You are on page 1of 43

‫مقاربــات سوسيولوجيـة التربية‪:‬‬

‫يتم الحديث عن مجموعة من التيارات واالتجاهات ضمن‬


‫ما يسمى بسوسيولوجية التربية‪ ،‬ويمكن حصرها في مايلي‪:‬‬
‫المقاربة الوظيفية الكالسيكية‪:‬‬ ‫•‬
‫تقوم هذه المقاربة على فكرة الفوارق الوراثية‪.‬‬
‫بمعنى أن المدرسة توحد جميع المتمدرسين في تمثل‬
‫المعايير األخالقية واالجتماعية ‪ ،‬وذلك بغية التأقلم مع‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه‪ ،‬تفرق المدرسة بين هؤالء‪ ،‬فمن يمتلك القدرات‬
‫الوراثية كالذكاء‪ ،‬والنجابة‪ ،‬والقدرات التعلمية الكفائية‪ ،‬ينتقى لتولية‬
‫المناصب المتبارى عليها ‪ ،‬ولكن ليس اتكاء على المحسوبية‬
‫واألصل والنسب‪ ،‬بل اعتمادا على المعايير العلمية الموضوعية‪،‬‬
‫واإلنجازات التقويمية المضبوطة‪.‬‬
‫المقاربة الوظيفية التكنولوجية‪:‬‬ ‫•‬
‫ظهرت هذه المقاربة ما بين سنوات الخمسين والستين من‬
‫القرن الماضي لتجعل من المدرسة أداة لتكوين اليد العاملة‬
‫وتأهيلها ‪ ،‬بغية تحريك االقتصاد ‪ ،‬وتطوير المقاوالت‬
‫الصناعية والتقنية‪.‬‬
‫وتقترب هذه المقاربة من نظرية االستثمار البشري أو‬
‫نظرية الرأسمال اإلنساني‪ " .‬لكن سرعان ما تعرضت‬
‫أطروحات التكنو‪-‬وظيفية ونظرية الرأسمال اإلنساني إلى‬
‫انتقادات حادة مدعمة باألرقام واإلحصائيات؛ مما جعل‬
‫حماسها يفتر‪.‬‬
‫ولقد بينت الدراسات الحديثة أن الطاقات البشرية‬
‫الزالت تعاني من الهدر‪ ،‬على أساس أنه ليس هناك تناسق‬
‫وانسجام بين النمو التكنولوجي والنمو التربوي‪.‬‬
‫وأظهـرت دراسـة " دريـبين(‪ )Dreeben‬مثال‪ ،‬أن النظـام التعليمي‬
‫األمريكي ينمو بسرعة‪ ،‬أكثر مما تطلبه حاجيات المجتمع لليد العاملة‪.‬‬
‫كما بينت دراسة أخرى أن العالقة بين المستوى التعليمي والدخل‬
‫عالقة غير قارة‪ ،‬بحيث أنها مرتبطة بسوق العمل وبالظروف أو‬
‫بقطاع العمل‪ ،‬أكثر مما هي مرتبطة بالشهادات أو بالدبلومات‪".‬‬
‫المقاربة الصراعية‪:‬‬ ‫•‬
‫ترى هذه المقاربة أن المدرسة ال تنتقي من هو أكثر ذكاء وقدرة‬
‫وإنتاجا وإبداعا‪ ،‬بل من هو أكثر مطابقة ومسايرة لتمثالت الفئة‬
‫الحاكمة‪.‬‬

‫أي‪ :‬تختار من ينفذ تعليمات الطبقة المالكة للسلطة‪ ،‬ويعيد إنتاج‬


‫قيمها‪.‬‬
‫ومن أهم أطروحاتها أطروحة كوالنز (‪ )Collins‬التي‬
‫ترى أن األفراد اليتم انتقاؤهم واصطفاؤهم على أساس‬
‫القدرات الذكائية والتقنية والمعارف التحصيلية‪ ،‬بل على أساس‬
‫االنتماء إلى الجماعة المسيطرة ثقافيا‪ ،‬بتمثل تصوراتها‪،‬‬
‫واتباع قيمها‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يكمن الصراع في ضغط الجماعات الحاكمة على‬
‫المشغلين بأن يعتمدوا على الشهادات في عمليات االنتقاء‬
‫واالصطفاء‪ ،‬عالوة على معايير التبعية الثقافية والحزبية‬
‫واإليديولوجية‪.‬‬
‫و" من ضمن ما يؤخذ على هذه األطروحة أنها انبنت فقط‬
‫على بعض المعطيات المرتبطة بسياسة االنتقاء واالختيار‪،‬‬
‫وبرواتب المقاوالت األمريكية‪ ،‬مما يصعب تعميمها على‬
‫جميع األنظمة‪.‬‬
‫غير أنـه وعلى الـرغم من هـذا القصـور‪ -‬فقـد اسـتطاعت أن تـبين‬
‫وجهـا من وجـوه مفارقـات العالقـة بين التطـور الـتربوي ومثيلـه‬
‫االجتماعي"‪.‬‬
‫وترى أطروحة إعادة اإلنتاج لبيير بورديو وكلود باسرون بأن‬
‫المدرسة الرأسمالية تعيد إنتاج الطبقات االجتماعية نفسها‪ ،‬فابن‬
‫البورجوازي يصبح مثل الفئة االجتماعية التي ينتمي إليها‪ .‬إد يكون‬
‫النجاح هو حليفه‪.‬‬
‫في حين‪ ،‬يعيد ابن الطبقة الدنيا الطبقة االجتماعية‬
‫نفسها التي ينتمي إليها‪.‬لذا‪ ،‬يكون الفشل هو مرتقبه‬
‫سياسيا واجتماعيا واقتصاديا‪.‬‬
‫أما أطروحة بودلو وإستابلي‪ ،‬فتتمثل في كون المدرسة‬
‫الرأسمالية تنقسم إلى قناتين‪ :‬قناة التعليم االبتدائي ذي التوجه‬
‫المهني‪ ،‬وقناة التعليم الثانوي والعالي ذي التوجه االحترافي‪.‬‬
‫ويترتب عن القناتين أن أبناء الطبقة العاملة‬
‫يكتفون بالتعليم المهني القصير‪ .‬في حين‪ ،‬يهتم‬
‫أبناء البورجوازية بالتعليم العالي الطويل‪.‬‬
‫وينتج عن هـذا وجـود صـراع طبقي واجتمـاعي داخـل‬
‫المدرسـة‪ ".‬وهكـذا‪ ،‬يتضـح أن أطروحـة بودلـو وإسـتابلي تتمـيز‬
‫بالنقد العنيف والمتجذر للنظام التعليمي الرأسمالي( الفرنسي)‪،‬‬
‫غير أن هذا النقد‪ ،‬كما ُيْج ِم ع جل الباحثين‪ ،‬يغلب‬
‫عليه الطابع السياسي واإليديولوجي الذي طبع فترة‬
‫الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي‪،‬‬
‫كما أنه تأثر بنمط التنظير الوظيفي‪ ،‬شأنه في ذلك شان الثنائي بورديو‬
‫وباسرون‪ ،‬ذلك أن أطروحتهما حول إعادة اإلنتاج‪ ،‬وأطروحة القناتين لبودلو‬
‫وإستابلي‪ ،‬ركزتا على وظيفة المدرسة من حيث هي وظيفة اصطفائية‪ ،‬تعطي‬
‫الشرعية للتفاوت االجتماعي‪ ،‬وتكرس الصراع بين الفئات االجتماعية‪.‬‬
‫إنها وظيفة مرتبطة عند األولى بالجانب االجتماعي‪-‬‬

‫الثقافي‪ ،‬وعند الثانية بالجانب السياسي‪-‬اإليديولوجي"‬


‫أما أطروحة بازل برنشتاين (‪Basil‬‬
‫‪ ،)Bernstein‬فهي ذات طابع لغوي ولساني‪ .‬بمعنى‬
‫أن المدرسة فضاء للصراع اللغوي واللساني‪.‬‬
‫فلغة أبناء الطبقة الوسطى والعليا تتسم بالخصوبة‪،‬‬

‫واالسترسال‪ ،‬والمرونة‪ ،‬والترابط المنطقي والحجاجي‬


‫وتميـل أيضـا إلى التجريـد‪ ،‬والترمـيز‪ ،‬والصـورنة المنطقيـة‪.‬‬

‫عالوة على اسـتعمالها للجمـل الطويلـة الـتي تعج بـالنعوت‬

‫واألوصاف‪ ،‬والمصادر المؤولة‪ ،‬وأدوات الوصل والفصل‪.‬‬


‫في حين‪ ،‬تتسم لغة أبناء الطبقة الدنيا باستعمال‬
‫شفرة لغوية ضيقة‪ ،‬ومحدودة ‪ ،‬ومشخصة حسيا‪.‬‬
‫كما أنها لغة مفككة ومهلهلة‪ ،‬غير خاضعة لعمليات‬
‫التحليل والتأليف المنطقي استقراء واستنتاجا‪.‬‬

‫بيد أن هذه النظرية اليمكن تعميمها بشكل علمي‬


‫ومنطقي‪.‬‬
‫فثمـة أبنـاء من الطبقـة الفقـيرة يسـتعملون اللغـة بشـكل‬
‫حيـوي‪ ،‬ويحققـون درجـات من النجـاح والتقـدم في مسـتواهم‬
‫الدراسي‪ ،‬على الرغم من فقر بيئتهم االجتماعية‪.‬‬
‫كما أن المدرسة ليست دائما مكانا للصراع الطبقي‬

‫واالجتماعي والسياسي واللغوي واإليديولوجي‪ ،‬بل يمكن‬

‫أن تكون المدرسة فضاء للتعايش والتواصل واالستقرار‪.‬‬


‫ويمكن القول ٔان بيير بورديو وكلود باسرون هما اللذان ٔاعطيا والدة ثانية لسوسيولوجيا‬

‫التربية‪ ،‬وقد انطلقا من فرضية سوسيولوجية ٔاساسية هي‪ :‬ال يملك المتعلمون الحظوظ نفسها في‬

‫تحقيق النجاح المدرسي ‪.‬وقد ترتب عن هذا االختالف في الحظوظ تنوع طبقي ومجتمعي‪،‬‬

‫ووجود فوارق فردية داخل الفصل الد ارسي نفسه ‪.‬‬


‫ومن ثم‪ ،‬فقد قادت األبحاث السوسيولوجية واإلحصأيية التي ٔاجرها كل من‬

‫بورديو وباسرون ٕالى استنتاج ٔاساسي هو ٔان الثقافة التي يتلقاها المتعلم‪ ،‬في‬

‫المدرسة الفرنسية الرٔاسمالية‪ ،‬ليست ثقافة موضوعية ومحايدة‪ ،‬بل هي تعبير عن‬

‫الثقافة المهيمنة ٔاو ثقافة الطبقة الحاكمة‬


‫ومن ثم فالتنشٔية االجتماعية ليست تحريرا للمتعلم‪ ،‬بل ٕادماجا له‬

‫في المجتمع في ٕاطار ثقافة التوافق والتطبيع واالنضباط المجتمعي‪.‬‬


‫ومن ثم‪ ،‬تعيد لنا المدرسة الطبقات االجتماعية نفسها عن طريق االصطفاء‬

‫واالنتقاء واالنتخاب‪ .‬ومن ثم فهي مدرسة الالمساواة االجتماعية بامتياز‬

‫‪ٕ-‬ابراهيم ناصر‪ ،‬علم االجتماع التربوي‪ ،‬دار الجيل بيروت‪ ،‬لبنان ‪1988،‬‬
‫ويعني هذا كله ٔان سوسيولوجيا التربية النقدية قد عرفت منحنى مهما في سنوات الستين ٕالى غاية سنوات‬
‫السبعين‪ ،‬بعد ٔان توسعت الهوة بين النظرية والتطبيق‪ٔ ،‬او بين المٔوسسة التربوية والمجتمع‪ ،‬وخاصة بعد‬
‫تحول المدرسة الرٔاسمالية ٕالى فضاء للتطاحن والصراعات االجتماعية والطبقية‪ٔ ،‬او تحولها ٕالى مٔوسسة‬
‫تنعدم فيها العدالة الطبقية‪ ،‬وتغيب فيها المساواة على مستوى الفرص والحظوظ؛‬
‫حيث الفشل واإلخفاق مٓال ٔابناء الطبقات الشعبية ‪.‬في حين‪ ،‬يكون النجاح حليف ٔابناء‬

‫الطبقات الغنية ؤابناء الطبقة الحاكمة‪ٔ .‬اي ٔان المدرسة ٔاصبحت فارقية بامتياز ٔاو مدرسة‬

‫لالنتقاء واالصطفاء الطبقي والتمييز االجتماعي‬


‫ويعني هذا ٔان السٔوال الذي ركزت عليه سوسيولوجياالتربية‪ ،‬في سنوات الستين والسبعين‬

‫هو سٔوال الالمساواة المدرسية التي تعكس الالمساواة الطبقية واالجتماعية‬


‫وتعكس مدى اختالف ٔابناء الطبقات العمالية عن ٔابناءالطبقات المحظوطة‪ ،‬واختالف المستوى‬

‫التعليمي الطويل الذي يرتاده ٔابناء الطبقات المحظوظة‪ ،‬والتعليم القصير الذي يكون من حظ‬

‫ٔابناء الطبقات الدنيا‪ ،‬والسيما ٔابناء الطبقات العمالية ؤابناء المهاجرين‬


‫لذا‪ ،‬كان التوجه الماركسي النقدي الجديد يغلب على هذه السوسيولوجيا الصراعية‬
‫والدليل على ذلك الثورة العارمة على المدرسة الرٔاسمالية التي‬

‫كانت مدرسة طبقية بامتياز‪ ،‬وخاصة ثورة ‪ 1968‬م‬


‫وكان البديل هو دمقرطة التعليم‪ ،‬وتحقيق المساواة االجتماعية الشاملة‪ ،‬والحد من الفوارق‬

‫البيداغوجية والديدكتيكية والثقافية والطبقية والمجتمعية‪ ،‬وخلق مدرسة موحدة تحقق النجاح‬
‫لجميع المتعلمين بدون تمييز ٔاو انتقاء ٔاو اصطفاء‬

You might also like