Professional Documents
Culture Documents
اقتصاد من لا اقتصاد له -
اقتصاد من لا اقتصاد له -
هذا الكتاب
“ اقتصاد من ال اقتصاد هل ” كتاب من ال معرفة هل بأصول علوم الاقتصاد.
كام أنه كتاب اقتصادايت العامل الثالث ،فهو يدرس اجملمتعات الاس هتالكية
الغري االإنتاجية املهمةل اليوم من اهامتمات دراسات الاقتصاد احلديث“ .
اقتصاد من ال اقتصاد هل ” كتاب ليس هل مثيل سابق ،كتاب اصيل متودل
من عمل وخربة تناولت مواضيعه وقائع وحوادث وحاالت القتصادايت جتاهلهتا
علوم الاقتصاد احلديث.
قدميا ،اكن غالب كتب الاقتصاد يدور حول فلسفة الاقتصاد مبفهومه
الواسع ،وذكل قبل أن يتأسس العمل وخيرج من عامل الفلسفة اإىل عامل
النظرايت التطبيقية .واليوم وبعد أن تأسس العمل همينت ثالثة أنواع من
كتب الاقتصاد :فهي اإما أاكدميية وإاما وصفية وإاما اسطورية .فاجلامعات يه
سوق الكتب الاقتصادية الاكدميية .وأما كتب الاقتصاد الوصفية فرواد
سوقها مه عشاق االإطالع والثقافة الاقتصادية .وأما كتب الاقتصاد
االإسطورية اليت تنقل نظرايت املؤامرات ،وتس تخدم التصورات الاقتصادية
اخلاطئة يف عقول الناس ،فهي اليت تنترش انتشار النار يف احلطمي ،كوهنا
تدغدغ عواطف الناس وحتدهثم مبا يعرفون لتتقبلها أنفسهم.
وأما كتابنا هذا ،فقد جاء بفلسفة اقتصادية جديدة عامدها املنطق الواحض،
فأنزلها عىل النظرايت التطبيقية مراعيا ابختالف املعطيات الاقتصادية
واختالف ثقافة االإنتاج واختالف س ياسات السواق والنظمة ا إالرشافية،
فأدخل اثر ذكل لكه ،يف مناذج دراسة احلاالت الاقتصادية والس ياس ية،
شارحا لها بتطبيقات واقعية من اجملمتعات الاقتصادية اليت جتاهلهتا علوم
الاقتصاد احلديث متاما يف اجلانب االإنتايج ويف اجلانب النقدي .فأما يف
3
اجلانب االإنتايج ،فأمهلها العمل احلديث لكوهنا جممتعات ال اقتصاد لها.
فاالقتصاد عمل االإنتاج ،وهذه جممتعات اس هتالكية حمضة ما أقاهما اإال اس هتالك
ثرواهتا الطبيعية .وأما اإهامهل لها يف اجلانب النقدي ،فذكل لن اجملمتعات
الاس هتالكية احملضة ،جممتعات طفيلية عىل العامل ،ذلا يكون نظاهما النقدي
طفييل عىل غريه ال يس تطيع القيام بنفسه ،مفا اس تطاعت أن تلحق بنظام
النقد العامل .ومن هنا جاء عنوان الكتاب “ اقتصاد من ال اقتصاد هل ” .
والكتاب مقسم عىل اربع مواضيع أساس ية ،لك موضوع حيتوي عىل فصول
رئيس ية ،لك فصل يضم ابوااب عدة قد يتفرع الباب أحياان ملباحث فيه .وقد
اتبع الكتاب التسلسل املنطق يف تقس اميته .فبدأ ابملفاهمي وفلسفهتا مكوضوعه
الول .ومث جاء موضوعه الثاين ليتناول االإنسان واحملراث ،أي الاقتصاد
االإنتايج احلقيق بشقيه اجلزيئ واللك ،ومض لالقتصاد اللك الس ياسات
الضابطة هل ،املالية والنقدية .وجاء الكتاب بتطبيقات اقتصادية عن املوضوع،
للمجمتعات اليت ال اقتصاد لها .ومن مث يف موضوعه الثالث خرج ابقتصاده
النقدي ،اإىل الاقتصاد املفتوح ،خفاض به حبور عامل النقد ادلويل فتناول ما مل
تتناوهل كتب قبهل .فنظام ربط العمةل ،قد تعدته الاقتصادايت فال وجود هل
يف العمل احلديث .فربط سوق النقد احمللية بسوق النقد ادلولية يف عدة
فصول ،واسرتجع التارخي القدمي يف فصول أخرى ،ووقف وقفات نقدية
فلسفية يف فصول املوضوع الخرية .ويف موضوعه الرابع ،خمت الكتاب
ابإشارات فلسفية ،تؤصل فهم عامل المتويالت والاستامثر ،وأحلقها بتطبيقات
شارحة وموحضة.
وفهرس الكتاب يوحض خريطة املواضيع وفصولها اليت تتبعها اببواهبا امللحقة هبا
وما تعلق فهيا من مباحث أحياان.
4
مقدمة الكتاب 10 ...................................................... ................................
الموضوع األول :مفاهيم يف فلسفة االقتصاد 17 ..................................................
تمهيد :الفرق بين مفاهيم السوق واإلنتاج والنظام17 ..........................................
الفصل األول :مفاهيم اإلنتاج 18 ......................................................................
الباب األول :مفهوم اإلنتاج الصناعي 18 .......................................................
الباب الثاني :مفهوم اإلنتاج الدخلي 19 ..........................................................
الباب الثالث :مفهوم االقتصاد الريعي 20 .......................................................
الباب الرابع :مفهوم اإلنتاج االستهالكي 24 ....................................................
وقفة فلسفية :تأثير اإلنتاج على اإلنسان واالقتصاد والسياسة 27 ............................
تطبيق :النفط ودرس تفريط لينكون بخمس اقتصاد بالده 30 .................................
الثان :مفاهيم السوق 32 ......................................................................
الفصل ي
الباب األول :معنى السوق الحرة 33 .............................................................
الباب الثاني :السوق التنافسية 35 .................................................................
تطبيق :فشل السوق عند تدخل الدولة 38 ....................... ................................
وقفة فلسفية :حرية االسواق 39 ..................................................................
الفصل الثالث :مفهوم التوزي ع العادل ر
للثوة 41 ....................................................
الباب األول :حد التوزيع العادل للثروات 43 ...................................................
الباب الثاني :حتمية تركز الثروات في االقتصاد 45 ..........................................
الباب الثالث :الرؤية االقتصادية المتالك القلة للثروة 47 .....................................
ر
واالشثاكية 51 .................................... الفصل الرابع :مفاهيم اإلقطاعية والرأسمالية
تمهيد :األنظمة االقتصادية تبع لإلنتاج 51 ......................................................
الباب األول :االشتراكية إقطاعية متطرفة 52 ..................................................
ر
االشثاكية يف تخلف الثقافة التمويلية 53 ........... ................................ مبحث :أثر
الباب الثاني :اإلقطاعية سمة غالب اقتصاديات العالم القديم 54 .............................
الباب الثالث :الطبقة الوسطى بين االقتصاد اإلقطاعي واالقتصاد الصناعي 55 ..........
الفصل الخامس :مفاهيم السياسة يف االقتصاد 59 .................................................
الباب األول :االقتصاد من أجل السياسة أو السياسة من أجل االقتصاد؟ 60 ...............
الباب الثاني :تبعية السياسة والنظام االقتصادي لإلنتاج 63 ..................................
الباب الثالث :العوامل التي تدفع الحكومات للميل مع أصحاب الثروة 65 ..................
الباب الرابع :االقتصاد بين الديمقراطية والدكتاتورية 66 ....................................
الثان :االقتصاد إنسان ومحراث 70 ......................................................
ي الموضوع
تمهيد70 ............................................................................................ :
الفصل األول :يف فلسفة اقتصاديات اإلنتاج 73 .....................................................
باب :أشكال اإلنتاجية المالية وأثرها على التنظيمات السوقي73 ...........................:
وقفة فلسفية :التفكير الجزئي والكلي 75 .........................................................
الجزن 77 ....................................................................
ي الثان :االقتصاد
الفصل ي
الباب األول :ديناميكية تفاعل الكلفة مع االنتاج 78 ............................................
5
الباب الثاني :األجر على قدر العمل78 .........................................................
الباب الثالث :ديناميكية كلفة اإلنتاج80 ..........................................................
مثال عىل ديناميكية اإلنتاج81 ..................................... ................................ :
الباب الرابع :لماذا ترتفع األسعار مع زيادة الطلب؟ 84 ......................................
الباب الخامس :قانون الطلب وقانون العرض 89 ..............................................
الباب السادس :استغالل الحاجة أصل في قيام السوق 90 .....................................
المبحث األول :الحاجة قد تكون من داخل السوق أو من خارجه93 ........................ :
الثان :والحاجة تكون استثمارية وتكون استهالكية 95 ...............................
ي المبحث
الباب السابع :المرونة 97 ..........................................................................
تطبيق :من يتحمل الضيبة؟ التاجر أم المستهلك؟ 98 .........................................
اض السكنية 99 ................ مثال :استخدام المرونة لمعرفة أثر الضائب عىل األر ي
الباب الثامن :االحتكار 101 .......................................................................
مبحث :أشكال االحتكار األربعة 101 .............................. ................................
الباب التاسع :توجيه الضريبة لكسر االحتكار في الزمن أو بالزمن 104 ..................
المبحث األول :االحتكار بالزمن 104 ............................... ................................
الثان :االحتكار يف الزمن 104 ............................. ................................
ي المبحث
وقفة فلسفية :احتكارية العمالت والثروات واللغات واأليدولوجيات 106 ..................
الثان :االقتصاد ي
الكىل 108 ..................................................................... الفصل ي
الباب األول :الناتج المحلي 110 ..................................................................
الباب الثاني :التضخم 113 ........................................................................
مبحث :يف التفريق بي التضخم النقدي والتضخم التنموي 115 .............................
تطبيق :تضخم السبعينات الهائل 118 ............................ ................................
مبحث :أسباب تضخم السبعينات وارتفاع أسعار النفط 120 ..........................
الباب الثالث :السياسة المالية والسياسة النقدية124 .......................................... :
المبحث األول :عمل السياسة المالية 124 ....................... ................................
وقفة :المثانية وصف لإلنتاج والسياسية والثقافة 127 .................................
تطبيق :السياسة المالية األمريكية بي الجمهوريي والديمقراطيي 129 ..............
الثان :عمل السياسة النقدية 130 ....................... ................................
ي المبحث
الباب الخامس :السياسة المالية والنقدية بين الشعوب المنتجة والمستهلكة 132 ...........
تطبيق :يف رفع قيمة الريال الدولية 135 ........................... ................................
الفصل الثالث :مسائل اقتصادية معارصة 138 ......................................................
اك 138 ................ ................................ ر مقدمة :يف تطور الفكر الر
أسمال واالشث ي
ي
المسألة األولى :استخدام الفائدة إلنقاذ االقتصاد 142 ..........................................
المسألة الثانية :انفجار فقاعة أسعار العقار في اليابان 144 ...................................
المسألة الثالثة :النفط ملك الطاقة وجوكر األسواق147 .......................................
حت يموت الغاز والفحم 147 ......................................... مبحث :ال يموت النفط ر
مبحث :يف تحليل أسعار النفط 149 ............................... ................................
الوقفة األول :أوبك ووهم قيادة سوق الطاقة 150 ......................................
تشكيل السقف السعرية النفطية152 ................................... : ٌ الوقفة الثانية
الوقفة الثالثة البدائل النفطية للنفط154 ................ ................................ :
العالم 157 .................................
ي الوقفة الرابعة :ارتباط أسعار النفط بالنمو
وقفة تكريم :فارس نفط العرب 162 ............................... ................................
6
المسألة الرابعة :الدول الغير إنتاجية ونموذج اقتصاديات ُأوبر 167 ........................
المسألة الخامسة :صور االستشارات األجنبية 173 ..........................................
الموضوع الثالث :االقتصاد النقدي 178............................. ................................
الفصل األول :يف معت السيولة 178 ..................................................................
الباب األول :المعروض النقدي 179 ............................................................
الدول 180 .............................
ي العالم
ي المحىل بالنظام النقدي
ي مبحث :عالقة النقد
الثان :يف مفهوم الفائدة عند البنك المركزي186 .......................................... الفصل ي
تطبيق على عمل البنك المركزي لعملة مربوطة188 ....................................... :
تطبيق على سعر فائدة االقتراض بين البنوك في سوق عملة مربوطة190 .............. :
باب :فما هو السايبر السعودي ؟ وكيف تتحدد قيمته191 ................................... :
باب الفائدة السلبية194 ........................................................................... :
الدول196 ....................
ي العالم
ي الفصل الثالث :عالقة الفائدة المحلية بالنظام النقدي
باب أثر السوق الدولية على تغير الفائدة على العملة 196 ....................................
مبحث :لماذا تتبع الفائدة عىل العملة المربوطة فائدة العملة المعومة 196 .................
الدول تفرض استحالة الجمع بي ثالثة ي المال
ي =>الجواب :ذلك ألن ديناميكية النظام
أمور196 .............................. ................................ ................................ :
.١ربط العملة196 ................. ................................ ................................ .
مبحث :كيف تجري ديناميكية استحالة الجمع 198 ............ ................................
وقفة :أسطورة الودائع البنكية200 ...............................................................
الدول 207 .............................................
ي الفصل الرابع :اقتصاديات النظام النقدي
الباب األول :ما هي قيمة العملة المعومة؟ 207 ................................................
الباب الثاني :تقييم العملة بأقل أو أكثر من قيمتها 209 ........................................
تطبيق :قيمة الريال اليوم 215 ...................................... ................................
الباب الثالث :تدويل العملة 218 ..................................................................
الباب الرابع :عملة االحتياط 223 ................................................................
الباب الخامس االحتياطيات األجنبية227 .......................................................
التجارة الدولية واالحتياطيات األجنبية229 ..................... ................................ :
معاهدة برتن وود230 ....................................... ................................ :
وقفة فلسفية مع االحتياطيات األجنبية231 .................... ................................ :
مهمة االحتياطيات األجنبية 233 ................................... ................................
شواهد النهيار االحتياطيات األجنبية ،وأثر ذلك عىل االقتصاد233 ......................... :
كيفية الهجوم عىل العملة235 .................................... ................................ :
الباب السادس :اختالف اسباب انكسار ربط العملة وتنوع النتائج عن االنكسار 236 ....
الحال األول :يكون هو الحل األمثل للنمو237 .................. ................................ .
فالحال الثانية :يكون السبب يف أزمة اقتصادية 237 ............ ................................
وسياس 238 .........................................
ي الحال الثالثة :أنه يؤدي النهيار اقتصادي
مبحث :قاعدة حتمية ربط العملة المحلية بعملة أجنبية 238 .................................
الباب السابع :ديناميكية ربط العملة242 ....................................................... :
الفصل الخامس :تطور النظام النقدي 245 .........................................................
الباب األول :من األخطاء التاريخية العظمى للبنوك المركزية 245 ........................
مبحث :المرض الهولندي 245 ..................................... ................................
7
مبحث :فتيل اشعال الكساد العظيم 246 ......................... ................................
الباب الثاني :تعطل الذهب بعد الحرب األولى 248 ...........................................
وقفة فلسفية :انتقال السلطة النقدية من الجماد لإلنسان 251 ..................................
باب خروج الذهب والفضة من عالم العمالت 253 ............................................
باب عدم صالحية الذهب كعملة احتياط دولية 254 ...........................................
مبحث :تذبذب أسعار الذهب 255 ................................ ................................
مبحث :أثر الصناعة في إخراج الذهب وزيادة اإلنتاج وتخفيض األسعار 257 ...........
الدول260 ...........................
ي الفصل السادس :مسائل وتطبيقات يف االقتصاد النقدي
التطبيق األول :في ربط الريال السعودي بالنفط 260 .........................................
التطبيق الثاني :في المضاربات على الريال السعودي 262 ..................................
التطبيق الثالث :عالقة االحتياطيات األجنبية بالعملة المربوطة 264 .......................
التطبيق الرابع :البيت كوين…الذهب الرقمي 268 .............................................
المبحث األول :فما ي
ه البيت كوين؟ 269 ....................... ................................
الثان :مصدر قيمة عملة البيت كوين وطريقة تداولها 271 ......................... ي المبحث
المبحث الثالث :فرص استثمارية يف ذكاء المقامرات 274 ......................................
مسألة :الصندوق الدولي 279 .....................................................................
الدول281 ........................................ ................................ :
ي تقييم الصندوق
وقفة تاريخية :الفارس الذي نصب الدوالر على عرش النقد العالمي 283 .................
ملحق :يف فلسفة المال والنقد 293 ...................................................................
الباب األول :في فلسفة المال والقيمة والثمن294 ..............................................
الباب الثاني :في عدمية النقد 296 ................................................................
التقايض 298 .................... ................................
ي القياس والثمن
ي مبحث :الثمن
الباب الثالث :الندرة والقيمة 298 .................................................................
الباب الرابع :قيمة الثمن السلعي يجب ان تكون أغلى من قيمته في ذاته 300 .............
الباب الخامس :تذبذب األثمان السلعية 301 ....................................................
الباب السادس :استهالك السلعة المتخذة ثمنا يضعف ثمنيتها 304 ..........................
الباب السابع :أسباب استحالة احتكار النقد اليوم 305 ........................................
مسألة :كون العملة ثمنا في بلد وليست ثمنا في بلد أخر 306 .................................
الموضوع الرابع :يف فلسفة التمويل واالستثمار 308...............................................
تمهيد :التمويل استثمار للزمن واالستثمار استثمار في الزمن 308 .........................
الفصل األول :قيمة الزمن 310 .........................................................................
باب :تقييم قيمة الزمن310 ........................................................................
باب :صناعة المعلومات 311 .....................................................................
باب :التمويالت األجنبية312 .....................................................................
باب :تجارة التأمين إحدى مكونات الفائدة التمويلية314 ......................................
باب ثقافة الشعوب تجاه ديون الطبقة الوسطى 314 ...........................................
مسألة :البيع على المكشوف319 .................................................................
مسألة :صانع السوق 325 .........................................................................
باب :تحليل األسهم 329 .........................................................................
8
وقفة :تجارة القرود!331 ..........................................................................
ملحق :يف الملكية والدين 334 .........................................................................
الباب األول :حقيقة احتكار ال ُمالك ودالالتها 334 .............................................
الباب الثاني :حد الملكية الفاصل 336 ...........................................................
تطبيق :األسهم الممتازة 337 ....................................... ................................
الباب الثالث :اإلفالس يف العض الحديث 341 .....................................................
المبحث األول :اإلفالس يف العض الحديث مشكلة الدائن ال المدين 342 ...................
الثان اإلفالس االستثماري 344 .......................... ................................
ي المبحث
الباب الرابع :افالس الدول 347 ..................................................................
مبحث :أنواع الديون الحكومية 347 .............................. ................................
أوال :الديون بالعملة المحلية 347 ........................... ................................
ومن األمثلة عىل االستدانة بالتدوير لعملة مربوطة349 ................................ :
ومن األمثلة الحديثة لالستدانة بضخ العملة يف نظام معوم350 ...................... :
ثانيا :الديون بالعملة األجنبية 354 .......................... ................................
تطبيق :هل يمكن أن تفلس أمريكا كما أفلست من قبل 355 ...................................
9
مقدمة الكتاب
السوق من خلق هللا ،خالق لك يشء .فاقتصادايت السوق يه
النواميس والسنن اليت خسرها هللا س بحانه لتحمك السوق .فاقتصاد
السوق ال خيتلف عن جسم االإنسان ،فالكهام يسري عىل سنن كونية
اثبتة.
مفا نظرايت الاقتصاد اإال مالحظة لسلوك اجملمتعات يف أسواقها ،مث
تشخيص ظواهر تظهر يف ذكل السلوك ،مث الربط بيهنا مبنطق حصيح
وبشواهد سابقة .وبتطور الرايضيات ،صار االإثبات الراييض للعالقة
بني الظواهر املتباعدة ،هو احلمك املوضوع يف حصة منطق النظرية من
عدمه .ولهذا؛ دخلت الرايضيات يف الاقتصاد ،فصار يُدرس وكنه
موضوع راييض ال اجامتع سلويك ،وخاصة يف ادلراسات العليا. 1
والسوق اكالإنسان ،يف حاةل اعتالهل ميكننا عالجه ،وقد نس تطيع دفع
االإنسان للعمل فوق طاقته ابملنشطات وحنوها ،ولكن لفرتة حمدودة ال
ختلو من تبعات .مث ال يلبث أن يهنار .وقد نس تطيع جتميل الوجه
حبدود ضيقة ،مع احامتلية وقوع مضاعفات قد تكون خطرية .وقد جنري
معلية جراحية معقدة الستئصال مرض خطري أو اإصالح عضو ما؛
فتنجح العملية أو تفشل .ولكننا ال نس تطيع مطلقا تغيري ديناميكية معل
جسم االإنسان ،فنعطل القلب أو نبدل ادلم ابملاء أو نغري اجتاه ادلم.
-1وأذكر أنين ،عندما كنت طالبا يف برانمج ادلكتوراه ،أبدأ احملارضة وأفهم ادلرس وأان ال اعمل ما هو موضوع النظرية اليت نثبهتا .هل ا إالثبات اذلي درس ناه ،هو منحىن
الطلب أم عرض النقد؟ فقد اكنت لكها إاثبااتت رايضية حمضة ،ال يُتطرق فهيا إاال للرموز الرايضية .ذلا أثر التوغل يف الرايضيات عىل مهنج التفكري عند كثري من
الاقتصاديني مفا عاد هلم مقدرة تطبيقية.
10
وال نس تطيع مطلقا التدخل يف معل العصاب واملخ اإال حبدود ضيقة
ومبخاطر عالية .وهكذا هو السوق واقتصادايته.
فقد خلق هللا السوق يف شلك أعضاء أساس ية (اكلقلب واملخ وادلماء
يف االإنسان) وسريه عىل أنظمة أساس ية (كنظام املناعة واخلالاي واجتاه
مسريات ادلم يف االإنسان) ،فكام أنه قد يُمكن التأثري عىل أعضاء
الناس لفرتة حمددة عىل حساب تبعيات وخماطر ،فكذكل ميكننا التأثري
عىل السوق ابلتحمك يف أعضائه الساس ية ،أو بتغيري النظمة نسبيا أو
تعديلها ،ولكن لفرتات حمدودة وعىل حساب تبعات أخرى ضارة ،وقد
تكون خطرية.
ذلا فأفضل الطب ما يتعامل مع س نة خلق هللا للجسم ،ليعيد اجلسم
لصل خلقه اإذا تغري عنه بسبب خاريج أو داخيل ،دون أي تصادم
مع النظمة اليت خلقها هللا لتنظم جسم االإنسان .وكذكل هو أفضل
الس ياسات الاقتصادية ،فال خيرج جممتع اقتصادي عن س نة هللا يف
خلقه السوق ،اإال وميرض اقتصاده ويتدهور ،اإىل أن يتعطل مث ينهتي
اإىل الفشل عاجال أو أجال ،حبسب قربه وابتعاده يف خمالفته لسنن
خلق هللا للسوق.
وعقل السوق هو االإنتاج .وتركيبة العقل أو ثقافته يه نوع االإنتاج
(زراع ،مايل ،صناع ،رعوي ،حريب) .فاالإنتاج هو العقل المر
اذلي يتحمك يف السوق وأنظمته.
وقلب السوق هو السعر ،ودماؤه اليت حتمل الغذاء والوكسجني ،يه
الس يوةل (همام اكن نوعها نقدا أو مقايضة) .وا إالخالل ابلسعر أو احتاكر
11
الس يوةل بأي ادعاءُ ،حيرف اجتاهات العرض والطلب عن الاجتاهات
اليت خلقها هللا عليه؛ فتختنق دماء الاقتصاد -ويه الس يوةل -يف
الرشايني وتتطفح يف أخرى .فيتألك السوق أو يألك بعضه بعضا؛
فيسقط بعض جدله فينكشف داخل اجلسم للجراثمي ،بيامن ينتفخ جدل
بعضها الخر ،ويتضخم حىت يصبح عقبة مينع النظمة والعضاء من
العمل.
والنظمة الساس ية هل ،نظامان هام نظام زايدة العرض مع زايدة
السعر ،وعكسه .ونظام اخنفاض الطلب مع زايدة السعر ،وعكسه.
وأعضاء السوق الطلب والعرض .وحلم السوق ،هام املس هتل واملنتج.
وعظام السوق اذلي ال يقوم السوق اإال به ،يه احلكومة .فميكن أن
يوجد اقتصاد هزيل بال حكومة ،اكالقتصاد الرعوي احملض البس يط،
أو الزراع احملدود ،كام أنه يُمكن أن يُودل اإنسان مشوه بال عظم.
ولكن يس تحيل وجود سوق قوية ومتعافية ،بال وجود دوةل نظام
وأمن .ولكام تقدم اإنتاج السوق ،لكام زادت حاجته لدلوةل.
ونظام املناعة يف السوق ،هو الشفافية وحرية الرأي والصحافة ،فهي
حصن السوق من جهوم المراض عليه ،كام أن املناعة حصن اجلسد
من اجلراثمي.
وكام أنه لكام اكمتلت العضاء ،وارتفعت فعالية تفاعل النظمة يف جسم
االإنسان وانضباطيهتا ،لكام زادت حيوية االإنسان ،وطالت حياته وسمل
من المراض ،فكذكل يه السوق أي الاقتصاد.
12
وكام أن لك أعضاء االإنسان وأنظمته متداخةل يؤثر بعضها عىل بعض،
فكذكل يه أعضاء السوق وأنظمته.
والسوق احل ال بد أن ميرض ويتعاىف ،فاحل ال بد أن ميرض ويتعاىف
ما مل تكن المراض مس تعصية ،اكلرسطان .والرسطان أنواع متنوعة،
وأخطر رسطاانت السوق وأكرثها انتشارا ،هو رسطان الفساد.
وهناك رسطان النفط ،وما شاهبه من ثروات املصادر الطبيعية .وكام
أن الرسطان ،يدمر أنظمة اجلسم وأعضاءه همام حسن متام العضاء
وكاملها ،وهمام ارتقت أنظمة اجلسم يف فعاليهتا ،فكذكل أمراض
الاقتصاد املس تعصية تدمر أراكن السوق وأنظمته همام ارتقت هذه
النظمة.
والنفط يعطل االإنتاج يف الاقتصاد ،ف ُتخلق االإقطاعية؛ فتفرض
ادلكتاتورية ،فيعمل الثالثة عىل تأصيل الفساد يف السوق .والفساد
خيل ابلسعر ،اذلي هو قلب السوق النابض ،فيختل توازن النظمة
وانضباطيهتا .فأجور العامةل من السعر ،مفىت أُرخص الكفؤ وأُغيل
الكسول ،ماتت حيهنا االإنتاجية؛ ففسدت العقول والعلوم والقلوب.
فالفساد رسطان الاقتصاد ،والنفط رسطان االإنتاج واالإنتاجية ،يف هذا
الاقتصاد .فهو يُفسد صفات السوق الصناعية؛ فميسخها ،فيجعلها
مسخا بني الاقتصاد الصناع واالإقطاع .
وكام أن اخلالاي الرسطانية موجودة يف االإنسان ،وال تؤثر عليه اإال اإن
تزايدت ،فكذكل الفساد ال خيلو منه سوق أو اقتصاد قط .فطلب
لك أمر مطلوب. املثالية من املُحال ولكن القصد يف ُ ل
13
وعمل الاقتصاد عمل ضيق حمدود كعمل الرشيعة .قد يضيع العمر يف تتبع
الفروع فهيام بال طائل .ذكل أن الك العلمني عمل أصول ،يُفهامن بفهم
أصوهلام ،ال حبفظ فروعهام .اللهم اإال أن أصول عمل الرشيعة نصية وقفية،
وأصول عمل الاقتصاد منطقية عقلية .واالإكثار من القراءة يف الفروع
تسلب املرء فهمه واس تقاللية تفكريه؛ وذلا كرث التقليد يف الفقهاء
والاقتصاديني .ومما زاد الطني بةل ،أن غالب كتب الاقتصاد غري
الاكدميية ،متيل للرضب عىل وتر العاطفة عند القراء؛ لزايدة مبيعات
مؤلفاهتم.
فعمل الرشيعة قد اكمتل ابنقضاء القرن الول بعد البعثة النبوية الرشيفة،
وعمل الاقتصاد قد اكمتل تقريبا ،يف القرن احلايل .والفرق يف مدة ادلورة
الزمنية بني الفريقني ،هو فرق اتبع للفرق يف رسعة الزمان اليوم عنه
ابلمس.
واكامتل العمل يدفع رجاهل ،حلاةل التبعية الفكرية .فتعمهيم التبعية عن
رؤية الفروق الهائةل بني حالني متشاهبني صورة وخمتلفني جوهرا ،فيزنل
اإحداهام مزنةل الخرى؛ فيأيت ابلعاجيب .ووقوع هذا المر يف
الاقتصاد أشد .فهو عمل مالحظة لسلوك ثقافة اجملمتعات السوقية مع
متيزي لعراقها وسلوكياهتم ،ومعرفة ملواردها وإادراك لس ياساهتا .وذلا؛
يصعب أن جتد يف الاقتصاد حالتني متشاهبتني بني بدلين أو يف بدل
14
واحد مع اختالف الزمن .والمر ليس وقفا عىل احلاالت ،بل حىت
عىل املسميات واملؤرشات.1
كعدم صالحية مؤرش الناجت احمليل يف ادلول النفطية ،واملؤرشات التابعة هل .وسنتطرق لهذا الحقا. 1
15
املوضوع الول :مفاهمي يف فلسفة الاقتصاد
متهيد :الفرق بني مفاهمي السوق واالإنتاج والنظام
لكمة الاقتصاد حتمل معىن واسعا ،يشمل نظام االإنتاج وشلك االإنتاج،
ويتضمن أيضا نوع السوق ومدى تدخل ادلوةل فيه .كام يشمل النظام
الس يايس والنظام الاجامتع .مفا يتعلق ابالإنسان يتعلق ابالقتصاد،
فاملنتج هو االإنسان ،واالإنتاج ل إالنسان .كام حيمل معىن ثروات اجملمتع
الطبيعية واالإنتاجية.
فاالقتصاد اإذا أطلق ،فيدل دالةل واسعة تشمل الس ياسة والنظام
الاقتصادي وشلك االإنتاج ونوع السوق.
• فالس ياسة اإما دكتاتورية أو دميقراطية ،وبني طرفهيام تقع النظمة
الس ياس ية ،اليت حمكت البالد والعباد ،واليت حتمك اليوم يف
الرض.
• والنظام الاقتصادي نوعان :نظام اإقطاع ونظام رأساميل ،ومث تتفرع
مهنام أنظمة ش ىت .فأقىص طرف االإقطاعية هو النظام الاشرتايك،
ويكون ابمتالك ادلوةل لك يشء ،وحتمكها يف لك أنشطة الاقتصاد.
ويف املقابل أقىص طرف الرأساملية ،مثاهل :ما عاشه الاقتصاد
المرييك حينا من الزمن ،من بعد حرب التحرير اإىل احلرب
الهلية ،حيث مل تكن هناك رضائب ،اللهم اإال بعض الرسوم؛
لمتويل حاجيات احلرب واحلكومة.
• وشلك االإنتاج ينقسم اإىل نوعني رئيس يني :اإنتاج دخْيل أو تأجريي،
وإانتاج صناع 1او تكنولويج .وأما االإنتاج اخلديم فهو اتبع
القتصاده ،فقد يكون انتاجا خدميا تأجرياي ،وقد يكون انتاجا خدميا
صناعيا او تكنولوجيا .وهناك نوع من االإنتاج ،ال يرىق أن يُعد
شالك اثلثا ،وهو االإنتاج الاس هتاليك لصل الرثوة ،اكإنتاج النفط
واملوارد الطبيعية الخرى.
• وأما السوق :فسوق حرة ،وسوق غري حرة .واحلرة يه اليت ال
تتدخل فهيا احلكومة بفرض الرضائب أو منح اإعاانت أو وضع
رسوم أو سقف اإنتاج أو اس ترياد أو تصدير ،أو منح أحقيات أو
متزيات .ولك ما يؤثر عىل احنراف سعر توازن السوق عن حمهل
احلقيق .
الفصل الول :مفاهمي االإنتاج
الباب الول :مفهوم االإنتاج الصناع
وهو االإنتاج القابل للزايدة غري احملدودة يف النوعية والمكية .فطائرة
وس يارة وحاس بة اليوم قد تطورت تطورا عظامي خالل عقود من
الزمن ،وتعاظمت مكية اإنتاهجا تعاظام كبريا وال حد لهذا التطور أو
الزايدة ،اإال أن ي ُستبدل مبنتج أفضل منه وأكفأ .ومث جاء دخول
18
التكنولوجيا ل ُيعظم ويُضاعف من هذه اخلاصية ل إالنتاج الصناع .
19
تنبيه :وملنع سوء الفهم فاإن الزراعة والصيد ،قد تدخلها الصناعة
والتكنولوجيا؛ فتخرهجا من االإنتاج ادلخيل اإىل االإنتاج الصناع ،
ويتحقق يف هذا االإنتاج مفهوم االإنتاج الصناع ؛ لقبوهل للزايدة المكية
والنوعية ،اكإنتاج ادلجاج والبيض والسمك واللبان وغريها .وكذكل هو
يف االإنتاج اخلديم القامئ عىل اجلهد البرشي اإذا دخلته الصناعة
والتكنولوجيا ،كنظافة الشوارع بأدوات متقدمة وبامنذج تصمميية
مناس بة ،فهذا مما ال حد فيه كذكل ،لتطويره يف جانب الدوات ويف
جانب التصاممي.
الباب الثالث :مفهوم الاقتصاد الريع
أطروحات الاقتصاديني العرب حول مفهوم الاقتصاد الريع يف
تعاريفها وطروحاهتا تضم لك متفرق ،وجتمع لك متناقض وتفرق بني لك
متشابه .فهي بال خطام وال نظام ،وال يوجد تعريف واحد اإال ويدخل
اقتصادايت خمتلفة ،حبيثيات متناقضة ومتفرقة ،وخترج بنتاجئ بعيدة عن
سبب الطرح.
فلك عريب يصف اقتصاد بالده واقتصادات بالد العرب بأهنا قامئة عىل
اقتصادايت ريعية .فالتونيس واملغريب يصف هبا بالدهام كام هو يصف
دول اخلليج كذكل .واخلليج يصف اقتصاد بالده واخلليج هبذا كذكل.
وذكل مع كون اخلليج قامئ عىل الاقتصاد البرتويل ،وهو اقتصاد هل
دراساته اخلاصة به لكونه اقتصادًا قامئًا عىل اس هتالك أصهل ،بيامن تونس
واملغرب مث ًال اقتصادايت ريعية فهي قامئة عىل الزراعة والس ياحة؛
20
فدخلها يتجدد مع ثبات الصل عىل حاهل دون منو وزايدة ،كحال
معظم الاقتصادات قبل الثورة الصناعية.
ويتبع هذا الفرق الشاسع بني الاقتصاد الريع والاقتصاد البرتويل فرق
شاسع يف ختطيط الاسرتاتيجيات الس ياس ية والاقتصادية بني ادلول
الريعية وادلول البرتولية .فاالقتصاد الريع يبقى حيًّا ،لكنه عىل هامش
احلياة؛ فهو ال يس تطيع الهنوض الرسيع لقةل الرثوة وعدم منوها ،اإال أنه
ال ميوت لعدم انقطاعها .بيامن الاقتصاد البرتويل يفتح أبواب ثروات عىل
اجملمتع ،قد تزتايد ابتداء وال تنقص ،اإال أن هنايهتا للزوال وال تدوم .فاإما
أن تهنض به هذه الرثوات ليتحول اإىل اقتصاد صناع ومعريف
للمحافظة عىل ثراء ورفاهية البالد ،وإاما أن ختدره الرثوات وتفسد
اإنتاجية اجملمتع وأخالقه وتنرش فيه الفساد االإداري وأحياانً احلروب ،كام
حدث مع هولندا عند اكتشاف الغاز فهيا عام ١٩٥٩م ،مبا يعرف
ابملرض الهولندي مما دفع الرنوجي اليوم لعزل عوائد النفط عن اقتصادها.
وكام حدث وحيدث الن يف دول اإفريقيا الوسطى الغنية ابملاس
واملعادن.
مفصطلح الاقتصاد الريع مصطلح س يايس ال اقتصادي .ولو حبثت
عن معىن الاقتصاد الريع لوجدت أن مجيع التعريفات والطروحات
دامئًا تأيت بصفة اذلم لهذا الاقتصاد وحلكومة بالده ،وأنه ينتج عن
الاقتصاد الريع فساد احلكومات ومقع الشعوب .1كام يالحظ أن
1وقد حبثت عن معىن الاقتصاد الريع يف العمل الاكدمي ،فمل أجد هل مقابال يف املصطلحات الاقتصادية الاكدميية العلمية ابللغة االإجنلزيية.وما وجدته يشارك جزءا من
معناه يف بعض تعاريفه ،ولكن ابختالف جذري ،هو الاقتصاد التأجريي .فاالقتصاد التأجريي ال خيرج مطلقا يف تعريفاته واس تخداماته عن الاس تفادة من الريع مع بقاء
الصل ،وهذا خيرج اقتصادايت املوارد الناضبة اكلنفط .وتطبيقاته يف تأجري الرض أو املباين أو النقود أو يف أي أصل ينتج أرابحا فوق اللكفة يف السوق التنافس ية .وقد
21
أطروحاته حتمل روح احلسد وكره الثرايء وثورة الفقراء .وأطروحات
دعاة ثورات الشعوب تعمتد عىل حتريك الرصاع بني الغين والفقري
لتدغدغ عواطف الشارع العمياء؛ فتحريك العاطفة ال حيتاج معه ملنطق
حصيح.
وال وجود ملصطلح الاقتصاد الريع بلفظه أو يف معناه يف البحوث
العلمية الغربية املوثقة معو ًما .ومبا أن العرب واالإسالميني اس تقوا ثقافهتم
الاقتصادية الفلسفية من الاشرتاكية عند بدء البعثات اإىل فرنسا وغريها
فهم يتوارثون خرطها وخريطها اإىل اليوم ،اإذا فال بد أن مفهوم
الاقتصاد الريع مبفهومه العريب س يكون مرتبطا ابلتنظري الاقتصــادي
الاشـــرتايك.
وقيل اإن أول من وظف مصطلح الاقتصاد الريع تطبيقيًّا هو اكرل
ماركس ،وذكل نق ًال عن أحدمه « ولكن أول من اس تعمهل كمنط
اقتصادي هو اكرل ماركس يف كتابه التحلييل الكبري (رأس املال) حني
قال :يف الاقتصاد الريع تقوى عالقات القرابة والعصبية» (انهتيى
اس تخدم مصطلح الاقتصاد التأجريي هرني جورج ومدرس ته -اليت ترى فرض غالب الرضائب عىل الرايض يف ذم مالكها اذلين يصبحون أثرايء عىل حساب اجملمتع
دون هجد وبأرابح تفوق كثريا اللكفة.
فعدت للبحث عن تعريفات الاقتصاد الريع عند العرب وتطبيقاته ،فوجدهتا متناقضة ال يرتبط أولها بأخرها .هدفها هو التحريض الس يايس عىل النظمة العربية ،ال غري.
فهي بال خطام وال نظام ،وال يوجد تعريف واحد اإال ويُدخل اقتصادايت خمتلفة .كام أن هناك ش به اإجامع عىل أن الوصف هبذا املصطلح “ الريع ” بتخصيصه
ببالد العرب عامة واخلليج خاصة .ومجيع التعريفات والطروحات دامئا تأيت بصفة اذلم لهذا الاقتصاد وحلكومة بالده .وأنه ينتج عن الاقتصاد الريع فساد احلكومات ومقع
الشعوب .كام يالحظ أن أطروحاته حتمل روح احلسد وكره الثرايء وثورة الفقراء وتستشهد ابخلرافات املنترشة يف طروحات الاقتصاد االإساليم حول الاقتصاد ونظام
البنوك والنقود .ومبا أن هذه القاعدة املطردة يف طروحات رشح معىن مصطلح “ الاقتصاد الريع ” ،يه أيضا عامل مشرتك مع طروحات دعاة ثورات الشعوب
لتحريك عواطفهم العمياء -اإذ أن حتريك الرصاع بني الغين والفقري عاطفة ال حتتاج ملنطق حصيح ،مع كوهنا ارتبطت حبيثيات متناقضة ومتفرقة ،ونتاجئ بعيدة عن الطرح،
ومبا أنه ال وجود لهذا املصطلح بلفظه أو يف معناه يف البحوث العلمية الغربية املوثقة معوما،فذلا مفصطلح الاقتصاد الريع اإما أن يكون اشرتاكيا أو عربيا الصل .ومبا أن
العرب والاسالمويني اس تقوا ثقافهتم الاقتصادية الفلسفية من الاشرتاكية عند بدء البعثات اإىل فرنسا وغريها ،فهم يتوارثون غثاءها اإىل اليوم ،فقد دفعين هذا حلرص
البحث ابمجلع بني الاقتصاد الريع والاشرتاكية فرسعان ما وجدت ضاليت.
مففهوم الاقتصاد الريع مبفهومه العريب مرتبط ابلتنظري الاقتصادي الاشرتايك .وإان حص نقل ابحث مهنم وحصت ترمجته ،فقد زمع أن أول من وظف مصطلح الاقتصاد
الريع تطبيقيا هو اكرل ماركس ،حيث كتب الباحث “ :ولكن أول من اس تعمهل كمنط اقتصادي هو اكرل ماركس يف كتابه التحلييل الكبري )رأس املال) حني قال “ :
يف الاقتصاد الريع تقوى عالقات القرابة والعصبية ” “ انهتيى النقل) .وسواء حص النقل والفهم والرتمجة أو مل يصح ،فيكف أن جتمع بني الاقتصاد الريع والاشرتاكية يف
االإنرتنت لتدرك من أين جاء هذا املفهوم الواحض يف معناه اللفظ ،واملتخبط تناقضا وتفرقا يف منطقه ،ويف مفهومه الاقتصادي ،ويف تبعات ذكل عىل خلط اخلطط
الاسرتاتيجية الس ياس ية والاقتصادية.
22
النقل) .وسواء أحص النقل والفهم والرتمجة أو مل تصح فيكف أن جتمع
بني الاقتصاد الريع والاشرتاكية يف االإنرتنت ،لتدرك من أين جاء هذا
املفهوم الواحض يف معناه اللفظ واملتخبط تناقضً ا وتفرقًا يف منطقه ويف
مفهومه الاقتصادي ويف تبعيات ذكل عىل خلط اخلطط الاسرتاتيجية
الاقتصادية.
23
الباب الرابع :مفهوم االإنتاج الاس هتاليك
وهو الاقتصاد اذلي يعمتد اإنتاجه عىل اس هتالك املوارد الطبيعية ،فهو
ليس اقتصادا اثبتا .فاملوارد الطبيعية تنضب .فهو اإما أن يتحول خالل
اس هتالكه ل إالنتاج ادلَّ خْيل اكلزارعة والس ياحة؛ فيحمكه نظام السوق
الغري احلرة االإقطاعية ،حتت حبكومة ديكتاتورية ،أو يتحول ل إالنتاج
الصناع ؛ فتحمكه السوق احلرة الرأساملية حبكومة دميقراطية .
وقد يكون السيناريو أن تنهتي ثرواته الطبيعية دون استامثرها يف
اقتصاد اثبت؛ فتنهتي الرثوات ،وتتفكك القالمي وتسقط ادلول.
فاقتصادايت اس هتالك املوارد الطبيعية اكقتصادايت الغزو قدميا،
واكلعوائد الاس تعامرية اليت اكنت تعود عىل بريطانيا وهولندا وفرنسا يف
اس تعامر دول العامل ،مل تكن دخال اثبتا ،بل اكنت سببا لالهنيار أو
التأخر .وكذكل يه اقتصادايت البرتول واملوارد الطبيعية ،ليست
ابقتصادايت اثبتة ،لعدم ثبات املوارد الطبيعية .فهو اكقتصادايت الغزو،
سرتهلها ثروات الغنامئ ،فيخدلوا اإلهيا؛ فتفسد أخالقهم وتنعم خشونهتم،
وتفرق لكمهتم ،حىت تقيض عىل جممتعاهتا .
ليس النفط غريبا عن االإنسانية ،فقد عرفته قدميا وأدركت نعمته ونقمته
عىل الشعوب .فأيامن أصبحت املوارد الطبيعية املستنفذة معوما (وأمهها
النفط) يه املس يطرة عىل الاقتصاد ،أصبح هناك شلل يف االإنتاج،
وتعطل يف االإبداعية ،وإابطاء يف المنو الاقتصادي ،وارتفاعا ملعدالت
الفقر (ولو بعد حني قريب) .وينترش احلمك الاستبدادي والفساد
والرصاعات العنيفة .ومن أكرب الاثر الضارة من أموال النفط ،أهنا
تعمل عىل اإضعاف مؤسسات اجملمتع املدين ،جبعهل معمتدا عىل
التخطيط املركزي (االإداري والاقتصادي) .ولو سرب الناظر املتأمل
دول العامل املتخلف مجيعها ،ملا وجد جامعا جيمع بيهنا لكها اإال التخطيط
املركزي ،بشقيه االإداري والاقتصادي.
“ لعنة النفط ” ،هكذا يُذكر النفط عند مفكري الغرب يف مباحثاهتم
الاسرتاتيجية حول الاقتصاد واجملمتعات .فالنفط والملاس واذلهب
واليورانيوم ،لعنات حلت عىل كثري من ادلول الفريقية؛ جفعلهتا مرتعا
للحروب بني املتنافسني عىل هذه الرثوات غري املتجددة.
وحديثا يف دول اخلليج ،واليت قد أدركها خري كثري من ثروة النفط ،اإال
أهنا مل تسمل من سكرته .فأموال النفط وقوته الس ياس ية قدمت غطاء
ومهيا أقنعت اجملمتعات اخلليجية بصالحية كثري من جوانب ثقافهتا
الاجامتعية اليت تتعارض مع احلياة احلديثة اليت تعيشها ،واليت اس مترت
عىل حساب نفقة النفط ،مكنع املرأة من العمل ،والرتفع عن العامل
اليدوية واملهنية .كام أظهر فهيا الاتاكلية والاعامتد عىل اخلرباء الجانب؛
مما منع اجملمتعات اخلليجية من الاستامثر يف العقول احمللية ،وزرع فهيا
عدم الثقة ابخلربة احمللية .وهذه معضةل تتداخل عواملها بعضها ببعض،
وتسبب لك مهنا الخرى .كام أرسفت اجملمتعات اخلليجية يف
اس تجالب العامةل الجنبية بغري حاجة؛ مما معل عىل ضعف اإنتاجية
اخلليج ابمجلةل .اإضافة اإىل اجملمتع اخلليج اعمتد عىل احلكومة يف
ختطيطها املركزي؛ فتعطل احلافز لتكوين املؤسسات املدنية .ومضنت
أموال النفط ،البنوك من االإفالس؛ فانترشت الفوىض القانونية املالية.
25
وختدرت البنوك فقعدت عن التطوير ،وعن توجيه أموال املودعني
لالستامثرات المثل يف اجملمتع .
وقد اس تطاع نفط اخلليج أن خيلق طبقة وسطى يف جممتعات اخلليج،
ولكهنا طبقة غري حقيقية .فهي مل تنشأ عن طريق التفاعل الطبيع
اذلي خيلق الطلب والعرض يف اجملمتعات الصناعية .اإذ أن أفراد الطبقة
الوسطى اخلليجية مل تنشأ بسبب معلها وإانتاجيهتا ،بل لتوزيع الرثوة
النفطية عىل أفراد اجملمتع.
واس هتالك الطبقة الوسطى اخلليجية ،حيرك العرض يف ادلول املصدرة
الخرى ،ال يف دول اخلليج .فلهذا؛ عندما جعز النفط عىل االإنفاق عىل
الطبقة الوسطى ،تضاءلت هذه الطبقة بسبب منو الساكن املزتايد يف
وتريته عىل تزايد منو ريع النفط .فالطبقة الوسطى اخلليجية املوجودة
واليت بدأت تتألك اليوم يف بعض دول اخلليج ،يه نتاج صناعة
التخطيط املركزي القامئ عىل أموال النفط .وس ُتعجل زايدة عدد
الساكن وزايدة الاس هتالك احمليل للنفط وقيام الصناعات عليه ،بعجز
النفط عن مواصلته يف اإجياد هذه الطبقة الوسطى أو احملافظة علهيا.
وغياب الطبقة الوسطى هو غياب الساس يات لي اس تقرار س يايس
أو اقتصادي أو اجامتع أو أخاليق.
ذلا فهناك خطورة اسرتاتيجية القتصادايت املوارد الطبيعية،
اكقتصادايت البرتول أو الملاس أو املعادن وغريها ،بأهنا غالبا ما تكون
ُمخدرا وليس ُمس ِّكلنا .فاخملدر يُذهب المل عن صاحبه كام يُذههل عن
احلقيقة اليت س تظهر هل بعد ذهاب اخملدر؛ فال يفكر فهيا وال يعمل
26
علهيا .والخطر من ذكل اإذا ما أُدمن عليه؛ فدمر اخملدر الخالق
والعقول .وأما املُسكن فهو خيفف المل لفرتة تسمح لصاحبه بأن يعاجل
أس باب المل .فالنفط وحنوه نعمة اإذا ما اس ُتخدم مكسكن ،ولكن
التجارب التارخيية اثبتت انه ال يكون اإال خمدرا للشعوب.
وقفة فلسفية :تأثري االإنتاج عىل االإنسان والاقتصاد والس ياسة
اعامتد اقتصاد جممتع ما عىل يشء خارج عنه ،يُفقد اجملمتع الاس تقاللية
الفكرية؛ ولهذا يفقد اجملمتع اس تقالليته الاقتصادية.
فاجملمتع الزراع ال يقوم بذاته ،بل عىل نتاج الرض .و َّ
لكن ل إالنسان
جسداي يف االإنتاج دون ادلور العقيل .فهو اتبع يف عقليته ملنطق ًّ دورا
ً
الرض؛ ذلا ال يتسم اجملمتع الزراع عادة ابلتقدم الفكري ،اإال أن خيرج
من الزراعة .ولهذا ال خيرج غالب اجملمتع الزراع من حزي الفقر.
وتُعترب الصناعة معو ًما اقتصادًا قامئًا بذاته نسبيًّا .فهناك جممتع صناع قامئ
عىل التجميع كبعض دول أس يا وجنوب أمرياك ،وهناك جممتع صناع
قامئ عىل التقليد اكلصني ،وهناك جممتع صناع قامئ عىل التطوير
اكلياابن وأورواب معو ًما ،وهناك جممتع صناع قامئ عىل رسقة اخرتاعات
الغري اكلروس .وهناك جممتع صناع قامئ عىل الاخرتاع واالإجياد ،وال
يقبل غريه ،اكالقتصاد المرييك؛ ولهذا فاالقتصاد المرييك أعظم اقتصاد
مس تقل قامئ بذاته ومس تدمي 1شهده التارخي.
27
يشلك حىت طريقة فاالقتصاد ال يشلك النظام الس يايس فقط ،بل قد ِّ ل
تفكري اجملمتعات.
أال ترى أثر املسكنة واخلضوع والسطحية الفكرية يف اجملمتعات
الزراعية؟ كنتيجة تبعية اجملمتع الزراع يف فكره لنتاج الرض ،مع
اس تغاللها جلسده .ولكام اكن االإنتاج مس تقل الفكر ،زادت مقدرته عىل
فرض همينته عىل الغري؛ ذلا ال خيىش المرييك أن تكون زوجة رئيس
اس تخبارات بالده روس ية ،أو أن يكون هو نفسه صينيًّا أو اإيران ًّيا مل
يطأ أرض أمرياك اإال مراهقًا .ويف املقابل ،خيىش كثري من اجملمتعات
املتخلفة عىل فكر قضاهتم من اإرساهلم لمرياك وبالد الغرب ،ومه خنبة
اجملمتع.
وعندما ال يقوم اقتصاد جممتع ما بذاته اإمنا بيشء خارج عنه ،حفيهنا يتحمت
عليه ربط معلته بعمةل اقتصاد قامئ بذاته .فالنفط-مثال -نتاج الرض،
ليس ل إالنسان دور عقيل وال جسدي يف اإنتاجه؛ ولهذا حتمت عىل
اقتصادايت ادلول النفطية ربط معلته بغريها1؛ فهو يتبعها؛ فال ينضبط
كون العمةل مس تقةل قامئة بذاهتا بيامن اقتصادها اتبع لغريه .فالنفط جعل
الاقتصاد جسدً ا حيمل فكره اإىل غري وهجة ،وبرثوة ال يقدر حقها .ومن
هنا جاءت حمتية الربط .فتبعية العمةل ،خري من جسد متعاف هامئ اإىل
غري وهجة.
28
كربط معالت اقتصادايت النفط ابدلوالر .وكون ادلوالر هو النسب
عىل االإطالق هلم ،سببه :أن معةل الاقتصاد النفط قميته نفطية،
والقمية النفطية متذبذبة ذبذبة عظمية ،فال يصلح ان تربط معةل بقمية
متذبذبة .ذلا فامب أن النفط يسعر ابدلوالر ،وادلوالر قمية اقتصادية
مس تقةل متاكمةل؛ ذلا اكن ربط معالت اقتصادايت النفط ابدلوالر ،هو
اخليار المثل لها( .والاس تقاللية الاقتصادية الاكمةل القتصاد ادلوالر
يه اليت جعلت ادلوالر امللجأ المن يف الزمة املالية ،رمغ أنه اكن
السبب فهيا).
وذلا مىت ُك ِّرست معةل ادلوةل النفطية ،هام اجملمتع الاقتصادي النفط
برثوته مينة ويرسة يبحث لها عن اقتصاد قامئ بنفسه ،مفا يعود للعمةل
من قمية تذكر.
29
تطبيق :النفط ودرس تفريط لينكون خبمس اقتصاد بالده
يف بداية ،١٨٦٠اكن ُس بع الامرياكن عبيدا .أما عىل املس توى
الاقلمي ،فقد اكن هناك عبد واحد للك جنوبيني اثنني ،وعبد وزوجة
وطفل ،للك جنويب ذكر قادر عىل العمل.
فقد اكن هناك أربعة ماليني عبد ،وحسب حبث علم حممك ،بعنوان “
اقتصادايت العبيد الزنوج الامرياكن ” من معهد ماشاتشويست
للتكنولوجيا ،فقد بني أن متوسط سعر العبد عام ١٨٦٠اكنت يرتاوح
تبعا للوالية بني ١١٠٠- ١٥٠٠دوالر .،فهبذا تكون القمية السوقية
للعبيد بلغت بني س تة -اربعة مليارات عام ، ١٨٦٠اي مبارشة قبل
احلرب .فهبذا يبلغ مجموع قميهتم السوقية بنقود اليوم بني - ١٨٠
١٣٠مليار دوالر.
ونظرا لكرثة الارقام وتفاوهتا ،وغرابة بعضها -رمغ صدورها من مراجع
علمية راقية يف امرياك ،-ذلا جيب ان جنري اختباراتنا اخلاصة للرقام.
مفثال لو حاولنا ان حنسب قميهتم الاقتصادية أي مقدار ساعات معلهم
وانتاجيهتم ،فس نجد من املراجع أن متوسط لكفة تأجري العبد للعمل
عند الغري بلغت من ٢٠دوالر شهراي يف اقىص اجلنوب اإىل ١٥
دوالر شهراي يف أعىل اجلنوب ،اي اكرث من ٢٠٠دوالر س نواي.
(وهذا معقول نظرا لراتب اجلندي الاسود يف احلرب الاهلية).
أي أن العبد يأيت أو ينتج ما قميته تساوي أكرث من مثانية الاالف
دوالر فرتة حياته ،هذا غري تاكثره .وال يلكف العبد شيئا ،فالعبد
يغذي نفسه بنفسه ،ويتاكثر بنفسه.
والاربعة ماليني عبد ،فهيم اطفال وحوامل ،فلعل العامل مهنم نصفهم.
لكن جيب ان حيسب هذا الانتاج التاكثري يف حصة العبيد من الناجت
احمليل .فلو حسبنا قمية التاكثر عىل قمية الانتاج فساويناهام ببعض،
لنتاجئ تقريبية ،فهبذا يكون انجت العبيد يف الاقتصاد س نواي ٨٠٠
مليون اي حنو ُُخس الناجت احمليل أنذاك.
وكذكل يه حصهتم يف الرثوة الوطنية .فقد بلغت قمية ثروة اجلنوب
عام ١٨٦٠م ،حنو ٢٧مليار دوالر مهنا ١٣مليار حصة قمية ثروة
العبيد .وب اما يف الشامل فقد قدرت ثروته ٤١.٥مليار دوالر.
وهذا يعين ان العبيد اكنوا يشلكون نصف ثروة اجلنوب وُخس ثروة
البالد لكها.
فلو افرتضنا ان حترير العبيد مت بال حرب اهلية ،فهل يُعترب حترير
العبيد ،تفريطا ُخبمس دخل البالد ُ
وُخس ثروهتا؟
اجلواب :ال .فاعامتد اجلنوب عىل العبيد ،أورهثم الكسل يف العمل
وامخلول يف الابداع .فقد اكن يف الشامل ١٢٠الف مصنع مقابل ٢٠
الف مصنع يف اجلنوب ،مع فارق النوعية والانتاجية لصاحل املصنع
الشاميل.
وذلا اس تطاع الشامل تطوير الاسلحة بشلك مذهل خالل س نوات
احلرب ،اكلبندقية متعددة الطلقات بال حشو واعادة تعبئة اليت ُصفت
للجندي الشاميل ،مقابل البندقية العادية اليت ال بد من حشوها يف لك
طلقة عند اجلنويب.
31
ولوال ارادة هللا مبقتل لينكون بعد احلرب مبارشة ،وانتاكس اصالح
وضع العتقاء بعده ،مث نتيجة نزاع انتخاابت عام ،١٨٧٧اليت اخرت
حركة املساواة مائة عام يف امرياك ،لوالهام ،لاكن وضع امرياك -وهللا
اعمل -متقدم مبراحل فلكية عن اليوم. 1
لكن الشاهد أنه بعد احلرب ،اضطر اجلنوبيون للعمل والابداع،
فسامهوا يف تطوير بالدمه ،بشلك تضاعف .فقد اكن اجلنوب مصدرا
للمواد الولية ،واكن الشامل مس توردا لها ،فقد اكن الشامل هو من
يقوم بصناعهتا وحتويلها لسلع ،كصناعة الثياب مثال من قطن اجلنوب.
مفا اش به الاثر الاقتصادي لرثوة النفط -عىل دول النفط ،-ابلثر
الاقتصادي لرثوة العبيد عىل والايت العبيد اجلنوبية .وهناك ايضا
ش به كبري يف الاثر الاخاليق والفكري كذكل ،فمك هو عظمي التأمل
العلم العميق يف اترخي الشعوب.
الفصل الثاين :مفاهمي السوق
بداية فاملقصود ابلسوق هنا ،أي العرض والطلب .فالسوق أي املاكن
اذلي يلتق فيه البائع واملشرتي .ولفظ نظام السوق يعين النظام اذلي
حيمك حترك الطلب والعرض .فالسوق احلرة يه السوق اليت ال تتدخل
فهيا احلكومة بغرض رضائب أو منح اإعاانت ،وال تضع عوائق وال
تعط امتيازات؛ فتكون السوق حيهنا عىل خلقة هللا اليت خلقها عليه.
32
الباب الول :معىن السوق احلرة
الاقتصاد احلديث هو نظرايت اقتصادية حمضةُ ،سللمت تنظرياهتا
لالنصياع لسنن هللا الكونية فمل تعاندها .مفبدؤها :حرية السوق اليت
متثلها حرية السعار برشط حرية املنافسة .والتدخل يف اختالل
املنافسة ،قد يكون غري مبارش .كتقدمي االإعاانت مثال.
مفىت حتقق السعر احلر ،توفرت السلع حيهنا بسعر التلكفة الاقتصادية
،فال ربَ ظاملا لتاجر ،وال إارساف من مس هتل بسبب تقدمي سلعة
هل ال يقدر مثهنا .وهبذا يمت اس تغالل املوارد الاقتصادية احملدودة أمثل
اس تغالل؛ حلرص املتنافسني عىل رفع كفاءة االإنتاج بأقل لكفة ،ليحققوا
الرابح.
وليس املقصود ابلسوق احلرة هو عدم حتديد السعار ،فقط .فتحديد
السعار أمر مس تحيل التطبيق ابلطبيعة ،وال ميكن فرضه اإال لفرتات
قصرية مث تظهر السوق السوداء واجلرمية .ولن يس متر املنتج يف االإنتاج
اإذا مل يس تطيع تغطية اللكفة .وحتديد السعار عىل افرتاض فرضه،
يشل السوق الرمسية فال بيع وال رشاء ،وتزدهر السوق السوداء
وترتفع فهيا السعار ،ويتوقف منو الاقتصاد أو اإنتاج السلعة احملدد
سعرها .مفثال ،لو حددت ديب اسعار الاجيارات قدميا عند ارتفاعها
املفاجئ ،ملا استمثر املستمثرون يف بناء ديب والرتفعت اسعار العقارات
أكرث واكرث لقةل العرض ،والزدهرت السوق السوداء.
فاملقصود ابلسوق احلرة هو عدم التأثري عىل الاسعار ابلتأثري عىل
العرض أو الطلب او الكهام ،بتدخل خاريج بدمع او عكسه -اكإعانة-
33
ينتج عنه تغري ابلسعار نتيجة تغيري العرض أو الطلب .وهذا ما فعلته
اقتصادات ادلول الاشرتاكية وتفعهل اقتصادات ادلول البرتولية غالبا،
وهو ما يسمى ابلتخطيط املركزي لالقتصاد.
وهذا التدخل ،وان اكن ممن املمكن اس متراره لفرتة طويةل الا انه مدمر
او مشل لالقتصاد ،والتجربة اثبتت هذا.
وحرية السعار ،مبدأ معروف من قدمي ،وقد أمر عليه الصالة
والسالم به حني رفض التدخل يف السوق فرفض التسعري ،فقال( :اإن
املسعر هو هللا) .وأمر عليه الصالة والسالم بتحقيق املنافسة ،حفرم
تلق الركبان .ومثهل منع الاقتصاد احلديث التدخل احلكويم.
وتدخل ادلوةل يف السوق يكون خبمسة أمور رئيس ية يه :الرضائب،
واالإعاانت ،واالإنفاق (ومنه امللكية احلكومية) ،وحتديد السعار ،و
حتديد االإنتاج (ومنه التصدير والاس ترياد والامتيازات).
فالعدل لك العدل يف السعر العادل ،اذلي حيقق الاس تغالل المثل
للموارد ،يف ظل حرية السعار واملنافسة .فالسوق حتمكه السعار،
والسعار حتمكها اللكفة .فلك زايدة مصطنعة يف اللكفة ميكن لدلوةل
منعها ،فيجب أن متنعه ،مكنع الاحتاكر والامتيازات والرضائب ،وهذه
لكها قد وافقت الوامر النبوية ،فاالقتصاد جيري عىل سنن كونية.
وكذكل ُمنع لك ختفيض مصطنع لللكفة ،اكالإعاانت .فهو لن يكون
جماانً ،بل عىل حساب طرف من أطراف اجملمتع؛ ليرسف طرف أخر
حبصوهل عىل مورد اقتصادي ال يقدر مثنه.
34
وقد أمر االإسالم ابلعدل مع الغين والفقري ،واالإسالم يدل عىل سنن
هللا الكونية يف السوق ،والرأساملية اجهتدت يف تتبع سنن هللا الكونية،
وتقبلت التغيريات واالإصالحات .ذلا؛ مل تنحز الرأساملية للتجار وال
للحكومات وال للشعب ،بل احنازت ملا حيقق املثالية الاس تغاللية
املثىل للسوق؛ وهبذا يتحقق تعظمي اقتصاد اجملمتع لكه .ولهذا؛ منع
الاقتصاد احلديث االإعاانت ا إالرسافية وأقر االإعاانت اليت تعظم
االإنتاج ،وابلتايل الرابح.
فاالقتصاد احلر ،مل مينع التعاون والصدقات واالإحسان ،بل منع تدخلها
يف السعر العادل ،فعزلها عن الاقتصاد بعزل الس ياسة احلكومية عهنا
وعن الاجتار هبا يف السوق.
وبعد هذه املقدمات ،فلعهل قد تبني لنا معىن السوق احلرة :فهي
السوق اليت حيمك السعر مس توى العرض والطلب فهيا دون تدخل
خاريج ،اكإعانة أو احتاكر لسبب أو غريه .ولهذا؛ فف السوق احلرة
التنافس ية ال جمال الصطناع رفع السعار.
الباب الثاين :السوق التنافس ية
حرية السعار يف السوق احلرة من حرية املنافسة فيه .والتنافس فطرة
برشية فطر هللا اخللق علهيا ،لتمنو احلياة وتس متر .وهو نوعان :تنافس
بناء وتنافس هدام.
فالتنافس البناء يف السوق ،هو التنافس لتعظمي االإنتاج كام ونوعا ،دون
انقاص من انتاج سوق أخرى ،ومن شواهد التنافس البناء قوهل تعاىل
35
” :ويف ذكل فليتنافس املتنافسون ” .أما التنافس الهدام ،فهو
التنافس لتعظمي االإنتاج هبدم انتاج سوق أخرى .
ودور احلكومات يف الس ياسة الاقتصادية هو سن الس ياسات يف دمع
التنافس احلر البناء اذلي يقود السوق اإىل أقرب حاةل ممكنة من السوق
التنافس ية املثىل ،ومنع التنافس الهدام اذلي مينع من ظهور املنافسني.
والسوق التنافس ية يه السوق اليت ال يرتفع فهيا سعر السلعة عن لكفة
اإنتاهجا وال ينقص .وهذا عادة ال ميكن حتقيقه اإال يف السلع الاس هتالكية
البس يطة والصناعات اخلفيفة.
واحلد اجلامع للسلع التنافس ية احملضة هو كوهنا متشاهبة جدا ومنتجوها
كثريون اإىل حد ال ميكن تواطؤمه عىل االتفاق عىل رفع السعار،
كسوق املاش ية واخلضار .وما عدا ذكل فلك السلع فهيا نوع من القوة
الاحتاكرية اليت ميكهنا من رفع السعر فوق سعر اللكفة اذا متزيت عن
شبهياهتا ،اكلس يارات واملطامع وحنوهام.
وهممة احلكومة هنا يف حامية املنافسة :هو تسهيل وجود السلع البديةل
املنافسة اليت تضعف من احتاكرية هذه السلع وليس هممهتا حتديد
السعار .مفثال ال يصلح ان حتدد احلكومة سعرا لنوع س يارة ما ،ولكن
تسهل اإجياد أنواع س يارات أخرى بديةل يف سوق الس يارات.
وهناك بعض السلع املتشاهبة متام ًا ولكن تمتزي بنوع من الاحتاكرية
لصعوبة أو ارتفاع لكفة الانتاج ،كصناعة احلديد مثال .فهنا دور
احلكومة ان تراقب السعار لضامن عدم وجود تواطأ بني املنتجني لرفع
36
السعار بتخفيض طاقهتم االإنتاجية .وهناك سلع احتاكرية خلقة،
اكلكهرابء وهذه تتدخل ادلوةل يف تسعريها واحلفاظ عىل عدم منافس هتا.
وجيب التنبيه ،ان املقصود هنا يف ذم تدخل ادلوةل ،هو تدخلها يف
سوق الصناعات واخلدمات والسلع احلقيقية ،وليس يف السوق املالية
والنقدية .فالسوقان عىل عكس بعضهام يف هذا الباب .وادلراسات
الاكدميية رشحت ابإسهاب ختصيص وعلم أس باب هذه الظاهرة
للسوق املالية اخملالفة لقانون طبيعة السوق حبمتية التدخل احلكويم فهيا
لصالهحا.
واخلالصة ،ان ما يتناقهل الناس من ان التجار يتالعبون ابلسعار غري
حصيح متام ًا وخاصة يف السلع الزراعية و الاس هتالكية العامة .فال ميكن
لتاجر -إان اكنت سلعته تنافس ية -ان يرفع السعر عن السوق دون ان
يفقد حصته السوقية ،ويس تجلب لنفسه العبني جدد يف سوقه.
واحلكومة لها دور همم يف ادلمع ويف االإعاقة ولكنه جيب ان يكون قامئا
عىل حتليل اقتصادي علم دقيق.
مفثال :مجيعنا يعمل أن الطلب اإذا زاد زادت السعار يف لك يشء حىت
يف البضائع الاس هتالكية لفرتة معينة ،ولكن ال يعمل كثري منا السبب
احلقيق ( .وحتديد البضائع الاس هتالكية؛ لغلبة السوق التنافس ية علهيا).
ذلاُ ،ترىم االهتامات عادة عىل تأمر التجار واملنتجني ،وهذا غري
حصيح غالبا .فالسوق التنافس ية للمنتجات املتشاهبة سوق حرة ،فهي
ال تسمح ابلتأمر اإذا اكن عدد املنتجني أو البائعني كثري ،أو اإذا اكن
ادلخول واخلروج للسوق سهل .فالسوق التنافس ية لهذا السبب يسهل
37
فهيا زايدة االإنتاج برسعة .فبسبب اخنفاض لكفة انتاج السلعة وبساطة
انتاهجا أو اس تريادها ،مع وجود سوق تنافس ية ،ينشأ مناخ هيئي سهوةل
ادلخول واخلروج فهيا ،فال تسمح ديناميكية السوق التنافس ية بزايدة
السعار ملدة طويةل ،اإال اإن اكن بسبب زايدة اللكفة االإنتاجية.
تطبيق :فشل السوق عند تدخل ادلوةل
فف هذا الباب ،رضب قرين س بان 1مثال ابلهند ليبني التأثري االإجيايب
للسوق احلرة عىل جودة االإنتاجية من الناحية المكية والنوعية .فالهند
اكنت تصنف الهواتف النقاةل عىل أهنا سلع الرتف ،بيامن تصنف الطب
والطعام وحنوها من الرضورايت .وبناء عىل هذه التصنيفات تدخلت
احلكومة يف تنظمي سوق الصناعات واخلدمات اليت تصنف ابهنا
رضورية بيامن تركت سوق االتصاالت حرة ،تنظم نفسها بنفسها.
وعدم التنظمي هنا ،ال يعين عدم اصدار الرتاخيص والتسجيل وحنوها،
امنا املقصود بعدم ابلتنظمي هو عدم التدخل احلكويم سواء ابدلمع او
الاعاقة .والاعاقة لها صور كثرية مهنا وضع رسوم مرتفعة للرتاخيص او
حتديد عدد الرشاكت العامةل او وضع الرشوط الصعبة وحنو ذكل.
فاذلي حدث يف الهند ،وبعد خماض سويق حر متزي فيه اخلبيث من
الطيب ،ان سوق االتصاالت الهندي أصبح أعظم سوق يف العامل
كفاءة وجودة ورخصا للمس هتل .وذكل عىل عكس الصناعات
واخلدمات الاخرى اليت تدخلت فهيا ادلوةل ابلتنظمي وادلمع.
38
وقفة فلسفية :حرية الاسواق
السوق اكحلراك الفكري يف اجملمتع :اإما أن تكون تنافس ية والبقاء فهيا
للصلح والجود ،والطيب يطرد اخلبيث .وإاما أن تتدخل احلكومات
فهيا ،فتفسدها وتعرقل منوها ،فتحتل موقعها يف مؤخرة المم .فرتى هذه
المم تقعد تراوح يف حملها ويه ترفع شعارات الزتييف الفكري
والاقتصادي حين ًا من الزمن ،حىت تضطر احلكومات فامي بعد اإىل أن
تتخىل عن مبدأ التخطيط املركزي للفكر وللسوق عىل حد سواء.
وذكل اإما عىل أيدي أُمناهئا وعقالهئا ،أو خوف ًا عىل نفسها من ثورات
الشعوب ادلامية .وشاهد ذكل ما نراه أمامنا من التحوالت يف روس يا
وأس يا وأورواب الرشقية ويف بالد الصني والهند وبالد العرب.
والتخطيط املركزي للسوق 1أثبت فشهل يف مجيع ادلول الش يوعية
واحلكومات الاشرتاكية .وما أهون فشل التخطيط املركزي للسوق،
اإذا ما قُورن بفشل التخطيط املركزي لليديولوجيات .فالش يوعية مل
تس تطع أن تفرض فكرها عىل شعوهبا اإال ابحلديد والنار ،وكذا يه
حال لك أيدلوجية تعجز عىل أن تقوم بنفسها؛ فتلجأ اإىل اجلرب واالإكراه
بقوة السلطان وتطبيل االإعالم ،حتت غطاء الرسية والتكمت .وشاهد
هذا أننا نرى ،وخبالف الش يوعية ،منت الرأساملية وتطورت وحتولت
وتبدلت عرب العقود يف الهواء الطلق مضن ِّخضام سوق احلراك الفكري
احلر؛ ففرضت فلسفهتا عىل شعوهبا ابالإقناع والقبول.
39
وقد حطمت الصناعات احلربية يف القرن املنرصم اسرتاتيجية السوار
والقالع واخلنادق ،فمل تعد عوائق حتول دون اخرتاق العدو .وكذكل
هو احلال يف حصار الفكر .فقد اكن القتل والسجن والنف -اإىل عهد
قريب -كفي ًال ابلقضاء عىل الرشحية املفكرة يف اجليل الول من اجملمتع
املدين ،ومن مث تُدَ َّجن الجيال يف حصار فكري أيديولويج خيدم
طائفة قليةل عىل حساب ختلف الوطان ،وفقر املاليني من شعوب
تل البالد .وكام فعلت الصناعات املتقدمة يف حتطمي دفاعات املدن،
فكذا فعلت االتصاالت الرمقية يف العقد اذلي نعيشه يف حتطمي حصار
الفكر ،فمل تعد هناك قوة تس تطيع أن تفرض أيدلوجية معينة ،وال أن
حتجر عىل فكر الشعوب ،والبقاء للصلح.
والتخطيط املركزي للفكر أو للسوق هو معول هدم احلضارات .وهو
اكتب سيناريو الفقر واملأساة .وهذه يه التجارب ماثةل أمامنا ،من
فيتنام الشاملية مروراً بدول العامل ووصوالً اإىل أورواب الغربية وأمرياك.
فالبضاعة اجليدة والرخيصة ال حتتاج اإىل سلطة لفرضها عىل املس هتل،
وكذكل الفكر ال حيتاج اإىل سلطة تؤيده اإال اإذا اكن هزي ًال مفلس ًا من
املنطق وعاجزاً عن مقارعة اخلصوم .ومل متارس حكومة قط يف العرص
احلديث معلية التخطيط املركزي للفكر واليديولوجيات ابجلرب
واالإكراه ،اإال وأصبحت أيديولوجيهتا أطالال ،يبيك علهيا قداىم حماربهيا.
وحتديد السعار من قبل احلكومة ،هو فتيل اإشعال السوق السوداء
وازدهارها؛ مما ُخيرج احلكومة مجةل وتفصي ًال من السوق احلقيقية.
فهتمين السوق السوداء ،اليت يتبايع فهيا الناس .فتكرث اجلرمية وينترش
40
الظمل ويهنار الاقتصاد .وكذا نرى يف حتديد الفكر من قبل هجة واحدة
يف عرص املعلومات الرمقية .ما هو اإال دعوة رصحية وقوية الإقامة أكرب
ساحة فكرية خارجة عن إارشاف احلكومات وتوجهيها؛ ليجد فهيا بعض
اخلبثاء والرشار أفضل بيئة لنرش الفاكر املنحرفة اليت س تلقى قبوالً
عند عامة البسطاء كردة فعل لرفضهم االإكراه الفكري .فضعف
املؤسسات الفكرية يف العرص احلديث ال يس تقوي ابلسلطة ،ففرض
الفكر بقوة احلكومات يف عرص املعلومات الرمقية اذلي نعيشه ،ما هو
اإال إارساع لعملية القضاء عىل مدرسة ذاك الفكر ،وحرمان حكومته من
فرصة تصحيح أوضاعها.
الفصل الثالث :مفهوم التوزيع العادل للرثوة
تدور فلسفة فالسفة الاقتصاد -اليت تودلت عهنا النظمة الاقتصادية-
حول موضوع التوزيع العادل للرثوات.
و قد مرت البرشية خالل تطورها املدين مبحاوالت عدة لتحقق عداةل
توزيع الرثوات يف اجملمتع .مفن املزدكية اجملوس ية الاشرتاكية اليت تنادي
بتشارك أفراد اجملمتع للك يشء ،اإىل االإقطاعية االإمرباطورية اليت جتعل
احلامك مالاك للك يشء .واجملمتعات الاقتصادية اإىل ما قبل قرنني من
الزمن اكنت لكها يف معظمها اقتصادايت دخل /تأجري تقوم عىل الزراعة
والرع وما يلحق هبام من جتارة وغزو .واالإنتاج ادلخيل/التأجريي يُنتج
سوقا غري حرة ،ذات نظام اإقطاع .
وقد جاء االإسالم فتعامل مع النظام االإقطاع ابإقراره ،ولكن بأحاكم
معامالت وسطية .فاالإسالم مل يتصادم مع االإقطاعية ،بل هذهبا.
41
وابس تصحاب هذا اإىل واقع اليوم ،نس تنتج بأن التوزيع العادل للرثوات
جيب أن يُبىن عىل قاعدة أساس ية :ويه أن يزيد هذا التوزيع من هذه
الرثوات يف اجملمتع كلك ليغتين اجملمتع لكه ،ال ليك يفتقر الناس مجيعا.
وليك تتحقق زايدة ثروة اجملمتع يف الاقتصاد ادلخيل اذلي حيمكه نظام
اإقطاع ،فال بد من تركز الرثوة يف أفراد معدودين ،بيامن يعيش البايق
حد الكفاف .ولهذا جاءت به النصوص الرشعية للمعامالت من حتديد
الزاكة يف نسب بس يطة ،وما جاءت به أيضا من منع الرضائب .والنظام
االإساليم هو أفضل نظام حيقق الاس تغالل المثل دليناميكية السوق
ادلخلية االإقطاعية ،اليت اكنت قامئة قبل الهنضة الصناعية.1
ومع دخول عرص الصناعة ،أصبح لزاما توفر طبقة وسطى غالبية قادرة
عىل رشاء حاجيات فوق حد الكفاف؛ ليك تس تطيع هذه الطبقة حتفزي
االإنتاج .وهنا أيضا ،فليك تزيد ثروة اجملمتع يف الاقتصاد الصناع اذلي
حيمكه نظام رأساميل ،فال بد من تركز الرثوة يف أفراد معدودين ،بيامن
يعيش البايق حياة طيبة “ ،الطبقة الوسطى ” .جفاءت النظمة
الرأساملية التطبيقية احلديثة املعدةل من الرأساملية النظرية الوىل،
ففرضت رضائب تصاعدية عىل الثرايء تزتايد لكام زادت الرثوة الناجتة
من اس تغالل موارد اجملمتع ،حىت تصل الرضيبة اإىل .٪٧٠وهبذه
الرضائب تس تطيع ادلوةل توفري احلاجيات الساس ية للناس من طب
1وبرمغ اختالف شلك النظام االإنتايج الصناع ،واذلي يعترب أساس ديناميكية الاقتصاد اكملخ ابلنس بة لالإنسان ،اإال أن الزاكة ما زالت قادرة عىل تغطية كثري من املهام
التنظمية لالقتصاد الصناع احلديث ،اذلي يصل به اإىل التوزيع العادل للرثوات( .وحد العداةل الاقتصادية ،هو ما يعود عىل اجملمتع بأعىل اإنتاجية وبأقل لكفة ،وس يأيت).
42
وتعلمي وخدمات ،كام ترتك الفسحة لعزمية املنتج عىل الاس مترار يف
زايدة االإنتاج وتطويره.
-1عن أيب هريرة ريض هللا عنه أن فقراء املهاجرين أتوا رسول هللا صىل هللا عليه وسمل فقالوا :ذهب أهل ادلثور ابدلرجات العىل ،والنعمي املقمي .فقال :وما ذاك ؟ فقالوا:
يصلون كام نصيل ،ويصومون كام نصوم .ويتصدقون وال نتصدق ،ويعتقون وال نعتق .فقال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل :أفال أعلممك شيئا تدركون به من س بقمك
وتس بقون به من بعدمك وال يكون أحد أفضل منمك اإال من صنع مثل ما صنعمت؟ قالوا :بىل اي رسول هللا .قال :تس بحون وحتمدون وتكربون دبر لك صالة ثالاث وثالثني
مرة .فرجع فقراء املهاجرين اإىل رسول هللا صىل هللا عليه وسمل ،فقالوا :مسع اإخواننا أهل الموال مبا فعلنا ففعلوا مثهل؟ فقال رسول هللا صىل هللا عليه وسمل :ذكل فضل
هللا يؤتيه من يشاء .متفق عليه وهذا لفظ رواية مسمل .وادلثور :الموال الكثرية.
44
الغنياء اليت تعطل اس تغالل املوارد ابحتاكرها دون تشغيلها يف
الاقتصاد .وكذكل من املذموم يف تكتل الرثوات عندما يكون الرثاء
من غري بذل هجد حقيق ،كفساد وحنوه؛ لن هذا يقتل روح املنافسة
االإجيابية وحي روح املنافسة السلبية؛ فيدمر الاقتصادايت واجملمتعات.
الباب الثاين :حمتية تركز الرثوات يف الاقتصاد
ولكن السؤال اذلي قد يكون يرتدد يف قلوب الكثري من القراء ،هو:
ملاذا يتحمت تركز متل الرثوة يف قةل من أفراد اجملمتع ليك يمتتع الاقتصاد
بصحة وعافية جيدة؟ واجلواب يتخلص يف الس باب التالية:
أوال :ديناميكية اللكفة واالإنتاج
فليك نفهم مسأةل حمتية تركز الرثوات يف الاقتصاد ،جيب أن نفهم
قبلها ديناميكية اللكفة واالإنتاج .فاللكفة يه أساس السعار اليت حتمك
السوق.1
وديناميكية لكفة االإنتاج فس نأيت علهيا يف فصل( :الاقتصاد اجلزيئ).
فاإذا ما فهمنا ديناميكية لكفة االإنتاج ،نكون قد بيننا بنية حتتية فكرية
نس تطيع هبا تقريب فهم حمتية متل فئة قليةل للرثوات يف اجملمتع من
الناحية الاقتصادية .بعد أن نقدم لها من الناحية املنطقية .فبعد املنطق
نأيت بتطبيق اقتصادي حملتكر ،فرنى تاكمل املنطق مع التطبيق وتظهر
لنا حقيقة خلق هللا للسوق كخلقه ل إالنسان.
اثنيا :الاقتصاد اكحلُمك
45
فاالقتصاد يف شلكيه الرئيسني ،االإقطاع ادلل خْيل أو الرأساميل
الصناع ،معوما مثل احلمك والس ياسة .فكام أنه ال تس تقمي أمور اجملمتع
وادلوةل اإذا اكن لك اجملمتع أو غالبه حاكما أو س ياس يني ،أو أن تُوزع
السلطة ،فكذكل ال يصلح أن ميل عىل أفراد اجملمتع مقاليد قرارات ُ
غالب اجملمتع غالب الرثوة أو أن تُوزع عىل أفراده ثروات اجملمتع .وإان
اكن توزيع السلطة ال يصلح بسبب طبيعة عوامل السلطة اليت حتمكها
وجوب وحدة القرار ،واالإنسان بطبيعته اخلالف والسع للسلطة،
وديناميكية السلطة تس تلزم عدم املنازعة واخملالفة ،فتوزيع السلطة عىل
أفراد كرث يفسد ديناميكيهتا ،وكذكل هو يف الاقتصاد.
كام جيب أن ندرك بأن القدرة عىل تشكيل الرثوات موهبة يرزقها هللا
من يشاء ،متاما مكوهبة القدرة عىل السلطة واحلمك .وما جيري يف
السلطة واحلمك من سنن هللا ،جيري كذكل يف الرثوة .وذلا؛ ترى أبناء
الغين الواحد تفرتق أحواهلم بعد موته ،مفهنم من يزداد ثراء ومهنم من
يفتقر .وهذه الطبيعة البرشية يه اليت حافظت عىل الاقتصاد ادلَّ خيل،
رمغ حمتية تزامح البناء والحفاد عىل املوروث احملدود مبزرعة وحنوه.
فيتنافسون؛ فيبقى الفضل غنيا ،أو يتساوون أحياان؛ فتضيق علهيم
بالدمه ،فينطلقون غازين أو يتنازعون؛ فيغزومه الخرون.
وهذه الطبيعة البرشية يف تفاضل البرش يف مجع الرثوات ،يه اليت
أيضا زادت الغنياء ثراء وعددا يف الاقتصاد االإنتايج الصناع .ودليل
تفاضل البرش يف الرثوات من القرأن الكرمي ،قوهل تعاىل ( :أَ ُ ْمه
ون َر ْ َمح َت َرِّب ل َك ۚ َ ْحن ُن قَ َس ْمنَا بَيْهنَ ُ ْم َم ِّع َيش هتَ ُ ْم ِّيف الْ َح َيا ِّة ادلُّ نْ َيا ۚ
ي َ ْق ِّس ُم َ
46
َو َرفَ ْعنَا ب َ ْعضَ هُ ْم فَ ْو َق ب َ ْعض د ََر َجات ِّل َيتَّ ِّخ َذ ب َ ْعضُ هُ ْم ب َ ْعضً ا ُ ْ
خس ِّر ًّاي ۗ َو َر ْ َمح ُت
ون) ،وقوهل صىل هللا عليه وأهل وسمل يف هذا َرِّب ل َك خ ْ رَري ِّم َّما َ ْجي َم ُع َ
املعىن حني اش تىك الفقراء بذهاب الغنياء ابلجور لتصدقهم من فضل
ماهلم “ :ذكل فضل هللا يؤتيه من يشاء ” كام مر.
الباب الثالث :الرؤية الاقتصادية المتالك القةل للرثوة
فالرؤية الاقتصادية المتالك القةل للرثوة يه :أنه حمتية كونية من ابب
الاحتاكر الطبيع .1وديناميكية الاحتاكر الطبيع للرثوة يف القةل ،هو
انجت عن حاجة الرثوات ل إالدارة ،وعن ندرة املوارد الاقتصادية ،وعن
خلق هللا ل إالنسان عىل فطرة حب املنافسة والاس تئثار والمتل .وال
يقول عاقل بأن يُعطى أفراد اجملمتع ملكية دون دفع مثهنا ،فهذا تدمري
اكمل لالقتصاد .فالطبيعة االإنسانية س متنع العامل من العمل االإنتايج
اإذا مل واغتىن دون بذل اجلهد .كام أهنا س متنع املنافسة عىل تمنية
الرثوة من الفئة القادرة عىل تكوين الرثوات.
وتكوين الرثوات تكون يف اجليل الول .أما اإدارهتا فتكون يف الجيال
املتوارثة بعد ذكل .وليس املقصود ابالإدارة هنا التطبيقات االإدارية ،فقد
يكون مالك الرثوة البناء من أهجل الناس .ولكن املقصود هو حامية
الصل املنتج لالس مترار يف اإنتاجيته ومنوه .فعموما ،فاإن ديناميكية
االإنتاج العام ،فهيا نوع من ديناميكية الاحتاكر الطبيع .وهذا اذلي
حيقق الاس تغالل المثل لالقتصاد.
- 1اكحتاكر ادلوالر يف جمال العمةل واحتاكر االإجنلزيية يف جمال الللغة ،ويأيت مزيد بيان.
47
فلو قُسمت مزارع البقر احللوب اإىل وحدات صغرية عىل مجموعة ُمالك،
لقل االإنتاج وتعاظمت اللكفة ،وهذا مثبت منطقيا ورايضيا ،وأما
شاهد ذكل من الواقع فهو جتربة توزيع املزارع عىل الفالحني يف
الثورات الاشرتاكية ،أرضت ابالإنتاج كثريا .ومن الشواهد أيضا :أن
تقس مي بعض الرشاكت الصناعية القامئة يف تطورها عىل البحث
والتطوير ،قلص من اإماكنياهتا ،كرشكة التلفوانت المريكية “ اإى يت
اإن يت ” ،حني ألزهما القضاء بتصغري جحمها من وحدة اإنتاجية واحدة
اإىل وحدتني اإنتاجيتني .وذلكل فقد تعمل املرشعون المريكيون ادلرس.
فمل يقسموا مايكروسوفت .ورحبت مايكروسوفت قضية الاحتاكر
اليت قُدمت ضدها بغرض تفتيت الرشكة وتقس ميها.
وأما يف الاقتصاد الصناع فاإن هذه الفئة القليةل من أفراد اجملمتع اليت
متل الرثوة ،يه يف الواقع جمرد مدراء للرثوة يديروهنا لتمنيهتا .ويف
تمنيهتا تمنية القتصاد اجملمتع .واملقصود ابالإدارة هنا ،أي االإدارة الترشيفية،
أي ال ميارسون االإدارة ابلرضورة ،بل مه ميثلون وحدة الصل .ويه
الفئة القليةل ،يه اليت تتحمل االإنفاق احلكويم عىل اخلدمات بدفعها
للرضائب .أاكن ذكل بطريق مبارش أو غري مبارش .فالرضيبة عىل دخل
العامل يدفعه املنتج يف الواقع .فالرواتب ُحتسب عىل أساس الرضائب.
وكذكل ،يف الاقتصاد ادلَّ خيل .فتفرقته تَرفع اللكفة االإنتاجية وتُنقص
االإنتاج .وإان اكن الاقتصاد ادلَّ خيل -كام بينا سابقا -ال يمنو وال يتطور
مبقدار منو عدد أفراد اجملمتع ،فرتكز الرثوة عند القةل من ابب أوىل.
فتُس تحال احملافظة عىل مس توى ثراء اجملمتع اإال اإذا اقترص عىل أفراد
48
معدودين يكونون مه املالك اذلين ينفقون عىل الغلبية ال ُع لمالية
الرصف ويدفعون الرضائب لدلوةل؛ من أجل تقدمي امحلاية العسكرية و َّ
عىل اجلنود .وذلا؛ جاء االإسالم بترشيعات توافق س نة هللا الكونية يف
اجملمتع االإقطاع يف حامية املالك واحلفاظ عىل حقوقهم .وأما املرياث يف
االإسالم فهو حتقيق للعداةل يف الرسة الواحدة جتنبا للفتنة بيهنم ومنعا
لتضخم الرثوة املطلق .فتعالمي االإسالم جاءت مطابقة لفطرة االإنسان.
فالخوة يف الرسة الواحدة ال يكونون َسواء يف صناعة الرثوة واحملافظة
علهيا .ولهذا؛ غالبا ما تنهتي أمالك الب أو اجلد اإىل ابن واحد من
البناء.
فبامجلةل ومع مراعاة اختالف املسميات ،فقد اكنت اجملمتعات
االإقطاعية تُقسم ماكنة ورشفا واقتصادا اإىل طبقة المراء واحلاكم ،مث
طبقة النبالء والفرسان والتجار ،مث الطبقة الاكدحة اليت تشمل اجلنود
والفالحني والرعاة مث طبقة العبيد.
واالإنتاج ادلل خيل ال يكف لتقدمي الرفاهية مجليع أفراد اجملمتع .واملاكل أحق
مباهل ،وقد خلق هللا اجملمتعات عىل سنن ال تتغري وال تتبدل .فاجملمتع
حباجة محلاية وحكومة .والفوارق بني أفراد اجملمتع تعمل كرتوس املاكينة
لتحقيق ذكل .فوجود غين وفقري حيفز الشجاع عىل الشجاعة واجلندي
عىل احلرب والعامل عىل العمل .ووجود حكومة دلهيا القوة ،وأفراد
دلهيم املال ،يدفع الك من الفريقني محلاية الخر؛ لتحقق امحلاية للكهيام.
وهذا يقودان لعالقة الس ياسة ابالقتصاد اذلي اكن هو املوضوع السابق.
49
فاخلالصة :أن التفاوت يف الرثوات حبيث ميتل النس بة القل من
الناس للنس بة العظم من الرثوات ،هو أمر جوهري رضوري لمنو
اقتصاد صناع متطور .كام أنه أمر رضوري لرخاء اجملمتع لكه يف ظل
نظام رضييب تصاعدي (أي تزداد الرضيبة مع زايدة الرثاء) .فالغنياء
يف اجملمتع الصناع املتطور مه يف الواقع جمرد مدير مطور الإنتاجية
اجملمتع .فالغين يعمل جاهدا لزايدة االإنتاج وحتسينه من أجل زايدة
أرابحه ،اليت س يعيد استامثرها يف االإنتاج؛ فزييد االإنتاج ويطوره؛ فزييد
من توظيف الناس ،وتزداد رفاهية الناس ابس تطاعة العمل والتعمل
والاس هتالك للمنتجات املتاكثرة املتطورة .والغنياء يف هذا اجملمتع -اإذا
اكن دميقراطيا -حمدودو الترصف يف أمواهلم مبحدودية اإنسانيهتم الفردية
يف املألك واملرشب واملسكن .فهذا الرثي همام بذخ يف احلاجيات
االإنسانية؛ فيظل اإنفاقه اتفها ابلنس بة ملمتلاكته ودوره اذلي يقوم يف به
يف بناء الاقتصاد .كام أنه قد يكون بذخا اس هتالكيا ملنتجات صناعية
تشغيلية لالقتصاد .ويقال أيضا ،أنه قد يكون بذخا إارسافيا ،يتسبب
بتضييع ملوارد رضورية للمجمتع .فيقال :لكن أغنياء هذا اجملمتع ال
يس تطيعون البذخ الاحتاكري اذلي يعطل به املوارد الاقتصادية ،كن
ميتل عرشات املنازل أو املزارع أو الرايض شاسعة جملرد التنعم
ابمللكية دون اس تغاللها الشخيص -وهو حمدود ابإنسانيته -أو دون
اس تغاللها االإنتايج .فالرضائب التصاعدية اليت قد تصل اإىل ٪٧٠عىل
ادلخل واملمتلاكت الزائدة عن احلاجة واملرتفة تردعه عن ذكل.
والغنياء يف هذه اجملمتعات مه غالب مصدر دخل ادلوةل اذلي تنفقه
50
عىل اجملمتع .فالرضائب تصل علهيم اإىل ٪٧٠يف أمرياك( ،من الفدرايل
والوالية واملدينة) ،فباالإضافة اإىل زايدهتا مع زايدة ادلخل ،فهي تزداد
لكام زادت اس تفادته من اجملمتع وموارده ،اكملمثلني واملشاهري،
وكرشاكت التنقيب واملعادن والنفط .أو من يتحصل عىل ثروة دون
هجد منه مكرياث أو عثور عىل كزن وحنوه.
واليوم يف مثل هذا اجملمتع الصناع ادلميقراط ،يزداد الثرايء ثراء دون
بقية أفراد اجملمتع .وهذا حمت أيضا .فالثرايء -كام أوحضت -حمدودو
الترصف يف أمواهلم ،فهم يستمثروهنا يف زايدة االإنتاج .بيامن ال جيد بقية
اجملمتع فائضا لالستامثر رمغ تضاعف قوهتم الرشائية ثالثة أضعاف يف
العقود املنرصمة يف غالب ادلول املتطورة .وذكل بسبب زايدة مس توى
الرفاهية املعييش اذلي أصبحوا يعيشونه وزايدة اإنفاقهم المتالك
املنتجات اليت مل تكن متوفرة من قبل ،واليت ما اكن لها أن تتوفر لوال
ثروات الغنياء االإنتاجية.
وخمالفة س نة هللا يف خلقه ،تس تلزم فساد اخمللوق عاجال أو أجال.
الفصل الرابع :مفاهمي االإقطاعية والرأساملية والاشرتاكية
متهيد :النظمة الاقتصادية تبع ل إالنتاج
الصل الغالب ،واذلي يسري طبيعيا موافقا خللق هللا للسوق ،هو أن
االإنتاج ادلخيل/التأجريي يُنتج سوقا غري حرة ،ذات نظام اإقطاع ينتج
س ياسة متيل لطرف ادلكتاتورية .ذكل أن املنتجني يف االإنتاج
الاقطاع قةل ،فيسهل علهيم احتاكر السوق ورفع السعار حبيل
51
متنوعة .والاقطاع متجذر من ادلكتاتورية خبالف الصناعة .فاالإنتاج
الصناع /التكنولويج يُنتج سوقا حرة ،ذات نظام رأساميل ينتج
س ياسة متيل لطرف ادلميقراطية ،أو س يكون مأل الاقتصاد الفشل.
فالصناعة ال جتمتع مع االإقطاع ،وإان حدث عىل حني غفةل من الزمن،
فهو مجع متضاد خمالف لس نة هللا الكونية ،فال يس متر طويال،
اكالشرتاكية الهالكة ،مفا الاشرتاكية اإالقطاعية متطرفة ،كام س يأيت.
الباب الول :الاشرتاكية اإقطاعية متطرفة
حفقيقة الاشرتاكية أهنا اإقطاعية متطرفة .وادلوةل يه من ميتل الرثوة
لكها ،ويه اليت تس هتلكها .بيامن يعيش اجملمتع حد الكفاف.
والاقتصاد الاشرتايك ،اإما أن يكون ذا غلبة يف االإنتاج الصناع أو
غلبة يف االإنتاج ادلخيل .فمتل فرد واحد -وهو احلكومة -للرثوة ،هو
اإساءة اس تخدام دليناميكية لكفة االإنتاج (اليت سنرشهحا الحقا).
فاإنتاجية الاشرتاكية تعمل يف نطاق ملكف للغاية يف االإنتاج .كام أن
السوق الاشرتاكية يف اإنتاج صناع ،يه سوق اإقطاعية متطرفة ،حتمك
اإنتاجا صناعيا .وهذا مجع معاكس خللق هللا للسوق ،مفا اكن هل أن
يدوم.
فاالشرتاكية يف الاقتصادايت االإنتاجية الصناعية جتمع خملالفتني لطبيعة
السوق أو س نتني من خلق هللا للسوق .ذلا؛ ففشل الاشرتاكية يف
52
الاقتصادايت االإنتاجية ،اكن أعظم وأرسع وأوحض من فشل الاشرتاكية
يف الاقتصادايت ادلَّ خْلية اكلزراعة.1
مبحث :أثر الاشرتاكية يف ختلف الثقافة ال متويلية
تأخر الثقافة المتويلية للمجمتعات العربية واجملمتعات اخلارجة حديثا من
الاشرتاكية ،هو أمه عائق جوهري حيد غالب الس ياسات النقدية يف
هذه البدلان ،من حتقيق دورها يف اإنعاش الاقتصاد والتحمك به.
وختلف الثقافة المتويلية للمجمتعات العربية ،هو شأن لك اقتصادايت
دول التخطيط املركزي من ادلول الاشرتاكية البائدة ،واملعمتدة عىل
احلكومة ومتويالهتا ومشاريعها( .والمتويالت احلكومية يه من الس ياسة
املالية اليت تديرها وزارة املالية وليس البنك املركزي).
والتخطيط املركزي اذلي متثهل الاشرتاكية يف أقىص صوره ،هو اجلامع
اذلي جيمع بني ادلول املتخلفة يف العامل .وفلسفة الاقتصاد املسمى “
ابالإساليم ” ما هو اإال تقليد لبعض اجلوانب العاطفية الافالطونية
لفلسفة الاقتصاد الاشرتايك.
ومنه الشاهد هنا يف رفض فكرة المتويل غري احلكويم ،واليت ازدهرت
يف أطروحات الاشرتاكيني .فهم اذلين من أوجد هذه الغاليط حول
توليد النقود والمتويالت؛ من أجل تربير ملكية ادلوةل للك يشء وقياهما
بلك يشء .ومث تلقفها مهنم الاقتصاد املسمى ابالإساليم ،واذلي نشأ
- 1ونشري هنا اإىل أن فشل الاقتصاد خيتلف عن اهنيار النظام الس يايس .والفشل يقدر مبقدرات اجملمتع ،ال بصورته اجملردة .ففشل الاقتصاد الرويس ،يعترب أكرب من
فشل أي اقتصاد .فال يقال أن اقتصاد روس يا متقدم وال يقارن ابقتصاد دول كسوراي أو كواب .فاالإماكنيات الصناعية واملوارد الطبيعة وا إالنسانية عند روس يا وماكنهتا العاملية
اكنت سابقة مبراحل لمرياك.
53
أصال يف أحضان املفكرين املسلمني ،من اذلين درسوا يف اخلارج يف
امخلسينات والس تينات اإابن ازدهار الش يوعية “ صديقة العرب ”
وعدوة أمرياك (صديقة إارسائيل) .فرجع هؤالء اإىل بالدمه العربية،
بأطروحات الاشرتاكيني جفملوها جفعلوها دينا مزنال من هللا .ومث من
رمح فكر الب الش يوع ،ومبباركة البنوك (املس تفيد الول) ،تودلت
الصريفة املسامة بـ(االإسالمية) ،اليت يه قامئة أصال عىل فكرة رفض
المتويل ،ودعوى أن معلها هو بيع ورشاء لسلع ،ولو اكن افرتاضيا أو
صوراي ،ليسهل علهيا خداع املواطن واجلهات الرمسية املراقبة ،عىل حد
سواء.
وهذا مما زاد المر سوءا وخطرا يف ختلف ثقافة المتويل .فأمه عامل يف
جناح سوق المتويالت هو الوضوح وادلقة يف التعاريف والرقابة
احلكومية .وممارسات هذه الصريفة املتودلة من الفكر الش يوع ومن
ثقافة احليل أضافت اإىل جانب رفض المتويل واجلهل به ،أخطر وابء
عىل المتويالت ،وهو الضبابية والغموض واحليل والافرتاضية ،ويه
كتابة ما ال أثر هل حقيقة ،كتعريف الصك بأنه ملكية بيامن هو دين
والعينة بيع ورشاء ،والضامن أمسوه مشاركة وهكذا.
الباب الثاين :االإقطاعية مسة غالب اقتصادايت العامل القدمي
قد اكن الاقتصاد يف الزمن النبوي ،وما بعده لقرون طويةل ،اقتصادا
بس يطا قامئا عىل ادليناميكية االإقطاعية .جفاءت ألفاظ النصوص
الترشيعية موافقة ملا يعرفه الناس ويفهمونه ،بيامن محلت يف مضموهنا
االإجعازي القواعد الترشيعية املناس بة لالقتصاد احلديث ،اإذا ما اتُبعت
54
الصول الاس تنباطية املنطقية اليت خلق هللا االإنسان قادر عىل اإدراك
منطقيهتا ،واليت يه كذكل منصوص علهيا ترصحيا أو تضمينا يف نصوص
الويح وتطبيقاته النبوية.
فالزاكة عىل سبيل املثال ،اكنت يه حد الكامل املناسب لعرص النبوة
وقرون عديدة بعده؛ لهنا تكف حد الكفاف اذلي اكن هو حد الكامل
للغالبية العظمى من الناس ،حتت ظل الاقتصاد االإقطاع املهمين أانك
عىل العامل اإىل ما قبل الثورة الصناعية.
وأما اليوم ،فاالقتصاد قامئ عىل ادليناميكية الصناعية ،ومع ذكل مل تفقد
الزاكة هممهتا ودورها ،فهي ما تزال تكف حد الكفاف .اإال أن حد
الكفاف مل يعد هو حد الكامل املطلوب حتت ظل الاقتصاد الصناع .
الباب الثالث :الطبقة الوسطى بني الاقتصاد االإقطاع والاقتصاد
الصناع
ظهور الطبقة الوسطى اكلرشحية الغلب يف اجملمتعات املتطورة ،هو
ظاهرة حديثة نسبيا -ال تتعدى اترخييا عقود ما بعد الثورة الصناعية-
وعىل الخص يف البالد ادلميقراطية( .وال يُنىس أن يُنسب الفضل لهل
الفضل .فأول من ابتدأ تصحيح الرأساملية لصاحل العامل ،هو الرئيس السد ـ ثيودور
روزفلت -أوائل القرن املنرصم .وأول من حصحها من جانب تدخل احلكومة يف
الاقتصاد ،ووضع الربامج واملشاريع التطبيقية لتحفزي االإنتاجية ،هو الرئيس املشلول،
عظمي عرصه -فرانلكني روزفلت).
فتارخييا ،وعرب الزمان والماكن واليدولوجيات ،اكن أغلب أفراد
اجملمتع طبقة اكدحة ،تعمل لتألك .وما احلضارات االإغريقية والفرعونية
55
والفارس ية والصينية والهندية والندلس ية وغريها ،اإال شواهد عىل سفك
دماء كثري من أفراد اجملمتع يف حروب عىل السلطة؛ من أجل تسخري
بقية أفراد اجملمتع لبناء القصور الفارهة والسوار العظمية والهرامات
واحلدائق للقيارصة وامللوك والمراء ،وتسخريمه من أجل تقدمي ما ال
ميكن حتصيهل اليوم؛ بسبب ندرته وصعوبة صناعته ،من أرق الثياب
وأمجل املفروشات وأطيب الطعام لهذه القةل القليةل املمتكنة.
فالةل مث التكنولوجيا ،مقرتنة ابلعداةل النسبية يف النظمة ادلميقراطية،
وفرت مناخا مناس با لمنو اقتصادي يف هذه ادلول ،مع عداةل يف توزيع
الرثوات؛ مما جعل الطبقة الوسطى تمنو فهيا اإىل أن أصبحت الطبقة
الوسطى ،يه الطبقة الغالبة ،والوسط بني الغنياء والفقراء .فالصناعة
يه رشط الزم لوجود الطبقة الوسطى ،فهي اليت تصنع ويه اليت
تس هتل ،فهي أساس العرض العام والطلب العام.
وهذه الطبقة الوسطى ليك تكون حقيقية ومس مترة ،جيب أن تُوجِّ د
نفسها بنفسها ،ال أن تُنفخ بتوصيالت خارجية .ومعىن توجد نفسها َ
بنفسها أي أن يكون اإنتاهجا اذلايت هو اذلي خيلق الوظائف ،وهو
اذلي ينتج مثن ما تس هتلكه من البضائع واخلدمات الغري رضورية.
وعىل هذا؛ مفاكنة الطبقة الوسطى يف ادلول النفطية ،يف الواقع ،يه
طبقة مس تأجرة بأموال النفط .فدول النفط ،ال تنتج غالب ما نس هتلكه
من غري الرضورايت وال تنتج أيدي أبناهئا ما ميكن أن يشرتيه العامل،
اإمنا يه أموال النفط تنفقها الستئجار هذه املاكنة ،متاما كام يس تأجر
غالب الناس منازهلم.
56
وحد الطبقة الوسطى املتفق عليه ،هو كون أفرادها قادرين عىل
اس هتالك البضائع واخلدمات غري الرضورية ،اكلقدرة عىل المتتع
ابالإجازات وتوفر اخلدمات الصحية يف غري الطوارئ ،اكلس يارات،
واكختالف أنواع الطعام ،وليس حصوهل عىل أرز أو متر أو حنطة
فقط ،كام اكن سابقا يف عصور الاقطاع ،اليت غلبت عىل اجملمتعات
االإنسانية لالف العوام.
وكذكل هو املسكن ،فهو من الرضورايت .ذلا؛ فال يُد ِّخل امتالك
فئة ملنازلها ،حد الطبقة الوسطى .فف فيتنام مثال ،نس بة امتالك
املنازل تزيد عن ٪١٠٠فالفيتناميون ميتلكون عادة أكرث من مزنل،
وأكرثمه مصنف من الطبقة الفقرية ! (ويالحظ أن فيتنام جممتع زراع
ليس صناع ،وذلا ال تتواجد فيه طبقة وسطى) .ويف أمرياك ،ويف
أخر اإحصاء متشامئ ومتشدد ،اكنت الطبقة الوسطى تشلك ٪٤٥من
الساكن ،رمغ أن نس بة متل املنازل عندمه ،أكرث من. ٪٧٠
والطبقة الوسطى ،ركن من أراكن الاقتصاد الصناع ،فهي اليت ختلق
الرثوة ابتداء ابالإنتاج ،ويه اليت تس هتلكه انهتاء ،وذكل خبالف
الاقتصاد االإقطاع .
فف الاقتصاد االإقطاع ،ميتل القةل الرثوة .ومه اذلين يس هتلكوهنا.
وذكل؛ لن االإنتاج االإقطاع اإنتاج دخيل/تأجريي ،ال يكف اإال الإثراء
القةل فقط ،ومه الجيال الوىل ،بيامن يعيش الكرثية العامةل يف اجملمتع،
حد الكفاف.
57
بيامن يف الاقتصاد الصناع ،ميتل القةل الرثوة كذكل ،وينتفعون هبا حلد
الرثاء كذكل كام هو احلال يف اجملمتع االإقطاع ،اإال أهنم وخبالف السوق
االإقطاعية ،يتشارك املالك مع الطبقة العامةل يف اس هتالكها؛ لكرثة
االإنتاج.
فكرثة االإنتاج الصناع وتطوره يعمتد اعامتد لكيا عىل كرثة الاس هتالك.
ولهذا؛ فاالس هتالك يشلك معظم مكوانت الناجت احمليل لدلول املتقدمة
صناعيا .فف أمرياك –مثال -تبلغ نس بة الاس هتالك أكرث من ٪٧٠من
الناجت احمليل .والةل والتكنولوجيا (والذلين هام الصل املنتج) قادرة عىل
تعظمي جحم العرض ،اإذا اكن هناك طلب ،والطلب هو الاس هتالك.
وذكل خبالف الرض ،اليت يه رمح االإنتاج ادلخيل -أي أصهل
الانتايج -فهي حمدودة االإنتاج ( .ذلا مل تضيق الرض عىل الياابن لتحتل
عقودا ،املرتبة الثانية عامليا يف االإنتاج).
والاقتصاد االإقطاع ترتكز حضارته حول الطبقة احلامكة والغنية،
ولهذا؛ ازدهرت ادليكتاتورايت الس ياس ية يف الاقتصادايت االإقطاعية.
بيامن الاقتصاد الرأساميل ترتكز حضارته حول االإنتاج ،فهو يف الواقع
يرتكز حول الطبقة العامةل املنتجة ،ولهذا؛ ازدهرت ادلميقراطيات
الس ياس ية يف الاقتصادايت الصناعية.
فالطبقة الغنية يف الاقتصاد الاقطاع ،ليست حباجة للطبقة العامةل
املُنتجة لتس هتل اإنتاهجا ،خبالف الاقتصاد الصناع ،واذلي هو حباجة
للطبقة العامةل املنتجة لتس هتل اإنتاجه .فالطبقة الوسطى يه اليت تنتج
58
ويه اليت تس هتل .ولهذا؛ تكونت الطبقة الوسطى يف الاقتصاد
الصناع بيامن غابت يف الاقتصاد االإقطاع .
فالطلب العام هو اذلي خيلق العرض يف السوق الصناعية .ومطالب
البرش ال تنهتي وال حد لها ،ولكن العرض حمدود ابملوارد الاقتصادية،
واليت عظمهتا الاةل والتكنولوجيا .بيامن يف الاقتصاد االإقطاع ،ال
تعظمي للموارد الاقتصادية احملدودة يف وجودها ويف منوها ،فال تمنو وال
تتطور .ذلا؛ فالعرض يف السوق االإقطاعية حمدود ،فال حيتاج للطلب.
والطفرة الصناعية قد كرست احملدودية يف أصل املوارد ويف منوها.
وجاءت الطفرة التكنولوجية من بعد هذا لتضاعف أاثر الطفرة
الصناعية يف تعظمي االإنتاج وحتسني نوعيته؛ فتضاعفت التطبيقات
ادلميقراطية يف الس ياس ية احلكومية .فادلميقراطية واالإنتاجية مضطردان
اجيابيا.
والاقتصاد االإقطاع منه املتجدد ومنه الناضب .فاملتجدد اكلزراعة
والرع والس ياحة ،وغري املتجدد اكالقتصاد احلريب –القامئ عىل الغزو-
واكالقتصاد البرتويل.
الفصل اخلامس :مفاهمي الس ياسة يف الاقتصاد
عفا هللا عن حتديد شلك النظام الس يايس ،برتكه عىل أصل الرباءة
الصلية ،كون الاقتصاد والس ياسة من أبواب املعامالت يف الغالب،
نب تعبدي اكلزاكة وكبعض احلدود.
اإال أنه قد يلبس بعضها أحياان جا ر
والنظام الس يايس تبع للنظام الاقتصادي وليس مس تقال عنه .فشلك
االإنتاج يف كونه زراع أو رعوي أو صناع ،هو اذلي يقرر النظام
59
الاقتصادي احلامك هل .فيكون النظام الاقتصادي اإقطاعيا أو رأسامليا.
وهذا النظام احلامك لالقتصاد هو اذلي يقرر النظام الس يايس؛ فيكون
دميقراطيا أو ديكتاتوراي ،أو يف شلك قريب من أحدهام .واحلد الفاصل
بني ادلميقراطية وادليكتاتورية املقصودة هنا هو الانتخاابت ،واحلمك
لفرتات حمدودة ،وليس املقصود هو العداةل يف احلمك.
واملالحظ عرب تتبع التارخي والعصور ،أن النظام االإقطاع يشلك نظاما
س ياس يا ديكتاتوراي غري قامئ عىل الانتخاابت .وأن النظام الرأساميل
ينتج نظاما س ياس يا دميقراطيا قامئا عىل الانتخاابت.
ومفهوم الرأساملية املنترش بني الناس ،فيه مبالغة حتريفية ،كام أن
الرأساملية قد دخلهتا تعديالت كبرية يف تطبيقاهتا .فاملشهور عن
الرأساملية املتداول يف دول العامل الثالث وادلول الاشرتاكية :أهنا حرية
الفرد مطلقا يف اس تخدام الوسائل املتاحة لمتل الرثوة .كام أهنا تعين
حرية السواق وعدم التدخل احلكويم مطلقا .وهذا يف احلقيقة تفسري
حمرف للرأساملية ،وهو من بقااي رماد احلرب الاشرتاكية الرأساملية.
فالرأساملية يف صورهتا الصلية املتشددة تعين حرية السوق ليعمل كام
خلقه هللا ،وتعترب تدخل ادلوةل يف السوق اإفسادا دليناميكيته الطبيعية
احلرة.
الباب الول :الاقتصاد من أجل الس ياسة أو الس ياسة من أجل
الاقتصاد؟
أسلوابن من أساليب الس ياسة املعارصة :اإما أن تكون س ياسة من
أجل الس ياسة ،فال أعمل اإال مناذج فاشةل ،عىل حضاةل خربيت ومعرفيت
60
ابلس ياسة .ومن أمثلهتا الوحدة املرصية السورية يف عهد القومية
النارصية ،ومن أمثلهتا :جملس التعاون اخلليج وجملس التعاون العريب،
اذلي مجع العراق والردن والمين ومرص ،مث اهنار رسيعا ابحتالل العراق
للكويت ،واحتادات اإفريقيا وأمرياك اجلنوبية .هذه المثةل يه شواهد
عىل أسلوب اس تخدام الس ياس ية للس ياسة من أجل الس ياسة ،واليت
مردها وال حماةل للفشل.
وإاما أن يكون الاقتصاد من أجل الس ياسة ،ويكف شاهدا ذلكل ،أن
القطاب الس ياس ية ما يه اإال نظرايت اقتصادية .فاالقتصاد هو ما
تتصارع عليه اليدولوجيات اكلرأساملية والاشرتاكية.
فالوحدة النقدية الوربية مثال عىل اس تخدام الاقتصاد من أجل
الس ياسة .فالهدف الاسرتاتيج المسى لليورو ،هو توحيد قلوب
ساكن أوراب املشتتة اليت أهلكهتا الزناعات ادلموية الرهيبة لالف
الس نني .فأورواب قارة هتددها املذاهب والفرق ادلينية النرصانية
املتنازعة .واختالف املذاهب يف ادلين الواحد ،أهلها أشد كراهية
لبعضهم البعض من كراهيهتم لعدومه ،وجراهحم أمعق حقدا من أن تربأ
وتشفى بتقادم الزمان ،بل قد تمكن حىت يأيت من حيهيا من جديد.
وأورواب حتمل أجمادا اترخيية قام بعضها عىل دك وهدم بعض ،فهي
أجماد متنازعة متضادة ،مثلها مثل مذاههبم ادلينية ،تنتظر داع الفتنة
ليحيهيا من جديد .وأورواب لغاهتا متفرقة متنوعة حتمل لك مهنا مفاخر
قومية وعرقية يه رشارة اإشعال انر النعرات العصبية ادلاعية اإىل
التفرق والاقتتال.
61
مفن أجل ذكل اندى ترششل من منرب جامعة زيورخ يف سويرسا
«ابلوالايت املتحدة الوربية» ،وأورواب ما تزال تزنف دما بعد احلرب
العاملية الثانية من أاثر حروهبا بني بعضها بعضا ،ويه ترزح ذال وهواان
حتت الاحتالل المرييك وتسلط ادلب الرويس .فنداء ترششل ذاك
هو نداء س يايس من أجل الس ياسة ما اكن هل أن ينجح لوال اس تخدام
الاقتصاد يف حتقيقه ،فاكنت الوحدة الاقتصادية الوربية مث النقدية
املمتثةل ابليورو.
والوحدة النقدية يه من أشد عوامل تالمح قلوب الشعوب( ،وال يعين
هذا أهنا انجعة اقتصاداي) ،فالعمةل يف هذا الزمن احلديث املعارص،
اكلعمل الوطين للوطن الواحد ،وكراية احلرب اليت ينخرط حتهتا ويذود
عهنا مقاتلو اجليش من أبناء الوطن الواحد ،فمل أت هبا هنا اإال للمتثيل
عىل أسلوب “ الاقتصاد من أجل الس ياسة ” ،فالوحدة الوربية
اإذن مثال عىل اس تخدام الس ياس يني الاقتصاد من أجل الس ياسة.
وأما اس تخدام الس ياسة من أجل الاقتصاد ،فأبرز مثال عليه هو
منظمة التجارة العاملية .فقد اس تخدمت ادلول العظمى وخاصة أمرياك
الس ياسة من أجل حتسني الاقتصاد ،ورفع االإنتاجية والاس تخدام
المثل للموارد الطبيعية ،عن طريق اس تغالل املزااي التنافس ية املتوزعة
يف أحناء العامل ،فامجليع راب.
فال اقتصاد بال س ياسة وال س ياسة بال اقتصاد ،فهام اكملرأة والرجل
بزتاوهجام يس متر العامل االإنساين ،وبزتاوج الاقتصاد والس ياسة يف
الس ياسات ،تدوم ادلول.
62
الباب الثاين :تبعية الس ياسة والنظام الاقتصادي ل إالنتاج
الرصاع الزيل بني الغين والفقري ومنه اخلالف والزناع بني املقرضني
واملقرتضني قدمي بقدم النقود .ويف الثورات اجلائعة ،ينصب جام غضب
الثوار اجلائعني املثقلني ابدليون عىل املرابني .وال تاكد ختلو مدينة
أوربية شهرية من شارع خاص ابلهيود ،اذلين غالبا ما يكونون يف فرتة
ما ،طحني ذاك الغضب .ومن شواهد ذكل قتل الثوار الفرنس يني
ل َّدل ًاينة (املقرضني) .فغالبا ما ترفع الثورات والانقالابت شعارات ضد
الاس تغالليني ،وعىل رأسهم املقرضني .حىت اإذا ما اس تقرت المور،
أصبح قادة الثورات والانقالابت أكرث الناس حامية وعناية للمقرضني
وأشد عقااب عىل املتخلفني واملتعرثين من املقرتضني !
والثورات عىل احلكومات أمر حمت احلدوث ،و ُمطرد يف لك النظمة
واليدولوجيات .وحىت يف النظمة ادلميقراطية احلديثة ،مع تعديل
لشلك الثورة الشعبية .وذكل؛ لن املقرتضني ومعدويم الرثوة مه
الغالبية العظمى من الشعب ،ومه اذلين يس تطيعون االإطاحة
ابحلكومات وحتديد الرئيس املنتخب والتجديد هل.
وميل احلكومات لل ُمقرضني أمر ُمطرد يف لك النظمة واليدولوجيات -
اليت يعرتف فهيا حبق امللكية ،-ما عدا يف النظمة ادلميقراطية احلديثة.
ذلا؛ فالنظمة ادلميقراطية تكون يف جانب املقرتض اإىل حد ال ُخيل
ابلنظام الاقتصادي املايل احمليل .فبسبب ادلميقراطية؛ أصبح رفض
منح قرض بدون سبب واحض جرمية ُحيامك علهيا البنك ،وأصبح حامية
63
املُفلس قانوان يلجأ اليه املتعرث .فتحول ادلين أو التعرث أو عدم السداد
اإىل حق اإنساين بعد أن اكن عارا يُعاب به صاحبه.
وقد حدث هذا التطور االإنساين طبيعيا .فاجملمتعات تتكيف يف
تعامالهتا االإنسانية كتكيف اجلسد مع البيئة .فنوع االإنتاج :صناع ،
زراع ،مايل ،هو اذلي حيدد فلسفة الاقتصاد ،والاقتصاد هو اذلي
حيدد شلك الس ياسة .والصناعة حتتاج لرتكز رؤوس الموال ،مثلها
مثل مجيع أشاكل االإنتاج الخرى ،اإال أهتا ختتلف بأن الصناعة حتتاج
لطبقة وسطى مس هتلكة وعامةل ،خبالف الاقتصاد الزراع واملايل.
ولهذا؛ خلق االإنتاج الصناع نظام الرأساملية .والرأساملية خلقت
ادلميقراطية اليت بضغط املصوتني ،ألزمت املُقرض بتحمل اخملاطرة
وبذكل تتوجه أموال اجملمتع اإىل الكفأ والعىل اإنتاجا .فاملقرضون
س يحرصون عىل اإقراض أحصاب أفضل املشاريع ،وأكرثها اإنتاجية
لضامن مقدرهتم عىل اإرجاع حقوقهم -فالنظمة ادلميقراطية ال تسجن
املفلس أو العاجز عن السداد ،وإامنا حتميه لتحييه؛ فتعيده ل إالنتاج.
فهبذا أصبحت احلكومة يف ادلول ادلميقراطية املتحرضة ،يه املسؤوةل
عن حامية املواطن من اس تغالل ادلائنني؛ لهنا يه املُفرتض أن يكون
دلهيا اخلربة ومتل اخلرباء ،ويه موضع الثقة ،فهي من تعمل للمصلحة
العامة ،ويه املسؤوةل عن منع اس تغالل القوي للضعيف -واجلاهل
ضعيف.
64
الباب الثالث :العوامل اليت تدفع احلكومات للميل مع أحصاب الرثوة
• ادلوافع النفس ية :فالسلطة احلكومية حمدودة يف أفراد قةل ،وكذكل
هو حال أحصاب الرثوات .والكهام ميل قوة ممكةل للخرى،
فيتنامغ بعضهم مع بعض يف احلفالت والاجامتعات .فيسمع
الس يايس بقوة صوت صاحب الرثوة ويؤثر فيه.
• ادلوافع الاقتصادية :فاحلكومات ال تقوم ما مل يقم اقتصادها.
والاقتصاد يقميه أحصاب الرثوات .وأحصاب الرثوات يضغطون عىل
احلكومات بأن اختاذ النظمة ضدمه يؤدي الإفالسهم أو يدفعهم
للهجرة.
• ادلوافع املالية :فاحلكومات قدميا وحديثا حتتاج للموال لتس يري
اجليوش وادلفاع عن ادلوةل وإاقامة اخلدمات العامة ،واذلي يقدم
هذه الموال مه الغنياء ،سواء عن طريق مبارش أو عن طريق
غري مبارش؛ برفع أجور العاملني اذلين يدفعون الرضائب.
• املصاحل الشخصية :ويه موجودة يف البرش مجيعهم ،ولكهنا تمتثل
وتظهر بقوة عند احلكومة الغالبة عىل السلطة ،وذكل بسبب غياب
الرادع املمتثل يف اإسقاط السلطة ابالنتخاابت .فتعامل احلكومات
مع ادلين وادلائن واملدين ،دامئا مبا خيدم مصاحلها ،وهذه يه الفطرة
االإنسانية .فاإن اكنت املصاحل -ككون احلكومة حكومة دميقراطية-
حترص عىل صوت الناخبني ،بذلت احلكومة أقىص هجدها محلاية
65
املقرتض اذلي يشلك غالبية اجملمتع ،اإىل حد ال يرض الاقتصاد؛
فينقلب الناخبون عىل احلكومات.
وأما اإن اكنت احلكومة غري دميقراطية فس تحرص عىل مصاحل املُقرض،
اذلي يشلك القةل القليةل يف اجملمتع .وابلتايل ال تتوجه أموال املودعني
لفضل الاستامثرات؛ مما يكون هذا عامال من عوامل ضعف
اقتصادايت ادلول غري ادلميقراطية.
الباب الرابع :الاقتصاد بني ادلميقراطية وادلكتاتورية
يف ادلول ادلميقراطية املتحرضة ،تكون احلكومة يه املسؤوةل يف حامية
املواطن من اس تغالل ادلائنني؛ لهنا يه اليت دلهيا اخلربة ومتل
اخلرباء ،ويه موضع الثقة .فهي من تعمل للمصلحة العامة ،ويه
املسؤوةل عن منع اس تغالل القوي للضعيف -واجلاهل ضعيف ،-ومتنع
حتريض اجلاهل عىل القوي ظلام وعدواان ،فامجليع أوالد لها ،وقد قال
رسول هللا ـ صىل هللا عليه وسمل “ :فاتقوا هللا واعدلوا بني أوالدمك ”
.1
وادلكتاتورية املُمتثةل يف حمك الفرد املطلق ،يه حافز قوي الإساءة
الرضائب؛ وذلكل فرضت ادلميقراطية نفسها عىل النظام الس يايس
لالقتصادايت الصناعية.
والاقتصاد الصناع اقتصاد حديث نسبيا .وذلا؛ فقد جاءت الرشيعة
بنصوص مبارشة تالمئ اقتصادايت ذكل الزمان ،واليت اكنت اإما رعوية
66
أو زراعية مع يشء من التجارة وغنامئ احلرب .فاكنت االإقطاعية يه
التنظمي الغالب علهيا مع حامية ادلكتاتورية الس ياس ية لها.
وقد يكون النظام ديكتاتوراي وهو أعدل النظمة وأنزهها يف اترخي
البرشية ،كخالفة الفاروق ريض هللا عنه .ولكن الفاروق ومن هو مثهل
أو قريب منه ممن تولوا سلطة احلمك عرب اترخي البرشية مجعاء ،ال
ي ُس تخرج من حاالهتم قاعدة منضبطة منطقيا وال تطبيقيا .فالصل يف
االإنسان الظمل ،فهي الفطرة اليت خلقه هللا علهيا .وامتناع االإنسان عن
الظمل هو سلوك ضد فطرته ،فال يكون اإال بسبب مينعه من الظمل- ،
اكمتناع الرجل عن الطعام أو الزواج مثال .-فالس باب قد تكون
خلقية ،وقد تكون غري ملموسة كن يكون هناك وازع مينعه من الظمل
كدين ممتكن من قلبه أو خفر حيافظ عليه ،فهذه أمور ال يُس تطاع
التنبؤ هبا ويه اندرة احلدوث .والس ياسات واخلطط الناحجة دوما تُبىن
عىل قواعد منضبطة ال ختتلف ابختالف احلاالت ،ال حتت رمحة أمور
غري حمسوسة أو متقلبة أو ال ميكن التنبؤ هبا.
فاالنتخاابت سبب قاهر لظمل الظامل كام أهنا عامل مساعد لعدل
العادل .والنظمة الس ياس ية ال تتشلك بنيهتا التحتية بني يوم وليةل ،بل
يه عرب عقود زمنية .ومل يُعرف يف التارخي أن مرت عقود زمنية تعاقب
فهيا مجموعة من احلاكم العدول .ذلا؛ فشذوذ بعض حاالت عن القاعدة
ال خيل بصحهتا للس باب التالية:
67
• عدم وقوع حاةل اترخيية تطبيقية تنقض القاعدة ،وإان اكن التنظري
الفلسف الفالطوين يقرها.
• وتغري النظام الس يايس كثر تبع للنظام الاقتصادي ،حيتاج لفرتة
طويةل تبىن فيه البنية التحتية الثقافية الالزمة لتحول اجملمتع.
• أن احلاالت الشاذة من عدل احلاكم من عند أنفسهم ،يه حاالت
ال تعترب أصل يف الفطرة البرشية ،فهي اندرة( .وخيترص هذا املعىن قول
املتنيب :والظمل من ش مي النفوس فاإن جتد //ذا عفة فلعةل ال يظمل)
68
املوضوع الثاين :الاقتصاد اإنسان وحمراث
متهيد:
عندما أدرس طلبيت الاقتصاد أبدأ لك موضوع –غالبا -برضب مثال
من أنفس نا ميثل ترصفا سلوكيا وذهنيا طبيعيا ،يقوم به االإنسان العادي
يف قراراته االإنتاجية ليحقق لنفسه أعىل رب .مفثال :لو ُطلب من
صاحبة مشغل نسايئ توظيف امرأة عندها يف املشغل ،س تقول “ :ال
مانع اإن اكنت “ بتغط ” راتهبا ” .وهذا التفكري الفطري البس يط،
هو يف الواقع يشلك تقريبا عمل (الاقتصاد اجلزيئ) ،املمتثل يف االإنتاج
عند املس توى المثل .وابلتايل عند اللكفة الدىن ،وابلتايل أعظم رب
ميكن حتقيقه .وهذا مجيعه هو متثيل لفلسفة الاقتصاد اجلزيئ بأمكهل؛
لن هذا الفكر اإذا قام به لك أفراد اجملمتع وصل اجملمتع اإىل مس توى
الاس تغالل المثل للموارد البرشية والطبيعية .فعمل الاقتصاد معوما هو
جمرد توثيق علم راييض ُمثبت للسلوك االإنساين يف السوق ،جتاه
معطيات وخمرجات الطبيعة ادليناميكية للسوق .وشاهد اتباع
ادليناميكية االإنتاجية :هو اعامتد االإنتاج الزراع عىل اليد العامةل يف
البالد الفقرية املتخلفة ،مقابل اعامتد االإنتاج الزراع عىل الةل يف البالد
املتقدمة .وهذا تفكري طبيع حيدث تلقائيا عند املزارع .فاملزارع يف
فيتنام مثال ،اإذا أراد تعظمي الرابح ،نظر للكفة العامل البس يطة مقابل
انتاجه البس يط ،امام لكفة احلصادة الكبرية امام انتاهجا الكبري ،فس يجد
ان متوسط لكفة االإنتاج اقل ابس تخدامه العامل البرشي الخنفاض
أجرته ،بيامن يف السويد مثال ،تراه خيتار احلصادة الخنفاض متوسط
لكفهتا للك وحدة اإنتاجية زراعية .فاالإنتاج منذ خلق هللا البرش ،قامئ
عىل العامل والةل ،اإنسان وحمراث.
ولهذا لك نظرايت الاقتصاد قامئة عىل أ هنا خمرجات ديناميكية تفاعل
عاملني :االإنسان واحملراث ،وقد تدخل التكنولوجيا عىل احملراث.
والسوق منهتيى نتاجئ الاقتصاد ومدخالته ،فهي خترج من السوق
وتعود اإليه .ولهذا؛ اكن الاقتصاد اجلزيئ هو أصل عمل الاقتصاد
وأساسه ومل يتعداه اإىل الاقتصاد اللك كعمل مس تقل عنه ومؤصل اإال
بعد احلرب العاملية الثانية .وقد اس تخرجه توقف التجارة ادلولية بسبب
عدم وجود معةل دولية موثوقة بعد أن أثبتت ادلول عدم الزتاهما بتغطية
معالهتا ابذلهب عند الزمات واحلروب ،وكذكل لفقدان بريطانيا
خاصة ،وأورواب معوما ،الحتياطياهتا اذلهبية خالل احلربني ،الوىل
والثانية.
والتجارة ادلولية يه من الاقتصاد اجلزيئ يف دراساهتا الاقتصادية.
ولكن دخول احلاجة لعمةل دولية قادرة عىل محل هذه التبادالت
التجارية وعالقهتا بعمالت ادلول الخرى احمللية ،وعالقة العمةل احمللية
ابالإنتاج يف دولهتا ،وتأثري احلكومة عىل االإنتاج من خالل التنظاميت
والرضائب واالإنفاق ،أخرج احلاجة لنظرة ُ ِّ للكية جامعة شامةل تربط بني
النقد واحلكومة والعرض العام والطلب العام.
فدراسة الطلب العام والعرض العام ،اكن مضن دراسات الاقتصاد
اجلزيئ .وسلوك احلكومة الاقتصادي ،اكن مضن الفلسفة الس ياس ية.
وأما النقد فمل يتعد التطبيق التعاميل اجملرد ،ومل تكن هل فلسفة
71
تأصيلية علمية خارج فلسفة الداين والفالسفة الاجامتعيني والفلسفة
املثالية والخالقية.
خفرج الاقتصاد اللك ليقوم بدراسة حتليلية وعالجية شامةل مجليع
االإنتاج االإنساين السلع واخلديم احملصور يف منطقة معينة ،حتت ظل
س ياسة حكومية ونقدية موحدة .فدراسة صناعة الس يارات يف بدل أو
يف العامل أو مجيع الصناعة العاملية –مثال -يه لكها حاالت من الاقتصاد
اجلزيئ .بيامن دراسة اقتصاد قرية أو مدينة أو منطقة أو دوةل أو دول
حتت س ياسة نقدية ورضيبية وتنظميية موحدة هو من الاقتصاد اللك .
وقد أثبت عمل الاقتصاد اللك أنه ال خيتلف مطلقا عن عمل الاقتصاد
اجلزيئ الراخس منذ قرون ،فالكهام جمرد دراسة طبيب نفيس لسلوك
االإنسان يف غريزته اليت تدفعه لتحقيق مصاحله اخلاصة بتحقيق الفضل
والنسب هل ،واليت خلقها هللا مضن خلقه لكونه؛ جفعل غريزة الاننية
الفطرية االإنسانية يف حتقيق الرب موافقة خللق هللا؛ ليك يتحقق
الاس تغالل المثل ملا خسره س بحانه ل إالنسان يف الرض ويف السامء
اإذا ما حمك االإنسان فطرته اليت فُطر علهيا من الظمل ،والاعتداء عىل
مصاحل الخرين لتحقيق مصلحته .فاس تقرت دراسات عمل الاقتصاد
اللك عىل عدم معاندة خلق هللا يف االإنسان والسوق والكون ،برتكها
تتفاعل عىل سنن هللا الكونية .واقترصت س ياساته عىل حتديد العالج
الالزم ملنع الظمل والاعتداء ،ابس تخدام السلطة احلكومية والسلطة
النقدية يف سن النظمة لتحفزي املنافسة االإجيابية املدفوعة بغزيرة الاننية
االإنسانية ،وملنع أو تقليل املنافسة السلبية املدفوعة بغريزة الظمل.
72
فالتشابك والتداخل والتعقيدات بني السلوك االإنساين يف السوق مع
فطرة البرش يف تعامهل مع النقد ،مع سلوكيات احلكومة مع النظمة
الس ياس ية مع النظام النقدي جملمتع أو دوةل معينة ،مع مدى تأثر لك ما
س بق وتداخهل مع اجملمتعات وادلول الخرى ،هو حمور عمل الاقتصاد
اللك اذلي خرج خدجيا كعمل مس تقل قبل نصف قرن ،ودخل قاعات
اجلامعات منذ عقود قليةل .وما زال هذا العمل ،فاقدا لالس تقرار اإىل
اليوم.
الفصل الول :يف فلسفة اقتصادايت االإنتاج
االإنتاجية تكون يف االإنسان وتكون يف الموال ،وحديث يف هذا
الفصل عن االإنتاجية يف الموال من سلع وخدمات .وهذه تنقسم
عندي لربعة أشاكل .املقصود من تصنيفها ،تقريب تصور الموال عند
النظر والتأمل يف اإحلاق بعضها ببعض ،عند التخطيط الاقتصادي
لتنظاميت السوق من رضيبة وإاعانة ،وعند حتكميها قضائي ًا.
ابب :أشاكل االإنتاجية املالية وأثرها عىل التنظاميت السويق:
الشلك الول :أن تكون اإنتاجية املال مما يمنو بزايدة املال نفسه بنفسه
جحامً أو عدداً ،دون تدخل االإنسان اكلنعام واخليل وامحلري والفيةل
والنعام وحنوها ،والفيةل وامحلام وادلجاج والزراف وحنوها.
الشلك الثاين :منو بتمنية االإنسان وتكون بزايدة مال ُمختلف يف شلكه
عن املال املُمنى ،اإما نوع ًا أو جود ًة أو خدمة أو لّمكً .اكملس تغالت معوم ًا
73
ويه اكملصانع ورشاكت اخلدمات من صيانة واستشارات ،ومزارع
السامك واللؤلؤ وادلجاج واللبان واملزارع بأنواعها.
ويالحظ أن أصل املال هنا هو املُمنلى ابلصناعة االإنتاجية أو اخلدمية أو
التعدينية ،أو املالية أو احليوانية أو الزراعية ،نتاجه س يكون ماالً خمتلف ًا
تتودل عن مصانع ،وحلوم عن مزارع دجاج ومسك. عن أصهل .كس يارات ل
فهذه املزارع ،اكملصانع ال تمنو وحدها ،بل يه قابةل للامنء اكملصانع.
فاجلهد االإنساين ركن أسايس فهيا ،وهذا فارق جوهري ،ملن أراد أن
يتأمل .فاالقتصاد يدور حول االإنسان وإانتاجه واس هتالكه.
الشلك الثالث :منو حقيق يف القمية دون أي زايدة لمكية أو لنوعية.
وهذا خاص ابلتجارة االإجيابية .فالتجارة االإجيابية يه مكوردي السلع
ومس توردهيا والوالكء وجتار امجلةل والتجزئة ،ورشاكت ادلعاية
واالإعالم ،وحنوها مما يوصل السلعة أو العمل هبا للمس هتل.
فتوصيل البضائع واخلدمات من مصادرها وتوزيعها ،ونرش العمل هبا هو
من أمه العوامل املؤثرة عىل االإنتاجية بزايدة الطلب احلقيق .والطلب
هو دافع االإنتاج .وتوصيل السلع واخلدمات املنتجة يزيد الطلب مما
حيفز املُنتج عىل رفع االإنتاجية المكية والنوعية .وتطوير الرايض مثال،
هو من التجارة االإجيابية لنه توصيل لها للمس هتل .وأما املضاربة فهيا
أو جتميدها ومنعها من الناس ،فهو من التجارة السلبية وس تأيت يف
الشلك الرابع.
الشلك الرابع :هو لك ما تشمهل التجارة السلبية من املضارابت ابلسلع
وتدويرها .وحدها الضابط اذلي يفرقها عن التجارة االإجيابية هو اهنا ال
74
تضيف أي قمية ل إالنتاج ،وغالبا ما تتسبب يف ارتفاع السعار غالبا
دون اإضافة أي قمية حقيقية للسوق .فالتجارة السلبية تشمل لك
معليات البيع والرشاء لسلعة ال يؤدي بيعها ورشاؤها لزايدة االإنتاج،
وال لتوصيل ماكين أو معلومايت ،بل فقط قد تؤدي لزايدة السعار.
مكضاربة السهم والسلع .لن لك من اشرتى السلعة يريد بيعها برب.
وهذا ليس زايدة يف قميهتا احلقيقية ،بل زايدة يف أسعارها االإمسية.
والزايدة يف السعار يه التضخم بيامن الزايدة يف القمية يه المنو والتطور
للسلعة.
وقفة فلسفية :التفكري اجلزيئ واللك
دامئ ًا ما حيدث خلط يف التفكري الاقتصادي بسبب عدم التفريق بني
النظرة الاقتصادية اجلزئية والنظرة الاقتصادية اللكية .فاالقتصاد اجلزيئ
واللك ال جيمتعان اإال يف مطلق املفاهمي والدوات الرايضية ،أما النتاجئ
الاقتصادية للحاالت الاقتصادية ،فهي تتناقض عىل قدر تشاهبها.
مفث ًال ،عند دراسة حاةل زايدة الطلب يف اإطار الاقتصاد اجلزيئ:
س نجد أنه س يصاحهبا ارتفاع أسعار مؤقت ،ينهتي بأسعار أقل وإانتاج
مكية أكرب ،اإذا اس متر الطلب املرتفع .أما لو اكنت الزايدة يف الطلب
العام ،فس نجد ارتفاع ًا دامئ ًا للسعار ،وقد ال ينتج عنه زايدة اإنتاج.
وبيان هذا يتضح مبثال ابالقتصاد اجلزيئ لننطلق منه لالقتصاد اللك :
فلو أننا افرتضنا بأن هناك مستشفى يعاجل ألف مريض شهر ًاي ،وعنده
ُخسة موظفني بني أطباء وممرضني يعملون مثاين ساعات يومي ًا ،مع
أخذمه الإجازة أخر الس بوع .فلو ارتفع الطلب عىل العالج لسبب أو
75
لخر ،كتحول ادلوةل لنظام التأمني ،أو اكنتشار مرض ما ،فسريتفع
الطلب العام عىل الطب .وسرتتفع أسعار املعاجلة.
فلامذا ارتفعت السعار؟
السبب هو أن املستشفى س يطلب من املوظفني أن يعملوا ١٢
ساعة يف اليوم ،وال يمتتعوا ابإجازة أخر الس بوع .وهذا لن يمت هل اإال
برفع أجور الساعات االإضافية بضعف الساعات الاعتيادية؛ مما سريفع
متوسط اللكفة يف العالج الواحد.
فاإذا اس متر الطلب مرتفع ًا فهنا ينشأ حافز بناء مستشفيات جديدة
بطوامق جديدة؛ مما يلغ لكفة العمل االإضايف فتنخفض السعار ،وتزيد
المكية ،ويه عدد ساعات اخلدمة الصحية.
أما لو أن احلاةل زايدة الطلب العام عىل السلع لكها ،فهنا ال نرى نفس
السيناريو اجلزيئ اذلي ينهتي بعودة السعار لالخنفاض بعد معليات
التوسع.
فزايدة الطلب العام يعين زايدة السعار يف السلع لكها ،وهذا يعين أ لن
معليات التوسع س تكون ابللكفة املرتفعة ال ابللكفة الاعتيادية.
فف حاةل زايدة الطلب اجلزيئ ،فا لإن السعار لن تتغري ابلنس بة ملواد
البناء والعامةل اليت ستُس َتخدم يف بناء مستشفيات بأطقم جديدة يف
حاةل زايدة الطلب اجلزيئ .لكن يف حاةل زايدة الطلب العام فأسعار
العامةل واملواد ،فس تكون يه الخرى مرتفعة؛ مما مينع رجوع السعار
ملعدلها الطبيع مع زايدة االإنتاج.
76
ولهذا؛ ال تعود السعار العامة لالخنفاض يف حاةل المنو وارتفاع الطلب
العام ،بيامن تعود سعر سلعة ما لالخنفاض بعد فرتة ،ولو اس متر الطلب
علهيا مرتفعا.
ومن المثةل عىل الفرق بني الاقتصاد اجلزيئ واللك -مث ًال -نراه يف
أساس يات حساب الرابح .فاالقتصاد اجلزيئ ال ينظر للتضخم منعزال
عن لكفة عوامل االإنتاج ،خبالف الاقتصاد اللك ،وهكذا.
كام أن الاقتصاد اللك ختتلف نتاجئه يف الاقتصاد املغلق عن الاقتصاد
املفتوح .فعقلية اقتصادي أمرييك يف “ أيوا ” ،ال يتوارد اإلهيا ابلسليقة
مفاهمي الاقتصاد اللك املفتوح؛ مما يسوقه للخطأ يف النتيجة.
والشاهد مما س بق ،أن الاقتصاد هو طريقة تفكري منطقية فطرية ،اإذا
غلب عىل االإنسان اش تغاهل يف حميط ما ،سينحرص فكره فيه وال ينجح
اإذا خرج من حميطه.
وهذا من الس باب اليت دفعهتم للتفريق يف ادلراسات العليا بني
الس ياسات الاقتصادية احلكومية واخلاصة .فهناك فارق همم بني واضع
س ياسات التوسع لرشكة أو مصنع ،وبني واضع س ياسات التوسع
احلكويم .ولهذا ال ينجح عادة مدير رشكة انحج يف اإدارة وزارة
حكومية .فرتكيبة التفكري وطريقة النظر والفهم عند ا إالداري اجلزيئ،
خمتلفة لكي ًا عن تركيبة التفكري والنظر عند االإداري اللك .
الفصل الثاين :الاقتصاد اجلزيئ
هو دراسة أي سوق همام كرب وعظمت ارقامه وامتدت اقالميه .فدراسة
سوق الس يارات العامل ،من اقتصاد جزيئ .ودراسة سوق الصناعة
77
العاملية او احمللية ،كذكل .مفىت مشل السوق السلع لكها واخلدمات
ملنطقة معينة ،حيهنا يصري اقتصادا لكيا .والفرق واحض .فغاية الاقتصاد
اللك ليست رحبية خاصة ،فغايته تعظمي االإنتاج العام وبذكل خيفف
البطاةل ،مع ضبط التضخم .بيامن الاقتصاد اجلزيئ يشمل الرحب وغري
الرحب ،فغايته حتقيق احلد العىل من الرابح .البواب القادمة
تتناول أصول العمل ابخزتال .
الباب الول :ديناميكية تفاعل اللكفة مع الانتاج
لكام قلت االإنتاجية عن اللكفة سبب ذكل هدرا اس تغالليا للموارد
الاقتصادية ،وذكل بتعطيل املوارد .ولكام زادت االإنتاجية عن اللكفة
سبب ذكل ارسافا اس تغالليا للموارد الاقتصادية ،وذكل بتبذير
االإنتاج .وال يتحقق الاس تغالل المثل للموارد الاقتصادية يف اجملمتع اإال
عندما تتساوى االإنتاجية ابللكفة مساوية لللكفة.
الباب الثاين :الجر عىل قدر العمل
فأجور ال َعامةل جيب أن تعكس مقدرهتا االإنتاجية .فهي اإن مل تعمل هنا
معلت هناك يف نشاط أخر ،نشاط حيتاج لها بقدر أجرهتا .ومثال ذكل
يظهر حىت يف قرار جعوز يف توظيف مربية لدلجاج .فهذا القرار،
س يعمتد يف حاةل ما اكن توظيف املربية ،س يعود بعوائد تغط أجر
املربية .وهذا فكر فطري بس يط ،لكنه هو منهتيى هدف عمل الاقتصاد.
فهو حتقيق ملبدأ الاس تغالل المثل للموارد الاقتصادية ،مبساواة
هامش اللكفة هبامش االإنتاجية ،وهو اذلي حيقق أعىل مس توى ممكن
78
من الرحبية .وواحض ابلرضورة ،أن أعىل رحبية تكون بأقل لكفة ،وأن
أقل لكفة تعين :اس تغالال أمثال ملوارد الاقتصاد.
وهذا املفهوم يف الاس تغالل المثل للموارد بال افراط وال تفريط،
يرشح ملاذا مل تنجح الاشرتاكية ،كام يرشح سبب اخلوف ابفتقار دول
النفط .فالك الاقتصادين ،الاشرتايك والنفط ،ال يعمال مببدأ تساوي
اللكفة بمكية االإنتاج ،فيحدث عندمه إارساف يف موارد وتضييع يف
موارد اخرى .
مفساواة االإنتاجية لللكفة يه أمر حمت الس تدامة أي اقتصاد جممتع
وتطوره .مفن املعلوم ابلرضورة أنه تس تحيل اس تدامة اقتصاد قامئ
بذاته ،تزيد اللكفة فيه عىل االإنتاجية ،لن يف ذكل إارسافا وهدرا
للموارد .ولكام زادت اللكفة عىل االإنتاجية ،لكام جعل هذا ابهنيار
الاقتصاد ،فال ميكن الاس مترار يف االإنفاق عىل عامةل أو معدات قمية
انتاهجا اقل من قمية بيعها.
وابملقابل ،يس تحيل التطور والمنو يف اقتصاد اإنتاجيته أعىل من لكفته؛
لن فيه كذكل إارسافا وتضييعا وهدرا يف الطاقة االإنتاجية.
ويف التارخي الربيطاين شاهد :فاإننا نرى اخنفاض الجور احلقيقية ،بعد
تدفق اذلهب من أمرياك لربيطانيا .فهذا فيه دليل واحض عىل أن اللكفة
تقابل االإنتاجية يف اجملمتع الاقتصادي املس تدمي .فربمغ زايدة الرثوة يف
بريطانيا ،اإال أن الجور احلقيقية للعامةل مل تزد بل نقصت .وتفسري سبب
اخنفاض الجور الاقتصادي احلقيق :هو أن هذا ال يكون اإال لن
اإنتاجية العامةل الربيطانية قلت عن لكفة اجورها .وأما السبب الظاهر
79
الخنفاض الجور ،فيظهر من خالل زايدة الاس ترياد للمنتجات ،مما
أحدث فائض يف العامةل.
الباب الثالث :ديناميكية لكفة االإنتاج
وديناميكية لكفة االإنتاج -الغالبة يف معظم أشاكل االإنتاج الصناع
املتقدم والبس يط ،-تكون عىل شلك حرف يو ابالإجنلزيية .فرتى
تناقص اللكفة االإنتاجية ابتداء ،مع زايدة االإنتاج ،وتس متر يف التناقص
حىت تبلغ اللكفة االإنتاجية أقل مس توى لها ،مث تبدأ ابلزايدة لكام زاد
االإنتاج حىت تصل اإىل احلد الدىن من اللكفة االإنتاجية ،مع وصولها حلد
معني من االإنتاج .مث تبدأ اللكفة يف الزايدة بعد ذكل مع زايدة االإنتاج،
وهذا عىل مس توى الاقتصاد اجلزيئ .
ومىت حسبنا ديناميكية لكفة االإنتاج هذه عىل الاقتصاد اللك ،وابعتبار
ديناميكية السوق احلر ،سرنى أن هناك مرحلتان لتحقيق المنو العام،
بتحقيق الاس تغالل المثل للموارد .املرحةل الوىل :يه زايدة االإنتاج
عىل حساب زايدة اللكفة؛ اس تجابة لطلب مفاجئ من السوق .وهذا
يف املدى الزمين القصري .وال حيقق هذا منوا حقيقيا يف الاقتصاد ،فهو
غري دامئ االإنتاجية وغري خالق لمنو أخر .وذكل؛ لن التوظيف وزايدة
االإنتاج تزول بزوال الزايدة يف الطلب .وهذه املرحةل ال تدوم ،اإذا
اس متر الطلب عىل ارتفاعه؛ وذكل للجوء املنتجني حيهنا ،لالستامثر يف
زايدة الصل املنتج؛ من أجل ختفيض اللكفة ،وابلتايل حتقيق
املاكسب .وهذا هو المنو احلقيق ادلامئ يف االإنتاجية ،ويه املرحةل
الثانية يف المنو العام لالقتصاد.
80
مثال عىل ديناميكية االإنتاج:
فلو اكن هناك مستمثر يريد اإنشاء مصنع للكرايس ،فأقام املصنع
واملعدات الالزمة هل .ولكنه احتار يف عدد معدات القص والنرش
الالزمة؛ ليك تس توعب املقدرة ال ُعاملية واملاكنية واالإدارية ملصنعه.
فاشرتى املاكينة الوىل؛ فأنتج املصنع مائة كريس شهراي .فاشرتى ماكينة
اثنية؛ فأصبح االإنتاج ٢٣٠كرس يا/شهراي .أي أن هامش االإنتاجية
للامكينة اجلديدة يزيد مبقدار ،20أي كن املاكينة الثانية تنتج أكرث من
املاكينة الوىل ،وهذا غري حصيح؛ لن املاكينتني مامتثلتني متاما .فأدرك
أن ديناميكية االإنتاج ابملوارد املتاحة للمصنع من ال َعامةل وغريها ،ما زالت
مل تصل حلدها الاس تغاليل المثل؛ فاشرتى ماكينة اثلثة فأصبح مجموع
االإنتاج ٣٢٠كرس يا ،أي أن هامش اإنتاجية املاكينة صار ١١٠كرس يا،
وهو أقل من الثانية وأكرث من الوىل .فاس تأجر ماكينة رابعة فاكن
هامشها االإنتايج أقل من امجليع وهو ٩٠كرس يا .ولكن الرابح تزتايد؛
فاشرتى ماكينة خامسة ،وسادسة .وعند اإضافة لك ماكينة يقل هامش
اإنتاج املاكينة حىت وصل الهامش االإنتايج للامكينة العارشة ٢٠كرس يا،
والطلب مل ينقطع أو ينخفض عليه.
ولكن املنتج الحظ أن أرابحه بدأت تتناقص بعد استئجاره املاكينة
العارشة .مفا السبب؟ وهل عليه أن يكتف بثالث ماكئن فقط؟ فعند
استئجاره للامكينة الرابعة بدأ اخنفاض هامش االإنتاج عن ١٠٠كريس،
واذلي حققته املاكينة الوىل.
81
واجلواب الصحيح هو نفس جواب جعوز ادلجاج ،أنه اكن ينبغ هل
التوقف عن استئجار املاكئن عند املاكينة السابعة اليت حققت هل زايدة
يف االإنتاج تبلغ ُخسني كرس يا؛ لن زايدهتا االإنتاجية ال تغط لكفهتا.
فلكفة الكريس الواحد ابس تثناء أجرة املاكئن اكلعامةل واخلشب واالإدارة
وحنوهُ ،خسة رايالت للك كريس .وصاحب املصنع يبيع الكريس
الواحد بعرشة رايالت .فعىل هذا؛ س يكون صايف ادلخل اذلي أدخلته
املاكينة السابعة 250رايال شهراي هبامش اإنتاجيهتا خبمسني كرس يا ،بيامن
اكنت الجرة الشهرية للامكينة 300رايل شهراي .فزايدة املاكينة السابعة
وما بعدها وإان اكن حيقق انتاجا أكرث ،وريعا أكرب ،اإال أنه ال حيقق رحبا
أكرث.
وهذا اذلي حدث هو بسبب ديناميكية اإنتاج الكرايس املطبقة يف
املصنع .فالعامةل املتوفرة أو االإدارة أو املاكن أو خليط هذا لكه ،مل يعد
قادرا عىل الاس تغالل المثل الإنتاجية املاكئن بعد أن زادت عن س تة
ماكئن .اإذا ،فأقل من س تة ماكئن ،اكن هناك تضييع وإارساف يف
اإماكنية اإنتاج العامةل واالإدارة ،وبعد زايدة املاكينة السابعة أصبح هناك
تضييع وإارساف يف اإماكنية املاكئن االإنتاجية .فهذا مثال عىل ما جاء يف
اول المتهيد ،فأقل من ست ماكئن فيه تعطيل للموارد وأكرث من ست
فيه تبذير ل إالنتاج.
وقس عىل هذا لك ما يس تخدم يف االإنتاج من عامةل وتكنولوجيا
وأرض وغري ذكل .وإاذا ما َو َّسعت أفق النظر ،فسرتى أن هذا املفهوم
مطبق عىل مس توى اجملمتع الاقتصادي لكه جبميع أفراده ،احلكومة
82
واملنتج واملس هتل .اإذا ما أردان حتقيق الاس تغالل المثل ملوارد اجملمتع
الاقتصادية ،يف االإعاانت والرضائب واالإنفاق احلكويم وغريها.
مفثال هذه املاكئن اليت مل يس تأجرها صاحب املصنع فأعادها ملوردها؛
ستتوجه لعمل أخر ،حتقق فيه اإنتاجية أكرب .فاإذا مل يكن علهيا طلب،
س يلجأ املُصنِّلع لها البتاكر ماكئن أخرى أقل لكفة ،أو يتوجه مبقدرته
التصنيعية للماكئن لسد ثغرة تصنيعية يف جمال تصنيع أخر يف اجملمتع
غري الكرايس ،اكن غري هممت به ،رمغ أمهيته الاسرتاتيجية .مكصانع
الدوية مثال؛ (لنه جيد أرابحا أكرب وراحة ابل يف ماكئن تصنيع
الكرايس ،ال تتحقق يف تصنيع ماكئن مصانع الدوية) .وهبذا حيصل
التوازن والتاكمل االإنتايج يف اجملمتع.
وعىل هذا فقس يف الرثوة االإنسانية .فلو استبدلنا املاكينة ابلعامةل
فاملفهوم نفسه هو املطبق ،مكثال املشغل النسايئ اذلي افتتحنا به هذا
املوضوع .فلو أن جعوز ادلجاج مل توظف العامةل؛ لهنا حتقق خسارة
لها ،فاإن العامةل ستتوجه جملال معل أخر تس تطيع حتقيق مكسب
للعمل اذلي تعمل فيه .وقد ال جتد هذه العامةل مبواههبا وخربهتا ،ما
يغط تاكليف مس توى املعيشة اذلي تطمح فيه .فيدفعها هذا؛ لتطوير
نفسها لتقوم بعمل أكرث تقدما؛ فيكون هذا اإضافة قمية للمجمتع ،بدال من
إارساف املوارد الاقتصادية للمجمتع .واالإنسان هو أعظم مورد اقتصادي
للمجمتع .وعىل هذا فقس يف اس تغالل الرايض ،واملوارد الاقتصادية
املتاحة للمجمتع.
83
وهذا يرشح ملاذا مل تنجح الاشرتاكية ،ويرشح اس باب اخلوف ابفتقار
دول النفط؛ لهنم ال يعملون مببدأ تساوي اللكفة بمكية االإنتاج،
فيحدث عندمه إارساف يف موارد وتضييع يف موارد اخرى.
مفساواة االإنتاجية لللكفة يه أمر حمت الس تدامة أي اقتصاد جممتع
وتطوره .فهي اس تدامة وتطور ومنو .فتس تحيل اس تدامة اقتصاد قامئ
بذاته تزيد فيه اللكفة عىل االإنتاجية ،دون غزو أو موارد اقتصادية
اكلنفط .والنرص والغزو ال بد هل من هناية والنفط ال بد هل من نضوب،
فال اس تدامة القتصاده؛ لن فيه إارسافا وهدرا للموارد .ولكام زادت
اللكفة عىل االإنتاجية ،لكام جعل هذا ابهنيار الاقتصاد .كام تس تحيل أو
يصعب أو يتباطأ التطور والمنو يف اقتصاد اإنتاجيته أعىل من لكفته؛
لن فيه كذكل إارسافا وتضييعا وهدرا يف الطاقة االإنتاجية.
ويف التارخي الربيطاين ،نرى اخنفاض الجور احلقيقية بعد تدفق اذلهب
من أمرياك لربيطانيا .وهذا فيه دليل واحض عىل أن اللكفة تقابل
االإنتاجية يف اجملمتع الاقتصادي املس تدمي .فربمغ زايدة الرثوة اإال أن
الجور احلقيقية للعامةل مل تزد بل نقصت .ونزولها يكون بسبب
الاس ترياد ،لتضخم السعار يف بريطانيا وقةل االإنتاج؛ مما أحدث فائض
يف العامةل.
الباب الرابع :ملاذا ترتفع السعار مع زايدة الطلب؟
ومثال هذا الباب يبدأ بنا من الاقتصاد اجلزيئ وينهتي بنا يف الاقتصاد
اللك .فارتفاع السعار مع زايدة الطلب ،يعين زايدة مكية االإنتاج
دون زايدة يف البنية الانتاجية .مفثال زايدة الطلب عىل الامعدة
84
الضوئية يدفع بأحصاب املصانع لزايدة ساعات العمل وإالغاء الاجازات،
مما يدفع لزايدة لكفة العامل ،مقابل زايدة انتاج الامعدة.
ولكن هذا الوضع ال يس متر .مفىت رأى أحصاب املصانع أن مكية الطلب
ُمس تدامة ،فس يلجؤون لتوسعة مصانعهم أو بناء مصانع جديدة أو
دخول مصنعني جدد .فهنا سزتداد املقدرة الانتاجية املُثىل ،أي سزتداد
البنية الانتاجية ،مما ُيرجع أسعار المعدة اىل عهدها السابق أو اقل
رمغ اس تدامة مس توى الطلب.
وهذا ينطبق عىل اقتصاد اس تريادي اكقتصاداتنا .فاملس توردين
س يزتامحون عىل املصدرين ،وترتفع لكفة التامني والشحن املس تعجل
وهكذا .لكن ال تلبث ان ترجع السعار للزنول ،يف حاةل الاس ترياد
برسعة أكرب بكثري من حاةل االإنتاج.
ومعوما فهنا قد يقول قائل :وهل رأيمت اي عباد هللا نزوال للسعار بعد
صعودها اإال اندرا؟ فاجلواب ،أن عدم رجوع نزول السعار ،يكون يف
الاقتصاد اللك .فعندما يرتفع مؤرش السعار العام ،فلن يعود
لالخنفاض ابدا ،اإال يف حاةل اهنيار اقتصادي.
مفا الفرق؟ ملاذا تعود السعار لالخنفاض اإذا اكن الارتفاع انجت عن
زايدة يف الطلب عىل سلعة واحدة ،وال تعود السعار لالخنفاض اإذا
اكن ارتفاع السعار انجت عن المنو ،وهو زايدة يف الطلب اللك .
اجلواب يمكن يف التوسع ،أي المنو .فالتوسع يف املصانع يف حاةل
المعدة ،مل ترتفع لكفته .فزايدة مصانع الامعدة ال تؤثر يف أسعار
املقاوالت واملواد الولية .وكذكل جلب العامل لها .وهذا خيتلف لو ان
85
التوسع يف مصانع المعدة اكن مضن منو عام لالقتصاد .فف حاةل المنو
العام ،تزيد السعار لكها ،فتوسعة مصانع أمعدة يف طفرة اقتصادية
عامة ،س تلكف أكرث من التوسعة يف حاةل زايدة الطلب عىل المعدة،
ذكل لن لكفة لك يشء يدخل يف بناء املصانع قد زادت.
وديناميكية لكفة االإنتاج الغالبة يف معظم االإنتاج سواء يف االإنتاج
ادلخيل أو يف الصناعات املتقدمة والبس يطة ،تتناقص اللكفة االإنتاجية
ابتداء مع زايدة االإنتاج .وتس متر يف التناقص حىت تبلغ اللكفة االإنتاجية
أقل مس توى لها ،مث تبدأ ابلزايدة لكام زاد االإنتاج حىت تصل اإىل احلد
الدىن من اللكفة االإنتاجية ،مع وصولها حلد معني من االإنتاج .مث تبدأ
اللكفة يف الزايدة بعد ذكل مع زايدة االإنتاج.
وليك يقتنع القارئ بذكل ويسهل عليه فهمه ،فسأرضب مثالني بس يطني
يف تركيبهتام ادليناميكية االإنتاجية ،أحدهام زراع والخر خديم.
املثال الزراع :
فلو اس تأجر مزارع َح َّصادة طامطم لتحصد حمصوهل من الطامطم،
فأصبح ال حيتاج لعامةل حتصد ،فاإن لكفة أةل احلصادة -اليت يه جزء
من لكفة االإنتاج لكه ،-تتناقص مع تزايد االإنتاج .أي أن اللكفة تتناقص
تدرجييا مع زايدة االإنتاج .واحلصادة ال تلتقط الطامطم لكها ،بل ثليث
احملصول تقريبا .وهذا ابلنس بة للمزارع يه اللكفة التنافس ية اليت
يس تطيع أن يبيع الطامطم علهيا.
فلو افرتضنا أن أسعار الطامطم زادت لسبب أو لخر ،فهذا يعين أن
املُزارع يس تطيع بيع الطامطم بسعر أعىل .لهذا قام املزارع واس تأجر
86
عامةل تلتقط الطامطم اليت أمهلهتا احلصادة؛ فاس تطاع بذكل أن يزيد
االإنتاج ،ولكن بلكفة فوق ديناميكية لكفة اإنتاج الطامطم يف حميطه
الزراع .فالعامةل غالية يف حميطه ،ذلا؛ فديناميكية اإنتاج الطامطم يف
حميطه الزراع ،لكها قامئة عىل اس تخدام احلصادات .فأصبح متوسط
اإنتاج صندوق الطامطم ١٠رايالت بسبب زايدة االإنتاج بعد أن اكن
٧رايالت قبل زايدة االإنتاج .ولكن املزارع جلأ ذلكل؛ لن أسعار
الطامطم ارتفعت عن ١٠رايالت ،فالعرض قد أصبح حشيحا أمام
تزايد الطلب اجلديد.
ومن املثال السابق نس تطيع أن نرى ديناميكية لكفة االإنتاج .فهي
تتناقص ابتداء مع زايدة االإنتاج حىت تصل لالس تغالل المثل .وهو
اإنتاج ثليث اإماكنية املزرعة بدال من االإنتاج جبميع طاقهتا .فاإذا زاد
االإنتاج بعد هذا ،تزداد اللكفة.
و احلاةل السابقة ال تدوم؛ لن الطلب اإذا اس متر عاليا واس تقر عليه؛
فسيبدأ ُمزارعنا وغريه ابس تصالح الرايض اليت حوهل؛ ليجعلها مزارع
طامطم( ،وهذه س نة السوق يف خلق هللا هل) .مفا يزال املزارعون
القادرون يس تصلحون أراضهيم البور؛ حىت يزداد العرض وتبدأ
السعار ابالخنفاض ،ومن َمث يبدأ املزارعون ابالس تغناء عن ال َعامةل؛
حىت يس تقر السوق من جديد عىل السعر التنافيس ٧رايالت أو
اقل ،واذلي ال ميكن تغطية لكفته اإال ابس تخدام احلصادات فقط دون
أي عامةل.
املثال اخلديم:
87
يكفينا هنا مثال املستشفى السابق ،فبالرجوع هل ،س يتبني أن اللكفة
االإنتاجية للعالج الواحد تتناقص لكام زادت حاالت العالج؛ حىت
تس تغل الامثن الساعات يوميا وهو احلد المثل .ومن َمث بعد ذكل ،تبدأ
ابالرتفاع مع زايدة االإنتاج العاليج ،ورشحنا الس باب .وقلنا اإهنا لو
اكنت حاةل طوارئ ،فس تلغ املستشفيات ساعات العمل االإضافية،
وترجع السعار اىل عهدها السابق ،وكذكل مكية ساعات اخلدمة
الصحية .أما اإن اكنت زايدة الطلب حاةل دامئة ،نتيجة لس ياسات
حكومية مثال ،فس نجد أن اهل صناعة الطب سيستمثرون يف توس يع
املستشفيات وطوامقها الطبية وإاماكنيهتا ،حىت تقدر عىل مقابةل الطلب
املزتايد بنفس اللكفة السابقة ،لزايدة الطلب.
والاقتصار عىل املثالني :الزراع واخلديم وعدم االإتيان مبثال صناع ،
اإمنا هو لتسهيل الفهم .فاالإنتاج الصناع ،تتعقد ديناميكية لكفته لكام
تعقدت صناعته .وإاال فهذه ادليناميكية لللكفة االإنتاجية مطردة تقريبا يف
غالب االإنتاج .وإان اكن ميكننا اس تخدام مثال عىل الصناع ،اإذا
اقترصان عىل العامةل فقط .فف صناعة الس يارات ما علينا اإال أن
نستبدل الطباء ابلعامةل ،وجنعل خطوط االإنتاج تعمل أكرث من مثان
ساعات.
وحىت عىل مس توى الاس ترياد والتصدير .فلو افرتضنا أن اتجر أرز
اكن يس تورد الرز من الهند ،وحدث أن زاد الطلب عىل الرز
لسبب أو لخر ،فطلب حشنة اإضافية من الهند .ولكنه ال يس تطيع
حتقيق ذكل بنفس اللكفة .فالطلب املس تعجل أو الغري جمدول ،عليه
88
لكفة اإضافية وكذكل الشحن .فتاجر الرز يس تطيع زايدة الاس ترياد
أي زايدة مكية العرض ولكن عىل حساب رفع اللكفة االإنتاجية .وعىل
هذا فقس.
الباب اخلامس :قانون الطلب وقانون العرض
مفن اجلواب عىل سؤال الفصل السابق “ ملاذا ترتفع السعار مع زايدة
الطلب؟ ” يتبني لنا:
.١أن زايدة االإنتاج املؤقت ممكن ولكن عىل حساب زايدة اللكفة،
طاملا حوفظ عىل الصل املُنتج اثبتا ،اكملاكئن واالإدارة وحنوه.
.٢وإان نقص االإنتاج حيصل مع اخنفاض السعار ،حيث ال ميكن
لل ُمنتج أن يغط لكفته؛ فيخرج من العرض؛ فتخرس السوق اإنتاجه.
.٣وهذا ندركه ابملالحظة اجملردة أو ابملنطق البس يط .فمكية العرض
تنقص بنقصان السعار ،وتزداد بزايدة السعار .فهذا الاجتاه الطردي
هو ما نسميه بقانون العرض .فديناميكية اللكفة يه يف الواقع ،متثل
منحىن العرض اذلي ميثل قانون العرض .وإان شئت فقل اإن العرض
هو اللكفة االإنتاجية.
أما الطلب فعىل عكس ذكل .فهو يزيد بنقصان السعار وينقص بزايدة
السعار .وهذا الاجتاه العكيس نسميه بقانون الطلب .والفكرة هنا
نفسها كام يه يف العرض .مفقدار الطلب عىل سلعة أو خدمة يمت عىل
حسب حاجة هذه السلعة عند املس هتل .فاإن اكنت ذات حاجة
عالية ،دفع فهيا غاليا .وإان اكنت ذات حاجة قليةل ال تطيب نفسه اإال
بدفع القليل.
89
أما توازن السوق فيتحقق مىت تساوت قمية حاجة املس هتل للسلعة
بقمية لكفة االإنتاج ،حفيهنا يتحدد سعر السوق لهذه السلعة .والباب
القادم يتناول مبحث احلاجة.
.٤مفىت نقص سعر السلعة عن لكفة اإنتاهجا ،حصل ا إالرساف،
فلنتخيل مثال أن الس يارة بألف رايل ،فمك س يكون عدد الس يارات
عند الفرد الواحد ،واليت ال يس تفيد مهنا.
.٥ومىت زاد سعرها عن لكفة االإنتاج حصل التفريط بتضييع املوارد .أال
ترى أنه لو ُمنع الناس املاء دفعوا ثرواهتم لكها لتحصيهل .وعند رخص
مثنه دون لكفة اإنتاجه أرسفوا فيه.
فهذه القوانني يه قوانني السوق احلر ،مىت تدخلت فهيا احلكومة؛
أفسدهتا –غالبا ،-وضيعت الاس تغالل المثل للموارد الطبيعية.
مفثال :معونة املزارعني بزتويدمه حبصادات متقدمة ،تدفع لكفهتا
احلكومة ،يكون اإرسافا؛ لنه سريخص أسعار الطامطم دون لكفهتا
االإنتاجية احلقيقية ،يقابلها إارساف من املس هتل لرخص السعار ،مكثال
املاء السابق.
الباب السادس :اس تغالل احلاجة أصل يف قيام السوق
املال أخص من القمية .فلك يشء هل قمية يُمكن اإدراكها ومتلكها وبيعها
ورشاؤها ،فهو مال .واملنفعة تعين حتصيل لقمية .فاإن اكنت القمية ُمقمية
مبال ،أصبحت منفعة مالية ،وتُزنل مزنةل املال ،وان اكنت القمية غري
ُمقمية مبال ،صارت منفعة غري مالية ،وال تُزنل يف لك الحوال عىل
املال.
90
واملعامةل املالية التبادلية بني اثنني فأكرث ،عن تراض ،ال بد وأن يتودل
عهنا زايدة( .ذكل لنه ال يوجد عاقالن يتبادالن من غري غرض حتقيق
املنفعة لنفس هيام .همام اكنت املعامةل اتفهة ،واكنت املنفعة قليةل غري
مدركة حسا ،كشعور برضا ،أو جتنب مالمة).
وأما السبب اذلي أوجد املعامةل :فهو لزوم وجود حاجة عند أحد
الطرفني .وأما رشطها الالزم لتدخل حتت مفهوم التجارة ،فهو اس تغالل
الطرف الثاين حلاجة الول.
حفاجة الشاري للسلعة لها قمية ،تضاف فوق قمية لكفة املنتج .هذه القمية
للحاجة عند املشرتي يه أساس الطلب ،اذلي لواله ملا اكن هناك
عرض .واس تغالل هذه احلاجة ،يه جمال رب املُحتكر لصنعة ما أو
براءة اخرتاع أو مومس وغريه.
ذلا فاس تغالل احلاجة للسلعة هو أحد أساس يات املفاهمي الاقتصادية
للسوق .وعىل مفهوم اس تغالل احلاجة ،تقوم مجيع اسرتاتيجيات
التسويق.
مفثال حاجة الشاري لتأخري السداد ،أصل منشأها هو حاجته للسلعة
ذاهتا .فهي حاجة فوق قمية لكفة السلعة أو فوق قمية سعر السوق
للسلعة .وبدون مقابل مادي أو منفع ،ال يتنازل عاقل عن قمية زمانية
أو عن قمية حاجة عند مشرتي تزيد عن حاجة السوق .فذلا فقد ُحيجر
عىل من يُؤجر شقة يف العرش الواخر عند احلرم بنفس اإجيارها يف
شعبان مثال .لن يف هذا مضيعة لقمية اس تغالل زايدة احلاجة لسلعته،
91
يف رمضان .فال ُحيمد فعهل دينيا 1وال اقتصاداي ،اإن أكراها يف رمضان
بنفس سعر كراءها يف العرش الواخر ،معتقدا بذلها عىل وجه الصدقة
ابتغاء وجه هللا أو بدافع االإحسان واملعروف.
وكون فعل ذكل غري محمود اقتصاداي ،فذكل لنه قد يؤجرها ملن ال يقدر
قميهتا .وهذا هيدم أساس نظرية الطلب ،ذلا فهو هدم للسوق .والسبب
التطبيق هل ،انه إارساف مينع اس تغالل املوارد الاس تغالل المثل.
مثاهل :لو اكنت الكهرابء جمانية ،لرتك الناس مكيفاهتم وأضواءمه تعمل
بال حاجة ،ففيه إارساف لرثوة اكن ميكن أن ترصف عىل التعلمي مثال.
(وأما عدم محده دينا ،فلن املؤمن العارف برشع هللا ،ال يتصدق مبال الا عىل من
يقبل الصدقة ويس تحق الصدقة بسؤالها ترصحيا أو تلميحا ،بأي دالةل حال .ذلا ،ال
جتد ماكل عقار يف مكة يؤجر عقاره يف العرش الواخر بنفس اإجياره يف رمضان،
حىت ولو اكن ماكل العقار سيتصدق بلك عوائد االإجيار .كام ال جتد غنيا يرىض أو
يطلب من ماكل عقار عند احلرم أن يؤجره الشقة بنفس سعرها يف شعبان .فهذا
سؤال للصدقة .وسائل الصدقة ال جيوز هل السؤال اإال اإن اكن يس تحقها).
فاس تغالل احلاجة ،هو عامد السوق وفن التجارة .كام أنه يدخل كجزء
همم يف تقيمي أو تسعري السلعة أو اخلدمة .وذكل بزايدة السعر مثال،
اإذا اكنت احلاجة من طرف الطلب ،أو ببخسها اإذا اكنت من طرف
العرض.
فاإن ختلف رشط اس تغالل حاجة الغري ،سواء ارتبطت املعامةل بسوق
أم مل ترتبط ،فاملعامةل ال تدخل يف مفهوم التجارة ،أي تكون خارج
1فأما عدم محده دينا ،فلن املؤمن العارف برشع هللا ،ال يتصدق مبال الا عىل من يقبل الصدقة ويس تحق الصدقة بسؤالها ترصحيا أو تلميحا ،بأي دالةل حال .ذلا ،ال
جتد ماكل عقار يف مكة يؤجر عقاره يف العرش الواخر بنفس اإجياره يف رمضان ،حىت ولو اكن ماكل العقار سيتصدق بلك عوائد االإجيار .كام ال جتد غنيا يرىض أو
يطلب من ماكل عقار عند احلرم أن يؤجره الشقة بنفس سعرها يف شعبان .فهذا سؤال للصدقة .وسائل الصدقة ال جيوز هل السؤال اإال اإن اكن يس تحقها.
92
السوق ،فال متيش علهيا القواعد الاقتصادية ،اكلهدية والصدقة وحنوهام.
فالضابط الفارق يف خروج املعامةل التبادلية من معوم التجارة ،هو عدم
اس تغالل حاجة الطرف الخر.
فالعاقل ال يتنازل دون مقابل ،عن نصيبه من الزايدة احلمتية اليت تنتج
من أي معامةل مالية تبادلية مالية .فالتنازل فهيا ،نكوص لس نة هللا يف
اخللق ،أو نكوص مبا يُسمى بقوانني الطبيعة .وهو دليل اجلنون ،اكليت
نقضت غزلها من بعد قوة أناكاث .وكونه نكوصا ،لن أصل نشوء معلية
التبادل املايل ،اإمنا اكن بسبب حتصيل املنفعة.
ومعوما ،مففهوم احلاجة وتطبيقاته ،مفهوم فطري .فلو تأملنا بتجرد،
لرأينا هذه التقس اميت والتفريعات واحضة أمام أعيننا .فنحن ندركها
بفطرتنا ،ومنارسها يوميا دون أن نشعر هبا.
والاس تغالل يشء غري مس تقل بذاته وال حيدث اإال من خالل أمر
أخر ،اكس تغالل وصاية عىل مال أو قارص ،أو اس تغالل ثقة أو حنو
ذكل.
وأما الاس تغالل يف العمليات التبادلية فهو يتودل من املعامةل التبادلية
نفسها.
املبحث الول :احلاجة قد تكون من داخل السوق أو من خارجه:
احلاجة قد تكون من داخل السوق وتكون حيهنا متعلقة ابلسلعة .وقد
تكون من خارج السوق وتكون حيهنا متعلقة ابحملتاج نفسه.
كام أهنا قد تكون استامثرية أو اس هتالكية .واحلاجة الاس هتالكية قد
تكون ُمتعلقة ابحملتاج نفسه ،أو بيشء خارج عنه.
93
أوال :احلاجة من داخل السوق تتعلق ابلسلعة:
ويه اليت تكون من داخل السوق أي مضن الطلب السويق عىل
السلعة .فاحلاجة السوقية لسلعة ما ،نعرب عهنا اقتصاداي ابلطلب .سواء
أاكن سوق سلعة اس هتالكية كسوق الهواتف اذلكية أو سوق الطعمة
أو سوق الرايض السكنية ،أو اكن السوق ،سوق سلعة استامثرية
كسوق الرايض التجارية ،وسوق احلديد الصناع وحنوه ،أو كعموم
حاجة السوق أو الطلب العام ،لرض ما من أجل موقعها.
فالطلب السويق عىل سلعة ما هو يف الواقع عبارة عن قياس مدى
تقيمي حاجة املس هتل للسلعة .فاحلاجة -املتعلقة ابلسلعة نفسها -يه
سبب لزايدة قمية السلعة .أي أن املشرتون يف هذه احلاةل مه منر
الصل فمين يزيد المثن ال البائعون ،وهذا يف حاةل كون العرض حمدودا
-أي افقيا ،-كحال شقة مكة يف رمضان .أما اإذا اكن مائال ،أي أن مكية
العرض تزداد مع ازدايد الطلب ،فقمية احلاجة متعلقة بلكفة االإنتاج ،كام
س بق بيانه.
وقد يكون اخنفاض السعر هو سبب زايدة الطلب ،وهذا يف حال
اخنفاض لكفة الانتاج .ومثاهل سوق التلفوانت اجلوال ،مثال .فالعرض
السويق للجوال هو اذلي تغري ،بتغري لكفة انتاجه .فلكام قلت لكفة
الانتاج تغري العرض بزايدة الانتاج فدخل يف السوق عددا أكرب من
املشرتين ،فهذا مثال عىل حاجة السوق لكه.
وأيضا ،يُمكن أن تأيت احلاجة من داخل السوق ،لكهنا حاةل طلب
منفردة عن الطلب العام يف السوق ،كسوق الرايض التجارية ،مثال.
94
فتأيت حاجة مرشوع فندق ما ،لرض معينة ،من أجل موقعها اذلي
يناسب هذا املرشوع ابذلات .فزييد ماكل السلعة أو البائع السعر
الس تغالل هذه احلاجة ،وال يُعد هذا اإال من قواعد التجارة وهو جائز،
بل هو مطلوب رشعا وعقال .وهذا مثال عىل ما أعيد وأكرر بأن عمل
الاقتصاد احلديث يامتيش مع النظام الكوين املنظم للسوق.
اثنيا :احلاجة من خارج السوق وتكون متعلقة ابحملتاج نفسه
ويه حاجة تأيت من خارج الطلب السويق العام عىل السلعة .مثل أن
يكون هناك خشص مس تعد أن يدفع مليون رايل ليحصل عىل تلفون
جوال ،كونه يف بدل متخلف ،وهو اتجر يتاجر يف سوق أجنبية
للسلع ،ويرى أمامه فرصا يف سوق الاستامثرات تساوي عرشات
املاليني وحيتاج لتلفون لتنفيذها .فهذه حاجة استامثرية متعلقة ابملستمثر
نفسه ال ابلتلفون ذاته .فلو عرف اتجر التلفوانت احمليل ،عن قمية
حاجته ،فباعه تلفون مبائة ألف فقط ،لقيل عنه بأنه مغفل .فالواجب
عىل اتجر التلفوانت حيهنا ،اس تغالل حاجته الاستامثرية وبيعه التلفون
مبليون عىل القل ،فهذه قمية التلفون عند التاجر الجنيب.
املبحث الثاين :واحلاجة تكون استامثرية وتكون اس هتالكية
واحلاجة الاس هتالكية تكون حاجة ترفه وتوسع ،وتكون حاجة
اس هتالكية لكرب وشدة.
أما احلاجة الرتفهيية التوسعية فهي أصل دواع مجع الرثوة .والفارق
بيهنا وبني حاجة الكرب الاس هتالكية ،هنا همم أيضا .فاملُس تغل للحاجة
95
الاس هتالكية الرتفهيية ،اإمنا يريد مشاركة صاحب احلاجة الرتفهيية
الاس هتالكية يف اس تخدامه لرثوته.
وهناك ثالثة شواهد تُفرق بني حاجة الاستامثر وحاجة الرتفه وبني
حاجة الكرب:
الشاهد الول :أن حاجة الكرب ال تكون ابختيار من املشرتي ،فهي
حاجة املكروب واملضطر ال مرتفه بس ياحة مثال.
الشاهد الثاين :أن حاجة الكرب ال يكون لها بدائل ،فف مثال اتجر
الفرص مثال اكنت عنده بدائل ابلفاكس وحنوه ولكنه يرغب يف تلفون
من أجل حتقيق أعىل العوائد.
الشاهد الثالث :أن حاجة الكرب ،اإن مل يس تطيع رشاؤها فقد يلجأ
للمسأةل ،وطلب الصدقة.
الشاهد الرابع :أن حاجة الكرب ال تعوض ما دُفع قمية لها ،بل يه جمرد
احملافظة عىل البقاء الالئق .وهذا خبالف حاجة الرتفيه ،فهي تعوض ما
دُفع قمية لها ،توسعا وهبجة .وكذكل خبالف احلاجة الاستامثرية اليت
جاءت لتاجر الفرص ،السابق مثاهل .فهو يأمل بعودة املليون وزايدة
أضعافا مضاعفة .والفارق هنا همم .فاملس تغل للحاجة الاس هتالكية
الاستامثرية يريد مشاركة صاحب احلاجة يف الرب .وهذا فيه مشاركة
فرصة لرابح حممتةل .واملس تغل حلاجة الرتفيه يريد مشاركة املرتفه بعوائد
املال املنرصف للرتفه ،ليرتفه هو أيضا ،فهل مجع املال الا من اجل
التوسع .وهذا خبالف اس تغالل حاجة الكرب الاس هتالكية ،فليس
هناك رب للمشاركة ،ذلا فهو اس تغالل حمض يف ابتالء مكروب.
96
الباب السابع :املرونة
مصطلح املرونة يصعب عىل الكثري ادراكه ،وإان اكن البعض يفهمه فهام
ضبابيا .وبلك بساطة ومشول ،فاملرونة تعين نس بة اس تجابة التغري لمكية
سلعة او خدمة ،كرد فعل لنس بة تغري السعر او ادلخل .وهنا يالحظ
أننا نقيس اس تجابة انتاج حقيق -سلعة خدمة -لتغري يف نتاج نقدي
غري حقيق .
فأن مرونة الطلب يه نس بة اس تجابة التغري يف مكية الطلب عىل
الس يارات كرد فعل نس بة التغري يف السعر “ وحنوه ” كسعر رصف أو
ادلخل .فلو زادت السعار مثال ،٪٥٠والطلب نقص بأقل
،1٪٥٠فهنا يُقال اإن الطلب غري مرن .ولو نقص الطلب بأكرث من
،2٪٥٠فهنا يقال بأن الطلب مرن.
وما ينطبق عىل الطلب ينطبق عىل العرض .مفرونة العرض :يه نس بة
اس تجابة التغري يف مكية العرض لنس بة التغري يف السعر .فلو زادت
السعار مثال ،٪٥٠والعرض زاد بأقل من ،٪٥٠فهنا يُقال اإن
العرض غري مرن .ولو زاد العرض بأكرث من ،٪٥٠فهنا يقال بأن
العرض مرن.
وحساب املرونة ،يتعدى الطلب والعرض لسلعة ما فيشمل قياس
املرونة بني السلع .مثال :نس بة اس تجابة التغري يف الطلب عىل أوبر كرد
فعل لزايدة أسعار املرتو.
97
ويشمل كذكل ادلخل .فتقاس مرونة نس بة الاس تجابة الس هتالك
سلعة معينة ،اس تجابة لنس بة الزايدة او النقص يف ادلخل .كنس بة
زايدة الطلب عىل الشقق ،لنس بة زايدة يف ادلخل.
اذا مفهام اختلفت احلاةل أو جدت ،فاملرونة يه نس بة اس تجابة تغيري
مكية سلعة او خدمة ( أي انتاج حقيق ) لنس بة تغري يف السعر او
ادلخل (أي انتاج نقدي غري حقيق ).
وللمرونة تطبيقات واسعة كثرية ،ممتدة عرب علوم االإدارة لكها ،وتدخل
يف كثري من العوامل الاقتصادية احلقيقية والنقدية .ومفهوهما واحد و
بس يط جدا “ :نس بة اس تجابة سلعة او خدمة بزايدة او نقص ،كرد
فعل لنس بة زايدة او نقص يف سعر أو دخل ” .مفىت فُهم هذا جيدا،
سهل التطبيق عىل أي حاةل ،برشط الادراك الشامل للعوامل
الاقتصادية والنقدية .املؤثر ة الاخرى.
تطبيق :من يتحمل الرضيبة؟ التاجر أم املس هتل؟
نسمع كثريا أنه لو فرضت رضيبة عىل سلعة ما أو خدمة ،فاإن التاجر
س ميرر هذه الرضيبة للمس هتل .ويسببون ذكل :بأن الرضيبة لكفة عىل
االإنتاج ،فس تدخل يف معوم اللكفة االإنتاجية .وهذا الكم حصيح ،غري
أن أوهل غري دقيق .فاملنتجون او التجار ،يسعون لطلب الرب ،او عىل
القل تغطية أجور معلهم .1اإذا فهناك مساحة لن يتحمل التاجر أو
املنتج الرضيبة أو بعضها ،فميتصها عىل حساب زوال رحبه بل وحىت
1عىل املدى الطويل ،ال ميكن للتاجر ان يبيع السلعة بتلكفهتا احملاسبية دون اإضافة أجور معهل.
98
عىل ختفيض اجر معهل .واذلي س يجربه خوفه من ضياع حصة منتجه
يف السوق ،بسبب عزوف الناس عن سلعته لسلعة أخرى مشاهبة.
وهنا تدخل املرونة ،فتقرر للتاجر النس بة اليت يتحملها املس هتل،
والنس بة اليت جيب هو ان يتحملها ليحقق احلد العىل من الرابح.
وقد س بق أن قلنا املرونة يه نس بة اس تجابة التغري يف المكية لنس بة
التغري يف السعر .فلو اكنت نس بة الرضيبة ٪١٠فنقص الطلب علهيا
،٪٥٠فهذا يعين أن الطلب عىل هذه السلعة مرن ،فالعرشة ابملئة،
س ُتفقد املنتج نصف زابئنه .مفعىن هذا أنه حيتاج اعادة حس بة مكية
االإنتاج لتحقيق احلد العىل من الرابح.
مثال :اس تخدام املرونة ملعرفة أثر الرضائب عىل الرايض السكنية
والرضائب عىل الرايض السكنية ،تبني مفهوم املرونة متاما .ولكن قبل
البدء يف املثال فاإنه يس تلزم علينا تصور معطيات سوق الرايض
السكنية.
مفن املقرر أن الفرد الطبيع ينفق ثلث دخهل عىل السكن .فسعر
سوق الرايض السكنية يف احلاالت الاعتيادية ،حيدده املقدرة الرشائية
للناس ال املُالك.
ومبا أن لرايض ال تُتنج وال تُس تورد ،ذلا فمكية العرض يف سوق
الرايض السكنية -يف الحوال الاعتيادية 1س تكون اثبتة .اللهم أنه يف
ظروف خاصة ،ميكن أن تنقص مكية الرايض السكنية يف السوق
1والاحوال الاعتيادية تكون عندما يُفرض رضائب عىل الرايض تفوق نسبهتا نس بة التضخم.
99
وتزيد ،وذكل ابإخراهجا من العرض ،أي حسهبا من السوق اإذا اخنفضت
السعار ،مث اإعادة اإدخالها اإذا ارتفعت السعار .وهذا الوضع شاذ وال
ميكن أن يكون أو يس متر يف املدى الطويل ،اإال يف حاةل عدم وجود
لكفة من احتاكر الرض السكنية .مفىت ُو ِّضعت عىل الرايض السكنية
رضيبة ،تكون نسبهتا أعىل من نس بة التضخم ،أصبح عدم عرض
الرض يف السوق ملكفا ،ف ُيجرب العاقل عىل اإدخالها السوق .فعندها
يصبح الوضع طبيعيا ،فتصبح مكية عرض الرايض السكنية اثبتة .وال
يتناقص العر ض اإال كلك ،مع بيع الرايض وبناءها.
فامب أن الفرد العاقل ينفق ثلث دخهل عىل السكن ،فاإن املس هتل ال
يس تطيع بذل سعر اعىل ،اإذا ما فرضت رضيبة ما ،لنه أصال واصل
حلده العىل يف الاس تطاعة املادية ،1.ومبا أن الرض السكنية املطورة،
ال ميكن زايدهتا داخل احلدود السكنية ،فهذا يعين أن عرض الرايض
السكنية اثبت ،فهو ال يزيد وال ينقص مع زايدة السعار أو نقصاهنا.
مفادام املس هتل قد بذل حده الطبيع يف بذل السعر ،ومادام هناك
لكفة س نوية تزيد عن التضخم عىل الرايض السكنية البور ،مما
يس تجلب خسار ة س نوية ( =الرضيبة -التضخم) عىل مالك الرايض
السكنية بعدم بيعهم أراضهيم السكنية ،فهذا يعين أن املُالك مه من
سيتحملون الرضيبة ،والا فلن جيدو زبوان لها ،فتصبح أراضهيم
السكنية عبئا ماداي علهيم.
1وذلا فاملقدرة الرشائية للمس هتل يه اليت حتدد السعر ،والا لوضع املُالك اسعارا فلكية لراضهيم السكنية.
100
فف هذه احلاةل نس تطيع أن نقول بلغة املرونة “ ان مرونة الطلب عىل
الرايض يف السوق الطبيعية تكون ال هنائية ” .ذكل لنه أي نس بة
تغري اإجيابية يف السعر ستسبب اس تجابة سلبية ٪١٠٠للمكية.
الباب الثامن :الاحتاكر
مبحث :أشاكل الاحتاكر الربعة
لفظ الاحتاكر معوما يعين عدم وجود املنافسة .وحد الاحتاكر هو:
مقدرة املنتج عىل وضع سعر أعىل من سعر السوق ،وال يفقد حصته
السوقية .والاحتاكر درجات ،متتد من احتاكر مطلق اإىل احتاكر
جزيئ .أما أس بابه :اإما مبنع دخول املنافسني بقوة السلطة ،أو
ابملامرسات الاحتاكرية املتنوعة املتعمدة ،او بسبب عوامل ندرة او
ارتفاع لكفة انتاج ،أو بسبب ديناميكية السوق ،فهذه أربع اشاكل
لالحتاكر.
ومثال الشلك الول :كحرص انتاج معدن أو سالح ما ،عىل منظامت
ادلوةل ،يعترب مثاال عىل منع دخول املنافسني بقوة السلطة .وكذكل
التفضيالت احلرصية اليت تفرض ابلقانون ،يه مثال اخر عىل
الاحتاكر املتعمد السلطوي.
ومكثل اإيضايح للشلك الثاين -الاحتاكر املتعمد -منثل بلجوء الرشكة
الضخمة عىل ختفيض السعار دون اللكفة ،اإذا ما دخل منافس جديد
حىت يفلس وخيرج من السوق ،مث تعود لرفع السعار .أو كتخزين
101
السلع القابةل للتخزين؛ خلفض العرض ورفع السعار وغري ذكل من
املامرسات.
وأما الاحتاكر لسبب عوامل االإنتاج ،وهو النوع الثالث ،مفن اس بابه:
ارتفاع لكفة االإنتاج والندرة يف املوارد .مفثال :االإنتاج اذلي يعمتد عىل
خربات اندرة أو لكفة عالية االإنتاج ،جتد سوقه حمتكرة ،كصناعة
الطائرات والسلحة املتقدمة والاستشارات املتقدمة .ومن اس باب
الاحتاكر ،الشهرة .فالسلعة اليت يكون من طبيعهتا اعتياد الناس علهيا
ذوقًا أو خرب ًة وتعلميًا تصبح حمتكرة لسوقها ،كربامج ميكروسوفت مث ًال.
فالندرة يف ختصصات العلوم اليت تتعلق بصناعة معينة وبراءات
الاخرتاع ،متنع من فتح السوق للمنافسني ،كصناعة بعض الدوية
والسلحة .واللكفة الضخمة لتأسيس املصنع ،متنع من دخول املنافسني،
كصناعة الطائرات والبوارج البحرية والسفن العمالقة.
وأما الشلك الرابع فهو الاحتاكر طبيع .والاحتاكر الطبيع ال يكون
بسبب ممارسات متعمدة ،بل تراه حيدث تلقائ ًيا نتيجة النقالب
ديناميكية السوق بسبب حتقق اللكفة العالية قبل االإنتاج.
وحد الاحتاكر الطبيع هو :كون ديناميكية سوقه تسبب نقصان لكفة
االإنتاج مطلقا مع زايدة االإنتاج( .وهذا يكون بسبب ارتفاع لكفة الثابتة
بنس بة كبرية عن اللكفة املتغرية) .ومعىن هذا نرشحه عن طريق مثال
رشكة الكهرابء:
مفصانع الكهرابء ومتديدات الكهرابء يه لكفة مدفوعة سواء أَأَنتجت
رشكة الكهرابء أم مل تنتج .وهذه اللكفة مرتفعة أضعافا مضاعفة كثرية
102
لنس بة لكفة الوقود املنتج للكهرابء ،واذلي ال تُدفع لكفته اإال مع االإنتاج.
فلكام زاد االإنتاج نقصت اللكفة الثابتة للمصانع والمتديدات ،ولكام قل
االإنتاج زادت اللكفة الثابتة .فدخول رشكة أخرى منافسة مبصانعها
ومتديداهتا لتنافس الرشكة املوجودة ،سريفع متوسط اللكفة االإنتاجية؛
بسبب التنافس عىل الطلب وانقسام املشرتكني بني الرشكتني؛ مما يرفع
السعار عىل املس هتل .وذلكل حتم احلكومة الرشاكت اليت تكون
ديناميكية اإنتاهجا متثل الاحتاكر الطبيع .ذلا فرتى منحىن عرض
الكهرابء أو قانون العرض يف صناعة الكهرابء ُمنقلب ،فرتاه سليب
اكلطلب ال اإجيايب اكلعرض .
اإذا ،فالصناعات ذات البنية التحتية املرتفعة المثن اليت تشلك غالب
اللكفة ،يه حمتكر طبيع بسبب ديناميكية السوق يف العرض
والطلب ،كرشاكت الكهرابء واملاء.
ويف عامل النقد احتاكر طبيع ،كذكل .فعمةل الاحتياط ادلولية ،مثال
عىل ُمحتكر طبيع بسبب ديناميكية السوق ،اكدلوالر .واملقصود
بعمةل الاحتياط ادلولية يه العمةل اليت تتداول هبا دول العامل بني بعضها
البعض ،يف ساحة التجارة العاملية.
فوجود عدد من العمالت اخملتلفة يُعقد التبادالت والتفاهامت ،كام أنه
يرفع لكفهتا .ولتوضيح الرؤية ،فرصاف العمالت ال ميكنه الاحتفاظ
بمكيات كبرية للك معةل؛ فهذا ملكف ومتعذر أحياان .ولكن حيتفظ
بعمةل دولية رئيس ية تكون يه اخملزون السايس ،ويتخلص من
103
العمالت الخرى .والاحتاكر الطبيع ،ليس يف الصناعات وأسواق
املال والسلع فقط ،بل هو أيضا يف اليدولوجيات والداين والرثوات.
الباب التاسع :توجيه الرضيبة لكرس الاحتاكر يف الزمن أو ابلزمن
التجارة يف اليشء ،جتارة سلبية فهي جمرد تدوير للسلعة .والاحتاكر
هو أداة التدوير ،ويكون احتاكرا ابلزمن واحتاكرا يف الزمن
املبحث الول :الاحتاكر ابلزمن
الاحتاكر ابلزمن (أي عن طريق الزمن) هو الاحتاكر املعروف وهو
حبس السلعة عن نزولها السوق حىت ترتفع أسعارها .فهو اس تخدام
الزمن كوس يةل لالحتاكر.
وي ُس تخدم الاحتاكر ابلزمن اإذا اكنت السلع ال تفسد أو ال تقل قميهتا
مع الزمن اكملعادن واكلرايض مث ًال (يف احلاالت الطبيعية) .أو اكذلهب
واملعادن النادرة .فهذه ال يفسدها الزمن وال يقلل من قميهتا .والاحتاكر
ابلزمن منفصةل أحاكمه عن بيع السلعة احملتكرة ،فميكن أن تُباع السلعة
احملتكرة بمثن حارض أو بأجل ،وذكل خبالف الاحتاكر يف الزمن.
املبحث الثاين :الاحتاكر يف الزمن
أما الاحتاكر يف الزمن هو اس تخدام الزمن كوس يةل حلفظ قمية
السلعة ،أو اليشء املراد احتاكره للتجارة فيه .وهذا ي ُس تخدم عند كون
الش ياء املراد التجارة فهيا ال تصمد كثرياً للزمن ،كقمح وحنوه( .وبعض
أنواع التحوط يف املش تقات احلديثة ،اذلي غرضه حفظ القمية هو من
الاحتاكر يف الزمن).
104
والتحوط من أجل حفظ القمية يكون بوضع املال اذلي يفسد أو تقل
قميته كمثن ملال ال يفسد أو ليس من املتوقع أن تقل قميته .ولقرب هذا
املفهوم للقارئ فقد يتبايع مزارعني مقحا ،أحدهام يف الشامل والخر يف
اجلنوب .وغرضهام بيع مقحهام بسعر مرتفع .مفزارع اجلنوب ينضج القمح
عنده قبل مقح الشامل بس تة أشهر مثال .ويكون سوق مقح اجلنوب
حيهنا غارق ابلقمح .عىل خالف سوق مقح الشامل ،اذلي مل جين فيه
وقت جين القمح ،فهو يتشوف للقمح .فهنا يقوم املزارعان بعمل معلية
تبادل ،فيبيع اجلنويب الف طن مقح للشاميل اليوم ،عىل أن يسدده
الشاميل الف طن مقح مثلها بعد س تة اشهر .فهنا معل املزارعان يف
الزمن حلفظ قمية القمح اذلي ال ميكن ختز ينه دون فقدان قميته .ويف
سوق املش تقات يسموهنا املبادالت ) )Swapsويه أنواع كثرية،
وغالهبا يكون ابلعمالت والفائدة وادليون .ورشهحا هنا يطول ،وليس
من غرض الكتاب.
وكذكل يتبني لنا أن الاحتاكر يف الزمن (اس تخدام الزمن كوس يةل
حفظ قمية السلعة) هو أداة يتوصل هبا اإىل التجارة يف الش ياء كذكل
وتدويرها واحتاكرها اإذا اكنت مما تتناقص قميته.
وذلا جيب توجيه الرضائب عىل السلع اخملزنة القابةل لالحتاكر ابلزمن أو
عىل السلع املُتحوط هبا ،والقابةل لالحتاكر يف الزمن .لتجعلها الزاكة أو
الرضيبة سلع ًا تتناقص قميهتا ابلتخزين أو الاحتاكر.
ففرض الرضائب عمل هندسة مالية .فالتخطيط للرضائب ،جيعلها عادةل
وتصري أداة لتخفيض السعار وزايدة االإنتاج.
105
وقفة فلسفية :احتاكرية العمالت والرثوات واللغات واليدولوجيات
س بق يف الفصل السابق بيان أن هناك يف الاقتصاد ما يس لمى
ابمل ُ ْحت ِّكر الطبيع .ويه الصناعات أو اخلدمات اليت تقل لكفة اإنتاهجا
لكام ازداد اإنتاهجا أو عدد زابئهنا ،كرشاكت الكهرابء مث ًال.
ومصطلح “ احتاكري ابلطبع ” ،اس تعاره قرين س بان ،يف وصفه لعمةل
الاحتياط ادلولية ،اليت اكنت سابق ًا اذلهب وأصبحت اليوم ادلوالر.
واس تعرته أان هنا للغة االإجنلزيية.
فنحن نرى غياب االإجنلزيية يف الماكن واملواصالت العامة يف أوراب.
ونالحظ افتخار الفرنس يني والملان للغاهتم والاعزتاز هبا ،وهذا أمر
مشهور ومعروف .وعىل الرمغ من هذا لكه ،فاإنك ترى أ لن اللغة
االإجنلزيية يه اللغة الرمسية يف املعامالت واحملاداثت والكتاابت يف
البنك املركزي الوريب ،واذلي يضم تسع عرشة دوةل أوربية ،وال
واحدة مهنا -ابس تثناء أيرلندا -تتحدث اللغة االإجنلزيية! .كام أننا نرى
اس تخدام ادلوالر كعمةل احتياط وتبادل دولية من أعداء أمرياك ،قبل
حلفاهئا.
مفا هو التفسري العلم لهذا التناقض الصوري العجيب؟
التفسري هو أ لن ادلوالر واللغة االإجنلزيية ،هام اليوم احتاكراين ابلطبع.
ادلوالر يف عامل العمالت واالإجنلزيية يف عامل اللغات .فاس تخدام عدة
معالت يف املعامالت املالية ادلولية ،يرفع لكفة املعامالت .كام يتطلب
الاحتفاظ بمكيات من لك معةل يف صورة ش به الس يوةل ،من أجل
اس تخداهما عند الطلب؛ وهذا يضيع فرصة الاستامثر المثل لها.
106
ويرشح ملاذا يغلب ادلوالر عىل معظم احتياطيات البنوك املركزية
العاملية .والوضع أشد ابلنس بة ل إالجنلزيية .فتعمل أكرث من لغة هو أمر غري
متيرس عىل الكثري ،والاحتفاظ مبرتمجني أو الرتمجة اإىل عدة لغات هو
أمر ملكف وغري معيل.
وهذه الاحتاكرية اخلَلقية ال منظم لها إاالل ديناميكية تعامل اجملمتعات
البرشية عىل ما خلقها هللا من طبيعة تسخري المثل واليرس .وال
تس تطيع أي حكومة أو حكومات يف كرس هذه الاحتاكرية أو تنظميها
أو منع منافس جديد لها.
وهناك احتاكرية طبيعية نراها يف اليدولوجيات والداين والرثوات.
فس يطرة أيدلوجية أو مذهب ديين عىل اإقلمي أو بدل أو عىل العامل ،متنع
من ظهور غريها .فقوة انتشار مفهوم ادلميقراطية وكرثة أتباعها ،مينع من
ظهور نظام س يايس جديد .وذكل؛ لغياب ادلافع للتفكري يف نظام
جديد؛ بسبب س يطرة الثقافة ادلميقراطية عىل فكر اجملمتعات؛ فمينع هذا
من وجود البنية التحتية الاكفية من التفكري والتنظري الالزم لتأسيس
فكر أيدلويج جديد ،ومن مث جناح هجود نرشه وتطبيقه.
ومثل هذا الاحتاكر الطبع نراه يف الداين واملذاهب .فقد احتكر
مث ًال املذهب الاكثولييك طبيعي ًا ،ادلاينة النرصانية ،وما ظهر املذهب
خرا جدًا ،بعد أكرث من ُخسة عرش قرانً ،ملوافقة الربوتس تانيت اإال متأ ً
املذهب الربوتس تانيت لهواء البعض الراغبني يف التخلص من همينة
الكنس ية االإيطالية ،مما همد لالنفتاح التدرجي للحرايت ادلينية يف
اورواب ،ومن مث ،فتح الباب لبداية عرص التنوير عندمه.
107
وهناك الاحتاكر الطبيع للرثوات .فاالقتصاد معو ًما مثل احلمك
والس ياسة .فكام أنه ال تس تقمي أمور اجملمتع وادلوةل اإذا اكن لك اجملمتع أو
غالبه حاك ًما أو س ياس يني ،أو أن تُوزع عىل أفراد اجملمتع مقاليد قرارات
السلطة ،فكذكل ال يصلح أن ميل غالب اجملمتع غالب الرثوة ،أو أن ُ
تُوزع عىل أفراده ثروات اجملمتع.
واملغزى :أن الاحتاكر الطبيع خلق من خلق هللا وس نة من سننه يف
تنظمي هذا الكون ،وجيري وفق سنن هللا يف احلياة ،مثهل مثل احلياة
وملوت والليل والهنار والفزيايء والكميياء.
وهنا منون قد أوجزان بعض تطبيقات الاقتصاد اجلزيئ ،لمنر رسيعا عىل
الاقتصاد اللك وبعض مفاهميه ومتعلقاته وتطبيقاته
الفصل الثاين :الاقتصاد اللك
الاقتصاد اللك ينظر يف فرتة زمنية حمددة ،الإنتاجية اجملمتع لكها السلعية
مهنا واخلدمية ،اليت يُنتجها جممتع ما فوق أرض حبدود حمددة ،وحتت
سلطة نقدية ومالية موحدة.
وخبالف الاقتصاد اجلزيئ ،فقد تعرض عمل الاقتصاد اللك عندما اكن
جنينيا يف أحشاء الاقتصاد اجلزيئ لصدمة اإنتاج الةل الهائل اذلي خلق
الطبقة الوسطى؛ مما تسبب يف والدته كعمل مس تقل .ومث ما لبث أن
فُطم يف همده بفشل النظام النقدي احملدود القامئ عىل اذلهب؛ مما
سبب صدمة أخرى هل بتغري النظام النقدي .مث تعرض لصدمة
التكنولوجيا واالتصاالت اليت غريت أاثر االإنتاج اللك عىل الاقتصاد؛
بسبب مضاعفهتا أضعافا أخرى كثرية؛ مما غري مقاييس احلياة االإنسانية
108
الكرمية .كام غريت مفاهمي اس تقاللية النظام النقدي احمليل ،فدجمته مضن
منظومة نقدية عاملية واحدة عن طريق االتصاالت والتكنولوجيا .وأخر
تعديل هل هو ابتاكرات برانيك -رئيس الفدرايل المرييك -يف س ياساته
يف خض النقد والتعامل مع خف الفائدة.
فعمل الاقتصاد اللك مل يس تطع أن يكمتل ويلحق بس باق التغري الهائل
-اذلي حدث يف القرن املايض -نسبيا اإال يف هذه الزمة الاقتصادية
العاملية ،عىل انتظار فامي تأيت به الايم من صدمات جديدة.
ويدرس الاقتصاد اللك الطلب العام والعرض العام للمجمتع ،من أفراده
ورشاكته وحكومته عىل السلع واخلدمات ،وأثر تفاعلهام عىل السعر
العام .ذلا؛ أحلقت الس ياسة النقدية والس ياسة املالية ابالقتصاد اللك .
فالنقد يدخل يف لك من الطلب اللك والعرض اللك ،وكذكل رضيبة
ادلخل وحنوها من الرضائب الشامةل أو ش به الشامةل .فهدف
الاقتصاد اللك الهنايئ هو ختفيف البطاةل ،ومواضيعه اليت ختدم هدفه
كثرية ،مهنا :التضخم والرضائب والنقد.
يدرس الاقتصاد اللك الطلب العام والعرض العام للمجمتع ،من أفراده
ورشاكته وحكومته عىل السلع واخلدمات ،وأثر تفاعلهام عىل السعر
العام .فذلا؛ أحلقت الس ياسة النقدية والس ياسة املالية ابالقتصاد اللك .
فالنقد يدخل يف لك من الطلب اللك والعرض اللك ،وكذكل رضيبة
ادلخل وحنوها من الرضائب الشامةل أو ش به الشامةل .فهدف
الاقتصاد اللك ختفيف البطاةل ،وأما مواضيعه اليت ختدم هدفه فهي
كثرية ،مهنا :التضخم والرضائب والنقد.
109
ويُدرس الاقتصاد اللك ،اجملمتع اكقتصاد مغلق معزول عن التبادالت
اخلارجية ادلولية ،كام يدرسه اكقتصاد مفتوح يتفاعل مع اقتصادايت
العامل .وللك ادلراس تني حاالهتا اليت تصلح لها .وإان اكنت دراسة
الاقتصاد ،اكقتصاد مغلق هو البنية الوىل لي دراسة اقتصاد انتايج
صناع ،مث يُدخل عليه الاقتصاد املفتوح.
وابإجياز جامع ،فاالقتصاد اللك هو لك ما يتعلق ابالإنتاج اللك اذلي
ينتجه اجملمتع من سلع وخدمات .وذلا؛ أحلقت الس ياس تان النقدية
واملالية به .فوزارة املالية والبنك املركزي ال يضعان س ياس هتام لقطاع
معني دون أخر ،بل تدخل يف لك ما ينتجه اجملمتع السعودي من سلعة
أو خدمة.
وديناميكية الس ياسة املالية والنقدية وأثرها وتفاعلها مع الاقتصاد العام
احمليل وادلويل ،مل تتبلور وتُفهم متاما عىل املس توى الاكدمي اإال حديثا -
يف الامثنينات ،-وخاصة الس ياسة النقدية (وذكل بسبب تأخر فهم أاثر
انفصال ربط العمالت ابذلهب) .وبسبب تبلور هذه املعرفة لدليناميكية
اليوم ،جتنبنا الاثر املدمرة اليت اكنت حمتية بسبب الزمة الاقتصادية
يف عام ٢٠٠٨م وكام حدث يف الكساد العظمي ١٩٢٩م ١٩٣٩-م.
الباب الول :الناجت احمليل
وضع مقياس الناجت احمليل ،يف منتصف عقد ،١٩٣٠وذكل بناء عىل
أوامر الرئيس فرانلكني روزفلت ،حني اكن الرئيس املبدع يقود بالده
خارج الكساد العظمي ،من خالل اصالح وجتديد النظام الاقتصادي
الرأساميل ،ابلتدخل احملسوب للحكومة يف حتفزي العرض ،وإاصالح
110
سوق العامةل .فروزفلت اكن حباجة ملؤرش حيمك به عىل صواب
اصالحاته أو خطأها.
فغرض الناجت احمليل هو قياس جحم قياس اقتصاد ادلوةل .وجيب ان
ينتبه اإىل أن وس يةل قياس الناجت احمليل احلقيق ،يه مكية االإنتاج ال قمية
االإنتاج ،فصناعة ُخس طائرات قميهتا ُخس ماليني ،أعظم انتاجا من
صناعة طائرة واحدة مماثةل يف العام السابق ،واكنت قمية هذه الطائرة
عرشة ماليني دوالر.
ذلا حنن نعزل القمية النقدية عن االإنتاج ،وإاال فاإننا لن حنصل عىل
مقياس حقيق دقيق ل إالنتاج ومنوه .مفثال ،لو اكنت الحوال غري
اعتيادية ،فاخنفضت أسعار القمح هذا العام؛ فأصبح سعر طن القمح
لهذا العام هو دوالر واحد ،وقد اكن سعره العام املايض أربع دوالرات؛
فس يكون قمية اإنتاج القمح احلايل دوالرين ،مقابل أربعة دوالرات قمية
اإنتاج القمح العام املايض ،فهبذا يظهر لنا أن منو االإنتاج ملزرعة القمح
هذه الس نة هو منو سليب مبقدار ٪١٠٠رمغ أن املزارع قد ضاعف
مكية االإنتاج .ذلا يُقاس المنو ابلمكية وحتسب قميهتا تبعا لقمية س نة
مرجعية.
فغرض عمل الاقتصاد هو االإنتاج احلقيق من سلع وخدمات ،ال انتاج
النقود .فالنقود ال تؤلك وال تُرشب وال ُتركب وال تُلبس ،بل ال وجود
ملموس لها ،وال قمية لها يف ذاهتا .اإمنا يه جمرد امس نسم به اليشء،
فتسم حصانك ابلرباق ،ويسم غريك ابنه ابلرباق ،فاالمس ال حقيقة
هل يف ذاته اإمنا فامي يدل عليه.
111
وابلناجت احمليل يُقاس تطور االإنتاجية وتقدم اقتصاد البالد .فمنو مكية
االإنتاج يعترب تقدم يف االإنتاجية وزايدة يف الرثوة ،اإال يف حاةل أن يكون
االإنتاج موردا انضبا اكلنفط والغاز .وذكل خبالف بناء مصايف جديدة
واكتشاف الابر وجتهزيها ،فهذا يعترب منوا حقيقيا .أما جمرد زايدة خض
االإنتاج النفط فهو يف الواقع اس هتالك للرثوة ال زايدة لها؛ ولهذا
فاقتصادايت النفط والغاز لها اعتبارات خاصة ختتلف حىت عن
اقتصادايت املوارد الناضبة ،مفا ابكل ابقتصادايت الصناعة واخلدمات.
وابلناجت احمليل كذكل ،يقاس مس توى ثراء ادلول ،وذكل بتقس ميه عىل
عدد الساكن ،سواء أاكنوا مواطنني أم أجانب .وذكل انبع من افرتاض
أن مجموع الساكن ،مه من قاموا ابالإنتاج .ذلا ،فيجدر بنا هنا ،أن ننتبه
اإىل أن دول النفط والغاز وحنوها ،ال يكون مجموع الساكن مه من أنتج
الناجت احمليل ،بل قد يكون غالب الناجت احمليل جمرد ثروة أورهثا هللا
أهل البالد ،أي مواطنهيا ،ال ساعات معل برشية .فاإن قيل :مفاذا
عن ادلول املنتجة للفحم والنحاس واحلديد وحنوها؟ فيقال :اإهنا ال تُعد
كدول النفط والغاز ،ذكل لن صناعة التعدين تس هتل عددا كبريا من
العامةل ،خبالف صناعة النفط والغاز .ذلا فتقس مي انجت دول الفحم
واحلديد وحنوهام عىل عدد الساكن ،ال يعط تصورا خاطئا عن ثراء
دول التعدين ،ابفرتاض متتع نظاهما الس يايس والاقتصادي ابلشفافية
واحملاس بة.
فالناجت احمليل من أمه مؤرشات الاقتصاد اللك .ويشلك هو ومؤرش
السعار ،ركنا دراسة االإنتاج اللك احلقيق .وذلا ترى صفات تضاف
112
ملؤرش الناجت احمليل أو تلحق به ،لتعزل السعار عنه .أوصاف لكفظ “
احلايل ” أو “ احلقيق ” أو “ الامس ” أو “ ابلقوة الرشائية ” أو
ابدلوالر العامل وهكذا ،ولك هذا موجود يف الكتب الاكدميية.
ذلا حفساب التضخم من اساس يات التحليل الاقتصادي اللك ،
خبالف الاقتصاد اجلزيئ ،فهو ينظر اىل املثال يف احلاةل السابقة ،عىل
انه نقص يف منو الرابح.
الباب الثاين :التضخم
التضخم هو نس بة الزايدة الس نوية املس مترة .فاس مترارية توقع الزايدة،
هو ما جيعل زايدة السعر تل الس نة تضخام .أما زايدة الاسعار الناجتة
من رضيبة مثال ،فهذه ال تعد تضخام ،فهي تكون مرة واحدة وال
تس متر بل قد تزنل مع اعراض الطلب.
أتفق علامء الاقتصاد عىل أن تضخام س نواي نسبته من ٪٥ - ٪٣هو
هدف مرغوب طاملا أنه متوقع ،وذكل لتحفزيه لالستامثر ودلفعه لعجةل
المنو .فأما منطقة اليورو فاختارت نس بة ٪٣للتضخم املس هتدف،
وذكل لنضوج اقتصاده ،فال جمال فيه لطفرات تمنوية اكلبالد الناش ئة.
فالبالد الناش ئة قد يصل منوها احياان اىل ٪١٥س نواي ،اكلصني مثال
يف احد فرتات طفرهتا التمنوية .حفيهنا ،س يكون تضخم ٪٢٠س نواي
مقبوال ومعقوال ،بل ومرغواب .لنه يكون حافزا لالستامثر كام يكون قيدا
عىل الاستامثر فال يستمثر اإال القدر رحبيا -أي العىل انتاجيا -عىل
دفع نسب فائدة المتويالت املرتفعة اليت تتضمن التضخم املتوقع .فالفائدة
المسية = الفائدة احلقيقة +التضخم املتوقع.
113
ولننظر من حولنا فنتأمل الاقتصادايت اليت تشهد نقالت تمنوية
حضارية من أمثال ش نغهاي ،بكني ،س نغافورة ،مالزياي ،ديب ،قطر
وغريها ،لكها مرت بتضخم تمنوي ،والاسعار ال تعود لالخنفاض يف
الاقتصاد اللك -الا يف حاالت كساد ، -كام بينا سابقا .فال يوجد
تطور ومنو اقتصادي من دون تضخم (اإال يف حاالت اندرة ال تنطبق
عىل ادلول النامية).
وذكل لس ببني رئيسني:
أوهلام أن المنو والتطور خيلق مزامحة عىل السلع االإنتاجية و اخلدمية
واملالية فتصبح حشيحة فرتفع أسعارها لفرتة زمنية معينة ال تلبث أن
تنخفض ابخنفاض الطلب علهيا أو بزايدة االإنتاج اذلي حفزه ودفعه
ارتفاع السعار.
وأما السبب الثاين فهو ارتفاع مس توى الازدهار املعييش اذلي
سيس متر سببا الرتفاع أسعار السلع واخلدمات ذات اجلودة العالية اليت
أوجدها الطلب علهيا من قبل املس هتل اذلي أرتفع دخهل نتيجة للمنو
اذلي مرت ومتر به بالد ذكل الاقتصاد.
والتضخم يفقد بعضا من القمية الرشائية للنقود .وينبين عىل هذا أن دين
احلكومة وديون الرشاكت والفراد أيض را قد فقدت جزءا من قميهتا
المسية .فالفائدة تتكون من الفائدة احلقيقة +التضخم املتوقع .وقد يقدم
التضخم ختفيضا حقيقيا لهذه القروض ،اإذا ما اكن التضخم أكرب من
املتوقع به .بل وأحياان تصبح أسعار الفوائد عىل القروض أقل من نس بة
114
التضخم ،حىت يصبح يف قميته احلقيقية ال الامسية ،قرضا خاليا من
الفوائد بل أنه ي ُسدد بأقل من قميته.
وأما اإذا نظران للتضخم نظرة استامثرية ،فارتفاع السعار احمللية مقارنة
ابلسعار العاملية هو حافز قوي للمستمثرين الستامثر أمواهلم حمليار،
وذكل الرتفاع العائد الرحب ،ومث منو الاستامثر يدفع جعةل المنو والتطور.
وشاهد ذكل الهنضة املعامرية اليت قامت يف ديب.
مبحث :يف التفريق بني التضخم النقدي والتضخم الت منوي
التضخم النقدي هو زايدة مكية النقد عن حاجة السوق احمللية.
وينعكس عىل القوة الرشائية احمللية كام انه ينعكس عىل سعر الرصف،
فيدخل علهيا اخنفاض قميهتا ادلولية من طريقني:
الطريق الول :هو تأثر املس تورد الجنيب ابلتضخم النقدي احمليل،
اذلي يشرتي السلعة احمللية بنفس قمية معلته اليت اكن يشرتي هبا من
قبل .فاإن اكنت معلته تأيت ابلكريس بدوالر ،وادلوالر اكن يساوي
درهام حمليا ،أي ان سعر الكريس حمليا اكن بدرمه حميل .فاإن صار
سعره حمليا بدرمهني ،فس يصري ادلوالر بدرمهني ،والا فلن يشرتي منه
املس تورد.
الطريق الثاين :زايدة النقد احمليل يف السوق احمللية ،س يدفعه للخارج،
فزتيد مكيته يف السوق ادلولية- ،اإن مل يكن مربوطا بعمةل أخرى-
وابلتايل ستنخفض قميته.
فالتضخم النقدي هو التضخم الغري معتاد الغري مقرتن بمنو وال ارتفاع
لكفة عامل يدخل يف االإنتاج اللك اكلطاقة مثال .وهو تضخم مالحظ
115
عند عامة الناس .وحيدث -كام س بق االإشارة اليه -عند زايدة مكية
النقد بال طلب عليه من االإنتاج احلقيق احمليل .فهنا ترتفع نس بة
التضخم مبقدار نس بة زايدة فائض النقد يف السوق الانتاجية احمللية .كام
تنخفض قمية رصف العمةل مبقدار نس بة زايدة فائض النقد عن حاجة
السوق ادلولية ،وذكل يف العمةل املعومة .أما يف العمةل املربوطة ،فيمتثل
هذا الفائض النقدي احمليل املهاجر ،نقصا يف الاحتياطيات الجنبية.
فالتضخم الكبري اذلي نراه يف بعض البالد اليت تقودها قيادات
اقتصادية تعيسة ،اإمنا هو تضخم نقدي ،ولهذا نراه ينعكس فورا عىل
سعر رصف معلهتا ،فيخفض قميهتا ان اكنت معومة ،او يكرس ربطها اإن
اكنت مربوطة ،بعد ان تعجز الاحتياطيات عن الوفاء بتعهد البنك
املركزي املعلن لسعر الرصف.
اما التضخم التمنوي ،وهو التضخم احلمت احلدوث مع ديناميكية منو
الاقتصاد .فمنو الاقتصاد اللك ،ال بد وان جيلب معه تضخام تمنواي،
قد تقارب نس بة التضخم نس بة المنو ،وقد تقل او تزيد ،تبعا لعوامل
لكفة االإنتاج اللك ،اكرتفاع أسعار الطاقة مثال .ومن الشواهد هنا،
المنو الاقتصادي يف عهد لكينتون ،واذلي رافقه اخنفاض أسعار النفط
مما دفع نس بة المنو بأعىل من نس بة التضخم .وال ننىس ان التضخم
يدخل يف لكفة االإنتاج اللك ،ذلا فلكام قل التضخم التمنوي لعامل ما،
لكام انعكست قةل التضخم عىل زايدة دفع المنو ،وذكل يف ديناميكية،
يسهل رشهحا ابلنظر ملنحىن الطلب العام ،وتفاعهل مع منحىن العرض
العام القرص الجل والطويل الجل .وحنن نالحظ التضخم اذلي
116
يصاحب طفرات المنو يف ادلول الناش ئة مثال ،فهذا تضخم محمود
مطلوب اكلغيث ،يأيت نتيجة منو اكلبلل يأيت من الغيث .فالتضخم
الس نوي املعتاد ،واملالحظ يف ادلول الصناعية املتطورة ،هو تضخم
تمنوي ،حمت ال بد منه .والتضخم التمنوي ،حمسوب مضن الفرصة
البديةل لالستامثر.
وهناك التضخم الانكاميش وهو معكوس التضخم التمنوي ،ومتعلق
بزايدة لكفة االإنتاج العام ،بدون وجود منو يف الاقتصاد .وهذا حيدث
عندما تزيد لكفة عامل ما لسبب ما ،خاريج او حميل ،وعامل اللكفة
هذا يدخل يف االإنتاج اللك معوما ،اكلطاقة مثال .فهنا تزيد لكفة
االإنتاج العام بيامن الطلب العام كام هو ،فيحصل الانكامش.
فالتضخم الانكاميش اإذا :هو التضخم الناشئ من زايدة لكفة ما يف
العرض العام .مثاهل ارتفاع أسعار النفط .فالنفط هو يقود اسعار
الطاقة ،والطاقة تدخل يف مجيع مراجل االإنتاج ،فبارتفاعه ترتفع لكفة
االإنتاج ،فان مل يوافقها ارتفاع طلب تمنوي أكرب من ارتفاع أسعار
الطاقة ،حصل التضخم الانكاميش ،فانمكش المنو وازدادت البطاةل.
117
تطبيق :تضخم الس بعينات الهائل
يف أخر زمن احلرب العاملية الثانية قامت معاهدة برتن وود بسبب
انقطاع التجارة العاملية؛ لعدم وجود معةل دولية يثق هبا السوق ادلولية،
مع صعوبة اس تخدام اذلهب لوزنه وجحمه وتعرضه للمخاطر ،مع ندرته
وقلته اليت ال تقدر عىل الوفاء حبمل التجارة ادلولية .جفاءت املعاهدة
اليت نصت عىل ربط العمالت ابدلوالر ،وأن يرتبط ادلوالر ابذلهب
بسعر $٣٨للونصة.
ومث خالل الربعينيات وامخلس ينيات أدرك المرياكن أن اذلهب مل يعد
صاحل ًا كعمةل؛ فاذلهب حمدود ،وإانتاج الةل أصبح هائ ًال؛ وهو ما
سيسبب اخنفاضً ا للسعار؛ فتتوقف الاستامثرات .وأيضً ا اذلهب ال
عقل هل ،وهو يتحمك بأسعار الفائدة والس يوةل عن طريق وفرته وندرته.
واكنت فكرة فصل العمالت عن اذلهب ،وتركها تس متد قوهتا من
السوق أسوة ابلسلع ،من الساطري العلمية اليت تدمعها النظرية
واملنطق ،ولكهنا ختلو من التجربة التطبيقية.
فالنظرية همام اكنت قوة منطقها مفن املغامرة تطبيقها بشلك شامل عىل
اجملمتعات االإنسانيات ،سواء أاكنت النظرية اقتصادية أو اجامتعية أو
س ياس ية .ولهذا ،بدأت أمرياك خالل الس تينيات ابإدخال الس ندات
المريكية تدرجي ًّيا اكحتياطيات نقدية؛ لتحل حمل اذلهب .وخالل ذكل
العقد ترسبت الخبار ،واحتدم الرصاع الفكري الاقتصادي حولها.
ومن أمه ما ُكتب أنذاك مقال (اذلهب وحرية الاقتصاد) ،لقرين
س بان 1عام ١٩٦٦م ،عىل الرمغ من خطأ نتيجته يف هذا املقال ،كام
س يأيت.
وتضخم الس بعينات الهائل اذلي تبع ارتفاع أسعار النفط ،اعتقد أنه
اكن خطأ ابتداء من الفدرايل المرييك يف خضه للنقد يف حماوةل منه
لتعويض الاقتصاد لكفة زايدة ارتفاع أسعار البرتول .فقد تضاعفت
السعار ٪١٢٤يف عقد واحد دون منو اقتصادي يُذكر .بيامن احتاج
الاقتصاد المرييك لثالثة عقود ليحقق نفس نس بة التضخم اليت حتققت
يف فرتة ١٩٧٣م١٩٨١-م ،ابلرمغ أن الاقتصاد منا يف الثالثة عقود ما
يقارب ُخسة اضعاف فرتة تضخم الس بعينات( .والشاهد ان المنو يأيت
ابلتضخم ،كام قلنا سابقا ،ان هناك تضخم تمنوي).
وسواء أخطأ أو تعمد ،الفدرايل المرييك خض ادلوالرات لامثين س نوات
متواصةل اإال أنه اس تطاع هبا أن حيافظ عىل مواصةل رفع أسعار
البرتول ،واس تطاع ببث هيبة البرتول أن يوجد غطاء بدي ًال من
اذلهب لدلوالر ،حىت اإذا ثبت ادلوالر كعمةل احتياط دولية اهنارت
أسعار البرتول.
ومعوم ًا ،مفا زال الاقتصاد اللك يتطور يومي ًا ،وأخر تطوراته:
س ياسات برانيك 2النقدية يف جتنيب أمرياك الزمة املالية احلالية ،مع
تفادي خماطر أاثرها املس تقبلية .فقد أدت س ياس يات برانيك برشاء
1أالن جرينس بان .الرئيس السابق لالحتياط الفيدرايل للوالايت املتحدة خالل فرتة رئاسة رواندل ريغان ،جورج دبليو بوش ،بيل لكينتون ،جورج دبليو بوش،
١٩٨٧م ٢٠٠٦ -م
2بن برانيك الرئيس السابق لالحتياط الفيدرايل للوالايت املتحدة ٢٠٠٦م ٢٠١٤-م
119
الس ندات الطويةل الجل اإىل إازاةل ش بح ارتفاع الفوائد يف املس تقبل،
واذلي اكن امجليع يتوقعه من قبل جناح س ياسات برانيك.
وختام ًا ،مفا زال الاقتصاد اللك يشلك خف ًا للفكر الاقتصادي
التقليدي .خفداجة عمل الاقتصاد اللك ما زالت تصطاد اقتصادايت
ادلول ،هنا وهناك .حفىت اليوم ،مل حتصل تطورات جذرية يف عمل
الاقتصاد اللك ،مفا اليورو مث ًال اإال فكرة ساذجة اقتصاد ًاي ال تبعد
كثرياً عن سذاجة فكرة بيع النفط ابلرايل السعودي .وما تقليد اليوانن
لغريها من ادلول ذات العمةل احلرة اإال أحد حضااي خفاخ الفكر
الاقتصادي التقليدي.
مبحث :أس باب تضخم الس بعينات وارتفاع أسعار النفط
التحاليل الاقتصادية الظاهرية املتنوعة لتل الفرتة تدور لكها حول أن
البنك املركزي المرييك اكن يضخ الموال بسبب احملافظة عىل
مس توى الطلب العام ،وأن ارتفاع التضخم هو نتيجة ذلكل والرتفاع
أسعار النفط ،وهذه قراءة أاكدميية سطحية ال ختلو من نظر .وهناك
من قال انه مقصود لتحفزي الاقتصاد الخرتاع بدائل عن النفط ،وهذه
ابعد من اليت قبلها.
فارتفاع أسعار النفط بسبب املقاطعة العربية واالإسالمية ما اكن هل أن
يس متر بعد انهتاء املقاطعة ،لو أن الس ياسة النقدية المريكية مل تعمل
عىل اس متراره ،مبواصةل زايدة خض ادلوالر دون مقابل انتاج ماكئف هل،
مع رساين هذه الس يوةل يف الاقتصاد .
120
وأقول :قد أاتح قطع النفط فرصة اإماكنية حتقيق اإجياد غطاء حقيق
لدلوالر بدال من اذلهب ،وذكل حىت يس تقر ادلوالر عامليا كعمةل
الاحتياط ادلولية بعد نكسة ختليه عن اذلهب ١٩٧١م.
وقد معل الاستشاريون الاقتصاديون المريكيون عىل حتقيق هذا
هدف احملافظة عىل ارتفاع أسعار النفط ،من خالل هدفني وس يطني
هام :احملافظة عىل زمخ اس مترار ارتفاع أسعار النفط من هجة ،وعىل
تفادي أاثر تلكفة هذا الارتفاع عىل الاقتصاد المرييك من هجة أخرى
وملنع زوال أثر قامت الس ياسة النقدية المريكية بضخ ادلوالرات
لتحافظ عىل ارتفاع أسعار النفط الامسية من هجة ،ولتوازن تلكفة
ارتفاع السعار بتخفيض القمية الرشائية لدلوالر من هجة أخرى.
فارتفاع أسعار النفط يعين ارتفاع تلكفة االإنتاج اللك ،مفا من يشء
يُنتج اإال والنفط عامل من عوامل التلكفة االإنتاجية فيه .واملُنتج لن
يتحمل ارتفاع التلكفة مبفرده بل س ُيجري بعضها عىل املس هتل.
واملس هتل اإن مل جيد س يوةل متكنه من الرشاء ،فلن يشرتي ،وابلتايل
لن يس تطيع املنتجون بيع منتجاهتم ،مما يؤدي اإىل خفض االإنتاج اللك
وادلخول يف دوامة الاحنسار الاقتصادي .وهذا اذلي مت منعه او
التخفيف منه بضخ ادلوالرات مرة بعد أخرى ،من اجل زايدة الطلب
العام بزايدة القوة الرشائية ،ومن غري اإنتاج حقيق مقابل هل ،فهذا
الضخ ليس هل الا هناية واحدة ،وهو انعاكسه عىل شلك ارتفاع جمرد
يف السعار.
121
فف تل املرحةل اليت ختللهتا صدمة النفط الوىل بقطع االإمدادات
وصدمة النفط الثانية بأزمة الرهائن المريكية يف اإيران -أي من عام
م١٩٨١ -١٩٧٣م -ارتفع معدل السعار يف أمرياك بنس بة .٪ ١٢٤
وما ذاك اإال لن البنك املركزي المرييك اكن يقابل لك ارتفاع لسعار
النفط بضخ ''طبع'' ادلوالر مزيد من أجل احملافظة عىل مس توى
الطلب المرييك العام ،ادلوالرات( ،وهبذا أيضا تضييع القمية الرشائية
دلوالرات النفط أيضا).
فلكام خض البنك املركزي مزيدا من ادلوالرات انعكس جزء كبري من
هذا الضخ عىل أسعار النفط ،فتحقق الهدف الوس يط الول وهو
احملافظة عىل زمخ اس مترار ارتفاع أسعار النفط .لكام حتقق الهدف
الوس يط الثاين وهو الاس مترار يف احملافظة عىل مس توى الطلب
المرييك العام ،وذكل بزتويده ابلس يوةل الالزمة املاكفئة الرتفاع
السعار.
وبرمغ التضخم اذلي حصل ،فقد حتقق الهدف الاسرتاتيج بتثبيت
ادلوالر كعمةل احتياط دولية .فقد خلقت هيبة للنفط اذلي يشرتى
ابدلوالر ،.حفل حمل اذلهب.
واس متر خض النقد لعقد من الزمن ،فتحقق هدف تثبيت الثقة ابدلوالر
كعمةل احتياط بال غطاء ذهيب ،فمل يعد هناك أس باب تدفع أمرياك
للمحافظة عىل ارتفاع أسعار النفط ،فاهنار سوق النفط مع ختيل أمرياك
س ياسة العمل عىل رفع أسعاره بضخ ادلوالر ،وتدافعت ادلول املنتجة
للنفط لدلخول يف حرب للسعار بزايدة االإنتاج وبذل النفط رخيصا.
122
هذا ما أعتقد أنه خفااي ما حدث يف تل الفرتة ،واعتقد أنه اكن خطأ
ابتداء من الاحتياط الفدرايل ،مث صار هدفا حرص عىل حتقيقه.
وقد قرأت -أايم دراس يت يف أمرياك -كثريا من الواثئق احلكومية عن
حرص أمرياك عىل تسعري النفط ابدلوالر وهذا قدم يل جزءا من
الصورة :وهو قصد اإحالل النفط بدال من اذلهب كغطاء لدلوالر.
ولكن مل تكمتل عندي الصورة حىت مسعت تل احملارضة اليت أوحض
فهيا الاميين ،وزير البرتول السعودي وقهتا ،أن أمرياك اكنت حريصة
أيضا عىل ارتفاع أسعار النفط أنذاك .وفرس الاميين ذكل احلرص بنفس
ما بعض قيل من أنه اكن من أجل دفع الاقتصاد المرييك ،لبحث
بدائل! واليت اراها بعيدة متاما يف معطياهتا وحيثياهتا ،ونتاجئها .ولكن
معلومة حرص القيادة الامريكية عىل أن توصل دلول النفط ،عدم
معارضهتا الرتفاع أسعار النفط ،يه اليت أمكلت الصورة التحليلية
الاقتصادية لرس ارتفاع أسعار النفط لعوام عدة من غري ارتفاع
للطلب احلقيق عليه يف تل الفرتة .
123
الباب الثالث :الس ياسة املالية والس ياسة النقدية:
متهيد:
الس ياسة املالية :يه الس ياسات املتبعة يف حتديد ادلخل واالإنفاق،
وتقوم هبا وزارة املالية أو اخلزانة .أما الس ياسة النقدية :فهي الس ياسات
املتبعة يف حتديد مس توى مكية النقود يف اجملمتع الاقتصادي ،ويقوم هبا
البنك املركزي .ومعل الس ياسة النقدية واملالية يف الاقتصاد كعمل
ال ِّل لجام يف احلصان .واحلصان يف هذا التشبيه ،هو الاقتصاد .فاإذا ما
مجح احلصان ُش َّد اللجام ل ُيكبح من مجوحه .ولكن شد اللجام جيب أن
يكون حمسواب ،لكيال يتوقف احلصان متاما أو ينقلب عىل فارسه.
فاللجام كفيل ابإيقاف احلصان ،ولكن اإطالق اللجام للحصان ال يلزم
بأن جيعل احلصان يتحرك اإىل المام ،فقد حيرد احلصان ،فال يتحرك
اإال مبساعدة أمور أخرى .فهذا املثل حييك متاما قصة الس ياسة النقدية
واملالية مع الاقتصاد.
املبحث الول :معل الس ياسة املالية
وابختصار فالس ياسة املالية يه التدخل احلكويم يف الاقتصاد بعكس
اجتاهه .فعند الانكامش الاقتصادي وعزوف الناس عن الاستامثر
والاس هتالك ،تتدخل احلكومة تدخال مبارشا وغري مبارش .فالتدخل
املبارش يكون بدخولها مكستمثر ،وذكل ابالإنفاق عىل املشاريع البينية
والسلعية واخلدمية معوما ،أو بدخولها مكس هتل ،وذكل مبا تقدمه
للمس هتل املواطن من وظائف أو اإعاانت أو ختفيض رضائب دخل؛
جتعهل ينفقها يف الاس هتالك( .وهذا ابفرتاض همم ،وهو ان يكون اجملمتع منتجا ملا
تنفق احلكومة وملا يس هتلكه الطلب العام) .فتعوض احلكومة هبذا التدخل
املبارش ابالإنفاق ،العزوف احلادث من الناس عن الاستامثر وعن
الاس هتالك؛ بسبب الانكامش الاقتصادي .فزتيد احلكومة هبذه
التدخالت املبارشة والغري مبارشة ،من الطلب العام؛ فيعود املنتجون
اإىل االإنتاج ملقابةل هذه العودة أو الزايدة يف طلب الناس واحلكومة عىل
سلعهم وخدماهتم.
وأثر الس ياسة املالية غري املبارش عىل الاقتصاد ،يكون عن طريق
ختفيض الرضائب ،وزايدة االإعاانت؛ لتحفز اإنتاج املنتجني بتخفيض
لكفة االإنتاج علهيم؛ فزييد االإنتاج؛ فزيداد بذكل مس توى العرض العام
للسلع واخلدمات .ويكون كذكل بتخفيض الرضائب عىل ادلخل معوما،
فزتيد القوة الرشائية للمواطنني فزييد الاس هتالك ،فينشط االإنتاج( .وال
ننىس أن هذا يكون ابفرتاض همم ،وهو ان يكون اجملمتع منتجا ملا تنفق احلكومة وملا
يس هتلكه الطلب العام).
والعكس حصيح يف حاةل الطفرات الاقتصادية ،فتقلل احلكومة االإنفاق
واالإعاانت ،وتزيد الرضائب؛ لتكبح جامح الطفرة الاقتصادية.
ومبا أن معل الس ياسة املالية يصب يف االإنتاج احلقيق ،فاإن أاثرها
الاكمةل ال تظهر اإال عىل املدى البعيد ويه اليت حتقق اس مترارية المنو،
وذكل بعكس الس ياسة النقدية .فأاثر الس ياسة النقدية تظهر رسيعا يف
دفع جعةل الاقتصاد أو كبحه ،ولكهنا ال حتقق اس مترارية المنو ،وذلا؛
تضيع فاعليهتا يف املدى املتوسط والبعيد.
125
وأدوات الس ياسة املالية املبارشة وغري املبارشة أداتني :الوىل الرضائب
(وعكسها االإعاانت) والثانية االإنفاق احلكويم.
126
وقفة :املزيانية وصف ل إالنتاج والس ياس ية والثقافة
مفزيانية الرضائب حتيك اإنتاجية اجملمتع برشط اإدراك نظامه الس يايس.
فاإدراك النظام الس يايس يبني نوع الرضائب املكون لها .فاإن أُدخل
عىل ذكل ،نظاهما النقدي وجحمه ،تبني للمتأمل الناظر نوع انتاجية
اجملمتع من حيث اجلودة والكفاءة.
مفصدر ريع مزيانية رضائب ادلخل ،ما هو اإال جزء من لكفة االإنتاج
للفرد يف اجملمتع .فلكام زاد اإنتاجه زادت حاجته ومطالبه للخدمات العامة
وابلتايل زادت رضائبه.
وأما مزيانية رضائب السلع فهي تدل عىل نظام اإقطاع ،تُفرض
الرضائب فيه عىل الضعيف ليس تفيد مهنا الرثي .وأما املزيانية اليت
يغلب علهيا رضائب ادلخل وفهيا بعض من رضائب السلع ،فهذا يدل
عىل نظام س يايس راخس ونظام اقتصادي متقدم ،يس تغل الرضائب
الاس تغالل المثل يف ظل نظام اجامتع يوجه الرضيبة لتنظم حياته
الاجامتعية.
وأما املزيانية اليت ال تقوم عىل الرضائب ،فهي اإما مزيانية جممتع حريب
قامئ اقتصادُه عىل الغزو ،أو جممتع مرتف قامئ اقتصادُه عىل منجم
اذلهب (أي املوارد الطبيعية كنفط وغاز وحنوهام) .والك اجملمتعني خيلو
نظاهما الس يايس من الاس تقرار ومن االإنتاجية .فاجملمتع احلريب اإما أن
تتاكلب عليه المم أو يركن لدلعة ،واجملمتع املرتف يعيش خياالت الوهام
ويكرث حوهل املنافقون واملسرتزقون من ش ىت أحناء العامل.
ومىت قُرن تأمل املزيانية مع النظام النقدي وجحم مكية النقد يف اجملمتع،
تبني للناظر نوع اإنتاجية اجملمتع وكفاءهتا .فلكام تقارب جحم املزيانية مع
جحم مكية النقد ،لكام دل ذكل عىل قةل اإنتاجية اجملمتع .فهذا يعين أن
الاقتصاد قامئ عىل الانفاق احلكويم ،برشط ارتباط العمةل بغريها.
فالنظام النقدي التابع لغريه (أي مرتبط بعمةل أجنبية) اإذا جاء مقرتان مع
حاةل تقارب جحم بني املزيانية وجحم املعروض النقدي ،فهذا دليل عىل
قةل كفاءة اإنتاجية اجملمتع وعدم اس تطاعة نقده القيام لوحده.
وهذا خبالف النظام النقدي املعمتد عىل غريه مع صغر جحم املزيانية
ابلنس بة للمعروض النقدي ،فهذا قد يدل عىل فساد س يايس ال يقىض
عليه اإال بتبعية النظـام النقدي لغريه ،أو عىل ضعف يف كفاءة اقتصاديي
ذاك اجملمتع ،ولكن غالبا ما يكون دليال عىل هشاشة اجملمتع الاقتصادي
ال عىل عدم كفاءة اإنتاجيته.
وكذكل يف الاقتصاد اذلي ال يتعامل كثريا بنظام الفوائد والمتويالت،
جتد املعروض النقدي الول يُمثل نشاطه الاقتصاد .بيامن املعروض
النقدي الثاين 1هو املمثل احلقيق لكثري من البدلان املتقدمة( .هذا اإن
توافقت يف تعاريف املعروض النقدي ،وما أكرث اختالفاهتا).
ويأيت بعد ذكل شاهد ودليل عىل منطقية التـأمل ،كشف حساب
املبادالت التجارية واملالية اخلدمية للمجمتع مع دول العامل واجملمتعات
الخرى.2
128
فلكام اقرتبت ارقام املزيانية من ارقام النقود اخلارجة من اجملمتع لكام دل
ذكل عىل حصة النظر وعدم الوقوع يف اخللط والتبعية للمسميات
واملؤرشات.
مفثال قد جتد مزيانية دلوةل ما تفوق معروضها النقدي ،فال يعين هذا
وقوع املعين السابق حىت يُنظر يف مزيان املدفوعات اخلاريج .فاإن
اكنت املزيانية تقل يف جحمها كثريا عن النقد اخلارج ف ُعد واحبث عن
السبب .فاإما جتدها بالدا يعمتد عىل نقد أجنيب يف سوفه احمللية أو
جتده بدلا غري مس تقر س ياس يا ويكرث فيه الفساد ،وإان اكنت الثانية
تسبب الوىل غالبا.
وكذكل خيتلف مقياس العرض النقدي من بدل لبدل يف تعريفه او يف
حقيقته .فنحن املسلمون مثال ،ال يتعامل كثريا منا بنظام الفوائد
والمتويالت ذلا فاكرب متثيل للنشاط الاقتصادي ميثهل املعروض الول
بيامن املعروض الثاين هو املمثل احلقيق لكثري من البدلان اخرى ،هذا
ان توافقت يف تعاريف املعروض النقدي ،وما اكرث اختالفاهتا.
تطبيق :الس ياسة املالية المريكية بني امجلهوريني وادلميقراطيني
يرفع امجلهوريون راية ختفيض الرضائب عن الرشاكت والاعامل ،وإالغاء
االإعاانت عن العاطلني .بيامن يرفع ادلميقراطيون راية ختفيض الرضائب
عن افراد الطبقة الوسطى وذات ادلخل احملدود ،ويعارضون ختفيف
االإنفاق عىل العاجزين عن العالج الطيب أو عىل املتقاعدين واخلدمات
الاجامتعية اكليت قدهما أوابما.
129
ونقطة اخلالف بني الفريقني :أن امجلهوريني يؤمنون بأن حتقيق الفضل
مجليع اجملمتع يكون تطبيق مبدأ السوق احلر ،فال رضائب وال اإعاانت،
لهنا متنع السوق مين حتقيق الاس تغالل المثل للموارد ،وابلتايل مينعه
حتقيق ا إالنتاج المثل .واحلجة التطبيقية اليت يستند علهيا امجلهوريون
المرياكن ،أن فوائض رشاكهتم وأغنيامه من ختفيض الرضائب س يعود
عىل الاستامثر يف الاقتصاد مما يعود يوظف البطاةل ،ويكرث الانتاج مما
يعوض الرضائب اليت الغهتا احلكومة عهنم.
فامجلهوريون مييلون لمتثيل الرأساملية يف صورهتا الصلية ،فهم يعارضون
أي رفع للرضائب عىل الرشاكت -حىت رشاكت البرتول -وال عىل
الغنياء .فهذه الرشحية عاشت العرص اذلهيب أايم بوش بعد حادث
سبمترب ،حيث أُعفوا من كثري من الرضائب.
اإذن فامجلهوريون يعملون يف مصلحة الغنياء وادلميقراطيون يعملون
يف مصلحة الطبقة الوسطى والفقرية .وهنا وجه الش به بني جامعتنا،
وهو يف رفع سعر الرايل وعدمه.
وأما الفرق فهو أن المرياكن– ،يف الك احلزبني -يعتقدون أن هذا يف
مصلحة اجملمتع كلك .أما جامعتنا اذلين يدعون لرفع سعر الرايل ،فهم ال
يس تطيعون الزمع ،بعمل أو عن جتربة ،بأن رفع سعر الرايل يف مصلحة
الوطن ،بل تقترص املصلحة عىل الغنياء ،والجانب ومن يسافر
للخارج فقط.
املبحث الثاين :معل الس ياسة النقدية
130
تتحمك الس ياسة النقدية يف املعروض النقدي .والنقد ليس اإنتاجا
حقيقيا ،فهو جمرد أرقام ال تؤلك وال ُت ْركب وال يستشفى هبا – اإىل أخر
ذكل .-ولكن تسهيل النقد وتوفريه للمجمتع يدفع اجملمتع لالستامثر
والاس هتالك والعكس حصيح.
الس ياسة النقدية تس تخدم زايدة معروض النقد من أجل دفع الاقتصاد
اإىل المام اإذا توقف أو تقاعس .مث بعد ذكل يتوقف معلها عىل جمرد
مراقبة توافر املعروض النقدي يف الاقتصاد اذلي حيتاج اإليه لضامن
حركته .أي فكهنا بعد ادلفعة الوىل لالقتصاد ،تعمل مكؤرش الزيت
اذلي يزيت حمراكت اقتصاد اجملمتع ،والزيت هو النقد.
ذلا؛ لو تأملنا ،لوجدان أن الس ياسة النقدية تس تطيع اإبطال أثر
الس ياسة املالية وال عكس ،وذكل ابإنقاص املعروض النقدي ( أي
جتفيف زيت حمراكت الاقتصاد احلقيق اذلي هو حمل معل الس ياسة
املالية) .بيامن ال تس تطيع احلكومة س ياس يا أن ختفض االإنفاق وترفع
الرضائب من أجل هدف حتييد الس ياسة النقدية عند زايدهتا
للمعروض النقدي.
وهذا فيه توازن ،فاحلكومة أقوى من البنك املركزي .وذلا؛ حترص
الاقتصادايت املتقدمة عىل اس تقاللية الس ياسة النقدية عن سلطة
احلكومة .فالس ياسة املالية يف أيدي رؤساء ادلول ووزراء ماليهتم ،فهم
قد يرسفون يف اس تخداهما؛ لتحقيق انتصارات س ياس ية انتخابية،
والزناع الشهري بني قرين س بان -رئيس الاحتياط الفدرايل المرييك-
وبني بوش الب وبوش الابن قبل حادث سبمترب ،هو بسبب تعطيل
131
الس ياسة النقدية ملفعول الس ياسة املالية ،و كذكل نزاع ترامب مع
رئيس الفدرايل الاحتياط مؤخرا ،واهتامه بأنه اكرث عداء لمرياك من
الرئيس الصيين.
وللس ياسة النقدية يف حتقيق حتمكها ابملعروض النقدي وسائل عدة،
أمهها:
)1التحمك بسعر الفائدة عىل الودائع وما يس تلزم أن يتبع ذكل من بيع
ورشاء للس ندات احلكومية.
)2التحمك بسعر الفائدة عىل اقرتاض البنوك من البنك املركزي.
)3حتديد نسب الاحتياطيات االإلزامية عىل البنوك.
)4التسهيالت المكية واالئامتنية اخلاصة ابلزمات.
الباب اخلامس :الس ياسة املالية والنقدية بني الشعوب املنتجة
واملس هتلكة
س بق أن بينت أن وزارات املالية يه املس ئوةل عن اإدارة الس ياسة
املالية .وأن معل الس ياسة املالية يرتكز يف حتفزي أو زايدة االإنتاج
احلقيق من سلع وخدمات .وأن زايدة االإنتاج احلقيق يكون تدخال
مبارش ،تقوم به احلكومة عن طريق االإنفاق املبارش عىل املشاريع بش ىت
صورها .وأما حتفزي منو االإنتاج فيكون تدخال غري مبارش ،لزايدة
جانب العرض العام ابإعفاء املنتجني من الرضائب ،فتتوفر دلهيم س يوةل
ينفقوهنا عىل مشاريع اإنتاجية جديدة .وميكن أن يكون من جانب زايدة
الطلب ،ابإعفاء الناس من الرضائب فزتداد القوة الرشائية دلهيم.
132
اإذا فهناك اجتاهان ،اجتاه يسل طريق ما تقدمه احلكومة للمنتج
والتاجر من تسهيالت وختفيضات رضيبية وإاعاانت من أجل تشجيعه
عىل االإنتاج ،وهذه س ياسة رجيان ،ويه منطلق منطقية أطروحات
امجلهوريني .أما الاجتاه الثاين فهو ما تتبعه س ياسة أوابما ،ويه
منطقية طرح ادلميقراطيني يف التدخل غري مبارش ،فهي تس هتدف
حتفزي زايدة الطلب العام بتقدمي احلكومة تسهيالت وختفيضات رضيبية
وإاعاانت للمس هتل ،كدمع لكفة الصحة والتعلمي؛ مما يؤثر عىل زايدة
الطلب العام .والك الطرحني يؤدي اإىل نفس النتيجة الرمقية ،ويه
حتفزي مكية االإنتاج .فالطروحات املنطقية الصحيحة جيب أن تصل
اإىل نتيجة واحدة ،وإان اكنت قد ختتلف يف تسلسل عقلياهتا وطرقها
وختتلف يف بعض أاثرها اجلانبية املتعلقة هبا.
ومبا أن أدوات الس ياسة املالية املبارشة وغري املبارشة يه وس يلتا
الرضائب واالإنفاق احلكويم يصبان الكهام يف حتفزي االإنتاج احمليل،
فيتضح دلينا حمدودية فعالية أاثر الس ياسة املالية عىل الاقتصادايت
العربية وذكل بسبب عدم اإماكنية تنفيذ املشاريع احلكومية بأَيْد وطنية،
ومبواد وأهجزة وطنية .ولهذا ال نرى أاثرا مس تدمية ل إالنفاق احلكويم
املبارش عىل املشاريع يف غالب البالد العربية .فاالإنفاق يف الاقتصادايت
املس هتلكة ،ال يتضاعف مردوده املادي وال العلم عىل الاقتصاد ،وال
يس تفيد منه اجملمتع الاقتصادي .فهو ال خيلق اس تدامة اقتصادية ،وال
ي ُسدد للحكومة مس تقبال ،عىل عكس ادلول املتقدمة.
133
فف أمرياك مثال :ادلوالر اذلي تنفقه احلكومة يف بناء مرشوع يمت
ب َعامةل أمريكية ،ومبواد وماكئن تُصنع يف أمرياك .ذلا؛ فاخلربة والعلوم
املكتس بة من املرشوع تعود عىل المرياكن علميا ،وهذا أكرب عائد لهنا
تودل ابتاكرات صناعية ،واجياال همرة .وأما العوائد املادية ،فلك ما
يُرصف من دوالرات حكومية ،تتضاعف أضعافا عدة .فتجد العامل
المرييك –مثال -يشرتي س يارة وثالجة ،ويس يح يف أمرياك ،بفضل
أجره اذلي أخذه من معهل يف هذا املرشوع؛ مما ينشط مصنع
الس يارات ومصانع الهجزة والس ياحة ،فتتوظف عامةل أخرى وتُشرتى
معدات ،فيقوم هؤالء ابلتوسع كذكل يف معاشهم وصناعهتم .وهكذا،
ككرة الثلج ،فيخلق ادلوالر املُنفق حكوميا عىل مرشوع تسلح -مثال-
،عرشة دوالرات أو أكرث يف جماالت س ياحية وصناعية سلمية .ولهذا
ترى أن احلروب تنشط ابقتصادايت ادلول املتقدمة؛ ذكل لهنا تنتج
أسلحهتا بنفسها ،فتتقدم اقتصاداي وعلميا .بيامن هتَ ُ ُّد وتدمر احلروب
اقتصادايت ادلول املتخلفة علميا وصناعيا .كام أن هذا التضاعف العلم
واملادي املتودل من ادلوالر احلكويم املنفق عىل التسليح؛ س ينتج عنه
دخول تأيت برضائب للحكومة المريكية ،تسدد لك دوالر أنفقته
احلكومة المريكية عىل املرشوع.
واحلديث نفسه ينطبق عىل الس ياسة النقدية .فتخفيض الفائدة يعين
خض الس يوةل يف اجملمتع ،مما ي ُشجع عىل الاستامثر يف االإنتاج ،لكن
برشط ان يكون هذا مبوارد وطنية.
134
وبعبارة أخرى ،فاإن مثل الس ياسات املالية والنقدية للمجمتعات
الاس هتالكية ومثل الس ياسات املالية والنقدية للمجمتعات االإنتاجية يف
تأثريها ابالقتصاد هو :مكثل س يارة تصعد تال رمليا حاد الارتفاع،
وس يارة تزنل تال مسفلتا .فالوىل حترق مكيات خضمة من البزنين لمتيش
قليال ،بيامن الثانية تنطلق مرسعة بال وقود.
تطبيق :يف رفع ق مية الرايل ادلولية
املطالبة برفع سعر الرايل السعودي أايم ارتفاع أسعار النفط ،أو
املطالبة بربطه بسةل معالت؛ عىل أن يؤدي هذا الربط اإىل رفع قمية
رصفه أمام العمالت الخرى ،أو حىت تعومي الرايل ،مطالبات ال يعمل
كثري من املطالبني هبا حقيقة ما يطالبون به ،اإال أهنم مسعوا -أو ظنوا-
أن ذكل سوف خيفف من التضخم ،وأهنم سريون رايهلم يساوي أكرث
عند سفرمه للخارج .وأحياان تكون املطالبات انبعة مما ي ُسمع عن
ادلوالر والساطري حول سقوطه وما يتناقل يف ذكل.
مفن املعروف أن السعار معوما ،غري مرنة .فلو أصبح ادلوالر مثال،
يساوي ٣.٥رايالت بدال من ٣.٧٥رايل للك دوالر أمرييك .فلن
جند أن صاحب العقار قد خفض االإجيار ،أو أن قارورة املاء قد نقص
سعرها وهكذا (ويف الكويت زادت كثري من أسعار السلع برفع سعر ادلينار بعد
ربطه بسةل جمهوةل الوزان .وأرسعها زايدة اكنت قهوة س تار بكس).
وقد نشاهد اخنفاضا يف السعار ،اإال أنه س يكون هامش يا ويف املواد
التنافس ية احملضة .ومثالها ما يس تورد من الش ياء الرخيصة من الصني
وغريها .وما عدا ذكل فالتاجر احمليل لن يتغري عليه يشء يُذكر يف
135
اللكفة .وأما املتنافسون يف بضائع متشاهبة لكهنا حتمل نوعا من
الاحتاكرية (ابلعالمة التجارية مثال) ،فاإن املنافس املس تورد ابدلوالر
سزييد هامش رحبه؛ لنه لن خيفض سعر السلعة اليت يبيعها ابلرايل يف
السوق السعودية ،أو تزيد حصته يف السوق عىل حساب املس تورد
ابليورو .وأما املنافس املس تورد ابليورو سزييد هامش رحبه؛ لنه يبيع
ابلرايل ،والرايل صار يأيت بدوالر أكرث؛ وابلتايل يأيت بيورو أكرث .ولك
ذكل ،تبعا ملرونة بضائعهم ،وأمهية احملافظة عىل حصهتم ابلسوق.
فلهذا السبب وللس باب الشخصية الخرى؛ فاإن اذلي سيشعر
ويس تفيد من فرق زايدة سعر الرايل ،هو من عنده زايدة فضل يف
دخهل؛ لنه قد اعتاد أن يستمثر أمواهل الفائضة عن حاجاته احمللية يف
خارج السعودية أو ال َعامةل الجنبية أو الس ياحة.
ولكن ال بد من س يدفع الفرق يف سعر الرصف ،مفن هو؟
اذلي س يدفعه هو مؤسسة النقد ،عند حتويل أموال هؤالء
املس توردين واملستمثرين وغريمه اإىل اخلارج .فلو حسبنا لكفة رفع الرايل
يف حتويالت اليد العامةل فقط عام ٢٠١٥م (وتبلغ حوايل ١٤٢مليار
رايل) ،لوجدان اهنا @ ٣.٥رايل لدلوالر س تلكف مؤسسة النقد حنو
٤٠.٥مليار دوالر بدال من ٣٧.٨مليار دوالر @ ٣.٧٥رايل/
دوالر .أي زايدة لكفة مقدارها ٢.٧مليار دوالر أي حنو عرشة
مليارات رايل.
ولو حسبنا اللكفة املتعلقة ابالس ترياد لنفس العام -بنفس الطريقة-
لوجدان ان لكفة ختفيض سعر رصف الرايل أمام ادلوالر بربع رايل أو
136
.٪٦.٦٧ستس هتل من الاحتياطيات مبلغ ٤٢.٦مليار رايل لك
هذه اللكفة دون أن تظهر نتاجئ هذا ادلمع لسعر رصف الرايل عىل
املواطن املتوسط ادلخل خاصة بشلك واحض ومبارش.
فاملنخفض ادلخل ،يس تفيد نوعا ما رفع قمية الرايل ،الن غالب
اس هتالكه -خارج السكن – يذهب عىل السلع الساس ية ويه سلع
تنافس ية ،ذات مرونة عالية ،يف جانب العرض .وقمية اس تفادته ال
تاكد تكون شيئا أمام لكفة رفع قمية الرايل .فهذه اللكفة الضخمة
س يذهب غالهبا ملرتفع ادلخل واملس توردين واملالك.
137
الفصل الثالث :مسائل اقتصادية معارصة
مقدمة :يف تطور الفكر الرأساميل والاشرتايك
مل تقلب الثورة الصناعية مجيع موازين االإنتاج ومفاهميه فقط ،بل اإهنا
قد غريت مجيع مظاهر االإنسانية الاجامتعية والاقتصادية والثقافية يف
أورواب ومن بعدها أمرياك .فقد جاءت الثورة الصناعية يف أواخر القرن
الثامن عرش وأوائل القرن التاسع عرش فاكن مما اصطدمت به ،وسائل
المتويل للمشاريع العمالقة اليت مل تعد مزرعة وقطيعا من املاش ية يؤخذ
قهرا أو يورث اإراث أو يرىب صغريا ليصبح كبريا .فالثورة الصناعية أتت
مبشاريع هائةل ال تبدأ اإال عىل صورهتا الضخمة اليت يه علهيا ،كام خلق
هللا أدم عىل صورته طوهل س تون ذراعا .فقد جاءت الثورة الصناعية
ابملوائن وسكك احلديد ومصانع الس يارات والطائرات والسفن العمالقة
والالت الضخمة وحمطات توليد الكهرابء وتكرير النفط .وحارت عقول
العباقرة يف مجع المتويالت الالزمة لها سواء من الغنياء مالك املزارع
واملوايش أو من عامة ما حيفظه الناس من أموال.
فانقسم العامل اذلي اكن يعيش الثورة الصناعية اإىل مدرس تني
فكريتني .مدرسة قامت عىل مبدأ االإكراه ابملشاركة ومبدأ املساواة يف
توزيع الرثوات .ومدرسة قامت عىل مبدأ الرتغيب ابملشاركة عن
طريق توزيع الرثوات بناء عىل مقدار املشاركة.
فالوىل يه الش يوعية الظاملة اليت اس تولت بواسطة ادلوةل عىل أموال
الناس من اثبت ومنقول ابالإكراه وخسرهتم ابحلديد والنار للعمل يف
املشاريع حتت ظل شعارات مجيةل براقة ال أصل لها عىل أرض الواقع.
واملدرسة الخرى يه الرأساملية احلديثة .فقسمت الرأساملية احلديثة
الناس عىل أساس خشصياهتم وإاماكانهتم اإىل قسمني رئيسني .الول مه
الشخاص اذلين مييلون اإىل نزعة اخملاطرة أو اإىل من ميل فوائض مالية
يس تطيع أن يتخىل عهنا لفرتة طويةل من الزمن .فاكن أسلوب مشاركة
هؤالء الصنف من الناس عن طريق السهم اليت يه ملكية حقيقية يف
املشاريع .وأما القسم الثاين من الناس (ويدخل يف ذكل البنوك) فهو
من مييل اإىل الروتني والثبات فطرة أو نظاما فهو ال حيبذ اخملاطرة أو
الشخاص اذلين ميلكون فوائض مالية تزيد عىل حاجهتم يف الجل
املنظور ويريدوهنا أن تكون متوافرة هلم عند احلاجة .فاكن لهذا الصنف
من الناس الس ندات طويةل الجل وقصرية الجل .ومث وبعد التطبيق
لهذين النظامني الاقتصادين ظهر صعوبة جديدة .فبحلول منتصف
القرن التاسع عرش ،ظهر يف نظام السوق الرأساميل احلاجة اإىل نظام
مايل جديد .فقد اكن التطور والمنو يف االإنتاج هائال مل يس بق هل مثيل
يف احلياة البرشية ،فأدرك مفكرو أمرياك الاقتصاديني أن هذا المنو
املتسارع س يؤدي حامت اإىل أزمات مالية متكررة س يكون مردها وسبهبا
دوما نقص المتويالت .فارتفاع السعار هو نتيجة حمتية للمنو – س بق
لنا التطرق هل يف فصل التضخم ،فاإن مل تقابهل س يوةل اكفية دخل
الاقتصاد يف دوامة التقهقر والانكامش.
جفاء الرأي بدعيا ال مثيل هل يف اترخي النظام املايل وهو فصل النقد
عن اذلهب لتتحقق بذكل ثالثة أهداف رئيسة :الول اإعطاء احلكومة
139
موردا لمتويل نفقاهتا عند الرضورة دون احلاجة اإىل فرض رضائب من
شأهنا اإعاقة االإنتاج و إااثرة الشغب1
وأما الهدف الثاين من فصل النقد عن اذلهب فهو اإجبار مكتزنهيا عىل
استامثرها بعوائد عادةل ليك يشاركوا هبا يف بناء الوطان بدال من فقد
قميهتا الرشائية مع الزمن .وأما الهدف الثالث فهو مواكبة الس يوةل للمنو.
والهداف الثالثة اكنت حمور الردود اليت ردت عىل مقال قرين س بان
الشهري ،واذلي أدرك ذكل الحقا وفهمه فهام معيقا فقاد س ياسة بالده
النقدية قيادة حكمية جعلت منه أسطورة الاقتصاد املعارص.
وبتقدم السوق المتويلية الرأساملية ،ابتدعت عقول السوق احلر ،طريقة
لكرس احتاكرية البنوك للمتويالت ،ابس تخدام الرشاكت للس ندات.
فف املايض اكنت البنوك متتل قوة احتاكرية طبيعية يف متويل
املشاريع ،يمكن رس احتاكرها للمتويل يف توافر املعلومات والس يوةل
دلهيا ،هذا الاحتاكر اكن يشلك قيدا عىل المتويالت ورفعا لتلكفهتا
وجتميع للموال يف خزائن البنوك ،ومن هنا ازدهرت سوق الس ندات
لكرس هذا الاحتاكر الطبيع اذلي اكنت تمتتع به البنوك سابقا.
ومث وجود سوق للس ندات دفع اإىل ظهور رشاكت (مكوديز وس تاندر
أند بورز) واليت ختصصت يف مجع املعلومات وحتليلها عن الرشاكت
وتقيمي املالءة املالية لها وحسن أداهئا االإنتايج وإادارهتا ،واليت أصبحت
تسمى رشاكت التصنيف والتقيمي ،فمل تعد املعلومات حكرا عىل
1وهذا ما غص به قرين س بان رمز الاقتصاد النقدي احلديث (رئيس الاحتياط الفيدرايل السابق) يف ش بابه ووصفه ابحليةل املاكرة اخلبيثة لرسقة أموال الغنياء يف مقاهل
املشهور عام 1966م “ اذلهب وحرية الاقتصاد ” واذلي احتوى مضمونه عىل تشابه جعيب مع ش يخ االإسالم بن تميية يف وصفه للمثن ورشوطه.
140
البنوك .وأما الس يوةل فأصبحت توفرها سوق الس ندات ابلبيع والرشاء
فمل يعد الس ند يشلك عبئا عىل صاحبه مىت أراد احلصول عىل مثنه.
تنوع اخلربات وجحم املشاريع الضخمة ،فصل تطور الصناعات وعلوهما و ُّ
و ُّ
بني صاحب الرثوة وبني القادر عىل اس تغاللها ،فاكنت البنوك
والس ندات يه حلقة الوصل بني الطرفني .والمتويالت ليست
املمول،
فاملمول مشارك ابخملاطرة يف حاةل اإفالس املرشوع ل اكلقروض .ل
اللهم أنه يأيت يف التصفية قبل الرشيك احلقيق أو محةل السهم.
وختتلف الس يوةل يف سوق السهم عن سوق الس ندات من حيث
خماطرهتا وتذبذهبا .فرب الرسة اذلي حيتفظ بـامئة ألف رايل حتس با
للطوارئ ال يريد املغامرة هبا يف سوق السهم ،حيث ممن املمكن أن
تفقد نصف قميهتا يف أايم معدودة .فليس أمامه اإال أن يعطلها فتتألك
قميهتا بسبب تناقص قمية العمةل اذلي أصبح أصال يف نقودان املعارصة أو
أن يشرتي هبا س ندات أمنة من سوق الس ندات تعود هل بفوائد تغط
قمية تناقص قميهتا مع الزمن ،ويس تطيع بيعها عند احلاجة دون نقص أو
زايدة كبرية يف سعرها اذلي يتغري قليال مع تغري سعر الفائدة.
وخري مثال نعيشه الن هو استامثر فوائض النفط يف س ندات حكومية
أمنة يباع مهنا عىل قدر احلاجة دون اخملاطرة بقميها يف سوق السهم.
ومك من مأس تروى عن أشخاص مجعوا املال حفظا يف الصناديق للحج
أو لتعلمي أبناهئم يف اجلامعات فوجدوها وقد تألكت قميها فمل تغن عن
أحالهمم شيئا .وللس ندات وأنواعها وأسواقها وأجالها وطرق اس تغاللها
من هجة املنتج أو املمول حديث ش يق ممتع يطول ال يصلح رسده هنا.
141
املسأةل الوىل :اس تخدام الفائدة الإنقاذ الاقتصاد
من بعد انفاكك العمالت عن اذلهب ،أصبحت الفائدة فعاةل جدا يف
تنظمي الاقتصاد ،وذكل عن طريق اس تخداهما يف ضبط العرض
النقدي بتيسري الس يوةل أو بتجفيفها ،من أجل كبح جامح الطفرات
الاقتصادية الومهية ،أو دفع الاقتصاد املتباطئ .
وقد اس تخدم الفدرايل المرييك الفائدة من أجل اإخراج الاقتصاد من
أزمته .فوصل بسعر الفائدة يف املدى القصري (ليةل واحدة اإىل قريب
الصفر) .فضخل (أي طبع ابملعىن اجملازي) من ادلوالرات أضعاف ما اكن
موجوداً مهنا .فقد اكنت القاعدة النقدية ٨٠٠بليون دوالر ،مث وصلت
خالل العام الول من الزمة حنوا من ٢٠٠٠بليون دوالر
(تريليوانن) .ومث وصل اإىل ٤٠٠٠بليون دوالر يف عام ٢٠١٤م.
واكنت هذه الزايدة خالل عام واحد .أي أن الفدرايل خض «طبع»
١٢٠٠بليون دوالر يف الس نة الوىل يف الزمة مث ٢٠٠٠بليون
خالل عام ٢٠١٤-٢٠١٣م – .أي ُخسة أضعاف القاعدة النقدية.
فاخنفضت الفائدة اىل قريب الصفر هبذه الس يوةل العظمية.
هذه ادلوالرات «املطبوعة» اجلديدة قامت بدورها يف اس تقرار البنوك
وعدم اإفالسها وضامن السوق النقدية ،مما جنلب الاقتصاد كساداً عظاميً
ككساد الثالثينات( ،عندما اكنت العمالت مرتبطة ابذلهب فمل يكن
طبع اذلهب ممكن ًا لهتدئة السوق النقدية ،فاهنارت البنوك أنذاك ل ِّ
لشح
الس يوةل) .أما هذه ادلوالرات املطبوعة حديث ًا مل ل
تتودل (أي مل ختلق
تتحول اإىل متويالت. دوالرات أخرى) يف الاقتصاد كام ينبغ -أي مل ل
142
وذكل لن «ادلوالرات «املطبوعة حديث ًا» صبلت يف احتياطيات
البنوك ،ويه ال تلكف البنوك شيئ ًا فالفائدة تقريب ًا صفر .فامب أهنا بال
لكفة ،بل ان الفدرايل دفع فوائد للبنوك علهيا ،فلهذا احتفظت هذه
البنوك هبا ،فمل تقرضها خوف ًا من خماطر املس تقبل وأمهها اإفالس
العمالء امل لمتولني أو الراغبني اجلدد يف المتويل ،اإضافة اإىل تو ُّجس
تغري سعر الفائدة وارتفاعها مس تقب ًال ،مما أجرب البنوك البنوك من خطر ُّ
عىل رفع سعر الفائدة الطويةل الجل ٣٠ -١٠س نة لتحفزي الاقتصاد،
-فكنك اي بو زيد ما غزيت . -فاملشاريع اليت تبين الاقتصاد يه مشاريع
حتتاج اإىل متويالت طويةل الجل .أما المتويالت القصرية الجل فهي قد
حترك الاقتصاد ولكن ال تبنيه .مفن أجل ذكل رصح الفدرايل المرييك
العام املايض بأ لن الفائدة لن ترتفع اإىل عامني أو ثالثة مقبةل.
خض ادلوالرات ،وما زال وبعد أن استنفذ الفدرايل الطرق التقليدية من لِّ
الاقتصاد حباجة اإىل دفع من الس ياسة النقدية ،قام الفدرايل بعملية
بضخ مزيد من ادلوالرات بل ختفض أسعار الفائدة «يل» ال تقوم ل ِّ
الطويةل وذكل عن طريق بيع الفدرايل المرييك الس ندات القصرية
الجل ،ورشاء الس ندات الطويةل الجل -لثالثني عام ًا ،-ليحقق
بذكل ختفيض ًا لسعار الفائدة الطويةل الجل .وذكل يتحقق بسبب أن
بيع الفدرايل للس ندات القصرية الجل سيسبلِّب كرثهتا يف السوق أي
زايدة عرضها يف السوق ،مما يؤدي الخنفاض أسعارها ،مما سريفع
العوائد علهيا .وعىل النقيض ابلنس بة للس ندات الطويةل الجل.
فبسبب رشائه للس ندات الطويةل الجل فذكل سيسبلِّب حشل ًا لها يف
143
السوق ،مما سريفع أسعارها وابلتايل خيفض عوائدها .فهكذا ،ابرتفاع
عوائد الس ندات القصرية الجل واخنفاض عوائد الس ندات الطويةل
تسطح ًا .-ومنحى
الجل ،سيتعدلل «منحى العوائد» فيصبح أكرث ُّ
العوائد ،هو منحى يقرأ التوقُّعات املس تقبلية لسعار الفوائد .ومىت
أصبحت توقُّعات الفائدة املس تقبلية الطويةل الجل منخفضة -ويه
اليت حيكهيا منحىن العوائد -ستنخفض الفوائد عىل المتويالت الطويةل
الجل املمنوحة اليوم .
هذه ومضة خاطفة عىل جزء بس يط من معل الفائدة احلقيقية اليوم
واس تخداهما يف تطويع الاقتصاد وتسخريه خلدمة اجملمتع الاقتصادي.
املسأةل الثانية :انفجار فقاعة أسعار العقار يف الياابن
اهنيار العقار ،أدخل الياابن يف احنسار اقتصادي وانكامش للسعار،
لعقود جعزت الياابن خاللها ان جتد حال النكامش السعار .واهنيار
أسعار العقار يف أمرياك اكن الفتيل اذلي أشعل الزمة املالية املاضية.
وانفجار فقاعة العقار يف السعودية ،اإابن الامثنينات ،اكن اإعالن البداية
لهناية الطفرة البرتولية الوىل .ذلا فهناك يف السعودية ،من هيدد ابهنيار
الاقتصاد اذا ما اهنارت أسعار العقار!
وهذا عند الصوليني ،قياس ابطل لنه قياس بال عةل .وهو يف
الاقتصاد ،تعممي لعالقة طردية حصيحة اإحصائيا ولكهنا خاطئة يف
النتيجة ،مجلعها بني السبب والنتيجة .فاهنيار أسعار العقار قد يكون
سببا الهنيار الاقتصاد .وقد يكون انجتا عن اهنيار الاقتصاد .وقد
يكون جمرد فتيل القتصاد جاهز لالهنيار .وقد يكون سببا ونتيجة،
144
فتعمل أسعار العقار يف اهنيار الاقتصاد ويعمل اهنيار الاقتصاد يف
اهنيار أسعار العقار.
مفىت يسحب اهنيار سوق العقار الاقتصاد لكه معه؟ هذا يكون يف
حالني ،لكتاهام ال تنطبق عىل ادلاير السعودية .الوىل أن يكون سوق
العقار مصدر معل هام لليد العامةل الوطنية ،فازدهاره يعين اخنفاض
مس توى البطاةل وارتفاع القوة الرشائية ،وابلتايل تشغيل الاقتصاد لكه.
كام يه حال سوق العقار المريكية .فاهنياره اكن سببا حقيقيا يف ارتفاع
البطاةل ،جبانب تعلقه ابلرهون وأسواق املش تقات ،مما جعهل فتيال لبدء
اهنيار اقتصاد اكن جاهزا لالهنيار .وهو احلال الثانية .فامب أن العقار ليس
مصدراً للعمل ادلاير السعودية ،فهذه حال ال يصلح القياس علهيا
ختصنا ،اإضافة اإىل أن ليس للعقار يف ادلاير السعودية متعلقات
ابلرهون وال أسواق املش تقات.
فقد تضخمت أسعار العقار يف الياابن بصورة جنونية أثناء هنضهتا بعد
احلرب .وللك يشء اإذا ما مت نقصان ،س نة من سنن هللا الكونية ،ال
مانع لها .ذلا فعندما أدركت السوق العقارية الياابنية مدى املبالغة يف
أسعار العقار ،اهنارت .فاهنيار العقار يف الياابن اكن بسبب ذايت
حمض ،متودل من داخهل.
فسبب اهنيار أسعار العقار صدمة لالقتصاد الياابين .والصدمة اكنت
اخنفاض معدل السعار العام .وقد يتساءل فطن :كيف يكون صدمة،
وإامنا العقار لكفة حمضة عىل الاقتصاد االإنتايج .ذلا مفن املفرتض أن يُعد
اخنفاض أسعار العقار يف الياابن امرا جيدا للمنو والتقدم ،لن العقار
145
لكفة تدخل يف لك يشء ،اكلطاقة تدخل يف لكفة مجيع الصناعات
واخلدمات .فاإن مل يكن العقار منتجا لفرص العمل ،فهو لكفة حمضة عىل
املس هتل .فاهنيار أسعار العقار ينبغ أن يكون هل أثر محيد عىل
الاقتصاد الياابين ،اكلثر امحليد الهنيار أسعار البرتول عىل البالد
املس هتلكة هل ،هذا السؤال .واجلواب :أنه قد أرض ابلياابن لن
العقارات اكنت تشلك جزء ًا كبرياً من لكفة االإنتاج الياابين .فاهنيار
أسعاره واس مترار اخنفاضها عاما بعد عام ،سبب اس مترارا يف خفض
اللكفة االإنتاجية العامة ،مما خلق انكامشا مزمنا يف أسعار املنتجات
الياابنية .وانكامش مس توى السعار يرض كثريا ابالستامثر واالإنتاج .ذكل
لن املستمثر واملنتج يرون أن استامثراهتم وانتاهجم تنخفض قميها يوما
بعد يوم ،فالجدى هلم عدم الاستامثر واالإنتاج ،مما يسبب البطاةل
ودخول اجملمتع يف ادلائرة املغلقة .( .ذلا يُعد جناح برانيك يف منع حدوث نزول
السعار يف أمرياك يعد من أكرب جناحاته)
أما يف الاقتصاد السعودي ،فاخنفاض أسعار الرايض س يخفف من
التضخم الناجت عن االإنفاق احلكويم عىل التمنية ،كام سيشجع حركة
الاستامثر يف بناء الرايض ،مما حيقق المنو فيعيد التوازن ملعدل السعار
العام .أي أن االإقبال عىل الاستامثر يف العقار الخنفاض أسعار الرايض
سريفع لكفة البناء ،فيوازهنا ،مقابل ما قد ُحي ِّدث اهنيار العقار من
اخنفاض للسعار .والبناء هو اجلانب االإنتايج الوحيد يف الاقتصاد
السعودي ،وإان اكن جانبا جزئيا ،كون العامةل واملواد مس توردة .وما عدا
ذكل فلك اقتصادايت االإنتاج ،ال تُزنل أوضاعها عىل الاقتصاد
146
السعودي .فهو اقتصاد ال ينتج بل يس هتل مقابل ثروة البرتول اليت ال
تزود سوق العمل بفرص معل تتناسب مع اإنتاهجا.
املسأةل الثالثة :النفط مل الطاقة وجوكر السواق
الطاقة يه دم احلضارة الصناعية احلديثة ،فهي لكفة عىل االإنتاج العام.
والطاقة يه روح العامل احلديث تدخل يف لك ذرة منه .فاحلديث عن
أسعارها وتوقعاهتا ،ليس من الحاديث السطحية تقني ًا.1
مبحث :ال ميوت النفط حىت ميوت الغاز والفحم
وي ُس تحسن أن أبدأ طريح ،بأن أوحض أن النفط ال ي ُشلك اإال ثلث
موارد الطاقة املس تخدمة اليوم .وأن تسعني ابملائة من النفط تُس هتل
يف نقل البضائع والراكب ،أي املواصالت.
وقد ظهرت أمهية البرتول بعد احلظر البرتويل العريب عام١٩٧٣م .وما
اكن احلظر اإال الصدمة اليت جفرت حمتية ارتفاع أسعار النفط احملبوسة
بعد المنو العامل اذلي اقرتن بطفرة صناعة الس يارات يف الس تينات
وامخلسينات .طفرة صناعة الس يارات اليت دمعها أسعار النفط
الرخيصة .فسطع جنم النفط ،وخبا جنم الفحم رمغ قيام الصناعات
والقطارات عليه.
ومبا أن أمرياك يه اليت توجه وتقود احلضارة والمنو الاقتصادي الصناع
املعارص لكرث من قرن ،فقد اكنت طفرة صناعة الس يارات والطرق
1كام أنه ليس من الحاديث اليت يُعمتد فهيا عىل النقل والرتديد لحاديث هنا وهناك ،همام ارتفعت درجة مصداقية املصدر .فاملصداقية اليت تمتتع هبا بعض املصادر
الاقتصادية ،يه استامثر نفيس ميلكه املصدر الاقتصادي ،ليس تخدمه كسالح مؤثر يف تغيري املسارات ،لتحقيق مصاحله الاقتصادية العليا .ولهذا ينبغ عىل املُتأمل يف
س ياسات الطاقة ،اعامتد التحليل املنطق للك ما يطرح من معلومات تقنية ورشوحات اقتصادية .فهناك أطروحات سطحية ،وهناك أطروحات علمية منطقية ظاهرايً ال
تكذب ولكهنا بذاكء حترف فهم الواقع ،أو هتون جانباً أو ختفيه بيامن تعظم جانباً أخر.
147
الرسيعة يف حقيقهتا ،ثورة ثقافية عاملية ،حققت رفاهية الاس تقاللية
احلياتية الفردية ،وغريت وجه املدن واجملمتعات ،وأدت اإىل مقتل طفرة
صناعة القطارات ،كام أدت اإىل تتوجي النفط كسلعة الطاقة
الاسرتاتيجية.
فلكفة وقود نقل البضائع ابلشاحنات يه من لكفة االإنتاج ويه تس هتل
ربع االإنتاج النفط .ولكفة تنقل الناس اذلين مه العامةل االإنتاجية
والاس هتالكية ،تس هتل نصف االإنتاج النفط ،وعُرش تس هتلكه
الطائرات.
وابلرمغ من ختصيص اس هتالك النفط يف املواصالت ،وكونه يشلك
فقط ثلث الطاقة املس هتلكة عاملي ًا ،اإال اإن أي تغري يف أسعار النفط
يؤثر بقوة عىل أسعار الطاقة ،وال عكس .والسبب أن النفط حيل حمل
الغاز والفحم وال حيلون حمهل .أي انه سلعة بديةل للغاز والنفط ،وال
عكس .فالنفط والغاز والفحم ،لكحم الغمن والبقر واالإبل .فاللحم
املشهور يف ثقافة اجملمتع هو السهل والذل والكرث قابلية ليكون بدي ًال
عن غريه يف الطبخات .فهو يقود أسعار اللحوم الخرى ،فال يلجأ
الناس عندان مث ًال للحم االإبل اإال يف حاالت التقشف .ولهذا يقود
النفط سوق الطاقة.
فالنفط جوكر ،يُمكن أن ي ُس تخدم يف غالب مس هتلاكت الطاقة
الصناعية والكهرابئية واحلرارية ،وال عكس .خاصة ما بُين ُوصنع من
ُمحراكت قبل عام ٢٠٠٠م .لكوهنا بُنيت عىل قابلية التحول من الغاز
والفحم اإىل النفط .وذكل قبل أن يصبح اإنتاج الغاز واحتياطياته عظاميً،
148
فذهب داع التحوط من نفاذ الغاز ،فمل تعد تُبىن احملراكت اجلديدة اإال
لتعمل عىل الغاز .وأما حمراكت الس يارات والشاحنات اليت تس هتل
غالب النفط املُنتج عاملي ًا ،فال تُستبدل بغري النفط ،اإىل الن( .ولو
حصل فس يحتاج التحول اإىل زمن طويل ،وللكفة تأسيس ية عالية .).كام أن
النفط سهل النقل وامحلل والتخزين واحلرق ،فميكن نقهل بقارورة
بالستيكيةُ ،وحيرق بفرن بس يط.
مبحث :يف حتليل أسعار النفط
ومن أمه أس باب اخللط يف حتليل س ياس يات االإنتاج النفط ،غلبة
همينة احملللني املاليني عىل السوق االإعالمية الغربية ،فهو ما يطلبه
املشاهد .واحمللل املايل اإما سطح التأمل وإاما انقل لغريه ،واالإعالم
الاقتصادي الغريب هو املهمني عىل االإعالم العامل ،وابلتايل عىل
االإعالم العريب.
فهناك فرق بني طريقة فكر احمللل املايل وفكر احمللل الاقتصادي .ففكر
اخلبري املايل قصري الجل حمدود ادلائرة ،يغفل عن معطيات تندمج يف
املعادةل الفكرية خالل الزمن ،فهدفه حتقيق الرابح العاجةل .وابلتايل
هو صانع الثقافة الاقتصادية العامة ولهذا تكرث تكهناهتم وأخطاؤمه كام
يكرث تعدادمه .ويف الزمات املالية والاقتصادية شواهد اكفية عىل
ذكل .وأما فكر اخلبري الاقتصادي فهو فكر اسرتاتيج بعيد الجل
واسع ادلائرة ،تشمل معطيات كثرية تندمج يف معادلته الفكرية خالل
الزمن .ولهذا مه قةل اندرة ،يصعب فهمهم ،فال أثر هلم يف صناعة الثقافة
الاقتصادية العامة .وكذكل هو المر يف التكهنات والتحليالت حول
149
س ياسة اململكة النفطية يف الفرتة الخرية ،فال تاكد تسمع حتلي ًال شام ًال
معيق ًا.
وعندما ارتفعت أسعار البرتول قبل أعوام حىت وصلت اإىل ١٥٠
دوالراً للربميل تسابقت دول النفط عىل الانتاج باكمل طاقهتا ،فكرث
اخللط واالهتامات أنذاك ،واحلقيقة أهنا اكنت اس تجابة ،للس نلة االإلهية
الكونية لعمل السوق ،كام أهنا اكنت حمققة لهداف قصرية الجل
وبعيدة الجل.
فعندما وصل البرتول اإىل ١٥٠دوالراً بسبب -اختاذه كداة حتوط
مايل وتزايد املضارابت فيه -اكن عدم زايدة االإنتاج النفط من دوةل
ما ،يعين حتقيق الرابح لدلول النفطية الخرى ،وضياع فرصة الرب
من الفقاعة السعرية ،عام .٢٠٠٨وذلا اغتمنت دول النفط تل
الفرصة السعرية الفقاعية ،حفققت دول النفط ثالثة أهداف:
أوالً :أعىل دخل برتويل يف اترخيها.
اثني ًا :هذا ادلخل العايل يسامه اليوم يف حتقيق اسرتاتيجياهتا النفطية
اليت متكهنا من الصرب عىل اخنفاض السعار.
-اثلث ًا :زايدة االإنتاج أنذاك ،سامه يف تأخري اخنفاض السعار اذلي
حصل بعد ذكل.
الوقفة الوىل :أوبك وومه قيادة سوق الطاقة
قامت أوبك يف الس تينيات كوس يةل لثورة ادلول النفطية عىل اس تغالل
الرشاكت الغربية .وحامس اإخوة الرفاق يف النفط أنذاك مع ضعف
عوائد النفط ،يف اعتقادي ،اكان السبب يف جناح أوبك املؤقت يف
150
مقدرهتا عىل التعاون من أجل حتقيق مصاحل أعضاهئا .ومبجرد أن
اصطدم هذا التعاون بظهور البرتول كرثوة عظمى عام ١٩٧٣م ،عاد
سلوك أوبك خاضع ًا لس نلة هللا الكونية السوق ،معلن ًا اهنيار التعاون
بني أعضاء أوبك ،وأصبحت أوبك مت ِّث لل السلوك الطبيع للمحتكرين
القةل ،اذلين يتفقون يف العلن وينقضون االتفاق يف الرس طمع ًا يف
حتقيق أعظم الرابح.
وخبالف أراء الاقتصاديني -املتخصصني يف سلوكيات احملتكرين القةل
-اليت احتارت يف سلوكيات أوبك ،فاإين أعتقد أن جناح أوبك بعض
الحايني يف حتقيق السعر املس هتدف مل يكن اإال بسبب ديناميكية
اللعبة يف السوق البرتولية اليت تمتزي ابقتصادايت احتاكرية القةل.
فالسوق مل يكن فيه أنذاك يف الواقع اإال العبان رئيسان .السعودية
لوحدها الكعب وابيق ادلول النفطية يف أوبك الكعب اثن .وقد
وجدت السعودية نفسها حتقق الرابح ذاهتا سواء الزتم ابيق العضاء
ابحلصص أم مل يلزتموا .ولهذا الزتمت السعودية ابحلصص لهنا لن حتقق
أرابح ًا أفضل اإذا ما عاقبت الخرين اذلين مل يلزتموا قط أمام اإغراءات
حتقيق أرابح أكرب.
فهكذا اكن وضع أوبك ادلاخيل .وهذا -أي اتباع ديناميكية مكية
االإنتاج المثل لتحقيق أعىل رب ممكن -يرشح يف نظري بعض
النجاحات يف ختفيض االإنتاج ،ليس عىل مس توى أوبك فقط ،بل
حىت عندما شارك بعض ادلول النفطية من خارج أوبك يف ختفيض
االإنتاج يف بعض الفرتات.
151
وقد انهتت أوبك منذ زمن بعيد يف احلقيقة .فف اعتقادي ،أن تصاعد
اإنتاج هذه ادلول النفطية من خارج أوبك ،مع حقيقة وضع أوبك
ادلاخيل ،ألغى أوبك وحرص اللعبة السوقية بني السعودية وبقية ادلول
النفطية.
واليوم مل يعد سوق الطاقة حكراً عىل البرتول ..وهذا -يف اعتقادي -
غري الالعبني يف السوق ..فاليوم تواجه السعودية الكعب رئيس أول،
وادلول املنتجة للطاقة الكعب رئيس اثن.
ومن يعتقد أنه ميكن خرق سنن هللا الكونية يف خلقه فقد أخطأ عق ًال
وواقع ًا مثبت ًا ..مفن سنن هللا أن احلاجة أم الاخرتاع ،والرابح حافز
التنافس ..فارتفاع أسعار البرتول – ١٩٧٣م - ١٩٨١-دفع معليات
التنقيب والاكتشاف يف كثري من ادلول خالل ذكل العقد حىت تزايد
االإنتاج واهنارت السعار ..واهنيار السعار بعدها لعقدين أوقف
معليات التوسع يف النفط اإىل أن جاءت طفرة السعار النفطية يف
العقد املنرصم واذلي دفعت أرابحه مع وصول التكنولوجيا البرتولية اإىل
حد ش به الكامل ،اإىل ظهور بداايت لبدائل النفط حتفزها السعار -
أي الرابح -ال احلاجة ..مفىت قُيض عىل احلافز املادي الرحب ُخدت
بداايت بدائل النفط حىت حني ظهور احلاجة .والاضطراابت
الس ياس ية واحلروب يف البالد النفطية يه هاجس ظهور احلاجة
لبدائل النفط.
الوقفة الثانية تشكي رل السقف السعرية النفطية:
152
فكام بينت سابقا ،فاإن حتليل أسعار النفط ليس ابلمر السطح ،فهي
حبق اإحدى احلاالت اليت جتمتع يف دراس هتا مجيع أقسام الاقتصاد
وفروعه .فيدخهل الاقتصاد اجلزيئ وما يتبعه من اقتصادايت البرتول،
كام يُنظر اإليه بعني الاقتصاد اللك وما يتبعه من اقتصادايت السواق
النقدية واملالية ،لك ذكل مع مبراعاة جعل الاقتصاد الس يايس حارض
يف اذلهن طوال خطوات التحليل الفكري ،للتأكد من عدم احامتلية منع
املصاحل الس ياس ية من وقوع النتاجئ الاقتصادية الصحيحة.
ولك نوع من هذه القسام تتداخل فامي بيهنا كام تدخلها عوامل
متشابكة يؤثر بعضها يف بعض .فالتسعري والسعار ومكيات االإنتاج
يُنظر اإلهيا من جانب الاقتصاد اجلزيئ.
والاقتصاد اجلزيئ يس بق اللك عند النظرة التحليلية ،فنتاجئ التسعري
واالإنتاج يه اليت تُس تخدم مكعطيات يف الاقتصاد اللك .فبق أن منر
رسيعا عىل اقتصادايت البرتول لنخرج مبخرجات الاقتصاد اجلزيئ أي
معطيات السوق البرتولية ،فتكون هذه اخملرجات يه معطيات
التحليل الاقتصادي اللك .
153
الوقفة الثالثة البدائل النفطية للنفط:
هناك خلط كبري يف بعض البحوث بني البرتول الصخري والرميل وبني
برتول الصخر والرمل ،فهام يشرتاكن يف الامس ويف بعض ما يسبباه من
مشألك بيئية ولكفة عالية وامتداد يف املساحات السطحية.
فاذلي تدور حوهل رىح اللعبة االإنتاجية هو النفط الصخري ال خصر
النفط ،فصخر النفط أو رمل النفط هو نفط مل يتحول بعد اإىل نفط،
وحيتاج حلرارة وضغط لفصل الزيت عن الصخر أو الرمل .وهو متوفر
بمكيات خيالية يف أمرياك الا ان اإنتاجيته بعيدة املنال متاما من اجلدوى
الاقتصادية والبيئية .وال مقام هنا للتوسع فيه.
وأما النفط الصخري فهو موضوع هذه احلقبة الزمنية ،وهو حمور ساحة
التحليل الاقتصادي والتوقعات والس ياسات البرتولية .والنفط
الصخري والنفط الرميل هو كي نفط سائل اللهم اإنه متجمع بني خصور
ضيقة ممتدة عىل مساحات كبرية ،والنفط الرميل كذكل لكنه متجمع
وحمصور بني طبقات رملية ال خصرية .وقد اكن النفط الصخري
والرميل ،بعيد املنال سابقا من اجلدوى الاقتصادية ،بسبب انرصاف
تكنولوجيا اس تخراج النفط يف القرن السابق للابر البرتولية العميقة.
واليوم اس تطاعت التكنولوجيا أن جتد طريقتني الس تخراج النفط
الصخري .الطريقة الهيدروليكية بشفط النفط ابلضغط وطريقة
الاانبيب الفقية اليت متتد أفقيا ال معوداي كام يه حاةل النفط التقليدي.
هذه التكنولوجيا اس تطاعت أن تضاعف الانتاج الامرييك ليقارب
اربعة ماليني برميل يوميا خالل ثالث أو أربع س نوات ،مع توقع
اس مترار هذا الاجتاه التصاعدي.
ولكفة اس تخراج النفط الصخري تدخل فيه عوامل بيئية ،واس هتالك
للطاقة واس هتالك للحقول النفطية وما يتبع ذكل من لكفة اإعالمية
تنافس ية تؤثر عىل القرار احلكويم المرييك ابدلمع ابلترشيعات وعدمه.
وتكف هذه االإشارة اإىل أنواع هذه اللكفة لضيق املقام ،اإال أهنا جيب
أن تكون يف اذلهن لتصور الرد العقالين من املنتج اإذا أرص منتج
النفط الصخري عىل االإنتاج يف هوامش ضيقة ترتدد بني الرب
واخلسارة يف حاةل اخنفاض أسعار البرتول عن الس تني دوالرا .فبعض
املنتجني هل اعتبارات غري الرب اجملرد ،اكلوطنية واالإعالمية ولكفة
االإغالق العالية واعتبارات حتفزي البحوث والتطوير الإنتاج النفط
الصخري.
فاللكفة املبارشة يه اليت يتحمت عىل املنتج العقالين اسرتدادها يف املدى
القصري والا أجرب عىل وقف االإنتاج ،الإيقاف خسائره .فاإن وقف
االإنتاج بسبب اخنفاض أسعار البرتول التقليدي وارتفاع اللكفة املبارشة
الإنتاج النفط الصخري ،ال يعين انهتاء النفط الصخري بل س ينتج عن
ذكل أمران اقتصاداين ،أثر علم وأخر سويق .العلم يتلخص يف
تأخر وتباطؤ معلية التطوير والبحوث يف تكنولوجيا اإنتاجه والتطوير يف
حسن اس تغالل الطاقة املس تخرجة منه واملس هتلكة يف اإنتاجه ،مع
مراعاة وسائل ختفيف أرضار اس تخراجه عىل البيئة.
والثر السويق هو حتول اإنتاج النفط الصخري ليشلك سقف أسعار
السوق النفطية ،ولكن تفعيل هذا السقف حيتاج لتوافر عوامل
اقتصادية عدة تدور لكها حول المنو العامل ومدة توقف الانتاج.
155
فاإقفال حقل النفط الصخري وإاعادة تشغيهل ليس كفتح البقاةل
وإاغالقها ،فهناك عامةل ماهرة وأخرى متخصصة اإذا ما ُرسحت قد ال
ميكن العثور علهيا جمددا ،وقد تغري ختصصها ،وقد تفقد هماراهتا،
ابالإضافة اىل عوامل املشاعر الانسانية املصاحبة للبطاةل .وهناك
ارتباطات رسوم متويلية ورسوم تأجرييه وتاكليف صيانة ابالإضافة اىل
لكفة البدء االإدارية والتعلميية الطبيعية ولكفة اإعادة الروتينية املهنية.
اإضافة اإىل لكفة الس ياسات احلكومية والشعبية واالإعالمية ،فالنفط
الصخري المرييك حتاربه رشاكت النفط التقليدي المرييك وإان زمع
بعضها ابالستامثر فيه ،حتوطا أو تصنعا ،فالنتيجة الهنائية الفاصةل
للرشكة البرتولية يه تعظمي الرابح.
فاخلالصة يه :أن قرار اإغالق حقل النفط الصخري حيتاج لوقت حىت
يقتنع املنتج بعدم جدوى االإنتاج ،وكذكل هو قرار اإعادة تشغيل حقل
النفط الصخري ،حيتاج لوقت يقتنع فيه املنتج بأنه لن يضطر ل إالغالق
مرة أخرى .ويزداد تباطؤ قرار اإعادة الانتاج لكام طالت مدة االإغالق،
وهذا لكه مرتبط ابلمنو العامل ،مفىت تأكدت عودة المنو العامل وتوقع
اس متراريته عاد النفط الصخري للسواق مشالك بذكل سقفا سعرية
للسوق البرتولية لفرتة زمنية ،يه يف الواقع تعط فسحة زمنية تعني
المنو العامل عىل تشكيل قاعدة قوية ال تؤثر علهيا ارتفاع أسعار النفط.
حىت اإذا ما كرست حد ُة المنو العامل بزتايد الطلب عىل النفط ،انكرس
السقف السعري النفط املشلك من النفط الصخري ،وأصبح النفط َ
الصخري حليفا للتقليدي يف مواهجة ما س يخرج من بدائل طاقة حيهنا.
156
فالنتيجة الصغرى يه :أن أسعار النفط قد تس تقر لفرتة أطول يف حاةل
عودة المنو العامل .والنتيجة الكربى :يه أن مشلكة أسعار النفط
الاسرتاتيجية يه مشلكة المنو العامل ،فاالإجابة عن توقعات المنو
العامل يه االإجابة الاسرتاتيجية عن توقعات أسعار النفط.
الوقفة الرابعة :ارتباط أسعار النفط ابل منو العامل
فالمنو الاقتصادي العامل هو احل ََمك الاسرتاتيج الفاصل يف أسعار
البرتول ومكيات االإنتاج .وما قوة ادلوالر واملضارابت والحداث
الس ياس ية الطارئة ،اإال مؤثرات تُ َذب ِّذب أسعار النفط لفرتات قصرية
(والعام والعامان فرتة قصرية) ،وإان اكنت املضاربة أو احلدث الس يايس
تكون عادة يه السبب يف تفجري دورة السعار صعوداً أو هبوط ًا.
ولكن الحداث الس ياس ية الطارئة احملدودة الزمن ،واملضارابت يف حد
ذاهتا ،ال تؤثر كثري ًا يف االإنتاج البرتويل العامل وال يف المنو العامل .
اللهم اإال اإن أصبحت دامئة الثر ،ولكنه يظل ال مربر هل من انحية
احلاجة الاس هتالكية .ككون اختاذ الطاقة يف العرش س نوات املاضية
كوسائل حتوط وسلع مضاربيه أساس ية .فهذا قد سبب ارتفاع ًا دامئ ًا يف
أسعارها ،اإال أن أثره مرة واحدة وقد ذهب.
فالنظرية العلمية املنطقية الاقتصادية معوم ًا ،تتنبأ بأن أسعار البرتول
املنخفضة اليوم ،س تظل منخفضة لفرتة زمنية .والواقع التارخي
الاقتصادي التطبيق يتنبأ بأن مدة اخنفاض أسعار النفط ،تكون يف
حدود العرشين عام ًا ،لتفسح اجملال لعرش س نوات من طفرة منو
157
عاملية ،وهذا عىل افرتاض عدم تغري معطيات أساس ية خالل هذه
الفرتة.
واملنطق العلم الاقتصادي حلدييث هذا ،يعمتد عىل منطقني اثنني،
أسايس واثنوي.
فالسايس ،هو أن أسعار النفط تسامه يف المنو الاقتصادي العامل ،
ويف نفس الوقت فالمنو الاقتصادي سبب رئييس يف أسعار البرتول.
فالطاقة رشاين المنو ،وذلا فاخنفاض أسعار النفط ُختفض اللكفة
االإنتاجية العامة مما حيفز المنو الاقتصادي ،الخنفاض لكفة االإنتاج .ويف
نفس الوقت ،فالمنو الاقتصادي يرفع الطلب عىل النفط مما حيفز ارتفاع
أسعار النفط.
واملنطق الثانوي ،هو أن ارتفاع أسعار النفط ُحيفز تطوير وسائل اإنتاج
النفط .فأايم النفط اذلهبية يه دورات زمنية يزدهر فهيا النفط مجيعه،
أسعاره واكتشافاته وتطوير اإنتاجه.
ونتيجة املنطق العلم (املبين عىل التأثري الُمتبادل بني السبب
والنتيجة)ُ ،ختربان بأن المنو العامل وأسعار النفط يتبادالن مراكز
الازدهار الزمنية ،فيصعد هذا وهيبط ذاك.
وقد َصدلق الواقع التارخي الاقتصادي التطبيق هذه النتيجة .بل
وأثبت التارخي الاقتصادي التطبيق ،بأن هذه ادلورات غري متساوية
زمني ًا ،تناسق ًا مع منطق النس بة والتناسب .فالمنو الاقتصادي ،سبب
رئييس يف أسعار النفط ،وأسعار النفط لها أثر جزيئ عىل المنو.
158
مفن تأمل التجربة التارخيية الاقتصادية -اليت حتيك اس تجابة اجملمتعات
الاقتصادية للثورات العلمية الاقتصادية واالإنتاجية -فاإن مجموع مراحل
ادلورة لطفرة اكمةل -تقريبا -متتد من ثالثني اإىل أربعني س نة .عرش
للنفط ،وعرشون للمنو العامل ،مع فرتات متوسطة متثل س نوات
الرتادف التباديل يف املراكز بني المنو وأسعار البرتول ،يف صعود أحدها
واحندار الخر.
وجيب أن يُفهم ،أن هناك جفوات زمنية تفصل بني السبب وظهور
النتيجة وتداخل بيهنام .فظهور الثر ال يبدأ اإال مع بداية زوال املؤثر.
وهذا طبيع جداً يف حركة اقتصاد العامل .ورشحه يف البرتول سهل
وواحض.
فامتم المنو الاقتصادي ،يعين ابتداء احندار هذا المنو .ولكن مثرة المنو
الاس هتالكية للنفط تس متر زمنا بعده فرتتفع أسعاره احملبوسة بصدمة ما،
مضاربية أو س ياس ية ،تس متر لعرش س نني بعد توقف المنو.
وارتفاع السعار يدفع بعجةل تطوير التوسع يف االإنتاج البرتويل ولكفته،
فزييد العرض النفط حىت تأيت صدمة تكشف عن اتساع جحمه
االإنتايج ،فتهنار أسعاره ،معلنة بداية مرحةل منو جديدة لعرشين عاما.
واليوم ،ومع عودة المنو العامل ،ها حنن نشاهد اخنفاض أسعار النفط
بعد عرش س نوات نفطية ذهبية.
ولعموم ما س بق ،ومن التجربة التارخيية واملنطق العلم ،فالسيناريو
اذلي يأيت بعد اخنفاض اسعار النفط ه هو ثبات السعار الامسية أوالً
(أي اخنفاض قمية النفط يف قوته الرشائية) مث ثبات السعار احلقيقية
159
بعد ذكل ،وهللا أعمل ،عىل النحو التايل :فامخلس س نوات الوىل،
س تكون اإخراج ًا للنفط البديل وحنوه من سوق النفط ،مع اش تداد زمخ
المنو العامل .وفهيا يتحقق ثبات السعار الامسية احلالية ،أي اخنفاض
لقمية النفط احلقيقية.
ويتبع امخلس بعد ذكل ،عرش س نني يمنو فهيا الاقتصاد العامل ،بيامن
تثبت السعار احلقيقية عىل أسعار ه يوم انكرس ،أي قد يزداد فهيا
سعر النفط ليصل ملائة دوالر ،ولكهنا بقمية ُخسني دوالر ابلقوة
الرشائية يوم انكسار أسعاره قبل عرش س نوات .ويكون ذكل بسبب
العودة التدرجيية للنفط البديل وحنوه من البدائل التقليدية .فيكون
النفط الصخري عبارة عن زايدة عرض متنع من ارتفاع السعار احلقيقية
الك بذكل سقف ًا سعر ًاي حقيقي ًا لسوق النفط ،خاصة معللنفطُ ،مش ً
التطور يف تكنولوجيا االإنتاج اذلي سرتافق عودته.
ويتبع العرش س نني من المنو الاقتصاديُ ،خس س نوات يتباطأ فهيا
المنو الاقتصادي .وتوقع هذا يظل قامئا طاملا أنه ليس يف الفق ما
يدل عىل طفرة منو قوية يف البدلان املتقدمة ،واليت لن تتحقق بغري
اخرتاع جديد .فاملتوقع املنظور حىت اليوم هو عودة المنو القوي الصيين
والهندي فقط ،ومنو اعتيادي لدلول املتطورة.
ولهذا أعتقد ،أن أسعار النفط بعد طفرة المنو القادمة لن تدخل يف
دورهتا اذلهبية ،بل س تكون مس تقرة لفرتات أطول .فركوب الصيين
والهندي لس يارته اخلاصة كفيل ابحلفاظ عىل اس تقرار النفط عىل سعر
160
املائة دوالر ابلقوة الرشائية احلالية ،أي قد يكون مائتني دوالر بعد
عرشين عام ًا ،ولكهنا بقمية مائة دوالر اليوم.
161
وقفة تكرمي :فارس نفط العرب
“ حنن أبناء الهنود امحلر اذلين ابعوا ماهناتن ،ونريد تغيري الصفقة ”
هذا اكن ترصحي الطريق لصحيفة نيويورك اتميز عن سبب تأسيس
منظمة أوبيك .اس هتوتين خشصية أول وزير للنفط يف ادلوةل السعودية،
عبد هللا الطريق -رمحه هللا .-
الطريق رجل كرهه المريكيون مبا أحهبم فيه .درس عندمه وتزوج
مهنم وسكن معهم ،وأمعلهم دليه ومل يعمل معهم .أحب الطريق يف
المريكيني جديهتم وعلوهمم وفطنهتم وتقدهمم وقدرهتم عىل بناء الثقة
العجيبة دلى الخرين ،ولو بتلكفة عالية يدفعوهنا.
كام تعمل الطريق مهنم أن تلكفة بناء الثقة ليست عبثا ،اإمنا يه تلكفة
عالية ،لتحصيل أقىص الرابح املمكنة من وراهئا ،والإطاةل معر
االإمرباطورية المريكية .فهم الطريق س ياسة االإمرباطورية احلديثة،
اليت خالفت س ياسات االإمرباطورايت الهالكة .فالس ياسة المريكية
قامئة عىل حتصيل أقىص الرابح املمكنة ،مع العمل عىل منع خروج أي
أمة تنافس همينهتم ،ال س ياسة اإفقار المم اليت اتبعهتا االإمرباطورايت
السابقة .فغىن الشعوب الخرى ينهتي نفعه هلم ،ويعيهنم عىل حتجمي أي
أمة قد تنافسهم حارضا أو مس تقبال.
واكن الطريق مدراك متاما للحاجة الرضورية اإلهيم ولعلوهمم املتقدمة،
ولكنه مل يفت عليه ذاكء المرياكن يف تسخري ما بنوه من الثقة والتقدم
الس تغالل املفاوض من الشعوب الخرى .فأحب الطريق واقعيهتم يف
تعاملهم االإنساين املفطور عىل حب اذلات أوال ،والاكره للظمل بال
حاجة .وهو اذليك الفطن فلهذا سهل عليه مفاوضهتم ،اإمياهنم بلغة العقل
وحق حتقيق اذلات .فتعامل معهم مببادهئم ومبا أحهبم فيه .ففاوضهم
بلغهتم العقلية والتجارية والس ياس ية ،فغلهبم ،فانتفض عىل اس تغالهلم
للنفط السعودي فأجربمه عىل مناصفة الرابح البرتولية ،ال عىل دفع
شلنات مقابل طن برتول .وانزتع الطريق مهنم قيادة الس ياسة
البرتولية ،واس تعان عىل ذكل ابإنشاء منظمة أوبك مث بوضع خطة
الطريق لرشاء أرامكو.
وطبق الطريق رس الهمينة المريكية العاملية ،فقرر حتقيق اس تقاللية
أرامكو بسعودهتا عىل أساس التكنوقراطية ال احملسوبوقراطية وال
الشليوقراطية .وأدت انتفاضة الطريق التفاوضية العلمية اإىل انتفاضة
دول اخلليج بعد ذكل عىل الاس تغالل المرييك حلقوق البرتول.
فكرهه المريكيون مبا أحهبم فيه ،فال جتد هل ذكرا يف أرامكو وال يف
الفالم الواثئقية العاملية .ولطاملا تساءلت :مل أُغفل الطريق من اترخي
أعىل رجاالت الوطنية السعودية.
وللك جواد كبوة قد تطيح بفارسه .فعبد هللا الطريق هو فارس
أرامكو ،همندس اس تقاللية الرثوة النفطية اخلليجية .عاش الطريق
عزيز النفس ،تس تقذر نفسه البية قبول رشوة خيانة ،كام يس تقذر
احلر العبودية .واكن داهية حنريرا ذكيا عبقراي ومواطنا حمبا لبالده .هذا
اخلليط من الرشف وكراهية الظمل ،أوقع الطريق -رمحه هللا ،-فقد
وقع يف حب القومية الاشرتاكية حني اكنت السعودية ختوض حراب
وجودية مصريية ضد أطامع القوميني الاشرتاكيني .أظهر الطريق شغفه
163
ابلقومية العربية الاشرتاكية ،فأعلهنا ومل خي ِّفها .فهو أول من اندى مبقوةل
نفط العرب للعرب اذلي أصبح شعار القوميني والاشرتاكيني العرب.
وقد اكن -رمحه هللا -عبقر ًاي حاد الطباع جشاع ًا ،متواضع ًا وزاهداً نق
النفس مياةل ابلفطرة للعداةل .والعبقرية اإذا اقرتنت ابلشجاعة أدت حلدة
الطبع .1وحاد الطبع فريسة سهةل ملكر اخلبيث ل إاليقاع به .فذاكؤه احلاد
أاثر حسد القران والبدلاء عىل حد سواء ،وأمانته أاثرت غضب
املستنفعني والفاسدين ،وحدة طباعه مكنت من الوشاية فهيام عند
الخرين “ وإامنا تنجح املقاةل يف املرء اإذا صادقت هوى يف الفؤاد ” .
مفا بني حاسد وانفر ُظمل الرجل يف بداية حياته اجامتعي ًا ووظيفي ًا .فهو
فكر ًاي يف عامل ،وجممتعه يف عامل أخر .ويكف شاهداً منه بعض ما كتبه
يف نصحيته للخرجي السعودي ،مفام جاء فهيا ما يُقال عنه «وحنن ما ُ
حنن
اإال أانس متعلمون متغطرسون ،لنا أفاكر غريبة ،ونظرايت يف احلياة
مكروهة وخطرة عىل بيئتنا الطاهرة املؤمنة املوحدة .لقد حاربوان اي
صديق واس تعملوا لك سالح كام س يحاربونك ويس تعملون لك سالح
للحيلوةل دونك ودون هدفك .وهكذا اي صديق مرت يب الايم
والس نون ،وأان أرى خاللها الصغار يكربون ،ويتنفذون ،وأرى أفاكري
يتبناها الخرون ،وأرى الفض َل يذهب لغري أههل ،واس متر الصدقاء
يرثون حلايل ،واملنافسون يسخرون من عقلييت املتحجرة ،ونفيس
املتغطرسة» .وبعد أن اعرتف بفروس ية الرجالن فقدلا أعىل املهام و ُمكنا
164
من اإظهار فروسيهتام ،جتاوز الرجالن مرحةل التصغري والتسفيه ودخال
يف مرحةل العزةل الفكرية العملية.
ولعيل ال أابلغ اإن قلت :اإن ما واهجه الطريق يف هممته أش به حبال
فارس انغمس يف أرض العدو ،فالعدو يقاتهل وقومه من خلفه يرمونه
خطأ أو قصدا حيس بونه من العدو .وبني هؤالء وهؤالء رجال من قومه
ينظرون وال يبالون قد ارتضوا لنفسهم حيازة مؤن جيش فارسهم،
اليت قدهما هلم العدو بعد أن هنب مهنا .فهم يألكوهنا ال من جوع بل من
ختمة .فالمريكيون مل يكونوا جمرد مستشارين أجانب يف أرامكو ،بل
اكنوا مه مالك أرامكو ابمتياز حرصي س تني عام ًا .ومه من أىت للخليج
هبذه الرثوة وأعطومه املال يف حاةل اضطرار .والمرياكن مه أحصاب
العمل واملعرفة ،بل ومه الوحدون يف ذكل.
فال يوجد سعودي أنذاك هل عمل بعلوم النفط وإادارهتا ومقرتن علمه
بعقل وذاكء اإال ما يزمعه الطريق .وثقافة املنطقة لكها متقبةل ومترشبة
فكر الاس تغالل النفط .وامجليع مؤمن بأن أي خروج عنه س ينهتي
اإىل فشل ،كام حدث يف اإيران .مفن هو الطريق ليأيت مبا مل يأت غريه،
اإال أن يأيت حبامقة كحامقة االإيراين -مصدق -بتأمميه النفط االإيراين .وزاد
المر سوءاً ،أن احملاوةل الوحيدة للخروج عن القبول العام ابلوضع
حصلت ابلتأممي املس توىح من الاشرتاكية ،والطريق يعلن قوميته
الاشرتاكية .فكيف يسمل أن تتأثر قرارته هبا فتأيت بقرارت مثل التأممي.
وليك نتخيل عظم الصعوابت اليت واهجها الطريق رمحه هللا ،فيكف أن
نرى حال املسؤول اليوم يف القطاع العام أو اخلاص مع املستشار
165
الجنيب .فاملستشار الجنيب قد استمثر يف كسب الثقة ،والوطين قد
أمهل فهيا .واحلاجة للمستشار الجنيب ملحة ،فأصبح املستشار
الجنيب هو الصديق الويف ال كذب .فال يسمل غالب ًا من تورط
املسؤول مع املستشار الجنيب يف أمر صغري نتيجة هجل أو اإهامل ،أو
أمر كبري نتيجة منفعة أو فساد ،مما حيمك قبضة همينة املستشار
الجنيب ،عليه .فال خيرج أحد حبق أو بباطل عن همينة املستشار
الجنيب ،اإال وتلحقة هتمة اخلبال والسفاهة أو هتمة الفساد .فاإن اكن
هذا هو حال املستشار الجنيب اليوم وهو جمرد أجري ،والناس
متعلمون اليوم ،فكيف تكون حاةل أرامكو املالكة حلقوق النفط أنذاك
مع الطريق ،واذلي اس تطاع ابلرمغ من ذكل ان حيقق اس تقاللية نفط
اخلليج.
«ووجدت امجليع
ُ وقد عرب الطريق مبرارة عن هذه املواقف حني قال:
ينظرون ا لإيل نظر َة عطف وخسرية ،فهم يرون ليف شا ًاب مغروراًُ ،
يعيش
يسري معهم
يف اخليال ،جسمه معهم وروحه وخياهل يف ماكن أخرُ ،
ويعيش بعقلية أجنبية غريبة عهنم ،يتحدث عن الوطنية واالإخالص
والتضحية ،بيامن مه يتحدثون لمعا مجع فالن ،و لمعا كسب فالن ،وكيف
تقدم فالن ،وكيف حصل فالن عىل رشهة أو س يارة أو قاعدة
صرب عىل اإقناعهم
حتدث عن نظرايت ال يفهموهنا ،وأ ُ س نوية ،بيامن أان أ ُ
مبا مه به اكفرون ،حىت مللوا جمليس ،وأخذ الطيبون مهنم ينصحونين
ابالإقالع عن سذاجيت».
166
وذلا فاعتقد أن عبقرية الطريق وحدة طباعه عزلته عن الناس
اجامتعي ًا ووظيفي ًا وفكر ًاي ،فمل يُطيق احلبس الانفرادي فقادته طبيعته
النقية الزاهدة لالنضامم الفكري جملمتع العداةل الافرتايض ،اذلي اكن قامئ ًا
واملمتثل يف الاشرتاكية .فأمن به فدخل يف حاةل اإناكر الاعرتاف بواقع
ظمل جممتع العداةل اذلي أمنوا به .وإاناكر الاعرتاف ابلواقع يعطل
املنطق ،فال يعود املنكر قادرا عىل اإدراك جحم اخلطأ اذلي هو واقع
فيه.1
فاإن قيل ليست كبوة جواد الفارس يف أرض قومه ووطنه ككبوة
جواده يف أرض العدو ف ُيأرس وتُسخر أرساره ضد قومه .فعذر الطريق
بأن مضايقات قومه ضيقت طريقه حفادت جبواده عن الطريق املمهد
للوعر ،فكبا اجلواد بنفسه فأطاح به يف أرض العدو .وما اكن للطريق
خيار يف ذكل ،ومل يفش رساً ،وما اس تغهل عدو .وأما أقواهل فاإمنا اكنت
أسلحة حيارب هبا الطريق دون الوطن .فقد اكنت احلرب عاملية بني
الرشق والغرب ،والطريق يريد ختليص النفط من اس تغالل الجنيب
الغريب ،وقد جنح يف ذكل ،وذهب الرضر وبق اخلري.
املسأةل الرابعة :ادلول الغري اإنتاجية ومنوذج اقتصادايت أُوبر
أوبر ،يه رشكة التاكيس اذلي يُطلب عن طريق برانمج يف
الانرتنت .والتاكيس يكون أي خشص ميل س يارة ويريد ان يكسب
1ويكف شاهداً اليوم ما يسمى ابلصريفة االإسالمية واقتصادايهتا .فمك من مؤمترات وكتب ومفاوضات ولكها تعيش عاملاً افرتاضيا ال واقع وال اإماكنية لوقوعه .ففضالً عن
املستنفع والساذج ،فرنى حىت الصادق والعاقل يؤمن هبا يف حاةل اإناكر ابالعرتاف ابلواقع ادليين أو العقيل أو التطبيق ،حفاةل االإناكر ابالعرتاف عن الواقع ختلق غيبوبة
عقلية ،يرفع عهنا القمل فال يُؤاخذ الصادق عىل ما فعل .فاإن كنا نتجاوز وسنتجاوز عن املتورطني يف هذه الصريفة من الصادقني والعقالء ،رمغ ما أتت وما س تأيت به
الصريفة من نتاجئ مدمرة واملُفسدة لدلين والاقتصاد ،مفن ابب أوىل التجاوز عن الطريق وقد قاد اس تقاللية الرثوة النفطية وأسس ضامن اس مترايهتا.
167
دخال اإضافيا بدال من اإضاعة الوقت .فأوبر اس تطاع أوال أن يتعدى
مشألك مالية ومعوقات نظامية رئيس ية يف صناعة التاكيس ،مث اثنيا
حقق قفزة اإجيابية تطورية لسوق التاكيس ،فضال عن حتقيق الرابح
الكبرية .كام تعدت اإجيابية نتاجئ ابتاكر أوبر الاهداف املالية والسوقية
لتحقق نتاجئ اجامتعية محيدة.
فقد زود أوبر السوق بعدد غري حمدود من التاكيس ،بعد حش العرض يف
سوق التاكيس ،بسبب التنظاميت املقيدة للتاكيس يف غالب ادلول .فقد
اس تطاع أوبر تعدى الاحتاكرية يف التحصيل عىل رخصة التاكيس.
ويه احتاكرية جاوزت املاليني لقمية رخصة التاكيس يف نيويورك،
مثال ،أما اليوم فال تساوي شيئا .ففكرة أوبر بس يطة لكهنا اإبداعية
بنت رشكة عاملية دخلت عامل الرشاكت املليارية ،كام فتحت الباب
لكثري من التطبيقات املشاهبة .وأجربت صناعة التاكيس عىل الريق،
ومن يسافر يدرك الفرق .مفا عاد سائق التاكيس مناورا أو متالعبا ،وما
ذكل اإال من قوة منافسة أوبر .فقد زودت أوبر السوق ،بتاكيس
نظيف وسائق رايق ،قد يكون مديرا لفرع بنك ،أو طالبا يدرس
ادلكتوراه .ونظام أوبر ال يدفع للسائق مبارشة حفذف البقشيش فشجع
أكرث عىل ركب التاكيس ،كام مضن عدم تالعب التاكيس ابلعداد او
ابدلوران يف الشوارع ،فهو متابع ابلمقار الصناعية .فأي جتاوز من
السائق ،يطرد وحيسم منه ضامانت أخذت منه ،ووضعت كعقوابت.
وقد جيد سائق التاكيس يف انتظاره جيش من احملامني التابعني لوبر
ملالحقته قضائيا اإذا اعتدى عىل زبون أو حنوه .ولك ذكل بضغطة زر
168
يف التلفون ،يضغطها الزبون .وهذه لكها توابع اتت لكواحق البتداع
الفكرة الاساس ية.
وقد جتاوزت أرابح اوبر اخلصوصية املليارية ،كام حققت الرابح
الفردية اجليدة( .وال يفهم هنا أين اجشع عىل رشاء أسهمه ،الفكرة مرحبة ملن
ابتكرها ال ملن يأيت ويشرتهيا بسعر غايل).
فأوبر حقق أرابحا كثرية للسوق وتطويرا هائال هل دون لكفة عىل
مؤسسه ،كام زود اجملمتع بنافذة معل يلجأ اإلهيا املفصول من معهل
والعاطل .كام خلق فرصة اقتصادية اجامتعية ،يلجأ الهيا من يعاين
الفراغ ،فبدال من اإضاعة وقته يف ارتياد احلاانت اإذا هو يتكسب رزقا
اضافيا ويس متتع ابخملالطة الاجامتعية .كام زودت أبر اجلهات المنية
إابرشاف ومراقبة ومعلومات جاهزة عند الطلب.
فابتاكر أوبر ،ابتاكر عظمي متعدد ومتعدي الارابح واملنافع .وهو ابتاكر
بس يط كذكل .لعهل فكرة طرأت عىل سائق اتكيس انتظر لساعات عند
ركن شارع ،والركن الخر به العرشات من الباحثني عن اتكيس .ولعهل
صدر من حمبط عاطل جعز عن حتصيل رخصة اتكيس ،او لعهل صدر
من ضائق بوقت الفراغ اذلي ميلكه ،فمتىن لو ان دليه اتكيس مييض به
وقته.
ومن هنا أىت مصطلح اقتصادايت أوبر .فهو مصطلح أطلقته عىل
احللول الاقتصادية واملالية ،البس يطة يف فكرهتا العظمية يف عوائدها.
املتعدية يف ارابهحا ،للخصوصية الفردية ،واملتجاوزة يف منافعها نطاق
سوقها.
169
وعىل خالف رشكة التاكيس أوبر اليت مل تواجه عقبات يف بدايهتا اإمنا
اثرت علهيا صناعة التاكيس بعد جناهحا وهتديدها اخلطري واملتحقق
للتاكيس التقليدي ،فاإن اقتصادايت أوبر س تواجه العقبات منذ بداايهتا.
عقبات فكرية وعقبات مصاحلية قد تئدها منذ بداايهتا .وأمه العقبات
اليت تواجه اقتصادايت أوبر يف اجملمتع الاقتصادي املتخلف ،يه
اهنزامية الفكر الفردي امام الفكر امجلاع احمليل واهنزاميته أمام الفكر
الاقتصادي الغريب .فضال عن املعوقات الاعتيادية الاخرى ،اكملامنعة
والتحاسد واخلوف عىل املصاحل .فهناك الكثري من املشألك املالية
والاقتصادية يف بالدان واليت ميكن حلها ابقتصادايت أوبر ،ولكهنا متوت
يف همدها غالبا بسبب الاهنزامية الفكرية امام الفكر امجلاع والاهنزامية
امام بيوت اخلربة الغربية العاملية .اقتصادايت بالد العرب ،ال حتلها
مناذج الرايضيات املعقدة اليت ما زال الغرب جيرهبا فهي تورطه أحياان
كثرية وتهنض به حينا مرة ،بل حتلها مناذج اكقتصادايت اوبر.
مفن اخلطأ اتباع النظرايت الاقتصادية والامنذج المتويلية اليت تودلت،
وتتودل من الهنضة الاقتصادية المريكية .فبعض بالد أوراب غارقة اىل
اليوم ،بسبب اتباعها الطريقة المريكية يف خلقها لصناعة الدوات
املالية اليت ابتدعهتا السوق الامريكية .1وابلنقيض ،فتعطل وتأخر
خروج أورواب من ازمة ٢٠٨٨م سببه تأخر البنك املركزي الوريب
عن اتباع الس ياسات النقدية اليت ابتدعها برانيك .فليس هناك حاةل
1اليت غض قرين س بان نظره عهنا ،بعد حادث سبمترب ،٢٠٠١خوفا من ادعاءات أن الهجوم سبب اهنيار الاقتصاد المرييك واذلي اكن قد دخل يف دائرة احنسار.
170
واحدة ،فاملعطيات ختتلف ابلزمان وابملاكن وابلثقافات ،فقد ال تنفع
الس ياسات الاقتصادية المريكية بدلا ما يف فرتة معينة مث يتغري الوضع
،فتصبح النظرايت الاقتصادية المريكية يه خري منوذج لهذا البدل.
فقد جنحت كوراي عندما رفضت يف الس تينات اتباع الفكر المرييك
الس يايس الاقتصادي .فقد جربت كوراي ابتداء نظرية السوق احلر
وادلميقراطية فرأى حكامهئم توجه بالدمه للهاوية والفوىض بسبب ذكل.
فكوراي مل تكن جاهزة بعد لدلميقراطية وال للسوق احلرة .خفلعوا عهنم
ثوب ادلميقراطية ،ونبذوا عهنم تنظريات السوق احلرة ،وقامت ادلوةل
بقيادة اقتصاد البالد عىل الطريقة املركزية يف تويل ادلوةل ملهام الانتاج.
فالهنضة الرسيعة ،حسب ثقافهتم -ال تقوم الا حبزم السلطة وقوة املال.
فبنت املصانع الضخمة وضبطت النظام مث حتولت تدرجييا لدلميقراطية
والسوق احلرة بعد أن غرست يف الاقتصاد اساسات الهنضة كواتد
اجلبال .وهذا القرار وان انسب كوراي فال يعين انه يناسب دول
أخرى .فللك جممتع ثقافته ،وما االإنتاج الا نتاج الثقافة.
ومثال أخر ،فال تاكد جتد حاةل رئيس ية واحدة يف الاقتصاد السعودي
تتشابه مع اي بدل يف العامل ،أو حىت مع دول اخلليج .فاختالف نوعية
تشكيةل الساكن يف ادلاير السعودية عن تشكيلهتا يف دول اخلليج،
اكيف ليخلف نظرايت الرضائب والبطاةل والتجارة ادلولية وحساابهتا
وخيلف نظام النقد .ولو تأملت فال يوجد يف الاقتصاد حاةل ال تتعلق
بغالب هذه الاعتبارات الاقتصادية ،اللهم أن يكون انتاجا ال يعمتد عىل
الانسان الا يف نطاق ضيق ،اكإنتاج النفط والبرتوكمييلك مثال.
171
ومن هجة أخرى ،فاإن ضعف البنية العلمية والتجريبية للمجمتع
الاقتصادي ،لهو تربة خصبة ل إالبداعات ابحللول الاقتصادية البس يطة.
فاجملمتع الاقتصادي النفط مثال ،هو جممتع مطلع عىل الدوات الغربية،
فهو وإان مل يكن ممتكنا مهنا ،اإال أنه ميتاز بأنه غري حمجوب النظر عهنا.
فالزمة املالية اكنت ش به معلنة يف أمرياك بعام من قبل وقوعها ،ولكن
قد أمعت املوديالت الرايضية املتقدمة ،ابصار اخلرباء عندمه ،فاإن اكن
هذا هو احلال عندمه ،افال نتوقع أن علوم حتوط خماطر تغري الفائدة
العاملية ،س ُتعم بصرية وفكر اخلبري الجنيب الضيق التخصص عن
ابتداع حل بس يط يليق ببساطة بنية أسواقنا املالية .فالبساطة يف
اسواقنا النقدية مع انعدام الدوات التحوطية فهيا غالبا ،مع صعوبة
فهمها من اجلهات الخرى ،تدفع بأبن البالد البتاكر حلول بس يطة يه
أعظم نتيجة وأقل لكفة.
اإن الاقتصادايت الناش ئة تربة خصبة بكر لالبتاكرات ،فاإن أضيف
ذلكل خصوصيات أخرى ،اكلبرتول والرثوة والربط ابدلوالر ،أصبحت
أكرث خصوبة لوالدة الابداعات الفكرية .فاحلاجات كثرية ،واحلاجة ام
الاخرتاع .واجملاالت مفتوحة مفا من مزامحة .والبصرية قوية مل ُحتجم
ابلتنظري الغريب .وإامنا اخلوف من حتجمي العقل ابالهنزامية امام التنظري
الغريب .مفا من عذر لنا أن جند حلولنا بأنفس نا بعيدا عن اخلبري
الجنيب ،مفا اقعدان اىل اليوم الا اعامتدان املطلق عىل اخلبري الجنيب مع
ضيق فكره ونظرة عىل اقتصادايت بالده ،والبالد التابعة هل.
172
وخالصة القول :اإن اقتصادايت أوبر اليت اقصدها ،يه اقتصادايت
برانيك اليت ابتكرها يف اخراج بالده من الزمة املالية .افاكر بس يطة
غريت وجه احلارض الاقتصادي العامل ،وس تغري وجه املس تقبل العلم
الاقتصادي .والافاكر العظمية ال تكون الا بس يطة ،ففكرة فك
الارتباط ابذلهب مثال ،ففك القيد اذلهيب عن الاقتصاد لينطلق يف
جماالت المنو والتطور ،ما يه اإال فكرة بس يطة .وعىل بساطهتا ،فقد
قاربت القرن من الزمن ومازال البعض مل يس توعهبا لبساطهتا! وهكذا
يه الابداعات العظمية ،تصعب عىل الفهم من بساطهتا.
املسأةل اخلامسة :صور الاستشارات الجنبية
اس تجالب اخلربات الجنبية للبالد يكون حتت ثالث صور:
الصورة الوىل :صورة محمودة مطلوبة ،وذكل بأن يُأىت ابلجنيب كخبري
ومعمل فيتعمل ابن الوطن منه ليكون مؤهال ومس تقال للقيام بتل املهام
مس تقبال ولينقل هذه اخلربات والعلوم اإىل الجيال من بعده ،بعد أن
يضيف اإلهيا اإبداعاته ونكهته الوطنية ،اكلمنوذج الصيين ،والكوري،
وهذا مع السف ياكد يكون معدوما أو حمدودا يف عاملنا العريب.
أما الصورة الثانية :فهي بأن يُؤىت ابلجنيب لتنفيذ همام ومشاريع مث
يرحل دون أن خيلف وراءه معرفة كيفية تنفيذ هذه املشاريع من العدم
وتكون هممة ابن الوطن بعد ذكل هو اإدارة الاس تفادة من هذه
املشاريع واس تغاللها ،وهذا ما جنده غالبا يف بالدان .واس تغالل املشاريع
والاس تفادة مهنا دون معرفة كيفية إانشاهئا مينع المة من الاس تقاللية
وجيعلها أبدا أمة اتبعة لغريها ال تس تطيع فاكاكً من قبضة الجنيب.
173
يضاف اإىل ذكل أن عدم معرفة كيفية االإنشاء س ينهتي هبذه املشاريع اإىل
اخلراب وإاىل التخلف والتقادم حىت ال تصبح الاس تفادة مهنا ممكنة.
وفوت اكتساب اخلربات من املشاريع ،خسارة عظمية متضاعفة مس مترة
عرب الجيال ال تنقطع .فاإنشاء املشاريع من العدم هو التحدي العقيل
واجلامعة احلقيقية الكربى اليت تدفع العقل البرشي اإىل التقدم
والابتاكرية والتطوير وهو اذلي حيافظ عىل هذه املشاريع من التقادم
والهتاكل وهو اذلي يبين البنية التحتية للعقل الوطين ليهنض ابلبالد
والعباد اإىل مصاف أرىق المم احلضارية ومن مث التغلب علهيا.
فمك من املشاريع الصغرية والكبرية والعمالقة اليت حتتوي عىل قسم كبري
من العمل واجلهد الفكري ي ُستبعد ابن الوطن من تعمل تفاصيلها
وأرسارها ،أاننية واس هتتاراً ،من املسؤول عهنا و ُيكتفى بنصب بوق
وطين يتلوا مزهو ًا ما يُمىل عليه من اإجنازات مل يكن هل فهيا يد وال هجد
وال دراية وال معرفة وال يدرك مهنا اإال اخلطوط العريضة اليت تكتب
عناوين ل إالجنازات.
مك بنينا من مطارات ،ومك أنشأان من مصانع ،ومك ش يدان من موائن فهل
حققنا أي اس تقاللية ذاتية؟ ..أان ال أعين هنا املهن البس يطة املتوافرة
بكرثة يف العامل الثالث واليت يدندن بعض املسؤولني حولها لرتس يخ
فكرة اس تحاةل الاس تقاللية اذلاتية .فربيطانيا خسرت جيوش ًا من الهنود
ومن غريمه ولكن مل تس تخدم قادة وضباط ًا مهنم ،بل اقترصت يف ذكل
عىل أبناهئا من الربيطانيني يتعلمون فنون القيادة العسكرية عىل حساب
دماء هؤالء الهنود ..املقصود ابالس تقاللية اذلاتية هنا هو اكتساب
174
املعرفة العلمية االإدارية والرقابية وا إالرشافية والتقنية والتنفيذية ،اليت ال
تتأىت اإال ابخلربة واملامرسة.
وأما الصورة الثالثة الس تجالب اخلربات الجنبية للبالد فهي بأن
تُطلق يد الجنيب ف ُيحمك يف املشاريع اإنشاء وإادارة واس تغالال .فالجنيب
هو اذلي خيطط ومن مث هو من ينقل الحالم اإىل الواقع مث هو من
يعيش هذا الواقع ويس متتع به بنفسه وبعائلته ،فهو اإذن حمور موضوع
املشاريع اإنشاء و إادارة واس تغالال ،ويف هذه الصورة ،الجنيب ال يبين
وطنا لغريه بل يبين وطنا لنفسه بديال عن وطنه الم.
الياابنيون والملان والكوريون اذلين عاشوا حتت الهمينة المريكية ردحا
من الزمن مل يستسلموا هلم بتسلمي اإدارة تفاصيل المور للمرياكن ،بل
ابرش أبناؤمه ،بناء بالدمه بأنفسهم مس تعينني ابخلربات المريكية
الجنبية فأدركوا بذكل الاس تقالل احلقيق .
مل يدخل أجنيب بدلا ليبنهيا مث ليخرج مهنا اتراك خلفه ما بىن وش يد اإال
بعد أن يدفع أهلها الصليون فاتورة البناء من دماهئم ومأس هيم ،وما
جنوب اإفريقيا عنا ببعيد.
ولكن السكرة تأيت عند اإقبال المور ،فتصبح هذه الطروحات جمرد
نظرة تشاؤمية رجعية ،ومث عند اإدابرها تُذهل الصحوة بعد السكرة عن
التفكر فامي حدث ملاذا حدث.
ودول اخلليج ،س تواجه حتداي مس تقبليا حقيقيا س يصعب علهيم التعامل
معه اإن مل يرقوا ويتغلبوا عىل خربة ودراية الجنيب اذلي غلب وس يطر
175
عىل كثري من أحناء املنطقة اجملاورة ،واذلي س يصبح المر النايه يف
هذه املناطق مس تقبال.
ولنقف وقفة صدق مع أنفس نا ،فاإذا اس تثنينا املنخنقة واملوقوذة
واملرتدية والنطيحة وما ألك الس بع من الجانب ذوي العيون الزرقاء
املوجودين عندان يف بالدان فس نجد أن الجنيب الكفؤ املاهر لن يأيت
اإىل العمل يف بالدان اإال أن يكون مضن بعثة حكومة أجنبية وعنده
أجندة أخرى للقيام هبا ،أو أن يكون قد ألك ادلهر عليه ورشب ال
أهل وال معل وال مس تقبل هل يف بدله ،قد توقف االإبداع والتجديد يف
منط تفكريه وإاداراته .وفوق لك ذكل فلن يرتك الجنيب الكفؤ بالده اإال
أن نتنازل هل فنضعه يف مرتبة سامية رفيعة ال يرتق لها أبناء الوطن.
هذا لكه اإىل جانب تقدمي مبالغ خضمة هل الإرضاء غروره وكربايئه.
فالجانب اليوم ال يصنعون لنا جديداً بل ينسخون العمل القدمي مع
تغيري للمسميات ..وذلكل متوت غالب الطموحات وتضيع غالب
اخلطط .فاملقدم لنا قد صنع لغريان ،واجلسم قد يرفض العضو املزروع
فيه ولو شاهبه يف لك يشء ،فكيف ابجملمتعات.
املشاريع الطموحة القادمة حتوي بني جنباهتا أرىق وأعىل مس توايت
حتصيل اخلربة واملعرفة واليت ال تُقدر قميهتا ال ابلرايل وال ابدلوالر،
فيجب أال تُرتك منفعهتا للجنيب ،وجيب أن ختطط بكيفية تؤهل
ش بابنا لالس تفادة مهنا ليك نبين وطن ًا أسطور ًاي حقيقي ًا قامئ ًا بذاته ال
بغريه ،وليك نس تطيع مواهجة اخملاطر املس تقبلية احملمتةل من اإمارات
أندلس القرن احلادي والعرشين.
176
اإن اإجناز املشاريع حتصيل حاصل جيب أال يقصد ذلاته ،بل جيب أن
يكون الهدف الاسرتاتيج من جلب الرشاكت الجنبية هو اكتساب
اخلربة واملعرفة مهنا.
ذلا مفن مصائب التقليد عندان دون تفكري ،أخذ بعض ادلول مناذج
مقارنة لنا لنحتذي هبا .وهذه دول مل يدخل الجنيب فهيا ليبنهيا مث
ليخرج مهنا اتراك خلفه ما بىن وش يد اإال أن يدفع أهلها الصليون فاتورة
البناء من دماهئم ومأس هيم وما جنوب اإفريقيا عنا ببعيد.
فهل سيتكرر يف بعض دول اخلليج ،منوذج هنود أمرياك امحلر ولكن
عىل الطريقة احلديثة؟ أم هل سنبيك أندلس أخرى؟
مما يزهدين يف أرض أندلس .....أسامء معتضد فهيا ومعمتد
ألقاب مملكة يف غري موضعها ...اكلهر حييك انتفاخا صوةل السد
177
املوضوع الثالث :الاقتصاد النقدي
الفصل الول :يف معىن الس يوةل
الس يوةل يه الاكش ،أو ما ميكن حتويهل اإىل اكش برسعة وبال لكفة.
وليست الوراق النقدية يه املقصودة ابلاكش فقط ،بل لك نقد أو
شبهيه عىل صورته .أي ليس متحوال لس ند 1أو متويل وحنو ذكل .مفا
كل يف ذمم الناس من ديون ،فال تعترب هذه ادليون يف الس يوةل ،أي ال
تعترب كاكش .ذلا؛ قلنا يف التعريف “ أو ما ميكن حتويهل اإىل اكش
برسعة وبال لكفة ” .وهذه اليت ميكن حتويلها لاكش برسعة وبال لكفة،
تكون اكلس ندات القصرية أجل ،اليت تصدرها حكومات ادلول
املس تقرة ،والرشاكت ذات املالءة املالية والبنوك ،أي تقريبا لك ما
يدخل حتت سوق النقد يف ادلول املتقدمة.
وليك أقرب الوصف ،فالس يوةل املبارشة يه اكلاكش اذلي حتمهل يف
حمفظتك ،تس تطيع الترصف به فورا .وأما ش به الس يوةل فهو كحسابك
اجلاري يف البنك ،حتتاج لرصاف أو اذلهاب للبنك لتسييهل أوال مث
اس تخدامه.
والس يوةل لفظ اتبع يصف حال املوصوف هبا .حفني تنسب الس يوةل اإىل
البنوك فاملعىن هو يف :قدرة البنوك عىل المتويل والوفاء ابلسحوابت.
وس يوةل البنوك احلارضة يه الاحتياطيات غري االإلزامية اليت تودعها
عند البنك املركزي ،زائد الاكش اذلي عندها يف البنوك .وهذه
ويس تثىن من هذا الس ندات الشبهية ابلنقد ،ويه كس ندات احلكومة القصرية الاجل ،والس ندات القصرية الاجل معوما ،واليت تدخل حتت سوق النقد. 1
الس يوةل ليست يه الس يوةل اليت علهيا احملك ،فهي مكن حيمل اكشا يف
جيبه .فاحملك هو ش به الس يوةل ،اليت يه س ندات قصرية الجل أمنة،
وميكن حتويلها للاكش يف ادلول املتطور سوقها النقدي.
الباب الول :املعروض النقدي
وهو مكية النقد املتوفر يف السوق احمللية .مفثال “ ساما ” تضخ يف
البنوك من الرايالت ما حيتاجه الناس لتعاملهم يف السوق السعودية
احمللية ،ابعتبار قدرة البنوك السعودية عىل المتويالت ،فالمتويالت يه
اليت تودل املال( .واس تخدام لكمة الطبع حمل لكمة الضخ أحياان اإمنا هو
من أجل تسهيل املعىن ولكن يف احلقيقة أن معظم الرايل أرقام يف
حواسب المكبيوتر ويه اليت تس تخدم يف المتويالت).
ونفهم من لكمة معروض ،أننا يف سوق النقد .وأن البنك املركزي
يدخل للسوق النقدية -ويه سوق البنوك -فيعرض النقد لزايدة
املعروض او يشرتيه لينقصه ،والك العملني سينعكس عىل الفائدة
نقصاان وزايدة ،فالفائدة سعر النقد ،والسوق طلب وعرض وسلعة،
مفىت اجمتعوا تودل السعر.
مفا تطبعه “ ساما ” أو تضخه يسمى ابلقاعدة النقدية ،وما تودله
البنوك عن طريق االإقراض فهو ما يسمى بعرض النقود .وهو عىل
ثالثة مس توايت ،تبدأ من:
.١عرض النقد الول وهو الكرث س يوةل ،فهو يشمل العمةل الورقية
والايداعات اجلارية عند البنوك.
179
.٢ومث يأيت عرض النقود الثاين القل س يوةل لنه يضم للول الودائع
الزمنية.
.٣ومث ليصري عرض النقود الثالث ،وهو القل س يوةل ،اإذا اضيف اإليه
ش به الس يوةل املودعة عند البنوك ،اكالإيداعات الجنبية ولك ما يتعلق
بأدوات سوق النقد ،واليت تعترب ش به نقدية .ويه س ندات قصرية
الاجل لها اشاكل خمتلفة الا انه جيمع بيهنا سهوةل تس يلها ،ذلا يطلق
علهيا ش به النقد .وهناك تفصيالت كثرية واس تثناءات ليس هنا حملها.
ذلا؛ فلكام زاد النشاط الاقتصادي واحتيج للس يوةل زادت “ ساما ”
من خض الرايل ،وهذا ما نسمعه دامئا ،بزايدة املعروض النقدي .فاإذا
خفت حدة النشاط الاقتصادي ومل تعد هناك حاجة لهذه المكية من
الموال ،حسبت “ ساما ” هذه الرايل من السوق؛ لتوازن بني مكية
الرايل وبني النشاط الاقتصادي.
ذلا؛ فعند حاالت عدم المنو ال يزيد املعروض النقدي؛ لن الرايل
يدور يف اجملمتع من يد اإىل يد يف تبادل حمض للسلع املوجودة دون
اإجياد سلع جديدة .ولكن عند منو الاقتصاد جيب توفري الرايالت؛
لكيال تشح الس يوةل فتنخفض السعار فيتوقف المنو .
تساؤل :فاإن قيل ملاذا يزداد عرض النقد للرايل غالبا حىت يف حاالت
الكساد احمليل .فاجلواب :أن سببه كون السعودية اقتصاد مس تورد ليك
يشء ،فهي بذكل تس تورد تضخم الاقتصادات املنتجة الخرى اليت
نس تورد مهنا.
مبحث :عالقة النقد احمليل ابلنظام النقدي العامل ادلويل
180
واذلي تقوم به “ ساما ” من بيع ورشاء يف سوق النقد احمللية يسمى
التعقمي ،وذكل:
.١من أجل كبح جامح التضخم النقدي حمليا .فلو مل تسحب ساما
معروض الرايالت الزائد ،النعكس عىل ارتفاع السعار حمليا من غري
زايدة يف الطلب فيحصل التضخم النقدي.
.٢من أجل احلفاظ عىل سعر الرايل دوليا .لنه س يؤدي اإىل خلق
جفوة بني أسعار السلع ،حمليا وبني أسعارها دوليا ،مما يدفع ابلرايل
للخارج لرشاء السلعة الرخص تلكفة عىل التاجر ،وساما س تكون يه
من يدفع الفرق.
ومثال لتوضيح الصورة :اإن زادت النقود يف السوق احمللية ومل تسحهبا
ساما ،فسرنى أن سلعة ما عندان أصبحت تساوي ١٠٠٠رايل بعد
اكنت بـ ٨٠٠رايل؛ وذكل بسبب زايدة املعروض النقدي احمليل .ذلا؛
فسعر هذه السلعة يف دوةل جماورة مع أجور الشحن هو ٢٠٠دينار
مثال ،واليت بسعر الرصف الثابت لدلوالر تساوي ٨٠٠رايل .إا ذا
فستبدأ الرايالت ابخلروج من أجل الاس تفادة من فرق السعر وجلب
السلع اإىل السعودية ،بلكفة ٨٠٠رايل وتبيعها بألف رايل.
اإذا هذه الرايالت جيب أن تتحول اإىل العمةل الجنبية ،فلزوما عىل “
ساما ” أن تستبدل هذه الرايالت بعمةل الاقتصاد الجنيب املنتج
للسلعة؛ فستشرتهيا من احتياطياهتا الجنبية ابلعمةل الجنبية .وابلتايل
فساما صارت يه اليت تدفع الفرق اذلي سريحبه التجار املس تغلني
لفرصة فارق السعر بني السوق السعودي والسوق الجنيب.
181
ولكن قبل أن حيدث ذكل تقوم ساما بسحب الفائض النقدي حمليا عن
طريق بيع س ندات ش به نقدية “ ساما بل ” ،للبنوك قبل خروج
الرايل ،أو قد تس تخدم س ندات حكومية اإن توفر -وال أظهنم
يس تخدموهنا ،-كام تقوم ساما برشاء هذه الس ندات يف حاةل زايدة
الطلب احمليل عىل الرايل للمحافظة عىل مس توى السعار حمليا( .فهي
تشرتي الس ندات مقابل خض رايالت من ال يشء).
وهبذا يكون الرايل قد ُحسب من السواق احمللية؛ فاخنفضت مكيته
حىت تعود السعار اإىل وضعها الطبيع .
كام أن ساما تتسلح ابالحتياطيات الجنبية لتقف مس تعدة لدلفاع عن
ثبات قمية الرايل يف حاةل هروب رؤوس الموال غري املتوقع اإىل
اخلارج ،أو جهوهما اإىل ادلاخل .والموال احملوةل من العامةل واملستمثرين
ومن أجل الاس ترياد ال مشلكة فهيا طاملا اكنت مضن التوقعات فال
ختلف مكية املعروض النقدي اإال بذبذبة قصرية؛ لهنا عبارة عن تدوير.
فاإذا اس متر هروب رؤوس الموال؛ فستنفد الاحتياطيات؛ فتعجز
“ساما ” عن رشاء الرايل؛ مما يسبب يف انكسار الربط واهنيار قمية
الرايل .اإال أن ساما قد تس تعني بأحد ادلول الصديقة؛ فتقرتض مهنا
احتياطيات أجنبية بطريقة مبارشة أو بطريقة التبادل (نوع من
املش تقات).
وأعتقد أن ما أش يع يف التسعينات من دين أجنيب قصري الجل
حتملته السعودية ،للياابن أايم حرب اخلليج ،مل يكن إاال من أجل
ادلفاع عن قمية الرايل .فقد نزلت احتياطيات “ ساما ” الجنبية ،يف
182
فرتة معينة خالل أزمة اخلليج ١٩٩٠م اإىل ُخسة باليني دوالر .ومل
ينكرس الرايل؛ مما يؤكد أن هناك مساعدة قُدمت من احللفاء ،واليت
قد تكون يه ادليون الياابنية قصرية الجل اليت أرشت اإلهيا سابقا.
فانكسار الرايل أثناء احلرب هو هزمية معنوية عظمية لها أاثر س ياس ية
واقتصادية وعسكرية سيئة للغاية.
ومن مثل هذا أيضا ،قيام السعودية ابإمداد البنك املركزي اللبناين
مبليار دوالر اكحتياطيات أجنبية أثناء الغزو ا إالرسائييل؛ من أجل
تطمني الناس؛ فيحتفظوا ابللرية وال يستبدلوهنا ،لعلمهم بوجود الغطاء
الجنيب الالزم .وهذا املليار قد ال يس تخدم مطلقا .فاملساعدة هنا
معنوية ال تلحقها خسارة مادية .فاالحتياطيات الجنبية للعمةل اكجليش
م ِّلكلف ماداي ،ولكن اإذا اكن قواي ال هيامج أههل ،فال يس تخدم أصال.
وإان اكن ضعيفا تسلط عليه الغرابء فكرث اس تخدامه وقد يعجز عن
دور امحلاية.
وأما اإن حدث جهوم عىل الرايل برشائه دوليا كام حدث ٢٠٠٧م؛
بسبب الاعتقاد الوامه أن الرايل س يعاد تقيميه ،ويرتفع سعره ،فاإن “
ساما ” تقف كذكل مدافعة عن سعر الرايل؛ ليك ال يزيد يف السوق.
وذكل بأن تعط رايالت جديدة ملن أراد أن يشرتي ،مث تسحهبا من
البنوك فامي بعد.
وحيدث هذا بعدة طرق ،مهنا:
.١االإقبال عىل الرايل يف اخلارج ،وهذا حيدث اإما بأن تفتح حساابت
ابلرايل السعودي يف بنوك أجنبية مث يقوم املضاربون ابلطلب من
183
بنوكهم بتحويل مبالغ من حساابهتم (ابدلوالر مثال) اإىل الرايل لتودع
يف هذه الودائع اليت يه ابلرايل السعودي .وهنا تمكن مشلكتان
ابلنس بة للبنك الجنيب .فالرايل ليس معةل دولية ،فلن ينتفع به البنك
يف كونه مودعا عندها؛ فتكون لكفة الفوائد علهيا بال استامثر .وكذكل
فروقات أسعار الفوائد عىل الرايل .ذلا؛ فالبنوك الجنبية قد تقوم
بعملية تبادلية للودائع بفوائدها مع أحد البنوك السعودية (وهنا جيب
عىل “ ساما ” أن تسحب رايالت هذه الوديعة مبا يسمى بـ ” التعقمي
” ).
.٢وقد يقوم البنك ابإيداع ومه للرايل ،مقابل أخذ ما يقابهل من
ادلوالر ،بيامن يتحوط ،فيشرتي الرايل بفوائده يف العقود املس تقبلية
(عىل حسب النظمة اخملتلفة).
.٣وقد يكون الهجوم بأن تتحول أموال أجنبية اإىل البنوك السعودية؛
لتودع فهيا ابلرايل السعودي؛ مما يس تلزم حتويلها اإىل الرايل السعودي
عن طريق “ ساما ” .وهنا تقوم “ ساما ” بأخذ العمةل الجنبية
وتضعها يف احتياطياهتا ،مث نقوم بطبع الرايالت وإادخالها يف حساابت
البنوك السعودية .مث تقوم “ ساما ” خبطوة اإضافية (كام فعلت يف
تبادل الودائع ادلولية)؛ فتسحب هذه الرايالت احلارة من البنوك
السعودية؛ ليك ال يزداد املعروض النقدي .ويكون ذكل عن طريق بيع
س ندات للبنوك ،وهو ما يسمى ابلتعقمي .وتس متر “ ساما ” بفعل ذكل
حىت ييأس املضاربون من رفع سعر الرصف فيبدؤون ببيع الرايل (أي
184
حتويهل اإىل معالت أجنبية) ،وحيهنا تقوم “ ساما ” برشاء الرايل من
احتياطياهتا الجنبية ،أي أن هذه بضاعتمك ردت اإليمك.
ولك هذا الضخ والسحب للرايالت هو معليات رمقية حماسبية يف
جوهرها .وللتبس يط فلو اكنت القاعدة النقدية يه ٢٠٠مليار رايل ،
واذلي تراه “ ساما ” أنه يوافق الطلب .فلو حتول اإلينا من اخلارج
١٠٠مليون دوالر؛ ليك تودع عىل شلك رايالت يف أحد البنوك
احمللية ،فنظراي :تقوم “ ساما ” بأخذ هذه ادلوالرات وإايداعها يف
احتياطها النقدي يف شلك س ندات أمريكية قصرية الجل .مث ختلق
ساما ٣٧٥مليون رايل مل تكن موجودة من قبل؛ ليك تودع يف
البنك احمليل.
وهذا يعين أن القاعدة النقدية زادت .وهبذا سزييد املعروض النقدي؛
لن البنك س يودل من هذه الموال أموالا أخرى .ولن ترىض “ ساما
” بأن يتالعب من شاء ابملعروض النقدي من اخلارج أو ادلاخل.
وذلا؛ تقوم ببيع س ندات عىل هذا البنك احمليل ،وتسحب منه الرايالت
اليت أوجدهتا من قبل؛ فال يتغري املعروض النقدي .واذلي سيتغري هو
نس بة موجودات الس ندات الجنبية لــ ” ساما ” مقابل احمللية .فف
هذا املثال سزتيد الس ندات الجنبية وتنقص الس ندات احلكومية
احمللية يف جانب موجودات “ ساما ” وأما مطلوابهتا ،فلن تتأثر.
والتوازن كام هو ٢٠٠مليار يف الك اجلهتني.
185
الفصل الثاين :يف مفهوم الفائدة عند البنك املركزي
همام اختلفت مسميات “ الفائدة ” وأنواعها يف دول العامل ،فاإن البنك
املركزي يضع حدا أعىل للفائدة وحدا أدىن .وحيافظ علهيا يف الغالب،
اإال يف حاالت اس تثنائية من أجل دمع الاقتصاد؛ فقد خيفض السقف
حىت ال يعود سقفا .وعادة ما يكون حد الفائدة ادلونية حمسواب عىل
أساس أن اإيداع البنوك التجارية يف البنك املركزي ،يكون لليةل واحدة
فقط (اإذا اكنت العمةل مربوطة او بقرار وقيت حلل أزمة ما) .وتعترب
هذه الفائدة كحد أدىن للفائدة يف سوق النقد ،وهو اذلي تس تخدمه
البنوك كساس لتسعري اقراضها البنوك الخرى ،واذلي حيدث
ابس تخدام البنوك الحتياطاهتا الزائدة عن حاجهتا.1
ويس تخدم البنك املركزي قمية فائدة أعىل 2ليجعلها سقفا ،أي جيعلها
كحد أعىل للفائدة قد تصل اليه البنوك يف معليات اقرتاضها .مفىت
تعدى تسعري فائدة االإقراض بني البنوك هذا السقف ،يتدخل البنك
املركزي ويقوم ابإقراض البنوك احملتاجة ،اإذا ارتأى ذكل .وهو ما يسمى
عند الاحتياط الفدرايل المرييك بسعر اخلصم .وهو سعر الفائدة
اذلي يفرضه عىل البنوك حيامن ال جتد من يقرضها من البنوك الخرى؛
فتلجأ اإىل البنك املركزي (الاحتياط الفدرايل) ،فيقرضها من عنده،
خبلق س يوةل من ال يشء ،اللهم يه جمرد ارقام تسجل يف احتياط
البنك التجاري ،مقابل س ند دين عليه.
( 1ولهذا ُمس البنك املركزي المرييك ،ابالحتياط الفدرايل .فاحتياطيات البنوك التجارية تكون عنده ،وعىل مس توى فدرايل).
( 2ويكون يف احلاالت الاعتيادية -قبل الزمة املالية -بني 100-50نقطة أساس زايدة عىل حسب جودة البنك ،والحوال الاقتصادية)،
186
اإذا فالبنك املركزي حيدد لسوق النقد سعرها الريض وسعر سقفها،
وسعر النقد هو الفائدة .فهو سوق كي سوق ،سلعة س يارات او
ماعز .اللهم أنه سوق خاص للبنوك .التسعري فيه ابلفائدة ،والمكية
املعروضة يه النقد .ومكية العرض يف هذا السوق يه احتياطيات
البنوك الغري اإلزامية ،حىت ارتفاع الطلب ليصل اىل السعر السقف
فهنا ،يكون العرض ال هنائيا من البنك املركزي.
وهذا لكه تنظريي ،ولكن املعطيات املتغرية تغري من تفاصيل التنظري
وتبق عىل اساس يات جوهره .مفثال ،وضع الاحتياط المرييك
(البنك املركزي) برامج تيسري خاصة ،وبرشوط معينة ل إالقراض
وتوفري الس يوةل (مبا يسمى بنوافذ اخلصم) .اكن فهيا سعر فائدة
الاقرتاض من البنك املركزي أقل من سعر فائدة الاقرتاض من
احتياطيات البنوك؛ وذكل من أجل الس يطرة عىل الانعاكسات
الاقتصادية حلادثة سبمترب عام ٢٠٠١م ٢٠٠٢-م ،وكذكل يف الزمة
املالية عام ٢٠٠٧م – ٢٠٠٨م.
ويس تطيع البنك املركزي حتديد الفائدة عن طريق تدخهل يف السوق
النقدية ببيع ورشاء الس ندات احلكومية .أي أنه يسحب النقد ببيع
الس ندات يف السوق النقدية ،ويضخ النقد برشاء الس ندات من
السوق النقدية .ويس متر يف هذه املوازنة حىت جيعل نقطة توازن عرض
النقود والطلب علهيا ،تقف عند سعر الفائدة املعلنة كحد أدىن.
وبشلك عام فهذا هو العمل يف دول العامل مع بعض الاختالفات
العتبارات معينة من دوةل اإىل دوةل ولنأخذ تطبيق عىل معةل مربوطة،
187
حيث ان نظرية الربط ،مل تعد موجودة يف الكتب الاكدميية والبحوث
العلمية .فذلا فيكون اس تخدام معةل مربوطة هنا ،اباب اخر الكتساب
العمل الاقتصادي .وس نتناول تطبيقني ،الول عىل معل البنك يف
السوق النقدية ،والثاين عىل سعر الفائدة اليت يقرتض علهيا البنوك،
ويه سعر الرضية للفائدة يف سوق النقد املعومة ،كفائدة الاحتياط
الفدرايل مثال .بيامن تكون يف ماكن ما بني سعر الفائدة الريض
والسعر السقف ،يف العمالت املربوطة اكلسايرب السعودي مثال.
تطبيق عىل معل البنك املركزي لعمةل مربوطة:
مكؤسسة النقد السعودي مثال ،جعلت من الريبو حدا أعىل ل إالقراض
ومن الريبو العكيس حدا أدىن ل إالقراض .وقبل تفصيل ذكل ،فالريبو
معوما هو أداة من أدوات السوق املالية القصرية الجل ،مثهل مثل
قروض احتياطيات البنوك ،والس ندات قصرية الجل ،والوراق
التجارية وغريها مما يس تخدم يف السوق املالية القصرية الجل .وهو يف
حقيقته عبارة عن قرض مرهون بورقة مالية ،ويف صورته عبارة عن
بيع حقيق لس ند (يكون حكويم عادة) ،مع وعد برشائه الحقا بأغىل
مما بيع به .والفرق بني سعر البيع والرشاء هو سعر فائدة الريبو ،وال
عالقة هل بفائدة الس ند (اإال عالوة اخملاطرة اإن وجدت) .وابئع الس ند
هو يف حقيقته مقرتض ،وقد وضع الس ند رهينة عند املقرض .ويقال
عنه -يف حالته تل -بأنه يقوم ابلريبو؛ لنه هو من يتعهد برشاء
الس ند مرة أخرى ابلقمية احملتوية عىل أصل القرض مع فائدته .وأما
املُقرض فهو مشرتي الس ند ومقدم املال ،وهو اذلي يقال عنه بأنه يقوم
188
ابلريبو العكيس؛ لنه يتعهد ابإرجاع الس ند املوعود برشائه من قبل
صاحبه.
فعندما حيتاج بنك سعودي اإىل الاقرتاض من مؤسسة النقد؛ لعدم
وجود من يقرضه من البنوك السعودية ،وعدم وجود خيارات أخرى
أقل لكفة ،فاإن مؤسسة النقد س تقرضه عىل سعر السقف املعلن أي
سعر الريبو .وطريقته ،يه أن يبيع البنك س ندات حكومية عىل البنك
املركزي ،مع وعد برشاهئا الحقا عىل معدل الريبو املعلن ،ويكون عىل
أساس أن الس نة تساوي ٣٦٠يوما.
وأما اإن زاد النقد عند البنك ،فاإن مؤسسة النقد تسحهبا منه؛ ليك
حتافظ عىل السعر الدىن للفائدة املعلن ،وهو سعر الريبو العكيس أو
ما يسمى بـــ(سعر االإيداع)؛ ونكون قد أمسينا هذا النوع من حسب
النقد ابالإيداع .فكن البنك يودع هذه النقود الفائضة عند البنك
املركزي ،وإان اكن البنك امسيا يُعترب ُمقرضا ملؤسسة النقد بسعر الريبو
العكيس .ومؤسسة النقد تسحب النقد الفائض من البنوك التجارية
حفاظا عىل معدل الرصف املعلن ،وس يأيت رشح رضورة هذا.
189
تطبيق عىل سعر فائدة الاقرتاض بني البنوك يف سوق معةل
مربوطة:
اكلسايرب السعودي ،1مثال .وهذه لكمة معربة لفظيا ،جتمع أوائل لكامت
أجنبية ( 2وترمجهتا سعر الفائدة بني البنوك السعودية) .وتكون
اليبور ،اإذا قصدت سوق ادلوالر يف لندن ،وهكذا ..وللك بدل امس
لسعر النقد احمليل.
فالسايرب (السعودي) هو سعر أو لكفة أو قمية أو مثن النقد السعودي
يف سوقه احمليل .فالفائدة يه سعر النقد.
والسايرب السعودي هو سعر الفائدة اليت تقرتض هبا البنوك بني بعضها
عادة من احتياطاهتا الزائدة ،3وهذا غري سعر الريبو العكيس ،بل هو
يف ماكن ما بني الريبو والريبو العكيس ،أي كام ذكران سابقا ،بني
سقف الفائدة وأرضيهتا .وقد ذكران سابقا أن أسعار الفوائد الساس ية
اليت تعلهنا البنوك املركزية عادة ،يه عىل أساس ليةل واحدة .فالعقد
ليةل واحدة يتجدد تلقائيا طاملا أن الطرفني متفقان .وهذا يعين أن
الالزتام هو لليةل واحدة .فلو تغري سعر الفائدة ،فيطبق التغيري يف اليوم
الثاين .وكذكل يعين أن التجديد التلقايئ اليويم للقرض ،قد ال حيدث
لسبب أو لخر .ويعين كذكل أن الفائدة تكون مرتاكبة عىل أساس
1وهناك سايرب س نقافوري ،هو أشهر وأكرث اس تخداما ومرجعية من السايرب السعودي .وقد ربطت س نغافورة ادلوالر المرييك ابجلنيه االإسرتليين حىت أوائل
الس بعينيات ،مث ابدلوالر المرييك لفرتة قصرية من الزمن .ومث من عام 1973اإىل عام ، 1985ربطت س نغافورة معلهتا مقابل سةل معالت اثبتة وغري معلنة ..ومث من عام
1985عُوم ادلوالر الس نغافوري مضن نطاق ترددي غريمعلوم ،فهو معوم مربوط .وهذا االإجراء يس تل زم نزاهة عظمية ومعرفة معيقة من مس ئويل البنك املركزي
ليضمنوا عدم التالعب بسعر الرصف ،مبا خيدم فئة ما ،فكونه يتذبذب مضن نطاق جمهول الوزان جيعل العني تغفل عن التالعب به ملصحة ما .و
Saudi Interbank Offered Rate 2
( 3والسعر املعلن هو عىل أساس س نوي عىل حساب أن الس نة 360يوما).
190
يويم( ،أي أن الفوائد تتحقق يوميا وتدخل مضن القرض السايس اإذا
حصل التجديد).
أما السايرب السعودي فيختلف عن الريبو بنوعيه ،فهو ملدة مقطوعة
كس بوع أو كشهر أو ثالثة أو س تة أو س نة .وسعر الفائدة هو سعر
مثبت خالل فرتة القرض.
وذلكل فالسايرب السعودي قد يكون أحياان أعىل من الريبو ،أي أعىل
من سقف سعر الفائدة (احلد العىل) اليت تضعه مؤسسة النقد،
وخاصة اإذا اكن الريبو قريبا جدا من الريبو العكيس؛ وذكل بسبب أن
الفائدة يف السايرب حمسوبة عىل يويم ترامك ،وحمسوبة عىل أساس
الالزتام ابلعقد وعدم احقية اسرتجاع القرض حىت انهتاء مدته ،وهذا
فيه نوعا من اخملاطرة .فاملدة قد تصل اإىل س نة ،وتتأثر كثريا بعوامل
الطلب والعرض عىل احتياطيات البنوك ،واليت تس تجيب برسعة
لحوال السوق الاقتصادية وتوقعاهتا.
ولكن السايرب دامئا ما يكون أعىل من احلد الدىن ،أي الريبو
العكيس .فالريبو العكيس هو أساس وقاعدة السايرب السعودي اليت
ينطلق مهنا .فيضيف اليه قمية الفائدة الرتامكية وقمية مدة الالزتام.
فالريبو العكيس يف الواقع هو قاعدة لك أنواع الفوائد؛ لنه هو أساس
الفائدة اليت تدفعها البنوك عىل الودائع.
ابب :مفا هو السايرب السعودي ؟ وكيف تتحدد قميته:
يتواجد عند البنوك س يوةل مل تس تطع استامثرها يف قروض أو
س ندات ،فتعترب هذه الس يوةل احتياطيات نقدية غري اإلزامية .ويه –
191
من املفرتض -أهنا س يوةل ملكفة وليست جمانية ،1ذلا فالبنوك تودعها
عند مؤسسة النقد ،بعملية الريبو العكيس ،فتأخذ البنوك بذكل فائدة
هذه الس يوةل الفائضة ليغط تاكليف هذه الس يوةل.2
ولتقريب الصورة أكرث فلنرشهحا مبثال :فلنقل أن فائدة الريبو (السقف)
تبلغ ،٪٢والريبو العكيس (الريض) يبلغ .٪١.٢٥وهناك بنك
سعودي عنده مودعون ُك ُرث ،لكن ليس عليه اقبال من املقرتضني.
فس يكون عند البنك س يوهل فائضة عن الاحتياطيات الرمسية،
فس يأخذ علهيا فائدة الريبو العكيس ابإيداعها عند البنك املركزي .بيامن
هناك بنك سعودي أخر ،عليه اقبال يف معليات االإقراض حبيث
جتاوزت االإيداعات ،أو فوجئ بسحب مباغت ملبلغ خضم من زبون
ثقيل ،أو ُطلب قرض من زبون ال يريد خسارته .فهذا البنك اإذا،
حيتاج اإىل س يوةل بيامن البنك الول حيتاج اإىل ترصيف الس يوةل .فتمت
العملية بني البنكني بسعر فائدة السايرب اليت س تكون مؤكدا أعىل من
الريبو العكيس؛ لهنا تنطلق منه كساس ،وتكون يف الحوال العادية
أقل من الريبو؛ لنه هو السقف.
وتتحدد هذه الفائدة (السايرب السعودي) ابإضافة عالوة عىل الريبو
العكيس عىل حسب العرض والطلب عىل الاقرتاض بني البنوك.
فعند وجود فوائض كثرية عند البنوك؛ ينخفض سعر السايرب ،ولكنه ال
بد أن يكون أعىل من الريبو العكيس ،وإاال ملا قام البنك ابإقراض البنك
. 1يعين أن هناك من يودع الموال عند البنك ،والبنك مل يس تطع أن يعيد اإقراضها؛
( 2لنه من املفرتض أن البنك املفرتض س يقدهما للمودعني من زابئن البنك).
192
الخر .فاالإيداع عند البنك املركزي ،معلية أرب وأقل خماطرة .وعادة
عند كرثة النشطة الاقتصادية ،أو اخلوف من الزمات املالية ،تقل
فوائض البنوك املعروضة الإقراض البنوك الخرى؛ مما يرفع سعر
السايرب حىت يصل اإىل السقف العىل ،وهو الريبو .وبعد ذكل يصبح
الاقرتاض من مؤسسة النقد عىل أساس ليةل واحدة أقل لكفة ،عىل
افرتاض أن البنك املركزي ليس هل حتفظات عىل اإقراض البنك الطالب
للقرض.
ومعليا يف الاقتصاد العام ،يس تخدم السايرب كساس مقياس للكفة
الاقرتاض عىل املدى القصري .وللتوضيح فلنتخيل أن النقد سلعة يف
سوق امجلةل ،واملقيد بتجار امجلةل فقط .والتجار هنا مه البنوك وسلعهتم
النقد ،اليت يه احتياطاهتم عند مؤسسة النقد .فالبنك اإذا اشرتى
نقودا ،مث أراد بيعها ،فس يضع علهيا هامش رب يزيد وينقص مبخاطرة
االإفالس والحوال الاقتصادية املتغرية وإان اكنت طفيفة؛ لن الزمن
قصري هنا ،وهو عامل همم.
وي ُس تخدم السايرب كذكل ،مكرجع ومستند يف القروض الطويةل
الجل ،بأن يُرتك متغريا يضاف اإىل نس بة اثبتة عىل حسب املفرتض،
فيضمن البنك تقلبات سعر الفائدة بذكل .فالسايرب كام قلنا هو متعلق
ابلريبو العكيس اذلي يشلك قاعدته ،مث تأيت عوامل الطلب والعرض
عىل احتياطيات البنوك بعد ذكل .والريبو العكيس هو سعر الفوائد
عىل الودائع البنكية .ذلا؛ فهو أساس أسعار الفوائد مجيعها؛ لن الفوائد
عىل الودائع يه لكفة البنوك الساس ية .وعىل لك حال فالريبو العكيس
193
مرتبط ابلس ياسة النقدية المريكية ،وليس لنا فيه اس تقاللية .فلامذا
تتبع الفائدة عىل العمةل املربوطة فائدة العمةل املعومة املرتبطة هبا؟ وهو
موضوع الفصل القادم.
ابب الفائدة السلبية:
يف حاالت الزمات املالية ،هترب الموال اإىل الس ندات احلكومية،
حىت ترتفع أسعارها السوقية ،حىت تصبح عوائدها صفرا أو قد تصبح
سلبية أقل من الصفر .وقد حصل هذا ،يف الس ندات المريكية
والملانية يف الزمة املالية حديثا ،وهو حيدث من قدمي يف الس ندات
الياابنية .ومعىن هذا :أن من يشرتي الس ند هو اذلي يدفع ليحفظ ماهل
يف الس ند احلكويم .أي أن املستمثر يشرتي الس ند (أبو مائة) مثال
مبائة دوالر وعرش سنتات وعندما يأيت وقت السداد يأخذ مائة دوالر
فقط ،فكنه دفع فائدة عرشة سنتات بدال من أن يأخذ فائدة .وتصري
الفائدة سلبية كذكل ،اإذا صارت البنوك تأخذ اجورا عىل الاستيداع
بدال من أن تعط .ويف كثري من البنوك العاملية تأخذ أجورا عىل
الاستيداع ما مل يكن احلساب ادخاراي .الن الاستيداع هل لكفة ضامن
ولكفة حفظ ،فاإن اكن احلساب الاستيداع قصري الجل أو غري اثبت
فالبنك ال يس تطيع الاستامثر به يف استامثرات طويةل الاجل واليت تأيت
بعوائد تزيد عن لكفة حفظ هذه الودائع.
واملستمثرون يرضون هبذا خوفا عىل أمواهلم من ضياعها بسبب اإفالس
البنوك أو تعرث الس ندات اخلاصة ،فيشرتون بأمواهلم الس ندات
احلكومية المريكية والياابنية والملانية ،لضامن عدم تعرثها.
194
واحياان يُرصف معىن الفائدة السلبية عند الاقتصاديني القح اإىل الفائدة
احلقيقة .فالفائدة المسية اليت نراها يف االإعالانت ويف عقود المتويالت،
عند الاقتصاديني تتكون من جزئني :نس بة الفائدة احلقيقية +نس بة
التضخم املتوقع .مفثال :متويل مبائة ألف لعام ،وفائدته المسية ٪١٢
وسداده دفعة واحدة يف أخر الس نة .واكن التضخم تل الس نة ،٪١٠
فهذا يعين أنه يف اخر العام قد سددت مبلغ ١١٢الف رايل ،قميهتا
الرشائية يوم أن أخذهتا ١٠١.٨٢الف رايل .فلو بلغ التضخم يف
ذكل العام ،٪١٥فهذا يعين أن قميهتا الرشائية يوم أخذهتا ٩٧.٣٩
الف رايل .أي كنك اخذهتا بفائدة سلبية ،اإذا قيست ابلقوة الرشائية.
ذلا يُقال فائدة حقيقة ،وأسعار حقيقية ،فالقصد أن الفائدة أو السعار
قد ُانزتع مهنا التضخم.
وجيب التنبيه هنا ،ان مفهوم الفائدة االإمسية= الفائدة احلقيقية +
التضخم ،هو مفهوم اقتصادي حمض حيتاجه الاقتصادي ال املستمثر
املايل .فاالستامثر بعمومه والمتويالت ابشاكلها تعترب الفائدة احلقيقية +
الفرصة البديةل ،والفرصة البديةل تتضمن التضخم بني طياهتا.
195
الفصل الثالث :عالقة الفائدة احمللية ابلنظام النقدي العامل ادلويل
الفائدة احمللية اإما أن تكون فائدة عىل معةل مربوطة وإاما أن تكون عىل
معةل معومة.
ابب أثر السوق ادلولية عىل تغري الفائدة عىل العمةل
فأما تغري الفائدة يف معةل معومة فهو ينعكس عىل سعر رصفها يف
السوق ادلولية ،الهنا يف السوق ادلولية تصبح العمةل املعومة ورقة
مالية ،فعائدها يؤثر كثريا يف سعرها السويق .فريتفع سعر رصف العمةل
املعومة عند ارتفاع الفائدة علهيا ،وينخفض سعر رصفها اإذا اخنفضت
الفائدة علهيا .وهذا التغري يف سعر رصفها اطرادا مع التغري يف الفائدة
علهيا هو اذلي يلغ فرصة الرتب من العمةل ،فال توجد اس مترارية يف
زايدة الطلب علهيا او نقصانه .وهذا خبالف العمةل املربوطة بغريها،
اذلي يس متر تغري الطلب علهيا اإىل أن يكرسها رسيعا يف حال اخنفاض
الفائدة ،أو يُفلس ابلبنك املركزي يف حال ارتفاع الفائدة .وبيان هذا
اخملزتل يقع يف االإجابة عىل سؤالني .الول :ملاذا تتبع الفائدة عىل العمةل
املربوطة فائدة العمةل املعومة؟ والثاين :كيف جتري هذه ادليناميكية اليت
تفرض اس تحاةل امجلع بني هذه المور الثالثة؟
مبحث :ملاذا تتبع الفائدة عىل العمةل املربوطة فائدة العمةل املعومة
=>اجلواب :ذكل لن ديناميكية النظام املايل ادلويل تفرض اس تحاةل
امجلع بني ثالثة أمور:
.١ربط العمةل.
.٢مع اس تقاللية الس ياسة النقدية.
.٣مع حرية تنقل الموال دولي ًا.
ذلا فالسيناريوهات احملمتةل ثالثة:
اخليار الول :فاإما أن يمتتع البنك املركزي ابس تقاللية س ياسة نقدية
فريفع الفائدة أو خيفضها بناء عىل الوضاع احمللية الاقتصادية ويضمن
حرية تنقل الموال ولكن رشيطة تعومي العمةل كام يف بريطانيا والياابن
وادلوالر مث ًال.
اخليار الثاين :أو أن تكون هناك اإماكنية أن يمتتع البنك املركزي
ابس تقاللية الس ياسة النقدية اإىل حد كبري مع ربط معلته بعمةل أخرى
ولكن بوضع قيود عىل حركة الموال ادلولية كام تفعهل الصني.
واخليار الثالث ،واملتبع مث ًال عند دول اخلليج ،هو أن تمتتع ادلوةل حبرية
تنقل الموال مع احملافظة عىل س ياسة الربط عىل أن يتنازل البنك
املركزي عن الاس تقاللية الس ياسة النقدية يف توجيه الاقتصاد واملمتثةل
يف سعر الفائدة كداة غري مبارشة أو عرض النقود كداة مبارشة.
وهذا اخليار يناسب ادلول الغري منتجة ،خففض الفائدة لزايدة الس يوةل
يف اقتصاد ال ينتج ال يعود الا خبروهجا للسواق الجنبية مع خلق
تضخم عىل السلع الغري قابةل لالس تجالب ،اكلعقارات واحليواانت
احمللية ،اكالبل مثال.
وتعمل هذه ادليناميكية اليت تفرض اس تحاةل امجلع بني هذه المور
الثالثة ،عندما يصبح الاستامثر يف الودائع ابلرايل ذا عائد أعىل من
الاستامثر يف الودائع ابدلوالر أو العمالت املرتبطة به اكلعمالت
197
اخلليجية .وذكل حيدث عندما ُختفض الفائدة المريكية وتتبعها العمالت
املرتبطة به وال ُختفض الفائدة عىل الرايل.
فعدم حلاق فائدة الرايل السعودي مثال بفائدة ادلوالر المرييك مع ربط
الرايل به مقرتان ابحلفاظ عىل ثبات معدل الرصف وحرية يف تنقل
الموال ادلولية ،فان النتيجة س تكون س يوال من التحويالت املالية
املتواصةل من خارج السعودية اإىل داخلها ابحثة عن سعر أعىل للودائع،
وذكل إان اكنت الفائدة عىل الرايل أعىل مهنا عىل ادلوالر والعكس
حصيح .وينهتي البنك املركزي للعمةل املربوطة بدفع الفرق ،وتوضيح
هذا يف االإجابة عن السؤال القادم.
مبحث :كيف جتري ديناميكية اس تحاةل امجلع
فتبس يطا للمسأةل ،جتري ديناميكية اس تحاةل امجلع بني هذه المور
الثالثة ،أنه عندما ُختفض الفائدة المريكية وال ُختفض الفائدة عىل
الرايل حيدث السيناريو التايل( :بتبس يط املفهوم لغري الاقتصادي)
.١يسحب املستمثرون -من احناء العامل -أمواهلم من ودائع ادلوالر
ويشرتون هبا الرايل.
.٢فزيداد الطلب عىل الرايل فتقوم مؤسسة النقد السعودي بتوفري
الرايل (اإصدار مكيات جديدة) وبيعه لهؤالء املستمثرين للمحافظة عىل
سعر الرصف مع ادلوالر.
.٣تدخر مؤسسة النقد هذه ادلوالرات اليت قوضيت ابلرايل يف
الاحتياط النقدي الجنيب يف صورة س ندات ابدلوالر تدفع الفائدة
المريكية اخملفضة.
198
.٤ومبا أن الموال تتحرك حبرية من وإاىل السعودية ،يقوم املستمثرون
ابإيداع الرايالت السعودية يف البنوك السعودية يف ودائع ابلرايل
السعودي تدفع الفائدة السعودية املرتفعة.
.٥اإذا مل تتدخل مؤسسة النقد ،س تقوم البنوك ابإقراض واس تخدام
هذه الس يوةل اجلديدة ،مما س يؤدي اإىل زايدة املعروض النقدي ،واذلي
س يؤدي اإىل التضخم من انحية وإاىل حتمك الس يوةل الجنبية يف
املعروض النقدي للرايل السعودي من انحية أخرى ،وهذا ما ال
يسمح به أي بنك مركزي أن يقع يف سوقه املالية احمللية.
.٦ذلا ،مفن أجل احملافظة عىل ثبات واس تقرار توازن السوق املالية
السعودية ،تقوم مؤسسة النقد بسحب هذه الودائع (الس يوةل) من
البنوك عن طريق بيع س ندات ابلرايل واليت تدفع الفائدة السعودية
املرتفعة.
فاحلصيةل من عدم خفض الفائدة السعودية تبع ًا للفائدة المريكية مع
احملافظة عىل سعر الرصف هو :أن مؤسسة النقد س تدفع الفرق بني
معدل الفائدتني.
وسيس متر تدفق الس يوةل الجنبية يف شلك ودائع ابلرايل اإىل أن
تتوقف مؤسسة النقد عن التدخل يف سعر رصف الرايل وتسمح هل
ابالرتفاع مقابل ادلوالر (أي فك الارتباط) أو أن متنع تدفق الموال
أي تقيد حرية تنقل املال أو تتبع الس ياسة النقدية لالحتياط المرييك
وختفض الفائدة عىل الرايل ،فاإتباع مؤسسة النقد السعودي ملعدل
199
الفائدة المرييك هو من أجل اإضاعة الفرصة عىل الس يوةل الجنبية غري
االإنتاجية الباحثة عن الرب يف الفرق بني معدل الفائدتني.
والعكس تقريبا يكون بعكس السيناريو .أي يف حال ارتفاع فائدة
ادلوالر وعدم حلاق الرايل السعودي به يؤدي خلروج الموال من
البنوك السعودية ابحثة عن عوائد اكرب يف الودائع ادلوالرية .وهذا قد
يس تزنف الاحتياطيات .فهروب الموال ككرة الثلج .مىت بدأ فاإنه
يزداد حىت يعظم ويدمر لك يشء.
وقفة :أسطورة الودائع البنكية
اس تغلت اليدلوجية الاشرتاكية الهالكة حقد الفقري عىل الغين والناشئ
من ظمل الغين للفقري يف عرص االإقطاع .فروجت أساطري ال حقيقة لها
حول النظمة البنكية اليت يه عامد النظام املايل يف الاقتصاد الرأساميل.
واس تفادت الرأساملية من هذه الساطري بأن حرصت عىل تغيري لك
وضع ميكن للغين اس تغالهل يف ظمل الفقري كام منعت الفقري من ظمل
الغين .فتطورت الرأساملية عرب العقود لهنا اعمتدت عىل احلقائق املتغرية
بيامن هلكت الاشرتاكية اليت انشغلت يف تروج الاكذيب والساطري.
ومن الساطري اليت حبكهتا اليدلوجية الاشرتاكية ،أسطورة ديناميكية
معل الودائع البنكية يف النظام البنيك الرأساميل .أسطورة ختىل عهنا
أرابهبا وتلقهتا بقااي الش يوعيني يف الغرب والرشق ورددها كذكل
للسف وحبسن نية كثري من أفراد العامل االإساليم وبنو علهيا أحاكم
معامالهتم.
200
فأسطورة الودائع تدور حول أن الوديعة البنكية يه كزنر لموال
الغنياء وحرمان الاقتصاد مهنا ،بيامن حقيقهتا عكس ذكل متاما .فقد
ُُصمت الوديعة لسحب لموال الغنياء من السوق يف حاةل طفراته
لكيال حتدث الفقاعات السعرية اليت تتبعها اهنيارات اقتصادية ،بيامن
تطرد الوديعة أموال الغنياء فال تقبلها عند حاجة الاقتصاد لها ،ولك
ذكل يمت عن طريق رفع سعر الفائدة يف حاالت المنو املتسارع وختفيضها
يف حاالت اخنفاض مس توى المنو.
حتيك السطورة -أسطورة الودائع البنكية -بأن الغنياء يعطلون
التحرك الاقتصادي والمنو يف اجملمتع ابإيداعهم لمواهلم يف ودائع بنكية
تعط الفوائد والرب عىل رؤوس الموال من غري هجد يبذهل الغنياء
أو خماطرة تذكر .والعجيب أن هذه السطورة مل تتأمل حلظة يف دوافع
البنوك الإعطاء هذه الفوائد عىل الودائع .فهل يتصور عاقل أن
البنك يدفع الفوائد عىل هذه الموال من أجل التغزل هبا والمتتع ابلنظر
اإلهيا مكدسة يف خزائنه .أمل تتساءل هذه الساطري ،مل يرفع البنك
املركزي الفوائد حينا وخيفضها حينا أخر .وهل البنك املركزي يريد
القضاء عىل الاقتصاد برفع الفوائد حمابة للغنياء.
واجلواب واحض :وهو أن البنك يقدم المتويالت من رصيده من ودائع
املودعني .فأسعار الفوائد عىل المتويالت ،مش تقة من أسعار الفوائد
عىل الودائع.
وحاكية حتديد أسعار الفوائد عىل الودائع اليوم يه نفسها اليت اكنت يف
عرص اذلهب ،اللهم أهنا اليوم أصبحت بيد االإنسان العاقل بعد ان
201
اكنت بيد امجلاد اذلهب الغري عاقل .فف عرص اذلهب اكنت ديناميكية
أسعار الفوائد ألية حمضة حتمكها سوق االإنتاج احلقيق .فالبنك املركزي
يف حقبة اذلهب ،لو أعلن ختفيض سعر الفائدة فلن ي ُس تجاب هل.
فالبنوك تعمل يف نظام سوق حر ،فس يحمكها سوق العرض والطلب
بني الودائع والمتويالت.
وأما اليوم فقد فرض النقد املعارص نفسه عىل النظام املايل .فأصبح
قرار رفع الفائدة وختفيضها ،وابلتايل تكديس الوادئع او تسييلها ،يه
اليوم قرارات من البنك املركزي فهذه الفلوس تُضخ وتُسحب مبجرد
الشطب واالإضافة يف السجالت احلسابية .وأصبح البنك املركزي عىل
املدى القصري -حىت ُخس س نوات أو أكرث أحياان -هو املتحمك الوحد
فهيا مما يعط فرصة للمجمتع الاقتصادي بتصحيح أخطاء تسارع
الطفرات الاقتصادية يف ظل تزويد السوق املالية بنوع من المان يك
يضمن اس تقرارها.
حفقيقة سعر الفائدة عىل الودائع أساسه قدميا وحديثا أن الفائدة عوض
عن الفرصة الضائعة من عدم الاستامثر ابلموال املودعة.
فف فرتات ازدهار النشاط الاقتصادي تكرث الفرص الاستامثرية
وترتفع عوائدها فرتتفع الفائدة ابرتفاع فوات الفرصة من عدم الاستامثر
هبذه الموال والعكس حصيح .فف فرتات المنو يرتفع الطلب عىل
المتويالت ويقل عرضها بتناقص الراغبني يف اإيداع أمواهلم يف البنوك.
فال يودع يف البنك اإال العاجز -فنيا أو نفس يا -عن استامثر أمواهل يف
بناء الاقتصاد .مفن أجل ذكل تبدأ الفائدة يف الارتفاع تدرجييا يف عرص
202
الازدهار الاقتصادي مع تزايد الطلب عىل المتويالت اذلي يتسبب
بنقص الودائع -اليت يه أساس توليد الموال -فيشلك هذا قيدا
أوتوماتيكيا يف عرص اذلهب عىل الطفرات االإنتاجية فمينع من ارتفاع
السعار .ولكن اذلهب ال عقل هل فهو ال يدرك ان ادلورات
الاقتصادية االإنتاجية خملرتع جديد -كثورة االتصاالت او ادلوت مك-
حتتاج لعقد من الزمن حىت تنضج ،فلو اننا يف عرص اذلهب ملا وصلنا
اىل مال وصلنا اليه اليوم .فشح اذلهب من الس نة الاوىل او الثانية،
س يخنق الطفرة وينتكسها اىل حفرة ال خيرج مهنا الاقتصاد الا بعقد
من الزمان .ومعق النكسات الاقتصادية يف عرص اذلهب :لنه عند
تقهقر الاقتصاد ال يس تطيع بعض املستمثرين من تسديد املس تحقات
واليت يه يف أساسها ودائع بنكية للغري .فيفلس البنك بسبب تزامح
املودعني عىل البنك السرتداد ودائعهم .وحىت ولو أن البنك مل يودل
الموال ابالإقراض بل أقرض عني الودائع نفسها ،فاإن جمرد الاحنسار
الاقتصادي حيدث الفوىض واخلوف ويطالب أهل الودائع بودائعهم ولن
حيصل بعضهم علهيا .فيدخل الاقتصاد يف هاوية انعدام الس يوةل لفرتة
طويةل حىت يس تطيع اجملمتع الاقتصادي تعويض خسائر اذلهب الضائع
ومجدت وتوقفت عن االإنتاج. يف الاستامثرات اليت فشلت أو عُطلت ُ
ومبا أن اذلهب حمدود فس تطول وتسوء احلاةل الاقتصادية حىت يتوفر
اذلهب من جديد وحىت يعوض اجملمتع العقول الاستامثرية اليت غُيبت
يف جماهيل االإحباط ،بسبب اإفالسهم.
203
فلام جاء عرص الةل ،تزايد االإنتاج بوترية أرسع من تزايد اذلهب .وهذا
س يؤدي حامت اإىل اخنفاض السعار وخرسان املستمثر .وعليه فقد أصبح
اهنيار الاقتصاد حمتيا ال مفر منه يف عرص الةل ،وس يحدث عىل
فرتات متقاربة .فاكن البحث عن ألية أخرى حتمك أسعار الفوائد رضورة
ملحة حلفظ الموال واجملمتع الاقتصادي.
فلام اس تقل النقد عن اذلهب وأصبح متعلقا ابالإنتاج احلقيق ،صار
قرار البنك املركزي يف رفع الفائدة أو خفضها -عىل الودائع ومن مث عىل
االإقراض -ينبع من استباقه حلاةل الاقتصاد احلقيق لدلوةل ،من أجل
منع الطفرات ومنع الاهنيارات الاقتصادية أو ختفيفها وتقصري مدهتا.
فادلرامه مرامه عند البنك املركزي يبذلها بسخاء عند ضعف الاقتصاد
لكيال هيل السوق جوعا ،ويسحهبا اإذا ش بع لكيال هيل ُختمة .فف
الاقتصاد املعومة معلته ،يقوم البنك املركزي خبفض أسعار الفوائد
تدرجييا عند وجود أي دالئل احنسارية لمنو الاقتصاد .ويصاحب اإعالن
خفض الفائدة “ طبع ” خض الفلوس يف النظام املايل عن طريق رشاء
الس ندات احلكومية فزتداد الس يوةل عند البنوك مما جيرب البنوك عىل
ختفيض الفائدة عىل المتويالت لترصيف ما عندها من الس يوةل،
فيتحرك الاقتصاد .فاإذا تزايدت الس يوةل مبس توى أكرب من مقدرة
االإنسان والةل والتكنولوجيا عىل االإنتاج فاإن ذكل س يؤدي اإىل تضخم
صوري يف السعار ُ(ختمة) دون زايدة يف االإنتاج ،فهنا يبدأ البنك
املركزي برفع أسعار الفائدة ليودع الناس فلوسهم يف البنوك فيخرجوهنا
من الاستامثر يف اقتصاد متخم ابلس يوةل ،قد أصبحت موارده ال
204
تس تطيع استيعاب طلب املنتجني .وس يقوم البنك املركزي حيهنا بدور
املقرتض لهذه الودائع .وذكل بسحب هذه الودائع من البنوك وإاخراهجا
من النظام املايل عن طريق بيع الس ندات احلكومية اليت س تدفع سعر
الفائدة املرتفع اذلي يدفعها البنك للمودعني.
اإذا فالوديعة البنكية يه جمرد صامم للس يوةل املالية .اكنت تتحمك به يف
عرص اذلهب اليد اخلفية للسوق -العرض والطلب .-مث أصبح البنك
املركزي يف عرص النقود الرمقية هو املتحمك يف هذا الصامم.
وهذه ادليناميكية تنطبق أيضا عىل ادلول املرتبطة معلهتا بعمةل أخرى
اإال أن هناك هدفا اإضافيا ينظر اإليه البنك املركزي يف ادلوةل املرتبطة
معلهتا بغريها ،أال وهو احملافظة عىل سعر الرصف املعلن .فقد يكون يف
اقتصاد العمةل املربوطة فرص استامثرات حيتاهجا اجملمتع الاقتصادي.
وتكون املوارد متوفرة ،أي ان هناك أةل وإانسان متوفران الإجناز هذه
الاستامثرات ،من دون أن حيدث تزامح عىل املوارد ،لكن يبقى فقط
احلاجة للمتويل ،ومع ذكل ترى البنك املركزي يرفع أسعار الفوائد ملنع
المتويالت!.
يف هذه احلاةل- ،نظراي -يكون هدف تثبيت سعر الرصف للعمةل احمللية
لدلوةل هو الهدف الاسرتاتيج والغالب عىل قرارات البنك املركزي.
وأان اعتقد اإن هذا خطأ كبري اإذا اكن الاقتصاد قادر عىل االإنتاج ،أي
ان انه يتوفر به الانسان واحملراث.
أما اإن اكن الاقتصاد غري انتايج .والعمةل احمللية ،معةل ضعيفة .وادلوةل
منفتحة عىل العامل اخلاريج .والسوق قد ضعفت ثقته ابلعمةل احمللية-
205
بسبب ديون ادلوةل أو فسادها أو سوء اترخي معلهتا -فعنده نزعة
لتبديل ما حيصل عليه من معةل حملية ،اإىل معالت أجنبية .فهنا فلو
خفض البنك املركزي سعر الفائدة من أجل طرد الودائع وقام بضخ
الموال من أجل التوسع يف املشاريع -ولو اكنت مواردها حملية-
فس تكرث الس يوةل ابلعمةل احمللية يف داخل اجملمتع وسيبدأ الناس
ابستبدالها ابلعمالت الجنبية ولو من غري حاجة اس ترياد أو حنوه
ولكن حبثا عن المان ،وس يعجز البنك املركزي عن استبدالها
ابلعمالت الجنبية ،فتهنار العمةل احمللية ويتبع ذكل ما يتبعه من أرضار
عظمية عىل الاقتصاد الضعيف او الغري منتج أو الناشئ ،ال عىل
الاقتصاد االإنتايج ،فهو ال يترضر انتاجه من اخنفاض العمةل بل
يتحسن ،وس يأيت ذكل الحقا يف فصول موضوع اقتصادايت النظام
النقدي ادلويل.
206
الفصل الرابع :اقتصادايت النظام النقدي ادلويل
الباب الول :ما يه قمية العمةل املعومة؟
للعمةل قميتان ،قمية حملية وقمية دولية .ونعين ابلقمية احمللية أي القوة
الرشائية للعمةل داخل سوقها ،مع التنبيه اإىل أن من العمالت ما قد
يغلب عىل سوق غري سوقها ،اكدلوالر يف بعض ادلول .وتعومي العمةل،
مصطلح يلحق هبا يف السوق ادلولية ،ال يف السوق احمللية .فال توجد
معةل معومة يف سوقها احمليل ،فلك أسواق النقد مربوطة بس ياسات
بنوكها املركزية.
والقمية احمللية للعمةل ،اكلفلوس اليت اكنت قدميا من حناس ونيلك،
وكنقود اليوم ،تكتسب مصداقيهتا ابتداء بفرض سلطان ادلوةل ،مث
تكتسب قميهتا بعد ذكل من السوق ،مبقدار خض البنك املركزي لها.
فاإن ضاعف مكيهتا؛ فس تزنل قميهتا مبقدار زايدهتا عىل القل .والغالب
أهنا س هتُ جر من التعامل ،وس يلجأ السوق اإىل التعامل بعمةل أجنبية.
ولن تفلح أي هجود يف اإجبار السوق عىل التعامل هبا ،أو يف حفظ
قميهتا همام بذلت ادلوةل من سلطة قومية أو سلطة بوليس ية ودموية
لتحقيق ذكل .وادلول الاشرتاكية ،ومن دار يف فلكها ،أظهر جتربة
شاهدة عىل ذكل.
والعمةل ذات س يادة وطنية يف سوقها ،فال تتعدى معةل أجنبية عىل
سوقها اإال لضعف س يادهتا الوطنية أمام العمةل الجنبية .والضعف قد
يكون انجتا عن اضطراابت يف المن أو حضاةل يف االإنتاج أو ضأةل يف
جحم سوقها.
وأما القمية ادلولية للعمةل فنعين هبا ،سعر رصفها أمام العمالت ادلولية.
ويف السوق ادلولية ،هتمين معةل الاحتياط ادلولية ،عىل التجارة العاملية
بني تبادالت ادلول ذات العمالت الضعيفة ،وعىل تبادل البضائع
القياس ية املتجانسة ،اكلطاقة واحلبوب واملعادن .وقدميا مل تكن هناك
معالت معومة ،فقد اكنت العمةل قدميا ،تكتسب همينهتا يف السوق
ادلولية من اترخي مصداقيهتا يف الالزتام مبدى دقة سكها وصفاء ذههبا،
اكجلنيه الربيطاين .وبعد ظهور العمالت الورقية يف أوراب يف أواخر
القرن السابع عرش ميالدية ،أصبحت العمةل تكتسب همينهتا يف
السوق ادلولية من اترخي مصداقية بنكها املركزي يف الالزتام مبعدل
ربط رصفها ابذلهب .ومع احلرب العاملية الوىل ،غدت السوق ادلولية
خالية من أي معةل ذات مصداقية للتعامل؛ فتعطلت التجارة ادلولية،
حىت دخول ادلوالر زمن هناايت احلرب العاملية الثانية (بعد معاهدة
برتن وود) كعمةل ذات مصداقية للسوق ادلولية .ومل تدم مصداقية
ادلوالر يف الزتامه بسعر رصفه مع اذلهب .فالطفرة الهائةل يف االإنتاج
وبناء أوراب ،أتت عىل خمزون اذلهب المرييك فاس هتلكت ثالثة
أرابعه ،يف أقل من ثالثة عقود.
وأنذاك ،ما اكن هناك من بديل عن ادلوالر .فالعامل احلر ،اكن معمتدا
بلك ثقهل عىل الةل المريكية ،والاخرتاعات المريكية ،وامحلاية
العسكرية المريكية .فبغياب املنافس لدلوالر ،وبوجود احلاجة امللحة
للتجارة ادلولية ،ومعق الاقتصاد المرييك وخضامة جحمه ،ظهرت فرصة
اختبار نظرية تعومي العمةل ،مع ظهور المهية الاسرتاتيجية للنفط.
208
فادلوالر المرييك وإان مل يعد حيهنا قادرا عىل الوفاء بقميته من اذلهب،
اإال أنه ما زال قادرا عىل الوفاء بقميته من السلع القياس ية املتجانسة،
وعىل رأسها النفط (وهذه مرحةل قد انقضت وانهتت ،مفا عاد ادلوالر
حباجة لسلع تقميه ،بل السلع يه اليت حباجة لدلوالر مكركبة مالية يف
التبادالت ادلولية).
فادلوالر اإذن أصبح عامئا يف السوق ادلولية ،تُكتسب قمية رصفه من
قمية ما يأيت به من بضائع وخدمات .مفا عاد البنك املركزي المرييك
(الاحتياط الفدرايل) ملزتما ابذلهب يف السوق ادلولية .فلقد انتقل
الالزتام بقمية ادلوالر ،من البنك املركزي اإىل التاجر امل ُنتج املصدر
للبضاعة .فالمرييك ي ُسعر بضاعته ابدلوالر؛ لن أجور عاملته ابدلوالر.
والياابين ابلني؛ لن عاملته تأخذ أجرها ابلني .فقام ُمصدر الس يارة
الياابين ،مقام البنك املركزي يف استبدال العمةل ابذلهب -وهو سلعة
قياس ية ،-وذكل يف استبدال الني بسلعة -اكلس يارة ،-لها قمية تقابلها
من السلع الخرى يف السوق الياابنية.
ويظهر أمامنا هنا الارتباط الواحض بني القمية الرشائية للعمةل حمليا وقميهتا
دوليا .وجيب أن نتذكر هنا بأننا ندور يف فل النقد ،ومنه التضخم
النقدي ،فال يُدخل التضخم التمنوي يف قمية العمةل حملياُ ،لريى أثره
عىل سعر الرصف ،وبيان ذكل يف الفصل القادم.
الباب الثاين :تقيمي العمةل بأقل أو أكرث من قميهتا
مصطلح اإعادة تقيمي العمةل يتعلق ابلتجارة اخلارجية( .الن الطلب عىل
العمالت الجنبية ،ال يكون اإال بسبب حاجة رشاء سلع حقيقية أو
209
مالية من دوةل أخرى) .وال يطلق اإال عىل العمةل املربوطة بغريها ،بأحد
أشاكل الربط .وهذه الشاكل يف احلقيقة ،اإمنا متثل درجات شدة الربط.
فترتاوح من اشد الربط ،اكلوحدة النقدية ،اإىل التعومي النظيف (وهذا
نظري ،فال يوجد تعومي نظيف .)٪١٠٠مفن اشاكل نظام ربط
العمةل :الربط بعمةل واحدة ،أو الربط بسةل معالت ،او الربط بعمةل
واحدة أو بسةل معالت مع ترك هامش تذبذب ،أو اكلربط مع التدرج
يف رفع سعر العمةل أو خفضها ،بنسب حمددة يف أزمنة معلنة ،أو
تكون النسب والزمنة جمهوةل (وعدم االإفصاح عن النسب والزمنة،
جيعل العمةل أقرب حلال التعومي القذر).
فادلوةل اليت يكون دلهيا فائض جتاري ،ستشح معلهتا لكرثة الطلب
علهيا ،وسريتفع سعرها .والسامح للسوق برفع سعر العمةل املربوطة،
يعترب كرسا للربط( ،متاما كام أن العكس حصيح) .وابلتايل فعىل البنك
املركزي اإعادة تقيمي معلته بسعر رصف أعىل .فاإن خض البنك املركزي
من معلته ما يف بمكية الطلب ،دون تغري سعر معلته املربوطة ،تصبح
معلته حينئذ ُمقمية بأقل من قميهتا .وقد يعترب هذا عدواان اقتصاداي،
اكلصني.
والسبب يف كونه عدواان :أنه مع رل ضد س نة خلق هللا دليناميكية
السوق التجارية ادلولية .فادليناميكية السوقية للتجارة ادلولية تعمل
اكملزيان بني اقتصادايت ادلول .وسعر رصف العمةل هو أداة ديناميكية
السوق .ومعىن كوهنا مزياان ،أي أهنا توجه الاس ترياد العامل جتاه
الاقتصاد الضعيف عن طريق رفع معةل الاقتصاد القوي .فيتعاىف
210
الاقتصاد الضعيف ،ويُنفَس الاقتصاد املتمنر ،بيامن تس متر عافية
الاقتصادايت املتعافية( .فكن ديناميكية السوق ادلولية فهيا نوع من
مفهوم الاشرتاكية ،بتضحية القوي لجل انقاذ الضعيف) .وهذا التوازن
جيري تلقائيا بس نة هللا اليت خلق السوق علهيا ،س بحانه .ذلا ،فضخ
الصني لليوان يف سوق العمالت ،من أجل احملافظة عىل اخنفاض
اليوان يعترب تمنرا عدوانيا عىل ادلول املنافسة املصدرة ككوراي والياابن.
ذكل ،لن اخنفاض قمية اليوان ،خينق اقتصادهيام ،ابنزتاع الصفقات
التجارية ادلولية مهنام .وهذا اخلنق ليس لكفاءة منتج ،بل جملرد تغيري
لرقام يف ادلفرت احملاس يب .وكذكل يعترب عدواان عىل ادلول اليت
تس تورد برشاهة من الصني ،فقد يتسبب هذا بتعطيل اقتصادها،
اكذلي تدعيه أمرياك ،تغنجا -كام اعتقد .-فاقتصاد أمرياك القامئ عىل
الاخرتاع ،يناس به هذا الوضع .فالشكوى المريكية ،ما يه الا
مناورات لكسب صوت الناخب المرييك ،وسلوك اسرتاتيج دلفع
الصني بعدم التفكري ،يف تعديل املزيان التجاري ،من أجل دفع
الاقتصاد المرييك للتطور ،حبده لالخرتاع والابتاكر – خاصة بغياب
احلروب -وابلتايل احملافظة عىل المنو الاقتصادي لمرياك بل وللعامل
لكه .فالصناعات اليت تصدرها الصني لمرياك ،غالهبا صناعات بدائية
اس هتالكية تنافس ية ابلنس بة لمرياك .فالفضل لالقتصاد المرييك أن
ُخيدم مبن يصنع هل مثل هذه الصناعات ،ليتفرغ ويتحفز ملا هو جديد.
وهذا قد حدث سابقا يف أزمنة وأحوال وأشاكل خمتلفة .مهنا مثال:
عندما تعاهد المرياكن والوربيون ،رواد صناعة النس يج واملالبس،
211
فوضعوا اتفاقية فرض احلصص احملددة من النس يج والثياب واملالبس
للك دوةل.
واكنت صناعة النس يج الكورية من أعظم املترضرين من هذا القرار،
حيث وجدت نفسها أمام حاجز جتاوزها حصص التصدير .لكن هذا
القرار دفع كوراي لصناعات أكرث تقدما ،كام فتح الباب دلول أخرى
مسحوقة اقتصاداي ،لتؤسس اقتصادايت النس يج يف بالدها
كبنجالدش ،كام دفع الاقتصاد المرييك حنو صناعات جديدة متطورة،
فعوض السوق خسارته ،بصناعات أرىق ،ذات رب اوفر ،والمه أن
فهيا جمال واسع ،للتطوير واالإبداع ،اذلي هو حمرك المنو وقلبه.
ويُنتبه :أنه ال يلزم الربط ،للتالعب بقمية العمةل احمللية .فميكن للبنك
املركزي أن ميارس التعومي القذر (يطلق هذا املصلح عىل التعومي اذلي
يتدخل فيه البنك املركزي للتأثري عىل سعر رصف معلته .) .ويكون
التالعب بقمية العمةل املعومة ،بضخ البنك املركزي مهنا يف السوق
ادلولية ،ليليب زايدة الطلب العامل علهيا .فمينع بذكل من ارتفاع سعر
رصفها .اإذا :فتغري قمية العمةل املعومة ،ال ي ُسمى اإعادة تقيمي العمةل ،بل
ي ُسمى ارتفاع سعر رصف العمةل يف حال الزايدة أو اخنفاض سعر
الرصف ،يف حال النقصان .وسبب عدم تسميهتا ابإعادة تقيمي العمةل :هو
كام بيناه سابقا ،بأن ديناميكية السوق يه من تقوم ابإعادة تقيميها
اوتوماتيكيا طبقا لعوامل الطلب علهيا والعرض ،ال بتدخل البنوك
املركزية ،فيفسد توازانت اقتصادايت العامل.
وقفة اقتصادية من التارخي:
212
-صناعة النس يج بني أمرياك وأورواب مقابل كوراي وبنجالديش-
يف الس بعينيات ،خطب نيكسون يف نورث اكروالينا خطبة عصامء
أفصح فهيا عن عزمه محلاية صناعة النس يج يف بالده من الاس ترياد
الجنيب .وحتالف نيكسون يف حربه هذه مع الوربيني اذلين اكنوا
يعانون من املشلكة نفسها .فتعاهد حلفاء رواد صناعة النس يج
واملالبس عىل اتفاقية فرض احلصص احملددة املفصةل من النس يج
والثياب واملالبس للك دوةل .
وقد اكنت صناعة النس يج الكورية من أعظم املترضرين من هذا
القرار ،حيث وجدت نفسها أمام حاجز جتاوزها حصص التصدير .
تزامن ذكل مع مه وطين محهل عبد اجمليد تشودري ،وهو يرى بالده
بنجالديش بعد احلرب الهلية ،ويه من أفقر بالد العامل وأكرثها بطاةل
وهجال وقد انترشت فهيا العصاابت واكتظت ابلالجئني .
ساح عبد اجمليد يف البالد يبحث عن فرصة اقتصادية لبالده تنقذها
من املهلكة اليت تسري اإلهيا سريا حثيثا .ويف كوراي رأى ما جذب
انتباهه .فبنجالديش من أعىل ادلول يف زايدة نس بة النساء عىل
الرجال .فقد رأى عبد اجمليد يف مصانع النس يج الكورية وقد غلبت
علهيا العامةل النسائية الفرصة اليت يبحث عهنا ،حفمل هبا يف بالده ،ومل
يدر أنه حلمه جاء متوافقا مع فرصة فرض احلصص عىل الاس ترياد .
تلطف عبد اجمليد حىت اس تطاع أخذ موعد مع كمي الكوري ،الرئيس
التنفيذي لكرب رشاكت صناعة املالبس يف كوراي .اكن موعدا للقاء عابرا
ال يتجاوز دقائق خالل اسرتاحة الغداء ،لكنه امتد اإىل قرابة جفر ذكل
اليوم يف عام 1971م.
قال كمي يف مقابلته «اكنت راحئته ال تطاق ابلنس بة لنا حنن الكوريني»،
ولكن حديث عبد اجمليد عن مزية العامةل النسائية يف بنقالديش ،أراه
213
طوق النجاة من التخصيص الاس تريادي المرييك الوريب .وهكذا
خترج اإبداعات احللول والابتاكرات من خماض نقاشات الذكياء ،اإذا
اجمتعوا عىل طاوةل احللول ،وقد خلت نفوسهم من التحاسد وزالت
عهنا أس باب التنافس الهدام ،وتواجدت أس باب التنافس البناء .
وعاد عبد اجمليد اإىل بنجالديش ،وهو حيمل حتداي حقيقيا .فقد اكن
ملكفا ابإحضار 120مرحشا بنقاليا ليتدربوا س تة أشهر يف كوراي عىل
اإدارة مصانع النس يج ،ومن أين هل برجال مناس بني وليس يف
بنجالديش -أنذاك -اإال ثقافة اجلهل والمية وفالحة الرض .
وعاد عبد اجمليد ابلرجال املطلوبني ،مفا اإن وطأ البنقال الرض الكورية
حىت امشأزت نفوسهم من الكوريني واس تفرغت البطون طعاهمم .فاكن
ادلرس الول ،أن حشا عبد اجمليد بطون رجاهل بأشد طعام الكوريني
مذاقا ،وأنذرمه أن ال وهللا ولو تفتقت أمعاؤمك وتقلبت معدمك ،حىت
تسطع من حميامك نرضة طيب الطعام ،وحتيك الصحون الفارغة ذلة
املذاق ،مث تتفتح عقولمك عىل ثقافات الشعوب من غريمك ،لتفهموا
حديهثم وتنالوا من علوهمم.
عاد البنقال مبستشار كوري ليبنوا مصانع املالبس والنس يج يف بالدمه.
عادوا بعدما اجتازوا برانمج التدريب الصارم بنجاح حقيق ،فقد اكن
الكوريون يستمثرون فهيم ال يستمثرون مهنم .عاد البنقال ُمديرين
حقيقيني ال صورا ،مفا اكن املستشار الكوري ليقوم ابلعمل عهنم
ليُسجل ابمسهم ،وهو من يدفع هلم وليس مه من يدفعون هل ،كام هو
حال دول اخلليج .
وقامت صناعة املالبس والنس يج يف بنجالديش من الصفر ،وأصبحت
اليوم تشلك مثانني ابملئة من صادرات البالد ،كام أصبحت هذه
الصناعة يه حمرك الاقتصاد يف بنقالديش .فغالب اإنتاج البالد من
214
أجل صناعة النس يج ،ومن أجل ما يس هتلكه القادرون عىل الرشاء من
عامةل مصانع النس يج من مألك ومسكن ومرشب .واليوم قد تضاعف
دخل البنقايل عرشة أضعاف عام اكن عليه يف الس بعينيات- ،وابإخراج
التضخم ،يكون س تة أضعاف-
وأما خطط نيكسون وحلفائه الوروبيني ،فقد انقلبت علهيم ،حيث
قدل كوراي يف التفافها عىل احلصص املصدرة ،دول كثرية قامت بتوليد
بدلان مصدرة جديدة .فتوهجت الهند مثال اىل نيبال ،وقصدت اتيوان
مكبوداي ،وذهبت سريالناك للامدليف ،وهكذا فعلت الصني وغريها.
وهبذا ُالغيت هذه االتفاقية ،واليوم ال تاكد جتد ملبوسا أو نس يجا يف
أورواب وأمرياك اإال وهو مس تورد من خارهجا .وهكذا يه نتاجئ القرارات
القصرية النظر اليت تأيت بعكسها .وإان اكن العكس ال يس تلزم أن يكون
سيئا ،بل لعهل يكون أحياان فتح طريق جملال خري أفضل وأنفع.
215
تس تجلب الطلب علهيا .فهو ليس اكليوان الصيين اذلي يصح أن يُقال
اإنه مقوم بأقل من قميته أمام ادلوالر ،وبيان هذا:
فبداية ،فامب أن الرايل ال يقابهل سلع حملية ،فليس لنا اإال مقابلته مرة
ابدلوالر ،ومرة ابلنفط .اإذا فسنسل طريقني يف حماوةل تقيمي قمية
الرايل ،ليتبني لنا أنه من الصعب اجلزم ابلقول.
أما الطريق الوىل :فباعتبار أن ادلوالر هو اذلي ميثل قمية الرايل :فقمية
الرايل نظراي ،اإمنا جاءت ابتداء -يف تل احلقبة ،أواسط الامثنينات- 1
من مقدرته الرشائية حمليا ومقارنهتا بسوق ادلوالر أي السوق
المريكية .فقد اكنت ٣٧٥٠رايل مثال ،تكف مرصوف عائةل عىل
احتياجاهتا املعيش ية ،من مألك ومرشب ومسكن .وابملقابل ،لو أن
العائةل ذهبت لمرياك ،الشرتت نفس سةل املشرتايت ب ١٠٠٠
دوالر ،فهذا يعين أن ادلوالر يعادل ٣.٧٥رايل يف القوة الرشائية.2
والشاهد أن هذا يقودان ،اإىل أن قوة الرايل وضعفه تأيت من مقدرته
الرشائية داخل السعودية ،ال من سعر رصفه امام العمالت الخرى.
لن ليس هل اس تقاللية يف السوق ادلولية فهو اتبع لدلوالر ،فبحث
املسأةل يقع عىل ادلوالر ،ومث يكتس به الرايل تبعا.
1ولتخفيف جفاء الطرح ،فلنبدأ بتارخي الرايل اجملرد :فس نجد نقال عن مؤسسه النقد السعودي ،أن أول طرح لعمةل أصدرهنا مؤسسة النقد عام 1372هـ ،هو اجلنيه
اذلهيب ،اذلي يعادل أربعني رايال فضيا ،واملساوية لحد عرش دوالر تقريبا؛ مما جيعل قمية الرايل الفيض مقارب لقميته اليوم أمام ادلوالر .مث صارت قمية رصف الرايل
تعادل 4,5دوالر ،أعتقد عندما ربط بسةل معةل صندوق النقد مث تأرحج ،حىت ربط رمسيا أو تطبيقيا ابدلوالر عام 1987م .
2وقد يكون تقيمي الربط قد بين عىل توافر الاحتياطيات أنذاك ،وان اكن هذا ليس علميا ،لكنه حممتل يف وضع الرايل السعودي .وقد يكون مزجيا من الامرين.
216
فلو أصبحت العائةل السعودية تشرتي نفس السةل بـ ٣٠٠رايل ،بيامن
تشرتهيا يف أمرياك ب ١٠٠دوالر ،فهنا يقال :اإن الرايل ُمقمي بقمية أقل
من قميته احلقيقية .والقمية العادةل هل هو ثالثة رايالت للك دوالر.
فلو اعمتدان هذه الطريقة يف احلساب فس نجد أن الرايل مقوم أعىل من
قميته احلقيقية منذ عام ١٩٨٨م اإىل اليوم .وأن قميته املفرتضة حنو
٤.٤٣رايل ،ابعامتد مؤرش أسعار املس هتل يف الك البدلين حىت عام
٢٠١٧م1
وأما الطريق الثانية ،فباعتبار اإن البرتول هو اذلي ميثل قمية الرايل ،ال
ادلوالر .فعلينا أن نتصور مثال ،وظيفة اكن راتهبا ٧٥٠٠رايل (أي
الف دوالر) عام ١٩٨٧م -عام الربط ، -فاكنت تلكف ادلوةل حنو٥٢
برميل نفط ،عندما اكن سعر برميل النفط ٣٨.٥دوالر .ويف عام
١٩٩٨م صارت هذه الوظيفة تلكف ادلوةل ١١٢برميل من النفط،
بسعر ١٧.٨دوالر للربميل .اإذا س يتبني لنا أن الرايل اكن مقامي بأعىل
من قميته كثريا يف عام ١٩٩٨م ،الن الوظيفة قد اس هتلكت ١١٢
برميل من النفط مقابل ٥٢برميال ،س نة ربطه ابدلوالر .ومث يف عام
،٢٠٠٨صارت لكفة نفس الوظيفة عىل ادلوةل ١٤برميال من النفط،
عىل اعتبار ١٤٠دوالرا قمية برميل النفط .اإذا س يتبني لنا أن الرايل
يف عام ٢٠٠٨اكن مقامي بأقل من قميته كثريا ،الن الوظيفة يف ذكل
1فباختاذ عام الربط 1987م كساس للمقارنة؛ فبدأان من 100كقمية ملؤرش أسعار املس هتل بالك البدلين ،السعودية وأمرياك ،فس نجد أنه يف عام ،2017قد بلغ املؤرش
يف السعودية 182.86وبلغ يف أمرياك .215.7أي أن سةل املشرتايت ،صارت تلكف ٢٠٦٠رايال يف السعودية مقابل ٤٦٥دوالر لكفهتا يف أمرياك .اإذا فالقمية املفرتضة
للرايل حنو ٤.٤٣رايل للك دوالر .هذا اإذا قيل بصحة الافرتاضات وتطابقها يف الك املؤرشين( .وهذا جمرد مثال لتو ضيح املفاهمي ،ال العامتد ارقامه).
217
العام قد اس هتلكت ١٤برميل من النفط مقابل ٥٢برميال ،س نة
ربطه ابدلوالر .اإذا ،فال توجد طريقة تثبت حصة ادعاء ان الرايل مقمي
بأكرث من قميته أو اقل.
ولعلنا نس تغل ما س بق لنعيد فنذكر بأن الاقتصاد القامئ عىل ثروة
خارجة عن نشاط جممتعه الاقتصادي ،هو اقتصاد ال يتبع أَ لاي من
النظرايت الاقتصادية احلديثة .فهو وإان اكن اقتصادا ال يقوم بنفسه،
اإال اإنه عامل قامئ لوحده ،وال هيمت به العامل الغريب .فهو اقتصاد يظل
متخبطا ،اإن مل حيس نه أبناؤه.1
الباب الثالث :تدويل العمةل
تصبح العمةل دولية مىت ما اس ُتخدمت يف تبادالت السلع ادلولية
اكلنفط والقمح والرز ،وحنوه .فاس تخداهما يف السلع ادلولية ،س يجعل
مهنا معةل احتياط يف البنوك املركزية كام س يجعل مهنا معةل من معالت
أسواق املش تقات ،أي اهنا س تدخل يف كثري من الوراق املالية.
ولكن كيف تدول العمةل؟ وهل يصب هذا يف صاحل اقتصادها ام ال،
وجواب التساؤل الثاين حيتاج لوقفة اكمةل ،ال حمل لها هنا ،ولكن يكف
االإشارة أن الياابن يف الس بعينات نظرت يف فكرة تدويل الني ،ومل ترى
أنه س يصب يف صاحل الاقتصاد الياابين ،فعزفت عن الفكرة( .والني
معةل دولية ،ولكن اىل حد ما ،والقصد اكن العمل عىل ان حيتل الني
1وهذا يرشح لنا بعض أس باب ضعف عمل الاقتصاد عند دول النفط .فأان اعتقد أن الرشحية الاقتصادية يف هذه ادلول ،يه الضعف علميا .وهذا الضعف زاد من
الاعامتد عىل اخلبري الاقتصادي الجنيب ،واذلي بسبب الاعامتد اللك عليه سابقا؛ بدأ يتكشف اليوم مك من اخلسائر الهائةل اليت خرسهتا تل ادلول يف العقود السابقة
وس نخرسها يف العقود الالحقة.
218
ماكان يزامح فيه ادلوالر ،كام اكن هذا القصد هو أحد اهداف اليورو
الاقتصادية).
ولنتأمل يف أورواب واليورو ،فأورواب معلت عىل حتقيق املتطلبات
الالزمة اليت جيب أن تس بق تطبيق اليورو .مث ُطبق اليورو عىل
البالد الوربية ،اإال أنه جعز خالل العوام الالحقة عن حتقيق النتاجئ
املتوقعة يف املرحةل الوىل ،واليت اكنت تُشلك املتطلبات املصاحبة
للتطبيق لجل حتقيق نظرية اليورو .متطلبات اكحلركة ال ُعاملية،
واكاللزتام بنس بة ادليون للناجت احمليل يف بعض ادلول .وقد ابن واحضا
اليوم أن أورواب أجعز من أن حتقق لليورو املتطلبات املس تقبلية الالزمة
الس متراريته اقتصاداي .فاالس مترارية الاقتصادية لليورو تس تلزم حتقيق
جناحات التنبؤات التنظريية اليت س بقت اليورو ،مكتطلبات الاندماج
الس يايس الاكمل بني ادلول الوربية ،مث الاندماج اللغوي والثقايف بعد
ذكل.
فعىل الرمغ من التفاؤل اذلي اكن مصاحبا عند انطالقة اليورو ،اإال أنه
اليوم قد بدأت تظهر سذاجة تنظرياته الاقتصادية .وأعتقد أنه لو قام
املعارضون لليورو قبل قيامه ،ابإثبات سذاجته يف تأصيل نظري علم
ُمحمك ومثبت ،فلعل ذكل اكن سيسبب تراجعا أوربيا عن اليورو قبل
التورط فيه (وأان أحتدث هنا من نظرة اقتصادية حمضة ،فاالعتبارات
الس ياس ية لليورو واس متراريته ،اعتبارات لها حظ كبري من النظر
والاهامتم.
219
ولنعود ملسأةل هذا الفصل ،مسأةل تدويل العمةل .وليك نفهم املسأةل ،فامب
أن العمةل تصبح دولية مىت ما اس تخدمت يف تبادالت السلع ادلولية
اكلنفط والقمح والرز ،وحنوه ،فلنتصور أنه قد طرح امامنا فكرة
تدويل الرايل ،عن طريق بيع النفط السعودي ابلرايل ،1وذكل لتحقيق
املصلحة الاقتصادية من توفري مصدر متوييل أجنيب للبالد يفوق قمية
البرتول املُنتج .فبافرتاض تعومي الرايل ،وافرتاض وجود سوق مالية
ونقدية معيقة ومتقدمة يف السعودية ،فاإن بيع النفط السعودي ابلرايل
س يوفر السوق الجنبية الالزمة الإصدار س ندات حكومية ابلرايل
السعودي ،يشرتهيا الجانب ابلعمةل الجنبية .وعند التأمل ،فاإن هذه
الس ندات احمللية ابلرايل السعودي ،ما يه يف الواقع اإال دَين أجنيب
بعمةل حملية .والفرق بني هذا وبني بيعه مبارشة ابدلوالر ،هو خلق
طلب دويل عىل الرايل السعودي؛ من أجل رشاء النفط .مفىت وجد
هذا الطلب واكن الرايل ُمعوما ،قامت البنوك املركزية لدلول اليت
تس تورد النفط السعودي ابالحتفاظ ابلس ندات السعودية يف
احتياطاهتا .كام س تحتفظ هبا البنوك واملضاربني لتحقيق أرابح من
1وبيع النفط ابلرايل السعودي يعترب من صلب مواضيع الاقتصاد اللك ،والاقتصاد اللك عمل حديث مل يُفهم بعمق عىل مس توى ختصيص واسع ومل يس تقر بعد كام متت
االإشارة اإليه.
وكنت قد تأثرت ببعض أساطري اذلهب ومؤامرات أالعيب ادلوالر ،يف بداية دراس يت لالقتصاد .فقادين هذا؛ للشغف بفكرة بيع البرتول ابلرايل السعودي ،عندما كنت
طالبا يف ادلراسات العليا يف أمرياك .ومك اكن حمزان يل وخميبا لمايل ،أن اكتشف بعد عام من البحث اجلاد ،مدى سذاجة هذه الفكرة واهنا ال تس تحق رصف ساعة
حبثية ،كام ادركت عدم جدوى املوضوع من الناحية الاستامثرية ! واس تحاةل تطبيقه من الناحية الاقتصادية والسوقية والفنية! وقد اكن من أقوى ادلوافع والس باب اليت
أاثرت شغف هبذا املوضوع ،هو تطلع لرؤية الرايل السعودي مضن العمالت ادلولية يف كثري من املطارات والفنادق ويف مجيع وسائل االإعالم املالية والاقتصادية .وهذا
أمر س يكون اتبعا تلقائيا يف حال اإماكنية تطبيق التنظري ،مث االإثبات العميل لصدق توقعاهتا االإجيابية.
وإانقاذا للمل اذلي عشت عليه زمنا من س نوات دراس يت ،فقد قررت أن أقوم بتأصيل هذه السذاجة علميا ،فأجعلها موضوع رساةل ادلكتوراه .فاإثبات اخلطأ علميا ،قد
يُفتق العقول عن أفاكر اإبداعية خالقة ما اكنت لتطرأ عىل البال .واالإثبات العلم الاكدمي لهذه السذاجة ليس ابلمر السهل .فوضع نظرية جديدة ليس لها سابقة ،مث
اإثبات عدم صالحيهتا بتبيني الس باب واملوانع والنتاجئ من خالل منوذج جديد يثبت سذاجة الفكرة ،حبيث يكون المنوذج قادرا عىل الصمود أمام الاختبارات الرايضية
والتطبيقية ،أمر ش به مس تحيل لطالب دكتوراه خدجي املعرفة والتجربة ،خاصة مع عدم وجود أي سابقة علمية فيه.
220
التغريات السعرية للرايل ،وس يصبح الرايل معةل متداوةل يف املنطقة
العربية اجملاورة ويف بعض ادلول املس توردة للنفط السعودي.
وابخزتال شديد ،فاإنه جيب حتقيق متطلبات سابقة ،قبل تطبيق
تنظريات بيع النفط السعودي .أوال :وجود معةل قابةل للتعومي .والرايل
السعودي غري قابل للتعومي ،الن ليس عليه طلب أجنيب( ،ويأيت
التفصيل يف هذا يف فصول موضوع تطبيقات معارصة لالقتصاد النقدي
ادلويل).
اثنيا :لو حتقق الول ،فيجب اإثبات املقدرة الفنية ملؤسسة النقد
السعودي عىل اإدارة معةل معومة ،ويكون ذكل بتطبيق تعومي الرايل
لفرتة اكفية سابقة.
اثلثا :كام يتطلب توفر اقتصاد سعودي معيق يفوق جحمه جحم النفط
مبراحل اكفية المتصاص عوائد النفط وامتصاص تقلباته السعرية.
رابعا :كام يتطلب وجود نظام بنيك متقدم وسوق مالية متطورة ،حنن
بعيدون عهنا مبراحل ضوئية.
وأما املتطلبات اليت جيب أن تتحقق تزامنا مع تطبيق التجربة فهي :
أوال :وجود حاجة متويلية للحكومة السعودية.
اثنيا :اس مترارية أمهية الاسرتاتيجية العاملية للنفط السعودي.
اثلثا :اس مترارية منو االإنتاج النفط السعودي ومنو الطلب ادلويل عىل
النفط السعودي.
رابعا :يتطلب عدم تعرض النفط لتقلبات سعرية حادة ،تؤدي لتكثيف
كر وفر املضاربني يف جهامت متكررة عىل السوق النقدية واملالية
221
السعودية ،واليت س يصعب التحمك هبا أنذاك ،اإذا ما صار الرايل
معوما ودوليا ،بسبب اس تخدامه لرشاء النفط.
خامسا :اإضافة اإىل أنه يتطلب توفر منو متواصل مزتايد يف تنوع
الاقتصاد السعودي بعيدا عن النفط .فلن يثق العامل ابقتصاد يعمتد عىل
سلعة انضبة واحدة؛ ليجعل من س نداته احتياطيات هل بعوائد
منخفضة ،حىت ولو اكنت احتياطيات للتحوط من أجل اس ترياد النفط
السعودي.
وأما املتطلبات املس تقبلية :فيجب أن يتحقق حلول الرايل السعودي
يف حمل ُم ْجد اقتصاداي بني العمالت ادلولية .وال يتحقق هذا اإال بوجود
صادرات سعودية متنوعة لسلع غري قياس ية .فالنفط سلعة دولية.١ :
كوهنا متجانسة .٢وتنتجها بالد عدة .٣وحيتاهجا العامل لكه .والسلع
ادلولية حتتكرها معةل تبادلية واحدة احتاكرا طبيعيا ،ويه اليت تكون
المعق اقتصاداي والوثق عامليا.
وهذا الاحتاكر الطبيع يف حد ذاته ،لوحده اكف الإحباط جتربة بيع
النفط السعودي ،وابلتايل فكرة تدويل الرايل .و حىت لو حتققت مجيع
املتطلبات السابقة لبيع النفط ابلرايل – ويه مس تحيةل اليوم -وحتققت
املتطلبات املصاحبة لبيع النفط ابلرايل – ويه غري ممكنة اليوم-
وحتققت املتطلبات املس تقبلية لبيع النفط ابلرايل- ،ويه بعيدة املنال
ابلطبيعة الاحتاكرية . -وحىت لو حتقق متطلب تنوع الصادرات
السعودية للسلع غري القياس ية ابلرايل ،فاإن احتاكرية ادلوالر الطبيعية
للسلع ادلولية س ُتحول معليات الطلب عىل الرايل لرشاء النفط ،اإىل
222
جمرد معليات رصف بني ادلوالر والرايل مع قليل من املضارابت ،اليت
ترض الرايل والاقتصاد السعودي وال تنفعه.
الباب الرابع :معةل الاحتياط
ومعىن معةل الاحتياط ادلولية يه العمةل اليت احتكرت طبيع ًّيا السوق
ادلولية ،وتعارف العامل عىل تكون يه مرجع التسعري /التمثني ووس يةل
للتصفيات والتبادل يف املعامالت ادلولية وغطاء للعمالت املتنوعة،
ويه اليوم ادلوالر اذلي حل حمل اذلهب -اذلي اكن هو معةل
الاحتياط قبل ادلوالر ،-واذلي حل حمل الفضة -اليت اكنت يه معةل
الاحتياط قبل اذلهب -واليت حلت حمل النحاس -اذلي اكن هو معةل
الاحتياط قبل الفضة .-فعمةل الاحتياط ادلولية يه معةل احتاكرية
ابلطبيعة ،والاحتاكر الطبع حيصل مىت صارت اللكفة تنخفض مع
زايدة الطلب .ورشط حتقق هذا ،أن يكون احملتكر الطبيع ً
قادرا عىل
اندرا اإىل حد ميكن الاحتفاظ بقميته.
تلبية الطلب لكه ،مع كونه ً
فالفضة اكنت أقل من أن تس توعب املبادالت العاملية ذلا اكن النحاس
هو احملتكر الطبيع لعمةل الاحتياط ادلولية ،فلام كرثت الفضة -يف
بداايت اكتشاف المريكتني -حلت الفضة حمل النحاس ،ومع اكتشاف
قادرا عىل تلبية الطلبمكيات كبرية لذلهب يف أمرياك الشاملية ،وأصبح ً
العامل عىل العمةل ادلولية ،حل حمل الفضة ،اإال أن وفرة اذلهب جاءت
عاجزا عن تلبية الطلبمع بداايت الهنضة االإنتاجية فأصبح اذلهب ً
العامل مما دفع السواق ابلطبيعة لتبين ،ادلوالر -أغزر معةل وأكرثها
223
مصداقية حكومية وعسكرية وأعظمها د ًمعا ابالإنتاج -فقد اكنت أمرياك
أنذاك تنتج نصف اإنتاج العامل-.
الفوز بعرش معةل الاحتياط هو فكر قدمي حتمل به االإمرباطورايت ملا
فيه من هيبة ومتويل رخيص ل إالمرباطورايت ،وخاصة بعد الانفصال
عن اذلهب .وقد درست الياابن يف الس بعينات مقرتحات ادلفع بعملهتا
لتبوء معةل الاحتياط يف رشق أس يا ،ولكهنا عدلت عن ذكل وارتأت
الرتكزي عىل االإنتاج احلقيق .وهذا الاجتاه يف الابتعاد عن همينة العمةل
دولي ًا يبدو واحض ًا أنه اجتاه الصني أيض ًا ،اليت ال تبذل أ لي هجد للسري
يف هذا الطريق بل عىل عكسه وذكل بربط معلهتا ابدلوالر .والتجربة
الوربية يف اليورو اليت اكنت طاحمة ملزامحة ادلوالر يف همينته مل
تنجح ،وذكل لن مصداقية معةل لعرشين دوةل س ياس ية ،ال ترىق أبدً ا
ملصداقية معةل دوةل واحدة.
ومعةل الاحتياط ادلولية ،ال ختضع لنظرايت االئامتن ،فعندما خفضت
واكةل س تاندارد أند بورز التصنيف االئامتين المرييك اكنت ردة فعل
السوق العاملية معاكسة متام ًا لتنبؤات النظرية اليت جنحت يف اإثبات
مصداقيهتا يف مجيع احلاالت (ما عدا حاةل الياابن لوضعها اخلاص -وهو
خضامة احتياط بنكها املركزي مع االإقبال احمليل عىل الس ندات
احلكومية) .فالنظرية االئامتنية ،تُميل بأن ختفيض التصنيف االئامتين
لدلين احلكويم المرييك س ينتج منه اخنفاض أسعار الس ندات
احلكومية المريكية ،نتيجة النرصاف الناس عهنا؛ ما يسبب ارتفاع
عوائدها ،أي ارتفاع أسعار الفوائد للس ندات اجلديدة .وهذا ما حصل
224
عكسه ابلضبط؛ فقد ارتفع الطلب العامل عىل الس ندات المريكية
مبجرد ختفيض التصنيف فارتفعت أسعار الس ندات ،واخنفضت
عوائدها اإىل مس توى اترخي مل حيصل مطلق ًا يف اترخي أمرياك؛ ما نتج
منه اخنفاض يف أسعار الفوائد للس ندات اجلديدة.
ومع اهنيار نظام الربط ابدلوالر رمسيا عام ١٩٧٣م ،زال دور
الاحتياطيات الجنبية -نظراي ،-وأصبحت السوق احمللية أو السوق
ادلولية يه من حيدد قوة العمالت الرشائية ،.أي نظام تعومي العمةل.
والسوق ابئع وشار وسلعة ،مث يتودل مثن .فالبائع سواء أاكن حمليا او
دوليا هو :صاحب سلعة يريد استبدالها بمثن هل قوة رشائية اثبتة نسبي ًا.
فنخلص هنا :أن ادلوةل اليت ال تنتج سلعا تصدرها لدلول الخرى،
ليس لعملهتا قمية يف السوق ادلولية .
وس بق ،أن السلع املتجانسة واملتوافرة يف عدة دول -اكلنفط والرز
واذلهب -تتبع قانون الاحتاكر الطبيع يف تبين معةل دولية كمثن لها
من أجل تقليل اللكفة التبادلية .ذلا فنظام الربط بعمةل دولية هو أمر
فين اقتصادي اإجباري ،ال اختياري لدلوةل اليت ال تصدر سلع ًا غري
متجانسة .كدول النفط ،اليت ليس لعمالهتا قمية يف السوق ادلولية
النعدام الطلب علهيا ،لعدم وجود سلع حملية غري متجانسة قابةل
للتصدير .ومادام هناك ربط جربي للعمةل احمللية بغريها ،فاإن هذا يتبعه
جرب حمت لالحتياطيات الجنبية حلاجة هذه ادلول لرشاء السلع
العاملية.
225
والبنك املركزي هو بنك احلكومة والبنوك ،وهل دوران أساس يان:
الول دور تنظمي السوق النقدية احمللية ،وهذا دور ال عالقة هل مبارشة
ابالحتياطيات الجنبية .وادلور الثاين هو متثيل دور رصاف العمالت
يف حال اتباعه لنظام الربط ،وخزينته يه الاحتياطيات الجنبية .أما
زابئنه فهم ادلوةل والبنوك ،وبعض الاستامثرات الضخمة .فادلوةل
والبنوك أو معالؤها يأتون ابلنقد الجنيب الس تخدام قميته يف السوق
احمللية فهم حيتاجون لرصفه ابلعمةل احمللية .فهنا يقوم البنك املركزي
بأخذ النقد الجنيب ووضعه يف الاحتياطيات الاجنبية ويفتح حسا ًاب
مبا يقابلها ابلعمةل احمللية .
مفث ًال وزارة املالية السعودية حتتاج لرايالت لتنفقها حملي ًا ،فتأيت مبا
يقابلها بدوالرات من عوائد النفط فتودعها عند مؤسسة النقد مقابل
فتح حساب لها ابلرايل .مفا تأخذه مؤسسة النقد من املالية يصبح يف
مركزها املايل موجودات أجنبية ،بيامن يصبح حساب وزارة املالية
مطلوابت علهيا ابلرايل يف مركزها املايل .مثل ما يودع أحدان نقود ًا يف
البنك ،فيفتح البنك حسا ًاب هل ويصبح املبلغ املودع من مطلوابت
البنك ،ويصبح الاكش من موجوداهتا .
ولكن هناك فارقان كبريان :الول أن املوجودات يف مركز املؤسسة
املايل بعمةل أجنبية بيامن مطلوابهتا ابلرايل ،وال فرق يف البنوك فالكهام
ابلرايل .
والفرق الثاين ،هو أنك عندما تسحب اإيداعك من البنك ،فاإن البنك
يعطيك من موجوداته ،بيامن عندما تسحب ادلوةل مبلغ ًا من حساهبا
226
املودع عند املؤسسة ،فاإن املؤسسة تصدر لها رايالت من «ال يشء»
وختصم مقابهل من موجوداهتا من النقد الجنيب ،وليس اكلبنوك اليت
تعطيك من موجوداهتا .
فعندما تنفق ادلوةل الرايالت عىل الرواتب واملشاريع وحنوها ،تترسب
هذه الرايالت للخارج عن طريق احلوالات والاس ترياد وغريها ،فهنا
تستبدلها املؤسسة من موجوداهتا الجنبية اليت جاءهتا من فتح حساب
ادلوةل.
و ادلوةل ال ُخترج الرايل اليت أودعت دوالرات مقابهل يف احتياطيات
املؤسسة ،1بل أن من اكتسب الرايل من مقاول وموظف هو من
خيرج الرايل للخارج .وخروج الرايل يكون عرب البنوك غالب ًا .وإاصدار
الرايل اجلديد ليدخل السوق السعودية ،يكون عرب املركز املايل
ملؤسسة النقد .مفوجودات مركز ساما املايل يه تقريب ًا أصول ساما
الاحتياطية الجنبية.
ومعةل الاحتياط تكون يه الغالبة عىل الاحتياطيات الجنبية ،مفا يه
الاحتياطيات الجنبية؟
الباب اخلامس الاحتياطيات الجنبية
متهيد:
ظهرت احلاجة لالحتياط النقدي منذ ظهور الوراق النقدية
(البنكنوت) و الانفتاح عىل التجارة ادلولية .و قد اكنت ادلول من قبل
1ورشاء ادلوةل السالح وتربعها الجنيب ال يكون من حساهبا ابلرايل امنا من موجود اهتا او استامثراهتا الجنبية .والعملية لكها حماسبية رصفة.
227
حتتفظ ابذلهب (لكونه مثنا خلقة) مظةل ملصداقية مثنية هذه الوراق و
للتدخل يف السوق املالية لرشاء و بيع أوراق البنكنوت للحفاظ عىل
سعر الرصف املعلن بني اذلهب و تل العمةل .و بزوال حقبة الغطاء
اذلهيب عام ١٩٧٣م ،حل ادلوالر حمل اذلهب وأُستب ِّعد اذلهب من
لعبة املال ادلولية و أصبح سلعة من السلع يباع و يرشى عىل أساس
هذا املفهوم.
و الاحتياط النقدي الجنيب معضةل! فلكام اسزتادت دوةل ما منه لكام
قل احتياهجا هل ،و لكام استنقصت منه لكام زاد احتياهجا هل .و ذكل
لن مصداقية الوراق النقدية مبنية عىل الثقة ابدلوةل املصدرة لها .و
من أس باب الثقة الرئيسة لعمةل ما ،يقني املس تخدم لهذه العمةل ابإماكنية
استبدالها مبا شاء من الموال و السلع و اخلدمات املتوفرة يف ش ىت
أحناء العامل .فوجود احتياط نقدي أجنيب كبري خيلق مناخ ًا من
املصداقية لهذه العمةل فيحتفظ هبا املتعاملون و يبتعد عهنا املضاربون
فال يوجد داع يدعو الس تخدام هذا الاحتياط فيبقى مجمدا مكدس ًا
يف صورة س ندات تدفع الزنر القليل من الفوائد اليت ال تاكد تغط
نس بة التضخم العاملية .وأما قةل الاحتياط النقدي الجنيب فهو دعوة
مغرية للمضاربني للهجوم عىل هذه العمةل واس تزناف الاحتياط النقدي
الجنيب ومن مث وقوف البنك املركزي عاجزا عن حامية العمةل مما يؤدي
اإىل كرسها واهنيار قميهتا وما يلحق ذكل من تبعات اقتصادية و
اجامتعية و س ياس ية مؤملة.
228
والاحتياطيات النقدية الجنبية جيب أن تكون يف صورة س ندات
مالية مضمونة الس يوةل و بال لكفه .ذلا ،فيجب أن تكون دوةل معةل
الاحتياط ذو تقدم كبري يف جمال البنوك و الصريفة مع المتتع بقوانني
شامةل تضمن امحلاية ملس تخديم هذه العمةل و منه ضامن الانفتاح و
حرية تنقل املال .كام جيب أن يتوفر يف دوةل معةل الاحتياط العمق
الاقتصادي الاكيف الستيعاب املبادالت املالية الضخمة ومن ذكل
تسعري و بيع و رشاء السلع الولية (اكلنفط و القمح) هبا .هذه
الرشوط يه اليت جعلت احتاكر و همينة ادلوالر المرييك أمرا طبيعيا
لالحتياطيات النقدية الجنبية ،واليت يشلك ادلوالر المرييك٪٨٠
مهنا.
230
والاحتياطيات الجنبية متعلقة بنظام ربط العمةل .فنظراي ،أن التعومي
للعمةل يلغ احلاجة لالحتياطيات الجنبية .فف نظام التعومي ،تنقص
قمية العمةل عند جعز ادلوةل أن تدفع مس تحقات فاتورة التجارة ادلولية.
وقد اكنت الاحتياطيات الجنبية قدميا من النحاس ،عندما اكن
النحاس قدميا مث حتولت للفضة ،مث لذلهب مث لدلوالر حىت عام
١٩٧٣م ،مث -نظراي -زالت احلاجة لالحتياطيات الجنبية ،بسبب
التحول لنظام التعومي.
والاحتياطيات الجنبية تكون ش به نقدية بعمةل أجنبية ،كس ندات
احلكومة القصرية الجل .فغرض الاحتياطيات هو التدخل الرسيع
لدلفاع عن معةل او لتأمني مشرتايت رضورية يف ظروف مفاجئة .ذلا،
فاذلهب -اإن وجد -ف ُيحسب مضن مجموع الاحتياطيات ،اإال أنه ال يُعد
مهنا معليا .ذلا ترى معلومات الاحتياطيات الجنبية للبنوك املركزية
تس تثين اذلهب .فاذلهب ليس سهل التسييل ،وقد يكون هناك لكفة
يف تسييهل ،تزداد لكام ازدادت مكيات التسييل.
وقفة فلسفية مع الاحتياطيات الجنبية:
فاالحتياطيات الجنبية يه دفاعات العمةل .ومعضةل الاحتياطيات
الجنبية مكعضةل اجليوش .فاحلاجة اإلهيا تقل وتتضاءل ،لكام زادت
عظمة اجليوش جحام ونوعا .فاالحتياطيات الضخمة القوية اكجليوش
الضخمة القوية ،متنع تسلط العداء علهيا ،بسمعهتا وهبيبهتا .فالمم
العظمى تغمن املاكسب وحتقق الانتصارات هبيبة جيوشها دون احلاجة
الس تخداهما يف خوض احلروب .مفىت اس تخدمت أمة جيوشها العظمية
231
يف مقامرات غري حمسوبة ،ضاعت اجليوش ،وخرست المة َمنَعهتا
وضاعت هيبهتا .فتطاولت علهيا المم احلقرية واعتدى علهيا رشار اخللق
وقطاع الطرق.
وبناء اجليوش وصيانهتا معلية م ِّلكلفة ،وتمكن عوائدها الضخمة يف
اس تغالل هيبهتا ،ال يف اس تغالل ذاهتا .فاحلروب ال تس هتوي اإال
املهتورين ،والسذج ،وجتار احلروب ،واملسرتزقة ووسطاء السالح.
واحلال يه نفسها يف الاحتياطيات الجنبية .فاملقامرة هبا يف خماطرات
أسواق املال ،تس هتوي املهتورين والسذج والطامعني من جتار ووسطاء
أسواق املال.
وقد يظن قصري النظر أو مهتور الطبع ،أن االإنفاق عىل اجليوش اليت ال
ختوض حرواب ،هو من تضييع لفرص الغنامئ .وهذا خطأ ،ونقيضه خطأ
كذكل.
فالمة اليت ال تس تخدم هيبة سطوة جيوشها -ال نريان جيوشها -يف
فرض مصاحلها عىل غريها من المم ،يه أمة جامدة مضيعة ملواردها،
فالس يف اذلي هيُ دد به وينفع خري من الس يف اذلي يُرضب به وينبو.
وكذكل يه الاحتياطيات الجنبية ،عندما هتُ مل كش به س يوةل دون
اس تغالل أمثل لس يولهتا .فعوائد الس يوةل تضاعفية ،اإذا ما اس تخدمت
يف ضامانت .فضامن ش به الاكش رمح خصبة ،تدل توامئ أربعة وُخسة
وعرشة .برشط أبداع هندسة المنوذج المتوييل ،واالإبداع اإجياد جديد ال
تقليد موجود .وامجلود ،خري من القامر عىل لك حال ،والكهام رش عىل
المة .فامجلود يقتل ببطء والقامر يعجل ابملنية.
232
هممة الاحتياطيات الجنبية:
والاحتياطيات الجنبية يه الداة املبارشة بيد البنك املركزي،
لدلفاع عن سعر رصف معلته املربوطة ،سواء أاكن حال سعر الرصف
صاعدا او هابطا .فاالحتياطيات مصدة ،تصد عن سوق النقد احمللية
للعمةل املربوطة فتعزلها عن التغيريات الاقتصادية والنقدية ادلولية،
سواء أاكنت املتغريات اإجيابية أو سلبية.
فاالحتياطيات الجنبية ،وإان اكنت نقدية ومالية حمضة ،اإال أهنا تعمل
مكصدة لتدفقات السلع واخلدمات والنقد .فرتى الاحتياطيات الجنبية
يف دول النفط متتص دوالرات فوائض النفط عند دول النفط -زمن
ارتفاع الطلب العامل عىل النفط ،-كام تراها متتص دوالرات الهجامت
عىل معالهتا من املضاربني املتأملني لرفع قمية العمةل احمللية .والعكس،
حيدث يف حال النقصان الشديد لتدفقات دوالرات النفط .اللهم أنه يف
حال نقص تدفقات دوالر النفط ،فاإن الاحتياطيات الجنبية قد تنفد
ويه تستبدل العمةل احمللية ابلجنبية ،من أجل تلبية الاس ترياد العاميل
والسلع واخلديم ،أو من أجل اس تخدام نقودها لرشاء العمةل احمللية
يف حاةل املضاربة ضدها او حال فقدان الثقة هبا.
234
رشاكهتا الواعدة .ومبا أن القرض عىل الرشاكت الوطنية اكن ابدلوالر،
مفوجودات الاحتياطيات الجنبية مل يتغري مجموعها ،وإان اكن قد تغريت
س يولهتا.
والاحتياطيات النقدية الجنبية تكون عادة بس ندات أمريكية قصرية
الجل ملدة س نة أو أقل فهي سهةل التسييل كهنا دوالرات حقيقية.
فالبنك املركزي ،اكن يقدم للرشكة س ندات احلكومة الامريكية القصرية
الجل ،ويضع ماكهنا س ندات ابدلوالر عىل الرشاكت احمللية ،فتحول
الاحتياطيات من معةل اجنبية ش به نقدية مضمونة التسييل يف أي
وقت -ويه الس ندات الامريكية -اإىل س ندات وطنية ابدلوالر،
صعبة التسييل وذي لكفة .فهذا افسد الغرض من الاحتياطيات
الجنبية ،فهي كام قلنا ليست استامثرية بل دفاعية اكجليوش .فلام مش
املضاربون راحئة الطبخة وادركوا جعز البنوك املركزية اليت لعبت اللعبة
عن ادلفاع عن قمية معلهتا اإذا هومجت ،قاموا ابلهجوم علهيا حىت نفذت
من هذه البنوك الاحتياطيات الجنبية القابةل للتسييل ،فاهنارت
العمةل.
كيفية الهجوم عىل العمةل:
والهجوم عىل العمةل ال ميكن أن حيدث اإال ابقرتاض للعمةل احمللية ،مث
بيعها -أي استبدالها -ابلعمةل املربوط هبا .فهذا هو جهوم املضاربني اذلي
يكرس العمةل ويس تزنف الاحتياطيات .فعندما راهن
جورج سوارس عىل انكسار ربط اجلنيه الربيطاين ابملارك الملاين يف
١٦سبمترب عام ١٩٩٢م ،قام بعملية ببيع اجلنيه الربيطاين عىل
235
املكشوف ،1أي أنه قام ابقرتاض مليارات اجلنهيات الربيطانية من
السوق النقدية الربيطانية ،مث ابعها ابملارك .ومبا أن العمليات اكنت
خضمة ،فقد أجربت عىل تدخل بنك اجنلرتا املركزي لزتويد السوق
ابملارك الاملاين من احتياطاته النقدية .ومث ملا انكرس الربط واخنفضت
قمية اجلنية ،عاد سوارس واشرتاه وسدد دينه خفرج راحبا ١.١مليار
دوالر.
فهكذا يستهنك املضاربون العمةل املربوطة ،حىت تُس تزنف
الاحتياطيات الاجنبية للبنك املركزي للعمةل املُهامجة فتنكرس العمةل،
وحيهنا وبعد اخنفاض قميهتا ،يقومون ابإعادة رشاء ما ابعوه ،ليسددوا
ديهنم ،ويبقى الفارق هلم.
الباب السادس :اختالف اس باب انكسار ربط العمةل وتنوع النتاجئ
عن الانكسار
وختتلف اس باب كرس ربط العمةل كام ختتلف نتاجئه .ونس تطيع حرصها
يف ثالث حاالت أساس ية ،فقد يكون كرس الربط وختفيض العمةل هو
احلل المثل لتحقيق منو اقتصادي ،كحاةل بريطانيا عام ١٩٩٢م .وقد
ينتج انكسار العمةل واخنفاض قميهتا ادلولية ،أزمة اقتصادية كام حدث
لمنور اس يا عام ١٩٩٧م .وقد يؤدي انكسار العمةل اإىل اهنيارها يه
واقتصادها وس يادهتا ووحدهتا ،كام س يحدث لي دوةل نفطية يف حاةل
انكسار معلهتا.
1وس يأيت رشح البيع عىل املكشوف يف موضوع املسائل املالية املعارصة فصل البيع عىل املكشوف.
236
احلال الول :يكون هو احلل المثل لل منو.
قد يكون كرس الربط وختفيض العمةل هو احلل المثل للمنو .فف ١٦
سبمترب ١٩٩٢أجربت بريطانيا يف ذكل اليوم واذلي امسوه ابلربعاء
السود ،عىل اخلروج من ألية سعر الرصف الورويب ERM
وذكل بكرس ربطها ابملارك الملاين بعد أن خرست أكرث من ثالثة
مليارات جنيه يف دفاعها عن سعر الرصف املربوط ابملارك الملاين.
وبريطانيا مل تكن تتبىن الانضامم لليورو ،لكهنا دخلت للتجربة والتعمل،
ذلا اكنت احامتلية خروهجا يه الاكرب عند تعرضها لضغط املضاربني.
ولهذا اختارها سوارس هدفا لهجومه علهيا اذلي أكس به ١.١مليار
دوالر يف يوم واحد.
فف حاةل بريطانيا ،يكون كرس الربط وترك العمةل تنخفض ،هو احلل
المثل لتحقيق منو اقتصادي ،كوهنا اقتصادا قواي انجضا متقدم .وهذا
خبالف ادلول الناش ئة .فانكسار العمةل واخنفاض قميهتا ادلولية ،يسبب
لها أزمة اقتصادية كام حدث لمنور اس يا عام ١٩٩٧م.
فاحلال الثانية :يكون السبب يف أزمة اقتصادية
وقد يؤدي انكسار العمةل واخنفاض قميهتا ادلولية اإىل اإشعال أزمة
اقتصادية .وهذا يف حال اقتصاد انشئ منتج ،كزمة منور اس يا عام
١٩٩٧م اليت س بق التحدث عهنا .وكيفية الهجوم قد بيناه سابقا عند
حديثنا عن انكسار الربط للجنيه الربيطاين عام ١٩٩٢م يف مثال
جورج سوارس السابق.
237
واهنيار قمية معالت منور اس يا سبب أزمة اقتصادية بسبب ديون
البنوك وموجوداهتا .فقد حصل عدم توازن بني موجوداهتا ابلعمةل احمللية
ومطلوابهتا ابلعمالت الجنبية ،فاهنارت البنوك ،لعدم قدرهتا ابلوفاء
مبطلوابهتا اليت ارتفعت قميهتا امام دخل البنوك ابلعمةل احمللية.
والمتويالت يه دم الاقتصاد ،والبنوك يه القلب اذلي يضخ ادلم.
احلال الثالثة :أنه يؤدي الهنيار اقتصادي وس يايس
ويسبب انكسار الربط أو ختفيض قمية العمةل أزمة خطرية اقتصاداي
وس ياس يا يف ادلول الغنية ابملوارد ،كدول النفط .وسأرشح املسأةل
ابس تخدام الرايل السعودي ،ليسهل فهم املوضوع.
ولنعمل أنه يف حاةل اقتصاد الرايل فعندها فاإن احامتلية ختفيض الرايل
هو فرع ُمتفرع عن احامتلية تعومي الرايل .وتعومي الرايل أمر مس تحيل
تقنيا .مفىت فهمنا سبب اس تحاةل تعومي الرايل فنيا وتطبيقيا ،سهل
علينا بعد ذكل فهم سبب امتناع ختفيض الرايل ،فهو ممتنع تقنيا
واقتصاداي كذكل.
مبحث :قاعدة ح متية ربط العمةل احمللية بعمةل أجنبية
وفهم سبب اس تحاةل تعومي الرايل فنيا وتطبيقيا ،قد يتأىت بسهوةل بفهم
قاعدة ويه:
“ اإن اتباع نظام الربط هو أمر اإجباري طبيع ال اختياري لالقتصاد
املركزي أحادي السلعة املتجانسة دوليا ،اكلنفط .فأي دوةل حالها كحال
السعودية ،فالقول يف معلهتا مثل القول يف الرايل السعودي ” .
238
وتعومي الرايل أمر مس تحيل التطبيق؛ لن ذكل يعين عرض الرايل
السعودي للبيع يف سوق العمالت .ومن سيشرتي الرايل؟ اإن اكن
الرايل ال يُقدم ملشرتيه ادلويل أي سلعة ممكن مقايضهتا ابلرايل .فمبجرد
تعومي الرايل ستهنار قميته للصفر لعدم وجود طلب عليه .وأما النفط
فهو سلعة دولية متجانسة ،جتعل ادلوالر حمتكرا طبيعيا لها.
ومن هنا نس تطيع التفرع اإىل فهم ختفيض قمية الرايل ،وهو فهم متفرع
عن مفهوم التعومي .فلو قيل اإنه حصل و ُاختذ قرار بتخفيض الرايل
ليصبح سعر الرصف مثال أربع رايالت للك دوالر .مفاذا اذلي
س يحدث؟ اذلي س يحدث أن أحصاب الودائع يف البنوك س يصابون
ابلفزع ،ويرتاكضون الإنقاذ ودائعهم وحتويلها لعمةل أجنبية .فاإن قيل اإنه
يصدر أمر مبنع التحويالت ،فيقال “ :اإن هذا س يكون أسوأ ” .فهو
جمرد اإغالق لفوهة الرباكن ،فالرباكن يغيل وسينفجر وال بد .فالرايل
يكون قد انهتيى ،ولو بفقدان الثقة فيه بعد منع التحويالت اخلارجية.
فلو اعتربان فقط ودائع اجملمتع ،واليت يه حتت الطلب فقط ،لوجدانها
تزيد عن الرتيليون رايل .فلو كنا متحفظني وافرتضنا أن ٪٨٠من
الرتيليون س هيرب خارج البالد ،فاإن هذا يعين اهنيار الاحتياطيات
النقدية الجنبية مبقدار ٢٥٠مليار دوالر يف الساعات الوىل،
ابفرتاض سعر الرصف اجلديد .وهذا يشلك نصف الاحتياطيات
الجنبية تقريبا .مث ينهتي اليومان الباقيان عىل ما تبقى ،حىت تتخىل
مؤسسة النقد عن ادلفاع عنه لتصبح قميته صفرا .والقرب للواقع أن
اإماكنية تلبية تسييل مبالغ خضمة ،س تكون مرتفعة اللكفة ،اإن اكن ممكنا
239
أصال .فاالحتياطيات الجنبية يف أصول مالية ،من الصعب تسييلها
جفأة.
240
فاإن مل يس تطع البنك املركزي التلبية الفورية الستبدال طالئع الرايل
الهاربة ابدلوالر ،فهذا يعين اهنيارا اكمال للرايل ،س يصل بقميته للصفر،
وهذا يعين:
.1تضييع غالب الاحتياطيات الجنبية ،أي أكرث من تريليون رايل
بال مقابل.
.2اهنيار اكمل للبنوك ،ونزول موجوداهتا اإىل أرقام ال تتجاوز
املليارات بدال من الرتيليوانت.
.3اضطرار البنك املركزي نظراي ،ال تطبيقيا عىل اإنقاذ البنوك،
ابإصدار رايالت تغط مقدار الس يوةل املتطلبة للسوق السعودية .ولن
حيدث ذكل تطبيقيا؛ لن الرايل لن يعود معةل تساوي شيئا ،حىت يف
السوق السعودية .فالسوق ستتعامل بعمالت أجنبية .والسوق
س يكون مشلوال وحمدودا عىل الرضورايت فقط.
.4أن اإعادة الثقة للرايل بعد ذكل حتتاج زمنا طويال ،وقد ال تعود
الثقة هل أصاةل.
فالرايل السعودي ليس اكجلنيه املرصي مثال أو أي معةل أخرى ينتج
اقتصادها سلعا ،ولو أهنا تكف كفاف أهل البدل .فالرايل السعودي ال
يقدم حىت السلع الرضورية مبس توى الكفاف .واجلنيه املرصي عىل لك
حال خارج أكرث التعامالت السوقية ،ومقترص عىل التبادل احمليل
تقريبا .واجلنيه املرصي قد مر بصدمات متنوعة كهذه ،فالثقة به
مرضوبة أصال ،والتعامل به مقترص عىل حاجيات البسطاء.
فاخلالصة أن سبب اس تحاةل التعومي للرايل ،هو أيضا سبب امتناع
ختفيض قميته .والفرق بني اس تحاةل التعومي وامتناع التخفيض ،هو جمرد
فرق زمين .فتعومي الرايل س يفشل حلظة تطبيقه ،مع عدم اهنيار
مصاحب لالحتياطيات ،ولكن تدرجييا.
أما ختفيض قمية الرايل فس يفشل بعد مدة قصرية من تطبيقه؛ لن
البنك املركزي سيس هتل الاحتياطيات مث تضطر للتعومي .فاس هتالك
الاحتياطيات س يكون أرسع ،والفشل التام س يكون أبطأ يف حال
التخفيض للقمية.
الباب السابع :ديناميكية ربط العمةل:
كيف تكون ديناميكية الربط؟ أي كيف نربط وكيف حنافظ عىل
الربط؟ فعندما يقرر بنك مركزي ما ،أن يثبت سعر الرصف بني
العمةل الوطنية وادلوالر مثال ،بسعر رصف ،1:1فس يقوم البنك
املركزي ابإعالن ذكل رمسيا ،فيجعل احملافظة عىل قمية معلته ،هو
هدف الس ياسة النقدية ،ويتعهد ابدلفاع عن سعر الرصف املعلن.
وقمية العمةل املربوطة – نظراي -تأيت من مقارنة القمية احمللية لسةل سلع
سريبط هبا .أي يقارناس هتالكية ،بقمية نفس السةل يف بدل العمةل اليت ُ
بني مقدرة العمةل الرشائية حمليا ومقارنهتا بسوق العمةل الجنبية املراد
ان يُثبت هبا العمةل احمللية .وقد س بق يف تقيمي العمةل أن رضبنا مثال
بقمية الرايل السعودي املثبتة مع ادلوالر .فقلنا ،اكنت ٣٧٥٠رايل
مثال ،تكف مرصوف عائةل لتنغط احتياجاهتا املعيش ية ،من مألك
ومرشب ومسكن .وابملقابل ،لو أن العائةل ذهبت لمرياك ،الشرتت
نفس سةل املشرتايت ب ١٠٠٠دوالر ،فهذا يعين أن ادلوالر يعادل
٣.٧٥رايل يف القوة الرشائية.
242
والس يطرة عىل سعر الرصف اثبتا للعمةل املربوطة ليس أمرا عسريا،
من الناحية الاقتصادية الفنية .أي أن الربط ليس صعبا أبدا ،اإمنا
الصعوبة الشديدة اليت حتتاج اإىل فن وخربات عتيقة ،هو التعومي،
وخاصة اإذا اكنت العمةل من العمالت ادلولية .ذكل أنه جيب عىل
البنك املركزي ،احملافظة عىل الثبات النس يب للقوة الرشائية للعمةل ،مع
الس يطرة عىل الاقتصاد اللك لدلوةل .ومعالت دول النفط ،ليست
بعمالت دولية؛ للس باب الثالثة التية:
الول :اإهنا مربوطة ابدلوالر .والعمةل املربوطة ال تصبح معةل دولية اإذا
اكنت مربوطة بأخرى؛ لنه ال يوجد جمال كبري يذكر للتكسب أو
التحوط من اختالف وذبذبة سعر الرصف.
الثاين :اإن السلع اليت تنتجها دول النفط وتصدرها اإىل اخلارج ،تباع
غالبا ابدلوالر .ولو افرتضنا -من أجل الفهم -أن بعضها يباع ابلعمةل
احمللية ،فلن حتتفظ البنوك الجنبية وال الرشاكت هبا .والسبب يف
ذكل؛ أهنا غالبا ال تس تطيع أو لن جتد الفرصة أو لن ختاطر ابالس تفادة
من العمةل خالل احتفاظها هبا يف اإقراض وال يف اإيداع وحتصيل فوائد
عليه ،وال يف رشاء س ندات قصرية الجل حكومية أو جتارية مقومة
ابلعمةل احمللية.
ومبا أنه مربوط بسعر اثبت فال توجد خماطرة اختالف سعر الرصف.
ذلا؛ فاالحتفاظ مبا ُربطت العمةل به وهو ادلوالر ،يعترب بديال استامثراي
أفضل للبنوك الجنبية .فاإذا احتاجت هذه البنوك الجنبية للعمةل
احمللية ،استبدلت ادلوالر به.
243
الثالث :أن معالت دول النفط ،ال تس تخدم يف سوق السلع ادلولية
مطلقا كعمةل تبادلية ختدم بعض السلع ادلولية .ذلا؛ ليس لها دور يف
التجارة ادلولية .فالعمالت ادلولية اكلني ،تُس تخدم كعمةل قياس جتارية
تبادلية لكثري من دول رشق أس يا ،كام أنه معةل البضائع الياابنية ،كام أنه
متذبذب .فيباع ويشرتى رجاء الرب والتحوط .كام أن هل ثقة يف احملافل
املالية ادلولية .وأما ادلوالر فهو ليس فقط معةل دولية بل أنه معةل
الاحتياط املهمينة يف العامل ،ومعةل الاحتياط احتاكرية ابلطبيعة ،كام
س بق ذكره.
مفن مزااي ربط العمةل ،سهوةل اإدارة السوق املالية املتعلقة به .فاملسأةل
سهةل نوعا ما ،مقارنة ابإدارة العمةل املعومة .مفثال ،مفا جيب عىل البنك
املركزي -من أجل أن حيافظ عىل سعر الرصف ،-اإال أن يتحمك يف
مكية معلته حمليا؛ لكيال يزيد فيحصل تضخم أو حتول الزايدة للخارج،
كام يتحمك بمكيته ليك ال ينقص عن حاجة السوق ،فيختنق السوق.
والتحمك بمكية العمةل احمللية حمليا ،يكون:
.١عن طريق اس تخدام البنك املركزي للس ندات احمللية لتغيري عرض
النقد زايدة ونقصاان للتأثري عىل الفائدة ،فالفائدة يه سعر النقد كام بينا
سابقا.
.٢أو ابس تخدام اإعادة تضبيط الاحتياط االإلزايم.
.٣وأحياان قد يكون المثل للتحمك هو سعر الفائدة السقفية لسوق
النقد كسعر اخلصم يف السوق النقدية الامريكية و اكلريبو يف السوق
النقدية السعودية.
244
أما التحمك ابلعمةل احمللية دوليا فذكل عن طريق رشائه وبيعه ابلعمالت
الجنبية ،اإذا لزم المر بسعر الرصف الثابت.
أي ولتسهيل الصورة ،فكن البنك املركزي للعمةل املربوطة يعمل
كرصاف لعملته مع العمالت ادلولية.
الفصل اخلامس :تطور النظام النقدي
قد تأيت اخلربة عن طريق التجربة فتكون مرتفعة اللكفة ،مث تُس تخرج
النظرية اس تخراج ًا من تل التجربة .وقد تأيت عن طريق التنظري
الفلسف احملض الغري معمتد عىل مشاهدات واقعية ،فتأيت النتاجئ
عكس ية وخمية مد لمرة ،فالبد أن يفوت عىل البرش معطيات مل حيس بوا
فالتدرج مطلوب الختبار تطبيق النظرية احملضة ،ويف
حساهبا .ذلا ُّ
الاقتصاد المرييك أمثةل عىل ذكل .
الباب الول :من الخطاء التارخيية العظمى للبنوك املركزية
عمل الاقتصاد اللك عمل حديث ،مل يكمتل بعد .فالناجت احمليل اذلي هو
أمه مرتكز يف مؤرشات الاقتصاد اللك مل يظهر اإال بعد احلرب العاملية
الثانية ،بطلب من الرئيس المرييك روزفلت .وما خرج املرض
الهولندي اإال لعدم فهم الاقتصاد اللك أنذاك .
مبحث :املرض الهولندي
فاكتشاف الغاز الطبيع يف هولندا يف القرن املايض أدى اإىل ارتفاع
معلهتا ،مما أدى لهجر الصناعات والزراعة احمللية ،للجوء الهولنديني
لالس ترياد بسبب رخص البضائع الجنبية أمام قوة معلهتم .
245
ورمغ أنين مل أجد من رشح لس باب ارتفاع العمةل الهولندية اىل هذه
ادلرجة املدمرة ،اإال أنين مل أرى هل سبب ًا شارح ًا ،اإال أنه سوء ترصف من
البنك املركزي الهولندي أنذاك- .ولعهل اكن متصاحب ًا مع رغبة س يايس
قارص النظر ،أجعبته قوة العمةل الهولندية.-
فقد اكنت العمالت أنذاك مربوطة ابذلهب ،واكن مزيان املدفوعات
يشلك التغري يف الاحتياط للبنك املركزي .فأعتقد أن البنك املركزي
مل يقم بعزل فائض املزيان التجاري احلاصل من تصدير الغاز عن
موجودات القاعدة النقدية (مث ًال حنن اليوم نعزل فوائض النفط
ابستامثرها حلساب املالية.
فبسبب عدم العزل ارتفعت موجودات القاعدة النقدية للعمةل ،مع عدم
حاجة الاقتصاد الهولندي لزايدة املعروض النقدي .ذلكل مل يقم البنك
املركزي ابإصدار نقد هولندي يقابل الزايدة يف احتياطياته النقدية اليت
تسبب هبا فائض مزيان املدفوعات .مما رفع قمية العمةل الهولندية
لتساوي قمية املوجودات املزتايدة .وابلتايل أدى ارتفاع قمية العمةل يف
الهناية اإىل تعطل الاقتصاد الهولندي ،واس تغنائه عن االإنتاج احمليل
ابالس ترياد الجنيب.
مبحث :فتيل اشعال الكساد العظمي
وليس هذا اخلطأ بأسوأ من خطأ الفدرايل المرييك ،وخطأ بنك اإجنلرتا
املركزي ،والذلان تسببا ابلكساد العظمي عام ١٩٢٩م .فقد اكنت
العمالت ادلولية لكها مرتبطة ابذلهب ،ومهنا اجلنيه الربيطاين وادلوالر
المرييك .وهذا يعين تقني ًا ،من حيث عدم التحمك الاكمل يف الس ياسة
246
النقدية ،أن ادلول املرتبطة معالهتا ابذلهب أنذاك اكنت يف وضع شبيه
نسبي ًا بوضع دول اليورو اليوم ،اللهم بعمالت متنوعة .
واذلي حدث ،هو أن بريطانيا اكنت قد خفضت أسعار الفائدة
الربيطانية ،لس باب س ياس ية حملية .فبدأت الموال تنتقل من بريطانيا
اإىل أمرياك حبث ًا عن فائدة أعىل .فتدخل املل الربيطاين عند أمرياك
متشفع ًا دلهيم ليك خيفضوا الفائدة المريكية الإيقاف جهرة الموال
الربيطانية اإىل أمرياك .فاس تجاب الفدرايل للطلب الربيطاين ،خففض
الفائدة المريكية ،بزايدة املعروض النقدي المرييك .فارتفعت سوق
السهم المريكية بسبب اخنفاض الفوائد .فاعتقد الناس أن هناك طفرة
اقتصادية ،فتسابقوا للفوز بفرص الاستامثر ،فزتامحوا عىل املوارد دون
وجود طفرة اقتصادية حقيقية .فارتفعت أسعار املوارد ،اكلعامةل واملواد
واخلدمات .وتوافق مع زايدة املعروض النقدي ،ومدعوم بومه المنو
الاقتصادي ،فانطلق التضخم من عقاهل .مما جرب الفدرايل عىل تصحيح
اخلطأ خبطأ أخر .فقد عاد الفدرايل ،فرفع الفائدة برسعة لكبح التضخم.
فاهنار سوق السهم ،فتبعه التشاؤم العام يف السوق المريكية ،فتوقف
الاستامثر وبدأت تباشري ُخول اقتصادي أمرييك.
مفا أن مسع الربيطانيون بذكل حىت تسارعوا لسحب أمواهلم من البنوك
يف بريطانيا .فسارعت بريطانيا حبامقة الإعالن توقفها عن رصف اذلهب
مقابل اجلنهيات الربيطانية ،حامية لبنوكها ،فاهنارت الثقة ابلنظام البنيك
فاهنار الاقتصاد الربيطاين .ورسعان ما أدركت أمرياك عدوى الهلع.
فتسابق المرياكن عىل البنوك لسحب أمواهلم ،واليت مل يكن عند
247
البنوك ما يكف من اذلهب لتغطيهتا( ،ومل تكرس أمرياك ربط ادلوالر
ابذلهب كربيطانيا) فاهنارت البنوك المريكية ،وحتول الانكامش
الاقتصادي اإىل ما أصبح يُعرف ابلكساد العظمي ،حىت بلغت البطاةل
،٪٢٥وتناقص المنو .٪٥٠ودخلت البالد يف الكساد العظمي ،ومل
خترج منه اإال ابحلرب العاملية الثانية .
فالكساد العظمي اكن بسبب عدم فهم النظام النقدي ،اإال أنه أخرج
النظرايت النقدية احلالية .ففك الارتباط عن اذلهب اكن نظرية علمية
خيالية ،مت تطبيقها ابس تغالل الظروف خالل عقد من الس نني.
الباب الثاين :تعطل اذلهب بعد احلرب الوىل
ظهرت احلاجة لعمل الاقتصاد اللك كنتيجة لتعطل التجارة ادلولية
خالل فرتة احلربني العامليتني؛ بسبب عدم وجود معةل دولية موثوق هبا.
وذكل بعد أن أثبتت التجارب عرب التارخي اس تحاةل الزتام ادلول بتغطية
معالهتا ابذلهب املتعهدة به بقمية معالهتا املربوطة به ،خاصة عند
حدوث الزمات الاقتصادية واحلروب .أضف اإىل ذكل فقدان بريطانيا
خاصة ،وأورواب معوما الحتياطاهتا اذلهبية خالل احلرب العاملية الوىل
والثانية ،وجتمع غالب ذهب العامل يف أمرياك .مفا من ذهب عند ادلول،
وال ثقة ابلعمالت ،فليس هناك من وس يةل تبادل قياس ية ُمحددة
موثوق هبا؛ وابلتايل ليس هناك جتارة دولية ،اإذ قد تعطلت متاما.
والتجارة ادلولية يه من مواضيع الاقتصاد اجلزيئ ،ولكن دخول العمةل
ادلولية الالزمة لتكون مركبة حتمل معليات التبادالت التجارية ،وعالقة
هذه العمةل ادلولية بعمالت ادلول الخرى احمللية ،وعالقة العمةل احمللية
248
ابلعمالت الخرى ،وعالقة العمةل احمللية ابالإنتاج احمليل وعالقته
ابالإنتاج العامل ،مع تأثري احلكومة عىل االإنتاج احمليل من خالل
التنظاميت والرضائب واالإنفاق ،لك هذا أخرج احلاجة لنظرة لكية
جامعة شامةل تربط بني النقد واحلكومة ،والعرض العام والطلب العام.
فالطلب العام والعرض العام اكن مضن دراسات الاقتصاد اجلزيئ.
وسلوك احلكومة الاقتصادي اكن مضن الفلسفة الس ياس ية ،وأما النقد
فقد غلب عليه اذلهب .واذلهب جامد من امجلادات ويُعترب خارجا عن
السوق (أي خارج الطلب والعرض) .وذلا؛ فمل يتعد احلديث فيه
اقتصاداي عن حد التطبيق التعاميل اجملرد .فمل تكن هل فلسفة تأصيلية
علمية ،اإال مثاليات مضن الفلسفة الاجامتعية والفلسفة الخالقية.
وكذكل ما جاء حول اذلهب يف فلسفة أحبار الداين ورهباهنا
وعلامهئا.1
فالتشابك والتداخل والتعقيدات بني السلوك االإنساين يف السوق
(واذلي ميثهل الاقتصاد اجلزيئ) ،وبني فطرة البرش يف تعامهل مع النقد،
مع تداخهل يف سلوكيات احلكومة ،مع تشابكه يف النظمة الس ياس ية،
مع تعقيداته مع النظام النقدي جملمتع أو دوةل معينة ،مع مدى تأثر لك ما
س بق وتداخهل ،مع اجملمتعات وادلول الخرى ،جيمتع ما س بق من
اخلليط لكه ليشلك حمور عمل الاقتصاد اللك .واذلي خرج خدجيا
-1النصوص االإسالمية جاءت فقط ابلتطبيق التعاميل ابلصناف الس تة ،ومل تأت بفلسفته وال فلسفة تطبيقاته التعاملية ،وإامنا الفقهاء القداىم مه من نَظر حوهل وتفلسف.
فيتأملونه مبا يرونه يف واقعهم البس يط وحياولون فلسفته ،وأكرث الفقه يف اذلهب مأخوذ من فالسفة اليوانن .وأما املعارصون فأخذوا ممن س بقهم من الفقهاء ،ومن الفلسفة
الاشرتاكية (وأصولها مزدكية)،واليت دخلت علهيم من خالل ما كتبه رواد البعثات الوىل العرب يف كتهبم ،حني اكنت الفلسفة الاشرتاكية يه املهمينة عىل غالب الفكر
العامل العاميل ،حىت أنه غلب عىل كثري من كبار املس ئولني والاقتصاديني المرياكن والوربيني ،فضال عن العرب.
249
مشوها كعمل مس تقل ،قبل نصف قرن .خرج خدجيا لعدم اعتباره
للمدى البعيد ،وخرج مشوها لعدم اعتباره النقد ،فمل يكن للنقد
حضور مضن النظرايت الاقتصادية ،لنه ال ينتج وال يس هتل .فمل
يدخل النقد كعامل مؤثر يف االإنتاج ،اإال يف الس بعينات .وهذا حييك
صعوبة انزتاع الفكر املتوارث .فاذلهب مل يكن يدخل الفلسفة
الاقتصادية للسوق مطلقا ابعتباره ،جامدا من امجلادات ال تُنتِّج وال
تُنتَج ،وال تس هتل ،فاع ُت ِّرب خارج مؤثرات السوق االإنتاجية .وهذا
التفكري اكن مقبوال يف غالب الحوال الطبيعية عرب عرشات القرون،
عندما مل يكن هناك منو هائل يف االإنتاج .ذلا فمل تأت حاجة تفرض
دراسة النقد داخل الاقتصاد.
وإان اكن عمل الاقتصاد اجلزيئ قد اس تقر منذ قرون ،فاإن الاقتصاد
اللك مل مير بفرتة اس تقرار اإىل اليوم .فقد تعرض عمل الاقتصاد اللك
عندما اكن جنينيا يف أحشاء الاقتصاد اجلزيئ لصدمة اإنتاج الةل الهائل
اذلي خلق الطبقة الوسطى؛ مما تسبب يف والدته خدجيا كعمل مس تقل.
ومث رسعان ما فُطم عمل الاقتصاد اللك يف همده؛ بفشل النظام النقدي
احملدود القامئ عىل اذلهب؛ مما سبب صدمة أخرى هل .وتضاعفت عليه
الصدمة بعد أن أصبح للنقد دور أسايس يف االإنتاج والمنو؛ مما قلب
أساس العمل رأسا عىل عقب يف بداية نشأته .مث تعرض عمل الاقتصاد
اللك لصدمة التكنولوجيا واالتصاالت ،اليت غريت مفاهمي اس تقاللية
النظام النقدي احملل ،فدجمته مضن منظومة نقدية عاملية واحدة عن
طريق االتصاالت والتكنولوجيا.
250
وقفة فلسفية :انتقال السلطة النقدية من امجلاد ل إالنسان
ويف الواقع فاإن مقدرة هجابذة الاقتصاد اللك عىل نقل السلطة النقدية
من امجلاد ل إالنسان ،هو اذلي جفر طاقات عمل الاقتصاد اللك ،كام أنه
هو اذلي أطلق اجملمتعات االإنسانية يف طريق المنو والتطور الهائل يف
نصف القرن الخري .كام أنه هو اذلي خفف من فرتات الاحنسار
الاقتصادي ،وقلل من تَكرارها ومنع الاهنيارات الاقتصادية اليت اكنت
متكررة ،وأخرها الكساد العظمي يف بداية القرن التاسع عرش.
فقد اكن النظام النقدي القامئ عىل اذلهب ،كنظام المطار والعواصف،
ال يد ل إالنسان فيه .فقد ينقطع املطر؛ فميوت الزرع والهبامئ .وقد تأيت
العواصف ويزيد املطر؛ فهيل اخللق والرزق .وقد تعايشت اجملمتعات
مع اذلهب كام تعايش العامل ويتعايش اليوم مع تغريات الطقس.
ولو متكن االإنسان من التحمك يف الطقس ،الختلفت حياته ولتوسعت
اإماكنياته مبا ال خيطر عىل ابل امرئ اليوم .ولكن هللا مل يأذن هل بذكل
ابلسلطة النقدية.بعد ،كام أذن لعباده قبل عقود معدودة ،ابلتحمك ُّ
فأوجد س بحانه الس باب ،بأن أوجد الةل وسبب احلروب العظمى،
اليت دفعت العقول اإىل معرفة الكيفية اليت تنزتع هبا السلطة النقدية من
امجلاد اذلي ال يعقل .وليتحمك هبا االإنسان بعد أن أصبح اذلهب ظاملا
للبرشية متعسفا .فقد معل اذلهب-واذلهب من خلق هللا -عىل خنق
الاقتصاد ،ومنع التطور والعلوم اليت مل يكن هللا قد أذن هبا بعد.
فقد منع اذلهب الطفرات العلمية الاقتصادية اللكية .مفا أن يكشف
هللا س بحانه لعباده رسا من ارسار الكون ،وتتحرك اهلمم االإعامرية
251
الستامثر معرفة هذا الرس ،وتبدأ يف وضع أول لبنة يف سمل التطور ،اإال
وخيتف اذلهب من الاقتصاد .وذكل حملدوديته اليت تُعجزه عن تغطية
الس يوةل الاستامثرية التوسعية الاكفية .فريتد الاقتصاد اإىل موضعه بل
اإىل موضع أسوأ .ومث يظل مراوحا ينتظر عودة س يوةل اذلهب ،اليت قد
تتأخر بسبب احتاكر مالكه اذلين خبؤه ،عندما رأوا حاجة الناس اإليه
ُلريبوا به أضعافا مضاعفة ،حىت اإذا ما ضاعت الفرصة التطورية بعد
القضاء عىل لك عقل ُمبدع ابإحباطه وعىل لك ُمنتج ابإفالسه .ولكه
بسبب ندرة اذلهب لينهتي املنتجون واملبدعون بني جسني وحشاذ.
حيهنا تذهب احلاجة لذلهب ،فيظهره حمتكروه املرابون فيعرضوه
ل إالقراض رخيصا ،ليخلقوا التضخم ! مفا عاد هناك طلب حيتاج
اذلهب ،بعد ذهاب الفرصة واهنيار الاقتصاد.
وهكذا يظل الاقتصاد والمنو والتطور مرواحا يف ماكنه ،وقد ُشد
واثقه اإىل احلفرة بسلسةل اذلهب .وهكذا اس متر اذلهب يف معاندة
التقدم ،حىت سبب هللا احلروب العظمى املدعومة ابخرتاع الةل ،اإىل
ثورة االإنسان عىل اذلهب ،وخلعه عن عرش النظام النقدي .وأورث
هللا مل السلطة النقدية للبنوك املركزية عن طريق نظام نقدي رمق ،
قامئ عىل تسجيل ومسح لرقام يف دفرت حماس يب ُمجرد عن أي قمية.
وخلق هللا ألية جناح هذا النظام يف صورة حممكة كونية ،ال ُخيطئ فهيا
القايض مطلقا ،وال ي ُس تغفل فهيا مدع عام ،وال يفوت رشطهتا يشء،
هذه احملمكة يه السوق النقدية احمللية والعاملية.
252
فاإن صدق البنك املركزي ،فسجل وفق قمية ما ميل اجملمتع
الاقتصادي ومل يُطفف ،جنحت العمةل النقدية .وإان غش البنك
املركزي وزور ،فسجل ما ال يُنتج اجملمتع ،فشلت العمةل النقدية،
وحمكت علهيا احملمكة – أي سوق العمالت -ابلطرد وزوال قميهتا أو
نقصاهنا.
ابب خروج اذلهب والفضة من عامل العمالت
اذلهب دموع الشمس والفضة دموع القمر .أو هكذا اكن يُعتقد عند
بعض شعوب قد خلت .ومرت دهور ختىل الناس خاللها تدرجييا عن
الفضة فمل تعد دموعا للقمر .فاذلهب أشد غَرقا يف خصال المثنية من
الفضة ،فهو أكرث حتمال وأندر وجودا .والمثن ادلويل يكون حمتكرا
ابلطبيعة .فذلا؛ شيئا فشيئا ،جهرت البنوك املركزية الفضة ،حىت
خرجت من عامل المثن العامل .اإذ تناقصت قمية الفضة الرشائية ،واليت
اكنت الونصة مهنا يف عام ١٤٧٧م تقارب ٨٠٠دوالر (بأسعار عام
،)١٩٩٨حىت وصلت اإىل ُخسة دوالرات عام ١٩٩٨م.
أما الشمس مفا زالت دموعها اإىل عهد قريب ،حتتفظ بقميهتا السوقية.
ومعوما ،فاذلهب س يلحق الفضة فيخرج من الساحة ادلولية املالية
خالل قرن ،كام احتاجت الفضة لقرن حىت خترج من عقول الناس.
وحىت يتخىل الناس عن ظن عودته مكرجع اثبت لقياس القمية ،كام
ختلوا عن الفضة وعن النحاس قبل الفضة .فس ُينىس اذلهب ،كام
نُسيت الفضة من قبل ،حىت أنك اليوم ال تسمع ذكر الفضة كشاهد يف
253
احملاجات الفقهية وال الكهنوتية النرصانية ،وكن الفضة ليست من
النقدين يف حديث الصناف !
واذلهب والفضة هلام تقريبا الصفات واخلصائص نفسها ،اإال
اذلهب الفض َة ،حمتال بذكل
أن اذلهب أنفس وأصرب وأندر .فأزاح ُ
عرش معةل الاحتياط ادلولية ،وقوانني السوق ال تسمح بوجود منافس
للمحتكر ابلطبيعة ،ومن خصائص معةل الاحتياط أهنا احتاكرية
ابلطبيعة.
ومل يزل اذلهب حمافظا عىل العرش ،حىت ظهر منافس من نوع جديد
ال يشاهبه صفة وال ِّخلقة وال ثباات .مفنذ عام ١٩٤٤م ،وادلوالر يفرض
نفسه دوليا كعمةل الاحتياط ادلولية ،ومث من عام ١٩٧٣فرض
ادلوالر نفسه كعمةل احتياط دون أن يكون ادلوالر اتبعا ليشء مادي
هل قمية ،فصار معةل مس تقةل بذاته ،غطاؤه انتاج اقتصاده من سلع
وخدمات.
ابب عدم صالحية اذلهب كعمةل احتياط دولية
ظهور معةل ورقية مس تقةل بقميهتا اذلاتية ميكن زايدة مكياهتا أو اإنقاصها
بسهوةل ،يه رضورة فرضهتا الطفرات االإنتاجية الهائةل اليت بنت المنو
الاقتصادي العامل احلديث .فاذلهب مل يعد صاحلا لن يكون معةل
الاحتياط ادلولية .فزتايد مكيات اذلهب ابلتنقيب تدرجيية ،وأقل كثريا
من تدرج الةل يف مقدرهتا عىل زايدة االإنتاج اذلي جفرت ماكمهنا
التكنولوجيا احلديثة .وابس تثناء احليل وبعض الاس تخدامات،
فاذلهب اكدلوالر جمرد امسني ،ال وظيفة هلام اإال كوهنام مرجعا لقياس قمي
254
السلع واخلدمات .فاإذا اكن اإنتاج السلع يزداد بوترية أعىل من مقياس
القمي (العمةل) اخنفضت السعار ،وطرد ذكل عكس يا منضبط.
واخنفاض السعار قيد عىل االإنتاج.
والاقتصاد احلديث مل يقم اإال عىل طفرات اإنتاجية متتابعة ،اكلطفرة
الصناعية يف الس تينيات ،وطفرة االتصاالت يف الامثنينيات ،والثورة
الرمقية يف التسعينيات .وما اكن لهذه الطفرات أن تكون لو
اكن اذلهب قيدا علهيا .مفحدودية اذلهب ال تسمح ابلفقاعات السعرية.
فاإذا حصلت فرسعان ما يعمل عىل تفجريها ،خملفا وراءه دمارا عظامي،
كام حدث يف الكساد العظمي يف الثالثينيات.
ويف عام ٢٠٠٨وما بعده ،عش نا تطبيقا معليا أخر لهذه النظرية .فلو
أننا يف عرص اذلهب ملا اس تطاع العامل اخلروج من هذه الزمة هبذه
السهوةل .وقد ُجيادل جمادل فيقول :ولو كنا يف عرص اذلهب ملا اكن
لهذه الزمة أن تكون هبذا احلجم والشلك ! و ُيرد عىل ذكل بأنه لو كنا
يف عرص اذلهب ملا اس تطعنا أن نصل أصال اإىل هذا املس توى من
المنو الاقتصادي؛ لن قيد اذلهب س مينع من الطفرات االإنتاجية كام منع
من الطفرات السعرية.
مبحث :تذبذب أسعار اذلهب
والتذبذب الكبري لسعار اذلهب الامسية هو أمر حادث حدث بعد
أن أزاحه ادلوالر عن عرش معةل الاحتياط يف عام ١٩٧٣م .فالطلب
العامل عىل اذلهب ليس من أجل اس تخدام ذات اذلهب بل
255
الس تخدام مثنيته .فاس تخدامات اذلهب الانتاجية قليةل جدا ابلنس بة
لمكياته املتوافرة.
وهناك ثالثة عوامل رئيسة تؤثر يف تذبذب أسعار اذلهب :اثنان مهنا
أصلية ،وهام مكية ادلوالر واحلاةل الس ياس ية .أما الثالث فهو عامل
متطفل يعمل من خالل العاملني الصليني ،وهو عامل املضاربة.
العامل الول (مكية ادلوالر) :فمكية اذلهب حمدودة ومكية ادلوالر غري
حمدودة ،واذلي حيدد العالقة بيهنام هو السعر .فاإذا زادت مكية
ادلوالرات زاد السعر الامس لذلهب وابلعكس .والعمالت الخرى
تُعادل ابدلوالر لقياس قوهتا الرشائية ابذلهب.
العامل الثاين (الس ياسة) :فقد ال يكون مثة تغري كبري يف مكية
ادلوالرات ،ومع ذكل ترتفع أسعار اذلهب ارتفاعا عظامي ! وهذا ال
يكون اإال عند توافر معطيات حاةل س ياس ية معينة ،كام حدث عام
١٩٨٠م ،حيث تعدت أسعار اذلهب أنذاك ٨٥٠دوالرا للونصة
أي قريبا من ١٨٥٠دوالرا بأسعار ٢٠٠٧م .فف ذكل العام
١٩٨٠م توافقت أزمة رهائن السفارة المريكية يف اإيران مع احلرب
الباردة ،واكن العامل حديث عهد بنقض معاهدة برتن وود وانفصال
ادلوالر عن اذلهب.
فاكن ش بح احلرب العاملية ،وإارهاصات العودة اإىل
نظام اذلهب ،فرصة اس تغلها املضاربون ،فاجمتعت هذه الس باب
فأدت اإىل ارتفاع أسعار اذلهب أنذاك اإىل مس توى ١٨٥٠دوالرا
بأسعار ٢٠٠٧م.
256
مبحث :أثر الصناعة يف اإخراج اذلهب وزايدة االإنتاج وختفيض
السعار
املقارنة التارخيية للسعار ابس تخدام اذلهب ،ليست دقيقة عىل
االإطالق .فأعرية اذلهب متفاوتة ،ونقاء السك وصفائه كذكل ،فضال
عن عوامل العرض والطلب عىل اذلهب املتغرية.
ولكن ابملتوسط العريض نس تطيع رمس صورة تقريبية لقاعدة منطقية
البناء ،عريضة التطبيق .فذلا نس تطيع أن نقول اإن سعر الغمن واالإبل
اليوم يقارب سعرها أايم عرص النبوة .مفن تتبع الحاديث النبوية س يجد
أن الشاة أايم النبوة اكنت بدينارين ذهبيني ،وادلينار ( ٤.٢٥غرام).
واكن متوسط سعر البعري أوقية ذهب (أونصة٢٨.٣٥ ،غرام).
ولكن المر ال ينضبط لو أردان تطبيق هذه القاعدة عىل مجيع السلع.
فعىل سبيل المتثيل ،لو أردان أن نقارن بني أسعار ادلجاج قدميا،
وسعره اليوم ابس تخدام اذلهب لوجدان أن أسعاره قد اخنفضت اخنفاضا
شديدا .وسبب ذكل هو دخول الةل والتكنولوجيا يف صناعة ادلجاج،
مما ضاعف اإنتاجه أضعافا كثرية ،فأرخصه الخنفاض لكفة اإنتاجه
وغزارهتا.
وللتأكد من الشاهد السابق ،فس نجري ادلليل يف القرن املايض
وابس تخدام ادلوالر اذلهيب .واملقارنة ابس تخدام ادلوالر اذلهيب ،دقيقة
نوعا ما ،وليست اكدلاننري القدمية .ذكل كون ادلوالر أنذاك ،اكن مرتبطا
بقمية اثبتة يدافع عهنا الاحتياط الفدرايل ،فهذا عز رل لتقلبات أسعار
سوق اذلهب عن مثنية ادلوالر.
257
فأسعار درزن البيض يف أمرياك عام ١٩٢٠م اكنت ٦٠سنتا .وقمية
غرام اذلهب ٧٠سنتا أنذاك .أي أن قمية درزن البيض بغرام ذهب
تقريبا .وأما أسعاره اليوم فهي يف املتوسط ١٥٠سنتا وقمية غرام
اذلهب اليوم حنو ٥٠٠٠سنت .وهذا يعين ،أن سعر البيض عام
١٩٢٠أكرث من سعر البيض اليوم بـ ٣٠ضعفًا مبقياس اذلهب .بيامن
أسعار حلم البقر عندمه مل تتغري منذ عام ١٩٢٠اإذا قيست ابذلهب،
متاما كسعار الغمن واالإبل ،مل تتغري منذ عرص النبوة مبقياس اذلهب.
ولهذا يس تخدم الاقتصاديون سةل من مجموعة سلع ،من أجل قياس
مس توى التضخم ،وجيددون حمتوايهتا بتجدد احتياجات الناس عرب
الس نني.
هذا الارتفاع الكبري لقمي بعض السلع عىل حساب قمي سلع الخرى،
مل يبدأ اإال منذ أوائل القرن املايض ،وما ذاك اإال بسبب تأثري الةل
والتكنولوجيا عىل تعظمي االإنتاج .فالةل والتكنولوجيا ضاعفت من اإنتاج
البيض أضعافًا عديدة ولكهنا جعزت أن تفعل اليشء نفسه ابلنس بة للبقر
والغمن ،فاخنفض سعر البيض بيامن ثبت سعر الغمن والبقر ابلنس بة
لذلهب .وقس عىل هذا السلع لكها يف اإماكنية أثر الةل والتكنولوجيا
عىل زايدة اإنتاهجا.
والقوة االإنتاجية العالية للصناعة يه اليت جعلت الربط ابذلهب
مس تحيال ومدمرا للمنو الاقتصادي العامل .مفا اكن العامل ليستمثر يف
الةل والتكنولوجيا لو اكن اذلهب هو معةل التبادل ،لن اذلهب حمدود
ومكية االإنتاج بشلك عام للسلع تعاظمت أعظم بكثري من زايدة مكيات
258
اذلهب مما س يؤدي اإىل اخنفاض أسعار السلع ،اليت تؤثر التكنولوجيا
والةل يف اإنتاهجا ،مما س يقيض عىل الاستامثر .فاملستمثر ال يستمثر اإذا
اكن يرى أن قمية استامثره تتضاءل مع الزمن .وهبذا أخرجت الصناعة
السوق اذلهب من النظام املايل ،وحل حمهل نظا ًما يطبع النقد بمكيات
مزتايدة لتقابل زايدة االإنتاج ،وكذكل تدفع بعملية الابتاكر والاخرتاع
الإجياد سلع جديدة ال يزامحها يف أسعارها قةل الس يوةل النقدية اليت
اكنت متوافرة بشح للسلع القدمية.
259
الفصل السادس :مسائل وتطبيقات يف الاقتصاد النقدي ادلويل
التطبيق الول :يف ربط الرايل السعودي ابلنفط
نظام التعومي للعمالت متعلقر ابقتصادايت ادلول املنتجة .فقمية العمةل
دوليا هو ما متثهل من منتجات اقتصادها .أي أن التعومي للعمةل هو
ربطها ابلسلع اليت ينتجها اقتصادها .اإذن حفقيقة بيع النفط ابلرايل هو
جمرد ربط الرايل ابلنفط؛ لن الاقتصاد السعودي ال ينتج اإال النفط.
وابلربط ابلنفط ،سوف تزداد قمية الرايل ابرتفاع أسعار النفط الرتفاع
الطلب عىل الرايل عامليا ،وستنقص قمية الرايل ابخنفاض أسعار النفط
الخنفاض الطلب عىل الرايل عامليا.
والربط ابلنفط هو حل نظري ،ال تطبيق للس ياسة املالية لدلول اليت
يعمتد اقتصادها عىل النفط ويدور حول االإنفاق احلكويم أي كحاةل
الاقتصاد السعودي .فنظراي ،لن يعود االإنفاق احمليل -اكلرواتب مثال-
عبئا عىل ادلوةل حني اخنفاض النفط .ولن تضطر ادلوةل لتخفيض
االإنفاق أو فرض الرضائب .فدخل ادلوةل من النفط واالإنفاق مرتبط
بعدد براميل النفط ال قميهتا.
ولنتخيل املسأةل ،فكن ادلوةل تنفق الرواتب مثال برباميل نفطية.
فس يكون راتب أحدان عرشة براميل نفط مثال ،فال يرض ادلوةل –
واحلاةل هذه -اخنفاض سعر النفط .فالراتب لن ينقص وسيس متر عرشة
براميل نفطية ،فاملعمتد هو العدد ال القمية .كام أنه لو اخنفض ادلوالر أو
ارتفع ،فالراتب مثال يس متر اثبتا .فلو كنا ننتج ما حنتاج ومننع تصديره
َفرضا ،فلن يؤثر اخنفاض النفط عىل املشاريع ادلاخلية- .وهذا لكه
تنظريي جديل ،ولكن ال يُتخيل حدوثه يف الواقع املنظور.
فتطبيقيا ،فالنفط سلعة دولية ال س يطرة دلول النفط عىل أسعارها،
ويه سلعة متذبذبة القمية؛ مما جيعلها غري صاحلة مكقياس قمي السلع
الخرى ،وهذا هو الواقع القامئ .1وابعتبار الواقع القامئ ،فالنفط سلعة
متذبذبة القمية مما جيعلها غري صاحلة مكقياس قمي السلع الخرى .2فربط
الرايل ابلنفط س يجعل اإجيار املزنل مثال اليوم ألف رايل ،وبعد شهر
تكون قمية اللف رايل تساوي ألفني يف حال ارتفاع سعر النفط،
والعكس حصيح .وهبذا يفسد البيع والرشاء ،وتُفقد الثقة بقمية الرايل.
وابلتايل يصبح الرايل جمرد موضع مقامرات فقط ،ال معةل تبادل.
فتذبذب السعر جيعل الُمسعر موضعا للمراهنات ،فال يعود مثنا .وقد
يقال اإنه ميكن التحمك بسعر العمةل أو تذبذهبا عن طريق تدخل البنك
املركزي ،مبا يُطلق عليه مصطلح التعومي القذر ،واذلي تقوم به كثري
من البنوك املركزية ،ومهنا الياابن يف حاةل ارتفاع قمية الني لتخفيض
قميته امام العمالت الخرى .ولكن هذا أوال :يُضيع الغاية من ربط
العمةل ابلنفط! واثنيا :اإن ربط الرايل س يصبح ربطا بقرارات البنك
املركزي ،ال ابلنفط وال ابدلوالر .فاإن مل يتالعب البنك املركزي
ابلربط ،فس ينتج عن تذبذب سعر النفط تذبذابت هائةل يف قمية
261
الرايل؛ تبعا لتذبذب أسعار النفط .اإذن فف الك احلالني ستسقط
مصداقية الرايل ،فال يقبهل أحد يف ادلاخل فضال عن اخلارج.
وتذبذب أسعار النفط واسعة والش به مس مترة ابالإضافة حلجم قمية
النفط املتداول خضم جدا ،جيعل من الصعب لبنك مركزي -من بنوك
ادلول النفطية -أن يلحق هبذه التذبذابت ،ومن مث التدخل ،وحصول
تأثري التدخل يف سوق العمالت .وهذا مما جيعل ربط أي معةل ابلنفط
مس تحيال .وابلتايل فبيع النفط ابلرايل امر مس تحيل تقنيا الن بيع
النفط ابلرايل حقيقته تعومي الرايل بربطه ابلنفط.
وحىت لو افرتضنا جدليا ان سعر النفط أصبح اثبتا فلن يربر بيع النفط
ابلرايل .وذكل لن بيع النفط ابلرايل لن يكون اإال جمرد بيع للنفط
ابدلوالر ،مع زايدة معلية رصف اإضافية فقط ،فهو جمرد زايدة لكفة
حمضة .والسبب هو كون الاقتصاد السعودي ،يس تورد غالب
احتياجاته من اخلارج ،حىت احتياجات صناعاته احمللية ،فهو حيتاج
لدلوالر لرشاء السلعة أو لرشاء العمةل الجنبية اليت تباع هبا السلعة.
التطبيق الثاين :يف املضارابت عىل الرايل السعودي
اإن ما يفعهل املضاربون يف أسواق العمالت من مضاربة عىل الرايل
وبيعه رخيصا يف العقود الجةل ،اإمنا هو جمرد مقامرات من مقامرين ال
ميكن أن تؤثر عىل سوقنا النقدية احمللية .ولعل عدم نرش اسعار الفائدة
عىل الرايل ُمفصةل يف أوقاهتا ،سبب عدم اس تدعاء جلب انتباه من ال
شغل هل هبا.
262
فاملقامرات عىل الرايل السعودي يف أسواق العمالت ،يه متاما كن
يراهن خشص يف الرايض عىل س باق جياد يف لندن .مفراهنة من يف
الرايض عىل س بق حصان يف لندن لن تؤثر عىل احلصان فرتهقه او
تتعبه .ولن يدري احلصان وال مالكه ابملقامرة.
فأسعار الفائدة املس تقبلية يه تنبؤات تعمتد عىل عوامل عدة ،يف معوهما
جيب ان ال تبتعد عن الفائدة المريكية ،لربط فائدة الرايل هبا ،ولكن
هذا ابفرتاض عدم ختفيض قمية الرايل .وختفيض قمية الرايل ،ال يُتخيل
وقوعه ،ال منطقيا وال اقتصاداي وال س ياس يا وال اترخييا ،اإال يف حاةل
جعز الاحتياطيات الاجنبية عن تغطية الرايل اخلارج من السعودية.
وابلنس بة لبالدان ،فهذا ال ميكن حدوثه الا مبشرتايت حكومية خضمة
من اخلارج او بضخ رايالت يف اجملمتع فتذهب للخارج عن طريق
احلوالات والاس ترياد ،أو بفقدان الثقة احمللية ابلرايل مما يؤدي اإىل
جهران الرايل وختلص الناس منه ابستبداهل بعمالت أجنبية ،وحتويل
الاموال للخارج.
مفا حدث من جهوم عىل العمةل املرتبطة ابملارك ,كربيطانيا وفرنسا عام
١٩٩٢واملرتبطة ابدلوالر كمنور اس يا عام ١٩٩٧وغريها ،ال ميكن أن
حيدث اإال ابقرتاض للعمةل احمللية مث حتويلها لدلوالر .هذا هو جهوم
املضاربني اذلي يكرس العمةل ويس تزنف الاحتياطيات.
جفورج سوارس 1مثال عندما راهن عىل انكسار ربط اجلنيه الربيطاين
263
ابملارك الملاين عام ١٩٩٢م ،يف معلية بيع عىل املكشوف ،قام
ابقرتاض مليارات اجلنهيات الربيطانية من سوق بريطانيا النقدية ،مث
ابعها ابملارك مث بعد انكسار اجلنيه الربيطاين ،عاد وقام برشائه وسداد
دينه.
ووقوع اقراض بتحويل معةل للخارج عىل مس توى خضم ،س يكون امرا
ملحوظا ،وميكن التعامل معه .فاالقتصاد السعودي ليس معمتدا عىل
الاستامثر اخلاريج .فلهذا ،مفا يفعهل املقامرون يف احناء الرض ،جيب
أال يؤثر عىل الفائدة احمللية يف السوق النقدية السعودية ،ومن يكون
سوقها النقدية واقتصادها كسوق واقتصاد السعودية.
التطبيق الثالث :عالقة الاحتياطيات الجنبية ابلعمةل املربوطة
مع اهنيار نظام الربط ابدلوالر ،زال دور الاحتياطيات الجنبية.
وأصبحت السوق احمللية أو السوق ادلولية يه من حيدد قوة العمالت
الرشائية ،وعىل هذا مشت الكتب الااكدميية ،وعىل هذا اس تقر فهم
غالب اهل صناعة الاقتصاد .وهبذا ضاعت علوم نظام ربط العمةل ،مفا
عاد لها ذكر يف حبث او كتاب او تعليق اعاليم حصيح.
ونظام الربط بعمةل دولية هو أمر ما زال اإجباراي ابلطبيعة لدلوةل اليت
ال تصدر سلعا غري متجانسة ،كدول النفط .فهو ربط اقتصادي ال
خيار لدلوةل فيه .فهذه دول ليس لعمالهتا قمية يف السوق ادلولية؛
النعدام الطلب علهيا لعدم وجود سلع حملية غري متجانسة .ومادام هناك
ربط جربي للعمةل احمللية بغريها ،فاإن هذا يتبعه جرب اقتصادي حمت
لوجود الاحتياطيات الجنبية ،حلاجة هذه ادلول لرشاء السلع العاملية،
264
ولقيام البنك املركزي بدور الرصاف للعمالت الجنبية من خالل
احتياطياته الجنبية.
والبنك املركزي هو بنك احلكومة وبنك البنوك .وهل دوران أساس يان:
الول :دور تنظمي السوق النقدية احمللية ،أي مراقبة العرض النقدي
واحملافظة عىل توازن الس يوةل مع االإنتاج احلقيق .وهذا دور عالقته غري
مبارشة ابالحتياطيات الجنبية.
وادلور الثاين -يظهر بقوة يف نظام ربط العمةل :-وهو متثيل دور رصاف
العمالت لعملته ،وخزينته يه :الاحتياطيات الجنبية .أما زابئنه فهم
ادلوةل والبنوك ،وبعض الاستامثرات الضخمة .فادلوةل والبنوك أو
معالؤها يأتون ابلنقد الجنيب؛ الس تخدام قميته يف السوق احمللية ،فهم
حيتاجون لرصفه ابلعمةل احمللية .فهنا يقوم البنك املركزي بأخذ النقد
الجنيب ،ووضعه يف الاحتياطيات الجنبية ،ويفتح حسااب مبا يقابلها
ابلعمةل احمللية .مفثال وزارة املالية السعودية حتتاج لرايالت سعودية؛
لتنفقها حمليا ،فتأيت مبا يقابلها بدوالرات من عوائد النفط فتودعها عند
مؤسسة النقد ،مقابل فتح حساب لها ابلرايل .مفا تأخذه مؤسسة النقد
من املالية يصبح يف مركزها املايل موجودات أجنبية .بيامن يصبح
حساب وزارة املالية مطلوابت علهيا ابلرايل يف مركزها املايل .مثل ما
يودع أحدان نقودا يف البنك ،فيفتح البنك حسااب هل ،ويصبح املبلغ
املودع من مطلوابت البنك .ويصبح الاكش من موجوداهتا .ولكن
هناك فارقان كبريان:
265
الفرق الول :أن املوجودات يف مركز البنك املركزي املايل ابلعمةل
أجنبية ،بيامن مطلوابهتا ابلرايل .وأما يف البنوك فالكهام ابلرايل.
والفرق الثاين :أنك عندما تسحب اإيداعك من البنك ،فاإن البنك
يعطيك من موجوداته .بيامن عندما تسحب ادلوةل مبلغا من حساهبا
املودع عند البنك املركزي ،فاإن البنك املركزي يصدر لها رايالت من
“ ال يشء ” ،فتسقط من مطلوابت البنك املركزي ،وي ُسقط البنك
املركزي قميهتا اليت تقابلها من ادلوالر من كشوفاته( .وهذه ادلوالرات
تُسقط حماسبيا فقط ،اما معليا ،فهي س ترصف مقابل الرايالت اليت
حسبهتا وزارة املالية وانفقهتا يف اجملمتع الاقتصادي اذلي س يقوم بدوره
برصفها عىل ما حيتاجه من سلع وخدمات ،واليت يه سلع وخدمات
اجنبية ،سواء أاكنت بطريق مبارش ام بعد املرور عىل عدة اشخاص
قبلها خروهجا للخارج)
فعندما تنفق ادلوةل الرايالت عىل الرواتب واملشاريع وحنوها ،تترسب
هذه الرايالت للخارج عن طريق احلوالات والاس ترياد وغريها ،فهنا
يستبدلها البنك املركزي من موجوداته الجنبية ،اليت جاءهتا من فتح
حساب ادلوةل .وكذكل هو احلال يف البنوك ويف بند “ أخرى ” .
اإذن فغالب التحويالت العاملية والشخصية وغريها ،يه رايالت ادلوةل
اليت أنفقهتا حمليا مقابل دوالراهتا ،اليت صارت يف موجودات البنك
املركزي ،أي احتياطاته.
فادلوةل ال ُخترج الرايل اليت أودعت دوالرات مقابهل يف احتياطيات
البنك املركزي ،بل من اكتسب الرايل من مقاول وموظف هو من
266
خيرج الرايل للخارج .وخروج الرايل يكون عرب البنوك غالبا .وإاصدار
الرايل اجلديد ليدخل السوق السعودية ،يكون عرب املركز املايل
ملؤسسة النقد .مفوجودات مركز “ ساما ” املايل يه تقريبا أصول “
ساما ” الاحتياطية الجنبية.
وحمتية ربط الرايل بعمةل أخرى قادم من كون الاقتصاد السعودي ال
يقوم بذاته اإمنا بيشء خارج عنه .فالنفط نتاج الرض ليس ل إالنسان
دور عقيل وال جسدي يف اإنتاجه.
وكام بينا سابقا يف بداية الكتاب ،فاإن اعامتد اقتصاد جممتع ما عىل يشء
خارج عنه ،يفقد اجملمتع اس تقالليته الاقتصادية .ولهذا؛ حتمت عىل
الاقتصاد السعودي ربط معلته بغريها ،فهو يتبعها .فال ينضبط أن
تصبح العمةل مس تقةل قامئة بذاهتا ،بيامن اقتصادها اتبع لغريه.
وهنا تظهر خطورة جتميد الاحتياطيات يف أصول يصعب تسييلها.
مفىت هُددت الاحتياطيات بأزمة مالية فتعلقت ،فال يه س يوةل
تس يل ،وال يه هيبة تردع ،كحال الصناديق الس يادية يف الزمة
املنرصمة .فهي ولو ابفرتاض أهنا تضاعفت ،فهي عالقة يف أصول ال
الرشار واملسرتزقة الرايل ويكرسونه، تباع وال تشرتى .وحيهنا س هيامج ِّ ل
أو س يجربون السلطة النقدية عىل فرض حظر عىل التحويالت ،وهذا
هل مثن غايل جدا وطويل المد (لفقدان الثقة املس تقبلية) لكنه اهون
من كرس الرايل.
267
التطبيق الرابع :البيت كوين…اذلهب الرمق
يف عام ٢٠١٠م ،بيعت يف فلوريدا رشحية بتزيا مببلغ عرشة ماليني
دوالر .فقد عرض املشرتي عىل صاحب املطعم ١٠أالف وحدة من
العمةل احلاسوبية البيت كوين بدال من ادلوالرات .واكنت البيت كوين
أنذاك يف ربيعها الول .فاكنت قميهتا حنو عُرش سنت واحد .فقبل
صاحب املطعم ،ففتح حمفظة للبيتكوين ،حفول املشرتي هل يف حمفظته
عرشة أالف بيتكوين ،قمية للبيزتا .ويف العام املايض(٢٠١٤م) ،أصبح
صاحب املطعم من أغنياء فلوريدا .فقد وصل سعر البيت كوين الواحد
اإىل ألف دوالر ،ويه اليوم ،زمن كتابة هذا الكتاب.
ويصعب عىل الكثري فهم فكرة هذه العمةل وطريقة معلها ،رمغ بساطهتا.
وهذا بسبب اخللط بني فهم معلية احلصول علهيا ابلتنقيب عهنا ،وبني
التعامل هبا كعمةل أو فهم معلية احلصول علهيا برشاهئا .فعملية التنقيب
عن البيت كوين ( أي اإصدارها) ،يه المر الصعب فعهل ،وأما فهم
طريقته فال ختفى عىل أحد .والتنقيب (اإصدار) معةل البيت كوين ،ليس
من متطلبات التعامل هبا ،وال حىت يلزم أحد فهم فكرته .فالتعامل
ابلبيت كوين متاما اكلتعامل ببطاقات االإئامتن ،وابلتحويالت بني
حساب بنيك وأخر .كام أن احلصول علهيا ،اكحلصول عىل ادلوالر
واليورو ،هو جمرد معلية رصف بني العمالت .فتشرتي البيت كوين
مقابل ادلوالر ،أو تبيعها مقابل دوالر أو يورو،كام تفعل عند الرصاف،
ولكن عن طريق االإنرتنت.
268
ومعلية التجارة ابلبيت كوين واملضاربة هبا أسهل من معليات تداول
العمالت .وأما التنقيب عهنا( اإصدارها) فهو أمر صعب القيام به،
فضال عن فهم فكرته الرايضية ،اإمنا السهل فهم مفهوهما العام اليت قامت
عليه .وليس بالزم فهم قواعدها الرايضيية وال معرفة كيفية التنقيب،
من أجل أن يصبح الشخص قادرا عىل التعامل هبا ،متاما كام أن مفهوم
اإصدار النقود وألية البنوك املركزية ،يصعب فهمها عىل كثري من
الناس ،والشد صعوبة القيام هبا ،ومع ذكل يتعامل الصغري والكبري
ابلنقود.
املبحث الول :مفا يه البيت كوين؟
البيت كوين معةل حاسوبية ،حملها المكبيوتر ،واالإنرتنت فضاؤها .ويه
نتاج خيال علم يُنسب لرجل أمرييك من أصل ايابين (وال تثبت
النس بة) .قام الرجل فرمس مفهوم اذلهب ،ومنامجه و ُمالكه يف خميلته.
مث قام فاس تنسخ من خميلته نسخة اإلكرتونية؛ جفعلها برانجما حاسوبيا.
مففهوم البيت كوين هو نفس مفهوم اذلهب متاما ،اللهم أن قالب اذلهب
معدين ،وقالب البيت كوين رمق .وما عدا ذكل فالكهام سواء يف
مفهوم ديناميكيته ،اإال أن البيت كوين معةل يتعامل هبا الناس ،وأما
اذلهب مفجرد سلعة ال يتعامل به كعمةل أحد اليوم.
البيت كوين كقمية ونظام وديناميكية ،يعترب ذهبا رمقيا .فاذلهب اندر
وحمدود المكية ،وخيتئب يف منامجه بصورته اخلام .حيتاج اإخراجه اإىل
حبث وتنقيب ،مث هو ِّمل ملن أخرجه اإن مل يتعرض للرسقة والهنب.
والسوق بعد ذكل حتمك مكية اذلهب وحتدد قميته ،ال احلكومات وال
269
البنوك املركزية .والسوق نظام كوين يدور يف فلكه مجع كبري من البائعني
واملشرتين ،ال يربطهم اإال رابط نظام السوق .اإذن فاملتعاملون يف
السوق ،بشلك جامع ،مه من يضع قرار السلعة (اذلهب هنا).
واملتعاملون يف السوق ،وإان اكنوا مه من يضع هذا القرار ،اإال أهنم
ُمسريون بنظام السوق وليسوا خمريين ،فال وجود إالرادة فردية لحد
عىل اذلهب .
وعىل نفس مفهوم اذلهب وديناميكية سوقه ،اب ُتكرت معةل البيت كوين.
مفبتكر البيت كوينُ ،صم برانجمه عىل شلك منجم ُخيئب داخهل 21
مليون وحدة من البيت كوين .وجعل موقع هذا املنجم هو الش بكة
االإلكرتونية .فلك من ميل وس يةل ل إالنرتنت يس تطيع اذلهاب ملوقع
املنجم ،مث حياول التنجمي والتنقيب عن البيت كوين اخملتبئة فيه ،اإذا اكن
قادرا .كام صنع برانجما بنكيا؛ ليقوم بتس يري التعامالت ابلبيت كوين
والتدوال هبا.
والبحث والتنقيب عن البيت كوين ،ال يكون مبسحاة ومعول كحال
التنقيب عن اذلهب ،بل حبل معادالت رايضية تعمتد عىل الطريقة
احلسابية للمنجمني الباحثني عن العمةل ،اذلين أتوا من أصقاع الرض
حبثا عن الرثاء ،اكملهاجرين لاكليفورنيا للبحث عن اذلهب قدميا.
فالتنجمي عن البيت كوين اإذن لعبة منطقية ،اكلشطرجن مثال ،يقود
فكر الالعينب فيه .فلك حركة تقود الخرى. ِّ
توهجات تكتياكته ومعقهاُ ،
وعليه؛ فلك لعبة ختتلف عن الخرى ،وإان اكنت القوانني اثبتة.
270
والتكتياكت حبر ال ساحل لها ،سفينته اذلاكء .فلكام زاد عدد املشاركني
زاد التحدي العقيل.
ومنذ تدشني البيت كوين عام ٢٠٠٩م وحىت الن (٢٠١٥م) ،مت
العثور واس تخراج ١١مليون وحدة من البيت كوين .وبق ١٠ماليني
وحدة فقط .فكام أن مكيات اذلهب يف العامل حمدودة ،اإذ التنجمي عن
اذلهب يزداد صعوبة لكام زادت اكتشافاته ،فكذكل يه معةل البيت
كوين الرمقية .فالربانمج مربمج عىل ازدايد صعوبة املعادالت الرايضية
لكام تناقص خمزون البيت كوين .كام أن كرثة الاس تخراج س تجلب
ابحثني أكرث؛ فريتفع مس توى ذاكء التكتياكت ،فزيداد المر صعوبة.
وبعد ذكل ،فاذلي يس تخرج العمةل يبيعها يف السوق بسعر رصفها اإن
شاء ،أو يشرتي هبا ممن يقبلها كعوض نقدي؛ فتصبح البيت كوين يف
أيدي الناس يتعاملون هبا ،ويضاربون فهيا من خالل الربانمج البنيك
اخملصص لها.
املبحث الثاين :مصدر ق مية معةل البيت كوين وطريقة تداولها
العمالت اليوم ليست وعودا وال تعهدات من ادلول املصدرة لها .وإامنا
تس متد العمالت قميهتا من مصداقية ادلوةل اليت تدفعها وجتربها
للمحافظة عىل هيبة معلهتا وقميهتا الرشائية .واذلهب كذكل ال يعترب
وعدا وال تعهدا من أحد مطلقا ،اإال أنه خبالف العمةل ،فاإن اذلهب ال
ميثل وال ميثهل خشص وال حكومة ،وإامنا ميثل نفسه .ويس متد اذلهب
قميته من اإميان الناس بأن هل قمية ،خارجة عن قمية اس تخدامه ذلاته،
مكعدن .ومكثل قمية اذلهب الاعتبارية ،فاإن قمية البيت كوين اعتبارية،
271
كذكل .مفصدر قمية العمةل الرمقية العاملية البيت كوين ،هو أن أهلها من
املتعاملني هبا ،أمنوا بأن لها قمية فأصبح لها قمية .ومعوما ،فالعمالت -
أي المثان -ال يُعترب فهيا قميهتا اذلاتية ،بل قميهتا تمتثل يف عوضها
املتفق علهيا ،سواء بوعد من قادر عىل الوفاء به ،اكدلوةل ،أو من اإميان
جمرد بقميهتا بني مجموعة من املتعاملني.
فهناك قمية حقيقية وقمية غري حقيقية .فالقمية احلقيقية لليشء ُحتددها
ندرته واحلاجة اإليه الس تخدام ذاته أو اس هتالكها ،كحديد وحناس ومتر.
وأما القمية غري احلقيقية فتعمد عىل الاعتقاد بأن هل قمية .اكذلهب
واكلسهم يف الطفرات السعرية ،ومكاكئن اخلياطة اليت أُش يع أن فهيا
زئبقا اندرا؛ فصارت تباع مببالغ خيالية وصار البعض جيمعها ويكتزنها
طمعا يف ارتفاع أسعارها ،اإن حصت الرواية.
وماكئن اخلياطة قد حتيك هبا لباسا ففهيا قمية حقيقية ،وإان اكنت ضيئةل
ال تقارن بقميهتا الاعتبارية غري احلقيقية اليت بيعت به .وكذكل اذلهب،
فقد تصوغ منه سوارا فيه قمية حقيقية ،وإان اكنت قمية حقرية مقارنة
بقميته الاعتبارية ،اليت يعتقدها املؤمنون به ،بأهنا قميته احلالية.
واذلي دفع أوائل املتعاملني ابلبيت كوين ل إالميان هبا ،هو الساطري اليت
يتداولها الناس عن مؤامرات البنوك املركزية وعن اهنيار النظمة املالية
وعن عودة اذلهب .ونظرا الإبداعية الفكرة وجمالها كعمةل دولية مس تقةل،
اجنذب اإلهيا الذكياء ،مفهنم ماط لشفته منرصف عهنا ،ومهنم من وجد
فهيا فرصة حممتةل للرثاء عىل حساب املغفلني .فهناك احملتالون الكبار
اذلين يقودون محالت االإعالم ويصنعون سوق رصف معةل البيت
272
كوين ،كام يصنعون السوق اليت تقبل ابلبيت كوين كعمةل لها .وهناك
املغامرون ،وهناك املغفلون ،واملقامرون ،اذلين حيلمون برثاء عاجل اإذا
ما اكتزنوا البيت كوين .وزاد االإقبال علهيا ،وحشت منامجها وكرث
مكتزنوها ،حىت أقسم أحدمه لتصلن الوحدة من البيت كوين اإىل
مليون دوالر.
فالبيت كوين اكذلهب ،ينبع من اعتقاد الناس أن لها قمية .ولكن من
ابب التعامل ،فهي اكلعمالت احلكومية ،أرقام يف حاسوب ال وجود
لها .وأش به معةل لها يه معةل الصندوق ادلويل “ حقوق السحب
اخلاصة ” ،اليت ال وجود حيس لها .وإان اكنت البيت كوين تفرق عهنا
بأهنا معةل متداوةل ،بيامن معةل الصندوق ادلويل غري متداوةل.
فبخالف اذلهب ،وخبالف معةل الصندوق ادلويل ،فاإن البيت كوين
معةل متداوةل يف بيع السلع ورشاهئا .وتداول البيت كوين رمق اكلتعامل
ببطاقة االئامتن .فال بد ملن يشرتي أو يبيع هبا أن يفتح حمفظة أي
حسااب يف موقع االإنرتنت الافرتايض للبيت كوين .متاما كام يفتح التاجر
حسااب للبطاقات االئامتنية يف البنك ،أو عن طريق وس يط ،ويكون
عند الزبون بطاقة ائامتنية.
والربانمج احلاسويب اذلي ميثل السوق النقدية الافرتاضية للتعامالت
ابلبيت كوين ،برانمج مبين عىل التشفري .وذلا؛ فلك التعامالت ابلبيت
كوين ،من رشاء سلع أو تبادل معالت أو حتويالت ،تعامالت جمهوةل
املصدر .فذلا ،فالتعامالت املش بوهة وجدت لها مالذا أمنا يف البيت
كوين ،كام أوجدت هذه التعامالت الضبابية ،سوقا للبيت كوين ،حقق
273
رواجا لها من جانب وأعاقها من جانب أخر .فقد جعل البيع والرشاء
ابس تخدام البيت كوين هنائيا يس تحيل الرجعة فيه يف حال اكتشاف
غش يف السلعة املباعة وحنوه.
كام اإن صفة الرمقية احلاسوبية ،وإان اكنت السبب يف عوملة البيت
كوين ،اإال أنه قد سلط الهكر علهيا .فالهكر قد يسطون عىل حمفظة ما
فيرسقوهنا ،فال ميكن متابعهتم.
وقد يتساءل متسائل ،وما يه املنفعة املرجوة من التعريف ابلبيت
كوين يف هذا الكتاب ،فال يتعامل هبا عاقل وال يستمثر فهيا اإال مغفل،
أو ال يكفينا مغفلو اذلهب؟ فاجلواب :أن فهيا تدريبا معليا لفهم نظام
المثان السلعية والرمقية.
املبحث الثالث :فرص استامثرية يف ذاكء املقامرات
هناك ما يقارب س امتئة معةل افرتاضية اكلبيت كوين حني كتابيت هذا
املوضوع ٢٠١٥م ،كام أن هناك أكرث من ُخسني ثروة افرتاضية
كبتقودل وبتس يلفر .والعمالت والرثوات الافرتاضية ليس لها مس تقبل.
فاملس تقبل يعين ادلوام والازدهار ،وازدهار هذه العمالت اليوم ،ال
يعين أهنا قامئة عىل أسس تضمن ادلوام والازدهار ،وإان اكنت ال ختلو
من املسامهة يف بناء املس تقبل العلم بشلك عام.
وانتفاء وجود فرص أمنة لالستامثر املايل الاسرتاتيج عن العمالت
والرثوات الافرتاضية ،ال يلزم منه انتفاء اإماكنية اقتناص الفرص المنة
والراحبة مهنا يف احلارض القامئ .كام أنه ال يعين عدم وجود فرص
274
استامثرية مس تقبلية بناءة تطويرية عن طريق العمالت الافرتاضية ،ال
فرص استامثرية فهيا.
ُمف ْقتنص الفرص يف العمالت الافرتاضية اإما أن يتبع أسلوب الفرص
اخلاطفة ،تكتيك من يألك ويطري وال يعود مرة أخرى؛ لكيال جيد عند
عودته صيادا قد نصب هل خفا .وإاما أن يتبع أسلواب اسرتاتيجيا اجنع،
وهو أسلوب صانع الفخاخ .فاليوم من يقدر أن يعمل عىل خدمة
مقامري هذه العمالت بتعلميهم والوساطة هلم بل حىت بصنع الفخاخ
لطالهبا من صيادي فرص العمالت الافرتاضية ،فهبذة الاسرتاتيجية،
يضمن الرب ولو اكن قليال ،ولو زالت طفرة العمالت الافرتاضية ،فقد
أصبح ذا همنة راجئة ،فالبدائل املشاهبة كثرية .مفن يتقن صناعة خفاخ
الطيور واجلوارح ،ال يصعب عليه التحول لصناعة خفاخ ادلواجن.
وقد تأملت يف موقف احلكومات السليب من البيت كوين ،ووقوفها
عىل جمرد التحذير مهنا دون منعها أو تنظميها ،فوجدت أن الناس
أحرار فامي يرتاضونه من بيع ورشاء ،ما مل يعترب مقارا ،وما مل تصبح
وس يةل فعاةل للهترب من الرضائب ،بعد أن اعتربهتا مصلحة الرضائب
المريكية من الرثوات /املوجودات ،اكلسهم واملش تقات وغريها .فهذه
املش تقات املالية تبلغ قميها عرشة أضعاف قمية الناجت العامل مجيعا .مفا
ُمنعت حبجة القامر ،وال الإماكنية اس تخداهما يف غس يل الموال ومتويل
االإرهاب.
مفنطق احلجة أن البيت كوين ،اكملش تقات ،اإبداع فكري يف أصهل،
وقامئ عىل تمنية اذلاكء يف تنافسيته يف التنقيب عن العمةل .ويه انفذة
275
ابتاكرات مس تقبلية لفاق مناذج معالت التعامالت ادلولية .وهايه
البيت كوين قد َو َ لدلت ما يقارب من س امتئة معةل افرتاضية مشاهبة لها.
فليس هناك من سبب يدفع احلكومات ملنعها ،حىت ولو صار فهيا
ر
جتاوزات ملعامالت مش بوهة .فادلوالر أكرث وس يةل تس تخدم يف
التعامالت املش بوهة ،وهو أشد صعوبة يف التعقب ،اإذا اكن بصورة
الاكش وليس رمقيا .وال يعين هذا ،أن احلكومات يف ادلول املتقدمة
غافةل عهنا ،بل لعلها تنتفع مهنا يف مالحقة اجملرمني ،مىت اخرتقها المن.
وما دامت سالمة العمالت من البطش احلكويم متوفرة ،فال يُستبعد
أن يزداد انتشارها ،ويكرث االإقبال عىل الاستامثر يف بعضها؛ لتصل اإىل
مبالغ خيالية ،نس بة لسعارها اليوم ،اللف مهنا بسنت واحد .بل أن
أكرث مالكها اليوم يتعاملون معها كتعامل ُمالك اذلهب ابذلهب.
فالكثري الن بدأ يف ختزين هذه العمالت عىل أمل ارتفاع أسعارها
ارتفاعات خيالية مس تقبال.
والبيت كوين يه احملتكرة اليوم لهذا السوق الافرتايض .وهذه يف رأيي
احتاكرية طبيعية اكدلوالر واللغة االإجنلزيية .وعوامل قيام الاحتاكرية
الطبيعية هنا ،كوهنا الوىل واعتاد اكرث الناس علهيا .والعامل الثاين هو
أن سقوط البيت كوين ،قد يكون سقوطا للعمالت الافرتاضية لكها.
ُمفالك العمالت لكهم خاضعون للبيت كوين .فارتفاع سعر البيت كوين
عامل جلذب سعر معةل أو أكرث معه للعىل ،ومن جانب أخر مفنافسة
العمالت الخرايت ستشلك عائقا الرتفاع سعر البيت كوين.
276
فنخلص من هذا -وهللا أعمل ،-أن هناك احامتلية كبرية يف صعود
صارويخ لعمةل أو أكرث من الس امتئة معةل املتواجدة اليوم .وميكن أن
حيدث هذا يف البيت كوين ،اإال أنه يستبعد لهنا أصبحت ثقيةل ،فهي
ترفع غريها بيامن تَث ُق ُل يه به .وذلا؛ فقد تكون هناك فرصة يف غري
البيت كوين .فال تقرب البيت كوين فهي مكمتةل المنو ،غالية المثن.
ولكن قد تتحقق الفرصة يف العمالت الافرتاضية الخرى ،ذات
السعار التافهة ،فتشرتي اللف مهنا بسنت أو بدوالر ،كام اكنت
البيت كوين من قبل حىت وصلت للف دوالر .مفائة دوالر قد تكف
لكفة لرشاء مليون وحدة من مائة اإىل ُخسامئة معةل .ويه لكفة تساوي
خماطرهتا ،اإذا ارتفعت قمية أي مهنا دلوالر واحد فقط .واملائة لن تضيع
اإال أن تضيع الس فيجاس ،ويضيع حب املقامرة من النفوس .فهذه
العمالت الافرتاضية ،ما يه اإال صاةل مقار عاملية ،كصاةل مقار
املش تقات والسهم .واحامتلية صعود معةل واحدة من املائة معةل ،اليت
قد اشرتيت فهيا اليوم بعرشة دوالرات ،احامتلية كبرية .كام أن دخوكل
يف هذا اجملال ،قد جيعل حاذقا فيه ،فتنتبه لصعود العمةل الثانية بعد
لك وطر ،وال تعد فتس تحمق؛ البيت كوين ،ولكن تذكر دامئا القاعدة ُ :ل
فتضع استامثرا أكرب فتجد نفسك يف املصيدة.
كام أن خدمة صناعة الفخاخ ،طريق واعد .فالعمالت الافرتاضية
صورة جديدة للقامر الرشع ،أو القانوين .والقامر جتارة راحبة ملن
يديرونه وال يقامرون فيه .وهناك عرشات من الفاكر يف اخلدمات
الرافدة ،لهذه العمالت االإلكرتونية ،فالوائل مه الفائزون.
277
وختاما ،فاعمل أن العمالت الافرتاضية عمل قامئ عىل ذاكء فطري جامع
غري متخصص ،وعىل سعة أفق االإدراك .فسوقها سوق الذكياء
وعَتا ِّو ُةل احملتالني ،وبضاعهتا املس هتلكة مه الغبياء واملغفلون ،فال يقربهنا
اإال ذيك ِّفهِّم أو داهية أَ ِّفق .وال يغرنك اإن رحبت يوما ،فاإمنا قد تكون
تُسمن ليوم العيد الكرب.
278
مسأةل :الصندوق ادلويل
اكنت والدة البنك ادلويل وصندوق النقد ادلويل من النتاجئ اجلانبية
ملعاهدة برتن وود عام ١٩٤٤م .فقد تودل صندوق النقد ليكون أش به
ما يكون ابذلراع البوليس ية املنظمة واملراقبة واملساعدة لتنفيذ وتوظيف
قرارات تل املعاهدة التارخيية ،فقد اكن هدفه هدفا نقداي يمتثل يف
احملافظة عىل اس تقرار أسعار الرصف بني العمالت ادلولية ،ويدخل يف
ذكل منع التضخم النقدي وضامن التوازن ملزيان املدفوعات العاملية.
وأما البنك ادلويل ،فقد تودل كس ياسة ترضية لبعض دول أوراب،
ومتحور دوره حول االإنتاج احلقيق من أجل حمو الفقر وما يلحق بذكل
من تطوير الصحة والتعلمي والاعتناء ابملياه والطفوةل وحقوق االإنسان
وحريته وكرامته اإىل أخر العوامل اليت تؤدي اإىل منو االإنتاج احلقيق
وابلتايل حمو الفقر فهو خارج موضوعنا هنا.
بُنيت معاهدة برتن وود عىل نظرية نظام الربط للعمالت ،واكن
تطبيقها يمتثل بأن تربط ادلول العضاء معالهتا بسعر رصف اثبت مع
ادلوالر ،اكجلنيه االإسرتليين يساوي دوالرين مثال ،عىل أن تربط
أمرياك ادلوالر ابذلهب متعهدة ابإعطاء أونصة من اذلهب للك من
يأتهيا ب ٣٥دوالرا.
وأما صندوق النقد ادلويل فقد بُين عىل نظرية املنظمة ادلولية (عىل
شألكة المم املتحدة) وهممته مراقبة ثبات أسعار الرصف بني ادلول
والتدخل للمساعدة عىل ثبات معدل الرصف كتقدمي القروض النقدية
لسد جعزا جتاراي أو لتصبح احتياطيات نقدية أجنبية ي ُشرتى هبا
الفائض من معالت تل ادلول لتجاوز الايم الصعبة .وكام أن أخر
العالج اليك ،فقد اكن أخر احللول هو تعديل سعر الرصف فاكن
الصندوق يقوم بتنظمي تعديل أسعار الرصف هبوطا يف حاةل جعز مزيان
املدفوعات وارتفاعا يف حاةل فيضان مزيان مدفوعات التجارة احلقيقية
والنقدية بني ادلول.
وقد مارس الصندوق دور املراقب واحملاسب واملعاقب ملدة ٢٧عاما
عىل مجيع دول العامل( .فف ظل نظام اذلهب ال ميكن أن يُسمح يبعدم التوازن
بني أسعار الفوائد عىل العمالت ،وذلا مل تكن هناك أسواق راجئة للعمالت ،فال
جمال للمضاربة طاملا أن أسعار العمالت اثبتة).
وابهنيار نظام برتن وود ظهرت أسواق العمالت لتنزتع زمام السلطة
من صندوق النقد ادلويل .فأصبح سوق التعومي ،يقوم بدور البوليس
احلر املس تقل عن السلطة ادلكتاتورية واذلي يراقب ادلول مجيعها دون
تفريق ويعاقهبا يف أن واحد ،واهنار ادلور البولييس لصندوق النقد
ادلويل وحانت مشسه للفول .فأكرث من ُخسة تريليوانت دوالر تباع
وترشى يوميا الن يف سوق العمالت ،لهي كفيةل بكشف جعز مزيان
املدفوعات بل وبكشف حىت النوااي للتالعب بطبع الوراق النقدية.
ومل يقبل منسويب الصندوق انهتاء دورمه وخروهجم من الساحة
ادلولية ،فهندسوا هل دورا يبقهيم يف الساحة ادلولية .وذلا مل تغرق
مركب صندوق النقد ادلويل متاما بسبب اهنيار نظام برتن وود ،بل
غربت مشسه كبوليس دويل ملراقبة النظام املايل بيامن احتفظ بدوره
280
الاستشاري والبحيث ودوره الس يايس اذلي يمتثل ابلضغط عىل ادلول
اليت متر بأزمات مالية ،مقابل اقراضها أو اعانهتا بضامن س نداهتا.
فالصندوق يقدم قروضا دلمع العمالت النقدية لدلول ،قد يقدم ضامانت
دليوهنا ،وقد يكتف بتقدمي التعهدات واالإرشادات والضامانت للس ندات
احلكومية ،دلمع النظام النقدي لدلوةل املنكوبة.
وتوجيه هذا ادلمع واحلصول عليه ال يكون اإال بتصويت ادلول املشاركة
فيه لك عىل قدر مسامهته املالية يف رأسامل الصندوق واليت
تشلك أمرياك أعظمها( .هذه املسامهة أعطت أمرياك أكرب صوت يف الصندوق مبا
مقداره %17ابالإضافة اإىل حق النقض الفيتو واذلي ال يتأىت لغريها ،فأكرب املسامهني
من بعدها ،الياابن وأملانيا ،ال يتجاوز نصيب لك مهنام %6من التصويت و املسامهة
يف ادلمع النقدي للصندوق ،بيامن حق النقض ال مينح اإال ملن يسامه بأكرث من . %14
ويأيت من بعدهام الصني والسعودية حيث تزيد حصصهام عن %3للك مهنام اإي
مبقدار ما يقارب عرشة مليارات دوالر للك مهنام ( س بعة مليارات من حقوق
السحب اخلاصة ،معةل الصندوق).
ولصندوق النقد معةل خاصة به تُسمى حقوق السحب اخلاصة ،ويه
عبارة عن سةل من العمالت العاملية ،يغلب علهيا ادلوالر.
تقيمي الصندوق ادلويل:
االإشاكلية يف نصاحئ وإارشادات صندوق النقد ادلويل ،كوهنا نظرية
أاكدميية حمضة .فهم يعمتدون اعامتدا لكيا عىل تنظريات السوق احلرة اليت
اس ُتنبطت من السوق المريكية وبنيت عليه .ودون أي مراعاة
ملعطيات الفروق الثقافة االإنتاجية بني الاقتصادايت العاملية .وصندوق
النقد ادلويل يف حقيقة المر أش به مبدرسة تطبيقية لتدريب خرجي
281
ادلكتوراه يف الاقتصاد ،واذلين مه خرجي اجلامعات المريكية أو
اجلامعات العاملية اليت تتبىن املناجه المريكية أو النظرايت اليت تتبعها.
(أما االإشاكلية املسكوت عهنا يف نصاحئ وإارشادات صندوق النقد ادلويل ،فهي أن
لك من انتسب اإليه ،قام ميارس ما مارسه جيل الصندوق الول ،من الس ياسات
اليت تبقهيم يف الصندوق أطول فرتة ممكنة).
فتوصيات صندوق النقد ادلويل ال تزيد عن كوهنا حبواث سطحية
تقليدية يقوم هبا اغر رار حدييث عهد ابالقتصاد .فال يُعمتد علهيا ،ال تطبيقا
وال دراسة .وهناك شواهد عىل عدم صالحيهتا تطبيقيا أو حبثيا .فأما
التطبيق ،فمك من املصائب س ببهتا توصيات صندوق النقد ادلويل
القتصادايت دول؟حىت نُسجت نظرايت املؤامرة حول ادلور اذلي
يلعبه الصندوق ،وما من مؤامرة ،مفا توصياته اإال خمرجات خرجي
دكتوراة غر مل تعركهم وقائع الاقتصاد .ولن أشري هنا اإال لبعض
الخطاء اليت اعرتف الصندوق هبا رمسيا ،كخطاءه ومواقفه خالل
أزمة منور أس يا ،وكخطأه يف نصاحئه التقشفية لوراب وكخطأه جتاه
اليوانن ،وأما حبثيا ،فبحوث صندوق النقد ادلويل غري معرتف هبا يف
رسائل ادلكتوراه يف اجلامعات املرموقة ،والقامئة تطول ،ومن شاء
فلريجع اإىل مساهامت الصندوق ادلويل وتوصياته اليت طبقت وليبحث
عن أي نس بة جناح فهيا ،وابعرتاف الصندوق نفسه.
وأما حبثيا ،فبحوث صندوق النقد ادلويل فيكف أهنا غري معرتف هبا
مكراجع يف رسائل ادلكتوراه عند اجلامعات املرموقة1.
1وأذكر أن مرشيف يف ادلكتوراه ،عاتبين عتااب شديدا عندما رأى يف رساليت مرجعا من صندوق النقد ادلويل!
282
وقفة اترخيية :الفارس اذلي نصب ادلوالر عىل عرش النقد العامل
هاري وايت ،هو من توج ادلوالر عىل العرش النقدي العامل ،واكن
املسامه الكرب يف االإهجاز عىل االإمرباطورية النقدية والتجارية
الربيطانية ،وهو فارس تنصيب أمرياك ،اإمرباطورية النقد العامل دون
منازع ،وما تبع هذا من ترس يخ س يايس واقتصادي عامل لها.
اس تغفل ممثل الوفد المرييك املغمور هاري وايت عظامء الس ياسة
والاقتصاد لربعة وأربعني وفداً دولي ًا ،حرضوا اجامتعات معاهدة برتن
وود عام ١٩٤٤م ،ليصادقوا عىل ما مل يقرؤا وما ال يعرفوا.
وذكل حني اجمتعت ٤٤دوةل املنترصون يف احلرب يف منتجع برتن
وود المرييك ،ليضعوا ح ًال الإجياد معةل تبادل دولية الإعادة التجارة
ادلولية ،بعد أن تعطل التبادل ادلويل بسبب غياب الثقة عن العمالت
الورقية املرتبطة ابذلهب.
وإاىل صدور الكتب احلديثة اليت حتدثت عن هاري وايت ،مل يكن
معروفا ال أاكدميي ًا وال اإعالمي ًا ،اإال الربيطاين جون كيزن مؤسس
مدرسة الاقتصاد احلديث مكهندس للمعاهدة ،ومبتكر لفكرهتا وصائغ
بنودها وتفصيالهتا.
فهو اذلي افتتح اجللسة اخلتامية للمؤمتر ابملصادقة عىل املعاهدة
ومباركهتا اإايها خبطابه التارخي .وتبعه بعد ذكل تصديق عظامء
س ياس يي واقتصاديي الربع والربعني دوةل.
283
ولكن اذلي ظهر حديث ًا أن كيزن والوفود ادلولية املُصادقة عىل املعاهدة،
مل تكن تدري شيئ ًا عن بنود املعاهدة ،ومل تقرأها .فقد اكنوا حضية
اس تغفال طبخها ممثل الوفد المرييك املغمور هاري وايت .وتعبري
الاس تغفال ،هو التعبري املس تخدم يف الكتب اليت نرشهتا اجلامعات
المريكية العريقة حديث ًا بعد الزمة املالية ،لتفصح عام سكتت عنه
الس ياسة ،ولتكشف ما دلسه االإعالم ولتظهر ما أخفته نفوس العظامء
من التعايل عن الاعرتاف ابالس تغفال لبعضهم ،ورضوخ بعضه الخر
للهمينة المريكية.
وعىل الرمغ من انسحاب السوفيت وادلول الاشرتاكية ،وتأخر بعض
ادلول الوروبية ابلقبول اإال أن املعاهدة فرضت نفسها .فقد مت تتوجي
ادلوالر عىل عرش النظام املايل العامل ابجللسة اخلتامية ملؤمتر برتن
وود مبصادقة الوفود علهيا ،واملنسحب بعد ذكل أو املرتدد فهو خارج
عىل التاج ،والتاج حتميه الهمينة المريكية العلمية والاقتصادية
والس ياس ية والعسكرية .مفن انسحب أو تردد فهو خارج العامل احلر وال
قمية لعملته دولي ًا وال اعتبار هل يف التجارة ادلولية .وقد س بق املؤمتر
اجامتعات كثرية بني بريطانيا ميثلها الاقتصادي كيزن ،وبني أمرياك ممثةل
بوزير املالية ومساعده للشؤون اخلارجية هاري وايت .فقد اكنت
املعركة بني بريطانيا وأمرياك .بريطانيا تريد احلفاظ عىل ماكنهتا
االإمرباطورية ،ابملشاركة يف الس يطرة عىل النظام النقدي العامل ،
وأمرياك مرصة عىل اإخراج بريطانيا متام ًا من مقة االإمرباطورية ،وإارضاخها
ابلتبعية.
284
وقد احنرصت معركة معاهدة برتن وود الس ياس ية والاقتصادية،
واملفاوضات اليت س بقهتا بني رجلني اثنني .هام اللورد الربيطاين كيزن
الاقتصادي الس يايس ادلبلومايس الشهري عاملي ًا اذلي اكن يقول « ال
أحد يضع اجلنيه الربيطاين يف الزاوية» ،وبني المرييك هاري وايت
املغمور اذلي اكن يواجه مصاعب اإقناعية يف هممته هذه .مصاعب
داخلية من الوزارة والوزير واجملموعة المريكية املشاركة ومن
الكوجنرس .ومصاعب خارجية دولية ،حيث اكن غري مرغوب به وال
يكرتث بعلمه وقوهل أحد عىل الساحة ادلولية .فقد اكن هاري غري لبق
س ياس ي ًا ،شديد اللهجة حاد العبارة ال يبذل أي هجد لكسب القلوب،
وال يعري اهامتم ًا لساليب احملاداثت يف العامل املتحرض .مفث ًال ،يف أحد
النقاشات السابقة ملؤمتر برتن وود ،لعرب كيزن عن عدم فهمه املُقرتح
المرييك ،فقال وزير املالية المرييك لكيزن يف حماوةل لهتدئته «س نحاول
..مث ُأرجت عىل الوزير» فأمكل هاري خماطب ًا كيزن « أن نأيت بيشء
يس تطيع مسوك فهمه».
وقد اكن هاري يواجه صعوابت نفس ية كذكل .فقد اكن الس ياس يون
والاقتصاديون يف واش نطن يتجاهلون ذكر امسه عند لتبين أرائه
واقرتاحاته وال ينس بوهنا هل ،إاالل أ لن أحداً مهنم مل جيرؤ عىل الاس هتانة
من شأنه وعدم الاعرتاف بذاكئه وعبقريته .كام اكن هاري يواجه صعوبة
عدم المان واخلذالن من رئيسه ،وزير املالية اذلي اكن يتعذر ابملرض
هتر ًاب من مقابةل كيزن خوف ًا من مناقش ته علمي ًا.
285
وأما الكوجنرس ،فقد واجه هاري وأراءه واملعاهدة مبعارضة شديدة،
واهتمها بأهنا حيةل بريطانية لرسقة ذهب أمرياك .هاري وايت ،رجل
مغمور -من أب هيودي فقري هماجر -بدأ حياته متنق ًال بني أعامل
بس يطة متنوعة ومل يس تطع دخول اجلامعة ،مث اخنرط يف احلرب
كضابط عسكري ،مث حتول يف الثالثينات من معره اإىل دراسة
الاقتصاد وحصل عىل ادلكتوراه من جامعة هارفرد ،مث معل أربع
س نوات كس تاذ يف عدد من اجلامعات المريكية املغمورة ،بعد أن
رفضت تعيينه اجلامعات املرموقة .حىت اس تدعاه مسؤول يف وزارة
املالية ملساعدته يف حبوث حول الس ياس ية املالية والنقدية ،فظهرت
أملعيته وذاكءه ف ُعني يف منصب مساعد وزير املالية المرييك للشؤون
اخلارجية ،حىت أصبح ُممثل الوفد المرييك يف مقة برتن وود والصانع
احلقيق للنظام النقدي احلديث.
أما بريطانيا فقد رمت بأعظم اقتصادي وس يايس يف ذكل الوقت،
جون كيزن ،واذلي راهن عليه الربيطانيون يف أحاديث اللوردات يف
جمالسهم اخلاصة بقوهلم« :اإن اكن عند المرياكن أكياس املال فعندان املخ
والعمل واخلربة ويقصدون به كيزن» .وقد اكن بعض الوفود يكين كيزن
ابالإهل (والعياذ ابهلل) ،وهو اذلي تنسب اإليه املدرسة الكزنية اليوم .وقد
اكن كيزن جنم القمة واملتحدث ادلامئ فهيا ،وهو اذلي يُنسب اإليه اإىل
اليوم معاهدة برتن وود ،وما نتج عهنا من نظام الربط العامل ابدلوالر
والبنك ادلويل وصندوق النقد ادلويل .بيامن احلقيقة اليت أُخفيت وبدأت
تظهر اليوم ،أن منوذج كيزن املقرتح مل يُنفذ منه يشء والربط ابدلوالر
286
والبنك والصندوق ادلويل مل يأت كيزن منه بأي يشء ،بل مل يدر كيزن
عهنا اإال بعد أايم من رجوعه لربيطانيا بعد قراءة الصحف وسامع ورؤية
االإعالم اذلي جض ابمسه ترشيف ًا وتكرمي ًا هل مكهندس هذه املعاهدة .فقد
قُدمت املعاهدة هل -دون أن يقرأها -للتصديق علهيا ومباركهتا يف
جلسة التصديق اخلتامية بعد تغييبه عن جلسات طبخة الاس تغفال
ابش تغاهل يف منوذجه املقرتح املنيس ،وبسبب مرضه أو اإمراضه .فقد
اكن كيزن حضية طبخة اس تغفال قد مت طبخها من ألفها اإىل ايهئا عىل يد
المرييك الهيودي هاري وايت اذلي اس تخدم فنون مترير االتفاقيات
والعقود ابس تغفال املفاوضني.
فف احلقائق اليت ظهرت مؤخرا حول حقيقة ما حدث يف اتفاقية برتن
وود عام ١٩٤٤م وما فعهل المرييك هاري وايت لمترير معاهدة ربط
العمالت ابدلوالر ،مثال شامل ذو عربة ودروس يف فنون التفاوض،
للك ما ميكن أن حيدث من أالعيب يف الاجامتعات واللجان.
فالتعلاميت الساس ية من روزفلت اكن يرتكز عىل اإقصاء بريطانيا عن
أي حتمك جتاري عامل أو عن أي دور نقدي دويل .وأما شلك النظام
وفنياته فمل تكن واحضة لحد اإال يف رأس هاري وايت .فوزير املالية
المرييك ورئيس الوفد المرييك يف املؤمتر مل يدركوا حقيقة أبعاد ما فعهل
وايت ،اإال أهنم وافقوه من أجل غرض اإقصاء بريطانيا.
وقد أُبعد وايت عن املشاركة الرمسية يف الوفد .فباالإضافة اإىل حدة
طباع وايت ،فقد سبب عليه ذاكؤه تصادمه مع الخرين وجلب هل
الغرية وحسد القران وغري القران ،وجلب نقمة اخلالف عليه .حفرض
287
هاري وايت املؤمتر مكستشار يف اللجنة الفنية للوفد المرييك وبغري أي
مسمى ُمشارك يف املؤمتر ادلويل .ولكنه اس تطاع أن يقود املؤمتر مبن
فهيم الوفد المرييك للتصديق عىل املعاهدة اليت ُصمها من ألفها اإىل
ايهئا.
وقد اكن كيزن الربيطاين املعقود ابمسه تصممي املعاهدة ،هو مه هاري
وايت .فالوفود كغالب أعضاء اللجان .تتكون من ُخسة أصناف من
السلوك الشخيص :الول املغفل وهو ال يدري أنه مغفل ،والثاين الغري
املكرتث والثالث اجلاهل البليد .والرابع الرنجيس ،واخلامس املدبر
احملرك لالجامتع .وكيزن اكن هو املدبر يف املؤمتر ،واذلي اكن حيرص أن
تشارك بريطانيا بدور رئييس يف التحمك العامل للتجارة واملال .وتوقيع
كيزن عىل املعاهدة ،وابلتايل تصديق بريطانيا ،س يذلل هممة تصديق بقية
ادلول.
وقد اس تخدم وايت أساليب متارس كثريا اليوم ،لمترير العقود
واالتفاقيات يف غالب اللجان والاجامتعات .مفثال ،جتنب وايت ذكر
ادلوالر مطلقا يف الاجامتعات ،وحرص عىل اإشغال وقت اللجان الفنية
بأحاديث ونقاشات وخالفات هامش ية الإضاعة الوقت .وركز عىل
النقطة املتفق فهيا مع كيزن ويه جتنب اإعادة ربط العمالت ابذلهب
وربطها بدال من ذكل بعمةل جديدة يتحمك هبا بنك مركزي دويل
جديد ،اكن كنيزن يريد أن جيعل موقعه يف لندن.
فقام هاري وايت بتصممي صندوق النقد ادلويل ،وكتب مفهوم أليات
كيزن يف ربط ادلول معالهتا ابلعمةل اجلديدة ولكنه مل حيددها
288
«ابلبنككور» العمةل اجلديدة اليت يريدها كيزن أن تكون مرجعا
للعمالت الخرى .وبدال من ذكل ،ركز وايت ،يف النقاشات ويف
كتابة الواثئق ،عىل عبارة « معةل قابةل للتحويل لذلهب» .ويف أحد
الاجامتعات الفنية قام مفوض الوفد الهندي فاعرتض عىل هذه الضبابية
قائ ًال« :لو يرشح لنا المرياكن ماذا يعين معةل قابةل للتحويل اإىل
اذلهب» فأجابه رئيس اللجنة املفوض الربيطاين -ظاان أهنا مسأةل
هامش ية« -اإهنا مسأةل ُمحاسبية ،اكدلوالر مثال ،ولتحول املسأةل اإىل
اللجنة احملاسبية» وهذا ما اكن يريده وايت .فقامت اللجنة احملاسبية
بتغيري لك الواثئق الرئيسة وابدلت عبارة «معةل قابةل للتحويل لذلهب»
بلكمة ادلوالر.
واملفوض الربيطاين مثال عىل املغفل أو الرنجيس اذلي اكن أحد حضااي
جلسات االإحياء اليت قام هبا وايت واليت أوىح فهيا أن أمرياك تمتتع
بأعظم احتياط ذهيب وتس تطيع دمع العمةل اجلديدة اليت يقرتهحا كيزن.
وأما املفوض الهندي ،مفثال عىل كبت املس تضعف يف الاجامتعات
واهيام للمجموعة بأنه ال يفهم ،عندما ينطق مبا خيالف الهدف ،بيامن يُفتح
اجملال لحاديث عامة أو غريها الإضاعة الوقت .وقد اكن وايت قبل
ذكل جيمتع مع الوفود لك وفد عىل حدة وال يتعارض مع أي أحد .واكن
يعط لك وفد ما يريده هبندسة معاين املعاهدة لتصب يف مراد الوفد.
مفثال صور للروس -املنتجني لذلهب ،-أن اذلهب س يعلوا شأنه
بسبب املعاهدة لربط العمالت ابلعمةل -املقرتحة من كيزن -القابةل
للتحويل لذلهب .وهناك الكثري من احلوادث اليت ساعدت وايت،
289
واليت ال أختيل أهنا صدفة كام ذكرت احلقائق املفرج عهنا حديث ًا ،بل
لعل بعضها من املساعدات اليت ُزود هبا لتحقيق غرض أمرياك
السايس وهو اإقصاء بريطانيا .كنقصان المتوينيات يف الايم الخرية،
كلية ضغط عىل الوفود لمتش ية المور .وهذه حتدث يف اللجان عادة ،
فرتامه يأتون ابلمور املهمة يف أخر الوقت ليك ميررون القرارات دون
نظر معيق ،ليك ال خيرج عضو ابعرتاض ال ميكن دحضه .ومكرض كيزن
وسقوطه ،وهو يركض ليلحق ابالجامتع احملاس يب الخري ،ومرضه قبل
ذكل عدة مرات .واكإشغاهل بلجان هامش ية أخرى يف نقاشات البنك
ادلويل وغريه ،عن مشاركته لنقاشات كثرية ،لعب فهيا وايت ألعابه
عىل الوفود وأومههم مبا يريدونه من غري كذب علهيم ،بل هبندسة معاين
الالكم .فال أشك أن كيزن قد أُمرض وأُشغل ،وال شك أن الوفود ال
ختلوا من الرجال اذلين ال تُمرر علهيم المور .ولكن لعل بعضهم مت
ترضيخه اكلملان ،وبعضهم ُوسع خاطره بوعود تناسب طموحه،
وبعضهم ُاس تغفل ،وبعضهم أُلهي بزايرة خاصة مس تقبلية ملنتجعات
أمرياك أو ُطمع حباجة أمرياك هل يف صندوق النقد املقبل ،وهكذا .خفطة
التصديق عىل املعاهدة اكنت تعمتد عىل أن أعضاء اللجان ال يقرأون،
وأن أكرثمه اتبع ال مس تقل ،وامجليع يتبع كيزن ،وكيزن مل تُعرض عليه
املعاهدة اإال يف اجللسة الخرية ،فاضطر أن يصادق علهيا ويباركها دون
قراءهتا ،اعتقاد منه بأن أساسها اجلوهري ال خيتلف عن مقرتحه .وما
درى هو وال أحد من الوفود حىت الوفد المرييك -ما عدا وايت -أن
تل اجللسة -عىل حد تعبري املؤلف -قد توجت ادلوالر عىل عرش
290
العمالت ومن مث أطاحت ابذلهب( .1واالإطاحة ابذلهب مس تقبال ،مل
يكن يُدركها أحد أو يتخيل حدوهثا ،حىت هاري وايت نفسه).
فلامذا غُيب هاري وايت من التارخي؟ أمن هاري وايت ابالشرتاكية
خفان بالده فأصبح معيال روس يا ،2فقدم خدمات اترخيية لروس يا ال
تقدر بمثن قد تصل اإىل حد أنه قد هو يكون السبب يف بقاء روس يا
وانتصارها يف احلرب العاملية الثانية.3
فقد اكن لوايت تأثري كبري عىل قرارات القوى يف واش نطن ،سواء بأرائه
االإبداعية ووصاايه املسددة ،اليت اكنت تتبىن من غري نسبهتا اإليه من
قبل أن يلمع جنمه يف برتن وود ،أو بعد ما حظ وايت ابلثقة املطلقة
يف أرائه وتوصياته .حىت أمر وزير املالية بعدم مناقش ته يف اإجراءاته،
وجعهل يف منصب مساعد وزير املالية للش ئون اخلارجية ،واذلي اكن
منصبا دبلوماس يا واقتصاداي شديد المهية أنذاك.4
1ما حدث يف برتن وود حيدث يومياً يف اللجان والاجامتعات ،ولكام عظم شأن الاجامتع لكام عظمت احليةل معه واس تخدام الاساليب اخلبيثة.
2ومل تكن خيانة هاري وايت لجل مال وال دنيا ،فهو اشرتايك عقيدة إوامياان ،لو قدم هل الروس ماال ،الهزتت ثقته ابشرتاكيهتم وانقلب علهيم .فمل تُسجل عىل وايت تلقيه
لي ماكفأة مالية من الروس أو حلفاهئم ،اللهم أنه قَبِّل أن يتدخل أحدمه بشفاعة من أجل أن حتصل ابنته عىل التاكليف ادلراس ية اجلامعية ،كام اكن يقبل بعض الهدااي
الرمزية اليت متثل تقديرا جلهوده الاشرتاكية .اكن اإميان هاري وايت ابالشرتاكية انبعا من مثاليته يف نشد العداةل الاجامتعية .ومل يكن وايت بدعا من قومه .فقد اكن هناك
مجموعة ال بأس هبا من امحلقى املُضللني -عىل حد تعبري الشاهدة -مبثالية العداةل الاجامتعية الاشرتاكية من املس ئولني احلكوميني المرياكن اذلين يعتربون أنفسهم من
املوالني واخمللصني لمرياك (مثلام اكن اعتقاد هاري وايت) .واكنوا قد قدموا معلومات كثرية لالحتاد السوفييت وخاصة أثناء احلرب العاملية الثانية .ومكثل انتشار الصحوة
عندان يف بالد املسلمني واختالف سلوك الناس جتاهها وغلومه أو توسطهم ،فاالشرتاكية يف تل احلقبة الزمنية اكن لها قبول وانتشار وتبين من رشحية واسعة من مجيع
الشعوب والمم .وعىل قدر زايدة قوة اإمياهنم ابالشرتاكية ،عىل قدر عظم ما أتت به خياانهتم .مفن القيام بأعامل جتسس واغتياالت خطرية ،اإىل معرفهتم لعميل ومل يبلغوا به،
اإىل االإجعاب الشخيص بتضحية هؤالء العمالء ،اإىل الرتدد القليب الرسي يف احلمك علهيم ابخليانة.
3فصورته اكرب صورة يف لوح الفخر يف مبىن الاس تخبارات الروس ية.
4فقد اس تغل الروس قوة تأثري وايت عىل قرارات واش نطن فاس تخدموه لاميرس تأثريه عىل كثري من قرارات التعيني واالإجراءات ادلبلوماس ية واملالية لتصب يف مصلحة
الجندة الروس ية.
291
وأخطر هتمة أهتم هبا وايت يه تسببه املقصود يف رضب الياابن مليناء
بريل هابر المرييك ،1واذلي قُتل فيه الالف من اجلنود المريكيني،
ودمر الاسطول المرييك.2
1ويف رأيي الشخيص ،وسواء أاكن وايت معيال روس يا خطريا لهذه ادلرجة أم اكن جمرد مؤمن ابالشرتاكية ،فاإين ال أستبعد املكر الربيطاين يف تلفيق هذه الهتُ م بوايت بعد
وفاته .فهاري وايت هو من غلهبم وخدعهم يف برتن وود مث ضغط علهيم بعد ذكل .وهاري وايت هو من مارس بدهاء اس تغالل وضع بريطانيا الاقتصادي ،وتسبب يف
قرارات مُسددة حتقيق توهجات روزفلت واالإدارة المريكية مبحو أي أمل للربيطانيني يف االإبقاء هلم عىل أي من مزااي اإمرباطورتهيم الزائةل ،بل لعل هاري وايت تعدى
التوهجات المريكية مبحو المل االإمرباطوري الربيطاين اإىل حمو ذكرى االإمرباطورية عن خميالت الربيطانيني املفاوضني .فقد اكنت رضابت وايت الس ياس ية الاقتصادية
للربيطانيني أبعد من طلب واش نطن ،وأقىس تنفيذا وأشد دهاء .فباعتبار هذا واعتبار حرص بريطانيا عىل اإدخال أمرياك احلرب واهتاهما بذكل ،فال يُستبعد -يف نظري-
أن بريطانيا برأت نفسها بأن ثأرت لنفسها من هاري وايت مُس تغةل ميوهل الاشرتاكية .فعندما أخرب روزفلت ترششل بفعةل الياابنيني يف بريل هابر ،قال ترششل «اي لها من
هويل كوست» أي ش هبها ابحملرقة الهيودية .ويف خاصة جملسه قال ترششل «ايلها من رمحة ،هذا أعظم حظ حصل لالإمرباطورية الربيطانية يف مجيع اترخيها ،أخريا دخلت
أمرياك احلرب ،وقد ذهبت للرسير فنامت نومة المن الشاكر» .فأميا اكنت حقيقة دور هاري وايت يف مساعدة الروس ،اإال أن حبة خردل من خيانة الوطان ال تربرها
أي مربرات فكيف اإن اكنت اخليانة أكرب من مثقال حبة خردل .وجمرد ميول هاري وايت الاشرتاكية -ويه عدوة بالده الول ،-تعترب خيانة أعظم من ألف مثقال حبة
من خردل ال حبة واحدة .مفا من خطر أعظم عىل الوطان من اليدولوجيات ،تقلب فطرة أحصاهبا فتربر هلم خيانة أنفسهم فيخونوا الوطان والشعوب والهل والتارخي.
2فقد رفع وايت خطااب للرئيس المرييك احتوى عىل خطة طريق لتجنب املواهجة مع الياابنيني قبل دخول أمرياك احلرب العاملية الثانية ،واكنت أمرياك متارس احلصار
الاقتصادي عىل الياابن -ماعدا منع النفط .فاس تدعى الروس هاري وايت وأطلعوه عىل تطلعات الياابن وجتهزياهتا لغزو روس يا ،ومارسوا عليه من الالعيب الاس تخبارية
وأمسوا معليهتم الاس تخبارية هذه ابمس «معلية الثلج» نس بة المس وايت أي البيض .فاس تُخف هباري وايت ،خفىش عىل الاشرتاكية فأحلق وايت خطابه الول خبطاب
أخر مُعدل أضاف فيه مطلبا أمريكيا ،اكن يُدرك وايت بأن الياابنيني لن يقبلوا به ،واكن هو القشة اليت قصمت ظهر البعري.
فمل يكن قرار رضب الياابنيني مليناء بريل هاربر المرييك انجت عن ترصف أمرييك واحد ضدمه ،اإمنا اكن عبارة عن ابلونة انتفخت مث انتفخت حىت جفرها املطلب المرييك
الخري ،فقرروا رضب أمرياك بدال من روس يا ،وهكذا أراد هللا أن جتري الحداث ،وما حدث بعد ذكل.
292
ملحق :يف فلسفة املال والنقد
جوهر أمثان اليوم من العدم ،بيامن جوهر المثان السابقة من الوجود.
وذات أمثان اليوم يه المثنية( ،اإن زالت عهنا عادت للعدم) ،بيامن ذات
المثان السابقة يه السلعية( ،اإن زالت عهنا عادت لسلعيهتا) .والمثنية
صفة قد تلحق ابلمثان السابقة أحياان ،كصفة السواد لبيض تعرض
للشمس ،وكحال الصحيح اإذا حلق به مرض عابر.1
وكون جوهر النقد اليوم هو العدم ،فهذا يعين أنه غري حمدود -فالعدم ال
حد هل -خبالف المثان السلعية من معدن وقوت وغريها ،فاملوجود
حمدود .2والعدم ال قمية هل ذلاته ،خبالف املوجود .فالمثن وس يةل قياس
امسية ،اكلصاع واملرت ،عدم غري حمدودة وال قمية لها يف ذاهتا مطلقا،
وإامنا يقاس بقميته املتعدية ،ويه قوته الرشائية .فاإن مل يتلبس المثن
بسلعة ،فهو عدم ،كنقود اليوم ال قمية لها يف ذاهتا .وان تلبس بسلعة -
اكلمثان السابقة -فهو موجود وتكون هل قمية ذاتية ،تُضاف لقميته المثنية
املتعدية ،فيؤثر هذا عىل قميته كلك ،فريفعها فوق مس توى الطلب
احلقيق علهيا يف السوق.
1الاختالف معوما يكون يف جوهر اليشء أو ذاته أو صفاته ،أو يف مجيع الثالثة .فيفرتق الشيئان أو يقرتابن مبقدار اختالفهام وتشاهبام .فالسد والهر والعجل والوعل
واجلبل والسحاب خلق من خلق هللا .ويشرتك الربعة الُول يف جوهر احلياة ،بيامن يشذ اجلبل والسحاب جلوهر امجلاد فهام يشرتاكن فيه ،بيامن خيتلفان يف ذاهتام ،فذاك
صلب دامئ وهذا رقيق زائل .ومىت اختلفت اذلات ،تبعها اختالف الصفات ،وإاذا حصل فاشرتاك يف صفة ،فهو اشرتاك عفوي .فيشرتك السد والهر يف ذات السبيعة،
بيامن يشذ العجل والوعل حنو ذات الرعوية .وختتلف صفات السد عن الهر ،فذاك صائل وهذا مسامل .كام ختتلف صفات العجل عن الوعل ،فالول داجن والثاين هامئ.
واشرتاك امجليع السد والهر والوعل والعجل واجلبل والسحاب ،يف أداء وظيفة معلية تس يري س نة هللا يف خلق الرض ،ال يعين أن تُزنل أحاكم بعضهم عىل بعض.
وهناك فرق واسع بني اذلات والصفة اخلُلقية املالزمة( .فالصفة قد تكون خُلقية يف أصل اليشء فهي مالزمة هل وقد تكون طارئة) .جفوهر الشمس معادن وغازات،
واحلرارة صفة خلقية يف أصلها مالزمة لها .واحتجاب حرارهتا يف الش تاء القارس ال يعين زوال صفة احلرارة مهنا .جفوهر الشمس خصور ومعادن ،وذاهتا انرية واحلرارة صفة
الزمة لها ،ان زالت فقد ال تزول ذات الشمس وحامت ال يزول جوهرها ،احلجارة واملعادن .لكون برشة االإنسان صفة الزمة هل ،لو تغري أو زال ،تبقى ذاته ،ويه اللحم
والعظم .واحلياة جوهر االإنسان فاإن زالت ،فنت ذاته ،وحامت تزول صفاته .ومثل ذكل أيضا يقال يف ل ون الصفار لذلهب مثال .جفوهر اذلهب امجلاد ،وذاته معدن،
والصفار لون خلق يف اذلهب وهو صفة خلقية الزمة هل .فاإذا احتجب لون الصفار بقذارة وحنوها فاإمنا هو مؤقت ،اكحتجاب حرارة الشمس ،بغامم .والمثنية يه كذكل يف
اذلهب ،جمرد صفة طارئة ال خلقية ،اإن احتجبت فال يلزم أن تعود ،كام هو حصل يف الفضة والنحاس واحلديد والرب والشعري.
2مفىت فهمنا دالالت اجلوهر واذلات والصفات ،أدركنا أن نقد اليوم (أي الامثان اليوم) تتباين يف جوهرها عن المثان السابقة ابلنقيض ،فبالتايل فينسحب ذكل عىل ذواهتا
ومن ابب أوىل يف صفاهتا.
فعندما اكنت تُتخذ السلع امثاان ،اكذلهب والفضة والنحاس ،دفع هذا
قمية العمةل لتكون أكرث تذبذاب ،وذكل الإضافة قميتني فوق قمية المثن.
فقمية السلعة يؤثر فهيا مؤثران ،الطلب والعرض .اإذا فقد اكن يف المثن
السلع ،اكذلهب ثالث قمي تتنازع أحياان ،فتخفض قميته الهنائية ،أو
تتفق فرتفع قميته الهنائية .وهذا سبب عدم ثبات قمي المثان ،قدميا.
الباب الول :يف فلسفة املال والقمية والمثن
كثري من الناس ينرصف ذهنه عند ذكر لفظ املال ،اإىل النقد -أي
ال ُعمالت ـ ،ويقرص مفهوم املال عليه .ولكن الصحيح لفظا ورشعا
واقتصادا وقانوان ،أن “ لك يشء ُحياز ،وهل قمية ميكن قياسها ،وميكن
أن يُباع وي ُرشى وميكن متلكه خيارا أو جربا ،فهو مال ” .فس يارتك
اليت تركهبا مال ،وثوبك اذلي تلبسه مال .وحيازتك عىل حق طباعة،
أو ماركة جتارية ،يه أموال حمرتمة كي مال أخر من نقد أو اإبل أو
غمن أو عقار أو ذهب أو برتول أو غريها ،فلك هذه ،أموال.
واملنفعة املالية -اكخلدمات الاستشارية أو املهنية املُقدرة بقمية معلومة
ميكن حتديد قميهتا ،يه كذكل مال .ولكن جيب الانتباه اإىل أن هناك
فارقا جوهراي بني املنفعة املالية اليت يكون أصلها ماليا -مكنفعة سكىن،-
وبني اليت ال يكون أصلها ماليا-كخدمة أو استشارة طبية أو قانونية.-
مفنفعة السكىن انجتة عن دار ،وادلار مال من الموال .أما أصل
اخلدمة البرشية اكالستشارة والتدريس والعامةل ،فهي منفعة انجتة عن
هجد أو عمل اإنسان حر .واالإنسان احلر ليس مبال ،وكذكل الجري احلر،
أصهل ليس مايل.
294
وأما لفظ المثن فيطلق عىل وصفني ،الكهام مقصود لغة و ُعرفا:
الول :هو التسعري ،أي التمثني .ف ُيقال مك مثن هذا؟ وهل ثَ لمنت هذا
(أي هل سعرته)؟ وفالن س يقدم كل مثنا أفضل ،أي سعرا أفضل.
وفاوض فالن عىل المثن ،أي فاوضه عىل السعر .مفقصود المثن كتسعري
هو أن يكون وس يةل مقياس واحضة واثبتة يف املعامالت التبادلية لقمي
السلع واخلدمات وحنوها.
والخر :هو القمية ،أي العوض عن اليشء .ف ُيقال هل قبضت المثن
حاال أو مؤجال ،أي هل اس تلمت القمية من درامه أو نقد يف يدك أم
ستتحصلها منه بعد زمن؟ وكذا تقول :ال تسلمه البضاعة حىت تقبض
المثن .وتسأل :هل المثن ابلاكش أم بش يك؟ وإاذا اكن بش يك ،فال
توقع عىل اس تالم المثن اإال أن يكون ش ياك مصدقا .أي ال توقع عىل
اس تالم القمية من درامه أو نقد بواسطة ش يك ،اإال أن يكون ش ياك
مصدقا من البنك .مفقصود المثن كقمية هو أن يكون ِّعوضا.
فالقمية اإذن ال ُ ُحتدد منفردة أبدا .بل ال بد من مقابلهتا بأمر أخر .فال بد
ملعرفة قمية يشء ،أن حتصل مقابلته بيشء أخر .فال بد ملعرفة قمية
الس يارة أن تقول :الس يارة بعرش دراجات انرية ،أو الس يارة مبائة ألف
رايل .ومائة ألف رايل ال معىن لها كذكل ،فلو أنك يف قرية من قرى
الصني ،فلن يدري الصيين ما يشرتي الرايل ،أي مايه قميته .ذلا
تقول :ومائة ألف رايل تشرتي كل مائة رأس جعل .وهكذا...
فادلوالر مثال مثن ال قمية .فقمية المثن مطلقة ،فسعر برميل النفط اليوم
مثال ٦٠دوالر ،وغدا ١٠٠دوالر ،اإذن فادلوالر ال قمية هل يف ذاته،
اإمنا هو وحدة قياس يقيس قمية النفط أمام السلع الخرى اليت يُقميها
295
ادلوالر ،فهو اإذا عدما ال وجود هل اكملرت والكيلو والرطل والطن ليس
هلم وجود الا ان يضاف هلم يشء وكذكل هو النقد ،وهذا يقودان
جلدلية عدمية النقد.
الباب الثاين :يف عدمية النقد
اس ُتخدم القوت كثريا ،كمثن يف مراحل زمنية مرت هبا االإنسانية .فاكن
صاع شعري مثال يأيت بنعجة .فالقمية يف الشعري وليس يف الصاع،
فالصاع وحدة قياس عدمية ،وامنا هو جمرد أداة قياس لقمية الشعري،
اذلي يأيت ابلنعجة .والعدد كذكل ،أداة قياس حلبات الشعري العرشة،
اليت تأيت ببيضة .وادلينار وادلرمه أوزان ،فهي وسائل قياس لذلهب
والفضة .والشاهد أن وس يةل الوزن ال اعتبار لها يف القمية ،بل أن
الاعتبارية تكون يف املوزون .فالقمية يُمثلها اليشء املُقاس ،ال وس يةل
القياس .واملقصود :أن مثن المس اكن أداة قياس وامل ُقاس هبا ،كصاع
بر او درمه فضة .أما اليوم فالمثن أداة قياس فقط ،فهو اإذا عدم.
والعدم يشء ،فهو اإذا خلق من خلق هللا .قال تعاىل( :هللا خالق لك
يشء).
فالعمالت النقدية احلديثة ،وس يةل قياس اكلصاع واملثقال ،فهي وس يةل
خالية من قمية حقيقية فهيا ،فهي ليست كصاع متر مقابل نعجة.
وبعبارة أخرى :العمالت السابقة ،اكنت حتتوي عىل قائس ومقيس .أي
أهنا اكنت أداة قياس -كوزن دينار -واليشء املقاس به -كنعجة -مقابل
اليشء اذلي حتتويه أداة القياس -كذهب .-وأما اليوم ،فالعمالت أمنا
يه فقط أداة قياس يُقاس هبا قمية الطرف الخر ،سلعة اكنت أو
296
خدمة- ،كرايل( .-أما العدد فهو وس يةل الزمة للقياس بأي أداة ،سواء
ابلوزن أو ابحلجم ،فالعدد يدخل يف لك وس يةل قياس).
فنقود اليوم يه اكلصاع واكملثقال واملرت والكيلو ،ما يه اإال وس يةل
قياس جمردة ،ولكهنا ال تتضمن شعريا وال ذهبا وال فضة ،اإمنا حتوي
عدما (جمرد أرقام يف حواسب المكبيوتر) ،متثل قمية مطلقة ،حيددها
السلعة او املنفعة املقابةل لها.
والاس هتالك يضعف قابلية اليشء الن يكون مثنا (نقدا) ،ذلا لكام قلت
احلاجة الس هتالك اليشء ،ووافق صفات المثن ،لكام زادت احامتلية
اختاذه مثنا .فالمثان السلعية ،اكذلهب والقمح والنفط ،لها قمية ذلاهتا
الاس هتالكية ،وتكتسب قمية مضافة اإذا ما اختذت أمثاان ،فالمثنية اإذا لها
قمية مس تقةل عن ذات المثن.
ومبا أن نقود اليوم عدمية الاس هتالك ويه جمرد وس يةل قياس لقمية متثل
قمية ما تُشرتى به ،ال قميهتا يف ذاهتا ،فهي ال قمية لها يف ذاهتا ،فهي اإذا
أمثان حمضة .وابلرغام من عدميهتا ،فاإن العمالت أموال عدمية حمرتمة.
اإذا فنقود اليوم تُعد ماال من الموال ،طاملا أن علهيا طلبا ،فهذا يعين
أن هل قمية وأن قميته قامئة مطلوبة.
وما املال؟ املال هو لك قمية ُمحازة تُمتل وتُباع وتُرشى ،فالنقد وان
اكن يف حقيقته عدما فهو جمرد وحدة قياس اكلصاع واملرت والكيلو
واجلرام ،الا انه داخل يف حد تعريف املال ،فالنقد احلديث ،اإذا مال
فيأخذ احاكم الموال قانونيا ،أما اقتصاداي فاالقتصاد هو :انتاج اإنسان
وحمراث .فال يدخل النقد يف االإنتاج .اإمنا يس تخدم النقد اكمس او وحدة
قياس ،لنه عدم.
297
وهنا يتبني لنا أن الرصف ورشاء العمالت احلديثة بعضها ببعض
اليوم ،هو يف الواقع رشاء لقمي عدمية ،أي جتارة وتبادل ابلعدم .وجتارة
العدم ،ليس أمرا افرتاضيا فلسفيا ،بل أن أعظم جتارة عاملية يه جتارة
العدم ،الا ويه جتارة املش تقات ،فاملش تقات أموال عدمية
حمرتمة .وقمية املش تقات تساوي أكرث من عرش أضعاف االإنتاج
العامل ،ولكهنا جتارة يف العدم ،فال وجود لها حقيقة ،اإمنا يه غالبا
مقامرات عىل أسعار املس تقبل ،أو حتوط لها .مفا جتارة أعظم سوقني
يف العامل ،اإال جتارة ابلعدم ،وهام أسواق العمالت وأسواق املش تقات.
مبحث :ال مثن القيايس وال مثن التقاييض
وهناك المثن القيايس وهناك المثن التقاييض .فأما المثن القيايس فهو
اذلي تعارف عليه الناس واصطلحوا عىل أن يكون مسعرا للسلع
واخلدمات ،كوراقنا النقدية .وأما المثن التقاييض فهو اذلي قبل
املتبايعان ورضيا عىل أن يكون قمية للسلع واخلدمات ،كن يكون المثن
التقاييض أرضا ،يف مقابل احلصول عىل سلعة .وميزي المثن عن املمثن يف
هذه احلاةل ،أن املشرتي هو يقدم المثن والبائع يقدم املمثن.
الباب الثالث :الندرة والقمية
معالت اليوم ،يه الامثان املتعارف علهيا بني الناس يف اسواقهم.
والامثان يه أدوات تسعري ،أي أدوات قياس قمي الش ياء .ولو تأملنا
يف قمية الامثان اليت اختذها البرش ،لوجدان أن قمية المثن ذلاته ،وان
اكنت معتربة ،الا اهنا مل تكن ُمرحجا لالختيار .فاذلهب و الفضة
والنحاس مثالُ ،اختذوا امثاان قدميا ،بيامن مل تتخذ اجلواهر والللئ امثاان،
298
رمغ اهنا أغىل وأنفس وأعظم يف قميهتا ذلاهتا من قمية اذلهب والفضة،
وذكل لهنا غري متجانسة ،ومتفاوتة تفاوات شديدا وغري قابةل للقسمة.
وبسبب الندرة فف البداية اختذت البنوك املركزية النحاس ،كعمةل
احتياط مث اختذت الفضة كعمةل احتياط مث أختذ اذلهب.
فالندرة الزم من لوازم القمية ،ولكن القمية ليست بالزم للندرة .فقد
يكون هناك حرشة اندرة وال قمية لها .والهواء ال قمية هل رمغ أنه أحوج
حاجة ل إالنسان ،لنه عدمي الندرة.
فالقمية اإذا من الندرة .ذلا ،جند أن من صفات المثن اذلي يتناقلها
الفالسفة والاقتصاديون اىل اليوم ،كون اليشء -املُتخذ معةل -اندرا،
ليكون هل قمية .ولهذا يعرتض الكثري عىل نظام العمالت اليوم ،ويتباىك
بعضهم عىل اذلهب بيامن ينادي اخرون ابلتفكري بمثن اخر غري نقود
اليوم ،اليت يه عدم يف احلقيقة ،ويس تطيع البنك املركزي طبع مكية ال
حمدودة منه .1ومك كتب فالسفة اقتصاد ،من مطوالت يف هذا ،ومهنم
قرين س بان ،أايم ش بابه ،قبل أن يصبح أشهر واطول من رأس
الفدرايل الاحتياط المرييك .وقد ظلت الفكرة تراوح يف رأسه ،اىل
ان ختىل عهنا متاما يف اخر أايم رئاس ته.
وخاصية الندرة للمثن ال تكون مطلقة ،فشدة الندرة متنع الاس تخدام
العام .ولهذا اكنت الفضة والنحاس هام من اختذها البنوك املركزية
الاوربية كعمةل احتياط ،ملدة أطول بكثري من اختاذهام اذلهب كعمةل
احتياط .هذا رمغ ان اذلهب ،هو أغىل مهنام قمية وأكرث حتمال ،ولكنه
( 1وهذا لكه ابلطبع خطأ وغري حصيح ،بل اإن نظام العمالت اليوم هو افضل ما مر عىل االإنسانية ،وس يأيت بيان هذا).
299
اكن أكرث ندرة مهنام ،بشلك جاوز حد الندرة املعقول ليغط حاجة
السوق .ذلا ،مل تتخذ البنوك املركزية اذلهب كعمةل احتياط دولية الا
من بعد أن اكتشفت أوراب العامل اجلديد –المريكتني ،-وتدفق اذلهب
من الرض البكر عىل أورواب ،وكرث ،فعندها جهرت البنوك املركزية
الفضة والنحاس ،واختذت اذلهب بديال عهنام كعمةل احتياط.
ومث عاد اذلهب اندرا مع خروج الاةل ،اليت قضت عىل حش الندرة يف
املنتوجات ،فقد أصبحت السواق تنتج مبعدل خضم ،فزاد االإنتاج
وتعاظمت مكياته امام مكية اذلهب ،فمل يس تطع اذلهب أن يُاميش
مكيات الانتاج ،فعجز عن القيام بواجبه المثين اذلي اضيف عليه ،مما
أدى خلروج معالتنا اليوم .فهو تطور حاجة ،توهجت لها السواق دون
حىت ان تدرك أس باب السنن الكونية اليت ابعدهتا عن اذلهب.
الباب الرابع :قمية المثن السلع جيب ان تكون أغىل من قميته يف
ذاته
وقمية المثن اإذا اكن سلعة ،جيب ان تكون أغىل من قميته يف ذاته والا
لتعطل المثن .كام حدث يف ادلوالرات اذلهبية اليت اكنت يف القرن
املايض .فالناس قد أمسكت عن التبادل هبام لصعود قمية اذلهب،
فأصبحت قمية اذلهب املسكوك به ادلوالر اعىل من قمية البضائع أو
السلع املُقمية ابدلوالر .واعتقد ان شيئا شبهيا هبذا قد حصل يف
السعودية ،عندما أصبحت الفضة اليت سكت هبا رايالت الفضة،
تساوي قمية أعىل من القمية الرشائية للرايل.
300
الباب اخلامس :تذبذب المثان السلعية
وقدميا اكنت تُتخذ السلع امثاان ،فهذا جيعل قمية العمةل أكرث تذبذاب،1
الإضافة قميتني عىل قمية المثن .فقمية السلعة يؤثر فهيا مؤثران ،هام
الطلب والعرض .والطلب حيمكه هوى الناس وميوهلم وافاكرمه يف
السلعة ،ومدى احلاجة الهيا .وأما العرض فتحمكه لكفة انتاج السلعة.
ذلا فالطلب عىل المثن كسلعة يعطيه قمية ،فزتيد قمية المثن السلع مع
زايدة الطلب عىل السلعة كمثن ،وتنقص بنقص الطلب علهيا .وعرض
السلعة المثنية ،يعطيه قمية اإضافية ،فزتيد قمية السلعة مع زايدة العرض
وتنقص بنقص العرض .فهااتن قميتان ،خارجتان عن قمية المثن ذلاته.
ويأيت الطلب عىل المثنية اليت ُا ِّحلقت ابلسلعة ،فتضيف هل قمية أخرى
هل.
اإذا فقد اكن يف المثن السلع ثالث قمي تتنازع أحياان ،فتخفض قميته
الهنائية ،او تتفق فرتفع قميته الهنائية .وهذا سبب عدم ثبات قمي
الامثان ،قدميا.
ول إاليضاح :السابقون مل ينتهبوا لهذا ،مما خلق اإشاكليات عندمه.
فالفلس اكن ي ُسك من حناس وحديد ،واكن ي ُشرتى به ما قميته أغىل
من احلديد ومن النحاس املسكوك الفلس منه .فرتامه يقولون :اإن قمية
الفلس كمثن ليست انبعة من معدنه ولكن من كونه مثنا .وهذا قول غري
دقيق .بل ان قمية الفلس أو ادلينار (وهو من ذهب) أو ادلرمه (وهو
من فضة) ،يه حاصل مجع قميتان .قمية طلب احلاجة ملعدنه (أي قميته
1وهذا أمر معروف عند من اته وضاع يف خضم فقه البيوع .ومن شواهده قوهل عليه السالم« ،ال بأس أن تؤخذ بسعر يوهما ما مل يفرتقا وبيهنام يشء ”
301
السلعية) وقمية الطلب عىل مثنيته .أضف اىل ذكل ،أن العرض يدخل
يف املعادةل .فنقصان العرض او زايدته يرفع قمية اذلهب والفضة
والفلوس القدمية ،وخيفضها .وهذا حيدث كثريا ،فقد ينقص العرض
بتأخر القوافل وابحلروب والرسقة .وقد يزداد العرض ابلفتوحات او
الاكتشافات .كام حدث لربيطانيا بعد تدفق اذلهب المرييك لها،
فارخصه حىت تضاعفت السعار عرشة اضعاف.
والفضة يف القرن الثامن عرش ،اهنارت أسعارها (بأسعار اليوم) من
٧٠٠دوالر اىل ٥دوالرات ،عندما ختلت عهنا البنوك املركزية كغطاء
لعمالهتا .فامخلسة دوالرات يه قمية الفضة كسلعة ،والبايق اإمنا اكن قميهتا
كعمةل.
وأسوق يف هذا الباب ،مثاال معارصا ،ليتأكد فهم قويل يف قمية السلعة
وتفريقها عن قمية المثن .فارتفاع أسعار البرتول يف عام ٢٠٠٨م اإىل
١٤٠دوالر للربميل ،مل يكن سببه ازدايد الطلب عليه الس تخدامه يف
االإنتاج ،بل للمضاربة فيه والس تخدامه كداة حلفظ الرثوة بسبب
التضخم واخنفاض قوة رشاء العمالت .فالبرتول سلعة لها قمية يف ذاهتا
مطلوبة لالس تخدام ،ولكن أضيف لهذا الطلب السلع ،طلب
حتوط ضد التضخم ،مع طلب استامثري ،فارتفعت الاسعار .ذلا ملا
عاد مثن النفط اإىل قميته ذلاته ،اهنارت السعار .اكهنيار اسعار الفضة
عندما ختلت عهنا البنوك املركزية ،مع فارق املدة اليت احتيج لها
لالهنيار.
فالنقود احلديثة ،وادلينار وادلرمه والشعري والقمح وامللح ،والفلوس
القدمية ،قد يكون لها لكفة تصنيع ،اكلورق املطبوع يف النقد احلديث.
302
وإان اكنت معدان ،فكقمية املعدن اذلي ُسك هبا اكذلهب والفضة أو
اكحلديد أو النحاس اليت ُسك هبا .وإان اكنت قوات فكقمية القوت
املس تخدم .ولكن المثن دامئا وابدا ال بد أن ميثل قمية أعىل من الورق
املطبوع به أو املعدن املسكوك منه اكلفلوس القدمية .هذه الزايدة يف
القمية يه قمية المثن طاملا مل هيُ جر من التعامل .فاإن جهر المثن من
التعامل ،فسزتول عنه قمية المثنية اليت خالطته ،حىت ال تساوي قميهتا
شيئا اكلنقد احلديث (لنه عدم يف ذاته) .وإان مل يكن عدما ،فس تزنل
قميته لقمية حاجة الناس هل الس تخدامه ذلاته ،كفلوس من حناس ،زالت
عهنا مثنيهتا فصارت قميهتا بقمية النحاس املسكوكة منه.
وعودة لعدم اعتبار القمية يف المثن ،فاإنه لو قاران اذلهب واجلواهر،
فاجلواهر أغىل وأنفس وقميهتا ذلاهتا ولكهنا مل تُتخذ مثنا لهنا غري متجانسة
ومتفاوتة تفاوات شديدا وغري قابةل للقسمة .بيامن اذلهب معدن أصفر
اكلنحاس .ولكن اذلهب أندر منه وأكرث حتمال وأكرث ندرة فصار مثنا
وأصبح هل قمية أعىل من اذلهب ذاته ،من أجل اس تخدام مثنيته ،ال
ذلاته كام تس تخدم اجلواهر والنحاس .وعندما يدرك الناس هذا متاما،
س يفقد اذلهب قميته من انرصاف الطلب عنه ،بزوال ومه انه مثن ،كام
انرصفوا عن الفضة .وقد احتاج الناس قران من الزمان لينرصفوا عن
الفضة ،فلعل اذلهب اليوم يس تغرق فرتة اقل ،بسبب انتشار املعرفة
واالتصاالت.
وهنا ندرك أن من امه ما غاب عن الفالسفة والاقتصاديني والفقهاء يف
صفات المثن ،هو كونه ال تُس هتل ذاته .فالطلب للسلعة امنا هو
الس هتالك ذاهتا او اس هتالكها ابس تخداهما .و خاصية عدم اس هتالك
303
المثن ذلاته ،يه يف الواقع ،اقوى وامه صفات المثن اذلاتية .أما امه
صفات المثن التطبيقية ،القابلية الاحتاكرية وعدهما .ويف الك الصفتني
تناقض امثان اليوم -ويه العمالت -مع الامثان السابقة .فمثن اليوم،
وهو النقد ال ميكن اس هتالك ذاته ،اكلشعري واكذلهب .كام اإن مثن اليوم
ال ميكن احتاكره ،خبالف الامثان السابقة ،اليت تدعوا نفسها
لالحتاكرية ،وهذا يقودان للفصل القادم:
الباب السادس :اس هتالك السلعة املتخذة مثنا يضعف مثنيهتا
من امه الصفات وأشدها سببا الختاذ اليش مثنا ،قةل احلاجة الس تخدامه
كسلعة ،مما يؤدي الس هتالك أصهل .وهذه خاصية ال اعمل اهنا ُذكرت من
قبل .فالقمح اس تخدم مثنا عند الرومان .واس تخدم غريمه الشعري وامللح
والهبارات وغريها .وهذه امثان يُس هتل أصلها ،فغالبا تكون قميهتا
كسلعة ،موازية ومساوية لقميهتا كمثن .ولهذا مل تدوم طويال .واملعادن من
حديد وحناس وفضة وذهب ،اس تخدمت كذكل امثاان .فلكام اكن
اس هتالك الانسان ذلات المثن اقل ،لكام ُصد المثن مدة أطول من
غريه .ولهذا غلب النحاس احلديد وغلبت الفضة النحاس مث غلب
اذلهب املعادن لعدم احلاجة اليه يف الصناعات الرضورية الا قليال.
وجاء نظام العمالت النقدية احلديث فغلب اذلهب والامثان لكها يف
مجيع صفات المثن ،ومهنا اس تحاةل اس هتالك أصهل.
وظهور نظام العمالت اليوم القامئ عىل التعومي ،اإمنا ظهر عن حاجة
الس يوةل ،فتوهجت هل السواق دون فابتكرت نظاما نقداي ،النقد فيه،
جمرد وس يةل قياس عدمية ،فال قمية هل مطلقا يف ذاته ،وال يتأثر بعرض
304
وال طلب ذلاته .فهنا س يطر الانسان أخريا عىل النقود ،فتحمك
ابلعرض عن طريق البنك املركزي .فقاد العرض الطلب ،فعزل أي
مؤثر خاريج ،عن تبادالت السوق وجتارهتم .وقطع سببا من أس باب
احلروب والفنت بني ادلول ،بقطع أس باب الغزو ،فنقد اليوم ال قمية هل
الا بطلب عىل انتاج ما ينتجه مالكها.
فبنقود اليوم ،حترر الانسان من ارس سلع المثن ،وحتول الانسان
س يدا عىل النقد بعد ان اكن عبدا هل .وهذا تطور هائل ال يدرك
عظمة القوة فيه ،الا من متكن من عمل الاقتصاد النقدي ،وخاض حبثا
ودراسة القتصادايت ادلول واجملمتعات من قدمي الزمان ،وتتبع تطورها
وماس هيا وأخطاءها اىل اليوم.
الباب السابع :أس باب اس تحاةل احتاكر النقد اليوم
فالسبب الول سبب تقين وهو أن نقود الناس يه أرقام عند البنوك،
والبنوك يه اليت تقرر ما تفعل هبا ال املودعني.
والسبب الثاين تقين كذكل ذكل :لن البنك املركزي هو اذلي يراقب
الس يوةل يف اجملمتع فلكام نقصت الس يوةل خض (طبع) من النقد عىل قدر
احلاجة ولو ضاعف املوجود (كام فعل الفدرايل المرييك يف-٢٠٠٨
٢٠١٥م ،فقد ضاعف بثالثة أضعاف ،مكية ادلوالرات املوجودة اليت
تراكامت خالل عقود زمنية).
فالبنوك فقط يه اليت ميكهنا أن حتتكر النقود احلديثة ،اإذا اكنت ال
تدفع فوائد عىل ودائع الناس أو عىل قروضها من البنك املركزي كام يه
احلال يف السعودية أو احلال يف أمرياك زمن الزمة املالية .فباخنفاض
305
الفائدة اإىل قرب الصفر ،احتكرت البنوك المريكية املليارات يف
احتياطاهتا دون أن حتتاج لمتويل اجملمتع وذكل لعدم وجود اللكفة علهيا
يف حفظها.
وأما السبب الثالث اذلي مينع احتاكر النقد احلديث ،فهو سبب
استامثري .فالتضخم النقدي احلاصل بسبب زايدة خض العمالت س نواي
مما جيعل نقود اليوم ليست مس تودعا للرثوة كام هو احلال يف اذلهب
والفضة.
مسأةل :كون العمةل مثنا يف بدل وليست مثنا يف بدل أخر
العمالت اليوم مهنا ما هو عامل ومهنا ما هو حميل .وكون العمةل عاملية
اكدلوالر أو الني الياابين أو اليورو ال يلزم من ذكل ان تكون مثنا يف
بدل أجنيب .فالني الياابين مثال ال يُقبل يف أمرياك كمثن للخزب من اخلباز.
فيصبح وضع الني الياابين يف السوق المريكية ،كوضع السلع القياس ية
الخرى ،كذهب والبرتول .وأقصد هبذا ،أنه لو أراد أمرييك قبول الني
كمثن لسلعة يف أمرياك فهو سينظر يف قميته أمام ادلوالر ،اإذا فالمثن
مازال هو ادلوالر الن التسعري يمت به .كام لو عُرض عىل البائع ذهبا أو
فضة أو براميل برتول مقابل سلعة تقوم ابدلوالر يف أمرياك .وهذا من
ابب أوىل يف العمالت الغري ادلولية ،كن يقدم الرايل السعودي مقابل
سلعة يف أمرياك.
فاملسأةل يه :هل تنزتع صفة المثنية عن الرايل السعودي والني الياابين
يف أمرياك؟ وما يه متعلقات ذكل؟
306
اإن قلنا أن العمالت خارج بالدها فقدت المثنية ،فهذا غري حصيح ،لنه
يعين أهنا مل تعد شيئا عىل االإطالق ،أي أصبحت عدما .فالعمالت
امثان جوهرا وخلقة ،اإذا زالت عهنا المثنية صارت عدما ،فهي أرقام يف
احلواسب .وإان قلنا بأهنا مازالت أمثاان ،فغري حصيح كذكل .فهي ال
تقبل يف التسعري ،وال كوس يط للتبادل وال للتسعري يف خارج بالدها.
فالصحيح أن العمالت تتحول اإىل صورة س ندية خارج بالدها فهي
تقمي أو تمثلن غريها .اللهم أهنا تصبح نوع من الس ندات
تُقمي وتُمثَن ،وال ل
واليت تصنفها بعض البنوك املركزية ،بش به النقد وتضمها لعرض النقود
الثالث.
307
املوضوع الرابع :يف فلسفة المتويل والاستامثر
متهيد :المتويل استامثر للزمن والاستامثر استامثر يف الزمن
المتويل عمل يقوم عىل استامثر الزمن نفسه .والاستامثر يقوم عىل
الاستامثر من خالل الزمن .ذلا ،فأي أداة قياس ال حتسب قمية الزمن،
فال تصلح أن تكون أداة حلساب المتويالت أو الاستامثرات .ومن هنا
أصبح معدل العائد ادلاخيل IRRأداة قياس ية يدور حولها عمل المتويل.
( P0+( P1 / (1 IRR))+( (P2 / (1 IRR) 2 )+(P3 / (1 IRR) 3.)+ .+ . Pn / (1 IRR) n = 0
حيث . . . Pn،P1 ،P0يساوي التدفقات النقدية يف الفرتات . . .، 2 ، 1ن ،عىل التوايل ؛ و
IRRيساوي معدل العائد ادلاخيل للمرشوع .أو الفائدة أو معدل اخلصم أو …..اخل)
من فهمها فهام معيقا ،متكن من المتويل وهندس ته ،وقليل من يفهمها من
حق فهمها .فالفائدة البنكية يه نفسها معدل العائد ادلاخيل ،ولكفة
المتويل كذكل ،والعائد عىل املرشوع ،ولك ما فيه زمن.
والقاعدة اذلي يقوم علهيا معدل العائد ادلاخيل عند اس تخدامه يف
المتويالت يه :أن العائد ُحيسب عىل ما قدمته ملرشوع وحنوه ،نس بة
للتدفقات الاستامثرية املقمية بقميهتا الزمنية .وأن الفائدة دامئا ُحتسب عىل
ما تبقى يف اذلمة من رأس املال اذلي متولته من البنك (رأس املال
املمتول ال تدخل أرابح الفوائد فيه).
ومن أسهل الطرق لتصور ادلين هو تصوره كتصور االإجارة .مفثال لو
متولت مليون رايل تسددها عىل مدى عرش س نني ،بفائدة ،٪٥
فتصوره وكنه عامرة ذات عرش أدوار قميهتا مليون رايل ،وقد
اس تأجرهتا ملدة عرش س نوات .فاإجيار العامرة اكمةل ٥٠الفا للس نة
الواحدة ،أي ُخسة الاف لدلور الواحد س نواي .فاإن اكن المتويل
308
اكلس ندات وحنوها مما ال تدفع اإال الفائدة فيه ،فالمر واحض ،فانت تدفع
االإجيار أي الفائدة ٥٠ألف لك س نة مث تعيد العامرة (أي املليون
رايل) يف هناية الس نة العارشة ،فيصري مجموع الفوائد (االإجيار) يف عرش
س نوات ٥٠٠الف رايل.
و اإن اكن سداد المتويل بطريقة أن دفعات السداد تس هتل أصل
المتويل ،فس تجد أن مجموع الفوائد س يكون ٢٩٥ألف رايل .بيامن
س تجد أيضا ،أن مجموع قمية الفوائد ٢٧٥الف اإذا اكن السداد بثبات
اس هتالك الصل ،كبطاقات االئامتن .فدفعة السداد يف الطريقتني
الخريتني ،تتضمن الرابح وقسطا من أصل املبلغ املُمتول .فكنك
اس تأجرت عامرة ترد دورا مهنا لك عام .فأصل المتويل اذلي يف اذلمة
يتناقص يف هذه الطريقتني .ذلا يسمونه خطأ ابلفائدة املتناقصة ،ويه
ليست متناقصة بل اثبتة مبعدل ٪٥عىل ما تبقى يف اذلمة من رأس
املال ،همام اختلفت طريقة المتويل أو مدته أو قميته ،فهي ُحتسب عىل
ما يف ذمتك من رأس املال.
ومن أمه ما جيب فهمه يف معىن معدل العائد ادلاخيل ،أنه ال يقترص
عىل حساب الرابح فقط ،فهو مقياس زمن ،والزمن يدخل فيه
الفرص البديةل املتوقعة والغري متوقعة ويدخل فيه التضخم واخملاطرات.
فعقار جوار البيت العتيق ،قد تكون تدفقاته النقدية من الاجيار قريبة
من الصفر لكنه قد يكون أفضل استامثر من مرشوع فيه خماطرة أو ال
يمنو فيه أصهل.
وزبدة القول يف معدل العائد ادلاخيل :اإن اختياره كعامل ختفيض هو
فن حيتاج لعمل نظري ،مع خربة استامثرية مع خربة يف الصناعة املُموةل.
309
مفثال :اإن اكن املرشوع يف تنقيب احلديد ،فال بد ان يكون اخلبري يف
التنقيب حارضا يف جلسات حتديد معدل العائد ادلاخيل املطلوب،
لالستامثر يف مرشوع التنقيب املعروض.
الفصل الول :قمية الزمن
الزمن اإذا داخل املعامةل التبادلية جعلها دينا .فالزمن اإذا ،هو السبب
سبب لدلين .وللزمن قمية يف ذاته عند الانسان يف نفسه غالبا ،ويف امل ُ ُ
ماهل دامئا.1
سبب لتكرار منفعة مال بعينه ،فزمن السلعة أو ومبا أن الزمن هو ر
النقد اإذا ،هل قمية وهل مثن يف ذاته .فانقطاع الزمن -ابإعطائه للغري-انقطاع
للمنفعة.
ابب :تقيمي قمية الزمن
وتُقمي قمية زمن املال ،مبقدرة املال عىل الانتاجية بذاته أو بغريه .متاما،
كام تُقمي حياة االإنسان ابجنازاته مضن ظروفه احمليطة به .وذكري لعبارة
“ ظروفه احمليطة به ” يقودان اإىل أن هناك متعلقات تتعلق بقمية
الزمن ،فزتيد من قمية الزمن أو ختفضها .فاخملاطرة يف حدوث املتغريات
اليت قد يأيت هبا طول الزمن ،يه متعلقات الزمن.
فعىل هذا فللزمن قميتان ،قمية يف ذاته وقمية يف متعلقاته.
1فللزمن قمية يف االإنسان ذاته ،ان اكن عاقال .وأما كون حمتية وجود قمية للزمن يف ذاته يف الموال دامئا ،غري مقيدة برشط عقل ،فلن النفع والاس تفادة املتكررة للامل
رشط الزم لكون الش ئي ماال ،سلعة اكن أم نقدا .وعدم الرشط عدم للمرشوط ،فال يُعد ماال ما ال يُنتفع منه ،معنواي او حس يا.
310
فمتويالت البنوك مثال ،سواء أاكنت نقدا أو ابلسلع ،1يه جتارة
ابلزمن .تشرتي ديوان قصرية الجل وتبيعها أغىل ،ديوان طويةل الاجل.
وما النقد أو السلع اإال وعاء التجارة ابلزمن.
ابب :صناعة املعلومات
معل البنوك يف العامل قامئ عىل صناعة املعلومات وعىل التحليل املتطور
للمخاطر واملشاريع لن مفهوم المتويل يعمتد عىل مشاركة البنوك يف
خماطرة المتويالت من أجل حتفزيها لالجهتاد يف املشاريع التمنوية
الناحجة .وأما معل البنوك يف ادلول املتخلفة ،فهو بدايئ يعمتد غالبا عىل
معرفة السامء اليت يُظن أهنا تضمن أمواهلم ،وعىل الرهون ،ال عىل
اجلدوى من املشاريع وخماطرها ونفعها .فثقافة المتويل عند اجملمتعات
املتخلفة ماليا ،ثقافة منفعية حمضة ورحبية رشسة ،يتحقق فهيا معىن
الربوية الظاملة اليت ال جتعل البنوك تشارك يف اخملاطرة ،فال يتحقق
توجيه أموال املودعني لفضل الاستامثرات يف اجملمتع مما يضيع
الاس تغالل المثل للموارد يف اجملمتع.
مففهوم املشاركة يف اخملاطرة هو اذلي مينع البنوك يف العامل املتقدم من
متويل املس هتل ابرهتان راتبه ،بل تدفع البنك دلراسة حالته ،مما مينعها
من اس تغالهل قبل القرض وبعده خوفا من جعزه عن السداد .وأما بنوك
اجملمتعات الغري متقدمة فرتاها تتسابق عىل اإقراض الضعيف واحملتاج مث
يقومون ابإغوائه ابخملاطرة بقرضه .فارهتان راتبه أقىص هجودمه ،مث أنظمة
القضاء تنجز البايق هلم .وبعد ذكل تفخر بنوك هذه اجملمتعات املتأخرة،
311
بأن معدل تعرث الفراد هو القل عامليا والبنوك يف العامل املتقدم ،تبني
أسعار الفائدة وتسوق هبا ،وعند البنوك من دوهنم ،يُدلس هبا ويُغش
حىت اختلط المر عىل كبار املستمثرين فكيف بغريمه.
وعقود المتويالت يف البنوك العاملية املتقدمة عقود واحضة شارحة،
وعقود غريمه بدائية كبدائية عقود أهل اجلُفرة ابلمس ،ولكهنا اليوم
مليئة ابلغنب والفخاخ البنكية ،وال ختلوا من التناقضات ومن جعل
املواطن مقرتض ومس تأجر وشاري وابئع وراهن ومديون يف أن
واحد ،ومث جتعل من البنك احملسن الواهب املتربع صاحب اخليار
املطلق.
ابب :المتويالت الجنبية
هناك فرق اقتصادي بني القرض وبني المتويل ما زال غامضا عىل
الكثري ،وخاصة يف العامل االإساليم وأحصاب الفكر الاشرتايك .فاذلي
جيب أن يُفهم جيدا ،أن القرض املذموم اقتصاداي هو القرض
الاس هتاليك ،واذلي ال يعود عىل صاحبه بعوائد مضاعفة ،فهذا هو
القرض اذلي حيمل معىن رق ادلين وعبودية القرض .وأما المتويل
احملمود فهو الاس تدانة النقدية لتحقيق عوائد مضاعفة عىل املس تدين
أو املمتول.
وحنن نس تطيع أن نرى أمامنا سواء يف ادلول أو الشخاص ،شواهد
كثرية عىل حال القرض وشواهد عىل حال المتويل.
جفميع ادلول املتقدمة ،اإمنا هنضت ابلمتويالت الجنبية .ومجيع ادلول
املتخلفة الفقرية ،اإمنا قعدت متخلفة ابلقروض الجنبية .وبناء عىل ما
312
س بق؛ فاإنه بعكس ما اش هتر يف الوساط الاقتصادية العربية
والاسالمية ،فاإن حصولنا عىل متويل أجنيب الإنشاء مطار أو قطار أو
مبىن عندان يف السعودية هو اخلطر اذلي حيتوي معىن عبودية رق
ادلين وعبودية القرض .وذكل خبالف ادلول اليت تمتول متويال أجنبيا،
ويقوم اقتصادها ابإنشاء املشاريع ،أي بسواعد أبناهئا وبصناعاهتا.
فاالستامثر الجنيب لبدل غين ال خري فيه ،ما مل ينقل اخلربات فيوظف
البناء يف اعامل حقيقية ال صورية .فاستامثر أجنيب لبناء منشأة بأيد
رشكة أجنبية هو جمرد قرض مذموم ،ال يُلجأ اإليه اإال بقدر احلاجة.
وحىت عند احلاجة ،فالمتويالت الجنبية عند ا إالرضار جيب أال تكون
مبارشة .وأقصد ابملبارشة :أي خلوها من هندسة مالية تزيل الثر ِّ
السليب ،لالقرتاض الجنيب .والهندسة املالية حبر ال ساحل هل ،وجيب
عىل من يتوالها أن خيرج من صندوق التقليد واالتباع؛ ليبحر يف أفق
االإبداع والاخرتاع.
وذلا؛ جيب التفريق يف االإحصائيات اليت تتعلق ابالستامثر الجنيب،
بني قرض أجنيب وبني استامثر أجنيب بناء عىل ما س بق.
فالقرض الجنيب قد حيل مشلكة أنية ،ولكنه س ميص ضعف قميته من
الاحتياطيات الجنبية ،خالل عقد من الزمن .ومبا أن الاقتصاد
السعودي اقتصاد غري منتج ،فاإن عوائد املشاريع فيه يه عوائد وقتية
اس هتالكية حمضة ،ذلا فال ُحيمد القرض الجنيب ،خبالف الاستامثر
الجنيب احملمود ،فاالستامثر الجنيب كذكل فيه محمود ومذموم.
313
ابب :جتارة التأمني اإحدى مكوانت الفائدة المتويلية
مبا أن الزمن هو سبب ادلَّ ْين ،فالنتيجة أن أرابح ديون البنوك تتبع قمية
الزمن وقمية متعلقاته .وذلا ،فالفائدة يف المتويالت مكون من جزئني:
الول :فارق قمية الزمن ذاته بني ادلين القصري الجل ،وادلين الطويل
الجل .ويه قمية تعطيل الاس تفادة من املال بني الزمانني ،واليت ُتقاس
مبنحىن العائد للس ندات ،مثال.
والثاين هو قمية اخملاطرة ،أي متعلقات الزمن من اخملاطرات .ويه قمية
املتغريات اليت قد يأيت هبا طول الزمن ،كفساد الرهن امل ُ َمول أو فساد
ائامتنية الشخص امل ُ َمول.
وهذا اجلزء الثاين من الرابح ،هو مفهوم التأمني صورة وجوهرا
وحقيقة.
فالبنوك حتتسب خماطر خسارة املرشوع وافالس العميل عىل مجموعة
كبرية من املمتولني ،فتأخذ من لك ُم َت َمول ما يساوي مقدار خماطرته
وخماطرة مرشوعه ،دون ان تقع اخملاطرة حقيقة اإال عىل ممتولني قةل.
وهذه يه فلسفة التأمني الاقتصادية ونتيجته الرايضية ،مؤداها تقليل
اخملاطرة بتجميع احامتليات وقوعها وتوجهيا ملن حتققت فيه اخملاطرة.
فعىل هذا ،فعمل البنوك هو مج رع جيمع بني جتارة ادلَّ ْين وجتارة التأمني
يف معل واحد ،وهو المتويل.
ابب ثقافة الشعوب جتاه ديون الطبقة الوسطى
ثقافة شعوبنا العربية اتهئة بني اترخي جمدها وبني اإناكر واقعها ،اذلي
ساقها للتخبط بني حروب أيدولوجية عاملية .فهي تراوح أسرية يف غفةل
314
التبعية للثقافة السائدة اليت تعم البرص وتقلب املنطق وختدر الفكر.
فقد ضاعت اس تقاللية عقول الشعوب العربية يف حرب الثقافات بني
الغرب والرشق.
فنظرية السوق الرأساملية -اليت حتارهبا الشعوب العربية -ثقاف ًيا وإاعالم ًيا
وتعلمي ًيا ،تنص عىل أن السوق االإنسانية تعكس اختالف مواهب
الناس وقدراهتم ،مع الاعرتاف والتعامل مع فطرة االإنسان اجملبوةل عىل
حب اخلري لنفسه وعىل الظمل.
مفثال يف برانمج توعوي ،جاءت حلقة ،حتمل رساةل يف التحذير من
ادليون ،فعرضت مقابالت كثرية مع المريكيني يف الشارع والسوق،
ومع أغنياهئم وفقراهئم ،يسائلهم مقدم الربانمج :هل يوجد رجل منمك أو
امرأة ليس عليه دين .وابلطبع مل جيد .فغالبا أن مجيع المرياكن ،الغين
والفقريُ ،مس تدين بش ىت أنواع ادليون.
وبعد ذكل يسافر الربانمج للبالد العربية ليصور جسوهنا اليت امتلت
ابملفلسني اذلين جعزوا عن سداد ديوهنم (لريبط ذهن املشاهد دين
المرييك ،خبامتة السجن) .ومث خمت الربانمج مبشهد عاطف بسداد دين
مفلس عريب ،لميسح هبذا املشهد العاطف ،أي تساؤل ينتج عن
خاطرة فكر قد متر عىل متفرج عريب مل يمت بعد ختدير عقهل ختديرا
أبداي.
وأقل درجة من املوضوعية العلمية تس تلزم من الربانمج أن يسأل
المرييك :فمي اكن دينه؟ ويسأهل اإن اكن ميل مزنال أم ال .وأن يسأل
المرياكن مل حتملوا ديوان دراس ية .أن يسأهلم هل دلهيم استامثرات
طويةل الجل؟ واكن ينبغ عليه أن يواصل البحث والتجوال يف أمرياك
315
لزيور جسوهنا ،فريى هل فهيا من جسني واحد يف دين؟ ومل زار
السجون العربية بدال عن المريكية؟
واكن من الجدى للربانمج منطقيا أن يكون السؤال هو :فمي ترصف
راتبك أو دخل الشهري؟ فغالب الناس عرهبم وجعمهم يرصفون
دخوهلم الشهرية لكها.
فالمرييك ال يبقى من راتبه ش ئي النه يذهب أقساطا يف سداد ديون
استامثرات متنوعة .فقسط لسداد مثن البيت ،وقسط للس يارة وقسط
لصندوق التوفري ،وقسط للربامج الرتفهيية والتربعية .والعريب ال يبقى
من راتبه يشء كذكل ،فقسط الإجيار املزنل واقساط أخرى
لالس هتالك.
ولو حاول الربانمج اس تخدام ابسط الساس يات العلمية ،لصنف
املقابالت حسب أعامر الناس.
فلو فعل لوجد أن المرييك يش يخ وقد عظمت ملكيته واستامثراته،
فهو ينتقل من مزنل اإىل مزنل أكرب ،ولوجده يمتتع ابالإجازات والرتفيه.
ولوجده ميتل أصوال مالية قد تضخمت عرب الس نني مبا استمثره من
ادلين اذلي اس تدانه ليسامه به يف صندوق التوفري .فهو ضامن مايل هل
يف ش يخوخته يغنيه عن أوالده وعن الناس ،أو عىل القل يرتك خريا
لورثته( ،وإان اكن هذا ليس من ثقافهتم ابمجلةل ملنع الاتاكلية والكسل).
ولوجد الفرد العريب ،يش يخ ومل ميل مزنال واحد بل قىض معره
مس تأجرا يف نفس مس توى مزنهل الول مراوحا يف س باق تضخم
االإجيارات .ولوجده وقد شاخت به الس نون وقد تقارصت قدرته
الرشائية فال يس تطيع احلياة الا ابلكفاف .ولوجد الفرد العريب ال ميل
316
ثروة يف صندوق التوفري الاستامثري ،تضمن لش يخوخته ترفعا عن
فضل ومنة الغري .ولوجد العريب ميوت ُمتحرسا أنه مل يرتك خريا لورثته.
فالمرييك والعريب الكهام ينفق راتبه ،بل غالب الناس يف مجيع
اجملمتعات تفعل هذا ،ولكن أحدهام يس متتع بش بابه وميتع أطفاهل وينفق
وهو يف نفس الوقت يستمثر مث ميوت غنيا ،والخر يعيش كفافا وميوت
فقريا .واحلديث عىل الغلب المع.
واكن جيب عىل الربانمج أن خيرب عن سبب زايرة السجون العربية
بدال من المريكية .ف ُيخرب املشاهد أنه يف أمرياك ،ال ي ُسجن مدين يف
دين ،ما مل يقرتن بعلميات تزوير واحتيال واسعة ،فالسجن عىل جرمية
الاحتيال والزتوير ،ال عىل االإفالس وعدم سداد ادلين كام هو حال
السجون العربية.
فنظرية السوق الرأساملية املطورة ،اليت حنارهبا ثقافيا واعالميا وتعلمييا
تنص عىل أن السوق االإنسانية تعكس اختالف مواهب الناس
وقدراهتم ،مع الاعرتاف والتعامل مع فطرة الانسان اجملبوةل عىل حب
اخلري لنفسه وعىل الظمل.
فالسوق حتتوي عىل صاحب الرثوة ،وعىل املستمثر واملس هتل
املرسف واملس هتل املقتصد .مفهمة النظام البنيك يف السوق الرأساملية
يه :توجيه ثروات املدخرين لفضل الاستامثرات املمكنة يف اجملمتع.
وهذه املهمة ال تتحقق اإال بأن يتحمل البنك خماطرة افالس املقرتض.
وذلا اكنت البنوك اول املتورطني يف أزمة الرهن العقاري ،وليس
املالك .ولهذا يكون يف حساب الشخص مئات اللوف وال يس تطيع
البنك التعدي علهيا ابحتجاز دوالر واحد بسبب قروض يف البطاقات
317
االإئامتنية ،مل تُسدد .ولهذا ال ي ُسجن عندمه أحدمه يف دين وال يتعدى
بنك عىل ملكية أحد يف دين ،الا يف الرهن العقاري وفامي وقع ادلين
عليه ،حلمكة واسعة ليس هذا حمل تفصيلها .ولكهنا تقوم عىل التعامل
حبقيقة الفطرة الانسانية اليت ال متنعه عن الظمل الا خلوف أو جعز.
بيامن امتلت السجون العربية ابملفلسني ،لن معل البنوك العربية ال
يتعدى معل ادلالل اذلي يوصل بني ادلائن واملدين ويأخذ معولته ،فال
هيمها ما س ُيرصف ادلين فيه.
فادلين المتوييل خري لكه ،اإذا اكن حمكوما بنظام شامل قامئ عىل س نة
هللا يف خلقه للبرش وللسوق .نظام حيم الغين والفقري مبا حيقق أفضل
الاس تغالل ملوارد اجملمتع .والنظام المتوييل احلديث مكن الطبقة
الوسطى من الاس متتاع ابالإنفاق الاس هتاليك الرتفهيي كام مكهنم يف
نفس الوقت من المتل و التوفري الاستامثري .بيامن يس تحيل يف
السوق العربية امجلع بني الانفاق والاستامثر ،كام يصعب عىل الكثري
المتل والتوفري حىت ميل رأس املال الالزم لالستامثر يف ظل تضخم
جيعل مدخراته تراوح حملها ،فهو أبد ادلهر أجري اكدح.
وهنا يُطرح السؤال المه .هل تعمد الربانمج تضليل املشاهدين من
أجل كسب رضامه وابلتايل زايدة عدد املشاهدين؟ ال أعتقد ذكل أبدا.
بل يه غفةل التبعية للثقافة السائدة اليت تعم البرص وتقلب املنطق
وختدر الفكر .فقد ضاعت اس تقاللية عقول الشعوب العربية يف حرب
الثقافات بني الغرب والرشق.
318
مسأةل :البيع عىل املكشوف
البيع عىل املكشوف هو أداة رشعية مالية تساعد عىل حفظ توازن
السوق ،اإذا وضعت لها الضوابط املناس بة .وما اكن لسوق السهم
السعودية مثال ،أن تنتفخ فتصل اإىل عرشين ألف نقطة لو اكن البيع
عىل املكشوف متاحا فهيا أنذاك.
وعودة اإىل مثال سوق السهم السعودية؟ فف تل الفرتة مل يكن
متوفرا فهيا اإال التسهيالت ابلرشاء عىل الهامش ،ويه أداة مالية تعمل
عىل انتفاخ السوق بال جلام وال خطام .ومل يكن هناك أداة مقابةل لها
لتكبح جامهحا ،اكلبيع عىل املكشوف ،اذلي يعمل عىل زايدة مس توى
خماطرة الرشاء ابلهامش؛ وابلتايل حتد أو تقلل مهنا.
وللفهم فس منثل مبثال تصويري :فلو افرتضنا أن أسهم “ سابك ” قد
ارتفعت فالمست ٢٠٠رايل سعودي ،فسيشد هذا الارتفاع
السعري انتباه زيد ،وهو املضارب العتيق يف سوق السهم السعودية.
مل ير زيد مربرا لهذا الارتفاع ،بل رأى فيه فرصة تعوضه عن خسارته
اليت خرسها ابلمس .قدم زيد عرضا من خالل رشكة “ الرثوة املالية
للوساطة ” ،واليت ميتل زيد حمفظة استامثرية دلهيا؛ لرشاء ألف سهم
لرشكة “ سابك ” من صندوق التأمينات الاجامتعية ،اذلي حيتفظ
بأسهم “ سابك ” مكستمثر طويل الجل .ساومت رشكة “ الرثوة
املالية ” صندوق التأمينات الاجامتعية ،عىل سعر السهم ،وأغلقت
الصفقة برشاء السهم اللف لزيد بقمية ألف سهم لرشكة “ سابك ”
حتل بعد أس بوع ،وألف رايل سعودي حاةل فورا .ووضعت رشكة “
319
الرثوة ” السهم يف حمفظة زيد ( .واكن رشط صندوق التأمينات يف
هذا البيع ،اس تثناء ما قد توزعه “ سابك ” من أرابح أو أسهم منحة
خالل هذا الس بوع من صفقة البيع ،وهذا رشط حصيح وجائز رشعا).
ابع زيد أسهم “ سابك ” بقمية ٢٠٠رايل للسهم؛ مما أدى اإىل زايدة
عرض أسهم رشكة “ سابك ” يف سوق السهم .وهنا يأيت دور البيع
عىل املكشوف كبوليس يضبط سوق السهم من الفوىض السعرية .فاإن
اكن ارتفاع سهم “ سابك ” عائد اإىل معلومات جديدة ،تفيد بمنو
الرشكة ،وارتفاع أرابهحا أو اإىل تصحيح سعرها العادل ،فلن ينخفض
سعر سهم “ سابك ” ؛ بسبب البيع عىل املكشوف اذلي قام به زيد
وأمثاهل ،ولكنه ابملقابل س يضبط السوق من أن يرفع سعر سهم “
سابك ” فوق قميته العادةل .وأما اإن اكن ارتفاع سعر سهم “ سابك ”
بسبب مضارابت وإاشاعات ورشاء ابلهامش ،فسينخفض سعر السهم
مع دخول زيد وأمثاهل مبضارابهتم ابلبيع عىل املكشوف .اإذن فالبيع عىل
املكشوف س يعط السوق السعودية س يوةل أسهم ومعقا اكفيا؛ ملنع
تالعب املضاربني بأسعار السهم ،وذكل ابإجياد مضاربني جدد بذخرية
جديدة ،يه السهم اليت متتلكها صناديق الاستامثر الطويل الجل،
وإادخالها اإىل سوق السهم السعودية بيعا و رشاء ،دون أن تفقد
صناديق الاستامثر الطويل الجل ،موقفها مكستمثر طويل الجل .فكن
ات حمايد رة ترابط عىل احلدود ،اإذا
معليات البيع عىل املكشوف قو ر
اعتدى أحد الفريقني عىل الخر ،تدخلت بسالهحا اخلاص ،ال بسالح
أحد الفريقني؛ فأعادت التوازن .وال خيلو ذكل من جرىح وقتىل من
320
اجلهات الثالثة ،ولكن احلدود قد ُحفظت .وحفظ احلدود هو الهدف
الاسرتاتيج المسى ،واحلدود يف هذا املثال هو السوق.
وعودة اإىل زيد ،فقد اكن بيعه عىل املكشوف للف سهم من رشكة “
سابك ” ُموفقا ،واكن حتليهل بعدم وجود مربر الرتفاع أسهم “ سابك
” حصيحا؛ فعاد سعر السهم اإىل قميته العادةل ( ١٩٠رايل) بسبب
تزايد البيع عىل املكشوف؛ فقام برشاء ألف سهم من رشكة “ سابك ”
ب ١٩٠رايال؛ ليسدد ما يف ذمته لصندوق التأمينات الاجامتعية،
حمققا بذكل رحبا يقارب التسعة أالف رايل مقابل معهل البولييس،
وحتمهل اخملاطر ،بيامن رب صندوق التأمينات ألف رايل فقط لتجنبه
اخملاطرة.
والغرب أطلق وصف القرض أو الاس تعارة عىل البيع عىل املكشوف
لكون المثن واملُمثن من نفس اجلنس ،سهم بسهم مثهل ،ولكنه يف احلقيقة
أنه بيع اكمل الراكن .تنتقل امللكية فيه للمضارب ،مث يبيعها يف السوق
فتنتقل امللكية لشاري من السوق ،مث يعود املضارب ويشرتي أسهام
مثلها من السوق فتنتقل هل ملكيهتا ،مث يرجع ويسدد اجلهة اليت ابعته
السهم اول مرة ،فينقل لها ملكية السهم اليت اشرتاها من السوق.
والبيع عىل املكشوف هبذه الصورة ال غبار عليه اقتصاداي وال رشعيا.
فهو يف الرشع بيع حقيق اكمل الراكن ومس تويف الرشوط ،1ويف
1حقيقة البيع عىل املكشوف أنه بيع ابلجل متاكمل الراكن رشعاً ولغة وعقالً ونظاماً وحيقق مصاحل للسوق .فالبيع عىل املكشوف هو رشط السوق ،مينع التالعب يف
أسعارها ،والبيع عىل املكشوف يف سوق السهم ،ال رش فيه اإذا ضُ بط ابلنظام ،اكلرشطة ،أما يف سوق العمالت فهو قد يكرس العمةل اليت يشرتهيا ابملكشوف ،مما قد
يؤدي يف بعض احلاالت لهدم اقتصادها .ولكن يظل يف احلالني (سوق السهم أو العمالت) رشط السوق اذلي يضبط النظام .
ومثاهل أن يأيت اتجر أسهم اإىل التأمينات الاجامتعية ،مثال ،اليت حتتفظ ابلسهم اكستامثر طويل الجل ،فيشرتي مهنا 1000سهم لسابك مؤجل يوماً أو أكرث أو أقل،
بقمية 1010سهم سابك مثال ،أو بقمية 1000سهم سابك مع 1000رايل .
فهذا بيع أجل ال ش هبة فيه مطلقاً اإال من شذ .فالسهم ليست أمواالً ربوية ،وال تقاس علهيا .فيجوز بيعها بفضل من جنسها ونوعها أو من غري جنسها ونوعها ،كام جيوز فهيا
النسأ جبنسها .ولكون المثن من نفس جنس ونوع السلعة (أسهم سابك) ،أطلق الغرب وصف القرض أو الاس تعارة عىل البيع عىل املكشوف .فأدخل هذا ،مع الزنعة
للتحرمي ،اللبس عىل بعض من أفىت حبرمة البيع عىل املكشوف ،ظاانً أنه يكون عىل هيئة البيع املكشوف العاري ،املمنوع قانونياً يف أمرياك اإال لبعض صُ ناع السوق .
321
الاقتصاد قد ابن دوره البولييس احملمود ،اكذلي قام به زيد واذلي
اس تحق عليه الفوز بتسعة أالف رايل .فزيد ال يس تطيع الاس مترار يف
موقعه مكضارب ،اإال وهو ذو خربة ودراية بسوق السهم ،واملضارب
الناحج هو اذلي يكون صايف رحبه صفرا يف املدى الطويل .وزيد هنا
خبربته وعلمه قد رأى ارتفاعا ال مربر هل لسهم “ سابك ” ؛ فاس تجلب
أسهام مل تكن موجودة مضن عرض السوق؛ فزاد بذكل العرض حىت
اخنفض سعر السهم ،وتالشت الفقاعة السعرية .مث اكن عىل زيد اإعادة
الرشاء مرة أخرى؛ ليسدد قمية السهم اليت ابعها ،فهو بذكل قد عاد
وحسب السهم اليت خضها يف السوق؛ حففظ سعر سهم “ سابك ”
من نزوهل عن سعره العادل .فزيد يف الواقع قد ضبط توازن السوق.
وال يلتبس الفرق بني البيع عىل املكشوف العاري وبني البيع عىل
املكشوف يف التأثري عىل أسعار السهم .فالبيع عىل املكشوف يشرتي
و يبيع من أسهم موجودة ومتاحة للتداول يف سوق السهم ،بيامن البيع
عىل املكشوف العري يُدخل أسهام مل تكن متاحة للتداول ،مث يعيد
اإخراهجا من السوق .اإذن فالبيع عىل املكشوف العاري هو املشاغب
اقتصاداي ،بيامن البيع عىل املكشوف هو الضابط.
والبيع املكشوف العاري يكون يف املثال السابق ،بأن يبيع أسهم سابك قبل الظهر وهو ال ميلكها ،مث يعود ويشرتهيا بعد الظهر ،والفرق كبري هنا .فالبيع العاري قد َّزور أو
اختلق أسهامً ليست موجودة أصالً ،خبالف املكشوف اذلي اشرتى أسهامً من مستمثر اسرتاتيج ( ،فهو ال يضارب هبا) ،ومعوما حىت يف حال لو مسحت سوق املال
ابلبيع عىل املكشوف العاري ،مقرتانً بتنظاميت لصناع السوق وحنوه ،حفىت البيع العاري ليس حمرماً رشعاً ،فعامد دليل اذلين حيرمون البيع املكشوف (ظانني انه العاري)،
عامدمه حديثان اثنان :حديث «ال تبع ما ليس عندك» ،وحديث الهني عن بيع الاكلئ ابلاكلئ (ويفرسونه عىل أنه بيع ادلين ابدلين)
فأما حديث «ال تبع ما ليس عندك» ،فالسمل بيع ما ليس عند البائع ،ويف هذا قال ش يخ االإسالم ابن تميية« :ال نسمل حصة هذه املقدمة (أي عدم جواز بيع املعدوم)
فليس يف كتاب هللا ،وال س نة رسوهل ،بل وال عن أحد من الصحابة .
وأما حديث الهني عن بيع الاكلئ ابلاكلئ ،فض َّعفه علامء احلديث ومن أخرمه احملدث الش يخ بن ابز رمحه هللا .
ومث بعد ذكل ،حفىت لو افرتضنا جدالً حصة احلديثني معىن وس نداً ،فاإنه ُيرد عىل املُحرمني ،اإن أعظم ما ميكن أن يقال ابإن املكشوف العاري من البيوع ابطةل ،ال بيع ربوي.
(فقد صاروا اليوم ينس بون لك معامةل للراب) .فالعاري مع هذا الافرتاض اجلديل ،فاإنه يكون حمرماً من ابب حترمي الوسائل ،ال الغاايت ،وما ُحرم لنه وس يةل تزول حرمته
ب زوال ذريعة حترميه ،فكيف وقد صاحبه وجود مصلحة ،فسوق املال لو مسحت به ،فللمصلحة .وقال ابن عثميني -رمحه هللا -يف التفريق بني الوس يةل والغاية «ان نرده
ابلقاعدة املعروفة عند العلامء ،ويه( :أن ما حرم حترمي الوسائل جاز للحاجة)؛ لن احملرمات نوع ويضاف وعند زوال ذريعته».
322
ولعيل أس تطيع تلخيص فوائد البيع عىل املكشوف بس تة نقاط ،فهو:
أوال :يزيد من س يوةل السهم ابإدخال أسهم اكنت ساكنة عند مستمثرين
اسرتاتيجيني ،ال يضاربون هبا.
اثنيا :ومن املنافع ،اإظهار أ ِّ لي تالعب من الرشاكت يف حساابهتا .وأكرب
مثال حديث عىل ذكل ،هو سقوط رشكة اإنران عام ،٢٠٠١فهم ،أي
هؤالء املضاربون ،يش متون راحئة طبخ احلساابت مبكرا؛ فيش نون
جهوهمم عىل هذه الرشاكت الفاسدة برشاء السهم عىل املكشوف و
بيعها بكثافة؛ حىت تسقط الرشكة الفاسدة وتنكشف أمام هذه
الهجامت .وأما اإن أخطأ املضاربون حساابهتم؛ فستهنار جهامهتم أمام
الصالبة املالية لهذه الرشاكت وس يدفع املضاربون مثن هذه املراهنة .اإذن
فألية البيع عىل املكشوف تعمل كلية سوق العمالت ادلويل يف كشف
زايدة خض وطبع الوراق النقدية من قبل احلكومات.
اثلثا :ومن منافع البيع عىل املكشوف منع الفقعات السعرية.
رابعا :ومن منافعه زايدة فعالية السوق عن طريق رسعة تعديل أسعار
السهم لقميهتا العادةل.
خامسا :ومن املنافع حتريك معل الرشاكت املالية ورشاكت الوساطة.
سادسا :ومن املنافع تقدمي دخل اإضايف للمستمثر الطويل الجل؛ مما
حيفزه عىل الاحتفاظ مبوقعه مكستمثر طويل الجل ،وهو املوقف النفع
والصلح لالقتصاد العام.
وبشلك عام فالبيع عىل املكشوف أداة فعاةل خلفض السعار ال لرفعها.
وعىل لك حال فكام أن رضر الرشطة س يكون أكرب من نفعها ،اإن مل
تضبط بقوانني صارمة متنعها من التعدي ،فكذكل البيع عىل املكشوف
323
“ فالظمل من ش مي النفوس فاإن جتد //ذا عفة فلعةل ال يظمل ” .ومن
أمه ذكل منع اإغراق السوق بأسهم ُحصل علهيا عن طريق البيع عىل
املكشوف؛ مما سيسبب اهنيار سعر السهم ،فتترضر الرشكة ويترضر
كذكل املشرتي ابلهامش خاصة ،دون املستمثر الطويل الجل.
ومن أجنع الوسائل ملنع اإغراق السوق ،هو منع رشاء السهم ابلبيع عىل
املكشوف عن طريق الهامش .وكذكل وضع ترتيب لبيع السهم
املشرتاة ابملكشوف حبيث يباع العرض الول ،وإان اكن الغىل قبل
العرض الثاين ،ولو اكن سعر العرض الثاين أقل ،وهو املطبق الن يف
أمرياك .وكذكل منع البيع عىل املكشوف العاري وهو كن يبيع زيد أسهم
“ سابك ” قبل أن يشرتهيا من صندوق التأمينات ،وهو حمرم رشعا؛
لكونه بيع ابطل ويأمث صاحبه ،والبيع عىل املكشوف العاري قد منعته
أمرياك عام ٢٠٠٥م.
قام رئيس هيئة سوق املال المريكية عام ٢٠٠٨م ،ومبشورة من
رئيس الاحتياط الفدرايل ،مبنع البيع عىل املكشوف ملدة ثالثة أسابيع
حلوايل ٨٠٠رشكة مالية اكلبنوك وحنوها؛ محلاية أسعار أسهمها من
الاهنيار املتوقع من جهوم املضاربني املركز عىل الرشاكت املالية .هذا
القرار ما زالت حىت الن تُدرس أاثره اجلانبية؛ اليت جعلت من رئيس
السوق املالية المريكية يندم عليه معربا عنه بأنه أسوأ قرار اختذه
طوال فرتة رئاس ته للسوق المريكية.
لنه اإذا انترش الشغب يف املدينة ،فاإن من أكرب اخلطأ منح االإجازات
للرشطة .ولكن عندما ختتلط الس باب املبارشة ابلس باب غري
املبارشة ،يسهل التالعب مبفاهمي الناس؛ فيصبح الرشط جمرما واجملرم
324
حضية الرشط .فالبيع عىل املكشوف مل يُسبب الزمة املالية احلالية.
البيع عىل املكشوف كشف التالعب يف الرشاكت والسواق املالية.
البيع عىل املكشوف عىل الصورة اليت ذكرهتا ،بيع حصيح رشعا واقتصادا
ومس توف للرشوط ،خال من النواقض واحليل ،منفعته أكرب من
رضره ،وتتحقق به مقاصد الرشيعة.
مسأةل :صانع السوق
منر عىل أكشاك الرصافني للعمالت يف املطارات ويف الفنادق ،وال
خيطر ببال أحدان أن لك رصاف من هؤالء الصيارفة ،هو أحد ُصناع
سوق العمالت ابملفهوم احلقيق العلم لصانع السوق .فصانع السوق -
أي سوق -بشلك عام هو خشص حقيق أو اعتباري ،حيتفظ مبخزون
من بضاعة معينة ،يعرض البضاعة نفسها للبيع وللرشاء يف الوقت
نفسه ،هبامش سعر أعىل يف حاةل البيع عادة .وذلكل ُمس بصانع سوق.
فهو بعمهل هذا خيلق سوقا تتداول فهيا البضاعة .فالسوق ابئع ومشرتي
وسلعة .فهو يوفر السلعة للبيع كام يوفر الطلب علهيا ،فصنع بذكل
سوق تل السلعة .فصانع السوق هو البائع والشاري لسلعة ما يف
الوقت نفسه .فيضمن هبذا اس مترارية السوق وعدم توقفها ،النعدام
الطلب أو النعدام العرض .ومصطلح “ صانع السوق ” ليس وضعا
خاصا بسوق العمالت أو السهم ،بل هو موجود يف أغلب السواق
كسوق الس ندات ،وسوق املعادن والسلع ،وسوق املش تقات ،وغري
ذكل من السواق .ورمغ أن جوهر معلية صناعة السوق ال ختتلف من
سوق اإىل أخر ،ويه اإجياد سوق لسلعة معينة ،اإال أن تفصيالت
325
القيام مبفهوم هذا اجلوهر والامتيازات الواجب توفريها لصانع السوق،
مقابل الالزتامات اليت جيب عليه أداؤها ،ختتلف اختالفا شاسعا من
سوق اإىل سوق ،ومن بدل اإىل بدل.
وحديثنا هنا عن ُصناع السوق يف سوق السهم بشلك عام وما هلم
امر
وما علهيم .فنحن نشاهد سوق السهم السعودية -مثال -أن هناك أو َ
بيع لسهم أو أسهم ال يوجد علهيا أي طلب وابلعكس! وما ذاك اإال
لغياب ُصناع السوق .فصانع السوق ابلنس بة لسوق السهم هو
خشصية اعتبارية ،كرشكة استامثر ،تتبىن سهام معينا أو أسهام معينة،
وتلزتم أمام منظم سوق السهم بأن تشرتي أي مكية تُعرض للبيع ،من
هذا السهم أو السهم .كام تلزتم أن تبيع أي مكية من هذا السهم ملن
يطلب الرشاء بسعره اذلي حيدده السوق ،فال تتوقف حركة الرشاء
والبيع ،وال يتعطل السوق .ويتوافر بذكل امحلاية للسوق من التذبذب
الشديد لسعر السهم صعودا واخنفاضا .فصانع السوق يف أايم التداول
الطبيعية حيقق أرابحه من فارق هامش البيع والرشاء للسهم ،مثهل مثل
رصايف العمالت .وصانع السوق كذكل يُبحر عكس التيار يف حاالت
هيجان السوق يف طفراته ويف اهنياراته ،فقد يرب عرشات املاليني يف
اليوم البيض يف وقت صعود السوق ،وقد خيرسها ُمضاعفة يف اليوم
السود.
ذلا فصانع السوق املُعني رمسيا من اجلهة املنظمة للسوق ال بد أن يُعطى
امتيازات تشجيعية؛ لضامن رحبيته ،كام جيب أن حيصل عىل امتيازات
تسمح هل ابس تخدام أدوات حمظورة عىل الغري من أجل اإعانته عىل
326
أداء الزتامه بتوفري السوق للسهم اخملصص هل ،عن طريق احملافظة عىل
دميومة البيع والرشاء ذلكل السهم.
مفثال فف أشهر بورصة يف العامل ،بورصة نيويورك للسهمُ ،خيصص
السهم حكرا عىل رشكة واحدة .ويُسمى صانع السوق “ املتخصص ” ،
فهو متخصص بذكل السهم .وال يعين هذا أنه هو اجلهة الوحيدة اليت
متل بيع ورشاء ذكل السهم ،فهناك عدة هجات ميكن أن تشرتي وتبيع
ذكل السهم -اكلوسطاء الفعليني أو عرب االإنرتنت ،-ولكن الاحتاكرية
هنا بأال يُعطى هذا املنصب “ املتخصص ” يف بورصة نيويورك
للسهم اإال لرشكة واحدة .وقد يقول عاقل :اإذن فهذا الاحتاكر ال
فائدة هل .وهذا اإيراد حصيح اإال اإذا علمنا أن املتخصص هل امتياز ال
يكون لغريه .وهو حق الاطالع عىل مجيع املعلومات املتعلقة بعروض
الرشاء والبيع ذلكل السهم .فيس تطيع أن “ يفرق السوم ” بسنتات
وحيصل عىل الصفقة .وليك أوحض املسأةل ،فلنش به من يعرض السهم
عىل السوق سواء ابلبيع أو الرشاء وكنه مناقصة تُعرض عىل اإدارة
سوق نيويورك وعىل الرشاكت وعىل املتخصص .ولكن املتخصص -
أي صانع السوق -هو وحده من يعرف السعار املقدمة من اجلهات
الخرى ،فــ ” يفرق السوم ” ويبيع أو يشرتي السهم .فهبذه الطريقة
يس تطيع املتخصص أن حيقق هامش الرب بني البيع والرشاء،
ويس تطيع السوق أن حيدد سعر السهم يف حاالت السوق الطبيعية.
ومن الامتيازات أنه يف احلاالت اليت يقف فهيا املتخصص وحيدا
عكس التيار ،أي حاالت الاهنيارات والطفرات لسهمه -حيث جيب
327
عىل صانع السوق احملافظة عىل اس مترارية البيع والرشاء -فميكنه حيهنا
ويف حاالت خاصة مقننة ،طلب توقيف السهم عن التداول.
وأما يف سوق النازداك المريكية احلديثة – ويه سوق افرتاضية ،أي
ليس هناك موقع معني يلتق فيه البائع واملشرتي خارج الش بكة الرمق .
فهي -أي النازداك -ال ُختصص السهم عىل رشكة واحدة ،بل عىل
مجموعة من الرشاكت املتنافسة .وتلزهمم ابحملافظة عىل دميومة عروض
الرشاء والبيع عىل شاشاهتم .ومبا أن السهم ليس حكرا عىل هجة
واحدة ،فامتياز الانفراد ابحلصول عىل معلومات العرض والطلب،
اذلي يمتتع به صانعو سوق نيويورك للسهم ،ليس ذا جدوى تنافس ية
كبرية يف سوق انزداك .وذلا؛ فاإدارة سوق انزداك المريكية تقدم
ُلصناع سوقها امتيازا خاصا ابس تخدام أداة غري قانونية ،أال ويه البيع
عىل املكشوف العاري .واملكشوف العاري -كام قلنا سابقا -هو أن يبيع
.فصناع سوق املضارب أسهام ال وجود لها ،وهو معل غري قانوين ُ 1
انزداك يس تطيعون هبذا الامتياز أن حيافظوا عىل اس مترارية البيع
والرشاء يف حاةل نفاد خمزوانهتم من السهم اخملصصة هلم ،واذلي مه
ملزتمون أمام النازداك ،بتوفري سوق البيع والرشاء لها .فتجدمه يف
حاالت صعود السوق القوية يبيعون السهم ،ومه ال ميلكوهنا (أي مل
يقرتضوها كام يف البيع عىل املكشوف العادي) ،أي يبيعون أسهام ال
وجود لها أصال؛ فيخففون بذكل من حدة صعود السوق ،مث يعودون
فيشرتوهنا بعد بيعها يف فرتة الحقة .فهم بذكل خضوا أسهام ال وجود لها
، 1وأما البيع عىل املكشوف العادي فهو أن يمتل املضارب السهم عن طريق رشاهئا ابلجل ويكون المثن هو السهم نفسها مع زايدة مالية ويسمونه هناك “ اقرتاض
السهم ” ؛ لنه استبدال يشء مبثهل
328
مث عادوا فسحبوها ،وقد رحبوا فرق السعر يف هذه املوجة الصاعدة ،أو
الهابطة .فصناع السوق ابس تخداهمم املكشوف العاري ،يرحبون كثريا،
اإذا اس تطاعو أن يكبحوا جامح صعود السوق .وأما اإن تعدامه السوق
اإىل مس توايت أعىل ،فس يخرسون خسارة عظمية أحياان بسبب حمتية
رشاء السهم واليت ابعوها -ومه ال ميلكوهنا -بأسعار أغىل ،من أجل
حسهبا من السوق.
وأما يف سوق السهم يف لندن ،فصانعو السوق يمتتعون بأن عرض
السهم بيعا ورشاء يكون حكرا عىل شاشاهتم؛ مما يدفع غالب
املستمثرين العاديني -واذلين ليس هلم اتصاالت داخلية -عىل الرشاء
من صناع السوق دون غريمه.
ابب :حتليل السهم
التنبؤ ابملس تقبل القريب يكون بناء عىل املعطيات املتوافرة اليوم ،مع
اعتبار معطيات المس واس تصحاب ردة الفعال عىل الصدمات الغري
متوقعة اليت تعرض لها السهم أو الس ند أو السلعة وحنو ذكل .وهذه
لكها معلومات متوفرة وخربات ليس فهيا ندرة .فال جمال اإذا لتفرد حملل
أو صندوق يف الاس مترار بتحقيق ماكسب يف املضارابت القصرية
الجل ،اإال أن يكون دليه معلومات رسية من داخل السوق أو
الصناعة أو الس ياسة أو الرشكة ،وهذا فعل غري قانوين ويؤدي
للسجن.
وهناك ما ي ُسمى ابلتحليل الفين ،للسهم او الس ند او العمةل او السلعة.
فالتحليل الفين هو قراءة لسلوك لورقة مالية يف املايض .ومث رمس هذا
329
السلوك بيانيا .ومث يضعون لها مسميات من ويح تصوراهتم .اكلشموع
الياابنية والصينة وحنو ذكل من غرائب املسميات .وهذا حتليل ابطل
ال خيرج عن رضب الكهان ،ذكل لن معلومات املايض قسمني :قسم
متوقع وهو اذلي يعرفه لك فرد متخصص يف هذه الصناعة ،مكعلومات
الرابح واللكفة وحنوها ،وتسل عادة سلواك طبيعيا .والقسم الثاين هو
ردة فعل السوق للصدمات الغري املتوقعة ،اخلاصة بتل الورقة املالية
أو الصدمات العامة للسوق لكه أو لصناعة منه .ومعلومات هذا القسم
عشوائية ،حتدث بال ختطيط وال توقعات ،وليس لها منط ما .لو
وضعهتا يف رمس بياين لرأيت اخلط يتخبط مينة مرة ويرسة مرة أخرى
وأحياان يفاجئك ابدلوران حول نفسه ،ليعكس اجتاهه ١٨٠درجة.
فالتحليل الفين يعمتد عىل اترخي هذا التخبط والعشوائية يف سلوك
الورقة املالية ،ليسحبه عىل سلوكها يف املس تقبل ،وهذا رضب يف
النجوم ال حصة هل ،وال ينضبط الا عشوائيا كذكل .والسؤا من ذكل
واعظم ختبطا ،هو اعامتد مناذج اس تخرجت من اسو اق أخرى السهم
وأوراق مالية أخرى ،ومن مث تطبق عىل سهم أو رقة حملية يف سوق
حميل ،ال تتفق مع المنوذج حىت يف الصناعة فضال عن اختالف ثقافات
السواق .والعشوائية مىت حتققت فال تزيد وال تنقص ،الن زايدهتا
عشوائية أخرى ،فيطرح بعضها بعضا .ذلا ال يرى احمللل عشوائية
خارجة عن املألوف عندما يطبق منوذجا ايابنيا عىل سهم بنيك يف سوق
سعودية.
330
وقفة :جتارة القرود!
جريدة وول سرتيت ،أحد أعرق اجلرائد الاقتصادية يف العامل ،اعتادت
لك شهر أن تقوم مبنافسة بني أشهر حمليل السهم يف الوالايت
المريكية وبني ريم السهم عشوائيا يف لعبة النبةل ،ويه نوع من
اللعاب اليت تس تخدم (أعاذان هللا وإاايمك) يف صاالت القامر ،تش به يف
الغرض مهنا وطريقة معلها ابلزالم اليت اكنت تس تقسم هبا العرب عند
التحامك أو عند الاس تخارة يف أمر من المور .ويه ،أي الزالم ،عبارة
عن قداح ثالثة عىل أحدها مكتوب اإفعل ،وعىل الخر ال تفعل
والثالث ليس عليه يشء ،فاإذا أدارها الاكهن أو املس تقسم فطلع سهم
المر فعهل ،أو الهني تركه ،وإان طلع الفارغ أعاد.
جريدة وول سرتيت تقوم س نواي بعمل نفس الفكرة ولكن بريم أسامء
السهم يف لعبة النبةل .والغرض من هذه املنافسة هو معرفة قدرة حمليل
السهم يف التنبؤ بأفضل السهم أدا ًء يف الثالثة أشهر املقبةل ،ويه
السهم اليت يويص هؤالء احملللون زابئهنم برشاهئا .فهل أثبت احملللون
أهنم أجدى نفعا من القامر؟ ،وهل برهنوا بأهنم يس تحقون الموال
واملاكنة اليت أعطاها الناس هلم ابإمتاهنم عىل أمواهلم؟ يف لك س نة
تكون حصيةل النتاجئ بأن يغلب حمللو السهم اترة ،وتغلب لعبة القامر
اترة أخرى.
والرساةل اليت تريد اجلريدة اإيصالها لعامة الناس بأنه ال فرق بني
استئجار أو توظيف مستمثرا ماليا للمضاربة يف سوق السهم أو أن
يقوم االإنسان نفسه بريم السهم يف لعبة النبةل أو غريها ،مث يشرتي ما
331
ختتاره اللعبة ابلصدفة .وبعبارة أخرى ،تريد اجلريدة اإيصال رساةل ،ويه
أن جناح ما يتنبأ به حمللو السهم من التوصية برشاء هذا السهم أو
ذاك من أجل الرب يف املدى القصري هو رضب من املصادفة فيدخلون
بذكل حتت املقوةل الشائعة “ كذب املنجمون ولو صدقوا ”
“ وقائع سان فرانسيسكو ” جريدة أمريكية ذو شهرة واسعة خاصة
يف الساحل الغريب المرييك ،فضاقت ذرعا هبرقطات حمليل السهم
وإاميان الناس هبم .فابتكرت وس يةل ذو مغزى قوي لعلها تنجح يف تنبيه
الناس وكشف حقيقة قمية ما يكتبه ويتحدث به حمللو السهم يف
وسائل االإعالم وغريها .ختريت اجلريدة أشهر مثاين حمليل أسهم يف سان
فرانسيسكو وطلبت مهنم توصيهتم لفضل السهم للفرتة املقبةل .مث
قامت اجملةل بزايرة اإىل حديقة احليوان يف فاليجو يف اكلفورينا وجلبت
معها صندوق به أسامء السهم اليت تتداول يف السوق املالية ،والتقت
هناك ابلغوريال جولياان ودعهتا اإىل اختيار أفضل السهم اليت تراها
جولياان (الغوريال) مناس بة للرشاء يف الفرتة املقبةل .واكنت النتيجة فوز
الغوريال جولياان ،حيث حققت السهم اليت اختارهتا أسعارا عالية بيامن
اخنفضت أسعار السهم اليت وىص هبا احملللون الامثنية .أعادت اجلريدة
التجربة مرارا وتكرارا واكنت النتاجئ دامئا موافقة لتجارب وول سرتيت.
أي أن الغوريال اكنت تغلب حينا ويغلب احملللون حينا أخرى.
وهذا ما دفع جمةل فوربز الشهرية بتسمية هذه املهنة ،همنة حتليل
السهم ،ب “ جتارة القرود“1
332
فهل ارتدع الناس يف أمرياك عن السامع حملليل السهم والانقياد هلم؟ ال
ولن يتوقف الناس عن االإميان هبم حىت هتُ جر صاالت القامر يف الس
فيقاس وحىت هيجر الناس الرشك والتعلق ابلكهانة ودعاء الموات من
دون هللا .فالنفس البرشية ُجبلت عىل حب معرفة الغيب والاعتقاد
بأن هناك خاصة يقدرون عىل ما ال يقدر عليه غريمه فيتعلقون هبم
ويسلمون هلم تس يري أمورمه وينقادون هلم كقطيع من امحلالن يقاد اإىل
حتفه .فاإذا وقعت املصيبة متيل النفس البرشية اإىل حتميل أس باهبا عىل
الغري ،اإما عىل الرشار اجملهولني ،أو عىل احلظ أو عىل العني احلاسدة.
وأسواق السهم العربية كغريها من أسواق السهم العاملية ،مرت وس متر
هبا أحوال وظروف مماثةل لسواق السهم العاملية ،الراب املضمون فهيا،
مه حمللو السهم والوسطاء.
ذكل لنه عندما ينشط السوق ويزدهر ،س يدع كثري من الناس بأهنم
أذىك من غريمه ،مث يصدقون انفسهم ،فميتلئون ثقة بدهاءمه ،فينس بون
الرابح اليت حصلوا علهيا أو تسببوا هبا لغريمه اإىل فطنهتم وذاكهئم.
ولكن اذلي غفلوا عنه ،أن غالب من يدخل السوق وقت ازدهاره
س يكون من الراحبني .فف طفرات السوق ،يعيش اههل فرتة زمنية
يتوافر فهيا الذكياء والفطناء .حىت اإذا ما زالت السكرة وحرضت
الصحوة أُلق ابلالمئة عىل أرشار السوق ،وما مث من أرشار اإال مه.
فغالب من يف السوق يريد أن يورط الخر يف أسهم مرتفعة السعر،
وهذا هو مفهوم املضاربة بسوق السهم .فمل خنصص الرش عىل
الراحبني ،ومه قةل قليةل دون اخلارسين ومه الكرثية رمغ أن النية اكنت
واحدة.
333
والعجيب أنك ترى أن نفس حمليل السهم اذلين ملئوا الفضائيات
والصحف جلجةل وقعقعة يف طفرة السوق ،ما زالوا بعد اهنياره ميارسون
نفس املهنة ،بل أن بعضهم قد تطور فأصبح خبريا ومستشارا
اقتصاداي ،فهل هذا اي ترى يعط مصداقية لنظرية داروين؟.
ملحق :يف امللكية وادلين
الباب الول :حقيقة احتاكر املُالك ودالالهتا
تتجاوز قمية الس ندات املتداوةل يوميا يف السوق المريكية وحدها،
مبلغ اللف مليار -أي تريليون .-وذكل مقابل ١٥٠مليار قمية تداول
السهم .وتبلغ قمية االإصدارات اجلديدة س نواي يف السوق المريكية من
الس ندات ،ما يقارب س بعة تريليوانت دوالر .وذكل مقابل اإصدارات
أسهم جديدة بقمية ٣٠٠مليار فقط .وقد قاربت قمية الس ندات يف
السوق المريكية مبلغ ٤٠تريليون دوالر ،أي ما يساوي نصف قمية
االإنتاج العامل مجيعا.
وأما املش تقات ،فبلغت قميهتا عامليا ٦٠٠ترليون ٪٦٠ ،مهنا ،عقود
الفائدة أي عقود ديون.
فلامذا يغلب زعيق السهم وجلجةل يف العامل لكه عىل السواق ،رمغ أن
السهم تشلك نس بة ضئيةل من متويل الرشاكت؟ (مفثال السهم تشلك
٪٥من متويالت الرشاكت يف الياابن ،و ٪ ١١يف أمرياك).
السبب هو أن الرب الالحمدود للملكية ،هو من جيعل للسهم غلبة
الصوت والاهامتم .والرب الالحمدود للملكية كذكل ،هو اذلي جعلها
نس بة صغرية من جحم أسواق املال .فصاحب املرشوع الناحج أو
334
الرشكة الناحجة ،مىت تبني جناهحا وظهر ،ال يريد مشاركة الغري يف
فرصة رحبه الالحمدودة .وهذه حقيقة اإنسانية يف تعاملها مع السوق.
ولهذا؛ اكنت هذه احلقيقة ،من أس باب وضع القوانني التفضيلية
للرشاكت العامة .وذكل الإجبار ُمالك الرشاكت عىل إارشاك الناس معهم
يف جناحاهتم عن طريق الطرح العام .ولهذه احلقيقية أيضا ،ال تطرح
الرشاكت من ملكياهتا ،اإال أقل احلد املطلوب ،اذلي به تتحصل عىل
مزااي هذه القوانني التفضيلية.
فالمتويالت سواء عن طريق الس ندات أوعن طريق البنوك ،يه
وس يةل املُالك ملنع املدخرين ،أحصاب الرثوات النقدية ،من مشاركهتم
يف رحبهم الالحمدود للملكية .فاملُالك يُرشكون أحصاب الرثوات النقدية
يف رب قليل حمدود ال يتعدى الفائدة احلقيقة وليست االإمسية ،مقابل
خماطرة ال حمدودة ،قد تأيت عىل متويلهم لكه فتستنفذه مجيعه( ،اللهم أن
اخلسارة ال تَطاهلم حىت تستنفد املُالك .وهذا عدل ،فاالإفالس انجت عن
املُالك ال عن املمولني.)1
فغلبة جحم ادليون عىل جحم امللكية هو سبب طبيع س نة من سنن
هللا .فالناحج ال يريد أن يشاركه الغري فرص جناحه .ولهذا السبب
الطبيع ،ال يصدق عاقل أن مرشوعا انحجا سريىض مالكه أن يشاركه
الخرون فيه ،همام قيل من شائعات عن جناح البعض يف الاس تحواذ
عىل رشاكت ومشاريع انحجة اضطرت لبيع نفسها .وخاصة ،اإذا اكن
الاس تحواذ لرشاكت أجنبية .فلنفس السبب الفطري الطبيع يف حب
1فالضامن مقابل الرب كام قال عليه السالم “ اخلراج ابلضامن ” .
335
اس تئثار الرب الالحمدود ،فال ادلول وال التجار احملليون س يرتكون
أجنبيا يشرتي رشكة أو مصنعا راحبا وانحجا يف بالدمه ،فضال عىل أن
رشاء رشاكت أجنبية ،وحمال جتارية ،ومصانع يف دول أخرى ،فيه
عوائق جوهرية ،جبانب العوائق الس ياس ية والس يادية.
واحلاالت اليت ميكن أن يشارك املاكل غريه يف فرصة رحبه الالحمدود؛
فيبيعه حصة من ملكه ،هو كن يكون الرشيك اجلديد قادر فنيا
وإاداراي أو س ياس يا عىل تطوير الرشكة ،أو عىل اإنقاذ مرشوعه الناحج
املتعرث اإداراي ،أو الاس تفادة من أمالكه أو معالئه أجنبيا اكن أو حمليا،
أو لقصد التوسع الاسرتاتيج ،أو كن يكون الكهام ،انحجا وقواي أو
ممكال لغريه .وأما جمرد بيع املاكل استامثره الناحج من أجل املال فقط،
فهذا ال وجود هل اإال يف عامل الاحتيال واالإس تغفال ،ال يف عامل الاستامثر
والعامل؛ لن الناحج يلجأ يف حاجته المتويلية لسواق ادليون الضخمة،
اليت تس تقبهل هاشة ابشة.
ويكف أنه لو اكن رشاء الاستامثرات الناحجة دون مزية تنافس ية عند
الرشيك اجلديد ،أمرا ممكنا؛ ملا تفوقت سوق الس ندات وادليون عىل
سوق السهم بعرشات املرات.
الباب الثاين :حد امللكية الفاصل
احلد الفاصل اذل ي يفرق امللكية عن ادلين والاجارة ،هو املشاركة يف
ِّمل الصل منوا ونقيضه .وأما املشاركة فامي ينتج عن الصل ،من
أرابح وخسائر ،فليس مبلكية اإمنا هو نوع من اجارة او عارية او هبة،
عىل حسب ما تعاقدوا عليه.
336
واملسامهة التجارية التعاوضية، 1ال خترج عن ثالثة أنواع :ماكل ،وممول
ومدير .واحلد الفارق بني ا ِّملل وبني غريه ،هو املشاركة يف ِّمل
الصل ،ال املشاركة فامي ينتج عن الصل ،من أرابح وخسائر .فالرب
واخلسارة قد يدخل فيه املمول واملدير ،وال يعد هذا ملكية .وهذا
املفهوم للملكية ،قد تعارفت عليه االإنسانية ابلفطرة .حىت أننا نرى أرض
السواد مثال ،تؤجر لليوم اإجارة ال تُمل ،وهكذا كثري من املشاريع
والعقارات يف أحناء ش ىت من العامل .فامللكية تنرصف حلق متل الزايدة
والنقص يف الصل .مفثال لو افرتضنا أن صاحب رشكة أو ماكل
مزرعة ،سمل ِّملكه ملن يديره وميوهل مقابل مجيع الناجت ،اذلي ينتج عن
الرشكة أو املزرعة سواء ِّرحبه أو خسارته ،فال يُعد املدير املمول مالاك
للرشكة أو املزرعة .فاملاكل هو ماكل الصل .فهل منو الصل ،كام أن
عليه نقصان الصل .وحىت ولو اكن املاكل ال يقدر الترصف يف ملكه
ببيع ورشاء يؤثر عىل املس تفيد من النتاج؛ نظرا الرتباطه بعقد اإجياره
مثال ،اإال أنه ال يزال هو املاكل للصل ،كرض السواد .فمنو قمية
الصل أو نقصانه يرجع للامكل ولو بعد حني .وهذا هو جوهر امللكية
اليت تعارفت عليه االإنسانية.
تطبيق :السهم املمتازة
السهم املمتازة ليست اإال س ندات دين وال ختتلف عهنا جوهراي ،اإال
يف أمر رئييس واحد ،وهو :حق املطالبة ابلوفاء ابدلين عند التعرث أو
العجز عن السداد ،ولو ابالس تحواذ عىل الرشكة وتصفيهتا .مفالك
337
الس ندات وأحصاب ادليون هلم احلق يف طلب احلجز عىل ممتلاكت
الرشكة وتصفيهتا ،عند جعز الرشكة عن الوفاء مبس تحقات ادلين .وأما
ُمالك السهم املمتازة فليس هلم احلق يف ذكل ،رمغ أهنم يف الواقع َداينة
(أي مقرضون ال ُمالك) .حفمةل السهم املمتازة ليس هلم أي حق يف
أصل الرشكة ،لكن يف أرابهحا ،عىل حسب نوع السهم املمتازة
املُصدرة.
ومفهوم امللكية وإان تالىق مع السهم املمتازة يف أحد خواصها ويه
خاصية عدم وجود احلق يف طلب احلجز عىل ممتلاكت الرشكة
وتصفيهتا عند تعرثها يف السداد ،اإال أهنا هذه صفة غالبة من صفات
ا ِّمللكية ،ال جوهر ا ِّمللكية .جفوهر امللكية متعلق ابلصل مناء ونقيضه.
أي ان تمنو بمنو الصل وتنقص بنقصانه .كام أهنا صفة غري الزمة ،فقد
تزول يف حاالت كثرية ،اكختالف الرشاكء.
وتسمية الداة المتويلية اليت حتمل اليوم ُمسمى “ السهم املمتازة ” بـــ
“ السهم ” ،وتصنيفها مضن امللكية ،هو يف الواقع حتريف ملعىن
امللكية ،وتشويش عىل الفهام .وهو -يف اعتقادي -أمر غريب واندر
عن لغة القانون المرييك ابذلات يف دقة اختياره لللفاظ ودالالهتا .وقد
وجدت يف طيات النت ،ما يؤكد اس تغرايب .فالسهم املمتازة دخلت
عىل أمرياك قبل قرنني من الزمان مع والدة الترشيعات للدوات املالية
قبل احلرب الهلية المريكية ،ومع احلاجة الإصالح مرييالند يف قصة
طويةل ليس حملها هنا ،مث اس متر العمل هبا منذ ذكل الوقت .وإاىل
اليوم ،خيلط املستمثرون هناك يف فهم حقيقة السهم املمتازة بسبب
تسميهتا بغري امسها .أي مثل حالنا اليوم مع ما يسمى ابلصريفة “
338
االإسالمية ” والصكوك .فنحن نعيد اليوم نفس ما أخطأت به المم
قبل قرنني من الزمان ،ولكن حنن خنطئ عىل مقياس أكرب وأمشل!
وأعتقد أن سلب حق املقرض يف تصفية الرشكة والاستيالء عىل
ممتلاكهتا عند التعرث يف السداد بقوة القانون ،هو اذلي دفع املرشع
المرييك -أنذاك -لتسمية هذا ادلين /القرض ابمس ال يدل عىل ادلين
بل عىل امللكية .وأنذاك ،مل يكن قانون احلصانة عند التعرث قد صدر
بعد ،فاعتقد أن السهم املمتازةُ ،طرحت بنفس منطق قانون امحلاية
من املقرضني .فبدال من أن تُسمى “ س ندات ” ،أُمسيت “ أسهام
ممتازة ” .
ويه تصنف يف املطلوابت عىل الرشكة ،ولكن مضن رأس املال (أي
مضن حقوق املُالك) .وذلا؛ فالسهم املمتازة رمغ أهنا ديون ،اإال أنه
حق الاس تحواذ عىل الرشكة عند تعرثها عن السداد. ليس لحصاهبا ُّ
وقد يكون هناك أس باب أخرى ُمحاسبية دفعت املرشعني -أنذاك-
لهذا .اإال أنه همام قد يطرح من أس باب ،فتسمية الش ياء بغري امسها،
أمر ال يقدم عليه حصيف وال صاحب نظر بعيد ،وتظل عورة يف
الترشيع.
والسهم املمتازة أنواع كثرية مطابقة لنواع الس ندات .فكام أن
الس ندات أنواعا كثرية ،مفهنا الس ندات املعروفة اليت حتمل وقتا حمددا
لسداد أصل ادلين مع فائدة معلومة ،أو الس ندات القابةل للتحويل
لسهم عامة ،أو حق رشاء أسهم عامة بسعر حمدد مس بقا .أو س ندات
ليس لها وقت حمدد لسداد الصل ،أو س ندات قابةل لالس تدعاء ،أو
س ندات لها حق املشاركة يف الرابح بنس بة معينة ،فكذكل يه
339
السهم املمتازة ،أنواعها كنواع الس ندات ابلضبط .اإال أن حق االإدارة،
ليس ملالكها غالبا.
وذلا فالسعر السويق للسهم املمتازة ال يتذبذب كثريا اكلسعار
السوقية للسهم العامة .فالسعار السوقية للسهم املمتازة تتبع سوق
ادليون ،وتتأثر ابلعوامل اليت تؤثر عىل سداد الرشكة اكلعوامل اليت
تتأثر هبا الس ندات.
ويرد سؤال ههنا ،وهو :ملاذا تصدر الرشاكت أسهام ممتازة؟ وملاذا يُقبل
البعض عىل رشاء هذه لسهم؟
فأما الرشاكت فتصدر السهم املمتازة يف حاةل خوفها من تعرث تدفق
الاكش املس تقبيل ،مع حاجهتا النية للمتويل .فهي تصدر السهم املمتازة
اليت عادة ما تكون مدهتا ُخسة س نوات؛ فتحصل بذكل عىل المتويل
مع ضامن عدم تعرضها ل إالفالس ،يف حاةل تعرثها يف سداد هذا
المتويل .ومث لو جنحت الرشكة ،وتضاعفت قميهتا ألف مرة (أي
تضاعفت قمية الصل) ،فاإن محةل السهم املمتازة ،والس ندات “ وما
ي ُسمى ابلصكوك ” ال يس تفيدون شيئا وال ترتفع قمية أسهمهم.
وأما اذلي يدفع البعض لرشاء السهم املمتازة ،فهو اإما لعدم اإدراكه
ملعانهيا (وهذا حيدث حىت يف أمرياك ومن خمتصني أحياان) ،وإاما مدفوعا
ابرتفاع الفائدة علهيا عن مس توى الفوائد العام ،ومه ال يسمون أرابهحا
فوائد ،بل توزيعات أرابح .كام حنن نسم الفائدة اإجارة.
والزبدة؛ أنه اإذا ُمسيت الش ياء بغري مسمياهتاَ ،ص ُعب فهمها حىت عىل
اخملتصني ،وال تُسمى الش ياء بغري مسمياهتا اإال الإخفاء حقيقهتا؛ من
أجل الالتفاف عىل مانع ديين أو قانوين أو اجامتع .
340
الباب الثالث :االإفالس يف العرص احلديث
الفقر واالإفالس لكمتان ختتلط مفاهميهام وابلتايل دالالهتام عىل كثري من
الناس .الفقر واالإفالس ال يلزم من أحدهام الخر وليس أحدهام
مبس تلزم للخر فاملفلس قد ال يكون فقريا والفقري قد ال يكون مفلسا.
وقد يش هتر بني الناس ما يغلب حدوثه فيعمم مفهوم الغالب عىل اللك
بدال من اجلزء فتصبح اللكمتان بدال ومبدل منه ،أو قد تصنف حتت
اعتبار أهنام لكمتان اإذا اجمتعتا تفرقتا وإاذا تفرقتا اجمتعتا اكلفقري
واملسكني واملسلمني واملؤمنني وكذكل هو حال لكمة الفقري ولكمة
املفلس .والحص معوما أن يقال اإن النص واملناس بة واحمليط اذلي
وردت اللكمة مضنه هو اذلي يعط املقصود احلقيق ملفهوم اللكمة
واملراد من داللهتا اذلي تبىن عليه النتاجئ والحاكم.
ومعوما ،فالفقري هو من يعجز عن توفري احتياجاته الرضورية بيامن
املفلس هو من يعجز عن سداد مس تحقاته املس تحقة عليه ،فعدم
الاس تطاعة ابلوفاء مبس تحقات ادلين ،سواء فوائده أو أصهل ،هو
اإعالن الإفالس ادلوةل أو املنظمة أو الرشكة أو الفرد .أما العجز عن
رشاء الرضورايت اإما لضعف الاقتصاد أو لتفيش الفساد االإداري فهو
ما يطلق عليه مبصطلح ادلول الفقرية ،والشخص الفقري.
والتعرث هو عدم سداد مس تحقات الغري يف وقهتا وأما االإفالس فهو
العجز عن سداد مس تحقات الغري بال أجل ُمسمى .واالإفالس يف
العرص احلديث ليس رشا لكه ،بل قد يكون هو احلل ،وقد يكون
االإفالس يف أصل خطة الاستامثرات منذ البداية.
341
املبحث الول :االإفالس يف العرص احلديث مشلكة ادلائن ال املدين
فاالإفالس اليوم ليس مشلكة املُفلس/املدين ،بل يه مشلكة ادلائن.
ومن املالحظ أن ادلول املتخلفة ذات النظمة ادلكتاتورية املعمرة (ال
املتغرية) ،يه القل اإفالسا بني دول العامل .وعىل رأس هذه ادلول اليت
يندر فهيا االإفالس أو اليت مل تفلس قط ،يه ادلول العربية وادلول
الاشرتاكية سابقا! فهل حييك هذا حمكة س ياساهتم الاقتصادية أم خيبة
فهوهمم؟
ادلائن (املُقرض) املدين (املسقرتض) ،وبني
فهناك فرقا بني أن يرهتن ُ
املدين ادلائن .فف ادراك هذا الفرق ،يتبني ِّل َم تفلس ادلول
أن يرهتن ُ
املتطورة أو الناش ئة اليت يف طور التطور ،بيامن ال تفلس دول العرب
وادلول الاشرتاكية واملتخلفة؟
ادلول املتطورة والناش ئة وأش باه ادلول من رشاكت خضمة ومقاطعات
كديب ،أغرقوا أنفسهم ابدليون .1ولكهنا ديون استامثرية تأيت ُألكها ،ولو
بعد حني .فاملغامرة بأموال الخرين يف استامثرات انحجة ،ترىق هبم،
والصرب املؤقت عىل أمل الهتمك ابالإفالس من العاجزين والكساىل ،خري
من الانضامم الهيم ،او دخول بوابة الفقر والتخلف ادلامئ .ولكام عظم
الاستامثر تأخر حصاده .ذلا؛ فعادة ما تتعرض ادلول والرشاكت
الضخمة املمتوةل ،ملعاجةل غدر الزمن هلم قبل قطف الامثر؛ فتنكشف
مالءهتم املالية .ولكن ال حيدث هذا اإال بعد أن تكون البنية التحتية من
1ويف حبث علم صدر يف مارس 2008م جملموعة من علامء الاقتصاد ،برئاسة أس تاذ الاقتصاد جبامعة هارفرد د .روجرف ،جاء رسد لعدد مر ِّ
ات االإفالس لدلول منذ
اترخي اس تقاللها ،فاكن عىل رأسها :فرنسا وأملانيا بواقع مثان مرات للك مهنام ،و أس بانيا ثالثة عرش اإفالسا ،واليوانن ُخس مرات ،والرجنتني أفلست س بع مرات،
والربازيل وتشيل تسع مرات ،وأما روس يا فمل تسجل اإفالسا اإال بعد حتررها من الش يوعية يف مرتني ،عايم1991 :م و 1998م .
وخلص البحث اإىل أن “ مسلسل ا إالفالس هو ظاهرة عاملية للبدلان الناش ئة ،ويه تناضل يف طريقها اإىل العامل املتطور ” .
342
العقل البرشي واملنشأت قد اس تقرت ،فال تبايل ادلول أو الرشاكت
بعد ذكل ابالإفالس.
فاالإفالس اليوم ليس مشلكة املُفلس ،بل يه مشلكة ادلائن ،مفا عاد
اليوم من خوف ،أن تدك املُفلس مدافع صاحب ادلين .فادلائن ال
يس تطيع احتالل ادلول الجنبية ،يف العرص احلديث .مفا عليه اإال قبول
اإعادة جدوةل ادليون أو ال يشء هل .وأما ادلوةل املفلسة فال هيمها بعد
ذكل ،أن ميتنع الناس عن اإقراضها ،فقد بنت لنفسها اقتصادا استامثراي،
مىت ما بدأ يعط مثاره ،عاد الناس ونسوا اإفالسها وأقرضوها من
جديد .وأحدث احلاالت يه ديب (عادوا الإقراضها “ ابلصكوك ”
بفائدة منخفضة %4ورشاكهتا ما تزال مفلسة) .وكذكل الرجنتني
والربازيل وغريمه .فادلاينة يريدون استامثر أمواهل ،مفىت عادت احلياة
الاقتصادية يف ادلوةل أو الرشكة املفلسة ،عاد ادلائنون يتسابقون عىل
اإقراضها ،وهذا ما وصفه عنوان البحث املشار اليه يف الهامش سابقا
بأن “ :لك مرة يُقال هذه املرة غري(أو خمتلفة) ” .
وأما ادلول العربية ،وادلول اليت حتمكها أنظمة فاسدة ديكتاتورية،
واذلين أغرقوا بالدمه بديون أضاعوها يف مغامرات عنرتية أو حروب
بسوس ية او سهرات أسطورية ،فهم ال يس تطيعون االإفالس؛ لن
افالسهم يعين أهنم لن يس تطيعوا الاقرتاض مرة أخرى (فهم مل
يس متروا ادليون)؛ ومن مث ستنكشف مالءهتم املالية ،فيعجزون عن
اإطعام شعوهبم اخلزب؛ فتضيع ممالكهم .وذلا فهم يس مترون يف الاقرتاض
حىت يرهتنوا أنفسهم وشعوهبم عند دائينهيم.
343
ودول النفط قد أنقذها هللا ابلبرتول ،وإان اكنت تعيش نفس جوهر
مشلكة ادلول املتخلفة اليت ارهتنهتا ادليون ،ولكن بسيناريو خمتلف لن
ادلائن خمتلف ،فادلائن هو النفط .فاالإنفاق عىل املشاريع فهيا ليس هل
معامل تضاعف ،وال قمية اقتصادية تمنوية .فالتمنية من المنو ،والمنو يعين
احلياة والتطور ،وهذا ال يتحقق اإال ان يكون الاستامثر حيقق منوا
وتطورا يف العقول الوطنية .والعقول العربية ال تنتفع ابملشاريع
الاقتصادية يف بالدها غالبا؛ لن من يقوم بتل املشاريع ،رشاكت
أجنبية تظفر ابخلربة واملال ،فال يؤدي االإنفاق التمنوي اإىل توظيف أبناء
البدل وال حيرك اقتصادمه وال يمن خرباهتم .فقمية املشاريع يف بالدان ،ما
يه اإال قمية اقتصادية اس هتالكية ،نألكها بأضعاف لكفهتا !
وليك أرشح الفرق فسأيت مبثال :فاحلروب يه اإنفاق حكويم ،ويه يف
ادلول املتطورة تأيت ابدليون (من النوع الاستامثري) وتأيت ابالإفالس
أحياان (لكنه اإفالس ذيك) لهنا تنقلب اإىل مناء اقتصادي وتطور نوع .
وما ذاك اإال لن اجملمتع نفسه هو يصنع السالح ويطوره .فاالإنفاق
احلكويم زمن احلرب ،يتضاعف أضعافا كثرية عىل الاقتصاد احمليل
فيخرجه بعد ذكل من ادلين واالإفالس .واحلروب خترج اعىل من اعند
الشعوب من طاقات وابداعات ،ذلا فاالإنتاج احلريب زمن احلروب،
يُطور الصناعة بقفزات فلكية.
وأما حروب العرب ومن شألكهم ،فاالإنفاق علهيا ال يصب يف اجملمتع،
فلك السالح مس تورد ،فتأيت ابدليون الاس هتالكية ال الاستامثرية.
املبحث الثاين االإفالس الاستامثري
344
احتال قرين س بان 1لقومه بعد حادث احلادي عرش من سبمترب
٢٠٠١م ؛ من أجل اإخراج بالده من بداايت التباطؤ الاقتصادي،
واس تصنع منوا لالقتصاد المرييك قامئ عىل بيع أوراق مالية اس متر س بع
س نوات .ومل يكن هذا الاحتيال بدعا من المر ،فكثري مه اذلين
حيتالون لوطاهنم.
فقد تالعبت عدة دول أوربية – قبل الزمة املالية -ابدلفاتر
احملاسبية؛ من أجل توفري الس يوةل والمتويالت الالزمة لضامن اس مترارية
المنو يف بالدمه .وأفضل من أجاد اللعبة أيسلندا .فأيسلندا فتحت لك
البواب ،وسهلت لك الطرق ،ووفرت لك الوسائل لبنوكها ،من أجل
أن تقرتض من اخلارج ،ومن مث تُقرضها للرشاكت الوطنية
والاستامثرات ادلاخلية .وعندما جاءت الزمة مل تكن أيسلندا مرتبطة
بأي ارتباطات س ياس ية أو اقتصادية أو نقدية قوية بأورواب أو بغريها
من ادلول الجنبية .كام أهنا اكنت تطبق نوعا من التحمك يف احلركة
ادلولية لرؤوس الموال ،فمل ختش من جهرة الموال اخلائفة من اخنفاض
قمية العمةل بسبب ا إالفالس .وذلا؛ وعندما انتفخت البالونة ،مل تقدم
أيسلندا فلسا واحدا لبنوكها احمللية املتورطة ابدليون الجنبية ،وتركهتا
فريسة االإفالس من أجل أن يتحمل املقرضون الجانب تبعية الزمة،
وليس املواطنني اليسلنديني دافع الرضائب.
فعىل اإثر اإفالس البنوك اليسلندية ُشطبت كثري من ادليون الجنبية،
وتُسومح عام بق مهنا؛ فتخلصت أيسلندا من ادليون .فعىل الرمغ من
345
التضخم اذلي وصل %٢٥اذلي أعقب االإفالس بسبب خض وطبع
النقد ،اإال أنه ال ياكئف مس توى اخنفاض قمية معلهتا احمللية اإىل أن وصل
اإىل النصف .فتخفيض العمةل اكن همندسا أيضا .فقد ضاعف من
صادرهتا وجفف وارداهتا؛ حىت عادت اإىل المنو القوي .ووصلت البطاةل
اليوم اإىل أقل من نسبهتا الطبيعية (حوايل ،)٪٢وزاد دخل الفرد
اليسلندي عن دخل الفرد المرييك .واس تطاعت احلكومة أن تقرتض
من جديد مبعدل حول .٪٤
فاإفالس أيسلندا اكن اإفالسا استامثراي ،اكإفالس مقاطعة أورجن يف
اكليفورنيا عام ١٩٩٥م ،اليت تعد من أغىن وأرىق املقطعات المريكية،
متاما كام أن ايسلندا تعد من أعىن ادلول اليوم .وكذكل فعلت ديب،
فاإفالسها اكن اإفالسا استامثراي .فقد احتالت لنفسها؛ جفلبت الموال
الاستامثرية الجنبية ،واس تغلت موضة “ الصريفة االإسالمية ” يف
الصكوك ،فبنت اقتصادا استامثراي ،نقلها من قرية حصراوية ال متل
شيئا من املوارد اإىل منوذج حيتذى به .حىت اإذا جاءت الزمة املالية،
فعلت قريبا مما فعلته أيسلندا ،فمل تتدخل حكومة ديب يف دمع
الرشاكت وجعلهتا تفلس وجترب ادلائنني عىل اإعادة اجلدوةل دون
تعويضات -وخاصة الصكوك اذلين ال حق هلم قانوين .-ورسعان ما
عاودت ديب الاقرتاض مبعدل قريب من ،٪٤كيسلندا .فهذه ثالثة
مناذج دلول ومقاطعات احتال حكامؤها لوطاهنم وشعوهبم ،وجنحوا
جناحا كبريا .واكن للك واحدة مهنا سيناريو خاص هبا وظروف تالمئها.
واليوانن وإايطاليا وإاس بانيا والربتغال وحىت فرنسا ،لكهم ركبوا موجة
الاحتيال الكربى ،اذلي ابتدأها قرين س بان الإنقاذ اقتصاد بالده بعد
346
حادث سبمترب ٢٠٠١م ،لكهنم خرسوا ! لهنم قدلوا بال فهم.
فظروف الاحتاد الوريب واليورو ،وحرية انتقال الموال لها
مالبسات ،ما ُأحسن اعتبارها.
الباب الرابع :افالس ادلول
اكنت ادلوةل قدميا تتحصل عىل احتياجياهتا املالية ،سواء أاكنت نقدا
اكذلهب والفضة أو سلعا اكلنعام والسالح ،اإما عن طريق الغنامئ
واجلباايت (اكلزاكة واخلراج) وإاما عن طريق الرضائب (اكملكوس
واالإاتوات) .فاإن جعزت ادلوةل عن حتصيل ما يغط نفقاهتا لعجزها
العسكري يف حتصيل الغنامئ أو ضعفها الس يايس لتحصيل اخلراج أو
فقر مواطنهيا عن دفع الزاكة ،اضطرت ادلوةل لالس تدانة من البعيد
والقريب .حىت اإذا جعزت عن السداد أفلست ادلوةل وقدمت العذر
للعدو ادلاخيل واخلاريج ليُسقطها مث تقوم عىل أطاللها دوةل أو
دويالت جديدة.
واخزتايل لسقوط ادلول ابإفالسها الاقتصادي أىت من حقيقة أن املال
يف الغالب هو من جيهز اجليوش ،ويشرتي الوالءات ويشف الصدور
ويذهب غيظ القلوب .واالإفالس الاقتصادي تظهر نتاجئه خالل معر
الشخص الواحد واما االإفالس الس يايس أو الاجامتع أو الخاليق
فغالبا ما تتطلب ظهور نتاجئه أجيال عدة.
مبحث :أنواع ادليون احلكومية
أوال :ادليون ابلعمةل احمللية
347
ادليون احلكومية ابلعمةل احمللية ،ال تُفلس ادلوةل مطلقا ،برشط عدم
اس تقاللية البنك املركزي ،ويه عىل طريقتني ،طريقة الضخ وطريقة
التدوير.1
فف العرص احلديث ،عندما حتتاج ادلوةل اإىل االإنفاق ادلاخيل وصار
دلهيا جعز يف املزيانية ،مفا علهيا اإال أن تصدر س ندات تبيعها عىل البنك
املركزي اذلي يقوم بدوره بضخ “ طباعة ” الوراق النقدية من غري
غطاء مقابل هذه الس ندات .وهذه زايدة يف النقد احمليل .فاإن مل ينجح
الاقتصاد احمليل يف انتاج سلع وخدمات حقيقية تساوي قميهتا قمية هذا
النقد ،فعىل البنك املركزي أن يقوم بتدويرها يف الاقتصاد احمليل،
وذكل عن طريق اإجياد مستمثرين حمليني ،يشرتون هذه الس ندات من
البنك املركزي من أجل امتصاص النقد اجلديد اذلي ُخض يف السوق
احمللية .فاإن مل يس تطع اإجياد زابئن ،فس تتناقص غالبا قمية العمةل داخليا
مما ينتج عنه تضخام سعراي ،كام سينعكس عىل القمية احلقيقية لهذه
الوراق دوليا ،فينخفض سعر رصفها.
ولهذا ال يصلح ان تكون العمةل مربوطة .لهنا اإذا اكنت مربوطة واكن
الانفاق احلكويم حمليا ،فاحملافظة عىل سعر الرصف س يكون عن
طريق ادلفع من الاحتياطيات الجنبية ،فتصري معلية الاس تدانة
مزدوجة حماسبيا .وهذا برشط أن يكون الانفاق احلكويم حمليا ،ال
خارجيا (لنه ان اكن اإنفاقا خارجيا فال يعترب تدويرا وال خضا ،بل جتفيفا
للس يوةل احمللية -ابفرتاض عدم تعويضها من البنك املركزي) .وتعمتد
1ومعوما ،يغلب أال يشرتي مستمثر س ندات أجنبية بعمةل مربوطة ضعفية (لن رشاء املستمثرين س ندات اجنبية بعمةل معومة (لعمالت ليست عاملية) فهيا خماطرة أصال،
الإماكنية ختفيض قمية العمةل ،فكيف اإن أضيف لهذا خماطرة الربط؟ فكرس الربط عادة يتبعه اهنيار للعمةل ال ختفيض لقميهتا).
348
نس بة الازدواجية يف هذه احلاةل ،عىل نس بة اعامتد الاقتصاد احمليل
عىل الانفاق احلكويم مع نس بة اعامتد الاقتصاد عىل الاس ترياد .فبعض
دول اخلليج مثال ،قد تبلغ ازدواجية حساابهتا الس تدانهتا احمللية،
،٪١٠٠فهي تسجل دين حميل علهيا ،وتسدده مرتني .مرة عند
خروجه من احتياطياهتا الجنبية ،ومرة اثنية وقت اس تحقاق سداد
ديهنا.
ومن المثةل عىل الاس تدانة ابلتدوير لعمةل مربوطة:
املرصوفات يف املزيانية السعودية .فهي تساوي تقريب ًا ما خيرج من
السعودية من أموال الس ترياد بضائع أو خدمات أو استامثرات..
فاملزيانية السعودية يف حقيقهتا يه عبارة عن دفع اإيصاالت ابدلوالر
للجهات املس تفيدة عىل حساب احلكومة الجنيب .وحساب احلكومة
الجنيب هو مبيعات البرتول .مفا يزيد من اإيراد البرتول عن
املرصوفات ،فهو اذلي جت َّمع يف الاحتياطيات ..وما ينقص من اإيراد
البرتول عن مرصوفات لس نة ما ،فهو نقص يف الاحتياطيات .
اإذا ،فهمنا ذكل عرفنا أن أي جعز يف املزيانية سينعكس عىل نقص يف
الاحتياطيات ،ولو اقرتضت ادلوةل حملي ًا ومن البنوك ،ما دامت
القروض ابلرايل السعودي .
ومعىن أن مرصوفات املزيانية تساوي مجموع بند «مدين» يف احلساب
اجلاري ملزيان املدفوعات ،يعين أنه ال يُوجد حملي ًا من يُقرض احلكومة
دون أن تنعكس قمية الاقرتاض عىل نقص مماثل يف الاحتياطيات
الجنبية .اللهم اإال أن اكن القرض ابدلوالر والسداد مث ًال ابلرايل.
349
مفث ًال ،البنوك دلهيا اليوم موجودات أجنبية تزيد عىل مطلوابهتا
الجنبية مبقدار مائيت مليار رايل.
فاإن أقرضت البنوك موجوداهتا الجنبية الزائدة عن حاجهتا للحكومة
مقابل س ندات ابلرايل السعودي ،فهذا االإقراض لن ينعكس نقص ًا يف
الاحتياطيات.
ذلا فاالقرتاض احلكويم حملي ًا جيب أن ال يكون اإال اإن اكن اقرتاض ًا من
معةل أجنبية ،أو اقرتاض ًا مس هتدف ًا لموال سعودية اكنت س تخرج
لالستامثر الجنيب ،أو اقرتاض ًا لسحب س يوةل حمسوبة بسبب وقف
بعض املشاريع غري املهمة مث ًال ..وما عدا ذكل ،مفا هو ازدواجية
تسجيل َّد ْين.
ومن المثةل احلديثة لالس تدانة بضخ العمةل يف نظام معوم:
نراها يف حاةل فزنويال .فقد اس مترت حكومهتا ابالس تدانة بعملهتا احمللية
– ويه معةل معومة – ومل يقابل هذا زايدة انتاج فلجأت لزايدة
الفوائد ،لتعوض املستمثرين خسار تناقص قمية العمةل ،حىت جعزت
أخريا أن جتذب املستمثرين لرشاء س نداهتا يف التسعينات ،رمغ أهنا
رفعت سعر الفائدة علهيا اإىل ما يصل اإىل .٪١٠٠
فهذه فزنويال مل تفلس ،الن ديهنا اكن ابلعمةل احمللية ،ولكن اكن ذكل
عىل حساب تناقص قمية معلهتا ٪١٠٠٠بسبب الاس تدانة ابلضخ.
وادلين يسدد ابلعدد ال ابلقمية ،مفهام بلغت قمية ادليون ابلعمةل احمللية،
فلن ُجت َرب ادلوةل عىل االإفالس .لكن االإشاكلية ،أن جتد ادلوةل من
يقرتض مهنا أصال.
350
وختفيض قمية ادلين عن طريق ختفيض قمية العمةل املعومة ،بزايدة خضها
كقروض من أجل االإنفاق احلكويم ،هو يف الواقع حيةل س ياس ية
نقدية ،يس تطيع الس ياس يون أن يس تخدموها لتجنب التبعيات املؤملة
س ياس يا الناجتة عن اإجراءات التقشف لتغطية العجز يف االإنفاق،
كزايدة الرضائب أو اكإيقاف االإعاانت أو اخلدمات العامة اجملانية.
فاإذا عند التأمل ،فف لك الحوال ،ال ميكن أن يؤدي ادلين اإىل
اإفالس ادلوةل طاملا أن الس ندات مقومة ابلعمةل احمللية الإن الوفاء
مبس تحقاهتا ال يلكف ادلوةل اإال خض “ طباعة ” العمةل ،فتلغ ادلين
بسداده رمقيا ال قمييا .ولكن س يكون عىل حساب اخنفاض قمية العمةل
أو كرس نظام الربط ،هذا اإن اكن الاقتصاد يقدر عىل كرس العمةل .ويف
الك احلالني س يخرس محةل الس ندات واحملتفظون هبذه الوراق اليت
ستهنار قميهتا ابهنيار قوهتا الرشائية .وأما ادلوةل فيكون ذكل طريقة
لشطب ديوهنا والتخلص مهنا ،ولكهنا قد تكون طريقة ملكفة جدا،
كمنور اس يا اليت ذكرانها سابقا ،أو تكون حال راحبا كام ذكران سابقا يف
حال بريطانيا عام ١٩٩٢م .وقد تكون لكفة خسارهتا تمتثل يف ضياع
الثقة يف بنظاهما النقدي ،مما يتسبب هبجران العمةل الوطنية حىت من
السوق احمللية ،وهذه لكفة قد يتبعها اهنيار النظام الس يايس لدلوةل.
وهناك صورة أخرى من اإفالس ادلوةل الاقتصادي ،وهو عندما تكون
العمةل مربوطة بأقوى أنواع الربط للعمةل ،أال وهو رابط العمةل املوحدة
اكليورو .فف هذه احلاةل ادلوةل ليس لها حق خض النقد ،بل علهيا
اس تخدام طريقة التدوير ،عن طريق إاصدار الس ندات وبيعها عىل
املؤسسات املالية والتجارية القامئة .أي أهنا ال تضخ “ تطبع ” نقدا
351
جديدا بل تمتول من النقد املوجودة أصال يف النظام املايل .وحيق لهذه
البدل أن ترفع معدل الفائدة جلذب املستمثرين اإلهيا .فلو مل تس تطع ادلوةل
سداد مس تحقاهتا ،فقد تعلن اإفالسها وتُتخذ االإجراءات املناس بة بعد
ذكل واليت مهنا ما قد يصل يف حاالت معينة اإىل طرد ادلوةل من
الاحتاد النقدي الوريب ،وهذا ما ال ميكن حدوثه اإذا اكنت رغبة أوراب
ما تزال قامئة يف فرض معةل دولية قوية توحد قلوب الوربيني.
اإذن فدول أوراب هنا ،كوضع والايت أمرياك امخليس ،حيث أنه ال
تس تطيع والية من الوالايت الامريكية أن تضخ ادلوالر ،دون ان يوثر
ذكل يف عرض النقود يف لك أمرياك ،كحال دول احتاد اليورو ابلضبط.
ولو افرتضنا جواز ذكل لتسابقت الوالايت عىل الاس تدانة بضخ
ادلوالرات ،حىت تغرق السوق النقدية الامريكية ،لن السوق النقدية
س تكون يف نظر للوالايت اكملثل القائل “ كل او لخيك أو لذلئب ”
وليس احلال كذكل مع احلكومة الفدرالية وهذا هو الفرق بني البنك
الوريب والفدرايل المرييك .فاس تقاللية البنك الوريب ،اس تقاللية
رصفة عن مجيع دول اليورو الوربية.
وهذه ادلول الاوربية ختتلف اقتصادايهتا ،فال يس تطيع البنك املركزي
الوريب ان يضخ اليورو حبرية اتمة يف حاةل حدوث أزمات عند دول
دون دول .وهذا خبالف الاحتياط الفدرايل المرييك ،فالوالايت
المريكية لكها دوةل واحده يف نظره ،وحركة التنقل بني الوالايت
العاملية سلسة وليست كدول اليورو.
352
والاحتياط الفدرايل المرييك هل اثنا عرش فرعا ،1لكها اتبعة هل .فهو
يعمل اكلبنك املركزي للوالايت املتحدة المريكية ،وهو املس ئول
واملنظم مجليع الاحتياجات النقدية للحكومة الفدرالية وكذكل للسوق
النقدية الامريكية كلك .وأما الفروع االثين عرش فهي تقوم بتنفيذ
اإجراءاته وببيع ورشاء الس ندات يف نطاقها اجلغرايف عند احلاجة حسب
توجهيات الاحتياط الفدرايل المرييك ،كام تقوم مبا حيتاجه النظام
البنيك وما حتتاجه البنوك التجارية اليت يف نطاقها ،اكملقاصات وحفظ
الاحتياطيات البنكية ،واملراقبة وحنو ذكل.
أما اذلي ميل صالحية خض “ طبع ” خلق ادلوالر (نقر الرقام يف
احلواسب اللية ) أو توجيه احد فروعه بذكل ،فهو الاحتياط
الفدرايل المرييك ،أو أحد فروعه بأمر منه .وهذه ادلوالرات تسمى “
ابلنقد ذو القوة العالية ” فهو أصل توليد النقد بعد ذكل .وإاصدار
ادلوالرات هو يف الواقع سلسةل من االإجراءات الصورية املعقدة اليت
تنهتي :
اإما بدوالر وريق اخرض ،يدور أمرياك والعامل يف معليات بيع ورشاء
ذلاته ،وهممته الساس ية املقايضة لسلع وخدمات حقيقية يف السوق
السوداء أو يف أسواق أمرياك أو أسواق الاقتصادايت الجنبية
املتخلفة.
1بنك الاحتياط الفيدرايل يف سان فرانسيسكو ،بنك الاحتياط الفيدرايل يف دالاس ،بنك الاحتياط الفيدرايل يف مدينة اكنساس بنك الاحتياط الفيدرايل يف
مينيابوليس ،بنك الاحتياط الفيدرايل يف سانت لويس ،بنك الاحتياط الفيدرايل يف ش ياكغو
بنك الاحتياط الفيدرايل يف اتالنتا ،بنك الاحتياط الفيدرايل يف ريتشموند ،بنك الاحتياط الفيدرايل يف لكيفالند
بنك الاحتياط الفيدرايل يف فيالدلفيا ،بنك الاحتياط الفيدرايل يف نيويورك ،بنك الاحتياط الفيدرايل يف بوسطن
353
وإاما أن يكون دوالرا رمقيا ،وهذا يدخل يف معليات التوليد البنكية
ليتنقل بعد ذكل يف معليات بيع ورشاء ذلاته ،داخل وخارج أمرياك،
من خالل وديعة او س ند او حنوه من اشاكل ادليون .تغلب عليه هممة
استيداع الرثوة ابلنس بة للمستمثر ،وهممة املقايضة لسلع وخدمات
حقيقية يف السوق ادلولية ،كام انه أداة للتحمك ابملعروض النقدي يف يد
الس ياسة النقدية المريكية.
اثنيا :ادليون ابلعمةل الجنبية
وأما اإذا اس تدانت ادلوةل (أي دوةل سواء اكنت مضن احتاد نقدي أو مل
تكن) بعمةل أجنبية ومل تس تطع السداد لرأس املال أو الفوائد املتحصةل
عنه فهنا تُفلس ويطلق عليه اإفالس ادلوةل .واذلهب يعترب معةل اجنبية
عىل لك ادلول املرتبطة به.
354
تطبيق :هل ميكن أن تفلس أمرياك كام أفلست من قبل
وجيب الانتباه بداية ،انه عند اإطالق اللفظ بأمرياك فامي يتعلق ابلنقد،
فاإننا نقصد احلكومة الفدرالية ،ال الاحتياط الفدرايل.
فهل ميكن أن تفلس أمرياك؟ تفلس اختيارا :نعم ممكن .تفلس جربا:
يس تحيل هذا اإال أن يكون المر قد تعدى احلكومة الامريكية اإىل
مصاب جلل شل الاقتصاد المرييك وابلتايل الاقتصاد العامل .
ولكن مل يس تحيل أن تُفلس أمرياك وقد أفلست دول من قبل كروس يا
والرجنتني والربازيل وغريها؟ و إان اكن اإفالس أمرياك جرباي،
مس تحيال ،فكيف تعبثت موديز فهددت بتخفيض ائامتنية احلكومة
المريكية ،مث جاءت س تاندر أند بورز ،فس بقت خففضت ائامتنية
احلكومة المريكية .ومث فلنقف قليال! أال يوجد يف اترخي أمرياك املايل
نوع من أنواع االإفالس؟
س بق أن قلنا :اإن اإفالس ادلوةل املعين هو جعز حكومهتا عن سداد
ديوهنا أو الزتاماهتا املس تحقة علهيا ،سواء أاكنت عىل شلك س ندات أو
قروض مبارشة أو ديون مشرتايت أو الزتامات مالية ،وحنو ذكل.
وقلنا كذكل ،أن أي دوةل تس تدين بعملهتا الوطنية يس تحيل معليا
(بعد فك الربط عن اذلهب) أن تُفلس لن البنك املركزي يس تطيع
طباعة النقد وتسديد ادلين .وادلول اليت أفلست كروس يا والرجنتني
وغريهام اإمنا أفلست لن ديوهنا اكنت ابدلوالر أي بعمةل أجنبية ال
تس تطيع طباعهتا ،وذلا فادلول الوربية اليوم املنضمة لليورو لكها
معرضة ل إالفالس لهنا ال تس تطيع طباعة اليورو حفالها كحال والية من
الوالايت المريكية كاكليفورنيا أو تكساس وغريهام فهم عرضة
ل إالفالس لهنم ال يس تطيعون طباعة ادلوالر ،ولكن القانون ال يسمح
هلم ،ف ُتجرب الوالية عىل موازنة حساابهتا.
ادلين المرييك املرتامك من جعوزات املزيانيات للحكومة المريكية من
الامثنينيات حىت الن ،قد تعدى العرشين تريليوان.
وموديز اول من هدد بتخفيض تقيمي ائامتنية احلكومة المريكية ،وذكل
من منطلق طرح نظري ال ينطبق عىل ادلوالر ،ذلا مل تنطبق نتاجئ
ختفيض ائامتنية احلكومة الامريكية مع النتيجة النظرية لهذا التنظري.1
فأما منطلق موديز النظري فهو قامئ عىل :أنه حيق دس توراي للكوجنرس
المرييك عدم اإقرار رفع سقف ادلين احلكويم ،اإذا جتاوز نسبته املقررة
مقارنة ابدلخل ،واليت قد تعداها ادلين احلكويم .أي أن عىل حكومة
أوابما أن ترفع الرضائب وختفض االإنفاق لتقلص العجز فتس تطيع أن
تنفق عىل خدمة ادلين وإاال فسوف تفلس بعجزها عن خدمة ادلين!2
وس تصبح اخلزانة المريكية عاجزة عن تسديد بعض املس تحقات اليت
علهيا ،كجور العاملني واملناقصات واملشاريع احلكومية ومس تحقات
املتقاعدين وسداد الفوائد وادليون احلاةل الجل.
وعدم تسديد املس تحقات ادلاخلية كحقوق املتقاعدين ،هل أاثر خطرية
اقتصادية وس ياس ية واجامتعية مبارشة عىل ادلخل المرييك ،كام هل أاثر
غري مبارشة عىل العامل أمجع .وأما عدم سداد ادليون ومس تحقاهتا فاإن هل
أاثر مبارشة خطرية ومدمرة للنظام الاقتصادي واملايل العامل .فالعجز
- 1يف اعتقادي -اهنا جمرد مناورات الس ياس ية القذرة اليت يتبعها احلزب امجلهوري من أجل االإطاحة ابلرئيس السود وذكل ابإرغامه عىل رفع الرضائب وختفيض ا إالنفاق
فيخرس الانتخاابت القادمة.
- 2والرئيس السود داهية مطلع ،يعمل يقينا أن ال أحد جيرؤ أن يقرتح جداي ابإفالس االإمرباطورية المريكية.
356
عن سداد مس تحقات ادليون احلكومية المريكية هل ُمتعلق مبارش
ابدلوالر ،وسقوطه املفاجئ من عرش العمةل الاحتياط 1ادلولية هل
تبعيات مدمرة عىل الاقتصاد العامل .
وليك أبسط عىل القارئ غري املتخصص ،وأرشح هل -بصورة متثيلية-
النظرية اليت تتنبأ بدمار عامل اقتصادي يف حاةل اإفالس أمرياك،
فلنتخيل أنه يف العصور الوسطى أصاب اذلهب يف العامل لكه عفن
وفساد .فبالرمغ من بساطة الاقتصاد واملعامالت ادلولية يف العصور
القدمية ،اإال أننا ميكن أن نتخيل الفوىض العاملية اليت س تحدث يف
اجلوانب املالية والاقتصادية واحلقوقية ،وأثر ذكل عىل الاقتصادايت
العاملية والس ياسات ادلولية .فوضع ادلوالر اليوم يف حاةل اإفالس أمرياك
مشابه للحاةل املُتخيةل يف حاةل فساد اذلهب وتعفنه يف العصور القدمية،
اإال أنه اليوم أشد تعقيداً وخطراً نظراً لتعقد املعامالت ادلولية التجارية
واملالية وتشعهبا وتشابكها.
لكن قد يناظران منظر فيقول :لو تصوران -يف املثال السابق -أن
الناس وادلول يف العصور الوسطى اكنوا يدركون أن فساد اذلهب هو
فساد مؤقت ،وأنه س يعود كام اكن ،فهل سيتخىل العامل عن اذلهب وال
بديل لذلهب أنذاك اإال نظام املقايضة البدايئ العاجز عن التمثني
والتسعري ادلقيق؟ وقول املناظر حصيح .وعليه فاإين أعتقد أنه لو
افرتضنا جدال ،وقع اإفالس أمرياك ،فاإن وضع ادلوالر كعمةل احتياط لن
1ومعىن معةل الاحتياط كام س بق أن بينا :أهنا العمةل اليت فرضت نفسها سوقياً عىل العامل بأن تكون يه مرجع التسعري /التمثني ووس يةل للتصفيات والتبادل يف املعامالت
ادلولية وغطاء للعمالت املتنوعة ،ويه اليوم ادلوالر اذلي حل حمل اذلهب اذلي اكن يف كثري من العصور هو معةل الاحتياط ادلولية.
357
يتأثر الإدراك السوق العاملية أن هذا االإفالس هو اإفالس اختياري
س يايس داخيل ،وليس اإجبار ًاي اقتصاد ًاي.
فقد اكن جمرد التفكري قبل عام ٢٠١١م ابإفالس أمرياك يعترب جنو ًان
وسذاجة اقتصادية ،ولكن هذا الطرح اجلنوين حصل عىل مس توى
ترشيع -وهو الكوجنرس -مث أتبعه أمراً أخر ،اكن هو أيض ًا من
املس تحيالت ،وهو الهتديد بتخفيض التصنيف االئامتين المرييك ،من
قبل واكةل التصنيف االئامتين موديز .وادلليل عىل سذاجة القول
ابإفالس أمرياك أو سطاحة هتديد واكةل موديز ،فلننظر نتيجة هذا
التخفيض للتصنيف االئامتين لدليون المريكية .فعندما خفضت واكةل
س تاندارد أند بورز فعليا التصنيف االئامتين المرييك ،اكنت ردة فعل
السوق العاملية معاكسة متام ًا لتنبؤات النظرية اليت جنحت يف اإثبات
مصداقيهتا يف مجيع احلاالت (ما عدا حاةل الياابن لوضعها اخلاص.)1
فالنظرية تُميل بأن ختفيض التصنيف االئامتين لدلين احلكويم المرييك
س ينتج منه اخنفاضا لسعار الس ندات احلكومية المريكية ،نتيجة
النرصاف الناس عهنا؛ ما يسبب ارتفاع عوائدها ،أي ارتفاع أسعار
الفوائد للس ندات اجلديدة .وهذا ما حصل عكسه ابلضبط؛ فقد ارتفع
الطلب العامل عىل الس ندات المريكية مبجرد ختفيض التصنيف
فارتفعت أسعار الس ندات ،فاخنفضت عوائدها اإىل مس توى اترخي مل
حيصل مطلق ًا يف اترخي أمرياك؛ حىت صار سلبيا ،مما نتج منه اخنفاض
يف أسعار الفوائد للس ندات اجلديدة .فهبذا تقوى مركز ادلوالر بدالً
1املمتثل بوجود تريليوانت من الس ندات الامريكية عند البنك املركزي .فارتفاع ادلين احلكويم الياابين اإمنا هو لضبط تسجيل احلساابت يف دمعها لالقتصاد.
358
من اإضعافه .1متاما كام حدث بعد فصل ادلوالر عن اذلهب ،2ان تقوى
ادلوالر ابس تقالليته .ويف الواقع اإن هذا الفصل يف حقيقته الشمولية
هو افالس ،لعدم الوفاء ابلزتام أمرياك بتقدمي اذلهب مقابل ادلوالر.
ولكنه مل يعد رمسيا بأنه افالس ،واعتقد أن السبب هو أن التخلف عن
الزتام ضامن اذلهب ابدلوالر ،جاء رمسيا من البنك املركزي أي من
الاحتياط الفدرايل وليس من احلكومة المريكية.
1ففشل النظرية االئامتنية عام 2011اكن انبعاً أساساً من عدم وجود بديل عن ادلوالر كعمةل احتياط دولية .وأصبح ختفيض التصنيف االئامتين لمرياك اإشارة للسوق
ادلولية بأن هناك حاةل عاملية مرتدية اقتصادايً وغري واحضة املعامل؛ ما دفع العامل للهروب لكرث املالذات أمناً ،وهو الس ندات المريكية احلكومية.
2عندما خرج نيكسون يف عام 1971م يف خطاب اس هتتاري ابلعامل أمجع يعلن تنصل أمرياك من معاهدة برتن وود اليت وقعت عام 1944م وختلهيا عن الزتاهما ابستبدال
ادلوالرات ابذلهب،
359
خامتة
من أجل عقلية اقتصادية متفوقة
التصورات الاقتصادية عند الكثري يف العامل الثالث مشوشة جداً،
ويرجع ذكل اإىل أس باب دينية واترخيية .فالنظام الاقتصادي املوصوف
يف الداين ،مل يعد هل وجود تقريب ًا يف هذه احلقبة اليت نعيش فهيا اليوم.
وأما اترخيي ًا ،فقد عاش العامل يف القرن املايض حر ًاب أيديولوجية
اقتصادية بني الرشق والغرب .فهي وإان ُخدت انرها ،اإال أن رماد
حطاهما الفكري ما زال ابقي ًا يغىش العيون .ففشل الاشرتاكية املروع،
مع دخول تعديالت كثرية عىل الرأساملية ،ترك فراغ ًا تنظري ًاي ملفاهمي
السواق واالإنتاج ،تلقفته بقااي الاشرتاكية وبعض العرب والعجم من
المم املتخلفة اقتصاد ًاي ،فأخذوا جيرتونه ،فيسلون أنفسهم عن فشل
أممهم يف اللحاق ابلركب الاقتصادي احلديث.
والاقتصاد احلديث ابن الغرب .والغرب قد جتاوز معظمه الاشرتاكية
واالإقطاعية ،مفا عاد مفكروه يكرتثون لتفنيد الاشرتاكية أو االإقطاعية أو
حىت توضيح مفهوم الرأساملية احلديث ،فأمهلوا التنظريات القدمية يف
انطالقهتم وراء تطوير الامنذج الرايضية واالإحصائية .وهذا يف الواقع،
قد سبب غلبة التخصصات ادلقيقة عىل علوم الاقتصاديني؛ مما أحدث
ضياع ًا لفهم املفاهمي الاقتصادية الساس ية التنظريية عند النخب
الاقتصادية ،فض ًال عن عامة الناس.
ومشألك الاقتصاد الكربى املس تعصية ،غالب ًا ما تكون متشابكة يف
أصولها وفروعها .والفهم العميق لهذه املشألك ،ال ميكن حتقيقه ما مل
360
تُفهم ،هذه املفاهمي من الوسط الاقتصادي املتخصص ،ومن معوم
الناس كذكل .فأصعب الفهم ،فهم عقل قد س بق اإليه تصور سابق
خمالف.
والفكر االإبداع والاخرتاعات وإان اكنت تُنسب لشخص واحد ،اإال
أهنا يف الواقع نتيجة لفاكر اجملمتع من حوهل .فاس تطاع هذا املفكر أو
اخملرتع الربط بيهنا ،مث وجد لها سوق ًا عند طرهحا ،فكذكل هو الاقتصاد
وعلومه وتطبيقاته .ومثل أثر غياب فهم الاقتصاد داخل أوساط
السوق ،مكثل أثر غياب العلامء :يُنتج عن بقاء اللك يف اجلهل.
(والسوق هنا ،هو مجهور الناس).
ذلا مفحاوةل فتح البحث والتأمل والتنظري والتبيني للمفاهمي الاقتصادية
القامئة اليوم ،ورفع اخللط بيهنا ،همم جداً يف تصور الاقتصاد والتنبؤ به،
وابلتايل اختاذ القرارات والس ياسات الاقتصادية المثل .كام أنه همم
جداً لفهم ترشيعات الداين1وفلسفة س ياسات احلمك واجملمتعات
االإنسانية ،ويف تطوير العمل من بعد ذكل.
وفهم هذه املفاهمي الاقتصادية فهامً حصيح ًا ومعيق ًا ،وإادراك ما طرأ علهيا
من تغريات وتعديالت عرب العصور والمكنة ،يساعدان عىل فهم التارخي
الاقتصادي وتفسري ظواهره ،كام ميكننا عىل اختبار دقة املعلومات
التارخيية ،مما يزودان بأساس يات العقلية الاقتصادية املتفوقة اليت متكهنا
من اإدارة ملفات الاقتصاد يف بالدها وجممتعاهتا ،عىل ما يناس هبا ال ما
انسب غريها من المم ،وبذكل يتحقق لها الاس تغالل المثل ملواردها
1مفثال فهم الحاكم االإسالمية يعمتد كثريا عىل فهم هذه الفروق .فتصحيح التصور اذلي حرف تفكري المة لتحرمي ما أحل هللا واللجوء للحيل اإمنا اكن أكرثه انبع من سوء
فهم أصل مفاهمي الاقتصاد واخللط بيهنا .حىت أن ما اس تقر اليوم يف أذهان الناس ،ما هو اإال خطأ يف مفاهمي التصور لالقتصاد.
361
املتاحة لها ،كام متكهنا من التخطيط الصحيح لتطوير أسواقها والريق
ابإنتاجيهتا ًّّمك ونوع ًا.
فلعل ما يف هذا الكتاب ،يكون أول حماوةل لفتح البحث والتأمل
والتنظري والتبيني للمفاهمي الاقتصادية القامئة اليوم ،ورفع اخللط بيهنا.
362
مؤلف هذا الكتاب
محزة بن محمد السامل ،من مواليد عام ١٩٦٥م ،اكتب يف حصف
سعودية ،تقاعد كضابط عسكري عام ٢٠٠٧م ،مث معل ثالثة عرش
عاما ،كعضو هيئة التدريس يف قسم املالية والمتويل يف جامعة المري
سلطان .وشارك كعضو يف الهيئة الاستشارية للمجلس الاقتصادي
العىل .ومعل مستشار خاصا لعدد من اجلهات الرمسية واخلاصة.
يف عام ١٩٩٧م التحق جبامعة الكرك ،والية ماساشوستس ابلوالايت
املتحدة الامريكية حفصل مهنا عىل ادلكتوراه يف الاقتصاد (النقد
ادلويل) عام ٢٠٠٥م وحصل عىل املاجس تري يف الاقتصاد العام عام
٢٠٠٢م ،كام حصل عىل ماجس تري يف اإدارة العامل عام ٢٠٠٠م.
كام أنه حصل عىل دبلوم عايل يف ادلراسات اإسالمية من جامعة أم
القرى عام ١٩٩٥م وباكلوريس علوم عسكرية من لكية املل خادل
العسكرية عام ١٩٨٥م.
وهو حاصل عىل شهادة اس تكامل حفظ القرأن الكرمي وعدد من
ادلبلومات العسكرية ،يف القيادة والتخطيط لقادة سالح املدفعية من
فورت ستيل ،اوالكهوما ،الوالايت املتحدة الامريكية.
364