Professional Documents
Culture Documents
Istanbul
إسطنبول /األناضول
رغم االنقسام وعدم التعافي من آثار إعصار دانيال ،إال أن مطالبة كل من مجلس النواب الليبي ومجلس الدولة
األعلى للدول الغربية الداعمة للحرب اإلسرائيلية على غزة بمغادرة البالد ،والتلويح بوقف تصدير النفط إذا لم
.تتوقف الحرب ،خطوة متقدمة لم تجرؤ عليها دول أخرى
لكن هذا الموقف الجريء لكل من مجلسي النواب (األربعاء) والدولة (الخميس) ولو بشكل منفصل ،يطرح عدة
تساؤالت حول قدرتهما على إلزام كل من حكومتي الوحدة في العاصمة طرابلس ،وحكومة أسامة حماد في مدينة
.بنغازي (شرق) على تنفيذه
أم أن األمر مجرد مزايدة سياسية للمجلسين بهدف كسب مشروعية شعبية ،في ظل تضامن واسع للشارع الليبي
.مع فلسطين تجلى في المظاهرات الداعمة لقطاع غزة ،ورفضه لكل أشكال التطبيع مع إسرائيل
ال شك أن مجلسي النواب والدولة يملكان نفوذا ال يستهان به في ليبيا ،يتجاوز بكثير نفوذ كثير من البرلمانات
.العربية ،بالنظر للصالحيات الممنوحة لكليهما مجتمعين في اختيار رئيس الحكومة وعزله
لكن في ظل وجود حكومتين في البالد ،يكاد يتالشى هذا النفوذ ،فعندما يطلب مجلس النواب من سفراء كل من
الواليات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا بمغادرة البالد ،في حين أن أغلب هؤالء السفراء متواجدون في
.طرابلس حيث ال سلطة وال نفوذ له فيها
وحتى وإن تعزز هذا الطلب بموقف المجلس األعلى للدولة ،الذي له نفوذ في طرابلس والمنطقة الغربية إال أنه ال
يملك سلطة فعلية على حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة ،تلزمها بتنفيذ قراره بطرد السفراء الذين تدعم
".بلدانهم "العدوان اإلسرائيلي على غزة
ناهيك عن أن كال من الواليات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لم تعيد فتح سفاراتها في طرابلس إلى بين عامي 0202
.و ،0200بعد غلقها في ،0222باستثناء إيطاليا التي أعادت فتح سفارتها في 0222
وبذلت حكومة الوحدة ( 0202إلى اليوم) وقبلها حكومة الوفاق ( )0202-0222جهودا مضنية إلقناع الدول
.الغربية وبقية دول العالم إلعادة فتح سفاراتها مجددا في طرابلس
لذلك من الصعب توقع أن يُقدِم الدبيبة على طرد السفراء الغربيين بعد كل تلك الجهود التي بذلت لعودتهم ،وإال
ستك ون تضحية دبلوماسية كبيرة من أجل فلسطين ،لها تداعياتها السلبية المؤكدة ،لكنها سترفع شعبيته داخليا
.وعربيا
غير أن خطوة من هذا القبيل مستبعدة ،في ظل حاجة الدبيبة إلى االعتراف الغربي بحكومته الستمرارها ،وإال قد
.تنقلب عليه واشنطن وحلفاؤها األوربيون ،وتحول اعترافها إلى الحكومة المكلفة من البرلمان في بنغازي
إال أن اشتراك مجلسي النواب والدولة في موقف واحد لطرد السفراء الداعمين إلسرائيل ،سينزع من أيدي الدول
.الغربية ورقة االعتراف الدولي بحكومة الدبيبة ،خاصة إذا كان هناك إجماع شعبي وسياسي حول هذه الخطوة
ومثل هذه الم واقف ليست غريبة عن الشعب الليبي ،الذي سبق له وأن دعم الثورة الجزائرية ضد االستعمار
الفرنسي ( ،)2520-2592رغم أن أراضيه كانت حينها تنتشر بها قواعد فرنسية (الجنوب) وأمريكية (الغرب)
وبريطانية (شرق) ،مع ذلك كانت الحكومة الليبية في عهد الملك محمد إدريس السنوسي تشحن األسلحة القادمة من
مصر إلى داخل األراضي الجزائرية عبر تونس ،ثم عبر حدودها الجنوبية بمساعدة قبائل الطوارق في الصحراء
.الكبرى
فخطوة من قبيل طرد السفراء الغربيين تحتاج إلى نضج سياسي وشعبي قبل أن يجرؤ رئيس حكومة الوحدة على
.تنفيذها
كما أن الدبيبة يحتاج إلى موقف عربي وإسالمي مماثل وداعم ومتضامن لطرد سفراء الدول الداعمة إلسرائيل،
.حتى ال تظهر ليبيا وحيدة في مواجهة الغرب
فليبيا تنتج نحو 2.0مليون برميل يوميا وتطمح للوصول إلى 2.1مليون برميل يوميا على المدى القريب ،وتمثل
الصادرات النفطية لوحدها 52بالمئة من إجمالي الصادرات خالل الربع األول من عام ،0201وفق بيانات
.المصرف المركزي الليبي
جميع صادرات الغاز تتجه إلى إيطاليا عبر أنبوب "السيل األخضر" في منطقة مليتة بالمنطقة الغربية التابعة
لسيطرة حكومة الوحدة ،أما صادرات النفط فتتم عبر الموانئ النفطية في الوسط والشرق والتي تخضع لسيطرة
.قوات الشرق بقيادة خليفة حفتر
.وأغلب الصادرات النفطية تتجه لألسواق األوروبية بنسبة 22بالمئة؛ تستحوذ إيطاليا على 01بالمئة
وفرنسا وبريطانيا والواليات المتحدة ليست من عمالء ليبيا الستة الرئيسيين وهم :إيطاليا ،ألمانيا ،إسبانيا ،الصين،
.اليونان ،هولندا ،خالل الربع األول من العام الجاري
ورغم ذلك فإن الصادرات الليبية إلى الواليات المتحدة بلغت في عام 0200نحو 0.0مليار دوالر ،وفق بيانات
.المكتب التنفيذي للرئيس األمريكي
وسبق أن أغلقت قبائل داعمة لحفتر الموانئ والحقول النفطية بسبب الصراع الداخلي على تقاسم العائدات التي
.تصب في حسابات مؤسسة النفط بالمصرف المركزي التابع لحكومة الوحدة
هذا السيناريو يمكن أن يتكرر مع الدول الداعمة "للعدوان على غزة" ،إذا ما وجدت حكومتا الدبيبة وحماد ،حرجا
في إيقاف تصدير النفط لها ،لكنهما يحتاجان موقفا مساندا من حفتر ،من خالل اإليعاز لنفس القبائل المنتشرة في
.الهالل النفطي أو في مناطق انتشار الحقول والموانئ النفطية لغلقها
لكن هذا السيناريو سيضر ببقية الدول غير الداعمة إلسرائيل أيضا ،كما أن الواليات المتحدة وبريطانيا وبدرجة
.أقل فرنسا لن تتضرر من وقف صادرات النفط والغاز الليبيين
إال أن الضرر سيتركز على إيطاليا ،خاصة بعد تقليصها لوارداتها من الغاز الروسي ،رغم أن صادرات الغاز
.الليبي محدودة وال تتجاوز 2مليارات متر مكعب سنويا
والتأثير الرئيسي أن قرارا ليبيًا في هذا الصدد من شأنه تحريك أسعار النفط إلى األعلى ،وقد يدفع دول عربية
وإسالمية أخرى مثل الجزائر وربما السعودية وقطر والكويت التخاذ مواقف مماثلة إذا تصاعدت المجازر في
.غزة
فمطلب مجلسي النواب والدولة الليبيين بطرد السفراء وإيقاف تصدير النفط والغاز للدول الداعمة للعدوان على
غزة "صعب التنفيذ" ،وله تداعيات سياسية واقتصادية على البالد ،ولكنه "ليس مستحيال" في الحالة الليبية،
.والتاريخ يشهد على ذلك سواء في حرب التحرير الجزائرية أو حرب أكتوبر 2521بين العرب وإسرائيل
فالليبيون في أصعب ظروفهم كانت لهم مواقف "تاريخية" ،بشأن دعم حركات التحرر العربية ،لكن موقفهم الرائد
هذه المرة يحتاج مؤازرة عربية وإسالمية ،وباألخص الدول المصدرة للنفط والغاز مثل الجزائر ودول الخليج،
.ليكون لها األثر الكافي مثلما كان األمر في حرب 2521