Professional Documents
Culture Documents
فلسفة الاقتصاد - علم الاقتصاد علم إنساني
فلسفة الاقتصاد - علم الاقتصاد علم إنساني
ملخص( :عربية)
إن الغاية األساسية من االقتصاد ،مثلما يقال ،هي تعليم الجياع كيفية الحصول على الغذاء ،وقد نجح في تحقيق هذه الغاية
ّ
في بعض املجتمعات ،إال أنه وبالرغم من ذلك يبقى النقاش اإلبستمولوجي حول قضاياه متواصل نتيجة ما لهذا العلم من
إخفاقات أثارت تساؤالت علمية ،وأخرى فلسفية تبعث على إعادة النظر فيه كنوع من التفكير ،وكعلم قابل للتطوير،
وكممارسة متعددة األبعاد ،سياسية ،واجتماعية ،واخالقية .يحاول املقال ،انطالقا من مبحث فلسفة العلوم ،تحليل الواقع
االقتصادي املبني أساسا على العالقات بين األفراد ،وبيان طبيعة هذه العالقات ،كما يهدف إلى توضيح صورة القوانين
االقتصادية ،ويحاول الكشف عن الطبيعة الحقيقية لهذا العلم .ومن خالل فلسفة االقتصاد ،يوضح املقال الطبيعة
األخالقية القيمية للمشكل االقتصادي ،التي تجعل منه علما من نوع خاص.
كلمات مفتاحية :علم االقتصاد؛ فلسفة االقتصاد؛ االقتصاد السياس ي؛ املشكل االقتصادي؛ االقتصاد
التجريبي.
)Abstract: (English
The main purpose of economics is to teach the hungry how to get food, and it has succeeded to achieve this goal in some
societies. However, because of the failures of this science, it has raised scientific questions, and other philosophical ones
which lead to reconsider it as a kind of thought and as a science which can be developed, as a multidimensional, political,
social and ethical practice. Based on the Philosophy of Science, this article attempts to analyze the economic reality
grounded primarily on the relationships between individuals, and to clarify the nature of these relationships. It also aims
to clarify the image of insufficient economic laws. Through the philosophy of economics, the article demonstrates the
nature of the ethical value of the economic problem, making it a science of a special kind.
Keywords : Economic science ; Philosophy of economics, Political economy ; The economic
problem ; Experimental economics.
145
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-1مقدمة
تحتل العلوم االقتصادية مكانة معتبرة في حياة الناس اليومية ،بحيث نجد كال من
ُ
مفاهيمها ،وإحصاءاتها ،وتنبؤاتها ،حتى نظرياتها تبث بشكل مستمر في األوساط االجتماعية لدى
الرأي العام الواسع ،وتساهم في توجيه الحياة االقتصادية والسياسية .وبالرغم مما حققه
ّ
االقتصاد من رفاه لبعض املجتمعات ،ومن تلبية لحاجة اإلنسان املادية ،إال أن النقاش
اإلبستمولوجي حول قضاياه لم تتوقف نتيجة ما لهذا العلم من إخفاقات تبعث على إعادة النظر
ّ
فيه كنوع من التفكير ،وكعلم قابل للتطوير .وملا كان الفيلسوف هو واضع األسس النظرية التي
تميز االقتصاد عن غيره من العلوم ،كان من حقه امتالك مشروعية التفلسف في قضاياه، ّ
وإشكاالته التي تتزامن مع تطوره بشكل دائم ،وهذا من خالل ما يمكن التعبير عنه بفلسفة
االقتصاد ،Philosophie de l'économieفي إطار مبحث فلسفة العلوم Philosophie des
،sciencesوعليه تحاول هذه الدراسة بيان طبيعة هذا علم ،وهل هو من مصاف العلوم
الطبيعية ،أم أنه علم من نوع خاص؟
فبالرغم مما يدعيه علم االقتصاد من دقة في التعامل مع قضاياه باستعمال مختلف
املناهج العلمية التجريبية ،وتوظيفه ملختلف الوسائل املادية ،والصورية كالرياضيات للتعبير عن
قوانينه ،اعتقادا أنه على خطى العلوم الطبيعية ،تبقى ممارساته ،وتطبيقاته الواقعية ال ترتقي إلى
هذا املستوى ،ألنه ببساطة يحاول تقنين عالقات إنسانية في إطار النشاطات االقتصادية
وصياغتها في شكل دوال رياضية ،وهو أمر من الصعوبة بما كان تحقيقه وذلك ملا تتميز به هذه
العالقات اإلنسانية من أبعاد تاريخية ،ونفسية ،وقيمية أخالقية ،وروحية.
بناء على ما سبق ،تندرج دراستنا ضمن مبحث فلسفة العلوم ،التي تحاول اإلجابة عن التساؤل
حول طبيعة علم االقتصاد ،من خالل النظر في مبادئه ،ومناهجه ،ونتائجه ومعيار صدقها ،وذلك
بتوظيف املنهج التحليلي على مفاهيمه األساسية ،وحول مفهومه بوجه خاص ،ثم تتبع مسار
تطوره من خالل استقراء بسيط لتاريخه ،وللمواقف الفلسفية .ومثل أي دراسة نحاول التوصل
إلى تجاوز إشكالية املوضوع املتعلقة بتصنيف علم االقتصاد واإلجابة عن السؤال أي علم هو في
ذاته؟ وننتهي إلى مناقشة نتائج هذه الدراسة امتثاال ملبدأ االختالف ،وملبدأ نسبية األحكام خاصة
في املجال الفلسفي.
146
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
إن الغاية من هذه الدراسة هي الكشف عن حقيقة هذا العلم ،وعن أبعاده الحقيقية التي يخفيها،
وعن التعارض املوجود بين ما هو نظري فيه ،وما هو تطبيقي (املمارسة) ،وتأرجح علميه باملعنى
التجريبي) بينهما.
-2مشكلة مفهوم االقتصاد
عادة ُيرجع مولد االقتصاد الحديث إلى القرن الثامن عشر وخاصة أعمال العالم االقتصادي
اإلرلندي كانتيون )1734-1680( Richard Cantillonفي مجال االقتصاد السياس ي الكالسيكي ،من
خالل كتابه املشهور " ،1730 "Essai sur la nature du commerce en généralأو إلى العاملين
هيوم ،وآدم سميث من خالل كتابه ،La richesse des nations 1776من هنا يصبح من الصعوبة
بما كان تحديد موضوعات االقتصاد؟ أي سلم أولوياته من :اإلنتاج ،واالستهالك ،والتبادل،
والتوزيع ،واملداخيل ،واملال ،والتشغيل وغيرها من املوضوعات التي يهتم بها.
ّ
في مقابل ذلك تزيد املسالة تعقيدا حين نقبل على إعطائه معنى أو مفهوم عام ،إال أنه يمكن
العثور مع جون ستيوارت ميل Millعلى بعض الخصائص التي هيمنة على الساحة االقتصادية في
القرن التاسع عشر (ق )19قدمها لعلم القتصاد السياس ي L'économie politiqueفي مقال كتبه
بين سنتي 1831-1830وكان عمره آنذاك أربعة وعشرين سنة ،تم طبعه بإنجليترا مع مقاالت أخرى
أربعة تحت عنوان Unsettled Questions of Political Economy""Essays on some :وقد ترجم
إلى الفرنسية Essai sur quelques questions pendantes d’économie politique"":املقاالت
األخرى لم يتم ترجمتها .لقد كانت هذه املقاالت الدافع القوي الهتمام ميل بالقضايا االقتصادية،
وقد تجلى ذلك من خالل كتابه:
" مبادئ االقتصاد السياس ي" Principes d’économie politique, avec quelques-unes de leurs
1848 applications à l’économie socialالذي نال شهرة كبيرة ،في أوساط املهتمين بالشؤون
ّ
االقتصادية نظرا الحتوائه على أهم األفكار النقدية التي وجهة للنظام االجتماعي آنذاك .سخر
ستيوارت ميل الجزء األول من هذا الكتاب لتعريف االقتصاد السياس ي والذي ضمنه قوله" :هو
العلم الذي ُي َع ِل ُم األمم كيفية تحصيل الثروة" .هذا التعريف ال يرض ي فيلسوفنا ،ألنه ال يميز بين ما
يتعلق بالعلم الذي ينتهج املالحظة ،ويهدف إلى الكشف عن القوانين ،وبين الفن .يقترح ميل تعريفا
ثانيا بقوله ":أن االقتصاد السياس ي يعرفنا على القوانين التي تتحكم في اإلنتاج ،والتوزيع واستهالك
الثروات" .هذا التعريف في نظر ميل ،حقيقة ال يخلط بين األجناس من علم وفن ،لكنه تعريف
واسع ألن هناك قوانين كثيرة تتحكم في عملية اإلنتاج ،منها قوانين كثيرة فيزيائية ،وأخرى تتعلق
147
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالزراعة ،وأخرى فيزيولوجية ،وغيرها من القوانين مع أنها ليست جزء من القوانين االقتصادية.
وبما أن هناك قوانين فيزيائية ،وأخرى أخالقية ،فإن االقتصاد يتعلق بهذه األخيرة ألنها "قوانين
الروح أو الفكر" ،Lois de l'espriوضمن هذه القوانين ،أو ما يمكن أن نسميها "مميزات الطبيعة
اإلنسانية" ،هناك ما يتعلق باإلنسان باعتباره "فرد خالص " Pur Individuفهي ،في هذه الحالة ال
تتعلق باالقتصاد بقدر ما تتعلق بالعواطف (الرغبات) واإلتيقا.
يقتض ي االقتصاد "إنسانا حيا في حالة اجتماعية" ،وهنا يمكن الحديث عن "االقتصاد
االجتماعي" L'économie socialeلإلشارة إلى هذه القوانين الروحية ،ذلك ألنها مهمة في عالقة
الفرد باآلخرين.
بناء على ما سبق ،يقدم لنا ميل تعريفة لالقتصاد السياس ي قائال ":االقتصاد السياس ي هو
العلم الذي يصف ظواهر املجتمع الناتجة عن تأثير العمليات املشتركة لإلنسانية من أجل إنتاج
الثروة ،ما دامت هذه الظواهر لم تتغير بفعل ُمؤثر آخر" ).(Mill j. S., 1801, pp. 1-2
من هذا التعريف يمكن استنتاج ما يلي:
أوال :االقتصاد هو علم الثروة ،من خالل اعتباره االقتصاد كعلم يبحث في القوانين التي
تضبط الظواهر االجتماعية املتأتية من األفعال املتنوعة لألفراد ،لغرض إنتاج الثروة ،شريطة أن
ال تتعرض هذه األفعال للتغيير نتيجة مؤثر آخر ،من هذا التعريف يمكن استنتاج بأن االقتصاد
ّ
ال يهتم إال بالثروة ،واعتبارها املحرك الوحيد وغاية أفعال األفراد .وأن االقتصاد بذلك ،هو العلم
الذي يهتم باملؤثرات على الرغبة في تحصيل الثروة ،ومنه ،فإن الظواهر ،وهي املوضوعات التي يهتم
بها االقتصاد مثل ،اإلنتاج ،واالستهالك ،والتبادل ،تحتوي على الرغبة في الثروة والتي غالبا ما تكون
العامل املهيمن .املالحظ أن هذا التعريف يتفق إلى حد ما مع ما قدمه العالم االقتصادي اإلرلندي
كانتيون )1734 -1680( Cantillonالذي جاء في كتابه "مقال في طبيعة التجارة بشكل عام" حديث
عن الثروة التي يجنيها اإلنسان عن طريق العمل من خالل استغالل ما تحتويه األرض والبحر من
خيرات
).(Cantillon, 2011, pp. 67-94
ّ
ثانيا :االقتصاد هو علم املؤثرات على الرغبة في الثروة املقدرة في ذاتها .إن عناصر االقتصاد،
أي املوضوعات التي يهتم بها والتي ذكرناها سالفا (اإلنتاج ،واالستهالك ،والتبادل وغيرها) ،هي
ظواهر غالبا ما توجهها الرغبة في الثروة .أحيانا يقابل االقتصاديون هذا التعريف الجوهري
بتعريف آخر اصطالحي ،مختلف عنه ،ال يقل أهمية عن األول ،وهو تعريف قدمه العالم
148
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
االقتصادي اإلنجليزي روبن )1984-1898( Lionel Robbinsوالذي يؤخذ به في كثير من البرامج
الجامعية ،قوله ":أن االقتصاد هو دراسة للسلوك اإلنساني باعتباره عالقة بين الغايات والوسائل
النادرة لالستعماالت البديلة") . (Robins, 1947, p. 30أي أن االقتصاد يستمد وحدته
وخصوصيته باعتباره يدرس بعض النماذج من السلوك مثل ،الخيارات التي نقوم بها لبعض
األغراض لحاجتنا إليها ،دون غيرها التي نضحي بها.
يستند تعريف روبين إلى مفهوم أكثر شمولية ،فكلما كانت هناك ندرة ،تعلق السلوك اإلنساني
بعلم االقتصاد .من هنا حاول املؤمنون بهذه املقاربة من علماء االقتصاد إثبات إمكانية تطبيقها في
جميع ميادين الحياة ،كميدان البيئة ،وميدان التكوين ،والحقوق ،والسباق إلى الحكم السياس ي،
وغيرها ،وليس فقط في مجال االقتصاد.
إن املقاربة االقتصادية التي تهدف إلى استغالل أقص ى للموارد النادرة ،أصبحت في نظر
البعض ،املفتاح لكل املداخل ،وأنها قادرة على تفسير مجمل السلوك اإلنساني ،وكذا القواعد
االجتماعية .تقترب هذه القناعة كثيرا من االعتقاد بأن كل فعل إنساني هو بالجوهر اقتصادي،
بمعنى أن خيارات اإلنسان من بين املمكنات املعروضة عليه ،تعبر عن محاولة تحسين مصيره.
بالرغم مما كان لهذه التعريفات من أهمية في تحسين وضعية االقتصاد ،على األقل من حيث
ّ
املفهوم والوظيفة ،إال أن ميل ال يعتبره (علم االقتصاد) شيئا أكثر من مجرد جزء صغير من العلوم
األخالقية ،تلك التي تهتم بتحصيل الثروة ،لذلك يرفض ميل أن يتخذ من هذا املبرر (تحصيل
الثروة) ،مدخال عاما للسلوك اإلنساني ،خاصة إذا تعلق األمر باالستجابة لقهر الحاجة ،أو هيمنة
الحاجة على حد تعبير "ماركس".
يركز ميل في كتاب مبادئ االقتصاد السياس ي 1848على التمييز بين االقتصاد االجتماعي
الذي يهتم باإلنسان في املجتمع ،واالقتصاد السياس ي L'économie politiqueالذي يهتم باإلنسان
الذي يسعى إلى الثراء في املجتمع .يعتقد ميل بأنه من غير املعقول أن يمض ي اإلنسان حياته بحثا
عن املال .إن الصورة املثلى للطبيعة اإلنسانية هي أن ال يكون فيها أحدا غني ،أو أن يتمنى أن يكون
غني على حساب جهد اآلخرين ففي الحياة أمورا أكثر أهمية من االقتصاد السياس ي (Mill J. S.,
).2010, p. 356
إن الطابع الذي أراد أن يعطيه ميل لالقتصاد ليس ماديا ،وال نفعيا ،وال استغالليا تماما ،بل
قدم لنا مفهوما لالقتصاد تتقاطع عنده اعتبارات أخرى إنسانية ،وأخالقية، على العكس من ذلك ّ
واجتماعية.
149
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما املقصود باالقتصاد إذن؟ ال يمكن الحديث عن تعريف واحد لالقتصاد ،بل تعريفات
متعددة ومتنوعة وفقا لألنماط االقتصادية من جهة ،وصيرورته التاريخية من جهة أخرى ،وقد
يكون السبب في تعدد التعريفات ،هو اختالف الفالسفة واملفكرين املؤسسين له كعلم ،وهذا يثير
مجموعة من التساؤالت حول وضعيته ،وعلميتة مما يستدعي نقاشا فلسفيا ظهرت مالمحه مع
مفكرين وعلماء اقتصاديين أنفسهم .يبقى أن الثابت في تعريف االقتصاد هو أن أصول هذه
الكلمة يونانية ،Oikonomosوتعني إدارة املنزل ،أو تسيير شؤون املنزل ،من كيفية االعتناء به ،إلى
طريقة اإلتقان وتحديد الخيارات بين املمكنات وغيرها من الوظائف املماثلة لتلك التي يتصف بها
عمل االقتصادي ،كالتحكم في اإلنتاج ،كم ننتج ،متى ننتج ،وكيف نوزع ،وكيف نستهلك.
إن هذه األسئلة تتطلب ،من جهة ،إجراءات ضرورية غير محدودة ،وموارد االقتصادية التي
تحت تصرفنا كاألراض ي ،والعقارات ،واآلالت والوسائل املتنوعة املحدودة ،كما تتطلب ،من جهة
أخرى ،إجابات قد نجد لها أثرا لدى املستهلك ،أو املؤسسة االقتصادية ،أو في املجال االقتصادي
بشكل عام.
في كثير من األحيان ،كما هو مالحظ ،تكون هذه اإلجابات محل نقاش واسع بسبب ما تثيره من
تحديات اجتماعية ،وسياسية ،خاصة إذا كانت املوارد قليلة أو نادرة .من هنا كانت القرارات التي
يتخذها املجتمع تعكس ما يمكن أن نسميه باملشكل االقتصادي ،Le problème économique
بحيث يلزم املجتمع باإلجابة عن ثالثة أسئلة أساسية:
-ماذا ينبغي علينا أن ننتج من خيرات ،وخدمات؟
-كيف ينبغي إنتاج هذه الخيرات والخدمات؟
-إلى من توجه هذه الخيرات والخدمات املنتجة؟
قد تكون اإلجابة عن هذه األسئلة سهلة إذا ما كانت املوارد متوفرة بحيث تلبي حاجة
املواطنين ،لكن األمر ليس على هذا الحال.
تصنف هذه املوارد إلى ثالثة أقسام كبري:
-األرض :La terreوتتمثل في كل املوارد الطبيعية في هذا العالم.
العمل :Le travailواملتمثل في الجهد اإلنساني ،الجسدي ،والفكري.
-رأس املال :Le capitalواملتمثل في التجهيزات ،والبنيات املستخدمة في إنتاج هذه الخيرات.
مما سبق يأتي تعريف االقتصاد في الشكل التالي ":االقتصاد دراسة تهتم بالطريقة التي بها
يدير املجتمع موارده النادرة" ).(Mankiw, 2015, p. 5
150
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الحقيقة ،ال يمكن اإلجماع على تعريف واحد ،فلو تأملنا التعريف األكثر استعماال
ومقتضاه ":أن االقتصاد هو دراسة ملجمل السلوك املتعلق باإلنتاج ،والتوزيع ،واستهالك للخيرات
والخدمات" ،فإننا نالحظ بأن هذا التعريف واسع بحيث تتقاطع فيه عدة أنشطة إنسانية التي
تدخل ضمن الخيارات االقتصادية ،والسياسية أو اإلتيقية .كما أن هذا التعريف يظهر حاجة
هذه األنشطة إلى بعضها البعض من جهة ،وتعذر تحديد طبيعتها ،من جهة أخرى ،هل تنتمي إلى
السجل االقتصادي ،أم السياس ي أم النفس ي ،وهي مشكلة بالنسبة لالقتصاد وللعلوم اإلنسانية
جميعها .ألجل ذلك يعتبر مفهوم االقتصاد من املشكالت التي يدور حولها النقاش ،ليس الختالف
التعريفات فحسب ،بل غالبا ما يدل تعريف االقتصاد على نمط تفكير صاحبه ،وانتمائه املذهبي
واإليديولوجي.
-3فلسفة علم االقتصاد
من املؤلفات الجديدة التي تواصل معها هذا النقاش 2014 Philosophy of Economics
للعالم االقتصادي األمريكي املتخصص في منهجية وفلسفة االقتصاد دون روس ،Don Rossفي
هذا الكتاب يدافع روس عن فلسفة االقتصاد ،وعن مفهومها ،ويوضح طبيعة االقتصاد بالنسبة
للعلوم االجتماعية األخرى ،ومما جاء في الفصل األول توضيح ملعنى فلسفة االقتصاد ،واإلشارة إلى
ضرورة عدم فصل معنى فلسفة االقتصاد عن املعنى العام لفلسفة العلوم ،هذه األخيرة في نظره
هي ذلك املنتوج الفكري الفلسفي الذي يرتبط في األصل بأعمال حلقة فينا ،Le cercle de vienne
ّ
والتي ركز على تحديد املعايير التي بها نميز بين العلم والال علم ،ويشير في مؤلفه إلى أن هذه املعايير
ّ
مشتقات من التطبيقات العلمية خاصة منها الفيزيائية ،التي شكلت آنذاك براديغم هذا التمييز
(بين العلم والال علم) ).(Ross, 2014, pp. 3-13
من التساؤالت التي يمكن أن تطرح في هذا املجال :ملاذا يعمل اإلنسان؟ ال شك أن هذا السؤال
يسمح للفيلسوف بالولوج إلى عالم االقتصاد ،ألن اإلجابة عنه ال تتطلب تصرفا علميا بحتا بقدر
ما تتطلب تفكيرا منظما في كيفية تحصيل املنفعة ،أو تلبية الحاجة لذلك فإن كل تصرف أو
سلوك يقوم به اإلنسان ،ال شك أن له بما في ذلك ،أبعاد اقتصادية .لذلك يقال" :إن الحصول على
الدخل هو القوة املحركة األساسية للنشاط اإلنساني".
-يتحدث الفيلسوف األمريكي دانيال هوسمان صاحب نظرية التوازن Théorie de l’équilibre
كمنهج في مجال االقتصاد الجزئي Microéconomieعن ثالثة حقول أساسية في فلسفة
االقتصاد:
151
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أوال :أن االقتصاد مثله مثل أي علم ،يشكل موضوعا للنقاش اإلبستمولوجي ( املعرفي)
واملنهجي (منهجية االقتصاد) .ويتضمن هذا الحقل التساؤالت التالية:
ُ
-كيف يمكن الربط (مطابقة) املنهج التجريبي مع الطريقة التي بها يبني االقتصاد ويمارس؟
-أي نوع من الحقيقة تطلبها النظريات االقتصادية ،هل تمدنا بمعرفة؟
-كيف يمكن لنا إثبات النظرية االقتصادية؟
-إلى أي مدى يمكن للنظرية االقتصادية االرتقاء إلى مصاف النظريات العلمية في مجال العلوم
الطبيعية؟
ثانيا :يثير االقتصاد تساؤالت حول عقالنية ونظرية الفعل االقتصادي في حالة ظهور فرضيات
في االقتصاد الحديث ،حول السلوك العقالني للعوامل (الشروط) االقتصادية Agents
. économiques
-التساؤل حول واقعية الفرضيات االقتصادية.
-حول مدى تأثر االقتصاديين باملعطيات التجريبية.
-هل تؤدي النظريات االقتصادية إلى قواننين؟
-إلى أي مدى يمكننا التنبؤ في مجال العلوم االقتصادية ،وهل يمكن الوثوق بهذه التنبؤات؟
-التساؤل حول مدى دقة نتائج االقتصاد العلمية؟
-التساؤل حول تطور وتقدم االقتصاد.
ثالثا :محاولة اإلجابة عن التساؤل حول ما إذا كان االقتصاد يوفر األدوات أو ما يمكن أن
نسميه مبادئ ومعايير تقييم (تقويم) املؤسسات ،والحاالت ،والعمليات االقتصادية ،وهي تساؤالت
تنتمي إلى حقل الفلسفة املعيارية وباألخص الفلسفة األخالقية ،والسياسية(Cozic, 2010, p. 1) .
وهي عبارة عن املساءلة األخالقية حول االقتصاد.
-كيف يمكن العيش معا؟
-كيف يمكن الحفاظ على التوازن بين املصلحة الخاصة واملصلحة العامة؟
-هل يمكن تحديد معنى الخير باملنفعة؟ )(Hausman, 1992, p. 1
من هنا يكون التناول االبستمولوجي لالقتصاد من خالل تبرير هذه التساؤالت ،ومنه يجوز لنا
الحديث عن مشروعية التفلسف في القضايا االقتصادية ،وبالتالي الحديث عن ابستمولوجيا
خاصة باالقتصاد .من حق الفيلسوف ،إذن ،التدخل في القضايا االقتصادية التي تستدعي عمال
ّ
عقليا فلسفيا ،ألن العالقات االقتصادية ما هي إال عالقات إنسانية ،ذلك أن الالمساواة
152
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحاصلة في مجال املمارسة االقتصادية ،كالالمساواة في تكافؤ الفرص مثال ،تشكل مشكلة
فلسفية بامتياز.
بناء على ما سبق ،يمكن القول بأن فلسفة االقتصاد علم االقتصاد ،غايتها الكشف عن
الطبيعة الحقيقية لهذا العلم ،وذلك من خالل الكشف عن طبيعة موضوعاته ،ومنهج تعامله مع
هذه املوضوعات ،ونتائجه ومعيار صدق هذه النتائج ،مما يدفعنا إلى النظر عن قرب في الركائز
التي يبنى عليها أي علم وهي :املوضوع ،املنهج ،والغاية أو النتائج.
أوال :من حيث املوضوع:
موضوع علم االقتصاد هو الظاهرة االقتصادية ،Le phénomène économiqueوليس من
السهل ضبط مفهومها بالشكل الذي تبدو عليه ،لذلك بعد االطالع على كثير من التعريفات ،وقع
اختيارنا على التعريف الذي قدمه مرسال موس وهو تعريف باملوضوع في كتابه " Manuel
) ،"d'ethnographie (1926بالرغم من أن هذا األخير يكون قد عرض مجموعة من التعريفات
ملجموعة من املفكرين االقتصاديين .يعتقد موس أن من بين كل الظواهر األخالقية ،تبقى
الظواهر االقتصادية أكثر الظواهر التزاما باملادية ،وبالرغم من أنها تصنف عادة مع الظواهر
ّ
املادية ،إال أنها تعبر عن تمثالت جماعية représentations collectivesبحيث تعرض موقف أفراد
املجتمع من املادة .وعليه فإن الظاهرة االقتصادية ،هي الظاهرة االجتماعية التي تنظم وتتحكم في
مجموعة من النشاطات التي تتعلق باألشياء الضرورية التي تسمى ممتلكات .biens Lesإن الجانب
االقتصادي لهذه الوقائع يميزها عن الفعل التقني املحض ،إنها عبارة عن خدمة باملقابل ،أو هي
ملكية متنقلة بين األشخاص ) .(Mauss, 2002, p. 93بمعنى ،الظاهرة االقتصادية ليس ظاهرة
مادية محضة ما دامت تعبر عن عالقات اجتماعية ،وإنسانية داخل املجتمع ،فهي من جهة أخرى
تعبر عن سلوك أخالقي ،والسلوك األخالقي هو سلوك إنساني بالرغم من أن مظهره مادي.
ثانيا :من حيث املنهج:
يتصف علم االقتصاد بكونه وحيد من نوعه بين مجموعة العلوم وذلك ملا يتميز به من
منهجية خاصة مختلفة عن تلك املعتمدة في هذه العلوم .هذا يفسر ،من دون شك ،ملاذا كانت
فلسفة االقتصاد ،واملنهجية االقتصادية ،فعال ،أقدم من هذا النشاط (االقتصاد) في حد ذاته.
كون االقتصاد من العلوم الجديدة التي تهتم بالفعل ،L'actionفقد كان مجالها الدراس ي البحثي
يصنفها كعلم اجتماعي ،أو أخالقي ،وبالتالي فإن اهتماماته بعيدة عن محاولة تفسير املادة ،لذا
كان يشكل في بدايته مجاال نظريا خصبا لكن ،تشوبه نوع من الفوض ى مما دفع اآلباء املؤسسون له
153
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى محاولة تنظيمه بداية من تعريفه ،إلى التفكير في منهجه قصد االرتقاء به إلى مصاف العلوم
الطبيعية املادية.
من بين املساهمين األوائل في وضع القواعد األساسية املنضمة لهذا العلم جون ستيوارت ميل
وذلك بتعريفه ،ووضع القواعد املنهجية له ويظهر هذا من خالل مقاله:
Essai Sur la définition de l’économie politique et sur la méthode d’investigation qui
lui est propre 1830-1831لقد سمح هذا املقال مليل بالكشف عن أهم املسائل اإلبستمولوجية
التي يثيرها بشكل عام ،مما سمح له باقتراح منهجية تستجيب إلى متطلبات الدفاع عن هذه
النظرية ،والتصدي لألحكام املسبقة والسريعة حول هذا العلم .يتضمن هذا املقال خطوات ثالث:
(التعريف -املنهج -الحدود) في التعامل مع خصوصية هذا العلم (علم االقتصاد السياس ي):
-التعريف :Définitionتعريف االقتصاد السياس ي ،وقد أشرنا إليه من قبل.
-املنهج :Méthode
يتحدث فيه عن االستقراء واالستدالل االستنتاجي ،ذلك أن االقتصاد السياس ي بالنسبة له
اقتصاد يفكر ،بل ينبغي عليه أن يفكر انطالقا من فرضيات وليس وقائع.
إن االقتصاد كمنهج يفتح باب املسائالت العامة في فلسفية العلوم واإلبستمولوجيا ،تلك
املتعلقة بطرق االستدالل ،وقيمة الحقيقة ملختلف أنواع األحكام ،هذه املسائل مثل :ما معنى أن
نعرف وكيف؟ تتردد باستمرار في مجال فروع االقتصاد كاالقتصاد القياس ي ،واالقتصاد التجريبي،
ونظرية القرارات ،ونموذج االقتصاد الكلي ،وتاريخ الفكر اقتصادي وغيرها من الفروع ،ثم إن
الطابع الرياض ي لهذا النشاط (االقتصاد) منذ ( )1890-1870فتح باب التفكير املنهجي املستمد من
اإلبستمولوجيات الكبرى املوروثة عن حلقة فينا .Cercle de Vienne
-الحدود :Limitesلم يعرض حقيقة فكرة االستنتاج إال بعد سنوات في كتابه Système de
) ،logique déductive et inductive (1843وقد كان يقصد بذلك ،التفكير انطالقا من فرضيات
شارحة ،أو إن شأنا أن نسميها "نماذج ،"Modèlesثم مقارنة نتائج هذه الفرضيات بالوقائع
).(Clerc, 2005
من هنا يقر ميل في مقاله ،بأن بفعل الشروط الكثيرة التي تؤثر وبفعل ضعف وسائل تقييم
التجارب ،فإن استخالصنا للنتائج يكون ضعيفا ،وبالتالي معرفتنا تكون محدودة ،ومنه فإن معرفة
الواقع تكون غير ممكنة ،ولهذا يبغي علينا العمل وفقا لرغبتنا ،مع العلم أن الرغبات كثيرا ما
تواجه باألسباب املشوشة التي يتعذر فكها.
154
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه النتيجة يؤكدها ميل في كتابه " "Système de logiqueفي قوله :ال يمكننا التأكد إلى أي
حد ،وإلى أي مستوى ،يمكن لسبب أن يعمل دون أن يتعرض الضطراب (Mill J. S., 2002, p.
) .492من هنا يمكن القول :أن مقاربة الواقع عن طريق االستنتاج تكون دائما جزئية في العلوم
األخالقية ،لكن بالنسبة مليل ،ينبغي أن ال يكون ذلك سببا في التخلي عن البحث ،وهذا ما حصل
من خالل التطور امللحوظ في علم االقتصاد وتفرعه إلى أنواع تحاول اعتماد التجريب كمنهج منها:
-االقتصاد التجريبي:
لقد كان مولد االقتصاد التجريبي نتيجة التطور الحاصل في نظرية القرار Théorie de la
décisionونظرية األلعاب .Théorie des jeuxيعزى تطور االقتصاد التجريبي إلى العاملين
االقتصاديين ،األمريكي فارنون سميث ،(Vernon, 1989) Vernon Smithواألمريكي اإلسرائيلي
دانيال كهنومان ،) -1934( Daniel Kahnemanاللذان ناال جائزة نوبل سنة 2002في مجال
االقتصاد التطبيقي ،وهو نوع من االقتصاد يقوم على اختبار السلوكيات االقتصادية الفردية أو
الجماعية ،وتحليل النتائج بواسطة اإلحصاء وذلك بتوظيف الطرق التجريبية املعمول بها في مجال
علم النفس.
من هنا يمكن القول بأن تطور االقتصاد التجريبي لم يكن ممكن إال بتوظيف الرياضيات،
واإلحصاء ،والتصاميم (املخططات) كأدوات تحليل وكموضوعات للبحث ،وقد كان التصميم أو
النمذجة Modélisationأكثر التطبيقات سببا في تطور االقتصاد التجريبي
).(Serra, 2012, pp. 751-752
يرتبط االقتصاد التجريبي بعدة ،مباحث أساسية تعتمد التجربة في دراستها نذكر منها:
-علم االقتصاد السلوكي mentale Economie comporteيهتم بدراسة تصرفات الناس في
الوضعيات االقتصادية ،غايته األساسية ،وصف ،ومحاولة فهم ،ملاذا يسلك الناس سلوك يبدو
غير معقول أو مفارق ملا تقول به نظرية (اإلنسان االقتصادي).
-علم االقتصاد العصبي Neuroéconomieمجال يقع عند التقاطع بين علم االقتصاد ،والعلوم
العصبية املعرفية ،يهتم بدراسة تأثير العوامل املعرفية واالنفعالية في اتخاذ القرار ،سواء عند
االستثمار ،أو عند التسويق ،أو عند االستهالك.
ّ
-الفاعلية La performativité :مصطلح استعمل ألول مرة من طرف فيلسوف اللغة
اإلنجليزي أوستن جون النجشو ( )1960-1911في كتابه ) Quand dire c'est faire (1962ويعرف
بأنه واضع نظرية أفعال الكالم.
155
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ُ
إن الخطابات التي تقدها النظريات االقتصادية ت َف ِع ُل النموذج الواقعي ،وتنظر إليه كفاعلية،
ّ
وأداء »:إن علم االقتصاد باملعنى الواسع للكلمةُ ،ي َّف ِع ُلُ ،ويش ِكل الواقع ،أكثر من النظر إلى طريقة
أدائه« )(Munesa & Callon, 2008
-مشكالت االقتصاد التجريبي املنهجية:
يثير االقتصاد التجريبي مشكالت منهجية متعددة ،من هذه املشكالت ما يتعلق بخصوصياته
مثل التوظيف املمنهج للحوافز املالية Motivations financièresالتي تميزه عن باقي العلوم
اإلنسانية منها علم النفس ) ،(Guala, 2005, pp. 239-263وكمثال على ذلك ،التجارب في مجال
السوق والتجارة التي تتناول دور الوسيط في هذه املؤسسة ،تستعمل الحوافز املالية تجريبيا
لغرض مراقبة بعض املالمح الفردية ،كالقيمة املضافة للخيارات ،مثلما أشار إلى ذلك آدم سميث
في حديثه عن نظرية القيمة ،Théorie de la valeurفي كتابه "بحث في طبيعة وأسباب ثروة األمم"
.1976
تعمل النظريات االقتصادية على محاولة تفسير والتنبؤ بالظواهر االقتصادية الواقعية ،فإذا
نجح اختبار هذه النظريات تجريبيا في املخبر ،ولو بطريقة غير واضحة ،فلماذا ال ينجح تطبيقها
خارج املخبر أي في امليدان؟ إن الطريقة التي يمكن أن نفهم بواسطتها هذه املشكلة ،أي مشكلة
التحقق من صدق التجارب ،مبنية على معطيين:
-املجال الذي نخصصه للنظريات االقتصادية.
-اإلجابة التي نقدمها عن سؤال املطابقة الخارجية ،أو إلى التواز ،أي مسألة معرفة ما هي
إمكانية استنتاج ظواهر اقتصادية واقعية ،من خالل ظواهر اقتصادية تجريبية؟ فإذا قمنا
بإقحام املعطيات السلوكية ضمن التجريب املخبري ،فإن اإلجابات التي نقدمها في مسألة املطابقة
الخارجية ،مهما كانت دقتها تضل جزئية ).(Plott, 1991
يقول العالم االقتصادي بلوث" :ينبغي تطبيق النماذج العامة املطبقة في مجال االقتصاديات
املعقدة ذات الوجود الطبيعي ،على الحاالت الخاصة البسيطة ،أما النماذج التي ال تطبق على هذه
الحاالت ،ال يمكن أن تكون نماذج عامة ،وبالتالي ال يمكن اعتبارها كذلك (أي عامة).إن النظريات
التي تؤدي إلى استنتاج أحكام مسبقة في املخبر ،ينبغي أن ترفض أو تعدل .بينما النماذج واملبادئ
التي تثبت وتبقى أثناء االختبار املخبري ،يمكن استعمالها في اإلجابة عن أسئلة تتعلق بالواقع"
).(Plott, p. 905
156
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحيلنا هذا القول إلى التساؤل حول الشروط التي تسمح بنقل النتائج املتحصل عليها من
املخبر إلى امليدان؟ إن الشرط األساس ي في هذه العملية ،هو املعرفة الدقيقة بالتجارب وبمجال
التطبيق الطبيعي ،وتكون الغاية من هذه العملية هي التأكد من أن السياقين تجمعهما أسباب
مشتركة كافية ،حتى نتمكن من االستدالل بواسطة املماثلة Analogieمن املخبر إلى امليدان .إن
الغاية من التجارب في نظر االقتصاديين ،هي أساسا الكشف عن هذه املماثلة أو املشابهة .تعتبر
الوضعيات التجريبية ليست جزء من مكونات املجال الخاص لالقتصاد (أي الظواهر املقصودة،
أو ما يمكن تسميته بالظواهر االقتصادية الطبيعية) ،أكثر من كونها تمثالت لهذا املجال ،تستعمل
لفهمه إلى جانب النمذجة واملحاكاة ،بمعنى آخر ،ما التجارب إال وسائط بين مجال االقتصاد،
والفرضيات التي يمكن أن تكون حوله ).(Guala, pp. 209-211
ثالثا :من حيث النتائج (ترييض االقتصاد)
ال ننكر مدى توظيف االقتصاد للرياضيات في التعبير عن قضاياه ،إال أن هذه امليزة ال تبرر
علميته ،فبقدر ما تضيف الرياضيات من دقة في الدراسات االقتصادية ،فهي تخفي من جهة
اخرى الكثير من املسائل التي تحتاج إلى الدراسة ،وعليه ،فإن توظيف الرياضيات في االقتصاد
ضروري غير كاف ،لذلك يقال بأن املبالغة في توظيف الرياضيات يؤدي إلى تجاوز الكثير من
املسائل التي تحتاج إلى دراسة ،والتي ال يمكن التعبير عنها رياضيا لكونها ذات طبيعة مميزة .في هذا
الصدد يعتقد أمارتيا سن ) -1933( Amartya Kumar Senصاحب نظرية الخيار االجتماعي
La théorie du choix socialاملطبقة في مسائل العدالة االقتصادية ،Justice économiqueأن
املبالغة في توظيف الرياضيات قد يكون سبيال للتغاض ي على املسائل األكثر أهمية ،حتي منها التي ال
يمكن جعلها في شكل معادلة .ومنه فإن الرياضيات ليست األساس الوحيد لعلم االقتصاد (Sen,
).2009
-4علم االقتصاد :من الوضعي إلى املعياري
يتعلق األمر في هذا املبحث بميتودولوجيا (منهجية االقتصاد) كموضوع لفلسفة العلوم،
وفلسفة االقتصاد على وجه التحديد .الكثير من االقتصاديين يشاركون في تقييم
Évaluationسياسات ومؤسسات االجتماعية االقتصادية ،والبعض منهم ينظر إلى نشاط هذه
املؤسسات خاضع ملشروع إنساني يعمل على تحسين ظروف وشروط الحياة املادية لألفراد .يبقى
أننا لو أخذنا املوضوع من منظار فيلسوف العلم ،فهذا ألن جانبا من الغايات ،واملواقف،
وإسهامات االقتصاديين تخضع للوهلة األولى إلى نظام معرفي Régime épistémiqueشبيه بما هو
157
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سائد في العلوم .فإذا وضعنا فرضية أن هذه الغايات ،واملواقف ،وإسهامات االقتصاديين متمايزة
بحيث يمكن تحليلها وتقييمها بواسطة قواعد ووسائل فلسفة العلوم ،فإن املؤكد أن هذه
الفرضية ترتبط بشكل واسع مع مسألة التمييز الشهيرة بين االقتصاد الوضعي واالقتصاد
املعياري ،ويعتبر االقتصاد الوضعي هو موضوع اهتمام فيلسوف العلم.
يعود هذا التمييز إلى التقسيم الثالثي بين "العلم الوضعي" و"العلم معياري" و"الفن" الذي أشار
إليه العالم االقتصادي البريطاني "كينز" األب ،)1949-1852( John Neville Keynesفي كتابه
.)1891( The scope and method of political economyوهو صاحب النظرية الكينزيانية
.Keynésianismeمدرسة تفكير اقتصادي أسسها كينز ،مبدأها هو أن ترك األسواق لحالها ال
يؤدي بالضرورة إلى أمثل وأفضل اقتصاد.
أما النوع األول من العلوم (العلم الوضعي) فهو مجال من املعارف املنتظمة تهتم بما هو
كائن ،بينما النوع الثاني من العلوم (العلم املعياري) ،فهو مجال من املعارف املنتظمة تهتم بما
ينبغي أن يكون .في حين أن العلم الثالث (الفن) ،فهو نظام من القواعد تهدف إلى تحقيق غاية
معينة .فإذا كان الكثير من االقتصاديين يؤكدون على السمة الوضعية لالقتصاد ،وبالتالي خلو
هذا العلم من أحكام القيمة ،أي ما يعرف عندهم بالحيادية القيمية ،Neutralité axiologique
بعد ما ّميز هؤالء بين الوقائع والقيم في األدب االقتصادي ،Littérature économiqueفإن البعض
منهم ال يرى أنه من السهل التمييز بين نوعي االقتصاد (الوضعي واملعياري) ،وبالتالي فإن القتصاد
في نظرهم يتصف بجملة من الخصائص تمثل في حقيقة األمر فرضيات نذكر منها:
أوال :ال يمكن أن يكون االقتصاد ،في نظرهم ،خال من أحكام القيمة بشكل تام وخالص،
بل على العكس من ذلك فهو مشبع بها خاصة إذا ّميزناه عن العلوم الطبيعية ،وفي هذه الحالة
هناك تهديد مباشر لألساس املنهجي الذي بني عليه االقتصاد .إن ما يؤكد هذه الفرضية ّ
(تشبع
االقتصاد بأحكام القيمة) هو أن االقتصاد نفسه يحملنا بشكل عفوي على إصدار أحكام قيمية
حول بعض موضوعات اهتمامه مثل :الفقر ،أو االستغالل ،أو مراجعة األجور ،أو غيرها من
السلوكيات التي تثير مشكالت ذات طابع قيمي.
أما فيما يتعلق بالنتيجة :1فهي معرضة للخلط والفوض ى ،فمن جهة ،أنها تجمع بين
الظواهر املتنوعة بمجرد أن تبقي قيم االقتصادي في حدود اختيار األسئلة التي يريد اإلجابة عنها،
وهذا ال يعني أن هذه األسئلة ،وما تقتضيه من إجابات ،ليست واقعية ،ومن جهة اخرى ،أنها
158
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(النتيجة) ،لم تنجح في التمييز بين تأكيد الحكم القيمي ،وتاثير األحكام القيمية على تكوين ،وتقييم
األحكام الواقعية.
بينما النتيجة :2فهي في شكل تعميم خاطئ لحقيقة ،هي في األصل جزئيا صحيحة
) .(Mongin, 2006إن َ
املالحظ في املنظومة املفاهمية االقتصادية ،هو أن الكثير من املفاهيم مثل
مفهوم" العقلنة" من املفاهيم القيمية ،في حين هناك مفاهيم أخرى أصيلة غير قيمية.
بناء على ما سبق فإن الفرضية األولى التي ترى بأنه (ال يمكن لعلم االقتصاد أن يكون خال من
أحكام القيمة) ،يمكن األخذ بها ،خاصة إذا أخذنا باالعتبار االقتصاد املعياري كمثال ومصدر
ألحكام العالم االقتصادي القيمية.
ثانيا :كون أن االقتصاد هو علم الثروة ،أو علم بالثروة ،أي أنه يهتم بكل ش يء له قيمة،
يعرف االقتصاد عادة بالعلم الذي يهتم بالرفاهية (الرفاه) ويجلب الثروة ،وقابل للتبادل ،لذلك َّ
املادي مرتبطا بالرغبة في تحصيل الثروة ) (Mill J. S., 2003وإن كان (التعريف) يجمع مختلف
الشعب التي تهتم بمختلف أشكال الثروة ،والعوامل املؤثرة فيها ،كاملناخ ،والرقعة الجغرافية
وغيرها من العوامل.
ثالثا :كون االقتصاد علم املؤثرات على الرغبة في الثروة .فعلم االقتصاد هنا يهتم بدراسة
نوع من السلوكات مثل ،الخيارات التي نقوم بها لبعض األغراض لحاجتنا إليها دون غيرها التي
نضحي بها.
في هذه الحالة نتساءل فيما إذا يمكن لالقتصاد أن يعمل دون شكل من أشكال
األخالقيات؟ يقصد من وراء هذا السؤال إثبات ضرورة األخذ بالبعد األخالقي في العمليات
االقتصادية مهما كانت طبيعتها ،لذلك يمكن الحديث عن ضرورة االنتقال النوعي من الوضعي في
االقتصاد إلى املعياري.
إن التفكير االقتصادي ليس تفكيرا مفرغا أخالقيا ،بل على العكس من ذلك ،فهو يمتثل
ّ
إلى منظومة أخالقية معينة .فإذا كان املنظرون ،واملفكرون االقتصاديون الوضعيون منهم خاصة
يقرون على الدوام بضرورة فصل املسائل املتعلقة بالفعالية ،L'efficacitéأي ما يتعلق بالسؤال:
هل القرار أدرك غايته؟ ،عن املسائل املتعلقة بالشرعية ، Légitimitéأي ما يتعلق بالسؤال :هل
الفعل ُمبررا؟ فهم بذلك يحاولون شجب األحكام القيمية ،لكن ،هم في الحقيقة وفي الوقت نفسه،
يقرون حكما قيميا ،لذلك ُوجد من يفكر في ما يمكن أن نسميه االقتصاد املعياري L'économie
،normativeأمثال ،املفكر والفيلسوف االقتصادي الهندي أمارتيا سن من خالل مؤلفاته حول
159
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اقتصاد الرفاه ،ونظرية الخيار االجتماعي ،والعدالة االجتماعية ،وغيرها من املؤلفات التي تميز هذا
النوع من االقتصاد الذي يضع بعض املواصفات ،ويحاول الكشف عن قدرة مختلف املبادئ
اإلتيقية املنقولة من فلسفة األخالق ،ومن النقاش االجتماعي املعاصر ،على فرض قيود وشروط
على املؤسسات االجتماعية مثل :تكافؤ الفرص ،ومحاربة الالمساواة ،والحق في التربية ،وغيرها من
القيم (سن ،1998 ،الصفحات .)10-1
ومن املفكرين الذين تحدثوا عن حقيقة العلوم االقتصادية وبيان الجانب املعياري القيمي
فيها الفرنس ي ليون ويلريس )1910-1834(Léon walrasالذي يؤكد في مؤلفهEléments " ،
)" "d'économie politique pur (1874عناصر االقتصاد السياس ي الخالص" على ضرورة إحداث
توازن اقتصادي عام بين التنافس الذي يؤدي إلى تطور ونمو الثروة من جهة ،واألخالق التي ترشدنا
إلى كيفية تحقيق عدالة في توزيع هذه الثروة .كذلك يمكن اإلشارة ،إلى املفكر االقتصادي البريطاني
بيجو )1959-1877(Arthur Victoria Cecil Pigouالذي كتب عن اقتصاد الرفاه L’économie
du bien-être 1920والذي في نظره ال يتحقق إال بتدخل الدولة في إحداث نوع من التوازن املسبق
بين األخالق واالقتصاد.
ربما تدعونا كل هذه النماذج إلى إعادة النظر في تحديد معايير العدالة االجتماعية ،وفي
هذا الصدد ،يتحدث الفيلسوف األمريكي جون رولس )2002-1921( John Rawlsفي كتابه " A
" "theory of justiceنظرية العدالة" ( )1971عن ذلك التوازن الذي يتحقق باإلنصاف بين:
الفعالية االقتصادية ،والحرية السياسية ،وأولوية العدالة في الرفاه ،وهي طريقة يقحم بها
الفيلسوف البعد األخالقي في العالقات االقتصادية ،كما أنها طريقة للتفكير في مجتمع عادل.
-5الشك في علمية االقتصاد
بالرغم من التطور الذي شهده علم االقتصاد ،سواء من حيث املنهج ،أو من حيث النتائج،
يبقى الكثير من القضايا التي تحتاج إلى نقاش ابستمولوجي مثل :هل ارتقى علم االقتصاد إلى
مصاف العلوم الطبيعية؟
في حوار مع السير كارل بوبر Karl Popperحول االقتصاد ،يجيب عن سؤال يتعلق بعلمية
االقتصاد مضمونه :هل يمكن اعتبار االقتصاد علما حقيقيا؟ وهل هو علم منفرد ،بعيدا عن
العلوم األخرى أم أنه متصل بها؟ انطالقا من فكرة القابلية للتكذيب التي يعتبرها بوبر معيارا
نكشف به عن وضعية أي علم من العلوم.
160
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يشير بوبر في البداية إلى عدم إمكانية اإلجابة بشكل عام عن هذا السؤال ،ويقصد بذلك،
عدم تعميم الحكم على كل االقتصاد ،لذلك يرى بأنه يمكن اعتباره أحيانا غير علمي ،أو البعض
من جوانبه املعروفة بأنها ليست علمية ،ألنها ال تستوفي معايير وشروط اختبارها ،بمعنى آخر ،غير
قابلة لالختبار "مبدأ القابلية لالختبار" ،Testabilitéأو أنها ال تستجيب لهذا الشرط بفعل
تعقيدها ،ويرى بأننا في أغلب األحيان ال نعلم.
يعتقد بوبر في هذا املجال ،أن التعقيد (تعقيد الظاهرة االقتصادية) ،كثيرا ما يكون مجرد
"عذر" .Excuseويتابع إجابته بقوله بأنه مهما يكن ،يمكن الحديث عن علمية االقتصاد ،لكن هذا
ال يغير في األمر ش يء ،ألنه قليال ما تساهم النظريات االقتصادية في حل مشاكلنا العملية واليومية،
وتلكم هي املسألة الحقيقية.
يتواصل الحوار مع بوبر بسؤاله فيما إذا كان باإلمكان عرض االقتصاد على مبدأ القابلية
للتكذيب ،Falsifiabilitéيجيب بوبر بأنه ممكن ،بشرط أن يكون هناك ش يء نكذبه ،مثلما فعل
كل من كيبلر وغاليلي .من هنا ،يعتقد بوبر بأن لهذا السبب ال أحد يتحمل مسؤولية توفر ٌ
االقتصاد على الشروط العلمية ،وال يتعلق األمر هنا بالبحث عن املتسببين في هذه الوضعية ،أي
املالئمة لألعذار وتجنب االختبارات.
إن املشكلة األساسية في نظر بوبر ،تكمن في اهتمام االقتصاديون بعملية التوقع
العالم الذي يحاول إخضاع نظرية أو
(التوقعات) ،Anticipationsوهذه العملية تشكل عائقا أمام ِ
فرضية اقتصادية .ثم إن تعقيد الحياة اإلنسانية وغناها العجيب ثقافيا ،وقوة اإلنسان اإلبداعية
وعبقريته من جهة ،والالحتمية Indéterminismeالتي يخضع لها اإلنسان من جهة أخرى ،ال يترك
مجال للشك في فشل أي محاول تنبؤ بمستقبله .يقدم بوبر مثاال عن اختراع اإلنسان للحاسوب،
وللقنبلة الذرية ،هذه االختراعات وأخرى لم يتنبأ بها علماء املستقبل .Futurologuesفإذا كانت
هذه املظاهر (مظاهر العجز والتعقيد) تميز العلوم الطبيعية ،فما هو الحال بالنسبة للعلوم
االجتماعية واإلنسانية.
وهو يجيب عن سؤال عالقة االقتصاد بالعلوم األخرى السياسية مثال ،يرى بوبر بأن هناك
ترابط بينهما ،واألكثر من ذلك ،كال منهما متعلق باآلخر ،وهذا ما أكد عليه كارل ماركس ،وإن كانت
نظرته أحادية التوجه ،أي تأكيده على قوة تأثير االقتصاد على السياسة ،لكن اليوم ،في نظر بوبر،
يمكن الحديث عن التاثير العكس ي أي تأثير السياسة على االقتصاد ،بمعنى ،ال يكون هناك تبادل
161
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجاري مثال ،من دون قرار السياس ي ،وال يمكن القضاء على املضاربة أو االحتكار ،أو السوق
املوازية إال إذا كانت هناك إرادة سياسية.
إن املشكلة في نظر بوبر تكمن في قدرة ،وطريقة تدخل الدولة في هذه القضايا االقتصادية،
ألن محاولة القضاء على الظواهر ،قد يؤدي إلى كثير من العواقب السيئة اجتماعيا باملوازاة من
زيادة الفقر ،وتسلط اإلدارة من خالل البيروقراطية التي تمارسها على املواطنين ،وظهور التفاوت
الكبير بين الناس ،وهو ما نالحظه في املجتمعات املتخلفة خاصة ).(Angélique, 1986
.6علم االقتصاد علم انساني (اإلنسان االقتصادي )Homo œconomicus
إن كلمة علم التي تسبق االقتصاد ال تعبر بالضرورة عن الطبيعة العلمية لهذا املجال ،أي
تلك التي تميز علوم املادة (العلوم الطبيعية) ،من موضوع وهو املادة ،ومنهج ،وهو االستقراء
العلمي املخبري ،والحتمية أو الضرورة في تفسير ظواهر الكون .في حين مالزمة كلمة علم ملوضوع
االقتصاد ليس مجازا ،وال اعتباطا ،بل هو تعبير عن حقيقته باعتباره علم من نوع آخر ،أي علم
إنساني بالرغم من واقعيته ،وقد ّبينا ذلك من خالل الحديث عن طبيعة كل من موضوعه،
ومنهجه ،ونتائجه ،ومعيار صدق هذه النتائج ،كما سنبين ذلك من خالل الحديث عن االنسان
االقتصادي.
في كتابه السوسيولوجيا واألنثروبولوجيا 1950 Sociologie et anthropologieيصف
ماسل موس Marcel Maussاإلنسان االقتصادي قائال بأنه ليس قبلنا ،بل هو أمامنا ،مثل إنسان
األخالق والواجب ،مثل إنسان العلم والعقل .لقد كان لزمن طويل ،ش يء آخر ،وليس ببعيد هو
آلة ،أكثر تعقيدا من اآللة الحاسبة ) .(Mauss, 1983, p. 272فهو فرد نتاج مجتمع ليبرالي،
ووسائلي ،وهو الفرد املتحرر من الوحدة األسرية والدينية ،ناضج في تفكيره ،وفي خياراته األخالقية،
وهو الفرد الذي ال يكتشف معنى وغاية أفعاله إال في ذاته .وهو في آخر املطاف "آلة حاسبة" Une
machine à calculerوحدث (حقيقة) اجتماعي تام .(Laval, 2007) fait social totalإن
الدراسات التاريخية للفكر االقتصادي كشفت عن بعض العوامل التي صنعت اإلنسان
االقتصادي ،أهمها:
-متطلبات التجربة الحسية للجسد.
-تعارض املصلح الشخصية مع املصلحة العامة.
إن املتأمل في هذه املسائل ال يجد شكا في اعتبارها ذات بعد إنساني وبالتالي فهي غير قابلة للحل إال
في إطار دراسات العلوم اإلنسانية مما يدفعنا إلى التأكيد على البعد اإلنساني في العلوم
162
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
االقتصادية .ومما يزيد تأكيدا لهذه الفكرة هو نظرة جون ستيوارت ميل لالقتصاد السياس ي على
أنه علم يهتم بالثروة ،وأن اإلنسان االقتصادي ،ما هو إال الكائن الذي تتحكم فيه ،وال تحركه إال
الرغبة في تحصيل الثروة .وهو اإلنسان الذي وصفه جون ستيوارت ميل بعدة مواصفات نذكر
منها:
-إنه اإلنسان الذي يحسن الحكم على الوسائل التي تحقق له غاياته.
-إنه اإلنسان الذي يبحث عن املتعة املباشرة بالرغبات الثمينة.
-إنه اإلنسان الذي يسكنه النفور من العمل.
-إنه اإلنسان الذي يفضل الثراء األكبر عن الثراء األصغر.
هذه الصفات ،في الحقيقة ،توحي بالطابع النظري التجريدي في الفكر االقتصادي لجون ستيوارت
ميل ،وهذا يزيد تأكيدا للطابع اإلنساني في علم االقتصاد السياس ي ).(Guy, 2017
-7البعد األخالقي في االقتصاد
يعرف بعض االقتصاديون االقتصاد على أنه" :العلم الذي يهتم بدراسة السلوك اإلنساني من ّ
خالل العالقة بين الوسائل والغايات .(Robins, 1947, pp. 17-35) "...إن هذا التعريف ال يترك
مجاال لالعتبارات األخالقية إال القليل ،لكن األحكام التي نصدرها حول سلوك األخالقي للممثلين
االقتصاديين ،تؤكد عكس ذلك ،سواء نظرنا إلى املقاصد والنيات ،أو نظرنا إلى النتائج ،فكالهما
يدل على تأثير القيمة األخالقية.
غالبا ما ُيتهم االقتصاديون على أنهم يدافعون عن األنانية واملصلحة الخاصة ،ويتغاضون عن
القيم التي تدعوا إلى االحترام واألمانة وغيرها ،لكن ،بالنظر إلى ما يخلفه النظام واملمارسات
االقتصادية من مظاهر سلبية وأزمات ،يدعو هذا إلى التساؤل حول معايير تقييم الفعل
االقتصادي ،ربما هذا الذي دفع أرسطو قديما إلى التساؤل حول توظيف املال؟ التوظيف
االقتصادي الحسن كوسيلة للتبادل ،والتوظيف السيئ له ،بادخاره أي ادخار املال من أجل املال
لغاية نفعية ذاتية أو ما أطلق عليه أرسطو )chrèmatistikos (Aristote, 1990
.La chrématistiqueمن هنا يأتي السؤال حول العالقة بين االقتصاد واألخالق على النحو التالي:
هل هناك ضرورة للتدخل بين الرفاه (العيش الكريم) واملس بالفضيلة؟ بل ،هل هناك تناقض بين
اإلتقان (في املجال التقني االقتصادي) ،واألخالق؟ ،بمعنى آخر ،هل تتعلق األخالق بكل النشاطات
االقتصادية ،أم تقتصر على بعضها؟.
163
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مبدئيا ،ومظهريا ،ليس هناك ما يشير إلى وجود صلة بين العالقات االقتصادية واألخالق،
فقد حاول علماء االقتصاد في أواخر القرن التاسع عشر العمل على إضفاء الطابع العلمي على
االقتصاد ،الحر منها على الخصوص ،قصد تفادي املسائالت اإلتيقية Questionnements
.éthiquesلقد كان املذهب اآللي آنذاك ،يبرر الوسائل املختلفة واملتطورة بالغايات حتى إن كانت ال
أخالقية ،لذلك أتخذ االقتصاد جملة من الصفات منها:
-1الفردانية الخالصة التي من املفروض أن يتصف بها املستهلكون واملنتجون واملتميزة بالعقالنية،
واألنانية ،وحب املال (اهتمامها باملال) ،إنها على حد تعبير الفيلسوف الفرنس ي أندري كونت
"سبونفيل" ) -1952 ( André Comte-Sponvilleالخطيئة األصلية للرأسمالية Le pêché
) ،originel du capitalisme (Comte-Sponville, 2004أو كما وصفها الطبيب والكاتب اإلنجليزي
برنارد دي ماندفيل )1733-1670( Bernard De Mandevilleفي قصيدته أسطورة النحلLa 1
Fable des abeillesأو )1714( The Fable of the Beesالتعطش للمال والثراء ،وللكسب املادي.
-2اختيار املمثلين أساسه حسابات شخصية قيمة/فائدة ،أي وفقا للتضحيات والفوائد
املتاحة.
-3ال تتم خيارات الفرد في هذا النظام وفقا لقراراته الخاصة في تداخلها مع قرارات اآلخرين،
من أجل بلوغ حالة من العيش الكريم.
-4ما األخالق إال عقدا عمليا تتبناه جماعة ،لكن وفقا ملصلحتها ومنفعتها الخاصة.
هذه الصفات دفعت البعض إلى االعتراض على النظام الرأسمالي الليبيرالي ،بحكم أنها تتجسد
فيه ،وكونه اليوم أكثر انتشارا ،يمكن تلخيص هذه االعتراضات في ثالث مالحظات:
-1إن البحث عن اللذة واملنفعة يعارض الرؤية الكانطية التي ترفض إقامة األخالق على
املنفعة واملصلحة الخاصة.
1حيتوي هذا الكتاب على جمموعة من تصورات للمبادئ االقتصادية أصبحت فيما بعد على يد آدم مسيث نظرايت
وضوحا مثل ،نظرية اليد اخلفية (أشرت إليها من قبل) ونظرية تقسيم العمل.
ً اقتصادية أكثر
164
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعرف العقالنية االقتصاديةRationalité économique 1على أنها سلوك يكيف -2غالبا ما ّ
الوسائل مع الغايات ،لكن املتعاملين االقتصاديين ال يبالون بالوسائل والطرق املستعملة لبلوغ
ُ
غاياتهم ) .(Popper, 1967, pp. 142-150ففي مجال آلية اقتصاد السوق ،إذا خ ِّير املتعامل
االقتصادي بين عملية تجارية مضمونة النتائج وكثيرة الربح لكن بطرق غير اخالقية ،وبين عملية
تجارية قليلة الربح ،لكن بطرق أخالقية ،ألختار األولى.
-3يبني املتعامل االقتصادي أحكامه :تكلفة /فائدة على أساس التمرد ،وهو سلوك جد
عقالني بالنسبة له ،ذلك إن في مجال املعامالت واملمارسات االقتصادية األحكام األخالقية واألدبية
غير رائجة ،وبالتالي معيار البحث عن الفائدة ال يتالءم مع احترام الواجبات األخالقية ،أو حتى مع
أن نكون عادلين ،فقد أشار كارل ماركس Karl Marxإلى ذلك في نقده للرأسمالية حين تحدث عن
االستغالل البشع للعمال مقابل أجر زاهد يحفظ لهم حق البقاء أحياء ليس إال.
-4كما أن أصحاب املال والشركات ،وهم يجتنبون املنافسة ال يمتنعون عن تحويل منتوجهم
ونقله ،وهذا ما أشار إليه آدم سميث في قوله ":ليست لطف ورحمة الجزار ،أو صانع الخمر ،أو
الخباز هو الذي يجعلنا ننتظر عشاءنا ،بل حيرتهم على مصلحتهم وفائدتهم" (Smith, 2001, p.
).19
-5ال يعمل املمثلون االقتصاديون على الدفاع عن قيم الوحدة والتعاون ،وال عن حماية
البيئة ،أو التفكير في مستقبل األجيال ،ألن قواعد أخالقيات وأدبيات املهنة ،والدراسات املتعلقة
باملسؤولية االجتماعية والبيئية " responsabilité sociale et environnementale"RSEأو ما
يعرف باملسؤولية االجتماعية للشركات 2"RSC"responsabilité sociétale des entreprisesال
تجعل من اإلطار اإلطيقي إطارا مفروضا إال من الخارج ،أي ظاهريا فحسب وهو ما شجع ،في نظر
البعض ،على تطور املمارسة االقتصادية خاصة منها التجارة.
1من املنظور االقتصادي تعد العقالنية قدرة على حتقيق برانمج شخصي ،ابختصار ،تقال على املستهلك حني حياول
االستفادة إىل أقصى حد من أجره خاصة حني يكون هذا األخري زهيدا ،وتقال على املنتج حني حياول التقليل من تكاليف
اإلنتاج ،أو حتقيق قدر أكرب من الربح من خالل املنتوج القليل.
2تعد سياسة املسؤولية االجتماعية للشركات مبثابة آلية التنظيم الذايت من خالهلا يتم رصد وضمان التزامها ابلقانون واملعايري
األخالقية والدولية ،ويكون من شأن رجال األعمال تبين املسؤولية فيما يتعلق بتأثري أنشطتها على البيئة واملستهلكني
والعاملني ،بشكل عام حماولة التوفيق بني ثالث مصاحل :الناس والكوكب والربح.
165
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتواصل النقاش في مسالة أخالقية النظام االقتصادي وبالتحديد النظام االقتصادي
الراسمالي ففي إحدى املناقشات التي دارت بين "سبونفيل" Sponvilleوميشال "أونفراي" Michel
Onfrayحول كتاب "سبونفيل" هل النظام الرأسمالي أخالقي؟ ?Le capitalisme est-il moral
2004يستهل هذا األخير حواره باالعتقاد بأن النظام الرأسمالي Le capitalismeكان دوما منتقدا
وهذا لم يمنعه من التطور .لقد كانت أول االنتقادات له من طرف الكنيسة في القرن التاسع عشر،
وفي نفس الفترة من طرف كارل ماركس من خالل مؤلفه "رأس املال" capital Leأما اليوم فإن هذا
النظام ينتقد من خالل مستويات ثالثة:
-1على مستوى املستهلكين :Les consommateursوهو نقد يتعلق باملمارسة ،حول نوعية
السلع "اإلنتاج" والسعر.
-2على مستوى املساهمين Les actionnairesوهو نقد يتعلق بالشؤون املالية ،أي الفضائح
املالية املتكررة التي يتعرض لها النظام الرأسمالي.
-3نقد على مستوى املناهضين للعوملة وللنظام الليبيرالي الجديد ،les altermondialistes
حيث يتهمونه بالال عدالة.
يبدأ "سبونفيل" نقاشه بالتساؤل حول معنى الرأسمالية أو النظام الرأسمالي الحر بقوله":
إنه نظام اقتصادي مبني على أولوية امللكية الخاصة لوسائل اإلنتاج ،وحرية التبادل ،وكذا حرية
السوق ،وحرية األجور" .في بلد رأسمالي تكون املؤسسة في خدمة من يمتلكونها ،امللكية تعني ،في
هذه الحالة ،استغالل املساهمين فيها أكثر من الزبائن واألجراء.
بعد ما اقترح "سبونفيل" تعريف لالقتصاد الرأسمالي ،يواصل في إعطاء معنى لهذا النظام
لكن هذه املرة من وجهة نظره الشخصية فيقول ":إنه نظام اقتصادي يستخدم أمواله في كسب
أموال أكثر .في بلد رأسمالي تذهب األموال إلى األغنياء أوال وليس إلى الذين هم بحاجة إليها أو
الفقراء"). (Onfray & Sponville, 2012, p. 1
من خالل هذه املالحظات يمكن إدراك حقيقة وهي أن هذا النظام هو أبعد ما يكون عن ما
تريده األخالق ،وهذا األمر ليس ببسيط ،فهناك ظواهر في هذا النظام تعد أخالقية ،وأخرى غير
أخالقية ،أما بالنسبة ل"سبونفيل" ،فقد توصل ،على حد تعبيره ،إلى تمييز في كل املجتمعات،
أربعة حقول (مجاالت) أو كما يعبر عنها باسكال أربعة نظم مختلفة:
أوال :ما يمكن تسميته باملجال التقني -العلمي Techno-scientifiqueمبني داخليا على أساس
التعارض بين ما هو ممكن ،وما هو غير ممكن ،ويعتبر االقتصاد جزء منه.
166
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيا :املجال التشريعي -السياس ي Juridico-politiqueمبني داخليا على أساس التعارض بين ما هو
قانوني ،وما هو غير قانوني.
ثالثا :املجال األخالقي Moraleمبني داخليا على أساس التعارض بين الواجب واملمنوع.
رابعا :املجال اإلطيقي Ethiqueمجال املحبة.
فإذا كنا نريد من النظام الرأسمالي أن يكون أخالقي أو أن يتحول إلى أخالقي ،فإننا نريد من
ذلك أن يمتثل النظام التقني العلمي للنظام األخالقي ،وهو أمر مستبعد إذا ما أدركنا اختالف
البنية الداخلية لكليهما ،إن العلوم ليس لها أخالق ،وال للتقنية كذلك .من هنا يتساءل "سبونفيل"
كيف لالقتصاد أن يكون له أخالق وهو في الوقت نفسه علم وتقنية؟ لذلك يخلص إلى القول ":إن
فكرتي األساسية هي أن االقتصاد ما هو أخالقي Moralوال هو ال أخالقي Immoralألنه ال أخالقي
متطرف (Onfray & Sponville, 2012, p. 2) ."Amoral
أما فيما يتعلق بـ "الخطيئة األصلية" للنظام الرأسمالي ،فقد كانت بفعل عمله األناني
فقط ،فهي كذلك أي خطيئة Péchéمن الوجهة األخالقية ،لكن من الوجهة االقتصادية هي
فضيلة .Vertu
َ ُ ّ
حاوره ومناقشه إن هذا التعريف الذي قدمه "سبونفيل" حول الرأسمالية لم يرض ي م ِ
ميشال "أونفراي" Michel Onfrayالذي أيده في اعتبار النظام الرأسمالي حرية امتالك وسائل
اإلنتاج ،لكن هذا التعريف بالنسبة له هو تعريف ماركس ي تجاوزه الزمن ،ومنه يتساءل فيما إذا
كان الخباز مثال الذي يمتلك مخبزة رأسمالي؟ بهذا التساؤل يشكك "أونفراي" في تعريف "سبونفيل"
للرأسمالية ألن في اعتقاه يكون مفهوم هذا النظام قد تطور وبالتالي يدعونا اليوم إلى إعادة التفكير
فيه ،كما أننا ملزمون بالتمييز بين الرأسمالية والليبرالية .capitalisme et le Libéralisme Le
فالليبرالية في نظر "أونفراي" تمكن الرأسمالية من أن تفعل ما تريد ،وكيف ما تريد ،دون ضوابط
إتيقية (أخالقية) وال أخالقية ،وال معارضة بما أننا في مرحلة ليبرالية.
تسمح الليبرالية للرأسمالية بخلق الثروة (املال) ،بواسطة توظيف املال ،أي االستفادة من
الفقر الراهن الذي يعيشه املجتمع Paupérisationبمعنى آخر وعلى حد قوله ":إن شرط ِغنى
الغني هو فقر الفقير" ) ،(Onfray & Sponville, 2012, p. 3ليس هذا على املستوى الوطني
فحسب ،بل على املستوى الكوني كذلك.
أما فيما يتعلق "بالخطيئة األصلية" إن وجدت ،فإنها تتمثل في القوة الكبيرة التي تمنحها
الثروة واملال هذا في نظر "أونفراي" ،إن ما نالحظ يوميا من طب ،وصحة ،وثقافة ،وسكان ،وطرق
167
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للعيش كلها مرهونة بمقدار الثروة واألموال موظفة من طرف املحركين لهذه اآلليات ،ومنه فإن
"الخطيئة األصلية" تتمثل في امتالك املال ومنه امتالك العالم ،وأن امتالك الكثيرمن املال ،يعنى
امتالك الكثيرمن العالم.
أن يعمل النظام الرأسمالي على أساس املصلحة ،هو دليل على أنه غير أخالقي ،لكن هذا ال
يعني أنه ناكر لكل القيم ،ذلك أن ما نسميه بـ "الخطيئة األصلية" املتمثلة في األنانية واملال ،هو في
الحقيقة "الخطيئة األصلية لإلنسانية" Le pêché originel de l'humanitéلم ينتظر البشر حلول
النظام الرأسمالي حتى يتحولوا إلى أنانيين وبشعين (طماعين).
أما فيما يتعلق بقول "أونفراي" حول الليبرالية التي تسمح للرأسمالية بأن تفعل ما تشاء،
وكيف ما تشاء فإن "سبونفيل" ال يؤيده الرأي ألن الرأسمالية في منطلقها ،في نظره ،خضعت
للقانون ،وهذا هو الفرق بين اقتصاد رأسمالي واقتصاد املافيا .ثم أن خلق املال بتوظيف املال،
على أساس فقر الناس هو أمر يعارضه "سبونفيل" ،ويرى بأن هذا النظام (الرأسمالية) استفاد
منه الفقراء بشكل واضح ،ذلك أن ذوي الدخل األدنى اليوم Rmisteهم أحسن بكثير من فقراء
القرن التاسع عشر (ق ،)19وهي ذي املفارقة في الرأسمالية .يقول "سبونفيل"":إن الرأسمالية
ليست أخالقية ،وأن األخالق ليست مربحة ،لهذا نحن بحاجة إلى كليهما ،وبينهما" .بمعنى ،نحن
بحاجة إلى القانون ،وإلى السياسة ،والعمل معا من أجل إدخال نوع من الحدود والنظام للسوق.
لم يتوقف "أونفراي" عن مناقشة مشكلة أخالقية النظام الرأسمالي من عدمها ،فيرد على
"سبونفيل" معتقدا أن األخالق ال تأتي من الرأسمالية فحسب ،بل يمكن أن تكون من الدولة،
لذلك علينا إعادة التفكير في الدولة ،مثلما أننا مطالبون بإعادة التفكير في النظام الرأسمالي ،ألن
ّ
الدولة هي القادرة على إرجاع القوة للضعفاء ،ثم أننا لو سلمنا بأن الرأسمالية تساهم بشكل كبير
في خلق فئة ذوي الدخل وإخراج الناس من دائرة الفقر ،فال يعني هذا أنها تدافع عن الفقراء
ُ
وتتقبلهم ،بمعنى آخر ال تقسم الكعكة على آخرها وبشكل متكافئ ،فالبعض ينال الحصة األكبر ،في
حين العض اآلخر ال ينال إال القليل منها .في نظر "أونفراي" ،كل ما تعمل عليه الرأسمالية هو خلق
نفايات اجتماعية ( Déchets sociauxمهمشين اجتماعيا) من أجل العمل الجيد آللته
الالأخالقية ،وبالتالي تحقق الفائدة ،وفي املقابل ،تترك املصاريف للدولة لتسيير هذه النفايات
االجتماعية.
168
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ال تتأتى األخالق من السوق ،هذا ما يتفق فيه "سبونفيل" مع "أونفراي" ،وال تتأتي من
الدولة كذلك ،ألن هذه األخيرة ليس من اختصاصها تقرير الخير والشر ،بل إنها هنا لكي تحدد ما
هو قانوني وما هو غير قانوني ،فوظيفة الدولة قانونية ومنه األخالق تكون على حساب األفراد.
يعلق "سبونفيل" على كتابه قائال ":في الحقيقة جوهر فكرة كتابي "هل النظام الرأسمالي
أخالقي؟ هو رد املسؤولية األخالقية إلى األفراد" ) ،(Onfray & Sponville, 2012, p. 3ثم يسأل عن
منبع األخالق إن لم تكن متأتية من ماض ي املجتمع ،أو مما يسميه فرويد Freudاألنا األعلى Le
surmoiفي تشكيلها حتى إن كان فعاال.
آخر سؤال طرح على "سبونفيل" يتعلق بما يمكن قوله حول النوعية الجيدة للسلع املنتجة
من طرف مؤسسة ما ،أال يمكن اعتبار هذا منتوج مطابق ملطلب أخالقي (إطيقي)؟ يجيب عنه
بالقول أن املؤسسة ترى أنه من صالحا أن تسلك سلوكا اقتصاديا يتطابق إلى حد ما مع قيمنا
األخالقية ،وهذا طبعا يمنعنا من رفض هذه السلع واإلقبال عليها.
يتدخل "أونفراي" لإلجابة عن هذا السؤال ،والنظر إلى هذا السلوك (سلوك املؤسسة
املنتجة) خداع وحيلة من حيل العقل ،مما ال شك فيه أننا مستهلكون وما دام من الضروري أن
نستهلك ،وما دمنا قادرين على االختيار فإنه من املعقول أن نختار بطريقة إطيقية (أخالقية) بين
منتوجين أو ثالث ما يولد شعورا إطيقيا على األقل ،يقدم "أونفراي" دليال على مقاطعة الناس
ملنتوج معين ألنه مصنوع باستغالل لجهد األطفال والنساء وهذا سلوك املواطن ،كما أن املؤسسة
مطالبة بأن تتبنى هذا السلوك أي سلوك املواطنة.
ال يمكن لالقتصاد أن يعمل من دون قواعد ،فقد أظهرت التجربة أن الالأخالقية،
والتالعب ،والغش ،والكذب ،وتبييض األموال وغيرها من العمليات االقتصادية تقف حجر عثر في
وجه السير الحسن للحياة العملية ،فالفساد يعتبر من أخطر األمراض التي تقض ي على سلطة
الدولة في عملية التسيير االقتصادي ،كما أنه يعتبر في بعض البلدان ذات النظام االستبدادي،
سببا في فقر الشعب ومعاناته اليومية ،ناهيك عن تسببه في كثير من األزمات االقتصادية العاملية.
إن طغيان املصلحة الخاصة في املعامالت االقتصادية تؤدي في أغلب األحيان إلى العنف
والوحشية ،وقد يتسبب هذا العنف في انتهاج أسلوب آخر نتيجة الخوف من نتائج فيعمل األفراد
إلى إنتاج املضادات الحيوية األخالقية منها توجيه املصلحة الخاصة إلى غايات تخدم الجماعة ومن
هنا تظهر املسؤولية األخالقية لالقتصاديين.
169
مجلة دراسات إنسانية واجتماعية ()Journal of Social and Human Science Studies
جامعة وهران /02المجلد 11ع 2022 /06 /16 .03
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاتمة
إن غاية علم االقتصاد هي بلوغ الدرجة العلمية التي تفصله عن أحكام القيمة ،وهاجسه
هو أن يصبح شبيه بالعلوم الطبيعية بالرغم من أنها علوم متميزة كل ّ
تميز ،كما أنه يدعونا إلى
تجنب التقديرات اإلتيقية واألخالقية في عملية التحليل االقتصادي ،وااللتزام باملوضوعية .يقول
روبن Lionel Robbinsفي كتابه "":)1923( "Principles of economicsيهتم االقتصاد بالحقائق
الواضحة وممكنة التحديد ،أما اإلتيقا فتهتم بالتقدير والواجب ،إن مجالهما االستقصائي ليس في
نفس املستوى الخطابي ،هناك فوهة منطقية بين تعميمات الدراسات الوضعية ،وتلك املتعلقة
بالدراسات املعيارية ،حيث ال يمكن للبراعة أن تخفيها ،وال ش يء من املجاورة في الزمان وال املكان
يمكن أن يمألها" .لذلك يعتقد البعض أن الالمساواة ،واملنافسة القائمة على تبرير الغايات
بمختلف الوسائل ولو كانت غير أخالقية كالسرقة ،والتحايل ،والغش ،هي الكفيلة لضمان
الحيوية االقتصادية والسير الحسن للعمليات االقتصادية .قد يكون هذا صحيحا من الناحية
الدعائية ،لكن الواقع يظهر عكس ذلك ،ألن االقتصاد ال يمكن أن يعمل بشكل سليم دون أن
تميزه أدنى االعتبارات األخالقية ،واإلنسانية ،فإذا كانت النظريات االقتصادية ترجع املبادالت إلى
سبب عالقات اإلنتاج واالستهالك ،فإن الواقع االقتصادي مبني أساسا على العالقات املتعددة
األبعاد بين األفراد ،لذلك تعتبر القوانين االقتصادية غير كافية ،ولو كانت شبيهة بالقوانين
الفيزيائية ،والرياضية ،ما لم ُيؤخذ باالعتبار البعد التاريخي واألخالقي للعالقات اإلنسانية ،فيصبح
العمل شرعي ومطلوب.
ّ
وملا كان من الضروري أن تتمثل هذه الصفات في االقتصاد ،فإنه بالضرورة ال يصنف على
أنه علم من العلوم اإلنسانية فحسب ،بل علم من نوع خاص وذلك لخصوصية موضوعه،
ومنهجه ،ونتائجه.
إن احترام أدنى القواعد األساسية في املعامالت ضروري لضمان السير الحسن القتصاد
البالد ،بمعنى آخر مادام اإلنسان قائما على هذا النشاط (االقتصاد) ،فإنه يضفي عليه من
خصوصياته ما يجعل منه مرآة تعكس كل أبعاده النفسية منها ،واالجتماعية ،والسياسية،
والعقائدية وغيرها ،وهذا ما ال يتوفر في الرجل اآللي وال اآللة الحاسبة.
*****
170
)Journal of Social and Human Science Studies( مجلة دراسات إنسانية واجتماعية
2022 /06 /16 .03 ع11 المجلد/02جامعة وهران
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
املصادرواملراجع
املراجع-1
دار الكتاب الحديث للنشر: عمان. نادر إدريس التل: األخالق وعلم االقتصاد ترجمة.)1998( .أمارتيا سن
.والتوزيع
Cantillon, R. (2011). Essai sur la nature du commerce en général. Paris: Institut Coppet.
Hausman, D. (1992). The inexact and separate science of economics. cambridge: Cambridge University Press.
Laval, C. (2007). L'homme économique: essai sur les racines du néolibéralisme. Paris: Gallimard.
Mill, j. S. (1801). Principes d’économie politique, avec quelques-unes de leurs applications à l’économie social. Paris:
Guillaumin.
Mill, J. S. (2010). Principes d’économie politique, avec quelques-unes de leurs applications à l’économie social, trad, Jean
Gustave Courcelle-Seneuil Tome 2. Paris: Broché.
Robins, L. (1947). Essai sur la nature et la signification de la science économique : Traduit de L'Anglais par Igor
Krestovsky. Paris: Médicis.
Ross, D. (2014). Philosophy of Economics, In, Economics as Philosophy of science. Basingstoke: Palgrave Macmillan.
Smith, A. (2001). Recherches sur la nature et les causes de la richesse des nations, Volume 1. Paris: Guillaumin.
املقاالت-2
Vernon, S. (1989). Theory,experiment and economics. The journalof economics perspective,( 03(01), pp. 151-169).
Angélique, B. (1986). Entretien sur l'économie avec sirKARL Popper. Revue Francaise d'économie, (1(2), pp. 55-64).
171
)Journal of Social and Human Science Studies( مجلة دراسات إنسانية واجتماعية
2022 /06 /16 .03 ع11 المجلد/02جامعة وهران
ISNN: 2253-0592 EISSN: 2588-199X / Prefix: 10.46315
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
Clerc, D. (2005, Mars). Economie politique: La méthode de John Stuart Mill. L'Economie politique, (27(03), pp. 98-107).
Guy, B. (2017, janvier). L'économie politique, science expérimentale ou science abstraite et déductive ? Histoire de la
pensée économique, (3, pp. 267-285).
Mongin, P. (2006, Mai). Value juudgments and value neutrality in economics. Economica, (73(290), pp. 257-286).
Plott, C. (1991, Avril). will economics Become an experimental science? Southern Economic Journal,( 57(4), pp. 901-
919).
Serra, D. (2012, Mai). Un aperçu historique de l'économie expérimentale : des origines aux évolutions récentes.
l'Economie politique, (122(05), pp. 749-780).
. املواقع اإللكترونية-3
Cozic, M. (2010). cnrs. Récupéré sur Cahiers de recherche de L'IHPST:
https://www.ihpst.cnrs.fr/sites/default/files/dri_2010_02.pdf
Mauss, M. (2002). Manuel d’ethnographie. Paris: "Les classiques des sciences sociales. Récupéré sur
http://classiques.uqac.ca/classiques/mauss_marcel/manuel_ethnographie/manuel_ethnographie.pdf
Mill, J. S. (2002). Système de logique déductive et inductive. Paris: Les classiques des sciences sociales. Récupéré sur Les
classiques des sciences sociales:
http://classiques.uqac.ca/classiques/Mill_john_stuart/systeme_logique/livre_1/systeme_logique_1.html
Munesa, F., & Callon, M. (2008). La performativité des sciences économiques. Paris: halshs-00258130. Récupéré sur HAL
archves-ouvertes: https://halshs.archives-ouvertes.fr/halshs-00258130/document
Onfray, M., & Sponville, A. c. (2012, mars 10). Over blog. Consulté le Novembre 4, 2020, sur Over blog:
http://banquetonfray.over-blog.com/article-michel-onfray-et-andre-comte-sponville-le-capitalisme-est-il-
moral-101301366.html
Onfray, O., & Sponville, A. C. (2012, mars 10). Onfray, Michel; Sponville, André Comte: Le capitalisme est-il moral ?
Récupéré sur Over blog: http://banquetonfray.over-blog.com/article-michel-onfray-et-andre-comte-
sponville-le-capitalisme-est-il-moral-101301366.html
172