You are on page 1of 12

‫مقدمة‬

‫للتربية أصول وأسس متعددة تستند عليها وتستمد منها معارفها وتدخل معها في حوار جدلي علمي ينتج‬
‫عنه علوم ومعارف جديدة تصيف إلى الفكر اإلنساني مزيدا من التنوع والثراء وتساعد الباحثين والدارسين‬
‫على إمكانية القيام بأدوارهم على وجه صحيح‪ ،‬ومنها أسس اجتماعيه ثقافية فلسفية نفسية‪ ،‬المستمدة من‬
‫علم االجتماع وأنثروبولوجيا وعلم النفس والفلسفة‪ ،‬ففهم التربية ال ينبغي أن يكون من زاوية الفرد وجده‬
‫دون زاوية المجتمع أو من زاوية المجتمع مجردا من عن حياة األفراد بل يكون متكامال يقوم على دراسة‬
‫عضوة بين الفرد وبيئته‪ ،‬فالتربية ال يمكن تصورها من فراغ‪ ،‬إذ تستمد مقوماتها من المجتمع و ما يحمله‬
‫من عالقات وتقاليد يتفاعل معها أفراده كما تهدف إلى تحويل الفرد من مواطن بالقوة بحكم مولده إلى‬
‫مواطن بالفعل يفهم دوره االجتماعي والسياسي في المجتمع الذي يعيش فيه‪.‬‬

‫ففي هذا العرض سوف نشرح أهم األسس التي تستند إليها التربية‬
‫أوال وظائف التربية‪ :‬لنصل إلى أهداف التربية المرجوة يجب أن تُودى وظائف التربية بإتقان وعلى أكمل‬
‫وجه وهذه الوظائف لها مرجعية تتكئ عليها‪ ،‬وماهي إال أسس للتربية‪ ،‬ونذكر بعض وظائف التربية التي‬

‫‪-1‬نقل التراث الثقافي وتنقيحه وتبسيطه واإلضافة إليه وتطويره خدمة للجيل الجديد واألجيال القادمة‪.‬‬

‫‪-2‬المحافظة على المجتمع وضمانه استم ارريته وتطوره‪ ،‬فاستمرار الحياة في المجتمع هو استمرار للفرد‬
‫ومدى تكيفه مع بيئته وهو استمرار للخبرة من خالل استمرار تجدد حياة الجماعة‪.‬‬

‫‪-3‬إبقاء حضارات المجتمعات ودوامها فلوال التربية الندثر تراث األمم والحضارات السابقة (الصينية‪،‬‬
‫اليونانية‪ ،‬والرومانية)‪.‬‬

‫‪-4‬تكوين أو انتاج الشخصية المتكاملة والمتوازنة للفرد من جميع النواحي الجسمية والعقلية والنفسية‬
‫واالجتماعية‪( .‬تكوين الفرد الصالح)‪.‬‬

‫‪-5‬امداد المجتمع بحاجاته المن الكوادر الفنية والمهنية المعدة اعداد سليما كامال‪ ،‬والمساهمة المباشرة في‬
‫زيادة اإلنتاج والتنمية سواء كان ذلك على مستوى الفرد أو الجماعة (وظيفة اقتصادية)‪.‬‬

‫‪-6‬دعم االتصال بين بين األفراد والمجتمعات على حد سواء وذلك من خالل تأكيدها على ضرورة تعلم‬
‫لغة وطنية واللغات الحية‪ ،‬ودورها في تشجيع على االنفتاح على األمم األخرى‪ ،‬والتعاون معها (وظيفة‬
‫‪1‬‬
‫اتصالية)‪.‬‬

‫ثانيا أسس التربية‪:‬‬

‫‪-1‬األسس االجتماعية‪:‬‬

‫التربية تستمد الكثير من أهدافها ومناهجها ونظمها واساليبها وأصولها من المجتمع ومن ثقافته ومشكالته‪.‬‬
‫ومن خالل األوضاع االجتماعية يمكن فهم األصول االجتماعية للتربية ووظيفتها التي يميز علماء التربية‬
‫فيها بين اتجاهين أحدهما محافظ يقرر بان التربية عليها مسايرة األوضاع المجتمع كماهي‪ ،‬واآلخر يرى‬
‫بان التربية وسيلة إلحداث التغير في البناء االجتماعي‪ ،‬بغرض البحث عن أوضاع اجتماعية أفضل‪.‬‬

‫إن مجموعة العلميات التي يمر بها الطفل في تعامله مع المحيطين به من اكتساب وتشكيل وتغيير في‬
‫سلوكه وصوال إلى مكانته بين الناضجين ُيعرف بالتنشئة االجتماعية‪ socialization ،‬ومعنى آخر‬
‫‪2‬‬
‫التفاعل التي يكتسب الطفل بواسطته شخصية اجتماعية تعكس ثقافته المتجمع الذي يعيش فيه‪.‬‬

‫‪ 1‬عمر أحمد همشري‪ ،‬مدخل إلى التربية‪ ،‬دار صفاء للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،2007 ،‬ط‪ ،1‬ص ‪29‬‬
‫‪2‬أحمد فاروق محفوظ‪ ،‬شبل بدران‪ ،‬أسس التربية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬األسكندرية‪ ،2005 ،‬ط‪ ،5‬ص ‪62‬‬
‫فمن خالل هذه العمليات وهذا التفاعل يقوم المجتمع بجميع مؤسساته بتنشئة الصغار‪ ،‬وجعلهم متحملين‬
‫ألدوارهم االجتماعية‪ ،‬الفرد عندما يتشرب ثقافة مجتمعه يصبح وسيلة النتشارها‪ ،‬بعد أن كان مستقبال لها‬
‫فقط‪ ،‬ال تتوقف التنشئة االجتماعية على الطفل أو سن معين‪ ،‬فالمهاجر مثال يحتاج تعلم طرق جديد‬
‫للحياة في مجتمع الذي هاجر إليه‪ ،‬والمجند في الجيش‪ ،‬هناك مشكالت ال تتدخل فيها عملية التنشئة‬
‫‪3‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬فمثال ال تفسر كيف نشأ المجتمع أو الجماعات البشرية‪ ،‬ألن ذلك نتاج تطور تاريخي‪.‬‬

‫للمجتمع‪ ،‬وال تهتم بتأثير األعضاء الجدد الوافدين للمجتمع او جماعات معينة‪ ،‬ال تفسر الفردية المتميزة‬
‫التي توجد بين أفراد المجتمع‪.‬‬

‫يعرف فليب ماير وهو أنثروبولوجي التنشئة االجتماعية بأنها عملية غرس المهارات واالتجاهات‬
‫الضرورية للناشئ‪ ،‬ليلعب األدوار االجتماعية المطلوبة‪ ،‬منه في جماعة ما‪ ،‬أو مجتمع ما‪ .‬ويعرف‬
‫"الدور" نيوكوم بأنه الداللة للفرد الوظيفية في الجماعة أو الشخصية التي تكشف عن نفسها في نمط‬
‫السلوك الجماعي‪ ،‬أي ال يمكن فصل التنشئة االجتماعية عن المهارات واالتجاهات التي تحدد دور الفرد‬
‫أو موضعه في المجتمع‪.‬‬

‫ويقول عالم االجتماع التربوي مسغراف ‪ MUSGRAVE‬أن أي جماعة مهما كان حجمها أو نوعها لها‬
‫توقعات من سلوك أفرادها وأن عملية التنشئة االجتماعية هي العملية اليت تتضح من خاللها الموقف‬
‫ويتأكد في سياقها توقعات األدوار التي تعلمها الفرد من خالل التنشئة االجتماعية‪ ،‬اذن هو استقراء‬
‫‪4‬‬
‫بالنسبة لعلماء االجتماع‪.‬‬

‫‪-2‬األسس الثقافية‪:‬‬

‫نعني باألسس الثقافية بالنسبة للتربية تلك الحالة المتبادلة بين األوضاع الثقافية والتربوية في المجتمع‪ ،‬أي‬
‫التأثير المتبادل بين األوضاع التربوية واألوضاع الثقافية داخل البناء االجتماعي‪ ،‬ان الثقافة تشكل أحد‬
‫ركائز العملية التربوية وأكثرها أهمية ومن ثم فان النظام الثقافي للمجتمع كان وما يزال يشكل أبرز األسس‬
‫‪5‬‬
‫واألصول العلمية للتربية وأكثرها تأثي ار‪.‬‬

‫فالثقافة هي مجموعة أنظمة عاملة وفاعلة مع تطور المجتمع والدولة‪ ،‬ولها خصائصها المكتسبة والفطرية‬
‫وعواملها المستقلة والتابعة‪ ،‬وتواصلها بين الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬ومستوى انفتاحها وتعاونها المشترك‬
‫مع الثقافات اإلنسانية‪ ،‬بالخصوصيات والعموميات المناسبة التي تحقق لها تطو اًر مادياً وغير مادي‪ ،‬ألن‬

‫‪3‬أحمد فاروق محفوظ‪ ،‬شبل بدران‪،‬مرجع سابق ص ‪64-63‬‬


‫‪4‬أحمد فاروق محفوظ‪ ،‬شبل بدران‪ ،‬مرجع سابق ص‪65‬‬
‫‪5‬مكي أحمد‪ ،‬أسس التربية‪ ،‬جامعة وهران‪2020،‬‬
‫أي اتجاه في الكون ال يمكن أن يتطور إال بالتفاعل واالنفتاح على المحيط الخارجي‪ ،‬فتالقح الحضارة‬
‫حقيقة عالمنا المعاصر‪ ،‬مع االحتفاظ بالخصوصيات وبصمات المجتمع األصيل الحضاري‪ ،‬فمثالً حضارتنا‬
‫العربية اإلسالمية‪ ،‬والثقافة العربية اإلسالمية ثرية بخصوصياتها وإنتاجها الذي أثر في الحضارات والثقافات‬
‫األُخر‪ ،‬للثقافة دور بارز في مساعدة الفرد على التنبؤ بالسلوك اإلنساني إذ أن معرفتنا بثقافة مجتمع ما‪،‬‬
‫تسهل علينا معرفة ما يمكن أن يصدره أفراد ذلك المجتمع من سلوكات لدى احتكاكهم مع غيرهم من األفراد‬
‫أو بناء عالقات اجتماعية معهم‪ ،‬ومن المعلوم أن السلوك الثقافي ال ينتقل بالوراثة و إنما يكتسب من خالل‬
‫األسرة و الرفاق والمدرسة والمجتمع على نحو عام‪ ،‬ولكل مجتمع تراثه الثقافي الذي تراكم عبر تاريخه‬
‫الطويل و تفاعالته مع المجتمعات األخرى‪ .‬و يكتسب الفرد من خالل تعايشه مع هذا التراث أدواره المختلفة‬
‫(ثقافية ‪ ،‬اجتماعية ) باختالف م ارحل العمر‪ ،‬و باختالف جنسه و طبقته االجتماعية وطبيعة العمل الذي‬
‫يمارسه وُيكون عادات وقيما لسلوكه ويجد نفسه منتميا لمؤسسات اجتماعية تشعره بمكانته في مجتمعه‬
‫وتعطي لحياته معنى جديد‪ ،‬و بمعنى آخر لكل فرد مركز معين في الثقافة و مرتبته ترتكز على هذا المركز‬
‫وغالبا ما تكون قائمة على العمر أو الجنس أو الوظيفة أو الطبقة االجتماعية إلخ ‪ ،‬و يتأثر السلوك الثقافي‬
‫‪6‬‬
‫للفرد بمركز الفرد و رتبته الثقافية واالجتماعية بدرجة كبيرة ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تبدأ الحالة التربوية واللبنة األساسية للتربية والسلوك الثقافي من األسرة‪ ،‬وتبدأ المسؤولية العظيمة‬
‫والكبيرة لبناء شخصية الطفل؛ النفسية والعقلية‪ ،‬وباالستعدادات المناسبة لها‪ ،‬وهنا لعامل االكتساب‬
‫والفطرة أهمية بالغة لتحقيق التربية الصالحة من خالل المعلومة والسلوك الصالح‪ ..‬لذا يتطلب اهتمام‬
‫الدولة والمجتمع باألسرة وبنائها من خالل وسائل اإلعالم والمؤسسات الصحية والتربوية والثقافية‪.‬‬

‫‪ 2-‬الحيلولة دون وقوع ازدواجية ثقافية وتربوية‪ ،‬والتناقض بين الفرد واألسرة والمجتمع والدولة‪ ،‬وذلك‬
‫بإتباع أفضل األساليب اإلنسانية للحيلولة دون خلق الصراع والكراهية والعنف‪ ،‬حتى يصل الفرد من‬
‫خالله بتدمير ذاتيته أو شخصيته‪ ،‬مما قد يؤثر على المجتمع والتأثير على استقراره وتماسكه‪.‬‬

‫‪3-‬االهتمام بتنمية القدرات التربوية والثقافية لدى الكادر التدريسي على كل المستويات وكل المراحل‬
‫الدراسية‪ ،‬وبناء روح التعاون بين الطالب والمدرسة أو الجامعة‪ ،‬وهنا للتدريب النظري والميداني أهمية‬
‫بالغة‪.7‬‬

‫‪6‬مكي أحمد‪ ،‬أسس التربية‪ ،‬جامعة وهران‪2020،‬‬


‫‪7‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪-3‬األسس التاريخية‪:‬‬

‫إن مفهوم تاريخ التربية معالجة التربية من منظور التاريخية أن أنه تاريخ حركات المجتمعات البشرية‬
‫وأنشطتها في مجال التربية‪ ،‬فتاريخ التربية جزء مهم وأساسي من موضوع التربية وال يمكن دراسة التربية‬
‫بدونه‪ .‬وترجع أهمية تاريخ التربية إلى عدة أسباب أهمها‪:‬‬

‫‪ -1‬معرفة تطور الفكر للتربوي الزم لكل من أراد أن يفهم نظريات واالتجاهات والنظم التربية فهي لم‬
‫تأت من فراغ وإنما وليدة مخاض تاريخي طويل وتجربة إنسانية بعيدة الجذور‪ ،‬فالتربية الحديثة‬
‫انطلقت من التربية القديمة والتي تعد األصول التاريخية للتربية‪.‬‬
‫‪ -2‬األهمية الحضارية وتأتي من دراسة حضارات الشعوب واألمم األخرى والتعرف على جوانبها‬
‫المختلفة إذ أن تاريخ التربية يساعد العملية التربوية في معرفة ما ورثته األمة عن الماضي وما‬
‫أعدته للحاضر وكيف تخطط للمستقبل‪.‬‬
‫‪ -3‬كواجهة المشكالت التربوية فكثير من المشكالت التربوية المعاصرة ال يمكن فهمها إال في ضوء‬
‫دراسة العوامل والقوى التي أثرت عليها في الماضي‪.‬‬

‫التربية في المجتمعات البدائية‪:‬‬

‫المجتمع البدائي هو غير المتحضر والذي يتصف بالعزلة وقوة التضامن االجتماعي بين أف ارده‪ ،‬إذ‬
‫يشترك أعلب أفراد في نفس المعرفة واالهتمامات‪ ،‬حتى األنشطة نفسها الممارسة‪ ،‬فكانت متطلباته‬
‫تتمحور حول اشباع حاجات كاألكل والشرب وكساء والمأوى واألمن ضد األرواح‪ ،‬ولقلة المتطلبات لم‬
‫تكون هناك حاجة لمؤسسة تعنى بالتربية فكانت التربية من مهمة األسرة أو األكبر سنا أو األكثر نفوذا‬
‫كشيخ القبيلة مثال‪.‬‬

‫ومن أهم مميزات التربية في هذه المجتمعات‪:‬‬

‫أنها مباشرة وغير مقصودة أو مخطط لها (األبوان‪ ،‬األسرة‪ ،‬الكاهن‪ ،‬الرفاق) كانوا يقومون بعملية التربية‪.‬‬

‫التقليد والمحاكاة يقلد الناشئ عادات مجتمعه وطراز حياته تقليدا عبوديا‪ ،‬ومعنى هذا أن التربية كانت‬
‫عبارة عن تدريب آلي على معتقدات الزمرة االجتماعية‪.‬‬

‫التدرج والمرحلية ففهي الطفل ينتفل بتعلم أشياء معية حسب المراحل المختلفة فمثال من تعلم اللغة إلى‬
‫‪8‬‬
‫تعلم جمع الطعام إلى مرحلة الرعي وهكذا ‪...‬‬

‫‪ 8‬عمر أحمد همشري‪ ،‬مدخل إلى التربية‪ ،‬دار صفاء للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،2007 ،‬ط‪ ،1‬ص ‪44-43‬‬
‫اللين كان المجتمع لين اتجاه الطفل في عملية تربيته باستثناء الطقوس الدينية لسبيين فكانوا يعتقدون أن‬
‫القسوة والضرب مهين للطفل والسبب الثاني يعتقدون أن االفراط في الضرب يجل روح الطفل قلقه داخل‬
‫‪9‬‬
‫جسده أن روحه‪.‬‬

‫‪-4‬أسس التربية الفلسفية‪:‬‬


‫‪-‬عند الفلسفة المثالية يرى أصحاب المثالية أن التربية الوصول باإلنسان إلى هزيمة الشر وكما العقل‪،‬‬
‫فأفالطون قدم فهوما للتربية عامة والتربية المثالية بشكل خاص حيث اعتبرها تدريب أخالقي مجهودي‬
‫اختياري الذي يبذله الجيل القديم لنقل العادات الطيبة للحياة ونقل حكمة الكبار التي توصلوا إليها‬
‫بتجربتهم إلى الجيل الصغير‪ ،‬فالتربية تهدف إلى السمو الروحي واألخالقي‪.10‬‬
‫‪-‬عند الفلسفة الواقعية‪ :‬جاءت الواقعية لرد فعل على الفلسفة المثالية أهم روادها أرسطو وفرانسيس‬
‫بيكون‪ ،‬فتعتبر أن التربية عملية تدريب لإلنسان للعيش بواسطة معايير خلقية مطلقة على أساس ما هو‬
‫صحيح لإلنسان‪ ،‬أهمية الخبرات الحسية في الحصول على المعرفة واعتبار الحس أساس للمعرفة‪ ،‬فالعقل‬
‫صفحة بيضاء يستمد خبراته من مصادر البيئة الخارجية‪ ،‬فعند أصحاب الواقعية تهدف التربية إلى تمكين‬
‫األنسان من السيطرة على الطبيعة‪ ،‬وتعتبر أن التربية بيد المعلم بوصفه ناقال للتراث الثقافي والمعلم هو‬
‫‪11‬‬
‫الذي يحدد المعرفة في العملية التربوية‪ ،‬فدور المعلم مساعدة الطلبة للوصول إلى الحقائق‪.‬‬
‫‪-‬عند الفلسفة البراغماتية‪ :‬تُعتبر البراغماتية فلسفة علمية وهي تقع في منتصف الطريق بين المثالية‬
‫والواقعية‪ ،‬وأهم روادها تشارل بيرس وتعتبر البراغماتية أن المعرفة شيء يفعل ويختبر قبل الحكم عليه‬
‫بصالحيته‪ ،‬تنظر إلى الهدف التربوي على أنه هدف متغير كما تعتقد أن الهدف نابع من الخبرة وليس‬
‫خارج عنها‪ ،‬أما عن نوع الهدف تنقسم إلى إثنين‬
‫هدا عام هو تكوين مواطن صالح‪ ،‬تحقيق الديمقراطية تحقيق النمو‬
‫هدف تعليمي وهو توجيه المعلم داخل الفصل‪.‬‬
‫وتؤكد البراغماتية على أن األهداف ال يجب أن تكون مفروضة من الخارج ألنها ال تمثل أهدافا حقيقية‬
‫‪12‬‬
‫فاألهداف الحقيقة هي التي يحددها الفرد أو يشترك في تحديدها‪.‬‬
‫يسعى كل مجتمع من المجتمعات إلى تحقيق غرض أو أكثر من التربية وتختلف أعراض التربية‬
‫باختالف المجتمعات وخصوصيتها‪ ،‬ودرجة تقدمها او تأخرها فنجد التربية اختلفت عبر العصور ففين‬
‫الصين مثال كان العرض من التربية اعداد القادة‪ ،‬أما مصر القديمة فكان الغرض من التربية دنيوي‬
‫فيعنى بتخريج المتعلمين في الفنون المختلفة كالطب والهندسة‪ ،‬والديني فيعنى بتكوين‬
‫وديني‪ ،‬أما الدنيوي ُ‬

‫‪ 9‬عمر أحمد همشري‪ ،‬مدخل إلى التربية‪ ،‬دار صفاء للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،2007 ،‬ط‪ ،1‬ص ‪45‬‬
‫‪10‬كمال بوطورة‪ ،‬فلسفة التربية‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة العربية التبسي‪-‬تبسة‪2022 ،‬ص ‪12‬‬
‫‪11‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.34-33‬‬
‫‪12‬مرجع سابق ص ‪48‬‬
‫جيل محب لآللهة وفي أثينا كان الغرض من التربية تكوين فدر لذاته ليصل درجة الكمال الجسمية‬
‫والعقلية‪ ،‬أما أغراض التربية اإلسالمية فهي دينية تعنى بالدرجة األولى إرضاء هللا عز وجل والدنيوية‬
‫تعنى بإعداد المسلم قادر على آداء رسالته بممارسة الحياة وكسب العيش بفعالية‪.‬‬

‫اذن تختلف أغراض التربية باختالف الفالسفة والعلماء فمنهم من يرى أن غرض التربية هو تربية العقل‬
‫والوصول به إلى درجة الكمال بينما ترى فئة أخرى تربية خلق قويم‪ ،‬وفئة ثالثة ترى أن العرض هو‬
‫الوصول بالفرد إلى الكمال المطلق ليصبح فردا فعاال في المجتمع‪ ،‬إن أغراض التربية كلها تتمحور حول‬
‫‪13‬‬
‫االنسان كيفية إعداده ليساهم في بناء المجتمع المتواجد فيه‪.‬‬

‫‪-5‬األسس النفسية‪:‬‬

‫اإلنسان بحاجة إلى إشباع الحاجات المادية والمعنوية‪ .‬ما زال المربون في ميدان التربية يعتبرون نظرية‬
‫العالم النفساني األمريكي إبراهام ماسلو (‪1970-1908( )Abraham Harold Maslow‬م) من‬
‫النظريات النفسية الهامة الجديرة بالدراسة لكل المعلمين والمعلمات‪ .‬لإلنسان حاجاته النفسية مثل حاجة‬
‫الشعور باألمن كما يقول ماسلو في هرمه المشهور "هرم الحاجات" ولذلك فإن التربية يجب أن تراعي تلك‬
‫الحاجات النفسية واالجتماعية والبيولوجية كي يشبعها اإلنسان‪.‬‬
‫أشار ماسلو إلى الحاجات التالية‪:‬‬
‫‪-1‬الحاجات الفسيولوجية مثل الحاجة للطعام والشراب والكساء والسكن والزواج وهي الحاجات الضرورية‬
‫الستمرار بقاء اإلنسان على قيد الحياة‪ .‬فإذا أمن اإلنسان ضرورات حياته المعيشية فسيبدأ بالبحث عن‬
‫تحقيق غاية أو حاجة أخرى أعلى في الهرم‪.‬‬
‫‪-2‬حاجات األمن في النفس والمسكن والوظيفة‪ .‬إن تهديد اإلنسان في معاشه هو تهديد لحاجة أساسية في‬
‫حياته وكلما ضمن اإلنسان من خالل اللوائح والقوانين كفالة حقه في توفير حاجاته الضرورية كلما ازداد‬
‫شعوره باالرتياح النفسي‪ .‬حتى في مرحلة البداوة فإن هذه الحاجات تشبعها القبيلة بنظامها المبني على‬
‫التكافل ألبناء القبيلة‪.‬‬
‫‪-3‬حاجات االنتماء للجماعة والمجتمع وتحقيق التوافق مع اآلخرين من خالل الحب والمودة والبر‪ .‬وفي‬
‫هذه المرحلة يمكن استنباط قاعدة اجتماعية تُعد من أهم األصول التربوية وهي أن اإلنسان اجتماعي بالطبع‬
‫يميل إلى التجمع والتفاعل مع اآلخرين‪.‬‬
‫‪-4‬حاجات التقدير من كلمات ثناء وألقاب التكريم والتشريف‪ .‬هذه الحاجة‪،‬كغيرها من الحاجات‪ ،‬يجب أن‬
‫يتم إشباعها في محيط العائلة والمدرسة والمؤسسات التي يتعامل معها الفرد وفي بعض األحيان شهادة‬
‫‪14‬‬
‫التقدير قد تكون لها قوة في التأثير كحافز أكبر وأكثر في النفس من استالم الجوائز المادية‪.‬‬
‫‪13‬كمال بوطورة‪ ،‬فلسفة التربية‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة العربية التبسي‪-‬تبسة‪ ،‬ص ‪48‬‬
‫‪14‬بدر محمد ملك‪ ،‬لطيفة حسين الكندري‪ ،‬األصول النفسية للتربية‪2024-02-25 ،www.geocities.ws ،‬‬
‫‪-5‬حاجات تحقيق الذات الرضا عن النفس والشعور بقدر كبير من السعادة الذاتية بعد تحقيق األهداف‪.‬‬
‫وهكذا فإن ثناء اآلخرين والحصول على المادة ال يمكن أن توفر السعادة في النفس ما لم يشعر اإلنسان‬
‫بأن تقديره لنفسه من مصادر سعادته‪.‬‬
‫برز ماسلو في الستينات من القرن العشرين كرائد من رواد علم النفس اإلنساني ويعتبر علم النفس اإلنساني‬
‫مقدمة هامة تربوياً لفهم طبيعة اإلنسان وفهم حاجاته‪ .‬يؤكد ماسلو في نظريته على أن اإلنسان كلما حقق‬
‫حاجاته األولية فإنه يتطلع إلشباع حاجة أعلى فيتنقل من مرحلة إلى أخرى على التوالي إلى أن يشبع‬
‫حاجاته من خالل تحقيق ذاته والكثير من أهدافه‪.‬‬
‫تؤكد نظرية ماسلو على أن الحاجة إلى األصحاب والحاجة إلى التقدير واالحترام في محيط األسرة والمدرسة‬
‫ومركز العمل من الحاجات األساسية لإلنسان وأن االنتماء إلى األندية والجمعيات والنقابات ليس باألمر‬
‫الكمالي في حياة اإلنسان فهذه الحاجات تغذي نفسه من ناحية االنتماء إلى اآلخرين‪ .‬وجد ماسلو من خالل‬
‫مالحظته لبعض الشخصيات التاريخية البارزة أن قلة من الناس هم الذين يصلون إلى مرحلة تحقيق‬
‫الذات‪ ،‬وهذه المرحلة بحاجة إلى عمل دائم ألنها عملية مستمرة تتصف بالنمو والديمومة وتستدعي الحفاظ‬
‫على مستوى الصحة النفسية واإلنجازات التي سبق أن حققها الفرد‪ .‬أكد ماسلو على الحاجات الفسيولوجية‪،‬‬
‫وحاجات األمن‪ ،‬وحاجات االنتماء وحاجات التقدير وحاجات تحقيق الذات‪.‬‬
‫يحتاج المعلم إلى فهم هذا الهرم النفسي ألنه سيتعامل مع مجموعة من الطالب ممن قد يكون منهم من‬
‫يفتقد األمن في البيت أو المدرسة أو يدفعه الفقر والحاجة إلى إهمال الدروس فال ينتبه في الفصل‪ .‬سيالحظ‬
‫المعلم أن بعض طالبه في مراحل متفاوتة في هرم ماسلو فقلة الموارد أو فقدان األمن من األسباب المؤدية‬
‫إلى انخفاض التحصيل الدراسي للطالب وضعف مشاركته في الفصل وهناك نظريات كثيرة تشبه نظرية‬
‫ماسلو استخدمها علماء اإلدارة‪ .‬يؤكد بعض الباحثين وعلى رأسهم ستيفن كوفي على أن اإلنسان بحاجة‬
‫إلى إشباع الحاجات التالية‪:‬‬
‫الحاجة المعيشية الخاصة باستم اررية الحياة والبقاء‬
‫للحب‬
‫للتعلم‬
‫لإلنتاج والعطاء‬
‫عندما يولد الطفل يحتاج إلى الحاجات الضرورية البيولوجية العضوية مثل الغذاء والماء والهواء والمناخ‬
‫اآلمن ثم بعدها يحتاج إلى الشفقة والرحمة فإذا كان محروماً من الشفقة والرحمة فإنه ال يصبح شخصاً‬
‫‪15‬‬
‫سوياً بل يصير قاسياً مثل زياد بن أبيه والحجاج في تاريخنا أو نيرون في تاريخ روما‪ .‬في المرحة الثالثة‬

‫‪15‬بدر محمد ملك‪ ،‬لطيفة حسين الكندري‪ ،‬األصول النفسية للتربية‪2024-02-25 ،www.geocities.ws ،‬‬
‫يكون الطفل بحاجة إلى التعلم ليعرف أهله وما حوله بعد هذه المرحلة فإنه يحتاج إلى العطاء بعد األخذ‬
‫وهي مرحلة التعليم بعد التعلم فيترك اإلنسان بصمته على أبنائه ومن حوله‪ .‬مرحلة العطاء هي ثمرة‬
‫‪16‬‬
‫الحاجات األولى وغاية الفرد في أن يساهم في استم اررية العطاء اإلنساني‪.‬‬
‫ال ريب أن المسلم يشبع حاجاته العضوية والنفسية واالجتماعية والعقلية دون اإلخالل بجانب على حساب‬
‫جانب وتكون عملية إشباع الحاجات والغرائز في ظالل اإلسالم الذي ينظم كيفية إشباع الحاجات باعتدال‬
‫دون إفراط وال تفريط‪.‬‬
‫واإلنسان السوي ال يكبت أو يقمع حاجاته المادية والمعنوية بالرهبنة مثالً ولكن ينظم ويوجه العملية كما‬
‫أراد الخالق سبحانه دون إسراف وكما قال الحق جل ثناؤه في سورة اإلسراء َ"وال تَ ْج َع ْل َي َد َ‬
‫ك َم ْغُلوَل ًة إَلى‬
‫ور (‪ .")29‬وقال في سورة األنعام َ"و ُه َو َّالذي أ َْن َشأَ َجنَّات‬ ‫وما َم ْح ُس ًا‬
‫ط َها ُك َّل اْل َب ْسط َفتَْق ُع َد َمُل ً‬
‫ُع ُنق َك َوال تَْب ُس ْ‬
‫ُكُل ُه و َّ‬ ‫الن ْخ َل و َّ‬
‫ان ُمتَ َشاب ًها َو َغ ْي َر ُمتَ َشابه ُكُلوا م ْن ثَ َمره‬ ‫الزْيتُو َن َو ُّ‬
‫الرَّم َ‬ ‫ع ُم ْخ َتلًفا أ ُ َ‬
‫الزْر َ‬ ‫وشات َو َّ َ‬ ‫وشات َو َغ ْي َر َم ْع ُر َ‬
‫َم ْع ُر َ‬
‫صاده وال تُ ْسرُفوا إَّن ُه ال ُيح ُّب اْل ُم ْسرف َ‬ ‫َّ‬
‫ين (‪.")141‬‬ ‫إ َذا أَ ْث َم َر َوآتُوا َحق ُه َي ْوَم َح َ‬
‫إننا نعتقد أن الحاجات النفسية في المنظور اإلسالمي يجب أن تنسجم مع غايات التربية اإلسالمية ويجب‬
‫أن تعين اإلنسان على تحقيق غاية الطاعة وهي ال تكون إال بثالثة محاور تتمحور حول ثالث كلمات‬
‫جوهرية وهي االقتصاد واالعتقاد واالجتهاد وفيما يلي بيان لها‪:‬‬
‫‪ )1‬االقتصاد في االستمتاع بالملذات ومصالح أمور الدنيا والسعي في توفير الحالل من المأكل والمشرب‬
‫والمسكن والمركب وهي الضرورة البيولوجية وما يرتبط بها من متطلبات مادية دنيوية تنتهي بحسن االستفادة‬
‫من البيئة بتعميرها ال تدميرها‪.‬‬
‫‪ )2‬االعتقاد باهلل وحده واالعتماد على أوامره ونواهيه في األمور كلها‪.‬‬
‫‪ )3‬االجتهاد في تطبيق مكارم الشريعة والتعامل مع النفس والناس وفق ميزان العدل واإلحسان‪.‬‬
‫تهتم النظرية اإلسالمية بالجسد والحاجات المادية فيتم اإلشباع بالحالل وتهتم أيضا بالحاجات الروحية‬
‫السامية وذلك بتهذيب النفس وتحقيق السعادة الروحية كفرد وجماعة‪ .‬لم يأت اإلسالم لكبت وقمع الطاقات‬
‫اإلنسانية إنما جاء لتنظيم حياة الفرد والمجتمع ليعيش كريماً كما أراد هللا له أن يعيش "أَال َي ْعَل ُم َم ْن َخَل َق‬
‫يف اْل َخب ُير {‪( "}14‬سورة الملك)‪ .‬وبهذا لن يكون المسلم عبداً لشهواته فهو يتحكم بها وال تتحكم‬ ‫َّ‬
‫َو ُه َو اللط ُ‬
‫به وبهذا أيضا تتميز النظرة اإلسالمية عن غيرها من النظرات في أنها واضحة تتحد فيها الغايات مع‬
‫‪17‬‬
‫الوسائل في منهج واحد اختاره هللا عز وجل وارتضاه لعباده وعلى رأسهم األنبياء عليهم السالم‪.‬‬

‫‪16‬بدر محمد ملك‪ ،‬لطيفة حسين الكندري‪ ،‬األصول النفسية للتربية‪2024-02-25 ،www.geocities.ws ،‬‬
‫‪17‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫خاتمة‬

‫من خالل تطرقنا إلى أسس التربية وأهدافها ووظائفها نجد أن دور التربية في المجتمع بالغ األهمية في‬
‫إعداد فرد يساهم في بناء مجتمع والمساهمة في قيادته نحو النمو والتطور الرقي‪ ،‬والنهوض به إلى مصاف‬
‫البلدان المتقدمة‪ ،‬فالتفاعل الذي يحدث بين الفرد داخل مجتمعه الذي أساسه القيم التربوية التي اكتسبها‬
‫هو الذي يوجه البالد إما إلى البقاء واالستمرار او الفناء كما حدث مع أمم اندثرت‪.‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ -1‬أحمد فاروق محفوظ‪ ،‬شبل بدران‪ ،‬أسس التربية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬األسكندرية‪ ،2005 ،‬ط‪5‬‬

‫‪-2‬علي اسعد وطفة‪ ،‬أصول التربية‪ ،‬لجنة التعريب والتأليف والنشر جامعة الكويت‪.2012 ،‬‬

‫‪-3‬عمر أحمد همشري‪ ،‬مدخل إلى التربية‪ ،‬دار صفاء للنشر والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪.2007 1‬‬

‫‪-4‬كمال بوطورة‪ ،‬فلسفة التربية‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة العربية التبسي‪-‬تبسة‪.2022 ،‬‬

‫‪ -5‬بدر محمد ملك‪ ،‬لطيفة حسين الكندري‪ ،‬األصول النفسية للتربية‪2024-02-25 ،www.geocities.ws ،‬‬
‫خطة بحث‬

‫أسس التربية (االجتماعية ‪ -‬الثقافية – التاريخية‪ -‬الفلسفية‪-‬النفسية)‬

‫أوال وظائف التربية‬

‫ثانيا أسس التربية‬

‫‪1‬األسس االجتماعية‬

‫‪-2‬األسس الثقافية‬

‫‪-3‬األسس التاريخية‬

‫‪-4‬األسس الفلسفية‬

‫‪-5‬األسس النفسية‬

‫خاتمة‬

You might also like