Professional Documents
Culture Documents
تغير الفعل بين ....
تغير الفعل بين ....
ُّ
تغير الفعل بني البناء للمعلوم والبناء للمجهول
َّ ٌ َّ ٌ ٌ
يف القراءات العشر وأثره يف املعىن ،دراسة حنوية داللية
بحث َّ
مقدم لنيل درجة دكتوراة الفلسفة في اللغة العربية (النحو والصرف)
2019م
أ
ب
إهداء
اح األشواك عن دربي لي َمهد لي طريق العلم ،إلى والدي ذي القلب إلى من َأز َ
بقاءك ،أهدي َك ثمرة
َ بالصبر والعزيمة ،أطال الل
َّ اإلنجاز مقرون
َ الكبيرَ ،من علَّ َمني َّ
أن
إلَيك يا أ َّماه خيمة الحنان وغيمة المكانَ ،من تحملني دائما بين يديها بدعاء
إلى رفيقة دربي َمن سارت معي نحو الحلم ،خطوة بخطوة ،ب َذرناه معا،
وحصدناه معا ،وسنبقى بإذن الل معا ،زوجتي أنت سقَائي بعد الل وأنت المطر ،فجزاك
إلى حماة العربية وطالب العلم الباحثين في لغة القرآن الكريم وبيانه ،تنحني
لكم القامات اعترافا بفضلكم وجميل عطائكم ،فلتَقَبلوا بحثي هذا في مسيرة َركبكم.
إلى البلد الطيب (السودان) الَّذي ال ينفصل عن اللغة واألدب والشعر كما
يصعب على َّ
الشفَة أن تنفَص َل عن القبلَة.
ج
شكر
الشكر الَّذي
علي من ُّ
تعبُّدا لل تعالى بحمده ،ورغبة فيما عنده ،أعترف بحقه َّ
ص َنا به نحن-
ثم للسودان العظيم وأهله شكر جزيل على كرم الضيافة الذي اختَ َّ
َّ
اليمنيينَّ ،-
فكأن لسان حالنا:
أسجل شكري وعرفاني لمحراب العلم وقبلة العلماء جامعة السودان للعلوم
وَ
والتكنولوجيا والقائمين عليها من نيابة الدراسات العليا ،وعمادة كلية اللغات ،وأعضاء
هيئة التدريس فيها ،وللسادة العلماء األجالء الذين تفضلوا بقبول مناقشة هذا البحث
شكر موصول بامتنان ،فتوجيهاتكم منارة أهتدي بها ،ف َش َك َر الل تعالى لكم.
علي ،وكلَّف نفسه عناء متابعتي أستاذي الدكتور مبارك َمن َّ
تفضل باإلشراف َّ
توجيها ونقدا علميًّا َّبناء ،الوفاء لك َدين ال يقضيه ثناء يقَ َّدم ،وال كتاب يهدى ،وحسبك
الباحث
د
مستخلص البحث
هدف البحث لتقديم دراسة داللية لتغيُّر الفعل من المبني للمعلوم إلى المبني
القراءات القرآنية العشر في ضوء السياق العام الذي وردت به كل قراءة ،وقد أفاد الباحث
من جهود من سبقه من الباحثين من خالل جملة من الدراسات السابقة اللصيقة بموضوع
تجاوزه إلى التعليل البالغي والبياني ،للوقوف على أسرار هذا التغيُّر ودالالته من خالل
السي اق القرآني.
جاءت الدراسة في تمهيد وبابين ،عني الباب األول :بدراسة تغيُّر الفعل من
المبني للمعلوم إلى المبني للمجهول ،ودالالته ،في الفعل الماضي ثم المضارع ،كما
عني الباب الثاني بدراسة تغيُّر الفعل من المبني للمجهول إلى المبني للمعلوم ،ودالالته
تناط بالمعلوم والمجهول يمكن استنباطها من السياق القرآني غير التي ذكرها الُّنحاة
والبالغيُّون.
اللغوية التي تثري البيان القرآني ،وتمتع القارئ بصنوف اإلعجاز التي ال تنتهي مع
كالم الل.
ه
Abstract
The research made use of previous studies in this respect. Not only
syntactic reasoning was tackled but also rhetoric to make aware of verb
conversion and its connotations in terms of Quranic context.
The study consisted of introduction and two chapters: Chapter One dealt
with the conversion of verb from active to passive voice form, its
connotations in past verb-form and present one. The Second Chapter
outlined the conversion of verb from passive to active voice form and its
connotations in past and present verb. It is concluded that the conversion
between active voice and passive structure considers one of outstanding
phenomena in Quranic Readings; where the context considers as a referred
frame work to the connotations of the two structures. In addition, there are
rhetoric aims expressed by the form of active and passive voice which can
be inducted from the Quranic context that not stated by grammarians.
و
فهرس املوضوعات
رقم الصفحة العنوان
1 المقدمة
22 تمهيد
24 المبني للمعلوم والمبني للمجهول ،واصطالحهما عند النحاة
35 صور بناء الفعل للمجهول
35 .1الفعل الماضي
36 .2الفعل المضارع
38 أغراض حذف الفاعل
39 .1األغراض اللفظية
39 .2األغراض المعنوية
44 أغراض ذكر الفاعل
46 فوائد اختالف القراءات ،وأثره على الداللة والمعنى
194-61 الباب األول :تغيُّر الفعل من المبني للمعلوم إلى المبني للمجهول
124-62 الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
95-63 -المبحث األول :التغير في الفعل الثالثي
68 -أَخذ-أخ َذ
76 ف-خسف
َ -خ َس َ
82 ضى-قضي
-قَ َ
89 َ -ن َزل-نزل
124-96 -المبحث الثاني :التغير في مزيد الثالثي
97 َسس-أسس
-أَ
103 -أَملَى-أمل َي
110 َ -تبيَّن-تبين
116 -قاتَل-قتل
194-125 الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
162-126 -المبحث األول :التغير في الفعل الثالثي
128 َ -يخافا-يخافا
138 دخل
َ -يدخل-ي َ
147 َ -يسأل-يسأل
154 َ -يغل-ي َغل
ز
رقم الصفحة العنوان
194-163 -المبحث الثاني :التغير في مزيد الثالثي
163 َ -نتقبل-يتَقبل
173 -نجازي-ي َج َازى
183 -يعذب-ي َع َّذب
297-194 الباب الثاني :تغيُّر الفعل من المبني للمجهول إلى المبني للمعلوم
250-195 الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
222-196 -المبحث األول :التغير في الفعل الثالثي
197 -أذن-أَذن
206 صد-صد
َ -
216 -فتن-فَتَن
250-223 -المبحث الثاني :صور التغير في مزيد ثالثي
224 خفي-أخفي
-أ َ
231 -عميَ -عمي
240 -فزع-فَزع
297-251 الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
277-252 -المبحث األول :التغير في الفعل الثالثي
254 -ترجع-ترجع
266 -تسأل-تَسأَل
297-278 -المبحث الثاني :صور التغير في مزيد ثالثي
279 -يوقد-تَوقَّد
286 -يضاعف-نضعف
298 الخاتمة
308 النتائج والتوصيات
317 المالحق
384-338 الفهارس
339 فهرس اآليات القرآنية
353 فهرس األحاديث النبوية
355 فهرس األبيات الشعرية
359 المصادر والمراجع
ح
ح
ِّ
املقدمــــــــــــة
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
الحمد هلل على سوابغ نعمائه ،وضوافي آالئه ،والصالة والسالم على أكرم رسله،
ال تنقضي عجائبه ،وزيَّن الشوق لدار الكرامة رغائبه ،متن ٍاه في البالغة إلى الحد الذي
عجز عنه الخلق ،لم ينظم على بحور الشعر وال على طريق السجع ،خرج عن المعهود
من نظام جميع ما عرف العرب في القديم والـحديث ،وأمتع الدارسين بألفاظه ومعانيه،
وترتيب آياته؛ فما استطاعوا له وصوال ،إنَّه معجزة اهلل الخالدة الذي امتلك بأسلوبه
البديع ناصية البيان ،وذروة مقامات البالغة ،ولقد توالت دراسات القدماء والمحدثين
تحاول البحث في سر إعجاز القراءات القرآنية التي تتميز أوجه التغاير بينها بانفتاحها
سر من أسرار
علما ،وهذا ٌّ
على جملة واسعة من الدالالت ال يمكن أن يحاط بها ا
اإلعجاز والبيان ،فالعقائد واألحكام والمعامالت واآلداب لكل منها نصيب في هذه
القراءات لمن أمعن النظر ودقَّق البحث ،كما أن القراءات القرآنية كانت وال تزال مادة
البالغي
ُّ اء بين اللُّغويين ف َّ
النحوي والصرف ُّي و ُّ
الدرس اللغوي ،أحدثت تفاعال ّبن ا
من مواد ّ
شاف و ٍ
اف ،وال سبيل لتخطئة ٍ نزل القرآن الكريم على سبعة أحرف كل منها
1
المقدِّ مة
يدا ضربته –وهو عربي كثير ،-وق أر بعضهم بفتح الدال من (ثمود) ،إال
على قوله :ز ا
()1
ألنها السَُّّنة" .
أن القراءة ال تخالف؛ َّ
َّ
سببا في ردها أو القدح فيها ،فالَّلغة لم ٍ وعليه فال ُّ
يعد إنكار النحاة لقراءة ما ا
تنحصر في قواعد البصريين وال الكوفيين؛ بل هي عربيَّة محضة ،تستنبط منها قواعد
ٍ
شيء من حروف القرآن على األفشى في اللغة ،واألقيس في العربية ،بل على األثبت
األصح في َّ
النقل والرواية؛ ألن القراءة سنة متبعة ،يلزم قبولها والمصير ّ في األثر ،و
()2
إليها " .
َّ
إن الباحث في هذا المنهل العذب-أعني به القراءات القرآنية -ليمتع نفسه
بكثير من صور التغيُّر بين القراء التي لها أثر على الداللة كاالختالف بين اإلفراد
( )1سيبويه ،أبو بشر عمرو بن عثمان(1982م) :الكتاب ،83/1 ،تحقيق :هارون ،عبد السالم ،ط .2القاهرة:
مكتبة الخانجي.
( )2الداني ،أبو عمرو عثمان بن سعيد(2007م) :جامع البيان في القراءات السبع ،51/1 ،ط ،1اإلمارات :جامعة
الشارقة.
2
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
زمنا
والتثنية والجمع ،أو بين المذكر والمؤنث ،أو االسم والفعل ،أو اختالف بنية الفعل ا
إعجابا في
ا ووزانا ،وكلَّما صادف القارئ اا
كسر لنظام اللّغة الثابت في ذهنه؛ أحدث ذلك
يشكل أس اسا راسخة في اإلعجاز القرآني ،ويتجلَّى هذا اإلعجاز في االختيار اإللهي
َّ
إن التأمل في الجانب البياني للقراءات القرآنية لون جديد من ألوان إعجاز هذا
الكتاب الخالد ،ولقد عني الباحث بالتأمل في بنية الفعل المبني للمعلوم والمبني للمجهول
ٍ
كوجه من وجوه إعجاز القراءات القرآنية يجدر االلتفات إليه ،ودراسته دراسة متأنية
تحاول أن تقترب من القيم الداللية للفعل المبني للمعلوم والمجهول ،وتبحث في دالالت
خاصةا و َّ
أن الناظر في تقسيم علماء اللغة للفعل من َّ تغير البنيتين بين قر ٍ
اءة وقراءة، ُّ
الصرفية للفعل ،أو التمثيل بأغراض ذكر الفاعل أو حذفه مع هاتين البنيتين كالعلم
بالفاعل ،أو الخوف عليه ،أو منه إلى غير ذلك من األغراض التي ذكرها ُّ
النحاة
والبالغيُّون ،أو النظر إلى كال البنيتين من ازوية تقليدية حصرت البحث في مسائلهما
على مباحث صرفية ونحوية بحتة ،رَّبما أشعرت الباحث في أوجه التغاير بين القراءات
ٍ
بشيء من الجمود إن لم يخرج عن إطار ما رسم لهاتين البنيتين من دالالت القرآنية
3
المقدِّ مة
تام ٍة مع ما يسمع
بحيوي ٍة َّ
َّ طا ينقل القارئ والسَّامع إلى دائرة التركيز ،والتفاعل َّ
النفس نشا ا
ويق أر من أوجه االنتقال بين قراءة وأخرى ،إضافة إلى ما يتفتَّق عن ذلك التغيُّر من قيم
وتنوع بالغية ،وما يجود به هذا األسلوب من لمسات بيانية تسهم في ثراء َّ
النص القرآني ُّ
دول و ٍ
التفات إلى َّن نفجأ بع ٍ و ٍ
احد من المطابقة بين األفعال ،فحين يسترسل في نس ٍ
ق معي ٍ
تمهيدا للخوض في هذه الدراسة؛ برز أمام تساؤ ٌل مثَّل مشكلة البحث،
ا بين القراء العشرة
هو :هل يع ُّد التغيُّر بين بنيتي الفعلين المبني للمعلوم والمبني للمجهول م اا
ظهر من
يجملها فيما يلي :هل داللة الفعل المبني للمعلوم كداللة الفعل المبني للمجهول؟ فإن
ثم ما األثر الداللي الذي يحدثه التغيُّر بين البنيتين؟ وهل تتعارض تلك الدالالت المتولدة
َّ
َّ
شكلت تلك التساؤالت منطلقا يستند إليه الباحث في التنقيب عن أغوار الداللة
ودقائقها ،وذلك شرف مقصود ،وكرم منشود لتعلقه بكالم المولى؛ فجاءت هذه الدراسة
4
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
بعنوان :تغيُّر الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر ،وأثره في
وصرفها ونحوها من جملة كبيرة من القراءات القرآنية ،وما يتَّصل بها من مسائل أصَّلت
ٍ
ومعان أفادت ٍ
بدالالت القواعد والضوابط اللُّغويَّة ،كما ساهمت في رفد العلوم اإلسالمية
منها في المناقشة والترجيح كما في علم التفسير والعقيدة والفقه وغيرها ،كما تبرز أهميَّة
توهم ٍ
لمقصد أسمى هو دفع ُّ تقليال من شأن الدراسات الصرفية ،بل
القرآنية ،وليس ذلك ا
الرُّد
التناقض الذي قد يقع في ذهن من ال يدرك وجوه االختالف بين القراءات القرآنية ،و َّ
على من يقول بتدافعها وتعارضها ،وعلى توافر الفوائد تتفاوت مراتب البالغة ،وتزيد
وتعلو حتى تكون إعجا ااز ومبالغة في اإلعجاز ،ومن أجل ذلك تهوي أفئدة من الناس
ومن أبرز األسباب التي دفعت الباحث لتناول هذا الموضوع :ما ارتبط به
التوجيه النحوي والصرفي للقراءات القرآنية بجهود المؤلفين في معاني القرآن الكريم
وتفسيره وتوجيه قراءاته ،فظهرت مؤلفات عديدة تعتمد على اإلعراب وسيلةا لمعرفة
المعنى المقصود باآلية القرآنية ،ككتاب معاني القرآن للفراء ،وجامع البيان للطبري،
5
المقدِّ مة
عطية ،وأنوار التنزيل للبيضاوي ،والبحر المحيط ألبي حيان األندلسي ،والدر المصون
للسمين الحلبي ،وغيرهم كثير ،واتَّسمت مناهجهم ٪باإلشارة إلى وجوه الق ارءات،
َّ
ومناقشة حججهم ،ثم إيضاح المعنى المقصود بالقراءة وتوجيه االختالف فيها حسب ما
وردت به اآلراء المتعددة ،وانتخاب رأي راجح يختتم به الحديث عن القراءة ،وعند تماثل
السواء ،في مقابل أولئك لجأ آخرون إلى إفراد الجهد النحوي في القرآن الكريم وقراءاته
َّ
معاني القرآن ومقاصد القراءات ،فمن تلك الكتب إعراب القرآن ألبي جعفر النحـاس،
واعراب القراءات السبع وعللها البن خالويه ،والتبيان في إعراب القرآن للعكبري ،والكتب
الموضوعي أللفاظ الكتاب العزيز ،لكنها لم تبرح أن ارتادت طريقة المفسرين في ذكر
معنى اللفظ وتفسيره في موضعه من اآلية ،أو توجيه اللفظة من كتب القراءات مع َّ
أن
ومن األسباب التي دفعت بالباحث لتناول هذا الموضوع ابتعاد الصيغ واألبنية
عن الدراسات الداللية التي لها ارتباط عميق بالسياق؛ َّأدى إلى جمودها ،وجعل في
6
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
القرآني ،فالعربية لم تكن لتغاير بين البنى من صورة إلى صورة لوال أن ثمة مزية تلتمس
للمجهول في القراءات القرآنية ،بل وكثرتها بحيث أصبحت تشكل ظاهرة تفرض على
الباحثين في َّ
الدرس اللغوي أن يتناولوها بالدراسة والتحليل ،فقد بلغت صور تغيُّر الفعل
موضعا) ،ومن
ا من المبني للمعلوم إلى المبني المجهول ما يقرب من (خمسة وسبعين
ومع أهميَّة البحث في دالالت بنيتي الفعلين :المعلوم والمجهول ،إال َّ
أن هناك
معنى ٍ
ناظم لها يتّفق مع السياق ،هذه الدالالت نظر ،واعمال فك ٍر في ا
دالالت تحتاج بعد ٍ
ٍ
وعناية من محل در ٍ
اسة َّ المعلوم تارة أخرى في مفردة واحدة بين عدة قراء ،كان ذلك
الباحث.
عن الفعل المبني للمجهول ونظروا في داللته ،ودرسوا أغراضه ،وهي وان كانت نظر ٍ
ات
إشارية ُّ
تدل على معرفتهم بأسرار الكالم ومقاصده إال َّأنها تبقى في حيز الدراسات
المبني
ُّ بني للمعلوم لم يحظ بما حظي به الخاطفة ال التحليلية العميقة ،كما َّ
أن الم َّ
7
المقدِّ مة
أن األول أصل والثاني فرع عنه لذا أولي بالدراسة ،مع َّ
أن في المسألة خالفاا قولهم ب َّ
الفاعل ،من العلم به ،أو تعظيمه ،أو صيانته عن االبتذال إلى غير ذلك من األغراض
اللفظية والمعنوية ،والتي يرى الباحث َّأنها ربَّما كانت أشبه بالقيود التي ت ُّ
حد من حيويَّة
النص وجماله ،فالنظر إلى الروح السارية اآلخذة بلب السياق هو ما يتطلَّبه المعنى
َّ
ويقتضيه المقام.
ِ
ويهدف الباحث إلى :تقديم دراسة داللية عميقة لصور التغيُّر بين بنيتي الفعلين:
المبني للمعلوم والمجهول في ضوء القراءات القرآنية ،كذلك يهدف إلى دراسة األثر
المترتب على المعنى من تغيُّر الفعل من المعلوم إلى المجهول والعكس ،ودفع التعارض
القراءات ،كما يهدف الباحث كذلك إلى التوازن في دراسة بنيتي الفعلين :المعلوم
بأن أحدهما أصل واآلخر فرع عنه -لو سلَّم الباحث بذلك-
والمجهول ،إذ ال يعني القول َّ
ومن جملة األهداف التي قصدها الباحث بهذه الدراسة أن يعرض األغراض
الَّلفظية والمعنوية التي ألجلها بني الفعل للمجهول على السياق القرآني ،فيدرسها دراسةا
مستوفاةا بقصد بيان أثرها على الداللة والمعنى ،ال أن تكون قوالب جاهزة يحكم بها
8
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
ألجل ذلك سلك الباحث المنهج الوصفي التحليلي :الذي يعد مناسبا لمثل هذه
الموضوعات ،حيث يساعد هذا المنهج في وصف الظاهرة وتشخيصها ،ومن ث َّم تحليلها،
ولبيان األثر الداللي الذي ارتبط بالتغيُّر بين قراءة وقراءة من المعلوم إلى المجهول،
ومن المجهول إلى المعلوم ،احتاج الباحث لحصر مواضع االختالف ،من خالل استقراء
مواضع تغير الفعل من المبني للمعلوم إلى المجهول ومن المجهول إلى المعلوم بين
وقد توزعت النماذج التي درسها الباحث على نوعين من األفعال :الماضي،
ٍ
متماثلة صر ًّ
فيا تسهل اإلحالة إليها عند الدراسة ٍ
مجموعات والمضارعَّ ،
وزعها على
والتحليل ،حيث اختار الباحث توزيع هذه المواضع إلى األفعال الثالثية ،واألفعال مزيد
هجائيا
ا ٍ
فصل ترتيابا الثالثي ،وقد رتَّب َّ
النماذج التي ارتأى تحليلها ودراستها في كل
بحسب أصل الفعل في الماضي ،وقد أتيح للباحث أن يجعلها في أكثر من ترتيبَّ ،إال
مسألة تنبني على فكرة جديدة ،وعل ٍل خاصة مستنبطة من السياق نفسه ،وليست مفروضة
مثال :مكرم ،عبد العال سالم ،عمر ،أحمد مختار(1997م) :معجم القراءات القرآنية ،ط ،3بيروت :عالم
( )1ينظر ا
الكتب ،الخطيب ،عبد اللطيف(2002م) :معجم القراءات ،ط ،1دمشق :دار سعد الدين.
9
المقدِّ مة
ثم
كل قراءة من مظانها ،ويحيلها إلى مصادرها من تلك الكتب مرتابا األقدم فاألقدمَّ ،
ويؤكد الباحث عند تحليله لمواضع االختالف على عدم المفاضلة بين القراءات
ُّ
القرآنيَّة ،وأن تن َّزل كل قراءة منزلة آية ،كما يجتهد في إعمال الدالالت ا
معا لفهم القراءات
المتعددة حتى ال يوهم ذلك بالتدافع والتعارض ،فمن المعلوم أن سياقات الكالم تختلف
باختالف المقام ،فتختلف األلفاظ والجمل تبعا لذلك ،وما يصلح من لفظ في سياق ال
وقد اجتهد الباحث-يعلم اهلل-أال يمثل التحليل لمواضع االختالف بين القراءات
تقواال على القرآن الكريم بغير دليل، القرآنية ليًّا لعنق اآليات ،أو ُّ
تعسفاا في التأويل ،أو ُّ
فإننا نعوذ باهلل أن نقول في القرآن ما ليس فيه ،بل يجتهد الباحث في إبراز سر من
المستمرة إلى أن يرث اهلل األرض ومن عليها ،وهذا المسلك من
ّ أس ارره الدائمة و
َّاما ينغلق
ما يخطر له من الدالالت المرتبطة بالبنية والسياق ،وربَّما أخذ ذلك التأمل أي ا
فيهم
معها الفهم ،ويتوقف استرسال األفكار الكاشفة للمعنى ،أو حتى المقربة إليهُّ ،
10
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
ٍ
ساعات ،وما ذاك سآمةا وال مل اال ،بل خوف ا من أن يقول ٍ
ساعات ويقبل الباحث بالترك
ويسر األمر.
الهمةَّ ، النيةَّ ،
وشد َّ قوى َّ
في القرآن الكريم ما ليس فيه ،إال أن اهللَّ
تقيدت الدراسة في حدود البحث عن المعنى الداللي لصور التغير بين المبني
()1
العامة لكل
َّ للمعلوم والمبني للمجهول بالقراءات العشر ،واستثنى الباحث األصول
الداللي لصور تغيُّر بنية األفعال الصرفيَّة بين القراءات القرآنيَّة ،وكان من ألصقها
مصدر
اا ظاهر ،أو
اا اسما
إما ا
القدماء والمحدثين ،ثم الصور التي يأتي عليها نائب الفاعلَّ :
تعرض
مستتر ،كما َّ
اا ضمير
اا ضمير متصال ،أو شبه جملة ،أو
اا ظاهر أو َّ
مقد اار ،أو اا
( )1هي :قراءة ابن عامر(118هـ) ،راوياه هشام وابن ذكوان ،وابن كثير(120هـ) راوياه :البزي وقنبل،
وعاصم(128هـ) راوياه :شعبة وحفص ،وأبو جعفر(128هـ) راوياه :ابن وردان وابن جماز ،وأبو عمرو(154هـ)
اروياه :الدوري والسوسي ،وحمزة الزيات(156هـ) راوياه :خلف وخالد ،ونافع(196هـ) راوياه :قالون وورش،
الكسائي(189هـ) اروياه :أبو الحارث والدوري ،ويعقوب الحضرمي(205هـ) راوياه :رويس وروح ،وخلف بن
هشام(229هـ) راوياه :إسحاق الوراق وادريس الحداد.
( )2الراجحي ،شرف الدين(1999م) :المبني للمجهول وتراكيبه وداللته في القرآن العظيم ،د.ط ،اإلسكندرية :دار
المعرفة الجامعية.
11
المقدِّ مة
المؤلف لصور تغير الفعل عند بنائه للمجهول ،وأغراض حذف الفاعل ،وما ينوب عنه،
أن الراجحي أثناء دراسته لبنية المبني للمجهول َّإنما تناولها في
ويشير الباحث إلى َّ
()1
مستواها النحوي فقط مع اإلسهاب في بعض المواضع ،وان تناول المستوى الداللي
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ } [سورة
()3 ()2
،أو يورد َّ
الدالالت دون ترجيح ،أو يشير إلى الداللة إشارة سريعة البقرة]210:
()4
يستوجب مقامها أكثر من ذلك .
المجهول في القرآن الكريم من خالل رواية حفص عن عاصم فقط ،ولم تنحصر دراسته
()5
على الفعل بل أشرك معه اسم المفعول ،وكان التركيز على الفاعل ونائب الفاعل ال
على بنية الفعل ذاتها ،وتقاسيم الفصول خير شاهد على ذلك.
مصطفى السيد لكلية اآلداب بجامعة اإلسكندرية 2001م ،اختارت الباحثة مصطلح
( )1ينظر حديثه عن الفعل(سعدوا) سورة الحج آية ،108الراجحي :المبني للمجهول ،ص125
( )2ينظر :الراجحي :نفسه ،ص45
تسوى) من سورة النساء اآلية ،42الراجحي :المبني للمجهول ،ص70
( )3ينظر مثالَّ ( :
( )4ينظر :تناوله للفعل (طبع) سورة المنافقون :آية ،3الراجحي :نفسه ،ص171
( )5ينظر :الراجحي :مرجع سابق ،ص174 ،154 ،153
12
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
يسم فاعله
يسم فاعله إلى البناء للفاعل ،الثاني :ما لم َّ
وتحويل الفعل من البناء لما لم َّ
في الدرس النحوي (التركيبي) وشمل :الالزم والمتعدي ،وما يصلح ألن يكون نائب
الحديث فيه على أغراض حذف الفاعل ،ثم ختمت الرسالة بالفصل الرابع :الدرس
التطبيقي َّ
ركزت فيه الباحثة على ما اتصل بالفعل ال على الفعل ذاته ،وال على ما جرى
يسم فاعله
من خالل المبحث األخير في الفصل األول :تحويل الفعل من البناء لما لم َّ
بضع نماذج جمعت فيها الماضي بالمضارع ،والمتواتر بالشا ّذ بما يوحي بعدم وجود
()1
منهجية في هذا التناول ،ثم لم يجاوز التحليل ما كتبه علماء توجيه القراءات ،وقد أفاد
الباحث من حصر الباحثة واستقرائها لجملة المواضع وقارن ذلك بما قد كان حصره،
وبالجملة َّ
فإن الدراسة الداللية جاءت في هذه الرسالة على استحياء ،كما غلب عليها
جانب اإلحصاء مع اإلشارات التي لم تخرج عن اإلطار العام الذي رسمه علماء توجيه
القراءات.
وأثره على المعنى :رسالة ماجستير للباحث منصور سعيد أبو راس تقدَّم بها لجامعة
أم القرى بمكة المكرمة2006 ،م ،قصر الدراسة فيها على أوجه االختالف بين القراءات
ِّ
( )1ينظر :مصطفى ،كريمة2001(:م) :المبني لما لم يسم فاعله في القرآن ،ص ،107اإلسكندرية :جامعة
اإلسكندرية(دكتوراة).
13
المقدِّ مة
في األفعال ،ثم االختالف في األسماء واألفعال ،وفي الفصل الثامن من الباب الثاني
سرد الباحث مواضع التبادل بين الفعل المبني للمعلوم والمجهول فأورد في الماضي
()1
موضعا ،ويبدو َّ
أن الباحث ا موضعا ،وفي المضارع ما يقرب من(خمسين)
ا (عشرين)
لم يحص جميع المواضع ،كما َّأنه اكتفى بإيراد الحجج والعلل في توجيه االختالف كما
هو معلوم من كتب القراءات على ندرة ما أورده من هذا التوجيه ،ويلحظ َّ
أن في الدراسة
()2
شباعا لبعض القضايا الصَّوتيَّة .
ميوال وا ا
دكتوراة لمحمود عوض سالم ،مقدمة لجامعة بني سويف كلية اآلداب2013 ،م،
جعلها الباحث في تمهيد وسبعة فصول وخاتمة ،ناقش الباحث في الفصل الثاني:
العدول في الجملة الفعلية ودالالته في القراءات العشر :وجعله على ثالثة مباحث:
األول :العدول في الفعل ودالالته في القراءات العشر :وفيه بناء الفعل للمفعول ،وتذكير
في القراءات العشر ناقش فيه :الفصل بين الفاعل والفعل ،وحذف الفاعل ،ث َّم حذف
نائب الفاعل .الثالث :العدول في المفعول ودالالته في القراءات العشر ،وقد أشار
( )1ينظر :أبو راس ،منصور(2006م) :اختالف البنية الصرفية في القراءات السبع ،183-176،مكة المكرمة:
جامعة أم القرى(ماجستير).
( )2ينظر :أبو راس :نفسه،ص128
14
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
وبالتَّالي حرص على عرض االختالف بين القراءات كحرف المضارعة بين الغيبة
والتذكير أو تاء مخاطبة أو التأنيث .كما درس العدول التركيبي الذي ط أر على الجملة
العربية خاصة في تحليل اللغويين وهدف إلى إيضاح القواعد النحوية التي أيدتها
()1
القراءات القرآنية لتحسم الخالف بين ُّ
النحاة ،وهي كما سبقها من الدراسات أولت
ماجستير للباحث محمد سعيد الهجري ،مقدمة لكلية اآلداب بجامعة ذمار ،اليمن،
ًّ
علميا لهذه الرسالة واستكماال لمسيرة امتدادا
ا 2013م ،وتمثل أطروحة الدكتوراة هذه
البحث الداللي في القراءات القرآنية التي ابتدأها الباحث في مرحلة الماجستير .جاءت
الرسالة في مقدمة ،وتمهيد ،وثالثة فصول :التغيُّر من الماضي إلى المضارع والعكس،
والتغيُّر من المـاضي إلى األمر والعكس ،ثم التغيُّر من المضارع إلى األمر والعكس،
تلمس الباحث دالالت ذلك التغيُّر على المعنى في كل صورة من صور الفعل
وقد َّ
السابقة من خالل مجموعة من النماذج قام بتحليلها ،مستصحابا داللة السياق ،إال َّأنه
يصعب على الباحث أن يقيم دراسته على جميع صور التغيُّر للفعل ومنها المبني
( )1سالم :محمود عوض(2013م) :العدول في التراكيب دراسة نحوية داللية على القراءات العشر ،ص،25
مصر :جامعة بني سويف(دكتوراة).
15
المقدِّ مة
عن عاصم ،وورش عن نافع :رسالة ماجستير للباحث عبد الرحمن حسين ،مقدَّمة
وأبرز الجهود السابقة فيه ،ومواقف النحاة من القراءات ،ومكانة روايتي حفص وورش
بين الروايات ،ومكانة صاحبيهما بين أعالم القراء ،وتؤكد على قيمة النصوص القرآنية
في استنباط القواعد النحوية وضبطها ،واالحتجاج لآلراء ،والرد على المخالفين ،وقد
وعددها ،ومكانة قراءتي عاصم ونافع بين القراءات ،وعرض جوانب تأثير القراءات في
َّ
الدرس النحوي ،ومواقف ُّ
النحاة من القراءات ،وأسباب اختالف القراءات ،ثم تحدث عن
القراءات ،وعقد الباب األول لالختالف النحوي بين الروايتين :وتحته ثمانية فصول:
من الصرف ،أما الثاني فعقده لالختالف الصرفي بين الروايتين ،وتحته فصول ستة:
جاءت دراسة األثر الداللي للفعل المبني للمجهول متوزعة بين الفصول أعاله،
وكان إجمالي ما درسه الباحث من األفعال في بنية المبني للمجهول يربو على العشرين
16
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
لم يخرج عن منهج القدامى في توجيه االختالف بين القراءات نحويا أو صرفيًّا ،وان
الداللة القرآنية.
ومن الدراسات التي أفاد منها الباحث في مناقشة فلسفة المبني للمجهول،
وصور بنائه ،واألغراض البالغية لحذف الفاعل مع تحليل بعض المواضع دالليا:
()1
المبني للمجهول في القرآن الكريم بحث في النحو والداللة لزاهر حنني ،وفلسفة
()2
المبني للمجهول في العربية لحسين العظامات ،واإلعجاز البالغي في استخدام
()3
الفعل المبني للمجهول د .محمد أبو موسى .الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية
()4
أيمن عبد الرزاق الشوا .
بالتمثيل ،فإنَّه قد سعى إلى إماطة اللثام عن الدالالت المتفتقة عن صور التغيُّر بين
بنيتي الفعلين :المبني للمعلوم ،والمبني للمجهول في القراءات العشر ،وصوال إلى أثر
( )1حنني ،زاهر(2007م) :المبني للمجهول في القرآن الكريم بحث في النحو والداللة ،ص( ،)62-43فلسطين:
مجلة جامعة الخليل للبحوث ،المجلد( ،)3العدد(.)1
( )2العظامات ،حسين(2011م) :فلسفة المبني للمجهول في العربية ،ص( ،)131-119األردن :مجلة المنارة،
المجلد( ،)17العدد(.)7
( )3أبو موسى ،محمد(د.ت) :اإلعجاز البالغي في استخدام الفعل المبني للمجهول ،ص ،5بحث منشور على
موقع صيد الفوائد.
( )4ا َّ
لشوا ،أيمن عبد َّ
الرزاق(د.ت) :الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية ،ص ،242بحث منشور على النت.
17
المقدِّ مة
التغيُّر على المعنى بما تتكاثر معه األغراض البالغية التي تشعر بتفاعل َّ
النص ،ال
لذا َّ
فإن الباحث لم يسع إلى االهتمام بأسباب بناء الفعل للمعلوم أو للمجهول
بقدر ما سعى إلى بيان األثر الداللي المترتب لهذا التغيُّر على المعنى ،من خالل
تكامل السياق واعماله كجزٍء ال يتج أز من فهم ذلك األثر ،مع توظيف الجملة التي َّ
تركب
منها الفعالن :المعلوم والمجهول في تكامل الدراسة وتكشيف المعنى ،وقد حاول الباحث
وذهنا نقيًّا ،والقرآن مع علو كعبه إال َّأنه قريب المنال ،سهل المورد ،فمن يق أره بينه
ٍ
بسور له باب ،فإنه لن ٍ
مضروب بينها وبين قلبه وبينه حجاب ،أو يستمع إليه ٍ
بأذن
ينتفع من القرآن الكريم بشيء ،ولن يبلغ من خيره إال كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه
وما هو ببالغه.
لقد اعتمد الباحث على السياق في المقارنة بين صور تغير بنيتي المعلوم
فالكلمة المفردة أو البنية تكتسب قيمتها الداللية والبالغية حينما تستخدم في سياقها
المناسب ،كما حرص الباحث على إقامة عالقة بين السياق وبين البنية المعجمية
لألفعال المبنية للمعلوم أو للمجهول التي هي محل الدراسة والتحليل ،بغية الوصول
للبنية العميقة للخطاب القرآني ،والمقصد الربَّاني من صورة االختالف ما بين قراءة
18
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
الدراسة على مقدِّمة وتمهيد وبابين على النحو التَّالي: هذا وقد َّ
وتوزعت ِّ
ثم أهداف
المقدِّمة :بيَّن فيها الباحث أهمية الدراسة ،وأسباب اختياره للموضوعَّ ،
وصياغتهما ،وهل المبني للمجهول أصل أم بنية محولة؟ كما ناقش أغراض حذف
الفاعل مناقشة داللية للوصول إلى خصائص جملتي المبني للمعلوم والمجهول.
الباب األول :تغيُّر الفعل من المبني للمعلوم إلى المبني للمجهول ،ودالالته،
واحتوى على فصلين:
الباب الثاني :تغيُّر الفعل من المبني للمجهول إلى المبني للمعلوم ،ودالال ته.
ويحوي على فصلين:
19
المقدِّ مة
عليها مع مشرفه ،فمن ذلك كتابة اآليات القرآنية برواية حفص عن عاصم بخط مصحف
مجمع الملك فهد ،وعزى اآليات إلى سورها ،ورقمها في المتن ال الحاشية ،كما أحال
في حاشية البحث عزو األحاديث النبوية إلى مظانها من كتب َّ
السنة ،واألبيات الشعرية
وعرف بالمفردات التي تحتاج إلى بيان وايضاح ،ولم يترجم لألعالم
إلى قائلها ،ووزنهاَّ ،
وال لألماكن وال البلدان كما أشار بذلك عليه مشرف البحث ،والتزم بنظام هافارد المعمول
به في جامعة السودان لتوثيق المراجع التي ترد أول مرة ،وان تكرر ورود المرجع أحال
الباحث قائمة المصادر والمراجع مرتَّبةا ترتيبا ألفبائيا بحسب اسم المؤلف ،وأثبت جداول
وقد رجع الباحث إلى عدد من الكتب التي أثرت موضوع الدراسة ،فمن ذلك
كتب تفسير القرآن الكريم ومعانيه ،كمعاني القرآن لألخفش ،والكشاف للزمخشري،
والتفسير الكبير ل ّلرازي ،والبحر المحيط ألبي حيان ،والدر المصون للسَّمين الحلبي،
ونظم الدرر للبقاعي ،والتحرير والتنوير البن عاشور ،وغيرها ،وكتب القراءات واعرابها
20
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
وعللها كالسبعة البن مجاهد ،إعراب القراءات السبع البن خالويه ،ومعاني القراءات
لألزهري ،وحجة القراءات ألبي زرعة ،كما أفاد الباحث من كتب النحو واللغة والبالغة،
ومن أبرزها :الكتاب لسيبويه ،والمقتضب للمبرد ،ودالئل اإلعجاز للجرجاني ،وبديع
القرآن البن أبي األصبع ،وشرح التصريح لألزهري ،كما ال يفوت الباحث أن ينوه إلى
القرآنية لمحمد الجمل ،وأثر القراءات القرآنية في الفهم اللغوي لمحمد مسعود ،والتوجيه
البالغي للقراءات القرآنية ألحمد سعد ،والقراءات وأثرها في التفسير واألحكام لمحمد
بازمول ،واإلعجاز البياني في ضوء القراءات القرآنية المتواترة ألحمد الخراط ،إضافة
إلى كتب الصرف والمعاجم اللغوية ،والرسائل الجامعية ،والدوريَّات والمجالت والندوات
وككل الباحثين فقد اعترض الباحث في الطريق صعوبات يذكر منها :أن الذي
يتعامل مع القرآن الكريم أو القراءات القرآنية بالتحليل والدراسة ال بد أن يكون دقيقاا في
مبتعدا عن التأويل ،وهذا أوقع الباحث في الحرج والمشقَّة خشية أن يكون َّ
ممن ا قوله،
يتقول على اهلل بغير علم ،أو يفتئت قواال ليس في محله فيجانبه الصواب ،ومن
َّ
فهمه رسالة إلهية وحكمة ربانية ،فاللهم َّإنا نسألك العفو والغفران عن سقط القول وزلله.
ميدانا
ا على الرغم من كل الدراسات والبحوث التي جعلت من القرآن الكريم
21
المقدِّ مة
وفي كل كلمة من كلماته ،بل في كل حرف من حروفه ،وان الباحث في هذا الجهد
على كثرة المشتغلين به ،ويدخل في سلك من رضي اهلل عنهم ورضوا عنه ،وينفع
هذا مقصدي من هذه الدراسة ،وسبيلي إليها ،وما مثلي ومثل من سبق من
بكـ ـ ـ ـاهـ ـ ـ ـا ،فقل ـ ـ ــت :الفض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل للمتق ـ ـ ــدم ول ـك ـن ب ـكـ ـ ـ ـت ق ـب ـل ـي ف ـه ـَّي ـج ـن ـي ال ـب ـكـ ـ ـ ـا
ورحم اهلل المزني حين قال" :قرأت كتاب الرسالة على اإلمام الشافعي ثمانين
التكالن.
الباحث
22
ٌ
متهيد ،وفيه مسائل/
ُّ ُّ
املبني للمعلوم واجملهول ،واصطالحهما عند النحاة
جذبت األفعال أنظار الباحثين واللغويِّين لكثرة تصرفاتها ،والتغييرات التي تط أر
عليها؛ لذا كانت من األبنية التي عني بها العلماء ،قال ابن القوطية" :اعلم أن األفعال
()1
أصول مباني أكثر الكالم" ،واألفعال هي الركن الركين التي بنيت عليها نظرية العامل،
واألصل الذي تفرعت منه أحكامها ،فالفعل أقوى عوامل الرفع والنصب بال منازع ،واليه
ينسب رفع الفاعل ونائبه ،ونصب المفاعيل ،والحال ،واالستثناء ،وغير ذلك .والفعل
تاما أو
الزماًّ ، جامدا ،مقد ًما أو مؤخ ًراِّ ،
متعدًيا أو ً ً متصرفًا أو
ِّ مذكور أو محذوفًا،
ًا يعمل
()2
ناقصا ،قال الجرجاني" :الفعل أص ٌل في العمل" .
ً
ومن يدرس الفعل في الكالم العربي يجد أحو ًاال شتى يرد عليها ،من ذلك:
المبني للمعلوم ،والمبني للمجهول ،اللذان يعدان ظاهرتين أساسيتين من ظواهر اللغة
العربية؛ ذلك أن الصيغ الصرفية ال تخلو من أن تكون أحدهما ،وال مجال للتردد بينهما،
وهما ظاهرتان لغويتان يتقاطع فيهما الصرف مع اإلعراب والتركيب ،وتختلف الطريقة
التي تعالجان بهما باختالف من يقوم بدراستهما :فتارةً يتم معالجتهما معالجةً صرفية
تهتم بالصيغ الصرفية وأوزانها ،وتارةً تعالجان نحويًّا باعتبار حذف الفاعل ،واقامة
المفعول مقامه ،ومن ينوب عن الفاعل بعد حذفه؟ إلى غير ذلك من المسائل النحوية
ًّ
صوتيا من خالل عمليات اإلبدال واالنتقال المتعلقة بهاتين الظاهرتين ،ومرةً تتم المعالجة
( )1ابن القوطية ،أبو بكر (1952م) :كتاب األفعال ،ص ،1تحقيق :فودة ،علي .ط ،1القاهرة :مطبعة مصر.
( )2الجرجاني ،عبد القاهر (2009م) :العوامل المائة ،ص ،124تحقيق :الداغستاني ،أنور .ط ،1بيروت :دار
المنهاج.
24
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
بين الصيغتين .أيًّا كانت صورة هذه المعالجة التي يتخذها الباحثون ،تبقيان ظاهرتين
مرتبطتين بعالقة وطيدة داخل حدود الجملة وخارجها ،وينبني عليها كثير من التساؤالت
أثر في هذا
حول الدالالت المرتبطة بكل ظاهرة ،ولم تشهدان هذا التحول؟ وهل للمعنى ٌ
الداللية المرتبطة بالسياق ،مما يشهد النص القرآني تفاع ًال وحيوية تلقي بظاللها على
لتوصيف هاتين الظاهرتين كما وضعها علماء اللغة وبينوها؛ لتكون الصورة في األذهان
يسميه:
ار في المصطلح ،فالخليل-على سبيل المثالِّ -
مبني للمعلوم ال يشهد استقرًا
ال ِّ
()1
(ما لم يذكر) ،وسيبويه استعمل له مصطلحات عدة :فتارةً عبر عنه بالميزان الصرف ِّي:
() 2
(فعل-يفعل) ،وتارة بـ(:فعل المفعول) ،كما في قوله" :وقد يتعدى فعل المفعول
()3
فينصب ،وذلك كقولك :كسي عبد اهلل الثوب" ،واستعمل كذلك مصطلح( :الفعل الذي
شغل بالمفعول) ،حيث يقول" :هذا باب ما يكون من المصادر مفعوًال فيرتفع كما
()4
ينتصب؛ إذا شغلت الفعل به ،وينتصب إذا شغلت الفعل بغيره" ،وهذا الفراء يخبر عن
( )1ابن أحمد ،الخليل(1985م) :الجمل في النحو ،ص ،118تحقيق :قباوة ،فخر الدين ،ط .1بيروت :مؤسسة
الرسالة.
( )2سيبويه :الكتاب282/4 ،
( )3سيبويه :نفسه41/1 ،
( )4الكتاب228/1 ،
25
تمهيد
()1
مبني للمجهول ب ـ( :فع ٌل لم يسم فاعله) ،وفي أحايين كثيرة يريد بلفظ (الفاعل):
ال ِّ
المبني للمعلوم ،و(المفعول) :المبني للمجهول ،يقول عند قوله{ :ﯢ ﯣﯤ
()2
به قبل الفاعل" .
وهذا األخفش األوسط (سعيد بن مسعدة) يدلِّل على الفعل بوزنه المجرد (فعل)،
استخدم مصطلح (شغل الفعل) فقال" :شغل الفعل باآليات حتى صارت بمنزلة الفاعل،
()3
بني
فنصب القرآن" ،وهو بهذا يحذو حذو سيبويه ،وال يلحظ استقرٌار في مصطلح الم ِّ
()4
المبرد( :المفعول الذي لم يسم فاعله) ،وابن السراج:
للمجهول عند القدماء ،فقد سماه ِّ
()6 ()5
(ما لم يسم فاعله) ،وشاركه النحاس المصطلح ذاته ،والمتتبِّع لنقوالت ابن ِّ
جني يراه
يستعمل( :بناء الفعل للمفعول) ،أو (بني للمفعول) ،يقول" :إن الفعل إذا بني
( )1ينظر :الفراء ،يحيى (د.ت) :معاني القرآن ،102/1 ،تحقيق :النجار ،محمد؛ شلبي ،عبد الفتاح ،ط .1مصر:
دار المصرية للتأليف والترجمة.
( )2الفراء :معاني القرآن453/1 ،
( )3األخفش ،سعيد(2003م) :معاني القرآن ،ص ،577تحقيق :الورد ،عبد األمير ،ط .1بيروت :عالم الكتب.
( )4المبرد ،محمد(2010م) :المقتضب ،50/4 ،تحقيق :عضيمة ،محمد ،ط ،2القاهرة :المجلس األعلى للشؤون
اإلسالمية ولجنة إحياء التراث.
( )5ينظر :ابن السراج ،أبو بكر (1996م) :األصول في النحو ،76/1 ،تحقيق :الفتلي ،عبد الحسين ،ط.3
بيروت :مؤسسة الرسالة.
( )6ينظر :النحاس ،أبو جعفر(2008م) :إعراب القرآن ،ص ،174تحقيق :العلي ،خالد .ط .2بيروت :دار
المعرفة.
26
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
()1
للمفعول ، "...وقد يجمع بين المصطلحين :ما بني للمفعول ،وما لم يسم فاعله ،كما
في قوله" :واذا صرت على بناء الفعل للمفعول ،وهو الذي يسمى( :ما لم يسم فاعله)؛
()2
انفتح الطرف في جميع المضارع" ،ويرى د .عبد الفتاح محمد أن (ما لم يسم فاعله)
()6
يختار( :ما لم يسم فاعله) ،وابن يعيش ينحو منحى الزمخشري من استخدام مصطلح:
(فعل ما لم يسم فاعله) ،حيث يقول" :ويقال له :فعل ما لم يسم فاعله ،فـ (ما) هنا
() 7
موصولة ،بمعنى (الذي) ،والتقدير :فعل المفعول الذي لم يسم فاعله" ،كذا ابن
()2 ()1
الحاجب ،ونسج الرضي االستراباذي على منواله ،فأطلقا عليه :فعل ما لم يسم
فاعله.
()3
أما ابن مالك فأطلق عليه( :النائب عن الفاعل) ،قال أبو حيان" :واصطلح
()4
ابن مالك على أن سمى هذا الباب النائب عن الفاعل" ،إشارة منه إلى أنه لم ير مثل
هذه الترجمة-يعني النائب عن الفاعل-لغير ابن مالك ،والمعروف عند أبي حيان:
ويوازن ابن هشام بين مصطلحي( :نائب الفاعل) ،و(مفعو ٌل لم يسم فاعله)،
()5
فيختار األول ،ويدعو إلى ترك الثاني لما فيه من التطويل والخفاء .وجعل ابن عالن
الص ِّ
()6
مبني لغير الفاعل) .
موسوما بـ( :إتحاف الفاضل بالفعل ال ِّ
ً ِّديقي بحثه
اللغة وأكابرها من عصور مختلفة تنوعت مذاهبهم النحوية ،وتعددت آراؤهم في التعبير
عن الفعل المبني للمجهول؛ إما بالميزان الصرفي (فعل -يفعل) ،أو بما لم يسم فاعله،
( )1ابن جماعة ،بدر الدين(2000م) :شرح كافية ابن الحاجب ،ص ،298تحقيق :داود ،محمد .د.ط ،القاهرة:
المنار.
الرضى(1975م) :شرح شافية ابن الحاجب ،220/2تحقيق :نور الحسن ،محمد وآخرون .د.ط،
( )2االستراباذيِّ ،
بيروت :دار الكتب العلمية.
( )3ابن مالك ،محمد(د.ت) :شرح الكافية الشافية ،602/2 ،تحقيق :هريدي ،عبد المنعم .د.ط ،مكة المكرمة:
جامعة ِّأم القرى ومركز البحث العلمي واحياء التراث.
( )4األندلسي ،أبو حيان(1998م) :ارتشاف الضرب من لسان العرب ،184/2 ،تحقيق :عثمان ،رجب؛ عبد
التواب ،رمضان .ط ،1القاهرة :مكتبة الخانجي.
( )5ينظر :ابن هشام ،عبد اهلل جمال الدين( 2004م) :شرح شذور الذهب في معرفة كالم العرب ،ص،191
تحقيق :عبد الحميد ،محمد محي الدين .د.ط ،القاهرة :دار الطالئع.
( )6الصديقي ،ابن عالن(2001م) :إتحاف الفاضل بالفعل المبني لغير الفاعل ،تحقيق :شمس الدين ،إبراهيم.
ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
28
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
يسميه :المبني للمجهول ،أو المبني للمفعول ،وبعضهم أطلق عليه الفعل
ومنهم من ِّ
فالمصطلحات كثيرة وهذا يدلل على حيوية اللغة وتطورها في انتقاء مفرداتها والتعريف
بمصطلحاتها ،زد على ذلك حيوية علماء اللغة بما أعطوه ألنفسهم من حرية التصرف
بابتكار مصطلحات تلبِّي الحاجة-وان لم يتداولوها إال في بعض األحيان -كما عند
()1
سيبويه في مصطلح (الفعل الذي شغل بالمفعول) .
المصطلح المتداول عند اللغويين المحدثين ،وسيسلك الباحث هذا المسلك إرادةً
مفعوًال وقد يكون غير ذلك :كالجار والمجرور ،والمصدر ،والظرف .وعليه فالفعل المبني
ِّ
المتقدمين كالجرجاني ،إذ القول في اختياره هذا؛ فقد جرى بذلك تعبير بعض العلماء
()3 ()2
يقول" :إن اسم المفعول على موازنة الفعل المضارع المجهول" ،كذلك الكرماني ،
()4
األنعام ]16 :يقول" :فقد رحمه ،ولم يقل رحم على المجهول" .
ستعنى ِّ
الدراسة بالفعل في بنيتيه :المعلوم ،والمجهول ،ولن تتجه إلى ما ينوب
عن الفاعل بعد حذفه-أعني( :نائب الفاعل) -وال إلى المفعوالت التي تقوم مقام الفاعل؛
فإن ذلك مما يطيلها ويشعِّبها ،وليس هو محل اهتمام الباحث في إظهار األثر الداللي
المترتِّب على صورة التغير بين البنيتين وفق السِّياق القرآني ،إضافة إلى أن (نائب
()1
اسات مستقلة تغني عن التكرار هاهنا.
الفاعل) قد أفردت فيه در ٌ
عب ُر علماء اللغة عن الفعل المبني للمعلوم بأنَّ ُه :ما ذكر فاعله في الكالم
ُي ِّ
()2
أن رسول اهلل مستتر ،كحديث أبي هريرة¢
ًا ضمير
ًا ظاهرا ،أو
ً اسما
اء أكان ً
سو ٌ
قال(( :إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين ،واذا نزع فليبدأ ِّ
بالشمال ،لتكن اليمنى أولهما
()3
تنعل ،وآخرهما تنزع)) ،فالفعل (انتعل) و(نزع) مبنيان للمعلوم ،فاعل األول :أحدكم،
بني
مبني للمعلوم إلى صيغة الم ِّ
المفعول مقامه ،وأسند إليه معدوًال عن صيغة ال ِّ
مثال :مايو ،عبد القادر(د.ت) :علم النحو العربي-الفاعل ونائب الفاعل ،د.ط ،بيروت :دار القلم العربي؛
( )1ينظر ً
محمد ،شفاء(2009م) :الفعل ومتعلقاته في الحزب األخير من القرآن-دراسة تحليلية ،مقال على شبكة األلوكة
باإلنترنت؛ رحمة ،ستي(2016م) :نائب الفاعل في القرآن الكريم-دراسة في سورة الكهف ويس والواقعة والملك،
الجزائر :جامعة أنستاري اإلسالمية (ماجستير).
( )2ينظر :قباوة ،فخر الدين(1998م) :تصريف األسماء واألفعال ،ص .249ط ،2بيروت :مكتبة المعارف؛
الضامن ،حاتم(2001م) :الصرف ،ص .122د.ط ،دبي :مركز جمعة الماجد؛ األنطاكي؛ الغالييني،
مصطفى(2004م) :جامع الدروس العربية ،ص .37ط ،2بيروت :دار الكتب العلمية؛ األنطاكي ،محمد(د.ت):
المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها .1690/1 ،ط ،3بيروت :دار الشرق العربي.
( )3البخاري(1987م) :صحيح البخاري ،تحقيق :البغا ،مصطفى بيروت :دار ابن كثير ،كتاب اللباس-باب ينزع
نعله اليسرى ح(.)5517
30
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
صحيحا
ً يدا،
ماضيا أم مضارًعا ،مجرًدا أم مز ً
ً اء أكان
للمجهول ،يحكمها نوع الفعل سو ٌ
()1
أم ًّ
معتال .
وعلى ذلك فإن تغييرات صوتية وصرفية تط أر على الفعلين :المعلوم ،والمجهول
تغيير في السِّياق النحوي ،فينتقل :المفعول به ،أو الظرف ،أو الجار والمجرور،
تقتضي ًا
أو المصدر-وهي ما ينوب عن الفاعل بعد حذفه-إلى موقع الفاعل ،ويكون الفعل حديثًا
ظا
عنه كما كان حديثًا عن الفاعل ،ويجري مجراه في كل ما يجري للفاعل من الرفع لف ً
ومن المسائل التي شهدت خالفا بين علماء اللغة والنحو هل المبني للمجهول
محول ٌة؟
أص ٌل أم بني ٌة َّ
مذهب جمهور البصريِّين :أن المبني للمعلوم أص ٌل ،والمبني للمجهول فرعٌ
فـ(جن) و(سل) ،و(حم) عندهم أصو ٌل قياسية على (جنن) ،و(سلل) ،و(حمم) ،فإذا
قالوا( :جن) و(سل) و(حم)؛ فإنما يريدون جعل فيه الجنون ،والسل ،والحمى.
أصال
الزما للفعل ،والمفعول غير الزم؛ كان ً
وقد استدلوا بأن الفاعل لما كان ً
( )1ينظر :ابن يعيش :شرح المفصل306/4 ،؛ ابن جماعة :شرح كافية ابن الحاجب ،ص95؛ ابن هشام :شرح
شذور الذهب في معرفة كالم العرب ،ص190؛ باشا ،ابن كمال( 2002م) :أسرار النحو ،ص ،100تحقيق :حامد،
أحمد .ط ،2بيروت :دار الفكر.
31
تمهيد
منهما أص ٌل برأسه ،قالوا :ألنه جاءت أفعا ٌل مالزمة للبناء للمفعول كزهي ،وزكم ،وحم،
مبني للفاعل للزم أال يوجد إال حيث يوجد األصل ،وأجيب
وجن ،فلو كان فرًعا عن ال ِّ
القول عرفت ظاهرة إهمال األصول واستعمال الفروع ،مثل( :يدع)( ،يذر) على تقدير
ماضيها( :ودع) ،و(وذر)؛ لذا استغني عنها كما استغني عن (قطع) بـ (قطع) كما يقول
()2
ياء ،وتدغم في الياء في
سيبويه ،وقد كان يلزم على القول باألصلية أن تقلب الواو ً
(سوير) كلزوم إبدال الواو األولى من (ووري) همزة؛ الجتماع واوين في أول الكلمة،
ويذهب الكوفيون إلى القول بإلغاء األصلية والفرعية ،وأن المبني للمجهول أص ٌل
()4
المبرد،
قائم بذاته غير مغير عن المعلوم ،وال فرع عنه ،ونسب األزهري هذا القول إلى ِّ
ٌ
()5
وابن الطراوة ،إذ لم يثبت لديهم أن المبني للمجهول معدو ٌل عن صيغة أخرى ،كما
أنه لو كان معدوًال عن غيره؛ لكان مستلزًما وجوده وجود ذلك األصل ،وال يوجد فرعٌ
بغير أصل ،ومما استدلوا به ورود أفعال يستخدمها العرب مبنيةً للمجهول مخصوصةً
به ال حظ للمعلوم فيها ،كقولهم :بهت الرجل ،ونفست المرأة ول ًدا ،فدل على أنه أص ٌل
قائم بذاته.
عندهم ٌ
يعد قاعدة تحويلية عن األصل أقرب ما يكون لقانون اإلحالل الذي إما :أن يكون
التحويل فيه من جملة إلى أخرى ،أو من تركيب إلى آخر ،فالجملة المحول عنها أو
التركيب هو ما يعرف باألصل ،أو البنية العميقة ويعنون به هنا :المبني للمعلوم،
والمحول إليها يعرف بالفرع ،أو البنية السطحية ويمثِّل :المبني للمجهول ،وال يسلِّم
()1
الباحث بهذا التفريق بين الفعلين بكون أحدهما يمثِّل البنية العميقة واآلخر السطحية؛
الدراسات اللِّسانية
الفعلين :المعلوم والمجهول ،وبالنظر في السِّمات التي ميز بها علماء ِّ
()2
الحديثة بين البنيتين السطحية والعميقة ؛ يتبين أن نسبة الفعلين :المعلوم والمجهول،
للبنيتين :العميقة والسطحية-على الترتيب-ال يستقيم لغةً ومعنى ،ال سيما مع كالم
عال ،ال
اهلل ،فالبنية السطحية عند المحدثين بنيةٌ منطوقةٌ ومسموعةٌ أو مكتوبةٌ ف ً
تصوًار أو تخي ًال ،ثم إنها بنيةٌ مختصرةٌ ،واللفظ فيها محل اهتمام واعتناء ،على خالف
البنية العميقـة التي يصعب تحديدها؛ ألنها تعتمد على إعمال الفكر والحدس والتخمين،
( ) 1ينظر :موضي(1986م) :صيغ األفعال بين القياس والسماع ،ص ،37مكة المكرمة :جامعة أم
القرى(ماجستير)؛ ناصر ،حمود(2006م) :القراءات في ضوء الدرس الصرفي ،ص ،172جامعة دمشق(دكتو ارة).
( )2ينظر :الخولي ،محمد(1982م) :دراسات لغوية ،ص ،52د.ط ،الرياض :دار العلوم؛ الكريم ،عبد اهلل(د.ت):
الدرس النحوي في القرن العشرين ،ص ،241د.ط ،القاهرة :مكتبة اآلداب؛ الطويل ،سيد رزق( 1983م) :ظاهرة
التوهم في الدراسات النحوية والتصريفية ،مجلة كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى ،ع( ،1ص.)95-89
33
تمهيد
وهي في الغالب حالة نفسية يتصور اإلنسان معها تصورات قد تكون صحيحة وقد تكون
فاسدة ،كما أن هذه البنية تعتمد على المعنى أكثر من اعتمادها على اللفظ؛ فهو محورها
ومناط اهتمامها ،وال يحتمل النص القرآني هذا التفريق ،بل وال تستقيم نسبة أحد الفعلين
إلى األلفاظ دون المعاني ،وال المعاني دون األلفاظ ،أو اعتبار أحدهما م ِّ
عب ًار عن
المنطوق والمسموع دون األفكار والمشاعر ،إنما األلفاظ بوابة المعاني والجسر الموصل
مثل هذا الخالف في التفريق بين أصلية الفعلين :المعلوم والمجهول وفرعيتهما،
ال ينبني عليه كبير أثر في دراسة الباحث لصور التغير بينهما ،فجملة األغراض
البالغية والداللية المناطة بالفعلين مستفيضةٌ يفتحها اهلل على من شاء ،كيفما شاء،
ال هذا يؤدي وظيفة ذاك وال العكس ،وانطالق الباحث من الرؤية الداللية للفعلين يجعله
ال يخدم المعنى ،كما قال السيوطي ناق ًال عن أبي حيان" :إن هذا الخالف ال يجدي
كبير فائدة"(.)1
( )1ينظر :السيوطي ،جالل الدين(1998م) :همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ،164/2 ،تحقيق :شمس الدين،
أحمد .ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
34
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
يعد الفعل بين البناء للمعلوم والمجهول من الحاالت التي تتجلى فيها ظاهرة
الداخلي للحركات داخل مادة الكلمة ،وقد تكفلت كتب النحو والصرف ببيان
ِّ التحول
()1
صور بناء الفعل للمجهول ،يوجزها الباحث على النحو التالي:
الفعل الماضي:
إن كان ثالثيًّا صحيح العين غير مضعف؛ ضم أوله ،وكسر ما قبل آخره،
آخره ،مثل :تكسر تكسِّر ،تعلم تعلِّم ،وان بدئ بهمزة وصل؛ ضم أوله وثالثه ،وكسر ما
قبل آخره ،مثل :اعتمد اعتمد ،انتصر انتصر ،فإن كان ثانيه أو ثالثه ألفًا زائدةً على
والماضي المعتل العين على وزن (انفعل) ،و(افتعل) يجوز أن يضم أوله ،مثل:
انقاد انقود ،اختار اختور ،أو يكسر ،مثل :انقاد انقيد ،اختار اختير ،والمضعف الثالثي
( )1ينظر :الصيمري ،عبد اهلل(1982م) :التبصرة والتذكرة ،124/2 ،تحقيق :أحمد ،فتحي .ط ،1مكة المكرمة:
جامعة أم القرى؛ الجزولي ،عيسى(د.ت) :المقدمة الجزولية في النحو ،ص ،144تحقيق ،عبد الوهاب ،شعبان.
د.ط ،مكة المكرمة :مطبعة أم القرى؛ ابن يعيش :شرح المفصل307/4 ،؛ ابن عصفور ،علي(1972م) :المقرب،
،79/1تحقيق :الجوادي ،أحمد؛ الجبوري .ط .1بدون دار ناشرة؛ ابن جماعة :شرح كافية ابن الحاجب ،ص298؛
أبو حيان :ارتشاف الضرب1345-1340/1 ،؛ األنصاري ،ابن هشام(د.ت) :أوضح المسالك،157-155/2 ،
تحقيق :عبد الحميد ،محمد محي الدين ،د.ط ،بيروت :المكتبة العصرية؛ األزهري :شرح التصريح296-293/1 ،؛
باشا ،ابن كمال :أسرار النحو ،ص102؛ مكرم ،عبد العال سالم(1992م) :تطبيقات نحوية بالغية .33/2 ،ط،2
بيروت :مؤسسة الرسالة.
35
تمهيد
المدغم ،تبقى عينه كما هي مضعفة ،ويجوز في أوله ثالثة وجوه :الضم ،مثل :شد شد،
()1
مد مد ،والكسر ،مثل :عد عد ،رد رد ،واإلشمام.
الفعل المضارع:
قر يقرأ ،يكتب يكتب ،فإن كانت عينه
يضم أوله ،ويفتح ما قبل آخره ،مثل :ي أ
ياء؛ فإنه يضم أوله ،وتقلب عينه ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها بعد نقل حركتها
و ًاوا ،أو ً
إلى ما قبلها ،مثل :يقول يقال ،يصوم يصام ،وان كانت ألفًا بقيت كما هي ،مثل :ينام
ينام ،واذا كان الفعل مضعفًا؛ يضم أوله ويفتح ما قبل حرف التضعيف مثل :يمتد يمتد.
وهناك ثمة أفعال يعتبرها اللغويون مبنية للمجهول لفظًا ال حقيقة ،ويعربون
مبني للمجهول،
فاعال ال نائب فاعل ،وهي األفعال التي تالزم صيغة ال ِّ
ً المرفوع بها
أفعاال
مثل :زهي ،عني ،بلج ،حم ،سل ،جن ،أغمي ،شده ،امتقع ،ثلج ،كما أن هناك ً
كثر بناؤها للمجهول ،وقل بناؤها للمعلوم ،مثل :هزل ،بهت ،زكم ،نتج ،وعك ،رهص،
وال يجوز بناء فعل األمر للمجهول؛ ألن األمر يوجه في الغالب إلى مخاطب
مخصوص ،وال يجوز أن يكون هذا المخاطب مجهوًال ،وال يجوز كذلك أن يبنى الفعل
الجامد للمجهول كنعم ،وبئس ،وليس ،وعسى ،أما الناقص مثل كان وأخواتها فإن أمن
اللبس جاز؛ واال لم يجز ،وعلى الرغم من صحة بنائها للمجهول إال أنه من المستحسن
()2
بحا في الجرس" .
عدم بنائها للمجهول؛ فأحكام البالغة ترى فيها "ثق ًال في النطق ،وق ً
( )1هو :اإلتيان بحركة بين الضمة والكسرة ،ويظهر في النطق دون الكتابة.
( )2حنني :المبني للمجهول في القرآن الكريم ،ص46
36
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
مبني
مبني للمجهول على ال ِّ
ويتجه بعض الباحثين إلى تفضيل بناء الفعل ال ِّ
للمعلوم من حيث خصوصية األداء ،وتأثير الداللة ،وبعد المعنى البالغي ،ووجه
احدا
فاعال و ً
التفضيل إنما نظروا فيه إلى الفاعل بحجة أن الفعل المبني للمعلوم يتخذ ً
مبني للمجهول الذي يكون الفاعل فيه غير محدد بدقة ال يتعداها ،مما
محد ًدا ،خالفًا لل ِّ
يجعله في أرقى صور البيان ،واإلعجاز ،والباحث يأبى هذا االتِّجاه في دراسة داللتي
()1
الفعلين ،فإن الناظم لكليهما إنما هو السِّياق ،وال يحكم بخصوصية بنية على أخرى ،أو
الحديث عن داللتي الفعلين ترفًا من القول ،ما دام أن األفضلية قد ح ِّددت سلفًا ،وحكم
لذا فإن الباحث عندما يناقش الدالالت المتعلقة ببنيتي الفعلين ،من المهم أن
يناقشها دون تكلف أو شطط ،بل سيكون قصده-فيما أعان المولى وسدد-المعنى
إفهاما في موضعها
ً األلصق واألقرب لتوضيح الداللة ،فيختار لها ما هو أليق وأكثر
مهم في بناء الجملة العربية ،فهو عند األقدمين أقوى العوامل؛ حيث
ركن ٌّ
الفعل ٌ
إنه يرفع الفاعل ،وينصب المفعول والفضالت كالمفاعيل والحال والتمييز والتوابع ونحو
ِّ
المتحدث، يذكر أو يحذف ويقام المفعول مقامه ،بقصد جملة من األغراض التي يريدها
وهو ما أطلق عليه العلماء أغراض الذكر والحذف ،وتتأثر هذه األغراض بعدة عناصر
فنية كالجو العام للسورة ،أو الجو الخاص لآلية ،أو النسق اللغوي للسياق ،أو المقام
()1
ومقتضى الحال .
نجد ذلك محل اعتناء واهتمام عند علمائنا األوائل بحديثهم عن مراعاة المقال
لمقتضى الحال ،الذي مثل بدايات نظرية السياق عند المحدثين ،يقول السكاكي:
للبناء ،فكما أن البناء الحاذق ال يرمي األساس إال بقدر ما يقدر من البناء عليه؛ فكذلك
()2
البليغ يصنع بمبدأ كالمه ،فمتى رأيته اختصر المبدأ؛ فقد آذنك باختصار ما يورده" .
وقد ذهب أهل اللغة إلى أن الجملة الفعلية قد تعدل عن ذكر الفاعل ،فينوب
( )1ينظر :الزوبعي ،طالب(1996م) :من أساليب التعبير القرآني -دراسة لغوية وأسلوبية في ضوء النص القرآني،
ص .316ط ،1بيروت :دار النهضة العربية.
( )2السكاكي ،يوسف(1987م) :مفتاح العلوم ،ص ،103تحقيق :زرزور ،نعيم .ط ،2بيروت :دار الكتب العلمية.
38
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
()1
يتيسر لهم ذلك؛ قسموا هذه األغراض إلى مجموعتين:
التكوير ،يقول{ :ﭑ ﭒ ﭓ} [سورة التكوير .]1 :إذ المراد تصوير حالة الفزع
( )1ينظر :الجزولي :المقدمة الجزولية في النحو ،ص141؛ ابن يعيش :شرح المفصل307/4 ،؛ ابن عصفور:
المقرب80/1 ،؛ ابن هشام :أوضح المسالك136-135/2 ،؛ األزهري :شرح التصريح422-421/1 ،؛ السيوطي:
همع الهوامع262/2 ،؛ باشا ،ابن كمال :أسرار النحو ،ص101؛ اليماني ،عبد الباقي(2010م) :المقدمة السعدية
في ضوابط العربية ،ص ،170تحقيق :الشهري ،فاطمة ،السعودية :جمعة الملك خالد(ماجستير).
( )2يقول :فإذا شربت الخمر فإنني أهلك مالي بجودي وال أشين عرضي ،فأكون تام العرض مهلك المال ال يكلم
عرضي عيب عائب ،يفتخر بأن سكره يحمله على محامد األخالق ويكفه عن المثالب ،ينظر :الزوزني ،حسين بن
أحمد(2002م) :شرح المعلقات السبع ،ص ،256ط ،1بيروت :دار إحياء التراث العربي؛ التبريزي ،يحيى بن
علي(1352هـ) :شرح القصائد العشر ،ص ،198د.ط ،القاهرة :إدارة الطباعة المنيرية.
( )3السيوطي :همع الهوامع263/2 ،
39
تمهيد
بالمتصرف
ِّ في ذلك اليوم ،وبيان ما عليه الناس من خوف وهلع مع علمهم المسبق
بأحداث ذلك اليوم ووقائعه ،وفي هذا الحشد من األحداث التي بنيت للمجهول تقريعٌ
عالم بأال ملك يومئذ إال ملكه ،يقول ابن عاشور معلِّقًا على قوله{ :ﯵ
للقلوب ،وا ٌ
ﯶ ﯷ ﯸ} [سورة األنعام" :]73 :بني (ينفخ) للمجهول لعدم تعلق الغرض بمعرفة
النافخ ،وانما الغرض معرفة هذا الحدث العظيم ،وهو دعاء الناس للحضور إلى
()1
الفصل" .
معظ ٌم فعله ،فلم يقرن بالمفعول أبي جهل لخسته ،ومن أمثلة التعظيم قوله{ :ﭡ
الكريم أنه قول شاعر ،أو ساحر ،أو كاهن ،جاءت هذه اآليات بهذه األفعال متعقبةً
( )1ابن عاشور ،الطاهر(1984م) :التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب
المجيد) ،ص ،137المقدمات وتفسير الفاتحة وجزء عم ،د.ط ،تونس :الدار التونسية.
( )2الرازي ،فخر الدين(1999م) :مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير ،294/29 ،ط ،3بيروت :دار إحياء التراث
العربي.
40
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
مقولتهم داحضةً كل شبهة أوردوها؛ فبنى الفعل( :أنزل) على المجهول لي ِّ
عزز صور
التعظيم ومقاماته لهذا الكتاب الكريم فال تقف أمامه شبهة ،وال يثبت لغيره ٍّ
تحد وال
تعظيما لشأن
ً إعجاز ،وكأن المعنى :يكفيكم من ذلك فقط أن يبنى الفعل للمجهول
التحقير :بأن يقلِّل من شأن الفاعل فال يذكره؛ ألن المفعول أرفع منه
ُ .4
قال األلوسي في تفسيره" :وفي العدول عن ماذا أجاب أممكم؟ ما ال يخفى من اإلنباء
أيضا ،واال
عن كمال تحقير شأنهم ،وشدة السخط والغيظ عليهم ،والسؤال لتوبيخ أولئك ً
فهو سبحانه عالم الغيوب" ،ومثله قوله{ :ﮑ ﮒ ﮓ} [سورة البقرة.]258 :
()1
اإلبهام :وهذا اإلبهام لغرض يريده المتكلِّم إما بداعي الخوف من الفاعل،
ُ .5
عقباه من التعذيب والمالحقة والتنكيل ،وأما في الخوف عليه فيقول{ :ﯝ ﯞﯟ
( )1األلوسي ،شهاب الدين(1415هـ) :روح المعاني في تفسير القرن العظيم والسبع المثاني ،56/4 ،تحقيق:
عطية ،علي .ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
41
تمهيد
ﯠ ﯡ ﯢ} [سورة يوسف ]28 :حيث لم يذكر الشاهد الفاعل صراحة ،والمعني به:
(امرأة العزيز) ذلك خوفًا على مكانتها االجتماعية ،ومنزلتها بين نسوة قومها ،ويشهد
لهذا المعنى ما جاء في تتمة اآلية على لسان زوجها ،حين نسب الفعلة إلى كيد النساء
على ذلك أن طلب من يوسف أن يسترها ،وال يذكر ذلك ألحد ،فقال{ :ﯬ
التركيز على الحدث ،وذلك بأن يكون السامع ال غرض له من ذكر الفاعل
ُ .6
حيث أنه ال يعنيه ،وال حاجة له بذكره ،من ذلك قوله{ :ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ}
[سورة البقرة ]196 :إذ المقصود حصر الحاجِّ ،وما يترتب عليه من هدي ،وليس
أيًّا كان ،ولم يرد تخصيصه بجماعة معينة ،أو قوم معينين ،وقال{ :ﭭ ﭮﭯ
وال يهتمون بمن ردها؟! وال كيف ردها؟! ،ولو كان السياق يريد ذلك لصرح بالفاعل.
القيامة وأحداث الدار اآلخرة ،بما يزيد من تركيز القارئ والمستمع لهذه األحداث بأن
يصرف النظر إلى االستعداد لها ،واالهتمام بسبل النجاة فيها" ،فاطِّراد إسناد الحدث
إلى غير محدثه بالبناء للمجهول ،أو اإلسناد المجازي ،أو المطاوعة ،يدل على العمد
42
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
المقصود به ما نسميه التلقائية ،واإلقناع النفسي بأن ك ًّال مهيأٌ يومئذ للحدث الخطير،
()1
وأن الكائنات مسخرة بقوة لذلك الحدث" ،تلك األغراض اآلنفة الذكر وردت منثورةً في
()2
كالم العلماء مبثوثةً في كتبهم ،نظمها أبو حيان بقوله:
والـ ـ ـ ــوزن وال ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــر واإلع ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـام وحـ ـ ـ ـ ـ ـذفـ ـ ـ ـ ـ ـه لـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـذف واإليـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـام
والسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـع وال ـ ـ ـ ــوفـ ـ ـ ـ ـاق واإليـ ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ـ ـار والـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـم والـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـل واالخـ ـ ـ ـتصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـار
الرفعة ،والخوف ،والوزن،
والسيوطي عدد منها :العلم ،والجهل ،والضعة ،و ِّ
()3
والسجع ،واإليجاز ،وقاربه الصبان فذكر :اإليجاز ،وتصحيح النظم ،والعلم ،والجهل،
()4
واإلبهام ،والتعظيم ،والتحقير ،والخوف منه-أي الفاعل-أو عليه ،وال يمكننا حقيقة
تقعيدا منطقيًّا مقنًنا ،وانما هي مواقف فنية ندركها من الموقف كله ،فقد تكون هناك
ً
أغراض أعمق وأدق من تلك التي حصرها البالغيون ،وعلينا أن نستشف العطاء الفني
()5
لنسق التركيب من داخل العمل نفسه ومن هيئته الفنية الخاصة به" ،ومهما كان السر
في هذا الغرض أو غيره ،فالمهم هنا أنه يمكننا أن نقول-بعد هذا العرض المختصر
لبعض أوجه البالغة القرآنية المتعلقة بحذف الفاعل-إننا أصبحنا نملك مفتاحاً من
( )1ابنت الشاطئ ،عائشة(د.ت) :التفسير البياني للقرآن الكريم ،75/1 ،ط ،7القاهرة :دار المعارف.
( )2ارتشاف الضرب1325/1 ،
( )3همع الهوامع263/2 ،
( )4الصبان ،محمد بن علي(1997م) :حاشية الصبان على شرح األشموني أللفية ابن مالك .63/2 ،د.ط ،بيروت:
دار الكتب العلمية.
( )5عيد ،رجاء(1998م) :فلسفة البالغة بين التقنية والتطور ،ص ،81ط ،2اإلسكندرية :منشأة المعارف.
43
تمهيد
مفاتيح التدبر والتفكر ،هذا المفتاح يعيننا بإذن اهلل عز وجل على فهم القرآن الكريم
ِّ
المتقدمين عدم التفاتهم لبيان أغراض ذكر الفاعل موازاة بأغراض غلب على
.1أال يكون هناك ُمقتضى للعدول عنه ،وال حذفه ،قال{ :ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
وتحريم الحرام ،من قضايا األحكام التي ال توكل ألحد أن يتخوض فيها كيف يشاء؛ لذا
السماوية ،لذا سوى بين الحكمين :حكم اهلل ،وحكم رسوله ،إذ كالهما تشريعٌ.
.2الحيطة في األمر :حتى تسد كل ثغرة على المتأ ِّول ،كقولك جو ًابا على:
.3التنبيه على غباوة السامع :وذلك عند التقرير لقضية معينة ربما فهمها
النساء ]157 :فهمهم المغلوط ،واعتقادهم الخاطئ أن المسيح قد قتل وصلب ،لكن
يقرر أنهم( :لم يقتلوه ،ولم يصلبوه) فذكر الفعلين في بنية المعلوم ،ومما زاد
اهللِّ
السياق تنبيهًا على غباوتهم أن قرن بين المعلوم والمجهول في آية واحدة (قتلوه–صلبوه-
شبِّه) من الذي شبه لهم؟ وكيف؟ ومتى؟ أسئلة لم تجب عنها اآليات؛ فالقضية مردودةٌ
عليهم من مطلعها ،وانما سيقت تنبيهًا لهم على غباوتهم ،وخطئهم في قياس األمور
44
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
ومقرٌر أنه ال يجوز لكم القعود مع من كفر بآيات اهلل واسته أز بها.
الداللة ِّ
.5في مقام البسط :حيث يحسن إطالة الجملة ،ويحلو المقام بطيب الكالم،
كما في حوار اهلل لموسى حين قال له{ :ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ} [سورة طه:
،]17لما استحلى موسى خطاب ربِّه له؛ جاء اللفظ القرآني بالفعل المعلوم،
فالمقام مقام تبسط في الحديث ،وأنس بالقرب منه ،وتلذذ بحواره ،فقال{ :ﭿ ﮀ
هذه األغراض إنما مردها سياق الكالم وأحواله المختلفة ،فقد تتداخل وتتشابه،
45
تمهيد
يدرك المتأ ِّمل في أوجه االختالف بين الق ارءات القرآنية جملة من األسرار
والحكم المترتبة على هذا االختالف ،ولعل من أبرز تلك الحكم ما يلي:
.1التيسير والتخفيف على هذه األمة :بأن يق أر القارئ بأكثر من وجه ،ال سيما
من انعقد لسانه واستغلق عليه أن ينطق بغير لهجة بلده ،أو مصره ،ويظهر هذا التيسير
جليًّا في تعدد الظواهر الصوتية التي وردت بها هذه القراءات ما بين همز وتخفيف،
و(السراط)
ِّ (الصراط)
ِّ وامالة وفتح ،وتفخيم وترقيق ،وابدال حرف بحرف آخر كما في
ِّ
و(الزراط) ،قال الزركشي" :وكان اإلنزال على سبعة أحرف توسعة من اهلل ورحمة على
األمة ،إذ لو كلِّف كل فريق منهم ترك لغته ،والعدول عن عادة نشؤوا عليها من اإلمالة
.2الثروة الفقهية :لقد أنتجت وجوه القراءات المختلفة ثروةً فقهيةً أفاد منها
الفقهاء واألصوليون على وجه الخصوص في بيان األحكام الشرعية من تقييد مطلق،
أو إطالق مقيد ،أو بيان لمبهم أو مجمل ،وقد تجلت هذه الثروة الفقهية في صور شتى،
قوله{ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
( )1الزركشي ،بدر الدين محمد(2003م) :البرهان في علوم القرآن ،227/1 ،تحقيق :أبو الفضل ،محمد .د.ط،
السعودية :دار عالم الكتب.
46
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
على( :وجوهكم وأيديكم) ،أما قراءة الكسر فللعلماء توجيهٌ يطول ذكره ،منه :أن العطف
مسحا،
غسال ويكون ً
العرب ،فعن أبي زيد األنصاري قال" :المسح في كالم العرب يكون ً
ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه قد تمسح ،ويقال :مسح اهلل ما بك إذا :غسلك
()2
وطهرك من الذنوب" ،أو أن يكون المراد به :المسح ،ال الغسل ،ويكون محموًال على
تبعا
بعض الحاالت دون البعض اآلخر ،فأفادت القراءتان حكمين شرعيين مختلفين ً
ب .دفع توهم غير مراد في قراءة أخرى :كما في قوله{ :ﭑ ﭒ ﭓﭔ
المشي السريع إلدراك الذكر والصالة ،فجاءت القراءة األخرى( :فامضوا إلى ذكر اهلل)،
( )1ينظر :ابن الجزري ،محمد (د.ت) :النشر في القراءات العشر ،254/2 ،تحقيق :الضباع ،علي .د.ط ،القاهرة:
المطبعة التجارية الكبرى ،بيروت :دار الكتب العلمية.
( )2النحاس ،أبو جعفر(1409هـ) :معاني القرآن ،272/2 ،تحقيق :الصابوني ،محمد ،د.ط ،مكة المكرمة :جامعة
أم القرى.
( )3عن المغيرة بن شعبة ،أن رسول اهلل ذهب لحاجته في غزوة تبوك ،قال المغيرة :فذهبت معه بماء ،فجاء
رسول اهلل ،فسكبت عليه الماء ،فغسل وجهه .ثم ذهب يخرج يديه من كمي جبته ،فلم يستطع من ضيق كمي
الجبة .فأخرجهما من تحت الجبة فغسل يديه ،ومسح ب أرسه ،ومسح على الخفين" ،موطأ اإلمام مالك(2004م)،
تحقيق :األعظمي ،ط ،1محمد ،اإلمارات :مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان لألعمال الخيرية واإلنسانية.
47
تمهيد
()1
-وهي وان كانت شاذةً إال أنه يستأنس بها -تدفع التوهم السابق ،وتوضِّح أن المقصود
)(2
اكبا أم مهروًال .
ماشيا أم ر ً
هو الذهاب إلى المسجد بأي صورة من الصور سواء أكان ً
ج .الجمع بين األحكام الشرعية المختلفة وترتيبها بمجموع ما يفهم من كل
البقرة .]222:ق أر حفص وابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر( :يطهرن) خفيفة ،وق أر
) (3
شعبة وحمزة والكسائي) :يطهرن( مشددة ،وقد أفادت قراءة التخفيف :امتناع إتيان
الرجل زوجته حتى ينقطع دم المحيض عنها ،بينما أفادت قراءة التشديد ذلك بتطهرها
باالغتسال ،وحاصل الجمع بين القراءتين أن الحائض ال يقربها زوجها حتى تطهر
القراءتين.
()4
الجمهور (تبينت) على البناء للمعلوم ،فعلى قراءة الجمهور عرفت الجن أنها ال تعلم
الغيب ،أما قراءة يعقوب فتبين لإلنس أن الجن ال يعلمون الغيب ،وهكذا ساهمت هاتان
القراءتان في كشف اللِّثام عن قضية مهمة من قضايا المعتقد لطالما أفسدت عقيدة
بعض المسلمين من أن الجن يعلمون الغيب ،فجاءت القراءتان بما ينفي ذلك ويدحضه.
الصافات .]12 :ق أر حمزة والكسائي( :عجبت) بضم التاء ،وق أر ابن كثير ونافع وأبو
()1
عمرو وعاصم وابن عامر( :عجبت) بفتح التاء ،والقراءة بفتح التاء :المخاطب بها
()2
النبي ،أما بضم التاء فإخبار من اهلل عن نفسه .قال الشنقيطي" :ق أر هذا الحرف
عامة القراء السبعة غير حمزة والكسائي (عجبت) بالتاء المفتوحة ،وهي تاء الخطاب
المخاطب بها النبي ،وق أر حمزة والكسائي (عجبت) بضم التاء ،وهي تاء المتكلم وهو
اهلل... ،ثم قال :وقد قدمنا أن القراءتين المختلفتين يحكم لهما بحكم اآليتين ،وبذلك
تعلم أن اآلية على قراءة حمزة والكسائي فيها إثبات العجب هلل ،فهي إ ًذا من آيات
)(3
الصفات على هذه القراءة"
بير من الظواهر .4األثر اللغوي على فروع اللغة :حفظت لنا القراءات ًّ
سجال ك ًا
اللغوية والمسائل النحوية ،والصرفية ،والصوتية ،والداللية ،كيف ال والقرآن الكريم هو
سجل األمة العظيم ،ومصدر االحتجاج األول للغتنا العربية ،فمن ذلك:
أ .اللهجات العربية التي حوت مظاهر صوتية من صميم اللغة :حافظت
القراءات القرآنية على المأثور من طبائع اللسان العربي في الفصحى وفي لهجاتها،
لتشعر القبائل العربية بقربها من القرآن الكريم ،وانضوائها تحت لوائه ،كما قال{ :ﯠ
القراءات قوله{ :ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ} [سورة طه .]63 :ق أر العشرة عدا حفص
()1
وابن كثير وأبي عمرو بتشديد النون (إن) ،و(هذان) باأللف على لغة بني الحارث بن
()2
كعب الذين يلزمون المثنى األلف في كل حال .
ب .أن تكون القراءة حجةً لقول بعض أهل العربية :نحو قوله{ :ﭣ ﭤ
(واألرحام) حجةٌ ألهل العربية على جواز أن يكون العطف على موضع الجار
()3
والمجرور ،والمعنى( :تساءلون به وباألرحام) .
ج .أن تفيد القراءة أكثر من داللة :تبلغ باآلية مبلغ اإلعجاز ،ونهاية البالغة،
ﮏ} [سورة البقرة .]10 :ق أر نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر( :بما كانوا
ي ِّ
كذبون) بضم الياء وتشديد الذال ،وق أر عاصم وحمزة والكسائي( :يكذبون) خفيفةً بفتح
()1
الياء وتخفيف الذال .قراءة التخفيف أفادت كذبهم وعدم صدقهم في أقوالهم وأفعالهم،
) (2
يضاف إلى ما سبق من فوائد االختالف بين القراءات ما يلي :
.1إعظام أجور هذه األمة :فإنهم يفرغون جهدهم ليبلغوا قصدهم في تتبع
وخفي إشاراته.
ِّ أس ارره،
.2بيان صدق القرآن الكريم ،وصدق من جاء به :إذ هو مع كثرة االختالف
.3بيان فضل هذه األمة وشرفها على سائر األمم :من حيث التلقِّي واإلسناد
لكتاب ربها.
اإليجاز ،وينتهي إلى كمال اإلعجاز ،وهذه االختالفات على كثرتها ال تؤدي إلى تناقض
وال تضاد ،وال إلى تهافت أو تخاذل ،بل القرآن كله على تنوع قراءاته يشهد بعضه
أيضا إذا
أيضا إذا قرئ بالقراءة األخرى ،ويعجز ً
يعجز إذا قرئ بهذه القراءة ،ويعجز ً
قرئ بقراءة ثالثة وهلم جرا ،ومن هنا يتعدد اإلعجاز بتعدد تلك الوجوه والحروف.
إن تعدد القراءات يقوم مقام تعدد اآليات على ما سبق إيضاحه ،وال شك أن
الزما أو غير الزم ،أو من حيث اإلدغام واإلظهار، حيث القصر والطول ،وكون ِّ
المد ً
واإلمالة وعدمها ،أو تحقيق الهمز وتسهيله ،ومثله االختالف بين التفخيم والترقيق ،وقد
يأخذ االختالف شكل آخر الكلمات أو بنيتها مما ال يختلف معه المعنى ،كالقراءة بنصب
و(السراط) بالسِّين،
ِّ (الص ارط) بالصاد،
ِّ كذلك اإلبدال بين بعض الحروف مثل:
ِّ
و(الزراط) بالزاي ،و(بسطة) بالسين ،و(بصطة) بالصاد.
والغالب أن يعاد بأثر هذه االختالفات إلى الحفاظ على أبنية العربية من تحديد
كيفيات نطق العرب بالحروف مخارجها وصفاتها ،وبيان اختالفهم في لهجات النطق
بتلقِّي ذلك عن قراء القرآن الكريم ،كما نص على ذلك ابن عاشور .
()1
وال يمكن الجزم في هذا النوع من االختالف بعدم وجود أثر على الداللة ،وان
أرجع الباحث األثر إلى اختالف اللهجات واللغات؛ فلقصر فهمه عن أن يدرك ش ًيئا من
مثل هذه المعاني والدالالت ،واال فال يتصور في كتاب اهلل -المعجز بتناسق آياته
والمفحم بنظام كلماته -أن يكون فيه فضل زيادة ،بل هو زيادة فضل ،وحاشاه أن يوسم
بنقص وابتذال ،فإن فيه من الجمال والجالل ما ال يحيط به إال الكريم المتعال ،ولعله
بمزيد بحث وتنقيب يمكن التوصل إلى شيء من تلك الدالالت ،كما في قوله{ :ﯔ
الباقية منهما عليها ،وقد ناسب حذف التاء نفي الكالم في ذلك الموقف ،أما التشديد فقد
ناسب ثقل الموقف على النفس ،وأكد ذلك المد الطويل الذي يفيد المبالغة.
ﯽ} [سورة النحل ،]127 :فقد ق أر ابن كثير( :ضيق) بكسر الضاد ،والباقون
()2
بفتحها ،قيل لغتان بمعنى واحد ،وقيل :بالفتح ما كان في الصدر ،وبالكسر في
()3
الموضع ،وقيل :بالفتح ما قل ،وبالكسر ما كثر ،ومفاد القراءتين :نفي الضيق بشتى
( )1ينظر :النيسابوري ،أحمد بن الحسين بن مهران (1981م) :المبسوط في القراءات العشر ،ص ،242تحقيق:
حكيمي ،سبيع ،د.ط ،دمشق :مجمع اللغة العربية.
( )2ينظر :ابن مهران :نفسه ،ص266
( )3ينظر :ابن خالويه :الحجة في القراءات السبع ،ص213
53
تمهيد
صوره وجميع أشكاله عن النبي سواء قل أم كثر ،ضاق به صدره أم موضعه ،كما
أن اهلل نهى نبيه أن يضيق صدره ،أو يضيق عيشه من هؤالء الكفار ،واهلل أعلم.
شيء و ٍ
احد :وذلك لعدم ٍ -اختالف اللفظ والمعنى ،مع جواز اجتماعها في
وقوع التضاد باجتماعها ،ومن أمثلته :قوله{ :ﭞ ﭟ ﭠ} [سورة الفاتحة.]4 :
ﯵﯶ} [سورة البقرة .]259 :و(ننشرها) ،بالزاي والراء :المراد بهما العظام،
ذلك أن اهلل أنشرها أي :أحياها ،وأنشزها :أي :رفع بعضها إلى بعض حتى التأمت،
فأخبر أنه جمع لها هذين األمرين من إحيائها بعد الممات ،ورفع بعضها إلى بعض
() 2
لتلتئم ،فضمن المعنيين في القراءتين تنبيهًا على عظيم قدرته .وأخبر عن
المنافقين ،وأعلمنا أنه معذبهم لكذبهم وتكذيبهم وذلك في آية واحدة قرئت بقراءتين
(يكذبون) وتشديدها ،والمراد :المنافقون؛ ألنهم كانوا يكذبون في أخبارهم ،وي ِّ
كذبون
()3
النبي فيما جاء به من عند اهلل.
قر ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب( :المخلصين) بكسر الالم
يوسف ،]24 :ي أ
في جميع القرآن ،ويق أر أبو جعفر ونافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف( :المخلصين)
الذين أخلصناهم ألنفسنا واخترناهم لنبوتنا ،والمعنيان وان اختلفا؛ فإنهما يجتمعان في
صا لرسالته.
صا في طاعة اهلل ،مستخل ً
يوسف ،فقد كان ٌمخل ً
ﯗ} [سورة التكوير .]24 :ق أر ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب( :بظنين)
بالظاء ،وق أر الباقون( :بضنين) بالضاد ،يراد باألول :ما هو بمتهم ،والثاني :ما هو
()2
ببخيل ،وكال المعنيين مراد ومقصود-واهلل أعلم-إذ المخاطب شخص النبي فهو
غير (ضنين) بالوحي ،أي :غير بخيل بتعليمه غيره ،وال (ظنين) متهم في صدق ما
الصف ]8 :ق أر ابن كثير ،وحمزة ،والكسائي ،وحفص باإلضافة( :متم نوره) ،وق أر الباقون
()3
متم نوره) ،وفي هاتين القراءتين جمعٌ بين وعد ومنة ،يفهم
بالتنوين ونصب نورهٌّ ( :
من اهلل لعباده بإتمام هذا الدين ونصره وتأييده ،فتفهم من قراءة اإلضافة (متم نوره)،
مقصود" ،فقراءة اإلضافة ترشد إلى أن اهلل قد أتم نوره ،وقد
ٌ وكال المعنيين حاص ٌل و
يكون هذا اإلتمام بإكمال الدين ،وقد يكون بنصر أهله والتمكين لهم ،ودحر أعدائهم.
يرث اهلل األرض ومن عليها ،فإذا كانت قراءة اإلضافة فيها منة إلهية؛ فإن قراءة
التنوين فيها عدة ربانية ،ووعد اهلل ال يتخلف ،ففيها طمأنينةٌ للمؤمنين بأن مثل هذا
أبدا ،وال بد أن يتم اهلل نوره كما أتمه من قبل ،قال{ :ﭬ ﭭ ﭮ
الحال لن يدوم ً
ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ
ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮇ ﮈﮉ ﮊﮋ
شيء و ٍ
احد ،بل ٍ -اختالف اللفظ والمعنى ،مع امتناع جواز اجتماعهما في
ينتفيان من وجه واحد ال يقتضي التضاد ،ومن أمثلته :قوله{ :ﯖ ﯗﯘﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ} [سورة
يوسف .]110 :بالتشديد والتخفيف ،فأما التشديد( :ك ِّذبوا) فالمعنى :وتيقن الرسل أن
قومهم قد كذبوهم فيما أخبروهم به ،ووجه التخفيف( :كذبوا) ،أي :توهم المرسل إليهم
( )1عباس ،فضل(2010م) :القراءات القرآنية من الوجهة البالغية ،مقال على اإلنترنت ،ملتقى أهل التفسير
http://tafsir.net
56
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به ،فالظن في اآلية على القراءة األولى( :ك ِّذبوا)
يقين ،والضمائر الثالثة للرسل ،والظن على القراءة الثانية (كذبوا) ٌّ
شك ،والضمائر الثالثة ٌ
أنه جعل التاء لفرعون داللة على المخاطب ،والحجة لمن ضم أنه جعل التاء لموسى
()3
داللة على إخبار المتكلم عن نفسه ،وال سبيل لهاتين القراءتين إال أن تنزل كل قراءة
منزلة آية مستقلة حتى ال يحصل التعارض والتضاد بينهما ،وال يستقيم أن تورد القراءتان
أسند هذا العلم إلى موسى حين قال له فرعون{ :ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ}
[سورة الشعراء ،]27 :فأخبره عن نفسه بالعلم فقال( :لقد علمت) ،ومن ق أر (علمت)
بفتح التاء فقد أسند العلم إلى فرعون حينما خاطبه موسى على وجه التقريع،
()4
والتوبيخ له على شدة معاندته للحق ،وجحوده له بعد علمه .
()1
وضم الفاء ،وكسر التاء( :فتنوا) ( ،فتنوا) تتحدث عن صنف
ِّ بفتح الفاء والتاء( :فتنوا)،
من المؤمنين فتنوا غيرهم ،بأن عذبوهم ليرتدوا عن اإلسالم ،ثم أسلموا هم أنفسهم
فع ِّذبوا في اهلل ،وحملوا على االرتداد عن دينهم ،وقلوبهم مطمئنةٌ باإليمان ،فاهلل
هكذا ينبغي أن يحمل ويوجه ما كان مثل هذا النوع من القراءات ،يقول ابن
تكثير للمعاني...
ًا عاشور" :والظن في مثل هذا النوع أن الوحي نزل بالوجهين وأكثر
على أنه ال مانع من أن يكون مجيء ألفاظ القرآن على ما يحتمل تلك الوجوه مر ًادا
هلل؛ ليق أر القراء بوجوه فتكثر من جراء ذلك المعاني ،فيكون وجود الوجهين فأكثر في
مختلف القراءات مجزًئا عن آيتين فأكثر ،وهذا نظير التضمين في استعمال كالم العرب،
ونظير التورية ،والتوجيه في البديع ،ونظير مستتبعات التراكيب في علم المعاني ،وهو
من زيادة مالءمة بالغة القرآن؛ ولذا كان اختالف القراء في اللفظ الواحد من القرآن قد
يكون معه اختالف المعنى ،ولم يكن حمل أحد القراءتين على األخرى متعيًنا ،وال
()2
مرج ًحا" .
تحملها هذه القراءات على أنها آيات مستقلة؛ لينتفي بذلك التعارض الذي قد يقع في
أذهان البشر ،وأن تنزل كل قراءة منزلة آية مستقلة بذاتها ،وفي ذلك يقول الداني:
"وكذلك ما ورد من هذا النوع من اختالف القراءتين التي ال يصح أن يجتمعا في شيء
واحد هذا سبيله؛ ألن كل قراءة منهما بمنزلة آية قائمة بنفسها ،ال يصح أن تجتمع مع
ِّ
()1
لتضادهما وتنافيهما" . آية أخرى لتخالفها في شيء واحد،
ومن هذا االختالف تتجلى صور البيان القرآني واإلعجاز الداللي في إمكانية
من دالالت ،وعلى عكس ذلك نجد القراء ٪يتفقون على قراءة واحدة إذا كانت القراءة
بوجه منها يؤدي إلى فساد في المعنى ،كما في قوله{ :ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ}
[سورة القمر ،]52 :يقول السمين" :فإنه لم يختلف في رفعه-يقصد الالم من (كل)،-
قالوا :ألن نصبه يؤدي إلى فساد في المعنى؛ ألن الواقع خالفه ،وذلك ألنك لو نصبته
أشياء كثيرةٌ
ٌ لكان التقدير :فعلوا كل شيء في الزبر ،وهو خالف الواقع ،إذ في الزبر
نخلص من هذا إلى أن لكل قراءة حسًنا ولطفًا في موضعها كما وردت ،بالوجه
الذي وردت ،وهذا من تمام بالغة القرآن الكريم واعجازه ،وحسن بيانه وايجازه ،إذ لو
ِّ
الحق بصورته كما هي واستطاعة أي مخلوق أن يأتي بمثل هذا القرآن في تصوير
وتكر القرون واألجيال ،وتتسع دوائر العلوم والمعارف ،وتتغير أحوال العمران ،وال تنقص
كلمةٌ من كلمات القرآن ،ال في أحكام الشرع وال في أحوال الناس وشؤون الكون ،وال في
()1
غير ذلك من فنون القول .
( )1بتصرف :رضا ،محمد رشيد(1990م) :تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) ،288/5 ،د.ط ،القاهرة :الهيئة
المصرية العامة للكتاب.
60
الباب األول:
ُّ
الفصل األول :تغير املاضي من املعلوم إىل اجملهول ،ودالالته
ُّ
الفصل الثاني :تغير املضارع من املعلوم إىل اجملهول ،ودالالته
الفصل األول:
ُّ
تغير الفعل املاضي من املعلوم إىل اجملهول ،ودالالته،
ومع أي جملة فعلية ينبغي مراعاة ثالثة أبعاد :الحدث ،والفاعل أو القائم بالحدث،
تأخير،
ًا يما أو
ذكر أو حذفًا ،تقد ً
مقصد المتكلم ،فالمتكلم له أن يتص َّرف باألبعاد الثالثة ًا
وفي كل صورة ُيحدثُها المتكلم بتغييره لتلك األبعاد يتَّسع المعنى وينفتح على دالالت
في داللتي بنيتي (المعلوم والمجهول) يت ُّم على مستويين :المستوى الصرفي ،والمستوى
التركيبي ،وسيتناول الباحث المستوى الثاني؛ لكونه األقرب في تفسير داللتي البنيتين.
وبما َّ
أن الباحث قد أقام دراسته على صور التغير للفعل المبني للمعلوم والمبني
للمجهول من حيث التجرد والزيادة- ،وهو تقسيم صرفي اصطالحي اختاره ليسهُل تناو ُل
النماذج بالتحليل والدراسة لكثرتها-فإنه يجدر به أن يورد خالصة في أقسام الفعل من
حيث التجرد والزيادة ،فقد استفاضت كتب اللغة والنحو ببيان ذلك وايضاحه ،وال يسع
()1
ينقسم الفعل من حيث التجرد والزيادة إلى قسمين :المجرد ،والمزيد ،فالمجرد:
ما كانت جميع حروفه أصلية ،ال يسقط حرف منها في تصاريف الكلمة بغير علَّة،
وينقسم إلى :مجرد الثالثي ،ومجرد الرباعي ،وال يزيد المجرد عن أربعة أحرف؛ ألنه
أثقل من االسم ،وقد يتصل به من الضمائر ما يصير به معه كالكلمة الواحدة ،والمزيد:
ما زيد فيه حرف أو أكثر على حروفه األصلية ،وهو كذلك قسمان :مزيد الثالثي ،ومزيد
الرباعي.
دائما مفتوح
أما الثالثي المجرد فله باعتبار ماضيه فقط ثالثة أبواب؛ ألنه ً
الفاء ،وعينه إما أن تكون مفتوحة ،أو مكسورة ،أو مضمومة ،نحو :نصر وضرب وفتح،
ونحو :فرح وحسب ،ونحو :ك ُرم ،وباعتبار الماضي مع المضارع له ستة أبواب؛ ألن
صر ،وقعد يق ُع ُد وأخذ يأ ُخ ُذ ،وب أر يب ُرؤ ،وقال يقُول ،وغ از يغ ُزو ،وم َّر ي ُم ُّر.
كنصر ين ُ
( )1ينظر :ابن عصفور ،علي(1966م) :الممتع الكبير في التصريف ،ص ،115ط ،1لبنان :مكتبة لبنان،
الغالييني :جامع الدروس العربية 54/1
64
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
كضرب يضرب ،وجلس يجل ُس ،وباع يبيع ،ورمى يرمي ،ووقى يقي ،وطوى يطوي.
-الباب الثالث :فعل يفعل :بالفتح فيهما ،كفتح يفتح ،وذهب يذهب ،وسعى
كفرح يفرح ،وعلم يعلم ،ورضي يرضى ،وقوي يقوى ،ويأتي من هذا الباب األفعال الدالة
وج ُرؤ يج ُرُؤ ،وهذا الباب لألوصاف الخلقية ،وهي التي لها ُمكث.
-الباب السادس :فعل يفعل :بالكسر فيهما ،كحسب يحسب ،ونعم ينعم ،ويبس
ييبس والفتح فيها أقيس وأجود ،ومما يجب فيه كسر العين :ورث يرث ،وثق يثق ،وهو
والمعول عليه في أبواب مضارع الثالثي هو السماع ،لذلك نجد أفعاالً جاءت
يكمل ،وكمل
كمل ُ
يجلس ،ويجلُس ،وقد يجيء الفعل الواحد على ثالثة أبواب ،نحوُ :
المجرد وزن واحد ،وهو فعلل ،كدحرج يدحرج ،زخرفُ ،يزخرف ،ومنه
َّ وللرباعي
وحوقل ،إذا قال :ال حول وال قوة إال باهلل ،وطلبق ،إذا قال :أطال اهلل بقاءك.
ويلحق الفعل الثالثي بالرباعي المجرد بتكرير الالم ،وبزيادة الواو ثانية أو ثالثة،
وزيادة النون وسطاً ،واأللف آخ اًر ،وهذه هي صور الملحق بالرباعي ،إما على فعلل،
كجلببه؛ أي ألبسه الجلباب ،أو فوعل ،كجوربه؛ أي ألبسه الجورب ،ومنه :فعول ،كرهوك
في مشيته؛ أي أسرع ،وجهور ،أي رفع صوته ،وفيعل ،كبيطر؛ أي أصلح الدواب،
وفعيل ،كشريف الزرع :قطع شريافه ،وفعلى ،كسلقاه :إذا رماه على ظهره ،وفعنل،
أما الثالثي المزيد ففيه ثالثة أقسام؛ ما زيد فيه حرف واحد ،وما زيد فيه حرفان،
وما زيد فيه ثالثة أحرف ،وغاية ما يبلغ الفعل بالزيادة ستة ،بخالف االسم ،فإنه يبلغ
فالذي زيد فيه حرف واحد ،يأتي على ثالثة أوزان :أفعل :كأكرم ،وأعطى،
كاحمر،
َّ على خمسة أوزان :انفعل :كانكسر ،وانشق ،وافتعل :كاجتمع ،واختار ،وافع َّل:
وتفاعل :كتباعد وتشاور ،والذي زيد فيه ثالثة أحرف يأتي على أربعة أوزان :استفعل:
66
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
كاستخرج ،واستقام ،وافعوعل :كاغدودن الشعر :إذا طال ،واعشوشب المكان :إذا كثر
وينقسم الرباعي المزيد فيه إلى قسمين :ما زيد فيه حرف واحد ،وما زيد فيه
حرفان :أما الذي زيد فيه حرف واحد :فله وزن واحد ،هو تفعلل ،كتدحرج ،والذي زيد
فيه حرفان وزنان :افعنلل :كاحرنجم ،يقال :احرنجم عن األمر ،أي :ب ُعد عنه ،واحرنجم
وبعد هذا التعريف بأقسام الفعل من حيث التجرد والزيادة يتناول هذا المبحث
نماذج من تغيُّر الفعل الماضي الثالثي من المعلوم إلى المجهول ،ويناقش دالالت ذلك
التغير ،والمعاني المترتبة عليه ،وقد اختار الباحث أربعة أفعال وردت صورة التغيُّر في
القراء ،هذه
بنيتها بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول بين حفص عن عاصم وباقي َّ
67
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
قال{ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
القراء على فتح الهمز والخاء (أخذ) بالبناء للمعلوم ،وانفرد أبو عمرو
(يأخ ُذ) ،وجمهور َّ
ُ
()1
بضم الهمز وكسر الخاء ببنائه للمجهول( :أُخذ) ،واآليات في بيان الميثاق الذي ارتبط
ذكره في قوله{ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ} [سورة الحديد ،]8:فالضمير يعود َّأنهُ َّ
تقدم ُ
()2
"عرف آخ ُذ الميثاق ،و َّ
أن آخذه هو اهلل ، "والى ذلك إليه ،قال أبو علي الفارسيُ :
( )1ينظر :ابن مهران :المبسوط في القراءات العشر ،ص429؛ ابن الباذش ،أبو جعفر أحمد بن علي(1403هـ):
اإلقناع في القراءات السبع ،ص ،382تحقيق :قطامش ،عبد المجيد ،ط ،1دمشق :دار الفكر؛ األزهري :معاني
القراءات.54/3 ،
( )2الفارسي ،أبو علي(1993م) :الحجة للقراء السبعة ،266/6 ،تحقيق :قهوجي ،بدر الدين .ط ،2بيروت :دار
المأمون للتراث.
68
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
()1
أشار غير و ٍ
احد من أهل العلم .قال الطبري" :بفتح األلف من أخذ ،ونصب الميثاق، ُ
()2
بمعنى :وقد أخذ ربُّكم ميثاقكم" .
الذي غاير بين بنيتي الفعلين :تارة بالمعلوم (أخذ) ،وتارة بالمجهول (أُخذ) وما ذاك إال
ٍ
لقصد معلوم ،ومن المناسب في هذا الموضع أن يؤكد الباحث َّ
أن منهج التفضيل بين
واإلعجاز إنما ورد بكلتا القراءتين ،هذه تكشف المعنى من جهة ،وتلك تكشفه من جهة
(ُ )1ينظر :ابن خالويه :الحجة في القراءات السبع ،ص341؛ ابن زنجلة ،أبو زرعة :حجة القراءات ،ص،698
تحقيق :األفغاني ،سعيد ،د.ط ،بيروت :دار الرسالة؛ األلوسي :روح المعاني171/14 ،؛ القَّنوجي ،محمد صديق
خان(1992م) :فتح البيان في مقاصد القرآن ،400/13 ،تحقيق :األنصاري ،عبد اهلل ،د.ط .بيروت :المكتبة
العصريَّة.
( )2جامع البيان172/23 ،
( )3معاني القرآن132/3 ،
( )4إعراب القرآن234/4 ،
69
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
قراءة المجهول ،يقول" :والصواب القو ُل :بأنهما قراءتان متقاربتا المعنى ،فبأيهما ق أر
إلي
ب الميثاق أعجب القراءتين َّ
فتح األلف من أخذ ،ونص ُ
فمصيب ،وان كان ُ
ٌ القارئ
()1
في ذلك؛ لكثرة القرأة بذلك ،وقلة القرأة باألخرى" .وليس الحكم النتشار القراءة وكثرة
بدليل ما ُخ تمت به( :إن كنتم مؤمنين) ،فـ "هذا االستفهام للتوبيخ والتقريع ،والخطاب
()2
خطاب للمؤمنين،
ٌ ي مان ٍع من اإليمان" ،أو أنها أي ٍ
عذر لكم عند ربكم؟! وأ ُّ للكفار أيُّ :
حالها حال األحكام التي تجري على التعليل ،كما في قوله{ :ﮥ ﮦ ﮧ
()3
كنتم مؤمنين في ٍ
حال من األحوال؛ فآمُنوا اآلن" ،واختاره ذا القول األلوسي وقال عنه:
()4
"الكالم مع المؤمنين على سبيل التوبيخ والتقريع" ،والميثاق المذكور في هذه اآلية هو
70
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
الميثاق األول ،قال مجاهد" :هو الميثاق األول الذي كان لهم في ظهر آدمَّ ،
بأن اهلل
()1
ربَّكم ال إله لكم سواه" .
حشوا في الكالم
احدا ،واال كان ذلك ً
معنى و ً
فالسياق ال يرد ببنيتين مختلفتين ويريد بهما ً
للكفار ،أو التوبيخ لعدم االعتناء باإليمان والترقي فيه إن اتَّجه الخطاب للمؤمنين ،كما
كليهما فالمقام مقام توبي ٍخ وتقريع ،يناسب طبيعة ما قام في قلوب الطائفتين من جحود
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭵ ﭶﭷﭸﭹ ﭺ ﭻ
()2
ميثاق وناموس فطري .
ٌ
ماثال أمامهم
هاهنا بهدف دعوتهم لإليمان والتأكيد عليه؛ فاستدعى أن يكون األمر ً
بجالء ووضوح ،وليس بينةٌ أوضح في نقل هذه الرسالة بتفاصيلها ودقائقها من بنية
المبني للمعلوم( :وقد أخذ ميثاقكم) أي :في اإليمان ،والتوحيد ،والعقيدة ،وغيرها من
قضايا المعتقد مـ َّـما سلك القرآن الكريم في بيانها مسلك الوضوح؛ َّ
ألنها قضايا مفاصلة
الصورة بكل التفاصيل الكامنة وراء بنية المعلوم ،فبقدر ما يقوم في قلب المرء من
حضور اهلل™ ومحبته؛ بقدر ما يكون التزامه بالميثاق أصدق ،وتمسُّكه به أوثق.
(ميثاق ُكم) عن الفاعل بعد الحذف في قراءة( :اُخذ ميثاقُ ُكم) ،وأقصى ما وجده الباحث
(ُ )1ينظر :ابن عطية ،األندلسي(1422هـ) :المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ،234/5 ،تحقيق :عبد
الشافي ،عبد السالم ،ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
( )2الشيخ ،حمدي(2014م) :القراءات القرآنية وأثرها في استنباط األحكام الفقهية ،ص ،95ط ،1القاهرة :المكتب
الجامعي الحديث.
72
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
ٍ
توجيه لطيف
()1
أن الفاعل َّإنما حذف للعلم به ،ووقف الباحث على
إشارة عند السَّمين ب َّ
الغوص في سبر أعماقه وأغواره ،وهنا يحاول الباحث استجالء شيء من تلك الدالالت
من خالل توظيف السياق؛ لفهم الترابط بين القراءتين وصنوف التغيُّر بينهما.
ليستوثقوا لدينهم ،ويأخذوا عهدهم وأيمانهم على هذا الميثاق إن كانوا حقًّا مؤمنين ،هذا
المعنى ُيفهم من تصدير اآلية بقوله( :وما ل ُكم َّأال تؤمُنوا) ،ومن ختامها بقوله( :إن ُكنتُم
ُمؤمنين).
لقد كان من روعة البيان القرآني وجماله أن أ َّكدت القراءتان على الميثاق الذي
وانما ترتفع مقامات العبودية وتغلظ المواثيق حينما يكون اآلمر والناهي هو اهلل™ ،أو
74
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
سببا لدخوله الجنة فعن أبي هريرة ¢أن رسول اهلل قال:
التي يلتزم بها العبد تكون ً
((كل أمتي يدخلون الجنة إال من أبى ،قالوا :يا رسول اهلل ،ومن يأبى! قال :من أطاعني؛
()1
دخل الجنة ،ومن عصاني؛ فقد أبى)) .
لهم :وما عليكم أن تعلموا آخذ الميثاق أو أ َّال تعلموه ،دعوا ذلك ،والتفتُوا إلى العمل
تعظيم لشأن
تخويف لهم ،و ٌ
ٌ بالميثاق دون صرف األوقات في التنطُّع والصَّلف ،وفي ذلك
الميثاق لئال تُساورهم فكرة التخلي عن العمل بحجة عدم العلم بآخذ الميثاق.
لقد ساعدت صورة التغيُّر بين القراءتين في رسم صورة متكاملة عن هذا الميثاق
ويصلح به آخرته،
العبد دنياهُ ،
ميثاق بين العبد وربهُ ،يسلم به ُ
ٌ العظيم ،كيف ال!! وهو
كما قطعت القراءتان ُحجج كل متشك ٍك وأوهامهُ في ترك اإليمان ،وتخليته عن العمل،
جاحدا بغتته ق ارءة المعلوم( :أخذ ميثاقكم) بتأكيدها على اآلمر ،و َّ
أن مثله ال ً فمن كان
وااللتزام ببنود الميثاق .حقًا تلك هي روعة البيان القرآني وذاك هو جماله واعجازه.
( )1صحيح البخاري ،كتاب االعتصام بالكتاب والسنة ،باب االقتداء بسنن رسول اهلل ،ح(.)6851
75
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
َ -خ َ
سفَ ُ -خ ِ
سفَ :
قال´{ :ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ} [سورة
إخبار عن الفاعل :اهلل´ ،والجار والمجرور( :بنا) في موضع نصب الفاعل ،وق أر
ٌ
()1
قائم مقام
(خسف) بضم الخاء ،وكسر السين على البناء للمجهول ،و(بنا)ٌ :
الباقون ُ
أكثر من وجَّه هاتين القراءتين وقف عند المعنى الظاهر لبناء الفعل للمعلوم
()2
(خسف)
أما ُ
صرح معه بالفاعلَّ ،
والمجهول ،فـ(خسف) عندهم بمعنى :خسف اهللُ بنا ُ ،
()3
ف ُحذف ،قال أبو علي الفارسي" :وهو ُيؤول إلى الخسف في المعنى" .
بمظاهر الحياة الدنيا وأُعجبوا بها ،وصفهم اهلل´ بقوله { :ﭸ ﭹ ﭺ} [سورة
القصص ،]79:هالهم ما رأوه من ُملك قارون وخزائنه ،فكان أن تمنَّوا ما أوتي من حظ
حل به ما َّ
حل من الخسف والعذاب استفاقت قلوبهم ل َّـما عاينوا انقالب فلما أن َّ
الدنياَّ ،
(ُ )1ينظر :ابن مجاهد :السبعة في القراءات ،ص495؛ ابن خالويه :الحجة في القراءات السبع ،ص279
(ُ )2ينظر :ابن مجاهد :مرجع سابق ،ص495؛ ابن خالويه ،مرجع سابق ،ص279
( )3الحجة للقراء السبعة425/5 ،
76
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
( )1ابن أحمد ،الخليل(د.ت) :كتاب العين ،201/4 ،تحقيق :المخزومي ،مهدي والسامرائي ،ابراهيم د.ط ،القاهرة:
دار الهالل.
( )2ابن فارس ،أحمد(1979م) :معجم مقاييس اللغة ،180/2 ،تحقيق :هارون ،عبد السالم ،د.ط ،بيروت :دار
الفكر.
( )3ينظر :األزهري ،محمد أبو منصور(2001م) :تهذيب اللغة ،85/7 ،تحقيق مرعب ،محمد ،ط ،1بيروت:
دار إحياء التراث ،الجوهري ،إسماعيل(1987م) :تاج اللغة وصحاح العربية ،1349/4 ،تحقيق :عطاء ،أحمد،
ط ،4بيروت :دار العلم للماليين ،ابن القطاع ،علي(1983م) :كتاب األفعال ،287/1 ،ط ،1بيروت :عالم الكتب.
( )4األصفهاني ،الراغب(1412هـ) :مفردات ألفاظ القرآن ،ص ،282تحقيق :الداودي ،صفوان ،ط ،1دمشق:
دار القلم ،بيروت :الدار الشامية.
( )5الجامع ألحكام القرآن318/13 ،
77
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
احد ؟! وهذا له موضعه من ُذكر مع الفعل (م َّن) دون الفعل (خسف) مع َّ
أن فاعلهُما و ٌ
البحث.
نجد من المفسرين من ارتضى التفريق بين الفعلين ،بأن نسب المعلوم هلل´ ،والمعنى:
خسف اهلل به األرض أي :غيَّبه فيها ،ونسب المجهول لقارون بأن ذهب هو في
()1
األرض ،وفيه معنى لطيف سيشير إليه الباحث الحقًا ،على أ َّن من المتقدمين من
عدم انتهاجه هذا المنهج القائم على المفاضلة بين القراءات القرآنية ،إذ أجمع علماء
تندٍم وتفج ٍ
ُّع ألولئك ُيلمح من تغيُّر بنيتي الفعلين من المعلوم إلى المجهول مزيد ُّ
وتندٍم ،يستعملها النادم إلظهار ندامته ،اختار أهل القوم ،فـ(وي) كلمةُ تنب ٍ
ُّه على الخطأ ُّ
البصرة الوقف عليها في هذه اآلية؛ ألنها عندهم كلمة ُحزن ،ثم يبتدئون (كأَّنهُ) ،أما
أهل الكوفة فيختارون الوصل؛ ألنها عندهم كلمة واحدة أصلها( :ويك) ،قال َّ
النحاس:
( )1الفيروز آبادي ،مجد الدين(1996م) :بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ،540/2 ،تحقيق:
النجار ،محمد ،د.ط .القاهرة :المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية ،لجنة إحياء التراث.
( )2ينظر :الهذلي ،يوسف بن علي(2007م) :الكامل في القراءات العشر ،ص ،615تحقيق :الشايب ،جمال،
ط ،1مؤسسة سما للتوزيع والنشر.
78
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
التندم ،والتَّنبيه على الخطأ ،واإلنكار ،والحزن ،والتفجُّع ،واالستدراك إلى غيرها من
و ُّ
ٍ
لطف ُيفيض به المولى وبحث عن
ٌ ٍ
عطف، (خسف) بالمعلوم فيه استدرُار
مر َّ
أن (خسف) التقدير فيه: عليهم ،يلحظه الباحث من قولهم( :م َّن اهللُ علينا) ،وقد َّ
المن بلفظ الجاللة؛ كان ذلك أدعى إلجابتهم ،وفُهم من عدم التصريح بلفظ الجاللة مع
احد إرادتهم طلب العفو ،واظهار التلطُّف وربَّما كان (خسف) مع َّ
أن فاعل الفعلين و ٌ
محل ٍ
حياء منهم-واهلل أعلم.- اإلغضاء عن الذكر َّ
( )1النحاس ،أبو جعفر(1421هـ) :إعراب القرآن ،167/3 ،تحقيق :خليل ،عبد المنعم ،ط .1بيروت :دار الكتب
العلمية.
(ُ )2ينظر :البقاعي :نظم الدرر361/14،؛ النحاس :إعراب القرآن167/3 ،
( )3البقاعي :نفسه358/14 ،
79
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
()1
للفتنة ،وترحم الناس الضعاف من إغرائها ،وتحطم الغرور والكبرياء" ،ثم َّ
إن في تقديم
مام َّ
بأن المقام مقام تعظيمه ٍ
اعتناء منهم واهت ٍ الفاعل على الجار والمجرور (علينا) مزيد
ار للعطف؛ لئال يقع بهم ما وقع بقارون من الخسف والعذاب ،ال ُّ
كل تلك المعاني استدرًا
ماثال َّ
للناظرين ،يشهد لذلك قوله تعالى: إ َّن هذه المقارنة تجعل المشهد حيًّا ً
()3
(وأصبح)" ،والعرب تعبر عن الصيرورة بأضحى ،وأمسى ،وأصبح" ،والصيرورة انتقا ٌل
من حال إلى حال ،شاهدوا خسف قارون؛ فصاروا يتمنون َّأال َّ
يحل بهم حالُه.
ٍ
معان يحتملها السياق ص على (خسف) فقد فتح َّ
الن َّ بناء الفعل للمجهول ُ
أما َُّ
القرآني أرادوها في طلبهم ،وان كان طلبهم السالمة والنجاة من الخسف مشترًكا بين
أن تعدد القراءتين وتغيُّر بنيتي الفعلين أوحت بأنهم طلبوا َّ
النجاة و(خسف)؛ إال َّ
(خسف) ُ
( )1قطب ،سيد(1412هـ) :في ظالل القرآن ،2713/5 ،ط ،17بيروت :دار الشروق.
( )2العمادي ،أبو السعود (د.ت) :إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ،27/7 ،بدون تحقيق ،د.ط.
بيروت :دار إحياء التراث العربي.
( )3البغوي ،الحسين (1997م) :معالم التنزيل في تفسير القرآن ،225/6 ،تحقيق :النمر ،محمد وضميرية،
عثمان ،ط ،4المدينة المنورة :دار طيبة للنشر.
80
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
ذهبوا هم في األرض! أم أخذتهم األرض فدخلوا فيها! على المعاني المرادة من (خسف)
(خسف) يفهمه
هذا التغيُّر بين المبني للمعلوم (خسف) ،والمبني للمجهول ُ
الباحث في السياق النفسي ألولئك القوم ،وال شك أن النفوس تتأثر باألحداث ،فحجم
صور تغيير الفكر ،واالعتبار بالمآالت ،وعدم االغترار بالمظاهر، الفعلين َّ
قدم صورةً من ُ
81
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
حيث "صار هالك قارون عقوبة له ،وعبرة وموعظة لغيره ،حتى َّ
إن الذين غبطوه،
()1
األول" .
فكرُهم َّ
سمعت كيف ندموا ،وتغيَّر ُ
ض ى -ق ُ ِ
ض َي: -قَ َ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ} [سورة
ٍ
وبألف مقصورٍة آخر الفعل على أنه مبني للمعلوم ،و(الموت) مفعول به ،وق أر حمزة
و(الموت)
ُ والكسائي وخلف( :قُضي) بضم القاف وكسر الضاد وفتح الياء آخر الفعل،
()2
بالرفع على أنه نائب فاعل .
إخبار عن اهلل´-
ًا غير و ٍ
احد من أهل العلم يجعل من الفعل المعلوم (قضى)
()3
لتقدم اسمه-في قوله( :اهلل يتوفى األنفس) ،ومنهم من جعل َّ
مرد التغيُّر في هذا ُّ
()4
النظم ،أو إلى ائتالفه على سيا ٍ
ق واحد ، معنى واحد إ َّما إلى قضيَّة َّ
الموضع ُيؤول إلى ً
( )1السعدي ،عبد الرحمن(2000م) :تيسير الكريم المنان في تفسير كالم َّ
المنان ،ص ،624تحقيق :اللويحق،
عبد الرحمن ،ط ،1بيروت :مؤسسة الرسالة.
(ُ )2ينظر :ابن مجاهد :السبعة في القراءات ،ص ،563ابن الجزري :النشر 363/2
(ُ )3ينظر :ابن خالويه :الحجة في القراءات السبع ،ص310؛ الزمخشري ،محمود بن عمرو (1407هـ) :الكشاف
عن حقائق غوامض التنزيل ،134/4 ،ط ،3بيروت :دار الكتاب العربي؛ ابن عطية :المحرر الوجيز602/4 ،
(ُ )4ينظر :النحاس :معاني القرآن179/6 ،؛ أبو زرعة :حجة القراءات ،ص ،624القرطبي :الجامع ألحكام
القرآن263/15 ،
82
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
مبني للفاعل–يتوفَّى– كذلك كان حكم الذي قال أبو علي الفارسي" :فكما َّ
أن هذا الفعل ٌّ
ُعطف عليه–قضى– ،ومن بنى للمفعول به؛ فهو في هذا المعنى مثل بقاء الفعل
()1
للفاعل" .
لم يصرح بذلك ،حيث يقول" :والمعنى فيه :يتوفَّى األنفس حين موتها ،ويتوفَّى التي لم
()4
ظاهر من قراءة المعلوم (قضى) َّ
أن المعنى" :قضى اهللُ عليها الموت" ،فالعلم ٌ
الداللة هنا مهَّد له مطلع اآلية( :اهللُ يتوفَّى األنفس) ،إذ فيه التنبيه على
بالفاعل ظاهر َّ
ُيسأل عما يفعل وهم ُيسألون ،يحيي ويميت ،يقدر الحياة لمن شاء أن ُيحييه ،ويكتب
أحد إال اهلل´ ،قال ابن عاشور: الموت لمن شاء وبأي ٍ
حال شاء ،ال يقدر على ذلك ٌ
"وتقديم اسم الجاللة على الخبر الفعلي؛ إلفادة تخصيصه بمضمون الخبر ،أي :اهلل
تصرفًا في
حقيقي؛ إلظهار فساد أن أشركوا به آلهةً ال تملك ُّ
ٌّ قصر
غيره ،فهو ٌ
يتوفى ال ُ
()1
أحوال الناس" .
()2
(قضى) لغةً :يقضي قضاء وقضيَّةً ،أي :حكم ،والقضاء :فصل األمر قوًال
()4 ()3
فعال ،والقضاء عند ابن سيده بمعنى :الحتم ،ويفرق صاحب معجم
كان ذلك ،أو ً
الحكمَّ ،
بأن القضاء :يقتضي فصل األمر على التمام، ُّ
الفروق اللغوية بين القضاء و ُ
()5
فيقتضي المنع من الخصومة ،في ضوء تلك المعاني اللغوية يمكن فهم قراءة المبني
()6
ومفروغا منه" .
ً ت بتًّا َّ
مقد ًار للمعلوم ،فقضى عليها الموت" :ختم ،وحكم ،وب َّ
قادر
ألنه ال تصح الوكالة إال إن كان الوكيل ًا الموت لم تصح وكالةُ ٍ
أحد من الخلق فيه؛ َّ
عليه بطريق من الطرق ،وال قدرة متحققة مع شأن الموت والحياة ،فكما قيل له‘ لو
إنما هو
أمرهم؛ لضاعوا عند نومك وقومتك ،وكذلك شأن هدايتهم وضاللهم َّ
ُوكل إليك ُ
شبيهٌ بيقظتهم واماتتهم ،فكما َّأنه ال يقدر على اإلماتة واإلنامة إال اهلل´ ،فكذلك ال يقدر
على الهداية واإلضالل إال اهلل´ ،فمن عرف هذه الدقيقة عرف سر اهلل´ في القدرة،
()1
ومن عرف الس َّر فيه؛ هانت عليه المصائب ،وهذا هو وجه التسلية عنه‘ .
مجرور
ًا تقدير( :قُضي عليها بالموت)َّ ،
فإنهُ ل َّـمـا ُحذف الخافض؛ صار االسم الذي كان
زيادة على ما كان عليه مع الفعل المبني للمعلوم (قضى) ،قال البقاعي" :قضى أي:
()1
اليسر والسهولة الذي عناه البقاعي استوجبه بناء بزيادة اليسر والسهولة" َّ ،
ولعل هذا ُ
سابق،
ٌ الفعل للمجهول ،وحذف الخافض على تقدير( :قُضي عليها بالموت) فالحكم
ال يغيب عن القلب ُمشاهدة المتصرف فيها ،المالك لزمام آجال الخلق مسلمهم والكافر،
أهم هي
فاستدعت القراءة ُيس ًار في إيصال هذا المعنى واالنتقال منه إلى قضيَّة أولى و ُّ
َّ
تتكشف أنو ٌار من مالمح دالالت التَّغيُّر بين البنيتين وبالعودة لسياق اآليات
التعارض أو التَّدافع ،ويسجل الباحث هنا بعض اإلشارات التي يمكن أن تُفهم في سياق
البحث َّ
الداللي لصور التغير بين القراءات القرآنية في بنيتي الفعل المبني للمعلوم
والمجهول.
يفرون، قضاء م ٍ
خيف لنفوس البشر ،منه ُّ ٍ حديث عن
ٌ ثم َّ
إن الحديث عن الموت َّ
ُ
عظمته وقهره على عباده؛ جاءت القراءتان تكشفان عن هذا المشهد من زاويتين مختلفتين
بعضا ال مجال للتعارض بينهما وال التناقض ،فقوام المشهد على جملة
تكمالن بعضهما ً
من َّ
الدالالت التي تؤكد الصورة الختامية التي أراد الشارع استحضارها مع حقيقة الموت.
أال يعاين الموت بقلبه ،فاالبتداء باسم اهلل األعظم ،واسناد التوفي إليه´ "الذي له مجامع
()2
ٍ
نقص إليه سبيل" ،والعدول عن جمع الكثرة (نفوس) إلى جمع الكمال ،وليس لشائبة
(يمسك)، َّ
القلة (أنفُس)؛ يجعل الجميع كنفس واحدة إحياء واماتة ،وايراد الفعلينُ :
87
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
ُّ
كل تلك َّ
الدالئل تقيم في القلب منارات الخوف من الموت ،وتجعله في أهبة
صورته
همودا وهو ما َّ
ً شحوبا ،والحركة
ً وتتحول َّ
النضارة َّ الحسن والحركة عن البدن،
ُ
قراءة المجهول( :قُضي) ،أيًّا كان هذا أو ذاك فالمقام مقامه´ ،والسلطان سلطانه،
لقد بان مع تغيُّر البنيتين :المعلوم والمجهول كل معاني القهر والغلبة والقوة
ٍ
ونظم بديع ،كما أرسلتا رسالة التي حملتها بنية الفعل الثالثي (قضى) بأسلوب رفيع،
مفادها أن يتهيأ العاقل للموت بحضور قلب ،وصفاء بال ،وهمة تستحثُّهُ نحو العمل.
وما جاء من الحق أي :القرآن الذي نزل من عند اهلل´ ،ومن ق أر بـ (ُنزل) ف ُحجَّتُهُ أنَّهُ
كر قبله حيث قال( :أن تخشع قلوبهم لذكر اهلل وما نزل من الحق)،
جرى السم اهلل´ ذ ٌ
()2
أي :وما أنزل اهلل´ من الحق .
وعندما نبحث الفرق بين مصدري الفعلين( :نزل) ،و(ن َّزل) في كتب اللغة
( )1ابن خالويه :الحجة في القراءات السبع ،ص342؛ الفارسي :الحجة للقراء السبعة 273/6؛ الداني ،عثمان
بن سعيد (1984م) :التيسير في القراءات السبع ،ص ،208تحقيق :تريزل ،أوتو ،د.ط ،بيروت :دار الكتاب
العربي.
(ُ )2ينظر :أبو زرعة :حجة القراءات ،ص700
(ُ )3ينظر :العسكري ،أبو هالل (د.ت) :معجم الفروق اللغوية ،ص ،79تحقيق :سليم ،محمد ،د.ط ،القاهرة :دار
العلم والثقافة.
89
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
لنزولها دفعة واحدة ،وال تعارض بين هذا المعنى وبين قوله´{ :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
()1
الراغب بين داللتي ومثله قوله´{ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ} [سورة القدر ، "]1:وقد َّ
فرق َّ
ٍّ
كل من (ن َّزل) و(أنزل) ويقاس عليه (نزل) ،فقال" :والفرق بين اإلنزال والتنزيل في
ومرة
مفرقًاَّ ،
يختص بالموضع الذي يشير إليه إن ازلُه َّ
ُّ وصف القرآن والمالئكةَّ :
أن التنزيل
()2
َّ
محل اتفاق بين عام" ،وذكر د .أبو موسى َّ
أن هذا التفريق ليس مرة ،واإلنزال ٌّ
بعد َّ
()3
األئمة .
ٍ
بمعان أخرى، أما (فعَّل) ومنه (ن َّزل) فقد اختُ َّ
ص عند البالغيين والصرفيين َّ
()4
غالبا ،ومن مقتضيات تكثير الفعل أن يستغرق وقتًـا أطـول يفيد
حيث ُيفيد :التكثير ً
تلبثًا ُّ
()5
َّ
الكمية ،ومن دالالت َّ
الكيفية ال وتمكثًا ،ورأى بعض الباحثين التكثير من جهة ُّ
90
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
()1
استعمـال (فعَّل) :االهتمام والمبالغة ،كذلك التَّرتيب ،قال ابن فـارس" :والتنزيل :ترتيـب
()3 ()2
الشيء ،ووضعه منزله" ،وفي لسـان العرب" :التنزيل :التَّرتيب" ،يتحصَّل م َّما سبق
مرةً بعد َّ ٍ
مرة؛ التدرج والتَّكرار ،و َّأنه يقع َّ أن (ن َّزل) ينفتح على جملة من َّ
الدالالت ،منهاُّ : َّ
يستغرقه (أنزل) و(نزل) ،أو االهتمام والمبالغة ،كذلك التَّرتيب والتَّنظيم ،و ُّ
مرد ذلك إلى
يال؛ َّ
ألنه لم ينزل جملـة واحدة ،بل سـورة سورة ،وآية االستراباذي" :لذلك ُسمي الكتـاب تنز ً
آية ،وليس نصًّا فيه ،أال ترى إلى قولـه´{ :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ
()5
ﭩ} [سورة الشعراء. ]4:
(ُ (1ينظر :ابن قتيبة ،عبد اهلل(د.ت) :أدب الكاتب ،ص ،460تحقيقَّ :
الدالي ،محمد ،د.ط ،بيروت :مؤسسة
عمار
عمان :دار َّ
الرسالة ،السامرائي؛ فاضل(2009م) :بالغة الكلمة في التعبير القرآني ،ص ،66طَّ ،5
( )2معجم مقاييس اللغة ،مادة (نزل) 417/5
( )3ابن منظور ،محمد(د.ت) :لسان العرب ،مادة (نزل) ص ،4399تحقيق :الكبير عبد اهلل وآخرون ،د.ط،
القاهرة :دار المعارف.
) )4السامرائي :بالغة الكلمة ،ص67
( )5شرح شافية ابن الحاجب93/1 ،
91
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
وحتى نفهم صورة التغيُّر الحاصلة في بنية الفعل من (نزل) المبني للمعلوم إلى
(نزل) المبني للمجهول ،ينبه الباحث إلى أهمية إعمال السياق ،ودراسة سبب نزول
ُ
اللُّغوية.
()1
الحديد ]16:إال أربع سنين)) ،وعن ابن عباس ¢قال :استبطأ اهلل´ قلوب
المهاجرين ،فعاتبهم على رأس ثالث عشرة سنة من نزول القرآن ،فقال´{ :ﮯ ﮰﮱ
()2
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ} [سورة الحديد ، "]16:وعن األعمش قالَّ :
إن الصحابة
اهلل´ لقسوة وجدها في قلوبهم ،والعتاب لهم ولمن بعدهم من باب أولى ،وفي هذا اإلطار
( )1صحيح مسلم ،كتاب التفسير ،باب في قوله تعالى" :ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اهلل"،
ح(.)3027
(ُ )2ينظر :ابن كثير ،إسماعيل بن عمر(2000م) :تفسير القرآن العظيم ،19/8 ،ط ،1بيروت :دار ابن حزم.
(ُ )3ينظر :البنتني ،محمد(د.ت) :مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد ،493/2 ،تحقيق :الصناوي ،محمد،
ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
92
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
العتاب.
(نزل) بالتخفيف والبناء للمعلوم التقدير فيه :أن تخشع قلوبهم لذكر اهلل´ ،ولما
نزل من الحق ،وعليه يكون (الحق) بمعنى( :القرآن) كما أشار إلى ذلك غير و ٍ
احد من
()1
ألنه ٌّ
حق نازل من السماء، ألن القرآن جامعٌ للوصفين :الذكر والموعظة ،و َّ
المفسرين ؛ َّ
لذكر اهلل الَّذي هو :القرآن ،أو باعتبار تغاير المفهومين كما يراه صاحب أضواء
حملت رسالةً مبطَّنة لمن أُنزل إليهم هذا القرآن أن يبادروه التدبُّر و ُّ
التأمل ،وأن يكون
الخشوع سمة مالزمة لقلوبهم ،هذا-واهلل أعلم-ما أوحت به بنية المعلوم من َّ
أن القرآن
البقرة.]85:
(نزل) فيه تضعيف ،والتَّضعيف من أدعى لفهم مراد كالم اهلل´ ،كما َّ
أن بناء الفعل ُ
تلبثًا وت ُّ
()1
مكثًا ، أن الفعل يستغرق وقتًا أطول يفيد ُّ
معانيه التكثير الذي من مقتضياته َّ
َّ
ولعل في هذا إشارة للمؤمنين أن يأخذ الخشوع مساحة واسعة من أوقاتهم وأزمانهم شأنهم
الحكيم.
()2
محصَّل التغيُّر بين القراءتين َّأنه ليس للمؤمنين ٌ
"عذر في عدم خشوع قلوبهم" ،
وقد َّأدت القراءتان هذا المعنى وزيادة ،ففي تثاقلهم في أمور الدين ،ورخاوة عقدهم فيها،
()3
أمور ُنعيت عليهم ،وعوتبوا عليها .
واستبطاء ما ُندبوا إليه بالترغيب والترهيب تلك ٌ
هكذا شهدت صورة التغيُّر بين القراءتين من المعلوم إلى المجهول تربية
للمؤمنين على تعاهد اإليمان وأسبابه الدافعة إليه ،والمحفزة عليه من ذكر اهلل´ ،وقراءة
تعاهد دون
ٌ القرآن الكريم ُّ
وتدبره في كل أحوال المسلم ،ومع كل آياته ،وفي كل أوقاته،
تلك ٍؤ وال تباطؤ؛ بل استجابة سريعة هلل´ ورسوله‘ مفادها :سمعتم آيات اهلل تتلى
(نزل)؛ َّ
فإن مقصد التنزيل بهما" :إخالء القلوب من النفاق، اء (نزل) أم ُ
للخشوع ،سو ٌ
أسلوب من التَّربية
ٌ باطناَّ ،إنه
ظاهر أن يلبسوه ً
ًا واخالص النيَّات لهذا الدين َّ
الذي لبسوه
ُّ
الطب لدائهم ،وتقديم الحكيمة العالية التَّي ليس من همها قتل المرضى؛ بل ُّ
همها األول:
()1
الدواء الناجع لعللهم" .
( )1الخطيب ،عبد الكريم (د.ت) :التفسير القرآني للقرآن ،766/14 ،د.ط ،القاهرة :دار الفكر العربي.
95
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
آنية ،وكلَّما استجلى الباحث صورة ذلك التغيُّر مناق ًشا ومحلِّ ًًل األوجه الداللية
القر ّ
ِّ
المتقدمين والبيانية المرتبطة بسياق كل صورة من تلك الصُّور؛ ف َّإنه يجد في نقوالت
ٍ
ك ،و َّأنى لعبد أن يحيط ً
علما بكل ما استودعه اهلل في كتابه ،واستأمن مقصود وال ش ّ
عليه الحفظة من عباده ،لكن الباحثين في هذا الميدان يع ِملون ما يتيسَّر لهم من ٍ
آالت ُْ ّ
يتناول هذا المبحث دالالت تغيُّر الماضي مزيد الثًلثي من المعلوم إلى
أن المزيد :ما ِزيد فيه حرف أو أكثر على حروفه األصلية،
المجهول ،وقد سبق بيان َّ
وقد اختار الباحث أربعة أفعال زيد عليها إ َّما بالهمز أو بالتضعيف يدرسها ويناقشها
بغية الوصول إلى األثر الذي تحدثه هذه الصورة من التغيُّر في المعنى ،هذه األفعال
هي( :أسَّس ،أملى ،تبيَّن ،قاتَل) ،وفيما يلي مناقشة لهذه األفعال:
96
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
سسَ-أُ ِّ
سسََ َ: -أَ َّ
قال{ :ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ} [سورة التوبة:
ِّ
الصد عن دين ،]109تصف اآلية إحدى دسائس المنافقين وجرائمهم المعهودة في
تصوران مشهد
ِّ ص ًَّلهم معه ،فجاءت القراءتان بالمعلوم والمجهول
رسول اهلل عن ُم َ
الني ِ
َّات. ص ُدوه وبيَّتُوا له ِّ
الدسائس والكيد الذي قَ َ
ِّس) ،وق أر الجمهور ومعهم حفص بفتح الهمز ،وفتح السين مضعَّفة على البناء
(أُس َ
نص غير و ٍ
احد من أهل العلم َّ
أن (أسَّس) بالمعلوم ناسب
()1
للمعلوم( :أسَّس) ،وقد َّ
( )1ينظر :ابن مجاهد :السبعة في القراءات ،ص318؛ ابن الجزري :النشر281/2 ،
97
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
ي القراءتين متَِّفقتين
()1
بنيانه على تقوى من اهلل ،وهو مسجد رسول اهلل ، وجعل الطبر ّ
أعجب
ُ صفَها بأنها
في المعنى ،بأيِّهما ق أر القارئ فمصيب ،ومال إلى قراءة المعلوم َوَو َ
تخطئتِ ِه فالقراءتان
()2
َ إليه ،وليس المقام هنا–فيما يرى الباحث -مقام تصويب القارئ أو
متواترتان؛ َّ
لكن المقام يستدعي إيضاح المعنى المقصود من هذا التغيُّر الذي جاء
ِّس).
َّس) ،ومرة بالمجهول (أُس َ
على نسقين مختلفين :مرة بالمعلوم (أس َ
جوز
فع باالبتداء ،وخبره (خير) ،و َّ
اهلل ورضوان خير) بمعنى :الذي في موضع ر ٍ
َّس) ،والمعنى:
العكبري أن يكون( :على تقوى) في موضع الحال من الضمير في (أس َ
()3
قاصدا بِبنيانه التقوى .
ً على قصد التقوى ،ويكون التقدير فيه:
(الباني) ،فاآليات في معرض المقارنة بين مسجدين :مسجد رسول اهلل ،ومسجد
ِّ
الضرار .وقد كان باعث المنافقين في بناء المسجد أربعة أمور-كما بيَّنته اآليات:-
ِّ
الضرار لغيرهم ،والكفر باهلل ،والتفريق بين المؤمنين ،ثم اإلرصاد واإلعداد لمن
حارب اهلل ورسوله ،وهذه األغراض قد تتَّجه للمؤسِّس ،وهم :المنافقون ،وقد تتَّجه
ثم َّ
إن مطلع القصَّة يشهد فنية التقوى إنما تنعقد به وتُو َكل إليهَّ ،
المعلوم (المؤسِّس)ّ ،
هذا التركيز فقد ابتدأ وصفهم بقوله( :والذين اتخذوا مسجدا ضرًارا) ،كما َّ
أن االبتداء
بهمزة اإلنكار( :أفمن أسَّس بنيانه) على َّأنها جملة مستأنفة خبرية مبيَّنة لخيريَّة الرجال
الضرار ِّ
تعزز ذلك المعنى أيضا ،وان كان ذلك المذكورين مقارنة بمن بنى مسجد ِّ
وللرهبة من
المبني للمعلوم آكد وأقرب ،ف ـ "الباني لـ َّـما بنى ذلك البناء لوجه اهللَّ
ِّ ِّ
حق
الرغبة في ثوابه؛ كان ذلك البناء أفضل وأكمل من البناء الذي بناه الباني
عقابه ،و َّ
()1
لداعية الكفر باهلل ،واإلضرار بعباد اهلل" .
َّ
"ألن المقصود هو اإلعًلم بأن تأسيس البنيان إنما هو على التقوى ،ولم يقصد إلى
()2
وقبحا" .
حسنا وروعة ،ويزداد القبح شناعة ً حيث يتقابل مع ِّ
ضده ،فيزداد الحسن ً
زت على البناء ،على تقدير :أبِناء َم ْن بأن قراءة (أُسِّس) َّ
رك ْ وعليه يمكن القول َّ
َ
أَسَّس؟! ِّ
تعززه القراءات الواردة في اآلية وِان لم ُيق أر بها؛ لشذوذها ،لكنها جائزة عربية
ُس ُس
ُس) إلى (بنيانه) ،وقراءة نصر بن عاصم وأبي حيوة( :أساس بنيانه) ،و(أ ُ
(أ ّ
()3
بنيانه) على وزن (فُ ُعل) جمع أساس ،جميعها محور تركيزها (البنيان) ،قال سيد
قطب معلَّقًا على ذلك البنيان" :فلنقف نتطلَّع لحظة إلى بناء التقوى الراسخ المطمئن،
( )1ابن أبي مريم ،نصر بن علي (2009م) :الموضح في وجوه القراءات وعللها ،ص ،379تحقيق:
الطرهوني ،عبد الرحيم ،ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
( )2الخطيب :التفسير القرآني للقرآن798/6 ،
(ُ )3ينظر :ابن عطية :المحرر الوجيز84/3 ،
100
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
ثم لنتطلَّع ُ
بعد إلى الجانب اآلخر لنشهد الحركة السريعة العنيفة في بناء الضرار ،إنَّه
()1
قائم على شفا جرف هار" .
َّس)،
ِّس) كبروزه في قراءة المعلوم (أَس َ
كثير على قراءة (أُس َ
لم يبرز الفاعل ًا
محادة هلل ورسوله واضرار بالمسلمين فحقُّه أن يهدم ،واذا أراد اإلنسان
ّ فيستمر ،أم على
األصول ،وال بالجزئيات على الكليَّات هذا شأن العاقل ،فكيف يكون ذلك في ِّ
حق
اإللماحة أبانتها قراءة المبني للمجهول (أُسِّس) التي أوقفتنا أمام بناءينٍ :
بناء كان َ
درس، ٍ
وعلوم تُ َّ حاضر ،ومعالمه بارزة ظاهرة من عبادات َّ
تؤدى، ًا مقصد التقوى فيه
َّ
محادة اهلل ورسوله لذا "كان األول شريفًا واجب البقاء ،وكان الثاني ٍ
وبناء قام على
()2
خسيسا واجب الهدم" .
ً
للمعلوم رّكزت اهتمامها على (المؤسِّس) ،أو (الباني) بما شهدته من الحديث عن
المصدر إلى ضمير فاعله بما يجعل (الباني) في دائرة التركيز واالهتمام ،كما سلَّطت
مسجدا
ً قراءة المجهول الضوء على البناء وجعلته محور التركيز واالهتمام ،فإن كان
وبنِ َي ليرفع ذكر اهلل فذلك مسجد خير وبركة ،وان لَم؛
حقَّق معاني التقوى والعبوديةُ ،
تنسجم القراءتان كأشبه ما يكونان بسبيكة ذهبية أو عملة نقديَّة طُبِع عليها
في صورة التغيُّر بين المعلوم والمجهول رسالة ألهل اإلسًلم مفادها :إن
أردتُّم خيريَّةً وديمومةً فاعتنوا بأمرين :النيَّات والمقاصد ،والمعالم والمظاهر ،فما كان
َّ
تتكشف النيَّات يد به وجه اهلل يبقى ،وما أسرع ما
لغير اهلل يضمح ّل ،وما أُر َ
َّ
يتكشف فساد التأسيس في البناء ،فإن بنيتم مساجدكم أو مجتمعاتكم أو الفاسدة كما
-أَمَلَى-أُملِيََ :
قال{ :ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮥ ﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ} [سورة محمد .]25 :قـ أر العشرة عدا أبي عمرو ويعقوب بفتح الهمزة
ألف بعدهـا (أ َْملَى) ،وق أر أبو عمرو بضم الهمزة وكسر الًلم وفتح الياء( :أُملِ َي)،
والًلم و ٍ
وق أر يعقوب بضم الهمزة ،وكسر الًلم ،واسكان الياء( :أُملِ ْي) .
()1
بأن َّ
أمد فإن عاد الضمير إليه؛ فالمعنى :أملى لهم اهللْ
هلل ،أو للشيطانْ ،
{ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯙ ﯚ
سول
ويحسن على هذا المعنى الوقف على قـولهَّ ( :
ُ ﯛ} [سورة محمد،]26 :
لهم)؛ َّ
ألن اإلمًلء على هذه القراءة مسند هلل ،بينما التسويـل للشيطـان ،قـال الداني:
اف ،سـواء قُ ِرئ( :وأ ُْملِ ْي لهم) على تسمية الفـاعل ،أو( :أُ ْملِ َي لهم) على
سول لهم) كـ ٍ
"( َّ
(ُ )1ينظَر :ابن مجاهد :السبعة في القراءات ،ص600؛ الداني ،أبو عمرو (2008م) :التيسير في القراءات
السبع ،ص ،463-462تحقيق :الضامن ،حاتم ،ط ،1الشارقة :مكتبة الصحابة؛ ابن الباذش :اإلقناع في
القراءات السبع768 ،؛ ابن الجزري :النشر ،ص.364
103
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
()1
كثير في كتاب اهلل ،كما في
الذي هو مسند إلى الشيطان" ،وقد ورد هذا المعنى ًا
قوله{ :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
بأن
سول وأملى لهم الشيطان ْ
وا ْن عاد الضمير إلى الشيطان؛ كان المعنىَّ :
َّ
مد لهم في األمل و ِّ
التمني ،ووعدهم بالغرور وأوقعهم في شبـاك األماني ،ومنعهم العمل
ﮱ} [سورة النساء ،]119 :واسناد فعل اإلمًلء إلى الشيطان َّإنما هو من جهة
يوسع مدة ٍ
أحد ،وال ِّ يؤخر أحد َّ
يقينا َّأنه ال ِّ أن اهللَّ
قدره على ذلك ،واال فإنَّه"ُ :ي ْعلَم ً َّ
()2
فيها إال اهلل. "
( )1الداني ،عثمان بن سعيد(1987م) :المكتفى في الوقف واالبتدا في كتاب اهلل عز وجل ،ص ،525تحقيق:
وينظَر :األشموني ،أحمد محمد(1973م) :منار الهدى في
المرعشلي ،يوسف ،ط ،2بيروت :مؤسسة الرسالة؛ ُ
بيان الوقف واالبتدا ،ص ،362ط ،2مصر :شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي.
الكرماني ،محمد بن أبي المحاسن(2001م) :مفاتيح األغاني في القراءات والمعاني ،ص ،376تحقيق:
ّ ()2
مدلج ،عبد الكريم .ط ،1بيروت :دار ابن حزم.
104
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
كذا وكذا ِم َّما ال أصل له ،حتى يعوقهم عن العمل" ،أو يكون اإلمًلء من اهلل؛
()1
ُّ
التوهم الحاصل من َّ
أن اإلمًلء للشيطان كونه جرى ذكره قبل هذا فقال: لُي ِز َ
يل
ُّ
التوهم، سول لهم) ،ولم ِ
يجر هلل ذكر ُهنا؛ فجاءت هذه القراءة لتزيل هذا (الشيطان َّ
()2
يؤخر أحد َّ
مدة أحد ،وال يوسِّع له فيها إال اهلل. " بأنه ال ِّ
في هذا الموضع؛ للعلم َّ
المفسرين لآلية -بَِن َعِم اهلل عليهم من سهولة الرزق ،وطول العمر ،وتغادق النعم،
()3
ُّ
الحق ،وآثروا الغواية على تدوا على أدبارهم كفَّ ًا
ار بعد ما َّ
تبين لهم فقابلوها بالعناد ،وار ُّ
الرشاد ،صورة هذا االغتـرار ناسبها التعبير بالمعلوم( :أ َْملَى) ِّ
ليبين–واهلل أعلم–تسهيل
()1
حتى اغتروا ،كما قال{ :ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ} [سورة القلم ،]44 :كما َّ
أن
نسبة اإلمًلء إلى الشيطان كذلك ناسبت الحالة التي اختاروها ألنفسهم من ُّ
تنك ِب
طريق اإليمان ،ولَهَثِ ِهم وراء الكفر ،وقد كان الدافع للسير في هذا الطريق إغواء
إمًلء ظاهر
ُ لقد كان في بناء الفعل للمعلوم وضوح لصورة ذلك اإلمًلء ،فهو
ٍ
معاص ،ظاهر كذلك في تسهيل اهلل لهم في تسويل الشيطان لهم فيما يقارفونه من
ِ اشتدادا في نبرة الخطاب ،ذلك َّ ولعل في (أ ُْملِ َي) بالمجهول َّ
َّ
أن الفعل ُبدئَ قوة و ً
فيها من إثبات االختصاص والنسبة له ما ال يشاركه أحد في فعله ،ما دام َّ
أن
أفعالهم مشاقَّة هلل وأوليائه" ،هذا المشهد ال يكاد يتحقَّق على الوجه األكمل إال في
عنها ،فحيث الوعيد والتهديد نجد البناء التعبيري قويًّا بجملته وتفاصيله ،فنجد
وتيرته ،تبيَّن ذلك في صورة االنتقال من بِنية إلى بِنية ،كما َّ
ركزت في معانيها على
"سول لهم ،أي :سهَّل لهم اقتراف الكبائر ،من السؤال وهو :االسترخاء،
قال المظهريَّ :
()2
جو وقيل حملهم على الشهوات ،ومن السَّول وهوِّ :
التمني" ،وفي كليهما تأكيد على ّ
ي ،محمد ثناء اهلل (1412هـ) :التفسير المظهري ،435/8 ،تحقيق :التونسي ،غًلم نبي ،د .ط،
( )2المظهر ّ
الباكستان :مكتبة الرشدية.
107
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
ِ
(أ َْملَى) ،فطُبِع على قلوبهم ،و(أ ُْمل َي) لهم استدر ً
اجا ،حتى فجأهم مكره ،وحاق بهم
مشهدان يمثًلن كيف يعاقب اهلل أقواما بالطبع على قلوبهم واستدراجهم لِ َي ِح َّ
ق بهم
اجا.
األعمار واألرزاق استدر ً
جميعا-هلل فقد
ً فإن قلنا :إ َّن اإلمًلء-فيها
ظهَر بصورة متناسقةْ ،
فالمعاني جميعها تَ ْ
وطول لهم في األمل ،وتكون (أُ ْملِي) قد أفادت :أن اهللَّ
مد لهم في أفادت َّأنه وعدهم َّ
108
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
قد تبدو هذه الصورة من التغيُّر منذ الوهلة األولى َّأنها ال تعدو أن تكون
المتأمل فيها الفكر ويتذوقها ،حتى تتفجَّر أمام عينيه العديد من الدالالت التي
ِّ أن ُي ْن ِعم
ْ
احدا،
جرما و ً َّ َّ َّ
معاني متفرقة ال تتسم بالتناقض وال بالتعارض ،بل "تبدو في العين ً
َ تحمل
َّ
لكنها عندما تجري على اللسان ،وتقع على السمع ،تتفجَّر منها أشتات من المعاني
( )1لًلستزادة :الجيلي ،علي أحمد(2008م) :اختًلف القراءات من صيغة الماضي إلى غيرها حكمته وداللته،
ص ،142مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية ،العدد( )1المجلد(.)5
( )2الشين ،عبد الفتاح(1983م) :من أسرار التعبير في القرآن صفاء الكلمة ،ص ،120د .ط ،الرياض :دار
المريخ.
109
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
-تبيَّن-تُبُيِّنَ :
قال{ :ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ
الجمهور (تََبي ََّنت) على البناء للمعلوم بفتح التاء والباء والياء ،وق أر يعقوب (تُُبي َِّنت)
()1
بضم التاء والباء وكسر الياء مع البناء للمجهول .
وأجراها على طلب من سليمان ،فإنه "قد سأل اهلل أال يعلموا بموته حتى مضى
الطلبَّ ،
وبي َنتا مراد سيدنا سليمان ،هذا ما سيناقشه الباحث في ضوء التغير الذي
حدث للفعل (تبيَّن) مع هاتين القراءتين تارة بالبناء للمعلوم وتارة بالبناء للمجهول.
الهذلي:
ّ (ُ )1ينظر :األزهري :معاني القراءات291/2 ،؛ ابن مهران :المبسوط في القراءات العشر ،ص361؛
الكامل في القراءات العشر ،ص622
( )2الماوردي ،أبو الحسن علي بن محمد(د.ت) :النكت والعيون ،441/4 ،تحقيق :عبد المقصود ،السيد ،د.ط،
بيروت :دار الكتب العلمية.
110
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
()1
إما أن يكون من (تبيَّن)
َح َمل العلماء قراءة المعلوم (تََبيَّنت) على وجهين َّ :
أمر ِّ
الجن الجن وكذبهم ،وقد يقدر محذوف على معنى :ظهر ُ
جهلُهم ،أي ظهر جهل ّ
بصحيح ،أو أن يكون من (تبيَّن) المتعدي ،بمعنى علم وأدرك ،ويتجه إلى َخ َد َم ِة ِّ
الجن
وكبراؤهم يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين( ،وأن لو كانوا) :مفعول به.
ِّن عدم
ِّن أمرهم أنهم ال يعلمون الغيب ،أو تُُبي َ ُّ
الجن للناس ،أي تُُبي َ الًلزم أي :تُُبِّينت
علمهم بالغيب ،و(أَ ْن لَ ْو) بدل اشتمال من الجن على كلتا القراءتين ،أو أن يكون من
اإلنس َّ
الجن ،والفاعل لم ُيصرح به على هذه القراءة ،وهو يتجه ُ المتعدي ،أي :أُ ْعِل َم ِت
ّ
إلى الناس ،يدل على ذلك قراءة البن عباس وغيره" :فلما ّخر تََبيَّ َنت اإلنس أن َّ
الجن
()2
لو كانوا يعلمون الغيب" ،وهي موافقة لمعنى قراءة يعقوب ،والمعنى على هذه القراءة
( )1البغوي :معالم التنزيل392/6،؛ الزمخشري :الكشاف573/3 ،؛ أبو حيان ،محمد بن يوسف(1420هـ):
البحر المحيط في التفسير ،532/8 ،تحقيق :جميل ،د.ط ،صدقي ،بيروت :دار الفكر.
(ُ )2ينظر :أبو حيان :البحر المحيط532/8 ،
111
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
صور من
ًا إن إعمال السِّياق في بحث أسرار هذا التغُّير يكشف للباحث
َّ
الدالالت التي ال يمكن أن تنفرد بها قراءة دون أختها ،بل إنهما مثل عملة ذهبية ذات
تكمل إحداهما األخرى ،وهلل المثل األعلى وله الوصف األسمى ،وا َّن َج ْعل
وجهين ِّ
منهج ال ير ِ
تضيه الباحث،
()1
أن قراءة المجهول أ ُّ
دل على المعنى من قراءة المعلوم أو َّ
ِّ
الجن المسخرين له في األعمال الشاقة ،وفي ضوء هذا المقصد ينبغي للباحث فهم
إنسا أم ِجًّنا" ،وقد كان الناس يرون أن باطل ينسب علم الغيب ِّ ٍ
ألي أحد كان ً
الشياطين تعلم السر يكون بين اثنين ،فلما ّخر سليمان تبيَّن أمر الجن لإلنس أنهم
()2
يعزز لدى الباحث
ال يعلمون الغيب ،ولو علموه ما عملوا بين يديه وهو ميت" ،ومما ّ
ٍ
دالالت منها:
(ُ )1ينظر :سيكو ،كوليبالي(1423هـ) :طبيعة االختًلف بين القراء العشرة وبيان ما انفرد بقراءته كل منهم من
خًلل إعراب القرآن وتفسيره ،ص ،367ساحل العاج( ،ماجستير).
( )2الفراء :معاني القرآن357 /2 ،
112
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
الناس ،هذا ما أفصحت عنه قراءة المعلوم (تََبيَّن) بجعل الفعل معها ِ
الزًما ،قال
مرد االعتقاد الباطل ال إلى جهل الجن بعلم الغيب ،وانما لدعاويهم
جهلهم ،وان كان ّ
وكذبهم فقد قطعت قراءة المعلوم (تََبيَّن) بجعل الفعل معها متعديًّا هذا المعنى ً
أيضا،
أنها ال تعلم الغيب ،فكانت توهم أنها تعلم الغيب فتَبيَّنت أنه قد بان للناس أنها ال
()2
تعلم" .
ض َعفَ ِة
لقد قطعت القراءة بالمعلوم شكل هذا االدعاء بوجه آخر هو كون َ
وخ َد ِم ِهم ال يعلمون ِعْلم كبرائهم ورؤسائهم للغيب ،وفي هذا هدم لمبدأ الثقة
الجن َ
ّ
والشراكة الذي قام بين الفريقين ،فلو علِم ضعفاء الجن أن كبراءهم ورؤساءهم ال
يعلمون الغيب ما لبثوا في األعمال الشاقة والعذاب المهين ،وان خفي هذا األمر على
"علِم ُّ
التهكم بهم ،قال الزمخشريَ : آني جاء على صيغة
الغيب ،إال أن التعبير القر ّ
عجزهم وأنهم ال يعلمون الغيب ،وا ْن كانوا عالِمين قبل ذلك
علم الغيب منهم َ
المدعون َ
ّ
الجن َّأنهم
صوروا لضعفاء ِّ فًل يخفى عليه أمر نفسه؟! والجوابَّ :
أن مردة الجن كانوا َّ
يعلمون الغيب ،وكان يقع بعض االتِّفاقات فكانوا يظنُّون أنهم يعلمون الغيب؛ لغلبة
()2
يصورون للناس إال ما رأوه ُهم،
ِّ الجهل" ،قلت :وهذا دأب أهل الباطل والظلمة ال
ُّ
ودوا لو طمسوا عين الحقيقة بحجاب ،أو سلبوا عن عقول أتباعهم الصواب.
الجن-فقد نفت القراءة العلم عنهم تارة ببيان جهلهم ،وتارة ببيان كذبهم ،وتارة بالتفريق
ّ
بين أصنافهم في العلم والجهل بعلم الغيب الذي اختص اهلل´ بعلمه.
بدرجة أساس إلى الناس وهم وا ْن غابوا لفظًا ببناء الفعل للمجهول؛ إال أ َّن الحضور
وتعدًيا:
لزوما ّ
ِّن) ً
وقوي ،فالتقدير على كًل التوجيهين للفعل( :تُُبي َ
ٌّ المعنوي لهم واضح
ّ
()1
الناس" .
عزز هذا التواجد ما أشار إليه الباحث في قراءة ابن عباس ،وهي وان كانت
ُي ّ
أن َّ
الجن اإلنس َّ
ُ خر تُُبِّينت
لما َّ
وتقويه حيث ق أرَ ( :ف َّ
عزز من هذا المعنى ّ
شاذة إال أنها تُ ّ
()2
لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثُوا حوًال في العذاب المهين) ،وهي قراءة تفسيرية شا ّذة
ال تنطبق عليها مواصفات القراءات المتواترة الثابتة عن رسول اهلل ،لكنها ِم َّما
فلو كانوا يعلمون الغيب؛ لعلموا وفاة نبي اهلل سليمان’ ،كما وجهت القراءتان
جهًل ،وأحسن
كذبا أو ً
يدعونه من علم الغيب ،فدعواهم إما أن تكون ً
بـإبطال ما كانوا ّ
()3
بيانا ال يقدرون على إنكاره .
تبين اآلن جهلهم ً
جهًل منهم ،مع ذلك ّ
األحوال أن تكون ً
كما حملت القراءتان رسائل تربوية للمجتمع المسلم مفادها عدم االنجرار وراء
الخرافات والدعاوى الباطلة من غير دليل واضح عندهم فيه من اهلل¸ برهان.
-قَاتَلَ-قُتِلََ :
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯡ ﯢ ﯣ} [سورة آل عمران:
اآليات في سياق عتاب اهلل¸ لصحابة نبيه‘ حين انهزموا عنه يوم أحد
العتابُ ،يبِ ُ
ين الباحث طرفا منها بما يفتح اهلل¸ به عليه وهو الفتَّاح العليم.
ٍ
تساؤل إن جواب االستشكال عن أوجه الخًلف بين القراءتين إنما ُّ
رده إلى َّ
مفاده :بم ارتفع (ربِّيُّون) في اآلية؟ يجيب عنه أئمة النحو واللغة بأن الرفع ظاهر مع
أعم عنده من (قُتِل)؛ ألن اهلل¸ إذا َح ِمد أبو عبيد العموم مع (قاتَل) بالمعلومَّ ،
فإنهُ ُّ
( )1ابن مجاهد :السبعة في القراءات ،ص ،217محسين ،محمد(1415هـ) :الفتح الرباني في عًلقة القراءات
بالرسم العثماني ،ص ،158د.ط ،الرياض :مكتبة الملك فهد الوطنية.
116
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
من قاتَل كان من قُتِل داخًل فيه ،واذا َح ِمد من قُتِل خاصة لم يدخل فيه غيرهم ،وال
()1
تدعم صور التغاير بين القراءتين القول بعموم المعلوم على المجهول ،فقد سيقت كل
ٍ
معين كما سيأتي. ٍ
معين في سياق ٍ
لمقصود قراءة
(نبي)؛ ألن الضمير في هذه اآلية كالضمير في قوله¸" :أفئِن َمات أو قُتِ َل" ،وُيفهم
ٍّ
من كًلمه جواز وقوع القتل على األنبياء ،و(ربِّيُّون) على هذا مبتدأ ،و(معه) خبر،
(م َعه ِ كأنه قال :قُتِل ومعه ربِّيُّون ،واذا أُسنِد (قُتِل) إلى ضمير
(نبي) احتُمل قولهَ :
ّ
ِ ُّ
رِّبيون) أحد أمرين :إما أن يكون صفة لـ ( ّ
نبي) ،ويرتفع (ربِّيُّون) بالظرف ،أو أن يكون
حاال من الضمير الذي في (قُتِل) على معنى :قُتِل ذلك النبي ومعه ربِّيُّون ،ويجوز أن
ً
سند (قُتِل) إلى (ربِّيُّون) ويكون قوله (معه) ُمعلّقًا بـ (قُتِل) ،وعلى القولين اآلخرين
ُي َ
وخًلصة القول هي َّأنه مع (قُتِ َل) يكون المعنى متَّ ِجهًا لثًلثة ٍ
()3
معان :األول:
بي وحده ،ويكون تمام القراءة عند (قُتِ َل) ،ويكون في اآلية
اقعا على النَّ ِّ
أن يكون القتل و ً
( )1نقله عنه الثعلبي ،أبو إسحاق أحمد(2002م) :الكشف والبيان عن تفسير القرآن ،181/3 ،تحقيق :ابن
عاشور ،أبو محمد ،ط ،1بيروت :دار إحياء التراث العربي.
األصبهاني ،أبو القاسم الملقب بقوام السنة(1995م) :إعراب
ّ وينظر:
(ُ )2ينظر :الحجة للقراء السبعة83/3 ،؛ ُ
ي :التبيان
القرآن لألصبهاني ،ص ،83تحقيق :المؤيد ،فائزة ،ط ،1الرياض :مكتبة الملك فهد الوطنية؛ العكبر ّ
في إعراب القرآن ،299/1 ،المجاشعي ،علي(2007م) :النكت في القرآن ،ص ،206تحقيق :الطويل ،عبد اهلل،
د.ط ،مصر :دار البدر.
(ُ )3ينظر :الثعلبي :الكشف والبيان181/3 ،
117
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
بي ومعه من إضمار معناه :ومعه ربِّيُّون كثير ،والثاني :أن يكون القتل نال َّ
الن َّ
الربِّيِّين ،ويكون وجه الكًلم :قُتِ َل بعض من كان معه ،والثالث :أن يكون القتل ِّ
للربِّيِّن ِّ
ٍ
لبعض" ،ومتى كان اللفظ متم َمتَين
الختاميتان للقراءتين ِّ
ّ الصورتان
واحد ،وان كانت ّ
يتضمن من المعنى
َّ على وزن من األوزان ثم نقل إلى وزن آخر أعلى منه فًل َّ
بد أن
أكثر ِم َّما
()2
تضمنه َّأوًال" .
َّ
هذا االصطفاء والمدح ،فمن أصيب في سبيل اهلل¸ ونال الشهادة ،فقد فاز ،ومن بقي
َّ
ولكن اهلل استبقاه ،وقد ألمح يصا على نصرة دينه¸،
على قيد الحياة فقد كان حر ً
الفارسي إلى شيء من ذلك واستدل عليه بمنهج القرآن في قوله¸ { :ﭫ ﭬ
ّ
()3
ﭭ ﭮ ﭯ } [سورة آل عمران. ]195 :
وجرى تفضيل المعلوم (قاتَ َل) على المجهول (قُتِ َل) عند البعض بحجة أن
(قاتَل) أبلغ في مدح الجميع من (قُتِل)؛ ألن اهلل¸ إذا مدح من قُتِل خاصة دون من
(قُتِل)" .
()2
فاضل بين
تضى عند أئمة القراءة واللغة والبيان أال ت ُ
بصورتين متغايرتين ،والمنهج المر َ
القراءات وال تعارض بينها؛ ِألَّنها ٌّ
كل من عند اهلل¸ ،وربما قام في ذهن من ق أر أو ُ
الروَّية والبحث ،والم ِ
عمل ألساليب سمع أن قراءةً أبلغ من أخرى إال أن المدقق بعين ِ
ُ
جميعا ٍ
اختًلف في المعنى سببه اختًلف القراءات ،لكنها تنتظم مًلمح دقيقة من
ً
الوقوف على دقائق هذه الدالئل ونفائس هذه الخمائل؛ ليستزيد منها رشفًا من فيض
الوحي وفتوحاته.
المعاني اآلنفة الذكر في توجيه (قُتِل) ،ومن أهل العلم من جعل (قُتِل) األظهر في
عكس (قاتَل) :الذي يستلزم المقاتلة وال يدل على القتل ،فقد تكون مقاتلة وال يقع
()1
قتل ،وكما لم ير ِ
تض الباحث تعميم قراءة المبني للمعلومَّ ،
فإنهُ ال يرتضي كذلك
تفضيل قراءة المبني للمجهول ،فإن أنساق التغاير في موضع واحد من اآلية له
لقد أجملت القراءتان صورة التسلية التي طمأنت قلب كل مؤمن أصيب أو
ظُلم أو انتهكت له حرمة ،أو انتقصت له مظلمة بإيراد القراءتين على صورتين
أصحابه ،واحتمال العبارة لقتل نفسه بقوله (قُتِل) أي ذلك النبي" ،كما حملت
()2
()1
القراءتان معنى تشجيع المؤمنين واألمر باالقتداء بمن تقدم من خيار أتباع األنبياء ،
بل وباألنبياء ذواتهم ،ارتسم هذا التشجيع تارة بقراءة المعلوم وتارة بقراءة المجهول؛
كقتالهم ،وقتلكم كقتلهم؛ اقتداء وأسوة وهم محل القدوة واألسوة" ،وسواء قتل النبي‘ أم
لم يقتل ،وقُتِ َل معه من قُتِ َل أو قاتَل ،فما كان لكم أن تتخاذلوا عنه ،أو عن َّ
الذود عن
()2
دعوته" .
اجع وتخاذ ٍل بعد ما استُ ِشهَد الشهداء فاعتراهم خوف وحزن لقتل
وجدها منهم ،أو تر ٍ
إخوانهم ،خاصة ما صار منهم يوم أحد ،ظهر هذا العتاب في إيراد خبر من قبلهم
التربية لهم أو ما نسميه التربية بالحدث " ،تربية على ضرورة الصبر على الشدائد
والنوازل مهما عظمت ،فإن كانت اإلشارة إلى قتل النبي المرسل في القتال فذلك أمر
عظيم ،وان كانت إلى سقوط األتباع الكثر قتلى في ميدان المعركة فاألمر عظيم
كذلك ،والمسند إليه الفعل (قَاتَ َل) أو (قُتِ َل) هو مثال الصبر والثبات ،سواء أكان نبيًّا
يقاتل بعد مقتل كثير من أتباعه ،أم أتباعاً أثخن فيهم عدوهم ،وقُتِل نبيهم ،فما وهنوا
لما أصابهم في سبيل اهلل ،وما ضعفوا ،وما استكانوا ،فإن من أساس التربية اإليمانية
توطين النفس على تحمل أقسى المصائب وأشدها هوالً ،لتكون أعظم صب اًر على ما
()1
يصيبها في سبيل اهلل" ،وكأ َّن في هاتين القراءتين صورة أخرى من صور التسرية
والعزاء عن المسلمين بما تحملهم على الثبات في مواقف اإليمان والشدة ،داعيةً لهم
للصبر والتحمل ،شأنهم في ذلك شأن أنبيائهم ودعاتهم من المصلحين ممن آمن
صدق المرسلين.
باهلل¸ ،و ّ
للمدح بما قدم سواء قاتَل فلم ُيقتَل ،أو قاتَل فقُتِل" ،وهكذا يجتمع لدينا من خًلل
القراءتين ما يكون عادة في ساحة الجهاد في سبيل اهلل¸ِ :من بذل النفوس رخيصة
بي يقاتل ومعه ربِّيُّون كثير ،والقائد نفسه قد يصيبه القتل ،والجميع للفوز بالشهادةَّ ،
فالن ُّ
الجميع ،كما أن هذا الثناء يشمل من بقي على قيد الحياة ،إذ ال يصيبه وهن وضعف
( )1قاسم ،عبد الرحمن بن حسين(1430هـ) :توجيه االختًلف النحوي والصرفي وأثره في المعنى بين
روايتي حفص عن عاصم وورش عن نافع ،ص ،53السعودية :جامعة اإلمام محمد بن سعود
(ماجستير).
122
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
بعد مقتل قائده واخوانه ،فيمضي للعمل في سبيل استمرار الدعوة من غير خور
()1
وضعف" .
هكذا هو طريق األنبياء ومنارات الصالحين واألولياء جيل يتلوه جيل ،وعزم
يردفه عزم ،يروح واحد ويأتي آخر حتى تكتمل المسيرة وتنهض األمة ويبزغ النور،
جميعا أن يهنوا
ً هما ،واَّنما َّ
ورثوا العلم ،ما كان لهم دينار وال در ً
فإن األنبياء لم يورثوا ًا
في جهادهم وال في دعوتهم ،وكل ذلك في سبيل اهلل¸ ،ما كان لهم أن يضعفوا أمام
مغريات الحياة ومكائد األعداء؛ فهم من يحمل منارات الهدى ،ما كان لهم أن يستكينوا
َّ
عاديةً مفرغة من اإليحاءات والمعاني ،أو أن نتكئ من خًللها على التغيُّر صورة
تلك الرتابة ويذهب السآمة ،وهذا َّادعاء خطير في حق كًلم اهلل¸ ،فإذا كان التغيُّر
( )1الخراط ،أحمد(1426هـ) :اإلعجاز البياني في ضوء القراءات القرآنية المتواترة ،ص ،301د.ط .المدينة
المنورة :مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
123
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
من بِنية إلى بِنية أخرى في الكًلم العادي ال يكون إال لنوع خصوصية اقتضت ذلك
()1
نص من
أسلَم ٍّ
كما يقول ابن األثير ،فكيف الحال مع أرقى لغة في الخطاب ،و ْ
النقص.
)ُ )1ينظَر :ابن األثير ،ضياء الدين(د.ت) :المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ،183/2،تحقيق :الحوفي،
أحمد ،وطبانة ،بدوي ،ط ،2القاهرة :دار نهضة مصر.
124
الفصل الثاني:
ُّ
تغير الفعل املضارع من املعلوم إىل اجملهول ،ودالالته،
تمتلك لغة القرآن الكريم قدرات هائلة في استحضار المعاني وتشخيصها ،إذ
واحدة ،وبِنية الفعل المضارع إحدى هذه البِنى التي تختزل مشاهد الحركة واالنتقال في
هنا عن الداللة التي تنشأ من تغيُّر الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول في ضوء
إن الباحث في الحقل القرآني ليشعر بجسارة أن ُي ْقِدم على تحليل بنية ،أو مفردة
َّ
يستلزم جملة من األدوات التي ينبغي أن يمتلكها الباحث لتوظيفها في فهم دالالت القرآن
الكريم ومقاصده.
عودا على مقصود عقد هذا المبحث ،فإنه يناقش صورة التغير في بنية الثالثي
ً
للمضارع من المعلوم إلى المجهول والدالالت المتولدة عن ذلك التغير ،حيث َّ
هيأت
وبيانا أكثر ِم َّما لو نوقشت كل بنية على حدة ،ذلك البيان هو ما
بِنيتي الفعلين روعة ً
()1
منسق األوزان واألصوات ،
أديبا ولغويا بحجم العقاد يعتبره في جملته فنا منظو ًماَّ ،
جعل ً
وما عناه إنما كان في حروف الكلمة الواحدة وكلماتها ،فما الشأن إن تعددت القراءة
القرآنية لتلك الكلمة ،لك أن تتصور حينها مدى الروعة والدقة في هذا التصوير الفني
البديع.
يرصد هذا المبحث مجموعة من النماذج التي شهدها تغير الفعل المضارع من
المعلوم إلى المجهول ،مناق ًشا األثر الداللي الذي أحدثه ذلك التغيُّر في المعنى ،وهذه
بل تسجل مالحظات تعكس نظائر أخرى مماثلة أو مقاربة لم يناقشها الباحث-ال سآمة
دفعا لإلطالة واإلسهاب ،واهلل الموفق والهادي إلى الصواب ،ومن تلك
وملال-وانما ً
ً
النماذج:
( )1العقاد ،عباس(2012م) :اللغة الشاعرة ،ص ،12د.ط ،القاهرة :مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.
127
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
-يَخَافَا-يُخافاَ :
يناقش هذا النموذج صورة التغير التي حصلت للفعل الثالثي األجوف (خاف)
بين البناء للمعلوم والمجهول ،وجملة الخالف ومحصله عند القدماء ينحصر في الخالف
الفقهي ،وال يرغب الباحث في الخوض فيه؛ إذ َّإنه ليس من اختصاصه ،إال ما اقتضته
الضرورة واستدعاه المقام لبيان الوجوه التي بها ُيفهم ورود كل قراءة على بنية المعلوم
المعني به َّإنما هو ُ
بيان الدالالت المترتبة على ذلك التغير، ُّ تارة وعلى المجهول أخرى ،و
للباحثين ،فأقالم البيان ولغات البالغة تقف مبهورة عاجزة صامتة أمام بديع ما أودعه
(خاف) فعل ثالثي أجوف معتل العين ،وردت صورة التغير فيه من البناء
ﲚﲛﲜﲝﲟﲠﲡﲢﲣﲤﲥﲦﲧﲨ
ﲩﲪﲫﲬﲭﲯﲰﲱﲲﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹ
ﲺ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ} [سورة
وحتى نفهم صورة التغير الحاصلة بين القراءتين نحتاج لتوضيح المعنى المراد
مرتان ،واحدة بعد األولى ،يلزم بعد كل طلقة إمساك المرأة بمعروف أو تسريحها بإحسان
شيئا مما
بأداء حقوقها وأال يذكرها بسوء ،ثم بينت اآليات أنه ال يحل لألزواج أن يأخذوا ً
أعطوه زوجاتهم من المهر ونحوه ،إال أن يخاف الزوجان أال يقوما بالحقوق الزوجية
حينها يعرضان أمرهما على األولياء ،فإن خاف األولياء عدم إقامة الزوجين حدود اهلل
فال حرج حينها فيما تدفعه المرأة للزوج مقابل طالقها ،هذه هي أحكام اهلل الفاصلة
()1
بين الحالل والحرام ،في ضوء هذا المعنى ننطلق في نقاش صورة التغير الحاصلة
و(يخافا) بالمجهول.
(يخافا) بالمعلومُ ،
بين القراءتينَ :
الغالب على علماء التوجيه جعلهم قراءة المعلوم ظاهرة ال إشكال فيها ،حيث
للزوجين :الرجل والمرأة ،وخوفهما أال يقيما حدود اهلل فيما يجب لكل واحد منهما على
()2
الظن المقارب لليقين ،وقد ِّ
الحق والعشرة ،والخوف هنا مفسَّر باليقين ،أو ِّ صاحبه من
()3
علل الكرماني َّ
بأن في الخوف طرفًا من العلم ،قال أبو عبيدة" :إال أن يخافا معناها:
(ُ )1ينظر :نخبة من العلماء(2012م) :التفسير الميسَّر ،ص ،36ط ،4السعودية :مجمع الملك فهد.
(ُ )2ينظر :أبو زرعة :حجة القراءات ،ص135
(ُ )3ينظر :مفاتيح األغاني ،ص115
129
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
()1
يوقنا ،فإن خفتم هاهنا :فإن أيقنتم" ،ولهذا شواهد في لغة العرب ،قال الفراء" :والخوف
و ُّ
الظن متقاربان ،من ذلك أن الرجل يقول :قد خرج عبدك بغير إذنك ،فتقول أنت :قد
()2
ظننت ذاك ،وخفت ذاك ،والمعنى واحد" واعترض على هذا المعنى النحاس وسيأتي
()3
بيان اعتراضه في محله .
بالعودة إلى (خاف) نجد أنه فعل يتعدى في األصل إلى مفعول واحد ،وهذا
إما أن تض َّعف العين ،أو ُيجتلب حرف جر ،فمع تضعيف العين تقولَ :خ َّوفت الناس،
عمران ]175:على حذف المفعول والجار بما يقتضيه التقدير ،أي :يخوف المؤمنين
بأوليائه ،فهو ال يخوف أولياءه ،وهذا ال ُيفهم من السياق وانما يخوف المؤمنين
()4
بأوليائه .
( )1أبو عبيدة ،معمر بن المثنى (1381هـ) :مجاز القرآن ،74/1 ،تحقيق :سزكين ،فؤاد ،د.ط ،القاهرة :مكتبة
الخانجي.
( )2معاني القرآن146/1 ،
( )3إعراب القرآن314/1 ،
( )4ينظرَّ :
النحاس :نفسه329/2 ،
130
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
المعنى :إذا خاف كل واحد منهما-أي الزوج والمرأة ،-أال يقيما حدود اهلل ،وال ُيحتاج
اف) بالبناء للمجهول فالفاعل محذوف يعود على الوالة والحكام ،اختاره أبو عبيد
(ي َخ َ
ُ
لقوله( :فإن ِخ ْفتُم) حيث جعل الخوف لغير الزوجين ،ولو أراد الزوجين لقال :فإن
()1
الخْلع للسلطان ،وابدال (أال يقيما) من ألف الضمير
خافا ،وفي هذا حجة لمن جعل ُ
هو من باب بدل االشتمال ،كقولك :خيف زيد تركه إقامة حدود اهلل.
()3 ()2
وع ِجب منها غيره ،
(ي َخافَا) بِبِناء الفعل للمجهول َ ، واستشكل َّ
النحاس قراءة ُ
بالضم لكان
ِّ ووجه اإلشكال من ثالثة أوجه :األول من جهة اللفظ؛ ألنه لو كانت القراءة
الموافق للقراءة األخرى (إن خيف) ،وان روعي لفظ (فإن خفتم) بعدها لكان األوفق أن
يقال( :أال تخافوا) ،والثاني ومن جهة المعنى ،فإنه من البعيد بمكان أن يقال :ال يحل
ورد العلماء بأن االعتراض على القراءة من جهة اللفظ غير الزم؛ ألنه من باب
(ُ )1ينظر :النحاس :إعراب القرآن ،314/1 ،القرطبي :الجامع ألحكام القرآن74/4 ،
( )2النحاس :إعراب القرآن314/1 ،
( )3الفراء :معاني القرآن45/1 ،
131
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
قر بفتح طالب" :وقد أُلزم من ق أر بضم الياء أن يقرأ :فإن خيفا ،وهذا ال يلزم؛ َّ
ألن من أ
من الغيبة إلى الخطاب ،ومن الخطاب إلى الغيبة كقوله{ :ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ}،
()1
ثم قال { :ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ } [سورة يونس ]22:وهذا كثير" .
للزوجين ،والخائف محذوف مفهوم تقديره من السياق ،وهم الوالة والحكام ،والتقدير :إال
()3
أن يخاف األوليا ُء الزوجين أال يقيما حدود اهلل فيجوز االفتداء .
وح َج ِجهَا ،295/1 ،تحقيق: ( )1القيسي ،مكي بن أبي طالب(1974م) :الكشف عن وجوه القراءات السبع ِ ِ
وعلَلهَا ُ
رمضان ،محيي الدين ،د.ط ،دمشق :مطبوعات مجمع اللغة العربية.
( )2السمين :الدر المصون450/2 ،
(ُ )3ينظر :أبو حيان :البحر المحيط207/2 ،
(ُ )4ينظر :الحجة للقراء السبعة340-330/2 ،
(ُ )5ينظر :الكشاف272/10 ،
132
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
الثاني للقراءة بأن المنصوب الثاني إنما هو بدل اشتمال ،فيكون معنى اآلية" :ال يخاف
الوالة الزوجين أال يقيما حدود اهلل ،قام ضمير الزوجين مقام الفاعل بعد حذفه وهو
()2
(أن) وما دخلت عليه في محل رفع البدلَّية.
الوالة للداللة عليه ،وبقيت ْ
َّ
إن من لوازم البحث الداللي في الحقل القرآني أن ينفتح الباحث على جملة
الدالالت المتولدة عن بنية الكلمة؛ ألن إعمال الدالالت أولى من إهمالها ،والنظر
كثير،
للصورة مكتملة من غير اجتزاء بعض مشاهدها هو ما أكد ويؤكد عليه الباحث ًا
السيما مع القراءات القرآنية التي ربما أوهمت التعارض ،أو َش َّغبت على المعنى العام
َّ
أو المحصلة النهائية لثمرة الخالف بين قراءة وقراءة ،والمنهج الذي ارتضيناه في دراستنا
هذه أال تفاضل بين القراءات ،وال تمايز بينها ،وانما يجتهد الباحث في كشف دالالت
كل قراءة ،وتوظيف السوابق واللواحق في فهم صور التغير الحاصلة بين قراءة وأخرى،
وصوًال للمقصد األسمى من هذا التغير أال وهو بيان األثر والثمرة المترتبة على هذا
الخالف ،وهذا هو المعنى المتعبد به ،فالمقصود ليس الخالف ذاته ،وال الخالف ألجل
الخالف ،وانما تُسلِّط كل قراءة الضوء على مشهد من الحدث ،وفصل من الرواية لم
تُبِْنهُ القراءة األخرى ،حينها عندما نتناول هذه التغيرات بهذه العقلية وذلك التصور ،لن
كل من عند ،وهذا الذي استدعى الباحث في مواضع من البحث أن ينقد على
السابقين-مع حفظه قدرهم -إهمالهم قراءةً متواترةً ،أو الحكم عليها بأنها ال تستقيم مع
()1
ب منها . (ي َخافَا) ،أو ِ
عج َ مثال قراءة ُ
تض ًالمعنى المراد من اآلية كمثل من لم ير ِ
ينظر الباحث لصورة هذا التغير في هذا الموضع من برج عال ،تتركز صورته
البقرة ،]229:وكذلك ضمير (يخافا أال يقيما) ،وضمير (فال جناح عليهما) ،وهما
الزوجان :الرجل والمرأة" ،وأسند الفصل إليهما دون بقية األمة ألنهما اللذان يعلمان
()2
ولما جعلت هذه القراءة الخوف خوفهما ،أي :الزوجين ،انقطع بذلك سبيل
شأنهما" َّ ،
()3
التطليق على الزوجين بدون إرادتهما ،ويبقى مع هذه القراءة معنى الخوف على بابه
أو بمعنى الخشية ،وال تحتاج إلى تقدير حرف جر ،فـ (خاف) هنا يتعدى لمفعول واحد
(أال يقيما).
( )1مثل النحاس :إعراب القرآن ،314/1 ،والفراء :معاني القرآن45/1 ،
( )2ابن عاشور :التحرير والتنوير409/2 ،
(ُ )3ينظر :حبش ،محمد(1999م) :القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني واألحكام الشرعية ،ص ،283د.ط،
دمشق :دار الفكر.
134
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
الخلع
على هذا البناء األسري من التهدم والتصدع ،وهم والة األمر والحكام ،فال يقع ُ
"وقد جعل اهلل أمر المخالفة مقي ًدا بمعرفة السلطان؛ ألن الزوجين يمكن أن يتجاو از
حدود اهلل بنشوز ،أو شذوذ تحمل عليه الكراهية ،من دون أن يتوصال إلى اتفاق
()1
(يخافا)" ،ويرد مع
استنادا إلى هذه القراءة ُ
ً حول المخالعة ،فيطلق عليهما السلطان
التطليق بين الزوجين ،كما أن في حذف الفاعل-وهم الحكام والقضاة -إشارة إلى "مدى
الخوف الشديد الذي يكون فيه الزوجان من الحكام والقضاة في حالة عدم التزامهما
()2
بتنفيذ أوامر اهلل ،وما أوجبه عليهما من الحقوق الزوجية" ،وهذا ِّ
يعزز ما أشار إليه
()1
كما عند الفراء ،بل إنه أحدث ح ار ًكا دالليا تلخص في أن إيقاع حكم شرعي كالطالق
والخلع يجوز فيه أخذ الحيطة وتوخي الحذر قبل إيقاعه ،تارة بتحقق علم الزوجين أنهما
ولي األمر أنهما لن يقيما حكم اهلل في هذه المسألة ،وتارة بمجرد ِّ
ظن القاضي أو ِّ
كليهما أو أحدهما يتعذر عليه القيام بحق الزوجية ،وبذلك يقطع السبيل على األهواء
سبب شرعي مقنع ،ولِ َي ْجمع هذا المعنى فقد جمع بين دالالت الفعل (خاف) في نص
واحد من خالل صور التغير بين القراءتين ،فقد جمع الفعل (خاف) بين داللتي الفزع
"لما تعلَّق األمر بحدود اهلل وشرائعه؛ ما كان من العبد المسلم إال أن
والعلم ،فِإَّنه َّ
()2
يقف منها موقف الخائف الوجل" .
ما أبهر هذا النص القرآني في إيصال الحكم الشرعي والتأكيد عليه ،فمن لم
من وجه آخر ،وهكذا استحقَّت قضية التحليل والتحريم لحدود اهلل وشرعه أن يتنوع
معها صنوف الخطاب ،تارة بِبِْنية تخالف بنية أخرى حتى يفهم المراد عن اهلل ،وحتى
يعظَّم اآلمر الناهي فال يقع حكم بغير شرعه وتحليله هو ،وهذا ما عنته جليا
صورة هذا التغير :أال تقع المخالعة بين الزوجين إال بعد أن َي ْعلَما ُه َماَ (-ي َخافا بالمعلوم)-
(يخافا بالمجهول)-
يقينا يخالطه الخوف من اهلل ،أو يظن القضاة ووالة األمرُ -
علما ً
ً
وانزاله ،هذا يقطع كل شبهة أو شهوة أو هوى أو تعصب قد يعلق في ذهن أحد الطرفين،
خاصةً وأنه ختم الخطاب بقفلة ال يملك معها أرباب البالغة والبيان إال أن يخروا
تعتدوا الحدود ،فمن اعتدى فأولئك هم الظالمون ،اللهم فقِّهنا وعلِّمنا وزدنا عل ًما وفقهًا.
137
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
-يدَ َُ
خ َُل-يُدخ ُلَ :
أربعة مواضع من القرآن الكريم :ثالث منها مع ِذكر الجنة ،و َّ
الرابع في الحديث عن
{ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ
(ي ْد ُخلُون) على البناء للمعلوم ،وق أر ابن كثير ،وأبو عمرو،
ق أر جمهور القراء َ
()1
(ي ْد ُخلُون)
فأما القراءة بـ َ
(ي ْد َخلُون) بالبناء للمجهول َّ ،
وشعبة بضم الياء وفتح الخاء ُ
(ُ )1ينظَر :ابن مجاهد ،السبعة في القراءات ،ص571؛ ابن خالويه :الحجة في القراءات السبع ،ص215؛
الفارسي :الحجة للقراء السبعة113/6 ،؛ َّ
الداني :التيسير ،ص192؛ السرقسطي ،أبو طاهر إسماعيل بن خلف
(1405هـ) :العنوان في القراءات السبع ،ص ،1677تحقيق :زاهد ،زهير ،العطية ،خليل ،بيروت :عالم الكتب.
138
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
البقرة ]161:وانما اهلل هو الذي أماتهم كما قال{ :ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ} [سورة
النجم ،]44:فوقع في القرآن الكريم نسبة الفعل إلى الفاعل على معنى الشرط ،فال يقع
(ي ْد َخلُون)
أما من ق أر بـ ُ
دخولهم إال بعد إذنه ،كما أنه ال يقع موتهم إال بعد إماتته لهم ،و َّ
ليتفقا بلفظ واحد في بنائهما للمجهول ،ويشهد لهذا المعنى ما ورد في قوله { :ﰃﰄ
ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ} [سورة األعراف.]43:
بعض توجيهات هاتين القراءتين التي ذكرها بعض أهل العلم–على جاللة
قدرهم– ال تشفي غليل الباحث في البيان القرآني لصور ذلك التغير ،فقد جاء على
لسان بعض ِم َّمن وجه هاتين القراءتين بأن المعنيين متداخالن؛ بحجة أنهم إذا أُ ْد ِخلُوا
دخلون واحد،
وي َ
دخلون ُ دخلوا ،واذا أَ ْد َخلَهم اهللَّ
الجنة دخلوا ،قال أبو زرعة" :فمعنى َي ُ
()1
ﮩ} [سورة النساء ،]58-57:فهم مفعولون وفاعلون" ،قال ابن عاشور" :وق أر
الجمهور يدخلون الجنة بفتح الياء ،وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم
()2
بضمها وفتح الخاء ،والمعنى واحد" ،ويرى الباحث اختالفًا في داللتي البِنيتين وهو ما
غافر ]40:من جملة المقاالت المعطوفة بالواو التي جاءت على لسان مؤمن آل فرعون،
وقد كانت في جملتها مقاالت متفرقة هذه إحداها ،والالفت فيها بروز عنصر المقارنة
بين حياتين :حياة المعاصي والسيئات ،وحياة الطاعات والعمل الصالح ،قال الطبري:
"من عمل بمعصية اهلل في هذه الحياة الدنيا ،فال يجزيه اهلل في اآلخرة إال سيئة
مثلها ،وذلك أن يعاقبه بها ،ومن عمل بطاعة اهلل في الدنياَ ،وأْتمر ألمره ،وانتهى
فيها عما نهاه عنه من رجل أو امرأة وهو مؤمن باهلل .... فالذين يعملون ذلك من
()1
عباد اهلل يدخلون في اآلخرة الجنة" .
الطاعة على المعصية وعاقبة الصالحات على السيئات ،فمن ذلك أنه جعل للسيئة
وتقدير ،فقال( :من عمل سيئة فال ُيجزى إال مثلها) ،أما جزاء الطاعة فخارج عن
ًا حسابا
ً
()2
الس َعة" ،قال قتادة" :ال واهلل
الحساب" :بل ما شئت من الزيادة على الحق ،والكثرة ،و َّ
()3
ما ُه َنا ُكم مكيال وال ميزان" ،ثم َّ
إن في اآلية التفاتًا من نوع بديع قلما ُي ْفطَن إليه،
وداللة االسمية في هذا المقام مستحسن بديع ،فاالسمية تدل على الثبوت واالستقرار،
()4
والفعلية على التجدد واالستمرار ،يقول الجرجاني" :االسم يثبت به المعنى للشيء من
()1
شيئا بعد شيء" ،وعليه فنعيم كنعيم الجنة إنما هناؤه في المعنى المثبت به ُّ
تجدده ً
(يدخلون) بالمضارع الذي يفيد التجدد والحركة ،فهم أي :أهل الجنة جمعوا بين ديمومة
ِّ
ومالذه. ِعيشتهم ،وهنائهم في الجنة مع تجدد هذا النعيم وتنوع صروفه
ومن مالمح التفضيل التي حفلت به اآلية ما ورد فيها مع ذكر الصالحات
الع َّمال إلى ذكور واناث ،بما يشي باهتمام واحتياط لجميع العاملين ،كما َّ
أن من تقسيم ُ
الَّذي هو اإليمان ُعمدةً في هذا الباب بأن سبَّقه قبل الجواب بما يجعله ً
ركنا من أركان
الزما من لوازمه ،والمعنى المفهوم منه" :إنكم إن ِمتُّ ْم على الشرك والعمل السيء
الشرط و ً
()3
ال تدخلونها" ،وعليه فمحصل هذه المقارنة التي أسهب فيها الباحث بين عاقبتي
السيئات والطاعات بيان عدل اهلل في عقابه ،وفضله في ثوابه ،وهذا ظاهر في تغليب
رحمته على غضبه ،حيث ضوعفت لمن استحقها من عباده ،ولم يضاعف موجب
( )1الجرجاني ،عبد القاهر(د.ت) :دالئل اإلعجاز ،ص ،174تحقيق :شاكر ،محمود محمد ،د.ط ،القاهرة :مكتبة
الخانجي.
سير البيض ِاوي ،ا ْلمس َّماةِ :عَنايةُ القاضي ِ الشه ِ
ِّ ِ
وكفَايةُ َُ اب َعلَى ت ْف ِ َ َ( )2الخفاجي ،شهاب الدين أحمد(د.ت)َ :حاشيةُ َ
يضاوي ،371/7 ،د.ط ،بيروت :دار صادر.الب َ الراضي َعلَى ت ْف ِ
سير َ
( )3ابن عاشور :التحرير والتنوير151/24 ،
142
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
()1
[سورة غافر. ]40:
لم يشأ الباحث أن يتجاوز تلك المقارنة بين عاقبة السيئات والحسنات؛ ألنها
والمجهول.
(ي ْد ُخلون) بالمعلوم أضيف الفعل إلى الداخلين ،ورد بهذا المعنى آيات في
مع َ
اهلل ،وفي بناء الفعل ( َد َخ َل) للمعلوم في هذا الموضع إشارة-واهلل أعلم-إلى أن أعمالهم
الصالحة أهلتهم لدخول الجنة ،وكأنهم يدخلون الجنة هم بأعمالهم التي اجتهدوا عليها
في الدنيا" ،فالقراءة بالمعلوم ال تلغي كسب اإلنسان في تحديد مصيره يوم القيامة ،وأن
()2
خيرا ،فُ ِه َم ذلك من إسناد الدخول إليهم" ،وال يتم هذا المعنى
خير يحصد ً
الذي يسلف ًا
()1
بتفضُّل منه ورحمة ،كما في حديث أبي هريرة ¢قال سمعت رسول اهلل‘ يقول:
أحدا عمله الجنة! قالوا :وال أنت يا رسول اهلل!؟ قال :ال ،وال أنا؛ إال أن
دخل ً
((لن ُي َ
()2
يتغمدني اهلل بفضل ورحمةِّ ،
فسددوا وقاربوا. ))... َّ
وحتى ال ُيفهم أن ثََّم تعارض بين هذين المعنيين ،يمكن القول بأن قراءة المعلوم
َّنبهت على أن دخول الجنة لن يكون إال بعمل صالح؛ فال مجال للبطَّالين والمفِّرطين،
رضا اهلل عن العمل ،وقبوله لصاحبه ،وهذا من تكامل بيان القرآن الكريم واعجازه،
الحكم
نظر للسياق ونمط الخطاب الذي وردتا به ،ولو كان ُ
لقراءة المعلوم على المجهول ًا
على إطالقه بأنهم كانوا أسرع في االستجابة وتلبية النداء على قراءة المعلوم ،لكان في
( )1انظر :بو حوش ،غنية (2014م) :القراءات القرآنية وأثرها في الدراسات اللغوية والشريعة ،قراءة أبي عمرو
أنموذجا ،ص ،276ط ،1بيروت :عالم الكتب الحديثُ ،ينظر :الجمل :الوجوه البالغية في توجيه القراءات،
ً البصري
ص.433
( )2صحيح البخاري ،كتاب المرضى ،باب نهي تمني المريض الموت ،ح()5349
( )3ينظر :الغفاري ،محمد توفيق(2013م) :الوجهة البالغية للقراءات القرآنية في كتاب الحجة ألبي علي
الفارسي ،ص ،90غزة :الجامعة اإلسالمية (ماجستير).
144
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
وهلل َد ُّر تلك العقلية التي ناقش بها أبو علي الفارسي صورة تغير هذا الفعل،
(يدخلون)
وما أبدع المشهد الذي رسمه حين تناول هذه الصورة ،فهو يرى أنهم مع الفعل َ
()1
(يدخلون) يكون حالهم عند سوق المالئكة لهم ،وهو
يكونون بمحض إرادتهم ،ومع ُ
يشير بذلك إلى دخولهم الجنة بواسطة على قراءة المجهول ،وهم المالئكة الذين يسوقونهم
وقال{ :ﮗ ﮘﮙﮚ ﮛﮜ} [سورة مريم ،]85:هذا الدخول موسوم باليسر
والسهولة بما يفيد مزيد اعتناء وتشريف لهم على عادة الداللة المصاحبة لبناء الفعل
للمجهول.
لقد أخذت كل قراءة بمجامع البيان ،وتالبيب البالغة حين صورت مشهد دخول
مستجيبين له ،وكأ َّن داعي الشوق يدفعهم دفعا لسرعة االستجابة؛ لمعاينة ذلك النعيم
الذي لطالما بذلوا له أعمالهم ،وأفنوا ألجله أعمارهم ،وهذا لون من التكريم والجزاء والنعيم
التصرف بما شاء فيها إك ار ًما من اهلل لهُ ،وتارة ُنعاينهم في موكب الملوك والضيوف
َّ
المعزِز ،تستقبلهم المالئكة وتريهم أماكنهم في الجنة ،وتبتهج الكرام ِيفدون وفادة الكريم
لدخولهم ،قد استقر في أنفسهم أن رحمة اهلل سبقت غضبه ،و َّ
أن أعمالهم مرهونة
يمنع-واهلل أعلم-أن يكون دخولهم إلى الجنة تارة كذا ،وتارة كذا فيتعدد الدخول ،هذا
(د َخ َل) التي سبق أن أشار إليها الراغب في أنها تستعمل في ُّ
التعدد ُيستأنس لهُ بداللة َ
()1
المكان ،والزمان ،واألعمال ،وهي جميعها تنسجم مع صورة تغير بنية الفعل من
يفصل؛ لتذهب النفس كل مذهب ولتتَّسع الداللة على كل المعاني المرادة والمتاحة،
َّ
التصرف
ُّ وفرع مسالكه ،فتارة جعل لهم التملُّك ومطلق
نوع لهم صنوف النعيم َّ
َّ
اإلكرام والنعيم التي سبق بيانها في حقِّهم ،كل تلك المعاني رسالة لقضية واحدة سطرتها
اآليات ،وعززتها في نفوس المؤمنين :مفادها" :اإلقبال على محاسن األعمال ،وترك
()2
السيء من الخالل" ،حقا يبقى القرآن الكريم جامع البيان وذروة سنام البالغة
واإلعجاز.
-يسأل-يُسألَ :
(ي ْسأَل) بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في قوله{ :ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ}
للفعل َ
[سورة المعارج ]10:لوحة فنية بديعة من تلك الصور التي ينقلها القرآن الكريم بغرض
في هذا الموضع من سورة المعارج وصف اهلل يوم القيامة بصفات عدة:
()1
فالسماء فيه كالمهل ،قال الحسن" :مثل الفضة إذا أُذيبت" ،والجبال كالعهن أي:
()2
الصوف المصبوغ ألو ًانا ،ثم ساق المولى ما نحن بصدد الحديث عنه{ :ﰄ ﰅ
()1
خبر لصديقه من جهة صديقه" ،فحذف حرف الجر وأوصل الفعل ،وانتصب
يتعرف ًا
المفعول (حميما) به ،أو على عدم تقدير حرف الجر ،المعنى :ال يسأل حميم ِ
حمي َمه: ً
كيف حالك؟ وال يكلمه ،والمانع من السؤال على هذين الوجهين :االنشغال بأحداث ذلك
على أن المانع من هذا السؤال هو التشاغل دون الخفاء ،أو ما يغني عنه من مشاهدة
()2
الحال كبياض الوجه ،وسواده" ،قال قتادة" :كما قال{ :ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ}
()3
[سورة عبس ،" ]37:ثالث الوجوه على تقدير مفعول ثان محذوف تقديره :ال يسأله
()4
نصره ،وال شفاعته ،وال اإلحسان إليه .قال السمين" :لعلمه َّ
أن ذلك مفقود" ،ومن يدقق
السابقة ،كما يلحظ أن عامل الدهشة واالنشغال بأحداث ذلك اليوم هي التي تسيِّر إيقاع
اآليات وتوجه صنوف االختالف بين هذه القراءات بما يجعلها محطَّ تأمل واعتناء كما
سيأتي.
(يسأل) ف ُخِّرجت على معنى :أين حميمك؟! أي" :ال يقال :للحميم
أما القراءة بـ ُ
َّ
()5
ونهُم فال يحتاجون إلى
َّر َ
أين حميمك؟ وال يطلب منه إحضاره" ،وعلة ذلك أنهم"ُ :ي َبص ُ
يما السؤال والطلب"( ،)1قال ابن عطية" :ال يسأل أحد إحضاره؛ ألن كل مجرم له ِ
س
َ
()2
ويع َجب الباحث من قول الفراء بعدم
ُيعرف بها ،وكذلك كل مؤمن له سيما خير" ْ ،
اشتهائه لهذه القراءة؛ كونها مخالفة للتفسير عنده ،يقول" :ولست أشتهي ذلك-يعني
()3
(ي ْسأَ ُل)" ،وهذا القول يؤدي ُي ْسأل-؛ ألنه مخالف للتفسير؛ و َّ
ألن القراء مجتمعون على َ
إلى ِّ
رد القراءة أو االعتراض عليها ،وهذا منهج غير مألوف عند الفراء¬ ،كما أنه
نهج لم يرتضه العلماء المحققون من أهل التفسير واللغة ،فاإلمام الزركشي على سبيل
المثال يحكي عن الكواشي قوله في ترجيح إحدى القراءتين على األخرى" :ينبغي التنبيه
الطعن على القراءة التي ق أر بها الجماعة ،وال يجوز أن تكون مأخوذة إال عن النبي
وقد قال( :أُنزل القرآن على سبعة أحرف) ،فهما قراءتان حسنتان ،ال يجوز أن تُقَ َّدم
()5
إحداهما على األخرى" ،فــ "السالمة عند أهل الدين أنه إذا صحت القراءتان عن
أن عالِ ًما جليل القدر كالفراء ما كان لينزع للقول بعدم اشتهاء القراءة
وال شك َّ
ُّ
فالظن به-¬-غير ذلك ،ولعل القراءة لم يبلغه اختيار من عند نفسه،
ًا تشهيا أو
ً هكذا
تمام الصواب ،ذلك ألنهم نظروا إلى تلك القراءات بأنها من كالم الرب ،فال يجوز
لو كانت تلك القراءات باختيار القراء ،أي إنها تابعة لما يجري عليه بحثهم ونهاية
إن االختالف الذي نجم عن تلك القراءات كان يحتمل أكثر من تفسير ،هذا
التفسير كان من نصيب العلماء العارفين المتقنين لكتاب اهلل تعالى ،فوجَّهوا تلك القراءات
من ناحية اإلعراب والمعنى ،فأظهروا المعنى الذي من أجله قُرئ بهذا الوجه ،وغرض
اختيار قراءة من القراءات وترك ما سواها ،وال أن ُيرجَّح بين القراءات بتفضيل بعضها
على بعض ،وال أن توصف قراءة من القراءات بأنهـا غيـر صحيحة أو أنها مخالفة
ذمها.
لقراءة غيرها ،ناهيك عن ِّ
لمواضع الخالف بين القراء ،حيث تعامل مع الخالفات بين أوجه القراءات على أنها
كل من عند اهلل ،ال ينبغي رد قراءة متواترة ثابتة عن النبي بحجة أن من أهل العلم
150
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
َمن ردها أو فضل غيرها عليها ،وال ضير على الباحث هنا أن يدع قول الفراء بعدم
التي أكثر منها القرآن الكريم بصور شتَّى ،فمنها على سبيل المثال قوله{ :ﭜ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ألحداث ذلك اليوم ،وهي أحداث طويلة بمرائيها وبما يقع فيها ،كما أنها طويلة في ِحس
من يقع عليهم الحساب فيؤمرون إما إلى الجنة أو إلى النار ،تلك األوصاف العظيمة
قرع اهلل بها قلوب عباده تناسب وتهيئ لحالة السؤال التي وردت بها القراءتان،
التي َّ
()1
ولما كان "السؤال استدعاء معر ِ
فة ما يؤدي إليها" ؛ فقد قطعت القراءتان كل سبيل
(يسأل).
(يسأل) ،وتارة بالمجهول ُ
للوصول لتلك المعرفة أو ما يؤدي إليها ،تارة بالمعلوم َ
لقد بلغ من هول ذلك اليوم العظيم وتالحق أحداثه ،أن ُش ِغل الكل بنفسه فال
هم له غيرها ،قال الشوكاني" :وليس في القيامة مخلوق إال وهو نصب عين صاحبه،
َّ
()1
كل أحد منهم بنفسه" ،ومح ُّل االشتغال
بعضا؛ الشتغال ِّ
وال يتساءلون وال يكلم بعضهم ً
هو العمل الذي يرفع الدرجات ذلك اليوم ،أو يخفضها ،قال القرطبي" :ال يسأل حميم
ِ
حميمه ،وال ذو قرابة عن قرابته ،بل كل إنسان ُيسأَل عن عمله ،نظيره قوله: عن
()2
{ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ} [سورة المدثر. "]38:
لقد أبرزت قراءة المعلوم الحالة النفسية التي عليها السائل والمسؤول المتمثلة
في انشغال كل بنفسه ،فال سؤال يقع من السائل عن المسؤول أموجود هو بين الناس!،
المعلوم كل سبيل للمعرفة يمكن أن يصل إليها السائل ،بما يدل على تقطع األسباب
أكدت انقطاع المعرفة عن المسؤول الذي هو ذات السائل في قراءة المعلوم ،لكنها زادت
( )1الشوكاني ،محمد بن علي(1992م) :فتح القدير الجامع بين َّفني الرواية والدراية من علم التفسير،347/5 ،
تحقيق :عميرة ،عبد الرحمن ،د.ط ،بيروت :دار الوفاء.
( )2الجامع ألحكام القرآن285/18 ،
( )3قطب ،سيد(2002م) :مشاهد القيامة في القرآن ،ص ،218ط ،14القاهرة :دار الشروق.
152
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
المعلوم؛ ْلم يتحصَّل طلب اإلحضار والمثول والمعاينة على قراءة المجهول ،كون تلك
جميعا على هاتين القراءتين ال اعتبار لها في هذا المقام ،كما أنها ليست
ً المتعلقات
أن يسلموا من هول ذلك اليوم و ُك َربِ ِه وعنائه ،فال يتفرغ أحد لسؤال أحد؛ ألن الجميع في
همها
المرِّوع جميع الوشائج ،وحبس النفوس على ِّ
ذهول ،والكل مشغول ،قد "قطع الهول َ
ِّ
ولكل همه،
ويبصر بعضهم ببعض فيراه ،ولكن لكل منهم ُّ
َّ فال تتعداه ،وانهم ليتراءون
()1
ضمير منهم شغله" .
شيئا ،فاألسباب
كشفت القراءتان عن ملمح تربوي مفاده :ال تغني نفس عن نفس ً
تتقطع يوم القيامة ،واألنساب تتالشى ،وال ِع َّز يومها إال بالتقوى والعمل الصالح،
فْل َيشتغل اإلنسان بهما في الدنيا قبل أن ينشغل عن أقاربه وأحمائه يوم القيامة ،هكذا
عبا،
يتناهى اإلخبار بعظمة ذلك اليوم إلى حد ال تحتمله القلوب ،يمأل الحس روعة ور ً
ويزحم الخاطر بأحداثه وتفاصيله ،ويصيب اإلنسان الذهول من هول ما يعاينه ،كل
ذلك إيقاظًا للقلوب الغافلة أن تؤوب وتعود .رزقنا اهلل حسن األوبة إليه.
-ي ُغلَ-يُغلَ:
مولى ابن عباس قال :قال ابن عباس :نزلت هذه اآلية في قطيفة حمراء فُِقدت يوم بدر،
الناسَّ :
لعل رسول اهلل أخذها ،فأنزل اهلل{ :ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮗﮘ فقال بعض َّ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ} [سورة آل
()2 ()1
(ي ُغ َّل) بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول ،ولدراسة
عمران ، ]161:واختلف القراء في َ
ولم جاء
داللة صورة التغير بين الفعلين فإنه من المهم معرفة معنى الغلول في اللغةَ ،
اآلية؟
غالال "غ َّل الرجل يغل غلوًال إذا خان في المغنم خاصة ،وأ َّ
َغل إ ً يقول أهل اللغةَ :
()3
"أغ َّل خان، (غ َّل) و(أ َّ
َغل) ،فيقولَ : خان في المغانم وغيرها" ،ومنهم من لم يفرق بين َ
()1
كأغ َّل" ،والغلل أصلهَّ :
"تدرع وغ َّل غلوًال خان َ
فالنا نسبه إلى الغلول والخيانةَ ،
وأغل ً
()2
(ي ُغ َّل) أي:
تدرع الخيانة" ،والمعنى على من ق أر بالمعلوم َ
وتوسطه ،والغلولُّ :
َّ الشيء
يخون أصحابه فيما أفاء اهلل عليهم من غنائم الغزو والقتال ،فالنُُّّبوة
وما كان لنبي أن ُ
تنافي الخيانة ،والفاعل على هذه القراءة هو النبي ،وال يمكن أن يقع منه الغلول؛ ألن
الغلول معصية هلل ،وهو قد ُعصم من المعاصي ،وفي ذلك إشارة إلى أنه ال ينبغي
()4 ()3
أن ُيتََو َّهم فيه ذلك ،وال أن ُينسب إليه شيء من ذلك ،قال بهذا الفراء ،واألخفش ،
()7 ()6 ()5
وأبو عبيدة ،والطبري ،و َّ
الزَّجاج .
وزاد بعض المفسرين أوجهًا أخرى لهذه القراءة ،فابن عاشور مثال صرف معنى
اآلية إلى أنه ال يقع الغلول في جيش النبي ،واسناد الغلول إلى النبي مجاز عقلي
()8
لجيش نبي أن ُي َغ َّل ،
ِ النبي َّ
نبيهم ،أو هو على تقدير مضاف :ما كان لمالبسة جيش ِّ
وفي هذا نهي لجيش النبي ومن معه أن يغلُّوا ،فغلولهم في الغنائم غلول للنبي،
( )1الفيروز آبادي ،مجد الدين(2005م) :القاموس المحيط ،1039/1تحقيق :العرقوسي ،محمد ،ط ،8بيروت:
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر.
( )2الراغب :مفردات ألفاظ القرآن ،ص610
(ُ )3ينظر :معاني القرآن246/1 ،
(ُ )4ينظر :معاني القرآن427/1 ،
(ُ )5ينظر :مجاز القرآن107/1 ،
(ُ )6ينظر :جامع البيان348/7 ،
(ُ )7ينظر :معاني القرآن واعرابه484/1 ،
(ُ )8ينظر :التحرير والتنوير155/4 ،
155
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
()1
وأورد ابن الجوزي خمس روايات في أسباب نزول اآلية ،بعضها يحتج به للقراءة من
القتل في األنبياء؛ جاز وقوع الغلول فيهم ،يقول" :كيف يكون له أن ُي َغل! ،وقد كان
جائز أن ُيقتل ،قال اهلل :ويقتلون األنبياء ،قال :ولكن المنافقين اتهموا النبي في
ًا
شيء فُِق َد؛ فأنزل اهلل{ :ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ} [سورة آل عمران ،]161:أي :يخون أمته
()2
في المغانم ،فنفى عنه الغلول" ،وانكار ابن عباس ¢ومن وافقه كابن مسعود¢
ومجاهد محمول على عدم ثبوت تواتر القراءة لديهم ،والظن بهم أن لو ثبت تواترها
لديهم؛ لما قالوا بغير إثباتها" ،فإنكار ابن عباس ¢مستند إلى قياس والقياس ،ال ُيناهض
()3
حجة في رد التواتر" .
أولى القراءتين بالصواب ،قال" :والمعنى :ما الغلول من صفات األنبياء ،وال يكون نبيا
من َغ َّل ،وانما اخترنا ذلك؛ ألن اهلل أوعد عقيب قوله( :وما كان لنبي أن يغل) أهل
()4
الغلول فقال{ :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ} [سورة آل عمران ، "]161:وأورد
مستشهدا بها على تفضيل قراءة المعلوم على أختها ،وهذا المسلك
ً جملة من البراهين
الذي ارتضاه الطبري¬ و ِمن قبله ابن عباس ¢في هذه القراءة يخالف ما عليه القَ َأَرةُ
من تواتر هذه القراءة وثبوتها عن الرسول ،وجمهور العلماء يمنعون إنكارها أو تفضيلها
والتعارض بين آياته المحكمات ،والقراءة باقية على ثبوتها بطريقة التواتر مهما ُح ِشد لها
()1
من حجج في بيان مرجوحيتها .
هذا االتهام غير الئق في نظر المؤمنين؛ حيث يفسح المجال َلن ْسب عمل غير صالح
للنبي ،فأزال كثير من القراء هذا اإلشكال بقراءة الفعل مبنيا للمفعول-أي المجهول-
()2
،وبهذا حذفت الريبة غير الالئقة التي ألحقت بالنبي ، "فهذا النص االستشراقي
يؤخذ منه أن القراءة المتواترة هي ببناء الفعل للمعلوم فحسب ،أما القراءة األخرى فمن
صنع القراء إلزالة االتهام الموجه للنبي وهذا غير مقبول ،فالقراءتان متواترتان ثابتتان
عن النبي.
( )1ينظر :الهرري ،محمد(1986م) :القراءات المتواترة التي أنكرها الطبري في تفسيره والرد عليه من أول القرآن
إلى آخر سورة التوبة ،ص ،256السعودية :الجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة (دكتوراة).
(ُ )2ينظر :تسهر ،جولد(1955م) :مذاهب التفسير اإلسالمي ،ص ،40تحقيق :النجار ،عبد الحليم ،د.ط ،مصر:
مكتبة الخانجي ،وبغداد :مكتبة المثنى.
157
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
()1
(ي َغل) بالمجهول؛ فعلى معنيين :األولَّ :أنه
وأما توجيه المعنى على قراءة ُ
تخونه أمته ،وال أن يخونه غيره أو يغله ،قال السمين" :هو نفي في معنى النهي ،أي:
()3 ()2
ال يغله أحد" ،وللمهدوي توجيه زائد مفاده أن يؤخذ شيء من الغنائم بغير إذنه ،وفي
عموما ،قال
ً خصوصا وغيرهم
ً هذا المعنى تنفير للناس ونهيهم عن غلول أنبيائهم
الشوكاني" :ما صح لنبي أن يغله أحد من أصحابه ،أي :يخونه في الغنيمة ،وهو على
هذه القراءة األخرى نهي للناس عن الغلول في المغانم ،وانما خص خيانة األنبياء مع
ذنبا
اما؛ ألن خيانة األنبياء أشد ً
كون خيانة غيرهم من األئمة والسالطين واألمراء حر ً
محمودا ،وأكفر الرجل :نسبته إلى الكفر ،وهذه القراءة على هذا المعنى
ً أي :وجدته
(ُ )1ينظر :مكي :الكشف363/1 ،؛ السيوطي ،جالل الدين(1994م) :قطف األزهار في كشف األسرار،
،660/1ط ،1تحقيق :الحمادي ،أحمد ،د.ط ،الدوحة :و ازرة األوقاف والشؤون اإلسالمية؛ الهرري ،محمد
األمين(2001م) :حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن ،235/5 ،تحقيق :محمد ،هاشم ،ط ،1بيروت:
دار طوق النجاة.
( )2الدر المصون465/3 ،
( )3المهدوي ،أحمد بن عمار(2006م) :شرح الهداية ،237/1 ،تحقيق :سعيد ،حازم ،ط ،1األردن :دار عمار.
( )4الشوكاني ،فتح القدير386/1 ،
( )5االستراباذي ،شرح شافية ابن الحاجب66/1 ،
158
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
منها أنه ما كان لنبي أن يوجد غاال ،أو ُينسب للغلول ،أو يغله أصحابه ،أو تؤخذ
الغنائم بغير إذنه ،وكلها معان ال تعارض بينها يمكن حملها على التنوع.
(ي َغ َّل) على انفتاح النص القرآني على جملة الدالالت المتعددة المتنوعة التي ال تعارض
ُ
بينها وال تدافع ،ومفتاح البحث الداللي لها وكلمة السر فيها-كما يراها الباحث-هي في
(ي ُغل)
تغيير بسيطًا في الحركة بين َ
ًا القرآني ومعانيه ،مع أن بنية الفعل لم تشهد إال
هكذا "اختار السياق القرآني تشخيص المعنى المجرد ،وبث الحياة والحركة فيه،
فلم يعرض تحريم الغلول على سبيل التقرير فحسب ،وانما أضاف إليه مشهد من يغلل،
وقد أتى يوم الحساب على رؤوس األشهاد يحمل ما غله ،وأتبع ذلك بتوفية حسابه،
()1
والغرض من ذلك أن يستحضر من تلبس بذلك عقوبته فينزجر" .
المؤمنين ،وأنه ال ينبغي أن ُيظَ َّن فيه ظن يقدح من قدره ،أو ُيسقط من هيبته فيمنعُ
سرعة االستجابة ألمره ونهيه ،ومع أن الغلول شيء بسيط ُيستخف به في الغزوات لقلته،
(ي ُغ َّل)،
أن ُيظن برسول اهلل ظن سوء ،تارة بالتصريح كما حملته قراءة المبني للمعلوم َ
أي :يخون ،وهذا المعنى صرح به في رواية ابن عباس عندما قال بعض من كان
هما ،أتروني
ذهبا ما منعتكم در ً معه :لعل الرسول أخذها! فقال(( :لو َّ
أن لكم مثل أُحد ً
ُّ
()1
(ي َغل) فحتى
أغلكم مغنمكم)) ،وتارة باإليماء ،وهذا ما أضافته قراءة المبني للمجهول ُ
مجرد التهمة أو مظنتها منصرفة عنه ،فما كان لنبي أن ُيتَّهم بالغلول ،أو ُي َس َّرق ،أو
خائنا ،وقد تجاوزت القراءة أبعد من هذا المعنى بأن حفظت مكانته
ُي َخ َّون ،أو أن يوجد ً
وهيبته بأن لم توقع الغلول في جيش النبي ال بغير إذنه ،وال من غير علمه على
()2
كال الوجهين ،كما قال بذلك من َّ
وجه قراءة المجهول على هذا المعنى .
ليس بين القراءتين تضاد ،ويمكن الجمع بينهما من غير تكلف واعتساف،
فالنظرة الشمولية لمقصد القراءتين ،والدالالت المترتبة عليهما توفِّر على الباحث القول
بالتدافع والتعارض ،وجملة األمر في مسلك هاتين القراءتين أن يقال :إنهما نفتا الغلول
عن األنبياء إذ يجب في حقهم الصدق واألمانة ،وعن أصحاب األنبياء ،والنفي في
حقهم متضمن معنى التكليف ،بمعنى :ال يجوز لهم أن يغلُّوا أنبياءهم بأي حال من
األحوال ،وتفسيرات أهل العلم التي سبقت اإلشارة إليها تؤكد هذا المعنى.
( )1ينظر :الواحدي ،علي(1994م) :الوسيط في تفسير القرآن المجيد ،514/1 ،تحقيق :معوض ،علي ،عبد
الموجود ،عادل ،ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
( )2ينظر :ابن عاشور :التحرير والتنوير155/4 ،
160
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
إن وجود مثل هذه السلوكيات في المجتمع اإلسالمي كفيل بانتشار الخيانة
والسرقات ،والشارع الحنيف أراد أن يقي المجتمع من هذه الشرور ،فحصَّن جناب
سببا
يوسموا أو ُيظن بهم بما يكون ً األنبياءَّ ،
ونزه أحوالهم عن الدنس والخيانات ،وأن َ
في إنقاص مكانتهم أو إسقاط هيبتهم ،كل ذلك حفاظًا على مكانة التشريع في قلوب
(ي ُغل) بالمعلوم؛ ألن الغرض نفي هذه الصفة عن النبي لم ِّ
يقدر مفعوًال محذوفًا لفعل َ
()2
من غير النظر إلى تعلق بمفعول ،فمقام النبوة ينافي الغلول .
َّ
إن السياق العام الذي جاءت به القراءتان يدعو إلى الحفاظ على منظومة القيم
المظنة بالنبي وقع ما وقع ،وكانت الرسالة العملية للمسلمين من صورة هذا التغير:
"أن يتوكلوا على اهلل في كبت العدو وتحصيل ما معه من الغنائم ،فال ُيقبلوا على
ْ
إقباال يتطرق منه احتمال الظن السوء بنبيهم في أن يغل ،وهو الذي أخبرهم
ذلك ً
بتحريم الغلول ،وأنه سبب للخذالن ،وما نهى قط عن شيء إال كان أول تارك له ،وبعيد
()1
عنه ،وما كان لهم أن يفتحوا طريقًا إلى هذا االحتمال" .
البحث الداللي بحث متشعب المسالك متنوع الموارد ،يحتاج إلى إعمال النظر
في جملة السياقات التي يرد عليه السيَّما في النصوص القرآنية ،وان وقوف الباحث في
هذا الميدان على ظاهر النص ،أو االكتفاء بالتعليل والتحليل الظاهري َّْين يحرمه من
جرد
متعة الوقوف على جماليات هذا الكتاب الكريم ،فليس التغاير بين القراءات لم َّ
وعودا على مناقشة صور تغيُّر الفعل من المبني للمعلوم إلى المبني للمجهول
ا الحكيم،
في القراءات القرآنية يناقش الباحث في هذا المبحث نماذج من األفعال المزيدة شهدت
نَتَقبَل-يُتقبلَ :
{ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮑ ﮒ
البناء للمعلوم إلى البناء للمجهول ،واألثر الداللي المترتب على صورة ذلك التغير.
لـ(أحسن) ،وق أر الباقون( :يتَقََّبل) بالياء مبنيا للمجهول ،والرفع لـ (أحسن) على أنه نائب
163
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
()1
فاعل ،فمن ق أر بـ( َنتَقََّبل) فالوجه عنده أنَّه على ما قبله ،فقد جاء الفعل عقب قوله:
(ووصينا اإلنسان بوالديه) ،ولِيأتلف الكالم على سياق واحد؛ أجرى الفعل على البناء
()2
للمعلوم ،والمقصود" :نحن َنتَ َّقبل عنهم" ،أما (يتَقََّبل) بالبناء للمجهول ،فقد جرى على
وغيرها في القرآن كثير ،فأجرى هذا الموضع مجرى نظائره ليأتلف الكالم على نظام
()3
واحد .وجعل صاحب الحجة داللتي البِنيتين بمعنى واحد ،يقول" :ونحو هذا الفعل
()4
الذي هو هلل ،ولم يكن لغيره ،كان بناؤه للمفعول في العلم بالفاعل كبنائه للفاعل" ،
بين القراءتين ،ويمنعنا من الوقوف على الدالالت البيانية التي تنفتح عليها البِ َنيتين.
ولع ّل ذلك يتضح بمناقشة صاحب الحجة في َح ْملِه (يغفر) على داللة واحدة
في موضعين مختلفين حيث يقول" :قوله{ :ﮨﮩ ﮪﮫﮬ} [سورة األنفال]38:
الفعل معلوم أنه هلل وان بني للمفعول ،أال ترى أنه قد جاء في األخرى{ :ﭸﭹ
()1
توجه الفعل في البِنيتين إلى الفاعل
منهما ما يفهم من اآلخر" ،وال يجادل الباحث في ُّ
والبحث عن دالالت أخرى يتَّسع لها المعنى ،ويقوم بها اإلعجاز ،وال يقع بها التعارض.
األنفال ]38:يفهم منه-واهلل أعلم-أنه مقام إغضاء وغض الطرف عن سوابق أفعالهم
تشجيعا لهم على التوبة ،وأال يقع في نفوسهم الحرج أو الحياء من أن اهلل
ا وذنوبهم
وهذا اإلغضاء ناسبه عدم التصريح بالفاعل ،كما ناسبه التعبير القرآني القائم على
اإلجمال ال التفصيل في هذا الموضع فقال( :ما قد سلف) ،وما الذي سلف؟! سكت
عنه ،وأغفل التصريح بالفاعل ،وبني الفعل للمجهول؛ لتقوم دواعي التوبة فيهم بما
يدفعهم لإلقبال وطلب المغفرة والقرب منه دون أن يشعروا في لحظة بالتريث أو
لمؤمنين زلَّت أقدامهم في حالة من المعصية هي بالنسبة لهم حالة طارئة ال متجذرة،
ال كحال أولئك الكفَّار ،وحتى يستدعي إقبال أولئك من الكفر إلى اإليمان َّ
غض الطرف
هو َمن يغفر الذنوب ،إال أنهم احتاجوا لمزيد تطمين وتهدئة روع خاصة مع تفصيل ِه
سبق ،وجرت البنية على سياقين مختلفين لتج ِمل حالةا بيانية أخذت بمجامع عقول أولي
األلباب وقلوبهم ،وبعد هذا العرض يتََبيَّن مقصد الباحث من مناقشته القول بإيراد الفعل
(يغفر) في موضعين مختلفين على معنى واحد ،وعلى هذا يجري مناقشته البنية التي
اآليات في سياق وصية اهلل ببر الوالدين واإلحسان إليهما ،وقد بين أن
الذين يتصفون بهذه الصفة الكريمة من بر الوالدين هم الذين يتقبل منهم الحسنات التي
عملوها ،ويتجاوز عن سيئاتهم وزالتهم ويغفرها لهم ،في جملة ما وعد به أصحاب الجنة
طا
أثر في التكشيف عنه وبيانه ،وهذه الداللة مرتبطة ارتبا ا
دالليا للسياق ٌ
ملمحا ا
ا سيلحظ
()1
قال الراغب" :التقبُّل قبول الشيء على وجه يقتضي ثو اابا كالهداية ونحوها" ،
إن إيثار اللفظ القرآني للفعل ( َنتَقََّبل) على ( َي ْقَبل) في هذا الموضع عند الحديث
اإلنسان بامتداد عمره وعمر والديه ،وهذا يستدعي منه الصبر والمصابرة ،وأن يسعى
لتحقيق مرضاة اهلل مع هذه الرحلة المضنية ،ال بطبيعتها-فهي مع أكرم مخلوق بعد
األنبياء والرسل-وانما بطبيعة المشاق المرتبطة بها ،هذا الترقي وذلك التدرج في هذه
()1
إذا كانت على وجه مخصوص" ،وفي هذا تنبيه على االهتمام بهذه العبادة-بر
الوالدين-بأن َّ
تؤدى بالشكل المرضي عنده ولذا أعقب هذه اآلية باآلية بعدها في
َّ
وكأن ذلك تنبيه إلى أال تسلكوا مع آبائكم ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ} [سورة األحقاف]17:
هذا المسلك.
لقد أوفت كل قراءة بالمعاني البيانية والداللية المرتبطة بهما والمتَفَتقَة عنهما،
فقراءة المعلوم ( َنتَقََّبل) بنون العظمة واسناد الفعل من اهلل إلى نفسه ،إخبار اهلل
عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم( ،)2وانما يكمل اإلكرام والنعيم بمباشرة المكرم والم ِ
نعم إكر َام
اهلل؟!
البارون بآبائهم ،وهو وان كان على كالم السابقين لََي ْأتِلف على
أحسن ما عمله أولئك ّ
()3
نظام واحد جرايا على ما قبله من أفعال ،إال َّ
أن في البناء للمعلوم واسناد الفعل لذاته
العلية مزيد تفضل واكرام ،كتفضله واكرامه ألهل الجنة ،كما قال اهلل{ :ﮍ ﮎ
()1
ذلك في أصحاب الجنة وأهلهما الذين هم أهلها" .
في تيسير قبول العمل منهم ،وسهولته عليهم ،قال البقاعي(" :أولئك) أي :العالو الرتبة
الذي نتقبَّل بأسهل وجه عنهم" ،وقد ت ْش ِكل هنا داللة اليسر والسهولة في تقبل العمل
()2
حس َن) قد توحي بأنه ال يتقبل منهم إال ما كان أحسن أعمالهم! األحقافَّ ،]16:
فإن (أَ َ
أما الحسن فال! وقد أجاب الشوكاني عن هذا التساؤل بقوله" :المراد باألحسن :الحسن،
التفضيل على معناه ،ويراد به ما يثاب العبد عليه من األعمال ،ال ما يثاب عليه
()3
حس ٌن وليس بأحسن" ،وقد أكسب عموم (أحسن ما عملوا) الجملة فائدة
كالمباح فإنه َ
التذييل ،أي :اإلحسان بالوالدين والدعاء لهما وللذرية من أفضل األعمال ،فهو أحسن
()4
ما عملوا ،وقد تقبَّل منهم كل ما هو أحسن ما عملوا .
لم ير ِ
تض الباحث أن يقف على التأويل الظاهر للنص القرآني مثل القول َّ
بأن
()1
(نتَقبَّل) و(يتَقبَّل)
كمن أجرى الفعلين َ الفاعل لم يذكر لظهور َّ
أن المتقبل هو اهلل ، أو ْ
تغي اار من المعلوم إلى المجهول ،ومن احدا من الكالم ،مع َّ
أن الفعلين شهدا ّ مجرى و ا
وكثير ما َّ
رد ابن األثير القول على من سلك هذا المسلك فقال: اا الخطاب إلى الغيبة،
"اعلم َّ
أن عامة المنتمين إلى هذا الفن-يقصد االلتفات-إذا سئلوا عن االنتقال عن الغيبة
إلى الخطاب وعن الخطاب إلى الغيبة قالوا :كذلك كانت عادة العرب في أساليب
كالمها ،وهذا القول هو عكاز العميان كما يقال ،نحن إنما نسأل عن السبب الذي
()2
قصدت العرب ذلك من أجله" ،ها هو ُّ
يرد على الزمخشري قوله بأن الرجوع من الغيبة
()3
إلى الخطاب إنما يستعمل للتفنُّ ِن في الكالم تطريةا للسامع وايقا ا
ظا لإلصغاء إليه ،ب َّ
أن
على أهمية السياق في فهم دالالت ذلك التغير فيقول" :فعلِ ْمنا حينئذ َّ
أن الغرض الموجب
الستعمال هذا النوع من الكالم ال يجري على وتيرة واحدة ،وانما هو مقصور على
وهنا إشارة ال ينبغي مغادرة هذا الموضع من البحث قبل اإلشارة إليها ،وهي َّ
أن
لهم وهم الوالدان والذرية ،فدعاء الولد والوالد ألولئك بمنزلة النيابة عنهم في هذه العبادة
معارج الكمال ،فتكون هذه المحاسن ليست منهم ،بمعنى أنهم مجبولون على أعلى منها
()2
في نهاياتهم والعبرة بالنهايات .
أبان عن تكريم اهلل لذلك الصنف من عباده وعنايته بهم ،وفي إسناد الفعل له مزيد
لقد استوفت كل قراءة حقها من معاقد البيان وقمة الفصاحة والبالغة ،وع َّززت
قيما تربوية في حياة المؤمنين ،إنها لم تسلك مسالك األمر المباشر باالعتناء بالوالدين
ا
والذرية ،وانما سلكت مسلك الحث والتوجيه بلفتة تربوية هي غايةٌ في الجمال واإلبداع،
لقد َّ
وجهت االهتمام ورفعت من وتيرته ببيان النعيم الذي يستحقه من يفعل ذلك ،والتكرم
خير بدؤوه.
تحفيز لهم على أال يقطعوا اا
اا مرضية؛
ُّ
محل اإلعجاز واإلمتاع واإلبداع حتى في اختيار ذلك-لعمر اهلل-هو القرآن
بيانا،
الوصية والتربية يبحث عن أجمل وصف وأدق عبارة فيوردها ،وكفى بكالم اهلل ا
األغوار ،لكنه مشرع األبواب مهما قرأه القارئ وأعاده فسيظفر في كل مرة منه بعجائب
()1
تأمل
من عجائبه التي ال تنقضي" ،فاللهم فقهنا واغسل ما حال من أدران قلوبنا عن ُّ
( )1العابد ،صالح (2004م) :نظرات لغوية في القرآن الكريم ،ص ،12ط ،3الرياض :دار كنوز إشبيليا.
172
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
نُجازي-يُجازىَ :
يناقش الباحث الفعل (جازى) المزيد باأللف في بنية المضارع (نجازي) كصورة
من صور تغير الفعل المضارع بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في قوله{ :ﭺ
من جهتين :من جهة بناء الفعل من المعلوم إلى المجهول ،ومن جهة العدول من
الحضور إلى الغيبة كما تبينه القراءات الواردة في هذا الموضع ،هذا التَّغاير ي ِ
حدث
()1
َ
مزيد تشويق لهذه البِنية ،ويمنحها دالالت أكثر وأوسع ،يقول ابن أبي األصبع" :العرب
غرضا ،لكنه لم يجد عندهم-على جاللة قدرهم وكمال فضلهم -إال إشارات
ا تقضي له
لم تَ ْعد في كثير منها أن وقفت عند حدود التعليل الظاهر َّ
للنص دون تعمق في البحث
نفسه ،أتى عقب قوله{ :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ} [سورة سبأ ،]17:فكان األولى بما
في سياقه أن يكون بلفظه ،وكان بعده (وجعلنا بينهم)؛ ليتألف الكالم على نظم واحد،
إنما أتى على هذه البنية على نحو قوله{ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ } [سورة غافر،]17:
()1
ﰐ ﰑ} [سورة النجمُّ ،]41:
فرد ما اختلفوا فيها إلى ما أجمعوا عليه أولى .
خرج مثل هذا التوجيه جعله مناسبا للسياق القرآني وذلك مقصد
أن من َّ و ُّ
الحق َّ
اللفظ ُّ
وتعدد المعاني ،بما يتوافق مع طبيعة اإلعجاز والبالغة التي ارتبطت بنظم هذا
( )1ينظر :الفارسي :الحجة للقراء السبعة17/6 ،؛ ابن غلبون ،أبو الطيب عبد المنعم(1995م) :اختالف
القراء السبعة في الياءات والتاءات والنونات والباءات والثاءات ،ص ،216تحقيق :الحسن ،سر الختم ،ط،1
الرياض :جامعة الملك سعود.
174
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
()1
اللغة ،ولكن يشار بمعانيها إلى معان أخر" ،ذلك ما يستنهض همة الباحث في
التكشيف عن دالالت التغير في هذا الموضع ،أفاض علينا موالنا فيض فتوحاته.
هناك جملة من التساؤالت تشكل مفتاح البحث الداللي هنا ،وترسم معالم مناقشة
ص ال َكفور ِ
األثر المترتب على صورة هذا التغير بين الفعلين ،فمن هذه التساؤالت :ل َم خ ّ
بالمجازاة وانما هي لكل واحد؟! المسلم والكافر؟! ثم إن الك ّل متفق على أن الم َج ِازي
هو اهلل ،فلِ َم غيَّر صنوف الكالم بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول؟ يمكن أن تشكل
تلك األسئلة بدايات ينطلق منها الباحث في مناقشة صورة التغير الحاصلة بين القراءتين،
ألمح النحاس إلى إرجاع البنيتين لمعنى واحد ،يقول" :األمر في هذا واسع،
والمعنى فيه بي ٌن ،لو قال قائل :خلق اهلل آدم من طين ،وقال آخر :خلق آدم من
()3 ()2
احدا كما
احدا" ،ووافقه بعض المحدثين ،ولو كان المعنى و ا
طين ،لكان المعنى و ا
أشار-¬-لما أقام الباحث مثل هذه الدراسة ،فإن النص القرآني أوسع داللة وأعمق
فهما.
ا
أما اختصاص المجازاة بالكافر في هذه اآلية دون المسلم مع أنها واقعة لكل
أحد-وهو التساؤل األول الذي أثاره الباحث-فيجيب عنه الطبري بقوله" :إن المجازاة في
ووعد المسيء من عباده أن يجعل بالواحدة من سيئاته مثلها مكافأة له على جرمه،
()1
والمكافأة ألهل الكبائر ،والجزاء ألهل اإليمان مع التفضُّل" .
و َّ
لعل من مقاصد الق ارءة بالمعلوم (ن َج ِازي)-واهلل أعلم-إبراز عظمة اآلخذ،
والمجازي وهو اهلل في مقابلة الكفران والجحود الذي قام في قلوب أولئك القوم بعد أن
كانت نِعم اهلل عليهم تَتْ َرى ،فالمالحظ في سياق اآليات قبل هذا الموضع وبعده مجيء
خمسة أفعال على هذا البناء-أعني البناء للفاعل-حيث ورد في اآليات قبل هذا
الموضع{ :ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ
ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ} [سورة
سبأ ]18:فيأتلف بناء هذه األفعال جميعها على عود الضمير فيها إلى اهلل.
إن توالي هذه األفعال على هذه البِنية وانتظامها مع (ن َج ِازي) تثير في القلب
َّ
العالمين!! ذلك الذي جعل النص ي ْؤثِر (ال َكفور) على غيره ،فال َكفور المبالغ في كفران
النعمة ،والكفر أكبر ذنب يعصى اهلل به ،وال ثواب للكافر على خير فعله في الدنيا؛
اهلل وهذا المستوى من الجحود لنِعم اهلل عليه توارد حشد اآليات بهذه األفعال على
مبالغا في
ا هذه البنية لتقرر أن اهلل ال يفلت من قبضته شيء ،وأنه كما كان الكافر
كفران النعمة فقد بالغ في مجازاته ،وال أوضح لهذا المعنى من بروز نون العظمة في
()1
األفعال اآلنفة الذكر ،قال البقاعي" :جزيناهم بما لنا من العظمة" ،ثم مجيء الفعل
منه كفره ويمنح عقابه جزاء ذلك الكفران ،هذا إذا أجرينا معنى البنية على المشاركة،
()4
اع َل) على (فَعَّل) للتكثير ،فتقع عليهم المجازاة على كفرهم مغلّظة.
وقد تجري كذلك (فَ َ
بهذه الصورة أو تلك أوصلت قراءة المعلوم تبشيع الجرم الذي قام به أولئك
القوم من كفر النِعم واساءة األدب بعد اإلحسان إليهم ،فكان من عقابهم أن يجازيهم
الهمم العوال ،العريقين في مقارعة األبطال ،المبالغة في جزاء من أساء اإلحسان وقابل
اإلنعام بالكفران ،لِما أثَّر في القلوب من الحريق مرة بعد مرة ،وكرة في إثر كرة ،أجرى
َّ
ويتنكر فيمن ينقلب عليك عداوة بعد صداقة ،ويكفر العشير الذي كان بينك وبينه،
لأليادي البيضاء والمنن التي أسديتها إليه ،ال تجد أمام ذلك إال أن تتولى أنت بنفسك
وتجريمه من جهة أنهم أوقعوه في حق اهلل ،فتوالت األفعال بنون العظمة (جزيناهم،
جعلنا ،وقدرنا) مهددةا ذلك الجرم ،ناقضةا تلك الجرأة ،وكفى بمقت اهلل مقتاا طارادا
مثل هذا البروز له ،والظهور على بنية المعلوم مستعمل في القرآن الكريم
في أكثر من موضع في مثل مقامات الغضب والسَّخط على حرماته ،كما قال:
في هذه البنية من معنى البعد لإليذان ببعد رتبتهم في الفظاعة ،والمعنى" :ذلك الجزاء
()1
اء آخر" .
الفظيع جزيناهم ،ال جز ا
أما قراءة المجهول فوردت على االلتفات من جهتين :من البناء للمعلوم إلى
مقصدا
ا جازى) ،وال شك أن لهذا االلتفات المجهول ،ومن الخطاب (ن ِ
جازي) إلى الغيبة (ي َ
شريفاا ال يمكن حصره وال التنبؤ به ،وانما هي إشارات لفهم دالالت كالم اهلل في
ضوء ما سبق من السياق ،قال ابن األثير " :االنتقال من الخطاب إلى الغيبة أو من
الغيبة إلى الخطاب ال يكون إال لفائدة اقتضته ،وتلك الفائدة أمر وارد االنتقال من
شأن المخاطب ،ثم رأيناه بعينه وهو ضد األول قد استعمل في االنتقال من الخطاب
إلى الغيبة ،فعلمنا حينئذ أن الغرض الموجب الستعمال هذا النوع من الكالم ال يجري
شعب
على وتيرة واحدة وانما هو مقصور على العناية بالمعنى المقصود ،وذلك المعنى يت ّ
()2
شعبا كثيرة ال تنحصر وانما يؤتى بها على حسب الموضع الذي ترد فيه" .
ا
الطرد من رحمة اهلل ،تواترت النصوص الشرعية بذلك ،ولقد قام في أذهان العقالء
كيدا
المقرر تو ا
َّ العام من قراءة المبني للمجهول ،حيث جاءت هذه القراءة على تقرير
()1
ِ
السيء إال الكفور هلل في نعمه" ،هذه َّ
الداللة تعود وتبكيتاا ،قال مقاتل" :هل يكافأ بعمله
تقرر
بالباحث إلى السؤال الثاني الذي أثاره في مطلع مناقشته لصورة هذا التغير ،فقد ّ
تجريم فعلهم وكفرهم ،ال من جهة الفاعل كما كان عليه الحال في قراءة المعلوم وانما
من جهة المفعول الذي ناب في هذا الموضع من القراءة موضع الفاعل وهو (ال َكفور)،
()2
وكأ َّن المراد" :ليس ي َ
جازى بمثل هذا الجزاء الذي هو االنتقام والهالك إال َم ْن كفر" .
هذا المقصد-واهلل أعلم-يجري على أغلب مواضع المجازاة التي جاءت في
ﰑ} [سورة النجم ]41:فإنها تثبت للمؤمن والكافر أنه ال يملك أحد الجزاء والعقاب
إال اهلل بما له من الجالل والكبرياء ذلك اليوم ،كما قال{ :ﯸ ﯹ ﯺ} [سورة
غافر ]16:فال يجيبه أحد؛ فيجيب نفسه بنفسه فيقول{ :ﯼ ﯽ ﯾ} [سورة
غافر.]16:
لما كان العلم بالفاعل ألمثال هؤالء في هذه المواقف إنما هو تحصيل حاصل،
و َّ
انتقلت القراءة الواردة بالبناء للمجهول لتكثيف صورة الفعل الذي ألجله كانت هذه
المجازاة وهو الكفر باهلل ،وذلك زيادة في التبكيت ،وسلسلة من العذاب النفسي
والجسدي ُّ
يحل بهم" ،فإن االستفهام هنا تقريري ال يجاب عنه إال ببلى ،وحقاا إنه اهلل
()1
جازى بمثل ما فعلنا
كفر" ،قال البغوي" :وهل ي َ ال ي ِ
جازي بأسوأ المجازات إال األكثر اا
()2
جازى) بهم إال البليغ في الكفران أو الكفر" ،لقد حمل االلتفات من (ن ِ
جازي) إلى (ي َ
انتقاال من التركيز على الفاعل إلى التركيز على المفعول ،فكان هذا التقاطع بين هاتين
ا
هكذا تأتلف القراءتان في مشهد قرآني بديع ،ونص فريد في الحبك والسبك
َكفور ،يجازيهم عن سوء أعمالهم ،كما أنهم محل لذلك الجزاء مستحقون له نظير كفرهم
وجحودهم النعم.
لقد تناوبت القراءتان في بيان تلك المعاني وتكشيفها التي ما كانت لتَق َّرَر في
النفوس لوال تكاملها على نحو من الجالل والجمال ،تلك بحق روعة القرآن الكريم وحسن
وكما تناوبت القراءتان في بيان بقية تلك المعاني فإنها أوصلت رسالة تربوية
ومعاقب عليها
ٌ أن لذة المعصية َّ
منغصةٌ بل ُّ
وتفضل ،و َّ ُّ
محل إكرام مفادها َّ
أن الطاعة
بالمثل" ،فمن الناس من يكون في رغد من الحال ،واتصال من التوفيق ،وطيب من
ما هو فيه؛ في َغَّير عليه الحال ،فال وقت وال حال ،وال طرب وال وصال ،يظلم عليه
()1
النهار وكانت لياليه مضيئة ببدائع األنوار" ،وهذا نظير الجزاء المترتب على المعاصي
من وهن العبادة وضيق العيش وال يصادف لذة في الحالل إال جاء من ينغصه إياها،
َيُ ِّ
عذبَ-يُعذب َ
يتناول الباحث في هذا النموذج صورة التغير للفعل المضارع (يعذب) بين البناء
للمعلوم والبناء للمجهول ،حيث ورد الفعل في قراءتين متواترتين (ي َعذب) بالمعلوم،
والقراءتان في معرض الحديث عن اليوم اآلخر وحال الخالئق فيه ،ولِ َمن أهمل ذلك
اليوم وتمَّنى العمل له جاءت اآلية بنمطين من الخطاب بالمعلوم تارة ،وبالمجهول
أخرى.
أما المعلوم فمجموع توجيه علماء القراءات واللغة والتفسير تدور على أ َّن
()2
وفي عود الضمير مضاف إلى الفاعل
ٌ المصدر
َ الضمير في (عذابه) عائد هلل ،و
ويجوز أن يعود الضمير في (عذابه) على الكافر ،فيكون المعنى :ال ي َّ
عذب أحد من
()4 ()3
النحاس هذه القراءة من حيث المعنى؛ ألن يوم َّ
الزبانية مثل ما يعذبونه ،واستشكل ّ
( )1جمهور القراء على كسر الذال بالبناء للمعلوم (يعذب) ،وق أر الكسائي بفتح الذال على البناء للمجهول
(ي َّ
عذب) .ينظر :ابن مجاهد :السبعة في القراءات ،صَّ ،685
الداني :التيسير في القراءات السبع ص222
( )2ينظر :األزهري :معاني القراءات ،145/3الزَّجاج :معاني القرآن واعرابه 324/5
( )3ينظر :أبو حيان :البحر المحيط 476/10
( )4ينظر :إعراب القرآن 140/5
183
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
()1
العلم :كيف يجوز الكسر؟ وال معذب يومئذ سوى اهلل!! ،ومن أهل العلم من جعل
المصدر مضافا إلى المفعول ،فيكون الضمير للكافر ،ويكون المعنى :فيومئذ ال يعذب
أحد
وأجيب عن اعتراض النحاس بأن المراد ال يتولى يوم القيامة عذاب اهللٌ
ب سوى اهلل،
غيره؛ ألن األمر يومئذ هلل وحده" ،فال يلزم أن يكون يوم القيامة معذ ٌ
()2
عذاب اهلل الكاف َر
َ أحد في الدنيا
أحد مثل عذابه" ،قال ال ارزي" :ال يعذب ٌ
لكنه ال يعذب ٌ
()3
يومئذ ،والمعنى :مثل عذابه في َّ
الشدة والمبالغة" َّ ،
ورجح الحربي أن يكون المعنى:
أحدا مثل تعذيب هذا الكافر المتقدم ذكره ،بإضافة المصدر إلى
أحد ا
فيومئذ ال يعذب ٌ
()4
المفعول به كما شابه قراءة المجهول ،ويكون المراد بـ (أحد) على هذا الوجه :المالئكة
المأمورون بتعذيب أهل النار الذين يسحبونهم فيها على وجوههم ،ولهم مقامع من
()5
حديد ،وهم الذين وردت فيهم نصوص القرآن بما يعزز هذا الوجه كما قال{ :ﯯ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ} [سورة غافر،]49:
وقال{ :ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
أما (ي َّ
عذب) بالبناء على المجهول فالفعل مسند إلى (أحد) ،وحذف الفاعل للعلم
()1
قالب تقليدي َّ
محل اكتفاء عند الباحث فإنه ٌ السمين ،وليس هذا القول
به على قول ّ
جرى عليه تعبير القدماء رحمهم اهلل ،والفاعل إما اهلل ،أو الزبانية المتولُّون العذاب
() 3
ط ـ ـ ـ ـائِ ـ ـ ـ ـ َك ال ـ ـ ـ ـ َم ـ ـ ـ ـا َئ ـ ـ ـ ـةَ الـ ـ ـ ـ َّـرتَـ ـ ـ ـا َع ـ ـ ـ ـا
َوَب ـ ـ ـ ـ ْع ـ ـ ـ ـ َد َع ـ ـ ـ ـ َ
ويجوز في (عذابه) أن يكون مصد ار مضافا للفاعل ،والضمير هلل ،أو مصد ار
لم يشأ النص القرآني أن تقف دالالته عند هذا البيان فقط ،بل تعداه لبيان
صور أخرى من فظاعة ذلك اليوم المهيب تك ّفلت قراءة المبني للمجهول بإفصاح بعض
تلك الدالالت ،واستكمال ما رسمته قراءة المعلوم في تكامل بديع ،وتناسق فذ ،ال تعارض
بينهما وال تناقض ،وال تكاد تجد مثل هذا إال في كتاب اهلل.
نظر المتَتَبع ألنماط الخطاب التي ورد بها القرآن الكريم ظاهرة االستغناء
يلفت َ
كثير عند الحديث عن تفاصيل اليوم اآلخر ووقائعه وأحداثه ،بل إنها تكاد
عن الفاعل اا
()1
مثال جملة مما ورد في ذلك
تصل لحد االضطراد على رأي بعض الباحثين ،ولنتأمل ا
ثم نعاود الحديث عما نحن بصدد تحليله في هذا الموضع ،فمن اآليات التي وردت
()2
كثير .
العاديات ،]9:وغيرها ٌ
والعجيب حقا أن تطرد هذه الظاهرة األسلوبية أو يكثر دورانها في القرآن الكريم
ثم ال يتلفت إليها البالغيون والمفسرون ،أو يكون التفاتهم إليها جرايا على العادة َّ
بأن
الحذف إنما كان للعلم بالفاعل ،أو الخوف منه...إلى غير ذلك من أغراض الحذف
( )1ابنت الشاطئ ،عائشة عبد الرحمن(1984م) :اإلعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن األزرق دراسة قرآنية
لغوية وبيانية ،ص ،240ط ،3القاهرة :دار المعارف.
أيضا :األنعام ،73الكهف ،99طه ،102النمل ،18المؤمنون ،101يس ،51الزمر ،68ق،20
( )2انظر ا
الحاقة.23
186
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
التي اشتهرت بها كتب أهل العلم ،ويأبى البيان القرآني مثل هذا التعليل الذي ال يوِقف
ما فيه ،فقال( :ال يعذب) بعود الضمير إلى اهلل ،قال ابن عطية" :ولذلك معنيان:
عذب قطُّ ٌ
أحد بمثله" ،وكال األمرين شديد على النفس ثقي ٌل عليهاَّ ، حيز لم ي َّ
()1
فأال يكل
اهلل العذاب ألحد وهو المتصرف في األمور يدفع بالخوف والوجل ،وهو قمة التهديد
وقال{ :ﯲ ﯳﯴﯵ} [سورة المدثر ،]11:ومن أخلي بينه وبين اهلل فكيف
جو نجاةا ،أو يوفَّق إلى سالمة إال بعفو الكريم الرحيم.
له أن ير َ
عذاب الدنيا؛ صرف الخطاب القرآني ذلك الفهم إلى فهم أعمق وأد َّ
ق بأن بنى الفعل
أو أن يكون حظُّ العذاب من القسوة والشدة ما ال يدانيه وال يوازيه غيره من صنوف
العذاب ،وفي كال األمرين قاسم مشترك من التغليظ والشدة على الَّذين كفروا أن يتعظوا
مثال التي
موضع وأثْبت في أخرى حتى مع أحداث يوم القيامة ،فالمواضع ا
َ حِذف في
ﭗ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭪﭫﭬ
ﮝ ﮞ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮨ ﮩ ﮪ} [سورة
منفردةا بمقامات هذا الكتاب العظيم ،فالبيان القرآني مثالا يهدينا في هذا الجانب عند
الحديث عن اليوم اآلخر بحذف الفاعل واغفال ذكره إلى التركيز على الحدث واالهتمام
188
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المعلوم إلى المجهول ،ودالالته
تلقائيا
ا حدثِه ،وقد يكون فيه ٌ
بيان للطواعية التي يتم بها الحدث به بصرف النظر عن م ِ
()1
أو على وجه التسخير ،وكأنَّه ليس في حاجة لفاعل ،واهلل أعلم.
اتسمت بالشدة والغلظة؛ إال أن السياق القرآني زاد الش َّدة َّ
شدةا ،والغلظةَ غلظةا ،وذلك
شأن مقصود في كثير من أنماط الخطاب القرآني السيما عند مخاطبة من ال يرعوي
وال ينزجر.
ومما يلفت النظر عند الحديث عن داللة الشدة التي أشار إليها الباحث أنه
()3
يعم َّ
كل أحد ، استعمل (أحد) في النفي ليستغرق جنس اإلنسان ،فأحد في سياق النَّفي ُّ
()4
فـ"انحصر األحد المعذب (بكسر الذال) في فرد وهو اهلل ، "وفي تقييد العذاب
باإلضافة في قوله (عذابه) زجرة أخرى من زواجر الش َّد ِة التي شهدها السياق مع أن
شهد لفتة بيانية جميلة تكاملت مع مؤدى القراءتين ومقصودهما ،فاإلضافة للتعظيم
()1
والتهويل تستلزم أال عذاب ألحد غيره.
ويستمر جمال اإليقاع في السياق القائم على تفاصيل دقيقة من الشدة والغلظة
الشدة والخوف والفزع ،بل كان مطلع الحديث عنه في هذا السياق قوله{ :ﯢ ﯣ
َّ
المعذبين كما قال { ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ في أصناف عذاب
()3
ﭸ ﭹ ﭺ} [سورة المائدة. ]115:
تكفلت كل قراءة باإلبانة عن شيء من معالم تعظيم وشدة يوم القيامة ،وذلك
يقدر عليه من إيقاع العذاب بمن شاء متى شاء ،أو َكله ألحد أو كان هو اآلمر
عذاب لم يعذب
ٌ بالعذاب ،أيا كانت الصورة النهائية التي وقع بها العذاب فإنه وال َّ
شك
أعم
التشوف إلى الفاعل؛ أتى به على وجه ال َّ
ُّ "لما َّ
اشتد أحد من العالمين ،ولذلك َّ
به ٌ
منه أصالا ،فقال :أحد" ،وتارة ببناء الفعل للمجهول في ْغ ِف َل الفاعل ويصرف الذهن إلى
()1
شدته ،وفظاعته ،وكأنه يقول :ليس المهم ِم َّمن وقع العذاب ،بل انصرفوا
العذاب ذاته ّ
لنجاة أنفسكم من هول عذاب يقع على أعلى هيئة من الغلظة والشدة ،وليفَخم من
اإليمان بقصد السالمة من عذاب يومئذ ،السالمة في الدنيا قبل اآلخرة ،السالمة من
جحود نعمة اهلل ،السالمة من أكل مال اليتيم وهضمه حقه ،السالمة من منع مال
المساكين وعدم الحض عليه ،السالمة من أكل المال الحرام كحقوق اآلخرين أو الميراث،
السالمة من الدنيا واالنغماس في ملذاتها ونسيان اآلخرة ،سالمة شاملة صافية َّنب ْ
هت
إليها اآليات في سورة الفجر قبل إيراد صورة هذا التغيُّر بين الفعلين (يعذب) و(ي َّ
عذب)
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ } [سورة الفجر-15:
{ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ} [سورة
الفجر ]30-27:إلى حسن أحوال أرباب العناية والكرامة يومئذ من المؤمنين الذين سلموا
النهاية{ :ﭯ ﭰ}. وأي ختام أكمل من{ :ﭫ ﭬ ﭭ} ،و ُّ
أي نهاية سعيدة تلك َّ
ذلكم هو القرآن جمال مميز ،ووقع فريد ،تناسق كامل مع المعنى ،وائتالف مع
الدالالت المصاحبة ،لم نستطع أن ننتزع قراءة المجهول من المعلوم ،أو أن ندير الظهر
بفخامة أسلوب ،وجمال لفظ ،كل قراءة تقف مع أختها ولو حاولت كما يقول الجرجاني
()1
أن تنتزع كلمة لتنصع مكانها أخرى في معناها ما ائتلف السياق وال انسجم األسلوب .
وبذلك ينتهي هذا الفصل الذي عقده الباحث لتحليل المعاني الداللية والبيانية
القراءات القرآنية ،حيث درس أثر االختالف على المعنى الوظيفي للبِنية ،وما ترتَّب من
معان بالغية ،ودالالت ناشئة عن ذلك النوع من التغيُّر الذي ليس بالضرورة أن يكون
الباحثين للتنقيب عن أسرار اإلعجاز في القرآن الكريم ،و ّأنى لهم أن يدركوا شأنه أو
فهم لم يبلغ نهاية ما أودع اهلل آيةا من كتابه ،وانما يفهم كل بمقدار ما يفتح اهلل عليه
()1
فتحا من عندك ،وأفض على قلوبنا غيثاا نفهم به مراد كتابك،
قلبه" ،فاللهم افتح لنا ا
ُّ ُ
الفصل األول :تغير املاضي من اجملهول إىل املعلوم ،ودالالته
ُّ ُ
الفصل الثاني :تغير املضارع من اجملهول إىل املعلوم ودالالته
الفصل األول:
ُّ
تغيرِ الفعل املاضي من اجملهول إىل املعلوم ،ودالالته،
يحتوي التغيُّر في القراءات من بنية إلى بنية على منبهات أسلوبية ذات تأثير
واسع على السياق ،ذلك أنه يمنع الكالم من الجري على وتيرة واحدة أو نمط واحد،
وهذا له األثر البالغ في اإلفهام وعمق الداللة ،فالقراءة بالمعلوم على سبيل المثال غير
القراءة بالمجهول ،وبالماضي غير المضارع وهكذا ،إال أن السياق وجملة القرائن
والد الالت المرتبطة بالنص تمنع التدافع وتنقض التضاد بين أوجه االختالفات على
ُّ
تعددها.
لذا كان تعامل القراء والعلماء مع القراءات وأوجه التغير فيها بأنها من باب
القدسية و ُّ
التأدب مع اهلل ،فقد ُحكي عن ثعلب قوله" :إذا اختلف اإلعراب في القرآن
()1
عن السبعة لم أفضل إعرًابا على إعراب ،فإذا خرجت إلى كالم الناس فضلت األقوى" ،
(ملك)
وقال أبو شامة" :قد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير في الترجيح بين قراءة َ
و(مالك) حتى إن بعضهم ُيبالغ إلى حد َيكاد يسقط وجه القراءة األخرى ،وليس هذا
بمحمود بعد ثبوت القراءتين ،واتصاف الرب بهما؛ ثم قال :حتى أني أُصلي بهذه في
()2
ركعة وبهذه في ركعة" ،وعلى هذا جرى عمل الباحث في هذه الرسالة بإعمال جميع
في الباب الثاني من هذه الدراسة يتناول الباحث تغيُّر الفعلين الماضي
والمضارع من المجهول إلى المعلوم في فصلين مستقلين ،ويناقش دالالت ذلك التغير،
والمعاني المترتبة على صورة كل تغيُّر ،موظفًا السياق في فهم تلك الدالالت ،وان كان
البحث في دالالت تغيُّر الفعل من المعلوم إلى المجهول والعكس يمثل مطبات عسرة
يجدها من يدرس تلك الصور؛ ألن إشارات القدماء من علماء اللغة والقراءات والتفسير
تبدو شحيحةً ،فقد اكتفى غالبهم بالتحليل الظاهر لهاتين البنيتين دون البحث في
ارتباطهما بسياق ما قبلهما وما بعدهما؛ إال أنها تبقى من دائرة البحوث التي ينبغي أن
توجه إليها الجهود ،وتنصب لها الهمم ،لتعلقها بشكل طريف من أشكال اإلعجاز
اختار الباحث لصورة التغيُّر التي سيناقشها في هذا المبحث والمتمثلة في تغير
الفعل الماضي الثالثي من المبني للمجهول إلى المبني للمعلوم ثالثة نماذج هي األفعال:
الحج ،]39:وردت صورة التغير من (أُذن) بالمجهول إلى (أَذن) بالمعلوم ،وقد ق أر نافع
وحفص وأبو عمرو (أُذن) مضمومة األلف على البناء للمجهول ،وق أر ابن كثير وحمزة
()1
والكسائي (أَذن) مفتوحة األلف على البناء للمعلوم .
(ُ )1ينظر :ابن مجاهد :السبعة في القراءات ،ص437؛ الداني :التيسير في القراءات السبع ،ص157؛ ابن
خلف :العنوان في القراءات السبع ،ص.135
197
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
أذى وضرر من الكفار؛ اضطرهم للخروج من مكة إما مهاجرين ألرض الحبشة ،أو
إلى المدينة المنورة أن يقاتلوا ويأخذوا بحقهم ،وقد كان نزول هذه اآليات عند الهجرة،
،
()2 ()1
هذا التفصيل وهي أول آية نزلت في اإلذن بالقتال ،ونسخت الموادعة مع الكفار
التفسير والقراءات (أُذ َن) بأن فيه حذفًا ،على معنى :أُذن للذين ُيقاتَلون أن ُيقاتلوا،
()3
فالمأذون فيه :القتال ،قال الفراء" :أَذن اهلل للذين يقاتَلون أن يقاتلوا" .
نفهم من (أُذن) المبني للمجهول جملة من الدالالت التي تحيط النص بهالة
من الجمال واإلبداع ،وتجعل القراءات بحق متفاعلة مع قضية يعيشها أولئك
المستضعفون والمضطهدون في كل زمان ومكان ،وال يجدر أن تمر مثل هذه البنية
مرور الكرام ،أو أن ُيكتفى عند مناقشتها بذكر العلّة العامة في بناء الفعل للمجهول،
بأنه بناء لما لم ُي َسم فاعله هكذا فقط دون تعليق ،وذلك-لعمر اهلل-انصراف ّأيما انصراف
عن روعة ذلك التعبير المعجز واالختيار المحكم لتلك المفردة (أذن) بصورتين مختلفتين،
قليال لسبب نزول اآلية لنفهم الدالالت المحيطة بهذه البنية ،ولنكون
واآلن لنعد ً
خلفية تاريخية يجدر أن نستصح َبها عند هذه المناقشة ،فعن ابن عباس ¢قال(( :لما
ليهلكن،
ّ أُخرج النبي من مكة ،قال أبو بكر :أخ َرُجوا نبيهُم ،إنا هلل وانا إليه راجعون،
لقد مثلت صورة اإلذن بـ(أُذ َن) عي ًشا لقضية المظلومين َمن ُبغي أو اعتدي
عليهم بغير وجه حق ،كما تحمل (أُذن) في طياتها بشارة لهم بأن اهلل قد أذن في
القتال ،وليست صورة هذا اإلذن على هذه القراءة عادية بل إنه إذن استثنائي لجملة
الدالالت التي حفت هذه البنية ،والقترانه بصورة التغير التي جاءت بعد (أُذن) للفعل
(يقَاتَلون)،
(يقاتلون) في نفس اآلية ،حيث قرئ هذا الفعل كذلك بالمجهول وبالمعلومُ :
و(ُيقَاتلون) ،وبارتباط الفعلين( :أذن) و(يقاتلون) مع جملة القراءات الثابتة فيهما يتحصل
()2
أربع صور منهما :
( )1سنن النسائي ،كتاب الجهاد ،باب وجوب الجهاد ،ح( ،)3085قال الشيخ األلباني :صحيح اإلسناد.
(( )2أُذن) بضم الهمز على المجهول( ،يقاتلون) بكسر التاء على المعلوم :أبو عمرو وشعبة ويعقوب( ،أُذن)
بضم الهمز على المجهول( ،يقاتَلون) بفتح التاء على المجهول :نافع وحفص( ،أَذن) بفتح الهمز على المعلوم،
(يقاتلون) بكسر التاء على المعلوم :ابن كثير وحمزة والكسائي( ،أَذن) بفتح الهمز على المعلوم (يقاتَلون) بفتح
التاء على المجهول :ابن عامر ،ينظر :األزهري ،معاني القراءات182/2 ،
199
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
أشارت صورة اإلذن في قراءة المبني للمجهول (أُذ َن) أن المؤمنين لم يبتدئوا
()2
القرطبي" :يدفع عنهم غوائل الكفار بأن ُيبيح لهم القتال وينصرهم" ،وما أيسر ذلك
على اهلل أن يدفع عن كل مظلوم ما أصابه ،قال البقاعي(" :أُذن) أشار بقراءة من
()3
بناه للمجهول إلى سهولة ذلك عليه. "
ويؤكد هذه الداللة أصحاب رسول اهلل عندما كانوا يأتونه ما بين مضروب ومشجوج
()4
يتظلمون إليه ،فيقول لهم :اصبروا فإني لم أؤمر بالقتال ،حتى هاجر فنزلت اآلية ،
ولك أن تتخيل ذلك الصبر الذي الزمهم ٪منذ مبعثه إلى هجرته وهم ُيضطهدون
وال َي ُرُّدون؛ ألنه لم يؤذن لهم ،حينها تتجلى لك نفسياتهم في طلب اإلذن لهم بالقتال،
(ُ )1ينظر :أبو زهرة ،محمد (د.ت) :زهرة التفاسير ،4991/9 ،د.ط ،القاهرة :دار الفكر العربي.
( )2الجامع ألحكام القرآن67/12 ،
الدرر56/13 ،
( )3نظم ُ
( )4ينظر :البيضاوي :أنوار التنزيل73/4 ،
200
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
السيما وأنهم قادرون ال عاجزون ،قال الشعراوي" :كانوا ينتظرون األمر بالقتال،
()1
ويستشرفون للنصر على األعداء ،لكن لم يؤذن لهم في ذلك" .
أما من بنى (أَذ َن) للمعلوم فعلى معنى :أذن اهلل للذين يقاتلون ،وذلك
ب [سورة الحج ،]38:قال أبو زرعة" :فأسندوا الفعل إلى اهللُّ
لتقدم اسمه ،وأن الفعل قَُر َ
منه ،وأخرى وهي أن الكالم عقيبه جرى بتسمية اهلل وهو قوله{ :ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛ} [سورة الحج ،]39:وكان األَولى أن يكون ما بينهما في سياق الكالم بلفظهما
()2
ليأتلف الكالم على نظام واحد" ،وأرجع الطبري المعنى على هذه القراءة إلى معنى
القراءة بالمجهول (أُذن) ،ويؤخذ عليه¬ تفضيله قراءة (أَذن) على (أُذن) حيث يقول:
"غير أن أحب ذلك إلي أن أق أر به( :أَذن) بفتح األلف ،بمعنى :أَذن اهلل ،لقرب ذلك من
()3
قوله { :ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ} [سورة الحج ، ،"]38:وهذا النهج لم يرتضه
المحققون من أهل العلم وال أهل االختصاص من علماء التفسير والقراءات واللغة ،وقد
سبق إيراد نصوص في مقدمة تناول هذا الموضع عن ثعلب وأبي شامة تؤكد على هذا
المنهج منهج عدم المفاضلة بين القراءات ،ولعل القراءةَ بـ(أَذن) وجهُ اختيار عند
ويقرؤها
الطبري¬ ال يقصد منها االشتهاء أو التخيُّر ،وانما هي التي كان يق أر بها ُ
( )1الشعراوي ،محمد متولي (1997م) :تفسير الشعراوي -الخواطر ،9835/16 ،د.ط ،القاهرة :مطابع أخبار
اليوم.
( )2حجة القراءات ،ص478
( )3جامع البيان642/18 ،
201
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
بدليل أنه لم يرد غيرها من القراءات ،حيث قال في هذا الموضع من اآلية..." :فإذا
()1
فبأية هذه القراءات ق أر القارئُ فمصيب الصواب" .
كان ذلك كذلكّ ،
إعادته وذكره مرة أخرى ،كما أن في هذه البنية من التطمين والسكينة التي تح ّل بقلوب
إذنه لهم
المؤمنين؛ ألن اهلل انتصر لهم ودافع عنهم ،وأُولى دالئل هذه المدافعة ُ
من سياق بناء الفعل للمعلوم ،وهو أنه قد َيظن البعض أن هذا القتال قد يلتبس بداعي
المؤمنين ،وليأخذوا بحقهم ،وليدفعوا ذلك الظلم الواقع عليهم بقتال من بغى واعتدى
(يقاتلون)
(يقاتَلون) و ُ
ويكتمل عقد البيان وتفصيل البالغة بارتباط القراءتين ُ
بالقراءتين (أُذن) و(أَذن)؛ لتظهر صورة ذلك اإلذن بأبهى ُحلّة وأجمل إبداع ،حيث ارتبط
اإلشكال الذي قد يرد على معنى القراءة القائل بإنه لو كانت (يقاتلون) بكسر التاء ،فَب َم
لقد ارتسمت هيئة واضحةُ المعالم لصورة اإلذن على تلك القراءات مجتمعةً،
()5
"فصورة اإلذن مختلفة بحسب القراءات ،بعضها أقوى من بعض" ،أقول :أقوى ال من
جهة تفصيل بعضها على بعض ،وانما من جهة من يتوجه له اإلذن ،فإن اإلذن لمن
مستعدا له ،ينتظره لرد مظلمته ودفع ظُلمه؛ أوحت به قراءة المعلوم
ً كان متهيًئا للقتال
وصورة اإلذن في حق من يقوى على القتال ويصلح له أقوى-وال شك-من اإلذن لمن
ال يصلح له كاألعمى وغيره ،أيًّا كانت صورة ذلك اإلذن إال أنه يبقى في دائرة المدافعة
التي سبق اهلل بها نصرته للمؤمنين حين قال{ :ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ} [سورة
المستضعفين،
َ الحج ،]38:يبقى في دائرة رفع الظلم والمعاناة عن المضطهَدين و
()2
فقوله{ :ﭔ ﭕ} [سورة الحج ]39:معناه" :كان اإلذن بسبب أنهم ظُلموا" ،
والتعليل بأنهم ظلموا كاف أال يسألهم أحد ،فالعلة واضحة ،والسبب جلي" ،فإنك إذا قلت
()3
ألحد :إنك مظلوم؛ فكأنك استعديته على ظالمه ،وذكرته بوجوب الدفاع" .
هي تربية إذن من اهلل للمؤمنين بهاتين البنيتين( :المجهول والمعلوم) على
دفع الظلم والبغي والعدوان ،فكلها "وجوه منكرة من وجوه المنكر ،والمطلوب من كل
()4
مؤمن أن يدفع المنكر بكل ما ملكت يده ،ووسع جهده" .
استجيبوا ألنات المظلومين وآهات المكلومين يوم أن يسومهم الطغاة والمجرمون بالحديد
وتحمل
ُّ طفح بهم الكيل ،وضاق عليهم الحال ،و(أُذن) لهم بعد أن رّباهم على الصبر
البالء( ،أُذن) لهم بعد أن علمهم االئتمار بالشرع فال ُيقدمون على شيء إال بإذنه.
بالمعاني البيانية والداللية؛ لتُشهدنا على مسيرة هذا الدين العظيم وعلى تلك السلسلة
الرائعة من البطوالت والتضحيات ،صبر وابتالء ،قتال وجهاد ،مسيرة مضنية لكنها في
الحج ،]39:وهل من تطمين وسكينة تح ُّل في قلب المؤمن مثل هذا ،رزقنا اهلل نصرة
205
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
صدَ :
صدَُ -
(صد)،
من المواضع التي استوقفت الباحث واسترعت نظره واهتمامه الفعل َ
وهو فعل ثالثي اجتمع فيه حرفان متماثالن األول عين الفعل والثاني المه ،أصله:
()1
ص َد َد بفتح العين في الماضي أو كسرها أو ضمها ،وقد ورد هذا الفعل في موضعين
َ
بها القراءة المتواترة من المجهول إلى المعلوم ،والدالالت التي حفت هاتين البنيتين بوجوه
هنا إال سعي منه في االقتراب من معين هذا البحر الذي "ال تزيد تالوته إال حالوة ،وال
في فهم دالالت التغير بين الفعلين :المجهول والمعلوم ،في صورة متكاملة ال تدفع
()2
الثاني يقول { :ﮥ ﮦ ﮧ} [سورة غافر ، ،]37:والممتع في اختيار القرآن
(صد) أنه فتح المعنى على جملة واسعة من الدالالت ،التي ال يمكن أن تتحقق
الكريم لـ َ
صد)؛
(صد) ،وحتى نفهم تلك الدالالت التي تتولد عنَ ( :
مع فعل آخر لو حل مح ّل َ
()3
نناقش البنية من زاوية لغوية معجمية ،ف ُّ
الصد هو المنع ،والصُّدود والصد قد يكون
()4
(صد) معنى يزيد عن
ومنعا ،وفي َ
ً تناعا ،وقد يكون صرفًا
انص ارفًا عن الشيء وام ً
()5
غيره من ألفاظ اإلعراض كـ (منع أو حال) إذ الصد :اإلعراض والصُّدوف ،وجعله
()6
الخليل بمعنى :شدة الضحك والجلبة ،وهو نوع من أنواع اإلعراض والصدُّ ،
ومرد هذه
(صد) على البناء للمجهول ،ق أر به يعقوب والكوفيون :عاصم ،وحمزة ،والكسائي ،وق أر الباقون
( )1بضم الصاد ُ
(صد) بالفتح على البناء للمعلومُ ،ينظر :ابن مهران :المبسوط في القراءات العشر ،ص255؛ ابن الجزري:
َ
الرعيني ،أحمد بن يوسف(2007م) :تحفة األقران فيما قُرئ بالتثليث من حروف القرآن،
النشر298 /2 ،؛ ُّ
ص ،114تحقيق :البواب ،علي ،ط ،2الرياض :دار كنوز إشبيليا.
(ص ّد)ُ ،ينظر :ابن مجاهد:
(صد) بضم الصاد ،وق أر الباقون بفتح الصاد َ
( )2ق أر عاصم وحمزة والكسائي ُ
السبعة في القراءات ،ص571؛ النشار :البدور الزاهرة ،ص.280
(ُ )3ينظر :السمين :عمدة الحفاظ322/2 ،
(ُ )4ينظر :الراغب :مفردات ألفاظ القرآن477 ،
(ُ )5ينظر :ابن منظور :لسان العرب ،245/3 ،مادة (صد) كتاب الدال ،فصل الصاد.
(ُ )6ينظر :العين ،80/7 ،باب الصاد والدال (صد).
207
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
النمر بن تولب:
صـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َددت الـ ـ َكـ ـ ـ ـأ َس َعـ ـنـ ـ ـ ـا أُم َعـ ـمـ ـرو
( )3
ان الـ ـ َكـ ـ ـ ـأ ُس َمـ ـجـ ـ َار َهـ ـ ـ ـا الـ ـ َيـ ـمـ ـيـ ـ َنـ ـ ـ ـا
َو َكـ ـ ـ ـ َ َ
عليه ،قال أبو زرعة" :وجعلوا الفعل هلل ،إن اهلل صده عن السبيل ،كما قال{ :ﭖ
ﭗ ﭘ} [سورة التوبة ،]87:أي :طبع اهلل عليها ،وحجتهم أن الكالم عقيب الخبر
()6
من اهلل" .
()1
ونسب الفارسي فاعل الصد في موضع الرعد إلى غواة الكفار والعتاة منهم ،
()2
وفي موضع غافر إلى طغاة أصحاب فرعون إذ السياق يحكي قصته ،أو الشيطان ،
وهذا من قبيل التنوع ال التضاد ،قال األلوسي" :وفاعل الصد :إما مكرهم ونحوه ،أو
()3
اهلل بختمه على قلوبهم ،أو الشيطان بإغوائه لهم" .
ُّ
وصدكم عن سبيل اهلل واتباع وكفركم،
مكرُكم ُ
قول ذلك وفعلَه ُ
شريك ،لكن زّين لكم َ
أخير
(صد) في فارق فاصل يبين تلك البنية من وجه واألخرى من وجه آخر ،لتكتمال ًا
َ
في رسم صورة ذلك الصد واإلعراض عن اهلل وشرعه وحكمه ،فقد أبانت قراءة
المجهول الحال التي وصل إليها فرعون ومن شاكله وشابهه من أهل الكفر والضالل،
وأن أمثال أولئك يمضون في طريق الضالل إلى غايته" ،انهمكوا فيه انهماكا ال يرعوون
()1
عنه بحال" ،وقد ُزين لهم من ضاللهم واستكبارهم فأَرَدتهُم سوء أعمالهم فمضوا فيها
غير آبهين برجعة وال عودة ،وهو دليل على خبث نفس وسوء طوية ،واال لو كان أمثال
واهلل أعلم -المعاني التي أوردناها في فاعل الصد التي سبق الحديث عنها ،سواء أكان
صرفوا
معنى واحد أنهم ُ
ً اهلل ،أم الشيطان ،أم غواة الكفار وعتاتهم ،كلُّها تنسجم في
ومنعوا من الوصول للحق وللصراط المستقيم ،وهو ما عناه الراغب بأن الصد قد يكون
ُ
()4
ويصرفوا عن سبيل الحق ،فإن دعواهم فيما يرى
وحق عليهم أن ُيمنعوا ُ
ومنعا ُ ،
صرفًا ً
الباحث ومكرهم كان كب ًارا ،إذ فيه تعلُّق بذات اهللّ
العلية ،وحقه الخالص في التوحيد
ﮔ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ} [سورة غافر-36:
{ﮡ ﮢﮣ} [سورة نوح ،]22:مكر فيه الفجاجة والصلف والعناد{ :ﮍﮎ
ﯗ } [سورة مريم.]89-88:
ص ُّدوا
الزما بمعنىَ :
(صد) فالفعل فيها على تأويلين :أن يكون ً
أما بنية المعلوم َ
أنفسهم ،أي :أعرضوا ،وال ُيقَدر معه مفعول ،أو يكون متعدًيا ،فيكون المفعول محذوفًا،
()1
ص ُّدوا غيرهم ،ومن األول قوله{ :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
التقدير فيهَ :
الصد على قراءة المعلوم ظاهر جلي ينصرف إلى فرعون في موضع {ﮥﮦﮧ}
(ُ )1ينظر :األزهري :معاني القراءات58/2 ،؛ الرازي ،محمد بن أبي بكر(1999م) :مختار الصحاح،
الرعيني :تحفة األقران ،ص.114
ص ،174تحقيق :الشيخ ،يوسف ،ط ،5بيروت :المكتبة العصرية؛ ُّ
211
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
في مطلع حديثه عن بنية المجهول بأنهم أوغلوا في طريق الفساد والضالل ،وانهمكوا
فيه بما ال يرعوون معه وال ينتهون ،لتأتي قراءة المعلوم مؤكدة أنهم :سواء فرعون ،أو
()1
يصدهم عن اإليمان أحد ولم يمنعهم منه أحد ،وانما هم َمن
من سار على دربه؛ لم ّ
تولى كب َر صد الناس عن طريق اهلل المستقيم ،ويؤكد هذا الصد وتلك النية الخبيثة-
لفرعون على وجه الخصوص -وعيده َمن آمن بالعذاب على إيمانه بقوله{ :ﭰ
ﭱﭲ} [سورة األعراف ،]124:ونحو ذلك مما توعدهم به ألجل إيمانهم ،مما
يدل على أنه ماض في سبيل صد الناس عن دين اهلل وعن صراطه المستقيم،
(صد) بالبناء للمعلوم تلك النية الجادة منه في الشر ،والسعي الحثيث ألَن
فصورت َ
يحول بين الناس وبين ربهم وصراطه المستقيم ،هو بذاته ال غيره ،وهكذا من اقتفى أثره
إن تلك النفسية ألرباب الضالل والكفر نفهمها في ضوء المعنيين من بنية
(صد) :الالزم والمتعدي ،فهُم في أنفسهم صادين معرضين عن الحق شأنهم شأن أق ارنهم
َ
ﯭ } [سورة نوح ،]7:كل ذلك صلف عن الحق ،واستكبار عن الهدى ،وال يقف بهم
(ُ )1ينظر :الفارسي :الحجة للقراء السبعةُ ،19/5 ،ينظر :المنجد ،محمد( :)2010اتساع الداللة في الخطاب
القرآني ،ص ،313ط ،1دمشق :دار الفكر.
212
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
اإليمان والهدى بما أوتوا من سبيل ،بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى ،وهو شأن واحد
وقاسم مشترك بين أولئك الظالمين ،فقوم لوط• مثال{ :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ
المستقيم.
ص ُّدوا ُ
وصرفوا عن سبيل الحق الواضح مناراته ،التي نصب في أن أهل الكفر والضالل ُ
صرفوا عن الحق ألي مؤثر خارجي أو قوة خارجية ،فقد أراد اهلل بهم ذلك ،أو
وان ُ
فعله بهم الشيطان ،أو أولياؤه ،فإن "هذه القوة وان كانت خارجة عنهم؛ إال أنهم قد
()1
اء وفاقًا { :ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ} [سورة فصلت ،]46:ومتى تهيأ
الصف ،" ]5:جز ً
العبد للضالل ،وسلم نفسه للشيطان؛ سلك اهلل به ذلك السبيل ،واألسوأُ من ذلك
األم ُّر أال يقف المرُء عند هذا المستوى من الضالل ،بل ُيض ُّل غيره ويمنعه عن الحق
و َ
سمت القراءتان مالمح الصراع بين الحق والباطل ،وأبانت اللثام عن النفسيات
ر َ
التاريخي والفكري ألهل الضالل بعضهم من بعض ،حيث ذم اهلل أهل الكتاب من
اليهود والنصارى ،ونهاهم عما وقع فيه هؤالء من الضالل واإلضالل فقال { :ﭑ
ﭒﭓﭔﭕ ﭖﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
من الضالل واإلفساد والغي ال يمكن أن تراها إال فيمن طمس اهلل بصره ،وأعمى
بصيرته ،لذا جاء ذلك الختام الرائع والقفلة الختامية لمشهد يختصر القصة كلها،
()1
فضلُّوا" " ،وهذا سبيل اهلل من أضله عن إصابة الحق
بينهم وبين أهوائهم َليضلوا؛ َ
ُّ
يود الباحث أن يسجل مالحظة أشار إليها في مطلع تحليل هذا الموضع بأن
لما حملته هذه البنية من الدالالت التي فتحت اللفظ على كل معاني الصد والصلف
واإلعراض التي عاش بها أولئك القوم ،ولو طفت تبحث في قواميس اللغة عن لفظة
تفي بكل معاني الصد واإلعراض التي أرادها اهلل في هذا الموضع لمثل تلك النفسيات
التي تحمل من نوايا الخبث ما تحمل؛ لما وجدت بنية أو لفظة أبلغ من التي آثرها
القرآن الكريم بجمال وقعها ،واتساع دالالتها بما ال تتسع له دالالت بنية أخرى ،ولما
لها من اتساق كامل مع المعنى بصور القراءات التي ورد بها الفعل (صد) ،ورحم اهلل
ابن عطية حين قال" :وكتاب اهلل لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة
غيرها لم يوجد ،ونحن يتبين لنا البراعة في أكثره ،ويخفى علينا وجهها في مواضع
()2
لقصورنا عن مرتبة العرب-يومئذ-في سالمة الذوق وجودة القريحة" .
( )1تفسير سورة الرعد بالقراءات العشر المتواترة ،ص( ،165بحث منشور على اإلنترنت من غير اسم الباحث
وال الدار الناشرة وال رقم الطبعة وال تاريخها).
( )2المحرر الوجيز278/1 ،
215
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
َ
فُتِنَ-فتنََ :
قال{ :ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
عامر بالبناء للمجهول( :فُتنوا) بضم الفاء وكسر التاء ،وق أر ابن عامر بفتح الفاء والتاء:
()1
مبنيا للمعلوم .
(فَتَنوا) ً
ساق الباحث هذا الموضع كصورة من صور االنتقال للفعل الماضي الثالثي
كثير على
من المجهول إلى المعلوم ،ولعل قراءة المجهول في هذا الموضع ال تُشكل ًا
القارئ بقدر ما يشكل عليه المعنى في قراءة المعلوم (فَتَن) ،ومع توجيه االختالف بين
()2
(فُتن) القول فيه عند أهل العلم بعود الضمير على الذين هاجروا ،فقد نزلت
هذه اآلية في قوم من أصحاب رسول اهلل تخلفوا بمكة بعد هجرته فاشتد المشركون
عليهم بالعذاب واإليذاء حتى فتنوهم عن دينهم فأَيسوا من التوبة ،فأنزل اهلل فيهم هذه
اآلية فهاجروا ،قال الطبري" :ثم إن ربك يا محمد للذين هاجروا من ديارهم ومساكنهم
وعشائرهم من المشركين ،وانتقلوا عنها إلى ديار أهل اإلسالم ومساكنهم وأهل واليتهم
من بعد ما فتنهم المشركون الذين كانوا بين أظهرهم قبل هجرتهم عن دينهم ثم جاهدوا
المشركين بأيديهم بالسيف وبألسنتهم ،وبالبراءة منهم ومما يعبدون من دون اهلل
( )1ابن مهران :المبسوط في القراءات العشر ،ص226؛ ابن الجزري :النشر305/2 ،
ظر :ابن الجزري :النشر51/1 ،
(ُ )2ين َ
216
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
()1
وصبروا على جهادهم { :ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ} [سورة النحل، ]110:
وقد كانت فتنة الكفار لهم بإكراههم على التلفظ بكلمة الكفر وقلوبهم مطمئنة باإليمان،
هذه الفئة بالمغفرة والرحمة إن هي هاجرت في سبيل اهلل وجاهدت وصبرت على ما
أصابها.
يار ،هذا
ار ال اخت ًا
نطقوا بكلمة الكفر وقلوبهم مطمئنة باإليمان ،وانما فعلوا ذلك اضطرًا
التخفيف ناشئ من أن اهلل خفف عنهم ،ثم رخص لهم الحقًا .قال مكي بن أبي
وانما تشتد الحاجة للتخفيف ويكون له وقع في النفوس عندما يأتي بعد عناء
ومشقة ،وبالعودة إلى مادة (فَتَ َن) في اللُّغة يظهر حجم البالء الذي حل بالمعنيين في
اآلية؛ لذا جاء حكم التخفيف ُمحبًبا مرغًبا فيه ،قال الرازي" :ألن أولئك المفتونين هم
المستضعفون الذين حملهم أقوياء المشركين على الردة والرجوع عن اإليمان ،فبين
أنهم إذا هاجروا وجاهدوا وصبروا؛ فإن اهلل يغفر لهم ت َكلُّمهم بكلمة الكفر" .
()1
(فتن) في اللغة تَرد على معان عدة :فأصل الفتن إدخال الذهب في النار
لتظهر جودته من رداءته ،واستعمل في إدخال اإلنسان النار ،وتارة يسمى العذاب فتنة،
()2
وقد يجعل البالء فتنة كذلك ،و ًّأيا قصدت بهذه المعاني اللغوية في هذا الموضع من
اآلية سواء أوقعت الفتنة بتعذيبهم أو بما حل بهم من البالء فإنها كلها أمارات مشقة
وشدة وجدها أولئك المفتونون عن دينهم ،فإن جاء التخفيف لهم من ربهم- وقد جاء؛
طمئن قلوبهم.
بردا وسكينة تُ َ
وجدوا له ً
ال نريد أن نشخص بناء الفعل للمجهول بداللة ظاهرة توقف حركة النص
ونشاطه ،وال تفتحه على تلك الدالالت التي تجعل منه حيوية وحركة مفعمة بالمعاني
البيانية ،وان إرجاع داللة حذف الفاعل على هذه القراءة إلى العلم به هكذا دون التطرق
المعجز بكل حركة وسكنة منه ،أال ُيرى في بناء الفعل للمجهول (فُتنوا) دعوة للعمل
(فُتنوا) لم تسم من وقعت منهم الفتنة؟ بل ألمحت هكذا في إلماحة سريعة ببناء
الفعل للمجهول دون سرد لتفاصيل الفتنة! وال من الفاتن! وال كيف وقعت! لقد انتقلت
في التفاتة رائعة ماتعة من المجهول (فُتُنوا) إلى المعلوم (جاهدوا) ،انتقلت من العيش
على آالم الماضي إلى التخطيط آلمال الغد ،بالعمل والحركة والجهاد والمصابرة:
(جاهدوا وصبروا) بما يحدث هزةً إيجابية في نفس المستمع تتمثل في دوره في تجاوز
المحن وعدم الوقوف على تفصيل الفتن ،إنها بحق دعوة رائعة للبذل ،للعطاء ،للتفاني
ألجل القضية في طريق الحق ،دون كلل أو فتور ،والفتن إن ُوجدت فإنها ُب َنيات طريق
أما (فَتَنوا) بالمعلوم فيرتفع اإلشكال فيه بمعرفة على ماذا يعود الضمير في
الفعل؟ والتوجيه في ذلك :إما أن يعود إلى (الخاسرون) في اآلية المتقدمة{ :ﮱﯓ
في الفاتنين الذين عذبوا المؤمنين على الكفر ،وأوقعوا الفتن في الذين أسلموا وجاهدوا،
()1
الكفار المؤمنين ،أو أن يعود الضمير على (الذين
ُ ويكون المعنى :من بعد ما فَتَن
هاجروا) ،وهم :المؤمنون ،والتقدير :فتنوا أنفسهم حين أظهروا ما أظهروا من كلمة
الكفر ،قال أبو حيان" :والظاهر أن الضمير عائد على الذين هاجروا ،فالمعنى :فتنوا
المعنى يقع االشتراك في رجوع الضمير إلى الذين هاجروا في القراءتين (فَتَنوا) و(فُتنوا)،
(ُ )1ينظر :الرازي :مفاتيح الغيب277/20 ،؛ أبو حيان :البحر المحيط541/5 ،؛ ابن الجزري :النشر،
51/1
( )2البحر المحيط541/5 ،
219
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
وأجاز ابن عطية وجهًا ثالثًا هو أن يعود الضمير على (المشركين) ،ويكون المعنى:
()1
من بعد ما فتنهم الشيطان ،وقد اختار بعض المحدثين لداللة (فَتَُنوا) أن تكون عائدة
على الذين هاجروا بحجة أنهم المذكورون في اآلية ،وأن القول بغيره يؤدي إلى تشتت
سببا في
الضمائر بال موجب واختار لذلك معنى :من بعد ما فتنوا أنفسهم إذ كانوا ً
()2
تعذيبهم ألنهم صبروا وجاهدوا .
والباحث لن يفاضل بين القراءتين ولن يرجح إحداهما على األخرى ،فالداللة
واسعة باتساع ما تنفتح عليه القراءتان من الدالالت ،فالقراءتان بهاتين البنيتين :المعلوم
والمجهول ،شاهد من شواهد سعة غفران الرب الكريم على كثرة ما يرتكبه العبد من
()3
الذنوب ،فاهلل يغفر للمفتون في دينه وهو ما أبانت عنه قراءة المبني للمجهول ،كما
أنه يغفر للمفتون في نفسه ،كما يغفر للمشركين الذين لهم ماض مليء بإيذاء
المسلمين على أن يلتزموا بما ذكر في اآلية وهذا ما أبانته وأفصحت عنه قراءة المبني
في آية واحدة ،والنتيجة ج ُّد سائغة ومقبولة ،وهي أن اهلل يغفر للجميع إذا تابوا إليه توبة
()4
نصوحا ،وختموا أعمالهم باإليمان وطاعة الرحمن مهما سلف منهم" .
ً
الرحيم وسعة الكريم ،ذلك "أن من رجع إلى اهلل مع العمل الصالح بالهجرة والجهاد
()1
والصبر حاز على مغفرة اهلل ورحمته ،وقد استفاضت نصوص الكتاب والسنة في
في القراءتين كذلك تربية ولفتة بديعة في مالمسة الشعور النفسي ألولئك
المفتونين أو الفاتنين على المعاني التي سبق إيرادها في توجيه القراءتين ،فإن الفتنة
التي ُحملوا عليها بعد تعذيبهم وايذائهم ،أو وقعت منهم قبل التوبة ال شك تُحدث في
عاجا وذكريات مؤلمة ،السيما باالقتراب أكثر ممن نزلت فيهم القراءتين تحكي
النفس انز ً
إليها ،ومعاني التخفيف التي سبق إيرادها ،فقد ُخت َمت القراءتان بالتأكيد واإلسناد واإلشارة
وتارة بقناة أخرى ،ال تفتأ أن تجد بغيتك بأن تروي ظمأك ،ذلك هو إعجاز القرآن الكريم
( )1حمدون ،غسان (د.ت) :أساس العالقة بين معاني القرآن بتعدد القراءات عند ابن الجزري ،ص،22
صنعاء :كلية التربية بجامعة صنعاء (بحث منشور على اإلنترنت).
( )2ينظر :ابن عطية :المحرر الوجيز425/3 ،
221
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
بقراءاته المتنوعة والمتغايرة ،تارة تصور لك المشهد من زاوية ،ثم تنتقل بك لتصوره من
زاوية أخرى ربما غاب تفاصيلها عن المشاهد أو المستمع وهو يستمتع بالصورة األولى.
222
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
تبقى األلفاظ القرآنية ألفاظا متميزة في بنائها ورصفها وداللتها على المعنى ،وال
شك أن في اختيار البنية المالئمة للمعنى المراد إعجاز وأيما إعجاز ،وقد الحظنا في
أكثر من موضع في ثنايا هذه الدراسة ذلك الترابط المحكم واالئتالف الدقيق بين معاني
أبنية األفعال التي وردت بها القراءات القرآنية ،حيث لم نجد إال التكامل واالنسجام،
فالقراءة األولى تمهد للثانية ،والبنية األولى تدلل على أختها ،وهكذا سلسلة من اإلعجاز
والتناغم ،فال هو تنافر في المعاني وال هو تنافر في األلفاظ .إنها "دقة في التعبير
()1
القرآني ،ومتانة نظمه ،وعجيب تصرفه ،يؤدي المعنى الثري في اللفظ القاصد النقي" .
ولم يك في مقصد الباحث مع بدايات دراسة صور تغير األفعال بين أوجه
القراءات المتعددة إال أن يدرس ذلك األثر المترتب على انتقال الفعل من بنية إلى بنية،
أثر أو فرقا في الداللة؟ السيما وأن كلتا البنيتين ثبتت بهما القراءة المتواترة
وهل أحدثت ا
عنه ،فلما مضت مسيرة الدراسة والتحليل لتلك الصور وقف الباحث على كم هائل
من الدالالت التي تكاد تجمع على أن لكل بنية معنى مقصودا وداللة خاصة ال تتعارض
مع التي وردت بها القراءة األخرى ،وانما تتكامل معها في ارتباط ونظم بديع قلما أن
تجد مثله في كالم البلغاء ،أو عند أشعر الشعراء والفصحاء ،ترابط ال يشعرك بالتعارض
وال بالتناقض ،وال يوهمك بالتكرار أو الحشو ،وانما هو صورة فنية بديعة تدهش العقول
( )1قطب ،محمد عبد العال(1990م) :من جماليات التصوير في القرآن الكريم ،مكة المكرمة :رابطة العالم
اإلسالمي ،مجلة دعوة الحق ،ص ،19ع.99
223
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
يدير إليها الباحثون عجلة التنقيب والتكشيف عن دالالت صور التغير الحاصلة بين
قراءة وأخرى.
في هذا المبحث يدرس الباحث نماذج من صور تغير الفعل مزيد الثالثي من
المجهول إلى المعلوم ،والدالالت المتولدة عن صور ذلك التغير؟ ولو حلت إحدى
البنيتين محل األخرى هل كان سيتم المعنى؟ هذا ما يحاول المبحث اإلجابة عليه ومن
هذا الموضع يناقش صورة تغير بنية الفعل الماضي من المجهول (أخفي) إلى
[سورة السجدة .]17 :ق أر العشرة عدا حمزة ويعقوب (أخفي) بفتح الياء ،وبناء الماضي
()1
للمجهول ،وق أر حمزة ويعقوب (أخفي) فعل مضارع بإسكان الياء ،على البناء للمعلوم .
فأما من ق أر بالمجهول (أخفي)؛ فالوجه عنده أنه يناسب سياق اآليات الواردة
بعده ،حيث اكتفى بالضمير الذي ألحق بالفعل عن الفاعل الظاهر ،كما في قوله:
( )1ينظر :ابن غلبون ،أبو الطيب بن عبد المنعم(1991م) :التذكرة في القراءات الثمان ،ص ،498تحقيق:
سويد ،أيمن ،ط ،1جدة :الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم؛ ابن أبي طالب ،مكي(د.ت) :كتاب التبصرة في
القراءات السبع ،ص ،307تحقيق :محمد ،جمال الدين ،د.ط ،طنطا :دار الصحابة للتراث؛ الداني :التيسير،
ص415؛ العكبري ،أبو البقاء عبد اهلل بن الحسين(1996م) :إعراب القراءات الشواذ ،296/2 ،تحقيق :عزوز،
محمد السيد ،ط ،1بيروت :عالم الكتب؛ النشار :البدور الزاهرة.206/4 ،
224
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
وقوله{ :ﯡ ﯢ ﯣﯤ} [سورة السجدة ،]19 :ومن ق أر (أخفي) بالمعلوم فقد جعله
()1
مأخوذا من الماضي( :أخفيت) ،وبناء الفعل للمعلوم ناسبه سياق األفعال الواردة قبله
()2
وكلها أفعال مبنية للمعلوم ،ويؤيده كذلك قراءة ابن مسعود( :ما نخفي لهم) .فناسب
سياق اآليات الواردة قبل الفعل (أخفي) المبني للمعلوم قراءة حمزة ويعقوب ،كما ناسب
سياق اآليات الواردة بعد الفعل (أخفي) المبني للمجهول قراءة الجمهور.
تصور اآلية مشهدا من مشاهد يوم القيامة يتمثل في النعيم الذي أعده اهلل
تعالى للمؤمنين ،وقد سبقت اإلشارة إلى أن مالمح ذلك اليوم تتسم بالتحول ،والمفاجأة،
ﮦ} [سورة إبراهيم ،]48:وبالنظر في داللة كل قراءة وأثرها على المعنى تتجلى
الصورة البديعة في جري الكالم على نسق واحد من التوافق واالنسجام ،قال{ :ﮠ
ﮡﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦﮧﮨ ﮩﮪ ﮫﮬ} [سورة السجدة ،]17 :أي" :ال يعلم أحد
( )2ينظر :الفارسي :الحجة في علل القراءات166/4 ،؛ أبو زرعة :حجة القراءات ،ص569؛ الباقولي ،علي بن
الحسين الملقب بجامع العلوم(2001م) :كشف المشكالت وايضاح المعضالت في إعراب القرآن وعلل القراءات،
،220/2تحقيق :السعدي ،عبد القادر ،ط ،1عمان :دار عمار؛ ابن أبي مريم :الموضح في وجوه القراءات.625 ،
( )3أورد هذه القراءة الفراء :معاني القرآن332/2 ،
225
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
()1
ما أخفي لهؤالء الذين ذكرهم اهلل مما تقر به أعينهم" ،والحديث عن المتهجدين بالليل،
رسول اهلل في قوله{ :ﮔ ﮕ } [سورة السجدة(( ،]16 :قال :قيام العبد من
()2
الليل)) ،وأورد ابن الجوزي أربعة أقوال فيمن نزلت فيهم هذه اآلية ،وفي الصالة التي
تتجافى لها جنوبهم ،مؤدى تلك األقوال إلى معنى استخفائهم في صالتهم ،سواء أكانت
()3
نافلة كقيام الليل ،أم فرضا كالعشاء ،واستدل الزجاج باآلية على أنها الصالة في جوف
()4
الليل ،يقول" :ألنه عمل يستسر اإلنسان به ،فجعل لفظ ما يجازى به (أخفي)" ،فناسب
إيراد الفعل (أخفي) بقراءتيه السياق العام لآليات ،إذ أن قيام الليل في أصله عبادة خفية،
الخفاء وقع فعال وحصل ،لكن ما هو؟! وما كنهه؟! وأي جزاء مترتب على أعمالهم؟! لم
تبينه اآلية ولم تسمه ،وانما اكتفت باإلشارة إليه بالفعل المبني للمجهول ،وذلك "للعلم
()1
بأنه الذي أخفوا نوافل أعمالهم ألجله" ،ولنتأمل في بعض اإلشارات التي توحي
فمن ذلك :نفي العلم بالجزاء المتمثل بدخول ال النافية على الفعل المضارع
في قوله{ :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ} [سورة السجدة ،]17 :كذلك النكرة (نفس) في
()2
سياق النفي (فال تعلم) أفـادت العموم ،أي :ال يعلم أي أحد ،نفت العلم عن أي نفس
كانت" ،فهي إذا نفوس غير عالمة ،بالذي أخفي لهم ،وذلك بطي ذكر العالم الرحب
الذي تم إخفاؤه ،وطي ذكر من أعد هذا العالم الرحب من التكريم والتنعيم ،فالسياق سياق
()3
إبهام ،واإلبهام عنصر مراعى ومقصود؛ لتذهب النفس في تقديره كل مذهب" .
هذا المعنى أشار إليه الجرجاني في نظرية المعنى ومعنى المعنى ،حين يقول:
"نعني بالمعنى :المفهوم من ظاهر اللفظ ،والذي تصل إليه بغير واسطة ،وبمعنى المعنى:
()4
أن تعقل من اللفظ معنى ،ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر" ،فالمعنى حاصل
من اإلخفاء لمظاهر النعيم الذي ينالونه ،ثم يذهب الفكر بعيدا في تقدير هذا الجزاء
()1
وبمراجعة إعراب النحاة لـ(ما) في اآلية؛ فإنهم أعربوها كاآلتي :إن كانت
بمعنى (الذي)؛ فهي في موضع نصب بـ (تعلم) على القراءتين ،وتكون الهاء محذوفة
من الصلة على قراءة (أخفي) أي :أخفيه لهم ،وال حذف في قراءة( :أخفي)؛ ألن الضمير
لنـائب الفعل يعود على( :الذي) ،وان كانت استفهاما بمعنى (أي)؛ فهي في موضع رفع
باالبتداء على قـراءة (أخفي) ،وفي موضع نصب على قراءة (أخفي) ،والجملة( :ما أخفي)
في موضع نصب سدت مسد مفعولي (تعلم) ،ونقل أبو علي الفارسي أن الراجح عند
()2
النحاة جعل (ما) استفهاما مرتفعا باالبتداء ،هذا االستفهام يثير تساؤالت عدة عما
أخفي لهؤالء المنعمين ،والمتأمل لهذا االستفهام بعين البصيرة ليتذوق حالوة القرآن ودقته
في اختيار مفرداته ،فقد الءم االستفهام الذي رجح في معنى (ما) داللة الفعل (أخفي)
لما يحمله االستفهام من طلب العلم بالشيء ،وطلب العلم بالشيء ناشئ عن وجه خفاء،
واذا انتقل الباحث إلى داللة (أخفي) ببنائه للمعلوم؛ يجد ثمة توافق وتواؤم بينه
وبين المضارع قبله( :ينفقون) ،وألن الفعل المضارع يحمل التجدد ،ويشعر بالحركة
والحياة؛ فقد "نجم عن هذا جزاء مستمر متجدد في نسيج الفعل المضارع ذي الفعل
()3
الرباني( :أخفي) في مقابل المضارع ذي الفعل البشري (ينفقون)" ،ولعل التعبير بهذه
( )1ينظر :النحاس :إعراب القرآن ،ص759؛ ابن أبي طالب ،مكي(2010م) :مشكل إعراب القرآن ،ص،359
تحقيق :عبد العظيم ،أسامة ،ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
) )1ينظر :الفارسي :الحجة في علل القراءات166/4 ،
) )2الخراط :اإلعجاز البياني في ضوء القراءات القرآنية ،ص320
228
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
البنية مناسب لحالهم–واهلل أعلم-فما داموا مستمرين في إخفاء أعمالهم حرصا على
مرضاة ربهم ،مداومين عليها كما جاءت بذلك األفعال( :تتجافى)( ،يدعون)،
(ينفقون)؛ ناسبهم أن تبقى نفوسهم مطمئًنة بفضل اهلل وعطائه ،متشوفة دوما إلى
المزيد من رضوانه ،غير ملتفتة إلى النوال من غيره "تروي غليلها بما يخفيه لها ربها
من أطايب النعيم ونفـائس التكريم ،فتقـر عينها بذلك المخفي المتجدد المستمر في عطـائه
()1
الرحب الجزيل" .
هكذا كملت كل قراءة األخرى بما أكسب المعنى ثراء واضحا ،وسواء أكانت
القراءة بالمجهول أم بالمعلوم فإن الداللة في اآلية تحمل على االستمرار ،فيه حث من
الرحمن أن يستمر العباد في طلب مرضاته" ،فالخفاء مستمر ،وواقع-وان كان الفعل
()2
ماضيا-إلى يوم القيامة ،على أن تقر أعينهم بما أخفي لهم" ،هذا الخفاء على كال
القراءتين برز بتعبير عجيب يشي بحفاوة اهلل بالقوم كما يرى سيد قطب ،وتوليه
بذاته العلية إعداد المذخور لهم عنده من الحفاوة والكرامة مما تقر به العيون ،هذا
المذخور ال يطلع عليه أحد سواه ،والذي يظل عنده خاصة مستو ار حتى يكشف ألصحابه
عنه يوم لقائه! عند لقياه! وانها لصورة وضيئة لهذا اللقاء الحبيب الكريم في حضرة
()3
اهلل ، خفاء ال يمكن أن يفهم إال في سياق التكريم ومزيد الفضل والتنعيم ،فإن الجنة
التي حصلوها دار نعيم كامل ال يشوبها نقص ،وال يعكر صفوها كدر ،والنعيم كما
يحصل بتعريف المتنعم بما سيالقيه من المكارم والنعم؛ فإنه يحصل كذلك بإخفائه عنه
وهذا الذي أفادتنا إياه قراءة المجهول (أخفي) ،ولما كان في هذا اإلخفاء ألوصاف النعيم
الذي فهم من هذه القراءة نوع إبهام وتساؤل قد يقع من أهل قيام الليل المعني بهم في
اآلية؛ قطعت قراءة المعلوم ذلك التخوف وأبانت المبهم ،وطمأنت النفوس بأن المخفي
للنعيم والفضل هو اهلل ،وكما أنك ال تسل عن وجه اإلهانة واإلذالل يوم أن يكون
كذلك عن التكريم الذي يحصلونه يوم أن يكون المنعم هو اهلل ،كما في حديث أبي
هريرة ¢عن النبي ،يقول اهلل(( :أعددت لعبادي الصالحين ما ال عين رأت وال
أذن سمعت وال خطر على قلب بشر...ثم ق أر {فال تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين
()1
جزاء بما كانوا يعملون})) .
للمؤمنين كائنا ما كان عملهم وعبادتهم وطاعتهم وتطلعهم ،يتولى اهلل إعداد ما يدخره
لهم من جزاء ،ويطمئن روعهم أن الذي أخفوا ألجله أعمالهم؛ كافأهم بالمثل مالطفة
واكراما ،فالقراءتان مؤداهما رسالة تحث على الطاعة ،فالكريم من أكرمه اهلل ،وال
شرف إال بالقرب منه ،فمن ذاق عرف ،ومن عرف اغترف.
( )1صحيح البخاري كتاب التفسير ،باب قوله {فال تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} ،ح()4502
230
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
َ
ق أر حفص وحمزة والكسائي (عميت) بضم العين وتشديد الميم وكسرها على
البناء للمجهول ،والباقون بفتح العين وتخفيف الميم وكسرها على البناء للمعلوم في
()1
ﰃ ﰄ ﰅ} [سورة هود ، ]28 :واآليات في سياق حديث نبي اهلل نوح• مع
قومه حين قال لهم" :يا قوم أرأيتم إن كنت على علم ومعرفة وبيان من اهلل لي ما
يلزمني له ،ويجب علي من إخالص العبادة له ،وترك إشراك األوثان معه فيها ،ورزقني
()2
من التوفيق والنبوة والحكمة فآمنت به" ،وقد جاء اللفظ القرآني ببنيتين مختلفين:
(عميت) بالبناء للمجهول حملها مكي بن أبي طالب على المعنى ،أي :لم يعموا
()3
عن رحمة اهلل حتى عميت عليهم ،وأصل الفعل عند الطبري مسند إلى اهلل ،وانما
حذف للعلم به ،وحجته في ذلك أنه أضاف الرحمة إليه في نفس الموضع من اآلية،
()4
تعميته لآلخرين تضاف إليه من باب أولى ،وقد ورد هذا المعنى في بعض القراءات
()1
الشاذة كقراءة األعمش (فعماها عليكم) ،وأصلها :عماها اهلل عليكم ،أي :أبهمها؛ عقوبة
()2
لكم ،ثم بني الفعل لما لم يسم فاعله فحذف فاعله للعلم به ،وهو اهلل ، وفي هذا تأكيد
هذا العقاب لموقف العناد والضالل الذي وقفوه ذلك أنهم جحدوا نعم اهلل وكفروا به،
وقد يرجع أصل الفعل على هذه القراءة أعني قراءة المجهول إلى غير اهلل،
ذلك أن اآلية لم تصرح بنسبة التعمية إليه وانما أقيم المفعول-وهو ضمير الرحمة أو
البينة على الخالف الحاصل في عود الضمير إلى أي منهما -مقامه ،قال الماوردي:
"وفي الذي عماها على هاتين القراءتين وجهان :أحدهما أن اهلل عماها عليهم ،الثاني:
()3
بوسوسة الشيطان وما زينه لهم من الباطل حتى انصرفوا عن الحق" ،كما في قوله:
{ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
ﭪ ﭫ} [سورة البقرة ،]212 :فالمزين لهم قد يكون اهلل ،وقد يكون الشيطان،
كما سبق الحديث عند قوله{ :ﮥﮦﮧ} [سورة غافر ،]37 :فإن الصاد له هو
تحمل (عميت) نفس اإلعراض عند أولئك القوم ،بل اإليغال في اإلعراض،
حتى كانت العقوبة أن (عميت) عليهم البينة أو الرحمة على الخالف الحاصل في إرادة
()1
أحدهما أو كليهما في هذا الموضع من اآلية ،قال الزمخشري" :صمموا على اإلعراض
()2
عنها فخالهم اهلل وتصميمهم؛ فجعلت تلك التخلية تعمية منه" ،وفي ختام اآلية:
{ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ} [سورة هود ]28 :بيان لتلك النفسية وذلك اإلعراض الذي
أسلفنا الحديث عنه وكيف أنهم قابلوا آيات اهلل وبيناته بالكره واإلعراض.
أما (عميت) بالبناء للمعلوم ففيه من لطائف البيان القرآني ما يثير الدهشة
ويأخذ بتالبيب البالغة ،قال الفراء" :وسمعت العرب تقول :قد عمي علي الخبر ،وعمي
علي بمعنى واحد ،وهذا مما حولت العرب الفعل إليه وليس له ،وهو في األصل لغيره،
()3
أال ترى أن الرجل يعمى عن الخبر ،أو يعمى عنه" ،كما حملت هذه البنية على
أسلوب القلب عند الطبري والفارسي ،قال الطبري" :وهذه الكلمة مما حولت العرب الفعل
عن موضعه ،وذلك أن اإلنسان هو الذي يعمى عن إبصار الحق ،إذ يعمى عن إبصاره،
والحق ال يوصف بالعمى إال على االستعمال الذي جرى به الكالم وهو في جوازه
الستعمال العرب إياه ،نظير قولهم :دخل الخاتم في يدي ،والخف في رجلي ،ومعلوم أن
الرجل هي التي تدخل في الخف ،واألصبع في الخاتم ،ولكنهم استعملوا ذلك كذلك لما
()1
كان معلوما المراد فيه" ،وقال الفارسي" :عموا هم عنها ،أال ترى أن الرحمة ال تعمى
وانما يعمى عنها ،فيكون هذا كقولهم :أدخلت القلنسوة في رأسي ونحو ذلك مما يقلب إذا
( )2
وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـائره بـ ـ ـ ـاد إ لى الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ مس أ ج مع ترى الثور فيهـ ـ ـا مـ ـ ـدخـ ـ ـل الظـ ـ ـل أرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه
()3
وبذا يكون األصل :فعميتم أنتم عنها" ،وقد تحمل (عميت) على االستعارة
حيث شبهت الحجة التي لم يدركها المخاطبون بالعمياء في أنها لم تصل إلى عقولهم،
()4
كما أن األعمى ال يهتدي للوصول إلى مقصده ،قال الزمخشري" :الحجة كما جعلت
بصيرة ومبصرة جعلت عمياء؛ ألن األعمى ال يهتدي ،وال يهدي غيره ،فالمعنى :عميت
()5
عليكم البينة فلم تهدكم ،كما لو عمي على القوم دليلهم في المفازة؛ بقوا بغير هاد" ،
قال ابن عطية" :عميت :تخفيف ،يقال للسحاب :العماء؛ ألنه يخفي ما فيه ،كما يقال
()6
له الغمام؛ ألنه يغمه" .
كما توصف باإلبصار إذا كانت معلومة ألنها هادية كالبصر ،كما في قوله{ :ﰅ
ﰆ ﰇ ﰈ} [سورة النمل]13 :؛ كذلك توصف بالعمى إذا كانت مجهولة خفية
()1
القصص ، "]66 :وليس في ذلك قدح أو عيب للبينة ،وانما العيب على الناظر فيها
إعرض عنده.
والمتأمل لها أن خفيت عليه ولم يهتد إليها لجهل ،أو لم تهده لكبر أو ا
وبالعودة إلى معاجم اللغة يتبين أن لـ (عمي) عدة معان جلها مقصود مع البينة
()2
المذكورة في اآلية ،فعمي الشخص :فقد بصره كله ولم ير ،وذهب بصر قلبه وجهل،
الحج ،]46 :تقول :عمي قلبه :ضل ،وتعطلت قوى اإلدراك والفطنة فيه ،وعمي عليه
وباستثناء المعنى األول لعمي المخصوص بفقد البصر فإن المعاني الثالثة
المتبقية مقصودة وواقعة على هذه البينة ،فقد ذهب بصر قلوبهم ،وجهلوا جهال ال
يهتدون معه إلى خير ،والتبست عليهم البينات ،وخفيت فعميت عليهم ،وعموا هم عن
االهتداء والوصول إليها ،ذلك واهلل قمة البيان وأس البالغة أن يورد اللفظ الواحد
المقتضب ويريد ك ًما هائال من المعاني والدالالت التي تشخص كل حالة لهم وقفوها
التي رسمت حال المعاندين لبينات اهلل وموقفهم منها ،ثم إن القول بأن بناء الفعل
للمجهول إنما هو لعدم العلم بالفاعل ،فيه إنقاص لتلك الصورة البيانية البديعة المتولدة
ينظر الباحث لهاتين البنيتين :المعلوم والمجهول ،على أنهما صورتان متكاملتان
تكمل كل منهما األخرى ،المقصد منهما بيان هيئة التعمية وصورتها التي حلت بأولئك
القوم ،حيث استأثرت كل بنية ببيان هيئة من تلك التعمية التي حلت بهم هذا من جهة،
ومن جهة أخرى نلحظ فيها هيئة الشرط وجوابه ،ذلك أنه لما كانت قلوبهم ً
محال للتعمية
تظهر القراءتان كذلك أن نفسياتهم كانت وال زالت مهيأة للضالل ،فالحق واضح
بين ال يخفى وال يعمى على قاصده االهتداء إليه ،إال إن كان ال يملك آلة الوصول
إليه ،أو كان يملكها لكن يقع في قلبه من الكبر والعناد ما يحول بينه وبين الحق ،ومع
كليهما تهيؤ واستعداد لعدم االنصياع للحق ال بالبحث عنه مع الجهل ،وال باإليمان به
عند العلم ،لذا (عميت) عليهم البينات واآليات؛ "ألنها خفيت عليهم بترك النظر فأعماهم
()1
اهلل عنها" ،أعماهم عنها لما عموا هم عنها ،وفي ذلك خذالن منه لمن كفر به.
لقد عموا عن الحق بكل صور التعمية فلم يهتدوا إليه سبيال ،هم في عماهم
يتخبطون ،وفي ضياعهم يعمهون ،عميت عليهم البينات مع أنها واضحة ،إنهم خالوها
()2
غير هادية "والشيء إذا بقي مجهوال محضا؛ أشبه العمى" ،وعموا هم عنها لكرههم
وعنادهم وكفرهم ،ومن كان بهذه النية والنفسية؛ ال يمكن أن يهتدي بحال من األحوال
إلى الحق إال لو ترك العناد واللجاج ،وكلف نفسه عناء النظر في الدليل والبرهان" ،لكأن
الرحمة أو الهداية كانت قريبة منهم ،ولكن اهلل أخفاها وعماها عنهم؛ ألنهم ال
يريدونها ،والدليل قوله في اآلية نفسها( :أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) ،ولو أنهم
()3
أرادوها وقبلوها لم يقل اهلل ذلك" .
وقد تكون هذه التعمية عقوبة من اهلل لهم ،وسلبا لآللة التي يتوصلون بها
للهدى والحق" ،وبذلك يحصل الذم لهم من أنه أتى بالمعجزة الجلية الواضحة ،وأنها على
()4
وضوحها واستنارتها خفيت عليهم ،وذلك أنه سلبهم علمها ،ومنعهم معرفتها" .
مقابل (عميت) ،حيث إن (فعل) يستخدم للداللة على التضعيف ،والتكثير ،والمبالغة،
يقول سيبويه" :تقول :كسرتها وقطعتها ،فإذا أردت كثرة العمل؛ قلت :كسرته ،قطعته،...
وقالوا :يجول ،أي :يكثر الجوالن ،ويطوف يكثر التطويف ،واعلم أن التخفيف في هذا
()1
جائز ،كله عربي ،إال أن فعلت إدخالها هنا لتبيين الكثير" .
هنا يدرك القارئ أن مع هذه البنية مؤثار خارجيا يحول بينهم وبين الهدى ،وما
ذاك إال لجرم ما اقترفوه ،وحجم ما ارتكبوه من عناد وضالل وصد عن الحق ،فعموا
وأعموا ،و(عمي) عليهم عمى مضاعفا ال يهتدون معه إلى شيء ،عمى مبالغا لن يصلوا
فيه إلى طريق مستقيم( ،عمي) عليهم عمى بعد عمى ،وضالال في إثر ضالل؛ لذا جاء
التعبير القرآني بالعمى وهو أشد أنواع الخفاء ،وهذا مناسب لتلك النفسية التي تعاملوا
بها مع أوامر اهلل التي يلخصها قوله { :ﰃ ﰄ ﰅ} [سورة هود ،]28 :وفي
التعبير بالجملة االسمية واسم الفاعل هنا إشارة إلى أن أفعالهم أفعال من كراهته للحق
هكذا تبعث القراءتان برسالة تربوية لكل قارئ ومستمع مفادها تهيئة النفس
واستعدادها لقبول الحق واالنقياد إليه ،واال عوقب العبد بالحرمان عن االهتداء للهدى،
وتعمية الطريق إليه ،وتسخير من يعميه عن الوصول إلى الحق" ،والدليل إذا كان أعمى
()1
عاد ضرره على التابع بالحيرة والضالل" .
وقبل مغادرة هذا الموضع تجدر اإلشارة إلى أن (عميت) وردت في موضع
القصص ]66 :في معرض الحديث عن يوم القيامة ،ولم تشهد اآلية الخالف الحاصل
في موضع هود{ :ﰀ ﰁ ﰂ } [سورة هود ،]28 :وفي ذلك يقول فضل
عباس معلقا" :آية القصص اتفقوا على قراءاتها بالتخفيف ،فإن التشديد فيها غير ممكن
من جهة المعنى ،فإنها تتحدث عن يوم القيامة ،وهو اليوم الذي تجزى فيه كل نفس بما
كسبت ،اليوم الذي تتحقق فيه العدالة( :ال ظلم اليوم) ،وعلى هذا فال يعقل وال يصح أن
يعمى على هؤالء شيء ،فإن التعمية ال تتفق وال تنسجم مع العدل المطلق الذي تحقق
()2
في ذلك اليوم ،كيف وهم ال يظلمون فتيال!" ،وهذا مظهر من مظاهر إعجاز القراءات
القرآنية المتواترة بالنقل الثابت بالوحي ،وأنها اتساق لغرض مقصود مع كل قراءة ،فلكل
منها مذاق وسياق ،وهو رد على من ينتقصها ،أو يجحدها ويطعن فيها.
َ
الصيغ الصرفية حاملة للمعاني ،والقرآن الكريم حينما يختار بنية لكلمة ما؛ فإنه
يقصد إلى ما تعبر عنه تلك البنية من معنى ينبغي أن يالحظ في سياق اآليات
وتفسيرها ،وفي هذا النموذج يعرض الباحث للمالمح الداللية المتولدة عن صورة التغير
في بنية الفعل (فزع) من المجهول إلى المعلوم ،ومدى إسهامها في إثراء المعنى.
ويعقوب (فزع) بالبناء للمجهول بضم الفاء وكسر الزاي مشددا ،وق أر ابن عامر ويعقوب
()1
(فزع) على البناء للمعلوم بفتح الفاء والزاي مشددا ،ولفهم صور التغير بين البنيتين:
(فزع) بالمجهول ،و(فزع) بالمعلوم ،وقبل مناقشة هاتين الصورتين ال بد من اإلشارة إلى
خالف أهل العلم والتفسير في الموصوفين بهذه الصفة للفعل (فزع) من هم؟ وما السبب
الذي من أجله فزع عن قلوبهم؟ يجمل الباحث ذلك باختصار واال فإن التفصيل في ذلك
()2
يطول .
( )1ينظر :ابن مجاهد :السبعة في القراءات ،ص530؛ أبو زرعة :حجة القراءات ،ص589؛ األزهري :معاني
القراءات295/2 ،؛ ابن الجزري :النشر351/2 ،؛ النشار :البدور الزاهرة ،ص.260
( )2ينظر :الطبري :جامع البيان395/20 ،؛ الماوردي :النكت والعيون448/4 ،؛ أبو حيان :البحر المحيط،
546/8؛ الشوكاني :فتح القدير.373/4 ،
240
الفصل األول :تغير الفعل الماضي من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
قال بعض أهل العلم :الذي فزع عن قلوبهم هم المالئكة ،وانما يفزع عن قلوبهم
من غشية تصيبهم عند سماع اهلل بالوحي ،قال ابن مسعود :إذا حدث أمر عند ذي
العرش سمع من دونه من المالئكة صوتا كجر السلسلة على الصفا فيغشى عليهم ،فإذا
ذهب الفزع عن قلوبهم بادروا :ماذا قال ربكم؟ ،قال :فيقول من شاء :قال الحق ،وهو
العلي الكبير.
حذر أن يكون ذلك قيام الساعة ،قال قتادة :يوحي اهلل إلى جبريل
اهلل الذي يقضيه ا
فتقوم المالئكة أو تفزع مخافة أن يكون شيء من أمر الساعة ،فإذا جلي عن قلوبهم،
وعلموا أنه ليس ذلك من أمر الساعة قالوا :ماذا قال ربكم؟ ،قالوا :الحق ،وهو العلي
الكبير.
وقال آخرون :بل الموصوف بذلك المالئكة إذا مرت بهم المعقبات فزعا أن
يكون حدث أمر الساعة وهذا قريب من سابقه ،قال الضحاك :زعم ابن مسعود أن
المالئكة المعقبات الذي يختلفون إلى األرض يكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الرب
فانحدروا؛ سمع لهم صوت شديد فيحسب الذين هم أسفل منهم من المالئكة أنه من أمر
241
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
وتنازع العلماء في ترجيح قول من تلك األقوال ،ومرد ذلك إلى فهم الضمير
الذي عاد عليه (قلوبهم) في قوله{ :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ} [سورة سبأ ،]23 :فهذا
الطبري يرجح قول ابن مسعود بأن المراد بهم المالئكة ،والفزع الذي يصيبهم إنما هو
()1
من سماع الوحي ،ونقض أبو حيان تلك األقوال بل وحكم عليها بأنها ال تكاد تالئم
ألفاظ القرآن ،وأعاد الضمير في (قلوبهم) على من عاد عليه (اتبعوه)( ،وعليهم) في
()2
قوله{ :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ} [سورة سبأ ،]20 :وهم المشركون ،
ولكل تأويله فيما ذهب إليه ،ومرد الخالف كما أسلفت إلى عود ضمير (قلوبهم) ،وليس
بين القراءتين واألثر الداللي المترتب عليهما ،وعن صور التغاير بين البنيتين :المعلوم
بالعود إلى مادة (فزع) في اللغة نجد أن الفاء والزاي والعين أصل لمعنيين:
الذعر واإلغاثة ،قال ابن فارس" :فأما الفزع ،يقال :فزع يفزع فزعا ،إذا ذعر ،وأفزعته أنا،
وهذا مفزع القوم ،إذا فزعوا إليه فيما يدهمهم ،فأما فزعت (عنه) فمعناه :كشفت عن
()3
الفزع" ،وقال الجوهري" :التفزيع من األضداد ،يقال :فزعه ،أي :أخافه ،وفزع عنه ،أي:
()4
كشف عنه الخوف" .
المالحظ في (فزع) أنه جاء مخالفا لسائر األفعال ،ألن فعل أصلها :اإلدخال
()1
في الشيء كعلمت ونحوها ،تقول :مرضت فالنا أي :أزلت عنه المرض ،وجزعته:
كثير عند
ا أزلت عنه الجزع ،وكذلك هنا فزعه :أزال عنه الفزع ،وهذا االستعمال شائع
العرب حيث يستعملون فزع في معنيين :يقولون :هو مفزع للشجاع الذي يفزع منه،
ويقولون :إنه لمفزع ،للجبان الذي يفزع من كل شيء ،قال الفراء" :والعرب تقول للرجل:
إنه لمغلب ،وهو غالب ،ومغلب وهو مغلوب ،فمن قال :مغلب للمغلوب ،يقول :هو أبدا
مغلوب ،ومن قال :مغلب وهو غالب أراد قول الناس :هو مغلب ،والمفزع يكون جبانا
ويكون شجاعا ،فمن جعله شجاعا قال :بمثله تنزل األفزاع ،ومن جعله جبانا فهو بين
()2
أراد :يفزع من كل شيء" ،وعليه يكون معنى اآلية مع داللة الفعل فزع هنا على إزالة
الفزع" :أنه ال تنفع الشفاعة عنده إال لمن أذن له أن يشفع عنده ،فإذا أذن اهلل لمن
أذن له أن يشفع فزع لسماع إذنه ،حتى إذا فزع عن قلوبهم فجلي عنها وكشف الفزع
()3
قالوا :ماذا قال ربكم؟ قالت المالئكة :الحق ،وهو العلي الكبير الذي ال شيء دونه .
فقد بني للمجهول ،وقام المجرور (عن قلوبهم) مقام الفاعل على توجيه :نفس الفزع عن
()4
قلوبهم وطير عنها ،وقيل :المسند إليه فعل مضمر دل عليه الكالم؛ أي :نحي الخوف ،
وقد أعيا الباحث تلمس إشارة من القدماء على داللة بناء الفعل (فزع) للمجهول ،مع
إجماعهم أن الذي فزع هو اهلل بداللة القراءة األخرى ،وانما لم جاء هذا التغاير البديع
في صورة يذعن لها أرباب البالغة وتخر لها قامات أهل البيان ساجدة في محراب
دارت المعاني التي أوردها علماء التوجيه والقراءات لهذه البنية حول :خفف
عنها الفزع ،أو أزيل عنها وغيرها من المعاني ،لكن يبقى السؤال قائما لم جاءت البنية
هنا على البناء للمجهول وهو المجهول االصطالحي الذي أشار إليه الباحث في تمهيد
هذه الدراسة ،ومعلوم مستقر في األذهان أن الفاعل هو اهلل ،فلم إذن ورد التعبير
تأتينا إشارة على بعد ،وفيها عدم تصريح بمقصد بناء (فزع) أنه :فزع عنها لما
()1
ورد عليه من اإلذن تهيبا لكالم اهلل ، ولعلنا نفهم صورة هذه الهيبة الحاصلة لكالم
اهلل واذنه عندما نفهم السبب الذي ألجله جاءت (حتى) في هذا الموضع من اآلية
للغاية؟
في قوله{ :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ} [سورة سبأ ]23 :ال تستقيم (حتى) على
االبتداء ،كما أنها ليست صلة يوصل بها ،فألي شيء إذن وقعت حتى غائية؟ وبم اتصل
فيقول" :بما فهم من هذا الكالم ،من أن ثم انتظار لإلذن وتوقع وتمهل وفزع من الراجين
للشفاعة والشفعاء ،هل يؤذن لهم أو ال يؤذن؟ وأنه ال يطلق اإلذن إال بعد ملي من
ﭯﭰﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ
حتى إذا فزع عن قلوبهم ،أي :كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم
بها رب العزة في إطالق اإلذن ،تباشروا بذلك ،وسأل بعضهم بعضا :ماذا قال ربكم؟
()1
قالوا :الحق ،أي :القول الحق ،وهو اإلذن بالشفاعة لمن ارتضى" ،وعليه فلما كان
المقام مقام فزع وتربص إلذن المولى؛ كان هذا المقام محاطا بهاالت الهيبة واإلجالل
لكالمه ،فكيف لو زيد عليه أن جعلت البنية للمجهول (فزع) ،إنها لحظات مشوبة
باالنتظار والتربص الذين يثيران في النفس الفزع والقلق ،لحظات ال مجال فيها لظهور
الفاعل حتى ال يشغل حي از أو مساحة يحتاجها المشهد ،إذ إنه بجزئياته وكلياته يجعل
وهناك ملمح وداللة ال ينبغي أن تغفل مع بنية (فزع) أشار إليها البقاعي بأن
()2
إزالة ذلك الفزع كان بأيسر أمر ،وأهون سعي من أمره ، فإنه في خضم تلك الجلبة
وذلك التربص واالنتظار فترة من الزمن إلذنه لعباده بوقوع الشفاعة ،يأتي إذنه
للشافعين بكل يسر وسهولة ،وال تفهم هذه الداللة إال مقترنة بهيبته فإن ذلك ال يصدر
إال عمن كان مهابا عظيما بيده األمر والنهي والحل والعقد.
ومن دقائق البيان القرآني ولغته الراقية أن توافق (فزع) المبني للمجهول في هذا
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ} [سورة سبأ ،]23 :حيث قرئ (أذن) بالمجهول وبالمعلوم ،وفي (أذن)
إشارة إلى أنه وقع منه إذن على لسان من شاء من جنوده بواسطة واحدة ،أو أكثر في
()1
أن يشفع في غيره ،أو في أن يشفع فيه غيره ،وفي هذا ائتالف بين الفعلين (فزع)
و(أذن) في أن من مقام هيبته وجالله أن أذن للشافعين ،وكشف الفزع عن المشفوعين
تتوارد الدالالت المحيطة بـ (فزع) وتتأكد بل وتكاد تجمع على مقام العظمة
والهيبة التي تحدثها في أذن السامع والقارئ لهذا المشهد ،فكيف بالمعايشين له والماثلين
أمامه في ذلك اليوم العصيب ،هذا التعظيم يفهمه ابن عاشور في سياق آخر هو
سياق اإلذن نفسه ومن صدر منه اإلذن ،ثم الحالة النفسية التي يشهدها من حضر هذا
المشهد بعد وقوع اإلذن ،يقول" :وبني للمجهول لتعظيم ذلك الفزع بأنه صادر من جانب
()2
أمر يصل
عظيم ،ففيه جانب اآلذن فيه ،وجانب المبلغ له وهو الملك" ،وال شك أن ا
سمعك هو صادر من ملك غير ذلك األمر الذي يصلك وهو صادر من مسؤول عادي،
وان لم يسمع من كليهما مباشرة إال أن فخامة اآلمر وهيبته تنعكس على أمره واذنه،
أما عن انعكاس تلك الحالة النفسية للحاضرين بعد اإلذن وكيف أبانت عن جو
الهيبة لذلك اإلذن فيقول" :والتفزيع يحصل لهم بانكشاف إجمالي يلهمونه فيعلمون بأن
اهلل أذن بالشفاعة ،ثم يتطلبون التفصيل بقولهم :ماذا قال ربكم؟ ليعلموا من أذن له
ممن لم يؤذن له ،وهذا كما يكرر النظر ويعاود المطالعة من ينتظر القبول ،أو هم
يتساءلون عن ذلك من شدة الخشية فإنهم إذا فزع عن قلوبهم تساءلوا لمزيد التحقيق بما
()1
استبشروا به ،فيجابون أنه قال الحق" .
وال تنفك قراءة المعلوم (فزع) عن تلك الدالالت الماتعة في (فزع) بالمجهول،
بل إنها تتكامل معها في رسم مالمح ذلك المشهد العصيب يوم القيامة ،والباحث هنا
وفي أكثر من موضع من البحث يؤكد على جملة الدالالت المتولدة عن صور التغير
بين القراءات القرآنية بأنها تتقاسم وال تتعارض ،تتكامل وال تتنافر ،ولذا يؤخذ على بعض
الباحثين في هذا الموضع جعلهم قراءة المعلوم (فزع) األصل ،و(فزع) الفرع ،بحجة أن
()2
اإلبقاء على األصل أولى إذا لم تكن هناك ضرورة للعدول عنه إلى الفرع ،وهذا منهج
(فزع) المعلوم فيه تصريح ظاهر جلي بالفاعل أنه اهلل ،وان لم يكن له ذكر
في اآلية؛ إال أنه قد استقر في األذهان حقيقة ذلك ،قال الفراء(" :حتى إذا فزع) بجعل
()1
الفعل هلل ، "وقال األزهري" :والمعنى في (فزع) و(فزع) واحد ،اهلل المفزع عن
()2
قلوبهم" ،وقال أبو زرعة" :فزع عن قلوبهم بفتح الفاء والزاي أي فزع اهلل عن قلوبهم
()3
الروعة ،وخفف عنهم أي أخرج اهلل الفزع عن قلوبهم" ،ويفهم الباحث سياق قراءة
المعلوم متكامال مع جملة الدالالت المتولدة عن المجهول (فزع) ،حيث شهدت هذه
البنية تتمة لمشهد الهيبة والتعظيم الذي رسمته قراءة (فزع) لكنه من زاوية أخرى ،إنه
تعظيم اآلمر اآلذن ،ففخامة االسم كافية بإحداث تلك الهزة في القلوب ،فإن قيل أن
اهلل هو من يكشف الفزع والخوف عن قلوب عباده؛ كان المقام واجب الهيبة والخشوع،
فكيف لو كان هو الذي قال ولم يقل عنه!! ،ال شك أن مقام الهيبة يعظم حينها،
ويزداد في قلوب األولياء والصالحين ،لقد أحكمت بنية (فزع) القبضة وأوثقت القول بأن
القول النافذ إنما هو قوله ،وأن اإلذن إذنه ال راد له وال مانع ،قال البقاعي" :وأزال
هو الفزع في قراءة ابن عامر ويعقوب-يقصد فزع-إشارة إلى أنه ال يخرج عن أمره
()4
شيء" .
ومن اجتماع (أذن) مع (فزع) شهد البيان القرآني جماال من وجه آخر ،كما أن
تقابل (فزع) مع (أذن) دليل عظمة من وجه آخر ،مفاد ذلك" :أنه ال افتيات عليه
بوجه من أحد ما ،بل ال بد أن ينص هو على اإلذن ،واال فال استطاعة عليه
()1
أصال" .
وأمتعتا ،إيقاع بديع في بيان حال ذلك المشهد الخاشع بكل تفاصيله ،خاشع بحضوره،
بأشخاصه ،بأحداثه ،تشوف وتلهف وتربص لسماع كلمة واحدة من الرب الجليل( :قد
أذنت لكم) ،تربص يطول معه االنتظار ،ويكثر فيه الترقب ،وتقف معه القلوب بألف
انتظار للجواب في موقف يستدعون إذنه لهم على أي هيئة كانت أن يؤذن
ا منزل
لهم ،أو ينقل عنه أن قد أذن لهم؛ فيفزع حينها عن قلوبهم ،أو يأذن هو بذاته
فيسمعون ذلك منه ،فترتاح قلوبهم وتظهر لهم تباشير اإلجابة بعد أن يكون قد فزع
هو عن قلوبهم.
إنها لحظة إنصات ،ووقفة خشوع وخضوع ،فتفاصيل ذلك اليوم كفيلة بأن ينسى
الوالد ولده ،والزوج زوجته ،أحداث تشيب معها الرؤوس ،وتذهل المرضعات عن أوالدهن،
أضف على ذلك هيبة الحضور الرباني ،والمقام اإللهي ،فالكل مذعن لهيبته ،ساكن في
بكلمة واحدة" ،ولما كان من المعلوم أن الموقوفين في محل خطر للعرض على ملك
مرهوب متى نودي باسم أحد منهم فقيل :أين فالن؟ ينخلع قلبه وربما أغمي عليه؛ فلذلك
كان من المعلوم مما قضى أنه متى برز النداء من قبله في ذلك المقام الذي ترى
()1
فيه كل أمة جاثية يغشى على الشافعين والمشفوع لهم" .
هكذا رسمت القراءتان (فزع) و(فزع) مالمح يوم عصيب وقع أحداثه وتفاصيل
وقائعه على الخالئق ،أبرزتا المهابة والعظمة لإلذن واآلذن ،وأماطت اللثام عن حقيقة
أن يسعى اإلنسان لتعميق اإليمان وتحقيق التوكل عليه ال غيره ،فإن شيئا في الكون
في الدنيا كان أو في اآلخرة ال يخرج عن مشيئته النافذة وال أمره القاهر.
وأجد مناسبا في نهاية تحليل هذه القراءة أن أختم بكالم سيد¬ في هيبة هذا
المشهد حيث يقول" :تصدر الكلمة الجليلة الرهيبة ،فتنتاب الرهبة الشافعين والمشفوعين
لهم ويتوقف إدراكهم عن اإلدراك ،حتى إذا فزع عن قلوبهم ،وكشف الفزع الذي أصابهم،
وأفاقوا من الروعة التي غمرتهم فأذهلتهم ،قالوا :ماذا قال ربكم؟ ،يقولها بعضهم لبعض:
لعل منهم من يكون تمسك حتى وعى ....ذلك هو اإليقاع األول في ذلك المشهد الخاشع
()2
وسرور.
ا الواجف المرهوب العسير" .فاللهم قنا شر ذلك اليوم ،ولقنا نضرة
ُّ ُ
تغير الفعل املضارع من اجملهول إىل املعلوم ،ودالالته،
التقاطعات في شبكة العالقة بين اللفظ والمعنى ،وهي وان كانت كذلك إال َّ
أن الداللة
فيها ال تقتصر على مدلول الكلمة في ذاتها" ،إنما تحتوي على المعاني كلها التي يمكن
أن تتخذها هذه الكلمة ضمن السياق اللغوي ،إذ إن المفردات في الحقيقة ال تحمل في
()1
وكثير
ًا ذاتها داللة مطلقة ،وانما تتحقق دالالتها من السياق الذي تظهر فيه المفردة" ،
ما أكد الجرجاني على هذا المعنى الذي يسعى الباحث لتوظيفه عند تحليله لنماذج تغير
األفعال بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات القرآنية ،حيث يقول" :إن األلفاظ
المفردة التي هي أوضاع اللغة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها ،لكن يضم بعضها
()2
إلى بعض فيعرف ما بينها من فوائد وهذا علم شريف وأصل عظيم" .
به مع ما قبلها وما بعدها من اآليات بغية الوصول إلعجاز اللفظ القرآني؛ إذ أن كل
محلّه ،وهذا هو سر اإلعجاز البديع آليات الكتاب الحكيم ،قال أبو هالل العسكري:
"وحسن الرصف أن توضع األلفاظ في مواضعها ،وتُم َّكن في أماكنها ،وال يستعمل فيها
( )1ميشال ،زكريا(1938م) :األلسنية-علم اللغة الحديث ،ص ،211ط ،2بيروت :المؤسسة الجامعة للدراسات
والنشر والتوزيع.
( )2دالئل اإلعجاز ،ص353
252
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
التقديم والتأخير والحذف والزيادة إال حذفًا ال ُيفسد الكالم وال ُي ْعمي المعنى ،وتُضم كل
ناغما، ِّ
التحدي واإلبهار ،فتجد لكل لفظ قرآني في موضعه داللةً تضيف إلى السياق ت ً
وال يمكن لغيره أن يحل محلَّه أو يقوم مقامه ،أضف إلى ذلك ما توحيه األلفاظ من
ٍ
معان متعددة عبر مستويات الداللة المتنوعة؛ الصوتية منها والصرفية والنحوية.
ِّ
المتعددة إال من ذلك اإلعجاز الذي وقع به التحدي ،وهي-أعني القراءات-على اختالف
والمعاني التي تُ ِ
حدثها كل صورة من صور التغير دون تعارض أو تدافع ،وذلك-لعمر
اهلل-هو اإلعجاز الذي يأخذ بناصية البيان ويقف على أعلى مقامات البالغة ويتربع
جالال.
على القلوب مهابة وا ً
ولما كان التغيُّر في البِنى الصرفية له صلته وارتباطه الوثيق بالداللةَّ ،
فإن َّ
صورة تغيُّر الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم بين القراءات القرآنية وذلك من
( )1العسكري ،أبو هالل(1952م) :كتاب الصناعتين(الكتابة والشعر) ،ص ،58تحقيق :البجاوي ،علي؛ أبو
الفضل ،محمد ،ط ،1مصر :دار إحياء التراث.
253
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
خالل نماذج من األفعال شهدت هذه الصورة من التغيُّر ،ومن تلك النماذج التي يتناولها
الباحث:
1 ٍ
ماض-معلوم رجع 1
بعد هذا االستقراء يسجل الباحث بعض المالحظات قبل أن يدلف إلى تحليل
صورة التغير التي حصلت للفعل (رجع) بين البناء للمجهول والبناء للمعلوم.
(ي ْر ِجعون) :وردت في سياق معنى :العودة إلى األصل ،أو االنتهاء
(ر َج َع)َ ،
َ
عن ٍ
فعل والعودة إلى نقيضه ،كما في قوله{ :ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
ﮡﮢﮣﮤﮥﮧﮨﮩﮪ
ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ} [سورة يوسف،]62:
والخطاب وردت في سياق الحديث عن الرجوع إلى اهلل في اآلخرة ،كما في
أن َّ
كل ما في القرآن من تُرجع ،تُرجعونُ ،يرجع ،راجعون، هذا ظاهرة مضطردة َّ
()1
رج ِع ِهم فهي إلى اهلل.
رج ِع ُكمْ ،
ْ
(ي ِ
رجع) :ورد لحفص فيها أربعة مواضع كلها بمعنى العودة ،وهذه العودة إما َ
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ} [سورة طه.]89:
وبعد استقراء مواضع تكرار هذا الفعل التي ستساعدنا في تحليل دالالت ت ُّ
غيره
ودراسته ،إذ يصعب إقامة الدراسة على جميع المواضع لكثرتها وللتقارب الحاصل بين
(يرجع) في المجهول.
أغلب السياقات التي ورد بها الفعل ُ
قال{ :ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯤ ﯥ ﯦ
()1
ﯧ ﯨ ﯩﯪ} [سورة البقرة. ]28:
منفردا (ترِجعون) بفتح حرف المضارعة حيثما وقع في القرآن بالبناء للمعلوم ،ووافقه غير واحد
ً ( )1ق أر يعقوب
من القراء ،وحفص يق أر بالبناء للمجهول (تُرجعون)ُ ،ينظر :ابن الجزري :النشر209/2 ،؛ َّ
النشار :البدور الزاهرة،
ص.27
من به الرحمن118/1 ،؛ السَّمين :عمدة الحفاظ73/2 ،
( )2ينظر :العكبري :إمالء ما ّ
256
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
ألن أصلها :ثم إليه ُي ْرِج ُع ُك ْم؛ ألن اإلسناد في األفعال السابقة هلل فيناسب
السَّمين؛ َّ
()1
أن يكون هكذا ،ولكنه ُبني للمفعول ألجل الفواصل والقواطع .
وال يرى الباحث مناسبةً لجعل (تُرجعون) بالمجهول هو األفصح بحجة أن
اإلسناد في األفعال السابقة (يحييكم ،يميتكم ،أحياكم) هو هلل ،لذا كان سياق هذا
"يفوت
مسندا إليه ،لكنه كما يقول أبو حيانِّ :
ً اإلسناد أن يكون الفعل في الرجوع
تناسب الفواصل والمقاطع ،إذ كان يكون الترتيب (ثم إليه مرجعكم) فحذف الفاعل للعلم
القراءة األخرى فيها ضعف أو أق ّل فصاحة ،وكالم اهلل على مستوى واحد من اإلعجاز
والبالغة ،وال وجه لتفضيل بعضه على بعض إذ كل من عند اهلل ،والمولى الحكيم
تكلَّم بهذا وجعل فيه الفصاحة والبالغة ،كما تكلم بذلك وجعل فيه الفصاحة والبالغة،
ويخشى الباحث أن يفتح مثل هذا القول بتمييز القراءات وتفصيل بعضها على بعض
الشر كان مغلقًا ،وهو وان كان ورد على ألسنة بعض المستشرقين إال َّأنا نكبُِر
بابا من ِّ
ً
كثير في أكثر
ألن تُجعل قراءة أفصح من أخرى؛ فإن القرآن الكريم قد ورد بااللتفات ًا
من موضع ينتقل بسياق الكالم وأسلوب الخطاب من الغياب تارة إلى الحضور تارة
ٍ
بأسلوب آخر ،فالقراءات إنما تُ َّنزل منزلة اآليات ،وال يحكم بتدافعها وال موضع آخر
ٍ في
وعودا على بنية المجهول (تُرجعون) فقد ارتبطت بجملة من الدالالت ،يمكن
ً
أن نفهمها في ضوء السياق العام للمواضع التي وردت بها بنية الفعل عند حفص ،فقد
وردت في سياق الحديث عن العودة للدار اآلخرة على اختالف تصريفات الفعل وأنماط
موضعا،
ً و(يرجعون) في ستة مواضع ،و(تُرجعون) في تسعة عشر
مواضع ،و(تُرجعون) ُ
اإلماتة واإلحياء واإلرجاع ،ليرغب المحسن في ازدياد الخير ،وليخشى المسيء عاقبته
()1
فينتهي عما يفعل .
( )1ينظر :الحمزاوي ،عالء(1998م) :الخصائص اللغوية لقراءة حفـص دراسة في البنية والتركيب ،ص،117
مصر :جامعة المنيا(دكتوراة) ،محمود ،رياض ،الشريف ،عماد(2007م) :القراءات القرآنية وأثرها في التفسير،
ص ،21بحث منشور على النت من أبحاث الجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة.
258
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
االختيار ،وأبانت عجزهم وضعفهم في اتخاذ قرار الرجوع أو حتى في الفرار منه ،ولسان
الحال يقول :ها أنتم تكفرون باهلل وتتكبرون عليه ،فامنعوا عن أنفسكم إِذ ْن الرجوع
إلى من سيعاقبكم على صنيعكم ،حقًا ال يستطيعون ،ولو استطاعوا لما ُم ِّكنوا ،فقد سلبت
مفر منه وال مندوحة وعنوة وال يسعهم الرجوع إلى اهلل فكأنهم ارتطموا في ٍ
أمر ال َّ
عنه.
اتسم به أولئك الكفرة ،وتلك النفسية التي قامت على الجحود والنكران والتملُّص من
طمعا من
أوامر اهلل ونواهيه ،إنها نفسية ال زالت تراهن على أنها ستجد استجابة أو ً
شركائهم الذين ال زالوا يعبدونهم من دون اهلل ،ويكفرون به غيره ،فبناء الفعل (يكفُرون)
للمضارع تُ ْف ِ
ص ُح عن ٍ
كثير من مالمح تلك النفسية ،قال أبو حيان" :أتى بصيغة
ألن الذي أُ ِ
نكر اضيا ،وان كان الكفر قد وقع منهم؛ َّ
(تكفرون) مضارعا ولم يأت به م ً
توبيخا لمن
ً الم ْش ِعر به؛ ولئال يكون ذلك
أو تُ ُعجِّب منه الدوام على ذلك ،والمضارع هو ُ
()2
وقع منه الكفر ثم آمن" ،لذا أعلمت بنية المضارع المبني للمجهول (تُرجعون) على
( )1سيكو ،كوليبالي(1423هـ) :طبيعة االختالف بين القراء العشرة وبيان ما انفرد بقراءته كل منهم من خالل
إعراب القرآن وتفسيره ،ص ،244ساحل العاج :جامعة كوت ديفوار (ماجستير).
( )2البحر المحيط209/1 ،
259
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
ـ(ي ْرجعون)
أنهم إن لم يرجعوا إلى اهلل بداعي العلم به في الدنيا بعد إمهالهم ،فإنهم س ُ
قهر في اآلخرة ،قال البقاعي" :يشاهدون انقطاع أسبابهم ِم َّمن تعلقوا به ،ويتب أر منهم
إليه ًا
ما عبدوه من دون اهلل ،وانما جاء هذا المهل بعد البعث لما يبقى لهم من الطمع في
شركائهم ،حيث يدعونهم فلم يستجيبوا لهم؛ فحينئذ يضطرهم انقطاع أسبابهم إلى الرجوع
()1
قسر وسوقًا فحينئذ يجزيهم بما كسبوا في دنياهم" .
إلى اهلل ،فيرجعون ًا
التعنت و ُّ
التشنج في طلب عدم عودتهم لآلخرة متسائال لِم ُّ
كل هذا ُّ ً يقف الباحث
وأصحاب الفلسفة المادية أن ينكروا قضية البعث-،وهم في ذلك لم يأتوا بجديد ،-بل
جاءوا بالكالم نفسه الذي قاله أصحاب الجاهلية األولى { :ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ
()2
والمسرف على نفسه أال يكون هناك بعث أو حساب" .
()3
أما بنية المعلوم (ت ِ
رجعون) فعلى معنى" :ترجعون أنتم وغيركم من الخلق" ،
القراءة على بنية الفعل الالزم بمعنى عاد ،فالقضية َّأنكم إليه ت ِ
رجعون وتعودون ،هكذا
الدرر218/1 ،
( )1نظم ُ
( )2تفسير الشعراوي226/1 ،
( )3ابن غلبون :اختالف القراء السبعة ،ص202
260
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
انتهت بكل بساطة من غير تعقيدات في القول وال فلسفة في المنطق ،فالذي خلق هو
الذي يعيد ،والذي أمات هو الذي ُيبدئ" ،يستطيع أن يعيدكم وقد كنتم موجودين{ ،ﭭ
موجودا
ً ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ} [سورة الروم ،]27:فإيجاد ما كان
()1
مثال ساب ٍ
ق" . أسهل من اإليجاد من ٍ
عدم على غير ٍ
لقد قررت (ت ِ
رجعون) حقَّه الكامل في الخلق واإلحياء واإلماتة واإلعادة ،وأنه
فبدء الخلق ليس بأهون عليه من لما قدر على إحياء خلقه؛ قدر أن ُيحيِيهم ً
ثانياُ ،
َّ
لج بهم العناد والضالل؛ فاستجابوا له ،واستحبوا العمى على الهدى ،واتخذوا من دون
السوية
ّ سقيم القلب ،أعمى البصر والبصيرة ،ثم إنه مخالف لما فُطرت عليه العقول
القادر على أن يعيده مرة أخرى إلى الحياة ويرجعه إليه تارة أخرى ،مفاد الرسالة
خطاب للمؤمنين ،ال على اإلنكار بل على تعظيم المنة عليهم وتبعيد الكفر منهم بعد
()2 ()1
تحقُِّقهم باإليمان ،وارتأى بعض الباحثين أن الرجوع مع هذه البنية-يقصد المعلوم-
يكون استسالم طواعية من تلقاء نفوسهم ،ودون أن يكون عليه إكراه من أحد ،كأنما هو
رجوع باختيار الراجع طاعة لمن يسترجعه ،ذلك أن (رجع) :الالزم يفيد معنى عاد ،وال
يراها الباحث كذلك إذ أن شخصية المعاند ال تُسلِّم بالطواعية واالنقياد ،فقد أبانت قراءة
المجهول كما أسلفنا عن طبيعة تلك النفسية وذلك الجحود ،وكيف لهم أن يرجعوا هناك
لكنه رجوع من قُِّرر ذلك في حقِّه ،وليس له شأن وال تصرف ،فقضاء اهلل النافذ
سبقهم ،أو هو رجوع اقتضاه تركيب خلقهم" ،يعودون إلى المعاد بأنفسهم كما تعود
()3
الماشية إلى مراحها بنفسها حين رواحها" " ،فالرجوع إلى اهلل في ذلك اليوم أمر حتم
الزم ،ال يفر منه أحد ،وال يستثنى منه فرد ،فلما كان وقوعه أم ار ال مفر منه لجميع
الناس؛ أصبحوا كأنهم هم الذين يقومون بهذا األمر بمطلق إرادتهم ،فأسند الفعل إليهم
( )1الراغب( 1999م) :تفسير الراغب األصفهاني ،135/1 ،تحقيق :بسيوني ،محمد ،ط ،1طنطا :جامعة طنطا.
(ُ )2ينظر :عطية ،هديل؛ المنيراوي ،يوسف(2009م) :أثر اختالف اإلعراب في تفسير القرآن -دراسة تطبيقية
في سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران والنساء ،ص ،58غزة :الجامعة اإلسالمية(ماجستير)؛ محمود ،عبد الغفور
(2008م) :القرآن والقراءات واألحرف السبعة ،775/2 ،ط ،1القاهرة :دار السالم.
( )3حسن ،غمبو(2011م) :ظواهر تصريف األفعال في القراءات السبع الشهيرة ،ص ،209ط ،1القاهرة :دار
المختار.
( )4الورفلي ،رانية(2008م) :الفروق الداللية بين القراءات القرآنية العشر ،ص ،314ط ،1بنغازي :جامعة
قاريونس.
262
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
وند من َّ
ند وأذعن من أذعن ،يرجعون إلى اهلل له األمر ،وصاحب القهر ،كما قال: َّ
[سورة مريم ،]40:وفي هذا المعنى تناسب بديع مع أواخر ما نزل من القرآن الكريم وهو
لقد أظهرت القراءتان القدرة التامة والتصرف الكامل هلل في خلقه إحياء واماتة
ورجوعا من ذوات أنفسهم من غير أن يكون أرجعهم أحد ،قضاء نافذ وحكم سابق ال
يحيدون عنه وهو ما أبانته قراءة المعلوم ،أو أن يكونوا في رجوعهم مكرهين في مشهد
يبين عن عجزهم المطلق في التصرف باألمور بحسب رغباتهم كمن تناول شيئا للتصرف
ٍ
سلطان أبلغ من سلطانه ،هم طوعا أو كرها راجعون إلى اهلل ،هكذا من ذلك وأي
تجلت حكمة اهلل النافذة وعلمه الكامل وأمره الشامل الذي ال إله غيره ،أال رجوع ٍ
ألحد
ظاهر
ًا إال إليه ،ليفصل بين الخالئق يوم القيامة " يوم يتجلى لفصل القضاء فيكون أمره
ال خفاء فيه ،وال يصدر شيء من األشياء إال على وجه العدل الظاهر لكل أحد أنه
يشرع ما يشاء،
منه ،وال يكون ألحد التفات إلى غيره ،والذي هو بهذه الصفة له أن ِّ
()1
وينسخ من الشروع ما يشاء ويحكم بما يريد".
ُي ْد ِهش هذا الوصف الرباني القلوب والعقول ،ويأخذ بمجامع األلباب ،بين البناء
عتياديا
ً قسر وقه ًار على قراءة ،ويجعله ا
للمجهول تارة وللمعلوم تارة أخرى ،يجعل الرجوع ًا
يختم الباحث القول بأن قضية مهمة من قضايا اآلخرة هي :تحقيق مبدأ العودة
والحساب هلل من المهم تجذيرها في نفوس الناس وتربية الخلق عليها ،فالكل إليه
سائر وبين يديه صائر ،ولذا تدفع القراءتان بالمحسن أن يرغب في الخير ويزداد من
و(يرجعون) وهم بين يديه واقفون ماثلون ،واستشعار مثل هذه فكلهم إليه (ي ِ
رجعون) ُ
المعاني التي تحدثها صنوف التغير بين هاتين القراءتين يرفع منسوب االطمئنان في
()1
خالقهَّ ،إنه "اطمئنان ُيقذف في قلب من آمن ،فالحياة بدايتها من اهلل ونهايتها إلى اهلل" ،
وأي تكريم أبلغ من ذلك التكريم يوم أن يحب العبد لقاء اهلل فيحب اهلل لقاءه،
وفادتنا عليك.
(ُ )1ينظر :الشعراوي :تفسير القرآن227/1 ،؛ الشيخ ،حمدي(د.ت) :المعنى وأثره في اختالف وجوه اإلعراب في
القراءات القرآنية-دراسة تطبيقية ،ص ،54ط ،1اإلسكندرية :المكتب الجامعي الحديث.
265
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
سأ َ ْل
سأ َ ُل-تَ ْ
تُ ْ
يبقى االنتقاء القرآني للمفردات خصوصية امتاز بها عن كالم البشر ،فالقرآن
الكريم بحر البالغة الذي ال ساحل له ،ال تنقضي عجائبه وال يقف عطاؤه ،يورد المعنى
بلفظة ثم ينقلها لمعنى آخر بنفس اللفظة مع تغيير حركاتها وبنائها الصرفي في تغير
ومن جملة تلك االنتقاءات الماتعة للقراءات القرآنية إيراد الفعل (سأل) في
تصريف المضارع على بِ ْنيتين :المجهول (تُ ْسأ ُل) على اإلخبار ،والمعلوم (ت ْسأ ْل) على
()1
[سورة البقرة ، ]119:وفي صنوف التغاير بينهما دالالت متوافرة وبالغات متناثرة تقف
وبعثِه
اآليات في معرض الحديث عن تأييد اهلل لنبيه بالحجج والبراهينْ ،
ونذير ،وقد قص اهلل في هذا الموضع من سورة البقرة قصص أقوام من
ًا بشير
بالحق ًا
معرًجا على ذكر ضالالتهم وكفرهم باهلل وجرأتهم على شرع اهلل
اليهود والنصارى ّ
وأوليائه ورسله ،ثم قال لنبيهَّ إنا أرسلناك يا محمد ِّ
لتبشر من آمن بك واتَّبعك ممن
أن (ال) نافية ،و(تُ ْسأ ُل) مبني للمجهول ،وق أر نافع ويعقوب (ت ْسأ ْل) على َّ
أن (ال) ناهية ،والفعل ( )1الجمهور على َّ
معها مجزوم مبني للمعلوم ،ينظر :ابن مجاهد :السبعة ،ص ،169ابن الباذش :اإلقناع ،ص300
266
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
قصصت عليك أنباءه ،ومن لم أقصص عليك أنباءه ،وتُ ِنذر من كفر بك وخالفك ،فبلِّغ
ُ
رسالتي فليس عليك من أعمال من كفر بك بعد إبالغك إياه رسالتي تبعة وال أنت
()1
ﰉ} [سورة البقرة. ]119:
ين يبِ ُ
ين ابي ِ وقد َّ
قدر العلماء لقراءة الرفع (تُسأ ُل) ببناء الفعل للمجهول وجهين إعر َّ
()2
ونذيرا) ،وهو في موضع
ً (بشير
ًا بهما المعنى ،ويظهر المراد :إما العطف على قوله:
منقطعا من األول
ً أو بالرفع على االستئناف بأن يكون (وال تُسأ ُل عن أصحاب الجحيم)
ُبي
ويقوي هذا الوجه ما روي شا ًذا عن أ ّ
ِّ
بالحق بشي ار ونذيرا) مستأنفًا بهِّ ، (إَِّنا أرسلناك
وعبد اهلل ابن مسعود( :وما تُسأ ُل) ،و(لن تُسأل) إذ كل واحدة من هاتين القراءتين تُعزز
()3
حمل قراءة المجهول على الرفع على االستئناف ،والمعنى على هذا الوجه( :ولست
تُسأ ُل) أي :لست تؤاخ ُذ بهم ،قال أبو زرعة" :وحاصل توجيه قراءة الجمهور أنها على
االستئناف كأنه قال :ولست تُسأ ُل عن أصحاب الجحيم ،أي :بعد بالغهم ما أوحي
()4
إليك ،أو على الحال كأنه قال :وأرسلناك غير سائل عن أصحاب الجحيم" ،وجعل
بعضهم النفي هنا نفي السؤال عن أعمال أصحاب الجحيم ،بينما النهي عن السؤال في
القراءة األخرى متوجِّهًا للنهي عن السؤال عن حال أصحاب الجحيم أو عن سوء حال
()1
أصحاب الجحيم .
وخالصة توجيه قراءة الجزم (ت ْسأ ْل) على البناء للمعلوم أنها جاءت على النهي،
زرعة لهذا الوجه بما روي في كتب التفسير أن النبي قال :ليت شعري ما فعل أبواي
()3
فنزلت اآلية ،فنهاه اهلل عن المسألة ،قال د .الحبش" :وهذا الحديث الذي احتج به
أبو زرعة¬ ال تقوم به حجة ،ولم أعثر على وجه يقويه ،وقد قال الحافظ السيوطي
رواية أخرى أخرجها ابن جرير عن داوود بن عاصم أن النبي قال ذات يوم :أين
أبواي؟ ...فنزلت اآلية .ثم قال السيوطي :واآلخر أي-الحديث اآلخر-معضل اإلسناد
()4
ضعيف ال تقوم به وال بالذي قبله حجة" ،ثم تابع د .حبش معلّقًا على هذه القراءة:
"واسقاط هذه الحجة ال ينفي أن تكون قراءة نافع-يعني المعلوم-متواترة ،ولكن ينبغي
(ُ )1ينظر :ابن عبد السالم ،العز(1313هـ) :اإلشارة إلى اإليجاز في بعض أنواع المجاز ،ص ،118د.ط،
القاهرة :المطبعة العامرة.
( )2البحر المحيط367/1 ،
(ُ )3ينظر :حجة القراءات ،ص111
( )4القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني ،ص167
268
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
()1
التماس سبب آخر لورودها إلقامتها مقام االحتجاج" ،وقد استبعد جمع من أهل العلم
هذا النهي الذي ورد به الحديث؛ ألن سياق الكالم يدل على عود ذلك على اليهود
()2
والنصارى والمشركين من العرب الجاحدين ُّ
للنُّبوة ،أما من جعل النهي على سبيل
المجاز فقد حمله على معنى التعظيم ،قال م ّكي" :وفي النهي معنى التعظيم لِما ُهم فيه
من العذاب ،أي :ال ت ْسأ ْل يا محمد عنهم ،فقد بلغوا غاية العذاب التي ليس بعدها
()3
مستزاد" ،قال الزجاج" :ويجوز أن يكون النهي لفظًا ويكون المعنى على تفخيم ما أُ ِع َّد
لهم من العقاب كما يقول لك القائل الذي تعلم أنت أنه يجب أن يكون من تسأل عنه
في حال جميلة أو حال قبيحة ،فتقول :ال تسأل عن فالن ،أي قد صار إلى أكثر مما
()4
تريد" .
ورحم اهلل الطبري فقد سلك مسل ًكا غر ًيبا مع هذه القراءة حيث انتصر لقراءة
الرفع( :تُ ْسأ ُل)؛ على قراءة النهي( :ت ْسأ ْل) ،واستدل بسياق الكالم المتقدم المحمول على
الكالم موجه معناه إلى ما دل عليه ظاهرهُ المفهوم حتى تأتي داللة بيِّنة تقوم بها الحجة،
وال خبر تقوم به الحجة على حد ما ذهب إليه الطبري من أن النبيُ نهي عن أن
()1
يسأل عن أصحاب الجحيم ،ووافقه م ّك ُّي بن أبي طالب فاختار قراءة الرفع ،وذكر ما
خبر ليطابق ما قبله وما بعده ،ويدل على قوة الرفع قوله{ :ﭻ ﭼ
أن يكون هذا ًا
الخبر (المجهول) على قراءة النهي (المعلوم) بل حدا ببعضهم أن جعلها واجبة االتِّباع
()3
دون أختها .
وليت من نزع إلى هذا أال يقول بدفع القراءة األخرى المنقولة بالتواتر ،ورحم اهلل
الطبري وعفا عنه فقد ص َّوب قراءة الجمهور دون قراءة نافع ويعقوب ،وقصر الصواب
عليها مما يدلل على أن القراءة األخرى في نظره خطأ وباطل؛ َّ
ألن الصواب ضد الخطأ
والشيء ُيعرف بضده" ،وليس األمر كذلك فالقراءة متواترة ثابتة معروفة عند القراء العشرة
وال يمكن أن تكون خطأً ما دامت تواترت عند القراء المعروفين في األمصار ،ولو لم
يكن لها وجه عند من لم يظهر له وجه هذه القراءة ،ومع أ ّن القراءة إذا تواترت البد لها
خافيا عن بعض الناس؛ ألنها كالم العليم الخبير ،فكيف من وجه تُ َّ
وجه إليه وان كان ً
ال يكون لها وجه ،والقراءة إذا تواترت حق وصواب وال يجوز ألحد الحكم عليها بالخطأ
()1
دون األخرى" .
إن المعنى الذي استند إليه الطبري معلِّ ًال صواب قراءة البناء للمجهول على
َّ
البناء للمعلوم قد حشد القرآن الكريم بخالفه ،فإن إيراد القراءة أو اآلية على ٍ
وجه ثم ُ
اللغة العربية ،وورد به القرآن الكريم تارة من الخبر إلى اإلنشاء ،وتارة من اإلنشاء إلى
( )1الهرري ،محمد(1986م) :القراءات المتواترة التي أنكرها ابن جرير الطبري في تفسيره والرد عليه من أول
القرآن إلى آخر سورة التوبة ،ص ،173المدينة المنورة :الجامعة اإلسالمية (دكتوراة).
( )2ينظر :الحربي :توجيه مشكل القراءات العشرية ،ص122
271
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
يقصد الرد وانما لم يبلغه تواترها ،أو نظر إليها من زاوية لغوية لم يكن مقصدها الطعن
إن تنوع القراءات القرآنية في هذه اآلية يظهر إعجاز القرآن الكريم وبيانه الراقي
ورسالته السامية المقصودة مع كل قراءة ،حيث أبانت قراءة المجهول (تُ ْسأ ُل) طبيعة
الدور المناط بالرسل ومن تبعهم من الدعاة والمصلحين بأن عليهم وظيفة البالغ
واإلصالح والدعوة بالحسنى والخير ،وليس عليهم محاسبة الخالئق آمن م ْن آمن ،وكفر
م ْن كفر ،مثل هذا األمر يريح قلوب المصلحين الحاملين شعار الدعوة السَّالكين سبيل
األنبياء ،شعار مفاده :ال تُحاسبون عن الخالئق بعد أن بلَّغتُم رسالة اهلل ،فال ِ
تزر
هي إذن رسالة تسلية للنبي وتطمين لقلبه ،بأن األنبياء أصحاب رسالة
تُ ْسألُون عنهم يوم القيامة ،وان كان النبي ومن معه من أصحاب الرسالة في ق اررة
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ } [سورة الشعراء.]3:
هكذا لخصت قراءة المبني للمجهول حقيقة الدور الذي عليه النبي ومن سار
ِّ
وتوجهُ البوصلة نحو االهتمام في دربهَّ ،إنها تُوِقف الدعاة على المسار الصحيح
ِ
تحاسبوا أو تُ ِلزموا، باألولويات ،من حقِّكم أن ْ
تد ُعوا وتبذلوا وتنصحوا ،وليس عليكم أن
فِإ ْن كفر م ْن كفر فقد سلَّت (تُسأ ُل) عن ضن ِك القلوب وضيقها ،فال "يضرك تكذيب
ار عليهم،
لزما لهم وال جب ًا
المكذبين الذين يساقون بجحودهم إلى الجحيم؛ ألنك لم تُبعث ُم ً
()1
تقصير منك تُ ْسأ ُل عنه" .
ًا عدم إيمانهم
فيع ّد ُ
ُ
هذه القراءة تسلية وتطيب للخواطر أن يكون لحقها األذى والضيم من عدم رؤية
الرسالة والبالغ ،أما من اختار غير ذلك من طرق الضالل والجحود فلستم مسؤولين
عنهم.
ٍ
تحقير وازدراء ألولئك المكابرين المعاندين حيث ويشت ُّم الباحث مع (ت ْسأ ْل) نوع
لم ِ
يجر لهم ذكر ،ولم يلفت لهم انتباه ،ومجرد عدم السؤال عنهم نوع من التهميش
التوبة ،]67:ثم إن المولى أورد الحديث عن قومه على وفق ما سيؤول إليه حالهم
يوم القيامة" ،وذلك ليقطع أي أمل بإمكان اللقاء بينه وبينهم ،فلم يقل له :وال تُ ْسأ ُل عن
قومك الذين كفروا بك ،وهذه التخلية بينه وبينهم في هذه النقلة الواسعة جعلتهم مصاحبين
()1
للجحيم الموعودين بها وذلك على طريقة الجزم والتقرير" .
السؤال تارة يكون لالستعالم ،وتارة يكون للتبكيت ،وتارة لتعريف المسؤول وتنبيهه ال
()2
ويعلم ،وانما ُح ِمل النهي عن السؤال هنا على التعظيم لما صاروا إليه من
ُليخبر ُ
تسأل
العذاب ،والتعظيم لما حل بهم من العقوبة ،كما تقول :ما حال فالن؟ فيقال لك :ال ْ
()3
عنه ،أي :قد صار إلى أمر عظيم إما من الخير ،وا َّما من ال َّشِّر ُ ،يبِين الزمخشري
عن وجه التعظيم هذا بقوله" :إن المستخبر يجزع أن يجري على لسانه ما هو فيه
لمخبِر
وتهويال لها كأنها لغاية فظاعتها ال يقدر ا ُ
ً إيذانا بكمال شدة عقوبة الكفار
النهي ً
()5
على إجرائها على لسانه ،أو ال يستطيع السامع خبرها" .
وجعل بعض الباحثين مقتضى النهي هنا ترك التأسف على الكفار بعد أن
()1
حقت عليهم كلمة اهلل ، هذا النهي المقتضي ترك التأسف عليهم فيه إهانة لهم
ِ
"احتقرهم؛ فإنهم أقل من أن ُيْلتفت إليهم ،فبلِّغهم جميع األمر وتحقير ،قال البقاعي:
()2
هي تهديد مبطن للكافرين يحبونك إال إذا انسلخت ِم َّما أنت عليه" ،وفي َّ
الن ِ فإنهم ال ّ
مستعمل في االهتمام والتطلع إلى معرفة الحال؛ ألن الم ْعنِ َّي بالشيء المتطلع لمعرفة
()4
إشعار بعدم االهتمام بهم ،والالمباالة
ًا أحواله يكثر السؤال عنه" ،وقد ُنهي عن ذلك كله
( )1حبش :القراءات المتواترة وأثرها في الرسم القرآني ،ص168؛ الشيخ :القراءات القرآنية وأثرها في استنباط
األحكام الفقهية ،ص81
( )2نظم الدرر139/2 ،
( )3ينظر :الثعالبي ،عبد الرحمن بن محمد(1418هـ) :الجواهر الحسان في تفسير القرآن ،310/1 ،تحقيق:
معوض ،محمد ،عبد الموجود ،عادل ،ط ،1بيروت :دار إحياء التراث العربي.
( )4ابن عاشور :التحرير والتنوير692/1 ،
(ُ )5ينظر :القرطبي :الجامع ألحكام القرآن64/2 ،
275
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
لقد أنشأ السياق القرآني بهاتين القراءتين المعلوم والمجهول معنيين مقصودين
وداللتين متكاملتين في ارتباط بديع وانسجام كامل ،حققت جوانب الخطاب الدعوي،
كبير في نقل الحركة بين (تُ ْسأ ُل) و(ت ْسأ ْل) ولكن الدالالت
لم يكن الفارق ًا
التطمين لقلبه والمرابطين معه من المصلحين في هذا الطريق أنهم على الحق
طريق الدعوة.
مع تكامل تلك الدالالت ال يميل الباحث للقول بأن قراءة المعلوم( :ت ْسأ ْل) على
النهي مترتِّبة على معنى قراءة المجهول باإلخبار( :تُ ْسأ ُل) على ما ذهب إليه بعض
()1
الباحثين وكأنه قال" :لن ت ْسأل عن أصحاب الجحيم فلن تُ ْسأل عنهم" ،إذ َّ
إن جملة
الدالالت المتحصلة بين القراءات تقوم من غير إلزام بهذا الترتيب ،والقول بالترتيب
يحتاج إلى دليل أيهما أسبق نزوًال ،وال يدل دليل على ذلك ،فإعمال كل الدالالت أولى،
وهو أكمل في اإلعجاز القرآني لهذه القراءات ،فقد أبانت كل قراءة عن المعنى وأظهرت
( )1استيتية ،سمير(2005م) :رياض القرآن تفسير في النظم القرآني ونهجه النفسي والتربوي ،384/1 ،ط،1
المملكة األردنية الهاشمية :عالم الكتب الحديث.
276
المبحث األول :التغ ُّير في الفعل الثالثي
هكذا َّ
لخصت القراءتان مسيرة هذا الطريق الطويل ،طريق الدعوة واألمر
بالمعروف والنهي عن المنكر طريق جهاد الكفار والمنافقين ،أبانتا عن الصراع بين
الدعوة "بأن يستظهر خبايا األفئدة والقلوب على األلسنة واألعمال ،فيبشر المهتدي
()1
األبي والمنكر لما سبق إق ارره به من قبل" ،فعم بذلك
ّ وينذر
والثابت على هدى سابقُ ،
خلق الهداية في قلوب أهل النعيم ،إنها رسالة مفادها :فلتمض مسيرة الدعوة مباركة
تنوعت أساليب األفعال في اللغة العربية بين مبني للمعلوم ومبني للمجهول وفي
البيان القرآني لكل منهما نظم مألوف ،وما ورد من صور التغيُّر بينهما إنما ورد لسبب
يقتضيه من لوازم التأليف البديع الذي انبنى عليه القرآن الكريم وقراءاته المت ِّ
عددة ،والباحث
في هذا الميدان جدير به أن يتتبع الفروق الدقيقة بين تلك األفعال ،ويلتمس أسرارها
بديعا في الدالالت.
انسجاما ً
ً محكما و
ً طا
ائتالفًا في المعاني ،وارتبا ً
إننا لو قلبنا قواميس المعاني ومعاجم األلفاظ فإنه ال يمكن أن نلمح هذا الجمال
البارع ،والرونق األخاذ خارج إطار القرآن الكريم ،وفي هذا يتساءل الجرجاني فيقول" :
أفترى لشيء من هذه الخصائص التي تملؤها باإلعجاز روعة ،وتحضرك عند تصورها
هيبة ،تحيط بالنفس من أقطارها تعلُّقًا باللفظ من حيث هو صوت مسموع ،وحروف تتوالى
()1
. في النطق؟ أم ُّ
كل ذلك لما بين معاني األلفاظ من االتِّساق العجيب"
يهدف الباحث من هذا المبحث أن يدرس نماذج من تغير الفعل المضارع المزيد
عن الثالثي واألثر الداللي الذي ترتب على صورة ذلك التغيُّر ،ومن هذه النماذج التي
قال { :ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯕ ﯖ ﯗ
حمزة ،والكسائي ،وشعبة (تُوق ُد) مبني للمجهول بالتاء المضمومة واسكان الواو وفتح القاف
مخففةً وضم الدال مضارعُ (أوقد) ،وق أر نافع وابن عامر وحفص (ُيوق ُد) كالقراءة السابقة
إال أنها بياء مضمومة أول الفعل ،وق أر ابن كثير ،وأبو عمرو ،وأبو جعفر ،ويعقوب (توقد)
()1
بفتح التاء والواو ،والقاف مشددة والدال ،فعل ماض مبن للمعلوم .
الخالف بين صور القراءات اآلنفة الذكر هو في إسناد الفعل للفاعل ،وما يترتب
على ذلك من تأنيث الفعل أو تذكيره ،فالقراءة بالفعل (تُوق ُد) بالتاء المضمومة ،واسكان
على هذه القراءة للزجاجة؛ ألنه جاء في سياق وصفها ،ف ُجعل الخبر عنها لقربها منه،
فاعل له في الحقيقة؛ إذا كان الفعل يقع فيه ،فيقولون( :ليل نائم)؛ ألن النوم فيه ،وكما
قال{ :ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯲ ﯳ ﯴ
()1
(يوق ُد)؛ فمسند إلى المصباح،
جعله من صفة اليوم لكونه فيه ،أما الفعل على قراءة ُ
()2
والمعنى :أن هذا المصباح يوقد من زيت شجرة ،فحذف المضاف ،وقد جعله بعضهم
()3
ورد عليه بأن في ُّ ُّ
كثير بالتوقد المشابه لتوقد النيران ُ ،
مسندا إلى الكوكب كونه يوصف ًا
ً
()4
فسادا للمعنى ،أما الفعل على قراءة المعلوم (توقد) مضارعه (يتوق ُد) ،فيعود
ً ذلك
ألنه هو الذي يتوقد ،ويرى م ّكي بن أبي طالب أن المعنى للمصباح لكن لما
للمصباح؛ ّ
()5
ماضيا ،ويكون
ً وجعل الفعل التُبس المصباح بالزجاجة؛ ُحمل التأنيث على ُّ
الزجاجةُ ،
()6
المصباح" .
ُ المعنى" :المصباح في زجاجة ،توقد
هذه اآلية مثل ضربه اهلل لبيان نوره في قلوب عباده ،وللعلماء في وجه هذا
()7
نور محمد بالمصباح النيِّر ،فالمشكاةُ :جوف رسول
المثل أقوال ثالثة :األولُ :شبِّه ُ
اهلل ،والمصباح :النور الذي في قلبه ،والزجاجة :قلبه ،الثانيُ :شبِّه نور اإليمان في
قلب المؤمن بالمصباح ،فالمشكاة :صدر المؤمن ،والمصباح :نور اإليمان فيه ،والزجاجة:
قلبه ،الثالثُ :شبِّه القرآن بالمصباح ،والزجاجة :قلب المؤمن ،والمشكاة :لسانه وفمه.
توجيه المثل بأن المشكاة جوف رسول اهلل ،والمصباح :النور الذي في قلبه،
والزجاجة :قلبه فيه ُبعد لعدم داللة السياق عليه ،أما بقية المعاني فال تعارض بينها–
واهلل أعلم– ،فهي ال تعدو أن تكون من بـاب اختالف التنوع على نحو ما فُسِّر به الصراط
()1
في قوله{:ﭧ ﭨ ﭩ } [الفاتحة ،]6 :ويميل الباحث إلى توجيه المستقيم
المثل باإليمان؛ فمن تأمل سياق اآليات قبل إيراد هذا المثل وجد استفاضة في ذكر اإليمان
قضية اإليمان في سياق اآليات من هذه السورة إلى أن نصل لقوله{ :ﮐ ﮑ
ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮟﮠ ﮡ
ﮢﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯲﯳ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ}
[سورة النور ،]31 :فتوجيه المثل إلى اإليمان لعله يكون األنسب للسياق.
صباح)ُّ ( ،
الزجاجة) ،هذا الثبات في مقام الحديث عن نور اهلل مثل( :اهللُ ُنور)( ،الم ْ
الذي نور السماوات واألرض بجالله وبهائه ،ومنه نور اإليمان ،الذي يحتاج في حقيقته
إلى ثبات ومداومة ومالزمة عليه ،كحال ما ُبنيت عليه اآلية في شقِّها األول ،وفي المقابل
إلى حركة دؤوب لتحصيله ثم الثبات عليه ،فجاءت القراءة بالمضارع في هذه اآلية موافقة
لهذا الجو العام الذي ُرسمت فيه هذه اللوحة الفنية البديعة.
ِّ
توجه القراءة بالمضارع المجهول لفتةً تربوية لنا معاشر المسلمين من خالل توجيه
اهلل لنا بالحفاظ على هذا اإليمان ،والترقِّي في درجاته ،وبنية الفعل (ُي ْوق ُد) أوحت بهذه
الداللة ،فكما ال يخفى ما في اإليقاد من بعث الهمة ،فاإليقاد" :وضع الوقود ،وهو :ما ُيزاد
()3 ()2
في النار المشتعلة ليقوى لهبها" " ،وتوقد الشيء :تألأل" فكذلك اإليمان يحتاج إلى هذا
ويته.
الوقود ليستمر ويتجدد ،ومن ثم تتألأل النفس متقدةً بنشاطه ،م ْفعمةً بحي ّ
أما القراءة بالماضي المعلوم (توقد) فقد أفادت أن" :وقود اإليمان قد ثبت
()1
وتحقق" ،وال شك أن هذه المرحلة جاءت بعد عناء وجهد كبيرين من الحركة والحرص
على الترقِّي في منازل اإليمان ودرجاته ،وهذا ما فُهم من الداللة السابقة لقراءة (ُي ُ
وقد)،
الزما له؛ جاء التعبير بالماضي المعلوم (توقد) المالزم لإلنسان في جميع أحواله ،وبه
ً
برز
علما يهتدي به الناس إلى هذا الطريق طريق اإليمان .وفي تشديد (توقد) إ ا
صار ً
علما
اشتعاال ،وهذا كفيل بأن يجعله ً
ً للداللة على هذه الهداية ،فبزيادة إيمانه ازداد تألقًا و
قوي،
المنار باإليمان من اهلل ،فهو إيمان ٌّ
يقتدي به الناس" ،وهذا حال قلب المؤمن ُ
()2
تأثيره كبير على المؤمنين وأفعالهم" ،يقول القاسمي" :فإن النور ظاهر بذاته ،مظهر
()3
لغيره" .
قي في درجاته ،كما قال{ :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ } [سورة النساء ،]136 :وع ْن
والتر ِّ
ق في ج ْوف
ع ْبد الله ْبن ع ْمرو ْبن اْلعاص ،قال :قال ر ُسو ُل الله(( :إن اإليمان لي ْخل ُ
( )3القاس ـ ـ ــمي ،محمد جمال الدين(1957م) :محاس ـ ـ ــن التأويل .4524/12 ،تحقيق :عبد الباقي ،محمد فؤاد ،ط،1
بيروت :دار إحياء الكتب العربية.
283
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
()1
اسألُوا الله أ ْن ُيج ِّدد اإليمان في ُقلُوب ُك ْم)) ،هذه الحالة
ق ،ف ْ
ب اْلخل ُ
ق الث ْو ُ
أحد ُك ْم كما ي ْخل ُ
صورتها قراءة المضارع المجهول (ُيوق ُد) ،كما أن القراءة بالماضي المعلوم صورت حالةً
أخرى يراد من اإلنسان تحقيقها هي :الثبات على اإليمان ،وعدم انحطاطه عن الحد
أقصى الغايات ،وصار ذلك بمنزلة المشكاة التي يكون فيه زجاجة صافية ،وفي الزجاجة
()2
مصباح يتقد بزيت بلغ النهاية بالصفاء" .هذه الهداية تستلزم من المسلم أن يثبت عليها،
وبذا يتضح بعد دراسة هذه الصورة أنه من غير المقبول أن ُنعدها صورة عاديةً
مفرغة من اإليحاءات والمعاني ،أو أن نتكئ من خاللها على القول بالتنويع في األساليب
ي بديع
نص إعجاز ٌّ تناقضا ُّ
مرده إلى أن القرآن الكريم ٌّ ً التي تُحدث في نفس الناقد والباحث
في أسلوبه ،معجز في بالغته ،والقول بالتنويع في األساليب يشعر بأن عوامل اإلضجار
في حق كالم اهلل ،فإذا كان التغيُّر عن بنية إلى بنية أخرى في الكالم العادي ال يكون
( )1أخرجه الحاكم في المستدرك في الصحيحين ،كتاب اإليمان ،باب "إن اإليمان ليخلق في جوف أحدكم" ،تحقيق:
عطا ،مصطفى ،ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
) )2ابن عادل ،أبو حفص عمر بن علي(1998م) :اللباب في علوم الكتاب ،386/14 ،تحقيق :عبد الموجود،
عادل ،معوض ،علي ،ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
284
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
()1
إال لنوع خصوصية اقتضت ذلك كما يقول ضياء الدين بن األثير ،فكيف الحال مع
إن خير ما توصف به هذه الصورة من التغيُّر أنها بناء أحكمت آياته ،ونسقت
نحس بكلمة تضيق بمكانها ،أو تنبو عن موضعها ،يقول كما يقول ابن
أدق تنسيق ،ال ُّ
عطية" :وكتاب اهلل لو نزعت منه لفظة ،ثم أُدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم
يتبين لنا البراعة في أكثره ،ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن
يوجد ،ونحن ّ
()2
مرتبة العرب-يومئذ-في سالمة الذوق وجودة القريحة" ،هذا النظم المحكم والبناء األخاذ
حدا بالرافعي إلى أن يقول" :وانك لتحار إذا تأملت تركيب القرآن ونظم كلماته في الوجوه
المختلفة التي يتصرف فيها ،وتقعد بك العبارة إذا أنت حاولت أن تمضي في وصفه حتى
ال ترى في اللغة كلها أدل على غرضك ،وأجمع لما في نفسك وأبين لهذه الكلمة غير
األوسع في المعنى ،ومع ذلك األقوى في الداللة ،ومع ذلك األحكم في اإلبانة ،ومع ذلك
األبدع في وجوه البالغة ،ومع ذلك األكثر مناسبة لمفردات اآلية التي يتقدمها أو يترادف
()3
عليه" .
يضاعَف-نُ َ
ض ِّعفُُ ُ: َ
هو دراسة األثر الداللي لصورة التغير من المبني للمجهول (يضاعف) إلى المبني للمعلوم
يكاد يستقر توجيه علمائنا السابقين على ما جرت عليه عادتهم في توجيه مثل
هذا النوع من االختالف بين القراءات القرآنية والتي ال تخرج في غالبها عن التعليل
الظاهري لالختالف على نحو ما نجده مثالً عند ابن خالويه ،حيث يقول" :والحجة لمن
لم يسم فاعله ،والحجة لمن ق أر بالنون والتشديد وكسر العينُ -نضعِّف-أنه جعله فعال أخبر
()2
به عن اهلل كإخباره عن نفسه ،ونصب العذاب بوقوع الفعل عليه" ،وما أن تستقرئ
كتب أهل القراءات والتوجيه حتى تستقر على توجيه يكاد يكون متفقاً عليه بينهم مع
(ُ )1ينظر :ابن مجاهد :السبعة في القراءات ،ص ،521ابن الجزري :النشر348/2 ،
( )2الحجة في القراءات السبع ،ص209
286
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
ضعف
اختالف بسيط ،هذا األزهري مثالً يوجه القراءة بقولهُ" :نضعِّف :الفعل هلل ،أيُ :ن ِّ
()2 ()1
نحن لها" ،ومثله أبو زرعة .
ضعف
ضعف) لمرتين ،وق أر ُي ِّ
وذلك بأن يجعل إلى الشيء مثاله حتى يكون ثالثة أمثلة ،و(ن ِّ
()3
لهذا كما في اآلية السابقة ،ووافقه أبو عبيدة معمر بن المثنى حيث قال" :تعذب ثالثة
أعذبة ،قال :كان عليها أن تعذب مرة واحدة ،فإذا ضوعفت المرة ضعفين؛ صار العذاب
()4
ثالثة أعذبة" ،فيكون المعنى عندهما :أن ُيجعل عذاب من يأتي من نساء النبي
وأكثر أهل اللغة على نقض هذا التفريق بهذا الوجه الذي أورده أبو عمرو وأبو
أحدا من أهل
عبيدة ،قال الطبري" :وأما التأويل الذي ذهب إليه أبو عمرو فتأويل ال نعلم ً
العلم ادعاه غيره وغير معمر بن المثنى ،وال يجوز خالف ما جاءت به الحجة مجمعةً
()6
عليه بتأويل ال برهان له من الوجه الذي يجب التسليم له" ،وقال الزجاج" :وهذا القول
ليس بشيء؛ ألن معنى يضاعف لها العذاب ضعفين ُيجعل عذاب جرمها كعذابي جرمين،
والدليل عليه( :نؤتها أجرها مرتين) ،فال يمكن أن تعطى على الطاعة أجرين ،وعلى
()1
المعصية ثالثة أعذبة" ،وقال النحاس" :التعريف الذي جاء به أبو عمرو وأبو عبيدة ال
والمعنى ،فإن التغيير بين القراءتين ُمناط به معنى مقصود مع كل بنية وصورة من صور
ذلك التغيُّر ،واال لجاز إجراء أحدهما مجرى اآلخر ،ولما اختصت كل قراءة ببنية خالفت
أختها ،فإن االختالف في األداء والقراءة ضرب من ضروب البالغة بامتالك كل وجه من
وجوهها لصور من الدالالت واالعجاز بما يشعرك بأنها مفردات وبًنى مختارة ومنتقاة" ،وال
أدل على ذلك من أننا حين ننظر في المعاجم اللغوية نجدها زاخرة باأللفاظ الكثيرة ،ولكل
مادة اشتقاقاتها الكثيرة المتعددة ،وهي من حيث الفصاحة والخفة ليست سواء ،وقد تدار
()1
بمعنى ال يتعداه" ، ص ُّ
كل لفظ ً فيخ ُّ
ثانيا ،أما كتاب اهلل ُ
الكلمات الكثيرة على معنى واحد ً
هذه الدقة في التعبير واختيار اللفظة المناسبة بحسب كل قراءة بما ال ُيشركها فيها مرادفها
من القراءة األخرى ال تكون إال في نافذة اإلعجاز البياني وأرقى صوره ،كما قال ابن
األثير" :ومن عجيب أنك ترى لفظين يدالن على معنى واحد ،وكالهما حسن في
االستعمال ،وهما على وزن واحد ،وعدة واحدة ،إال أنه ال يحسن استعمال هذه في كل
موضع تستعمل في هذه ،بل يفرق بينهما في مواضع السبك ،وهذا ال يدركه إال من دق
()2
فهمه ،وجل نظره" ،وما هذه المغايرة التي شهدتها القراءات القرآنية إال انعكاس وارتداد
ال يعني اختيار الباحث التفريق بين الب ْنيتين أن يكون في جرأة على أن يخالف
وأربابه ،لكن الباحث على يقين وثقة بأن هذه المغايرة بين البنيتين يصحبها اختالف في
المقامات والسياقات وهذه هي دقة التعبير القرآني ،فالبيان القرآني "له القول الفصل فيما
في اإلعجاز من المحدثين ،فهذا الرافعي يقول" :ال جرم أن المعنى الواحد ُيعبر عنه بألفاظ
( )1عباس ،فضل(1989م) :الكلمة القرآنية وأثرها في الدراسات اللغوية ،ص ،37مجلة مركز بحوث السنة النبوية،
الجامعة األردنية ،ع.4
( )2المثل السائر150/1 ،
( )3ابنت الشاطئ :االعجاز البياني ،ص193
289
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
ال يجزئ واحد منها في موضعه عن اآلخر إن أُريد شرط الفصاحة؛ ألن لكل لفظ صوتًا
ربما أشبه موقعه من الكالم ،ومن طبيعة المعنى الذي هو له والذي تُساق له الجملة،
وربما اختلف وكان غيره بذلك أشبه ،فال ُبد في مثل نظم القرآن من إخطار معاني الجمل،
متحقِّق في القراءات القرآنية التي تجري مجرى اآليات ويتحقق االعجاز فيها بكل آية
إن القول بهذا التفريق ال يعني أن علماء االعجاز القدماء من لغويين ومفسرين
صال يتكلمون
بابا أو ف ً
قصدا بحيث يجعلون للمفردة القرآنية أو البنية في القراءة القرآنية ً
ً
هذا الذي يدفع بالباحث للقول بالتفرق بين داللتي القراءتين المجهول والمعلوم،
مقصودا،
ً وضعا ًّ
فنيا ً فالتعبير القرآني تعبير فني مقصود لكل لفظة ،بل كل حرف فيه وضع
ولم تراع في هذا الموضع اآلية وحدها ،وال السورة وحدها ،بل روعي في هذا الموضع
()1
التعبير القرآني كله ،وبالعودة إلى القراءتين اآلنفتين نناقش األثر الداللي المترتب على
تعارض.
ِّ
الضعف في كالم العرب :أصله المثل إلى ما زاد ،وليس بمقصور على مثلين،
وأضعف الشيء وضعفه وضاعفه :زاد على أصل الشيء وجعله مثليه أو أكثر ،وهو
()2
(ضعف) الذي جاءت القراءة
ّ التضعيف واإلضعاف ،وذكر أهل اللغة أن (فعل) ومنه
بالمعلوم على وزنه الغالب فيه أن يكون للتكثير ،في حين أن (فاعل) ومنه (ضاعف)
بقراءة المجهول الغالب عليه أن يكون للداللة على المشاركة ،وقد يأتي للتكثير ،وفي هذه
()3
ولع ّل وضعف ،وعاقد وعقّد
ّ ـ(فعل) فيكون بنفس المعنى فيقال :ضاعف
الحالة يقترن ب ّ
الخالف السابق الذي تم إيراده يحمل على هذا المعنى ،واهلل أعلم ،أضف إلى ذلك ما نقله
صاحب اللسان من أن التضعيف واإلضعاف زيادة على أصل الشيء ،وجعله مثليه أو
()4
أكثر ،فهما بهذا المفهوم بمعنى واحد ،ويرى الباحث أال يؤخذ هذا المفهوم على إطالقه
عند تنزيله على القراءتين بأن تجعل القراءتين بمعنى واحد ،بل المقصود أنهما يفيدان
معنى التكثير غير محدود العدد ،يستفاد هذا المعنى من الزيادة في بنية الكلمة باأللف
( )1السامرائي ،فاضل(1989م) :التعبير القرآني ،ص ،12د.ط ،الموصل :دار الكتب.
(ُ )2ينظر :ابن منظور :لسان العرب ،63/8مادة (ضعف).
( )3سيبويه :الكتاب 68/4
( )4ابن منظور :مرجع سابق ،36/8 ،مادة (ضعف).
291
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
الخاصة ،واألولى عدم االشتغال بتحديد المضاعفة المرادة في اآلية بأنها تضعيف مرة
()1
واحدة أو مرتين على رأي ابن عاشور ،بل األولى إعمال الداللة عموما وفهم السياق
مكتمال ،فال يقال بالتفريق هاهنا بين البنيتين من حيث الكثرة العددية بأن (ضاعف) تكون
ً
لمرات كثيرة و(ضعف) للمرتين ،وانما التفريق من حيث الوجه الداللي المترتب على
الذي ورد في سياق اآليات في معرض الحديث عن زوجات الرسول إن خال ْفن هديه
وأمره ووق ْعن فيما يوجب غضبه عليهن ،ورأى بعض الباحثين أن التكثير مع ضاعف أكثر
()2
ضعف بحجة أن الزيادة بالحرف أكبر من االتِّكاء عليه بالتشديد ،وال دليل على
منه مع ّ
ذلك ًّ
لغويا ،والسياق العام لآليات ُيبرز هذه الداللة داللة التكثير ،ذلك أن الذنب من
زوجات الرسول أقبح من غيرهن؛ لقربهن والتصاق جنابهن به ،فلما كان في ذنبهن
زيادة على ذنوب من سواهن من النسوة ناسب ذلك أن يكون زيادة في تضعيف العذاب
عليهن في مقابل عذاب غيرهن ،قال الزمخشري" :وانما ضوعف عذابهن؛ ألن ما قُبح من
سائر النساء كان أقبح منهن وأقبح؛ ألن زيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل والمرتبة
وزيادة النعمة على العاصي من المعصي ،وليس ألحد من النساء مثل فضل نساء
الرسول ،وال على أحد منهن مثل ما هلل عليهن من النعمة ،والجزاء يتبع الفعل ،وكون
ذم
قبحا؛ ازداد عقابه شدةً ،ولذلك كان ُّ
قبيحا ،فمتى ازداد ً
عقابا يتبع كون الفعل ً
الجزاء ً
()1
العقالء للعاصي العالم أشد منه للعاصي الجاهل؛ ألن المعصية من العالم أقبح" .
لكنه عليهن٪
ّ قد تبدو هذه الزيادة المأخوذة من داللة التكثير واقعة بالظلم
وأحدث قدوة سوء في بيت النبي كما يقول الشعراوي؛ ألنهن آذين شعور رسول اهلل
ولم ي ِّ
قد ْرن منزلته ،وهذا يستوجب أضعاف العذاب ،فإن ضاعف اهلل´ لها العذاب ضعفين
()3
فهو رْفق بها ،ومراعاة لماضيها في زوجية رسول اهلل.
والمالحظ أنه عند ايتاء األجر في اآلية بعد هذا الموضع ذكر المؤتي فقال:
منهن الذنب والفاحشة المنصوص عليها في اآلية ،فلم تشأ القراءة بالمجهول-واهلل أعلم-
زوجاته ،وايذاء العتاب الواقع من التصريح بالم ّعذب´ رعاية لمقامه وصيانة لجنابه
ذنبا من القدوات
إغضاء وغض طرف لمن اقترف ً
ً وحفاظاً على نفسيته ،ولعل فيها كذلك
الكبار أن يعود بالتوبة والرجوع عما اقترفه في حقه ،وهكذا تكون هذه القراءة فاتحة
الزيادة التي أشارت إليها قراءة المجهول من زاوية أدق ربما تتقاسم مع نظيرتها في المجهول
شيئا منها ،وتنفرد بدالالت أخرى غيرها ،فقد أبرزت القراءة الفاعل ببناء الفعل للمعلوم
ً
نحن لها ،والمقصود اهلل´ ،وفي هذا اإلبراز خطاب تهديد ووعيد حملته
(نضعف) أيُ :
ِّ
()1
القراءة بما يدل على عظمته´ ،وعنايته بحفظ جناب األنبياء ومقامات المبلّغين عنه
الوحي للناس ،قال ابن عطية" :لما كان أزواج النبي في مهبط الوحي وفي منزل أوامر
حق أشارت إليه بنون المتكلِّم (نضعِّف) ،ذلك أن المعصية من العالم ُّ
أشد ،وفي ِّ ْ بالم ِّ
عذب و ُ
من يخشى عليه في دائرة االهتمام والتأثير والقدوة أبلغ ،ولم يكن معنى أبلغ من إفهام هذه
(ُ )1ينظر :البقاعي :نظم الدرر ،341/15 ،المالحي(2002م) :تفسير القرآن بالقراءات القرآنية العشر (الفاتحة–
آل عمران) ،ص ،154غزة :الجامعة اإلسالمية(ماجستير).
( )2المحرر الوجيز382/4 ،
294
المبحث الثاني :التغ ُّير في مزيد الثالثي
الداللة وأكثر مالئمة لمعنى الزيادة في تضعيف العذاب وتك ارره لهن إن وقع منهن هذه
ضعف).
(ن ِّ
المخالفة من إيراد الفعل على بنية المعلوم ُ
لقد قطعت القراءة بالمعلوم كل ظن محتمل لدى زوجات الرسول أو لدى غيرهن
من أنهن لن ُيؤاخ ْذن على الذنب لقربهن منه ،فإنه قد ُيفهم من سياق اآليات التي سبقت
ولحقت هذا الموضع من القراءة شرفُهُن وتفضيل اهلل´ لهن باختيارهن لرسوله،
ِّف)
مع هذه المزية أو الفضل التساه ُل معهُن في شأنه؛ فقطعت قراءة المعلوم (نضع ْ
كل ظن محتمل لهذا الفهم ،وأوردت الخطاب على وتيرة من التهديد حملته بنية التضعيف
ضعف) ،قال الماتريدي" :أو أن يكون إذا اخترن المقام عند رسول اهلل والدار اآلخرة
(ن ّ
ُ
ثم أتين بفاحشة ضوعف لهن ما ذكر من العذاب؛ لئال يحسبن أنهن إذا اخترن اهلل
( )1الماتريدي ،محمد بن محمد(2005م) :تأويالت أهل السنة ،378/8 ،تحقيق :باسلوم ،مجدي ،ط ،1بيروت:
دار الكتب العلمية.
295
الفصل الثاني :تغير الفعل المضارع من المجهول إلى المعلوم ،ودالالته
لقد ُه ّول شأن الذنب إن وقع من زوجات الرسول تارة بالمجهول وتارة بالمعلوم،
وتصوير
ًا ديعا
ولكل داللته ورسالته ،بل تعدى األمر ذلك إلى أن شهدت القراءتان التفاتًا ب ً
(نضعف) بالحضور
ِّ جميال بأن انتقلت القراءة من المجهول (ُيضاعف) بالغيبة إلى المعلوم
ً
في مشهد مهيب ُيحكم القبضة على صورة التضعيف الحاصل بها التهويل ،صورتان بين
()1
الغائب والحاضر "ترتِّبان عليهن واجبات ثقيلة وتعص ُمهن كذلك من مقارفة الفاحشة" ،
هي رسائل تربوية تبعث بها هاتان القراءتان في تكامل بينهما بديع ،رسائل مفادها
عناية المقام الذي بوأهُ اهلل´ للمرء ،وحفظ ما يستوجبه عليه ذلك المقام" ،فالذنب يعظم
()3
بعظم جانيه ،وزيادة قبح تابعة لزيادة شرف المذنب والنعمة" .
مجتمعة مع توظيف السياق الذي وردت به كل قراءة ،فالمضاعفة التي شهدتها القراءتان
بمعنى واحد ،وهما وان كانا كذلك لغةً؛ فإن دالالت السياق ومقتضيات المقام
وضاعف ً
علماؤنا القدامى بل يقوم على إعمال الدالالت وتوظيفها لفهم صور اإلعجاز التي قد تُبنى
على قراءة دون أخرى ،أو تكمل معها صورة بديعة من البيان واإلعجاز.
التضعيف وذلك بإبراز الفاعل (المع ِّذب) على قراءة المعلوم ،أو إبراز العذاب والجزاء على
السر في هذه اآلية أو غيرها ،فالمهم هنا أنه يمكننا أن نقول-بعد هذا
ومهما كان ُّ
العرض المختصر لبعض أوجه البالغة القرآنية المتعلقة بالفعل المبني للمعلوم وللمجهول-
مفتاحا من مفاتيح التدبر والتفكر ،هذا المفتاح يعيننا بإذن اهلل´ على
ً إننا أصبحنا نملك
297
اخلـــامتـــــة
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
وبعد هذا العرض لتلك النماذج التي تناولها الباحث بالدراسة والتحليل بغية
الوصول لألثر الداللي الذي تحدثه صورة التغير من بنية الفعل المبني للمعلوم إلى بنية
الفعل المبني للجهول ،رأينا كيف مثَّل بناء الفعل للمجهول أو للمعلوم ظاهرة بالغية
تشهد لجماليات اللغة العربية وأساليبها الراقية ،ويشاد مع هذه الظاهرة بدور األوائل في
التقعيد لها وتوجيه بوصلة الباحثين نحو األغراض العامة لذكر الفاعل أو حذفه مع
اللي بحق البالغة والبيان ،وال يستكمل أركان الداللة القائمة على فهم مقاصد السياق َّ
الد ّ
والكالم.
والثناء -في الحديث عن أغراض الحذف والذكر مع الفعل المبني للمجهول أو للمعلوم،
وفي هذه المتابعة حصر لتلك األغراض بمعيارية علمية وحدود منطقية ،يستوي فيها
العربي وغيره دون تمايز بأدوات بيانية مكتسبة ،أو مؤهالت بالغية وهبيَّة كما يرى د.
()1
الجعيد " ،فهل من البالغة والفن البليغ أن تحصر هذه الظاهرة اللغوية في رسوم محددة
()2
وتعقيدات نزعم فيها َّ
أن الحذف هنا لكذا والحذف هنا لذاك" ،يقول د .رجاء عيد" :ال
منطقيا َّ
مقننا ،وانما هي مواقف ًّ يمكن فنيًّا حصر مواضع هذا الحذف؛ ألنها ليست تقعيدا
فنية ندركها من الموقف كله ،فقد تكون هناك أغراض أعمق وأدق من تلك التي حصرها
( )1ينظر :الجعيد ،إبراهيم(1999م) :خصائص بناء الجملة القرآنية وداللتها البالغية في تفسير التحرير والتنوير،
ص ،259مكة المكرمة :جامعة أم القرى(دكتوراة).
( )2الزوبعي ،طالب(1997م) :علم المعاني بين بالغة القدامى وأسلوبية المحدثين ،ص ،245ط ،1بنغازي:
جامعة قاريونس.
299
الخاتمة
الفني لنسق التركيب من داخل العمل نفسه ،ومن البالغيون ،وعلينا أن نستش َّ
ف العطاء َّ
()1
بنيته الفنية الخاصة به" .
لم يشأ الباحث في مناقشته لما سبق من نماذج ومواضع أن يفاضل بين آراء
علماء اللغة في المبني للمعلوم أو للمجهول ،أو كيف تعاملوا مع كل منهما ،إنما أراد
أن يبين عن المعاني التي نستشفها كباحثين في حقل الدراسات الداللية القرآنية من
المبني للمعلوم في قراءة ومقارنتها بمعان ودالالت أخرى تظهر مع بناء الفعل للمجهول
ليس الباحث قاصدا بهذا المسلك أن يطَّرح كالم من لهم قصب السبق إلى بيان
هذه األغراض ،وقدم صدق راسخة في توضيح مسائلها وخوافيها ،أو أن يعمد إلى الهرم
الذي أشادوه فيقدح في أشخاصهم ،أو ينزل من أقدارهم حاشا وكال ،فليس ذاك من أدب
الباحثين المقدرين للسابقين سبقهم ،وانما هي إشارات اقتضاها البيان ،ودعى إليها المقام،
َّ
تتجدد بتجدد النصوص التي تتباين مراتبها البالغية وقدرة " َّ
فإن األغراض البالغية
منشئيها على م ارمي مقاصد الكالم البليغ في إدراكهم لها ،وتسجيلهم إياها ،إضافة إلى
()2
أن المقامات التي ترد فيها تلك األغراض متعددة أيضا بتعدد األحوال الداعية إليها" ،
ومثل هذا التوسيع لدائرة الداللة والبحث في مقاصد االختالف بين وجوه القراءات وتغاير
البنى يثري قرائح األفهام ويفتح أوار اإلفهام ،والقراءات المتعددة والدالالت المتنوعة
يود الباحث في ختام هذه الدراسة أن يعلق على األغراض البالغية لبناء الفعل
-هذه األغراض من االهتمام بالفاعل أو العلم به أو الخوف عليه إلى غيرها إنما
تحول في الصيغة واإلسناد معا من أصل سابق إلى أصل الحق على الخالف الذي
سبق إيراده في محله من هذه الدراسة ،وهذه النظرة هدتهم ألن يتطرقوا لألحوال
والمقامات التي تستدعي حذف الفاعل من الجملة وبناء الفعل للمجهول ،فبنوا عليها
وايحاء اإلشارة وحالوة الجرس ،يعيبها فقط أنها لم تستكمل اإلبانة واإلفصاح عن كامل
الدالالت.
-بعض تلك األغراض ال يصلح أن يستقل بنفسه وانما األولى إلحاقه بأغراض أخر،
وهذا يحدث في نفس السامع والقارئ ترددا ،وبعضها أغفل الحديث عنها وتفصيل بيانها
جلي فيما لو أجرينا مقارنة بين أغراض حذف الفاعل وأغراض ذكره في كتب
وهذا ٌّ
301
الخاتمة
السابقين وتصنيفاتهم ،تجد أن األول قد أخذ حظه من البحث والتقعيد والتمثيل ،وأما
()1
الثاني فإشارات عابرة ال تكاد تقارن بقسيمه .
-تناول اللغويون والمفسرون تلك األغراض وألمحوا في بحثها بلمحات جيدة في بابها من
حيث ربطها بالسياق القرآني؛ إال َّأنهم وقعوا في إشكال التعميم والقول باطراد تلك
األغراض البالغية مع بنية معينة ،وقد أبانت الدراسة عن جزء من ذلك التعميم" ،ومن
المعلوم أن سياقات الكالم تختلف باختالف المقام ،فتختلف األلفاظ والجمل تبعا لذلك،
()2
وما يصلح من لفظ في سياق ال يصلح في غيره وال يؤدي نفس المعنى والداللة .
المحذوف الذي احتجب ويتم اإلغراق فيه ،ومع التأويل والتقدير قد يضيع الغرض من
الفعل المبني للمجهول ،وأحيانا تتباين تقديرات المقدرين إلى حد يجعل جملة المبني
()3
مستقرة ،وقد يوقع ذلك في إرباك في المعنى .
َّ للمجهول غير
َّ
لعل النظر لهذه األغراض كان من حيث تعلقها ،أو ألفاظها المفردة ،وال يكون البحث -
وسياقاته هي التي تحمل داللة تلك األغراض التي تختلف من موضع آلخر ،هذا الذي
نفهمه من كالم الجرجاني حين قال" :وال إذا استحسنت لفظ ما لم يسم فاعله في قوله
( )1ينظر لالستزادة :عبد السالم ،عواطف(2007م) :صنيع الزيادة ومعانيها في الربع األول من القرآن الكريم،
السودان :جامعة القرآن الكريم والعلوم اإلسالمية(ماجستير).
( )2موسى ،محمد السيد(د.ت) :اإلعجاز البالغي في استخدام الفعل المبني للمجهول ،ص ،2د.ط ،المنصورة:
كلية اآلداب.
( )3ينظر مثال :الزمخشري عندما ناقش فاعل اإللقاء في قوله تعالى (فألقي السحرة ساجدين) ،الكشاف113/3 ،
302
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
(وأنكر صاحبه)( ،لم يقل :أنكرت صاحبه)؛ فإنه ينبغي أال تراه في مكان إال أعطيته
من استحسانك هاهنا ،بل ليس من فضل ومزية إال بحسب الموضع ،أو بحسب المعنى
()1
الذي تريد ،والغرض الذي تؤم" .
األلفاظ والكلمات ،وتغير دالالتها الوظيفية ،أو عند االستعمال الشائع لها عند العرب
نثر كما عزى ذلك د .أحمد سعد ،وهذه وان مثَّلت البدايات األولى والطرق
()2
شعر أو ا
ا
األولية لفهم معاني القرآن ودالالت االختالف بين قراءاته المتعددة؛ إال أن اإلشكال برز
َّ
من اقتصار بعض موجهي القراءات عليها ،أو تعميمها على ما سواها من المواضع
والدالالت ،فمثّل ذلك ميال عن المعنى المقصود لمثل هذه األغراض ،ونظرة جزئية
وقفت عند حدود اآلية أو بعضها عند االستشهاد على الداللة وفنون البالغة فيها ،أو
-ما ذكره النحاة من أغراض بالغية لحذف الفاعل مع بناء الفعل للمجهول كانت تأويالت
غير كافية لدى المحدثين ،بل حدا ببعضهم عند تعليقه على غرض مثل ذكر الفاعل
للعلم به أن يحكم عليه بأنَّه ليس فيه احترام لعقل المتلقي ،إذ ما الفائدة من ذكر الفاعل
()3
وهو معروف لديه ،قد ال أوافق كباحث هذا الرأي كونه فيه إجحاف وتعميم إال أني
على أغراض بناء الفعل للمجهول أو للمعلوم من وجهة نظر غير تقليدية ،بعيدا عن
هما أو
القوالب الجامدة ،إذ ال يهمنا إن كان الفاعل معروفا أو مجهوال ،وال إن كان م ًّ
غير مهم ،وال يعنينا كذلك إرادة التستر عليه أم كشفه؟ إنما المعني انصراف الجهد
للتنقيب عن داللة الفعل ،والقيمة التي أحدثتها صورة التغير الحاصلة له بين البناء
للمعلوم والبناء للمجهول في منظومة السياق وما الذكر للفاعل أو حذفه إال تبع لذلك،
()1
. حذف يخلو الكالم من دليل ليه من لفظ أو سياق"
-وآخر هذه المالحظات التي يوردها الباحث في التعليق على تلك األغراض أن نظرات
البالغيين القدامى لدالالت الفعل المبني للمجهول أو المعلوم وأغراضهما وان كانت
نظرات إشارية بمثابة اللمحة الخاطفة ال التحليلية العميقة؛ إال أنها تدل على ذوقهم
()2
البالغي وحسهم المرهف بمواقع الكالم وأدوات التعبير ،ولنضرب على ذلك نموذجا
عالقات لغوية عديدة منها :البنية النصية للسياق ،وداعية المقام ،ومقتضى الحال،
ﭲ ﭳ} [سورة البقرة" : ]31:فإذا ثبت بهذا كله قوة عنايتهم بالفضلة حتى ألغوا
بأن اهلل´ هو الذي علَّمه إيَّاها بقراءة من ق أر( :وعلَّم آدم األسماء كلَّها) ونحوه ،وقوله
تعالى( :إ َّن اإلنسان خلق هلوعا) ،وقوله تعالى( :وخلق اإلنسان ضعيفا) ،فقد علم َّ
أن
الغرض بذلك في جميعه أن اإلنسان مخلوق ومضعوف ،وكذلك قوله :ضرب زيد ،وانما
الغرض منه أن يعلم أنه منضرب ،وليس الغرض أن يعلم من الذي ضربه؟! فإن أريد
ذلك كلَّف علم الغيب" ،ويؤكد هذا الملمح البالغي في موضع آخر ،فيقول" :إن الفعل
()1
إذا بني للمفعول لم يلزم أن يكون ذلك للجهل بالفاعل ،بل ليعلم أن الفعل قد وقع به،
فيكون المعنى هذا ال ذكر للفاعل ،أال ترى إلى قوله تعالى( :وخلق اإلنسان ضعيفا)،
وقوله تعالى( :خلق اإلنسان من عجل) ،وهذا مع قوله تعالى( :ولقد خلقنا اإلنسان ونعلم
ما توسوس به نفسه) ،وقوله( :خلق اإلنسان من علق) ،فالغرض في نحو هذا المعروف
الفاعل إذا بني للمفعول إنما هو إخبار عن وقوع الفعل به وحسب ،وليس الغرض فيه
()2
ذكر من أوقعه به ،فاعرف ذلك" ،واستقى من هذا المعنى الجرجاني في حديثه عن
حذف الفاعل والمفعول به ،فيقول" :إذا أريد اإلخبار بوقوع الضرب ووجوده في الجملة
من غير أن ينسب إلى فاعل أو مفعول أو يتعرض لبيان ذلك ،فالعبارة فيه أن يقال:
جرد
كان ضرب ،أو وقع ضرب ،أو وجد ضرب وما شاكل ذلك من ألفاظ تفيد الوجود الم َّ
في الشيء" ،فهذه اإلشارات وان مثَّلت لمحة خاطفة إال أنها فتحت المجال للدراسات
()3
المعاصرة لتبيين قيمة ما أدركه البالغيون القدامى ،ويبقى محل النقاش بين الباحثين
قائما في دالالت األغراض التي أوردوها ،ولكل نص كريم نسقه بالمعلوم كان أم
وبعد تلك المناقشة لألغراض البالغية التي ذكرها علماؤنا السابقون من بالغيين
ولغويين لذكر الفاعل أو حذفه مع بناء الفعل للمجهول أو للمعلوم ،وفي ضوء ما َّ
قدمه
الباحث من تحليل ودراسة لمواضع متفرقة من صور اختالف وتغير هاتين البنيتين في
للمجهول أو للمعلوم أكثر مما عرضه النحاة ،وما كان لتلك األغراض أن تختزل إلى
هذا الحد ،ال سيَّما ما ورد به القرآن الكريم ،تلك األفعال التي أبرزت ذلك البيان المعجز.
البالغيةَّ ،
فإن اللغة العربية شهدت نماء وسعة في التعبير عن هذه الظاهرة ،والسياق
كالقرآن الكريم ال يجوز أن نتجاهلها ،وال يجوز أن نتجاهل قرائنها عند الحديث عن
( )1ينظر :ابن هشام ،جمال الدين(1964م) :مغني اللبيب عن كتب األعاريب ،309/2 ،تحقيق :المبارك ،مازن،
حمد اهلل ،محمد ،ط ،1دمشق :دار الفكر
( )2محمد عبد الفتاح :الفعل المبني للمجهول في اللغة العربية ،ص9
306
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
ينحبس في بوقعة القواعد النحوية ،فالقرآن يهيمن على اللغة كلها ،ما اطَّرد منها وما لم
يطَّرد" .
()1
المترتبة على صورة تغير األفعال بين هاتين البنيتين :المعلوم والمجهول ،وأن تكون تلك
النماذج التي أوردها الباحث معززة مدللة على ما قصده وهدف إليه لبيان األثر الداللي
للتغير بين البنيتين ،وأن قد وفق ألن يضيف ولو لبنة إلى البناء الذي شيَّده علماؤنا
أهل الفضل والمكارم من النحاة والمفسرين والبالغيين دون طعن أو قدح في مقامهم،
واهلل أسأل أال أكون قد اجترأت على رأي بتنقيص أو همز ،أو ازدراء أو لمز ،ولوال
تقدير
ا طبيعة مثل هذه الدراسات من النقاش وايراد الحجة بالحجة آلثرت التسليم واالتباع
وال مضخم لقولي ،أعترف بالتقصير اعتراف من قلَّت بضاعته ،ولم تؤمن زلَّته ،فالَّلهم
غفرانك عن شطط القول وسقط اللسان ،وأال أكون قد قلت في كتابك بغير علم ،أو
سطَّرت عنه بغير فهم ،فإنَّما هو اجتهاد يعتريه الخطأ والنسيان ،موسوم بالنقصان،
َّ
فتقبله ربي مني بإحسان.
( )1حسَّان ،تمام(1993م) :البيان في روائع القرآن دراسة لغوية وأسلوبية للنص القرآني ،ص ،283ط ،1القاهرة:
عالم الكتب.
307
النتائج والتوصيات
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
والبناء للمجهول في القراءات القرآنية والتي َّإنما كانت على سبيل الداللة واإلشارة ال
والمقصد دراسة األثر الداللي المترتب على ذلك التغيُّر ،وبعد ذلك كلِّه تبيَّن ما أحدثته
أن َّ
كل بنية ال ارتباط صورة االنتقال بين البِنيتين من أثر داللي قد يبدو للوهلة األولى َّ
أوجه الربط بين البنيتين باستصحاب دالالت السياق لكل صورة؛ َّ
فإنها ترتسم أمامه تلك
اللوحة الفنية الرائعة من التناسق والتكامل بين البِنى ،وهذا ما استدعى أن يدير الباحث
لقد اجتهد الباحث-فيما مكنه اهلل عليه-وفق منهج وصفي قائم على االستقراء
القراءات القرآنية؟ وعن مضمون مجموعة من األسئلة الفرعية مثل :هل داللة الفعل
اهتمت دراسات
المبني للمعلوم كداللة الفعل المبني للمجهول؟ فإن كانتا مختلفتين فلم َّ
التغيُّر بين بنيتي الفعلين؟ وهل لذلك أثر على المعنى؟ وكيف يمكن توظيف السياق في
فهم األثر المترتب على ذلك التغيُّر؟ وقد انتهت بالباحث إجابة األسئلة أعاله إلى
أهمها ما يلي:
التأكيد على جملة من النتائج ،من ِّ
309
النتائج والتوصيات
ٍ
بجالء َّ
أن تعدد القراءات القرآنية المتواترة وتنوعها ،إنما هو .1أظهرت ِّ
الدراسة
مظهر من مظاهر اإلعجاز البياني ،حيث تتعدد وجوه الداللة ،وتتنوع األساليب
البالغية ،األمر الذي يفضي إلى ثراء المعنى ،ويبرز روعة التنوع في األداء
ٍ
وتغاير في المعنى، تنوٍع
.2االختالف الحاصل بين القراءات القرآنية هو اختالف ُّ
ٍ
وتناقض ،فبتعدد القراءات تتسع المعاني وتتعدد ،والقراءات ٍ
تضاد وليس اختالف
.3التعليل بأن تنوع القراءات القرآنية المتواترة وتعددها ،إنما كان لمجرد التيسير
تعليالت شكلي ٍ
َّة ،ويضيِّق دائرة البحث عن األثر ٍ المختلفة ِ
يقصر الداللة على
يكمل بعضها بعضا ،وقد يد ّل الوجه على ما ال يد ّل عليه أخوه ،ولكنه ال ينافره
ِّ
.6معظم المنتقدين للقراءات القرآنية من أعالم التفسير واللغة وغيرهم إنما انتقدوها
حرصا على سالمة القرآن الكريم ال تشهيًّا ،ولكنهم أخطأوا من حيث أرادوا
اإلحسان.
310
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
من تنوع األداءات القرائية على مستوى الكلمة ،فانتقال القراءة من المبني للمعلوم
إلى المبني للمجهول وما يتمخض عنه من تغيير في البنية اإلسنادية للتركيب
مظهر من
ا يعد التغيُّر بين بِنيتي الفعلين المبني للمعلوم والمبني للمجهول
ُّ .8
.9اختلفت المعاني الداللية بين القراءات القرآنية العشر في بنائها للمعلوم مرة،
ومرد َّ
الداللة إلى السياق ،فلكل مقام مقال. وللمجهول أخرىُّ ،
السياق هو اإلطار الناظم لدالالت بِنيتي الفعلين المبن ِّي للمعلوم والم ِّ
بني .10
غلب الطابع اللغوي على تناول القدماء لداللة حذف الفاعل في نسق .12
مسوغاته
البناء للمجهول ،فكانوا يكتفون مثال بمجرد تقدير المحذوف واإلبانة عن ِّ
من داللة الكالم عليه أو العلم به ،أو الخوف عليه ،وربما يشيرون إلى علته
311
النتائج والتوصيات
و َّ
الداللية المنوطة بالحذف ،التي تستدعي البحث عن غرض الكالم والبحث في
ُّ
يلح الباحث على فكرة أن األغراض البالغية لذكر الفاعل أو حذفه ،أو .13
بناء الفعل للمعلوم أو للمجهول إنما مرجعها للسي ي ي ي ي ي ييياق وحده مع أخذ االعتبار
ياب إم ييا
ب ييالقرائن األخرى ،أم ييا التقعي ييد النحوي مع حفظ مق ييام رج يياالت ييه فهو ب ي ٌ
يص ي ي ي ي ييلحه ويض ي ي ي ي يييف إليه داللة ،أو يبقى قالبا جامدا ال يتيح مس ي ي ي ي يياحة للبحث
اللي. َّ
الد ِّ
أوضحت الدراسة أن اختالف القراءة بتثقيل بِ َني ِة المبني للمعلوم أو .14
المجهول وتخفيفها يمثل ظاهرة صرفية لها حضورها البارز على مستوى َّ
الداللة
كشفت الدراسة أن القراءة بصيغة المفاعلة لبِ َنيتَي المعلوم أو المجهول تعد .15
شاهدا ِّبينا على أثر هذه الصيغة في إث ارء المعنى ،وتوجيه الخطاب القرآني
تشير الدراسة إلى األبعاد الداللية التي تضيفها الزيادة بالهمزة جراء إلحاقها .16
بالفعل الثالثي المجرد سواء المبني للمعلوم أو المجهول ،وما يتمخض عنه من
معاني صرفية وبيانية يمكن التنقيب عنها بتلمس السياقات الكريمة التي ت َّ
ؤدى
312
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
لتأملِها
ال تزال صور تغير الفعل بين القراءات القرآنية تتحفنا بصور ماتعة ُّ .17
ودراستِها ال سيما تلك الصور التي تشهد تقاطعا بين ظاهرة االلتفات من الغيبة
تشير صور تغيُّر الفعل بين القراءات القرآنية إلى لفتات تربوية وفكرية .18
نجد القراءة األخرى تشير إلى قيمة جديدة ال تقل أهميَّة عن األولى في سياق
المرتبطة بصور التغير بينها ،التي تثري البيان القرآني ،وتُ ْمتِع القارئ بصنوف
اإلعجاز التي ال تنتهي مع كالم اهلل´ ،ففي القراءات القرآنية متَّ َسعٌ لمن يريد
المعنية َّ
بالداللة والبالغة. َّ أن يكون له نصيب فيها ،ال سيَّما الدراسات
313
النتائج والتوصيات
منفردة ،وبيان أثرها اللغوي والداللي كلون من ألوان اإلعجاز البياني القرآني،
باب ال يزال–واهلل أعلم-غضًّا طريًّا أمام الباحثين لتقصي مثل هذه الدالالت
وهذا ٌ
داللي
ٌّ .4تبسيط وتقريب أوجه الخالف بين القراءات العشر التي يترتَّب عليها أثر
ئ وقار ٍ
ئ ،أو رٍاو ورٍاو فترصد أوجه االختالف مجزأة بين قار ٍ
بأن تدرس االختالف َّ
الحروف ،ثم يدرس األثر الداللي المترتِّب على كل قراءة بغية إيجاد ٍ
عقد ناظم
ٍ
معجم على غرار معاجم .5رصد واستقراء المظاهر البالغية للقراءات القرآنية في
والباحثين ،مرتَّبة بحسب ترتيب المصحف ،مع ذكر من ق أر بها من الق َّراء ،ثم
اإلشارة إلى المظهر البالغي الذي يمكن أن تفسَّر به القراءة ،دون التوسع في
التوجيه ،ويترك المجال للباحثين لإلدالء بدلوهم في توجيه هذه المظاهر بالغيا،
فقد يتناول أحدهم سورة معينة ،أو يتتبع موضوعا معتمدا على هذه التهيئة من
المعجم.
.6األغراض التي ذكرها العلماء للفعل المبني للمجهول هي ُج ُّل ما جاء به علماء
النحو ،ويوصي ي ي ي ي ي ييي الب يياح ييث ب ييالتنقي ييب والبح ييث في آث ييار اللغويين والبالغيين
314
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
هكذا أتاحت اللغة العربية بطبيعة تراكيبها سعة في التعبير وتنوعا في مقامات
الكالم ،فتارة باالسم وتارة بالفعل ،تارة بالمعلوم منه وتارة بالمجهول ،وهنا تقع المهمة
النص
َّ السر الذي جعل
على الباحثين في حقل الدراسات القرآنيَّة أن يتساءلوا دائما عن ِّ
بمجرد
لباحث َّ
ُ يؤثِر هذا اللفظ على غيره ،وهذا السِّياق على ما سواه ،وأال يكتفي ا
القرآني ْ
اقع لغوي سبقه إليه اآلخرون ،مثل هذا يدفع بأال تقف األغراض
الركون إلى تقرير و ٍ
البالغية عند التقرير اللغوي لعلمائنا السابقين وحسب بل أن الدراسة ممتدةٌ ،والبحث
كثير ا ِّلزحام.
العذب ُ
ُ اخر ،ومنهال فياضا ،والمورد
مستمر ،وال يزال القرآن منجما ز ا
ُّ
ٍ
فتوحات في لحظة صفاء وقت ،وفُتِ َح من
وقد حاول الباحث جاهدا فيما تيسَّر له من ٍ
ٍ
ذهن أفاض بها المولى´ عليه أن يقف عند دالالت التغيُّر بين بنيتي الفعلين :المبني
للمعلوم والمبني للمجهول في مواضعها من هذا البحث ،اجتهد في ذلك ما وسعهُ الجهد،
إن الباحث في حقل القراءات القرآنية ليدرك جليًّا قصوره عن أن ِيقف على
َّ
وظمأ األكباد ،وا َّن ذلك ِم َّما استأثر به مولى العباد´ ،وقد وقف َذ ُوو القامات من كبار
تذوقاتهم لمثل هذه النُّصوص كما هو حال سيد قطب¬ حين قال " :ا
كثير ميا وجميل ُّ
المتحرج
ِّ أقف أمام ُّ
النصوص القرآنية وقفة المتهيِّب أن أمسَّها بأسلوبي البشري القاصر،
315
النتائج والتوصيات
()1
فإن كان هذا مقال تلك القامات مع تبح ِ
ُّرها ْ أن أشوبها بتعبيري البشري الفياني" ،
وتدفُِّقها ،فكيف حال من قلَّت بضاعته ،ولم تُ ْؤ َمن زلَّته ،ولوال شغف الباحث بكتاب
علي بأجر االجتهاد وأجر الصواب فيما أصبت ،و َّأال َّ ِ ُ َّ
يمن بالقبول والعطاء ،وأن يتفضل ّ
يحرمني أجر االجتهاد فيما أخطأت ،كما أسأله´ أن يكون هذا العمل خالصا موافقا
الباحث
جدول ()1
318
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
جدول ()2
319
المالحق
320
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
جدول ()3
معتل أجوف حمزة ،أبو جعفر ،يعقوب ُي َخافَا َي َخافَا 229 البقرة .4
- أبو جعفر ُيح ُك َم َيح ُك َم 23 آل عمران .5
نافع ،ابن عامر ،حمزة ،الكسائي،
- ُي َغ َّل َي ُغ َّل 161 آل عمران .6
وأبو جعفر ،ويعقوب ،وخلف
321
المالحق
معتل لفيف مقرون أبو جعفر تُط َوى َنط ِوي 104 األنبياء .18
- أبو جعفر ُيح َكم َيح ُكم 48 النور .19
ابن عامر وأبو عمرو وابن
- تُخ َرُجون تَخ ُرُجون 25 الروم .20
كثير ونافع
()1
معتل ناقص أبو عمرو ُيج َزى َنج ِزي 36 فاطر .22
ابن كثير وابو عمرو وابو
- ُيد َخلُون َيد ُخلُون 40 غافر .23
جعفر وشعبة ويعقوب
ابن كثير وأبو جعفر ورويس عن
- سيدخلون
ُ سيدخلون 60 غافر .24
يعقوب وشعبة عن عاصم بخلف عنه
معتل ناقص أبو جعفر وعاصم في رواية ُيج َزى َيج ِزي 14 الجاثية .25
نافع وأبو عمرو وأبو جعفر
- خرُج
ُي َ َيخ ُرُج 22 الرحمن .26
ويعقوب
نافع وابن كثير وأبو عمرو
- ُي َنزفون ُين ِزفون 19 الواقعة .27
وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب
نافع وابن كثير وأبو عمرو
فص ُل
ُي َ
- وأبو جعفر وهشام بخلف يف ِ
ص ُل 3 الممتحنة .28
َ
ابن عامر فص ُل
ُي َّ
) (1وردت( :تخرجون) في سورة الروم في موضعين( :وكذلك تخرجون)آية( ،19:إذا أنتم تخرجون)آية ،25:والخالف بين القراء على
الموضع األول حيث ق أر بضم التاء وفتح الراء نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بخلف عن ابن ذكوان وعاصم وأبو جعفر
ويعقوب ،والباقون بفتح التاء وضم الراء .ينظر :النشر ( ،)267 /2أما الموضع الثاني فقراءة شاذة ق أر بضم التاء هبيرة طريق
عبد الغفار ،والسمان عن طلحة ،وابن حسان .ينظر :الكامل (.)551/1
322
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
تابع جدول ()3
معتل ناقص ابن عامر والكسائي تَُرُو َّن َترُو َّن 6 التكاثر .35
323
المالحق
جدول ()4
مزيد بالتضعيف شعبة عن عاصم تَُن َّزل ُن َنِّزل 8 الحجر .6
324
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
325
المالحق
جدول ()5
326
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
جدول ()6
مزيد بالتضعيف ابن كثير ُنن ِزُل ُنِّز َل 25 .6الفرقان
أُخفي
مزيد بالهمز حمزة ويعقوب بسكون الياء أُخ ِف َي 17 .7السجدة
وصال ووقفا
مزيد بالتضعيف ابن عامر ويعقوب فََّز َ
ع فُِّز َ
ع 23 سبأ .8
نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن
مزيد بالتضعيف ص َّد
َ ص َّد
ُ 37 .9غافر
عامر وأبو جعفر
327
المالحق
جدول ()7
328
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف تَرِجع تُر َجع 76 الحج .18
حمزة والكسائي وخلف َيخ ُرُجون ُيخ َرُجون 35 الجاثية .42
330
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
جدول ()8
مزيد بالهمز ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب تُخلِفَه تُخلَفَه 97 طه .5
مزيد بألف شعبة عن عاصم وأبو عمرو وابن كثير
ُيقَاتِلُون ُيقَاتَلُون 39 الحج .6
المفاعلة وحمزة ويعقوب والكسائي وخلف
ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر
مزيد بالهمز تَ َوقَّد ُيوقَد 35 النور .7
ويعقوب
مزيد بألف
ابن كثير وابن عامر ضعِّف
ُن َ اعف
ض َُي َ 30 األحزاب .8
المفاعلة
331
المالحق
جدول ()9
332
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
جدول ()10
333
المالحق
جدول ()11
334
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
جدول ()12
335
المالحق
جدول ()13
336
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
جدول ()14
** تَ ِ
رجعون (بالمعلوم)-تَرجع (بالمعلوم) :لم يرد لحفص في القرآن الكريم منهما أي موضع
337
الفهارس
341
فهرس اآليات القرآنية
-5سورة المائدة
46 6 {ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ} .45
164 27 { ﮎ ﮏﮐ} .46
164 36 { ﯰ ﯱ ﯲ} .47
214 77 {ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ} .48
41 109 { ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ } .49
190 115 {ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ} .50
-6سورة األنعام
29 16 {ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯫ ﯬ ﯭ} .51
40 73 {ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ} .52
271 121 {ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ} .53
-7سورة األعراف
40 3 {ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ} .54
139 43 {ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ} .55
213 88 {ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ} .56
212 124 {ﭰ ﭱ ﭲ } .57
41 129 {ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ } .58
255 168 {ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ } .59
71 172 {ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ } .60
-8سورة األنفال
130 26 {ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ } .61
165,164 38 {ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ } .62
104 48 {ﭴ ﭵ ﭶﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ }. .63
184 50 {ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯗ ﯘ ﯙ } .64
-9سورة التوبة
342
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
343
فهرس اآليات القرآنية
344
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
345
فهرس اآليات القرآنية
346
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
347
فهرس اآليات القرآنية
-36سورة يس
255 83 {ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ } .165
-37سورة الصافات
49 12 {ﮙ ﮚ ﮛ} .166
-39سورة الزمر
86,82 42 { .167ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ}
169 55 { .168ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ }
145 73 { .169ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ}
-40سورة غافر
180 16 { .170ﯼﯽ ﯾ}
180 ,174 17 { .171ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ }
214 33 { .172ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ}
210 37-36 { .173ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ}
,207,232 37 { .174ﮥ ﮦ ﮧ}
211
,141 ,140 40 { .175ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ}
174.180.143,
184 49 { .176ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ}.
-41سورة فصلت
26 3 { .177ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ}
2 17-16 { .178ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ}
213 46 { .179ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ}
-42سورة الشورى
167 25 { .180ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ }
-43سورة الزخرف
91 31 { .181ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ}
348
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
349
فهرس اآليات القرآنية
-55سورة الرحمن
188 37 {ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ} .197
-56سورة الواقعة
186 4 {ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ} .198
-57سورة الحديد
68 8 {ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ }... .199
350
تغير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
-77سورة المرسالت
186 8 { .215ﮨ ﮩ ﮪ}
-78سورة النبأ
186 18 { .216ﮘﮙﮚﮛﮜﮝ}
245 39-37 { .217ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ }...
-80سورة عبس
148 37 { .218ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ}
-81سورة التكوير
186,39 1 { .219ﭑ ﭒ ﭓ}
55 24 { .220ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ}
-82سورة األنفطار
186 4 { .221ﭝ ﭞ ﭟ}
189 19 { .222ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮱ ﯓ ﯔ}
-96سورة العلق
263 8 { .223ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ }
-97سورة القدر
90 1 { .224ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ}
-89سورة الفجر
191 20-15 { .225ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ }
190 ,186 21 { .226ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ}
186 23 { .227ﯯ ﯰ ﯱ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ}
183 25 { .228ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ }
351
فهرس اآليات القرآنية
352
فهرس األحاديث النبوية
فهرس األحاديث النبو َّية
75 أبو هريرة ((كل أمتي يدخلون الجنة إال من أبى)) .3
92 ابن مسعود ((ما كان بين إسالمنا وبين أن عاتبنا)) .4
144 أبو هريرة أحدا عمله الجنة قالوا وال أنت يا رسول اهلل))
دخل ً
((لن ُي َ .6
283 عبد اهلل بن عمرو َحِد ُك ْم)) ِ اإليمان لَي ْخلَ ُ ِ
ق في َج ْوف أ َ ((إِ َّن ِ َ َ َ .11
354
فهرس األبيات الشعرية
فهرس األبيات الشعر َّية
234 وسائره ٍ
باد إلى الشمس أجمع العين .1
208 صوام
ساقي نصارى قبيل الفصح َّ الميم .5
256
قائمة املصادر واملراجع
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
المصادر:
.1ابن األثير ،ضياء الدين(د.ت) :المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ،تحقيق:
.2ابن أحمد ،الخليل(1985م) :الجمل في النحو ،تحقيق :قباوة ،فخر الدين ،ط.1
ائي، .3
ابن أحمد ،الخليل(د.ت) :كتاب العين ،تحقيق :المخزومي ،مهدي والسامر ّ
.4األخفش ،سعيد(2003م) :معاني القرآن ،تحقيق :الورد ،عبد األمير ،ط .1بيروت:
عالم الكتب.
التوضيح في َّ
النحو ،تحقيق :عيون السَّود ،محمد .ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
.7األزهري ،محمد (2001م) :تهذيب اللغة ،تحقيق مرعب ،محمد ،ط ،1بيروت :دار
إحياء التراث.
358
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
.17األنصاري ،ابن هشام(د.ت) :أوضح المسالك ،تحقيق :عبد الحميد ،محمد محي
.19أنيس ،إبراهيم (د.ت) :األصوات اللغوية ،د .ط ،مصر :مكتبة نهضة مصر.
359
المصادر والمراجع
.21باشا ،ابن كمال( 2002م) :أسرار النحو ،تحقيق :حامد ،أحمد .ط ،2بيروت:
دار الفكر.
وايضاح المعضالت في إعراب القرآن وعلل القراءات ،تحقيق :السعدي ،عبد القادر،
كثير.
.27البنتني ،محمد(د.ت) :مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد ،تحقيق :الصناوي،
360
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
.29البيضاوي ،ناصر الدين أبو سعيد عبد اهلل بن عمر(1418هـ) :أنوار التنزيل
وأسرار التأويل ،تحقيق :المرعشلي ،محمد ،ط ،1بيروت :دار إحياء التراث العربي.
الطباعة المنيرية.
تحقيق :معوض ،محمد ،عبد الموجود ،عادل ،ط ،1بيروت :دار إحياء التراث
العربي.
ابن عاشور ،أبو محمد ،ط ،1بيروت :دار إحياء التراث العربي.
361
المصادر والمراجع
.40ابن الجزري ،محمد (د.ت) :النشر في القراءات العشر ،تحقيق :الضباع ،علي.
.43ابن جماعة ،بدر الدين(2000م) :شرح كافية ابن الحاجب ،تحقيق :داود ،محمد.
.44ابن ِّ
جني ،أبو الفتح(1954م) :المنصف شرح كتاب التصريف للمازني ،ط،1
.45ابن ِّ
جني ،أبو الفتح(2009م) :المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات
واإليضاح عنها ،تحقيق :النجدي ،علي وآخرون ،د.ط .القاهرة :المجلس األعلى
للشؤون اإلسالمية.
.46ابن الجوزي ،جمال الدين عبد الرحمن (1984م) :زاد المسير في علم التفسير،
362
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
.58الخطابي ،سليمان(د.ت) :بيان إعجاز القرآن ،تحقيق :خلف اهلل ،محمد؛ زغلول،
.59الخطيب ،عبد الكريم(د.ت) :التفسير القرآني للقرآن ،د.ط ،القاهرة :دار الفكر
العربي.
.60الخطيب ،عبد اللطيف(2002م) :معجم القراءات ،ط ،1دمشق :دار سعد الدين.
يض ِ
اوي، الب َ الش َه ِ
اب َعلَى ت ْف ِ .61الخفاجي ،شهاب الدين أحمد(د.ت) :ح ِ
اشي ُة ِّ
سير َ َ
صادر.
364
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
.70ا َّلرازي ،محمد بن أبي بكر(1999م) :مختار الصحاح ،تحقيق :الشيخ ،يوسف،
الكتاب العربي.
.73رضا ،محمد رشيد(1990م) :تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) ،د.ط ،القاهرة:
365
المصادر والمراجع
َّ .76
الزجَّاج ،أبو إسحاق(1988م) :معاني القرآن واعرابه ،تحقيق :شلبي ،عبد الجليل،
.79ابن زنجلة ،أبو زرعة :حجة القراءات ،تحقيق :األفغاني ،سعيد ،د.ط ،بيروت:
دار الرسالة.
.80أبو زهرة ،محمد (د.ت) :زهرة التفاسير ،د.ط ،القاهرة :دار الفكر العربي.
َّ .83
الز ْو َزني ،حسين بن أحمد(2002م) :شرح المعلقات السبع ،ط ،1بيروت :دار
عمان :دار
.84السامرائي؛ فاضل(2009م) :بالغة الكلمة في التعبير القرآني ،طَّ ،5
عمار
َّ
عمان :دار
.86السامرائي ،فاضل صالح(2007م) :معاني األبنية في العربية ،طَّ ،2
عمار.
َّ
366
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
مكتبة اآلداب.
معوض ،علي
.94السمرقندي ،نصر بن أحمد(1993م) :بحر العلوم ،تحقيقّ :
367
المصادر والمراجع
.98ابن ِس َ
يده ،علي( 1996م) :المخصص ،تحقيق :خليل ،جفال ،ط ،1بيروت :دار
إحياء التراث.
محمد ،د.ط ،بيروت :المطبعة العصرية ،قطر :و ازرة األوقاف والشؤون اإلسالمية.
الدقِّي:
.104شادي ،محمد إبراهيم (1988م) :البالغة الصوتية في القرآن الكريم ،طُّ ،1
شركة الرسالة.
ابن األزرق دراسة قرآنية لغوية وبيانية ،ط ،3القاهرة :دار المعارف.
.106ابنت الشاطئ ،عائشة(د.ت) :التفسير البياني للقرآن الكريم ،ط ،7القاهرة :دار
المعارف.
368
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
،680/6تحقيق :أبو زيد ،بكر .ط ،1مكة المكرمة :دار عالم الفوائد.
من علم التفسير ،تحقيق :عميرة ،عبد الرحمن ،د.ط ،بيروت :دار الوفاء.
الصيمري ،عبد اهلل(1982م) :التبصرة والتذكرة ،تحقيق :أحمد ،فتحي .ط ،1مكة
َّ .114
369
المصادر والمراجع
.117العابد ،صالح (2004م) :نظرات لغوية في القرآن الكريم ،ط ،3الرياض :دار
كنوز إشبيليا.
.119ابن عادل ،أبو حفص عمر بن علي(1998م) :اللباب في علوم الكتاب ،تحقيق:
عبد الموجود ،عادل ،معوض ،علي ،ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
.122عباس ،فضل :البالغة فنونها وأفنانها (المعاني) ،ط ،4األردن :دار الفرقان.
.123عباس ،فضل (2008م) :القراءات القرآنية وما يتعلق بها ،ط ،1األردن :دار
النفائس.
.124ابن عبد السالم ،العز(1313هـ) :اإلشارة إلى اإليجاز في بعض أنواع المجاز،
البجاوي ،علي؛ أبو الفضل ،محمد ،ط ،1مصر :دار إحياء التراث.
370
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
.127العسكري ،أبو هالل (1412هـ) :معجم الفروق الفردية ،تحقيق :بيات ،بيت اهلل،
.128العسكري ،أبو هالل (د.ت) :معجم الفروق اللغوية ،تحقيق :سليم ،محمد ،د.ط،
تحقيق :عبد الشافي ،عبد السالم ،ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
والثقافة.
الع ْك َبري ،أبو البقاء عبد اهلل بن الحسين(1996م) :إعراب القراءات الشواذ،
ُ .133
الع ْك َبري ،أبو البقاء(2008م) :التبيان في إعراب القرآن ،ط ،1القاهرة :شركة
ُ .134
القدس للتصدير.
الحلبي وشركاه.
ّ البابي
ّ د.ط ،سوريا :عيسى
.136العمادي ،أبو السعود (د.ت) :إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ،بدون
.137العمادي ،أبو السعود(د.ت) :إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ،تحقيق:
الشباب.
منشأة المعارف.
.141آغا ،طه صالح(2007م) :التوجيه اللغوي للقراءات القرآنية عند الفراء في
العلمية.
.143ابن غلبون ،أبو الطيب عبد المنعم(1995م) :اختالف القراء السبعة في الياءات
والتاءات والنونات والباءات والثاءات ،تحقيق :الحسن ،سر الختم ،ط ،1الرياض:
تحقيق :سويد ،أيمن ،ط ،1جدة :الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم.
.145ابن فارس ،أحمد(1979م) :معجم مقاييس اللغة ،تحقيق :هارون ،عبد السالم،
372
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
.146الفارسي ،أبو علي(1993م) :الحجة للقراء السبعة ،تحقيق :قهوجي ،بدر الدين.
العزيز ،تحقيق :النجار ،محمد ،د.ط .القاهرة :المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية،
المعارف.
مؤسسة الرسالة
البردوني،
ّ .154القرطبي ،محمد شمس الدين(1964م) :الجامع ألحكام القرآن ،تحقيق:
ِ .158
الق َّنوجي ،محمد صديق خان(1992م) :فتح البيان في مقاصد القرآن ،تحقيق:
المكتبة العصريَّة.
األنصاريَ ،عبد اهلل ،د.ط .بيروتَ :
َ
.159القوجوي ،محمد بن مصلح الدين(1999م) :حاشية محي الدين شيخ زاده على
تفسير البيضاوي ،تحقيق :شاهين ،محمد ،ط ،1بيروت :دار الكتب العلمية.
.160ابن القوطية ،أبو بكر(1952م) :كتاب األفعال ،تحقيق :فودة ،علي .ط ،1القاهرة:
مطبعة مصر.
وعلَلِ َها
.161القيسي ،مكي بن أبي طالب(1974م) :الكشف عن وجوه القراءات السبع ِ
وح َج ِج َها ،تحقيق :رمضان ،محيي الدين ،د.ط ،دمشق :مطبوعات مجمع اللغة
ُ
العربية.
.162القيسي ،مكي بن أبي طالب (د.ت) :كتاب التبصرة في القراءات السبع ،تحقيق:
.164ابن كثير ،إسماعيل بن عمر(2000م) :تفسير القرآن العظيم ،ط ،1بيروت :دار
ابن حزم.
374
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
والمعاني ،تحقيق :مدلج ،عبد الكريم .ط ،1بيروت :دار ابن حزم.
.167الكريم ،عبد اهلل(د.ت) :الدرس النحوي في القرن العشرين ،د.ط ،القاهرة :مكتبة
اآلداب.
.169الشين ،عبد الفتاح(1983م) :من أسرار التعبير في القرآن صفاء الكلمة ،د .ط،
.171ابن مالك ،محمد(د.ت) :شرح الكافية الشافية ،تحقيق :هريدي ،عبد المنعم.
.173مايو ،عبد القادر(د.ت) :علم النحو العربي-الفاعل ونائب الفاعل ،د.ط ،بيروت:
دار السالم.
.179ابن أبي مريم ،نصر بن علي (2009م) :الموضح في وجوه القراءات وعللها،
.180المصري ،ابن أبي اإلصبع(1995م) :بديع القرآن ،تحقيق :محمد ،حفني ،د.ط،
عالم الكتب.
.182المظهري ،محمد ثناء اهلل (1412هـ) :التفسير المظهري ،تحقيق :التونسي ،غالم
.184مكرم ،عبد العال سالم(1992م) :تطبيقات نحوية بالغية ،ط ،2بيروت :مؤسسة
الرسالة.
.185مكرم ،عبد العال سالم ،عمر ،أحمد مختار(1997م) :معجم القراءات القرآنية،
الفكر.
.187ابن منظور ،محمد(د.ت) :لسان العرب ،تحقيق :الكبير عبد اهلل وآخرون ،د.ط،
.189أبو موسى ،محمد(1996م) :من أسرار التعبير القرآني دراسة تحليلية لسورة
.194النحاس ،أبو جعفر(1421هـ) :إعراب القرآن ،تحقيق :خليل ،عبد المنعم ،ط.1
دار المعرفة.
377
المصادر والمراجع
فهد.
َّ .198
الن َّ
شار ،عمر بن زين الدين قاسم(2008م) :البدور الزاهرة في القراءات العشر
المتواترة ،تحقيق :المعصراوي ،أحمد ،ط ،2قطر :و ازرة األوقاف والشؤون اإلسالمية.
َّ .201
النيسابوري ،مسلم بن الحجاج(د.ت) :المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن
العدل إلى الرسول صلى اهلل عليه وسلم ،تحقيق :عبد الباقي ،محمد فؤاد ،ط،1
.204ابن هشام ،عبد اهلل جمال الدين(2004م) :شرح شذور الذهب في معرفة كالم
العرب ،تحقيق :عبد الحميد ،محمد محي الدين .د.ط ،القاهرة :دار الطالئع.
378
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
.209ابن يعيش ،موفّق الدين(2001م) :شرح المفصل ،تحقيق :بديع ،إيميل ،ط،1
الرسائل الجامعية:
.211جاد اهلل ،هدى(2006م) :تفسير القرآن بالقراءات العشر(من النور إلى النمل)،
وتفسير
ًا .214الحربي ،عبد العزيز(1417هـ) :توجيه مشكل القراءات العشرية لغة
بالقايد(ماجستير).
جامعة بغداد(دكتوراة).
380
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
القرآن الكريم دراسة تطبيقية في سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران والنساءَّ ،
غزة:
مؤتة(ماجستير).
في المعنى بين روايتي حفص عن عاصم وورش عن نافع ،السعودية :جامعة
381
المصادر والمراجع
جامعة اإلسكندرية(دكتوراة).
القرى(ماجستير).
الصرفي ،جامعة
َّ .236ناصر ،حمود(2006م) :القراءات في ضوء الدَّرس
دمشق(دكتو ارة).
.238الهرري ،محمد(1986م) :القراءات المتواترة التي أنكرها ابن جرير الطبري في
تفسيره والرد عليه من أول القرآن إلى آخر سورة التوبة ،المدينة المنورة :الجامعة
اإلسالمية (دكتوراة).
382
تغ ُّير الفعل بين البناء للمعلوم والبناء للمجهول في القراءات العشر
َّ
المجالت والدوريات:
.240البراق ،عبد اهلل(1432هـ) :دالئل اإلعجاز في القراءات ،السعودية :مجلة الحكمة ،العدد .43
حكمته وداللته ،مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية ،العدد( )1المجلد(.)5
.244الشتيوي ،علي(2006م) :التوجيه النحوي لقراءة عبد اهلل ابن مسعود من خالل
.248قطب ،محمد عبد العال(1990م) :من جماليات التصوير في القرآن الكريم ،مكة
.250حمدون ،غسان (د.ت) :أساس العالقة بين معاني القرآن بتعدد القراءات عند
ابن الجزري ،صنعاء :كلية التربية بجامعة صنعاء (بحث منشور على اإلنترنت).
.256تفسير سورة الرعد بالقراءات العشر المتواترة( ،بحث منشور على اإلنترنت من
غير اسم الباحث وال الدار الناشرة وال رقم الطبعة وال تاريخها).
384