You are on page 1of 28

‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬

‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬


‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫فلسفة الاقتصاد‪ :‬علم الاقتصاد علم إنساني‬
‫‪Philosophy of economics: Economics is a human science‬‬
‫جامعة محمد ملين دباغين سطيف ‪ 2‬الجزائر‬ ‫فلسفة‬ ‫*‬
‫العمري حربوش ‪Lamri Harbouche‬‬
‫‪Philatou19@yahoo.fr‬‬
‫‪DOI : 10.46315/1714-011-003-012‬‬
‫اإلرسال‪ 2021 /01 /05 :‬القبول‪ 2022 /04 /04 :‬النشر‪2022 /04 /16 :‬‬

‫ملخص‪( :‬عربية)‬
‫إن الغاية األساسية من االقتصاد‪ ،‬مثلما يقال‪ ،‬هي تعليم الجياع كيفية الحصول على الغذاء‪ ،‬وقد نجح في تحقيق هذه الغاية‬
‫ّ‬
‫في بعض املجتمعات‪ ،‬إال أنه وبالرغم من ذلك يبقى النقاش اإلبستمولوجي حول قضاياه متواصل نتيجة ما لهذا العلم من‬
‫إخفاقات أثارت تساؤالت علمية‪ ،‬وأخرى فلسفية تبعث على إعادة النظر فيه كنوع من التفكير‪ ،‬وكعلم قابل للتطوير‪،‬‬
‫وكممارسة متعددة األبعاد‪ ،‬سياسية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬واخالقية‪ .‬يحاول املقال‪ ،‬انطالقا من مبحث فلسفة العلوم‪ ،‬تحليل الواقع‬
‫االقتصادي املبني أساسا على العالقات بين األفراد‪ ،‬وبيان طبيعة هذه العالقات‪ ،‬كما يهدف إلى توضيح صورة القوانين‬
‫االقتصادية‪ ،‬ويحاول الكشف عن الطبيعة الحقيقية لهذا العلم‪ .‬ومن خالل فلسفة االقتصاد‪ ،‬يوضح املقال الطبيعة‬
‫األخالقية القيمية للمشكل االقتصادي‪ ،‬التي تجعل منه علما من نوع خاص‪.‬‬
‫كلمات مفتاحية‪ :‬علم االقتصاد؛ فلسفة االقتصاد؛ االقتصاد السياس ي؛ املشكل االقتصادي؛ االقتصاد‬
‫التجريبي‪.‬‬
‫)‪Abstract: (English‬‬
‫‪The main purpose of economics is to teach the hungry how to get food, and it has succeeded to achieve this goal in some‬‬
‫‪societies. However, because of the failures of this science, it has raised scientific questions, and other philosophical ones‬‬
‫‪which lead to reconsider it as a kind of thought and as a science which can be developed, as a multidimensional, political,‬‬
‫‪social and ethical practice. Based on the Philosophy of Science, this article attempts to analyze the economic reality‬‬
‫‪grounded primarily on the relationships between individuals, and to clarify the nature of these relationships. It also aims‬‬
‫‪to clarify the image of insufficient economic laws. Through the philosophy of economics, the article demonstrates the‬‬
‫‪nature of the ethical value of the economic problem, making it a science of a special kind.‬‬
‫‪Keywords : Economic science ; Philosophy of economics, Political economy ; The economic‬‬
‫‪problem ; Experimental economics.‬‬

‫*‪ -‬الباحث المرسل‪Philatou19@yahoo.fr :‬‬

‫‪145‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫‪ -1‬مقدمة‬
‫تحتل العلوم االقتصادية مكانة معتبرة في حياة الناس اليومية‪ ،‬بحيث نجد كال من‬
‫ُ‬
‫مفاهيمها‪ ،‬وإحصاءاتها‪ ،‬وتنبؤاتها‪ ،‬حتى نظرياتها تبث بشكل مستمر في األوساط االجتماعية لدى‬
‫الرأي العام الواسع‪ ،‬وتساهم في توجيه الحياة االقتصادية والسياسية‪ .‬وبالرغم مما حققه‬
‫ّ‬
‫االقتصاد من رفاه لبعض املجتمعات‪ ،‬ومن تلبية لحاجة اإلنسان املادية‪ ،‬إال أن النقاش‬
‫اإلبستمولوجي حول قضاياه لم تتوقف نتيجة ما لهذا العلم من إخفاقات تبعث على إعادة النظر‬
‫ّ‬
‫فيه كنوع من التفكير‪ ،‬وكعلم قابل للتطوير‪ .‬وملا كان الفيلسوف هو واضع األسس النظرية التي‬
‫تميز االقتصاد عن غيره من العلوم‪ ،‬كان من حقه امتالك مشروعية التفلسف في قضاياه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وإشكاالته التي تتزامن مع تطوره بشكل دائم‪ ،‬وهذا من خالل ما يمكن التعبير عنه بفلسفة‬
‫االقتصاد ‪ ،Philosophie de l'économie‬في إطار مبحث فلسفة العلوم ‪Philosophie des‬‬
‫‪ ،sciences‬وعليه تحاول هذه الدراسة بيان طبيعة هذا علم‪ ،‬وهل هو من مصاف العلوم‬
‫الطبيعية‪ ،‬أم أنه علم من نوع خاص؟‬
‫فبالرغم مما يدعيه علم االقتصاد من دقة في التعامل مع قضاياه باستعمال مختلف‬
‫املناهج العلمية التجريبية‪ ،‬وتوظيفه ملختلف الوسائل املادية‪ ،‬والصورية كالرياضيات للتعبير عن‬
‫قوانينه‪ ،‬اعتقادا أنه على خطى العلوم الطبيعية‪ ،‬تبقى ممارساته‪ ،‬وتطبيقاته الواقعية ال ترتقي إلى‬
‫هذا املستوى‪ ،‬ألنه ببساطة يحاول تقنين عالقات إنسانية في إطار النشاطات االقتصادية‬
‫وصياغتها في شكل دوال رياضية‪ ،‬وهو أمر من الصعوبة بما كان تحقيقه وذلك ملا تتميز به هذه‬
‫العالقات اإلنسانية من أبعاد تاريخية‪ ،‬ونفسية‪ ،‬وقيمية أخالقية‪ ،‬وروحية‪.‬‬
‫بناء على ما سبق‪ ،‬تندرج دراستنا ضمن مبحث فلسفة العلوم‪ ،‬التي تحاول اإلجابة عن التساؤل‬
‫حول طبيعة علم االقتصاد‪ ،‬من خالل النظر في مبادئه‪ ،‬ومناهجه‪ ،‬ونتائجه ومعيار صدقها‪ ،‬وذلك‬
‫بتوظيف املنهج التحليلي على مفاهيمه األساسية‪ ،‬وحول مفهومه بوجه خاص‪ ،‬ثم تتبع مسار‬
‫تطوره من خالل استقراء بسيط لتاريخه‪ ،‬وللمواقف الفلسفية‪ .‬ومثل أي دراسة نحاول التوصل‬
‫إلى تجاوز إشكالية املوضوع املتعلقة بتصنيف علم االقتصاد واإلجابة عن السؤال أي علم هو في‬
‫ذاته؟ وننتهي إلى مناقشة نتائج هذه الدراسة امتثاال ملبدأ االختالف‪ ،‬وملبدأ نسبية األحكام خاصة‬
‫في املجال الفلسفي‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ‬
‫إن الغاية من هذه الدراسة هي الكشف عن حقيقة هذا العلم‪ ،‬وعن أبعاده الحقيقية التي يخفيها‪،‬‬
‫وعن التعارض املوجود بين ما هو نظري فيه‪ ،‬وما هو تطبيقي (املمارسة)‪ ،‬وتأرجح علميه باملعنى‬
‫التجريبي) بينهما‪.‬‬
‫‪ -2‬مشكلة مفهوم االقتصاد‬
‫عادة ُيرجع مولد االقتصاد الحديث إلى القرن الثامن عشر وخاصة أعمال العالم االقتصادي‬
‫اإلرلندي كانتيون ‪ )1734-1680( Richard Cantillon‬في مجال االقتصاد السياس ي الكالسيكي‪ ،‬من‬
‫خالل كتابه املشهور "‪ ،1730 "Essai sur la nature du commerce en général‬أو إلى العاملين‬
‫هيوم‪ ،‬وآدم سميث من خالل كتابه ‪ ،La richesse des nations 1776‬من هنا يصبح من الصعوبة‬
‫بما كان تحديد موضوعات االقتصاد؟ أي سلم أولوياته من‪ :‬اإلنتاج‪ ،‬واالستهالك‪ ،‬والتبادل‪،‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬واملداخيل‪ ،‬واملال‪ ،‬والتشغيل وغيرها من املوضوعات التي يهتم بها‪.‬‬
‫ّ‬
‫في مقابل ذلك تزيد املسالة تعقيدا حين نقبل على إعطائه معنى أو مفهوم عام‪ ،‬إال أنه يمكن‬
‫العثور مع جون ستيوارت ميل ‪ Mill‬على بعض الخصائص التي هيمنة على الساحة االقتصادية في‬
‫القرن التاسع عشر (ق‪ )19‬قدمها لعلم القتصاد السياس ي ‪ L'économie politique‬في مقال كتبه‬
‫بين سنتي ‪ 1831-1830‬وكان عمره آنذاك أربعة وعشرين سنة‪ ،‬تم طبعه بإنجليترا مع مقاالت أخرى‬
‫أربعة تحت عنوان‪ Unsettled Questions of Political Economy""Essays on some :‬وقد ترجم‬
‫إلى الفرنسية‪ Essai sur quelques questions pendantes d’économie politique"":‬املقاالت‬
‫األخرى لم يتم ترجمتها‪ .‬لقد كانت هذه املقاالت الدافع القوي الهتمام ميل بالقضايا االقتصادية‪،‬‬
‫وقد تجلى ذلك من خالل كتابه‪:‬‬
‫" مبادئ االقتصاد السياس ي" ‪Principes d’économie politique, avec quelques-unes de leurs‬‬
‫‪ 1848 applications à l’économie social‬الذي نال شهرة كبيرة‪ ،‬في أوساط املهتمين بالشؤون‬
‫ّ‬
‫االقتصادية نظرا الحتوائه على أهم األفكار النقدية التي وجهة للنظام االجتماعي آنذاك‪ .‬سخر‬
‫ستيوارت ميل الجزء األول من هذا الكتاب لتعريف االقتصاد السياس ي والذي ضمنه قوله‪" :‬هو‬
‫العلم الذي ُي َع ِل ُم األمم كيفية تحصيل الثروة"‪ .‬هذا التعريف ال يرض ي فيلسوفنا‪ ،‬ألنه ال يميز بين ما‬
‫يتعلق بالعلم الذي ينتهج املالحظة‪ ،‬ويهدف إلى الكشف عن القوانين‪ ،‬وبين الفن‪ .‬يقترح ميل تعريفا‬
‫ثانيا بقوله‪ ":‬أن االقتصاد السياس ي يعرفنا على القوانين التي تتحكم في اإلنتاج‪ ،‬والتوزيع واستهالك‬
‫الثروات"‪ .‬هذا التعريف في نظر ميل‪ ،‬حقيقة ال يخلط بين األجناس من علم وفن‪ ،‬لكنه تعريف‬
‫واسع ألن هناك قوانين كثيرة تتحكم في عملية اإلنتاج‪ ،‬منها قوانين كثيرة فيزيائية‪ ،‬وأخرى تتعلق‬
‫‪147‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫بالزراعة‪ ،‬وأخرى فيزيولوجية‪ ،‬وغيرها من القوانين مع أنها ليست جزء من القوانين االقتصادية‪.‬‬
‫وبما أن هناك قوانين فيزيائية‪ ،‬وأخرى أخالقية‪ ،‬فإن االقتصاد يتعلق بهذه األخيرة ألنها "قوانين‬
‫الروح أو الفكر" ‪ ،Lois de l'espri‬وضمن هذه القوانين‪ ،‬أو ما يمكن أن نسميها "مميزات الطبيعة‬
‫اإلنسانية"‪ ،‬هناك ما يتعلق باإلنسان باعتباره "فرد خالص "‪ Pur Individu‬فهي‪ ،‬في هذه الحالة ال‬
‫تتعلق باالقتصاد بقدر ما تتعلق بالعواطف (الرغبات) واإلتيقا‪.‬‬
‫يقتض ي االقتصاد "إنسانا حيا في حالة اجتماعية"‪ ،‬وهنا يمكن الحديث عن "االقتصاد‬
‫االجتماعي" ‪ L'économie sociale‬لإلشارة إلى هذه القوانين الروحية‪ ،‬ذلك ألنها مهمة في عالقة‬
‫الفرد باآلخرين‪.‬‬
‫بناء على ما سبق‪ ،‬يقدم لنا ميل تعريفة لالقتصاد السياس ي قائال‪ ":‬االقتصاد السياس ي هو‬
‫العلم الذي يصف ظواهر املجتمع الناتجة عن تأثير العمليات املشتركة لإلنسانية من أجل إنتاج‬
‫الثروة‪ ،‬ما دامت هذه الظواهر لم تتغير بفعل ُمؤثر آخر" )‪.(Mill j. S., 1801, pp. 1-2‬‬
‫من هذا التعريف يمكن استنتاج ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬االقتصاد هو علم الثروة‪ ،‬من خالل اعتباره االقتصاد كعلم يبحث في القوانين التي‬
‫تضبط الظواهر االجتماعية املتأتية من األفعال املتنوعة لألفراد‪ ،‬لغرض إنتاج الثروة‪ ،‬شريطة أن‬
‫ال تتعرض هذه األفعال للتغيير نتيجة مؤثر آخر‪ ،‬من هذا التعريف يمكن استنتاج بأن االقتصاد‬
‫ّ‬
‫ال يهتم إال بالثروة‪ ،‬واعتبارها املحرك الوحيد وغاية أفعال األفراد‪ .‬وأن االقتصاد بذلك‪ ،‬هو العلم‬
‫الذي يهتم باملؤثرات على الرغبة في تحصيل الثروة‪ ،‬ومنه‪ ،‬فإن الظواهر‪ ،‬وهي املوضوعات التي يهتم‬
‫بها االقتصاد مثل‪ ،‬اإلنتاج‪ ،‬واالستهالك‪ ،‬والتبادل‪ ،‬تحتوي على الرغبة في الثروة والتي غالبا ما تكون‬
‫العامل املهيمن‪ .‬املالحظ أن هذا التعريف يتفق إلى حد ما مع ما قدمه العالم االقتصادي اإلرلندي‬
‫كانتيون ‪ )1734 -1680( Cantillon‬الذي جاء في كتابه "مقال في طبيعة التجارة بشكل عام" حديث‬
‫عن الثروة التي يجنيها اإلنسان عن طريق العمل من خالل استغالل ما تحتويه األرض والبحر من‬
‫خيرات‬
‫)‪.(Cantillon, 2011, pp. 67-94‬‬
‫ّ‬
‫ثانيا‪ :‬االقتصاد هو علم املؤثرات على الرغبة في الثروة املقدرة في ذاتها‪ .‬إن عناصر االقتصاد‪،‬‬
‫أي املوضوعات التي يهتم بها والتي ذكرناها سالفا (اإلنتاج‪ ،‬واالستهالك‪ ،‬والتبادل وغيرها)‪ ،‬هي‬
‫ظواهر غالبا ما توجهها الرغبة في الثروة‪ .‬أحيانا يقابل االقتصاديون هذا التعريف الجوهري‬
‫بتعريف آخر اصطالحي‪ ،‬مختلف عنه‪ ،‬ال يقل أهمية عن األول‪ ،‬وهو تعريف قدمه العالم‬
‫‪148‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫االقتصادي اإلنجليزي روبن ‪ )1984-1898( Lionel Robbins‬والذي يؤخذ به في كثير من البرامج‬
‫الجامعية‪ ،‬قوله‪ ":‬أن االقتصاد هو دراسة للسلوك اإلنساني باعتباره عالقة بين الغايات والوسائل‬
‫النادرة لالستعماالت البديلة")‪ . (Robins, 1947, p. 30‬أي أن االقتصاد يستمد وحدته‬
‫وخصوصيته باعتباره يدرس بعض النماذج من السلوك مثل‪ ،‬الخيارات التي نقوم بها لبعض‬
‫األغراض لحاجتنا إليها‪ ،‬دون غيرها التي نضحي بها‪.‬‬
‫يستند تعريف روبين إلى مفهوم أكثر شمولية‪ ،‬فكلما كانت هناك ندرة‪ ،‬تعلق السلوك اإلنساني‬
‫بعلم االقتصاد‪ .‬من هنا حاول املؤمنون بهذه املقاربة من علماء االقتصاد إثبات إمكانية تطبيقها في‬
‫جميع ميادين الحياة‪ ،‬كميدان البيئة‪ ،‬وميدان التكوين‪ ،‬والحقوق‪ ،‬والسباق إلى الحكم السياس ي‪،‬‬
‫وغيرها‪ ،‬وليس فقط في مجال االقتصاد‪.‬‬
‫إن املقاربة االقتصادية التي تهدف إلى استغالل أقص ى للموارد النادرة‪ ،‬أصبحت في نظر‬
‫البعض‪ ،‬املفتاح لكل املداخل‪ ،‬وأنها قادرة على تفسير مجمل السلوك اإلنساني‪ ،‬وكذا القواعد‬
‫االجتماعية‪ .‬تقترب هذه القناعة كثيرا من االعتقاد بأن كل فعل إنساني هو بالجوهر اقتصادي‪،‬‬
‫بمعنى أن خيارات اإلنسان من بين املمكنات املعروضة عليه‪ ،‬تعبر عن محاولة تحسين مصيره‪.‬‬
‫بالرغم مما كان لهذه التعريفات من أهمية في تحسين وضعية االقتصاد‪ ،‬على األقل من حيث‬
‫ّ‬
‫املفهوم والوظيفة‪ ،‬إال أن ميل ال يعتبره (علم االقتصاد) شيئا أكثر من مجرد جزء صغير من العلوم‬
‫األخالقية‪ ،‬تلك التي تهتم بتحصيل الثروة‪ ،‬لذلك يرفض ميل أن يتخذ من هذا املبرر (تحصيل‬
‫الثروة)‪ ،‬مدخال عاما للسلوك اإلنساني‪ ،‬خاصة إذا تعلق األمر باالستجابة لقهر الحاجة‪ ،‬أو هيمنة‬
‫الحاجة على حد تعبير "ماركس"‪.‬‬
‫يركز ميل في كتاب مبادئ االقتصاد السياس ي ‪ 1848‬على التمييز بين االقتصاد االجتماعي‬
‫الذي يهتم باإلنسان في املجتمع‪ ،‬واالقتصاد السياس ي ‪L'économie politique‬الذي يهتم باإلنسان‬
‫الذي يسعى إلى الثراء في املجتمع‪ .‬يعتقد ميل بأنه من غير املعقول أن يمض ي اإلنسان حياته بحثا‬
‫عن املال‪ .‬إن الصورة املثلى للطبيعة اإلنسانية هي أن ال يكون فيها أحدا غني‪ ،‬أو أن يتمنى أن يكون‬
‫غني على حساب جهد اآلخرين ففي الحياة أمورا أكثر أهمية من االقتصاد السياس ي ‪(Mill J. S.,‬‬
‫)‪.2010, p. 356‬‬
‫إن الطابع الذي أراد أن يعطيه ميل لالقتصاد ليس ماديا‪ ،‬وال نفعيا‪ ،‬وال استغالليا تماما‪ ،‬بل‬
‫قدم لنا مفهوما لالقتصاد تتقاطع عنده اعتبارات أخرى إنسانية‪ ،‬وأخالقية‪،‬‬ ‫على العكس من ذلك ّ‬
‫واجتماعية‪.‬‬
‫‪149‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ما املقصود باالقتصاد إذن؟ ال يمكن الحديث عن تعريف واحد لالقتصاد‪ ،‬بل تعريفات‬
‫متعددة ومتنوعة وفقا لألنماط االقتصادية من جهة‪ ،‬وصيرورته التاريخية من جهة أخرى‪ ،‬وقد‬
‫يكون السبب في تعدد التعريفات‪ ،‬هو اختالف الفالسفة واملفكرين املؤسسين له كعلم‪ ،‬وهذا يثير‬
‫مجموعة من التساؤالت حول وضعيته‪ ،‬وعلميتة مما يستدعي نقاشا فلسفيا ظهرت مالمحه مع‬
‫مفكرين وعلماء اقتصاديين أنفسهم‪ .‬يبقى أن الثابت في تعريف االقتصاد هو أن أصول هذه‬
‫الكلمة يونانية ‪ ،Oikonomos‬وتعني إدارة املنزل‪ ،‬أو تسيير شؤون املنزل‪ ،‬من كيفية االعتناء به‪ ،‬إلى‬
‫طريقة اإلتقان وتحديد الخيارات بين املمكنات وغيرها من الوظائف املماثلة لتلك التي يتصف بها‬
‫عمل االقتصادي‪ ،‬كالتحكم في اإلنتاج‪ ،‬كم ننتج‪ ،‬متى ننتج‪ ،‬وكيف نوزع‪ ،‬وكيف نستهلك‪.‬‬
‫إن هذه األسئلة تتطلب‪ ،‬من جهة‪ ،‬إجراءات ضرورية غير محدودة‪ ،‬وموارد االقتصادية التي‬
‫تحت تصرفنا كاألراض ي‪ ،‬والعقارات‪ ،‬واآلالت والوسائل املتنوعة املحدودة‪ ،‬كما تتطلب‪ ،‬من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬إجابات قد نجد لها أثرا لدى املستهلك‪ ،‬أو املؤسسة االقتصادية‪ ،‬أو في املجال االقتصادي‬
‫بشكل عام‪.‬‬
‫في كثير من األحيان‪ ،‬كما هو مالحظ‪ ،‬تكون هذه اإلجابات محل نقاش واسع بسبب ما تثيره من‬
‫تحديات اجتماعية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬خاصة إذا كانت املوارد قليلة أو نادرة‪ .‬من هنا كانت القرارات التي‬
‫يتخذها املجتمع تعكس ما يمكن أن نسميه باملشكل االقتصادي ‪،Le problème économique‬‬
‫بحيث يلزم املجتمع باإلجابة عن ثالثة أسئلة أساسية‪:‬‬
‫‪ -‬ماذا ينبغي علينا أن ننتج من خيرات‪ ،‬وخدمات؟‬
‫‪ -‬كيف ينبغي إنتاج هذه الخيرات والخدمات؟‬
‫‪ -‬إلى من توجه هذه الخيرات والخدمات املنتجة؟‬
‫قد تكون اإلجابة عن هذه األسئلة سهلة إذا ما كانت املوارد متوفرة بحيث تلبي حاجة‬
‫املواطنين‪ ،‬لكن األمر ليس على هذا الحال‪.‬‬
‫تصنف هذه املوارد إلى ثالثة أقسام كبري‪:‬‬
‫‪ -‬األرض ‪ :La terre‬وتتمثل في كل املوارد الطبيعية في هذا العالم‪.‬‬
‫العمل ‪ :Le travail‬واملتمثل في الجهد اإلنساني‪ ،‬الجسدي‪ ،‬والفكري‪.‬‬
‫‪ -‬رأس املال ‪ :Le capital‬واملتمثل في التجهيزات‪ ،‬والبنيات املستخدمة في إنتاج هذه الخيرات‪.‬‬
‫مما سبق يأتي تعريف االقتصاد في الشكل التالي‪ ":‬االقتصاد دراسة تهتم بالطريقة التي بها‬
‫يدير املجتمع موارده النادرة" )‪.(Mankiw, 2015, p. 5‬‬
‫‪150‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫في الحقيقة‪ ،‬ال يمكن اإلجماع على تعريف واحد‪ ،‬فلو تأملنا التعريف األكثر استعماال‬
‫ومقتضاه‪ ":‬أن االقتصاد هو دراسة ملجمل السلوك املتعلق باإلنتاج‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬واستهالك للخيرات‬
‫والخدمات"‪ ،‬فإننا نالحظ بأن هذا التعريف واسع بحيث تتقاطع فيه عدة أنشطة إنسانية التي‬
‫تدخل ضمن الخيارات االقتصادية‪ ،‬والسياسية أو اإلتيقية‪ .‬كما أن هذا التعريف يظهر حاجة‬
‫هذه األنشطة إلى بعضها البعض من جهة‪ ،‬وتعذر تحديد طبيعتها‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬هل تنتمي إلى‬
‫السجل االقتصادي‪ ،‬أم السياس ي أم النفس ي‪ ،‬وهي مشكلة بالنسبة لالقتصاد وللعلوم اإلنسانية‬
‫جميعها‪ .‬ألجل ذلك يعتبر مفهوم االقتصاد من املشكالت التي يدور حولها النقاش‪ ،‬ليس الختالف‬
‫التعريفات فحسب‪ ،‬بل غالبا ما يدل تعريف االقتصاد على نمط تفكير صاحبه‪ ،‬وانتمائه املذهبي‬
‫واإليديولوجي‪.‬‬
‫‪ -3‬فلسفة علم االقتصاد‬
‫من املؤلفات الجديدة التي تواصل معها هذا النقاش ‪2014 Philosophy of Economics‬‬
‫للعالم االقتصادي األمريكي املتخصص في منهجية وفلسفة االقتصاد دون روس ‪ ،Don Ross‬في‬
‫هذا الكتاب يدافع روس عن فلسفة االقتصاد‪ ،‬وعن مفهومها‪ ،‬ويوضح طبيعة االقتصاد بالنسبة‬
‫للعلوم االجتماعية األخرى‪ ،‬ومما جاء في الفصل األول توضيح ملعنى فلسفة االقتصاد‪ ،‬واإلشارة إلى‬
‫ضرورة عدم فصل معنى فلسفة االقتصاد عن املعنى العام لفلسفة العلوم‪ ،‬هذه األخيرة في نظره‬
‫هي ذلك املنتوج الفكري الفلسفي الذي يرتبط في األصل بأعمال حلقة فينا ‪،Le cercle de vienne‬‬
‫ّ‬
‫والتي ركز على تحديد املعايير التي بها نميز بين العلم والال علم‪ ،‬ويشير في مؤلفه إلى أن هذه املعايير‬
‫ّ‬
‫مشتقات من التطبيقات العلمية خاصة منها الفيزيائية‪ ،‬التي شكلت آنذاك براديغم هذا التمييز‬
‫(بين العلم والال علم) )‪.(Ross, 2014, pp. 3-13‬‬
‫من التساؤالت التي يمكن أن تطرح في هذا املجال‪ :‬ملاذا يعمل اإلنسان؟ ال شك أن هذا السؤال‬
‫يسمح للفيلسوف بالولوج إلى عالم االقتصاد‪ ،‬ألن اإلجابة عنه ال تتطلب تصرفا علميا بحتا بقدر‬
‫ما تتطلب تفكيرا منظما في كيفية تحصيل املنفعة‪ ،‬أو تلبية الحاجة لذلك فإن كل تصرف أو‬
‫سلوك يقوم به اإلنسان‪ ،‬ال شك أن له بما في ذلك‪ ،‬أبعاد اقتصادية‪ .‬لذلك يقال‪" :‬إن الحصول على‬
‫الدخل هو القوة املحركة األساسية للنشاط اإلنساني"‪.‬‬
‫‪-‬يتحدث الفيلسوف األمريكي دانيال هوسمان صاحب نظرية التوازن ‪Théorie de l’équilibre‬‬
‫كمنهج في مجال االقتصاد الجزئي ‪ Microéconomie‬عن ثالثة حقول أساسية في فلسفة‬
‫االقتصاد‪:‬‬
‫‪151‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫أوال‪ :‬أن االقتصاد مثله مثل أي علم‪ ،‬يشكل موضوعا للنقاش اإلبستمولوجي ( املعرفي)‬
‫واملنهجي (منهجية االقتصاد)‪ .‬ويتضمن هذا الحقل التساؤالت التالية‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬كيف يمكن الربط (مطابقة) املنهج التجريبي مع الطريقة التي بها يبني االقتصاد ويمارس؟‬
‫‪ -‬أي نوع من الحقيقة تطلبها النظريات االقتصادية‪ ،‬هل تمدنا بمعرفة؟‬
‫‪ -‬كيف يمكن لنا إثبات النظرية االقتصادية؟‬
‫‪ -‬إلى أي مدى يمكن للنظرية االقتصادية االرتقاء إلى مصاف النظريات العلمية في مجال العلوم‬
‫الطبيعية؟‬
‫ثانيا‪ :‬يثير االقتصاد تساؤالت حول عقالنية ونظرية الفعل االقتصادي في حالة ظهور فرضيات‬
‫في االقتصاد الحديث‪ ،‬حول السلوك العقالني للعوامل (الشروط) االقتصادية ‪Agents‬‬
‫‪. économiques‬‬
‫‪ -‬التساؤل حول واقعية الفرضيات االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬حول مدى تأثر االقتصاديين باملعطيات التجريبية‪.‬‬
‫‪ -‬هل تؤدي النظريات االقتصادية إلى قواننين؟‬
‫‪ -‬إلى أي مدى يمكننا التنبؤ في مجال العلوم االقتصادية‪ ،‬وهل يمكن الوثوق بهذه التنبؤات؟‬
‫‪ -‬التساؤل حول مدى دقة نتائج االقتصاد العلمية؟‬
‫‪ -‬التساؤل حول تطور وتقدم االقتصاد‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬محاولة اإلجابة عن التساؤل حول ما إذا كان االقتصاد يوفر األدوات أو ما يمكن أن‬
‫نسميه مبادئ ومعايير تقييم (تقويم) املؤسسات‪ ،‬والحاالت‪ ،‬والعمليات االقتصادية‪ ،‬وهي تساؤالت‬
‫تنتمي إلى حقل الفلسفة املعيارية وباألخص الفلسفة األخالقية‪ ،‬والسياسية‪(Cozic, 2010, p. 1) .‬‬
‫وهي عبارة عن املساءلة األخالقية حول االقتصاد‪.‬‬
‫‪ -‬كيف يمكن العيش معا؟‬
‫‪ -‬كيف يمكن الحفاظ على التوازن بين املصلحة الخاصة واملصلحة العامة؟‬
‫‪ -‬هل يمكن تحديد معنى الخير باملنفعة؟ )‪(Hausman, 1992, p. 1‬‬
‫من هنا يكون التناول االبستمولوجي لالقتصاد من خالل تبرير هذه التساؤالت‪ ،‬ومنه يجوز لنا‬
‫الحديث عن مشروعية التفلسف في القضايا االقتصادية‪ ،‬وبالتالي الحديث عن ابستمولوجيا‬
‫خاصة باالقتصاد‪ .‬من حق الفيلسوف‪ ،‬إذن‪ ،‬التدخل في القضايا االقتصادية التي تستدعي عمال‬
‫ّ‬
‫عقليا فلسفيا‪ ،‬ألن العالقات االقتصادية ما هي إال عالقات إنسانية‪ ،‬ذلك أن الالمساواة‬
‫‪152‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الحاصلة في مجال املمارسة االقتصادية‪ ،‬كالالمساواة في تكافؤ الفرص مثال‪ ،‬تشكل مشكلة‬
‫فلسفية بامتياز‪.‬‬
‫بناء على ما سبق‪ ،‬يمكن القول بأن فلسفة االقتصاد علم االقتصاد‪ ،‬غايتها الكشف عن‬
‫الطبيعة الحقيقية لهذا العلم‪ ،‬وذلك من خالل الكشف عن طبيعة موضوعاته‪ ،‬ومنهج تعامله مع‬
‫هذه املوضوعات‪ ،‬ونتائجه ومعيار صدق هذه النتائج‪ ،‬مما يدفعنا إلى النظر عن قرب في الركائز‬
‫التي يبنى عليها أي علم وهي‪ :‬املوضوع‪ ،‬املنهج‪ ،‬والغاية أو النتائج‪.‬‬
‫أوال‪ :‬من حيث املوضوع‪:‬‬
‫موضوع علم االقتصاد هو الظاهرة االقتصادية ‪ ،Le phénomène économique‬وليس من‬
‫السهل ضبط مفهومها بالشكل الذي تبدو عليه‪ ،‬لذلك بعد االطالع على كثير من التعريفات‪ ،‬وقع‬
‫اختيارنا على التعريف الذي قدمه مرسال موس وهو تعريف باملوضوع في كتابه " ‪Manuel‬‬
‫)‪ ،"d'ethnographie (1926‬بالرغم من أن هذا األخير يكون قد عرض مجموعة من التعريفات‬
‫ملجموعة من املفكرين االقتصاديين‪ .‬يعتقد موس أن من بين كل الظواهر األخالقية‪ ،‬تبقى‬
‫الظواهر االقتصادية أكثر الظواهر التزاما باملادية‪ ،‬وبالرغم من أنها تصنف عادة مع الظواهر‬
‫ّ‬
‫املادية‪ ،‬إال أنها تعبر عن تمثالت جماعية ‪ représentations collectives‬بحيث تعرض موقف أفراد‬
‫املجتمع من املادة‪ .‬وعليه فإن الظاهرة االقتصادية‪ ،‬هي الظاهرة االجتماعية التي تنظم وتتحكم في‬
‫مجموعة من النشاطات التي تتعلق باألشياء الضرورية التي تسمى ممتلكات ‪ .biens Les‬إن الجانب‬
‫االقتصادي لهذه الوقائع يميزها عن الفعل التقني املحض‪ ،‬إنها عبارة عن خدمة باملقابل‪ ،‬أو هي‬
‫ملكية متنقلة بين األشخاص )‪ .(Mauss, 2002, p. 93‬بمعنى‪ ،‬الظاهرة االقتصادية ليس ظاهرة‬
‫مادية محضة ما دامت تعبر عن عالقات اجتماعية‪ ،‬وإنسانية داخل املجتمع‪ ،‬فهي من جهة أخرى‬
‫تعبر عن سلوك أخالقي‪ ،‬والسلوك األخالقي هو سلوك إنساني بالرغم من أن مظهره مادي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من حيث املنهج‪:‬‬
‫يتصف علم االقتصاد بكونه وحيد من نوعه بين مجموعة العلوم وذلك ملا يتميز به من‬
‫منهجية خاصة مختلفة عن تلك املعتمدة في هذه العلوم‪ .‬هذا يفسر‪ ،‬من دون شك‪ ،‬ملاذا كانت‬
‫فلسفة االقتصاد‪ ،‬واملنهجية االقتصادية‪ ،‬فعال‪ ،‬أقدم من هذا النشاط (االقتصاد) في حد ذاته‪.‬‬
‫كون االقتصاد من العلوم الجديدة التي تهتم بالفعل ‪ ،L'action‬فقد كان مجالها الدراس ي البحثي‬
‫يصنفها كعلم اجتماعي‪ ،‬أو أخالقي‪ ،‬وبالتالي فإن اهتماماته بعيدة عن محاولة تفسير املادة‪ ،‬لذا‬
‫كان يشكل في بدايته مجاال نظريا خصبا لكن‪ ،‬تشوبه نوع من الفوض ى مما دفع اآلباء املؤسسون له‬
‫‪153‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫إلى محاولة تنظيمه بداية من تعريفه‪ ،‬إلى التفكير في منهجه قصد االرتقاء به إلى مصاف العلوم‬
‫الطبيعية املادية‪.‬‬
‫من بين املساهمين األوائل في وضع القواعد األساسية املنضمة لهذا العلم جون ستيوارت ميل‬
‫وذلك بتعريفه‪ ،‬ووضع القواعد املنهجية له ويظهر هذا من خالل مقاله‪:‬‬
‫‪Essai Sur la définition de l’économie politique et sur la méthode d’investigation qui‬‬
‫‪ lui est propre 1830-1831‬لقد سمح هذا املقال مليل بالكشف عن أهم املسائل اإلبستمولوجية‬
‫التي يثيرها بشكل عام‪ ،‬مما سمح له باقتراح منهجية تستجيب إلى متطلبات الدفاع عن هذه‬
‫النظرية‪ ،‬والتصدي لألحكام املسبقة والسريعة حول هذا العلم‪ .‬يتضمن هذا املقال خطوات ثالث‪:‬‬
‫(التعريف‪ -‬املنهج‪ -‬الحدود) في التعامل مع خصوصية هذا العلم (علم االقتصاد السياس ي)‪:‬‬
‫‪-‬التعريف ‪ :Définition‬تعريف االقتصاد السياس ي‪ ،‬وقد أشرنا إليه من قبل‪.‬‬
‫‪ -‬املنهج ‪:Méthode‬‬
‫يتحدث فيه عن االستقراء واالستدالل االستنتاجي‪ ،‬ذلك أن االقتصاد السياس ي بالنسبة له‬
‫اقتصاد يفكر‪ ،‬بل ينبغي عليه أن يفكر انطالقا من فرضيات وليس وقائع‪.‬‬
‫إن االقتصاد كمنهج يفتح باب املسائالت العامة في فلسفية العلوم واإلبستمولوجيا‪ ،‬تلك‬
‫املتعلقة بطرق االستدالل‪ ،‬وقيمة الحقيقة ملختلف أنواع األحكام‪ ،‬هذه املسائل مثل‪ :‬ما معنى أن‬
‫نعرف وكيف؟ تتردد باستمرار في مجال فروع االقتصاد كاالقتصاد القياس ي‪ ،‬واالقتصاد التجريبي‪،‬‬
‫ونظرية القرارات‪ ،‬ونموذج االقتصاد الكلي‪ ،‬وتاريخ الفكر اقتصادي وغيرها من الفروع‪ ،‬ثم إن‬
‫الطابع الرياض ي لهذا النشاط (االقتصاد) منذ (‪ )1890-1870‬فتح باب التفكير املنهجي املستمد من‬
‫اإلبستمولوجيات الكبرى املوروثة عن حلقة فينا ‪.Cercle de Vienne‬‬
‫‪ -‬الحدود ‪:Limites‬لم يعرض حقيقة فكرة االستنتاج إال بعد سنوات في كتابه ‪Système de‬‬
‫)‪ ،logique déductive et inductive (1843‬وقد كان يقصد بذلك‪ ،‬التفكير انطالقا من فرضيات‬
‫شارحة‪ ،‬أو إن شأنا أن نسميها "نماذج ‪ ،"Modèles‬ثم مقارنة نتائج هذه الفرضيات بالوقائع‬
‫)‪.(Clerc, 2005‬‬
‫من هنا يقر ميل في مقاله‪ ،‬بأن بفعل الشروط الكثيرة التي تؤثر وبفعل ضعف وسائل تقييم‬
‫التجارب‪ ،‬فإن استخالصنا للنتائج يكون ضعيفا‪ ،‬وبالتالي معرفتنا تكون محدودة‪ ،‬ومنه فإن معرفة‬
‫الواقع تكون غير ممكنة‪ ،‬ولهذا يبغي علينا العمل وفقا لرغبتنا‪ ،‬مع العلم أن الرغبات كثيرا ما‬
‫تواجه باألسباب املشوشة التي يتعذر فكها‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫هذه النتيجة يؤكدها ميل في كتابه "‪ "Système de logique‬في قوله‪ :‬ال يمكننا التأكد إلى أي‬
‫حد‪ ،‬وإلى أي مستوى‪ ،‬يمكن لسبب أن يعمل دون أن يتعرض الضطراب ‪(Mill J. S., 2002, p.‬‬
‫)‪ .492‬من هنا يمكن القول‪ :‬أن مقاربة الواقع عن طريق االستنتاج تكون دائما جزئية في العلوم‬
‫األخالقية‪ ،‬لكن بالنسبة مليل‪ ،‬ينبغي أن ال يكون ذلك سببا في التخلي عن البحث‪ ،‬وهذا ما حصل‬
‫من خالل التطور امللحوظ في علم االقتصاد وتفرعه إلى أنواع تحاول اعتماد التجريب كمنهج منها‪:‬‬
‫‪ -‬االقتصاد التجريبي‪:‬‬
‫لقد كان مولد االقتصاد التجريبي نتيجة التطور الحاصل في نظرية القرار ‪Théorie de la‬‬
‫‪ décision‬ونظرية األلعاب ‪ .Théorie des jeux‬يعزى تطور االقتصاد التجريبي إلى العاملين‬
‫االقتصاديين‪ ،‬األمريكي فارنون سميث ‪ ،(Vernon, 1989) Vernon Smith‬واألمريكي اإلسرائيلي‬
‫دانيال كهنومان ‪ ،) -1934( Daniel Kahneman‬اللذان ناال جائزة نوبل سنة ‪ 2002‬في مجال‬
‫االقتصاد التطبيقي‪ ،‬وهو نوع من االقتصاد يقوم على اختبار السلوكيات االقتصادية الفردية أو‬
‫الجماعية‪ ،‬وتحليل النتائج بواسطة اإلحصاء وذلك بتوظيف الطرق التجريبية املعمول بها في مجال‬
‫علم النفس‪.‬‬
‫من هنا يمكن القول بأن تطور االقتصاد التجريبي لم يكن ممكن إال بتوظيف الرياضيات‪،‬‬
‫واإلحصاء‪ ،‬والتصاميم (املخططات) كأدوات تحليل وكموضوعات للبحث‪ ،‬وقد كان التصميم أو‬
‫النمذجة ‪ Modélisation‬أكثر التطبيقات سببا في تطور االقتصاد التجريبي‬
‫)‪.(Serra, 2012, pp. 751-752‬‬
‫يرتبط االقتصاد التجريبي بعدة‪ ،‬مباحث أساسية تعتمد التجربة في دراستها نذكر منها‪:‬‬
‫‪ -‬علم االقتصاد السلوكي ‪ mentale Economie comporte‬يهتم بدراسة تصرفات الناس في‬
‫الوضعيات االقتصادية‪ ،‬غايته األساسية‪ ،‬وصف‪ ،‬ومحاولة فهم‪ ،‬ملاذا يسلك الناس سلوك يبدو‬
‫غير معقول أو مفارق ملا تقول به نظرية (اإلنسان االقتصادي)‪.‬‬
‫‪ -‬علم االقتصاد العصبي ‪ Neuroéconomie‬مجال يقع عند التقاطع بين علم االقتصاد‪ ،‬والعلوم‬
‫العصبية املعرفية‪ ،‬يهتم بدراسة تأثير العوامل املعرفية واالنفعالية في اتخاذ القرار‪ ،‬سواء عند‬
‫االستثمار‪ ،‬أو عند التسويق‪ ،‬أو عند االستهالك‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬الفاعلية‪ La performativité :‬مصطلح استعمل ألول مرة من طرف فيلسوف اللغة‬
‫اإلنجليزي أوستن جون النجشو (‪ )1960-1911‬في كتابه )‪ Quand dire c'est faire (1962‬ويعرف‬
‫بأنه واضع نظرية أفعال الكالم‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ُ‬
‫إن الخطابات التي تقدها النظريات االقتصادية ت َف ِع ُل النموذج الواقعي‪ ،‬وتنظر إليه كفاعلية‪،‬‬
‫ّ‬
‫وأداء‪ »:‬إن علم االقتصاد باملعنى الواسع للكلمة‪ُ ،‬ي َّف ِع ُل‪ُ ،‬ويش ِكل الواقع‪ ،‬أكثر من النظر إلى طريقة‬
‫أدائه« )‪(Munesa & Callon, 2008‬‬
‫‪ -‬مشكالت االقتصاد التجريبي املنهجية‪:‬‬
‫يثير االقتصاد التجريبي مشكالت منهجية متعددة‪ ،‬من هذه املشكالت ما يتعلق بخصوصياته‬
‫مثل التوظيف املمنهج للحوافز املالية‪ Motivations financières‬التي تميزه عن باقي العلوم‬
‫اإلنسانية منها علم النفس )‪ ،(Guala, 2005, pp. 239-263‬وكمثال على ذلك‪ ،‬التجارب في مجال‬
‫السوق والتجارة التي تتناول دور الوسيط في هذه املؤسسة‪ ،‬تستعمل الحوافز املالية تجريبيا‬
‫لغرض مراقبة بعض املالمح الفردية‪ ،‬كالقيمة املضافة للخيارات‪ ،‬مثلما أشار إلى ذلك آدم سميث‬
‫في حديثه عن نظرية القيمة ‪ ،Théorie de la valeur‬في كتابه "بحث في طبيعة وأسباب ثروة األمم"‬
‫‪.1976‬‬
‫تعمل النظريات االقتصادية على محاولة تفسير والتنبؤ بالظواهر االقتصادية الواقعية‪ ،‬فإذا‬
‫نجح اختبار هذه النظريات تجريبيا في املخبر‪ ،‬ولو بطريقة غير واضحة‪ ،‬فلماذا ال ينجح تطبيقها‬
‫خارج املخبر أي في امليدان؟ إن الطريقة التي يمكن أن نفهم بواسطتها هذه املشكلة‪ ،‬أي مشكلة‬
‫التحقق من صدق التجارب‪ ،‬مبنية على معطيين‪:‬‬
‫‪ -‬املجال الذي نخصصه للنظريات االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬اإلجابة التي نقدمها عن سؤال املطابقة الخارجية‪ ،‬أو إلى التواز‪ ،‬أي مسألة معرفة ما هي‬
‫إمكانية استنتاج ظواهر اقتصادية واقعية‪ ،‬من خالل ظواهر اقتصادية تجريبية؟ فإذا قمنا‬
‫بإقحام املعطيات السلوكية ضمن التجريب املخبري‪ ،‬فإن اإلجابات التي نقدمها في مسألة املطابقة‬
‫الخارجية‪ ،‬مهما كانت دقتها تضل جزئية )‪.(Plott, 1991‬‬
‫يقول العالم االقتصادي بلوث‪" :‬ينبغي تطبيق النماذج العامة املطبقة في مجال االقتصاديات‬
‫املعقدة ذات الوجود الطبيعي‪ ،‬على الحاالت الخاصة البسيطة‪ ،‬أما النماذج التي ال تطبق على هذه‬
‫الحاالت‪ ،‬ال يمكن أن تكون نماذج عامة‪ ،‬وبالتالي ال يمكن اعتبارها كذلك (أي عامة)‪.‬إن النظريات‬
‫التي تؤدي إلى استنتاج أحكام مسبقة في املخبر‪ ،‬ينبغي أن ترفض أو تعدل‪ .‬بينما النماذج واملبادئ‬
‫التي تثبت وتبقى أثناء االختبار املخبري‪ ،‬يمكن استعمالها في اإلجابة عن أسئلة تتعلق بالواقع"‬
‫)‪.(Plott, p. 905‬‬

‫‪156‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يحيلنا هذا القول إلى التساؤل حول الشروط التي تسمح بنقل النتائج املتحصل عليها من‬
‫املخبر إلى امليدان؟ إن الشرط األساس ي في هذه العملية‪ ،‬هو املعرفة الدقيقة بالتجارب وبمجال‬
‫التطبيق الطبيعي‪ ،‬وتكون الغاية من هذه العملية هي التأكد من أن السياقين تجمعهما أسباب‬
‫مشتركة كافية‪ ،‬حتى نتمكن من االستدالل بواسطة املماثلة ‪ Analogie‬من املخبر إلى امليدان‪ .‬إن‬
‫الغاية من التجارب في نظر االقتصاديين‪ ،‬هي أساسا الكشف عن هذه املماثلة أو املشابهة‪ .‬تعتبر‬
‫الوضعيات التجريبية ليست جزء من مكونات املجال الخاص لالقتصاد (أي الظواهر املقصودة‪،‬‬
‫أو ما يمكن تسميته بالظواهر االقتصادية الطبيعية)‪ ،‬أكثر من كونها تمثالت لهذا املجال‪ ،‬تستعمل‬
‫لفهمه إلى جانب النمذجة واملحاكاة‪ ،‬بمعنى آخر‪ ،‬ما التجارب إال وسائط بين مجال االقتصاد‪،‬‬
‫والفرضيات التي يمكن أن تكون حوله )‪.(Guala, pp. 209-211‬‬
‫ثالثا‪ :‬من حيث النتائج (ترييض االقتصاد)‬
‫ال ننكر مدى توظيف االقتصاد للرياضيات في التعبير عن قضاياه‪ ،‬إال أن هذه امليزة ال تبرر‬
‫علميته‪ ،‬فبقدر ما تضيف الرياضيات من دقة في الدراسات االقتصادية‪ ،‬فهي تخفي من جهة‬
‫اخرى الكثير من املسائل التي تحتاج إلى الدراسة‪ ،‬وعليه‪ ،‬فإن توظيف الرياضيات في االقتصاد‬
‫ضروري غير كاف‪ ،‬لذلك يقال بأن املبالغة في توظيف الرياضيات يؤدي إلى تجاوز الكثير من‬
‫املسائل التي تحتاج إلى دراسة‪ ،‬والتي ال يمكن التعبير عنها رياضيا لكونها ذات طبيعة مميزة‪ .‬في هذا‬
‫الصدد يعتقد أمارتيا سن ‪ ) -1933( Amartya Kumar Sen‬صاحب نظرية الخيار االجتماعي‬
‫‪ La théorie du choix social‬املطبقة في مسائل العدالة االقتصادية ‪ ،Justice économique‬أن‬
‫املبالغة في توظيف الرياضيات قد يكون سبيال للتغاض ي على املسائل األكثر أهمية‪ ،‬حتي منها التي ال‬
‫يمكن جعلها في شكل معادلة‪ .‬ومنه فإن الرياضيات ليست األساس الوحيد لعلم االقتصاد ‪(Sen,‬‬
‫)‪.2009‬‬
‫‪ -4‬علم االقتصاد‪ :‬من الوضعي إلى املعياري‬
‫يتعلق األمر في هذا املبحث بميتودولوجيا (منهجية االقتصاد) كموضوع لفلسفة العلوم‪،‬‬
‫وفلسفة االقتصاد على وجه التحديد‪ .‬الكثير من االقتصاديين يشاركون في تقييم‬
‫‪Évaluation‬سياسات ومؤسسات االجتماعية االقتصادية‪ ،‬والبعض منهم ينظر إلى نشاط هذه‬
‫املؤسسات خاضع ملشروع إنساني يعمل على تحسين ظروف وشروط الحياة املادية لألفراد‪ .‬يبقى‬
‫أننا لو أخذنا املوضوع من منظار فيلسوف العلم‪ ،‬فهذا ألن جانبا من الغايات‪ ،‬واملواقف‪،‬‬
‫وإسهامات االقتصاديين تخضع للوهلة األولى إلى نظام معرفي ‪Régime épistémique‬شبيه بما هو‬
‫‪157‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫سائد في العلوم‪ .‬فإذا وضعنا فرضية أن هذه الغايات‪ ،‬واملواقف‪ ،‬وإسهامات االقتصاديين متمايزة‬
‫بحيث يمكن تحليلها وتقييمها بواسطة قواعد ووسائل فلسفة العلوم‪ ،‬فإن املؤكد أن هذه‬
‫الفرضية ترتبط بشكل واسع مع مسألة التمييز الشهيرة بين االقتصاد الوضعي واالقتصاد‬
‫املعياري‪ ،‬ويعتبر االقتصاد الوضعي هو موضوع اهتمام فيلسوف العلم‪.‬‬
‫يعود هذا التمييز إلى التقسيم الثالثي بين "العلم الوضعي" و"العلم معياري" و"الفن" الذي أشار‬
‫إليه العالم االقتصادي البريطاني "كينز" األب ‪ ،)1949-1852( John Neville Keynes‬في كتابه‬
‫‪ .)1891( The scope and method of political economy‬وهو صاحب النظرية الكينزيانية‬
‫‪ .Keynésianisme‬مدرسة تفكير اقتصادي أسسها كينز‪ ،‬مبدأها هو أن ترك األسواق لحالها ال‬
‫يؤدي بالضرورة إلى أمثل وأفضل اقتصاد‪.‬‬
‫أما النوع األول من العلوم (العلم الوضعي) فهو مجال من املعارف املنتظمة تهتم بما هو‬
‫كائن‪ ،‬بينما النوع الثاني من العلوم (العلم املعياري)‪ ،‬فهو مجال من املعارف املنتظمة تهتم بما‬
‫ينبغي أن يكون‪ .‬في حين أن العلم الثالث (الفن)‪ ،‬فهو نظام من القواعد تهدف إلى تحقيق غاية‬
‫معينة‪ .‬فإذا كان الكثير من االقتصاديين يؤكدون على السمة الوضعية لالقتصاد‪ ،‬وبالتالي خلو‬
‫هذا العلم من أحكام القيمة‪ ،‬أي ما يعرف عندهم بالحيادية القيمية ‪،Neutralité axiologique‬‬
‫بعد ما ّميز هؤالء بين الوقائع والقيم في األدب االقتصادي ‪ ،Littérature économique‬فإن البعض‬
‫منهم ال يرى أنه من السهل التمييز بين نوعي االقتصاد (الوضعي واملعياري)‪ ،‬وبالتالي فإن القتصاد‬
‫في نظرهم يتصف بجملة من الخصائص تمثل في حقيقة األمر فرضيات نذكر منها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ال يمكن أن يكون االقتصاد‪ ،‬في نظرهم‪ ،‬خال من أحكام القيمة بشكل تام وخالص‪،‬‬
‫بل على العكس من ذلك فهو مشبع بها خاصة إذا ّميزناه عن العلوم الطبيعية‪ ،‬وفي هذه الحالة‬
‫هناك تهديد مباشر لألساس املنهجي الذي بني عليه االقتصاد‪ .‬إن ما يؤكد هذه الفرضية ّ‬
‫(تشبع‬
‫االقتصاد بأحكام القيمة) هو أن االقتصاد نفسه يحملنا بشكل عفوي على إصدار أحكام قيمية‬
‫حول بعض موضوعات اهتمامه مثل‪ :‬الفقر‪ ،‬أو االستغالل‪ ،‬أو مراجعة األجور‪ ،‬أو غيرها من‬
‫السلوكيات التي تثير مشكالت ذات طابع قيمي‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالنتيجة ‪ :1‬فهي معرضة للخلط والفوض ى‪ ،‬فمن جهة‪ ،‬أنها تجمع بين‬
‫الظواهر املتنوعة بمجرد أن تبقي قيم االقتصادي في حدود اختيار األسئلة التي يريد اإلجابة عنها‪،‬‬
‫وهذا ال يعني أن هذه األسئلة‪ ،‬وما تقتضيه من إجابات‪ ،‬ليست واقعية‪ ،‬ومن جهة اخرى‪ ،‬أنها‬

‫‪158‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(النتيجة)‪ ،‬لم تنجح في التمييز بين تأكيد الحكم القيمي‪ ،‬وتاثير األحكام القيمية على تكوين‪ ،‬وتقييم‬
‫األحكام الواقعية‪.‬‬
‫بينما النتيجة ‪ :2‬فهي في شكل تعميم خاطئ لحقيقة‪ ،‬هي في األصل جزئيا صحيحة‬
‫)‪ .(Mongin, 2006‬إن َ‬
‫املالحظ في املنظومة املفاهمية االقتصادية‪ ،‬هو أن الكثير من املفاهيم مثل‬
‫مفهوم" العقلنة" من املفاهيم القيمية‪ ،‬في حين هناك مفاهيم أخرى أصيلة غير قيمية‪.‬‬
‫بناء على ما سبق فإن الفرضية األولى التي ترى بأنه (ال يمكن لعلم االقتصاد أن يكون خال من‬
‫أحكام القيمة)‪ ،‬يمكن األخذ بها‪ ،‬خاصة إذا أخذنا باالعتبار االقتصاد املعياري كمثال ومصدر‬
‫ألحكام العالم االقتصادي القيمية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬كون أن االقتصاد هو علم الثروة‪ ،‬أو علم بالثروة‪ ،‬أي أنه يهتم بكل ش يء له قيمة‪،‬‬
‫يعرف االقتصاد عادة بالعلم الذي يهتم بالرفاهية (الرفاه)‬ ‫ويجلب الثروة‪ ،‬وقابل للتبادل‪ ،‬لذلك َّ‬
‫املادي مرتبطا بالرغبة في تحصيل الثروة )‪ (Mill J. S., 2003‬وإن كان (التعريف) يجمع مختلف‬
‫الشعب التي تهتم بمختلف أشكال الثروة‪ ،‬والعوامل املؤثرة فيها‪ ،‬كاملناخ‪ ،‬والرقعة الجغرافية‬
‫وغيرها من العوامل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬كون االقتصاد علم املؤثرات على الرغبة في الثروة‪ .‬فعلم االقتصاد هنا يهتم بدراسة‬
‫نوع من السلوكات مثل‪ ،‬الخيارات التي نقوم بها لبعض األغراض لحاجتنا إليها دون غيرها التي‬
‫نضحي بها‪.‬‬
‫في هذه الحالة نتساءل فيما إذا يمكن لالقتصاد أن يعمل دون شكل من أشكال‬
‫األخالقيات؟ يقصد من وراء هذا السؤال إثبات ضرورة األخذ بالبعد األخالقي في العمليات‬
‫االقتصادية مهما كانت طبيعتها‪ ،‬لذلك يمكن الحديث عن ضرورة االنتقال النوعي من الوضعي في‬
‫االقتصاد إلى املعياري‪.‬‬
‫إن التفكير االقتصادي ليس تفكيرا مفرغا أخالقيا‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬فهو يمتثل‬
‫ّ‬
‫إلى منظومة أخالقية معينة‪ .‬فإذا كان املنظرون‪ ،‬واملفكرون االقتصاديون الوضعيون منهم خاصة‬
‫يقرون على الدوام بضرورة فصل املسائل املتعلقة بالفعالية ‪ ،L'efficacité‬أي ما يتعلق بالسؤال‪:‬‬
‫هل القرار أدرك غايته؟‪ ،‬عن املسائل املتعلقة بالشرعية‪ ، Légitimité‬أي ما يتعلق بالسؤال‪ :‬هل‬
‫الفعل ُمبررا؟ فهم بذلك يحاولون شجب األحكام القيمية‪ ،‬لكن‪ ،‬هم في الحقيقة وفي الوقت نفسه‪،‬‬
‫يقرون حكما قيميا‪ ،‬لذلك ُوجد من يفكر في ما يمكن أن نسميه االقتصاد املعياري ‪L'économie‬‬
‫‪ ،normative‬أمثال‪ ،‬املفكر والفيلسوف االقتصادي الهندي أمارتيا سن من خالل مؤلفاته حول‬
‫‪159‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫اقتصاد الرفاه‪ ،‬ونظرية الخيار االجتماعي‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪ ،‬وغيرها من املؤلفات التي تميز هذا‬
‫النوع من االقتصاد الذي يضع بعض املواصفات‪ ،‬ويحاول الكشف عن قدرة مختلف املبادئ‬
‫اإلتيقية املنقولة من فلسفة األخالق‪ ،‬ومن النقاش االجتماعي املعاصر‪ ،‬على فرض قيود وشروط‬
‫على املؤسسات االجتماعية مثل‪ :‬تكافؤ الفرص‪ ،‬ومحاربة الالمساواة‪ ،‬والحق في التربية‪ ،‬وغيرها من‬
‫القيم (سن‪ ،1998 ،‬الصفحات ‪.)10-1‬‬
‫ومن املفكرين الذين تحدثوا عن حقيقة العلوم االقتصادية وبيان الجانب املعياري القيمي‬
‫فيها الفرنس ي ليون ويلريس ‪ )1910-1834(Léon walras‬الذي يؤكد في مؤلفه‪Eléments " ،‬‬
‫)‪" "d'économie politique pur (1874‬عناصر االقتصاد السياس ي الخالص" على ضرورة إحداث‬
‫توازن اقتصادي عام بين التنافس الذي يؤدي إلى تطور ونمو الثروة من جهة‪ ،‬واألخالق التي ترشدنا‬
‫إلى كيفية تحقيق عدالة في توزيع هذه الثروة‪ .‬كذلك يمكن اإلشارة‪ ،‬إلى املفكر االقتصادي البريطاني‬
‫بيجو ‪ )1959-1877(Arthur Victoria Cecil Pigou‬الذي كتب عن اقتصاد الرفاه ‪L’économie‬‬
‫‪ du bien-être 1920‬والذي في نظره ال يتحقق إال بتدخل الدولة في إحداث نوع من التوازن املسبق‬
‫بين األخالق واالقتصاد‪.‬‬
‫ربما تدعونا كل هذه النماذج إلى إعادة النظر في تحديد معايير العدالة االجتماعية‪ ،‬وفي‬
‫هذا الصدد‪ ،‬يتحدث الفيلسوف األمريكي جون رولس ‪ )2002-1921( John Rawls‬في كتابه " ‪A‬‬
‫‪" "theory of justice‬نظرية العدالة" (‪ )1971‬عن ذلك التوازن الذي يتحقق باإلنصاف بين‪:‬‬
‫الفعالية االقتصادية‪ ،‬والحرية السياسية‪ ،‬وأولوية العدالة في الرفاه‪ ،‬وهي طريقة يقحم بها‬
‫الفيلسوف البعد األخالقي في العالقات االقتصادية‪ ،‬كما أنها طريقة للتفكير في مجتمع عادل‪.‬‬
‫‪ -5‬الشك في علمية االقتصاد‬
‫بالرغم من التطور الذي شهده علم االقتصاد‪ ،‬سواء من حيث املنهج‪ ،‬أو من حيث النتائج‪،‬‬
‫يبقى الكثير من القضايا التي تحتاج إلى نقاش ابستمولوجي مثل‪ :‬هل ارتقى علم االقتصاد إلى‬
‫مصاف العلوم الطبيعية؟‬
‫في حوار مع السير كارل بوبر ‪Karl Popper‬حول االقتصاد‪ ،‬يجيب عن سؤال يتعلق بعلمية‬
‫االقتصاد مضمونه‪ :‬هل يمكن اعتبار االقتصاد علما حقيقيا؟ وهل هو علم منفرد‪ ،‬بعيدا عن‬
‫العلوم األخرى أم أنه متصل بها؟ انطالقا من فكرة القابلية للتكذيب التي يعتبرها بوبر معيارا‬
‫نكشف به عن وضعية أي علم من العلوم‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يشير بوبر في البداية إلى عدم إمكانية اإلجابة بشكل عام عن هذا السؤال‪ ،‬ويقصد بذلك‪،‬‬
‫عدم تعميم الحكم على كل االقتصاد‪ ،‬لذلك يرى بأنه يمكن اعتباره أحيانا غير علمي‪ ،‬أو البعض‬
‫من جوانبه املعروفة بأنها ليست علمية‪ ،‬ألنها ال تستوفي معايير وشروط اختبارها‪ ،‬بمعنى آخر‪ ،‬غير‬
‫قابلة لالختبار "مبدأ القابلية لالختبار" ‪ ،Testabilité‬أو أنها ال تستجيب لهذا الشرط بفعل‬
‫تعقيدها‪ ،‬ويرى بأننا في أغلب األحيان ال نعلم‪.‬‬
‫يعتقد بوبر في هذا املجال‪ ،‬أن التعقيد (تعقيد الظاهرة االقتصادية)‪ ،‬كثيرا ما يكون مجرد‬
‫"عذر" ‪ .Excuse‬ويتابع إجابته بقوله بأنه مهما يكن‪ ،‬يمكن الحديث عن علمية االقتصاد‪ ،‬لكن هذا‬
‫ال يغير في األمر ش يء‪ ،‬ألنه قليال ما تساهم النظريات االقتصادية في حل مشاكلنا العملية واليومية‪،‬‬
‫وتلكم هي املسألة الحقيقية‪.‬‬
‫يتواصل الحوار مع بوبر بسؤاله فيما إذا كان باإلمكان عرض االقتصاد على مبدأ القابلية‬
‫للتكذيب ‪ ،Falsifiabilité‬يجيب بوبر بأنه ممكن‪ ،‬بشرط أن يكون هناك ش يء نكذبه‪ ،‬مثلما فعل‬
‫كل من كيبلر وغاليلي‪ .‬من هنا‪ ،‬يعتقد بوبر بأن لهذا السبب ال أحد يتحمل مسؤولية توفر‬ ‫ٌ‬
‫االقتصاد على الشروط العلمية‪ ،‬وال يتعلق األمر هنا بالبحث عن املتسببين في هذه الوضعية‪ ،‬أي‬
‫املالئمة لألعذار وتجنب االختبارات‪.‬‬
‫إن املشكلة األساسية في نظر بوبر‪ ،‬تكمن في اهتمام االقتصاديون بعملية التوقع‬
‫العالم الذي يحاول إخضاع نظرية أو‬
‫(التوقعات) ‪ ،Anticipations‬وهذه العملية تشكل عائقا أمام ِ‬
‫فرضية اقتصادية‪ .‬ثم إن تعقيد الحياة اإلنسانية وغناها العجيب ثقافيا‪ ،‬وقوة اإلنسان اإلبداعية‬
‫وعبقريته من جهة‪ ،‬والالحتمية ‪ Indéterminisme‬التي يخضع لها اإلنسان من جهة أخرى‪ ،‬ال يترك‬
‫مجال للشك في فشل أي محاول تنبؤ بمستقبله‪ .‬يقدم بوبر مثاال عن اختراع اإلنسان للحاسوب‪،‬‬
‫وللقنبلة الذرية‪ ،‬هذه االختراعات وأخرى لم يتنبأ بها علماء املستقبل ‪ .Futurologues‬فإذا كانت‬
‫هذه املظاهر (مظاهر العجز والتعقيد) تميز العلوم الطبيعية‪ ،‬فما هو الحال بالنسبة للعلوم‬
‫االجتماعية واإلنسانية‪.‬‬
‫وهو يجيب عن سؤال عالقة االقتصاد بالعلوم األخرى السياسية مثال‪ ،‬يرى بوبر بأن هناك‬
‫ترابط بينهما‪ ،‬واألكثر من ذلك‪ ،‬كال منهما متعلق باآلخر‪ ،‬وهذا ما أكد عليه كارل ماركس‪ ،‬وإن كانت‬
‫نظرته أحادية التوجه‪ ،‬أي تأكيده على قوة تأثير االقتصاد على السياسة‪ ،‬لكن اليوم‪ ،‬في نظر بوبر‪،‬‬
‫يمكن الحديث عن التاثير العكس ي أي تأثير السياسة على االقتصاد‪ ،‬بمعنى‪ ،‬ال يكون هناك تبادل‬

‫‪161‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تجاري مثال‪ ،‬من دون قرار السياس ي‪ ،‬وال يمكن القضاء على املضاربة أو االحتكار‪ ،‬أو السوق‬
‫املوازية إال إذا كانت هناك إرادة سياسية‪.‬‬
‫إن املشكلة في نظر بوبر تكمن في قدرة‪ ،‬وطريقة تدخل الدولة في هذه القضايا االقتصادية‪،‬‬
‫ألن محاولة القضاء على الظواهر‪ ،‬قد يؤدي إلى كثير من العواقب السيئة اجتماعيا باملوازاة من‬
‫زيادة الفقر‪ ،‬وتسلط اإلدارة من خالل البيروقراطية التي تمارسها على املواطنين‪ ،‬وظهور التفاوت‬
‫الكبير بين الناس‪ ،‬وهو ما نالحظه في املجتمعات املتخلفة خاصة )‪.(Angélique, 1986‬‬
‫‪ .6‬علم االقتصاد علم انساني (اإلنسان االقتصادي ‪)Homo œconomicus‬‬
‫إن كلمة علم التي تسبق االقتصاد ال تعبر بالضرورة عن الطبيعة العلمية لهذا املجال‪ ،‬أي‬
‫تلك التي تميز علوم املادة (العلوم الطبيعية)‪ ،‬من موضوع وهو املادة‪ ،‬ومنهج‪ ،‬وهو االستقراء‬
‫العلمي املخبري‪ ،‬والحتمية أو الضرورة في تفسير ظواهر الكون‪ .‬في حين مالزمة كلمة علم ملوضوع‬
‫االقتصاد ليس مجازا‪ ،‬وال اعتباطا‪ ،‬بل هو تعبير عن حقيقته باعتباره علم من نوع آخر‪ ،‬أي علم‬
‫إنساني بالرغم من واقعيته‪ ،‬وقد ّبينا ذلك من خالل الحديث عن طبيعة كل من موضوعه‪،‬‬
‫ومنهجه‪ ،‬ونتائجه‪ ،‬ومعيار صدق هذه النتائج‪ ،‬كما سنبين ذلك من خالل الحديث عن االنسان‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫في كتابه السوسيولوجيا واألنثروبولوجيا ‪ 1950 Sociologie et anthropologie‬يصف‬
‫ماسل موس ‪ Marcel Mauss‬اإلنسان االقتصادي قائال بأنه ليس قبلنا‪ ،‬بل هو أمامنا‪ ،‬مثل إنسان‬
‫األخالق والواجب‪ ،‬مثل إنسان العلم والعقل‪ .‬لقد كان لزمن طويل‪ ،‬ش يء آخر‪ ،‬وليس ببعيد هو‬
‫آلة‪ ،‬أكثر تعقيدا من اآللة الحاسبة )‪ .(Mauss, 1983, p. 272‬فهو فرد نتاج مجتمع ليبرالي‪،‬‬
‫ووسائلي‪ ،‬وهو الفرد املتحرر من الوحدة األسرية والدينية‪ ،‬ناضج في تفكيره‪ ،‬وفي خياراته األخالقية‪،‬‬
‫وهو الفرد الذي ال يكتشف معنى وغاية أفعاله إال في ذاته‪ .‬وهو في آخر املطاف "آلة حاسبة" ‪Une‬‬
‫‪ machine à calculer‬وحدث (حقيقة) اجتماعي تام ‪ .(Laval, 2007) fait social total‬إن‬
‫الدراسات التاريخية للفكر االقتصادي كشفت عن بعض العوامل التي صنعت اإلنسان‬
‫االقتصادي‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬متطلبات التجربة الحسية للجسد‪.‬‬
‫‪ -‬تعارض املصلح الشخصية مع املصلحة العامة‪.‬‬
‫إن املتأمل في هذه املسائل ال يجد شكا في اعتبارها ذات بعد إنساني وبالتالي فهي غير قابلة للحل إال‬
‫في إطار دراسات العلوم اإلنسانية مما يدفعنا إلى التأكيد على البعد اإلنساني في العلوم‬
‫‪162‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫االقتصادية‪ .‬ومما يزيد تأكيدا لهذه الفكرة هو نظرة جون ستيوارت ميل لالقتصاد السياس ي على‬
‫أنه علم يهتم بالثروة‪ ،‬وأن اإلنسان االقتصادي‪ ،‬ما هو إال الكائن الذي تتحكم فيه‪ ،‬وال تحركه إال‬
‫الرغبة في تحصيل الثروة‪ .‬وهو اإلنسان الذي وصفه جون ستيوارت ميل بعدة مواصفات نذكر‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ -‬إنه اإلنسان الذي يحسن الحكم على الوسائل التي تحقق له غاياته‪.‬‬
‫‪ -‬إنه اإلنسان الذي يبحث عن املتعة املباشرة بالرغبات الثمينة‪.‬‬
‫‪ -‬إنه اإلنسان الذي يسكنه النفور من العمل‪.‬‬
‫‪ -‬إنه اإلنسان الذي يفضل الثراء األكبر عن الثراء األصغر‪.‬‬
‫هذه الصفات‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬توحي بالطابع النظري التجريدي في الفكر االقتصادي لجون ستيوارت‬
‫ميل‪ ،‬وهذا يزيد تأكيدا للطابع اإلنساني في علم االقتصاد السياس ي )‪.(Guy, 2017‬‬
‫‪ -7‬البعد األخالقي في االقتصاد‬
‫يعرف بعض االقتصاديون االقتصاد على أنه‪" :‬العلم الذي يهتم بدراسة السلوك اإلنساني من‬ ‫ّ‬
‫خالل العالقة بين الوسائل والغايات ‪ .(Robins, 1947, pp. 17-35) "...‬إن هذا التعريف ال يترك‬
‫مجاال لالعتبارات األخالقية إال القليل‪ ،‬لكن األحكام التي نصدرها حول سلوك األخالقي للممثلين‬
‫االقتصاديين‪ ،‬تؤكد عكس ذلك‪ ،‬سواء نظرنا إلى املقاصد والنيات‪ ،‬أو نظرنا إلى النتائج‪ ،‬فكالهما‬
‫يدل على تأثير القيمة األخالقية‪.‬‬
‫غالبا ما ُيتهم االقتصاديون على أنهم يدافعون عن األنانية واملصلحة الخاصة‪ ،‬ويتغاضون عن‬
‫القيم التي تدعوا إلى االحترام واألمانة وغيرها‪ ،‬لكن‪ ،‬بالنظر إلى ما يخلفه النظام واملمارسات‬
‫االقتصادية من مظاهر سلبية وأزمات‪ ،‬يدعو هذا إلى التساؤل حول معايير تقييم الفعل‬
‫االقتصادي‪ ،‬ربما هذا الذي دفع أرسطو قديما إلى التساؤل حول توظيف املال؟ التوظيف‬
‫االقتصادي الحسن كوسيلة للتبادل‪ ،‬والتوظيف السيئ له‪ ،‬بادخاره أي ادخار املال من أجل املال‬
‫لغاية نفعية ذاتية أو ما أطلق عليه أرسطو )‪chrèmatistikos (Aristote, 1990‬‬
‫‪ .La chrématistique‬من هنا يأتي السؤال حول العالقة بين االقتصاد واألخالق على النحو التالي‪:‬‬
‫هل هناك ضرورة للتدخل بين الرفاه (العيش الكريم) واملس بالفضيلة؟ بل‪ ،‬هل هناك تناقض بين‬
‫اإلتقان (في املجال التقني االقتصادي)‪ ،‬واألخالق؟‪ ،‬بمعنى آخر‪ ،‬هل تتعلق األخالق بكل النشاطات‬
‫االقتصادية‪ ،‬أم تقتصر على بعضها؟‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫مبدئيا‪ ،‬ومظهريا‪ ،‬ليس هناك ما يشير إلى وجود صلة بين العالقات االقتصادية واألخالق‪،‬‬
‫فقد حاول علماء االقتصاد في أواخر القرن التاسع عشر العمل على إضفاء الطابع العلمي على‬
‫االقتصاد‪ ،‬الحر منها على الخصوص‪ ،‬قصد تفادي املسائالت اإلتيقية ‪Questionnements‬‬
‫‪ .éthiques‬لقد كان املذهب اآللي آنذاك‪ ،‬يبرر الوسائل املختلفة واملتطورة بالغايات حتى إن كانت ال‬
‫أخالقية‪ ،‬لذلك أتخذ االقتصاد جملة من الصفات منها‪:‬‬
‫‪ -1‬الفردانية الخالصة التي من املفروض أن يتصف بها املستهلكون واملنتجون واملتميزة بالعقالنية‪،‬‬
‫واألنانية‪ ،‬وحب املال (اهتمامها باملال)‪ ،‬إنها على حد تعبير الفيلسوف الفرنس ي أندري كونت‬
‫"سبونفيل" ‪ ) -1952 ( André Comte-Sponville‬الخطيئة األصلية للرأسمالية ‪Le pêché‬‬
‫)‪ ،originel du capitalisme (Comte-Sponville, 2004‬أو كما وصفها الطبيب والكاتب اإلنجليزي‬
‫برنارد دي ماندفيل ‪ )1733-1670( Bernard De Mandeville‬في قصيدته أسطورة النحل‪La 1‬‬
‫‪Fable des abeilles‬أو ‪ )1714( The Fable of the Bees‬التعطش للمال والثراء‪ ،‬وللكسب املادي‪.‬‬
‫‪ -2‬اختيار املمثلين أساسه حسابات شخصية قيمة‪/‬فائدة‪ ،‬أي وفقا للتضحيات والفوائد‬
‫املتاحة‪.‬‬
‫‪ -3‬ال تتم خيارات الفرد في هذا النظام وفقا لقراراته الخاصة في تداخلها مع قرارات اآلخرين‪،‬‬
‫من أجل بلوغ حالة من العيش الكريم‪.‬‬
‫‪ -4‬ما األخالق إال عقدا عمليا تتبناه جماعة‪ ،‬لكن وفقا ملصلحتها ومنفعتها الخاصة‪.‬‬
‫هذه الصفات دفعت البعض إلى االعتراض على النظام الرأسمالي الليبيرالي‪ ،‬بحكم أنها تتجسد‬
‫فيه‪ ،‬وكونه اليوم أكثر انتشارا‪ ،‬يمكن تلخيص هذه االعتراضات في ثالث مالحظات‪:‬‬
‫‪ -1‬إن البحث عن اللذة واملنفعة يعارض الرؤية الكانطية التي ترفض إقامة األخالق على‬
‫املنفعة واملصلحة الخاصة‪.‬‬

‫‪ 1‬حيتوي هذا الكتاب على جمموعة من تصورات للمبادئ االقتصادية أصبحت فيما بعد على يد آدم مسيث نظرايت‬
‫وضوحا مثل‪ ،‬نظرية اليد اخلفية (أشرت إليها من قبل) ونظرية تقسيم العمل‪.‬‬
‫ً‬ ‫اقتصادية أكثر‬

‫‪164‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫تعرف العقالنية االقتصادية‪Rationalité économique 1‬على أنها سلوك يكيف‬ ‫‪ -2‬غالبا ما ّ‬
‫الوسائل مع الغايات‪ ،‬لكن املتعاملين االقتصاديين ال يبالون بالوسائل والطرق املستعملة لبلوغ‬
‫ُ‬
‫غاياتهم )‪ .(Popper, 1967, pp. 142-150‬ففي مجال آلية اقتصاد السوق‪ ،‬إذا خ ِّير املتعامل‬
‫االقتصادي بين عملية تجارية مضمونة النتائج وكثيرة الربح لكن بطرق غير اخالقية‪ ،‬وبين عملية‬
‫تجارية قليلة الربح‪ ،‬لكن بطرق أخالقية‪ ،‬ألختار األولى‪.‬‬
‫‪ -3‬يبني املتعامل االقتصادي أحكامه‪ :‬تكلفة ‪ /‬فائدة على أساس التمرد‪ ،‬وهو سلوك جد‬
‫عقالني بالنسبة له‪ ،‬ذلك إن في مجال املعامالت واملمارسات االقتصادية األحكام األخالقية واألدبية‬
‫غير رائجة‪ ،‬وبالتالي معيار البحث عن الفائدة ال يتالءم مع احترام الواجبات األخالقية‪ ،‬أو حتى مع‬
‫أن نكون عادلين‪ ،‬فقد أشار كارل ماركس ‪ Karl Marx‬إلى ذلك في نقده للرأسمالية حين تحدث عن‬
‫االستغالل البشع للعمال مقابل أجر زاهد يحفظ لهم حق البقاء أحياء ليس إال‪.‬‬
‫‪ -4‬كما أن أصحاب املال والشركات‪ ،‬وهم يجتنبون املنافسة ال يمتنعون عن تحويل منتوجهم‬
‫ونقله‪ ،‬وهذا ما أشار إليه آدم سميث في قوله‪ ":‬ليست لطف ورحمة الجزار‪ ،‬أو صانع الخمر‪ ،‬أو‬
‫الخباز هو الذي يجعلنا ننتظر عشاءنا‪ ،‬بل حيرتهم على مصلحتهم وفائدتهم" ‪(Smith, 2001, p.‬‬
‫)‪.19‬‬
‫‪ -5‬ال يعمل املمثلون االقتصاديون على الدفاع عن قيم الوحدة والتعاون‪ ،‬وال عن حماية‬
‫البيئة‪ ،‬أو التفكير في مستقبل األجيال‪ ،‬ألن قواعد أخالقيات وأدبيات املهنة‪ ،‬والدراسات املتعلقة‬
‫باملسؤولية االجتماعية والبيئية " ‪ responsabilité sociale et environnementale"RSE‬أو ما‬
‫يعرف باملسؤولية االجتماعية للشركات‪ 2"RSC"responsabilité sociétale des entreprises‬ال‬
‫تجعل من اإلطار اإلطيقي إطارا مفروضا إال من الخارج‪ ،‬أي ظاهريا فحسب وهو ما شجع‪ ،‬في نظر‬
‫البعض‪ ،‬على تطور املمارسة االقتصادية خاصة منها التجارة‪.‬‬

‫‪ 1‬من املنظور االقتصادي تعد العقالنية قدرة على حتقيق برانمج شخصي‪ ،‬ابختصار‪ ،‬تقال على املستهلك حني حياول‬
‫االستفادة إىل أقصى حد من أجره خاصة حني يكون هذا األخري زهيدا‪ ،‬وتقال على املنتج حني حياول التقليل من تكاليف‬
‫اإلنتاج‪ ،‬أو حتقيق قدر أكرب من الربح من خالل املنتوج القليل‪.‬‬
‫‪ 2‬تعد سياسة املسؤولية االجتماعية للشركات مبثابة آلية التنظيم الذايت من خالهلا يتم رصد وضمان التزامها ابلقانون واملعايري‬
‫األخالقية والدولية‪ ،‬ويكون من شأن رجال األعمال تبين املسؤولية فيما يتعلق بتأثري أنشطتها على البيئة واملستهلكني‬
‫والعاملني‪ ،‬بشكل عام حماولة التوفيق بني ثالث مصاحل‪ :‬الناس والكوكب والربح‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يتواصل النقاش في مسالة أخالقية النظام االقتصادي وبالتحديد النظام االقتصادي‬
‫الراسمالي ففي إحدى املناقشات التي دارت بين "سبونفيل" ‪ Sponville‬وميشال "أونفراي" ‪Michel‬‬
‫‪ Onfray‬حول كتاب "سبونفيل" هل النظام الرأسمالي أخالقي؟ ?‪Le capitalisme est-il moral‬‬
‫‪ 2004‬يستهل هذا األخير حواره باالعتقاد بأن النظام الرأسمالي ‪ Le capitalisme‬كان دوما منتقدا‬
‫وهذا لم يمنعه من التطور‪ .‬لقد كانت أول االنتقادات له من طرف الكنيسة في القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫وفي نفس الفترة من طرف كارل ماركس من خالل مؤلفه "رأس املال" ‪capital Le‬أما اليوم فإن هذا‬
‫النظام ينتقد من خالل مستويات ثالثة‪:‬‬
‫‪ -1‬على مستوى املستهلكين ‪ :Les consommateurs‬وهو نقد يتعلق باملمارسة‪ ،‬حول نوعية‬
‫السلع "اإلنتاج" والسعر‪.‬‬
‫‪ -2‬على مستوى املساهمين ‪ Les actionnaires‬وهو نقد يتعلق بالشؤون املالية‪ ،‬أي الفضائح‬
‫املالية املتكررة التي يتعرض لها النظام الرأسمالي‪.‬‬
‫‪ -3‬نقد على مستوى املناهضين للعوملة وللنظام الليبيرالي الجديد ‪،les altermondialistes‬‬
‫حيث يتهمونه بالال عدالة‪.‬‬
‫يبدأ "سبونفيل" نقاشه بالتساؤل حول معنى الرأسمالية أو النظام الرأسمالي الحر بقوله‪":‬‬
‫إنه نظام اقتصادي مبني على أولوية امللكية الخاصة لوسائل اإلنتاج‪ ،‬وحرية التبادل‪ ،‬وكذا حرية‬
‫السوق‪ ،‬وحرية األجور"‪ .‬في بلد رأسمالي تكون املؤسسة في خدمة من يمتلكونها‪ ،‬امللكية تعني‪ ،‬في‬
‫هذه الحالة‪ ،‬استغالل املساهمين فيها أكثر من الزبائن واألجراء‪.‬‬
‫بعد ما اقترح "سبونفيل" تعريف لالقتصاد الرأسمالي‪ ،‬يواصل في إعطاء معنى لهذا النظام‬
‫لكن هذه املرة من وجهة نظره الشخصية فيقول‪ ":‬إنه نظام اقتصادي يستخدم أمواله في كسب‬
‫أموال أكثر‪ .‬في بلد رأسمالي تذهب األموال إلى األغنياء أوال وليس إلى الذين هم بحاجة إليها أو‬
‫الفقراء")‪. (Onfray & Sponville, 2012, p. 1‬‬
‫من خالل هذه املالحظات يمكن إدراك حقيقة وهي أن هذا النظام هو أبعد ما يكون عن ما‬
‫تريده األخالق‪ ،‬وهذا األمر ليس ببسيط‪ ،‬فهناك ظواهر في هذا النظام تعد أخالقية‪ ،‬وأخرى غير‬
‫أخالقية‪ ،‬أما بالنسبة ل"سبونفيل"‪ ،‬فقد توصل‪ ،‬على حد تعبيره‪ ،‬إلى تمييز في كل املجتمعات‪،‬‬
‫أربعة حقول (مجاالت) أو كما يعبر عنها باسكال أربعة نظم مختلفة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ما يمكن تسميته باملجال التقني‪ -‬العلمي‪ Techno-scientifique‬مبني داخليا على أساس‬
‫التعارض بين ما هو ممكن‪ ،‬وما هو غير ممكن‪ ،‬ويعتبر االقتصاد جزء منه‪.‬‬
‫‪166‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ثانيا‪ :‬املجال التشريعي‪ -‬السياس ي ‪ Juridico-politique‬مبني داخليا على أساس التعارض بين ما هو‬
‫قانوني‪ ،‬وما هو غير قانوني‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬املجال األخالقي ‪ Morale‬مبني داخليا على أساس التعارض بين الواجب واملمنوع‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬املجال اإلطيقي ‪ Ethique‬مجال املحبة‪.‬‬
‫فإذا كنا نريد من النظام الرأسمالي أن يكون أخالقي أو أن يتحول إلى أخالقي‪ ،‬فإننا نريد من‬
‫ذلك أن يمتثل النظام التقني العلمي للنظام األخالقي‪ ،‬وهو أمر مستبعد إذا ما أدركنا اختالف‬
‫البنية الداخلية لكليهما‪ ،‬إن العلوم ليس لها أخالق‪ ،‬وال للتقنية كذلك‪ .‬من هنا يتساءل "سبونفيل"‬
‫كيف لالقتصاد أن يكون له أخالق وهو في الوقت نفسه علم وتقنية؟ لذلك يخلص إلى القول‪ ":‬إن‬
‫فكرتي األساسية هي أن االقتصاد ما هو أخالقي ‪ Moral‬وال هو ال أخالقي ‪ Immoral‬ألنه ال أخالقي‬
‫متطرف ‪(Onfray & Sponville, 2012, p. 2) ."Amoral‬‬
‫أما فيما يتعلق بـ "الخطيئة األصلية" للنظام الرأسمالي‪ ،‬فقد كانت بفعل عمله األناني‬
‫فقط‪ ،‬فهي كذلك أي خطيئة ‪ Péché‬من الوجهة األخالقية‪ ،‬لكن من الوجهة االقتصادية هي‬
‫فضيلة ‪.Vertu‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫حاوره ومناقشه‬ ‫إن هذا التعريف الذي قدمه "سبونفيل" حول الرأسمالية لم يرض ي م ِ‬
‫ميشال "أونفراي" ‪ Michel Onfray‬الذي أيده في اعتبار النظام الرأسمالي حرية امتالك وسائل‬
‫اإلنتاج‪ ،‬لكن هذا التعريف بالنسبة له هو تعريف ماركس ي تجاوزه الزمن‪ ،‬ومنه يتساءل فيما إذا‬
‫كان الخباز مثال الذي يمتلك مخبزة رأسمالي؟ بهذا التساؤل يشكك "أونفراي" في تعريف "سبونفيل"‬
‫للرأسمالية ألن في اعتقاه يكون مفهوم هذا النظام قد تطور وبالتالي يدعونا اليوم إلى إعادة التفكير‬
‫فيه‪ ،‬كما أننا ملزمون بالتمييز بين الرأسمالية والليبرالية ‪.capitalisme et le Libéralisme Le‬‬
‫فالليبرالية في نظر "أونفراي" تمكن الرأسمالية من أن تفعل ما تريد‪ ،‬وكيف ما تريد‪ ،‬دون ضوابط‬
‫إتيقية (أخالقية) وال أخالقية‪ ،‬وال معارضة بما أننا في مرحلة ليبرالية‪.‬‬
‫تسمح الليبرالية للرأسمالية بخلق الثروة (املال)‪ ،‬بواسطة توظيف املال‪ ،‬أي االستفادة من‬
‫الفقر الراهن الذي يعيشه املجتمع ‪ Paupérisation‬بمعنى آخر وعلى حد قوله‪ ":‬إن شرط ِغنى‬
‫الغني هو فقر الفقير" )‪ ،(Onfray & Sponville, 2012, p. 3‬ليس هذا على املستوى الوطني‬
‫فحسب‪ ،‬بل على املستوى الكوني كذلك‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق "بالخطيئة األصلية" إن وجدت‪ ،‬فإنها تتمثل في القوة الكبيرة التي تمنحها‬
‫الثروة واملال هذا في نظر "أونفراي"‪ ،‬إن ما نالحظ يوميا من طب‪ ،‬وصحة‪ ،‬وثقافة‪ ،‬وسكان‪ ،‬وطرق‬
‫‪167‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫للعيش كلها مرهونة بمقدار الثروة واألموال موظفة من طرف املحركين لهذه اآلليات‪ ،‬ومنه فإن‬
‫"الخطيئة األصلية" تتمثل في امتالك املال ومنه امتالك العالم‪ ،‬وأن امتالك الكثيرمن املال‪ ،‬يعنى‬
‫امتالك الكثيرمن العالم‪.‬‬
‫أن يعمل النظام الرأسمالي على أساس املصلحة‪ ،‬هو دليل على أنه غير أخالقي‪ ،‬لكن هذا ال‬
‫يعني أنه ناكر لكل القيم‪ ،‬ذلك أن ما نسميه بـ "الخطيئة األصلية" املتمثلة في األنانية واملال‪ ،‬هو في‬
‫الحقيقة "الخطيئة األصلية لإلنسانية" ‪ Le pêché originel de l'humanité‬لم ينتظر البشر حلول‬
‫النظام الرأسمالي حتى يتحولوا إلى أنانيين وبشعين (طماعين)‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بقول "أونفراي" حول الليبرالية التي تسمح للرأسمالية بأن تفعل ما تشاء‪،‬‬
‫وكيف ما تشاء فإن "سبونفيل" ال يؤيده الرأي ألن الرأسمالية في منطلقها‪ ،‬في نظره‪ ،‬خضعت‬
‫للقانون‪ ،‬وهذا هو الفرق بين اقتصاد رأسمالي واقتصاد املافيا‪ .‬ثم أن خلق املال بتوظيف املال‪،‬‬
‫على أساس فقر الناس هو أمر يعارضه "سبونفيل"‪ ،‬ويرى بأن هذا النظام (الرأسمالية) استفاد‬
‫منه الفقراء بشكل واضح‪ ،‬ذلك أن ذوي الدخل األدنى اليوم ‪ Rmiste‬هم أحسن بكثير من فقراء‬
‫القرن التاسع عشر (ق‪ ،)19‬وهي ذي املفارقة في الرأسمالية‪ .‬يقول "سبونفيل"‪":‬إن الرأسمالية‬
‫ليست أخالقية‪ ،‬وأن األخالق ليست مربحة‪ ،‬لهذا نحن بحاجة إلى كليهما‪ ،‬وبينهما"‪ .‬بمعنى‪ ،‬نحن‬
‫بحاجة إلى القانون‪ ،‬وإلى السياسة‪ ،‬والعمل معا من أجل إدخال نوع من الحدود والنظام للسوق‪.‬‬
‫لم يتوقف "أونفراي" عن مناقشة مشكلة أخالقية النظام الرأسمالي من عدمها‪ ،‬فيرد على‬
‫"سبونفيل" معتقدا أن األخالق ال تأتي من الرأسمالية فحسب‪ ،‬بل يمكن أن تكون من الدولة‪،‬‬
‫لذلك علينا إعادة التفكير في الدولة‪ ،‬مثلما أننا مطالبون بإعادة التفكير في النظام الرأسمالي‪ ،‬ألن‬
‫ّ‬
‫الدولة هي القادرة على إرجاع القوة للضعفاء‪ ،‬ثم أننا لو سلمنا بأن الرأسمالية تساهم بشكل كبير‬
‫في خلق فئة ذوي الدخل وإخراج الناس من دائرة الفقر‪ ،‬فال يعني هذا أنها تدافع عن الفقراء‬
‫ُ‬
‫وتتقبلهم‪ ،‬بمعنى آخر ال تقسم الكعكة على آخرها وبشكل متكافئ‪ ،‬فالبعض ينال الحصة األكبر‪ ،‬في‬
‫حين العض اآلخر ال ينال إال القليل منها‪ .‬في نظر "أونفراي"‪ ،‬كل ما تعمل عليه الرأسمالية هو خلق‬
‫نفايات اجتماعية ‪( Déchets sociaux‬مهمشين اجتماعيا) من أجل العمل الجيد آللته‬
‫الالأخالقية‪ ،‬وبالتالي تحقق الفائدة‪ ،‬وفي املقابل‪ ،‬تترك املصاريف للدولة لتسيير هذه النفايات‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ال تتأتى األخالق من السوق‪ ،‬هذا ما يتفق فيه "سبونفيل" مع "أونفراي"‪ ،‬وال تتأتي من‬
‫الدولة كذلك‪ ،‬ألن هذه األخيرة ليس من اختصاصها تقرير الخير والشر‪ ،‬بل إنها هنا لكي تحدد ما‬
‫هو قانوني وما هو غير قانوني‪ ،‬فوظيفة الدولة قانونية ومنه األخالق تكون على حساب األفراد‪.‬‬
‫يعلق "سبونفيل" على كتابه قائال‪ ":‬في الحقيقة جوهر فكرة كتابي "هل النظام الرأسمالي‬
‫أخالقي؟ هو رد املسؤولية األخالقية إلى األفراد" )‪ ،(Onfray & Sponville, 2012, p. 3‬ثم يسأل عن‬
‫منبع األخالق إن لم تكن متأتية من ماض ي املجتمع‪ ،‬أو مما يسميه فرويد ‪ Freud‬األنا األعلى ‪Le‬‬
‫‪ surmoi‬في تشكيلها حتى إن كان فعاال‪.‬‬
‫آخر سؤال طرح على "سبونفيل" يتعلق بما يمكن قوله حول النوعية الجيدة للسلع املنتجة‬
‫من طرف مؤسسة ما‪ ،‬أال يمكن اعتبار هذا منتوج مطابق ملطلب أخالقي (إطيقي)؟ يجيب عنه‬
‫بالقول أن املؤسسة ترى أنه من صالحا أن تسلك سلوكا اقتصاديا يتطابق إلى حد ما مع قيمنا‬
‫األخالقية‪ ،‬وهذا طبعا يمنعنا من رفض هذه السلع واإلقبال عليها‪.‬‬
‫يتدخل "أونفراي" لإلجابة عن هذا السؤال‪ ،‬والنظر إلى هذا السلوك (سلوك املؤسسة‬
‫املنتجة) خداع وحيلة من حيل العقل‪ ،‬مما ال شك فيه أننا مستهلكون وما دام من الضروري أن‬
‫نستهلك‪ ،‬وما دمنا قادرين على االختيار فإنه من املعقول أن نختار بطريقة إطيقية (أخالقية) بين‬
‫منتوجين أو ثالث ما يولد شعورا إطيقيا على األقل‪ ،‬يقدم "أونفراي" دليال على مقاطعة الناس‬
‫ملنتوج معين ألنه مصنوع باستغالل لجهد األطفال والنساء وهذا سلوك املواطن‪ ،‬كما أن املؤسسة‬
‫مطالبة بأن تتبنى هذا السلوك أي سلوك املواطنة‪.‬‬
‫ال يمكن لالقتصاد أن يعمل من دون قواعد‪ ،‬فقد أظهرت التجربة أن الالأخالقية‪،‬‬
‫والتالعب‪ ،‬والغش‪ ،‬والكذب‪ ،‬وتبييض األموال وغيرها من العمليات االقتصادية تقف حجر عثر في‬
‫وجه السير الحسن للحياة العملية‪ ،‬فالفساد يعتبر من أخطر األمراض التي تقض ي على سلطة‬
‫الدولة في عملية التسيير االقتصادي‪ ،‬كما أنه يعتبر في بعض البلدان ذات النظام االستبدادي‪،‬‬
‫سببا في فقر الشعب ومعاناته اليومية‪ ،‬ناهيك عن تسببه في كثير من األزمات االقتصادية العاملية‪.‬‬
‫إن طغيان املصلحة الخاصة في املعامالت االقتصادية تؤدي في أغلب األحيان إلى العنف‬
‫والوحشية‪ ،‬وقد يتسبب هذا العنف في انتهاج أسلوب آخر نتيجة الخوف من نتائج فيعمل األفراد‬
‫إلى إنتاج املضادات الحيوية األخالقية منها توجيه املصلحة الخاصة إلى غايات تخدم الجماعة ومن‬
‫هنا تظهر املسؤولية األخالقية لالقتصاديين‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية (‪)Journal of Social and Human Science Studies‬‬
‫جامعة وهران‪ /02‬المجلد ‪ 11‬ع ‪2022 /06 /16 .03‬‬
‫‪ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫خاتمة‬
‫إن غاية علم االقتصاد هي بلوغ الدرجة العلمية التي تفصله عن أحكام القيمة‪ ،‬وهاجسه‬
‫هو أن يصبح شبيه بالعلوم الطبيعية بالرغم من أنها علوم متميزة كل ّ‬
‫تميز‪ ،‬كما أنه يدعونا إلى‬
‫تجنب التقديرات اإلتيقية واألخالقية في عملية التحليل االقتصادي‪ ،‬وااللتزام باملوضوعية‪ .‬يقول‬
‫روبن ‪ Lionel Robbins‬في كتابه "‪":)1923( "Principles of economics‬يهتم االقتصاد بالحقائق‬
‫الواضحة وممكنة التحديد‪ ،‬أما اإلتيقا فتهتم بالتقدير والواجب‪ ،‬إن مجالهما االستقصائي ليس في‬
‫نفس املستوى الخطابي‪ ،‬هناك فوهة منطقية بين تعميمات الدراسات الوضعية‪ ،‬وتلك املتعلقة‬
‫بالدراسات املعيارية‪ ،‬حيث ال يمكن للبراعة أن تخفيها‪ ،‬وال ش يء من املجاورة في الزمان وال املكان‬
‫يمكن أن يمألها"‪ .‬لذلك يعتقد البعض أن الالمساواة‪ ،‬واملنافسة القائمة على تبرير الغايات‬
‫بمختلف الوسائل ولو كانت غير أخالقية كالسرقة‪ ،‬والتحايل‪ ،‬والغش‪ ،‬هي الكفيلة لضمان‬
‫الحيوية االقتصادية والسير الحسن للعمليات االقتصادية‪ .‬قد يكون هذا صحيحا من الناحية‬
‫الدعائية‪ ،‬لكن الواقع يظهر عكس ذلك‪ ،‬ألن االقتصاد ال يمكن أن يعمل بشكل سليم دون أن‬
‫تميزه أدنى االعتبارات األخالقية‪ ،‬واإلنسانية‪ ،‬فإذا كانت النظريات االقتصادية ترجع املبادالت إلى‬
‫سبب عالقات اإلنتاج واالستهالك‪ ،‬فإن الواقع االقتصادي مبني أساسا على العالقات املتعددة‬
‫األبعاد بين األفراد‪ ،‬لذلك تعتبر القوانين االقتصادية غير كافية‪ ،‬ولو كانت شبيهة بالقوانين‬
‫الفيزيائية‪ ،‬والرياضية‪ ،‬ما لم ُيؤخذ باالعتبار البعد التاريخي واألخالقي للعالقات اإلنسانية‪ ،‬فيصبح‬
‫العمل شرعي ومطلوب‪.‬‬
‫ّ‬
‫وملا كان من الضروري أن تتمثل هذه الصفات في االقتصاد‪ ،‬فإنه بالضرورة ال يصنف على‬
‫أنه علم من العلوم اإلنسانية فحسب‪ ،‬بل علم من نوع خاص وذلك لخصوصية موضوعه‪،‬‬
‫ومنهجه‪ ،‬ونتائجه‪.‬‬
‫إن احترام أدنى القواعد األساسية في املعامالت ضروري لضمان السير الحسن القتصاد‬
‫البالد‪ ،‬بمعنى آخر مادام اإلنسان قائما على هذا النشاط (االقتصاد)‪ ،‬فإنه يضفي عليه من‬
‫خصوصياته ما يجعل منه مرآة تعكس كل أبعاده النفسية منها‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والسياسية‪،‬‬
‫والعقائدية وغيرها‪ ،‬وهذا ما ال يتوفر في الرجل اآللي وال اآللة الحاسبة‪.‬‬
‫*****‬

‫‪170‬‬
)Journal of Social and Human Science Studies( ‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية‬
2022 /06 /16 .03 ‫ ع‬11 ‫ المجلد‬/02‫جامعة وهران‬
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫املصادرواملراجع‬
‫ املراجع‬-1
‫ دار الكتاب الحديث للنشر‬:‫ عمان‬.‫ نادر إدريس التل‬:‫ األخالق وعلم االقتصاد ترجمة‬.)1998( .‫أمارتيا سن‬
.‫والتوزيع‬

Aristote .)1990( .Ethique à Nicomaque, Trad: Jules Tricot .Paris : Vrin.

Cantillon, R. (2011). Essai sur la nature du commerce en général. Paris: Institut Coppet.

Comte-Sponville, A. (2004). Le capitalisme est-il moral? Paris: Broché.

Guala, F. (2005). the Methodology of experimental économics. Newyork: Combridge UP.

Hausman, D. (1992). The inexact and separate science of economics. cambridge: Cambridge University Press.

Laval, C. (2007). L'homme économique: essai sur les racines du néolibéralisme. Paris: Gallimard.

Mankiw, G. N. (2015). Principe de l'économie. Paris: De Boeck.

Mauss, M. (1983). Sociologie et anthropologie. Paris: puf.

Mill, j. S. (1801). Principes d’économie politique, avec quelques-unes de leurs applications à l’économie social. Paris:
Guillaumin.

Mill, J. S. (2003). Sur la définition de l'économie politique. Paris: Broché.

Mill, J. S. (2010). Principes d’économie politique, avec quelques-unes de leurs applications à l’économie social, trad, Jean
Gustave Courcelle-Seneuil Tome 2. Paris: Broché.

Popper, K. (1967). La rationalité et le statut du principe de rationalité. Paris: Payot.

Robins, L. (1947). Essai sur la nature et la signification de la science économique : Traduit de L'Anglais par Igor
Krestovsky. Paris: Médicis.

Ross, D. (2014). Philosophy of Economics, In, Economics as Philosophy of science. Basingstoke: Palgrave Macmillan.

Smith, A. (2001). Recherches sur la nature et les causes de la richesse des nations, Volume 1. Paris: Guillaumin.

‫ املقاالت‬-2
Vernon, S. (1989). Theory,experiment and economics. The journalof economics perspective,( 03(01), pp. 151-169).

Angélique, B. (1986). Entretien sur l'économie avec sirKARL Popper. Revue Francaise d'économie, (1(2), pp. 55-64).

171
)Journal of Social and Human Science Studies( ‫مجلة دراسات إنسانية واجتماعية‬
2022 /06 /16 .03 ‫ ع‬11 ‫ المجلد‬/02‫جامعة وهران‬
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ‬
Clerc, D. (2005, Mars). Economie politique: La méthode de John Stuart Mill. L'Economie politique, (27(03), pp. 98-107).

Guy, B. (2017, janvier). L'économie politique, science expérimentale ou science abstraite et déductive ? Histoire de la
pensée économique, (3, pp. 267-285).

Mongin, P. (2006, Mai). Value juudgments and value neutrality in economics. Economica, (73(290), pp. 257-286).

Plott, C. (1991, Avril). will economics Become an experimental science? Southern Economic Journal,( 57(4), pp. 901-
919).

Serra, D. (2012, Mai). Un aperçu historique de l'économie expérimentale : des origines aux évolutions récentes.
l'Economie politique, (122(05), pp. 749-780).

.‫ املواقع اإللكترونية‬-3
Cozic, M. (2010). cnrs. Récupéré sur Cahiers de recherche de L'IHPST:
https://www.ihpst.cnrs.fr/sites/default/files/dri_2010_02.pdf

Mauss, M. (2002). Manuel d’ethnographie. Paris: "Les classiques des sciences sociales. Récupéré sur
http://classiques.uqac.ca/classiques/mauss_marcel/manuel_ethnographie/manuel_ethnographie.pdf

Mill, J. S. (2002). Système de logique déductive et inductive. Paris: Les classiques des sciences sociales. Récupéré sur Les
classiques des sciences sociales:
http://classiques.uqac.ca/classiques/Mill_john_stuart/systeme_logique/livre_1/systeme_logique_1.html

Munesa, F., & Callon, M. (2008). La performativité des sciences économiques. Paris: halshs-00258130. Récupéré sur HAL
archves-ouvertes: https://halshs.archives-ouvertes.fr/halshs-00258130/document

Onfray, M., & Sponville, A. c. (2012, mars 10). Over blog. Consulté le Novembre 4, 2020, sur Over blog:
http://banquetonfray.over-blog.com/article-michel-onfray-et-andre-comte-sponville-le-capitalisme-est-il-
moral-101301366.html

Onfray, O., & Sponville, A. C. (2012, mars 10). Onfray, Michel; Sponville, André Comte: Le capitalisme est-il moral ?
Récupéré sur Over blog: http://banquetonfray.over-blog.com/article-michel-onfray-et-andre-comte-
sponville-le-capitalisme-est-il-moral-101301366.html

Sen, A. (2009, juin 08). Nous devons repenser la notion de progrès.


https://www.lemonde.fr/planete/article/2009/06/08/amartya-sen-nous-devons-repenser-la-notion-de-
progres_1204007_3244.html?contributions. (A. Grégoire, & C. Laurence, Intervieweurs) Le monde. Consulté
le octobre 2020, sur Le monde: https://www.lemonde.fr/planete/article/2009/06/08/amartya-sen-nous-
devons-repenser-la-notion-de-progres_1204007_3244.html

172

You might also like