Professional Documents
Culture Documents
الملخص
شكلت المناهج والبرامج التربوية دعامة أساسا يستند عليها النظام التعليمي في نقل مجموعة من العلوم والمعارف
والخبرات والمهارات وتداولها ،والتي يتم من خاللها نقل منظومة من القيم ،بما تحتويه من تصورات ومواقف ،وسلوكات ،وردود
أفعال ،ورموز ومعايير إلى المتعلمين .وتتطلب عملية تجديد هذه المناهج والبرامج ،في نظرنا ،مراعاة طموحات وحاجات األفراد
الفكرية والنفسية واالجتماعية والروحية والقيمية ،خصوصا في ظرفية سوسيوـ تاريخية مضطربة ،وذلك بالنظر في مجموعة من
القيم اإليجابية التي تشكل لبنة من لبنات التربية والتعليم ،وميثاقا دقيقا بين المدرسين والمتعلمين.
وإذا كانت القيم هي الخلفية الروحية التي تسم مجتمعنا عن باقي المجتمعات ،فإن تجسيدها الفعلي يتم أساسا في مؤسسات
التنشئة االجتماعية؛ سواء في شكلها المؤسساتي( :األسرة ،المدارس ،الجمعيات ،النوادي ،المراكز ،الجامعات) ،أو في شكلها
الالمؤسساتي( :الثقافة السائدة في المجتمع ،والتقاليد ،والعادات).
كلمات مفاتيح :أزمة القيم ،اإلصالح التربوي ،المناهج ،البرامج التربوية ،النظام التعليمي ،القيم اإليجابية.
Abstract
The educational curricula and programs have formed an essential basis on which the instructional
system transfers sciences, knowledge, expertise and skills. This transfer enhances a wide range of
values that contain situations, reactions, codes, and norms to the learners.
We believe that the renewal of the methods and programs requires taking into consideration the
ambitions, the intellectual, the psychosocial, and the spiritual needs of individuals, especially in a
troubled socio-historical circumstance, and with regard to the group of positive values. They
essentially form a solid basis of education and an accurate covenant between teachers and learners.
If values were the spiritual background that make us distinct from other societies, So its effective
embodiment should be enacted in the establishments of social development, whether in its Institutional
form: (the family, the schools, the associations, the clubs, the centers, and universities), or in the Non-
institutional: (the prevailing culture in society, the traditions and customs).
Keys Words : Value crisis, educational reform, methods, the educational curricula, the instructional
system, the positive values.
مقدمة
يعد االهتمام بالقيم اإلنسانية معيا ار رئيسا من بين المعايير التي يقوم عليها المجتمع ،وركيزة أساسا من بين
الركائز المشكلة له ،وهي من أولى األولويات فيه ،كما تشكل قوة دافعة ودعامة أساسا لتكوين شخصية الفرد،
ومرآة عاكسة ألحاسيسه وأفكاره وتصوراته ،فيقبل ما يوافقها ويلغي ما يعارضها ،وهي ضرورة تربوية حضارية،
71
مسالك التربية و التكوين ،املجلد 3العدد 82-71A )2020( 1 حسن حماني
ودينية أخالقية ،وارادة بشرية ،وشرط إجباري للمواطنة الحقيقية الصالحة ،ودافع مهم للتنمية داخل المجتمع ،ذلك
أنها تقوم على توحيد المجتمع وتحقيق التوازن بين أفراده ،والتماسك بينهم.
من هنا ،فكلمة "قيم" ومشتقاتها تستعمل استعماال يشوبه الخلط واالرتباك ،كما هو جلي في الثقافة المعاصرة،
ليس في علم االقتصاد والفلسفة فحسب ،وانما ،وبشكل خاص ،في العلوم اإلنسانية واالجتماعية األخرى ،الشيء
الذي جعل معناها نسبيا واستعمالها محصو ار في حقول محددة .ومن ثم يمكن صياغة العديد من اإلشكاالت من
بينها ما يلي:
ـ أين تتجلى مظاهر أزمة القيم في المجال التربوي عموما وفي المغرب على وجه الخصوص؟
ـ وبأي منهج نتعامل مع القيم؟ وهل للقيم منهجها الخاص أم أن لها مناهج متعددة؟
ـ والى أي حد يمكن الحديث عن اإلصالح التربوي بالمغرب؟
ـ وما هي مساهمة القيم اإليجابية في العملية اإلصالحية التربوية؟
تعتبر المقاربة التربوية لمفهوم القيم المقصد األسمى من هذه المحاولة ،ألنها بمثابة وعاء الحتواء وتكوين
وتنمية القيم؛ وال يمكن ألي مجال من مجاالت التربية ،وال ألي علم من علومها أن يتطور دون تنمية وتطور القيم
وصقلها .لذا فالحديث عنها حديث بحاجة ماسة إلى عناية خاصة ،من هنا أجد أن التربويين قد عرفوا القيم
بتعاريف متنوعة ،ومن بينها ما يلي:
يقول عبد الكريم غريب وآخرون" :القيم مجموعة المبادئ والقواعد والمثل العليا ،التي يؤمن بها الناس ويتفقون
عليها فيما بينهم ،ويتخذون منها ميزانا يزنون به أعمالهم ويحكمون بها على تصرفاتهم المادية والمعنوية"( .)1كما
"تعبر القيم عن المفاهيم والمعاني التي يولد اإلنسان عليها والدة ربانية"( .)2وأشار عبد الهادي مفتاح مفندا رأي
عبد الكريم غريب إلى أن المتأمل في "الخطابات الفكرية المعاصرة ،قد يالحظ المكانة المركزية التي أضحت
تحتلها القيم ،باعتبارها األلغوريتم المتحكم في مختلف التصرفات الفردية واالجتماعية"( .)3وفي االتجاه المعاكس
نرى أن محمد بلفقيه يتخذ مسا ار مخالفا لسابقيه في تعريفه للقيمة ،معتب ار إياها "أحد المفاهيم التي تتباين في
معانيها اآلراء ،وتتعدد في مباحثها االجتهادات ( .)...والتباين في النظر إلى المفهوم معنى ،ومبنى ،وخصائص،
وتصنيفا يزكيه اختالف المداخل المنهاجية التي جعلته ـ أو تجعله ـ في القلب من اهتماماتها المعرفية ،والمدخل
الديني ،والمدخل الفلسفي ،والمدخل االجتماعي ،والمدخل النفسي ،والمدخل الواقعي ،ليست سوى بعض هذه
المداخل . )4("...من ثم "ال تبدو القيم االجتماعية كقيم موضوعية ،بل كقيم ذاتية عامة ،أو لنقل كقيم ذاتية
مشتركة .وباختصار فإن القيمة تتحرك بتحرك السياق الذي تظهر فيه(.)5
1عبد الكريم غريب وآخرون" ،الميثاق الوطني للتربية والتكوين قراءة تحليلية" ،منشورات عالم التربية ،ط ،1الدار البيضاء ،2006 ،ص.309:
2المرجع نفسه ،الصفحة نفسها.
3عبد الهادي مفتاح" ،إصالح التعليم وأزمة القيم" ،مجلة عالم التربية ،منشورات عالم التربية ،ع ،2010 ،19ص.216:
4محمد بلفقيه" ،العلوم االجتماعية ومشكلة القيم تأصيل الصلة" ،منشورات المعارف ،ط ،1الرباط ،2007 ،ص.32:
5المرجع نفسه ،ص.57:
72
مسالك التربية و التكوين ،املجلد 3العدد 82-71A )2020( 1 حسن حماني
وبناء على ذلك يمكن القول إن القيم مجموعة من القواعد واآلليات النسبية التي تتعدد بتعدد المجاالت والحقول
المعرفية المتحكمة فيها ،والضابطة لخصوصياتها .وتحكم السلوك البشري ،وتوجه رغباته وعواطفه وميوله .وتهدف
إلى إحساس الفرد بالمسؤولية ،واالستقرار والتوازن في الحياة االجتماعية.
جدير بالذكر أن هناك صلة وطيدة بين مفهوم القيمة والمعرفة العلمية ،ذلك أن القيمة تشكل أسلوب وجود
اإلنسان وطابع حياته ،فك ار وتصورا ،وسلوكا ،على الرغم من اختالف فحوى خبراته العلمية والخلقية والجمالية.
حيث إن المعرفة ا لعلمية تعالج إشكالين اثنين :أولهما يرتبط بوجودية القيمة والحكم عليها ،واآلخر يتعلق بتجرد
الذات العارفة عن الموضوع .لذلك تتسلل القيمة إلى العلم على مستويات كثيرة .فثمة قيم تحث على االشتغال
بالعلم وتدفعه للتطور أو التدهور ،وقيم تحايث االشتغال به ،وتعين مقاييس البحث وااللتزام بمنهجه ،وأخرى
يفضي إليها العلم وتحدد نفوذه وتأثيره على المجتمع واإلنسانية) ."(6وبذلك تتضح قيمة القيم العلمية باعتبارها
موجهة للسلوك العلمي للباحثين والدارسين والطلبة داخل مؤسسة تعليمية معينة .وعلى الرغم من هذه األهمية فإن
النظام التعليمي لم يعكسها في تشييد التصورات وبناء المناهج ،مما أدى في أحايين كثيرة إلى قطيعة
ابيستيمولوجيا بين القيم والسلوك البشري ،وهو ما جعلها تأثر سلبا على هذا السلوك.
ويالحظ أن هذه القيم تبدو ،وكأنها جزء ال يتج أز من التراث المعرفي الذي تقوم به المدرسة مثل :تقدير العمل
اليدوي والذكاء العملي .)7("...،وأضاف محمد بلفقيه قائال" :لما كان اإلنسان موجودا مفك ار كان ال بد أن يكون
نشاطه فعال أخالقيا ،مقرونا بمعرفة خاصة من جهة أي متصال بمقوالت علم األخالق .بخالف السلوك ،الذي
يشمل مجموع تصرفات اإلنسان ،يقتصر النشاط األخالقي على التصرفات التي ُيتَوخى من ورائها أهدافا أخالقية
معينة) ."(8والمقصود من هذا "أن القيم التي تندرج في اإليديولوجيا ،وفي األخالق ،وفي الدين هي التي تؤسس
للعلوم االجتماعية ،كما وضح ذلك ماكس فيبر الذي جعل من القيم بداية االنتهاج العلمي .والطرح الذي أتبناه
يتلخص في نقط ثالث :فالقيم هي التي تفرض اختيار موضوع مخصوص "نظ ار ألهميته" وهي التي ترسم المنهج،
وتحدد أسلوب المعالجة) ."(9وحري بنا القول "إن القيمة بمضامينها الكثيرة ال تستنفد في عالقتها بالعلوم
االجتماعية "دالالتها في محتوى دون آخر ،ألنها إطار أشمل وأعم ،ينصرف إلى ما ينبغي أن يكون من غايات
بالنسبة للفرد والجماعة أو البشرية بأسرها ،ويتضمن االختيار بين مراتب متفاضلة ،ويحدد العالقة بين الوسائل
والغايات .فهذا اإلطار الصوري للقيمة الذي يسمح باحتواء كل ضروب الفاعلية اإلنسانية"( .)10ذلك أننا حينما
نربط القيم بالعلوم االجتماعية نرى أن الباحثين "يتحدثون عن (القيم االجتماعية) .وهم يعنون بها (الصفات التي
يفضلها أو يرغب فيها الناس في ثقافة معينة ،وتتخذ صفة العمومية بالنسبة لجميع األفراد ،كما تصبح من
موجهات السلوك أو تعتبر أهدافا له) .و(وبالمعنى األضيق يقصد في بعض األحيان بالقيم االجتماعية القيم
األخالقية ،والثقافية ،والدينية التي تيسر االندماج االجتماعي وتنمي روابط التعاون)."(11
يتضح أن هناك ترابطا وثيقا بين القيم ومجال المعرفة ،حيث إن جميع القيم ال بد لها من عناصر معرفية (وان
كانت بعض التعاريف ال تشير إليها) ،وهي تعمل على انتقاء معايير للفعل واصدار الحكم والتفضيل واالختيار؛ إذ
إن الوصف الشمولي للقيم ال يتحقق إال بتراكم المعارف .والتي غالبا ما تعطي للقيم األخالقية دو ار أساسا في
عمليات بناء المؤسسات ومراقبة المجتمع والتحكم فيه.
إن النهوض بالثقافة العالمية وتطويرها ،والغاء بعضها ينبني على القيم ،فالقيم هي األسس التي بواسطتها
يحكم األفراد وجودهم االجتماعي .ذلك أن مركز أي منهاج تعليمي هو القيم التي تعطي معنى لألنشطة الخاصة
باألفراد .كما أنها تعمل على توجيه أهداف المدرسة ،وتعتبر جزءا من المحتوى الثقافي للمنهج .وعلى مخططيه
أن يقرروا القيم المطلوب تعلمها في المدرسة ،كونها تعد إحدى العوامل المهمة في المحافظة على األوضاع
االجتماعية لألفراد ،لكونها تشكل نقطة أولى في عملية اتخاذ القرار واختيار األهداف .ويشكل المنهاج الدراسي
آلية من آليات التربية الناجحة ،وأساسا اجتماعيا معرفيا لمنظومة من القيم ،وهذه المنظومة هي انعكاس لواقع
اجتماعي له بعدان اثنان :بعد قيمي وآخر معرفي .فأولهما يبرز باعتباره نسقا قيميا مبنياعلى أسس يفترضها
المجتمع للربط بين عناصره ،واآلخر يمثل منظومة معرفية متضمنة لحقائق وقوانين ومعايير واجراءات لتحقيق
البعد القيمي.
ويالحظ أن هناك صلة وصل بين القيم والمنهج ،فال يمكن أن نتصور باحثا فذا بدون موضوعية ،وضبط
منهجي ،وعقلية ناقدة ،وانفتاح فكري ،ورقي معرفي .لكن موضوع القيم كما يقول أنصار ما بعد الحداثة ال يتالءم
مع مقتضيات المنهج العلمي الذي لم تجن منه العلوم االجتماعية شيئا يذكر .ذلك أن المخرج من هذه الورطة
المنهجية لن يتهيأ لنا إال بتصور آخر لفكرة المنهج في العلوم االجتماعية .وهو ما أسميه االنتهاج المقاصدي
المستند إلى اإلسالم بصفته منهجا ينظم حياة اإلنسان على جميع األصعدة ،يربط بين الفكرة والحركة في آن واحد
بغية تحقيق أهداف معينة أو الوصول إلى مقاصد محددة"(" .)12فاالنتهاج المقاصدي ،تأسيسا على هذه المقدمة،
أسلوب علمي يضع القيم في نصابها عند دراسة المسائل االجت ماعية .وبهذا يكون منهجا أكمل ،يستفيد من
مكتسبات المنهج التجريبي ( ،)...ومن قدرات المنهج األصولي ( .)...حيث إن موضوع العلوم االجتماعية،
( ،)...يدخل معظمه في دائرة المشكالت التي هي من صميم الدراسات الفقهية") . (13وبناء على ذلك يمكن القول
إن المنهج التعلمي يعمل على ترسيخ التكامل المعرفي بين المعرفة والقيم في مختلف المجاالت المعرفية.
ولإلشارة أن كل منهج "يحمل قطعا حول المجتمع واألمة والفكر والثقافة ،واالقتصاد والسياسة واإلنسان
والطبيعة والمكان والزمان والقيم واألخالق .والعالم ،كأي إنسان آخر ،ال يرى الواقع كما هو ،بل يدركه وفق
تصوراته وأفكاره الذاتية ومعتقداته الشخصية وانتماءاته الفكرية والعلمية .وسواء كان هذا العالم على وعي تام بهذا
أم ال .فال مناص له من مرجعية أفكار وقيم"( .)14وقد عرفه غرماس بكونه "سلسلة مبرمجة من اإلجراءات قصد
الحصول على نتيجة تتماشى مع مقتضيات المطلب النظري"( .)15في حين أن ديكارت قد وصفه باعتباره "قواعد
وثيقة سهلة تمنع مراعاتها الدقيقة من أن يؤخذ الباطل على أنه حق ،وتبلغ بالنفس إلى المعرفة الصحيحة بكل
األشياء التي تستطيع إدراكها دون أن تضيع في جهود غير نافعة ،بل هي تزويد في ما للنفس من علم
بالتدريج) ."(16في حين أرى أن المنهج يتشكل من آليات مختلفة تساعد الدارس على دراسة الظاهرة أو القضية،
والوقوف عند حيثياتها ،من أجل ربطها بمحيطها الخارجي .وهو خالصة لتجربة الباحث على المستوى الفكري
والجمالي والسلوكي.
واضح أن المنهج نسق مفردات تنطوي على عدد من العناصر ،يتوسل بها الباحث لتحقيق هدف علمي ،أو
غاية علمية ،أو مقصد إنساني .وعلى اإلجمال فإن تلك المفردات هي :الميتافيزيقا ،أي الفلسفة المؤسسة ،وهي
مرجعية الباحث بمخزونها الثقافي ومصادرها المعرفية (التجربة ،العقل الحدس ،الوحي)...؛ ووسائل المعرفة
الفكرية (مثل النظريات) والمادية (مثل المراجع العلمية والمستندات والوثائق) .ثم مشكلة البحث واشكاليته .ثم
النظرية التي تنبني على مفاهيم تتشكل وتتبلور عبر منظومة القيم الفكرية والمذهبية ،والفروض التي تستخلص من
جدلية االستقراء واالستنباط(" . )17فالباحث ال يمكنه االنسالخ من ثقافته وهو ينتقي مصادر معرفته ،وهو حينما
يحدد مشكلة بحثه يتطلع حتما إلى حلها وفق ما يراه صوابا ،وان اتكأ على الواقع .وعندما يبني نظريته فهو ال
يستمدها من فراغ ،بل يختار لها المفاهيم "المناسبة" والفروض "األقوى" ،وهو ينتقي أيضا في مرحلة مقايسة
التجربة .وهكذا يأتي التفسير أو التأويل ،تتويجا لعملية تقويمية) ."(18نستنتج أن قضية المنهج وتطبيق مقتضياته
وخصوصياته على أي عمل تربوي ،تحكمها منظومة من القيم ،ويديرها عقل خالق نموذجي ،يشكل أساسا من
أسس المنهج العلمي ،وعمودا من أعمدته .تهدف إلى بناء معارف الباحث وتسلسلها ،تسلسال يحافظ على
خصوصياتها ومقوماتها وكينونتها داخل الوجود اإلنساني.
يتسم مجال التربية في المغرب بالهشاشة ،ويعيش على إيقاع أزمات القيم في جميع المجاالت ،وهي أزمات
بنيوية أصبحت تشكل مرضا عضاال ومزمنا ،وهو ما يبرر قدم الداء ،وغياب الدواء ،وأزلية األسباب .وخاصة أن
التربية المجتمعية الراهنة تربية فاسدة ،والمقصود بالتعليم والتربية الفاسدة في هذا المقام ،ليس هو غياب األطر،
والكفاءات العلمية والمهنية في هذا المجال ،بل تفشي قيم سلبية انتهازية مغرقة في األنانية والعدمية ،والنفعية،
حتى أصبحت القيم الراهنة هي قيم المصلحة ال غير .ذلك أن السبب األول ألزمة التربية والتعليم" ،هو سوء
14محمد بلفقيه" ،العلوم االجتماعية ومشكلة القيم تأصيل الصلة" ،مرجع سابق ،ص.357:
15
A.J.Greimas. Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Ed Hachette université. Paris 1979, p227.
16رونيه ديكارت ،ترجمة :محمود محمد الخضيري" ،مقال عن المنهج" ،دار الكتاب العربي ،ط ،2القاهرة ،1968 ،ص.95:
17محمد بلفقيه" ،العلوم االجتماعية ومشكلة القيم تأصيل الصلة" ،مرجع سابق ،ص.361-362:
18المرجع نفسه ،ص.362:
75
مسالك التربية و التكوين ،املجلد 3العدد 82-71A )2020( 1 حسن حماني
التدبير اإلداري ،فقبل تفشي األزمة في التعليم كانت قد وصلت إلى درجة من الفساد وسوء التدبير ،بحيث لم يعد
من الممكن أن تحافظ قطاعات أخرى على سالمتها ألن اإلدارة كل ال يتج أز .حيث كان التعليم في قلب األحداث
التي عرفها مغرب ما بعد االستقالل .وظل مشروع النهضة واالستقال يضع التعليم على رأس أولوياته ...لكن
الذي حدث أن الدولة لم تتبن قضية التعليم كاستراتيجية بعيدة المدى وكقضية وطنية ال تنتهي صالحيتها ،وال
ترتبط بظرفيات تاريخية أو اقتصادية ،من قبيل كلفة التعليم وثقله على خزينة الدولة) ."(19وبهذا فالباحثون في
واقعنا الراهن ما انفكوا يجتهدون لإلحاطة بمشكلة القيم من حيث جملتها ،وقد انصرفوا إلى دراستها باعتبار
عالقتها بالحاجات اإلنسانية ،وبالميول والرغبات ،واألمنيات البشرية كافة ،سواء اتصلت كلها بمجال الحياة
االقتصادية ،أو العاطفية ،أو العقلية ،أو األخالقية ،أو الروحية ،أو السياسية ،أو الفنية ،أو التربوية.
ويتجلى السبب الثاني في تقلص سوق الشغل ،وشيوع المحسوبية والزبونية والقبلية وعالقات القرابة ،وهذه قيم
سلبية ال تمس اإلسالم بصلة ،وال تعبر على المواطنة الحقيقة الصادقة ،وهي قيم حلت محل القيم الحقيقية مثل
الجدية والكفاءة وروح المسؤولية وتحقيق المصالح العليا للبالد .وقد ساهمت القيم السلبية إلى حد كبير في ترسيخ
سلوك التواكل والعدمية والعبثية ،وفقدان الرغبة في التربية والتكوين والتحصيل المعرفي) .(20وتمثل السبب الثالث
في هشاشة االقتصاد وريعه وبنيته التقليدية ،واعتماده على االستيراد وتصدير المواد الخام واستثمار رؤوس األموال
في الصناعات االستهالكية الخفيفة ذات التقنيات البسيطة والتكلفة المنخفضة والربح السريع ،الشيء الذي أفقد
البحث العلمي أهميته وجعله شبه منعدم) .(21ويعزى السبب الرابع في االهتمام المفرط من قبل الو ازرة الوصية
بالخريطة المدرسية؛ بحيث إن الهاجس المتحكم في هذه العملية ،هو التمكن من توزيع فئة المتمدرسين على
المستويات والمؤسسات والمواقع ،الستقبال أفواج جديدة أو سد للخصاص في المستويات والمؤسسات األخرى،
دون اعتبار لمستوى التحصيل واالستحقاق في النجاح) .(22ويرتبط السبب الخامس بتمفصل أسالك التكوين
المهني بأسالك التربية والتكوين ،مع ضعف التوجيه التربوي للتالميذ والطلبة لمتابعة مسارهم الدراسي ،وهو ما
يؤدي إلى نتائج وخيمة ) .(23ويتعلق السبب السادس بعدم إنشاء شبكات التربية والتكوين ،وضعف إدماج المدرسة
في المحيط ،واختالل توزيع المدرسين في بعض المناطق الجغرافية ،وسيادة مناخ مهني يتسم بالالتحفيز وغياب
العديد من األطر عن العمل ،وتأخر إرساء مشروع التكوين المستمر للمدرسين الممارسين لمهنتهم ،وكذلك عدم
ربط مؤسسسات تكوين األطر بالجامعات ،وضعف مشاركة التعليم الخصوصي في تعميم التمدرس ،واالرتقاء
بجودة التعليم؛ وكذلك تأخر عمليات التأطير والتوجيه وتكوين أطر التدريس في هذا التعليم).(24
نستنتج من خالل ما سبق أن أزمة القيم التي شهدها مجال التربية والتعليم ،جعلته لم يحقق ذلك االنفتاح
الضروري للمدرسة على محيطها؛ حيث اقتصر دور التعليم ووظيفة المدرسة في واقعنا الراهن على محو األمية،
ذلك أن ما أصبح مطلوبا أساسا من التعليم ،ليس هو الرؤية البعيدة المدى والتكوين الجيد والنفس الطويل من أجل
19عبد الهادي مفتاح" ،إصالح التعليم وأزمة القيم" ،مرجع سابق ،ص. 219:
20المرجع نفسه ،ص.220:
21المرجع نفسه ،الصفحة نفسها.
22عبد الهادي مفتاح" ،إصالح التعليم وأزمة القيم" ،مرجع سابق ،ص.220:
23عبد الكريم غريب وآخرون" ،الميثاق الوطني للتربية والتكوين قراءة تحليلية" ،مرجع سابق ،ص.388:
24المرجع نفسه ،الصفحة نفسها.
76
مسالك التربية و التكوين ،املجلد 3العدد 82-71A )2020( 1 حسن حماني
القيام بمهام كبرى ووظائف معقدة تتطلب تكوينا عاليا ومهارات وكفايات بالغة الدقة؛ بل الحصول على الحد
األدنى من الكفايات الضرورية واألساسية للتواصل مع المحيط .من هنا فإن اإلصالح التربوي ،ال يتحقق كمشروع
مجتمعي بدون إصالح سياسي واجتماعي واقتصادي ،هدفه األسمى هو تحقيق المساواة ومشاركة الفئات
االجتماعية حسب قدرات كل منها في مجهود التنمية.
إذا كان اإلصالح التعليمي قضية تاريخية وسياسية واجتماعية ،وليست "تقنية كما يوحي بذلك تقرير يونيو
2005؛ فإن تفعيل مسلسل اإلصالح ،رهين بمراعاة حاجات المجتمع ،ودمقرطة التعليم .فالصراع التربوي
واالجتماعي حول التعليم ،هو المحرك الرئيسي لإلصالح؛ وبالتالي ،فإن االنخراط في اإلصالح مرتبط بحصول
المستفيدين على تكوينات جيدة ،فالقسم الدراسي هو المجال التربوي المصغر ،الذي ينبغي أن يتحقق فيه التغيير
)(25
.وأشار لكحل لخضر في سواء على مستوى التعلمات أو على مستوى االرتقاء بالمسار الدراسي للتلميذ"
تعريفه لإلصالح التربوي بأنه "محاولة فكرية أو عملية إلدخال تحسينات على الوضع الراهن للنظام التعليمي،
سواء كان ذلك متعلقا بالبنية المدرسية أو التنظيم واإلدارة أو البرنامج التعليمي أو طرائق التدريس أو الكتب
الدراسية" ،وقد يتخذ اإلصالح نسبا معينة فقد يكون :عاما أو خاصا ،شامال أو جزئيا ،دائما أو مؤقتا ،طويل
األجل أو قصير األجل) ."(26وكذلك أنه "جهود تبذل بغرض إحداث تغييرات جوهرية في السياسات التربوية تشمل
أكثر من جانب في العملية التربوية ،وغالبا ما تتجاوز نتائجه النظام التعليمي ،وتخطط اإلصالحات على المستوى
المركزي ،وان كان التنفيذ يتم على المستويين المركزي والمحلي من حيث إنه يتجاوز النظام التعليمي والتربوي
نحو البنية االجتماعية ككل ،بما يستوجب من المخطط أن يأخذ في االعتبار العوامل والمتغيرات الخارجة على
النظام التعليمي ،كالمتغيرات االقتصادية واالجتماعية والثقافية...وكأن هذا اإلصالح ينصرف في النهاية إلى
تحقيق الكفاية الداخلية والخارجية للنظام التعليمي والتربوي ككل)."(27
وجدير بالذكر أن عملية اإلصالح ،في منظور الجميع ،ليست مسألة بسيطة ،يمكن اختزالها في بعض
المقترحات غالبا ما تصاغ على شكل مطالب فضفاضة أو شعارات رنانة صعبة التنفيذ ،لكنها كذلك ليست
بمستحيلة ،بل ممكنة كلما كانت المنطلقات واضحة( .)28فالرؤية الواضحة المترجمة في غايات وأهداف واضحة
قابلة للتنفيذ ،وغير قابلة للتأويل مع التحديد الواضح لمقتضيات التفعيل ،هي الكفيلة بضمان إصالح فعال
لمنظومة التربية والتكوين ببالدنا على المدى القريب والمتوسط والبعيد في سياق الجهوية الموسعة) .(29ولإلشارة أن
25عبد الكريم غريب وآخرون" ،الميثاق الوطني للتربية والتكوين قراءة تحليلية" ،مرجع سابق ،ص.390-391:
26لكحل لخضر" ،اإلصالح التربوي في ظل العولمة" ،مقال ضمن مجلة عالم التربية ،منشورات عالم التربية ،ع ،19ص.191:
27لكحل لخضر" ،اإلصالح التربوي في ظل العولمة" ،مقال ضمن مجلة عالم التربية ،مرجع سابق ،ص.192:
28لحسن مادي" ،منظومة التربية والتكوين بالمغرب في أفق الجهوية الموسعة" ،مطبعة النجاح الجديدة ،ط ،1الدار البيضاء ،ص.138:
نعني هنا بالمنطلقات:
ـ وضوح الغايات المتوخاة من اإلصالح؛
ـ تحديد النتائج المنتظرة من تفعيل هذه الغايات؛
ـ توزيع المسؤوليات؛
ـ استحضار آليات التتبع والتقويم في مختلف مراحل التنفيذ.
29المرجع نفسه ،الصفحة نفسها.
77
مسالك التربية و التكوين ،املجلد 3العدد 82-71A )2020( 1 حسن حماني
اإلصالح التعليمي "مشروع تغيير وتطوير النظام التربوي في إطار عملية االبتكار ...ويتطور كل نظام من
مستوى أدنى من الع القة بين مكوناته إلى مستوى االندماج ثم االتساق .وبعد ذلك االندماج الدينامي ...فاالتساق
الدينامي ...ويتم مشروع اإلصالح باستثمار المحيط وأخذ إمدادات عنه وتدبيرها ...أما نتائجه فتحدد بالمردود
الذي يحققه) ."(30واذا كان اإلصالح التربوي يشكل "عملية علمية ومتأنية لمختلف المشاكل الطارئة والكامنة
والمؤثرة على صيرورة النظام التربوي ،وهو بهذا ال يكتفي بالمعالجة السطحية للمشاكل التربوية ،بل ينبغي كلما
استدعى األمر ذلك ،أن يغوص في أعماق التكوين الخاص بالمجتمع ليكتشف عوامل أخرى قد ال تؤخذ في
الحسبان ولكنها مع ذلك تؤثر تأثي ار بليغا في تحقيق األهداف المرجوة"( ،)31فإن ما ينبغي مراعاته في هذا المقام
هو "مدى استجابة أي مشروع تربوي لمقومات األمة ومتطلبات حاضرها وتطلعات مستقبلها .وبهذا فإن اإلصالح
ال بد أن يكون ممتدا في التاريخ لتفادي التفاعل السلبي ،مستجيبا لمتطلبات الحاضر ليعبر عن انشغاالت حالية،
متطلعا ومخططا لمستقبل زاهر حتى ال يكون ارتجاليا ،متفتحا على مختلف التجارب العالمية حتى ال يكون منغلقا
على ذاته)."(32
لقد اختلفت التعاريف واالصطالحات التي منحها التربويون لإلصالح التربوي ،حيث هناك من تناوله من خالل
البعد االجتماعي ،وهناك من نظر إليه نظرة ضيقة ،كما نجد آخرين قد تحدثوا عن معناه من حيث بعده
الموسوعي ،ومهما تنوعت التعريفات فإنها تكاد تتوحد في نقطة أساس مفادها أن اإلصالح له دور نموذجي يتجلى
في مواكبة التغير والتقدم التربوي الذي يشهده المجتمع ،ومدى استجابته لتطلعات العنصر البشري ،وكما يمكن
آخر ي رى أن اإلصالح التربوي يهتم بتقويم االعوجاجات واالختالالت التي يشهدها المجال
للتغير أن يتخذ منحى ا
التعليمي .ومن هنا يمكننا تحديد اإلصالح التربوي باعتباره بحثا ودراسة علمية دقيقة لمختلف المشاكل
واإلشكاليات الكبرى التي يعرفها النظام التعليمي ومنظومة القيم ،وهو جهود جادة مبذولة ومتواصلة قصد تنمية
المجتمع وتغييره بشكل عام ،والمجال التربوي على وجه الخصوص ،وهو تغيير مرتبط بتغيير األهداف التعليمية
وبرامجها وأجهزتها ،قصد تجاوز سلبياتها وتدعيمها بحلول جديدة بغرض تكييفها مع مختلف التغيرات الواقعة في
الساحة الداخلية والعالمية في مختلف المجاالت.
ال شك أن الوعي بأبعاد األزمة وبمخاطرها ،والتي عرفها نظام التربية والتعليم ببالدنا ،وخاصة "أنها أزمة
بنيوية تعم جميع قطاعات المجتمع وهياكله وبنيته الذهنية والعقلية ،وبالدور الذي يلعبه التعليم في حياة األمة
ونهضة الوطن وحمايته باعتباره القاطرة التي تقود جميع القطاعات األخرى ،وتصون هوية الوطن وتضمن مكانته
المتميزة بين األمم والشعوب ،هو الذي حدا بالدولة بشكل عام وبو ازرة التربية الوطنية بشكل خاص ،إلى إعادة
النظر في أزمة التعليم بشكل جذري) ."(33ومن ثم ُخصص للتعليم مجلس أعلى ولجان" ،قامت بمراجعة البرامج
30
لكحل لخضر" ،اإلصالح التربوي في ظل العولمة" ،مرجع سابق ،ص.193:
31
المرجع نفسه ،ص.194:
32لكحل لخضر" ،اإلصالح التربوي في ظل العولمة" ،مرجع سابق ،ص.194:
33عبد الهادي مفتاح" ،إصالح التعليم وأزمة القيم" ،مرجع سابق ،ص.222:
78
مسالك التربية و التكوين ،املجلد 3العدد 82-71A )2020( 1 حسن حماني
والخطط والمقررات ،وأردفت ذلك كله بمخطط استعجالي إلصالح حاله واإلقالع به ،ويبدو أن أزمة القيم هذه التي
رأينا أنها السبب الجوهري في انحطاط التعليم ،قد أصبحت في قلب االهتمام به ومراجعته ووضع البرامج
اإلصالحية له ،بدليل الشعارات التي باتت ترفع في السنوات األخيرة من قبيل تخليق الحياة العامة ،ترسيخ السلوك
المدني وقيم المواطنة والتنمية البشرية"( .)34والدعوة إلى ضرورة خلق تعبئة شاملة حول المدرسة أو الكلية ،بهدف
إصالحها بشكل جذري ،وانتهاز الفرصة التاريخية التي تشكلت بفعل التراضي السياسي واالجتماعي الحاصل
حول غايات ومبادئ اإلصالح ،وتفعيل منهجية التعاقد.
يتضح أن عملية اإلصالح التربوي تقتضي منا التركيز على مجموعة من األولويات ،من بينها ما يلي):(35
ـ ورش تعميم التعليم األولي الجيد؛
ـ ورش الجودة في التعليم؛
ـ ورش تعميق ال مركزية النظام التعليمي وتأهيل قدراته التدبيرية؛
ـ ورش البحث العلمي واالندماج في اقتصاديات المعرفة؛
ـ ورش تمويل التعليم ومسألة الشراكة؛
ـ ورش التربية غير النظامية واالستمرار في محاربة األمية.
إن تحقق هذه األوراش يقتضي منا أن نبسط لها أرضية مناسبة ،وامكانيات لوجستيكية مختلفة ،ومؤهالت
وموارد في مستوى عال ،قصد "تجاوز الحالة الراهنة المتسمة بالحيرة والبطء وضعف مردودية منظومتنا التربوية
التعليمية ،في أفق جعل المدرسة محركا للتنمية البشرية المستدامة ،قادرة على رفع تحديات األلفية الثالثة المتسمة
بالتنافسية القوية والتحكم في التكنولوجية الحديثة لالتصال ،وبالجودة في المردودية وبتكافؤ الفرص بين جميع
المغاربة ذكو ار واناثا ،في الحواضر والقرى كيفما كانت انتماءاتهم االجتماعية"( .)36كما يفرض اإلصالح التربوي
)(37
: من الناحية العلمية توفير مجموعة من المداخل ،من بينها
ـ أوال :اإليمان بأن اإلصالح ممكن وليس شيئا مستحيال .وهذا يقتضي منا التواصل الشفاف مع مختلف شرائح
المجتمع من أجل الوعي بأبعاد التغييرات التي يمكن أن تترتب عن مختلف اإلجراءات.
ـ ثانيا :استحضار التقسيم الجهوي في اإلصالح المرتقب ،باعتباره معطى جديدا في تدبير الشأن الجهوي
والمحلي؛
ـ ثالثا :االستثمار الجيد للجوانب الناجحة في اإلصالحات التي عرفها المغرب إلى حد اآلن؛
ـ رابعا :نقل مختلف السلط التربوية المتمركزة في و ازرة التربية الوطنية إلى المؤسسات التربوية الجهوية
(األكاديميات ،المديريات ،المؤسسات التعليمية )... ،وفق ما يقتضيه تفعيل مبدأ الجهوية الموسعة؛
ـ خامسا :التحديد الدقيق للمهام الجديدة لو ازرة التربية الوطنية في إطار التنزيل الجديد للدستور خاصة فيما تضمنه
من تصور للجهوية وما تقتضيه الالمركزية والالتمركز؛
ـ سادسا :األصالة في اقتراح الحلول الممكنة لتجاوز الوضعية الحالية للمدرسة المغربية واالبتعاد عن اجترار
مقترحات تكرر تداولها في إصالحات سابقة؛
ـ سابعا :تحديد وتوفير اإلمكانات المادية والبشرية الكفيلة بتنفيذ اإلصالح؛
ـ ثامنا :االلتزام بتطبيق البرنامج اإلصالحي برمته في مدة زمنية محددة باعتباره مشروعا متكامال يبتغي تطوير
المدرسة المغربية بعيدا عن أسلوب االنتقائية واعتماد الحلول السهلة.
ـ تاسعا :ابتكار طرائق للتعليم والتربية ،والعمل ،ذلك أن هذا هو الشرط الحتمي لإلصالح والتنمية والتقدم على
)(38
: مستوى الممارسة ،لكن شريطة توفير مجموعة من المداخل ،من بينها
تفادي كل نزعة علموية من دون إقصاء طابع الخصوصية؛
عدم تجاهل الدور الحاسم للعالقة ما بين المدرس والتلميذ ،من دون االنسياق وراء انزالق ما يفوق
الوصف واالستسالم للتجريبية أو االرتجال؛
التنبه لتفرد كل تلميذ وتفريق السلوكات الديداكتيكية ،من دون العدول عن كل نمط من أنماط شكلنة
طرائق قابلة للنمذجة والتعرف عليها؛
المحافظة على دقة التعليم ودفء المناخ.
تجدر اإلشارة إلى أن المحافظة على المجال التعليمي والتربوي والنهوض به سواء تعلق األمر بالمدارس أو
الكليات ،يفرض علينا إعطاء تصور جديد للمؤسسات التعليمية شكال ومضمونا ،ألنه مجال ال زال يعاني من
مشاكل عويصة ،وأزمات عميقة .لذلك يمكننا اقتراح مجموعة من القيم اإليجابية والتصورات المنطقية والعقلية التي
من الممكن أن تساعدنا على إيجاد حلول ،ولو جزئية في أفق الحل الجذري والشامل ،لكافة المشاكل واألزمات
التي يعرفها القطاع ،ومنها مايلي:
ـ اعتبار المؤسسة التربوية ذلك الفضاء النموذجي الذي ينبني على تحمل المسؤولية والمشاركة الفعالة في العملية
اإلصالحية التربوية ،وتوفير الفضاء المالئم لممارسة األنشطة التعليمية التعلمية؛
ـ إعادة النظر في معايير انتقاء رؤساء المؤسسات التعليمية؛ معايير تستجيب لحاجيات التالميذ والطلبة؛
ـ إعادة االعتبار للتدبير اإلداري ،وذلك من خالل توفير اآلليات الضرورة للتسيير والتدبير؛
ـ احترام القانون األساس للمؤسسات التعليمية ،إضافة إلى قيم وهوية الفاعلين التربويين؛
ـ وضع لجان محكمة ،تكون لها كفاءات عالية لتتبع ميزانيات المؤسسات التعليمية؛
ـ وضع برامج وآليات محكمة لتكوين التالميذ والطلبة وتنمية قدراتهم في المنظومة التربوية؛
ـ التدبير المعقلن للمهام داخل المنظومة التربوية؛
ـ لجوء المدرسين إلى التقنيات واآلليات المعلوماتية ،ألنها تتوفر على ضمان جيد لسيرورة العملية التربوية؛
ـ النظرة الشمولية إلشكالية العالقة بين تكوين المدرسين واتجاهاتهم ،وسلوكاتهم التربوية؛
خاتمة:
إن القيم اإلنسانية قيم متعالية سامية تتطلب المسؤولية والديمقراطية وروح المواطنة الصادقة ،وليست مجرد قيم
وطنية ،أي ذلك النمط من التفتح الفكري السياسي واالجتماعي ،الذي يسمح بالتعايش مع المحيط والبيئة الوطنية
والعالمية ،شريطة مراعاة ما يفيد الوطن ،وال يتنافى مع ما فيه من قيم الخير والصدق واالحترام المتبادل،
والتعاون ،ذلك أن الفكر الديمقراطي والمواطني يبنى وينشأ من المدرسة وفيها بالمشاركة الحقيقية لإلداريين
والمدرسين والمتعلمين في كل شأن من شؤون المؤسسة من مواد ومضمون التعلم والتعليم ،إلى التسيير والتحكيم
فيما يعرض للمؤسسة من قضايا ومشاكل .ومن هنا توصلنا إلى مجموعة النتائج والتوصيات ،من بينها ما يلي:
ـ إن القيم تعبير عن المعاني التي يولد عليها اإلنسان والدة روحانية ربانية؛
ـ إن القيم تبدو ،وكأنها جزء ال يتج أز من التراث المعرفي الذي تلعبه المدرسة؛
ـ إن القيم التي تندرج في اإليديولوجيا واألخالق والدين ،هي التي تؤسس للعلوم االجتماعية؛
81
مسالك التربية و التكوين ،املجلد 3العدد 82-71A )2020( 1 حسن حماني
ـ إن المسؤولين عن مجال التربية والتعليم يفرض عليهم تقديم أهمية خاصة لتطوير المناهج والبرامج التعليمية
وباقي األدوات المادية والتربوية؛
ـ إن للمدرسة أو المركز أو الجامعة أهمية كبيرة في مساعدة التلميذ أو الطالب على تحقيق ذاته جسميا وعقليا،
ووجدانيا؛
ـ إن االرتقاء بالجودة وتحسين الخدمات يؤدي إلى جودة التمدرس؛
ـإن معرفة كيفية تحديد الحاجيات البشرية والمادية تبنى على معطيات الخريطة التربوية.
المراجع العربية
عبد الكريم غريب وآخرون" ،الميثاق الوطني للتربية والتكوين قراءة تحليلية" ،منشورات عالم التربية ،ط ،1الدار 1.
البيضاء.2006 ،
عبد الكريم غريب" ،البيداغوجيا الفارقة سيرورات وطرائق لتغيير المدرسة" ،منشورات عالم التربية ،ط ،1الدار 2.
البيضاء.2011 ،
عبد الهادي مفتاح" ،إصالح التعليم وأزمة القيم" ،مجلة عالم التربية ،منشورات عالم التربية ،ع.2010 ،19 3.
لحسن مادي" ،منظومة التربية والتكوين بالمغرب في أفق الجهوية الموسعة" ،مطبعة النجاح الجديدة ،ط ،1الدار 4.
البيضاء.2014 .
لكحل لخضر" ،اإلصالح التربوي في ظل العولمة" ،مقال ضمن مجلة عالم التربية ،منشورات عالم التربية، 5.
ع.19
محمد السوالي" ،السياسات التربوية األسس والتدبير" ،دار األمان ،ط ،1الرباط. 2012 ، 6.
محمد بلفقيه" ،العلوم االجتماعية ومشكلة القيم تأصيل الصلة" ،منشورات المعارف ،ط ،1الرباط.2007 ، 7.
المراجع الفرنسية
- A.J.Greimas. Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Ed Hachette université.
Paris 1979.
82