Professional Documents
Culture Documents
كلية التربية
المدرسة
و التنشئة
االجتماعية
ذكرنا في مقدمة هذا البحث أن التربية تبدأ عن طريق األسرة الصغيرة إال
أنه مع زيادة متطلبات الحياة و تعقدها وتطورها المتسارع و زيادة
الخبرات البشرية و انشغال اآلباء و األمهات عن أبنائهم لهثًا وراء هذه
المتطلبات مما يضطرهم البقاء أكثر الوقت خارج المنزل و لعجزهم أيضًا
عن القيام بتربية أبنائهم نظرا لتعقد العلوم و المعارف و تضخمها أوجب
ذلك كله وجود مؤسسة أخرى تساهم في نقل التراث الثقافي و تكيف الطفل
للحياة من حوله و تعليمه التقاليد والعادات والقيم و النظم ومن هنا جاءت
المدرسة كمؤسسة اجتماعية تربوية و بدأت تطرح نفسها كمسألة
اجتماعية بالغة األهمية و التعقيد .
ويرى أحمد محمد "أن المدرسة بناء اجتماعي يستمد مقوماته المؤسسية
من التكوين االجتماعي العام ,تستمد منه هذه المؤسسة فلسفتها
وسياساتها
وأهدافها وتسعى إلى تحقيقها من خالل الوظائف و األدوار التي تقوم بها
"(أحمد)242 ,1423:
"يقول عالم االجتماع أوجست كنت ال نستطيع أن نفهم جيدًا قضية ما إال
إذا تتبعـناها تاريخيًا "(علي,1425:ص. )69
ومن خالل استعراض تاريخ المدرسة نجد أنها مرت بثالث مراحل هي :
العائلة ( األسرة كمدرسة ) (ناصر)171, 1409: -1
من المعلوم أن المدرسة لم تكن موجدة في السابق و كان العبء كله في
المجتمعات البدائية آنذاك على العائلة حيث كانت المسئولة الوحيدة عن
تربية الطفل "وكان التعلم يمر بثالث مراحل هي االستماع المالحظة التقليد.
(علي )70, 1425:الذي هو محاكاة ما يفعله أفراد عائلته و بخاصة
األبوان و يتم التعلم بصورة غير مقصودة فال األبوان كانا يقصدان بأنهما
يقومان بدور المعلم وال حتى األوالد يقصدون ممارسة دور التالميذ .
"وهي المدرسة الثانية لألطفال وتعتبر مكملة لما تقوم به العائلة في
المجتمعات البدائية وكان التعلم يمر بتلك المراحل الثالث فيتعلم الطفل عمن
هم أكبر منه سنًا في القبيلة كشيخها أو كاهنها الذي يعلل لألبناء الظواهر
الروحية و الطبيعية بصورة يغلب عليها السذاجة وعلى نحو خرافي و
أسطوري " ( .ناصر)171 , 1409:
قلنا في أول هذا البحث أن زيادة التراث الثقافي ".وما يحويه من تفجر
معرفي من حيث المعرفة المتراكمة و المعلومة أدى إلى تعقد هذا التراث و
تشعبه و تشابكه و صعوبة نقله من جيل إلى جيل " (أبورزق ,1425:
)286و ظهور التراث الثقافي المكتوب الذي ألزم الناشئة ضرورة تعلم
اللغة باالطالع على هذا التراث و فهمه واستيعابه كان له دور بارز في
ظهور المدرسة بنوعيها بمفهومها الحقيقي .
يتكون اإلطار البنيوي األساسي للمؤسسات المدرسية على النحو التالي :
وتكمن وظيفة المدرسة كما يرى كلوس في أنها تحويل مجموعة من القيم
الجاهزة و المتفق عليها اجتماعيا ( وطفه )167 ,1998 :
-1النقل الثقافي :حيث تقوم المدرسة بنقل التراث الثقافي من األجيال السابقة إلى
األجيال الالحقة بأساليب ووسائل جيدة تقتضيها طبيعة العصر مع مراعاة
أن عملية النقل هذه تستلزم تطهير وتنقيحه من الشوائب والخرافات
باإلضافة إلى محاولة تبسيطه ليتلقاه المتعلم بشكل ميسر .
-4تنمية أنماط اجتماعية جديدة :فالتربية وسيلة تكوين أنواع السلوك و تغييرها
و تنميتها على أساس من العلم و المعرفة لذا كان لزاما على المدرسة أن
تقوم بواجبها في تنمية أنماط اجتماعية جديدة حصلت نتيجة التطورات
الجديدة و الحاصلة في المجال العالمي كله لتجعل منهم مواطنين صالحين
قادرين على التكيف مع جماعاتهم التي يعيشون فيها.
-5تنمية القدرات اإلبداعية :المؤسسات التي تستند إلى المعرفة العلمية بحاجة
إلى أفكار أبداعية والمدرسة في سعيها إلى تنمية اإلبداع ال بد أن تنمي لدى
الطالب الفضول المعرفي و استكشاف المجهول .
توفير مناخ يشجع على ممارسة القيم الديمقراطية والعالقات اإلنسانية . -6
التفاعل الذي يجري بين أفراد الجماعة المدرسية يعتبر أحد صور التفاعل
االجتماعي و يتجلى ذلك في العمليات التي ترتبط من خاللها أعضاء
الجماعة بعضهم مع بعض عقليا و واقعيًا على مستوى الحاجات و
الرغبات والوسائل و الغايات والمعارف .
على هذا يعرف التفاعل التربوي على أنه " سلسة متبادلة ومستمرة من
االتصاالت بين كائنين إنسانيين أو أكثر"( .وطفه ) 162 ، 1998
ومن الجدير بالتنويه عليه أن التفاعل التربوي المدرسي الذي يحدث بين
عناصر النظام المدرسي يتحدد بجملة أمور من أبرزها :
األهداف التربوية لها دور كبير في تحديد مستوى العالقات السائدة . -3
من أهم العمليات التي تقوم بها المدارس التنشئة االجتماعية وتطبيع أفراده
تطبيعًا اجتماعيًا حتى يكونوا أعضاء صالحين ويساهمون في خدمة
المجتمع والعمل على تقدمه وتطوره المستمر وذلك للحفاظ على وجوده
وثقافته وحتى نتعرف أكثر على هذا الدور الكبير للمدرسة فال بد من
استعراض مفهوم التنشئة االجتماعية .
التنشئة مفهوم يقع تحت مظلة المفهوم الشامل للتربية الذي يتضمن العديد
من أنواع التنشئة مثل التنشئة االجتماعية أو االقتصادية أو السياسية أو
غيرها ،بجانب اشتماله على االهتمام بكل جوانب الشخصية اإلنسانية
سواء الجسمية أو العقلية أو الوجدانية أو غيرها (.هيكل)13 :1423
أو هي أي التنشئة االجتماعية "العملية التي يتعلم بها الفرد خالل عالقاته
باآلخرين وتفاعله معهم كيفية السلوك المقبول من جماعته واالبتعاد عن
السلوك غير المقبول ونتيجة لهذا التفاعل االجتماعي ينمو الفرد ويصبح
عضوًا فاعًال في المجتمع" (أبورزق)43 :1418
من أهم خصائص التنشئة االجتماعية أنها عملية اجتماعية قائمة على
التفاعل المتبادل بينها وبين مكونات البناء االجتماعي و نسبية في نفس
الوقت تختلف من حيث الدرجة والنوعية باختالف الزمان والمكان وكذلك
باختالف الطبقات االجتماعية داخل المجتمع الواحد وما تعكسه كل طبقة
من ثقافة فرعية ،كما إنها تختلف من بناء اجتماعي واقتصادي آلخر
وهي عملية مستمرة حيث أن المشاركة المستمرة في مواقف جديدة
تتطلب تنشئة مستمرة يقوم بها الفرد بنفسه ولنفسه حتى يتمكن من
مقابلة المتطلبات الجديدة للتفاعل وعملياته الني ال نهاية لها.
كما أنها عملية إنسانية واجتماعية حيث يكتسب الفرد من خاللها طبيعته
اإلنسانية غير الفطرية والتي تنمو من خالل الموقف عندما يشارك
اآلخرين تجارب الحياة .فهي تهدف إلى تحويل ذلك الطفل إلى عضوًا
فاعل قادر على القيام بأدواره االجتماعية متمثًال للمعايير والقيم
والتوجهات(.أبو جاللة والعبادي )49: 14والمدرسة كمؤسسة
اجتماعية أوجدها المجتمع تلعب دورًا رئيسيًا في عملية التنشئة حيث
تتدخل لتؤطر الطفل وتوجه حياته وتشكلها في مراحلها المبكرة تشترك
مع المؤسسات االجتماعية األخرى في تشكيل قيم الطفل ومعتقداته
وسلوكه بحيث يتجه نحو النمط المرغوب فيه دينيًا وخلقيًا واجتماعيًا .إن
هذه المؤسسة االجتماعية ال يقتصر دورها على مراحل عمر الطفل
المبكرة ولكنها تستمر في ممارسة تدخلها فترة طويلة من الزمن ألن
التربية كما يقال من المهد إلى اللحد.
و لعل تلك األهمية ترجع لخصائص تتميز بها المدرسة عن غيرها من
المؤسسات التربوية واالجتماعية األخرى وهذه الخصائص هي:
-1أنها بيئة تربوية مبسطة حيث ترى المدرسة لزامًا عليها أن تبسط ما في
المجتمع حتى يستطيع التلميذ فيها فهمه و تقبله حسب أعمارهم ومراحل
نموهم من خالل األسلوب التدريجي أو التسلسل المنطقي.
-2بيئة تربوية مطهرة فتحرص على أال تنقل للجيل الجديد غير الخير والجمال و
تقدم له بيئة منتقاة من الفساد .
-3بيئة تربوية متزنة متنوعة فتحاول أن توجد نوعًا من التقارب بين مختلف
التالميذ ذوي المستويات االجتماعية و الثقافية و الخلقية المختلفة وتحاول
أن تقرب بين أنماط سلوكهم ألجل تحقيق وحدة األفراد.
بيئة تربوية متغيرة متبدلة فالتالميذ المعلمون واإلداريون متبدلون (.علي -4
)263 :1422
"فدور المدرسة في التنشئة االجتماعية يتمثل في مايلي:
-1تنمية اإلطار الثقافي المشترك لتماسك أبناء المجتمع من خالل نقل قيم
المجتمع و أفكاره واتجاهاته من جيل إلى جيل و تنقية هذا التراث و تجديده
بانتقاء أفضل ما فيه لتشكيل شخصية التلميذ من جميع الجوانب .
-4تعليم التلميذ كيف يضبط سلوكه ويحقق أهدافه بطريقة متالئمة تتفق مع
المعايير االجتماعية .
-5إكساب التالميذ العادات الصحية السليمة التي تساعده على االحتفاظ بسالمة
أبدانهم والوقاية من األمراض وتنمية العادات الغذائية السليمة.
إكساب التالميذ أساليب التفكير العلمي وحفزهم على األداء و اإلنجاز وإ تقان -6
العمل .
الخاتمة
وبعد فإن المدرسة تعتبر بحق الوكالة االجتماعية الثانية بعد األسرة للقيام
بوظيفة التنشئة االجتماعية لألطفال واألجيال الشابة إذ تقوم بإعدادهم من
جميع النواحي الروحية و المعرفية و السلوكية و البدنية واألخالقية
المهنية كل ذلك من أجل أن تحقق لألفراد اكتساب عضوية المجتمع
والمساهمة في نشاطات الحياة االجتماعية المختلفة .لكن اليمكن فقط
االقتصار على ماتقدمه المدرسة فالمسؤولية جماعية تقع على عاتق
المجتمع والوالدين والمربين والدولة ومؤسساتها الرسمية وغير
الرسمية ألن تحسين أوضاع المتعلم تقتضي التنسيق والتكامل بين
جميع المؤسسات ذات العالقة.مع وضع مصالح المتعلم في رأس
األولويات ألن المتعلمين الذين سنهتم بهم اليوم هم ورثه المستقبل
فالبد من توفير عناصر البقاء والنماء والحماية لهم وبذا نكون على
األقل قد مهدنا الطريق لبناء مجتمع المستقبل .
وفي الختام نسأل المولى عز وجل أن يوفق الجميع لكل خير و صلى اهلل
وسلم على نبينا محمد .
المراجع :
أبو جاللة ،صبحي .العبادي ،محمد حميدان :أصول التربية بين األصالة و -1
المعاصرة ,مكتبة الفالح للنشرة التوزيع ,الكويت .
أبو رزق ,حليمة علي :المدخل إلى التربية ,ط , 2الدار السعودية للنشر و -2
التوزيع ،جدة.1425 ,
علي ,سعيد إسماعيل :فقه التربية مدخل إلى العلوم التربوية ،ط ، 1دار الفكر -3
العربي ،القاهرة.2001 ,
علي ،محمد سعيد :علم التربية و أسسه ،ط , 1مكتبة الرشد ،الرياض , -4
.1425
الفنيش ،أحمد :أصول التربية ،ط , 3دار الكتاب الجديد المتحدة ،بيروت -5
.2004
محمد ,أحمد علي الحاج :أصول التربية ،ط ، 2دار المناهج ،عمان, -6
.2003
ناصر ،إبراهيم :أسس التربية ,ط ، 2دار عمار ،عمان.1409 , -7
هيكل ,سالم حسن :تربية وتنشئة الفرد في إطار متوازن بين ثقافة مجتمعه -8
والاحتكاك بالثقافات المجتمعية األخرى(دراسة مفاهيمية تحليلية) ,كلية التربية
,جامعة الملك سعود . 1423,
وطفه,على أسعد :علم االجتماع التربوي وقضايا الحياة التربوية المعاصره ، -9
ط ، 2مكتبة الفالح للنشر و التوزيع ،الكويت .1998