Professional Documents
Culture Documents
162769007520
162769007520
الدرس العشرون
الشيخ /راشد الزهراني
بسم اهلل الرمحن الرحيم
احلمد هلل رب العاملني ،وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا حممدٍ ،وعلى آله وأصحابه
أمجعني.
أما بعد ..أيها اإلخوة واألخوات سالم اهلل عليكم ورمحته وبركاته ،وحياكم اهلل يف هذا
اللقاء اجلديد من دروس عمدة الفقه ،ضمن برنامج البناء العلمي.
وهذا الدرس هو الدرس العشرون من هذه الدروس املباركة ،واليت شرعنا فيها يف كتاب
الطهارة ،وواصلنا فيها يف كتاب الصالة ،وها حنن ذا يف آخر كتاب الصالة ،من كتاب عمدة
وهدى وتقًى وعفافًا وغنًى إنه الفقه ،نسأل اهلل جَّل وعاَل أن ينفعنا مبا علمنا ،وأن يزيدنا علمًا ً
كرمي.
جَّل وعاَل جوادٌ ٌ
أرحب بكم أيها األحبة وأرحب بإخواين املشاركني معنا ،فحياكم اهلل مجيعًا ،الشيخ محود
والشيخ سعد والشيخ صهيب والشيخ مسري ،حياكم اهلل مجيعًا ،وبإذن اهلل نسأل اهلل جَّل وعاَل
مبنه وكرمه أن جيعلنا وإياكم ممن قال فيهم نبينا الكرمي عليه الصالة والسالم« :وما اجتمع قومٌ
يف بيتٍ من بيوت اهلل يتلون كتاب اهلل ويتدارسونه بينهم ،إال نزلت عليهم السكينة وحفتهم
املالئكة ،وغشيتهم الرمحة وذكرهم اهلل فيمن عنده» ،اللهم آمني.
باب يا شيخ سعد؟ حتدثنا عن الساعات يف اللقاء املاضي كان حديثنا عن اإلمامة وعن أي ٍ
اليت هني عن الصالة فيها ،وذكرنا أن الساعات اليت نُهي عن الصالة فيها مخسةٌ ،من يذكرها؟
تفضل يا شيخ سعد.
{من طلوع الفجر إىل طلوع الشمس}.
هذا الوقت األول.
رمح}
{ومن طلوع الشمس إىل ارتفاعها قيد ٍ
وهذا الوقت الثاين.
{ومن قيام الشمس حىت زواهلا}
هذا الثالث.
{ومن بعد صالة العصر حىت تتضيف الشمس للغروب ،وحني تتضيف حىت تغرب}
أوقات هني عن الصالة فيها ،وقلنا إن النهي ينصب على التطوع املطلق ،أما ٍ فهذه مخسة
الفرائض أن يقضي املسلم الفرائض يف هذه األوقات ،أو قضاء السنن الراتبة خاصةً بعد الفجر
وبعد العصر ،أو التطوع املقيد ،الذي له سبب ،فهذه جيوز أداء الصالة فيها ،مثل صالة ركعيت
حتية املسجد وحنو ذلك.
مث حتدثنا بعد ذلك عن باب اإلمامة ،وذكرنا فيه مجلةً من األحكام املهمة املتعلقة هبذا
الباب ،بإذن اهلل عَّز وجَّل يف هذا اللقاء سنحاول أن نفرغ من باب صالة املريض ،وباب صالة
املسافر ،وباب صالة اخلوف ،وإذا كان هناك متسعٌ من الوقت ،نتحدث كذلك عن باب صالة
اجلمعة ،فنبدأ بإذن اهلل جَّل وعاَل يف باب صالة املريض.
{احلمد هلل ،وصلى اهلل وسلم على رسول اهلل ،وعلى آله وصحبه ومن وااله ،أما بعد..
فاللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين واملشاهدين ومجيع املسلمني.
قال ابن قدامة رمحه اهلل :باب صالة املريض
واملريض إذا كان القيام يزيد يف مرضه صلى جالسًا}
قال رمحه اهلل تعاىل :باب صالة املريض.
حتدثنا سابقًا يف باب أركان الصالة وواجباهتا ،أن األركان ال تسقط عن املسلم إال إذا
عجز عنها ،فمن ترك ركنًا متعمدًا بطلت صالته ،ومن تركه ساهيًا فله األحكام اليت سبق أن
بيناها ،لكن من الذي يعذر برتك شيءٍ من األركان؟ من هؤالء الذين يعذرون برتك شيءٍ من
األركان :املريض ،واملريض له مجلةٌ من األحكام ،وباجلملة فإن هذه الشريعة شريعةٌ فيها اليسر
وفيها السماحة ،واليسر والسماحة ال بد أيًض ا أن تكون مبنيةً على دليلٍ من كتاب اهلل ومن
سنة النيب صلى اهلل عليه وسلم.
وأيًض ا هناك باب الرخص ،والقاعدة عند العلماء رمحهم اهلل تعاىل :أن املشقة جتلب
التيسري ،فأينما كانت املشقة فإهنا جتلب التيسري ،واهلل جَّل وعاَل يقولَ﴿ :فاَّتُقوا الَّلَه َم ا
وعلاَ﴿ :ال ُيَك ِّلُف الَّلُه َنْف سًا ِإَّال ُو ْسَعَه ا﴾ [البقرة،]286 :
اْس َتَطْع ُتْم ﴾ [التغابن ،]16 :ويقول جلَّ َ
فاملسلم مطلوبٌ منه أن يأيت مبا يستطيع.
ومن ذلك هذا املريض الذي له مجلةٌ من األحكام اليت ختصه ،طبعًا بعض العلماء جيمع هذا
حتت باب صالة أهل األعذار ،الذين يدخل فيهم املريض ،ويدخل فيهم املسافر ،ويدخل فيهم
صالة اخلوف ،وهذه األنواع كلها تندرج حتت باب صالة أهل األعذار ،لكن املصنف رمحه اهلل
مستقلا.
ً تعاىل جعل لكل مسألةٍ من هذه املسائل بابًا
فإذن اآلن سيتحدث املصنف رمحه اهلل تعاىل عن حال املريض يف الصالة ،قال :واملريض إذا
كان القيام يزيد يف مرضه صلى جالسًا ،تعلمون أن القيام يف الصالة يعين صالة الفريضة ٌ
ركن
من أركان الصالة ،ال تتم الصالة إال هبا ،بينما القيام يف النافلة مستحبٌ ،أو هو األصل ،فمن مل
يقم يف النافلة وصلى جالسًا فيحسب له نصف أجر صالة القائم.
هنا املصنف رمحه اهلل قال :إذا كان القيام يزيد يف مرضه صلى جالسًا ،بمعىن أن هذا الركن
«صل قائمًا ،فإن مل تستطع
وهو القيام مع القدرة يسقط عنه ،والنيب صلى اهلل عليه وسلم قالِّ :
فقاعدا ،فإن مل تستطع فعلى جنبٍ» ،فهنا ترتيب من النيب صلى اهلل عليه وسلم يف أحكام صالة ً
املريض ،وهذا أيًض ا يشعرنا بأمهية ومكانة الصالة يف اإلسالم ،فاملسلم حىت وإن كان له عذرٌ
فإنه ال جيوز له أن يرتك الصالة ،وال أن خيرج وقت الصالة دون أن يصليها ،وهذا ال شك يدل
على مكانتها ،وقد قال عليه الصالة والسالم« :مخس صلواتٍ كتبهن اهلل على العباد يف اليوم
والليلة ،من حافظ عليهن كانت له نورٌ وجناةٌ وبرهانٌ يوم القيامة ،ومن مل حيافظ عليهن مل تكن
له نورٌ وال جناةٌ وال برهانٌ يوم القيامة».
وأيًض ا من املسائل املتعلقة بكالم املصنف هو قال :إذا كان القيام يزيد يف مرضه صلى
جالسا ،يقول الفقهاء :إذا كان يستطيع أن يقف يف وقتٍ من الصالة مث جيلس ،فيجب عليه أن ً
يقف الوقت الذي يستطيعه مث بعد ذلك يتم صالته جالسًا ،فما يستطيع أن يأيت به فيجب عليه
وعلا.
أن يأيت به ،وما يكون معذورًا فيه ،فقد عذره اهلل جلَّ َ
{قال :فإن مل يطق فعلى جنبه لقوله رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لعمران بن حصني:
فقاعدا ،فإن مل تستطع فعلى جنبٍ»} .ً «صل قائمًا ،فإن مل تستطع
ِّ
قاعدا ،والصالة قاعدًا هلا صفةٌ وهذه الصفةهو قال :إذا مل يستطع أن يصلي قائمًا فيصلي ً
أن جيلس على إليته ويكون مرتبعًا ،والرتبع أن يضم ساقيه إىل فخذيه ،هي صفة الرتبع املعروفة
عند الناس ،فهذه هي الصفة اليت كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يفعلها كما روت ذلك أم
املؤمنني عائشة ،وهذه الصفة حىت يفرق فيها بني التشهد واجللوس له ،وبني السجدتني ،وبني
القيام ،فيكون بدل أن يكون قائمًا جيلس مرتبعًا.
وبعض الناس اآلن الذين ال يستطيعون القيام غالبًا إذا صلوا يف املساجد فإهنم يصلون على
جالسا ،لكن إذا كان
الكرسي ،وإذا صلى على الكرسي فيصلي على اهليئة اليت يكون فيها ً
يستطيع الركوع والسجود فيجب عليه أن يأيت بالركوع والسجود ،وإن مل يستطع فيومئ كما
سيذكر املصنف رمحه اهلل تعاىل.
{قال صلى اهلل عليه وسلم« :فإن مل تستطع فقاعدًا ،فإن مل تستطع فعلى جنبٍ»}.
قائما ،إذن يصلي قاعدًا ويكون مرتبعًا ،مل يستطع أن هذه احلالة الثالثة ،مل يستطع أن يصلي ً
قاعدا ،فيقول :يصلي على جنبه ،فإن شق عليه ،فإنه يكون مستلقًيا على ظهره ،مثل يصلي ً
كثري من املرضى اآلن يف املستشفيات يكون مستلقيًا على ظهره ،فهنا يصلي مستلقيًا، حال ٍ
لكن إذا كان يستطيع أن يصلي على جنبه فإنه يقدم على أن يكون قد صلى وهو مستلقٍ على
ظهره ،كما جاء عن النيب الكرمي صلى اهلل عليه وسلم.
قال :فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ هبما.
املعىن أنه إذا كان يستطيع الركوع والسجود فيجب عليه أن يأيت بالركوع والسجود ،لكنه
إذا مل يستطع أن يأيت بالركوع والسجود فهنا نقله إىل اإلمياء ،اإلمياء بالركوع والسجود إن
كان يستطيع اإلمياء جبسده فعل ،حبيث يكون إمياؤه بالسجود أكثر من إميائه بالركوع ،وهذه
خاصةً الذين يقومون بعملية الركب ،فهذه غالبًا أهنم ال يستطيعون أن يسجدوا ،لكنه يستطيع
أن يركع ،فهنا نقول له يأيت بالركوع ،ولكن إذا كان يف السجود يومئ بالسجود ،ألن هذا
استطاعته واهلل عَّز وجَّل ال يكلف نفسًا إال وسعها.
طيب إن شق عليه قال :فإن شق عليه أن يكون على جنبه أو مستلقيا على ظهره ،فإنه
يومئ بالركوع والسجود ،إذا مل يستطع قالوا كما ذكر بعض الفقهاء :إنه يومئ بعينيه ،فإن مل
صحيح ،وإذا مل يستطع أن ٌ يستطع ذكر بعض الفقهاء اإلمياء باإلصبع ،لكن هذا ليس له دليلٌ
يومئ بعينيه فإنه يصلي بنيته ،وهذه طاقته وقدرته ،واهلل جَّل وعاَل قالَ﴿ :ال ُيَك ِّلُف الَّلُه َنْف سًا
ِإَّال ُو ْسَعَه ا﴾ [البقرة.]286 :
{قال :وعليه قضاء ما فاته من الصلوات يف إغمائه}
هذه املسألة سبق احلديث عنها يف باب الطهارة ،املغمى عليه ماذا عليه؟ كنا هناك نتحدث
عن قضية نقض الوضوء باإلغماء وحنو ذلك ،هنا اآلن املصنف رمحه اهلل يتحدث عن موضوع
الصالة ،شخصٌ أغمي عليه فهل جيب عليه أن يصلي ما فاته أثناء إغمائه؟ املسألة هذه من
املسائل اليت اختلف فيها العلماء رمحهم اهلل فمن العلماء من قال :إنه يصلي ،وهذا ما ذهب إليه
املصنف ،قال :وعليه قضاء ما فاته من الصلوات يف حال إغمائه ،ومن العلماء من قال :إنه ال
مثلا ،ومن العلماء يصلي إال إذا قام يف وقتها ،إذا قام يف آخر وقت العصر فيصلي الظهر والعصر ً
من قال :إنه ال يقضي مطلقًا ،والقول األخري :أنه إذا كان إغماؤه أكثر من ثالثة أيامٍ فال
يقضي ،وإذا كان أقل فإنه يقضي ،ويستدلون هبذا مبا ورد عن عمار رضي اهلل عنه ،فقد روي
أنه أغشي عليه وأغمي عليه رضي اهلل عنه ،فلما أفاق قيل له أصليت؟ قال :ال مل أصل ،مث دعا
بالوضوء فتوضأ ،مث صلى ما فاته من صلواتٍ ،ولعل هذا القول هو الوسط ،وقد جاء فيه هذا
األثر عن عمار رضي اهلل عنه وأرضاه ،لذلك ذهب حىت من املعاصرين مساحة الشيخ عبد العزيز
بن باز رمحه اهلل إىل أنه إذا كان إغماؤه ثالثة أيامٍ فأقل فإنه يقضي ما فاته ،وإذا كان أكثر فإنه
ال يقضي.
{وإن شق عليه فعلُ كل صالةٍ يف وقتها فله اجلمع بني الظهر والعصر ،وبني العشاءين يف
وقت إحدامها}.
وهذا من باب التخفيفُ﴿ ،يِر يُد الَّلُه ِبُك ُم الُيْسَر َو َال ُيِر يُد ِبُك ُم الُعْسَر ﴾ [البقرة ،]185 :فهنا
من مل يستطع أن يصلي كل صالةٍ يف وقتها ،فيجمع الظهر مع العصر ،واملغرب مع العشاء ،أما
الفجر فال جتمع ،وهذا اجلمع دل عليه قول ابن عباس رضي اهلل عنهما مجع النيب صلى اهلل عليه
وسلم بني الظهر والعصر واملغرب والعشاء يف املدينة من غري خوفٍ وال مطرٍ.
كان اإلمام أمحد رمحه اهلل يقول :إذا كان من مرضٍ ،فإنه جيوز له أن جيمع الصالتني ،وهذا
من أمثلته يف وقتنا املعاصر الذين اآلن نسأل اهلل عَّز وجَّل أن يعافينا وال يبتلينا ،وأن يشفي
مرضانا ،الذين ابتلوا اآلن بغسيل الكلى ،هلم من الدعاء نسأل اهلل عَّز وجَّل أن مين عليهم
بالشفاء والعافية ،أحيانا يستغرق وقت الغسيل وقتًا طويلًا ،حبيث يدخل وقت صالةٍ وينتهي
وخيرج ويدخل وقت صالةٍ أخرى ،فهنا العلماء رمحهم اهلل تعاىل قالوا :إذا كان يف مثل هذا
مجعا ،وباب اجلمع يف الشريعة أوسع من باب القصر. احلال فله أن يصلي الظهر والعصر ً
كذلك األطباء الذين يدخلون يف بعض العمليات تستغرق عشر ساعاتٍ ،فيدخل مثاًل من
قبل الظهر ،فيفوته الظهر والعصر واملغرب والعشاء ،فهذا يف حاله ،يقال له :أن يصلي الظهر
والعصر مجع تقدميٍ مث بعد ذلك يصلي املغرب والعشاء مجع تأخريٍ ،ألنه يف حالةٍ ضروريةٍ إذا
كان ال ميكنه أن خيرج من غرفة العمليات ،وحنو ذلك ،وهذا كله من باب التيسري يف شريعة
اإلسالم.
صالة يف وقتها فله اجلمع بني الظهر إذن املريض الذي ال يستطيع إن شق عليه فعل كل ٍ
والعصر ،وبني العشاءين يف وقت أحدمها ،إما أن يكون مجع تقدميٍ ،وإما أن يكون مجيع تأخريٍ.
{فإن مجع يف وقت األوىل اشرتط نية اجلمع عند فعلها}
هنا اآلن سيتحدث املصنف رمحه اهلل عن بعض الشروط املتعلقة جبمع الصالة ،قال يف أول
مثلا :اآلن سيجمع الظهر هذه الشروط :فإن مجع يف وقت األوىل اشرتط نية اجلمع عند فعلهاً ،
والعصر ،فيقول :الشرط األول أن ينوي قبل أن يصلي الظهر أنه سيجمع العصر معها ،وهذا
معىن كالمه ،اآلن هو سيتحدث عن شروط اجلمع يف وقت األوىل ،ألن هناك شروطًا أخرى
تتعلق باجلمع يف وقت الثانية.
الشرط األول :قال أن ينوي اجلمع يف وقت األوىل ،وهذا الكالم من املصنف رمحه اهلل
تعاىل فإن مجع يف وقت األوىل اشرتط نية اجلمع عند فعلها ،هذه من املسائل اليت اختلف فيها
العلماء رمحهم اهلل ،فاملصنف يقول لو أنه صلى الظهر وبعد صالة الظهر نوى أن جيمع ،فهنا
اجلمع على كالم املصنف ال يصح ،والصحيح من أقوال أهل العلم أنه ال يشرتط أن ينوي اجلمع
قبل األوىل ،ألن هذا مل يدل عليه دليلٌ من سنة النيب صلى اهلل عليه وسلم ،وهذه رخصةٌ
والرخصة تُفعل بقدرها كما ذكر العلماء رمحهم اهلل تعاىل.
{واستمرار العذر حىت يشرع يف الثانية منهما}
هذا الشرط الثاين ،قال :واستمرار العذر حىت يشرع يف الثانية منهما ،مبعىن هو اآلن نوى
قبل الظهر أن جيمع العصر معها ،وبعدها بعد صالة الظهر ،هنا شرطٌ آخر أن يستمر العذر
الذي من أجله سيجمع ،إذا كان مريضًا وشُفي ،فعلى كالم املصنف إذا زال هذا العذر فإنه
ليس له أن جيمع الصالة ،وهذه من املسائل اليت أيًض ا اختلف فيها العلماء رمحهم اهلل تعاىل،
لكن العلماء قالوا :الصحيح ال يشرتط أن يكون العذر من الصالة األوىل إىل الصالة الثانية ،فلو
طرأ العذر بعد صالة الظهر فله أن ينوي اجلمع وجيمع صالة العصر معها.
{وأال يفرق بينهما إال بقدر الوضوء}
هذا الشرط الثالث ،أال يفرق بني الصالتني إال بقدر الوضوء ،مبعىن أنه جيب املواالة بني
مثلا ،وأراد أن جيمع فعلى املذهب أنه ال يصح ،لكن الصالتني ،فلو صلى الظهر مث مكث ساعةً ً
شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ذهب إىل عدم االشرتاط ،وقال :ألنه ليس له حدٌ يف الشرع،
أصلا أجيزت من أجل الرخصة ،فإذن هذه من وألن مراعاة ذلك يسقط مقصود الرخصة ،هي ً
املسائل اليت اختلف فيها العلماء ،إذا كان هناك مجع تقدمي فعلى املذهب أنه البد أن يكون
مواالة ،ويرى شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل أن املواالة ليست شرطًا.
ٌ هناك
إذن إذا أراد املريض أن جيمع الظهر والعصر مجع تقدميٍ ،فال بد له من ثالثة شروطٍ:
الشرط األول :أن ينوي اجلمع قبل الصالة األوىل.
الشرط الثاين :أن يستمر العذر.
الشرط الثالث :املواالة ،أال يفصل بينهما إال بقدر الوضوء ،وبينَّا الصحيح أن هذه الشروط
صحيحا.
ً هي من باب االستحباب وإال فلو مل يلتزم هبا فإن مجعه يكون
{وإن أخر اعترب استمرار}
تأخري ،سيصلي الظهر مع العصر ،وليس العصر مع الظهر ،فهذا وإن أخر ،يعين صلى مجع ٍ
مجع تأخريٍ ،هناك أيًض ا شروط ،قال :اعترب
{اعترب استمرار العذر إىل دخول وقت الثانية}
اعترب استمرار العذر إىل دخول وقت الثانية ،مبعىن هو اآلن يف وقت صالة الظهر ،ولديه
تأخري ،فإذا أراد أن يصلي مجع
عذرٌ ،فبإمكانه أن يصلي مجع تقدميٍ ،وبإمكانه أن يصلي مجع ٍ
تأخري فال بد من شرطٍ ،أن يستمر هذا العذر إىل خروج وقت الصالة الثانية ،كما ذكر رمحه ٍ
اهلل.
اعترب استمرار العذر إىل خروج وقت األوىل ودخول وقت الثانية.
{وأن ينوي اجلمع يف وقت األوىل قبل أن يضيق عن فعلها}
تأخري ،فقبل أن يصلي الظهر،
وأن ينوي اجلمع يف وقت األوىل ،ال ،هو اآلن سيصلي مجع ٍ
قال :ينوي اجلمع يف وقت صالة الظهر ،هو اآلن قال سُأأخر الظهر إىل العصر ،فهو ينوي اآلن
أنه سيؤخرها ،وهذا يسقط عنه عدم الصالة يف وقتها ،ألنه إذا مل ينو فإنه سيصلي الصالة بعد
وقتها ،وهذا ال جيوز ،قال :فإن أخر اعترب استمرار العذر إىل دخول وقت الثانية منهما ،وأن
ينوي اجلمع يف وقت األوىل وهو يف وقت صالة الظهر يقول سأمجع مع العصر.
قال :قبل أن يضيق عن فعلها ،مىت حيق له أن ينوي؟ قال :البد أن ينوي قبل أن يضيق عن
فعلها ،بمعىن هو مثاًل جاء وقت صالة الظهر مل يصل ،وقبل أن يضيق الوقت ،ويدخل وقت
صالة العصر ،قال :قبل أن يضيق الوقت عن فعلها ،فإن ضاق الوقت عن فعلها يف وقتها ،فإن
هذا بالنسبة للمصنف رمحه اهلل ال يعترب جائزًا يف حقه مجع التأخري.
واضحةٌ هذه املسألة؟ ،إذا كان جيمع مجع تقدميٍ يقول املصنف البد له من ثالثة شروطٍ:
الشرط األول :أن ينوي اجلمع قبل الصالة األوىل.
الثاين :أن يستمر العذر.
الثالث :أن يكون املواالة بينهما ،وقد حددها بقدر الوضوء.
وإذا أراد أن يؤخر ،فلها شروطٌ:
الشرط األول :أن يستمر العذر إىل دخول وقت الثانية ،فإن انقضى العذر فيجب عليه أن
يصلي يف وقت األوىل.
الثاين :أن ينوي اجلمع قبل األوىل ،أو يف وقت األوىل.
والثالث :أن ينوي هذا اجلمع قبل أن يضيق فعلها يف وقتها ،يعين الصالة األوىل.
فهذه شروطٌ ملن أراد مجع التأخري ،فلو تالحظون هنا مل يذكر قضية املواالة ،ملاذا؟ ألن
وقت العشاء هو سيصلي املغرب مثلًا ،فوقت العشاء ممتدٌ ،سيصلي الظهر فله أن يصلي العصر
ممتد ،وهكذا ،يعين ممتدٌ إىل وقته إما إال اصفرار الشمس أو مصري ظل يف وقتها ،ووقت العصر ٌ
كل شيءٍ مثله ،على ما تقدم يف احلديث يف مواقيت الصالة عند احلديث عن باب شروط
الصالة ،إذن هذه أحكام اجلمع ،مجع التقدمي والتأخري بالنسبة للمريض.
{قال :وجيوز اجلمع للمسافر الذي له القصر}
أولا :من الذي جيوز له اجلمع؟
ً
قال :أولًا الذي جيوز له اجلمع املريض ،وهذا اجلمع أيًض ا قال :جيوز اجلمع للمسافر الذي له
القصر.
واملصنف رمحه اهلل هنا ويف املغين ذكر أن من أسباب استباحة الرخصة يف السفر ،أن يكون
مباحا ،فإن كان السفر سفر معصيةٍ فإنه يرى أنه ال جيوز له أن يرتخص برخص السفر، السفر ً
وسيأيت معنا بإذن اهلل عَّز وجَّل بعد هذا الباب ،تفصيل الكالم يف هذه املسائل.
{وجيوز اجلمع بني العشاءين خاصةً يف املطر}
أيًض ا اجلمع ذكر املصنف أنه يكون للمرض ،ويكون كذلك للمسافر ،ويكون كذلك
للمطر ،وقد تقدم قول ابن عباس أن النيب -صلى اهلل عليه وسلم -مجع بني الظهر والعصر
واملغرب والعشاء يف املدينة من غري خوٍف وال مطٍر .
وهنا املصنف -رمحه اهلل -يرى أن جواز اجلمع يف املطر يكون خاًص ا بصاليت املغرب
والعشاء ،والصحيح من أقوال أهل العلم أن اجلمع يكون للمغرب والعشاء ،ويكون كذلك
للظهر والعصر؛ ألن هذه الرخصة جاءت بناًء على التيسري والتسهيل على املسلمني يف أداء هذه
العبادة.
{يقول :مسألة صالة املريض على الكرسي السائد يف املساجد ،موضع الكرسي من
الصف ،وهذه إشكالية يف الغالب من املساجد ،يف استواء الصف واعتداله}.
أحسنت ،سيأيت معنا -إن شاء اهلل -يف هناية باب اجلنائز ،فنذكر مجلًة من املسائل املتعلقة
بالنوازل املتعلقة بأحكام الصالة ،ولعلنا -إن شاء اهلل -تكون هذه إحدى املسائل اليت سيكون
احلديث حوهلا؛ ألهنا من األمور املهمة يف إقامة الصف يف الصالة ،وكما ذكرنا أن يف باب
اإلمامة املصنف -رمحه اهلل -اقتصر جًّدا يف ذكر بعض املسائل ،ومل يأت عليها مجيعها.
{باب صالة املسافر ،وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسًخ ا ،وهي مسرية يومني
قاصدين ،وكان مباًح ا له ،فله قصر الرباعية خاصًة}.
اآلن املصنف -رمحه اهلل تعاىل -سيتحدث عن باب صالة املسافر ،ذكرنا لكم أن العلماء
-رمحهم اهلل -يذكرون باب صالة أهل األعذار ،ويذكرون حتته املريض ،واملسافر ،وصالة
اخلوف ،تقدم احلديث عن صالة املريض ،وأشار املصنف -رمحه اهلل تعاىل -عند مسألة اجلمع
إىل أن ممن جيوز هلم مجع الصالة ،مجع تقدٍمي أو تأخٍري ،هو املسافر ،وهنا سيأيت املصنف -رمحه
اهلل -بذكر هذه املسائل املتعلقة بالسفر ،وهذا أيًض ا يدل على أمهية الصالة ،وعلى مكانتها يف
السفر ويف احلضر ،سواًء كان اإلنسان صحيًح ا سليًم ا ،أو كان به مرٌض أو حنو ذلك ،فالصالة
تكون واجبًة عليه ،والعلماء -رمحهم اهلل -حينما حتدثوا عن اإلمياء مثاًل يف الصالة بالركوع
والسجود ،قالوا :إذا مل يستطع أن يومئ بالركوع وال بالسجود ،وال يومئ بعينيه ،من العلماء
من قال إهنا تسقط ،والصحيح أن الصالة تبقى واجبًة على اإلنسان يصليها بقدر استطاعته،
ولو أن ينوي أن يفعل الصالة بالنية ،كما ذكر العلماء -رمحهم اهلل.
قال :باب صالة املسافر ،أي يف هذا الباب ،سأذكر مجلًة من األحكام املتعلقة بصالة
املسافر.
أول هذه األحكام ،قال -رمحه اهلل تعاىل :إذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسًخ ا ،ما
املراد هبذا؟
العلماء -رمحهم اهلل -يقولون :الفرسخ يعادل ثالثة أميال ،والثالثة أميال تكون تقريًبا يعين
الفرسخ الواحد يكون مخسة كيلو ،ولدينا املصنف يقول :البد أن تكون ستة عشر فرسًخ ا،
وهنا نقول الفرسخ مخسة كيلو ،فيكون اجملموع مثانون كيلو ،فمن كان سفره مثانني كيلو
فأكثر ،فهذا هو الذي ينطبق عليه اسم املسافر ،الذي يرتَّخ ص برخص السفر ،وإن كان أقل من
ذلك ،فليس مبسافٍر ،والعلماء -رمحهم اهلل -اختلفوا يف هذه املسألة ،فمن العلماء من حيدد،
وشيخ اإلسالم ابن تيمية -رمحه اهلل ،-أو بعض العلماء املعاصرين ،رأوا أنه ليس هناك حتديٌد يف
الشريعة يف من ُيطلق عليه السفر ،واهلل -عَّز وجَّل -قالَ﴿ :و ِإن ُك نُتْم َعَلى َس َف ٍر ﴾
[البقرة:
،]283وأطلق ،ومل حيدد ،وهلذا قال :إن هذا يعود إىل العرف ،فما تعارف عليه الناس أن هذا
يكون سفًر ا ،فهو سفٌر ،وما مل يتعارفوا عليه ،فإنه ليس بسفٍر ،وهذا قول يذكره مجلٌة من
العلماء املعاصرين ،لكن ال شك أن القول بتحديد املدة هو أضبط؛ ملعرفة األحكام الشرعية،
اليت سيبين عليها املسلم أحكام السفر.
قال :إذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسًخ ا ،وهي مثانون كيلو ،إذن هذا الشرط األول
من الشروط اليت يصدق على اإلنسان أنه يكون مسافًر ا.
قال :وهي مسرية يومني قاصدينُ ،يعِّر ف هذه الستة عشر فرسًخ ا ،قال :هي مسرية يومني
قاصدين ،املقصود أنه يسافر باإلبل يومني ،قاصدين يعين ال يسريون لياًل وهناًر ا ،يعين ال يكون
أكثر وقتهم السري ،وأيًض ا ال يكون أكثر وقتهم النزول ،وإمنا يكون بني ذلك ،فيسري يف النهار،
ويرتاح يف الليل ،فهذا هو الذي يكون مسرية سفره ستة عشر فرسًخ ا ،ولكن هي األضبط اآلن
باملقاييس املعاصرة ،أن ُيقال هي مثانون كيلو.
{وكان مباًح ا له فله قصر الرباعية خاصًة}.
وكان مباًح ا له ،املصنف -رمحه اهلل -يشرتط يف السفر الذي جيوز فيه القصر أن يكون
سفر طاعٍة ،سفًر ا مباًح ا ،أما السفر الذي يعزم فيه اإلنسان على الذهاب إىل املعصية ،فإن
املصنف -رمحه اهلل تعاىل -يقول :إنه يقول :إنه ال يستحق أن ُيعطى رخص السفر ،والصحيح
من أقوال أهل العلم أن احلكم عاٌم ،وقد قال النيب -صلى اهلل عليه وسلم -تقول عائشة:
ُفرضت الصالة ركعتني ،مث هاجر النيب -صلى اهلل عليه وسلم -ففرضت أربًعا ،وتركت صالة
السفر على األوىل ،فصالة السفر ،يعين البعض يعتقد أن صالة الظهر واإلنسان مسافٌر األصل
أهنا أربٌع ،فاملسافر يصليها ركعتني ،لكن من العلماء من يقول :ال ،هو األصل أن يصليها
ركعتني؛ ألنه مسافٌر ،ومن هنا ذهب بعض العلماء إىل أنه ال جيوز للمسافر أن يتم صالته ،كما
سيأيت تفصيلها -بإذن اهلل عَّز وجَّل.
إذن الصحيح من أقوال أهل العلم أن احلكم مطلٌق ،وأن كل من سافر فإن له أن يرتخص
برخص السفر.
{إال أن يأمت مبقيٍم }.
فله قصر الرباعية ،القصر الذي يكون يف الصالة ،يكون يف الصلوات الرباعية ،الظهر،
العصر ،العشاء ،املغرب والفجر ليس فيهما قصٌر .
فإذن من اجتمعت فيه هذه الشروط فقد مجع شروط من حيق له السفر ،أن يكون سفره
مسافة مثانني كيلو فأكثر ،أن يكون سفره مباًح ا ،وأن يكون هذا القصر الذي سيقوم به يكون
يف الصالة الرباعية ،وهنا سيتحدث اآلن عن مجلٍة من األحكام املتعلقة بصالة املسافر ،إذن أول
هذه األحكام أن املسافر حيق له قصر الصالة الرباعية.
{إال أن يأمت مبقيٍم }.
إال أن يأمت مبقيٍم ،املسافر حيق له أن يصلي الظهر ركعتني ،والعصر ركعتني ،والعشاء
ركعتني ،لكن هذا األمر إذا كان هو إماًم ا أو منفرًدا ،أما إذا كان مأموًم ا خلف إماٍم مقيٍم ،
فالواجب عليه أن يتم الصالة ،وقد جاء يف هذا حديٌث عن موسى بن سلمة ،قال :كنا مع ابن
عباس رضي اهلل عنهما ،قلنا له :إنا إذا أدركنا معكم صلينا أربًعا ،وإذا رجعنا إىل رحالنا صلينا
ركعتني ،فقال :تلك سنة أيب القاسم -عليه أفضل الصالة وأمت السالم.
وأيًض ا الدليل اآلخر :النيب -صلى اهلل عليه وسلم -قال« :إمنا ُج عل اإلمام ليؤمت به ،فال
ختتلفوا عليه» ،فلو أن مسافًر ا صلى خلف مقيٍم ،فنقول اجلواب :جيب عليه أن يتم صالته.
{من صلى خلف إماٍم ال يعلم ،هل هو مقيٌم أو مسافٌر }.
يف هذه املسألة يقول العلماء -رمحهم اهلل تعاىل -إنه ينظر إىل غالب الظن يف هذا األمر،
فإذا كان يف مسجد طرٍق ،مثل املساجد اليت تكون يف االسرتاحات يف الطرق السريعة ، ،فهذا
غالًبا أنه يصلي صالة مسافٍر ،لو تبني له فيما بعد أنه مقيٌم ،فالعلماء -رمحهم اهلل -يقولون:
ليس عليه شيٌء ،لكن إذا صلى يف وقت الصالة ،أقيمت الصالة ،أو ُأِّذَن للصالة ،مث أقيمت ،مث
صلى يف وقت الصالة ،فغالًبا أن من يصلي هو اإلمام ،فيصلي خلفه تامًة.
{أو مل ينو القصر}.
األمر اآلخر ،قال :أو ال ينوي القصر ،أي عند إحرامه بالصالة ،ما نوى القصر ،هو
مسافٌر ،فله أن يقصر الصالة ،إال يف حاالٍت ،احلالة األوىل :أن يصلي خلف مقيٍم ،احلالة
الثانية :قال إنه ما نوى القصر ،والعلماء -رمحهم اهلل -يقولون :هنا ثالث حاالٍت :احلالة
األوىل :أن ينوي اإلمتام عند إحرامه ،مسافٌر ،ونوى اإلمتام عند إحرامه ،فالصحيح من أقوال
أهل العلم أنه له ذلك ،أن صالته صحيحٌة؛ ألن من العلماء من قال :إن املسافر ال يصح له أن
يتم الصالة.
إذن الصحيح من أقوال أهل العلم أنه إذا نوى اإلمتام فصالته صحيحٌة ،لكنه فعل خالف
األوىل.
احلالة الثانية :أن ينوي القصر ،فيلزمه القصر.
احلالة الثالثة :ال ينوي القصر وال اإلمتام ،فما الذي يلزمه؟
الصحيح من أقوال أهل العلم أن الذي يلزمه القصر؛ ألن هذه هي الصالة اليت أوجبها عليه
النيب -صلى اهلل عليه وسلم ،-يف مثل هذه احلالة.
{أو ينسى صالة حضر فيذكرها يف السفر}.
إذن املسافر يقصر الصالة إال يف حاالٍت ،احلالة األوىل :أن يصلي خلف املقيم ،احلالة
الثانية :أال ينوي القصر ،وقلنا إن الصحيح حىت لو مل ينو القصر فإن له القصر.
احلالة الثالثة قال :ينسى صالة حضٍر فيذكرها يف السفر ،هو سافر بعد صالة املغرب،
وتذكر وهو يف طريقه أنه مل يصل العصر ،فكيف يصلي العصر؟ هل يصليها أربًعا بناًء على أنه
كان مقيًم ا؟ أم يصليها ركعتني بناًء على أنه مسافٌر ؟
املصنف -رمحه اهلل تعاىل -يقول :يف هذه احلالة يصليها صالة مقيٍم ؛ ألنه وجبت عليه وهو
يف حال اإلقامة.
{قال :أو صالة سفٍر فيذكرها يف احلضر ،فعليه اإلمتام}.
طبًعا املسألة األوىل هو قول اجلمهور ،لكن املسألة الثانية ،شخٌص نسي أن يصلي الظهر
وهو مسافٌر ،مث ذكرها يف احلضر ،فماذا يصليها؟ يصليها ركعتني أم أربًعا؟ هي وجبت عليه
ركعتان ،وهو يف السفر ،مث ملا عاد نسي ،فماذا يفعل؟
قال املصنف -رمحه اهلل تعاىل -يف هذه احلالة يتم الصالة ،وهذه املسألة من املسائل اليت
اختلف العلماء -رمحهم اهلل تعاىل -فيها بني من يقول يتم الصالة أربًعا ،ومنهم من يقول
يصليها صالة مسافٍر ،وإن صالها صالة مقيٍم ،فإنه خروٌج له من اخلالف ،وهو األحوط له يف
هذا األمر.
{وللمسافر أن يتم}.
قال :وللمسافر أن يتم ،وهذه املسألة ذكرنا اخلالف فيها ،وذكرنا أن أبا حنيفة -رمحه
اهلل -وغريه من العلماء يرون عدم جواز إمتام الصالة ،والصحيح ،وهو قول اجلمهور أنه جيوز
له أن يتم الصالة ،كما يف قول النيب -صلى اهلل عليه وسلم -كما يف صحيح مسلم ،حينما
ُس ئل عن القصر يف السفر ،مع عدم اخلوف ،قال« :صدقٌة تصدق اهلل هبا عليكم ،فاقبلوا
الصدقة» ،لكن اإلمام أبا حنيفة يقول :األصل هو القصر ،فيجب عليه أن يقصر الصالة.
{والقصر أفضل}.
والقصر أفضل؛ ألن هذا سنة النيب -صلى اهلل عليه وسلم ،-وقد قال ابن عمر -رضي اهلل
عنهما :صحبت رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم ،-فلم يزد عن ركعتني حىت قبضه اهلل،
وصحبت أبا بكر ،فلم يزد عن ركعتني حىت قبضه اهلل ،وصحبت عمر ،فلم يزد عن ركعتني
حىت قبضه اهلل ،مث صحبت عثمان فلم يزد عن ذلك حىت قبضه اهلل ،مث قال :ولقد قال اهلل:
﴿َلَقْد َك اَن َلُك ْم يِف َرُس وِل الَّلِه ُأْس َو ٌة َح َس َنٌة﴾ [األحزاب.]21 :
{ومن نوى اإلقامة أكثر من إحدى وعشرين صالًة أمت}.
هذه مسألٌة كبريٌة ،وهي من املسائل اليت تباينت أقوال العلماء فيها كثًريا ،واختلفوا فيها
اختالًفا بِّيًنا ،والسبب يف ذلك أنه ال يوجد نٌّص قاطٌع يف هذه املسألة ،وإمنا هي استنباطاٌت من
أفعال النيب -صلى اهلل عليه وسلم.
العلماء -رمحهم اهلل -يقولون :من هو الشخص الذي حيق له أن يرتَّخ ص برخص السفر؟
حنن اتفقنا أنه يف أثناء سفره أنه حيق له أن يرتخص برخص السفر ،وأن يقصر الصالة،
لكنه أقام بعد ذلك ،فما احلكم يف حقه؟
املصنف -رمحه اهلل -يقول :إن نوى اإلقامة أكثر من إحدى وعشرين صالًة ،إحدى
وعشرين صالة يعين أربعة أياٍم ،واستدلوا بفعل النيب -صلى اهلل عليه وسلم ،-فقد كان يقصر
هذه الصلوات وهو يف األبطح ،وكان يعلم ،..مث صلى الفجر وسار إىل مىن ،فكان النيب -
صلى اهلل عليه وسلم -يعلم أنه يف اليوم الثامن سيذهب ،فقصر الصالة يف هذه األيام األربعة،
إحدى وعشرين صالًة ،يعين أربعة أياٍم .
ومن العلماء من قال :إذا بقي أكثر من مخسة عشر يوًم ا ،إذا نوى اإلقامة أكثر من مخسة
عشر يوًم ا فإنه جيب عليه أن يتم الصالة ،وال حيق له القصر ،وإذا كان أقل من مخسة عشر يوًم ا
فيجوز له ذلك ،وخالٌف كبري بني العلماء يف هذه املسألة ،ومن العلماء من قالوا :إنه مادام أنه
يصدق عليه أنه مسافٌر ،فله أن يرتخص برخص السفر حىت يعود ،ولو طالت مدة سفره ،فعلى
هذا من سافر وبقي شهر وشهران وثالثٌة وأربعٌة ،وهو يعلم مدة هذا البقاء ،فله أن يرتخص
برخص السفر حىت يعود ،لكن القول الذي يرتجح وهو قول عدٍد من العلماء أهنا أربعة أياٍم ،
إذا نوى اإلقامة أكثر من أربعة أياٍم أنه يتم الصالة ،الشك أنه قوٌل فيه وجاهٌة ،وكذلك القول
اآلخر ،أنه مادام أنه مسافٌر ،فله أن يرتخص برخص السفر حىت يعود؛ ألن اهلل -عَّز وجَّل-
قالَ﴿ :و ِإن ُك نُتْم َعَلى َس َف ٍر ﴾ [البقرة ،]283 :ومل حيدد ،وأيًض ا األحاديث يف هذا األمر اليت
ذكرها العلماء -رمحهم اهلل ،-كلها استنباطاٌت ،وكل دليٍل عليه مآخذ استنباطيٌة كثريٌة يف هذه
املسألة.
{وإن مل جُي مع على ذلك قصر أبًد ا}.
شخٌص مل جُي مع على ذلك ،يعين هو ال يدري ،هل يبقى واحًد ا وعشرين يوًم ا ،أربعة أياٍم ،
أو يبقى مخسة عشر يوًم ا ،أو يبقى يوًم ا ،أو يبقى ستة عشر ،قال :مادام أنه مل جُي مع على ذلك،
مل ينِو عدًدا معيًنا من اإلقامة ،وإمنا قد يسافر يف أي حلظٍة ،فلهذا أن يرتخص برخص السفر،
كما ذكر املصنف -رمحه اهلل تعاىل.
إذن هذه املسائل املتعلقة بصالة املسافر .ننتقل إىل باب صالة اخلوف.
{قال -رمحه اهلل :باب صالة اخلوف ،وجتوز صالة اخلوف على كل صفٍة صالها رسول
اهلل -صلى اهلل عليه وسلم}.
قال املصنف -رمحه اهلل تعاىل :باب صالة اخلوف ،وجتوز صالة اخلوف على كل صفٍة،
قول املصنف -رمحه اهلل :جتوز ،إشارًة إىل خالٍف بني العلماء -رمحهم اهلل -يف حكم صالة
اخلوف ،فمن العلماء من قال :إن صالة اخلوف خاصٌة بالنيب -صلى اهلل عليه وسلم ،-ومنهم
من قال :إهنا منسوخٌة ،ومن العلماء -رمحهم اهلل -من قال :هي جائزٌة ،وهو قول مجاهري أهل
العلم؛ ألن النيب -صلى اهلل عليه وسلم -فعلها ،وفعلها الصحابة -رضوان اهلل عليهم -من بعد
النيب -صلى اهلل عليه وسلم ،-فهذه الصالة صالٌة جائزٌة ،حيتاجها املسلم أثناء اخلوف.
قال :وهي جائزٌة على كل صفٍة صالها النيب -صلى اهلل عليه وسلم ،-هذه الصفة ورد
فيها عدٌد من الصفات ،قيل :مخٌس ،وقيل :سٌت ،وقيل :سبٌع ،والرواة خيتلفون يف طريقة
عرضها ،وهذه الصالة ختتلف حبسب شدة اخلوف كما يذكر ابن القيم يف زاد املعاد ،وحبسب
االجتاه إىل القبلة ،فهنا يف كل حالٍة من احلاالت قد يصلي املصلي اخلائف نوًعا من هذه الصالة،
وهذه الصالة الصحيح أهنا ليست يف احلرب فقط ،بل كل من كان لديه هذا اخلوف من عدٍو ،
من سبٍع ،فإنه جيوز له أن يرتخص هبذه الصالة ،اليت جاءت عن النيب -صلى اهلل عليه وسلم.
وقد ذكر العلماء -رمحهم اهلل -فيها مجلًة من الصفات ،من هذه الصفات :أن يصلي
اإلمام ..اقرأها يا شيخ حىت خنتصر الوقت.
{قال :واملختار منها أن جيعلهم اإلمام طائفتني ،طائفٌة حترس}.
اآلن اإلمام يف احلرب ،قائد اجليش يف احلرب ،وأمامه العدو ،ولديه اجليش ،فيقسم اجليش
أو الطائفة اليت لديه إىل قسمني ،إىل طائفتني ،طائفٍة حترس ،واألخرى تصلي.
{واألخرى تصلي معه ركعًة}.
اإلمام يصلي ركعتني ،الظهر يصليها ركعتني ،فيدخلون مع اإلمام يف الركعة األوىل،
والطائفة األخرى حترس.
{فإذا قام إىل الثانية نوت مفارقته وأمتت صالهتا}.
قام اإلمام إىل الركعة الثانية ،فاملصلون خلفه الطائفة األوىل اليت تصلي معه ،تنوي مفارقة
اإلمام وتتم الصالة الركعة الثانية ،مث تذهب ،فتحرس اجليش ،والذين كانوا حيرسون يدخلون
مع اإلمام يف الركعة الثانية.
{نوت مفارقته وأمتت صالهتا ،وذهبت حترس ،وجاءت األخرى فصلت معه الركعة
الثانية ،فإذا جلس للتشهد قامت فأتت بركعٍة أخرى}.
جلس اإلمام للتشهد ،فتقوم الطائفة هذه فتأيت بالركعة الثانية ،وينتظرها اإلمام حىت تأيت مث
بعد ذلك يسلم هبم.
{وينتظرها حىت تتشهد ،مث يسلم هبم}.
وهذه الصفة هي الصفة اليت دل عليها القرآن ،وهي اليت اختارها املصنف ،قال :واملختار
منها ،ألنه دل عليها القرآن ،وأيًض ا هذه الصفة جاءت يف صحيح البخاري ومسلم ،وقد قال
اهلل -عَّز وجَّلَ﴿ :و ِإَذا ُك نَت ِفيِه ْم َفَأَقْم َت ُهَل الَّصاَل َة َفْلَتُق ْم َطاِئَفٌة ِّم ْنُه م َّم َعَك ﴾ [النساء]102 :
ُم
اآلية ،فهذه اآلية دلت على هذه الصفة.
ومن الصفات أن يصلي بكل طائفٍة ركعتني يسلم منها ،فتكون األوىل يف حقه فريضًة،
والثانية نافلٌة ،وعموًم ا كما ذكر ابن القيم -رمحه اهلل -أن هذه الصفات يفعل منها ما يناسب
شدة اخلوف وكذلك حبسب اجتاه القبلة.
{وإن اشتد اخلوف صلوا رجااًل وركباًنا إىل القبلة وإىل غريها}.
إذا اشتد اخلوف ،حينما حتدثنا يف شروط الصالة ،وشرط استقبال القبلة ،ذكرنا أن من
الشروط استقبال القبلة ،وأن هذا الشرط ال يسقط إال يف مثل هذه احلالة اليت يكون فيها خوٌف
شديٌد ،فالواجب على املسلم أن يصلي حسب اجتاهه ،صلوا رجااًل ا أو ركباًنا كما جاء يف
احلديث عن ابن عمر -رضي اهلل عنهما.
{يومئون بالركوع والسجود ،وكذلك كل خائٍف على نفسه}.
إذن هذه املسألة ،قال :يومئ بالركوع والسجود ،وهذه الصالة ليست صالًة خاصًة بأهل
احلرب ،أهل القتال ،قال :وكذلك كل خائٍف على نفسه ،يصلي على حسب حاله ،ويفعل
كل ما حيتاج إىل فعله من هرٍب أو غريه ،وهذا ما جاء عن ابن عمر -رضي اهلل عنهما -قال:
فإذا كان خوًفا هو أشد من ذلك ،صلوا رجااًل قياًم ا على أقدامهم أو ركباًنا مستقبلي القبلة ،أو
غري مستقبليها ،قالوا :ومثل هذا ال يقوله ابن عمر إال وقد مسعه من النيب الكرمي -عليه أفضل
الصالة وأمت التسليم ،-وهذه الصالة -صالة اخلوف -فعلها الصحابة -رضوان اهلل عليهم-
وفعلها حىت يف زمن عمر بن اخلطاب -رضي اهلل عنه -يف فتح تسرت فقد صلوا هذه الصالة اليت
جاءت عن النيب الكرمي -عليه الصالة والسالم.
ختاًم ا ،هذه الصالة تدلك على مكانة الصالة ،وعلى منزلتها ،وعلى أهنا ال تسقط عن
املسلم ،والواجب عليه أن يأيت هبا ،حىت يف مثل هذه احلالة ،حبسب استطاعته ،ال يكلف اهلل
نفًس ا إال وسعها ،واهلل -جَّل وعاَل -قالَ﴿ :فاَّتُقوا الَّلَه َم ا اْس َتَطْع ُتْم ﴾ [التغابن.]16 :
أسأل اهلل -جَّل وعاَل -مبنه وكرمه ،أن جيعلنا وإياكم من اهلداة املهتدين ،وأن يسلك بنا
وبكم سبل وطريق الصاحلني ،إنه -جَّل وعاَل -جواٌد كرٌمي ،وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب
العاملني ،وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا حممٍد ،وعلى آله وأصحابه أمجعني.