Professional Documents
Culture Documents
األسدس الثالث
لقد ركزت جل نظريات التعلم على البعد الفيسيولوجي و العقلي و العاطفي للطفل بشكل يعتبره متحكما في
ميكانيزمات تعلمه و طرق اكتسابه للمهارات و المعارف .لكن و موازاة مع ذلك ،يعيش اإلنسان عموما
حياته في جماعة أو جماعات لها مرجعيات دينية و ثقافية مختلفة يتأثر بها و يتحدد سلوكه االجتماعي على
أساس السلوك العام المتفق عليه داخلها و التي قد تفرضه العادات و األعراف و القوانين…
البعد االجتماعي إذن يكسب الطفل تلك المعايير و القيم التي على أساسها يوجه سلوكاته و يتفاعل مع
اآلخرين ،من خالل األدوار االجتماعية التي يكتسبها تدريجيا عبر مراحل عمرية مختلفة و التي تشكل في
األخير شخصيته بكل التعقيدات التي تحتويها.
علم االتجمما المربوي أو سوسيولوتجيا المربية جاءت لتمدنا بأبحاث و دراسات تهتم بمعرفة دوافع
السلوك االجتماعي لدى الطفل و عالقته مع بيئته االجتماعية المحيطة بغية فهم هذا السلوك و وصفه و
التنبؤ به و التحكم فيه و تطويعه لخدمة أهداف تربوية تمكن من اإللمام بجوانب قد تكون مصيرية بالنسبة
لمسار الطفل في اكتساب التعلمات و المهارات و المعارف الضرورية ،و االندماج في المجتمع بطريقة ال
تقصي اختالفاته الفردية و ال خصوصياته الثقافية.
فما هي سوسيولوجيا التربية ؟ و ماهي مجاالت اهتمامها ؟ وأهم المقاربات التي ربطت علم االجتماع
بالتربية ؟
تحويل النظريات و القوانين السوسيولوتجية على الواقع المربوي و المعليمي ،من خالل تحليل النماذج
المربوية و الطرق و المقنيات المربوية و القضايا و المشكالت المي تمكون داخل المؤسسات المعليمية.
)1مجال المدخالت:
– الممعلم :و تنكب الدراسة هنا على العوامل الفيسيولوجية و النفسية و االجتماعية ،كالسن والجنس
و مستوى الذكاء و كذلك سمات الوسط االجتماعي…
– هيأة المدريس واإلدارة :يتم التركيز هنا على مختلف المتغيرات المهنية التي قد تكون نتيجة
لتوجهات سياسية و نقابية و اقتصادية و متأثرة بظروف العمل و إكراهات مختلفة أو بعوامل
نفسية و اجتماعية.
)2مجال المخرتجات:
– القيم و المعارف :و ذلك من خالل إدراج منظومة هرمية متكاملة من القيم و المواد الدراسية
تتخللها قواعد صريحة أو ضمنية ،نظرية أو تطبيقية و التي تشكل الحقا الهوية المدرسية لمتعلمين
مستعدين لالندماج اجتماعيا.
– البيداغوتجيا و طرق المدريس :حيث يهتم علم االجتماع التربوي بطرق تمرير المحتويات و إدارة
التعلمات و تقنيات التنشيط المختلفة ،و بتكنولوجيا التعليم الحديثة و تقنياتها و كل ما من شأنه
التحكم في آليات التفاعل بين الطالب بعضهم البعض و بين الطالب و المعلم دون إغفال اإلطار
الزماني و المكاني للعملية التعليمية التعلمية.
2
– المقويم :بما أن للتقويم دورا في اتخاذ القرارات الخاصة بانتقاء األفراد وتصنيفهم واصطفائهم،
فإن سوسيولوجيا التربية تهتم بالقواعد الظاهرة أو الكامنة للتقويم من أجل توظيفها في مجاالت
متنوعة كالمجال التربوي أو المهني أو العسكري…
3
الفصل األول :مقاربات علم االتجمما المربوي
من أهم مقاربات علم االجتماع ،نجد :المقاربة البنيوية الوظيفية ،المقاربة التفاعلية الرمزية ،المقاربة
الصراعية و المقاربة ذات النموذج التفسيري.
من هذا المنظور تكون الطبقية داخل المجممع مسمحقة و شرعية بفضل المدرسة.
4
المقاربة المفاعلية الرمزية :symbolic interactionalism .II
اعتبر الفيلسوف األمريكي تجورج هربرت ميد George Herbert Meadأن النظام االجتماعي هو
نتاج األفعال التي يصدرها أفراد المجتمع ،بمعنى أن المعنى ليس مفروضا عليهم ،إنما هو موضوع
خاضع للتفاوض والتداول بين هؤالء األفراد.
تركز هذه النظرية أيضا في شقها المربوي على مختلف التفاعالت في العملية التعليمية التعلمية داخل
الوسط المدرسي و محتويات المقررات و البيداغوجيا و المناهج و تطور المدرسة و قد تناولت دراساتها
المدرسة من ناحيتين:
فعلى سبيل المثال :يمكن القول أن التفاعل بين الطالب و المدرس يتيح لهذا األخير التنبؤ و توقع سلوكات
المتعلمين المستقبلية من حيث مستوى مردودهم أو المشاكل التي تواجههم وهو شيء إيجابي جدا إذا ما تم
تقويم هذه السلوكات و تشجيع الطالب المتعثرين.
تم انتقاد المقاربة التفاعلية الرمزية أيضا لكونها ال تعطي أهمية كبيرة للعوامل و القوى الخارجية (
مؤسسات ،إعالم…) التي قد تؤثر بشكل كبير على التفاعالت الفردية داخل المجتمع .إضافة إلى كونها
تتناول النسق االجتماعي انطالقا من سلوكات األفراد مثال الوحدات الصغرى و ال تعطي تلك األهمية
للمستوى الكلي أو الرؤية العامة للمجتمع عند دراستها للسلوكات و األدوار االجتماعية.
5
المقاربة الصراعية : conflict theory .III
من أهم روادها نذكر :بيير بورديو Pierre Bourdieuو بازل برنشتاين و جون كلود باسرون
و غيرهم.
تبحث هذه المقاربة في الجوانب السلبية للنظام التعليمي و التي قد تؤدي إلى تفكيك و تخريب المجتمع .في
هذا الصدد يرى الباحثون أن التربية والتعليم في ظل ايديولوجية معينة و إطار ثقافي سائد ،قد يكون لها
نصيب من الميز و عدم تكافؤ الفرص حسب العرق و الجنس و المستوى المعيشي … إذا لم يتم اعتبار
المعايير الموضوعية كدرجة الذكاء و مستوى اإلنتاج و اإلبداع … و بالتالي يصبح المستوى التعليمي آلية
إلنتاج و إعادة إنتاج الالمساواة في المجتمع .و يتجلى هذا التمييز أيضا عندما يطلب أرباب العمل بعض
الشروط التعجيزية أو المؤهالت العلمية التي قد ال تكون مهمة للمناصب المتبارى عليها حيث يتم إقصاء
النساء أو بعض األقليات…
من ضمن ما يؤخذ على هذه األطروحة ،أنها ركزت فقط على بعض المعطيات المرتبطة بسياسة االنتقاء
واالصطفاء ،حيث يصعب تعميمها على جميع األنظمة بالرغم من أنها استطاعت أن تبين وجها من وجوه
مفارقات العالقة بين التطور التربوي-التعليمي ومثيله االجتماعي.
6
الفصل الثاني :المدرسة كمؤسسة للمربية االتجمماعية
تعتبر المدرسة هي المؤسسة االجتماعية الرسمية التي تقوم بوظيفة المربية ونقل الثقافة المتطورة وتوفير
الظروف المناسبة للنمو جسميا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا وأنها المؤسسة التي بناها المجتمع من أجل
تحقيق أهدافه وعندما يبدأ الطفل تعليمه في األسرة يكون قد قطع شوطا ال بأس به في التنشئة االجتماعية
في األسرة وبالتالي يدخل المدرسة وهو مزود بالكثير من المعايير االجتماعية والقيم واالتجاهات ،وما
تقوم به المدرسة هو توسيع الدائرة االجتماعية للطفل حيث يلتقي بمجموعة من الرفاق و يتعلم الكثير من
المعايير االجتماعية بشكل منظم.
المؤسسة اإلجتماعية تمتاز بأن لها مفهوما » «Conceptولها تكوينا أو بنية » « structure
المفهوم هو المبدأ أو الفكرة ،وهو األساس الذي تقوم عليه المؤسسة اإلجتماعية ،وهو يتضمن
األهداف واألغراض التي من أجلها أنشأ المجتمع المؤسسة ،ونجده في جميع المجتمعات.
أما المكوين فهو اإلطار الذي يضم عددا من العناصر التي تتعاون بطرق معينة في وقت معين.
ويتضمن األشكال المختلفة التي يمكن أن يتخذها المفهوم في المجتمعات المختلفة .فالحكومة مثال
مؤسسة إجتماعية هدفها تنظيم المجتمعات ،تنظيم العالقات بين الحاكمين والمحكومين وبين
األفراد بعضهم البعض ،ولكن هذا الجهاز الحكومي يختلف في بنيته من مجتمع إلى آخر.
وتتميز المؤسسات اإلجتماعية أيضا بدرجة من الدوام أو اإلستمرار نابع من أنها مقبولة إجتماعيا لفترة
معقولة من الزمن .ولكل مؤسسة إجتماعية أهداف محددة تعمل على تحقيقها ،ويكون هذا التحقيق في ظل
النظام الثقافي السائد .وتنقسم المؤسسات اإلجتماعية إلى أنوا ممعددة نكتفي بأن نذكر منها إثنان :
أساسـية :ما اعتبر ضروريا للنظام اإلجتماعي في مجتمع معين :األسرة ،المدرسة ،الدولة...
ثانويــة :ال تعتبر ضرورية لبقاء النظام اإلجتماعي :النادي – الصحيفة...
7
وظيفة المؤسسة اإلتجمماعية: .II
أنها تيسر العمل بالنسبة للفرد ،إذ أنها تجمع عددا كبيرا من المظاهر السلوكية في نمط واحد
متكامل .فهي تقدم للفرد عناصر ثقافية كثيرة معقدة في كل متكامل ،وهي تقدمها للفرد بالتدرّج
وليست دفعة واحدة.
أنها وسيلة للسيطرة اإلتجمماعية .إنها تهيئ األفراد للعيش في المجتمع وفق األنظمة السائدة في
هذا المجتمع .والمؤسسات اإلجتماعية تعمل باإلنسجام في ما بينها ،فهي ال تتصارع بل تتكامل:
فاألسرة والمؤسسات اإلقتصادية والمدرسة والمؤسسات الدينية ...تعمل بإنسجام وإتساق فيما
بينها .هذا في المجتمعات الهادئة المستقرة .أما في المجتمعات سريعة التغير ،فإن هذا اإلنسجام
يهتز نتيجة للتغيرات التي تصيب مناحي المجتمع والمؤسسات اإلجتماعية نفسها :فالتغيرات
اإلقتصادية الجديدة واألفكار الجديدة تؤثر في التوازن القائم بين المؤسسات اإلجتماعية ...فتتدخل
المؤسسات اإلجتماعية األساسية لفرض إنسجام جديد.وهي تحدد مركز الفرد اإلجتماعي والدور
الذي يقوم به .كما أنها من ناحية أخرى قد تصيب الفرد باإلحباط وخيبة األمل .األفراد يخلقون
المؤسسات وهي تبقى بعد أن يزول هؤالء .وهذا الدوام واإلستقرار هو أساس السيطرة
اإلجتماعية .ولكن هذا الجمود يضيق فال يتسع لحركة الفرد وحريته مما ينتج عنه إحباط لرغباته
وآماله ،فيحاول تغييرها فتقاومه ،فيحطمها حينا وتحطمه أحيانا أخرى .ومما يزيد األمر صعوبة
أن المؤسسات اإلجتماعية مرتبط بعضها ببعض.
والسيطرة اإلجتماعية نوعان :شكلية » «Formelوغير شكلية«Informel».
غير الشكلية :هي تلك التي تمارسها األسرة أو المؤسسات اإلجتماعية التي تتعلق
بالعالقات األولية بين األفراد :إنتقال العادات والتقاليد األساسية بطريقة غير شكلية
عن طريق األسرة...
الشكلية :تتمثل باألنظمة والقوانين ،ويتمثل تنفيذها باللجوء إلى القوة .ويمنع الفرد
عن طريق الضغط من مخالفتها.
يكمن اإلختالف الرئيسي بين المدرسة وغيرها من المؤسسات اإلجتماعية التي تقوم بدور تربوي ،في أن
الغرض التربوي هو السبب الرئيسي لنشوئها ،بينما هو بالنسبة لغيرها من المؤسسات سبب ثانوي .فإذا
أخذنا العائلة مثال نرى أنها تتقابل مع المدرسة في األوجه التالية:
8
تختلف عنها من حيث أنها لم تتأسس عن عمد بل تلقائيا.
تختلف في أنها تأسست ال لخدمة الغرض التربوي كأمر رئيسي وإنما لدوام التناسل البشري.
كالهما يؤديان دورا تربويا.
وهكذا يمكننا بإيجاز إيراد الخصائص التالية للمدرسة:
وظيفة حفاظية:المدرسة تحاول نقل التراث ،و تنمي الهوية و االنتماء إلعادة إنتاج البنيات
االجتماعية لكنها تنفتح على الجديد.
وظيفة االعالم و المكوين:المدرسة ال تقتصر على تقديم المعارف بل تعطيها معنى ،و تحاول
القضاء على األمية ،و تكوين الفرد و بالتالي المجتمع.
وظيفة المنشئة االتجمماعية:للمدرسة وظيفة اجتماعية ألن المعارف التي تقدمها موجهة لتشكيل
م واطن وفق نموذج اجتماعي و وظيفة سياسية لكونها مؤسسة و مجتمع مصغر للحفاظ على نفس
البنيات.
9
الوظيفة االتجمماعية للمدرسة: .V
إعداد القوى البشرية القادرة على اإلنماج :تتركز أهمية العنصر البشري في إسهامه في كل من
التنمية االقتصادية واالجتماعية ومن هنا ظهرت أهمية المدرسة كمؤسسة إلمداد المجتمع بالقوى
العاملة والمدرسة تقوم بترجمة احتياجات المجتمع إلى برامج دراسية تُساهم في اإلعداد السليم
لألفراد حتى يصبحوا وحدات إنتاجية صالحة في المجتمع.
تنقية المراث الثقافي للمجممع باسمبعاد الجوانب غير المرغوب فيها :المجتمع نسيج متكامل
مستمر والمدرسة هي المسؤولة عن استمرار واتصال ثقافة المجتمعات باعتبارها المؤسسة التي
أَو َكل لها المجتمع مسؤولية تنشئة األجيال القادمة ونقل جميع ما اكتسبته هذه المجتمعات من
معارف وخبرات.
إحداث المغير الثقافي المالئم للغة العصر :قد تتوفر لكثير من المجتمعات النامية كل عناصر
اإلنتاج إال أنها قد تفشل في ُمعايشة عصرها والتوصل إلى تحقيق التنمية االقتصادية
واالجتماعية المطلوبة وقد يرجع ذلك إلى وجود كثير من العادات والتقاليد والقِيَم وأنماط التفكير
الم َع ِوقة لهذه التنمية ،وإن التنمية االقتصادية واالجتماعية تحتاج إلى اتجاهات ثقافية معينة
تتطلب التخلص من ال ُخرافات والسلبيات والُعد عن اإلتكالية والسلبية.
تبسيط الخبرة اإلنسانية وترتيبها :تتسم الحياة االجتماعية بالتعقيد والتشابك يقف أمامها الفرد
وال يستطيع فهمها أو تعليلها لذا فإن من أهم وظائف المدرسة هو تبسيط الخبرات التي تُقَ َّدم
َدرجا مع مراحل نمو التلميذ،
للتلميذ في المدرسة وتجزئة مكوناتها المختلفة ث ّم ترتيب الخبرات ُمت ِ
أي تحليل الخبرات اإلنسانية إلى أبسط عناصرها لتصبح قابلة للتعلم بما يؤدي في النهاية إلى
توسيع مدارك وزيادة قدراتهم على التفكير وح ّل المشكالت التي تُصادفهم في المجتمع الخارجي.
المماسك االتجمماعي :كي يصبح الفرد عضوا في المجتمع ويعيش ويتكيّف معه فعليه أن يُشارك
األعضاء اآلخرين ثقافتهم ،والمدرسة الناجحة هي التي تحقق هذه المشاركة بكافة الطرق
وتحقيق المشاركة وربط األفراد ببعضهم وتماسكهم وتعاونهم لخدمة مجتمعهم.
النمو الممكامل للشخصية :بعد أن تطورت المدرسة وأصبح لها وظائفها الهامه لفتت األنظار
إلى دورها وخطورة مسؤولياتها نحو إعداد المواطن الصالح الذي ال بُ ّد أن يتمتع بشخصية نامية
متكاملة وبدأت تركز على أهدافها وتوجه مجهودها نحو اإلنسان ألنه يُمثل القوة البشرية التي
سوف يعتمد عليها في التنمية ،وقد نجحت في تحقيق هذا الهدف فقد وجهت عنايتها وإهتمامها
إلى الشخصية من الجوانب األربعة :الجسمية والعقلية والنفسية واالجتماعية بحيث تَصل إلى
تكوين الشخصية النامية المتكاملة التي تستطيع أن تُشارك في عملية التنمية حيث أن النمو
10
المتكامل للفرد ال يمكن أن يتم إال داخل المجتمع وتحقيق ذات الفرد ال يمكن أن يتم إال بتفاعل
هذه الذات مع البيئة االجتماعية المحيطة.
إعداد المواطن الصالح :المواطن الصالح هو ال ُمنتَمي إلى مجتمعه ويظهر ذلك في سلوكه
واتجاهاته نحو األحداث العامة وعالقته مع أفراد مجتمعه ولقد أصبحت غاية المدرسة الحديثة
خلق المواطن القادر على التفكير والعمل واإلنتاج والمشاركة في العالقات االجتماعية
والمساهمة في بناء المجتمع وتقدمه ويتم ذلك عن طريق تنمية قدراته ومعاونته على امتصاص
ثقافة مجتمعه في صور ُم َح َسنة عن طريق تفاعله مع الجماعات واكتسابه الصفات االجتماعية
التي تؤهله للعيش في مجتمعه.
11