You are on page 1of 17

‫عمدة الفقه‬

‫الدرس العشرون‬
‫الشيخ‪ /‬راشد الزهراني‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا حممدٍ‪ ،‬وعلى آله وأصحابه‬
‫أمجعني‪.‬‬
‫أما بعد‪ ..‬أيها اإلخوة واألخوات سالم اهلل عليكم ورمحته وبركاته‪ ،‬وحياكم اهلل يف هذا‬
‫اللقاء اجلديد من دروس عمدة الفقه‪ ،‬ضمن برنامج البناء العلمي‪.‬‬
‫وهذا الدرس هو الدرس العشرون من هذه الدروس املباركة‪ ،‬واليت شرعنا فيها يف كتاب‬
‫الطهارة‪ ،‬وواصلنا فيها يف كتاب الصالة‪ ،‬وها حنن ذا يف آخر كتاب الصالة‪ ،‬من كتاب عمدة‬
‫وهدى وتقًى وعفافًا وغنًى إنه‬ ‫الفقه‪ ،‬نسأل اهلل جَّل وعاَل أن ينفعنا مبا علمنا‪ ،‬وأن يزيدنا علمًا ً‬
‫كرمي‪.‬‬
‫جَّل وعاَل جوادٌ ٌ‬
‫أرحب بكم أيها األحبة وأرحب بإخواين املشاركني معنا‪ ،‬فحياكم اهلل مجيعًا‪ ،‬الشيخ محود‬
‫والشيخ سعد والشيخ صهيب والشيخ مسري‪ ،‬حياكم اهلل مجيعًا‪ ،‬وبإذن اهلل نسأل اهلل جَّل وعاَل‬
‫مبنه وكرمه أن جيعلنا وإياكم ممن قال فيهم نبينا الكرمي عليه الصالة والسالم‪« :‬وما اجتمع قومٌ‬
‫يف بيتٍ من بيوت اهلل يتلون كتاب اهلل ويتدارسونه بينهم‪ ،‬إال نزلت عليهم السكينة وحفتهم‬
‫املالئكة‪ ،‬وغشيتهم الرمحة وذكرهم اهلل فيمن عنده»‪ ،‬اللهم آمني‪.‬‬
‫باب يا شيخ سعد؟ حتدثنا عن الساعات‬ ‫يف اللقاء املاضي كان حديثنا عن اإلمامة وعن أي ٍ‬
‫اليت هني عن الصالة فيها‪ ،‬وذكرنا أن الساعات اليت نُهي عن الصالة فيها مخسةٌ‪ ،‬من يذكرها؟‬
‫تفضل يا شيخ سعد‪.‬‬
‫{من طلوع الفجر إىل طلوع الشمس‪}.‬‬
‫هذا الوقت األول‪.‬‬
‫رمح}‬
‫{ومن طلوع الشمس إىل ارتفاعها قيد ٍ‬
‫وهذا الوقت الثاين‪.‬‬
‫{ومن قيام الشمس حىت زواهلا}‬
‫هذا الثالث‪.‬‬
‫{ومن بعد صالة العصر حىت تتضيف الشمس للغروب‪ ،‬وحني تتضيف حىت تغرب}‬
‫أوقات هني عن الصالة فيها‪ ،‬وقلنا إن النهي ينصب على التطوع املطلق‪ ،‬أما‬ ‫ٍ‬ ‫فهذه مخسة‬
‫الفرائض أن يقضي املسلم الفرائض يف هذه األوقات‪ ،‬أو قضاء السنن الراتبة خاصةً بعد الفجر‬
‫وبعد العصر‪ ،‬أو التطوع املقيد‪ ،‬الذي له سبب‪ ،‬فهذه جيوز أداء الصالة فيها‪ ،‬مثل صالة ركعيت‬
‫حتية املسجد وحنو ذلك‪.‬‬
‫مث حتدثنا بعد ذلك عن باب اإلمامة‪ ،‬وذكرنا فيه مجلةً من األحكام املهمة املتعلقة هبذا‬
‫الباب‪ ،‬بإذن اهلل عَّز وجَّل يف هذا اللقاء سنحاول أن نفرغ من باب صالة املريض‪ ،‬وباب صالة‬
‫املسافر‪ ،‬وباب صالة اخلوف‪ ،‬وإذا كان هناك متسعٌ من الوقت‪ ،‬نتحدث كذلك عن باب صالة‬
‫اجلمعة‪ ،‬فنبدأ بإذن اهلل جَّل وعاَل يف باب صالة املريض‪.‬‬
‫{احلمد هلل‪ ،‬وصلى اهلل وسلم على رسول اهلل‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن وااله‪ ،‬أما بعد‪..‬‬
‫فاللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين واملشاهدين ومجيع املسلمني‪.‬‬
‫قال ابن قدامة رمحه اهلل‪ :‬باب صالة املريض‬
‫واملريض إذا كان القيام يزيد يف مرضه صلى جالسًا}‬
‫قال رمحه اهلل تعاىل‪ :‬باب صالة املريض‪.‬‬
‫حتدثنا سابقًا يف باب أركان الصالة وواجباهتا‪ ،‬أن األركان ال تسقط عن املسلم إال إذا‬
‫عجز عنها‪ ،‬فمن ترك ركنًا متعمدًا بطلت صالته‪ ،‬ومن تركه ساهيًا فله األحكام اليت سبق أن‬
‫بيناها‪ ،‬لكن من الذي يعذر برتك شيءٍ من األركان؟ من هؤالء الذين يعذرون برتك شيءٍ من‬
‫األركان‪ :‬املريض‪ ،‬واملريض له مجلةٌ من األحكام‪ ،‬وباجلملة فإن هذه الشريعة شريعةٌ فيها اليسر‬
‫وفيها السماحة‪ ،‬واليسر والسماحة ال بد أيًض ا أن تكون مبنيةً على دليلٍ من كتاب اهلل ومن‬
‫سنة النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫وأيًض ا هناك باب الرخص‪ ،‬والقاعدة عند العلماء رمحهم اهلل تعاىل‪ :‬أن املشقة جتلب‬
‫التيسري‪ ،‬فأينما كانت املشقة فإهنا جتلب التيسري‪ ،‬واهلل جَّل وعاَل يقول‪َ﴿ :‬فاَّتُقوا الَّلَه َم ا‬
‫وعلا‪َ﴿ :‬ال ُيَك ِّلُف الَّلُه َنْف سًا ِإَّال ُو ْسَعَه ا﴾ [البقرة‪،]286 :‬‬
‫اْس َتَطْع ُتْم ﴾ [التغابن‪ ،]16 :‬ويقول جلَّ َ‬
‫فاملسلم مطلوبٌ منه أن يأيت مبا يستطيع‪.‬‬
‫ومن ذلك هذا املريض الذي له مجلةٌ من األحكام اليت ختصه‪ ،‬طبعًا بعض العلماء جيمع هذا‬
‫حتت باب صالة أهل األعذار‪ ،‬الذين يدخل فيهم املريض‪ ،‬ويدخل فيهم املسافر‪ ،‬ويدخل فيهم‬
‫صالة اخلوف‪ ،‬وهذه األنواع كلها تندرج حتت باب صالة أهل األعذار‪ ،‬لكن املصنف رمحه اهلل‬
‫مستقلا‪.‬‬
‫ً‬ ‫تعاىل جعل لكل مسألةٍ من هذه املسائل بابًا‬
‫فإذن اآلن سيتحدث املصنف رمحه اهلل تعاىل عن حال املريض يف الصالة‪ ،‬قال‪ :‬واملريض إذا‬
‫كان القيام يزيد يف مرضه صلى جالسًا‪ ،‬تعلمون أن القيام يف الصالة يعين صالة الفريضة ٌ‬
‫ركن‬
‫من أركان الصالة‪ ،‬ال تتم الصالة إال هبا‪ ،‬بينما القيام يف النافلة مستحبٌ‪ ،‬أو هو األصل‪ ،‬فمن مل‬
‫يقم يف النافلة وصلى جالسًا فيحسب له نصف أجر صالة القائم‪.‬‬
‫هنا املصنف رمحه اهلل قال‪ :‬إذا كان القيام يزيد يف مرضه صلى جالسًا‪ ،‬بمعىن أن هذا الركن‬
‫«صل قائمًا‪ ،‬فإن مل تستطع‬
‫وهو القيام مع القدرة يسقط عنه‪ ،‬والنيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪ِّ :‬‬
‫فقاعدا‪ ،‬فإن مل تستطع فعلى جنبٍ»‪ ،‬فهنا ترتيب من النيب صلى اهلل عليه وسلم يف أحكام صالة‬ ‫ً‬
‫املريض‪ ،‬وهذا أيًض ا يشعرنا بأمهية ومكانة الصالة يف اإلسالم‪ ،‬فاملسلم حىت وإن كان له عذرٌ‬
‫فإنه ال جيوز له أن يرتك الصالة‪ ،‬وال أن خيرج وقت الصالة دون أن يصليها‪ ،‬وهذا ال شك يدل‬
‫على مكانتها‪ ،‬وقد قال عليه الصالة والسالم‪« :‬مخس صلواتٍ كتبهن اهلل على العباد يف اليوم‬
‫والليلة‪ ،‬من حافظ عليهن كانت له نورٌ وجناةٌ وبرهانٌ يوم القيامة‪ ،‬ومن مل حيافظ عليهن مل تكن‬
‫له نورٌ وال جناةٌ وال برهانٌ يوم القيامة»‪.‬‬
‫وأيًض ا من املسائل املتعلقة بكالم املصنف هو قال‪ :‬إذا كان القيام يزيد يف مرضه صلى‬
‫جالسا‪ ،‬يقول الفقهاء‪ :‬إذا كان يستطيع أن يقف يف وقتٍ من الصالة مث جيلس‪ ،‬فيجب عليه أن‬ ‫ً‬
‫يقف الوقت الذي يستطيعه مث بعد ذلك يتم صالته جالسًا‪ ،‬فما يستطيع أن يأيت به فيجب عليه‬
‫وعلا‪.‬‬
‫أن يأيت به‪ ،‬وما يكون معذورًا فيه‪ ،‬فقد عذره اهلل جلَّ َ‬
‫{قال‪ :‬فإن مل يطق فعلى جنبه لقوله رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لعمران بن حصني‪:‬‬
‫فقاعدا‪ ،‬فإن مل تستطع فعلى جنبٍ»‪} .‬‬‫ً‬ ‫«صل قائمًا‪ ،‬فإن مل تستطع‬
‫ِّ‬
‫قاعدا‪ ،‬والصالة قاعدًا هلا صفةٌ وهذه الصفة‬‫هو قال‪ :‬إذا مل يستطع أن يصلي قائمًا فيصلي ً‬
‫أن جيلس على إليته ويكون مرتبعًا‪ ،‬والرتبع أن يضم ساقيه إىل فخذيه‪ ،‬هي صفة الرتبع املعروفة‬
‫عند الناس‪ ،‬فهذه هي الصفة اليت كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يفعلها كما روت ذلك أم‬
‫املؤمنني عائشة‪ ،‬وهذه الصفة حىت يفرق فيها بني التشهد واجللوس له‪ ،‬وبني السجدتني‪ ،‬وبني‬
‫القيام‪ ،‬فيكون بدل أن يكون قائمًا جيلس مرتبعًا‪.‬‬
‫وبعض الناس اآلن الذين ال يستطيعون القيام غالبًا إذا صلوا يف املساجد فإهنم يصلون على‬
‫جالسا‪ ،‬لكن إذا كان‬
‫الكرسي‪ ،‬وإذا صلى على الكرسي فيصلي على اهليئة اليت يكون فيها ً‬
‫يستطيع الركوع والسجود فيجب عليه أن يأيت بالركوع والسجود‪ ،‬وإن مل يستطع فيومئ كما‬
‫سيذكر املصنف رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫{قال صلى اهلل عليه وسلم‪« :‬فإن مل تستطع فقاعدًا‪ ،‬فإن مل تستطع فعلى جنبٍ»‪}.‬‬
‫قائما‪ ،‬إذن يصلي قاعدًا ويكون مرتبعًا‪ ،‬مل يستطع أن‬ ‫هذه احلالة الثالثة‪ ،‬مل يستطع أن يصلي ً‬
‫قاعدا‪ ،‬فيقول‪ :‬يصلي على جنبه‪ ،‬فإن شق عليه‪ ،‬فإنه يكون مستلقًيا على ظهره‪ ،‬مثل‬ ‫يصلي ً‬
‫كثري من املرضى اآلن يف املستشفيات يكون مستلقيًا على ظهره‪ ،‬فهنا يصلي مستلقيًا‪،‬‬ ‫حال ٍ‬
‫لكن إذا كان يستطيع أن يصلي على جنبه فإنه يقدم على أن يكون قد صلى وهو مستلقٍ على‬
‫ظهره‪ ،‬كما جاء عن النيب الكرمي صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن عجز عن الركوع والسجود أومأ هبما‪.‬‬
‫املعىن أنه إذا كان يستطيع الركوع والسجود فيجب عليه أن يأيت بالركوع والسجود‪ ،‬لكنه‬
‫إذا مل يستطع أن يأيت بالركوع والسجود فهنا نقله إىل اإلمياء‪ ،‬اإلمياء بالركوع والسجود إن‬
‫كان يستطيع اإلمياء جبسده فعل‪ ،‬حبيث يكون إمياؤه بالسجود أكثر من إميائه بالركوع‪ ،‬وهذه‬
‫خاصةً الذين يقومون بعملية الركب‪ ،‬فهذه غالبًا أهنم ال يستطيعون أن يسجدوا‪ ،‬لكنه يستطيع‬
‫أن يركع‪ ،‬فهنا نقول له يأيت بالركوع‪ ،‬ولكن إذا كان يف السجود يومئ بالسجود‪ ،‬ألن هذا‬
‫استطاعته واهلل عَّز وجَّل ال يكلف نفسًا إال وسعها‪.‬‬
‫طيب إن شق عليه قال‪ :‬فإن شق عليه أن يكون على جنبه أو مستلقيا على ظهره‪ ،‬فإنه‬
‫يومئ بالركوع والسجود‪ ،‬إذا مل يستطع قالوا كما ذكر بعض الفقهاء‪ :‬إنه يومئ بعينيه‪ ،‬فإن مل‬
‫صحيح‪ ،‬وإذا مل يستطع أن‬ ‫ٌ‬ ‫يستطع ذكر بعض الفقهاء اإلمياء باإلصبع‪ ،‬لكن هذا ليس له دليلٌ‬
‫يومئ بعينيه فإنه يصلي بنيته‪ ،‬وهذه طاقته وقدرته‪ ،‬واهلل جَّل وعاَل قال‪َ﴿ :‬ال ُيَك ِّلُف الَّلُه َنْف سًا‬
‫ِإَّال ُو ْسَعَه ا﴾ [البقرة‪.]286 :‬‬
‫{قال‪ :‬وعليه قضاء ما فاته من الصلوات يف إغمائه}‬
‫هذه املسألة سبق احلديث عنها يف باب الطهارة‪ ،‬املغمى عليه ماذا عليه؟ كنا هناك نتحدث‬
‫عن قضية نقض الوضوء باإلغماء وحنو ذلك‪ ،‬هنا اآلن املصنف رمحه اهلل يتحدث عن موضوع‬
‫الصالة‪ ،‬شخصٌ أغمي عليه فهل جيب عليه أن يصلي ما فاته أثناء إغمائه؟ املسألة هذه من‬
‫املسائل اليت اختلف فيها العلماء رمحهم اهلل فمن العلماء من قال‪ :‬إنه يصلي‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه‬
‫املصنف‪ ،‬قال‪ :‬وعليه قضاء ما فاته من الصلوات يف حال إغمائه‪ ،‬ومن العلماء من قال‪ :‬إنه ال‬
‫مثلا‪ ،‬ومن العلماء‬ ‫يصلي إال إذا قام يف وقتها‪ ،‬إذا قام يف آخر وقت العصر فيصلي الظهر والعصر ً‬
‫من قال‪ :‬إنه ال يقضي مطلقًا‪ ،‬والقول األخري‪ :‬أنه إذا كان إغماؤه أكثر من ثالثة أيامٍ فال‬
‫يقضي‪ ،‬وإذا كان أقل فإنه يقضي‪ ،‬ويستدلون هبذا مبا ورد عن عمار رضي اهلل عنه‪ ،‬فقد روي‬
‫أنه أغشي عليه وأغمي عليه رضي اهلل عنه‪ ،‬فلما أفاق قيل له أصليت؟ قال‪ :‬ال مل أصل‪ ،‬مث دعا‬
‫بالوضوء فتوضأ‪ ،‬مث صلى ما فاته من صلواتٍ‪ ،‬ولعل هذا القول هو الوسط‪ ،‬وقد جاء فيه هذا‬
‫األثر عن عمار رضي اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬لذلك ذهب حىت من املعاصرين مساحة الشيخ عبد العزيز‬
‫بن باز رمحه اهلل إىل أنه إذا كان إغماؤه ثالثة أيامٍ فأقل فإنه يقضي ما فاته‪ ،‬وإذا كان أكثر فإنه‬
‫ال يقضي‪.‬‬
‫{وإن شق عليه فعلُ كل صالةٍ يف وقتها فله اجلمع بني الظهر والعصر‪ ،‬وبني العشاءين يف‬
‫وقت إحدامها‪}.‬‬
‫وهذا من باب التخفيف‪ُ﴿ ،‬يِر يُد الَّلُه ِبُك ُم الُيْسَر َو َال ُيِر يُد ِبُك ُم الُعْسَر ﴾ [البقرة‪ ،]185 :‬فهنا‬
‫من مل يستطع أن يصلي كل صالةٍ يف وقتها‪ ،‬فيجمع الظهر مع العصر‪ ،‬واملغرب مع العشاء‪ ،‬أما‬
‫الفجر فال جتمع‪ ،‬وهذا اجلمع دل عليه قول ابن عباس رضي اهلل عنهما مجع النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم بني الظهر والعصر واملغرب والعشاء يف املدينة من غري خوفٍ وال مطرٍ‪.‬‬
‫كان اإلمام أمحد رمحه اهلل يقول‪ :‬إذا كان من مرضٍ‪ ،‬فإنه جيوز له أن جيمع الصالتني‪ ،‬وهذا‬
‫من أمثلته يف وقتنا املعاصر الذين اآلن نسأل اهلل عَّز وجَّل أن يعافينا وال يبتلينا‪ ،‬وأن يشفي‬
‫مرضانا‪ ،‬الذين ابتلوا اآلن بغسيل الكلى‪ ،‬هلم من الدعاء نسأل اهلل عَّز وجَّل أن مين عليهم‬
‫بالشفاء والعافية‪ ،‬أحيانا يستغرق وقت الغسيل وقتًا طويلًا‪ ،‬حبيث يدخل وقت صالةٍ وينتهي‬
‫وخيرج ويدخل وقت صالةٍ أخرى‪ ،‬فهنا العلماء رمحهم اهلل تعاىل قالوا‪ :‬إذا كان يف مثل هذا‬
‫مجعا‪ ،‬وباب اجلمع يف الشريعة أوسع من باب القصر‪.‬‬ ‫احلال فله أن يصلي الظهر والعصر ً‬
‫كذلك األطباء الذين يدخلون يف بعض العمليات تستغرق عشر ساعاتٍ‪ ،‬فيدخل مثاًل من‬
‫قبل الظهر‪ ،‬فيفوته الظهر والعصر واملغرب والعشاء‪ ،‬فهذا يف حاله‪ ،‬يقال له‪ :‬أن يصلي الظهر‬
‫والعصر مجع تقدميٍ مث بعد ذلك يصلي املغرب والعشاء مجع تأخريٍ‪ ،‬ألنه يف حالةٍ ضروريةٍ إذا‬
‫كان ال ميكنه أن خيرج من غرفة العمليات‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬وهذا كله من باب التيسري يف شريعة‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫صالة يف وقتها فله اجلمع بني الظهر‬ ‫إذن املريض الذي ال يستطيع إن شق عليه فعل كل ٍ‬
‫والعصر‪ ،‬وبني العشاءين يف وقت أحدمها‪ ،‬إما أن يكون مجع تقدميٍ‪ ،‬وإما أن يكون مجيع تأخريٍ‪.‬‬
‫{فإن مجع يف وقت األوىل اشرتط نية اجلمع عند فعلها}‬
‫هنا اآلن سيتحدث املصنف رمحه اهلل عن بعض الشروط املتعلقة جبمع الصالة‪ ،‬قال يف أول‬
‫مثلا‪ :‬اآلن سيجمع الظهر‬ ‫هذه الشروط‪ :‬فإن مجع يف وقت األوىل اشرتط نية اجلمع عند فعلها‪ً ،‬‬
‫والعصر‪ ،‬فيقول‪ :‬الشرط األول أن ينوي قبل أن يصلي الظهر أنه سيجمع العصر معها‪ ،‬وهذا‬
‫معىن كالمه‪ ،‬اآلن هو سيتحدث عن شروط اجلمع يف وقت األوىل‪ ،‬ألن هناك شروطًا أخرى‬
‫تتعلق باجلمع يف وقت الثانية‪.‬‬
‫الشرط األول‪ :‬قال أن ينوي اجلمع يف وقت األوىل‪ ،‬وهذا الكالم من املصنف رمحه اهلل‬
‫تعاىل فإن مجع يف وقت األوىل اشرتط نية اجلمع عند فعلها‪ ،‬هذه من املسائل اليت اختلف فيها‬
‫العلماء رمحهم اهلل‪ ،‬فاملصنف يقول لو أنه صلى الظهر وبعد صالة الظهر نوى أن جيمع‪ ،‬فهنا‬
‫اجلمع على كالم املصنف ال يصح‪ ،‬والصحيح من أقوال أهل العلم أنه ال يشرتط أن ينوي اجلمع‬
‫قبل األوىل‪ ،‬ألن هذا مل يدل عليه دليلٌ من سنة النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهذه رخصةٌ‬
‫والرخصة تُفعل بقدرها كما ذكر العلماء رمحهم اهلل تعاىل‪.‬‬
‫{واستمرار العذر حىت يشرع يف الثانية منهما}‬
‫هذا الشرط الثاين‪ ،‬قال‪ :‬واستمرار العذر حىت يشرع يف الثانية منهما‪ ،‬مبعىن هو اآلن نوى‬
‫قبل الظهر أن جيمع العصر معها‪ ،‬وبعدها بعد صالة الظهر‪ ،‬هنا شرطٌ آخر أن يستمر العذر‬
‫الذي من أجله سيجمع‪ ،‬إذا كان مريضًا وشُفي‪ ،‬فعلى كالم املصنف إذا زال هذا العذر فإنه‬
‫ليس له أن جيمع الصالة‪ ،‬وهذه من املسائل اليت أيًض ا اختلف فيها العلماء رمحهم اهلل تعاىل‪،‬‬
‫لكن العلماء قالوا‪ :‬الصحيح ال يشرتط أن يكون العذر من الصالة األوىل إىل الصالة الثانية‪ ،‬فلو‬
‫طرأ العذر بعد صالة الظهر فله أن ينوي اجلمع وجيمع صالة العصر معها‪.‬‬
‫{وأال يفرق بينهما إال بقدر الوضوء}‬
‫هذا الشرط الثالث‪ ،‬أال يفرق بني الصالتني إال بقدر الوضوء‪ ،‬مبعىن أنه جيب املواالة بني‬
‫مثلا‪ ،‬وأراد أن جيمع فعلى املذهب أنه ال يصح‪ ،‬لكن‬ ‫الصالتني‪ ،‬فلو صلى الظهر مث مكث ساعةً ً‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ذهب إىل عدم االشرتاط‪ ،‬وقال‪ :‬ألنه ليس له حدٌ يف الشرع‪،‬‬
‫أصلا أجيزت من أجل الرخصة‪ ،‬فإذن هذه من‬ ‫وألن مراعاة ذلك يسقط مقصود الرخصة‪ ،‬هي ً‬
‫املسائل اليت اختلف فيها العلماء‪ ،‬إذا كان هناك مجع تقدمي فعلى املذهب أنه البد أن يكون‬
‫مواالة‪ ،‬ويرى شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل أن املواالة ليست شرطًا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫هناك‬
‫إذن إذا أراد املريض أن جيمع الظهر والعصر مجع تقدميٍ‪ ،‬فال بد له من ثالثة شروطٍ‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬أن ينوي اجلمع قبل الصالة األوىل‪.‬‬
‫الشرط الثاين‪ :‬أن يستمر العذر‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬املواالة‪ ،‬أال يفصل بينهما إال بقدر الوضوء‪ ،‬وبينَّا الصحيح أن هذه الشروط‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫هي من باب االستحباب وإال فلو مل يلتزم هبا فإن مجعه يكون‬
‫{وإن أخر اعترب استمرار}‬
‫تأخري‪ ،‬سيصلي الظهر مع العصر‪ ،‬وليس العصر مع الظهر‪ ،‬فهذا‬ ‫وإن أخر‪ ،‬يعين صلى مجع ٍ‬
‫مجع تأخريٍ‪ ،‬هناك أيًض ا شروط‪ ،‬قال‪ :‬اعترب‬
‫{اعترب استمرار العذر إىل دخول وقت الثانية}‬
‫اعترب استمرار العذر إىل دخول وقت الثانية‪ ،‬مبعىن هو اآلن يف وقت صالة الظهر‪ ،‬ولديه‬
‫تأخري‪ ،‬فإذا أراد أن يصلي مجع‬
‫عذرٌ‪ ،‬فبإمكانه أن يصلي مجع تقدميٍ‪ ،‬وبإمكانه أن يصلي مجع ٍ‬
‫تأخري فال بد من شرطٍ‪ ،‬أن يستمر هذا العذر إىل خروج وقت الصالة الثانية‪ ،‬كما ذكر رمحه‬ ‫ٍ‬
‫اهلل‪.‬‬
‫اعترب استمرار العذر إىل خروج وقت األوىل ودخول وقت الثانية‪.‬‬
‫{وأن ينوي اجلمع يف وقت األوىل قبل أن يضيق عن فعلها}‬
‫تأخري‪ ،‬فقبل أن يصلي الظهر‪،‬‬
‫وأن ينوي اجلمع يف وقت األوىل‪ ،‬ال‪ ،‬هو اآلن سيصلي مجع ٍ‬
‫قال‪ :‬ينوي اجلمع يف وقت صالة الظهر‪ ،‬هو اآلن قال سُأأخر الظهر إىل العصر‪ ،‬فهو ينوي اآلن‬
‫أنه سيؤخرها‪ ،‬وهذا يسقط عنه عدم الصالة يف وقتها‪ ،‬ألنه إذا مل ينو فإنه سيصلي الصالة بعد‬
‫وقتها‪ ،‬وهذا ال جيوز‪ ،‬قال‪ :‬فإن أخر اعترب استمرار العذر إىل دخول وقت الثانية منهما‪ ،‬وأن‬
‫ينوي اجلمع يف وقت األوىل وهو يف وقت صالة الظهر يقول سأمجع مع العصر‪.‬‬
‫قال‪ :‬قبل أن يضيق عن فعلها‪ ،‬مىت حيق له أن ينوي؟ قال‪ :‬البد أن ينوي قبل أن يضيق عن‬
‫فعلها‪ ،‬بمعىن هو مثاًل جاء وقت صالة الظهر مل يصل‪ ،‬وقبل أن يضيق الوقت‪ ،‬ويدخل وقت‬
‫صالة العصر‪ ،‬قال‪ :‬قبل أن يضيق الوقت عن فعلها‪ ،‬فإن ضاق الوقت عن فعلها يف وقتها‪ ،‬فإن‬
‫هذا بالنسبة للمصنف رمحه اهلل ال يعترب جائزًا يف حقه مجع التأخري‪.‬‬
‫واضحةٌ هذه املسألة؟‪ ،‬إذا كان جيمع مجع تقدميٍ يقول املصنف البد له من ثالثة شروطٍ‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬أن ينوي اجلمع قبل الصالة األوىل‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يستمر العذر‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون املواالة بينهما‪ ،‬وقد حددها بقدر الوضوء‪.‬‬
‫وإذا أراد أن يؤخر‪ ،‬فلها شروطٌ‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬أن يستمر العذر إىل دخول وقت الثانية‪ ،‬فإن انقضى العذر فيجب عليه أن‬
‫يصلي يف وقت األوىل‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن ينوي اجلمع قبل األوىل‪ ،‬أو يف وقت األوىل‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن ينوي هذا اجلمع قبل أن يضيق فعلها يف وقتها‪ ،‬يعين الصالة األوىل‪.‬‬
‫فهذه شروطٌ ملن أراد مجع التأخري‪ ،‬فلو تالحظون هنا مل يذكر قضية املواالة‪ ،‬ملاذا؟ ألن‬
‫وقت العشاء هو سيصلي املغرب مثلًا‪ ،‬فوقت العشاء ممتدٌ‪ ،‬سيصلي الظهر فله أن يصلي العصر‬
‫ممتد‪ ،‬وهكذا‪ ،‬يعين ممتدٌ إىل وقته إما إال اصفرار الشمس أو مصري ظل‬ ‫يف وقتها‪ ،‬ووقت العصر ٌ‬
‫كل شيءٍ مثله‪ ،‬على ما تقدم يف احلديث يف مواقيت الصالة عند احلديث عن باب شروط‬
‫الصالة‪ ،‬إذن هذه أحكام اجلمع‪ ،‬مجع التقدمي والتأخري بالنسبة للمريض‪.‬‬
‫{قال‪ :‬وجيوز اجلمع للمسافر الذي له القصر}‬
‫أولا‪ :‬من الذي جيوز له اجلمع؟‬
‫ً‬
‫قال‪ :‬أولًا الذي جيوز له اجلمع املريض‪ ،‬وهذا اجلمع أيًض ا قال‪ :‬جيوز اجلمع للمسافر الذي له‬
‫القصر‪.‬‬
‫واملصنف رمحه اهلل هنا ويف املغين ذكر أن من أسباب استباحة الرخصة يف السفر‪ ،‬أن يكون‬
‫مباحا‪ ،‬فإن كان السفر سفر معصيةٍ فإنه يرى أنه ال جيوز له أن يرتخص برخص السفر‪،‬‬ ‫السفر ً‬
‫وسيأيت معنا بإذن اهلل عَّز وجَّل بعد هذا الباب‪ ،‬تفصيل الكالم يف هذه املسائل‪.‬‬
‫{وجيوز اجلمع بني العشاءين خاصةً يف املطر}‬
‫أيًض ا اجلمع ذكر املصنف أنه يكون للمرض‪ ،‬ويكون كذلك للمسافر‪ ،‬ويكون كذلك‬
‫للمطر‪ ،‬وقد تقدم قول ابن عباس أن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬مجع بني الظهر والعصر‬
‫واملغرب والعشاء يف املدينة من غري خوٍف وال مطٍر ‪.‬‬
‫وهنا املصنف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يرى أن جواز اجلمع يف املطر يكون خاًص ا بصاليت املغرب‬
‫والعشاء‪ ،‬والصحيح من أقوال أهل العلم أن اجلمع يكون للمغرب والعشاء‪ ،‬ويكون كذلك‬
‫للظهر والعصر؛ ألن هذه الرخصة جاءت بناًء على التيسري والتسهيل على املسلمني يف أداء هذه‬
‫العبادة‪.‬‬
‫{يقول‪ :‬مسألة صالة املريض على الكرسي السائد يف املساجد‪ ،‬موضع الكرسي من‬
‫الصف‪ ،‬وهذه إشكالية يف الغالب من املساجد‪ ،‬يف استواء الصف واعتداله}‪.‬‬
‫أحسنت‪ ،‬سيأيت معنا ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬يف هناية باب اجلنائز‪ ،‬فنذكر مجلًة من املسائل املتعلقة‬
‫بالنوازل املتعلقة بأحكام الصالة‪ ،‬ولعلنا ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬تكون هذه إحدى املسائل اليت سيكون‬
‫احلديث حوهلا؛ ألهنا من األمور املهمة يف إقامة الصف يف الصالة‪ ،‬وكما ذكرنا أن يف باب‬
‫اإلمامة املصنف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬اقتصر جًّدا يف ذكر بعض املسائل‪ ،‬ومل يأت عليها مجيعها‪.‬‬
‫{باب صالة املسافر‪ ،‬وإذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسًخ ا‪ ،‬وهي مسرية يومني‬
‫قاصدين‪ ،‬وكان مباًح ا له‪ ،‬فله قصر الرباعية خاصًة}‪.‬‬
‫اآلن املصنف ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ -‬سيتحدث عن باب صالة املسافر‪ ،‬ذكرنا لكم أن العلماء‬
‫‪-‬رمحهم اهلل‪ -‬يذكرون باب صالة أهل األعذار‪ ،‬ويذكرون حتته املريض‪ ،‬واملسافر‪ ،‬وصالة‬
‫اخلوف‪ ،‬تقدم احلديث عن صالة املريض‪ ،‬وأشار املصنف ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ -‬عند مسألة اجلمع‬
‫إىل أن ممن جيوز هلم مجع الصالة‪ ،‬مجع تقدٍمي أو تأخٍري ‪ ،‬هو املسافر‪ ،‬وهنا سيأيت املصنف ‪-‬رمحه‬
‫اهلل‪ -‬بذكر هذه املسائل املتعلقة بالسفر‪ ،‬وهذا أيًض ا يدل على أمهية الصالة‪ ،‬وعلى مكانتها يف‬
‫السفر ويف احلضر‪ ،‬سواًء كان اإلنسان صحيًح ا سليًم ا‪ ،‬أو كان به مرٌض أو حنو ذلك‪ ،‬فالصالة‬
‫تكون واجبًة عليه‪ ،‬والعلماء ‪-‬رمحهم اهلل‪ -‬حينما حتدثوا عن اإلمياء مثاًل يف الصالة بالركوع‬
‫والسجود‪ ،‬قالوا‪ :‬إذا مل يستطع أن يومئ بالركوع وال بالسجود‪ ،‬وال يومئ بعينيه‪ ،‬من العلماء‬
‫من قال إهنا تسقط‪ ،‬والصحيح أن الصالة تبقى واجبًة على اإلنسان يصليها بقدر استطاعته‪،‬‬
‫ولو أن ينوي أن يفعل الصالة بالنية‪ ،‬كما ذكر العلماء ‪-‬رمحهم اهلل‪.‬‬
‫قال‪ :‬باب صالة املسافر‪ ،‬أي يف هذا الباب‪ ،‬سأذكر مجلًة من األحكام املتعلقة بصالة‬
‫املسافر‪.‬‬
‫أول هذه األحكام‪ ،‬قال ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ :‬إذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسًخ ا‪ ،‬ما‬
‫املراد هبذا؟‬
‫العلماء ‪-‬رمحهم اهلل‪ -‬يقولون‪ :‬الفرسخ يعادل ثالثة أميال‪ ،‬والثالثة أميال تكون تقريًبا يعين‬
‫الفرسخ الواحد يكون مخسة كيلو‪ ،‬ولدينا املصنف يقول‪ :‬البد أن تكون ستة عشر فرسًخ ا‪،‬‬
‫وهنا نقول الفرسخ مخسة كيلو‪ ،‬فيكون اجملموع مثانون كيلو‪ ،‬فمن كان سفره مثانني كيلو‬
‫فأكثر‪ ،‬فهذا هو الذي ينطبق عليه اسم املسافر‪ ،‬الذي يرتَّخ ص برخص السفر‪ ،‬وإن كان أقل من‬
‫ذلك‪ ،‬فليس مبسافٍر ‪ ،‬والعلماء ‪-‬رمحهم اهلل‪ -‬اختلفوا يف هذه املسألة‪ ،‬فمن العلماء من حيدد‪،‬‬
‫وشيخ اإلسالم ابن تيمية ‪-‬رمحه اهلل‪ ،-‬أو بعض العلماء املعاصرين‪ ،‬رأوا أنه ليس هناك حتديٌد يف‬
‫الشريعة يف من ُيطلق عليه السفر‪ ،‬واهلل ‪-‬عَّز وجَّل‪ -‬قال‪َ﴿ :‬و ِإن ُك نُتْم َعَلى َس َف ٍر ﴾‬
‫[البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]283‬وأطلق‪ ،‬ومل حيدد‪ ،‬وهلذا قال‪ :‬إن هذا يعود إىل العرف‪ ،‬فما تعارف عليه الناس أن هذا‬
‫يكون سفًر ا‪ ،‬فهو سفٌر ‪ ،‬وما مل يتعارفوا عليه‪ ،‬فإنه ليس بسفٍر ‪ ،‬وهذا قول يذكره مجلٌة من‬
‫العلماء املعاصرين‪ ،‬لكن ال شك أن القول بتحديد املدة هو أضبط؛ ملعرفة األحكام الشرعية‪،‬‬
‫اليت سيبين عليها املسلم أحكام السفر‪.‬‬
‫قال‪ :‬إذا كانت مسافة سفره ستة عشر فرسًخ ا‪ ،‬وهي مثانون كيلو‪ ،‬إذن هذا الشرط األول‬
‫من الشروط اليت يصدق على اإلنسان أنه يكون مسافًر ا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهي مسرية يومني قاصدين‪ُ ،‬يعِّر ف هذه الستة عشر فرسًخ ا‪ ،‬قال‪ :‬هي مسرية يومني‬
‫قاصدين‪ ،‬املقصود أنه يسافر باإلبل يومني‪ ،‬قاصدين يعين ال يسريون لياًل وهناًر ا‪ ،‬يعين ال يكون‬
‫أكثر وقتهم السري‪ ،‬وأيًض ا ال يكون أكثر وقتهم النزول‪ ،‬وإمنا يكون بني ذلك‪ ،‬فيسري يف النهار‪،‬‬
‫ويرتاح يف الليل‪ ،‬فهذا هو الذي يكون مسرية سفره ستة عشر فرسًخ ا‪ ،‬ولكن هي األضبط اآلن‬
‫باملقاييس املعاصرة‪ ،‬أن ُيقال هي مثانون كيلو‪.‬‬
‫{وكان مباًح ا له فله قصر الرباعية خاصًة}‪.‬‬
‫وكان مباًح ا له‪ ،‬املصنف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يشرتط يف السفر الذي جيوز فيه القصر أن يكون‬
‫سفر طاعٍة‪ ،‬سفًر ا مباًح ا‪ ،‬أما السفر الذي يعزم فيه اإلنسان على الذهاب إىل املعصية‪ ،‬فإن‬
‫املصنف ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ -‬يقول‪ :‬إنه يقول‪ :‬إنه ال يستحق أن ُيعطى رخص السفر‪ ،‬والصحيح‬
‫من أقوال أهل العلم أن احلكم عاٌم‪ ،‬وقد قال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬تقول عائشة‪:‬‬
‫ُفرضت الصالة ركعتني‪ ،‬مث هاجر النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬ففرضت أربًعا‪ ،‬وتركت صالة‬
‫السفر على األوىل‪ ،‬فصالة السفر‪ ،‬يعين البعض يعتقد أن صالة الظهر واإلنسان مسافٌر األصل‬
‫أهنا أربٌع‪ ،‬فاملسافر يصليها ركعتني‪ ،‬لكن من العلماء من يقول‪ :‬ال‪ ،‬هو األصل أن يصليها‬
‫ركعتني؛ ألنه مسافٌر ‪ ،‬ومن هنا ذهب بعض العلماء إىل أنه ال جيوز للمسافر أن يتم صالته‪ ،‬كما‬
‫سيأيت تفصيلها ‪-‬بإذن اهلل عَّز وجَّل‪.‬‬
‫إذن الصحيح من أقوال أهل العلم أن احلكم مطلٌق ‪ ،‬وأن كل من سافر فإن له أن يرتخص‬
‫برخص السفر‪.‬‬
‫{إال أن يأمت مبقيٍم }‪.‬‬
‫فله قصر الرباعية‪ ،‬القصر الذي يكون يف الصالة‪ ،‬يكون يف الصلوات الرباعية‪ ،‬الظهر‪،‬‬
‫العصر‪ ،‬العشاء‪ ،‬املغرب والفجر ليس فيهما قصٌر ‪.‬‬
‫فإذن من اجتمعت فيه هذه الشروط فقد مجع شروط من حيق له السفر‪ ،‬أن يكون سفره‬
‫مسافة مثانني كيلو فأكثر‪ ،‬أن يكون سفره مباًح ا‪ ،‬وأن يكون هذا القصر الذي سيقوم به يكون‬
‫يف الصالة الرباعية‪ ،‬وهنا سيتحدث اآلن عن مجلٍة من األحكام املتعلقة بصالة املسافر‪ ،‬إذن أول‬
‫هذه األحكام أن املسافر حيق له قصر الصالة الرباعية‪.‬‬
‫{إال أن يأمت مبقيٍم }‪.‬‬
‫إال أن يأمت مبقيٍم ‪ ،‬املسافر حيق له أن يصلي الظهر ركعتني‪ ،‬والعصر ركعتني‪ ،‬والعشاء‬
‫ركعتني‪ ،‬لكن هذا األمر إذا كان هو إماًم ا أو منفرًدا‪ ،‬أما إذا كان مأموًم ا خلف إماٍم مقيٍم ‪،‬‬
‫فالواجب عليه أن يتم الصالة‪ ،‬وقد جاء يف هذا حديٌث عن موسى بن سلمة‪ ،‬قال‪ :‬كنا مع ابن‬
‫عباس رضي اهلل عنهما‪ ،‬قلنا له‪ :‬إنا إذا أدركنا معكم صلينا أربًعا‪ ،‬وإذا رجعنا إىل رحالنا صلينا‬
‫ركعتني‪ ،‬فقال‪ :‬تلك سنة أيب القاسم ‪-‬عليه أفضل الصالة وأمت السالم‪.‬‬
‫وأيًض ا الدليل اآلخر‪ :‬النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬قال‪« :‬إمنا ُج عل اإلمام ليؤمت به‪ ،‬فال‬
‫ختتلفوا عليه»‪ ،‬فلو أن مسافًر ا صلى خلف مقيٍم ‪ ،‬فنقول اجلواب‪ :‬جيب عليه أن يتم صالته‪.‬‬
‫{من صلى خلف إماٍم ال يعلم‪ ،‬هل هو مقيٌم أو مسافٌر }‪.‬‬
‫يف هذه املسألة يقول العلماء ‪-‬رمحهم اهلل تعاىل‪ -‬إنه ينظر إىل غالب الظن يف هذا األمر‪،‬‬
‫فإذا كان يف مسجد طرٍق ‪ ،‬مثل املساجد اليت تكون يف االسرتاحات يف الطرق السريعة‪ ، ،‬فهذا‬
‫غالًبا أنه يصلي صالة مسافٍر ‪ ،‬لو تبني له فيما بعد أنه مقيٌم‪ ،‬فالعلماء ‪-‬رمحهم اهلل‪ -‬يقولون‪:‬‬
‫ليس عليه شيٌء‪ ،‬لكن إذا صلى يف وقت الصالة‪ ،‬أقيمت الصالة‪ ،‬أو ُأِّذَن للصالة‪ ،‬مث أقيمت‪ ،‬مث‬
‫صلى يف وقت الصالة‪ ،‬فغالًبا أن من يصلي هو اإلمام‪ ،‬فيصلي خلفه تامًة‪.‬‬
‫{أو مل ينو القصر}‪.‬‬
‫األمر اآلخر‪ ،‬قال‪ :‬أو ال ينوي القصر‪ ،‬أي عند إحرامه بالصالة‪ ،‬ما نوى القصر‪ ،‬هو‬
‫مسافٌر ‪ ،‬فله أن يقصر الصالة‪ ،‬إال يف حاالٍت ‪ ،‬احلالة األوىل‪ :‬أن يصلي خلف مقيٍم ‪ ،‬احلالة‬
‫الثانية‪ :‬قال إنه ما نوى القصر‪ ،‬والعلماء ‪-‬رمحهم اهلل‪ -‬يقولون‪ :‬هنا ثالث حاالٍت ‪ :‬احلالة‬
‫األوىل‪ :‬أن ينوي اإلمتام عند إحرامه‪ ،‬مسافٌر ‪ ،‬ونوى اإلمتام عند إحرامه‪ ،‬فالصحيح من أقوال‬
‫أهل العلم أنه له ذلك‪ ،‬أن صالته صحيحٌة؛ ألن من العلماء من قال‪ :‬إن املسافر ال يصح له أن‬
‫يتم الصالة‪.‬‬
‫إذن الصحيح من أقوال أهل العلم أنه إذا نوى اإلمتام فصالته صحيحٌة‪ ،‬لكنه فعل خالف‬
‫األوىل‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬أن ينوي القصر‪ ،‬فيلزمه القصر‪.‬‬
‫احلالة الثالثة‪ :‬ال ينوي القصر وال اإلمتام‪ ،‬فما الذي يلزمه؟‬
‫الصحيح من أقوال أهل العلم أن الذي يلزمه القصر؛ ألن هذه هي الصالة اليت أوجبها عليه‬
‫النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬يف مثل هذه احلالة‪.‬‬
‫{أو ينسى صالة حضر فيذكرها يف السفر}‪.‬‬
‫إذن املسافر يقصر الصالة إال يف حاالٍت ‪ ،‬احلالة األوىل‪ :‬أن يصلي خلف املقيم‪ ،‬احلالة‬
‫الثانية‪ :‬أال ينوي القصر‪ ،‬وقلنا إن الصحيح حىت لو مل ينو القصر فإن له القصر‪.‬‬
‫احلالة الثالثة قال‪ :‬ينسى صالة حضٍر فيذكرها يف السفر‪ ،‬هو سافر بعد صالة املغرب‪،‬‬
‫وتذكر وهو يف طريقه أنه مل يصل العصر‪ ،‬فكيف يصلي العصر؟ هل يصليها أربًعا بناًء على أنه‬
‫كان مقيًم ا؟ أم يصليها ركعتني بناًء على أنه مسافٌر ؟‬
‫املصنف ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ -‬يقول‪ :‬يف هذه احلالة يصليها صالة مقيٍم ؛ ألنه وجبت عليه وهو‬
‫يف حال اإلقامة‪.‬‬
‫{قال‪ :‬أو صالة سفٍر فيذكرها يف احلضر‪ ،‬فعليه اإلمتام}‪.‬‬
‫طبًعا املسألة األوىل هو قول اجلمهور‪ ،‬لكن املسألة الثانية‪ ،‬شخٌص نسي أن يصلي الظهر‬
‫وهو مسافٌر ‪ ،‬مث ذكرها يف احلضر‪ ،‬فماذا يصليها؟ يصليها ركعتني أم أربًعا؟ هي وجبت عليه‬
‫ركعتان‪ ،‬وهو يف السفر‪ ،‬مث ملا عاد نسي‪ ،‬فماذا يفعل؟‬
‫قال املصنف ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ -‬يف هذه احلالة يتم الصالة‪ ،‬وهذه املسألة من املسائل اليت‬
‫اختلف العلماء ‪-‬رمحهم اهلل تعاىل‪ -‬فيها بني من يقول يتم الصالة أربًعا‪ ،‬ومنهم من يقول‬
‫يصليها صالة مسافٍر ‪ ،‬وإن صالها صالة مقيٍم ‪ ،‬فإنه خروٌج له من اخلالف‪ ،‬وهو األحوط له يف‬
‫هذا األمر‪.‬‬
‫{وللمسافر أن يتم}‪.‬‬
‫قال‪ :‬وللمسافر أن يتم‪ ،‬وهذه املسألة ذكرنا اخلالف فيها‪ ،‬وذكرنا أن أبا حنيفة ‪-‬رمحه‬
‫اهلل‪ -‬وغريه من العلماء يرون عدم جواز إمتام الصالة‪ ،‬والصحيح‪ ،‬وهو قول اجلمهور أنه جيوز‬
‫له أن يتم الصالة‪ ،‬كما يف قول النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬كما يف صحيح مسلم‪ ،‬حينما‬
‫ُس ئل عن القصر يف السفر‪ ،‬مع عدم اخلوف‪ ،‬قال‪« :‬صدقٌة تصدق اهلل هبا عليكم‪ ،‬فاقبلوا‬
‫الصدقة»‪ ،‬لكن اإلمام أبا حنيفة يقول‪ :‬األصل هو القصر‪ ،‬فيجب عليه أن يقصر الصالة‪.‬‬
‫{والقصر أفضل}‪.‬‬
‫والقصر أفضل؛ ألن هذا سنة النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬وقد قال ابن عمر ‪-‬رضي اهلل‬
‫عنهما‪ :‬صحبت رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬فلم يزد عن ركعتني حىت قبضه اهلل‪،‬‬
‫وصحبت أبا بكر‪ ،‬فلم يزد عن ركعتني حىت قبضه اهلل‪ ،‬وصحبت عمر‪ ،‬فلم يزد عن ركعتني‬
‫حىت قبضه اهلل‪ ،‬مث صحبت عثمان فلم يزد عن ذلك حىت قبضه اهلل‪ ،‬مث قال‪ :‬ولقد قال اهلل‪:‬‬
‫﴿َلَقْد َك اَن َلُك ْم يِف َرُس وِل الَّلِه ُأْس َو ٌة َح َس َنٌة﴾ [األحزاب‪.]21 :‬‬
‫{ومن نوى اإلقامة أكثر من إحدى وعشرين صالًة أمت}‪.‬‬
‫هذه مسألٌة كبريٌة‪ ،‬وهي من املسائل اليت تباينت أقوال العلماء فيها كثًريا‪ ،‬واختلفوا فيها‬
‫اختالًفا بِّيًنا‪ ،‬والسبب يف ذلك أنه ال يوجد نٌّص قاطٌع يف هذه املسألة‪ ،‬وإمنا هي استنباطاٌت من‬
‫أفعال النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫العلماء ‪-‬رمحهم اهلل‪ -‬يقولون‪ :‬من هو الشخص الذي حيق له أن يرتَّخ ص برخص السفر؟‬
‫حنن اتفقنا أنه يف أثناء سفره أنه حيق له أن يرتخص برخص السفر‪ ،‬وأن يقصر الصالة‪،‬‬
‫لكنه أقام بعد ذلك‪ ،‬فما احلكم يف حقه؟‬
‫املصنف ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يقول‪ :‬إن نوى اإلقامة أكثر من إحدى وعشرين صالًة‪ ،‬إحدى‬
‫وعشرين صالة يعين أربعة أياٍم ‪ ،‬واستدلوا بفعل النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬فقد كان يقصر‬
‫هذه الصلوات وهو يف األبطح‪ ،‬وكان يعلم‪ ،..‬مث صلى الفجر وسار إىل مىن‪ ،‬فكان النيب ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يعلم أنه يف اليوم الثامن سيذهب‪ ،‬فقصر الصالة يف هذه األيام األربعة‪،‬‬
‫إحدى وعشرين صالًة‪ ،‬يعين أربعة أياٍم ‪.‬‬
‫ومن العلماء من قال‪ :‬إذا بقي أكثر من مخسة عشر يوًم ا‪ ،‬إذا نوى اإلقامة أكثر من مخسة‬
‫عشر يوًم ا فإنه جيب عليه أن يتم الصالة‪ ،‬وال حيق له القصر‪ ،‬وإذا كان أقل من مخسة عشر يوًم ا‬
‫فيجوز له ذلك‪ ،‬وخالٌف كبري بني العلماء يف هذه املسألة‪ ،‬ومن العلماء من قالوا‪ :‬إنه مادام أنه‬
‫يصدق عليه أنه مسافٌر ‪ ،‬فله أن يرتخص برخص السفر حىت يعود‪ ،‬ولو طالت مدة سفره‪ ،‬فعلى‬
‫هذا من سافر وبقي شهر وشهران وثالثٌة وأربعٌة‪ ،‬وهو يعلم مدة هذا البقاء‪ ،‬فله أن يرتخص‬
‫برخص السفر حىت يعود‪ ،‬لكن القول الذي يرتجح وهو قول عدٍد من العلماء أهنا أربعة أياٍم ‪،‬‬
‫إذا نوى اإلقامة أكثر من أربعة أياٍم أنه يتم الصالة‪ ،‬الشك أنه قوٌل فيه وجاهٌة‪ ،‬وكذلك القول‬
‫اآلخر‪ ،‬أنه مادام أنه مسافٌر ‪ ،‬فله أن يرتخص برخص السفر حىت يعود؛ ألن اهلل ‪-‬عَّز وجَّل‪-‬‬
‫قال‪َ﴿ :‬و ِإن ُك نُتْم َعَلى َس َف ٍر ﴾ [البقرة‪ ،]283 :‬ومل حيدد‪ ،‬وأيًض ا األحاديث يف هذا األمر اليت‬
‫ذكرها العلماء ‪-‬رمحهم اهلل‪ ،-‬كلها استنباطاٌت ‪ ،‬وكل دليٍل عليه مآخذ استنباطيٌة كثريٌة يف هذه‬
‫املسألة‪.‬‬
‫{وإن مل جُي مع على ذلك قصر أبًد ا}‪.‬‬
‫شخٌص مل جُي مع على ذلك‪ ،‬يعين هو ال يدري‪ ،‬هل يبقى واحًد ا وعشرين يوًم ا‪ ،‬أربعة أياٍم ‪،‬‬
‫أو يبقى مخسة عشر يوًم ا‪ ،‬أو يبقى يوًم ا‪ ،‬أو يبقى ستة عشر‪ ،‬قال‪ :‬مادام أنه مل جُي مع على ذلك‪،‬‬
‫مل ينِو عدًدا معيًنا من اإلقامة‪ ،‬وإمنا قد يسافر يف أي حلظٍة‪ ،‬فلهذا أن يرتخص برخص السفر‪،‬‬
‫كما ذكر املصنف ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫إذن هذه املسائل املتعلقة بصالة املسافر‪ .‬ننتقل إىل باب صالة اخلوف‪.‬‬
‫{قال ‪-‬رمحه اهلل‪ :‬باب صالة اخلوف‪ ،‬وجتوز صالة اخلوف على كل صفٍة صالها رسول‬
‫اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم}‪.‬‬
‫قال املصنف ‪-‬رمحه اهلل تعاىل‪ :‬باب صالة اخلوف‪ ،‬وجتوز صالة اخلوف على كل صفٍة‪،‬‬
‫قول املصنف ‪-‬رمحه اهلل‪ :‬جتوز‪ ،‬إشارًة إىل خالٍف بني العلماء ‪-‬رمحهم اهلل‪ -‬يف حكم صالة‬
‫اخلوف‪ ،‬فمن العلماء من قال‪ :‬إن صالة اخلوف خاصٌة بالنيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬ومنهم‬
‫من قال‪ :‬إهنا منسوخٌة‪ ،‬ومن العلماء ‪-‬رمحهم اهلل‪ -‬من قال‪ :‬هي جائزٌة‪ ،‬وهو قول مجاهري أهل‬
‫العلم؛ ألن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فعلها‪ ،‬وفعلها الصحابة ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪ -‬من بعد‬
‫النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬فهذه الصالة صالٌة جائزٌة‪ ،‬حيتاجها املسلم أثناء اخلوف‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهي جائزٌة على كل صفٍة صالها النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬هذه الصفة ورد‬
‫فيها عدٌد من الصفات‪ ،‬قيل‪ :‬مخٌس ‪ ،‬وقيل‪ :‬سٌت ‪ ،‬وقيل‪ :‬سبٌع‪ ،‬والرواة خيتلفون يف طريقة‬
‫عرضها‪ ،‬وهذه الصالة ختتلف حبسب شدة اخلوف كما يذكر ابن القيم يف زاد املعاد‪ ،‬وحبسب‬
‫االجتاه إىل القبلة‪ ،‬فهنا يف كل حالٍة من احلاالت قد يصلي املصلي اخلائف نوًعا من هذه الصالة‪،‬‬
‫وهذه الصالة الصحيح أهنا ليست يف احلرب فقط‪ ،‬بل كل من كان لديه هذا اخلوف من عدٍو ‪،‬‬
‫من سبٍع ‪ ،‬فإنه جيوز له أن يرتخص هبذه الصالة‪ ،‬اليت جاءت عن النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد ذكر العلماء ‪-‬رمحهم اهلل‪ -‬فيها مجلًة من الصفات‪ ،‬من هذه الصفات‪ :‬أن يصلي‬
‫اإلمام‪ ..‬اقرأها يا شيخ حىت خنتصر الوقت‪.‬‬
‫{قال‪ :‬واملختار منها أن جيعلهم اإلمام طائفتني‪ ،‬طائفٌة حترس}‪.‬‬
‫اآلن اإلمام يف احلرب‪ ،‬قائد اجليش يف احلرب‪ ،‬وأمامه العدو‪ ،‬ولديه اجليش‪ ،‬فيقسم اجليش‬
‫أو الطائفة اليت لديه إىل قسمني‪ ،‬إىل طائفتني‪ ،‬طائفٍة حترس‪ ،‬واألخرى تصلي‪.‬‬
‫{واألخرى تصلي معه ركعًة}‪.‬‬
‫اإلمام يصلي ركعتني‪ ،‬الظهر يصليها ركعتني‪ ،‬فيدخلون مع اإلمام يف الركعة األوىل‪،‬‬
‫والطائفة األخرى حترس‪.‬‬
‫{فإذا قام إىل الثانية نوت مفارقته وأمتت صالهتا}‪.‬‬
‫قام اإلمام إىل الركعة الثانية‪ ،‬فاملصلون خلفه الطائفة األوىل اليت تصلي معه‪ ،‬تنوي مفارقة‬
‫اإلمام وتتم الصالة الركعة الثانية‪ ،‬مث تذهب‪ ،‬فتحرس اجليش‪ ،‬والذين كانوا حيرسون يدخلون‬
‫مع اإلمام يف الركعة الثانية‪.‬‬
‫{نوت مفارقته وأمتت صالهتا‪ ،‬وذهبت حترس‪ ،‬وجاءت األخرى فصلت معه الركعة‬
‫الثانية‪ ،‬فإذا جلس للتشهد قامت فأتت بركعٍة أخرى}‪.‬‬
‫جلس اإلمام للتشهد‪ ،‬فتقوم الطائفة هذه فتأيت بالركعة الثانية‪ ،‬وينتظرها اإلمام حىت تأيت مث‬
‫بعد ذلك يسلم هبم‪.‬‬
‫{وينتظرها حىت تتشهد‪ ،‬مث يسلم هبم}‪.‬‬
‫وهذه الصفة هي الصفة اليت دل عليها القرآن‪ ،‬وهي اليت اختارها املصنف‪ ،‬قال‪ :‬واملختار‬
‫منها‪ ،‬ألنه دل عليها القرآن‪ ،‬وأيًض ا هذه الصفة جاءت يف صحيح البخاري ومسلم‪ ،‬وقد قال‬
‫اهلل ‪-‬عَّز وجَّل‪َ﴿ :‬و ِإَذا ُك نَت ِفيِه ْم َفَأَقْم َت ُهَل الَّصاَل َة َفْلَتُق ْم َطاِئَفٌة ِّم ْنُه م َّم َعَك ﴾ [النساء‪]102 :‬‬
‫ُم‬
‫اآلية‪ ،‬فهذه اآلية دلت على هذه الصفة‪.‬‬
‫ومن الصفات أن يصلي بكل طائفٍة ركعتني يسلم منها‪ ،‬فتكون األوىل يف حقه فريضًة‪،‬‬
‫والثانية نافلٌة‪ ،‬وعموًم ا كما ذكر ابن القيم ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬أن هذه الصفات يفعل منها ما يناسب‬
‫شدة اخلوف وكذلك حبسب اجتاه القبلة‪.‬‬
‫{وإن اشتد اخلوف صلوا رجااًل وركباًنا إىل القبلة وإىل غريها}‪.‬‬
‫إذا اشتد اخلوف‪ ،‬حينما حتدثنا يف شروط الصالة‪ ،‬وشرط استقبال القبلة‪ ،‬ذكرنا أن من‬
‫الشروط استقبال القبلة‪ ،‬وأن هذا الشرط ال يسقط إال يف مثل هذه احلالة اليت يكون فيها خوٌف‬
‫شديٌد ‪ ،‬فالواجب على املسلم أن يصلي حسب اجتاهه‪ ،‬صلوا رجااًل ا أو ركباًنا كما جاء يف‬
‫احلديث عن ابن عمر ‪-‬رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫{يومئون بالركوع والسجود‪ ،‬وكذلك كل خائٍف على نفسه}‪.‬‬
‫إذن هذه املسألة‪ ،‬قال‪ :‬يومئ بالركوع والسجود‪ ،‬وهذه الصالة ليست صالًة خاصًة بأهل‬
‫احلرب‪ ،‬أهل القتال‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك كل خائٍف على نفسه‪ ،‬يصلي على حسب حاله‪ ،‬ويفعل‬
‫كل ما حيتاج إىل فعله من هرٍب أو غريه‪ ،‬وهذا ما جاء عن ابن عمر ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬قال‪:‬‬
‫فإذا كان خوًفا هو أشد من ذلك‪ ،‬صلوا رجااًل قياًم ا على أقدامهم أو ركباًنا مستقبلي القبلة‪ ،‬أو‬
‫غري مستقبليها‪ ،‬قالوا‪ :‬ومثل هذا ال يقوله ابن عمر إال وقد مسعه من النيب الكرمي ‪-‬عليه أفضل‬
‫الصالة وأمت التسليم‪ ،-‬وهذه الصالة ‪-‬صالة اخلوف‪ -‬فعلها الصحابة ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪-‬‬
‫وفعلها حىت يف زمن عمر بن اخلطاب ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬يف فتح تسرت فقد صلوا هذه الصالة اليت‬
‫جاءت عن النيب الكرمي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫ختاًم ا‪ ،‬هذه الصالة تدلك على مكانة الصالة‪ ،‬وعلى منزلتها‪ ،‬وعلى أهنا ال تسقط عن‬
‫املسلم‪ ،‬والواجب عليه أن يأيت هبا‪ ،‬حىت يف مثل هذه احلالة‪ ،‬حبسب استطاعته‪ ،‬ال يكلف اهلل‬
‫نفًس ا إال وسعها‪ ،‬واهلل ‪-‬جَّل وعاَل ‪ -‬قال‪َ﴿ :‬فاَّتُقوا الَّلَه َم ا اْس َتَطْع ُتْم ﴾ [التغابن‪.]16 :‬‬
‫أسأل اهلل ‪-‬جَّل وعاَل ‪ -‬مبنه وكرمه‪ ،‬أن جيعلنا وإياكم من اهلداة املهتدين‪ ،‬وأن يسلك بنا‬
‫وبكم سبل وطريق الصاحلني‪ ،‬إنه ‪-‬جَّل وعاَل ‪ -‬جواٌد كرٌمي‪ ،‬وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب‬
‫العاملني‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا حممٍد‪ ،‬وعلى آله وأصحابه أمجعني‪.‬‬

You might also like