Professional Documents
Culture Documents
الت برية
لقد ركزت جل نظريات التعلم على البعد الفيسيولوجي و العقلي و العاطفي للطفل بشكل يعتبره
متحكما في ميكانيزمات تعلمه و طرق اكتسابه للمهارات و المعارف .لكن و موازاة مع ذلك،
يعيش اإلنسان عموما حياته في جماعة أو جماعات لها مرجعيات دينية و ثقافية مختلفة يتأثر بها
و يتحدد سلوكه االجتماعي على أساس السلوك العام المتفق عليه داخلها و التي قد تفرضه
العادات و األعراف و القوانين…
البعد االجتماعي إذن يكسب الطفل تلك المعايير و القيم والتي على أساسها يوجه سلوكاته و
يتفاعل مع اآلخرين ،من خالل األدوار االجتماعية التي يكتسبها تدريجيا عبر مراحل عمرية
مختلفة و التي تشكل في األخير شخصيته بكل التعقيدات التي تحتويها.
علم االجتماع التربوي أو سوسيولوجيا التربية جاءت لتمدنا بأبحاث و دراسات تهتم بمعرفة
دوافع السلوك االجتماعي لدى الطفل و عالقته مع بيئته االجتماعية المحيطة بغية فهم هذا السلوك
و وصفه و التنبؤ به و التحكم فيه و تطويعه لخدمة أهداف تربوية تمكن من اإللمام بجوانب قد
تكون مصيرية بالنسبة لمسار الطفل في اكتساب التعلمات و المهارات و المعارف الضرورية ،و
االندماج في المجتمع بطريقة ال تقصي اختالفاته الفردية و ال خصوصياته الثقافية.
مفهوم سوس يولوجيا الرتبية
تهتم سوسيولوجيا التربية ) (Sociologie de l’éducationبدراسة األنظمة التربوية
في عالقتها بالمجتمع ،وتبيان دورها في التغيير االجتماعي .والسيما أن التربية تسعى
إلى تحويل كائن غير اجتماعي ليصبح اجتماعيا ومن ثم ،فسوسيولوجيا التربية مفهوم
عام يدرس مختلف األنشطة اإلنسانية ،وخاصة التربوية منها .وإذا كانت سوسيولوجيا
التربية تدرس الظواهر المدرسية ،فإن لها أيضا عالقة وثيقة باألسرة ،والسياسة،
واالقتصاد .ويعني هذا أنها تدرس ما يتعلق بالتربية من خالل التركيز على ثالثة عناصر
رئيسية ،وهي :مداخل التربية ،وآلياتها البيداغوجية والديداكتيكية والسوسيولوجية،
ومخارجها وهناك تعريف آخر لهذا الحقل المعرفي مفاده أن علم االجتماع التربوي
يقوم ”:بدراسة أشكال األنشطة التربوية للمؤسسات ،كأنشطة المدرسين والتالميذ
واإلداريين داخل المؤسسات المدرسية .كما يقوم بوصف طبيعة العالقات واألنشطة التي
تتم بينهم .كما يهتم علم االجتماع التربوي بدراسة العالقات التي تتم بين المدرسة وبين
مؤسسات أخرى ،كاألسرة ،والمسجد ،والنادي .كما يهتم بالشروط االقتصادية والطبيعية
التي تعيش فيها هذه المؤسسات ،وتؤثر في شروط وجودها وتعاملها.
مفهوم سوس يولوجيا الرتبية عند بعض العلامء:
• يعرف Edward Ezewuعلم االجتماع التربوي بأنه:
” دراسة علمية للسلوك اإلنساني ضمن مجموعات متعاقدة على عدد من أشكال التنظيم والتي على أساسها
تحدد طبيعة تصرفات األفراد ،ومن خاللها تستنبط مختلف النظريات التي تصف أنماط السلوكات
المالحظة داخل البيئات التعليمية“.
• يعرف جورج باين بأن علم االجتماع التربوي :
” هو العلم الذي يصف ويفسر النظم و الطوائف و العمليات االجتماعية ،ويُقَ ِّيم طبيعة العالقات التي يكتسب
الفرد فيها أو عن طريقها تجاربه و يقوم بتنظيمها “.
• أما روني أوبير René Hubertفقد عرف سوسيولوجيا التربية على أنها :
” الدراسة المقارنة لشروط عمل مختلف األنظمة المدرسية وأشكال تكيفها مع الظروف العامة للبيئة
االجتماعية و أوجه إسهامها في الحفاظ على هذه البيئة االجتماعية أو في تغييرها“.
امهية سوس يولوجيا الرتبية :
الكشف عن التغلغل االجتماعي و السياسي في المنظومة التربوية و خدمة هذا األخير
لها عن طريق المؤسسات التعليمية .
إزالة وهم براءة التربية و حيلها على أساس أن كل تربية خاضعة لتصور سياسي
اجتماعي فبواسطتها جيل اليوم يكون جيل الغد و منه هي وسيلة لقولبة الفرد
(سياسيا و اجتماعيا ) .
التقليل من مسؤولية األفراد في المجال التربوي و خاصة على مستوى عدم تكافؤ
الفرص التعليمية و تحميلها لبنيات المجتمع و لمؤسساته .
التربية مشروع مجتمعي يقتضي دراسة حاجيات المجتمع بكل فئاته
االهتمام بتعميم التعليم و تطوره لمعرفة مدى تأثيره على التطور االجتماعي .
الكشف عن أهمية التغيير االجتماعي في اتجاه دمقرطة التعليم .
اعتبار التربية استثمار تنموي يخدم التنمية الشاملة التي تطال الفرد و المجتمع
-1مجال المدخالت )(les entréesونجد فيه:
المتعلم :و تنكب الدراسة هنا على العوامل الفيسيولوجية و النفسية و االجتماعية،
كالسن والجنس و مستوى الذكاء و كذلك سمات الوسط االجتماعي .
هيأة التدريس واإلدارة :يتم التركيز هنا على مختلف المتغيرات المهنية التي قد تكون
نتيجة لتوجهات سياسية و نقابية و اقتصادية و متأثرة بظروف العمل و إكراهات
مختلفة أو بعوامل نفسية و اجتماعية.
-2مجال المخرجات((les sorties
القيم و المعارف :و ذلك من خالل إدراج منظومة هرمية متكاملة من القيم و المواد
الدراسية تتخللها قواعد صريحة أو ضمنية ،نظرية أو تطبيقية و التي تشكل الهوية
المدرسية لمتعلمين مستعدين لالندماج اجتماعيا..
البيداغوجيا و طرق التدريس :حيث يهتم علم االجتماع التربوي بطرق
تمرير المحتويات و إدارة التعلمات و تقنيات التنشيط المختلفة ،و بتكنولوجيا
التعليم الحديثة و تقنياتها و كل ما من شأنه التحكم في آليات التفاعل بين
الطالب أنفسهم و بين الطالب و المعلم دون إغفال اإلطار الزماني و المكاني
للعملية التعليمية التعلمية.
التقويم :بما أن للتقويم دورا في اتخاذ القرارات الخاصة بانتقاء األفراد
وتصنيفهم واصطفائهم ،فإن سوسيولوجيا التربية تهتم بالقواعد الظاهرة أو
الكامنة للتقويم من أجل توظيفها في مجاالت متنوعة كالمجال التربوي أو
المهني أو العسكري.
أ -المقاربة البنيوية الوظيفية Structural functionalism :
أصولها نابعة من أعمال أشهر رواد علم االجتماع الحديث و هو الفرنسي إميل
دوركايم ،الذي اهتم خصوصا بسبل استقرار النظام االجتماعي وتكامل عناصره
و بنياته .و في هذا اإلطار ،تقول المقاربة الوظيفية أن للتعليم العديد من الوظائف
الهامة في المجتمع ،فهو يمهد األطفال و يعدهم لالندماج في المجتمع عن طريق
المعرفة أوال ،ثم عبر تلقينهم المبادئ الدينية و األعراف و العادات و التقاليد
المحلية و القيم األخالقية و السياسية… و يعتقد رواد هذه النظرية المحافظة
أيضا ،أن التربية و التعليم يخدمان البنية السليمة للمجتمع ككل ،من خالل إلزامية
التمدرس التي تؤدي إجماال إلى تقويم الكثير من السلوكات المنحرفة أو تفاديها.
و تجدر اإلشارة إلى أن بعض الدراسات صنفت المقاربات الوظيفية إلى :
– المقاربة الوظيفية الكالسيكية :و تقوم على فكرة الفوارق الوراثية ،حيث أن
المدرسة تهدف إلى تربية جميع المتعلمين حسب معايير أخالقية واجتماعية موحدة،
وذلك بغية االندماج في المجتمع .لكن في الوقت نفسه ،تفرق المدرسة بين
المتمدرسين ،فمن يمتلك القدرات الوراثية كالذكاء مثال يتم انتقاؤه لتولية المناصب
المتبارى عليها في إطار من النزاهة و الشفافية و اعتمادا على معايير علمية
موضوعية مضبوطة.
– المقاربة الوظيفية التكنولوجية :ظهرت هذه المقاربة ما بين خمسينيات و
ستينيات القرن الماضي ،لتجعل من المدرسة أداة لتكوين اليد العاملة وتأهيلها ،
بهدف تحريك عجلة االقتصاد ،وتطوير المقاوالت الصناعية والتقنية.
تم انتقاد هذه النظرية من طرف العديد من علماء االجتماع كاإليطالي Antonio
،Gramsciالذي أشار إال مساوئ فرض نظام اجتماعي معين ،و تأثيره السلبي
على مساعي التغيير و إن كانت نتائج هذا التغيير إيجابية.
ب -المقاربة التفاعلية الرمزية Symbolic Interactionalism :
يعتمد هذا المنظور على معنى الرموز التي يطورها الناس خالل عملية
التفاعل االجتماعي .و تعود أصول هذه المقاربة إلى ماكس ويبر Max
،Weberالذي اعتبر أن األفراد يتصرفون وفقا لتمثالتهم و تفسيراتهم
الخاصة لعالمهم .جاء بعده الفيلسوف األمريكي جورج هربرت ميد
George Herbert Meadالذي قدم هذا المنظور الجديد نسبيا إلى
علم االجتماع األمريكي وذلك في سنة ،1920حيث اعتبر أن النظام
االجتماعي هو نتاج األفعال التي يصدرها أفراد المجتمع ،بمعنى أنه ليس
مفروضا عليهم ،إنما هو موضوع خاضع للتفاوض والتداول بين هؤالء
األفراد.
تركز هذه النظرية أيضا في شقها التربوي على مختلف التفاعالت في
العملية التعليمية التعلمية داخل الوسط المدرسي و مخرجاتها أو نتائجها.
فعلى سبيل المثال ،يمكن القول أن التفاعل بين الطالب و المدرس يتيح
لهذا األخير التنبؤ و توقع سلوكات المتعلمين المستقبلية “ teacher
”expectancy effectمن حيث مستوى مردودهم أو المشاكل التي
تواجههم وهو شيء ايجابي جدا إذا ما تم تقويم هذه السلوكات و تشجيع
الطالب المتعثرين.
تم انتقاد المقاربة التفاعلية الرمزية أيضا لكونها ال تعطي أهمية كبيرة
للعوامل و القوى الخارجية ( مؤسسات ،إعالم…) التي قد تؤثر بشكل
كبير على التفاعالت الفردية داخل المجتمع.
ج -المقاربة الصراعية Conflict Theory :
تبحت هذه المقاربة في الجوانب السلبية للنظام التعليمي التي قد تؤدي الى
تخريب المجتمع وتفكيكه وفي هذا الصدد يرى بيير بورديو ان دور المدرسة
ما هو اال اعادة لإلنتاج االجتماعي أي اعادة إنتاج ما هو موجود اصال أي ان
كل طفل يكتسب رأسمالية خاصة بالطبقة التي ينتمي إليها سواء فقيرة كانت ام
بورجوازية والدور السلبي المدرسة يتمثل في اقصاء خصوصية الطبقة الفقيرة
والتغني بمقدسات الطبقة الغنية ما يجعلها تمارس عنفا رمزيا على الطبقة
الفقيرة مما يؤدي الى تشجيع التفاوتات الطبقية.
د -المقاربة ذات النموذج التفسيري (المفسر) :
إذا كانت المقاربة السابقة قد اعتبرت المدرسة فضاء للصراع االجتماعي و
السياسي والطبقي و مجاال لفرض قيم و مبادئ ذات خلفية إيديولوجية
محددة… فإن ثمة مقاربات أخرى تفسر الظواهر المدرسية من الخارج،
بطرق أكثر موضوعية باعتماد معطيات رياضية و إحصائية منطقية ،وذلك
من أجل معرفة العالقة الكامنة بين المدرسة و الحراك االجتماعي المحيط
بها .وقد بينت هذه المقاربات التفسيرية بأن العالقة ليست بقوية و ال ضعيفة،
بل هناك تدخل لعوامل أخرى يجب اعتبارها .و هنا تجدر اإلشارة إلى :
• النموذج اإلحصائي ل Jencks
• النموذج النسقي ل Pitirim Sorokin
• النموذج النسقي التركيبي ل Raymond Boudon
يعد علم االجتماع التربوي فرعا من فروع علم االجتماع العام ،وميدانا
من أهم ميادينه الميكرو مجتمعية نظرا لعالقة المدرسة بالمجتمع والتنمية
والتخلف .وأكثر من هذا فثمة تأثير وتأثر متبادل بين هذين العلمين؛ إذ
يشتغل علم االجتماع التربوي على التصورات االجتماعية والمقاربات
المنهجية والتطبيقية التي يرتكن إليها علم االجتماع العام .وفي الوقت نفسه
يستفيد علم االجتماع العام من قضايا علم االجتماع التربوي ،ونتائجه
المختبرية والميدانية والتحليلية كما يستفيد علم االجتماع التربوي من
معظم النظريات والمقاربات التي اعتمدتها السوسيولوجيا العامة
ومن جهة أخرى ،يستعمل هذا العلم األدوات والمفاهيم نفسها التي يستخدمها
علم االجتماع العام ،ويناقش نفس الموضوعات والقضايا .ومن ثم ،ال تكتفي
سوسيولوجيا المدرسة بالمقاربة الميكرومجتمعية على أساس أن المدرسة
مجتمع مصغر ،بل تتعدى ذلك إلى التعامل معها ضمن المقاربة
الماكروسوسيولوجيا ،بالتوقف عند عالقة المؤسسة التربوية بباقي التنظيمات
المجتمعية األخرى ،والتعني فقط بدراسة المدرسة أو المؤسسة التربوية ،بل
تهتم كذلك بدراسة الممارسات التربوية ،واستجالء مختلف العالقات االجتماعية
التي تتحكم في تصرفات الفاعلين داخل المؤسسة التربوية .ولعلم االجتماع
التربوي عالقة بالعلوم األخرى :
طرحت سوسيولوجيا المدرسة ،منذ ظهورها في أواخر القرن التاسع عشر
الميالدي وبدايات القرن العشرين ،عدة أسئلة وقضايا ،مثل :
سؤال االنضباط االجتماعي ،أو دور المدرسة في التنشئة االجتماعية مع
إميل دوركايم
سؤال عالقة المدرسة بأولياء األمور.
سؤال الهدر المدرسي.
سؤال بطالة أصحاب الشهادت العليا.
سؤال التكوين التربوي.
سؤال المدرسة بين منطق الطلب والعرض
سؤال المفاضلة والمقارنة بين المدرسة العمومية والمدرسة الخصوصية.
سؤال نجاح وإخفاق المدرسيين
سؤال التوجيه التربوي أو المدرسي أو المهني
سؤال األقسام المشتركة
سؤال العالقات التفاعلية بين المدرسة والمجتمع كما يظهر ذلك واضحا عند
السوسيولوجي األمريكي بارسونز
سؤال الغش و تسريبات االمتحانات.
سؤال الكفاءة التعلمية و التعليمية والمهنية.
سؤال الكفاءة والتأهيل.
سؤال عالقة المدرسة بسوق الشغل
مراجع سوس يولوجيا الرتبية
أحمد أوزي :المعجم الموسوعي لعلوم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،
الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 2006م ،ص 167 :
- 2 . 12عبد الكريم غريب :المنهل التربوي ،الجزء الثاني ،
منشورات عالم التربية ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،
المغرب ،الطبعة األولى 2006م ،ص - 8643 :علي الحوات :أسس
علم االجتماع التربوي ،جامعة الفاتح ،طرابلس ،ليبيا ،طبعة 1979ع،
ص. 84:
تلعب العوامل االجتماعية والثقافية واالقتصادية الدور األهم و األكبر في اختيار الفرد
آلفاقه الدراسية و المهنية ،دون أن ننسى كذلك العوامل التي تناولتها نظريات علم النفس.
فبالنسبة للمجتمعات العربية الطامحة لالرتقاء بمنظومتها التعليمية و تطوير بنيتها
التربوية ،عليها األخذ بعين االعتبار مختلف التحليالت االجتماعية ،و ذلك بدراسة مختلف
بنيات المؤسسة التعليمية و تفاعالت عناصرها ،و عوامل التوازن داخل المنظومة التربوية
و مكامن الخلل فيها.
فدراسة مكامن الخلل في البنية المدرسية من المنظور االجتماعي ،قد يساعد على تمحيصها
وتفكيك أسبابها بشكل دقيق داخل المؤسسات التعليمية ،مثل عدم تكافؤ الفرص أو عدم
بلورة المواهب الفطرية للتلميذ في المراحل التعليمية ،أو االنتقائية داخل المؤسسة التعليمية
أو غيرها من الظواهر السلبية المؤثرة في المردودية التعليمية بشكل عام.
فمنهجـة الفكر اإلصالحي على أساس دراسة اجتماعية شاملة ،قد تكون سبيال أكثر فعالية
لتحسين األداء التعليمي العربي دون الحاجة إلى مزيد من المشاريع االستعجالية و التدابير
اإلصالحية الترقيعية و التي تستنزف ميزانيات ضخمة بدون نتائج ملحوظة.