Professional Documents
Culture Documents
08 الفصل الثالث
08 الفصل الثالث
تمهيد:
يعتبر موضوع القيم موضوعا شاسعا ومتشعبا ،تناولته كثير من العلوم مثل االقتصاد
والفلسفة وعلم النفس وعلم االجتماع ،وذلك ألن القيم تدخل في كافة مجاالت وأنشطة الحياة،
وتتعلق بعدة أبعاد مادية كانت أو غير مادية ،مثالية أو واقعي..ة ،حاض..رة أو تاريخي..ة أو
مستقبلية ،وقد حاولنا في هذا الفصل اإلحاطة بأهم العناصر المرتبطة بهذا المفهوم.
"كثيرة هي التعاريف التي وضعت للقيمة فمنها ما تعرض للمعنى الروحي وآخ..ر
.دور .فية ال.
.ذاهب الفلس.
.ان للم.
إنتحى منحا ماديا وثالث دينيا ورابع اقتصاديا ...إلخ ،وك.
.اني من األساسي في إلباس القيمة معناها ،من خالل اتجاهها الفلسفي" ،1وخالل النص.
.ف الث.
القرن التاسع عشر بدأ علماء األنثروبولوجيا الحضارية وعلماء االجتماع يضمون جه..ودهم
إلى جهود الفالسفة" ،2وأنتج هذا تباين.ا لآلراء ح.ول طبيعته.ا وخصائص.ها وتص.نيفاتها
ومصادرها ولعل من أبرز التعريفات السوسيولوجية للقيم ما يلي:
تالكوت بارسون Talcolt Parsonsحيث يعرفها "أنها عنصر في نسق رمزي مشترك
يعتبر معيارا ،أو مستوى لإلختيار بين بدائل التوجيه التي توجد في الموقف ،ويعرفه ك..ذلك
أنها المعايير التي نحكم بها على الشيء أنه مرغوب فيه أو غير مرغوب فيه.
ويرى إميل دوركايم أن القيم هي إحدى آليات الضبط االجتماعي المستقلة عن ذوات
األفراد الخارجة عن تجسداتهم الفردية" ،3فبالنسبة له القيم صورة من صور أسبقية المجتم.
.ع
على الفرد وقهريته له فهو مصدر القيم ومنبعها.
يعتقد هنري مندراس Henri Mendrasأن القيم تمثل نسقا في التنظيم المعنوي الذي
يوجه فعاليات السلوك اإلنساني ،وهي بالتالي تعكس منظومة احتياجاتنا واهتماماتنا".4
.لوك
.كال الس..ات وأش. .ور والغاي.
و"يعرفها حليم بركات بأنها المعتقدات حول األم.
.اراتهم وتنظم
.رفاتهم ،اختي.
.واقفهم ،تص.
المفضلة لدى الناس ،توجه مشاعرهم ،تفكيرهم ،م.
.جرة
.ر ،دار الش.
– .أزمة الهوية و أثرها على القيم في المجتمع العربي المعاص. - 1محمد علي جمعة ،التخلف و التبعية
لخدمات الطباعة ،دمشق ،ط ،1997 ،1ص .94
،160 .
- 2عبد اللطيف محمد خليقة ،ارتقاء القيم – دراسة نفسية ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،العدد
أبريل ،1991ص .7
- 3ماجد الزيود ،الشباب والقيم في عالم متغير ،دار الشروق ،عمان ،األردن ،ط ،2006 ،1ص .22
- 4المواقف :للدراسات والبحوث في المجتمع و التاريخ ،عدد ،03ديسمبر ،2008ص .369
2
الث: ل الث الفص
القيم
عالقاتهم بالواقع والمؤسسات واآلخرين وأنفسهم والمكان والزمان ،وتسوغ مواقفهم وتح..دد
هويتهم ومعنى وجودهم ،أي تتصل بنوعية السلوك المفضل بمعنى الوجود والغايات."1
من التعاريف السابقة يتضح أنها تشترك في عناصر هي أن القيم عبارة عن مقاييس
مرجعية مشتركة لتفضيل وترغيب األشياء عن بعضها ،وهي تعمل كمحدد وموجه لس..لوك
األفراد ،وبالتالي متعلقة بالتفاعل المستمر بين الفرد وجماعته أي باإلطار العالئقي الذي يربط
.لوك في.وابط الس..د ض. بينهما ،وهي تقوم بوظيفة تنظيم الحياة االجتماعية من خالل تحدي.
العالقات مع اآلخرين ومع المؤسسات االجتماعية ،فهي وإن ك..انت توج..د على مس..توى
التصور الذهني في داخلنا فمصدر هذا التصور هو المجتمع وما يضعه من مقاييس ومعايير
لتحديد ما هو مرغوب اجتماعيا .
غير مرتبطة بزمن معين :فالقيم إدراك يرتبط بالماضي والحاضر والمس..تقبل ،وهي
بهذا المعنى تبتعد عن معنى الرغبات ،أو الميوالت التي ترتبط بالحاضر فقط.
تمتلك صفة الضدية :فلكل قيمة ضدها مما يجعلها قطبا إيجابيا ،وقطبا سلبيا ،والقطب
.ا يمكن أن
.الب م. .ل القطب الس. اإليجابي هو وحده الذي يشكل القيمة ،في حين يمث.
نسميه(ضد القيمة أو عكس القيمة).
معيارية :بمعنى أن القيم تعتبر بمثابة معيار إلصدار األحك..ام ،تقيس وتقيم وتفس..ر
وتعلل من خاللها السلوك اإلنساني.
.ا،
.ه يتم تعلمه.
.نى أن.
.ة بمع. متعلمة :أي أنها مكتسبة من خالل البيئة وليست وراثي.
2
واكتسابها عن طريق مؤسسات التنشئة االجتماعية المختلفة .
: +أي متغيرة وليست مطلقة "فلكل مجتمع قيمه ومثله ومقاييسه التي تتالءم م..ع نسبية
بيئته ومعطياته االجتماعية واالقتصادية ومع درج.ة تقدم.ه الحض.اري ونض.وجه
3
االجتماعي وروح العصر والمفاهيم التي يتمسك بها أبناؤه.
موضوعية :فقد أكد ماكس شيلر Max Shelerبأن الوعي بقيمة األشياء هو بمثابة
رد فعل إنساني وحركة تبادلية بين عالم األشياء و وجودها الواقعي من جه..ة ،وبين
عالم الذات وظروفها االجتماعية من جهة أخرى حيث أن الناس يتطلعون إلى المث..ل
- 1ماجد الزيود ،المرجع السابق ،ص .23
- 2نفس المرجع ،ص .24
- 3إحسان محمد الحسن ،عدنان سليمان االحمد ،المدخل إلى علم االجتماع ،دار وائل للنشر و التوزيع ،عمان – االردن،
ط ،2005 ،1ص.447
3
الث: ل الث الفص
القيم
العليا استنادا إلى ذلك الوعي االجتماعي الشائع حولها ،بمعنى أن الوعي الموضوعي
بالقيم هو بمثابة حركة مؤيدة ألشياء اجتماعية.1
.ده
" +إن الفرد في حياته يحاول أن يحقق كل رغباته التي يعتقد أن لها قيما عن. تراتبية:
.ا
.يرا م. لكن طبيعة الحياة نفسها وطبيعة الظروف التي تحيط به تحول دون ذلك وكث.
.ها.عها لبعض. يحدث تعارض بين القيم التي يدين بها ولذلك نجد أنه يحاول أن يخض.
البعض فيخضع األقل قبوال عند الناس لألكثر قبوال وفقا لترتيب خاص به ،يضعها في
مراتب ودرجات وهذا ما اصطلح على تسميته علماء االجتماع بسلم القيم.2".
أنواع القيم: .3
يقر كثير ممن تعرضوا لبحث القيم ودراستها أنه من العسير تصنيفها تصنيفا شامال،
+ورلي": Sorleyمن .ول س+ فيقول كالكون " لم نكتشف بعد تصنيفا شامال للقيم" ،ويق.
المستحيل أن تكون هناك قاعدة يمكن على أساسها تحديد كل أن..واع القيم أو تمي..يز
بعضها عن بعضه" 3وفيما يلي بعض التصنيفات التي أعطيت للقيم :
.تنفيذها بالقوة كالقيم
حسب شدتها" :وهي إلزامية تكون ملزمة للجميع من الضروري
.زمهم .ه ال يل..ا ولكن..ك به. .راده على التمس. الدينية ،وقيم مفضلة يشجع المجتمع أف.
بمراعاتها ،وقيم مثالية وهي التي يحس الفرد بصعوبة تحقيقها بصورة كاملة كالدعوة
إلى مقابلة اإلساءة باإلحسان".4
حسب ديمومتها" :كالقيم العابرة التي تزول بسرعة ،مثل الموضات والبدع والنزوات،
ويقبل عليها المراهقون بالدرجة األولى ويعتقد أنها ترتبط بالقيم المادية ،والقيم الدائمة
.القيم
.ط ب. التي تدوم زمنا طويال ،وتمتد جذورها في أعماق التاريخ ،ويعتقد أنها ترتب.
الروحية".
5
حسب موضوعها :وذلك كما هو موضح في الشكل رقم ()01
أمثلة أو عينات
القضية نمط القيم الرقم
منها
- 1قباري محمد اسماعيل ،المدخل إلى علم االجتماع المعاصر – مشكالت التنظيم واالدارة والعل.وم الس.لوكية ،منش.أة
المعارف ،ط ،1980 ،1ص.432
- 2فوزية دياب ،القيم و العادات االجتماعية :بحث ميداني لبعض العادات االجتماعية ،دار النهضة للطباعة و النش..ر،
بيروت ،ط ،1980 ،2ص .27
- 3نفس المرجع ،ص .73
- 4ماجد الزيود ،المرجع السابق ،ص .25
- 5عبد اللطيف محمد خليقة ،المرجع السابق ،ص .118
4
الث: ل الث الفص
القيم
حسب وظائفها" :كالقيم االقتصادية ،والسياسية والدينية ...بمعنى ربط كل قيمة بنظام
1
اجتماعي معين كما فعل دوركايم".
.ع إلى
"كما قدم نيلسون Nilsonتصنيفا للقيم في ضوء ارتباطها بالنمط البنائي للمجتم.
.يز القيم على.دما م. فئتين :قيم تقليدية ،وقيم عقلية ،وهذا ما فعله روبرت رودفيلد عن.
.ة،
.وده القيم التقليدي.
أساس نوع المجتمع إلى قيم خاصة بالمجتمع الحضري الذي تس.
2
وقيم خاصة بالمجتمع الحضري الذي تسوده القيم العصرية".
وقد اعتمدنا نحن التصنيف الوظيفي الذي جاء به دور كايم ألنه يخدم توجه بحثنا .
اإلنتماء إلى لقيم يرمز بدوره إلى اإلنتساب إلى مجتمع معين وبالنتيجة ،ف..إن ع..الم
النماذج والقيم يظهر بمثابة عالم رمزي كبير تتحرك فيه العناصر االجتماعية الفاعلة،
1
المجموعات والجماعات والحضارات".
"تعمل القيم على ربط أجزاء الثقافة بعضها ببعض لكي تبدو متناسقة وتخ..دم ه..دفا
محددا ،كما تعمل على توجيه الفكر نحو غايات محددة فالمفكر مهما ك..ان علي..ا أو
تقدميا ال يستطيع اإلرتقاء باألمة إن لم يكن مرتبطا بمنظومة القيم".2
"إن الفكر االجتماعي غالبا ما يعطي للقيم األخالقية دورا هاما في عملية قيام المؤسسة
ومراقبة المجتمع ،وهكذا فإن إحدى أهم النظريات االجتماعية تق..ول :إن المع..ايير
األخالقية ،باعتبارها محور تقويم الثقافة المتداولة ،هي قلب اآلليات المثبت..ة لنظ..ام
3
التفاعالت االجتماعية".
"يرى بارسونز أن استمرار الجماعة مرهون بضمان تجديد القيم ،ويميز بين أربع..ة
أنساق فرعية مترابطة (ثقافية ،سياسية ،اقتصادية ،اجتماعية) ،التي تؤدي بدورها إلى
4
تماسك كل تجمع اجتماعي".
.ات .ة والتوقع. .داث التاريخي. "يمكن القول أن الوظيفة األساسية للقيم هي تحويل األح.
5
المستقبلية إلى قيم حاضرة ساكنة".
"تهييء لألفراد اختيارات معينة تحدد السلوك الصادر عنهم ،فهي تلعب دورا هاما في
تشكيل الشخصية الفردية وتحديد أهدافها في إطار معياري ص..حيح ،وتعطي الف..رد
6
إمكانية أداء ما هو مطلوب منه ليكن قادرا على التكيف والتوافق بصورة إيجابية".
"إن القيم التي يجعل منها الباحثون اليوم عناصر كامنة في السلوك البشر تنش..أ في
نظرهم من التجربة البشرية ،ومن ثمة تكون قابلة للتأثر بأي ظرف من الظروف ،بم.ا في.ه
الظروف االجتماعية التي تمس التجربة" ،7ولم تشهد التجربة البشرية منذ بدء التاريخ تغ..يرا
سريعا وصارخا وعميقا مثل الذي شهدته بعد الثورة الصناعية والتي أفرزت بدورها ث..ورة
اتصالية ومعلوماتية هائلة فتحت المجال أمام التدفق الحر للمعلومات والقيم واألفكار والس..لع
والمنتوجات نتيجة النتشار وسائلها وتقنياتها عبر العالم ومع ما وفرته من حري..ة وس..رعة
-دالل ملحس استيتيه ،التغير االجتماعي و الثقافي ،دار وائل ،عمان ،االردن ،ط ،2004 ،1ص .302-301 2
-محمد بلفقيه ،العلوم االجتماعية و مشكلة القيم – تأصيل الصلة ،-دار نشر المعرفة ،الرباط ،ط ،2007 ،1ص .67 3
-طارق كمال ،علم النفس و القيم ،مؤسسة شباب الجامعة ،اسكندرية ،ط ،2008 ،1ص .45 5
6
الث: ل الث الفص
القيم
.الم تحتوانفتاح في التبادالت المادية وغير المادية بين األطراف المختلف.ة في أرج.اء الع.
.وذج .ذو النم..ذي ح. شعار العولمة أو الكونية فقد أصبح هذا األخير بحق قرية صغيرة تحت.
الغربي وأدى هذا إلى تغيرات ملحوظة في البلدان النامية على المستوى االجتماعي والثقافي
من نظم وبنى ومؤسسات وقيم وتصورات وفي كل عناصر الثقافة ويؤكد المهدي المنج++رة
أننا "نالحظ اليوم في العالم تقلصا مزدوجا فيم جال المكان ،وفي مجال الزمن والتقنية تق..وم
بإنشاء حيزها المكاني الخاص باستقالل عن العالم ،وبذلك تبتعد التقنية شيئا فش..يئا عن القيم
1
اإلنسانية".
ويمكننا أن نلمس هذا التغير في تحول نظام األسرة في المجتمعات العربية عموم..ا
.ة.ع والمؤسس. .تركيب المجتم. والمجتمع الجزائري خصوصا -التي تعتبر النواة األساسية ل.
األولى المنوطة بعملية التنشئة االجتماعية حيث نلحظ ضعفا في الروابط األس..رية "بس..بب
تراجع سلطة الوالدين في السيطرة على ضبط سلوك األبناء ،فعالقة اآلباء باألبناء وعالق..ة
الرجل بالمرأة كانت تحدد على أساس النظام األبوي والذي يتمثل في هيمن..ة الرج..ل على
.ن.وري الس. .لطة على مح. .ا للس.المرأة وهيمنة الكبار على الصغار ما يعني توزيعا هرمي.
والجنس" ،2وتمثل قيم الشرف واالحتشام والجماعية والطاعة عناصر أساسية في هذا النظ.
.ام
وتتصل قيمة الشرف بسلوك الفرد ولكنها ال تقتصر عليه بل تمتد لتشمل العائل..ة كجماع..ة
تتوحد فيها المسؤولية وتتماثل فيها الذات مع الجماعة ،وعلى وجه التحديد تربط هذه القيم..ة
3
سلوك المرأة بشرف الرجل.
وتجدر اإلشارة هنا إلى أن "تعرض المجتمع لهجمات التغيرات الثقافية الجديدة يؤدي
إلى تعرض عناصرها الثقافية االجتماعية للتغير بنسب متفاوتة ولكن تغير العناصر الثقافية ال
يتم بنفس السرعة...فالتغير السريع في إحدى جوانب ثقافتنا يتطلب تكيفات أخرى في مختلف
أجزاء الثقافة المترابطة ،وعندما ال تتغير األجزاء تتعرض الثقافة لألزمة الثقافية أو القيمي..ة
.بين القيم والمعايير الثقافية"" ،4كما تجدر اإلش..ارة أيض..ا أن
والتي تشير إلى غياب التوازن
التغير قد يصيب القيم في تدرجها ومراتبها أكثر من خلق قيم جديدة ،فالتدرج في القيم يتبدل
ويتغير ،وتضعف القيم السائدة وتحل محلها قيم أخرى من متغيراتها.5
ال يخلو أي مجتمع في عناصر بنائه من التناقضات والصراعات القيمية منها ما هو
وظيفي ،ونقصد أنه ضروري في سيرورة وتطور المجتمعات ومنها ما هو مؤشر للمشكالت
.دث بين االجتماعية ،وكالهما يظهر على مستويات مختلفة ،ومن الصراعات الطبيعية ما يح.
األجيال وهو صراع مستمر بين جيلي اآلباء واألبناء حيث أن الفئات العمرية األك..بر س..نا
أكثر تمسكا بالقديم على عكس الشباب الذين هم أكثر تقبل الجديد" ،ويؤكد بريك أن مرحل..ة
الشباب تميل إلى تطوير نسق ثقافي خاص بهم يعبر عنهم بمفهوم ثقافة الشباب تلك الثقاف..ة
.ة.اق االجتماعي..ل وللنظم واألنس.التي تعبر عن تحد صريح لقيم المجتمع وثقافته العامة ،ب.
السائدة فيه ،أي أن الثقافة الفرعية للشباب تنطوي على شكل من أشكال اإلنحراف عن الثقافة
1
العامة".
وهناك صراع آخر يتعلق بما ذكرناه سابقا -في أنواع القيم -عن القيم التقليدية والقيم
.ةالعصرية ،وهما ال تتعلقان بالفئات العمرية هذه المرة بل بطبيعة القيم في حد ذاتها وبطبيع.
.ةحامليها بالضرورة أي بتصوراتهم و وتمثالتهم واتجاهاتهم نحو ما تحويه الحياة االجتماعي.
وما يمكن أن يطرأ عليها من تغيير وقد يحدث التناقض بين من يتمسكون بالقديم دون قب..ول
.ة.ا إلى مقاوم. أي جديد وبين من يصبون إليه فقد "تحول القيم التقليدية أو باألحرى حاملوه.
التغير ومحاولة اإلبقاء على األوضاع القائمة نظرا لتجذر قيمهم في ذهنياتهم ،وهذا ما يؤدي
حتما لصراع بينها وبين القيم العصرية التي تصبو إلى اإلنبثاق من المجتمع التقليدي وكلم..ا
كانت القيم أقرب إلى الجمود أصبح من الصعب أن تستبدل باألوضاع القائمة في المجتم..ع
2
أوضاعا أخرى جديدة".
.ثروة أو
.ايز من حيث ال. تظهر فروق في القيم أيضا حين يضم المجتمع طبقات تتم.
.ة
.يمات األفقي.
.يف إلى التقس.المكانة االجتماعية أو النفوذ السياسي أو الثقافي وغيرها وتض.
.رف .ار من ط. تقسيما عموديا وفي أحوال كهذه تقترن بهذه الفروق مشاعر استعالء ،واحتق.
.عروحقد وعداء من الطرف اآلخر ،وقد تبلغ الفروق في القيم ضمن المجتمع الواحد حدا يش.
3
الناظر أنها ثقافات متعددة ال ثقافة واحدة.
هذا ويحدث لبعض األفراد الذين يتركون بلدانهم ويرتحلون إلى بلدان أخرى مختلفة
أو أكثر تحضرا أن يخوضوا صراعات داخلية نتيجة التناقض الذي يالحظونه بين ثقاف..اتهم
التي طالما اكتسبوها والثقافات الجديدة التي أصبحوا في مواجهتها وهذا ما يسمى بالص..دمة
.ه
.بها من موطن. .تي اكتس.
.اني ال.
الثقافية "حيث تنتقل مع اإلنسان كل القيم والتجارب والمع.
8
الث: ل الث الفص
القيم
.تي
.ك ال.
.د وتل.
األصلي وهو ما يؤدي إلى حدوث فجوة بين القيم السائدة في المجتمع الجدي.
1
اكتسبها اإلنسان".
من وظائف القيم كما أسلفنا الذكر أنها تحافظ على تماسك المجتمع ،فهي تعتبر "أداة
اجتماعية للحفاظ على النظام االجتماعي واالستقرار داخل المجتمع وتع..د من أهم عوام..ل
الضبط االجتماعي غير الرسمية حيث تعمل كموجه لسلوك أعضاء المجتمع في اتجاه ما هو
فضل ثقافيا" ،2كما أن بعض القيم تكون إلزامية أي مرتبطة بالعقاب والجزاء ويمكن أن يكون
.ذين .راد ال.
.ازى األف. الجزاء ماديا أو معنويا ،معنويا مثل الوصم أو النبذ أو غيرها ...ويج.
يتفقون مع الجماعة في قيمها بقبولهم فيها وتعزيز انتمائهم لها" ،فاالتفاق القيمي يع..د أح..د
3
العوامل األساسية في انضباط سلوك األعضاء داخل الجماعة أو المجتمع".
"اإليديولوجيا كما يقول ريمون آرون Raymond Aronهي منظومة لتفسير العالم
.تي.دات ال
.ط من المعتق .ا نم
.ولز "أنه االجتماعي تنطوي على نسق منا لقيم المقبولة" 4ويعرفه
.ا ش
يعتنقها األفراد ويتم بواسطتها الوصول إلى قناعات عالية فيما يخص تعزي..ز أو ت..برير أو
.كل.ا يش. تحفيز معاييرهم أو قيمهم أو مواقفهم أو سلوكهم" 5فمجموع القيم المتناسقة فيما بينه.
.القيم
.ديولوجيا ب..ة اإلي.
ويكون اإليديولوجيا ،وقد قدم شولز Schulzجدوال يوضح فيه عالق.
والمواقف و أعطى مثاال عن اإليديولوجيا اإلشتراكية يوضحها الشكل رقم (.6)02
اإليديولوجيا أو نسق
اإلشتراكية
المعتقدات
الديموقراطية العدالة المساواة القيم أو األهداف
- 1نفس المرجع ،ص .371
.ط ،1
- 2نبيل محمد توفيق السمالوطي ،تقديم محمد غيث ،البناء النظري لعلم االجتماع ،دار الكتب الجامعية ،االسكندرية،
،2008ص .121
- 3نفس المرجع ،ص .316
- 4محمد بلفقيه ،المرجع السابق. 2007 ،
- 5معين خليل العمر ،علم اجتماع المعرفة ،دار الشروق للنشر و التوزيع ،عمان – االردن ،ط ،2006 ،1ص .247
- 6نفس المرجع ،ص .252
9
الث: ل الث الفص
القيم
تساءل ماركس عن الحادث المادي الرئيسي الذي يهيمن تطوره على تطور التاريخ
البشري و وجد أن الحادث ليس بالوسط الجغرافي الذي ال يكاد يتغير ،و ليس عامل ازدي..اد
كثافة السكان أو تناقصها ،بل إن التاريخ يبين إن هذا العامل الرئيسي هو تطور إنتاج األشياء
.ات.اج وعالق .ائل اإلنت
.ة لوس
.ه من ملكي
.ا يتطلب
.اج و م المادية ،أي العامل االقتصادي ،1ه
.ذا اإلنت
.ل .اج إلى المأك. .اج ،يحت. إنتاجية هو أساس المجتمع و التاريخ جملة ،فاإلنسان أول ما يحت.
.ل،واللباس والمسكن وهدا األمر يتطلب اآلالت والوسائل التي تحدد بدورها نمطا معينا للعم.
وأي تطور يطرأ على الوسائل اإلنتاجية يتطور معه نمط العمل وم..ا يتبع..ه من عالق..ات
اقتصادية ولما كانت -بالنسبة له -باقي العالقات من سياسية و دينية و فكرية و غيرها ما
هي إال انعكاس لألساس المادي االقتصادي فإنها بالضرورة تتغير بتغيره ،يقول ماركس" :إن
.مير.ه فض. نوع اإلنتاج للحياة المادية يكيف عملية الوجود االجتماعي و الروحاني في جملت.
.ا الناس ال يحدد كيانهم االجتماعي ،ولكن كيانهم االجتماعي هو الذي يحدد ضميرهم" ،2فك
.ل م
.و أفكار وعقائد وغيرها مما يكون البنى الفوقية -حسبه – هو ينتجه اإلنسان من تصورات
نتاج لبناء تحتي اقتصادي" .وقد جاء ماركس بنظرية للقيمة ذات أساس اقتصادي تم..يز بين
.ة.يئان ،وهي قيم. .ذان الش.قيمة اإلستعمال التي تدل على منفعة الشيء بآخر مهم أيا كان ه.
تمنحها للشيء كمية العمل التي يحتاج إليها إلنجازه كما أنها قيمة يرمز إليها الم..ال ال..ذي
.اقض بين .ا يظهر التن يتحول إلى رأسمال إذا استعمل لشراء العمل الذي هو مصدرها ،3".و هن
قيمة العمل و قيمة التبادل فاألجرة التي يتلقاها العامل أقل بكثير مما تقدمه من عمل في مقابل
.ل .د العام.هذا ينمو المال بواسطة العمال ليتحول إلى رأسمال لفائدة أصحاب العمل ،لذا يج.
نفسه في حلقة استغالل دائمة تجعل العامل يعيش في اغتراب عما ينتجه ،يقول ماركس " :إن
طريقة اإلنتاج الرأسمالي تحدث من تلقاء ذاتها إنفصال العامل عن شروط العمل ،و هي بذلك
.راعا.د ص. تكرر و تديم الشروط التي ترغم العامل على أن يبيع ذاته ليعيش" ،4وهذ اما يول.
.الذي يتحول فيما بعد إلى ص..راع طبقيا بين العمال البروليتاريين والرأسماليين هذا الصراع
فوقي أي صراع معنوي حين تكرس كل طبقة أفكارها وقيمه للدفاع عن مصالحها ،له..ذا" ،
فإن القيم التي يعيش الناس مهتدين بنورها ليست إال آثارا لمصالح طبقة ما ،وعالمات عليها،
وليست هي القيم التي يجب على اإلنسان أن يتمسك بها حتى يكون إنسانا حقا".1
"يتساءل بوكله :إذا كانت القيم تفرض نفسها علي ،أفال يدل ذلك على أنها بمع..نى
من المعاني ،من صنع المجتمع ذاته الذي تصون حياته " 4وهو هنا يؤكد ما ذهب إلي..ه دور
- 1الربيع ميمون ،المرجع نفسه ،ص .199
- 2نفس المرجع ،ص .214
-3عادل العوا ،المرجع السابق ،ص .197
-4نفس المرجع ،ص .209
11
الث: ل الث الفص
القيم
يرى زيمل "أن القيم ،كل القيم تصدر عن أصل اجتماعي ،و لكن..ه يع..ني بكلم..ة
.اعي ينجم عن اجتماعي منظومة عامة من العالقات ال منظومة عالقات نوعية ،وهذا االجتم.
عالقات أولية بين األفراد :عالقات سيطرة ،ومنافسة ،و تعارض ،وتب..ادل ،وهي عالق..ات
.بى.تي تل
.ة ال
.زة ،أو من الرغب.دأ من الغري
.د تب
.دريج ،فق .دد بالت متجددة باستمرار" .2و" القيم
.ة تتح
في الحال أو من المنفعة المباشرة و هكذا توجد مسافة بين الفاعل و الغرض يتخللها عدد من
.ك – على .ير ذل.
.افع أو غ.العوائق فالقيمة إذن ال تظهر إال إذا كان موضوعها جمالي أو ن.
مسافة منا 3".فقد عنى زيمل خاصة بتحليل القيمة االقتصادية من حيث تحديدها الت..دريجي
بالعالقات االجتماعية و ال سيما عالقة التبادل فاختالف رغبات األفراد و تفضيلهم لألش..ياء
هو الذي يقيم عالقة بين الرغبات المتقابلة ويجعل التبادل ممكنا ،و هو ال..ذي يعطي قيم..ة
للمرغوبات .4فالقيمة تتحدد بوجود اآلخر بل اآلخرين الذين يمثلون أطراف التبادل أيا ك..ان
هذا التبادل ماديا أو غير ماديا ،هذا التبادل الكامن في جميع العالق..ات االجتماعي..ة و حين
نقول التبادل فنحن نتكلم عن الشيء المتبادل و هو مع األطراف المتبادلين و العالقات ال..تي
تنجم عن هذه العملية العناصر التي تحدد القيمة.
-1محمد بلفقيه ،المرجع السابق ،ص .205
-2عادل العوا ،المرجع السابق ،ص .646
3محمد بلفقيه ،المرجع نفسه ،ص .203
4عادل العوا ،المرجع نفسه ،ص .647
12
الث: ل الث الفص
القيم
أنكر على القيم الخلقية أن تنظر فيما ينبغي أن يكون ،فالظواهر الخلقية حس..به هي
.ا،
.وانين مثله.ظواهر اجتماعية ،تتغير بتغير الظواهر االجتماعية األخرى ،وهي تخضع لق.
.ة
ويرى انه يجب األخالق النظرية(المثالية)أن تفسح المجال لألخالق العملية ودراستها دراس.
وصفية تقريرية ،وعلم االجتماع هو وحده له الحق في تناول الواقعة األخالقية ودراستها بغية
تعديل السلوك الخلقي القائم .1ونراه في رأيه ال يختلف عن دور كايم في أن القيم ذات طبيع
.ة
اجتماعية وهي من انتاج الحياة االجتماعية وليست ذات طبيعة مثالية متعالية عن المجتمع.
يعطي هذا االتجاه للفاعل االجتماعي دورا في عملية تكوين واكتساب القيم وال يجعل
للمجتمع مطلقية ذلك ويمثل هذا االتجاه علم النفس االجتماعي الذي يس..تند في تحليل..ه على
التفاعل الذي يحدث بين الفرد والجماعة.
.ع.تانتية م.من خالل الدراسة التي أجراها حول العالقة بين القيم واألخالق البروتس.
.مالية"
.تانتية وروح الرأس. روح الرأسمالية والتي نشرها في مؤلفه الشهير "األخالق البروتس.
.ع.ادية للمجتم. والتي أراد منها الكشف عن دور القيم الدينية في الحياة االجتماعية و االقتص.
.القيم
.ة ك. .يرات المثالي.
الغربي الحديث ،خلص إلى أن" النظام الرأسمالي نشأ في ضوء التغ.
والمعتقدات بمعنى أن الرأسمالية الحديثة نشأت من خالل العقيدة واألخالق البروتستانتية التي
تطابق روحها الرأسمالية"2 ،ويتجلى ذلك أساسا في قيمة تقديس العمل والتقشف م..ا أدى إلى
.ادي و .توى االقتص. .ار على المس. جمع األموال و تكون الطبقة الرأسمالية وما تبعه من آث.
االجتماعي فالقيم الدينية هي التي فرضت هذا السلوك االجتماعي –االقتصادي وهو يعاكس
بهذا كارل ماركس ،فإن القيم التي تعتبر داخل البنى الفوقية ليست نتيجة لبناء اقتصادي ب..ل
على العكس تماما هي من موجهات الفعل االجتماعي ودافعيات السلوك وهي التي تض..في
عليه معناه –أي السلوك -وحسبه فإن "السلوك الذي تفرضه القيم هو سلوك يصدر أص..ال
لتحقيق قيمة اجتماعية معينة ،بالذات حين يمارس إنسان سلوكه بالتحامه بقيم جمالية وديني..ة
.ل
.ا لمث.
مثل قيمة الوالء والوفاء ،وحينما يسلك الفاعل االجتماعي سلوكا وفق القيمة أو طبق.
أعلى إنما تفرض عليه هذه القيمة أن يوجه نمط سلوكه وفقا لها"1.
.روي .ة الق.لقد إهتم زنانيكي بدراسة االتجاهات السائدة في المجتمع البولندي بخاص.
.دة من .ة وفري. منه ،وركز دراسته على األسرة القروية وذلك لتميزها بعالقات قوية و متين.
نوعها بين أفراد األسرة يسميها بالتضامن األسري العضوي ويتمايز هذا التضامن تمايزا كليا
.را.ومي نظ. عن كل أشكال التضامن اإلقليمي أو الديني أو االقتصادي أو حتى التضامن الق.
.اس .ام توم.و وويلي.تغل ه لتمايز الروابط واالتجاهات والقيم السائدة في كل شكل منها 2وق
.د اش
.تي تتجلى فيه.ا في دراسة الخطابات الريفية أو خطابات الفالح البولندي هذه الخطاب.ات ال.
.رة.ل لألس. .ترام والتبجي.
بوضوح قيم المجتمع القروي البولندي المتمثلة أساسا في قيم االح.
والمحبة و المحافظة والتمسك باألخالق ،هذه القيم التي تؤثر بشكل أو بآخر على اتجاه..ات
أفراد القرية القروية وعلى مختلف أشكال التفاعالت وكل هذه العناصر محكوم..ة بنم..وذج
موحد هو نموذج القرية ،وعموما أو لنقل تعميما منه لنتائج دراسته فهو يرى أن "القيم ال..تي
يؤسس عليها األفراد أحكامهم يشارك فيها غيرهم امتثاال للنماذج اإليديولوجية التي تنتظم فيها
أفعالهم على أساس معياري ،والفعل اإلنساني فعل واع وانتق..ائي ،والقيم هي موض..وعات
الفعل االجتماعي ،وهي موضوعات ذات معنى وذات طابع حس..ي من جه..ة ،وروحي من
جهة أخرى"3.
بيكر : Bickerبنى نظريته في التفسير االجتماعي على القيم حصريا ،وعلى الباحث
في علم االجتماع أ ن يعطي للقيم دورها في السلوك اإلنساني فالقيم ونظم القيم بالنسبة له..ذا
الباحث هي أدوات ال نستغني عنها في التحليل االجتماعي للواقع االجتماعي. 4
.ب األدوار .ة حس. .ع متوقع.ولوجود المجتمع واستمراره 5" ،هذه األفعال التي هي في الواق.
والمكانات والمواقف ،يقوم بتمريرها للفاعلين االجتماعيين نسق من الرموز والمعتقدات والقيم
.رى يحدده البناء االجتماعي لتنظيم وتوجيه سلوكات األفراد خالل تفاعلهم المستمر .وهو "ي.
أن للفعل االجتماعي وبواعثه ثالثة جوانب هي :ما يتعلق بمعرفة وقائع الموقف ،وما يتعلق
بالفاعلين الذين لهم رغبات معينة وأخيرا التقويم وما يتعلق بالحكم على أس..اس مق..اييس
القيمة ومستوياتها ،ويسمي بارسو نز اتجاهه هذا في تحليل الفعل االجتماعي وتفسيره بالنزعة
.ة
.و نتيج+هاإلرادية التي تجمع بين الظرفي والمعياري معا "2.فالفعل االجتماعي عند بارسونز
لتكامل ثالث عناصر هي الموقف و الفاعل و القيمة.
خالصة :
رأينا في هذا الفصل أن القيم هي عبارة عن مقاييس ومعايير متعددة المصادر ،وهي
تقوم بتنظيم الحية الفردية والحياة االجتماعية على السواء فتنظم العالقة بين فرد وفرد أو بين
فرد وجماعة ،أو بين الجماعات وهي تكرس الواقع أحيانا وتعترض علية أحيانا أخرى بحكم
التغير االجتماعي وظهور قيم جديدة على الدوام .
15