You are on page 1of 2

‫مدخل إلى علم االجتماع التربوي أو سوسيولوجيا التربية‬

‫‪.‬لقد ركزت جل نظريات التعلم على البعد الفيسيولوجي و العقلي و العاطفي للطفل بشكل يعتبره متحكما في ميكانيزمات تعلمه و طرق اكتسابه للمهارات و المعارف‬
‫لكن و موازاة مع ذلك‪ ،‬يعيش اإلنسان عموما حياته في جماعة أو جماعات لها مرجعيات دينية و ثقافية مختلفة يتأثر بها و يتحدد سلوكه االجتماعي على أساس‬
‫…السلوك العام المتفق عليه داخلها و التي قد تفرضه العادات و األعراف و القوانين‬
‫البعد االجتماعي إذن يكسب الطفل تلك المعايير و القيم و التي على أساسها يوجه سلوكاته و يتفاعل مع اآلخرين‪ ،‬من خالل األدوار االجتماعية التي يكتسبها تدريجيا‬
‫‪.‬عبر مراحل عمرية مختلفة و التي تشكل في األخير شخصيته بكل التعقيدات التي تحتويها‬
‫علم االجتماع التربوي أو سوسيولوجيا التربية جاءت لتمدنا بأبحاث و دراسات تهتم بمعرفة دوافع السلوك االجتماعي لدى الطفل و عالقته مع بيئته االجتماعية‬
‫المحيطة بغية فهم هذا السلوك و وصفه و التنبؤ به و التحكم فيه و تطويعه لخدمة أهداف تربوية تمكن من اإللمام بجوانب قد تكون مصيرية بالنسبة لمسار الطفل في‬
‫‪.‬اكتساب التعلمات و المهارات و المعارف الضرورية‪ ،‬و االندماج في المجتمع بطريقة ال تقصي اختالفاته الفردية و ال خصوصياته الثقافية‬
‫فما هي سوسيولوجيا التربية ؟ و ماهي مجاالت اهتمامها ؟ وأهم المقاربات التي ربطت علم االجتماع بالتربية ؟‬
‫‪ :‬تعريف سوسيولوجيا التربية ‪1-‬‬
‫‪ :‬علم االجتماع التربوي بأنه ‪ Sociology of Education‬في كتابه ‪ Edward Ezewu‬يعرف‬
‫دراسة علمية للسلوك اإلنساني ضمن مجموعات متعاقدة على عدد من أشكال التنظيم والتي على أساسها تحدد طبيعة تصرفات األفراد‪ ،‬ومن خاللها تستنبط مختلف ”‬
‫‪”.‬النظريات التي تصف أنماط السلوكات المالحظة داخل البيئات التعليمية‬
‫‪ :‬و يقول جورج باين بأن علم االجتماع التربوي‬
‫‪ “.‬هو العلم الذي يصف ويفسر النظم و الطوائف و العمليات االجتماعية‪ ،‬ويُقَيِّم طبيعة العالقات التي يكتسب الفرد فيها أو عن طريقها تجاربه و يقوم بتنظيمها ”‬
‫‪ :‬فقد عرف سوسيولوجيا التربية على أنها ‪ René Hubert‬أما روني أوبير‬
‫الدراسة المقارنة لشروط عمل مختلف األنظمة المدرسية وأشكال تكيفها مع الظروف العامة للبيئة االجتماعية و أوجه إسهامها في الحفاظ على هذه البيئة ”‬
‫‪… “.‬االجتماعية أو في تغييرها‬
‫‪ :‬و يرى إميل دوركايم و هو من رواد علم االجتماع الحديث أن‬
‫التربية تقوم على أساس التنشئة االجتماعية الممنهجة التي تمارسها األجيال السابقة أو الراشدة على الجيل الصاعد الذي لم ينضج بعد لمواجهة تحديات المجتمع من ”‬
‫‪”.‬خالل تنمية التفاعل الفيسيولوجي و الفكري و األخالقي لدى الطفل والذي يتطلبه المحيط الثقافي و السياسي العام و الوسط االجتماعي الخاص‬
‫‪ :‬مجاالت تدخل سوسيولوجيا التربية و أهدافها ‪2-‬‬
‫التربية عموما تسعى إلى تحويل كائن غير اجتماعي ليصبح اجتماعيا‪ ،‬ومن هذا المنطلق فإن سوسيولوجيا التربية تهتم بدراسة األنظمة التربوية و الظواهر المدرسية‬
‫… و دورها في تغيير المجتمع من خالل عالقتها مع األسرة و المحيط… و تأثرها بالمرجعية الثقافية و الدينية… و تفاعلها مع الظروف السياسية و االقتصادية‬
‫المتعلمون و رجال التعليم و أطر اإلدارة و اآلباء و المفتشون…)‪ ،‬وآلياتها ( إن سوسيولوجيا التربية تركز على ثالثة عناصر رئيسية و هي ‪ :‬مدخالت التربية‬
‫‪…).‬البيداغوجية و الديداكتيكية‪ ،‬ومخرجاتها ( التقويم‪ ،‬واالنتقاء‪ ،‬و االصطفاء‬
‫‪ :‬أ‪ -‬مجال المدخالت‬
‫… المتعلم ‪ :‬و تنكب الدراسة هنا على العوامل الفيسيولوجية و النفسية و االجتماعية‪ ،‬كالسن والجنس و مستوى الذكاء و كذلك سمات الوسط االجتماعي –‬
‫هيأة التدريس واإلدارة ‪ :‬يتم التركيز هنا على مختلف المتغيرات المهنية التي قد تكون نتيجة لتوجهات سياسية و نقابية و اقتصادية و متأثرة بظروف العمل و –‬
‫‪.‬إكراهات مختلفة أو بعوامل نفسية و اجتماعية‬
‫‪ :‬ب‪ -‬مجال المخرجات‬
‫القيم و المعارف‪ :‬و ذلك من خالل إدراج منظومة هرمية متكاملة من القيم و المواد الدراسية تتخللها قواعد صريحة أو ضمنية‪ ،‬نظرية أو تطبيقية و التي تشكل –‬
‫‪.‬الحقا الهوية المدرسية لمتعلمين مستعدين لالندماج اجتماعيا‬
‫البيداغوجيا و طرق التدريس‪ :‬حيث يهتم علم االجتماع التربوي بطرق تمرير المحتويات و إدارة التعلمات و تقنيات التنشيط المختلفة‪ ،‬و بتكنولوجيا التعليم الحديثة –‬
‫‪.‬و تقنياتها و كل ما من شأنه التحكم في آليات التفاعل بين الطالب أنفسهم و بين الطالب و المعلم دون إغفال اإلطار الزماني و المكاني للعملية التعليمية التعلمية‬
‫التقويم‪ :‬بما أن للتقويم دورا في اتخاذ القرارات الخاصة بانتقاء األفراد وتصنيفهم واصطفائهم‪ ،‬فإن سوسيولوجيا التربية تهتم بالقواعد الظاهرة أو الكامنة للتقويم من –‬
‫…أجل توظيفها في مجاالت متنوعة كالمجال التربوي أو المهني أو العسكري‬
‫هناك بالطبع مجاالت أخرى اهتم بها علم االجتماع التربوي من قبيل تحليل و تقييم األنظمة التعليمية و المناهج التربوية وعالقتها بسوق العمل‪ ،‬وكذلك البحث في‬
‫المرجعية السوسيولوجية للمتعلمين و أثرها على التحصيل الدراسي (التعثر الدراسي‪ ،‬صعوبات التعلم‪ ،‬التفوق…) دون إغفال العوامل المؤثرة على المسار الدراسي‬
‫و التي تنبع من االمتيازات الثقافية و العوائق السوسيوقتصادية والثقافية و البنية الفكرية و السياسية المهيمنة‪ ،‬و أيضا واقع و درجة دمقرطة التعليم و اختالف‬
‫…مستوياته بين مناطق البلد الواحد‬
‫‪ :‬أهم مقاربات سوسيولوجيا التربية ‪3-‬‬
‫‪ Structural functionalism :‬أ‪ -‬المقاربة البنيوية الوظيفية‬
‫أصولها نابعة من أعمال أشهر رواد علم االجتماع الحديث و هو الفرنسي إميل دوركايم‪ ،‬الذي اهتم خصوصا بسبل استقرار النظام االجتماعي وتكامل عناصره و‬
‫بنياته‪ .‬و في هذا اإلطار‪ ،‬تقول المقاربة الوظيفية أن للتعليم العديد من الوظائف الهامة في المجتمع‪ ،‬فهو يمهد األطفال و يعدهم لالندماج في المجتمع عن طريق‬
‫المعرفة أوال‪ ،‬ثم عبر تلقينهم المبادئ الدينية و األعراف و العادات و التقاليد المحلية و القيم األخالقية و السياسية… و يعتقد رواد هذه النظرية المحافظة أيضا‪ ،‬أن‬
‫‪.‬التربية و التعليم يخدمان البنية السليمة للمجتمع ككل‪ ،‬من خالل إلزامية التمدرس التي تؤدي إجماال إلى تقويم الكثير من السلوكات المنحرفة أو تفاديها‬
‫‪ :‬و تجدر اإلشارة إلى أن بعض الدراسات صنفت المقاربات الوظيفية إلى‬
‫المقاربة الوظيفية الكالسيكية ‪ :‬و تقوم على فكرة الفوارق الوراثية‪ ،‬حيث أن المدرسة تهدف إلى تربية جميع المتعلمين حسب معايير أخالقية واجتماعية موحدة‪– ،‬‬
‫وذلك بغية االندماج في المجتمع‪ .‬لكن في الوقت نفسه‪ ،‬تفرق المدرسة بين المتمدرسين‪ ،‬فمن يمتلك القدرات الوراثية كالذكاء مثال يتم انتقاؤه لتولية المناصب المتبارى‬
‫‪.‬عليها في إطار من النزاهة و الشفافية و اعتمادا على معايير علمية موضوعية مضبوطة‬
‫المقاربة الوظيفية التكنولوجية ‪ :‬ظهرت هذه المقاربة ما بين خمسينيات و ستينيات القرن الماضي‪ ،‬لتجعل من المدرسة أداة لتكوين اليد العاملة وتأهيلها ‪ ،‬بهدف –‬
‫‪.‬تحريك عجلة االقتصاد ‪ ،‬وتطوير المقاوالت الصناعية والتقنية‬
‫‪ ،‬الذي أشار إال مساوئ فرض نظام اجتماعي معين‪ ،‬و تأثيره السلبي ‪ Antonio Gramscii‬تم انتقاد هذه النظرية من طرف العديد من علماء االجتماع كاإليطالي‬
‫‪.‬على مساعي التغيير و إن كانت نتائج هذا التغيير إيجابية‬
‫‪ Symbolic Interactionalism :‬ب‪ -‬المقاربة التفاعلية الرمزية‬
‫‪ ،‬الذي ‪ Max Weber‬يعتمد هذا المنظور على معنى الرموز التي يطورها الناس خالل عملية التفاعل االجتماعي‪ .‬و تعود أصول هذه المقاربة إلى ماكس ويبر‬
‫الذي قدم ‪ George Herbert Mead‬اعتبر أن األفراد يتصرفون وفقا لتمثالتهم و تفسيراتهم الخاصة لعالمهم‪ .‬جاء بعده الفيلسوف األمريكي جورج هربرت ميد‬
‫هذا المنظور الجديد نسبيا إلى علم االجتماع األمريكي وذلك في سنة ‪ ،1920‬حيث اعتبر أن النظام االجتماعي هو نتاج األفعال التي يصدرها أفراد المجتمع‪ ،‬بمعنى‬
‫‪.‬أن المعنى ليس مفروضا عليهم‪ ،‬إنما هو موضوع خاضع للتفاوض والتداول بين هؤالء األفراد‬
‫تركز هذه النظرية أيضا في شقها التربوي على مختلف التفاعالت في العملية التعليمية التعلمية داخل الوسط المدرسي و مخرجاتها أو نتائجها‪ .‬فعلى سبيل المثال‪،‬‬
‫من حيث مستوى ”‪ “teacher expectancy effect‬يمكن القول أن التفاعل بين الطالب و المدرس يتيح لهذا األخير التنبؤ و توقع سلوكات المتعلمين المستقبلية‬
‫‪.‬مردودهم أو المشاكل التي تواجههم وهو شيء ايجابي جدا إذا ما تم تقويم هذه السلوكات و تشجيع الطالب المتعثرين‬
‫تم انتقاد المقاربة التفاعلية الرمزية أيضا لكونها ال تعطي أهمية كبيرة للعوامل و القوى الخارجية ( مؤسسات‪ ،‬إعالم…) التي قد تؤثر بشكل كبير على التفاعالت‬
‫و ال تعطي تلك األهمية )‪ MICRO‬الفردية داخل المجتمع‪ .‬إضافة إلى كونها تتناول النسق االجتماعي انطالقا من سلوكات األفراد مثال (الوحدات الصغرى‬
‫‪.‬عند دراستها للسلوكات و األدوار االجتماعية ‪ MACRO‬للمستوى الكلي أو الرؤية العامة للمجتمع‬
‫‪ Conflict Theory :‬ج‪ -‬المقاربة الصراعية‬
‫و جون كلود باسرون ‪ Basil Bernstein‬و بازل برنشتاين ‪ Pierre Bourdieu‬من أهم روادها نذكر ‪ :‬بيير بورديو‬
‫و غيرهم‪ .‬و تبحث هذه المقاربة في الجوانب السلبية للنظام التعليمي و التي قد تؤدي إلى تفكيك و تخريب المجتمع‪ .‬في هذا ‪Jean-Claude Passeronn‬‬
‫الصدد يرى الباحثون أن التربية والتعليم في ظل ايديولوجية معينة و إطار ثقافي سائد‪ ،‬قد يكون لها نصيب من الميز و عدم تكافؤ الفرص حسب العرق و الجنس و‬
‫المستوى المعيشي … إذا لم يتم اعتبار المعايير الموضوعية كدرجة الذكاء و مستوى اإلنتاج و اإلبداع … و بالتالي يصبح المستوى التعليمي آلية إلنتاج و إعادة‬
‫إنتاج الالمساواة في المجتمع‪ .‬و يتجلى هذا التمييز أيضا عندما يطلب أرباب العمل بعض الشروط التعجيزية أو المؤهالت العلمية التي قد ال تكون مهمة للمناصب‬
‫…المتبارى عليها حيث يتم إقصاء النساء أو بعض األقليات‬
‫من ضمن ما يؤخذ على هذه األطروحة‪ ،‬أنها ركزت فقط على بعض المعطيات المرتبطة بسياسة االنتقاء واالصطفاء‪ ،‬حيث يصعب تعميمها على جميع األنظمة‬
‫‪.‬بالرغم من أنها استطاعت أن تبين وجها من وجوه مفارقات العالقة بين التطور التربوي‪-‬التعليمي ومثيله االجتماعي‬
‫‪) :‬ج‪ -‬المقاربة ذات النموذج التفسيري (المفسر‬
‫إذا كانت المقاربة السابقة قد اعتبرت المدرسة فضاء للصراع االجتماعي و السياسي والطبقي و مجاال لفرض قيم و مبادئ ذات خلفية اديولوجية محددة… فإن ثمة‬
‫مقاربات أخرى تفسر الظواهر المدرسية من الخارج‪ ،‬بطرق أكثر موضوعية باعتماد معطيات رياضية و إحصائية منطقية‪ ،‬وذلك من أجل معرفة العالقة الكامنة بين‬
‫المدرسة و الحراك االجتماعي المحيط بها‪ .‬وقد بينت هذه المقاربات التفسيرية بأن العالقة ليست بقوية و ال ضعيفة‪ ،‬بل هناك تدخل لعوامل أخرى يجب اعتبارها‪ .‬و‬
‫‪ ، Raymond Boudon‬والنموذج النسقي التركيبي ل ‪ ، Pitirim Sorokin‬والنموذج النسقي ل ‪ Jencks‬هنا تجدر اإلشارة إلى النموذج اإلحصائي ل‬

You might also like