Professional Documents
Culture Documents
91 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع
إن علم األخالق باعتباره مجموع األوامر والنواهي املقررة دينا
أو عقال عند مجتمع مخصوص وفي
مرحلة تاريخية مخصوصة ،ال ينفك
فتحت جائحة كوفيد عن علم القيم باعتباره نظرا في أحكام
القيمة التي تتعلق باألفعال إن تحسينا 19رؤية جديدة للعالم
محورها التفكير القيمي
باعتباره سؤاال فلسفيا أو تقبيحا .فيتبين أن التفكير املتأمل
للواقع القيمي ودراسته بقواعد املنهج عميقا في بناء مستقبل
عالمي روحه -في المقام
العلمي هو موضوع فلسفة القيم؛ إذ
الأول -التأمل الأخالقي
القيمة هي كل ما له شأو في التصور وفي ومقاصده في الخروج من
الأنا إلى الغير عبر التواصل الفعل لدى األفراد والجماعات.
والتضامن
إن املتأمل في واقع قيم العالم
املعاصر يجد أن القيم ليست هي ما
يعوزه ،بل إن الفاعلين هم الذين تعوزهم
القيم ،1ولهذا يتساءل أحد الباحثين الغربيين عن وجود معايير قيمية
كونية في الثقافة الغربية ،فتوصل إلى أنها ال تحمل أية كونية إال ما كان
من إمكانية وجوب التالقي والقدرة على التواصل.2
لقد صارت القيمة في السياق الوضعي هي “الوجود من حيث كونه
مرغوبا فيه أو موضع رغبة ممكنة” ،فهي من الناحية الذاتية صفة
في األشياء قوامها أن تكون موضع تقدير إلى حد كبير .ومن الناحية
- 1فلسفة القيم ،بول رزفرب ص .119
2 - Reboul Olivier. Nos valeurs sont-elles universelles ? In: Revue française
de pédagogie, volume 97.p 10.
92
املوضوعية صفة في األشياء من حيث إنها جديرة ب�شيء قليل أو
كثير من التقدير ،نحو قيمة العقل
والحرية والثقافة والتضامن ...وكلها
قيم أخالقية تواكب قيما أخرى هي المتأمل في واقع قيم
العالم المعاصر يجد أن
القيم الجمالية واملنطقية والسياسية
القيم ليست هي ما َُ
واالقتصادية ،وبهذا صار ال يتكلم عنها يعوزه ،بل إن الفاعلين هم
الذين تعوزهم القيم باعتبارها قيما منعزلة ،وإنما تشكل
قيمية يقصد بها مجموع قيم منظومة َ
مترابطة تنتظم كال واحدا يضفي على كل
جزء من أجزائه داللته ،ويمنحه بعده أو أبعاده في إطار ُسلم معين
تتسلسل فيه وفق منطق معين.
فالخير والعدالة واإلنصاف واملساواة والسلم واالعتراف والتعارف
والتضامن “قيم يمكن النظر إلى كل واحدة منها بمفردها ،ويمكن
النظر إليها في ارتباطها داخل منظومة معينة تضفي عليها معنى خاصا
يختلف قليال أو كثيرا ،قوة وشدة ،عن معناها منفردة .واملنظومة التي
تعطي لهذه القيم معناها الخاص ذاك ،يجب النظر إليها ،ال بوصفها
منظومة قيم وحسب ،بل بوصفها كذلك منظومة ثقافية حضارية“.1
فالقيم الجمالية واألخالقية الدينية والعقلية تتعايش وتتحاور،
وقد تختصم دون أن تتصارع وينكر بعضها بعضا .وذلك أن القيم
93 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع
تفصل عن الدين فمن حيث جعلها مطلبا عمليا من العقلية حين َ
مطالب العقل ،وال تتحقق دون رقابة العقل .والقيم الدينية حين تؤكد
على أسبقيتها على العقلية فمن حيث اعتبار الدين مسددا للعقل.
فدعوى استقالل أحدهما عن اآلخر بدعوى حرية العقل أو عدم
اكتماله ،إشكالية تجزيئية ال تقف بمنظور برهاني قويم عند مصدرية
إرادة الفعل الروحية واملادية عند الفاعل اإلنساني.
فأية قيمة من القيم تدرس من حيث العالقة املزدوجة التي يقيمها
الفاعل الكائن من داخل مرجعيته الثقافية ،مع الغايات املقاصدية
الضرورية والحاجية والتحسينية في الواقع اإلنساني ،ملعرفة الشروط
الوظيفية التي تيهئ إمكان التعارف والتواصل والتضامن .ومن تلك
الشروط ارتباط الفاعل بالقانون باعتباره الرمز األول املعبر عن
التضامن اآللي والتضامن العضوي ،واملؤثر على الفاعلية االجتماعية
والسياسية والثقافية.
َ
إن كل ما تقدم من شأنه أن يكشف جوانب عديدة من مقاربة
سؤال القيم وتأطيره لتفعيل قيمة التضامن وتشغيل نظامها األخالقي
في زمن جائحة كورونا خاصة ،وسيادة الخوف من املستقبل عامة.
وستتم هذه املقاربة بمنهج تحليلي من خالل محورين اثنين ،يتناول
أولهما سؤال قيمة التضامن من خالل نماذج نظرية ،وثانيهما قصدية
التضامن نحو أفق كوني لقيم التعاون.
سؤال قيمة التضامن من خالل نماذج نظرية
يمكن القول إن قيمة التضامن عبارة عن كفاية حاجة محتاج
94
ال�شيء ،وهي انفعال نف�سي من لدن األنا ين ِتج شعورا بأن الغير محتاج
شيئا بسبب ضيق أو عسرة أو ابتالء .وهذا الشعور بتألم املحتاج فطري
في الذات اإلنسانية ،تندفع به للقيام بكفاية حاجته وتخليصه من آالم
تلك الحاجة املادية أو املعنوية .فهذا الشعور تعاون وتكافل ومواساة
عند الكروب والشدائد واالبتالءات .فالبشرية في تعاقبها التاريخي
عرفت على اختالف أديانها وثقافاتها وحضاراتها ابتالءات عديدة من
الزالزل والفياضانات واملجاعات والطواعين التي تحدث عنها املؤرخون
ومنهم املسلمون ،نحو املقريزي وابن تغري بردي وابن كثير وابن إياس
وابن بطوطة وابن عذاري املراك�شي.
ومن هذه الطواعين طاعون عمواس
سنة 18هـ ،وطاعون الجارف سنة 69هـ،
أن كوفيد 19في وطاعون األشراف سنة 87هـ ،وطواعين
زمن العولمة ليس أمرا
جديدا في الجوائح ،بل
أخرى في املشرق واملغرب ..فبهذا يتبين
أن كوفيد 19في زمن العوملة ليس أمرا واقعة تاريخية تكشف
تطور العقل البشري جديدا في الجوائح ،بل واقعة تاريخية
في مواجهتها بحسب
الإماكن التاريخي والسقف
تكشف تطور العقل البشري في مواجهتها
المعرفي الذي يحكم بحسب اإلمكان التاريخي والسقف
فترات الجوائح املعرفي الذي يحكم فترات الجوائح،
ومن ذلك اإلمكان تفعيل النظام القيمي
في معالجة إشكاليات الكوارث بتقوية
الشعور بإنسانية اإلنسان ومحورية التضامن في نظامها القيمي.
95 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع
وقد تم إحكام قيمة التضامن بكونها فعال أخالقيا ذاتيا ممارسا من
الفرد والجماعة بمبادئ الدين والعلم والقانون ،وبهذا لم تبق قضية
متعلقة باالستجابة للكينونة الذاتية ،وإنما تتعداها لتكون قضية عالقة
مجتمعية ،وفاعلية مؤسساتية ،وعالقة دولية ،وتحالف حضاري من
أجل سيادة قيم تكريم اإلنسان وعدالة الحقوق .وهذا االمتداد لقيمة
التضامن في الواقع اإلنساني ،أخرج استمداد معرفتها من منهج أبحاث
األخالق النظرية وتحديد الواجب من قواعد السلوك ،إلى منهج دراسة
ظواهر االجتماع البشري عبر استعمال املنهج التجريبي واستخالص
القوانين املحركة للفعل التاريخي من خالل الوقائع التاريخية .وفي هذا
السياق ،ومن مرجعيات تصورية مختلفة ،تم تحليل قيمة التضامن
وأهميتها في استقرار الوضع االجتماعي وتحقيق الفرد لذاتيته .ويمكن
التمثيل لتلك التصورات بالنماذج الثالثة اآلتية :نموذج ابن خلدون،
وليون ديجي ،وأكسيل هونيث.
-1نموذج ابن خلدون:
لم يسلك ابن خلدون منهج األخالقيين من الفقهاء واملتكلمين
واملتصوفة والفالسفة في التعريف بنظام القيم ،وإنما اختار املنهج
التجريبي الذي يقوم على معايشة الوقائع املتشخصة بمادتها ،أي ذات
الوجود الكياني العياني ،حيث أبرز أن أهم عوامل التضامن االجتماعي
يعود إلى العصبية باعتبارها شعورا بالتالحم مع الجماعة والوالء الكلي
لها (مقدمة ابن خلدون) ،فهي تتولد في البداية من عالقات النسب
وأواصر القرابة ،ثم تتطور لتتخذ شكل الحلف أو االنتماء ،ثم تتحول
96
مؤد إلى نشوء عصبية الدولة ،التي حينما تستقر إلى والء مصلحي ّ
ٍ
وتوطد سيادتها قد تستغني عن العصبية وتحل محلها أجهزة الدولة.
فكلما ارتقت العصبية ارتقى التضامن املادي واملعنوي بين أفرادها
املنتمين لها .يقول“ :وذلك ألنا قدمنا أن العصبية بها تكون الحماية
واملدافعة واملطالبة وكل أمر يجتمع عليه ،وقدمنا أن اآلدميين
بالطبيعة اإلنسانية يحتاجون في كل اجتماع إلى وازع وحاكم يزع
بعضهم عن بعض ،فال بد أن يكون متغلبا عليهم بتلك العصبية ،وإال
لم تتم قدرته على ذلك ،وهذا التغلب هو امللك ،وهو أمر زائد على
الرئاسة ،ألن الرئاسة إنما هي سؤدد ،وصاحبها متبوع ،وليس له عليهم
قهر في أحكامه ،وأما امللك فهو التغلب والحكم بالقهر”.1
واعتماد ابن خلدون على استكشاف قيمة التضامن من الواقع
التجريبي ،إنما هو ضرورة منهجية ليس فيها استبعاد إلعمال األحكام
النظرية ملنظومة القيم التي يوجبها اإلسالم في االجتماع البشري ،بل
عمل على إبراز تكامل معرفي بين القيم وأحكام القيم ،حيث اتخذ
التاريخ ميدانا للدراسة تستخلص منه القيم والقوانين التي تحكم
الظواهر االجتماعية التاريخية ،والتي ال تستقيم أية برمجة للحاضر
واملستقبل إال على هداها .2وتكشف عالقة العصبية بالتضامن أهمية
االلتزام بالقيم في الدولة؛ إذ قد تبدو العالقة بينهما طردية باستمرار
على مستوى الكيف والكم ،فكلما التزمت بمزيد من القيم وعملت على
97 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع
تأصيلها في البنية االجتماعية ،كلما تمكنت من حماية وحدتها وإطالة
عمرها الحضاري ،وكلما عملت على التخلي عن االلتزامات القيمية
كلما عرضت نفسها للتدهور واالنحطاط.
-2نموذج ليون ديجي:
ذكرت املوسوعة السياسية 1أن نظرية التضامن االجتماعي قامت
على أسس نقد علمي للمذهب الفردي ،منها:
أوال :استمداد املذهب الفردي مقوماته األساسية من مبادئ مدرسة
القانون الطبيعي الذي قام على تقديس الحرية الفردية واعتبارها حقا
أساسيا وطبيعيا ال يجوز للدولة أن تمسها.
ثانيا :مغاالته في تقديس اإلرادة الفردية واالهتمام باملصلحة
الخاصة على حساب املصلحة العامة.
ثالثا :أن نظرته للحرية واملساواة ال تهتم بالفروقات الطبيعية بين
األفراد في الحاجة وفي القدرة ،األمر الذي يؤدي إلى اختالل التوازن
الواقعي بين األفراد ،وهو ما يبعد تحقق الطمأنينة في املجتمع.
ومن الذين طوروا نظرية التضامن االجتماعي :ليون ديجي الذي
اعتمد منهج املالحظة والتجربة في تكوين القاعدة القانونية من خالل
الوقائع االجتماعية ،وأكد في نظريته على األسس اآلتية:
أن اإلنسان اجتماعي بطبعه وال يستطيع العيش إال في جماعة،
وهذا يقت�ضي وجود مجتمع يعيش فيه اإلنسان مع غيره من الناس.
أن التضامن قائم بين جميع أفراد العالم ،إال أن التضامن
1 - https://political-encyclopedia.org/dictionary/
98
العالمي غير واضح وما زال متأخرا النقسام العالم إلى أمم.
أن اإلنسان قد يشترك في الشعور بحاجات متشابهة ويدفعه إلى
ذلك التضامن لتحقيقها.
أن شرعية القانون الوضعي ال بد لها أن يكون القصد منها خدمة
مبدإ التضامن االجتماعي ،وأن املجتمع يقوم على التضامن ،والقانون
هو تعبير عن هذا التضامن وتطبيق له.
أن القاعدة القانونية يجب أن تتوافر فيها صفتان :صفة
اجتماعية وصفة فردية ،فهي اجتماعية ألنها وجدت لتنظيم عالقات
األفراد واملجتمع ،وهي فردية ألن ضمير الفرد يشتمل عليها ،وألنها
تطبق على األفراد.
أن القاعدة القانونية هي التي يشعر جمهور األفراد بأنها ضرورية
والزمة لصيانة التضامن االجتماعي ،وأنه من العدل تسخير قوة الدولة
وعنصر اإلكراه واإلجبار فيها لكفاية احترامه ،وأن عنصر الجزاء في
القاعدة القانونية يرجع إلى إحساس الجماعة وشعورها بضرورة
وواجب احترام هذه القاعدة لتحقيق التضامن االجتماعي.
أن أساس القاعدة القانونية هو الشعور بالعدل والتضامن
االجتماعي.
ويقترح ديجي إقامة محكمة تتكون من ممثلين لكل الطبقات
االجتماعية مهمتها تفسير مفهوم التضامن تفسيرا ملزما.
وإذا كانت مميزات نظرية التضامن االجتماعي تكمن في إبراز الدور
األكبر الذي تقوم به الدولة والقانون من أجل تحقيق املساواة بين
99 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع
األفراد ،وتوطيد املصلحة العامة في منع تطرف املذهب الفردي .فإنها
تخضع الجميع تحت استبداد الدولة الذي ينكره املذهب الفردي،
وتلغي فكرة الحق وتحويلها إلى وظيفة اجتماعية ،حيث تجعل من
أصحاب الحقوق موظفين عاملين لتحقيق الخير املشترك دون النظر
إلى مصلحتهم الذاتية.
-3نموذج أكسيل هونيث:
وهو أحد أعضاء مدرسة فرانكفورت ومن أتباع فلسفة يورغن
هابرماس األخالقية ،ففي كتابه النضال من أجل االعتراف في الفلسفة
االجتماعية ،أو في كتابه مجتمع االزدراء ،1دافع بحرارة عن نظرية
االعتراف من أجل إعادة بناء شبكة العالقات االجتماعية واإلنسانية
ومعالجة األمراض االجتماعية ،نحو معاناة الظلم االجتماعي والسيا�سي
والالمساواة وكل أشكال االحتقار أو االزدراء؛ إذ ال يمكن تحقيق قيم
التسامح وكرامة اإلنسان وضمان حقوقه األساسية املشروعة أخالقيا
وسياسيا وقانونيا إال بتحقيق مبدإ االعتراف الذي أبان عنه من خالل
ثالث دوائر :دائرة الحب ،ودائرة الحق القانوني والسيا�سي ،ودائرة
التضامن االجتماعي.
فالحب بحسبه هو الصورة األولية لالعتراف؛ إذ أنه يربط الفرد
1 - Axel Honneth, La société du mépris, vers une nouvelle théorie critique,
traduit par Olivier voirol, Pierre rusch et Alexandre dupeyrix. Paris : la dé-
couverte. 2006.
Axel Honneth, La lutte pour la reconnaissance dans la philosophie social,
traduit par Pierre rusch,2013.
100
بجماعة محددة ،وخاصة األسرة التي تمكنه من تحقيق مقصد
الثقة في النفس بكونه منطلقا إلثبات
الوجود الفردي واملشاركة في الحياة
ال يمكن تحقيق قيم االجتماعية .ويأخذ الحق عنده طابعا
قانونيا وسياسيا ،بحيث يتم االعتراف التسامح وكرامة الإنسان
وضمان حقوقه الأساسية
المشروعة أخالقيا
باإلنسان ذاتا حاملة لحقوق مستحقة
وسياسيا وقانونيا إال تتوقف على االستقاللية القانونية .أما
بتحقيق مبدإ االعتراف التضامن االجتماعي – حسب هونيث
-فهو الصورة األكثر اكتماال لتعامل
الذات مع أفراد املجتمع وإقامة عالقات
دائمة معهم ،تؤكد لكل فرد تقدير ذاته ،وأنه يتمتع بمجموعة من
الصفات واملميزات التي تسمح له باالنسجام أو االندماج اإليجابي
مع وضعه االجتماعي .فالتقدير املتبادل بين الذوات الفردية يؤسس
لالحترام املتبادل في ضوء قيم املمارسة املشتركة.
ويمكن استخالص كون التضامن االجتماعي كما يراه هونيث،
تفسير عميق ملا دعاه أستاذه هابرماس بالعقالنية التواصلية التي
تنظم عملية التفاعل والتفاوت بين أفراد املجتمع ،فأكد أن االعتراف
شرط لتحقيق الهوية الشخصية املفارقة لهوية الفرد التي يمكن أن
تنشأ مستقلة عن القيم املشتركة للمجتمع .فاالعتراف في حقيقته
تضامن فاعل في البناء االجتماعي ،يواجه النزاعات والصراعات التي
تتولد عن الشعور بالظلم واالحتقار وفقدان الكرامة اإلنسانية.
101 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع
فبقدر ما كانت تجربة االعتراف الشرط األساس الذي يتوقف عليه
اكتمال الهوية الشخصية في جملتها ،بقدر ما يكون غيابه -بسبب
انتهاك شروط التفاعل االجتماعي -وسيلة لكيال يحصل اإلنسان على
االعتراف الذي يستحقه ،األمر الذي يولد عنده الشعور باالحتقار
الذي يجد به نفسه مهددا بفقدان شخصيته وهويته ،فتكون ردود
أفعاله بصفة عامة عبارة عن مشاعر أخالقية مرافقة لتجربة االحتقار
أي الشعور بالذل والغضب والسخط.1
إن القصد من هذه النماذج في تحليل التضامن االجتماعي بيان
االهتمام به في ضمان تحقيق الخير في املجتمع سواء تعلق بالحق أو
الكرامة أو الهوية أو االستقرار أو التسامح ،بعيدا عن تجارب االحتقار
واالزدراء وخاصة في زمن الجوائح املفاجئة التي ال يد لإلنسان في جلبها
أو في دفعها ،حيث يصاب الناس بخسائر مادية ومعنوية دون أن تكون
َ
في حسبانهم أو يعدوا لها عدة ت ِقيهم بأسها ،فقد يكون اإلنسان في
ضه الجائحة تع َّ
كفاية من العيش بل في سعة منه ،ولكن ال يلبث أن ُ
فتقلب حياته رأسا على عقب ،فقيرا بأنيابها فتؤمله بآالم مفاجئةْ ،
بعد غنى ،وعيشا نكدا مخيفا بعد طمأنينة وأمن .وهذه الجوائح كما
تصيب الفرد ،تصيب املجتمع والدولة ،فالدولة تتعرض بفعل الجوائح
الطارئة إلى مخاطر عديدة اقتصادية واجتماعية وسياسية ،قد تصل
بها إلى التراجع واالنهيار.
وفي البحث عن إيجاد الحلول املوضوعية آلثار الجوائح املادية
102
والنفسية ،يندرج سؤال التضامن من جانب العمل ،أهو متعلق
بذاتية الفرد ويقظة ضميره في الشعور بآالم اآلخر ،وليس للدولة أي
إلزام للفرد بالقيام بواجب التضامن ،أم أن القانون ومسؤولية الدولة
يفرضان القيام بواجب التضامن من حيث إنهما ال يتحققان فعال
إال إذا تحقق التضامن بشكل واقعي ،أم أن األمر هو ذاتي من حيث
املوقف من االعتراف باآلخر ،فيكون االعتراف محركا لفاعلية القانون
والدولة من أجل ضمان الحقوق ودفع االزدراء.
وإذا كانت هذه النماذج النظرية التاريخية تهدف إلى بيان التضامن
في سياق تطور مفهوم الدولة في التعامل مع منظومة القيم التي تكشف
أن االجتماع البشري قائم على التضامن في تفاعله مع الحق واالعتراف
والتواصل ،فإن فكرة التضامن ال تدرك في التحوالت القيمية في
الفكر الغربي ،إال بفهم املرتكزات التي قامت عليها فلسفة حقوق
اإلنسان ووالدتها من الصراع مع مقوالت للفكر املسيحي ،وبروز سيادة
العقل املطلقة في تقرير ماهية عدد من املفاهيم نحو القيم واألخالق
والعالقات السياسية وحقوق اإلنسان.
وهكذا من الثورة الفرنسية إلى الثورة الصناعية إلى تقوية
الرأسمالية والليبرالية في عصر الحداثة وما بعدها ،فنمى االهتمام
بالتضامن في تطور أجيال من الفكر الحقوقي حددها التشيكي كاريل
فاساك سنة ( 1977ويكيبيديا) في ثالثة :الجيل األول ويتعلق بالحقوق
املدنية والسياسية التي بدأت في الظهور خالل القرنين السابع والثامن
عشر ،وكان مضمونها الحرية الشخصية وحماية الفرد من االنتهاكات.
103 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع
ثم الجيل الثاني من الحقوق االجتماعية واالقتصادية والثقافية،
ومضمونها كيفية عيش الناس وعملهم سويا والضروريات األساسية
للحياة ،وتستند إلى أفكار املساواة ،وقد بدأت في الظهور مع بروز آثار
الثورة الصناعية وتطو الفكر الليبرالي وتقوية هيمنة الرأسمالية.
ثم الجيل الثالث من الحقوق ويتعلق بحقوق التضامن ،وتتعلق
بالحق في التنمية املستدامة والحق في السالم والحق في بيئة صحية،
وقد تم تقنينه في إعالن الجمعية لألمم املتحدة سنة .1986وعلى
الرغم من أن ظهور هذا الجيل الثالث تماهى مع النقد القيمي العميق
الذي كشف املآالت السيئة للحداثة والليبرالية ،فإنه لم يعكس في
بلورته القوة النقدية ملنظومة الفكر الحداثي القيمية واالقتصادية
والسياسية والثقافية .ويبرز غياب هذا االنعكاس في أهم االنتقادات
لحقوق التضامن التي تعلقت بكونها منوطة باملجتمعات والدول وليس
باألفراد ،وهذه اإلناطة من شأنها عدم العناية بالجيلين األولين من
الحقوق الفردية ،وما يقتضيانه من املساءلة واملحاسبة.
يبدو أن سؤال التضامن من خالل النماذج النظرية القيمية
والحقوقية ،محتاج ملزيد من التحليل والتفكير ،حيث تبرز مفارقة
كبيرة بين التنظير الفلسفي لقيم التضامن وبين مجريات الفعل
السيا�سي واالقتصادي الذي تقف تصرفاته أمام تحقيق التضامن
في أنواعه الفردية واملجتمعية والدولية ،ولعل بيان قصدية التضامن
من شأنها أن تفتح آفاقا من االجتهاد في جعل قيم التضامن من قوانين
التعارف في بناء سعادة لجميع البشر وليس فقط ملجموعة من البشر
104
ليس فقط في زمن الجوائح والكوارث ،بل في أزمنة الرخاء والضيق.
قصدية التضامن :نحو أفق كوني لقيم التعاون
لقد ارتبطت القصدية الغائية بفلسفة األديان أكثر من ارتباطها
بالفلسفة العقلية التي ال تهتم بالغايات إال من جهة قصدية الفاعل
الكائن في الحياة الواقعية ،وتوسع ارتباطها في فلسفة األديان يتأسس
على املزاوجة بين األخالق واألحكام .فمقاصد األحكام في اإلسالم قيم
أخالقية في جوهرها متعلقة باألوامر والنواهي .يقول ابن رشد« :وينبغي
أن تعلم أن مقصود الشرع إنما هو تعليم الحق والعمل الحق ،والعلم
الحق هو معرفة هللا تبارك وتعالى وسائر املوجودات على ما هي عليه،
وبخاصة الشريفة منها ،ومعرفة السعادة األخروية والشقاء األخروي.
والعمل الحق هو امتثال األفعال التي تفيد السعادة ،وتجنب األفعال
1
التي تفيد الشقاء .واملعرفة بهذه األفعال هي التي تسمى العلم العملي».
فقصدية الدين متعلقة بالعلم العملي الذي تتكامل فيه األفعال
الظاهرية وهي األحكام الفقهية ،واألفعال النفسانية هي األخالق ،من
حيث إن الخلق كما يرى ابن مسكويه «حال للنفس داعية لها إلى أفعالها
من غير فكر وال روية» ،2وهو عند الغزالي «هيئة في النفس راسخة
تصدر عنها األفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية ،فإذا
كانت الهيئة بحيث تصدر عنها األفعال الجميلة املحمودة عقال وشرعا
سميت تلك الهيئة خلقا حسنا ،وإن كان الصادر عنها األفعال القبيحة
105 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع
سميت الهيئة التي هي املصدر خلقا سيئا».1
وال قطيعة مطلقا بين الفعل الظاهري والفعل النف�سي ،فالثاني
مقصد لألول ،وحسن األول ال يتم دون حسن الثاني ،وبناء عليه فال
أحكام بال مقاصد ،وال مقاصد بال أخالق ،وال مقاصد دون تعليل،2
ولهذا كان أول أمر علمي أسس عليه الشاطبي فكرته املقاصدية هي
إثباته القطعي للتعليل في الدين ،3وأن ما ال يعلل باملصلحة يندر
وجوده.
وقصدية الدين أوسع من حفظ الكليات الخمس التي استقراها
األصوليون من مجموع النص الشرعي ،وحصروها في حفظ الدين
والنفس والعقل واملال والنسل ،وذلك ألن املفاهيم الدالة على املصالح
الكلية للدين متغيرة ،ولهذا قد نقول إن كلية القيم مقصد كلي،
وبحفظه يحفظ اإلنسان والكون ،فعندما تكون السيادة للقيم يتم
التفكير في مسالك تحقيق العمران الجالب للسعادة والخير والحق
والجمال.
وهكذا فقصدية التضامن متعلقة بحفظ الدين واإلنسان والكون،
باعتبارها علما عمليا لجلب املنافع ودفع املضار التي تلحق باإلنسان،
بسبب األمراض االجتماعية والنفسية ،أو بسبب الكوارث والجوائح
البيئية والصحية .فكان من مقاصد قصدية التضامن تحقيق مقصد
106
العدل بوصفه حقا اجتماعيا وإنصافا ملزما ،له ارتباط وثيق بنظرية
االعتراف وإلزامية الدولة والقانون ،وله ارتباط باملشترك القيمي بين
الفرد واملجتمع والدولة واألمة ،وباملشترك املصلحي اإلنساني بين الدول
واألمم ،وبالتفاعل بين األجيال املتعاقبة على جلب اختالف املصالح.
لكنه ارتباط نف�سي ووجداني وعقلي محتاج ملزيد من االجتهاد
العقالني في تكاملية الدين والعقل ،ولتنامي النقد املنهجي لتجربة
التفريق بينهما ،وكيف أن اإلقصاء ألحدهما يشكل سببا مركزيا في ميالد
أزمة القيم في الفكر اإلنساني والحضارة اإلنسانية .ولبيان االرتباط
بين قصدية التضامن ومقصد العدل االجتماعي ،يمكن تحديد ثالث
ركائز لهذه القصدية:
األولى :حرية الشعور.
الثانية :املساواة اإلنسانية.
الثالثة :التعاون اإلنساني.
فاألولى :تعتبر عقيدة اإلخالص مرجعا للحرية الشعورية ،من حيث
إن الشعور الباطني والنف�سي من ذاتية الفرد ال يبقى خاضعا ألي فعل
نف�سي يخضع للذة والشهوة املنتجة للظلم والتعدي .فالحرية مسألة
باطنية تلتقي بجذور الفطرة في تأصيلها ميزان العمل الخيري في ذاتية
كل نفس إنسانية .والتحرر من نزعات الشر ال يحصل حقيقة ما لم
تسنده رؤية واضحة لعقيدة التوحيد تجعله مستقال في اتخاذ قراراته
بعيدا عن كل ما يشوش اإلخالص لها في طلب أن تقوم الحياة على
جلب الحسنات ودفع السيئات.
107 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع
فبين الجلب والدفع يسمو اإلنسان في مواجهة دوافع الحياة التي ال
تقهر في جميع األحوال والتي ال بد أن يخضع اإلنسان لضغطها في أكثر
األحيان .ولن يكون التحرر الشعوري من لذائذ الحياة وشهواتها ضامنا
للفرد سعادته استنادا لعقيدة ال توازن بين املادة واملعنى في الحياة ،أو
استنادا لعقيدة عقلية ال ترى إال املادة والحس .فإذن الحرية الشعورية
املقصودة أوسع من كون الحرية هي التحرر من جميع السلط ،فهذا
التحرر بذاته سلطة ،ومن ثم كانت عقيدة اإلخالص مستقلة في بناء
مفهوم الحرية الشعورية املنتجة للقيم العالية .قال هللا تعالى ( :قل
هو هللا أحد هللا الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) (سورة
اإلخالص).
والثانية :إذا حصلت هذه الحرية الشعورية ووجدت من الضمانات
القانونية والتدبير السيا�سي ما يرسخ التحرر النف�سي ،فإن املساواة
حاصلة بالتبع ،بل النفس البصيرة بالتوحيد لن تقبل بالتفاوت البعيد
عن الحق ،وستكون نفسا رافعة مطلب تقرير حق املساواة ،ولن تقبل
بديل التفاوت القائم على الدين أو الجنس أو اللون أو اللغة أو املال
أو السلطة ،بل ستعمل بالحكمة القيمية ملعالجة التفاوت الخارج عن
القوانين الكونية والطبيعية والتشريعية.
فاملرجعية العقدية قررت وحدة الجنس في املنشإ واملصير،
وفي الحقوق والواجبات ،ال فضل إال بالعمل الصالح وال كرامة إال
بالتقوى ،يقول هللا تعالى« :ولقد خلقنا اإلنسان من ساللة من طين
ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة
108
مضغة فخلقنا املضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا
آخر فتبارك هللا أحسن الخالقين) (سورة املؤمنون ،)12-14 :ويقول( :
ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات،
وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيال) (سورة اإلسراء .)70 :ويقول
النبي عليه الصالة والسالم« :أنتم بنو آدم ،وآدم من تراب» .1وبهذا
التقرير بنص الوحي القطعي يتقوى الشعور الوجداني الفردي باملساواة
روحا ومعنى ،لتكون مسلكا واقعيا نحو تحقيق عدالة اجتماعية غير
محدودة بعنصر وال قبيلة وال دولة وال سلطة.
والثالثة :كما ضبطت عقيدة التوحيد الحرية الشعورية واملساواة
اإلنسانية ،ضبطت التعاون اإلنساني ،فقد عملت على إبراز دور
التعاون بين األفراد واملجتمعات في تحقيق العدل االجتماعي ،ولم تترك
الحرية الفردية واملجتمعية في فو�ضى ،فأبان النص الشرعي عن وسطية
فريدة بين مصلحة املجتمع ومصلحة الفرد ،فللمجتمع مصلحة عليا ال
بد أن تنتهي عندها حرية األفراد ،وللفرد ذاته مصلحة خاصة ال بد
أن ال تؤدي إلى اإلضرار باملجتمع .وعلى قاعدة ومبدإ ال ضرر وال ضرار
أسس التكامل بين املصلحة العامة والخاصة سبيال النتظام االجتماع
البشري واستقامة العيش في الوجود.
فالدولة مؤسسة اجتماعية تتحمل مسؤولية كفائية للسهر على
تطبيق القانون من أجل ترسيخ وحدتها العقدية والشعورية ،التي
- 1أخرجه أبو داود يف سننه ،كتاب األدب ،باب يف التفاخر باألحساب ،رقم
الحديث .5116
109 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع
تحصل مصالح أفرادها وتقوي التكافل بينهم ملواجهة تحديات الحياة
ومنها زمن الجوائح بحماية الضعفاء ورعاية تحقيق العيش الكريم
كل على حدة ،يتحمل مسؤولية عينية في تزكية ذاته لهم .واألفراد ٌّ
وعالقتها بمحيطه األسري واملجتمعي ،وفي حفظ دينه ونفسه وعقله
وماله ونسله ،بما يؤطره معرفيا ليكون حارسا أمينا على رعاية املصالح
العامة للدولة واألمة.
إنها معادلة اجتماعية للتضامن بين الدولة وأفرادها منضبطة
بقواعد علمية ال تطغى فيها الحرية الفردية على الحرية الجماعية وال
العكس .قال تعالى( :وتعاونوا على البر والتقوى وال تعاونوا على االثم
والعدوان) (سورة املائدة ،)2 :وقوله( :وقل اعملوا فسيرى هللا عملكم
ورسوله واملومنون) (سورة التوبة .)105 :فمعادلة التضامن االجتماعي
قائمة على تعاون مشروط بالبر والتقوى ،وعلى عمل مشروط أيضا
بتقييم الدين واملجتمع والدولة والعالم ككل .ولذا كان التضامن
قضية أخالقية وقيمية وشرطا علميا وسببا واقعيا في تحقيق العدل
االجتماعي املثبت للحقوق واملنصف للكرامة اإلنسانية.
وبهذا يتبين أن العدل االجتماعي بركائزه الثالث ليس قضية فرد
أو مجتمع أو دولة ،إنها قضية إنسانية وحضارية مقصدها التعاون
اإلنساني والتكافل ،فاإلنسانية كلها مطالبة بتحقيق التعارف باعتباره
مقصدا لخلق هللا الناس مختلفين (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر
وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند هللا أتقاكم إن
هللا عليم خبير) (سورة الحجرات :اآلية ،)13وإن هذا يقت�ضي تحقيق
110
حق الجوار اإلنساني حسب القوانين القيمية املشتركة ،قال الرسول
عليه الصالة والسالم« :وهللا ال يؤمن ،وهللا ال يؤمن ،وهللا ال يؤمن،
َ
قالوا من يا رسول هللا؟ قال :الذي ال يأمن جا ُره بوائقه» ،1فعموم
الجار يؤسس مطلب مد اإلنسان العون لكل إنسان محتاج للعون
بأصول معتبرة بغض النظر عن االختالف الديني والعرقي واللغوي .إنها
املجاورة اإلنسانية ،فال �شيء في الوجود يعيش لنفسه ،لكنه محكوم
بسنن دينية وطبيعية وكونية تيسر تفاعله مع املوجودات.
ويستنبط من خالل ما تقدم أن فلسفة التضامن االجتماعي قاعدة
أوسع من التأمين .وذلك أن فكرة التأمين تقوم على أساس اشتراك
جمع غفير من الناس في إزالة الضرر الحاصل بسب من األسباب ،فلو
بقيت هذه اإلزالة الجماعية آلثار الخطر على خلفية التعاون اإلنساني
والتكافل االجتماعي ،لكان تضامنا اجتماعيا ناتجا عن الشعور القيمي
بفعل الخير وعالقته بالحق اإلنساني .لكن ملا تحول من األريحية
اإلنسانية الخيرة التي قد تنتظم في عقد تعاوني ،إلى عقد استرباح مادي
هم فيه للشركة املؤسسة إال الربح والزيادة فيه ،لم يبق خاضعا ال ّ
للتضامن الخيري في إطالقه العام .ولهذا فالتأمين االجتماعي أو الصحي
أو التجاري على الحوادث والجوائح مثل جائحة كوفيد ،19له قوانينه
التنفيذية التي ال تندرج ضمن قصدية التضامن الخيري االجتماعي
وقيمها األخالقية.
111 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع
وقد يظهر هذا في اعتبار الزكاة والصدقة نموذجا للقيم العملية
من حيث هي فلسفة خلقية لها ارتباط وثيق بتفعيل قصدية التضامن
االجتماعي في تنشيط العمل الخيري خصوصا في زمن الجوائح ،التي
تكثر فيها حاجة املحتاجين للحفاظ على عيشهم وكرامتهم .فحينما
تنتظم الزكاة والصدقة باعتبارها فرضا شرعيا جامعا بين رؤية
أخالقية وتدبير مالي ،في تطبيق مؤس�سي يخرجها من الواجب الفردي
إلى واجب الدولة الذي تمارسه انطالقا من سيادتها ،1فتن�شئ جهازا
مكلفا بشؤون الزكاة والصدقة ،يعمل على جبايتها وتنظيمها حتى تقوم
بالتمويل لكل ذي تجارة أو حرفة أو خدمة عامة وخاصة ،يحتاج معها
إلى مال يفتقده .وبهذا تغطى جوانب املحتاجين بنوعين من اإلنفاق:
أحدهما اإلنفاق االستهالكي الذي يتعلق مثال بالعجزة واملر�ضى واأليتام
واملشردين واملعوزين والعاطلين ...أو اإلنفاق االستثماري الذي يتعلق
مثال بالفقراء القادرين على العمل واإلنتاج كالتجار والصناع والحرفيين
وأرباب املشاريع التجارية والصناعية الصغرى.
إن قصدية التضامن االجتماعي وعالقتها باملنظومة القيمية الكونية
في مواجهة تحديات الكوارث النازلة في الواقع واملنتظرة في املستقبل ،ال
تقف عند حدود املعالجة ملراعاة أخالق الجوار في التعاون ،بل تتعداه
- 1قال ابن العربي يف تفسير قوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم
وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم ) سورة التوبة اآلية :103إن الخطاب خص هبا ّ
به النبي صلى اهلل عليه وسلم ويشركه فيه جميع األمة معنى وفعال .أحكام القرآن
.577-574 /2وهذا مما يستنبط منه جواز إشراف الدولة على شؤون الزكاة
بتنظيم مؤسسة تابعة لها على تدبير أمور الزكاة جباية وتوزيعا وصرفا لمستحقيها.
112
إلى مالحظة مشكلة التنمية التي تتم تحت مظلة التضامن والتعاون
الدولي ملحاصرة وطأة الفقر والحرمان وأمراض التخلف الحضاري.
وتبرز هذه املشكلة من خالل ما يبرزه جلبار ريست 1من أن التنمية
عهد جديد ومشروع جماعي للبشرية ،يخدم املصالح الخاصة للدول
األكثر قوة في العالم.
لكنها تقدم في صيغة استراتيجية شاملة تخدم الصالح العام،
فتحدد بوصفها مجموعة من التدابير التقنية ،توظيف املعرفة
العلمية ،وتنمية اإلنتاجية ،وتقوية املبادالت الدولية ،ولهذا حسب
جلبار يتم تعريف التخلف بوصفه حالة حرمان عوض تعريفه بوصفه
نتيجة لظروف تاريخية ،واعتبار املتخلفين مجرد فقراء بدون التساؤل
عن أسباب عوزهم .ولذا ،فالسبيل الوحيد املمكن للخروج من الفقر،
من منظور الدول الغربية املانحة هو منطق الدخول في سكة التنمية
التي رسموها للنمو واملساعدات ،وشرط ذلك الدخول هو اإلرغام على
االنخراط في التبعية االقتصادية والثقافية وتحقيق مصالح املانحين
بالدرجة األولى.
إن ما يمكن استنتاجه هو أن املساعدات املوصلة للتنمية ليست
قائمة على أي نظرية من النظريات األخالقية في الغرب نحو ما قدمنا
عند ليون ديجي في تأسيس التضامن االجتماعي على الحق والقانون ،أو
أكسيل هونيث في تأسيس وجوب االعتراف باآلخر ،ويمكن أن نضيف
- 1ابتداع التنمية ،ترجمة الحسن مصباح ص ،37مجلة المنعطف ع ،24-23
سنة .2004/1425العنوان األصلي للمقال L’invention du développement
وقد نشر يف مجلة .L’écologiste-vol 2- n4 –hiver 2001
113 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع
إليهما العدالة كإنصاف كما يقدمها جون رولز ،وأخالق العناية كما
تقدمها فيرجينيا هيلد .1األمر الذي قد يفتح مزيدا من التأمل الفكري،
واالجتهاد املبدع في تطوير ما تتضمنه قصدية التضامن من الجمع
بين املنطق األخالقي النظري والعملي ،الذي يلزم بتفعيل مبدإ التعاون
املؤسس على قاعدة حق املحتاج واملحروم في أموال األغنياء من األفراد
والدول.
وقد يتجه هذا التطوير نحو جهتين :األولى تتناول بناء القيم
الكونية املشتركة املحققة للتعاون االجتماعي اإلنساني املتجاوز لعوائق
كونية غربية تفرض رؤيتها ملواجهة الفقر بحق القوة .والثانية تتناول
بناء استراتيجيات لبرامج التضامن في زمن الجوائح ال تخضع لنفس
املرجعية القيمية ،التي أسست عليها برامج منظمات عديدة لألمم
املتحدة ،وذلك بقصد تشييد أفق قيمي كوني ،يصنع عهدا حقيقيا
يعم عالم اإلنسانية من السالم والسعادة والرفاهية.
خاتمة:
إن سؤال التضامن ومنظومة القيم في الواقع العالمي املعاصر سؤال
معقد يطمح إلى إخراج التضامن االجتماعي من كونه حسابا مصلحيا
كميا وكيفيا في املنظور االقتصادي الليبرالي املهيمن على العالم؛ إلى
- 1أخالق العناية ،ترجمة ميشال حنا متياس ،عالم المعرفة ع .2008 /356
وهي ترى أن العناية قد تقدم األخالق األوسع واألعمق والتي يجب البحث يف
داخلها عن العدالة (ص ،)26فهما متمايزان من حيث إن العدالة ترتكز على أسئلة
تتعلق باإلنصاف والمساواة والحقوق الفردية والمبادئ المجردة والتطبيق الذي
يتناسب معها ،وترتكز أخالق العناية على العناية والثقة واالستجابة ص .22
114
كونه قيمة خلقية عملية حاكمة على العقل اإلنساني املعاصر ،فتعيد
صناعته من أجل التفكير في حقيقة اإلنسان وغائية وجوده.
ومستقبل التضامن يتوقف على
إدراك العالم املعاصر أن مبدأ مسؤولية
تحقيق مبدإ التضامن ال تقل عن مستقبل التضامن يتوقف
مسؤولية مبدإ حرية السوق واالقتصاد ،على إدراك العالم المعاصر
أن مبدأ مسؤولية تحقيق
مبدإ التضامن ال تقل عن
ولذا يتوجب تفعيل منظومة قيم حرية
مسؤولية مبدإ حرية الشعور واملساواة والتعاون للحد من
السوق واالقتصاد الفقر القيمي في تدبير حرية السوق في
النظام الليبرالي.
وإذا كان من فعل حضاري لقصدية
التضامن فإنه يتحدد في مطلب إحداث تغيير شمولي على األخالقية
السائدة في املجتمعات املعاصرة ،فقد تكون هناك سيولة في الحديث
عن األخالق العقلية ،لكن جانبها العملي أنتج تناقضات يبتعد بها الفعل
السيا�سي واالقتصادي عن مبادئ تحقيق العدل االجتماعي .يقول
أولريش شيفر «إننا نشهد من كثب كيف تولد الرأسمالية املحررة من
القيود فائزين ومندحرين ،وكيف تجازي بال حساب وتعاقب بال رحمة،
وكيف تؤدي إلى تزايد هوة التفاوت بين الفقراء واألغنياء اتساعا ،فما
من أحد يشك في أن الهوة الفاصلة بين شرائح املجتمع املختلفة قد
أخذت تزداد اتساعا» ،1وبهذا يتأكد أن من الحلول املعتبرة لردم هوة
115 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع
التفاوت غير الطبيعي ،الوعي باالجتهاد اإلبداعي في تحقيق قصدية
التضامن وجعلها قوة عاملة وعاملة تسعى نحو تكريم اإلنسان وتوفير
الجهد في عملية التنمية الحقيقية املستدامة املجددة للطاقة الخلقية
واملعرفية واإلنتاجية في العالم.
إن تعميق وظيفة التعارف واالعتراف في بناء منظومة قيم كونية
روحية وإنسانية كالعدل االجتماعي واملساواة ومحاربة الظلم وحفظ
النفس وتكريم اإلنسان ومناهضة االستعالء= منظومة متكاملة تنمي
الشعور باملسؤولية األخالقية التي ال يبقى معها مفهوم التضامن
االجتماعي في تحليله وتركيبه محصورا في مرجعية ثقافة وحضارة
واحدة ،بل يتوجب النظر إليه من خالل قراءة معرفية لجدلية
الخصو�صي والكوني ،وللعالقة التفاعلية املتوازنة بين الحضارات
والثقافات ،التي ال يتم معها الشعور باستعالء طرف حضاري على
آخر أو بهيمنة حضارة على الحضارات .فمن شأن حوار الحضارات
وتحالفها وتحقيق التكافؤ بينها ،أن يدعم خروج األخالقية الكونية من
حيز املثل العليا والتنظير الفكري إلى حيز الواقع العملي والتطبيقي،
والتي بها يتحقق التعافي من األنانية الحضارية التحيزية ،وتحقيق
االستراتيجيات لبرامج التضامن االجتماعي ذات األبعاد العملية التي
تحقق الحوار بين القيم ،وتبتكر مناهج واقعية ألخالق كونية التعارف
واالعتراف من أجل االستثمار في الخير ،وبناء عالم أفضل متوافق على
املصالح الحقيقية ال املوهومة ،وخال من الصراع حولها.
116
تعتبر جائحة كورونا اختبارا مهما لتقديم أجوبة علمية لسؤال
التضامن ومنظومة القيم الكونية ،فهي كما تدعو األسرة اإلنسانية
ملزيد من التضامن فيما بينها على املستوى الوطني واإلقليمي والعالمي،
تدعو أيضا العقل اإلنساني إلى مساءلة ذاته في نظامه التجريدي واملادي
والتقني والوضعي ،وممارسة النقد التفكيكي ملسار العوملة والليبرالية
املتوحشة في موقفها الفكري من التنمية املستدامة ،والنظر املعرفي
الجاد في العودة إلى األخالق الدينية وراهنيتها وإدراك مدى أهميتها في
جعل التضامن قيمة مركزية في سبيل تحقيق منظومة أخالقية كونية
متوازنة جوهرها إنسانية اإلنسان.
117 ﻣﺠﻠﺔ ﻓﺼﻠﻴﺔ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺗﻌﻨﻰ ﺑﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﺗﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﻣﻨﺘﺪﻯ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ -صيف / 2020العدد التاسع