Professional Documents
Culture Documents
والمعارف .لكن مع مرور الوقت ،برزت تساؤالت حول طبيعة هذا الدور ،وهل تقتصر وظيفتها على
التربية على القيم أم أنها تتجاوز ذلك إلى التضليل الجماعي .فكما هو جدير بالذكر فان المدرسة تلعب
دورا في التربية حيث ُت علم القيم واألخالق والمسؤولية والتعاون واالحترام والتسامح ،وتعزز السلوكيات
اإليجابية والمجتمعية .لكن االوضاع والظروف الخارجية تؤثر على ماذا؟ وكيف؟ تدرس مما قد يؤدي
في بعض االحيان الى ان تصبح اداه للتضليل الجماعي ونطرح التساؤل ما هو دور المدرسة هل تحقيق
التماسك االجتماعي وتكافؤ الفرص؟ ام تعميق التفاوتات االجتماعية واعاده االنتاج االجتماعي؟
فهذا التساؤل جعل عدة علماء وسيكولوجيين يتناولون موضوع دور المدرسة
حسب بير بورديو ( )Pierre Bourdieu 1930- 2002من أكثر المفكرين حضورا وتأثيرا في عالم
اإلبداع الفكري والفلسفي في القرن العشرين وأكثرهم إثارة للجدل .احتلت أعمال بيير بورديو Pierre
Bourdieuمكانة متميزة في علم االجتماع وعالقته بالتربية ،مثل كل علماء االجتماع ،قام بتحليل
المجتمع كثيًر ا .وأظهر أن المجتمع يخلق عالقات قوة بين فئات مختلفة من الناس .هناك فئات اجتماعية
تهيمن وأخرى تهيمن عليها .وأظهر أيًض ا أن هذا يحدث من جيل إلى جيل.
أثار كتابان من تأليف بيير بورديو ضجة كبيرة Les Héritiers :في عام 1964وLa
Reproductionفي عام .1970وقد أظهر بيير بورديو أن المدرسة ال تقلل من عدم المساواة
االجتماعية .على العكس من ذلك ،المدرسة تستنسخهم.
اهتمت أعمال بيير بورديو على الخصوص بدراسة النظام التعليمي من الداخل عن طريق التركيز على
دراسة المسارات التي تجري داخل النظام التعليمي واألولويات البيداغوجية االنتقائية .سنعرض
تصورات لبيير بورديو تتمثل في مفهوم األبتوس وأطروحته حول إعادة اإلنتاج
األبتوس ،وهو مفهوم يشير إلى نسق من االستعدادات المكتسبة التي تحدد سلوك الفرد ونظرته إلى نفسه
وإلى العالم الذي يكتنفه .يعتبر مفهوم األبتوس حجر الزاوية التي تقوم عليها سوسيولوجيا بورديو ،لكونه
يحتل مكانة مركزية خالل مشروعه الفكري برمته .ويتوسط األبتوس العالقات الموضوعية والسلوكيات
الفردية باعتباره مجموعة من االستعدادات المكتسبة «بين نسق الضوابط الموضوعية و نسق
التصرفات القابلة للمالحظة المباشرة يتدخل دائما طرف آخر كوسيط ،أال و هو األبتوس مركز االلتقاء
الهندسي للحيثيات و تحديد االحتماالت و الخطوط المعيشة ،للمستقبل الموضوعي و المشروع الذاتي
الطابع»
كما يتحدث بورديو عن أطروحة حول إعادة اإلنتاج وكيفية تأثير الرأسمال الثقافي على النجاح
المدرسي لألطفال المنحدرين من طبقات اجتماعية مختلفة « .فإذا كانت النظريات التقليدية ،تفصل
اإلنتاج الثقافي من وظيفته التي تتجلى في إعادة اإلنتاج االجتماعي… و كما نجده عند دوركايم الذي
يرى أن الثقافة موحدة في المجتمع ،إذ يماثل بين وضع الثقافة في المجتمعات التقليدية و المجتمعات
الحديثة ،فالرأسمال الثقافي عادة في المجتمعات التقليدية يكون غير منقسم ،إذ يمثل ملكية مشتركة
بين أعضاء القبيلة ،وفي المجتمعات الحديثة نجد انقساما ثقافيا ،باعتبارها مجتمعات طبقية ،هنا يمدد
دوركايم التصورات اإليثنولوجية الخاصة بالمجتمعات التقليدية و يطبقها على الظواهر النوعية
للمجتمعات المعاصرة»
ويشير بورديو إلى أن المدرسة تعمل على تهميش لغة الطبقات الشعبية التي ال تتوافق مع لغة المدرسة،
ووحده االنتقاء الذي يأخذ بعين االعتبار الفروقات الفردية في اللغة وفق األصل االجتماعي ،يمكن من
توضيح المتغيرات المرتبطة بالقدرات اللسانية بداللة الطبقة االجتماعية األصلية ،وخصوصا العالقة بين
الرأسمال الثقافي الموروث ودرجة النجاح« .التالميذ المنحدرون من أصول بورجوازية يدرسون اآلداب
القديمة ولغاتها منذ المرحلة الثانوية ،باإلضافة إلى أن وسطهم العائلي يمكنهم من إتقان اللغة،
وامتالك استعدادات وعادات ثقافية ومهارات فكرية وشخصية مشروطة اجتماعيا ،تجعلهم أكثر
استعدادا للتفوق المدرسي ،إضافة إلى الدور الذي تلعبه شروط الحياة الداخلية ،كالمسكن والملبس و
وسائل الترفيه و اإلمكانات المادية من الرفع من مستوى التفوق»
من خالل سردنا لتصورات بورديو ،يتضح أن هناك عنفا تمارسه المؤسسة المدرسية من خالل ترسيخها
للتعسف الثقافي وفرضها لألبتوس المطابق لترتيب الطبقات االجتماعية وبالتالي تعيد إنتاج التنظيم
االجتماعي القائم .ويلعب الرأسمال الثقافي دورا حاسما في عمليتي تحديد وإعادة إنتاج الواقع واألدوار
االجتماعية .ففي رأي بورديو األصل االجتماعي أهم عامل في التمييز ،إذ أن العوامل الثقافية أكثر
فاعلية من أي عامل آخر ،وعموما يرى بيير بورديو أن األهداف الضمنية للمدرسة تخدم التكامل بينها
وبين الطبقة المسيطرة مما يجعل أبناء هذه األخيرة أطفاال ناجحين دراسيا ،أما أبناء الطبقة الدنيا فيكون
مصيرهم هو الفشل ،وذلك بسبب انعدام التكامل بين النظام المدرسي والطبقة االجتماعية التي ينتمون
إليها.
لقد أظهر أن أبناء القادة في أغلب األحيان يصبحون قادة أيًض ا ،وأن أطفال األطباء غالًبا ما يصبحون
أطباء أو علماء ،وأن أطفال العمال يصبحون دائًما عمااًل .عالوة على ذلك ،أوضح أن الجميع يجدون
هذا أمًر ا طبيعًيا .نعتقد بشكل عام أن هذا أمر طبيعي ألننا ورثنا الهدايا من آبائنا.
بالنسبة لبيير بورديو ،من السهل جًد ا القول إن التكاثر االجتماعي أمر طبيعي .وهذا يجعل من الممكن
تبرير قوة ومكانة بعض األفراد على اآلخرين .بالنسبة لبورديو ،تلعب المدرسة دوًر ا كبيًر ا في هذا
النظام .وفقا لبورديو ،المدرسة توجه األطفال نحو وظائف مماثلة لتلك التي يعمل بها آباؤهم .تشجع
المدرسة ،على سبيل المثال ،أبناء البنائين على ممارسة مهنة البناء ،وأبناء المحامين على ممارسة مهنة
على نفس المستوى االجتماعي ،وأبناء المعلمين على أن يصبحوا معلمين.
وحتى اليوم ،تظهر األرقام المتعلقة بالفشل المدرسي والتوجيه أن شيًئ ا ما يحدث يشبه ما حلله بيير
بورديو.
في المغرب %49 ،من الطالب الذين تبلغ أعمارهم 15عاًما والمتأثرين بمسح PISAقد كرروا
الدراسة مرة واحدة على األقل خالل دراستهم وان %20من الطالب ليس لديهم أي فكرة عما سيفعلونه
في السنوات الخمس القادمة %30 .يريدون دخول سوق العمل ،بينما يقول %14أنهم يريدون البحث
عن وظائف ال تتطلب أي مؤهالت جامعية.
يرتبط هذا الفشل األكاديمي ارتباًط ا وثيًق ا باألصل االجتماعي للطالب .تمثل المدرسة العائالت بطريقة
معينة .إنها ترشد األطفال وفًقا لهذه التمثيالت .غالًبا ما توجه المدارس الطالب نحو المسارات التعليمية
التي تشبه مهن والديهم دون قضاء الوقت في استكشاف ما يمتلكه كل طالب حًقا.
كيف تقوم المدرسة بذلك؟ من خالل محتوى ما تدرسه .تقوم المدرسة بتدريس المعرفة الخاصة بالطبقات
المهيمنة .ثم بالمهارات والسلوكيات الالزمة ليكونوا طالًبا جيدين .تتوقع المدرسة سلوكيات ومهارات من
الطالب :الجلوس ساكًن ا طوال اليوم ،والقدرة على السؤال والتحدث وفًقا لقواعد محددة معينة ،وعمل
الملخصات ،والحفظ ،والعثور على المعلومات ،وطلب المساعدة .لكنها ال تتحمل دائًما عناء تعليم هذا
لألطفال .إنها تعتمد على العائالت في هذا األمر .ومع ذلك ،جميع العائالت مختلفة .البعض على دراية
بكيفية عمل المدرسة.
يمكنهم تعليم أطفالهم قواعد اللعبة منذ سن مبكرة جًد ا .لكن لدى اآلخرين معرفة وطرق للعيش ال تحظى
بالتقدير في المدرسة .إنهم يعلمون أطفالهم أشياء كثيرة ولكن ليس دائًما ما هو ضروري ليكون طالًبا
ناجًح ا.
إميل دوركايم كان فيلسوًف ا وعالم اجتماع فرنسًيا ،وهو أحد مؤسسي علم االجتماع الحديثُ .و لد في
1858وتوفي في ُ .1917يعتبر دوركايم من الشخصيات الرائدة في تأسيس علم االجتماع الحديث ،وقد
أسهم في تطوير منهجيات جديدة في دراسة المجتمع والدين .كما نشر العديد من األعمال الرئيسية التي
تعتبر مرجًع ا في مجال علم االجتماع مثل "تقسيم العمل في المجتمع" و "قواعد المنهج االجتماعي" ،وقد
أسهم في إصالح النظام المدرسي الفرنسي ودخل دراسة العلوم االجتماعية في مناهج التعليم
وحسب دوركايم أن المدرسة وسيلة للتطبيع ،وإعادة إدماج المتعلم داخل المجتمع .أي :تقوم المدرسة
بتكييف المتعلم ،إذًا ،تقوم المدرسة بوظيفة المحافظة والتطبيع ،ونقل القيم من جيل إلى آخر عبر
المؤسسة التعليمية ويعني هذا أن المدرسة وسيلة للمحافظة على اإلرث اللغوي والديني والثقافي
والحضاري ،ووسيلة لتحقيق االنسجام والتكيف مع المجتمع .أي :تحويل كائن غير اجتماعي إلى إنسان
اجتماعي ،يشارك في بناء العادات نفسها التي توجد لدى المجتمع .وهذا يؤدي إلى أن تكون المدرسة
مؤسسة توحيد وانتقاء واختيار .ومن ثم ،فالوظيفة األولى للمدرسة هو زرع االنضباط المؤسساتي
والمجتمعي أي دور المدرسة في تعزيز التوجيه والسيطرة على السلوك والتصرفات االجتماعية للفرد
لتوافقها مع قوانين وقيم وتوقعات المجتمع والمؤسسات.
ومن هنا وحسب دوركايم فان للمدرسة دور إيجابيا يتمثل في تحويل األفراد إلى أعضاء في المجتمع
وتحقيق التكامل والتجانس بينهم ،وذلك من خالل تعليم القيم واألخالق والمعارف الالزمة للحياة
االجتماعية والمهنية .ويعتبر دوركايم أن التربية هي ظاهرة اجتماعية مثل باقي الظواهر االجتماعية
األخرى ،وأن وظيفة المدرسة الجوهرية هي تحويل األفراد إلى أعضاء في المجتمع .ويؤكد على دور
الدولة في اإلشراف على التربية باعتبارها الساهرة على تسيير المؤسسات التربوية
ويرى مارسيل بوستيك ":بأن كل نظام مدرسي يتسم بسمة المجتمع الذي أنشأه .وهو منظم حسب
مفهوم التصور المعطى للحياة االجتماعية ،ولدواليب الحياة االقتصادية ،والروابط االجتماعية التي
تحرك هذا المجتمع .حلل علماء االجتماع بصورة مباشرة أو غير مباشرة الصالت بين العالقة التربوية
والنظام االجتماعي ،مهمتها تكييف الشباب مع حياة الجماعة بواسطة إجراءات معقدة االستنباط .هناك
من يرى بأن وظيفة المدرسة ال تقتصر على وظيفة المحافظة ،بل تهدف إلى التغيير والتجديد والتطوير
والتحرير .وهناك من يرى أيضا بأن وظيفة المدرسة هي اإلعالم والتكوين ،وهناك من يرى كذلك بأن
المدرسة لها وظيفية سياسية أو إيديولوجية "
ركز بوستيك على دور المدرسة كمؤسسة تعليمية تتأثر وتتجاوب مع النظام االجتماعي والقيم
والتوجهات المجتمعية التي تحكم المجتمع الذي تنتمي إليه .مارسيل بوستيك وغيره من علماء االجتماع
يشير إلى أن النظام التعليمي يعكس بشكل كبير ما يظهره المجتمع الذي ينشأ فيه.
هناك وجهات نظر متنوعة بشأن دور المدرسة ووظيفتها .بعض اآلراء تشير إلى أن دور المدرسة
يتجلى في تكييف الطالب مع هيكل المجتمع والقيم التي يعتمدها .وهناك آراء ترى أن دورها يتجاوز
التكييف ليشمل التحول والتطوير والتحرير الفكري .بعض اآلراء ترى أيًض ا أن المدرسة ليست مجرد
مؤسسة تعليمية ،بل لها وظائف سياسية أو إيديولوجية تؤثر على طريقة تفكير األفراد والمجتمع بشكل
عام.
بصورة عامة ،تتجلى المدرسة كمنظومة تعليمية تتفاعل مع البيئة االجتماعية والثقافية وتسعى لتحقيق
أهداف تعليمية واجتماعية مختلفة ،وذلك من خالل تكييف الطالب مع متطلبات المجتمع وربطها بالتغيير
والتطور والتحرير الفكري واالجتماعي.
في البيئة التي نشأت فيها ،لم يتابع اآلباء في كثير من األحيان دراسات طويلة أو انهم وصلوا الى حد
الشهادة كما كان سابقا مما يعني أنهم ال يستطيعون مساعدة األطفال في واجباتهم المدرسية ،أو حتى
بالنسبة للبعض ،قراءة الواجبات المنزلية التي يتعين على أطفالهم القيام بها .لن يفهم الطفل الصغير البالغ
من العمر 8سنوات الضرر الذي يلحقه بنفسه عندما يقول إنه ليس لديه شيء لليوم التالي .األطفال
الفقراء ال يحصلون على دروس في المنزل أبًد ا .المساعدة الوحيدة التي يمكن أن يتلقوها هي من كبارهم،
وبالتالي يهدر الكبار أيًض ا الكثير من الطاقة والوقت في مساعدة اإلخوة واألخوات األصغر سًن ا بعد
المدرسة...
الشيء الوحيد الذي سيصنع الفارق بين الطفل الفقير الذي سينجح أكاديميا والذي لن ينجح هو الذكاء ،هنا
ال يوجد مال لتحسين القدرات األساسية ،إنها قدراتك الفطرية ،ومواردك الطبيعية ومرة أخرى ،الذكاء
ليس كافًيا ،فالطفل الفقير يمر بأوقات عصيبة كل يوم ،واالفتقار إلى معلومات مهمة خاصة فيما يتعلق
باختيار التعليم العالي ...كما أنه يتطلب الكثير من العزيمة .إن الطفل الفقير سوف يفشل حتمًا ،ولكن إذا
عرف كيف ينهض ويكون قويًا ،فيمكنه أن ينجح في دراسته .أصعب اختباراته لن تكون حسابات أو
أطروحات ،بل ستكون اختبارات قوة.
وهنا يأتي دور المدرسة التي تأتي كجدار يحجز رؤية المتعلم أتكلم عن المدرسة في األوساط الفقيرة
والشعبية انها كالقيد تكبل أطراف تالميذها وتلك المبادئ والقيم الذين يحاولون بها تضليل راي التالميذ
والتوجيه الوحيد الذي يمكن ان يوجهوك هو كيف ان تكون حرفيا او عامال تحت قياداتهم ومزايا
مراكزهم التكوينية وأنها تفتح الطريق نحو المستقبل ولكن ال يذكرون مزايا الكليات الطبية وكليات
الهندسة ألننا ليس معنيين بها أصال وان الطالب المتوافدون اليها مقبلون قبل ان تجتازوا المباراة
يمكن مالحظة فقط من زيارة إلحدى االعداديات او الثانويات في االحياء الشعبية ومقارنتها باألحياء
الراقية وحتى تلك المباريات التي يدعون انها شفافة وعادلة من الصعب تصديق ذلك وتجد المراكز التي
تتطلب أداء مبالغ ال يستطيع الفقير أداء مصارفها تتوفر على بعض النماذج من الممكن الى حد كبير ان
تكون في المباريات واالمتحانات اإلشهادية.
إن مهام مدرسة اليوم واضحة جًد ا .يجب علينا تدريب كباراوفياء ،وتدريب العمال القادرين على التدريب
طوال حياتهم ،وتدريب المواطنين النشطين .يجب علينا أيًض ا أن نتأكد من أننا نساعد المزيد من أولئك
الذين لديهم أقل الفرص في البداية .لكن يجب أن تفهم المدرسة أن جميع العائالت مختلفة .ليس هناك
فائدة من محاولة تغييرها .األمر متروك للمدرسة للتكيف.
ولذلك من المهم أن تنظر المدارس إلى االختالفات باعتبارها ميزة وليس عائًق ا أمام عملها .ويجب أن
توافق المدرسة أيًض ا على تعليم األطفال كل ما هو ضروري للنجاح ودون انتظار قيام األسرة بذلك.