫تاريخ اجلنوب ‪ (.‬الريا�ض‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪1435 ،‬هـ‪2014/‬م)‪ ،‬ج‪� ،6‬ص ‪207‬ـ ‪. 237‬‬
‫‪501‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫ومنها اجتهت �إىل حمافظة بارق(‪ ، )1‬وق�ض ��يت هذه الأيام اخلم�س ��ة يف مدن وقرى وجبال‬
‫و�أودية الأرا�ضي املمتدة من مدينة بارق يف تهامة منطقة ع�سري �إىل مدينتي املخواة مدينة‬
‫قلوة يف تهامة منطقة الباحة(‪. )2‬‬
‫‪1‬ـ املخواة وقلوة ‪:‬‬
‫خرجت من العر�ضية ال�شمالية حوايل ال�ساعة العا�شرة �صباح الأحد (‪1438/4/10‬هـ)‪،‬‬
‫وق�ض ��يت بقية ذل ��ك اليوم وي ��وم االثن�ي�ن (‪1438/4/11‬ه� �ـ) يف حمافظتي املخ ��واة وقلوة‬
‫التابعتني لإمارة منطقة الباحة(‪ .)3‬وكانت امل�س ��افة بني طرف العر�ض ��يات ال�شمايل ومدينة‬
‫املخواة حوايل (‪ )25-20‬كيلومرت‪ ،‬و�أثناء �س�ي�ري يف تلك الطريق ‪ ،‬ذات ال�س�ي�ر الواحد‪ ،‬ما‬
‫عدا كيلوات حمدودة يف اجلزء القريب من حا�ضرة املخواة ‪ ،‬وهناك بع�ض القرى ال�صغرية‬
‫والقريب ��ة من هذه الطريق ‪ ،‬كما ال تخلو تل ��ك الطريق من حمطات للوقود وحمالت جتارية‬
‫�ص ��غرية ‪ ،‬وبنا�شر و�إ�ص�ل�اح عجالت لل�س ��يارات وبع�ض اخلدمات الأخرى املحدودة ‪ .‬وعند‬
‫و�ص ��ول مثلث املخ ��واة القنفذة تظهر لوحة �إر�ش ��ادية عليها �س ��هم نحو اليم�ي�ن ويذكر حتته‬
‫�أ�س ��ماء ( املخواة ‪ ،‬وقلوة ‪ ،‬وقرية ذات عني ‪ ،‬ثم الباحة ) ‪ .‬و�س ��هم �آخر نحو الي�س ��ار ويذكر‬
‫حتت ��ه ( املظيل ��ف والقنفذة ) الواقعة على الطريق الدويل ال ��ذي يخرج من اليمني �إىل مكة‬
‫وجد ة ‪ .‬ويقابل مثلث املخواة من ال�شمال جبل �أجرد متو�سط االرتفاع ‪ ،‬فاجتهت نحو اليمني‬
‫ذاهب ًا �إىل حا�ضرتي املخواة وقلوة (‪.)4‬‬

‫ورد ا�س ��م بارق يف كثري من كتب الرتاث الإ�س�ل�امي املبكرة ‪ ،‬والبارقيون انت�ش ��روا يف مواطن عديدة داخل اجلزيرة‬ ‫(((‬
‫العربية وخارجها ‪ ،‬وبارق املعنية يف هذه الدرا�س ��ة ت�س ��توطن موقعها يف تهامة منذ زمن قدمي ‪ ،‬و�أ�ش ��ارت امل�ص ��ادر‬
‫والوثائق �إىل �ش ��يء من تاريخها يف الع�ص ��ر احلديث ‪ ،‬وكانت �إحدى املراكز الرئي�س ��ية ملحافظة املجاردة ‪ ،‬ويف عام‬
‫(‪1433‬هـ‪2012/‬م) ُف�ص ��لت من حمافظة املجاردة‪ ،‬و�أ�ص ��بحت حمافظة م�س ��تقلة من فئات (ب ) ‪ .‬و�أقول �إن بالد‬
‫بارق �أح�س ��ن حظ ًا من غريها يف تهامة الباحة وع�س�ي�ر‪ ،‬فقد �صدر عنها بع�ض الدرا�سات والبحوث املن�شورة يف هيئة‬
‫كتب �أو ر�سائل علمية �أو بحوث يف جمالت ثقافية �أو �أكادميية ‪ ،‬ومازالت �أي�ض ًا بحاجة �إىل درا�سات وبحوث نوعية يف‬
‫كثري من اجلوانب التاريخية والأثرية واحل�ضارية واللغوية واالجتماعية والثقافية ‪.‬‬
‫تف�صيالت رحلتي من بارق حتى دخول الأطراف اجلنوبية ملحافظة املخواه مت حذفها يف هذا الكتاب ‪ ،‬وهي مطبوعة ومن�شورة‬ ‫(((‬
‫يف كتابنا ‪ :‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب (الريا�ض ‪ ،‬مطابع احلمي�ضي ‪1439 ،‬هـ ‪2018 /‬م) ‪ ،‬ج‪� ، 12‬ص‪ 249‬وما بعدها ‪.‬‬
‫يف املا�ض ��ي قم ��ت برحل ��ة ميداني ��ة يف منطق ��ة الباح ��ة مل ��دة ع�ش ��رة �أي ��ام يف (‪1433/12/9 -11/29‬ه� �ـ املوافق‬ ‫(((‬
‫‪2012/10/25-15‬م)‪ ،‬وزرت مناطق عديدة يف تهامة و�س ��روات ه ��ذه البالد ‪ ،‬ومن النواحي التي زرتها حمافظتي‬
‫املخواة وقلوة وبع�ض الأجزاء التابعة لهاتني املحافظتني ‪ ،‬وللمزيد انظر ‪ ،‬غيثان بن جري�س ‪ .‬القول املكتوب يف تاريخ‬
‫اجلنوب ( الباحة وع�سري) ( الريا�ض‪ :‬مطابع احلمي�ضي ‪1434 ،‬هـ‪2013/‬م) (اجلزء اخلام�س) ‪� ،‬ص‪.264 -159‬‬
‫وحمافظتا املخواة وقلوة مل تخدما بحثي ًا ‪ ،‬ويوجد يف منطقة الباحة ع�ش ��رات الباحثني والدرا�س�ي�ن وبع�ض امل�ؤرخني‬
‫�إال �أنهم مل يخدموا بالدهم يف ميدان الدرا�س ��ة والبحوث التاريخية واحل�ض ��ارية والعلمية‪ ،‬وبالد قلوة واملخواة من‬
‫�أكرث النواحي املن�سية يف ميدان الدرا�سات ‪ ،‬ون�أمل من جامعة الباحة �أن تدعم وت�شجع من يدر�س �أر�ض و�سكان هذه‬
‫الأوطان وغريها من بلدان منطقة الباحة ‪ ،‬وهذا �أمر �ضروري وواجب على اجلامعة ‪.‬‬
‫امل�صدر ‪ :‬م�شاهدات الباحث ‪ .‬يف ال�ساعات الأوىل من يوم الأحد (‪1437/4/10‬هـ ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪502‬‬
‫�أ ـ املخواة ‪:‬‬
‫املخواة ا�سم ملحافظة وا�سعة الأرجاء يف تهامة منطقة الباحة ‪ ،‬وتعد من املحافظات الرئي�سية‬
‫بعد حمافظتي بلجر�ش ��ي واملندق يف ال�س ��راة (‪ .)1‬ويذكر �أن املخواة �س ��ميت بهذا اال�سم ‪ ،‬و�سميت‬
‫�أي�ض ًا بـ ( رزقة) و (ال�صيادة) (‪ ، )2‬واملخواة هو اال�سم الذي ا�شتهرت به منذ مئات ال�سنني (‪.)3‬‬
‫وعند ذهابي من املثلث جتاه مدينة املخواة �س ��رت يف طريق مزدوج ‪ ،‬و�ش ��اهدت عليه‬
‫العدي ��د من امل�ؤ�س�س ��ات احلكومية مثل ‪ :‬امل�ست�ش ��فى الع ��ام ‪ ،‬و�إدارة ال�ض ��مان االجتماعي‪،‬‬
‫والإدارة الن�س ��ائية التابع ��ة لإدارة تعلي ��م املخ ��واة ‪ ،‬وبع ��د ع ��دة كيلوم�ت�رات وجدت �س ��وق‬
‫الثالث ��اء ال�ش ��عبي باملخواة ‪ ،‬وفيه عدد من ال�س ��يارات الكبرية وال�ص ��غرية التي تبيع بع�ض‬
‫احلب ��وب والأع�ل�اف ‪ ،‬وذك ��ر يل بع� ��ض التجار الذي ��ن قابلتهم يف ال�س ��وق �أنه ين�ش ��ط من‬
‫ع�ص ��ر يوم االثنني وي�شتد ن�ش ��اطه �إىل مغرب يوم الثالثاء‪ .‬ويوجد يف �أطراف ال�سوق بع�ض‬
‫( الهناج ��ر) احلديدية التي ي�س ��تخدمها الباع ��ة �أثناء عر�ض ب�ض ��ائعهم ‪ ،‬كما يوجد على‬
‫حميط ��ه بع�ض الدكاكني امل�س ��لحة التي تعر� ��ض فيها جتارات عديدة خالل �أيام الأ�س ��بوع‪.‬‬
‫ووا�صلت �سريي �إىل و�سط مدينة املخواة احلديثة فوجدتها تعج بالدكاكني التجارية املتنوعة‬
‫يف معرو�ضاتها ‪ ،‬والعاملون يف هذه املحالت من العمال الوافدين و�أغلبهم من اليمن وبالد‬
‫ال�ش ��رق مثل‪ :‬الهند ‪ ،‬والباك�ستان ‪ ،‬وبنجالدي�ش ‪ ،‬وهناك عدد من املطاعم (والبوفيهات )‬
‫‪ ،‬وفيها عدد من ال�س ��عوديني والعمال الوافدين الذين يتناولون بع�ض الأطعمة والأ�ش ��ربة ‪.‬‬
‫واملالحظ �أن بع�ض ال�سعوديني يجل�سون مع بع�ض العمال ‪ ،‬وجل�ست قريب ًا من بع�ضهم لتناول‬
‫بع�ض امل�ش ��روبات ‪ ،‬فوجدتهم يتفاو�ض ��ون ويتناق�ش ��ون يف بع�ض الأعمال التجارية واحلرف‬
‫املهنية(‪ .)4‬وق�ض ��يت �س ��اعات عدي ��دة �أجتول يف �أرج ��اء املدينة ‪ ،‬والتقي ��ت ببع�ض الإخوان‬
‫للمزي ��د انظر تف�ص ��يالت ع ��ن منطقة الباحة يف كتابنا ‪ :‬الق ��ول املكتوب يف تاريخ اجلن ��وب ‪ .‬الأجزاء ( اخلام�س ‪،‬‬ ‫(((‬
‫وال�سابع ‪ ،‬والثامن ‪ ،‬والعا�شر ‪ ،‬والثاين ع�شر ) ‪.‬‬
‫يذكر �أنها �س ��ميت املخواة لأن �أهل واديي �ض ��يان ورا�ش يف بلدة املخواة ت�ص ��احبوا و(تخاووا) ف�سميت بهذا اال�سم ‪.‬‬ ‫(((‬
‫�أما رزقة ‪ :‬فهي ذات موقع ا�سرتاتيجي لأنها تتو�سط عدد ًا من النواحي ‪ ،‬والرزق واخلري فيها كثري ًا ‪ ،‬ومن يق�صدها‬
‫ف�إنه ي�س�ت�رزق من جتاراتها وخرياتها‪ .‬وا�س ��م ( �ص ��يادة) ‪� ،‬إذا كان �إن�س ��ان ل ��ه غرمي �أو ث�أر عند �أح ��د �أقاربه ف�إنه‬
‫يذهب �إىل املخواة كي ي�ص ��يد غرميه ‪ ،‬وي�أخذ من ث�أره ‪ .‬وتعرف �أي�ض� � ًا با�س ��م ( ال�س ��ر) ‪ ،‬لأنها مثل ال�س ��ر و�س ��ط‬
‫الإن�سان وذلك لتو�سطها بني القرى والأودية ‪ .‬امل�صدر‪ :‬هذا ما �سمعه الباحث من بع�ض �أعيان املخواة يف ليلة الأحد‬
‫(‪1438/4/10‬هـ) ‪.‬‬
‫�سوف يكون لنا حديث عن تاريخها وذكرها يف بع�ض امل�صادر والوثائق يف نهاية هذا املبحث ‪ .‬ون�أمل من �إحدى بناتنا‬ ‫(((‬
‫�أو �أحد �أبنائنا يف �أق�س ��ام التاريخ باجلامعات ال�س ��عودية ‪ ،‬والدار�س�ي�ن يف برامج الدرا�س ��ات العليا ‪� ،‬أن يدر�س تاريخ‬
‫حا�ضرة املخواة ال�سيا�سي واحل�ضاري خالل القرون الثالثة املا�ضية ‪ ،‬وهو مو�ضوع جديد وي�ستحق البحث والدرا�سة ‪.‬‬
‫يك�ث�ر العم ��ال الوافدون يف كل مكان من البلدان التي مررت عليها يف هذه الرحلة من بارق واملجاردة �إىل املخواة ‪،‬‬ ‫(((‬
‫�إال �أنني �شاهدتهم بكرثة يف كل من املخواة واملجاردة ‪ ،‬وتراهم يتولون جميع الأن�شطة التجارية واحلرفية يف �أ�سواق‬
‫هذه املدينة‪ .‬وهذه ظاهرة تراها يف جميع مدن وحوا�ض ��ر اململكة العربية ال�س ��عودية ‪ .‬و�أقول �إنهم يربحون ويجنون‬
‫اال كثرية من هذه الأعمال ‪ ،‬والأوىل �أن يعمل ال�شباب الوطني يف هذه املهن اجليدة ‪ ،‬وللأ�سف ن�سمع عن البطالة‬ ‫�أمو ً‬
‫العالية بينهم ‪ ،‬وهناك فر�ص عمل مربحة لكنهم ال يرغبون العمل فيها ‪.‬‬
‫‪503‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫الذين قاموا بال�س�ي�ر معي �إىل ربوع هذه احلا�ض ��رة ‪ ،‬ثم ذهب معي بع�ض ��هم �إىل حا�ض ��رة‬
‫قل ��وة الت ��ي تبعد عن املخواة (‪ )35‬كيلومرت ًا نحو ال�ش ��مال ‪ ،‬ثم العودة يف م�س ��اء الأحد �إىل‬
‫املخواة(‪ .)1‬ومما �سمعته و�شاهدته يف املخواة ما ي�أتي ‪:‬‬
‫‪1 .1‬تقع مدينة املخواة على �ض ��فاف واديي �ضيان ورا�ش ‪ ،‬ومناخها حار يف ال�صيف معتدل يف ال�شتاء ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وتتنوع ت�ضاري�س ��ها بني اجلبال واله�ضاب والأودية‪ .‬ومن �أهم جبالها �شدا الأعلى و�شدا الأ�سفل‬
‫‪ ،‬وجبل ُ�ش ��عران يف الناحية ال�ش ��رقية ‪ ،‬وجبل اجلرف الذي تقع عليه بلدة املخواة القدمية ‪ ،‬وجبل‬
‫القيد يف ال�ش ��مال ال�ش ��رقي من املدينة ‪ ،‬وجبل نبايع يف اجلنوب ال�ش ��رقي(‪ . )3‬ومن الأودية ‪ :‬وادي‬
‫را�ش الذي ميتد من �أعايل عقبة الباحة نحو اجلنوب‪ ،‬ووادي �ض ��يان ميتد من ال�ش ��رق �إىل الغرب‬
‫‪ ،‬وت�أتي منابعه من بالد حزنة يف �س ��روات غامد ‪ ،‬ووادي بطاط وميتد من اجلنوب ال�ش ��رقي نحو‬
‫ال�ش ��مال ‪ ،‬ووادي �س ��قامة ب�ي�ن املخواة وقل ��وة ‪ ،‬وهو �إىل املخ ��واة �أقرب‪ ،‬و�أودية ‪ :‬ممن ��ا ‪ ،‬ومنجل‪،‬‬
‫وهوران ‪ ،‬ومليل ‪ ،‬وامللح ‪ .‬وبع�ض الأودية ال�سابقة مثل‪ :‬را�ش ‪ ،‬و�ضيان وغريهما تلتقي جنوب املخواة‬
‫عند قرية امل�شايعة ‪ ،‬ومن هناك يبد�أ وادي الأح�سبة الذي ي�صب يف البحر �شمال القنفذة(‪. )4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫‪2 .2‬ي�ستوطن حا�ض ��رة املخواة ع�ش ��ائر بني ُعمر بفرعيها الرئي�س�ي�ن العلي والأ�شاعيب‬
‫‪ ،‬وهم �س ��كانها منذ ع�ص ��ور قدمية(‪ ، )6‬ويف العقود املا�ض ��ية املت�أخرة تغريت الرتكيبة‬
‫ال�س ��كانية يف هذه الناحية فا�ستوطنتها عنا�صر عربية �أخرى من غامد وزهران وبع�ض‬
‫الع�ش ��ائر يف ب�ل�اد تهامة وال�س ��راة ‪ ،‬وهناك �أفراد و�أ�س ��ر جاءت للعم ��ل فيها من بع�ض‬
‫بلدان اململكة العربية ال�سعودية ‪� ،‬أو من دول عربية �أخرى ‪ .‬كما يعي�ش يف هذه احلا�ضرة‬
‫اليوم �أعداد غري قليلة من بلدان �إ�س�ل�امية وغري �إ�س�ل�امية مث ��ل‪ :‬الأتراك ‪ ،‬والهنود ‪،‬‬
‫والباك�ستانيون ‪ ،‬والبنجاليون وغريهم (‪. )7‬‬
‫هناك عدد من الإخوان الكرام الذين ا�س ��تقبلوين يف املخواة و�س ��اروا معي يف �أرجائها ‪ ،‬ثم ذهبوا معي �إىل مدينة‬ ‫(((‬
‫قلوة ‪ ،‬وهم‪ :‬الدكتور عبد الرحمن ال�شع�شاع ‪ ،‬والأ�ساتذة مو�سى بن داود ال ُعمري‪ ،‬وعبد العزيز حممد ال ُعمري‪ ،‬وعبد‬
‫الرحم ��ن حمي ��اين‪ ،‬وعلي حممد عبد الهادي ‪ .‬وقابلنا يف قلوة الأ�س ��تاذ علي بن �أحم ��د الهيمطي ‪ .‬فلهم مني جزيل‬
‫ال�شكر والتقدير و�أ�س�أل اهلل �أن ال يحرمهم �أجر ما فعلوا وقدموا ‪.‬‬
‫انظر تف�صيالت عن هذين اجلبلني يف �صفحات تالية من هذه الدرا�سة ‪.‬‬ ‫(((‬
‫يوجد يف حا�ض ��رة املخواة عدد من اجلبال التي ت�س ��تحق �أن يفرد لها درا�س ��ة م�ستقلة تف�صل ت�ضاري�سها ‪ ،‬ومواقعها‬ ‫(((‬
‫وما يوجد فيها من النباتات والطيور والزواحف وغريها ‪.‬‬
‫مل تدر�س هذه البالد جغرافي ًا وتاريخي ًا واجتماعي ًا واقت�صاديا و�آثاريا ‪ ،‬ون�أمل من جامعة الباحة �أن ت�ؤ�س�س مراكز‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫(((‬
‫بحثية تهتم بهذه الأوطان يف �شتى امليادين ‪ ،‬وهي فع ًال ت�ستحق �أن ي�صدر عنها عدد من البحوث العلمية املوثقة ‪.‬‬
‫يق ��ول بع� ��ض الرواة �إن �س ��كان بلدة املخواة قدمي ًا من بني ُعمر �آل علي ‪ ،‬وفرع الأ�ش ��اعيب هم الأكرثية يف بني عمر‬ ‫(((‬
‫وي�س ��توطنون �أماكن عديدة خارج قرية املخواة القدمية ‪ .‬هذا ما �س ��معه الباحث من بع�ض �أعيان ووجهاء حا�ض ��رة‬
‫املخواة يف (‪1438/4/10‬هـ) ‪.‬‬
‫ملزيد من التف�صيالت عن قبائل منطقة الباحة يف تهامة وال�سراة ( زهران ‪ ،‬وغامد ‪ ،‬وبني عمر) انظر‪ :‬املعجم اجلغرايف‬ ‫(((‬
‫للبالد العربية ال�س ��عودية بالد غامد وزهران ‪ ،‬للأ�س ��تاذ علي بن �صالح ال�سلوك ( الطبعة الثانية ) (الريا�ض ‪ :‬من�شورات‬
‫دار اليمامة‪1401،‬هـ‪1981/‬م) (‪�312‬صفحة) ‪ ،‬انظر �أي�ض ًا ‪" ،‬فروع قبائل وقرى غامد وزهران وبني عمر" جملة العرب‬
‫‪ ،‬ال�سنة اخلام�سة ‪ ،‬ربيع الأول (‪1391‬هـ‪1971/‬م)‪ ،‬اجلزء التا�سع ‪� ،‬ص ‪874‬ـ ‪. 879‬‬
‫غالبية ه�ؤالء ال�س ��كان من الذكور ‪ ،‬وهناك عنا�ص ��ر ن�س ��ائية حمدودة من بلدان عربية و�إ�س�ل�امية وغري �إ�س�ل�امية يعملن يف‬ ‫(((‬
‫اخلدمات املنزلية ‪ ،‬والقطاعات ال�صحية وبع�ض املهن التجارية واحلرفية مثل‪ :‬امل�شاغل الن�سائية ‪ ،‬واملدار�س الأهلية وغريها ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪504‬‬
‫‪3 .3‬تتمت ��ع مدينة املخ ��واة اليوم بالكث�ي�ر من اخلدمات احلديث ��ة ‪ ،‬فجمي ��ع �أبنيتها العامة‬
‫واخلا�ص ��ة ال�س ��كنية والتجارية م�س ��لحة باحلديد والبلك ‪ ،‬وترتاوح عمائرها من طابق‬
‫واحد �إىل خم�سة و�أحيان ًا �إىل �ستة و�سبعة طوابق ‪ ،‬وال�شارع العام الذي يخرج من مثلث‬
‫املخ ��واة املظيلف �إىل قري ��ة ذات عني يف عقبة الباحة (‪� ، )1‬أو قلوة‪ ،‬وهو الطريق الأكرث‬
‫ن�ش ��اط ًا يف احلركة االقت�ص ��ادية (‪ . )2‬وهناك قرى قدمية يف هذه احلا�ض ��رة ‪ ،‬بع�ضها‬
‫مازال ��ت �آثارها باقي ��ة ‪ ،‬والبع�ض الآخر مت �إزالتها وحل ب ��د ًال منها �أحياء جديدة‪ .‬ومن‬
‫ه ��ذه القرى القدمية ‪ .‬قرية اجلرف ‪ ،‬وهي بلدة املخواة القدمية(‪ . )3‬وقرى احلواجر ‪،‬‬
‫والقزة ‪ ،‬والطناطنة جنوب وجنوب غرب املدينة ‪ .‬وقرى املدق‪ ،‬وامل�شايعة ‪ ،‬واحلوى يف‬
‫اجلنوب الغربي ‪ ،‬وقرى الأ�ش ��اعيب يف ال�شمال ال�شرقي(‪ . )4‬ومن �أحياء مدينة املخواة‬
‫احلديثة ‪ :‬حي الفي�ص ��لية غرب الطريق الرئي�س ��ي يف املدينة‪ ،‬ويوجد فيه عمائر كبرية‬
‫‪ ،‬ويحت ��وي على ع ��دد الب�أ�س به من املدار�س وبع� ��ض الإدارات احلكومية‪ .‬وحي احلدب‬
‫غ ��رب الطري ��ق الذاهب من املثلث �إىل عقب ��ة الباحة ‪ ،‬وفيه بع�ض امل�ؤ�س�س ��ات الإدارية‬
‫مثل‪ :‬املحافظة ‪ ،‬والبلدية ‪ ،‬وال�شرطة ‪ ،‬واملحكمة ‪ .‬و�أحياء اخلالدية ‪ ،‬والقفيل ‪ ،‬و�سيال‬
‫‪ ،‬والأخري يوجد به بع�ض �أبنية فروع جامعة الباحة يف املخواة(‪. )5‬‬
‫‪�4 .4‬ش ��اهدت بع�ض امل�س ��اجد القدمية املندث ��رة يف بلدة املخ ��واة القدمية ‪ ،‬و�أ�ص ��بحت غري‬
‫�صاحلة لل�صالة ‪ ،‬وهناك عدد من اجلوامع الكبرية املجهزة بجميع الأدوات واخلدمات ‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬م�سجد الردحة و�سط املدينة ‪ ،‬وهو من �أقدم امل�ساجد ‪ ،‬وحل حمله جامع ال�سوق ‪،‬‬
‫وم�سجد احلدبة يف و�سط املدينة ‪ ،‬غرب امل�ست�شفى القدمي‪ ،‬ويعرف اليوم بجامع عمر بن‬
‫اخلطاب ‪ ،‬وهو من �أكرب اجلوامع و ُي�ص ��لى فيه على اجلنائز ‪ ،‬وم�س ��جد الزربة يف ال�سوق‬
‫القدمي وحل حمله جامع خالد بن الوليد ‪ ،‬وم�س ��جد القزة وحل حمله جامع القزة ‪ ،‬وهو‬
‫من �أقدم اجلوامع يف املخواة ‪ ،‬وجامع البخاري يف حي احلواجر وهو �أكرب و�أحدث جوامع‬
‫املخواة ‪ ،‬وجامع حي الفي�صلية‪ ،‬وجامع �إمام الدعوة ‪ ،‬وجامع �أبو بكر ال�صديق (‪. )6‬‬

‫قرية ذات عني من الأمكنة الأثرية الهامة يف اململكة العربية ال�س ��عودية ‪ ،‬وهي غري خمدومة ‪ ،‬وم�س� ��ؤولياتها على �إمارة‬ ‫(((‬
‫الباح ��ة‪ ،‬والهيئة العليا لل�س ��ياحة‪ ،‬فالواجب على هاتني اجلهتني �أن تبذال ق�ص ��ارى جهودهما جت ��اه هذا املعلم التاريخي‬
‫والأثري‪ ،‬وهو جدير بذلك ‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬غيثان بن جري�س ‪ .‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ‪ ،‬ج‪. 185 ، 5‬‬
‫العمارة والطرق يف حمافظة املخواة جديرة بالدرا�سة ‪ ،‬وت�ستحق �أن تكون عناوين لبع�ض البحوث والر�سائل العلمية‪.‬‬ ‫(((‬
‫�سوف نذكر عنها بع�ض التف�صيالت يف نهاية هذا البحث ‪.‬‬ ‫(((‬
‫قرى بني عمر الأ�شاعبة يف املخواة ‪ ،‬وجميع القرى التاريخية القدمية ت�ستحق �أن ي�صدر عنها عدد من البحوث العلمية املوثقة‪.‬‬ ‫(((‬
‫التاريخ الإداري واملايل ملحافظة املخواة من املو�ضوعات التي مل تُدر�س �إطالق ًا ‪ ،‬ون�أمل �أن نرى باحث ًا جاد ًا من �أهلها‬ ‫(((‬
‫‪� ،‬أو من �أع�ضاء هيئة التدري�س يف جامعة الباحة يدر�س هذا العنوان درا�سة علمية ‪.‬‬
‫هذا ما �س ��معه الباحث من بع�ض اخلطباء والدعاة ‪ ،‬وما مت ح�ص ��ره ‪ ،‬ومن امل�ؤكد �أن هناك م�س ��اجد وجوامع �أخرى‬ ‫(((‬
‫يف مدينة املخواة ويف القرى التابعة للمحافظة ‪ .‬و�أقول �إن تاريخ الدعوة وتاريخ امل�ساجد يف عموم املدن واملحافظات‬
‫التي مررت بها يف هذه الرحلة من بارق �إىل قلوة ت�س ��تحق �أن ي�ص ��در عنها ع�شرات البحوث والدرا�سات ‪ .‬ون�أمل من‬
‫�أق�سام التاريخ وال�شريعة و�أ�صول الدين يف جامعتي امللك خالد والباحة �أن تفتح عدد ًا من مراكز البحوث التي تهتم‬
‫مبثل هذه املو�ضوعات ‪ ،‬وهذا من واجبات هذه امل�ؤ�س�سات العلمية والتعليمية ‪.‬‬
‫‪505‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫‪5 .5‬ترتبط حا�ض ��رة املخواة بطرق عديدة قدمية تت�ص ��ل ب�أجزاء عديدة يف تهامة وال�سراة‬
‫مث ��ل‪ :‬قل ��وة ‪ ،‬و�س ��روات الباح ��ة يف غامد وزه ��ران ‪ ،‬واحلج ��رة ‪ ،‬ون ��اوان‪ ،‬والقنفذة ‪،‬‬
‫واملظيلف(‪ . )1‬واليوم هناك طرق حديثة تربط �أجزاء املحافظة بع�ضها ببع�ض ‪ ،‬وطرق‬
‫داخلية م�سفلتة ت�صل بني جميع الأحياء يف املدينة‪.‬‬
‫�أما الطرق الرئي�س ��ية التي تربط املخواة مع غريها من البلدان ‪ ،‬فهي (‪ )1‬طريق جازان‬
‫ع�س�ي�ر ثم العر�ضيات �إىل املخواة ‪ )2( .‬طريق بلجر�شي املخواة عرب وادي حزنة ‪ ،‬وهناك‬
‫عقبتان من املخواة �إىل بلجر�شي يف ال�سراة ‪ ،‬الأوىل عقبة حزنة عرب وادي �ضيان ‪ ،‬والثانية‬
‫‪ :‬من بلجر�ش ��ي �إىل بني دحيم ثم وادي �ض ��يان ‪)3( .‬طريق من املخواة �إىل قلوة واحلجرة‬
‫وال�ش ��عراء ‪)4( .‬طري ��ق من املخ ��واة �إىل ناوان ثم املظيلف ‪ ،‬ويتفرع جنوب� � ًا �إىل القنفذة ‪،‬‬
‫و�شما ًال �إىل مكة وجدة ‪ )5( .‬طريق (عقبة) من املخواة مرور ًا بوادي را�ش �إىل الباحة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كما عرفت املخواة بع�ض الأ�سواق الأ�سبوعية ‪ ،‬و�أهمها �سوقها ال�شعبي القدمي يوم اخلمي�س‬
‫‪ ،‬وكان من �أن�ش ��ط الأ�س ��واق ‪ ،‬ويعرف اليوم ب�س ��وق الثالثاء ‪ ،‬ومازال قائم ًا حتى الآن ‪ .‬وتكتظ‬
‫املخواة اليوم بالعديد من ال�سلع والأ�سواق الكبرية وال�صغرية احلديثة ‪ ،‬ومن يذهب على طول‬
‫الطريق الرئي�س ��ي يف هذه املدينة ف�إنه �سوف يجد جميع الب�ضائع امل�ستوردة من بلدان عديدة‬
‫داخل اململكة العربية ال�س ��عودية وخارجها‪ ،‬ومن �أكرب هذه الأ�س ��واق احلديثة ‪� .‬س ��وق الراية ‪،‬‬
‫و�سوق احلازمي ‪ ،‬ومركز احلياة التجاري ‪ ،‬و�أ�سواق بن زرعة ‪ ،‬والأ�سواق احلرة (‪. )3‬‬
‫‪6 .6‬ال تخلو حا�ض ��رة املخواة وما حولها من املناطق ال�س ��ياحية الطبيعية مثل‪ :‬وادي �س ��قامة‬
‫�ش ��مال مدينة املخواة ‪ ،‬و�ض ��فاف واديي �ض ��يان ورا� ��ش ‪ ،‬وقرية ذات عني‪ ،‬وجبلي �ش ��دا‬
‫الأ�س ��فل والأعلى املطالن على املخواة وقلوة من الناحية الغربية‪ .‬وال يوجد داخل املخواة‬
‫متنزهات �أو حدائق من �أعمال البلديات ‪ ،‬و�إمنا هناك متنزهان كبريان بني قلوة واملخواة‬
‫‪ ،‬وهما يقعان على م�ساحة كبرية ‪ ،‬وخمدومان بالعديد من اخلدمات مثل‪ :‬دورات املياه ‪،‬‬
‫وبع�ض الألعاب ‪ ،‬وممرات للم�شي والريا�ضة ‪ ،‬والأ�شجار وم�سطحات خ�ضراء(‪. )4‬‬
‫تعد املخواة من البلدان الغنية بالزراعة ‪ ،‬والأ�سواق التجارية ‪ ،‬فكانت حلقة و�صل بني الأجزاء ال�سروية والتهامية ال�ساحلية‪،‬‬ ‫(((‬
‫وبع�ض البلدان املجاورة يف تهامة زهران والعر�ضيات وع�سري وغريها ‪ .‬ودرا�سة التاريخ االقت�صادي للمخواة من املو�ضوعات‬
‫اجلديدة وي�س ��تحق �أن يكون عنوان ًا لكتاب �أو ر�س ��الة علمية �أكادميية‪ .‬وتاريخ الطرق القدمية واحلديثة يف حمافظتي املخواة‬
‫وقلوة من املو�ضوعات اجلديدة يف �أبوابها ‪ ،‬ون�أمل �أن نرى باحث ًا جاد ًا يدر�سها خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫هذا ما �سمعه الباحث من بع�ض رجاالت املخواة ‪ ،‬ويوجد ذكر لهذا ال�سوق يف بع�ض الوثائق وامل�صادر التي يعود تاريخها‬ ‫(((‬
‫�إىل القرنني املا�ض ��يني ‪ .‬ومن �أهم ال�س ��لع التي كانت ت�ص ��در من القنفذة �إىل �س ��وق اخلمي�س باملخواة ‪ :‬امللح ‪ ،‬والتمور ‪،‬‬
‫والأقم�شة ‪ ،‬و�سلع �أخرى عديدة ت�صدر من احلجاز واليمن �إىل القنفذة ‪ .‬كما ي�صدر �إىل هذا ال�سوق بع�ض �سلع ال�سروات‬
‫مثل‪ :‬اللوز ‪ ،‬والع�س ��ل ‪ ،‬وال�س ��من ‪ ،‬وبع�ض احلبوب واملحا�صيل ال�س ��روية ‪ .‬ودرا�سة تاريخ الأ�سواق الأ�سبوعية يف حمافظتي‬
‫املخواة وقلوة من العناوين اجلديدة التي مل تدر�س وت�ستحق �أن تكون عناوين لر�سائل ماج�ستري �أو دكتوراه ‪.‬‬
‫ذهبت �إىل بع�ض هذه الأ�سواق فوجدتها ت�شتمل على �أنواع و�أ�شكال عديدة من الألب�سة ‪ ،‬والأطعمة ‪ ،‬والأثاث ‪ ،‬و�أدوات‬ ‫(((‬
‫�أخ ��رى متنوع ��ة ‪ .‬كما وجدت العاملني فيها من الوافدين وبع�ض ال�س ��عوديني وال�س ��عوديات ‪ .‬ومدينة املخواة تعد من‬
‫املدن الكبرية والرئي�سية يف تهامة الباحة وما جاروها ‪.‬‬
‫مازالت مدينة املخواة غري منظمة يف �أحيائها و�شوارعها ‪ ،‬فهناك عقبات يف مداخل وو�سط املدينة ‪ ،‬وهي بحاجة �إىل‬ ‫(((‬
‫�ش ��بكة طرق �أو�س ��ع و�أف�ض ��ل ‪ .‬كما حتتاج �إىل فتح طرق كبرية تدخل وتخرج وحتيط باملدينة ‪ .‬وقد ذكرت ذلك لبع�ض‬
‫رجاالت املخواة من معلمني ومثقفني ‪ ،‬وكذلك �أو�صلت هذا االقرتاح �إىل حمافظ املحافظة وبع�ض وجهاء البلد ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪506‬‬
‫‪7 .7‬عرف ��ت املخواة بع�ض الكتاتيب املح ��دودة خالل القرن (‪13‬ه� �ـ‪19/‬م) والعقود الأوىل‬
‫م ��ن القرن (‪14‬ه� �ـ‪20/‬م) ‪ ،‬وهذا ما �س ��معناه من بع�ض الرواة يف مدين ��ة املخواة وما‬
‫حولها ‪ ،‬وكذلك العثور على بع�ض الوثائق التي ت�شري �إىل بع�ض الأعالم اليمنيني الذين‬
‫كانوا يجتازون هذه البالد �أثناء خروجهم من اليمن لأداء منا�س ��ك احلج ‪ ،‬ومنهم من‬
‫(‪)1‬‬
‫يتوقف يف بع�ض املحطات لتعليم النا�س القراءة والكتابة ‪ ،‬و�شيء من القر�آن الكرمي‬
‫‪ .‬بد�أ التعليم النظامي يف املخواة يف بداية ال�س ��بعينيات ‪ ،‬و�أول مدر�س ��ة فتحت يف عام‬
‫(‪1372‬ه� �ـ‪1952 /‬م)‪ .‬ث ��م تزايدت عدد املدار�س حتى �أ�ص ��بح عدده ��ا اليوم (‪)354‬‬
‫مدر�س ��ة ابتدائية ‪ /‬ومتو�س ��طة‪ /‬وثانوية للجن�س�ي�ن ( بنني وبنات ) ‪ ،‬وعدد من ريا�ض‬
‫الأطف ��ال‪ ،‬و�إجمايل عدد الف�ص ��ول (‪ )1785‬ف�ص�ل ً�ا‪ ،‬يدر�س فيها ح ��وايل (‪)27577‬‬
‫طالب ًا وطالبة‪ ،‬موزعون على �أربعة قطاعات‪ :‬املخواة ‪ ،‬وقلوة ‪ ،‬وغامد الزناد‪ ،‬واحلجرة‪،‬‬
‫وي�ش ��رف عليه ��ا �إدارة تعليم املخواة (‪ . )2‬وافتتحت جامع ��ة الباحة كلية العلوم والآداب‬
‫يف املخواة‪ ،‬وفيها بع�ض التخ�ص�صات العلمية والأدبية ‪ .‬وقد زرت تلك الكلية فوجدتها‬
‫متوا�ضعة يف �إمكاناتها وموقعها وخدماتها الإدارية والتعليمية (‪. )3‬‬
‫�أما الن�ش ��اطات الثقافية والفكرية والدعوية فتمار�س يف املدار�س �ض ��من برامج الأن�ش ��طة‬
‫الطالبية ‪ ،‬ويف امل�ساجد وبع�ض املراكز الدعوية امل�ؤقتة التي تقام �أثناء ف�صل ال�شتاء ‪ ،‬وي�أتي من‬
‫داخل منطقة الباحة وخارجها من يقدم املواعظ والدرو�س الدينية والثقافية يف هذه التجمعات‬
‫�أو يف جوامع املحافظة ‪ ،‬ومكتب الدعوة والإر�ش ��اد يف املخواة يقوم بالدعوة والتنظيم ملثل هذه‬
‫الأن�شطة الثقافية والفكرية والدعوية ‪ .‬وذكر يل �أثناء وجودي يف املخواة �أن نادي الباحة الأدبي‬
‫اعتمد �إن�ش ��اء جلنة ثقافية يف مدينة املخواة‪ ،‬ومن مهام هذه اللجنة عقد الأم�سيات ال�شعرية ‪،‬‬
‫و�إلقاء بع�ض املحا�ضرات الثقافية ‪ ،‬وقراءة بع�ض الروايات والق�ص�ص الأدبية (‪. )4‬‬

‫بع�ض املعلمني اليمنيني كانوا يتوقفون يف بلدات وقرى من تهامة وال�سراة �أثناء ذهابهم للحج ‪ ،‬ويقومون على تعليم بع�ض‬ ‫(((‬
‫العلوم اللغوية وال�ش ��رعية ‪ ،‬ويح�ص ��لون على �أجور قليلة مثل احلبوب وبع�ض الألب�س ��ة �أو النقود ‪ .‬و�أي�ض� � ًا قرب املخواة من‬
‫القنفذة وبع�ض حوا�ضر ال�سراة مثل بلجر�شي وغريها فجعل بع�ض الدعاة �أو املعلمني يفدون �إىل املخواة لتدري�س �أبنائهم‬
‫وبناتهم و�إمامتهم يف ال�صالة وق�ضاء حوائجهم الدينية مثل‪ :‬تق�سيم املواريث ‪ ،‬وعقد الأنكحة ‪ ،‬وخطب اجلمعة وغريها ‪.‬‬
‫مل جند تعليم �أهلي ًا وا�س ��ع ما عدا رو�ض ��تني ومدر�س ��تني ابتدائيتني للبنات ‪ .‬و�أقول �إن تاريخ التعليم العام احلديث‬ ‫(((‬
‫يف حمافظات املخواة ‪ ،‬وفلوة ‪ ،‬واحلجرة من املو�ضوعات اجلديرة التي مل تدر�س ‪ ،‬وي�ستحق �أن يكون عنوان ًا لر�سالة‬
‫ماج�ستري �أو دكتوراه ‪ .‬ون�أمل �أن نرى �أحد �أبناء هذه املحافظات يتخذ من هذا املو�ضوع عنوان ًا لكتاب �أو ر�سالة علمية‬
‫‪ .‬امل�صدر‪� :‬أوراق و�إح�صائيات عديدة و�صلتني من الأ�ستاذ عبد اهلل عبد الهادي ال ُعمري ‪ ،‬رئي�س التخطيط املدر�سي‬
‫يف �إدارة تعليم املخواة ‪ ،‬وهذه الأوراق توجد �ضمن وثائق مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية‪.‬‬
‫جتولت يف �أمكنة عديدة من تهامة وال�سراة خالل اخلم�س �سنوات املا�ضية ‪ ،‬و�شاهدت بع�ض النواحي تعاين من عدم‬ ‫(((‬
‫وجود �أق�سام �أو كليات جامعية ‪ ،‬و�أحيان ًا توجد فيها كلية �أو كليتان فيها بع�ض الأق�سام الأكادميية املحدود ة واجلودة‬
‫فيها �ضعيفة لنق�ص الإمكانات ال�ضرورية ‪ ،‬وتدين م�ستوى املكتبات واملختربات التي يحتاجها الطالب والأ�ساتذة يف‬
‫�إجناز �أعمالهم ‪ .‬و�أ�ستطيع القول ب�أن هذا النوع من التعليم العايل ال يختلف كثري ًا يف امل�ستوى عن التعليم العام ‪.‬‬
‫ن�أم ��ل م ��ن �أحد �أبناء حمافظة املخ ��واة �أن يدر�س الن�ش ��اطات الثقافية والفكرية يف هذه الناحي ��ة منذ نهاية القرن‬ ‫(((‬
‫(‪14‬هـ‪20/‬م) حتى وقتنا احلا�ضر ‪ ،‬ويحر�ص على جمع وتدوين الن�شاطات التي قدمها املعلمون الوافدون من بلدان‬
‫عربي ��ة �أثن ��اء عملهم يف مهنة التدري�س يف �أنحاء املحافظة ‪ .‬وامل�ؤكد �أن هناك �أ�س ��اتذة و�أعالم ُا كان لهم �إ�س ��هامات‬
‫‪507‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫ب ـ قلوة ‪:‬‬
‫ا�سم قلوة جاء من القلي ‪ ،‬وهو �شوي ال�شيء ‪ ،‬فيقال ‪ :‬قليت احلب �أو اللحم �أي �أن�ضجته‪،‬‬
‫ورمبا �س ��ميت بهذا اال�س ��م ل�ش ��دة حرها �أثناء ف�صل ال�ص ��يف ‪ .‬ويقال �أي�ض� � ًا �أن القال‪� :‬أي‬
‫البغ� ��ض والكراهية ‪ ،‬فارتفاع حرارة اجلو يف ال�ص ��يف جع ��ل النا�س يكرهون الإقامة فيها ‪.‬‬
‫ورمبا ن�س ��بتها �إىل مكان ا�س ��مه قلوة ‪� ،‬أو �إىل �ش ��خ�ص يدعى قلوي �أو القلوي ‪� ،‬أو القايل(‪.)1‬‬
‫وتبع ��د مدين ��ة قلوة عن املخ ��واة �ش ��ما ًال نح ��و ( ‪ )40-30‬كيلومرت ‪ ،‬وتقع ب�ي�ن ثالثة جبال‬
‫رئي�س ��ية‪� :‬ش ��د الأعلى يف اجلنوب ‪ ،‬وجبل ني�س يف ال�ش ��مال ‪ ،‬وجبل ربا يف الناحية ال�شمالية‬
‫الغربية ‪ ،‬وم�س ��احتها تقريب ًا (‪ )5×3‬كيلومرتات ‪ ،‬ويعربها �ش ��ارع مزدوج من ال�شمال �إىل‬
‫را ‪ ،‬ويطلق عليه �ش ��ارع امللك فهد ‪ ،‬و�ش ��وارع �أخرى‬ ‫اجلن ��وب ‪ ،‬ويق ��در عر�ض ��ه بـ (‪ )40‬م�ت� ً‬
‫�ص ��غرية تتفرع من هذا ال�ش ��ارع الكبرية ‪ ،‬وبع�ض ��ها مزدوجة و�أخرى ذات اجتاه واحد (‪. )2‬‬
‫ومعظم �س ��كانها الرئي�سيني من قبائل زهران ‪ ،‬ومن الع�شائر التي ت�ستوطنها ‪ ،‬ع�شرية قلوة‬
‫‪ ،‬وع�ش�ي�ر ة الأحالف ‪ ،‬ويف �أجزاء من حمافظة قلوة ع�ش ��ائر تتبع بع�ض القبائل الزهرانية‬
‫يف ال�س ��راة(‪ .)3‬كما يوجد يف مدينة قلوة العدي ��د من الأجنا�س العربية وغري العربية الذين‬
‫يعمل ��ون يف مهن وحرف اجتماعية واقت�ص ��ادية و�س ��ياحية عديدة (‪ . )4‬ويعي� ��ش فيها �أفراد‬
‫و�أ�س ��ر عربية �س ��عودية جاءوا من �أمكنة عديدة يف جنوب البالد ال�س ��عودية وغريها للعمل‬
‫والإقامة ‪ ،‬و�أكرث من ي�س ��توطنها من هذه ال�ش ��ريحة قبائل غامد وزهران وبني عمر‪ ،‬وذلك‬
‫لقربهم من هذه البلدة ‪ ،‬ول�صالتهم الن�سبية والعرقية مع �سكانها الأ�صليني (‪. )5‬‬
‫ويب ��دو �أن مدينة قلوة �أف�ض ��ل من مدينة املخ ��واة يف تنظيمها وتخطيطه ��ا ‪ ،‬فيوجد فيها‬
‫وعل ��ى مقربة منها بع� ��ض احلدائق واملتنزهات اجلميل ��ة ‪ ،‬ومنازلها و�ش ��وارعها ومرافقها يف‬
‫علمي ��ة وثقافية و�أدبي ��ة وفكرية ‪ ،‬وجمع مادة هذا املحور من الرواة والطالب والرجال الذين عا�ص ��روا تلك احلقبة‬
‫املمتدة من �سبعينيات القرن الهجري املا�ضي �إىل ع�شرينيات هذا القرن‪.‬‬
‫هذه اجتهادات من الباحث ‪ ،‬وقد �س�ألت يف حمافظة قلوة عن �سبب الت�سمية فلم يفدين �أحد بال�سبب ال�صحيح لهذه‬ ‫(((‬
‫الت�سمية‪ ،‬وقد يكون عند بع�ض رجالها تعريف دقيق و�صحيح ‪ ،‬و�آمل �أن نرى باحثني جادين من �أهل قلوة يقومون على‬
‫درا�سة تاريخها و�أن�ساب �سكانها وح�ضارتها ‪ .‬وملزيد من التف�صيالت عن كلمة القلى �أو القلوي انظر فعل (قال) يف‬
‫معجم ل�سان العرب البن منظور‪.‬‬
‫م�شاهدات الباحث م�ساء الأحد (‪1438/4/10‬هـ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫حمافظ ��ة قل ��وة كبرية امل�س ��احة ‪ ،‬وزيارتنا اقت�ص ��رت عل ��ى مدينة قلوة التي ه ��ي مركز املحافظ ��ة ‪ ،‬وقد زرت هذه‬ ‫(((‬
‫املحافظة وكتبت عن �شيء من جغرافيتها وتاريخها يف (‪1433/12/9-11/29‬هـ) ‪ ،‬انظر كتابنا ‪ :‬القول املكتوب يف‬
‫تاريخ اجلنوب (اجلزء اخلام�س)‪� ،‬ص ‪ 160‬وما بعدها ‪.‬‬
‫العنا�ص ��ر العربية وغري العربية الوافدة �إىل اململكة العربية ال�س ��عودية يوج ��دون يف جميع مدن وقرى البالد ‪ ،‬وهم‬ ‫(((‬
‫مقيمون م�ؤقتون يف وظائفهم و�أعمالهم ‪ ،‬وعند االنتهاء يعودون �إىل �أوطانهم ‪.‬‬
‫قبائل زهران ‪ ،‬وغامد ‪ ،‬وبني عمر يف تهامة وال�س ��راة متداخلون يف البالد ‪ ،‬ويف الأن�س ��اب ويف ال�ص�ل�ات الثقافية‬ ‫(((‬
‫واالجتماعي ��ة واجلغرافي ��ة ‪ .‬وهذه القبائل الثالث ت�س ��تحق �أن ي�ص ��در عنها ع�ش ��رات البحوث والكتب والدرا�س ��ات‬
‫التاريخية واحل�ضارية واالجتماعية واللغوية والثقافية وجامعة الباحة عليها م�س�ؤولية كبرية لدعم وت�شجيع مثل هذه‬
‫املو�ضوعات والبحوث العلمية‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪508‬‬
‫و�ضع �أح�سن مما ر�أيت يف مدينة املخواة ‪ ،‬والوا�ضح �أن بلدية قلوة لديها ر�ؤيا وح�سن تدبري يف‬
‫تخطيط املدينة ونظافتها وتنظيمها‪ .‬واملنازل العامة واخلا�صة يف املدينة ترتاوح من دور واحد‬
‫�إىل �أربعة �أو خم�سة �أدوار ‪ ،‬ومدينة قلوة �أ�صغر م�ساحة من مدينة املخواة‪ ،‬وذكر يل �أنها �أقدم‬
‫الإدارات احلكومي ��ة يف تهامة غامد وزهران يف الع�ص ��ر احلديث ‪ ،‬ويوج ��د فيها اليوم معظم‬
‫امل�ؤ�س�س ��ات احلكومية وبع� ��ض الإدارات الأهلية مثل‪ :‬البنوك التجارية ‪ ،‬وبع�ض امل�ستو�ص ��فات‬
‫اخلا�صة(‪ . )1‬ور�أيت فيها عدد ًا من امل�ساجد واجلوامع الكبرية مثل‪ :‬جامع امللك خالد ‪ ،‬وجامع‬
‫ابن عثيمني ‪ ،‬وجامع املنح‪ ،‬وجامع اخلليف‪ ،‬وتقع جميعها �شمال املدينة‪ ،‬وجامعي امللك فهد ‪،‬‬
‫وال�سوق ال�شعبي و�سط املدينة ‪ ،‬وجامعي بن باز ‪ ،‬و�ضبيعة يف جنوب املدينة (‪. )2‬‬
‫ويذك ��ر لن ��ا عل ��ي �أحمد الهيمط ��ي(‪� )3‬أن �أول �س ��يارة دخل ��ت �إىل قلوة كان ��ت يف بداية‬
‫ال�س ��بعينيات (‪ ، )4‬ثم ت�سري �إىل بلدتي املخواة واحلجرة‪ .‬والطرق الرئي�سية التي تربط قلوة‬
‫م ��ع غريها من البلدان املجاورة ‪ )1(.‬طريق قل ��وة املخواة ‪ )2( .‬طريق قلوة حفار‪ ،‬وحفار‬
‫مرك ��ز �إداري عل ��ى ال�س ��احل بني القنفذة واللي ��ث‪ )3( .‬طريق قلوة احلجرة ثم ي�س�ي�ر �إىل‬
‫ال�شعراء و�إىل ال�شاقة اجلنوبية التابعة ملحافظة الليث ‪ )4( .‬طريق من قلوة �إىل الباحة يف‬
‫ال�سراة عرب عقبة امللك خالد(‪. )5‬‬
‫وم ��ن الأ�س ��واق الأ�س ��بوعية يف مدينة قلوة وم ��ا جاورها من املراكز والنواحي ‪� )1( .‬س ��وق‬
‫الثالث ��اء يف بل ��دة قل ��وة‪ ،‬ويعمل يوم االثن�ي�ن ويعرف بالثالثاء ‪،‬وال�س ��بب �أن �س ��وق املخواة يعمل‬
‫الثالث ��اء ‪ ،‬وكان يق ��ام ي ��وم اخلمي�س ‪ ،‬لهذا ر�أى �أهل قلوة �أن يعقد �س ��وقهم ي ��وم االثنني حتى ال‬
‫يت�ض ��ارب زمني ًا مع �س ��وق الثالثاء يف املخواة‪� )2( .‬س ��وق خمي�س ال�ش ��عراء يف مدينة ال�شعراء‪،‬‬
‫ومازال قائم ًا حتى الآن‪� )3( .‬س ��وق الأحد يف مدينة احلجرة ‪ ،‬ويعمل حتى اليوم(‪� )4( ، )6‬سوق‬
‫ال�س ��بت يف الرمي�ض ��ة ويتبع ملحافظة قلوة ‪ ،‬وهو حديث الن�ش�أة ‪� .‬أما الأ�سواق احلديثة يف مدينة‬
‫((( مقابلة �شخ�صية مع الأ�ستاذ علي �أحمد الهيمطي يف منزله مبدينة قلوة م�ساء الأحد (‪1438/4/10‬هـ) ‪.‬‬
‫((( م�شاهدات الباحث ع�صر الأحد (‪1438/4/10‬هـ) ‪.‬‬
‫((( �أحد �أعيان ووجهاء مدينة قلوة ومن املعلمني الأوائل يف هذه املحافظة ‪ ،‬وله �سرية ذاتية من تدوينه ن�شرها يف كتاب‬
‫‪ :‬بعنوان ‪ :‬هذه �س�ي�رتي ‪ ،‬وال يوجد عليه معلومات للن�ش ��ر ‪ ،‬ويقع يف (‪� )145‬ص ��فحة من القطع ال�صغري ‪ ،‬ون�سخة من‬
‫هذا الكتاب يف مكتبة الباحث ‪.‬‬
‫((( امل�صدر نف�سه ‪ ،‬كما �أجريت مع الهيمطي مقابلة مبنزله يف مدينة قلوة يوم الأحد (‪1438/4/10‬هـ ) ‪.‬‬
‫((( ا�سم هذا الطريق �سابق ًا ‪ ،‬عقبة م�ساعد ‪ ،‬ن�سبة �إىل م�ساعد بن رقو�ش ‪� ،‬أحد �شيوخ زهران يف القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‬
‫‪ ،‬وت�س�ي�ر من ديار ع�ش ��ائر بي�ض ��ان يف ال�س ��راة حتى ت�ص ��ل �إىل �أعايل وداي دوقة‪ ،‬ومنه �إىل مدينة قلوة ‪ ،‬وهي غري‬
‫م�س ��تخدمة يف الوقت احلا�ض ��ر ‪ .‬انظر ‪ :‬غيثان بن جري�س ‪ .‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( اجلزء اخلام�س ) ‪،‬‬
‫�ص ‪ .215‬و�أقول �إن الطرق والعقبات يف بالد غامد وزهران وبني عمر تهامة و�س ��راة ت�س ��تحق �أن ي�ص ��در عنها عدد‬
‫من البحوث والدرا�س ��ات العلمية املوثقة‪ ،‬ون�أمل من بع�ض �أ�س ��اتذة جامعة الباحة �أن يدر�س ��وا مثل هذه املو�ضوعات‬
‫اجليدة واجلديدة يف بابها ‪.‬‬
‫((( زرت هذا ال�س ��وق وكتبت عنه �أثناء زيارتي ملنطقة الباحة يف (‪1433/12/9-11/29‬هـ) ‪ ،‬وهو من الأ�س ��واق التاريخية‬
‫القدمية ‪ ،‬للمزيد انظر‪ ،‬غيثان بن جري�س ‪ .‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ( اجلزء اخلام�س )‪� ،‬ص‪.182‬‬
‫‪509‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫قلوة فهي منت�ش ��رة يف �أنحاء املدينة وتتفاوت يف الأحجام وال�س ��لع ‪ ،‬وم ��ن �أكربها‪ :‬مركز العائلة‬
‫ومعظم �سلعه مواد غذائية و�سلع �أخرى �ضرورية‪ ،‬و�سوق ( مول) الرواد ‪ ،‬وجممعات ابن م�ستور‪،‬‬
‫والهيمطي‪ ،‬و�سيتي مول ‪ ،‬ومعظم املعرو�ضات يف هذه الأ�سواق �ألب�سة و�أدوات للزينة (‪. )1‬‬
‫يتح ��دث بع� ��ض الراوة عن التعليم يف قلوة ‪ ،‬ويذكرون �أ�س ��ماء بع� ��ض املعلمني القدماء‬
‫الذي ��ن مار�س ��وا الق ��راءة والكتابة قبل ال�س ��بعينيات ‪ ،‬وكانوا على قدر ب�س ��يط من املعرفة‪،‬‬
‫و�أحيان� � ًا يخلطون بني ممار�س ��ة ال�ش ��غوذة والتعلي ��م (‪ ، )2‬ثم افتتحت �أول مدر�س ��ة يف بلدة‬
‫قل ��وة ع ��ام (‪1369‬هـ‪1949/‬م) ‪ ،‬ويف تلك املدر�س ��ة معلم واحد ‪ ،‬يدعى ح�س�ي�ن بن حممد‬
‫بن خما�ش العمري ‪ ،‬يقوم على تدري�س الطالب �ص ��باح ًا وم�س ��ا ًء ‪ ،‬وا�س ��تمرت هذه املدر�سة‬
‫وعينّ منه ��م ثالثة معلمني‪،‬‬ ‫�إىل ع ��ام (‪1376‬ه� �ـ‪1956/‬م) ‪ ،‬وتخرج فيها خم�س ��ة طالب ‪ُ ،‬‬
‫اثن ��ان يف املدر�س ��ة نف�س ��ها ‪ ،‬وهما‪ :‬عبد اخلالق بن م�س ��تور ‪ ،‬وم�س ��تور بن �أحم ��د‪ .‬والثالث‬
‫يحيى بلقرون الذي �ص ��ار معلم ًا يف دوقة الأحالف(‪ . )3‬ويف ال�س ��بعينيات �أي�ض� � ًا و�صلت �إىل‬
‫املنطقة جهود ال�ش ��يخ القرعاوي الذي ن�ش ��ر الكثري من كتاتيبه ومدار�س ��ه يف بلدان عديدة‬
‫م ��ن تهام ��ة وال�س ��راة(‪ . )4‬ويف ع ��ام (‪1376‬ه� �ـ‪1956/‬م) توقفت مدر�س ��ة قل ��وة حتى عام‬
‫(‪1381‬هـ‪1961/‬م)‪ ،‬ثم افتتحت املدر�س ��ة مرة �أخرى ‪ ،‬وتالها فتح مدار�س عديدة للبنني‬
‫والبنات ‪ ،‬حتى �أ�ص ��بح التعليم العام منت�ش ��ر ًا يف جميع قرى حمافظة قلوة ‪ .‬وافتتحت �أي�ض ًا‬
‫بع�ض الأق�س ��ام العلمية اجلامعية يف كلية العلوم والآداب يف قلوة ‪ ،‬ويوجد موقع جديد لكلية‬
‫التقنية ‪ ،‬ومدر�سة واحدة حمدودة للتعليم الأهلي(‪. )5‬‬
‫‪2‬ـ ال�شدوان الأ�سفل والأعلى‪:‬‬
‫جبال �شدا الأ�سفل والأعلى من �أطول جبال اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬ويقعان يف حميط‬
‫حمافظتي املخواة وقلوة (‪ ، )6‬وهما �إىل الأوىل �أقرب‪ .‬ويف يوم االثنني (‪1438/4/11‬هـ املوافق‬
‫تاريخ التجارة والأ�سواق يف حمافظة قلوة من املو�ضوعات اجلديدة وت�ستحق �أن ي�صدر عنها درا�سة علمية موثقة ‪.‬‬ ‫(((‬
‫ممار�س ��ة الكهانة وال�ش ��غوذة منت�ش ��رة يف بع�ض بلدان وقرى تهامة وال�سراة ‪� ،‬سمعت ذلك وقر�أت عنه �أثناء جتوايل‬ ‫(((‬
‫يف �أوطان هذه البالد منذ بداية القرن (‪15‬هـ‪20/‬م)‪ .‬وهذا امليدان ي�ستحق البحث والدرا�سة ‪ ،‬ون�أمل من الباحثني‬
‫وامل�ؤرخني اجلادين يف البالد ال�سروية والتهامية �أن يدر�سوا مثل هذا املو�ضوع ال�شائك واملهم للبحث ‪.‬‬
‫تاريخ التعليم خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪ ،‬وبداية هذا القرن (‪15‬هـ‪20/‬م) من املو�ضوعات التي مل تدر�س وي�ستحق‬ ‫(((‬
‫�أن يكون عنوان ًا لر�سالة �أو بحث علمي‪.‬‬
‫للمزيد عن جهود ال�ش ��يخ عبد اهلل القرعاوي يف جنوبي البالد ال�س ��عودية خالل الن�صف الثاين من القرن الهجري‬ ‫(((‬
‫املا�ضي (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪ ،‬انظر‪ :‬غيثان بن جري�س ‪ .‬تاريخ التعليم يف منطقة ع�سري (‪1354‬ـ ‪1386‬هـ‪1934/‬ـ‪1966‬م)‬
‫( جدة ‪ :‬دار البالد للطباعة والن�شر ‪1416 ،‬هـ‪1995/‬م) ‪( .‬اجلزء الأول) �ص ‪ 260‬وما بعدها ‪.‬‬
‫قلوة مدينة تهامية قدمية حديثة ‪ ،‬ولها تاريخ �إداري وح�ضاري واجتماعي واقت�صادي وت�ستحق �أن يفرد لها عدد من‬ ‫(((‬
‫الدرا�سات التاريخية والآثارية واحل�ضارية ‪ .‬ون�أمل من �أبنائها ‪ ،‬وبخا�صة الباحثني و�أ�ساتذة اجلامعات ‪� ،‬أن يدر�سوا‬
‫يالدهم ويخدموا �أهلهم ‪ ،‬وهذا من الواجب عليهم جتاه �أوطانهم وذويهم ‪.‬‬
‫ارتفاع جبل �ش ��د الأ�س ��فل (‪1700‬م) ‪ ،‬وجبل �شدا الأعلى (‪2200‬م) فوق �س ��طح البحر‪ .‬هذا ما �سمعه الباحث من‬ ‫(((‬
‫بع�ض الدار�سني والباحثني يف حمافظة املخواة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪510‬‬
‫‪/9‬يناير‪2017/‬م) رافقني ال�صديق الدكتور‪ /‬عبد الرحمن ال�شع�شاع (‪ ، )1‬وبع�ض الإخوان من‬
‫مدينة املخواة يف رحلة �إل جبلي �شدا (‪ ، )2‬وق�ضينا ذلك اليوم نت�أمل الرتكيبة اجلغرافية ال�سكانية‬
‫لهذين اجلبلني ‪ .‬فاجلبالن ذوا حزون و�صخور وم�سالك �صعبة‪ ،‬وهما م�أهوالن بال�سكان منذ‬
‫القدم(‪ ، )3‬و�سكان �شدا الأ�سفل يعودون يف ن�سبهم ووالئهم �إىل ع�شرية بني عبد اهلل الغامدية‬
‫ال�سروية ‪ ،‬وكذلك اجلزء اجلنوبي من �شدا الأعلى ‪� ،‬أما اجلزء ال�شمايل من �شدا الأعلى ف�أهله‬
‫من زهران ‪ .‬ومناخهما بارد يف ال�شتاء ‪ ،‬معتدل �صيف ًَا ‪ ،‬وفيهما ع�شرات الأنواع من النباتات‪،‬‬
‫و�أنواع عديدة من الطيور واحليوانات (‪ . )4‬وي�شرفان على قرى ومدن من الأرا�ضي التهامية ‪،‬‬
‫فمن ال�ش ��رق يطالن على وادي �س ��قامة و�أجزاء من حا�ضرة املخواة ‪ ،‬ومن الغرب على بلدان‬
‫نريا وناوان ‪ ،‬ومن اجلنوب على بع�ض �أودية ونواح من املخواة ‪ ،‬ومن ال�ش ��مال على وادي يحر‬
‫و�أجزاء �أخرى من حمافظة قلوة (‪ . )5‬و�أثناء جولتي الق�ص�ي�رة يف هذين اجلبلني(‪ ، )6‬خرجت‬
‫ببع�ض ال�صور التاريخية احل�ضارية التي �شاهدتها و�سمعتها ‪ ،‬واذكر �أهمها يف النقاط الآتية‪:‬‬
‫‪1 .1‬م ��ررت م ��ن حول هذي ��ن العلمني مرات عدي ��دة خالل الأربع�ي�ن عام ًا املا�ض ��ية ‪ ،‬ومل �أمتكن من‬
‫�صعودهما ‪ ،‬و�سمعت �أنهما يحتويان على الكثري من الر�سومات ال�صخرية‪ ،‬وعندما ذهبت �إليهما‬
‫�ش ��اهدت نقو�ش ًا عديدة على بع�ض ال�صخور ‪ ،‬ور�سومات �آدمية وحيوانية يعود تاريخها �إىل �آالف‬
‫ال�س ��نني قبل الإ�سالم ‪ ،‬و�س� ��ألت بع�ض من رافقني عن هذه الآثار ‪ ،‬هل اكت�شفت ودر�ست؟ فقالوا‬
‫لقد زارها عدد من الباحثني العرب والأجانب ‪ ،‬وخرج عنها بع�ض الدرا�سات املحدودة ‪ .‬و�أقول �إن‬
‫طبيعة هذين املكانني وما يحتويان عليه من م�صادر تاريخية منقو�شة على �صخورها ت�ستحق �أن‬
‫ي�سخر لها املال والعلماء اجلادون واملن�صفون حتى يدر�سوا ما ت�شتمل عليه من موروث ح�ضاري ‪.‬‬
‫‪�2 .2‬س ��رنا يف طريق م�س ��فلت يف �أجزاء من اجلبلني ‪ ،‬و�أخربين �أحد الرفاق �أن امل�س ��افة من‬
‫را ‪ ،‬و�ص ��عدنا بعد انتهاء‬‫املخ ��واة �إىل �أعل ��ى قرية يف �ش ��دا الأعل ��ى حوايل(‪ )24‬كيلوم�ت� ً‬

‫ابن ال�شع�ش ��اع من �أهل بي�ش ��ة ‪� ،‬أ�س ��تاذ يف ق�س ��م اللغة العربية و�آدابها يف كلية العلوم والآداب يف حمافظة املخواة ‪،‬‬ ‫(((‬
‫عرفته منذ �أكرث من ع�شر �سنوات عندما كان يدر�س لدرجة الدكتوراه يف اجلامعة الإ�سالمية باملدينة ‪ .‬وهو �شخ�ص‬
‫لطيف املع�شر‪ ،‬على قدر كبري من الأخالق والأدب ‪.‬‬
‫من �أولئك الأ�صحاب ‪ ،‬الأ�ساتذة علي حممد عبد الهادي الغامدي ‪ ،‬ونا�صر ال�شدوي ‪ ،‬كما التقينا يف �أعلى �شدا الأ�سفل‬ ‫(((‬
‫ب�إخوان �آخرين وكان معهم العم ح�سني بن ح�سن بن �ضيف اهلل ال�شدوي الغامدي ‪ ،‬الذي ا�ست�ضافنا لوجبة الغداء ‪ ،‬و�أفادنا‬
‫مبعلومات كثرية ‪ ،‬وعمره يتجاوز (‪ )75‬عام ًا ‪.‬‬
‫ال�ش ��دوان مذكوران يف بع�ض امل�ص ��ادر التاريخية واحل�ض ��ارية املبكرة ‪ ،‬قال فيها بع�ض الأدباء قدمي ًا وحديث ًا �شعر ًا‬ ‫(((‬
‫ونرث ًا ‪ .‬وتتبع تاريخ وح�ضارة هذين اجلبلني من العهد القدمي �إىل اليوم من املو�ضوعات التي ت�ستحق �أن تكون عنوان ًا‬
‫لكت ��اب �أو ر�س ��الة علمي ��ة ‪ ،‬ون�أمل �أن نرى �أحد امل�ؤرخ�ي�ن اجلادين يكتب عن تاريخهما وذكرهم ��ا يف النقو�ش والآثار‬
‫وامل�صادر التقليدية ‪.‬‬
‫يذكر �أن يف هذين اجلبلني الكثري من النباتات واحليوانات النادرة ‪ ،‬وبع�ضها انقر�ض يف العقود املا�ضية ‪.‬‬ ‫(((‬
‫هذا ما �شاهدناه من �أعايل اجلبلني يف (‪1438/4/11‬هـ) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫ا�س ��تغرقت رحلتنا يف هذين اجلبلني حوايل ع�شر �س ��اعات وهي غري كافية لدرا�سة تراثهما وجمع موروثهما العلمي‬ ‫(((‬
‫واحل�ضاري‪.‬‬
‫‪511‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫الأ�س ��فلت يف طريق �ص ��عبة ‪ ،‬وال ي�س�ي�ر فيها �إال �س ��يارات قوية ذات دفع رباعي‪ .‬و�صعود‬
‫�شدا الأ�سفل �أ�سهل من �شدا الأعلى الذي يتكون من قمتني‪� ،‬إحدهما يف الناحية ال�شرقية‬
‫وهي وعرة وي�صعب ت�سلقها ‪ ،‬والقمة الأخرى غرب ًا‪ ،‬وهي �أكرث ارتفاع ًا لكن ال�صعود �إليها‬
‫�أ�سهل ‪ .‬ويطلق على القمة ال�شرقية ( القارة) ‪ ،‬والقمة الثانية ( م�صلى �إبراهيم) (‪.)1‬‬
‫وق ��ال �أح ��د ال ��رواة �إن متهيد الطريق من �أ�س ��فل هذين اجلبلني ‪ ،‬حتى �أ�ص ��بحت �ص ��احلة‬
‫لال�س ��تخدام بالدواب‪ ،‬بد�أ عام (‪1386‬ه� �ـ‪1966/‬م) (‪ ، )2‬ويف حوزتن ��ا بع�ض الوثائق التي‬
‫ت�ؤكد هذه الرواية ‪ ،‬وت�ش�ي�ر �إىل �أ�س ��ماء بع�ض العمال الذين �شاركوا يف فتح تلك الطريق يف‬
‫عامي (‪1386‬هـ ‪1388 ،‬هـ‪1968 ،1966/‬م)(‪ . )3‬ووا�ص ��ل املواطنون ال�ش ��دويون فتح طرق‬
‫ترابي ��ة على ح�س ��ابهم اخلا�ص من ثالث جه ��ات للجبلني ‪ ،‬ويف ع ��ام (‪1397‬هـ‪1977/‬م)‬
‫ا�ستلمت وزارة املوا�صالت هذه الطرق للإ�شراف عليها و�صيانتها ‪ ،‬ومنذ بداية الع�شرينيات‬
‫من القرن (‪15‬هـ‪20/‬م) مت �سفلتة اجلزء ال�شمايل من �شدا الأعلى ‪ ،‬و�سفلتة حوايل ع�شرة‬
‫كيلومرتات من �شدا الأ�سفل ‪ ،‬وبقي اجلزء اجلنوبي من �شدا الأ�سفل غري م�سفلت ‪ ،‬ومازالت‬
‫املطالبات يف �سفلتته جارية حتى الآن(‪. )4‬‬
‫‪ 3 .3‬ه ��ذان اجلب�ل�ان م�أهوالن بال�س ��كان (‪ ، )5‬وفيهم ��ا �أمناط معمارية عديدة ‪ .‬ففي �ش ��دا‬
‫الأعلى عدد من القرى مثل‪ :‬قرية الكب�سة وفيها مواقع �سياحية جميلة يرتادها ال�سياح‬
‫للتنزه والت�سلق‪ ،‬وقرية ال�سالطني وتتكون من ثالثة �أق�سام ‪ :‬فرعة ال�سالطني ‪ ،‬وال ُغمار‪،‬‬
‫وبج ��اد ‪ .‬ويف الغمار فتحت �أول مدر�س ��ة ابتدائية عام (‪1382‬هـ‪1962/‬م) ‪ ،‬ومدر�س ��ة‬
‫بنات عام (‪1400‬هـ‪1980/‬م) ‪ .‬وقرية املالليح وت�ش ��تمل على ثالث قرى �صغرية هي ‪:‬‬
‫فرعة املالليح ‪ ،‬واللحن ‪ ،‬وقرن‪ .‬وهذه القرى مال�صقة مل�صلى �إبراهيم ‪ ،‬وجبل القارة ‪،‬‬
‫وت�شتهر بزراعة النب واملوز‪ .‬وقرية امل�ساعدة ‪ ،‬وكان يوجد فيها الطبيب ال�شعبي لعموم‬

‫م�س ��احة هذا امل�ص ��لى حوايل (‪3×2‬م‪ ، )2‬ويتداول النا�س رواية �أن املق�ص ��ود بـ(�إبراهيم) ‪ ،‬هو �إبراهيم بن �أدهم‪ ،‬وهو‬ ‫(((‬
‫قول غري دقيق ‪ ،‬ومن املحتمل �أن ن�سبة هذا امل�صلى �إىل رجل �صالح يدعى �إبراهيم ‪ ،‬ورمبا يكون من �أهل البالد‪� ،‬أو من‬
‫احلجاج الذين كانوا ي�أتون من جنوب �شبه اجلزيرة العربية عابرين بالد تهامة �إىل مكة واملدينة املنورة‪.‬‬
‫ه ��ذا ما �س ��معه الباحث م ��ن بع�ض رفاقه و�أكد ذل ��ك علي بن عبد اهلل ال�ش ��دوي الغامدي من �أهل �ش ��دا الأعلى يف‬ ‫(((‬
‫(‪1438/4/11‬هـ) ‪.‬‬
‫بع� ��ض هذه الوثائ ��ق يف مكتبة د‪.‬غيثان بن جري�س العلمية ‪ ،‬الوثائق العامة ‪ ،‬وثائق القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪ ،‬ج‪� ،83‬ص‬ ‫(((‬
‫‪ .111 -110‬وقد ح�ص ��ل على عدد من الوثائق غري املن�ش ��ورة من مدينتي املخواة وقلوة وبع�ض رجاالت جبلي �ش ��دا ‪،‬‬
‫و�سوف ندر�سها م�ستقب ًال ونخرجها يف درا�سة م�ستقلة ‪.‬‬
‫امل�ص ��ادر نف�س ��ها ‪ .‬طرق �شدا امل�سفلتة حمدودة على الأجزاء ال�سفلى من هذين اجلبلني ‪ ،‬ومازالت الأجزاء العلوية‬ ‫(((‬
‫غري م�س ��فلتة‪ ،‬والواجب على وزارة املوا�ص�ل�ات ‪ ،‬والهيئة العليا لل�س ��ياحة ‪� ،‬أن ت�ضاعف اجلهود لت�سهيل طرق هذين‬
‫اجلبلني و�سفلتتها ‪ ،‬حتى تكون من املعامل ال�سياحية امل�شهورة واملرتادة من �سياح الداخل واخلارج ‪.‬‬
‫كان ��ت هذه اجلبال م�أهولة ب�س ��كانها قدمي ًا ‪ ،‬واليوم هجرها �أكرثهم ونزلوا �إىل املخ ��واة و�إىل مدن ونواحي عديدة‬ ‫(((‬
‫يف اململك ��ة العربية ال�س ��عودية ‪ .‬ومازال بع�ض ��هم ي�س ��كنها حتى الآن ‪ ،‬ومنهم من ي�س ��توطن املخ ��واة �أو قلوة �إال �أنهم‬
‫ي�ت�رددون عليها يف الإجازات وبع�ض �أيام الأ�س ��بوع ‪ .‬كما يوجد فيها الآن بع� ��ض العمال الوافدين من اليمن �أو الهند‬
‫والبنجالدي�ش الذين يعملون يف خدمة بع�ض �سكانها مقابل �أجور �شهرية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪512‬‬
‫جبل �شدا الأعلى ويدعي ( �أحمد الفقيه ) (‪ . )1‬وقرية لهن ‪ ،‬وهي من �أف�ضل قرى اجلبل‬
‫انب�س ��اط ًا ‪ ،‬ويوجد فيه ��ا بع�ض املزروعات‪ ،‬وقرى �أخرى يف �أ�س ��فل اجلب ��ل مثل‪ :‬مليل‪،‬‬
‫والأح ��د بالقفرة ‪ .‬وترتاوح �أ�س ��ر ه ��ذه القرى قدمي ًا من (‪� )40-30‬أ�س ��رة‪ ،‬وحالي ًا من‬
‫(‪� )15-5‬أ�س ��رة ‪ ،‬و�س ��بب هذا التناق�ص هجرة معظم الأ�س ��ر م ��ن اجلبل �إىل مدينتي‬
‫قل ��وة واملخواة و�إىل حوا�ض ��ر �أخ ��رى يف اململكة ‪ ،‬لقلة مظاهر التط ��ور والتنمية يف هذا‬
‫اجلبل‪ ،‬ولتح�سني �أو�ضاعهم االقت�صادية واالجتماعية ‪ .‬ومن قرى �شدا الأ�سفل الطرف‬
‫‪ ،‬و�آل �س ��احة ‪ ،‬وال َنمرة ‪ ،‬والرو�س ‪ ،‬والفرع وهي �أكربها ويوجد فيها بع�ض امل�ؤ�س�س ��ات‬
‫الإدارية ‪ ،‬وبها حوايل (‪� )50-40‬أ�س ��رة ‪ ،‬وقرية احللوق وهي �أ�ص ��غرها فال يوجد بها‬
‫�إال ح ��وايل خم�س ��ة منازل(‪ . )2‬ومنازل �أهل �ش ��دا القدمية م�ش ��يدة باحلجارة والطني ‪،‬‬
‫وترتاوح م�س ��احاتها من غرفة �إىل �أربع �أو خم�س غرف ‪ ،‬ح�سب �إمكانات �أهلها ‪ ،‬واليوم‬
‫قام بع�ض ال�سكان ب�إن�شاء منازل م�سلحة تتكون من طابق �أوطابقني ‪ ،‬وكل طابق يتكون‬
‫من عدة غرف‪ .‬وتوجد الكهوف يف جبلي �ش ��دا وبخا�ص ��ة �شدا الأ�سفل ‪ ،‬و�صار بع�ضهم‬
‫ي�ش ��يد الكهوف ويو�س ��عها ويزوقها ‪ ،‬ويخدمها باملاء والكهرباء حتى �أ�ص ��بحت جمال�س‬
‫�ص ��خرية جميلة ‪ ،‬وقد ا�س ��تقبلنا العم ح�سني بن ح�سن بن �ضيف اهلل ال�شدوي يف كهف‬
‫ب�ش ��دا الأ�س ��فل تزيد م�س ��احته عن (‪100‬م‪ ، )2‬و�أخربين �أن هناك م ��ن ميتلك كهوف ًا‬
‫�أ�صغر و�أكرب من هذه امل�ساحة ‪ ،‬وهذه من املعامل ال�سياحية التي يتميز بها جبال �شدا ‪.‬‬
‫ويتبع قرى �شدا قدمي ًا وحديث ًا بع�ض املرافق املعمارية املهمة مثل‪ :‬الآبار ‪ ،‬واملقابر‪ ،‬ويف‬
‫بع�ض القرى م�ساجد كبرية ل�صالة اجلمعة ‪ ،‬و�أ�سواق �أ�سبوعية (‪. )3‬‬
‫‪4 .4‬يذكر �أن �أهايل �ش ��دا كانوا ميار�س ��ون عبادتهم يف منازلهم وم�ساجدهم ‪ ،‬وي�أتيهم �أحيان ًا‬
‫من يعلمهم �أمور دينهم يف املخواة �أو يف قراهم الرئي�س ��ية يف اجلبل‪ .‬ومن �أولئك املعلمني‬
‫والدعاة يف القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ال�ش ��يخان علي بن مغرم الغامدي‪ ،‬و�إبراهيم بن م�س ��لم‬

‫((( عا�ش �أحمد الفقيه يف هذه الناحية ‪ ،‬ومار�س بع�ض الن�شاطات الدعوية مثل ‪� :‬إمامة النا�س يف ال�صالة ‪ ،‬ومعاجلتهم‬
‫بالق ��ر�آن ‪ ،‬وت ��ويف يف العق ��د الث ��اين من الق ��رن (‪15‬ه� �ـ‪20/‬م) ‪.‬مقابلة مع علي ب ��ن عبد اهلل ال�ش ��دوي الغامدي يف‬
‫�إدارة تعلي ��م املخ ��واة يف (‪1438/4/11‬هـ) ‪ .‬وعلي الغامدي من مواليد قرية ال�س�ل�اطني يف جبل �ش ��دا الأعلى عام‬
‫(‪1387‬هـ‪1967/‬م) ‪ .‬در�س مراحل التعليم الأوىل باملخواة وح�صل على درجة البكالوريو�س يف الفيزياء من جامعة‬
‫امللك عبد العزيز ‪ ،‬ويعمل حالي ًا رئي�س� � ًا لق�س ��م الن�ش ��اط الطالبي بتعليم املخواة ‪ ،‬و�أي�ض� � ًا �أمين ًا عام ًا للجنة اخلطة‬
‫اال�سرتاتيجية لتطوير حمافظة املخواة ‪.‬‬
‫((( مقابلة مع ح�س�ي�ن بن ح�س ��ن بن �ض ��يف اهلل ال�ش ��دوي الغامدي يف (‪1438/4/11‬هـ) ‪ .‬وهو من �أهل �شدا الأ�سفل ‪،‬‬
‫ومازال يق�ضي معظم �أوقاته يف قريته وم�سقط ر�أ�سه يف �شدا ‪.‬‬
‫((( جبال �شدا ذوا تاريخ وح�ضارة �إن�سانية ‪ ،‬ففي املا�ضي البعيد والقريب يت�ضح لنا الكثري من الرباهني وال�شواهد التي‬
‫ت�ؤكد �صحة احلياة الب�شرية الن�شطة فيهما ‪� .‬أما يف ع�صر التطور والتنمية احل�ضارية التي تعي�شها البالد ال�سعودية‬
‫اليوم فاحلياة يف هذين اجلبلني �شاقة جد ًا حتى و�إن كان مازال فيها �أنا�س ي�ستوطنونهما ‪ ،‬وعندهم بع�ض اخلدمات‬
‫الإدارية والتعليم وال�صحية ‪ .‬و�أكرب م�شكلة تعاين منها هذه اجلبال و�أهلها هو وعورة ت�ضاري�سها التي ال ت�ساعد على‬
‫العي�ش فيها ب�س ��هولة وي�س ��ر ‪ .‬وحتويل هذين اجلبلني �إىل مناطق �س ��ياحية اقت�ص ��ادية قد يكون جمدي ًا �إىل حد ما لو‬
‫وجدت خدمات �صادقة توفر الراحة واال�ستجمام للزوار وال�سياح‪.‬‬
‫‪513‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫من �سكان حزنة غرب �سروات بلجر�شي ‪ ،‬و�أحمد و�سعيد �أبناء فرحة من �أهل �شدا ‪ ،‬اللذان‬
‫تعلما على يد هذين ال�شيخني ال�سابقني‪ ،‬ثم قاما بن�شر املعرفة والعلم ال�شرعي بني �أهلهم‬
‫من �س ��كان �ش ��دا الأ�س ��فل ‪ .‬ويف الثمانينيات من القرن الهجري املا�ضي افتتحت مدار�س‬
‫نظامية يف ال�ش ��دوين ‪ ،‬وكان كثري من طالب تلك املدار�س متفوقني على م�س ��توى منطقة‬
‫القنفذة ‪ ،‬بل �إن بع�ضهم كانوا من الأوائل على م�ستوى اململكة العربية ال�سعودية(‪. )1‬‬
‫وم ��ن الأ�ش ��خا�ص الذي ��ن عملوا يف مهن ��ة التعليم قبل وبعد ن�ش� ��أة املدار� ��س النظامية‬
‫(‪)2‬‬
‫الأ�س ��اتذة ‪� :‬أحم ��د بن عيفان الغامدي ووال ��ده من قبله ‪ ،‬وعبد اهلل ب ��ن �أحمد الغامدي‬
‫‪ ،‬و�أحم ��د ب ��ن معي�ض الغامدي‪ ،‬وحممد �أحمد الغامدي ‪ ،‬وعل ��ي الغامدي من فرعة غامد ‪،‬‬
‫و�س ��عيد بن حممد �ص ��مان من املخواة ‪ ،‬وبع�ض املعلمني من نريا مثل‪� :‬س ��عيد بن حممد بن‬
‫�ص ��الح ‪ ،‬و�س ��عيد �أحمد غرابان ‪ ،‬وحممد ح�س ��ن ربيع(‪ . )3‬ويذكر �أن بع�ض �سكان ال�شدوين‬
‫ترق ��وا يف التعلي ��م حتى �ص ��ار منهم اليوم �أ�س ��اتذة يف تخ�ص�ص ��ات عديدة ‪ ،‬وم ��ن بناتهم‬
‫و�أبنائه ��م من يحمل درج ��ات عالية كالبكالوريو�س ‪ ،‬واملاج�س ��تري ‪ ،‬والدكتوراه ‪ ،‬ومنهم من‬
‫تدرج يف �سلم الوظائف الإدارية واملالية والع�سكرية واملدنية (‪. )4‬‬
‫‪3‬ـ م�شاهدات عامة ‪:‬‬
‫يف ختام هذه الرحلة ‪ ،‬ال �أدعي �أين �س ��جلت كل ما ي�س ��تحق الدار�سة والتدوين يف هذه‬
‫الب�ل�اد الوا�س ��عة من ب ��ارق �إىل قل ��وة ‪ ،‬ولكني �إخال �أنني �أ�ش ��رت �إىل نقاط علمية رئي�س ��ية‬
‫ت�س ��تحق البحث والدرا�سة امل�ستفي�ض ��ة من بناتها و�أبنائها املتعلمني احلري�صني على حفظ‬
‫ت ��راث وتاري ��خ وموروث هذه الأوطان التهامية‪ .‬ومازال لدينا فقرات نرغب الإ�ش ��ارة �إليها‪،‬‬
‫وهي على النحو التايل ‪:‬‬

‫هذا ما �سمعه الباحث من بع�ض الرواة يف املخواة يوم االثنني (‪1438/4/11‬هـ) ‪ .‬بالإ�ضافة �إىل مذكرة و�صلتنا من‬ ‫(((‬
‫الأ�ستاذ نا�صر ال�شدوي �أثناء رحلتنا يف بالد قلوة واملخواة ‪ ،‬و�صورتها موجودة �ضمن �أوراق مكتبتنا ‪.‬‬
‫عبداهلل الغامدي من مواليد �شدا الأعلى عام (‪1350‬هـ‪1931/‬م) ‪ ،‬تعلم يف �شبابه مبادئ القراءة والكتابة ‪ ،‬وعمل‬ ‫(((‬
‫يف مهنة التجارة يف بع�ض حوا�ض ��ر احلجاز الكربى مثل‪ :‬مكة وجدة والطائف ‪ ،‬ثم عاد �إىل م�س ��قط ر�أ�س ��ه ‪ ،‬وبذل‬
‫جهود ًا عديدة يف خدمة �أهايل �ش ��دا ‪ ،‬فطالب بفتح مدار�س نظامية للبنني والبنات ‪ ،‬وفتح طريق ًا ت�س ��لكه ال�س ��يارة‬
‫وي�صل �إىل �أجزاء من جبلي �شدا‪ ،‬كما �ساهم يف عمارة بع�ض امل�ساجد املحلية يف ال�شدوين ‪ ،‬وغريها من اخلدمات‬
‫الإن�س ��انية واخلريية املدونة يف بع�ض الوثائق التي و�ص ��لتني من ابنه علي بن عبد اهلل ‪ .‬امل�صدر‪ :‬مكتبة د‪ .‬غيثان بن‬
‫جري�س العلمية ‪ ،‬الوثائق العامة (ق‪14‬هـ‪20/‬م)‪ ،‬ج‪� ،83‬ص ‪. 125 -110‬‬
‫امل�ص ��ادر نف�س ��ها ‪ .‬ن�أمل �أن نرى باحث ًا جاد ًا يدر�س تاريخ التعليم والثقافة يف ال�ش ��دوين واملخواة وقلوة خالل املئة‬ ‫(((‬
‫�سنة املا�ضية‪ .‬وذكر الأ�ستاذ علي عبد اهلل الغامدي يف �إدارة تعليم املخواة �أن والده عبد اهلل بن �أحمد الغامدي كان‬
‫ي�سعى �إىل ن�شر الفكر والتعليم والثقافة يف املخواة و�شدا الأعلى ‪ ،‬ف�أن�ش�أ عام (‪1381‬هـ‪1961/‬م) �أول مكتبة جتارية‬
‫يف بلدة املخواة ‪ ،‬وجلب الراديو والكهرباء �إىل �سكان �شدا الأعلى يف ثمانينيات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪.‬‬
‫ً‬
‫�أهايل جبل �ش ��دا �أذكياء يف �أقوالهم و�أفعالهم ‪ ،‬ومنهم من ُعرف بالرزانة واحلكمة وال�ش ��عر النبطي قدميا ‪ ،‬وفيهم‬ ‫(((‬
‫اليوم الكثري من املثقفني واملتعلمني ‪ ،‬و�آمل �أن يخرج من تلك الفئات من يدر�س لغة وتاريخ وح�ضارة واقت�صاد وتعليم‬
‫وثقافة �أهل �ش ��دا الأ�س ��فل والأعلى ‪ ،‬ومن يفعل ذلك من �أبنائها �أو بناتها ف�إنه �سوف ي�سدي �إىل �أر�ضه و�أهله معروف ًا‬
‫كبري ًا ‪ ،‬كما �أنه �سريد �شيء من املعروف والف�ضل الذي قدمته هذه البالد العربية الأ�صيلة ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪514‬‬
‫�أ ـ ع ��دم وع ��ي النا� ��س ب�أهمية البيئ ��ة ‪ ،‬فرتى الكث�ي�ر منهم ي�س ��عون �إىل �إت�ل�اف الغطاء‬
‫النباتي ‪ ،‬والق�ضاء على الطيور وبع�ض الكائنات احلية ‪ ،‬وتلويث الأر�ض برمي القمائم‬
‫واملخلف ��ات الآدمي ��ة وغريها يف الأودية واجلبال �أو يف الطرق ��ات والقرى واملدن ‪ ،‬وكل‬
‫هذه ال�سلوكيات ت�ؤثر �سلب ًا على حياة الأر�ض وال�سكان (‪. )1‬‬
‫ب ـ هذه البالد تنعم بالأمن واال�س ��تقرار ‪ ،‬وميار�س �أهلها عباداتهم بكل �سهولة وي�سر‪ ،‬وهذا‬
‫ما �شاهدته يف الطرقات ‪ ،‬والأ�سواق ‪ ،‬واملدار�س ‪ ،‬وامل�ساجد واجلوامع والتجمعات العامة‬
‫واخلا�ص ��ة ال�ص ��غري ة والكب�ي�رة ‪ .‬ومن يدر�س تاري ��خ هذه الأوطان خ�ل�ال العقود الأوىل‬
‫والو�سطى من القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) وما قبلها ف�إنه �سوف يت�ضح له اخلوف واجلهل والفقر‬
‫الذي كان �س ��ائد ًا يف �أنحاء هذه الأوطان ‪ ،‬وغريها من بلدان اململكة العربية ال�س ��عودية ‪،‬‬
‫واليوم تغري احلال من �سيء �إىل ح�سن ‪ ،‬ومن رعب وفو�ضى �إىل �أمن وا�ستقرار(‪. )2‬‬
‫ج ــ ال يخلو املجتمع من م�ش ��اكل و�سلبيات مثل‪ :‬نربة العن�صرية والتع�صب فهي موجودة عند‬
‫بع�ض الأفراد ‪ ،‬والأ�سر ‪� ،‬أو القرى ‪� ،‬أو الع�شائر ‪ ،‬وهذا مر�ض اجتماعي عرفه العرب من‬
‫قبل الإ�س�ل�ام ‪ ،‬ومازال يمُ ار�س يف بالدنا وبني �أهلنا و�إخواننا ‪ .‬كما �أن هذه البالد املعنية‬
‫يف هذه الدرا�سة يوجد يف �أر�ضها الكثري من النقو�ش والر�سومات ال�صخرية والآثار ‪ ،‬وال‬
‫�أح ��د يدرك �أهميتها‪ ،‬بل �إن �أكرثها ناله دمار وخراب الإن�س ��ان‪ .‬وكذلك الأمكنة الرتاثية‬
‫والتاريخية مثل‪ :‬القرى القدمية ‪ ،‬والأ�س ��واق ‪ ،‬والطرقات‪ ،‬والآبار‪ ،‬واملقابر‪ ،‬وبع�ض املهن‬
‫واحلرف االقت�ص ��ادية القدمية‪ :‬كال�ص ��يد ‪ ،‬والرعي ‪ ،‬والزراعة ‪ ،‬وكثري ًا من ال�صناعات‬
‫التقليدية ‪� ،‬أ�صبحت من املا�ضي وال نرى رعاية فردية �أو جماعية‪� ،‬أهلية �أو حكومية تفعل‬
‫�شيئ ًا حلفظ هذا التاريخ الذي عرفه الأوائل ‪ ،‬وعانوا كثري ًا يف بنائه و�صيانته ‪.‬‬
‫د ـ الب�ل�اد مليئ ��ة بالتاريخ الفكري‪ ،‬والثق ��ايف ‪ ،‬والأدبي ‪ ،‬والعلمي‪ .‬فهن ��اك لغة ولهجات‪،‬‬
‫وفنون �ش ��عرية و�أدبي ��ة وثقافية ‪ ،‬و�أهازي ��ج ‪ ،‬وطرفة وفكاهة ‪ ،‬و�أق ��وال و�أغاين‪ ،‬وحكم‬
‫‪ ،‬وق�ص ���ص ‪ ،‬وروايات ‪ ،‬و�أمثال حملية‪ .‬وهناك �أي�ض� � ًا �أعالم ن�س ��ائية ورجالية ‪ ،‬وعرب‬
‫ودرو�س وحروب �أ�س ��رية �أو ع�ش ��ائرية �أو قبلية ‪ ،‬و�ص�ل�ات داخلية وخارجية‪ ،‬ون�شاطات‬
‫دينية‪ ،‬واجتماعية ‪ ،‬واقت�ص ��ادية ‪ ،‬ومعرفية‪ .‬كل هذه ال�ص ��ور التاريخية واحل�ض ��ارية‬
‫عرفه ��ا ومار�س ��ها �إن�س ��ان هذه الب�ل�اد التهامية ‪ ،‬وت�س ��تحق من ينقب عنه ��ا ويجمعها‬
‫ويدر�س ��ها ثم ين�ش ��رها لأبنائنا يف هذه الع�صور احلديثة واملعا�صرة ‪ .‬والفاح�ص للعلم‬
‫والتعلي ��م يف هذه املنطقة يجد املدار�س النظامية منت�ش ��رة يف �أرجائها‪ ،‬لكن م�س ��توى‬

‫((( هذه اجلوانب جديرة بالبحث ‪ ،‬فتدر�س الأ�س ��باب والأخطار التي تنتج عن تدمري البيئة و�إتالف مكوناتها الطبيعية‬
‫‪ ،‬ونرجو �أن نرى اجلامعات املحلية تهتم بهذا اجلانب يف خططها وبحوثها واهتماماتها ‪.‬‬
‫((( قر�أت �آالف الوثائق والكتب واملراجع واملقاالت التي �أرخت للأر�ض وال�سكان يف اجلزيرة العربية منذ الع�صر القدمي‬
‫�إىل وقتنا احلا�ضر ‪ ،‬ووجدت �أن الرخاء والأمن والراحة التي يعي�شها �سكان اململكة العربية ال�سعودية اليوم مل ي�سبقه‬
‫عهد م�ش ��رق مثلما يعي�ش ��ون يف ع�ص ��رنا احلا�ضر ‪ ،‬وهذا ف�ضل من اهلل عز وجل ‪ ،‬ون�س� ��أل اهلل �أن يدمي �أمنه ونعمته‬
‫علينا وعلى جميع امل�سلمني‪..‬‬
‫‪515‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫التعلي ��م ونوعيت ��ه هزيلة وركيك ��ة ‪ ،‬والكم يغلب على الكيف‪ ،‬وهذه م�ش ��كلة عامة تعاين‬
‫منها جميع مراحل التعليم يف �أرجاء البالد ال�سعودية(‪. )1‬‬
‫هـ ــ �ش ��اهدت وعرفت و�سمعت عن كثري من �أهل هذه البالد ‪ ،‬ففيهم خطباء يف اجلوامع ‪،‬‬
‫�أو معلمون وموجهون ومربون يف املدار�س ‪� ،‬أو موظفون كبار ‪� ،‬أو �أ�ساتذة يف اجلامعات‬
‫‪� ،‬أو �أعيان ‪� ،‬أو وجهاء ‪� ،‬أو �ش ��يوخ قبائل ‪� ،‬أو �أ�ص ��حاب مال �أو�ص ��ناع قرار يف �أوطانهم ‪،‬‬
‫�أو حكماء وعقالء‪ .‬وكل هذه الفئات من الن�ساء والرجال عليهم م�س�ؤوليات كبرية جتاه‬
‫�أنف�سهم ‪ ،‬و�أهلهم ‪ ،‬و�أوطانهم‪ ،‬فهم الذين فيهم الأمل‪ ،‬وعليهم ُيعتمد يف عمارة الأر�ض‬
‫‪ ،‬وبن ��اء �أوطان �ص ��احلة ت�ؤمن بربه ��ا ‪ ،‬وتعمل خلري دينها و�أوطانه ��م ‪ .‬و�إذا مل يتحمل‬
‫ه�ؤالء امل�س� ��ؤوليات املنوطة بهم ‪ ،‬ويقومون بها على خري وجه لل�صالح العام واخلا�ص ‪،‬‬
‫و�إال ف�إن املجتمعات �سوف تغرق ‪ ،‬وينالها الوهن وال�ضعف والتفكك واالنهيار(‪. )2‬‬
‫ثالث ًا‪�:‬صور من تاريخ بع�ض بلدان تهامة (املخواة وقلوة وما جاورهما) ‪:‬‬
‫‪1‬ـ من تاريخها يف بع�ض امل�صادر واملراجع‪:‬‬
‫ه ��ذه البالد املذكورة م ��ن �أقل بلدان تهامة وال�س ��راة ذكر ًا يف كتب الرتاث الإ�س�ل�امي‬
‫املبكرة والو�س ��يطة‪ ،‬لكننا جند �أحيان ًا �إ�ش ��ارات قليلة عن بع�ض �أجزائها و�سكانها‪ .‬ففي كتب‬
‫التاري ��خ احلولية مث ��ل الطربي ‪ ،‬وابن الأثري ‪ ،‬وابن كثري ‪ ،‬واب ��ن خلدون معلومات عن بع�ض‬
‫التهاميني الذين دخلوا الإ�س�ل�ام يف عهد الر�س ��ول (ﷺ) ‪ ،‬والذين ارتدوا يف عهد اخلليفة‬
‫الرا�ش ��د �أبي بكر ال�ص ��ديق (ر�ض���ي اهلل عنه) ‪ ،‬وال تخلو كتب ال�س�ي�ر واملغازي من روايات �أي�ض� � ًا ‪.‬‬
‫ويف هذه امل�ص ��ادر العامة ورد �أ�سماء بع�ض الأعالم الذين �شاركوا يف ال�صراعات ال�سيا�سية‬
‫والع�سكرية يف القرون الإ�سالمية الأوىل داخل اجلزيرة العربية وخارجها(‪. )3‬‬
‫وكت ��ب التاري ��خ املو�ض ��وعية التي ت� ��ؤرخ لزمان وم ��كان حمدودين مثل كت ��ب الأزرقي ‪،‬‬
‫والفاكهي ‪ ،‬والفا�س ��ي ‪ ،‬وبع�ض �أ�س ��رة �آل فهد املكية ‪ ،‬وتاريخ اليمن لعمارة احلكمي اليمني‬
‫وغريها ‪ ،‬يوجد فيها �صفحات من تاريخ احلجاز وبخا�صة مكة املكرمة ‪ ،‬و�أجزاء من اليمن‪،‬‬
‫ال تخل ��و م ��ن معلومات تتعل ��ق بالبالد املمتدة من مك ��ة �إىل قلوة واملخواه ‪ ،‬فهناك �إ�ش ��ارات‬
‫((( من يقارن التعليم احلديث مع التعليم القدمي ف�إنه يجد جودة التعليم يف املا�ض ��ي �أف�ض ��ل من ع�ص ��رنا احلايل‪ ،‬نعم‬
‫هناك �إمكانات كبرية اليوم ‪ ،‬و�أموال كثرية ت�ص ��رف ‪ ،‬لكن م�س ��توى الطالبة والطالب �أ�ض ��عف من ال�س ��ابق تفكري ًا ‪،‬‬
‫واجتهاد ًا ‪ ،‬وكتابة ‪ ،‬ورغبة يف التعليم ‪ .‬قد يقول قائل هذا كالم غري �ص ��حيح ‪ ،‬فها نحن ن�ش ��اهد �أ�صحاب ال�شهادات‬
‫العليا ‪ ،‬وبع�ض املبدعني واجلادين ‪ ،‬و�أقول كالم �ص ��حيح ‪ ،‬فهناك مناذج جيدة ومتفوقة ‪ ،‬لكن النمط العام الغالب‬
‫على م�ستوى التعليم اليوم و�أثره املعريف ‪ ،‬والأخالقي ‪ ،‬واالجتماعي الإيجابي �أ�ضعف بكثري من ال�سابق ‪.‬‬
‫((( خلق الإن�سان لعمارة الأر�ض ‪ ،‬والواجب على الفرد امل�سلم امل�ؤمن �أن يعمل لتحقيق هذا الهدف ‪ ،‬ومن يفعل ذلك ف�إنه‬
‫�سوف ينال ر�ضا ربه ( عز وجل ) ‪ ،‬وخدمة الدين والنف�س والأهل والوطن ‪.‬‬
‫((( رك ��زت كت ��ب التاري ��خ العامة مث ��ل‪ :‬الطربي وغريه عل ��ى التاريخ ال�سيا�س ��ي والع�س ��كري ‪ ،‬لكنها ال تخل ��و من بع�ض‬
‫ال�ش ��ذرات‪ .‬ومن يفح�ص هذه الكتب احلولية ف�إنه يجد �ص ��ور ًا تاريخية عديدة وحمدودة عن تاريخ وح�ض ��ارة تهامة‬
‫وال�سراة الواقعة بني اليمن واحلجاز ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪516‬‬
‫لبع�ض الأمكنة‪ ،‬و�شذرات �أخرى قليلة عن بع�ض الأحداث التاريخية يف هذه البالد(‪. )1‬‬
‫ويف كتب الطبقات والرتاجم والأعالم معلومات عن تهامة ب�شكل عام ‪ ،‬وعن الأوطان التي‬
‫ندر�س ��ها ب�ش ��كل خا�ص ‪ .‬ومن تلك امل�صادر كتب الطبقات البن �سعد ‪ ،‬و�أ�سد الغابة يف معرفة‬
‫ال�صحابة البن الأثري ‪ ،‬وتهذيب التهذيب البن حجر الع�سقالين ‪ .‬وهذه امل�صادر �أ�شارت �أي�ض ًا‬
‫�إىل �أ�سماء تهامية عا�صرت ظهور الإ�سالم يف احلجاز ‪ ،‬وبع�ضها خرجت مع جيو�ش امل�سلمني‬
‫للجهاد يف �سبيله يف ال�شام وفار�س وم�صر و�شمال �إفريقيا وبالد الهند وال�سند(‪. )2‬‬
‫�أما كتب اجلغرافيا والرحالت فهي الأف�ض ��ل يف حفظ الكثري من املعلومات اجلغرافية‬
‫والتاريخي ��ة واحل�ض ��ارية ع ��ن تهامة من قل ��وة واملخواة �إىل ب ��ارق ‪ ،‬ومن �أعم و�أ�ش ��مل هذه‬
‫امل�ص ��ادر كتاب ( �ص ��فة جزيرة العرب ) للهمداين ‪ ،‬ففي هذا ال�سفر تف�صيالت كثرية عن‬
‫موا�ض ��ع و�س ��كان عا�ش ��وا يف هذه البالد ‪ ،‬وال تخل ��و معلومات هذا الع ��امل اليمني من بع�ض‬
‫الأخطاء غري املق�ص ��ودة ‪ ،‬ومازال كتابه من امل�ص ��ادر الرئي�س ��ية عن بالد تهامة وال�س ��راة‬
‫خالل القرون الأوىل من ع�ص ��ر الإ�س�ل�ام (‪ . )3‬وم�ص ��ادر �أخرى مثل‪ :‬امل�س ��الك واملمالك‪،‬‬
‫ومعجم ما ا�ستعجم للبكري‪ ،‬ومعجم البلدان لياقوت احلموي ‪ ،‬وهذه الكتب ت�أتي يف املرتبة‬
‫الثاني ��ة بع ��د كتب الهمداين(‪ ، )4‬وفيها معلومات كثرية عن تهامة ‪ ،‬والبالد املمتدة من بارق‬
‫�إىل نهام ��ة غام ��د وزه ��ران ‪ ،‬ورد لها ذكر ال ب�أ�س به ‪ ،‬فهناك موا�ض ��ع عديدة مت الإ�ش ��ارة‬
‫�إىل �ش ��يء من جغرافيتها وتاريخها ‪ .‬وم�ص ��ادر �أخرى ال تخلو من ا�ش ��ارات طفيفة و�أحيان ًا‬
‫مبهم ��ة عن بع�ض الأوطان التهامية املمت ��دة من مكة املكرمة �إىل جازان ‪ ،‬ومن تلك الكتب‪:‬‬
‫�أح�س ��ن التقا�س ��يم يف معرفة الأقاليم للمقد�س ��ي ‪ ،‬و�س ��فرنامة لنا�صر خ�س ��رو ‪ ،‬ورحلة ابن‬
‫جبري‪ ،‬وتاريخ امل�ستب�صر البن املجاور ‪ ،‬ونزهة امل�شتاق يف اخرتاق الآفاق للإدري�سي ‪ ،‬ورحلة‬
‫رك ��زت ه ��ذه امل�ؤلفات على تواريخ احلج ��از واليمن ‪ ،‬ولقرب بالد تهامة من هذه النواحي ‪ ،‬ثم لل�ص�ل�ات التاريخية‬ ‫(((‬
‫واحل�ضارية للتهاميني مع احلرمني جعلت م�ؤلفي هذه امل�صادر يلتقون ب�أهل ال�سراة وتهامة ‪ ،‬وي�سمعون بع�ض الأخبار‬
‫عنهم وعن بالدهم وما يدور فيها من �أحداث �سيا�سية �سلبية و�إيجابية ‪.‬‬
‫م ��ن يفح�ص هذه امل�ص ��ادر ف�إنه يجد �أ�س ��ماء تهامية هاجرت �إىل املدينة املنورة ‪ ،‬و�أخ ��رى خرجت �أثناء الفتوحات‬ ‫(((‬
‫الإ�سالمية �إىل بلدان عديدة خارج اجلزيرة العربية ‪.‬‬
‫الهمداين ‪ :‬هو احل�سن بن �أحمد بن يعقوب ‪ ،‬يكنى ب�أبي يعقوب ‪ ،‬ويعرف بالن�سابة ‪� ،‬أو ابن احلائك ‪ ،‬وي�سمي نف�سه‬ ‫(((‬
‫بـ ( ل�س ��ان اليمن) ‪ ،‬ويكني نف�س ��ه �أي�ض ًا ب�أبي حممد ‪ ،‬وهو من بالد همدان يف اليمن ‪ ،‬ومن علماء امل�سلمني الكبار ‪،‬‬
‫وله كتب عديدة يف الأن�س ��اب ‪ ،‬واللغة ‪ ،‬واجلغرافيا‪ ،‬واملعادن وغريها ‪ .‬وكتبه من �أف�ض ��ل امل�ص ��ادر التي و�صلتنا عن‬
‫اجلزيرة العربية خالل ع�صور الإ�سالم الأوىل ‪ ،‬وت�ستحق �أن ي�صدر عنها ع�شرات الكتب والبحوث والر�سائل العلمية‬
‫‪ .‬للمزيد انظر‪ ، :‬غيثان بن جري�س "بالد ال�سراة من خالل كتاب �صفة جزيرة العرب للهمداين" ‪ .‬بحث من�شور يف‬
‫جملة الدارة ‪ ،‬عدد (‪ )3‬الن�سة (‪( )19‬ربيع الآخر‪ ،‬واجلماديان ‪1414/‬هـ‪1994/‬م) ‪� ،‬ص ‪76‬ـ ‪ .111‬والبحث نف�سه‬
‫�أعيد ن�شره يف كتابنا‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة ( ق ‪1‬ـ ق‪10‬هـ‪/‬ق‪7‬ـ ق‪16‬م) ‪ ( ،‬الريا�ض‪ :‬مكتبة العبيكان ‪،‬‬
‫‪1424‬هـ‪2003/‬م) ‪ ،‬ج‪� ، 1‬ص ‪127‬ـ ‪.164‬‬
‫ت�س ��تحق كتب البكري وياقوت احلموي درا�س ��ة وحتلي ًال ‪ ،‬وبخا�ص ��ة ما جاء فيها عن بالد تهامة وال�سراة‪ ،‬ون�أمل �أن‬ ‫(((‬
‫نرى �أحد طالبنا يف ق�س ��م التاريخ بجامعة امللك خالد ‪ ،‬برنامج الدرا�س ��ات العليا ‪ ،‬فيتخذ من هذا املو�ض ��وع عنوان ًا‬
‫لر�سالته يف درجة املاج�ستري �أو الدكتوراه‪.‬‬
‫‪517‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫ال�سلطان املجاهد الر�سويل من تعز �إىل مكة املكرمة ‪ ،‬ورحلة ابن بطوطة وغريها (‪. )1‬‬
‫وكتب الأن�س ��اب واملو�سوعات من امل�صادر الأولية التي فيها ملحات تاريخية عن تهامة‪.‬‬
‫فابن الكلبي يف كتابه‪ :‬الن�سب الكبري‪ ،‬وجمهرة �أن�ساب العرب البن حزم ‪ ،‬ويف كتب الأن�ساب‬
‫لل�س ��معاين والقلق�ش ��ندي تف�ص ��يالت عن �أ�ص ��ول القبائل الأزدية التي ا�س ��توطنت ال�سراة‬
‫وتهامة ‪ ،‬ومعظم الع�ش ��ائر القاطنة يف تهامة تنت�س ��ب يف قبائل اليمن وبخا�صة قبيلة الأزد ‪،‬‬
‫ومازالت هذه الع�شائر تعي�ش يف هذه الأوطان حتى وقتنا احلا�ضر(‪ ، )2‬وامل�صادر املو�سوعية‬
‫مثل‪ :‬نهاية الأرب للنويري ‪ ،‬وم�س ��الك الأب�ص ��ار البن ف�ض ��ل اهلل ال ُعمري‪ ،‬و�ص ��بح الأع�شى‬
‫للقلق�شندي ‪ ،‬واملق�صد الرفيع املن�ش�أ للخالدي ‪ ،‬هذه الكتب مو�سوعية يف معلوماتها‪ ،‬وحتتوي‬
‫على تف�ص ��يالت تاريخية وح�ض ��ارية ( اجتماعية‪ ،‬واقت�ص ��ادية‪ ،‬وجغرافية‪ ،‬و�سكانية) عن‬
‫بالد تهامة وال�سراة ‪ ،‬وال تخلو من �إ�شارات عن البلدان املعنية يف مبحثنا (‪. )3‬‬
‫وم�صادر �أخرى متنوعة يف �أطروحاتها ‪ ،‬وحتتوي على فقرات من تاريخ تهامة املمتدة من‬
‫قلوة واملخواة �إىل بارق واملجاردة وما جاورها ‪ .‬ومن �أهمها ‪ :‬كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري‬
‫من �أهل القرن الثالث الهجري (التا�س ��ع امليالدي ) ‪ ،‬ويقع يف ع�ش ��رة جملدات ‪ ،‬لكن مل ي�صلنا‬
‫منها �إال ثالثة فقط ‪ .‬وهذا امل�ص ��در ي�ش ��تمل عل ��ى معلومات كثرية عن نباتات تهامة وال�س ��راة‬
‫وكثري من الأ�ش ��جار والنباتات التي در�س ��ها تتواجد يف منطقتنا املدرو�سة يف هذا البحث ‪ ،‬ويف‬
‫�أنحاء تهامة وال�سراة املمتدة من مكة والطائف �إىل جنران وجازان(‪ . )4‬وهذا كتاب الأنواء البن‬
‫ف�صل احلديث عن موا�سم العرب‬ ‫قتيبة من �أهل القرن الثالث الهجري �أي�ض� � ًا ‪ ،‬وهذا امل�ص ��در ّ‬
‫‪ ،‬ومعرفتهم الكبرية بف�ص ��ول ال�س ��نة ‪ ،‬وما يتخللها من تغريات‪ ،‬وموا�س ��م الزراعة واحل�صاد‪،‬‬
‫وكل ما يتعلق باجلو وت�أثرياته على حياة النا�س يف جميع مهنهم االقت�صادية واالجتماعية (‪. )5‬‬
‫((( كتب اجلغرافيا والرحالت املبكرة واملت�أخرة ت�شتمل على تف�صيالت كثرية وجيدة عن بلدان تهامة وال�سراة ‪ ،‬ون�أمل �أن‬
‫تدر�س يف مو�ضوعات علمية موثقة ‪ .‬للمزيد انظر ‪ ،‬غيثان بن علي بن جري�س " بالد تهامة وال�سراة كما و�صفها الرحالة‬
‫اجلغرافي ��ون امل�س ��لمون الأوائ ��ل ( ق‪3‬ـ ق‪8‬ه� �ـ) " جملة امل�ؤرخ العربي ‪ ،‬ع ��دد (‪ ، )2‬املجل ��د الأول ( مار�س‪1994 /‬م) ‪،‬‬
‫�ص‪73‬ـ‪ .100‬و�أعيد ن�شر هذه الدرا�سة يف كتاب ‪ :‬درا�سات يف تاريخ تهامة وال�سراة (ق‪1‬ـ ق‪10‬هـ‪/‬ق‪ 7‬ـ ق‪16‬م) ‪ ،‬ج‪� ،1‬ص‬
‫‪165‬ـ‪ .196‬انظ ��ر جملدات عديدة من مو�س ��وعة القول املكتوب يف تاري ��خ اجلنوب ‪ ،‬ج‪� ،3‬ص ‪321‬ـ ‪ .394‬ج‪� ،4‬ص ‪21‬ـ‪.86‬‬
‫ج‪�،5‬ص‪21‬ـ‪ .91‬ج‪� ،9‬ص‪131‬ـ ‪ .194‬للم�ؤلف نف�سه ‪ ،‬بالد القنفذة خالل خم�سة قرون (ق‪10‬ـق‪15‬م) ‪� ،‬ص‪159‬ـ‪. 230‬‬
‫((( تاريخ �أن�ساب بالد تهامة من بارق �إىل قلوة جديرة بالدرا�سة ‪ ،‬ون�أمل �أن نرى باحث ًا جاد ًا يدر�سها يف هيئة كتاب �أو‬
‫ر�سالة علمية ‪.‬‬
‫ً‬
‫((( هذه املو�س ��وعات جتمع لفيفا من املعارف املتنوعة يف �أبوابها ‪ ،‬وال�س ��روات وتهامة ورد لها ذكر يف �صفحات وف�صول‬
‫عديدة من هذه امل�صادر ‪.‬‬
‫((( ال�س ��ائر يف بالد تهامة وبخا�ص ��ة املناطق الواقعة عند �س ��فوح ال�س ��روات الغربية من جازان �إىل مكة املكرمة �سوف ي�شاهد‬
‫�آالف الأنواع من النباتات والأ�ش ��جار التي ذكرها الدينوري يف كتابه‪ ،‬ومن ي�س� ��أل �أهل اخلربة بهذه النباتات ثم يقر�أ ما‬
‫كتبه هذا العامل امل�سلم ف�إنه يجد معظم مادته العلمية �صحيحة متطابقة مع �أقوال �أهل الدراية واخلربة من �أهل البالد ‪.‬‬
‫((( �إن القارئ لكتاب الأنواء‪ ،‬ثم ال�سري يف بالد تهامة وال�سراة وي�سمع لأقوال وروايات الأوائل عن الأنواء ‪ ،‬وكيف كانوا‬
‫يراقبونها ويتعاملون مع تغرياتها يف زراعاتهم ورعيهم وح�صادهم وجتارتهم ‪ ،‬ف�إنه فع ًال �سيجد هذا العامل قد �أبدع‬
‫يف تدوينه لكثري من ال�صور التاريخية‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪518‬‬
‫ونقول �إن املادة املتوفرة عن تهامة يف الع�صر اجلاهلي والقرون الإ�سالمية املبكرة والو�سيطة‬
‫قليل ��ة ج ��د ًا‪ ،‬و�إن �أ�ش ��رنا �إىل بع�ض امل�ص ��ادر الأولية التي ذكرت �ش ��ذرات من تاريخه ��ا ‪ ،‬لكنها ال‬
‫تعطينا �ص ��ورة وا�ض ��حة عن حياة النا�س يف هذه البالد ‪ .‬و�أكرث القرون غمو�ض ًا الفرتة املمتدة من‬
‫القرن الثاين �إىل الثاين ع�ش ��ر الهجريني ( الثامن �إىل الثامن ع�ش ��ر امليالديني) ‪ ،‬فهذه احلقب ال‬
‫جند عنها ال�ش ��يء الكثري ‪ ،‬و�إن ذكرت موا�ض ��يع حمدودة‪� ،‬أو �أحداث‪� ،‬أو �أعالم ‪ ،‬فمازال النق�ص‬
‫الكبري وا�ض ��ح ًا (‪ . )1‬ويف امل�ص ��ادر املكية الو�سيطة و�أوائل الع�صر احلديث �إ�شارات ت�ستحق اجلمع‬
‫والدرا�سة عن البلدان الواقعة �إىل جنوب مكة املكرمة واملمتدة �إىل الليث والقنفذة واملخواة وبارق‬
‫والربك ودرب بني �شعبة و�صبيا وجازان(‪ . )2‬وهناك م�صادر ومراجع حديثة ت�صب يف خدمة هذه‬
‫الب�ل�اد ‪ ،‬ومنها‪ :‬كتاب ‪ :‬منائح الك��رام يف �أخبار مكة والبيت ووالة احلرم ‪ .‬لتاج الدين بن تقي‬
‫الدين ال�س ��نجاري املكي من �أهل القرنني احلادي ع�ش ��ر والثاين ع�ش ��ر الهجريني (ال�س ��ابع ع�شر‬
‫والثام ��ن ع�ش ��ر امليالديني) ‪ ،‬فقد ذكر معلوم ��ات قيمة عن �أجزاء من تهام ��ة وخ�ص بلدة املخواة‬
‫ببع�ض التف�صيالت(‪ ، )3‬و�سوف نذكر �شيئ ًا من هذه املعلومات يف نهاية هذه الدرا�سة (‪. )4‬‬
‫و�أ�ص ��بحت القنفذة منذ القرن (‪12‬هـ‪18/‬م) ‪ ،‬من املدن واملوانئ الرئي�س ��ية التي ت�ؤثر‬
‫وتت�أثر مبا يحدث يف عموم بالد تهامة وال�سراة ‪ ،‬و�صارت بوابة البحر الأحمر الرئي�سية على‬
‫البالد املمتدة من الطائف والليث �إىل �أبها ورجال �أملع ودرب بني �شعبة (‪ ، )5‬كما �أن و�صول‬
‫القوات العثمانية يف الع�ص ��ر احلديث �إىل مكة املكرمة والطائف والباحة وع�س�ي�ر وجازان‬

‫هذا ما ات�ضح يل من خالل االطالع على م�صادر حجازية ومينية عديدة ‪ ،‬و�أحيان ًا م�صادر عامة ‪ .‬والبالد التهامية‬ ‫(((‬
‫وال�سروية الواقعة بني اليمن واحلجاز م�أهولة بال�سكان ‪ ،‬وغنية مبواردها االقت�صادية ‪ ،‬ولأهلها �صالت ح�ضارية مع‬
‫حوا�ض ��ر اليمن واحلجاز‪ ،‬لكن للأ�س ��ف ال جند تاريخ ًا وا�ضح ًا �أو حتى �ص ��ور ًا تاريخية حمدودة لبع�ض هذه البلدان‬
‫و�س ��كانها‪ ،‬ما عدا املخالف ال�س ��ليماين ( منطق ��ة جازان) ‪ ،‬وجنران ‪ ،‬والطائف فهناك بع� ��ض الكتابات والروايات‬
‫عنها وهي متناثرة يف م�صادر وم�ؤلفات مينية وحجازية ‪.‬‬
‫�أ�س�ي�ر يف �أرجاء هذا الأوطان منذ �أربعني عام ًا ‪ ،‬والتقى ببع�ض �أعيانها ووجهائها ‪ ،‬وجمعت �ش ��يئا من وثائق وتراث‬
‫ً‬ ‫(((‬
‫�أهلها‪ .‬وهي بلدان ذات تاريخ وح�ض ��ارة ‪ ،‬والواجب على اجلامعات املوجودة يف هذه الأجزاء �أن ت�ض ��اعف اجلهود ‪،‬‬
‫وتفتح مراكز علمية بحثية متخ�ص�ص ��ة ‪ ،‬وجتلب لها �أ�س ��اتذة مميزين حتى يدر�س ��وا تاريخ وموروث و�آثار وح�ض ��ارة‬
‫هذه الديار ‪ ،‬وهي فع ًال ت�ستحق الرعاية والدعم ‪ .‬ومنذ ثالث عقود و�أنا �أنادي �أ�صحاب القرار ‪ ،‬والباحثني الغيورين‬
‫‪ ،‬وامل�ؤ�س�سات العلمية والثقافية يف هذه البالد ليعملوا ويجتهدوا يف جمع تاريخ وموروث هذه الأوطان العريقة ‪ ،‬لكن‬
‫حتى الآن ال نرى �أي حراك �أو اهتمام ي�صب يف خدمة البالد ‪.‬‬
‫هذا الكتاب يقع يف عدة جملدات ‪ ،‬وفيه معلومات جيدة عن �أهل تهامة وال�سراة ‪ ،‬ون�أمل �أن نرى باحث ًا جاد ًا يجمع ما‬ ‫(((‬
‫دون وغريه من معا�صريه عن هذه الأوطان التهامية وال�سروية ‪ ،‬ومن يفعل ذلك ف�إنه �سيطلعنا على تف�صيالت قيمة‬
‫وجديدة يف بابها ‪.‬‬
‫الأ�س ��تاذ عبد الرحمن حمياين ال ُعمري من �أهل املخواة �أ�ص ��در مقالة عن املخواة القدمية ‪ ،‬و�أ�ش ��ار �إىل �أهمية هذا‬ ‫(((‬
‫امل�صدر ‪ ،‬للمزيد انظر‪ :‬هذه املقالة من�شورة يف نهاية هذا املحور ‪.‬‬
‫ً‬
‫�إن ال�صالت التاريخية خالل الع�صر احلديث واملعا�صر بني القنفذة والأجزاء التهامية الداخلية ‪ ،‬و�أي�ضا ال�سروات‬ ‫(((‬
‫من املو�ض ��وعات املهمة للبحث والدرا�س ��ة ‪ .‬وهناك مئات الوثائق غري املن�شورة وع�شرات الكتب والبحوث والر�سائل‬
‫الت ��ي ت�ش ��تمل على تف�ص ��يالت ع ��ن هذه الف�ت�رة ‪ ،‬ون�أمل �أن ن ��رى باحثني جادي ��ن ‪ ،‬من طالب درجات املاج�س ��تري‬
‫والدكتوراه ‪ ،‬يدر�سونها يف عدد من البحوث العلمية ‪ ،‬وهي ت�ستحق �أن تدر�س يف بحوث وكتب عديدة ‪.‬‬
‫‪519‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫جع ��ل امل�ؤرخني ورج ��ال احلرب وال�سيا�س ��ة يذكرون بالد ال�س ��راة وتهامة يف مرا�س�ل�اتهم‬
‫ووثائقهم وتقاريرهم ‪ ،‬ومن ثم �ص ��ار هناك من يدون ويكتب �شيئ ًا من تاريخ البالد املمتدة‬
‫م ��ن حمايل وبارق �إىل املخواة وقلوة وما جاورها‪ .‬وظهر يف القرون (‪14-12‬هـ‪20-18/‬م)‬
‫درا�سات ف�صلت احلديث عن بع�ض ال�صور التاريخية التي عا�صرها و�شارك فيها ال�سرويون‬
‫والتهاميون ‪ .‬ومن تلك البحوث رحالت بع�ض الرحالة امل�سلمني وغري امل�سلمني ‪ ،‬مثل‪ :‬نزهة‬
‫اجللي� ��س ومني ��ة الأديب الأني� ��س ‪ ،‬للعبا�س بن علي املو�س ��وي ‪ ،‬الذي زار �أج ��زاء من تهامة‬
‫زه ��ران والقنفذة يف عام (‪1141‬هـ‪1728/‬م) ‪ ،‬وكتاب‪ :‬بلغة املرام يف الرحلة �إىل بيت اهلل‬
‫احلرام ‪ ،‬ليحيى بن املطهر ‪ .‬ورحلة حم�سن بن عبد الكرمي بن �إ�سحاق‪ .‬وكتاب‪ :‬نيل الوطر‬
‫يف ذكر �أحوال ال�س ��فر �إىل احلرم الأزهر والنبي الأنور (ﷺ) ‪ ،‬لإ�س ��ماعيل جغمان‪ .‬وه�ؤالء‬
‫الرحالة الثالثة الآخرون مينيون ‪ ،‬ومن �أهل القرنني (‪12‬ـ‪13‬هـ‪18/‬ـ‪19‬م) ‪ ،‬اجتازوا تهامة‬
‫عند ذهابهم �إىل �أر�ض احلرمني‪ ،‬وذكروا �شيئ ًا من تاريخها(‪ .)1‬والرحالة ال�سوي�سري جون‬
‫لوي� ��س بركهارت ( ت‪1233‬ه� �ـ‪1817/‬م) يف كتابه‪ :‬رحالت �إىل �ش��به اجلزيرة العربية‪،‬‬
‫دون بع�ض التف�ص ��يالت ع ��ن البالد املمتدة م ��ن الطائف ومكة �إىل �س ��روات وتهامة غامد‬
‫وزه ��ران ‪ ،‬وهناك رحال ��ة �أجانب زاروا تهام ��ة وكتبوا عنها يف الق ��رن (‪14‬هـ‪20/‬م) مثل‪:‬‬
‫ال�س�ي�ر كيناهات كورنوالي�س ‪ ،‬و�س ��انت جون فلبي ‪ ،‬وتوتي�ش ��ل ‪ ،‬وولفرد ث�سيجر ‪ ،‬وجميعهم‬
‫ذك ��روا حا�ض ��رة القنف ��ذة و�أجزاء من تهامة منطقت ��ي الباحة (غامد وزهران) وع�س�ي�ر ‪،‬‬
‫وف�ص ��ل بع�ضهم احلديث عن احلياة ال�سيا�سية واحل�ض ��ارية يف بارق ‪ ،‬والعر�ضيات ‪ ،‬وقلوة‬
‫واملخواة(‪ . )2‬ومن الرحالة العرب الذين �أ�ش ��اروا �إىل هذه البالد يف القرن (‪14‬هـ‪20/‬م)‪،‬‬
‫وبع�ض ��هم يف القرن(‪15‬هـ‪20/‬م) ال�ش ��ريف الربكاتي ‪ ،‬وال�ش ��ريف عبد اهلل بن احل�س�ي�ن ‪،‬‬
‫وعات ��ق ب ��ن غيث الب�ل�ادي(‪ . )3‬وهناك ع�ش ��رات الكتب والبح ��وث والر�س ��ائل العلمية التي‬
‫ف�ص ��لت احلديث ع ��ن تاريخ مناطق جازان ‪ ،‬وع�س�ي�ر‪ ،‬واحلجاز‪ ،‬وموان ��ئ البحر الأحمر‪،‬‬
‫وبع�ض ��ها باللغة العربية‪ ،‬و�أخرى بلغات �أجنبية وبخا�ص ��ة اللغة الإجنليزية �أو الإيطالية‪� ،‬أو‬
‫العثماني ��ة‪� ،‬أو الرتكي ��ة احلديثة (‪ .)4‬ومعظمها تعر�ض ��ت لتاريخ �أر�ض و�س ��كان تهامة غامد‬
‫وزهران وما جاورها من الأوطان التهامية‪.‬‬
‫‪2‬ـ من تاريخها يف بع�ض الوثائق مبكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ‪:‬‬
‫م ��ن بارق �إىل املخ ��واة وقلوة جزء من تهام ��ة املمتدة من احلج ��از �إىل اليمن ‪ ،‬و�أثناء‬

‫((( للمزيد عن ه�ؤالء الرحالة ‪ ،‬انظر‪ :‬غيثان بن جري�س ‪ .‬بالد القنفذة خالل خم�سة قرون ( ق‪10‬ـ ق‪15‬هـ) ‪� ،‬ص ‪169‬ـ ‪.180‬‬
‫((( املرجع نف�سه ‪� ،‬ص ‪181‬ـ ‪192‬ـ ‪. 212‬‬
‫((( املرجع نف�سه ‪� ،‬ص ‪186‬ـ ‪. 214 ،191‬‬
‫((( هذا ما عرفه الباحث خالل الع�ش ��رين �س ��نة املا�ض ��ية �أثن ��اء زيارته بع�ض املكتب ��ات املركزية يف اململكة العربية ال�س ��عودية ‪،‬‬
‫وم�ص ��ر‪ ،‬وتركي ��ا‪ ،‬وبريطاني� � ًا‪ ،‬وهولندا‪ ،‬وفرن�س ��ا‪ ،‬و�إيطاليا ‪ .‬وكذلك ح�ض ��وره بع�ض امل�ؤمترات والندوات �أو مناق�ش ��ة بع�ض‬
‫الر�سائل العلمية يف جامعات عربية وغري عربية‪ ،‬و�أي�ض ًا اطالعه على بحوث علمية حمكمة ومن�شورة عربية وغري عربية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪520‬‬
‫درا�س ��تي يف الوالي ��ات املتحدة الأمريكي ��ة ‪ ،‬ثم بريطانيا ‪ ،‬ثم زياراتي �إىل م�ص ��ر ‪ ،‬وتركيا‪،‬‬
‫و�س ��ياحتي يف مناكب ال�س ��راة وتهام ��ة ‪ ،‬ومقابلة الكثري م ��ن �أعيانها و�ش ��يوخها ورموزها ‪،‬‬
‫وتدري�س ��ي �آالف الطالبات والطالب خالل الأربعني عام ًا املا�ض ��ية ‪ ،‬و�إ�شرايف على بحوثهم‬
‫ور�س ��ائلهم العلمي ��ة ‪ ،‬تكون عندي خلفي ��ة ال ب�أ�س بها عن �أوطان تهامة وال�س ��راة ‪ ،‬ووجدت‬
‫م�ص ��ادرها التاريخي ��ة متنوع ��ة مثل‪ :‬املخطوطات ‪ ،‬وامل�ص ��ادر املبكرة �أو الن ��ادرة ‪ ،‬والآثار‬
‫والنقو�ش والر�س ��ومات ال�ص ��خرية ‪ ،‬واملقابالت ‪ ،‬والروايات ال�شفهية ‪ ،‬واملتاحف ‪ ،‬وال�صور‬
‫الفوتوغرافي ��ة ‪ ،‬والوثائق املحلية والإقليمية والعاملية ‪ ،‬وقد توقفت مع هذا امل�ص ��در الأخري‬
‫(الوثائ ��ق ) فوجدت �أماكنها متعددة ‪ ،‬ومعلوماتها متنوع ��ة ‪ ،‬وخرجت ببع�ض الر�ؤى عن‬
‫هذا امل�صدر املهم ‪ ،‬و�أذكرها يف النقاط الآتية ‪:‬‬
‫�أ‪� -‬أهل هذه البالد لهم عادات و�أعراف وتقاليد ‪ ،‬وعندهم �أمالك عقارية‪ ،‬ولهم �أحداث‬
‫و�ص ��راعات حربية و�سيا�س ��ية داخلية وخارجية ‪ ،‬وهذه الأن�ش ��طة ُتروى وبع�ضها تدون‬
‫يف �أوراق ووثائق حملية ‪ ،‬ويف املنطقة �أي�ض� � ًا �إدارات وم�ؤ�س�سات �إدارية ت�شرف وت�ضبط‬
‫�س�ي�ر احلي ��اة العامة واخلا�ص ��ة ‪ .‬كل هذا وجدت ��ه يف كثري من الوثائق التي ا�س ��تطعت‬
‫جمعها خالل العقود الأربعة املا�ضية ‪ ،‬ومعظم هذه امل�صادر ح�صلت عليها من الأفراد‬
‫واجلماعات و�أحيان ًا من بع�ض البيوتات العلمية يف الأوطان التهامية وال�سروية ‪� ،‬أو من‬
‫بع�ض الإدارات احلكومية يف القنفذة �أو جازان �أو �أبها �أو غريها من البلدان اجلنوبية‬
‫ال�س ��عودية(‪ . )1‬وه ��ذه الوثائق توجد يف ملكيتنا ‪ ،‬وقد ن�ش ��رت الع�ش ��رات منها يف كتب‬
‫وبح ��وث خمتلفة(‪ ، )2‬ومادتها متنوعة مثل‪ :‬الوثائق االقت�ص ��ادية كالبيع وال�ش ��راء ‪� ،‬أو‬
‫�أ�س ��عار ال�س ��لع ‪� ،‬أو حركة الأ�س ��واق الأ�س ��بوعية ‪� ،‬أو امتالك بع�ض العق ��ارات كاملنازل‬
‫وامل ��زارع ‪� ،‬أو التب ��ادالت التجاري ��ة ‪� ،‬أو �أ�س ��ماء بع�ض التج ��ارات �أو التج ��ار يف القرى‬
‫�أو الأ�س ��واق ‪� ،‬أو امل ��دن ‪� ،‬أو املوان ��ئ‪� ،‬أو ذك ��ر بع�ض ال�ص ��ناعات واحل ��رف التقليدية ‪،‬‬
‫وممار�سة �شراء موادها الأولية‪ ،‬وبيع م�صنوعاتها اجللدية ‪� ،‬أو اخل�شبية ‪� ،‬أو املعدنية‪،‬‬
‫�أو احلديدي ��ة ‪� ،‬أو النباتي ��ة ‪� ،‬أو احلجرية والفخارية ‪� .‬أو و�س ��ائل التعامالت مثل‪ :‬البيع‬
‫باملقاي�ض ��ة ‪� ،‬أو النقود ‪� ،‬أو الدفع بالأجل ‪ ،‬وما يقابل هذه املعامالت من �ص ��عوبات(‪. )3‬‬
‫((( كثري من الوثائق التي ا�س ��تطعت جمعها من الأوطان املحلية مثل‪ :‬حمائل ‪ ،‬وبارق ‪ ،‬والعر�ض ��يات ‪ ،‬وقلوة ‪ ،‬واملخواة ‪ ،‬وباقي بلدان‬
‫تهامة وال�س ��راة ‪ ،‬ومعظمها يف التاريخ احلديث من القرن العا�ش ��ر �إىل اخلام�س ع�ش ��ر الهجريني ‪ ،‬وهناك وثائق قليلة قبل هذا‬
‫التاريخ ‪ ،‬ومازالت يف حوزتنا ‪ ،‬وهي غري من�شورة ‪ ،‬وت�ستحق �أن تدر�س يف عدد من البحوث‪.‬‬
‫((( انظ ��ر بع� ��ض كتبنا املطبوعة واملن�ش ��ورة وهي حتتوي على ع�ش ��رات الوثائق اجلديدة واملتنوع ��ة يف مادتها العلمية ‪،‬‬
‫وجميعها مازالت وثائق خام حتتاج �إىل درا�سة وحتليل ون�أمل �أن ي�أتي من طالبنا يف الدرا�سات العليا ‪� ،‬أو من باحثني‬
‫جمتهدين ي�صنفونها ويدر�سونها ‪.‬‬
‫((( عرثنا على �آالف الوثائق االقت�ص ��ادية املحلية ‪ ،‬وهي جديدة وغري من�ش ��ورة ‪ ،‬وتو�ض ��ح كثري من اجلوانب التاريخية‬
‫احلديثة يف مدن وموانئ وقرى و�أ�س ��واق الأرا�ض ��ي التهامية املمتدة من مكة املكرمة �إىل جازان‪ .‬وما يف حوزتنا من‬
‫كاف خلروج ع�ش ��رات البحوث ‪ .‬ون�أمل �أن نرى من الباحث�ي�ن اجلادين من يتعاون معنا حتى‬ ‫ه ��ذا النوع من الوثائق ٍ‬
‫ن�صدرها يف بحوث علمية �سهلة التداول ‪.‬‬
‫‪521‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫وهناك وثائق �أخرى اجتماعية �أو تعليمية وثقافية ‪� ،‬أو �سيا�سية �أو ع�سكرية ‪� ،‬أو �صالت‬
‫�إخوانية ‪� ،‬أو عالقات دبلوما�سية(‪. )1‬‬
‫ب ــ من الوثائق املوجودة يف مكتبتنا ما مت احل�ص ��ول عليه من دور الأرا�ش ��يف الوثائقية يف‬
‫م�ص ��ر‪ ،‬وتركي ��ا ‪ ،‬وبريطانيا وبع�ض ال ��دول الغربية الأخرى ‪ .‬ومنها �أي�ض� � ًا ما وجدناه‬
‫يف دارة املل ��ك عب ��د العزيز العامة ‪� ،‬أو مكتبة املل ��ك فهد الوطنية ‪� ،‬أو مكتبة امللك عبد‬
‫العزيز العامة (‪ . )2‬وعدد هذا ال�صنف من الوثائق عندنا حمدود ًا ‪ ،‬فال تتجاوز الآالف‪،‬‬
‫وقد ر�أيت �أعداد ًا كثرية من هذه الوثائق يف الأر�شيف العثماين يف ا�سطنبول وتاريخها‬
‫من القرن (‪14 -12‬هـ‪/‬ق‪20 -18‬م) ‪ ،‬وبع�ضها يناق�ش تواريخ عديدة يف تهامة ع�سري‬
‫والباح ��ة‪ ،‬ومن املوا�ض ��ع املذك ��ورة‪ :‬ب ��ارق ‪ ،‬واملجاردة ‪ ،‬واملخ ��واة ‪ ،‬وقل ��وة ‪ ،‬والأجزاء‬
‫ال�شرقية من منطقة القنفذة مثل‪ :‬القوز ‪ ،‬و�سبت اجلارة ‪ ،‬وثريبان ‪ ،‬ومنرة(‪. )3‬‬
‫ج ـ �ص ��در عدد من الكت ��ب العربية والأجنبي ��ة ‪ ،‬وبحوث حمكمة ور�س ��ائل علمية يف بع�ض‬
‫املجالت واجلامعات ال�سعودية والعربية والغربية ‪ .‬وكثري من هذه الأعمال حتتوي على‬
‫وثائق تاريخية تخ�ص الديار التهامية املمتدة من مكة املكرمة �إىل �ص ��بيا وجازان(‪.)4‬‬
‫ويغلب على �أكرثها �أنها م�صادر جديدة ‪ ،‬ومدرو�سة بطرق علمية(‪. )5‬‬
‫‪3‬ـ من تاريخها يف بع�ض البحوث واملقاالت املن�شورة ‪ ،‬وغري املن�شورة ‪:‬‬
‫البالد املمتدة من �شمال حمائل �إىل املخواة وقلوة فقرية يف ميدان الدرا�سات العلمية‪،‬‬
‫وغري مت�س ��اوية فيما �ص ��در عنها من بحوث ومقاالت علمية من�ش ��ورة وغري من�ش ��ورة‪ ،‬ويف‬
‫ال�ص ��فحات التالية نذكر بع�ض �أ�س ��ماء البحوث واملقاالت احلديثة عن بلدتي املخواة وقلوة‬
‫يف تهامة غامد وزهران واملوجودة يف مكتبتنا ‪.‬‬
‫يوج ��د يف مكتب ��ة د غيث ��ان بن جري�س العلمية �أكرث م ��ن (‪ )150‬جملد ًا من الوثائق العام ��ة ‪ ،‬وكثري منها جمعت من‬ ‫(((‬
‫�أهل تهامة وال�سراة ‪ ،‬ومعظمها تعك�س تاريخ املناطق اجلنوبية ال�سعودية خالل الثالثة قرون املا�ضية ‪ ،‬وهي متنوعة‬
‫وت�شمل معظم جوانب التاريخ ال�سيا�سي واحل�ضاري يف اجلزيرة العربية وبخا�صة جنوبها ‪.‬‬
‫م ��ازال يف ه ��ذه املكتبات وثائق كثرية تتعلق بتاريخ بلدان ال�س ��راة وتهامة ‪ ،‬ون�أمل من طالبات وطالب درجات املاج�س ��تري‬ ‫(((‬
‫والدكتوراه يف التاريخ احلديث بجامعاتنا ال�سعو دية �أن يطلعوا عليها وي�ستفيدوا منها يف �أطروحاتهم العلمية‪.‬‬
‫جميع هذه املوا�ضع ت�ستحق �أن ي�صدر عنها بحوث ودرا�سات علمية خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) ‪ ،‬واحل�صول‬ ‫(((‬
‫على مواد علمية ت�ؤرخ لهذه الفرتة توجد يف الأرا�شيف واملكتبات ال�سابق ذكرها �أعاله ‪.‬‬
‫مل نف�ص ��ل احلديث عن الوثائق ومو�ض ��وعاتها وما حتتوي عليه من مواد علمية‪ ،‬فهذا ميدان وا�س ��ع يحتاج �إىل مئات ال�صفحات‬ ‫(((‬
‫‪ ،‬و�إمنا اقت�ص ��رنا على احلديث على الأوعية والأماكن الرئي�س ��ية التي يوجد فيها وثائق علمية تخدم تاريخ تهامة وبخا�صة البالد‬
‫املمتدة من احلجاز �إىل جازان ‪ ،‬وتقع مناطق بارق واملجاردة والعر�ضيات واملخواة ‪ .‬وال�شدوان �ضمنها‪ .‬وهذا العر�ض املخت�صر‬
‫قد يفتح الباب لطالب الدرا�سات العليا‪ ،‬وامل�ؤرخني ‪ ،‬والباحثني الذين يجمعون ويدر�سون تاريخ هذه البلدان العربية ال�سعودية ‪.‬‬
‫ر�أيت خالل الأربعني عام ًا املا�ض ��ية كثري ًا من هذه الدرا�س ��ات املن�ش ��ورة وغري املن�شورة وفيها وثائق قيمة عن بلدان‬ ‫(((‬
‫القنفذة‪ ،‬والربك ‪ ،‬وبارق‪ ،‬واملخواة‪ ،‬وحمايل ع�س�ي�ر‪ ،‬ورجال �أملع‪ ،‬والقحمة‪ ،‬ودرب بني �ش ��عبة ‪ ،‬وال�ش ��قيق‪ ،‬وجازان‬
‫وغريها‪ .‬و�أرجو من �أبنائنا الطالب يف �أق�س ��ام التاريخ يف برامج الدرا�س ��ات العلي ��ا وكذلك الباحثني وامل�ؤرخني من‬
‫�أهل تهامة �أن يلتفتوا �إىل هذه النواحي ‪ ،‬فيجمعوا وثائقها وم�صادرها الأولية ويعكفوا على درا�ستها وحتليها ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪522‬‬
‫قل ��ت ‪ :‬تعي� ��ش هذه النواحي نف�س م�ش ��كلة �أهل العر�ض ��يات واملج ��اردة وبارق وغريها‬
‫م ��ن حي ��ث قلة و�أحيان ًا ن ��درة الدرا�س ��ات والبحوث العلمي ��ة ‪ ،‬مع �أن حمافظ ��ة املخواة وما‬
‫حولها �أكرث تطور ًا وتنمية من العر�ض ��يات (‪ ، )1‬ويوجد فيها بع�ض الكليات و�أق�س ��ام للتعليم‬
‫اجلامعي(‪ . )2‬ومما اطلعت عليه بحثان من�ش ��وران حمدودان �سطحيان ‪ .‬الأول‪ :‬مذكرات‬
‫معلم يف ال�س��عودية ‪ ،‬يف قرية حدب بني عا�ص ��م يف املخواة ‪ ،‬لأ�س ��تاذ فل�سطيني ‪ ،‬عمل يف‬
‫التعليم يف تلك الناحية يف عام (‪1385‬هـ) ‪ ،‬ودون �شيئ ًا من م�شاهداته وانطباعاته ‪ ،‬ون�شرت‬
‫ه ��ذه املذكرة يف جملة املعرفة التي ت�ص ��درها وزارة التعليم ‪ ،‬بتاريخ (‪1432/2/6‬هـ) (‪.)3‬‬
‫والدرا�س��ة الثاني��ة بعن��وان ‪�( :‬ش ��دا الأعلى هل ه ��و جبل (ق) ‪ ،‬وهي من�ش ��ورة يف جملة‬
‫الع ��رب ‪ ،‬اجل ��زء (‪� )12 ،11‬س ��نة (‪ ، )49‬اجلماديان (‪1435‬هـ‪2014 /‬م) (‪ ، )4‬للأ�س ��تاذ‬
‫نا�ص ��ر ال�ش ��دوي(‪ . )5‬كما اطلعت على كتيب بعنوان ‪ :‬هذه �سريتي ‪ ،‬للأ�ستاذ علي بن �أحمد‬
‫اليهمطي ‪� ،‬أحد رواد التعليم يف حمافظة قلوة ‪ ،‬و�إن كانت معظم مادة الكتاب عن �س�ي�رته‬
‫الذاتية ‪ ،‬ف�إنه ال يخلو من معلومات ح�ض ��ارية ت�ص ��ب يف خدمة تاريخ وتراث قلوة احلديث‬
‫‪ .‬ومن �أف�ض ��ل ما و�ص ��لني مذكر ة بعنوان ‪ :‬املخواة القدمية ‪ ،‬التاريخ يطل من قمة جبل‬
‫اجل��رف(‪ ، )6‬للأ�س ��تاذ عبد الرحمن بن عل ��ي حمياين ال ُعمري (‪ . )7‬وجل ��ودة هذه املذكرة‬
‫العلمية ف�ض ��لت ن�شرها كما و�ص ��لتني ‪ ،‬فيقول‪( :‬على قمة جبل "اجلرف" تقع قرية املخواة‬
‫القدمي ��ة غرب ��ي املخواة احلا�ض ��رة الآن (‪ ، )8‬م�ش ��رفة عل ��ى واديني عظيمني م ��ن الناحية‬
‫هذا ما �شاهدناه �أثناء �سرينا وجتوالنا يف هذه البلدان ‪ ،‬خالل رحلتنا املدونة يف هذا البحث‪.‬‬ ‫(((‬
‫زرت بع�ض هذه الأق�س ��ام والكليات يف املخواة وقلوة فوجدتها متوا�ض ��عة يف �إمكاناتها ‪ ،‬وال �أحد من �أع�ض ��اء هيئة تدري�سها‬ ‫(((‬
‫عن ��ده الهم ��ة �أو الرغبة يف بحث �أو درا�س ��ة �أي جمال من جماالت احلياة يف هذه الأوطان ‪ ،‬ورمبا تكون امل�ش ��كلة نف�س ��ها يف‬
‫اجلامعة الأم يف الباحة ‪ ،‬التي يجب �أن تدعم وت�شجع �إن�شاء مراكز للبحوث العلمية التي تخدم البالد و�أهلها ‪.‬‬
‫�صورة من هذه الدرا�سة يف مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية‪ ،‬الوثائق العامة (ق‪15‬هـ‪20/‬م) ‪ ،‬ج‪� ،7‬ص ‪12‬ـ‪.17‬‬ ‫(((‬
‫انظر املجلة ‪� ،‬ص ‪859‬ـ ‪ . 875‬وما طرحه الباحث يف هذه الدرا�سة جمرد وجهة نظر‪ ،‬لكنها بعيدة عن احلقيقة والواقع ‪.‬‬ ‫(((‬
‫نا�ص ��ر ال�ش ��دوي من �أبناء جبل �شدا الأ�سفل‪ ،‬وعنده اهتمامات بالنقو�ش والر�سومات ال�صخرية يف هذين اجلبلني ‪،‬‬ ‫(((‬
‫كما �أنه يجتهد يف التعريف بهما على م�ستوى اململكة العربية ال�سعودية وخارجها ‪ .‬وقد زودين مبذكرة غري من�شورة‬
‫يف (‪� )9‬صفحات عنوانها ‪ :‬الن�صو�ص والر�سومات الآثارية يف جبلي �شدا الأ�سفل والأعلى ‪ .‬وهذه الورقات حمفوظة‬
‫يف مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ‪ ،‬الوثائق العامة (ق‪15‬هـ‪20/‬م) ‪ ،‬ج‪� ،7‬ص ‪36‬ـ ‪. 44‬‬
‫�صورة من هذه املذكرة يف مكتبة د‪ .‬غيثان بن جري�س العلمية ‪ ،‬الوثائق العامة (ق‪15‬هـ‪20/‬م) ‪ ،‬ج‪� ،7‬ص‪.11-7‬‬ ‫(((‬
‫عب ��د الرحم ��ن حمياين م ��ن مواليد ع ��ام (‪1384‬هـ‪1964/‬م) ب ��وادي �ض ��يان يف حمافظة املخ ��واة ‪ .‬در�س مراحل‬ ‫(((‬
‫تعليم ��ه الأوىل يف مدينة املخواة ‪،‬وح�ص ��ل على درجة البكالوريو�س يف اللغة العربي ��ة و�آدابها من جامعة الباحة عام‬
‫(‪1429‬هـ‪2008/‬م)‪ ،‬واملاج�س ��تري يف تخ�ص�ص القيادة الرتبوية من جامعة الباحة �أي�ض ًا عام (‪1434‬هـ‪2013/‬م)‪.‬‬
‫ب ��د�أ عمل ��ه يف التعلي ��م يف مدينة جدة ع ��ام (‪1411‬هـ‪1991/‬م) ‪ ،‬ثم انتق ��ل �إىل املخواة ‪ ،‬وعم ��ل يف املكتبة العامة‪،‬‬
‫ثم الإ�ش ��راف الرتبوي‪ ،‬ويعمل الآن مدير ًا لق�س ��م التجهيزات املدر�س ��ية يف �إدارة تعليم املخواة‪� .‬ش ��ارك يف عدد من‬
‫اللقاءات‪ ،‬واالجتماعات‪ ،‬والندوات ‪ ،‬وامل�ؤمترات‪ ،‬املحلية‪ .‬وهو ع�ض ��و يف بع�ض اللجان واملجال�س التعليمية والرتبوية‬
‫والثقافي ��ة‪ ،‬والإداري ��ة‪ ،‬واالجتماعي ��ة ‪ ،‬والدعوية‪ .‬وله م�ش ��اركات يف عدد من ال�ص ��حف واملج�ل�ات العربية املحلية‬
‫والإقليمية ‪ .‬وميتاز الأ�ستاذ عبد الرحمن بح�سن اخللق ‪ ،‬ولطف املع�شر‪ ،‬و�سهولة التعامل ‪.‬‬
‫هذه البلدة مازالت ماثلة للعيان ‪ ،‬وهي مندثرة ‪ ،‬والواجب �صيانتها وترميمها‪ ( ،‬ابن جري�س) ‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪523‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫ال�شرقية وال�شمالية ال�شرقية ‪ ،‬وهما‪ :‬وادي �ضيان ‪ ،‬ووادي را�ش ‪ ،‬يف القطاع التهامي ملنطقة‬
‫الباح ��ة ‪ ،‬بعيدة عن م�س ��اقط ال�س ��يل على خالف املخ ��واة املوجودة حالي ًا الت ��ي ترتبع الآن‬
‫(‪)1‬‬
‫عل ��ى نقط ��ة التقاء الوادي�ي�ن الكبريين مما يجعلها مهددة با�س ��تمرار لل�س ��يول اجلارفة‬
‫‪ .‬وبخا�ص ��ة �أحياء " الردحة" و "ال�س ��وق" ‪ .‬ومتث ��ل قرية املخواة القدمي ��ة تاريخي ًا لأجيال‬
‫م�ض ��ت ومل يبق �إال الآثار ال�ش ��اهدة على حياة عامرة بالن�شاط واحليوية واحلكمة والعناء‪،‬‬
‫فعندم ��ا تدخل تلك القرية ف�إن منازلها ت�ش ��عرك بقوة �أولئك الرجال‪ ،‬و�إحكام �س ��يطرتهم‬
‫على القرية من حيث توزيع البيوت وو�ضع املمرات وجتميل ال�شرفات‪ ،‬بالرغم من تال�صقها‬
‫التام يف �أغلب الأماكن ‪ ،‬مما ي�ؤدي �إىل االختالفات واخل�ص ��ام بني �سكان القرية‪ ،‬وحدوث‬
‫امل�شاكل بكافة �أنواعها‪ ،‬ولكني وجدت جواب ًا �أزاح حريتي حول متكن ال�سكان يف هذه القرية‬
‫العي�ش ب�سالم و�س ��يطرتهم على كل م�شكل يعكر �صفوهم ‪ ،‬ف�أخربين �أحد املهتمني بالرتاث‬
‫�أن القرية كان ي�س ��يطر عليها ع�ش ��رة من الرجال‪ ،‬من �أعيان القبيلة ‪ ،‬وكان لكل واحد دور‬
‫ي�ؤديه بكل �إخال�ص و�أمانة ‪ ،‬بل ال ي�س ��طو �أحد منهم على �ص�ل�احيات الآخر‪ ،‬فكانوا معنيني‬
‫بنظ ��ام القرية‪ ،‬والبت يف الق�ض ��ايا احلادثة �س ��وا ًء فيم ��ا يتعلق بالنظام داخ ��ل القرية ‪� ،‬أو‬
‫بالأحداث اخلارجية فالبد فيها من ر�أي جماعي لأهل القرية(‪� .)2‬أما من ناحية بناء املنازل‬
‫فق ��د وجدت �أن بع� ��ض البيوت مكونة من عدة طوابق‪ ،‬وت�س ��تخدم الدرج احلجري الداخلي‬
‫لالنتق ��ال من طابق �إىل �آخر ‪ ،‬ولها غرف وا�س ��عة ومتعددة يف�ص ��ل بينها جدران حجرية ‪،‬‬
‫وهذا ال يعني ت�س ��اوي كل املنازل من حيث الفخامة واجلودة واالت�ساع ‪ ،‬فطول بع�ض املنازل‬
‫ي�ص ��ل �إىل (‪ )15‬مرت ًا وله غرف وا�س ��عة ‪ ،‬ويف املقابل هناك بع�ض الغرف تقدر م�س ��احتها‬
‫يف ح ��دود (‪3×2‬مرت) (‪� .)3‬أما القرية ب�ش ��كل ع ��ام فتتخذ اجتاه ًا طولي� � ًا على ر�أ�س اجلبل‬
‫من ال�ش ��مال �إىل اجلنوب ‪ ،‬ويقع يف ال�ش ��مال ال�ش ��رقي للقرية م�س ��احة كبرية لي�س فيها �أي‬
‫بناء وتعترب هذه امل�س ��احة مقر ال�س ��وق كما �أخربين بع�ض كبار ال�سن ‪ ،‬وهذا ال�سوق جماور‬
‫للم�سجد الكبري يف القرية ‪ ،‬الذي تقدر م�ساحته بـ (‪18×10‬م) ‪ ،‬وهناك م�سجد �آخر �صغري‬
‫يقع يف اجلهة اجلنوبية ال�ش ��رقية للقرية ‪ ،‬وتقدر م�س ��احته ب� �ـ (‪10×5‬م) ‪ ،‬وهو مطل على‬
‫ال ��وادي م ��ن اجلهة ال�ش ��رقية ‪� ،‬أما املمرات فهناك ممر رئي�س ��ي طويل ميت ��د من اجلنوب‬
‫�إىل ال�ش ��مال‪ ،‬وهو يق�سم القرية �إىل ق�سمني �ش ��رقي وغربي ‪ ،‬لكنه ال يق�سم القرية بامتداد‬

‫((( للمزيد انظر‪ :‬غيثان بن جري�س ‪ .‬القول املكتوب يف تاريخ اجلنوب ‪ ،‬ج‪� ،5‬ص‪183‬ـ‪(185‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( تاريخ القرى القدمية يف بلدان تهامة وال�سراة ‪ ،‬وكيفية �إدارتها والتعاي�ش فيها وما يوجد عنها من اتفاقيات ووثائق‬
‫جديرة بالبحث والدرا�سة يف ع�شرات البحوث العلمية (ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( للمزي ��د ع ��ن تاري ��خ العم ��ارة يف ب�ل�اد تهام ��ة وال�س ��راة ‪ ،‬انظر‪ :‬غيث ��ان بن جري� ��س‪ .‬ع�س�ي�ر‪ :‬درا�س ��ة تاريخية يف‬
‫احلي ��اة االجتماعي ��ة واالقت�ص ��ادية (‪1400-1100‬ه� �ـ‪1980-1688/‬م) ‪( .‬ج ��دة ‪ :‬دار البالد للطباعة والن�ش ��ر ‪،‬‬
‫‪1415‬هـ‪1994/‬م)‪� ،‬ص ‪ .58-37‬للم�ؤلف نف�س ��ه "العمران يف �إقليم ع�س�ي�ر خالل القرون املت�أخرة املا�ضية ( درا�سة‬
‫تاريخية ح�ضارية ) " ‪ .‬جملة املنهل ‪ ،‬عدد (‪. )571‬املجلد (‪ . )61‬العام (‪� )66‬شوال ذي القعدة (‪1421‬هـ‪2001/‬م)‬
‫‪� ،‬ص ‪(. 49-26‬ابن جري�س)‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪524‬‬
‫م�س ��تقيم �إىل �آخر القرية ب�س ��بب تهدم القرية يف الو�س ��ط حيث ي�ض ��طر ال�ش ��خ�ص �إىل �أن‬
‫ي�س ��لك ممر ًا �آخر من اليمني �أو ال�ش ��مال حتى يعرب �إىل �ش ��مال القرية باجتاه مقر ال�سوق ‪،‬‬
‫وهذا املمر عندما يبد�أ من اجلهة اجلنوبية ينتهي عند �ساحة تقدر م�ساحتها بـ(‪8×15‬م)‬
‫‪ ،‬ويت�ض ��ح �أن هذه امل�س ��احة كانت ت�ؤدي دور ًا اجتماعي ًا يف القرية‪ ،‬مثل اجتماع �أهل القرية‬
‫فيها حلل م�شكلة‪� ،‬أو االحتفال مبنا�سبة �سعيدة ‪� .‬أما احلجارة امل�ستخدمة يف البناء فيظهر‬
‫�أنها من اجلبل نف�س ��ه ‪ ،‬وبع�ض هذه احلجارة ي�ص ��ل طولها �إىل مرت ون�صف و�أخرى �صغرية‬
‫ج ��د ًا ‪ ،‬ووج ��دت يف القرية بع�ض املنازل كبرية وم ��ازال بنيانها متما�س ��ك ًا وحجارتها كبرية‬
‫و�شرفاتها مطعمة بحجارة ( املروة ) البي�ضاء رغبة يف التزيني (‪ ، )1‬وهذه املنازل يف اجلهة‬
‫الغربية للقرية ‪ .‬كما وجدت منازل يف اجلهة ال�شمالية بعد موقع ال�سوق ت�شكل خط ًا م�ستقيم ًا‬
‫ومنف�صلة عن القرية مب�سافة ب�سيطة خا�صة يف اجلهة ال�شمالية الغربية ‪ ،‬وب�ضعة منازل يف‬
‫اجلهة ال�شمالية ال�شرقية ‪ .‬والقرية حتتل موقع ًا على ر�أ�س اجلبال بطول (‪ )250‬مرت ًا تقريب ًا‬
‫‪ ،‬و�أك�ب�ر عر�ض للقرية (‪ )70‬مرت ًا ‪ ،‬و�أقل عر�ض يف حدود (‪ )30‬مرت ًا ‪� ،‬أما جبل (اجلرف)‬
‫ال ��ذي ميت ��د مبحاذاة ال ��وادي الذي ترتبع القرية على ر�أ�س ��ه فيبلغ طوله م ��ن مدخل قرية"‬
‫اخلربان" �ش ��ما ًال �إىل مدخ ��ل " املخاوي" جنوب ًا (‪1‬كم) تقريب ًا‪� .‬أم ��ا مقابر القرية فتقع يف‬
‫اجله ��ة اجلنوبية للقرية يف منخف�ض يعترب �س ��هل احلفر مقارن ��ة بر�أ�س اجلبل ‪ ،‬وبع�ض �آثار‬
‫هذه املقابر مازال موجود ًا ‪ ،‬وهناك بنايات �صغرية تبتعد عن املقربة باجتاه ال�شمال وقريبة‬
‫من املنازل اجلنوبية ومرتفعة عن الأر�ض م�س ��تطيلة ال�شكل‪ ،‬وترتفع عن الأر�ض مبقدار مرت‬
‫واحد وم�ساحتها تقدر (‪3×2‬م) وهي يف حدود ت�سعة ‪ .‬وخالل زيارتي للقرية وجدت بع�ض‬
‫الكتابات والتواريخ على جدران بع�ض املنازل منها تاريخ منقو�ش كالتايل‪�18( :‬ص ��فر �س ��نة‬
‫‪1173‬ه� �ـ) ولكن ��ي ال �أ�س ��تطيع اجلزم �أنها كتبت يف ي ��وم بناء القرية �أو بع ��ده ‪� ،‬أو �أنها كتبت‬
‫فيم ��ا بعد عن طريق بع�ض الزائرين للقرية بعدم ��ا تهدمت ‪ ،‬حيث �أن الكتابة على احلجارة‬
‫با�ستخدام احلجارة وعن طريق النقر عليها �أمر �سهل ‪ ،‬ولكن �أحد الزمالء �أخربين �أنه ميلك‬
‫وثيقة تاريخية �أقدم من هذا التاريخ ‪ ،‬ومما يرجح �صحة هذا التاريخ �أنها مكتوبة على حجر‬
‫يف مكان مرتفع جد ًا يف �أحد اجلدران اخلارجية ‪ .‬وال�ش ��يخ عون يحيى �ش ��اكر ال ُعمري �أحد‬
‫كبار ال�سن احلاليني ذكر يل �أن �أهل القرية كانوا يجلبون املاء من بئر عند �أ�سفل اجلبل من‬
‫وحماذ للوادي ا�سمها (بئر عمر) ‪ ،‬وبئر �أخرى تقع يف اجلهة الغربية للجبل‬ ‫ٍ‬ ‫اجلهة ال�شرقية‬
‫‪� ،‬أما امل�ؤن والب�ض ��ائع فكانت ت�أتي بها القوافل من بلدة القنفذة التي تقع على �ش ��اطئ البحر‬
‫الأحمر‪ ،‬حي ��ث �أن البلدتني ( املخواة والقنفذة) حتتالن مكانة تاريخية واقت�ص ��ادية كبرية‬
‫‪ ،‬وهاتان البلدتان مق�ص ��د لكثري من التجار ومورد للب�ض ��ائع جلميع املناطق املحيطة بهما ‪،‬‬
‫و�أي�ض ًا كانت املخواة همزة و�صل بني ال�سراة وال�ساحل ‪ ،‬فكان �أهل ال�سراة يبيعون منتجاتهم‬

‫((( حبذا �أن نرى باحث ًا جاد ًا فيدر�س تاريخ قرى تهامة و�سراة منطقة الباحة ‪ ،‬بل �إن بع�ض القرى يف هذه الناحية ت�ستحق �أن‬
‫ي�صدر عنها �أكرث من درا�سة ‪ .‬هذا ما عرفه الباحث يف هذه الرحلة ‪ ،‬ورحلة �أخرى عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م) (ابن جري�س)‪.‬‬
‫‪525‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫يف املخواة‪ ،‬وي�أخذون منها امل�ؤن الأخرى التي تجُ لب من القنفذة واملناطق الأخرى(‪. )1‬‬
‫ال�ش ��ك �أن اهتم ��ام امل�ص ��ادر التاريخي ��ة بو�ص ��ف مكان م ��ا ميثل كن ��ز ًا ال ي�س ��تهان به‪،‬‬
‫ويعط ��ي دالل ��ة عظيم ��ة للمكان ��ة التاريخي ��ة واالقت�ص ��ادية واالجتماعية لذلك امل ��كان ‪ ،‬وقد‬
‫ع�ث�رت عل ��ى م�ص ��درين ورد فيهما ذك ��ر املخ ��واة يف �إ�ش ��ارات تاريخية خمتلفة ‪ ،‬وبخا�ص ��ة‬
‫عالقته ��ا مبك ��ة املكرمة م ��ن الناحية االقت�ص ��ادية ‪ ،‬و�أي�ض� � ًا تعت�ب�ر حمطة لعب ��ور احلجاج‪،‬‬
‫ف�أح ��د امل�ص ��ادر مل� ��ؤرخ مك ��ي ‪ ،‬والث ��اين لرحال ��ة �أورب ��ي‪ .‬والكت ��اب الأول ‪ :‬منائ��ح الكرم يف‬
‫�أخب��ار مك��ة والبي��ت ووالة احل��رم ‪ ،‬اجل ��زء اخلام�س لعلي ب ��ن تاج الدين ب ��ن تقي الدين‬
‫ال�س ��نجاري (‪1125 -1057‬هـ) درا�س ��ة وحتقيق الدكتورة ملك حممد خياط‪ ،‬الطبعة الأوىل‬
‫( ‪1419‬ه� �ـ‪1998/‬م) من من�ش ��ورات جامعة �أم القرى ‪ ،‬وامل�ؤلف يذكر �أحداث كل �س ��نة على‬
‫حدة ‪ ،‬ففي اجلزء اخلام�س بد�أ من �أحداث �س ��نة (‪1097‬هـ) �إىل �أحداث �س ��نة (‪1124‬هـ)‪،‬‬
‫فلما جاء �إىل ذكر �أحداث �س ��نة (‪1116‬هـ) ففي �ص ��فحة (‪ )337‬قال يف ال�س ��طر الرابع ‪" :‬‬
‫فدخل حممد بن عبد الكرمي املخواة ‪ ،‬ونادى يف بني علي وبني عمرو ‪ ،‬وبني زهران ‪ ،‬وغامد‪،‬‬
‫والأحالف " ثم ا�س ��تمر يف ذكر الأحداث �إىل �ص ��فحة (‪ ، )406‬ثم ذكر ق�صيدة لل�شيخ �أحمد‬
‫بن عالن ال�ص ��ديقي قال‪ " :‬وممن مدحه �أي�ض� � ًا �صاحبنا ال�ش ��يخ �أحمد بن عالن ال�صديقي‬
‫�شاكر دُم ِقبل ًة للمحامد موقي على رغم العدا واحلوا�سد " ثم‬ ‫وهن�أه بق�صيدة ‪ ،‬وهي هذه ‪� :‬أبا ٍ‬
‫ذكر يف البيت العا�ش ��ر‪ " :‬ف�إن ن�س� ��أل املخواة عن حال �أهلها وعما دهاهم يف الديار الأباعد"‬
‫والق�صيدة مكونة من (‪ )49‬بيت ًا‪ ،‬وجند ا�سم املخواة يف ذلك امل�صدر قبل (‪� )315‬سنة"(‪. )2‬‬
‫�أم ��ا الكت ��اب الثاين فهو ‪ :‬رحالت �إىل �ش��به اجلزي��رة العربية ‪ ،‬مل�ؤلف ��ه جون لوي�س‬
‫بوركهارت ترجمة هتاف عبد اهلل ‪ ،‬دار الن�ش ��ر ‪ :‬االنت�ش ��ار العربي ‪ ،‬بريوت ـ لبنان ‪ ،‬الطبعة‬
‫الأوىل (‪2005‬م) ‪ ،‬والكتاب مكون من (‪� )399‬ص ��فحة ‪ ،‬وذكر يف �ص ��فحة (‪ )379‬ما يلي‪:‬‬
‫" يف زمن ال�سلم ‪ ،‬يكرث ارتياد الطريق الأخرى من مكة �إىل اليمن مبحاذاة ال�سفح الغربي‬
‫للجبال الكبرية ‪ ،‬فت�صل القوافل �أ�سبوعي ًا ‪ ،‬خا�صة من املخواة التي تبعد خم�س ع�شرة �ساعة‬
‫ع ��ن دوقة ‪ ،‬ويوم� � ًا واحد ًا عن مقاطعة زهران ‪ ،‬يف اجلبال ‪ .‬واملخواة هي مدينة كبرية تبعد‬
‫عن مكة م�سافة ت�سعة �أيام حني ت�سري القوافل ببطء ‪ ،‬وفيها �أبنية حجرية ‪ ،‬وهي ال�سوق التي‬
‫يبيع فيها جتار زهران واملناطق املجاورة �إنتاج عملهم �إىل جتار خمواة الذين ير�سلونه �إىل‬

‫((( �أ�ش ��كرك يا �أ�س ��تاذ عبدالرحمن على هذا ال�سرد التاريخي ‪ ،‬ون�أمل �أن نرى �أحد الباحثني اجلادين من �أبناء املخواة‬
‫فيدر� ��س ه ��ذه املدينة �أو املحافظة درا�س ��ة علمية يف هيئة كتاب �أو ر�س ��الة علمية‪ .‬كما �أن املدن الواقعة عند �س ��فوح‬
‫ال�س ��روات من الغرب واملمتدة من جبال جازان �إىل قلوة واملخواة ذات تاريخ عريق وت�س ��تحق �أن تدر�س يف ع�ش ��رات‬
‫الكتب والبحوث العلمية ‪ ،‬ون�أمل من جامعات اجلنوب ال�س ��عودي �أن تهتم بهذه البلدات واحلوا�ض ��ر ‪ ،‬فتدر�س ��ها يف‬
‫�أعمال علمية موثقة ‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫((( للمخواة تاريخ قدمي ون�أمل �أن نرى �أحد طالبنا يف ق�س ��م التاريخ ‪ ،‬برنامج الدرا�س ��ات العليا ‪ ،‬بجامعة امللك خالد‬
‫يدر�س التاريخ ال�سيا�س ��ي واحل�ض ��اري لهذه البلدة خالل القرون الثالثة املا�ض ��ية ‪ ،‬وهو مو�ض ��وع جديد وي�س ��تحق‬
‫الدرا�سة ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪526‬‬
‫مكة وجدة ‪ .‬والبالد حول خمواة خ�صبة جد ًا وت�سكنها قبائل بني �سليم وبني �سعيدان وبني‬
‫عل ��ي الثالثة ‪ ،‬وهناك �أي�ض� � ًا يف خم ��واة العديد من قبيلة بني غام ��د ‪� ،‬إن التفاعل بني هذه‬
‫املدينة ومكة كبري جد ًا يف زمن ال�سلم ‪ ،‬ورمبا تتزود مكة من هذا املكان بثلث م�ؤنها من احلبوب‬
‫م ��ن خمتل ��ف الأنواع ‪ .‬وتق ��ع الطريق بني هاتني املدينتني عرب الأودية ب�ش ��كل �أ�سا�س ��ي‪ ،‬وتقطع‬
‫"‬
‫القليل فقط من التالل ‪ .‬كما تقع عليها بع�ض القرى التي ي�سكن يف �أكواخها البدو واملزارعون‬
‫(‪ . )1‬ويج ��در ب ��ي هنا �أن �أكرر الت�ش ��ديد على عدم اخللط بني "خم ��واة وخما" ‪ ،‬وامل�ؤلف يذكر‬
‫املخواة هنا بقوله ( خمواة) و�أي�ض ًا زهران يذكرها ب�ضم الزاى ‪ ،‬وهذا قد يرجع لطبيعته غري‬
‫العربية بالرغم �أنه كان يجيد العربية ودقيق يف الو�ص ��ف ‪ ،‬وحتى بع�ض الأماكن يذكرها هكذا‬
‫( اللي ��ث يذكره ��ا ليث) ‪� ،‬أما القنفذة ذكرت �ص ��حيحة ‪ ،‬فقد يرجع هذا للمرتجم �أو �أن امل�ؤلف‬
‫ذكرها بهذا ال�شكل ‪ ،‬قال امل�ؤلف‪ " :‬والبالد حول خمواة خ�صبة جد ًا وت�سكنها قبائل بني �سليم‬
‫وبني �س ��عيدان وبني علي الثالثة " ولعله يق�ص ��د بـ (بني �س ��عيدان) بني زيدان ‪ ،‬وهم القبائل‬
‫املعروفة احلالية والتابعة لل�شيخ ابن مواال والتي ت�سكن �شمال �شرق املخواة ‪ .‬وملا و�صف الكاتب‬
‫املخواة قال‪� :‬أبنية حجرية وهذا ينطبق متام ًا على املخواة القدمية ‪� .‬أي�ض� � ًا �أ�ش ��ار �إىل خ�صوبة‬
‫الأر�ض حول املخواة ‪ ،‬وهذا م�ش ��اهد وبخا�ص ��ة وادي الأح�سبة وغريه من الأودية ‪ ،‬والأمر املهم‬
‫هو ‪ :‬مكانة املخواة التجارية �سوا ًء للمناطق حولها �أو بالن�سبة ملكة املكرمة‪ ،‬حيث كانت تزودها‬
‫باحلبوب ‪ ،‬واملخواة جممع التجارات �سوا ًء من ال�سراة �أو من القنفذة "(‪. )2‬‬
‫ويل تعلي ��ق ب�س ��يط على هذين املرجع�ي�ن وهو ‪� :‬أنني ال �أوافق امل�ؤلف�ي�ن يف كل ما كتباه‪،‬‬
‫وبخا�ص ��ة الرحال ��ة جون لوي�س بوركهارت الذي له جت ��اوزات ال �أوافق عليها ‪ ،‬وقد عمد �إىل‬
‫الت�ش ��ويه يف كث�ي�ر من املواق ��ع يف كتابه (‪� . )3‬أما كت ��اب منائح الكرم فقد �س ��جل �أحداث ًا يف‬
‫تل ��ك احلقبة بحلوها ومره ��ا وما يهمنا هو �أخذ الفائدة منه وم ��ن الكتاب الآخر بعيد ًا عن‬
‫املالب�س ��ات الواردة يف هذه امل�ص ��ادر ‪ ،‬ورمبا يكون هناك م�ص ��ادر �أقدم مما �أ�ش ��رنا �إليه ‪،‬‬
‫ولك ��ن هذا ما ح�ص ��لت علي ��ه(‪ . )4‬والباب مفت ��وح للجميع للبحث والتق�ص ��ي ‪ ،‬وهذه النقول‬

‫من يطلع على كتب بع�ض الرحالة امل�س ��لمني وغري امل�س ��لمني ‪ ،‬وامل�ص ��ادر احلجازية والوثائق املوجودة يف بع�ض دور‬ ‫(((‬
‫الأر�ش ��يف يف م�ص ��ر وتركيا ف�إنه �سوف يجد مادة علمية جيدة عن بالد املخواة خالل الثالثة قرون املا�ضية ‪ ،‬ون�أمل‬
‫�أن يدر�س هذا املو�ضوع يف هيئة ر�سالة ماج�ستري �أو دكتوراه يف �أحد �أق�سام جامعاتنا ال�سعودية ‪ (.‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫املخواة ‪ ،‬وقلوة ‪ ،‬واملجاردة ‪ ،‬وحمائل ‪ ،‬ورجال �أملع ‪ ،‬والدرب ‪ ،‬وال�شقيق بلدان داخلية يف تهامة ولها تاريخ ‪ ،‬لكنها مل‬ ‫(((‬
‫تخدم من الباحثني يف ال�س ��ابق والالحق ‪ ،‬ون�أمل من �أبناء هذه البالد وبخا�ص ��ة الباحثني و�أرباب القلم �أن يجتهدوا‬
‫يف درا�سة وتدوين تاريخها ال�سيا�سي واحل�ضاري‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫يق�صد احلمياين عموم كتاب هذا الرحالة الأجنبي ‪ ،‬لي�س ما كتب عن املخواة ‪ ،‬ومن يدر�س كتب الرحالة الغربيني‬ ‫(((‬
‫ف�إنه �س ��وف يج ��د فيها بع�ض الأخط ��اء واملغالطات ‪ ،‬لكنها مازالت من امل�ص ��ادر املهمة التي ت�ش ��تمل على معلومات‬
‫تاريخية وح�ضارية ال توجد يف �أي م�صدر �آخر ‪ ،‬وهي مهمة للقراءة واالطالع ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫و�أقول نعم �إن هناك م�صادر حجازية �أخرى �أ�شارت �إىل املخواة ‪ ،‬كما �أن هناك وثائق غري من�شورة يف داخل البالد‬ ‫(((‬
‫وخارجها وفيها ملحات من تاريخ املخواة وما حولها ‪ ،‬ون�أمل �أن نرى يف امل�ستقبل من يدر�س هذه املدينة درا�سة علمية‬
‫موثقة‪ ( .‬ابن جري�س) ‪.‬‬
‫‪527‬‬ ‫الدرا�سة اخلام�سة ع�شرة ‪ :‬رحلتي من بارق ع�سري �إىل املخواة وقلوة (م�شاهدات ‪ ،‬وقراءات ) يف بع�ض الكتب ‪ ،‬والوثائق‪ ،‬والبحوث‬

‫هدفه ��ا بي ��ان مدى املكانة املرموق ��ة التي كانت حتتله ��ا املخواة عرب التاري ��خ بعيد ًا عن �أي‬
‫تف�س�ي�رات �أو ت�أوي�ل�ات �أخ ��رى ‪� ،‬أو �إثب ��ات �أمر �أو نفيه ‪ .‬وهذا ما تي�س ��ر جمع ��ه عن املخواة‬
‫القدمي ��ة (‪ ، )1‬وقد �أعر�ض ��ت عن ذكر �أ�س ��ماء الأ�ش ��خا�ص الذين كانوا يعي�ش ��ون يف القرية‬
‫القدمية ‪ ،‬وكذلك الفخوذ والعوائل التي كانت ت�س ��كن هناك ‪ ،‬حلاجة هذا املو�ض ��وع جلهد‬
‫�أك�ب�ر ‪ .‬وق ��د ال يكون هذا املقام منا�س ��ب ًا لذكرها ‪ .‬ويف اخلتام �أرج ��و �أن تتحول تلك القرية‬
‫الأثرية �إىل مق�صد للزائرين ‪ ،‬وفتح طريق معبد للو�صول �إليها يف ي�سر و�سهولة ‪� ،‬أو حتويلها‬
‫�إىل متحف بكل ما تعنيه هذه الكلمة " (‪. )2‬‬
‫ويف مكتبتنا بع�ض البحوث غري املن�ش��ور ة عن املخواة وما حولها ‪ ،‬وهي من الدرا�س��ات‬
‫املن�ش��ورة يف كت��اب ‪ :‬دلي��ل البح��وث اجلامعي��ة ‪ ،‬ومنه��ا ‪ )1( :‬تهام ��ة بالد زه ��ران ‪ :‬تاريخ‬
‫وح�ض ��ارة (‪1255‬ـ ‪1355‬هـ‪1839/‬ـ‪1934‬م) ‪ ،‬للباحث حممد بن �س ��عيد بن عي�س ��ى امل�ض ��حوي‬
‫الزه ��راين ‪� )87( ،‬ص ��فحة(‪ )2( . )3‬حمافظ ��ة املخواة خالل القرن (‪14‬ه� �ـ‪20/‬م) ‪ ،‬للباحثني‬
‫حممد بن دروي�ش الغ�ش ��ام الغامدي‪ ،‬وحمدي بن عامر بن مو�سى العماري ‪ ،‬وعلي بن حممد بن‬
‫علي الغامدي ‪� )170( ،‬صفحة(‪ )3( . )4‬حمافظة املخواة ‪ :‬درا�سة تاريخية ح�ضارية خمت�صر ة‬
‫لل�ص ��ناعات التقليدية واحلرف اليدوية خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪ ،‬للباحثني ح�سني بن �أحمد‬
‫ب ��ن عب ��د اهلل ال ُعمري ‪ ،‬وخالد بن ح�س�ي�ن بن مط ��ر العمري (‪� )90‬ص ��فحة (‪ )4( . )5‬املخواة ‪:‬‬
‫درا�س ��ة تاريخية خمت�صرة عن الألعاب الريا�ضية وو�سائل الت�سلية خالل القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪،‬‬
‫للباحثني ها�شم بن حممد بن ح�سن النا�شري ‪ ،‬وعبدالرحيم بن علي بن �أحمد حمياين ال ُعمري‬
‫‪ ،‬وخالد بن ح�سن بن عبد الرحمن ال�شريف ‪ ،‬و�أحمد بن علي بن �أحمد املرحبي(‪ )5( . )6‬منطقة‬
‫الباحة (بالد بني ُعمر وغامد وزهران ) تاريخ وح�ض ��ارة خالل القرنني (‪13‬ـ‪14‬هـ‪19/‬ـ‪20‬م) ‪،‬‬
‫للباحث عبداهلل بن علي بن �سامل ‪� )285( ،‬صفحة (‪. )7‬‬

‫ن�ش ��كرك يا عبد الرحمن على هذه النبذة ‪ ،‬وقد ي�أتي يف امل�س ��تقبل من يتخذ مما كتبته دلي ًال لدرا�سة �أ�شمل و�أو�سع‬ ‫(((‬
‫عن حمافظة املخواة ‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫املث ��ل ال�ش ��عبي يق ��ول " اليبني الأر� ��ض �إال حجارتها " ‪ ،‬و�أقول �أن ما فعلت يا عبد الرحمن من جميل ال�ص ��نع لأهلك‬ ‫(((‬
‫وبالدك‪ ،‬ون�أمل �أن تتو�س ��ع يف �إجناز درا�س ��ات ت�ص ��ب يف خدمة حمافظة املخواة ‪ ،‬كما �آمل �أن نرى �أمثالك يجمعون‬
‫تاريخ وموروث بالدهم وم�س ��اقط ر�ؤو�س ��هم ‪ ،‬ولو فعلنا جميع ًا ذلك ف�إننا بدون �ش ��ك �س ��وف ن�ساهم يف حفظ بع�ض‬
‫ال�شيء من تراث �آبائنا و�أجدادنا‪ ( .‬ابن جري�س ) ‪.‬‬
‫انظر حممد بن معبرِّ ‪ ،‬دليل البحوث اجلامعية ‪� ،‬ص ‪. 198‬‬ ‫(((‬
‫املرجع نف�سه ‪� ،‬ص ‪. 389‬‬ ‫(((‬
‫املرجع نف�سه ‪� ،‬ص ‪. 390‬‬ ‫(((‬
‫املرجع نف�سه ‪� ،‬ص‪. 400‬‬ ‫(((‬
‫املرجع نف�سه ‪� ،‬ص ‪. 439‬‬ ‫(((‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪528‬‬
‫رابع ًا‪ :‬نتائج وخال�صات‪:‬‬
‫ات�ضح يل عن هذه البالد التهامية عدة �أمور ‪� ،‬أذكرها يف النقاط الآتية‪:‬‬
‫‪�1 .1‬سكانها الأ�صليون عرب مينيون يعودون يف �أ�صولهم �إىل قبائل الأزد الي�شجبية اليعربية‬
‫القحطانية ‪ .‬كما �أنهم و�إخوانهم رجال احلجر وغامد وزهران من جد واحد ‪ ،‬ومازالت‬
‫روابطهم الن�سبية �سارية حتى وقتنا احلا�ضر‪.‬‬
‫‪2 .2‬ت�ش ��ابه احلياة االجتماعية واالقت�ص ��ادية والتعليمية والفكرية بني �سكان هذه الأوطان‬
‫التهامية ‪ ،‬مع �أن ن�سبة التطور تتفاوت من ناحية �إىل �أخرى ‪.‬‬
‫‪3 .3‬عم ��وم هذه الب�ل�اد فقرية يف جماالت البحوث والدرا�س ��ات العلمي ��ة ‪ ،‬والتاريخ والآثار‬
‫واحل�ض ��ارة من املو�ض ��وعات التي مل ُتخدم ‪ ،‬مع �أنها مليئة باملوروث احل�ض ��اري الذي‬
‫ي�ستحق جمعه وبحثه وحتليله ‪.‬‬
‫‪4 .4‬على �أرباب القلم يف هذه الأجزاء ‪ ،‬وعلى اجلامعات والكليات والأق�سام العلمية يف جامعات‬
‫املل ��ك عب ��د العزيز ‪ ،‬و�أم القرى ‪ ،‬وامللك خالد ‪ ،‬والباحة ‪ ،‬وجازان م�س� ��ؤوليات كبرية جتاه‬
‫جمي ��ع املناط ��ق التهامي ��ة املمتدة من مكة املكرم ��ة �إىل مدن جازان ‪ ،‬و�أب ��و عري�ش ‪ ،‬و�أحد‬
‫امل�س ��ارحة ‪ ،‬و�س ��امطة ‪ ،‬فالواجب درا�سة تاريخها وتراثها احل�ض ��اري ‪ .‬كما �أن على �صناع‬
‫القرار يف هذه البالد ‪ ،‬وعلى �أ�صحاب ر�ؤو�س الأموال �أن يبذلوا ق�صارى جهودهم خلدمة‬
‫�أر�ض ��هم و�سكانها ‪ ،‬وهذه من امل�س�ؤوليات الواجبة على هذه الفئات التي ت�ستطيع امل�ساهمة‬
‫يف بناء هذه الديار وتقدمها ‪.‬‬
‫‪5 .5‬من خالل جوالتي يف هذه الرحلة ‪ ،‬و�أي�ض� � ًا رحالت �س ��ابقة يف منطقة القنفذة ‪ ،‬وجازان‪،‬‬
‫و�أج ��زاء م ��ن تهامة غامد وزهران وع�س�ي�ر ت�أك ��د يل �أن هذه البالد حتت ��وي على الكثري‬
‫م ��ن الق�ص ���ص والرواي ��ات ال�ش ��فاهية ‪ ،‬وبع� ��ض املخطوط ��ات والوثائق واملدون ��ات التي‬
‫متتلكه ��ا بع� ��ض الأ�س ��ر والبيوتات العلمي ��ة ‪ ،‬كما يوجد على �أر�ض ��ها الكثري من امل�ص ��ادر‬
‫املادية متمثلة يف النقو�ش ‪ ،‬والآثار ‪ ،‬والر�س ��ومات ال�ص ��خرية ‪ ،‬وكذلك القرى واحل�صون‬
‫والأ�سواق والطرق القدمية ‪ .‬وكل هذه املوارد العلمية جديرة باجلمع واحلفظ ثم الدرا�سة‬
‫والتحلي ��ل‪ ،‬ولإجن ��از هذه املهمة البد من ت�ض ��افر جه ��ود اجلميع ‪� ،‬أهل البالد �أنف�س ��هم ‪،‬‬
‫وجمي ��ع الإدارات الر�س ��مية والأهلية يف هذه النواح ��ي ‪� ،‬أو يف �أي ناحية �أخرى يف املناطق‬
‫اجلنوبية ‪� ،‬أو حوا�ضر اململكة العربية ال�سعودية الرئي�سية ‪.‬‬
‫‪529‬‬ ‫الدرا�سة الأوىل ‪�:‬صفحات من تاريخ الباحة ( غامد وزهران ) ال�سيا�سي واحل�ضاري عرب ع�صور التاريخ الإ�سالمي (ق‪1‬هـ ‪ -‬ق ‪15‬هـ)‬

‫ثـالـثـاً‬

‫الـخـات ـمــة‬
‫ال ـن ـتــائج وال ـتــو�ص ـيــات‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪530‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬اخلامتة ‪ :‬النتائج والتو�صيات‬
‫مت ن�شر (‪ )14‬درا�سة يف مو�ضوعات تاريخية ي�شوبها بع�ض النق�ص ‪ ,‬لكنها فتحت �أبواب‬
‫للباحثني وامل�ؤرخني الذين يرغبون التخ�ص ���ص يف درا�س ��ة تاريخ وح�ض ��ارة �أوطان زهران‬
‫وغام ��د وم ��ا حولها من البلدان منذ الع�ص ��ور التاريخية القدمية لإىل الع�ص ��ر الإ�س�ل�امي‬
‫البك ��ر ‪ ,‬والو�س ��يط ‪ ,‬واحلديث واملعا�ص ��ر ‪ .‬والقارئ يف تاريخ وتراث ه ��ذه يف تاريخ وتراث‬
‫هذه الأجزاء التهامية وال�س ��روية ( منطقة الباحة ) ف�إنه يجد لها ذكر ًا قلي ًال يف امل�ص ��ادر‬
‫التاريخية املبكرة ‪ ,‬كما يجد الكثري من وثائق الع�ص ��ر احلديث واملعا�ص ��ر التي احتوت على‬
‫�صور من تاريخ هذه البالد ‪ ,‬وهناك �أي�ض ًا بع�ض الكتب والدرا�سات احلديثة املحدودة التي‬
‫ا�ش ��تملت على بع�ض اجلزئيات التاريخية واحل�ض ��ارية عن بالد و�سكان منطقة الباحة (‪.)1‬‬
‫ومن خالل هذه الدرا�سات املن�شورة يف هذا املجلد ‪ ,‬خرجنا ببع�ض النتائج والتو�صيات التي‬
‫ندرجها يف النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬بالد الباحة (غامد وزهران) من الأوطان التهامية وال�س ��روية التي مل تنل حظ ًا كبري ًا‬
‫م ��ن البحوث التاريخية واحل�ض ��ارية اجليدة والر�ص ��ينة ‪ .‬نعم هن ��اك كتب ‪ ,‬وبحوث‪,‬‬
‫ور�سائل علمية �صدرت عن هذه الأوطان خالل العقود اخلم�سة املا�ضية ‪ ,‬لكنها جميعها‬
‫الت�صل �إىل مرتبة الكمال وال�شمولية يف ما احتوت عليه ‪ ,‬بل بع�ضها حمدود يف الزمان‬
‫واملكان ملا تعر�ضت له ‪.‬‬
‫‪�2 .2‬س ��معت �أثناء جتوايل يف منطقة الباحة ب�أن هناك �أفراد ًا ‪ ,‬و�أ�سر ًا وبيوتات علم قدمية‬
‫يقتنون بع�ض املخطوطات والوثائق التاريخية التي لها �صلة بتاريخ وح�ضارة بالد غامد‬
‫وزهران خالل الع�ص ��ر الإ�سالمي الو�س ��يط واحلديث ‪ ,‬وقد التقيت ببع�ض تلك الأ�سر‬
‫‪� ,‬أو الأف ��راد ‪ ,‬لكنهم مل يطلعوننا على �ش ��يء مما �س ��معنا عنده ��م ‪ ,‬و�إذا كان ما يقال‬
‫عنهم �صحيح فهم على خط�أ لأنهم يحجبون علوم ومعارف تخ�ص الأر�ض وال�سكان يف‬
‫منطق ��ة الباح ��ة ‪ ,‬وعليهم �أن يتقوا اهلل ويخرجونها للنا�س حتى يطلعوا على �ش ��يء من‬
‫تاريخ �آبائهم و�أجدادهم (‪.)2‬‬
‫‪3 .3‬نلم�س الق�ص ��ور الكبري عن ��د م�ؤرخي منطقة الباحة الذي ��ن ال يعملون بروح اجلماعة ‪,‬‬
‫والنظر �إىل تاريخ بالدهم ب�ش ��كل كلي و�ش ��مويل ‪ .‬فهم يدر�س ��ون مو�ض ��وعات حمدودة‬

‫((( من يزور بع�ض املكتبات اجلامعية املركزية �أو يطالع حمتويات بع�ض املكتبات الأهلية اخلا�صة عن بع�ض الغامديني‬
‫والزهرانيني ف�إنه �سوف يجد �أ�سماء الكثري من امل�صادر واملراجع والدرا�سات التي �أ�شارت �إىل تاريخ وح�ضارة بالد‬
‫غامد وزهران �إىل وقتنا احلا�ضر ‪.‬‬
‫((( من خالل جتوايل يف عموم بالد تهامة وال�س ��راة خالل العقود الأربعة املا�ض ��ية ‪ ,‬وجدت هناك بيوتات علم قدمية ‪,‬‬
‫وقد جاء ورثتهم فحجبوا ما ورثوه من تلك البيوتات ‪ ,‬ومع مرور الزمن �ض ��اع الرتاث التاريخي واحل�ض ��اري والذي‬
‫خلفه �آبائهم و�أجدادهم ‪ ,‬وهذه م�ش ��كلة نعاين منها نحن معا�ش ��ر الباحثني ‪ ,‬ون�أمل �أن ينت�ش ��ر الوعي عندنا جميع ًا ‪,‬‬
‫ونعمل على حفظ وتوثيق التاريخ املادي واملعنوي لأجيالنا ال�سابقة ‪.‬‬
‫‪531‬‬ ‫اخلامتة ‪ :‬النتائج والتو�صيات‬

‫تخ�ص قرية ‪� ,‬أو ع�شرية ‪� ,‬أو ناحية �صغرية يف بالد غامد ‪� ,‬أو زهران ‪� ,‬أو بني عمر‪ ,‬وقد‬
‫حتدثت م ��ع بع�ض امل�ؤرخني يف هذه النقطة فنجدهم يدافعون عن �أنف�س ��هم ‪ ,‬ويدعون‬
‫�أن م ��ا كتبوا عنه ميثل تاريخ منطقة الباحة وا�س ��عة الأرجاء ‪ ,‬ول ��كل ناحية منها تاريخ‬
‫وح�ض ��ارة والواجب �أن ن�ؤرخ للمنطقة ب�ش ��كل عام حتى ن�ؤ�س ���س قاعدة �صلبة لدرا�سات‬
‫جزئي ��ة عل ��ى ناحي ��ة ‪� ,‬أو مو�ض ��ع ‪ ,‬او علم ‪� ,‬أو حادث ��ة تاريخية وقع ��ت يف زمان ومكان‬
‫حمددين (‪.)1‬‬
‫‪4 .4‬تتحمل جامعة الباحة امل�س�ؤولية الكربى يف خدمة البحث التاريخي واحل�ضاري ملنطقة‬
‫الباحة ‪ ,‬وعليها �أن تن�شئ �أق�سام ًا ومراكز ًا بحثية تتوىل هذه املهمة‪ ,‬كما يجب عليها �أن‬
‫جتلب باحثني جيدين ‪ ,‬ثم توجههم وتدعمهم لدرا�س ��ة تاريخ و�آثار وموروث وح�ض ��ارة‬
‫املنطق ��ة ‪ ,‬كما �أن الباحثني ‪ ,‬والأعيان و والوجهاء و�إمارة منطقة الباحة عليهم �أي�ض� � ًا‬
‫م�س�ؤولية خدمة تاريخهم ‪ ,‬وتراثهم ‪ ,‬فيبذلون ق�صارى جهودهم حلفظه وتوثيقه (‪.)2‬‬
‫وهناك بع�ض التو�ص��يات التي نراها �إيجابية ‪ ,‬وت�ص��ب يف خدمة تاريخ‬
‫وتراث وح�ضارة منطقة الباحة ‪ ,‬ونذكر �أهمها يف النقاط الآتية ‪:‬‬
‫‪1 .1‬منطقة الباحة م�أهولة باال�س ��تيطان الب�ش ��ري منذ �آالف ال�س ��نوات ‪ ,‬وعرب ع�صور التاريخ‬
‫القدمي والإ�س�ل�امي ‪ .‬وهذا التعاي�ش ال�سكاين خلف �آثار ًا �سطحية ومدفونة‪ ,‬والواجب على‬
‫الهيئة العليا لل�سياحة والآثار ‪ ,‬و�أي�ض ًا كليات الآثار يف اململكة العربية ال�سعودية �أن جتمع ثم‬
‫تدر�س هذه امل�ص ��ادر املهمة ‪ ,‬التي رمبا تطلعنا على تاريخ وح�ض ��ارة ال جندها يف امل�صادر‬
‫التاريخي ��ة التقليدي ��ة يجب �أن ُتدر�س منطقة الباحة (غامد وزهران) تاريخي ًا وح�ض ��اري ًا‬
‫خالل ع�ص ��ور الإ�س�ل�ام املختلفة ‪ ,‬منذ فجر الإ�سالم �إىل ع�ص ��رنا احلا�ضر ‪ ,‬ولن يتحقق‬
‫ذلك �إال بدعم وت�ش ��جيع ومتابعة اجلامعات وامل�ؤ�س�سات الأكادميية يف بالدنا ‪ ,‬كما �أن على‬
‫الإمارة وجميع املحافظات يف منطقة الباحة �أن ت�س ��هم يف حتقيق هذا النداء والتو�ص ��ية‪,‬‬
‫و�إن فعل ��ت ذل ��ك ف�إنها �س ��وف حتافظ على �ش ��يء من املوروث احل�ض ��اري له ��ذه الأوطان‬
‫ال�سروية والتهامية (‪.)3‬‬

‫((( وجدت هذه امل�ش ��كلة ‪ ,‬وهذا الإدعاء يف مدن ‪ ,‬وحوا�ض ��ر ‪ ,‬ومناطق عديدة من �ش ��بة اجلزيرة العربية وبخا�ص ��ة يف‬
‫اجلنوب ال�س ��عودي ‪ ,‬ويجب على الباحث �أن يتجرد من العن�ص ��رية والتع�ص ��ب لناحية �أو حادثة دون �أخرى ‪ .‬وجميع‬
‫مناطق وبلدان تهامة وال�س ��راة ما زالت بكر يف ميادين البحوث العلمية والر�ص ��ينة ‪ ,‬ون�أمل �أن نرى باحثني حادبني‬
‫من�صفني يتولون القيام بدرا�سة هذه الأوطان ‪.‬‬
‫((( �أ�صبحت جميع طبقات املجتمع اليوم م�شغولة باحلياة املادية اله�شة ‪ ,‬وهناك قلة قليلة مازالوا حري�صني على حفظ‬
‫التاريخ واملوروث احل�ض ��اري ‪ ,‬والذي نتطلع �إليه �أن تقوم امل�ؤ�س�س ��ات العلمية والإدارية ‪ ,‬و�صناع القرار يف املجتمعات‬
‫بالتخطيط والت�شجيع والدعم جلميع ميادين البحوث العلمية الهادفة واملوثقة والر�صينة ‪.‬‬
‫((( دائم� � ًا اك ��رر ندائي وتو�ص ��ياتي باالجتهاد واحلفاظ عل ��ى الرتاث واملوروث احل�ض ��اري ‪ ,‬وذلك ملا �س ��معته وعرفته‬
‫و�ش ��اهدته و�أنا �أجتول ف مناطق ال�س ��روات وتهامة منذ ت�س ��عينيات القرن (‪14‬هـ‪20/‬م) ‪ ,‬وما حل من دمار و�ضياع‬
‫وخراب بالكثري من املواد التاريخية املعنوية واملادية يف عموم البلدان العربية اجلنوبية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪532‬‬
‫‪2 .2‬يوجد عند معظم �س ��كان غامد وزهران وثائق وحجج و�أوراق تاريخية تعك�س �صور ًا من‬
‫تاري ��خ حياة النا�س العامة واخلا�ص ��ة ‪ .‬وهذه امل�ص ��ادر جديرة باجلم ��ع واحلفظ ‪ ,‬ثم‬
‫الدرا�سة والتحليل �إذا �أمكن ‪ .‬ولن ي�ستطيع فرد ًا �أو �أفراد قالئل �أن يقوم بذلك ‪ ,‬و�إمنا‬
‫هي م�س�ؤولية م�ؤ�س�سات علمية بحثية �أكادميية ‪ ,‬ون�أمل �أن نرى �شيئ ًا من هذه امل�ؤ�س�سات‬
‫املرجوة واملقرتحة (‪.)1‬‬
‫‪�3 .3‬إن التاري ��خ ال�ش ��فهي م ��ن الأخب ��ار ‪ ,‬والروايات والق�ص ���ص ‪ ,‬والأ�ش ��عار ‪ ,‬والأهازيج ‪,‬‬
‫والأحاجي ‪ ,‬واحلكم ‪ ,‬واملفردات واللهجات واال�صطالحات اللغوية وغريها من املعارف‬
‫تعد من امل�ص ��ادر التاريخية واحل�ضارية املهمة ‪ ,‬وهذا امليدان ال ينظر �إليه ومل ي�ستفاد‬
‫منه ‪ ,‬ويجب على الباحثني ‪ ,‬والأق�سام العلمية والأكادميية ‪ ,‬وكذلك مراكز البحوث �أن‬
‫توليه اهتمام ًا كبري ًا ‪ ,‬وي�سخر يف خدمة البحث العلمي (‪.)2‬‬
‫‪4 .4‬متر منطقة الباحة يف تطور وتنمية ح�ض ��ارية حديثة منذ خم�سني عام ًا ‪ ,‬وهذه التنمية‬
‫�أثرت �إيجاب ًا و�س ��لب ًا على الأر�ض وال�سكان ‪ ,‬والواجب على الأق�سام العلمية املتخ�ص�صة‬
‫يف جامع ��ة الباحة وغريها من اجلامعات ال�س ��عودية ‪ ,‬وكذلك الباحثني من امل�ؤرخني ‪,‬‬
‫و�أ�ساتذة علوم االجتماع ‪ ,‬واالقت�صاد ‪ ,‬واجلغرافيا ‪ ,‬والرتبية ‪ ,‬وعلم النف�س ‪ ,‬والإدارة‬
‫‪ ,‬وال�س ��ياحة ‪ ,‬والتخطيط وغريهم �أن يبذلوا ق�ص ��ارى جهودهم يف درا�سة هذا املجال‬
‫الكبري واحليوي ثم يخرجون بالنتائج والتو�صيات التي تخدم الدين ‪ ,‬والدولة ‪ ,‬والبالد‬
‫والعباد (‪.)3‬‬

‫((( بد�أت �أجمع بع�ض الوثائق احلديثة يف مناطق تهامة وال�س ��راة ‪ ,‬وت�أكد يل �أن هناك �آالف الوثائق املحلية عند عموم‬
‫�سكان هذه البالد ‪ ,‬ومعظمهم ال يحبذون اطالع �أحد عليها ‪ ,‬لكن بالتوعية والتثقيف �سوف يعرف مالك هذه الوثائق‬
‫�أنها تعك�س �ش ��يئ ًا من تاريخ بالدهم ‪ ,‬و�إعطاء �صور ًا منها و�سوف ت�ؤدي الغر�ض املن�شود ‪ ,‬ابتداء من اجلمع واحلفظ‬
‫حتى الدرا�سة والطباعة والن�شر ‪.‬‬
‫((( يوجد كم هائل من هذا املوروث عند �سكان تهامة وال�سراة ‪ ,‬وللأ�سف �أن يف هذه البلد حوايل �ستة جامعات حكومية‬
‫‪ ,‬لكننا ال نرى لها �أي جهود تذكر يف اال�س ��تفادة من هذا امليدان التاريخي واحل�ض ��اري ‪ .‬وقد �أ�ش ��رت �إىل هذا الباب‬
‫يف عدد من حما�ضراتي ولقاءاتي العامة واخلا�صة يف بع�ض الكليات واجلامعات ال�سعودية اجلنوبية ‪ ,‬خال الع�شرين‬
‫عام ًا املا�ضية ‪.‬‬
‫((( توجد هذه امل�ش ��كلة يف جميع �أنحاء اململكة العربية ال�س ��عودية ‪ ,‬واجلامعات وامل�ؤ�س�سات العلمية والأكادميية ال تقوم‬
‫بواجبه ��ا كما ينبغي يف هذا امليدان ‪ ,‬والواجب على �ص ��ناع القرار وامل�س ��ئولني يف اجلامعات وغريها �أن ي�ست�ش ��عروا‬
‫�أهمية هذا املو�ضوع ‪ ,‬وما يجب عليهم فعله جتاه هذا امليدان املهم والوا�سع ‪.‬‬
‫‪533‬‬ ‫�سرية ذاتية خمت�صرة‬

‫سيرة ذاتية مختصره‬


‫�أوال ‪ :‬معلومات عامة‬
‫غيثان بن عيل بن عبدالله بن‬ ‫اال�سم ‪:‬‬
‫جــريس الجـبـريي الشـهــري‬

‫•مــن مواليــد حمافظـة النمـا�ص بـالد بـنــي �شهــر عـام (‪1379‬هـ ‪1959 /‬م)‪.‬‬
‫•تلق���ى تعليمه االبتدائي واملتو�س���ط والثان���وي يف حمافظة النما�ص وتخرج يف‬
‫الثانوية عام (‪1396‬هـ ‪1976 /‬م)‪.‬‬
‫•تلقى تعليمه اجلامعي يف مدينة �أبها بفرع جامعة امللك �س���عود ‪ ,‬ق�س���م التاريخ ‪,‬‬
‫وتخرج مبرتبة ال�شرف الأويل يف عام (‪1400‬هـ ‪1980 /‬م)‪.‬‬
‫•ذه ـ����ب �إل ـ����ى الوالي ــات املتحـ ـ����دة الأمريكي ــة ودر�����س درجــة املاج�س����تري فــي جامع ــة‬
‫�أو�س��ت�ن تكـ�س����ــا�س (‪ ,)Austin Texas‬ثم �أنتقل �إل ــى جـ ــام ـع ــة �إنديانا فــي مدينة‬
‫بلومينجتون (‪ )University of Indiana‬وتخرج فيها عام (‪1405‬هـ ‪1985/‬م) ‪.‬‬
‫•ذه���ب �إىل بريطانيا وح�ص���ل على درج���ة الدكتوراه يف التاريخ الإ�س�ل�امي عام‬
‫(‪1409‬هـ ‪1410 -‬هـ‪1990- 1989 /‬م)‬
‫•ع���اد �إىل جامعت���ه يف �أبها وعمل يف العديد من الأعم���ال الإدارية والأكادميية‬
‫بالإ�ضافة �إىل رئا�سة الق�سم حوايل ثالثة ع�شر عاماً‪.‬‬
‫•ح�صل على درجة اال�ستاذية يف نهاية عام (‪1417‬هـ ‪1996 /‬م) ‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬ع�ضوية املجال�س وامل�ؤ�س�سات املحلية والعربية والعاملية ‪:‬‬
‫•رئي����س حتري���ر جملة بيادر ال�ص���ادرة من نادي �أبه���ا الأدبي يف الفرتة من‬
‫عام (‪1415‬هـ ‪1419 -‬هـ ‪1995 /‬م ‪1999 -‬م) ‪.‬‬
‫•ع�ضو اجلمعية امل�صرية للدرا�سات التاريخية ‪.‬‬
‫•ع�ضو احتاد امل�ؤرخني العرب بالقاهرة ‪.‬‬
‫•ع�ضو اجلمعية ال�سعودية التاريخية ‪.‬‬
‫(درا�سات ‪ ،‬و�إ�ضافات ‪ ،‬وتعليقات ) (الجزء األول)‬ ‫كتاب‪ :‬مـنطـقـة الـبـاحـة‬ ‫‪534‬‬

‫تابع سيرة ذاتية مختصره‬


‫•ع�ضو جمعية التاريخ والآثار بدول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربي‪.‬‬
‫•�أول م�شرف لكر�سي امللك خالد للبحوث العلمية بجامعة امللك خالد‪.‬‬
‫ثالث�� ًا ‪ :‬املحا�ض��رات العام��ة‪ ,‬وامل�ؤمت��رات‪ ,‬والن��دوات‪ ,‬واحل��وارات املحلي��ة‬
‫والإقليمية والعاملية ‪ ,‬بالإ�ضافة �إىل ح�صوله على بع�ض اجلوائز والتكرمي‪:‬‬
‫•قدم حوايل ت�س���عني حما�ض���رة عامة ‪ ,‬و�شارك وقدم �أوراقاً علمية يف �أكرث‬
‫من (‪ )90‬ندوة ‪� ,‬أو م�ؤمتر ‪� ,‬أو لقاء علمي ‪.‬‬
‫•ح�ص���ل على جائزة عبد احلميد �ش���ومان على م�س���توى العامل العربي‪ ،‬يف‬
‫العلوم الإن�سانية عام (‪1417‬هـ ‪1996 /‬م) ‪.‬‬
‫•مت تكرمي���ه م���ن قبل نادي �أبها الأدب���ي يف (‪1418/2/5‬هـ ‪1997 /‬م) وذلك‬
‫مبنا�سبة ح�صوله على درجة الأ�ستاذية بتميز ‪.‬‬
‫•مت تكرميه يف عدد من امللتقيات مثل ملتقى بني �ش���هر الأول يف الريا�ض‬
‫عام (‪1433‬هـ‪2012/‬م)‪ ،‬وملتقى زهران العا�شر عام (‪1435‬هـ‪2014/‬م)‪.‬‬
‫•مت تكرمي���ه �ض���من �ش���وامخ امل�ؤرخ�ي�ن الع���رب يف م�ؤمت���ر احت���اد امل�ؤرخني‬
‫الع���رب بالقاه���رة ع���ام (‪ 2013‬م)‪ ،‬وتاريخ ه���ذا التكرمي كان ي���وم الأربعاء‬
‫(‪/2‬حمرم‪ 1435/‬هـ املوافق ‪/6‬نوفمرب‪ 2013/‬م) ‪.‬‬
‫•مت تكرمي����ه م����ن قب����ل وزارة الثقافة واالعالم ال�س����عودي يف معر�ض الكتاب‬
‫ال����دويل الثام����ن بالريا�����ض ع����ام (‪1435‬ه����ـ‪2014/‬م)‪ .‬وفاز كتاب����ه ‪ :‬الوجود‬
‫اال�سالمي يف ارخبيل املاليو بجائزة الوزارة يف ذلك العام (‪ 1435‬هـ)‬
‫رابع ًا‪ :‬النتاج العلمي ‪:‬‬
‫‪1 .1‬مت ت�أليف وطباعة ون�شر �أكرث من (‪ )42‬كتاباً ‪.‬‬
‫‪2 .2‬قام بتـحقيق ومراجعة وتقدمي العديد من الكتب واملجالت ‪.‬‬
‫‪3 .3‬ن�شر حوايل (‪ )95‬بحثاً علمياً يف جمالت وكتب علمية ‪ ,‬معظمها‬
‫باللغة العربية وبع�ضها باللغة االجنليزية ‪.‬‬
Al-Bahah Region
Studies, Additions and
Comments
(1st-15th H./ 7th-21st G.)

Vol. 1

Prof. Ghithan bin Ali bin Jrais


Professor of History - King Khalid University
Abha - Saudi Arabia’s

(1440 H. - 2019 G.)

You might also like