You are on page 1of 364

2

‫هذا الكتاب‬
‫“ اقتصاد من ال اقتصاد هل ” كتاب من ال معرفة هل بأصول علوم الاقتصاد‪.‬‬
‫كام أنه كتاب اقتصادايت العامل الثالث‪ ،‬فهو يدرس اجملمتعات الاس هتالكية‬
‫الغري االإنتاجية املهمةل اليوم من اهامتمات دراسات الاقتصاد احلديث‪“ .‬‬
‫اقتصاد من ال اقتصاد هل ” كتاب ليس هل مثيل سابق‪ ،‬كتاب اصيل متودل‬
‫من عمل وخربة تناولت مواضيعه وقائع وحوادث وحاالت القتصادايت جتاهلهتا‬
‫علوم الاقتصاد احلديث‪.‬‬
‫قدميا‪ ،‬اكن غالب كتب الاقتصاد يدور حول فلسفة الاقتصاد مبفهومه‬
‫الواسع‪ ،‬وذكل قبل أن يتأسس العمل وخيرج من عامل الفلسفة اإىل عامل‬
‫النظرايت التطبيقية‪ .‬واليوم وبعد أن تأسس العمل همينت ثالثة أنواع من‬
‫كتب الاقتصاد‪ :‬فهي اإما أاكدميية وإاما وصفية وإاما اسطورية‪ .‬فاجلامعات يه‬
‫سوق الكتب الاقتصادية الاكدميية‪ .‬وأما كتب الاقتصاد الوصفية فرواد‬
‫سوقها مه عشاق االإطالع والثقافة الاقتصادية‪ .‬وأما كتب الاقتصاد‬
‫االإسطورية اليت تنقل نظرايت املؤامرات‪ ،‬وتس تخدم التصورات الاقتصادية‬
‫اخلاطئة يف عقول الناس‪ ،‬فهي اليت تنترش انتشار النار يف احلطمي‪ ،‬كوهنا‬
‫تدغدغ عواطف الناس وحتدهثم مبا يعرفون لتتقبلها أنفسهم‪.‬‬
‫وأما كتابنا هذا‪ ،‬فقد جاء بفلسفة اقتصادية جديدة عامدها املنطق الواحض‪،‬‬
‫فأنزلها عىل النظرايت التطبيقية مراعيا ابختالف املعطيات الاقتصادية‬
‫واختالف ثقافة االإنتاج واختالف س ياسات السواق والنظمة ا إالرشافية‪،‬‬
‫فأدخل اثر ذكل لكه‪ ،‬يف مناذج دراسة احلاالت الاقتصادية والس ياس ية‪،‬‬
‫شارحا لها بتطبيقات واقعية من اجملمتعات الاقتصادية اليت جتاهلهتا علوم‬
‫الاقتصاد احلديث متاما يف اجلانب االإنتايج ويف اجلانب النقدي‪ .‬فأما يف‬

‫‪3‬‬
‫اجلانب االإنتايج‪ ،‬فأمهلها العمل احلديث لكوهنا جممتعات ال اقتصاد لها‪.‬‬
‫فاالقتصاد عمل االإنتاج‪ ،‬وهذه جممتعات اس هتالكية حمضة ما أقاهما اإال اس هتالك‬
‫ثرواهتا الطبيعية‪ .‬وأما اإهامهل لها يف اجلانب النقدي‪ ،‬فذكل لن اجملمتعات‬
‫الاس هتالكية احملضة‪ ،‬جممتعات طفيلية عىل العامل‪ ،‬ذلا يكون نظاهما النقدي‬
‫طفييل عىل غريه ال يس تطيع القيام بنفسه‪ ،‬مفا اس تطاعت أن تلحق بنظام‬
‫النقد العامل ‪ .‬ومن هنا جاء عنوان الكتاب “ اقتصاد من ال اقتصاد هل ” ‪.‬‬
‫والكتاب مقسم عىل اربع مواضيع أساس ية‪ ،‬لك موضوع حيتوي عىل فصول‬
‫رئيس ية‪ ،‬لك فصل يضم ابوااب عدة قد يتفرع الباب أحياان ملباحث فيه‪ .‬وقد‬
‫اتبع الكتاب التسلسل املنطق يف تقس اميته‪ .‬فبدأ ابملفاهمي وفلسفهتا مكوضوعه‬
‫الول‪ .‬ومث جاء موضوعه الثاين ليتناول االإنسان واحملراث‪ ،‬أي الاقتصاد‬
‫االإنتايج احلقيق بشقيه اجلزيئ واللك ‪ ،‬ومض لالقتصاد اللك الس ياسات‬
‫الضابطة هل‪ ،‬املالية والنقدية‪ .‬وجاء الكتاب بتطبيقات اقتصادية عن املوضوع‪،‬‬
‫للمجمتعات اليت ال اقتصاد لها‪ .‬ومن مث يف موضوعه الثالث خرج ابقتصاده‬
‫النقدي‪ ،‬اإىل الاقتصاد املفتوح‪ ،‬خفاض به حبور عامل النقد ادلويل فتناول ما مل‬
‫تتناوهل كتب قبهل‪ .‬فنظام ربط العمةل‪ ،‬قد تعدته الاقتصادايت فال وجود هل‬
‫يف العمل احلديث‪ .‬فربط سوق النقد احمللية بسوق النقد ادلولية يف عدة‬
‫فصول‪ ،‬واسرتجع التارخي القدمي يف فصول أخرى‪ ،‬ووقف وقفات نقدية‬
‫فلسفية يف فصول املوضوع الخرية‪ .‬ويف موضوعه الرابع‪ ،‬خمت الكتاب‬
‫ابإشارات فلسفية‪ ،‬تؤصل فهم عامل المتويالت والاستامثر‪ ،‬وأحلقها بتطبيقات‬
‫شارحة وموحضة‪.‬‬
‫وفهرس الكتاب يوحض خريطة املواضيع وفصولها اليت تتبعها اببواهبا امللحقة هبا‬
‫وما تعلق فهيا من مباحث أحياان‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫مقدمة الكتاب ‪10 ...................................................... ................................‬‬
‫الموضوع األول‪ :‬مفاهيم يف فلسفة االقتصاد ‪17 ..................................................‬‬
‫تمهيد‪ :‬الفرق بين مفاهيم السوق واإلنتاج والنظام‪17 ..........................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مفاهيم اإلنتاج ‪18 ......................................................................‬‬
‫الباب األول‪ :‬مفهوم اإلنتاج الصناعي ‪18 .......................................................‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬مفهوم اإلنتاج الدخلي ‪19 ..........................................................‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬مفهوم االقتصاد الريعي ‪20 .......................................................‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬مفهوم اإلنتاج االستهالكي ‪24 ....................................................‬‬
‫وقفة فلسفية‪ :‬تأثير اإلنتاج على اإلنسان واالقتصاد والسياسة ‪27 ............................‬‬
‫تطبيق‪ :‬النفط ودرس تفريط لينكون بخمس اقتصاد بالده ‪30 .................................‬‬
‫الثان‪ :‬مفاهيم السوق ‪32 ......................................................................‬‬
‫الفصل ي‬
‫الباب األول‪ :‬معنى السوق الحرة ‪33 .............................................................‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬السوق التنافسية ‪35 .................................................................‬‬
‫تطبيق‪ :‬فشل السوق عند تدخل الدولة ‪38 ....................... ................................‬‬
‫وقفة فلسفية‪ :‬حرية االسواق ‪39 ..................................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مفهوم التوزي ع العادل ر‬
‫للثوة ‪41 ....................................................‬‬
‫الباب األول‪ :‬حد التوزيع العادل للثروات ‪43 ...................................................‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬حتمية تركز الثروات في االقتصاد ‪45 ..........................................‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬الرؤية االقتصادية المتالك القلة للثروة ‪47 .....................................‬‬
‫ر‬
‫واالشثاكية ‪51 ....................................‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬مفاهيم اإلقطاعية والرأسمالية‬
‫تمهيد‪ :‬األنظمة االقتصادية تبع لإلنتاج ‪51 ......................................................‬‬
‫الباب األول‪ :‬االشتراكية إقطاعية متطرفة ‪52 ..................................................‬‬
‫ر‬
‫االشثاكية يف تخلف الثقافة التمويلية ‪53 ........... ................................‬‬ ‫مبحث‪ :‬أثر‬
‫الباب الثاني‪ :‬اإلقطاعية سمة غالب اقتصاديات العالم القديم ‪54 .............................‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬الطبقة الوسطى بين االقتصاد اإلقطاعي واالقتصاد الصناعي ‪55 ..........‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬مفاهيم السياسة يف االقتصاد ‪59 .................................................‬‬
‫الباب األول‪ :‬االقتصاد من أجل السياسة أو السياسة من أجل االقتصاد؟ ‪60 ...............‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬تبعية السياسة والنظام االقتصادي لإلنتاج ‪63 ..................................‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬العوامل التي تدفع الحكومات للميل مع أصحاب الثروة ‪65 ..................‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬االقتصاد بين الديمقراطية والدكتاتورية ‪66 ....................................‬‬
‫الثان‪ :‬االقتصاد إنسان ومحراث ‪70 ......................................................‬‬
‫ي‬ ‫الموضوع‬
‫تمهيد‪70 ............................................................................................ :‬‬
‫الفصل األول‪ :‬يف فلسفة اقتصاديات اإلنتاج ‪73 .....................................................‬‬
‫باب‪ :‬أشكال اإلنتاجية المالية وأثرها على التنظيمات السوقي‪73 ...........................:‬‬
‫وقفة فلسفية‪ :‬التفكير الجزئي والكلي ‪75 .........................................................‬‬
‫الجزن ‪77 ....................................................................‬‬
‫ي‬ ‫الثان‪ :‬االقتصاد‬
‫الفصل ي‬
‫الباب األول‪ :‬ديناميكية تفاعل الكلفة مع االنتاج ‪78 ............................................‬‬

‫‪5‬‬
‫الباب الثاني ‪ :‬األجر على قدر العمل‪78 .........................................................‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬ديناميكية كلفة اإلنتاج‪80 ..........................................................‬‬
‫مثال عىل ديناميكية اإلنتاج‪81 ..................................... ................................ :‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬لماذا ترتفع األسعار مع زيادة الطلب؟ ‪84 ......................................‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬قانون الطلب وقانون العرض ‪89 ..............................................‬‬
‫الباب السادس‪ :‬استغالل الحاجة أصل في قيام السوق ‪90 .....................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الحاجة قد تكون من داخل السوق أو من خارجه‪93 ........................ :‬‬
‫الثان‪ :‬والحاجة تكون استثمارية وتكون استهالكية ‪95 ...............................‬‬
‫ي‬ ‫المبحث‬
‫الباب السابع‪ :‬المرونة ‪97 ..........................................................................‬‬
‫تطبيق‪ :‬من يتحمل الضيبة؟ التاجر أم المستهلك؟ ‪98 .........................................‬‬
‫اض السكنية ‪99 ................‬‬ ‫مثال‪ :‬استخدام المرونة لمعرفة أثر الضائب عىل األر ي‬
‫الباب الثامن‪ :‬االحتكار ‪101 .......................................................................‬‬
‫مبحث ‪ :‬أشكال االحتكار األربعة ‪101 .............................. ................................‬‬
‫الباب التاسع‪ :‬توجيه الضريبة لكسر االحتكار في الزمن أو بالزمن ‪104 ..................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬االحتكار بالزمن ‪104 ............................... ................................‬‬
‫الثان‪ :‬االحتكار يف الزمن ‪104 ............................. ................................‬‬
‫ي‬ ‫المبحث‬
‫وقفة فلسفية‪ :‬احتكارية العمالت والثروات واللغات واأليدولوجيات ‪106 ..................‬‬
‫الثان‪ :‬االقتصاد ي‬
‫الكىل ‪108 .....................................................................‬‬ ‫الفصل ي‬
‫الباب األول‪ :‬الناتج المحلي ‪110 ..................................................................‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬التضخم ‪113 ........................................................................‬‬
‫مبحث‪ :‬يف التفريق بي التضخم النقدي والتضخم التنموي ‪115 .............................‬‬
‫تطبيق‪ :‬تضخم السبعينات الهائل ‪118 ............................ ................................‬‬
‫مبحث‪ :‬أسباب تضخم السبعينات وارتفاع أسعار النفط ‪120 ..........................‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬السياسة المالية والسياسة النقدية‪124 .......................................... :‬‬
‫المبحث األول‪ :‬عمل السياسة المالية ‪124 ....................... ................................‬‬
‫وقفة‪ :‬المثانية وصف لإلنتاج والسياسية والثقافة ‪127 .................................‬‬
‫تطبيق‪ :‬السياسة المالية األمريكية بي الجمهوريي والديمقراطيي ‪129 ..............‬‬
‫الثان‪ :‬عمل السياسة النقدية ‪130 ....................... ................................‬‬
‫ي‬ ‫المبحث‬
‫الباب الخامس‪ :‬السياسة المالية والنقدية بين الشعوب المنتجة والمستهلكة ‪132 ...........‬‬
‫تطبيق‪ :‬يف رفع قيمة الريال الدولية ‪135 ........................... ................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مسائل اقتصادية معارصة ‪138 ......................................................‬‬
‫اك ‪138 ................ ................................‬‬ ‫ر‬ ‫مقدمة‪ :‬يف تطور الفكر الر‬
‫أسمال واالشث ي‬
‫ي‬
‫المسألة األولى‪ :‬استخدام الفائدة إلنقاذ االقتصاد ‪142 ..........................................‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬انفجار فقاعة أسعار العقار في اليابان ‪144 ...................................‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬النفط ملك الطاقة وجوكر األسواق‪147 .......................................‬‬
‫حت يموت الغاز والفحم ‪147 .........................................‬‬ ‫مبحث‪ :‬ال يموت النفط ر‬
‫مبحث‪ :‬يف تحليل أسعار النفط ‪149 ............................... ................................‬‬
‫الوقفة األول‪ :‬أوبك ووهم قيادة سوق الطاقة ‪150 ......................................‬‬
‫تشكيل السقف السعرية النفطية‪152 ................................... :‬‬ ‫ٌ‬ ‫الوقفة الثانية‬
‫الوقفة الثالثة البدائل النفطية للنفط‪154 ................ ................................ :‬‬
‫العالم ‪157 .................................‬‬
‫ي‬ ‫الوقفة الرابعة‪ :‬ارتباط أسعار النفط بالنمو‬
‫وقفة تكريم‪ :‬فارس نفط العرب ‪162 ............................... ................................‬‬

‫‪6‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬الدول الغير إنتاجية ونموذج اقتصاديات ُأوبر ‪167 ........................‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬صور االستشارات األجنبية ‪173 ..........................................‬‬
‫الموضوع الثالث‪ :‬االقتصاد النقدي ‪178............................. ................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬يف معت السيولة ‪178 ..................................................................‬‬
‫الباب األول‪ :‬المعروض النقدي ‪179 ............................................................‬‬
‫الدول ‪180 .............................‬‬
‫ي‬ ‫العالم‬
‫ي‬ ‫المحىل بالنظام النقدي‬
‫ي‬ ‫مبحث‪ :‬عالقة النقد‬
‫الثان‪ :‬يف مفهوم الفائدة عند البنك المركزي‪186 ..........................................‬‬ ‫الفصل ي‬
‫تطبيق على عمل البنك المركزي لعملة مربوطة‪188 ....................................... :‬‬
‫تطبيق على سعر فائدة االقتراض بين البنوك في سوق عملة مربوطة‪190 .............. :‬‬
‫باب‪ :‬فما هو السايبر السعودي ؟ وكيف تتحدد قيمته‪191 ................................... :‬‬
‫باب الفائدة السلبية‪194 ........................................................................... :‬‬
‫الدول‪196 ....................‬‬
‫ي‬ ‫العالم‬
‫ي‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬عالقة الفائدة المحلية بالنظام النقدي‬
‫باب أثر السوق الدولية على تغير الفائدة على العملة ‪196 ....................................‬‬
‫مبحث‪ :‬لماذا تتبع الفائدة عىل العملة المربوطة فائدة العملة المعومة ‪196 .................‬‬
‫الدول تفرض استحالة الجمع بي ثالثة‬ ‫ي‬ ‫المال‬
‫ي‬ ‫=>الجواب‪ :‬ذلك ألن ديناميكية النظام‬
‫أمور‪196 .............................. ................................ ................................ :‬‬
‫‪ .١‬ربط العملة‪196 ................. ................................ ................................ .‬‬
‫مبحث‪ :‬كيف تجري ديناميكية استحالة الجمع ‪198 ............ ................................‬‬
‫وقفة‪ :‬أسطورة الودائع البنكية‪200 ...............................................................‬‬
‫الدول ‪207 .............................................‬‬
‫ي‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬اقتصاديات النظام النقدي‬
‫الباب األول‪ :‬ما هي قيمة العملة المعومة؟ ‪207 ................................................‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬تقييم العملة بأقل أو أكثر من قيمتها ‪209 ........................................‬‬
‫تطبيق‪ :‬قيمة الريال اليوم ‪215 ...................................... ................................‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬تدويل العملة ‪218 ..................................................................‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬عملة االحتياط ‪223 ................................................................‬‬
‫الباب الخامس االحتياطيات األجنبية‪227 .......................................................‬‬
‫التجارة الدولية واالحتياطيات األجنبية‪229 ..................... ................................ :‬‬
‫معاهدة برتن وود‪230 ....................................... ................................ :‬‬
‫وقفة فلسفية مع االحتياطيات األجنبية‪231 .................... ................................ :‬‬
‫مهمة االحتياطيات األجنبية ‪233 ................................... ................................‬‬
‫شواهد النهيار االحتياطيات األجنبية‪ ،‬وأثر ذلك عىل االقتصاد‪233 ......................... :‬‬
‫كيفية الهجوم عىل العملة‪235 .................................... ................................ :‬‬
‫الباب السادس‪ :‬اختالف اسباب انكسار ربط العملة وتنوع النتائج عن االنكسار ‪236 ....‬‬
‫الحال األول‪ :‬يكون هو الحل األمثل للنمو‪237 .................. ................................ .‬‬
‫فالحال الثانية‪ :‬يكون السبب يف أزمة اقتصادية ‪237 ............ ................................‬‬
‫وسياس ‪238 .........................................‬‬
‫ي‬ ‫الحال الثالثة‪ :‬أنه يؤدي النهيار اقتصادي‬
‫مبحث‪ :‬قاعدة حتمية ربط العملة المحلية بعملة أجنبية ‪238 .................................‬‬
‫الباب السابع‪ :‬ديناميكية ربط العملة‪242 ....................................................... :‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬تطور النظام النقدي ‪245 .........................................................‬‬
‫الباب األول‪ :‬من األخطاء التاريخية العظمى للبنوك المركزية ‪245 ........................‬‬
‫مبحث‪ :‬المرض الهولندي ‪245 ..................................... ................................‬‬

‫‪7‬‬
‫مبحث‪ :‬فتيل اشعال الكساد العظيم ‪246 ......................... ................................‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬تعطل الذهب بعد الحرب األولى ‪248 ...........................................‬‬
‫وقفة فلسفية‪ :‬انتقال السلطة النقدية من الجماد لإلنسان ‪251 ..................................‬‬
‫باب خروج الذهب والفضة من عالم العمالت ‪253 ............................................‬‬
‫باب عدم صالحية الذهب كعملة احتياط دولية ‪254 ...........................................‬‬
‫مبحث‪ :‬تذبذب أسعار الذهب ‪255 ................................ ................................‬‬
‫مبحث‪ :‬أثر الصناعة في إخراج الذهب وزيادة اإلنتاج وتخفيض األسعار ‪257 ...........‬‬
‫الدول‪260 ...........................‬‬
‫ي‬ ‫الفصل السادس‪ :‬مسائل وتطبيقات يف االقتصاد النقدي‬
‫التطبيق األول‪ :‬في ربط الريال السعودي بالنفط ‪260 .........................................‬‬
‫التطبيق الثاني‪ :‬في المضاربات على الريال السعودي ‪262 ..................................‬‬
‫التطبيق الثالث‪ :‬عالقة االحتياطيات األجنبية بالعملة المربوطة ‪264 .......................‬‬
‫التطبيق الرابع‪ :‬البيت كوين…الذهب الرقمي ‪268 .............................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬فما ي‬
‫ه البيت كوين؟ ‪269 ....................... ................................‬‬
‫الثان‪ :‬مصدر قيمة عملة البيت كوين وطريقة تداولها ‪271 .........................‬‬ ‫ي‬ ‫المبحث‬
‫المبحث الثالث‪ :‬فرص استثمارية يف ذكاء المقامرات ‪274 ......................................‬‬
‫مسألة‪ :‬الصندوق الدولي ‪279 .....................................................................‬‬
‫الدول‪281 ........................................ ................................ :‬‬
‫ي‬ ‫تقييم الصندوق‬
‫وقفة تاريخية‪ :‬الفارس الذي نصب الدوالر على عرش النقد العالمي ‪283 .................‬‬
‫ملحق‪ :‬يف فلسفة المال والنقد ‪293 ...................................................................‬‬
‫الباب األول‪ :‬في فلسفة المال والقيمة والثمن‪294 ..............................................‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬في عدمية النقد ‪296 ................................................................‬‬
‫التقايض ‪298 .................... ................................‬‬
‫ي‬ ‫القياس والثمن‬
‫ي‬ ‫مبحث‪ :‬الثمن‬
‫الباب الثالث‪ :‬الندرة والقيمة ‪298 .................................................................‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬قيمة الثمن السلعي يجب ان تكون أغلى من قيمته في ذاته ‪300 .............‬‬
‫الباب الخامس‪ :‬تذبذب األثمان السلعية ‪301 ....................................................‬‬
‫الباب السادس‪ :‬استهالك السلعة المتخذة ثمنا يضعف ثمنيتها ‪304 ..........................‬‬
‫الباب السابع‪ :‬أسباب استحالة احتكار النقد اليوم ‪305 ........................................‬‬
‫مسألة‪ :‬كون العملة ثمنا في بلد وليست ثمنا في بلد أخر ‪306 .................................‬‬
‫الموضوع الرابع‪ :‬يف فلسفة التمويل واالستثمار ‪308...............................................‬‬
‫تمهيد‪ :‬التمويل استثمار للزمن واالستثمار استثمار في الزمن ‪308 .........................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬قيمة الزمن ‪310 .........................................................................‬‬
‫باب‪ :‬تقييم قيمة الزمن‪310 ........................................................................‬‬
‫باب‪ :‬صناعة المعلومات ‪311 .....................................................................‬‬
‫باب‪ :‬التمويالت األجنبية‪312 .....................................................................‬‬
‫باب‪ :‬تجارة التأمين إحدى مكونات الفائدة التمويلية‪314 ......................................‬‬
‫باب ثقافة الشعوب تجاه ديون الطبقة الوسطى ‪314 ...........................................‬‬
‫مسألة‪ :‬البيع على المكشوف‪319 .................................................................‬‬
‫مسألة‪ :‬صانع السوق ‪325 .........................................................................‬‬
‫باب ‪ :‬تحليل األسهم ‪329 .........................................................................‬‬

‫‪8‬‬
‫وقفة‪ :‬تجارة القرود!‪331 ..........................................................................‬‬
‫ملحق‪ :‬يف الملكية والدين ‪334 .........................................................................‬‬
‫الباب األول‪ :‬حقيقة احتكار ال ُمالك ودالالتها ‪334 .............................................‬‬
‫الباب الثاني‪ :‬حد الملكية الفاصل ‪336 ...........................................................‬‬
‫تطبيق‪ :‬األسهم الممتازة ‪337 ....................................... ................................‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬اإلفالس يف العض الحديث ‪341 .....................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬اإلفالس يف العض الحديث مشكلة الدائن ال المدين ‪342 ...................‬‬
‫الثان اإلفالس االستثماري ‪344 .......................... ................................‬‬
‫ي‬ ‫المبحث‬
‫الباب الرابع‪ :‬افالس الدول ‪347 ..................................................................‬‬
‫مبحث‪ :‬أنواع الديون الحكومية ‪347 .............................. ................................‬‬
‫أوال‪ :‬الديون بالعملة المحلية ‪347 ........................... ................................‬‬
‫ومن األمثلة عىل االستدانة بالتدوير لعملة مربوطة‪349 ................................ :‬‬
‫ومن األمثلة الحديثة لالستدانة بضخ العملة يف نظام معوم‪350 ...................... :‬‬
‫ثانيا‪ :‬الديون بالعملة األجنبية ‪354 .......................... ................................‬‬
‫تطبيق‪ :‬هل يمكن أن تفلس أمريكا كما أفلست من قبل ‪355 ...................................‬‬

‫خاتمة ‪360............................... ................................ ................................‬‬


‫من أجل عقلية اقتصادية متفوقة ‪360 ................................................................‬‬
‫مؤلف هذا الكتاب ‪363 ..................................................................................‬‬

‫‪9‬‬
‫مقدمة الكتاب‬
‫السوق من خلق هللا‪ ،‬خالق لك يشء‪ .‬فاقتصادايت السوق يه‬
‫النواميس والسنن اليت خسرها هللا س بحانه لتحمك السوق‪ .‬فاقتصاد‬
‫السوق ال خيتلف عن جسم االإنسان‪ ،‬فالكهام يسري عىل سنن كونية‬
‫اثبتة‪.‬‬
‫مفا نظرايت الاقتصاد اإال مالحظة لسلوك اجملمتعات يف أسواقها‪ ،‬مث‬
‫تشخيص ظواهر تظهر يف ذكل السلوك‪ ،‬مث الربط بيهنا مبنطق حصيح‬
‫وبشواهد سابقة‪ .‬وبتطور الرايضيات‪ ،‬صار االإثبات الراييض للعالقة‬
‫بني الظواهر املتباعدة‪ ،‬هو احلمك املوضوع يف حصة منطق النظرية من‬
‫عدمه‪ .‬ولهذا؛ دخلت الرايضيات يف الاقتصاد‪ ،‬فصار يُدرس وكنه‬
‫موضوع راييض ال اجامتع سلويك‪ ،‬وخاصة يف ادلراسات العليا‪. 1‬‬
‫والسوق اكالإنسان‪ ،‬يف حاةل اعتالهل ميكننا عالجه‪ ،‬وقد نس تطيع دفع‬
‫االإنسان للعمل فوق طاقته ابملنشطات وحنوها‪ ،‬ولكن لفرتة حمدودة ال‬
‫ختلو من تبعات‪ .‬مث ال يلبث أن يهنار‪ .‬وقد نس تطيع جتميل الوجه‬
‫حبدود ضيقة‪ ،‬مع احامتلية وقوع مضاعفات قد تكون خطرية‪ .‬وقد جنري‬
‫معلية جراحية معقدة الستئصال مرض خطري أو اإصالح عضو ما؛‬
‫فتنجح العملية أو تفشل‪ .‬ولكننا ال نس تطيع مطلقا تغيري ديناميكية معل‬
‫جسم االإنسان‪ ،‬فنعطل القلب أو نبدل ادلم ابملاء أو نغري اجتاه ادلم‪.‬‬

‫‪ -1‬وأذكر أنين‪ ،‬عندما كنت طالبا يف برانمج ادلكتوراه‪ ،‬أبدأ احملارضة وأفهم ادلرس وأان ال اعمل ما هو موضوع النظرية اليت نثبهتا‪ .‬هل ا إالثبات اذلي درس ناه‪ ،‬هو منحىن‬
‫الطلب أم عرض النقد؟ فقد اكنت لكها إاثبااتت رايضية حمضة‪ ،‬ال يُتطرق فهيا إاال للرموز الرايضية‪ .‬ذلا أثر التوغل يف الرايضيات عىل مهنج التفكري عند كثري من‬
‫الاقتصاديني مفا عاد هلم مقدرة تطبيقية‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫وال نس تطيع مطلقا التدخل يف معل العصاب واملخ اإال حبدود ضيقة‬
‫ومبخاطر عالية‪ .‬وهكذا هو السوق واقتصادايته‪.‬‬
‫فقد خلق هللا السوق يف شلك أعضاء أساس ية (اكلقلب واملخ وادلماء‬
‫يف االإنسان) وسريه عىل أنظمة أساس ية (كنظام املناعة واخلالاي واجتاه‬
‫مسريات ادلم يف االإنسان)‪ ،‬فكام أنه قد يُمكن التأثري عىل أعضاء‬
‫الناس لفرتة حمددة عىل حساب تبعيات وخماطر‪ ،‬فكذكل ميكننا التأثري‬
‫عىل السوق ابلتحمك يف أعضائه الساس ية‪ ،‬أو بتغيري النظمة نسبيا أو‬
‫تعديلها‪ ،‬ولكن لفرتات حمدودة وعىل حساب تبعات أخرى ضارة‪ ،‬وقد‬
‫تكون خطرية‪.‬‬
‫ذلا فأفضل الطب ما يتعامل مع س نة خلق هللا للجسم‪ ،‬ليعيد اجلسم‬
‫لصل خلقه اإذا تغري عنه بسبب خاريج أو داخيل‪ ،‬دون أي تصادم‬
‫مع النظمة اليت خلقها هللا لتنظم جسم االإنسان‪ .‬وكذكل هو أفضل‬
‫الس ياسات الاقتصادية‪ ،‬فال خيرج جممتع اقتصادي عن س نة هللا يف‬
‫خلقه السوق‪ ،‬اإال وميرض اقتصاده ويتدهور‪ ،‬اإىل أن يتعطل مث ينهتي‬
‫اإىل الفشل عاجال أو أجال‪ ،‬حبسب قربه وابتعاده يف خمالفته لسنن‬
‫خلق هللا للسوق‪.‬‬
‫وعقل السوق هو االإنتاج‪ .‬وتركيبة العقل أو ثقافته يه نوع االإنتاج‬
‫(زراع ‪ ،‬مايل‪ ،‬صناع ‪ ،‬رعوي‪ ،‬حريب) ‪ .‬فاالإنتاج هو العقل المر‬
‫اذلي يتحمك يف السوق وأنظمته‪.‬‬
‫وقلب السوق هو السعر‪ ،‬ودماؤه اليت حتمل الغذاء والوكسجني‪ ،‬يه‬
‫الس يوةل (همام اكن نوعها نقدا أو مقايضة)‪ .‬وا إالخالل ابلسعر أو احتاكر‬
‫‪11‬‬
‫الس يوةل بأي ادعاء‪ُ ،‬حيرف اجتاهات العرض والطلب عن الاجتاهات‬
‫اليت خلقها هللا عليه؛ فتختنق دماء الاقتصاد ‪ -‬ويه الس يوةل ‪ -‬يف‬
‫الرشايني وتتطفح يف أخرى‪ .‬فيتألك السوق أو يألك بعضه بعضا؛‬
‫فيسقط بعض جدله فينكشف داخل اجلسم للجراثمي‪ ،‬بيامن ينتفخ جدل‬
‫بعضها الخر‪ ،‬ويتضخم حىت يصبح عقبة مينع النظمة والعضاء من‬
‫العمل‪.‬‬
‫والنظمة الساس ية هل‪ ،‬نظامان هام نظام زايدة العرض مع زايدة‬
‫السعر‪ ،‬وعكسه‪ .‬ونظام اخنفاض الطلب مع زايدة السعر‪ ،‬وعكسه‪.‬‬
‫وأعضاء السوق الطلب والعرض‪ .‬وحلم السوق‪ ،‬هام املس هتل واملنتج‪.‬‬
‫وعظام السوق اذلي ال يقوم السوق اإال به‪ ،‬يه احلكومة‪ .‬فميكن أن‬
‫يوجد اقتصاد هزيل بال حكومة‪ ،‬اكالقتصاد الرعوي احملض البس يط‪،‬‬
‫أو الزراع احملدود‪ ،‬كام أنه يُمكن أن يُودل اإنسان مشوه بال عظم‪.‬‬
‫ولكن يس تحيل وجود سوق قوية ومتعافية‪ ،‬بال وجود دوةل نظام‬
‫وأمن‪ .‬ولكام تقدم اإنتاج السوق‪ ،‬لكام زادت حاجته لدلوةل‪.‬‬
‫ونظام املناعة يف السوق‪ ،‬هو الشفافية وحرية الرأي والصحافة‪ ،‬فهي‬
‫حصن السوق من جهوم المراض عليه‪ ،‬كام أن املناعة حصن اجلسد‬
‫من اجلراثمي‪.‬‬
‫وكام أنه لكام اكمتلت العضاء‪ ،‬وارتفعت فعالية تفاعل النظمة يف جسم‬
‫االإنسان وانضباطيهتا‪ ،‬لكام زادت حيوية االإنسان‪ ،‬وطالت حياته وسمل‬
‫من المراض‪ ،‬فكذكل يه السوق أي الاقتصاد‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وكام أن لك أعضاء االإنسان وأنظمته متداخةل يؤثر بعضها عىل بعض‪،‬‬
‫فكذكل يه أعضاء السوق وأنظمته‪.‬‬
‫والسوق احل ال بد أن ميرض ويتعاىف‪ ،‬فاحل ال بد أن ميرض ويتعاىف‬
‫ما مل تكن المراض مس تعصية‪ ،‬اكلرسطان‪ .‬والرسطان أنواع متنوعة‪،‬‬
‫وأخطر رسطاانت السوق وأكرثها انتشارا‪ ،‬هو رسطان الفساد‪.‬‬
‫وهناك رسطان النفط‪ ،‬وما شاهبه من ثروات املصادر الطبيعية‪ .‬وكام‬
‫أن الرسطان‪ ،‬يدمر أنظمة اجلسم وأعضاءه همام حسن متام العضاء‬
‫وكاملها‪ ،‬وهمام ارتقت أنظمة اجلسم يف فعاليهتا‪ ،‬فكذكل أمراض‬
‫الاقتصاد املس تعصية تدمر أراكن السوق وأنظمته همام ارتقت هذه‬
‫النظمة‪.‬‬
‫والنفط يعطل االإنتاج يف الاقتصاد‪ ،‬ف ُتخلق االإقطاعية؛ فتفرض‬
‫ادلكتاتورية‪ ،‬فيعمل الثالثة عىل تأصيل الفساد يف السوق‪ .‬والفساد‬
‫خيل ابلسعر‪ ،‬اذلي هو قلب السوق النابض‪ ،‬فيختل توازن النظمة‬
‫وانضباطيهتا‪ .‬فأجور العامةل من السعر‪ ،‬مفىت أُرخص الكفؤ وأُغيل‬
‫الكسول‪ ،‬ماتت حيهنا االإنتاجية؛ ففسدت العقول والعلوم والقلوب‪.‬‬
‫فالفساد رسطان الاقتصاد‪ ،‬والنفط رسطان االإنتاج واالإنتاجية‪ ،‬يف هذا‬
‫الاقتصاد‪ .‬فهو يُفسد صفات السوق الصناعية؛ فميسخها‪ ،‬فيجعلها‬
‫مسخا بني الاقتصاد الصناع واالإقطاع ‪.‬‬
‫وكام أن اخلالاي الرسطانية موجودة يف االإنسان‪ ،‬وال تؤثر عليه اإال اإن‬
‫تزايدت‪ ،‬فكذكل الفساد ال خيلو منه سوق أو اقتصاد قط‪ .‬فطلب‬
‫لك أمر مطلوب‪.‬‬ ‫املثالية من املُحال ولكن القصد يف ُ ل‬
‫‪13‬‬
‫وعمل الاقتصاد عمل ضيق حمدود كعمل الرشيعة‪ .‬قد يضيع العمر يف تتبع‬
‫الفروع فهيام بال طائل‪ .‬ذكل أن الك العلمني عمل أصول‪ ،‬يُفهامن بفهم‬
‫أصوهلام‪ ،‬ال حبفظ فروعهام‪ .‬اللهم اإال أن أصول عمل الرشيعة نصية وقفية‪،‬‬
‫وأصول عمل الاقتصاد منطقية عقلية‪ .‬واالإكثار من القراءة يف الفروع‬
‫تسلب املرء فهمه واس تقاللية تفكريه؛ وذلا كرث التقليد يف الفقهاء‬
‫والاقتصاديني‪ .‬ومما زاد الطني بةل‪ ،‬أن غالب كتب الاقتصاد غري‬
‫الاكدميية‪ ،‬متيل للرضب عىل وتر العاطفة عند القراء؛ لزايدة مبيعات‬
‫مؤلفاهتم‪.‬‬
‫فعمل الرشيعة قد اكمتل ابنقضاء القرن الول بعد البعثة النبوية الرشيفة‪،‬‬
‫وعمل الاقتصاد قد اكمتل تقريبا‪ ،‬يف القرن احلايل‪ .‬والفرق يف مدة ادلورة‬
‫الزمنية بني الفريقني‪ ،‬هو فرق اتبع للفرق يف رسعة الزمان اليوم عنه‬
‫ابلمس‪.‬‬
‫واكامتل العمل يدفع رجاهل‪ ،‬حلاةل التبعية الفكرية‪ .‬فتعمهيم التبعية عن‬
‫رؤية الفروق الهائةل بني حالني متشاهبني صورة وخمتلفني جوهرا‪ ،‬فيزنل‬
‫اإحداهام مزنةل الخرى؛ فيأيت ابلعاجيب‪ .‬ووقوع هذا المر يف‬
‫الاقتصاد أشد‪ .‬فهو عمل مالحظة لسلوك ثقافة اجملمتعات السوقية مع‬
‫متيزي لعراقها وسلوكياهتم‪ ،‬ومعرفة ملواردها وإادراك لس ياساهتا‪ .‬وذلا؛‬
‫يصعب أن جتد يف الاقتصاد حالتني متشاهبتني بني بدلين أو يف بدل‬

‫‪14‬‬
‫واحد مع اختالف الزمن‪ .‬والمر ليس وقفا عىل احلاالت‪ ،‬بل حىت‬
‫عىل املسميات واملؤرشات‪.1‬‬

‫كعدم صالحية مؤرش الناجت احمليل يف ادلول النفطية‪ ،‬واملؤرشات التابعة هل‪ .‬وسنتطرق لهذا الحقا‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪15‬‬
‫املوضوع الول‪ :‬مفاهمي يف فلسفة الاقتصاد‬
‫متهيد‪ :‬الفرق بني مفاهمي السوق واالإنتاج والنظام‬
‫لكمة الاقتصاد حتمل معىن واسعا‪ ،‬يشمل نظام االإنتاج وشلك االإنتاج‪،‬‬
‫ويتضمن أيضا نوع السوق ومدى تدخل ادلوةل فيه‪ .‬كام يشمل النظام‬
‫الس يايس والنظام الاجامتع ‪ .‬مفا يتعلق ابالإنسان يتعلق ابالقتصاد‪،‬‬
‫فاملنتج هو االإنسان‪ ،‬واالإنتاج ل إالنسان‪ .‬كام حيمل معىن ثروات اجملمتع‬
‫الطبيعية واالإنتاجية‪.‬‬
‫فاالقتصاد اإذا أطلق‪ ،‬فيدل دالةل واسعة تشمل الس ياسة والنظام‬
‫الاقتصادي وشلك االإنتاج ونوع السوق‪.‬‬
‫• فالس ياسة اإما دكتاتورية أو دميقراطية‪ ،‬وبني طرفهيام تقع النظمة‬
‫الس ياس ية‪ ،‬اليت حمكت البالد والعباد‪ ،‬واليت حتمك اليوم يف‬
‫الرض‪.‬‬
‫• والنظام الاقتصادي نوعان‪ :‬نظام اإقطاع ونظام رأساميل‪ ،‬ومث تتفرع‬
‫مهنام أنظمة ش ىت‪ .‬فأقىص طرف االإقطاعية هو النظام الاشرتايك‪،‬‬
‫ويكون ابمتالك ادلوةل لك يشء‪ ،‬وحتمكها يف لك أنشطة الاقتصاد‪.‬‬
‫ويف املقابل أقىص طرف الرأساملية‪ ،‬مثاهل‪ :‬ما عاشه الاقتصاد‬
‫المرييك حينا من الزمن‪ ،‬من بعد حرب التحرير اإىل احلرب‬
‫الهلية‪ ،‬حيث مل تكن هناك رضائب‪ ،‬اللهم اإال بعض الرسوم؛‬
‫لمتويل حاجيات احلرب واحلكومة‪.‬‬
‫• وشلك االإنتاج ينقسم اإىل نوعني رئيس يني‪ :‬اإنتاج دخْيل أو تأجريي‪،‬‬
‫وإانتاج صناع ‪ 1‬او تكنولويج‪ .‬وأما االإنتاج اخلديم فهو اتبع‬
‫القتصاده‪ ،‬فقد يكون انتاجا خدميا تأجرياي‪ ،‬وقد يكون انتاجا خدميا‬
‫صناعيا او تكنولوجيا‪ .‬وهناك نوع من االإنتاج‪ ،‬ال يرىق أن يُعد‬
‫شالك اثلثا‪ ،‬وهو االإنتاج الاس هتاليك لصل الرثوة‪ ،‬اكإنتاج النفط‬
‫واملوارد الطبيعية الخرى‪.‬‬
‫• وأما السوق‪ :‬فسوق حرة‪ ،‬وسوق غري حرة‪ .‬واحلرة يه اليت ال‬
‫تتدخل فهيا احلكومة بفرض الرضائب أو منح اإعاانت أو وضع‬
‫رسوم أو سقف اإنتاج أو اس ترياد أو تصدير‪ ،‬أو منح أحقيات أو‬
‫متزيات‪ .‬ولك ما يؤثر عىل احنراف سعر توازن السوق عن حمهل‬
‫احلقيق ‪.‬‬
‫الفصل الول‪ :‬مفاهمي االإنتاج‬
‫الباب الول‪ :‬مفهوم االإنتاج الصناع‬
‫وهو االإنتاج القابل للزايدة غري احملدودة يف النوعية والمكية‪ .‬فطائرة‬
‫وس يارة وحاس بة اليوم قد تطورت تطورا عظامي خالل عقود من‬
‫الزمن‪ ،‬وتعاظمت مكية اإنتاهجا تعاظام كبريا وال حد لهذا التطور أو‬
‫الزايدة‪ ،‬اإال أن ي ُستبدل مبنتج أفضل منه وأكفأ‪ .‬ومث جاء دخول‬

‫‪ - 1‬ويأيت رشح مفهوم الك االإنتاجني يف املوضوع القادم‬

‫‪18‬‬
‫التكنولوجيا ل ُيعظم ويُضاعف من هذه اخلاصية ل إالنتاج الصناع ‪.‬‬

‫واالإنتاج اخلديم القامئ عىل العمل أو التكنولوجيا‪ ،‬اكلطب والاستشارات‬


‫الفنية‪ ،‬وبعض فروع احملاماة‪ ،‬واخلدمات البحثية‪ ،‬والتدريس وحنوها‪،‬‬
‫لكها تدخل حتت مفهوم االإنتاج الصناع الإماكنية تطورها وتوس يع‬
‫اإنتاهجا‪ .‬مفثال‪ ،‬التدريس عن بعد‪ ،‬وسع اإنتاج املدرس و َح لسن نوعيته‪،‬‬
‫وهو ابب قابل للتوسع والتطوير‪ .‬وكذكل اخلدمة الاستشارية يف‬
‫الطب‪ ،‬ومثهل الربامج احلاسوبية وهكذا‪ .‬وهذا خبالف االإنتاج اخلديم‬
‫القامئ عىل اجلهد البرشي مثل العامل اليدوية‪ ،‬اكلنظافة وغريها‪ ،‬فهذا‬
‫يعد من االإنتاج ادلَّ خْيل‪ ،‬وهو مبحث الفصل القادم‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬مفهوم االإنتاج ادلخيل‬
‫وهو االإنتاج القامئ عىل اإنتاج متجدد س نواي أو فصليا‪ ،‬أو شهراي‪ .‬اإال أن‬
‫هذا االإنتاج املتجدد حمدود المكية والنوعية‪ ،‬ال ميكن زايدته وال تطويره‬
‫بشلك متواصل‪ ،1‬اكلزراعة والس ياحة‪ .‬فاإنتاج مزرعة أو فندق أو‬
‫منتجع قد يكف الإثراء مالكها‪ ،‬ولكهنا لن تكف الإثراء أحفاده اذلين‬
‫س يزتامحون عىل هذا االإنتاج‪ .2‬وتوس يع االإنتاج الس يايح حمدود‬
‫ابلرض واملباين وتطويره كذكل‪.‬‬

‫‪ -1‬وذكل ما مل تدخهل صناعة‪ ،‬كصناعة ادلجاج الالمح والسمك والبيض وحنوه‪.‬‬


‫‪ - 2‬لهذا فاالقتصاد ادلخيل يرشح جزءا همام من سلوكيات اجملمتعات يف الغزو واحلرب ويبني فلسفهتا‪ .‬فهذه املزامحة تلجئ اجملمتع للغزو لضيق الرثوة‪ .‬أو يتنازع الحفاد عىل‬
‫ا إالنتاج احملدود؛ فيضعف اجملمتع‪ ،‬ومن مث هنايته بغزو عىل أايد خارجية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫تنبيه‪ :‬وملنع سوء الفهم فاإن الزراعة والصيد‪ ،‬قد تدخلها الصناعة‬
‫والتكنولوجيا؛ فتخرهجا من االإنتاج ادلخيل اإىل االإنتاج الصناع ‪،‬‬
‫ويتحقق يف هذا االإنتاج مفهوم االإنتاج الصناع ؛ لقبوهل للزايدة المكية‬
‫والنوعية‪ ،‬اكإنتاج ادلجاج والبيض والسمك واللبان وغريها‪ .‬وكذكل هو‬
‫يف االإنتاج اخلديم القامئ عىل اجلهد البرشي اإذا دخلته الصناعة‬
‫والتكنولوجيا‪ ،‬كنظافة الشوارع بأدوات متقدمة وبامنذج تصمميية‬
‫مناس بة‪ ،‬فهذا مما ال حد فيه كذكل‪ ،‬لتطويره يف جانب الدوات ويف‬
‫جانب التصاممي‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬مفهوم الاقتصاد الريع‬
‫أطروحات الاقتصاديني العرب حول مفهوم الاقتصاد الريع يف‬
‫تعاريفها وطروحاهتا تضم لك متفرق‪ ،‬وجتمع لك متناقض وتفرق بني لك‬
‫متشابه‪ .‬فهي بال خطام وال نظام‪ ،‬وال يوجد تعريف واحد اإال ويدخل‬
‫اقتصادايت خمتلفة‪ ،‬حبيثيات متناقضة ومتفرقة‪ ،‬وخترج بنتاجئ بعيدة عن‬
‫سبب الطرح‪.‬‬
‫فلك عريب يصف اقتصاد بالده واقتصادات بالد العرب بأهنا قامئة عىل‬
‫اقتصادايت ريعية‪ .‬فالتونيس واملغريب يصف هبا بالدهام كام هو يصف‬
‫دول اخلليج كذكل‪ .‬واخلليج يصف اقتصاد بالده واخلليج هبذا كذكل‪.‬‬
‫وذكل مع كون اخلليج قامئ عىل الاقتصاد البرتويل‪ ،‬وهو اقتصاد هل‬
‫دراساته اخلاصة به لكونه اقتصادًا قامئًا عىل اس هتالك أصهل‪ ،‬بيامن تونس‬
‫واملغرب مث ًال اقتصادايت ريعية فهي قامئة عىل الزراعة والس ياحة؛‬

‫‪20‬‬
‫فدخلها يتجدد مع ثبات الصل عىل حاهل دون منو وزايدة‪ ،‬كحال‬
‫معظم الاقتصادات قبل الثورة الصناعية‪.‬‬
‫ويتبع هذا الفرق الشاسع بني الاقتصاد الريع والاقتصاد البرتويل فرق‬
‫شاسع يف ختطيط الاسرتاتيجيات الس ياس ية والاقتصادية بني ادلول‬
‫الريعية وادلول البرتولية‪ .‬فاالقتصاد الريع يبقى حيًّا‪ ،‬لكنه عىل هامش‬
‫احلياة؛ فهو ال يس تطيع الهنوض الرسيع لقةل الرثوة وعدم منوها‪ ،‬اإال أنه‬
‫ال ميوت لعدم انقطاعها‪ .‬بيامن الاقتصاد البرتويل يفتح أبواب ثروات عىل‬
‫اجملمتع‪ ،‬قد تزتايد ابتداء وال تنقص‪ ،‬اإال أن هنايهتا للزوال وال تدوم‪ .‬فاإما‬
‫أن تهنض به هذه الرثوات ليتحول اإىل اقتصاد صناع ومعريف‬
‫للمحافظة عىل ثراء ورفاهية البالد‪ ،‬وإاما أن ختدره الرثوات وتفسد‬
‫اإنتاجية اجملمتع وأخالقه وتنرش فيه الفساد االإداري وأحياانً احلروب‪ ،‬كام‬
‫حدث مع هولندا عند اكتشاف الغاز فهيا عام ‪١٩٥٩‬م‪ ،‬مبا يعرف‬
‫ابملرض الهولندي مما دفع الرنوجي اليوم لعزل عوائد النفط عن اقتصادها‪.‬‬
‫وكام حدث وحيدث الن يف دول اإفريقيا الوسطى الغنية ابملاس‬
‫واملعادن‪.‬‬
‫مفصطلح الاقتصاد الريع مصطلح س يايس ال اقتصادي‪ .‬ولو حبثت‬
‫عن معىن الاقتصاد الريع لوجدت أن مجيع التعريفات والطروحات‬
‫دامئًا تأيت بصفة اذلم لهذا الاقتصاد وحلكومة بالده‪ ،‬وأنه ينتج عن‬
‫الاقتصاد الريع فساد احلكومات ومقع الشعوب‪ .1‬كام يالحظ أن‬

‫‪ 1‬وقد حبثت عن معىن الاقتصاد الريع يف العمل الاكدمي ‪ ،‬فمل أجد هل مقابال يف املصطلحات الاقتصادية الاكدميية العلمية ابللغة االإجنلزيية‪.‬وما وجدته يشارك جزءا من‬
‫معناه يف بعض تعاريفه‪ ،‬ولكن ابختالف جذري‪ ،‬هو الاقتصاد التأجريي‪ .‬فاالقتصاد التأجريي ال خيرج مطلقا يف تعريفاته واس تخداماته عن الاس تفادة من الريع مع بقاء‬
‫الصل‪ ،‬وهذا خيرج اقتصادايت املوارد الناضبة اكلنفط‪ .‬وتطبيقاته يف تأجري الرض أو املباين أو النقود أو يف أي أصل ينتج أرابحا فوق اللكفة يف السوق التنافس ية‪ .‬وقد‬

‫‪21‬‬
‫أطروحاته حتمل روح احلسد وكره الثرايء وثورة الفقراء‪ .‬وأطروحات‬
‫دعاة ثورات الشعوب تعمتد عىل حتريك الرصاع بني الغين والفقري‬
‫لتدغدغ عواطف الشارع العمياء؛ فتحريك العاطفة ال حيتاج معه ملنطق‬
‫حصيح‪.‬‬
‫وال وجود ملصطلح الاقتصاد الريع بلفظه أو يف معناه يف البحوث‬
‫العلمية الغربية املوثقة معو ًما‪ .‬ومبا أن العرب واالإسالميني اس تقوا ثقافهتم‬
‫الاقتصادية الفلسفية من الاشرتاكية عند بدء البعثات اإىل فرنسا وغريها‬
‫فهم يتوارثون خرطها وخريطها اإىل اليوم‪ ،‬اإذا فال بد أن مفهوم‬
‫الاقتصاد الريع مبفهومه العريب س يكون مرتبطا ابلتنظري الاقتصــادي‬
‫الاشـــرتايك‪.‬‬
‫وقيل اإن أول من وظف مصطلح الاقتصاد الريع تطبيقيًّا هو اكرل‬
‫ماركس‪ ،‬وذكل نق ًال عن أحدمه « ولكن أول من اس تعمهل كمنط‬
‫اقتصادي هو اكرل ماركس يف كتابه التحلييل الكبري (رأس املال) حني‬
‫قال‪ :‬يف الاقتصاد الريع تقوى عالقات القرابة والعصبية» (انهتيى‬

‫اس تخدم مصطلح الاقتصاد التأجريي هرني جورج ومدرس ته ‪-‬اليت ترى فرض غالب الرضائب عىل الرايض يف ذم مالكها اذلين يصبحون أثرايء عىل حساب اجملمتع‬
‫دون هجد وبأرابح تفوق كثريا اللكفة‪.‬‬
‫فعدت للبحث عن تعريفات الاقتصاد الريع عند العرب وتطبيقاته‪ ،‬فوجدهتا متناقضة ال يرتبط أولها بأخرها‪ .‬هدفها هو التحريض الس يايس عىل النظمة العربية‪ ،‬ال غري‪.‬‬
‫فهي بال خطام وال نظام‪ ،‬وال يوجد تعريف واحد اإال ويُدخل اقتصادايت خمتلفة‪ .‬كام أن هناك ش به اإجامع عىل أن الوصف هبذا املصطلح “ الريع ” بتخصيصه‬
‫ببالد العرب عامة واخلليج خاصة‪ .‬ومجيع التعريفات والطروحات دامئا تأيت بصفة اذلم لهذا الاقتصاد وحلكومة بالده‪ .‬وأنه ينتج عن الاقتصاد الريع فساد احلكومات ومقع‬
‫الشعوب‪ .‬كام يالحظ أن أطروحاته حتمل روح احلسد وكره الثرايء وثورة الفقراء وتستشهد ابخلرافات املنترشة يف طروحات الاقتصاد االإساليم حول الاقتصاد ونظام‬
‫البنوك والنقود‪ .‬ومبا أن هذه القاعدة املطردة يف طروحات رشح معىن مصطلح “ الاقتصاد الريع ” ‪،‬يه أيضا عامل مشرتك مع طروحات دعاة ثورات الشعوب‬
‫لتحريك عواطفهم العمياء ‪-‬اإذ أن حتريك الرصاع بني الغين والفقري عاطفة ال حتتاج ملنطق حصيح‪ ،‬مع كوهنا ارتبطت حبيثيات متناقضة ومتفرقة‪ ،‬ونتاجئ بعيدة عن الطرح‪،‬‬
‫ومبا أنه ال وجود لهذا املصطلح بلفظه أو يف معناه يف البحوث العلمية الغربية املوثقة معوما‪،‬فذلا مفصطلح الاقتصاد الريع اإما أن يكون اشرتاكيا أو عربيا الصل‪ .‬ومبا أن‬
‫العرب والاسالمويني اس تقوا ثقافهتم الاقتصادية الفلسفية من الاشرتاكية عند بدء البعثات اإىل فرنسا وغريها‪ ،‬فهم يتوارثون غثاءها اإىل اليوم‪ ،‬فقد دفعين هذا حلرص‬
‫البحث ابمجلع بني الاقتصاد الريع والاشرتاكية فرسعان ما وجدت ضاليت‪.‬‬
‫مففهوم الاقتصاد الريع مبفهومه العريب مرتبط ابلتنظري الاقتصادي الاشرتايك‪ .‬وإان حص نقل ابحث مهنم وحصت ترمجته‪ ،‬فقد زمع أن أول من وظف مصطلح الاقتصاد‬
‫الريع تطبيقيا هو اكرل ماركس‪ ،‬حيث كتب الباحث‪ “ :‬ولكن أول من اس تعمهل كمنط اقتصادي هو اكرل ماركس يف كتابه التحلييل الكبري )رأس املال) حني قال ‪“ :‬‬
‫يف الاقتصاد الريع تقوى عالقات القرابة والعصبية ” “ انهتيى النقل)‪ .‬وسواء حص النقل والفهم والرتمجة أو مل يصح‪ ،‬فيكف أن جتمع بني الاقتصاد الريع والاشرتاكية يف‬
‫االإنرتنت لتدرك من أين جاء هذا املفهوم الواحض يف معناه اللفظ ‪ ،‬واملتخبط تناقضا وتفرقا يف منطقه‪ ،‬ويف مفهومه الاقتصادي‪ ،‬ويف تبعات ذكل عىل خلط اخلطط‬
‫الاسرتاتيجية الس ياس ية والاقتصادية‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫النقل)‪ .‬وسواء أحص النقل والفهم والرتمجة أو مل تصح فيكف أن جتمع‬
‫بني الاقتصاد الريع والاشرتاكية يف االإنرتنت‪ ،‬لتدرك من أين جاء هذا‬
‫املفهوم الواحض يف معناه اللفظ واملتخبط تناقضً ا وتفرقًا يف منطقه ويف‬
‫مفهومه الاقتصادي ويف تبعيات ذكل عىل خلط اخلطط الاسرتاتيجية‬
‫الاقتصادية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬مفهوم االإنتاج الاس هتاليك‬
‫وهو الاقتصاد اذلي يعمتد اإنتاجه عىل اس هتالك املوارد الطبيعية‪ ،‬فهو‬
‫ليس اقتصادا اثبتا‪ .‬فاملوارد الطبيعية تنضب‪ .‬فهو اإما أن يتحول خالل‬
‫اس هتالكه ل إالنتاج ادلَّ خْيل اكلزارعة والس ياحة؛ فيحمكه نظام السوق‬
‫الغري احلرة االإقطاعية‪ ،‬حتت حبكومة ديكتاتورية‪ ،‬أو يتحول ل إالنتاج‬
‫الصناع ؛ فتحمكه السوق احلرة الرأساملية حبكومة دميقراطية ‪.‬‬
‫وقد يكون السيناريو أن تنهتي ثرواته الطبيعية دون استامثرها يف‬
‫اقتصاد اثبت؛ فتنهتي الرثوات‪ ،‬وتتفكك القالمي وتسقط ادلول‪.‬‬
‫فاقتصادايت اس هتالك املوارد الطبيعية اكقتصادايت الغزو قدميا‪،‬‬
‫واكلعوائد الاس تعامرية اليت اكنت تعود عىل بريطانيا وهولندا وفرنسا يف‬
‫اس تعامر دول العامل‪ ،‬مل تكن دخال اثبتا‪ ،‬بل اكنت سببا لالهنيار أو‬
‫التأخر‪ .‬وكذكل يه اقتصادايت البرتول واملوارد الطبيعية‪ ،‬ليست‬
‫ابقتصادايت اثبتة‪ ،‬لعدم ثبات املوارد الطبيعية‪ .‬فهو اكقتصادايت الغزو‪،‬‬
‫سرتهلها ثروات الغنامئ‪ ،‬فيخدلوا اإلهيا؛ فتفسد أخالقهم وتنعم خشونهتم‪،‬‬
‫وتفرق لكمهتم‪ ،‬حىت تقيض عىل جممتعاهتا ‪.‬‬
‫ليس النفط غريبا عن االإنسانية‪ ،‬فقد عرفته قدميا وأدركت نعمته ونقمته‬
‫عىل الشعوب‪ .‬فأيامن أصبحت املوارد الطبيعية املستنفذة معوما (وأمهها‬
‫النفط) يه املس يطرة عىل الاقتصاد‪ ،‬أصبح هناك شلل يف االإنتاج‪،‬‬
‫وتعطل يف االإبداعية‪ ،‬وإابطاء يف المنو الاقتصادي‪ ،‬وارتفاعا ملعدالت‬
‫الفقر (ولو بعد حني قريب)‪ .‬وينترش احلمك الاستبدادي والفساد‬
‫والرصاعات العنيفة‪ .‬ومن أكرب الاثر الضارة من أموال النفط‪ ،‬أهنا‬
‫تعمل عىل اإضعاف مؤسسات اجملمتع املدين‪ ،‬جبعهل معمتدا عىل‬
‫التخطيط املركزي (االإداري والاقتصادي)‪ .‬ولو سرب الناظر املتأمل‬
‫دول العامل املتخلف مجيعها‪ ،‬ملا وجد جامعا جيمع بيهنا لكها اإال التخطيط‬
‫املركزي‪ ،‬بشقيه االإداري والاقتصادي‪.‬‬
‫“ لعنة النفط ” ‪ ،‬هكذا يُذكر النفط عند مفكري الغرب يف مباحثاهتم‬
‫الاسرتاتيجية حول الاقتصاد واجملمتعات‪ .‬فالنفط والملاس واذلهب‬
‫واليورانيوم‪ ،‬لعنات حلت عىل كثري من ادلول الفريقية؛ جفعلهتا مرتعا‬
‫للحروب بني املتنافسني عىل هذه الرثوات غري املتجددة‪.‬‬
‫وحديثا يف دول اخلليج‪ ،‬واليت قد أدركها خري كثري من ثروة النفط‪ ،‬اإال‬
‫أهنا مل تسمل من سكرته‪ .‬فأموال النفط وقوته الس ياس ية قدمت غطاء‬
‫ومهيا أقنعت اجملمتعات اخلليجية بصالحية كثري من جوانب ثقافهتا‬
‫الاجامتعية اليت تتعارض مع احلياة احلديثة اليت تعيشها‪ ،‬واليت اس مترت‬
‫عىل حساب نفقة النفط‪ ،‬مكنع املرأة من العمل‪ ،‬والرتفع عن العامل‬
‫اليدوية واملهنية‪ .‬كام أظهر فهيا الاتاكلية والاعامتد عىل اخلرباء الجانب؛‬
‫مما منع اجملمتعات اخلليجية من الاستامثر يف العقول احمللية‪ ،‬وزرع فهيا‬
‫عدم الثقة ابخلربة احمللية‪ .‬وهذه معضةل تتداخل عواملها بعضها ببعض‪،‬‬
‫وتسبب لك مهنا الخرى‪ .‬كام أرسفت اجملمتعات اخلليجية يف‬
‫اس تجالب العامةل الجنبية بغري حاجة؛ مما معل عىل ضعف اإنتاجية‬
‫اخلليج ابمجلةل‪ .‬اإضافة اإىل اجملمتع اخلليج اعمتد عىل احلكومة يف‬
‫ختطيطها املركزي؛ فتعطل احلافز لتكوين املؤسسات املدنية‪ .‬ومضنت‬
‫أموال النفط‪ ،‬البنوك من االإفالس؛ فانترشت الفوىض القانونية املالية‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫وختدرت البنوك فقعدت عن التطوير‪ ،‬وعن توجيه أموال املودعني‬
‫لالستامثرات المثل يف اجملمتع ‪.‬‬
‫وقد اس تطاع نفط اخلليج أن خيلق طبقة وسطى يف جممتعات اخلليج‪،‬‬
‫ولكهنا طبقة غري حقيقية‪ .‬فهي مل تنشأ عن طريق التفاعل الطبيع‬
‫اذلي خيلق الطلب والعرض يف اجملمتعات الصناعية‪ .‬اإذ أن أفراد الطبقة‬
‫الوسطى اخلليجية مل تنشأ بسبب معلها وإانتاجيهتا‪ ،‬بل لتوزيع الرثوة‬
‫النفطية عىل أفراد اجملمتع‪.‬‬
‫واس هتالك الطبقة الوسطى اخلليجية‪ ،‬حيرك العرض يف ادلول املصدرة‬
‫الخرى‪ ،‬ال يف دول اخلليج‪ .‬فلهذا؛ عندما جعز النفط عىل االإنفاق عىل‬
‫الطبقة الوسطى‪ ،‬تضاءلت هذه الطبقة بسبب منو الساكن املزتايد يف‬
‫وتريته عىل تزايد منو ريع النفط‪ .‬فالطبقة الوسطى اخلليجية املوجودة‬
‫واليت بدأت تتألك اليوم يف بعض دول اخلليج‪ ،‬يه نتاج صناعة‬
‫التخطيط املركزي القامئ عىل أموال النفط‪ .‬وس ُتعجل زايدة عدد‬
‫الساكن وزايدة الاس هتالك احمليل للنفط وقيام الصناعات عليه‪ ،‬بعجز‬
‫النفط عن مواصلته يف اإجياد هذه الطبقة الوسطى أو احملافظة علهيا‪.‬‬
‫وغياب الطبقة الوسطى هو غياب الساس يات لي اس تقرار س يايس‬
‫أو اقتصادي أو اجامتع أو أخاليق‪.‬‬
‫ذلا فهناك خطورة اسرتاتيجية القتصادايت املوارد الطبيعية‪،‬‬
‫اكقتصادايت البرتول أو الملاس أو املعادن وغريها‪ ،‬بأهنا غالبا ما تكون‬
‫ُمخدرا وليس ُمس ِّكلنا‪ .‬فاخملدر يُذهب المل عن صاحبه كام يُذههل عن‬
‫احلقيقة اليت س تظهر هل بعد ذهاب اخملدر؛ فال يفكر فهيا وال يعمل‬
‫‪26‬‬
‫علهيا‪ .‬والخطر من ذكل اإذا ما أُدمن عليه؛ فدمر اخملدر الخالق‬
‫والعقول‪ .‬وأما املُسكن فهو خيفف المل لفرتة تسمح لصاحبه بأن يعاجل‬
‫أس باب المل‪ .‬فالنفط وحنوه نعمة اإذا ما اس ُتخدم مكسكن‪ ،‬ولكن‬
‫التجارب التارخيية اثبتت انه ال يكون اإال خمدرا للشعوب‪.‬‬
‫وقفة فلسفية‪ :‬تأثري االإنتاج عىل االإنسان والاقتصاد والس ياسة‬
‫اعامتد اقتصاد جممتع ما عىل يشء خارج عنه‪ ،‬يُفقد اجملمتع الاس تقاللية‬
‫الفكرية؛ ولهذا يفقد اجملمتع اس تقالليته الاقتصادية‪.‬‬
‫فاجملمتع الزراع ال يقوم بذاته‪ ،‬بل عىل نتاج الرض‪ .‬و َّ‬
‫لكن ل إالنسان‬
‫جسداي يف االإنتاج دون ادلور العقيل‪ .‬فهو اتبع يف عقليته ملنطق‬ ‫ًّ‬ ‫دورا‬
‫ً‬
‫الرض؛ ذلا ال يتسم اجملمتع الزراع عادة ابلتقدم الفكري‪ ،‬اإال أن خيرج‬
‫من الزراعة‪ .‬ولهذا ال خيرج غالب اجملمتع الزراع من حزي الفقر‪.‬‬
‫وتُعترب الصناعة معو ًما اقتصادًا قامئًا بذاته نسبيًّا‪ .‬فهناك جممتع صناع قامئ‬
‫عىل التجميع كبعض دول أس يا وجنوب أمرياك‪ ،‬وهناك جممتع صناع‬
‫قامئ عىل التقليد اكلصني‪ ،‬وهناك جممتع صناع قامئ عىل التطوير‬
‫اكلياابن وأورواب معو ًما‪ ،‬وهناك جممتع صناع قامئ عىل رسقة اخرتاعات‬
‫الغري اكلروس‪ .‬وهناك جممتع صناع قامئ عىل الاخرتاع واالإجياد‪ ،‬وال‬
‫يقبل غريه‪ ،‬اكالقتصاد المرييك؛ ولهذا فاالقتصاد المرييك أعظم اقتصاد‬
‫مس تقل قامئ بذاته ومس تدمي‪ 1‬شهده التارخي‪.‬‬

‫‪ - 1‬واقتصاد الغزو قامئ بذاته‪ ،‬ولكنه غري مس تدمي‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫يشلك حىت طريقة‬ ‫فاالقتصاد ال يشلك النظام الس يايس فقط‪ ،‬بل قد ِّ ل‬
‫تفكري اجملمتعات‪.‬‬
‫أال ترى أثر املسكنة واخلضوع والسطحية الفكرية يف اجملمتعات‬
‫الزراعية؟ كنتيجة تبعية اجملمتع الزراع يف فكره لنتاج الرض‪ ،‬مع‬
‫اس تغاللها جلسده‪ .‬ولكام اكن االإنتاج مس تقل الفكر‪ ،‬زادت مقدرته عىل‬
‫فرض همينته عىل الغري؛ ذلا ال خيىش المرييك أن تكون زوجة رئيس‬
‫اس تخبارات بالده روس ية‪ ،‬أو أن يكون هو نفسه صينيًّا أو اإيران ًّيا مل‬
‫يطأ أرض أمرياك اإال مراهقًا‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬خيىش كثري من اجملمتعات‬
‫املتخلفة عىل فكر قضاهتم من اإرساهلم لمرياك وبالد الغرب‪ ،‬ومه خنبة‬
‫اجملمتع‪.‬‬
‫وعندما ال يقوم اقتصاد جممتع ما بذاته اإمنا بيشء خارج عنه‪ ،‬حفيهنا يتحمت‬
‫عليه ربط معلته بعمةل اقتصاد قامئ بذاته‪ .‬فالنفط‪-‬مثال‪ -‬نتاج الرض‪،‬‬
‫ليس ل إالنسان دور عقيل وال جسدي يف اإنتاجه؛ ولهذا حتمت عىل‬
‫اقتصادايت ادلول النفطية ربط معلته بغريها‪1‬؛ فهو يتبعها؛ فال ينضبط‬
‫كون العمةل مس تقةل قامئة بذاهتا بيامن اقتصادها اتبع لغريه‪ .‬فالنفط جعل‬
‫الاقتصاد جسدً ا حيمل فكره اإىل غري وهجة‪ ،‬وبرثوة ال يقدر حقها‪ .‬ومن‬
‫هنا جاءت حمتية الربط‪ .‬فتبعية العمةل‪ ،‬خري من جسد متعاف هامئ اإىل‬
‫غري وهجة‪.‬‬

‫‪ -1‬والا فسد اقتصادها‬

‫‪28‬‬
‫كربط معالت اقتصادايت النفط ابدلوالر‪ .‬وكون ادلوالر هو النسب‬
‫عىل االإطالق هلم‪ ،‬سببه‪ :‬أن معةل الاقتصاد النفط قميته نفطية‪،‬‬
‫والقمية النفطية متذبذبة ذبذبة عظمية‪ ،‬فال يصلح ان تربط معةل بقمية‬
‫متذبذبة‪ .‬ذلا فامب أن النفط يسعر ابدلوالر‪ ،‬وادلوالر قمية اقتصادية‬
‫مس تقةل متاكمةل؛ ذلا اكن ربط معالت اقتصادايت النفط ابدلوالر‪ ،‬هو‬
‫اخليار المثل لها‪( .‬والاس تقاللية الاقتصادية الاكمةل القتصاد ادلوالر‬
‫يه اليت جعلت ادلوالر امللجأ المن يف الزمة املالية‪ ،‬رمغ أنه اكن‬
‫السبب فهيا)‪.‬‬

‫وذلا مىت ُك ِّرست معةل ادلوةل النفطية‪ ،‬هام اجملمتع الاقتصادي النفط‬
‫برثوته مينة ويرسة يبحث لها عن اقتصاد قامئ بنفسه‪ ،‬مفا يعود للعمةل‬
‫من قمية تذكر‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫تطبيق‪ :‬النفط ودرس تفريط لينكون خبمس اقتصاد بالده‬
‫يف بداية ‪ ،١٨٦٠‬اكن ُس بع الامرياكن عبيدا‪ .‬أما عىل املس توى‬
‫الاقلمي ‪ ،‬فقد اكن هناك عبد واحد للك جنوبيني اثنني‪ ،‬وعبد وزوجة‬
‫وطفل‪ ،‬للك جنويب ذكر قادر عىل العمل‪.‬‬
‫فقد اكن هناك أربعة ماليني عبد‪ ،‬وحسب حبث علم حممك‪ ،‬بعنوان “‬
‫اقتصادايت العبيد الزنوج الامرياكن ” من معهد ماشاتشويست‬
‫للتكنولوجيا‪ ،‬فقد بني أن متوسط سعر العبد عام ‪ ١٨٦٠‬اكنت يرتاوح‬
‫تبعا للوالية بني ‪ ١١٠٠- ١٥٠٠‬دوالر‪ .،‬فهبذا تكون القمية السوقية‬
‫للعبيد بلغت بني س تة ‪-‬اربعة مليارات عام ‪ ، ١٨٦٠‬اي مبارشة قبل‬
‫احلرب‪ .‬فهبذا يبلغ مجموع قميهتم السوقية بنقود اليوم بني ‪- ١٨٠‬‬
‫‪١٣٠‬مليار دوالر‪.‬‬
‫ونظرا لكرثة الارقام وتفاوهتا‪ ،‬وغرابة بعضها ‪-‬رمغ صدورها من مراجع‬
‫علمية راقية يف امرياك‪ ،-‬ذلا جيب ان جنري اختباراتنا اخلاصة للرقام‪.‬‬
‫مفثال لو حاولنا ان حنسب قميهتم الاقتصادية أي مقدار ساعات معلهم‬
‫وانتاجيهتم‪ ،‬فس نجد من املراجع أن متوسط لكفة تأجري العبد للعمل‬
‫عند الغري بلغت من ‪ ٢٠‬دوالر شهراي يف اقىص اجلنوب اإىل ‪١٥‬‬
‫دوالر شهراي يف أعىل اجلنوب‪ ،‬اي اكرث من ‪ ٢٠٠‬دوالر س نواي‪.‬‬
‫(وهذا معقول نظرا لراتب اجلندي الاسود يف احلرب الاهلية)‪.‬‬
‫أي أن العبد يأيت أو ينتج ما قميته تساوي أكرث من مثانية الاالف‬
‫دوالر فرتة حياته‪ ،‬هذا غري تاكثره‪ .‬وال يلكف العبد شيئا‪ ،‬فالعبد‬
‫يغذي نفسه بنفسه‪ ،‬ويتاكثر بنفسه‪.‬‬
‫والاربعة ماليني عبد‪ ،‬فهيم اطفال وحوامل‪ ،‬فلعل العامل مهنم نصفهم‪.‬‬
‫لكن جيب ان حيسب هذا الانتاج التاكثري يف حصة العبيد من الناجت‬
‫احمليل‪ .‬فلو حسبنا قمية التاكثر عىل قمية الانتاج فساويناهام ببعض‪،‬‬
‫لنتاجئ تقريبية‪ ،‬فهبذا يكون انجت العبيد يف الاقتصاد س نواي ‪٨٠٠‬‬
‫مليون اي حنو ُُخس الناجت احمليل أنذاك‪.‬‬
‫وكذكل يه حصهتم يف الرثوة الوطنية‪ .‬فقد بلغت قمية ثروة اجلنوب‬
‫عام ‪١٨٦٠‬م‪ ،‬حنو ‪ ٢٧‬مليار دوالر مهنا ‪ ١٣‬مليار حصة قمية ثروة‬
‫العبيد‪ .‬وب اما يف الشامل فقد قدرت ثروته ‪ ٤١.٥‬مليار دوالر‪.‬‬
‫وهذا يعين ان العبيد اكنوا يشلكون نصف ثروة اجلنوب وُخس ثروة‬
‫البالد لكها‪.‬‬
‫فلو افرتضنا ان حترير العبيد مت بال حرب اهلية‪ ،‬فهل يُعترب حترير‬
‫العبيد‪ ،‬تفريطا ُخبمس دخل البالد ُ‬
‫وُخس ثروهتا؟‬
‫اجلواب‪ :‬ال‪ .‬فاعامتد اجلنوب عىل العبيد‪ ،‬أورهثم الكسل يف العمل‬
‫وامخلول يف الابداع‪ .‬فقد اكن يف الشامل ‪ ١٢٠‬الف مصنع مقابل ‪٢٠‬‬
‫الف مصنع يف اجلنوب‪ ،‬مع فارق النوعية والانتاجية لصاحل املصنع‬
‫الشاميل‪.‬‬
‫وذلا اس تطاع الشامل تطوير الاسلحة بشلك مذهل خالل س نوات‬
‫احلرب‪ ،‬اكلبندقية متعددة الطلقات بال حشو واعادة تعبئة اليت ُصفت‬
‫للجندي الشاميل‪ ،‬مقابل البندقية العادية اليت ال بد من حشوها يف لك‬
‫طلقة عند اجلنويب‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ولوال ارادة هللا مبقتل لينكون بعد احلرب مبارشة‪ ،‬وانتاكس اصالح‬
‫وضع العتقاء بعده‪ ،‬مث نتيجة نزاع انتخاابت عام ‪ ،١٨٧٧‬اليت اخرت‬
‫حركة املساواة مائة عام يف امرياك‪ ،‬لوالهام‪ ،‬لاكن وضع امرياك ‪-‬وهللا‬
‫اعمل ‪ -‬متقدم مبراحل فلكية عن اليوم‪. 1‬‬
‫لكن الشاهد أنه بعد احلرب‪ ،‬اضطر اجلنوبيون للعمل والابداع‪،‬‬
‫فسامهوا يف تطوير بالدمه‪ ،‬بشلك تضاعف ‪ .‬فقد اكن اجلنوب مصدرا‬
‫للمواد الولية‪ ،‬واكن الشامل مس توردا لها‪ ،‬فقد اكن الشامل هو من‬
‫يقوم بصناعهتا وحتويلها لسلع‪ ،‬كصناعة الثياب مثال من قطن اجلنوب‪.‬‬
‫مفا اش به الاثر الاقتصادي لرثوة النفط ‪-‬عىل دول النفط‪ ،-‬ابلثر‬
‫الاقتصادي لرثوة العبيد عىل والايت العبيد اجلنوبية‪ .‬وهناك ايضا‬
‫ش به كبري يف الاثر الاخاليق والفكري كذكل‪ ،‬فمك هو عظمي التأمل‬
‫العلم العميق يف اترخي الشعوب‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬مفاهمي السوق‬
‫بداية فاملقصود ابلسوق هنا‪ ،‬أي العرض والطلب‪ .‬فالسوق أي املاكن‬
‫اذلي يلتق فيه البائع واملشرتي‪ .‬ولفظ نظام السوق يعين النظام اذلي‬
‫حيمك حترك الطلب والعرض‪ .‬فالسوق احلرة يه السوق اليت ال تتدخل‬
‫فهيا احلكومة بغرض رضائب أو منح اإعاانت‪ ،‬وال تضع عوائق وال‬
‫تعط امتيازات؛ فتكون السوق حيهنا عىل خلقة هللا اليت خلقها عليه‪.‬‬

‫‪(. 1‬وهذا اس تطراد ليس هنا حمهل)‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الباب الول‪ :‬معىن السوق احلرة‬
‫الاقتصاد احلديث هو نظرايت اقتصادية حمضة‪ُ ،‬سللمت تنظرياهتا‬
‫لالنصياع لسنن هللا الكونية فمل تعاندها‪ .‬مفبدؤها‪ :‬حرية السوق اليت‬
‫متثلها حرية السعار برشط حرية املنافسة‪ .‬والتدخل يف اختالل‬
‫املنافسة‪ ،‬قد يكون غري مبارش‪ .‬كتقدمي االإعاانت مثال‪.‬‬
‫مفىت حتقق السعر احلر‪ ،‬توفرت السلع حيهنا بسعر التلكفة الاقتصادية‬
‫‪ ،‬فال ربَ ظاملا لتاجر‪ ،‬وال إارساف من مس هتل بسبب تقدمي سلعة‬
‫هل ال يقدر مثهنا‪ .‬وهبذا يمت اس تغالل املوارد الاقتصادية احملدودة أمثل‬
‫اس تغالل؛ حلرص املتنافسني عىل رفع كفاءة االإنتاج بأقل لكفة‪ ،‬ليحققوا‬
‫الرابح‪.‬‬
‫وليس املقصود ابلسوق احلرة هو عدم حتديد السعار‪ ،‬فقط‪ .‬فتحديد‬
‫السعار أمر مس تحيل التطبيق ابلطبيعة‪ ،‬وال ميكن فرضه اإال لفرتات‬
‫قصرية مث تظهر السوق السوداء واجلرمية‪ .‬ولن يس متر املنتج يف االإنتاج‬
‫اإذا مل يس تطيع تغطية اللكفة‪ .‬وحتديد السعار عىل افرتاض فرضه‪،‬‬
‫يشل السوق الرمسية فال بيع وال رشاء‪ ،‬وتزدهر السوق السوداء‬
‫وترتفع فهيا السعار‪ ،‬ويتوقف منو الاقتصاد أو اإنتاج السلعة احملدد‬
‫سعرها‪ .‬مفثال‪ ،‬لو حددت ديب اسعار الاجيارات قدميا عند ارتفاعها‬
‫املفاجئ‪ ،‬ملا استمثر املستمثرون يف بناء ديب والرتفعت اسعار العقارات‬
‫أكرث واكرث لقةل العرض‪ ،‬والزدهرت السوق السوداء‪.‬‬
‫فاملقصود ابلسوق احلرة هو عدم التأثري عىل الاسعار ابلتأثري عىل‬
‫العرض أو الطلب او الكهام‪ ،‬بتدخل خاريج بدمع او عكسه ‪-‬اكإعانة‪-‬‬
‫‪33‬‬
‫ينتج عنه تغري ابلسعار نتيجة تغيري العرض أو الطلب‪ .‬وهذا ما فعلته‬
‫اقتصادات ادلول الاشرتاكية وتفعهل اقتصادات ادلول البرتولية غالبا‪،‬‬
‫وهو ما يسمى ابلتخطيط املركزي لالقتصاد‪.‬‬
‫وهذا التدخل‪ ،‬وان اكن ممن املمكن اس متراره لفرتة طويةل الا انه مدمر‬
‫او مشل لالقتصاد‪ ،‬والتجربة اثبتت هذا‪.‬‬
‫وحرية السعار‪ ،‬مبدأ معروف من قدمي‪ ،‬وقد أمر عليه الصالة‬
‫والسالم به حني رفض التدخل يف السوق فرفض التسعري‪ ،‬فقال‪( :‬اإن‬
‫املسعر هو هللا) ‪ .‬وأمر عليه الصالة والسالم بتحقيق املنافسة‪ ،‬حفرم‬
‫تلق الركبان‪ .‬ومثهل منع الاقتصاد احلديث التدخل احلكويم‪.‬‬
‫وتدخل ادلوةل يف السوق يكون خبمسة أمور رئيس ية يه‪ :‬الرضائب‪،‬‬
‫واالإعاانت‪ ،‬واالإنفاق (ومنه امللكية احلكومية)‪ ،‬وحتديد السعار‪ ،‬و‬
‫حتديد االإنتاج (ومنه التصدير والاس ترياد والامتيازات)‪.‬‬
‫فالعدل لك العدل يف السعر العادل‪ ،‬اذلي حيقق الاس تغالل المثل‬
‫للموارد‪ ،‬يف ظل حرية السعار واملنافسة‪ .‬فالسوق حتمكه السعار‪،‬‬
‫والسعار حتمكها اللكفة‪ .‬فلك زايدة مصطنعة يف اللكفة ميكن لدلوةل‬
‫منعها‪ ،‬فيجب أن متنعه‪ ،‬مكنع الاحتاكر والامتيازات والرضائب‪ ،‬وهذه‬
‫لكها قد وافقت الوامر النبوية‪ ،‬فاالقتصاد جيري عىل سنن كونية‪.‬‬
‫وكذكل ُمنع لك ختفيض مصطنع لللكفة‪ ،‬اكالإعاانت‪ .‬فهو لن يكون‬
‫جماانً ‪ ،‬بل عىل حساب طرف من أطراف اجملمتع؛ ليرسف طرف أخر‬
‫حبصوهل عىل مورد اقتصادي ال يقدر مثنه‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫وقد أمر االإسالم ابلعدل مع الغين والفقري‪ ،‬واالإسالم يدل عىل سنن‬
‫هللا الكونية يف السوق‪ ،‬والرأساملية اجهتدت يف تتبع سنن هللا الكونية‪،‬‬
‫وتقبلت التغيريات واالإصالحات‪ .‬ذلا؛ مل تنحز الرأساملية للتجار وال‬
‫للحكومات وال للشعب‪ ،‬بل احنازت ملا حيقق املثالية الاس تغاللية‬
‫املثىل للسوق؛ وهبذا يتحقق تعظمي اقتصاد اجملمتع لكه‪ .‬ولهذا؛ منع‬
‫الاقتصاد احلديث االإعاانت ا إالرسافية وأقر االإعاانت اليت تعظم‬
‫االإنتاج‪ ،‬وابلتايل الرابح‪.‬‬
‫فاالقتصاد احلر‪ ،‬مل مينع التعاون والصدقات واالإحسان‪ ،‬بل منع تدخلها‬
‫يف السعر العادل‪ ،‬فعزلها عن الاقتصاد بعزل الس ياسة احلكومية عهنا‬
‫وعن الاجتار هبا يف السوق‪.‬‬
‫وبعد هذه املقدمات‪ ،‬فلعهل قد تبني لنا معىن السوق احلرة‪ :‬فهي‬
‫السوق اليت حيمك السعر مس توى العرض والطلب فهيا دون تدخل‬
‫خاريج‪ ،‬اكإعانة أو احتاكر لسبب أو غريه‪ .‬ولهذا؛ فف السوق احلرة‬
‫التنافس ية ال جمال الصطناع رفع السعار‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬السوق التنافس ية‬
‫حرية السعار يف السوق احلرة من حرية املنافسة فيه‪ .‬والتنافس فطرة‬
‫برشية فطر هللا اخللق علهيا‪ ،‬لتمنو احلياة وتس متر‪ .‬وهو نوعان‪ :‬تنافس‬
‫بناء وتنافس هدام‪.‬‬
‫فالتنافس البناء يف السوق‪ ،‬هو التنافس لتعظمي االإنتاج كام ونوعا‪ ،‬دون‬
‫انقاص من انتاج سوق أخرى‪ ،‬ومن شواهد التنافس البناء قوهل تعاىل‬

‫‪35‬‬
‫‪ ” :‬ويف ذكل فليتنافس املتنافسون ” ‪ .‬أما التنافس الهدام‪ ،‬فهو‬
‫التنافس لتعظمي االإنتاج هبدم انتاج سوق أخرى ‪.‬‬
‫ودور احلكومات يف الس ياسة الاقتصادية هو سن الس ياسات يف دمع‬
‫التنافس احلر البناء اذلي يقود السوق اإىل أقرب حاةل ممكنة من السوق‬
‫التنافس ية املثىل‪ ،‬ومنع التنافس الهدام اذلي مينع من ظهور املنافسني‪.‬‬
‫والسوق التنافس ية يه السوق اليت ال يرتفع فهيا سعر السلعة عن لكفة‬
‫اإنتاهجا وال ينقص‪ .‬وهذا عادة ال ميكن حتقيقه اإال يف السلع الاس هتالكية‬
‫البس يطة والصناعات اخلفيفة‪.‬‬
‫واحلد اجلامع للسلع التنافس ية احملضة هو كوهنا متشاهبة جدا ومنتجوها‬
‫كثريون اإىل حد ال ميكن تواطؤمه عىل االتفاق عىل رفع السعار‪،‬‬
‫كسوق املاش ية واخلضار‪ .‬وما عدا ذكل فلك السلع فهيا نوع من القوة‬
‫الاحتاكرية اليت ميكهنا من رفع السعر فوق سعر اللكفة اذا متزيت عن‬
‫شبهياهتا‪ ،‬اكلس يارات واملطامع وحنوهام‪.‬‬
‫وهممة احلكومة هنا يف حامية املنافسة‪ :‬هو تسهيل وجود السلع البديةل‬
‫املنافسة اليت تضعف من احتاكرية هذه السلع وليس هممهتا حتديد‬
‫السعار‪ .‬مفثال ال يصلح ان حتدد احلكومة سعرا لنوع س يارة ما‪ ،‬ولكن‬
‫تسهل اإجياد أنواع س يارات أخرى بديةل يف سوق الس يارات‪.‬‬
‫وهناك بعض السلع املتشاهبة متام ًا ولكن تمتزي بنوع من الاحتاكرية‬
‫لصعوبة أو ارتفاع لكفة الانتاج‪ ،‬كصناعة احلديد مثال‪ .‬فهنا دور‬
‫احلكومة ان تراقب السعار لضامن عدم وجود تواطأ بني املنتجني لرفع‬

‫‪36‬‬
‫السعار بتخفيض طاقهتم االإنتاجية‪ .‬وهناك سلع احتاكرية خلقة‪،‬‬
‫اكلكهرابء وهذه تتدخل ادلوةل يف تسعريها واحلفاظ عىل عدم منافس هتا‪.‬‬
‫وجيب التنبيه‪ ،‬ان املقصود هنا يف ذم تدخل ادلوةل‪ ،‬هو تدخلها يف‬
‫سوق الصناعات واخلدمات والسلع احلقيقية‪ ،‬وليس يف السوق املالية‬
‫والنقدية‪ .‬فالسوقان عىل عكس بعضهام يف هذا الباب‪ .‬وادلراسات‬
‫الاكدميية رشحت ابإسهاب ختصيص وعلم أس باب هذه الظاهرة‬
‫للسوق املالية اخملالفة لقانون طبيعة السوق حبمتية التدخل احلكويم فهيا‬
‫لصالهحا‪.‬‬
‫واخلالصة‪ ،‬ان ما يتناقهل الناس من ان التجار يتالعبون ابلسعار غري‬
‫حصيح متام ًا وخاصة يف السلع الزراعية و الاس هتالكية العامة‪ .‬فال ميكن‬
‫لتاجر‪ -‬إان اكنت سلعته تنافس ية ‪-‬ان يرفع السعر عن السوق دون ان‬
‫يفقد حصته السوقية‪ ،‬ويس تجلب لنفسه العبني جدد يف سوقه‪.‬‬
‫واحلكومة لها دور همم يف ادلمع ويف االإعاقة ولكنه جيب ان يكون قامئا‬
‫عىل حتليل اقتصادي علم دقيق‪.‬‬
‫مفثال‪ :‬مجيعنا يعمل أن الطلب اإذا زاد زادت السعار يف لك يشء حىت‬
‫يف البضائع الاس هتالكية لفرتة معينة‪ ،‬ولكن ال يعمل كثري منا السبب‬
‫احلقيق ‪( .‬وحتديد البضائع الاس هتالكية؛ لغلبة السوق التنافس ية علهيا)‪.‬‬
‫ذلا‪ُ ،‬ترىم االهتامات عادة عىل تأمر التجار واملنتجني‪ ،‬وهذا غري‬
‫حصيح غالبا‪ .‬فالسوق التنافس ية للمنتجات املتشاهبة سوق حرة‪ ،‬فهي‬
‫ال تسمح ابلتأمر اإذا اكن عدد املنتجني أو البائعني كثري‪ ،‬أو اإذا اكن‬
‫ادلخول واخلروج للسوق سهل‪ .‬فالسوق التنافس ية لهذا السبب يسهل‬
‫‪37‬‬
‫فهيا زايدة االإنتاج برسعة‪ .‬فبسبب اخنفاض لكفة انتاج السلعة وبساطة‬
‫انتاهجا أو اس تريادها‪ ،‬مع وجود سوق تنافس ية‪ ،‬ينشأ مناخ هيئي سهوةل‬
‫ادلخول واخلروج فهيا‪ ،‬فال تسمح ديناميكية السوق التنافس ية بزايدة‬
‫السعار ملدة طويةل‪ ،‬اإال اإن اكن بسبب زايدة اللكفة االإنتاجية‪.‬‬
‫تطبيق‪ :‬فشل السوق عند تدخل ادلوةل‬
‫فف هذا الباب‪ ،‬رضب قرين س بان‪ 1‬مثال ابلهند ليبني التأثري االإجيايب‬
‫للسوق احلرة عىل جودة االإنتاجية من الناحية المكية والنوعية‪ .‬فالهند‬
‫اكنت تصنف الهواتف النقاةل عىل أهنا سلع الرتف‪ ،‬بيامن تصنف الطب‬
‫والطعام وحنوها من الرضورايت‪ .‬وبناء عىل هذه التصنيفات تدخلت‬
‫احلكومة يف تنظمي سوق الصناعات واخلدمات اليت تصنف ابهنا‬
‫رضورية بيامن تركت سوق االتصاالت حرة‪ ،‬تنظم نفسها بنفسها‪.‬‬
‫وعدم التنظمي هنا‪ ،‬ال يعين عدم اصدار الرتاخيص والتسجيل وحنوها‪،‬‬
‫امنا املقصود بعدم ابلتنظمي هو عدم التدخل احلكويم سواء ابدلمع او‬
‫الاعاقة‪ .‬والاعاقة لها صور كثرية مهنا وضع رسوم مرتفعة للرتاخيص او‬
‫حتديد عدد الرشاكت العامةل او وضع الرشوط الصعبة وحنو ذكل‪.‬‬
‫فاذلي حدث يف الهند‪ ،‬وبعد خماض سويق حر متزي فيه اخلبيث من‬
‫الطيب‪ ،‬ان سوق االتصاالت الهندي أصبح أعظم سوق يف العامل‬
‫كفاءة وجودة ورخصا للمس هتل‪ .‬وذكل عىل عكس الصناعات‬
‫واخلدمات الاخرى اليت تدخلت فهيا ادلوةل ابلتنظمي وادلمع‪.‬‬

‫‪ 1‬هو أطول من ترأس منصب رئيس الفدرايل المرييك‬

‫‪38‬‬
‫وقفة فلسفية‪ :‬حرية الاسواق‬
‫السوق اكحلراك الفكري يف اجملمتع‪ :‬اإما أن تكون تنافس ية والبقاء فهيا‬
‫للصلح والجود‪ ،‬والطيب يطرد اخلبيث‪ .‬وإاما أن تتدخل احلكومات‬
‫فهيا‪ ،‬فتفسدها وتعرقل منوها‪ ،‬فتحتل موقعها يف مؤخرة المم‪ .‬فرتى هذه‬
‫المم تقعد تراوح يف حملها ويه ترفع شعارات الزتييف الفكري‬
‫والاقتصادي حين ًا من الزمن‪ ،‬حىت تضطر احلكومات فامي بعد اإىل أن‬
‫تتخىل عن مبدأ التخطيط املركزي للفكر وللسوق عىل حد سواء‪.‬‬
‫وذكل اإما عىل أيدي أُمناهئا وعقالهئا‪ ،‬أو خوف ًا عىل نفسها من ثورات‬
‫الشعوب ادلامية‪ .‬وشاهد ذكل ما نراه أمامنا من التحوالت يف روس يا‬
‫وأس يا وأورواب الرشقية ويف بالد الصني والهند وبالد العرب‪.‬‬
‫والتخطيط املركزي للسوق‪ 1‬أثبت فشهل يف مجيع ادلول الش يوعية‬
‫واحلكومات الاشرتاكية‪ .‬وما أهون فشل التخطيط املركزي للسوق‪،‬‬
‫اإذا ما قُورن بفشل التخطيط املركزي لليديولوجيات‪ .‬فالش يوعية مل‬
‫تس تطع أن تفرض فكرها عىل شعوهبا اإال ابحلديد والنار‪ ،‬وكذا يه‬
‫حال لك أيدلوجية تعجز عىل أن تقوم بنفسها؛ فتلجأ اإىل اجلرب واالإكراه‬
‫بقوة السلطان وتطبيل االإعالم‪ ،‬حتت غطاء الرسية والتكمت‪ .‬وشاهد‬
‫هذا أننا نرى‪ ،‬وخبالف الش يوعية‪ ،‬منت الرأساملية وتطورت وحتولت‬
‫وتبدلت عرب العقود يف الهواء الطلق مضن ِّخضام سوق احلراك الفكري‬
‫احلر؛ ففرضت فلسفهتا عىل شعوهبا ابالإقناع والقبول‪.‬‬

‫‪ -1‬نقصد ب(التخطيط املركزي) الاعامتد عىل ادلوةل ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫وقد حطمت الصناعات احلربية يف القرن املنرصم اسرتاتيجية السوار‬
‫والقالع واخلنادق‪ ،‬فمل تعد عوائق حتول دون اخرتاق العدو‪ .‬وكذكل‬
‫هو احلال يف حصار الفكر‪ .‬فقد اكن القتل والسجن والنف ‪-‬اإىل عهد‬
‫قريب‪ -‬كفي ًال ابلقضاء عىل الرشحية املفكرة يف اجليل الول من اجملمتع‬
‫املدين‪ ،‬ومن مث تُدَ َّجن الجيال يف حصار فكري أيديولويج خيدم‬
‫طائفة قليةل عىل حساب ختلف الوطان‪ ،‬وفقر املاليني من شعوب‬
‫تل البالد‪ .‬وكام فعلت الصناعات املتقدمة يف حتطمي دفاعات املدن‪،‬‬
‫فكذا فعلت االتصاالت الرمقية يف العقد اذلي نعيشه يف حتطمي حصار‬
‫الفكر‪ ،‬فمل تعد هناك قوة تس تطيع أن تفرض أيدلوجية معينة‪ ،‬وال أن‬
‫حتجر عىل فكر الشعوب‪ ،‬والبقاء للصلح‪.‬‬
‫والتخطيط املركزي للفكر أو للسوق هو معول هدم احلضارات‪ .‬وهو‬
‫اكتب سيناريو الفقر واملأساة‪ .‬وهذه يه التجارب ماثةل أمامنا‪ ،‬من‬
‫فيتنام الشاملية مروراً بدول العامل ووصوالً اإىل أورواب الغربية وأمرياك‪.‬‬
‫فالبضاعة اجليدة والرخيصة ال حتتاج اإىل سلطة لفرضها عىل املس هتل‪،‬‬
‫وكذكل الفكر ال حيتاج اإىل سلطة تؤيده اإال اإذا اكن هزي ًال مفلس ًا من‬
‫املنطق وعاجزاً عن مقارعة اخلصوم‪ .‬ومل متارس حكومة قط يف العرص‬
‫احلديث معلية التخطيط املركزي للفكر واليديولوجيات ابجلرب‬
‫واالإكراه‪ ،‬اإال وأصبحت أيديولوجيهتا أطالال‪ ،‬يبيك علهيا قداىم حماربهيا‪.‬‬
‫وحتديد السعار من قبل احلكومة‪ ،‬هو فتيل اإشعال السوق السوداء‬
‫وازدهارها؛ مما ُخيرج احلكومة مجةل وتفصي ًال من السوق احلقيقية‪.‬‬
‫فهتمين السوق السوداء‪ ،‬اليت يتبايع فهيا الناس‪ .‬فتكرث اجلرمية وينترش‬
‫‪40‬‬
‫الظمل ويهنار الاقتصاد‪ .‬وكذا نرى يف حتديد الفكر من قبل هجة واحدة‬
‫يف عرص املعلومات الرمقية‪ .‬ما هو اإال دعوة رصحية وقوية الإقامة أكرب‬
‫ساحة فكرية خارجة عن إارشاف احلكومات وتوجهيها؛ ليجد فهيا بعض‬
‫اخلبثاء والرشار أفضل بيئة لنرش الفاكر املنحرفة اليت س تلقى قبوالً‬
‫عند عامة البسطاء كردة فعل لرفضهم االإكراه الفكري‪ .‬فضعف‬
‫املؤسسات الفكرية يف العرص احلديث ال يس تقوي ابلسلطة‪ ،‬ففرض‬
‫الفكر بقوة احلكومات يف عرص املعلومات الرمقية اذلي نعيشه‪ ،‬ما هو‬
‫اإال إارساع لعملية القضاء عىل مدرسة ذاك الفكر‪ ،‬وحرمان حكومته من‬
‫فرصة تصحيح أوضاعها‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مفهوم التوزيع العادل للرثوة‬
‫تدور فلسفة فالسفة الاقتصاد ‪-‬اليت تودلت عهنا النظمة الاقتصادية‪-‬‬
‫حول موضوع التوزيع العادل للرثوات‪.‬‬
‫و قد مرت البرشية خالل تطورها املدين مبحاوالت عدة لتحقق عداةل‬
‫توزيع الرثوات يف اجملمتع‪ .‬مفن املزدكية اجملوس ية الاشرتاكية اليت تنادي‬
‫بتشارك أفراد اجملمتع للك يشء‪ ،‬اإىل االإقطاعية االإمرباطورية اليت جتعل‬
‫احلامك مالاك للك يشء‪ .‬واجملمتعات الاقتصادية اإىل ما قبل قرنني من‬
‫الزمن اكنت لكها يف معظمها اقتصادايت دخل‪ /‬تأجري تقوم عىل الزراعة‬
‫والرع وما يلحق هبام من جتارة وغزو‪ .‬واالإنتاج ادلخيل‪/‬التأجريي يُنتج‬
‫سوقا غري حرة‪ ،‬ذات نظام اإقطاع ‪.‬‬
‫وقد جاء االإسالم فتعامل مع النظام االإقطاع ابإقراره‪ ،‬ولكن بأحاكم‬
‫معامالت وسطية‪ .‬فاالإسالم مل يتصادم مع االإقطاعية‪ ،‬بل هذهبا‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫وابس تصحاب هذا اإىل واقع اليوم‪ ،‬نس تنتج بأن التوزيع العادل للرثوات‬
‫جيب أن يُبىن عىل قاعدة أساس ية‪ :‬ويه أن يزيد هذا التوزيع من هذه‬
‫الرثوات يف اجملمتع كلك ليغتين اجملمتع لكه‪ ،‬ال ليك يفتقر الناس مجيعا‪.‬‬
‫وليك تتحقق زايدة ثروة اجملمتع يف الاقتصاد ادلخيل اذلي حيمكه نظام‬
‫اإقطاع ‪ ،‬فال بد من تركز الرثوة يف أفراد معدودين‪ ،‬بيامن يعيش البايق‬
‫حد الكفاف‪ .‬ولهذا جاءت به النصوص الرشعية للمعامالت من حتديد‬
‫الزاكة يف نسب بس يطة‪ ،‬وما جاءت به أيضا من منع الرضائب‪ .‬والنظام‬
‫االإساليم هو أفضل نظام حيقق الاس تغالل المثل دليناميكية السوق‬
‫ادلخلية االإقطاعية‪ ،‬اليت اكنت قامئة قبل الهنضة الصناعية‪.1‬‬
‫ومع دخول عرص الصناعة‪ ،‬أصبح لزاما توفر طبقة وسطى غالبية قادرة‬
‫عىل رشاء حاجيات فوق حد الكفاف؛ ليك تس تطيع هذه الطبقة حتفزي‬
‫االإنتاج‪ .‬وهنا أيضا‪ ،‬فليك تزيد ثروة اجملمتع يف الاقتصاد الصناع اذلي‬
‫حيمكه نظام رأساميل‪ ،‬فال بد من تركز الرثوة يف أفراد معدودين‪ ،‬بيامن‬
‫يعيش البايق حياة طيبة‪ “ ،‬الطبقة الوسطى ” ‪ .‬جفاءت النظمة‬
‫الرأساملية التطبيقية احلديثة املعدةل من الرأساملية النظرية الوىل‪،‬‬
‫ففرضت رضائب تصاعدية عىل الثرايء تزتايد لكام زادت الرثوة الناجتة‬
‫من اس تغالل موارد اجملمتع‪ ،‬حىت تصل الرضيبة اإىل ‪ .٪٧٠‬وهبذه‬
‫الرضائب تس تطيع ادلوةل توفري احلاجيات الساس ية للناس من طب‬

‫‪ 1‬وبرمغ اختالف شلك النظام االإنتايج الصناع ‪ ،‬واذلي يعترب أساس ديناميكية الاقتصاد اكملخ ابلنس بة لالإنسان‪ ،‬اإال أن الزاكة ما زالت قادرة عىل تغطية كثري من املهام‬
‫التنظمية لالقتصاد الصناع احلديث‪ ،‬اذلي يصل به اإىل التوزيع العادل للرثوات‪( .‬وحد العداةل الاقتصادية‪ ،‬هو ما يعود عىل اجملمتع بأعىل اإنتاجية وبأقل لكفة‪ ،‬وس يأيت)‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫وتعلمي وخدمات‪ ،‬كام ترتك الفسحة لعزمية املنتج عىل الاس مترار يف‬
‫زايدة االإنتاج وتطويره‪.‬‬

‫الباب الول‪ :‬حد التوزيع العادل للرثوات‬


‫حفد التوزيع العادل للرثوات يف الاقتصاد الصناع هو‪ :‬ما يضمن‬
‫احملافظة عىل أصول الرثوات لتمنيهتا وتطويرها مما حيقق ثراء اجملمتع لكه‪.‬‬
‫والتوزيع العادل للرثوات هو س نة اذلي خلق هللا السوق عليه حبسب‬
‫نظامه االإنتايج‪ .‬وقد جاءت النصوص الترشيعية لتعمل أمة محمد صىل‬
‫هللا عليه وأهل وسمل كيفية التعامل مع ِّخلقة هللا للسوق‪ ،‬ولتهنامه عن‬
‫اخلروج عهنا؛ ليتحقق هلم التوزيع العادل للرثوات‪ ،‬ولكن ما هو التوزيع‬
‫العادل للرثوة؟‬
‫التوزيع العادل ال يعين املساواة الصورية يف ملكية وجحم الرثوة‪ ،‬ولكن‬
‫العداةل يف اس هتالكها‪ .‬فعىل هذا؛ َخلَق هللا السوق كام خلق اخلري‬
‫والرش واملوت واحلياة؛ حلمكة البالء اليت أرادها هللا لعباده‪ ،‬وهو‬
‫احلكمي اخلبري وإاليه العودة والنشور‪ ،‬فيبني لعباده ما اكنوا فيه خيتلفون‪.‬‬
‫وقد تفاوت أحصاب الرسول عليه الصالة والسالم والنبياء من قبلهم‬
‫يف الغىن والفقر‪ .‬مفهنم الغين الواسع الغىن ومهنم الفقري املدقع‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫(ونبلومك ابلرش واخلري فتنة)‪.‬‬
‫وقد اكن يف الصحابة رضوان هللا علهيم تفاوت عظمي يف الرثاء‪ .‬مفهنم من‬
‫هو شديد الرثاء كعامثن ‪-‬ريض هللا عنه‪ ،-‬اذلي اكن يتصدق جبزء من‬
‫ماهل كقافةل جتارية اكمةل‪ ،‬وقادرا عىل جتهزي جيش يف عرسة من الزمن‪،‬‬
‫‪43‬‬
‫بيامن اكن أهل الصفة ‪-‬ريض هللا عهنم‪ -‬يف حال من الفقر يلتصق بعضهم‬
‫ببعض لتغطية عوراهتم‪ ،‬ال جيدون قطعة من مقاش أو جدل يسرتوهنا‬
‫به‪.1‬‬
‫واكن صىل هللا عليه وأهل وسمل هيب املئة من االإبل والوادي من الغمن‬
‫لثرايء القوم وساداهتم دون فقراهئم وضعفاهئم‪.‬‬
‫ذلا؛ ال يصلح الاجنراف وراء العواطف اليت تغذهيا الغرية أحياان‪،‬‬
‫ويغذهيا الس ياس يون أو املصاحل أحياان أخرى‪ ،‬عند النظر يف التوزيع‬
‫العادل للرثوات‪ .‬بل جيب النظر اإىل الس باب الاقتصادية والتنظميية‬
‫اليت أوجدت هذا التفاوت الواسع‪ ،‬وما يه نتاجئه عىل اجملمتع سلبا أو‬
‫اإجيااب؟‬
‫فف ردود فعل عاطفية أو س ياس ية‪ ،‬أو اإعالمية‪ ،‬أو شعبوية‪ ،‬يستنكر‬
‫الناس يف أحناء العامل تعاظم ثروات الغنياء واس تئثار ملكيهتم لغالب‬
‫ثروات بالدمه عىل ضأةل نس بة عددمه يف جممتعهم‪ ،‬اليت قد ال تتجاوز‬
‫‪ ٪١‬يف بعض ادلول‪ .‬فهل لهذا الاستناكر أرضية اقتصادية علمية‬
‫حصيحة؟‬
‫اجلواب عىل هذا السؤال خيتلف ابختالف اجملمتع الاقتصادي اذلي هو‬
‫حمل النظر‪ .‬فاملُستَنكر املمقوت رشعا واقتصادا‪ ،‬هو وجود طبقة‬

‫‪ -1‬عن أيب هريرة ريض هللا عنه أن فقراء املهاجرين أتوا رسول هللا صىل هللا عليه وسمل فقالوا‪ :‬ذهب أهل ادلثور ابدلرجات العىل‪ ،‬والنعمي املقمي‪ .‬فقال‪ :‬وما ذاك ؟ فقالوا‪:‬‬
‫يصلون كام نصيل‪ ،‬ويصومون كام نصوم‪ .‬ويتصدقون وال نتصدق‪ ،‬ويعتقون وال نعتق‪ .‬فقال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪ :‬أفال أعلممك شيئا تدركون به من س بقمك‬
‫وتس بقون به من بعدمك وال يكون أحد أفضل منمك اإال من صنع مثل ما صنعمت؟ قالوا‪ :‬بىل اي رسول هللا‪ .‬قال‪ :‬تس بحون وحتمدون وتكربون دبر لك صالة ثالاث وثالثني‬
‫مرة‪ .‬فرجع فقراء املهاجرين اإىل رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪ ،‬فقالوا‪ :‬مسع اإخواننا أهل الموال مبا فعلنا ففعلوا مثهل؟ فقال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل‪ :‬ذكل فضل‬
‫هللا يؤتيه من يشاء‪ .‬متفق عليه وهذا لفظ رواية مسمل‪ .‬وادلثور‪ :‬الموال الكثرية‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الغنياء اليت تعطل اس تغالل املوارد ابحتاكرها دون تشغيلها يف‬
‫الاقتصاد‪ .‬وكذكل من املذموم يف تكتل الرثوات عندما يكون الرثاء‬
‫من غري بذل هجد حقيق ‪ ،‬كفساد وحنوه؛ لن هذا يقتل روح املنافسة‬
‫االإجيابية وحي روح املنافسة السلبية؛ فيدمر الاقتصادايت واجملمتعات‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬حمتية تركز الرثوات يف الاقتصاد‬
‫ولكن السؤال اذلي قد يكون يرتدد يف قلوب الكثري من القراء‪ ،‬هو‪:‬‬
‫ملاذا يتحمت تركز متل الرثوة يف قةل من أفراد اجملمتع ليك يمتتع الاقتصاد‬
‫بصحة وعافية جيدة؟ واجلواب يتخلص يف الس باب التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ديناميكية اللكفة واالإنتاج‬
‫فليك نفهم مسأةل حمتية تركز الرثوات يف الاقتصاد ‪ ،‬جيب أن نفهم‬
‫قبلها ديناميكية اللكفة واالإنتاج‪ .‬فاللكفة يه أساس السعار اليت حتمك‬
‫السوق‪.1‬‬
‫وديناميكية لكفة االإنتاج فس نأيت علهيا يف فصل‪( :‬الاقتصاد اجلزيئ)‪.‬‬
‫فاإذا ما فهمنا ديناميكية لكفة االإنتاج‪ ،‬نكون قد بيننا بنية حتتية فكرية‬
‫نس تطيع هبا تقريب فهم حمتية متل فئة قليةل للرثوات يف اجملمتع من‬
‫الناحية الاقتصادية‪ .‬بعد أن نقدم لها من الناحية املنطقية‪ .‬فبعد املنطق‬
‫نأيت بتطبيق اقتصادي حملتكر‪ ،‬فرنى تاكمل املنطق مع التطبيق وتظهر‬
‫لنا حقيقة خلق هللا للسوق كخلقه ل إالنسان‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬الاقتصاد اكحلُمك‬

‫‪ 1‬والسعر هو قلب السوق كام بينا يف المتهيد‬

‫‪45‬‬
‫فاالقتصاد يف شلكيه الرئيسني‪ ،‬االإقطاع ادلل خْيل أو الرأساميل‬
‫الصناع ‪ ،‬معوما مثل احلمك والس ياسة‪ .‬فكام أنه ال تس تقمي أمور اجملمتع‬
‫وادلوةل اإذا اكن لك اجملمتع أو غالبه حاكما أو س ياس يني‪ ،‬أو أن تُوزع‬
‫السلطة‪ ،‬فكذكل ال يصلح أن ميل‬ ‫عىل أفراد اجملمتع مقاليد قرارات ُ‬
‫غالب اجملمتع غالب الرثوة أو أن تُوزع عىل أفراده ثروات اجملمتع‪ .‬وإان‬
‫اكن توزيع السلطة ال يصلح بسبب طبيعة عوامل السلطة اليت حتمكها‬
‫وجوب وحدة القرار‪ ،‬واالإنسان بطبيعته اخلالف والسع للسلطة‪،‬‬
‫وديناميكية السلطة تس تلزم عدم املنازعة واخملالفة‪ ،‬فتوزيع السلطة عىل‬
‫أفراد كرث يفسد ديناميكيهتا‪ ،‬وكذكل هو يف الاقتصاد‪.‬‬
‫كام جيب أن ندرك بأن القدرة عىل تشكيل الرثوات موهبة يرزقها هللا‬
‫من يشاء‪ ،‬متاما مكوهبة القدرة عىل السلطة واحلمك‪ .‬وما جيري يف‬
‫السلطة واحلمك من سنن هللا‪ ،‬جيري كذكل يف الرثوة‪ .‬وذلا؛ ترى أبناء‬
‫الغين الواحد تفرتق أحواهلم بعد موته‪ ،‬مفهنم من يزداد ثراء ومهنم من‬
‫يفتقر‪ .‬وهذه الطبيعة البرشية يه اليت حافظت عىل الاقتصاد ادلَّ خيل‪،‬‬
‫رمغ حمتية تزامح البناء والحفاد عىل املوروث احملدود مبزرعة وحنوه‪.‬‬
‫فيتنافسون؛ فيبقى الفضل غنيا‪ ،‬أو يتساوون أحياان؛ فتضيق علهيم‬
‫بالدمه‪ ،‬فينطلقون غازين أو يتنازعون؛ فيغزومه الخرون‪.‬‬
‫وهذه الطبيعة البرشية يف تفاضل البرش يف مجع الرثوات‪ ،‬يه اليت‬
‫أيضا زادت الغنياء ثراء وعددا يف الاقتصاد االإنتايج الصناع ‪ .‬ودليل‬
‫تفاضل البرش يف الرثوات من القرأن الكرمي‪ ،‬قوهل تعاىل ‪( :‬أَ ُ ْمه‬
‫ون َر ْ َمح َت َرِّب ل َك ۚ َ ْحن ُن قَ َس ْمنَا بَيْهنَ ُ ْم َم ِّع َيش هتَ ُ ْم ِّيف الْ َح َيا ِّة ادلُّ نْ َيا ۚ‬
‫ي َ ْق ِّس ُم َ‬
‫‪46‬‬
‫َو َرفَ ْعنَا ب َ ْعضَ هُ ْم فَ ْو َق ب َ ْعض د ََر َجات ِّل َيتَّ ِّخ َذ ب َ ْعضُ هُ ْم ب َ ْعضً ا ُ ْ‬
‫خس ِّر ًّاي ۗ َو َر ْ َمح ُت‬
‫ون)‪ ،‬وقوهل صىل هللا عليه وأهل وسمل يف هذا‬ ‫َرِّب ل َك خ ْ رَري ِّم َّما َ ْجي َم ُع َ‬
‫املعىن حني اش تىك الفقراء بذهاب الغنياء ابلجور لتصدقهم من فضل‬
‫ماهلم‪ “ :‬ذكل فضل هللا يؤتيه من يشاء ” كام مر‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬الرؤية الاقتصادية المتالك القةل للرثوة‬
‫فالرؤية الاقتصادية المتالك القةل للرثوة يه‪ :‬أنه حمتية كونية من ابب‬
‫الاحتاكر الطبيع ‪ .1‬وديناميكية الاحتاكر الطبيع للرثوة يف القةل‪ ،‬هو‬
‫انجت عن حاجة الرثوات ل إالدارة‪ ،‬وعن ندرة املوارد الاقتصادية‪ ،‬وعن‬
‫خلق هللا ل إالنسان عىل فطرة حب املنافسة والاس تئثار والمتل‪ .‬وال‬
‫يقول عاقل بأن يُعطى أفراد اجملمتع ملكية دون دفع مثهنا‪ ،‬فهذا تدمري‬
‫اكمل لالقتصاد‪ .‬فالطبيعة االإنسانية س متنع العامل من العمل االإنتايج‬
‫اإذا مل واغتىن دون بذل اجلهد‪ .‬كام أهنا س متنع املنافسة عىل تمنية‬
‫الرثوة من الفئة القادرة عىل تكوين الرثوات‪.‬‬
‫وتكوين الرثوات تكون يف اجليل الول‪ .‬أما اإدارهتا فتكون يف الجيال‬
‫املتوارثة بعد ذكل‪ .‬وليس املقصود ابالإدارة هنا التطبيقات االإدارية‪ ،‬فقد‬
‫يكون مالك الرثوة البناء من أهجل الناس‪ .‬ولكن املقصود هو حامية‬
‫الصل املنتج لالس مترار يف اإنتاجيته ومنوه‪ .‬فعموما‪ ،‬فاإن ديناميكية‬
‫االإنتاج العام‪ ،‬فهيا نوع من ديناميكية الاحتاكر الطبيع ‪ .‬وهذا اذلي‬
‫حيقق الاس تغالل المثل لالقتصاد‪.‬‬

‫‪ - 1‬اكحتاكر ادلوالر يف جمال العمةل واحتاكر االإجنلزيية يف جمال الللغة‪ ،‬ويأيت مزيد بيان‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫فلو قُسمت مزارع البقر احللوب اإىل وحدات صغرية عىل مجموعة ُمالك‪،‬‬
‫لقل االإنتاج وتعاظمت اللكفة‪ ،‬وهذا مثبت منطقيا ورايضيا‪ ،‬وأما‬
‫شاهد ذكل من الواقع فهو جتربة توزيع املزارع عىل الفالحني يف‬
‫الثورات الاشرتاكية‪ ،‬أرضت ابالإنتاج كثريا‪ .‬ومن الشواهد أيضا‪ :‬أن‬
‫تقس مي بعض الرشاكت الصناعية القامئة يف تطورها عىل البحث‬
‫والتطوير‪ ،‬قلص من اإماكنياهتا‪ ،‬كرشكة التلفوانت المريكية “ اإى يت‬
‫اإن يت ” ‪ ،‬حني ألزهما القضاء بتصغري جحمها من وحدة اإنتاجية واحدة‬
‫اإىل وحدتني اإنتاجيتني‪ .‬وذلكل فقد تعمل املرشعون المريكيون ادلرس‪.‬‬
‫فمل يقسموا مايكروسوفت‪ .‬ورحبت مايكروسوفت قضية الاحتاكر‬
‫اليت قُدمت ضدها بغرض تفتيت الرشكة وتقس ميها‪.‬‬
‫وأما يف الاقتصاد الصناع فاإن هذه الفئة القليةل من أفراد اجملمتع اليت‬
‫متل الرثوة‪ ،‬يه يف الواقع جمرد مدراء للرثوة يديروهنا لتمنيهتا‪ .‬ويف‬
‫تمنيهتا تمنية القتصاد اجملمتع‪ .‬واملقصود ابالإدارة هنا‪ ،‬أي االإدارة الترشيفية‪،‬‬
‫أي ال ميارسون االإدارة ابلرضورة‪ ،‬بل مه ميثلون وحدة الصل‪ .‬ويه‬
‫الفئة القليةل‪ ،‬يه اليت تتحمل االإنفاق احلكويم عىل اخلدمات بدفعها‬
‫للرضائب‪ .‬أاكن ذكل بطريق مبارش أو غري مبارش‪ .‬فالرضيبة عىل دخل‬
‫العامل يدفعه املنتج يف الواقع‪ .‬فالرواتب ُحتسب عىل أساس الرضائب‪.‬‬
‫وكذكل‪ ،‬يف الاقتصاد ادلَّ خيل‪ .‬فتفرقته تَرفع اللكفة االإنتاجية وتُنقص‬
‫االإنتاج‪ .‬وإان اكن الاقتصاد ادلَّ خيل ‪-‬كام بينا سابقا‪ -‬ال يمنو وال يتطور‬
‫مبقدار منو عدد أفراد اجملمتع‪ ،‬فرتكز الرثوة عند القةل من ابب أوىل‪.‬‬
‫فتُس تحال احملافظة عىل مس توى ثراء اجملمتع اإال اإذا اقترص عىل أفراد‬
‫‪48‬‬
‫معدودين يكونون مه املالك اذلين ينفقون عىل الغلبية ال ُع لمالية‬
‫الرصف‬ ‫ويدفعون الرضائب لدلوةل؛ من أجل تقدمي امحلاية العسكرية و َّ‬
‫عىل اجلنود‪ .‬وذلا؛ جاء االإسالم بترشيعات توافق س نة هللا الكونية يف‬
‫اجملمتع االإقطاع يف حامية املالك واحلفاظ عىل حقوقهم‪ .‬وأما املرياث يف‬
‫االإسالم فهو حتقيق للعداةل يف الرسة الواحدة جتنبا للفتنة بيهنم ومنعا‬
‫لتضخم الرثوة املطلق‪ .‬فتعالمي االإسالم جاءت مطابقة لفطرة االإنسان‪.‬‬
‫فالخوة يف الرسة الواحدة ال يكونون َسواء يف صناعة الرثوة واحملافظة‬
‫علهيا‪ .‬ولهذا؛ غالبا ما تنهتي أمالك الب أو اجلد اإىل ابن واحد من‬
‫البناء‪.‬‬
‫فبامجلةل ومع مراعاة اختالف املسميات‪ ،‬فقد اكنت اجملمتعات‬
‫االإقطاعية تُقسم ماكنة ورشفا واقتصادا اإىل طبقة المراء واحلاكم‪ ،‬مث‬
‫طبقة النبالء والفرسان والتجار‪ ،‬مث الطبقة الاكدحة اليت تشمل اجلنود‬
‫والفالحني والرعاة مث طبقة العبيد‪.‬‬
‫واالإنتاج ادلل خيل ال يكف لتقدمي الرفاهية مجليع أفراد اجملمتع‪ .‬واملاكل أحق‬
‫مباهل‪ ،‬وقد خلق هللا اجملمتعات عىل سنن ال تتغري وال تتبدل‪ .‬فاجملمتع‬
‫حباجة محلاية وحكومة‪ .‬والفوارق بني أفراد اجملمتع تعمل كرتوس املاكينة‬
‫لتحقيق ذكل‪ .‬فوجود غين وفقري حيفز الشجاع عىل الشجاعة واجلندي‬
‫عىل احلرب والعامل عىل العمل‪ .‬ووجود حكومة دلهيا القوة‪ ،‬وأفراد‬
‫دلهيم املال‪ ،‬يدفع الك من الفريقني محلاية الخر؛ لتحقق امحلاية للكهيام‪.‬‬
‫وهذا يقودان لعالقة الس ياسة ابالقتصاد اذلي اكن هو املوضوع السابق‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫فاخلالصة‪ :‬أن التفاوت يف الرثوات حبيث ميتل النس بة القل من‬
‫الناس للنس بة العظم من الرثوات‪ ،‬هو أمر جوهري رضوري لمنو‬
‫اقتصاد صناع متطور‪ .‬كام أنه أمر رضوري لرخاء اجملمتع لكه يف ظل‬
‫نظام رضييب تصاعدي (أي تزداد الرضيبة مع زايدة الرثاء)‪ .‬فالغنياء‬
‫يف اجملمتع الصناع املتطور مه يف الواقع جمرد مدير مطور الإنتاجية‬
‫اجملمتع‪ .‬فالغين يعمل جاهدا لزايدة االإنتاج وحتسينه من أجل زايدة‬
‫أرابحه‪ ،‬اليت س يعيد استامثرها يف االإنتاج؛ فزييد االإنتاج ويطوره؛ فزييد‬
‫من توظيف الناس‪ ،‬وتزداد رفاهية الناس ابس تطاعة العمل والتعمل‬
‫والاس هتالك للمنتجات املتاكثرة املتطورة‪ .‬والغنياء يف هذا اجملمتع ‪-‬اإذا‬
‫اكن دميقراطيا‪ -‬حمدودو الترصف يف أمواهلم مبحدودية اإنسانيهتم الفردية‬
‫يف املألك واملرشب واملسكن‪ .‬فهذا الرثي همام بذخ يف احلاجيات‬
‫االإنسانية؛ فيظل اإنفاقه اتفها ابلنس بة ملمتلاكته ودوره اذلي يقوم يف به‬
‫يف بناء الاقتصاد‪ .‬كام أنه قد يكون بذخا اس هتالكيا ملنتجات صناعية‬
‫تشغيلية لالقتصاد‪ .‬ويقال أيضا‪ ،‬أنه قد يكون بذخا إارسافيا‪ ،‬يتسبب‬
‫بتضييع ملوارد رضورية للمجمتع‪ .‬فيقال‪ :‬لكن أغنياء هذا اجملمتع ال‬
‫يس تطيعون البذخ الاحتاكري اذلي يعطل به املوارد الاقتصادية‪ ،‬كن‬
‫ميتل عرشات املنازل أو املزارع أو الرايض شاسعة جملرد التنعم‬
‫ابمللكية دون اس تغاللها الشخيص ‪ -‬وهو حمدود ابإنسانيته‪ -‬أو دون‬
‫اس تغاللها االإنتايج‪ .‬فالرضائب التصاعدية اليت قد تصل اإىل ‪ ٪٧٠‬عىل‬
‫ادلخل واملمتلاكت الزائدة عن احلاجة واملرتفة تردعه عن ذكل‪.‬‬
‫والغنياء يف هذه اجملمتعات مه غالب مصدر دخل ادلوةل اذلي تنفقه‬
‫‪50‬‬
‫عىل اجملمتع‪ .‬فالرضائب تصل علهيم اإىل‪ ٪٧٠‬يف أمرياك‪( ،‬من الفدرايل‬
‫والوالية واملدينة)‪ ،‬فباالإضافة اإىل زايدهتا مع زايدة ادلخل‪ ،‬فهي تزداد‬
‫لكام زادت اس تفادته من اجملمتع وموارده‪ ،‬اكملمثلني واملشاهري‪،‬‬
‫وكرشاكت التنقيب واملعادن والنفط‪ .‬أو من يتحصل عىل ثروة دون‬
‫هجد منه مكرياث أو عثور عىل كزن وحنوه‪.‬‬
‫واليوم يف مثل هذا اجملمتع الصناع ادلميقراط ‪ ،‬يزداد الثرايء ثراء دون‬
‫بقية أفراد اجملمتع‪ .‬وهذا حمت أيضا‪ .‬فالثرايء ‪-‬كام أوحضت‪ -‬حمدودو‬
‫الترصف يف أمواهلم‪ ،‬فهم يستمثروهنا يف زايدة االإنتاج‪ .‬بيامن ال جيد بقية‬
‫اجملمتع فائضا لالستامثر رمغ تضاعف قوهتم الرشائية ثالثة أضعاف يف‬
‫العقود املنرصمة يف غالب ادلول املتطورة‪ .‬وذكل بسبب زايدة مس توى‬
‫الرفاهية املعييش اذلي أصبحوا يعيشونه وزايدة اإنفاقهم المتالك‬
‫املنتجات اليت مل تكن متوفرة من قبل‪ ،‬واليت ما اكن لها أن تتوفر لوال‬
‫ثروات الغنياء االإنتاجية‪.‬‬
‫وخمالفة س نة هللا يف خلقه‪ ،‬تس تلزم فساد اخمللوق عاجال أو أجال‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬مفاهمي االإقطاعية والرأساملية والاشرتاكية‬
‫متهيد‪ :‬النظمة الاقتصادية تبع ل إالنتاج‬
‫الصل الغالب‪ ،‬واذلي يسري طبيعيا موافقا خللق هللا للسوق‪ ،‬هو أن‬
‫االإنتاج ادلخيل‪/‬التأجريي يُنتج سوقا غري حرة‪ ،‬ذات نظام اإقطاع ينتج‬
‫س ياسة متيل لطرف ادلكتاتورية‪ .‬ذكل أن املنتجني يف االإنتاج‬
‫الاقطاع قةل‪ ،‬فيسهل علهيم احتاكر السوق ورفع السعار حبيل‬

‫‪51‬‬
‫متنوعة‪ .‬والاقطاع متجذر من ادلكتاتورية خبالف الصناعة‪ .‬فاالإنتاج‬
‫الصناع ‪/‬التكنولويج يُنتج سوقا حرة‪ ،‬ذات نظام رأساميل ينتج‬
‫س ياسة متيل لطرف ادلميقراطية‪ ،‬أو س يكون مأل الاقتصاد الفشل‪.‬‬
‫فالصناعة ال جتمتع مع االإقطاع‪ ،‬وإان حدث عىل حني غفةل من الزمن‪،‬‬
‫فهو مجع متضاد خمالف لس نة هللا الكونية‪ ،‬فال يس متر طويال‪،‬‬
‫اكالشرتاكية الهالكة‪ ،‬مفا الاشرتاكية اإالقطاعية متطرفة‪ ،‬كام س يأيت‪.‬‬
‫الباب الول‪ :‬الاشرتاكية اإقطاعية متطرفة‬
‫حفقيقة الاشرتاكية أهنا اإقطاعية متطرفة‪ .‬وادلوةل يه من ميتل الرثوة‬
‫لكها‪ ،‬ويه اليت تس هتلكها‪ .‬بيامن يعيش اجملمتع حد الكفاف‪.‬‬
‫والاقتصاد الاشرتايك‪ ،‬اإما أن يكون ذا غلبة يف االإنتاج الصناع أو‬
‫غلبة يف االإنتاج ادلخيل‪ .‬فمتل فرد واحد ‪-‬وهو احلكومة‪ -‬للرثوة‪ ،‬هو‬
‫اإساءة اس تخدام دليناميكية لكفة االإنتاج (اليت سنرشهحا الحقا)‪.‬‬
‫فاإنتاجية الاشرتاكية تعمل يف نطاق ملكف للغاية يف االإنتاج‪ .‬كام أن‬
‫السوق الاشرتاكية يف اإنتاج صناع ‪ ،‬يه سوق اإقطاعية متطرفة‪ ،‬حتمك‬
‫اإنتاجا صناعيا‪ .‬وهذا مجع معاكس خللق هللا للسوق‪ ،‬مفا اكن هل أن‬
‫يدوم‪.‬‬
‫فاالشرتاكية يف الاقتصادايت االإنتاجية الصناعية جتمع خملالفتني لطبيعة‬
‫السوق أو س نتني من خلق هللا للسوق‪ .‬ذلا؛ ففشل الاشرتاكية يف‬

‫‪52‬‬
‫الاقتصادايت االإنتاجية‪ ،‬اكن أعظم وأرسع وأوحض من فشل الاشرتاكية‬
‫يف الاقتصادايت ادلَّ خْلية اكلزراعة‪.1‬‬
‫مبحث‪ :‬أثر الاشرتاكية يف ختلف الثقافة ال متويلية‬
‫تأخر الثقافة المتويلية للمجمتعات العربية واجملمتعات اخلارجة حديثا من‬
‫الاشرتاكية‪ ،‬هو أمه عائق جوهري حيد غالب الس ياسات النقدية يف‬
‫هذه البدلان‪ ،‬من حتقيق دورها يف اإنعاش الاقتصاد والتحمك به‪.‬‬
‫وختلف الثقافة المتويلية للمجمتعات العربية‪ ،‬هو شأن لك اقتصادايت‬
‫دول التخطيط املركزي من ادلول الاشرتاكية البائدة‪ ،‬واملعمتدة عىل‬
‫احلكومة ومتويالهتا ومشاريعها‪( .‬والمتويالت احلكومية يه من الس ياسة‬
‫املالية اليت تديرها وزارة املالية وليس البنك املركزي)‪.‬‬
‫والتخطيط املركزي اذلي متثهل الاشرتاكية يف أقىص صوره‪ ،‬هو اجلامع‬
‫اذلي جيمع بني ادلول املتخلفة يف العامل‪ .‬وفلسفة الاقتصاد املسمى “‬
‫ابالإساليم ” ما هو اإال تقليد لبعض اجلوانب العاطفية الافالطونية‬
‫لفلسفة الاقتصاد الاشرتايك‪.‬‬
‫ومنه الشاهد هنا يف رفض فكرة المتويل غري احلكويم‪ ،‬واليت ازدهرت‬
‫يف أطروحات الاشرتاكيني‪ .‬فهم اذلين من أوجد هذه الغاليط حول‬
‫توليد النقود والمتويالت؛ من أجل تربير ملكية ادلوةل للك يشء وقياهما‬
‫بلك يشء‪ .‬ومث تلقفها مهنم الاقتصاد املسمى ابالإساليم‪ ،‬واذلي نشأ‬

‫‪ - 1‬ونشري هنا اإىل أن فشل الاقتصاد خيتلف عن اهنيار النظام الس يايس‪ .‬والفشل يقدر مبقدرات اجملمتع‪ ،‬ال بصورته اجملردة‪ .‬ففشل الاقتصاد الرويس ‪،‬يعترب أكرب من‬
‫فشل أي اقتصاد‪ .‬فال يقال أن اقتصاد روس يا متقدم وال يقارن ابقتصاد دول كسوراي أو كواب‪ .‬فاالإماكنيات الصناعية واملوارد الطبيعة وا إالنسانية عند روس يا وماكنهتا العاملية‬
‫اكنت سابقة مبراحل لمرياك‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫أصال يف أحضان املفكرين املسلمني‪ ،‬من اذلين درسوا يف اخلارج يف‬
‫امخلسينات والس تينات اإابن ازدهار الش يوعية “ صديقة العرب ”‬
‫وعدوة أمرياك (صديقة إارسائيل)‪ .‬فرجع هؤالء اإىل بالدمه العربية‪،‬‬
‫بأطروحات الاشرتاكيني جفملوها جفعلوها دينا مزنال من هللا‪ .‬ومث من‬
‫رمح فكر الب الش يوع ‪ ،‬ومبباركة البنوك (املس تفيد الول)‪ ،‬تودلت‬
‫الصريفة املسامة بـ(االإسالمية)‪ ،‬اليت يه قامئة أصال عىل فكرة رفض‬
‫المتويل‪ ،‬ودعوى أن معلها هو بيع ورشاء لسلع‪ ،‬ولو اكن افرتاضيا أو‬
‫صوراي‪ ،‬ليسهل علهيا خداع املواطن واجلهات الرمسية املراقبة‪ ،‬عىل حد‬
‫سواء‪.‬‬
‫وهذا مما زاد المر سوءا وخطرا يف ختلف ثقافة المتويل‪ .‬فأمه عامل يف‬
‫جناح سوق المتويالت هو الوضوح وادلقة يف التعاريف والرقابة‬
‫احلكومية‪ .‬وممارسات هذه الصريفة املتودلة من الفكر الش يوع ومن‬
‫ثقافة احليل أضافت اإىل جانب رفض المتويل واجلهل به‪ ،‬أخطر وابء‬
‫عىل المتويالت‪ ،‬وهو الضبابية والغموض واحليل والافرتاضية‪ ،‬ويه‬
‫كتابة ما ال أثر هل حقيقة‪ ،‬كتعريف الصك بأنه ملكية بيامن هو دين‬
‫والعينة بيع ورشاء‪ ،‬والضامن أمسوه مشاركة وهكذا‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬االإقطاعية مسة غالب اقتصادايت العامل القدمي‬
‫قد اكن الاقتصاد يف الزمن النبوي‪ ،‬وما بعده لقرون طويةل‪ ،‬اقتصادا‬
‫بس يطا قامئا عىل ادليناميكية االإقطاعية‪ .‬جفاءت ألفاظ النصوص‬
‫الترشيعية موافقة ملا يعرفه الناس ويفهمونه‪ ،‬بيامن محلت يف مضموهنا‬
‫االإجعازي القواعد الترشيعية املناس بة لالقتصاد احلديث‪ ،‬اإذا ما اتُبعت‬
‫‪54‬‬
‫الصول الاس تنباطية املنطقية اليت خلق هللا االإنسان قادر عىل اإدراك‬
‫منطقيهتا‪ ،‬واليت يه كذكل منصوص علهيا ترصحيا أو تضمينا يف نصوص‬
‫الويح وتطبيقاته النبوية‪.‬‬
‫فالزاكة عىل سبيل املثال‪ ،‬اكنت يه حد الكامل املناسب لعرص النبوة‬
‫وقرون عديدة بعده؛ لهنا تكف حد الكفاف اذلي اكن هو حد الكامل‬
‫للغالبية العظمى من الناس‪ ،‬حتت ظل الاقتصاد االإقطاع املهمين أانك‬
‫عىل العامل اإىل ما قبل الثورة الصناعية‪.‬‬
‫وأما اليوم‪ ،‬فاالقتصاد قامئ عىل ادليناميكية الصناعية‪ ،‬ومع ذكل مل تفقد‬
‫الزاكة هممهتا ودورها‪ ،‬فهي ما تزال تكف حد الكفاف‪ .‬اإال أن حد‬
‫الكفاف مل يعد هو حد الكامل املطلوب حتت ظل الاقتصاد الصناع ‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬الطبقة الوسطى بني الاقتصاد االإقطاع والاقتصاد‬
‫الصناع‬
‫ظهور الطبقة الوسطى اكلرشحية الغلب يف اجملمتعات املتطورة‪ ،‬هو‬
‫ظاهرة حديثة نسبيا ‪ -‬ال تتعدى اترخييا عقود ما بعد الثورة الصناعية‪-‬‬
‫وعىل الخص يف البالد ادلميقراطية‪( .‬وال يُنىس أن يُنسب الفضل لهل‬
‫الفضل‪ .‬فأول من ابتدأ تصحيح الرأساملية لصاحل العامل‪ ،‬هو الرئيس السد ـ ثيودور‬
‫روزفلت‪ -‬أوائل القرن املنرصم‪ .‬وأول من حصحها من جانب تدخل احلكومة يف‬
‫الاقتصاد‪ ،‬ووضع الربامج واملشاريع التطبيقية لتحفزي االإنتاجية‪ ،‬هو الرئيس املشلول‪،‬‬
‫عظمي عرصه ‪ -‬فرانلكني روزفلت)‪.‬‬
‫فتارخييا‪ ،‬وعرب الزمان والماكن واليدولوجيات‪ ،‬اكن أغلب أفراد‬
‫اجملمتع طبقة اكدحة‪ ،‬تعمل لتألك‪ .‬وما احلضارات االإغريقية والفرعونية‬

‫‪55‬‬
‫والفارس ية والصينية والهندية والندلس ية وغريها‪ ،‬اإال شواهد عىل سفك‬
‫دماء كثري من أفراد اجملمتع يف حروب عىل السلطة؛ من أجل تسخري‬
‫بقية أفراد اجملمتع لبناء القصور الفارهة والسوار العظمية والهرامات‬
‫واحلدائق للقيارصة وامللوك والمراء‪ ،‬وتسخريمه من أجل تقدمي ما ال‬
‫ميكن حتصيهل اليوم؛ بسبب ندرته وصعوبة صناعته‪ ،‬من أرق الثياب‬
‫وأمجل املفروشات وأطيب الطعام لهذه القةل القليةل املمتكنة‪.‬‬
‫فالةل مث التكنولوجيا‪ ،‬مقرتنة ابلعداةل النسبية يف النظمة ادلميقراطية‪،‬‬
‫وفرت مناخا مناس با لمنو اقتصادي يف هذه ادلول‪ ،‬مع عداةل يف توزيع‬
‫الرثوات؛ مما جعل الطبقة الوسطى تمنو فهيا اإىل أن أصبحت الطبقة‬
‫الوسطى‪ ،‬يه الطبقة الغالبة‪ ،‬والوسط بني الغنياء والفقراء‪ .‬فالصناعة‬
‫يه رشط الزم لوجود الطبقة الوسطى‪ ،‬فهي اليت تصنع ويه اليت‬
‫تس هتل‪ ،‬فهي أساس العرض العام والطلب العام‪.‬‬
‫وهذه الطبقة الوسطى ليك تكون حقيقية ومس مترة‪ ،‬جيب أن تُوجِّ د‬
‫نفسها بنفسها‪ ،‬ال أن تُنفخ بتوصيالت خارجية‪ .‬ومعىن توجد نفسها‬ ‫َ‬
‫بنفسها أي أن يكون اإنتاهجا اذلايت هو اذلي خيلق الوظائف‪ ،‬وهو‬
‫اذلي ينتج مثن ما تس هتلكه من البضائع واخلدمات الغري رضورية‪.‬‬
‫وعىل هذا؛ مفاكنة الطبقة الوسطى يف ادلول النفطية‪ ،‬يف الواقع‪ ،‬يه‬
‫طبقة مس تأجرة بأموال النفط‪ .‬فدول النفط‪ ،‬ال تنتج غالب ما نس هتلكه‬
‫من غري الرضورايت وال تنتج أيدي أبناهئا ما ميكن أن يشرتيه العامل‪،‬‬
‫اإمنا يه أموال النفط تنفقها الستئجار هذه املاكنة‪ ،‬متاما كام يس تأجر‬
‫غالب الناس منازهلم‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫وحد الطبقة الوسطى املتفق عليه‪ ،‬هو كون أفرادها قادرين عىل‬
‫اس هتالك البضائع واخلدمات غري الرضورية‪ ،‬اكلقدرة عىل المتتع‬
‫ابالإجازات وتوفر اخلدمات الصحية يف غري الطوارئ‪ ،‬اكلس يارات‪،‬‬
‫واكختالف أنواع الطعام‪ ،‬وليس حصوهل عىل أرز أو متر أو حنطة‬
‫فقط‪ ،‬كام اكن سابقا يف عصور الاقطاع‪ ،‬اليت غلبت عىل اجملمتعات‬
‫االإنسانية لالف العوام‪.‬‬
‫وكذكل هو املسكن‪ ،‬فهو من الرضورايت‪ .‬ذلا؛ فال يُد ِّخل امتالك‬
‫فئة ملنازلها‪ ،‬حد الطبقة الوسطى‪ .‬فف فيتنام مثال‪ ،‬نس بة امتالك‬
‫املنازل تزيد عن ‪ ٪١٠٠‬فالفيتناميون ميتلكون عادة أكرث من مزنل‪،‬‬
‫وأكرثمه مصنف من الطبقة الفقرية ! (ويالحظ أن فيتنام جممتع زراع‬
‫ليس صناع ‪ ،‬وذلا ال تتواجد فيه طبقة وسطى)‪ .‬ويف أمرياك‪ ،‬ويف‬
‫أخر اإحصاء متشامئ ومتشدد‪ ،‬اكنت الطبقة الوسطى تشلك‪ ٪٤٥‬من‬
‫الساكن‪ ،‬رمغ أن نس بة متل املنازل عندمه‪ ،‬أكرث من‪. ٪٧٠‬‬
‫والطبقة الوسطى‪ ،‬ركن من أراكن الاقتصاد الصناع ‪ ،‬فهي اليت ختلق‬
‫الرثوة ابتداء ابالإنتاج‪ ،‬ويه اليت تس هتلكه انهتاء‪ ،‬وذكل خبالف‬
‫الاقتصاد االإقطاع ‪.‬‬
‫فف الاقتصاد االإقطاع ‪ ،‬ميتل القةل الرثوة‪ .‬ومه اذلين يس هتلكوهنا‪.‬‬
‫وذكل؛ لن االإنتاج االإقطاع اإنتاج دخيل‪/‬تأجريي‪ ،‬ال يكف اإال الإثراء‬
‫القةل فقط‪ ،‬ومه الجيال الوىل‪ ،‬بيامن يعيش الكرثية العامةل يف اجملمتع‪،‬‬
‫حد الكفاف‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫بيامن يف الاقتصاد الصناع ‪ ،‬ميتل القةل الرثوة كذكل‪ ،‬وينتفعون هبا حلد‬
‫الرثاء كذكل كام هو احلال يف اجملمتع االإقطاع ‪ ،‬اإال أهنم وخبالف السوق‬
‫االإقطاعية‪ ،‬يتشارك املالك مع الطبقة العامةل يف اس هتالكها؛ لكرثة‬
‫االإنتاج‪.‬‬
‫فكرثة االإنتاج الصناع وتطوره يعمتد اعامتد لكيا عىل كرثة الاس هتالك‪.‬‬
‫ولهذا؛ فاالس هتالك يشلك معظم مكوانت الناجت احمليل لدلول املتقدمة‬
‫صناعيا‪ .‬فف أمرياك –مثال‪ -‬تبلغ نس بة الاس هتالك أكرث من ‪ ٪٧٠‬من‬
‫الناجت احمليل‪ .‬والةل والتكنولوجيا (والذلين هام الصل املنتج) قادرة عىل‬
‫تعظمي جحم العرض‪ ،‬اإذا اكن هناك طلب‪ ،‬والطلب هو الاس هتالك‪.‬‬
‫وذكل خبالف الرض‪ ،‬اليت يه رمح االإنتاج ادلخيل ‪-‬أي أصهل‬
‫الانتايج‪ -‬فهي حمدودة االإنتاج‪ ( .‬ذلا مل تضيق الرض عىل الياابن لتحتل‬
‫عقودا‪ ،‬املرتبة الثانية عامليا يف االإنتاج)‪.‬‬
‫والاقتصاد االإقطاع ترتكز حضارته حول الطبقة احلامكة والغنية‪،‬‬
‫ولهذا؛ ازدهرت ادليكتاتورايت الس ياس ية يف الاقتصادايت االإقطاعية‪.‬‬
‫بيامن الاقتصاد الرأساميل ترتكز حضارته حول االإنتاج‪ ،‬فهو يف الواقع‬
‫يرتكز حول الطبقة العامةل املنتجة‪ ،‬ولهذا؛ ازدهرت ادلميقراطيات‬
‫الس ياس ية يف الاقتصادايت الصناعية‪.‬‬
‫فالطبقة الغنية يف الاقتصاد الاقطاع ‪ ،‬ليست حباجة للطبقة العامةل‬
‫املُنتجة لتس هتل اإنتاهجا‪ ،‬خبالف الاقتصاد الصناع ‪ ،‬واذلي هو حباجة‬
‫للطبقة العامةل املنتجة لتس هتل اإنتاجه‪ .‬فالطبقة الوسطى يه اليت تنتج‬

‫‪58‬‬
‫ويه اليت تس هتل‪ .‬ولهذا؛ تكونت الطبقة الوسطى يف الاقتصاد‬
‫الصناع بيامن غابت يف الاقتصاد االإقطاع ‪.‬‬
‫فالطلب العام هو اذلي خيلق العرض يف السوق الصناعية‪ .‬ومطالب‬
‫البرش ال تنهتي وال حد لها‪ ،‬ولكن العرض حمدود ابملوارد الاقتصادية‪،‬‬
‫واليت عظمهتا الاةل والتكنولوجيا‪ .‬بيامن يف الاقتصاد االإقطاع ‪ ،‬ال‬
‫تعظمي للموارد الاقتصادية احملدودة يف وجودها ويف منوها‪ ،‬فال تمنو وال‬
‫تتطور‪ .‬ذلا؛ فالعرض يف السوق االإقطاعية حمدود‪ ،‬فال حيتاج للطلب‪.‬‬
‫والطفرة الصناعية قد كرست احملدودية يف أصل املوارد ويف منوها‪.‬‬
‫وجاءت الطفرة التكنولوجية من بعد هذا لتضاعف أاثر الطفرة‬
‫الصناعية يف تعظمي االإنتاج وحتسني نوعيته؛ فتضاعفت التطبيقات‬
‫ادلميقراطية يف الس ياس ية احلكومية‪ .‬فادلميقراطية واالإنتاجية مضطردان‬
‫اجيابيا‪.‬‬
‫والاقتصاد االإقطاع منه املتجدد ومنه الناضب‪ .‬فاملتجدد اكلزراعة‬
‫والرع والس ياحة‪ ،‬وغري املتجدد اكالقتصاد احلريب –القامئ عىل الغزو‪-‬‬
‫واكالقتصاد البرتويل‪.‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬مفاهمي الس ياسة يف الاقتصاد‬
‫عفا هللا عن حتديد شلك النظام الس يايس‪ ،‬برتكه عىل أصل الرباءة‬
‫الصلية‪ ،‬كون الاقتصاد والس ياسة من أبواب املعامالت يف الغالب‪،‬‬
‫نب تعبدي اكلزاكة وكبعض احلدود‪.‬‬
‫اإال أنه قد يلبس بعضها أحياان جا ر‬
‫والنظام الس يايس تبع للنظام الاقتصادي وليس مس تقال عنه‪ .‬فشلك‬
‫االإنتاج يف كونه زراع أو رعوي أو صناع ‪ ،‬هو اذلي يقرر النظام‬
‫‪59‬‬
‫الاقتصادي احلامك هل‪ .‬فيكون النظام الاقتصادي اإقطاعيا أو رأسامليا‪.‬‬
‫وهذا النظام احلامك لالقتصاد هو اذلي يقرر النظام الس يايس؛ فيكون‬
‫دميقراطيا أو ديكتاتوراي‪ ،‬أو يف شلك قريب من أحدهام‪ .‬واحلد الفاصل‬
‫بني ادلميقراطية وادليكتاتورية املقصودة هنا هو الانتخاابت‪ ،‬واحلمك‬
‫لفرتات حمدودة‪ ،‬وليس املقصود هو العداةل يف احلمك‪.‬‬
‫واملالحظ عرب تتبع التارخي والعصور‪ ،‬أن النظام االإقطاع يشلك نظاما‬
‫س ياس يا ديكتاتوراي غري قامئ عىل الانتخاابت‪ .‬وأن النظام الرأساميل‬
‫ينتج نظاما س ياس يا دميقراطيا قامئا عىل الانتخاابت‪.‬‬
‫ومفهوم الرأساملية املنترش بني الناس‪ ،‬فيه مبالغة حتريفية‪ ،‬كام أن‬
‫الرأساملية قد دخلهتا تعديالت كبرية يف تطبيقاهتا‪ .‬فاملشهور عن‬
‫الرأساملية املتداول يف دول العامل الثالث وادلول الاشرتاكية‪ :‬أهنا حرية‬
‫الفرد مطلقا يف اس تخدام الوسائل املتاحة لمتل الرثوة‪ .‬كام أهنا تعين‬
‫حرية السواق وعدم التدخل احلكويم مطلقا‪ .‬وهذا يف احلقيقة تفسري‬
‫حمرف للرأساملية‪ ،‬وهو من بقااي رماد احلرب الاشرتاكية الرأساملية‪.‬‬
‫فالرأساملية يف صورهتا الصلية املتشددة تعين حرية السوق ليعمل كام‬
‫خلقه هللا‪ ،‬وتعترب تدخل ادلوةل يف السوق اإفسادا دليناميكيته الطبيعية‬
‫احلرة‪.‬‬
‫الباب الول‪ :‬الاقتصاد من أجل الس ياسة أو الس ياسة من أجل‬
‫الاقتصاد؟‬
‫أسلوابن من أساليب الس ياسة املعارصة‪ :‬اإما أن تكون س ياسة من‬
‫أجل الس ياسة‪ ،‬فال أعمل اإال مناذج فاشةل‪ ،‬عىل حضاةل خربيت ومعرفيت‬
‫‪60‬‬
‫ابلس ياسة‪ .‬ومن أمثلهتا الوحدة املرصية السورية يف عهد القومية‬
‫النارصية‪ ،‬ومن أمثلهتا‪ :‬جملس التعاون اخلليج وجملس التعاون العريب‪،‬‬
‫اذلي مجع العراق والردن والمين ومرص‪ ،‬مث اهنار رسيعا ابحتالل العراق‬
‫للكويت‪ ،‬واحتادات اإفريقيا وأمرياك اجلنوبية‪ .‬هذه المثةل يه شواهد‬
‫عىل أسلوب اس تخدام الس ياس ية للس ياسة من أجل الس ياسة‪ ،‬واليت‬
‫مردها وال حماةل للفشل‪.‬‬
‫وإاما أن يكون الاقتصاد من أجل الس ياسة‪ ،‬ويكف شاهدا ذلكل‪ ،‬أن‬
‫القطاب الس ياس ية ما يه اإال نظرايت اقتصادية‪ .‬فاالقتصاد هو ما‬
‫تتصارع عليه اليدولوجيات اكلرأساملية والاشرتاكية‪.‬‬
‫فالوحدة النقدية الوربية مثال عىل اس تخدام الاقتصاد من أجل‬
‫الس ياسة‪ .‬فالهدف الاسرتاتيج المسى لليورو‪ ،‬هو توحيد قلوب‬
‫ساكن أوراب املشتتة اليت أهلكهتا الزناعات ادلموية الرهيبة لالف‬
‫الس نني‪ .‬فأورواب قارة هتددها املذاهب والفرق ادلينية النرصانية‬
‫املتنازعة‪ .‬واختالف املذاهب يف ادلين الواحد‪ ،‬أهلها أشد كراهية‬
‫لبعضهم البعض من كراهيهتم لعدومه‪ ،‬وجراهحم أمعق حقدا من أن تربأ‬
‫وتشفى بتقادم الزمان‪ ،‬بل قد تمكن حىت يأيت من حيهيا من جديد‪.‬‬
‫وأورواب حتمل أجمادا اترخيية قام بعضها عىل دك وهدم بعض‪ ،‬فهي‬
‫أجماد متنازعة متضادة‪ ،‬مثلها مثل مذاههبم ادلينية‪ ،‬تنتظر داع الفتنة‬
‫ليحيهيا من جديد‪ .‬وأورواب لغاهتا متفرقة متنوعة حتمل لك مهنا مفاخر‬
‫قومية وعرقية يه رشارة اإشعال انر النعرات العصبية ادلاعية اإىل‬
‫التفرق والاقتتال‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫مفن أجل ذكل اندى ترششل من منرب جامعة زيورخ يف سويرسا‬
‫«ابلوالايت املتحدة الوربية»‪ ،‬وأورواب ما تزال تزنف دما بعد احلرب‬
‫العاملية الثانية من أاثر حروهبا بني بعضها بعضا‪ ،‬ويه ترزح ذال وهواان‬
‫حتت الاحتالل المرييك وتسلط ادلب الرويس‪ .‬فنداء ترششل ذاك‬
‫هو نداء س يايس من أجل الس ياسة ما اكن هل أن ينجح لوال اس تخدام‬
‫الاقتصاد يف حتقيقه‪ ،‬فاكنت الوحدة الاقتصادية الوربية مث النقدية‬
‫املمتثةل ابليورو‪.‬‬
‫والوحدة النقدية يه من أشد عوامل تالمح قلوب الشعوب‪( ،‬وال يعين‬
‫هذا أهنا انجعة اقتصاداي)‪ ،‬فالعمةل يف هذا الزمن احلديث املعارص‪،‬‬
‫اكلعمل الوطين للوطن الواحد‪ ،‬وكراية احلرب اليت ينخرط حتهتا ويذود‬
‫عهنا مقاتلو اجليش من أبناء الوطن الواحد‪ ،‬فمل أت هبا هنا اإال للمتثيل‬
‫عىل أسلوب “ الاقتصاد من أجل الس ياسة ” ‪ ،‬فالوحدة الوربية‬
‫اإذن مثال عىل اس تخدام الس ياس يني الاقتصاد من أجل الس ياسة‪.‬‬
‫وأما اس تخدام الس ياسة من أجل الاقتصاد‪ ،‬فأبرز مثال عليه هو‬
‫منظمة التجارة العاملية‪ .‬فقد اس تخدمت ادلول العظمى وخاصة أمرياك‬
‫الس ياسة من أجل حتسني الاقتصاد‪ ،‬ورفع االإنتاجية والاس تخدام‬
‫المثل للموارد الطبيعية‪ ،‬عن طريق اس تغالل املزااي التنافس ية املتوزعة‬
‫يف أحناء العامل‪ ،‬فامجليع راب‪.‬‬
‫فال اقتصاد بال س ياسة وال س ياسة بال اقتصاد‪ ،‬فهام اكملرأة والرجل‬
‫بزتاوهجام يس متر العامل االإنساين‪ ،‬وبزتاوج الاقتصاد والس ياسة يف‬
‫الس ياسات‪ ،‬تدوم ادلول‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬تبعية الس ياسة والنظام الاقتصادي ل إالنتاج‬
‫الرصاع الزيل بني الغين والفقري ومنه اخلالف والزناع بني املقرضني‬
‫واملقرتضني قدمي بقدم النقود‪ .‬ويف الثورات اجلائعة‪ ،‬ينصب جام غضب‬
‫الثوار اجلائعني املثقلني ابدليون عىل املرابني‪ .‬وال تاكد ختلو مدينة‬
‫أوربية شهرية من شارع خاص ابلهيود‪ ،‬اذلين غالبا ما يكونون يف فرتة‬
‫ما‪ ،‬طحني ذاك الغضب‪ .‬ومن شواهد ذكل قتل الثوار الفرنس يني‬
‫ل َّدل ًاينة (املقرضني)‪ .‬فغالبا ما ترفع الثورات والانقالابت شعارات ضد‬
‫الاس تغالليني‪ ،‬وعىل رأسهم املقرضني‪ .‬حىت اإذا ما اس تقرت المور‪،‬‬
‫أصبح قادة الثورات والانقالابت أكرث الناس حامية وعناية للمقرضني‬
‫وأشد عقااب عىل املتخلفني واملتعرثين من املقرتضني !‬
‫والثورات عىل احلكومات أمر حمت احلدوث‪ ،‬و ُمطرد يف لك النظمة‬
‫واليدولوجيات‪ .‬وحىت يف النظمة ادلميقراطية احلديثة‪ ،‬مع تعديل‬
‫لشلك الثورة الشعبية‪ .‬وذكل؛ لن املقرتضني ومعدويم الرثوة مه‬
‫الغالبية العظمى من الشعب‪ ،‬ومه اذلين يس تطيعون االإطاحة‬
‫ابحلكومات وحتديد الرئيس املنتخب والتجديد هل‪.‬‬
‫وميل احلكومات لل ُمقرضني أمر ُمطرد يف لك النظمة واليدولوجيات ‪-‬‬
‫اليت يعرتف فهيا حبق امللكية‪ ،-‬ما عدا يف النظمة ادلميقراطية احلديثة‪.‬‬
‫ذلا؛ فالنظمة ادلميقراطية تكون يف جانب املقرتض اإىل حد ال ُخيل‬
‫ابلنظام الاقتصادي املايل احمليل‪ .‬فبسبب ادلميقراطية؛ أصبح رفض‬
‫منح قرض بدون سبب واحض جرمية ُحيامك علهيا البنك‪ ،‬وأصبح حامية‬

‫‪63‬‬
‫املُفلس قانوان يلجأ اليه املتعرث‪ .‬فتحول ادلين أو التعرث أو عدم السداد‬
‫اإىل حق اإنساين بعد أن اكن عارا يُعاب به صاحبه‪.‬‬
‫وقد حدث هذا التطور االإنساين طبيعيا‪ .‬فاجملمتعات تتكيف يف‬
‫تعامالهتا االإنسانية كتكيف اجلسد مع البيئة‪ .‬فنوع االإنتاج‪ :‬صناع ‪،‬‬
‫زراع ‪ ،‬مايل‪ ،‬هو اذلي حيدد فلسفة الاقتصاد‪ ،‬والاقتصاد هو اذلي‬
‫حيدد شلك الس ياسة‪ .‬والصناعة حتتاج لرتكز رؤوس الموال‪ ،‬مثلها‬
‫مثل مجيع أشاكل االإنتاج الخرى‪ ،‬اإال أهتا ختتلف بأن الصناعة حتتاج‬
‫لطبقة وسطى مس هتلكة وعامةل‪ ،‬خبالف الاقتصاد الزراع واملايل‪.‬‬
‫ولهذا؛ خلق االإنتاج الصناع نظام الرأساملية‪ .‬والرأساملية خلقت‬
‫ادلميقراطية اليت بضغط املصوتني‪ ،‬ألزمت املُقرض بتحمل اخملاطرة‬
‫وبذكل تتوجه أموال اجملمتع اإىل الكفأ والعىل اإنتاجا‪ .‬فاملقرضون‬
‫س يحرصون عىل اإقراض أحصاب أفضل املشاريع‪ ،‬وأكرثها اإنتاجية‬
‫لضامن مقدرهتم عىل اإرجاع حقوقهم‪ -‬فالنظمة ادلميقراطية ال تسجن‬
‫املفلس أو العاجز عن السداد‪ ،‬وإامنا حتميه لتحييه؛ فتعيده ل إالنتاج‪.‬‬
‫فهبذا أصبحت احلكومة يف ادلول ادلميقراطية املتحرضة‪ ،‬يه املسؤوةل‬
‫عن حامية املواطن من اس تغالل ادلائنني؛ لهنا يه املُفرتض أن يكون‬
‫دلهيا اخلربة ومتل اخلرباء‪ ،‬ويه موضع الثقة‪ ،‬فهي من تعمل للمصلحة‬
‫العامة‪ ،‬ويه املسؤوةل عن منع اس تغالل القوي للضعيف ‪ -‬واجلاهل‬
‫ضعيف‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬العوامل اليت تدفع احلكومات للميل مع أحصاب الرثوة‬
‫• ادلوافع النفس ية‪ :‬فالسلطة احلكومية حمدودة يف أفراد قةل‪ ،‬وكذكل‬
‫هو حال أحصاب الرثوات‪ .‬والكهام ميل قوة ممكةل للخرى‪،‬‬
‫فيتنامغ بعضهم مع بعض يف احلفالت والاجامتعات‪ .‬فيسمع‬
‫الس يايس بقوة صوت صاحب الرثوة ويؤثر فيه‪.‬‬
‫• ادلوافع الاقتصادية‪ :‬فاحلكومات ال تقوم ما مل يقم اقتصادها‪.‬‬
‫والاقتصاد يقميه أحصاب الرثوات‪ .‬وأحصاب الرثوات يضغطون عىل‬
‫احلكومات بأن اختاذ النظمة ضدمه يؤدي الإفالسهم أو يدفعهم‬
‫للهجرة‪.‬‬
‫• ادلوافع املالية‪ :‬فاحلكومات قدميا وحديثا حتتاج للموال لتس يري‬
‫اجليوش وادلفاع عن ادلوةل وإاقامة اخلدمات العامة‪ ،‬واذلي يقدم‬
‫هذه الموال مه الغنياء‪ ،‬سواء عن طريق مبارش أو عن طريق‬
‫غري مبارش؛ برفع أجور العاملني اذلين يدفعون الرضائب‪.‬‬
‫• املصاحل الشخصية‪ :‬ويه موجودة يف البرش مجيعهم‪ ،‬ولكهنا تمتثل‬
‫وتظهر بقوة عند احلكومة الغالبة عىل السلطة‪ ،‬وذكل بسبب غياب‬
‫الرادع املمتثل يف اإسقاط السلطة ابالنتخاابت‪ .‬فتعامل احلكومات‬
‫مع ادلين وادلائن واملدين‪ ،‬دامئا مبا خيدم مصاحلها‪ ،‬وهذه يه الفطرة‬
‫االإنسانية‪ .‬فاإن اكنت املصاحل ‪-‬ككون احلكومة حكومة دميقراطية‪-‬‬
‫حترص عىل صوت الناخبني‪ ،‬بذلت احلكومة أقىص هجدها محلاية‬

‫‪65‬‬
‫املقرتض اذلي يشلك غالبية اجملمتع‪ ،‬اإىل حد ال يرض الاقتصاد؛‬
‫فينقلب الناخبون عىل احلكومات‪.‬‬
‫وأما اإن اكنت احلكومة غري دميقراطية فس تحرص عىل مصاحل املُقرض‪،‬‬
‫اذلي يشلك القةل القليةل يف اجملمتع‪ .‬وابلتايل ال تتوجه أموال املودعني‬
‫لفضل الاستامثرات؛ مما يكون هذا عامال من عوامل ضعف‬
‫اقتصادايت ادلول غري ادلميقراطية‪.‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬الاقتصاد بني ادلميقراطية وادلكتاتورية‬
‫يف ادلول ادلميقراطية املتحرضة‪ ،‬تكون احلكومة يه املسؤوةل يف حامية‬
‫املواطن من اس تغالل ادلائنني؛ لهنا يه اليت دلهيا اخلربة ومتل‬
‫اخلرباء‪ ،‬ويه موضع الثقة‪ .‬فهي من تعمل للمصلحة العامة‪ ،‬ويه‬
‫املسؤوةل عن منع اس تغالل القوي للضعيف ‪ -‬واجلاهل ضعيف‪ ،-‬ومتنع‬
‫حتريض اجلاهل عىل القوي ظلام وعدواان‪ ،‬فامجليع أوالد لها‪ ،‬وقد قال‬
‫رسول هللا ـ صىل هللا عليه وسمل‪ “ :‬فاتقوا هللا واعدلوا بني أوالدمك ”‬
‫‪.1‬‬
‫وادلكتاتورية املُمتثةل يف حمك الفرد املطلق‪ ،‬يه حافز قوي الإساءة‬
‫الرضائب؛ وذلكل فرضت ادلميقراطية نفسها عىل النظام الس يايس‬
‫لالقتصادايت الصناعية‪.‬‬
‫والاقتصاد الصناع اقتصاد حديث نسبيا‪ .‬وذلا؛ فقد جاءت الرشيعة‬
‫بنصوص مبارشة تالمئ اقتصادايت ذكل الزمان‪ ،‬واليت اكنت اإما رعوية‬

‫‪ - 1‬جزء من حديث رواه البخاري (‪)2587‬‬

‫‪66‬‬
‫أو زراعية مع يشء من التجارة وغنامئ احلرب‪ .‬فاكنت االإقطاعية يه‬
‫التنظمي الغالب علهيا مع حامية ادلكتاتورية الس ياس ية لها‪.‬‬
‫وقد يكون النظام ديكتاتوراي وهو أعدل النظمة وأنزهها يف اترخي‬
‫البرشية‪ ،‬كخالفة الفاروق ريض هللا عنه‪ .‬ولكن الفاروق ومن هو مثهل‬
‫أو قريب منه ممن تولوا سلطة احلمك عرب اترخي البرشية مجعاء‪ ،‬ال‬
‫ي ُس تخرج من حاالهتم قاعدة منضبطة منطقيا وال تطبيقيا‪ .‬فالصل يف‬
‫االإنسان الظمل‪ ،‬فهي الفطرة اليت خلقه هللا علهيا‪ .‬وامتناع االإنسان عن‬
‫الظمل هو سلوك ضد فطرته‪ ،‬فال يكون اإال بسبب مينعه من الظمل‪- ،‬‬
‫اكمتناع الرجل عن الطعام أو الزواج مثال‪ .-‬فالس باب قد تكون‬
‫خلقية‪ ،‬وقد تكون غري ملموسة كن يكون هناك وازع مينعه من الظمل‬
‫كدين ممتكن من قلبه أو خفر حيافظ عليه‪ ،‬فهذه أمور ال يُس تطاع‬
‫التنبؤ هبا ويه اندرة احلدوث‪ .‬والس ياسات واخلطط الناحجة دوما تُبىن‬
‫عىل قواعد منضبطة ال ختتلف ابختالف احلاالت‪ ،‬ال حتت رمحة أمور‬
‫غري حمسوسة أو متقلبة أو ال ميكن التنبؤ هبا‪.‬‬
‫فاالنتخاابت سبب قاهر لظمل الظامل كام أهنا عامل مساعد لعدل‬
‫العادل‪ .‬والنظمة الس ياس ية ال تتشلك بنيهتا التحتية بني يوم وليةل‪ ،‬بل‬
‫يه عرب عقود زمنية‪ .‬ومل يُعرف يف التارخي أن مرت عقود زمنية تعاقب‬
‫فهيا مجموعة من احلاكم العدول‪ .‬ذلا؛ فشذوذ بعض حاالت عن القاعدة‬
‫ال خيل بصحهتا للس باب التالية‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫• عدم وقوع حاةل اترخيية تطبيقية تنقض القاعدة‪ ،‬وإان اكن التنظري‬
‫الفلسف الفالطوين يقرها‪.‬‬
‫• وتغري النظام الس يايس كثر تبع للنظام الاقتصادي‪ ،‬حيتاج لفرتة‬
‫طويةل تبىن فيه البنية التحتية الثقافية الالزمة لتحول اجملمتع‪.‬‬
‫• أن احلاالت الشاذة من عدل احلاكم من عند أنفسهم‪ ،‬يه حاالت‬
‫ال تعترب أصل يف الفطرة البرشية‪ ،‬فهي اندرة‪( .‬وخيترص هذا املعىن قول‬
‫املتنيب‪ :‬والظمل من ش مي النفوس فاإن جتد‪ //‬ذا عفة فلعةل ال يظمل)‬

‫‪68‬‬
‫املوضوع الثاين‪ :‬الاقتصاد اإنسان وحمراث‬
‫متهيد‪:‬‬
‫عندما أدرس طلبيت الاقتصاد أبدأ لك موضوع –غالبا‪ -‬برضب مثال‬
‫من أنفس نا ميثل ترصفا سلوكيا وذهنيا طبيعيا‪ ،‬يقوم به االإنسان العادي‬
‫يف قراراته االإنتاجية ليحقق لنفسه أعىل رب‪ .‬مفثال‪ :‬لو ُطلب من‬
‫صاحبة مشغل نسايئ توظيف امرأة عندها يف املشغل‪ ،‬س تقول‪ “ :‬ال‬
‫مانع اإن اكنت “ بتغط ” راتهبا ” ‪ .‬وهذا التفكري الفطري البس يط‪،‬‬
‫هو يف الواقع يشلك تقريبا عمل (الاقتصاد اجلزيئ)‪ ،‬املمتثل يف االإنتاج‬
‫عند املس توى المثل‪ .‬وابلتايل عند اللكفة الدىن‪ ،‬وابلتايل أعظم رب‬
‫ميكن حتقيقه‪ .‬وهذا مجيعه هو متثيل لفلسفة الاقتصاد اجلزيئ بأمكهل؛‬
‫لن هذا الفكر اإذا قام به لك أفراد اجملمتع وصل اجملمتع اإىل مس توى‬
‫الاس تغالل المثل للموارد البرشية والطبيعية‪ .‬فعمل الاقتصاد معوما هو‬
‫جمرد توثيق علم راييض ُمثبت للسلوك االإنساين يف السوق‪ ،‬جتاه‬
‫معطيات وخمرجات الطبيعة ادليناميكية للسوق‪ .‬وشاهد اتباع‬
‫ادليناميكية االإنتاجية‪ :‬هو اعامتد االإنتاج الزراع عىل اليد العامةل يف‬
‫البالد الفقرية املتخلفة‪ ،‬مقابل اعامتد االإنتاج الزراع عىل الةل يف البالد‬
‫املتقدمة‪ .‬وهذا تفكري طبيع حيدث تلقائيا عند املزارع‪ .‬فاملزارع يف‬
‫فيتنام مثال‪ ،‬اإذا أراد تعظمي الرابح‪ ،‬نظر للكفة العامل البس يطة مقابل‬
‫انتاجه البس يط‪ ،‬امام لكفة احلصادة الكبرية امام انتاهجا الكبري‪ ،‬فس يجد‬
‫ان متوسط لكفة االإنتاج اقل ابس تخدامه العامل البرشي الخنفاض‬
‫أجرته‪ ،‬بيامن يف السويد مثال‪ ،‬تراه خيتار احلصادة الخنفاض متوسط‬
‫لكفهتا للك وحدة اإنتاجية زراعية‪ .‬فاالإنتاج منذ خلق هللا البرش ‪ ،‬قامئ‬
‫عىل العامل والةل‪ ،‬اإنسان وحمراث‪.‬‬
‫ولهذا لك نظرايت الاقتصاد قامئة عىل أ هنا خمرجات ديناميكية تفاعل‬
‫عاملني‪ :‬االإنسان واحملراث‪ ،‬وقد تدخل التكنولوجيا عىل احملراث‪.‬‬
‫والسوق منهتيى نتاجئ الاقتصاد ومدخالته‪ ،‬فهي خترج من السوق‬
‫وتعود اإليه‪ .‬ولهذا؛ اكن الاقتصاد اجلزيئ هو أصل عمل الاقتصاد‬
‫وأساسه ومل يتعداه اإىل الاقتصاد اللك كعمل مس تقل عنه ومؤصل اإال‬
‫بعد احلرب العاملية الثانية‪ .‬وقد اس تخرجه توقف التجارة ادلولية بسبب‬
‫عدم وجود معةل دولية موثوقة بعد أن أثبتت ادلول عدم الزتاهما بتغطية‬
‫معالهتا ابذلهب عند الزمات واحلروب‪ ،‬وكذكل لفقدان بريطانيا‬
‫خاصة‪ ،‬وأورواب معوما‪ ،‬الحتياطياهتا اذلهبية خالل احلربني‪ ،‬الوىل‬
‫والثانية‪.‬‬
‫والتجارة ادلولية يه من الاقتصاد اجلزيئ يف دراساهتا الاقتصادية‪.‬‬
‫ولكن دخول احلاجة لعمةل دولية قادرة عىل محل هذه التبادالت‬
‫التجارية وعالقهتا بعمالت ادلول الخرى احمللية‪ ،‬وعالقة العمةل احمللية‬
‫ابالإنتاج يف دولهتا‪ ،‬وتأثري احلكومة عىل االإنتاج من خالل التنظاميت‬
‫والرضائب واالإنفاق‪ ،‬أخرج احلاجة لنظرة ُ ِّ للكية جامعة شامةل تربط بني‬
‫النقد واحلكومة والعرض العام والطلب العام‪.‬‬
‫فدراسة الطلب العام والعرض العام‪ ،‬اكن مضن دراسات الاقتصاد‬
‫اجلزيئ‪ .‬وسلوك احلكومة الاقتصادي‪ ،‬اكن مضن الفلسفة الس ياس ية‪.‬‬
‫وأما النقد فمل يتعد التطبيق التعاميل اجملرد‪ ،‬ومل تكن هل فلسفة‬
‫‪71‬‬
‫تأصيلية علمية خارج فلسفة الداين والفالسفة الاجامتعيني والفلسفة‬
‫املثالية والخالقية‪.‬‬
‫خفرج الاقتصاد اللك ليقوم بدراسة حتليلية وعالجية شامةل مجليع‬
‫االإنتاج االإنساين السلع واخلديم احملصور يف منطقة معينة‪ ،‬حتت ظل‬
‫س ياسة حكومية ونقدية موحدة‪ .‬فدراسة صناعة الس يارات يف بدل أو‬
‫يف العامل أو مجيع الصناعة العاملية –مثال‪ -‬يه لكها حاالت من الاقتصاد‬
‫اجلزيئ‪ .‬بيامن دراسة اقتصاد قرية أو مدينة أو منطقة أو دوةل أو دول‬
‫حتت س ياسة نقدية ورضيبية وتنظميية موحدة هو من الاقتصاد اللك ‪.‬‬
‫وقد أثبت عمل الاقتصاد اللك أنه ال خيتلف مطلقا عن عمل الاقتصاد‬
‫اجلزيئ الراخس منذ قرون‪ ،‬فالكهام جمرد دراسة طبيب نفيس لسلوك‬
‫االإنسان يف غريزته اليت تدفعه لتحقيق مصاحله اخلاصة بتحقيق الفضل‬
‫والنسب هل‪ ،‬واليت خلقها هللا مضن خلقه لكونه؛ جفعل غريزة الاننية‬
‫الفطرية االإنسانية يف حتقيق الرب موافقة خللق هللا؛ ليك يتحقق‬
‫الاس تغالل المثل ملا خسره س بحانه ل إالنسان يف الرض ويف السامء‬
‫اإذا ما حمك االإنسان فطرته اليت فُطر علهيا من الظمل‪ ،‬والاعتداء عىل‬
‫مصاحل الخرين لتحقيق مصلحته‪ .‬فاس تقرت دراسات عمل الاقتصاد‬
‫اللك عىل عدم معاندة خلق هللا يف االإنسان والسوق والكون‪ ،‬برتكها‬
‫تتفاعل عىل سنن هللا الكونية‪ .‬واقترصت س ياساته عىل حتديد العالج‬
‫الالزم ملنع الظمل والاعتداء‪ ،‬ابس تخدام السلطة احلكومية والسلطة‬
‫النقدية يف سن النظمة لتحفزي املنافسة االإجيابية املدفوعة بغزيرة الاننية‬
‫االإنسانية‪ ،‬وملنع أو تقليل املنافسة السلبية املدفوعة بغريزة الظمل‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫فالتشابك والتداخل والتعقيدات بني السلوك االإنساين يف السوق مع‬
‫فطرة البرش يف تعامهل مع النقد‪ ،‬مع سلوكيات احلكومة مع النظمة‬
‫الس ياس ية مع النظام النقدي جملمتع أو دوةل معينة‪ ،‬مع مدى تأثر لك ما‬
‫س بق وتداخهل مع اجملمتعات وادلول الخرى‪ ،‬هو حمور عمل الاقتصاد‬
‫اللك اذلي خرج خدجيا كعمل مس تقل قبل نصف قرن‪ ،‬ودخل قاعات‬
‫اجلامعات منذ عقود قليةل‪ .‬وما زال هذا العمل‪ ،‬فاقدا لالس تقرار اإىل‬
‫اليوم‪.‬‬
‫الفصل الول‪ :‬يف فلسفة اقتصادايت االإنتاج‬
‫االإنتاجية تكون يف االإنسان وتكون يف الموال‪ ،‬وحديث يف هذا‬
‫الفصل عن االإنتاجية يف الموال من سلع وخدمات‪ .‬وهذه تنقسم‬
‫عندي لربعة أشاكل‪ .‬املقصود من تصنيفها‪ ،‬تقريب تصور الموال عند‬
‫النظر والتأمل يف اإحلاق بعضها ببعض‪ ،‬عند التخطيط الاقتصادي‬
‫لتنظاميت السوق من رضيبة وإاعانة‪ ،‬وعند حتكميها قضائي ًا‪.‬‬
‫ابب‪ :‬أشاكل االإنتاجية املالية وأثرها عىل التنظاميت السويق‪:‬‬
‫الشلك الول‪ :‬أن تكون اإنتاجية املال مما يمنو بزايدة املال نفسه بنفسه‬
‫جحامً أو عدداً‪ ،‬دون تدخل االإنسان اكلنعام واخليل وامحلري والفيةل‬
‫والنعام وحنوها‪ ،‬والفيةل وامحلام وادلجاج والزراف وحنوها‪.‬‬
‫الشلك الثاين‪ :‬منو بتمنية االإنسان وتكون بزايدة مال ُمختلف يف شلكه‬
‫عن املال املُمنى‪ ،‬اإما نوع ًا أو جود ًة أو خدمة أو لّمكً‪ .‬اكملس تغالت معوم ًا‬

‫‪73‬‬
‫ويه اكملصانع ورشاكت اخلدمات من صيانة واستشارات‪ ،‬ومزارع‬
‫السامك واللؤلؤ وادلجاج واللبان واملزارع بأنواعها‪.‬‬
‫ويالحظ أن أصل املال هنا هو املُمنلى ابلصناعة االإنتاجية أو اخلدمية أو‬
‫التعدينية‪ ،‬أو املالية أو احليوانية أو الزراعية‪ ،‬نتاجه س يكون ماالً خمتلف ًا‬
‫تتودل عن مصانع‪ ،‬وحلوم عن مزارع دجاج ومسك‪.‬‬ ‫عن أصهل‪ .‬كس يارات ل‬
‫فهذه املزارع‪ ،‬اكملصانع ال تمنو وحدها‪ ،‬بل يه قابةل للامنء اكملصانع‪.‬‬
‫فاجلهد االإنساين ركن أسايس فهيا‪ ،‬وهذا فارق جوهري‪ ،‬ملن أراد أن‬
‫يتأمل‪ .‬فاالقتصاد يدور حول االإنسان وإانتاجه واس هتالكه‪.‬‬
‫الشلك الثالث‪ :‬منو حقيق يف القمية دون أي زايدة لمكية أو لنوعية‪.‬‬
‫وهذا خاص ابلتجارة االإجيابية‪ .‬فالتجارة االإجيابية يه مكوردي السلع‬
‫ومس توردهيا والوالكء وجتار امجلةل والتجزئة‪ ،‬ورشاكت ادلعاية‬
‫واالإعالم‪ ،‬وحنوها مما يوصل السلعة أو العمل هبا للمس هتل‪.‬‬
‫فتوصيل البضائع واخلدمات من مصادرها وتوزيعها‪ ،‬ونرش العمل هبا هو‬
‫من أمه العوامل املؤثرة عىل االإنتاجية بزايدة الطلب احلقيق ‪ .‬والطلب‬
‫هو دافع االإنتاج‪ .‬وتوصيل السلع واخلدمات املنتجة يزيد الطلب مما‬
‫حيفز املُنتج عىل رفع االإنتاجية المكية والنوعية‪ .‬وتطوير الرايض مثال‪،‬‬
‫هو من التجارة االإجيابية لنه توصيل لها للمس هتل‪ .‬وأما املضاربة فهيا‬
‫أو جتميدها ومنعها من الناس‪ ،‬فهو من التجارة السلبية وس تأيت يف‬
‫الشلك الرابع‪.‬‬
‫الشلك الرابع‪ :‬هو لك ما تشمهل التجارة السلبية من املضارابت ابلسلع‬
‫وتدويرها‪ .‬وحدها الضابط اذلي يفرقها عن التجارة االإجيابية هو اهنا ال‬
‫‪74‬‬
‫تضيف أي قمية ل إالنتاج‪ ،‬وغالبا ما تتسبب يف ارتفاع السعار غالبا‬
‫دون اإضافة أي قمية حقيقية للسوق‪ .‬فالتجارة السلبية تشمل لك‬
‫معليات البيع والرشاء لسلعة ال يؤدي بيعها ورشاؤها لزايدة االإنتاج‪،‬‬
‫وال لتوصيل ماكين أو معلومايت‪ ،‬بل فقط قد تؤدي لزايدة السعار‪.‬‬
‫مكضاربة السهم والسلع‪ .‬لن لك من اشرتى السلعة يريد بيعها برب‪.‬‬
‫وهذا ليس زايدة يف قميهتا احلقيقية‪ ،‬بل زايدة يف أسعارها االإمسية‪.‬‬
‫والزايدة يف السعار يه التضخم بيامن الزايدة يف القمية يه المنو والتطور‬
‫للسلعة‪.‬‬
‫وقفة فلسفية‪ :‬التفكري اجلزيئ واللك‬
‫دامئ ًا ما حيدث خلط يف التفكري الاقتصادي بسبب عدم التفريق بني‬
‫النظرة الاقتصادية اجلزئية والنظرة الاقتصادية اللكية‪ .‬فاالقتصاد اجلزيئ‬
‫واللك ال جيمتعان اإال يف مطلق املفاهمي والدوات الرايضية‪ ،‬أما النتاجئ‬
‫الاقتصادية للحاالت الاقتصادية‪ ،‬فهي تتناقض عىل قدر تشاهبها‪.‬‬
‫مفث ًال‪ ،‬عند دراسة حاةل زايدة الطلب يف اإطار الاقتصاد اجلزيئ‪:‬‬
‫س نجد أنه س يصاحهبا ارتفاع أسعار مؤقت‪ ،‬ينهتي بأسعار أقل وإانتاج‬
‫مكية أكرب‪ ،‬اإذا اس متر الطلب املرتفع‪ .‬أما لو اكنت الزايدة يف الطلب‬
‫العام‪ ،‬فس نجد ارتفاع ًا دامئ ًا للسعار‪ ،‬وقد ال ينتج عنه زايدة اإنتاج‪.‬‬
‫وبيان هذا يتضح مبثال ابالقتصاد اجلزيئ لننطلق منه لالقتصاد اللك ‪:‬‬
‫فلو أننا افرتضنا بأن هناك مستشفى يعاجل ألف مريض شهر ًاي‪ ،‬وعنده‬
‫ُخسة موظفني بني أطباء وممرضني يعملون مثاين ساعات يومي ًا‪ ،‬مع‬
‫أخذمه الإجازة أخر الس بوع‪ .‬فلو ارتفع الطلب عىل العالج لسبب أو‬
‫‪75‬‬
‫لخر‪ ،‬كتحول ادلوةل لنظام التأمني‪ ،‬أو اكنتشار مرض ما‪ ،‬فسريتفع‬
‫الطلب العام عىل الطب‪ .‬وسرتتفع أسعار املعاجلة‪.‬‬
‫فلامذا ارتفعت السعار؟‬
‫السبب هو أن املستشفى س يطلب من املوظفني أن يعملوا ‪١٢‬‬
‫ساعة يف اليوم‪ ،‬وال يمتتعوا ابإجازة أخر الس بوع‪ .‬وهذا لن يمت هل اإال‬
‫برفع أجور الساعات االإضافية بضعف الساعات الاعتيادية؛ مما سريفع‬
‫متوسط اللكفة يف العالج الواحد‪.‬‬
‫فاإذا اس متر الطلب مرتفع ًا فهنا ينشأ حافز بناء مستشفيات جديدة‬
‫بطوامق جديدة؛ مما يلغ لكفة العمل االإضايف فتنخفض السعار‪ ،‬وتزيد‬
‫المكية‪ ،‬ويه عدد ساعات اخلدمة الصحية‪.‬‬
‫أما لو أن احلاةل زايدة الطلب العام عىل السلع لكها‪ ،‬فهنا ال نرى نفس‬
‫السيناريو اجلزيئ اذلي ينهتي بعودة السعار لالخنفاض بعد معليات‬
‫التوسع‪.‬‬
‫فزايدة الطلب العام يعين زايدة السعار يف السلع لكها‪ ،‬وهذا يعين أ لن‬
‫معليات التوسع س تكون ابللكفة املرتفعة ال ابللكفة الاعتيادية‪.‬‬
‫فف حاةل زايدة الطلب اجلزيئ‪ ،‬فا لإن السعار لن تتغري ابلنس بة ملواد‬
‫البناء والعامةل اليت ستُس َتخدم يف بناء مستشفيات بأطقم جديدة يف‬
‫حاةل زايدة الطلب اجلزيئ‪ .‬لكن يف حاةل زايدة الطلب العام فأسعار‬
‫العامةل واملواد‪ ،‬فس تكون يه الخرى مرتفعة؛ مما مينع رجوع السعار‬
‫ملعدلها الطبيع مع زايدة االإنتاج‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ولهذا؛ ال تعود السعار العامة لالخنفاض يف حاةل المنو وارتفاع الطلب‬
‫العام‪ ،‬بيامن تعود سعر سلعة ما لالخنفاض بعد فرتة‪ ،‬ولو اس متر الطلب‬
‫علهيا مرتفعا‪.‬‬
‫ومن المثةل عىل الفرق بني الاقتصاد اجلزيئ واللك ‪ -‬مث ًال‪ -‬نراه يف‬
‫أساس يات حساب الرابح‪ .‬فاالقتصاد اجلزيئ ال ينظر للتضخم منعزال‬
‫عن لكفة عوامل االإنتاج‪ ،‬خبالف الاقتصاد اللك ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫كام أن الاقتصاد اللك ختتلف نتاجئه يف الاقتصاد املغلق عن الاقتصاد‬
‫املفتوح‪ .‬فعقلية اقتصادي أمرييك يف “ أيوا ” ‪ ،‬ال يتوارد اإلهيا ابلسليقة‬
‫مفاهمي الاقتصاد اللك املفتوح؛ مما يسوقه للخطأ يف النتيجة‪.‬‬
‫والشاهد مما س بق‪ ،‬أن الاقتصاد هو طريقة تفكري منطقية فطرية‪ ،‬اإذا‬
‫غلب عىل االإنسان اش تغاهل يف حميط ما‪ ،‬سينحرص فكره فيه وال ينجح‬
‫اإذا خرج من حميطه‪.‬‬
‫وهذا من الس باب اليت دفعهتم للتفريق يف ادلراسات العليا بني‬
‫الس ياسات الاقتصادية احلكومية واخلاصة‪ .‬فهناك فارق همم بني واضع‬
‫س ياسات التوسع لرشكة أو مصنع‪ ،‬وبني واضع س ياسات التوسع‬
‫احلكويم‪ .‬ولهذا ال ينجح عادة مدير رشكة انحج يف اإدارة وزارة‬
‫حكومية‪ .‬فرتكيبة التفكري وطريقة النظر والفهم عند ا إالداري اجلزيئ‪،‬‬
‫خمتلفة لكي ًا عن تركيبة التفكري والنظر عند االإداري اللك ‪.‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬الاقتصاد اجلزيئ‬
‫هو دراسة أي سوق همام كرب وعظمت ارقامه وامتدت اقالميه‪ .‬فدراسة‬
‫سوق الس يارات العامل ‪ ،‬من اقتصاد جزيئ‪ .‬ودراسة سوق الصناعة‬
‫‪77‬‬
‫العاملية او احمللية‪ ،‬كذكل‪ .‬مفىت مشل السوق السلع لكها واخلدمات‬
‫ملنطقة معينة‪ ،‬حيهنا يصري اقتصادا لكيا‪ .‬والفرق واحض‪ .‬فغاية الاقتصاد‬
‫اللك ليست رحبية خاصة‪ ،‬فغايته تعظمي االإنتاج العام وبذكل خيفف‬
‫البطاةل‪ ،‬مع ضبط التضخم‪ .‬بيامن الاقتصاد اجلزيئ يشمل الرحب وغري‬
‫الرحب ‪ ،‬فغايته حتقيق احلد العىل من الرابح‪ .‬البواب القادمة‬
‫تتناول أصول العمل ابخزتال ‪.‬‬
‫الباب الول‪ :‬ديناميكية تفاعل اللكفة مع الانتاج‬
‫لكام قلت االإنتاجية عن اللكفة سبب ذكل هدرا اس تغالليا للموارد‬
‫الاقتصادية‪ ،‬وذكل بتعطيل املوارد‪ .‬ولكام زادت االإنتاجية عن اللكفة‬
‫سبب ذكل ارسافا اس تغالليا للموارد الاقتصادية‪ ،‬وذكل بتبذير‬
‫االإنتاج‪ .‬وال يتحقق الاس تغالل المثل للموارد الاقتصادية يف اجملمتع اإال‬
‫عندما تتساوى االإنتاجية ابللكفة مساوية لللكفة‪.‬‬
‫الباب الثاين ‪ :‬الجر عىل قدر العمل‬
‫فأجور ال َعامةل جيب أن تعكس مقدرهتا االإنتاجية‪ .‬فهي اإن مل تعمل هنا‬
‫معلت هناك يف نشاط أخر‪ ،‬نشاط حيتاج لها بقدر أجرهتا‪ .‬ومثال ذكل‬
‫يظهر حىت يف قرار جعوز يف توظيف مربية لدلجاج‪ .‬فهذا القرار‪،‬‬
‫س يعمتد يف حاةل ما اكن توظيف املربية‪ ،‬س يعود بعوائد تغط أجر‬
‫املربية‪ .‬وهذا فكر فطري بس يط‪ ،‬لكنه هو منهتيى هدف عمل الاقتصاد‪.‬‬
‫فهو حتقيق ملبدأ الاس تغالل المثل للموارد الاقتصادية‪ ،‬مبساواة‬
‫هامش اللكفة هبامش االإنتاجية‪ ،‬وهو اذلي حيقق أعىل مس توى ممكن‬

‫‪78‬‬
‫من الرحبية‪ .‬وواحض ابلرضورة‪ ،‬أن أعىل رحبية تكون بأقل لكفة‪ ،‬وأن‬
‫أقل لكفة تعين‪ :‬اس تغالال أمثال ملوارد الاقتصاد‪.‬‬
‫وهذا املفهوم يف الاس تغالل المثل للموارد بال افراط وال تفريط‪،‬‬
‫يرشح ملاذا مل تنجح الاشرتاكية‪ ،‬كام يرشح سبب اخلوف ابفتقار دول‬
‫النفط‪ .‬فالك الاقتصادين‪ ،‬الاشرتايك والنفط ‪ ،‬ال يعمال مببدأ تساوي‬
‫اللكفة بمكية االإنتاج‪ ،‬فيحدث عندمه إارساف يف موارد وتضييع يف‬
‫موارد اخرى ‪.‬‬
‫مفساواة االإنتاجية لللكفة يه أمر حمت الس تدامة أي اقتصاد جممتع‬
‫وتطوره‪ .‬مفن املعلوم ابلرضورة أنه تس تحيل اس تدامة اقتصاد قامئ‬
‫بذاته‪ ،‬تزيد اللكفة فيه عىل االإنتاجية‪ ،‬لن يف ذكل إارسافا وهدرا‬
‫للموارد‪ .‬ولكام زادت اللكفة عىل االإنتاجية‪ ،‬لكام جعل هذا ابهنيار‬
‫الاقتصاد‪ ،‬فال ميكن الاس مترار يف االإنفاق عىل عامةل أو معدات قمية‬
‫انتاهجا اقل من قمية بيعها‪.‬‬
‫وابملقابل‪ ،‬يس تحيل التطور والمنو يف اقتصاد اإنتاجيته أعىل من لكفته؛‬
‫لن فيه كذكل إارسافا وتضييعا وهدرا يف الطاقة االإنتاجية‪.‬‬
‫ويف التارخي الربيطاين شاهد‪ :‬فاإننا نرى اخنفاض الجور احلقيقية‪ ،‬بعد‬
‫تدفق اذلهب من أمرياك لربيطانيا‪ .‬فهذا فيه دليل واحض عىل أن اللكفة‬
‫تقابل االإنتاجية يف اجملمتع الاقتصادي املس تدمي‪ .‬فربمغ زايدة الرثوة يف‬
‫بريطانيا‪ ،‬اإال أن الجور احلقيقية للعامةل مل تزد بل نقصت‪ .‬وتفسري سبب‬
‫اخنفاض الجور الاقتصادي احلقيق ‪ :‬هو أن هذا ال يكون اإال لن‬
‫اإنتاجية العامةل الربيطانية قلت عن لكفة اجورها‪ .‬وأما السبب الظاهر‬
‫‪79‬‬
‫الخنفاض الجور‪ ،‬فيظهر من خالل زايدة الاس ترياد للمنتجات‪ ،‬مما‬
‫أحدث فائض يف العامةل‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬ديناميكية لكفة االإنتاج‬
‫وديناميكية لكفة االإنتاج ‪-‬الغالبة يف معظم أشاكل االإنتاج الصناع‬
‫املتقدم والبس يط‪ ،-‬تكون عىل شلك حرف يو ابالإجنلزيية‪ .‬فرتى‬
‫تناقص اللكفة االإنتاجية ابتداء‪ ،‬مع زايدة االإنتاج‪ ،‬وتس متر يف التناقص‬
‫حىت تبلغ اللكفة االإنتاجية أقل مس توى لها‪ ،‬مث تبدأ ابلزايدة لكام زاد‬
‫االإنتاج حىت تصل اإىل احلد الدىن من اللكفة االإنتاجية‪ ،‬مع وصولها حلد‬
‫معني من االإنتاج‪ .‬مث تبدأ اللكفة يف الزايدة بعد ذكل مع زايدة االإنتاج‪،‬‬
‫وهذا عىل مس توى الاقتصاد اجلزيئ ‪.‬‬
‫ومىت حسبنا ديناميكية لكفة االإنتاج هذه عىل الاقتصاد اللك ‪ ،‬وابعتبار‬
‫ديناميكية السوق احلر‪ ،‬سرنى أن هناك مرحلتان لتحقيق المنو العام‪،‬‬
‫بتحقيق الاس تغالل المثل للموارد‪ .‬املرحةل الوىل‪ :‬يه زايدة االإنتاج‬
‫عىل حساب زايدة اللكفة؛ اس تجابة لطلب مفاجئ من السوق‪ .‬وهذا‬
‫يف املدى الزمين القصري‪ .‬وال حيقق هذا منوا حقيقيا يف الاقتصاد‪ ،‬فهو‬
‫غري دامئ االإنتاجية وغري خالق لمنو أخر‪ .‬وذكل؛ لن التوظيف وزايدة‬
‫االإنتاج تزول بزوال الزايدة يف الطلب‪ .‬وهذه املرحةل ال تدوم‪ ،‬اإذا‬
‫اس متر الطلب عىل ارتفاعه؛ وذكل للجوء املنتجني حيهنا‪ ،‬لالستامثر يف‬
‫زايدة الصل املنتج؛ من أجل ختفيض اللكفة‪ ،‬وابلتايل حتقيق‬
‫املاكسب‪ .‬وهذا هو المنو احلقيق ادلامئ يف االإنتاجية‪ ،‬ويه املرحةل‬
‫الثانية يف المنو العام لالقتصاد‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫مثال عىل ديناميكية االإنتاج‪:‬‬
‫فلو اكن هناك مستمثر يريد اإنشاء مصنع للكرايس‪ ،‬فأقام املصنع‬
‫واملعدات الالزمة هل‪ .‬ولكنه احتار يف عدد معدات القص والنرش‬
‫الالزمة؛ ليك تس توعب املقدرة ال ُعاملية واملاكنية واالإدارية ملصنعه‪.‬‬
‫فاشرتى املاكينة الوىل؛ فأنتج املصنع مائة كريس شهراي‪ .‬فاشرتى ماكينة‬
‫اثنية؛ فأصبح االإنتاج ‪ ٢٣٠‬كرس يا‪/‬شهراي‪ .‬أي أن هامش االإنتاجية‬
‫للامكينة اجلديدة يزيد مبقدار ‪ ،20‬أي كن املاكينة الثانية تنتج أكرث من‬
‫املاكينة الوىل‪ ،‬وهذا غري حصيح؛ لن املاكينتني مامتثلتني متاما‪ .‬فأدرك‬
‫أن ديناميكية االإنتاج ابملوارد املتاحة للمصنع من ال َعامةل وغريها‪ ،‬ما زالت‬
‫مل تصل حلدها الاس تغاليل المثل؛ فاشرتى ماكينة اثلثة فأصبح مجموع‬
‫االإنتاج ‪ ٣٢٠‬كرس يا‪ ،‬أي أن هامش اإنتاجية املاكينة صار ‪ ١١٠‬كرس يا‪،‬‬
‫وهو أقل من الثانية وأكرث من الوىل‪ .‬فاس تأجر ماكينة رابعة فاكن‬
‫هامشها االإنتايج أقل من امجليع وهو ‪ ٩٠‬كرس يا‪ .‬ولكن الرابح تزتايد؛‬
‫فاشرتى ماكينة خامسة‪ ،‬وسادسة‪ .‬وعند اإضافة لك ماكينة يقل هامش‬
‫اإنتاج املاكينة حىت وصل الهامش االإنتايج للامكينة العارشة ‪ ٢٠‬كرس يا‪،‬‬
‫والطلب مل ينقطع أو ينخفض عليه‪.‬‬
‫ولكن املنتج الحظ أن أرابحه بدأت تتناقص بعد استئجاره املاكينة‬
‫العارشة‪ .‬مفا السبب؟ وهل عليه أن يكتف بثالث ماكئن فقط؟ فعند‬
‫استئجاره للامكينة الرابعة بدأ اخنفاض هامش االإنتاج عن ‪ ١٠٠‬كريس‪،‬‬
‫واذلي حققته املاكينة الوىل‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫واجلواب الصحيح هو نفس جواب جعوز ادلجاج‪ ،‬أنه اكن ينبغ هل‬
‫التوقف عن استئجار املاكئن عند املاكينة السابعة اليت حققت هل زايدة‬
‫يف االإنتاج تبلغ ُخسني كرس يا؛ لن زايدهتا االإنتاجية ال تغط لكفهتا‪.‬‬
‫فلكفة الكريس الواحد ابس تثناء أجرة املاكئن اكلعامةل واخلشب واالإدارة‬
‫وحنوه‪ُ ،‬خسة رايالت للك كريس‪ .‬وصاحب املصنع يبيع الكريس‬
‫الواحد بعرشة رايالت‪ .‬فعىل هذا؛ س يكون صايف ادلخل اذلي أدخلته‬
‫املاكينة السابعة ‪ 250‬رايال شهراي هبامش اإنتاجيهتا خبمسني كرس يا‪ ،‬بيامن‬
‫اكنت الجرة الشهرية للامكينة ‪ 300‬رايل شهراي‪ .‬فزايدة املاكينة السابعة‬
‫وما بعدها وإان اكن حيقق انتاجا أكرث‪ ،‬وريعا أكرب‪ ،‬اإال أنه ال حيقق رحبا‬
‫أكرث‪.‬‬
‫وهذا اذلي حدث هو بسبب ديناميكية اإنتاج الكرايس املطبقة يف‬
‫املصنع‪ .‬فالعامةل املتوفرة أو االإدارة أو املاكن أو خليط هذا لكه‪ ،‬مل يعد‬
‫قادرا عىل الاس تغالل المثل الإنتاجية املاكئن بعد أن زادت عن س تة‬
‫ماكئن‪ .‬اإذا‪ ،‬فأقل من س تة ماكئن‪ ،‬اكن هناك تضييع وإارساف يف‬
‫اإماكنية اإنتاج العامةل واالإدارة‪ ،‬وبعد زايدة املاكينة السابعة أصبح هناك‬
‫تضييع وإارساف يف اإماكنية املاكئن االإنتاجية‪ .‬فهذا مثال عىل ما جاء يف‬
‫اول المتهيد‪ ،‬فأقل من ست ماكئن فيه تعطيل للموارد وأكرث من ست‬
‫فيه تبذير ل إالنتاج‪.‬‬
‫وقس عىل هذا لك ما يس تخدم يف االإنتاج من عامةل وتكنولوجيا‬
‫وأرض وغري ذكل‪ .‬وإاذا ما َو َّسعت أفق النظر‪ ،‬فسرتى أن هذا املفهوم‬
‫مطبق عىل مس توى اجملمتع الاقتصادي لكه جبميع أفراده‪ ،‬احلكومة‬
‫‪82‬‬
‫واملنتج واملس هتل‪ .‬اإذا ما أردان حتقيق الاس تغالل المثل ملوارد اجملمتع‬
‫الاقتصادية‪ ،‬يف االإعاانت والرضائب واالإنفاق احلكويم وغريها‪.‬‬
‫مفثال هذه املاكئن اليت مل يس تأجرها صاحب املصنع فأعادها ملوردها؛‬
‫ستتوجه لعمل أخر‪ ،‬حتقق فيه اإنتاجية أكرب‪ .‬فاإذا مل يكن علهيا طلب‪،‬‬
‫س يلجأ املُصنِّلع لها البتاكر ماكئن أخرى أقل لكفة‪ ،‬أو يتوجه مبقدرته‬
‫التصنيعية للماكئن لسد ثغرة تصنيعية يف جمال تصنيع أخر يف اجملمتع‬
‫غري الكرايس‪ ،‬اكن غري هممت به‪ ،‬رمغ أمهيته الاسرتاتيجية‪ .‬مكصانع‬
‫الدوية مثال؛ (لنه جيد أرابحا أكرب وراحة ابل يف ماكئن تصنيع‬
‫الكرايس‪ ،‬ال تتحقق يف تصنيع ماكئن مصانع الدوية)‪ .‬وهبذا حيصل‬
‫التوازن والتاكمل االإنتايج يف اجملمتع‪.‬‬
‫وعىل هذا فقس يف الرثوة االإنسانية‪ .‬فلو استبدلنا املاكينة ابلعامةل‬
‫فاملفهوم نفسه هو املطبق‪ ،‬مكثال املشغل النسايئ اذلي افتتحنا به هذا‬
‫املوضوع‪ .‬فلو أن جعوز ادلجاج مل توظف العامةل؛ لهنا حتقق خسارة‬
‫لها‪ ،‬فاإن العامةل ستتوجه جملال معل أخر تس تطيع حتقيق مكسب‬
‫للعمل اذلي تعمل فيه‪ .‬وقد ال جتد هذه العامةل مبواههبا وخربهتا‪ ،‬ما‬
‫يغط تاكليف مس توى املعيشة اذلي تطمح فيه‪ .‬فيدفعها هذا؛ لتطوير‬
‫نفسها لتقوم بعمل أكرث تقدما؛ فيكون هذا اإضافة قمية للمجمتع‪ ،‬بدال من‬
‫إارساف املوارد الاقتصادية للمجمتع‪ .‬واالإنسان هو أعظم مورد اقتصادي‬
‫للمجمتع‪ .‬وعىل هذا فقس يف اس تغالل الرايض‪ ،‬واملوارد الاقتصادية‬
‫املتاحة للمجمتع‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫وهذا يرشح ملاذا مل تنجح الاشرتاكية‪ ،‬ويرشح اس باب اخلوف ابفتقار‬
‫دول النفط؛ لهنم ال يعملون مببدأ تساوي اللكفة بمكية االإنتاج‪،‬‬
‫فيحدث عندمه إارساف يف موارد وتضييع يف موارد اخرى‪.‬‬
‫مفساواة االإنتاجية لللكفة يه أمر حمت الس تدامة أي اقتصاد جممتع‬
‫وتطوره‪ .‬فهي اس تدامة وتطور ومنو‪ .‬فتس تحيل اس تدامة اقتصاد قامئ‬
‫بذاته تزيد فيه اللكفة عىل االإنتاجية‪ ،‬دون غزو أو موارد اقتصادية‬
‫اكلنفط‪ .‬والنرص والغزو ال بد هل من هناية والنفط ال بد هل من نضوب‪،‬‬
‫فال اس تدامة القتصاده؛ لن فيه إارسافا وهدرا للموارد‪ .‬ولكام زادت‬
‫اللكفة عىل االإنتاجية‪ ،‬لكام جعل هذا ابهنيار الاقتصاد‪ .‬كام تس تحيل أو‬
‫يصعب أو يتباطأ التطور والمنو يف اقتصاد اإنتاجيته أعىل من لكفته؛‬
‫لن فيه كذكل إارسافا وتضييعا وهدرا يف الطاقة االإنتاجية‪.‬‬
‫ويف التارخي الربيطاين‪ ،‬نرى اخنفاض الجور احلقيقية بعد تدفق اذلهب‬
‫من أمرياك لربيطانيا‪ .‬وهذا فيه دليل واحض عىل أن اللكفة تقابل‬
‫االإنتاجية يف اجملمتع الاقتصادي املس تدمي‪ .‬فربمغ زايدة الرثوة اإال أن‬
‫الجور احلقيقية للعامةل مل تزد بل نقصت‪ .‬ونزولها يكون بسبب‬
‫الاس ترياد‪ ،‬لتضخم السعار يف بريطانيا وقةل االإنتاج؛ مما أحدث فائض‬
‫يف العامةل‪.‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬ملاذا ترتفع السعار مع زايدة الطلب؟‬
‫ومثال هذا الباب يبدأ بنا من الاقتصاد اجلزيئ وينهتي بنا يف الاقتصاد‬
‫اللك ‪ .‬فارتفاع السعار مع زايدة الطلب‪ ،‬يعين زايدة مكية االإنتاج‬
‫دون زايدة يف البنية الانتاجية‪ .‬مفثال زايدة الطلب عىل الامعدة‬
‫‪84‬‬
‫الضوئية يدفع بأحصاب املصانع لزايدة ساعات العمل وإالغاء الاجازات‪،‬‬
‫مما يدفع لزايدة لكفة العامل‪ ،‬مقابل زايدة انتاج الامعدة‪.‬‬
‫ولكن هذا الوضع ال يس متر‪ .‬مفىت رأى أحصاب املصانع أن مكية الطلب‬
‫ُمس تدامة‪ ،‬فس يلجؤون لتوسعة مصانعهم أو بناء مصانع جديدة أو‬
‫دخول مصنعني جدد‪ .‬فهنا سزتداد املقدرة الانتاجية املُثىل‪ ،‬أي سزتداد‬
‫البنية الانتاجية‪ ،‬مما ُيرجع أسعار المعدة اىل عهدها السابق أو اقل‬
‫رمغ اس تدامة مس توى الطلب‪.‬‬
‫وهذا ينطبق عىل اقتصاد اس تريادي اكقتصاداتنا‪ .‬فاملس توردين‬
‫س يزتامحون عىل املصدرين‪ ،‬وترتفع لكفة التامني والشحن املس تعجل‬
‫وهكذا‪ .‬لكن ال تلبث ان ترجع السعار للزنول‪ ،‬يف حاةل الاس ترياد‬
‫برسعة أكرب بكثري من حاةل االإنتاج‪.‬‬
‫ومعوما فهنا قد يقول قائل‪ :‬وهل رأيمت اي عباد هللا نزوال للسعار بعد‬
‫صعودها اإال اندرا؟ فاجلواب‪ ،‬أن عدم رجوع نزول السعار‪ ،‬يكون يف‬
‫الاقتصاد اللك ‪ .‬فعندما يرتفع مؤرش السعار العام‪ ،‬فلن يعود‬
‫لالخنفاض ابدا‪ ،‬اإال يف حاةل اهنيار اقتصادي‪.‬‬
‫مفا الفرق؟ ملاذا تعود السعار لالخنفاض اإذا اكن الارتفاع انجت عن‬
‫زايدة يف الطلب عىل سلعة واحدة‪ ،‬وال تعود السعار لالخنفاض اإذا‬
‫اكن ارتفاع السعار انجت عن المنو‪ ،‬وهو زايدة يف الطلب اللك ‪.‬‬
‫اجلواب يمكن يف التوسع‪ ،‬أي المنو‪ .‬فالتوسع يف املصانع يف حاةل‬
‫المعدة‪ ،‬مل ترتفع لكفته‪ .‬فزايدة مصانع الامعدة ال تؤثر يف أسعار‬
‫املقاوالت واملواد الولية‪ .‬وكذكل جلب العامل لها‪ .‬وهذا خيتلف لو ان‬
‫‪85‬‬
‫التوسع يف مصانع المعدة اكن مضن منو عام لالقتصاد‪ .‬فف حاةل المنو‬
‫العام‪ ،‬تزيد السعار لكها‪ ،‬فتوسعة مصانع أمعدة يف طفرة اقتصادية‬
‫عامة‪ ،‬س تلكف أكرث من التوسعة يف حاةل زايدة الطلب عىل المعدة‪،‬‬
‫ذكل لن لكفة لك يشء يدخل يف بناء املصانع قد زادت‪.‬‬
‫وديناميكية لكفة االإنتاج الغالبة يف معظم االإنتاج سواء يف االإنتاج‬
‫ادلخيل أو يف الصناعات املتقدمة والبس يطة‪ ،‬تتناقص اللكفة االإنتاجية‬
‫ابتداء مع زايدة االإنتاج‪ .‬وتس متر يف التناقص حىت تبلغ اللكفة االإنتاجية‬
‫أقل مس توى لها‪ ،‬مث تبدأ ابلزايدة لكام زاد االإنتاج حىت تصل اإىل احلد‬
‫الدىن من اللكفة االإنتاجية‪ ،‬مع وصولها حلد معني من االإنتاج‪ .‬مث تبدأ‬
‫اللكفة يف الزايدة بعد ذكل مع زايدة االإنتاج‪.‬‬
‫وليك يقتنع القارئ بذكل ويسهل عليه فهمه‪ ،‬فسأرضب مثالني بس يطني‬
‫يف تركيبهتام ادليناميكية االإنتاجية‪ ،‬أحدهام زراع والخر خديم‪.‬‬
‫املثال الزراع ‪:‬‬
‫فلو اس تأجر مزارع َح َّصادة طامطم لتحصد حمصوهل من الطامطم‪،‬‬
‫فأصبح ال حيتاج لعامةل حتصد ‪ ،‬فاإن لكفة أةل احلصادة ‪-‬اليت يه جزء‬
‫من لكفة االإنتاج لكه‪ ،-‬تتناقص مع تزايد االإنتاج‪ .‬أي أن اللكفة تتناقص‬
‫تدرجييا مع زايدة االإنتاج‪ .‬واحلصادة ال تلتقط الطامطم لكها‪ ،‬بل ثليث‬
‫احملصول تقريبا‪ .‬وهذا ابلنس بة للمزارع يه اللكفة التنافس ية اليت‬
‫يس تطيع أن يبيع الطامطم علهيا‪.‬‬
‫فلو افرتضنا أن أسعار الطامطم زادت لسبب أو لخر‪ ،‬فهذا يعين أن‬
‫املُزارع يس تطيع بيع الطامطم بسعر أعىل‪ .‬لهذا قام املزارع واس تأجر‬
‫‪86‬‬
‫عامةل تلتقط الطامطم اليت أمهلهتا احلصادة؛ فاس تطاع بذكل أن يزيد‬
‫االإنتاج‪ ،‬ولكن بلكفة فوق ديناميكية لكفة اإنتاج الطامطم يف حميطه‬
‫الزراع ‪ .‬فالعامةل غالية يف حميطه‪ ،‬ذلا؛ فديناميكية اإنتاج الطامطم يف‬
‫حميطه الزراع ‪ ،‬لكها قامئة عىل اس تخدام احلصادات‪ .‬فأصبح متوسط‬
‫اإنتاج صندوق الطامطم ‪ ١٠‬رايالت بسبب زايدة االإنتاج بعد أن اكن‬
‫‪ ٧‬رايالت قبل زايدة االإنتاج‪ .‬ولكن املزارع جلأ ذلكل؛ لن أسعار‬
‫الطامطم ارتفعت عن ‪ ١٠‬رايالت‪ ،‬فالعرض قد أصبح حشيحا أمام‬
‫تزايد الطلب اجلديد‪.‬‬
‫ومن املثال السابق نس تطيع أن نرى ديناميكية لكفة االإنتاج‪ .‬فهي‬
‫تتناقص ابتداء مع زايدة االإنتاج حىت تصل لالس تغالل المثل‪ .‬وهو‬
‫اإنتاج ثليث اإماكنية املزرعة بدال من االإنتاج جبميع طاقهتا‪ .‬فاإذا زاد‬
‫االإنتاج بعد هذا‪ ،‬تزداد اللكفة‪.‬‬
‫و احلاةل السابقة ال تدوم؛ لن الطلب اإذا اس متر عاليا واس تقر عليه؛‬
‫فسيبدأ ُمزارعنا وغريه ابس تصالح الرايض اليت حوهل؛ ليجعلها مزارع‬
‫طامطم‪( ،‬وهذه س نة السوق يف خلق هللا هل)‪ .‬مفا يزال املزارعون‬
‫القادرون يس تصلحون أراضهيم البور؛ حىت يزداد العرض وتبدأ‬
‫السعار ابالخنفاض‪ ،‬ومن َمث يبدأ املزارعون ابالس تغناء عن ال َعامةل؛‬
‫حىت يس تقر السوق من جديد عىل السعر التنافيس ‪٧‬رايالت أو‬
‫اقل‪ ،‬واذلي ال ميكن تغطية لكفته اإال ابس تخدام احلصادات فقط دون‬
‫أي عامةل‪.‬‬
‫املثال اخلديم‪:‬‬
‫‪87‬‬
‫يكفينا هنا مثال املستشفى السابق‪ ،‬فبالرجوع هل‪ ،‬س يتبني أن اللكفة‬
‫االإنتاجية للعالج الواحد تتناقص لكام زادت حاالت العالج؛ حىت‬
‫تس تغل الامثن الساعات يوميا وهو احلد المثل‪ .‬ومن َمث بعد ذكل‪ ،‬تبدأ‬
‫ابالرتفاع مع زايدة االإنتاج العاليج‪ ،‬ورشحنا الس باب‪ .‬وقلنا اإهنا لو‬
‫اكنت حاةل طوارئ‪ ،‬فس تلغ املستشفيات ساعات العمل االإضافية‪،‬‬
‫وترجع السعار اىل عهدها السابق‪ ،‬وكذكل مكية ساعات اخلدمة‬
‫الصحية‪ .‬أما اإن اكنت زايدة الطلب حاةل دامئة‪ ،‬نتيجة لس ياسات‬
‫حكومية مثال‪ ،‬فس نجد أن اهل صناعة الطب سيستمثرون يف توس يع‬
‫املستشفيات وطوامقها الطبية وإاماكنيهتا‪ ،‬حىت تقدر عىل مقابةل الطلب‬
‫املزتايد بنفس اللكفة السابقة‪ ،‬لزايدة الطلب‪.‬‬
‫والاقتصار عىل املثالني‪ :‬الزراع واخلديم وعدم االإتيان مبثال صناع ‪،‬‬
‫اإمنا هو لتسهيل الفهم‪ .‬فاالإنتاج الصناع ‪ ،‬تتعقد ديناميكية لكفته لكام‬
‫تعقدت صناعته‪ .‬وإاال فهذه ادليناميكية لللكفة االإنتاجية مطردة تقريبا يف‬
‫غالب االإنتاج‪ .‬وإان اكن ميكننا اس تخدام مثال عىل الصناع ‪ ،‬اإذا‬
‫اقترصان عىل العامةل فقط‪ .‬فف صناعة الس يارات ما علينا اإال أن‬
‫نستبدل الطباء ابلعامةل‪ ،‬وجنعل خطوط االإنتاج تعمل أكرث من مثان‬
‫ساعات‪.‬‬
‫وحىت عىل مس توى الاس ترياد والتصدير‪ .‬فلو افرتضنا أن اتجر أرز‬
‫اكن يس تورد الرز من الهند‪ ،‬وحدث أن زاد الطلب عىل الرز‬
‫لسبب أو لخر‪ ،‬فطلب حشنة اإضافية من الهند‪ .‬ولكنه ال يس تطيع‬
‫حتقيق ذكل بنفس اللكفة‪ .‬فالطلب املس تعجل أو الغري جمدول‪ ،‬عليه‬
‫‪88‬‬
‫لكفة اإضافية وكذكل الشحن‪ .‬فتاجر الرز يس تطيع زايدة الاس ترياد‬
‫أي زايدة مكية العرض ولكن عىل حساب رفع اللكفة االإنتاجية‪ .‬وعىل‬
‫هذا فقس‪.‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬قانون الطلب وقانون العرض‬
‫مفن اجلواب عىل سؤال الفصل السابق “ ملاذا ترتفع السعار مع زايدة‬
‫الطلب؟ ” يتبني لنا‪:‬‬
‫‪ .١‬أن زايدة االإنتاج املؤقت ممكن ولكن عىل حساب زايدة اللكفة‪،‬‬
‫طاملا حوفظ عىل الصل املُنتج اثبتا‪ ،‬اكملاكئن واالإدارة وحنوه‪.‬‬
‫‪ .٢‬وإان نقص االإنتاج حيصل مع اخنفاض السعار‪ ،‬حيث ال ميكن‬
‫لل ُمنتج أن يغط لكفته؛ فيخرج من العرض؛ فتخرس السوق اإنتاجه‪.‬‬
‫‪ .٣‬وهذا ندركه ابملالحظة اجملردة أو ابملنطق البس يط‪ .‬فمكية العرض‬
‫تنقص بنقصان السعار‪ ،‬وتزداد بزايدة السعار‪ .‬فهذا الاجتاه الطردي‬
‫هو ما نسميه بقانون العرض‪ .‬فديناميكية اللكفة يه يف الواقع‪ ،‬متثل‬
‫منحىن العرض اذلي ميثل قانون العرض‪ .‬وإان شئت فقل اإن العرض‬
‫هو اللكفة االإنتاجية‪.‬‬
‫أما الطلب فعىل عكس ذكل‪ .‬فهو يزيد بنقصان السعار وينقص بزايدة‬
‫السعار‪ .‬وهذا الاجتاه العكيس نسميه بقانون الطلب‪ .‬والفكرة هنا‬
‫نفسها كام يه يف العرض‪ .‬مفقدار الطلب عىل سلعة أو خدمة يمت عىل‬
‫حسب حاجة هذه السلعة عند املس هتل‪ .‬فاإن اكنت ذات حاجة‬
‫عالية‪ ،‬دفع فهيا غاليا‪ .‬وإان اكنت ذات حاجة قليةل ال تطيب نفسه اإال‬
‫بدفع القليل‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫أما توازن السوق فيتحقق مىت تساوت قمية حاجة املس هتل للسلعة‬
‫بقمية لكفة االإنتاج‪ ،‬حفيهنا يتحدد سعر السوق لهذه السلعة‪ .‬والباب‬
‫القادم يتناول مبحث احلاجة‪.‬‬
‫‪ .٤‬مفىت نقص سعر السلعة عن لكفة اإنتاهجا‪ ،‬حصل ا إالرساف‪،‬‬
‫فلنتخيل مثال أن الس يارة بألف رايل‪ ،‬فمك س يكون عدد الس يارات‬
‫عند الفرد الواحد‪ ،‬واليت ال يس تفيد مهنا‪.‬‬
‫‪ .٥‬ومىت زاد سعرها عن لكفة االإنتاج حصل التفريط بتضييع املوارد‪ .‬أال‬
‫ترى أنه لو ُمنع الناس املاء دفعوا ثرواهتم لكها لتحصيهل‪ .‬وعند رخص‬
‫مثنه دون لكفة اإنتاجه أرسفوا فيه‪.‬‬
‫فهذه القوانني يه قوانني السوق احلر‪ ،‬مىت تدخلت فهيا احلكومة؛‬
‫أفسدهتا –غالبا‪ ،-‬وضيعت الاس تغالل المثل للموارد الطبيعية‪.‬‬
‫مفثال‪ :‬معونة املزارعني بزتويدمه حبصادات متقدمة‪ ،‬تدفع لكفهتا‬
‫احلكومة‪ ،‬يكون اإرسافا؛ لنه سريخص أسعار الطامطم دون لكفهتا‬
‫االإنتاجية احلقيقية‪ ،‬يقابلها إارساف من املس هتل لرخص السعار‪ ،‬مكثال‬
‫املاء السابق‪.‬‬
‫الباب السادس‪ :‬اس تغالل احلاجة أصل يف قيام السوق‬
‫املال أخص من القمية‪ .‬فلك يشء هل قمية يُمكن اإدراكها ومتلكها وبيعها‬
‫ورشاؤها‪ ،‬فهو مال‪ .‬واملنفعة تعين حتصيل لقمية‪ .‬فاإن اكنت القمية ُمقمية‬
‫مبال‪ ،‬أصبحت منفعة مالية‪ ،‬وتُزنل مزنةل املال‪ ،‬وان اكنت القمية غري‬
‫ُمقمية مبال‪ ،‬صارت منفعة غري مالية‪ ،‬وال تُزنل يف لك الحوال عىل‬
‫املال‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫واملعامةل املالية التبادلية بني اثنني فأكرث‪ ،‬عن تراض‪ ،‬ال بد وأن يتودل‬
‫عهنا زايدة‪( .‬ذكل لنه ال يوجد عاقالن يتبادالن من غري غرض حتقيق‬
‫املنفعة لنفس هيام‪ .‬همام اكنت املعامةل اتفهة‪ ،‬واكنت املنفعة قليةل غري‬
‫مدركة حسا‪ ،‬كشعور برضا‪ ،‬أو جتنب مالمة)‪.‬‬
‫وأما السبب اذلي أوجد املعامةل‪ :‬فهو لزوم وجود حاجة عند أحد‬
‫الطرفني‪ .‬وأما رشطها الالزم لتدخل حتت مفهوم التجارة‪ ،‬فهو اس تغالل‬
‫الطرف الثاين حلاجة الول‪.‬‬
‫حفاجة الشاري للسلعة لها قمية‪ ،‬تضاف فوق قمية لكفة املنتج‪ .‬هذه القمية‬
‫للحاجة عند املشرتي يه أساس الطلب‪ ،‬اذلي لواله ملا اكن هناك‬
‫عرض‪ .‬واس تغالل هذه احلاجة‪ ،‬يه جمال رب املُحتكر لصنعة ما أو‬
‫براءة اخرتاع أو مومس وغريه‪.‬‬
‫ذلا فاس تغالل احلاجة للسلعة هو أحد أساس يات املفاهمي الاقتصادية‬
‫للسوق‪ .‬وعىل مفهوم اس تغالل احلاجة‪ ،‬تقوم مجيع اسرتاتيجيات‬
‫التسويق‪.‬‬
‫مفثال حاجة الشاري لتأخري السداد‪ ،‬أصل منشأها هو حاجته للسلعة‬
‫ذاهتا‪ .‬فهي حاجة فوق قمية لكفة السلعة أو فوق قمية سعر السوق‬
‫للسلعة‪ .‬وبدون مقابل مادي أو منفع ‪ ،‬ال يتنازل عاقل عن قمية زمانية‬
‫أو عن قمية حاجة عند مشرتي تزيد عن حاجة السوق‪ .‬فذلا فقد ُحيجر‬
‫عىل من يُؤجر شقة يف العرش الواخر عند احلرم بنفس اإجيارها يف‬
‫شعبان مثال‪ .‬لن يف هذا مضيعة لقمية اس تغالل زايدة احلاجة لسلعته‪،‬‬

‫‪91‬‬
‫يف رمضان‪ .‬فال ُحيمد فعهل دينيا‪ 1‬وال اقتصاداي‪ ،‬اإن أكراها يف رمضان‬
‫بنفس سعر كراءها يف العرش الواخر‪ ،‬معتقدا بذلها عىل وجه الصدقة‬
‫ابتغاء وجه هللا أو بدافع االإحسان واملعروف‪.‬‬
‫وكون فعل ذكل غري محمود اقتصاداي‪ ،‬فذكل لنه قد يؤجرها ملن ال يقدر‬
‫قميهتا‪ .‬وهذا هيدم أساس نظرية الطلب‪ ،‬ذلا فهو هدم للسوق‪ .‬والسبب‬
‫التطبيق هل‪ ،‬انه إارساف مينع اس تغالل املوارد الاس تغالل المثل‪.‬‬
‫مثاهل‪ :‬لو اكنت الكهرابء جمانية‪ ،‬لرتك الناس مكيفاهتم وأضواءمه تعمل‬
‫بال حاجة‪ ،‬ففيه إارساف لرثوة اكن ميكن أن ترصف عىل التعلمي مثال‪.‬‬
‫(وأما عدم محده دينا‪ ،‬فلن املؤمن العارف برشع هللا‪ ،‬ال يتصدق مبال الا عىل من‬
‫يقبل الصدقة ويس تحق الصدقة بسؤالها ترصحيا أو تلميحا‪ ،‬بأي دالةل حال‪ .‬ذلا‪ ،‬ال‬
‫جتد ماكل عقار يف مكة يؤجر عقاره يف العرش الواخر بنفس اإجياره يف رمضان‪،‬‬
‫حىت ولو اكن ماكل العقار سيتصدق بلك عوائد االإجيار‪ .‬كام ال جتد غنيا يرىض أو‬
‫يطلب من ماكل عقار عند احلرم أن يؤجره الشقة بنفس سعرها يف شعبان‪ .‬فهذا‬
‫سؤال للصدقة‪ .‬وسائل الصدقة ال جيوز هل السؤال اإال اإن اكن يس تحقها)‪.‬‬
‫فاس تغالل احلاجة‪ ،‬هو عامد السوق وفن التجارة‪ .‬كام أنه يدخل كجزء‬
‫همم يف تقيمي أو تسعري السلعة أو اخلدمة‪ .‬وذكل بزايدة السعر مثال‪،‬‬
‫اإذا اكنت احلاجة من طرف الطلب‪ ،‬أو ببخسها اإذا اكنت من طرف‬
‫العرض‪.‬‬
‫فاإن ختلف رشط اس تغالل حاجة الغري‪ ،‬سواء ارتبطت املعامةل بسوق‬
‫أم مل ترتبط‪ ،‬فاملعامةل ال تدخل يف مفهوم التجارة‪ ،‬أي تكون خارج‬

‫‪ 1‬فأما عدم محده دينا‪ ،‬فلن املؤمن العارف برشع هللا‪ ،‬ال يتصدق مبال الا عىل من يقبل الصدقة ويس تحق الصدقة بسؤالها ترصحيا أو تلميحا‪ ،‬بأي دالةل حال‪ .‬ذلا‪ ،‬ال‬
‫جتد ماكل عقار يف مكة يؤجر عقاره يف العرش الواخر بنفس اإجياره يف رمضان‪ ،‬حىت ولو اكن ماكل العقار سيتصدق بلك عوائد االإجيار‪ .‬كام ال جتد غنيا يرىض أو‬
‫يطلب من ماكل عقار عند احلرم أن يؤجره الشقة بنفس سعرها يف شعبان‪ .‬فهذا سؤال للصدقة‪ .‬وسائل الصدقة ال جيوز هل السؤال اإال اإن اكن يس تحقها‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫السوق‪ ،‬فال متيش علهيا القواعد الاقتصادية‪ ،‬اكلهدية والصدقة وحنوهام‪.‬‬
‫فالضابط الفارق يف خروج املعامةل التبادلية من معوم التجارة‪ ،‬هو عدم‬
‫اس تغالل حاجة الطرف الخر‪.‬‬
‫فالعاقل ال يتنازل دون مقابل‪ ،‬عن نصيبه من الزايدة احلمتية اليت تنتج‬
‫من أي معامةل مالية تبادلية مالية‪ .‬فالتنازل فهيا‪ ،‬نكوص لس نة هللا يف‬
‫اخللق‪ ،‬أو نكوص مبا يُسمى بقوانني الطبيعة‪ .‬وهو دليل اجلنون‪ ،‬اكليت‬
‫نقضت غزلها من بعد قوة أناكاث‪ .‬وكونه نكوصا‪ ،‬لن أصل نشوء معلية‬
‫التبادل املايل‪ ،‬اإمنا اكن بسبب حتصيل املنفعة‪.‬‬
‫ومعوما‪ ،‬مففهوم احلاجة وتطبيقاته‪ ،‬مفهوم فطري‪ .‬فلو تأملنا بتجرد‪،‬‬
‫لرأينا هذه التقس اميت والتفريعات واحضة أمام أعيننا‪ .‬فنحن ندركها‬
‫بفطرتنا‪ ،‬ومنارسها يوميا دون أن نشعر هبا‪.‬‬
‫والاس تغالل يشء غري مس تقل بذاته وال حيدث اإال من خالل أمر‬
‫أخر‪ ،‬اكس تغالل وصاية عىل مال أو قارص‪ ،‬أو اس تغالل ثقة أو حنو‬
‫ذكل‪.‬‬
‫وأما الاس تغالل يف العمليات التبادلية فهو يتودل من املعامةل التبادلية‬
‫نفسها‪.‬‬
‫املبحث الول‪ :‬احلاجة قد تكون من داخل السوق أو من خارجه‪:‬‬
‫احلاجة قد تكون من داخل السوق وتكون حيهنا متعلقة ابلسلعة‪ .‬وقد‬
‫تكون من خارج السوق وتكون حيهنا متعلقة ابحملتاج نفسه‪.‬‬
‫كام أهنا قد تكون استامثرية أو اس هتالكية‪ .‬واحلاجة الاس هتالكية قد‬
‫تكون ُمتعلقة ابحملتاج نفسه‪ ،‬أو بيشء خارج عنه‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫أوال‪ :‬احلاجة من داخل السوق تتعلق ابلسلعة‪:‬‬
‫ويه اليت تكون من داخل السوق أي مضن الطلب السويق عىل‬
‫السلعة‪ .‬فاحلاجة السوقية لسلعة ما‪ ،‬نعرب عهنا اقتصاداي ابلطلب‪ .‬سواء‬
‫أاكن سوق سلعة اس هتالكية كسوق الهواتف اذلكية أو سوق الطعمة‬
‫أو سوق الرايض السكنية‪ ،‬أو اكن السوق‪ ،‬سوق سلعة استامثرية‬
‫كسوق الرايض التجارية‪ ،‬وسوق احلديد الصناع وحنوه‪ ،‬أو كعموم‬
‫حاجة السوق أو الطلب العام‪ ،‬لرض ما من أجل موقعها‪.‬‬
‫فالطلب السويق عىل سلعة ما هو يف الواقع عبارة عن قياس مدى‬
‫تقيمي حاجة املس هتل للسلعة‪ .‬فاحلاجة ‪-‬املتعلقة ابلسلعة نفسها‪ -‬يه‬
‫سبب لزايدة قمية السلعة‪ .‬أي أن املشرتون يف هذه احلاةل مه من‬‫ر‬
‫الصل فمين يزيد المثن ال البائعون‪ ،‬وهذا يف حاةل كون العرض حمدودا‬
‫‪-‬أي افقيا‪ ،-‬كحال شقة مكة يف رمضان‪ .‬أما اإذا اكن مائال‪ ،‬أي أن مكية‬
‫العرض تزداد مع ازدايد الطلب‪ ،‬فقمية احلاجة متعلقة بلكفة االإنتاج‪ ،‬كام‬
‫س بق بيانه‪.‬‬
‫وقد يكون اخنفاض السعر هو سبب زايدة الطلب‪ ،‬وهذا يف حال‬
‫اخنفاض لكفة الانتاج‪ .‬ومثاهل سوق التلفوانت اجلوال‪ ،‬مثال‪ .‬فالعرض‬
‫السويق للجوال هو اذلي تغري‪ ،‬بتغري لكفة انتاجه‪ .‬فلكام قلت لكفة‬
‫الانتاج تغري العرض بزايدة الانتاج فدخل يف السوق عددا أكرب من‬
‫املشرتين‪ ،‬فهذا مثال عىل حاجة السوق لكه‪.‬‬
‫وأيضا‪ ،‬يُمكن أن تأيت احلاجة من داخل السوق‪ ،‬لكهنا حاةل طلب‬
‫منفردة عن الطلب العام يف السوق‪ ،‬كسوق الرايض التجارية‪ ،‬مثال‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫فتأيت حاجة مرشوع فندق ما‪ ،‬لرض معينة‪ ،‬من أجل موقعها اذلي‬
‫يناسب هذا املرشوع ابذلات‪ .‬فزييد ماكل السلعة أو البائع السعر‬
‫الس تغالل هذه احلاجة‪ ،‬وال يُعد هذا اإال من قواعد التجارة وهو جائز‪،‬‬
‫بل هو مطلوب رشعا وعقال‪ .‬وهذا مثال عىل ما أعيد وأكرر بأن عمل‬
‫الاقتصاد احلديث يامتيش مع النظام الكوين املنظم للسوق‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬احلاجة من خارج السوق وتكون متعلقة ابحملتاج نفسه‬
‫ويه حاجة تأيت من خارج الطلب السويق العام عىل السلعة‪ .‬مثل أن‬
‫يكون هناك خشص مس تعد أن يدفع مليون رايل ليحصل عىل تلفون‬
‫جوال‪ ،‬كونه يف بدل متخلف‪ ،‬وهو اتجر يتاجر يف سوق أجنبية‬
‫للسلع‪ ،‬ويرى أمامه فرصا يف سوق الاستامثرات تساوي عرشات‬
‫املاليني وحيتاج لتلفون لتنفيذها‪ .‬فهذه حاجة استامثرية متعلقة ابملستمثر‬
‫نفسه ال ابلتلفون ذاته‪ .‬فلو عرف اتجر التلفوانت احمليل‪ ،‬عن قمية‬
‫حاجته‪ ،‬فباعه تلفون مبائة ألف فقط‪ ،‬لقيل عنه بأنه مغفل‪ .‬فالواجب‬
‫عىل اتجر التلفوانت حيهنا‪ ،‬اس تغالل حاجته الاستامثرية وبيعه التلفون‬
‫مبليون عىل القل‪ ،‬فهذه قمية التلفون عند التاجر الجنيب‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬واحلاجة تكون استامثرية وتكون اس هتالكية‬
‫واحلاجة الاس هتالكية تكون حاجة ترفه وتوسع ‪ ،‬وتكون حاجة‬
‫اس هتالكية لكرب وشدة‪.‬‬
‫أما احلاجة الرتفهيية التوسعية فهي أصل دواع مجع الرثوة‪ .‬والفارق‬
‫بيهنا وبني حاجة الكرب الاس هتالكية‪ ،‬هنا همم أيضا‪ .‬فاملُس تغل للحاجة‬

‫‪95‬‬
‫الاس هتالكية الرتفهيية‪ ،‬اإمنا يريد مشاركة صاحب احلاجة الرتفهيية‬
‫الاس هتالكية يف اس تخدامه لرثوته‪.‬‬
‫وهناك ثالثة شواهد تُفرق بني حاجة الاستامثر وحاجة الرتفه وبني‬
‫حاجة الكرب‪:‬‬
‫الشاهد الول‪ :‬أن حاجة الكرب ال تكون ابختيار من املشرتي‪ ،‬فهي‬
‫حاجة املكروب واملضطر ال مرتفه بس ياحة مثال‪.‬‬
‫الشاهد الثاين‪ :‬أن حاجة الكرب ال يكون لها بدائل‪ ،‬فف مثال اتجر‬
‫الفرص مثال اكنت عنده بدائل ابلفاكس وحنوه ولكنه يرغب يف تلفون‬
‫من أجل حتقيق أعىل العوائد‪.‬‬
‫الشاهد الثالث‪ :‬أن حاجة الكرب‪ ،‬اإن مل يس تطيع رشاؤها فقد يلجأ‬
‫للمسأةل‪ ،‬وطلب الصدقة‪.‬‬
‫الشاهد الرابع‪ :‬أن حاجة الكرب ال تعوض ما دُفع قمية لها‪ ،‬بل يه جمرد‬
‫احملافظة عىل البقاء الالئق‪ .‬وهذا خبالف حاجة الرتفيه‪ ،‬فهي تعوض ما‬
‫دُفع قمية لها‪ ،‬توسعا وهبجة‪ .‬وكذكل خبالف احلاجة الاستامثرية اليت‬
‫جاءت لتاجر الفرص‪ ،‬السابق مثاهل‪ .‬فهو يأمل بعودة املليون وزايدة‬
‫أضعافا مضاعفة‪ .‬والفارق هنا همم‪ .‬فاملس تغل للحاجة الاس هتالكية‬
‫الاستامثرية يريد مشاركة صاحب احلاجة يف الرب‪ .‬وهذا فيه مشاركة‬
‫فرصة لرابح حممتةل‪ .‬واملس تغل حلاجة الرتفيه يريد مشاركة املرتفه بعوائد‬
‫املال املنرصف للرتفه‪ ،‬ليرتفه هو أيضا‪ ،‬فهل مجع املال الا من اجل‬
‫التوسع‪ .‬وهذا خبالف اس تغالل حاجة الكرب الاس هتالكية‪ ،‬فليس‬
‫هناك رب للمشاركة‪ ،‬ذلا فهو اس تغالل حمض يف ابتالء مكروب‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫الباب السابع‪ :‬املرونة‬
‫مصطلح املرونة يصعب عىل الكثري ادراكه‪ ،‬وإان اكن البعض يفهمه فهام‬
‫ضبابيا‪ .‬وبلك بساطة ومشول‪ ،‬فاملرونة تعين نس بة اس تجابة التغري لمكية‬
‫سلعة او خدمة‪ ،‬كرد فعل لنس بة تغري السعر او ادلخل‪ .‬وهنا يالحظ‬
‫أننا نقيس اس تجابة انتاج حقيق ‪-‬سلعة خدمة‪ -‬لتغري يف نتاج نقدي‬
‫غري حقيق ‪.‬‬
‫فأن مرونة الطلب يه نس بة اس تجابة التغري يف مكية الطلب عىل‬
‫الس يارات كرد فعل نس بة التغري يف السعر “ وحنوه ” كسعر رصف أو‬
‫ادلخل‪ .‬فلو زادت السعار مثال ‪ ،٪٥٠‬والطلب نقص بأقل‬
‫‪،1٪٥٠‬فهنا يُقال اإن الطلب غري مرن‪ .‬ولو نقص الطلب بأكرث من‬
‫‪ ،2٪٥٠‬فهنا يقال بأن الطلب مرن‪.‬‬
‫وما ينطبق عىل الطلب ينطبق عىل العرض‪ .‬مفرونة العرض‪ :‬يه نس بة‬
‫اس تجابة التغري يف مكية العرض لنس بة التغري يف السعر‪ .‬فلو زادت‬
‫السعار مثال ‪ ،٪٥٠‬والعرض زاد بأقل من ‪ ،٪٥٠‬فهنا يُقال اإن‬
‫العرض غري مرن‪ .‬ولو زاد العرض بأكرث من ‪ ،٪٥٠‬فهنا يقال بأن‬
‫العرض مرن‪.‬‬
‫وحساب املرونة‪ ،‬يتعدى الطلب والعرض لسلعة ما فيشمل قياس‬
‫املرونة بني السلع‪ .‬مثال‪ :‬نس بة اس تجابة التغري يف الطلب عىل أوبر كرد‬
‫فعل لزايدة أسعار املرتو‪.‬‬

‫‪ 1‬فلنقل مثال نقص الطلب ‪ ٪10‬فقط‬


‫‪ 2‬فلنقل مثال نقص ‪٪٧٠‬‬

‫‪97‬‬
‫ويشمل كذكل ادلخل‪ .‬فتقاس مرونة نس بة الاس تجابة الس هتالك‬
‫سلعة معينة‪ ،‬اس تجابة لنس بة الزايدة او النقص يف ادلخل‪ .‬كنس بة‬
‫زايدة الطلب عىل الشقق‪ ،‬لنس بة زايدة يف ادلخل‪.‬‬
‫اذا مفهام اختلفت احلاةل أو جدت‪ ،‬فاملرونة يه نس بة اس تجابة تغيري‬
‫مكية سلعة او خدمة ( أي انتاج حقيق ) لنس بة تغري يف السعر او‬
‫ادلخل (أي انتاج نقدي غري حقيق )‪.‬‬
‫وللمرونة تطبيقات واسعة كثرية‪ ،‬ممتدة عرب علوم االإدارة لكها‪ ،‬وتدخل‬
‫يف كثري من العوامل الاقتصادية احلقيقية والنقدية‪ .‬ومفهوهما واحد و‬
‫بس يط جدا‪ “ :‬نس بة اس تجابة سلعة او خدمة بزايدة او نقص‪ ،‬كرد‬
‫فعل لنس بة زايدة او نقص يف سعر أو دخل ” ‪ .‬مفىت فُهم هذا جيدا‪،‬‬
‫سهل التطبيق عىل أي حاةل‪ ،‬برشط الادراك الشامل للعوامل‬
‫الاقتصادية والنقدية‪ .‬املؤثر ة الاخرى‪.‬‬
‫تطبيق‪ :‬من يتحمل الرضيبة؟ التاجر أم املس هتل؟‬
‫نسمع كثريا أنه لو فرضت رضيبة عىل سلعة ما أو خدمة‪ ،‬فاإن التاجر‬
‫س ميرر هذه الرضيبة للمس هتل‪ .‬ويسببون ذكل‪ :‬بأن الرضيبة لكفة عىل‬
‫االإنتاج‪ ،‬فس تدخل يف معوم اللكفة االإنتاجية‪ .‬وهذا الكم حصيح‪ ،‬غري‬
‫أن أوهل غري دقيق‪ .‬فاملنتجون او التجار‪ ،‬يسعون لطلب الرب‪ ،‬او عىل‬
‫القل تغطية أجور معلهم‪ .1‬اإذا فهناك مساحة لن يتحمل التاجر أو‬
‫املنتج الرضيبة أو بعضها‪ ،‬فميتصها عىل حساب زوال رحبه بل وحىت‬

‫‪ 1‬عىل املدى الطويل‪ ،‬ال ميكن للتاجر ان يبيع السلعة بتلكفهتا احملاسبية دون اإضافة أجور معهل‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫عىل ختفيض اجر معهل‪ .‬واذلي س يجربه خوفه من ضياع حصة منتجه‬
‫يف السوق‪ ،‬بسبب عزوف الناس عن سلعته لسلعة أخرى مشاهبة‪.‬‬
‫وهنا تدخل املرونة‪ ،‬فتقرر للتاجر النس بة اليت يتحملها املس هتل‪،‬‬
‫والنس بة اليت جيب هو ان يتحملها ليحقق احلد العىل من الرابح‪.‬‬
‫وقد س بق أن قلنا املرونة يه نس بة اس تجابة التغري يف المكية لنس بة‬
‫التغري يف السعر‪ .‬فلو اكنت نس بة الرضيبة ‪ ٪١٠‬فنقص الطلب علهيا‬
‫‪ ،٪٥٠‬فهذا يعين أن الطلب عىل هذه السلعة مرن‪ ،‬فالعرشة ابملئة‪،‬‬
‫س ُتفقد املنتج نصف زابئنه‪ .‬مفعىن هذا أنه حيتاج اعادة حس بة مكية‬
‫االإنتاج لتحقيق احلد العىل من الرابح‪.‬‬
‫مثال‪ :‬اس تخدام املرونة ملعرفة أثر الرضائب عىل الرايض السكنية‬
‫والرضائب عىل الرايض السكنية‪ ،‬تبني مفهوم املرونة متاما‪ .‬ولكن قبل‬
‫البدء يف املثال فاإنه يس تلزم علينا تصور معطيات سوق الرايض‬
‫السكنية‪.‬‬
‫مفن املقرر أن الفرد الطبيع ينفق ثلث دخهل عىل السكن‪ .‬فسعر‬
‫سوق الرايض السكنية يف احلاالت الاعتيادية‪ ،‬حيدده املقدرة الرشائية‬
‫للناس ال املُالك‪.‬‬
‫ومبا أن لرايض ال تُتنج وال تُس تورد‪ ،‬ذلا فمكية العرض يف سوق‬
‫الرايض السكنية ‪ -‬يف الحوال الاعتيادية‪ 1‬س تكون اثبتة‪ .‬اللهم أنه يف‬
‫ظروف خاصة‪ ،‬ميكن أن تنقص مكية الرايض السكنية يف السوق‬

‫‪ 1‬والاحوال الاعتيادية تكون عندما يُفرض رضائب عىل الرايض تفوق نسبهتا نس بة التضخم‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫وتزيد‪ ،‬وذكل ابإخراهجا من العرض‪ ،‬أي حسهبا من السوق اإذا اخنفضت‬
‫السعار‪ ،‬مث اإعادة اإدخالها اإذا ارتفعت السعار‪ .‬وهذا الوضع شاذ وال‬
‫ميكن أن يكون أو يس متر يف املدى الطويل‪ ،‬اإال يف حاةل عدم وجود‬
‫لكفة من احتاكر الرض السكنية‪ .‬مفىت ُو ِّضعت عىل الرايض السكنية‬
‫رضيبة‪ ،‬تكون نسبهتا أعىل من نس بة التضخم‪ ،‬أصبح عدم عرض‬
‫الرض يف السوق ملكفا‪ ،‬ف ُيجرب العاقل عىل اإدخالها السوق‪ .‬فعندها‬
‫يصبح الوضع طبيعيا‪ ،‬فتصبح مكية عرض الرايض السكنية اثبتة‪ .‬وال‬
‫يتناقص العر ض اإال كلك‪ ،‬مع بيع الرايض وبناءها‪.‬‬
‫فامب أن الفرد العاقل ينفق ثلث دخهل عىل السكن‪ ،‬فاإن املس هتل ال‬
‫يس تطيع بذل سعر اعىل‪ ،‬اإذا ما فرضت رضيبة ما‪ ،‬لنه أصال واصل‬
‫حلده العىل يف الاس تطاعة املادية‪ ،1.‬ومبا أن الرض السكنية املطورة‪،‬‬
‫ال ميكن زايدهتا داخل احلدود السكنية‪ ،‬فهذا يعين أن عرض الرايض‬
‫السكنية اثبت‪ ،‬فهو ال يزيد وال ينقص مع زايدة السعار أو نقصاهنا‪.‬‬
‫مفادام املس هتل قد بذل حده الطبيع يف بذل السعر‪ ،‬ومادام هناك‬
‫لكفة س نوية تزيد عن التضخم عىل الرايض السكنية البور‪ ،‬مما‬
‫يس تجلب خسار ة س نوية ( =الرضيبة ‪ -‬التضخم) عىل مالك الرايض‬
‫السكنية بعدم بيعهم أراضهيم السكنية‪ ،‬فهذا يعين أن املُالك مه من‬
‫سيتحملون الرضيبة‪ ،‬والا فلن جيدو زبوان لها‪ ،‬فتصبح أراضهيم‬
‫السكنية عبئا ماداي علهيم‪.‬‬

‫‪ 1‬وذلا فاملقدرة الرشائية للمس هتل يه اليت حتدد السعر‪ ،‬والا لوضع املُالك اسعارا فلكية لراضهيم السكنية‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫فف هذه احلاةل نس تطيع أن نقول بلغة املرونة “ ان مرونة الطلب عىل‬
‫الرايض يف السوق الطبيعية تكون ال هنائية ” ‪ .‬ذكل لنه أي نس بة‬
‫تغري اإجيابية يف السعر ستسبب اس تجابة سلبية ‪ ٪١٠٠‬للمكية‪.‬‬
‫الباب الثامن‪ :‬الاحتاكر‬
‫مبحث ‪ :‬أشاكل الاحتاكر الربعة‬
‫لفظ الاحتاكر معوما يعين عدم وجود املنافسة‪ .‬وحد الاحتاكر هو‪:‬‬
‫مقدرة املنتج عىل وضع سعر أعىل من سعر السوق‪ ،‬وال يفقد حصته‬
‫السوقية‪ .‬والاحتاكر درجات‪ ،‬متتد من احتاكر مطلق اإىل احتاكر‬
‫جزيئ‪ .‬أما أس بابه‪ :‬اإما مبنع دخول املنافسني بقوة السلطة‪ ،‬أو‬
‫ابملامرسات الاحتاكرية املتنوعة املتعمدة‪ ،‬او بسبب عوامل ندرة او‬
‫ارتفاع لكفة انتاج‪ ،‬أو بسبب ديناميكية السوق‪ ،‬فهذه أربع اشاكل‬
‫لالحتاكر‪.‬‬
‫ومثال الشلك الول‪ :‬كحرص انتاج معدن أو سالح ما‪ ،‬عىل منظامت‬
‫ادلوةل‪ ،‬يعترب مثاال عىل منع دخول املنافسني بقوة السلطة‪ .‬وكذكل‬
‫التفضيالت احلرصية اليت تفرض ابلقانون‪ ،‬يه مثال اخر عىل‬
‫الاحتاكر املتعمد السلطوي‪.‬‬
‫ومكثل اإيضايح للشلك الثاين ‪-‬الاحتاكر املتعمد‪ -‬منثل بلجوء الرشكة‬
‫الضخمة عىل ختفيض السعار دون اللكفة‪ ،‬اإذا ما دخل منافس جديد‬
‫حىت يفلس وخيرج من السوق‪ ،‬مث تعود لرفع السعار‪ .‬أو كتخزين‬

‫‪101‬‬
‫السلع القابةل للتخزين؛ خلفض العرض ورفع السعار وغري ذكل من‬
‫املامرسات‪.‬‬
‫وأما الاحتاكر لسبب عوامل االإنتاج‪ ،‬وهو النوع الثالث‪ ،‬مفن اس بابه‪:‬‬
‫ارتفاع لكفة االإنتاج والندرة يف املوارد‪ .‬مفثال‪ :‬االإنتاج اذلي يعمتد عىل‬
‫خربات اندرة أو لكفة عالية االإنتاج‪ ،‬جتد سوقه حمتكرة‪ ،‬كصناعة‬
‫الطائرات والسلحة املتقدمة والاستشارات املتقدمة‪ .‬ومن اس باب‬
‫الاحتاكر‪ ،‬الشهرة‪ .‬فالسلعة اليت يكون من طبيعهتا اعتياد الناس علهيا‬
‫ذوقًا أو خرب ًة وتعلميًا تصبح حمتكرة لسوقها‪ ،‬كربامج ميكروسوفت مث ًال‪.‬‬
‫فالندرة يف ختصصات العلوم اليت تتعلق بصناعة معينة وبراءات‬
‫الاخرتاع‪ ،‬متنع من فتح السوق للمنافسني‪ ،‬كصناعة بعض الدوية‬
‫والسلحة‪ .‬واللكفة الضخمة لتأسيس املصنع‪ ،‬متنع من دخول املنافسني‪،‬‬
‫كصناعة الطائرات والبوارج البحرية والسفن العمالقة‪.‬‬
‫وأما الشلك الرابع فهو الاحتاكر طبيع ‪ .‬والاحتاكر الطبيع ال يكون‬
‫بسبب ممارسات متعمدة‪ ،‬بل تراه حيدث تلقائ ًيا نتيجة النقالب‬
‫ديناميكية السوق بسبب حتقق اللكفة العالية قبل االإنتاج‪.‬‬
‫وحد الاحتاكر الطبيع هو‪ :‬كون ديناميكية سوقه تسبب نقصان لكفة‬
‫االإنتاج مطلقا مع زايدة االإنتاج‪( .‬وهذا يكون بسبب ارتفاع لكفة الثابتة‬
‫بنس بة كبرية عن اللكفة املتغرية)‪ .‬ومعىن هذا نرشحه عن طريق مثال‬
‫رشكة الكهرابء‪:‬‬
‫مفصانع الكهرابء ومتديدات الكهرابء يه لكفة مدفوعة سواء أَأَنتجت‬
‫رشكة الكهرابء أم مل تنتج‪ .‬وهذه اللكفة مرتفعة أضعافا مضاعفة كثرية‬
‫‪102‬‬
‫لنس بة لكفة الوقود املنتج للكهرابء‪ ،‬واذلي ال تُدفع لكفته اإال مع االإنتاج‪.‬‬
‫فلكام زاد االإنتاج نقصت اللكفة الثابتة للمصانع والمتديدات‪ ،‬ولكام قل‬
‫االإنتاج زادت اللكفة الثابتة‪ .‬فدخول رشكة أخرى منافسة مبصانعها‬
‫ومتديداهتا لتنافس الرشكة املوجودة‪ ،‬سريفع متوسط اللكفة االإنتاجية؛‬
‫بسبب التنافس عىل الطلب وانقسام املشرتكني بني الرشكتني؛ مما يرفع‬
‫السعار عىل املس هتل‪ .‬وذلكل حتم احلكومة الرشاكت اليت تكون‬
‫ديناميكية اإنتاهجا متثل الاحتاكر الطبيع ‪ .‬ذلا فرتى منحىن عرض‬
‫الكهرابء أو قانون العرض يف صناعة الكهرابء ُمنقلب‪ ،‬فرتاه سليب‬
‫اكلطلب ال اإجيايب اكلعرض ‪.‬‬
‫اإذا‪ ،‬فالصناعات ذات البنية التحتية املرتفعة المثن اليت تشلك غالب‬
‫اللكفة‪ ،‬يه حمتكر طبيع بسبب ديناميكية السوق يف العرض‬
‫والطلب‪ ،‬كرشاكت الكهرابء واملاء‪.‬‬
‫ويف عامل النقد احتاكر طبيع ‪ ،‬كذكل‪ .‬فعمةل الاحتياط ادلولية‪ ،‬مثال‬
‫عىل ُمحتكر طبيع بسبب ديناميكية السوق‪ ،‬اكدلوالر‪ .‬واملقصود‬
‫بعمةل الاحتياط ادلولية يه العمةل اليت تتداول هبا دول العامل بني بعضها‬
‫البعض‪ ،‬يف ساحة التجارة العاملية‪.‬‬
‫فوجود عدد من العمالت اخملتلفة يُعقد التبادالت والتفاهامت‪ ،‬كام أنه‬
‫يرفع لكفهتا‪ .‬ولتوضيح الرؤية‪ ،‬فرصاف العمالت ال ميكنه الاحتفاظ‬
‫بمكيات كبرية للك معةل؛ فهذا ملكف ومتعذر أحياان‪ .‬ولكن حيتفظ‬
‫بعمةل دولية رئيس ية تكون يه اخملزون السايس‪ ،‬ويتخلص من‬

‫‪103‬‬
‫العمالت الخرى‪ .‬والاحتاكر الطبيع ‪ ،‬ليس يف الصناعات وأسواق‬
‫املال والسلع فقط‪ ،‬بل هو أيضا يف اليدولوجيات والداين والرثوات‪.‬‬
‫الباب التاسع‪ :‬توجيه الرضيبة لكرس الاحتاكر يف الزمن أو ابلزمن‬
‫التجارة يف اليشء‪ ،‬جتارة سلبية فهي جمرد تدوير للسلعة‪ .‬والاحتاكر‬
‫هو أداة التدوير‪ ،‬ويكون احتاكرا ابلزمن واحتاكرا يف الزمن‬
‫املبحث الول‪ :‬الاحتاكر ابلزمن‬
‫الاحتاكر ابلزمن (أي عن طريق الزمن) هو الاحتاكر املعروف وهو‬
‫حبس السلعة عن نزولها السوق حىت ترتفع أسعارها‪ .‬فهو اس تخدام‬
‫الزمن كوس يةل لالحتاكر‪.‬‬
‫وي ُس تخدم الاحتاكر ابلزمن اإذا اكنت السلع ال تفسد أو ال تقل قميهتا‬
‫مع الزمن اكملعادن واكلرايض مث ًال (يف احلاالت الطبيعية)‪ .‬أو اكذلهب‬
‫واملعادن النادرة‪ .‬فهذه ال يفسدها الزمن وال يقلل من قميهتا‪ .‬والاحتاكر‬
‫ابلزمن منفصةل أحاكمه عن بيع السلعة احملتكرة‪ ،‬فميكن أن تُباع السلعة‬
‫احملتكرة بمثن حارض أو بأجل‪ ،‬وذكل خبالف الاحتاكر يف الزمن‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬الاحتاكر يف الزمن‬
‫أما الاحتاكر يف الزمن هو اس تخدام الزمن كوس يةل حلفظ قمية‬
‫السلعة‪ ،‬أو اليشء املراد احتاكره للتجارة فيه‪ .‬وهذا ي ُس تخدم عند كون‬
‫الش ياء املراد التجارة فهيا ال تصمد كثرياً للزمن‪ ،‬كقمح وحنوه‪( .‬وبعض‬
‫أنواع التحوط يف املش تقات احلديثة‪ ،‬اذلي غرضه حفظ القمية هو من‬
‫الاحتاكر يف الزمن)‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫والتحوط من أجل حفظ القمية يكون بوضع املال اذلي يفسد أو تقل‬
‫قميته كمثن ملال ال يفسد أو ليس من املتوقع أن تقل قميته‪ .‬ولقرب هذا‬
‫املفهوم للقارئ فقد يتبايع مزارعني مقحا‪ ،‬أحدهام يف الشامل والخر يف‬
‫اجلنوب‪ .‬وغرضهام بيع مقحهام بسعر مرتفع‪ .‬مفزارع اجلنوب ينضج القمح‬
‫عنده قبل مقح الشامل بس تة أشهر مثال‪ .‬ويكون سوق مقح اجلنوب‬
‫حيهنا غارق ابلقمح‪ .‬عىل خالف سوق مقح الشامل‪ ،‬اذلي مل جين فيه‬
‫وقت جين القمح‪ ،‬فهو يتشوف للقمح‪ .‬فهنا يقوم املزارعان بعمل معلية‬
‫تبادل‪ ،‬فيبيع اجلنويب الف طن مقح للشاميل اليوم‪ ،‬عىل أن يسدده‬
‫الشاميل الف طن مقح مثلها بعد س تة اشهر‪ .‬فهنا معل املزارعان يف‬
‫الزمن حلفظ قمية القمح اذلي ال ميكن ختز ينه دون فقدان قميته‪ .‬ويف‬
‫سوق املش تقات يسموهنا املبادالت )‪ )Swaps‬ويه أنواع كثرية‪،‬‬
‫وغالهبا يكون ابلعمالت والفائدة وادليون‪ .‬ورشهحا هنا يطول‪ ،‬وليس‬
‫من غرض الكتاب‪.‬‬
‫وكذكل يتبني لنا أن الاحتاكر يف الزمن (اس تخدام الزمن كوس يةل‬
‫حفظ قمية السلعة) هو أداة يتوصل هبا اإىل التجارة يف الش ياء كذكل‬
‫وتدويرها واحتاكرها اإذا اكنت مما تتناقص قميته‪.‬‬
‫وذلا جيب توجيه الرضائب عىل السلع اخملزنة القابةل لالحتاكر ابلزمن أو‬
‫عىل السلع املُتحوط هبا‪ ،‬والقابةل لالحتاكر يف الزمن‪ .‬لتجعلها الزاكة أو‬
‫الرضيبة سلع ًا تتناقص قميهتا ابلتخزين أو الاحتاكر‪.‬‬
‫ففرض الرضائب عمل هندسة مالية‪ .‬فالتخطيط للرضائب‪ ،‬جيعلها عادةل‬
‫وتصري أداة لتخفيض السعار وزايدة االإنتاج‪.‬‬
‫‪105‬‬
‫وقفة فلسفية‪ :‬احتاكرية العمالت والرثوات واللغات واليدولوجيات‬
‫س بق يف الفصل السابق بيان أن هناك يف الاقتصاد ما يس لمى‬
‫ابمل ُ ْحت ِّكر الطبيع ‪ .‬ويه الصناعات أو اخلدمات اليت تقل لكفة اإنتاهجا‬
‫لكام ازداد اإنتاهجا أو عدد زابئهنا‪ ،‬كرشاكت الكهرابء مث ًال‪.‬‬
‫ومصطلح “ احتاكري ابلطبع ” ‪ ،‬اس تعاره قرين س بان‪ ،‬يف وصفه لعمةل‬
‫الاحتياط ادلولية‪ ،‬اليت اكنت سابق ًا اذلهب وأصبحت اليوم ادلوالر‪.‬‬
‫واس تعرته أان هنا للغة االإجنلزيية‪.‬‬
‫فنحن نرى غياب االإجنلزيية يف الماكن واملواصالت العامة يف أوراب‪.‬‬
‫ونالحظ افتخار الفرنس يني والملان للغاهتم والاعزتاز هبا‪ ،‬وهذا أمر‬
‫مشهور ومعروف‪ .‬وعىل الرمغ من هذا لكه‪ ،‬فاإنك ترى أ لن اللغة‬
‫االإجنلزيية يه اللغة الرمسية يف املعامالت واحملاداثت والكتاابت يف‬
‫البنك املركزي الوريب‪ ،‬واذلي يضم تسع عرشة دوةل أوربية‪ ،‬وال‬
‫واحدة مهنا ‪ -‬ابس تثناء أيرلندا ‪ -‬تتحدث اللغة االإجنلزيية!‪ .‬كام أننا نرى‬
‫اس تخدام ادلوالر كعمةل احتياط وتبادل دولية من أعداء أمرياك‪ ،‬قبل‬
‫حلفاهئا‪.‬‬
‫مفا هو التفسري العلم لهذا التناقض الصوري العجيب؟‬
‫التفسري هو أ لن ادلوالر واللغة االإجنلزيية‪ ،‬هام اليوم احتاكراين ابلطبع‪.‬‬
‫ادلوالر يف عامل العمالت واالإجنلزيية يف عامل اللغات‪ .‬فاس تخدام عدة‬
‫معالت يف املعامالت املالية ادلولية‪ ،‬يرفع لكفة املعامالت‪ .‬كام يتطلب‬
‫الاحتفاظ بمكيات من لك معةل يف صورة ش به الس يوةل‪ ،‬من أجل‬
‫اس تخداهما عند الطلب؛ وهذا يضيع فرصة الاستامثر المثل لها‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫ويرشح ملاذا يغلب ادلوالر عىل معظم احتياطيات البنوك املركزية‬
‫العاملية‪ .‬والوضع أشد ابلنس بة ل إالجنلزيية‪ .‬فتعمل أكرث من لغة هو أمر غري‬
‫متيرس عىل الكثري‪ ،‬والاحتفاظ مبرتمجني أو الرتمجة اإىل عدة لغات هو‬
‫أمر ملكف وغري معيل‪.‬‬
‫وهذه الاحتاكرية اخلَلقية ال منظم لها إاالل ديناميكية تعامل اجملمتعات‬
‫البرشية عىل ما خلقها هللا من طبيعة تسخري المثل واليرس‪ .‬وال‬
‫تس تطيع أي حكومة أو حكومات يف كرس هذه الاحتاكرية أو تنظميها‬
‫أو منع منافس جديد لها‪.‬‬
‫وهناك احتاكرية طبيعية نراها يف اليدولوجيات والداين والرثوات‪.‬‬
‫فس يطرة أيدلوجية أو مذهب ديين عىل اإقلمي أو بدل أو عىل العامل‪ ،‬متنع‬
‫من ظهور غريها‪ .‬فقوة انتشار مفهوم ادلميقراطية وكرثة أتباعها‪ ،‬مينع من‬
‫ظهور نظام س يايس جديد‪ .‬وذكل؛ لغياب ادلافع للتفكري يف نظام‬
‫جديد؛ بسبب س يطرة الثقافة ادلميقراطية عىل فكر اجملمتعات؛ فمينع هذا‬
‫من وجود البنية التحتية الاكفية من التفكري والتنظري الالزم لتأسيس‬
‫فكر أيدلويج جديد‪ ،‬ومن مث جناح هجود نرشه وتطبيقه‪.‬‬
‫ومثل هذا الاحتاكر الطبع نراه يف الداين واملذاهب‪ .‬فقد احتكر‬
‫مث ًال املذهب الاكثولييك طبيعي ًا‪ ،‬ادلاينة النرصانية‪ ،‬وما ظهر املذهب‬
‫خرا جدًا‪ ،‬بعد أكرث من ُخسة عرش قرانً ‪ ،‬ملوافقة‬ ‫الربوتس تانيت اإال متأ ً‬
‫املذهب الربوتس تانيت لهواء البعض الراغبني يف التخلص من همينة‬
‫الكنس ية االإيطالية‪ ،‬مما همد لالنفتاح التدرجي للحرايت ادلينية يف‬
‫اورواب‪ ،‬ومن مث‪ ،‬فتح الباب لبداية عرص التنوير عندمه‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫وهناك الاحتاكر الطبيع للرثوات‪ .‬فاالقتصاد معو ًما مثل احلمك‬
‫والس ياسة‪ .‬فكام أنه ال تس تقمي أمور اجملمتع وادلوةل اإذا اكن لك اجملمتع أو‬
‫غالبه حاك ًما أو س ياس يني‪ ،‬أو أن تُوزع عىل أفراد اجملمتع مقاليد قرارات‬
‫السلطة‪ ،‬فكذكل ال يصلح أن ميل غالب اجملمتع غالب الرثوة‪ ،‬أو أن‬ ‫ُ‬
‫تُوزع عىل أفراده ثروات اجملمتع‪.‬‬
‫واملغزى‪ :‬أن الاحتاكر الطبيع خلق من خلق هللا وس نة من سننه يف‬
‫تنظمي هذا الكون‪ ،‬وجيري وفق سنن هللا يف احلياة‪ ،‬مثهل مثل احلياة‬
‫وملوت والليل والهنار والفزيايء والكميياء‪.‬‬
‫وهنا منون قد أوجزان بعض تطبيقات الاقتصاد اجلزيئ‪ ،‬لمنر رسيعا عىل‬
‫الاقتصاد اللك وبعض مفاهميه ومتعلقاته وتطبيقاته‬
‫الفصل الثاين‪ :‬الاقتصاد اللك‬
‫الاقتصاد اللك ينظر يف فرتة زمنية حمددة‪ ،‬الإنتاجية اجملمتع لكها السلعية‬
‫مهنا واخلدمية‪ ،‬اليت يُنتجها جممتع ما فوق أرض حبدود حمددة‪ ،‬وحتت‬
‫سلطة نقدية ومالية موحدة‪.‬‬
‫وخبالف الاقتصاد اجلزيئ‪ ،‬فقد تعرض عمل الاقتصاد اللك عندما اكن‬
‫جنينيا يف أحشاء الاقتصاد اجلزيئ لصدمة اإنتاج الةل الهائل اذلي خلق‬
‫الطبقة الوسطى؛ مما تسبب يف والدته كعمل مس تقل‪ .‬ومث ما لبث أن‬
‫فُطم يف همده بفشل النظام النقدي احملدود القامئ عىل اذلهب؛ مما‬
‫سبب صدمة أخرى هل بتغري النظام النقدي‪ .‬مث تعرض لصدمة‬
‫التكنولوجيا واالتصاالت اليت غريت أاثر االإنتاج اللك عىل الاقتصاد؛‬
‫بسبب مضاعفهتا أضعافا أخرى كثرية؛ مما غري مقاييس احلياة االإنسانية‬
‫‪108‬‬
‫الكرمية‪ .‬كام غريت مفاهمي اس تقاللية النظام النقدي احمليل‪ ،‬فدجمته مضن‬
‫منظومة نقدية عاملية واحدة عن طريق االتصاالت والتكنولوجيا‪ .‬وأخر‬
‫تعديل هل هو ابتاكرات برانيك‪ -‬رئيس الفدرايل المرييك‪ -‬يف س ياساته‬
‫يف خض النقد والتعامل مع خف الفائدة‪.‬‬
‫فعمل الاقتصاد اللك مل يس تطع أن يكمتل ويلحق بس باق التغري الهائل‬
‫‪-‬اذلي حدث يف القرن املايض‪ -‬نسبيا اإال يف هذه الزمة الاقتصادية‬
‫العاملية‪ ،‬عىل انتظار فامي تأيت به الايم من صدمات جديدة‪.‬‬
‫ويدرس الاقتصاد اللك الطلب العام والعرض العام للمجمتع‪ ،‬من أفراده‬
‫ورشاكته وحكومته عىل السلع واخلدمات‪ ،‬وأثر تفاعلهام عىل السعر‬
‫العام‪ .‬ذلا؛ أحلقت الس ياسة النقدية والس ياسة املالية ابالقتصاد اللك ‪.‬‬
‫فالنقد يدخل يف لك من الطلب اللك والعرض اللك ‪ ،‬وكذكل رضيبة‬
‫ادلخل وحنوها من الرضائب الشامةل أو ش به الشامةل‪ .‬فهدف‬
‫الاقتصاد اللك الهنايئ هو ختفيف البطاةل‪ ،‬ومواضيعه اليت ختدم هدفه‬
‫كثرية‪ ،‬مهنا‪ :‬التضخم والرضائب والنقد‪.‬‬
‫يدرس الاقتصاد اللك الطلب العام والعرض العام للمجمتع‪ ،‬من أفراده‬
‫ورشاكته وحكومته عىل السلع واخلدمات‪ ،‬وأثر تفاعلهام عىل السعر‬
‫العام‪ .‬فذلا؛ أحلقت الس ياسة النقدية والس ياسة املالية ابالقتصاد اللك ‪.‬‬
‫فالنقد يدخل يف لك من الطلب اللك والعرض اللك ‪ ،‬وكذكل رضيبة‬
‫ادلخل وحنوها من الرضائب الشامةل أو ش به الشامةل‪ .‬فهدف‬
‫الاقتصاد اللك ختفيف البطاةل‪ ،‬وأما مواضيعه اليت ختدم هدفه فهي‬
‫كثرية‪ ،‬مهنا‪ :‬التضخم والرضائب والنقد‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫ويُدرس الاقتصاد اللك ‪ ،‬اجملمتع اكقتصاد مغلق معزول عن التبادالت‬
‫اخلارجية ادلولية‪ ،‬كام يدرسه اكقتصاد مفتوح يتفاعل مع اقتصادايت‬
‫العامل‪ .‬وللك ادلراس تني حاالهتا اليت تصلح لها‪ .‬وإان اكنت دراسة‬
‫الاقتصاد‪ ،‬اكقتصاد مغلق هو البنية الوىل لي دراسة اقتصاد انتايج‬
‫صناع ‪ ،‬مث يُدخل عليه الاقتصاد املفتوح‪.‬‬
‫وابإجياز جامع‪ ،‬فاالقتصاد اللك هو لك ما يتعلق ابالإنتاج اللك اذلي‬
‫ينتجه اجملمتع من سلع وخدمات‪ .‬وذلا؛ أحلقت الس ياس تان النقدية‬
‫واملالية به‪ .‬فوزارة املالية والبنك املركزي ال يضعان س ياس هتام لقطاع‬
‫معني دون أخر‪ ،‬بل تدخل يف لك ما ينتجه اجملمتع السعودي من سلعة‬
‫أو خدمة‪.‬‬
‫وديناميكية الس ياسة املالية والنقدية وأثرها وتفاعلها مع الاقتصاد العام‬
‫احمليل وادلويل‪ ،‬مل تتبلور وتُفهم متاما عىل املس توى الاكدمي اإال حديثا ‪-‬‬
‫يف الامثنينات‪ ،-‬وخاصة الس ياسة النقدية (وذكل بسبب تأخر فهم أاثر‬
‫انفصال ربط العمالت ابذلهب)‪ .‬وبسبب تبلور هذه املعرفة لدليناميكية‬
‫اليوم‪ ،‬جتنبنا الاثر املدمرة اليت اكنت حمتية بسبب الزمة الاقتصادية‬
‫يف عام ‪٢٠٠٨‬م وكام حدث يف الكساد العظمي ‪١٩٢٩‬م ‪١٩٣٩-‬م‪.‬‬
‫الباب الول‪ :‬الناجت احمليل‬
‫وضع مقياس الناجت احمليل‪ ،‬يف منتصف عقد ‪ ،١٩٣٠‬وذكل بناء عىل‬
‫أوامر الرئيس فرانلكني روزفلت‪ ،‬حني اكن الرئيس املبدع يقود بالده‬
‫خارج الكساد العظمي‪ ،‬من خالل اصالح وجتديد النظام الاقتصادي‬
‫الرأساميل‪ ،‬ابلتدخل احملسوب للحكومة يف حتفزي العرض‪ ،‬وإاصالح‬
‫‪110‬‬
‫سوق العامةل‪ .‬فروزفلت اكن حباجة ملؤرش حيمك به عىل صواب‬
‫اصالحاته أو خطأها‪.‬‬
‫فغرض الناجت احمليل هو قياس جحم قياس اقتصاد ادلوةل‪ .‬وجيب ان‬
‫ينتبه اإىل أن وس يةل قياس الناجت احمليل احلقيق ‪ ،‬يه مكية االإنتاج ال قمية‬
‫االإنتاج‪ ،‬فصناعة ُخس طائرات قميهتا ُخس ماليني‪ ،‬أعظم انتاجا من‬
‫صناعة طائرة واحدة مماثةل يف العام السابق‪ ،‬واكنت قمية هذه الطائرة‬
‫عرشة ماليني دوالر‪.‬‬
‫ذلا حنن نعزل القمية النقدية عن االإنتاج‪ ،‬وإاال فاإننا لن حنصل عىل‬
‫مقياس حقيق دقيق ل إالنتاج ومنوه‪ .‬مفثال‪ ،‬لو اكنت الحوال غري‬
‫اعتيادية‪ ،‬فاخنفضت أسعار القمح هذا العام؛ فأصبح سعر طن القمح‬
‫لهذا العام هو دوالر واحد‪ ،‬وقد اكن سعره العام املايض أربع دوالرات؛‬
‫فس يكون قمية اإنتاج القمح احلايل دوالرين‪ ،‬مقابل أربعة دوالرات قمية‬
‫اإنتاج القمح العام املايض‪ ،‬فهبذا يظهر لنا أن منو االإنتاج ملزرعة القمح‬
‫هذه الس نة هو منو سليب مبقدار ‪ ٪١٠٠‬رمغ أن املزارع قد ضاعف‬
‫مكية االإنتاج‪ .‬ذلا يُقاس المنو ابلمكية وحتسب قميهتا تبعا لقمية س نة‬
‫مرجعية‪.‬‬
‫فغرض عمل الاقتصاد هو االإنتاج احلقيق من سلع وخدمات‪ ،‬ال انتاج‬
‫النقود‪ .‬فالنقود ال تؤلك وال تُرشب وال ُتركب وال تُلبس‪ ،‬بل ال وجود‬
‫ملموس لها‪ ،‬وال قمية لها يف ذاهتا‪ .‬اإمنا يه جمرد امس نسم به اليشء‪،‬‬
‫فتسم حصانك ابلرباق‪ ،‬ويسم غريك ابنه ابلرباق‪ ،‬فاالمس ال حقيقة‬
‫هل يف ذاته اإمنا فامي يدل عليه‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫وابلناجت احمليل يُقاس تطور االإنتاجية وتقدم اقتصاد البالد‪ .‬فمنو مكية‬
‫االإنتاج يعترب تقدم يف االإنتاجية وزايدة يف الرثوة‪ ،‬اإال يف حاةل أن يكون‬
‫االإنتاج موردا انضبا اكلنفط والغاز‪ .‬وذكل خبالف بناء مصايف جديدة‬
‫واكتشاف الابر وجتهزيها‪ ،‬فهذا يعترب منوا حقيقيا‪ .‬أما جمرد زايدة خض‬
‫االإنتاج النفط فهو يف الواقع اس هتالك للرثوة ال زايدة لها؛ ولهذا‬
‫فاقتصادايت النفط والغاز لها اعتبارات خاصة ختتلف حىت عن‬
‫اقتصادايت املوارد الناضبة‪ ،‬مفا ابكل ابقتصادايت الصناعة واخلدمات‪.‬‬
‫وابلناجت احمليل كذكل‪ ،‬يقاس مس توى ثراء ادلول‪ ،‬وذكل بتقس ميه عىل‬
‫عدد الساكن‪ ،‬سواء أاكنوا مواطنني أم أجانب‪ .‬وذكل انبع من افرتاض‬
‫أن مجموع الساكن‪ ،‬مه من قاموا ابالإنتاج‪ .‬ذلا‪ ،‬فيجدر بنا هنا‪ ،‬أن ننتبه‬
‫اإىل أن دول النفط والغاز وحنوها‪ ،‬ال يكون مجموع الساكن مه من أنتج‬
‫الناجت احمليل‪ ،‬بل قد يكون غالب الناجت احمليل جمرد ثروة أورهثا هللا‬
‫أهل البالد‪ ،‬أي مواطنهيا‪ ،‬ال ساعات معل برشية‪ .‬فاإن قيل‪ :‬مفاذا‬
‫عن ادلول املنتجة للفحم والنحاس واحلديد وحنوها؟ فيقال‪ :‬اإهنا ال تُعد‬
‫كدول النفط والغاز‪ ،‬ذكل لن صناعة التعدين تس هتل عددا كبريا من‬
‫العامةل‪ ،‬خبالف صناعة النفط والغاز‪ .‬ذلا فتقس مي انجت دول الفحم‬
‫واحلديد وحنوهام عىل عدد الساكن‪ ،‬ال يعط تصورا خاطئا عن ثراء‬
‫دول التعدين‪ ،‬ابفرتاض متتع نظاهما الس يايس والاقتصادي ابلشفافية‬
‫واحملاس بة‪.‬‬
‫فالناجت احمليل من أمه مؤرشات الاقتصاد اللك ‪ .‬ويشلك هو ومؤرش‬
‫السعار‪ ،‬ركنا دراسة االإنتاج اللك احلقيق ‪ .‬وذلا ترى صفات تضاف‬
‫‪112‬‬
‫ملؤرش الناجت احمليل أو تلحق به‪ ،‬لتعزل السعار عنه‪ .‬أوصاف لكفظ “‬
‫احلايل ” أو “ احلقيق ” أو “ الامس ” أو “ ابلقوة الرشائية ” أو‬
‫ابدلوالر العامل وهكذا‪ ،‬ولك هذا موجود يف الكتب الاكدميية‪.‬‬
‫ذلا حفساب التضخم من اساس يات التحليل الاقتصادي اللك ‪،‬‬
‫خبالف الاقتصاد اجلزيئ‪ ،‬فهو ينظر اىل املثال يف احلاةل السابقة‪ ،‬عىل‬
‫انه نقص يف منو الرابح‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬التضخم‬
‫التضخم هو نس بة الزايدة الس نوية املس مترة‪ .‬فاس مترارية توقع الزايدة‪،‬‬
‫هو ما جيعل زايدة السعر تل الس نة تضخام‪ .‬أما زايدة الاسعار الناجتة‬
‫من رضيبة مثال‪ ،‬فهذه ال تعد تضخام‪ ،‬فهي تكون مرة واحدة وال‬
‫تس متر بل قد تزنل مع اعراض الطلب‪.‬‬
‫أتفق علامء الاقتصاد عىل أن تضخام س نواي نسبته من‪ ٪٥ - ٪٣‬هو‬
‫هدف مرغوب طاملا أنه متوقع‪ ،‬وذكل لتحفزيه لالستامثر ودلفعه لعجةل‬
‫المنو‪ .‬فأما منطقة اليورو فاختارت نس بة ‪ ٪٣‬للتضخم املس هتدف‪،‬‬
‫وذكل لنضوج اقتصاده‪ ،‬فال جمال فيه لطفرات تمنوية اكلبالد الناش ئة‪.‬‬
‫فالبالد الناش ئة قد يصل منوها احياان اىل ‪ ٪١٥‬س نواي‪ ،‬اكلصني مثال‬
‫يف احد فرتات طفرهتا التمنوية‪ .‬حفيهنا‪ ،‬س يكون تضخم ‪ ٪٢٠‬س نواي‬
‫مقبوال ومعقوال‪ ،‬بل ومرغواب‪ .‬لنه يكون حافزا لالستامثر كام يكون قيدا‬
‫عىل الاستامثر فال يستمثر اإال القدر رحبيا ‪-‬أي العىل انتاجيا‪ -‬عىل‬
‫دفع نسب فائدة المتويالت املرتفعة اليت تتضمن التضخم املتوقع‪ .‬فالفائدة‬
‫المسية = الفائدة احلقيقة ‪ +‬التضخم املتوقع‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫ولننظر من حولنا فنتأمل الاقتصادايت اليت تشهد نقالت تمنوية‬
‫حضارية من أمثال ش نغهاي‪ ،‬بكني‪ ،‬س نغافورة‪ ،‬مالزياي‪ ،‬ديب‪ ،‬قطر‬
‫وغريها‪ ،‬لكها مرت بتضخم تمنوي‪ ،‬والاسعار ال تعود لالخنفاض يف‬
‫الاقتصاد اللك ‪-‬الا يف حاالت كساد‪ ، -‬كام بينا سابقا‪ .‬فال يوجد‬
‫تطور ومنو اقتصادي من دون تضخم (اإال يف حاالت اندرة ال تنطبق‬
‫عىل ادلول النامية)‪.‬‬
‫وذكل لس ببني رئيسني‪:‬‬
‫أوهلام أن المنو والتطور خيلق مزامحة عىل السلع االإنتاجية و اخلدمية‬
‫واملالية فتصبح حشيحة فرتفع أسعارها لفرتة زمنية معينة ال تلبث أن‬
‫تنخفض ابخنفاض الطلب علهيا أو بزايدة االإنتاج اذلي حفزه ودفعه‬
‫ارتفاع السعار‪.‬‬
‫وأما السبب الثاين فهو ارتفاع مس توى الازدهار املعييش اذلي‬
‫سيس متر سببا الرتفاع أسعار السلع واخلدمات ذات اجلودة العالية اليت‬
‫أوجدها الطلب علهيا من قبل املس هتل اذلي أرتفع دخهل نتيجة للمنو‬
‫اذلي مرت ومتر به بالد ذكل الاقتصاد‪.‬‬
‫والتضخم يفقد بعضا من القمية الرشائية للنقود‪ .‬وينبين عىل هذا أن دين‬
‫احلكومة وديون الرشاكت والفراد أيض را قد فقدت جزءا من قميهتا‬
‫المسية‪ .‬فالفائدة تتكون من الفائدة احلقيقة ‪ +‬التضخم املتوقع‪ .‬وقد يقدم‬
‫التضخم ختفيضا حقيقيا لهذه القروض‪ ،‬اإذا ما اكن التضخم أكرب من‬
‫املتوقع به‪ .‬بل وأحياان تصبح أسعار الفوائد عىل القروض أقل من نس بة‬

‫‪114‬‬
‫التضخم‪ ،‬حىت يصبح يف قميته احلقيقية ال الامسية‪ ،‬قرضا خاليا من‬
‫الفوائد بل أنه ي ُسدد بأقل من قميته‪.‬‬
‫وأما اإذا نظران للتضخم نظرة استامثرية‪ ،‬فارتفاع السعار احمللية مقارنة‬
‫ابلسعار العاملية هو حافز قوي للمستمثرين الستامثر أمواهلم حمليار‪،‬‬
‫وذكل الرتفاع العائد الرحب ‪ ،‬ومث منو الاستامثر يدفع جعةل المنو والتطور‪.‬‬
‫وشاهد ذكل الهنضة املعامرية اليت قامت يف ديب‪.‬‬
‫مبحث‪ :‬يف التفريق بني التضخم النقدي والتضخم الت منوي‬
‫التضخم النقدي هو زايدة مكية النقد عن حاجة السوق احمللية‪.‬‬
‫وينعكس عىل القوة الرشائية احمللية كام انه ينعكس عىل سعر الرصف‪،‬‬
‫فيدخل علهيا اخنفاض قميهتا ادلولية من طريقني‪:‬‬
‫الطريق الول‪ :‬هو تأثر املس تورد الجنيب ابلتضخم النقدي احمليل‪،‬‬
‫اذلي يشرتي السلعة احمللية بنفس قمية معلته اليت اكن يشرتي هبا من‬
‫قبل‪ .‬فاإن اكنت معلته تأيت ابلكريس بدوالر‪ ،‬وادلوالر اكن يساوي‬
‫درهام حمليا‪ ،‬أي ان سعر الكريس حمليا اكن بدرمه حميل‪ .‬فاإن صار‬
‫سعره حمليا بدرمهني‪ ،‬فس يصري ادلوالر بدرمهني‪ ،‬والا فلن يشرتي منه‬
‫املس تورد‪.‬‬
‫الطريق الثاين‪ :‬زايدة النقد احمليل يف السوق احمللية‪ ،‬س يدفعه للخارج‪،‬‬
‫فزتيد مكيته يف السوق ادلولية‪- ،‬اإن مل يكن مربوطا بعمةل أخرى‪-‬‬
‫وابلتايل ستنخفض قميته‪.‬‬
‫فالتضخم النقدي هو التضخم الغري معتاد الغري مقرتن بمنو وال ارتفاع‬
‫لكفة عامل يدخل يف االإنتاج اللك اكلطاقة مثال‪ .‬وهو تضخم مالحظ‬
‫‪115‬‬
‫عند عامة الناس‪ .‬وحيدث ‪-‬كام س بق االإشارة اليه ‪ -‬عند زايدة مكية‬
‫النقد بال طلب عليه من االإنتاج احلقيق احمليل‪ .‬فهنا ترتفع نس بة‬
‫التضخم مبقدار نس بة زايدة فائض النقد يف السوق الانتاجية احمللية‪ .‬كام‬
‫تنخفض قمية رصف العمةل مبقدار نس بة زايدة فائض النقد عن حاجة‬
‫السوق ادلولية‪ ،‬وذكل يف العمةل املعومة‪ .‬أما يف العمةل املربوطة‪ ،‬فيمتثل‬
‫هذا الفائض النقدي احمليل املهاجر‪ ،‬نقصا يف الاحتياطيات الجنبية‪.‬‬
‫فالتضخم الكبري اذلي نراه يف بعض البالد اليت تقودها قيادات‬
‫اقتصادية تعيسة‪ ،‬اإمنا هو تضخم نقدي‪ ،‬ولهذا نراه ينعكس فورا عىل‬
‫سعر رصف معلهتا‪ ،‬فيخفض قميهتا ان اكنت معومة‪ ،‬او يكرس ربطها اإن‬
‫اكنت مربوطة‪ ،‬بعد ان تعجز الاحتياطيات عن الوفاء بتعهد البنك‬
‫املركزي املعلن لسعر الرصف‪.‬‬
‫اما التضخم التمنوي‪ ،‬وهو التضخم احلمت احلدوث مع ديناميكية منو‬
‫الاقتصاد‪ .‬فمنو الاقتصاد اللك ‪ ،‬ال بد وان جيلب معه تضخام تمنواي‪،‬‬
‫قد تقارب نس بة التضخم نس بة المنو‪ ،‬وقد تقل او تزيد‪ ،‬تبعا لعوامل‬
‫لكفة االإنتاج اللك ‪ ،‬اكرتفاع أسعار الطاقة مثال‪ .‬ومن الشواهد هنا‪،‬‬
‫المنو الاقتصادي يف عهد لكينتون‪ ،‬واذلي رافقه اخنفاض أسعار النفط‬
‫مما دفع نس بة المنو بأعىل من نس بة التضخم‪ .‬وال ننىس ان التضخم‬
‫يدخل يف لكفة االإنتاج اللك ‪ ،‬ذلا فلكام قل التضخم التمنوي لعامل ما‪،‬‬
‫لكام انعكست قةل التضخم عىل زايدة دفع المنو‪ ،‬وذكل يف ديناميكية‪،‬‬
‫يسهل رشهحا ابلنظر ملنحىن الطلب العام‪ ،‬وتفاعهل مع منحىن العرض‬
‫العام القرص الجل والطويل الجل‪ .‬وحنن نالحظ التضخم اذلي‬
‫‪116‬‬
‫يصاحب طفرات المنو يف ادلول الناش ئة مثال‪ ،‬فهذا تضخم محمود‬
‫مطلوب اكلغيث‪ ،‬يأيت نتيجة منو اكلبلل يأيت من الغيث‪ .‬فالتضخم‬
‫الس نوي املعتاد‪ ،‬واملالحظ يف ادلول الصناعية املتطورة‪ ،‬هو تضخم‬
‫تمنوي‪ ،‬حمت ال بد منه‪ .‬والتضخم التمنوي‪ ،‬حمسوب مضن الفرصة‬
‫البديةل لالستامثر‪.‬‬
‫وهناك التضخم الانكاميش وهو معكوس التضخم التمنوي‪ ،‬ومتعلق‬
‫بزايدة لكفة االإنتاج العام‪ ،‬بدون وجود منو يف الاقتصاد‪ .‬وهذا حيدث‬
‫عندما تزيد لكفة عامل ما لسبب ما‪ ،‬خاريج او حميل‪ ،‬وعامل اللكفة‬
‫هذا يدخل يف االإنتاج اللك معوما‪ ،‬اكلطاقة مثال‪ .‬فهنا تزيد لكفة‬
‫االإنتاج العام بيامن الطلب العام كام هو‪ ،‬فيحصل الانكامش‪.‬‬
‫فالتضخم الانكاميش اإذا‪ :‬هو التضخم الناشئ من زايدة لكفة ما يف‬
‫العرض العام‪ .‬مثاهل ارتفاع أسعار النفط‪ .‬فالنفط هو يقود اسعار‬
‫الطاقة‪ ،‬والطاقة تدخل يف مجيع مراجل االإنتاج‪ ،‬فبارتفاعه ترتفع لكفة‬
‫االإنتاج‪ ،‬فان مل يوافقها ارتفاع طلب تمنوي أكرب من ارتفاع أسعار‬
‫الطاقة‪ ،‬حصل التضخم الانكاميش‪ ،‬فانمكش المنو وازدادت البطاةل‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫تطبيق‪ :‬تضخم الس بعينات الهائل‬
‫يف أخر زمن احلرب العاملية الثانية قامت معاهدة برتن وود بسبب‬
‫انقطاع التجارة العاملية؛ لعدم وجود معةل دولية يثق هبا السوق ادلولية‪،‬‬
‫مع صعوبة اس تخدام اذلهب لوزنه وجحمه وتعرضه للمخاطر‪ ،‬مع ندرته‬
‫وقلته اليت ال تقدر عىل الوفاء حبمل التجارة ادلولية‪ .‬جفاءت املعاهدة‬
‫اليت نصت عىل ربط العمالت ابدلوالر‪ ،‬وأن يرتبط ادلوالر ابذلهب‬
‫بسعر ‪ $٣٨‬للونصة‪.‬‬
‫ومث خالل الربعينيات وامخلس ينيات أدرك المرياكن أن اذلهب مل يعد‬
‫صاحل ًا كعمةل؛ فاذلهب حمدود‪ ،‬وإانتاج الةل أصبح هائ ًال؛ وهو ما‬
‫سيسبب اخنفاضً ا للسعار؛ فتتوقف الاستامثرات‪ .‬وأيضً ا اذلهب ال‬
‫عقل هل‪ ،‬وهو يتحمك بأسعار الفائدة والس يوةل عن طريق وفرته وندرته‪.‬‬
‫واكنت فكرة فصل العمالت عن اذلهب‪ ،‬وتركها تس متد قوهتا من‬
‫السوق أسوة ابلسلع‪ ،‬من الساطري العلمية اليت تدمعها النظرية‬
‫واملنطق‪ ،‬ولكهنا ختلو من التجربة التطبيقية‪.‬‬
‫فالنظرية همام اكنت قوة منطقها مفن املغامرة تطبيقها بشلك شامل عىل‬
‫اجملمتعات االإنسانيات‪ ،‬سواء أاكنت النظرية اقتصادية أو اجامتعية أو‬
‫س ياس ية‪ .‬ولهذا‪ ،‬بدأت أمرياك خالل الس تينيات ابإدخال الس ندات‬
‫المريكية تدرجي ًّيا اكحتياطيات نقدية؛ لتحل حمل اذلهب‪ .‬وخالل ذكل‬
‫العقد ترسبت الخبار‪ ،‬واحتدم الرصاع الفكري الاقتصادي حولها‪.‬‬
‫ومن أمه ما ُكتب أنذاك مقال (اذلهب وحرية الاقتصاد)‪ ،‬لقرين‬
‫س بان‪ 1‬عام ‪١٩٦٦‬م‪ ،‬عىل الرمغ من خطأ نتيجته يف هذا املقال‪ ،‬كام‬
‫س يأيت‪.‬‬
‫وتضخم الس بعينات الهائل اذلي تبع ارتفاع أسعار النفط‪ ،‬اعتقد أنه‬
‫اكن خطأ ابتداء من الفدرايل المرييك يف خضه للنقد يف حماوةل منه‬
‫لتعويض الاقتصاد لكفة زايدة ارتفاع أسعار البرتول‪ .‬فقد تضاعفت‬
‫السعار ‪ ٪١٢٤‬يف عقد واحد دون منو اقتصادي يُذكر‪ .‬بيامن احتاج‬
‫الاقتصاد المرييك لثالثة عقود ليحقق نفس نس بة التضخم اليت حتققت‬
‫يف فرتة ‪١٩٧٣‬م‪١٩٨١-‬م‪ ،‬ابلرمغ أن الاقتصاد منا يف الثالثة عقود ما‬
‫يقارب ُخسة اضعاف فرتة تضخم الس بعينات‪( .‬والشاهد ان المنو يأيت‬
‫ابلتضخم‪ ،‬كام قلنا سابقا‪ ،‬ان هناك تضخم تمنوي)‪.‬‬
‫وسواء أخطأ أو تعمد‪ ،‬الفدرايل المرييك خض ادلوالرات لامثين س نوات‬
‫متواصةل اإال أنه اس تطاع هبا أن حيافظ عىل مواصةل رفع أسعار‬
‫البرتول‪ ،‬واس تطاع ببث هيبة البرتول أن يوجد غطاء بدي ًال من‬
‫اذلهب لدلوالر‪ ،‬حىت اإذا ثبت ادلوالر كعمةل احتياط دولية اهنارت‬
‫أسعار البرتول‪.‬‬
‫ومعوم ًا‪ ،‬مفا زال الاقتصاد اللك يتطور يومي ًا‪ ،‬وأخر تطوراته‪:‬‬
‫س ياسات برانيك‪ 2‬النقدية يف جتنيب أمرياك الزمة املالية احلالية‪ ،‬مع‬
‫تفادي خماطر أاثرها املس تقبلية‪ .‬فقد أدت س ياس يات برانيك برشاء‬

‫‪ 1‬أالن جرينس بان‪ .‬الرئيس السابق لالحتياط الفيدرايل للوالايت املتحدة خالل فرتة رئاسة رواندل ريغان‪ ،‬جورج دبليو بوش‪ ،‬بيل لكينتون‪ ،‬جورج دبليو بوش‪،‬‬
‫‪١٩٨٧‬م ‪٢٠٠٦ -‬م‬
‫‪ 2‬بن برانيك الرئيس السابق لالحتياط الفيدرايل للوالايت املتحدة ‪٢٠٠٦‬م ‪٢٠١٤-‬م‬

‫‪119‬‬
‫الس ندات الطويةل الجل اإىل إازاةل ش بح ارتفاع الفوائد يف املس تقبل‪،‬‬
‫واذلي اكن امجليع يتوقعه من قبل جناح س ياسات برانيك‪.‬‬
‫وختام ًا‪ ،‬مفا زال الاقتصاد اللك يشلك خف ًا للفكر الاقتصادي‬
‫التقليدي‪ .‬خفداجة عمل الاقتصاد اللك ما زالت تصطاد اقتصادايت‬
‫ادلول‪ ،‬هنا وهناك‪ .‬حفىت اليوم‪ ،‬مل حتصل تطورات جذرية يف عمل‬
‫الاقتصاد اللك ‪ ،‬مفا اليورو مث ًال اإال فكرة ساذجة اقتصاد ًاي ال تبعد‬
‫كثرياً عن سذاجة فكرة بيع النفط ابلرايل السعودي‪ .‬وما تقليد اليوانن‬
‫لغريها من ادلول ذات العمةل احلرة اإال أحد حضااي خفاخ الفكر‬
‫الاقتصادي التقليدي‪.‬‬
‫مبحث‪ :‬أس باب تضخم الس بعينات وارتفاع أسعار النفط‬
‫التحاليل الاقتصادية الظاهرية املتنوعة لتل الفرتة تدور لكها حول أن‬
‫البنك املركزي المرييك اكن يضخ الموال بسبب احملافظة عىل‬
‫مس توى الطلب العام‪ ،‬وأن ارتفاع التضخم هو نتيجة ذلكل والرتفاع‬
‫أسعار النفط‪ ،‬وهذه قراءة أاكدميية سطحية ال ختلو من نظر‪ .‬وهناك‬
‫من قال انه مقصود لتحفزي الاقتصاد الخرتاع بدائل عن النفط‪ ،‬وهذه‬
‫ابعد من اليت قبلها‪.‬‬
‫فارتفاع أسعار النفط بسبب املقاطعة العربية واالإسالمية ما اكن هل أن‬
‫يس متر بعد انهتاء املقاطعة‪ ،‬لو أن الس ياسة النقدية المريكية مل تعمل‬
‫عىل اس متراره‪ ،‬مبواصةل زايدة خض ادلوالر دون مقابل انتاج ماكئف هل‪،‬‬
‫مع رساين هذه الس يوةل يف الاقتصاد ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫وأقول‪ :‬قد أاتح قطع النفط فرصة اإماكنية حتقيق اإجياد غطاء حقيق‬
‫لدلوالر بدال من اذلهب‪ ،‬وذكل حىت يس تقر ادلوالر عامليا كعمةل‬
‫الاحتياط ادلولية بعد نكسة ختليه عن اذلهب ‪١٩٧١‬م‪.‬‬
‫وقد معل الاستشاريون الاقتصاديون المريكيون عىل حتقيق هذا‬
‫هدف احملافظة عىل ارتفاع أسعار النفط‪ ،‬من خالل هدفني وس يطني‬
‫هام‪ :‬احملافظة عىل زمخ اس مترار ارتفاع أسعار النفط من هجة‪ ،‬وعىل‬
‫تفادي أاثر تلكفة هذا الارتفاع عىل الاقتصاد المرييك من هجة أخرى‬
‫وملنع زوال أثر قامت الس ياسة النقدية المريكية بضخ ادلوالرات‬
‫لتحافظ عىل ارتفاع أسعار النفط الامسية من هجة‪ ،‬ولتوازن تلكفة‬
‫ارتفاع السعار بتخفيض القمية الرشائية لدلوالر من هجة أخرى‪.‬‬
‫فارتفاع أسعار النفط يعين ارتفاع تلكفة االإنتاج اللك ‪ ،‬مفا من يشء‬
‫يُنتج اإال والنفط عامل من عوامل التلكفة االإنتاجية فيه‪ .‬واملُنتج لن‬
‫يتحمل ارتفاع التلكفة مبفرده بل س ُيجري بعضها عىل املس هتل‪.‬‬
‫واملس هتل اإن مل جيد س يوةل متكنه من الرشاء‪ ،‬فلن يشرتي‪ ،‬وابلتايل‬
‫لن يس تطيع املنتجون بيع منتجاهتم‪ ،‬مما يؤدي اإىل خفض االإنتاج اللك‬
‫وادلخول يف دوامة الاحنسار الاقتصادي‪ .‬وهذا اذلي مت منعه او‬
‫التخفيف منه بضخ ادلوالرات مرة بعد أخرى‪ ،‬من اجل زايدة الطلب‬
‫العام بزايدة القوة الرشائية‪ ،‬ومن غري اإنتاج حقيق مقابل هل‪ ،‬فهذا‬
‫الضخ ليس هل الا هناية واحدة‪ ،‬وهو انعاكسه عىل شلك ارتفاع جمرد‬
‫يف السعار‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫فف تل املرحةل اليت ختللهتا صدمة النفط الوىل بقطع االإمدادات‬
‫وصدمة النفط الثانية بأزمة الرهائن المريكية يف اإيران ‪ -‬أي من عام‬
‫م‪١٩٨١ -١٩٧٣‬م ‪ -‬ارتفع معدل السعار يف أمرياك بنس بة ‪.٪ ١٢٤‬‬
‫وما ذاك اإال لن البنك املركزي المرييك اكن يقابل لك ارتفاع لسعار‬
‫النفط بضخ ''طبع'' ادلوالر مزيد من أجل احملافظة عىل مس توى‬
‫الطلب المرييك العام‪ ،‬ادلوالرات‪( ،‬وهبذا أيضا تضييع القمية الرشائية‬
‫دلوالرات النفط أيضا)‪.‬‬
‫فلكام خض البنك املركزي مزيدا من ادلوالرات انعكس جزء كبري من‬
‫هذا الضخ عىل أسعار النفط‪ ،‬فتحقق الهدف الوس يط الول وهو‬
‫احملافظة عىل زمخ اس مترار ارتفاع أسعار النفط‪ .‬لكام حتقق الهدف‬
‫الوس يط الثاين وهو الاس مترار يف احملافظة عىل مس توى الطلب‬
‫المرييك العام‪ ،‬وذكل بزتويده ابلس يوةل الالزمة املاكفئة الرتفاع‬
‫السعار‪.‬‬
‫وبرمغ التضخم اذلي حصل‪ ،‬فقد حتقق الهدف الاسرتاتيج بتثبيت‬
‫ادلوالر كعمةل احتياط دولية‪ .‬فقد خلقت هيبة للنفط اذلي يشرتى‬
‫ابدلوالر‪ ،.‬حفل حمل اذلهب‪.‬‬
‫واس متر خض النقد لعقد من الزمن‪ ،‬فتحقق هدف تثبيت الثقة ابدلوالر‬
‫كعمةل احتياط بال غطاء ذهيب‪ ،‬فمل يعد هناك أس باب تدفع أمرياك‬
‫للمحافظة عىل ارتفاع أسعار النفط‪ ،‬فاهنار سوق النفط مع ختيل أمرياك‬
‫س ياسة العمل عىل رفع أسعاره بضخ ادلوالر‪ ،‬وتدافعت ادلول املنتجة‬
‫للنفط لدلخول يف حرب للسعار بزايدة االإنتاج وبذل النفط رخيصا‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫هذا ما أعتقد أنه خفااي ما حدث يف تل الفرتة‪ ،‬واعتقد أنه اكن خطأ‬
‫ابتداء من الاحتياط الفدرايل‪ ،‬مث صار هدفا حرص عىل حتقيقه‪.‬‬
‫وقد قرأت ‪ -‬أايم دراس يت يف أمرياك ‪ -‬كثريا من الواثئق احلكومية عن‬
‫حرص أمرياك عىل تسعري النفط ابدلوالر وهذا قدم يل جزءا من‬
‫الصورة‪ :‬وهو قصد اإحالل النفط بدال من اذلهب كغطاء لدلوالر‪.‬‬
‫ولكن مل تكمتل عندي الصورة حىت مسعت تل احملارضة اليت أوحض‬
‫فهيا الاميين‪ ،‬وزير البرتول السعودي وقهتا‪ ،‬أن أمرياك اكنت حريصة‬
‫أيضا عىل ارتفاع أسعار النفط أنذاك‪ .‬وفرس الاميين ذكل احلرص بنفس‬
‫ما بعض قيل من أنه اكن من أجل دفع الاقتصاد المرييك‪ ،‬لبحث‬
‫بدائل! واليت اراها بعيدة متاما يف معطياهتا وحيثياهتا ‪ ،‬ونتاجئها‪ .‬ولكن‬
‫معلومة حرص القيادة الامريكية عىل أن توصل دلول النفط‪ ،‬عدم‬
‫معارضهتا الرتفاع أسعار النفط‪ ،‬يه اليت أمكلت الصورة التحليلية‬
‫الاقتصادية لرس ارتفاع أسعار النفط لعوام عدة من غري ارتفاع‬
‫للطلب احلقيق عليه يف تل الفرتة ‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬الس ياسة املالية والس ياسة النقدية‪:‬‬
‫متهيد‪:‬‬
‫الس ياسة املالية‪ :‬يه الس ياسات املتبعة يف حتديد ادلخل واالإنفاق‪،‬‬
‫وتقوم هبا وزارة املالية أو اخلزانة‪ .‬أما الس ياسة النقدية‪ :‬فهي الس ياسات‬
‫املتبعة يف حتديد مس توى مكية النقود يف اجملمتع الاقتصادي‪ ،‬ويقوم هبا‬
‫البنك املركزي‪ .‬ومعل الس ياسة النقدية واملالية يف الاقتصاد كعمل‬
‫ال ِّل لجام يف احلصان‪ .‬واحلصان يف هذا التشبيه‪ ،‬هو الاقتصاد‪ .‬فاإذا ما‬
‫مجح احلصان ُش َّد اللجام ل ُيكبح من مجوحه‪ .‬ولكن شد اللجام جيب أن‬
‫يكون حمسواب‪ ،‬لكيال يتوقف احلصان متاما أو ينقلب عىل فارسه‪.‬‬
‫فاللجام كفيل ابإيقاف احلصان‪ ،‬ولكن اإطالق اللجام للحصان ال يلزم‬
‫بأن جيعل احلصان يتحرك اإىل المام‪ ،‬فقد حيرد احلصان‪ ،‬فال يتحرك‬
‫اإال مبساعدة أمور أخرى‪ .‬فهذا املثل حييك متاما قصة الس ياسة النقدية‬
‫واملالية مع الاقتصاد‪.‬‬
‫املبحث الول‪ :‬معل الس ياسة املالية‬
‫وابختصار فالس ياسة املالية يه التدخل احلكويم يف الاقتصاد بعكس‬
‫اجتاهه‪ .‬فعند الانكامش الاقتصادي وعزوف الناس عن الاستامثر‬
‫والاس هتالك‪ ،‬تتدخل احلكومة تدخال مبارشا وغري مبارش‪ .‬فالتدخل‬
‫املبارش يكون بدخولها مكستمثر‪ ،‬وذكل ابالإنفاق عىل املشاريع البينية‬
‫والسلعية واخلدمية معوما‪ ،‬أو بدخولها مكس هتل‪ ،‬وذكل مبا تقدمه‬
‫للمس هتل املواطن من وظائف أو اإعاانت أو ختفيض رضائب دخل؛‬
‫جتعهل ينفقها يف الاس هتالك‪( .‬وهذا ابفرتاض همم‪ ،‬وهو ان يكون اجملمتع منتجا ملا‬
‫تنفق احلكومة وملا يس هتلكه الطلب العام)‪ .‬فتعوض احلكومة هبذا التدخل‬
‫املبارش ابالإنفاق‪ ،‬العزوف احلادث من الناس عن الاستامثر وعن‬
‫الاس هتالك؛ بسبب الانكامش الاقتصادي‪ .‬فزتيد احلكومة هبذه‬
‫التدخالت املبارشة والغري مبارشة‪ ،‬من الطلب العام؛ فيعود املنتجون‬
‫اإىل االإنتاج ملقابةل هذه العودة أو الزايدة يف طلب الناس واحلكومة عىل‬
‫سلعهم وخدماهتم‪.‬‬
‫وأثر الس ياسة املالية غري املبارش عىل الاقتصاد‪ ،‬يكون عن طريق‬
‫ختفيض الرضائب‪ ،‬وزايدة االإعاانت؛ لتحفز اإنتاج املنتجني بتخفيض‬
‫لكفة االإنتاج علهيم؛ فزييد االإنتاج؛ فزيداد بذكل مس توى العرض العام‬
‫للسلع واخلدمات‪ .‬ويكون كذكل بتخفيض الرضائب عىل ادلخل معوما‪،‬‬
‫فزتيد القوة الرشائية للمواطنني فزييد الاس هتالك‪ ،‬فينشط االإنتاج‪( .‬وال‬
‫ننىس أن هذا يكون ابفرتاض همم‪ ،‬وهو ان يكون اجملمتع منتجا ملا تنفق احلكومة وملا‬
‫يس هتلكه الطلب العام)‪.‬‬
‫والعكس حصيح يف حاةل الطفرات الاقتصادية‪ ،‬فتقلل احلكومة االإنفاق‬
‫واالإعاانت‪ ،‬وتزيد الرضائب؛ لتكبح جامح الطفرة الاقتصادية‪.‬‬
‫ومبا أن معل الس ياسة املالية يصب يف االإنتاج احلقيق ‪ ،‬فاإن أاثرها‬
‫الاكمةل ال تظهر اإال عىل املدى البعيد ويه اليت حتقق اس مترارية المنو‪،‬‬
‫وذكل بعكس الس ياسة النقدية‪ .‬فأاثر الس ياسة النقدية تظهر رسيعا يف‬
‫دفع جعةل الاقتصاد أو كبحه‪ ،‬ولكهنا ال حتقق اس مترارية المنو‪ ،‬وذلا؛‬
‫تضيع فاعليهتا يف املدى املتوسط والبعيد‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫وأدوات الس ياسة املالية املبارشة وغري املبارشة أداتني‪ :‬الوىل الرضائب‬
‫(وعكسها االإعاانت) والثانية االإنفاق احلكويم‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫وقفة‪ :‬املزيانية وصف ل إالنتاج والس ياس ية والثقافة‬
‫مفزيانية الرضائب حتيك اإنتاجية اجملمتع برشط اإدراك نظامه الس يايس‪.‬‬
‫فاإدراك النظام الس يايس يبني نوع الرضائب املكون لها‪ .‬فاإن أُدخل‬
‫عىل ذكل‪ ،‬نظاهما النقدي وجحمه‪ ،‬تبني للمتأمل الناظر نوع انتاجية‬
‫اجملمتع من حيث اجلودة والكفاءة‪.‬‬
‫مفصدر ريع مزيانية رضائب ادلخل‪ ،‬ما هو اإال جزء من لكفة االإنتاج‬
‫للفرد يف اجملمتع‪ .‬فلكام زاد اإنتاجه زادت حاجته ومطالبه للخدمات العامة‬
‫وابلتايل زادت رضائبه‪.‬‬
‫وأما مزيانية رضائب السلع فهي تدل عىل نظام اإقطاع ‪ ،‬تُفرض‬
‫الرضائب فيه عىل الضعيف ليس تفيد مهنا الرثي‪ .‬وأما املزيانية اليت‬
‫يغلب علهيا رضائب ادلخل وفهيا بعض من رضائب السلع‪ ،‬فهذا يدل‬
‫عىل نظام س يايس راخس ونظام اقتصادي متقدم‪ ،‬يس تغل الرضائب‬
‫الاس تغالل المثل يف ظل نظام اجامتع يوجه الرضيبة لتنظم حياته‬
‫الاجامتعية‪.‬‬
‫وأما املزيانية اليت ال تقوم عىل الرضائب‪ ،‬فهي اإما مزيانية جممتع حريب‬
‫قامئ اقتصادُه عىل الغزو‪ ،‬أو جممتع مرتف قامئ اقتصادُه عىل منجم‬
‫اذلهب (أي املوارد الطبيعية كنفط وغاز وحنوهام)‪ .‬والك اجملمتعني خيلو‬
‫نظاهما الس يايس من الاس تقرار ومن االإنتاجية‪ .‬فاجملمتع احلريب اإما أن‬
‫تتاكلب عليه المم أو يركن لدلعة‪ ،‬واجملمتع املرتف يعيش خياالت الوهام‬
‫ويكرث حوهل املنافقون واملسرتزقون من ش ىت أحناء العامل‪.‬‬
‫ومىت قُرن تأمل املزيانية مع النظام النقدي وجحم مكية النقد يف اجملمتع‪،‬‬
‫تبني للناظر نوع اإنتاجية اجملمتع وكفاءهتا‪ .‬فلكام تقارب جحم املزيانية مع‬
‫جحم مكية النقد‪ ،‬لكام دل ذكل عىل قةل اإنتاجية اجملمتع‪ .‬فهذا يعين أن‬
‫الاقتصاد قامئ عىل الانفاق احلكويم‪ ،‬برشط ارتباط العمةل بغريها‪.‬‬
‫فالنظام النقدي التابع لغريه (أي مرتبط بعمةل أجنبية) اإذا جاء مقرتان مع‬
‫حاةل تقارب جحم بني املزيانية وجحم املعروض النقدي‪ ،‬فهذا دليل عىل‬
‫قةل كفاءة اإنتاجية اجملمتع وعدم اس تطاعة نقده القيام لوحده‪.‬‬
‫وهذا خبالف النظام النقدي املعمتد عىل غريه مع صغر جحم املزيانية‬
‫ابلنس بة للمعروض النقدي‪ ،‬فهذا قد يدل عىل فساد س يايس ال يقىض‬
‫عليه اإال بتبعية النظـام النقدي لغريه‪ ،‬أو عىل ضعف يف كفاءة اقتصاديي‬
‫ذاك اجملمتع‪ ،‬ولكن غالبا ما يكون دليال عىل هشاشة اجملمتع الاقتصادي‬
‫ال عىل عدم كفاءة اإنتاجيته‪.‬‬
‫وكذكل يف الاقتصاد اذلي ال يتعامل كثريا بنظام الفوائد والمتويالت‪،‬‬
‫جتد املعروض النقدي الول يُمثل نشاطه الاقتصاد‪ .‬بيامن املعروض‬
‫النقدي الثاين‪ 1‬هو املمثل احلقيق لكثري من البدلان املتقدمة‪( .‬هذا اإن‬
‫توافقت يف تعاريف املعروض النقدي‪ ،‬وما أكرث اختالفاهتا)‪.‬‬
‫ويأيت بعد ذكل شاهد ودليل عىل منطقية التـأمل‪ ،‬كشف حساب‬
‫املبادالت التجارية واملالية اخلدمية للمجمتع مع دول العامل واجملمتعات‬
‫الخرى‪.2‬‬

‫‪ 1‬وس يأيت توضيح ملعىن املعروض النقدي‬


‫‪ 2‬فأضف اإىل ذكل ابننا جممتع اقتصادي ما زال بدائيا جدا يف نظامه املايل والنقدي‪ ،‬مفا عليك الا جتلس يف بيتك وتصور مرسحية مع ابنائك متثل فهيا مزيانية وبناك‪ ،‬فتفهم‬
‫كثريا من ابعاد اقتصادان‪ ،‬وتقدر عىل فهم ما جعز عنه كثري من الاقتصاديني‪ ،‬فاالقتصاد عمل منطق بس يط‪ ،‬حييك سلوكك البرشي‪ .‬فال خيادع املرء نفسه يف حقيقة‬
‫سلوكياته البرشية وال يتخيل املثالية وليتخىل عن تصوراته اخلاطئة او حمفوظاته او تبعيته الفكرية وس يفهم الاقتصاد‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫فلكام اقرتبت ارقام املزيانية من ارقام النقود اخلارجة من اجملمتع لكام دل‬
‫ذكل عىل حصة النظر وعدم الوقوع يف اخللط والتبعية للمسميات‬
‫واملؤرشات‪.‬‬
‫مفثال قد جتد مزيانية دلوةل ما تفوق معروضها النقدي‪ ،‬فال يعين هذا‬
‫وقوع املعين السابق حىت يُنظر يف مزيان املدفوعات اخلاريج‪ .‬فاإن‬
‫اكنت املزيانية تقل يف جحمها كثريا عن النقد اخلارج ف ُعد واحبث عن‬
‫السبب‪ .‬فاإما جتدها بالدا يعمتد عىل نقد أجنيب يف سوفه احمللية أو‬
‫جتده بدلا غري مس تقر س ياس يا ويكرث فيه الفساد‪ ،‬وإان اكنت الثانية‬
‫تسبب الوىل غالبا‪.‬‬
‫وكذكل خيتلف مقياس العرض النقدي من بدل لبدل يف تعريفه او يف‬
‫حقيقته‪ .‬فنحن املسلمون مثال ‪ ،‬ال يتعامل كثريا منا بنظام الفوائد‬
‫والمتويالت ذلا فاكرب متثيل للنشاط الاقتصادي ميثهل املعروض الول‬
‫بيامن املعروض الثاين هو املمثل احلقيق لكثري من البدلان اخرى‪ ،‬هذا‬
‫ان توافقت يف تعاريف املعروض النقدي‪ ،‬وما اكرث اختالفاهتا‪.‬‬
‫تطبيق‪ :‬الس ياسة املالية المريكية بني امجلهوريني وادلميقراطيني‬
‫يرفع امجلهوريون راية ختفيض الرضائب عن الرشاكت والاعامل‪ ،‬وإالغاء‬
‫االإعاانت عن العاطلني‪ .‬بيامن يرفع ادلميقراطيون راية ختفيض الرضائب‬
‫عن افراد الطبقة الوسطى وذات ادلخل احملدود‪ ،‬ويعارضون ختفيف‬
‫االإنفاق عىل العاجزين عن العالج الطيب أو عىل املتقاعدين واخلدمات‬
‫الاجامتعية اكليت قدهما أوابما‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫ونقطة اخلالف بني الفريقني‪ :‬أن امجلهوريني يؤمنون بأن حتقيق الفضل‬
‫مجليع اجملمتع يكون تطبيق مبدأ السوق احلر‪ ،‬فال رضائب وال اإعاانت‪،‬‬
‫لهنا متنع السوق مين حتقيق الاس تغالل المثل للموارد‪ ،‬وابلتايل مينعه‬
‫حتقيق ا إالنتاج المثل‪ .‬واحلجة التطبيقية اليت يستند علهيا امجلهوريون‬
‫المرياكن‪ ،‬أن فوائض رشاكهتم وأغنيامه من ختفيض الرضائب س يعود‬
‫عىل الاستامثر يف الاقتصاد مما يعود يوظف البطاةل‪ ،‬ويكرث الانتاج مما‬
‫يعوض الرضائب اليت الغهتا احلكومة عهنم‪.‬‬
‫فامجلهوريون مييلون لمتثيل الرأساملية يف صورهتا الصلية‪ ،‬فهم يعارضون‬
‫أي رفع للرضائب عىل الرشاكت ‪-‬حىت رشاكت البرتول‪ -‬وال عىل‬
‫الغنياء‪ .‬فهذه الرشحية عاشت العرص اذلهيب أايم بوش بعد حادث‬
‫سبمترب‪ ،‬حيث أُعفوا من كثري من الرضائب‪.‬‬
‫اإذن فامجلهوريون يعملون يف مصلحة الغنياء وادلميقراطيون يعملون‬
‫يف مصلحة الطبقة الوسطى والفقرية‪ .‬وهنا وجه الش به بني جامعتنا‪،‬‬
‫وهو يف رفع سعر الرايل وعدمه‪.‬‬
‫وأما الفرق فهو أن المرياكن‪– ،‬يف الك احلزبني‪ -‬يعتقدون أن هذا يف‬
‫مصلحة اجملمتع كلك‪ .‬أما جامعتنا اذلين يدعون لرفع سعر الرايل‪ ،‬فهم ال‬
‫يس تطيعون الزمع‪ ،‬بعمل أو عن جتربة‪ ،‬بأن رفع سعر الرايل يف مصلحة‬
‫الوطن‪ ،‬بل تقترص املصلحة عىل الغنياء‪ ،‬والجانب ومن يسافر‬
‫للخارج فقط‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬معل الس ياسة النقدية‬

‫‪130‬‬
‫تتحمك الس ياسة النقدية يف املعروض النقدي‪ .‬والنقد ليس اإنتاجا‬
‫حقيقيا‪ ،‬فهو جمرد أرقام ال تؤلك وال ُت ْركب وال يستشفى هبا – اإىل أخر‬
‫ذكل‪ .-‬ولكن تسهيل النقد وتوفريه للمجمتع يدفع اجملمتع لالستامثر‬
‫والاس هتالك والعكس حصيح‪.‬‬
‫الس ياسة النقدية تس تخدم زايدة معروض النقد من أجل دفع الاقتصاد‬
‫اإىل المام اإذا توقف أو تقاعس‪ .‬مث بعد ذكل يتوقف معلها عىل جمرد‬
‫مراقبة توافر املعروض النقدي يف الاقتصاد اذلي حيتاج اإليه لضامن‬
‫حركته‪ .‬أي فكهنا بعد ادلفعة الوىل لالقتصاد‪ ،‬تعمل مكؤرش الزيت‬
‫اذلي يزيت حمراكت اقتصاد اجملمتع‪ ،‬والزيت هو النقد‪.‬‬
‫ذلا؛ لو تأملنا‪ ،‬لوجدان أن الس ياسة النقدية تس تطيع اإبطال أثر‬
‫الس ياسة املالية وال عكس‪ ،‬وذكل ابإنقاص املعروض النقدي ( أي‬
‫جتفيف زيت حمراكت الاقتصاد احلقيق اذلي هو حمل معل الس ياسة‬
‫املالية)‪ .‬بيامن ال تس تطيع احلكومة س ياس يا أن ختفض االإنفاق وترفع‬
‫الرضائب من أجل هدف حتييد الس ياسة النقدية عند زايدهتا‬
‫للمعروض النقدي‪.‬‬
‫وهذا فيه توازن‪ ،‬فاحلكومة أقوى من البنك املركزي‪ .‬وذلا؛ حترص‬
‫الاقتصادايت املتقدمة عىل اس تقاللية الس ياسة النقدية عن سلطة‬
‫احلكومة‪ .‬فالس ياسة املالية يف أيدي رؤساء ادلول ووزراء ماليهتم‪ ،‬فهم‬
‫قد يرسفون يف اس تخداهما؛ لتحقيق انتصارات س ياس ية انتخابية‪،‬‬
‫والزناع الشهري بني قرين س بان ‪-‬رئيس الاحتياط الفدرايل المرييك‪-‬‬
‫وبني بوش الب وبوش الابن قبل حادث سبمترب‪ ،‬هو بسبب تعطيل‬
‫‪131‬‬
‫الس ياسة النقدية ملفعول الس ياسة املالية‪ ،‬و كذكل نزاع ترامب مع‬
‫رئيس الفدرايل الاحتياط مؤخرا‪ ،‬واهتامه بأنه اكرث عداء لمرياك من‬
‫الرئيس الصيين‪.‬‬
‫وللس ياسة النقدية يف حتقيق حتمكها ابملعروض النقدي وسائل عدة‪،‬‬
‫أمهها‪:‬‬
‫‪ )1‬التحمك بسعر الفائدة عىل الودائع وما يس تلزم أن يتبع ذكل من بيع‬
‫ورشاء للس ندات احلكومية‪.‬‬
‫‪ )2‬التحمك بسعر الفائدة عىل اقرتاض البنوك من البنك املركزي‪.‬‬
‫‪ )3‬حتديد نسب الاحتياطيات االإلزامية عىل البنوك‪.‬‬
‫‪ )4‬التسهيالت المكية واالئامتنية اخلاصة ابلزمات‪.‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬الس ياسة املالية والنقدية بني الشعوب املنتجة‬
‫واملس هتلكة‬
‫س بق أن بينت أن وزارات املالية يه املس ئوةل عن اإدارة الس ياسة‬
‫املالية‪ .‬وأن معل الس ياسة املالية يرتكز يف حتفزي أو زايدة االإنتاج‬
‫احلقيق من سلع وخدمات‪ .‬وأن زايدة االإنتاج احلقيق يكون تدخال‬
‫مبارش‪ ،‬تقوم به احلكومة عن طريق االإنفاق املبارش عىل املشاريع بش ىت‬
‫صورها‪ .‬وأما حتفزي منو االإنتاج فيكون تدخال غري مبارش‪ ،‬لزايدة‬
‫جانب العرض العام ابإعفاء املنتجني من الرضائب‪ ،‬فتتوفر دلهيم س يوةل‬
‫ينفقوهنا عىل مشاريع اإنتاجية جديدة‪ .‬وميكن أن يكون من جانب زايدة‬
‫الطلب‪ ،‬ابإعفاء الناس من الرضائب فزتداد القوة الرشائية دلهيم‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫اإذا فهناك اجتاهان‪ ،‬اجتاه يسل طريق ما تقدمه احلكومة للمنتج‬
‫والتاجر من تسهيالت وختفيضات رضيبية وإاعاانت من أجل تشجيعه‬
‫عىل االإنتاج‪ ،‬وهذه س ياسة رجيان‪ ،‬ويه منطلق منطقية أطروحات‬
‫امجلهوريني‪ .‬أما الاجتاه الثاين فهو ما تتبعه س ياسة أوابما‪ ،‬ويه‬
‫منطقية طرح ادلميقراطيني يف التدخل غري مبارش‪ ،‬فهي تس هتدف‬
‫حتفزي زايدة الطلب العام بتقدمي احلكومة تسهيالت وختفيضات رضيبية‬
‫وإاعاانت للمس هتل‪ ،‬كدمع لكفة الصحة والتعلمي؛ مما يؤثر عىل زايدة‬
‫الطلب العام‪ .‬والك الطرحني يؤدي اإىل نفس النتيجة الرمقية‪ ،‬ويه‬
‫حتفزي مكية االإنتاج‪ .‬فالطروحات املنطقية الصحيحة جيب أن تصل‬
‫اإىل نتيجة واحدة‪ ،‬وإان اكنت قد ختتلف يف تسلسل عقلياهتا وطرقها‬
‫وختتلف يف بعض أاثرها اجلانبية املتعلقة هبا‪.‬‬
‫ومبا أن أدوات الس ياسة املالية املبارشة وغري املبارشة يه وس يلتا‬
‫الرضائب واالإنفاق احلكويم يصبان الكهام يف حتفزي االإنتاج احمليل‪،‬‬
‫فيتضح دلينا حمدودية فعالية أاثر الس ياسة املالية عىل الاقتصادايت‬
‫العربية وذكل بسبب عدم اإماكنية تنفيذ املشاريع احلكومية بأَيْد وطنية‪،‬‬
‫ومبواد وأهجزة وطنية‪ .‬ولهذا ال نرى أاثرا مس تدمية ل إالنفاق احلكويم‬
‫املبارش عىل املشاريع يف غالب البالد العربية‪ .‬فاالإنفاق يف الاقتصادايت‬
‫املس هتلكة‪ ،‬ال يتضاعف مردوده املادي وال العلم عىل الاقتصاد‪ ،‬وال‬
‫يس تفيد منه اجملمتع الاقتصادي‪ .‬فهو ال خيلق اس تدامة اقتصادية‪ ،‬وال‬
‫ي ُسدد للحكومة مس تقبال‪ ،‬عىل عكس ادلول املتقدمة‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫فف أمرياك مثال‪ :‬ادلوالر اذلي تنفقه احلكومة يف بناء مرشوع يمت‬
‫ب َعامةل أمريكية‪ ،‬ومبواد وماكئن تُصنع يف أمرياك‪ .‬ذلا؛ فاخلربة والعلوم‬
‫املكتس بة من املرشوع تعود عىل المرياكن علميا‪ ،‬وهذا أكرب عائد لهنا‬
‫تودل ابتاكرات صناعية‪ ،‬واجياال همرة‪ .‬وأما العوائد املادية‪ ،‬فلك ما‬
‫يُرصف من دوالرات حكومية‪ ،‬تتضاعف أضعافا عدة‪ .‬فتجد العامل‬
‫المرييك –مثال‪ -‬يشرتي س يارة وثالجة‪ ،‬ويس يح يف أمرياك‪ ،‬بفضل‬
‫أجره اذلي أخذه من معهل يف هذا املرشوع؛ مما ينشط مصنع‬
‫الس يارات ومصانع الهجزة والس ياحة‪ ،‬فتتوظف عامةل أخرى وتُشرتى‬
‫معدات‪ ،‬فيقوم هؤالء ابلتوسع كذكل يف معاشهم وصناعهتم‪ .‬وهكذا‪،‬‬
‫ككرة الثلج‪ ،‬فيخلق ادلوالر املُنفق حكوميا عىل مرشوع تسلح ‪-‬مثال‪-‬‬
‫‪ ،‬عرشة دوالرات أو أكرث يف جماالت س ياحية وصناعية سلمية‪ .‬ولهذا‬
‫ترى أن احلروب تنشط ابقتصادايت ادلول املتقدمة؛ ذكل لهنا تنتج‬
‫أسلحهتا بنفسها‪ ،‬فتتقدم اقتصاداي وعلميا‪ .‬بيامن هتَ ُ ُّد وتدمر احلروب‬
‫اقتصادايت ادلول املتخلفة علميا وصناعيا‪ .‬كام أن هذا التضاعف العلم‬
‫واملادي املتودل من ادلوالر احلكويم املنفق عىل التسليح؛ س ينتج عنه‬
‫دخول تأيت برضائب للحكومة المريكية‪ ،‬تسدد لك دوالر أنفقته‬
‫احلكومة المريكية عىل املرشوع‪.‬‬
‫واحلديث نفسه ينطبق عىل الس ياسة النقدية‪ .‬فتخفيض الفائدة يعين‬
‫خض الس يوةل يف اجملمتع‪ ،‬مما ي ُشجع عىل الاستامثر يف االإنتاج‪ ،‬لكن‬
‫برشط ان يكون هذا مبوارد وطنية‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬فاإن مثل الس ياسات املالية والنقدية للمجمتعات‬
‫الاس هتالكية ومثل الس ياسات املالية والنقدية للمجمتعات االإنتاجية يف‬
‫تأثريها ابالقتصاد هو‪ :‬مكثل س يارة تصعد تال رمليا حاد الارتفاع‪،‬‬
‫وس يارة تزنل تال مسفلتا‪ .‬فالوىل حترق مكيات خضمة من البزنين لمتيش‬
‫قليال‪ ،‬بيامن الثانية تنطلق مرسعة بال وقود‪.‬‬
‫تطبيق‪ :‬يف رفع ق مية الرايل ادلولية‬
‫املطالبة برفع سعر الرايل السعودي أايم ارتفاع أسعار النفط‪ ،‬أو‬
‫املطالبة بربطه بسةل معالت؛ عىل أن يؤدي هذا الربط اإىل رفع قمية‬
‫رصفه أمام العمالت الخرى‪ ،‬أو حىت تعومي الرايل‪ ،‬مطالبات ال يعمل‬
‫كثري من املطالبني هبا حقيقة ما يطالبون به‪ ،‬اإال أهنم مسعوا ‪-‬أو ظنوا‪-‬‬
‫أن ذكل سوف خيفف من التضخم‪ ،‬وأهنم سريون رايهلم يساوي أكرث‬
‫عند سفرمه للخارج‪ .‬وأحياان تكون املطالبات انبعة مما ي ُسمع عن‬
‫ادلوالر والساطري حول سقوطه وما يتناقل يف ذكل‪.‬‬
‫مفن املعروف أن السعار معوما‪ ،‬غري مرنة‪ .‬فلو أصبح ادلوالر مثال‪،‬‬
‫يساوي ‪ ٣.٥‬رايالت بدال من ‪ ٣.٧٥‬رايل للك دوالر أمرييك‪ .‬فلن‬
‫جند أن صاحب العقار قد خفض االإجيار‪ ،‬أو أن قارورة املاء قد نقص‬
‫سعرها وهكذا (ويف الكويت زادت كثري من أسعار السلع برفع سعر ادلينار بعد‬
‫ربطه بسةل جمهوةل الوزان‪ .‬وأرسعها زايدة اكنت قهوة س تار بكس)‪.‬‬
‫وقد نشاهد اخنفاضا يف السعار‪ ،‬اإال أنه س يكون هامش يا ويف املواد‬
‫التنافس ية احملضة‪ .‬ومثالها ما يس تورد من الش ياء الرخيصة من الصني‬
‫وغريها‪ .‬وما عدا ذكل فالتاجر احمليل لن يتغري عليه يشء يُذكر يف‬
‫‪135‬‬
‫اللكفة‪ .‬وأما املتنافسون يف بضائع متشاهبة لكهنا حتمل نوعا من‬
‫الاحتاكرية (ابلعالمة التجارية مثال)‪ ،‬فاإن املنافس املس تورد ابدلوالر‬
‫سزييد هامش رحبه؛ لنه لن خيفض سعر السلعة اليت يبيعها ابلرايل يف‬
‫السوق السعودية‪ ،‬أو تزيد حصته يف السوق عىل حساب املس تورد‬
‫ابليورو‪ .‬وأما املنافس املس تورد ابليورو سزييد هامش رحبه؛ لنه يبيع‬
‫ابلرايل‪ ،‬والرايل صار يأيت بدوالر أكرث؛ وابلتايل يأيت بيورو أكرث‪ .‬ولك‬
‫ذكل‪ ،‬تبعا ملرونة بضائعهم‪ ،‬وأمهية احملافظة عىل حصهتم ابلسوق‪.‬‬
‫فلهذا السبب وللس باب الشخصية الخرى؛ فاإن اذلي سيشعر‬
‫ويس تفيد من فرق زايدة سعر الرايل‪ ،‬هو من عنده زايدة فضل يف‬
‫دخهل؛ لنه قد اعتاد أن يستمثر أمواهل الفائضة عن حاجاته احمللية يف‬
‫خارج السعودية أو ال َعامةل الجنبية أو الس ياحة‪.‬‬
‫ولكن ال بد من س يدفع الفرق يف سعر الرصف‪ ،‬مفن هو؟‬
‫اذلي س يدفعه هو مؤسسة النقد‪ ،‬عند حتويل أموال هؤالء‬
‫املس توردين واملستمثرين وغريمه اإىل اخلارج‪ .‬فلو حسبنا لكفة رفع الرايل‬
‫يف حتويالت اليد العامةل فقط عام ‪٢٠١٥‬م (وتبلغ حوايل ‪ ١٤٢‬مليار‬
‫رايل)‪ ،‬لوجدان اهنا @ ‪ ٣.٥‬رايل لدلوالر س تلكف مؤسسة النقد حنو‬
‫‪ ٤٠.٥‬مليار دوالر بدال من ‪ ٣٧.٨‬مليار دوالر @ ‪ ٣.٧٥‬رايل‪/‬‬
‫دوالر‪ .‬أي زايدة لكفة مقدارها ‪ ٢.٧‬مليار دوالر أي حنو عرشة‬
‫مليارات رايل‪.‬‬
‫ولو حسبنا اللكفة املتعلقة ابالس ترياد لنفس العام ‪-‬بنفس الطريقة‪-‬‬
‫لوجدان ان لكفة ختفيض سعر رصف الرايل أمام ادلوالر بربع رايل أو‬
‫‪136‬‬
‫‪ .٪٦.٦٧‬ستس هتل من الاحتياطيات مبلغ ‪ ٤٢.٦‬مليار رايل لك‬
‫هذه اللكفة دون أن تظهر نتاجئ هذا ادلمع لسعر رصف الرايل عىل‬
‫املواطن املتوسط ادلخل خاصة بشلك واحض ومبارش‪.‬‬
‫فاملنخفض ادلخل‪ ،‬يس تفيد نوعا ما رفع قمية الرايل‪ ،‬الن غالب‬
‫اس هتالكه ‪-‬خارج السكن – يذهب عىل السلع الساس ية ويه سلع‬
‫تنافس ية‪ ،‬ذات مرونة عالية‪ ،‬يف جانب العرض ‪ .‬وقمية اس تفادته ال‬
‫تاكد تكون شيئا أمام لكفة رفع قمية الرايل‪ .‬فهذه اللكفة الضخمة‬
‫س يذهب غالهبا ملرتفع ادلخل واملس توردين واملالك‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬مسائل اقتصادية معارصة‬
‫مقدمة‪ :‬يف تطور الفكر الرأساميل والاشرتايك‬
‫مل تقلب الثورة الصناعية مجيع موازين االإنتاج ومفاهميه فقط‪ ،‬بل اإهنا‬
‫قد غريت مجيع مظاهر االإنسانية الاجامتعية والاقتصادية والثقافية يف‬
‫أورواب ومن بعدها أمرياك‪ .‬فقد جاءت الثورة الصناعية يف أواخر القرن‬
‫الثامن عرش وأوائل القرن التاسع عرش فاكن مما اصطدمت به‪ ،‬وسائل‬
‫المتويل للمشاريع العمالقة اليت مل تعد مزرعة وقطيعا من املاش ية يؤخذ‬
‫قهرا أو يورث اإراث أو يرىب صغريا ليصبح كبريا‪ .‬فالثورة الصناعية أتت‬
‫مبشاريع هائةل ال تبدأ اإال عىل صورهتا الضخمة اليت يه علهيا‪ ،‬كام خلق‬
‫هللا أدم عىل صورته طوهل س تون ذراعا‪ .‬فقد جاءت الثورة الصناعية‬
‫ابملوائن وسكك احلديد ومصانع الس يارات والطائرات والسفن العمالقة‬
‫والالت الضخمة وحمطات توليد الكهرابء وتكرير النفط‪ .‬وحارت عقول‬
‫العباقرة يف مجع المتويالت الالزمة لها سواء من الغنياء مالك املزارع‬
‫واملوايش أو من عامة ما حيفظه الناس من أموال‪.‬‬
‫فانقسم العامل اذلي اكن يعيش الثورة الصناعية اإىل مدرس تني‬
‫فكريتني‪ .‬مدرسة قامت عىل مبدأ االإكراه ابملشاركة ومبدأ املساواة يف‬
‫توزيع الرثوات‪ .‬ومدرسة قامت عىل مبدأ الرتغيب ابملشاركة عن‬
‫طريق توزيع الرثوات بناء عىل مقدار املشاركة‪.‬‬
‫فالوىل يه الش يوعية الظاملة اليت اس تولت بواسطة ادلوةل عىل أموال‬
‫الناس من اثبت ومنقول ابالإكراه وخسرهتم ابحلديد والنار للعمل يف‬
‫املشاريع حتت ظل شعارات مجيةل براقة ال أصل لها عىل أرض الواقع‪.‬‬
‫واملدرسة الخرى يه الرأساملية احلديثة‪ .‬فقسمت الرأساملية احلديثة‬
‫الناس عىل أساس خشصياهتم وإاماكانهتم اإىل قسمني رئيسني‪ .‬الول مه‬
‫الشخاص اذلين مييلون اإىل نزعة اخملاطرة أو اإىل من ميل فوائض مالية‬
‫يس تطيع أن يتخىل عهنا لفرتة طويةل من الزمن‪ .‬فاكن أسلوب مشاركة‬
‫هؤالء الصنف من الناس عن طريق السهم اليت يه ملكية حقيقية يف‬
‫املشاريع‪ .‬وأما القسم الثاين من الناس (ويدخل يف ذكل البنوك) فهو‬
‫من مييل اإىل الروتني والثبات فطرة أو نظاما فهو ال حيبذ اخملاطرة أو‬
‫الشخاص اذلين ميلكون فوائض مالية تزيد عىل حاجهتم يف الجل‬
‫املنظور ويريدوهنا أن تكون متوافرة هلم عند احلاجة‪ .‬فاكن لهذا الصنف‬
‫من الناس الس ندات طويةل الجل وقصرية الجل‪ .‬ومث وبعد التطبيق‬
‫لهذين النظامني الاقتصادين ظهر صعوبة جديدة‪ .‬فبحلول منتصف‬
‫القرن التاسع عرش‪ ،‬ظهر يف نظام السوق الرأساميل احلاجة اإىل نظام‬
‫مايل جديد‪ .‬فقد اكن التطور والمنو يف االإنتاج هائال مل يس بق هل مثيل‬
‫يف احلياة البرشية‪ ،‬فأدرك مفكرو أمرياك الاقتصاديني أن هذا المنو‬
‫املتسارع س يؤدي حامت اإىل أزمات مالية متكررة س يكون مردها وسبهبا‬
‫دوما نقص المتويالت‪ .‬فارتفاع السعار هو نتيجة حمتية للمنو – س بق‬
‫لنا التطرق هل يف فصل التضخم‪ ،‬فاإن مل تقابهل س يوةل اكفية دخل‬
‫الاقتصاد يف دوامة التقهقر والانكامش‪.‬‬
‫جفاء الرأي بدعيا ال مثيل هل يف اترخي النظام املايل وهو فصل النقد‬
‫عن اذلهب لتتحقق بذكل ثالثة أهداف رئيسة‪ :‬الول اإعطاء احلكومة‬

‫‪139‬‬
‫موردا لمتويل نفقاهتا عند الرضورة دون احلاجة اإىل فرض رضائب من‬
‫شأهنا اإعاقة االإنتاج و إااثرة الشغب‪1‬‬

‫وأما الهدف الثاين من فصل النقد عن اذلهب فهو اإجبار مكتزنهيا عىل‬
‫استامثرها بعوائد عادةل ليك يشاركوا هبا يف بناء الوطان بدال من فقد‬
‫قميهتا الرشائية مع الزمن‪ .‬وأما الهدف الثالث فهو مواكبة الس يوةل للمنو‪.‬‬
‫والهداف الثالثة اكنت حمور الردود اليت ردت عىل مقال قرين س بان‬
‫الشهري‪ ،‬واذلي أدرك ذكل الحقا وفهمه فهام معيقا فقاد س ياسة بالده‬
‫النقدية قيادة حكمية جعلت منه أسطورة الاقتصاد املعارص‪.‬‬
‫وبتقدم السوق المتويلية الرأساملية‪ ،‬ابتدعت عقول السوق احلر‪ ،‬طريقة‬
‫لكرس احتاكرية البنوك للمتويالت‪ ،‬ابس تخدام الرشاكت للس ندات‪.‬‬
‫فف املايض اكنت البنوك متتل قوة احتاكرية طبيعية يف متويل‬
‫املشاريع‪ ،‬يمكن رس احتاكرها للمتويل يف توافر املعلومات والس يوةل‬
‫دلهيا‪ ،‬هذا الاحتاكر اكن يشلك قيدا عىل المتويالت ورفعا لتلكفهتا‬
‫وجتميع للموال يف خزائن البنوك‪ ،‬ومن هنا ازدهرت سوق الس ندات‬
‫لكرس هذا الاحتاكر الطبيع اذلي اكنت تمتتع به البنوك سابقا‪.‬‬
‫ومث وجود سوق للس ندات دفع اإىل ظهور رشاكت (مكوديز وس تاندر‬
‫أند بورز) واليت ختصصت يف مجع املعلومات وحتليلها عن الرشاكت‬
‫وتقيمي املالءة املالية لها وحسن أداهئا االإنتايج وإادارهتا‪ ،‬واليت أصبحت‬
‫تسمى رشاكت التصنيف والتقيمي‪ ،‬فمل تعد املعلومات حكرا عىل‬

‫‪ 1‬وهذا ما غص به قرين س بان رمز الاقتصاد النقدي احلديث (رئيس الاحتياط الفيدرايل السابق) يف ش بابه ووصفه ابحليةل املاكرة اخلبيثة لرسقة أموال الغنياء يف مقاهل‬
‫املشهور عام ‪1966‬م “ اذلهب وحرية الاقتصاد ” واذلي احتوى مضمونه عىل تشابه جعيب مع ش يخ االإسالم بن تميية يف وصفه للمثن ورشوطه‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫البنوك‪ .‬وأما الس يوةل فأصبحت توفرها سوق الس ندات ابلبيع والرشاء‬
‫فمل يعد الس ند يشلك عبئا عىل صاحبه مىت أراد احلصول عىل مثنه‪.‬‬
‫تنوع اخلربات وجحم املشاريع الضخمة‪ ،‬فصل‬ ‫تطور الصناعات وعلوهما و ُّ‬
‫و ُّ‬
‫بني صاحب الرثوة وبني القادر عىل اس تغاللها‪ ،‬فاكنت البنوك‬
‫والس ندات يه حلقة الوصل بني الطرفني‪ .‬والمتويالت ليست‬
‫املمول‪،‬‬
‫فاملمول مشارك ابخملاطرة يف حاةل اإفالس املرشوع ل‬ ‫اكلقروض‪ .‬ل‬
‫اللهم أنه يأيت يف التصفية قبل الرشيك احلقيق أو محةل السهم‪.‬‬
‫وختتلف الس يوةل يف سوق السهم عن سوق الس ندات من حيث‬
‫خماطرهتا وتذبذهبا‪ .‬فرب الرسة اذلي حيتفظ بـامئة ألف رايل حتس با‬
‫للطوارئ ال يريد املغامرة هبا يف سوق السهم‪ ،‬حيث ممن املمكن أن‬
‫تفقد نصف قميهتا يف أايم معدودة‪ .‬فليس أمامه اإال أن يعطلها فتتألك‬
‫قميهتا بسبب تناقص قمية العمةل اذلي أصبح أصال يف نقودان املعارصة أو‬
‫أن يشرتي هبا س ندات أمنة من سوق الس ندات تعود هل بفوائد تغط‬
‫قمية تناقص قميهتا مع الزمن‪ ،‬ويس تطيع بيعها عند احلاجة دون نقص أو‬
‫زايدة كبرية يف سعرها اذلي يتغري قليال مع تغري سعر الفائدة‪.‬‬
‫وخري مثال نعيشه الن هو استامثر فوائض النفط يف س ندات حكومية‬
‫أمنة يباع مهنا عىل قدر احلاجة دون اخملاطرة بقميها يف سوق السهم‪.‬‬
‫ومك من مأس تروى عن أشخاص مجعوا املال حفظا يف الصناديق للحج‬
‫أو لتعلمي أبناهئم يف اجلامعات فوجدوها وقد تألكت قميها فمل تغن عن‬
‫أحالهمم شيئا‪ .‬وللس ندات وأنواعها وأسواقها وأجالها وطرق اس تغاللها‬
‫من هجة املنتج أو املمول حديث ش يق ممتع يطول ال يصلح رسده هنا‪.‬‬
‫‪141‬‬
‫املسأةل الوىل‪ :‬اس تخدام الفائدة الإنقاذ الاقتصاد‬
‫من بعد انفاكك العمالت عن اذلهب‪ ،‬أصبحت الفائدة فعاةل جدا يف‬
‫تنظمي الاقتصاد‪ ،‬وذكل عن طريق اس تخداهما يف ضبط العرض‬
‫النقدي بتيسري الس يوةل أو بتجفيفها‪ ،‬من أجل كبح جامح الطفرات‬
‫الاقتصادية الومهية‪ ،‬أو دفع الاقتصاد املتباطئ ‪.‬‬
‫وقد اس تخدم الفدرايل المرييك الفائدة من أجل اإخراج الاقتصاد من‬
‫أزمته‪ .‬فوصل بسعر الفائدة يف املدى القصري (ليةل واحدة اإىل قريب‬
‫الصفر)‪ .‬فضخل (أي طبع ابملعىن اجملازي) من ادلوالرات أضعاف ما اكن‬
‫موجوداً مهنا‪ .‬فقد اكنت القاعدة النقدية ‪ ٨٠٠‬بليون دوالر‪ ،‬مث وصلت‬
‫خالل العام الول من الزمة حنوا من ‪ ٢٠٠٠‬بليون دوالر‬
‫(تريليوانن)‪ .‬ومث وصل اإىل ‪ ٤٠٠٠‬بليون دوالر يف عام ‪٢٠١٤‬م‪.‬‬
‫واكنت هذه الزايدة خالل عام واحد‪ .‬أي أن الفدرايل خض «طبع»‬
‫‪ ١٢٠٠‬بليون دوالر يف الس نة الوىل يف الزمة مث ‪ ٢٠٠٠‬بليون‬
‫خالل عام ‪٢٠١٤-٢٠١٣‬م‪ – .‬أي ُخسة أضعاف القاعدة النقدية‪.‬‬
‫فاخنفضت الفائدة اىل قريب الصفر هبذه الس يوةل العظمية‪.‬‬
‫هذه ادلوالرات «املطبوعة» اجلديدة قامت بدورها يف اس تقرار البنوك‬
‫وعدم اإفالسها وضامن السوق النقدية‪ ،‬مما جنلب الاقتصاد كساداً عظاميً‬
‫ككساد الثالثينات‪( ،‬عندما اكنت العمالت مرتبطة ابذلهب فمل يكن‬
‫طبع اذلهب ممكن ًا لهتدئة السوق النقدية‪ ،‬فاهنارت البنوك أنذاك ل ِّ‬
‫لشح‬
‫الس يوةل)‪ .‬أما هذه ادلوالرات املطبوعة حديث ًا مل ل‬
‫تتودل (أي مل ختلق‬
‫تتحول اإىل متويالت‪.‬‬ ‫دوالرات أخرى) يف الاقتصاد كام ينبغ ‪ -‬أي مل ل‬
‫‪142‬‬
‫وذكل لن «ادلوالرات «املطبوعة حديث ًا» صبلت يف احتياطيات‬
‫البنوك‪ ،‬ويه ال تلكف البنوك شيئ ًا فالفائدة تقريب ًا صفر‪ .‬فامب أهنا بال‬
‫لكفة‪ ،‬بل ان الفدرايل دفع فوائد للبنوك علهيا‪ ،‬فلهذا احتفظت هذه‬
‫البنوك هبا‪ ،‬فمل تقرضها خوف ًا من خماطر املس تقبل وأمهها اإفالس‬
‫العمالء امل لمتولني أو الراغبني اجلدد يف المتويل‪ ،‬اإضافة اإىل تو ُّجس‬
‫تغري سعر الفائدة وارتفاعها مس تقب ًال‪ ،‬مما أجرب البنوك‬ ‫البنوك من خطر ُّ‬
‫عىل رفع سعر الفائدة الطويةل الجل ‪ ٣٠ -١٠‬س نة لتحفزي الاقتصاد‪،‬‬
‫‪-‬فكنك اي بو زيد ما غزيت‪ . -‬فاملشاريع اليت تبين الاقتصاد يه مشاريع‬
‫حتتاج اإىل متويالت طويةل الجل‪ .‬أما المتويالت القصرية الجل فهي قد‬
‫حترك الاقتصاد ولكن ال تبنيه‪ .‬مفن أجل ذكل رصح الفدرايل المرييك‬
‫العام املايض بأ لن الفائدة لن ترتفع اإىل عامني أو ثالثة مقبةل‪.‬‬
‫خض ادلوالرات‪ ،‬وما زال‬ ‫وبعد أن استنفذ الفدرايل الطرق التقليدية من لِّ‬
‫الاقتصاد حباجة اإىل دفع من الس ياسة النقدية‪ ،‬قام الفدرايل بعملية‬
‫بضخ مزيد من ادلوالرات بل ختفض أسعار الفائدة‬ ‫«يل» ال تقوم ل ِّ‬
‫الطويةل وذكل عن طريق بيع الفدرايل المرييك الس ندات القصرية‬
‫الجل‪ ،‬ورشاء الس ندات الطويةل الجل ‪ -‬لثالثني عام ًا ‪ ،-‬ليحقق‬
‫بذكل ختفيض ًا لسعار الفائدة الطويةل الجل‪ .‬وذكل يتحقق بسبب أن‬
‫بيع الفدرايل للس ندات القصرية الجل سيسبلِّب كرثهتا يف السوق أي‬
‫زايدة عرضها يف السوق‪ ،‬مما يؤدي الخنفاض أسعارها‪ ،‬مما سريفع‬
‫العوائد علهيا‪ .‬وعىل النقيض ابلنس بة للس ندات الطويةل الجل‪.‬‬
‫فبسبب رشائه للس ندات الطويةل الجل فذكل سيسبلِّب حشل ًا لها يف‬
‫‪143‬‬
‫السوق‪ ،‬مما سريفع أسعارها وابلتايل خيفض عوائدها‪ .‬فهكذا‪ ،‬ابرتفاع‬
‫عوائد الس ندات القصرية الجل واخنفاض عوائد الس ندات الطويةل‬
‫تسطح ًا ‪ .-‬ومنحى‬
‫الجل‪ ،‬سيتعدلل «منحى العوائد» فيصبح أكرث ُّ‬
‫العوائد‪ ،‬هو منحى يقرأ التوقُّعات املس تقبلية لسعار الفوائد‪ .‬ومىت‬
‫أصبحت توقُّعات الفائدة املس تقبلية الطويةل الجل منخفضة ‪ -‬ويه‬
‫اليت حيكهيا منحىن العوائد ‪ -‬ستنخفض الفوائد عىل المتويالت الطويةل‬
‫الجل املمنوحة اليوم ‪.‬‬
‫هذه ومضة خاطفة عىل جزء بس يط من معل الفائدة احلقيقية اليوم‬
‫واس تخداهما يف تطويع الاقتصاد وتسخريه خلدمة اجملمتع الاقتصادي‪.‬‬
‫املسأةل الثانية‪ :‬انفجار فقاعة أسعار العقار يف الياابن‬
‫اهنيار العقار‪ ،‬أدخل الياابن يف احنسار اقتصادي وانكامش للسعار‪،‬‬
‫لعقود جعزت الياابن خاللها ان جتد حال النكامش السعار‪ .‬واهنيار‬
‫أسعار العقار يف أمرياك اكن الفتيل اذلي أشعل الزمة املالية املاضية‪.‬‬
‫وانفجار فقاعة العقار يف السعودية‪ ،‬اإابن الامثنينات‪ ،‬اكن اإعالن البداية‬
‫لهناية الطفرة البرتولية الوىل‪ .‬ذلا فهناك يف السعودية‪ ،‬من هيدد ابهنيار‬
‫الاقتصاد اذا ما اهنارت أسعار العقار!‬
‫وهذا عند الصوليني‪ ،‬قياس ابطل لنه قياس بال عةل‪ .‬وهو يف‬
‫الاقتصاد‪ ،‬تعممي لعالقة طردية حصيحة اإحصائيا ولكهنا خاطئة يف‬
‫النتيجة‪ ،‬مجلعها بني السبب والنتيجة‪ .‬فاهنيار أسعار العقار قد يكون‬
‫سببا الهنيار الاقتصاد‪ .‬وقد يكون انجتا عن اهنيار الاقتصاد‪ .‬وقد‬
‫يكون جمرد فتيل القتصاد جاهز لالهنيار‪ .‬وقد يكون سببا ونتيجة‪،‬‬
‫‪144‬‬
‫فتعمل أسعار العقار يف اهنيار الاقتصاد ويعمل اهنيار الاقتصاد يف‬
‫اهنيار أسعار العقار‪.‬‬
‫مفىت يسحب اهنيار سوق العقار الاقتصاد لكه معه؟ هذا يكون يف‬
‫حالني‪ ،‬لكتاهام ال تنطبق عىل ادلاير السعودية‪ .‬الوىل أن يكون سوق‬
‫العقار مصدر معل هام لليد العامةل الوطنية‪ ،‬فازدهاره يعين اخنفاض‬
‫مس توى البطاةل وارتفاع القوة الرشائية‪ ،‬وابلتايل تشغيل الاقتصاد لكه‪.‬‬
‫كام يه حال سوق العقار المريكية‪ .‬فاهنياره اكن سببا حقيقيا يف ارتفاع‬
‫البطاةل‪ ،‬جبانب تعلقه ابلرهون وأسواق املش تقات‪ ،‬مما جعهل فتيال لبدء‬
‫اهنيار اقتصاد اكن جاهزا لالهنيار‪ .‬وهو احلال الثانية‪ .‬فامب أن العقار ليس‬
‫مصدراً للعمل ادلاير السعودية ‪ ،‬فهذه حال ال يصلح القياس علهيا‬
‫ختصنا‪ ،‬اإضافة اإىل أن ليس للعقار يف ادلاير السعودية متعلقات‬
‫ابلرهون وال أسواق املش تقات‪.‬‬
‫فقد تضخمت أسعار العقار يف الياابن بصورة جنونية أثناء هنضهتا بعد‬
‫احلرب‪ .‬وللك يشء اإذا ما مت نقصان‪ ،‬س نة من سنن هللا الكونية‪ ،‬ال‬
‫مانع لها‪ .‬ذلا فعندما أدركت السوق العقارية الياابنية مدى املبالغة يف‬
‫أسعار العقار‪ ،‬اهنارت‪ .‬فاهنيار العقار يف الياابن اكن بسبب ذايت‬
‫حمض‪ ،‬متودل من داخهل‪.‬‬
‫فسبب اهنيار أسعار العقار صدمة لالقتصاد الياابين‪ .‬والصدمة اكنت‬
‫اخنفاض معدل السعار العام‪ .‬وقد يتساءل فطن‪ :‬كيف يكون صدمة‪،‬‬
‫وإامنا العقار لكفة حمضة عىل الاقتصاد االإنتايج‪ .‬ذلا مفن املفرتض أن يُعد‬
‫اخنفاض أسعار العقار يف الياابن امرا جيدا للمنو والتقدم‪ ،‬لن العقار‬
‫‪145‬‬
‫لكفة تدخل يف لك يشء‪ ،‬اكلطاقة تدخل يف لكفة مجيع الصناعات‬
‫واخلدمات‪ .‬فاإن مل يكن العقار منتجا لفرص العمل‪ ،‬فهو لكفة حمضة عىل‬
‫املس هتل‪ .‬فاهنيار أسعار العقار ينبغ أن يكون هل أثر محيد عىل‬
‫الاقتصاد الياابين‪ ،‬اكلثر امحليد الهنيار أسعار البرتول عىل البالد‬
‫املس هتلكة هل‪ ،‬هذا السؤال‪ .‬واجلواب‪ :‬أنه قد أرض ابلياابن لن‬
‫العقارات اكنت تشلك جزء ًا كبرياً من لكفة االإنتاج الياابين‪ .‬فاهنيار‬
‫أسعاره واس مترار اخنفاضها عاما بعد عام‪ ،‬سبب اس مترارا يف خفض‬
‫اللكفة االإنتاجية العامة‪ ،‬مما خلق انكامشا مزمنا يف أسعار املنتجات‬
‫الياابنية‪ .‬وانكامش مس توى السعار يرض كثريا ابالستامثر واالإنتاج‪ .‬ذكل‬
‫لن املستمثر واملنتج يرون أن استامثراهتم وانتاهجم تنخفض قميها يوما‬
‫بعد يوم‪ ،‬فالجدى هلم عدم الاستامثر واالإنتاج‪ ،‬مما يسبب البطاةل‬
‫ودخول اجملمتع يف ادلائرة املغلقة‪ .( .‬ذلا يُعد جناح برانيك يف منع حدوث نزول‬
‫السعار يف أمرياك يعد من أكرب جناحاته)‬
‫أما يف الاقتصاد السعودي‪ ،‬فاخنفاض أسعار الرايض س يخفف من‬
‫التضخم الناجت عن االإنفاق احلكويم عىل التمنية‪ ،‬كام سيشجع حركة‬
‫الاستامثر يف بناء الرايض‪ ،‬مما حيقق المنو فيعيد التوازن ملعدل السعار‬
‫العام‪ .‬أي أن االإقبال عىل الاستامثر يف العقار الخنفاض أسعار الرايض‬
‫سريفع لكفة البناء‪ ،‬فيوازهنا‪ ،‬مقابل ما قد ُحي ِّدث اهنيار العقار من‬
‫اخنفاض للسعار‪ .‬والبناء هو اجلانب االإنتايج الوحيد يف الاقتصاد‬
‫السعودي‪ ،‬وإان اكن جانبا جزئيا‪ ،‬كون العامةل واملواد مس توردة‪ .‬وما عدا‬
‫ذكل فلك اقتصادايت االإنتاج‪ ،‬ال تُزنل أوضاعها عىل الاقتصاد‬
‫‪146‬‬
‫السعودي‪ .‬فهو اقتصاد ال ينتج بل يس هتل مقابل ثروة البرتول اليت ال‬
‫تزود سوق العمل بفرص معل تتناسب مع اإنتاهجا‪.‬‬
‫املسأةل الثالثة‪ :‬النفط مل الطاقة وجوكر السواق‬
‫الطاقة يه دم احلضارة الصناعية احلديثة‪ ،‬فهي لكفة عىل االإنتاج العام‪.‬‬
‫والطاقة يه روح العامل احلديث تدخل يف لك ذرة منه‪ .‬فاحلديث عن‬
‫أسعارها وتوقعاهتا‪ ،‬ليس من الحاديث السطحية تقني ًا‪.1‬‬
‫مبحث‪ :‬ال ميوت النفط حىت ميوت الغاز والفحم‬
‫وي ُس تحسن أن أبدأ طريح‪ ،‬بأن أوحض أن النفط ال ي ُشلك اإال ثلث‬
‫موارد الطاقة املس تخدمة اليوم‪ .‬وأن تسعني ابملائة من النفط تُس هتل‬
‫يف نقل البضائع والراكب‪ ،‬أي املواصالت‪.‬‬
‫وقد ظهرت أمهية البرتول بعد احلظر البرتويل العريب عام‪١٩٧٣‬م‪ .‬وما‬
‫اكن احلظر اإال الصدمة اليت جفرت حمتية ارتفاع أسعار النفط احملبوسة‬
‫بعد المنو العامل اذلي اقرتن بطفرة صناعة الس يارات يف الس تينات‬
‫وامخلسينات‪ .‬طفرة صناعة الس يارات اليت دمعها أسعار النفط‬
‫الرخيصة‪ .‬فسطع جنم النفط‪ ،‬وخبا جنم الفحم رمغ قيام الصناعات‬
‫والقطارات عليه‪.‬‬
‫ومبا أن أمرياك يه اليت توجه وتقود احلضارة والمنو الاقتصادي الصناع‬
‫املعارص لكرث من قرن‪ ،‬فقد اكنت طفرة صناعة الس يارات والطرق‬

‫‪ 1‬كام أنه ليس من الحاديث اليت يُعمتد فهيا عىل النقل والرتديد لحاديث هنا وهناك‪ ،‬همام ارتفعت درجة مصداقية املصدر‪ .‬فاملصداقية اليت تمتتع هبا بعض املصادر‬
‫الاقتصادية‪ ،‬يه استامثر نفيس ميلكه املصدر الاقتصادي‪ ،‬ليس تخدمه كسالح مؤثر يف تغيري املسارات‪ ،‬لتحقيق مصاحله الاقتصادية العليا‪ .‬ولهذا ينبغ عىل املُتأمل يف‬
‫س ياسات الطاقة‪ ،‬اعامتد التحليل املنطق للك ما يطرح من معلومات تقنية ورشوحات اقتصادية‪ .‬فهناك أطروحات سطحية‪ ،‬وهناك أطروحات علمية منطقية ظاهرايً ال‬
‫تكذب ولكهنا بذاكء حترف فهم الواقع‪ ،‬أو هتون جانباً أو ختفيه بيامن تعظم جانباً أخر‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫الرسيعة يف حقيقهتا‪ ،‬ثورة ثقافية عاملية‪ ،‬حققت رفاهية الاس تقاللية‬
‫احلياتية الفردية‪ ،‬وغريت وجه املدن واجملمتعات‪ ،‬وأدت اإىل مقتل طفرة‬
‫صناعة القطارات‪ ،‬كام أدت اإىل تتوجي النفط كسلعة الطاقة‬
‫الاسرتاتيجية‪.‬‬
‫فلكفة وقود نقل البضائع ابلشاحنات يه من لكفة االإنتاج ويه تس هتل‬
‫ربع االإنتاج النفط ‪ .‬ولكفة تنقل الناس اذلين مه العامةل االإنتاجية‬
‫والاس هتالكية‪ ،‬تس هتل نصف االإنتاج النفط ‪ ،‬وعُرش تس هتلكه‬
‫الطائرات‪.‬‬
‫وابلرمغ من ختصيص اس هتالك النفط يف املواصالت‪ ،‬وكونه يشلك‬
‫فقط ثلث الطاقة املس هتلكة عاملي ًا‪ ،‬اإال اإن أي تغري يف أسعار النفط‬
‫يؤثر بقوة عىل أسعار الطاقة‪ ،‬وال عكس‪ .‬والسبب أن النفط حيل حمل‬
‫الغاز والفحم وال حيلون حمهل‪ .‬أي انه سلعة بديةل للغاز والنفط‪ ،‬وال‬
‫عكس‪ .‬فالنفط والغاز والفحم‪ ،‬لكحم الغمن والبقر واالإبل‪ .‬فاللحم‬
‫املشهور يف ثقافة اجملمتع هو السهل والذل والكرث قابلية ليكون بدي ًال‬
‫عن غريه يف الطبخات‪ .‬فهو يقود أسعار اللحوم الخرى‪ ،‬فال يلجأ‬
‫الناس عندان مث ًال للحم االإبل اإال يف حاالت التقشف‪ .‬ولهذا يقود‬
‫النفط سوق الطاقة‪.‬‬
‫فالنفط جوكر‪ ،‬يُمكن أن ي ُس تخدم يف غالب مس هتلاكت الطاقة‬
‫الصناعية والكهرابئية واحلرارية‪ ،‬وال عكس‪ .‬خاصة ما بُين ُوصنع من‬
‫ُمحراكت قبل عام ‪٢٠٠٠‬م‪ .‬لكوهنا بُنيت عىل قابلية التحول من الغاز‬
‫والفحم اإىل النفط‪ .‬وذكل قبل أن يصبح اإنتاج الغاز واحتياطياته عظاميً‪،‬‬
‫‪148‬‬
‫فذهب داع التحوط من نفاذ الغاز‪ ،‬فمل تعد تُبىن احملراكت اجلديدة اإال‬
‫لتعمل عىل الغاز‪ .‬وأما حمراكت الس يارات والشاحنات اليت تس هتل‬
‫غالب النفط املُنتج عاملي ًا‪ ،‬فال تُستبدل بغري النفط‪ ،‬اإىل الن‪( .‬ولو‬
‫حصل فس يحتاج التحول اإىل زمن طويل‪ ،‬وللكفة تأسيس ية عالية‪ .).‬كام أن‬
‫النفط سهل النقل وامحلل والتخزين واحلرق‪ ،‬فميكن نقهل بقارورة‬
‫بالستيكية‪ُ ،‬وحيرق بفرن بس يط‪.‬‬
‫مبحث‪ :‬يف حتليل أسعار النفط‬
‫ومن أمه أس باب اخللط يف حتليل س ياس يات االإنتاج النفط ‪ ،‬غلبة‬
‫همينة احملللني املاليني عىل السوق االإعالمية الغربية‪ ،‬فهو ما يطلبه‬
‫املشاهد‪ .‬واحمللل املايل اإما سطح التأمل وإاما انقل لغريه‪ ،‬واالإعالم‬
‫الاقتصادي الغريب هو املهمني عىل االإعالم العامل ‪ ،‬وابلتايل عىل‬
‫االإعالم العريب‪.‬‬
‫فهناك فرق بني طريقة فكر احمللل املايل وفكر احمللل الاقتصادي‪ .‬ففكر‬
‫اخلبري املايل قصري الجل حمدود ادلائرة‪ ،‬يغفل عن معطيات تندمج يف‬
‫املعادةل الفكرية خالل الزمن‪ ،‬فهدفه حتقيق الرابح العاجةل‪ .‬وابلتايل‬
‫هو صانع الثقافة الاقتصادية العامة ولهذا تكرث تكهناهتم وأخطاؤمه كام‬
‫يكرث تعدادمه‪ .‬ويف الزمات املالية والاقتصادية شواهد اكفية عىل‬
‫ذكل‪ .‬وأما فكر اخلبري الاقتصادي فهو فكر اسرتاتيج بعيد الجل‬
‫واسع ادلائرة‪ ،‬تشمل معطيات كثرية تندمج يف معادلته الفكرية خالل‬
‫الزمن‪ .‬ولهذا مه قةل اندرة‪ ،‬يصعب فهمهم‪ ،‬فال أثر هلم يف صناعة الثقافة‬
‫الاقتصادية العامة‪ .‬وكذكل هو المر يف التكهنات والتحليالت حول‬
‫‪149‬‬
‫س ياسة اململكة النفطية يف الفرتة الخرية‪ ،‬فال تاكد تسمع حتلي ًال شام ًال‬
‫معيق ًا‪.‬‬
‫وعندما ارتفعت أسعار البرتول قبل أعوام حىت وصلت اإىل ‪١٥٠‬‬
‫دوالراً للربميل تسابقت دول النفط عىل الانتاج باكمل طاقهتا‪ ،‬فكرث‬
‫اخللط واالهتامات أنذاك‪ ،‬واحلقيقة أهنا اكنت اس تجابة ‪ ،‬للس نلة االإلهية‬
‫الكونية لعمل السوق‪ ،‬كام أهنا اكنت حمققة لهداف قصرية الجل‬
‫وبعيدة الجل‪.‬‬
‫فعندما وصل البرتول اإىل ‪ ١٥٠‬دوالراً بسبب ‪ -‬اختاذه كداة حتوط‬
‫مايل وتزايد املضارابت فيه ‪ -‬اكن عدم زايدة االإنتاج النفط من دوةل‬
‫ما‪ ،‬يعين حتقيق الرابح لدلول النفطية الخرى‪ ،‬وضياع فرصة الرب‬
‫من الفقاعة السعرية‪ ،‬عام ‪ .٢٠٠٨‬وذلا اغتمنت دول النفط تل‬
‫الفرصة السعرية الفقاعية‪ ،‬حفققت دول النفط ثالثة أهداف‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أعىل دخل برتويل يف اترخيها‪.‬‬
‫اثني ًا‪ :‬هذا ادلخل العايل يسامه اليوم يف حتقيق اسرتاتيجياهتا النفطية‬
‫اليت متكهنا من الصرب عىل اخنفاض السعار‪.‬‬
‫‪ -‬اثلث ًا‪ :‬زايدة االإنتاج أنذاك‪ ،‬سامه يف تأخري اخنفاض السعار اذلي‬
‫حصل بعد ذكل‪.‬‬
‫الوقفة الوىل‪ :‬أوبك وومه قيادة سوق الطاقة‬
‫قامت أوبك يف الس تينيات كوس يةل لثورة ادلول النفطية عىل اس تغالل‬
‫الرشاكت الغربية‪ .‬وحامس اإخوة الرفاق يف النفط أنذاك مع ضعف‬
‫عوائد النفط‪ ،‬يف اعتقادي‪ ،‬اكان السبب يف جناح أوبك املؤقت يف‬
‫‪150‬‬
‫مقدرهتا عىل التعاون من أجل حتقيق مصاحل أعضاهئا‪ .‬ومبجرد أن‬
‫اصطدم هذا التعاون بظهور البرتول كرثوة عظمى عام ‪١٩٧٣‬م ‪ ،‬عاد‬
‫سلوك أوبك خاضع ًا لس نلة هللا الكونية السوق‪ ،‬معلن ًا اهنيار التعاون‬
‫بني أعضاء أوبك‪ ،‬وأصبحت أوبك مت ِّث لل السلوك الطبيع للمحتكرين‬
‫القةل‪ ،‬اذلين يتفقون يف العلن وينقضون االتفاق يف الرس طمع ًا يف‬
‫حتقيق أعظم الرابح‪.‬‬
‫وخبالف أراء الاقتصاديني ‪ -‬املتخصصني يف سلوكيات احملتكرين القةل‬
‫‪ -‬اليت احتارت يف سلوكيات أوبك‪ ،‬فاإين أعتقد أن جناح أوبك بعض‬
‫الحايني يف حتقيق السعر املس هتدف مل يكن اإال بسبب ديناميكية‬
‫اللعبة يف السوق البرتولية اليت تمتزي ابقتصادايت احتاكرية القةل‪.‬‬
‫فالسوق مل يكن فيه أنذاك يف الواقع اإال العبان رئيسان‪ .‬السعودية‬
‫لوحدها الكعب وابيق ادلول النفطية يف أوبك الكعب اثن‪ .‬وقد‬
‫وجدت السعودية نفسها حتقق الرابح ذاهتا سواء الزتم ابيق العضاء‬
‫ابحلصص أم مل يلزتموا‪ .‬ولهذا الزتمت السعودية ابحلصص لهنا لن حتقق‬
‫أرابح ًا أفضل اإذا ما عاقبت الخرين اذلين مل يلزتموا قط أمام اإغراءات‬
‫حتقيق أرابح أكرب‪.‬‬
‫فهكذا اكن وضع أوبك ادلاخيل‪ .‬وهذا ‪ -‬أي اتباع ديناميكية مكية‬
‫االإنتاج المثل لتحقيق أعىل رب ممكن ‪ -‬يرشح يف نظري بعض‬
‫النجاحات يف ختفيض االإنتاج‪ ،‬ليس عىل مس توى أوبك فقط‪ ،‬بل‬
‫حىت عندما شارك بعض ادلول النفطية من خارج أوبك يف ختفيض‬
‫االإنتاج يف بعض الفرتات‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫وقد انهتت أوبك منذ زمن بعيد يف احلقيقة‪ .‬فف اعتقادي‪ ،‬أن تصاعد‬
‫اإنتاج هذه ادلول النفطية من خارج أوبك‪ ،‬مع حقيقة وضع أوبك‬
‫ادلاخيل‪ ،‬ألغى أوبك وحرص اللعبة السوقية بني السعودية وبقية ادلول‬
‫النفطية‪.‬‬
‫واليوم مل يعد سوق الطاقة حكراً عىل البرتول‪ ..‬وهذا ‪ -‬يف اعتقادي ‪-‬‬
‫غري الالعبني يف السوق‪ ..‬فاليوم تواجه السعودية الكعب رئيس أول‪،‬‬
‫وادلول املنتجة للطاقة الكعب رئيس اثن‪.‬‬
‫ومن يعتقد أنه ميكن خرق سنن هللا الكونية يف خلقه فقد أخطأ عق ًال‬
‫وواقع ًا مثبت ًا‪ ..‬مفن سنن هللا أن احلاجة أم الاخرتاع‪ ،‬والرابح حافز‬
‫التنافس‪ ..‬فارتفاع أسعار البرتول – ‪١٩٧٣‬م ‪ - ١٩٨١-‬دفع معليات‬
‫التنقيب والاكتشاف يف كثري من ادلول خالل ذكل العقد حىت تزايد‬
‫االإنتاج واهنارت السعار‪ ..‬واهنيار السعار بعدها لعقدين أوقف‬
‫معليات التوسع يف النفط اإىل أن جاءت طفرة السعار النفطية يف‬
‫العقد املنرصم واذلي دفعت أرابحه مع وصول التكنولوجيا البرتولية اإىل‬
‫حد ش به الكامل‪ ،‬اإىل ظهور بداايت لبدائل النفط حتفزها السعار ‪-‬‬
‫أي الرابح ‪ -‬ال احلاجة‪ ..‬مفىت قُيض عىل احلافز املادي الرحب ُخدت‬
‫بداايت بدائل النفط حىت حني ظهور احلاجة‪ .‬والاضطراابت‬
‫الس ياس ية واحلروب يف البالد النفطية يه هاجس ظهور احلاجة‬
‫لبدائل النفط‪.‬‬
‫الوقفة الثانية تشكي رل السقف السعرية النفطية‪:‬‬

‫‪152‬‬
‫فكام بينت سابقا‪ ،‬فاإن حتليل أسعار النفط ليس ابلمر السطح ‪ ،‬فهي‬
‫حبق اإحدى احلاالت اليت جتمتع يف دراس هتا مجيع أقسام الاقتصاد‬
‫وفروعه‪ .‬فيدخهل الاقتصاد اجلزيئ وما يتبعه من اقتصادايت البرتول‪،‬‬
‫كام يُنظر اإليه بعني الاقتصاد اللك وما يتبعه من اقتصادايت السواق‬
‫النقدية واملالية‪ ،‬لك ذكل مع مبراعاة جعل الاقتصاد الس يايس حارض‬
‫يف اذلهن طوال خطوات التحليل الفكري‪ ،‬للتأكد من عدم احامتلية منع‬
‫املصاحل الس ياس ية من وقوع النتاجئ الاقتصادية الصحيحة‪.‬‬
‫ولك نوع من هذه القسام تتداخل فامي بيهنا كام تدخلها عوامل‬
‫متشابكة يؤثر بعضها يف بعض‪ .‬فالتسعري والسعار ومكيات االإنتاج‬
‫يُنظر اإلهيا من جانب الاقتصاد اجلزيئ‪.‬‬
‫والاقتصاد اجلزيئ يس بق اللك عند النظرة التحليلية‪ ،‬فنتاجئ التسعري‬
‫واالإنتاج يه اليت تُس تخدم مكعطيات يف الاقتصاد اللك ‪ .‬فبق أن منر‬
‫رسيعا عىل اقتصادايت البرتول لنخرج مبخرجات الاقتصاد اجلزيئ أي‬
‫معطيات السوق البرتولية‪ ،‬فتكون هذه اخملرجات يه معطيات‬
‫التحليل الاقتصادي اللك ‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫الوقفة الثالثة البدائل النفطية للنفط‪:‬‬
‫هناك خلط كبري يف بعض البحوث بني البرتول الصخري والرميل وبني‬
‫برتول الصخر والرمل‪ ،‬فهام يشرتاكن يف الامس ويف بعض ما يسبباه من‬
‫مشألك بيئية ولكفة عالية وامتداد يف املساحات السطحية‪.‬‬
‫فاذلي تدور حوهل رىح اللعبة االإنتاجية هو النفط الصخري ال خصر‬
‫النفط‪ ،‬فصخر النفط أو رمل النفط هو نفط مل يتحول بعد اإىل نفط‪،‬‬
‫وحيتاج حلرارة وضغط لفصل الزيت عن الصخر أو الرمل‪ .‬وهو متوفر‬
‫بمكيات خيالية يف أمرياك الا ان اإنتاجيته بعيدة املنال متاما من اجلدوى‬
‫الاقتصادية والبيئية‪ .‬وال مقام هنا للتوسع فيه‪.‬‬
‫وأما النفط الصخري فهو موضوع هذه احلقبة الزمنية‪ ،‬وهو حمور ساحة‬
‫التحليل الاقتصادي والتوقعات والس ياسات البرتولية‪ .‬والنفط‬
‫الصخري والنفط الرميل هو كي نفط سائل اللهم اإنه متجمع بني خصور‬
‫ضيقة ممتدة عىل مساحات كبرية‪ ،‬والنفط الرميل كذكل لكنه متجمع‬
‫وحمصور بني طبقات رملية ال خصرية‪ .‬وقد اكن النفط الصخري‬
‫والرميل‪ ،‬بعيد املنال سابقا من اجلدوى الاقتصادية‪ ،‬بسبب انرصاف‬
‫تكنولوجيا اس تخراج النفط يف القرن السابق للابر البرتولية العميقة‪.‬‬
‫واليوم اس تطاعت التكنولوجيا أن جتد طريقتني الس تخراج النفط‬
‫الصخري‪ .‬الطريقة الهيدروليكية بشفط النفط ابلضغط وطريقة‬
‫الاانبيب الفقية اليت متتد أفقيا ال معوداي كام يه حاةل النفط التقليدي‪.‬‬
‫هذه التكنولوجيا اس تطاعت أن تضاعف الانتاج الامرييك ليقارب‬
‫اربعة ماليني برميل يوميا خالل ثالث أو أربع س نوات‪ ،‬مع توقع‬
‫اس مترار هذا الاجتاه التصاعدي‪.‬‬
‫ولكفة اس تخراج النفط الصخري تدخل فيه عوامل بيئية‪ ،‬واس هتالك‬
‫للطاقة واس هتالك للحقول النفطية وما يتبع ذكل من لكفة اإعالمية‬
‫تنافس ية تؤثر عىل القرار احلكويم المرييك ابدلمع ابلترشيعات وعدمه‪.‬‬
‫وتكف هذه االإشارة اإىل أنواع هذه اللكفة لضيق املقام‪ ،‬اإال أهنا جيب‬
‫أن تكون يف اذلهن لتصور الرد العقالين من املنتج اإذا أرص منتج‬
‫النفط الصخري عىل االإنتاج يف هوامش ضيقة ترتدد بني الرب‬
‫واخلسارة يف حاةل اخنفاض أسعار البرتول عن الس تني دوالرا‪ .‬فبعض‬
‫املنتجني هل اعتبارات غري الرب اجملرد‪ ،‬اكلوطنية واالإعالمية ولكفة‬
‫االإغالق العالية واعتبارات حتفزي البحوث والتطوير الإنتاج النفط‬
‫الصخري‪.‬‬
‫فاللكفة املبارشة يه اليت يتحمت عىل املنتج العقالين اسرتدادها يف املدى‬
‫القصري والا أجرب عىل وقف االإنتاج‪ ،‬الإيقاف خسائره‪ .‬فاإن وقف‬
‫االإنتاج بسبب اخنفاض أسعار البرتول التقليدي وارتفاع اللكفة املبارشة‬
‫الإنتاج النفط الصخري‪ ،‬ال يعين انهتاء النفط الصخري بل س ينتج عن‬
‫ذكل أمران اقتصاداين‪ ،‬أثر علم وأخر سويق‪ .‬العلم يتلخص يف‬
‫تأخر وتباطؤ معلية التطوير والبحوث يف تكنولوجيا اإنتاجه والتطوير يف‬
‫حسن اس تغالل الطاقة املس تخرجة منه واملس هتلكة يف اإنتاجه‪ ،‬مع‬
‫مراعاة وسائل ختفيف أرضار اس تخراجه عىل البيئة‪.‬‬
‫والثر السويق هو حتول اإنتاج النفط الصخري ليشلك سقف أسعار‬
‫السوق النفطية‪ ،‬ولكن تفعيل هذا السقف حيتاج لتوافر عوامل‬
‫اقتصادية عدة تدور لكها حول المنو العامل ومدة توقف الانتاج‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫فاإقفال حقل النفط الصخري وإاعادة تشغيهل ليس كفتح البقاةل‬
‫وإاغالقها‪ ،‬فهناك عامةل ماهرة وأخرى متخصصة اإذا ما ُرسحت قد ال‬
‫ميكن العثور علهيا جمددا‪ ،‬وقد تغري ختصصها‪ ،‬وقد تفقد هماراهتا‪،‬‬
‫ابالإضافة اىل عوامل املشاعر الانسانية املصاحبة للبطاةل‪ .‬وهناك‬
‫ارتباطات رسوم متويلية ورسوم تأجرييه وتاكليف صيانة ابالإضافة اىل‬
‫لكفة البدء االإدارية والتعلميية الطبيعية ولكفة اإعادة الروتينية املهنية‪.‬‬
‫اإضافة اإىل لكفة الس ياسات احلكومية والشعبية واالإعالمية‪ ،‬فالنفط‬
‫الصخري المرييك حتاربه رشاكت النفط التقليدي المرييك وإان زمع‬
‫بعضها ابالستامثر فيه‪ ،‬حتوطا أو تصنعا‪ ،‬فالنتيجة الهنائية الفاصةل‬
‫للرشكة البرتولية يه تعظمي الرابح‪.‬‬
‫فاخلالصة يه‪ :‬أن قرار اإغالق حقل النفط الصخري حيتاج لوقت حىت‬
‫يقتنع املنتج بعدم جدوى االإنتاج‪ ،‬وكذكل هو قرار اإعادة تشغيل حقل‬
‫النفط الصخري‪ ،‬حيتاج لوقت يقتنع فيه املنتج بأنه لن يضطر ل إالغالق‬
‫مرة أخرى‪ .‬ويزداد تباطؤ قرار اإعادة الانتاج لكام طالت مدة االإغالق‪،‬‬
‫وهذا لكه مرتبط ابلمنو العامل ‪ ،‬مفىت تأكدت عودة المنو العامل وتوقع‬
‫اس متراريته عاد النفط الصخري للسواق مشالك بذكل سقفا سعرية‬
‫للسوق البرتولية لفرتة زمنية‪ ،‬يه يف الواقع تعط فسحة زمنية تعني‬
‫المنو العامل عىل تشكيل قاعدة قوية ال تؤثر علهيا ارتفاع أسعار النفط‪.‬‬
‫حىت اإذا ما كرست حد ُة المنو العامل بزتايد الطلب عىل النفط‪ ،‬انكرس‬
‫السقف السعري النفط املشلك من النفط الصخري‪ ،‬وأصبح النفط‬ ‫َ‬
‫الصخري حليفا للتقليدي يف مواهجة ما س يخرج من بدائل طاقة حيهنا‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫فالنتيجة الصغرى يه‪ :‬أن أسعار النفط قد تس تقر لفرتة أطول يف حاةل‬
‫عودة المنو العامل ‪ .‬والنتيجة الكربى‪ :‬يه أن مشلكة أسعار النفط‬
‫الاسرتاتيجية يه مشلكة المنو العامل ‪ ،‬فاالإجابة عن توقعات المنو‬
‫العامل يه االإجابة الاسرتاتيجية عن توقعات أسعار النفط‪.‬‬
‫الوقفة الرابعة‪ :‬ارتباط أسعار النفط ابل منو العامل‬
‫فالمنو الاقتصادي العامل هو احل ََمك الاسرتاتيج الفاصل يف أسعار‬
‫البرتول ومكيات االإنتاج‪ .‬وما قوة ادلوالر واملضارابت والحداث‬
‫الس ياس ية الطارئة‪ ،‬اإال مؤثرات تُ َذب ِّذب أسعار النفط لفرتات قصرية‬
‫(والعام والعامان فرتة قصرية)‪ ،‬وإان اكنت املضاربة أو احلدث الس يايس‬
‫تكون عادة يه السبب يف تفجري دورة السعار صعوداً أو هبوط ًا‪.‬‬
‫ولكن الحداث الس ياس ية الطارئة احملدودة الزمن‪ ،‬واملضارابت يف حد‬
‫ذاهتا‪ ،‬ال تؤثر كثري ًا يف االإنتاج البرتويل العامل وال يف المنو العامل ‪.‬‬
‫اللهم اإال اإن أصبحت دامئة الثر‪ ،‬ولكنه يظل ال مربر هل من انحية‬
‫احلاجة الاس هتالكية‪ .‬ككون اختاذ الطاقة يف العرش س نوات املاضية‬
‫كوسائل حتوط وسلع مضاربيه أساس ية‪ .‬فهذا قد سبب ارتفاع ًا دامئ ًا يف‬
‫أسعارها‪ ،‬اإال أن أثره مرة واحدة وقد ذهب‪.‬‬
‫فالنظرية العلمية املنطقية الاقتصادية معوم ًا‪ ،‬تتنبأ بأن أسعار البرتول‬
‫املنخفضة اليوم‪ ،‬س تظل منخفضة لفرتة زمنية‪ .‬والواقع التارخي‬
‫الاقتصادي التطبيق يتنبأ بأن مدة اخنفاض أسعار النفط ‪ ،‬تكون يف‬
‫حدود العرشين عام ًا ‪ ،‬لتفسح اجملال لعرش س نوات من طفرة منو‬

‫‪157‬‬
‫عاملية‪ ،‬وهذا عىل افرتاض عدم تغري معطيات أساس ية خالل هذه‬
‫الفرتة‪.‬‬
‫واملنطق العلم الاقتصادي حلدييث هذا‪ ،‬يعمتد عىل منطقني اثنني‪،‬‬
‫أسايس واثنوي‪.‬‬
‫فالسايس‪ ،‬هو أن أسعار النفط تسامه يف المنو الاقتصادي العامل ‪،‬‬
‫ويف نفس الوقت فالمنو الاقتصادي سبب رئييس يف أسعار البرتول‪.‬‬
‫فالطاقة رشاين المنو‪ ،‬وذلا فاخنفاض أسعار النفط ُختفض اللكفة‬
‫االإنتاجية العامة مما حيفز المنو الاقتصادي‪ ،‬الخنفاض لكفة االإنتاج‪ .‬ويف‬
‫نفس الوقت‪ ،‬فالمنو الاقتصادي يرفع الطلب عىل النفط مما حيفز ارتفاع‬
‫أسعار النفط‪.‬‬
‫واملنطق الثانوي‪ ،‬هو أن ارتفاع أسعار النفط ُحيفز تطوير وسائل اإنتاج‬
‫النفط‪ .‬فأايم النفط اذلهبية يه دورات زمنية يزدهر فهيا النفط مجيعه‪،‬‬
‫أسعاره واكتشافاته وتطوير اإنتاجه‪.‬‬
‫ونتيجة املنطق العلم (املبين عىل التأثري الُمتبادل بني السبب‬
‫والنتيجة)‪ُ ،‬ختربان بأن المنو العامل وأسعار النفط يتبادالن مراكز‬
‫الازدهار الزمنية‪ ،‬فيصعد هذا وهيبط ذاك‪.‬‬
‫وقد َصدلق الواقع التارخي الاقتصادي التطبيق هذه النتيجة‪ .‬بل‬
‫وأثبت التارخي الاقتصادي التطبيق ‪ ،‬بأن هذه ادلورات غري متساوية‬
‫زمني ًا‪ ،‬تناسق ًا مع منطق النس بة والتناسب‪ .‬فالمنو الاقتصادي‪ ،‬سبب‬
‫رئييس يف أسعار النفط‪ ،‬وأسعار النفط لها أثر جزيئ عىل المنو‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫مفن تأمل التجربة التارخيية الاقتصادية ‪-‬اليت حتيك اس تجابة اجملمتعات‬
‫الاقتصادية للثورات العلمية الاقتصادية واالإنتاجية‪ -‬فاإن مجموع مراحل‬
‫ادلورة لطفرة اكمةل ‪-‬تقريبا‪ -‬متتد من ثالثني اإىل أربعني س نة‪ .‬عرش‬
‫للنفط‪ ،‬وعرشون للمنو العامل ‪ ،‬مع فرتات متوسطة متثل س نوات‬
‫الرتادف التباديل يف املراكز بني المنو وأسعار البرتول‪ ،‬يف صعود أحدها‬
‫واحندار الخر‪.‬‬
‫وجيب أن يُفهم‪ ،‬أن هناك جفوات زمنية تفصل بني السبب وظهور‬
‫النتيجة وتداخل بيهنام‪ .‬فظهور الثر ال يبدأ اإال مع بداية زوال املؤثر‪.‬‬
‫وهذا طبيع جداً يف حركة اقتصاد العامل‪ .‬ورشحه يف البرتول سهل‬
‫وواحض‪.‬‬
‫فامتم المنو الاقتصادي‪ ،‬يعين ابتداء احندار هذا المنو‪ .‬ولكن مثرة المنو‬
‫الاس هتالكية للنفط تس متر زمنا بعده فرتتفع أسعاره احملبوسة بصدمة ما‪،‬‬
‫مضاربية أو س ياس ية‪ ،‬تس متر لعرش س نني بعد توقف المنو‪.‬‬
‫وارتفاع السعار يدفع بعجةل تطوير التوسع يف االإنتاج البرتويل ولكفته‪،‬‬
‫فزييد العرض النفط حىت تأيت صدمة تكشف عن اتساع جحمه‬
‫االإنتايج‪ ،‬فتهنار أسعاره‪ ،‬معلنة بداية مرحةل منو جديدة لعرشين عاما‪.‬‬
‫واليوم‪ ،‬ومع عودة المنو العامل ‪ ،‬ها حنن نشاهد اخنفاض أسعار النفط‬
‫بعد عرش س نوات نفطية ذهبية‪.‬‬
‫ولعموم ما س بق‪ ،‬ومن التجربة التارخيية واملنطق العلم ‪ ،‬فالسيناريو‬
‫اذلي يأيت بعد اخنفاض اسعار النفط ه هو ثبات السعار الامسية أوالً‬
‫(أي اخنفاض قمية النفط يف قوته الرشائية) مث ثبات السعار احلقيقية‬
‫‪159‬‬
‫بعد ذكل‪ ،‬وهللا أعمل‪ ،‬عىل النحو التايل‪ :‬فامخلس س نوات الوىل‪،‬‬
‫س تكون اإخراج ًا للنفط البديل وحنوه من سوق النفط‪ ،‬مع اش تداد زمخ‬
‫المنو العامل ‪ .‬وفهيا يتحقق ثبات السعار الامسية احلالية‪ ،‬أي اخنفاض‬
‫لقمية النفط احلقيقية‪.‬‬
‫ويتبع امخلس بعد ذكل‪ ،‬عرش س نني يمنو فهيا الاقتصاد العامل ‪ ،‬بيامن‬
‫تثبت السعار احلقيقية عىل أسعار ه يوم انكرس‪ ،‬أي قد يزداد فهيا‬
‫سعر النفط ليصل ملائة دوالر‪ ،‬ولكهنا بقمية ُخسني دوالر ابلقوة‬
‫الرشائية يوم انكسار أسعاره قبل عرش س نوات‪ .‬ويكون ذكل بسبب‬
‫العودة التدرجيية للنفط البديل وحنوه من البدائل التقليدية‪ .‬فيكون‬
‫النفط الصخري عبارة عن زايدة عرض متنع من ارتفاع السعار احلقيقية‬
‫الك بذكل سقف ًا سعر ًاي حقيقي ًا لسوق النفط‪ ،‬خاصة مع‬‫للنفط‪ُ ،‬مش ً‬
‫التطور يف تكنولوجيا االإنتاج اذلي سرتافق عودته‪.‬‬
‫ويتبع العرش س نني من المنو الاقتصادي‪ُ ،‬خس س نوات يتباطأ فهيا‬
‫المنو الاقتصادي‪ .‬وتوقع هذا يظل قامئا طاملا أنه ليس يف الفق ما‬
‫يدل عىل طفرة منو قوية يف البدلان املتقدمة‪ ،‬واليت لن تتحقق بغري‬
‫اخرتاع جديد‪ .‬فاملتوقع املنظور حىت اليوم هو عودة المنو القوي الصيين‬
‫والهندي فقط‪ ،‬ومنو اعتيادي لدلول املتطورة‪.‬‬
‫ولهذا أعتقد‪ ،‬أن أسعار النفط بعد طفرة المنو القادمة لن تدخل يف‬
‫دورهتا اذلهبية‪ ،‬بل س تكون مس تقرة لفرتات أطول‪ .‬فركوب الصيين‬
‫والهندي لس يارته اخلاصة كفيل ابحلفاظ عىل اس تقرار النفط عىل سعر‬

‫‪160‬‬
‫املائة دوالر ابلقوة الرشائية احلالية‪ ،‬أي قد يكون مائتني دوالر بعد‬
‫عرشين عام ًا‪ ،‬ولكهنا بقمية مائة دوالر اليوم‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫وقفة تكرمي‪ :‬فارس نفط العرب‬
‫“ حنن أبناء الهنود امحلر اذلين ابعوا ماهناتن‪ ،‬ونريد تغيري الصفقة ”‬
‫هذا اكن ترصحي الطريق لصحيفة نيويورك اتميز عن سبب تأسيس‬
‫منظمة أوبيك‪ .‬اس هتوتين خشصية أول وزير للنفط يف ادلوةل السعودية‪،‬‬
‫عبد هللا الطريق ‪ -‬رمحه هللا ‪.-‬‬
‫الطريق رجل كرهه المريكيون مبا أحهبم فيه‪ .‬درس عندمه وتزوج‬
‫مهنم وسكن معهم‪ ،‬وأمعلهم دليه ومل يعمل معهم‪ .‬أحب الطريق يف‬
‫المريكيني جديهتم وعلوهمم وفطنهتم وتقدهمم وقدرهتم عىل بناء الثقة‬
‫العجيبة دلى الخرين‪ ،‬ولو بتلكفة عالية يدفعوهنا‪.‬‬
‫كام تعمل الطريق مهنم أن تلكفة بناء الثقة ليست عبثا‪ ،‬اإمنا يه تلكفة‬
‫عالية‪ ،‬لتحصيل أقىص الرابح املمكنة من وراهئا‪ ،‬والإطاةل معر‬
‫االإمرباطورية المريكية‪ .‬فهم الطريق س ياسة االإمرباطورية احلديثة‪،‬‬
‫اليت خالفت س ياسات االإمرباطورايت الهالكة‪ .‬فالس ياسة المريكية‬
‫قامئة عىل حتصيل أقىص الرابح املمكنة‪ ،‬مع العمل عىل منع خروج أي‬
‫أمة تنافس همينهتم‪ ،‬ال س ياسة اإفقار المم اليت اتبعهتا االإمرباطورايت‬
‫السابقة‪ .‬فغىن الشعوب الخرى ينهتي نفعه هلم‪ ،‬ويعيهنم عىل حتجمي أي‬
‫أمة قد تنافسهم حارضا أو مس تقبال‪.‬‬
‫واكن الطريق مدراك متاما للحاجة الرضورية اإلهيم ولعلوهمم املتقدمة‪،‬‬
‫ولكنه مل يفت عليه ذاكء المرياكن يف تسخري ما بنوه من الثقة والتقدم‬
‫الس تغالل املفاوض من الشعوب الخرى‪ .‬فأحب الطريق واقعيهتم يف‬
‫تعاملهم االإنساين املفطور عىل حب اذلات أوال‪ ،‬والاكره للظمل بال‬
‫حاجة‪ .‬وهو اذليك الفطن فلهذا سهل عليه مفاوضهتم‪ ،‬اإمياهنم بلغة العقل‬
‫وحق حتقيق اذلات‪ .‬فتعامل معهم مببادهئم ومبا أحهبم فيه‪ .‬ففاوضهم‬
‫بلغهتم العقلية والتجارية والس ياس ية‪ ،‬فغلهبم‪ ،‬فانتفض عىل اس تغالهلم‬
‫للنفط السعودي فأجربمه عىل مناصفة الرابح البرتولية‪ ،‬ال عىل دفع‬
‫شلنات مقابل طن برتول‪ .‬وانزتع الطريق مهنم قيادة الس ياسة‬
‫البرتولية‪ ،‬واس تعان عىل ذكل ابإنشاء منظمة أوبك مث بوضع خطة‬
‫الطريق لرشاء أرامكو‪.‬‬
‫وطبق الطريق رس الهمينة المريكية العاملية‪ ،‬فقرر حتقيق اس تقاللية‬
‫أرامكو بسعودهتا عىل أساس التكنوقراطية ال احملسوبوقراطية وال‬
‫الشليوقراطية‪ .‬وأدت انتفاضة الطريق التفاوضية العلمية اإىل انتفاضة‬
‫دول اخلليج بعد ذكل عىل الاس تغالل المرييك حلقوق البرتول‪.‬‬
‫فكرهه المريكيون مبا أحهبم فيه‪ ،‬فال جتد هل ذكرا يف أرامكو وال يف‬
‫الفالم الواثئقية العاملية‪ .‬ولطاملا تساءلت‪ :‬مل أُغفل الطريق من اترخي‬
‫أعىل رجاالت الوطنية السعودية‪.‬‬
‫وللك جواد كبوة قد تطيح بفارسه‪ .‬فعبد هللا الطريق هو فارس‬
‫أرامكو‪ ،‬همندس اس تقاللية الرثوة النفطية اخلليجية‪ .‬عاش الطريق‬
‫عزيز النفس‪ ،‬تس تقذر نفسه البية قبول رشوة خيانة‪ ،‬كام يس تقذر‬
‫احلر العبودية‪ .‬واكن داهية حنريرا ذكيا عبقراي ومواطنا حمبا لبالده‪ .‬هذا‬
‫اخلليط من الرشف وكراهية الظمل‪ ،‬أوقع الطريق ‪ -‬رمحه هللا ‪ ،-‬فقد‬
‫وقع يف حب القومية الاشرتاكية حني اكنت السعودية ختوض حراب‬
‫وجودية مصريية ضد أطامع القوميني الاشرتاكيني‪ .‬أظهر الطريق شغفه‬

‫‪163‬‬
‫ابلقومية العربية الاشرتاكية‪ ،‬فأعلهنا ومل خي ِّفها‪ .‬فهو أول من اندى مبقوةل‬
‫نفط العرب للعرب اذلي أصبح شعار القوميني والاشرتاكيني العرب‪.‬‬
‫وقد اكن ‪-‬رمحه هللا‪ -‬عبقر ًاي حاد الطباع جشاع ًا‪ ،‬متواضع ًا وزاهداً نق‬
‫النفس مياةل ابلفطرة للعداةل‪ .‬والعبقرية اإذا اقرتنت ابلشجاعة أدت حلدة‬
‫الطبع‪ .1‬وحاد الطبع فريسة سهةل ملكر اخلبيث ل إاليقاع به‪ .‬فذاكؤه احلاد‬
‫أاثر حسد القران والبدلاء عىل حد سواء‪ ،‬وأمانته أاثرت غضب‬
‫املستنفعني والفاسدين‪ ،‬وحدة طباعه مكنت من الوشاية فهيام عند‬
‫الخرين “ وإامنا تنجح املقاةل يف املرء اإذا صادقت هوى يف الفؤاد ” ‪.‬‬
‫مفا بني حاسد وانفر ُظمل الرجل يف بداية حياته اجامتعي ًا ووظيفي ًا‪ .‬فهو‬
‫فكر ًاي يف عامل‪ ،‬وجممتعه يف عامل أخر‪ .‬ويكف شاهداً منه بعض ما كتبه‬
‫يف نصحيته للخرجي السعودي‪ ،‬مفام جاء فهيا ما يُقال عنه «وحنن ما ُ‬
‫حنن‬
‫اإال أانس متعلمون متغطرسون‪ ،‬لنا أفاكر غريبة‪ ،‬ونظرايت يف احلياة‬
‫مكروهة وخطرة عىل بيئتنا الطاهرة املؤمنة املوحدة‪ .‬لقد حاربوان اي‬
‫صديق واس تعملوا لك سالح كام س يحاربونك ويس تعملون لك سالح‬
‫للحيلوةل دونك ودون هدفك‪ .‬وهكذا اي صديق مرت يب الايم‬
‫والس نون‪ ،‬وأان أرى خاللها الصغار يكربون‪ ،‬ويتنفذون‪ ،‬وأرى أفاكري‬
‫يتبناها الخرون‪ ،‬وأرى الفض َل يذهب لغري أههل‪ ،‬واس متر الصدقاء‬
‫يرثون حلايل‪ ،‬واملنافسون يسخرون من عقلييت املتحجرة‪ ،‬ونفيس‬
‫املتغطرسة»‪ .‬وبعد أن اعرتف بفروس ية الرجالن فقدلا أعىل املهام و ُمكنا‬

‫‪ 1‬وإان مل تقرتن أدت كثرياً ال دامئاً لس ياسة اخلبث واملكر واخلداع‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫من اإظهار فروسيهتام‪ ،‬جتاوز الرجالن مرحةل التصغري والتسفيه ودخال‬
‫يف مرحةل العزةل الفكرية العملية‪.‬‬
‫ولعيل ال أابلغ اإن قلت‪ :‬اإن ما واهجه الطريق يف هممته أش به حبال‬
‫فارس انغمس يف أرض العدو‪ ،‬فالعدو يقاتهل وقومه من خلفه يرمونه‬
‫خطأ أو قصدا حيس بونه من العدو‪ .‬وبني هؤالء وهؤالء رجال من قومه‬
‫ينظرون وال يبالون قد ارتضوا لنفسهم حيازة مؤن جيش فارسهم‪،‬‬
‫اليت قدهما هلم العدو بعد أن هنب مهنا‪ .‬فهم يألكوهنا ال من جوع بل من‬
‫ختمة‪ .‬فالمريكيون مل يكونوا جمرد مستشارين أجانب يف أرامكو‪ ،‬بل‬
‫اكنوا مه مالك أرامكو ابمتياز حرصي س تني عام ًا‪ .‬ومه من أىت للخليج‬
‫هبذه الرثوة وأعطومه املال يف حاةل اضطرار‪ .‬والمرياكن مه أحصاب‬
‫العمل واملعرفة‪ ،‬بل ومه الوحدون يف ذكل‪.‬‬
‫فال يوجد سعودي أنذاك هل عمل بعلوم النفط وإادارهتا ومقرتن علمه‬
‫بعقل وذاكء اإال ما يزمعه الطريق ‪ .‬وثقافة املنطقة لكها متقبةل ومترشبة‬
‫فكر الاس تغالل النفط ‪ .‬وامجليع مؤمن بأن أي خروج عنه س ينهتي‬
‫اإىل فشل‪ ،‬كام حدث يف اإيران‪ .‬مفن هو الطريق ليأيت مبا مل يأت غريه‪،‬‬
‫اإال أن يأيت حبامقة كحامقة االإيراين ‪-‬مصدق‪ -‬بتأمميه النفط االإيراين‪ .‬وزاد‬
‫المر سوءاً‪ ،‬أن احملاوةل الوحيدة للخروج عن القبول العام ابلوضع‬
‫حصلت ابلتأممي املس توىح من الاشرتاكية‪ ،‬والطريق يعلن قوميته‬
‫الاشرتاكية‪ .‬فكيف يسمل أن تتأثر قرارته هبا فتأيت بقرارت مثل التأممي‪.‬‬
‫وليك نتخيل عظم الصعوابت اليت واهجها الطريق رمحه هللا‪ ،‬فيكف أن‬
‫نرى حال املسؤول اليوم يف القطاع العام أو اخلاص مع املستشار‬
‫‪165‬‬
‫الجنيب‪ .‬فاملستشار الجنيب قد استمثر يف كسب الثقة‪ ،‬والوطين قد‬
‫أمهل فهيا‪ .‬واحلاجة للمستشار الجنيب ملحة‪ ،‬فأصبح املستشار‬
‫الجنيب هو الصديق الويف ال كذب‪ .‬فال يسمل غالب ًا من تورط‬
‫املسؤول مع املستشار الجنيب يف أمر صغري نتيجة هجل أو اإهامل‪ ،‬أو‬
‫أمر كبري نتيجة منفعة أو فساد‪ ،‬مما حيمك قبضة همينة املستشار‬
‫الجنيب‪ ،‬عليه‪ .‬فال خيرج أحد حبق أو بباطل عن همينة املستشار‬
‫الجنيب‪ ،‬اإال وتلحقة هتمة اخلبال والسفاهة أو هتمة الفساد‪ .‬فاإن اكن‬
‫هذا هو حال املستشار الجنيب اليوم وهو جمرد أجري‪ ،‬والناس‬
‫متعلمون اليوم‪ ،‬فكيف تكون حاةل أرامكو املالكة حلقوق النفط أنذاك‬
‫مع الطريق ‪ ،‬واذلي اس تطاع ابلرمغ من ذكل ان حيقق اس تقاللية نفط‬
‫اخلليج‪.‬‬
‫«ووجدت امجليع‬
‫ُ‬ ‫وقد عرب الطريق مبرارة عن هذه املواقف حني قال‪:‬‬
‫ينظرون ا لإيل نظر َة عطف وخسرية‪ ،‬فهم يرون ليف شا ًاب مغروراً‪ُ ،‬‬
‫يعيش‬
‫يسري معهم‬
‫يف اخليال‪ ،‬جسمه معهم وروحه وخياهل يف ماكن أخر‪ُ ،‬‬
‫ويعيش بعقلية أجنبية غريبة عهنم‪ ،‬يتحدث عن الوطنية واالإخالص‬
‫والتضحية‪ ،‬بيامن مه يتحدثون لمعا مجع فالن‪ ،‬و لمعا كسب فالن‪ ،‬وكيف‬
‫تقدم فالن‪ ،‬وكيف حصل فالن عىل رشهة أو س يارة أو قاعدة‬
‫صرب عىل اإقناعهم‬
‫حتدث عن نظرايت ال يفهموهنا‪ ،‬وأ ُ‬ ‫س نوية‪ ،‬بيامن أان أ ُ‬
‫مبا مه به اكفرون‪ ،‬حىت مللوا جمليس‪ ،‬وأخذ الطيبون مهنم ينصحونين‬
‫ابالإقالع عن سذاجيت»‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫وذلا فاعتقد أن عبقرية الطريق وحدة طباعه عزلته عن الناس‬
‫اجامتعي ًا ووظيفي ًا وفكر ًاي‪ ،‬فمل يُطيق احلبس الانفرادي فقادته طبيعته‬
‫النقية الزاهدة لالنضامم الفكري جملمتع العداةل الافرتايض‪ ،‬اذلي اكن قامئ ًا‬
‫واملمتثل يف الاشرتاكية‪ .‬فأمن به فدخل يف حاةل اإناكر الاعرتاف بواقع‬
‫ظمل جممتع العداةل اذلي أمنوا به‪ .‬وإاناكر الاعرتاف ابلواقع يعطل‬
‫املنطق‪ ،‬فال يعود املنكر قادرا عىل اإدراك جحم اخلطأ اذلي هو واقع‬
‫فيه‪.1‬‬
‫فاإن قيل ليست كبوة جواد الفارس يف أرض قومه ووطنه ككبوة‬
‫جواده يف أرض العدو ف ُيأرس وتُسخر أرساره ضد قومه‪ .‬فعذر الطريق‬
‫بأن مضايقات قومه ضيقت طريقه حفادت جبواده عن الطريق املمهد‬
‫للوعر‪ ،‬فكبا اجلواد بنفسه فأطاح به يف أرض العدو‪ .‬وما اكن للطريق‬
‫خيار يف ذكل‪ ،‬ومل يفش رساً‪ ،‬وما اس تغهل عدو‪ .‬وأما أقواهل فاإمنا اكنت‬
‫أسلحة حيارب هبا الطريق دون الوطن‪ .‬فقد اكنت احلرب عاملية بني‬
‫الرشق والغرب‪ ،‬والطريق يريد ختليص النفط من اس تغالل الجنيب‬
‫الغريب‪ ،‬وقد جنح يف ذكل‪ ،‬وذهب الرضر وبق اخلري‪.‬‬
‫املسأةل الرابعة‪ :‬ادلول الغري اإنتاجية ومنوذج اقتصادايت أُوبر‬
‫أوبر‪ ،‬يه رشكة التاكيس اذلي يُطلب عن طريق برانمج يف‬
‫الانرتنت‪ .‬والتاكيس يكون أي خشص ميل س يارة ويريد ان يكسب‬

‫‪ 1‬ويكف شاهداً اليوم ما يسمى ابلصريفة االإسالمية واقتصادايهتا‪ .‬فمك من مؤمترات وكتب ومفاوضات ولكها تعيش عاملاً افرتاضيا ال واقع وال اإماكنية لوقوعه‪ .‬ففضالً عن‬
‫املستنفع والساذج‪ ،‬فرنى حىت الصادق والعاقل يؤمن هبا يف حاةل اإناكر ابالعرتاف ابلواقع ادليين أو العقيل أو التطبيق ‪ ،‬حفاةل االإناكر ابالعرتاف عن الواقع ختلق غيبوبة‬
‫عقلية‪ ،‬يرفع عهنا القمل فال يُؤاخذ الصادق عىل ما فعل‪ .‬فاإن كنا نتجاوز وسنتجاوز عن املتورطني يف هذه الصريفة من الصادقني والعقالء‪ ،‬رمغ ما أتت وما س تأيت به‬
‫الصريفة من نتاجئ مدمرة واملُفسدة لدلين والاقتصاد‪ ،‬مفن ابب أوىل التجاوز عن الطريق وقد قاد اس تقاللية الرثوة النفطية وأسس ضامن اس مترايهتا‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫دخال اإضافيا بدال من اإضاعة الوقت‪ .‬فأوبر اس تطاع أوال أن يتعدى‬
‫مشألك مالية ومعوقات نظامية رئيس ية يف صناعة التاكيس‪ ،‬مث اثنيا‬
‫حقق قفزة اإجيابية تطورية لسوق التاكيس‪ ،‬فضال عن حتقيق الرابح‬
‫الكبرية‪ .‬كام تعدت اإجيابية نتاجئ ابتاكر أوبر الاهداف املالية والسوقية‬
‫لتحقق نتاجئ اجامتعية محيدة‪.‬‬
‫فقد زود أوبر السوق بعدد غري حمدود من التاكيس‪ ،‬بعد حش العرض يف‬
‫سوق التاكيس ‪ ،‬بسبب التنظاميت املقيدة للتاكيس يف غالب ادلول‪ .‬فقد‬
‫اس تطاع أوبر تعدى الاحتاكرية يف التحصيل عىل رخصة التاكيس‪.‬‬
‫ويه احتاكرية جاوزت املاليني لقمية رخصة التاكيس يف نيويورك‪،‬‬
‫مثال‪ ،‬أما اليوم فال تساوي شيئا‪ .‬ففكرة أوبر بس يطة لكهنا اإبداعية‬
‫بنت رشكة عاملية دخلت عامل الرشاكت املليارية‪ ،‬كام فتحت الباب‬
‫لكثري من التطبيقات املشاهبة‪ .‬وأجربت صناعة التاكيس عىل الريق‪،‬‬
‫ومن يسافر يدرك الفرق‪ .‬مفا عاد سائق التاكيس مناورا أو متالعبا‪ ،‬وما‬
‫ذكل اإال من قوة منافسة أوبر‪ .‬فقد زودت أوبر السوق‪ ،‬بتاكيس‬
‫نظيف وسائق رايق‪ ،‬قد يكون مديرا لفرع بنك‪ ،‬أو طالبا يدرس‬
‫ادلكتوراه‪ .‬ونظام أوبر ال يدفع للسائق مبارشة حفذف البقشيش فشجع‬
‫أكرث عىل ركب التاكيس‪ ،‬كام مضن عدم تالعب التاكيس ابلعداد او‬
‫ابدلوران يف الشوارع‪ ،‬فهو متابع ابلمقار الصناعية‪ .‬فأي جتاوز من‬
‫السائق‪ ،‬يطرد وحيسم منه ضامانت أخذت منه‪ ،‬ووضعت كعقوابت‪.‬‬
‫وقد جيد سائق التاكيس يف انتظاره جيش من احملامني التابعني لوبر‬
‫ملالحقته قضائيا اإذا اعتدى عىل زبون أو حنوه‪ .‬ولك ذكل بضغطة زر‬
‫‪168‬‬
‫يف التلفون‪ ،‬يضغطها الزبون‪ .‬وهذه لكها توابع اتت لكواحق البتداع‬
‫الفكرة الاساس ية‪.‬‬
‫وقد جتاوزت أرابح اوبر اخلصوصية املليارية‪ ،‬كام حققت الرابح‬
‫الفردية اجليدة‪( .‬وال يفهم هنا أين اجشع عىل رشاء أسهمه‪ ،‬الفكرة مرحبة ملن‬
‫ابتكرها ال ملن يأيت ويشرتهيا بسعر غايل)‪.‬‬
‫فأوبر حقق أرابحا كثرية للسوق وتطويرا هائال هل دون لكفة عىل‬
‫مؤسسه‪ ،‬كام زود اجملمتع بنافذة معل يلجأ اإلهيا املفصول من معهل‬
‫والعاطل‪ .‬كام خلق فرصة اقتصادية اجامتعية‪ ،‬يلجأ الهيا من يعاين‬
‫الفراغ‪ ،‬فبدال من اإضاعة وقته يف ارتياد احلاانت اإذا هو يتكسب رزقا‬
‫اضافيا ويس متتع ابخملالطة الاجامتعية‪ .‬كام زودت أبر اجلهات المنية‬
‫إابرشاف ومراقبة ومعلومات جاهزة عند الطلب‪.‬‬
‫فابتاكر أوبر‪ ،‬ابتاكر عظمي متعدد ومتعدي الارابح واملنافع‪ .‬وهو ابتاكر‬
‫بس يط كذكل‪ .‬لعهل فكرة طرأت عىل سائق اتكيس انتظر لساعات عند‬
‫ركن شارع‪ ،‬والركن الخر به العرشات من الباحثني عن اتكيس‪ .‬ولعهل‬
‫صدر من حمبط عاطل جعز عن حتصيل رخصة اتكيس‪ ،‬او لعهل صدر‬
‫من ضائق بوقت الفراغ اذلي ميلكه‪ ،‬فمتىن لو ان دليه اتكيس مييض به‬
‫وقته‪.‬‬
‫ومن هنا أىت مصطلح اقتصادايت أوبر‪ .‬فهو مصطلح أطلقته عىل‬
‫احللول الاقتصادية واملالية‪ ،‬البس يطة يف فكرهتا العظمية يف عوائدها‪.‬‬
‫املتعدية يف ارابهحا‪ ،‬للخصوصية الفردية‪ ،‬واملتجاوزة يف منافعها نطاق‬
‫سوقها‪.‬‬
‫‪169‬‬
‫وعىل خالف رشكة التاكيس أوبر اليت مل تواجه عقبات يف بدايهتا اإمنا‬
‫اثرت علهيا صناعة التاكيس بعد جناهحا وهتديدها اخلطري واملتحقق‬
‫للتاكيس التقليدي‪ ،‬فاإن اقتصادايت أوبر س تواجه العقبات منذ بداايهتا‪.‬‬
‫عقبات فكرية وعقبات مصاحلية قد تئدها منذ بداايهتا‪ .‬وأمه العقبات‬
‫اليت تواجه اقتصادايت أوبر يف اجملمتع الاقتصادي املتخلف‪ ،‬يه‬
‫اهنزامية الفكر الفردي امام الفكر امجلاع احمليل واهنزاميته أمام الفكر‬
‫الاقتصادي الغريب‪ .‬فضال عن املعوقات الاعتيادية الاخرى‪ ،‬اكملامنعة‬
‫والتحاسد واخلوف عىل املصاحل‪ .‬فهناك الكثري من املشألك املالية‬
‫والاقتصادية يف بالدان واليت ميكن حلها ابقتصادايت أوبر‪ ،‬ولكهنا متوت‬
‫يف همدها غالبا بسبب الاهنزامية الفكرية امام الفكر امجلاع والاهنزامية‬
‫امام بيوت اخلربة الغربية العاملية‪ .‬اقتصادايت بالد العرب‪ ،‬ال حتلها‬
‫مناذج الرايضيات املعقدة اليت ما زال الغرب جيرهبا فهي تورطه أحياان‬
‫كثرية وتهنض به حينا مرة‪ ،‬بل حتلها مناذج اكقتصادايت اوبر‪.‬‬
‫مفن اخلطأ اتباع النظرايت الاقتصادية والامنذج المتويلية اليت تودلت‪،‬‬
‫وتتودل من الهنضة الاقتصادية المريكية‪ .‬فبعض بالد أوراب غارقة اىل‬
‫اليوم‪ ،‬بسبب اتباعها الطريقة المريكية يف خلقها لصناعة الدوات‬
‫املالية اليت ابتدعهتا السوق الامريكية‪ .1‬وابلنقيض‪ ،‬فتعطل وتأخر‬
‫خروج أورواب من ازمة ‪٢٠٨٨‬م سببه تأخر البنك املركزي الوريب‬
‫عن اتباع الس ياسات النقدية اليت ابتدعها برانيك‪ .‬فليس هناك حاةل‬

‫‪ 1‬اليت غض قرين س بان نظره عهنا‪ ،‬بعد حادث سبمترب ‪ ،٢٠٠١‬خوفا من ادعاءات أن الهجوم سبب اهنيار الاقتصاد المرييك واذلي اكن قد دخل يف دائرة احنسار‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫واحدة‪ ،‬فاملعطيات ختتلف ابلزمان وابملاكن وابلثقافات‪ ،‬فقد ال تنفع‬
‫الس ياسات الاقتصادية المريكية بدلا ما يف فرتة معينة مث يتغري الوضع‬
‫‪ ،‬فتصبح النظرايت الاقتصادية المريكية يه خري منوذج لهذا البدل‪.‬‬
‫فقد جنحت كوراي عندما رفضت يف الس تينات اتباع الفكر المرييك‬
‫الس يايس الاقتصادي‪ .‬فقد جربت كوراي ابتداء نظرية السوق احلر‬
‫وادلميقراطية فرأى حكامهئم توجه بالدمه للهاوية والفوىض بسبب ذكل‪.‬‬
‫فكوراي مل تكن جاهزة بعد لدلميقراطية وال للسوق احلرة‪ .‬خفلعوا عهنم‬
‫ثوب ادلميقراطية‪ ،‬ونبذوا عهنم تنظريات السوق احلرة‪ ،‬وقامت ادلوةل‬
‫بقيادة اقتصاد البالد عىل الطريقة املركزية يف تويل ادلوةل ملهام الانتاج‪.‬‬
‫فالهنضة الرسيعة‪ ،‬حسب ثقافهتم‪ -‬ال تقوم الا حبزم السلطة وقوة املال‪.‬‬
‫فبنت املصانع الضخمة وضبطت النظام مث حتولت تدرجييا لدلميقراطية‬
‫والسوق احلرة بعد أن غرست يف الاقتصاد اساسات الهنضة كواتد‬
‫اجلبال‪ .‬وهذا القرار وان انسب كوراي فال يعين انه يناسب دول‬
‫أخرى‪ .‬فللك جممتع ثقافته‪ ،‬وما االإنتاج الا نتاج الثقافة‪.‬‬
‫ومثال أخر‪ ،‬فال تاكد جتد حاةل رئيس ية واحدة يف الاقتصاد السعودي‬
‫تتشابه مع اي بدل يف العامل‪ ،‬أو حىت مع دول اخلليج‪ .‬فاختالف نوعية‬
‫تشكيةل الساكن يف ادلاير السعودية عن تشكيلهتا يف دول اخلليج‪،‬‬
‫اكيف ليخلف نظرايت الرضائب والبطاةل والتجارة ادلولية وحساابهتا‬
‫وخيلف نظام النقد‪ .‬ولو تأملت فال يوجد يف الاقتصاد حاةل ال تتعلق‬
‫بغالب هذه الاعتبارات الاقتصادية‪ ،‬اللهم أن يكون انتاجا ال يعمتد عىل‬
‫الانسان الا يف نطاق ضيق‪ ،‬اكإنتاج النفط والبرتوكمييلك مثال‪.‬‬
‫‪171‬‬
‫ومن هجة أخرى‪ ،‬فاإن ضعف البنية العلمية والتجريبية للمجمتع‬
‫الاقتصادي‪ ،‬لهو تربة خصبة ل إالبداعات ابحللول الاقتصادية البس يطة‪.‬‬
‫فاجملمتع الاقتصادي النفط مثال‪ ،‬هو جممتع مطلع عىل الدوات الغربية‪،‬‬
‫فهو وإان مل يكن ممتكنا مهنا‪ ،‬اإال أنه ميتاز بأنه غري حمجوب النظر عهنا‪.‬‬
‫فالزمة املالية اكنت ش به معلنة يف أمرياك بعام من قبل وقوعها‪ ،‬ولكن‬
‫قد أمعت املوديالت الرايضية املتقدمة‪ ،‬ابصار اخلرباء عندمه‪ ،‬فاإن اكن‬
‫هذا هو احلال عندمه‪ ،‬افال نتوقع أن علوم حتوط خماطر تغري الفائدة‬
‫العاملية‪ ،‬س ُتعم بصرية وفكر اخلبري الجنيب الضيق التخصص عن‬
‫ابتداع حل بس يط يليق ببساطة بنية أسواقنا املالية‪ .‬فالبساطة يف‬
‫اسواقنا النقدية مع انعدام الدوات التحوطية فهيا غالبا‪ ،‬مع صعوبة‬
‫فهمها من اجلهات الخرى‪ ،‬تدفع بأبن البالد البتاكر حلول بس يطة يه‬
‫أعظم نتيجة وأقل لكفة‪.‬‬
‫اإن الاقتصادايت الناش ئة تربة خصبة بكر لالبتاكرات‪ ،‬فاإن أضيف‬
‫ذلكل خصوصيات أخرى‪ ،‬اكلبرتول والرثوة والربط ابدلوالر‪ ،‬أصبحت‬
‫أكرث خصوبة لوالدة الابداعات الفكرية‪ .‬فاحلاجات كثرية‪ ،‬واحلاجة ام‬
‫الاخرتاع‪ .‬واجملاالت مفتوحة مفا من مزامحة‪ .‬والبصرية قوية مل ُحتجم‬
‫ابلتنظري الغريب‪ .‬وإامنا اخلوف من حتجمي العقل ابالهنزامية امام التنظري‬
‫الغريب‪ .‬مفا من عذر لنا أن جند حلولنا بأنفس نا بعيدا عن اخلبري‬
‫الجنيب‪ ،‬مفا اقعدان اىل اليوم الا اعامتدان املطلق عىل اخلبري الجنيب مع‬
‫ضيق فكره ونظرة عىل اقتصادايت بالده‪ ،‬والبالد التابعة هل‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫وخالصة القول‪ :‬اإن اقتصادايت أوبر اليت اقصدها‪ ،‬يه اقتصادايت‬
‫برانيك اليت ابتكرها يف اخراج بالده من الزمة املالية‪ .‬افاكر بس يطة‬
‫غريت وجه احلارض الاقتصادي العامل ‪ ،‬وس تغري وجه املس تقبل العلم‬
‫الاقتصادي‪ .‬والافاكر العظمية ال تكون الا بس يطة‪ ،‬ففكرة فك‬
‫الارتباط ابذلهب مثال‪ ،‬ففك القيد اذلهيب عن الاقتصاد لينطلق يف‬
‫جماالت المنو والتطور‪ ،‬ما يه اإال فكرة بس يطة‪ .‬وعىل بساطهتا‪ ،‬فقد‬
‫قاربت القرن من الزمن ومازال البعض مل يس توعهبا لبساطهتا! وهكذا‬
‫يه الابداعات العظمية‪ ،‬تصعب عىل الفهم من بساطهتا‪.‬‬
‫املسأةل اخلامسة‪ :‬صور الاستشارات الجنبية‬
‫اس تجالب اخلربات الجنبية للبالد يكون حتت ثالث صور‪:‬‬
‫الصورة الوىل‪ :‬صورة محمودة مطلوبة‪ ،‬وذكل بأن يُأىت ابلجنيب كخبري‬
‫ومعمل فيتعمل ابن الوطن منه ليكون مؤهال ومس تقال للقيام بتل املهام‬
‫مس تقبال ولينقل هذه اخلربات والعلوم اإىل الجيال من بعده‪ ،‬بعد أن‬
‫يضيف اإلهيا اإبداعاته ونكهته الوطنية‪ ،‬اكلمنوذج الصيين‪ ،‬والكوري‪،‬‬
‫وهذا مع السف ياكد يكون معدوما أو حمدودا يف عاملنا العريب‪.‬‬
‫أما الصورة الثانية‪ :‬فهي بأن يُؤىت ابلجنيب لتنفيذ همام ومشاريع مث‬
‫يرحل دون أن خيلف وراءه معرفة كيفية تنفيذ هذه املشاريع من العدم‬
‫وتكون هممة ابن الوطن بعد ذكل هو اإدارة الاس تفادة من هذه‬
‫املشاريع واس تغاللها‪ ،‬وهذا ما جنده غالبا يف بالدان‪ .‬واس تغالل املشاريع‬
‫والاس تفادة مهنا دون معرفة كيفية إانشاهئا مينع المة من الاس تقاللية‬
‫وجيعلها أبدا أمة اتبعة لغريها ال تس تطيع فاكاكً من قبضة الجنيب‪.‬‬
‫‪173‬‬
‫يضاف اإىل ذكل أن عدم معرفة كيفية االإنشاء س ينهتي هبذه املشاريع اإىل‬
‫اخلراب وإاىل التخلف والتقادم حىت ال تصبح الاس تفادة مهنا ممكنة‪.‬‬
‫وفوت اكتساب اخلربات من املشاريع‪ ،‬خسارة عظمية متضاعفة مس مترة‬
‫عرب الجيال ال تنقطع‪ .‬فاإنشاء املشاريع من العدم هو التحدي العقيل‬
‫واجلامعة احلقيقية الكربى اليت تدفع العقل البرشي اإىل التقدم‬
‫والابتاكرية والتطوير وهو اذلي حيافظ عىل هذه املشاريع من التقادم‬
‫والهتاكل وهو اذلي يبين البنية التحتية للعقل الوطين ليهنض ابلبالد‬
‫والعباد اإىل مصاف أرىق المم احلضارية ومن مث التغلب علهيا‪.‬‬
‫فمك من املشاريع الصغرية والكبرية والعمالقة اليت حتتوي عىل قسم كبري‬
‫من العمل واجلهد الفكري ي ُستبعد ابن الوطن من تعمل تفاصيلها‬
‫وأرسارها‪ ،‬أاننية واس هتتاراً‪ ،‬من املسؤول عهنا و ُيكتفى بنصب بوق‬
‫وطين يتلوا مزهو ًا ما يُمىل عليه من اإجنازات مل يكن هل فهيا يد وال هجد‬
‫وال دراية وال معرفة وال يدرك مهنا اإال اخلطوط العريضة اليت تكتب‬
‫عناوين ل إالجنازات‪.‬‬
‫مك بنينا من مطارات‪ ،‬ومك أنشأان من مصانع‪ ،‬ومك ش يدان من موائن فهل‬
‫حققنا أي اس تقاللية ذاتية؟‪ ..‬أان ال أعين هنا املهن البس يطة املتوافرة‬
‫بكرثة يف العامل الثالث واليت يدندن بعض املسؤولني حولها لرتس يخ‬
‫فكرة اس تحاةل الاس تقاللية اذلاتية‪ .‬فربيطانيا خسرت جيوش ًا من الهنود‬
‫ومن غريمه ولكن مل تس تخدم قادة وضباط ًا مهنم‪ ،‬بل اقترصت يف ذكل‬
‫عىل أبناهئا من الربيطانيني يتعلمون فنون القيادة العسكرية عىل حساب‬
‫دماء هؤالء الهنود‪ ..‬املقصود ابالس تقاللية اذلاتية هنا هو اكتساب‬
‫‪174‬‬
‫املعرفة العلمية االإدارية والرقابية وا إالرشافية والتقنية والتنفيذية‪ ،‬اليت ال‬
‫تتأىت اإال ابخلربة واملامرسة‪.‬‬
‫وأما الصورة الثالثة الس تجالب اخلربات الجنبية للبالد فهي بأن‬
‫تُطلق يد الجنيب ف ُيحمك يف املشاريع اإنشاء وإادارة واس تغالال‪ .‬فالجنيب‬
‫هو اذلي خيطط ومن مث هو من ينقل الحالم اإىل الواقع مث هو من‬
‫يعيش هذا الواقع ويس متتع به بنفسه وبعائلته‪ ،‬فهو اإذن حمور موضوع‬
‫املشاريع اإنشاء و إادارة واس تغالال‪ ،‬ويف هذه الصورة‪ ،‬الجنيب ال يبين‬
‫وطنا لغريه بل يبين وطنا لنفسه بديال عن وطنه الم‪.‬‬
‫الياابنيون والملان والكوريون اذلين عاشوا حتت الهمينة المريكية ردحا‬
‫من الزمن مل يستسلموا هلم بتسلمي اإدارة تفاصيل المور للمرياكن‪ ،‬بل‬
‫ابرش أبناؤمه‪ ،‬بناء بالدمه بأنفسهم مس تعينني ابخلربات المريكية‬
‫الجنبية فأدركوا بذكل الاس تقالل احلقيق ‪.‬‬
‫مل يدخل أجنيب بدلا ليبنهيا مث ليخرج مهنا اتراك خلفه ما بىن وش يد اإال‬
‫بعد أن يدفع أهلها الصليون فاتورة البناء من دماهئم ومأس هيم‪ ،‬وما‬
‫جنوب اإفريقيا عنا ببعيد‪.‬‬
‫ولكن السكرة تأيت عند اإقبال المور‪ ،‬فتصبح هذه الطروحات جمرد‬
‫نظرة تشاؤمية رجعية‪ ،‬ومث عند اإدابرها تُذهل الصحوة بعد السكرة عن‬
‫التفكر فامي حدث ملاذا حدث‪.‬‬
‫ودول اخلليج‪ ،‬س تواجه حتداي مس تقبليا حقيقيا س يصعب علهيم التعامل‬
‫معه اإن مل يرقوا ويتغلبوا عىل خربة ودراية الجنيب اذلي غلب وس يطر‬

‫‪175‬‬
‫عىل كثري من أحناء املنطقة اجملاورة‪ ،‬واذلي س يصبح المر النايه يف‬
‫هذه املناطق مس تقبال‪.‬‬
‫ولنقف وقفة صدق مع أنفس نا‪ ،‬فاإذا اس تثنينا املنخنقة واملوقوذة‬
‫واملرتدية والنطيحة وما ألك الس بع من الجانب ذوي العيون الزرقاء‬
‫املوجودين عندان يف بالدان فس نجد أن الجنيب الكفؤ املاهر لن يأيت‬
‫اإىل العمل يف بالدان اإال أن يكون مضن بعثة حكومة أجنبية وعنده‬
‫أجندة أخرى للقيام هبا‪ ،‬أو أن يكون قد ألك ادلهر عليه ورشب ال‬
‫أهل وال معل وال مس تقبل هل يف بدله‪ ،‬قد توقف االإبداع والتجديد يف‬
‫منط تفكريه وإاداراته‪ .‬وفوق لك ذكل فلن يرتك الجنيب الكفؤ بالده اإال‬
‫أن نتنازل هل فنضعه يف مرتبة سامية رفيعة ال يرتق لها أبناء الوطن‪.‬‬
‫هذا لكه اإىل جانب تقدمي مبالغ خضمة هل الإرضاء غروره وكربايئه‪.‬‬
‫فالجانب اليوم ال يصنعون لنا جديداً بل ينسخون العمل القدمي مع‬
‫تغيري للمسميات‪ ..‬وذلكل متوت غالب الطموحات وتضيع غالب‬
‫اخلطط‪ .‬فاملقدم لنا قد صنع لغريان‪ ،‬واجلسم قد يرفض العضو املزروع‬
‫فيه ولو شاهبه يف لك يشء‪ ،‬فكيف ابجملمتعات‪.‬‬
‫املشاريع الطموحة القادمة حتوي بني جنباهتا أرىق وأعىل مس توايت‬
‫حتصيل اخلربة واملعرفة واليت ال تُقدر قميهتا ال ابلرايل وال ابدلوالر‪،‬‬
‫فيجب أال تُرتك منفعهتا للجنيب‪ ،‬وجيب أن ختطط بكيفية تؤهل‬
‫ش بابنا لالس تفادة مهنا ليك نبين وطن ًا أسطور ًاي حقيقي ًا قامئ ًا بذاته ال‬
‫بغريه‪ ،‬وليك نس تطيع مواهجة اخملاطر املس تقبلية احملمتةل من اإمارات‬
‫أندلس القرن احلادي والعرشين‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫اإن اإجناز املشاريع حتصيل حاصل جيب أال يقصد ذلاته‪ ،‬بل جيب أن‬
‫يكون الهدف الاسرتاتيج من جلب الرشاكت الجنبية هو اكتساب‬
‫اخلربة واملعرفة مهنا‪.‬‬
‫ذلا مفن مصائب التقليد عندان دون تفكري‪ ،‬أخذ بعض ادلول مناذج‬
‫مقارنة لنا لنحتذي هبا‪ .‬وهذه دول مل يدخل الجنيب فهيا ليبنهيا مث‬
‫ليخرج مهنا اتراك خلفه ما بىن وش يد اإال أن يدفع أهلها الصليون فاتورة‬
‫البناء من دماهئم ومأس هيم وما جنوب اإفريقيا عنا ببعيد‪.‬‬
‫فهل سيتكرر يف بعض دول اخلليج‪ ،‬منوذج هنود أمرياك امحلر ولكن‬
‫عىل الطريقة احلديثة؟ أم هل سنبيك أندلس أخرى؟‬
‫مما يزهدين يف أرض أندلس‪ .....‬أسامء معتضد فهيا ومعمتد‬
‫ألقاب مملكة يف غري موضعها‪ ...‬اكلهر حييك انتفاخا صوةل السد‬

‫‪177‬‬
‫املوضوع الثالث‪ :‬الاقتصاد النقدي‬
‫الفصل الول‪ :‬يف معىن الس يوةل‬
‫الس يوةل يه الاكش‪ ،‬أو ما ميكن حتويهل اإىل اكش برسعة وبال لكفة‪.‬‬
‫وليست الوراق النقدية يه املقصودة ابلاكش فقط‪ ،‬بل لك نقد أو‬
‫شبهيه عىل صورته‪ .‬أي ليس متحوال لس ند‪ 1‬أو متويل وحنو ذكل‪ .‬مفا‬
‫كل يف ذمم الناس من ديون‪ ،‬فال تعترب هذه ادليون يف الس يوةل‪ ،‬أي ال‬
‫تعترب كاكش‪ .‬ذلا؛ قلنا يف التعريف “ أو ما ميكن حتويهل اإىل اكش‬
‫برسعة وبال لكفة ” ‪ .‬وهذه اليت ميكن حتويلها لاكش برسعة وبال لكفة‪،‬‬
‫تكون اكلس ندات القصرية أجل‪ ،‬اليت تصدرها حكومات ادلول‬
‫املس تقرة‪ ،‬والرشاكت ذات املالءة املالية والبنوك‪ ،‬أي تقريبا لك ما‬
‫يدخل حتت سوق النقد يف ادلول املتقدمة‪.‬‬
‫وليك أقرب الوصف‪ ،‬فالس يوةل املبارشة يه اكلاكش اذلي حتمهل يف‬
‫حمفظتك‪ ،‬تس تطيع الترصف به فورا‪ .‬وأما ش به الس يوةل فهو كحسابك‬
‫اجلاري يف البنك‪ ،‬حتتاج لرصاف أو اذلهاب للبنك لتسييهل أوال مث‬
‫اس تخدامه‪.‬‬
‫والس يوةل لفظ اتبع يصف حال املوصوف هبا‪ .‬حفني تنسب الس يوةل اإىل‬
‫البنوك فاملعىن هو يف‪ :‬قدرة البنوك عىل المتويل والوفاء ابلسحوابت‪.‬‬
‫وس يوةل البنوك احلارضة يه الاحتياطيات غري االإلزامية اليت تودعها‬
‫عند البنك املركزي‪ ،‬زائد الاكش اذلي عندها يف البنوك‪ .‬وهذه‬

‫ويس تثىن من هذا الس ندات الشبهية ابلنقد‪ ،‬ويه كس ندات احلكومة القصرية الاجل‪ ،‬والس ندات القصرية الاجل معوما‪ ،‬واليت تدخل حتت سوق النقد‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫الس يوةل ليست يه الس يوةل اليت علهيا احملك‪ ،‬فهي مكن حيمل اكشا يف‬
‫جيبه‪ .‬فاحملك هو ش به الس يوةل‪ ،‬اليت يه س ندات قصرية الجل أمنة‪،‬‬
‫وميكن حتويلها للاكش يف ادلول املتطور سوقها النقدي‪.‬‬
‫الباب الول‪ :‬املعروض النقدي‬
‫وهو مكية النقد املتوفر يف السوق احمللية‪ .‬مفثال “ ساما ” تضخ يف‬
‫البنوك من الرايالت ما حيتاجه الناس لتعاملهم يف السوق السعودية‬
‫احمللية‪ ،‬ابعتبار قدرة البنوك السعودية عىل المتويالت‪ ،‬فالمتويالت يه‬
‫اليت تودل املال‪( .‬واس تخدام لكمة الطبع حمل لكمة الضخ أحياان اإمنا هو‬
‫من أجل تسهيل املعىن ولكن يف احلقيقة أن معظم الرايل أرقام يف‬
‫حواسب المكبيوتر ويه اليت تس تخدم يف المتويالت)‪.‬‬
‫ونفهم من لكمة معروض‪ ،‬أننا يف سوق النقد‪ .‬وأن البنك املركزي‬
‫يدخل للسوق النقدية ‪-‬ويه سوق البنوك‪ -‬فيعرض النقد لزايدة‬
‫املعروض او يشرتيه لينقصه ‪ ،‬والك العملني سينعكس عىل الفائدة‬
‫نقصاان وزايدة‪ ،‬فالفائدة سعر النقد‪ ،‬والسوق طلب وعرض وسلعة‪،‬‬
‫مفىت اجمتعوا تودل السعر‪.‬‬
‫مفا تطبعه “ ساما ” أو تضخه يسمى ابلقاعدة النقدية‪ ،‬وما تودله‬
‫البنوك عن طريق االإقراض فهو ما يسمى بعرض النقود‪ .‬وهو عىل‬
‫ثالثة مس توايت‪ ،‬تبدأ من‪:‬‬
‫‪ .١‬عرض النقد الول وهو الكرث س يوةل‪ ،‬فهو يشمل العمةل الورقية‬
‫والايداعات اجلارية عند البنوك‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫‪ .٢‬ومث يأيت عرض النقود الثاين القل س يوةل لنه يضم للول الودائع‬
‫الزمنية‪.‬‬
‫‪.٣‬ومث ليصري عرض النقود الثالث‪ ،‬وهو القل س يوةل‪ ،‬اإذا اضيف اإليه‬
‫ش به الس يوةل املودعة عند البنوك‪ ،‬اكالإيداعات الجنبية ولك ما يتعلق‬
‫بأدوات سوق النقد‪ ،‬واليت تعترب ش به نقدية‪ .‬ويه س ندات قصرية‬
‫الاجل لها اشاكل خمتلفة الا انه جيمع بيهنا سهوةل تس يلها‪ ،‬ذلا يطلق‬
‫علهيا ش به النقد‪ .‬وهناك تفصيالت كثرية واس تثناءات ليس هنا حملها‪.‬‬
‫ذلا؛ فلكام زاد النشاط الاقتصادي واحتيج للس يوةل زادت “ ساما ”‬
‫من خض الرايل‪ ،‬وهذا ما نسمعه دامئا‪ ،‬بزايدة املعروض النقدي‪ .‬فاإذا‬
‫خفت حدة النشاط الاقتصادي ومل تعد هناك حاجة لهذه المكية من‬
‫الموال‪ ،‬حسبت “ ساما ” هذه الرايل من السوق؛ لتوازن بني مكية‬
‫الرايل وبني النشاط الاقتصادي‪.‬‬
‫ذلا؛ فعند حاالت عدم المنو ال يزيد املعروض النقدي؛ لن الرايل‬
‫يدور يف اجملمتع من يد اإىل يد يف تبادل حمض للسلع املوجودة دون‬
‫اإجياد سلع جديدة‪ .‬ولكن عند منو الاقتصاد جيب توفري الرايالت؛‬
‫لكيال تشح الس يوةل فتنخفض السعار فيتوقف المنو ‪.‬‬
‫تساؤل‪ :‬فاإن قيل ملاذا يزداد عرض النقد للرايل غالبا حىت يف حاالت‬
‫الكساد احمليل‪ .‬فاجلواب‪ :‬أن سببه كون السعودية اقتصاد مس تورد ليك‬
‫يشء‪ ،‬فهي بذكل تس تورد تضخم الاقتصادات املنتجة الخرى اليت‬
‫نس تورد مهنا‪.‬‬
‫مبحث‪ :‬عالقة النقد احمليل ابلنظام النقدي العامل ادلويل‬
‫‪180‬‬
‫واذلي تقوم به “ ساما ” من بيع ورشاء يف سوق النقد احمللية يسمى‬
‫التعقمي‪ ،‬وذكل‪:‬‬
‫‪ .١‬من أجل كبح جامح التضخم النقدي حمليا‪ .‬فلو مل تسحب ساما‬
‫معروض الرايالت الزائد‪ ،‬النعكس عىل ارتفاع السعار حمليا من غري‬
‫زايدة يف الطلب فيحصل التضخم النقدي‪.‬‬
‫‪ .٢‬من أجل احلفاظ عىل سعر الرايل دوليا‪ .‬لنه س يؤدي اإىل خلق‬
‫جفوة بني أسعار السلع‪ ،‬حمليا وبني أسعارها دوليا‪ ،‬مما يدفع ابلرايل‬
‫للخارج لرشاء السلعة الرخص تلكفة عىل التاجر‪ ،‬وساما س تكون يه‬
‫من يدفع الفرق‪.‬‬
‫ومثال لتوضيح الصورة‪ :‬اإن زادت النقود يف السوق احمللية ومل تسحهبا‬
‫ساما‪ ،‬فسرنى أن سلعة ما عندان أصبحت تساوي ‪ ١٠٠٠‬رايل بعد‬
‫اكنت بـ ‪ ٨٠٠‬رايل؛ وذكل بسبب زايدة املعروض النقدي احمليل‪ .‬ذلا؛‬
‫فسعر هذه السلعة يف دوةل جماورة مع أجور الشحن هو ‪ ٢٠٠‬دينار‬
‫مثال‪ ،‬واليت بسعر الرصف الثابت لدلوالر تساوي ‪ ٨٠٠‬رايل‪ .‬إا ذا‬
‫فستبدأ الرايالت ابخلروج من أجل الاس تفادة من فرق السعر وجلب‬
‫السلع اإىل السعودية‪ ،‬بلكفة ‪ ٨٠٠‬رايل وتبيعها بألف رايل‪.‬‬
‫اإذا هذه الرايالت جيب أن تتحول اإىل العمةل الجنبية‪ ،‬فلزوما عىل “‬
‫ساما ” أن تستبدل هذه الرايالت بعمةل الاقتصاد الجنيب املنتج‬
‫للسلعة؛ فستشرتهيا من احتياطياهتا الجنبية ابلعمةل الجنبية‪ .‬وابلتايل‬
‫فساما صارت يه اليت تدفع الفرق اذلي سريحبه التجار املس تغلني‬
‫لفرصة فارق السعر بني السوق السعودي والسوق الجنيب‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫ولكن قبل أن حيدث ذكل تقوم ساما بسحب الفائض النقدي حمليا عن‬
‫طريق بيع س ندات ش به نقدية “ ساما بل ” ‪ ،‬للبنوك قبل خروج‬
‫الرايل‪ ،‬أو قد تس تخدم س ندات حكومية اإن توفر ‪-‬وال أظهنم‬
‫يس تخدموهنا‪ ،-‬كام تقوم ساما برشاء هذه الس ندات يف حاةل زايدة‬
‫الطلب احمليل عىل الرايل للمحافظة عىل مس توى السعار حمليا‪( .‬فهي‬
‫تشرتي الس ندات مقابل خض رايالت من ال يشء)‪.‬‬
‫وهبذا يكون الرايل قد ُحسب من السواق احمللية؛ فاخنفضت مكيته‬
‫حىت تعود السعار اإىل وضعها الطبيع ‪.‬‬
‫كام أن ساما تتسلح ابالحتياطيات الجنبية لتقف مس تعدة لدلفاع عن‬
‫ثبات قمية الرايل يف حاةل هروب رؤوس الموال غري املتوقع اإىل‬
‫اخلارج‪ ،‬أو جهوهما اإىل ادلاخل‪ .‬والموال احملوةل من العامةل واملستمثرين‬
‫ومن أجل الاس ترياد ال مشلكة فهيا طاملا اكنت مضن التوقعات فال‬
‫ختلف مكية املعروض النقدي اإال بذبذبة قصرية؛ لهنا عبارة عن تدوير‪.‬‬
‫فاإذا اس متر هروب رؤوس الموال؛ فستنفد الاحتياطيات؛ فتعجز‬
‫“ساما ” عن رشاء الرايل؛ مما يسبب يف انكسار الربط واهنيار قمية‬
‫الرايل‪ .‬اإال أن ساما قد تس تعني بأحد ادلول الصديقة؛ فتقرتض مهنا‬
‫احتياطيات أجنبية بطريقة مبارشة أو بطريقة التبادل (نوع من‬
‫املش تقات)‪.‬‬
‫وأعتقد أن ما أش يع يف التسعينات من دين أجنيب قصري الجل‬
‫حتملته السعودية‪ ،‬للياابن أايم حرب اخلليج‪ ،‬مل يكن إاال من أجل‬
‫ادلفاع عن قمية الرايل‪ .‬فقد نزلت احتياطيات “ ساما ” الجنبية‪ ،‬يف‬
‫‪182‬‬
‫فرتة معينة خالل أزمة اخلليج ‪١٩٩٠‬م اإىل ُخسة باليني دوالر‪ .‬ومل‬
‫ينكرس الرايل؛ مما يؤكد أن هناك مساعدة قُدمت من احللفاء‪ ،‬واليت‬
‫قد تكون يه ادليون الياابنية قصرية الجل اليت أرشت اإلهيا سابقا‪.‬‬
‫فانكسار الرايل أثناء احلرب هو هزمية معنوية عظمية لها أاثر س ياس ية‬
‫واقتصادية وعسكرية سيئة للغاية‪.‬‬
‫ومن مثل هذا أيضا‪ ،‬قيام السعودية ابإمداد البنك املركزي اللبناين‬
‫مبليار دوالر اكحتياطيات أجنبية أثناء الغزو ا إالرسائييل؛ من أجل‬
‫تطمني الناس؛ فيحتفظوا ابللرية وال يستبدلوهنا‪ ،‬لعلمهم بوجود الغطاء‬
‫الجنيب الالزم‪ .‬وهذا املليار قد ال يس تخدم مطلقا‪ .‬فاملساعدة هنا‬
‫معنوية ال تلحقها خسارة مادية‪ .‬فاالحتياطيات الجنبية للعمةل اكجليش‬
‫م ِّلكلف ماداي‪ ،‬ولكن اإذا اكن قواي ال هيامج أههل‪ ،‬فال يس تخدم أصال‪.‬‬
‫وإان اكن ضعيفا تسلط عليه الغرابء فكرث اس تخدامه وقد يعجز عن‬
‫دور امحلاية‪.‬‬
‫وأما اإن حدث جهوم عىل الرايل برشائه دوليا كام حدث ‪٢٠٠٧‬م؛‬
‫بسبب الاعتقاد الوامه أن الرايل س يعاد تقيميه‪ ،‬ويرتفع سعره‪ ،‬فاإن “‬
‫ساما ” تقف كذكل مدافعة عن سعر الرايل؛ ليك ال يزيد يف السوق‪.‬‬
‫وذكل بأن تعط رايالت جديدة ملن أراد أن يشرتي‪ ،‬مث تسحهبا من‬
‫البنوك فامي بعد‪.‬‬
‫وحيدث هذا بعدة طرق‪ ،‬مهنا‪:‬‬
‫‪ .١‬االإقبال عىل الرايل يف اخلارج‪ ،‬وهذا حيدث اإما بأن تفتح حساابت‬
‫ابلرايل السعودي يف بنوك أجنبية مث يقوم املضاربون ابلطلب من‬
‫‪183‬‬
‫بنوكهم بتحويل مبالغ من حساابهتم (ابدلوالر مثال) اإىل الرايل لتودع‬
‫يف هذه الودائع اليت يه ابلرايل السعودي‪ .‬وهنا تمكن مشلكتان‬
‫ابلنس بة للبنك الجنيب‪ .‬فالرايل ليس معةل دولية‪ ،‬فلن ينتفع به البنك‬
‫يف كونه مودعا عندها؛ فتكون لكفة الفوائد علهيا بال استامثر‪ .‬وكذكل‬
‫فروقات أسعار الفوائد عىل الرايل‪ .‬ذلا؛ فالبنوك الجنبية قد تقوم‬
‫بعملية تبادلية للودائع بفوائدها مع أحد البنوك السعودية (وهنا جيب‬
‫عىل “ ساما ” أن تسحب رايالت هذه الوديعة مبا يسمى بـ ” التعقمي‬
‫” )‪.‬‬
‫‪ .٢‬وقد يقوم البنك ابإيداع ومه للرايل‪ ،‬مقابل أخذ ما يقابهل من‬
‫ادلوالر‪ ،‬بيامن يتحوط‪ ،‬فيشرتي الرايل بفوائده يف العقود املس تقبلية‬
‫(عىل حسب النظمة اخملتلفة)‪.‬‬
‫‪ .٣‬وقد يكون الهجوم بأن تتحول أموال أجنبية اإىل البنوك السعودية؛‬
‫لتودع فهيا ابلرايل السعودي؛ مما يس تلزم حتويلها اإىل الرايل السعودي‬
‫عن طريق “ ساما ” ‪ .‬وهنا تقوم “ ساما ” بأخذ العمةل الجنبية‬
‫وتضعها يف احتياطياهتا‪ ،‬مث نقوم بطبع الرايالت وإادخالها يف حساابت‬
‫البنوك السعودية‪ .‬مث تقوم “ ساما ” خبطوة اإضافية (كام فعلت يف‬
‫تبادل الودائع ادلولية)؛ فتسحب هذه الرايالت احلارة من البنوك‬
‫السعودية؛ ليك ال يزداد املعروض النقدي‪ .‬ويكون ذكل عن طريق بيع‬
‫س ندات للبنوك‪ ،‬وهو ما يسمى ابلتعقمي‪ .‬وتس متر “ ساما ” بفعل ذكل‬
‫حىت ييأس املضاربون من رفع سعر الرصف فيبدؤون ببيع الرايل (أي‬

‫‪184‬‬
‫حتويهل اإىل معالت أجنبية)‪ ،‬وحيهنا تقوم “ ساما ” برشاء الرايل من‬
‫احتياطياهتا الجنبية‪ ،‬أي أن هذه بضاعتمك ردت اإليمك‪.‬‬
‫ولك هذا الضخ والسحب للرايالت هو معليات رمقية حماسبية يف‬
‫جوهرها‪ .‬وللتبس يط فلو اكنت القاعدة النقدية يه ‪ ٢٠٠‬مليار رايل ‪،‬‬
‫واذلي تراه “ ساما ” أنه يوافق الطلب‪ .‬فلو حتول اإلينا من اخلارج‬
‫‪ ١٠٠‬مليون دوالر؛ ليك تودع عىل شلك رايالت يف أحد البنوك‬
‫احمللية‪ ،‬فنظراي‪ :‬تقوم “ ساما ” بأخذ هذه ادلوالرات وإايداعها يف‬
‫احتياطها النقدي يف شلك س ندات أمريكية قصرية الجل‪ .‬مث ختلق‬
‫ساما ‪ ٣٧٥‬مليون رايل مل تكن موجودة من قبل؛ ليك تودع يف‬
‫البنك احمليل‪.‬‬
‫وهذا يعين أن القاعدة النقدية زادت‪ .‬وهبذا سزييد املعروض النقدي؛‬
‫لن البنك س يودل من هذه الموال أموالا أخرى‪ .‬ولن ترىض “ ساما‬
‫” بأن يتالعب من شاء ابملعروض النقدي من اخلارج أو ادلاخل‪.‬‬
‫وذلا؛ تقوم ببيع س ندات عىل هذا البنك احمليل‪ ،‬وتسحب منه الرايالت‬
‫اليت أوجدهتا من قبل؛ فال يتغري املعروض النقدي‪ .‬واذلي سيتغري هو‬
‫نس بة موجودات الس ندات الجنبية لــ ” ساما ” مقابل احمللية‪ .‬فف‬
‫هذا املثال سزتيد الس ندات الجنبية وتنقص الس ندات احلكومية‬
‫احمللية يف جانب موجودات “ ساما ” وأما مطلوابهتا‪ ،‬فلن تتأثر‪.‬‬
‫والتوازن كام هو ‪ ٢٠٠‬مليار يف الك اجلهتني‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬يف مفهوم الفائدة عند البنك املركزي‬
‫همام اختلفت مسميات “ الفائدة ” وأنواعها يف دول العامل‪ ،‬فاإن البنك‬
‫املركزي يضع حدا أعىل للفائدة وحدا أدىن‪ .‬وحيافظ علهيا يف الغالب‪،‬‬
‫اإال يف حاالت اس تثنائية من أجل دمع الاقتصاد؛ فقد خيفض السقف‬
‫حىت ال يعود سقفا‪ .‬وعادة ما يكون حد الفائدة ادلونية حمسواب عىل‬
‫أساس أن اإيداع البنوك التجارية يف البنك املركزي‪ ،‬يكون لليةل واحدة‬
‫فقط (اإذا اكنت العمةل مربوطة او بقرار وقيت حلل أزمة ما)‪ .‬وتعترب‬
‫هذه الفائدة كحد أدىن للفائدة يف سوق النقد‪ ،‬وهو اذلي تس تخدمه‬
‫البنوك كساس لتسعري اقراضها البنوك الخرى‪ ،‬واذلي حيدث‬
‫ابس تخدام البنوك الحتياطاهتا الزائدة عن حاجهتا‪.1‬‬
‫ويس تخدم البنك املركزي قمية فائدة أعىل‪ 2‬ليجعلها سقفا‪ ،‬أي جيعلها‬
‫كحد أعىل للفائدة قد تصل اليه البنوك يف معليات اقرتاضها‪ .‬مفىت‬
‫تعدى تسعري فائدة االإقراض بني البنوك هذا السقف‪ ،‬يتدخل البنك‬
‫املركزي ويقوم ابإقراض البنوك احملتاجة‪ ،‬اإذا ارتأى ذكل‪ .‬وهو ما يسمى‬
‫عند الاحتياط الفدرايل المرييك بسعر اخلصم‪ .‬وهو سعر الفائدة‬
‫اذلي يفرضه عىل البنوك حيامن ال جتد من يقرضها من البنوك الخرى؛‬
‫فتلجأ اإىل البنك املركزي (الاحتياط الفدرايل)‪ ،‬فيقرضها من عنده‪،‬‬
‫خبلق س يوةل من ال يشء‪ ،‬اللهم يه جمرد ارقام تسجل يف احتياط‬
‫البنك التجاري‪ ،‬مقابل س ند دين عليه‪.‬‬

‫‪( 1‬ولهذا ُمس البنك املركزي المرييك‪ ،‬ابالحتياط الفدرايل‪ .‬فاحتياطيات البنوك التجارية تكون عنده‪ ،‬وعىل مس توى فدرايل)‪.‬‬
‫‪( 2‬ويكون يف احلاالت الاعتيادية ‪-‬قبل الزمة املالية‪ -‬بني ‪ 100-50‬نقطة أساس زايدة عىل حسب جودة البنك‪ ،‬والحوال الاقتصادية)‪،‬‬

‫‪186‬‬
‫اإذا فالبنك املركزي حيدد لسوق النقد سعرها الريض وسعر سقفها‪،‬‬
‫وسعر النقد هو الفائدة‪ .‬فهو سوق كي سوق‪ ،‬سلعة س يارات او‬
‫ماعز‪ .‬اللهم أنه سوق خاص للبنوك‪ .‬التسعري فيه ابلفائدة‪ ،‬والمكية‬
‫املعروضة يه النقد‪ .‬ومكية العرض يف هذا السوق يه احتياطيات‬
‫البنوك الغري اإلزامية‪ ،‬حىت ارتفاع الطلب ليصل اىل السعر السقف‬
‫فهنا‪ ،‬يكون العرض ال هنائيا من البنك املركزي‪.‬‬
‫وهذا لكه تنظريي‪ ،‬ولكن املعطيات املتغرية تغري من تفاصيل التنظري‬
‫وتبق عىل اساس يات جوهره‪ .‬مفثال‪ ،‬وضع الاحتياط المرييك‬
‫(البنك املركزي) برامج تيسري خاصة‪ ،‬وبرشوط معينة ل إالقراض‬
‫وتوفري الس يوةل (مبا يسمى بنوافذ اخلصم)‪ .‬اكن فهيا سعر فائدة‬
‫الاقرتاض من البنك املركزي أقل من سعر فائدة الاقرتاض من‬
‫احتياطيات البنوك؛ وذكل من أجل الس يطرة عىل الانعاكسات‬
‫الاقتصادية حلادثة سبمترب عام ‪٢٠٠١‬م ‪٢٠٠٢-‬م‪ ،‬وكذكل يف الزمة‬
‫املالية عام ‪٢٠٠٧‬م – ‪٢٠٠٨‬م‪.‬‬
‫ويس تطيع البنك املركزي حتديد الفائدة عن طريق تدخهل يف السوق‬
‫النقدية ببيع ورشاء الس ندات احلكومية‪ .‬أي أنه يسحب النقد ببيع‬
‫الس ندات يف السوق النقدية‪ ،‬ويضخ النقد برشاء الس ندات من‬
‫السوق النقدية‪ .‬ويس متر يف هذه املوازنة حىت جيعل نقطة توازن عرض‬
‫النقود والطلب علهيا‪ ،‬تقف عند سعر الفائدة املعلنة كحد أدىن‪.‬‬
‫وبشلك عام فهذا هو العمل يف دول العامل مع بعض الاختالفات‬
‫العتبارات معينة من دوةل اإىل دوةل ولنأخذ تطبيق عىل معةل مربوطة‪،‬‬
‫‪187‬‬
‫حيث ان نظرية الربط‪ ،‬مل تعد موجودة يف الكتب الاكدميية والبحوث‬
‫العلمية‪ .‬فذلا فيكون اس تخدام معةل مربوطة هنا‪ ،‬اباب اخر الكتساب‬
‫العمل الاقتصادي‪ .‬وس نتناول تطبيقني‪ ،‬الول عىل معل البنك يف‬
‫السوق النقدية‪ ،‬والثاين عىل سعر الفائدة اليت يقرتض علهيا البنوك‪،‬‬
‫ويه سعر الرضية للفائدة يف سوق النقد املعومة‪ ،‬كفائدة الاحتياط‬
‫الفدرايل مثال‪ .‬بيامن تكون يف ماكن ما بني سعر الفائدة الريض‬
‫والسعر السقف ‪ ،‬يف العمالت املربوطة اكلسايرب السعودي مثال‪.‬‬
‫تطبيق عىل معل البنك املركزي لعمةل مربوطة‪:‬‬
‫مكؤسسة النقد السعودي مثال‪ ،‬جعلت من الريبو حدا أعىل ل إالقراض‬
‫ومن الريبو العكيس حدا أدىن ل إالقراض‪ .‬وقبل تفصيل ذكل‪ ،‬فالريبو‬
‫معوما هو أداة من أدوات السوق املالية القصرية الجل‪ ،‬مثهل مثل‬
‫قروض احتياطيات البنوك‪ ،‬والس ندات قصرية الجل‪ ،‬والوراق‬
‫التجارية وغريها مما يس تخدم يف السوق املالية القصرية الجل‪ .‬وهو يف‬
‫حقيقته عبارة عن قرض مرهون بورقة مالية‪ ،‬ويف صورته عبارة عن‬
‫بيع حقيق لس ند (يكون حكويم عادة)‪ ،‬مع وعد برشائه الحقا بأغىل‬
‫مما بيع به‪ .‬والفرق بني سعر البيع والرشاء هو سعر فائدة الريبو‪ ،‬وال‬
‫عالقة هل بفائدة الس ند (اإال عالوة اخملاطرة اإن وجدت) ‪ .‬وابئع الس ند‬
‫هو يف حقيقته مقرتض‪ ،‬وقد وضع الس ند رهينة عند املقرض‪ .‬ويقال‬
‫عنه ‪-‬يف حالته تل‪ -‬بأنه يقوم ابلريبو؛ لنه هو من يتعهد برشاء‬
‫الس ند مرة أخرى ابلقمية احملتوية عىل أصل القرض مع فائدته‪ .‬وأما‬
‫املُقرض فهو مشرتي الس ند ومقدم املال‪ ،‬وهو اذلي يقال عنه بأنه يقوم‬
‫‪188‬‬
‫ابلريبو العكيس؛ لنه يتعهد ابإرجاع الس ند املوعود برشائه من قبل‬
‫صاحبه‪.‬‬
‫فعندما حيتاج بنك سعودي اإىل الاقرتاض من مؤسسة النقد؛ لعدم‬
‫وجود من يقرضه من البنوك السعودية‪ ،‬وعدم وجود خيارات أخرى‬
‫أقل لكفة‪ ،‬فاإن مؤسسة النقد س تقرضه عىل سعر السقف املعلن أي‬
‫سعر الريبو‪ .‬وطريقته‪ ،‬يه أن يبيع البنك س ندات حكومية عىل البنك‬
‫املركزي‪ ،‬مع وعد برشاهئا الحقا عىل معدل الريبو املعلن‪ ،‬ويكون عىل‬
‫أساس أن الس نة تساوي ‪ ٣٦٠‬يوما‪.‬‬
‫وأما اإن زاد النقد عند البنك‪ ،‬فاإن مؤسسة النقد تسحهبا منه؛ ليك‬
‫حتافظ عىل السعر الدىن للفائدة املعلن‪ ،‬وهو سعر الريبو العكيس أو‬
‫ما يسمى بـــ(سعر االإيداع)؛ ونكون قد أمسينا هذا النوع من حسب‬
‫النقد ابالإيداع‪ .‬فكن البنك يودع هذه النقود الفائضة عند البنك‬
‫املركزي‪ ،‬وإان اكن البنك امسيا يُعترب ُمقرضا ملؤسسة النقد بسعر الريبو‬
‫العكيس‪ .‬ومؤسسة النقد تسحب النقد الفائض من البنوك التجارية‬
‫حفاظا عىل معدل الرصف املعلن‪ ،‬وس يأيت رشح رضورة هذا‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫تطبيق عىل سعر فائدة الاقرتاض بني البنوك يف سوق معةل‬
‫مربوطة‪:‬‬
‫اكلسايرب السعودي‪ ،1‬مثال‪ .‬وهذه لكمة معربة لفظيا‪ ،‬جتمع أوائل لكامت‬
‫أجنبية‪ ( 2‬وترمجهتا سعر الفائدة بني البنوك السعودية)‪ .‬وتكون‬
‫اليبور‪ ،‬اإذا قصدت سوق ادلوالر يف لندن‪ ،‬وهكذا‪ ..‬وللك بدل امس‬
‫لسعر النقد احمليل‪.‬‬
‫فالسايرب (السعودي) هو سعر أو لكفة أو قمية أو مثن النقد السعودي‬
‫يف سوقه احمليل‪ .‬فالفائدة يه سعر النقد‪.‬‬
‫والسايرب السعودي هو سعر الفائدة اليت تقرتض هبا البنوك بني بعضها‬
‫عادة من احتياطاهتا الزائدة‪ ،3‬وهذا غري سعر الريبو العكيس‪ ،‬بل هو‬
‫يف ماكن ما بني الريبو والريبو العكيس‪ ،‬أي كام ذكران سابقا‪ ،‬بني‬
‫سقف الفائدة وأرضيهتا‪ .‬وقد ذكران سابقا أن أسعار الفوائد الساس ية‬
‫اليت تعلهنا البنوك املركزية عادة‪ ،‬يه عىل أساس ليةل واحدة‪ .‬فالعقد‬
‫ليةل واحدة يتجدد تلقائيا طاملا أن الطرفني متفقان‪ .‬وهذا يعين أن‬
‫الالزتام هو لليةل واحدة‪ .‬فلو تغري سعر الفائدة‪ ،‬فيطبق التغيري يف اليوم‬
‫الثاين‪ .‬وكذكل يعين أن التجديد التلقايئ اليويم للقرض‪ ،‬قد ال حيدث‬
‫لسبب أو لخر‪ .‬ويعين كذكل أن الفائدة تكون مرتاكبة عىل أساس‬

‫‪ 1‬وهناك سايرب س نقافوري‪ ،‬هو أشهر وأكرث اس تخداما ومرجعية من السايرب السعودي‪ .‬وقد ربطت س نغافورة ادلوالر المرييك ابجلنيه االإسرتليين حىت أوائل‬
‫الس بعينيات ‪ ،‬مث ابدلوالر المرييك لفرتة قصرية من الزمن‪ .‬ومث من عام ‪ 1973‬اإىل عام ‪ ، 1985‬ربطت س نغافورة معلهتا مقابل سةل معالت اثبتة وغري معلنة‪ ..‬ومث من عام‬
‫‪ 1985‬عُوم ادلوالر الس نغافوري مضن نطاق ترددي غريمعلوم ‪ ،‬فهو معوم مربوط‪ .‬وهذا االإجراء يس تل زم نزاهة عظمية ومعرفة معيقة من مس ئويل البنك املركزي‬
‫ليضمنوا عدم التالعب بسعر الرصف‪ ،‬مبا خيدم فئة ما‪ ،‬فكونه يتذبذب مضن نطاق جمهول الوزان جيعل العني تغفل عن التالعب به ملصحة ما‪ .‬و‬
‫‪Saudi Interbank Offered Rate 2‬‬
‫‪( 3‬والسعر املعلن هو عىل أساس س نوي عىل حساب أن الس نة ‪ 360‬يوما)‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫يويم‪( ،‬أي أن الفوائد تتحقق يوميا وتدخل مضن القرض السايس اإذا‬
‫حصل التجديد)‪.‬‬
‫أما السايرب السعودي فيختلف عن الريبو بنوعيه‪ ،‬فهو ملدة مقطوعة‬
‫كس بوع أو كشهر أو ثالثة أو س تة أو س نة‪ .‬وسعر الفائدة هو سعر‬
‫مثبت خالل فرتة القرض‪.‬‬
‫وذلكل فالسايرب السعودي قد يكون أحياان أعىل من الريبو‪ ،‬أي أعىل‬
‫من سقف سعر الفائدة (احلد العىل) اليت تضعه مؤسسة النقد‪،‬‬
‫وخاصة اإذا اكن الريبو قريبا جدا من الريبو العكيس؛ وذكل بسبب أن‬
‫الفائدة يف السايرب حمسوبة عىل يويم ترامك ‪ ،‬وحمسوبة عىل أساس‬
‫الالزتام ابلعقد وعدم احقية اسرتجاع القرض حىت انهتاء مدته‪ ،‬وهذا‬
‫فيه نوعا من اخملاطرة‪ .‬فاملدة قد تصل اإىل س نة‪ ،‬وتتأثر كثريا بعوامل‬
‫الطلب والعرض عىل احتياطيات البنوك‪ ،‬واليت تس تجيب برسعة‬
‫لحوال السوق الاقتصادية وتوقعاهتا‪.‬‬
‫ولكن السايرب دامئا ما يكون أعىل من احلد الدىن‪ ،‬أي الريبو‬
‫العكيس‪ .‬فالريبو العكيس هو أساس وقاعدة السايرب السعودي اليت‬
‫ينطلق مهنا‪ .‬فيضيف اليه قمية الفائدة الرتامكية وقمية مدة الالزتام‪.‬‬
‫فالريبو العكيس يف الواقع هو قاعدة لك أنواع الفوائد؛ لنه هو أساس‬
‫الفائدة اليت تدفعها البنوك عىل الودائع‪.‬‬
‫ابب‪ :‬مفا هو السايرب السعودي ؟ وكيف تتحدد قميته‪:‬‬
‫يتواجد عند البنوك س يوةل مل تس تطع استامثرها يف قروض أو‬
‫س ندات‪ ،‬فتعترب هذه الس يوةل احتياطيات نقدية غري اإلزامية‪ .‬ويه –‬
‫‪191‬‬
‫من املفرتض‪ -‬أهنا س يوةل ملكفة وليست جمانية‪ ،1‬ذلا فالبنوك تودعها‬
‫عند مؤسسة النقد‪ ،‬بعملية الريبو العكيس‪ ،‬فتأخذ البنوك بذكل فائدة‬
‫هذه الس يوةل الفائضة ليغط تاكليف هذه الس يوةل‪.2‬‬
‫ولتقريب الصورة أكرث فلنرشهحا مبثال‪ :‬فلنقل أن فائدة الريبو (السقف)‬
‫تبلغ ‪ ،٪٢‬والريبو العكيس (الريض) يبلغ ‪ .٪١.٢٥‬وهناك بنك‬
‫سعودي عنده مودعون ُك ُرث‪ ،‬لكن ليس عليه اقبال من املقرتضني‪.‬‬
‫فس يكون عند البنك س يوهل فائضة عن الاحتياطيات الرمسية‪،‬‬
‫فس يأخذ علهيا فائدة الريبو العكيس ابإيداعها عند البنك املركزي‪ .‬بيامن‬
‫هناك بنك سعودي أخر ‪ ،‬عليه اقبال يف معليات االإقراض حبيث‬
‫جتاوزت االإيداعات‪ ،‬أو فوجئ بسحب مباغت ملبلغ خضم من زبون‬
‫ثقيل‪ ،‬أو ُطلب قرض من زبون ال يريد خسارته‪ .‬فهذا البنك اإذا‪،‬‬
‫حيتاج اإىل س يوةل بيامن البنك الول حيتاج اإىل ترصيف الس يوةل‪ .‬فتمت‬
‫العملية بني البنكني بسعر فائدة السايرب اليت س تكون مؤكدا أعىل من‬
‫الريبو العكيس؛ لهنا تنطلق منه كساس‪ ،‬وتكون يف الحوال العادية‬
‫أقل من الريبو؛ لنه هو السقف‪.‬‬
‫وتتحدد هذه الفائدة (السايرب السعودي) ابإضافة عالوة عىل الريبو‬
‫العكيس عىل حسب العرض والطلب عىل الاقرتاض بني البنوك‪.‬‬
‫فعند وجود فوائض كثرية عند البنوك؛ ينخفض سعر السايرب‪ ،‬ولكنه ال‬
‫بد أن يكون أعىل من الريبو العكيس‪ ،‬وإاال ملا قام البنك ابإقراض البنك‬

‫‪ . 1‬يعين أن هناك من يودع الموال عند البنك‪ ،‬والبنك مل يس تطع أن يعيد اإقراضها؛‬
‫‪( 2‬لنه من املفرتض أن البنك املفرتض س يقدهما للمودعني من زابئن البنك)‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫الخر‪ .‬فاالإيداع عند البنك املركزي‪ ،‬معلية أرب وأقل خماطرة‪ .‬وعادة‬
‫عند كرثة النشطة الاقتصادية‪ ،‬أو اخلوف من الزمات املالية‪ ،‬تقل‬
‫فوائض البنوك املعروضة الإقراض البنوك الخرى؛ مما يرفع سعر‬
‫السايرب حىت يصل اإىل السقف العىل‪ ،‬وهو الريبو‪ .‬وبعد ذكل يصبح‬
‫الاقرتاض من مؤسسة النقد عىل أساس ليةل واحدة أقل لكفة‪ ،‬عىل‬
‫افرتاض أن البنك املركزي ليس هل حتفظات عىل اإقراض البنك الطالب‬
‫للقرض‪.‬‬
‫ومعليا يف الاقتصاد العام‪ ،‬يس تخدم السايرب كساس مقياس للكفة‬
‫الاقرتاض عىل املدى القصري‪ .‬وللتوضيح فلنتخيل أن النقد سلعة يف‬
‫سوق امجلةل‪ ،‬واملقيد بتجار امجلةل فقط‪ .‬والتجار هنا مه البنوك وسلعهتم‬
‫النقد‪ ،‬اليت يه احتياطاهتم عند مؤسسة النقد‪ .‬فالبنك اإذا اشرتى‬
‫نقودا‪ ،‬مث أراد بيعها‪ ،‬فس يضع علهيا هامش رب يزيد وينقص مبخاطرة‬
‫االإفالس والحوال الاقتصادية املتغرية وإان اكنت طفيفة؛ لن الزمن‬
‫قصري هنا‪ ،‬وهو عامل همم‪.‬‬
‫وي ُس تخدم السايرب كذكل‪ ،‬مكرجع ومستند يف القروض الطويةل‬
‫الجل‪ ،‬بأن يُرتك متغريا يضاف اإىل نس بة اثبتة عىل حسب املفرتض‪،‬‬
‫فيضمن البنك تقلبات سعر الفائدة بذكل‪ .‬فالسايرب كام قلنا هو متعلق‬
‫ابلريبو العكيس اذلي يشلك قاعدته‪ ،‬مث تأيت عوامل الطلب والعرض‬
‫عىل احتياطيات البنوك بعد ذكل‪ .‬والريبو العكيس هو سعر الفوائد‬
‫عىل الودائع البنكية‪ .‬ذلا؛ فهو أساس أسعار الفوائد مجيعها؛ لن الفوائد‬
‫عىل الودائع يه لكفة البنوك الساس ية‪ .‬وعىل لك حال فالريبو العكيس‬
‫‪193‬‬
‫مرتبط ابلس ياسة النقدية المريكية‪ ،‬وليس لنا فيه اس تقاللية‪ .‬فلامذا‬
‫تتبع الفائدة عىل العمةل املربوطة فائدة العمةل املعومة املرتبطة هبا؟ وهو‬
‫موضوع الفصل القادم‪.‬‬
‫ابب الفائدة السلبية‪:‬‬
‫يف حاالت الزمات املالية‪ ،‬هترب الموال اإىل الس ندات احلكومية‪،‬‬
‫حىت ترتفع أسعارها السوقية‪ ،‬حىت تصبح عوائدها صفرا أو قد تصبح‬
‫سلبية أقل من الصفر‪ .‬وقد حصل هذا‪ ،‬يف الس ندات المريكية‬
‫والملانية يف الزمة املالية حديثا‪ ،‬وهو حيدث من قدمي يف الس ندات‬
‫الياابنية‪ .‬ومعىن هذا‪ :‬أن من يشرتي الس ند هو اذلي يدفع ليحفظ ماهل‬
‫يف الس ند احلكويم‪ .‬أي أن املستمثر يشرتي الس ند (أبو مائة) مثال‬
‫مبائة دوالر وعرش سنتات وعندما يأيت وقت السداد يأخذ مائة دوالر‬
‫فقط‪ ،‬فكنه دفع فائدة عرشة سنتات بدال من أن يأخذ فائدة‪ .‬وتصري‬
‫الفائدة سلبية كذكل‪ ،‬اإذا صارت البنوك تأخذ اجورا عىل الاستيداع‬
‫بدال من أن تعط ‪ .‬ويف كثري من البنوك العاملية تأخذ أجورا عىل‬
‫الاستيداع ما مل يكن احلساب ادخاراي‪ .‬الن الاستيداع هل لكفة ضامن‬
‫ولكفة حفظ‪ ،‬فاإن اكن احلساب الاستيداع قصري الجل أو غري اثبت‬
‫فالبنك ال يس تطيع الاستامثر به يف استامثرات طويةل الاجل واليت تأيت‬
‫بعوائد تزيد عن لكفة حفظ هذه الودائع‪.‬‬
‫واملستمثرون يرضون هبذا خوفا عىل أمواهلم من ضياعها بسبب اإفالس‬
‫البنوك أو تعرث الس ندات اخلاصة‪ ،‬فيشرتون بأمواهلم الس ندات‬
‫احلكومية المريكية والياابنية والملانية‪ ،‬لضامن عدم تعرثها‪.‬‬
‫‪194‬‬
‫واحياان يُرصف معىن الفائدة السلبية عند الاقتصاديني القح اإىل الفائدة‬
‫احلقيقة‪ .‬فالفائدة المسية اليت نراها يف االإعالانت ويف عقود المتويالت‪،‬‬
‫عند الاقتصاديني تتكون من جزئني‪ :‬نس بة الفائدة احلقيقية ‪ +‬نس بة‬
‫التضخم املتوقع‪ .‬مفثال‪ :‬متويل مبائة ألف لعام‪ ،‬وفائدته المسية ‪٪١٢‬‬
‫وسداده دفعة واحدة يف أخر الس نة‪ .‬واكن التضخم تل الس نة ‪،٪١٠‬‬
‫فهذا يعين أنه يف اخر العام قد سددت مبلغ ‪ ١١٢‬الف رايل‪ ،‬قميهتا‬
‫الرشائية يوم أن أخذهتا ‪ ١٠١.٨٢‬الف رايل‪ .‬فلو بلغ التضخم يف‬
‫ذكل العام ‪ ،٪١٥‬فهذا يعين أن قميهتا الرشائية يوم أخذهتا ‪٩٧.٣٩‬‬
‫الف رايل‪ .‬أي كنك اخذهتا بفائدة سلبية‪ ،‬اإذا قيست ابلقوة الرشائية‪.‬‬
‫ذلا يُقال فائدة حقيقة‪ ،‬وأسعار حقيقية‪ ،‬فالقصد أن الفائدة أو السعار‬
‫قد ُانزتع مهنا التضخم‪.‬‬
‫وجيب التنبيه هنا‪ ،‬ان مفهوم الفائدة االإمسية= الفائدة احلقيقية ‪+‬‬
‫التضخم ‪ ،‬هو مفهوم اقتصادي حمض حيتاجه الاقتصادي ال املستمثر‬
‫املايل‪ .‬فاالستامثر بعمومه والمتويالت ابشاكلها تعترب الفائدة احلقيقية ‪+‬‬
‫الفرصة البديةل‪ ،‬والفرصة البديةل تتضمن التضخم بني طياهتا‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬عالقة الفائدة احمللية ابلنظام النقدي العامل ادلويل‬
‫الفائدة احمللية اإما أن تكون فائدة عىل معةل مربوطة وإاما أن تكون عىل‬
‫معةل معومة‪.‬‬
‫ابب أثر السوق ادلولية عىل تغري الفائدة عىل العمةل‬
‫فأما تغري الفائدة يف معةل معومة فهو ينعكس عىل سعر رصفها يف‬
‫السوق ادلولية‪ ،‬الهنا يف السوق ادلولية تصبح العمةل املعومة ورقة‬
‫مالية‪ ،‬فعائدها يؤثر كثريا يف سعرها السويق‪ .‬فريتفع سعر رصف العمةل‬
‫املعومة عند ارتفاع الفائدة علهيا‪ ،‬وينخفض سعر رصفها اإذا اخنفضت‬
‫الفائدة علهيا‪ .‬وهذا التغري يف سعر رصفها اطرادا مع التغري يف الفائدة‬
‫علهيا هو اذلي يلغ فرصة الرتب من العمةل‪ ،‬فال توجد اس مترارية يف‬
‫زايدة الطلب علهيا او نقصانه‪ .‬وهذا خبالف العمةل املربوطة بغريها‪،‬‬
‫اذلي يس متر تغري الطلب علهيا اإىل أن يكرسها رسيعا يف حال اخنفاض‬
‫الفائدة‪ ،‬أو يُفلس ابلبنك املركزي يف حال ارتفاع الفائدة‪ .‬وبيان هذا‬
‫اخملزتل يقع يف االإجابة عىل سؤالني‪ .‬الول‪ :‬ملاذا تتبع الفائدة عىل العمةل‬
‫املربوطة فائدة العمةل املعومة؟ والثاين‪ :‬كيف جتري هذه ادليناميكية اليت‬
‫تفرض اس تحاةل امجلع بني هذه المور الثالثة؟‬
‫مبحث‪ :‬ملاذا تتبع الفائدة عىل العمةل املربوطة فائدة العمةل املعومة‬
‫=>اجلواب‪ :‬ذكل لن ديناميكية النظام املايل ادلويل تفرض اس تحاةل‬
‫امجلع بني ثالثة أمور‪:‬‬
‫‪ .١‬ربط العمةل‪.‬‬
‫‪ .٢‬مع اس تقاللية الس ياسة النقدية‪.‬‬
‫‪ .٣‬مع حرية تنقل الموال دولي ًا‪.‬‬
‫ذلا فالسيناريوهات احملمتةل ثالثة‪:‬‬
‫اخليار الول‪ :‬فاإما أن يمتتع البنك املركزي ابس تقاللية س ياسة نقدية‬
‫فريفع الفائدة أو خيفضها بناء عىل الوضاع احمللية الاقتصادية ويضمن‬
‫حرية تنقل الموال ولكن رشيطة تعومي العمةل كام يف بريطانيا والياابن‬
‫وادلوالر مث ًال‪.‬‬
‫اخليار الثاين‪ :‬أو أن تكون هناك اإماكنية أن يمتتع البنك املركزي‬
‫ابس تقاللية الس ياسة النقدية اإىل حد كبري مع ربط معلته بعمةل أخرى‬
‫ولكن بوضع قيود عىل حركة الموال ادلولية كام تفعهل الصني‪.‬‬
‫واخليار الثالث‪ ،‬واملتبع مث ًال عند دول اخلليج‪ ،‬هو أن تمتتع ادلوةل حبرية‬
‫تنقل الموال مع احملافظة عىل س ياسة الربط عىل أن يتنازل البنك‬
‫املركزي عن الاس تقاللية الس ياسة النقدية يف توجيه الاقتصاد واملمتثةل‬
‫يف سعر الفائدة كداة غري مبارشة أو عرض النقود كداة مبارشة‪.‬‬
‫وهذا اخليار يناسب ادلول الغري منتجة‪ ،‬خففض الفائدة لزايدة الس يوةل‬
‫يف اقتصاد ال ينتج ال يعود الا خبروهجا للسواق الجنبية مع خلق‬
‫تضخم عىل السلع الغري قابةل لالس تجالب‪ ،‬اكلعقارات واحليواانت‬
‫احمللية‪ ،‬اكالبل مثال‪.‬‬
‫وتعمل هذه ادليناميكية اليت تفرض اس تحاةل امجلع بني هذه المور‬
‫الثالثة‪ ،‬عندما يصبح الاستامثر يف الودائع ابلرايل ذا عائد أعىل من‬
‫الاستامثر يف الودائع ابدلوالر أو العمالت املرتبطة به اكلعمالت‬
‫‪197‬‬
‫اخلليجية‪ .‬وذكل حيدث عندما ُختفض الفائدة المريكية وتتبعها العمالت‬
‫املرتبطة به وال ُختفض الفائدة عىل الرايل‪.‬‬
‫فعدم حلاق فائدة الرايل السعودي مثال بفائدة ادلوالر المرييك مع ربط‬
‫الرايل به مقرتان ابحلفاظ عىل ثبات معدل الرصف وحرية يف تنقل‬
‫الموال ادلولية‪ ،‬فان النتيجة س تكون س يوال من التحويالت املالية‬
‫املتواصةل من خارج السعودية اإىل داخلها ابحثة عن سعر أعىل للودائع‪،‬‬
‫وذكل إان اكنت الفائدة عىل الرايل أعىل مهنا عىل ادلوالر والعكس‬
‫حصيح‪ .‬وينهتي البنك املركزي للعمةل املربوطة بدفع الفرق‪ ،‬وتوضيح‬
‫هذا يف االإجابة عن السؤال القادم‪.‬‬
‫مبحث‪ :‬كيف جتري ديناميكية اس تحاةل امجلع‬
‫فتبس يطا للمسأةل‪ ،‬جتري ديناميكية اس تحاةل امجلع بني هذه المور‬
‫الثالثة‪ ،‬أنه عندما ُختفض الفائدة المريكية وال ُختفض الفائدة عىل‬
‫الرايل حيدث السيناريو التايل‪( :‬بتبس يط املفهوم لغري الاقتصادي)‬
‫‪ .١‬يسحب املستمثرون ‪-‬من احناء العامل‪ -‬أمواهلم من ودائع ادلوالر‬
‫ويشرتون هبا الرايل‪.‬‬
‫‪ .٢‬فزيداد الطلب عىل الرايل فتقوم مؤسسة النقد السعودي بتوفري‬
‫الرايل (اإصدار مكيات جديدة) وبيعه لهؤالء املستمثرين للمحافظة عىل‬
‫سعر الرصف مع ادلوالر‪.‬‬
‫‪ .٣‬تدخر مؤسسة النقد هذه ادلوالرات اليت قوضيت ابلرايل يف‬
‫الاحتياط النقدي الجنيب يف صورة س ندات ابدلوالر تدفع الفائدة‬
‫المريكية اخملفضة‪.‬‬
‫‪198‬‬
‫‪ .٤‬ومبا أن الموال تتحرك حبرية من وإاىل السعودية‪ ،‬يقوم املستمثرون‬
‫ابإيداع الرايالت السعودية يف البنوك السعودية يف ودائع ابلرايل‬
‫السعودي تدفع الفائدة السعودية املرتفعة‪.‬‬
‫‪ .٥‬اإذا مل تتدخل مؤسسة النقد‪ ،‬س تقوم البنوك ابإقراض واس تخدام‬
‫هذه الس يوةل اجلديدة‪ ،‬مما س يؤدي اإىل زايدة املعروض النقدي‪ ،‬واذلي‬
‫س يؤدي اإىل التضخم من انحية وإاىل حتمك الس يوةل الجنبية يف‬
‫املعروض النقدي للرايل السعودي من انحية أخرى‪ ،‬وهذا ما ال‬
‫يسمح به أي بنك مركزي أن يقع يف سوقه املالية احمللية‪.‬‬
‫‪ .٦‬ذلا‪ ،‬مفن أجل احملافظة عىل ثبات واس تقرار توازن السوق املالية‬
‫السعودية‪ ،‬تقوم مؤسسة النقد بسحب هذه الودائع (الس يوةل) من‬
‫البنوك عن طريق بيع س ندات ابلرايل واليت تدفع الفائدة السعودية‬
‫املرتفعة‪.‬‬
‫فاحلصيةل من عدم خفض الفائدة السعودية تبع ًا للفائدة المريكية مع‬
‫احملافظة عىل سعر الرصف هو‪ :‬أن مؤسسة النقد س تدفع الفرق بني‬
‫معدل الفائدتني‪.‬‬
‫وسيس متر تدفق الس يوةل الجنبية يف شلك ودائع ابلرايل اإىل أن‬
‫تتوقف مؤسسة النقد عن التدخل يف سعر رصف الرايل وتسمح هل‬
‫ابالرتفاع مقابل ادلوالر (أي فك الارتباط) أو أن متنع تدفق الموال‬
‫أي تقيد حرية تنقل املال أو تتبع الس ياسة النقدية لالحتياط المرييك‬
‫وختفض الفائدة عىل الرايل‪ ،‬فاإتباع مؤسسة النقد السعودي ملعدل‬

‫‪199‬‬
‫الفائدة المرييك هو من أجل اإضاعة الفرصة عىل الس يوةل الجنبية غري‬
‫االإنتاجية الباحثة عن الرب يف الفرق بني معدل الفائدتني‪.‬‬
‫والعكس تقريبا يكون بعكس السيناريو‪ .‬أي يف حال ارتفاع فائدة‬
‫ادلوالر وعدم حلاق الرايل السعودي به يؤدي خلروج الموال من‬
‫البنوك السعودية ابحثة عن عوائد اكرب يف الودائع ادلوالرية‪ .‬وهذا قد‬
‫يس تزنف الاحتياطيات‪ .‬فهروب الموال ككرة الثلج‪ .‬مىت بدأ فاإنه‬
‫يزداد حىت يعظم ويدمر لك يشء‪.‬‬
‫وقفة‪ :‬أسطورة الودائع البنكية‬
‫اس تغلت اليدلوجية الاشرتاكية الهالكة حقد الفقري عىل الغين والناشئ‬
‫من ظمل الغين للفقري يف عرص االإقطاع‪ .‬فروجت أساطري ال حقيقة لها‬
‫حول النظمة البنكية اليت يه عامد النظام املايل يف الاقتصاد الرأساميل‪.‬‬
‫واس تفادت الرأساملية من هذه الساطري بأن حرصت عىل تغيري لك‬
‫وضع ميكن للغين اس تغالهل يف ظمل الفقري كام منعت الفقري من ظمل‬
‫الغين‪ .‬فتطورت الرأساملية عرب العقود لهنا اعمتدت عىل احلقائق املتغرية‬
‫بيامن هلكت الاشرتاكية اليت انشغلت يف تروج الاكذيب والساطري‪.‬‬
‫ومن الساطري اليت حبكهتا اليدلوجية الاشرتاكية‪ ،‬أسطورة ديناميكية‬
‫معل الودائع البنكية يف النظام البنيك الرأساميل‪ .‬أسطورة ختىل عهنا‬
‫أرابهبا وتلقهتا بقااي الش يوعيني يف الغرب والرشق ورددها كذكل‬
‫للسف وحبسن نية كثري من أفراد العامل االإساليم وبنو علهيا أحاكم‬
‫معامالهتم‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫فأسطورة الودائع تدور حول أن الوديعة البنكية يه كزنر لموال‬
‫الغنياء وحرمان الاقتصاد مهنا‪ ،‬بيامن حقيقهتا عكس ذكل متاما‪ .‬فقد‬
‫ُُصمت الوديعة لسحب لموال الغنياء من السوق يف حاةل طفراته‬
‫لكيال حتدث الفقاعات السعرية اليت تتبعها اهنيارات اقتصادية‪ ،‬بيامن‬
‫تطرد الوديعة أموال الغنياء فال تقبلها عند حاجة الاقتصاد لها‪ ،‬ولك‬
‫ذكل يمت عن طريق رفع سعر الفائدة يف حاالت المنو املتسارع وختفيضها‬
‫يف حاالت اخنفاض مس توى المنو‪.‬‬
‫حتيك السطورة ‪-‬أسطورة الودائع البنكية‪ -‬بأن الغنياء يعطلون‬
‫التحرك الاقتصادي والمنو يف اجملمتع ابإيداعهم لمواهلم يف ودائع بنكية‬
‫تعط الفوائد والرب عىل رؤوس الموال من غري هجد يبذهل الغنياء‬
‫أو خماطرة تذكر‪ .‬والعجيب أن هذه السطورة مل تتأمل حلظة يف دوافع‬
‫البنوك الإعطاء هذه الفوائد عىل الودائع‪ .‬فهل يتصور عاقل أن‬
‫البنك يدفع الفوائد عىل هذه الموال من أجل التغزل هبا والمتتع ابلنظر‬
‫اإلهيا مكدسة يف خزائنه‪ .‬أمل تتساءل هذه الساطري‪ ،‬مل يرفع البنك‬
‫املركزي الفوائد حينا وخيفضها حينا أخر‪ .‬وهل البنك املركزي يريد‬
‫القضاء عىل الاقتصاد برفع الفوائد حمابة للغنياء‪.‬‬
‫واجلواب واحض‪ :‬وهو أن البنك يقدم المتويالت من رصيده من ودائع‬
‫املودعني‪ .‬فأسعار الفوائد عىل المتويالت‪ ،‬مش تقة من أسعار الفوائد‬
‫عىل الودائع‪.‬‬
‫وحاكية حتديد أسعار الفوائد عىل الودائع اليوم يه نفسها اليت اكنت يف‬
‫عرص اذلهب‪ ،‬اللهم أهنا اليوم أصبحت بيد االإنسان العاقل بعد ان‬
‫‪201‬‬
‫اكنت بيد امجلاد اذلهب الغري عاقل‪ .‬فف عرص اذلهب اكنت ديناميكية‬
‫أسعار الفوائد ألية حمضة حتمكها سوق االإنتاج احلقيق ‪ .‬فالبنك املركزي‬
‫يف حقبة اذلهب‪ ،‬لو أعلن ختفيض سعر الفائدة فلن ي ُس تجاب هل‪.‬‬
‫فالبنوك تعمل يف نظام سوق حر‪ ،‬فس يحمكها سوق العرض والطلب‬
‫بني الودائع والمتويالت‪.‬‬
‫وأما اليوم فقد فرض النقد املعارص نفسه عىل النظام املايل‪ .‬فأصبح‬
‫قرار رفع الفائدة وختفيضها‪ ،‬وابلتايل تكديس الوادئع او تسييلها‪ ،‬يه‬
‫اليوم قرارات من البنك املركزي فهذه الفلوس تُضخ وتُسحب مبجرد‬
‫الشطب واالإضافة يف السجالت احلسابية‪ .‬وأصبح البنك املركزي عىل‬
‫املدى القصري ‪ -‬حىت ُخس س نوات أو أكرث أحياان‪ -‬هو املتحمك الوحد‬
‫فهيا مما يعط فرصة للمجمتع الاقتصادي بتصحيح أخطاء تسارع‬
‫الطفرات الاقتصادية يف ظل تزويد السوق املالية بنوع من المان يك‬
‫يضمن اس تقرارها‪.‬‬
‫حفقيقة سعر الفائدة عىل الودائع أساسه قدميا وحديثا أن الفائدة عوض‬
‫عن الفرصة الضائعة من عدم الاستامثر ابلموال املودعة‪.‬‬
‫فف فرتات ازدهار النشاط الاقتصادي تكرث الفرص الاستامثرية‬
‫وترتفع عوائدها فرتتفع الفائدة ابرتفاع فوات الفرصة من عدم الاستامثر‬
‫هبذه الموال والعكس حصيح‪ .‬فف فرتات المنو يرتفع الطلب عىل‬
‫المتويالت ويقل عرضها بتناقص الراغبني يف اإيداع أمواهلم يف البنوك‪.‬‬
‫فال يودع يف البنك اإال العاجز ‪-‬فنيا أو نفس يا‪ -‬عن استامثر أمواهل يف‬
‫بناء الاقتصاد‪ .‬مفن أجل ذكل تبدأ الفائدة يف الارتفاع تدرجييا يف عرص‬
‫‪202‬‬
‫الازدهار الاقتصادي مع تزايد الطلب عىل المتويالت اذلي يتسبب‬
‫بنقص الودائع ‪ -‬اليت يه أساس توليد الموال ‪ -‬فيشلك هذا قيدا‬
‫أوتوماتيكيا يف عرص اذلهب عىل الطفرات االإنتاجية فمينع من ارتفاع‬
‫السعار‪ .‬ولكن اذلهب ال عقل هل فهو ال يدرك ان ادلورات‬
‫الاقتصادية االإنتاجية خملرتع جديد ‪-‬كثورة االتصاالت او ادلوت مك‪-‬‬
‫حتتاج لعقد من الزمن حىت تنضج‪ ،‬فلو اننا يف عرص اذلهب ملا وصلنا‬
‫اىل مال وصلنا اليه اليوم‪ .‬فشح اذلهب من الس نة الاوىل او الثانية‪،‬‬
‫س يخنق الطفرة وينتكسها اىل حفرة ال خيرج مهنا الاقتصاد الا بعقد‬
‫من الزمان‪ .‬ومعق النكسات الاقتصادية يف عرص اذلهب‪ :‬لنه عند‬
‫تقهقر الاقتصاد ال يس تطيع بعض املستمثرين من تسديد املس تحقات‬
‫واليت يه يف أساسها ودائع بنكية للغري‪ .‬فيفلس البنك بسبب تزامح‬
‫املودعني عىل البنك السرتداد ودائعهم‪ .‬وحىت ولو أن البنك مل يودل‬
‫الموال ابالإقراض بل أقرض عني الودائع نفسها‪ ،‬فاإن جمرد الاحنسار‬
‫الاقتصادي حيدث الفوىض واخلوف ويطالب أهل الودائع بودائعهم ولن‬
‫حيصل بعضهم علهيا‪ .‬فيدخل الاقتصاد يف هاوية انعدام الس يوةل لفرتة‬
‫طويةل حىت يس تطيع اجملمتع الاقتصادي تعويض خسائر اذلهب الضائع‬
‫ومجدت وتوقفت عن االإنتاج‪.‬‬ ‫يف الاستامثرات اليت فشلت أو عُطلت ُ‬
‫ومبا أن اذلهب حمدود فس تطول وتسوء احلاةل الاقتصادية حىت يتوفر‬
‫اذلهب من جديد وحىت يعوض اجملمتع العقول الاستامثرية اليت غُيبت‬
‫يف جماهيل االإحباط‪ ،‬بسبب اإفالسهم‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫فلام جاء عرص الةل‪ ،‬تزايد االإنتاج بوترية أرسع من تزايد اذلهب‪ .‬وهذا‬
‫س يؤدي حامت اإىل اخنفاض السعار وخرسان املستمثر‪ .‬وعليه فقد أصبح‬
‫اهنيار الاقتصاد حمتيا ال مفر منه يف عرص الةل‪ ،‬وس يحدث عىل‬
‫فرتات متقاربة‪ .‬فاكن البحث عن ألية أخرى حتمك أسعار الفوائد رضورة‬
‫ملحة حلفظ الموال واجملمتع الاقتصادي‪.‬‬
‫فلام اس تقل النقد عن اذلهب وأصبح متعلقا ابالإنتاج احلقيق ‪ ،‬صار‬
‫قرار البنك املركزي يف رفع الفائدة أو خفضها ‪-‬عىل الودائع ومن مث عىل‬
‫االإقراض‪ -‬ينبع من استباقه حلاةل الاقتصاد احلقيق لدلوةل‪ ،‬من أجل‬
‫منع الطفرات ومنع الاهنيارات الاقتصادية أو ختفيفها وتقصري مدهتا‪.‬‬
‫فادلرامه مرامه عند البنك املركزي يبذلها بسخاء عند ضعف الاقتصاد‬
‫لكيال هيل السوق جوعا‪ ،‬ويسحهبا اإذا ش بع لكيال هيل ُختمة‪ .‬فف‬
‫الاقتصاد املعومة معلته‪ ،‬يقوم البنك املركزي خبفض أسعار الفوائد‬
‫تدرجييا عند وجود أي دالئل احنسارية لمنو الاقتصاد‪ .‬ويصاحب اإعالن‬
‫خفض الفائدة “ طبع ” خض الفلوس يف النظام املايل عن طريق رشاء‬
‫الس ندات احلكومية فزتداد الس يوةل عند البنوك مما جيرب البنوك عىل‬
‫ختفيض الفائدة عىل المتويالت لترصيف ما عندها من الس يوةل‪،‬‬
‫فيتحرك الاقتصاد‪ .‬فاإذا تزايدت الس يوةل مبس توى أكرب من مقدرة‬
‫االإنسان والةل والتكنولوجيا عىل االإنتاج فاإن ذكل س يؤدي اإىل تضخم‬
‫صوري يف السعار ُ(ختمة) دون زايدة يف االإنتاج‪ ،‬فهنا يبدأ البنك‬
‫املركزي برفع أسعار الفائدة ليودع الناس فلوسهم يف البنوك فيخرجوهنا‬
‫من الاستامثر يف اقتصاد متخم ابلس يوةل‪ ،‬قد أصبحت موارده ال‬
‫‪204‬‬
‫تس تطيع استيعاب طلب املنتجني‪ .‬وس يقوم البنك املركزي حيهنا بدور‬
‫املقرتض لهذه الودائع‪ .‬وذكل بسحب هذه الودائع من البنوك وإاخراهجا‬
‫من النظام املايل عن طريق بيع الس ندات احلكومية اليت س تدفع سعر‬
‫الفائدة املرتفع اذلي يدفعها البنك للمودعني‪.‬‬
‫اإذا فالوديعة البنكية يه جمرد صامم للس يوةل املالية‪ .‬اكنت تتحمك به يف‬
‫عرص اذلهب اليد اخلفية للسوق ‪ -‬العرض والطلب ‪ .-‬مث أصبح البنك‬
‫املركزي يف عرص النقود الرمقية هو املتحمك يف هذا الصامم‪.‬‬
‫وهذه ادليناميكية تنطبق أيضا عىل ادلول املرتبطة معلهتا بعمةل أخرى‬
‫اإال أن هناك هدفا اإضافيا ينظر اإليه البنك املركزي يف ادلوةل املرتبطة‬
‫معلهتا بغريها‪ ،‬أال وهو احملافظة عىل سعر الرصف املعلن‪ .‬فقد يكون يف‬
‫اقتصاد العمةل املربوطة فرص استامثرات حيتاهجا اجملمتع الاقتصادي‪.‬‬
‫وتكون املوارد متوفرة‪ ،‬أي ان هناك أةل وإانسان متوفران الإجناز هذه‬
‫الاستامثرات‪ ،‬من دون أن حيدث تزامح عىل املوارد‪ ،‬لكن يبقى فقط‬
‫احلاجة للمتويل‪ ،‬ومع ذكل ترى البنك املركزي يرفع أسعار الفوائد ملنع‬
‫المتويالت!‪.‬‬
‫يف هذه احلاةل‪- ،‬نظراي‪ -‬يكون هدف تثبيت سعر الرصف للعمةل احمللية‬
‫لدلوةل هو الهدف الاسرتاتيج والغالب عىل قرارات البنك املركزي‪.‬‬
‫وأان اعتقد اإن هذا خطأ كبري اإذا اكن الاقتصاد قادر عىل االإنتاج‪ ،‬أي‬
‫ان انه يتوفر به الانسان واحملراث‪.‬‬
‫أما اإن اكن الاقتصاد غري انتايج‪ .‬والعمةل احمللية‪ ،‬معةل ضعيفة‪ .‬وادلوةل‬
‫منفتحة عىل العامل اخلاريج‪ .‬والسوق قد ضعفت ثقته ابلعمةل احمللية‪-‬‬
‫‪205‬‬
‫بسبب ديون ادلوةل أو فسادها أو سوء اترخي معلهتا‪ -‬فعنده نزعة‬
‫لتبديل ما حيصل عليه من معةل حملية‪ ،‬اإىل معالت أجنبية‪ .‬فهنا فلو‬
‫خفض البنك املركزي سعر الفائدة من أجل طرد الودائع وقام بضخ‬
‫الموال من أجل التوسع يف املشاريع‪ -‬ولو اكنت مواردها حملية‪-‬‬
‫فس تكرث الس يوةل ابلعمةل احمللية يف داخل اجملمتع وسيبدأ الناس‬
‫ابستبدالها ابلعمالت الجنبية ولو من غري حاجة اس ترياد أو حنوه‬
‫ولكن حبثا عن المان‪ ،‬وس يعجز البنك املركزي عن استبدالها‬
‫ابلعمالت الجنبية‪ ،‬فتهنار العمةل احمللية ويتبع ذكل ما يتبعه من أرضار‬
‫عظمية عىل الاقتصاد الضعيف او الغري منتج أو الناشئ‪ ،‬ال عىل‬
‫الاقتصاد االإنتايج‪ ،‬فهو ال يترضر انتاجه من اخنفاض العمةل بل‬
‫يتحسن‪ ،‬وس يأيت ذكل الحقا يف فصول موضوع اقتصادايت النظام‬
‫النقدي ادلويل‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬اقتصادايت النظام النقدي ادلويل‬
‫الباب الول‪ :‬ما يه قمية العمةل املعومة؟‬
‫للعمةل قميتان‪ ،‬قمية حملية وقمية دولية‪ .‬ونعين ابلقمية احمللية أي القوة‬
‫الرشائية للعمةل داخل سوقها‪ ،‬مع التنبيه اإىل أن من العمالت ما قد‬
‫يغلب عىل سوق غري سوقها‪ ،‬اكدلوالر يف بعض ادلول‪ .‬وتعومي العمةل‪،‬‬
‫مصطلح يلحق هبا يف السوق ادلولية‪ ،‬ال يف السوق احمللية‪ .‬فال توجد‬
‫معةل معومة يف سوقها احمليل‪ ،‬فلك أسواق النقد مربوطة بس ياسات‬
‫بنوكها املركزية‪.‬‬
‫والقمية احمللية للعمةل‪ ،‬اكلفلوس اليت اكنت قدميا من حناس ونيلك‪،‬‬
‫وكنقود اليوم‪ ،‬تكتسب مصداقيهتا ابتداء بفرض سلطان ادلوةل‪ ،‬مث‬
‫تكتسب قميهتا بعد ذكل من السوق‪ ،‬مبقدار خض البنك املركزي لها‪.‬‬
‫فاإن ضاعف مكيهتا؛ فس تزنل قميهتا مبقدار زايدهتا عىل القل‪ .‬والغالب‬
‫أهنا س هتُ جر من التعامل‪ ،‬وس يلجأ السوق اإىل التعامل بعمةل أجنبية‪.‬‬
‫ولن تفلح أي هجود يف اإجبار السوق عىل التعامل هبا‪ ،‬أو يف حفظ‬
‫قميهتا همام بذلت ادلوةل من سلطة قومية أو سلطة بوليس ية ودموية‬
‫لتحقيق ذكل‪ .‬وادلول الاشرتاكية‪ ،‬ومن دار يف فلكها‪ ،‬أظهر جتربة‬
‫شاهدة عىل ذكل‪.‬‬
‫والعمةل ذات س يادة وطنية يف سوقها‪ ،‬فال تتعدى معةل أجنبية عىل‬
‫سوقها اإال لضعف س يادهتا الوطنية أمام العمةل الجنبية‪ .‬والضعف قد‬
‫يكون انجتا عن اضطراابت يف المن أو حضاةل يف االإنتاج أو ضأةل يف‬
‫جحم سوقها‪.‬‬
‫وأما القمية ادلولية للعمةل فنعين هبا‪ ،‬سعر رصفها أمام العمالت ادلولية‪.‬‬
‫ويف السوق ادلولية‪ ،‬هتمين معةل الاحتياط ادلولية‪ ،‬عىل التجارة العاملية‬
‫بني تبادالت ادلول ذات العمالت الضعيفة‪ ،‬وعىل تبادل البضائع‬
‫القياس ية املتجانسة‪ ،‬اكلطاقة واحلبوب واملعادن‪ .‬وقدميا مل تكن هناك‬
‫معالت معومة‪ ،‬فقد اكنت العمةل قدميا‪ ،‬تكتسب همينهتا يف السوق‬
‫ادلولية من اترخي مصداقيهتا يف الالزتام مبدى دقة سكها وصفاء ذههبا‪،‬‬
‫اكجلنيه الربيطاين‪ .‬وبعد ظهور العمالت الورقية يف أوراب يف أواخر‬
‫القرن السابع عرش ميالدية‪ ،‬أصبحت العمةل تكتسب همينهتا يف‬
‫السوق ادلولية من اترخي مصداقية بنكها املركزي يف الالزتام مبعدل‬
‫ربط رصفها ابذلهب‪ .‬ومع احلرب العاملية الوىل‪ ،‬غدت السوق ادلولية‬
‫خالية من أي معةل ذات مصداقية للتعامل؛ فتعطلت التجارة ادلولية‪،‬‬
‫حىت دخول ادلوالر زمن هناايت احلرب العاملية الثانية (بعد معاهدة‬
‫برتن وود) كعمةل ذات مصداقية للسوق ادلولية‪ .‬ومل تدم مصداقية‬
‫ادلوالر يف الزتامه بسعر رصفه مع اذلهب‪ .‬فالطفرة الهائةل يف االإنتاج‬
‫وبناء أوراب‪ ،‬أتت عىل خمزون اذلهب المرييك فاس هتلكت ثالثة‬
‫أرابعه‪ ،‬يف أقل من ثالثة عقود‪.‬‬
‫وأنذاك‪ ،‬ما اكن هناك من بديل عن ادلوالر‪ .‬فالعامل احلر‪ ،‬اكن معمتدا‬
‫بلك ثقهل عىل الةل المريكية‪ ،‬والاخرتاعات المريكية‪ ،‬وامحلاية‬
‫العسكرية المريكية‪ .‬فبغياب املنافس لدلوالر‪ ،‬وبوجود احلاجة امللحة‬
‫للتجارة ادلولية‪ ،‬ومعق الاقتصاد المرييك وخضامة جحمه‪ ،‬ظهرت فرصة‬
‫اختبار نظرية تعومي العمةل‪ ،‬مع ظهور المهية الاسرتاتيجية للنفط‪.‬‬
‫‪208‬‬
‫فادلوالر المرييك وإان مل يعد حيهنا قادرا عىل الوفاء بقميته من اذلهب‪،‬‬
‫اإال أنه ما زال قادرا عىل الوفاء بقميته من السلع القياس ية املتجانسة‪،‬‬
‫وعىل رأسها النفط (وهذه مرحةل قد انقضت وانهتت‪ ،‬مفا عاد ادلوالر‬
‫حباجة لسلع تقميه‪ ،‬بل السلع يه اليت حباجة لدلوالر مكركبة مالية يف‬
‫التبادالت ادلولية)‪.‬‬
‫فادلوالر اإذن أصبح عامئا يف السوق ادلولية‪ ،‬تُكتسب قمية رصفه من‬
‫قمية ما يأيت به من بضائع وخدمات‪ .‬مفا عاد البنك املركزي المرييك‬
‫(الاحتياط الفدرايل) ملزتما ابذلهب يف السوق ادلولية‪ .‬فلقد انتقل‬
‫الالزتام بقمية ادلوالر‪ ،‬من البنك املركزي اإىل التاجر امل ُنتج املصدر‬
‫للبضاعة‪ .‬فالمرييك ي ُسعر بضاعته ابدلوالر؛ لن أجور عاملته ابدلوالر‪.‬‬
‫والياابين ابلني؛ لن عاملته تأخذ أجرها ابلني‪ .‬فقام ُمصدر الس يارة‬
‫الياابين‪ ،‬مقام البنك املركزي يف استبدال العمةل ابذلهب ‪-‬وهو سلعة‬
‫قياس ية‪ ،-‬وذكل يف استبدال الني بسلعة ‪-‬اكلس يارة‪ ،-‬لها قمية تقابلها‬
‫من السلع الخرى يف السوق الياابنية‪.‬‬
‫ويظهر أمامنا هنا الارتباط الواحض بني القمية الرشائية للعمةل حمليا وقميهتا‬
‫دوليا‪ .‬وجيب أن نتذكر هنا بأننا ندور يف فل النقد‪ ،‬ومنه التضخم‬
‫النقدي‪ ،‬فال يُدخل التضخم التمنوي يف قمية العمةل حمليا‪ُ ،‬لريى أثره‬
‫عىل سعر الرصف‪ ،‬وبيان ذكل يف الفصل القادم‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬تقيمي العمةل بأقل أو أكرث من قميهتا‬
‫مصطلح اإعادة تقيمي العمةل يتعلق ابلتجارة اخلارجية‪( .‬الن الطلب عىل‬
‫العمالت الجنبية‪ ،‬ال يكون اإال بسبب حاجة رشاء سلع حقيقية أو‬
‫‪209‬‬
‫مالية من دوةل أخرى)‪ .‬وال يطلق اإال عىل العمةل املربوطة بغريها‪ ،‬بأحد‬
‫أشاكل الربط‪ .‬وهذه الشاكل يف احلقيقة‪ ،‬اإمنا متثل درجات شدة الربط‪.‬‬
‫فترتاوح من اشد الربط‪ ،‬اكلوحدة النقدية‪ ،‬اإىل التعومي النظيف (وهذا‬
‫نظري‪ ،‬فال يوجد تعومي نظيف ‪ .)٪١٠٠‬مفن اشاكل نظام ربط‬
‫العمةل‪ :‬الربط بعمةل واحدة‪ ،‬أو الربط بسةل معالت‪ ،‬او الربط بعمةل‬
‫واحدة أو بسةل معالت مع ترك هامش تذبذب‪ ،‬أو اكلربط مع التدرج‬
‫يف رفع سعر العمةل أو خفضها‪ ،‬بنسب حمددة يف أزمنة معلنة‪ ،‬أو‬
‫تكون النسب والزمنة جمهوةل (وعدم االإفصاح عن النسب والزمنة‪،‬‬
‫جيعل العمةل أقرب حلال التعومي القذر)‪.‬‬
‫فادلوةل اليت يكون دلهيا فائض جتاري‪ ،‬ستشح معلهتا لكرثة الطلب‬
‫علهيا‪ ،‬وسريتفع سعرها‪ .‬والسامح للسوق برفع سعر العمةل املربوطة‪،‬‬
‫يعترب كرسا للربط‪( ،‬متاما كام أن العكس حصيح)‪ .‬وابلتايل فعىل البنك‬
‫املركزي اإعادة تقيمي معلته بسعر رصف أعىل‪ .‬فاإن خض البنك املركزي‬
‫من معلته ما يف بمكية الطلب‪ ،‬دون تغري سعر معلته املربوطة‪ ،‬تصبح‬
‫معلته حينئذ ُمقمية بأقل من قميهتا‪ .‬وقد يعترب هذا عدواان اقتصاداي‪،‬‬
‫اكلصني‪.‬‬
‫والسبب يف كونه عدواان‪ :‬أنه مع رل ضد س نة خلق هللا دليناميكية‬
‫السوق التجارية ادلولية‪ .‬فادليناميكية السوقية للتجارة ادلولية تعمل‬
‫اكملزيان بني اقتصادايت ادلول‪ .‬وسعر رصف العمةل هو أداة ديناميكية‬
‫السوق‪ .‬ومعىن كوهنا مزياان‪ ،‬أي أهنا توجه الاس ترياد العامل جتاه‬
‫الاقتصاد الضعيف عن طريق رفع معةل الاقتصاد القوي‪ .‬فيتعاىف‬
‫‪210‬‬
‫الاقتصاد الضعيف‪ ،‬ويُنفَس الاقتصاد املتمنر‪ ،‬بيامن تس متر عافية‬
‫الاقتصادايت املتعافية‪( .‬فكن ديناميكية السوق ادلولية فهيا نوع من‬
‫مفهوم الاشرتاكية‪ ،‬بتضحية القوي لجل انقاذ الضعيف)‪ .‬وهذا التوازن‬
‫جيري تلقائيا بس نة هللا اليت خلق السوق علهيا‪ ،‬س بحانه‪ .‬ذلا‪ ،‬فضخ‬
‫الصني لليوان يف سوق العمالت‪ ،‬من أجل احملافظة عىل اخنفاض‬
‫اليوان يعترب تمنرا عدوانيا عىل ادلول املنافسة املصدرة ككوراي والياابن‪.‬‬
‫ذكل‪ ،‬لن اخنفاض قمية اليوان‪ ،‬خينق اقتصادهيام‪ ،‬ابنزتاع الصفقات‬
‫التجارية ادلولية مهنام‪ .‬وهذا اخلنق ليس لكفاءة منتج‪ ،‬بل جملرد تغيري‬
‫لرقام يف ادلفرت احملاس يب‪ .‬وكذكل يعترب عدواان عىل ادلول اليت‬
‫تس تورد برشاهة من الصني‪ ،‬فقد يتسبب هذا بتعطيل اقتصادها‪،‬‬
‫اكذلي تدعيه أمرياك‪ ،‬تغنجا ‪-‬كام اعتقد‪ .-‬فاقتصاد أمرياك القامئ عىل‬
‫الاخرتاع‪ ،‬يناس به هذا الوضع‪ .‬فالشكوى المريكية‪ ،‬ما يه الا‬
‫مناورات لكسب صوت الناخب المرييك‪ ،‬وسلوك اسرتاتيج دلفع‬
‫الصني بعدم التفكري‪ ،‬يف تعديل املزيان التجاري‪ ،‬من أجل دفع‬
‫الاقتصاد المرييك للتطور‪ ،‬حبده لالخرتاع والابتاكر – خاصة بغياب‬
‫احلروب ‪ -‬وابلتايل احملافظة عىل المنو الاقتصادي لمرياك بل وللعامل‬
‫لكه‪ .‬فالصناعات اليت تصدرها الصني لمرياك‪ ،‬غالهبا صناعات بدائية‬
‫اس هتالكية تنافس ية ابلنس بة لمرياك‪ .‬فالفضل لالقتصاد المرييك أن‬
‫ُخيدم مبن يصنع هل مثل هذه الصناعات‪ ،‬ليتفرغ ويتحفز ملا هو جديد‪.‬‬
‫وهذا قد حدث سابقا يف أزمنة وأحوال وأشاكل خمتلفة‪ .‬مهنا مثال‪:‬‬
‫عندما تعاهد المرياكن والوربيون‪ ،‬رواد صناعة النس يج واملالبس‪،‬‬
‫‪211‬‬
‫فوضعوا اتفاقية فرض احلصص احملددة من النس يج والثياب واملالبس‬
‫للك دوةل‪.‬‬
‫واكنت صناعة النس يج الكورية من أعظم املترضرين من هذا القرار‪،‬‬
‫حيث وجدت نفسها أمام حاجز جتاوزها حصص التصدير‪ .‬لكن هذا‬
‫القرار دفع كوراي لصناعات أكرث تقدما‪ ،‬كام فتح الباب دلول أخرى‬
‫مسحوقة اقتصاداي‪ ،‬لتؤسس اقتصادايت النس يج يف بالدها‬
‫كبنجالدش‪ ،‬كام دفع الاقتصاد المرييك حنو صناعات جديدة متطورة‪،‬‬
‫فعوض السوق خسارته‪ ،‬بصناعات أرىق‪ ،‬ذات رب اوفر‪ ،‬والمه أن‬
‫فهيا جمال واسع‪ ،‬للتطوير واالإبداع‪ ،‬اذلي هو حمرك المنو وقلبه‪.‬‬
‫ويُنتبه‪ :‬أنه ال يلزم الربط‪ ،‬للتالعب بقمية العمةل احمللية‪ .‬فميكن للبنك‬
‫املركزي أن ميارس التعومي القذر (يطلق هذا املصلح عىل التعومي اذلي‬
‫يتدخل فيه البنك املركزي للتأثري عىل سعر رصف معلته‪ .) .‬ويكون‬
‫التالعب بقمية العمةل املعومة‪ ،‬بضخ البنك املركزي مهنا يف السوق‬
‫ادلولية‪ ،‬ليليب زايدة الطلب العامل علهيا‪ .‬فمينع بذكل من ارتفاع سعر‬
‫رصفها‪ .‬اإذا‪ :‬فتغري قمية العمةل املعومة‪ ،‬ال ي ُسمى اإعادة تقيمي العمةل‪ ،‬بل‬
‫ي ُسمى ارتفاع سعر رصف العمةل يف حال الزايدة أو اخنفاض سعر‬
‫الرصف‪ ،‬يف حال النقصان‪ .‬وسبب عدم تسميهتا ابإعادة تقيمي العمةل‪ :‬هو‬
‫كام بيناه سابقا‪ ،‬بأن ديناميكية السوق يه من تقوم ابإعادة تقيميها‬
‫اوتوماتيكيا طبقا لعوامل الطلب علهيا والعرض‪ ،‬ال بتدخل البنوك‬
‫املركزية‪ ،‬فيفسد توازانت اقتصادايت العامل‪.‬‬
‫وقفة اقتصادية من التارخي‪:‬‬
‫‪212‬‬
‫‪-‬صناعة النس يج بني أمرياك وأورواب مقابل كوراي وبنجالديش‪-‬‬
‫يف الس بعينيات‪ ،‬خطب نيكسون يف نورث اكروالينا خطبة عصامء‬
‫أفصح فهيا عن عزمه محلاية صناعة النس يج يف بالده من الاس ترياد‬
‫الجنيب‪ .‬وحتالف نيكسون يف حربه هذه مع الوربيني اذلين اكنوا‬
‫يعانون من املشلكة نفسها‪ .‬فتعاهد حلفاء رواد صناعة النس يج‬
‫واملالبس عىل اتفاقية فرض احلصص احملددة املفصةل من النس يج‬
‫والثياب واملالبس للك دوةل ‪.‬‬
‫وقد اكنت صناعة النس يج الكورية من أعظم املترضرين من هذا‬
‫القرار‪ ،‬حيث وجدت نفسها أمام حاجز جتاوزها حصص التصدير ‪.‬‬
‫تزامن ذكل مع مه وطين محهل عبد اجمليد تشودري‪ ،‬وهو يرى بالده‬
‫بنجالديش بعد احلرب الهلية‪ ،‬ويه من أفقر بالد العامل وأكرثها بطاةل‬
‫وهجال وقد انترشت فهيا العصاابت واكتظت ابلالجئني ‪.‬‬
‫ساح عبد اجمليد يف البالد يبحث عن فرصة اقتصادية لبالده تنقذها‬
‫من املهلكة اليت تسري اإلهيا سريا حثيثا‪ .‬ويف كوراي رأى ما جذب‬
‫انتباهه‪ .‬فبنجالديش من أعىل ادلول يف زايدة نس بة النساء عىل‬
‫الرجال‪ .‬فقد رأى عبد اجمليد يف مصانع النس يج الكورية وقد غلبت‬
‫علهيا العامةل النسائية الفرصة اليت يبحث عهنا‪ ،‬حفمل هبا يف بالده‪ ،‬ومل‬
‫يدر أنه حلمه جاء متوافقا مع فرصة فرض احلصص عىل الاس ترياد ‪.‬‬
‫تلطف عبد اجمليد حىت اس تطاع أخذ موعد مع كمي الكوري‪ ،‬الرئيس‬
‫التنفيذي لكرب رشاكت صناعة املالبس يف كوراي‪ .‬اكن موعدا للقاء عابرا‬
‫ال يتجاوز دقائق خالل اسرتاحة الغداء‪ ،‬لكنه امتد اإىل قرابة جفر ذكل‬
‫اليوم يف عام ‪1971‬م‪.‬‬
‫قال كمي يف مقابلته «اكنت راحئته ال تطاق ابلنس بة لنا حنن الكوريني»‪،‬‬
‫ولكن حديث عبد اجمليد عن مزية العامةل النسائية يف بنقالديش‪ ،‬أراه‬
‫‪213‬‬
‫طوق النجاة من التخصيص الاس تريادي المرييك الوريب‪ .‬وهكذا‬
‫خترج اإبداعات احللول والابتاكرات من خماض نقاشات الذكياء‪ ،‬اإذا‬
‫اجمتعوا عىل طاوةل احللول‪ ،‬وقد خلت نفوسهم من التحاسد وزالت‬
‫عهنا أس باب التنافس الهدام‪ ،‬وتواجدت أس باب التنافس البناء ‪.‬‬
‫وعاد عبد اجمليد اإىل بنجالديش‪ ،‬وهو حيمل حتداي حقيقيا‪ .‬فقد اكن‬
‫ملكفا ابإحضار ‪ 120‬مرحشا بنقاليا ليتدربوا س تة أشهر يف كوراي عىل‬
‫اإدارة مصانع النس يج‪ ،‬ومن أين هل برجال مناس بني وليس يف‬
‫بنجالديش‪ -‬أنذاك‪ -‬اإال ثقافة اجلهل والمية وفالحة الرض ‪.‬‬
‫وعاد عبد اجمليد ابلرجال املطلوبني‪ ،‬مفا اإن وطأ البنقال الرض الكورية‬
‫حىت امشأزت نفوسهم من الكوريني واس تفرغت البطون طعاهمم‪ .‬فاكن‬
‫ادلرس الول‪ ،‬أن حشا عبد اجمليد بطون رجاهل بأشد طعام الكوريني‬
‫مذاقا‪ ،‬وأنذرمه أن ال وهللا ولو تفتقت أمعاؤمك وتقلبت معدمك‪ ،‬حىت‬
‫تسطع من حميامك نرضة طيب الطعام‪ ،‬وحتيك الصحون الفارغة ذلة‬
‫املذاق‪ ،‬مث تتفتح عقولمك عىل ثقافات الشعوب من غريمك‪ ،‬لتفهموا‬
‫حديهثم وتنالوا من علوهمم‪.‬‬
‫عاد البنقال مبستشار كوري ليبنوا مصانع املالبس والنس يج يف بالدمه‪.‬‬
‫عادوا بعدما اجتازوا برانمج التدريب الصارم بنجاح حقيق ‪ ،‬فقد اكن‬
‫الكوريون يستمثرون فهيم ال يستمثرون مهنم‪ .‬عاد البنقال ُمديرين‬
‫حقيقيني ال صورا‪ ،‬مفا اكن املستشار الكوري ليقوم ابلعمل عهنم‬
‫ليُسجل ابمسهم‪ ،‬وهو من يدفع هلم وليس مه من يدفعون هل‪ ،‬كام هو‬
‫حال دول اخلليج ‪.‬‬
‫وقامت صناعة املالبس والنس يج يف بنجالديش من الصفر‪ ،‬وأصبحت‬
‫اليوم تشلك مثانني ابملئة من صادرات البالد‪ ،‬كام أصبحت هذه‬
‫الصناعة يه حمرك الاقتصاد يف بنقالديش‪ .‬فغالب اإنتاج البالد من‬
‫‪214‬‬
‫أجل صناعة النس يج‪ ،‬ومن أجل ما يس هتلكه القادرون عىل الرشاء من‬
‫عامةل مصانع النس يج من مألك ومسكن ومرشب‪ .‬واليوم قد تضاعف‬
‫دخل البنقايل عرشة أضعاف عام اكن عليه يف الس بعينيات‪- ،‬وابإخراج‬
‫التضخم‪ ،‬يكون س تة أضعاف‪-‬‬
‫وأما خطط نيكسون وحلفائه الوروبيني‪ ،‬فقد انقلبت علهيم‪ ،‬حيث‬
‫قدل كوراي يف التفافها عىل احلصص املصدرة‪ ،‬دول كثرية قامت بتوليد‬
‫بدلان مصدرة جديدة‪ .‬فتوهجت الهند مثال اىل نيبال‪ ،‬وقصدت اتيوان‬
‫مكبوداي‪ ،‬وذهبت سريالناك للامدليف‪ ،‬وهكذا فعلت الصني وغريها‪.‬‬
‫وهبذا ُالغيت هذه االتفاقية‪ ،‬واليوم ال تاكد جتد ملبوسا أو نس يجا يف‬
‫أورواب وأمرياك اإال وهو مس تورد من خارهجا‪ .‬وهكذا يه نتاجئ القرارات‬
‫القصرية النظر اليت تأيت بعكسها‪ .‬وإان اكن العكس ال يس تلزم أن يكون‬
‫سيئا‪ ،‬بل لعهل يكون أحياان فتح طريق جملال خري أفضل وأنفع‪.‬‬

‫تطبيق‪ :‬ق مية الرايل اليوم‬


‫بداية‪ ،‬فس بق أن عرفنا أن للعمةل قميتان‪ ،‬قمية حملية وقمية دولية‪ .‬وعبارة‬
‫تقيمي العمةل بأقل أو اكرث من قميهتا‪ ،‬اإمنا املقصود به‪ :‬قميهتا أمام العمالت‬
‫الخرى‪.‬‬
‫فاجلواب الصحيح‪ :‬أنه ال ميكن لحد أن يثبت بأن الرايل مقمي بأقل من‬
‫قميته أو بأكرث من قميته‪ .‬فالرايل ال تنطبق عليه أي من النظرايت‬
‫املتعلقة هبذا املوضوع‪ .‬وذكل؛ بسبب اعامتد اجملمتع لكيا عىل البرتول‬
‫بطريق مبارش أو غري مبارش‪ ،‬فاجملمتع الاقتصادي ال ينتج سلع متنوعة‬

‫‪215‬‬
‫تس تجلب الطلب علهيا‪ .‬فهو ليس اكليوان الصيين اذلي يصح أن يُقال‬
‫اإنه مقوم بأقل من قميته أمام ادلوالر‪ ،‬وبيان هذا‪:‬‬
‫فبداية‪ ،‬فامب أن الرايل ال يقابهل سلع حملية‪ ،‬فليس لنا اإال مقابلته مرة‬
‫ابدلوالر‪ ،‬ومرة ابلنفط‪ .‬اإذا فسنسل طريقني يف حماوةل تقيمي قمية‬
‫الرايل‪ ،‬ليتبني لنا أنه من الصعب اجلزم ابلقول‪.‬‬
‫أما الطريق الوىل‪ :‬فباعتبار أن ادلوالر هو اذلي ميثل قمية الرايل‪ :‬فقمية‬
‫الرايل نظراي‪ ،‬اإمنا جاءت ابتداء ‪ -‬يف تل احلقبة‪ ،‬أواسط الامثنينات‪- 1‬‬
‫من مقدرته الرشائية حمليا ومقارنهتا بسوق ادلوالر أي السوق‬
‫المريكية‪ .‬فقد اكنت ‪ ٣٧٥٠‬رايل مثال‪ ،‬تكف مرصوف عائةل عىل‬
‫احتياجاهتا املعيش ية‪ ،‬من مألك ومرشب ومسكن‪ .‬وابملقابل‪ ،‬لو أن‬
‫العائةل ذهبت لمرياك‪ ،‬الشرتت نفس سةل املشرتايت ب ‪١٠٠٠‬‬
‫دوالر‪ ،‬فهذا يعين أن ادلوالر يعادل‪ ٣.٧٥‬رايل يف القوة الرشائية‪.2‬‬
‫والشاهد أن هذا يقودان‪ ،‬اإىل أن قوة الرايل وضعفه تأيت من مقدرته‬
‫الرشائية داخل السعودية‪ ،‬ال من سعر رصفه امام العمالت الخرى‪.‬‬
‫لن ليس هل اس تقاللية يف السوق ادلولية فهو اتبع لدلوالر‪ ،‬فبحث‬
‫املسأةل يقع عىل ادلوالر‪ ،‬ومث يكتس به الرايل تبعا‪.‬‬

‫‪ 1‬ولتخفيف جفاء الطرح‪ ،‬فلنبدأ بتارخي الرايل اجملرد‪ :‬فس نجد نقال عن مؤسسه النقد السعودي‪ ،‬أن أول طرح لعمةل أصدرهنا مؤسسة النقد عام ‪ 1372‬هـ‪ ،‬هو اجلنيه‬
‫اذلهيب‪ ،‬اذلي يعادل أربعني رايال فضيا‪ ،‬واملساوية لحد عرش دوالر تقريبا؛ مما جيعل قمية الرايل الفيض مقارب لقميته اليوم أمام ادلوالر‪ .‬مث صارت قمية رصف الرايل‬
‫تعادل ‪ 4,5‬دوالر‪ ،‬أعتقد عندما ربط بسةل معةل صندوق النقد مث تأرحج‪ ،‬حىت ربط رمسيا أو تطبيقيا ابدلوالر عام ‪1987‬م ‪.‬‬
‫‪ 2‬وقد يكون تقيمي الربط قد بين عىل توافر الاحتياطيات أنذاك‪ ،‬وان اكن هذا ليس علميا‪ ،‬لكنه حممتل يف وضع الرايل السعودي‪ .‬وقد يكون مزجيا من الامرين‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫فلو أصبحت العائةل السعودية تشرتي نفس السةل بـ ‪ ٣٠٠‬رايل‪ ،‬بيامن‬
‫تشرتهيا يف أمرياك ب ‪ ١٠٠‬دوالر‪ ،‬فهنا يقال‪ :‬اإن الرايل ُمقمي بقمية أقل‬
‫من قميته احلقيقية‪ .‬والقمية العادةل هل هو ثالثة رايالت للك دوالر‪.‬‬
‫فلو اعمتدان هذه الطريقة يف احلساب فس نجد أن الرايل مقوم أعىل من‬
‫قميته احلقيقية منذ عام ‪١٩٨٨‬م اإىل اليوم‪ .‬وأن قميته املفرتضة حنو‬
‫‪ ٤.٤٣‬رايل‪ ،‬ابعامتد مؤرش أسعار املس هتل يف الك البدلين حىت عام‬
‫‪٢٠١٧‬م‪1‬‬

‫وأما الطريق الثانية‪ ،‬فباعتبار اإن البرتول هو اذلي ميثل قمية الرايل‪ ،‬ال‬
‫ادلوالر‪ .‬فعلينا أن نتصور مثال‪ ،‬وظيفة اكن راتهبا ‪ ٧٥٠٠‬رايل (أي‬
‫الف دوالر) عام ‪١٩٨٧‬م ‪-‬عام الربط‪ ، -‬فاكنت تلكف ادلوةل حنو‪٥٢‬‬
‫برميل نفط‪ ،‬عندما اكن سعر برميل النفط ‪ ٣٨.٥‬دوالر ‪ .‬ويف عام‬
‫‪١٩٩٨‬م صارت هذه الوظيفة تلكف ادلوةل ‪ ١١٢‬برميل من النفط‪،‬‬
‫بسعر ‪ ١٧.٨‬دوالر للربميل‪ .‬اإذا س يتبني لنا أن الرايل اكن مقامي بأعىل‬
‫من قميته كثريا يف عام ‪١٩٩٨‬م‪ ،‬الن الوظيفة قد اس هتلكت ‪١١٢‬‬
‫برميل من النفط مقابل ‪ ٥٢‬برميال ‪ ،‬س نة ربطه ابدلوالر ‪ .‬ومث يف عام‬
‫‪ ،٢٠٠٨‬صارت لكفة نفس الوظيفة عىل ادلوةل ‪ ١٤‬برميال من النفط‪،‬‬
‫عىل اعتبار ‪ ١٤٠‬دوالرا قمية برميل النفط‪ .‬اإذا س يتبني لنا أن الرايل‬
‫يف عام ‪ ٢٠٠٨‬اكن مقامي بأقل من قميته كثريا ‪ ،‬الن الوظيفة يف ذكل‬

‫‪ 1‬فباختاذ عام الربط ‪ 1987‬م كساس للمقارنة؛ فبدأان من ‪ 100‬كقمية ملؤرش أسعار املس هتل بالك البدلين‪ ،‬السعودية وأمرياك‪ ،‬فس نجد أنه يف عام ‪ ،2017‬قد بلغ املؤرش‬
‫يف السعودية ‪ 182.86‬وبلغ يف أمرياك ‪ .215.7‬أي أن سةل املشرتايت‪ ،‬صارت تلكف ‪ ٢٠٦٠‬رايال يف السعودية مقابل ‪ ٤٦٥‬دوالر لكفهتا يف أمرياك‪ .‬اإذا فالقمية املفرتضة‬
‫للرايل حنو ‪ ٤.٤٣‬رايل للك دوالر‪ .‬هذا اإذا قيل بصحة الافرتاضات وتطابقها يف الك املؤرشين‪( .‬وهذا جمرد مثال لتو ضيح املفاهمي‪ ،‬ال العامتد ارقامه)‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫العام قد اس هتلكت‪ ١٤‬برميل من النفط مقابل ‪ ٥٢‬برميال‪ ،‬س نة‬
‫ربطه ابدلوالر‪ .‬اإذا‪ ،‬فال توجد طريقة تثبت حصة ادعاء ان الرايل مقمي‬
‫بأكرث من قميته أو اقل‪.‬‬
‫ولعلنا نس تغل ما س بق لنعيد فنذكر بأن الاقتصاد القامئ عىل ثروة‬
‫خارجة عن نشاط جممتعه الاقتصادي‪ ،‬هو اقتصاد ال يتبع أَ لاي من‬
‫النظرايت الاقتصادية احلديثة‪ .‬فهو وإان اكن اقتصادا ال يقوم بنفسه‪،‬‬
‫اإال اإنه عامل قامئ لوحده‪ ،‬وال هيمت به العامل الغريب‪ .‬فهو اقتصاد يظل‬
‫متخبطا‪ ،‬اإن مل حيس نه أبناؤه‪.1‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬تدويل العمةل‬
‫تصبح العمةل دولية مىت ما اس ُتخدمت يف تبادالت السلع ادلولية‬
‫اكلنفط والقمح والرز‪ ،‬وحنوه‪ .‬فاس تخداهما يف السلع ادلولية‪ ،‬س يجعل‬
‫مهنا معةل احتياط يف البنوك املركزية كام س يجعل مهنا معةل من معالت‬
‫أسواق املش تقات‪ ،‬أي اهنا س تدخل يف كثري من الوراق املالية‪.‬‬
‫ولكن كيف تدول العمةل؟ وهل يصب هذا يف صاحل اقتصادها ام ال‪،‬‬
‫وجواب التساؤل الثاين حيتاج لوقفة اكمةل‪ ،‬ال حمل لها هنا‪ ،‬ولكن يكف‬
‫االإشارة أن الياابن يف الس بعينات نظرت يف فكرة تدويل الني‪ ،‬ومل ترى‬
‫أنه س يصب يف صاحل الاقتصاد الياابين‪ ،‬فعزفت عن الفكرة‪( .‬والني‬
‫معةل دولية‪ ،‬ولكن اىل حد ما‪ ،‬والقصد اكن العمل عىل ان حيتل الني‬

‫‪ 1‬وهذا يرشح لنا بعض أس باب ضعف عمل الاقتصاد عند دول النفط‪ .‬فأان اعتقد أن الرشحية الاقتصادية يف هذه ادلول‪ ،‬يه الضعف علميا‪ .‬وهذا الضعف زاد من‬
‫الاعامتد عىل اخلبري الاقتصادي الجنيب‪ ،‬واذلي بسبب الاعامتد اللك عليه سابقا؛ بدأ يتكشف اليوم مك من اخلسائر الهائةل اليت خرسهتا تل ادلول يف العقود السابقة‬
‫وس نخرسها يف العقود الالحقة‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫ماكان يزامح فيه ادلوالر‪ ،‬كام اكن هذا القصد هو أحد اهداف اليورو‬
‫الاقتصادية)‪.‬‬
‫ولنتأمل يف أورواب واليورو‪ ،‬فأورواب معلت عىل حتقيق املتطلبات‬
‫الالزمة اليت جيب أن تس بق تطبيق اليورو‪ .‬مث ُطبق اليورو عىل‬
‫البالد الوربية‪ ،‬اإال أنه جعز خالل العوام الالحقة عن حتقيق النتاجئ‬
‫املتوقعة يف املرحةل الوىل‪ ،‬واليت اكنت تُشلك املتطلبات املصاحبة‬
‫للتطبيق لجل حتقيق نظرية اليورو‪ .‬متطلبات اكحلركة ال ُعاملية‪،‬‬
‫واكاللزتام بنس بة ادليون للناجت احمليل يف بعض ادلول‪ .‬وقد ابن واحضا‬
‫اليوم أن أورواب أجعز من أن حتقق لليورو املتطلبات املس تقبلية الالزمة‬
‫الس متراريته اقتصاداي‪ .‬فاالس مترارية الاقتصادية لليورو تس تلزم حتقيق‬
‫جناحات التنبؤات التنظريية اليت س بقت اليورو‪ ،‬مكتطلبات الاندماج‬
‫الس يايس الاكمل بني ادلول الوربية‪ ،‬مث الاندماج اللغوي والثقايف بعد‬
‫ذكل‪.‬‬
‫فعىل الرمغ من التفاؤل اذلي اكن مصاحبا عند انطالقة اليورو‪ ،‬اإال أنه‬
‫اليوم قد بدأت تظهر سذاجة تنظرياته الاقتصادية‪ .‬وأعتقد أنه لو قام‬
‫املعارضون لليورو قبل قيامه‪ ،‬ابإثبات سذاجته يف تأصيل نظري علم‬
‫ُمحمك ومثبت‪ ،‬فلعل ذكل اكن سيسبب تراجعا أوربيا عن اليورو قبل‬
‫التورط فيه (وأان أحتدث هنا من نظرة اقتصادية حمضة‪ ،‬فاالعتبارات‬
‫الس ياس ية لليورو واس متراريته‪ ،‬اعتبارات لها حظ كبري من النظر‬
‫والاهامتم‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫ولنعود ملسأةل هذا الفصل‪ ،‬مسأةل تدويل العمةل‪ .‬وليك نفهم املسأةل‪ ،‬فامب‬
‫أن العمةل تصبح دولية مىت ما اس تخدمت يف تبادالت السلع ادلولية‬
‫اكلنفط والقمح والرز‪ ،‬وحنوه‪ ،‬فلنتصور أنه قد طرح امامنا فكرة‬
‫تدويل الرايل‪ ،‬عن طريق بيع النفط السعودي ابلرايل‪ ،1‬وذكل لتحقيق‬
‫املصلحة الاقتصادية من توفري مصدر متوييل أجنيب للبالد يفوق قمية‬
‫البرتول املُنتج‪ .‬فبافرتاض تعومي الرايل‪ ،‬وافرتاض وجود سوق مالية‬
‫ونقدية معيقة ومتقدمة يف السعودية‪ ،‬فاإن بيع النفط السعودي ابلرايل‬
‫س يوفر السوق الجنبية الالزمة الإصدار س ندات حكومية ابلرايل‬
‫السعودي‪ ،‬يشرتهيا الجانب ابلعمةل الجنبية‪ .‬وعند التأمل‪ ،‬فاإن هذه‬
‫الس ندات احمللية ابلرايل السعودي‪ ،‬ما يه يف الواقع اإال دَين أجنيب‬
‫بعمةل حملية‪ .‬والفرق بني هذا وبني بيعه مبارشة ابدلوالر‪ ،‬هو خلق‬
‫طلب دويل عىل الرايل السعودي؛ من أجل رشاء النفط‪ .‬مفىت وجد‬
‫هذا الطلب واكن الرايل ُمعوما‪ ،‬قامت البنوك املركزية لدلول اليت‬
‫تس تورد النفط السعودي ابالحتفاظ ابلس ندات السعودية يف‬
‫احتياطاهتا‪ .‬كام س تحتفظ هبا البنوك واملضاربني لتحقيق أرابح من‬

‫‪ 1‬وبيع النفط ابلرايل السعودي يعترب من صلب مواضيع الاقتصاد اللك ‪ ،‬والاقتصاد اللك عمل حديث مل يُفهم بعمق عىل مس توى ختصيص واسع ومل يس تقر بعد كام متت‬
‫االإشارة اإليه‪.‬‬
‫وكنت قد تأثرت ببعض أساطري اذلهب ومؤامرات أالعيب ادلوالر‪ ،‬يف بداية دراس يت لالقتصاد‪ .‬فقادين هذا؛ للشغف بفكرة بيع البرتول ابلرايل السعودي‪ ،‬عندما كنت‬
‫طالبا يف ادلراسات العليا يف أمرياك‪ .‬ومك اكن حمزان يل وخميبا لمايل‪ ،‬أن اكتشف بعد عام من البحث اجلاد‪ ،‬مدى سذاجة هذه الفكرة واهنا ال تس تحق رصف ساعة‬
‫حبثية‪ ،‬كام ادركت عدم جدوى املوضوع من الناحية الاستامثرية ! واس تحاةل تطبيقه من الناحية الاقتصادية والسوقية والفنية! وقد اكن من أقوى ادلوافع والس باب اليت‬
‫أاثرت شغف هبذا املوضوع‪ ،‬هو تطلع لرؤية الرايل السعودي مضن العمالت ادلولية يف كثري من املطارات والفنادق ويف مجيع وسائل االإعالم املالية والاقتصادية‪ .‬وهذا‬
‫أمر س يكون اتبعا تلقائيا يف حال اإماكنية تطبيق التنظري‪ ،‬مث االإثبات العميل لصدق توقعاهتا االإجيابية‪.‬‬
‫وإانقاذا للمل اذلي عشت عليه زمنا من س نوات دراس يت‪ ،‬فقد قررت أن أقوم بتأصيل هذه السذاجة علميا‪ ،‬فأجعلها موضوع رساةل ادلكتوراه‪ .‬فاإثبات اخلطأ علميا‪ ،‬قد‬
‫يُفتق العقول عن أفاكر اإبداعية خالقة ما اكنت لتطرأ عىل البال‪ .‬واالإثبات العلم الاكدمي لهذه السذاجة ليس ابلمر السهل‪ .‬فوضع نظرية جديدة ليس لها سابقة‪ ،‬مث‬
‫اإثبات عدم صالحيهتا بتبيني الس باب واملوانع والنتاجئ من خالل منوذج جديد يثبت سذاجة الفكرة‪ ،‬حبيث يكون المنوذج قادرا عىل الصمود أمام الاختبارات الرايضية‬
‫والتطبيقية‪ ،‬أمر ش به مس تحيل لطالب دكتوراه خدجي املعرفة والتجربة‪ ،‬خاصة مع عدم وجود أي سابقة علمية فيه‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫التغريات السعرية للرايل‪ ،‬وس يصبح الرايل معةل متداوةل يف املنطقة‬
‫العربية اجملاورة ويف بعض ادلول املس توردة للنفط السعودي‪.‬‬
‫وابخزتال شديد‪ ،‬فاإنه جيب حتقيق متطلبات سابقة‪ ،‬قبل تطبيق‬
‫تنظريات بيع النفط السعودي‪ .‬أوال‪ :‬وجود معةل قابةل للتعومي‪ .‬والرايل‬
‫السعودي غري قابل للتعومي‪ ،‬الن ليس عليه طلب أجنيب‪( ،‬ويأيت‬
‫التفصيل يف هذا يف فصول موضوع تطبيقات معارصة لالقتصاد النقدي‬
‫ادلويل)‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬لو حتقق الول‪ ،‬فيجب اإثبات املقدرة الفنية ملؤسسة النقد‬
‫السعودي عىل اإدارة معةل معومة‪ ،‬ويكون ذكل بتطبيق تعومي الرايل‬
‫لفرتة اكفية سابقة‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬كام يتطلب توفر اقتصاد سعودي معيق يفوق جحمه جحم النفط‬
‫مبراحل اكفية المتصاص عوائد النفط وامتصاص تقلباته السعرية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬كام يتطلب وجود نظام بنيك متقدم وسوق مالية متطورة‪ ،‬حنن‬
‫بعيدون عهنا مبراحل ضوئية‪.‬‬
‫وأما املتطلبات اليت جيب أن تتحقق تزامنا مع تطبيق التجربة فهي ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬وجود حاجة متويلية للحكومة السعودية‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬اس مترارية أمهية الاسرتاتيجية العاملية للنفط السعودي‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬اس مترارية منو االإنتاج النفط السعودي ومنو الطلب ادلويل عىل‬
‫النفط السعودي‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬يتطلب عدم تعرض النفط لتقلبات سعرية حادة‪ ،‬تؤدي لتكثيف‬
‫كر وفر املضاربني يف جهامت متكررة عىل السوق النقدية واملالية‬
‫‪221‬‬
‫السعودية‪ ،‬واليت س يصعب التحمك هبا أنذاك‪ ،‬اإذا ما صار الرايل‬
‫معوما ودوليا‪ ،‬بسبب اس تخدامه لرشاء النفط‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬اإضافة اإىل أنه يتطلب توفر منو متواصل مزتايد يف تنوع‬
‫الاقتصاد السعودي بعيدا عن النفط‪ .‬فلن يثق العامل ابقتصاد يعمتد عىل‬
‫سلعة انضبة واحدة؛ ليجعل من س نداته احتياطيات هل بعوائد‬
‫منخفضة‪ ،‬حىت ولو اكنت احتياطيات للتحوط من أجل اس ترياد النفط‬
‫السعودي‪.‬‬
‫وأما املتطلبات املس تقبلية‪ :‬فيجب أن يتحقق حلول الرايل السعودي‬
‫يف حمل ُم ْجد اقتصاداي بني العمالت ادلولية‪ .‬وال يتحقق هذا اإال بوجود‬
‫صادرات سعودية متنوعة لسلع غري قياس ية‪ .‬فالنفط سلعة دولية‪.١ :‬‬
‫كوهنا متجانسة ‪ .٢‬وتنتجها بالد عدة ‪ .٣‬وحيتاهجا العامل لكه‪ .‬والسلع‬
‫ادلولية حتتكرها معةل تبادلية واحدة احتاكرا طبيعيا‪ ،‬ويه اليت تكون‬
‫المعق اقتصاداي والوثق عامليا‪.‬‬
‫وهذا الاحتاكر الطبيع يف حد ذاته‪ ،‬لوحده اكف الإحباط جتربة بيع‬
‫النفط السعودي‪ ،‬وابلتايل فكرة تدويل الرايل‪ .‬و حىت لو حتققت مجيع‬
‫املتطلبات السابقة لبيع النفط ابلرايل – ويه مس تحيةل اليوم‪ -‬وحتققت‬
‫املتطلبات املصاحبة لبيع النفط ابلرايل – ويه غري ممكنة اليوم‪-‬‬
‫وحتققت املتطلبات املس تقبلية لبيع النفط ابلرايل‪- ،‬ويه بعيدة املنال‬
‫ابلطبيعة الاحتاكرية‪ . -‬وحىت لو حتقق متطلب تنوع الصادرات‬
‫السعودية للسلع غري القياس ية ابلرايل‪ ،‬فاإن احتاكرية ادلوالر الطبيعية‬
‫للسلع ادلولية س ُتحول معليات الطلب عىل الرايل لرشاء النفط‪ ،‬اإىل‬
‫‪222‬‬
‫جمرد معليات رصف بني ادلوالر والرايل مع قليل من املضارابت‪ ،‬اليت‬
‫ترض الرايل والاقتصاد السعودي وال تنفعه‪.‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬معةل الاحتياط‬
‫ومعىن معةل الاحتياط ادلولية يه العمةل اليت احتكرت طبيع ًّيا السوق‬
‫ادلولية‪ ،‬وتعارف العامل عىل تكون يه مرجع التسعري‪ /‬التمثني ووس يةل‬
‫للتصفيات والتبادل يف املعامالت ادلولية وغطاء للعمالت املتنوعة‪،‬‬
‫ويه اليوم ادلوالر اذلي حل حمل اذلهب ‪-‬اذلي اكن هو معةل‬
‫الاحتياط قبل ادلوالر‪ ،-‬واذلي حل حمل الفضة ‪-‬اليت اكنت يه معةل‬
‫الاحتياط قبل اذلهب‪ -‬واليت حلت حمل النحاس ‪-‬اذلي اكن هو معةل‬
‫الاحتياط قبل الفضة‪ .-‬فعمةل الاحتياط ادلولية يه معةل احتاكرية‬
‫ابلطبيعة‪ ،‬والاحتاكر الطبع حيصل مىت صارت اللكفة تنخفض مع‬
‫زايدة الطلب‪ .‬ورشط حتقق هذا‪ ،‬أن يكون احملتكر الطبيع ً‬
‫قادرا عىل‬
‫اندرا اإىل حد ميكن الاحتفاظ بقميته‪.‬‬
‫تلبية الطلب لكه‪ ،‬مع كونه ً‬
‫فالفضة اكنت أقل من أن تس توعب املبادالت العاملية ذلا اكن النحاس‬
‫هو احملتكر الطبيع لعمةل الاحتياط ادلولية‪ ،‬فلام كرثت الفضة ‪-‬يف‬
‫بداايت اكتشاف المريكتني‪ -‬حلت الفضة حمل النحاس‪ ،‬ومع اكتشاف‬
‫قادرا عىل تلبية الطلب‬‫مكيات كبرية لذلهب يف أمرياك الشاملية‪ ،‬وأصبح ً‬
‫العامل عىل العمةل ادلولية‪ ،‬حل حمل الفضة‪ ،‬اإال أن وفرة اذلهب جاءت‬
‫عاجزا عن تلبية الطلب‬‫مع بداايت الهنضة االإنتاجية فأصبح اذلهب ً‬
‫العامل مما دفع السواق ابلطبيعة لتبين‪ ،‬ادلوالر ‪-‬أغزر معةل وأكرثها‬

‫‪223‬‬
‫مصداقية حكومية وعسكرية وأعظمها د ًمعا ابالإنتاج‪ -‬فقد اكنت أمرياك‬
‫أنذاك تنتج نصف اإنتاج العامل‪-.‬‬
‫الفوز بعرش معةل الاحتياط هو فكر قدمي حتمل به االإمرباطورايت ملا‬
‫فيه من هيبة ومتويل رخيص ل إالمرباطورايت‪ ،‬وخاصة بعد الانفصال‬
‫عن اذلهب‪ .‬وقد درست الياابن يف الس بعينات مقرتحات ادلفع بعملهتا‬
‫لتبوء معةل الاحتياط يف رشق أس يا‪ ،‬ولكهنا عدلت عن ذكل وارتأت‬
‫الرتكزي عىل االإنتاج احلقيق ‪ .‬وهذا الاجتاه يف الابتعاد عن همينة العمةل‬
‫دولي ًا يبدو واحض ًا أنه اجتاه الصني أيض ًا‪ ،‬اليت ال تبذل أ لي هجد للسري‬
‫يف هذا الطريق بل عىل عكسه وذكل بربط معلهتا ابدلوالر‪ .‬والتجربة‬
‫الوربية يف اليورو اليت اكنت طاحمة ملزامحة ادلوالر يف همينته مل‬
‫تنجح‪ ،‬وذكل لن مصداقية معةل لعرشين دوةل س ياس ية‪ ،‬ال ترىق أبدً ا‬
‫ملصداقية معةل دوةل واحدة‪.‬‬
‫ومعةل الاحتياط ادلولية‪ ،‬ال ختضع لنظرايت االئامتن‪ ،‬فعندما خفضت‬
‫واكةل س تاندارد أند بورز التصنيف االئامتين المرييك اكنت ردة فعل‬
‫السوق العاملية معاكسة متام ًا لتنبؤات النظرية اليت جنحت يف اإثبات‬
‫مصداقيهتا يف مجيع احلاالت (ما عدا حاةل الياابن لوضعها اخلاص ‪-‬وهو‬
‫خضامة احتياط بنكها املركزي مع االإقبال احمليل عىل الس ندات‬
‫احلكومية)‪ .‬فالنظرية االئامتنية‪ ،‬تُميل بأن ختفيض التصنيف االئامتين‬
‫لدلين احلكويم المرييك س ينتج منه اخنفاض أسعار الس ندات‬
‫احلكومية المريكية‪ ،‬نتيجة النرصاف الناس عهنا؛ ما يسبب ارتفاع‬
‫عوائدها‪ ،‬أي ارتفاع أسعار الفوائد للس ندات اجلديدة‪ .‬وهذا ما حصل‬
‫‪224‬‬
‫عكسه ابلضبط؛ فقد ارتفع الطلب العامل عىل الس ندات المريكية‬
‫مبجرد ختفيض التصنيف فارتفعت أسعار الس ندات‪ ،‬واخنفضت‬
‫عوائدها اإىل مس توى اترخي مل حيصل مطلق ًا يف اترخي أمرياك؛ ما نتج‬
‫منه اخنفاض يف أسعار الفوائد للس ندات اجلديدة‪.‬‬
‫ومع اهنيار نظام الربط ابدلوالر رمسيا عام ‪١٩٧٣‬م‪ ،‬زال دور‬
‫الاحتياطيات الجنبية ‪-‬نظراي‪ ،-‬وأصبحت السوق احمللية أو السوق‬
‫ادلولية يه من حيدد قوة العمالت الرشائية‪ ،.‬أي نظام تعومي العمةل‪.‬‬
‫والسوق ابئع وشار وسلعة‪ ،‬مث يتودل مثن‪ .‬فالبائع سواء أاكن حمليا او‬
‫دوليا هو‪ :‬صاحب سلعة يريد استبدالها بمثن هل قوة رشائية اثبتة نسبي ًا‪.‬‬
‫فنخلص هنا‪ :‬أن ادلوةل اليت ال تنتج سلعا تصدرها لدلول الخرى‪،‬‬
‫ليس لعملهتا قمية يف السوق ادلولية ‪.‬‬
‫وس بق‪ ،‬أن السلع املتجانسة واملتوافرة يف عدة دول ‪-‬اكلنفط والرز‬
‫واذلهب‪ -‬تتبع قانون الاحتاكر الطبيع يف تبين معةل دولية كمثن لها‬
‫من أجل تقليل اللكفة التبادلية ‪.‬ذلا فنظام الربط بعمةل دولية هو أمر‬
‫فين اقتصادي اإجباري‪ ،‬ال اختياري لدلوةل اليت ال تصدر سلع ًا غري‬
‫متجانسة‪ .‬كدول النفط‪ ،‬اليت ليس لعمالهتا قمية يف السوق ادلولية‬
‫النعدام الطلب علهيا‪ ،‬لعدم وجود سلع حملية غري متجانسة قابةل‬
‫للتصدير‪ .‬ومادام هناك ربط جربي للعمةل احمللية بغريها‪ ،‬فاإن هذا يتبعه‬
‫جرب حمت لالحتياطيات الجنبية حلاجة هذه ادلول لرشاء السلع‬
‫العاملية‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫والبنك املركزي هو بنك احلكومة والبنوك‪ ،‬وهل دوران أساس يان‪:‬‬
‫الول دور تنظمي السوق النقدية احمللية‪ ،‬وهذا دور ال عالقة هل مبارشة‬
‫ابالحتياطيات الجنبية‪ .‬وادلور الثاين هو متثيل دور رصاف العمالت‬
‫يف حال اتباعه لنظام الربط‪ ،‬وخزينته يه الاحتياطيات الجنبية‪ .‬أما‬
‫زابئنه فهم ادلوةل والبنوك‪ ،‬وبعض الاستامثرات الضخمة‪ .‬فادلوةل‬
‫والبنوك أو معالؤها يأتون ابلنقد الجنيب الس تخدام قميته يف السوق‬
‫احمللية فهم حيتاجون لرصفه ابلعمةل احمللية‪ .‬فهنا يقوم البنك املركزي‬
‫بأخذ النقد الجنيب ووضعه يف الاحتياطيات الاجنبية ويفتح حسا ًاب‬
‫مبا يقابلها ابلعمةل احمللية ‪.‬‬
‫مفث ًال وزارة املالية السعودية حتتاج لرايالت لتنفقها حملي ًا‪ ،‬فتأيت مبا‬
‫يقابلها بدوالرات من عوائد النفط فتودعها عند مؤسسة النقد مقابل‬
‫فتح حساب لها ابلرايل‪ .‬مفا تأخذه مؤسسة النقد من املالية يصبح يف‬
‫مركزها املايل موجودات أجنبية‪ ،‬بيامن يصبح حساب وزارة املالية‬
‫مطلوابت علهيا ابلرايل يف مركزها املايل‪ .‬مثل ما يودع أحدان نقود ًا يف‬
‫البنك‪ ،‬فيفتح البنك حسا ًاب هل ويصبح املبلغ املودع من مطلوابت‬
‫البنك‪ ،‬ويصبح الاكش من موجوداهتا ‪.‬‬
‫ولكن هناك فارقان كبريان‪ :‬الول أن املوجودات يف مركز املؤسسة‬
‫املايل بعمةل أجنبية بيامن مطلوابهتا ابلرايل‪ ،‬وال فرق يف البنوك فالكهام‬
‫ابلرايل ‪.‬‬
‫والفرق الثاين‪ ،‬هو أنك عندما تسحب اإيداعك من البنك‪ ،‬فاإن البنك‬
‫يعطيك من موجوداته‪ ،‬بيامن عندما تسحب ادلوةل مبلغ ًا من حساهبا‬
‫‪226‬‬
‫املودع عند املؤسسة‪ ،‬فاإن املؤسسة تصدر لها رايالت من «ال يشء»‬
‫وختصم مقابهل من موجوداهتا من النقد الجنيب‪ ،‬وليس اكلبنوك اليت‬
‫تعطيك من موجوداهتا ‪.‬‬
‫فعندما تنفق ادلوةل الرايالت عىل الرواتب واملشاريع وحنوها‪ ،‬تترسب‬
‫هذه الرايالت للخارج عن طريق احلوالات والاس ترياد وغريها‪ ،‬فهنا‬
‫تستبدلها املؤسسة من موجوداهتا الجنبية اليت جاءهتا من فتح حساب‬
‫ادلوةل‪.‬‬
‫و ادلوةل ال ُخترج الرايل اليت أودعت دوالرات مقابهل يف احتياطيات‬
‫املؤسسة‪ ،1‬بل أن من اكتسب الرايل من مقاول وموظف هو من‬
‫خيرج الرايل للخارج‪ .‬وخروج الرايل يكون عرب البنوك غالب ًا‪ .‬وإاصدار‬
‫الرايل اجلديد ليدخل السوق السعودية‪ ،‬يكون عرب املركز املايل‬
‫ملؤسسة النقد‪ .‬مفوجودات مركز ساما املايل يه تقريب ًا أصول ساما‬
‫الاحتياطية الجنبية‪.‬‬
‫ومعةل الاحتياط تكون يه الغالبة عىل الاحتياطيات الجنبية‪ ،‬مفا يه‬
‫الاحتياطيات الجنبية؟‬
‫الباب اخلامس الاحتياطيات الجنبية‬
‫متهيد‪:‬‬
‫ظهرت احلاجة لالحتياط النقدي منذ ظهور الوراق النقدية‬
‫(البنكنوت) و الانفتاح عىل التجارة ادلولية‪ .‬و قد اكنت ادلول من قبل‬

‫‪ 1‬ورشاء ادلوةل السالح وتربعها الجنيب ال يكون من حساهبا ابلرايل امنا من موجود اهتا او استامثراهتا الجنبية‪ .‬والعملية لكها حماسبية رصفة‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫حتتفظ ابذلهب (لكونه مثنا خلقة) مظةل ملصداقية مثنية هذه الوراق و‬
‫للتدخل يف السوق املالية لرشاء و بيع أوراق البنكنوت للحفاظ عىل‬
‫سعر الرصف املعلن بني اذلهب و تل العمةل‪ .‬و بزوال حقبة الغطاء‬
‫اذلهيب عام ‪١٩٧٣‬م‪ ،‬حل ادلوالر حمل اذلهب وأُستب ِّعد اذلهب من‬
‫لعبة املال ادلولية و أصبح سلعة من السلع يباع و يرشى عىل أساس‬
‫هذا املفهوم‪.‬‬
‫و الاحتياط النقدي الجنيب معضةل! فلكام اسزتادت دوةل ما منه لكام‬
‫قل احتياهجا هل‪ ،‬و لكام استنقصت منه لكام زاد احتياهجا هل‪ .‬و ذكل‬
‫لن مصداقية الوراق النقدية مبنية عىل الثقة ابدلوةل املصدرة لها‪ .‬و‬
‫من أس باب الثقة الرئيسة لعمةل ما‪ ،‬يقني املس تخدم لهذه العمةل ابإماكنية‬
‫استبدالها مبا شاء من الموال و السلع و اخلدمات املتوفرة يف ش ىت‬
‫أحناء العامل‪ .‬فوجود احتياط نقدي أجنيب كبري خيلق مناخ ًا من‬
‫املصداقية لهذه العمةل فيحتفظ هبا املتعاملون و يبتعد عهنا املضاربون‬
‫فال يوجد داع يدعو الس تخدام هذا الاحتياط فيبقى مجمدا مكدس ًا‬
‫يف صورة س ندات تدفع الزنر القليل من الفوائد اليت ال تاكد تغط‬
‫نس بة التضخم العاملية‪ .‬وأما قةل الاحتياط النقدي الجنيب فهو دعوة‬
‫مغرية للمضاربني للهجوم عىل هذه العمةل واس تزناف الاحتياط النقدي‬
‫الجنيب ومن مث وقوف البنك املركزي عاجزا عن حامية العمةل مما يؤدي‬
‫اإىل كرسها واهنيار قميهتا وما يلحق ذكل من تبعات اقتصادية و‬
‫اجامتعية و س ياس ية مؤملة‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫والاحتياطيات النقدية الجنبية جيب أن تكون يف صورة س ندات‬
‫مالية مضمونة الس يوةل و بال لكفه‪ .‬ذلا‪ ،‬فيجب أن تكون دوةل معةل‬
‫الاحتياط ذو تقدم كبري يف جمال البنوك و الصريفة مع المتتع بقوانني‬
‫شامةل تضمن امحلاية ملس تخديم هذه العمةل و منه ضامن الانفتاح و‬
‫حرية تنقل املال‪ .‬كام جيب أن يتوفر يف دوةل معةل الاحتياط العمق‬
‫الاقتصادي الاكيف الستيعاب املبادالت املالية الضخمة ومن ذكل‬
‫تسعري و بيع و رشاء السلع الولية (اكلنفط و القمح) هبا‪ .‬هذه‬
‫الرشوط يه اليت جعلت احتاكر و همينة ادلوالر المرييك أمرا طبيعيا‬
‫لالحتياطيات النقدية الجنبية‪ ،‬واليت يشلك ادلوالر المرييك‪٪٨٠‬‬
‫مهنا‪.‬‬

‫التجارة ادلولية والاحتياطيات الجنبية‪:‬‬


‫يرجع اترخي الاحتياطيات الجنبية‪ ،‬بداية كضامن للتجارة ادلولية‪ .‬فعمل‬
‫الاحتياطيات الجنبية هو توفري القوة الرشائية ادلولية‪ .‬فأصل غرضها‬
‫اإذا هو من أجل اس تخداهما يف التبادالت ادلولية‪ .‬وقد س بق أن قلنا‬
‫اإن للعمةل قميتان‪ ،‬قمية حملية وقمية دولية‪ .‬وإان مصلح ربط العمةل او‬
‫تعوميها يتعلق ابلقمية ادلولية‪.‬‬
‫فيقودان هذا اإىل ارتباط الاحتياطيات الجنبية ابلتبادالت التجارية بني‬
‫ادلول‪ .‬والتغري يف هذه الاحتياطيات هو الفائض أو العجز من هذه‬
‫التبادالت ادلولية اليت ميثلها مزيان املدفوعات‪( .‬ومزيان املدفوعات هو‬
‫‪229‬‬
‫فاتورة احلساب بني لك تبادالت بدل مع البالد الخرى‪ ،‬سواء أن اكن‬
‫قطاع خاص او حكويم‪ .‬وسواء أاكن جتارة أو تربعات)‪.‬‬
‫معاهدة برتن وود‪:‬‬
‫بعد انهتاء احلرب العاملية الثانية وانتصار احللفاء وعىل رأسهم الوالايت‬
‫المريكية‪ ،‬أجمتع احللفاء يف مدينة برتن وود بوالية نيوهامرش يف‬
‫جوالي ‪١٩٤٤‬م ونتج عن هذا الاجامتع معاهدة برتن وود الشهرية‬
‫اليت تنص عىل أن يربط احللفاء معالهتم ابدلوالر المرييك بقمية رصف‬
‫حمدده عىل أن تضمن الوالايت املتحدة المريكية برصف أونصة من‬
‫اذلهب مقابل ُخسه وثالثني دوالر أمرييك ‪ -‬مث اعيد تقيميه حىت‬
‫وصل ‪ ٤٢‬دوالرا للونصة الواحدة‪.‬‬
‫وهذا ما يسمى بقاعدة اذلهب أو الربط بني اذلهب وادلوالر أو ما‬
‫يعرف بني الناس ابن العمةل (الرايل مثال ) مغطى ابذلهب‪ .‬ويالحظ‬
‫يف هذه الفرتة أن مجيع معالت العامل املعرتف هبا يف أسواق الغرب يه‬
‫معالت اثبتة القمية ابلنس بة لدلوالر اذلي هو اثبت القمية ابلنس بة‬
‫لذلهب‪ .‬إاذن فاملفهوم الشائع بأن العمةل مغطاة ابذلهب هو مفهوم غري‬
‫دقيق حىت يف تل احلقبة وأن اكن معناه حصيحا اإىل حد ما‪.‬‬
‫وبعد عام ‪١٩٤٤‬م‪ ،‬أي بعد معاهدة برتن وود‪ ،‬صار يُنظر اإىل‬
‫الاحتياطيات الجنبية‪ ،‬كذخرية ادلفاع عن قمية العمةل املربوطة‪ .‬ولو‬
‫تأملنا‪ ،‬لوجدانه يصب يف التجارة ادلولية‪ .‬فقد س بق أن بينا أن‬
‫مصطلح اإعادة تقيمي العمةل‪ ،‬يتعلق ابلتجارة اخلارجية‪ .‬ذكل الن الطلب‬
‫عىل العمالت الجنبية‪ ،‬ال يكون اإال بسبب حاجة رشاء سلع حقيقية‬
‫أو مالية من دوةل أخرى‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫والاحتياطيات الجنبية متعلقة بنظام ربط العمةل‪ .‬فنظراي‪ ،‬أن التعومي‬
‫للعمةل يلغ احلاجة لالحتياطيات الجنبية‪ .‬فف نظام التعومي‪ ،‬تنقص‬
‫قمية العمةل عند جعز ادلوةل أن تدفع مس تحقات فاتورة التجارة ادلولية‪.‬‬
‫وقد اكنت الاحتياطيات الجنبية قدميا من النحاس‪ ،‬عندما اكن‬
‫النحاس قدميا مث حتولت للفضة‪ ،‬مث لذلهب مث لدلوالر حىت عام‬
‫‪١٩٧٣‬م‪ ،‬مث ‪-‬نظراي‪ -‬زالت احلاجة لالحتياطيات الجنبية‪ ،‬بسبب‬
‫التحول لنظام التعومي‪.‬‬
‫والاحتياطيات الجنبية تكون ش به نقدية بعمةل أجنبية‪ ،‬كس ندات‬
‫احلكومة القصرية الجل‪ .‬فغرض الاحتياطيات هو التدخل الرسيع‬
‫لدلفاع عن معةل او لتأمني مشرتايت رضورية يف ظروف مفاجئة‪ .‬ذلا‪،‬‬
‫فاذلهب ‪-‬اإن وجد‪ -‬ف ُيحسب مضن مجموع الاحتياطيات‪ ،‬اإال أنه ال يُعد‬
‫مهنا معليا‪ .‬ذلا ترى معلومات الاحتياطيات الجنبية للبنوك املركزية‬
‫تس تثين اذلهب‪ .‬فاذلهب ليس سهل التسييل‪ ،‬وقد يكون هناك لكفة‬
‫يف تسييهل‪ ،‬تزداد لكام ازدادت مكيات التسييل‪.‬‬
‫وقفة فلسفية مع الاحتياطيات الجنبية‪:‬‬
‫فاالحتياطيات الجنبية يه دفاعات العمةل‪ .‬ومعضةل الاحتياطيات‬
‫الجنبية مكعضةل اجليوش‪ .‬فاحلاجة اإلهيا تقل وتتضاءل‪ ،‬لكام زادت‬
‫عظمة اجليوش جحام ونوعا‪ .‬فاالحتياطيات الضخمة القوية اكجليوش‬
‫الضخمة القوية‪ ،‬متنع تسلط العداء علهيا‪ ،‬بسمعهتا وهبيبهتا‪ .‬فالمم‬
‫العظمى تغمن املاكسب وحتقق الانتصارات هبيبة جيوشها دون احلاجة‬
‫الس تخداهما يف خوض احلروب‪ .‬مفىت اس تخدمت أمة جيوشها العظمية‬
‫‪231‬‬
‫يف مقامرات غري حمسوبة‪ ،‬ضاعت اجليوش‪ ،‬وخرست المة َمنَعهتا‬
‫وضاعت هيبهتا‪ .‬فتطاولت علهيا المم احلقرية واعتدى علهيا رشار اخللق‬
‫وقطاع الطرق‪.‬‬
‫وبناء اجليوش وصيانهتا معلية م ِّلكلفة‪ ،‬وتمكن عوائدها الضخمة يف‬
‫اس تغالل هيبهتا‪ ،‬ال يف اس تغالل ذاهتا‪ .‬فاحلروب ال تس هتوي اإال‬
‫املهتورين‪ ،‬والسذج‪ ،‬وجتار احلروب‪ ،‬واملسرتزقة ووسطاء السالح‪.‬‬
‫واحلال يه نفسها يف الاحتياطيات الجنبية‪ .‬فاملقامرة هبا يف خماطرات‬
‫أسواق املال‪ ،‬تس هتوي املهتورين والسذج والطامعني من جتار ووسطاء‬
‫أسواق املال‪.‬‬
‫وقد يظن قصري النظر أو مهتور الطبع‪ ،‬أن االإنفاق عىل اجليوش اليت ال‬
‫ختوض حرواب‪ ،‬هو من تضييع لفرص الغنامئ‪ .‬وهذا خطأ‪ ،‬ونقيضه خطأ‬
‫كذكل‪.‬‬
‫فالمة اليت ال تس تخدم هيبة سطوة جيوشها ‪-‬ال نريان جيوشها‪ -‬يف‬
‫فرض مصاحلها عىل غريها من المم‪ ،‬يه أمة جامدة مضيعة ملواردها‪،‬‬
‫فالس يف اذلي هيُ دد به وينفع خري من الس يف اذلي يُرضب به وينبو‪.‬‬
‫وكذكل يه الاحتياطيات الجنبية‪ ،‬عندما هتُ مل كش به س يوةل دون‬
‫اس تغالل أمثل لس يولهتا‪ .‬فعوائد الس يوةل تضاعفية‪ ،‬اإذا ما اس تخدمت‬
‫يف ضامانت‪ .‬فضامن ش به الاكش رمح خصبة‪ ،‬تدل توامئ أربعة وُخسة‬
‫وعرشة‪ .‬برشط أبداع هندسة المنوذج المتوييل‪ ،‬واالإبداع اإجياد جديد ال‬
‫تقليد موجود‪ .‬وامجلود‪ ،‬خري من القامر عىل لك حال‪ ،‬والكهام رش عىل‬
‫المة‪ .‬فامجلود يقتل ببطء والقامر يعجل ابملنية‪.‬‬
‫‪232‬‬
‫هممة الاحتياطيات الجنبية‪:‬‬
‫والاحتياطيات الجنبية يه الداة املبارشة بيد البنك املركزي‪،‬‬
‫لدلفاع عن سعر رصف معلته املربوطة‪ ،‬سواء أاكن حال سعر الرصف‬
‫صاعدا او هابطا‪ .‬فاالحتياطيات مصدة‪ ،‬تصد عن سوق النقد احمللية‬
‫للعمةل املربوطة فتعزلها عن التغيريات الاقتصادية والنقدية ادلولية‪،‬‬
‫سواء أاكنت املتغريات اإجيابية أو سلبية‪.‬‬
‫فاالحتياطيات الجنبية‪ ،‬وإان اكنت نقدية ومالية حمضة‪ ،‬اإال أهنا تعمل‬
‫مكصدة لتدفقات السلع واخلدمات والنقد‪ .‬فرتى الاحتياطيات الجنبية‬
‫يف دول النفط متتص دوالرات فوائض النفط عند دول النفط‪ -‬زمن‬
‫ارتفاع الطلب العامل عىل النفط‪ ،-‬كام تراها متتص دوالرات الهجامت‬
‫عىل معالهتا من املضاربني املتأملني لرفع قمية العمةل احمللية‪ .‬والعكس‪،‬‬
‫حيدث يف حال النقصان الشديد لتدفقات دوالرات النفط‪ .‬اللهم أنه يف‬
‫حال نقص تدفقات دوالر النفط‪ ،‬فاإن الاحتياطيات الجنبية قد تنفد‬
‫ويه تستبدل العمةل احمللية ابلجنبية‪ ،‬من أجل تلبية الاس ترياد العاميل‬
‫والسلع واخلديم‪ ،‬أو من أجل اس تخدام نقودها لرشاء العمةل احمللية‬
‫يف حاةل املضاربة ضدها او حال فقدان الثقة هبا‪.‬‬

‫شواهد الهنيار الاحتياطيات الجنبية‪ ،‬وأثر ذكل عىل الاقتصاد‪:‬‬


‫الشاهد الول‪ :‬فف عام ‪١٩٩٢‬م فقدت فرنسا يف يوم واحد ‪ ٣٤‬مليار‬
‫دوالر واذلي اكن يشلك تقريب ًا اكمل احتياطاهتا من العمالت‬
‫الجنبية‪ ،‬ويه تدافع عن قمية معلهتا بعد ان دخلت يف ألية سعر‬
‫‪233‬‬
‫الرصف الورويب ‪ ERM‬اليت اقتضت ربط دول النظام النقدي‬
‫الوريب ‪ EMS‬ابملارك الملاين‪.‬‬
‫فف ذكل العام سقط جدار برلني (نومفرب ‪ ،)١٩٩١‬واحتدت‬
‫الملانيتني‪ .‬فأدت مشاريع اإعادة اعامر املانيا الرشقية وتطويرها‪ ،‬للزتامح‬
‫عىل املوارد مما خلق تضخام تمنواي‪ .‬فاكن الاقتصاد الملاين يف تل الفرتة‬
‫مير بمنو قوي‪ ،‬يف حني اكن الاقتصاد العامل مير بأزمة اقتصادية‪ .‬وهذا‬
‫خلق االإشاكلية يف ألية سعر الرصف الورويب ‪ . ERM‬فأملانيا‬
‫اضطرت لرفع سعر الفائدة لكبح جامح التضخم الناشئ عن الزتامح عىل‬
‫املوارد‪ ،‬بسبب تسابق القطاع اخلاص عىل بناء وتطوير املانيا الرشقية‪.‬‬
‫مما أجرب دول أوراب الرابطة معلهتا ابملارك الملاين حتت ألية سعر‬
‫الرصف الورويب ‪ ،‬لرفع أسعار الفائدة تبعا لفائدة املارك‪ .‬واكنت اورواب‬
‫تعيش مع العامل أزمته الاقتصادية‪ 1‬عام ‪ ،١٩٩١‬فاكنت حتتاج خلفض‬
‫أسعار الفائدة لتحريك الاقتصاد ال رفعها‪ .‬مما دفع املضاربني عىل املراهنة‬
‫بكرس معةل دول الربط ابملارك‪( .‬وس بق بيان اكيف لس باب تبعية‬
‫الفائدة عىل العمةل املربوطة للفائدة عىل العمةل املربوط هبا)‪.‬‬
‫الشاهد الثاين‪ :‬أدى طبخ حساابت الاحتياطيات الجنبية‪ ،‬اإىل‬
‫اإشعال فتيل أزمة دول رشق اس يا املالية عام ‪١٩٩٧‬م‪ .‬حيث قامت‬
‫بعض البنوك املركزية يف دول رشق اس يا‪ ،‬وحتت الضغط من‬
‫الس ياس يني‪ ،‬اس تخدمت دوالرات الاحتياطيات الجنبية الإقراض‬

‫‪ 1‬واليت أطاحت ببوش الب‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫رشاكهتا الواعدة‪ .‬ومبا أن القرض عىل الرشاكت الوطنية اكن ابدلوالر‪،‬‬
‫مفوجودات الاحتياطيات الجنبية مل يتغري مجموعها‪ ،‬وإان اكن قد تغريت‬
‫س يولهتا‪.‬‬
‫والاحتياطيات النقدية الجنبية تكون عادة بس ندات أمريكية قصرية‬
‫الجل ملدة س نة أو أقل فهي سهةل التسييل كهنا دوالرات حقيقية‪.‬‬
‫فالبنك املركزي‪ ،‬اكن يقدم للرشكة س ندات احلكومة الامريكية القصرية‬
‫الجل‪ ،‬ويضع ماكهنا س ندات ابدلوالر عىل الرشاكت احمللية‪ ،‬فتحول‬
‫الاحتياطيات من معةل اجنبية ش به نقدية مضمونة التسييل يف أي‬
‫وقت ‪-‬ويه الس ندات الامريكية‪ -‬اإىل س ندات وطنية ابدلوالر‪،‬‬
‫صعبة التسييل وذي لكفة‪ .‬فهذا افسد الغرض من الاحتياطيات‬
‫الجنبية‪ ،‬فهي كام قلنا ليست استامثرية بل دفاعية اكجليوش‪ .‬فلام مش‬
‫املضاربون راحئة الطبخة وادركوا جعز البنوك املركزية اليت لعبت اللعبة‬
‫عن ادلفاع عن قمية معلهتا اإذا هومجت‪ ،‬قاموا ابلهجوم علهيا حىت نفذت‬
‫من هذه البنوك الاحتياطيات الجنبية القابةل للتسييل‪ ،‬فاهنارت‬
‫العمةل‪.‬‬
‫كيفية الهجوم عىل العمةل‪:‬‬
‫والهجوم عىل العمةل ال ميكن أن حيدث اإال ابقرتاض للعمةل احمللية‪ ،‬مث‬
‫بيعها ‪-‬أي استبدالها‪ -‬ابلعمةل املربوط هبا‪ .‬فهذا هو جهوم املضاربني اذلي‬
‫يكرس العمةل ويس تزنف الاحتياطيات‪ .‬فعندما راهن‬
‫جورج سوارس عىل انكسار ربط اجلنيه الربيطاين ابملارك الملاين يف‬
‫‪ ١٦‬سبمترب عام ‪١٩٩٢‬م ‪ ،‬قام بعملية ببيع اجلنيه الربيطاين عىل‬
‫‪235‬‬
‫املكشوف‪ ،1‬أي أنه قام ابقرتاض مليارات اجلنهيات الربيطانية من‬
‫السوق النقدية الربيطانية‪ ،‬مث ابعها ابملارك‪ .‬ومبا أن العمليات اكنت‬
‫خضمة‪ ،‬فقد أجربت عىل تدخل بنك اجنلرتا املركزي لزتويد السوق‬
‫ابملارك الاملاين من احتياطاته النقدية‪ .‬ومث ملا انكرس الربط واخنفضت‬
‫قمية اجلنية‪ ،‬عاد سوارس واشرتاه وسدد دينه خفرج راحبا ‪ ١.١‬مليار‬
‫دوالر‪.‬‬
‫فهكذا يستهنك املضاربون العمةل املربوطة‪ ،‬حىت تُس تزنف‬
‫الاحتياطيات الاجنبية للبنك املركزي للعمةل املُهامجة فتنكرس العمةل‪،‬‬
‫وحيهنا وبعد اخنفاض قميهتا‪ ،‬يقومون ابإعادة رشاء ما ابعوه‪ ،‬ليسددوا‬
‫ديهنم‪ ،‬ويبقى الفارق هلم‪.‬‬
‫الباب السادس‪ :‬اختالف اس باب انكسار ربط العمةل وتنوع النتاجئ‬
‫عن الانكسار‬
‫وختتلف اس باب كرس ربط العمةل كام ختتلف نتاجئه‪ .‬ونس تطيع حرصها‬
‫يف ثالث حاالت أساس ية‪ ،‬فقد يكون كرس الربط وختفيض العمةل هو‬
‫احلل المثل لتحقيق منو اقتصادي‪ ،‬كحاةل بريطانيا عام ‪١٩٩٢‬م‪ .‬وقد‬
‫ينتج انكسار العمةل واخنفاض قميهتا ادلولية‪ ،‬أزمة اقتصادية كام حدث‬
‫لمنور اس يا عام ‪١٩٩٧‬م‪ .‬وقد يؤدي انكسار العمةل اإىل اهنيارها يه‬
‫واقتصادها وس يادهتا ووحدهتا‪ ،‬كام س يحدث لي دوةل نفطية يف حاةل‬
‫انكسار معلهتا‪.‬‬

‫‪ 1‬وس يأيت رشح البيع عىل املكشوف يف موضوع املسائل املالية املعارصة فصل البيع عىل املكشوف‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫احلال الول‪ :‬يكون هو احلل المثل لل منو‪.‬‬
‫قد يكون كرس الربط وختفيض العمةل هو احلل المثل للمنو‪ .‬فف ‪١٦‬‬
‫سبمترب ‪ ١٩٩٢‬أجربت بريطانيا يف ذكل اليوم واذلي امسوه ابلربعاء‬
‫السود‪ ،‬عىل اخلروج من ألية سعر الرصف الورويب ‪ERM‬‬
‫وذكل بكرس ربطها ابملارك الملاين بعد أن خرست أكرث من ثالثة‬
‫مليارات جنيه يف دفاعها عن سعر الرصف املربوط ابملارك الملاين‪.‬‬
‫وبريطانيا مل تكن تتبىن الانضامم لليورو‪ ،‬لكهنا دخلت للتجربة والتعمل‪،‬‬
‫ذلا اكنت احامتلية خروهجا يه الاكرب عند تعرضها لضغط املضاربني‪.‬‬
‫ولهذا اختارها سوارس هدفا لهجومه علهيا اذلي أكس به ‪ ١.١‬مليار‬
‫دوالر يف يوم واحد‪.‬‬
‫فف حاةل بريطانيا‪ ،‬يكون كرس الربط وترك العمةل تنخفض‪ ،‬هو احلل‬
‫المثل لتحقيق منو اقتصادي‪ ،‬كوهنا اقتصادا قواي انجضا متقدم‪ .‬وهذا‬
‫خبالف ادلول الناش ئة‪ .‬فانكسار العمةل واخنفاض قميهتا ادلولية‪ ،‬يسبب‬
‫لها أزمة اقتصادية كام حدث لمنور اس يا عام ‪١٩٩٧‬م‪.‬‬
‫فاحلال الثانية‪ :‬يكون السبب يف أزمة اقتصادية‬
‫وقد يؤدي انكسار العمةل واخنفاض قميهتا ادلولية اإىل اإشعال أزمة‬
‫اقتصادية‪ .‬وهذا يف حال اقتصاد انشئ منتج‪ ،‬كزمة منور اس يا عام‬
‫‪١٩٩٧‬م اليت س بق التحدث عهنا‪ .‬وكيفية الهجوم قد بيناه سابقا عند‬
‫حديثنا عن انكسار الربط للجنيه الربيطاين عام ‪١٩٩٢‬م يف مثال‬
‫جورج سوارس السابق‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫واهنيار قمية معالت منور اس يا سبب أزمة اقتصادية بسبب ديون‬
‫البنوك وموجوداهتا‪ .‬فقد حصل عدم توازن بني موجوداهتا ابلعمةل احمللية‬
‫ومطلوابهتا ابلعمالت الجنبية‪ ،‬فاهنارت البنوك‪ ،‬لعدم قدرهتا ابلوفاء‬
‫مبطلوابهتا اليت ارتفعت قميهتا امام دخل البنوك ابلعمةل احمللية‪.‬‬
‫والمتويالت يه دم الاقتصاد‪ ،‬والبنوك يه القلب اذلي يضخ ادلم‪.‬‬
‫احلال الثالثة‪ :‬أنه يؤدي الهنيار اقتصادي وس يايس‬
‫ويسبب انكسار الربط أو ختفيض قمية العمةل أزمة خطرية اقتصاداي‬
‫وس ياس يا يف ادلول الغنية ابملوارد‪ ،‬كدول النفط‪ .‬وسأرشح املسأةل‬
‫ابس تخدام الرايل السعودي‪ ،‬ليسهل فهم املوضوع‪.‬‬
‫ولنعمل أنه يف حاةل اقتصاد الرايل فعندها فاإن احامتلية ختفيض الرايل‬
‫هو فرع ُمتفرع عن احامتلية تعومي الرايل‪ .‬وتعومي الرايل أمر مس تحيل‬
‫تقنيا‪ .‬مفىت فهمنا سبب اس تحاةل تعومي الرايل فنيا وتطبيقيا‪ ،‬سهل‬
‫علينا بعد ذكل فهم سبب امتناع ختفيض الرايل‪ ،‬فهو ممتنع تقنيا‬
‫واقتصاداي كذكل‪.‬‬
‫مبحث‪ :‬قاعدة ح متية ربط العمةل احمللية بعمةل أجنبية‬
‫وفهم سبب اس تحاةل تعومي الرايل فنيا وتطبيقيا‪ ،‬قد يتأىت بسهوةل بفهم‬
‫قاعدة ويه‪:‬‬
‫“ اإن اتباع نظام الربط هو أمر اإجباري طبيع ال اختياري لالقتصاد‬
‫املركزي أحادي السلعة املتجانسة دوليا‪ ،‬اكلنفط‪ .‬فأي دوةل حالها كحال‬
‫السعودية‪ ،‬فالقول يف معلهتا مثل القول يف الرايل السعودي ” ‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫وتعومي الرايل أمر مس تحيل التطبيق؛ لن ذكل يعين عرض الرايل‬
‫السعودي للبيع يف سوق العمالت‪ .‬ومن سيشرتي الرايل؟ اإن اكن‬
‫الرايل ال يُقدم ملشرتيه ادلويل أي سلعة ممكن مقايضهتا ابلرايل‪ .‬فمبجرد‬
‫تعومي الرايل ستهنار قميته للصفر لعدم وجود طلب عليه‪ .‬وأما النفط‬
‫فهو سلعة دولية متجانسة‪ ،‬جتعل ادلوالر حمتكرا طبيعيا لها‪.‬‬
‫ومن هنا نس تطيع التفرع اإىل فهم ختفيض قمية الرايل‪ ،‬وهو فهم متفرع‬
‫عن مفهوم التعومي‪ .‬فلو قيل اإنه حصل و ُاختذ قرار بتخفيض الرايل‬
‫ليصبح سعر الرصف مثال أربع رايالت للك دوالر‪ .‬مفاذا اذلي‬
‫س يحدث؟ اذلي س يحدث أن أحصاب الودائع يف البنوك س يصابون‬
‫ابلفزع‪ ،‬ويرتاكضون الإنقاذ ودائعهم وحتويلها لعمةل أجنبية‪ .‬فاإن قيل اإنه‬
‫يصدر أمر مبنع التحويالت‪ ،‬فيقال‪ “ :‬اإن هذا س يكون أسوأ ” ‪ .‬فهو‬
‫جمرد اإغالق لفوهة الرباكن‪ ،‬فالرباكن يغيل وسينفجر وال بد‪ .‬فالرايل‬
‫يكون قد انهتيى‪ ،‬ولو بفقدان الثقة فيه بعد منع التحويالت اخلارجية‪.‬‬
‫فلو اعتربان فقط ودائع اجملمتع‪ ،‬واليت يه حتت الطلب فقط‪ ،‬لوجدانها‬
‫تزيد عن الرتيليون رايل‪ .‬فلو كنا متحفظني وافرتضنا أن ‪ ٪٨٠‬من‬
‫الرتيليون س هيرب خارج البالد‪ ،‬فاإن هذا يعين اهنيار الاحتياطيات‬
‫النقدية الجنبية مبقدار ‪ ٢٥٠‬مليار دوالر يف الساعات الوىل‪،‬‬
‫ابفرتاض سعر الرصف اجلديد‪ .‬وهذا يشلك نصف الاحتياطيات‬
‫الجنبية تقريبا‪ .‬مث ينهتي اليومان الباقيان عىل ما تبقى‪ ،‬حىت تتخىل‬
‫مؤسسة النقد عن ادلفاع عنه لتصبح قميته صفرا‪ .‬والقرب للواقع أن‬
‫اإماكنية تلبية تسييل مبالغ خضمة‪ ،‬س تكون مرتفعة اللكفة‪ ،‬اإن اكن ممكنا‬
‫‪239‬‬
‫أصال‪ .‬فاالحتياطيات الجنبية يف أصول مالية‪ ،‬من الصعب تسييلها‬
‫جفأة‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫فاإن مل يس تطع البنك املركزي التلبية الفورية الستبدال طالئع الرايل‬
‫الهاربة ابدلوالر‪ ،‬فهذا يعين اهنيارا اكمال للرايل‪ ،‬س يصل بقميته للصفر‪،‬‬
‫وهذا يعين‪:‬‬
‫‪ .1‬تضييع غالب الاحتياطيات الجنبية‪ ،‬أي أكرث من تريليون رايل‬
‫بال مقابل‪.‬‬
‫‪ .2‬اهنيار اكمل للبنوك‪ ،‬ونزول موجوداهتا اإىل أرقام ال تتجاوز‬
‫املليارات بدال من الرتيليوانت‪.‬‬
‫‪ .3‬اضطرار البنك املركزي نظراي‪ ،‬ال تطبيقيا عىل اإنقاذ البنوك‪،‬‬
‫ابإصدار رايالت تغط مقدار الس يوةل املتطلبة للسوق السعودية‪ .‬ولن‬
‫حيدث ذكل تطبيقيا؛ لن الرايل لن يعود معةل تساوي شيئا‪ ،‬حىت يف‬
‫السوق السعودية‪ .‬فالسوق ستتعامل بعمالت أجنبية‪ .‬والسوق‬
‫س يكون مشلوال وحمدودا عىل الرضورايت فقط‪.‬‬
‫‪ .4‬أن اإعادة الثقة للرايل بعد ذكل حتتاج زمنا طويال‪ ،‬وقد ال تعود‬
‫الثقة هل أصاةل‪.‬‬
‫فالرايل السعودي ليس اكجلنيه املرصي مثال أو أي معةل أخرى ينتج‬
‫اقتصادها سلعا‪ ،‬ولو أهنا تكف كفاف أهل البدل‪ .‬فالرايل السعودي ال‬
‫يقدم حىت السلع الرضورية مبس توى الكفاف‪ .‬واجلنيه املرصي عىل لك‬
‫حال خارج أكرث التعامالت السوقية‪ ،‬ومقترص عىل التبادل احمليل‬
‫تقريبا‪ .‬واجلنيه املرصي قد مر بصدمات متنوعة كهذه‪ ،‬فالثقة به‬
‫مرضوبة أصال‪ ،‬والتعامل به مقترص عىل حاجيات البسطاء‪.‬‬
‫فاخلالصة أن سبب اس تحاةل التعومي للرايل‪ ،‬هو أيضا سبب امتناع‬
‫ختفيض قميته‪ .‬والفرق بني اس تحاةل التعومي وامتناع التخفيض‪ ،‬هو جمرد‬
‫فرق زمين‪ .‬فتعومي الرايل س يفشل حلظة تطبيقه‪ ،‬مع عدم اهنيار‬
‫مصاحب لالحتياطيات‪ ،‬ولكن تدرجييا‪.‬‬
‫أما ختفيض قمية الرايل فس يفشل بعد مدة قصرية من تطبيقه؛ لن‬
‫البنك املركزي سيس هتل الاحتياطيات مث تضطر للتعومي‪ .‬فاس هتالك‬
‫الاحتياطيات س يكون أرسع‪ ،‬والفشل التام س يكون أبطأ يف حال‬
‫التخفيض للقمية‪.‬‬
‫الباب السابع‪ :‬ديناميكية ربط العمةل‪:‬‬
‫كيف تكون ديناميكية الربط؟ أي كيف نربط وكيف حنافظ عىل‬
‫الربط؟ فعندما يقرر بنك مركزي ما‪ ،‬أن يثبت سعر الرصف بني‬
‫العمةل الوطنية وادلوالر مثال‪ ،‬بسعر رصف ‪ ،1:1‬فس يقوم البنك‬
‫املركزي ابإعالن ذكل رمسيا‪ ،‬فيجعل احملافظة عىل قمية معلته‪ ،‬هو‬
‫هدف الس ياسة النقدية‪ ،‬ويتعهد ابدلفاع عن سعر الرصف املعلن‪.‬‬
‫وقمية العمةل املربوطة – نظراي‪ -‬تأيت من مقارنة القمية احمللية لسةل سلع‬
‫سريبط هبا‪ .‬أي يقارن‬‫اس هتالكية‪ ،‬بقمية نفس السةل يف بدل العمةل اليت ُ‬
‫بني مقدرة العمةل الرشائية حمليا ومقارنهتا بسوق العمةل الجنبية املراد‬
‫ان يُثبت هبا العمةل احمللية‪ .‬وقد س بق يف تقيمي العمةل أن رضبنا مثال‬
‫بقمية الرايل السعودي املثبتة مع ادلوالر‪ .‬فقلنا‪ ،‬اكنت ‪ ٣٧٥٠‬رايل‬
‫مثال‪ ،‬تكف مرصوف عائةل لتنغط احتياجاهتا املعيش ية‪ ،‬من مألك‬
‫ومرشب ومسكن‪ .‬وابملقابل‪ ،‬لو أن العائةل ذهبت لمرياك‪ ،‬الشرتت‬
‫نفس سةل املشرتايت ب ‪ ١٠٠٠‬دوالر‪ ،‬فهذا يعين أن ادلوالر يعادل‬
‫‪ ٣.٧٥‬رايل يف القوة الرشائية‪.‬‬
‫‪242‬‬
‫والس يطرة عىل سعر الرصف اثبتا للعمةل املربوطة ليس أمرا عسريا‪،‬‬
‫من الناحية الاقتصادية الفنية‪ .‬أي أن الربط ليس صعبا أبدا‪ ،‬اإمنا‬
‫الصعوبة الشديدة اليت حتتاج اإىل فن وخربات عتيقة‪ ،‬هو التعومي‪،‬‬
‫وخاصة اإذا اكنت العمةل من العمالت ادلولية‪ .‬ذكل أنه جيب عىل‬
‫البنك املركزي‪ ،‬احملافظة عىل الثبات النس يب للقوة الرشائية للعمةل‪ ،‬مع‬
‫الس يطرة عىل الاقتصاد اللك لدلوةل‪ .‬ومعالت دول النفط‪ ،‬ليست‬
‫بعمالت دولية؛ للس باب الثالثة التية‪:‬‬
‫الول‪ :‬اإهنا مربوطة ابدلوالر‪ .‬والعمةل املربوطة ال تصبح معةل دولية اإذا‬
‫اكنت مربوطة بأخرى؛ لنه ال يوجد جمال كبري يذكر للتكسب أو‬
‫التحوط من اختالف وذبذبة سعر الرصف‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬اإن السلع اليت تنتجها دول النفط وتصدرها اإىل اخلارج‪ ،‬تباع‬
‫غالبا ابدلوالر‪ .‬ولو افرتضنا ‪-‬من أجل الفهم‪ -‬أن بعضها يباع ابلعمةل‬
‫احمللية‪ ،‬فلن حتتفظ البنوك الجنبية وال الرشاكت هبا‪ .‬والسبب يف‬
‫ذكل؛ أهنا غالبا ال تس تطيع أو لن جتد الفرصة أو لن ختاطر ابالس تفادة‬
‫من العمةل خالل احتفاظها هبا يف اإقراض وال يف اإيداع وحتصيل فوائد‬
‫عليه‪ ،‬وال يف رشاء س ندات قصرية الجل حكومية أو جتارية مقومة‬
‫ابلعمةل احمللية‪.‬‬
‫ومبا أنه مربوط بسعر اثبت فال توجد خماطرة اختالف سعر الرصف‪.‬‬
‫ذلا؛ فاالحتفاظ مبا ُربطت العمةل به وهو ادلوالر‪ ،‬يعترب بديال استامثراي‬
‫أفضل للبنوك الجنبية‪ .‬فاإذا احتاجت هذه البنوك الجنبية للعمةل‬
‫احمللية‪ ،‬استبدلت ادلوالر به‪.‬‬
‫‪243‬‬
‫الثالث‪ :‬أن معالت دول النفط‪ ،‬ال تس تخدم يف سوق السلع ادلولية‬
‫مطلقا كعمةل تبادلية ختدم بعض السلع ادلولية‪ .‬ذلا؛ ليس لها دور يف‬
‫التجارة ادلولية‪ .‬فالعمالت ادلولية اكلني‪ ،‬تُس تخدم كعمةل قياس جتارية‬
‫تبادلية لكثري من دول رشق أس يا‪ ،‬كام أنه معةل البضائع الياابنية‪ ،‬كام أنه‬
‫متذبذب‪ .‬فيباع ويشرتى رجاء الرب والتحوط‪ .‬كام أن هل ثقة يف احملافل‬
‫املالية ادلولية‪ .‬وأما ادلوالر فهو ليس فقط معةل دولية بل أنه معةل‬
‫الاحتياط املهمينة يف العامل‪ ،‬ومعةل الاحتياط احتاكرية ابلطبيعة‪ ،‬كام‬
‫س بق ذكره‪.‬‬
‫مفن مزااي ربط العمةل‪ ،‬سهوةل اإدارة السوق املالية املتعلقة به‪ .‬فاملسأةل‬
‫سهةل نوعا ما‪ ،‬مقارنة ابإدارة العمةل املعومة‪ .‬مفثال‪ ،‬مفا جيب عىل البنك‬
‫املركزي ‪-‬من أجل أن حيافظ عىل سعر الرصف‪ ،-‬اإال أن يتحمك يف‬
‫مكية معلته حمليا؛ لكيال يزيد فيحصل تضخم أو حتول الزايدة للخارج‪،‬‬
‫كام يتحمك بمكيته ليك ال ينقص عن حاجة السوق‪ ،‬فيختنق السوق‪.‬‬
‫والتحمك بمكية العمةل احمللية حمليا‪ ،‬يكون‪:‬‬
‫‪ .١‬عن طريق اس تخدام البنك املركزي للس ندات احمللية لتغيري عرض‬
‫النقد زايدة ونقصاان للتأثري عىل الفائدة‪ ،‬فالفائدة يه سعر النقد كام بينا‬
‫سابقا‪.‬‬
‫‪ .٢‬أو ابس تخدام اإعادة تضبيط الاحتياط االإلزايم‪.‬‬
‫‪ .٣‬وأحياان قد يكون المثل للتحمك هو سعر الفائدة السقفية لسوق‬
‫النقد كسعر اخلصم يف السوق النقدية الامريكية و اكلريبو يف السوق‬
‫النقدية السعودية‪.‬‬
‫‪244‬‬
‫أما التحمك ابلعمةل احمللية دوليا فذكل عن طريق رشائه وبيعه ابلعمالت‬
‫الجنبية‪ ،‬اإذا لزم المر بسعر الرصف الثابت‪.‬‬
‫أي ولتسهيل الصورة‪ ،‬فكن البنك املركزي للعمةل املربوطة يعمل‬
‫كرصاف لعملته مع العمالت ادلولية‪.‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬تطور النظام النقدي‬
‫قد تأيت اخلربة عن طريق التجربة فتكون مرتفعة اللكفة‪ ،‬مث تُس تخرج‬
‫النظرية اس تخراج ًا من تل التجربة‪ .‬وقد تأيت عن طريق التنظري‬
‫الفلسف احملض الغري معمتد عىل مشاهدات واقعية‪ ،‬فتأيت النتاجئ‬
‫عكس ية وخمية مد لمرة‪ ،‬فالبد أن يفوت عىل البرش معطيات مل حيس بوا‬
‫فالتدرج مطلوب الختبار تطبيق النظرية احملضة‪ ،‬ويف‬
‫حساهبا‪ .‬ذلا ُّ‬
‫الاقتصاد المرييك أمثةل عىل ذكل ‪.‬‬
‫الباب الول‪ :‬من الخطاء التارخيية العظمى للبنوك املركزية‬
‫عمل الاقتصاد اللك عمل حديث‪ ،‬مل يكمتل بعد‪ .‬فالناجت احمليل اذلي هو‬
‫أمه مرتكز يف مؤرشات الاقتصاد اللك مل يظهر اإال بعد احلرب العاملية‬
‫الثانية‪ ،‬بطلب من الرئيس المرييك روزفلت ‪.‬وما خرج املرض‬
‫الهولندي اإال لعدم فهم الاقتصاد اللك أنذاك ‪.‬‬
‫مبحث‪ :‬املرض الهولندي‬
‫فاكتشاف الغاز الطبيع يف هولندا يف القرن املايض أدى اإىل ارتفاع‬
‫معلهتا‪ ،‬مما أدى لهجر الصناعات والزراعة احمللية‪ ،‬للجوء الهولنديني‬
‫لالس ترياد بسبب رخص البضائع الجنبية أمام قوة معلهتم ‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫ورمغ أنين مل أجد من رشح لس باب ارتفاع العمةل الهولندية اىل هذه‬
‫ادلرجة املدمرة‪ ،‬اإال أنين مل أرى هل سبب ًا شارح ًا‪ ،‬اإال أنه سوء ترصف من‬
‫البنك املركزي الهولندي أنذاك‪- .‬ولعهل اكن متصاحب ًا مع رغبة س يايس‬
‫قارص النظر‪ ،‬أجعبته قوة العمةل الهولندية‪.-‬‬
‫فقد اكنت العمالت أنذاك مربوطة ابذلهب‪ ،‬واكن مزيان املدفوعات‬
‫يشلك التغري يف الاحتياط للبنك املركزي‪ .‬فأعتقد أن البنك املركزي‬
‫مل يقم بعزل فائض املزيان التجاري احلاصل من تصدير الغاز عن‬
‫موجودات القاعدة النقدية (مث ًال حنن اليوم نعزل فوائض النفط‬
‫ابستامثرها حلساب املالية‪.‬‬
‫فبسبب عدم العزل ارتفعت موجودات القاعدة النقدية للعمةل‪ ،‬مع عدم‬
‫حاجة الاقتصاد الهولندي لزايدة املعروض النقدي‪ .‬ذلكل مل يقم البنك‬
‫املركزي ابإصدار نقد هولندي يقابل الزايدة يف احتياطياته النقدية اليت‬
‫تسبب هبا فائض مزيان املدفوعات‪ .‬مما رفع قمية العمةل الهولندية‬
‫لتساوي قمية املوجودات املزتايدة‪ .‬وابلتايل أدى ارتفاع قمية العمةل يف‬
‫الهناية اإىل تعطل الاقتصاد الهولندي‪ ،‬واس تغنائه عن االإنتاج احمليل‬
‫ابالس ترياد الجنيب‪.‬‬
‫مبحث‪ :‬فتيل اشعال الكساد العظمي‬
‫وليس هذا اخلطأ بأسوأ من خطأ الفدرايل المرييك‪ ،‬وخطأ بنك اإجنلرتا‬
‫املركزي‪ ،‬والذلان تسببا ابلكساد العظمي عام ‪١٩٢٩‬م‪ .‬فقد اكنت‬
‫العمالت ادلولية لكها مرتبطة ابذلهب‪ ،‬ومهنا اجلنيه الربيطاين وادلوالر‬
‫المرييك‪ .‬وهذا يعين تقني ًا‪ ،‬من حيث عدم التحمك الاكمل يف الس ياسة‬
‫‪246‬‬
‫النقدية‪ ،‬أن ادلول املرتبطة معالهتا ابذلهب أنذاك اكنت يف وضع شبيه‬
‫نسبي ًا بوضع دول اليورو اليوم‪ ،‬اللهم بعمالت متنوعة ‪.‬‬
‫واذلي حدث‪ ،‬هو أن بريطانيا اكنت قد خفضت أسعار الفائدة‬
‫الربيطانية‪ ،‬لس باب س ياس ية حملية‪ .‬فبدأت الموال تنتقل من بريطانيا‬
‫اإىل أمرياك حبث ًا عن فائدة أعىل‪ .‬فتدخل املل الربيطاين عند أمرياك‬
‫متشفع ًا دلهيم ليك خيفضوا الفائدة المريكية الإيقاف جهرة الموال‬
‫الربيطانية اإىل أمرياك‪ .‬فاس تجاب الفدرايل للطلب الربيطاين‪ ،‬خففض‬
‫الفائدة المريكية‪ ،‬بزايدة املعروض النقدي المرييك‪ .‬فارتفعت سوق‬
‫السهم المريكية بسبب اخنفاض الفوائد‪ .‬فاعتقد الناس أن هناك طفرة‬
‫اقتصادية‪ ،‬فتسابقوا للفوز بفرص الاستامثر‪ ،‬فزتامحوا عىل املوارد دون‬
‫وجود طفرة اقتصادية حقيقية‪ .‬فارتفعت أسعار املوارد‪ ،‬اكلعامةل واملواد‬
‫واخلدمات‪ .‬وتوافق مع زايدة املعروض النقدي‪ ،‬ومدعوم بومه المنو‬
‫الاقتصادي‪ ،‬فانطلق التضخم من عقاهل‪ .‬مما جرب الفدرايل عىل تصحيح‬
‫اخلطأ خبطأ أخر‪ .‬فقد عاد الفدرايل‪ ،‬فرفع الفائدة برسعة لكبح التضخم‪.‬‬
‫فاهنار سوق السهم‪ ،‬فتبعه التشاؤم العام يف السوق المريكية‪ ،‬فتوقف‬
‫الاستامثر وبدأت تباشري ُخول اقتصادي أمرييك‪.‬‬
‫مفا أن مسع الربيطانيون بذكل حىت تسارعوا لسحب أمواهلم من البنوك‬
‫يف بريطانيا‪ .‬فسارعت بريطانيا حبامقة الإعالن توقفها عن رصف اذلهب‬
‫مقابل اجلنهيات الربيطانية‪ ،‬حامية لبنوكها‪ ،‬فاهنارت الثقة ابلنظام البنيك‬
‫فاهنار الاقتصاد الربيطاين‪ .‬ورسعان ما أدركت أمرياك عدوى الهلع‪.‬‬
‫فتسابق المرياكن عىل البنوك لسحب أمواهلم‪ ،‬واليت مل يكن عند‬
‫‪247‬‬
‫البنوك ما يكف من اذلهب لتغطيهتا‪( ،‬ومل تكرس أمرياك ربط ادلوالر‬
‫ابذلهب كربيطانيا) فاهنارت البنوك المريكية‪ ،‬وحتول الانكامش‬
‫الاقتصادي اإىل ما أصبح يُعرف ابلكساد العظمي‪ ،‬حىت بلغت البطاةل‬
‫‪ ،٪٢٥‬وتناقص المنو ‪ .٪٥٠‬ودخلت البالد يف الكساد العظمي‪ ،‬ومل‬
‫خترج منه اإال ابحلرب العاملية الثانية ‪.‬‬
‫فالكساد العظمي اكن بسبب عدم فهم النظام النقدي‪ ،‬اإال أنه أخرج‬
‫النظرايت النقدية احلالية‪ .‬ففك الارتباط عن اذلهب اكن نظرية علمية‬
‫خيالية‪ ،‬مت تطبيقها ابس تغالل الظروف خالل عقد من الس نني‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬تعطل اذلهب بعد احلرب الوىل‬
‫ظهرت احلاجة لعمل الاقتصاد اللك كنتيجة لتعطل التجارة ادلولية‬
‫خالل فرتة احلربني العامليتني؛ بسبب عدم وجود معةل دولية موثوق هبا‪.‬‬
‫وذكل بعد أن أثبتت التجارب عرب التارخي اس تحاةل الزتام ادلول بتغطية‬
‫معالهتا ابذلهب املتعهدة به بقمية معالهتا املربوطة به‪ ،‬خاصة عند‬
‫حدوث الزمات الاقتصادية واحلروب‪ .‬أضف اإىل ذكل فقدان بريطانيا‬
‫خاصة‪ ،‬وأورواب معوما الحتياطاهتا اذلهبية خالل احلرب العاملية الوىل‬
‫والثانية‪ ،‬وجتمع غالب ذهب العامل يف أمرياك‪ .‬مفا من ذهب عند ادلول‪،‬‬
‫وال ثقة ابلعمالت‪ ،‬فليس هناك من وس يةل تبادل قياس ية ُمحددة‬
‫موثوق هبا؛ وابلتايل ليس هناك جتارة دولية‪ ،‬اإذ قد تعطلت متاما‪.‬‬
‫والتجارة ادلولية يه من مواضيع الاقتصاد اجلزيئ‪ ،‬ولكن دخول العمةل‬
‫ادلولية الالزمة لتكون مركبة حتمل معليات التبادالت التجارية‪ ،‬وعالقة‬
‫هذه العمةل ادلولية بعمالت ادلول الخرى احمللية‪ ،‬وعالقة العمةل احمللية‬
‫‪248‬‬
‫ابلعمالت الخرى‪ ،‬وعالقة العمةل احمللية ابالإنتاج احمليل وعالقته‬
‫ابالإنتاج العامل ‪ ،‬مع تأثري احلكومة عىل االإنتاج احمليل من خالل‬
‫التنظاميت والرضائب واالإنفاق‪ ،‬لك هذا أخرج احلاجة لنظرة لكية‬
‫جامعة شامةل تربط بني النقد واحلكومة‪ ،‬والعرض العام والطلب العام‪.‬‬
‫فالطلب العام والعرض العام اكن مضن دراسات الاقتصاد اجلزيئ‪.‬‬
‫وسلوك احلكومة الاقتصادي اكن مضن الفلسفة الس ياس ية‪ ،‬وأما النقد‬
‫فقد غلب عليه اذلهب‪ .‬واذلهب جامد من امجلادات ويُعترب خارجا عن‬
‫السوق (أي خارج الطلب والعرض)‪ .‬وذلا؛ فمل يتعد احلديث فيه‬
‫اقتصاداي عن حد التطبيق التعاميل اجملرد‪ .‬فمل تكن هل فلسفة تأصيلية‬
‫علمية‪ ،‬اإال مثاليات مضن الفلسفة الاجامتعية والفلسفة الخالقية‪.‬‬
‫وكذكل ما جاء حول اذلهب يف فلسفة أحبار الداين ورهباهنا‬
‫وعلامهئا‪.1‬‬
‫فالتشابك والتداخل والتعقيدات بني السلوك االإنساين يف السوق‬
‫(واذلي ميثهل الاقتصاد اجلزيئ)‪ ،‬وبني فطرة البرش يف تعامهل مع النقد‪،‬‬
‫مع تداخهل يف سلوكيات احلكومة‪ ،‬مع تشابكه يف النظمة الس ياس ية‪،‬‬
‫مع تعقيداته مع النظام النقدي جملمتع أو دوةل معينة‪ ،‬مع مدى تأثر لك ما‬
‫س بق وتداخهل‪ ،‬مع اجملمتعات وادلول الخرى‪ ،‬جيمتع ما س بق من‬
‫اخلليط لكه ليشلك حمور عمل الاقتصاد اللك ‪ .‬واذلي خرج خدجيا‬

‫‪ -1‬النصوص االإسالمية جاءت فقط ابلتطبيق التعاميل ابلصناف الس تة‪ ،‬ومل تأت بفلسفته وال فلسفة تطبيقاته التعاملية‪ ،‬وإامنا الفقهاء القداىم مه من نَظر حوهل وتفلسف‪.‬‬
‫فيتأملونه مبا يرونه يف واقعهم البس يط وحياولون فلسفته‪ ،‬وأكرث الفقه يف اذلهب مأخوذ من فالسفة اليوانن‪ .‬وأما املعارصون فأخذوا ممن س بقهم من الفقهاء‪ ،‬ومن الفلسفة‬
‫الاشرتاكية (وأصولها مزدكية)‪،‬واليت دخلت علهيم من خالل ما كتبه رواد البعثات الوىل العرب يف كتهبم‪ ،‬حني اكنت الفلسفة الاشرتاكية يه املهمينة عىل غالب الفكر‬
‫العامل العاميل‪ ،‬حىت أنه غلب عىل كثري من كبار املس ئولني والاقتصاديني المرياكن والوربيني‪ ،‬فضال عن العرب‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫مشوها كعمل مس تقل‪ ،‬قبل نصف قرن‪ .‬خرج خدجيا لعدم اعتباره‬
‫للمدى البعيد‪ ،‬وخرج مشوها لعدم اعتباره النقد‪ ،‬فمل يكن للنقد‬
‫حضور مضن النظرايت الاقتصادية‪ ،‬لنه ال ينتج وال يس هتل‪ .‬فمل‬
‫يدخل النقد كعامل مؤثر يف االإنتاج‪ ،‬اإال يف الس بعينات‪ .‬وهذا حييك‬
‫صعوبة انزتاع الفكر املتوارث‪ .‬فاذلهب مل يكن يدخل الفلسفة‬
‫الاقتصادية للسوق مطلقا ابعتباره‪ ،‬جامدا من امجلادات ال تُنتِّج وال‬
‫تُنتَج‪ ،‬وال تس هتل‪ ،‬فاع ُت ِّرب خارج مؤثرات السوق االإنتاجية‪ .‬وهذا‬
‫التفكري اكن مقبوال يف غالب الحوال الطبيعية عرب عرشات القرون‪،‬‬
‫عندما مل يكن هناك منو هائل يف االإنتاج‪ .‬ذلا فمل تأت حاجة تفرض‬
‫دراسة النقد داخل الاقتصاد‪.‬‬
‫وإان اكن عمل الاقتصاد اجلزيئ قد اس تقر منذ قرون‪ ،‬فاإن الاقتصاد‬
‫اللك مل مير بفرتة اس تقرار اإىل اليوم‪ .‬فقد تعرض عمل الاقتصاد اللك‬
‫عندما اكن جنينيا يف أحشاء الاقتصاد اجلزيئ لصدمة اإنتاج الةل الهائل‬
‫اذلي خلق الطبقة الوسطى؛ مما تسبب يف والدته خدجيا كعمل مس تقل‪.‬‬
‫ومث رسعان ما فُطم عمل الاقتصاد اللك يف همده؛ بفشل النظام النقدي‬
‫احملدود القامئ عىل اذلهب؛ مما سبب صدمة أخرى هل‪ .‬وتضاعفت عليه‬
‫الصدمة بعد أن أصبح للنقد دور أسايس يف االإنتاج والمنو؛ مما قلب‬
‫أساس العمل رأسا عىل عقب يف بداية نشأته‪ .‬مث تعرض عمل الاقتصاد‬
‫اللك لصدمة التكنولوجيا واالتصاالت‪ ،‬اليت غريت مفاهمي اس تقاللية‬
‫النظام النقدي احملل‪ ،‬فدجمته مضن منظومة نقدية عاملية واحدة عن‬
‫طريق االتصاالت والتكنولوجيا‪.‬‬
‫‪250‬‬
‫وقفة فلسفية‪ :‬انتقال السلطة النقدية من امجلاد ل إالنسان‬
‫ويف الواقع فاإن مقدرة هجابذة الاقتصاد اللك عىل نقل السلطة النقدية‬
‫من امجلاد ل إالنسان‪ ،‬هو اذلي جفر طاقات عمل الاقتصاد اللك ‪ ،‬كام أنه‬
‫هو اذلي أطلق اجملمتعات االإنسانية يف طريق المنو والتطور الهائل يف‬
‫نصف القرن الخري‪ .‬كام أنه هو اذلي خفف من فرتات الاحنسار‬
‫الاقتصادي‪ ،‬وقلل من تَكرارها ومنع الاهنيارات الاقتصادية اليت اكنت‬
‫متكررة‪ ،‬وأخرها الكساد العظمي يف بداية القرن التاسع عرش‪.‬‬
‫فقد اكن النظام النقدي القامئ عىل اذلهب‪ ،‬كنظام المطار والعواصف‪،‬‬
‫ال يد ل إالنسان فيه‪ .‬فقد ينقطع املطر؛ فميوت الزرع والهبامئ‪ .‬وقد تأيت‬
‫العواصف ويزيد املطر؛ فهيل اخللق والرزق‪ .‬وقد تعايشت اجملمتعات‬
‫مع اذلهب كام تعايش العامل ويتعايش اليوم مع تغريات الطقس‪.‬‬
‫ولو متكن االإنسان من التحمك يف الطقس‪ ،‬الختلفت حياته ولتوسعت‬
‫اإماكنياته مبا ال خيطر عىل ابل امرئ اليوم‪ .‬ولكن هللا مل يأذن هل بذكل‬
‫ابلسلطة النقدية‪.‬‬‫بعد‪ ،‬كام أذن لعباده قبل عقود معدودة‪ ،‬ابلتحمك ُّ‬
‫فأوجد س بحانه الس باب‪ ،‬بأن أوجد الةل وسبب احلروب العظمى‪،‬‬
‫اليت دفعت العقول اإىل معرفة الكيفية اليت تنزتع هبا السلطة النقدية من‬
‫امجلاد اذلي ال يعقل‪ .‬وليتحمك هبا االإنسان بعد أن أصبح اذلهب ظاملا‬
‫للبرشية متعسفا‪ .‬فقد معل اذلهب‪-‬واذلهب من خلق هللا‪ -‬عىل خنق‬
‫الاقتصاد‪ ،‬ومنع التطور والعلوم اليت مل يكن هللا قد أذن هبا بعد‪.‬‬
‫فقد منع اذلهب الطفرات العلمية الاقتصادية اللكية‪ .‬مفا أن يكشف‬
‫هللا س بحانه لعباده رسا من ارسار الكون‪ ،‬وتتحرك اهلمم االإعامرية‬
‫‪251‬‬
‫الستامثر معرفة هذا الرس‪ ،‬وتبدأ يف وضع أول لبنة يف سمل التطور‪ ،‬اإال‬
‫وخيتف اذلهب من الاقتصاد‪ .‬وذكل حملدوديته اليت تُعجزه عن تغطية‬
‫الس يوةل الاستامثرية التوسعية الاكفية‪ .‬فريتد الاقتصاد اإىل موضعه بل‬
‫اإىل موضع أسوأ‪ .‬ومث يظل مراوحا ينتظر عودة س يوةل اذلهب‪ ،‬اليت قد‬
‫تتأخر بسبب احتاكر مالكه اذلين خبؤه‪ ،‬عندما رأوا حاجة الناس اإليه‬
‫ُلريبوا به أضعافا مضاعفة‪ ،‬حىت اإذا ما ضاعت الفرصة التطورية بعد‬
‫القضاء عىل لك عقل ُمبدع ابإحباطه وعىل لك ُمنتج ابإفالسه‪ .‬ولكه‬
‫بسبب ندرة اذلهب لينهتي املنتجون واملبدعون بني جسني وحشاذ‪.‬‬
‫حيهنا تذهب احلاجة لذلهب‪ ،‬فيظهره حمتكروه املرابون فيعرضوه‬
‫ل إالقراض رخيصا‪ ،‬ليخلقوا التضخم ! مفا عاد هناك طلب حيتاج‬
‫اذلهب‪ ،‬بعد ذهاب الفرصة واهنيار الاقتصاد‪.‬‬
‫وهكذا يظل الاقتصاد والمنو والتطور مرواحا يف ماكنه‪ ،‬وقد ُشد‬
‫واثقه اإىل احلفرة بسلسةل اذلهب‪ .‬وهكذا اس متر اذلهب يف معاندة‬
‫التقدم‪ ،‬حىت سبب هللا احلروب العظمى املدعومة ابخرتاع الةل‪ ،‬اإىل‬
‫ثورة االإنسان عىل اذلهب‪ ،‬وخلعه عن عرش النظام النقدي‪ .‬وأورث‬
‫هللا مل السلطة النقدية للبنوك املركزية عن طريق نظام نقدي رمق ‪،‬‬
‫قامئ عىل تسجيل ومسح لرقام يف دفرت حماس يب ُمجرد عن أي قمية‪.‬‬
‫وخلق هللا ألية جناح هذا النظام يف صورة حممكة كونية‪ ،‬ال ُخيطئ فهيا‬
‫القايض مطلقا‪ ،‬وال ي ُس تغفل فهيا مدع عام‪ ،‬وال يفوت رشطهتا يشء‪،‬‬
‫هذه احملمكة يه السوق النقدية احمللية والعاملية‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫فاإن صدق البنك املركزي‪ ،‬فسجل وفق قمية ما ميل اجملمتع‬
‫الاقتصادي ومل يُطفف‪ ،‬جنحت العمةل النقدية‪ .‬وإان غش البنك‬
‫املركزي وزور‪ ،‬فسجل ما ال يُنتج اجملمتع‪ ،‬فشلت العمةل النقدية‪،‬‬
‫وحمكت علهيا احملمكة – أي سوق العمالت ‪ -‬ابلطرد وزوال قميهتا أو‬
‫نقصاهنا‪.‬‬
‫ابب خروج اذلهب والفضة من عامل العمالت‬
‫اذلهب دموع الشمس والفضة دموع القمر‪ .‬أو هكذا اكن يُعتقد عند‬
‫بعض شعوب قد خلت‪ .‬ومرت دهور ختىل الناس خاللها تدرجييا عن‬
‫الفضة فمل تعد دموعا للقمر‪ .‬فاذلهب أشد غَرقا يف خصال المثنية من‬
‫الفضة‪ ،‬فهو أكرث حتمال وأندر وجودا‪ .‬والمثن ادلويل يكون حمتكرا‬
‫ابلطبيعة‪ .‬فذلا؛ شيئا فشيئا‪ ،‬جهرت البنوك املركزية الفضة‪ ،‬حىت‬
‫خرجت من عامل المثن العامل ‪ .‬اإذ تناقصت قمية الفضة الرشائية‪ ،‬واليت‬
‫اكنت الونصة مهنا يف عام ‪١٤٧٧‬م تقارب ‪ ٨٠٠‬دوالر (بأسعار عام‬
‫‪ ،)١٩٩٨‬حىت وصلت اإىل ُخسة دوالرات عام ‪١٩٩٨‬م‪.‬‬
‫أما الشمس مفا زالت دموعها اإىل عهد قريب‪ ،‬حتتفظ بقميهتا السوقية‪.‬‬
‫ومعوما‪ ،‬فاذلهب س يلحق الفضة فيخرج من الساحة ادلولية املالية‬
‫خالل قرن‪ ،‬كام احتاجت الفضة لقرن حىت خترج من عقول الناس‪.‬‬
‫وحىت يتخىل الناس عن ظن عودته مكرجع اثبت لقياس القمية ‪،‬كام‬
‫ختلوا عن الفضة وعن النحاس قبل الفضة‪ .‬فس ُينىس اذلهب‪ ،‬كام‬
‫نُسيت الفضة من قبل‪ ،‬حىت أنك اليوم ال تسمع ذكر الفضة كشاهد يف‬

‫‪253‬‬
‫احملاجات الفقهية وال الكهنوتية النرصانية‪ ،‬وكن الفضة ليست من‬
‫النقدين يف حديث الصناف !‬
‫واذلهب والفضة هلام تقريبا الصفات واخلصائص نفسها‪ ،‬اإال‬
‫اذلهب الفض َة‪ ،‬حمتال بذكل‬
‫أن اذلهب أنفس وأصرب وأندر‪ .‬فأزاح ُ‬
‫عرش معةل الاحتياط ادلولية‪ ،‬وقوانني السوق ال تسمح بوجود منافس‬
‫للمحتكر ابلطبيعة‪ ،‬ومن خصائص معةل الاحتياط أهنا احتاكرية‬
‫ابلطبيعة‪.‬‬
‫ومل يزل اذلهب حمافظا عىل العرش‪ ،‬حىت ظهر منافس من نوع جديد‬
‫ال يشاهبه صفة وال ِّخلقة وال ثباات‪ .‬مفنذ عام ‪١٩٤٤‬م‪ ،‬وادلوالر يفرض‬
‫نفسه دوليا كعمةل الاحتياط ادلولية‪ ،‬ومث من عام ‪ ١٩٧٣‬فرض‬
‫ادلوالر نفسه كعمةل احتياط دون أن يكون ادلوالر اتبعا ليشء مادي‬
‫هل قمية‪ ،‬فصار معةل مس تقةل بذاته‪ ،‬غطاؤه انتاج اقتصاده من سلع‬
‫وخدمات‪.‬‬
‫ابب عدم صالحية اذلهب كعمةل احتياط دولية‬
‫ظهور معةل ورقية مس تقةل بقميهتا اذلاتية ميكن زايدة مكياهتا أو اإنقاصها‬
‫بسهوةل‪ ،‬يه رضورة فرضهتا الطفرات االإنتاجية الهائةل اليت بنت المنو‬
‫الاقتصادي العامل احلديث‪ .‬فاذلهب مل يعد صاحلا لن يكون معةل‬
‫الاحتياط ادلولية‪ .‬فزتايد مكيات اذلهب ابلتنقيب تدرجيية‪ ،‬وأقل كثريا‬
‫من تدرج الةل يف مقدرهتا عىل زايدة االإنتاج اذلي جفرت ماكمهنا‬
‫التكنولوجيا احلديثة‪ .‬وابس تثناء احليل وبعض الاس تخدامات‪،‬‬
‫فاذلهب اكدلوالر جمرد امسني‪ ،‬ال وظيفة هلام اإال كوهنام مرجعا لقياس قمي‬
‫‪254‬‬
‫السلع واخلدمات‪ .‬فاإذا اكن اإنتاج السلع يزداد بوترية أعىل من مقياس‬
‫القمي (العمةل) اخنفضت السعار‪ ،‬وطرد ذكل عكس يا منضبط‪.‬‬
‫واخنفاض السعار قيد عىل االإنتاج‪.‬‬
‫والاقتصاد احلديث مل يقم اإال عىل طفرات اإنتاجية متتابعة‪ ،‬اكلطفرة‬
‫الصناعية يف الس تينيات‪ ،‬وطفرة االتصاالت يف الامثنينيات‪ ،‬والثورة‬
‫الرمقية يف التسعينيات‪ .‬وما اكن لهذه الطفرات أن تكون لو‬
‫اكن اذلهب قيدا علهيا‪ .‬مفحدودية اذلهب ال تسمح ابلفقاعات السعرية‪.‬‬
‫فاإذا حصلت فرسعان ما يعمل عىل تفجريها‪ ،‬خملفا وراءه دمارا عظامي‪،‬‬
‫كام حدث يف الكساد العظمي يف الثالثينيات‪.‬‬
‫ويف عام ‪ ٢٠٠٨‬وما بعده‪ ،‬عش نا تطبيقا معليا أخر لهذه النظرية‪ .‬فلو‬
‫أننا يف عرص اذلهب ملا اس تطاع العامل اخلروج من هذه الزمة هبذه‬
‫السهوةل‪ .‬وقد ُجيادل جمادل فيقول‪ :‬ولو كنا يف عرص اذلهب ملا اكن‬
‫لهذه الزمة أن تكون هبذا احلجم والشلك ! و ُيرد عىل ذكل بأنه لو كنا‬
‫يف عرص اذلهب ملا اس تطعنا أن نصل أصال اإىل هذا املس توى من‬
‫المنو الاقتصادي؛ لن قيد اذلهب س مينع من الطفرات االإنتاجية كام منع‬
‫من الطفرات السعرية‪.‬‬
‫مبحث‪ :‬تذبذب أسعار اذلهب‬
‫والتذبذب الكبري لسعار اذلهب الامسية هو أمر حادث حدث بعد‬
‫أن أزاحه ادلوالر عن عرش معةل الاحتياط يف عام ‪١٩٧٣‬م‪ .‬فالطلب‬
‫العامل عىل اذلهب ليس من أجل اس تخدام ذات اذلهب بل‬

‫‪255‬‬
‫الس تخدام مثنيته‪ .‬فاس تخدامات اذلهب الانتاجية قليةل جدا ابلنس بة‬
‫لمكياته املتوافرة‪.‬‬
‫وهناك ثالثة عوامل رئيسة تؤثر يف تذبذب أسعار اذلهب‪ :‬اثنان مهنا‬
‫أصلية‪ ،‬وهام مكية ادلوالر واحلاةل الس ياس ية‪ .‬أما الثالث فهو عامل‬
‫متطفل يعمل من خالل العاملني الصليني‪ ،‬وهو عامل املضاربة‪.‬‬
‫العامل الول (مكية ادلوالر)‪ :‬فمكية اذلهب حمدودة ومكية ادلوالر غري‬
‫حمدودة‪ ،‬واذلي حيدد العالقة بيهنام هو السعر‪ .‬فاإذا زادت مكية‬
‫ادلوالرات زاد السعر الامس لذلهب وابلعكس‪ .‬والعمالت الخرى‬
‫تُعادل ابدلوالر لقياس قوهتا الرشائية ابذلهب‪.‬‬
‫العامل الثاين (الس ياسة)‪ :‬فقد ال يكون مثة تغري كبري يف مكية‬
‫ادلوالرات‪ ،‬ومع ذكل ترتفع أسعار اذلهب ارتفاعا عظامي ! وهذا ال‬
‫يكون اإال عند توافر معطيات حاةل س ياس ية معينة‪ ،‬كام حدث عام‬
‫‪١٩٨٠‬م‪ ،‬حيث تعدت أسعار اذلهب أنذاك ‪ ٨٥٠‬دوالرا للونصة‬
‫أي قريبا من ‪ ١٨٥٠‬دوالرا بأسعار ‪٢٠٠٧‬م‪ .‬فف ذكل العام‬
‫‪١٩٨٠‬م توافقت أزمة رهائن السفارة المريكية يف اإيران مع احلرب‬
‫الباردة‪ ،‬واكن العامل حديث عهد بنقض معاهدة برتن وود وانفصال‬
‫ادلوالر عن اذلهب‪.‬‬
‫فاكن ش بح احلرب العاملية‪ ،‬وإارهاصات العودة اإىل‬
‫نظام اذلهب‪ ،‬فرصة اس تغلها املضاربون‪ ،‬فاجمتعت هذه الس باب‬
‫فأدت اإىل ارتفاع أسعار اذلهب أنذاك اإىل مس توى ‪ ١٨٥٠‬دوالرا‬
‫بأسعار ‪٢٠٠٧‬م‪.‬‬
‫‪256‬‬
‫مبحث‪ :‬أثر الصناعة يف اإخراج اذلهب وزايدة االإنتاج وختفيض‬
‫السعار‬
‫املقارنة التارخيية للسعار ابس تخدام اذلهب‪ ،‬ليست دقيقة عىل‬
‫االإطالق‪ .‬فأعرية اذلهب متفاوتة‪ ،‬ونقاء السك وصفائه كذكل‪ ،‬فضال‬
‫عن عوامل العرض والطلب عىل اذلهب املتغرية‪.‬‬
‫ولكن ابملتوسط العريض نس تطيع رمس صورة تقريبية لقاعدة منطقية‬
‫البناء‪ ،‬عريضة التطبيق‪ .‬فذلا نس تطيع أن نقول اإن سعر الغمن واالإبل‬
‫اليوم يقارب سعرها أايم عرص النبوة‪ .‬مفن تتبع الحاديث النبوية س يجد‬
‫أن الشاة أايم النبوة اكنت بدينارين ذهبيني‪ ،‬وادلينار (‪ ٤.٢٥‬غرام)‪.‬‬
‫واكن متوسط سعر البعري أوقية ذهب (أونصة‪٢٨.٣٥ ،‬غرام)‪.‬‬
‫ولكن المر ال ينضبط لو أردان تطبيق هذه القاعدة عىل مجيع السلع‪.‬‬
‫فعىل سبيل المتثيل‪ ،‬لو أردان أن نقارن بني أسعار ادلجاج قدميا‪،‬‬
‫وسعره اليوم ابس تخدام اذلهب لوجدان أن أسعاره قد اخنفضت اخنفاضا‬
‫شديدا‪ .‬وسبب ذكل هو دخول الةل والتكنولوجيا يف صناعة ادلجاج‪،‬‬
‫مما ضاعف اإنتاجه أضعافا كثرية‪ ،‬فأرخصه الخنفاض لكفة اإنتاجه‬
‫وغزارهتا‪.‬‬
‫وللتأكد من الشاهد السابق‪ ،‬فس نجري ادلليل يف القرن املايض‬
‫وابس تخدام ادلوالر اذلهيب‪ .‬واملقارنة ابس تخدام ادلوالر اذلهيب‪ ،‬دقيقة‬
‫نوعا ما‪ ،‬وليست اكدلاننري القدمية‪ .‬ذكل كون ادلوالر أنذاك‪ ،‬اكن مرتبطا‬
‫بقمية اثبتة يدافع عهنا الاحتياط الفدرايل‪ ،‬فهذا عز رل لتقلبات أسعار‬
‫سوق اذلهب عن مثنية ادلوالر‪.‬‬
‫‪257‬‬
‫فأسعار درزن البيض يف أمرياك عام ‪١٩٢٠‬م اكنت ‪ ٦٠‬سنتا‪ .‬وقمية‬
‫غرام اذلهب ‪ ٧٠‬سنتا أنذاك‪ .‬أي أن قمية درزن البيض بغرام ذهب‬
‫تقريبا‪ .‬وأما أسعاره اليوم فهي يف املتوسط ‪ ١٥٠‬سنتا وقمية غرام‬
‫اذلهب اليوم حنو ‪ ٥٠٠٠‬سنت‪ .‬وهذا يعين‪ ،‬أن سعر البيض عام‬
‫‪ ١٩٢٠‬أكرث من سعر البيض اليوم بـ ‪ ٣٠‬ضعفًا مبقياس اذلهب‪ .‬بيامن‬
‫أسعار حلم البقر عندمه مل تتغري منذ عام ‪ ١٩٢٠‬اإذا قيست ابذلهب‪،‬‬
‫متاما كسعار الغمن واالإبل‪ ،‬مل تتغري منذ عرص النبوة مبقياس اذلهب‪.‬‬
‫ولهذا يس تخدم الاقتصاديون سةل من مجموعة سلع‪ ،‬من أجل قياس‬
‫مس توى التضخم‪ ،‬وجيددون حمتوايهتا بتجدد احتياجات الناس عرب‬
‫الس نني‪.‬‬
‫هذا الارتفاع الكبري لقمي بعض السلع عىل حساب قمي سلع الخرى‪،‬‬
‫مل يبدأ اإال منذ أوائل القرن املايض‪ ،‬وما ذاك اإال بسبب تأثري الةل‬
‫والتكنولوجيا عىل تعظمي االإنتاج‪ .‬فالةل والتكنولوجيا ضاعفت من اإنتاج‬
‫البيض أضعافًا عديدة ولكهنا جعزت أن تفعل اليشء نفسه ابلنس بة للبقر‬
‫والغمن‪ ،‬فاخنفض سعر البيض بيامن ثبت سعر الغمن والبقر ابلنس بة‬
‫لذلهب‪ .‬وقس عىل هذا السلع لكها يف اإماكنية أثر الةل والتكنولوجيا‬
‫عىل زايدة اإنتاهجا‪.‬‬
‫والقوة االإنتاجية العالية للصناعة يه اليت جعلت الربط ابذلهب‬
‫مس تحيال ومدمرا للمنو الاقتصادي العامل ‪ .‬مفا اكن العامل ليستمثر يف‬
‫الةل والتكنولوجيا لو اكن اذلهب هو معةل التبادل‪ ،‬لن اذلهب حمدود‬
‫ومكية االإنتاج بشلك عام للسلع تعاظمت أعظم بكثري من زايدة مكيات‬
‫‪258‬‬
‫اذلهب مما س يؤدي اإىل اخنفاض أسعار السلع‪ ،‬اليت تؤثر التكنولوجيا‬
‫والةل يف اإنتاهجا‪ ،‬مما س يقيض عىل الاستامثر‪ .‬فاملستمثر ال يستمثر اإذا‬
‫اكن يرى أن قمية استامثره تتضاءل مع الزمن‪ .‬وهبذا أخرجت الصناعة‬
‫السوق اذلهب من النظام املايل‪ ،‬وحل حمهل نظا ًما يطبع النقد بمكيات‬
‫مزتايدة لتقابل زايدة االإنتاج‪ ،‬وكذكل تدفع بعملية الابتاكر والاخرتاع‬
‫الإجياد سلع جديدة ال يزامحها يف أسعارها قةل الس يوةل النقدية اليت‬
‫اكنت متوافرة بشح للسلع القدمية‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬مسائل وتطبيقات يف الاقتصاد النقدي ادلويل‬
‫التطبيق الول‪ :‬يف ربط الرايل السعودي ابلنفط‬
‫نظام التعومي للعمالت متعلقر ابقتصادايت ادلول املنتجة‪ .‬فقمية العمةل‬
‫دوليا هو ما متثهل من منتجات اقتصادها‪ .‬أي أن التعومي للعمةل هو‬
‫ربطها ابلسلع اليت ينتجها اقتصادها‪ .‬اإذن حفقيقة بيع النفط ابلرايل هو‬
‫جمرد ربط الرايل ابلنفط؛ لن الاقتصاد السعودي ال ينتج اإال النفط‪.‬‬
‫وابلربط ابلنفط‪ ،‬سوف تزداد قمية الرايل ابرتفاع أسعار النفط الرتفاع‬
‫الطلب عىل الرايل عامليا‪ ،‬وستنقص قمية الرايل ابخنفاض أسعار النفط‬
‫الخنفاض الطلب عىل الرايل عامليا‪.‬‬
‫والربط ابلنفط هو حل نظري‪ ،‬ال تطبيق للس ياسة املالية لدلول اليت‬
‫يعمتد اقتصادها عىل النفط ويدور حول االإنفاق احلكويم أي كحاةل‬
‫الاقتصاد السعودي‪ .‬فنظراي‪ ،‬لن يعود االإنفاق احمليل‪ -‬اكلرواتب مثال‪-‬‬
‫عبئا عىل ادلوةل حني اخنفاض النفط‪ .‬ولن تضطر ادلوةل لتخفيض‬
‫االإنفاق أو فرض الرضائب‪ .‬فدخل ادلوةل من النفط واالإنفاق مرتبط‬
‫بعدد براميل النفط ال قميهتا‪.‬‬
‫ولنتخيل املسأةل‪ ،‬فكن ادلوةل تنفق الرواتب مثال برباميل نفطية‪.‬‬
‫فس يكون راتب أحدان عرشة براميل نفط مثال‪ ،‬فال يرض ادلوةل –‬
‫واحلاةل هذه‪ -‬اخنفاض سعر النفط‪ .‬فالراتب لن ينقص وسيس متر عرشة‬
‫براميل نفطية‪ ،‬فاملعمتد هو العدد ال القمية‪ .‬كام أنه لو اخنفض ادلوالر أو‬
‫ارتفع‪ ،‬فالراتب مثال يس متر اثبتا‪ .‬فلو كنا ننتج ما حنتاج ومننع تصديره‬
‫َفرضا‪ ،‬فلن يؤثر اخنفاض النفط عىل املشاريع ادلاخلية‪- .‬وهذا لكه‬
‫تنظريي جديل‪ ،‬ولكن ال يُتخيل حدوثه يف الواقع املنظور‪.‬‬
‫فتطبيقيا‪ ،‬فالنفط سلعة دولية ال س يطرة دلول النفط عىل أسعارها‪،‬‬
‫ويه سلعة متذبذبة القمية؛ مما جيعلها غري صاحلة مكقياس قمي السلع‬
‫الخرى‪ ،‬وهذا هو الواقع القامئ‪ .1‬وابعتبار الواقع القامئ‪ ،‬فالنفط سلعة‬
‫متذبذبة القمية مما جيعلها غري صاحلة مكقياس قمي السلع الخرى‪ .2‬فربط‬
‫الرايل ابلنفط س يجعل اإجيار املزنل مثال اليوم ألف رايل‪ ،‬وبعد شهر‬
‫تكون قمية اللف رايل تساوي ألفني يف حال ارتفاع سعر النفط‪،‬‬
‫والعكس حصيح‪ .‬وهبذا يفسد البيع والرشاء‪ ،‬وتُفقد الثقة بقمية الرايل‪.‬‬
‫وابلتايل يصبح الرايل جمرد موضع مقامرات فقط‪ ،‬ال معةل تبادل‪.‬‬
‫فتذبذب السعر جيعل الُمسعر موضعا للمراهنات‪ ،‬فال يعود مثنا‪ .‬وقد‬
‫يقال اإنه ميكن التحمك بسعر العمةل أو تذبذهبا عن طريق تدخل البنك‬
‫املركزي‪ ،‬مبا يُطلق عليه مصطلح التعومي القذر‪ ،‬واذلي تقوم به كثري‬
‫من البنوك املركزية‪ ،‬ومهنا الياابن يف حاةل ارتفاع قمية الني لتخفيض‬
‫قميته امام العمالت الخرى‪ .‬ولكن هذا أوال‪ :‬يُضيع الغاية من ربط‬
‫العمةل ابلنفط! واثنيا‪ :‬اإن ربط الرايل س يصبح ربطا بقرارات البنك‬
‫املركزي‪ ،‬ال ابلنفط وال ابدلوالر‪ .‬فاإن مل يتالعب البنك املركزي‬
‫ابلربط‪ ،‬فس ينتج عن تذبذب سعر النفط تذبذابت هائةل يف قمية‬

‫‪ ،. 1‬ال الواقع اذلي جيب أن يكون‪.‬‬


‫‪ 2‬ولو يأخذ كبار منتج النفط دورمه يف قيادة السوق الس تطاعوا ختفيف اذلبذبة وابلتايل فتح أبواب كثرية جديدة عىل الاقتصاد ادلويل‪،‬‬

‫‪261‬‬
‫الرايل؛ تبعا لتذبذب أسعار النفط‪ .‬اإذن فف الك احلالني ستسقط‬
‫مصداقية الرايل‪ ،‬فال يقبهل أحد يف ادلاخل فضال عن اخلارج‪.‬‬
‫وتذبذب أسعار النفط واسعة والش به مس مترة ابالإضافة حلجم قمية‬
‫النفط املتداول خضم جدا‪ ،‬جيعل من الصعب لبنك مركزي ‪-‬من بنوك‬
‫ادلول النفطية‪ -‬أن يلحق هبذه التذبذابت‪ ،‬ومن مث التدخل‪ ،‬وحصول‬
‫تأثري التدخل يف سوق العمالت‪ .‬وهذا مما جيعل ربط أي معةل ابلنفط‬
‫مس تحيال‪ .‬وابلتايل فبيع النفط ابلرايل امر مس تحيل تقنيا الن بيع‬
‫النفط ابلرايل حقيقته تعومي الرايل بربطه ابلنفط‪.‬‬
‫وحىت لو افرتضنا جدليا ان سعر النفط أصبح اثبتا فلن يربر بيع النفط‬
‫ابلرايل‪ .‬وذكل لن بيع النفط ابلرايل لن يكون اإال جمرد بيع للنفط‬
‫ابدلوالر‪ ،‬مع زايدة معلية رصف اإضافية فقط‪ ،‬فهو جمرد زايدة لكفة‬
‫حمضة‪ .‬والسبب هو كون الاقتصاد السعودي‪ ،‬يس تورد غالب‬
‫احتياجاته من اخلارج‪ ،‬حىت احتياجات صناعاته احمللية‪ ،‬فهو حيتاج‬
‫لدلوالر لرشاء السلعة أو لرشاء العمةل الجنبية اليت تباع هبا السلعة‪.‬‬
‫التطبيق الثاين‪ :‬يف املضارابت عىل الرايل السعودي‬
‫اإن ما يفعهل املضاربون يف أسواق العمالت من مضاربة عىل الرايل‬
‫وبيعه رخيصا يف العقود الجةل‪ ،‬اإمنا هو جمرد مقامرات من مقامرين ال‬
‫ميكن أن تؤثر عىل سوقنا النقدية احمللية‪ .‬ولعل عدم نرش اسعار الفائدة‬
‫عىل الرايل ُمفصةل يف أوقاهتا‪ ،‬سبب عدم اس تدعاء جلب انتباه من ال‬
‫شغل هل هبا‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫فاملقامرات عىل الرايل السعودي يف أسواق العمالت‪ ،‬يه متاما كن‬
‫يراهن خشص يف الرايض عىل س باق جياد يف لندن‪ .‬مفراهنة من يف‬
‫الرايض عىل س بق حصان يف لندن لن تؤثر عىل احلصان فرتهقه او‬
‫تتعبه‪ .‬ولن يدري احلصان وال مالكه ابملقامرة‪.‬‬
‫فأسعار الفائدة املس تقبلية يه تنبؤات تعمتد عىل عوامل عدة‪ ،‬يف معوهما‬
‫جيب ان ال تبتعد عن الفائدة المريكية‪ ،‬لربط فائدة الرايل هبا‪ ،‬ولكن‬
‫هذا ابفرتاض عدم ختفيض قمية الرايل‪ .‬وختفيض قمية الرايل‪ ،‬ال يُتخيل‬
‫وقوعه‪ ،‬ال منطقيا وال اقتصاداي وال س ياس يا وال اترخييا‪ ،‬اإال يف حاةل‬
‫جعز الاحتياطيات الاجنبية عن تغطية الرايل اخلارج من السعودية‪.‬‬
‫وابلنس بة لبالدان‪ ،‬فهذا ال ميكن حدوثه الا مبشرتايت حكومية خضمة‬
‫من اخلارج او بضخ رايالت يف اجملمتع فتذهب للخارج عن طريق‬
‫احلوالات والاس ترياد‪ ،‬أو بفقدان الثقة احمللية ابلرايل مما يؤدي اإىل‬
‫جهران الرايل وختلص الناس منه ابستبداهل بعمالت أجنبية‪ ،‬وحتويل‬
‫الاموال للخارج‪.‬‬
‫مفا حدث من جهوم عىل العمةل املرتبطة ابملارك ‪,‬كربيطانيا وفرنسا عام‬
‫‪ ١٩٩٢‬واملرتبطة ابدلوالر كمنور اس يا عام ‪ ١٩٩٧‬وغريها‪ ،‬ال ميكن أن‬
‫حيدث اإال ابقرتاض للعمةل احمللية مث حتويلها لدلوالر‪ .‬هذا هو جهوم‬
‫املضاربني اذلي يكرس العمةل ويس تزنف الاحتياطيات‪.‬‬
‫جفورج سوارس‪ 1‬مثال عندما راهن عىل انكسار ربط اجلنيه الربيطاين‬

‫‪ 1‬ذكرانه يف فصل الاحتياطيات الجنبية‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫ابملارك الملاين عام ‪١٩٩٢‬م ‪ ،‬يف معلية بيع عىل املكشوف‪ ،‬قام‬
‫ابقرتاض مليارات اجلنهيات الربيطانية من سوق بريطانيا النقدية ‪ ،‬مث‬
‫ابعها ابملارك مث بعد انكسار اجلنيه الربيطاين‪ ،‬عاد وقام برشائه وسداد‬
‫دينه‪.‬‬
‫ووقوع اقراض بتحويل معةل للخارج عىل مس توى خضم‪ ،‬س يكون امرا‬
‫ملحوظا‪ ،‬وميكن التعامل معه‪ .‬فاالقتصاد السعودي ليس معمتدا عىل‬
‫الاستامثر اخلاريج‪ .‬فلهذا‪ ،‬مفا يفعهل املقامرون يف احناء الرض‪ ،‬جيب‬
‫أال يؤثر عىل الفائدة احمللية يف السوق النقدية السعودية‪ ،‬ومن يكون‬
‫سوقها النقدية واقتصادها كسوق واقتصاد السعودية‪.‬‬
‫التطبيق الثالث‪ :‬عالقة الاحتياطيات الجنبية ابلعمةل املربوطة‬
‫مع اهنيار نظام الربط ابدلوالر‪ ،‬زال دور الاحتياطيات الجنبية‪.‬‬
‫وأصبحت السوق احمللية أو السوق ادلولية يه من حيدد قوة العمالت‬
‫الرشائية‪ ،‬وعىل هذا مشت الكتب الااكدميية ‪ ،‬وعىل هذا اس تقر فهم‬
‫غالب اهل صناعة الاقتصاد‪ .‬وهبذا ضاعت علوم نظام ربط العمةل‪ ،‬مفا‬
‫عاد لها ذكر يف حبث او كتاب او تعليق اعاليم حصيح‪.‬‬
‫ونظام الربط بعمةل دولية هو أمر ما زال اإجباراي ابلطبيعة لدلوةل اليت‬
‫ال تصدر سلعا غري متجانسة‪ ،‬كدول النفط‪ .‬فهو ربط اقتصادي ال‬
‫خيار لدلوةل فيه‪ .‬فهذه دول ليس لعمالهتا قمية يف السوق ادلولية؛‬
‫النعدام الطلب علهيا لعدم وجود سلع حملية غري متجانسة‪ .‬ومادام هناك‬
‫ربط جربي للعمةل احمللية بغريها‪ ،‬فاإن هذا يتبعه جرب اقتصادي حمت‬
‫لوجود الاحتياطيات الجنبية‪ ،‬حلاجة هذه ادلول لرشاء السلع العاملية‪،‬‬
‫‪264‬‬
‫ولقيام البنك املركزي بدور الرصاف للعمالت الجنبية من خالل‬
‫احتياطياته الجنبية‪.‬‬
‫والبنك املركزي هو بنك احلكومة وبنك البنوك‪ .‬وهل دوران أساس يان‪:‬‬
‫الول‪ :‬دور تنظمي السوق النقدية احمللية‪ ،‬أي مراقبة العرض النقدي‬
‫واحملافظة عىل توازن الس يوةل مع االإنتاج احلقيق ‪ .‬وهذا دور عالقته غري‬
‫مبارشة ابالحتياطيات الجنبية‪.‬‬
‫وادلور الثاين ‪-‬يظهر بقوة يف نظام ربط العمةل‪ :-‬وهو متثيل دور رصاف‬
‫العمالت لعملته‪ ،‬وخزينته يه‪ :‬الاحتياطيات الجنبية‪ .‬أما زابئنه فهم‬
‫ادلوةل والبنوك‪ ،‬وبعض الاستامثرات الضخمة‪ .‬فادلوةل والبنوك أو‬
‫معالؤها يأتون ابلنقد الجنيب؛ الس تخدام قميته يف السوق احمللية‪ ،‬فهم‬
‫حيتاجون لرصفه ابلعمةل احمللية‪ .‬فهنا يقوم البنك املركزي بأخذ النقد‬
‫الجنيب‪ ،‬ووضعه يف الاحتياطيات الجنبية‪ ،‬ويفتح حسااب مبا يقابلها‬
‫ابلعمةل احمللية‪ .‬مفثال وزارة املالية السعودية حتتاج لرايالت سعودية؛‬
‫لتنفقها حمليا‪ ،‬فتأيت مبا يقابلها بدوالرات من عوائد النفط فتودعها عند‬
‫مؤسسة النقد‪ ،‬مقابل فتح حساب لها ابلرايل‪ .‬مفا تأخذه مؤسسة النقد‬
‫من املالية يصبح يف مركزها املايل موجودات أجنبية‪ .‬بيامن يصبح‬
‫حساب وزارة املالية مطلوابت علهيا ابلرايل يف مركزها املايل‪ .‬مثل ما‬
‫يودع أحدان نقودا يف البنك‪ ،‬فيفتح البنك حسااب هل‪ ،‬ويصبح املبلغ‬
‫املودع من مطلوابت البنك‪ .‬ويصبح الاكش من موجوداهتا‪ .‬ولكن‬
‫هناك فارقان كبريان‪:‬‬

‫‪265‬‬
‫الفرق الول‪ :‬أن املوجودات يف مركز البنك املركزي املايل ابلعمةل‬
‫أجنبية‪ ،‬بيامن مطلوابهتا ابلرايل‪ .‬وأما يف البنوك فالكهام ابلرايل‪.‬‬
‫والفرق الثاين‪ :‬أنك عندما تسحب اإيداعك من البنك‪ ،‬فاإن البنك‬
‫يعطيك من موجوداته‪ .‬بيامن عندما تسحب ادلوةل مبلغا من حساهبا‬
‫املودع عند البنك املركزي‪ ،‬فاإن البنك املركزي يصدر لها رايالت من‬
‫“ ال يشء ” ‪ ،‬فتسقط من مطلوابت البنك املركزي‪ ،‬وي ُسقط البنك‬
‫املركزي قميهتا اليت تقابلها من ادلوالر من كشوفاته‪( .‬وهذه ادلوالرات‬
‫تُسقط حماسبيا فقط‪ ،‬اما معليا‪ ،‬فهي س ترصف مقابل الرايالت اليت‬
‫حسبهتا وزارة املالية وانفقهتا يف اجملمتع الاقتصادي اذلي س يقوم بدوره‬
‫برصفها عىل ما حيتاجه من سلع وخدمات‪ ،‬واليت يه سلع وخدمات‬
‫اجنبية‪ ،‬سواء أاكنت بطريق مبارش ام بعد املرور عىل عدة اشخاص‬
‫قبلها خروهجا للخارج)‬
‫فعندما تنفق ادلوةل الرايالت عىل الرواتب واملشاريع وحنوها‪ ،‬تترسب‬
‫هذه الرايالت للخارج عن طريق احلوالات والاس ترياد وغريها‪ ،‬فهنا‬
‫يستبدلها البنك املركزي من موجوداته الجنبية‪ ،‬اليت جاءهتا من فتح‬
‫حساب ادلوةل‪ .‬وكذكل هو احلال يف البنوك ويف بند “ أخرى ” ‪.‬‬
‫اإذن فغالب التحويالت العاملية والشخصية وغريها‪ ،‬يه رايالت ادلوةل‬
‫اليت أنفقهتا حمليا مقابل دوالراهتا‪ ،‬اليت صارت يف موجودات البنك‬
‫املركزي‪ ،‬أي احتياطاته‪.‬‬
‫فادلوةل ال ُخترج الرايل اليت أودعت دوالرات مقابهل يف احتياطيات‬
‫البنك املركزي‪ ،‬بل من اكتسب الرايل من مقاول وموظف هو من‬
‫‪266‬‬
‫خيرج الرايل للخارج‪ .‬وخروج الرايل يكون عرب البنوك غالبا‪ .‬وإاصدار‬
‫الرايل اجلديد ليدخل السوق السعودية‪ ،‬يكون عرب املركز املايل‬
‫ملؤسسة النقد‪ .‬مفوجودات مركز “ ساما ” املايل يه تقريبا أصول “‬
‫ساما ” الاحتياطية الجنبية‪.‬‬
‫وحمتية ربط الرايل بعمةل أخرى قادم من كون الاقتصاد السعودي ال‬
‫يقوم بذاته اإمنا بيشء خارج عنه‪ .‬فالنفط نتاج الرض ليس ل إالنسان‬
‫دور عقيل وال جسدي يف اإنتاجه‪.‬‬
‫وكام بينا سابقا يف بداية الكتاب‪ ،‬فاإن اعامتد اقتصاد جممتع ما عىل يشء‬
‫خارج عنه‪ ،‬يفقد اجملمتع اس تقالليته الاقتصادية‪ .‬ولهذا؛ حتمت عىل‬
‫الاقتصاد السعودي ربط معلته بغريها‪ ،‬فهو يتبعها‪ .‬فال ينضبط أن‬
‫تصبح العمةل مس تقةل قامئة بذاهتا‪ ،‬بيامن اقتصادها اتبع لغريه‪.‬‬
‫وهنا تظهر خطورة جتميد الاحتياطيات يف أصول يصعب تسييلها‪.‬‬
‫مفىت هُددت الاحتياطيات بأزمة مالية فتعلقت‪ ،‬فال يه س يوةل‬
‫تس يل‪ ،‬وال يه هيبة تردع‪ ،‬كحال الصناديق الس يادية يف الزمة‬
‫املنرصمة‪ .‬فهي ولو ابفرتاض أهنا تضاعفت‪ ،‬فهي عالقة يف أصول ال‬
‫الرشار واملسرتزقة الرايل ويكرسونه‪،‬‬ ‫تباع وال تشرتى‪ .‬وحيهنا س هيامج ِّ ل‬
‫أو س يجربون السلطة النقدية عىل فرض حظر عىل التحويالت‪ ،‬وهذا‬
‫هل مثن غايل جدا وطويل المد (لفقدان الثقة املس تقبلية) لكنه اهون‬
‫من كرس الرايل‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫التطبيق الرابع‪ :‬البيت كوين…اذلهب الرمق‬
‫يف عام ‪٢٠١٠‬م‪ ،‬بيعت يف فلوريدا رشحية بتزيا مببلغ عرشة ماليني‬
‫دوالر‪ .‬فقد عرض املشرتي عىل صاحب املطعم ‪ ١٠‬أالف وحدة من‬
‫العمةل احلاسوبية البيت كوين بدال من ادلوالرات‪ .‬واكنت البيت كوين‬
‫أنذاك يف ربيعها الول‪ .‬فاكنت قميهتا حنو عُرش سنت واحد‪ .‬فقبل‬
‫صاحب املطعم‪ ،‬ففتح حمفظة للبيتكوين‪ ،‬حفول املشرتي هل يف حمفظته‬
‫عرشة أالف بيتكوين‪ ،‬قمية للبيزتا‪ .‬ويف العام املايض(‪٢٠١٤‬م)‪ ،‬أصبح‬
‫صاحب املطعم من أغنياء فلوريدا‪ .‬فقد وصل سعر البيت كوين الواحد‬
‫اإىل ألف دوالر‪ ،‬ويه اليوم‪ ،‬زمن كتابة هذا الكتاب‪.‬‬
‫ويصعب عىل الكثري فهم فكرة هذه العمةل وطريقة معلها‪ ،‬رمغ بساطهتا‪.‬‬
‫وهذا بسبب اخللط بني فهم معلية احلصول علهيا ابلتنقيب عهنا‪ ،‬وبني‬
‫التعامل هبا كعمةل أو فهم معلية احلصول علهيا برشاهئا‪ .‬فعملية التنقيب‬
‫عن البيت كوين ( أي اإصدارها)‪ ،‬يه المر الصعب فعهل‪ ،‬وأما فهم‬
‫طريقته فال ختفى عىل أحد‪ .‬والتنقيب (اإصدار) معةل البيت كوين‪ ،‬ليس‬
‫من متطلبات التعامل هبا‪ ،‬وال حىت يلزم أحد فهم فكرته‪ .‬فالتعامل‬
‫ابلبيت كوين متاما اكلتعامل ببطاقات االإئامتن‪ ،‬وابلتحويالت بني‬
‫حساب بنيك وأخر‪ .‬كام أن احلصول علهيا‪ ،‬اكحلصول عىل ادلوالر‬
‫واليورو‪ ،‬هو جمرد معلية رصف بني العمالت‪ .‬فتشرتي البيت كوين‬
‫مقابل ادلوالر‪ ،‬أو تبيعها مقابل دوالر أو يورو‪،‬كام تفعل عند الرصاف‪،‬‬
‫ولكن عن طريق االإنرتنت‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫ومعلية التجارة ابلبيت كوين واملضاربة هبا أسهل من معليات تداول‬
‫العمالت‪ .‬وأما التنقيب عهنا( اإصدارها) فهو أمر صعب القيام به‪،‬‬
‫فضال عن فهم فكرته الرايضية‪ ،‬اإمنا السهل فهم مفهوهما العام اليت قامت‬
‫عليه‪ .‬وليس بالزم فهم قواعدها الرايضيية وال معرفة كيفية التنقيب‪،‬‬
‫من أجل أن يصبح الشخص قادرا عىل التعامل هبا‪ ،‬متاما كام أن مفهوم‬
‫اإصدار النقود وألية البنوك املركزية‪ ،‬يصعب فهمها عىل كثري من‬
‫الناس‪ ،‬والشد صعوبة القيام هبا‪ ،‬ومع ذكل يتعامل الصغري والكبري‬
‫ابلنقود‪.‬‬
‫املبحث الول‪ :‬مفا يه البيت كوين؟‬
‫البيت كوين معةل حاسوبية‪ ،‬حملها المكبيوتر‪ ،‬واالإنرتنت فضاؤها‪ .‬ويه‬
‫نتاج خيال علم يُنسب لرجل أمرييك من أصل ايابين (وال تثبت‬
‫النس بة)‪ .‬قام الرجل فرمس مفهوم اذلهب‪ ،‬ومنامجه و ُمالكه يف خميلته‪.‬‬
‫مث قام فاس تنسخ من خميلته نسخة اإلكرتونية؛ جفعلها برانجما حاسوبيا‪.‬‬
‫مففهوم البيت كوين هو نفس مفهوم اذلهب متاما‪ ،‬اللهم أن قالب اذلهب‬
‫معدين‪ ،‬وقالب البيت كوين رمق ‪ .‬وما عدا ذكل فالكهام سواء يف‬
‫مفهوم ديناميكيته‪ ،‬اإال أن البيت كوين معةل يتعامل هبا الناس‪ ،‬وأما‬
‫اذلهب مفجرد سلعة ال يتعامل به كعمةل أحد اليوم‪.‬‬
‫البيت كوين كقمية ونظام وديناميكية‪ ،‬يعترب ذهبا رمقيا‪ .‬فاذلهب اندر‬
‫وحمدود المكية‪ ،‬وخيتئب يف منامجه بصورته اخلام‪ .‬حيتاج اإخراجه اإىل‬
‫حبث وتنقيب‪ ،‬مث هو ِّمل ملن أخرجه اإن مل يتعرض للرسقة والهنب‪.‬‬
‫والسوق بعد ذكل حتمك مكية اذلهب وحتدد قميته‪ ،‬ال احلكومات وال‬
‫‪269‬‬
‫البنوك املركزية‪ .‬والسوق نظام كوين يدور يف فلكه مجع كبري من البائعني‬
‫واملشرتين‪ ،‬ال يربطهم اإال رابط نظام السوق‪ .‬اإذن فاملتعاملون يف‬
‫السوق‪ ،‬بشلك جامع ‪ ،‬مه من يضع قرار السلعة (اذلهب هنا)‪.‬‬
‫واملتعاملون يف السوق‪ ،‬وإان اكنوا مه من يضع هذا القرار‪ ،‬اإال أهنم‬
‫ُمسريون بنظام السوق وليسوا خمريين‪ ،‬فال وجود إالرادة فردية لحد‬
‫عىل اذلهب ‪.‬‬
‫وعىل نفس مفهوم اذلهب وديناميكية سوقه‪ ،‬اب ُتكرت معةل البيت كوين‪.‬‬
‫مفبتكر البيت كوين‪ُ ،‬صم برانجمه عىل شلك منجم ُخيئب داخهل ‪21‬‬
‫مليون وحدة من البيت كوين‪ .‬وجعل موقع هذا املنجم هو الش بكة‬
‫االإلكرتونية‪ .‬فلك من ميل وس يةل ل إالنرتنت يس تطيع اذلهاب ملوقع‬
‫املنجم‪ ،‬مث حياول التنجمي والتنقيب عن البيت كوين اخملتبئة فيه‪ ،‬اإذا اكن‬
‫قادرا‪ .‬كام صنع برانجما بنكيا؛ ليقوم بتس يري التعامالت ابلبيت كوين‬
‫والتدوال هبا‪.‬‬
‫والبحث والتنقيب عن البيت كوين‪ ،‬ال يكون مبسحاة ومعول كحال‬
‫التنقيب عن اذلهب‪ ،‬بل حبل معادالت رايضية تعمتد عىل الطريقة‬
‫احلسابية للمنجمني الباحثني عن العمةل‪ ،‬اذلين أتوا من أصقاع الرض‬
‫حبثا عن الرثاء‪ ،‬اكملهاجرين لاكليفورنيا للبحث عن اذلهب قدميا‪.‬‬
‫فالتنجمي عن البيت كوين اإذن لعبة منطقية‪ ،‬اكلشطرجن مثال‪ ،‬يقود‬
‫فكر الالعينب فيه‪ .‬فلك حركة تقود الخرى‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫توهجات تكتياكته ومعقها‪ُ ،‬‬
‫وعليه؛ فلك لعبة ختتلف عن الخرى‪ ،‬وإان اكنت القوانني اثبتة‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫والتكتياكت حبر ال ساحل لها‪ ،‬سفينته اذلاكء‪ .‬فلكام زاد عدد املشاركني‬
‫زاد التحدي العقيل‪.‬‬
‫ومنذ تدشني البيت كوين عام ‪٢٠٠٩‬م وحىت الن (‪٢٠١٥‬م)‪ ،‬مت‬
‫العثور واس تخراج ‪ ١١‬مليون وحدة من البيت كوين‪ .‬وبق ‪ ١٠‬ماليني‬
‫وحدة فقط ‪ .‬فكام أن مكيات اذلهب يف العامل حمدودة‪ ،‬اإذ التنجمي عن‬
‫اذلهب يزداد صعوبة لكام زادت اكتشافاته‪ ،‬فكذكل يه معةل البيت‬
‫كوين الرمقية‪ .‬فالربانمج مربمج عىل ازدايد صعوبة املعادالت الرايضية‬
‫لكام تناقص خمزون البيت كوين‪ .‬كام أن كرثة الاس تخراج س تجلب‬
‫ابحثني أكرث؛ فريتفع مس توى ذاكء التكتياكت‪ ،‬فزيداد المر صعوبة‪.‬‬
‫وبعد ذكل‪ ،‬فاذلي يس تخرج العمةل يبيعها يف السوق بسعر رصفها اإن‬
‫شاء‪ ،‬أو يشرتي هبا ممن يقبلها كعوض نقدي؛ فتصبح البيت كوين يف‬
‫أيدي الناس يتعاملون هبا‪ ،‬ويضاربون فهيا من خالل الربانمج البنيك‬
‫اخملصص لها‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬مصدر ق مية معةل البيت كوين وطريقة تداولها‬
‫العمالت اليوم ليست وعودا وال تعهدات من ادلول املصدرة لها‪ .‬وإامنا‬
‫تس متد العمالت قميهتا من مصداقية ادلوةل اليت تدفعها وجتربها‬
‫للمحافظة عىل هيبة معلهتا وقميهتا الرشائية ‪ .‬واذلهب كذكل ال يعترب‬
‫وعدا وال تعهدا من أحد مطلقا‪ ،‬اإال أنه خبالف العمةل‪ ،‬فاإن اذلهب ال‬
‫ميثل وال ميثهل خشص وال حكومة‪ ،‬وإامنا ميثل نفسه‪ .‬ويس متد اذلهب‬
‫قميته من اإميان الناس بأن هل قمية‪ ،‬خارجة عن قمية اس تخدامه ذلاته‪،‬‬
‫مكعدن ‪ .‬ومكثل قمية اذلهب الاعتبارية‪ ،‬فاإن قمية البيت كوين اعتبارية‪،‬‬
‫‪271‬‬
‫كذكل‪ .‬مفصدر قمية العمةل الرمقية العاملية البيت كوين‪ ،‬هو أن أهلها من‬
‫املتعاملني هبا‪ ،‬أمنوا بأن لها قمية فأصبح لها قمية‪ .‬ومعوما‪ ،‬فالعمالت ‪-‬‬
‫أي المثان‪ -‬ال يُعترب فهيا قميهتا اذلاتية‪ ،‬بل قميهتا تمتثل يف عوضها‬
‫املتفق علهيا‪ ،‬سواء بوعد من قادر عىل الوفاء به‪ ،‬اكدلوةل‪ ،‬أو من اإميان‬
‫جمرد بقميهتا بني مجموعة من املتعاملني‪.‬‬
‫فهناك قمية حقيقية وقمية غري حقيقية‪ .‬فالقمية احلقيقية لليشء ُحتددها‬
‫ندرته واحلاجة اإليه الس تخدام ذاته أو اس هتالكها‪ ،‬كحديد وحناس ومتر‪.‬‬
‫وأما القمية غري احلقيقية فتعمد عىل الاعتقاد بأن هل قمية‪ .‬اكذلهب‬
‫واكلسهم يف الطفرات السعرية‪ ،‬ومكاكئن اخلياطة اليت أُش يع أن فهيا‬
‫زئبقا اندرا؛ فصارت تباع مببالغ خيالية وصار البعض جيمعها ويكتزنها‬
‫طمعا يف ارتفاع أسعارها‪ ،‬اإن حصت الرواية‪.‬‬
‫وماكئن اخلياطة قد حتيك هبا لباسا ففهيا قمية حقيقية‪ ،‬وإان اكنت ضيئةل‬
‫ال تقارن بقميهتا الاعتبارية غري احلقيقية اليت بيعت به‪ .‬وكذكل اذلهب‪،‬‬
‫فقد تصوغ منه سوارا فيه قمية حقيقية‪ ،‬وإان اكنت قمية حقرية مقارنة‬
‫بقميته الاعتبارية‪ ،‬اليت يعتقدها املؤمنون به‪ ،‬بأهنا قميته احلالية‪.‬‬
‫واذلي دفع أوائل املتعاملني ابلبيت كوين ل إالميان هبا‪ ،‬هو الساطري اليت‬
‫يتداولها الناس عن مؤامرات البنوك املركزية وعن اهنيار النظمة املالية‬
‫وعن عودة اذلهب‪ .‬ونظرا الإبداعية الفكرة وجمالها كعمةل دولية مس تقةل‪،‬‬
‫اجنذب اإلهيا الذكياء‪ ،‬مفهنم ماط لشفته منرصف عهنا‪ ،‬ومهنم من وجد‬
‫فهيا فرصة حممتةل للرثاء عىل حساب املغفلني‪ .‬فهناك احملتالون الكبار‬
‫اذلين يقودون محالت االإعالم ويصنعون سوق رصف معةل البيت‬
‫‪272‬‬
‫كوين‪ ،‬كام يصنعون السوق اليت تقبل ابلبيت كوين كعمةل لها‪ .‬وهناك‬
‫املغامرون‪ ،‬وهناك املغفلون‪ ،‬واملقامرون‪ ،‬اذلين حيلمون برثاء عاجل اإذا‬
‫ما اكتزنوا البيت كوين‪ .‬وزاد االإقبال علهيا‪ ،‬وحشت منامجها وكرث‬
‫مكتزنوها‪ ،‬حىت أقسم أحدمه لتصلن الوحدة من البيت كوين اإىل‬
‫مليون دوالر‪.‬‬
‫فالبيت كوين اكذلهب‪ ،‬ينبع من اعتقاد الناس أن لها قمية‪ .‬ولكن من‬
‫ابب التعامل‪ ،‬فهي اكلعمالت احلكومية‪ ،‬أرقام يف حاسوب ال وجود‬
‫لها‪ .‬وأش به معةل لها يه معةل الصندوق ادلويل “ حقوق السحب‬
‫اخلاصة ” ‪ ،‬اليت ال وجود حيس لها‪ .‬وإان اكنت البيت كوين تفرق عهنا‬
‫بأهنا معةل متداوةل‪ ،‬بيامن معةل الصندوق ادلويل غري متداوةل‪.‬‬
‫فبخالف اذلهب‪ ،‬وخبالف معةل الصندوق ادلويل‪ ،‬فاإن البيت كوين‬
‫معةل متداوةل يف بيع السلع ورشاهئا‪ .‬وتداول البيت كوين رمق اكلتعامل‬
‫ببطاقة االئامتن‪ .‬فال بد ملن يشرتي أو يبيع هبا أن يفتح حمفظة أي‬
‫حسااب يف موقع االإنرتنت الافرتايض للبيت كوين‪ .‬متاما كام يفتح التاجر‬
‫حسااب للبطاقات االئامتنية يف البنك‪ ،‬أو عن طريق وس يط‪ ،‬ويكون‬
‫عند الزبون بطاقة ائامتنية‪.‬‬
‫والربانمج احلاسويب اذلي ميثل السوق النقدية الافرتاضية للتعامالت‬
‫ابلبيت كوين‪ ،‬برانمج مبين عىل التشفري‪ .‬وذلا؛ فلك التعامالت ابلبيت‬
‫كوين‪ ،‬من رشاء سلع أو تبادل معالت أو حتويالت‪ ،‬تعامالت جمهوةل‬
‫املصدر‪ .‬فذلا‪ ،‬فالتعامالت املش بوهة وجدت لها مالذا أمنا يف البيت‬
‫كوين‪ ،‬كام أوجدت هذه التعامالت الضبابية‪ ،‬سوقا للبيت كوين‪ ،‬حقق‬
‫‪273‬‬
‫رواجا لها من جانب وأعاقها من جانب أخر‪ .‬فقد جعل البيع والرشاء‬
‫ابس تخدام البيت كوين هنائيا يس تحيل الرجعة فيه يف حال اكتشاف‬
‫غش يف السلعة املباعة وحنوه‪.‬‬
‫كام اإن صفة الرمقية احلاسوبية‪ ،‬وإان اكنت السبب يف عوملة البيت‬
‫كوين‪ ،‬اإال أنه قد سلط الهكر علهيا‪ .‬فالهكر قد يسطون عىل حمفظة ما‬
‫فيرسقوهنا‪ ،‬فال ميكن متابعهتم‪.‬‬
‫وقد يتساءل متسائل‪ ،‬وما يه املنفعة املرجوة من التعريف ابلبيت‬
‫كوين يف هذا الكتاب‪ ،‬فال يتعامل هبا عاقل وال يستمثر فهيا اإال مغفل‪،‬‬
‫أو ال يكفينا مغفلو اذلهب؟ فاجلواب‪ :‬أن فهيا تدريبا معليا لفهم نظام‬
‫المثان السلعية والرمقية‪.‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬فرص استامثرية يف ذاكء املقامرات‬
‫هناك ما يقارب س امتئة معةل افرتاضية اكلبيت كوين حني كتابيت هذا‬
‫املوضوع ‪٢٠١٥‬م‪ ،‬كام أن هناك أكرث من ُخسني ثروة افرتاضية‬
‫كبتقودل وبتس يلفر‪ .‬والعمالت والرثوات الافرتاضية ليس لها مس تقبل‪.‬‬
‫فاملس تقبل يعين ادلوام والازدهار‪ ،‬وازدهار هذه العمالت اليوم‪ ،‬ال‬
‫يعين أهنا قامئة عىل أسس تضمن ادلوام والازدهار‪ ،‬وإان اكنت ال ختلو‬
‫من املسامهة يف بناء املس تقبل العلم بشلك عام‪.‬‬
‫وانتفاء وجود فرص أمنة لالستامثر املايل الاسرتاتيج عن العمالت‬
‫والرثوات الافرتاضية‪ ،‬ال يلزم منه انتفاء اإماكنية اقتناص الفرص المنة‬
‫والراحبة مهنا يف احلارض القامئ‪ .‬كام أنه ال يعين عدم وجود فرص‬

‫‪274‬‬
‫استامثرية مس تقبلية بناءة تطويرية عن طريق العمالت الافرتاضية‪ ،‬ال‬
‫فرص استامثرية فهيا‪.‬‬
‫ُمف ْقتنص الفرص يف العمالت الافرتاضية اإما أن يتبع أسلوب الفرص‬
‫اخلاطفة‪ ،‬تكتيك من يألك ويطري وال يعود مرة أخرى؛ لكيال جيد عند‬
‫عودته صيادا قد نصب هل خفا‪ .‬وإاما أن يتبع أسلواب اسرتاتيجيا اجنع‪،‬‬
‫وهو أسلوب صانع الفخاخ‪ .‬فاليوم من يقدر أن يعمل عىل خدمة‬
‫مقامري هذه العمالت بتعلميهم والوساطة هلم بل حىت بصنع الفخاخ‬
‫لطالهبا من صيادي فرص العمالت الافرتاضية‪ ،‬فهبذة الاسرتاتيجية‪،‬‬
‫يضمن الرب ولو اكن قليال‪ ،‬ولو زالت طفرة العمالت الافرتاضية‪ ،‬فقد‬
‫أصبح ذا همنة راجئة‪ ،‬فالبدائل املشاهبة كثرية‪ .‬مفن يتقن صناعة خفاخ‬
‫الطيور واجلوارح‪ ،‬ال يصعب عليه التحول لصناعة خفاخ ادلواجن‪.‬‬
‫وقد تأملت يف موقف احلكومات السليب من البيت كوين‪ ،‬ووقوفها‬
‫عىل جمرد التحذير مهنا دون منعها أو تنظميها‪ ،‬فوجدت أن الناس‬
‫أحرار فامي يرتاضونه من بيع ورشاء‪ ،‬ما مل يعترب مقارا‪ ،‬وما مل تصبح‬
‫وس يةل فعاةل للهترب من الرضائب‪ ،‬بعد أن اعتربهتا مصلحة الرضائب‬
‫المريكية من الرثوات‪ /‬املوجودات‪ ،‬اكلسهم واملش تقات وغريها‪ .‬فهذه‬
‫املش تقات املالية تبلغ قميها عرشة أضعاف قمية الناجت العامل مجيعا‪ .‬مفا‬
‫ُمنعت حبجة القامر‪ ،‬وال الإماكنية اس تخداهما يف غس يل الموال ومتويل‬
‫االإرهاب‪.‬‬
‫مفنطق احلجة أن البيت كوين‪ ،‬اكملش تقات‪ ،‬اإبداع فكري يف أصهل‪،‬‬
‫وقامئ عىل تمنية اذلاكء يف تنافسيته يف التنقيب عن العمةل‪ .‬ويه انفذة‬
‫‪275‬‬
‫ابتاكرات مس تقبلية لفاق مناذج معالت التعامالت ادلولية‪ .‬وهايه‬
‫البيت كوين قد َو َ لدلت ما يقارب من س امتئة معةل افرتاضية مشاهبة لها‪.‬‬
‫فليس هناك من سبب يدفع احلكومات ملنعها‪ ،‬حىت ولو صار فهيا‬
‫ر‬
‫جتاوزات ملعامالت مش بوهة‪ .‬فادلوالر أكرث وس يةل تس تخدم يف‬
‫التعامالت املش بوهة‪ ،‬وهو أشد صعوبة يف التعقب‪ ،‬اإذا اكن بصورة‬
‫الاكش وليس رمقيا‪ .‬وال يعين هذا‪ ،‬أن احلكومات يف ادلول املتقدمة‬
‫غافةل عهنا‪ ،‬بل لعلها تنتفع مهنا يف مالحقة اجملرمني‪ ،‬مىت اخرتقها المن‪.‬‬
‫وما دامت سالمة العمالت من البطش احلكويم متوفرة‪ ،‬فال يُستبعد‬
‫أن يزداد انتشارها‪ ،‬ويكرث االإقبال عىل الاستامثر يف بعضها؛ لتصل اإىل‬
‫مبالغ خيالية‪ ،‬نس بة لسعارها اليوم‪ ،‬اللف مهنا بسنت واحد‪ .‬بل أن‬
‫أكرث مالكها اليوم يتعاملون معها كتعامل ُمالك اذلهب ابذلهب‪.‬‬
‫فالكثري الن بدأ يف ختزين هذه العمالت عىل أمل ارتفاع أسعارها‬
‫ارتفاعات خيالية مس تقبال‪.‬‬
‫والبيت كوين يه احملتكرة اليوم لهذا السوق الافرتايض‪ .‬وهذه يف رأيي‬
‫احتاكرية طبيعية اكدلوالر واللغة االإجنلزيية‪ .‬وعوامل قيام الاحتاكرية‬
‫الطبيعية هنا‪ ،‬كوهنا الوىل واعتاد اكرث الناس علهيا‪ .‬والعامل الثاين هو‬
‫أن سقوط البيت كوين‪ ،‬قد يكون سقوطا للعمالت الافرتاضية لكها‪.‬‬
‫ُمفالك العمالت لكهم خاضعون للبيت كوين‪ .‬فارتفاع سعر البيت كوين‬
‫عامل جلذب سعر معةل أو أكرث معه للعىل‪ ،‬ومن جانب أخر مفنافسة‬
‫العمالت الخرايت ستشلك عائقا الرتفاع سعر البيت كوين‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫فنخلص من هذا ‪-‬وهللا أعمل‪ ،-‬أن هناك احامتلية كبرية يف صعود‬
‫صارويخ لعمةل أو أكرث من الس امتئة معةل املتواجدة اليوم‪ .‬وميكن أن‬
‫حيدث هذا يف البيت كوين‪ ،‬اإال أنه يستبعد لهنا أصبحت ثقيةل‪ ،‬فهي‬
‫ترفع غريها بيامن تَث ُق ُل يه به‪ .‬وذلا؛ فقد تكون هناك فرصة يف غري‬
‫البيت كوين‪ .‬فال تقرب البيت كوين فهي مكمتةل المنو‪ ،‬غالية المثن‪.‬‬
‫ولكن قد تتحقق الفرصة يف العمالت الافرتاضية الخرى‪ ،‬ذات‬
‫السعار التافهة‪ ،‬فتشرتي اللف مهنا بسنت أو بدوالر‪ ،‬كام اكنت‬
‫البيت كوين من قبل حىت وصلت للف دوالر‪ .‬مفائة دوالر قد تكف‬
‫لكفة لرشاء مليون وحدة من مائة اإىل ُخسامئة معةل‪ .‬ويه لكفة تساوي‬
‫خماطرهتا‪ ،‬اإذا ارتفعت قمية أي مهنا دلوالر واحد فقط‪ .‬واملائة لن تضيع‬
‫اإال أن تضيع الس فيجاس‪ ،‬ويضيع حب املقامرة من النفوس‪ .‬فهذه‬
‫العمالت الافرتاضية‪ ،‬ما يه اإال صاةل مقار عاملية‪ ،‬كصاةل مقار‬
‫املش تقات والسهم‪ .‬واحامتلية صعود معةل واحدة من املائة معةل‪ ،‬اليت‬
‫قد اشرتيت فهيا اليوم بعرشة دوالرات‪ ،‬احامتلية كبرية‪ .‬كام أن دخوكل‬
‫يف هذا اجملال‪ ،‬قد جيعل حاذقا فيه‪ ،‬فتنتبه لصعود العمةل الثانية بعد‬
‫لك وطر‪ ،‬وال تعد فتس تحمق؛‬ ‫البيت كوين‪ ،‬ولكن تذكر دامئا القاعدة‪ ُ :‬ل‬
‫فتضع استامثرا أكرب فتجد نفسك يف املصيدة‪.‬‬
‫كام أن خدمة صناعة الفخاخ‪ ،‬طريق واعد‪ .‬فالعمالت الافرتاضية‬
‫صورة جديدة للقامر الرشع ‪ ،‬أو القانوين‪ .‬والقامر جتارة راحبة ملن‬
‫يديرونه وال يقامرون فيه‪ .‬وهناك عرشات من الفاكر يف اخلدمات‬
‫الرافدة‪ ،‬لهذه العمالت االإلكرتونية‪ ،‬فالوائل مه الفائزون‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫وختاما‪ ،‬فاعمل أن العمالت الافرتاضية عمل قامئ عىل ذاكء فطري جامع‬
‫غري متخصص‪ ،‬وعىل سعة أفق االإدراك‪ .‬فسوقها سوق الذكياء‬
‫وعَتا ِّو ُةل احملتالني‪ ،‬وبضاعهتا املس هتلكة مه الغبياء واملغفلون‪ ،‬فال يقربهنا‬
‫اإال ذيك ِّفهِّم أو داهية أَ ِّفق‪ .‬وال يغرنك اإن رحبت يوما‪ ،‬فاإمنا قد تكون‬
‫تُسمن ليوم العيد الكرب‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫مسأةل‪ :‬الصندوق ادلويل‬
‫اكنت والدة البنك ادلويل وصندوق النقد ادلويل من النتاجئ اجلانبية‬
‫ملعاهدة برتن وود عام ‪١٩٤٤‬م‪ .‬فقد تودل صندوق النقد ليكون أش به‬
‫ما يكون ابذلراع البوليس ية املنظمة واملراقبة واملساعدة لتنفيذ وتوظيف‬
‫قرارات تل املعاهدة التارخيية‪ ،‬فقد اكن هدفه هدفا نقداي يمتثل يف‬
‫احملافظة عىل اس تقرار أسعار الرصف بني العمالت ادلولية‪ ،‬ويدخل يف‬
‫ذكل منع التضخم النقدي وضامن التوازن ملزيان املدفوعات العاملية‪.‬‬
‫وأما البنك ادلويل‪ ،‬فقد تودل كس ياسة ترضية لبعض دول أوراب‪،‬‬
‫ومتحور دوره حول االإنتاج احلقيق من أجل حمو الفقر وما يلحق بذكل‬
‫من تطوير الصحة والتعلمي والاعتناء ابملياه والطفوةل وحقوق االإنسان‬
‫وحريته وكرامته اإىل أخر العوامل اليت تؤدي اإىل منو االإنتاج احلقيق‬
‫وابلتايل حمو الفقر فهو خارج موضوعنا هنا‪.‬‬
‫بُنيت معاهدة برتن وود عىل نظرية نظام الربط للعمالت‪ ،‬واكن‬
‫تطبيقها يمتثل بأن تربط ادلول العضاء معالهتا بسعر رصف اثبت مع‬
‫ادلوالر‪ ،‬اكجلنيه االإسرتليين يساوي دوالرين مثال‪ ،‬عىل أن تربط‬
‫أمرياك ادلوالر ابذلهب متعهدة ابإعطاء أونصة من اذلهب للك من‬
‫يأتهيا ب ‪ ٣٥‬دوالرا‪.‬‬
‫وأما صندوق النقد ادلويل فقد بُين عىل نظرية املنظمة ادلولية (عىل‬
‫شألكة المم املتحدة) وهممته مراقبة ثبات أسعار الرصف بني ادلول‬
‫والتدخل للمساعدة عىل ثبات معدل الرصف كتقدمي القروض النقدية‬
‫لسد جعزا جتاراي أو لتصبح احتياطيات نقدية أجنبية ي ُشرتى هبا‬
‫الفائض من معالت تل ادلول لتجاوز الايم الصعبة‪ .‬وكام أن أخر‬
‫العالج اليك‪ ،‬فقد اكن أخر احللول هو تعديل سعر الرصف فاكن‬
‫الصندوق يقوم بتنظمي تعديل أسعار الرصف هبوطا يف حاةل جعز مزيان‬
‫املدفوعات وارتفاعا يف حاةل فيضان مزيان مدفوعات التجارة احلقيقية‬
‫والنقدية بني ادلول‪.‬‬
‫وقد مارس الصندوق دور املراقب واحملاسب واملعاقب ملدة ‪ ٢٧‬عاما‬
‫عىل مجيع دول العامل‪( .‬فف ظل نظام اذلهب ال ميكن أن يُسمح يبعدم التوازن‬
‫بني أسعار الفوائد عىل العمالت‪ ،‬وذلا مل تكن هناك أسواق راجئة للعمالت‪ ،‬فال‬
‫جمال للمضاربة طاملا أن أسعار العمالت اثبتة)‪.‬‬
‫وابهنيار نظام برتن وود ظهرت أسواق العمالت لتنزتع زمام السلطة‬
‫من صندوق النقد ادلويل‪ .‬فأصبح سوق التعومي‪ ،‬يقوم بدور البوليس‬
‫احلر املس تقل عن السلطة ادلكتاتورية واذلي يراقب ادلول مجيعها دون‬
‫تفريق ويعاقهبا يف أن واحد‪ ،‬واهنار ادلور البولييس لصندوق النقد‬
‫ادلويل وحانت مشسه للفول‪ .‬فأكرث من ُخسة تريليوانت دوالر تباع‬
‫وترشى يوميا الن يف سوق العمالت‪ ،‬لهي كفيةل بكشف جعز مزيان‬
‫املدفوعات بل وبكشف حىت النوااي للتالعب بطبع الوراق النقدية‪.‬‬
‫ومل يقبل منسويب الصندوق انهتاء دورمه وخروهجم من الساحة‬
‫ادلولية‪ ،‬فهندسوا هل دورا يبقهيم يف الساحة ادلولية‪ .‬وذلا مل تغرق‬
‫مركب صندوق النقد ادلويل متاما بسبب اهنيار نظام برتن وود‪ ،‬بل‬
‫غربت مشسه كبوليس دويل ملراقبة النظام املايل بيامن احتفظ بدوره‬

‫‪280‬‬
‫الاستشاري والبحيث ودوره الس يايس اذلي يمتثل ابلضغط عىل ادلول‬
‫اليت متر بأزمات مالية‪ ،‬مقابل اقراضها أو اعانهتا بضامن س نداهتا‪.‬‬
‫فالصندوق يقدم قروضا دلمع العمالت النقدية لدلول‪ ،‬قد يقدم ضامانت‬
‫دليوهنا‪ ،‬وقد يكتف بتقدمي التعهدات واالإرشادات والضامانت للس ندات‬
‫احلكومية‪ ،‬دلمع النظام النقدي لدلوةل املنكوبة‪.‬‬
‫وتوجيه هذا ادلمع واحلصول عليه ال يكون اإال بتصويت ادلول املشاركة‬
‫فيه لك عىل قدر مسامهته املالية يف رأسامل الصندوق واليت‬
‫تشلك أمرياك أعظمها‪( .‬هذه املسامهة أعطت أمرياك أكرب صوت يف الصندوق مبا‬
‫مقداره ‪ %17‬ابالإضافة اإىل حق النقض الفيتو واذلي ال يتأىت لغريها‪ ،‬فأكرب املسامهني‬
‫من بعدها‪ ،‬الياابن وأملانيا‪ ،‬ال يتجاوز نصيب لك مهنام ‪ %6‬من التصويت و املسامهة‬
‫يف ادلمع النقدي للصندوق‪ ،‬بيامن حق النقض ال مينح اإال ملن يسامه بأكرث من ‪. %14‬‬
‫ويأيت من بعدهام الصني والسعودية حيث تزيد حصصهام عن ‪ %3‬للك مهنام اإي‬
‫مبقدار ما يقارب عرشة مليارات دوالر للك مهنام ( س بعة مليارات من حقوق‬
‫السحب اخلاصة‪ ،‬معةل الصندوق)‪.‬‬
‫ولصندوق النقد معةل خاصة به تُسمى حقوق السحب اخلاصة‪ ،‬ويه‬
‫عبارة عن سةل من العمالت العاملية‪ ،‬يغلب علهيا ادلوالر‪.‬‬
‫تقيمي الصندوق ادلويل‪:‬‬
‫االإشاكلية يف نصاحئ وإارشادات صندوق النقد ادلويل‪ ،‬كوهنا نظرية‬
‫أاكدميية حمضة‪ .‬فهم يعمتدون اعامتدا لكيا عىل تنظريات السوق احلرة اليت‬
‫اس ُتنبطت من السوق المريكية وبنيت عليه‪ .‬ودون أي مراعاة‬
‫ملعطيات الفروق الثقافة االإنتاجية بني الاقتصادايت العاملية‪ .‬وصندوق‬
‫النقد ادلويل يف حقيقة المر أش به مبدرسة تطبيقية لتدريب خرجي‬
‫‪281‬‬
‫ادلكتوراه يف الاقتصاد‪ ،‬واذلين مه خرجي اجلامعات المريكية أو‬
‫اجلامعات العاملية اليت تتبىن املناجه المريكية أو النظرايت اليت تتبعها‪.‬‬
‫(أما االإشاكلية املسكوت عهنا يف نصاحئ وإارشادات صندوق النقد ادلويل‪ ،‬فهي أن‬
‫لك من انتسب اإليه‪ ،‬قام ميارس ما مارسه جيل الصندوق الول‪ ،‬من الس ياسات‬
‫اليت تبقهيم يف الصندوق أطول فرتة ممكنة)‪.‬‬
‫فتوصيات صندوق النقد ادلويل ال تزيد عن كوهنا حبواث سطحية‬
‫تقليدية يقوم هبا اغر رار حدييث عهد ابالقتصاد‪ .‬فال يُعمتد علهيا‪ ،‬ال تطبيقا‬
‫وال دراسة‪ .‬وهناك شواهد عىل عدم صالحيهتا تطبيقيا أو حبثيا‪ .‬فأما‬
‫التطبيق‪ ،‬فمك من املصائب س ببهتا توصيات صندوق النقد ادلويل‬
‫القتصادايت دول؟حىت نُسجت نظرايت املؤامرة حول ادلور اذلي‬
‫يلعبه الصندوق‪ ،‬وما من مؤامرة‪ ،‬مفا توصياته اإال خمرجات خرجي‬
‫دكتوراة غر مل تعركهم وقائع الاقتصاد‪ .‬ولن أشري هنا اإال لبعض‬
‫الخطاء اليت اعرتف الصندوق هبا رمسيا‪ ،‬كخطاءه ومواقفه خالل‬
‫أزمة منور أس يا‪ ،‬وكخطأه يف نصاحئه التقشفية لوراب وكخطأه جتاه‬
‫اليوانن‪ ،‬وأما حبثيا‪ ،‬فبحوث صندوق النقد ادلويل غري معرتف هبا يف‬
‫رسائل ادلكتوراه يف اجلامعات املرموقة‪ ،‬والقامئة تطول‪ ،‬ومن شاء‬
‫فلريجع اإىل مساهامت الصندوق ادلويل وتوصياته اليت طبقت وليبحث‬
‫عن أي نس بة جناح فهيا‪ ،‬وابعرتاف الصندوق نفسه‪.‬‬
‫وأما حبثيا‪ ،‬فبحوث صندوق النقد ادلويل فيكف أهنا غري معرتف هبا‬
‫مكراجع يف رسائل ادلكتوراه عند اجلامعات املرموقة‪1.‬‬

‫‪ 1‬وأذكر أن مرشيف يف ادلكتوراه‪ ،‬عاتبين عتااب شديدا عندما رأى يف رساليت مرجعا من صندوق النقد ادلويل!‬

‫‪282‬‬
‫وقفة اترخيية‪ :‬الفارس اذلي نصب ادلوالر عىل عرش النقد العامل‬
‫هاري وايت‪ ،‬هو من توج ادلوالر عىل العرش النقدي العامل ‪ ،‬واكن‬
‫املسامه الكرب يف االإهجاز عىل االإمرباطورية النقدية والتجارية‬
‫الربيطانية‪ ،‬وهو فارس تنصيب أمرياك‪ ،‬اإمرباطورية النقد العامل دون‬
‫منازع‪ ،‬وما تبع هذا من ترس يخ س يايس واقتصادي عامل لها‪.‬‬
‫اس تغفل ممثل الوفد المرييك املغمور هاري وايت عظامء الس ياسة‬
‫والاقتصاد لربعة وأربعني وفداً دولي ًا‪ ،‬حرضوا اجامتعات معاهدة برتن‬
‫وود عام ‪١٩٤٤‬م‪ ،‬ليصادقوا عىل ما مل يقرؤا وما ال يعرفوا‪.‬‬
‫وذكل حني اجمتعت ‪ ٤٤‬دوةل املنترصون يف احلرب يف منتجع برتن‬
‫وود المرييك‪ ،‬ليضعوا ح ًال الإجياد معةل تبادل دولية الإعادة التجارة‬
‫ادلولية‪ ،‬بعد أن تعطل التبادل ادلويل بسبب غياب الثقة عن العمالت‬
‫الورقية املرتبطة ابذلهب‪.‬‬
‫وإاىل صدور الكتب احلديثة اليت حتدثت عن هاري وايت‪ ،‬مل يكن‬
‫معروفا ال أاكدميي ًا وال اإعالمي ًا‪ ،‬اإال الربيطاين جون كيزن مؤسس‬
‫مدرسة الاقتصاد احلديث مكهندس للمعاهدة‪ ،‬ومبتكر لفكرهتا وصائغ‬
‫بنودها وتفصيالهتا‪.‬‬
‫فهو اذلي افتتح اجللسة اخلتامية للمؤمتر ابملصادقة عىل املعاهدة‬
‫ومباركهتا اإايها خبطابه التارخي ‪ .‬وتبعه بعد ذكل تصديق عظامء‬
‫س ياس يي واقتصاديي الربع والربعني دوةل‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫ولكن اذلي ظهر حديث ًا أن كيزن والوفود ادلولية املُصادقة عىل املعاهدة‪،‬‬
‫مل تكن تدري شيئ ًا عن بنود املعاهدة‪ ،‬ومل تقرأها‪ .‬فقد اكنوا حضية‬
‫اس تغفال طبخها ممثل الوفد المرييك املغمور هاري وايت‪ .‬وتعبري‬
‫الاس تغفال‪ ،‬هو التعبري املس تخدم يف الكتب اليت نرشهتا اجلامعات‬
‫المريكية العريقة حديث ًا بعد الزمة املالية‪ ،‬لتفصح عام سكتت عنه‬
‫الس ياسة‪ ،‬ولتكشف ما دلسه االإعالم ولتظهر ما أخفته نفوس العظامء‬
‫من التعايل عن الاعرتاف ابالس تغفال لبعضهم‪ ،‬ورضوخ بعضه الخر‬
‫للهمينة المريكية‪.‬‬
‫وعىل الرمغ من انسحاب السوفيت وادلول الاشرتاكية‪ ،‬وتأخر بعض‬
‫ادلول الوروبية ابلقبول اإال أن املعاهدة فرضت نفسها‪ .‬فقد مت تتوجي‬
‫ادلوالر عىل عرش النظام املايل العامل ابجللسة اخلتامية ملؤمتر برتن‬
‫وود مبصادقة الوفود علهيا‪ ،‬واملنسحب بعد ذكل أو املرتدد فهو خارج‬
‫عىل التاج‪ ،‬والتاج حتميه الهمينة المريكية العلمية والاقتصادية‬
‫والس ياس ية والعسكرية‪ .‬مفن انسحب أو تردد فهو خارج العامل احلر وال‬
‫قمية لعملته دولي ًا وال اعتبار هل يف التجارة ادلولية‪ .‬وقد س بق املؤمتر‬
‫اجامتعات كثرية بني بريطانيا ميثلها الاقتصادي كيزن‪ ،‬وبني أمرياك ممثةل‬
‫بوزير املالية ومساعده للشؤون اخلارجية هاري وايت‪ .‬فقد اكنت‬
‫املعركة بني بريطانيا وأمرياك‪ .‬بريطانيا تريد احلفاظ عىل ماكنهتا‬
‫االإمرباطورية‪ ،‬ابملشاركة يف الس يطرة عىل النظام النقدي العامل ‪،‬‬
‫وأمرياك مرصة عىل اإخراج بريطانيا متام ًا من مقة االإمرباطورية‪ ،‬وإارضاخها‬
‫ابلتبعية‪.‬‬
‫‪284‬‬
‫وقد احنرصت معركة معاهدة برتن وود الس ياس ية والاقتصادية‪،‬‬
‫واملفاوضات اليت س بقهتا بني رجلني اثنني‪ .‬هام اللورد الربيطاين كيزن‬
‫الاقتصادي الس يايس ادلبلومايس الشهري عاملي ًا اذلي اكن يقول « ال‬
‫أحد يضع اجلنيه الربيطاين يف الزاوية»‪ ،‬وبني المرييك هاري وايت‬
‫املغمور اذلي اكن يواجه مصاعب اإقناعية يف هممته هذه‪ .‬مصاعب‬
‫داخلية من الوزارة والوزير واجملموعة المريكية املشاركة ومن‬
‫الكوجنرس‪ .‬ومصاعب خارجية دولية‪ ،‬حيث اكن غري مرغوب به وال‬
‫يكرتث بعلمه وقوهل أحد عىل الساحة ادلولية‪ .‬فقد اكن هاري غري لبق‬
‫س ياس ي ًا‪ ،‬شديد اللهجة حاد العبارة ال يبذل أي هجد لكسب القلوب‪،‬‬
‫وال يعري اهامتم ًا لساليب احملاداثت يف العامل املتحرض‪ .‬مفث ًال‪ ،‬يف أحد‬
‫النقاشات السابقة ملؤمتر برتن وود‪ ،‬لعرب كيزن عن عدم فهمه املُقرتح‬
‫المرييك‪ ،‬فقال وزير املالية المرييك لكيزن يف حماوةل لهتدئته «س نحاول‬
‫‪ ..‬مث ُأرجت عىل الوزير» فأمكل هاري خماطب ًا كيزن « أن نأيت بيشء‬
‫يس تطيع مسوك فهمه»‪.‬‬
‫وقد اكن هاري يواجه صعوابت نفس ية كذكل‪ .‬فقد اكن الس ياس يون‬
‫والاقتصاديون يف واش نطن يتجاهلون ذكر امسه عند لتبين أرائه‬
‫واقرتاحاته وال ينس بوهنا هل‪ ،‬إاالل أ لن أحداً مهنم مل جيرؤ عىل الاس هتانة‬
‫من شأنه وعدم الاعرتاف بذاكئه وعبقريته‪ .‬كام اكن هاري يواجه صعوبة‬
‫عدم المان واخلذالن من رئيسه‪ ،‬وزير املالية اذلي اكن يتعذر ابملرض‬
‫هتر ًاب من مقابةل كيزن خوف ًا من مناقش ته علمي ًا‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫وأما الكوجنرس‪ ،‬فقد واجه هاري وأراءه واملعاهدة مبعارضة شديدة‪،‬‬
‫واهتمها بأهنا حيةل بريطانية لرسقة ذهب أمرياك‪ .‬هاري وايت‪ ،‬رجل‬
‫مغمور ‪ -‬من أب هيودي فقري هماجر ‪ -‬بدأ حياته متنق ًال بني أعامل‬
‫بس يطة متنوعة ومل يس تطع دخول اجلامعة‪ ،‬مث اخنرط يف احلرب‬
‫كضابط عسكري‪ ،‬مث حتول يف الثالثينات من معره اإىل دراسة‬
‫الاقتصاد وحصل عىل ادلكتوراه من جامعة هارفرد‪ ،‬مث معل أربع‬
‫س نوات كس تاذ يف عدد من اجلامعات المريكية املغمورة‪ ،‬بعد أن‬
‫رفضت تعيينه اجلامعات املرموقة‪ .‬حىت اس تدعاه مسؤول يف وزارة‬
‫املالية ملساعدته يف حبوث حول الس ياس ية املالية والنقدية‪ ،‬فظهرت‬
‫أملعيته وذاكءه ف ُعني يف منصب مساعد وزير املالية المرييك للشؤون‬
‫اخلارجية‪ ،‬حىت أصبح ُممثل الوفد المرييك يف مقة برتن وود والصانع‬
‫احلقيق للنظام النقدي احلديث‪.‬‬
‫أما بريطانيا فقد رمت بأعظم اقتصادي وس يايس يف ذكل الوقت‪،‬‬
‫جون كيزن‪ ،‬واذلي راهن عليه الربيطانيون يف أحاديث اللوردات يف‬
‫جمالسهم اخلاصة بقوهلم‪« :‬اإن اكن عند المرياكن أكياس املال فعندان املخ‬
‫والعمل واخلربة ويقصدون به كيزن»‪ .‬وقد اكن بعض الوفود يكين كيزن‬
‫ابالإهل (والعياذ ابهلل)‪ ،‬وهو اذلي تنسب اإليه املدرسة الكزنية اليوم‪ .‬وقد‬
‫اكن كيزن جنم القمة واملتحدث ادلامئ فهيا‪ ،‬وهو اذلي يُنسب اإليه اإىل‬
‫اليوم معاهدة برتن وود‪ ،‬وما نتج عهنا من نظام الربط العامل ابدلوالر‬
‫والبنك ادلويل وصندوق النقد ادلويل‪ .‬بيامن احلقيقة اليت أُخفيت وبدأت‬
‫تظهر اليوم‪ ،‬أن منوذج كيزن املقرتح مل يُنفذ منه يشء والربط ابدلوالر‬
‫‪286‬‬
‫والبنك والصندوق ادلويل مل يأت كيزن منه بأي يشء‪ ،‬بل مل يدر كيزن‬
‫عهنا اإال بعد أايم من رجوعه لربيطانيا بعد قراءة الصحف وسامع ورؤية‬
‫االإعالم اذلي جض ابمسه ترشيف ًا وتكرمي ًا هل مكهندس هذه املعاهدة‪ .‬فقد‬
‫قُدمت املعاهدة هل ‪ -‬دون أن يقرأها ‪ -‬للتصديق علهيا ومباركهتا يف‬
‫جلسة التصديق اخلتامية بعد تغييبه عن جلسات طبخة الاس تغفال‬
‫ابش تغاهل يف منوذجه املقرتح املنيس‪ ،‬وبسبب مرضه أو اإمراضه‪ .‬فقد‬
‫اكن كيزن حضية طبخة اس تغفال قد مت طبخها من ألفها اإىل ايهئا عىل يد‬
‫المرييك الهيودي هاري وايت اذلي اس تخدم فنون مترير االتفاقيات‬
‫والعقود ابس تغفال املفاوضني‪.‬‬
‫فف احلقائق اليت ظهرت مؤخرا حول حقيقة ما حدث يف اتفاقية برتن‬
‫وود عام ‪١٩٤٤‬م وما فعهل المرييك هاري وايت لمترير معاهدة ربط‬
‫العمالت ابدلوالر‪ ،‬مثال شامل ذو عربة ودروس يف فنون التفاوض‪،‬‬
‫للك ما ميكن أن حيدث من أالعيب يف الاجامتعات واللجان‪.‬‬
‫فالتعلاميت الساس ية من روزفلت اكن يرتكز عىل اإقصاء بريطانيا عن‬
‫أي حتمك جتاري عامل أو عن أي دور نقدي دويل‪ .‬وأما شلك النظام‬
‫وفنياته فمل تكن واحضة لحد اإال يف رأس هاري وايت‪ .‬فوزير املالية‬
‫المرييك ورئيس الوفد المرييك يف املؤمتر مل يدركوا حقيقة أبعاد ما فعهل‬
‫وايت‪ ،‬اإال أهنم وافقوه من أجل غرض اإقصاء بريطانيا‪.‬‬
‫وقد أُبعد وايت عن املشاركة الرمسية يف الوفد‪ .‬فباالإضافة اإىل حدة‬
‫طباع وايت‪ ،‬فقد سبب عليه ذاكؤه تصادمه مع الخرين وجلب هل‬
‫الغرية وحسد القران وغري القران‪ ،‬وجلب نقمة اخلالف عليه‪ .‬حفرض‬
‫‪287‬‬
‫هاري وايت املؤمتر مكستشار يف اللجنة الفنية للوفد المرييك وبغري أي‬
‫مسمى ُمشارك يف املؤمتر ادلويل‪ .‬ولكنه اس تطاع أن يقود املؤمتر مبن‬
‫فهيم الوفد المرييك للتصديق عىل املعاهدة اليت ُصمها من ألفها اإىل‬
‫ايهئا‪.‬‬
‫وقد اكن كيزن الربيطاين املعقود ابمسه تصممي املعاهدة‪ ،‬هو مه هاري‬
‫وايت‪ .‬فالوفود كغالب أعضاء اللجان‪ .‬تتكون من ُخسة أصناف من‬
‫السلوك الشخيص‪ :‬الول املغفل وهو ال يدري أنه مغفل‪ ،‬والثاين الغري‬
‫املكرتث والثالث اجلاهل البليد‪ .‬والرابع الرنجيس‪ ،‬واخلامس املدبر‬
‫احملرك لالجامتع‪ .‬وكيزن اكن هو املدبر يف املؤمتر‪ ،‬واذلي اكن حيرص أن‬
‫تشارك بريطانيا بدور رئييس يف التحمك العامل للتجارة واملال‪ .‬وتوقيع‬
‫كيزن عىل املعاهدة‪ ،‬وابلتايل تصديق بريطانيا‪ ،‬س يذلل هممة تصديق بقية‬
‫ادلول‪.‬‬
‫وقد اس تخدم وايت أساليب متارس كثريا اليوم‪ ،‬لمترير العقود‬
‫واالتفاقيات يف غالب اللجان والاجامتعات‪ .‬مفثال‪ ،‬جتنب وايت ذكر‬
‫ادلوالر مطلقا يف الاجامتعات‪ ،‬وحرص عىل اإشغال وقت اللجان الفنية‬
‫بأحاديث ونقاشات وخالفات هامش ية الإضاعة الوقت‪ .‬وركز عىل‬
‫النقطة املتفق فهيا مع كيزن ويه جتنب اإعادة ربط العمالت ابذلهب‬
‫وربطها بدال من ذكل بعمةل جديدة يتحمك هبا بنك مركزي دويل‬
‫جديد‪ ،‬اكن كنيزن يريد أن جيعل موقعه يف لندن‪.‬‬
‫فقام هاري وايت بتصممي صندوق النقد ادلويل‪ ،‬وكتب مفهوم أليات‬
‫كيزن يف ربط ادلول معالهتا ابلعمةل اجلديدة ولكنه مل حيددها‬
‫‪288‬‬
‫«ابلبنككور» العمةل اجلديدة اليت يريدها كيزن أن تكون مرجعا‬
‫للعمالت الخرى‪ .‬وبدال من ذكل‪ ،‬ركز وايت‪ ،‬يف النقاشات ويف‬
‫كتابة الواثئق‪ ،‬عىل عبارة « معةل قابةل للتحويل لذلهب»‪ .‬ويف أحد‬
‫الاجامتعات الفنية قام مفوض الوفد الهندي فاعرتض عىل هذه الضبابية‬
‫قائ ًال‪« :‬لو يرشح لنا المرياكن ماذا يعين معةل قابةل للتحويل اإىل‬
‫اذلهب» فأجابه رئيس اللجنة املفوض الربيطاين ‪-‬ظاان أهنا مسأةل‬
‫هامش ية‪« -‬اإهنا مسأةل ُمحاسبية ‪ ،‬اكدلوالر مثال‪ ،‬ولتحول املسأةل اإىل‬
‫اللجنة احملاسبية» وهذا ما اكن يريده وايت‪ .‬فقامت اللجنة احملاسبية‬
‫بتغيري لك الواثئق الرئيسة وابدلت عبارة «معةل قابةل للتحويل لذلهب»‬
‫بلكمة ادلوالر‪.‬‬
‫واملفوض الربيطاين مثال عىل املغفل أو الرنجيس اذلي اكن أحد حضااي‬
‫جلسات االإحياء اليت قام هبا وايت واليت أوىح فهيا أن أمرياك تمتتع‬
‫بأعظم احتياط ذهيب وتس تطيع دمع العمةل اجلديدة اليت يقرتهحا كيزن‪.‬‬
‫وأما املفوض الهندي‪ ،‬مفثال عىل كبت املس تضعف يف الاجامتعات‬
‫واهيام للمجموعة بأنه ال يفهم‪ ،‬عندما ينطق مبا خيالف الهدف‪ ،‬بيامن يُفتح‬
‫اجملال لحاديث عامة أو غريها الإضاعة الوقت‪ .‬وقد اكن وايت قبل‬
‫ذكل جيمتع مع الوفود لك وفد عىل حدة وال يتعارض مع أي أحد‪ .‬واكن‬
‫يعط لك وفد ما يريده هبندسة معاين املعاهدة لتصب يف مراد الوفد‪.‬‬
‫مفثال صور للروس ‪ -‬املنتجني لذلهب‪ ،-‬أن اذلهب س يعلوا شأنه‬
‫بسبب املعاهدة لربط العمالت ابلعمةل ‪ -‬املقرتحة من كيزن‪ -‬القابةل‬
‫للتحويل لذلهب‪ .‬وهناك الكثري من احلوادث اليت ساعدت وايت‪،‬‬
‫‪289‬‬
‫واليت ال أختيل أهنا صدفة كام ذكرت احلقائق املفرج عهنا حديث ًا‪ ،‬بل‬
‫لعل بعضها من املساعدات اليت ُزود هبا لتحقيق غرض أمرياك‬
‫السايس وهو اإقصاء بريطانيا‪ .‬كنقصان المتوينيات يف الايم الخرية‪،‬‬
‫كلية ضغط عىل الوفود لمتش ية المور‪ .‬وهذه حتدث يف اللجان عادة ‪،‬‬
‫فرتامه يأتون ابلمور املهمة يف أخر الوقت ليك ميررون القرارات دون‬
‫نظر معيق‪ ،‬ليك ال خيرج عضو ابعرتاض ال ميكن دحضه‪ .‬ومكرض كيزن‬
‫وسقوطه‪ ،‬وهو يركض ليلحق ابالجامتع احملاس يب الخري‪ ،‬ومرضه قبل‬
‫ذكل عدة مرات‪ .‬واكإشغاهل بلجان هامش ية أخرى يف نقاشات البنك‬
‫ادلويل وغريه‪ ،‬عن مشاركته لنقاشات كثرية‪ ،‬لعب فهيا وايت ألعابه‬
‫عىل الوفود وأومههم مبا يريدونه من غري كذب علهيم‪ ،‬بل هبندسة معاين‬
‫الالكم‪ .‬فال أشك أن كيزن قد أُمرض وأُشغل‪ ،‬وال شك أن الوفود ال‬
‫ختلوا من الرجال اذلين ال تُمرر علهيم المور‪ .‬ولكن لعل بعضهم مت‬
‫ترضيخه اكلملان‪ ،‬وبعضهم ُوسع خاطره بوعود تناسب طموحه‪،‬‬
‫وبعضهم ُاس تغفل‪ ،‬وبعضهم أُلهي بزايرة خاصة مس تقبلية ملنتجعات‬
‫أمرياك أو ُطمع حباجة أمرياك هل يف صندوق النقد املقبل‪ ،‬وهكذا‪ .‬خفطة‬
‫التصديق عىل املعاهدة اكنت تعمتد عىل أن أعضاء اللجان ال يقرأون‪،‬‬
‫وأن أكرثمه اتبع ال مس تقل‪ ،‬وامجليع يتبع كيزن‪ ،‬وكيزن مل تُعرض عليه‬
‫املعاهدة اإال يف اجللسة الخرية‪ ،‬فاضطر أن يصادق علهيا ويباركها دون‬
‫قراءهتا‪ ،‬اعتقاد منه بأن أساسها اجلوهري ال خيتلف عن مقرتحه‪ .‬وما‬
‫درى هو وال أحد من الوفود حىت الوفد المرييك ‪-‬ما عدا وايت ‪ -‬أن‬
‫تل اجللسة ‪ -‬عىل حد تعبري املؤلف‪ -‬قد توجت ادلوالر عىل عرش‬
‫‪290‬‬
‫العمالت ومن مث أطاحت ابذلهب‪( .1‬واالإطاحة ابذلهب مس تقبال‪ ،‬مل‬
‫يكن يُدركها أحد أو يتخيل حدوهثا‪ ،‬حىت هاري وايت نفسه)‪.‬‬
‫فلامذا غُيب هاري وايت من التارخي؟ أمن هاري وايت ابالشرتاكية‬
‫خفان بالده فأصبح معيال روس يا‪ ،2‬فقدم خدمات اترخيية لروس يا ال‬
‫تقدر بمثن قد تصل اإىل حد أنه قد هو يكون السبب يف بقاء روس يا‬
‫وانتصارها يف احلرب العاملية الثانية‪.3‬‬
‫فقد اكن لوايت تأثري كبري عىل قرارات القوى يف واش نطن‪ ،‬سواء بأرائه‬
‫االإبداعية ووصاايه املسددة‪ ،‬اليت اكنت تتبىن من غري نسبهتا اإليه من‬
‫قبل أن يلمع جنمه يف برتن وود‪ ،‬أو بعد ما حظ وايت ابلثقة املطلقة‬
‫يف أرائه وتوصياته‪ .‬حىت أمر وزير املالية بعدم مناقش ته يف اإجراءاته‪،‬‬
‫وجعهل يف منصب مساعد وزير املالية للش ئون اخلارجية‪ ،‬واذلي اكن‬
‫منصبا دبلوماس يا واقتصاداي شديد المهية أنذاك‪.4‬‬

‫‪ 1‬ما حدث يف برتن وود حيدث يومياً يف اللجان والاجامتعات‪ ،‬ولكام عظم شأن الاجامتع لكام عظمت احليةل معه واس تخدام الاساليب اخلبيثة‪.‬‬
‫‪ 2‬ومل تكن خيانة هاري وايت لجل مال وال دنيا‪ ،‬فهو اشرتايك عقيدة إوامياان‪ ،‬لو قدم هل الروس ماال‪ ،‬الهزتت ثقته ابشرتاكيهتم وانقلب علهيم‪ .‬فمل تُسجل عىل وايت تلقيه‬
‫لي ماكفأة مالية من الروس أو حلفاهئم‪ ،‬اللهم أنه قَبِّل أن يتدخل أحدمه بشفاعة من أجل أن حتصل ابنته عىل التاكليف ادلراس ية اجلامعية‪ ،‬كام اكن يقبل بعض الهدااي‬
‫الرمزية اليت متثل تقديرا جلهوده الاشرتاكية‪ .‬اكن اإميان هاري وايت ابالشرتاكية انبعا من مثاليته يف نشد العداةل الاجامتعية‪ .‬ومل يكن وايت بدعا من قومه‪ .‬فقد اكن هناك‬
‫مجموعة ال بأس هبا من امحلقى املُضللني ‪ -‬عىل حد تعبري الشاهدة ‪ -‬مبثالية العداةل الاجامتعية الاشرتاكية من املس ئولني احلكوميني المرياكن اذلين يعتربون أنفسهم من‬
‫املوالني واخمللصني لمرياك (مثلام اكن اعتقاد هاري وايت)‪ .‬واكنوا قد قدموا معلومات كثرية لالحتاد السوفييت وخاصة أثناء احلرب العاملية الثانية‪ .‬ومكثل انتشار الصحوة‬
‫عندان يف بالد املسلمني واختالف سلوك الناس جتاهها وغلومه أو توسطهم‪ ،‬فاالشرتاكية يف تل احلقبة الزمنية اكن لها قبول وانتشار وتبين من رشحية واسعة من مجيع‬
‫الشعوب والمم‪ .‬وعىل قدر زايدة قوة اإمياهنم ابالشرتاكية‪ ،‬عىل قدر عظم ما أتت به خياانهتم‪ .‬مفن القيام بأعامل جتسس واغتياالت خطرية‪ ،‬اإىل معرفهتم لعميل ومل يبلغوا به‪،‬‬
‫اإىل االإجعاب الشخيص بتضحية هؤالء العمالء‪ ،‬اإىل الرتدد القليب الرسي يف احلمك علهيم ابخليانة‪.‬‬
‫‪ 3‬فصورته اكرب صورة يف لوح الفخر يف مبىن الاس تخبارات الروس ية‪.‬‬
‫‪ 4‬فقد اس تغل الروس قوة تأثري وايت عىل قرارات واش نطن فاس تخدموه لاميرس تأثريه عىل كثري من قرارات التعيني واالإجراءات ادلبلوماس ية واملالية لتصب يف مصلحة‬
‫الجندة الروس ية‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫وأخطر هتمة أهتم هبا وايت يه تسببه املقصود يف رضب الياابن مليناء‬
‫بريل هابر المرييك‪ ،1‬واذلي قُتل فيه الالف من اجلنود المريكيني‪،‬‬
‫ودمر الاسطول المرييك‪.2‬‬

‫‪ 1‬ويف رأيي الشخيص‪ ،‬وسواء أاكن وايت معيال روس يا خطريا لهذه ادلرجة أم اكن جمرد مؤمن ابالشرتاكية‪ ،‬فاإين ال أستبعد املكر الربيطاين يف تلفيق هذه الهتُ م بوايت بعد‬
‫وفاته‪ .‬فهاري وايت هو من غلهبم وخدعهم يف برتن وود مث ضغط علهيم بعد ذكل‪ .‬وهاري وايت هو من مارس بدهاء اس تغالل وضع بريطانيا الاقتصادي‪ ،‬وتسبب يف‬
‫قرارات مُسددة حتقيق توهجات روزفلت واالإدارة المريكية مبحو أي أمل للربيطانيني يف االإبقاء هلم عىل أي من مزااي اإمرباطورتهيم الزائةل‪ ،‬بل لعل هاري وايت تعدى‬
‫التوهجات المريكية مبحو المل االإمرباطوري الربيطاين اإىل حمو ذكرى االإمرباطورية عن خميالت الربيطانيني املفاوضني‪ .‬فقد اكنت رضابت وايت الس ياس ية الاقتصادية‬
‫للربيطانيني أبعد من طلب واش نطن‪ ،‬وأقىس تنفيذا وأشد دهاء‪ .‬فباعتبار هذا واعتبار حرص بريطانيا عىل اإدخال أمرياك احلرب واهتاهما بذكل‪ ،‬فال يُستبعد ‪-‬يف نظري‪-‬‬
‫أن بريطانيا برأت نفسها بأن ثأرت لنفسها من هاري وايت مُس تغةل ميوهل الاشرتاكية‪ .‬فعندما أخرب روزفلت ترششل بفعةل الياابنيني يف بريل هابر‪ ،‬قال ترششل «اي لها من‬
‫هويل كوست» أي ش هبها ابحملرقة الهيودية‪ .‬ويف خاصة جملسه قال ترششل «ايلها من رمحة‪ ،‬هذا أعظم حظ حصل لالإمرباطورية الربيطانية يف مجيع اترخيها‪ ،‬أخريا دخلت‬
‫أمرياك احلرب‪ ،‬وقد ذهبت للرسير فنامت نومة المن الشاكر»‪ .‬فأميا اكنت حقيقة دور هاري وايت يف مساعدة الروس‪ ،‬اإال أن حبة خردل من خيانة الوطان ال تربرها‬
‫أي مربرات فكيف اإن اكنت اخليانة أكرب من مثقال حبة خردل‪ .‬وجمرد ميول هاري وايت الاشرتاكية ‪ -‬ويه عدوة بالده الول‪ ،-‬تعترب خيانة أعظم من ألف مثقال حبة‬
‫من خردل ال حبة واحدة‪ .‬مفا من خطر أعظم عىل الوطان من اليدولوجيات‪ ،‬تقلب فطرة أحصاهبا فتربر هلم خيانة أنفسهم فيخونوا الوطان والشعوب والهل والتارخي‪.‬‬
‫‪ 2‬فقد رفع وايت خطااب للرئيس المرييك احتوى عىل خطة طريق لتجنب املواهجة مع الياابنيني قبل دخول أمرياك احلرب العاملية الثانية‪ ،‬واكنت أمرياك متارس احلصار‬
‫الاقتصادي عىل الياابن ‪ -‬ماعدا منع النفط‪ .‬فاس تدعى الروس هاري وايت وأطلعوه عىل تطلعات الياابن وجتهزياهتا لغزو روس يا‪ ،‬ومارسوا عليه من الالعيب الاس تخبارية‬
‫وأمسوا معليهتم الاس تخبارية هذه ابمس «معلية الثلج» نس بة المس وايت أي البيض‪ .‬فاس تُخف هباري وايت‪ ،‬خفىش عىل الاشرتاكية فأحلق وايت خطابه الول خبطاب‬
‫أخر مُعدل أضاف فيه مطلبا أمريكيا‪ ،‬اكن يُدرك وايت بأن الياابنيني لن يقبلوا به‪ ،‬واكن هو القشة اليت قصمت ظهر البعري‪.‬‬
‫فمل يكن قرار رضب الياابنيني مليناء بريل هاربر المرييك انجت عن ترصف أمرييك واحد ضدمه‪ ،‬اإمنا اكن عبارة عن ابلونة انتفخت مث انتفخت حىت جفرها املطلب المرييك‬
‫الخري‪ ،‬فقرروا رضب أمرياك بدال من روس يا‪ ،‬وهكذا أراد هللا أن جتري الحداث‪ ،‬وما حدث بعد ذكل‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫ملحق‪ :‬يف فلسفة املال والنقد‬
‫جوهر أمثان اليوم من العدم‪ ،‬بيامن جوهر المثان السابقة من الوجود‪.‬‬
‫وذات أمثان اليوم يه المثنية‪( ،‬اإن زالت عهنا عادت للعدم)‪ ،‬بيامن ذات‬
‫المثان السابقة يه السلعية‪( ،‬اإن زالت عهنا عادت لسلعيهتا)‪ .‬والمثنية‬
‫صفة قد تلحق ابلمثان السابقة أحياان‪ ،‬كصفة السواد لبيض تعرض‬
‫للشمس‪ ،‬وكحال الصحيح اإذا حلق به مرض عابر‪.1‬‬
‫وكون جوهر النقد اليوم هو العدم‪ ،‬فهذا يعين أنه غري حمدود ‪-‬فالعدم ال‬
‫حد هل‪ -‬خبالف المثان السلعية من معدن وقوت وغريها‪ ،‬فاملوجود‬
‫حمدود‪ .2‬والعدم ال قمية هل ذلاته‪ ،‬خبالف املوجود‪ .‬فالمثن وس يةل قياس‬
‫امسية‪ ،‬اكلصاع واملرت‪ ،‬عدم غري حمدودة وال قمية لها يف ذاهتا مطلقا‪،‬‬
‫وإامنا يقاس بقميته املتعدية‪ ،‬ويه قوته الرشائية‪ .‬فاإن مل يتلبس المثن‬
‫بسلعة‪ ،‬فهو عدم‪ ،‬كنقود اليوم ال قمية لها يف ذاهتا‪ .‬وان تلبس بسلعة ‪-‬‬
‫اكلمثان السابقة‪ -‬فهو موجود وتكون هل قمية ذاتية‪ ،‬تُضاف لقميته المثنية‬
‫املتعدية‪ ،‬فيؤثر هذا عىل قميته كلك‪ ،‬فريفعها فوق مس توى الطلب‬
‫احلقيق علهيا يف السوق‪.‬‬

‫‪ 1‬الاختالف معوما يكون يف جوهر اليشء أو ذاته أو صفاته‪ ،‬أو يف مجيع الثالثة‪ .‬فيفرتق الشيئان أو يقرتابن مبقدار اختالفهام وتشاهبام‪ .‬فالسد والهر والعجل والوعل‬
‫واجلبل والسحاب خلق من خلق هللا‪ .‬ويشرتك الربعة الُول يف جوهر احلياة‪ ،‬بيامن يشذ اجلبل والسحاب جلوهر امجلاد فهام يشرتاكن فيه‪ ،‬بيامن خيتلفان يف ذاهتام‪ ،‬فذاك‬
‫صلب دامئ وهذا رقيق زائل‪ .‬ومىت اختلفت اذلات‪ ،‬تبعها اختالف الصفات‪ ،‬وإاذا حصل فاشرتاك يف صفة‪ ،‬فهو اشرتاك عفوي‪ .‬فيشرتك السد والهر يف ذات السبيعة‪،‬‬
‫بيامن يشذ العجل والوعل حنو ذات الرعوية‪ .‬وختتلف صفات السد عن الهر‪ ،‬فذاك صائل وهذا مسامل‪ .‬كام ختتلف صفات العجل عن الوعل‪ ،‬فالول داجن والثاين هامئ‪.‬‬
‫واشرتاك امجليع السد والهر والوعل والعجل واجلبل والسحاب‪ ،‬يف أداء وظيفة معلية تس يري س نة هللا يف خلق الرض‪ ،‬ال يعين أن تُزنل أحاكم بعضهم عىل بعض‪.‬‬
‫وهناك فرق واسع بني اذلات والصفة اخلُلقية املالزمة‪( .‬فالصفة قد تكون خُلقية يف أصل اليشء فهي مالزمة هل وقد تكون طارئة)‪ .‬جفوهر الشمس معادن وغازات‪،‬‬
‫واحلرارة صفة خلقية يف أصلها مالزمة لها‪ .‬واحتجاب حرارهتا يف الش تاء القارس ال يعين زوال صفة احلرارة مهنا‪ .‬جفوهر الشمس خصور ومعادن‪ ،‬وذاهتا انرية واحلرارة صفة‬
‫الزمة لها‪ ،‬ان زالت فقد ال تزول ذات الشمس وحامت ال يزول جوهرها‪ ،‬احلجارة واملعادن‪ .‬لكون برشة االإنسان صفة الزمة هل‪ ،‬لو تغري أو زال‪ ،‬تبقى ذاته‪ ،‬ويه اللحم‬
‫والعظم‪ .‬واحلياة جوهر االإنسان فاإن زالت‪ ،‬فنت ذاته ‪ ،‬وحامت تزول صفاته‪ .‬ومثل ذكل أيضا يقال يف ل ون الصفار لذلهب مثال‪ .‬جفوهر اذلهب امجلاد‪ ،‬وذاته معدن‪،‬‬
‫والصفار لون خلق يف اذلهب وهو صفة خلقية الزمة هل‪ .‬فاإذا احتجب لون الصفار بقذارة وحنوها فاإمنا هو مؤقت‪ ،‬اكحتجاب حرارة الشمس‪ ،‬بغامم‪ .‬والمثنية يه كذكل يف‬
‫اذلهب‪ ،‬جمرد صفة طارئة ال خلقية‪ ،‬اإن احتجبت فال يلزم أن تعود‪ ،‬كام هو حصل يف الفضة والنحاس واحلديد والرب والشعري‪.‬‬
‫‪ 2‬مفىت فهمنا دالالت اجلوهر واذلات والصفات‪ ،‬أدركنا أن نقد اليوم (أي الامثان اليوم) تتباين يف جوهرها عن المثان السابقة ابلنقيض‪ ،‬فبالتايل فينسحب ذكل عىل ذواهتا‬
‫ومن ابب أوىل يف صفاهتا‪.‬‬
‫فعندما اكنت تُتخذ السلع امثاان‪ ،‬اكذلهب والفضة والنحاس‪ ،‬دفع هذا‬
‫قمية العمةل لتكون أكرث تذبذاب‪ ،‬وذكل الإضافة قميتني فوق قمية المثن‪.‬‬
‫فقمية السلعة يؤثر فهيا مؤثران‪ ،‬الطلب والعرض‪ .‬اإذا فقد اكن يف المثن‬
‫السلع ‪ ،‬اكذلهب ثالث قمي تتنازع أحياان‪ ،‬فتخفض قميته الهنائية‪ ،‬أو‬
‫تتفق فرتفع قميته الهنائية‪ .‬وهذا سبب عدم ثبات قمي المثان‪ ،‬قدميا‪.‬‬
‫الباب الول‪ :‬يف فلسفة املال والقمية والمثن‬
‫كثري من الناس ينرصف ذهنه عند ذكر لفظ املال‪ ،‬اإىل النقد ‪-‬أي‬
‫ال ُعمالت ـ‪ ،‬ويقرص مفهوم املال عليه‪ .‬ولكن الصحيح لفظا ورشعا‬
‫واقتصادا وقانوان‪ ،‬أن “ لك يشء ُحياز‪ ،‬وهل قمية ميكن قياسها‪ ،‬وميكن‬
‫أن يُباع وي ُرشى وميكن متلكه خيارا أو جربا‪ ،‬فهو مال ” ‪ .‬فس يارتك‬
‫اليت تركهبا مال‪ ،‬وثوبك اذلي تلبسه مال‪ .‬وحيازتك عىل حق طباعة‪،‬‬
‫أو ماركة جتارية‪ ،‬يه أموال حمرتمة كي مال أخر من نقد أو اإبل أو‬
‫غمن أو عقار أو ذهب أو برتول أو غريها‪ ،‬فلك هذه‪ ،‬أموال‪.‬‬
‫واملنفعة املالية ‪-‬اكخلدمات الاستشارية أو املهنية املُقدرة بقمية معلومة‬
‫ميكن حتديد قميهتا‪ ،‬يه كذكل مال‪ .‬ولكن جيب الانتباه اإىل أن هناك‬
‫فارقا جوهراي بني املنفعة املالية اليت يكون أصلها ماليا ‪-‬مكنفعة سكىن‪،-‬‬
‫وبني اليت ال يكون أصلها ماليا‪-‬كخدمة أو استشارة طبية أو قانونية‪.-‬‬
‫مفنفعة السكىن انجتة عن دار‪ ،‬وادلار مال من الموال‪ .‬أما أصل‬
‫اخلدمة البرشية اكالستشارة والتدريس والعامةل‪ ،‬فهي منفعة انجتة عن‬
‫هجد أو عمل اإنسان حر‪ .‬واالإنسان احلر ليس مبال‪ ،‬وكذكل الجري احلر‪،‬‬
‫أصهل ليس مايل‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫وأما لفظ المثن فيطلق عىل وصفني‪ ،‬الكهام مقصود لغة و ُعرفا‪:‬‬
‫الول‪ :‬هو التسعري‪ ،‬أي التمثني‪ .‬ف ُيقال مك مثن هذا؟ وهل ثَ لمنت هذا‬
‫(أي هل سعرته)؟ وفالن س يقدم كل مثنا أفضل‪ ،‬أي سعرا أفضل‪.‬‬
‫وفاوض فالن عىل المثن‪ ،‬أي فاوضه عىل السعر‪ .‬مفقصود المثن كتسعري‬
‫هو أن يكون وس يةل مقياس واحضة واثبتة يف املعامالت التبادلية لقمي‬
‫السلع واخلدمات وحنوها‪.‬‬
‫والخر‪ :‬هو القمية‪ ،‬أي العوض عن اليشء‪ .‬ف ُيقال هل قبضت المثن‬
‫حاال أو مؤجال‪ ،‬أي هل اس تلمت القمية من درامه أو نقد يف يدك أم‬
‫ستتحصلها منه بعد زمن؟ وكذا تقول‪ :‬ال تسلمه البضاعة حىت تقبض‬
‫المثن‪ .‬وتسأل‪ :‬هل المثن ابلاكش أم بش يك؟ وإاذا اكن بش يك‪ ،‬فال‬
‫توقع عىل اس تالم المثن اإال أن يكون ش ياك مصدقا‪ .‬أي ال توقع عىل‬
‫اس تالم القمية من درامه أو نقد بواسطة ش يك‪ ،‬اإال أن يكون ش ياك‬
‫مصدقا من البنك‪ .‬مفقصود المثن كقمية هو أن يكون ِّعوضا‪.‬‬
‫فالقمية اإذن ال ُ ُحتدد منفردة أبدا‪ .‬بل ال بد من مقابلهتا بأمر أخر‪ .‬فال بد‬
‫ملعرفة قمية يشء‪ ،‬أن حتصل مقابلته بيشء أخر‪ .‬فال بد ملعرفة قمية‬
‫الس يارة أن تقول‪ :‬الس يارة بعرش دراجات انرية‪ ،‬أو الس يارة مبائة ألف‬
‫رايل‪ .‬ومائة ألف رايل ال معىن لها كذكل‪ ،‬فلو أنك يف قرية من قرى‬
‫الصني‪ ،‬فلن يدري الصيين ما يشرتي الرايل‪ ،‬أي مايه قميته‪ .‬ذلا‬
‫تقول‪ :‬ومائة ألف رايل تشرتي كل مائة رأس جعل‪ .‬وهكذا‪...‬‬
‫فادلوالر مثال مثن ال قمية‪ .‬فقمية المثن مطلقة‪ ،‬فسعر برميل النفط اليوم‬
‫مثال ‪ ٦٠‬دوالر‪ ،‬وغدا ‪ ١٠٠‬دوالر‪ ،‬اإذن فادلوالر ال قمية هل يف ذاته‪،‬‬
‫اإمنا هو وحدة قياس يقيس قمية النفط أمام السلع الخرى اليت يُقميها‬
‫‪295‬‬
‫ادلوالر‪ ،‬فهو اإذا عدما ال وجود هل اكملرت والكيلو والرطل والطن ليس‬
‫هلم وجود الا ان يضاف هلم يشء وكذكل هو النقد‪ ،‬وهذا يقودان‬
‫جلدلية عدمية النقد‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬يف عدمية النقد‬
‫اس ُتخدم القوت كثريا‪ ،‬كمثن يف مراحل زمنية مرت هبا االإنسانية‪ .‬فاكن‬
‫صاع شعري مثال يأيت بنعجة‪ .‬فالقمية يف الشعري وليس يف الصاع‪،‬‬
‫فالصاع وحدة قياس عدمية‪ ،‬وامنا هو جمرد أداة قياس لقمية الشعري‪،‬‬
‫اذلي يأيت ابلنعجة‪ .‬والعدد كذكل‪ ،‬أداة قياس حلبات الشعري العرشة‪،‬‬
‫اليت تأيت ببيضة‪ .‬وادلينار وادلرمه أوزان‪ ،‬فهي وسائل قياس لذلهب‬
‫والفضة‪ .‬والشاهد أن وس يةل الوزن ال اعتبار لها يف القمية‪ ،‬بل أن‬
‫الاعتبارية تكون يف املوزون‪ .‬فالقمية يُمثلها اليشء املُقاس‪ ،‬ال وس يةل‬
‫القياس‪ .‬واملقصود‪ :‬أن مثن المس اكن أداة قياس وامل ُقاس هبا‪ ،‬كصاع‬
‫بر او درمه فضة‪ .‬أما اليوم فالمثن أداة قياس فقط‪ ،‬فهو اإذا عدم‪.‬‬
‫والعدم يشء‪ ،‬فهو اإذا خلق من خلق هللا‪ .‬قال تعاىل‪( :‬هللا خالق لك‬
‫يشء)‪.‬‬
‫فالعمالت النقدية احلديثة‪ ،‬وس يةل قياس اكلصاع واملثقال‪ ،‬فهي وس يةل‬
‫خالية من قمية حقيقية فهيا‪ ،‬فهي ليست كصاع متر مقابل نعجة‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ :‬العمالت السابقة‪ ،‬اكنت حتتوي عىل قائس ومقيس‪ .‬أي‬
‫أهنا اكنت أداة قياس ‪-‬كوزن دينار‪ -‬واليشء املقاس به ‪-‬كنعجة‪ -‬مقابل‬
‫اليشء اذلي حتتويه أداة القياس ‪-‬كذهب‪ .-‬وأما اليوم‪ ،‬فالعمالت أمنا‬
‫يه فقط أداة قياس يُقاس هبا قمية الطرف الخر‪ ،‬سلعة اكنت أو‬

‫‪296‬‬
‫خدمة‪- ،‬كرايل‪( .-‬أما العدد فهو وس يةل الزمة للقياس بأي أداة‪ ،‬سواء‬
‫ابلوزن أو ابحلجم‪ ،‬فالعدد يدخل يف لك وس يةل قياس)‪.‬‬
‫فنقود اليوم يه اكلصاع واكملثقال واملرت والكيلو‪ ،‬ما يه اإال وس يةل‬
‫قياس جمردة‪ ،‬ولكهنا ال تتضمن شعريا وال ذهبا وال فضة‪ ،‬اإمنا حتوي‬
‫عدما (جمرد أرقام يف حواسب المكبيوتر)‪ ،‬متثل قمية مطلقة‪ ،‬حيددها‬
‫السلعة او املنفعة املقابةل لها‪.‬‬
‫والاس هتالك يضعف قابلية اليشء الن يكون مثنا (نقدا)‪ ،‬ذلا لكام قلت‬
‫احلاجة الس هتالك اليشء‪ ،‬ووافق صفات المثن‪ ،‬لكام زادت احامتلية‬
‫اختاذه مثنا‪ .‬فالمثان السلعية‪ ،‬اكذلهب والقمح والنفط‪ ،‬لها قمية ذلاهتا‬
‫الاس هتالكية‪ ،‬وتكتسب قمية مضافة اإذا ما اختذت أمثاان‪ ،‬فالمثنية اإذا لها‬
‫قمية مس تقةل عن ذات المثن‪.‬‬
‫ومبا أن نقود اليوم عدمية الاس هتالك ويه جمرد وس يةل قياس لقمية متثل‬
‫قمية ما تُشرتى به‪ ،‬ال قميهتا يف ذاهتا‪ ،‬فهي ال قمية لها يف ذاهتا‪ ،‬فهي اإذا‬
‫أمثان حمضة‪ .‬وابلرغام من عدميهتا‪ ،‬فاإن العمالت أموال عدمية حمرتمة‪.‬‬
‫اإذا فنقود اليوم تُعد ماال من الموال‪ ،‬طاملا أن علهيا طلبا‪ ،‬فهذا يعين‬
‫أن هل قمية وأن قميته قامئة مطلوبة‪.‬‬
‫وما املال؟ املال هو لك قمية ُمحازة تُمتل وتُباع وتُرشى‪ ،‬فالنقد وان‬
‫اكن يف حقيقته عدما فهو جمرد وحدة قياس اكلصاع واملرت والكيلو‬
‫واجلرام‪ ،‬الا انه داخل يف حد تعريف املال‪ ،‬فالنقد احلديث‪ ،‬اإذا مال‬
‫فيأخذ احاكم الموال قانونيا‪ ،‬أما اقتصاداي فاالقتصاد هو‪ :‬انتاج اإنسان‬
‫وحمراث‪ .‬فال يدخل النقد يف االإنتاج‪ .‬اإمنا يس تخدم النقد اكمس او وحدة‬
‫قياس‪ ،‬لنه عدم‪.‬‬
‫‪297‬‬
‫وهنا يتبني لنا أن الرصف ورشاء العمالت احلديثة بعضها ببعض‬
‫اليوم‪ ،‬هو يف الواقع رشاء لقمي عدمية‪ ،‬أي جتارة وتبادل ابلعدم‪ .‬وجتارة‬
‫العدم‪ ،‬ليس أمرا افرتاضيا فلسفيا‪ ،‬بل أن أعظم جتارة عاملية يه جتارة‬
‫العدم‪ ،‬الا ويه جتارة املش تقات‪ ،‬فاملش تقات أموال عدمية‬
‫حمرتمة‪ .‬وقمية املش تقات تساوي أكرث من عرش أضعاف االإنتاج‬
‫العامل ‪ ،‬ولكهنا جتارة يف العدم‪ ،‬فال وجود لها حقيقة‪ ،‬اإمنا يه غالبا‬
‫مقامرات عىل أسعار املس تقبل‪ ،‬أو حتوط لها‪ .‬مفا جتارة أعظم سوقني‬
‫يف العامل‪ ،‬اإال جتارة ابلعدم‪ ،‬وهام أسواق العمالت وأسواق املش تقات‪.‬‬
‫مبحث‪ :‬ال مثن القيايس وال مثن التقاييض‬
‫وهناك المثن القيايس وهناك المثن التقاييض‪ .‬فأما المثن القيايس فهو‬
‫اذلي تعارف عليه الناس واصطلحوا عىل أن يكون مسعرا للسلع‬
‫واخلدمات‪ ،‬كوراقنا النقدية‪ .‬وأما المثن التقاييض فهو اذلي قبل‬
‫املتبايعان ورضيا عىل أن يكون قمية للسلع واخلدمات‪ ،‬كن يكون المثن‬
‫التقاييض أرضا‪ ،‬يف مقابل احلصول عىل سلعة‪ .‬وميزي المثن عن املمثن يف‬
‫هذه احلاةل‪ ،‬أن املشرتي هو يقدم المثن والبائع يقدم املمثن‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬الندرة والقمية‬
‫معالت اليوم‪ ،‬يه الامثان املتعارف علهيا بني الناس يف اسواقهم‪.‬‬
‫والامثان يه أدوات تسعري‪ ،‬أي أدوات قياس قمي الش ياء‪ .‬ولو تأملنا‬
‫يف قمية الامثان اليت اختذها البرش‪ ،‬لوجدان أن قمية المثن ذلاته‪ ،‬وان‬
‫اكنت معتربة‪ ،‬الا اهنا مل تكن ُمرحجا لالختيار‪ .‬فاذلهب و الفضة‬
‫والنحاس مثال‪ُ ،‬اختذوا امثاان قدميا‪ ،‬بيامن مل تتخذ اجلواهر والللئ امثاان‪،‬‬

‫‪298‬‬
‫رمغ اهنا أغىل وأنفس وأعظم يف قميهتا ذلاهتا من قمية اذلهب والفضة‪،‬‬
‫وذكل لهنا غري متجانسة‪ ،‬ومتفاوتة تفاوات شديدا وغري قابةل للقسمة‪.‬‬
‫وبسبب الندرة فف البداية اختذت البنوك املركزية النحاس‪ ،‬كعمةل‬
‫احتياط مث اختذت الفضة كعمةل احتياط مث أختذ اذلهب‪.‬‬
‫فالندرة الزم من لوازم القمية‪ ،‬ولكن القمية ليست بالزم للندرة‪ .‬فقد‬
‫يكون هناك حرشة اندرة وال قمية لها‪ .‬والهواء ال قمية هل رمغ أنه أحوج‬
‫حاجة ل إالنسان‪ ،‬لنه عدمي الندرة‪.‬‬
‫فالقمية اإذا من الندرة‪ .‬ذلا‪ ،‬جند أن من صفات المثن اذلي يتناقلها‬
‫الفالسفة والاقتصاديون اىل اليوم‪ ،‬كون اليشء ‪-‬املُتخذ معةل‪ -‬اندرا‪،‬‬
‫ليكون هل قمية‪ .‬ولهذا يعرتض الكثري عىل نظام العمالت اليوم‪ ،‬ويتباىك‬
‫بعضهم عىل اذلهب بيامن ينادي اخرون ابلتفكري بمثن اخر غري نقود‬
‫اليوم‪ ،‬اليت يه عدم يف احلقيقة‪ ،‬ويس تطيع البنك املركزي طبع مكية ال‬
‫حمدودة منه‪ .1‬ومك كتب فالسفة اقتصاد‪ ،‬من مطوالت يف هذا‪ ،‬ومهنم‬
‫قرين س بان‪ ،‬أايم ش بابه‪ ،‬قبل أن يصبح أشهر واطول من رأس‬
‫الفدرايل الاحتياط المرييك‪ .‬وقد ظلت الفكرة تراوح يف رأسه‪ ،‬اىل‬
‫ان ختىل عهنا متاما يف اخر أايم رئاس ته‪.‬‬
‫وخاصية الندرة للمثن ال تكون مطلقة‪ ،‬فشدة الندرة متنع الاس تخدام‬
‫العام‪ .‬ولهذا اكنت الفضة والنحاس هام من اختذها البنوك املركزية‬
‫الاوربية كعمةل احتياط‪ ،‬ملدة أطول بكثري من اختاذهام اذلهب كعمةل‬
‫احتياط‪ .‬هذا رمغ ان اذلهب‪ ،‬هو أغىل مهنام قمية وأكرث حتمال‪ ،‬ولكنه‬

‫‪ ( 1‬وهذا لكه ابلطبع خطأ وغري حصيح‪ ،‬بل اإن نظام العمالت اليوم هو افضل ما مر عىل االإنسانية‪ ،‬وس يأيت بيان هذا)‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫اكن أكرث ندرة مهنام‪ ،‬بشلك جاوز حد الندرة املعقول ليغط حاجة‬
‫السوق‪ .‬ذلا‪ ،‬مل تتخذ البنوك املركزية اذلهب كعمةل احتياط دولية الا‬
‫من بعد أن اكتشفت أوراب العامل اجلديد –المريكتني‪ ،-‬وتدفق اذلهب‬
‫من الرض البكر عىل أورواب‪ ،‬وكرث‪ ،‬فعندها جهرت البنوك املركزية‬
‫الفضة والنحاس‪ ،‬واختذت اذلهب بديال عهنام كعمةل احتياط‪.‬‬
‫ومث عاد اذلهب اندرا مع خروج الاةل‪ ،‬اليت قضت عىل حش الندرة يف‬
‫املنتوجات‪ ،‬فقد أصبحت السواق تنتج مبعدل خضم‪ ،‬فزاد االإنتاج‬
‫وتعاظمت مكياته امام مكية اذلهب‪ ،‬فمل يس تطع اذلهب أن يُاميش‬
‫مكيات الانتاج‪ ،‬فعجز عن القيام بواجبه المثين اذلي اضيف عليه‪ ،‬مما‬
‫أدى خلروج معالتنا اليوم‪ .‬فهو تطور حاجة‪ ،‬توهجت لها السواق دون‬
‫حىت ان تدرك أس باب السنن الكونية اليت ابعدهتا عن اذلهب‪.‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬قمية المثن السلع جيب ان تكون أغىل من قميته يف‬
‫ذاته‬
‫وقمية المثن اإذا اكن سلعة‪ ،‬جيب ان تكون أغىل من قميته يف ذاته والا‬
‫لتعطل المثن‪ .‬كام حدث يف ادلوالرات اذلهبية اليت اكنت يف القرن‬
‫املايض‪ .‬فالناس قد أمسكت عن التبادل هبام لصعود قمية اذلهب‪،‬‬
‫فأصبحت قمية اذلهب املسكوك به ادلوالر اعىل من قمية البضائع أو‬
‫السلع املُقمية ابدلوالر‪ .‬واعتقد ان شيئا شبهيا هبذا قد حصل يف‬
‫السعودية‪ ،‬عندما أصبحت الفضة اليت سكت هبا رايالت الفضة‪،‬‬
‫تساوي قمية أعىل من القمية الرشائية للرايل‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬تذبذب المثان السلعية‬
‫وقدميا اكنت تُتخذ السلع امثاان‪ ،‬فهذا جيعل قمية العمةل أكرث تذبذاب‪،1‬‬
‫الإضافة قميتني عىل قمية المثن‪ .‬فقمية السلعة يؤثر فهيا مؤثران‪ ،‬هام‬
‫الطلب والعرض‪ .‬والطلب حيمكه هوى الناس وميوهلم وافاكرمه يف‬
‫السلعة‪ ،‬ومدى احلاجة الهيا‪ .‬وأما العرض فتحمكه لكفة انتاج السلعة‪.‬‬
‫ذلا فالطلب عىل المثن كسلعة يعطيه قمية‪ ،‬فزتيد قمية المثن السلع مع‬
‫زايدة الطلب عىل السلعة كمثن‪ ،‬وتنقص بنقص الطلب علهيا‪ .‬وعرض‬
‫السلعة المثنية‪ ،‬يعطيه قمية اإضافية‪ ،‬فزتيد قمية السلعة مع زايدة العرض‬
‫وتنقص بنقص العرض‪ .‬فهااتن قميتان‪ ،‬خارجتان عن قمية المثن ذلاته‪.‬‬
‫ويأيت الطلب عىل المثنية اليت ُا ِّحلقت ابلسلعة‪ ،‬فتضيف هل قمية أخرى‬
‫هل‪.‬‬
‫اإذا فقد اكن يف المثن السلع ثالث قمي تتنازع أحياان‪ ،‬فتخفض قميته‬
‫الهنائية‪ ،‬او تتفق فرتفع قميته الهنائية‪ .‬وهذا سبب عدم ثبات قمي‬
‫الامثان‪ ،‬قدميا‪.‬‬
‫ول إاليضاح‪ :‬السابقون مل ينتهبوا لهذا‪ ،‬مما خلق اإشاكليات عندمه‪.‬‬
‫فالفلس اكن ي ُسك من حناس وحديد‪ ،‬واكن ي ُشرتى به ما قميته أغىل‬
‫من احلديد ومن النحاس املسكوك الفلس منه‪ .‬فرتامه يقولون‪ :‬اإن قمية‬
‫الفلس كمثن ليست انبعة من معدنه ولكن من كونه مثنا‪ .‬وهذا قول غري‬
‫دقيق‪ .‬بل ان قمية الفلس أو ادلينار (وهو من ذهب) أو ادلرمه (وهو‬
‫من فضة)‪ ،‬يه حاصل مجع قميتان‪ .‬قمية طلب احلاجة ملعدنه (أي قميته‬

‫‪ 1‬وهذا أمر معروف عند من اته وضاع يف خضم فقه البيوع‪ .‬ومن شواهده قوهل عليه السالم‪« ،‬ال بأس أن تؤخذ بسعر يوهما ما مل يفرتقا وبيهنام يشء ”‬

‫‪301‬‬
‫السلعية) وقمية الطلب عىل مثنيته‪ .‬أضف اىل ذكل‪ ،‬أن العرض يدخل‬
‫يف املعادةل‪ .‬فنقصان العرض او زايدته يرفع قمية اذلهب والفضة‬
‫والفلوس القدمية‪ ،‬وخيفضها‪ .‬وهذا حيدث كثريا‪ ،‬فقد ينقص العرض‬
‫بتأخر القوافل وابحلروب والرسقة‪ .‬وقد يزداد العرض ابلفتوحات او‬
‫الاكتشافات‪ .‬كام حدث لربيطانيا بعد تدفق اذلهب المرييك لها‪،‬‬
‫فارخصه حىت تضاعفت السعار عرشة اضعاف‪.‬‬
‫والفضة يف القرن الثامن عرش‪ ،‬اهنارت أسعارها (بأسعار اليوم) من‬
‫‪ ٧٠٠‬دوالر اىل ‪ ٥‬دوالرات‪ ،‬عندما ختلت عهنا البنوك املركزية كغطاء‬
‫لعمالهتا‪ .‬فامخلسة دوالرات يه قمية الفضة كسلعة‪ ،‬والبايق اإمنا اكن قميهتا‬
‫كعمةل‪.‬‬
‫وأسوق يف هذا الباب‪ ،‬مثاال معارصا‪ ،‬ليتأكد فهم قويل يف قمية السلعة‬
‫وتفريقها عن قمية المثن‪ .‬فارتفاع أسعار البرتول يف عام ‪٢٠٠٨‬م اإىل‬
‫‪ ١٤٠‬دوالر للربميل‪ ،‬مل يكن سببه ازدايد الطلب عليه الس تخدامه يف‬
‫االإنتاج‪ ،‬بل للمضاربة فيه والس تخدامه كداة حلفظ الرثوة بسبب‬
‫التضخم واخنفاض قوة رشاء العمالت‪ .‬فالبرتول سلعة لها قمية يف ذاهتا‬
‫مطلوبة لالس تخدام‪ ،‬ولكن أضيف لهذا الطلب السلع ‪ ،‬طلب‬
‫حتوط ضد التضخم‪ ،‬مع طلب استامثري‪ ،‬فارتفعت الاسعار‪ .‬ذلا ملا‬
‫عاد مثن النفط اإىل قميته ذلاته‪ ،‬اهنارت السعار‪ .‬اكهنيار اسعار الفضة‬
‫عندما ختلت عهنا البنوك املركزية‪ ،‬مع فارق املدة اليت احتيج لها‬
‫لالهنيار‪.‬‬
‫فالنقود احلديثة‪ ،‬وادلينار وادلرمه والشعري والقمح وامللح‪ ،‬والفلوس‬
‫القدمية‪ ،‬قد يكون لها لكفة تصنيع‪ ،‬اكلورق املطبوع يف النقد احلديث‪.‬‬
‫‪302‬‬
‫وإان اكنت معدان‪ ،‬فكقمية املعدن اذلي ُسك هبا اكذلهب والفضة أو‬
‫اكحلديد أو النحاس اليت ُسك هبا‪ .‬وإان اكنت قوات فكقمية القوت‬
‫املس تخدم‪ .‬ولكن المثن دامئا وابدا ال بد أن ميثل قمية أعىل من الورق‬
‫املطبوع به أو املعدن املسكوك منه اكلفلوس القدمية‪ .‬هذه الزايدة يف‬
‫القمية يه قمية المثن طاملا مل هيُ جر من التعامل‪ .‬فاإن جهر المثن من‬
‫التعامل‪ ،‬فسزتول عنه قمية المثنية اليت خالطته‪ ،‬حىت ال تساوي قميهتا‬
‫شيئا اكلنقد احلديث (لنه عدم يف ذاته)‪ .‬وإان مل يكن عدما‪ ،‬فس تزنل‬
‫قميته لقمية حاجة الناس هل الس تخدامه ذلاته‪ ،‬كفلوس من حناس‪ ،‬زالت‬
‫عهنا مثنيهتا فصارت قميهتا بقمية النحاس املسكوكة منه‪.‬‬
‫وعودة لعدم اعتبار القمية يف المثن‪ ،‬فاإنه لو قاران اذلهب واجلواهر‪،‬‬
‫فاجلواهر أغىل وأنفس وقميهتا ذلاهتا ولكهنا مل تُتخذ مثنا لهنا غري متجانسة‬
‫ومتفاوتة تفاوات شديدا وغري قابةل للقسمة‪ .‬بيامن اذلهب معدن أصفر‬
‫اكلنحاس‪ .‬ولكن اذلهب أندر منه وأكرث حتمال وأكرث ندرة فصار مثنا‬
‫وأصبح هل قمية أعىل من اذلهب ذاته‪ ،‬من أجل اس تخدام مثنيته‪ ،‬ال‬
‫ذلاته كام تس تخدم اجلواهر والنحاس‪ .‬وعندما يدرك الناس هذا متاما‪،‬‬
‫س يفقد اذلهب قميته من انرصاف الطلب عنه‪ ،‬بزوال ومه انه مثن‪ ،‬كام‬
‫انرصفوا عن الفضة‪ .‬وقد احتاج الناس قران من الزمان لينرصفوا عن‬
‫الفضة‪ ،‬فلعل اذلهب اليوم يس تغرق فرتة اقل‪ ،‬بسبب انتشار املعرفة‬
‫واالتصاالت‪.‬‬
‫وهنا ندرك أن من امه ما غاب عن الفالسفة والاقتصاديني والفقهاء يف‬
‫صفات المثن‪ ،‬هو كونه ال تُس هتل ذاته‪ .‬فالطلب للسلعة امنا هو‬
‫الس هتالك ذاهتا او اس هتالكها ابس تخداهما‪ .‬و خاصية عدم اس هتالك‬
‫‪303‬‬
‫المثن ذلاته‪ ،‬يه يف الواقع‪ ،‬اقوى وامه صفات المثن اذلاتية‪ .‬أما امه‬
‫صفات المثن التطبيقية‪ ،‬القابلية الاحتاكرية وعدهما‪ .‬ويف الك الصفتني‬
‫تناقض امثان اليوم ‪-‬ويه العمالت‪ -‬مع الامثان السابقة‪ .‬فمثن اليوم‪،‬‬
‫وهو النقد ال ميكن اس هتالك ذاته‪ ،‬اكلشعري واكذلهب‪ .‬كام اإن مثن اليوم‬
‫ال ميكن احتاكره‪ ،‬خبالف الامثان السابقة‪ ،‬اليت تدعوا نفسها‬
‫لالحتاكرية‪ ،‬وهذا يقودان للفصل القادم‪:‬‬
‫الباب السادس‪ :‬اس هتالك السلعة املتخذة مثنا يضعف مثنيهتا‬
‫من امه الصفات وأشدها سببا الختاذ اليش مثنا‪ ،‬قةل احلاجة الس تخدامه‬
‫كسلعة‪ ،‬مما يؤدي الس هتالك أصهل‪ .‬وهذه خاصية ال اعمل اهنا ُذكرت من‬
‫قبل‪ .‬فالقمح اس تخدم مثنا عند الرومان‪ .‬واس تخدم غريمه الشعري وامللح‬
‫والهبارات وغريها‪ .‬وهذه امثان يُس هتل أصلها‪ ،‬فغالبا تكون قميهتا‬
‫كسلعة‪ ،‬موازية ومساوية لقميهتا كمثن‪ .‬ولهذا مل تدوم طويال‪ .‬واملعادن من‬
‫حديد وحناس وفضة وذهب‪ ،‬اس تخدمت كذكل امثاان‪ .‬فلكام اكن‬
‫اس هتالك الانسان ذلات المثن اقل‪ ،‬لكام ُصد المثن مدة أطول من‬
‫غريه‪ .‬ولهذا غلب النحاس احلديد وغلبت الفضة النحاس مث غلب‬
‫اذلهب املعادن لعدم احلاجة اليه يف الصناعات الرضورية الا قليال‪.‬‬
‫وجاء نظام العمالت النقدية احلديث فغلب اذلهب والامثان لكها يف‬
‫مجيع صفات المثن‪ ،‬ومهنا اس تحاةل اس هتالك أصهل‪.‬‬
‫وظهور نظام العمالت اليوم القامئ عىل التعومي‪ ،‬اإمنا ظهر عن حاجة‬
‫الس يوةل‪ ،‬فتوهجت هل السواق دون فابتكرت نظاما نقداي‪ ،‬النقد فيه‪،‬‬
‫جمرد وس يةل قياس عدمية‪ ،‬فال قمية هل مطلقا يف ذاته‪ ،‬وال يتأثر بعرض‬

‫‪304‬‬
‫وال طلب ذلاته‪ .‬فهنا س يطر الانسان أخريا عىل النقود‪ ،‬فتحمك‬
‫ابلعرض عن طريق البنك املركزي‪ .‬فقاد العرض الطلب‪ ،‬فعزل أي‬
‫مؤثر خاريج‪ ،‬عن تبادالت السوق وجتارهتم‪ .‬وقطع سببا من أس باب‬
‫احلروب والفنت بني ادلول‪ ،‬بقطع أس باب الغزو‪ ،‬فنقد اليوم ال قمية هل‬
‫الا بطلب عىل انتاج ما ينتجه مالكها‪.‬‬
‫فبنقود اليوم‪ ،‬حترر الانسان من ارس سلع المثن‪ ،‬وحتول الانسان‬
‫س يدا عىل النقد بعد ان اكن عبدا هل‪ .‬وهذا تطور هائل ال يدرك‬
‫عظمة القوة فيه‪ ،‬الا من متكن من عمل الاقتصاد النقدي‪ ،‬وخاض حبثا‬
‫ودراسة القتصادايت ادلول واجملمتعات من قدمي الزمان‪ ،‬وتتبع تطورها‬
‫وماس هيا وأخطاءها اىل اليوم‪.‬‬
‫الباب السابع‪ :‬أس باب اس تحاةل احتاكر النقد اليوم‬
‫فالسبب الول سبب تقين وهو أن نقود الناس يه أرقام عند البنوك‪،‬‬
‫والبنوك يه اليت تقرر ما تفعل هبا ال املودعني‪.‬‬
‫والسبب الثاين تقين كذكل ذكل‪ :‬لن البنك املركزي هو اذلي يراقب‬
‫الس يوةل يف اجملمتع فلكام نقصت الس يوةل خض (طبع) من النقد عىل قدر‬
‫احلاجة ولو ضاعف املوجود (كام فعل الفدرايل المرييك يف‪-٢٠٠٨‬‬
‫‪٢٠١٥‬م‪ ،‬فقد ضاعف بثالثة أضعاف‪ ،‬مكية ادلوالرات املوجودة اليت‬
‫تراكامت خالل عقود زمنية)‪.‬‬
‫فالبنوك فقط يه اليت ميكهنا أن حتتكر النقود احلديثة‪ ،‬اإذا اكنت ال‬
‫تدفع فوائد عىل ودائع الناس أو عىل قروضها من البنك املركزي كام يه‬
‫احلال يف السعودية أو احلال يف أمرياك زمن الزمة املالية ‪ .‬فباخنفاض‬

‫‪305‬‬
‫الفائدة اإىل قرب الصفر‪ ،‬احتكرت البنوك المريكية املليارات يف‬
‫احتياطاهتا دون أن حتتاج لمتويل اجملمتع وذكل لعدم وجود اللكفة علهيا‬
‫يف حفظها‪.‬‬
‫وأما السبب الثالث اذلي مينع احتاكر النقد احلديث‪ ،‬فهو سبب‬
‫استامثري‪ .‬فالتضخم النقدي احلاصل بسبب زايدة خض العمالت س نواي‬
‫مما جيعل نقود اليوم ليست مس تودعا للرثوة كام هو احلال يف اذلهب‬
‫والفضة‪.‬‬
‫مسأةل‪ :‬كون العمةل مثنا يف بدل وليست مثنا يف بدل أخر‬
‫العمالت اليوم مهنا ما هو عامل ومهنا ما هو حميل‪ .‬وكون العمةل عاملية‬
‫اكدلوالر أو الني الياابين أو اليورو ال يلزم من ذكل ان تكون مثنا يف‬
‫بدل أجنيب‪ .‬فالني الياابين مثال ال يُقبل يف أمرياك كمثن للخزب من اخلباز‪.‬‬
‫فيصبح وضع الني الياابين يف السوق المريكية‪ ،‬كوضع السلع القياس ية‬
‫الخرى ‪ ،‬كذهب والبرتول‪ .‬وأقصد هبذا‪ ،‬أنه لو أراد أمرييك قبول الني‬
‫كمثن لسلعة يف أمرياك فهو سينظر يف قميته أمام ادلوالر‪ ،‬اإذا فالمثن‬
‫مازال هو ادلوالر الن التسعري يمت به‪ .‬كام لو عُرض عىل البائع ذهبا أو‬
‫فضة أو براميل برتول مقابل سلعة تقوم ابدلوالر يف أمرياك‪ .‬وهذا من‬
‫ابب أوىل يف العمالت الغري ادلولية‪ ،‬كن يقدم الرايل السعودي مقابل‬
‫سلعة يف أمرياك‪.‬‬
‫فاملسأةل يه‪ :‬هل تنزتع صفة المثنية عن الرايل السعودي والني الياابين‬
‫يف أمرياك؟ وما يه متعلقات ذكل؟‬

‫‪306‬‬
‫اإن قلنا أن العمالت خارج بالدها فقدت المثنية‪ ،‬فهذا غري حصيح‪ ،‬لنه‬
‫يعين أهنا مل تعد شيئا عىل االإطالق‪ ،‬أي أصبحت عدما‪ .‬فالعمالت‬
‫امثان جوهرا وخلقة‪ ،‬اإذا زالت عهنا المثنية صارت عدما‪ ،‬فهي أرقام يف‬
‫احلواسب‪ .‬وإان قلنا بأهنا مازالت أمثاان‪ ،‬فغري حصيح كذكل‪ .‬فهي ال‬
‫تقبل يف التسعري‪ ،‬وال كوس يط للتبادل وال للتسعري يف خارج بالدها‪.‬‬
‫فالصحيح أن العمالت تتحول اإىل صورة س ندية خارج بالدها فهي‬
‫تقمي أو تمثلن غريها‪ .‬اللهم أهنا تصبح نوع من الس ندات‬
‫تُقمي وتُمثَن‪ ،‬وال ل‬
‫واليت تصنفها بعض البنوك املركزية‪ ،‬بش به النقد وتضمها لعرض النقود‬
‫الثالث‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫املوضوع الرابع‪ :‬يف فلسفة المتويل والاستامثر‬
‫متهيد‪ :‬المتويل استامثر للزمن والاستامثر استامثر يف الزمن‬
‫المتويل عمل يقوم عىل استامثر الزمن نفسه‪ .‬والاستامثر يقوم عىل‬
‫الاستامثر من خالل الزمن‪ .‬ذلا‪ ،‬فأي أداة قياس ال حتسب قمية الزمن‪،‬‬
‫فال تصلح أن تكون أداة حلساب المتويالت أو الاستامثرات‪ .‬ومن هنا‬
‫أصبح معدل العائد ادلاخيل ‪ IRR‬أداة قياس ية يدور حولها عمل المتويل‪.‬‬
‫( ‪P0+( P1 / (1 IRR))+( (P2 / (1 IRR) 2 )+(P3 / (1 IRR) 3.)+ .+ . Pn / (1 IRR) n = 0‬‬
‫حيث ‪ . . . Pn،P1 ،P0‬يساوي التدفقات النقدية يف الفرتات ‪ . . .، 2 ، 1‬ن ‪ ،‬عىل التوايل ؛ و‬
‫‪ IRR‬يساوي معدل العائد ادلاخيل للمرشوع‪ .‬أو الفائدة أو معدل اخلصم أو …‪..‬اخل)‬
‫من فهمها فهام معيقا‪ ،‬متكن من المتويل وهندس ته‪ ،‬وقليل من يفهمها من‬
‫حق فهمها‪ .‬فالفائدة البنكية يه نفسها معدل العائد ادلاخيل‪ ،‬ولكفة‬
‫المتويل كذكل‪ ،‬والعائد عىل املرشوع‪ ،‬ولك ما فيه زمن‪.‬‬
‫والقاعدة اذلي يقوم علهيا معدل العائد ادلاخيل عند اس تخدامه يف‬
‫المتويالت يه‪ :‬أن العائد ُحيسب عىل ما قدمته ملرشوع وحنوه‪ ،‬نس بة‬
‫للتدفقات الاستامثرية املقمية بقميهتا الزمنية‪ .‬وأن الفائدة دامئا ُحتسب عىل‬
‫ما تبقى يف اذلمة من رأس املال اذلي متولته من البنك (رأس املال‬
‫املمتول ال تدخل أرابح الفوائد فيه)‪.‬‬
‫ومن أسهل الطرق لتصور ادلين هو تصوره كتصور االإجارة‪ .‬مفثال لو‬
‫متولت مليون رايل تسددها عىل مدى عرش س نني‪ ،‬بفائدة ‪،٪٥‬‬
‫فتصوره وكنه عامرة ذات عرش أدوار قميهتا مليون رايل‪ ،‬وقد‬
‫اس تأجرهتا ملدة عرش س نوات‪ .‬فاإجيار العامرة اكمةل ‪ ٥٠‬الفا للس نة‬
‫الواحدة‪ ،‬أي ُخسة الاف لدلور الواحد س نواي‪ .‬فاإن اكن المتويل‬

‫‪308‬‬
‫اكلس ندات وحنوها مما ال تدفع اإال الفائدة فيه‪ ،‬فالمر واحض‪ ،‬فانت تدفع‬
‫االإجيار أي الفائدة ‪ ٥٠‬ألف لك س نة مث تعيد العامرة (أي املليون‬
‫رايل) يف هناية الس نة العارشة‪ ،‬فيصري مجموع الفوائد (االإجيار) يف عرش‬
‫س نوات ‪ ٥٠٠‬الف رايل‪.‬‬
‫و اإن اكن سداد المتويل بطريقة أن دفعات السداد تس هتل أصل‬
‫المتويل‪ ،‬فس تجد أن مجموع الفوائد س يكون ‪ ٢٩٥‬ألف رايل‪ .‬بيامن‬
‫س تجد أيضا‪ ،‬أن مجموع قمية الفوائد ‪ ٢٧٥‬الف اإذا اكن السداد بثبات‬
‫اس هتالك الصل‪ ،‬كبطاقات االئامتن‪ .‬فدفعة السداد يف الطريقتني‬
‫الخريتني‪ ،‬تتضمن الرابح وقسطا من أصل املبلغ املُمتول‪ .‬فكنك‬
‫اس تأجرت عامرة ترد دورا مهنا لك عام‪ .‬فأصل المتويل اذلي يف اذلمة‬
‫يتناقص يف هذه الطريقتني‪ .‬ذلا يسمونه خطأ ابلفائدة املتناقصة‪ ،‬ويه‬
‫ليست متناقصة بل اثبتة مبعدل‪ ٪٥‬عىل ما تبقى يف اذلمة من رأس‬
‫املال‪ ،‬همام اختلفت طريقة المتويل أو مدته أو قميته‪ ،‬فهي ُحتسب عىل‬
‫ما يف ذمتك من رأس املال‪.‬‬
‫ومن أمه ما جيب فهمه يف معىن معدل العائد ادلاخيل‪ ،‬أنه ال يقترص‬
‫عىل حساب الرابح فقط‪ ،‬فهو مقياس زمن‪ ،‬والزمن يدخل فيه‬
‫الفرص البديةل املتوقعة والغري متوقعة ويدخل فيه التضخم واخملاطرات‪.‬‬
‫فعقار جوار البيت العتيق‪ ،‬قد تكون تدفقاته النقدية من الاجيار قريبة‬
‫من الصفر لكنه قد يكون أفضل استامثر من مرشوع فيه خماطرة أو ال‬
‫يمنو فيه أصهل‪.‬‬
‫وزبدة القول يف معدل العائد ادلاخيل‪ :‬اإن اختياره كعامل ختفيض هو‬
‫فن حيتاج لعمل نظري‪ ،‬مع خربة استامثرية مع خربة يف الصناعة املُموةل‪.‬‬
‫‪309‬‬
‫مفثال‪ :‬اإن اكن املرشوع يف تنقيب احلديد‪ ،‬فال بد ان يكون اخلبري يف‬
‫التنقيب حارضا يف جلسات حتديد معدل العائد ادلاخيل املطلوب‪،‬‬
‫لالستامثر يف مرشوع التنقيب املعروض‪.‬‬
‫الفصل الول‪ :‬قمية الزمن‬
‫الزمن اإذا داخل املعامةل التبادلية جعلها دينا‪ .‬فالزمن اإذا‪ ،‬هو السبب‬
‫سبب لدلين‪ .‬وللزمن قمية يف ذاته عند الانسان يف نفسه غالبا‪ ،‬ويف‬ ‫امل ُ ُ‬
‫ماهل دامئا‪.1‬‬
‫سبب لتكرار منفعة مال بعينه‪ ،‬فزمن السلعة أو‬ ‫ومبا أن الزمن هو ر‬
‫النقد اإذا‪ ،‬هل قمية وهل مثن يف ذاته‪ .‬فانقطاع الزمن ‪-‬ابإعطائه للغري‪-‬انقطاع‬
‫للمنفعة‪.‬‬
‫ابب‪ :‬تقيمي قمية الزمن‬
‫وتُقمي قمية زمن املال‪ ،‬مبقدرة املال عىل الانتاجية بذاته أو بغريه‪ .‬متاما‪،‬‬
‫كام تُقمي حياة االإنسان ابجنازاته مضن ظروفه احمليطة به‪ .‬وذكري لعبارة‬
‫“ ظروفه احمليطة به ” يقودان اإىل أن هناك متعلقات تتعلق بقمية‬
‫الزمن‪ ،‬فزتيد من قمية الزمن أو ختفضها‪ .‬فاخملاطرة يف حدوث املتغريات‬
‫اليت قد يأيت هبا طول الزمن‪ ،‬يه متعلقات الزمن‪.‬‬
‫فعىل هذا فللزمن قميتان‪ ،‬قمية يف ذاته وقمية يف متعلقاته‪.‬‬

‫‪ 1‬فللزمن قمية يف االإنسان ذاته‪ ،‬ان اكن عاقال‪ .‬وأما كون حمتية وجود قمية للزمن يف ذاته يف الموال دامئا‪ ،‬غري مقيدة برشط عقل‪ ،‬فلن النفع والاس تفادة املتكررة للامل‬
‫رشط الزم لكون الش ئي ماال‪ ،‬سلعة اكن أم نقدا‪ .‬وعدم الرشط عدم للمرشوط‪ ،‬فال يُعد ماال ما ال يُنتفع منه‪ ،‬معنواي او حس يا‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫فمتويالت البنوك مثال‪ ،‬سواء أاكنت نقدا أو ابلسلع‪ ،1‬يه جتارة‬
‫ابلزمن‪ .‬تشرتي ديوان قصرية الجل وتبيعها أغىل‪ ،‬ديوان طويةل الاجل‪.‬‬
‫وما النقد أو السلع اإال وعاء التجارة ابلزمن‪.‬‬
‫ابب‪ :‬صناعة املعلومات‬
‫معل البنوك يف العامل قامئ عىل صناعة املعلومات وعىل التحليل املتطور‬
‫للمخاطر واملشاريع لن مفهوم المتويل يعمتد عىل مشاركة البنوك يف‬
‫خماطرة المتويالت من أجل حتفزيها لالجهتاد يف املشاريع التمنوية‬
‫الناحجة‪ .‬وأما معل البنوك يف ادلول املتخلفة‪ ،‬فهو بدايئ يعمتد غالبا عىل‬
‫معرفة السامء اليت يُظن أهنا تضمن أمواهلم‪ ،‬وعىل الرهون‪ ،‬ال عىل‬
‫اجلدوى من املشاريع وخماطرها ونفعها‪ .‬فثقافة المتويل عند اجملمتعات‬
‫املتخلفة ماليا‪ ،‬ثقافة منفعية حمضة ورحبية رشسة‪ ،‬يتحقق فهيا معىن‬
‫الربوية الظاملة اليت ال جتعل البنوك تشارك يف اخملاطرة‪ ،‬فال يتحقق‬
‫توجيه أموال املودعني لفضل الاستامثرات يف اجملمتع مما يضيع‬
‫الاس تغالل المثل للموارد يف اجملمتع‪.‬‬
‫مففهوم املشاركة يف اخملاطرة هو اذلي مينع البنوك يف العامل املتقدم من‬
‫متويل املس هتل ابرهتان راتبه‪ ،‬بل تدفع البنك دلراسة حالته‪ ،‬مما مينعها‬
‫من اس تغالهل قبل القرض وبعده خوفا من جعزه عن السداد‪ .‬وأما بنوك‬
‫اجملمتعات الغري متقدمة فرتاها تتسابق عىل اإقراض الضعيف واحملتاج مث‬
‫يقومون ابإغوائه ابخملاطرة بقرضه‪ .‬فارهتان راتبه أقىص هجودمه‪ ،‬مث أنظمة‬
‫القضاء تنجز البايق هلم‪ .‬وبعد ذكل تفخر بنوك هذه اجملمتعات املتأخرة‪،‬‬

‫‪( 1‬كام تزمع الصريفة االإسالمية)‬

‫‪311‬‬
‫بأن معدل تعرث الفراد هو القل عامليا والبنوك يف العامل املتقدم‪ ،‬تبني‬
‫أسعار الفائدة وتسوق هبا‪ ،‬وعند البنوك من دوهنم‪ ،‬يُدلس هبا ويُغش‬
‫حىت اختلط المر عىل كبار املستمثرين فكيف بغريمه‪.‬‬
‫وعقود المتويالت يف البنوك العاملية املتقدمة عقود واحضة شارحة‪،‬‬
‫وعقود غريمه بدائية كبدائية عقود أهل اجلُفرة ابلمس‪ ،‬ولكهنا اليوم‬
‫مليئة ابلغنب والفخاخ البنكية‪ ،‬وال ختلوا من التناقضات ومن جعل‬
‫املواطن مقرتض ومس تأجر وشاري وابئع وراهن ومديون يف أن‬
‫واحد‪ ،‬ومث جتعل من البنك احملسن الواهب املتربع صاحب اخليار‬
‫املطلق‪.‬‬
‫ابب‪ :‬المتويالت الجنبية‬
‫هناك فرق اقتصادي بني القرض وبني المتويل ما زال غامضا عىل‬
‫الكثري‪ ،‬وخاصة يف العامل االإساليم وأحصاب الفكر الاشرتايك ‪.‬فاذلي‬
‫جيب أن يُفهم جيدا‪ ،‬أن القرض املذموم اقتصاداي هو القرض‬
‫الاس هتاليك‪ ،‬واذلي ال يعود عىل صاحبه بعوائد مضاعفة‪ ،‬فهذا هو‬
‫القرض اذلي حيمل معىن رق ادلين وعبودية القرض‪ .‬وأما المتويل‬
‫احملمود فهو الاس تدانة النقدية لتحقيق عوائد مضاعفة عىل املس تدين‬
‫أو املمتول‪.‬‬
‫وحنن نس تطيع أن نرى أمامنا سواء يف ادلول أو الشخاص‪ ،‬شواهد‬
‫كثرية عىل حال القرض وشواهد عىل حال المتويل‪.‬‬
‫جفميع ادلول املتقدمة‪ ،‬اإمنا هنضت ابلمتويالت الجنبية‪ .‬ومجيع ادلول‬
‫املتخلفة الفقرية‪ ،‬اإمنا قعدت متخلفة ابلقروض الجنبية‪ .‬وبناء عىل ما‬

‫‪312‬‬
‫س بق؛ فاإنه بعكس ما اش هتر يف الوساط الاقتصادية العربية‬
‫والاسالمية‪ ،‬فاإن حصولنا عىل متويل أجنيب الإنشاء مطار أو قطار أو‬
‫مبىن عندان يف السعودية هو اخلطر اذلي حيتوي معىن عبودية رق‬
‫ادلين وعبودية القرض‪ .‬وذكل خبالف ادلول اليت تمتول متويال أجنبيا‪،‬‬
‫ويقوم اقتصادها ابإنشاء املشاريع‪ ،‬أي بسواعد أبناهئا وبصناعاهتا‪.‬‬
‫فاالستامثر الجنيب لبدل غين ال خري فيه‪ ،‬ما مل ينقل اخلربات فيوظف‬
‫البناء يف اعامل حقيقية ال صورية‪ .‬فاستامثر أجنيب لبناء منشأة بأيد‬
‫رشكة أجنبية هو جمرد قرض مذموم‪ ،‬ال يُلجأ اإليه اإال بقدر احلاجة‪.‬‬
‫وحىت عند احلاجة‪ ،‬فالمتويالت الجنبية عند ا إالرضار جيب أال تكون‬
‫مبارشة‪ .‬وأقصد ابملبارشة‪ :‬أي خلوها من هندسة مالية تزيل الثر‬ ‫ِّ‬
‫السليب‪ ،‬لالقرتاض الجنيب‪ .‬والهندسة املالية حبر ال ساحل هل‪ ،‬وجيب‬
‫عىل من يتوالها أن خيرج من صندوق التقليد واالتباع؛ ليبحر يف أفق‬
‫االإبداع والاخرتاع‪.‬‬
‫وذلا؛ جيب التفريق يف االإحصائيات اليت تتعلق ابالستامثر الجنيب‪،‬‬
‫بني قرض أجنيب وبني استامثر أجنيب بناء عىل ما س بق‪.‬‬
‫فالقرض الجنيب قد حيل مشلكة أنية‪ ،‬ولكنه س ميص ضعف قميته من‬
‫الاحتياطيات الجنبية‪ ،‬خالل عقد من الزمن‪ .‬ومبا أن الاقتصاد‬
‫السعودي اقتصاد غري منتج‪ ،‬فاإن عوائد املشاريع فيه يه عوائد وقتية‬
‫اس هتالكية حمضة‪ ،‬ذلا فال ُحيمد القرض الجنيب‪ ،‬خبالف الاستامثر‬
‫الجنيب احملمود‪ ،‬فاالستامثر الجنيب كذكل فيه محمود ومذموم‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫ابب‪ :‬جتارة التأمني اإحدى مكوانت الفائدة المتويلية‬
‫مبا أن الزمن هو سبب ادلَّ ْين‪ ،‬فالنتيجة أن أرابح ديون البنوك تتبع قمية‬
‫الزمن وقمية متعلقاته‪ .‬وذلا‪ ،‬فالفائدة يف المتويالت مكون من جزئني‪:‬‬
‫الول‪ :‬فارق قمية الزمن ذاته بني ادلين القصري الجل‪ ،‬وادلين الطويل‬
‫الجل‪ .‬ويه قمية تعطيل الاس تفادة من املال بني الزمانني‪ ،‬واليت ُتقاس‬
‫مبنحىن العائد للس ندات‪ ،‬مثال‪.‬‬
‫والثاين هو قمية اخملاطرة‪ ،‬أي متعلقات الزمن من اخملاطرات‪ .‬ويه قمية‬
‫املتغريات اليت قد يأيت هبا طول الزمن‪ ،‬كفساد الرهن امل ُ َمول أو فساد‬
‫ائامتنية الشخص امل ُ َمول‪.‬‬
‫وهذا اجلزء الثاين من الرابح‪ ،‬هو مفهوم التأمني صورة وجوهرا‬
‫وحقيقة‪.‬‬
‫فالبنوك حتتسب خماطر خسارة املرشوع وافالس العميل عىل مجموعة‬
‫كبرية من املمتولني‪ ،‬فتأخذ من لك ُم َت َمول ما يساوي مقدار خماطرته‬
‫وخماطرة مرشوعه‪ ،‬دون ان تقع اخملاطرة حقيقة اإال عىل ممتولني قةل‪.‬‬
‫وهذه يه فلسفة التأمني الاقتصادية ونتيجته الرايضية‪ ،‬مؤداها تقليل‬
‫اخملاطرة بتجميع احامتليات وقوعها وتوجهيا ملن حتققت فيه اخملاطرة‪.‬‬
‫فعىل هذا‪ ،‬فعمل البنوك هو مج رع جيمع بني جتارة ادلَّ ْين وجتارة التأمني‬
‫يف معل واحد‪ ،‬وهو المتويل‪.‬‬
‫ابب ثقافة الشعوب جتاه ديون الطبقة الوسطى‬
‫ثقافة شعوبنا العربية اتهئة بني اترخي جمدها وبني اإناكر واقعها‪ ،‬اذلي‬
‫ساقها للتخبط بني حروب أيدولوجية عاملية‪ .‬فهي تراوح أسرية يف غفةل‬

‫‪314‬‬
‫التبعية للثقافة السائدة اليت تعم البرص وتقلب املنطق وختدر الفكر‪.‬‬
‫فقد ضاعت اس تقاللية عقول الشعوب العربية يف حرب الثقافات بني‬
‫الغرب والرشق‪.‬‬
‫فنظرية السوق الرأساملية ‪-‬اليت حتارهبا الشعوب العربية‪ -‬ثقاف ًيا وإاعالم ًيا‬
‫وتعلمي ًيا‪ ،‬تنص عىل أن السوق االإنسانية تعكس اختالف مواهب‬
‫الناس وقدراهتم‪ ،‬مع الاعرتاف والتعامل مع فطرة االإنسان اجملبوةل عىل‬
‫حب اخلري لنفسه وعىل الظمل‪.‬‬
‫مفثال يف برانمج توعوي‪ ،‬جاءت حلقة ‪ ،‬حتمل رساةل يف التحذير من‬
‫ادليون‪ ،‬فعرضت مقابالت كثرية مع المريكيني يف الشارع والسوق‪،‬‬
‫ومع أغنياهئم وفقراهئم‪ ،‬يسائلهم مقدم الربانمج‪ :‬هل يوجد رجل منمك أو‬
‫امرأة ليس عليه دين‪ .‬وابلطبع مل جيد‪ .‬فغالبا أن مجيع المرياكن ‪ ،‬الغين‬
‫والفقري‪ُ ،‬مس تدين بش ىت أنواع ادليون‪.‬‬
‫وبعد ذكل يسافر الربانمج للبالد العربية ليصور جسوهنا اليت امتلت‬
‫ابملفلسني اذلين جعزوا عن سداد ديوهنم (لريبط ذهن املشاهد دين‬
‫المرييك‪ ،‬خبامتة السجن)‪ .‬ومث خمت الربانمج مبشهد عاطف بسداد دين‬
‫مفلس عريب‪ ،‬لميسح هبذا املشهد العاطف ‪ ،‬أي تساؤل ينتج عن‬
‫خاطرة فكر قد متر عىل متفرج عريب مل يمت بعد ختدير عقهل ختديرا‬
‫أبداي‪.‬‬
‫وأقل درجة من املوضوعية العلمية تس تلزم من الربانمج أن يسأل‬
‫المرييك‪ :‬فمي اكن دينه؟ ويسأهل اإن اكن ميل مزنال أم ال‪ .‬وأن يسأل‬
‫المرياكن مل حتملوا ديوان دراس ية‪ .‬أن يسأهلم هل دلهيم استامثرات‬
‫طويةل الجل؟ واكن ينبغ عليه أن يواصل البحث والتجوال يف أمرياك‬
‫‪315‬‬
‫لزيور جسوهنا‪ ،‬فريى هل فهيا من جسني واحد يف دين؟ ومل زار‬
‫السجون العربية بدال عن المريكية؟‬
‫واكن من الجدى للربانمج منطقيا أن يكون السؤال هو‪ :‬فمي ترصف‬
‫راتبك أو دخل الشهري؟ فغالب الناس عرهبم وجعمهم يرصفون‬
‫دخوهلم الشهرية لكها‪.‬‬
‫فالمرييك ال يبقى من راتبه ش ئي النه يذهب أقساطا يف سداد ديون‬
‫استامثرات متنوعة‪ .‬فقسط لسداد مثن البيت‪ ،‬وقسط للس يارة وقسط‬
‫لصندوق التوفري‪ ،‬وقسط للربامج الرتفهيية والتربعية‪ .‬والعريب ال يبقى‬
‫من راتبه يشء كذكل‪ ،‬فقسط الإجيار املزنل واقساط أخرى‬
‫لالس هتالك‪.‬‬
‫ولو حاول الربانمج اس تخدام ابسط الساس يات العلمية‪ ،‬لصنف‬
‫املقابالت حسب أعامر الناس‪.‬‬
‫فلو فعل لوجد أن المرييك يش يخ وقد عظمت ملكيته واستامثراته‪،‬‬
‫فهو ينتقل من مزنل اإىل مزنل أكرب‪ ،‬ولوجده يمتتع ابالإجازات والرتفيه‪.‬‬
‫ولوجده ميتل أصوال مالية قد تضخمت عرب الس نني مبا استمثره من‬
‫ادلين اذلي اس تدانه ليسامه به يف صندوق التوفري‪ .‬فهو ضامن مايل هل‬
‫يف ش يخوخته يغنيه عن أوالده وعن الناس‪ ،‬أو عىل القل يرتك خريا‬
‫لورثته‪( ،‬وإان اكن هذا ليس من ثقافهتم ابمجلةل ملنع الاتاكلية والكسل)‪.‬‬
‫ولوجد الفرد العريب‪ ،‬يش يخ ومل ميل مزنال واحد بل قىض معره‬
‫مس تأجرا يف نفس مس توى مزنهل الول مراوحا يف س باق تضخم‬
‫االإجيارات‪ .‬ولوجده وقد شاخت به الس نون وقد تقارصت قدرته‬
‫الرشائية فال يس تطيع احلياة الا ابلكفاف‪ .‬ولوجد الفرد العريب ال ميل‬
‫‪316‬‬
‫ثروة يف صندوق التوفري الاستامثري‪ ،‬تضمن لش يخوخته ترفعا عن‬
‫فضل ومنة الغري‪ .‬ولوجد العريب ميوت ُمتحرسا أنه مل يرتك خريا لورثته‪.‬‬
‫فالمرييك والعريب الكهام ينفق راتبه‪ ،‬بل غالب الناس يف مجيع‬
‫اجملمتعات تفعل هذا‪ ،‬ولكن أحدهام يس متتع بش بابه وميتع أطفاهل وينفق‬
‫وهو يف نفس الوقت يستمثر مث ميوت غنيا‪ ،‬والخر يعيش كفافا وميوت‬
‫فقريا‪ .‬واحلديث عىل الغلب المع‪.‬‬
‫واكن جيب عىل الربانمج أن خيرب عن سبب زايرة السجون العربية‬
‫بدال من المريكية‪ .‬ف ُيخرب املشاهد أنه يف أمرياك‪ ،‬ال ي ُسجن مدين يف‬
‫دين‪ ،‬ما مل يقرتن بعلميات تزوير واحتيال واسعة‪ ،‬فالسجن عىل جرمية‬
‫الاحتيال والزتوير‪ ،‬ال عىل االإفالس وعدم سداد ادلين كام هو حال‬
‫السجون العربية‪.‬‬
‫فنظرية السوق الرأساملية املطورة‪ ،‬اليت حنارهبا ثقافيا واعالميا وتعلمييا‬
‫تنص عىل أن السوق االإنسانية تعكس اختالف مواهب الناس‬
‫وقدراهتم‪ ،‬مع الاعرتاف والتعامل مع فطرة الانسان اجملبوةل عىل حب‬
‫اخلري لنفسه وعىل الظمل‪.‬‬
‫فالسوق حتتوي عىل صاحب الرثوة‪ ،‬وعىل املستمثر واملس هتل‬
‫املرسف واملس هتل املقتصد‪ .‬مفهمة النظام البنيك يف السوق الرأساملية‬
‫يه‪ :‬توجيه ثروات املدخرين لفضل الاستامثرات املمكنة يف اجملمتع‪.‬‬
‫وهذه املهمة ال تتحقق اإال بأن يتحمل البنك خماطرة افالس املقرتض‪.‬‬
‫وذلا اكنت البنوك اول املتورطني يف أزمة الرهن العقاري‪ ،‬وليس‬
‫املالك‪ .‬ولهذا يكون يف حساب الشخص مئات اللوف وال يس تطيع‬
‫البنك التعدي علهيا ابحتجاز دوالر واحد بسبب قروض يف البطاقات‬
‫‪317‬‬
‫االإئامتنية‪ ،‬مل تُسدد‪ .‬ولهذا ال ي ُسجن عندمه أحدمه يف دين وال يتعدى‬
‫بنك عىل ملكية أحد يف دين‪ ،‬الا يف الرهن العقاري وفامي وقع ادلين‬
‫عليه‪ ،‬حلمكة واسعة ليس هذا حمل تفصيلها‪ .‬ولكهنا تقوم عىل التعامل‬
‫حبقيقة الفطرة الانسانية اليت ال متنعه عن الظمل الا خلوف أو جعز‪.‬‬
‫بيامن امتلت السجون العربية ابملفلسني ‪ ،‬لن معل البنوك العربية ال‬
‫يتعدى معل ادلالل اذلي يوصل بني ادلائن واملدين ويأخذ معولته‪ ،‬فال‬
‫هيمها ما س ُيرصف ادلين فيه‪.‬‬
‫فادلين المتوييل خري لكه‪ ،‬اإذا اكن حمكوما بنظام شامل قامئ عىل س نة‬
‫هللا يف خلقه للبرش وللسوق‪ .‬نظام حيم الغين والفقري مبا حيقق أفضل‬
‫الاس تغالل ملوارد اجملمتع‪ .‬والنظام المتوييل احلديث مكن الطبقة‬
‫الوسطى من الاس متتاع ابالإنفاق الاس هتاليك الرتفهيي كام مكهنم يف‬
‫نفس الوقت من المتل و التوفري الاستامثري‪ .‬بيامن يس تحيل يف‬
‫السوق العربية امجلع بني الانفاق والاستامثر‪ ،‬كام يصعب عىل الكثري‬
‫المتل والتوفري حىت ميل رأس املال الالزم لالستامثر يف ظل تضخم‬
‫جيعل مدخراته تراوح حملها‪ ،‬فهو أبد ادلهر أجري اكدح‪.‬‬
‫وهنا يُطرح السؤال المه‪ .‬هل تعمد الربانمج تضليل املشاهدين من‬
‫أجل كسب رضامه وابلتايل زايدة عدد املشاهدين؟ ال أعتقد ذكل أبدا‪.‬‬
‫بل يه غفةل التبعية للثقافة السائدة اليت تعم البرص وتقلب املنطق‬
‫وختدر الفكر‪ .‬فقد ضاعت اس تقاللية عقول الشعوب العربية يف حرب‬
‫الثقافات بني الغرب والرشق‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫مسأةل‪ :‬البيع عىل املكشوف‬
‫البيع عىل املكشوف هو أداة رشعية مالية تساعد عىل حفظ توازن‬
‫السوق‪ ،‬اإذا وضعت لها الضوابط املناس بة‪ .‬وما اكن لسوق السهم‬
‫السعودية مثال‪ ،‬أن تنتفخ فتصل اإىل عرشين ألف نقطة لو اكن البيع‬
‫عىل املكشوف متاحا فهيا أنذاك‪.‬‬
‫وعودة اإىل مثال سوق السهم السعودية؟ فف تل الفرتة مل يكن‬
‫متوفرا فهيا اإال التسهيالت ابلرشاء عىل الهامش‪ ،‬ويه أداة مالية تعمل‬
‫عىل انتفاخ السوق بال جلام وال خطام‪ .‬ومل يكن هناك أداة مقابةل لها‬
‫لتكبح جامهحا‪ ،‬اكلبيع عىل املكشوف‪ ،‬اذلي يعمل عىل زايدة مس توى‬
‫خماطرة الرشاء ابلهامش؛ وابلتايل حتد أو تقلل مهنا‪.‬‬
‫وللفهم فس منثل مبثال تصويري‪ :‬فلو افرتضنا أن أسهم “ سابك ” قد‬
‫ارتفعت فالمست ‪ ٢٠٠‬رايل سعودي‪ ،‬فسيشد هذا الارتفاع‬
‫السعري انتباه زيد‪ ،‬وهو املضارب العتيق يف سوق السهم السعودية‪.‬‬
‫مل ير زيد مربرا لهذا الارتفاع‪ ،‬بل رأى فيه فرصة تعوضه عن خسارته‬
‫اليت خرسها ابلمس‪ .‬قدم زيد عرضا من خالل رشكة “ الرثوة املالية‬
‫للوساطة ” ‪ ،‬واليت ميتل زيد حمفظة استامثرية دلهيا؛ لرشاء ألف سهم‬
‫لرشكة “ سابك ” من صندوق التأمينات الاجامتعية‪ ،‬اذلي حيتفظ‬
‫بأسهم “ سابك ” مكستمثر طويل الجل‪ .‬ساومت رشكة “ الرثوة‬
‫املالية ” صندوق التأمينات الاجامتعية‪ ،‬عىل سعر السهم‪ ،‬وأغلقت‬
‫الصفقة برشاء السهم اللف لزيد بقمية ألف سهم لرشكة “ سابك ”‬
‫حتل بعد أس بوع‪ ،‬وألف رايل سعودي حاةل فورا‪ .‬ووضعت رشكة “‬

‫‪319‬‬
‫الرثوة ” السهم يف حمفظة زيد‪ ( .‬واكن رشط صندوق التأمينات يف‬
‫هذا البيع‪ ،‬اس تثناء ما قد توزعه “ سابك ” من أرابح أو أسهم منحة‬
‫خالل هذا الس بوع من صفقة البيع‪ ،‬وهذا رشط حصيح وجائز رشعا)‪.‬‬
‫ابع زيد أسهم “ سابك ” بقمية ‪ ٢٠٠‬رايل للسهم؛ مما أدى اإىل زايدة‬
‫عرض أسهم رشكة “ سابك ” يف سوق السهم‪ .‬وهنا يأيت دور البيع‬
‫عىل املكشوف كبوليس يضبط سوق السهم من الفوىض السعرية‪ .‬فاإن‬
‫اكن ارتفاع سهم “ سابك ” عائد اإىل معلومات جديدة‪ ،‬تفيد بمنو‬
‫الرشكة‪ ،‬وارتفاع أرابهحا أو اإىل تصحيح سعرها العادل‪ ،‬فلن ينخفض‬
‫سعر سهم “ سابك ” ؛ بسبب البيع عىل املكشوف اذلي قام به زيد‬
‫وأمثاهل‪ ،‬ولكنه ابملقابل س يضبط السوق من أن يرفع سعر سهم “‬
‫سابك ” فوق قميته العادةل‪ .‬وأما اإن اكن ارتفاع سعر سهم “ سابك ”‬
‫بسبب مضارابت وإاشاعات ورشاء ابلهامش‪ ،‬فسينخفض سعر السهم‬
‫مع دخول زيد وأمثاهل مبضارابهتم ابلبيع عىل املكشوف‪ .‬اإذن فالبيع عىل‬
‫املكشوف س يعط السوق السعودية س يوةل أسهم ومعقا اكفيا؛ ملنع‬
‫تالعب املضاربني بأسعار السهم‪ ،‬وذكل ابإجياد مضاربني جدد بذخرية‬
‫جديدة‪ ،‬يه السهم اليت متتلكها صناديق الاستامثر الطويل الجل‪،‬‬
‫وإادخالها اإىل سوق السهم السعودية بيعا و رشاء‪ ،‬دون أن تفقد‬
‫صناديق الاستامثر الطويل الجل‪ ،‬موقفها مكستمثر طويل الجل‪ .‬فكن‬
‫ات حمايد رة ترابط عىل احلدود‪ ،‬اإذا‬
‫معليات البيع عىل املكشوف قو ر‬
‫اعتدى أحد الفريقني عىل الخر‪ ،‬تدخلت بسالهحا اخلاص‪ ،‬ال بسالح‬
‫أحد الفريقني؛ فأعادت التوازن‪ .‬وال خيلو ذكل من جرىح وقتىل من‬

‫‪320‬‬
‫اجلهات الثالثة‪ ،‬ولكن احلدود قد ُحفظت‪ .‬وحفظ احلدود هو الهدف‬
‫الاسرتاتيج المسى‪ ،‬واحلدود يف هذا املثال هو السوق‪.‬‬
‫وعودة اإىل زيد‪ ،‬فقد اكن بيعه عىل املكشوف للف سهم من رشكة “‬
‫سابك ” ُموفقا‪ ،‬واكن حتليهل بعدم وجود مربر الرتفاع أسهم “ سابك‬
‫” حصيحا؛ فعاد سعر السهم اإىل قميته العادةل (‪ ١٩٠‬رايل) بسبب‬
‫تزايد البيع عىل املكشوف؛ فقام برشاء ألف سهم من رشكة “ سابك ”‬
‫ب‪ ١٩٠‬رايال؛ ليسدد ما يف ذمته لصندوق التأمينات الاجامتعية‪،‬‬
‫حمققا بذكل رحبا يقارب التسعة أالف رايل مقابل معهل البولييس‪،‬‬
‫وحتمهل اخملاطر‪ ،‬بيامن رب صندوق التأمينات ألف رايل فقط لتجنبه‬
‫اخملاطرة‪.‬‬
‫والغرب أطلق وصف القرض أو الاس تعارة عىل البيع عىل املكشوف‬
‫لكون المثن واملُمثن من نفس اجلنس‪ ،‬سهم بسهم مثهل‪ ،‬ولكنه يف احلقيقة‬
‫أنه بيع اكمل الراكن‪ .‬تنتقل امللكية فيه للمضارب‪ ،‬مث يبيعها يف السوق‬
‫فتنتقل امللكية لشاري من السوق‪ ،‬مث يعود املضارب ويشرتي أسهام‬
‫مثلها من السوق فتنتقل هل ملكيهتا‪ ،‬مث يرجع ويسدد اجلهة اليت ابعته‬
‫السهم اول مرة‪ ،‬فينقل لها ملكية السهم اليت اشرتاها من السوق‪.‬‬
‫والبيع عىل املكشوف هبذه الصورة ال غبار عليه اقتصاداي وال رشعيا‪.‬‬
‫فهو يف الرشع بيع حقيق اكمل الراكن ومس تويف الرشوط‪ ،1‬ويف‬

‫‪ 1‬حقيقة البيع عىل املكشوف أنه بيع ابلجل متاكمل الراكن رشعاً ولغة وعقالً ونظاماً وحيقق مصاحل للسوق‪ .‬فالبيع عىل املكشوف هو رشط السوق‪ ،‬مينع التالعب يف‬
‫أسعارها‪ ،‬والبيع عىل املكشوف يف سوق السهم‪ ،‬ال رش فيه اإذا ضُ بط ابلنظام‪ ،‬اكلرشطة‪ ،‬أما يف سوق العمالت فهو قد يكرس العمةل اليت يشرتهيا ابملكشوف‪ ،‬مما قد‬
‫يؤدي يف بعض احلاالت لهدم اقتصادها‪ .‬ولكن يظل يف احلالني (سوق السهم أو العمالت) رشط السوق اذلي يضبط النظام ‪.‬‬
‫ومثاهل أن يأيت اتجر أسهم اإىل التأمينات الاجامتعية‪ ،‬مثال‪ ،‬اليت حتتفظ ابلسهم اكستامثر طويل الجل‪ ،‬فيشرتي مهنا ‪ 1000‬سهم لسابك مؤجل يوماً أو أكرث أو أقل‪،‬‬
‫بقمية ‪ 1010‬سهم سابك مثال‪ ،‬أو بقمية ‪ 1000‬سهم سابك مع ‪ 1000‬رايل ‪.‬‬
‫فهذا بيع أجل ال ش هبة فيه مطلقاً اإال من شذ‪ .‬فالسهم ليست أمواالً ربوية‪ ،‬وال تقاس علهيا‪ .‬فيجوز بيعها بفضل من جنسها ونوعها أو من غري جنسها ونوعها‪ ،‬كام جيوز فهيا‬
‫النسأ جبنسها‪ .‬ولكون المثن من نفس جنس ونوع السلعة (أسهم سابك)‪ ،‬أطلق الغرب وصف القرض أو الاس تعارة عىل البيع عىل املكشوف‪ .‬فأدخل هذا‪ ،‬مع الزنعة‬
‫للتحرمي‪ ،‬اللبس عىل بعض من أفىت حبرمة البيع عىل املكشوف‪ ،‬ظاانً أنه يكون عىل هيئة البيع املكشوف العاري‪ ،‬املمنوع قانونياً يف أمرياك اإال لبعض صُ ناع السوق ‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫الاقتصاد قد ابن دوره البولييس احملمود‪ ،‬اكذلي قام به زيد واذلي‬
‫اس تحق عليه الفوز بتسعة أالف رايل‪ .‬فزيد ال يس تطيع الاس مترار يف‬
‫موقعه مكضارب‪ ،‬اإال وهو ذو خربة ودراية بسوق السهم‪ ،‬واملضارب‬
‫الناحج هو اذلي يكون صايف رحبه صفرا يف املدى الطويل‪ .‬وزيد هنا‬
‫خبربته وعلمه قد رأى ارتفاعا ال مربر هل لسهم “ سابك ” ؛ فاس تجلب‬
‫أسهام مل تكن موجودة مضن عرض السوق؛ فزاد بذكل العرض حىت‬
‫اخنفض سعر السهم‪ ،‬وتالشت الفقاعة السعرية‪ .‬مث اكن عىل زيد اإعادة‬
‫الرشاء مرة أخرى؛ ليسدد قمية السهم اليت ابعها‪ ،‬فهو بذكل قد عاد‬
‫وحسب السهم اليت خضها يف السوق؛ حففظ سعر سهم “ سابك ”‬
‫من نزوهل عن سعره العادل‪ .‬فزيد يف الواقع قد ضبط توازن السوق‪.‬‬
‫وال يلتبس الفرق بني البيع عىل املكشوف العاري وبني البيع عىل‬
‫املكشوف يف التأثري عىل أسعار السهم‪ .‬فالبيع عىل املكشوف يشرتي‬
‫و يبيع من أسهم موجودة ومتاحة للتداول يف سوق السهم‪ ،‬بيامن البيع‬
‫عىل املكشوف العري يُدخل أسهام مل تكن متاحة للتداول‪ ،‬مث يعيد‬
‫اإخراهجا من السوق‪ .‬اإذن فالبيع عىل املكشوف العاري هو املشاغب‬
‫اقتصاداي‪ ،‬بيامن البيع عىل املكشوف هو الضابط‪.‬‬

‫والبيع املكشوف العاري يكون يف املثال السابق‪ ،‬بأن يبيع أسهم سابك قبل الظهر وهو ال ميلكها‪ ،‬مث يعود ويشرتهيا بعد الظهر‪ ،‬والفرق كبري هنا‪ .‬فالبيع العاري قد َّزور أو‬
‫اختلق أسهامً ليست موجودة أصالً‪ ،‬خبالف املكشوف اذلي اشرتى أسهامً من مستمثر اسرتاتيج ‪( ،‬فهو ال يضارب هبا)‪ ،‬ومعوما حىت يف حال لو مسحت سوق املال‬
‫ابلبيع عىل املكشوف العاري‪ ،‬مقرتانً بتنظاميت لصناع السوق وحنوه‪ ،‬حفىت البيع العاري ليس حمرماً رشعاً‪ ،‬فعامد دليل اذلين حيرمون البيع املكشوف (ظانني انه العاري)‪،‬‬
‫عامدمه حديثان اثنان‪ :‬حديث «ال تبع ما ليس عندك»‪ ،‬وحديث الهني عن بيع الاكلئ ابلاكلئ (ويفرسونه عىل أنه بيع ادلين ابدلين)‬
‫فأما حديث «ال تبع ما ليس عندك»‪ ،‬فالسمل بيع ما ليس عند البائع‪ ،‬ويف هذا قال ش يخ االإسالم ابن تميية‪« :‬ال نسمل حصة هذه املقدمة (أي عدم جواز بيع املعدوم)‬
‫فليس يف كتاب هللا‪ ،‬وال س نة رسوهل‪ ،‬بل وال عن أحد من الصحابة ‪.‬‬
‫وأما حديث الهني عن بيع الاكلئ ابلاكلئ‪ ،‬فض َّعفه علامء احلديث ومن أخرمه احملدث الش يخ بن ابز رمحه هللا ‪.‬‬
‫ومث بعد ذكل‪ ،‬حفىت لو افرتضنا جدالً حصة احلديثني معىن وس نداً‪ ،‬فاإنه ُيرد عىل املُحرمني‪ ،‬اإن أعظم ما ميكن أن يقال ابإن املكشوف العاري من البيوع ابطةل‪ ،‬ال بيع ربوي‪.‬‬
‫(فقد صاروا اليوم ينس بون لك معامةل للراب)‪ .‬فالعاري مع هذا الافرتاض اجلديل‪ ،‬فاإنه يكون حمرماً من ابب حترمي الوسائل‪ ،‬ال الغاايت‪ ،‬وما ُحرم لنه وس يةل تزول حرمته‬
‫ب زوال ذريعة حترميه‪ ،‬فكيف وقد صاحبه وجود مصلحة‪ ،‬فسوق املال لو مسحت به‪ ،‬فللمصلحة‪ .‬وقال ابن عثميني ‪-‬رمحه هللا‪ -‬يف التفريق بني الوس يةل والغاية «ان نرده‬
‫ابلقاعدة املعروفة عند العلامء‪ ،‬ويه‪( :‬أن ما حرم حترمي الوسائل جاز للحاجة)؛ لن احملرمات نوع ويضاف وعند زوال ذريعته‪».‬‬

‫‪322‬‬
‫ولعيل أس تطيع تلخيص فوائد البيع عىل املكشوف بس تة نقاط‪ ،‬فهو‪:‬‬
‫أوال‪ :‬يزيد من س يوةل السهم ابإدخال أسهم اكنت ساكنة عند مستمثرين‬
‫اسرتاتيجيني‪ ،‬ال يضاربون هبا‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬ومن املنافع‪ ،‬اإظهار أ ِّ لي تالعب من الرشاكت يف حساابهتا‪ .‬وأكرب‬
‫مثال حديث عىل ذكل‪ ،‬هو سقوط رشكة اإنران عام‪ ،٢٠٠١‬فهم‪ ،‬أي‬
‫هؤالء املضاربون‪ ،‬يش متون راحئة طبخ احلساابت مبكرا؛ فيش نون‬
‫جهوهمم عىل هذه الرشاكت الفاسدة برشاء السهم عىل املكشوف و‬
‫بيعها بكثافة؛ حىت تسقط الرشكة الفاسدة وتنكشف أمام هذه‬
‫الهجامت‪ .‬وأما اإن أخطأ املضاربون حساابهتم؛ فستهنار جهامهتم أمام‬
‫الصالبة املالية لهذه الرشاكت وس يدفع املضاربون مثن هذه املراهنة‪ .‬اإذن‬
‫فألية البيع عىل املكشوف تعمل كلية سوق العمالت ادلويل يف كشف‬
‫زايدة خض وطبع الوراق النقدية من قبل احلكومات‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬ومن منافع البيع عىل املكشوف منع الفقعات السعرية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬ومن منافعه زايدة فعالية السوق عن طريق رسعة تعديل أسعار‬
‫السهم لقميهتا العادةل‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬ومن املنافع حتريك معل الرشاكت املالية ورشاكت الوساطة‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬ومن املنافع تقدمي دخل اإضايف للمستمثر الطويل الجل؛ مما‬
‫حيفزه عىل الاحتفاظ مبوقعه مكستمثر طويل الجل‪ ،‬وهو املوقف النفع‬
‫والصلح لالقتصاد العام‪.‬‬
‫وبشلك عام فالبيع عىل املكشوف أداة فعاةل خلفض السعار ال لرفعها‪.‬‬
‫وعىل لك حال فكام أن رضر الرشطة س يكون أكرب من نفعها‪ ،‬اإن مل‬
‫تضبط بقوانني صارمة متنعها من التعدي‪ ،‬فكذكل البيع عىل املكشوف‬
‫‪323‬‬
‫“ فالظمل من ش مي النفوس فاإن جتد‪ //‬ذا عفة فلعةل ال يظمل ” ‪ .‬ومن‬
‫أمه ذكل منع اإغراق السوق بأسهم ُحصل علهيا عن طريق البيع عىل‬
‫املكشوف؛ مما سيسبب اهنيار سعر السهم‪ ،‬فتترضر الرشكة ويترضر‬
‫كذكل املشرتي ابلهامش خاصة‪ ،‬دون املستمثر الطويل الجل‪.‬‬
‫ومن أجنع الوسائل ملنع اإغراق السوق‪ ،‬هو منع رشاء السهم ابلبيع عىل‬
‫املكشوف عن طريق الهامش‪ .‬وكذكل وضع ترتيب لبيع السهم‬
‫املشرتاة ابملكشوف حبيث يباع العرض الول‪ ،‬وإان اكن الغىل قبل‬
‫العرض الثاين‪ ،‬ولو اكن سعر العرض الثاين أقل‪ ،‬وهو املطبق الن يف‬
‫أمرياك‪ .‬وكذكل منع البيع عىل املكشوف العاري وهو كن يبيع زيد أسهم‬
‫“ سابك ” قبل أن يشرتهيا من صندوق التأمينات‪ ،‬وهو حمرم رشعا؛‬
‫لكونه بيع ابطل ويأمث صاحبه‪ ،‬والبيع عىل املكشوف العاري قد منعته‬
‫أمرياك عام ‪٢٠٠٥‬م‪.‬‬
‫قام رئيس هيئة سوق املال المريكية عام ‪٢٠٠٨‬م‪ ،‬ومبشورة من‬
‫رئيس الاحتياط الفدرايل‪ ،‬مبنع البيع عىل املكشوف ملدة ثالثة أسابيع‬
‫حلوايل ‪ ٨٠٠‬رشكة مالية اكلبنوك وحنوها؛ محلاية أسعار أسهمها من‬
‫الاهنيار املتوقع من جهوم املضاربني املركز عىل الرشاكت املالية‪ .‬هذا‬
‫القرار ما زالت حىت الن تُدرس أاثره اجلانبية؛ اليت جعلت من رئيس‬
‫السوق املالية المريكية يندم عليه معربا عنه بأنه أسوأ قرار اختذه‬
‫طوال فرتة رئاس ته للسوق المريكية‪.‬‬
‫لنه اإذا انترش الشغب يف املدينة‪ ،‬فاإن من أكرب اخلطأ منح االإجازات‬
‫للرشطة‪ .‬ولكن عندما ختتلط الس باب املبارشة ابلس باب غري‬
‫املبارشة‪ ،‬يسهل التالعب مبفاهمي الناس؛ فيصبح الرشط جمرما واجملرم‬
‫‪324‬‬
‫حضية الرشط ‪ .‬فالبيع عىل املكشوف مل يُسبب الزمة املالية احلالية‪.‬‬
‫البيع عىل املكشوف كشف التالعب يف الرشاكت والسواق املالية‪.‬‬
‫البيع عىل املكشوف عىل الصورة اليت ذكرهتا‪ ،‬بيع حصيح رشعا واقتصادا‬
‫ومس توف للرشوط‪ ،‬خال من النواقض واحليل‪ ،‬منفعته أكرب من‬
‫رضره‪ ،‬وتتحقق به مقاصد الرشيعة‪.‬‬
‫مسأةل‪ :‬صانع السوق‬
‫منر عىل أكشاك الرصافني للعمالت يف املطارات ويف الفنادق‪ ،‬وال‬
‫خيطر ببال أحدان أن لك رصاف من هؤالء الصيارفة‪ ،‬هو أحد ُصناع‬
‫سوق العمالت ابملفهوم احلقيق العلم لصانع السوق‪ .‬فصانع السوق ‪-‬‬
‫أي سوق‪ -‬بشلك عام هو خشص حقيق أو اعتباري‪ ،‬حيتفظ مبخزون‬
‫من بضاعة معينة‪ ،‬يعرض البضاعة نفسها للبيع وللرشاء يف الوقت‬
‫نفسه‪ ،‬هبامش سعر أعىل يف حاةل البيع عادة‪ .‬وذلكل ُمس بصانع سوق‪.‬‬
‫فهو بعمهل هذا خيلق سوقا تتداول فهيا البضاعة‪ .‬فالسوق ابئع ومشرتي‬
‫وسلعة‪ .‬فهو يوفر السلعة للبيع كام يوفر الطلب علهيا‪ ،‬فصنع بذكل‬
‫سوق تل السلعة‪ .‬فصانع السوق هو البائع والشاري لسلعة ما يف‬
‫الوقت نفسه‪ .‬فيضمن هبذا اس مترارية السوق وعدم توقفها‪ ،‬النعدام‬
‫الطلب أو النعدام العرض‪ .‬ومصطلح “ صانع السوق ” ليس وضعا‬
‫خاصا بسوق العمالت أو السهم‪ ،‬بل هو موجود يف أغلب السواق‬
‫كسوق الس ندات‪ ،‬وسوق املعادن والسلع‪ ،‬وسوق املش تقات‪ ،‬وغري‬
‫ذكل من السواق‪ .‬ورمغ أن جوهر معلية صناعة السوق ال ختتلف من‬
‫سوق اإىل أخر‪ ،‬ويه اإجياد سوق لسلعة معينة‪ ،‬اإال أن تفصيالت‬

‫‪325‬‬
‫القيام مبفهوم هذا اجلوهر والامتيازات الواجب توفريها لصانع السوق‪،‬‬
‫مقابل الالزتامات اليت جيب عليه أداؤها‪ ،‬ختتلف اختالفا شاسعا من‬
‫سوق اإىل سوق‪ ،‬ومن بدل اإىل بدل‪.‬‬
‫وحديثنا هنا عن ُصناع السوق يف سوق السهم بشلك عام وما هلم‬
‫امر‬
‫وما علهيم‪ .‬فنحن نشاهد سوق السهم السعودية ‪-‬مثال‪ -‬أن هناك أو َ‬
‫بيع لسهم أو أسهم ال يوجد علهيا أي طلب وابلعكس! وما ذاك اإال‬
‫لغياب ُصناع السوق‪ .‬فصانع السوق ابلنس بة لسوق السهم هو‬
‫خشصية اعتبارية‪ ،‬كرشكة استامثر‪ ،‬تتبىن سهام معينا أو أسهام معينة‪،‬‬
‫وتلزتم أمام منظم سوق السهم بأن تشرتي أي مكية تُعرض للبيع‪ ،‬من‬
‫هذا السهم أو السهم‪ .‬كام تلزتم أن تبيع أي مكية من هذا السهم ملن‬
‫يطلب الرشاء بسعره اذلي حيدده السوق‪ ،‬فال تتوقف حركة الرشاء‬
‫والبيع‪ ،‬وال يتعطل السوق‪ .‬ويتوافر بذكل امحلاية للسوق من التذبذب‬
‫الشديد لسعر السهم صعودا واخنفاضا‪ .‬فصانع السوق يف أايم التداول‬
‫الطبيعية حيقق أرابحه من فارق هامش البيع والرشاء للسهم‪ ،‬مثهل مثل‬
‫رصايف العمالت‪ .‬وصانع السوق كذكل يُبحر عكس التيار يف حاالت‬
‫هيجان السوق يف طفراته ويف اهنياراته‪ ،‬فقد يرب عرشات املاليني يف‬
‫اليوم البيض يف وقت صعود السوق‪ ،‬وقد خيرسها ُمضاعفة يف اليوم‬
‫السود‪.‬‬
‫ذلا فصانع السوق املُعني رمسيا من اجلهة املنظمة للسوق ال بد أن يُعطى‬
‫امتيازات تشجيعية؛ لضامن رحبيته‪ ،‬كام جيب أن حيصل عىل امتيازات‬
‫تسمح هل ابس تخدام أدوات حمظورة عىل الغري من أجل اإعانته عىل‬

‫‪326‬‬
‫أداء الزتامه بتوفري السوق للسهم اخملصص هل‪ ،‬عن طريق احملافظة عىل‬
‫دميومة البيع والرشاء ذلكل السهم‪.‬‬
‫مفثال فف أشهر بورصة يف العامل‪ ،‬بورصة نيويورك للسهم‪ُ ،‬خيصص‬
‫السهم حكرا عىل رشكة واحدة‪ .‬ويُسمى صانع السوق “ املتخصص ” ‪،‬‬
‫فهو متخصص بذكل السهم‪ .‬وال يعين هذا أنه هو اجلهة الوحيدة اليت‬
‫متل بيع ورشاء ذكل السهم‪ ،‬فهناك عدة هجات ميكن أن تشرتي وتبيع‬
‫ذكل السهم ‪-‬اكلوسطاء الفعليني أو عرب االإنرتنت ‪ ،-‬ولكن الاحتاكرية‬
‫هنا بأال يُعطى هذا املنصب “ املتخصص ” يف بورصة نيويورك‬
‫للسهم اإال لرشكة واحدة‪ .‬وقد يقول عاقل‪ :‬اإذن فهذا الاحتاكر ال‬
‫فائدة هل‪ .‬وهذا اإيراد حصيح اإال اإذا علمنا أن املتخصص هل امتياز ال‬
‫يكون لغريه‪ .‬وهو حق الاطالع عىل مجيع املعلومات املتعلقة بعروض‬
‫الرشاء والبيع ذلكل السهم‪ .‬فيس تطيع أن “ يفرق السوم ” بسنتات‬
‫وحيصل عىل الصفقة‪ .‬وليك أوحض املسأةل‪ ،‬فلنش به من يعرض السهم‬
‫عىل السوق سواء ابلبيع أو الرشاء وكنه مناقصة تُعرض عىل اإدارة‬
‫سوق نيويورك وعىل الرشاكت وعىل املتخصص‪ .‬ولكن املتخصص ‪-‬‬
‫أي صانع السوق ‪ -‬هو وحده من يعرف السعار املقدمة من اجلهات‬
‫الخرى‪ ،‬فــ ” يفرق السوم ” ويبيع أو يشرتي السهم‪ .‬فهبذه الطريقة‬
‫يس تطيع املتخصص أن حيقق هامش الرب بني البيع والرشاء‪،‬‬
‫ويس تطيع السوق أن حيدد سعر السهم يف حاالت السوق الطبيعية‪.‬‬
‫ومن الامتيازات أنه يف احلاالت اليت يقف فهيا املتخصص وحيدا‬
‫عكس التيار‪ ،‬أي حاالت الاهنيارات والطفرات لسهمه ‪-‬حيث جيب‬

‫‪327‬‬
‫عىل صانع السوق احملافظة عىل اس مترارية البيع والرشاء‪ -‬فميكنه حيهنا‬
‫ويف حاالت خاصة مقننة‪ ،‬طلب توقيف السهم عن التداول‪.‬‬
‫وأما يف سوق النازداك المريكية احلديثة – ويه سوق افرتاضية‪ ،‬أي‬
‫ليس هناك موقع معني يلتق فيه البائع واملشرتي خارج الش بكة الرمق ‪.‬‬
‫فهي ‪ -‬أي النازداك ‪ -‬ال ُختصص السهم عىل رشكة واحدة‪ ،‬بل عىل‬
‫مجموعة من الرشاكت املتنافسة‪ .‬وتلزهمم ابحملافظة عىل دميومة عروض‬
‫الرشاء والبيع عىل شاشاهتم‪ .‬ومبا أن السهم ليس حكرا عىل هجة‬
‫واحدة‪ ،‬فامتياز الانفراد ابحلصول عىل معلومات العرض والطلب‪،‬‬
‫اذلي يمتتع به صانعو سوق نيويورك للسهم‪ ،‬ليس ذا جدوى تنافس ية‬
‫كبرية يف سوق انزداك‪ .‬وذلا؛ فاإدارة سوق انزداك المريكية تقدم‬
‫ُلصناع سوقها امتيازا خاصا ابس تخدام أداة غري قانونية‪ ،‬أال ويه البيع‬
‫عىل املكشوف العاري‪ .‬واملكشوف العاري ‪-‬كام قلنا سابقا‪ -‬هو أن يبيع‬
‫‪.‬فصناع سوق‬ ‫املضارب أسهام ال وجود لها‪ ،‬وهو معل غري قانوين ‪ُ 1‬‬
‫انزداك يس تطيعون هبذا الامتياز أن حيافظوا عىل اس مترارية البيع‬
‫والرشاء يف حاةل نفاد خمزوانهتم من السهم اخملصصة هلم‪ ،‬واذلي مه‬
‫ملزتمون أمام النازداك‪ ،‬بتوفري سوق البيع والرشاء لها‪ .‬فتجدمه يف‬
‫حاالت صعود السوق القوية يبيعون السهم‪ ،‬ومه ال ميلكوهنا (أي مل‬
‫يقرتضوها كام يف البيع عىل املكشوف العادي)‪ ،‬أي يبيعون أسهام ال‬
‫وجود لها أصال؛ فيخففون بذكل من حدة صعود السوق‪ ،‬مث يعودون‬
‫فيشرتوهنا بعد بيعها يف فرتة الحقة‪ .‬فهم بذكل خضوا أسهام ال وجود لها‬

‫‪ ، 1‬وأما البيع عىل املكشوف العادي فهو أن يمتل املضارب السهم عن طريق رشاهئا ابلجل ويكون المثن هو السهم نفسها مع زايدة مالية ويسمونه هناك “ اقرتاض‬
‫السهم ” ؛ لنه استبدال يشء مبثهل‬

‫‪328‬‬
‫مث عادوا فسحبوها‪ ،‬وقد رحبوا فرق السعر يف هذه املوجة الصاعدة‪ ،‬أو‬
‫الهابطة‪ .‬فصناع السوق ابس تخداهمم املكشوف العاري‪ ،‬يرحبون كثريا‪،‬‬
‫اإذا اس تطاعو أن يكبحوا جامح صعود السوق‪ .‬وأما اإن تعدامه السوق‬
‫اإىل مس توايت أعىل‪ ،‬فس يخرسون خسارة عظمية أحياان بسبب حمتية‬
‫رشاء السهم واليت ابعوها ‪ -‬ومه ال ميلكوهنا ‪ -‬بأسعار أغىل‪ ،‬من أجل‬
‫حسهبا من السوق‪.‬‬
‫وأما يف سوق السهم يف لندن‪ ،‬فصانعو السوق يمتتعون بأن عرض‬
‫السهم بيعا ورشاء يكون حكرا عىل شاشاهتم؛ مما يدفع غالب‬
‫املستمثرين العاديني ‪ -‬واذلين ليس هلم اتصاالت داخلية ‪ -‬عىل الرشاء‬
‫من صناع السوق دون غريمه‪.‬‬
‫ابب ‪ :‬حتليل السهم‬
‫التنبؤ ابملس تقبل القريب يكون بناء عىل املعطيات املتوافرة اليوم‪ ،‬مع‬
‫اعتبار معطيات المس واس تصحاب ردة الفعال عىل الصدمات الغري‬
‫متوقعة اليت تعرض لها السهم أو الس ند أو السلعة وحنو ذكل‪ .‬وهذه‬
‫لكها معلومات متوفرة وخربات ليس فهيا ندرة‪ .‬فال جمال اإذا لتفرد حملل‬
‫أو صندوق يف الاس مترار بتحقيق ماكسب يف املضارابت القصرية‬
‫الجل‪ ،‬اإال أن يكون دليه معلومات رسية من داخل السوق أو‬
‫الصناعة أو الس ياسة أو الرشكة‪ ،‬وهذا فعل غري قانوين ويؤدي‬
‫للسجن‪.‬‬
‫وهناك ما ي ُسمى ابلتحليل الفين‪ ،‬للسهم او الس ند او العمةل او السلعة‪.‬‬
‫فالتحليل الفين هو قراءة لسلوك لورقة مالية يف املايض‪ .‬ومث رمس هذا‬

‫‪329‬‬
‫السلوك بيانيا‪ .‬ومث يضعون لها مسميات من ويح تصوراهتم‪ .‬اكلشموع‬
‫الياابنية والصينة وحنو ذكل من غرائب املسميات‪ .‬وهذا حتليل ابطل‬
‫ال خيرج عن رضب الكهان‪ ،‬ذكل لن معلومات املايض قسمني‪ :‬قسم‬
‫متوقع وهو اذلي يعرفه لك فرد متخصص يف هذه الصناعة‪ ،‬مكعلومات‬
‫الرابح واللكفة وحنوها‪ ،‬وتسل عادة سلواك طبيعيا‪ .‬والقسم الثاين هو‬
‫ردة فعل السوق للصدمات الغري املتوقعة‪ ،‬اخلاصة بتل الورقة املالية‬
‫أو الصدمات العامة للسوق لكه أو لصناعة منه‪ .‬ومعلومات هذا القسم‬
‫عشوائية‪ ،‬حتدث بال ختطيط وال توقعات‪ ،‬وليس لها منط ما‪ .‬لو‬
‫وضعهتا يف رمس بياين لرأيت اخلط يتخبط مينة مرة ويرسة مرة أخرى‬
‫وأحياان يفاجئك ابدلوران حول نفسه‪ ،‬ليعكس اجتاهه ‪ ١٨٠‬درجة‪.‬‬
‫فالتحليل الفين يعمتد عىل اترخي هذا التخبط والعشوائية يف سلوك‬
‫الورقة املالية‪ ،‬ليسحبه عىل سلوكها يف املس تقبل‪ ،‬وهذا رضب يف‬
‫النجوم ال حصة هل‪ ،‬وال ينضبط الا عشوائيا كذكل‪ .‬والسؤا من ذكل‬
‫واعظم ختبطا‪ ،‬هو اعامتد مناذج اس تخرجت من اسو اق أخرى السهم‬
‫وأوراق مالية أخرى‪ ،‬ومن مث تطبق عىل سهم أو رقة حملية يف سوق‬
‫حميل‪ ،‬ال تتفق مع المنوذج حىت يف الصناعة فضال عن اختالف ثقافات‬
‫السواق‪ .‬والعشوائية مىت حتققت فال تزيد وال تنقص‪ ،‬الن زايدهتا‬
‫عشوائية أخرى‪ ،‬فيطرح بعضها بعضا‪ .‬ذلا ال يرى احمللل عشوائية‬
‫خارجة عن املألوف عندما يطبق منوذجا ايابنيا عىل سهم بنيك يف سوق‬
‫سعودية‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫وقفة‪ :‬جتارة القرود!‬
‫جريدة وول سرتيت‪ ،‬أحد أعرق اجلرائد الاقتصادية يف العامل‪ ،‬اعتادت‬
‫لك شهر أن تقوم مبنافسة بني أشهر حمليل السهم يف الوالايت‬
‫المريكية وبني ريم السهم عشوائيا يف لعبة النبةل‪ ،‬ويه نوع من‬
‫اللعاب اليت تس تخدم (أعاذان هللا وإاايمك) يف صاالت القامر‪ ،‬تش به يف‬
‫الغرض مهنا وطريقة معلها ابلزالم اليت اكنت تس تقسم هبا العرب عند‬
‫التحامك أو عند الاس تخارة يف أمر من المور‪ .‬ويه‪ ،‬أي الزالم‪ ،‬عبارة‬
‫عن قداح ثالثة عىل أحدها مكتوب اإفعل‪ ،‬وعىل الخر ال تفعل‬
‫والثالث ليس عليه يشء ‪ ،‬فاإذا أدارها الاكهن أو املس تقسم فطلع سهم‬
‫المر فعهل‪ ،‬أو الهني تركه‪ ،‬وإان طلع الفارغ أعاد‪.‬‬
‫جريدة وول سرتيت تقوم س نواي بعمل نفس الفكرة ولكن بريم أسامء‬
‫السهم يف لعبة النبةل‪ .‬والغرض من هذه املنافسة هو معرفة قدرة حمليل‬
‫السهم يف التنبؤ بأفضل السهم أدا ًء يف الثالثة أشهر املقبةل‪ ،‬ويه‬
‫السهم اليت يويص هؤالء احملللون زابئهنم برشاهئا‪ .‬فهل أثبت احملللون‬
‫أهنم أجدى نفعا من القامر؟‪ ،‬وهل برهنوا بأهنم يس تحقون الموال‬
‫واملاكنة اليت أعطاها الناس هلم ابإمتاهنم عىل أمواهلم؟ يف لك س نة‬
‫تكون حصيةل النتاجئ بأن يغلب حمللو السهم اترة‪ ،‬وتغلب لعبة القامر‬
‫اترة أخرى‪.‬‬
‫والرساةل اليت تريد اجلريدة اإيصالها لعامة الناس بأنه ال فرق بني‬
‫استئجار أو توظيف مستمثرا ماليا للمضاربة يف سوق السهم أو أن‬
‫يقوم االإنسان نفسه بريم السهم يف لعبة النبةل أو غريها‪ ،‬مث يشرتي ما‬

‫‪331‬‬
‫ختتاره اللعبة ابلصدفة‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬تريد اجلريدة اإيصال رساةل‪ ،‬ويه‬
‫أن جناح ما يتنبأ به حمللو السهم من التوصية برشاء هذا السهم أو‬
‫ذاك من أجل الرب يف املدى القصري هو رضب من املصادفة فيدخلون‬
‫بذكل حتت املقوةل الشائعة “ كذب املنجمون ولو صدقوا ”‬
‫“ وقائع سان فرانسيسكو ” جريدة أمريكية ذو شهرة واسعة خاصة‬
‫يف الساحل الغريب المرييك‪ ،‬فضاقت ذرعا هبرقطات حمليل السهم‬
‫وإاميان الناس هبم‪ .‬فابتكرت وس يةل ذو مغزى قوي لعلها تنجح يف تنبيه‬
‫الناس وكشف حقيقة قمية ما يكتبه ويتحدث به حمللو السهم يف‬
‫وسائل االإعالم وغريها‪ .‬ختريت اجلريدة أشهر مثاين حمليل أسهم يف سان‬
‫فرانسيسكو وطلبت مهنم توصيهتم لفضل السهم للفرتة املقبةل‪ .‬مث‬
‫قامت اجملةل بزايرة اإىل حديقة احليوان يف فاليجو يف اكلفورينا وجلبت‬
‫معها صندوق به أسامء السهم اليت تتداول يف السوق املالية‪ ،‬والتقت‬
‫هناك ابلغوريال جولياان ودعهتا اإىل اختيار أفضل السهم اليت تراها‬
‫جولياان (الغوريال) مناس بة للرشاء يف الفرتة املقبةل‪ .‬واكنت النتيجة فوز‬
‫الغوريال جولياان‪ ،‬حيث حققت السهم اليت اختارهتا أسعارا عالية بيامن‬
‫اخنفضت أسعار السهم اليت وىص هبا احملللون الامثنية‪ .‬أعادت اجلريدة‬
‫التجربة مرارا وتكرارا واكنت النتاجئ دامئا موافقة لتجارب وول سرتيت‪.‬‬
‫أي أن الغوريال اكنت تغلب حينا ويغلب احملللون حينا أخرى‪.‬‬
‫وهذا ما دفع جمةل فوربز الشهرية بتسمية هذه املهنة ‪ ،‬همنة حتليل‬
‫السهم‪ ،‬ب “ جتارة القرود‪“1‬‬

‫‪“ . Monkey Business “ 1‬‬

‫‪332‬‬
‫فهل ارتدع الناس يف أمرياك عن السامع حملليل السهم والانقياد هلم؟ ال‬
‫ولن يتوقف الناس عن االإميان هبم حىت هتُ جر صاالت القامر يف الس‬
‫فيقاس وحىت هيجر الناس الرشك والتعلق ابلكهانة ودعاء الموات من‬
‫دون هللا‪ .‬فالنفس البرشية ُجبلت عىل حب معرفة الغيب والاعتقاد‬
‫بأن هناك خاصة يقدرون عىل ما ال يقدر عليه غريمه فيتعلقون هبم‬
‫ويسلمون هلم تس يري أمورمه وينقادون هلم كقطيع من امحلالن يقاد اإىل‬
‫حتفه‪ .‬فاإذا وقعت املصيبة متيل النفس البرشية اإىل حتميل أس باهبا عىل‬
‫الغري‪ ،‬اإما عىل الرشار اجملهولني‪ ،‬أو عىل احلظ أو عىل العني احلاسدة‪.‬‬
‫وأسواق السهم العربية كغريها من أسواق السهم العاملية‪ ،‬مرت وس متر‬
‫هبا أحوال وظروف مماثةل لسواق السهم العاملية‪ ،‬الراب املضمون فهيا‪،‬‬
‫مه حمللو السهم والوسطاء‪.‬‬
‫ذكل لنه عندما ينشط السوق ويزدهر‪ ،‬س يدع كثري من الناس بأهنم‬
‫أذىك من غريمه‪ ،‬مث يصدقون انفسهم‪ ،‬فميتلئون ثقة بدهاءمه‪ ،‬فينس بون‬
‫الرابح اليت حصلوا علهيا أو تسببوا هبا لغريمه اإىل فطنهتم وذاكهئم‪.‬‬
‫ولكن اذلي غفلوا عنه‪ ،‬أن غالب من يدخل السوق وقت ازدهاره‬
‫س يكون من الراحبني‪ .‬فف طفرات السوق‪ ،‬يعيش اههل فرتة زمنية‬
‫يتوافر فهيا الذكياء والفطناء‪ .‬حىت اإذا ما زالت السكرة وحرضت‬
‫الصحوة أُلق ابلالمئة عىل أرشار السوق‪ ،‬وما مث من أرشار اإال مه‪.‬‬
‫فغالب من يف السوق يريد أن يورط الخر يف أسهم مرتفعة السعر‪،‬‬
‫وهذا هو مفهوم املضاربة بسوق السهم ‪.‬فمل خنصص الرش عىل‬
‫الراحبني‪ ،‬ومه قةل قليةل دون اخلارسين ومه الكرثية رمغ أن النية اكنت‬
‫واحدة‪.‬‬
‫‪333‬‬
‫والعجيب أنك ترى أن نفس حمليل السهم اذلين ملئوا الفضائيات‬
‫والصحف جلجةل وقعقعة يف طفرة السوق‪ ،‬ما زالوا بعد اهنياره ميارسون‬
‫نفس املهنة‪ ،‬بل أن بعضهم قد تطور فأصبح خبريا ومستشارا‬
‫اقتصاداي‪ ،‬فهل هذا اي ترى يعط مصداقية لنظرية داروين؟‪.‬‬
‫ملحق‪ :‬يف امللكية وادلين‬
‫الباب الول‪ :‬حقيقة احتاكر املُالك ودالالهتا‬
‫تتجاوز قمية الس ندات املتداوةل يوميا يف السوق المريكية وحدها‪،‬‬
‫مبلغ اللف مليار ‪-‬أي تريليون‪ .-‬وذكل مقابل ‪ ١٥٠‬مليار قمية تداول‬
‫السهم‪ .‬وتبلغ قمية االإصدارات اجلديدة س نواي يف السوق المريكية من‬
‫الس ندات‪ ،‬ما يقارب س بعة تريليوانت دوالر‪ .‬وذكل مقابل اإصدارات‬
‫أسهم جديدة بقمية ‪ ٣٠٠‬مليار فقط‪ .‬وقد قاربت قمية الس ندات يف‬
‫السوق المريكية مبلغ ‪ ٤٠‬تريليون دوالر‪ ،‬أي ما يساوي نصف قمية‬
‫االإنتاج العامل مجيعا‪.‬‬
‫وأما املش تقات‪ ،‬فبلغت قميهتا عامليا ‪ ٦٠٠‬ترليون‪ ٪٦٠ ،‬مهنا‪ ،‬عقود‬
‫الفائدة أي عقود ديون‪.‬‬
‫فلامذا يغلب زعيق السهم وجلجةل يف العامل لكه عىل السواق‪ ،‬رمغ أن‬
‫السهم تشلك نس بة ضئيةل من متويل الرشاكت؟ (مفثال السهم تشلك‬
‫‪ ٪٥‬من متويالت الرشاكت يف الياابن‪ ،‬و‪ ٪ ١١‬يف أمرياك)‪.‬‬
‫السبب هو أن الرب الالحمدود للملكية‪ ،‬هو من جيعل للسهم غلبة‬
‫الصوت والاهامتم‪ .‬والرب الالحمدود للملكية كذكل‪ ،‬هو اذلي جعلها‬
‫نس بة صغرية من جحم أسواق املال‪ .‬فصاحب املرشوع الناحج أو‬

‫‪334‬‬
‫الرشكة الناحجة‪ ،‬مىت تبني جناهحا وظهر‪ ،‬ال يريد مشاركة الغري يف‬
‫فرصة رحبه الالحمدودة‪ .‬وهذه حقيقة اإنسانية يف تعاملها مع السوق‪.‬‬
‫ولهذا؛ اكنت هذه احلقيقة‪ ،‬من أس باب وضع القوانني التفضيلية‬
‫للرشاكت العامة‪ .‬وذكل الإجبار ُمالك الرشاكت عىل إارشاك الناس معهم‬
‫يف جناحاهتم عن طريق الطرح العام‪ .‬ولهذه احلقيقية أيضا‪ ،‬ال تطرح‬
‫الرشاكت من ملكياهتا‪ ،‬اإال أقل احلد املطلوب‪ ،‬اذلي به تتحصل عىل‬
‫مزااي هذه القوانني التفضيلية‪.‬‬
‫فالمتويالت سواء عن طريق الس ندات أوعن طريق البنوك‪ ،‬يه‬
‫وس يةل املُالك ملنع املدخرين‪ ،‬أحصاب الرثوات النقدية‪ ،‬من مشاركهتم‬
‫يف رحبهم الالحمدود للملكية‪ .‬فاملُالك يُرشكون أحصاب الرثوات النقدية‬
‫يف رب قليل حمدود ال يتعدى الفائدة احلقيقة وليست االإمسية‪ ،‬مقابل‬
‫خماطرة ال حمدودة‪ ،‬قد تأيت عىل متويلهم لكه فتستنفذه مجيعه‪( ،‬اللهم أن‬
‫اخلسارة ال تَطاهلم حىت تستنفد املُالك‪ .‬وهذا عدل‪ ،‬فاالإفالس انجت عن‬
‫املُالك ال عن املمولني‪.)1‬‬
‫فغلبة جحم ادليون عىل جحم امللكية هو سبب طبيع س نة من سنن‬
‫هللا‪ .‬فالناحج ال يريد أن يشاركه الغري فرص جناحه‪ .‬ولهذا السبب‬
‫الطبيع ‪ ،‬ال يصدق عاقل أن مرشوعا انحجا سريىض مالكه أن يشاركه‬
‫الخرون فيه‪ ،‬همام قيل من شائعات عن جناح البعض يف الاس تحواذ‬
‫عىل رشاكت ومشاريع انحجة اضطرت لبيع نفسها‪ .‬وخاصة‪ ،‬اإذا اكن‬
‫الاس تحواذ لرشاكت أجنبية‪ .‬فلنفس السبب الفطري الطبيع يف حب‬

‫‪ 1‬فالضامن مقابل الرب كام قال عليه السالم “ اخلراج ابلضامن ” ‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫اس تئثار الرب الالحمدود‪ ،‬فال ادلول وال التجار احملليون س يرتكون‬
‫أجنبيا يشرتي رشكة أو مصنعا راحبا وانحجا يف بالدمه‪ ،‬فضال عىل أن‬
‫رشاء رشاكت أجنبية‪ ،‬وحمال جتارية‪ ،‬ومصانع يف دول أخرى‪ ،‬فيه‬
‫عوائق جوهرية‪ ،‬جبانب العوائق الس ياس ية والس يادية‪.‬‬
‫واحلاالت اليت ميكن أن يشارك املاكل غريه يف فرصة رحبه الالحمدود؛‬
‫فيبيعه حصة من ملكه‪ ،‬هو كن يكون الرشيك اجلديد قادر فنيا‬
‫وإاداراي أو س ياس يا عىل تطوير الرشكة‪ ،‬أو عىل اإنقاذ مرشوعه الناحج‬
‫املتعرث اإداراي‪ ،‬أو الاس تفادة من أمالكه أو معالئه أجنبيا اكن أو حمليا‪،‬‬
‫أو لقصد التوسع الاسرتاتيج ‪ ،‬أو كن يكون الكهام‪ ،‬انحجا وقواي أو‬
‫ممكال لغريه‪ .‬وأما جمرد بيع املاكل استامثره الناحج من أجل املال فقط‪،‬‬
‫فهذا ال وجود هل اإال يف عامل الاحتيال واالإس تغفال‪ ،‬ال يف عامل الاستامثر‬
‫والعامل؛ لن الناحج يلجأ يف حاجته المتويلية لسواق ادليون الضخمة‪،‬‬
‫اليت تس تقبهل هاشة ابشة‪.‬‬
‫ويكف أنه لو اكن رشاء الاستامثرات الناحجة دون مزية تنافس ية عند‬
‫الرشيك اجلديد‪ ،‬أمرا ممكنا؛ ملا تفوقت سوق الس ندات وادليون عىل‬
‫سوق السهم بعرشات املرات‪.‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬حد امللكية الفاصل‬
‫احلد الفاصل اذل ي يفرق امللكية عن ادلين والاجارة‪ ،‬هو املشاركة يف‬
‫ِّمل الصل منوا ونقيضه‪ .‬وأما املشاركة فامي ينتج عن الصل‪ ،‬من‬
‫أرابح وخسائر‪ ،‬فليس مبلكية اإمنا هو نوع من اجارة او عارية او هبة‪،‬‬
‫عىل حسب ما تعاقدوا عليه‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫واملسامهة التجارية التعاوضية‪، 1‬ال خترج عن ثالثة أنواع‪ :‬ماكل‪ ،‬وممول‬
‫ومدير‪ .‬واحلد الفارق بني ا ِّملل وبني غريه‪ ،‬هو املشاركة يف ِّمل‬
‫الصل‪ ،‬ال املشاركة فامي ينتج عن الصل‪ ،‬من أرابح وخسائر‪ .‬فالرب‬
‫واخلسارة قد يدخل فيه املمول واملدير‪ ،‬وال يعد هذا ملكية‪ .‬وهذا‬
‫املفهوم للملكية‪ ،‬قد تعارفت عليه االإنسانية ابلفطرة‪ .‬حىت أننا نرى أرض‬
‫السواد مثال‪ ،‬تؤجر لليوم اإجارة ال تُمل‪ ،‬وهكذا كثري من املشاريع‬
‫والعقارات يف أحناء ش ىت من العامل‪ .‬فامللكية تنرصف حلق متل الزايدة‬
‫والنقص يف الصل‪ .‬مفثال لو افرتضنا أن صاحب رشكة أو ماكل‬
‫مزرعة‪ ،‬سمل ِّملكه ملن يديره وميوهل مقابل مجيع الناجت‪ ،‬اذلي ينتج عن‬
‫الرشكة أو املزرعة سواء ِّرحبه أو خسارته‪ ،‬فال يُعد املدير املمول مالاك‬
‫للرشكة أو املزرعة‪ .‬فاملاكل هو ماكل الصل‪ .‬فهل منو الصل‪ ،‬كام أن‬
‫عليه نقصان الصل‪ .‬وحىت ولو اكن املاكل ال يقدر الترصف يف ملكه‬
‫ببيع ورشاء يؤثر عىل املس تفيد من النتاج؛ نظرا الرتباطه بعقد اإجياره‬
‫مثال‪ ،‬اإال أنه ال يزال هو املاكل للصل‪ ،‬كرض السواد‪ .‬فمنو قمية‬
‫الصل أو نقصانه يرجع للامكل ولو بعد حني‪ .‬وهذا هو جوهر امللكية‬
‫اليت تعارفت عليه االإنسانية‪.‬‬
‫تطبيق‪ :‬السهم املمتازة‬
‫السهم املمتازة ليست اإال س ندات دين وال ختتلف عهنا جوهراي‪ ،‬اإال‬
‫يف أمر رئييس واحد‪ ،‬وهو‪ :‬حق املطالبة ابلوفاء ابدلين عند التعرث أو‬
‫العجز عن السداد‪ ،‬ولو ابالس تحواذ عىل الرشكة وتصفيهتا‪ .‬مفالك‬

‫‪ ( 1‬تعاوضية أي ليست من ابب التربع واالإهداء وحنوه)‬

‫‪337‬‬
‫الس ندات وأحصاب ادليون هلم احلق يف طلب احلجز عىل ممتلاكت‬
‫الرشكة وتصفيهتا‪ ،‬عند جعز الرشكة عن الوفاء مبس تحقات ادلين‪ .‬وأما‬
‫ُمالك السهم املمتازة فليس هلم احلق يف ذكل‪ ،‬رمغ أهنم يف الواقع َداينة‬
‫(أي مقرضون ال ُمالك)‪ .‬حفمةل السهم املمتازة ليس هلم أي حق يف‬
‫أصل الرشكة‪ ،‬لكن يف أرابهحا‪ ،‬عىل حسب نوع السهم املمتازة‬
‫املُصدرة‪.‬‬
‫ومفهوم امللكية وإان تالىق مع السهم املمتازة يف أحد خواصها ويه‬
‫خاصية عدم وجود احلق يف طلب احلجز عىل ممتلاكت الرشكة‬
‫وتصفيهتا عند تعرثها يف السداد‪ ،‬اإال أهنا هذه صفة غالبة من صفات‬
‫ا ِّمللكية‪ ،‬ال جوهر ا ِّمللكية‪ .‬جفوهر امللكية متعلق ابلصل مناء ونقيضه‪.‬‬
‫أي ان تمنو بمنو الصل وتنقص بنقصانه‪ .‬كام أهنا صفة غري الزمة‪ ،‬فقد‬
‫تزول يف حاالت كثرية‪ ،‬اكختالف الرشاكء‪.‬‬
‫وتسمية الداة المتويلية اليت حتمل اليوم ُمسمى “ السهم املمتازة ” بـــ‬
‫“ السهم ” ‪ ،‬وتصنيفها مضن امللكية‪ ،‬هو يف الواقع حتريف ملعىن‬
‫امللكية‪ ،‬وتشويش عىل الفهام‪ .‬وهو ‪-‬يف اعتقادي‪ -‬أمر غريب واندر‬
‫عن لغة القانون المرييك ابذلات يف دقة اختياره لللفاظ ودالالهتا‪ .‬وقد‬
‫وجدت يف طيات النت‪ ،‬ما يؤكد اس تغرايب‪ .‬فالسهم املمتازة دخلت‬
‫عىل أمرياك قبل قرنني من الزمان مع والدة الترشيعات للدوات املالية‬
‫قبل احلرب الهلية المريكية‪ ،‬ومع احلاجة الإصالح مرييالند يف قصة‬
‫طويةل ليس حملها هنا‪ ،‬مث اس متر العمل هبا منذ ذكل الوقت‪ .‬وإاىل‬
‫اليوم‪ ،‬خيلط املستمثرون هناك يف فهم حقيقة السهم املمتازة بسبب‬
‫تسميهتا بغري امسها‪ .‬أي مثل حالنا اليوم مع ما يسمى ابلصريفة “‬
‫‪338‬‬
‫االإسالمية ” والصكوك‪ .‬فنحن نعيد اليوم نفس ما أخطأت به المم‬
‫قبل قرنني من الزمان‪ ،‬ولكن حنن خنطئ عىل مقياس أكرب وأمشل!‬
‫وأعتقد أن سلب حق املقرض يف تصفية الرشكة والاستيالء عىل‬
‫ممتلاكهتا عند التعرث يف السداد بقوة القانون‪ ،‬هو اذلي دفع املرشع‬
‫المرييك ‪-‬أنذاك ‪ -‬لتسمية هذا ادلين‪ /‬القرض ابمس ال يدل عىل ادلين‬
‫بل عىل امللكية‪ .‬وأنذاك‪ ،‬مل يكن قانون احلصانة عند التعرث قد صدر‬
‫بعد‪ ،‬فاعتقد أن السهم املمتازة‪ُ ،‬طرحت بنفس منطق قانون امحلاية‬
‫من املقرضني‪ .‬فبدال من أن تُسمى “ س ندات ” ‪ ،‬أُمسيت “ أسهام‬
‫ممتازة ” ‪.‬‬
‫ويه تصنف يف املطلوابت عىل الرشكة‪ ،‬ولكن مضن رأس املال (أي‬
‫مضن حقوق املُالك)‪ .‬وذلا؛ فالسهم املمتازة رمغ أهنا ديون‪ ،‬اإال أنه‬
‫حق الاس تحواذ عىل الرشكة عند تعرثها عن السداد‪.‬‬ ‫ليس لحصاهبا ُّ‬
‫وقد يكون هناك أس باب أخرى ُمحاسبية دفعت املرشعني ‪-‬أنذاك‪-‬‬
‫لهذا‪ .‬اإال أنه همام قد يطرح من أس باب‪ ،‬فتسمية الش ياء بغري امسها‪،‬‬
‫أمر ال يقدم عليه حصيف وال صاحب نظر بعيد‪ ،‬وتظل عورة يف‬
‫الترشيع‪.‬‬
‫والسهم املمتازة أنواع كثرية مطابقة لنواع الس ندات‪ .‬فكام أن‬
‫الس ندات أنواعا كثرية‪ ،‬مفهنا الس ندات املعروفة اليت حتمل وقتا حمددا‬
‫لسداد أصل ادلين مع فائدة معلومة‪ ،‬أو الس ندات القابةل للتحويل‬
‫لسهم عامة‪ ،‬أو حق رشاء أسهم عامة بسعر حمدد مس بقا‪ .‬أو س ندات‬
‫ليس لها وقت حمدد لسداد الصل‪ ،‬أو س ندات قابةل لالس تدعاء‪ ،‬أو‬
‫س ندات لها حق املشاركة يف الرابح بنس بة معينة‪ ،‬فكذكل يه‬
‫‪339‬‬
‫السهم املمتازة‪ ،‬أنواعها كنواع الس ندات ابلضبط‪ .‬اإال أن حق االإدارة‪،‬‬
‫ليس ملالكها غالبا‪.‬‬
‫وذلا فالسعر السويق للسهم املمتازة ال يتذبذب كثريا اكلسعار‬
‫السوقية للسهم العامة‪ .‬فالسعار السوقية للسهم املمتازة تتبع سوق‬
‫ادليون‪ ،‬وتتأثر ابلعوامل اليت تؤثر عىل سداد الرشكة اكلعوامل اليت‬
‫تتأثر هبا الس ندات‪.‬‬
‫ويرد سؤال ههنا‪ ،‬وهو‪ :‬ملاذا تصدر الرشاكت أسهام ممتازة؟ وملاذا يُقبل‬
‫البعض عىل رشاء هذه لسهم؟‬
‫فأما الرشاكت فتصدر السهم املمتازة يف حاةل خوفها من تعرث تدفق‬
‫الاكش املس تقبيل‪ ،‬مع حاجهتا النية للمتويل‪ .‬فهي تصدر السهم املمتازة‬
‫اليت عادة ما تكون مدهتا ُخسة س نوات؛ فتحصل بذكل عىل المتويل‬
‫مع ضامن عدم تعرضها ل إالفالس‪ ،‬يف حاةل تعرثها يف سداد هذا‬
‫المتويل‪ .‬ومث لو جنحت الرشكة‪ ،‬وتضاعفت قميهتا ألف مرة (أي‬
‫تضاعفت قمية الصل)‪ ،‬فاإن محةل السهم املمتازة‪ ،‬والس ندات “ وما‬
‫ي ُسمى ابلصكوك ” ال يس تفيدون شيئا وال ترتفع قمية أسهمهم‪.‬‬
‫وأما اذلي يدفع البعض لرشاء السهم املمتازة‪ ،‬فهو اإما لعدم اإدراكه‬
‫ملعانهيا (وهذا حيدث حىت يف أمرياك ومن خمتصني أحياان)‪ ،‬وإاما مدفوعا‬
‫ابرتفاع الفائدة علهيا عن مس توى الفوائد العام‪ ،‬ومه ال يسمون أرابهحا‬
‫فوائد‪ ،‬بل توزيعات أرابح‪ .‬كام حنن نسم الفائدة اإجارة‪.‬‬
‫والزبدة؛ أنه اإذا ُمسيت الش ياء بغري مسمياهتا‪َ ،‬ص ُعب فهمها حىت عىل‬
‫اخملتصني‪ ،‬وال تُسمى الش ياء بغري مسمياهتا اإال الإخفاء حقيقهتا؛ من‬
‫أجل الالتفاف عىل مانع ديين أو قانوين أو اجامتع ‪.‬‬
‫‪340‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬االإفالس يف العرص احلديث‬
‫الفقر واالإفالس لكمتان ختتلط مفاهميهام وابلتايل دالالهتام عىل كثري من‬
‫الناس‪ .‬الفقر واالإفالس ال يلزم من أحدهام الخر وليس أحدهام‬
‫مبس تلزم للخر فاملفلس قد ال يكون فقريا والفقري قد ال يكون مفلسا‪.‬‬
‫وقد يش هتر بني الناس ما يغلب حدوثه فيعمم مفهوم الغالب عىل اللك‬
‫بدال من اجلزء فتصبح اللكمتان بدال ومبدل منه‪ ،‬أو قد تصنف حتت‬
‫اعتبار أهنام لكمتان اإذا اجمتعتا تفرقتا وإاذا تفرقتا اجمتعتا اكلفقري‬
‫واملسكني واملسلمني واملؤمنني وكذكل هو حال لكمة الفقري ولكمة‬
‫املفلس‪ .‬والحص معوما أن يقال اإن النص واملناس بة واحمليط اذلي‬
‫وردت اللكمة مضنه هو اذلي يعط املقصود احلقيق ملفهوم اللكمة‬
‫واملراد من داللهتا اذلي تبىن عليه النتاجئ والحاكم‪.‬‬
‫ومعوما‪ ،‬فالفقري هو من يعجز عن توفري احتياجاته الرضورية بيامن‬
‫املفلس هو من يعجز عن سداد مس تحقاته املس تحقة عليه‪ ،‬فعدم‬
‫الاس تطاعة ابلوفاء مبس تحقات ادلين‪ ،‬سواء فوائده أو أصهل‪ ،‬هو‬
‫اإعالن الإفالس ادلوةل أو املنظمة أو الرشكة أو الفرد‪ .‬أما العجز عن‬
‫رشاء الرضورايت اإما لضعف الاقتصاد أو لتفيش الفساد االإداري فهو‬
‫ما يطلق عليه مبصطلح ادلول الفقرية‪ ،‬والشخص الفقري‪.‬‬
‫والتعرث هو عدم سداد مس تحقات الغري يف وقهتا وأما االإفالس فهو‬
‫العجز عن سداد مس تحقات الغري بال أجل ُمسمى‪ .‬واالإفالس يف‬
‫العرص احلديث ليس رشا لكه‪ ،‬بل قد يكون هو احلل‪ ،‬وقد يكون‬
‫االإفالس يف أصل خطة الاستامثرات منذ البداية‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫املبحث الول‪ :‬االإفالس يف العرص احلديث مشلكة ادلائن ال املدين‬
‫فاالإفالس اليوم ليس مشلكة املُفلس‪/‬املدين‪ ،‬بل يه مشلكة ادلائن‪.‬‬
‫ومن املالحظ أن ادلول املتخلفة ذات النظمة ادلكتاتورية املعمرة (ال‬
‫املتغرية)‪ ،‬يه القل اإفالسا بني دول العامل‪ .‬وعىل رأس هذه ادلول اليت‬
‫يندر فهيا االإفالس أو اليت مل تفلس قط‪ ،‬يه ادلول العربية وادلول‬
‫الاشرتاكية سابقا! فهل حييك هذا حمكة س ياساهتم الاقتصادية أم خيبة‬
‫فهوهمم؟‬
‫ادلائن (املُقرض) املدين (املسقرتض)‪ ،‬وبني‬
‫فهناك فرقا بني أن يرهتن ُ‬
‫املدين ادلائن‪ .‬فف ادراك هذا الفرق‪ ،‬يتبني ِّل َم تفلس ادلول‬
‫أن يرهتن ُ‬
‫املتطورة أو الناش ئة اليت يف طور التطور‪ ،‬بيامن ال تفلس دول العرب‬
‫وادلول الاشرتاكية واملتخلفة؟‬
‫ادلول املتطورة والناش ئة وأش باه ادلول من رشاكت خضمة ومقاطعات‬
‫كديب‪ ،‬أغرقوا أنفسهم ابدليون‪ .1‬ولكهنا ديون استامثرية تأيت ُألكها‪ ،‬ولو‬
‫بعد حني‪ .‬فاملغامرة بأموال الخرين يف استامثرات انحجة‪ ،‬ترىق هبم‪،‬‬
‫والصرب املؤقت عىل أمل الهتمك ابالإفالس من العاجزين والكساىل‪ ،‬خري‬
‫من الانضامم الهيم‪ ،‬او دخول بوابة الفقر والتخلف ادلامئ‪ .‬ولكام عظم‬
‫الاستامثر تأخر حصاده‪ .‬ذلا؛ فعادة ما تتعرض ادلول والرشاكت‬
‫الضخمة املمتوةل‪ ،‬ملعاجةل غدر الزمن هلم قبل قطف الامثر؛ فتنكشف‬
‫مالءهتم املالية‪ .‬ولكن ال حيدث هذا اإال بعد أن تكون البنية التحتية من‬

‫‪ 1‬ويف حبث علم صدر يف مارس ‪2008‬م جملموعة من علامء الاقتصاد‪ ،‬برئاسة أس تاذ الاقتصاد جبامعة هارفرد د‪ .‬روجرف‪ ،‬جاء رسد لعدد مر ِّ‬
‫ات االإفالس لدلول منذ‬
‫اترخي اس تقاللها‪ ،‬فاكن عىل رأسها‪ :‬فرنسا وأملانيا بواقع مثان مرات للك مهنام‪ ،‬و أس بانيا ثالثة عرش اإفالسا‪ ،‬واليوانن ُخس مرات‪ ،‬والرجنتني أفلست س بع مرات‪،‬‬
‫والربازيل وتشيل تسع مرات‪ ،‬وأما روس يا فمل تسجل اإفالسا اإال بعد حتررها من الش يوعية يف مرتني‪ ،‬عايم‪1991 :‬م و ‪1998‬م ‪.‬‬
‫وخلص البحث اإىل أن “ مسلسل ا إالفالس هو ظاهرة عاملية للبدلان الناش ئة‪ ،‬ويه تناضل يف طريقها اإىل العامل املتطور ” ‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫العقل البرشي واملنشأت قد اس تقرت‪ ،‬فال تبايل ادلول أو الرشاكت‬
‫بعد ذكل ابالإفالس‪.‬‬
‫فاالإفالس اليوم ليس مشلكة املُفلس‪ ،‬بل يه مشلكة ادلائن‪ ،‬مفا عاد‬
‫اليوم من خوف‪ ،‬أن تدك املُفلس مدافع صاحب ادلين‪ .‬فادلائن ال‬
‫يس تطيع احتالل ادلول الجنبية‪ ،‬يف العرص احلديث‪ .‬مفا عليه اإال قبول‬
‫اإعادة جدوةل ادليون أو ال يشء هل‪ .‬وأما ادلوةل املفلسة فال هيمها بعد‬
‫ذكل‪ ،‬أن ميتنع الناس عن اإقراضها‪ ،‬فقد بنت لنفسها اقتصادا استامثراي‪،‬‬
‫مىت ما بدأ يعط مثاره‪ ،‬عاد الناس ونسوا اإفالسها وأقرضوها من‬
‫جديد‪ .‬وأحدث احلاالت يه ديب (عادوا الإقراضها “ ابلصكوك ”‬
‫بفائدة منخفضة ‪ %4‬ورشاكهتا ما تزال مفلسة)‪ .‬وكذكل الرجنتني‬
‫والربازيل وغريمه‪ .‬فادلاينة يريدون استامثر أمواهل‪ ،‬مفىت عادت احلياة‬
‫الاقتصادية يف ادلوةل أو الرشكة املفلسة‪ ،‬عاد ادلائنون يتسابقون عىل‬
‫اإقراضها‪ ،‬وهذا ما وصفه عنوان البحث املشار اليه يف الهامش سابقا‬
‫بأن‪ “ :‬لك مرة يُقال هذه املرة غري(أو خمتلفة) ” ‪.‬‬
‫وأما ادلول العربية‪ ،‬وادلول اليت حتمكها أنظمة فاسدة ديكتاتورية‪،‬‬
‫واذلين أغرقوا بالدمه بديون أضاعوها يف مغامرات عنرتية أو حروب‬
‫بسوس ية او سهرات أسطورية‪ ،‬فهم ال يس تطيعون االإفالس؛ لن‬
‫افالسهم يعين أهنم لن يس تطيعوا الاقرتاض مرة أخرى (فهم مل‬
‫يس متروا ادليون)؛ ومن مث ستنكشف مالءهتم املالية‪ ،‬فيعجزون عن‬
‫اإطعام شعوهبم اخلزب؛ فتضيع ممالكهم‪ .‬وذلا فهم يس مترون يف الاقرتاض‬
‫حىت يرهتنوا أنفسهم وشعوهبم عند دائينهيم‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫ودول النفط قد أنقذها هللا ابلبرتول‪ ،‬وإان اكنت تعيش نفس جوهر‬
‫مشلكة ادلول املتخلفة اليت ارهتنهتا ادليون‪ ،‬ولكن بسيناريو خمتلف لن‬
‫ادلائن خمتلف‪ ،‬فادلائن هو النفط‪ .‬فاالإنفاق عىل املشاريع فهيا ليس هل‬
‫معامل تضاعف ‪ ،‬وال قمية اقتصادية تمنوية‪ .‬فالتمنية من المنو‪ ،‬والمنو يعين‬
‫احلياة والتطور‪ ،‬وهذا ال يتحقق اإال ان يكون الاستامثر حيقق منوا‬
‫وتطورا يف العقول الوطنية‪ .‬والعقول العربية ال تنتفع ابملشاريع‬
‫الاقتصادية يف بالدها غالبا؛ لن من يقوم بتل املشاريع‪ ،‬رشاكت‬
‫أجنبية تظفر ابخلربة واملال‪ ،‬فال يؤدي االإنفاق التمنوي اإىل توظيف أبناء‬
‫البدل وال حيرك اقتصادمه وال يمن خرباهتم‪ .‬فقمية املشاريع يف بالدان‪ ،‬ما‬
‫يه اإال قمية اقتصادية اس هتالكية‪ ،‬نألكها بأضعاف لكفهتا !‬
‫وليك أرشح الفرق فسأيت مبثال‪ :‬فاحلروب يه اإنفاق حكويم‪ ،‬ويه يف‬
‫ادلول املتطورة تأيت ابدليون (من النوع الاستامثري) وتأيت ابالإفالس‬
‫أحياان (لكنه اإفالس ذيك) لهنا تنقلب اإىل مناء اقتصادي وتطور نوع ‪.‬‬
‫وما ذاك اإال لن اجملمتع نفسه هو يصنع السالح ويطوره‪ .‬فاالإنفاق‬
‫احلكويم زمن احلرب‪ ،‬يتضاعف أضعافا كثرية عىل الاقتصاد احمليل‬
‫فيخرجه بعد ذكل من ادلين واالإفالس‪ .‬واحلروب خترج اعىل من اعند‬
‫الشعوب من طاقات وابداعات‪ ،‬ذلا فاالإنتاج احلريب زمن احلروب‪،‬‬
‫يُطور الصناعة بقفزات فلكية‪.‬‬
‫وأما حروب العرب ومن شألكهم‪ ،‬فاالإنفاق علهيا ال يصب يف اجملمتع‪،‬‬
‫فلك السالح مس تورد‪ ،‬فتأيت ابدليون الاس هتالكية ال الاستامثرية‪.‬‬
‫املبحث الثاين االإفالس الاستامثري‬

‫‪344‬‬
‫احتال قرين س بان‪ 1‬لقومه بعد حادث احلادي عرش من سبمترب‬
‫‪٢٠٠١‬م ؛ من أجل اإخراج بالده من بداايت التباطؤ الاقتصادي‪،‬‬
‫واس تصنع منوا لالقتصاد المرييك قامئ عىل بيع أوراق مالية اس متر س بع‬
‫س نوات‪ .‬ومل يكن هذا الاحتيال بدعا من المر‪ ،‬فكثري مه اذلين‬
‫حيتالون لوطاهنم‪.‬‬
‫فقد تالعبت عدة دول أوربية – قبل الزمة املالية ‪ -‬ابدلفاتر‬
‫احملاسبية؛ من أجل توفري الس يوةل والمتويالت الالزمة لضامن اس مترارية‬
‫المنو يف بالدمه‪ .‬وأفضل من أجاد اللعبة أيسلندا‪ .‬فأيسلندا فتحت لك‬
‫البواب‪ ،‬وسهلت لك الطرق‪ ،‬ووفرت لك الوسائل لبنوكها‪ ،‬من أجل‬
‫أن تقرتض من اخلارج‪ ،‬ومن مث تُقرضها للرشاكت الوطنية‬
‫والاستامثرات ادلاخلية‪ .‬وعندما جاءت الزمة مل تكن أيسلندا مرتبطة‬
‫بأي ارتباطات س ياس ية أو اقتصادية أو نقدية قوية بأورواب أو بغريها‬
‫من ادلول الجنبية‪ .‬كام أهنا اكنت تطبق نوعا من التحمك يف احلركة‬
‫ادلولية لرؤوس الموال‪ ،‬فمل ختش من جهرة الموال اخلائفة من اخنفاض‬
‫قمية العمةل بسبب ا إالفالس‪ .‬وذلا؛ وعندما انتفخت البالونة‪ ،‬مل تقدم‬
‫أيسلندا فلسا واحدا لبنوكها احمللية املتورطة ابدليون الجنبية‪ ،‬وتركهتا‬
‫فريسة االإفالس من أجل أن يتحمل املقرضون الجانب تبعية الزمة‪،‬‬
‫وليس املواطنني اليسلنديني دافع الرضائب‪.‬‬
‫فعىل اإثر اإفالس البنوك اليسلندية ُشطبت كثري من ادليون الجنبية‪،‬‬
‫وتُسومح عام بق مهنا؛ فتخلصت أيسلندا من ادليون‪ .‬فعىل الرمغ من‬

‫‪ 1‬أطول من ترأس منصب رئيس الفدرايل المرييك‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫التضخم اذلي وصل ‪ %٢٥‬اذلي أعقب االإفالس بسبب خض وطبع‬
‫النقد‪ ،‬اإال أنه ال ياكئف مس توى اخنفاض قمية معلهتا احمللية اإىل أن وصل‬
‫اإىل النصف‪ .‬فتخفيض العمةل اكن همندسا أيضا‪ .‬فقد ضاعف من‬
‫صادرهتا وجفف وارداهتا؛ حىت عادت اإىل المنو القوي‪ .‬ووصلت البطاةل‬
‫اليوم اإىل أقل من نسبهتا الطبيعية (حوايل ‪ ،)٪٢‬وزاد دخل الفرد‬
‫اليسلندي عن دخل الفرد المرييك‪ .‬واس تطاعت احلكومة أن تقرتض‬
‫من جديد مبعدل حول ‪.٪٤‬‬
‫فاإفالس أيسلندا اكن اإفالسا استامثراي‪ ،‬اكإفالس مقاطعة أورجن يف‬
‫اكليفورنيا عام ‪١٩٩٥‬م‪ ،‬اليت تعد من أغىن وأرىق املقطعات المريكية‪،‬‬
‫متاما كام أن ايسلندا تعد من أعىن ادلول اليوم‪ .‬وكذكل فعلت ديب‪،‬‬
‫فاإفالسها اكن اإفالسا استامثراي‪ .‬فقد احتالت لنفسها؛ جفلبت الموال‬
‫الاستامثرية الجنبية‪ ،‬واس تغلت موضة “ الصريفة االإسالمية ” يف‬
‫الصكوك‪ ،‬فبنت اقتصادا استامثراي‪ ،‬نقلها من قرية حصراوية ال متل‬
‫شيئا من املوارد اإىل منوذج حيتذى به‪ .‬حىت اإذا جاءت الزمة املالية‪،‬‬
‫فعلت قريبا مما فعلته أيسلندا‪ ،‬فمل تتدخل حكومة ديب يف دمع‬
‫الرشاكت وجعلهتا تفلس وجترب ادلائنني عىل اإعادة اجلدوةل دون‬
‫تعويضات ‪-‬وخاصة الصكوك اذلين ال حق هلم قانوين‪ .-‬ورسعان ما‬
‫عاودت ديب الاقرتاض مبعدل قريب من ‪ ،٪٤‬كيسلندا‪ .‬فهذه ثالثة‬
‫مناذج دلول ومقاطعات احتال حكامؤها لوطاهنم وشعوهبم‪ ،‬وجنحوا‬
‫جناحا كبريا‪ .‬واكن للك واحدة مهنا سيناريو خاص هبا وظروف تالمئها‪.‬‬
‫واليوانن وإايطاليا وإاس بانيا والربتغال وحىت فرنسا‪ ،‬لكهم ركبوا موجة‬
‫الاحتيال الكربى‪ ،‬اذلي ابتدأها قرين س بان الإنقاذ اقتصاد بالده بعد‬
‫‪346‬‬
‫حادث سبمترب ‪٢٠٠١‬م‪ ،‬لكهنم خرسوا ! لهنم قدلوا بال فهم‪.‬‬
‫فظروف الاحتاد الوريب واليورو‪ ،‬وحرية انتقال الموال لها‬
‫مالبسات‪ ،‬ما ُأحسن اعتبارها‪.‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬افالس ادلول‬
‫اكنت ادلوةل قدميا تتحصل عىل احتياجياهتا املالية‪ ،‬سواء أاكنت نقدا‬
‫اكذلهب والفضة أو سلعا اكلنعام والسالح‪ ،‬اإما عن طريق الغنامئ‬
‫واجلباايت (اكلزاكة واخلراج) وإاما عن طريق الرضائب (اكملكوس‬
‫واالإاتوات)‪ .‬فاإن جعزت ادلوةل عن حتصيل ما يغط نفقاهتا لعجزها‬
‫العسكري يف حتصيل الغنامئ أو ضعفها الس يايس لتحصيل اخلراج أو‬
‫فقر مواطنهيا عن دفع الزاكة‪ ،‬اضطرت ادلوةل لالس تدانة من البعيد‬
‫والقريب‪ .‬حىت اإذا جعزت عن السداد أفلست ادلوةل وقدمت العذر‬
‫للعدو ادلاخيل واخلاريج ليُسقطها مث تقوم عىل أطاللها دوةل أو‬
‫دويالت جديدة‪.‬‬
‫واخزتايل لسقوط ادلول ابإفالسها الاقتصادي أىت من حقيقة أن املال‬
‫يف الغالب هو من جيهز اجليوش‪ ،‬ويشرتي الوالءات ويشف الصدور‬
‫ويذهب غيظ القلوب‪ .‬واالإفالس الاقتصادي تظهر نتاجئه خالل معر‬
‫الشخص الواحد واما االإفالس الس يايس أو الاجامتع أو الخاليق‬
‫فغالبا ما تتطلب ظهور نتاجئه أجيال عدة‪.‬‬
‫مبحث‪ :‬أنواع ادليون احلكومية‬
‫أوال‪ :‬ادليون ابلعمةل احمللية‬

‫‪347‬‬
‫ادليون احلكومية ابلعمةل احمللية‪ ،‬ال تُفلس ادلوةل مطلقا‪ ،‬برشط عدم‬
‫اس تقاللية البنك املركزي‪ ،‬ويه عىل طريقتني‪ ،‬طريقة الضخ وطريقة‬
‫التدوير‪.1‬‬
‫فف العرص احلديث‪ ،‬عندما حتتاج ادلوةل اإىل االإنفاق ادلاخيل وصار‬
‫دلهيا جعز يف املزيانية‪ ،‬مفا علهيا اإال أن تصدر س ندات تبيعها عىل البنك‬
‫املركزي اذلي يقوم بدوره بضخ “ طباعة ” الوراق النقدية من غري‬
‫غطاء مقابل هذه الس ندات‪ .‬وهذه زايدة يف النقد احمليل‪ .‬فاإن مل ينجح‬
‫الاقتصاد احمليل يف انتاج سلع وخدمات حقيقية تساوي قميهتا قمية هذا‬
‫النقد‪ ،‬فعىل البنك املركزي أن يقوم بتدويرها يف الاقتصاد احمليل‪،‬‬
‫وذكل عن طريق اإجياد مستمثرين حمليني‪ ،‬يشرتون هذه الس ندات من‬
‫البنك املركزي من أجل امتصاص النقد اجلديد اذلي ُخض يف السوق‬
‫احمللية‪ .‬فاإن مل يس تطع اإجياد زابئن‪ ،‬فس تتناقص غالبا قمية العمةل داخليا‬
‫مما ينتج عنه تضخام سعراي‪ ،‬كام سينعكس عىل القمية احلقيقية لهذه‬
‫الوراق دوليا‪ ،‬فينخفض سعر رصفها‪.‬‬
‫ولهذا ال يصلح ان تكون العمةل مربوطة‪ .‬لهنا اإذا اكنت مربوطة واكن‬
‫الانفاق احلكويم حمليا‪ ،‬فاحملافظة عىل سعر الرصف س يكون عن‬
‫طريق ادلفع من الاحتياطيات الجنبية‪ ،‬فتصري معلية الاس تدانة‬
‫مزدوجة حماسبيا‪ .‬وهذا برشط أن يكون الانفاق احلكويم حمليا‪ ،‬ال‬
‫خارجيا (لنه ان اكن اإنفاقا خارجيا فال يعترب تدويرا وال خضا‪ ،‬بل جتفيفا‬
‫للس يوةل احمللية ‪-‬ابفرتاض عدم تعويضها من البنك املركزي)‪ .‬وتعمتد‬

‫‪ 1‬ومعوما‪ ،‬يغلب أال يشرتي مستمثر س ندات أجنبية بعمةل مربوطة ضعفية (لن رشاء املستمثرين س ندات اجنبية بعمةل معومة (لعمالت ليست عاملية) فهيا خماطرة أصال‪،‬‬
‫الإماكنية ختفيض قمية العمةل‪ ،‬فكيف اإن أضيف لهذا خماطرة الربط؟ فكرس الربط عادة يتبعه اهنيار للعمةل ال ختفيض لقميهتا)‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫نس بة الازدواجية يف هذه احلاةل‪ ،‬عىل نس بة اعامتد الاقتصاد احمليل‬
‫عىل الانفاق احلكويم مع نس بة اعامتد الاقتصاد عىل الاس ترياد‪ .‬فبعض‬
‫دول اخلليج مثال‪ ،‬قد تبلغ ازدواجية حساابهتا الس تدانهتا احمللية‪،‬‬
‫‪ ،٪١٠٠‬فهي تسجل دين حميل علهيا‪ ،‬وتسدده مرتني‪ .‬مرة عند‬
‫خروجه من احتياطياهتا الجنبية‪ ،‬ومرة اثنية وقت اس تحقاق سداد‬
‫ديهنا‪.‬‬
‫ومن المثةل عىل الاس تدانة ابلتدوير لعمةل مربوطة‪:‬‬
‫املرصوفات يف املزيانية السعودية‪ .‬فهي تساوي تقريب ًا ما خيرج من‬
‫السعودية من أموال الس ترياد بضائع أو خدمات أو استامثرات‪..‬‬
‫فاملزيانية السعودية يف حقيقهتا يه عبارة عن دفع اإيصاالت ابدلوالر‬
‫للجهات املس تفيدة عىل حساب احلكومة الجنيب ‪.‬وحساب احلكومة‬
‫الجنيب هو مبيعات البرتول‪ .‬مفا يزيد من اإيراد البرتول عن‬
‫املرصوفات‪ ،‬فهو اذلي جت َّمع يف الاحتياطيات‪ ..‬وما ينقص من اإيراد‬
‫البرتول عن مرصوفات لس نة ما‪ ،‬فهو نقص يف الاحتياطيات ‪.‬‬
‫اإذا‪ ،‬فهمنا ذكل عرفنا أن أي جعز يف املزيانية سينعكس عىل نقص يف‬
‫الاحتياطيات‪ ،‬ولو اقرتضت ادلوةل حملي ًا ومن البنوك‪ ،‬ما دامت‬
‫القروض ابلرايل السعودي ‪.‬‬
‫ومعىن أن مرصوفات املزيانية تساوي مجموع بند «مدين» يف احلساب‬
‫اجلاري ملزيان املدفوعات‪ ،‬يعين أنه ال يُوجد حملي ًا من يُقرض احلكومة‬
‫دون أن تنعكس قمية الاقرتاض عىل نقص مماثل يف الاحتياطيات‬
‫الجنبية‪ .‬اللهم اإال أن اكن القرض ابدلوالر والسداد مث ًال ابلرايل‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫مفث ًال‪ ،‬البنوك دلهيا اليوم موجودات أجنبية تزيد عىل مطلوابهتا‬
‫الجنبية مبقدار مائيت مليار رايل‪.‬‬
‫فاإن أقرضت البنوك موجوداهتا الجنبية الزائدة عن حاجهتا للحكومة‬
‫مقابل س ندات ابلرايل السعودي‪ ،‬فهذا االإقراض لن ينعكس نقص ًا يف‬
‫الاحتياطيات‪.‬‬
‫ذلا فاالقرتاض احلكويم حملي ًا جيب أن ال يكون اإال اإن اكن اقرتاض ًا من‬
‫معةل أجنبية‪ ،‬أو اقرتاض ًا مس هتدف ًا لموال سعودية اكنت س تخرج‬
‫لالستامثر الجنيب‪ ،‬أو اقرتاض ًا لسحب س يوةل حمسوبة بسبب وقف‬
‫بعض املشاريع غري املهمة مث ًال‪ ..‬وما عدا ذكل‪ ،‬مفا هو ازدواجية‬
‫تسجيل َّد ْين‪.‬‬
‫ومن المثةل احلديثة لالس تدانة بضخ العمةل يف نظام معوم‪:‬‬
‫نراها يف حاةل فزنويال‪ .‬فقد اس مترت حكومهتا ابالس تدانة بعملهتا احمللية‬
‫– ويه معةل معومة – ومل يقابل هذا زايدة انتاج فلجأت لزايدة‬
‫الفوائد‪ ،‬لتعوض املستمثرين خسار تناقص قمية العمةل‪ ،‬حىت جعزت‬
‫أخريا أن جتذب املستمثرين لرشاء س نداهتا يف التسعينات‪ ،‬رمغ أهنا‬
‫رفعت سعر الفائدة علهيا اإىل ما يصل اإىل ‪.٪١٠٠‬‬
‫فهذه فزنويال مل تفلس‪ ،‬الن ديهنا اكن ابلعمةل احمللية‪ ،‬ولكن اكن ذكل‬
‫عىل حساب تناقص قمية معلهتا ‪ ٪١٠٠٠‬بسبب الاس تدانة ابلضخ‪.‬‬
‫وادلين يسدد ابلعدد ال ابلقمية‪ ،‬مفهام بلغت قمية ادليون ابلعمةل احمللية‪،‬‬
‫فلن ُجت َرب ادلوةل عىل االإفالس‪ .‬لكن االإشاكلية‪ ،‬أن جتد ادلوةل من‬
‫يقرتض مهنا أصال‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫وختفيض قمية ادلين عن طريق ختفيض قمية العمةل املعومة‪ ،‬بزايدة خضها‬
‫كقروض من أجل االإنفاق احلكويم‪ ،‬هو يف الواقع حيةل س ياس ية‬
‫نقدية‪ ،‬يس تطيع الس ياس يون أن يس تخدموها لتجنب التبعيات املؤملة‬
‫س ياس يا الناجتة عن اإجراءات التقشف لتغطية العجز يف االإنفاق‪،‬‬
‫كزايدة الرضائب أو اكإيقاف االإعاانت أو اخلدمات العامة اجملانية‪.‬‬
‫فاإذا عند التأمل‪ ،‬فف لك الحوال‪ ،‬ال ميكن أن يؤدي ادلين اإىل‬
‫اإفالس ادلوةل طاملا أن الس ندات مقومة ابلعمةل احمللية الإن الوفاء‬
‫مبس تحقاهتا ال يلكف ادلوةل اإال خض “ طباعة ” العمةل‪ ،‬فتلغ ادلين‬
‫بسداده رمقيا ال قمييا‪ .‬ولكن س يكون عىل حساب اخنفاض قمية العمةل‬
‫أو كرس نظام الربط‪ ،‬هذا اإن اكن الاقتصاد يقدر عىل كرس العمةل‪ .‬ويف‬
‫الك احلالني س يخرس محةل الس ندات واحملتفظون هبذه الوراق اليت‬
‫ستهنار قميهتا ابهنيار قوهتا الرشائية‪ .‬وأما ادلوةل فيكون ذكل طريقة‬
‫لشطب ديوهنا والتخلص مهنا‪ ،‬ولكهنا قد تكون طريقة ملكفة جدا‪،‬‬
‫كمنور اس يا اليت ذكرانها سابقا‪ ،‬أو تكون حال راحبا كام ذكران سابقا يف‬
‫حال بريطانيا عام ‪١٩٩٢‬م‪ .‬وقد تكون لكفة خسارهتا تمتثل يف ضياع‬
‫الثقة يف بنظاهما النقدي‪ ،‬مما يتسبب هبجران العمةل الوطنية حىت من‬
‫السوق احمللية‪ ،‬وهذه لكفة قد يتبعها اهنيار النظام الس يايس لدلوةل‪.‬‬
‫وهناك صورة أخرى من اإفالس ادلوةل الاقتصادي‪ ،‬وهو عندما تكون‬
‫العمةل مربوطة بأقوى أنواع الربط للعمةل‪ ،‬أال وهو رابط العمةل املوحدة‬
‫اكليورو‪ .‬فف هذه احلاةل ادلوةل ليس لها حق خض النقد‪ ،‬بل علهيا‬
‫اس تخدام طريقة التدوير‪ ،‬عن طريق إاصدار الس ندات وبيعها عىل‬
‫املؤسسات املالية والتجارية القامئة‪ .‬أي أهنا ال تضخ “ تطبع ” نقدا‬
‫‪351‬‬
‫جديدا بل تمتول من النقد املوجودة أصال يف النظام املايل‪ .‬وحيق لهذه‬
‫البدل أن ترفع معدل الفائدة جلذب املستمثرين اإلهيا‪ .‬فلو مل تس تطع ادلوةل‬
‫سداد مس تحقاهتا‪ ،‬فقد تعلن اإفالسها وتُتخذ االإجراءات املناس بة بعد‬
‫ذكل واليت مهنا ما قد يصل يف حاالت معينة اإىل طرد ادلوةل من‬
‫الاحتاد النقدي الوريب‪ ،‬وهذا ما ال ميكن حدوثه اإذا اكنت رغبة أوراب‬
‫ما تزال قامئة يف فرض معةل دولية قوية توحد قلوب الوربيني‪.‬‬
‫اإذن فدول أوراب هنا‪ ،‬كوضع والايت أمرياك امخليس‪ ،‬حيث أنه ال‬
‫تس تطيع والية من الوالايت الامريكية أن تضخ ادلوالر‪ ،‬دون ان يوثر‬
‫ذكل يف عرض النقود يف لك أمرياك‪ ،‬كحال دول احتاد اليورو ابلضبط‪.‬‬
‫ولو افرتضنا جواز ذكل لتسابقت الوالايت عىل الاس تدانة بضخ‬
‫ادلوالرات‪ ،‬حىت تغرق السوق النقدية الامريكية‪ ،‬لن السوق النقدية‬
‫س تكون يف نظر للوالايت اكملثل القائل “ كل او لخيك أو لذلئب ”‬
‫وليس احلال كذكل مع احلكومة الفدرالية وهذا هو الفرق بني البنك‬
‫الوريب والفدرايل المرييك‪ .‬فاس تقاللية البنك الوريب‪ ،‬اس تقاللية‬
‫رصفة عن مجيع دول اليورو الوربية‪.‬‬
‫وهذه ادلول الاوربية ختتلف اقتصادايهتا‪ ،‬فال يس تطيع البنك املركزي‬
‫الوريب ان يضخ اليورو حبرية اتمة يف حاةل حدوث أزمات عند دول‬
‫دون دول‪ .‬وهذا خبالف الاحتياط الفدرايل المرييك‪ ،‬فالوالايت‬
‫المريكية لكها دوةل واحده يف نظره‪ ،‬وحركة التنقل بني الوالايت‬
‫العاملية سلسة وليست كدول اليورو‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫والاحتياط الفدرايل المرييك هل اثنا عرش فرعا‪ ،1‬لكها اتبعة هل‪ .‬فهو‬
‫يعمل اكلبنك املركزي للوالايت املتحدة المريكية‪ ،‬وهو املس ئول‬
‫واملنظم مجليع الاحتياجات النقدية للحكومة الفدرالية وكذكل للسوق‬
‫النقدية الامريكية كلك‪ .‬وأما الفروع االثين عرش فهي تقوم بتنفيذ‬
‫اإجراءاته وببيع ورشاء الس ندات يف نطاقها اجلغرايف عند احلاجة حسب‬
‫توجهيات الاحتياط الفدرايل المرييك‪ ،‬كام تقوم مبا حيتاجه النظام‬
‫البنيك وما حتتاجه البنوك التجارية اليت يف نطاقها‪ ،‬اكملقاصات وحفظ‬
‫الاحتياطيات البنكية‪ ،‬واملراقبة وحنو ذكل‪.‬‬
‫أما اذلي ميل صالحية خض “ طبع ” خلق ادلوالر (نقر الرقام يف‬
‫احلواسب اللية ) أو توجيه احد فروعه بذكل‪ ،‬فهو الاحتياط‬
‫الفدرايل المرييك‪ ،‬أو أحد فروعه بأمر منه‪ .‬وهذه ادلوالرات تسمى “‬
‫ابلنقد ذو القوة العالية ” فهو أصل توليد النقد بعد ذكل‪ .‬وإاصدار‬
‫ادلوالرات هو يف الواقع سلسةل من االإجراءات الصورية املعقدة اليت‬
‫تنهتي ‪:‬‬
‫اإما بدوالر وريق اخرض‪ ،‬يدور أمرياك والعامل يف معليات بيع ورشاء‬
‫ذلاته‪ ،‬وهممته الساس ية املقايضة لسلع وخدمات حقيقية يف السوق‬
‫السوداء أو يف أسواق أمرياك أو أسواق الاقتصادايت الجنبية‬
‫املتخلفة‪.‬‬

‫‪ 1‬بنك الاحتياط الفيدرايل يف سان فرانسيسكو‪ ،‬بنك الاحتياط الفيدرايل يف دالاس‪ ،‬بنك الاحتياط الفيدرايل يف مدينة اكنساس بنك الاحتياط الفيدرايل يف‬
‫مينيابوليس‪ ،‬بنك الاحتياط الفيدرايل يف سانت لويس ‪ ،‬بنك الاحتياط الفيدرايل يف ش ياكغو‬
‫بنك الاحتياط الفيدرايل يف اتالنتا‪ ،‬بنك الاحتياط الفيدرايل يف ريتشموند‪ ،‬بنك الاحتياط الفيدرايل يف لكيفالند‬
‫بنك الاحتياط الفيدرايل يف فيالدلفيا‪ ،‬بنك الاحتياط الفيدرايل يف نيويورك‪ ،‬بنك الاحتياط الفيدرايل يف بوسطن‬

‫‪353‬‬
‫وإاما أن يكون دوالرا رمقيا‪ ،‬وهذا يدخل يف معليات التوليد البنكية‬
‫ليتنقل بعد ذكل يف معليات بيع ورشاء ذلاته‪ ،‬داخل وخارج أمرياك‪،‬‬
‫من خالل وديعة او س ند او حنوه من اشاكل ادليون‪ .‬تغلب عليه هممة‬
‫استيداع الرثوة ابلنس بة للمستمثر‪ ،‬وهممة املقايضة لسلع وخدمات‬
‫حقيقية يف السوق ادلولية‪ ،‬كام انه أداة للتحمك ابملعروض النقدي يف يد‬
‫الس ياسة النقدية المريكية‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬ادليون ابلعمةل الجنبية‬
‫وأما اإذا اس تدانت ادلوةل (أي دوةل سواء اكنت مضن احتاد نقدي أو مل‬
‫تكن) بعمةل أجنبية ومل تس تطع السداد لرأس املال أو الفوائد املتحصةل‬
‫عنه فهنا تُفلس ويطلق عليه اإفالس ادلوةل‪ .‬واذلهب يعترب معةل اجنبية‬
‫عىل لك ادلول املرتبطة به‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫تطبيق‪ :‬هل ميكن أن تفلس أمرياك كام أفلست من قبل‬
‫وجيب الانتباه بداية‪ ،‬انه عند اإطالق اللفظ بأمرياك فامي يتعلق ابلنقد‪،‬‬
‫فاإننا نقصد احلكومة الفدرالية‪ ،‬ال الاحتياط الفدرايل‪.‬‬
‫فهل ميكن أن تفلس أمرياك؟ تفلس اختيارا‪ :‬نعم ممكن‪ .‬تفلس جربا‪:‬‬
‫يس تحيل هذا اإال أن يكون المر قد تعدى احلكومة الامريكية اإىل‬
‫مصاب جلل شل الاقتصاد المرييك وابلتايل الاقتصاد العامل ‪.‬‬
‫ولكن مل يس تحيل أن تُفلس أمرياك وقد أفلست دول من قبل كروس يا‬
‫والرجنتني والربازيل وغريها؟ و إان اكن اإفالس أمرياك جرباي‪،‬‬
‫مس تحيال‪ ،‬فكيف تعبثت موديز فهددت بتخفيض ائامتنية احلكومة‬
‫المريكية‪ ،‬مث جاءت س تاندر أند بورز‪ ،‬فس بقت خففضت ائامتنية‬
‫احلكومة المريكية‪ .‬ومث فلنقف قليال! أال يوجد يف اترخي أمرياك املايل‬
‫نوع من أنواع االإفالس؟‬
‫س بق أن قلنا‪ :‬اإن اإفالس ادلوةل املعين هو جعز حكومهتا عن سداد‬
‫ديوهنا أو الزتاماهتا املس تحقة علهيا‪ ،‬سواء أاكنت عىل شلك س ندات أو‬
‫قروض مبارشة أو ديون مشرتايت أو الزتامات مالية‪ ،‬وحنو ذكل‪.‬‬
‫وقلنا كذكل‪ ،‬أن أي دوةل تس تدين بعملهتا الوطنية يس تحيل معليا‬
‫(بعد فك الربط عن اذلهب) أن تُفلس لن البنك املركزي يس تطيع‬
‫طباعة النقد وتسديد ادلين‪ .‬وادلول اليت أفلست كروس يا والرجنتني‬
‫وغريهام اإمنا أفلست لن ديوهنا اكنت ابدلوالر أي بعمةل أجنبية ال‬
‫تس تطيع طباعهتا‪ ،‬وذلا فادلول الوربية اليوم املنضمة لليورو لكها‬
‫معرضة ل إالفالس لهنا ال تس تطيع طباعة اليورو حفالها كحال والية من‬
‫الوالايت المريكية كاكليفورنيا أو تكساس وغريهام فهم عرضة‬
‫ل إالفالس لهنم ال يس تطيعون طباعة ادلوالر‪ ،‬ولكن القانون ال يسمح‬
‫هلم‪ ،‬ف ُتجرب الوالية عىل موازنة حساابهتا‪.‬‬
‫ادلين المرييك املرتامك من جعوزات املزيانيات للحكومة المريكية من‬
‫الامثنينيات حىت الن‪ ،‬قد تعدى العرشين تريليوان‪.‬‬
‫وموديز اول من هدد بتخفيض تقيمي ائامتنية احلكومة المريكية‪ ،‬وذكل‬
‫من منطلق طرح نظري ال ينطبق عىل ادلوالر‪ ،‬ذلا مل تنطبق نتاجئ‬
‫ختفيض ائامتنية احلكومة الامريكية مع النتيجة النظرية لهذا التنظري‪.1‬‬
‫فأما منطلق موديز النظري فهو قامئ عىل‪ :‬أنه حيق دس توراي للكوجنرس‬
‫المرييك عدم اإقرار رفع سقف ادلين احلكويم‪ ،‬اإذا جتاوز نسبته املقررة‬
‫مقارنة ابدلخل‪ ،‬واليت قد تعداها ادلين احلكويم‪ .‬أي أن عىل حكومة‬
‫أوابما أن ترفع الرضائب وختفض االإنفاق لتقلص العجز فتس تطيع أن‬
‫تنفق عىل خدمة ادلين وإاال فسوف تفلس بعجزها عن خدمة ادلين‪!2‬‬
‫وس تصبح اخلزانة المريكية عاجزة عن تسديد بعض املس تحقات اليت‬
‫علهيا‪ ،‬كجور العاملني واملناقصات واملشاريع احلكومية ومس تحقات‬
‫املتقاعدين وسداد الفوائد وادليون احلاةل الجل‪.‬‬
‫وعدم تسديد املس تحقات ادلاخلية كحقوق املتقاعدين‪ ،‬هل أاثر خطرية‬
‫اقتصادية وس ياس ية واجامتعية مبارشة عىل ادلخل المرييك‪ ،‬كام هل أاثر‬
‫غري مبارشة عىل العامل أمجع‪ .‬وأما عدم سداد ادليون ومس تحقاهتا فاإن هل‬
‫أاثر مبارشة خطرية ومدمرة للنظام الاقتصادي واملايل العامل ‪ .‬فالعجز‬

‫‪- 1‬يف اعتقادي‪ -‬اهنا جمرد مناورات الس ياس ية القذرة اليت يتبعها احلزب امجلهوري من أجل االإطاحة ابلرئيس السود وذكل ابإرغامه عىل رفع الرضائب وختفيض ا إالنفاق‬
‫فيخرس الانتخاابت القادمة‪.‬‬
‫‪- 2‬والرئيس السود داهية مطلع‪ ،‬يعمل يقينا أن ال أحد جيرؤ أن يقرتح جداي ابإفالس االإمرباطورية المريكية‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫عن سداد مس تحقات ادليون احلكومية المريكية هل ُمتعلق مبارش‬
‫ابدلوالر‪ ،‬وسقوطه املفاجئ من عرش العمةل الاحتياط‪ 1‬ادلولية هل‬
‫تبعيات مدمرة عىل الاقتصاد العامل ‪.‬‬
‫وليك أبسط عىل القارئ غري املتخصص‪ ،‬وأرشح هل ‪-‬بصورة متثيلية‪-‬‬
‫النظرية اليت تتنبأ بدمار عامل اقتصادي يف حاةل اإفالس أمرياك‪،‬‬
‫فلنتخيل أنه يف العصور الوسطى أصاب اذلهب يف العامل لكه عفن‬
‫وفساد‪ .‬فبالرمغ من بساطة الاقتصاد واملعامالت ادلولية يف العصور‬
‫القدمية‪ ،‬اإال أننا ميكن أن نتخيل الفوىض العاملية اليت س تحدث يف‬
‫اجلوانب املالية والاقتصادية واحلقوقية‪ ،‬وأثر ذكل عىل الاقتصادايت‬
‫العاملية والس ياسات ادلولية‪ .‬فوضع ادلوالر اليوم يف حاةل اإفالس أمرياك‬
‫مشابه للحاةل املُتخيةل يف حاةل فساد اذلهب وتعفنه يف العصور القدمية‪،‬‬
‫اإال أنه اليوم أشد تعقيداً وخطراً نظراً لتعقد املعامالت ادلولية التجارية‬
‫واملالية وتشعهبا وتشابكها‪.‬‬
‫لكن قد يناظران منظر فيقول‪ :‬لو تصوران ‪ -‬يف املثال السابق ‪ -‬أن‬
‫الناس وادلول يف العصور الوسطى اكنوا يدركون أن فساد اذلهب هو‬
‫فساد مؤقت‪ ،‬وأنه س يعود كام اكن‪ ،‬فهل سيتخىل العامل عن اذلهب وال‬
‫بديل لذلهب أنذاك اإال نظام املقايضة البدايئ العاجز عن التمثني‬
‫والتسعري ادلقيق؟ وقول املناظر حصيح‪ .‬وعليه فاإين أعتقد أنه لو‬
‫افرتضنا جدال‪ ،‬وقع اإفالس أمرياك‪ ،‬فاإن وضع ادلوالر كعمةل احتياط لن‬

‫‪ 1‬ومعىن معةل الاحتياط كام س بق أن بينا‪ :‬أهنا العمةل اليت فرضت نفسها سوقياً عىل العامل بأن تكون يه مرجع التسعري‪ /‬التمثني ووس يةل للتصفيات والتبادل يف املعامالت‬
‫ادلولية وغطاء للعمالت املتنوعة‪ ،‬ويه اليوم ادلوالر اذلي حل حمل اذلهب اذلي اكن يف كثري من العصور هو معةل الاحتياط ادلولية‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫يتأثر الإدراك السوق العاملية أن هذا االإفالس هو اإفالس اختياري‬
‫س يايس داخيل‪ ،‬وليس اإجبار ًاي اقتصاد ًاي‪.‬‬
‫فقد اكن جمرد التفكري قبل عام ‪٢٠١١‬م ابإفالس أمرياك يعترب جنو ًان‬
‫وسذاجة اقتصادية‪ ،‬ولكن هذا الطرح اجلنوين حصل عىل مس توى‬
‫ترشيع ‪-‬وهو الكوجنرس ‪ -‬مث أتبعه أمراً أخر‪ ،‬اكن هو أيض ًا من‬
‫املس تحيالت‪ ،‬وهو الهتديد بتخفيض التصنيف االئامتين المرييك‪ ،‬من‬
‫قبل واكةل التصنيف االئامتين موديز‪ .‬وادلليل عىل سذاجة القول‬
‫ابإفالس أمرياك أو سطاحة هتديد واكةل موديز‪ ،‬فلننظر نتيجة هذا‬
‫التخفيض للتصنيف االئامتين لدليون المريكية‪ .‬فعندما خفضت واكةل‬
‫س تاندارد أند بورز فعليا التصنيف االئامتين المرييك‪ ،‬اكنت ردة فعل‬
‫السوق العاملية معاكسة متام ًا لتنبؤات النظرية اليت جنحت يف اإثبات‬
‫مصداقيهتا يف مجيع احلاالت (ما عدا حاةل الياابن لوضعها اخلاص‪.)1‬‬
‫فالنظرية تُميل بأن ختفيض التصنيف االئامتين لدلين احلكويم المرييك‬
‫س ينتج منه اخنفاضا لسعار الس ندات احلكومية المريكية‪ ،‬نتيجة‬
‫النرصاف الناس عهنا؛ ما يسبب ارتفاع عوائدها‪ ،‬أي ارتفاع أسعار‬
‫الفوائد للس ندات اجلديدة‪ .‬وهذا ما حصل عكسه ابلضبط؛ فقد ارتفع‬
‫الطلب العامل عىل الس ندات المريكية مبجرد ختفيض التصنيف‬
‫فارتفعت أسعار الس ندات‪ ،‬فاخنفضت عوائدها اإىل مس توى اترخي مل‬
‫حيصل مطلق ًا يف اترخي أمرياك؛ حىت صار سلبيا‪ ،‬مما نتج منه اخنفاض‬
‫يف أسعار الفوائد للس ندات اجلديدة‪ .‬فهبذا تقوى مركز ادلوالر بدالً‬

‫‪ 1‬املمتثل بوجود تريليوانت من الس ندات الامريكية عند البنك املركزي‪ .‬فارتفاع ادلين احلكويم الياابين اإمنا هو لضبط تسجيل احلساابت يف دمعها لالقتصاد‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫من اإضعافه‪ .1‬متاما كام حدث بعد فصل ادلوالر عن اذلهب‪ ،2‬ان تقوى‬
‫ادلوالر ابس تقالليته‪ .‬ويف الواقع اإن هذا الفصل يف حقيقته الشمولية‬
‫هو افالس‪ ،‬لعدم الوفاء ابلزتام أمرياك بتقدمي اذلهب مقابل ادلوالر‪.‬‬
‫ولكنه مل يعد رمسيا بأنه افالس‪ ،‬واعتقد أن السبب هو أن التخلف عن‬
‫الزتام ضامن اذلهب ابدلوالر‪ ،‬جاء رمسيا من البنك املركزي أي من‬
‫الاحتياط الفدرايل وليس من احلكومة المريكية‪.‬‬

‫‪ 1‬ففشل النظرية االئامتنية عام ‪ 2011‬اكن انبعاً أساساً من عدم وجود بديل عن ادلوالر كعمةل احتياط دولية‪ .‬وأصبح ختفيض التصنيف االئامتين لمرياك اإشارة للسوق‬
‫ادلولية بأن هناك حاةل عاملية مرتدية اقتصادايً وغري واحضة املعامل؛ ما دفع العامل للهروب لكرث املالذات أمناً‪ ،‬وهو الس ندات المريكية احلكومية‪.‬‬
‫‪ 2‬عندما خرج نيكسون يف عام ‪1971‬م يف خطاب اس هتتاري ابلعامل أمجع يعلن تنصل أمرياك من معاهدة برتن وود اليت وقعت عام ‪1944‬م وختلهيا عن الزتاهما ابستبدال‬
‫ادلوالرات ابذلهب‪،‬‬

‫‪359‬‬
‫خامتة‬
‫من أجل عقلية اقتصادية متفوقة‬
‫التصورات الاقتصادية عند الكثري يف العامل الثالث مشوشة جداً‪،‬‬
‫ويرجع ذكل اإىل أس باب دينية واترخيية‪ .‬فالنظام الاقتصادي املوصوف‬
‫يف الداين‪ ،‬مل يعد هل وجود تقريب ًا يف هذه احلقبة اليت نعيش فهيا اليوم‪.‬‬
‫وأما اترخيي ًا‪ ،‬فقد عاش العامل يف القرن املايض حر ًاب أيديولوجية‬
‫اقتصادية بني الرشق والغرب‪ .‬فهي وإان ُخدت انرها‪ ،‬اإال أن رماد‬
‫حطاهما الفكري ما زال ابقي ًا يغىش العيون‪ .‬ففشل الاشرتاكية املروع‪،‬‬
‫مع دخول تعديالت كثرية عىل الرأساملية‪ ،‬ترك فراغ ًا تنظري ًاي ملفاهمي‬
‫السواق واالإنتاج‪ ،‬تلقفته بقااي الاشرتاكية وبعض العرب والعجم من‬
‫المم املتخلفة اقتصاد ًاي‪ ،‬فأخذوا جيرتونه‪ ،‬فيسلون أنفسهم عن فشل‬
‫أممهم يف اللحاق ابلركب الاقتصادي احلديث‪.‬‬
‫والاقتصاد احلديث ابن الغرب‪ .‬والغرب قد جتاوز معظمه الاشرتاكية‬
‫واالإقطاعية‪ ،‬مفا عاد مفكروه يكرتثون لتفنيد الاشرتاكية أو االإقطاعية أو‬
‫حىت توضيح مفهوم الرأساملية احلديث‪ ،‬فأمهلوا التنظريات القدمية يف‬
‫انطالقهتم وراء تطوير الامنذج الرايضية واالإحصائية‪ .‬وهذا يف الواقع‪،‬‬
‫قد سبب غلبة التخصصات ادلقيقة عىل علوم الاقتصاديني؛ مما أحدث‬
‫ضياع ًا لفهم املفاهمي الاقتصادية الساس ية التنظريية عند النخب‬
‫الاقتصادية‪ ،‬فض ًال عن عامة الناس‪.‬‬
‫ومشألك الاقتصاد الكربى املس تعصية‪ ،‬غالب ًا ما تكون متشابكة يف‬
‫أصولها وفروعها‪ .‬والفهم العميق لهذه املشألك‪ ،‬ال ميكن حتقيقه ما مل‬

‫‪360‬‬
‫تُفهم‪ ،‬هذه املفاهمي من الوسط الاقتصادي املتخصص‪ ،‬ومن معوم‬
‫الناس كذكل‪ .‬فأصعب الفهم‪ ،‬فهم عقل قد س بق اإليه تصور سابق‬
‫خمالف‪.‬‬
‫والفكر االإبداع والاخرتاعات وإان اكنت تُنسب لشخص واحد‪ ،‬اإال‬
‫أهنا يف الواقع نتيجة لفاكر اجملمتع من حوهل‪ .‬فاس تطاع هذا املفكر أو‬
‫اخملرتع الربط بيهنا‪ ،‬مث وجد لها سوق ًا عند طرهحا‪ ،‬فكذكل هو الاقتصاد‬
‫وعلومه وتطبيقاته‪ .‬ومثل أثر غياب فهم الاقتصاد داخل أوساط‬
‫السوق‪ ،‬مكثل أثر غياب العلامء‪ :‬يُنتج عن بقاء اللك يف اجلهل‪.‬‬
‫(والسوق هنا‪ ،‬هو مجهور الناس)‪.‬‬
‫ذلا مفحاوةل فتح البحث والتأمل والتنظري والتبيني للمفاهمي الاقتصادية‬
‫القامئة اليوم‪ ،‬ورفع اخللط بيهنا‪ ،‬همم جداً يف تصور الاقتصاد والتنبؤ به‪،‬‬
‫وابلتايل اختاذ القرارات والس ياسات الاقتصادية المثل‪ .‬كام أنه همم‬
‫جداً لفهم ترشيعات الداين‪1‬وفلسفة س ياسات احلمك واجملمتعات‬
‫االإنسانية‪ ،‬ويف تطوير العمل من بعد ذكل‪.‬‬
‫وفهم هذه املفاهمي الاقتصادية فهامً حصيح ًا ومعيق ًا‪ ،‬وإادراك ما طرأ علهيا‬
‫من تغريات وتعديالت عرب العصور والمكنة‪ ،‬يساعدان عىل فهم التارخي‬
‫الاقتصادي وتفسري ظواهره‪ ،‬كام ميكننا عىل اختبار دقة املعلومات‬
‫التارخيية‪ ،‬مما يزودان بأساس يات العقلية الاقتصادية املتفوقة اليت متكهنا‬
‫من اإدارة ملفات الاقتصاد يف بالدها وجممتعاهتا‪ ،‬عىل ما يناس هبا ال ما‬
‫انسب غريها من المم‪ ،‬وبذكل يتحقق لها الاس تغالل المثل ملواردها‬

‫‪ 1‬مفثال فهم الحاكم االإسالمية يعمتد كثريا عىل فهم هذه الفروق‪ .‬فتصحيح التصور اذلي حرف تفكري المة لتحرمي ما أحل هللا واللجوء للحيل اإمنا اكن أكرثه انبع من سوء‬
‫فهم أصل مفاهمي الاقتصاد واخللط بيهنا‪ .‬حىت أن ما اس تقر اليوم يف أذهان الناس‪ ،‬ما هو اإال خطأ يف مفاهمي التصور لالقتصاد‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫املتاحة لها‪ ،‬كام متكهنا من التخطيط الصحيح لتطوير أسواقها والريق‬
‫ابإنتاجيهتا ًّّمك ونوع ًا‪.‬‬
‫فلعل ما يف هذا الكتاب‪ ،‬يكون أول حماوةل لفتح البحث والتأمل‬
‫والتنظري والتبيني للمفاهمي الاقتصادية القامئة اليوم‪ ،‬ورفع اخللط بيهنا‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫مؤلف هذا الكتاب‬
‫محزة بن محمد السامل‪ ،‬من مواليد عام ‪١٩٦٥‬م‪ ،‬اكتب يف حصف‬
‫سعودية‪ ،‬تقاعد كضابط عسكري عام ‪٢٠٠٧‬م‪ ،‬مث معل ثالثة عرش‬
‫عاما‪ ،‬كعضو هيئة التدريس يف قسم املالية والمتويل يف جامعة المري‬
‫سلطان‪ .‬وشارك كعضو يف الهيئة الاستشارية للمجلس الاقتصادي‬
‫العىل‪ .‬ومعل مستشار خاصا لعدد من اجلهات الرمسية واخلاصة‪.‬‬
‫يف عام ‪١٩٩٧‬م التحق جبامعة الكرك‪ ،‬والية ماساشوستس ابلوالايت‬
‫املتحدة الامريكية حفصل مهنا عىل ادلكتوراه يف الاقتصاد (النقد‬
‫ادلويل) عام ‪٢٠٠٥‬م وحصل عىل املاجس تري يف الاقتصاد العام عام‬
‫‪٢٠٠٢‬م ‪ ،‬كام حصل عىل ماجس تري يف اإدارة العامل عام ‪٢٠٠٠‬م‪.‬‬
‫كام أنه حصل عىل دبلوم عايل يف ادلراسات اإسالمية من جامعة أم‬
‫القرى عام ‪١٩٩٥‬م وباكلوريس علوم عسكرية من لكية املل خادل‬
‫العسكرية عام ‪١٩٨٥‬م‪.‬‬
‫وهو حاصل عىل شهادة اس تكامل حفظ القرأن الكرمي وعدد من‬
‫ادلبلومات العسكرية‪ ،‬يف القيادة والتخطيط لقادة سالح املدفعية من‬
‫فورت ستيل‪ ،‬اوالكهوما‪ ،‬الوالايت املتحدة الامريكية‪.‬‬
364

You might also like