You are on page 1of 58

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬

‫جامعة األمير عبد الق ادر للعلوم اإلسالمية‬


‫كلية الشريعة و اإلقتصاد‬
‫قسم االقتصاد و اإلدارة‬

‫مطبوعة موجهة للسنة الثانية ‪LMD‬‬

‫المقياس‪ :‬تاريخ الفكر االقتصادي اإلسالمي‬

‫أستاذ المقياس‪ :‬يونس شعيب‬

‫السنة الجامعية‪1024-1023 :‬‬

‫‪1‬‬
‫فهرس المحتويات‬
‫مدخل‬

‫الفصل األول‪ :‬الفكر االقتصادي الوضعي‬

‫أوال‪ :‬الفكر االقتصادي في العصور القديمة‬

‫ثانيا‪ :‬الفكر االقتصادي في العصور الوسطى‬

‫ثالثا‪ :‬الفكر االقتصادي في مرحلة االنتقال‬

‫رابعا‪:‬الفكر االقتصادي في النظم الحديثة‬

‫خامسا‪ :‬التطورات االقتصادية المعاصرة‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الفكر االقتصادي اإلسالمي‬

‫أوال‪ :‬البيئة االقتصادية‬

‫ثانيا‪ :‬مصادر الفكر االقتصادي اإلسالمي‬

‫ثالثا‪ :‬مبادئ االقتصاد اإلسالمي‬

‫رابعا‪ :‬االقتصاد عند المفكرين المسلمين‬

‫خامسا‪ :‬بعض المفاهيم والفرضيات االقتصادية من منظور إسالمي‬

‫سادسا‪ :‬أهم إنجازات الفكر االقتصادي اإلسالمي في الحياة المعاصرة‬

‫سابعا‪ :‬المأمول من الفكر االقتصادي اإلسالمي‬

‫‪2‬‬
‫مدخل‪:‬‬

‫البسيطة وهو يكافح من أجل البقاء وتعمير األرض التي استخلف فيها‪،‬‬
‫منذ وجود اإلنسان على هذه َ‬
‫مستعينا بذلك بكل ما حباه الخالق من موارد ومقومات‪ .‬فلتأمين حاجته من الغذاء والكساء والمسكن‬
‫واألمان ولتحسين وضعه المعيشي واالقتصادي عمل اإلنسان على تطوير أساليب اإلنتاج والتبادل‪ ،‬كما‬
‫حسن من مستوى األداء اإلداري وتبنى السياسات االقتصادية‪ ،‬واخترع النقود‪ ،‬و أحدث ثورة في عالم‬
‫االتصاالت و المعلومات‪..‬‬
‫ولقد صاحب هذا التطور ظهور كثير من اآلراء واألفكار االقتصادية لكثير من الكتاب‪ ،‬إضافة إلى ما‬
‫أتت به األديان السماوية من قواعد وأحكام وتشريعات اقتصادية إال أن هذه األفكار االقتصادية كانت‬
‫متناثرة في كثير من الكتب وتمثل جزء من آراء وقوانين أخرى تتصل بالسلوك اإلنساني وفلسفته في الحياة‬
‫ولم يظهر فكر اقتصادي بشكل مستقل واضح المعالم إال في النصف الثاني من القرن الثامن عشر‬
‫الميالدي عند ظهور كتاب ثروة األمم لالقتصادي آدم سميث‪.‬‬
‫أما الفكر االقتصادي اإلسالمي فبالرغم من كونه لم يكن متمتعا بذاتية مستقلة‪ ،‬ولم يكن هناك خط‬
‫فاصل بينه وبين جوانب الحياة الفكرية اإلسالمية األخرى ‪ −‬فقد تبلور هذا الفكر واتسعت آفاقه من خالل‬
‫الممارسة العملية والتطبيق الواقعي في عصور اإلسالم األولى فقد كانت الزكاة وغيرها من الفرائض المالية‬
‫تجبى بالطرق الشرعية وكان الفيء وغنيمة الحرب يقسم بين المستحقين من الفقراء والمقاتلين وكان هذا‬
‫السلوك نواة لبيت المال ( الخزانة العامة ) وتنظيما إليراداته ومصروفاته وهكذا فتح التطبيق العملي للفكر‬
‫االقتصادي اإلسالمي طريقا للدراسة والبحث من خالل الوقائع والمشكالت المالية التي برزت واستفحلت‬
‫بسبب الممارسة والتطبيق‪.‬‬
‫والمتصفح للمؤلفات الفقهية اإلسالمية ال يعدم الطريق إلى العديد من الدراسات واألبحاث المالية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬باإلضافة إلى مؤلفات إسالمية متخصصة في أحكام األموال في الشريعة اإلسالمية من‬
‫أبرزها كتاب األموال ألبي عبيد القاسم بن سالم المتوفى سنة ‪ 224‬ه‪ ،‬والخراج ليحيى بن آدم المتوفى‬
‫سنة ‪ 203‬ه‪ ،‬والخراج أيضا ألبي يوسف يعقوب بن إبراهيم األنصاري المتوقي سنة ‪ 182‬ه‪ ،‬والحسبة‬
‫للشيخ ابن تيمية‪ ،‬ومقدمة ابن خلدون‪ ،‬ولعل أهم هذه المؤلفات من الناحية المالية البحتة هو كتاب الخراج‬
‫ألبي يوسف الذي كان يشغل منصب قاضي القضاة في عهد الخليفة هارون الرشيد‪ ،‬وقد انطوى كتاب‬
‫الخراج على مجموعة إجابات عن أسئلة وجهها الخليفة إليه فيما يتعلق بنظام جباية الخراج وغيره من‬

‫‪3‬‬
‫موارد بيت المال‪ .‬كما تعتبر مقدمة ابن خلدون التي صاغها في القرن الثامن الهجري وقبل أربعة قرون‬
‫من ظهور آدم سميث قمة من القمم بالقياس لعصرها بالنسبة لما تضمنته من دراسات اقتصادية ومالية‪،‬‬
‫ومن المعلوم إن مصادر االقتصاد اإلسالمي هي القرآن والسنة واألحكام الفقهية المتراكمة‪ ،‬وأصول‬
‫التشريع المعتمدة حيث تستجيب للحاجات المتجددة للمجتمع اإلسالمي‪ .‬والنظام االقتصادي اإلسالمي‬
‫نظام شامل ألن دين اإلسالم دين يشمل عالقة العبد بربه وعالقته بإخوانه في المجتمع ‪,‬فقد قدم النظام‬
‫االقتصادي اإلسالمي القواعد لكل أنواع العالقات والمعامالت االقتصادية في مجاالت الملكية والحرية‬
‫والعدالة والضمان االجتماعي وتدخل الحكومة وتوازن المصالح ونظم شؤون الفرد والجماعة والدولة في‬
‫مختلف النواحي الشخصية واالجتماعية والسياسية واالقتصادية في السلم والحرب وكل ذلك على قواعد‬
‫ثابتة وأحوال مستقرة تخدم أغراضا محددة وتحقق أهدافا معروفة بتنظيم دقيق ومنطق راق‪.‬‬

‫تعاريف و مفاهيم أساسية‪:‬‬

‫توجد بعض المصطلحات في المجال االقتصادي يجب التعرف عليها حتى نتبين موقع الفكر‬
‫االقتصادي منها‪ ،‬وتتمثل هذه المصطلحات في اآلتي‪:‬‬

‫‪ .1‬االقتصاد‪ :‬رغم وضوح هذا المفهوم فإن كتاب االقتصاد اختلفوا في تعريفه ليس اختالفا لفظيا وانما‬
‫يمتد هذا الخالف إلى كنهه وحدوده حتى قال البعض‪" :‬إن هناك تعاريف خاصة لالقتصاد تساوى‬
‫تقريبا عدد مدرسيه‪ ،‬واذا حاولنا أن نختار منها تعريفا يحظى بقبول عام فإنه يمكن القول‪ :‬إن‬
‫االقتصاد بشكل عام يدور حول كيفية االختيار من بين االستخدامات البديلة للموارد االقتصادية‬
‫المتاحة إلشباع الحاجات اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ .2‬النشاط االقتصادي‪ :‬ويتمثل فيما يقوم به الناس من أعمال إلنتاج السلع والخدمات‪ ،‬وتجهيزها‬
‫لالستهالك‪ ،‬وما يرتبط بذلك من أنشطة أخرى مثل‪ :‬التمويل واالستثمار واإلنفاق والتبادل‪ ،‬وهذا‬
‫النشاط يمارسه كل إنسان في جميع األوقات منذ وجود اإلنسان‪.‬‬
‫‪ .3‬الفكر االقتصادي‪ :‬إن الفكر في معناه العام هو إعمال العقل في العلوم للوصول إلى المجهول‪،‬‬
‫وبتطبيق ذلك على االقتصاد يمكن القول‪ :‬إن الفكر االقتصادي هو ما يبذله علماء االقتصاد من‬
‫مجهود عقلي في فهم وتفسير الوقائع االقتصادية وتحديد السياسات المناسبة لممارسة النشاط‬
‫االقتصادي واالختيار من بينها في ضوء القيم التي تسود في المجتمع لتحقيق الكفاءة في استخدام‬

‫‪4‬‬
‫الموارد والعدالة في توزيعها‪ ،‬ومن الجدير بالذكر أن أي نشاط اقتصادي بصفته نشاطا إنسانيا‬
‫يحتاج إلى الفكر‪ ،‬غير أن طريقة التفكير االقتصادي قديما كانت تتم بطريقة عفوية وفردية وغير‬
‫منظمة وتستند إلى خبرات اإلنسان المتراكمة‪ ،‬دون أن يكون له وجود منظم ومصنف ينتج عنه‬
‫علم االقتصاد الذي نوضحه في النقطة التالية‪.‬‬
‫‪ .4‬علم االقتصاد‪ :‬وهو نتاج الفكر االقتصادي ويدور موضوعه حول أمرين‪ ،‬األمر األول‪ :‬دراسة‬
‫سلوك الناس في ممارستهم لألنشطة االقتصادية وتحليل هذا السلوك من حيث دوافعه وأهدافه‬
‫والمتغيرات المؤثرة عليه وعالقتها يبعضها ثم استنباط القواعد التي تحكم هذا السلوك وهو ما‬
‫يطلق عليه في األدب االقتصادي "دراسة ما هو كائن " أو" االقتصاد الوضعي"‪ .‬األمر الثاني‪:‬‬
‫ويقوم على استخدام المعلومات التي يمدنا بها االقتصاد الوضعي أو دراسة ما هو كائن ثم‬
‫األحكام األخالقية المستمدة من الدين والمثل العليا في المجتمع لتحديد وتأييد سياسة معينة من‬
‫بين السياسات أو الطرق البديلة للممارسة األفضل للنشاط االقتصادي‪ ،‬وهذا األمر يطلق عليه في‬
‫األدب االقتصادي "دراسة ما يجب أن يكون" أو النظام االقتصادي أو االقتصاد المعياري‪.‬‬

‫ويميل بعض االقتصاديين إلى قصر مجال علم االقتصاد على األمر األول "دراسة ما هو كائن "‬
‫وبالتالي يكون دور االقتصاد هو تحديد السياسات البديلة دون أن يمتد هذا الدور إلى تأييد سياسة معينة‬
‫تتفق مع القيم والمثل العليا‪ ،‬نظ ار ألنهم يختلفون حول ما هي القيم والمثل العليا التي يجب االلتزام بها‪،‬‬
‫وحيث أن مصدر هذه القيم في األصل هو الدين لذا جاء قولهم السابق اإلشارة إليه بأن األخالق والدين ال‬
‫يمتان لالقتصاد بصلة‪.‬‬

‫هذه هي المفاهيم األساسية لالقتصاد من وجهة نظر االقتصاد المعاصر‪ ،‬فأين موقع الفكر‬
‫االقتصادي اإلسالمي من ذلك؟‬

‫‪ .5‬الفكر االقتصادي اإلسالمي‪ :‬ونتناوله في اآلتي‪:‬‬


‫المفهوم ‪ :‬كما سبق القول يوجد ارتباط وثيق بين الفكر االقتصادي وعلم االقتصاد ثم بينهما وبين‬
‫النشاط االقتصادي‪ ،‬وأن الفكر هو إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى المجهول‪ ،‬ونظ ار ألن‬
‫المعلوم في االقتصاد بشكل عام هو سلوك اإلنسان االقتصادي‪ ،‬ويزيد عليه في الدين اإلسالمي‬
‫األحكام والتوجيهات اإلسالمية في القرآن الكريم والسنة النبوية وأنه يجب على المسلمين االلتزام‬
‫في سلوكهم الفعلي ونشاطهم االقتصادي بهذه األحكام‪ ،‬ونظ ار لعدم وجود تعريف مصطلحي قديما‬

‫‪5‬‬
‫لالقتصاد اإلسالمي‪ ،‬لذلك جاء اختالف علماء االقتصاد اإلسالمي المعاصر في تعريفه بشكل‬
‫يجعل كل تعريف منها يركز على مفهوم من المفاهيم الثالثة‪" :‬النشاط‪ -‬الفكر‪ -‬العلم " ومع ذلك‬
‫فكلهم يتفق على ربط االقتصاد باإلسالم ومن هذه التعريفات ما يلي‪:‬‬

‫( أ ) االقتصاد اإلسالمي‪ :‬هو ذلك الفرع من المعرفة الذى يساعد على تحقيق رفاهة اإلنسان من‬
‫خالل تخصيص وتوزيع الموارد النادرة بما ينسجم مع التعاليم اإلسالمية‪.‬‬

‫(ب) االقتصاد اإلسالمي هو علم من العلوم االجتماعية يدرس المشكالت االقتصادية ألناس‬
‫يتحلون بقيم اإلسالم‪.‬‬

‫(جـ) االقتصاد اإلسالمي هو ذلك الجهد المنظم الذي يبذل في محاولة فهم المشكلة االقتصادية‬
‫وسلوك اإلنسان نحوها من منظور إسالمي‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الفكر االقتصادي الوضعي‬

‫أوال‪ :‬الفكر االقتصادي في العصور القديمة‬

‫‪ .1‬النظام البدائي‪:‬‬
‫‪ -‬تعريفه‪ :‬هو نظام حياتي يعتمد على االستغالل العشوائي لألراضي‪ ،‬ظهرت فيه األشكال األولى‬
‫للعالقات في ميدان العمل‪.‬‬
‫‪ -‬الخصائص االقتصادية للمجتمع البدائي‪:‬‬
‫كانت أولى أدوات العمل المستخدمة هي‪ :‬العصي و الحجارة‪ ،‬لتتطور فيما بعد من خالل اكتشاف‬
‫النار و األقواس‪ ،‬و تطوير نشاط الصيد‪ .‬أما أهم ما ميز هذا النظام فقد تمثل أساسا في‪:‬‬
‫أ‪ .‬تطوير عالقات العمل من خالل استحداث اللغة بواسطة الرموز الصوتية‪.‬‬
‫ب‪ .‬المساعدة على تطوير الخبرات اإلنتاجية و قوى اإلنتاج الجماعية‪.‬‬
‫‪ -‬الخصائص االجتماعية‪:‬‬
‫يعتبر أول شكل من أشكال العالقات االجتماعية هو "القطيع البشري"‪ ،‬و هو جماعة موحدة‬
‫متجانسة‪ ،‬و مع تنويع أدوات العمل انتقلنا من النظام البدائي إلى نظام جديد أال و هو "النظام‬
‫العشيري"‪.‬‬
‫‪ .2‬النظام العشيري‪:‬‬
‫‪ -‬تعريف العشيرة‪ :‬هي جماعة من األفراد تربطهم عالقة الدم‪ ،‬و يفرض النظام العشيري مجموعة‬
‫من القيود‪ ،‬حيث أن النسب يتصل باألم‪ ،‬لهذا كان أول شكل من أشكال العشيرة هو العشيرة‬
‫األمية‪ ،‬ثم انتقل فيما بعد إلى العشيرة األبوية‪.‬‬
‫‪ -‬األفكار االقتصادية السائدة في النظام العشيري‪:‬‬
‫‪ ‬العمل الجماعي و الملكية الجماعية لوسائل االنتاج‪ :‬و هذا يرجع إلى عدم قدرة االنسان‬
‫البدائي على تسخير قوى الطبيعة بمفرده‪ ،‬إضافة إلى ضعف أدوات العمل مما يستلزم‬
‫التشارك لالستفادة‪ ،‬و الدفاع المشترك في مواجهة قوى الطبيعة‪ .‬أما فيما يتعلق بالتوزيع‬
‫المتساوي للمنتجات‪ ،‬فقد كان رئيس العشيرة يقوم بتوزيع تلقائي للعمل دون األخذ بعين‬
‫االعتبار نوعية النشاط الممارس‪ ،‬و مجهود كل فرد‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ ‬ظهور التقسيم االجتماعي للعمل‪ ،‬و تبادل البضاعة‪ :‬و من أهم مظاهره "ظهور المنتوج‬
‫الفائض"‪ ،‬و هذا كنتيجة لتطور قوى اإلنتاج باإلضافة إلى استخدام أدوات العمل األكثر‬
‫تخصصا‪ ،‬مما أدى إلى ارتفاع ملموس في إنتاجية العمل‪ ،‬انعكس بدوره على عالقات‬
‫اإلنتاج‪ ،‬و لهذا ظهر مفهوم "المنتوج الفائض" في الحياة االقتصادية‪ .‬و أفضل مثال على‬
‫ذلك هو انفصال نشاط الزراعة عن الرعي كتقسيم أولي يليه تقسيمات أخرى‪.‬‬
‫فالفكر االقتصادي األساسي الحاكم لهذه التشكيلة االقتصادية و االجتماعية هو إذن‪:‬‬

‫"إنتاج الخيرات الضرورية لسد حاجات القبيلة بواسطة األدوات البسيطة و على أساس‬
‫العمل الجماعي"‬

‫‪ -‬مظاهر انحالل النظام العشيري‪:‬‬


‫‪ ‬االنتقال إلى االقتصاد الفردي و ظهور الملكية الخاصة‪ :‬حيث أصبح عمل اإلنسان‬
‫أكثر إنتاجية بحيث يمكن تغطية احتياجاته بقواه الخاصة‪ .‬في هذه الظروف أصبحت‬
‫الجماعة عائقا في وجه تطور االنتاج‪ ،‬و إذا كان العمل المشترك يتطلب ملكية عامة‬
‫لوسائل اإلنتاج‪ ،‬فإنه مع زوال هذا النوع من العمل‪ ،‬يتطلب العمل الفردي ملكية لوسائل‬
‫اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ ‬ظهور العائلة كخلية أساسية في المجتمع‪ :‬حيث كانت تنفصل خلية إجتماعية جديدة هي‬
‫"العائلة الفردية" التي كانت تمتنع تدريجيا عن المشاركة في العمل الجماعي‪ ،‬و أصبحت‬
‫تنتقل بعض العائالت حتى إلى ملكية األراضي‪ ،‬و كانت األسرة الواحدة تقوم بحراثة‬
‫األرض و تحقيق المقادير الضرورية من الطعام‪.‬‬
‫‪ ‬نهاية التوزيع المتساوي للمنتجات‪.‬‬
‫‪ ‬توسيع التفاوت في الملكية‪ :‬حيث ظهر التفاوت في االمتالك بين العائالت‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫انقسام المجتمع إلى طبقة غنية و أخرى فقيرة تربطها ببعضها البعض مصالح اقتصادية‬
‫أكثر مما تربطها روابط الدم‪.‬‬
‫كما أن هذه المرحلة تميزت باغتناء شيوخ القبيلة‪ ،‬و ظهور الحكم الوراثي‪ ،‬و مع مرور‬
‫الزمن ابتعد هؤالء الرؤساء عن جمهور العشيرة و شكلوا طبقة مميزة تتمركز في يدها الثروة‪،‬‬
‫و تتحكم في الطبقة الفقيرة التي تمثل األكثرية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ .3‬النظام العبودي‪:‬‬
‫‪ -‬تعريفه‪ :‬هو نظام اقتصادي اجتماعي يقوم على استغالل اإلنسان ألخيه‪ ،‬و استغالل الطبقة‬
‫الغنية للطبقة الفقيرة‪ .‬تشكل هذا النظام خالل األلفية الرابعة قبل الميالد‪ ،‬و استمر حتى القرن‬
‫الخامس ميالدي بانهيار اإلمبراطورية الرومانية‪.‬‬
‫‪ -‬البنية الطبقية للمجتمع العبودي‪ :‬يمكن التمييز بين ثالثة أنواع من الطبقات‪:‬‬
‫أ‪ .‬طبقة المالك‪ :‬و هي الطبقة التي تمتلك مختلف الوسائل و قوى اإلنتاج‪.‬‬
‫ب‪ .‬طبقة المنتجين‪ :‬تمثل الفئة الوسيطة ذات الدخل المحدود‪.‬‬
‫ج‪ .‬طبقة العبيد‪ :‬و هي الفئة المحرومة من ملكية و سائل اإلنتاج و المكرهة على العمل‬
‫المباشر‪.‬‬
‫‪ -‬الخصائص االقتصادية للمجتمع العبودي‪:‬‬
‫‪ ‬الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ ‬انفصال العمل الفيزيولوجي عن العمل الذهني‪ :‬مما يعكس تخصص العبيد بالعمل‬
‫الفيزيولوجي‪ ،‬و تخصص مالكي العبيد بالعمل الذهني‪ ،‬و كنتيجة لهذا تركزت اإلدارة‬
‫الحكومية و السياسية في يد طبقة مالكي العبيد‪.‬‬
‫كل ما سبق و غيره ساعد في تطوير الفكر و الثقافة اإلنسانية كبناء القصور و تنظيم‬
‫االقتصاد و التشريع و نشأة الكتابة‪ ،.....‬و بالمختصر المفيد‪ ،‬أصبح العبيد محور كل إنتاج‬
‫يؤلف القاعدة التي يمر عليها التركيب الفوقي للمجتمع‪ .‬فالفالسفة و المفكرون يرون في هذا‬
‫النظام خلود الطبيعة‪ .‬و هكذا نرى أفالطون مثال يعبر عن هذا النظام في المجتمع العبودي‬
‫اليوناني قائال‪" :‬الرقيق هو األداة الحية في حين أن األداة هي الرقيق الذي ال حياة فيه"‪.‬‬

‫و يغدو بذلك الفكر األساسي الذي يميز المجتمع العبودي هو‪:‬‬

‫"أن إنتاج الخيرات المادية موجه لسد مختلف حاجات مالكي العبيد المتزايدة باستمرار‪،‬‬
‫وكان يتم عن طريق االستثمار في العبيد"‪.‬‬

‫‪ -‬ظروف انحالل النظام العبودي‪:‬‬


‫‪ ‬التناقض بين قوى اإلنتاج و وسائل اإلنتاج‪ :‬حيث كانت اإلنتاجية ضعيفة و رديئة و هذا‬
‫لوجود عالقة إكراه بين قوى اإلنتاج و وسائل اإلنتاج‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ ‬التناقض بين المدينة و الريف‪ :‬باختصاص أصحاب المدينة في الجهد الفكري‪ ،‬أما‬
‫أصحاب الريف ففي الجهد العضلي‪ ،‬مما أدى إلى انحطاط الريف و هذا بسبب استنزاف‬
‫المدينة للريفيين‪.‬‬
‫بعد انهيار اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬عمد األسياد إلى تقسيم أراضيهم إلى قطع صغيرة‪،‬‬
‫وسلموها إلى مستأجرين من الفالحين األحرار و العبيد مقابل شروط الحصول على جزء من‬
‫المنتوج كإيجار أو ريع‪ ،‬و بذلك تشكل النظام اإلقطاعي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الفكر االقتصادي في العصور الوسطى‬

‫‪ .1‬النظام اإلقطاعي‪:‬‬
‫‪ -‬تعريفه‪ :‬هو نظام يقوم على ملكية األرض التي تعتبر جوهر النظام االقتصادي‪ ،‬حيث أن األرض‬
‫و ما تنتجه ملك لإلقطاعي‪ ،‬و يجوز للفالح أن يعمل بأدواته الخاصة من أجل استغالل هذه‬
‫األرض‪ ،‬و العمل اإلضافي يذهب لصاحب األرض‪.‬‬
‫‪ -‬مميزاته‪:‬‬
‫‪ ‬العالقة االقتصادية و االجتماعية لإلنتاج تدور حول األرض‪.‬‬
‫‪ ‬حق استعمال األرض للفالح و حق ملكيتها يعود لإلقطاعي‪.‬‬
‫‪ -‬أشكال اإلنتاج اإلقطاعي‪:‬‬
‫أ‪ .‬النظام السعري‪ :‬و المقصود بهذا النظام عمل الفالح بأدواته الخاصة مجانا بضعة أيام في‬
‫األراضي التي تتبع اإلقطاعي‪ ،‬و الباقي من أيام األسبوع‪ ،‬يقوم الفالح بخدمة األرض التي‬
‫يقدمها له اإلقطاعي الستثمارها و دفع ربح معين‪.‬‬
‫ب‪ .‬نظام الربح العيني‪ :‬و هو أن يعمل الفالح الذي يستخدم األرض التي يقدمها له اإلقطاعي‬
‫على مدار األسبوع بكامله‪ ،‬و يقوم الفالح بدال عن ذلك بدفع المنتوج العيني‪.‬‬
‫ج‪ .‬نظام الربح النقدي‪ :‬و هو أن يتخلى المنتج للمالك‪ ،‬ليس عن جزء من الناتج‪ ،‬و إنما عن‬
‫ثمن هذا الجزء‪.‬‬
‫‪ -‬أهم األفكار االقتصادية في ظل النظام اإلقطاعي‪:‬‬
‫كان للدين تأثير و دور كبير على سلوك األفراد في ظل النظام اإلقطاعي‪ ،‬و قد كان للكنيسة‬
‫نفوذ متزايد كانت تنافس من خالله السلطة اإلقطاعية‪ .‬يقوم هذا المذهب الذي ينادي به رجال‬

‫‪10‬‬
‫الكنيسة على ضرورة تكافؤ التبادل االقتصادي‪ ،‬و من هذا المبدأ األساسي انبثقت مجموعة من‬
‫األفكار االقتصادية‪:‬‬
‫أ‪ .‬الثمن العادل‪ :‬هو الثمن الذي يخضع آللية العرض و الطلب‪.‬‬
‫ب‪ .‬األجر العادل‪ :‬هو األجر الذي يؤمن حياة كريمة للطبقات المنتجة‪ ،‬و مستوى معيشي مقبول‬
‫للطبقات الفقيرة‪.‬‬
‫ج‪ .‬تحريم الفائدة و الربا‪ :‬هاجم رجال الكنيسة اإلقرار بالفائدة انطالقا من المقولة أن‪" :‬الفائدة‬
‫هي ثمن الوقت‪ ،‬و أن الوقت ملك هلل"‪ ،‬و لهذا السبب تم التحريم المطلق للفائدة و اإلقراض‪.‬‬
‫د‪ .‬مبدأ تدخل الدولة‪ :‬يرى رجال الكنيسة أن تدخل الدولة ضروري لتنظيم المجتمع‪ ،‬فعليها أن‬
‫تتدخل لتحديد الثمن العادل و األجر العادل‪ ،‬باإلضافة إلى تحريم الفائدة و الربا‪.‬‬
‫‪ -‬أهم مظاهر انحالل النظام اإلقطاعي‪:‬‬
‫‪ ‬التطورات االقتصادية و االجتماعية المتمثلة في تحرير العبيد‪ ،‬حيث كان هناك هروب‬
‫للفالحين باتجاه المدينة‪ ،‬و من ثم تخفيض اليد العاملة في المجال الزراعي لالتجاه نحو‬
‫الصناعة و بعض النشاطات التجارية‪.‬‬
‫‪ ‬التحوالت التي عرفها رأس المال التجاري و الربوي‪ ،‬و التي أدت إلى تحويل المنتج‬
‫الصغير إلى عامل مأجور‪.‬‬
‫‪ ‬ظهور المرحلة التحضيرية بأسلوب اإلنتاج الرأسمالي‪ ،‬حيث تم االعتماد على أربعة‬
‫مصادر لتراكم رأس المال‪:‬‬
‫‪ ‬استعمال القوة (اإلكراه غير االقتصادي المباشر)‪.‬‬
‫‪ ‬تجارة المستعمرات‪.‬‬
‫‪ ‬نشاط الشركات التجارية الضخمة‪.‬‬
‫‪ ‬اإلصدار السندي ( السندات عبارة عن أوراق مالية قصيرة األجل مضمونة‬
‫‪ ،%011‬ذات فائدة عالية جدا‪ ،‬تستعملها الدولة من أجل تغطية نفقاتها‪ ،‬حيث‬
‫تقوم باالقتراض و ترد بالفائدة)‪.‬‬
‫‪ ‬ظهور المؤسسات الصناعية بدال عن جمعيات الحرف كشكل أولي لإلنتاج الرأسمالي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الفكر االقتصادي في مرحلة االنتقال‬

‫‪ .0‬مذهب التجاريين‬

‫‪11‬‬
‫أدى تغير األوضاع السياسية واالقتصادية واالجتماعية بعد انهيار طبقة اإلقطاع في أوربا‪ ،‬ونمو‬
‫المراكز التجارية في المدن ‪ ،‬وظهور الدولة الحديثة والوحدة القومية ‪،‬واكتشاف العالم الجديد‪ ،‬واتساع‬
‫نطاق التعامل بالنقود إلى تحول طبقة التجار إلى قوة مسيطرة توجه االقتصاد ‪.‬‬

‫ولم يقتصر دور التاجر على مجرد شراء المنتجات التي يصنعها الحرفيون ‪ ،‬بل تجاوزها إلى‬
‫السيطرة على النشاط الصناعي من خالل استغالل رأسماله في إنتاج السلع الصناعية التي يحتاجها في‬
‫تجارته ‪ ،‬أو بالقيام بدور المنظم الذي يجمع هؤالء الحرفيين داخل مصنع واحد يعملون تحت إشرافه‪،‬‬
‫فقامت تبعا لذلك عالقات عمل جديدة بين الصناع والتجار أو المنتجين ‪ ،‬فأصبحت معها الصناعة تابعة‬
‫للتجارة ‪ ،‬بما يعرف بالرأسمالية التجارية ‪.‬‬

‫وقد واكب هذه التغيرات تطور فكرى و سياسي تميز بالثورة على المألوف‪ ،‬بحيث أصبحت كثي ار‬
‫من العقائد والمسلمات في أمور الدين والسياسة محال للجدل والنقاش ‪ ،‬وظهر من يرى ( كالفن وتابعوه )‬
‫أن السعي إلى الغنى والثراء ال يتعارض مع الدين‪ ،‬ألن توفيق اإلنسان في الحصول على الربح دليل على‬
‫رضا الرب عنه ‪ ،‬وأن قيام دولة قوية يحتاج إلى أمير قوى ال تقيده سلطة دينية‪ ،‬مما جعل ميكافيللى‬
‫)‪( 1469- 1527‬صاحب الكتاب الشهير "األمير " ‪The Prince‬يدعو إلى ضرورة فصل السياسة‬
‫عن األخالق أو الدين ‪ ،‬وأن الغاية تبرر الوسيلة‪ .‬و قد مهد كل ذلك الطريق نحو النزعة الفردية ‪ ،‬وتعظيم‬
‫المصلحة الشخصية ‪ ،‬والعمل على تحقيق أقصى ربح ‪ ،‬و االعتقاد بأن سعى الفرد إلى ذلك يصب‬
‫لصالح الدولة التي يجب أن تكون قوية ‪.‬‬

‫ومن هنا انطلقت أفكار التجاريين ‪ Mercantilism‬من ضرورة الحصول على مصدر القوة‪،‬‬
‫وهى الثروة‪ ،‬وجمع أكبر قدر منها‪ ،‬سواء على مستوى الفرد أو الدولة‪ .‬و تتمثل الثروة عند التجاريين‬
‫األوائل في الذهب والفضة‪ ،‬وان كان المتأخرون منهم توسعوا في مفهومها ليشمل ما يحققه البلد من‬
‫منتجات‪.‬‬

‫وقد نادى التجاريون بضرورة أن تحافظ الدولة على أن يكون ميزانها التجاري لصالحها عند‬
‫التعامل مع الدول األخرى ‪ ،‬وذلك بأن تحقق فائضا إيجابيا ‪ ،‬عن طريق الحصول على حصة أكبر من‬
‫الذهب والفضة ‪ ،‬وقد اختلفت السياسات المتبعة لتحقيق هذا الهدف‪ ،‬تبعا لظروف كل دولة ‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫أ ‪-‬السياسة األسبانية‪ :‬استغلت أسبانيا كونها من أكبر الدول األوربية التي استفادت بالكشوف‬
‫الجغرافية في االستيالء على عدد كبير من المستعمرات وخاصة في إفريقيا ‪ ،‬الغنية بالذهب والفضة ‪ ،‬في‬
‫العمل على جلب الذهب والفضة – مصدر الثروة – إلى أسبانيا من هذه المستعمرات ‪ ،‬ومنع خروجهما‬
‫منها ‪ ،‬وألزمت السفن ال تي تنقل بضائع أسبانية إلى الخارج أن تعود محملة بذهب وفضة مقابل لها ‪ ،‬وأن‬
‫ال يسمح للتجار األجانب الذين يبيعون بضائع داخل أسبانيا أن ال يخرجوا منها بذهب أو فضة ‪ ،‬بل‬
‫يمكن أن ينقلوا إلى بالدهم بضائع أسبانية بدال عنهما‪.‬‬

‫ب ‪-‬السياسة الفرنسية‪ :‬اتجهت فرنسا ‪ ،‬وخاصة في عهد الوزير كولبير )‪،( 1619-1683‬‬
‫نحو الصناعة لتكون مصدر الحصول على الذهب والفضة ‪ ،‬وذلك بتشجيع قيام الصناعة ‪ ،‬وزيادة اإلنتاج‬
‫الصناعي لتصديره إلى الخارج ‪ ،‬باعتبار أن الصناعة تفضل الزراعة في كونها يمكن التحكم في كميات‬
‫إنتاجها دون تأثر بالظروف المناخية أو الطبيعية كالزراعة ‪ ،‬وأن قيمتها تزيد عن قيمة الزراعة عند تساوى‬
‫حجمهما‪.‬‬

‫ولتشجيع الصادرات الصناعية اتبعت فرنسا عددا من السياسات المالية و الحمائية ‪ ،‬منها إقامة‬
‫صناعات حكومية ‪ ،‬وفرض ضرائب جمركية عالية على الواردات المنافسة ‪ ،‬والعمل على تخفيض أثمان‬
‫الحاصالت الزراعية والمواد األولية الداخلة في اإلنتاج الصناعي ‪ ،‬وتكوين شركات لتوزيع وتصدير‬
‫المنتجات الصناعية إلى الخارج ‪.‬‬

‫جـ ‪-‬السياسة اإلنجليزية ‪:‬استفادت إنجلت ار من سيادتها البحرية بأسطولها الكبير في الحصول‬
‫على الثروة عن طريق التجارة الخارجية ‪ ،‬وذلك عن طريق فرض القوانين التي تلزم بأن تكون السفن التي‬
‫تنقل البضائع بين انجلت ار ومستعمراتها سفنا إنجليزية ‪ ،‬وأن يكون ثالثة أرباع البحارة الذين يعملون على‬
‫السفن من اإلنجليز ‪ ،‬وأن تنقل السفن البريطانية البضائع الواردة من الخارج ‪ ،‬أو السفن التي تتبع البالد‬
‫التي ترد منها البضائع‪.‬‬

‫تقدير مذهب التجاريين‬

‫‪13‬‬
‫يرجع إلى التجاريين الفضل في تخليص أوربا من الكثير من األفكار المتخلفة ‪ ،‬والتي كانت‬
‫تكرس الخمول والكسل ‪ ،‬إلى مبادئ تدعو للعمل وتحقيق أقصى ربح ‪ ،‬مما ساهم في نهضة أوربا‬
‫الصناعية والتجارية ‪.‬‬

‫بيد أن هذا المذهب يكتنفه النقد من عدة نواح ‪:‬‬

‫‪ .0‬ال تقتصر الثروة على الذهب و الفضة ‪ ،‬كما أن السباق المحموم بين الدول لجلب الذهب والفضة‬
‫قيد حرية التجارة الدولية ‪ ،‬وزاد من حده الصراع بين الدول فدخلت في حروب عسكرية ‪ ،‬وزادت‬
‫من المد االستعماري الذي نهب ثروات الشعوب المحتلة ‪.‬‬
‫‪ .2‬أضرت السياسات المتبعة في الداخل لإلبقاء على الثروة بالدولة ذاتها ؛ فعلى سبيل المثال أدت‬
‫السياسة التي اتبعتها فرنسا لتشجيع الصناعة على حساب الزراعة إلى اإلضرار بطبقة الفالحين‬
‫الذين انخفض دخلهم ‪.‬‬
‫‪ .3‬ال تحقق زيادة الثروة الرفاهية دائما ‪ ،‬إذا أدت هذه الثروة إلى زيادة الدخل ‪ ،‬ومن ثم زيادة القوة‬
‫الشرائية ‪ ،‬التي إن لم تقابل بزيادة في اإلنتاج فإنها ترفع أسعار السلع داخل الدولة‪ ،‬مما يقلل من‬
‫فرص هذه الدولة في تصدير سلعها للدول األخرى ‪ ،‬وتزيد من واردتها على خالف ما يهدف‬
‫التجاريون بتحقيق فائض في الميزان التجاري للدولة ‪.‬‬

‫‪ .2‬مذهب الطبيعيين‬

‫ولدت أفكار التجاريين سياسات اقتصادية أضرت بالزراع والصناع ‪ ،‬نتيجة التحديد الذي فرضته‬
‫هذه السياسة على أثمان المحاصيل ‪ ،‬أو القيود التي وضعت على االستيراد ‪ ،‬فضاقت الطبقات المنتجة‬
‫من تدخل الدولة ‪ ،‬وراجت الدعوة إلى إطالق حرية النشاط االقتصادي من خالل العودة إلى قوانين‬
‫الطبيعة ‪.‬‬

‫وقد تزعم هذه الدعوة جماعة من المفكرين بفرنسا‪ ،‬وعلى رأسهم فرانسوا كيناي )‪( 1694-1774‬‬
‫طبيب الملك لويس الخامس عشر‪ .‬وأطلق عليهم بالطبيعيين ‪ Physiocrates‬لحرصهم على التعلق‬
‫بالنظام الطبيعي ‪ ،‬وما يفرزه من قوانين ‪ ،‬توجب التركيز على الناتج الصافي الذي يتحقق من األرض ‪:‬‬

‫أ ‪-‬النظام الطبيعي‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫يرى الطبيعيون أن الظواهر االقتصادية كالظواهر الطبيعية والبيولوجية تحكمها قوانين طبيعية أو إلهية ‪،‬‬
‫ال دخل لإلنسان فيها ‪ ،‬وال تختلف من دولة إلى أخرى ‪ ،‬كما ال تتغير بتغير األزمان‪ .‬فهي قوانين أزلية ‪،‬‬
‫وعالمية‪ ،‬ومطلقة ال استثناء فيها‪ ،‬ومن ثم ال يجوز الخروج عنها‪ ،‬أو تجاهلها‪ ،‬أو التدخل البشرى لتغييرها‪.‬‬

‫و تقوم القوانين الطبيعية التي تحكم النشاط االقتصادي على فكرتي المصلحة الشخصية و المنافسة‪،‬‬
‫فالفرد يسعى دائما لتحقيق مصلحته الذاتية بهدف تحقيق أعلى عائد أو ربح خاص له ‪.‬ويواجه الفرد‬
‫المنافسة من اآلخرين الذين يسعون كذلك لتحقيق مصلحة كل منهم الشخصية ‪ ،‬مما يؤدى في النهاية إلى‬
‫تحقيق مصلحة المجتمع ‪ ،‬التي تتكون من مجموع مصالح اآلخرين ‪.‬‬

‫ب ‪-‬الناتج الصافي‪:‬‬

‫نظر الطبيعيون إلى اإلنتاج كأساس لتكوين الثروة وزيادتها‪ .‬ويتمثل اإلنتاج عندهم في كل عمل يخلق‬
‫ناتجا صافيا جديدا ‪ ،‬وذلك بأن يضيف إلى العملية اإلنتاجية أشياء أو مواد جديدة لم تكن موجودة من‬
‫قبل‪ ،‬أو تزيد عما كانت موجودة قبل هذا العمل‪.‬‬

‫وال يتحقق الناتج الصافي بهذا المفهوم – من وجهة نظرهم – إال عن طريق الزراعة‪ ،‬ألن األرض‬
‫وحدها هي التي تنتج الفائض الذي لم يكن موجودا من قبل ‪.‬وال تنافسها في ذلك صناعة أو تجارة ‪،‬‬
‫حيث تقتصر الصناعة على مجرد تحويل المادة الموجودة من شكل إلى آخر ‪ ،‬كما تقوم التجارة بنقل‬
‫المنتجات الموجودة من مكان آلخر ‪.‬‬

‫و يتحقق الناتج الصافي من األرض عن طريق دورة طبيعية كالدورة الدموية في جسم اإلنسان‪.‬‬
‫ويصور ذلك الطبيب كيناي من خالل تقسيم المجتمع إلى ثالث طبقات هي‪ :‬طبقة الزراع أو الطبقة‬
‫المنتجة ‪ ،‬وطبقة المالك ‪ ،‬وطبقة الصناع والتجار وأصحاب النشاط الحر والخدم وتسمى بالطبقة العقيمة‬
‫)‪ ،)classe Stérile‬حيث يتحقق الفائض الصافي من خالل الطبقة الزراعية المنتجة‪ ،‬إذ يستخدم جزء‬
‫من هذا الفائض في اإلنفاق على األرض ‪ ،‬بينما يستخدم الجزء الباقي منه على مالك األرض أصحاب‬
‫الحق الطبيعي فيها ‪ ،‬وعلى الصناع والزراع وغيرهم لشراء ما يلزم من أدوات ومهمات الزمة للحياة ‪.‬على‬
‫أن ما يحصل عليه المالك والصناع وغيرهم من ذلك الفائض يعود تالية إلى الزراع مقابل استهالك‬
‫المحاصيل الزراعية التي ينتجونها‪ .‬ويدل ذلك على أن المنتجات والدخول يتم تداولها من خالل دورة‬

‫‪15‬‬
‫مغلقة تبدأ م ن األرض وتنتهي عندها‪ ،‬تشبه الدورة الدموية داخل جسم اإلنسان التي تبدأ من القلب وتنتهي‬
‫عنده ‪ ،‬في حركة دائبة ومتكررة‪.‬‬

‫وهذا النموذج المبسط الذي أسماه كيناي بالجدول االقتصادي ‪Reproduction Scheme‬‬
‫لبيان تجدد اإلنتاج من وقت آلخر كتجدد الدم في جسم اإلنسان ‪ ،‬يقوم على عدة فروض أهمها‪:‬‬

‫‪ -‬أن مستوى النشاط االقتصادي ال يتغير عبر الزمن‪.‬‬


‫‪ -‬تجرد التحليل من اثر تعامل الدولة كوحدة اقتصادية برمتها مع الخارج‪.‬‬
‫‪ -‬أن النظام االقتصادي يعمل في ظل المنافسة الحرة‪.‬‬
‫‪ -‬أن جميع المبادالت تتم في نهاية الفترة محل االعتبار تماما كفترة المحصول الواحد مثال ‪ ،‬ليبدأ‬
‫دورة جديدة في الفترة الالحقة‪.‬‬
‫‪ -‬أن األثمان تظل على حالها أثناء الفترة موضع التحليل ‪ ،‬كما أنها لن تتغير من فترة إلى أخرى‪.‬‬

‫و يترتب على هذا التصور ضرورة أن تزيد قيمة دخول األرض عن قيمة النفقات المتكبدة إلنتاجها‪،‬‬
‫حتى يتمكن الزراع من أداء جزء من هذا الدخل لمالك األرض نظير حق الملكية و إعدادهم األرض‬
‫للزراعة ‪ ،‬والى الطبقات األخرى لتوفير المواد الالزمة للزراعة أو لحياة الزراع ‪ ،‬مما يتطلب ضرورة توفير‬
‫نظام اقتصادي حر ‪ ،‬يتيح للطبقات المختلفة أن تحدد أثمان السلع والخدمات التي ينتجونها بما يالئمهم ‪،‬‬
‫و يحقق حرية انتقال السلع والخدمات دون قيود‪.‬‬

‫ولما كان الدخل الحقيقي هو الدخل الصافي الذي تنتجه األرض ‪ ،‬وأن األرض هي منبع هذا‬
‫الدخل ومصبه ‪ ،‬فإن الطبيعيين يرون أنه ال داعي من أن تفرض الضرائب على الدخول في أيدي كل‬
‫طبقة ‪ ،‬أو بمناسبة حصولها عليه ‪ ،‬وانما يكفى ضريبة دخل وحيدة تفرض على األرض ؛ ألن تنوع‬
‫الضرائب على صور الدخل المختلفة ستؤدى إلى زيادة تكاليف وارتفاع أسعار المواد التي يحتاجها‬
‫الفالحون ‪ ،‬ومن ثم ترتفع تكلفة إنتاج األرض ‪.‬ويعنى ذلك أن األرض هي التي تحملت كافة الضرائب‬
‫المختلفة ‪ ،‬وهكذا ؛ فال جدوى من تعدد الضرائب ‪ ،‬ولتفرض الضريبة على من يتحمل عبئها حقيقة‪ ،‬وهى‬
‫األرض ‪.‬‬

‫ولذلك يمكن تلخيص سياسات الطبيعيين في العبارة الشهيرة‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫"دعه يعمل ‪-‬دعه يمر " ‪ Laisser faire , laisser passer‬التي تعني مبدأ الحرية‬
‫االقتصادية ‪ ،‬والتي تقوم على إطالق العنان لألفراد كي يعملون ‪ ،‬وللسلع كي تنتقل ‪ ،‬دون تدخل من‬
‫الدولة ‪ ،‬التي عليها أن تقوم بوظائفها الحارسة التقليدية ‪ ،‬أي على الحفاظ على األمن ‪ ،‬وتحقيق العدل ‪،‬‬
‫واقرار القوانين الطبيعية ‪ ،‬والحرص على تطبيقها ‪.‬‬

‫تقدير مذهب الطبيعيين‬

‫يرجع الفضل إلى الطبيعيين في إبراز واستقاللية االقتصاد كعلم له أفكاره ومبادئه الذاتية‪ ،‬التي تخلصه‬
‫من تبعيته ألفكار الفالسفة ورجال الدين‪ .‬كما أنهم المؤسسون الحقيقيون للمذهب االقتصادي الحر‪.‬‬

‫و لهم الفضل أيضا في تغيير النظرة إلى الثروة من حصرها في النقود إلى شمولها لإلنتاج‪.‬‬
‫والطبيعيون هم أول من أعطى فكرة عن دورة الناتج الكلى و تداوله ‪ ،‬و توزيعه داخل الدولة ‪ ،‬أو بين‬
‫الدول المختلفة ‪.‬‬

‫كما أنهم من أوائل من نادوا بتحرير التجارة سواء داخل الدولة ‪ ،‬أو خارجها ‪ ،‬حيث طالبوا بعدم‬
‫فرض القيود على التصدير‪.‬‬

‫ولم يروا مانعا من أن تتدخل الدولة في حدود وظيفتها الحارسة ‪ ،‬إلقرار األمن الداخلي والخارجي‬
‫وتحقيق العدل ‪ ،‬بما يعطيها الحق في التدخل لضمان أمن الدولة والتزام األفراد بواجباتهم تجاهها ‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن هذا المذهب ال يخلو من النقد ‪:‬‬

‫‪ .0‬أخطأ الطبيعيون في حصر اإلنتاج في صورته المادية ‪ ،‬التي تشكل إضافة أو زيادة مادية للسلع‬
‫الموجودة فقط ‪ ،‬مما جعلهم يركزون على األرض واعتبارها المصدر الوحيد لهذا النوع من‬
‫اإلنتاج‪ ،‬وتجاهلوا نوعا آخر من اإلنتاج ال يقل أهمية وهو إنتاج المنفعة ‪ ،‬الذي تحققه طبقة‬
‫الصناع والتجار وأصحاب المهن األخرى ‪ ،‬ألن هذه الطبقات تزاول أنشطة إنتاجية ‪ ،‬فهي تخلق‬
‫المنفعة التي لم تكن موجودة من قبل ‪ ،‬أو تزيد من المنافع الموجودة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ .2‬أن فرض ضريبة على األرض ال يحقق العدالة في توزيع األعباء العامة ‪ ،‬حيث يقتصر تحمل‬
‫عبء هذه الضريبة على فرع واحد من فروع النشاط االقتصادي وهو الزراعة ‪ ،‬دون غيره من‬
‫األنشطة األخرى ‪.‬‬

‫ومن ثم فإن اتساع مفهوم اإلنتاج ليشمل كال من األنشطة المادية واألنشطة غير المادية أو‬
‫المنافع يؤدى إلى نبذ فكرة الطبيعيين التي تنادى بفرض ضريبة وحيدة هي ضريبة األرض ‪ ،‬لتحل محلها‬
‫فكرة تعدد الضرائب على كل طبقة منتجة من الزراع والصناع والتجار وغيرهم‪ ،‬بما يتناسب مع الدخول‬
‫التي يحققها كل منهم ‪.‬‬

‫‪ .3‬ال تتفق نظرة الطبيعيين إلى القوانين التي تحكم النشاط االقتصادي على أنها قوانين طبيعية ثابتة‬
‫وعامة وأزلية ال تتغير دائما مع الواقع ‪ ،‬ذلك ألن الظروف االقتصادية تتغير وتتطور ‪ ،‬بتغير‬
‫وتطور المجتمعات ‪ ،‬تبعا للتطور االجتماعي ‪.‬مما يستلزم أن تتغير القوانين التي تحكم النشاط‬
‫االقتصادي بما يتالءم مع تغير الظروف ‪.‬‬

‫رابعا‪:‬الفكر االقتصادي في النظم الحديثة‬

‫برز خالل العصر الحديث صراع بين نظامين اقتصاديين هما النظام الرأسمالي والنظام االشتراكي‪،‬‬
‫لما بينهما من تناقض في األهداف والوسائل‪ .‬وقد ظل هذا الصراع محتدما خالل القرون الثالثة السابقة‪،‬‬
‫إلى أن شهد نهاية القرن العشرين انهيا ار للنظام االشتراكي في معظم الدول التي اتخذته مذهبا لها‪.‬‬

‫‪ .1‬النظام الرأسمالي‪:‬‬
‫‪ -‬ظهور الرأسمالية‪ :‬أدت عدة عوامل داخلية وخارجية إلى تضاؤل قوة النظام اإلقطاعي إلى أن‬
‫تدهورت‪ .‬ومن هذه العوامل شدة الظلم الذي تعرض له العبيد وهروبهم ‪ ،‬أو هجرتهم‪ ،‬من‬
‫اإلقطاعيات إلى المدن الواسعة حيث ينعمون بقدر من الحرية ‪ ،‬تشجعهم طبقة التجار والصناع‬
‫لالستفادة من جهودهم ‪ ،‬وحكام األقاليم إلضعاف نفوذ اإلقطاعيين الذي يهدد سلطتهم ‪ ،‬والدعوة‬
‫المتزايدة إلى تقوية نفوذ الدولة المركزية في مواجهة نفوذ الوحدات اإلقطاعية التي تتعارض مع‬
‫مصلحة الدولة ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫كما أدت الحروب الصليبية التي خاضتها الدول األوربية مع دول المشرق إلى إرهاق أمراء‬
‫الحروب بالديون فزادت من ضعفهم ‪ ،‬فضال عن اتساع نطاق التجارة بين الدول ‪ ،‬مما قوى في‬
‫المقابل طبقة التجار لتقوم على أنقاض الطبقة اإلقطاعية‬
‫و كان الكتشاف العالم الجديد عن طريق الرحالة األوربيين ‪ ،‬وتحسين طرق االتصال بين دول‬
‫العالم ‪ ،‬أثره في زيادة الثروة ‪ ،‬وتدفق الذهب والفضة على المدن التجارية األوربية ‪ ،‬والى تقوية مركز‬
‫النقود وشيوع استعمالها في المبادالت ‪ ،‬وتقلص التبادل العيني للسلع على النحو الذي كان سائدا في ظل‬
‫النظام اإلقطاعي ‪ ،‬لتنهض بذلك طبقة التجار قوية فتية على أنقاض طبقة اإلقطاع التي تضاءلت إلى أن‬
‫انهارت ‪.‬‬

‫وقد واكب هذه الفترة ثورة صناعية فجرها استخدام البخار وتطور استخدام اآلالت ‪ ،‬مما زاد من‬
‫اإلنتاج ‪ ،‬ليصب في صالح التجار كذلك ‪ ،‬ولتنشأ طبقة من التجار األغنياء ولدت على أيديهم الرأسمالية‬
‫األولى‪.‬‬

‫‪ -‬خصائص النظام الرأسمالي‪ :‬تميز النظام الرأسمالي بعدد من الخصائص‪ ،‬أهمها‪:‬‬


‫أ‪ .‬حماية وتشجيع الملكية الخاصة‬
‫يعترف النظام الرأسمالي بحق الفرد في الملكية الخاصة كحق طبيعي له ولورثته من بعده ‪ ،‬يحفزه‬
‫على بذل مزيد من العمل والجهد ‪ ،‬ليزيد اإلنتاج ‪ ،‬وتتحقق الدخول واألرباح التي تؤدى إلى تراكم رأس‬
‫المال مما يساهم في تحقيق الرفاهية لصالح الفرد ذاته ‪ ،‬والجماعة ككل ‪.‬‬

‫ويختلف أنصار هذا النظام في تحديد أساس الحق في الملكية الخاصة ‪ ،‬فمنهم من يرجعه إلى‬
‫بدء التاريخ اإلنساني حين كان اإلنسان يتملك ما يقوم على إنتاجه ‪ ،‬ومنهم من يقرره على أساس العدالة‪،‬‬
‫حيث يحق لكل من أنتج شيئا أن يتملكه ‪ ،‬على الرغم من عدم دقة كال الرأيين ‪.‬حيث يذهب العديد من‬
‫المؤرخين إلى أن الفترات األولى للبشرية شهدت ملكية جماعية ألدوات اإلنتاج ‪ ،‬ولم يكن للفرد حرية‬
‫الملكية خاصة ‪ ،‬كما أنه ليس كل ما يدر دخال من عوامل اإلنتاج الموجودة فى الطبيعة كاألرض‬
‫والمناجم يعود إلى جهد الفرد وحده ‪ ،‬بل هو هبة من اهلل موجود فى الطبيعة قبل أن يتملكه أو يستغله‬
‫اإلنسان ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ولذلك تبرز الملكية الفكرية في العصر الحديث على أساس الرفاهية االجتماعية‪ ،‬ألن االعتراف‬
‫بهذا الحق وتوفير الحماية له يحقق رفاهية للمجتمع ككل ‪ ،‬باعتبار أن الملكية الفردية هي الباعث على‬
‫النشاط االقتصادي ‪ ،‬ولالستثمار واالدخار الذي يساعد في تراكم األموال اإلنتاجية ‪.‬‬

‫وال يمنع اعتراف النظام الرأسمالي بحق األفراد في الملكية الخاصة من أن تتملك الدولة جزء من‬
‫الثروة القومية ملكية عامة‪ ،‬تتمثل في المباني الحكومية ‪ ،‬وأراضى الدولة ‪ ،‬والمناجم ‪ ،‬والغابات ‪ ،‬والمرافق‬
‫العامة أو البنية األساسية للنشاط االقتصادي‪ ،‬كالمصارف والطرق الجسور‪.‬‬

‫كما ال يحول هذا االعتراف من أن تقوم الدولة بوضع بعض القيود التي تحد من حرية أو حق‬
‫األفراد في الملكية الخاصة ‪ ،‬بهدف تنظيم استعمال هذه الحرية أو الحق بما ال يضر بحريات األفراد‬
‫اآلخرين ومصالحهم الخاصة ‪ ،‬ومن ذلك إصدار القوانين التي تنظم قواعد البناء لضمان عدم االعتداء‬
‫على حقوق الجيران ‪ ،‬أو منع إقامة المصانع في المناطق السكنية تجنبا لضرر التلوث البيئي‪.‬‬

‫ب‪ .‬الحرية االقتصادية‬


‫يقر النظام الرأسمالي بحق الفرد في التمتع بالحرية السياسية واالجتماعية واالقتصادية‪ .‬ومن‬
‫مظاهر حريته االقتصادية أن يتصرف كمستهلك أو كمنتج بكامل الحرية التي تتيح له االختيار الذي‬
‫يحقق له أكبر فائدة ‪ ،‬دون تدخل من الدولة في هذا االختيار إال في أضيق الحدود ‪ ،‬ووفقا لما تقتضيه‬
‫المصلحة العامة ‪.‬‬

‫ومن شأن تمتع المستهلك بالحرية االقتصادية أن يجعله ينفق من ماله ما يشاء فيما يشاء على‬
‫السلع والخدمات التي يراها تحقق أكبر إشباع له وفق تقديره الذاتي أو ظروفه الخاصة ‪.‬كما أن الحرية‬
‫التي يتمتع بها المنتج تكفل له اختيار ما يشاء من عوامل اإلنتاج ليستثمره في المجال الذي يراه محققا‬
‫أكبر منفعة له ‪ ،‬متمثلة في الربح الذي يحفزه على بذل مزيد من الجهد ‪ ،‬وبحيث يعترف له بالحق في‬
‫إعادة استثمار أو إنفاق أرباحه أو إيراداته في هذا المجال أو غيره ‪.‬‬

‫كذلك تعترف الحرية االقتصادية بحق العامل في أن يختار ما يناسبه من عمل ‪ ،‬وباألجر الذي‬
‫يرتضيه ‪ ،‬وله الحق في أن ينتقل من عمل إلى آخر دون أن يجبره رب العمل على البقاء معه ‪ ،‬إال وفقا‬

‫‪20‬‬
‫لما تمليه شروط التعاقد الحر بينهما ‪ ،‬والتي توجب على العامل إخطار رب العمل برغبته في ترك العمل‬
‫بعد فترة معينة ‪.‬‬

‫وال يقيد هذه الحرية االقتصادية إال تدخل محدود من الدولة لمنع اآلثار الضارة الناشئة عن هذه‬
‫الحرية ‪ ،‬كمنع احتكار المنتجين للسلع ‪ ،‬وتحديد أسعار بعض السلع الضرورية لصالح المستهلكين ‪،‬‬
‫والزام األفراد بأداء الضرائب والرسوم التي تفرض على األنشطة االقتصادية ‪ ،‬واحترام الحقوق التى تقررها‬
‫القوانين للعمال ‪.‬‬

‫وليس في تضييق حدود تدخل الدولة افتئات على مصلحة الجماعة لصالح الفرد ‪ ،‬كما يبدو في‬
‫الظاهر ‪ ،‬ألن الفرد وهو يعمل بحرية ليحقق ذاته إنما يساهم في تحقيق صالح الجماعة ‪ ،‬ألن الجماعة ما‬
‫هي إال مجموع األفراد ‪ ،‬وحريتهم تتحقق من حاصل تمتع كل منهم بحريته ‪ ،‬ومن ثم يتحرك كل فرد فى‬
‫إطار الحرية الخاصة التي يتمتع بها وكأنه مدفوع بيد خفية ‪Invisible hand -‬على حد تعبير آدم‬
‫سميث ‪-‬لتحقيق صالح الجماعة ككل‪.‬‬

‫ج‪ .‬االعتماد على جهاز األثمان في السوق‬


‫يلعب جهاز الثمن الذي تفرضه ظروف السوق في النظام االستثماري دو ار فاعال في تنظيم‬
‫العالقة بين اإلنتاج واالستهالك ‪ ،‬حيث يحدد ثمن السلعة الكميات التي يقبل المنتجون على إنتاجها من‬
‫هذه السلعة وفقا لقوى العرض ‪ ،‬كما يحدد هذا الثمن ما يستطيع المستهلكون شراءه منها وفقا لقوى‬
‫الطلب‪ ،‬ومن ثم تتجه ق اررات المنتجين إلى اإلقبال على إنتاج سلعة فيزيد العرض منها ‪ ،‬والتخلي أو‬
‫نقص اإلقبال على إنتاج سلعة أخرى نظ ار لقلة الطلب عليها ‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى ‪:‬يمكن جهاز الثمن من تحديد السلع المنتجة ‪ ،‬وكيفية إنتاجها ‪ ،‬والفئة المستهدفة‬
‫من هذا اإلنتاج ‪ ،‬إذ يؤدى زيادة اإلنتاج إلى ارتفاع الدخول للمنتجين والعاملين فيزيد الطلب على السلع‬
‫مما يزيد من أثمانها ‪ ،‬ثم يتحقق التوازن نتيجة عودة نقص الطلب عليها بسبب االرتفاع الحادث فى‬
‫ارتفاع ثمنها ‪ ،‬ومن ثم يقل إنتاجها ‪ ،‬مما يعيد التوازن بين العرض والطلب‪.‬‬

‫ويشترط لقيام جهاز األثمان بهذا الدور التوجيهي أن تتمتع عوامل اإلنتاج بحرية االنتقال بين‬
‫فروع اإلنتاج المختلفة‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وجهاز الثمن بهذا المعنى ال يعنى شيئا ماديا يمكن أن نلمسه ‪ ،‬أو إدارة حكومية تباشره ‪ ،‬وانما‬
‫هو تعبير اقتصادي لمعنى أوسع‪ ،‬يشتمل على مجموعة العالقات التي تربط بين الظواهر المختلفة ‪،‬‬
‫وتحكم سلوك األفراد ‪ ،‬وتبين ردود أفعالهم تجاه التغير الذي يحدث في األسعار‪ .‬فعندما تنخفض أسعار‬
‫سلعة بسبب زيادة الكميات المعروضة منها ‪ ،‬يتجه المنتجون إلى تخفيض كميات إنتاجها ‪ ،‬مما يؤدى في‬
‫المستقبل إلى توازن الطلب والعرض عليها فتتجه أسعارها إلى االرتفاع ‪.‬‬

‫والعكس صحيح بالنسبة للسلعة التي ترتفع أثمانها بسبب نقص الكميات المعروضة منها حيث‬
‫يشجع زيادة ثمنها المنتجين إلى إنتاج كميات إضافية منها ‪ ،‬مما يؤدى في المستقبل إلى توازن طلبها مع‬
‫العرض منها فينخفض ثمنها ‪ ،‬ويزيد هذا االنخفاض بزيادة المعروض من هذه السلعة ‪.‬‬

‫د‪ .‬حافز الربح‬


‫يعد حافز الربح هو المحرك األساسي للنشاط االقتصادي ‪ ،‬الذي يتوج ما يمتع به الفرد من حرية‬
‫فى الملكية الخاصة وفى مزاولة النشاط ‪ ،‬ألنه بدون السماح له بتحقيق أقصى ربح يسعى إليه لن يبذل‬
‫الفرد جميع طاقاته الممكنة لالستغالل األفضل للموارد المتاحة في زيادة االستثمار واإلنتاج ‪ ،‬بما يحقق‬
‫للمجتمع المنفعة المتمثلة في الرفاهة االقتصادية ‪.‬‬

‫وال ينفرد النظام الرأسمالي بتوفير حافز الربح دون غيره من األنظمة االقتصادية لتشجيع األفراد‬
‫على بذل أقصى طاقة إنتاجية ‪ ،‬وانما تقدم كل األنظمة على اختالف مذاهبها حوافز لذلك ‪ ،‬إال أن ما‬
‫ينفرد به النظام الرأسمالي في هذا الخصوص هو االعتراف بحق الفرد في تحقيق أقصى ربح دون قيود‬
‫على معدل الربح الذي يمكن أن يحققه ‪ ،‬أو في طريقة الحصول عليه ‪.‬‬

‫وال ينظر إلى الربح في النظام االقتصادي على أنه مجرد عائد يحصل عليه المنظمون نتيجة‬
‫استثمار رؤوس أموالهم فقط ‪ ،‬ولكنه أيضا عنصر من العناصر األساسية للنظام االقتصادي التي تساعد‬
‫على تطوير وتنمية هذا النظام ‪ ،‬إذ يدفع حافز الربح كل منظم إلى زيادة إنتاجه‪ ،‬مما يعود بالنفع على‬
‫المجتمع ككل في صورة زيادة كبيرة في اإلنتاج ‪.‬‬

‫ه‪ .‬المنافسة الكاملة‬

‫‪22‬‬
‫تشكل المنافسة صمام األمان الذي يحمى المجتمع من شرور االحترام الشديد للملكية الفردية‬
‫والحرية االقتصادية وتحقيق أقصى ربح ‪ ،‬حيث تضمن المنافسة حرية الجميع في اإلنتاج والعمل‬
‫واالستهالك دون قيود ‪ ،‬مما يجعل المنتجين في سعى دائم لتوفير أجود السلع بأرخص األثمان لجذب‬
‫أكبر عدد من المستهلكين ‪ ،‬الذين توفر لهم المنافسة الفرصة الختيار السلع التي تناسب قدراتهم ورغباتهم‬
‫فى سوق يكتظ بالمنتجين وبأنواع مختلفة من السلع ‪.‬‬

‫كما يتمكن العمال في إطار المنافسة من اختيار مجاالت العمل التي تالئم قدراتهم ‪ ،‬وباألجور‬
‫التي تناسبهم ‪ ،‬ويمارس أصحاب رؤوس األموال حريتهم في اختيار أفضل السبل الستثمار أموالهم في‬
‫مجال اإلنتاج أو االدخار ‪ ،‬مما يصب في النهاية في صالح المجتمع كله‪.‬‬

‫ويلزم لتحقيق كل ذلك أن تكون المنافسة كاملة ‪ ،‬بمعنى أن تتوافر فيها الشروط الالزمة التي‬
‫تضمن كثرة عدد البائعين والمشترين ‪ ،‬وحرية الدخول في األسواق أو الخروج منها ‪ ،‬وتوفير المعلومات‬
‫الكاملة عن ظروف السوق ‪ ،‬بما يمنع انفراد البائعين أو المشترين باإلنتاج أو االستهالك الذي يخلق حالة‬
‫احتكارية ضارة بالحرية االقتصادية ‪.‬‬

‫‪ -‬نقد الرأسمالية‪ :‬إن من أهم العيوب التي توجه إلى النظام الرأسمالي ما يلي‪:‬‬
‫‪ .0‬سوء توزيع الدخول والثروات‬
‫يتسم النظام الرأسمالي بالتفاوت الكبير في توزيع الدخول والثروات بين أفراد المجتمع‪ ،‬حيث يحوز‬
‫قلة من األغنياء الثروة والدخول الكبيرة ‪ ،‬بينما ال ينال الفقراء إال جزء يسير منها ‪ ،‬مما يترتب على هذا‬
‫التفاوت آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة ‪.‬‬

‫وفى ظل هذا التفا وت يملك األغنياء القوة الشرائية الكبيرة التي تمكنهم من توجيه الموارد‬
‫االقتصادية نحو إنتاج السلع التي يرغبونها ‪ ،‬ولو كانت سلعا كمالية أو ترفيهية ‪ ،‬بينما يعجز الفقراء عن‬
‫الحصول على السلع األساسية أو الضرورية الرتفاع ثمنها وعجزهم عن تدبير الثمن الالزم لها ‪.‬‬

‫كما أن ارتفاع الدخول من شأنه أن يتيح لألغنياء فرصة الحصول على التعليم والتدريب عالي‬
‫الجودة ‪ ،‬الذي يمكنهم من تولى األعمال أو الوظائف المرموقة ‪ ،‬في حين يحرم الفقراء ممن التحق‬

‫‪23‬‬
‫بالتعليم األقل جودة من هذه الفرصة ‪ ،‬ال لنقص في موهبة أو مهارة ذاتية ‪ ،‬وانما لحرمانه من مهارة‬
‫مكتسبة لم تتوافر له في التعليم أو التدريب المتاح له‪.‬‬

‫وتمكن زيادة الدخول والثروات أصحابها من تكوين المدخرات التي تساهم في زيادة تراكم رأس‬
‫المال لديها ‪ ،‬فضال عن فرصة حصولهم على أموال أخرى بالميراث ‪ ،‬مما يؤدى إلى زيادة التفاوت في‬
‫الدخول والثروات بين الفقراء واألغنياء ‪.‬‬

‫ولهذا التفاوت آثار اجتماعية سلبية ‪ ،‬فهو يؤدى إلى حقد طبقة الفقراء على األغنياء ‪ ،‬والى توتر‬
‫فى العالقات بين طبقات المجتمع الواحد ‪ ،‬وحرمان المجتمع من مواهب شخص كفء‪ ،‬ال لشيء إال ألنه‬
‫فقير لم يحصل على الفرص التي حصل عليها شخص أقل كفاءة منه ‪ ،‬ولكنه أكثر منه غنى‪.‬‬

‫كما أن تراكم الثروة والدخل في يد طبقة صغيرة في المجتمع يجعل منها قوة سياسية مؤثرة ‪،‬‬
‫تستطيع أن تسيطر بنفوذها على البرلمان ‪ ،‬لتوجه إصدار القوانين لصالحها‪ ،‬مما يزيد من حدة الصراع‬
‫الطبقي ‪ ،‬وقد تؤدى إلى قيام الثورات‪.‬‬

‫‪ .2‬سوء استخدام الموارد اإلنتاجية‬


‫إن االعتماد على جهاز الثمن يؤدى إلى توجه المنتجين نحو زيادة إنتاج السلع األعلى ثمنا‪،‬‬
‫حتى ولو كان ارتفاع الثمن متعلقا بسلع كمالية أو ترفيهية يقبل عليها األغنياء ‪ ،‬مما يدحض حجة‬
‫الرأسماليين بأنهم يهدفون إلى تحقيق سيادة المستهلك التي تجعل رغباته هي المحرك للعملية اإلنتاجية ‪،‬‬
‫إذ أن المستهلك الذي يتمتع بالسيادة وفقا لجهاز الثمن هو المستهلك الغنى ‪.‬‬

‫وال يهم أن تكون السلع التي يقبل المنتجون عليها الرتفاع ثمنها سلعا مفيدة أو ضارة ‪ ،‬أو تخالف‬
‫قيم المجتمع وتقاليده ‪ ،‬ومن ذلك زيادة اإلقبال على إنتاج السجائر والخمور ‪.‬‬

‫ولدفع المستهلكين إلى زيادة طلبهم على سلع معينة يخصص المنتجون بعض األموال للدعاية‬
‫واإلعالن على هذه السلع ‪ ،‬مما يحرم المجتمع من االستفادة من هذه األموال في اإلنتاج المفيد ‪ ،‬فضال‬
‫عن ترسيخ عادات استهالكية ضارة بموارد المجتمع ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫كما قد يتجه المنتجون إلى التأثير على حجم الطلب على السلع عن طريق التخفيض العمدي‬
‫إلنتاج كميات منها ‪ ،‬بهدف تقليل العرض ‪ ،‬ومن ثم ارتفاع ثمنها ‪ ،‬مما يزيد من أعباء المستهلكين لهذه‬
‫السلع ‪ ،‬وتزيد أرباح المنتجين ‪ ،‬بشكل يسيء استخدام الموارد ‪ ،‬ويجعل جهاز الثمن أداة لتكريس جشع‬
‫المنتجين وظلم المستهلكين‪.‬‬

‫‪ .3‬انتشار البطالة واألزمات االقتصادية‬


‫يؤدى االستخدام الكثيف والمستمر لآلالت في اإلنتاج بهدف زيادة كمياته وتنوع منتجاته إلى‬
‫إحالل اآللة محل اإلنسان ‪ ،‬مما يعنى حرمان هؤالء العمال الذين حلت اآللة مكانهم من فرص العمل ‪،‬‬
‫وانتقالهم للوقوف في طابور العاطلين ‪.‬‬

‫ويزيد من حجم البطالة في المجتمع الرأسمالي ما يعمد إليه المنتجون من تخفيض حجم إنتاجهم ‪،‬‬
‫بقصد خلق ندرة ‪ ،‬تزيد من أثمان هذه المنتجات ‪ ،‬مما يؤدى إلى تقليص عدد العاملين في الوحدات‬
‫اإلنتاجية التي تقرر تخفيض حجم إنتاجها‪.‬‬

‫كما يترتب على تعرض المجتمع الرأسمالي ألزمات دورية ‪ ،‬أو تقلبات اقتصادية ‪ ،‬تجعله يمر‬
‫بحاالت من الركود والكساد إلى تخفيض في اإلنتاج ‪ ،‬ومن ثم التخلي عن عدد من العمال ‪ ،‬فتزداد‬
‫البطالة في الطبقة العاملة‪.‬‬

‫‪ .4‬التطور غير المتوازن لالقتصاد الرأسمالي‬


‫يتعرض االقتصاد الرأسمالي إلى فترات رواج وازدهار‪ ،‬تعقبها فترات ركود وانكماش ‪.‬وفى جميع‬
‫الحاالت يتذبذب األداء اإلنتاجي ارتفاعا وانخفاضا مما يجعل االقتصاد في حالة تطور غير متزن أو‬
‫مستقر ‪.‬‬

‫في فترات الرواج يزيد الطلب على المنتجات فيزيد ثمنها ‪ ،‬مما يؤدى إلى التضخم ‪ ،‬كما أنه في‬
‫فترات الركود يقل الطلب على اإلنتاج وتنخفض األثمان واألرباح ويتقلص حجم العمالة ‪.‬‬

‫وحتى يتغلب االقتصاد على اآلثار السلبية لكل حالة منها يحتاج إلى بعض الوقت ‪ ،‬إما لزيادة‬
‫إنتاجه وتحقيق التوازن بين العرض والطلب لكبح التضخم الناشئ في فترات الرواج ‪ ،‬أو للعمل على زيادة‬
‫الدخول لحفز المستهلكين على الشراء فيزيد الطلب ‪ ،‬ومن ثم يزداد اإلنتاج للتغلب على حالة الركود ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫وال ريب أن العودة إلى حالة االستقرار السابقة على التضخم واالنكماش لن تكون بالصورة التى‬
‫كانت عليها من قبل ‪ ،‬بل تكون غالبا أقل منها ‪ ،‬مما يضطر االقتصاد إلى أن يعمل من نقطة سابقة‬
‫على الدرجة التي كان قد بلغها في السابق ‪.‬‬

‫كما يالحظ أن المجتمع االقتصادي ال يتمتع بمستوى واحد من التطور في جميع أجزائه ‪ ،‬بل إن‬
‫من هذه المجتمعات ما يكون متطو ار بدرجة أكبر من غيره ‪ ،‬سواء على مستوى الدول ‪ ،‬أو داخل الدولة‬
‫الواحدة ‪ ،‬فمستوى التطور االقتصادي في الواليات المتحدة يزيد كثي ار عن مستوى التطور في دولة مثل‬
‫إيطاليا ‪ ،‬كما أن تطور شمال فرنسا – مثال –يفوق التطور في جنوبه‪.‬‬

‫‪ .5‬النزعة االستعمارية للرأسمالية‬


‫لما كانت ال أرسمالية تهدف إلى تحقيق أقصى ربح ‪ ،‬فإن طموح الرأسمالية يتجاوز حدود‬
‫مجتمعاتها المحلية إلى األسواق العالمية لتصريف منتجاتها ‪ ،‬أو للحصول على ما يلزم إنتاجها الوفير من‬
‫مواد خام وموارد طبيعية ال تتوافر لديها بالسعر الرخيص ‪ ،‬مما يدفع كل ذلك إلى فتح هذه األسواق ‪ ،‬أو‬
‫الحصول على موارد البالد المختلفة بالقوة العسكرية ‪.‬‬

‫وقد شهد التاريخ أمثلة عديدة لالستعمار واالحتالل العسكري ألسباب اقتصادية ‪ ،‬ارتبطت كثي ار‬
‫برغبات الدول الرأسمالية المعتدية في االستيالء على ثروات الشعوب المهزومة ‪.‬‬

‫‪ -‬الفكر االقتصادي في النظام الرأسمالي‪:‬‬

‫يؤمن أصحاب هذا الفكر بالمبادئ العامة للرأسمالية التي تقوم على حرية النشاط االقتصادي‪،‬‬
‫واحترام الملكية الخاصة‪ ،‬وتدعيم المنافسة‪ ،‬واالعتماد على جهاز الثمن‪ ،‬وتكريس حرية التجارة الخارجية ‪.‬‬

‫‪ .0‬آدم سميث‬

‫يعتبر كثير من االقتصاديين آدم سميث ‪ Adam Smith‬رائد المذهب الرأسمالي التقليدي‪ ،‬وأن‬
‫كتابه بحث في طبيعة وأسباب ثروة األمم ‪An inquiry into nature and causes of the wealth‬‬
‫‪ ،of Nations‬الذي نشر عام ‪ ،1776‬هو البداية الحقيقية لبناء النظرية الرأسمالية التقليدية ‪ ،‬دون إغفال‬
‫الدور الذي قام به الرواد األوائل ‪ ،‬أمثال سير وليم بيتي في بريطانيا ‪ ،‬والطبيعيون في فرنسا ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫وقد تأثر آدم سميث بأفكار الطبيعيين ‪ ،‬ولكنه قام بتطويرها ‪ ،‬وخاصة في نظريته لإلنتاج ‪ ،‬حيث‬
‫اعتبر أن اإلنتاج ال يتمثل في خلق السلع المادية فقط ‪ ،‬وانما يتمثل في خلق المنافع أو زيادتها ‪.‬‬

‫واعتبر العمل هو العنصر الرئيسي أو األكثر أهمية من بين عناصر اإلنتاج المختلفة (العمل‬
‫ورأس المال والموارد الطبيعية)‪.‬‬

‫ويرجع الفضل إلى آدم سميث في بيان أهمية تقسيم العمل‪ ،‬ورأى أن عنصر رأس المال ينشأ في‬
‫المجتمعات المتطورة نتيجة العمل ‪.‬‬

‫وقد ميز آدم سميث بين رأس المال الثابت ورأس المال المتغير‪ .‬وأشار إلى أهمية االدخار في‬
‫تكوين رأس المال ‪ ،‬واعتبر أن االدخار استهالك مؤجل ‪ ،‬وأن نظام السوق الذي تتبادل فيه المنتجات هو‬
‫الذي يضمن التوازن االقتصادي عن طريق تغيرات األثمان‪.‬‬

‫‪ .2‬مالتس‬

‫آمن مالتس ‪ Malthus‬بأن القوانين الطبيعية هي التي تحكم النشاط االقتصادي‪ ،‬وأن هذه‬
‫القوانين تؤدى إلى آثار سلبية يعانى منها البشر ‪.‬‬

‫واليه ينسب الفضل في إرساء دعائم النظرية التقليدية للسكان ‪ ،‬التي تلخص نظرته التشاؤمية ‪،‬‬
‫حيث يرى أن السكان يتزايدون بمعدالت أكبر من معدالت زيادة إنتاج الحاصالت الزراعية ‪ ،‬مما ينذر‬
‫بوقوع األوبئة والمجاعات ‪ ،‬أو نشوب الحروب والصراعات ‪ ،‬التي تقتل عددا كبي ار من البشر ‪ ،‬ومن ثم‬
‫يعود التوازن تالية بين حجم السكان والمواد الغذائية المتاحة‪.‬‬

‫ومع ذلك فقد كان مالتس نصي ار للحرية االقتصادية ‪ ،‬ورافضا لسياسات تحديد النسل ‪ ،‬معتب ار أن‬
‫الحرية أخف ضر ار على المجتمع من سياسات التقييد أو المنع ‪.‬‬

‫‪ .3‬ريكاردو‬

‫‪27‬‬
‫ساهم ريكاردو ‪ Ricardo‬في تدعيم البناء الرأسمالي الذي أقامه سميث ‪ ،‬دفاعا عن رجال‬
‫الصناعة الناشئة وعن المستعمرات‪ ،‬وكانت ألفكاره عن التوزيع ‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق بكيفية تحديد الريع‬
‫واألجور ‪.‬‬

‫وقد اعتبر ريكاردو أن التوزيع هو المشكلة الرئيسية التي يجب أن يهتم بها علم االقتصاد ‪ ،‬وبرر‬
‫حصول مالك األرض على ريع أرضهم بسبب أن األرض محدودة ومملوكة ملكية خاصة ‪ ،‬وأن هذا الريع‬
‫يتوقف على درجة خصوبة األرض ومدىٌ بعدها عن أماكن االستهالك ‪ ،‬ومن ثم يمثل الريع الفرق بين‬
‫الثمن الذي يحدد في السوق الذي يحصل عليه مالك األرض األكثر خصوبة‪ ،‬وبين نفقة اإلنتاج ‪.‬‬

‫كما يتحدد األجر على أساس كمية المواد الغذائية الضرورية لحفظ حياة العامل ‪ ،‬بحيث ال يجب‬
‫زيادة هذا األجر أو تخفيضه عن هذا الحد ‪ ،‬ألن في كل من زيادته وتخفيضه ضر ار بالمجتمع ؛ حيث‬
‫تؤدى الزيادة إلى تشجيع العمال على الزواج وزيادة النسل مما يزيد من عدد العمال ‪ ،‬وينخفض األجر ‪،‬‬
‫كذلك يؤدى انخفاض األجر إلى سوء حالة العمال الصحية واالجتماعية باألمراض أو نقص معدالت‬
‫الزواج ‪ ،‬ما يقلل على المدى الطويل من عدد العمال ‪ ،‬فتزيد األجور وترتفع األسعار ‪.‬‬

‫ولذلك سميت القواعد الصارمة التي وضعها ريكاردو لتحديد األجر بالقانون الحديدي لألجور‪.‬‬

‫‪ .4‬جون ستيوارت ميل‬

‫كان لجهود جون ستيوارت ميل في تقنين مبادئ الرأسمالية التقليدية األثر في اعتبار مؤلفه عن‬
‫مبادئ االقتصاد الصادر عام ‪1884‬هو المرجع األساسي لد ارسة االقتصاد في الجامعات األوربية مدة‬
‫طويلة‪.‬‬

‫وله مساهمات مهمة في التفرقة بين القوانين االقتصادية التي تحكم اإلنتاج وتلك التي تحكم‬
‫التوزيع ‪ ،‬فبينما يعتبر األولى ثابتة ال يمكن تعديلها ‪ ،‬فإنه يمكن تعديل نظام التوزيع‪ ،‬من خالل ‪:‬‬

‫‪-‬استبدال نظام تعاوني يشارك العامل فيه صاحب رأس المال في الربح بنظام األجر الذي‬
‫يحصل عليه العامل ‪ ،‬منعا من انخفاض األجور عن الحد األدنى‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪-‬فرض الضريبة العقارية على زيادة قيمة العقارات لمصادرة الريع لصالح الجماعة ‪ ،‬ألن هذا‬
‫الريع لم يتحقق نتيجة جهد خاص لمالك األراضي ‪ ،‬وانما جاء نتيجة لعوامل خارجة عنهم أهمها زيادة‬
‫السكان‪.‬‬

‫‪-‬تحديد حق اإلرث في مبلغ معين يحصل عليه الوارث تحقيقا لتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع‪.‬‬

‫ونادى ميل بأن تتخصص كل دولة في إنتاج السلعة التي تتمتع فيها بأكبر ميزة نسبية مقارنة‬
‫بالدول األخرى ‪ ،‬لما يفيد هذا التخصص فى حصول كل دولة على كمية مناسبة من المنتجات ‪ ،‬ويفيد‬
‫المجتمع كله من مجموع هذه الكميات ‪.‬‬

‫وهذا هو جوهر النظرية الكالسيكية للتجارة الخارجية ‪ ،‬التي تقوم على التخصص ‪.‬‬

‫‪ .5‬جان باتست ساي‬

‫قام ساي بعرض النظرية الرأسمالية التقليدية في فرنسا ‪ ،‬ومن مؤلفاته‪ :‬مبادئ االقتصاد السياسي‬
‫‪ principes d économie politique‬الذي صدر عام ‪.1848‬‬

‫وهو صاحب قانون األسواق والنوافذ ‪ ،‬الذي يتلخص في أن المنتجات تتبادل مع المنتجات‪ .‬أي‬
‫أن كل عرض يخلق طلبا مساويا له‪ ،‬مما يعنى أن االقتصاد يتجه دائما إلى التوازن التلقائي ‪ ،‬وأن أي‬
‫اختالل عارض لزيادة العرض أو لزيادة الطلب يتم عالجه دون تدخل من الدولة ‪ ،‬عن طريق نظام‬
‫األسعار ‪ ،‬أو زيادة اإلنتاج‪.‬‬

‫وترجع أهمية هذا القانون في أنه يمثل الركيزة األساسية التي يعتمد عليها الفكر التقليدي في‬
‫تفسير نظرية التشغيل ‪ ،‬والتوازن االقتصادي‪.‬‬

‫‪ .2‬النظام االشتراكي‪:‬‬

‫‪29‬‬
‫تقوم االشتراكية على مبادئ تخالف ما تقوم الرأسمالية عليه ‪ ،‬ولقد وجدت هذه المبادئ أنصارها‬
‫من المفكرين ‪ ،‬الذين اختلفت مذاهبهم ‪ ،‬وعليها ظهرت قوانين اقتصادية خاصة بها ‪.‬‬

‫‪ -‬ماهية االشتراكية‪ :‬تقوم االشتراكية ‪ Socialism‬على قيام الدولة بملكية معظم أدوات اإلنتاج ‪،‬‬
‫وادارته ‪ ،‬لتوزيعه على أفراد لمجتمع‪ ،‬وفق تخطيط مركزي شامل يهدف إلى زيادة اإلنتاج القومي‪،‬‬
‫ثم توزيعه على أفراد المجتمع على نحو يحقق العدالة االجتماعية بينهم ‪.‬‬
‫‪ -‬خصائص النظام االشتراكي‪ :‬يتسم النظام االشتراكي بعدد من الخصائص‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ .0‬الملكية العامة أو الجماعية لوسائل اإلنتاج‪:‬‬
‫يركز النظام االشتراكي على أن ملكية وسائل أو أدوات اإلنتاج هي ملك للمجتمع ككل‪ ،‬وال يجب أن‬
‫تنفرد به فئة من المجتمع لمجرد أنها تحوز القدرة المالية التي تمكنها من السيطرة على هذه الوسائل ‪.‬‬

‫ويترتب على ذلك أن الدولة مالكة وسائل اإلنتاج تقوم بدور المنظم الذي يدير رأس المال العام‬
‫لصالح أفراد المجتمع جميعا ‪ ،‬من خالل توزيع الناتج القومي على كل فرد من أفراده على حسب مساهمته‬
‫في اإلنتاج‪.‬‬

‫‪ .2‬اإلدارة االقتصادية وفق خطة مركزية‬


‫يدار االقتصاد في النظام االشتراكي بناء على خطة مركزية تضعها األجهزة المختصة في الدولة‬
‫‪ ،‬بحيث تكون هذه الخطة شاملة وملزمة ‪.‬‬

‫وهى خطة شاملة ‪ ،‬ألنها تغطى كافة المجاالت االقتصادية ‪ ،‬وتحدد الكميات المنتجة ‪ ،‬وكيفية‬
‫إنتاجها‪ ،‬ووسائل توزيعها ‪ ،‬أو التصرف فيها بعد إنتاجها ‪ ،‬وحصة كل مدينة أو قرية أو فئة من هذه‬
‫المنتجات ‪ ،‬والجهات القائمة بتنفيذ العملية اإلنتاجية أو التوزيع ‪ ،‬سواء كانت جهات عامة ‪ ،‬أو من‬
‫القطاع الخاص الذي يسمح له في بعض األحيان بأن يكون له دور محدود ‪.‬‬

‫وهى خطة ملزمة‪ ،‬ألنها تصدر من اإلدارة المركزية المسيطرة على الحكم ‪ ،‬وتجبر كافة الجهات‬
‫المعنية بتنفيذ هذه الخطة وعدم الخروج عليها إال بعد أن توافق اإلدارة المركزية عليها ‪.‬‬

‫وتبعا لذلك ال يكون لجهاز األثمان ‪ ،‬أو نظام السوق من اعتبار في وضع الخطة أو تنفيذها ‪،‬‬
‫ذلك ألن النظام االشتراكي يسعى إلى التنسيق بين المشروعات ال إلى التنافس فيما بينها ‪ ،‬كما أنه يتدخل‬

‫‪30‬‬
‫في تحديد األثمان التي تضمن حصول األفراد على ما يحتاجونه من السلع ‪ ،‬ومن ثم فال يجعل الربح‬
‫هدفا أساسيا يسعى إليه ‪ ،‬بل قد يحدد سع ار اجتماعيا للسلعة يمثل قيمة التكلفة التي دفعت فيها أو أقل‬
‫منها ألغراض اجتماعية‪.‬‬

‫‪ .3‬يهدف إلى إشباع الحاجات االجتماعية‬


‫يعمل النظام االقتصادي إلى إشباع الحاجات المادية ‪ ،‬والحاجات المعنوية التي تتحقق بوسائل‬
‫مادية ‪ ،‬عن طريق إنتاج الوسائل الالزمة لهذا اإلشباع ‪ ،‬وتوفيرها في يد كل فرد بالثمن المناسب ‪.‬‬

‫ويتطلب النجاح في هذا الهدف العمل على زيادة اإلنتاج و تنويعه وتطويره باستمرار لضمان‬
‫تلبية الحاجات المتنوعة والمتزايدة ألفراد المجتمع ‪.‬‬

‫ويساعد على تحقيق هذا الهدف سيطرة الدولة ‪،‬أو القطاع العام ‪ ،‬على معظم أدوات اإلنتاج ‪ ،‬ال‬
‫تعوقه ملكية خاصة ‪ ،‬أو سيطرة أفراد معدودين ‪.‬غير أن مشكلته األساسية لتحقيق أهدافه هو حسن إدارة‬
‫نشاطه االقتصادية بروح الملكية الخاصة ‪ ،‬وهو ما يفتقده هذا النظام ‪ ،‬مما يجعل إنتاجه قاص ار أو‬
‫متخلفا‪.‬‬

‫‪ -‬نقد النظام االشتراكي‪ :‬يعاب على النظام االشتراكي أنه ‪:‬‬


‫أ‪ .‬ينعدم لديه الحافز الفردي الذي يدفع صاحب رأس المال إلى شحذ همته وجهده إلنجاح‬
‫مشروعه‪ ،‬وتطويره وتقدمه؛ فالمال الذي تملكه الدولة ‪ ،‬يديره موظفون لديها يتقاضون عن هذا‬
‫العمل أج ار مضمونا سواء ربح المشروع العام أو خسر‪ .‬وهذا األسلوب يؤدى إلى جمود إدارة‬
‫هذا المال ‪ ،‬وعدم حماس القائمين عليه لتطويره ‪ ،‬مما يترتب عليه تخلف الوحدات اإلنتاجية‪،‬‬
‫وانخفاض إنتاجها وأرباحها ‪ ،‬وتكبدها لخسائر ‪ ،‬يتحملها االقتصاد ككل ‪ ،‬وتحمل الميزانية‬
‫العامة أعباء إضافية تتمثل في إعانة المشروعات الخاسرة ‪ ،‬مما يؤدى إلى عجز الميزانية‬
‫العامة أو زيادة هذا العجز‪.‬‬
‫ب‪ .‬تبنى أسلوب التخطيط المركزي ‪ ،‬القائم على األوامر والتوجيهات والنظرة الشمولية ‪ ،‬تحرم‬
‫المجتمع من مبادرات األفراد للتطوير ‪ ،‬ومراعاة الخصوصية التي تتسم بها بعض القطاعات‬
‫أو المناطق عن غيرها ‪ ،‬وتكرس البيروقراطية الحكومية‪ ،‬التي تعوق حركة النشاط‬
‫االقتصادي وتحد من انطالقه‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ه‪ .‬صاحب تطبيق هذا النظام في العديد من الدول تقييد للديمقراطية والحريات الفردية ‪ ،‬وغياب‬
‫الرقابة الفعالة على األداء العام ‪ ،‬مما زاد من معدالت الفساد بين الموظفين العموميين ‪،‬‬
‫وحرم األفراد المستهلكون من حقهم في الحصول على السلع الجيدة باألسعار التي تناسب‬
‫القدرات المالية لكل منهم‪ .‬لذلك لم يكن غريبا أن ينهار النظام االشتراكي في معظم الدول‬
‫التي أخذت به ‪ ،‬وأهمها االتحاد السوفيتي رائدة هذا النظام ‪ ،‬وتحولت جمهورياته إلى اقتصاد‬
‫السوق ‪ ،‬كما أن الدول التي الزالت تتشبث بتطبيقه كالصين وكوريا الشمالية وفيتنام وكوبا‬
‫أخذت تتخلى عن نظامه الصارم ‪ ،‬وتشجع االستثمار الخاص لتنمية اقتصادياتها ‪.‬‬
‫‪ -‬الفكر االقتصادي االشتراكي‪:‬‬
‫يرجع الفضل إلى كارل ماركس في أنه نقل االشتراكية من مجرد أفكار خيالية ‪ ،‬ودعوات حالمة‬
‫أو إصالحية لدى بعض المفكرين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ‪ ،‬إلى منهج علمي ‪ ،‬يقوم على‬
‫تفضيل مصلحة الجماعة واعالء شأنها على مصلحة الفرد ‪ ،‬وينكر القول بأن مصلحة الجماعة هي‬
‫حاصل مجموع مصالح األفراد‪ ،‬وانما تعتبر مصلحة الجماعة كيانا مستقال له ذاتية خاصة تميزه عن‬
‫مصلحة كل فرد من أفراد المجتمع ‪.‬‬

‫وقد عبر كارل ماركس عن هذه األفكار أوال في بيان وقعه مع صديقه األلماني فريدريك انجلز‬
‫يسمى بالبيان الشيوعي ‪The Communist Manifesto‬عام ‪ ،1848‬ثم في كتابه الشهير "رأس المال‬
‫‪ "Das "Kapital" - "Capital‬في عام ‪ 1867‬داعيا إلى إفساح المجال للدولة لتقوم بدور أكبر في‬
‫النشاط االقتصادي ‪ ،‬تحقيقا لمصلحة الجماعة التي يجب أن تعلو على المصلحة الخاصة لكل فرد‪.‬‬

‫وتقوم مصلحة الجماعة عن طريق إشباع الحاجات الجماعية ‪ ،‬عن طريق السلطة العامة ‪ ،‬التى‬
‫تسعى لتحقيق هذا اإلشباع بكافة الوسائل ‪ ،‬دون أن يكون الربح هو الهدف األساسي لنشاطها‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن مدلول ونطاق المصلحة الجماعية يختلف عند أنصار هذا الفكر إلى حد انقسامهم‬
‫إلى مذه بين ؛ يضيق المذهب األول من مدلول المصلحة الجماعية ونطاقها ‪ ،‬بحيث يسمح للقطاع‬
‫الخاص بأن يعمل بجانب القطاع العام ‪ ،‬ولكن في حدود ‪ ،‬و يحدد للعامل أجره حسب ما يؤديه من‬
‫عمل‪ .‬وهذا هو المذهب االشتراكي‪ .‬ولذلك يحتفظ هذا المذهب ببعض أدوات القطاع الخاص ‪ ،‬كالسوق‬
‫والنقود وجهاز الثمن ‪ ،‬لتستخدمها السلطة العامة في تحقيق أهدافها ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ويرجع ذلك إلى االعتقاد بأن الملكية الخاصة نظام طبيعي ألموال االستهالك ‪ ،‬حيث ال يمكن‬
‫للفرد أن يستهلك ماال قبل أن يتملكه ‪ ،‬ويكون له حرية التصرف فيه ‪ ،‬ومن ثم فال بأس من أن يتملك‬
‫الناس في ظل النظام ا الشتراكي المنازل والحدائق الملحقة بها ‪ ،‬ومساحات محدودة من الحقول والمزارع ‪،‬‬
‫طالما كان الغرض من امتالك هذه األموال هو االستهالك الخاص ؛ أي إشباع الحاجات الذاتية‬
‫ألصحابها ‪ ،‬وليست مخصصة لإلنتاج ‪.‬‬

‫بينما يوسع أنصار المذهب الثاني من مدلول ونطاق المصلحة الجماعية لتشمل كافة مجاالت‬
‫النشاط االقتصادي ‪ ،‬رافضا أي دور للقطاع الخاص ‪ ،‬ليحتكر القطاع العام كافة أدوات اإلنتاج ‪ ،‬محددا‬
‫أج ار لكل فرد بحسب حاجته‪ ،‬وهذا هو المذهب الشيوعي ‪.‬وال وجود ألدوات القطاع الخاص ‪ ،‬حيث ال‬
‫حاجة لسوق ‪،‬أو نقود ‪ ،‬أو جهاز أثمان ‪ ،‬طالما احتكرت الدولة كل مجاالت النشاط االقتصادي ‪ ،‬لتقرر‬
‫ما تعطيه للفرد بحسب حاجته التي تراها ‪.‬‬

‫القوانين الماركسية‪:‬‬
‫يرى ماركس أن النظم االجتماعية تخضع لقوانين ثابتة معينة ‪ ،‬ال يستثنى منها النظام الرأسمالي‪،‬‬
‫وأن معرفة هذه القوانين تساعد في التنبؤ بمستقبل النظام الرأسمالي ‪ ،‬ليلقى المصير الذي لقيته النظم‬
‫االقتصادية السابقة عليه ‪ ،‬ومن من هذه القوانين ‪:‬قانون القيمة وفائض القيمة ‪ ،‬وقانون تناقص األرباح‪،‬‬
‫وقانون تراكم راس المال ‪ ،‬وقانون تركز رؤوس األموال ‪ ،‬وقانون اإلمالق (الفقر) العام ‪ ،‬وقانون انهيار‬
‫النظام الرأسمالي ‪:‬‬

‫‪ .0‬قانون القيمة وفائض القيمة ‪:‬‬


‫يرى ماركس أن العمل هو مصدر قيمة األشياء ‪ ،‬ألن العمل هو العنصر المنتج الحقيقي في‬
‫المجتمع‪ .‬ويجب التفرقة في هذا الصدد بين قيمة االستعمال وقيمة المبادلة ‪.‬‬

‫ويقصد بقيمة المبادلة ‪:‬القيمة التي يتم من خاللها تبادل السلع مع سلعة أو سلع أخرى ‪ ،‬والتي‬
‫تعود جميعها إلى عنصر مشترك هو العمل ‪ ،‬وبذلك يحدد العمل قيمة السلعة ويمكن من مقارنتها بالسلع‬
‫األخرى ‪ ،‬وذلك على الرغم من اختالف قيم استعمالها ‪ ،‬التي تختلف باختالف استعمال الشخص للسلع‪،‬‬
‫وتغير خصائصها‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫وتتحدد قيمة عنصر العمل المحدد لقيمة مبادلة السلعة بكمية العمل الضروري إلنتاج السلع‬
‫والخدمات التي تعتبر ضرورية لبقاء العامل واعاشته هو وأسرته ‪.‬‬

‫فإذا كان الحصول على هذه األشياء يتطلب أن يعمل العامل مدة سبع ساعات عمل ليوم واحد ‪،‬‬
‫فإن قيمة السلعة التي ينتجها هذا العامل تعادل أجر سبع ساعات‪ .‬واذا قام رب العامل بتحديد قيمة هذه‬
‫السلعة بما يعادل أجر تسع ساعات عمل ‪ ،‬فإن الفرق في القيمة بما يعادل ساعتين من أجر العمل يمثل‬
‫فائضا للقيمة ‪.‬‬

‫وعلى هذا يعتبر فائض القيمة هو األجر المستحق للعامل دون أن يحصل عليه ‪ ،‬وانما استولى‬
‫عليه رب العمل ‪ ،‬استغالال منه لهذا العامل ‪ ،‬ال لشيء إال ألنه يملك أدوات اإلنتاج التي يتم بها العمل ‪.‬‬

‫ويعتبر فائض القيمة الذي يستولى عليه رب العمل بمثابة الربح الذي يحققه الرأسمالي ‪ ،‬والذي‬
‫يحرم منه العامل ‪ ،‬وينخفض تبعا لذلك أجره ‪ ،‬مما يترتب على هذا االنخفاض تقص مماثل في طلب‬
‫المجتمع على السلع والخدمات ‪ ،‬يقابله زيادة في أرباح الرأسمالي تؤدى إلى تراكم رأس المال الثابت‬
‫(التكوين الرأسمالي)‪.‬‬

‫‪ .2‬قانون تناقص األرباح‬


‫يرى ماركس أن اعتماد النظام الماركسي على اآلالت وزيادة كثافة رأس المال ستؤدى إلى تناقص‬
‫األرباح ‪ ،‬على أساس أن أرباح الرأسمالي تتحدد أساسا من استغالله لجهد العامل ‪ ،‬لكي يحصل على‬
‫الربح من فائض القيمة الناتج من الفرق بين األجر الذي حصل عليه العامل ‪ ،‬والقيمة التبادلية التي‬
‫حددها رب العمل للسلعة ‪.‬‬

‫ولما كان االتجاه السائد لدى الرأسماليين هو زيادة االعتماد على اآلالت والماكينات في اإلنتاج ‪،‬‬
‫فإن ذلك يعنى تناقص الحاجة إلى العمل ‪ ،‬حيث تحل اآلالت محل بعضهم ‪ ،‬األمر الذي يترتب عليه‬
‫تناقص فائض القيمة أو األرباح نتيجة انخفاض عدد العمال‪ .‬ويواجه الرأسمالي ذلك بزيادة استغالل‬
‫العمال عن طريق تخفيض أجورهم ‪ ،‬مع استغالل األسواق واألوضاع االحتكارية برفع أثمان المنتجات ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ .3‬قانون تراكم رأس المال‬
‫يرى ماركس أن رب العمل (الرأسمالي) في صراع دائم ومنافسة مستمرة مع غيره من أرباب‬
‫األعمال لالحتفاظ بمكانه في السوق ‪ ،‬ولكي يحتفظ بهذه المكانة يعمل على بيع أكبر كمية من السلعة‬
‫المنتجة بأقل سعر ‪ ،‬حتى يجذب إليه أكبر عدد من المستهلكين ‪.‬‬

‫ويترتب على هذه المنافسة العمل على زيادة اإلنتاج ‪ ،‬من خالل زيادة طاقات العمال اإلنتاجية‬
‫لديه ‪ ،‬ومن ثم فهو يحتاج إلى اقتناء اآلالت المتطورة التي تزيد من إنتاجية العامل ‪ ،‬والى زيادة حجم‬
‫المشروع لالستفادة من مزايا المشروع الكبير في تخفيض التكاليف ‪.‬‬

‫وكال الطريقين يحتاج إلى زيادة في رأس المال ‪ ،‬مما يعنى حاجة النظام الرأسمالي إلى تراكم رأس‬
‫المال للوفاء بمتطلبات زيادة اإلنتاج ‪ ،‬وتخفيض األسعار لضمان البقاء في المنافسة‪.‬‬

‫‪ .4‬قانون تركز رؤوس األموال‬


‫يرى ماركس أن أموال اإلنتاج تميل نحو التركز في يد كبار الرأسماليين ‪ ،‬ذلك ألن رب العمل في‬
‫سعيه نحو البقاء في السوق يعمل على زيادة حجم المشروعات ‪ ،‬والقضاء على المشروعات الصغيرة ‪،‬‬
‫التي ال يستطيع أصحابها مواجهة منافسة الكبار ‪ ،‬فيتحولون من أرباب أعمال إلى عمال ‪.‬‬

‫وينتج عن ذلك زيادة طبقة العمال ‪ ،‬وتناقص عدد أرباب األعمال (أصحاب رأس المال)‪ ،‬مما‬
‫يؤدى إلى تركز رؤوس األموال في يد فئة قليلة من أرباب األعمال ‪.‬‬

‫‪ .5‬قانون اإلمالق العام‬


‫يرى ماركس أنه نتيجة التجاه الرأسماليين نحو زيادة استخدام اآلالت ‪ ،‬فإن اآللة تحل محل عدد‬
‫من العمال ‪ ،‬الذين يستغنى عنهم رب العمال ‪ ،‬ليتحول هؤالء العاملون إلى قائمة المتعطلين بعد أن كانوا‬
‫منتجين ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫وتضاف الطبقة العاطلة الجديدة إلى صغار الرأسماليين الذين تحولوا بسبب شدة المنافسة إلى‬
‫عمال يطلبون العمل ‪ ،‬مما يزيد من عرض العمل ‪ ،‬وتقل األجور ‪.‬‬

‫ويستفيد أرباب األعمال من هذا الوضع في زيادة استغالل العمال ‪ ،‬من خالل تقرير تخفيض‬
‫على أجورهم ‪ ،‬واال طردوا من أعمالهم ليحل محلهم عدد من العاطلين ‪ ،‬فيضطر العمال إلى تقبل‬
‫تخفيض األجور ‪ ،‬مما يقلل من دخولهم ‪ ،‬وتزيد معدالت اإلمالق (الفقر) ومستوياته في المجتمع ‪.‬‬

‫‪ .6‬قانون انهيار الرأسمالية‬


‫يترتب على الوضع الذي تفرضه طبيعة النظام الرأسمالي من عالقات غير متوازنة أو غير عادلة‬
‫بين أرباب األعمال والعمال إلى صراع حتمي تفرضه طبيعة األشياء ‪ ،‬ال يمكن تفاديه ‪.‬ألن ما يقوم به‬
‫رب العمال من زيادة في اإلنتاج واستغالل ألجور العمال هو تصرف طبيعي تحتمه ضرورة تعامله مع‬
‫ظروف المنافسة ‪ ،‬ورغبته في البقاء ‪ ،‬كما أن اآلثار التي تقع على العمال نتيجة الممارسات الرأسمالية‪،‬‬
‫من بطالة واستغالل وفقر ‪ ،‬تؤدى إلى الصدام بين فريقين ‪:‬قلة رأسمالية وأغلبية عمالية ‪.‬‬

‫ويتوقع ماركس أن تكون الغلبة في النهاية لطبقة العمال ‪ ،‬الذين يخلقون وضعا جديدا تتضاءل‬
‫فيه طبقة الرأسمالية إلى أن تفنى ‪ ،‬وتسود الملكية الجماعية ألدوات اإلنتاج ‪ ،‬وينشأ المجتمع الالطبقي ‪،‬‬
‫ومن ثم تنتهي الدولة‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬التطورات االقتصادية المعاصرة‬

‫شهدت السنوات األخيرة تطورات اقتصادية مهمة ‪ ،‬كان أبرزها انهيار النظام االشتراكي في معظم‬
‫الدول التي سارت على نهجه ‪ ،‬مع تصاعد الدعوة ‪ ،‬والتوجه‪ ،‬إلى االعتماد على اقتصاد السوق‪:‬‬

‫‪ .0‬انهيار النظام االشتراكي‬

‫‪36‬‬
‫مع تزايد مساوئ النظام االشتراكي في قتل الحافز الفردي الباعث إلى العمل وتحقيق الربح‬
‫الخاص ‪ ،‬وتزايد البيروقراطية الحكومية التي تدير الخطة العامة من خالل إدارة مركزية ‪ ،‬مما كبد الدول‬
‫خسائر فادحة نتيجة سوء إدارة القطاع العام ‪ ،‬وتحميل الخزانة العامة للدولة بأعباء مالية باهظة فى صورة‬
‫دعم هذا القطاع لضمان استمرار أدائه لوظيفته‪.‬‬

‫وذلك في الوقت الذي عانى فيه القطاع العام من الجمود وتخلف فنونه اإلنتاجية ‪ ،‬مما انعكس‬
‫سلبا على مستوى المنتج الذي يحصل عليه المستهلك ‪ ،‬مقارنة بمثيله في النظم الرأسمالية التي تعتمد‬
‫على القطاع الخاص إلنتاجه ‪.‬‬

‫وقد طالب العديد من أنصار االشتراكية إلى إجراء إصالحات جوهرية في هذا النظام للحد من‬
‫مساوئه ‪ ،‬ومن أشهرهم االقتصادي السوفيتي ليبرمان ‪ ،Liberman‬الذي اقترح التخلي عن المركزية‬
‫الشديدة في تخطيط وتنفيذ المشروعات ‪ ،‬بحيث ال يكون للسلطة المركزية سوى الحق فى إصدار‬
‫التوجيهات العامة ‪ ،‬التي تبين أنواع اإلنتاج دون تحديد تفصيلي ‪ ،‬وبحيث يكون للفروع اإلدارية التابعة‬
‫حرية اتخاذ وضع الخطط التفصيلية بما يلبى رغبات المستهلكين في الجهة التي تدخل في اختصاصها‪.‬‬

‫كما ال يمانع أصحاب هذه اآلراء من أن تمنح المشروعات العامة جزء من أرباحها ‪ ،‬بدال من أن‬
‫تحول جميع هذه األرباح إلى الخزانة العامة ‪ ،‬حتى يكون في منح المشروع قد ار من الربح حافز له على‬
‫بذل غاية الجهد لزيادة اإلنتاج وتحسينه‪ ،‬كما يكون تحقيق الربح مقياسا لتقييم المشروع ‪.‬‬

‫وقد تزايد التوسع في األخذ بمبدأ الالمركزية في إدارة المشروعات ‪ ،‬وتطبيق بعض قواعد إدارة‬
‫المشروع الخاص على المشروعات العامة ‪ ،‬في محاولة لوقف نزيف الخسائر ‪ ،‬والتردي في هاوية الفشل‪.‬‬

‫بيد أن هذه المحاوالت لم تفلح ‪ ،‬وتعرضت النظم االشتراكية النهيار عنيف في معظم الدول التي‬
‫جعلتها أساسا لنظامها االقتصادي ‪ ،‬وعلى رأسها االتحاد السوفيتي قلعة هذا النظام ‪.‬‬

‫وقد ظهر هذا االنهيار في أواخر عقد الثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي ‪ ،‬حين وضع‬
‫الرئيس الروسي جورباتشوف عام ‪ 1985‬برنامجا لالنفتاح واعادة اإلصالح تداعت أثارها إلى أن تحللت‬
‫جمهوريات االتحاد السوفيتي منذ ديسمبر ‪ ،1991‬وأصبحت الجمهوريات التي كانت تخضع سابقا‬
‫للحزب الشيوعي جمهوريات مستقلة ‪ ،‬تتبع اقتصاد السوق الحر بدال من النظام االشتراكي ‪ ،‬وتقلص عدد‬

‫‪37‬‬
‫الدول التي تأخذ بهذا النظام حاليا ‪ ،‬حيث الزالت كل من الصين وكوبا ونيكاراجوا وفيتنام تسير على‬
‫النهج االشتراكي في السياسة واالقتصاد ‪.‬‬

‫وترتب على ذلك أن انتشرت الرأسمالية وصارت مجاال للتطبيق في معظم الدول النامية‪ ،‬بل إن‬
‫الدول التي الزالت تتشبث بالنظام االشتراكي ‪ ،‬مثل الصين‪ ،‬أخذت تغير من سياساتها التي تعتمد على‬
‫اقتصاد الدولة ‪ ،‬باالنفتاح على القطاع الخاص ‪ ،‬وتشجيع االستثمار األجنبي للعمل بها ‪ ،‬وقد أطلقت‬
‫على هذه الحالة العارمة من الرأسمالية بالرأسمالية العالمية ‪Global Capitalism.‬‬

‫ويرى أنصار االشتراكية أن هذه التطورات ال تعنى انهيار المذهب والفكرة ‪ ،‬وانما مجرد سقوط‬
‫للنموذج السوفيتي في تطبيقها ‪ ،‬ووصف الرئيس الصيني بعض صور التحرر االقتصادي في بالده‬
‫باشتراكية السوق ‪Market Socialism .‬‬

‫‪ .2‬االعتماد على اقتصاد السوق‬

‫‪Market‬‬ ‫يفضل أنصار المذهب الرأسمالي المعاصرون استخدام تعبير اقتصاد السوق‬
‫‪Economy‬على النظام االقتصاد الذي يعتمد أساسا على الملكية الخاصة ‪ ،‬بدال من تعبير الرأسمالية ؛‬
‫تجنبا لتعريف ماركس للرأسمالية بأنها نظام اقتصادي استغاللي ‪.‬إشارة منهم بأنه االقتصاد الذي يعتمد‬
‫على قوى السوق التي تحدد أسعار السلع والخدمات ‪ ،‬دون تدخل من الدولة إال في نطاق محدود يضمن‬
‫عمل هذه القوى بكفاءة وعدالة ‪ ،‬دون احتكار أو استغالل ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الفكر االقتصادي اإلسالمي‬

‫تمهيد‬

‫نقل الدين اإلسالمي المجتمع العربي من حياة البداوة والتخلف إلى مجتمع متدين متحضر‪،‬‬
‫سادت دولته المشرق والمغرب ‪ ،‬فنقل إليها حضارته الجديدة ‪ ،‬وتأثر بعلوم أهلها ‪ ،‬فاستفاد وأفاد ‪.‬‬

‫وكانت لمبادئه ‪ ،‬وال تزال‪ ،‬أثر في المعامالت االقتصادية ‪ ،‬مما خلق فك ار اقتصاديا متمي از ذا‬
‫طابع أخالقي ألنه يستمد أصوله من الدين اإلسالمي ‪.‬‬

‫ونبين في هذا الفصل البيئة والمبادئ واألفكار االقتصادية المؤثرة والمتأثرة بالنظام اإلسالمي ‪،‬‬
‫وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬البيئة االقتصادية‬

‫مرت الجزيرة العربية – مهد الدين اإلسالمي –كما مرت غيرها من مناطق العالم ‪ ،‬بمراحل‬
‫التطور اإلنساني ‪ ،‬حيث مجتمع البداوة ‪ ،‬والرق‪ ،‬والتجارة‪.‬‬

‫وقد ساعدت البيئة الصحراوية للجزيرة العربية على الحياة القبلية ‪ ،‬حيث يتكون قلب الجزيرة‬
‫العربية من سالسل من الجبال المرتفعة ‪ ،‬بينها بعض الوديان‪ ،‬وهو قليل األمطار ‪ ،‬سكانه رحل يرعون‬
‫العشب ‪ ،‬ويستقرون حيث منابع المياه إلى أن تجف ‪ ،‬فيتركونها إلى منابع أخرى ‪ ،‬يعيشون في قبائل‬
‫متماسكة ‪ ،‬تتسم بالعصبية والتعاون فيما بينها ‪.‬فكانت القبيلة تقتسم فيما بينها ما تجود به الطبيعة عليهم‬
‫من ماء وكأل ‪ ،‬وما يفوزون به من غنائم الحروب ماال أو عبيدا‪ ،‬يجسدون صورة المشاركة العامة في‬
‫شكلها البدائي‪.‬‬

‫وكان الرق عنص ار هاما من عناصر العمل واإلنتاج ‪ ،‬حيث يعمل العبد لحساب سيده ‪ ،‬في مقابل‬
‫أن يحصل على الكفاف لطعامه ‪ ،‬وكسوته‪ ،‬وكانت قوة السيد تزداد بزيادة العبيد الذين يمتلكهم بالشراء أو‬
‫باألسر في الحروب ‪ ،‬وكان العبيد يعملون في الزراعة والتجارة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫وظهر اإلقطاع في المجتمعات المستقرة في اليمن ‪ ،‬وفى الطائف حيث كان يمتلك بعض‬
‫األغنياء مساحات واسعة من البساتين أو األراضي الزراعية ‪.‬‬

‫ولما جاء اإلسالم لم يقر روح العصبية للقبيلة ‪ ،‬وشجع بدال منها على التعاون والعمل لصالح‬
‫المجتمع ككل ‪ ،‬دون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو القرابة ‪ ،‬كما تدرج في محاربة الرق‪ ،‬والحد من‬
‫ظلمه ‪.‬‬

‫ولم يعرف نظام اإلقطاع الذي عرفته المجتمعات األوربية ‪ ،‬وكل ما ظهر في العالم اإلسالمي‬
‫ملكيات زراعية كبيرة منذ العهد األموي ‪،‬وكثرت في العهد السلجوقي ‪ ،‬وكان ذلك يعرف بإقطاع‬
‫االستغالل‪ ،‬حين كان يمنح الحكام للجند قطعا كبيرة من األرض لينتفعوا بدخلها بدال من منحهم مرتبات ‪،‬‬
‫ولم يكن لهؤالء الجنود حق توارث هذا اإلقطاع أو بيعه ‪.‬أما النوع الثاني من اإلقطاع ‪ ،‬وهو إقطاع‬
‫التمليك فقد ظهر في شكل هبات تمنح لبعض األفراد ‪.‬‬

‫ولم تمنح هذه الصور من اإلقطاع لإلقطاعي الحق في تملك الناس الذين يعملون على هذه‬
‫األرض ‪ ،‬كما كانت مقررة لإلقطاعيين في أوربا على قن أو عبيد األرض‪.‬‬

‫وقد عرفت الدولة اإلسالمية نظاما اقتصاديا خاصا يقوم على االعتراف بحق الفرد في الملكية‬
‫الخاصة مع جواز تدخل الدولة في النشاط االقتصادي لحماية المصلحة العامة ‪.‬وقد أخذ هذا النظام أفكاره‬
‫من التعاليم الدينية ‪ ،‬ومصدرها القرآن الكريم والسنة المطهرة ‪ ،‬وآراء الفقهاء والفالسفة المسلمين‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مصادر الفكر االقتصادي اإلسالمي‬

‫يستمد االقتصاد اإلسالمي من عدة مصادره أهمها‪:‬‬

‫‪ .1‬القرآن الكريم‬
‫نزل القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى اهلل عليه وعلى آله وسلم وفيه كل ما تحتاجه البشرية من‬
‫هدى ومعرفة ونور‪ ،‬ومن جملة ذلك تنظيم الحياة االقتصادية في المجتمع‪ .‬فالقرآن الكريم هو المصدر‬
‫األول للفكر االقتصادي منذ عهد الرسول صلى اهلل عليه وآله وسلم مرو ار بالخلفاء الراشدين واتباعهم‬

‫‪40‬‬
‫الصالحين‪ .‬و قد بين اهلل سبحانه وتعالى في القرآن الخطوط األساسية لالقتصاد اإلسالمي‪ ،‬حيث بين‬
‫حقائق أساسية في هذا المجال‪ ،‬يمكن أن نذكر من بينها‪:‬‬

‫• حقيقة بأن اهلل هو المالك لجميع الموارد الطبيعية في الكون‪ :‬وهلل ما في السموات وما في األرض‪.‬‬

‫• حقيقية إن اإلنسان مستخلف في المال والموارد الطبيعية‪ :‬وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه‪.‬‬

‫• حقيقة حث اإلنسان على العمل لكسب الرزق وتحصيل المعاش‪ :‬هو الذي جعل لكم األرض ذلوال‬
‫فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه‪.‬‬

‫• حقيقة إقرار الملكية الخاصة وعدم التعدي على حقوق اآلخرين‪ :‬وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل‪.‬‬

‫• حماية حقوق الملكية بعقوبة رادعة‪ :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكال من اهلل‪.‬‬

‫• سن التشريعات التي تحفظ أموال القصر والذين ال يحسنون التصرف في أموالهم‪ :‬وابتلوا اليتامى‬
‫حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم‪.‬‬

‫• حرم اإلسالم حبس األموال عن التداول وحارب ظاهرة االكتناز‪ :‬والذين يكنزون الذهب والفضة وال‬
‫ينفقونها في سبيل اهلل فبشرهم بعذاب أليم‪.‬‬

‫‪ .2‬السنة النبوية الشريفة‬


‫وحجـتها ضرورية‪ ،‬من ضروريات‬
‫ّ‬ ‫حجة‬
‫تعتبر ثاني مصادر التشريع اإلسالمي بعد القرآن‪ .‬و هي ّ‬
‫الدين‪ ،‬من جحدها فقد كذب بالدين‪ ،‬وأنكر القرآن الكريم‪ ،‬إذ إننا لم نعرف أن القرآن الكريم هو كتاب اهلل‬
‫حجـة‪ ،‬فال أثر للقرآن إذن‪.‬‬
‫تعالى‪ ،‬إال من قول النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬فإذا لم يكن قوله ّ‬

‫وان لم تكن السـنة النبوية حجة‪ ،‬فال معنى لجميع العبادات واألحكام التي جاء تفصيلها من طريق السـنة‬
‫وغيرها من األحكام التي أمر بها القرآن الكريم‪ ،‬ثم جاءت السـنة بتفصيلها ووضع حدودها وشـرائطها‪.‬‬

‫‪ .3‬اإلجماع‬
‫عرف علماء األصول اإلجماع بأنه اتفاق المجتهدين من أمة محمد بعد وفاه رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫ّ‬
‫وعلى آله وسلم في عصر من العصور على حكم من األحكام‪ .‬واذا خالف واحد من هؤالء المجتهدين‬
‫سائرهم لم ينعقد اإلجماع‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫لقد كان اإلجماع في عصر كبار الصحابة ميسورا‪ ،‬أما بعد تفرقهم في البالد فقد أصبح اإلجماع معتذ ار‬
‫عادة‪ ،‬واليوم أصبح اإلجماع أكثر تعذ ار إذا التزمنا بشروطه التقليدية‪ ،‬ولذلك تم االتفاق على إنشاء‬
‫المجامع الفقهية العالمية وهيئات لكبار العلماء لتبني االجتهاد الجماعي الذي هو أقرب إلى الصواب من‬
‫الحكم الصادر من االجتهاد الفري‪.‬‬

‫اإلجماع من أهم المصادر األصلية للفقه اإلسالمي‪ ،‬ويأتي في المرتبة الثالثة بعد القرآن والسنة‪ ،‬ويعده‬
‫رجال الفقه والقانون مصد ار خصبا الستنباط األحكام الشرعية وتطويرها‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مبادئ االقتصاد اإلسالمي‬

‫يعنى االقتصاد اإلسالمي ما جاء بالشريعة اإلسالمية متعلقا باالقتصاد في أقسامها الثالثة‪:‬‬
‫العقيدة والفقه واألخالق‪.‬‬

‫ويشير االقتصاد اإلسالمي إلى نوعين من المعرفة ‪:‬‬

‫النوع األول ‪ ،‬يتعلق بالشريعة وما ورد بها من أحكام لها ارتباط باالقتصاد‪.‬‬

‫والنوع الثاني ‪ ،‬ما يتعلق بالتحليل االقتصادي لهذه األحكام‪ ،‬بمعنى تتبع أمر اقتصادي معين‬
‫للتعرف على العوامل المؤثرة فيه ‪ ،‬والستنتاج سلوكه؛ فاالدخار واالستهالك واالستثمار أمثلة لموضوعات‬
‫اقتصادية يقوم االقتصاد اإلسالمي بتحليلها في مجتمع يطبق أحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬كأثر الزكاة فيها‪،‬‬
‫وأثر الميراث على توزيع الثروة ‪ ،‬وهكذا‪...‬‬

‫واالقتصاد اإلسالمي بهذا المعنى ال يعنى علم االقتصاد السياسي بمعناه الذي نعرفه اليوم ‪ ،‬ألن‬
‫هذا العلم حديث النشأة نسبيا ‪ ،‬وألن اإلسالم دين دعوة ومنهج حياة ‪ ،‬وليس من وظيفته األصلية ممارسة‬
‫البحوث العلمية ‪ ،‬وبذلك يكون االقتصاد اإلسالمي بمثابة مذهب اقتصادي ‪ ،‬تتجسد فيه الطريقة‬
‫اإلسالمية في تنظيم الحياة االقتصادية ‪ ،‬بما يملك هذا المذهب ‪ ،‬ويدل عليه ‪ ،‬من رصيد فكرى يتألف من‬
‫أفكار اإلسالم األخالقية واألفكار العلمية االقتصادية أو التاريخية ‪ ،‬التي تتصل بمسائل االقتصاد‬
‫السياسي أو بتحليل تاريخ المجتمعات البشرية‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫ويقوم االقتصاد في اإلسالم على عدد من المبادئ األساسية ‪ ،‬أهمها احترام الملكية الخاصة ‪،‬‬
‫وتحريم الربا‪ ،‬ومنع االحتكار ‪ ،‬ومحاربة الغش ‪.‬‬

‫‪ .0‬احترام الملكية الخاصة‪:‬‬


‫حرص القرآن الكريم والسنة النبوية على تأكيد حق األفراد في التملك ‪ ،‬وأن تكون لهم ممتلكاتهم‬
‫الخاصة التي يستفيدون منها ‪ ،‬ويرثونها لمن يخلفهم من األزواج واألوالد وغيرهم من بعدهم ‪.‬ففي القرآن‬
‫الكريم ‪:‬يقول اهلل تعالى " ‪:‬وللرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن "‪ ،‬وقوله تعالى "وأما‬
‫الجدار فكان لغالمين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما "‪ ،‬وقوله تعالى "وأتوا اليتامى أموالهم "‪،‬‬
‫ويقول عز من قائل "يوصيكم اهلل في أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيين‪".‬‬

‫وفى المقابل لم يدع الحق في هذه الملكية الخاصة طليقا دون قيد ‪ ،‬وانما أجازت الشريعة‬
‫اإلسالمية لولى األمر (الدولة) في أن يتدخل للتخفيف من غلواء استعمال هذا الحق ‪ ،‬لمنع اإلضرار‬
‫باآلخرين ‪ ،‬أو لتحقيق المصلحة الجماعية ‪.‬‬

‫ومن ذلك إجازة الملكية العامة للسلع الضرورية ‪ ،‬فقد قال صلى اهلل عليه وسلم في الحديث الذي‬
‫رواه أبو داود وأحمد "الناس شركاء في ثالث ‪:‬الماء والكأل والنار "‪ ،‬وزاد "الملح "في رواية أخرى‬
‫للحديث‪ .‬وأقر الفقهاء المسلمون أن تعداد هذه األشياء لم يكن على سبيل الحصر ‪ ،‬وانما يجوز لولى‬
‫األمر أن ال يترك لألفراد ملكية أشياء أخرى مثل النفط والمعادن ‪ ،‬إذا ترتب على الملكية الخاصة لها‬
‫استغالل لحاجة الجماهير لها‪.‬‬

‫كما أجاز الرسول صلى اهلل عليه وسلم لمن يقوم باستصالح أرض من أراضى الدولة بأن يتملكها‬
‫ملكية خاصة ‪ ،‬بشرط أن يقوم بإحيائها خالل ثالث سنوات من وضع يده عليها ‪ ،‬وأن ال يهمل زراعتها‬
‫بعد ذلك ثالث سنوات متوالية‪ ،‬ففي الحديث ‪:‬يقول الرسول صلى اهلل عليه وسلم " ‪:‬من أحيا أرضا ميتة‬
‫فهي له ‪ ،‬وليس لمحتجر حق بعد ثالث سنين ‪".‬‬

‫و ورد أن عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه قال لبالل "إن رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫لم يقطعك لتحتجره عن الناس ‪ ،‬وانما أقطعك لتعمل ‪ ،‬فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي ‪" .‬أي‬

‫‪43‬‬
‫أنه لم يقر أن تظل األرض التي حصل عليها بالل رضي اهلل عنه ملكا دائما له ‪ ،‬وانما علق حقه فى‬
‫الملكية على شرط أن يعمرها ‪ ،‬واال تركها للمصلحة العامة‪.‬‬

‫وتقسم ملكية األموال في اإلسالم إلى ثالثة أنواع ‪:‬أموال يحق لألفراد تملكها‪ ،‬ويعنى بها الملكية‬
‫الفردية التي تتوافر فيها حقوق الملكية الخاصة ‪ ،‬وأموال ال يحق لألفراد تملكها ‪ ،‬ويقتصر ملكيتها على‬
‫الدولة ممثلة الجماعة ‪ ،‬ومن ذلك األنهار والبحار ‪ ،‬وأموال تتملكها الدولة وتديرها لصالح الجماعة‬
‫كالطرق وغيرها من مرافق البنية األساسية‪.‬‬

‫وقد ألزم اإلسالم المالك بأداء الزكاة وغيرها من الصدقات للفقراء والمحتاجين ‪ ،‬دعما للتكافل‬
‫االجتماعي بين األغنياء والفقراء ‪ ،‬ولكي يكون للملكية الخاصة وظيفة اجتماعية تتعدى مصلحة الملك‬
‫الفرد إلى غيره من المواطنين ‪.‬فقد قال اهلل تعالى ‪:‬إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها‬
‫والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل اهلل وابن السبيل"‪ ،‬وقال تعالى " ‪:‬وآتوهم من مال اهلل‬
‫الذي أتاكم "‪.‬‬

‫‪ .2‬تقدير العمل‪:‬‬
‫أكد اإلسالم على أهمية العمل ‪ ،‬وجعل اإلنسان العامل العابد في مركز أعلى وأفضل ممن يلزم‬
‫العبادة دون عمل ‪،‬فقد قال اهلل تعالى " ‪:‬وقل اعملوا فسير اهلل عملكم ورسوله والمؤمنون" "‪ ،‬وقال صلى‬
‫اهلل عليه وسلم " ‪:‬أطيب الكسب عمل الرجل بيده"‪ ،‬و "إن اهلل يحب العبد المؤمن المحترف "‪.‬‬

‫وضرب الرسول والصحابة المثل في أداء العمل واتقانه‪ ،‬ومن ذلك مشاركته صلى اهلل عليه وسلم‬
‫الصحابة في حفر الخندق استعدادا لغزوة األحزاب ‪ ،‬وقوله عليه الصالة والسالم "‪:‬إن اهلل يحب إذا عمل‬
‫أحدكم عمال أن يتقنه‪".‬‬

‫ولم تكن التجارة مستهجنة عند المسلمين األوائل ‪ ،‬كما كان األوربيون في العصور الوسطى‬
‫يستهجنونها ‪ ،‬بل إن اإلسالم وضع أسس التي يجب أن تقوم التجارة عليها ‪ ،‬كاألمانة ‪ ،‬ومنع الغش ‪،‬‬
‫واالحتكار ‪.‬ففي القرآن الكريم "وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن تراض منكم "‪،‬‬
‫وقوله تعالى ‪:‬وأوفوا الكيل وال تكونوا من المخسرين"‪ ،‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم "‪:‬تسعة أعشار الرزق‬
‫في طلب التجارة"‪ ،‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم " ‪:‬التاجر الصدوق مع الكرام البررة"‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫وفى ذات الوقت لم يحتقر اإلسالم مهنة حرفية كانت أو خدمية ‪ ،‬وشجع على كسب الرزق‬
‫بالعمل ‪ ،‬بدال من التسول والكسل ‪ ،‬فقد نهى الرسول صلى اهلل عليه وسلم عن التسول ‪ ،‬وأمر من يلجأ‬
‫إليه بأن "اذهب واحتطب وبع "وقال صلى اهلل عليه وسلم " ‪:‬ألن يحمل الرجل حبال فيحتطب به‪ ،‬ثم‬
‫يجيء‪ ،‬فيضعه في السوق‪ ،‬فيبيعه‪ ،‬ثم يستغنى ‪ ،‬فينفقه على نفسه ‪ ،‬خير له من أن يسأل الناس أعطوه‬
‫أو منعوه "‪ .‬وسأل سيدنا عمر بن الخطاب عن مصدر الدخل الذي ينفق منه رجل يقضى طوال وقته في‬
‫المسجد‪ ،‬فلما علم أن أخاه ينفق عليه ‪ ،‬قال له "أخوك خير منك"‪.‬‬

‫‪ .3‬تحرير العبيد‬
‫جاء اإلسالم والرقيق عنصر أساسي من عناصر العمل في جزيرة العرب ‪ ،‬ولم يكن الرقيق في‬
‫بالد العرب كالرقيق في أوربا ‪ ،‬فهم ليسوا عبيدا لألرض يلتصقون بها ‪ ،‬وانما العبد ملك للسيد يحصل‬
‫عليه نظير أداء ثمن له من مالكه ‪ ،‬أو غنيمة نتيجة انتصاره في الحرب ‪.‬ويمكن أن ينتقل لغيره من‬
‫السادة لنف س األسباب ‪ ،‬أو يحصل على حريته بأن يفدى نفسه أو يشتريها من السيد بمال أو عمل ‪ ،‬أو‬
‫مكرمة من هذا السيد في بعض األحيان‪.‬‬

‫ولم يشأ اإلسالم أن يقرر إلغاء الرق مرة واحدة ‪ ،‬نظ ار لحاجة العرب إليه في أوقات السلم‬
‫والحرب‪ ،‬إال أنه غير نظرة العرب إلى الرقيق ‪ ،‬مبينا أنهم بشر كغيرهم من السادة ‪ ،‬وأن المرء ال يتميز‬
‫على أخيه بلونه أو جنسه أو ماله ‪ ،‬فالمؤمنون أخوة ‪ ،‬ال فرق بينهم إال بالتقوى والعمل الصالح‪.‬‬

‫وقد أخذ اإلسالم بنظرية التدرج في تحرير العبيد مراعاة للظروف االجتماعية واالقتصادية السائدة‬
‫فى هذا الوقت ‪ ،‬فجعل تحرير العبد سببا للقربى إلى اهلل ‪ ،‬أو كفارة لليمين ‪ ،‬أو تكفي ار للذنوب ‪.‬فقد قال‬
‫تعالى " ‪:‬ال يؤاخذكم اهلل باللغو في أيمانكم ‪ ،‬وانما يؤاخذكم بما عقدتم األيمان ‪ ،‬فكفارته إطعام عشرة‬
‫مساكين من أوسط ما تطعمون به أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة "‪ ،‬وقال تعالى‪" :‬والذين يظاهرون من‬
‫نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا‪ ،‬ذلكم توعظون به‪...".‬‬

‫وقد تعددت الطرق التي سلكها اإلسالم لتحرير الرق ‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬

‫‪ .0‬جعل تحرير العبيد مصرفا من مصارف الزكاة ‪ ،‬هو مصرف "وفى الرقاب"‪ ،‬وصورة من‬
‫صور الصدقات التي حث اإلسالم عليها‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ .2‬أعطى ل لعبد الحق في تحرير نفسه من الرق ‪ ،‬وذلك عن طريق المكاتبة ‪ ،‬وهو أن يدفع ثمنه‬
‫لسيده ‪ ،‬فإذا ماطل السيد في أخذ الثمن ‪ ،‬كان للعبد أن يودع هذا المال الخزانة العامة (بيت‬
‫المال) لحساب هذا السيد ‪ ،‬ليعجل بتحريره‪.‬‬
‫‪ .3‬جعل عتق الرقبة صورة من صورة الكفارات ‪ ،‬التي تطهر المسلم من الذنوب التى اقترفها ‪،‬‬
‫أو بعض الجرائم التي ارتكبها ‪ ،‬مثل جريمة القتل الخطأ‪.‬‬
‫‪ .4‬أبيح للسيد بأن يقرر حرية العبد من بعده‪ ،‬حتى ال يورث العبد بعد وفاة سيده‪.‬‬
‫‪ .5‬جعل ميالد ولد األمة من سيدها سببا لتحريرها تكريما لها‪.‬‬

‫‪ .4‬تحريم الربا‬
‫حرم القرآن الكريم الربا ‪ ،‬ونهى عن اإلقراض نظير فائدة محددة ‪ ،‬يحصل عليها المقرض أو‬
‫المرابي من المدين ‪ ،‬بغض النظر عن مدى تحقق المدين لربح أو خسارة من استعماله لهذا القرض ‪.‬وقد‬
‫قال تعالى " ‪:‬يأيها الذين آمنوا ال تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة "‪ ،‬وقال الرسول صلى اهلل عليه وسلم" ‪:‬كل‬
‫ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي ‪ ،‬وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب"‪.‬‬

‫ويرجع ذلك إلى ما للربا من مضار اقتصادية واجتماعية سيئة على الفرد والمجتمع ‪ ،‬لما ينطوي‬
‫عليه من استغالل لحاجة المدين إلى المال في حصول الدائن على مقابل هذا المال دون عمل ‪ ،‬وما‬
‫يترتب عليه من تحميل المدين بأعباء متزايدة تثقل كاهله ‪ ،‬وتقيد النشاط االقتصادي ‪ ،‬وتثير الحقد‬
‫والبغضاء في المجتمع‪.‬‬

‫وال يقتصر تحريم الربا على المعامالت النقدية ‪ ،‬بل تتجاوزه إلى كل صور التبادل بين السلع‬
‫المتماثلة في النوع ‪ ،‬والتي تقوم على الوفاء بأكبر من القيمة أو الكمية التي سبق الحصول عليها‪.‬‬

‫‪ .5‬تنظيم السوق‬
‫فضل اإلسالم نظام المنافسة على التدخل في الشئون االقتصادية ‪ ،‬بما يتيح لكل من البائع‬
‫والمشترى حرية التعامل وفقا لمقتضيات وقوى السوق دون تدخل من الدولة ‪ ،‬ولذلك رفض الرسول الكريم‬
‫تسعير السلع ‪ ،‬واعتبرها الفقهاء المسلمون مظلمة ال تجوز‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫وقد ثبت أنه لما غال السعر على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال الصحابة – فيما رواه‬
‫أنس رضي اهلل عنه ‪-‬يا رسول اهلل لو سعرت ‪ ،‬فقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬إن اهلل هو القابض الباسط‬
‫الرازق المسعر ‪ ،‬واني ألرجو أن ألقى اهلل عز وجل وال يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم وال مال‪".‬‬

‫بيد أن المنافسة في األسواق ال تمنع من تدخل الدولة في حالة خروج هذه المنافسة عن نطاقها‬
‫الطبيعي والعادل ‪.‬فقد ورد أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه قال لرجل يبيع زبيبا "‪:‬إما أن تزيد‬
‫في السعر أو تخرج من سوقنا ‪".‬كما وضع ابن تيمية معيا ار للتسعير المحرم والتسعير المباح ‪ ،‬فجعل‬
‫التسعير عمال محرما إذا كان الهدف منه الحد من االرتفاع التلقائي لألثمان ‪ ،‬أما التسعير المباح ‪ ،‬فهو‬
‫الذي يجيز لولى األمر أن يتدخل لتسعير سلع ترتفع أثمانها على نحو مقصود من التجار ال تقتضيه‬
‫طبيعة التعامل في األسواق المتنافسة ‪.‬‬

‫ومن ثم منع اإلسالم االحتكار ‪ ،‬واعتبر الرسول أن المحتكر خاطئ ‪ ،‬مما يجيز لولى األمر‬
‫التدخل لوضع القواعد وسن القوانين التي تمنع االحتكار‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬االقتصاد عند المفكرين المسلمين‬

‫حاول عدد من المفكرين األوائل تفسير بعض الظواهر االقتصادية ‪ ،‬ويرجع إليهم الفضل في‬
‫وضع اللبنات األولى لبعض النظريات الحديثة ‪.‬‬

‫وقد تأثر الفالسفة المسلمون األوائل بالفلسفة اليونانية ‪ ،‬فنجد الفارابى يتأثر بآراء أرسطو التي‬
‫تبرر قيام الدولة على أساس اجتماعي ‪ ،‬ليحقق الفرد اإلشباع لحاجاته الخاصة بالتعاون مع غيره من‬
‫البشر‪.‬‬

‫ونادى ابن سينا بمكافحة البطالة ‪ ،‬وبين أن أساس المبادالت هو قيمة المنفعة للسلعة التي يتم‬
‫تبادلها ‪ ،‬وأكد على تحريم الميسر (القمار) باعتباره نوعا من الكسب بال عمل أو منفعة‪.‬‬

‫ومن أشهر العلماء المسلمين الذين تضمنت كتاباتهم إسهامات اقتصادية مهمة ‪:‬ابن خلدون‬
‫)‪ ،)1332-1406‬و الدمشقي )‪ ،( 1364-1442‬و المقريزي )‪.(1365-1441‬‬

‫‪47‬‬
‫‪ .0‬ابن خلدون‬
‫بالرغم من أن ابن خلدون يصنف على أنه من علماء االجتماع ‪ ،‬إال أنه من أوائل العلماء الذي‬
‫خص المسائل االقتصادية بدراسة معمقة في مقدمته الشهيرة ‪ ،‬إلى الحد الذي يعتبره بعض الكتاب بأنه‬
‫أبو االقتصاد السياسي الحقيقي ‪ ،‬سابقا في ذلك آدم سميث ‪ ،‬فقد قرر ابن خلدون أن هناك تالزم بين‬
‫االقتصاد والسياسة ‪ ،‬إذ تقوم حضارة الدول (العمران) عنده على دعامتين ‪ ،‬األولى اجتماعية سياسية‬
‫تقتضيها الحاجة إلى التأنس ‪ ،‬والثانية اقتصادية قوامها سعى الناس إلى الكسب‪.‬‬

‫والى هذا يقول ابن خلدون "اعلم أنه لما كانت حقيقة التاريخ أنه خبر عن االجتماع اإلنساني‬
‫الذي هو عمران العالم ‪ ،‬وما يعرضه لطبيعة ذلك العمران من األحوال ‪ ،‬مثل التوحش والتأنس والعصبيات‬
‫وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض ‪ ،‬وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها وما ينتحله‬
‫البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث فى ذلك العمران‬
‫بطبيعته من األحوال‪" .‬‬

‫وقد لفت ابن خلدون االهتمام إلى الندرة كمشكلة اقتصادية ناتجة عن عجز اإلنسان عن مقاومة‬
‫الطبيعة بمفرده ‪ ،‬وبسبب كثرة الضرائب و الجبايات التي تلزمه الحكومات بها مما يزيد من أعبائه‪ .‬وفى‬
‫ذلك يقول ابن خلدون " ‪:‬إن قدرة الواحد من البشر غير موفية له بمادة حياته ‪ ،‬ويستحيل أن تفي بذلك‬
‫كله أو ببعضه قدرة الواحد ‪ ،‬فالبد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم ‪،‬‬
‫فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجات ألكثر منهم بأضعاف‪".‬‬

‫واعتبر العمل هو مصدر القيمة ‪ ،‬و أن المنفعة شرط للقيمة ‪ ،‬إذ ليس كل شيء نافع له قيمة ‪،‬‬
‫ذلك أن عمل اإلنسان هو الذي يصنع القيمة ‪ ،‬والثمن هو التعبير النقدي لهذه القيمة ‪ ،‬وهذا الثمن ال‬
‫يظهر إال في األسواق ‪.‬ويتحدد الثمن على أساس نفقة اإلنتاج ‪ ،‬حيث تؤدى زيادة نفقة إنتاج سلعة معينة‬
‫إلى زيادة ثمنها‪.‬‬

‫وعلل ابن خلدون تقلب أثمان السلع نتيجة قوى العرض والطلب ‪ ،‬ألن زيادة الحاجات (الطلب)‬
‫على الموجود (العرض) ترفع األثمان ‪ ،‬كما تنخفض أثمان السلع الضرورية وترتفع أثمان السلع الكمالية‬
‫بسبب زيادة العرض من األولى والطلب على الثانية ‪ ،‬بما يعرف حاليا بفائض العرض ‪ ،‬وفائض الطلب‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫وسبق ابن خلدون الطبيعيين واالقتصاديين التقليديين في تقسيمهم العمل إلى منتج وغير منتج ‪،‬‬
‫حين فرق بين وجوه المعاش الطبيعية التي تخلق قيمة كالتجارة والفالحة والصناعة ‪ ،‬وبين وجوه المعاش‬
‫غير الطبيعية التي ال تخلق قيمة كاإلمارة ‪.‬وميز بين العمل الظاهر المنتج لقيمة مباشرة والعمل المستتر‬
‫المنتج لقيمة مخزونة ‪ ،‬سابقا في ذلك كأل من سميث وريكاردو اللذين فرقا بين العمل الحالي والعمل‬
‫الماضي ‪ ،‬وماركس الذي ميز بين العمل الحي والعمل المخزون‪.‬‬

‫وناقش مسألة تقسيم العمل ‪ ،‬وأرجعها إلى التعليم كطريقة الكتساب المواهب والى زيادة السكان ‪،‬‬
‫وأنه ال يقتصر على تقسيم العمل الداخلي بل يتجاوزه إلى النطاق الدولي‪ ،‬حيث يرجع تقسيم العمل بين‬
‫الدول إلى اختالف الحاجات من دولة إلى دولة ‪ ،‬نظ ار لتخصص كل دولة بأعمال تميزها عن الدول‬
‫األخرى ‪ ،‬والختالف الدول في درجة عمرانها ونموها‪.‬‬

‫ولذلك يقول ابن خلدون "في اختصاص بعض األمصار ببعض الصنائع دون بعض ‪..‬ما‬
‫يستدعى من األعمال يختص ببعض أهل المصر فيقومون عليه ويستبصرون في صناعته ويختصون‬
‫بوظيفته ويجعلون معاشهم فيه ورزقهم منه لعموم البالد به في المصر والحاجة إليه ‪ ،‬وما ال يستدعى فى‬
‫المصر يكون غفال ال فائدة لمنتحله في االحتراف به ‪ ،‬وما يستدعى من ذلك لضرورة المعاش ‪ ،‬فيوجد في‬
‫كل مصر كالخياط والحداد والنجار وأمثالها ‪ ،‬وما يستدعى لعوائد الترف وأحواله فإنما يوجد فى المدن‬
‫المستبحرة في العمارة اآلخذة في عوائد الترف والحضارة مثل الزجاج والصائغ والدهان‪...".‬‬

‫كما استخدم الطريقة الديناميكية في تحليل مزايا تقسيم العمل ‪ ،‬من خالل بيان تحليل تتابع‬
‫المؤثرات واآلثار في الزمن ‪ ،‬بحيث يؤثر حدث معين في الماضي على األحداث التالية له ‪ ،‬وهكذا يربط‬
‫التحليل بين الفترات الزمنية المختلفة بين السبب والنتيجة ‪ ،‬وهى طريقة في دراسة التطور االقتصادي لم‬
‫يفطن إليها إال الكتاب السويديون في بدايات القرن العشرين‪.‬‬

‫‪ .2‬الدمشقي‬
‫بين أبو الفضل الدمشقي )‪ (1364-1442‬في كتابه "اإلشارة إلى محاسن التجارة " أن الدولة‬
‫قامت ألسباب اقتصادية ‪ ،‬نظ ار لتعدد حاجات اإلنسان وعجزه أن يشبعها جميعا بنفسه‪ ،‬مما تطلب تعاون‬
‫الناس جميعا إشباع حاجاتهم ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫وأن النقود ضرورة لتثمين األشياء التي يحتاج الناس إلى مبادلتها ‪ ،‬كما أشار إلى عيوب‬
‫المقايضة ‪ ،‬ولم ينظر إلى التجارة نظرة الريبة التي كانت للفكر اإلغريقي القديم ‪ ،‬وانما رأى أنه يمكن أن‬
‫تحقق التجارة السعادة في الدنيا إذا كانت متميزة ‪ ،‬وكان التاجر نبيل الخلق‪.‬‬

‫‪ .3‬المقريزي‬
‫أعد المقريزي من بين مؤلفاته المتعددة في التاريخ رسالتين صغيرتين في موضوعين هامين من‬
‫موضوعات االقتصاد ‪ ،‬هما التضخم والطلب على النقود ‪ ،‬وذلك في رسالتيه بعنوان "‪:‬شذور العقود في‬
‫ذكر النقود"‪ ،‬و"إغاثة األمة بكشف الغمة‪" .‬‬

‫وبرز ذلك بوضوح في رسالته الثانية ‪ ،‬بمناسبة تحليله ألسباب المجاعة االقتصادية التي حلت‬
‫)‪ ( 1392- 1404‬وكان شاهدا عليها‪ ،‬حيث أرجع هذه المجاعة إلى زيادة كمية النقود‬ ‫بمصر‬
‫المطروحة في التداول مما أدى إلى ارتفاع المستوى العام لألثمان ‪ ،‬وهو ما يعرف حاليا بالتضخم‪.‬‬

‫كما سبق جريشام في اكتشاف قانونه الشهير ‪ ،‬والقائل بأن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من‬
‫األسواق ‪ ،‬حين الحظ اختفاء النقود الفضية تاركا المجال للنقود النحاسية تتداول فترة المجاعة ؛ فمع‬
‫ارتفاع المنتجات وانخفاض القوة الشرائية للنقود بدأت العملة الفضية في االختفاء نظ ار لقيام الناس‬
‫بتحويلها إلى معدن يستخدم في صناعة بعض المنتجات مثل الحلي واألواني الفضية‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬بعض المفاهيم والفرضيات االقتصادية من منظور إسالمي‬

‫إن تراكم الخبرات العملية والعلمية في المجال االقتصادي أوجد عدة مفاهيم وفرضيات يعتمد عليها الفكر‬
‫االقتصادي في الدراسة والبحث وهى في حد ذاتها مقبولة إسالميا ولكن نظ ار الختالف نظرة اإلسالم‬
‫للحياة عن النظرة الغربية يلزم إعادة صياغتها وفق المفهوم اإلسالمي‪ ،‬ومن أهم هذه المفاهيم والفرضيات‬
‫ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬فرضية الرشد االقتصادي‪ :‬وهى تقوم في الفكر الغربي على أن اإلنسان بطبيعته رشيد‬
‫ويعرف مصلحته وبالتالي يجب ترك الحرية له في جميع تصرفاته االقتصادية‪ ،‬والموقف‬
‫اإلسالمي من هذه القضية أن الرشيد في عرف الفقهاء هو المصلح لماله ويزيد الشافعية‬
‫على ذلك أنه المصلح لماله ودينه‪ ،‬وأن اإلنسان إذا كان رشيدا تترك له حرية التصرف في‬

‫‪50‬‬
‫المال‪ ،‬ولكن ليس كمسلمة وانما البد من اختبار رشده والتأكد منه قبل ذلك كما يقول سبحانه‬
‫وتعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم )‬
‫(النساء‪ )6 :‬كما أنه يشترط في العاقدين في أي عقد األهلية والرشد‪ ،‬ولذا فإنه قد يكون‬
‫اإلنسان غير رشيد وبالتالي يحجر عليه أو يعين وصى عليه‪.‬‬
‫‪ -‬فرضية الحافز الذاتي أو المصلحة الشخصية‪ :‬وتقوم على أن كل فرد يتصرف اقتصاديا‬
‫وفق ما يحقق مصلحته الخاصة‪ ،‬ومع أن هذه الفرضية مقبولة إسالميا إال أن تركها على‬
‫إطالقها في ظل األنانية المفرطة قد تؤدى إلى عواقب وخيمة تتمثل في التأثير السلبي على‬
‫مصالح المجتمع‪ ،‬ولذا فإن النظرة اإلسالمية لهذه الفرضية تعمل على تقليم أظافر األنانية‬
‫المفرطة عن طريق اإليمان بأن مصلحة اإلنسان الذاتية تمتد خارج حدود الدنيا إلى اآلخرة‬
‫وأن هناك مساءلة لإلنسان تجعل حدود ما يصبو إليه من منفعة ترتبط بالقواعد األخالقية‬
‫التي تمنعه من الجور على اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬فرضية التناسق والتناغم بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة دون حاجة إلى تدخل‬
‫لترتيب األولويات بينهما‪ :‬وأن سعى كل إنسان لتحقيق مصلحته يحمل في طياته تحقيقا‬
‫لمصالح المجموع وتقرير هذه الفرضية من حيث هي سبق بها علماء اإلسالم علماء‬
‫االقتصاد المعاصرين حيث يقول الشاطبي في الموافقات‪" :‬فصار يسعى في نفع نفسه ينفع‬
‫غيره فحصل االنتفاع للمجموع بالمجموع وان كان كل أحد إنما يسعى في نفع نفسه "‪ ،‬غير‬
‫أن األخذ بهذه الفرضية وفى ظل األنانية المفرطة أدى إلى ممارسات فيها نفع شخصي‬
‫وضرر بالمجتمع مثل تلوث البيئة والفساد االقتصادي وزيادة الفقراء‪ .‬ولذا فإن اإلسالم يضبط‬
‫هذه الفرضية بوضع قواعد حاكمة منها أنه عند التعارض تقدم المصلحة العامة على‬
‫المصلحة الخاصة‪ ،‬وأن للمصلحة الخاصة حدودا ال تتعداها إذا أدى تحقيقها إلى إضرار‬
‫بمصالح اآلخرين‪.‬‬
‫‪ -‬مفهوم آلية السوق ممثلة في تفاعل العرض والطلب وأنها كافية لكي يسير االقتصاد نحو‬
‫تحقيق أهدافه المنشودة من الكفاءة والعدالة‪ ،‬وبالتالي يجب ترك السوق حرة دون تدخل‬
‫خارجي‪ ،‬ولهذه الفرضية أصل في اإلسالم يستند إلى التراضي المذكور في قوله تعالى‪ ( :‬إال‬
‫أن تكون تجارة عن تراض منكم ) (النساء‪ )22 :‬وقول الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪":-‬‬
‫إنما البيع عن تراض" ولكن نظ ار ألن الواقع أثبت فشل آلية السوق نظ ار لوجود ممارسات‬

‫‪51‬‬
‫احتكارية وأساليب تنافسية ضارة وغير سليمة‪ ،‬بدأ النظام الرأسمالي القائم على حرية السوق‪-‬‬
‫حتى سمي بنظام رأسمالية السوق الحرة‪ -‬في إصدار التشريعات المناهضة للسياسات‬
‫االحتكارية والتي تمثل ضوابط أو قيود خارجية لتنظيم السوق دون ترك األمر كله آللية‬
‫السوق‪ ،‬وهذا ما سبق به اإلسالم في ما يعرف في الفقه بالبيوع المنهي عنها شرعا والتي‬
‫تمثل ضوابط يجب االلتزام بها‪.‬‬
‫‪ -‬مفهوم الوضعية‪ :‬والتي تعنى أخذ سلوك األفراد واختياراتهم على عالتها دون النظر إلى مدى‬
‫انسجامها مع القيم المعيارية في المجتمع والحكم عليها بأنها حسنة أو سيئة‪ ،‬وهذا المفهوم‬
‫يتعارض مع كون األخالق إحدى شعب اإلسالم ويجب إخضاع كل سلوك واقعي اقتصادي‬
‫للحكم عليه في ضوء السلوك المثالي كما سبق القول‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬أهم إنجازات الفكر االقتصادي اإلسالمي في الحياة المعاصرة‬

‫رغم أن أصول الفكر االقتصادي اإلسالمي و هي‪ :‬القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مازالت‬
‫قائمة في حياة المسلمين‪ ،‬وأن التراث الفقهي بين أيدي المسلمين ويتعالى بناؤه بالدراسات الفقهية المستمرة‬
‫في كل العصور وحتى اآلن‪ ،‬وأن تاريخ الفكر االقتصادي اإلسالمي ضارب بجذوره في أعماق التاريخ‬
‫وشهد فترات ازدهار واضحة‪ ،‬إال أن فترة التغريب التي عاشها المسلمون بعيدا عن تنظيم حياتهم‬
‫االقتصادية من المنظور اإلسالمي طالت حتى قدر اهلل سبحانه وتعالى أن تحدث صحوة إسالمية‬
‫معاصرة منذ حوالي ثالثين سنة مضت امتدت إلى المجال االقتصادي في صورة علمية وعملية‪ ،‬وفى‬
‫خالل هذه المدة الوجيزة ظهرت إنجازات للفكر االقتصادي اإلسالمي تمثل قدرة هذا الفكر على مالحقة‬
‫المستجدات من قضايا ومشكالت اقتصادية معاصرة‪ ،‬ونشير في هذه الفقرة إلى أهم هذه اإلنجازات على‬
‫الوجه التالي‪:‬‬

‫‪ -‬في مجال التأصيل اإلسالمي لالقتصاد‪ :‬ويعتبر من المجاالت المبكرة التي بدأ فيها بحث‬
‫موضوعات عديدة تمثل فروع االقتصاد حسب التصنيف المعاصر لها مثل‪ :‬مبادئ وأصول‬
‫االقتصاد اإلسالمي‪ -‬النقود والبنوك‪ -‬اإلنتاج‪ -‬السوق‪ -‬المالية العامة‪ -‬التنمية والتخطيط‪-‬‬
‫التمويل‪.‬‬
‫‪ -‬في مجال التأريخ‪ :‬وجدت بحوث ودراسات عديدة تناولت تاريخ الفكر االقتصادي اإلسالمي‬
‫سواء في صورة مجمعة‪ ،‬أو في صورة دراسات منفردة إلسهامات علماء المسلمين في تاريخ‬

‫‪52‬‬
‫الفكر االقتصادي اإلسالمي مثل ابن خلدون‪ -‬و المقريزي‪ -‬و الشاطبي‪ -‬و الدمشقي‪-‬‬
‫والماوردي‪ ،‬وتمت هذه الدراسات وفق منهج يبرز أهم اآلثار االقتصادية التي قال بها هؤالء‬
‫العلماء ومقارنتها بتاريخ الفكر االقتصادي التقليدي‪ .‬كما تم تناول التاريخ االقتصادي‬
‫للمسلمين بالتعرف على أهم األنشطة االقتصادية في عصور مختلفة واألسلوب الذي تتم به‬
‫وتقويمها إسالميا‪.‬‬
‫‪ -‬في مجال مساندة المؤسسات االقتصادية والمالية اإلسالمية المعاصرة‪ :‬لقد شهدت الفترة‬
‫األخيرة إنشاء العديد من هذه المؤسسات والتي تعمل وفق أحكام وتوجيهات اإلسالم وتؤدى‬
‫دورها باستخدام أحدث األساليب بكفاءة وفعالية تزيد إن لم تتكافأ مع نظيرها التقليدي ومن‬
‫هذه المؤسسات ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬البنوك اإلسالمية‪ :‬التي بدأ إنشاؤها في بداية السبعينات من القرن العشرين وتواصل‬
‫إنشاء المزيد منها وتوسيع حجم أعمالها حيث وصل عددها إلى حوالي ‪ 211‬بنك‬
‫تعمل في جميع قارات العالم وبلغ حجم أصولها حوالي ‪ 011‬مليار دوالر‪.‬‬
‫‪ ‬شركات التأمين اإلسالمي‪ :‬والتي أنشئت منذ حوالي عشرين سنة ووصل عددها اآلن‬
‫إلى حوالي ست وستين شركة وتقوم بأداء جميع األعمال التأمينية وفق منظور‬
‫إسالمي متميز عن شركات التأمين التجاري بالجمع بين فكرة التكافل االجتماعي في‬
‫اإلسالم وفكرة عقد المضاربة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ ‬صناديق االستثمار اإلسالمية‪ :‬والتي أنشاء العديد منها سواء بواسطة البنوك‬
‫اإلسالمية أو في صورة صناديق مغلقة على هيئة شركات ومارست أعمالها على‬
‫المستوى المحلى والعالمي بكفاءة مثل صناديق األمين والتوفيق بالسعودية أو‬
‫صندوق المضاربة بشركة الراجح بالسعودية‪ ،‬أو بالبنك اإلسالمي الدولي للتنمية‬
‫وصندوق المستثمر الدولي‪.‬‬
‫‪ ‬المؤسسات المعاصرة للزكاة ‪ :‬التي أنشئت في بعض البالد اإلسالمية لتطبيق‬
‫فريضة الزكاة إما على أساس اإلدارة الحكومية واإلشراف الحكومي مثل مصلحة‬
‫الزكاة والدخل في السعودية‪ ،‬أو على أساس اإلدارة الشعبية واإلشراف الحكومي مثل‬
‫بيت الزكاة الكويتي‪ ،‬أو على أساس إدارة حكومية واشراف شعبي مثل مصلحة الزكاة‬

‫‪53‬‬
‫في السودان‪ ،‬أو على أساس إدارة واشراف شعبي مثل صناديق ولجان الزكاة في‬
‫بعض البنوك اإلسالمية والجمعيات الخيرية بمصر‪.‬‬
‫‪ -‬في مجال القضايا والمشكالت االقتصادية المعاصرة‪ :‬للفكر االقتصادي اإلسالمي إسهامات‬
‫بارزة في القضايا االقتصادية المعاصرة سواء من حيث التأصيل اإلسالمي لها أو اإلسهام‬
‫بتقديم مقترحات عملية لحلها أو تنظيم العمل بها وفق قيم اإلسالم وأحكامه‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‬
‫ما يلى‪:‬‬
‫‪ ‬على مستوى القضايا والمشكالت المرتبطة باالقتصاد الكلى‪ ،‬تم تناول قضايا‬
‫ومشكالت عديدة مثل ‪:‬العالج اإلسالمي للفقر‪ ،‬وحماية البيئة من التلوث‪ ،‬وكيفية‬
‫مواجهة الفساد االقتصادي واإلداري‪ ،‬ومشكلة البطالة والتضخم ثم قضايا البورصة‬
‫وأسواق المال والمعامالت الحديثة فيها مثل االختيارات والمؤشرات والعقود‬
‫المستقبلية‪ ،‬وكذلك قضايا االستثمار األجنبي والقروض الدولية‪ ،‬ودور الدولة في‬
‫النشاط االقتصادي‪ ،‬والموازنة العامة للدولة‪ ،‬وموارد الدولة واإلنفاق العام‪ ،‬والتكامل‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫‪ ‬على مستوى القضايا الجزئية تم تناول العديد منها مثل‪ :‬تنظيم المنافسة ومنع‬
‫االحتكار‪ ،‬والتأجير التمويلي‪ ،‬والتجارة اإللكترونية‪ ،‬وبطاقات االئتمان‪ ،‬والصرف‬
‫األجنبي‪ ،‬والتمويل العقاري‪ ،‬والبيع بالتقسيط‪ ،‬والركود‪ ،‬وأزمة االئتمان المصرفي‪.‬‬
‫‪ -‬على مستوى االبتكارات لألساليب المالية واالقتصادية التي ليس لها نظير في االقتصاد‬
‫التقليدي‪ ،‬والذي استطاع الفكر االقتصادي اإلسالمي إنجازها اعتمادا على ما ورد في الفقه‬
‫اإلسالمي من عقود المعامالت ومنها ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬كيفية التطبيق المعاصر لعقود السلم االستصناع والمرابحة في النظام المصرفي‬
‫اإلسالمي المعاصر‪.‬‬
‫‪ ‬االستناد إلى عقد المضاربة في تنظيم العالقة بين البنك والمودعين وفى تنظيم وثائق‬
‫صناديق االستثمار‪.‬‬
‫‪ ‬ابتكار أدوات مالية إسالمية مثل سندات المقارضة وصكوك اإلجارة‪.‬‬
‫‪ ‬وثائق التأمين مع المشاركة في األرباح‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫‪ ‬إصدار هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية اإلسالمية للعديد من معايير‬
‫المحاسبة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ ‬سندات أو صكوك الوقف‪.‬‬
‫وهكذا اتضح أن الفكر اإلسالمي موجود وأنه أختبر بنجاح في التطبيق‪ ،‬وأن نتاجه غزير وله‬
‫مؤسساته وكوادره المتعددة‪ ،‬وأنه يستوعب كافة القضايا والمشكالت االقتصادية المعاصرة والمستجدة‬
‫تأصيال وابتكارا‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬المأمول من الفكر االقتصادي اإلسالمي‬

‫إذا أردنا للفكر االقتصادي اإلسالمي االزدهار‪ ،‬واإلفادة منه في تحقيق التقدم االقتصادي للدول‬
‫اإلسالمية بعد ما أسفر تطبيق النظم االقتصادية الغربية بها عن تخلف وتبعية‪ ،‬واذا أردنا القدرة على‬
‫مواكبة المستجدات المتالحقة بشكل مميز يبرز خصائصه ويظهر حقيقة اإلسالم ونظرته للحياة‪ ،‬وسعيا‬
‫نحو تالفى السلبيات السابق ذكرها فإن األمر يتطلب ما يلي‪:‬‬

‫‪ .0‬المرتكزات األساسية‪ :‬إن اإلسالم نظام متكامل يتكون من شعب ثالث هي العقيدة والشريعة‬
‫واألخالق‪ ،‬وبالتالي يجب على الفكر االقتصادي اإلسالمي أن يرتكز على هذه الشعب الثالث‬
‫سواء في التحليل االقتصادي أو وضع النظام االقتصادي األمثل‪ ،‬ومن أهم ما تشتمل عليه هذه‬
‫الشعب ويتصل باالقتصاد ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬إن المال مال اهلل وأن البشر مستخلفون فيه يرزقهم اهلل به لنفعهم وأداء حقوق اهلل في المال‬
‫وحق اهلل في التصور اإلسالمي هو حق المجتمع الذي قرره رب العزة في تكاليف إيجابية‬
‫وسلبية وعدم تبديد الموارد وضياعها‪.‬‬
‫‪ -‬اإليمان بأن اهلل عز وجل سوف يحاسب اإلنسان على التصرفات في األموال ويجازيهم على‬
‫ذلك في الدنيا بالبركة والمحق‪ ،‬وفى اآلخرة بالعذاب مصداقا لقوله تعالى (ثم لتسألن يومئذ‬
‫عن النعيم ( (التكاثر‪ )8 :‬وقول الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪" -‬ال تزول قدما عبد يوم‬
‫القيامة حتى يسأل عن أربع " ومنها" ‪:‬عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه" وهذه المسألة‬
‫يقين وعقيدة تحكم سلوك المسلم يجب أخذها في االعتبار في التحليل االقتصادي لسلوك‬
‫المسلم المستهلك والمنتج‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ .2‬األهداف‪ :‬يجب أن يكون الهدف من االقتصاد اإلسالمي هو تحقيق الرفاهية اإلنسانية وليس‬
‫مجرد التوقف عند حد دراسة ما هو كائن يوصف وتفسير السلوك االقتصادي الواقعي‪ ،‬ويجب‬
‫ربط تحقيق هذا الهدف بمقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وبالنظر للحاجات المادية والروحية وبالتوازن‬
‫بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة‪ ،‬وهذا يتطلب من الفكر االقتصادي اإلسالمي وضع‬
‫النظام االقتصادي األمثل وليس مجرد دراسة السلوك القائم‪.‬‬
‫‪ .3‬المعايير‪ :‬إذا كان االقتصاد يدور في مجمله حول اتخاذ الق اررات باالختيار بين السياسات البديلة‪،‬‬
‫فإنه يجب أن يستند هذا االختيار إلى توافق القرار مع المعايير اإلسالمية االقتصادية وهى ما‬
‫ذكرهما اهلل سبحانه وتعالى في قوله‪( :‬وابتغ فيما آتاك اهلل الدار اآلخرة وال تنس نصيبك من الدنيا‬
‫وأحسن كما أحسن اهلل إليك وال تبغ الفساد في األرض إن اهلل ال يحب المفسدين) (القصص‪) 77‬‬
‫وبالتالي فإنه يجب على الفكر االقتصادي اإلسالمي في تحليل السلوك االقتصادي أو تقويمه‬
‫الختيار السلوك المتوافق إسالميا أن يستند إلى هذه المعايير التي نعبر عنها بلغة اقتصادية في‬
‫اآلتي‪:‬‬
‫أ) ( وابتغ فيما آتاك اهلل الدار اآلخرة )‪ :‬أي االلتزام بطاعة اهلل وعدم عصيانه حتى تنال ثواب اهلل‬
‫وتتجنب عقابه في اآلخرة‪ ،‬ومن شأن االلتزام بذلك الحد من الممارسات غير األخالقية التي تتدرج‬
‫تحت ما حرمه اهلل‪ ،‬والتي زادت في االقتصاديات المعاصرة‪.‬‬
‫ب) ( وال تنس نصيبك من الدنيا )‪ :‬وهذا من شأنه أن يعمل على تحقيق أفضل إشباع من الموارد‬
‫المتاحة بما يحقق الكفاءة‪.‬‬
‫جـ ( )وأحسن كما أحسن اهلل إليك )‪ :‬وهذا من شأنه مراعاة البعد االجتماعي وتحقيق التوازن بين‬
‫المصلحة الخاصة والمصلحة العامة‪.‬‬
‫د) ( وال تبغ الفساد في األرض)‪ :‬وهذا من شأنه المحافظة على الموارد واستخدامها فيما يشبع‬
‫الحاجات ويحد من تلوث البيئة واستنزاف الموارد والفساد االقتصادي‪.‬‬
‫‪ .4‬المنهج والخطوات‪ :‬ويتم وفق ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -‬دراسة السلوك االقتصادي الفعلي كما يحدث في الواقع ليس كما يحدث في االقتصاد الغربي‬
‫والذي يتم في ضوء المفاهيم واالفتراضات المستقاة من نظرته للحياة والكون وانما يلزم إعادة‬
‫صياغة هذه المفاهيم وفق منظور إسالمي كما سنبينه في فقرة الحقة مع ربط هذه الدراسة‬
‫باألهداف من االقتصاد اإلسالمي السابق ذكرها‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ -‬تحديد السلوك االقتصادي اإلسالمي المثالي‪ :‬ويتطلب هذا التحديد أن يتفق السلوك مع‬
‫المرتكزات األساسية والهدف المنشود من االقتصاد اإلسالمي وتحقيق مقاصد الشريعة استقاء‬
‫من الكتاب والسنة ثم اجتهادات علماء المسلمين بعد التدليل عليها عقال‪ ،‬وما ثبت عند‬
‫تطبيق االقتصاد اإلسالمي في عصر الحضارة اإلسالمية الزاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬المقارنة بين السلوك الفعلي والسلوك المثالي وتحديد أوجه االختالف بينهما وتفسير أسباب‬
‫هذا االختالف‪.‬‬
‫‪ -‬اقتراح اإلجراءات الالزمة للتقريب بين السلوك الفعلي والسلوك المثالي‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫المراجع‬

‫‪ .0‬رفعت العوضى ‪:‬االقتصاد اإلسالمى‪ ،‬الموسوعة اإلسالمية العامة ‪ ،‬من مطبوعات المجلس‬
‫األعلى للشئون اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪،2003 ،‬‬
‫‪ .2‬محمد حامد دويدار وآخرون ‪:‬أصول االقتصاد السياسى ‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.1996 ،‬‬
‫‪ .3‬احمد شلبى ‪:‬االقتصاد فى الفكر اإلسالمى ‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬دار النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.1983‬‬
‫‪ .4‬محمد لبيب شقير ‪:‬تاريخ الفكر االقتصادى‪ ،‬دار نهضة مصر لطبع والنشر ‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ .5‬عبد الحليم الجندى ‪:‬األخالق فى االقتصاد اإلسالمى‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪.1997 ،‬‬
‫‪ .6‬حازم الببالوي ‪:‬دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر االقتصادي‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط ‪ ،0‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.0225‬‬
‫‪ .7‬عبد اهلل ساقور ‪:‬االقتصاد السياسي‪ ،‬دار العلوم للنشر و التوزيع‪ ،‬عنابة‪ ،‬الجزائر‪.2114 ،‬‬

‫‪58‬‬

You might also like