Professional Documents
Culture Documents
نماذج مختارة
أحمد اهلل ربي حمد الشاكرين على نعمائه وأن جعلنا مسلمين ،وجعل اللغة العربية لغة
هم نسألك
القرآن والدين ،والصالة والسالم على خاتم أنبيائه وعلى آله وأصحابه وأوليائه اللّ ّ
أما بعد:
المزيد من صلواتك وسالمك على مصدر الفضائلّ ،
يعد البحث في الصالت القائمة بين الخطاب في جانبيه الفظي و المعنوي من أهم
الجوانب التي يمكن للدارس تتبعها في ضوء المنهج الوظيفي ،ونحن في هذا البحث يمكن
أن نقف على تلك الوشائج القائمة بين نظام اللغة في تراكيبها وبين ما تؤديه من معان
وأغراض تتعلق بقصد المتكلم وفهم المتلقي ،هذا األخير الذي يختلف في تقبله للخطاب
تصديقا أو تكذيبا ،إنكا ار أو ترددا؛ مما يستوجب من المتكلم صوغ كالمه وفق هذه
ً
الحاالت العامة لتلقي خطابه ،وهو ما يمكن تطبيقه في أسلوب التوكيد الذي تمثل فيه
الزيادة في المبنى النموذج األساسي للتعبير فيه ،وذلك على اعتبار أنه يمثل فكرة تكرار
حرفا كان أو اسما أو فعال أو جملة أو شبه
المعنى بأي صورة كانت سواء بلفظه كما هو ً
جملة ،وهو ما يدخل في التوكيد اللفظي ،أو تكرار المعنى بمفهومه ولكن في صورة لفظية
مخالفة للفظه وهو ما يسمى بالتوكيد المعنوي ،وهذه الزيادة التي تكون على أصل الخطاب
ال تكون إال لفائدة استعمالية في اللغة تؤدى من خالل فهم أن كل تغيير في المبنى يؤدي
إلى تغيير في المعنى.
أما فيما يخص المدونة التي تنطلق منها هذه الدراسة فمصدرها واحد يقوم
على انسجام ووحدة لغوية وصلت إلى حد اإلعجاز في البيان ونعني بذلك نصوص القرآن
الكريم ،إذ إن أخذ النماذج من هذا النص كدليل لكل استخدام وكل داللة سياقية ومقامية
يجعل من النتائج المحصل عليها متسقة ومتكاملة ،فال تؤدي بنا إلى اختالق تأويالت
بعيدة وتعابير مقدرة تنأى عن روح اللغة كما هو الحال عند تحكيم الشعر الذي كثي ار
ما يخضع إلى تعبير فردي انفعالي ،قد يؤدي بصاحبه إلى التصرف في اللغة كأحد
مستخدميها معتمدا على ما تبيحه الضرورة ليبدع في هذا المجال ،ومن ثم تكون هذه
أ
مقدمة
الدراسة إحدى المحاوالت التي كانت وال تزال تنحو إلى جعل القرآن الكريم مصد ار للتقعيد
والتحليل النحوي ،وهذه الفكرة قديمة تناقلتها كتب النحو والتفسير في بعض المناسبات
فاخترنا لها عنوان :التوكيد في القرآن الكريم نماذج مختارة.
أما عن أسباب اختيارنا لهذا الموضوع فهي راجعة إلى طبيعة التخصص والميول
ّ
الشخصي لمثل هذه المواضيع ،إضافة إلى الرغبة في خدمة الخطاب ،إضافة إلى الرغبة
في إبراز األسرار البالغية في توظيف التوكيد في القرآن الكريم .الرغبة في إبراز األسرار
البالغية في توظيف التوكيد في القرآن الكريم.
ب
مقدمة
ج
مقدمة
د
الفصل األول اتلوكيد يف اجلملة العربية
1
-ابن منظور ،لسان العرب ،دار صادر ،بيروت ،لبنان ،ط ،1دس ،ج ،3ص .644
2
-محمد بن أ بي بكر الرازي ،مختار الصحاح ،ت :مصطفى ديب البغا ،دار الهدى عين ميلة الجزائر ،ط6
،1991ص .11
3
-أحمد الفيومي ،المصباح المنير ،مكتبة لبنان ،بيروت ،لبنان ،1991 ،ص .7
4
-ابن هشام األنصاري ،شرح قطر الندى وبل الصدى ،ت :محمد محي الدين عبد الحميد ،المكتبة التجارية
الكبرى ،ط ،1943 ،11ص.189
6
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
ويقال أيضا" :التأكيد ،ويقال التوكيدـ معناه في اللغة :التقوية؛ تقول:أكدت الشيء
وتقول :وكدته أيضا؛ إذا قويته" .وقد جاءت كلمة توكيد في القرآن الكريم فقال جل في
َ 1 ْ ََ ُْ َ ْ ه َ َ َ ْ ُ ْ ََ َ ُْ ُ ْ ََْ َ َ ْ َ َ
عاله﴿ :وأوفوا بِعه ِد اَّلل ِ إِذا َعهدتم وَل تنقضوا اْليمان بعد توكِي ِدها﴾ .
ب /اصطالحا:
"التأكيد تابع يقرر أمر المتبوع في النسبة أو الشمول ،وقيل عبارة عن إعادة المعنى
الحاصل قبله" .2
كما عرفه الكفوي في كلياته بقوله "أن يكون اللفظ لت قرير المعنى الحاصل قبله وتقويته" .3
"ويطلق التأكيد على معنيين اثنين ،التقرير :أي جعل الشيء المتحدث عنه مقر ار
ِّ
المؤكد الذي يقرر به وهو ما قصدوه في ذهن المخاطب؛ واللفظ الدال على التقرير أي اللفظ
بقولهم :التأكيد لفظ يفيد تقوية ما يفيد لفظ آخر ،وهو أعم من أن يكون له" .4
ويعرف الجرجاني أسلوب التوكيد كمفهوم يقوم على إعادة المعنى بقوله ":التأكيد أن
تتحقق باللفظ معنى قد فهم من آخر قد سبق منك .أفال ترى أنه إنما كان "كلهم" في قولك:
"جاءني القوم كلهم" تأكيد من حيث كان الذي فهم منه وهو الشمول قد فُهم َبدئا من ظاهر
لفظ القوم...ولو أنه لم يكن فهم الشمول من لفظ القوم ،وال كان هو من موجبه لم يكن "كل"
تأكيد ولكان الشمول مستفاء من "كل" ابتداء" .5كما أورد له صاحب النحو العصري تعريفا
1
-النحل ،آية .91
2
-عبد القاهر الجرجاني ،التعريفات ،ت :إبراهيم األبياري ،دار الكتاب العربي ،بيروت ،لبنان ،ط1994 ،3
ص .71
3
-الكفوي ،الكليات( ،معجم المصطلحات والفروق اللغوية) ،ت :عدنان دريش ومحمد المصري ،مؤسسة
الرسالة ،بيروت ،لبنان ،ط ،1998 ،1ص . 147
5
– ينظر ،التهاوني ،كشاف اإلصالحات والفنون ،ت :أحمد حسن ،بسج ،منشورات محمد على البيضوني ،دار
الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط ،1998 ،1ج ،1ص .83
4
– ينظر ،المرجع نفسه ،ص .83
5
-عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،ت :محمد عبد المنعم خفاجي ،مكتبة القاهرة ،القاهرة ،مصر ،ط1
،1949ص .177
7
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
بقوله" :التوكيد :تابع يذكر في الكالم المفيد لدفع أي توهم قد يحمله الكالم إلى السامع ويتبع
ِّ
المؤكد في اإلعراب رفعا ونصبا وج ار" .1 لفظ التوكيد ما ِّ
يؤكده
وهذا ما ذهب إليه أيضا عبد الهادي الفضلي حيث قال ":التوكيد هو تكرار الكلمة
بلفظها أو بمعناها .وتسمى األولى "مؤكدا" بالفتح ،والثانية "مؤكدا" ،ـبالكسر ،وتوكيدا أيضا" .2
والتوكيد بمعن اه االصطالحي الذي سنتناوله في هذه الدراسة هو كل ما يكسب المعنى
قوة ويزيده ثباتا وتمكنا في النفوس مما ذكره علماء النحو متفرقا و منثو ار في أبوابه هنا
وهناك ،إضافة إلى ما قصده علماء البالغة في استجالئهم للخطاب اللغوي وما يربطه
بالمقامات والمقاصد المناسبة له ،فقالوا عنه" :يؤتى بالتوكيد ألغراض بالغية غير ما سبق
بيانه ،كالرد على اعتقاد غير صحيح ،و ِّادعاء باطل ،والتعريض بعبارة المخاطب ،وتنزيل
المخاطب منزلة منكر ما دل عليه التوكيد ،واالفتخار ،والمدح ،الذم ،و الترحم ،والتشنيع
لمح إليها البليغ إلماحا بأسلوب
واإلشعار بهول الحدث وفظاعته إلى غير ذلك من أغراض ُي ِّ
التوكيد" .3
وهو ما استشفه العلماء في دراستهم التي جعلت النص القرآني وادراك معانيه البارزة
والخفية مطلبا أساسيا هذا األمر الذي أدى إلى جعل كتبهم تزخر بالبحوث اللغوية الناضجة
لما تتصف به من دقة ووضوح ،وال تزال الدراسات اللغوية المعاصرة تنهل منه.
والتوكيد نوعان نوع يعاد فيه االسم بلفظه ،وآخر يعاد فيه المعنى المراد تأكيده فيرى
عمر"
عمر ً ا
و"لقيت ً ا
ُ أيت ز ًيدا زي ًدا"،
ابن السراج أن النوع األول"ما يعاد بلفظه نحو قولك" :ر ُ
1
-سلمان فياض ،النحو العصري ،مركز األهرام ،القاهرة ،مصر ،ط ،1995 ،1ص .145
2
-عبد الهادي الفضلي ،مختصر النحو ،دار الشروق ،جدة المملكة العربية السعودية ،ط1981 ،7
ص .175
3
-عبد الرحمن ،حبنكة ،الميدا ني ،البالغة العربية (أسسها ،وعلومها ،وفنونها ) ،دار القلم ،دمشق ،سوريا ،الدار
الشامية ،بيروت ،لبنان ،ط ،1994 ،1ج ،1ص .644
8
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
"وهذا زيد زيد"" ،مررت بزيد زيد" ،وهذا الضرب يصلح في األفعا ل والحروف والجمل ،وفي
كل كالم تريد تأكيده ،فأما الفعل فتفول" :قام عمرو قام" ،وقم قم ،اجلس اجلس.
قال الشاعر:
1
ث َتحيات َوان لَم َتكلَ َمي".
ثَ َال ُ مت اسلَمي
أ َال فَاسلَمي ثُم اسلَمي ثُ َ
وأما النوع الثاني فهو" :أن يقصد به رفع توهم السامع أن المتكلِّم وضع العام موضع
الخاص ،نحو قولك" :جاء بنو فالن كلِّهم" ،لم يرد أن يخص بالمجيء بعضا دون بعض
ولوال ذلك المكن اعتقاد غير ذلك" .2
كما أن دائرة الحكم ستتسع لما يمسه التوكيد في الجملة العربية مفردا كان أو ومركبا
ذلك أنه من العموم أن "العرب تؤكد كل شيء تراه في حاجة إلى توكيد ،فهي قد تؤكد الحكم
كله أو تؤكد جزءا منه ،وقد تؤكد لفظة بعينها ،أو تؤكد مضمون الحكم ،أو مضمون اللفظة
أو غير ذلك ،فتقول" :إن محم ًدا مريض" و"محمد مريض محمد مريض" فهذا تأكيد للحكم.
وتقول" :محمد نفسه مريض" فهذا تأكيد للكلمة.
سعيا" فهذا تأكيد للحدث الذي تضمنه اسم الفاعل.
وتقولُ " :م َحمد َساع إلى الخير ً
ليال" فهذا تأكيد للزمن الذي تضمنه الدلج ألن الدلج هو السير في الليل أدلجت ً
ُ وتقول" :
َْ ًَْ ْ ُ ْ َ َ ه َ
3 َ
اَّلي أْسى بِعب ِده ِ َلل ﴾ ،ف ـ"ليالً" تأكيد للزمن الذي تضمنه
خاصة ،قال تعالى﴿ :سبحان ِ
4
اإلسراء"...
1
-ابن السراج ،األصول في النحو ،ت :عبد الحسين الفتلي ،مؤسسة الرسالة بيروت ،لبنان ،ط1994 ،3
ج ،1ص .19
2
-جمال الدين ابن محمد الطائي ،شرح التسهيل ،ت :محمد عبد القاد ر عطا طارق فتحي السيد ،دار الكتب
العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط ،1111 ،1ج ،3ص .151
3
-اإلسراء ،آية .11
4
-فاضل صالح السامرائي ،معاني النحو ،دار الفكر ،المملكة األردنية الهاشمية ،عمان ،األردن ،ط1118 ،3
ج ،6ص .113
9
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
إن أغلب الدارسين ألسلوب التوكيد من نحاة وبالغيين قد بحثوا وبإسهاب في األسباب
التي تستدعي استخدامه ،ألن اللغة العربية تسعى في األصل إلى االقتصاد استخدام ألفاظها
كما أنها تقوم على مبدأ مهم لم يغب عن دارسيها على اختالف تخصصاتهم توجهاتهم
ويتمثل في الفائدة التي تجنى من وراء اللغة والتي من خاللها يتحقق دورها األساسي في
المجتمع المتمثل في التبليغ ،أال وهو مبدأ الفائدة التي تجنى من الكالم والتي هي ضالة
الباحثين عامة ودارس النص القرآني خاصة وذلك الستخراج أحكامه ومعانيه ،وفهم مقاصده
والتوكيد يقوم على تكرار اللفظ أو المعنى و هذا ليس من االقتصاد الذي تسعى إليه العربية
إال أن فائدته تكمن في دفع بعض ما قد يعلق باللفظ من مجاز أو نسيان أو غيرها مما يدور
في المقام الذي يرد فيه النص أو الجملة ،واذا كان التوكيد يقوم على تكرار اللفظ أو المعنى
مما قد يوحي بانتفاء الفائدة من اللفظ المكرر فقد خرج العلماء فائدته على التأكيد وتوسيع
الكالم ،وبهذا نكون أمام فائدتين في النص :فائدة تأسيسية وهي األصل أي المعنى األول
وفائدة توكيدية وهي الفرع أي الفائدة من الكالم بعد توكيده بالتكرار أو الزيادة أو غيرها.
وفيما يلي عرض لفوائد بعض أشكال التوكيد ،على سبيل المثال ال الحصر ،ألن
أشكاله كثيرة ومتعددة ال يسعنا المقام لذكرها جميعا ،فاقتصرنا على أهمها كفائدة التوكيد
اللفظي والمعنوي ،وبعض األشكال األخرى.
/1فائدة التوكيد المعنوي:
يقر صاحب النحو الوافي "أن الفائدة من التوكيد المعنوي ،هو أبعاد ذلك االحتمال
وازالته ،إما عم ذات المتبوع ،واما عن إفادته التعميم الشامل المناسب لمدلوله ،فإن لم يوجد
االحتمال لم يكن من بالغة التوكيد" ،1ومن هنا نحاول ذكر فائدة بعض أشكال التوكيد
المعنوي.
1
-عباس حسن ،النحو الوافي ،دار المعارف ،القاهرة ،مصر ،ط ،1976 ،3ج ،3ص .131
01
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
1
-مصطفى الغالييني ،جامع الدروس العربية ،ت :عبد المنعم خفاجة ،منشورات المكتبة العصرية ،صيدا
بيروت ،لبنان ،ط ،1996، 18ص .133
2
-ابن يعيش النحوي ،شرح المفصل ،إدارة الطباعة المنيرة ،دط ،ج ،3ص.61
3
-مصطفى الغالييني ،جامع الدروس العربية ،ص.133
4
-ابن يعيش النحوي ،شرح المفصل،ج ،3ص .61
00
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
1
-مصطفى الغالييني ،جامع الدروس العربية ،ص .133
2
-المرجع نفسه ،ص .131
3
-التكاثر ،آية .16- 113
4
-عباس حسن ،النحو الوافي ،ج ،3ص .131
5
-االنفطار ،آية .18- 17
01
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
السعادة الحقة الحقة" ،الجنة الجنة!! ما أسعد من يفوز بها"" ،األم األم!!أعذب لفظ ينطق
به الفم" " .1
- 6فائدة التوكيد بالفصل والوصل:
هي وما يتحصل من معنى في هذا الشكل الذي يعد من األشكال التوكيدية في اللغة
العربية" ،ووجه حسن هذا الضرب هو أن في التوكيد تقوية المعاني وتقريرها وفي البيان
تنشيط النفس وايقاظها ،ألنها حين تتلقى كالما ملفوفا بشيء من الغموض تشتاق إلى بيانه
وتستشرف في الترف على وجهه ،فإذا جاء البيان صادف نفسا يقظة متطلعة فيتمكن الكالم
منها" .2
- 7فائدة التوكيد بالتقديم والتأخير:
إن العالقة بين فكرة الترتيب ومبدأ الفائدة من الظواهر الواضحة في البحث النحـوي
حيث درست هذه القضية من قبل علمائنا من وبصورة متكررة وواضحة ،إذ يعد كل تغيير
في ترتيب عناصر الجملة مما له تأثير كبير على ما يجنيه السامع من فائدة وما يقوم عليه
ذهنه من معنى ،ألن " كل تغيير في المبنى يؤدي إلى تغيير في المعنى" ،فإذا قلت "زيد
أخوك" كنت قد أثبت بــ"أخوك" معنى لزيد .واذا قدمت وأخرت فقلت" :أخوك زيد" وجب أن
تغيير لالسم
خبر ً ا
تكون مثب ًتا بــ"زيد" معنى لــ"أخوك" ،واال كان تسميتك له اآلن مبتدأ واذ ذاك ً ا
عليه من غير معنى وألدى إلى أن ال يكون لقولهم" :المبتدأ والخبر" فائدة غير أن يتقدم اسم
في اللفظ على اسم من غير أن ينفرد كل واحد منهما بحكم ال يكون لصاحبه ،وذلك مما ال
يشك في سقوطه" .3
1
-عباس حسن ،النحو الوافي،ج ،3ص.131
2
-محمد محمد أبو موسى ،دالالت التركيب (دراسة بالغية) ،دار التضامن ،القاهرة ،مصر ،ط1987 ،1
ص .331
3
-ينظر ،عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،ص .167- 164
03
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
وما نقف عليه في هذا الصدد كالمهم عن النظام "الذي يخضع له تركيب االسم واللقب
وهو من التراكيب المشهور في كل اللغات ،إذ يبررون تقديم االسم وتأخير اللقب ألمر له
عالقة بما يحمله كل منهما من داللة يتمايزان بها عن بعضهما بعض ،فيرون أنه إنما وجب
في القياس تقديم االسم وتأخير اللقب ،ألن االسم يدل على الذات وحدها واللقب يدل عليها
وعلى صفة مدح أو ذم كما هو معلوم ،فلو جئت باللقب أوال لما كان لذكر االسم بعده فائدة
بخالف ذكر االسم أوال ،فإن اإلتيان بعده باللقب يفيد هذه الزيادة" .1
وفكرة الفائدة في قضية التقديم والتأخير تتجلى أكثر فيما ذهب إليه رضي الدين
اإلسترابادي في تعرضه لشرح تقديم الفاعل أو المفعول فقا ل" :فإذا قلت :أليس ذكر الفاعل
قبل المفعول مفيد أن ذكر المفعول ليس بأهم ،لو ذكرت المفعول قبل الفاعل أفاد أن ذكر
المفعول أهم ،قلت :تقديم المفعول على الفاعل ال يفيد ذلك ،بل قد يكون ذلك التساع
َ َ َ ُ ه ُ ََ َ ْ
اْل هن﴾ ،3إذ ليس بخاف ،كما يرى عبد
الكالم" ،ومثال ذلك قوله تعالى﴿ :وجعلوا َِّلل ِ ُشَكء ِ
2
ُ ََ
ُشَكء" حسنا ومأخذا وروعة من القلوب ،وذلك ما ال تجده إن القاهر الجرجاني أن للتقديم "
أنت أخرت فقلت" " :وجعلوا الجن شركاء اهلل" وأنك ترى حالك حال من نقل عن الصورة
المبهجة والمنظر الرائق والحسن الباهر إلى الشيء الغفل الذي ال تحلى منه بكثير طائل ،وال
تصير النفس به إلى حاصل والسبب في أن كان ذلك كذلك هو أن للتقديم فائدة شريفة
ومعنى جليال ال سبيل إليه مع التأخير ،بيانه أنا وان كنا نرى جملة المعنى ومحصوله أنهم
جعلوا الجن شركاءوعبدوهم مع اهلل تعالى ،وكان هذا المعنى يحصل مع التأخير حصوله مع
ُ ََ
ُشَكء" يفيد هذا المعنى ،ويفيد معه معنى آخر وهو أنه ما كان ينبغي أن التقديم ،فإن تقديم "
1
-ابن عقيل ،شرح ابن عقيل ،ت :محمد محي الدين عبد الحميد ،مكتبة دار التراث ،القاهرة ،مصر ،ط11
،1981ج ،1ص .111- 111
2
-اال سترابادي ،شرح الكافية في النحو ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،دط ،ج ،1ص .14
3
-األنعام ،آية .111
01
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
يكون هلل شريك ال من الجن وال غير الجن ،واذا أخر فقيل" :جعلوا الجن شركاء هلل" ،لم يفد
ذلك ولم يكن في شيء أكثر من اإلخبار عنهم بأنهم عبدوا الجن مع اهلل تعالى" .1
ُ ْ َُ َ َ ْ َُ َ ه
كما نجد ذلك عند تفسير الزمخشري لقوله تعالى﴿ :واعلموا أن فِيكم رسول
ه
اَّلل ِ﴾ 2يقول" :فإن قلت :ما فائدة تقديم خبر "أن" على اسمها؟ قلت :القصد إلى توبيخ بعض
المؤمنين على ما استهجن اهلل منهم من استتباع رأي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم آلرائهم
فوجب تقديمه النصباب الغرض إليه".3
- 8فائدة التوكيد بالتكرار:
لو أردنا أن نقدم تعريفا للتكرار في اللغة لوجدنا أن أقرب تعريف له "هو عبارة
عن اإلتيان بشيء مرة بعد أخرى" 4مما يوحي لنا بمفارقته للفائدة ،ذلك أن هذه األخيرة يفهم
منها جدة الكالم بأن يكون غير مفهوم من دون ذكره ،وهو ما يدفعنا للبحث التساؤل عن
موضع الفائدة في أشكال التوكيد التي تطابقت مع فكرة التكرار خاصة ما يسمى بالتوكيد
اللفظي والمعنوي مما درجت عليه كتب النحو من تقسيم مشهور لما يسمى بالتوكيد
الصناعـي ومن فهم التكرار على أنه قد يكون لغير فائدة فالمالزمة ممنوعة" ،ذلك إنه لم
يخ ـل عن فائدة وهي رفع احتمال توهم المجاز كما في األلفاظ المؤكدة فإن القائل" :جاء
القوم" يفيد مجيء كلهم لما تقتضيه األلف والالم من االستغراق فقوله بعد ذلك" :كلهم
وأجمعون" تأكيد لرفع توهم المجاز ،وأنه أراد بالقوم بعضهم فكذلك هنا جاء بقوله بعده تأكيدا
لرفع توهم أنه أراد المعية تجو از فلم تخل عن فائدة" .5
1
-عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،ص .111- 111
2
-الحجرات ،آية .17
3
-الزمخشري ،الكشاف ،ت :فتحي عبد الرحمن أحمد حجازي ،مكتبة العبيكان ،ط ،1998 ،1ج ،4ص.14
- 4السكاكي ،مفتاح العلوم ،ت :عبد الحميد هنداوي ،دار الكتب العلمية ،ط،1بيروت،ـ لبنان1111 ،
ص .614 .
5
-ابن كيلكلدي ،الفصول المفيدة في الواو المزيدة ،ت :حسن موسى الشاعر ،دار البشير ،عمان ،األردن ،ط1
،1991ص .84- 85
01
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
بل إن فكرة الفائدة تتجلى أكثر في ما ذكره صاحب الكليات من "أن التأكيد بذكر ماهو
كالعلة أقوى من التأكيد بالتكرار" ،1وهذا ما يجعل التأكيد معنى نحويا سياقيا ،يستوفي شروط
تأدية الغرض من الكالم متمثال في اإلفادة ،وان كان كثي ار ما يرتبط بسياق الموقف الذي يمثله
السامع والمخاطب والرسالة االبالغية ومن األمثلة التي تستوقفنا في هذا السياق ما أورده
ُش َع ًة َومِنْ َه ً ُ د َ َ َْ ْ ُ
ك ْم ِ ْ
اجا﴾ ،2إذ وجد "أن تكرار الزجاج عند تعرضه لقوله تعالى ﴿ :ل ِ ٍّ
ك جعلنا مِن
األلفاظ المترادفة في مثل هذا يكون للزيادة في الفائدة" ،3إذ من المؤكد أن التكرير في القرآن
الكريم ال يكون إال لفائدة وهو ما يمكن أن نستخلصه من األمثلة التي يتعرض لها العلمـ ـاء
على اختالف تفسي ارتهم وتعليالتهم وتوجهاتهم ،بل هناك من يؤكد على جدة المعنى كما فعل
َ ُ َ َ ََ َهُ َ ه َْ ُ َ َْ ََ ْ
الفارسي في دفاعه عن قراءة حمزة لقوله تعالى﴿ :فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما﴾ ،فهو
4
يشير إلى أن التكرار بالرغم من اختالف اللفظ ،يفيد معنى آخ ار باإلضافة إلى تفخيم القصة
ََ ْ ََ ه
وتعظيمها بألفاظ مختلفة ،فإن قال قائل :فإنه إذا ق أر "فأ َزل ُه َما" كان قوله بعد "فأخ َر َج ُه َما"
َ ُ َ َ ََ ْ
تكريرا ،فالقراءة األخرى أرجح ،ألنها ال تكون على التكرير ،قيل :إن قوله" :فأخرجهما" ليس
1
-الكفوي ،الكليات ،ص.148
2
-المائدة ،آية .68
3
-الزجاج ،معاني القرآن واعرابه ،ت :عبد الجليل عبده شلبي ،عالم الكتب ،بيروت ،لبنان ،ط ،1988 ،1ج1
ص.185- 186
4
-البقرة ،آية .34
5
-ينظر ،أبو علي الفارسي ،الحجة للقراء السبعة ،ت :بدر الدين قهوجي وبشير جويجاني ،دار المأمون للتراث
دمشق ،سوريا ،ط ،1986 ،1ج ،1ص.14
06
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
أو التركيب يمكن أن يؤدي دوره في فهم وافهام المتلقي ،وانما دخول هذا العنصر المؤكد
مهما كان شكله كان للتوكيد فقط ،وهذا التعبير باختالف أدائه لدى الدارسين أو الباحثين قد
يوحي أن مصطلح الزيادة يناقض فكرة اإلفادة التي يمكن تأديتها بأقل قدر من األلفاظ متمثال
في تحديدهم للجملة بأنها "ما يحسن السكوت عليه" ،وهذا طبعا مما ال يصح تعميمه
خصوصا إذا ربط بفهمنا للنص القرآني وما جاء فيه من أشكال توكيدية على اختالفها.
وهو أيضا مما ال يمكن أن يغض عليه الطرف لدى علماء اللغة قديما وحديثا ،فهذا
عبد القاهر الجرجاني في كتابه أسرار البالغة وفي سياق حديثه عن قضية الزيادة يقابلها
بالفائدة" :واذا ثبت أن وصف الكلمة بالزيادة ،نقيض وصفها باإلفادة 1 "...بالفائدة فإن تتبع
مواضع ما قيل عنه إنه زائد في اللغة أو القرآن وتخريجه في مؤلفات القدماء يجعلنا نستنتج
أن الزائد عندهم ما ال معنى له أو ما ال تأثير له على المعنى المقص ـ ـود والمراد توصيله من
هذا الكالم ،ويشرح عبد القاهر الجرجاني مصطلح الزيادة في ألفاظ اللغة على نحو يربطها
بالمعنى ،ذلك أن القول بأنها زائدة يفيد أن ال يراد لها معنى ،وأن تجعل كأن لم يكن لها
داللة قط ،وهذا يتعارض مع أهم مبدأ استعمالي للغة وهو أن الكلمة ال تتج ـرد من الف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـائدة
مهما كانت درجة هذه الفائدة ،وهو األمر الذي جعل علماء اللغة والتفسير إلى القول إن "ما"
ٍِ ِِ
ََلُمم﴾ ،2تفيد التوكيد :ويرد على إن كون "ما" ﴿فَبِ َما َر مْحَة م َن اللَّه لمن َ
ت في نحو قوله تعالى:
تأكيدا ،نقل لها عن أصلها ومجاز فيها ،وكذلك أقول" :إن كون الباء المزيدة في" :ليس زيد
بخارج" ،لتأكيد النفي ،مجاز في الكلمة ،ألن أصلها أن تكون لإللصاق فإن ذلك على بعده
ال يقدح فيما أردت تصحيحه ،ألنه ال يتصور أن تصف الكلمة من حيث جعلت زائدة بأنها
مجاز ،ومتى ادعينا لها شيئا من المعنى فإننا نجعلها من تلك الجهة غير مزيدة" ،3كما يشرح
1
-عبد القاهر الجرجاني ،أسرار البالغة ،ت :مصطفى شيخ مصطفى ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،لبنان ،ط1
،1116ص .195
2
-آل عمران ،آية .159
3
-عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،ص.196
07
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
لنا الزركشي في نفس السياق معنى ما أصطلح عليه بالزيادة ،والتي تطلق عادة على بعض
مفرقا
حروف المعاني "األدوات" -التي جاءت في النص القرآني كما جاءت في كالم العرب ِّ
بين الزيادة في معناها اللغوي ،والزيادة التي توصف بها هذه األدوات لتأدية معنى التوكيد في
الجمل ،ومعنى كونه زائدا أن أصل المعنى حاصل بدونه ،دون التأكيد فبوجوده عناصرها
فيقول " :ومعنى كونه زائدا أن أصل المعنى حاصل بدونه ،دون تأكيد فبوجوده حصلت فائدة
التأكيد ،والواضع الحكيم ال يضع الشيء إال لفائدة ،وسئل بعض العلماء عن التوكيد بالحرف
وما معناه إذ إسقاط كل الحرف ال يخل بالمعنى ،فقال :هذا يعرفه أهل الطباع إذ يجدون
أنفسهم بوجود الحرف على معنى زائد ال يجدونه بإسقاط الحرف قال :ومثال ذلك مثال
العارف بوزن الشعر طبعا ،فإذا تغير البيت بزيادة أو نقص أنكره ،وقال :أجد نفسي على
خالف ما أجده بإقامة الوزن ،فكذلك هذه الحروف تتغير نفس المطبوع عند نقصاها ويجد
نفسه بزيادها على معنى بخالف ما يجدها بنقصانه .1
َ ََ َ ه َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ َ َه ْ
اب أَل َيق ِد ُرون لَع
وتطلق الزيادة على "ال" في نحو قوله تعالىِِ ﴿ :لل يعلم أهل الكِت ِ
َ ْ
َشء﴾" ،2ألنها ال تفيد النفي فيما دخلت عليه ،وال يستقيم المعنى إال على إسقاطها ،ثم إن
قلنا إن "ال" هذه المزيدة تفيد تأكيد النفي الذي يجيء من بعد في قوله" :أن ال يقدرون" وتؤذن
به ،فإنا نجعلها من حيث أفادت هذا التأكيد غير مزيدة ،وانما نجعلها مزيدة من حيث لم تفد
النفي الصريح فيما دخلت عليه ،كما أفادته في المسألة" .3
ويجب علينا أن نقف عند قضية أساسية تخص حروف الزيادة التي ارتبطت بداللة
التوكيد كما ناقشها أحد الباحثين المعاصرين حيث رأى أن النحاة لم يذكروا وظيفة لهذه
الحروف وان اكتفوا بحصرها في التوكيد ،وذلك ألن تتبع مواضعها في القرآن الكريم يجعل
1
-الزركشي ،البرهان في علوم القرآن ،ت :محمد أبو الفضل إبراهيم ،المكتبة العصرية ،صيدا ،بيروت ،لبنان
ج ،3ص.51
2
-الحديد ،آية.19 ،
3
-عبد القاهر الجرجاني ،أسرار البالغة ،ص.195
08
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
الباحث فيها يالحظ أن لكل حرف معنى يالئم السياق القرآني الذي وجد فيه ،فباختالف
المقام يختلف المعنى ،وهو ما تفطن إليه اإلسترابادي في شرح شافية ابن الحاجب ،إذ يربط
فكرة الزيادة بمبدأ الفائدة ،يقــول في ذلك" :فإن قيل :فيجب أال تكون زائدة إذا أفادت فائدة
معنوية ،قيل :إنما سميت زائدة ،ألنه ال يتغير أصل المعنى ،بل ال يزيد بسببها إال تأكيد
المعنى الثابت وتقويته ،فكأنها لم تفد شيئا لما لم تغاير فائدتها العارضة الفائدة الحاصلة
قبلها ،ويلزمهم أن يعدوا ،على هذا" ،إن" ،و "الم االبتداء" ،وألفاظ التأكيد أسماء كانت أو ال
زوائد ،ولم يقولوا به" ،1هذا ويرى بعضهم أن التوكيد هو نفسه الفائدة التي تجنى من الزائد.
وذلك أنه كما يقول صاحب تاج العروس" :ال يفيد غير التأكيد ،وهو عند بعض النحاة
فقولهم" :إنما زيد قائم" بمنَزلة "أن الشأن زيد قائم" فهو يحتمل العموم كما
ال يغير المعنى ُ
يحتمله إن ز ًيدا قائم وعند األكثرين ُينقل اَلمعنىي من احتمال العموم إلى معنى الحصر ،فإذا
قيل" :إنما زيد قائم" فالمعنى "ال قائم إال زيد" " ،2وهو ما سنستفيد منه في بيان فائدة بعض
التراكيب التي ال يتحصل منها سوى داللة التوكيد في كونها ال تقل فائدة عن المعاني
التأسيسية في المعاني المقامية ،إذ سقوطها من الكالم يؤدي إلى ذهاب المعنى المقصود
مقاميا.
-فائدة بعض عناصر التوكيد في الجملة:
إذا كان اإللمام بكل أشكال التوكيد وما يجنى منها من فائدة مما ال يتسع المقام لذكرها
فإننا سنتناول بعض عناصر التوكيد مع بيان ما تحدث عنه علماء العربية من فائدة تجنى
من استخدام بعض أشكاألسلوب التوكيد ،إذ يعد الحديث عن داللة التوكيد في هذه العناصر
هو ما يستفاد منها في الكالم وهي الثمرة المعنوية المتحصل عليها في ذلك كما سنرى.
1
-اإلسترابادي ،شرح شافية ابن الحاجب ،ت :محمد محيي الدين عبد الحميد ومحمد نور حسن ومحمد
الزفزاف ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،دون ط ،ج ،1ص .631
2
-الزبيدي ،تاج العروس من جواهر القاموس :ت :عبد الستار أحمد فراج ،مطبعة حكومة الكويت 1945
دط ،ج ،61ص .515
09
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
و"حسبته قام أخوك" و "أنه أمة اهلل ذاهبة" و "أنه يأتنا نأته" " ،6وتعود داللة التوكيد في هذا
الضمير أنه كما جاء في الكليات "ذكر الشيء مبهما وتفسيره يفيد تقريره وتأكيده" .7
إن:
- 3فائدة التوكيد ب ّ
تكاد تجمع كتب النحو واإلعراب على لصوق داللة التوكيد "بإن" ويظهر ذل ـك في
إع اربها على أنها حرف نصب وتوكيد ،إال أن ذلك ليس كل ما يمكن أن يقال عنها فثمة
أسرار ولطائف داللية ال يمكن أن نجدها إال عند تعدد التراكيب وتعدد المعاني ،إذ ي ـرد عبد
القاهر الجرجاني ،على الكندي ـ ـ الذي يرى في الكالم تعددا للتراكيب والمعنى واحد ـ ـ "واعلم
أن هاهنا دقائق لو أن الكندي استق أر وتصفح وتتبع مواقع "إن" ثم ألطف النظر وكثر التدبر
1
-مصطفى الغالييني ،جامع الدروس العربية ،ج ،1ص.69
2
-البقرة ،آية .15
3
-الزمخشري ،الكشاف ،ج ،1ص.18 ،
4
-الزمخشري ،المفصل في علم العربية ،دار الجيل ،بيروت ،لبنان ،دط ،ص .133
5
-اإلخالص ،آية .11
6
-الزمخشري ،المفصل في علم العربية ،ص .133
7
-الكفوي ،الكليات ،ص.1181
11
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
لعلم علم ضرورة أن ليس سواء دخولها وأن ال تدخل ،فأؤل ذلك وأعجبه ما قدمت لك ذكر
في بيت بشار:
اح في التبكير" . 1
اك الن َج ُ
إن َذ َ الهج َير
بل َصاحبي َق َ
ُبكًار َ
"وذلك أنه هل شيء أبين في الفائدة ،وأدل على أن ليس سواء دخولها ،وأن ال تدخل
من أنك ترى الجملة ،إذا هي دخلت ترتبط بما قبلها ،وتأتلف معه وتتحد بهحتى كأن
احدا ،وكأن أحدهما قد سبك في اآلخر.هذه هي الصورة ،حتى إذا
اغا و ً
الكالمين قد أفرغا إفر ً
جئت إلى "إن" فأسقطتها رأيت الثاني منهما قد نبا عن األول وتجافى معناه عن معناه ،ورأيته
ال يتصل به ،وال يكون منه بسبيل حتى تجيء بالفاء فتقول" :بك ار صاحبي قبل الهجير فذاك
النجاح في التبكير" ثم ال ترى الفاء تعيد الجملتين إلى ما كانتا عليه من األلفة ،وال ترد عليك
الذي كنت تجد بــ"إن" من المعنى" .2
اس وهذا الضرب موجود كثي ار في القرآن الكريم ،ومن ذلك قوله تعالى﴿" :يَا َأ ُّي َها انله ُ
ه ُ َ ه ُ ْ ه َ َْ َ َ ه َ َ ْ َ
َشء ع ِظيم﴾ ،3وقد يتكرر في اآلية الواحدة كقوله جل جالله: اتقوا ربكم إِن زلزلة الساعةِ
َ َ َْ َ ُْ ْ َ َ ْ ْ َ َ ْ َن أَقم ه
َ َ ه َ َ
ِب لَع َما أ َصابَك إِن ذل ِك م ِْن ع ْز ِم اصو ر ك ن مال ن ع ه ان و وف
ِ الص َلةَ َوأ ُم ْر بال ْ َمعْ ُ
ر ِ ِ ﴿يَا ُب َ ه
ِ ِ ِ ِ
َ
ئ َن ْف ِِس إ هن انله ْف َس َْل همارةَ ُ
ََ َد ُ ُ ُْ
ِ اْلمور ِ﴾ ،وقد يتكرر في اآلية الواحدة كقوله تعالى﴿ :وما أب ِر 4
د ه د َُ ب ُّ ه َ
حيم﴾ .6 " 5 ح َم َر ِّب إِن َر ِّب غفور َر ِ السوءِ إَِل ما َر ِ ِ
.
1
-عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،ص.163
-المرجع نفسه ،ص .113 2
3
-الحج ،آية .11
- 4لقمان ،آية .17
5
-يوسف ،آية .53
6
-عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز.66 ،
10
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
1
-ابن السراج ،األصول في النحو ،ت :عبد الحسين الفتلي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،لبنان ،ط1994 ،3
ج ،1ص .141
2
-الزمخشري ،الكشاف ،ج ،1ص.14
3
-الفاتحة ،آية .17- 14
4
-الطاهر بن عاشور ،التحرير والتنوير ،الدار التونسية للن شر ،تونس ،دط ،ج ،1ص.191
11
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
1
-عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،ص .171- 171
2
-المرجع نفسه ،ص .171
13
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
وسنتعرض في هذه الدراسة ألسلوب التوكيد ،وتجدر اإلشارة هنا إلى أن هذا األسلوب
إعادة للفـظ
رغم بساطة تصور شكله كما يظهر ألول وهلة لدى أغلب الدارسين – باعتباره ً
بعينه أو المعنى في أبسط تعريفاته -فقد شكل مجاال لالختالف بين النحاة والبالغيين
وبوجه أخص إذا تعلق األمر بوجود هذا األسلوب في القرآن الكريم ،وهو ما نجده قد استرعى
جهود المفسرين الذين يمثلون الجزء األكثر تطبيقا بالنسبة لموضوع هذا البحث ،مع األخذ
بعين االعتبار خصوصية األسلوب القرآني المعجز في ألفاظه وتراكيبه ،وبيانه ومعانيه.
أوال :التوكيد عند النحاة.
/ 1نوعا التوكيد في النحو العربي:
إن اقتصار النحاة على نوعين على ما اصطلحوا عليه بأسلوب التوكيد جعلهم يهملون
كثي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ار من أشكاله األخرى في اللغة مع اعترافهم بوجود هذه الداللة فيها ،ذلك أن التوكيد
الذي توفرت فيه شروط التبعية المشهورة له ألفاظ مخصوصة وما خرج عنها ال يعد في
الصناعة النحوية توكيدا ،و إن كان فيه معنى التوكيد ،وهو األمر الذي ذهب إليه ابن
الحاج ـب في حديثه عن ضمير الفصل ،فقال" :ال جائز أن يكون تأكيدا ألنه لو كان تأكيد لم
يخل إما أن يكون لفظيا واما أن يكون معنويا ،وال جائز أن يكون لفظيا ألن اللفظي إعادة
1
اللفظ األول...وال جائز أن يكون معنويا ألن المعنوي بألفاظ تحفظ وال يقاس عليها"
وهذه الفكرة تكاد تكون المبدأ النحوي المتبع آن ذاك ،كما ال يعني أن نقف عند حدوده
دون محاولة إلعادة التصحيح والتمحيص ،ولعلى ذلك يكون بجمع ما كان مشتتا واعادة
إظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهار ما كان مغمو ار ،خصوصا بعض اآلراء النحوية البارزة التي ظلت في مؤلفات
أصحابها دون أن يؤخذ به ،من ذل ك مثال آراء االسترابادي في مؤلفه شرح الكافية خاصة في
تقسيمه للتوكيد اللفظي وتصنيفه إلى أنواع ،وذلك انطالقا من معناه ،وهو األمر الذي تجاهله
1
-ابن الحاجب ،األمالي ،ت :فصي الحسين ،دار مكتبة الهالل ،بيروت ،لبنان ،ط ،1998 ،1ج6
ص .111
11
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
كثير من النحاة عند الحديث عن التوكيد اللفظي كونهم يكتفون بالقول إنه إذا أعيد ذكر اللفظ
ويقاب ل بالتوكيد المعنوي الذي له ألفاظ مخصوصة العين والنفس
َ فهو من التوكيد اللفظي،
وغيرها.
وقد فضل صاحب المفصل اسمين آخرين للداللة على ما ذكر سابقا بقوله" :التأكيد
صريح وغير صريح ،وهو على وجهين ،تكرير صريح وغير صريح ،فالصريح ،نحو قولك
"رأيت زيدا زيدا" وغير الصريح نحو قولك" :فعل زيد نفسه وعينه" و"والقوم أنفسهم ،وأعينهم"
"الرجالن كالهما"" ،ول قيت قومك كلهم"" ،والرجال أجمعون" ".1
وهذا األمر لم يغب عن ذهن علماء اللغة أيضا ،فهذا ابن جني في الخصائص يتعرض
للموضوع موضحا وجود معنى التوكيد مع غياب لفظه المعهود ،إذ يقول ":فإن قلت :فليس
َ َ َ َ ََ ُه
ك َ ْ ك َ َُْ َ ْ ْ ُد
َش ٍّء﴾ ،3و﴿ َوف ْوق َش ٍّء﴾" ﴿ ،2وخلق في شيء مما أوردته من قولك﴿ :وأوتِيت مِن ِ
ْ َ ُد
ك ذِي عِل ٍّم علِيم﴾" ،4واللفظ المعتاد للتوكيد .قيل :هو وان لم يأت تابعا على طريقة التوكيد
ِ
جميع القوم" ففائدته
َ فإنه بمعنى هذا األسلوب البتة ،أال ترى أنك إذا قلت" :عممت بالضرب
5
قولك "ضربت القوم كلهم" فإذا كان المعنيان واحدا كان ما وراء ذلك غير معتد به ولغوا".
وفيما يلي عرض لبعض تصورات النحاة ألسلوب التوكيد ،وتفريعاته.
أ /التوكيد اللفظي:
درجت كتب النحو منذ القديم على تحديد التوكيد اللفظي على أساس لفظي كما هو
واضح من اسمه ،بالقول إنه إعادة للفظ أو تك ار ار له ،أو بعبارة أخرى هو إعادة ذكر اللفظ
1
-الزمخشري ،المفصل في علم العربية ،ص .111
2
-النمل ،آية . 13
3
-األنعام ،آية .111
4
-يوسف ،آية .74
5
-ابن جني ،الخصائص ،ت :محمد علي النجار ،دار الكتب المصرية ،مصر ،دط ،ج ،1ص .657
11
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
مرة أخرى لسبب من األسباب المشهورة لورود التوكيد في اللغة حتى أصبح التكرار مرادفا
للتوك ـ ـد على وجه اإلجمال.
ومن هنا نحاول جمع بعض التعريفات التي أوردها العلماء لهذا النوع من التوكيد
كتعريف صاحب النحو األساسي بقوله ":فهو إعادة اللفظ األول بعينه بقصد التقرير
أو خوف النسيان ،أو عدم اإلصغاء ،سواء أكان هذا اللفظ اسما أو فعال أو حرفا أو جملة
"اسمية أو فعلية" ،ومثال االسم قولنا ":اهلل اهلل ،"...ومثال الفعل قولنا" :صمم صمم الشعب
العربي على تحرير أرضه" ،ومثال الحرف قولنا :نعم نعم سأحضر ،"...ومثال الجملة قوله:
د ُ ْ َ َ َ َ ََ َ َْ َ َ َُْ د ُ ه َ َ ْ
ين﴾ باإلضافة إلى تعريف آخر لإلمام جالل
1
ال ِ
ين ثم ما أدراك ما يوم ِ ال ِ
﴿ وما أدراك ما يوم ِ
الدين السيوطي والذي كان أكثر تفصيال من التعريفين السابقين ،حيث يرى أن "من قسمي
التوكيد "لفظي" وهو إعادة "اللفظ األول" أو"مرادفه" وهو أحسن في الضمير المتصل والحرف،
"مفردا" كان "مركبا" مضافا أو جملة ،أو كالما ،نكرة ،أو معرفة ،ظاه ار أو مضم ار اسما أو
َ
َ ْ َ ُ ت ْاْل ْر َُ َد كَد َد كَد (َ )10و َج َ
اء َربُّك َوال َملك
َه َ ُ ه
فعال أو حرفا" ،ولو ثالث" ،نحوّ﴿ :لَك إِذا دك ِ
كَد كَد
َصفا َصفا﴾" .3 " 2
إال أن هناك من العلماء من حاول التدقيق في صور هذا األسلوب فالحظ بعض
االختالف في استعماله باختالف المواقع التي وضع فيها أي أن استعماله يختلف باختالف
المقام ،مع مالحظة المعنى الذي يختلف من شكل إلى آخر ،مما يعني أن النحاة لم
يقتصروا في أبحاثهم على الجانب الشكلي فقط وذلك على النحو التالي:
وذهب ابن مالك في هذا النوع إلى إعادة الضمير المتصل وما اتصل به حتـى وان كان
العنصر المراد توكيد هو الضمير فقال:
إال مع اللفظ الذي به وصل. "وال تعد لفظ ضمير متصل
أي إذا أريد تكرير لفظ الضمير المتصل للتوكيد لم يجز ذلك إال بشرط اتصال المؤكد بما
ِّ
بالمؤك د نحو ":مررت بك بك ،ورغبت فيه فيه " ،وال تقول ":مررت بكك" " .3 اتصل
أ / 2-اإلتباع " :وهو أن تتبع الكلمة على وزنها أو رويها إشباعا و توكيدا حيث ال يكون
الثاني مستعمال بانفراده في كالمهم" ،4عرفه بعضهم اعتبا ار من فائدته في الكالم بأنه" :تقوية
اللفظ بموازنه مع اتفاقهما في الحرف األخير" .5
هذا وقد قُ ِّسم اإلتباع إلى ثالث أقسام هي:
هنيئا م ًريئا" ،إذ أن معنى مريء في هذا التركيب كما
أ /أن يكون للثاني معنى ظاهر" :نحو " ً
جاء في تاج العروس ،تقول" :استم أر فهو مريء ،أي هنيء حميد المغبة بين اَلمرأة كتمرة ...
الهنيء والمريء صفتان من هنأ الطعام و م أر ،إذا كان سائغا ال تنغيص فيه ،وقيل الهنيء:
ما يلذه اآلكل ،والمريء :ما يحمد عاقبته...الهنيء من الطعام والشراب ما ال يعقبه ضرر
بعد هضمه ،و المريء سريع الهضم" . 6
وان ُ
1
-الفجر ،آية . 11
2
-ابن عقيل ،شرح ابن عقيل،ج ، 1ص .116
3
-المصدر نفسه ،ص .115
4
-الكفوي ،الكليات ،ص.35
5
-اإلسترابادي ،شرح الكافية في النحو ،ج ،1ص.333
6
-الزبيدي ،تاج العروس من جواهر القاموس ،ج( ،1مادة مرأ) ،ص . 618
17
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
1
-الكفوي ،الكليات ،ص . 35
2
-ينظر ،لسان العرب ،ج( ،1مادة نبث) ،ص.193
3
-جالل الدين السيوطي ،المزهر في علوم اللغة وأنواعها ،ت :محمد جاد المولى بك ومحمد أبو الفضل إبراهيم
وعلى البج اوي ،المكتبة العصرية ،بيروت ،لبنان ،دط ،ج ،1ص.615
4
-التكاثر ،آية .16- 13
18
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
التعدد ،نحو" :ضربت زيدا ضربت زيدا " ،وان كان اسما ظاه ار أو ضمي ار منفصال منصوبا
فواضح ،نحو" :فنكاحها باطل باطل باطل" وان كان ضمي ار منفصال مرفوعا جاز أن يؤكد به
كل ضمير متصل نحو" :قمت أنت" و"أكرمتك أنت"و"مررت بك أنت" .1
ب /التوكيد المعنوي :
هذا النوع الثاني من أنواع التوكيد ،ويفهم من اسمه بأنه يكون بتكرار المعنى المراد
توكيده ،ويعرف على أساس ألفاظه التي خص بها كالنفس والعين و أشباهها ،ومن هنا
نحاول تعريف هذا النوع من التوكيد عند بعض المهتمين بهذا الموضوع .حيثل عرفه أحدهم
بقوله :أن "التوكيد المعنوي يكون بذكر النفس أو العين أو جميع أو عامة أو كال أو كلتا
على شرط أن تضاف هذه المؤكدات إلى ضمير يناسب المؤكد نحو" :جاء الرجل عينه"
و "الرجالن أنفسهما" "رأيت القوم كلهم"" ،أحسنت إلى فقراء القرية عامتهم" "،جاء الرجالن
كالهما والمرأتان كلتاهما" . 2
هذا وأضاف صاحب المعجب في علم النحو ألفاظ أخرى دالة على التوكيد المعنوي
حيث يرى أن هذا النوع من التوكيد يكون "بألفاظ مخصوصة هي :كل ،ونفس ،وعين ،وأجمع
وأكتع ،وأبتع ،وأبصع ،وجمعاء ،وجمع ،وكافة ،و قاطبة ،وعامة ،وجميع ،وكال ،وكلتا" .3
في حين عرفه صاحب شرح المفصل " بأنه يكون بتكرار المعنى دون لفظه نحو قولك
"رأيت زيدا نفسه" و"رأيتكم أنفسكم"و"ومررت بكم كلكم" ،وجملة األلفاظ التي يؤكد بها
في المعنى تسعة ألفاظ :نفسه ،عينه ،أجمع ،أجمعون ،جمع ،كلهم ،كالهما ،كلتاهما ،فأما
أكتعون ،أبصعون كتعاء وبصعاء كتع بصع فكلها توابع ألجمع ال تستعمل منفردة فهي
شبيهة بقولهم :شيطان ليطان وقيل أن معناها كمعنى أجمعين" .4
1
-ابن هشام األنصاري ،أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ،دار الجيل ،بيروت لبنان ،ط ،1979 ،5ج3
ص . 337- 334
2
-مصطفى الغالييني ،جامع الدروس العربية ،ج ،1ص .131
3
-رؤوف جالل الدين ،المعجب في علم النحو ،دار الهجرة ،قم ،إيران ،دط ،ص .111
4
-موفق الدين يعيش ،شرح المفصل ،إدارة الطباعة المنيرة ،مصر ،ج ،3دط ،ص .61
19
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
وفي هذا الصدد بحث علماء النحو في الشروط التركيبية والشكلية لما سمي بالتوكيد
المعنوي ،كما يمكننا تجسيد ذلك كقرائن لفظية ومعنوية مساعدة في تحليل عناصره ،أو ما
يسمى عندهم إعراب ألفاظه ،وذلك على النحو التالي:
-1المطابقة :وتتجلى في ضرورة مطابقة لفظ التوكيد المعنوي" النفس والعين وغيرها"
للمؤكد ،ليس فقط في العالمة اإلعرابية كما هو معروف ،وانما أيضا في العدد "إفرادا وتثنية
ِّ
المؤكد كذلك ،فتقول" " :جاء وجمعا" ،إذ أنه إذا كان المؤكد بهما مفردا مثنى أو جمعا كان
زيد نفسه عينه" و "جاء الزيدان أنفسهما أعينهما "و"الزيدون أنفسهم أعينهم" و"الهندات
أنفسهن أعينهن" ،إال أنه في التثنية يمكن اإلتيان بلفظ التوكيد مجموعا" .1
كما ينبغي أن يتطابق لفظ التوكيد المعنوي مع المؤكد في الجنس أي في "التأنيث
والتذكير" ويتضح ذلك في ضرورة إضافة النفس أو العين إلى ضمير يطابق المؤكد نحو
عينها".
نفسها أو ُ
عينه" و"هند ُ
نفسه أو ُ
جاء زيد ُ
"َ :
"فأما النكرة فال يجوز أن تؤكد بنفسه وال أجمعين وال كلهم ،ألن هذه معارف ،فإن ِّ
أكدت
درة
بتكرير اللفظ بعينه ،أي بالتوكيد اللفظي ،لم يمتنع أن تقول" :رأيت رجال رجال" ،و"أصبت ً
درة" ،فأما قولهم" :مررت برجل ِّ
كل رجل" ،فإنما هذا على المبالغة في المدح ،كأنـ ـك قلت:
"مررت برجل كامل" .2
- 1الرتية :مما يحكم استخدام التوكيد عموما والتوكيد المعنوي على وجه الخصوص شرط
ِّ
المؤكدات في الكالم فإن هناك نظاما ِّ
فالمؤكد يأتي بعد المؤكد ،فإن توالت الرتبة المحفوظة،
رتبيا خاصا يحكمها كأن تجتمع ألفاظ التوكيد التالية " كل ،جميع ،أكتع "...فينبغي تقدم "كل"
ثم "جميع" ثم "أكتع" وال تصرف في الرتب بينها فال يقال" :جاء القوُم أكتعون أجمعون" وفيما
يلي نص البن السراج في األصول يتضح فيه الدور الرئيسي للرتبة في بناء الجملة العربية
1
-ابن هشام األنصاري ،شرح شذور الذهب ،ت :حنا الفاخوري ،دار الجيل ،بيروت ،لبنان ،ط1988 ،1
ص. 658
2
-ابن السراج ،األصول في النحو ،ج ،1ص.13
31
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
التي تحتوي على التوكيد المعنوي بأشكاله بقوله" :فأما ما يؤكد به" أجمعون" من قولك:
"جاءني قومك أجمعون أكتعون" ونحوه فإنما هو مبالغة ،وال يجوز أن يكون أكتعون قبل
"أجمعين" وكذلك سائر هذه التوكيدات نحو قولك " :ويلة وعولة "و"هو جائع نائع "و"عطشان
ِّ
المؤكد وكالهما نطشان "و"حسن بسن "و"قبيح شقيح "وما أشبه هذا إال يكون المؤكد قبل
وكلتاهما وكلهن يجرين مجرى" كلمهم" " ،1واذا أريد تقوية التوكيد يؤتى بعد كلمة "كل"
بكلمة"أجمع" وبعد كلمة"كلها" بكلمة "جمعاء" وبعد كلمة "كلهم" بكلمة "أجمعين" وبعد كلمة
2
"كلهن " بكلمة"جمع"".
ومن خالل تتبع فكرة التزام الترتيب األصلي في توظيف هذا أسلوب يتضح أن
المقصود منها ما عرف عند النحاة في باب التوكيد مع التوابع ،وهذا ما أكده الكفوي في
كلياته بنصه على أن "وجوب تأخير التأكيد إنما هو في التأكيدات االصطالحية ال اللغوية" .3
وهذا دليل على تفطنه إلى الفرق بين تصنيف النحاة لما يسمى بالتوكيد ،وبين حديثهم عن
فكرة التوكيد في أبواب متعددة وأشكال متنوعة .
/ 3التضام :من شروط استخدام األسلوب أيضا أنه ال يمكن توكيد الضمير المتصل
بإعادته وحده منفصال ،وانما ينبغي إعادة ما اتصل به معه ،كذلك نجد ألفاظ التوكيد
المعنوي قد ال ترد منفردة في التوكيد ،بل يجب أن تتصل بها بعض العناصر اللغوية التي
"مررت بقوم َك إما بعضهم
ُ حددها النحاة وذلك حين يقولون مثال إنه ال يجوز أن تقول ":
واما أجمعين واما كلهم" ألن "أجمعين" ال تنفرد ،ولكن تقول ":إما بهم كلهم" و إما " بهم
4
أجمعين" ،فإن قلت " :مررت بقومك إما كلهم واما بعضهم" جاز على قبح ".
1
-ابن السراج ،األصول في النحو ،ج ،1ص .13
2
-مصطفى الغالييني ،جامع الدروس العربية ،ص .136
3
-ابن السراج ،األصول في النحو،ج ،1ص .13
4
-المرجع نفسه ،ص . 13
30
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
/4الربط :إن وجود الضمير في ألفاظ التوكيد المعنوي ،لهو العنصر اللفظي الرابط بين
نفس
الولد ُ
جاء ُ ِّ
المؤكد والمؤكد ،مما يعني انعدام الرابط المعنوي بينهما ،ولذلك ال نقولَ " :
نفسه"
الولد ُ
الطلبة كل" ،وانما يقال في مثل هذا " :جاء ُ
َ جاء
عين "وال " َ
البنت ُ
ُ "وال" جاءت
جاء الرجا ُل كلهم" ،أي أن ذكر الضمير الذي هو الرابط بين المؤكد
نفسها" و" َ
البنت ُ
ُ و"جاءت
والمؤكد واجب لفهم المعنى فهما صحيحا.
/5العالمة اإلعرابية :إن للعالمة اإلعرابية دو ار أساسيا في تحديد العالقات الوظيفية داخل
المال لك
َ التراكيب العربية عموما ،ومن ذلك ما تؤديه عناصر التوكيد في مثل قولنا :و"إن
أجمع أكتع" ترفع إذا أردت أن تؤكد ما في" لك" واذا أردت أن تؤكد المال بعينه نصبت
وكذلك" :مررت بدارك جمعاء كتعاء" أو"مررت بنسائك جمع كتع" " ، 1وذلك أن اسم إن
"المسند إليه" منصوب فإذا أردنا توكيده نصبنا لفظ التوكيد بعده"أجمع" ،واذا أردنا توكيد
الخبر" المسند" الذي حقه الرفع رفعنا لفظ التوكيد يتحقيق شرط المطايقة ،و" "أجمعون" وما
تصرف منها " وكل إذا كانت مضافة إلى الضمير وجميعهن يجرين على كل مضمر إال
أجمعين ال تكون إال تابعة ال تقول " :رأيت أجمعين" وال "مررت بأجمعين" ال يجوز أن يلي
جارا ،فلما قويت في اإلتباع تمكنت فيه وصلح ذلك في "كل" ألنها في
ناصبا وال ً
ً افعا وال
رً
مررت ب ُكم أجمعين"
معنى" أجمعين" في العموم ذلك قولك" :إن قومك جاءوني أجمعون" و" ُ
فمعناها العموم وذلك مخالف لمعنى "نفسه" و"أنفسهم" ألن "أنفسهم" وأخواتها تثبت بعد الشك
ومررت بهم جميعهم وتقول" :مررت
ُ فإذا قلت" :مررت بهم كلِّهم" فهو بمنزلة " أجمعين"
بدارك كلها" وال تقول" :مررت بزيد كله" " .2
1
-ابن السراج ،األصول في النحو ،ج ،1ص .11
2
-المرجع نفسه ،ص .11
31
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
33
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
والبيت الثاني من أبيات مغنى اللبيب على أن فيه اعتراض بين المبتدأ والخبر" .1
/1بين جزئي صلة موصول ،كقوله:
لعلي وان شطت نواها أزروها" .2 " والني لرام نظرة قبل التي
َ َ ه َْ ًَ َ َ َ َ َ هُ َ ْ َ ُ َ ُ َد ُ َ ُ ه
نل قالوا إِن َما /3بين شرط وجزاء :نحو قوله تعالىِ﴿ :إَوذا بدنلا آ َية مَكن آ َي ٍّة واَّلل أعلم بِما ي ِ
ه َ ه َُ ُ
ود َها انله ُ َ َْ ُ َ هُ َ ْ َ َْ ُ َْ َ ُ َْ
اس ت ﴾ ،3وقوله تعالى﴿ :فإِن ل ْم تف َعلوا َول ْن تف َعلوا فاتقوا انلار ال ِِت وق أنت مف ٍّ
َ َ ُ 4
ْ
َواْلِجارة﴾
َ ه ََ ََ ُْ
س ُم ب ِ َم َواق ِ ِع انلُّ ُجو ِم (ِ )71إَون ُه لق َسم ل ْو /6بين القسم و جوابه :نحو قوله تعالى﴿" :فل أق ِ
َ َ َْ ه ََ َ ه َُ َ َْ َ َ
تعل ُمون ع ِظيم ( )76إِن ُه لق ْرآ َن ك ِريم﴾ ،5هناك اعتراض في قولهِ﴿ :إَون ُه لق َسم ل ْو تعل ُمون
َعظيم﴾ ،بين القسم الذي هو قوله﴿ :فَ َل أُقْس ُم ب َم َواقع انلُّ ُجو ِم﴾ ،وجوابه الذي هو قوله﴿ :إنههُ
ِ ِ ِ ِِ ِ
َ َُ
لق ْرآ َن ك ِريم﴾ " .6
َ هُ ََ ُ ُّ َ َ ُ ََ ُْ
سم بِمواق ِ ِع انلجو ِم (ِ )71إَونه لقسم /5بين الموصوف وصفته :نحو قوله تعالى﴿" :فل أق ِ
َ َ َْ َ َ
ل ْو تعل ُمون ع ِظيم﴾ .7هنا اعتراض بين الموصوف وهو "قسم" وصفته وهي "عظيم" ،8أي أن
1
-عبد القادر بن عمر البغدادي ،خزانة األدب ولب لباب لسان العرب ،ت :عبد السالم محمد هارون ،مكتبة
الخانجي ،القاهرة ،مصر ،ط ،1994، 3ج ،7ص. 141
2
-المرجع نفسه ،ص .141
3
-النحل ،آية .111
4
-البقرة ،آية .16
5
-الواقعة ،آية .74- 75- 76
6
-ينظر ،ابن عطية األندلسي ،المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ،ت :عبد السالم عبد الشافي محمد
دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان .ط ،1،1111ج ،5ص.151
7
-الواقعة ،آية .74- 75
8
-ينظر .ابن عطية األندلسي ،المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ،ج ،5ص .151
31
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
هذه اإل اردة وجمع فيه بين لفظي اإلثبات وأداة النفي التي هي "ما" ".2
وفيما يلي عرض ألهم حروف الزيادة التي تؤدي معنى التوكيد المحصورة في" :إن
إذ ،إذا ،إلى ،أم ،الباء ،الفاء ،في ،الالم ،ال ،ما ،من ،الواو" ،نذكر منها على سبيل المثال
ال الحصر:
ب / 1-الباء" :إن أهم معنى لهذه األداة -التي تقتضي في االسم الذي بعدها الجر كحركة
"مررت به" يعني أن مروري كان
ُ إعرابية له -كما هو مشهور هو اإللصاق مثل قولك:
مالصقا له ،غير أن هناك استعماالت أخرى ال يمكن فهمها بهذا المعنى تدخل في إطار
تعدد المعنى الوظيفي لها من بينها الباء التي قال عنها النحاة إنها زائدة في الخبر في نحو
قولك" :ما زيد بمنطلق" إنما يصح على لغة أهل الحجاز ألنك ال تقول" :زيد بمنطلق" .3
وهي التي ترد بعد النفي ،وهناك من النحاة من أجاز زيادتها بعد اإليجاب أيضا
ومن هؤالء األخفش كما ذكر الزمخشري وذلك في قوله" :وزيادة الباء لتأكيد النفي واإليجاب
في نحو" :ما زيد بقائم" وقالوا" :بحسبك درهم" وكفى باهلل" " ،4والمالحظ أن ال أريين يتفقان
في كون ما جاء به القائلون بزيادة الباء في اإليجاب ،إنما مرده في نهاية األمر أن فيه
معنى النفي"أي النفي الضمني" وليس النفي المعروف نحويا بأدواته المخصوصة ،فقولنا
"كفى باهلل" و"بحسبك" تحمل هذه الداللة ،أي داللة النفي.
1
-آل عمران ،اآلية . 159
2
-الزركشي ،البرهان في علوم القرآن،ج ،3ص . 68
3
-الزمخشري ،المفصل في علم العربية ،ص.111
4
-المرجع نفسه ،ص . 313
36
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
ب /2-الالم" :وهي الم منصوبة تدخل على االسم الذي تدخل عليه "إن" إذا كان بينها وبين
2 ارة ِ ل َ َما َي َت َف هج ُر مِنْ ُه ْاْلَنْ َه ُ
ار ﴾ ،1وهو مثل" :إن في الدار لزيد" "
َ ْ
اْل ِ َج َ "إن" حشو نحو﴿ :مِن
وقد اشتهرت أكثر بالدخول على خبر"إ ن" ،وتصرف "إن" إلى االبتداء تقول" :أشهد إنه
لظريف" و "إ ن ز ًيدا لقائم".
ب /3-من :وهي تزاد عند سيبويه في النفي خاصة لتأكيده وعمومه ،وذلك " نحو قوله
َ ْ ََ َ اءنَا م ِْن ب َ
تعالىَ ﴿ :ما َج َ
ير﴾ .3واالستفهام كالنفي قال اهلل تعالى﴿ :هل م ِْن ٍّ ذ
ِ ن َلو ري
ٍّ ش
ِ
َ ُْ ه َ َ ْ َ
ري اَّلل ِ﴾. 6 " 5يد﴾" ،4وقال تعالى ﴿ :هل م ِْن خال ِ ٍّق غ م ِز ٍّ
ب /4-ما " :تعددت المعاني الوظيفية لهذا الحرف وكل معنى يمكن أن يتحدد من خالل
السياق التي ومن معانيها التي تنصرف إليها هي أن تكون زائدة للتوكيد ،فتجيء "إن" مثال
ك ْم م دَِن ُه ًدى َف َم ْن تَبعَ َ ه َ ْ َه ُ
ِ ِ مع زيادة "ما" في آخرها للتأكيد نحو قوله عز من قائل﴿ فإِما يأتِين
َ ُ َْ ُ َ َ َ ُ َ َ ََ َ
اي فل خ ْوف عليْ ِه ْم َوَل ه ْم َي َزنون﴾ .8 " 7 هد
َه ب / 5-ال" :وتطلق الزيادة على "ال" في نحو قوله تعالىِ﴿ :لَ هل َيعْلَ َم أَ ْه ُل الْك َ
اب أَل ِ ِ ت ِ
َ ْ ُ َ ََ
لَع َ ْ
َشء﴾" ،9ألنها ال تفيد النفي فيما دخلت عليه ،وال يستقيم المعنى إال على يق ِدرون
1
-البقرة ،آية . 76
2
-األخفش األوسط ،معاني القرآن ،ت :إبراهيم شمس الدين ،منشورات محمد علي بيضون ،دار الكتب العلمية
بيروت ،لبنان ،ط ،1111 ،1ص .85
3
-المائدة ،آية .19
4
-ق ،آية .31
5
-فاطر ،آية .3
6
-الزمخشري ،المفصل في علم العربية ،ص.313
7
-البقرة ،آية .38
8
-الزمخشري ،المفصل في علم العربية ،ص.311
9
-الحديد ،آية .19
37
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
َه
إسقاطها ،و"ال" هذه المزيدة تفيد تأكيد النفي الذي يجيء من بعد في قوله تعالى﴿" :أَل
ْ
َيق ِد ُرون﴾،
وتؤذن به ،ومن حيث إفادتها هذا التأكيد تعد غير مزيدة ،وانما زيادتها من حيث لم تفد
النفي الصريح فيما دخلت عليه" .1
ومما ينبغي الوقوف عليه في هذا الصدد ما أكد عليه الجرجاني من أن هذه الحروف
ال تزاد للفظ بعدها ،إنما ينبغي القول بزيادتها إلى الجملة بأسرها " :إعلم أن من أصول هذا
الباب :أن من حق المحذوف أن المزيد أن ينسب إلى جملة الكالم ،ال إلى الكلمة المجاورة
له ،فأنت تقول إذا سئلت عن "واسأل القرية" وفي الكالم حذف ،واألصل :أهل القرية ،ثم
حذف األهل" .2
ج /القسم :
ارتبط مفهوم القسم مع تعدد أدواته أشكاله في اللغة العربية بمعنى التوكيد ،إلى حد
يمكن القول فيه إن القسم هو التوكيد والعكس غير صحيح ،أي التوكيد ليس بالضرورة قسم
ومن نصوص سيبويه في هذا" :واعلم أن القسم توكيد لكالمك ،فإذا حلفت على فعل غير
منفي لم يقع لزمته الالم ولزمت الالم النون الخفيفة أو الثقيلة في آخر الكلمة وذلك
قول ":واهلل ألفعلن" ". 3
وهناك حروف عديدة كثر استعمالها للداللة على القسم مثل ،التاء الواو والياء...إلخ
هذا وحدد النحاة جملة القسم انطالقا من خصوصية تركيبها مشابهة لها بجملة الشرط رغم
اختالف الجانب الداللي لهما يقول الزمخشري في تحديدها" :جملة فعلية أو اسمية تؤكد بها
جملة موجبة أو منفية نحو قولك :باهلل ،وأقسمت ،وآليت ،وعلم اهلل ،ويعلم اهلل ،ولعمرك
ولعمر أبيك ،ولعمر اهلل ،ويمين اهلل ،وأيمن اهلل ،و أيم اهلل ،وأمانة اهلل ،وعلي عهد اهلل ألفعلن
1
-عبد القاهر الجرجاني ،أسرار البالغة ،ص .195
- 2عبد القاهر الجرجاني ،أسرار البالغة ،ص.195
3
-سي بويه ،الكتاب ،ت :عبد السالم محمد هارون ،دار الجيل ،بيروت ،لبنان ،ط ،1دس ،ج ،3ص .116
38
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
أو ال أفعل ،ومن شأن الجملتين أن تنزال منزلة جملة واحدة كجملتي الشرط والجزاء ،ويجوز
ِّ
المؤكد بها هي القسم ،والمؤكدة حذف الثانية ها هنا عند الداللة جواز ذلك ثمة .فالجملة
هي القسم عليها ،واالسم الذي يلصق به القسم ليعظم به ويفخم هو المقسم به" .1
د /االشتغال:
"االشتغال مصطلح نحوي له صلة وثيقة بنظرية العامل ،و يطلق على تركيب يتقدم فيه
اسم ،ويتأخر عنه فعل قد عمل فيه ضمير ذلك االسم أو سببيه – وهو المضاف إلى ضمير
االسم السابق – ومثال المشتغل بالضمير" :زيد ضربته "و "زيدا مررت به" ومثال المشتغل
بالسبي" :زيدا ضربت غالمه" .2
والغرض من جملة االشتغال هو التوكيد ،ولكنه توكيد قاصر على الفعل وحده وال يتعداه
إلى غيره مما سبقه أو تأخر عنه ،أي أنه خاص بالفعل ال غير ،ألنه أو أريد توكيد ما بعده
َ ْ َ َ ُ ُ ُ َ
توسف ِْلبِيه ِ يَا أبَ ِ جيء بما يحقق هذا الغرض وذلك في مثل قوله عز من قائل ﴿:إِذ قال ي
َ د ََ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ ً َ ه
الش ْم َس َوال ْ َق َم َر َرأيْ ُت ُه ْم ِل َساج ِد َ
ين ﴾.3 إ ِ ِّن رأيت أحد عَش كوكبا و
ِ ِ
ه /باب التمييز وفكرة التحويل:
من المعلوم أن التمييز من الوظائف النحوية التي تخضع لقواعد التحويل ،وال تعرف
عالقته األصلية إال بإعادة التركيب إلى األصل األول له ،وهو ما يفسر عدم ظهور العالقة
عند ذكر طرفي اإلسناد مثال في قولنا" :انشرح األب" لعدم خضوع هذه النسبة االسنادية
صدر" يفسر هذه العالقة ويظهر العالقة
لقانون التوارد المعجمي ولكن إضافة التمييز " ا
األصلية المتمثلة في جملة "انشرح صدر األب" وما سنركز عليه في هذا المقام الفرق
المعنوي بين التركيبين ،األصلي" :انشرح صدر األب" والمحول" :انشرح األب صد ار" مع
إخضاعه للقانون الوظيفي للغة ألن "كل تغيير في المبنى يؤدي إلى التغيير في المعنى" ،فقد
1
-الزمخشري ،المفصل في علم العربية ،ص . 366
2
-ابن عقيل ،شرح ابن عقيل ،ج ،1ص .119
3
-يوسف ،آية .6
39
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
لجأ المتكلم في هذه الجملة إلى تغيير العالقات التركيبية بين العناصر طلبا لمعنى مختلفا
متمثال في التوكيد وهو ما شرحه الزمخشري بقوله "واعلم أن هذه المميزات عن آخرها أشياء
مزالة عن أصلها أال تراها إذا رجعت إلى المعنى متصفة بما هي منتصبة عنه ومنادية على
يت رطل"و"سمن منوان"و"دراهم عشرون" و"عسل ملء اإلناء" و"زبد مثل
أن األصل عندي "ز ُ
التمرة" و"سحاب موضع كف" وكذلك األصل وصف النفس بالطيب والعرق بالتصبب والشيب
شيب رأسي" ألن الفعل في
ُ اشتعل
َ باالشتعال ،وأن يقال" :طابت نف ُسه" و"تصبب عرقه" و"
الحقيقة وصف في الفاعل والسبب في هذه إلزالة قصدهم إلى ضرب من المبالغة والتأكيد" .1
و -التأكيد بالجملة االسمية :
إذا كانت الجملة لمجرد اإلخبار وبالمقابل تعد الجملة االسمية شكال من أشكال التوكيد
"لما تفيده من ثبوت الحكم أو الوصف ،فإن ذلك جعل علماء اللغة يقولون إن اسمية الجملة
2
كما تكون في اإلثبات لتأكيد اإلثبات ،فكذا في النفي يكون لتأكيد النفي ال نفي التأكيد"
ز -ضمير الفصل:
ويعرف بأنه ضمير يتوسط بين المبتدأ وخبره قبل دخول العوامل اللفظية عليهما وبعده
إذا كان الخبر معرفة أو مضارًعا له في امتناع دخول حرف التعريف عليه ك ــ"افعل من كذا"
أحد الضمائر المنفصلة المرفوعة ،ليؤذن من أول أمره بأنه خبر ال نعت ،وليفيد ض ًربا من
عمادا ،وذلك في قولك" :زيد هو ً التوكيد ويسميه البصريون فصال ،في حين يسميه والكوفيون
ك﴾ 3 ِ ِ المنطلق" و"زيد هو أفضل من عمرو" ،وقال تعالى ﴿:إ ِ ْن َ َن َه َذا ُه َو ْ َ
اْل هق م ِْن عنْد َ
فالنحاة عند تعرضهم له يركزون على نقطتين أساسيتين هما :فصله بين الخبر والنعت ،وأن
الخبر معرفة أو ما قا اربها من النكرات.
1
-الزمخشري ،المفصل في علم العربية ،ص .47- 44
2
-الكفوي ،الكليات ،ص.1155
33
-األنفال ،آية .31
11
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
1
-عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،ص .83
10
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
وعمر" لم يخرجا
ًا عمر زيد" ،معلوم أن "منطلق
وضرب ً ا
َ الفاعل ،كقولك" :منطلق زيد"" ،
فوعا بذلك ،وكون ذلك مفعوال ومنصوبا
بالتقديم عما كانا عليه من كون هذا خبر مبتدأ ومر ً
من أجله ،كما يكون إذا أخرت" ،1وهذا القسم هو "ما له صلة بأسلوب التوكيد فغالبا ما يلجأ
المتكلم إلى استخدام التقديم في كالمه طلبا للتخصيص والتوكيد" ،2ونمثل له بقولنا" ":ز ًيدا
عرفتُه "التي تعد تأكيدا إن قدر الفعل المحذوف"المفسر" بالفعل المذكور"قبل المنصوب"
فت ز ًيدا عرفتُه" واال فتخصيص" ،أي ز ًيدا عرفت عرفته" ،والرجوع في التعيين إلى
أي ":عر ُ
القرائن وعند قيام القرينة على أنه للتخصيص يكون آكد من قولنا" :زيدا عرفت" لما فيه من
التك ارر" .3
ويذهب الجرجاني إلى "أن الفعل المنفي يقتضي ما اقتضاه في المثبت وذلك "أنك
تحسن
ُ تحسن هذا" ،كان أشد لنفي إحسان ذلك الشيء عنه من قولك" :ال
ُ "أنت ال
إذاقلتَ :
هذا" مدلِّال على ذلك بأن الوجه األول يكون في الكالم مع من هو أشد إعجابا بنفسه
وأعرض دعوى في أنه يحسن ذلك الشيء ،فتقابله بهذا الضرب الذي هو أشد للنفي وَأوكد
َ ه َ ُ ْ َد ْ َ ُْ ُ َ
َشكون﴾ ،4إذا أفاد تقديم له .مثل هذا المعنى نجده في قوله تعالى﴿ :و ِ
اَّلين هم بِربِهِم َل ي ِ
المسند إليه من التأكيد في نفي اإلشراك عنه ما ال يفيده لو قيل" :والذين ال يشركون بربهم
أو بربهم ال يشركون" .5
1
-عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،ص .86- 83
2
-المرجع نفسه ،ص .116
3
-سعد الدين التفتازاني ،مختصر السعد ( شرح كتاب مفتاح العلوم ) ،ت :عبد الحميد الهنداوي ،المكتبة
العصرية ،بيروت ،لبنان ،ط ،1113 ،1ص .154
4
-المؤمنون ،آية .59
5
-عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،ص .114
11
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
فِيه ِ" في اآلية وزان "نفسه" في قولك" :جاءني الخليفة نفسه" ،فإنه لما بولغ في وصف الكتاب
َ َ
ببلوغه الدرجة القصوى من الكمال ،يجعل المبتدأ "ذل ِك" الدال على العظمة وعلو الدرجة
وبتعريف الخبر بآداة التعريف الدالة على االنحصار حتى صار المعنى أنه وحده الكتاب
الكامل ،وأن ما عداه من الكتب ناقص ،بل ليس بكتاب أصال ،جاز أن يظن السامع
1
-عبد الرحمن حبنكة الميداني ،البالغة العربية( ،أسسها وعلومها وفنونها( ،ص .557
2
-الخطيب القزويني ،التلخيص في علوم البالغة ،ض ،ش :عبد الرحم ان البرقوقي ،دار الفكر العربي القاهرة
ط ،1916 ،1ص .181
3
-البقرة ،آية .11
13
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
َ أو القارئ أن جملة " َذل َِك الْكِ َت ُ
اب" ،مما يرمي به غير جزافا من غير تحقيق ،فاتبعها " َل
َري ْ َ
ب فِيه ِ" نفيا لذلك ،اتباع "الخليفة" "نفسه" إزالة لما عسى أن يتوهم السامع أنك في قولك:
ال يدرك كنهها حتى كأنه هداية محضى ،وهذا معنى ذلك الكتاب ألن معناه الكتاب الكامل
والمراد بكماله في الهداية ،ألن الكتب السماوية بحسبها تتفاوت في درجات الكمال" .3
ج /اإلطناب و التكرير و التطويل:
"االطناب هو آداء المقصود بأكثر من العبارة المتعارفة ،وأن يخبر المطلوب بمعنى
المعشوق بكالم طويل ،ألن كثرة الكالم عند المطلوب مقصودة؛ فإن كثرة الكالم توجب كثرة
النظر ،وقيل":اإلطناب أن يكون اللفظ زائد على أصل المراد 4".وهو"إما باإليضاح بعد
اإليهام ليرى المعنى إذا ألقي على سبيل اإلجمال واإلبهام ،تشوقت نفس السامع إلى معرفته
على سبيل التفصيل واإليضاح فتتوجه إلى ما يرد بعد ذلك ،فإذا أل قي كذلك تمكن فيها فضل
تمكن وكان شعورها به أتم". 5
أم ا التكرير فهو إيراد المعنى مرددا أي إعادة ذكر لفظ سبق ذكره و منه ما يأتي لفائدة
ومنه ما يأتي لغير فائدة ،فأما الذي يأتي لفائدة فإنه جزء من اإلطناب وهو أخص منه فيقال
حينئذ إن كل تكرير يأتي لفائدة هو إطناب ،والعكس غير صحيح ،وأما الذي يأتي من
1
-عبده عبد العزيز قليقلة ،البالغة االصطالحية ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،ط ،1991 ،3ص.151
2
-البقرة ،آية .11
- 3الخطيب القزويني ،التلخيص في علوم البالغة ،ص.181
4
-عبد القاهر الجرجاني ،التعريفات ،ص .64
5
-الخطيب القزويني ،اإليضاح في علوم البالغة ،ت :عماد البسيوني زغلول ،مؤسسة الكتب الثقافية ،بيروت
لبنان ،ط ،3دس ،ص .113
11
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
التوكيد لغير فائدة فإنه جزء من التطويل ،وهو أخص منه فيقال حينئذ" :أن كل تكرير يأتي
لغير لفائدة تطويل وليس كل تطويل تكرير يأتي لغير فائدة " ،1ومثال التكرير قولك لمن
تستدعيه" :أسرع أسرع" فإن المعنى مردد واللفظ واحد .ومن األمثلة التي تتردد في كتب
َ ُ َه َ َ َْ َ َه
البالغة والتفسير للتكرير في القرآن الكريم قوله تعالىّ ﴿ :لَك َس ْوف تعل ُمون ( )3ث هم ّلَك َس ْوف
َ َْ َ
تعل ُمون﴾ ،2ويفهم من تكريره أنه ردع للردع واإلنذار.
د -القصر والحصر:
"القصر مصطلح بالغي يقصد به تخصيص شيء بشيء وحصره فيه ويسمى األمر
األول مقصو ار عليه ،كقولن ا في القصر بين المبتدأ والخبر "إنما زيد قائم " وبين الفعل والفاعل
نحو " :ما ضربت إال زيدا" والقصر الحقيقي تخصيص شيء بشيء بحسب الحقيقة وفي نفس
األمر بأن ال يتجاوز إلى غيره أصال والقصر اإلضافي هو اإلضافة إلى شيء آخر باال
يتجاوزه إلى ذلك الشيء ،وان أمكن أن ،يجاوزه إلى شيء آخر في الجملة" .3
وداللة القصر على التوكيد هو ما يخصنا في هذا البحث شرحها البالغيون انطالقا من
قصر الصفة على الموصوف أو قصر الخبر على المخبر عنه ودفع توهم مشاركة غيره له
في هذه الصفة ،وجاء في مفتاح العلوم شرح معنى القصر في الصفة عند السكاكي:
"وحاصل معنى القصر راجع إلى تخصيص الموصوف عند السامع بوصف دون ثان
شاعر ومنجمصا أو كقولك" :زيد قائم ال قاعد" لمن
ًا كقولك" :زيد شاعر ال منجم" لمن يعتقده
يتوهم على أحد الوصفين من غير ترجيح ،ويسمى هذا القصر إفرادا ،بمعنى أنه يزيل شركة
1
-أحمد مطلوب ،معجم المصطلحات البالغية وتطورها ،مكتبة لبنان ناشرون ،بيروت ،لبنان ،ط1993 ،1
ص.611
2
-التكاثر ،آية .6- 3
3
-عبد القاهر الجرجاني ،التعريفات ،ص.115
11
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
منجما بل شاعر"
ً الثاني أو بوصف مكان آخر كقولك لمن يعتقد منجما ال شاعر" :ما زيد
أو"زيد شاعر ال منجم " ويسمى هذا قصر قلب بمعنى أن المتكلم يقلب فيه حكم السامع" .1
ويذهب ابن جني إلى إطالق مصطلح التوكيد والتثبيت لالسم أو الخبر الواقع بعد ذلك
أن "بعد "إال" بدل المصطلح المتعارف عليه "أي االختصاص أو القصر" "،ذلك أن "إال" إذا
باشرت شيئا بعدها فإنما جيء بها لتثبيته وتوكيد معناه ،وذلك قولك" :ما كان زيد إال قائم"
فهناك قيام ال محالة ،فإنما أنت ناف أن يكون صاحبه غير زيد" ،2وذلك ال لشيء إال" ألن
القصر ال يعدو أن يكون تأكيدا للكالم والمبالغة في توضيح األحكام وتثبيتها في األذهان" .3
وهذا األمر الذي ذهب إليه سي بويه عند تعرضه لتفسير القصر الذي يستفاد من العطف
بـ ــ"إال" في العلم فيهما.
ه -االعتراض:
األصل في بناء الكالم أن يؤتى في بعض األجزاء التي ال يمكن فهم بعضها إال بذكر
اآلخر ،كأن يكون العنصران متالزمان وظيفيا مثل :الصفة والموصوف ،والفعل والفاعل
وغيرها أو متالزمان معنويا ووظيفيا معا كالشرط وجوابه ،والقسم وجوابه ،ولكن قد يط أر على
نظام التالزم طارئ يوجب الفصل بين هاذين العنصرين لعنصر آخر لغرض يريده المخاطب
وغالبا ما يكون التوكيد والتحقيق لكالمه قد اصطلح على ما يأتي بين المتالزمين باالعتراض
وهو ما حدده البالغيون بقولهم :هو" أن يؤتى في أثناء الكالم أو بين كالمين متصلين معنى
بجملة أو أكثر ال محل لها من األعراب بنكتة سوى ما ذكر في تعريف التكميل" ،4ومع تعدد
المعاني البالغية التي يأتي من أجلها االعتراض ،فإن أهم هذه المعاني التي هي محور
1
-السكاكي ،مفتاح العلوم ،ص .611
2
-ابن جني ،المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات و االيضاح عنها ،ت :محمد عبد القادر عطا ،دار الكتب
العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط ،1998 ،1ج ،1ص .159- 158
3
-إبراهيم أنيس ،أسرار العربية ،مكتبة األنجلو المصرية ،القاهرة ،مصر ط ،1985 ،7ص.151
4
-الخطيب القزويني ،اإليضاح في علوم البالغة ،ص .118
16
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
القرآن الكريم مثل قوله بحثنا هذا وهي التوكيد الذي يسوق له البالغيون عدة أمثلة من
ْ ُ َ َْ َ َ َ ه ْ َ ْ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ ُ ُّ ُ َ ْ ً َ َ
لَع َو ْهن َوف ِ َص ُ ُ
ي أ ِن اشك ْر ِِل
ِِف َعم ِ
اُل ٍّ اليه ِ ْحلته أمه وهنا تعالى﴿ :ووصينا ِ
اْلنسان بِو ِ
َ َ َ َ
اليْك﴾ " ،1إذا خصص االعتراض في هذه اآلية أحد المذكورين بزيادة التأكيد في أمر ول ِو ِ
إثبات شيء من العيب بالمحال والمعلق بالمحال فعدم العيب ثابت و هو ضربان" .4
أحدهما" :وهو أفضلهما أن يستثني من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها
فيها ،كقول النابغة الذبياني:
5
بهن فلول من قراع الكتائب" وال عيب فيهم غير أن سيوافيهم
"أي إن كان فلول السيف من القراع ،الكتائب من قبيل العيب فالثابت شيء من العيب
على تقدير أن فلول السيف منه وذلك محال ،فهو في المعنى تعليق بالمحال ،والتأكيد فيه
من الوجهين:
أحدهما :أنه كدعوى الشيء ببينة ،والثاني :أن األصل في االستثناء أن يكون متصال فإذا
نطق المتكلم بــ"إال" أو نحوها توهم السامع قبل أن ينطق بما بعدها أن ما يأتي بعدها مخرج
1
-لقمان ،آية .16
2
-الخطيب القزويني ،اإليضاح في العلوم البالغية ،ص .119
3
- -أحمد مطلوب ،معجم المصطلحات البالغية وتطورها ،ص .161
4
-سعد الدين التفتازاني ،المطول (شرح تلخيص المفتاح) ،ت :عبد الهنداوي ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط1
،1117ص.476- 473
5
-الحموي ،خزانة األدب وغاية األرب ،ت :عصام شعيتو ،دار ومكتبة الهالل ،بيروت ،لبنان ،ط1987 ،1
ج ،1ص .166
17
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
مما ق بلها فيكون الشيء من صفة الذم ثابتا وهذا ذم ،فإذا أتت بعدها صفة المدح تأكيد المدح
لكونه مدحا على المدح وان كان فيه نوع من الخالبة" .1
والثاني " :أن يثبت لشيء صفة المدح ويعقب بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى كقول النبي
– صلى اهلل عليه وسلم – " :أنا أفصح العرب بيدا أني من قريش" " 2وأيضا قوله
ه َْ َ َْ َ َْ َ ُ َ
َ َ ً َ َ ً 3 ً
يها لْ ًوا َوَل تأثِيما ( )11إَِل قِيل سلما سلما﴾ .
ً ون ف ِ َ عز من قائلَ ﴿ :ل يسمع
1
-الخطيب القزويني ،اإليضاح في العلوم البالغية ،ص.119
2
-الجززي ،النهاية في غريب األثر ،ت :طاهر أجمد زاوي ومحمود محمد الطناحي ،المكتبة العصرية ،بيروت
لبنان ،دط ،ج ،1ص .171
3
-الواقعة ،آية .14- 15
4
-سعد الدين التفتزاني ،المطول ،ص .474
5
-عبد القاهر الجرجاني ،التعريفات ،ص .71
6
-الحموي ،خزانة األدب وغاية األرب ،ج ،9ص .54
7
-اإلنسان ،آية .18
8
-عبد القاهرالجرجاني ،التعريفات ،ص .71
18
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
كلمة التي طرحت من الكالم النقص حسن معناه أو المبالغة مع لفظه يوهم بأنه تام ومجيئه
على وجهين :للمبالغة واالحتياط ،ويجيء في المقاطع كما يجيء في الحشو" .1
ط /التذييل :
"هو أن يذيل الناظم أو الناثر كالما بعد تمامه وحسن السكوت عليه بجملة تتحقق ما
قبلها من الكالم ،وتزيده توكيدا" ،2وهو قسمان:
اء ْ َ
اْل ُّق " قسم يجري مجرى المثل الستقالله بمعناه وشيوع استعماله كقوله سبحانه َ ﴿ :وقُ ْل َج َ
َ ْ ُ ه ْ َ َ َ ُ ً
َو َزه َق اْلَا ِطل ۚ إِن اْلَا ِطل ن َزهوقا﴾ ،3تذييل جار مجرى المثل ،وقد جيء به تأكيدا لمفهوم
يجري مجرى المثل ،ألنه يعتمد في داللته على ما قبله ،ومعناه على هذا وهل يجازى ذلك
الجزاء في أحد رأيين" .6
1
-الحموي ،خزانة األدب و غاية األرب،ج ،9ص .54
2
-الحموي ،خزانة األدب و غاية األرب،ج ،9ص .649
3
-االسراء ،آية .81
4
-عيسى علي العاكوب ،وعلي سعد الشتيوي ،الكافي في علوم البالغة العربية ،دار الهناء ،طباعة أوسفلد
دط ،ص . 338
5
-سبأ ،آية .17
6
-عيسى العاكوب ،على سعد الدين الشتوي ،المافي في علوم البالغة العربية ،ص .339- 338
19
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول
1
-عبد الواحد حسن الشيخ ،البديع والتوازي ،مكتبة اإل شعاع ،القاهرة ،مصر ،ط ،1999 1ص .51
2
-إبن منظور ،لسان العرب ،ج ،1مادة (جوز) ،ص .314
3
-ابن جني ،الخصائص ،ج ،1ص .651
4
-ابن جني ،الخصائص ،ج ،1ص.667
5
-يوسف ،آية .81
11
التوكيد في الجملة العربية الفصل األول :
الجمادات والجبال أنبأته بصحة قولهم ،وهذا تناه في تصحيح الخبر ،أي لو سألتها ألنطقها
اهلل بصدقنا فكيف سألت من عادته الجواب" .1
ويعد هذا العرض السريع للمباحث التي خص النحاة والبالغيون أسلوب التوكيد بما
يتالءم طبيعة الدرس البالغي وأهدافه تجدر اإلشارة ،إلى أن الدرس العربي الحديث قد
استفاد كثي ار مما تركه هؤالء.
1
-ابن جني ،الخصائص ،ج ،1ص .649
10
الفصل اثلاين داللة اتلوكيد يف القرآن الكريم من خالل نماذج
المبحث ّ
األول مقاصد اتلّوكيد ضمن انلّص القرآين
لنفسه وأثبتها له رسوله من غير تعطيل وّل تمثيل وّل تشبيه" 1وعن أسلوب التوكيد في إثبات
وحدانية اهلل في هذه اآلية هو التكرار المفيد ،والغرض منه تأكيد األمر وتفخيمه وتعظيمه
ألن الغرض منها مختلف َّ َ
يكرر المعنى الواحد لغرضين مختلفين ،فكرر لفظة "إِياك" ّ كأن ّ
فاألولى تفيد إضافة العبادة إلى اهلل ،والثانية إضافة اإلعانة منه ،وتكرار هذا اللفظ آكد و ّأدل
على ضراعة المؤمنين وصدقهم واخالصهم البليغ ،يراعى فيه أحوال العبارة باإلضافة
إلى المعنى ،وهذه الخصائص المتضمنة لمعاني الربوبية واأللوهية من أهم المقاصد التي
جاء القرآن لتحقيقها وترسيخها بأسلوب التوكيد في العقول والقلوب ،من تقرير العقيدة
اإلسالمية عند المؤمنين ،باعتبار أسلوب التوكيد من آليات اإلقناع.
ح ٌد فَإيَّ َ
اي خ ُذوا إل َ َه ْي اثْنَ ْ َّ َ ُ َ َ ٌ َ كما قال سبحانه عز وجلَ ﴿ :وقَ َال َّ ُ َ َ َّ
ي إِنما هو إَِل وا ِ ِ ِ ِ ِ اَّلل َل تت ِ
َ َْ
اره ُبو ِن﴾ " ،2يأمر تعالى بعبادته وحده ّل شريك له ،ويستدل على ذلك بانفراده با ّلنعم ف
- 1عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تفي سر كالم المنان ،ت :عبد الرحمن بن ُمعالَّ اللويحق دار
إبن حازم للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت ،لبنان ،ط ،3552 ،1ص .30
- 2النحل ،آية . 01
-عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تفيسر كالم المنان ،ص714 3
35
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
ح ُ
يم﴾ " ،1يخبر تعالى الر ِ ح ٌد ََل إ َ ََل إ ََّل ُه َو َّ
الر ْ َ
ْح ُن َّ ِ اوك ْم إ َ ٌَل َ
َُ ُ
وقال في سورة البقرةِ﴿ :إَوله
ِ ِ ِ
ـ ـ وهو أصدق القائلين ـ ـ ّأنه متوحِّد منفرد في ذاته وأسمائه ،وصفاته ،وأفعاله فليس له شريك
مدبر غيره ،فإذا كان ذلك
كفؤ ،وّل مثل وّل نظيرّ ،ل خالق وّل ّ
سمي له وّل ٌ
ّ في ذاته ،وّل
ألنه
ويعب ُد بجميع أنواع العبادة ،وّل يشرك به أحد من خلقه ّ
َ ألنه يؤله
فهو المستحق ّ
وعمت كل
بالرحمة العظيمة التي ّل يماثلها رحمة أحد فقد وسعت كل شيء ّ
المتصف ّ
الناس ،وقد أعربت جملة التوحيد خبر ثان للمبتدأ "إلهكم"
حي" ،وهذا الخطاب عام لكافة ّ
2
ّ
أو صفة أخرى للخبر "إله واحد" وهي مقررة ِّ
مؤكدة للوحدانية بأسلوب القصر الذي يعتبر
ُلوهية ،وهي أهم
تأكيد فوق تأكيد إذ يتصاعد األسلوب فيه من إثبات الوحدانية إلى إثبات األ ّ
مقصد إسالمي جاء به كتاب اهلل عز وجل ليخرج الناّس من الظلمات إلى النور ،وهذا كلّه
بالنسق والمقام ومقدار اإلحساس. محكوم ّ
ْ َ َّ َ َ
لَع َما َر َز َق ُه ْم مِنْ ُ َ ُ ل ُ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ ا َ ْ ُ
ك أم ٍة جعلنا منسًك ِِلذكروا اسم اَّلل ِ وجاء في سورة الحج﴿ :ول ِ ِ
َ 3 َ َ ْ َ ْ َ َ َُ ُ ْ ٌَ َ ٌ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ ل ُْ ْ
أمة من األمم ّش المخبِتِي﴾ ،أي" :ولكل ّ حد فله أسلِموا وب ِ ِ ب ِهيمةِ اْلنعا ِم فإِلهكم إَِل وا ِ
السالفة جعلها منسكا ،أي :فاستبقوا إلى الخيرات وتسارعوا إليها ولننظر أيكم أحسن عمال
ّ
أمة منكسا إلقامة ذكره واّللتفات لشكره ،وان اختلفت أجناس
والحكمة في حمل اهلل لكل َّ
ألوهية ا هلل ،وانفراده بالعبودية وترك الشرك وانقادوا
ّ الشرائع فكلّها متفقة على هذا األصل وهو
فإن اإلسالم له طريق للوصول إلى دار السالم بخير الدنيا واآلخرة
واستسلموا له ّل لغيره ّ
والمخبت الخاضع لربَّه ،المستسلم ألمره ،المتواضع لعبادته ثم ذكر صفات المخبتين" ،4ذلك
بأسلوب التوكيد المعنوي لتوجيه خطاب خاص للمؤمنين ذلك لإليمان المطلق باهلل وحده
الذي يعتبر وتوحيد اهلل تعالى من أهم المقاصد التي جاء بها القرآن الكريم وهذا كلّه يزيد
من تقرير العقيدة اإلسالمية.
َ ُ َ َْ ُ َْ اموا َف َقالُوا َربُّ َنا َر ُّب َّ
وقال أيضا﴿ :إذْ قَ ُ
ات َواْل ْر ِ
ض ل ْن ندع َو م ِْن دونِه ِ إِل اها﴾ ،1 الس َم َ
او ِ ِ
"أي الذي خلقنا ورزقنا ودبَّرنا ورّبانا هو خالق السماوات واألرض المنفرد بخلق هذه
الرب اهلل ،الذي ّل تجوز العبادة
المخلوقات العظيمة ،أي إن دعونا آلهة ،بعدما علمنا ّأنه ّ
الصواب فجمعوا بين اإلقرار بتوحيد
إّل له ،أي ميال عظيما عن الحق وطريقا بعيدة عن ّ
الربوبية وتوحيد األلوهية واّللتزام بذلك ،وبيان ّأنه الحق ،وما سواه باطل ،وهذا دليل على
كمال معرفتهم بربهم ،وزيادة الهدى من اهلل لهم" ،2واعتمد التوكيد ب ــ"لن" التي تعتبر من
حروف الزيادة وذلك تأكيد وتشديد على إثبات وحدانية اهلل ،التي تعتبر من أهم المقاصد
ألنه يزيد من تقرير العقيدة اإلسالمية.
ّ التي جاء القرآن الكريم لتحقيقها بأسلوب التوكيد
ََ َ ُْ ْ َّ َ َ َّ ُ َ َ َ َّ
أنا فاعبد ِن﴾ " ،أي اهلل المستحق لأللوهية
3
وقال جل ثناؤه﴿:إِن ِِن أنا اَّلل َل إَِل إَِل
ألنه الكامل في أسمائه وصفاته المنفرد بأفعاله ،الذي ّل شريك له ،وّل مثيل
المتصف بهاّ ،
سمي" ،4وهذا بقصر صفة األلوهية على اهلل تعالى ،بمعنى نفي كل فرد
ّ وّل كفؤ ،وّل
من األلوهية ،ثم حصر ذلك المعنى فيه تبارك وتعالى حيث اعتمد أسلوب القصر الحقيقي
في إثبات األلوهية وهو من أهم المقاصد التي جاء القرآن لتحقيقها.
َ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ َّ
الش ْم َس َوال ْ َق َمرَ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َ َُْ ْ َ ْ َ َ
ات واْلرض وسخر كما قال كذلك﴿ :ولئِن سأْلهم من خلق السماو ِ
َ
َّ ُ َ َّ ُ ْ َ ُ َ 5 َِلَ ُقولُ َّ
األلوهية والعبادةّ بتوحيد بين ذ
ّ المك كين المشر على استدّلل "وهذا ﴾ ون ك فؤي نأ ف اَّلل ن
ماء فأحيا به األرض بعد موتها ،ومن بيده تدبير جميع األشياء؟ومن ّنزل من السماء ً
" َِلَ ُقولُ َّن َّ ُ
اَّلل " وحده وّلعترفوا بعجز األوثان ومن عبدوه مع اهلل ،عن شيء من ذلك" 1واثبات
وهذا إلثبات وحدانية اهلل التي جاء القرآن لتحقيقها ،وذلك يزيد في تقرير العقيدة اإلسالمية.
ْ َ ُّ َ َ ْ َ َّ َّ ُ َّ َّ َ َ َْ َّ َ َ َ
اَّلل ل ُه َو وقال في سورة آل عمران﴿:إِن هذا ل ُه َو الق َص ُص اْلق وما مِن إ ِ ٍَل إَِل اَّلل ِإَون
اْلق"ُّيم﴾ " ،6وأخبر تعالى "إ ِ َّن َه َذا " الذي قصَّه اهلل على عباده هو "ال ْ َق َص ُص ْ َ يز ْ َ
اْلكِ ُ ال ْ َعز ُ
ِ
وكل قصص يقص عليهم مما يخالفه ويناقضه فهو باطل( )...هو المألوه المعبود حقاالذي
- 1عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .656- 650
- 2الزمر ،آية .67
- 3عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .690
- 4اّلخالص ،آية .57
- 5عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تيسير كالم المنان،ص .794
- 6آل عمران ،آية .63
35
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
مخلوقاته ّل في ذاته وّل في أسمائه كلّها حسن صفاته صفة كمال وعظمته ،أفعاله تعالى
أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك فليس كمثله شيء ّلنفراده و توحده بالكمال
كمن كل وجه ،3 ".اعتمد الحرف زايد "الكاف" للتوكيد اللفظي في هذه اآلية الكريمةإلثبات
وحدانية اهلل سبحانه وتعالى وهذا لترسيخ العقيدة اإلسالمية التي جاء بها القرآن الكريم
بأسلوب التوكيد.
ُ ْ ُ َّ ُ َ
اَّلل أ َح ٌد﴾ ،4أي " " ُقل " قوّل جازما به معتمدا له عارفا بمعناه وقال أيضا﴿ :قل ه َو
َح ٌد "أي انحصرت فيه األحدية فهو األحد المنفرد بالكمال الذي له األسماء الحسن َّ
" ُه َو اللهُ أ َ
والصفات الكاملة العليا ،واألفعال المقدسة ،والذي ّل نظير له مثيل" ولتقرير وتأكيد وحدانية
اهلل استعمل ضمير الشأن للتأكيد على وحدانيته ج ّل في عاله لتحقيق أهم المقاصد جاء بها
مما يزيد في تقرير العقيدة في القلوب والعقول.
القرآن الكريم ّ
- 1عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص . 114
- 2الشورى ،آية .11
- 3عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تيسير كالم المنان ،ص.794
- 4اّلخالص ،آية.51
35
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
َّ َ َّ ُ َ
ح ٌد﴾ ،1أي "هو المنفرد باأللوهية الذي ّل تنبغي ّل تنبغي
َوا ِ اَّلل إ ِ ٌَل وقال﴿ :إِنما
بالوحدانية التي هي من أهم م قاصد الشريعة اإلسالمية التي جاء القرآن الكريم لغرسها في
النفوس.
َْ
يم ال ْ َعل ِ ُ
يم﴾" ،3ويخبر ك ُ ض إ ِ َ ٌَل َو ُه َو ْ َ
اْل ِ َو ِِف اْل ْر ِ
َ
الس َماءِ إ ِ ٌَل
َ ُ َ َّ
اَّلي ِف َّ
ِ ِ وقال أيضا﴿ :وهو
تعالى ّأنه وحده المأللوه المعبود في السماوات واألرض ،فأهل السماوات كلّهم ،والمؤمنون
من أهل األرض ،يعبدونه ويعظمونه ،ويخضعون لجالله ويفتقرون لكماله" ،4إثبات وحدانية
ألن بتكرار الجملة الثانية توكيد وزيادة في المعنى
اهلل بأسلوب تكرار الجملة بدون العطفّ ،
أن الجملة الثانية فهي تكرير لألولى وهذا لتقرير
وهذا لتقرير العقيدة اإلسالمية بحيث ّ
معناها في النفوس وتمكينها في القلوب.
َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ َْ ُ ا َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ْ
اع ُب ُدوا َّ َ
اَّلل َما لك ْم م ِْن إ ِ ٍَل وقال جل جالله﴿ :لقد أرسلنا نوحا إَِل قومِه ِ فقال يا قو ِم
َ َ ُْ ُ 5
ال" لهم" ،يَا ق ْو ِم غْيه﴾ " ،يدعوهم إلى عبادة اهلل وحده ،حين كانوا يعبدون األوثان "فَقَ َ
ألنه الخالق الرازق المدبر لجميع األمور ،وما " ك ْم م ِْن إ َ ٍَل َغ ْ ُ
ْيهُ َ َ ُ
ل ا م" وحده أي "، اَّلل
ْ
اع ُب ُدوا َّ َ
ّ ِ
سواه مخلوق مدبَّر ،ليس له من األمر شيء" ،6وأ ّكد الخبر ب ــ" قد" التي تفيد تحقق وقوعه
من األدوات التي َّ
يؤكد بها الخبر ،ذلك إلثبات وحدانية اهلل المتضمنة لمعاني ألنها
ّ
الربوبية واأللوهية باعتبار ّأنها أهم مقصد جاء القرآن الكريم لتحقيقه وذلك لتقرير المعنى
في النفوس.
َ ل ََ َ َْ ْ ُ َ َْ َ ْ َ َْ َ َ َ ُ َ ل ُْ َ َ َ ْ ْ َ ا َ
ات ر ِّب َلفِد اْلحر قبل أن تنفد َكِمات ر ِّب وقال كذلك﴿ :قل ل ْو َكن اْلَح ُر مِدادا لَِك ِ َم ِ
َ َ َ َّ َ ُ َ ُ ْ َّ َ َ َ َ َ ٌ ْ ُ ُ ا ْ ََْ ْ
ح ٌد﴾ " 1أيّش مِثلك ْم يُوَح إ ِ ََّل أن َما إِل ُهك ْم إ ِ ٌَل َوا ِ جئ َنا ب ِ ِمثلِه ِ َم َددا ( )159قل إِنما أنا ب
ول و ِ
َّ َ َ َ َ َ ٌ ْ ُ ُ
ّش مِثلك ْم ﴾ ،أي لست بإله وّل لي شراكة في ُقل " يا محمد للكفار وغيرهم﴿ :إِنما أنا ب
ُ َ َ َّ َ َّ َ َ ُ ُ ْ َ
ح ٌد﴾ ،أي فضلت ِ اوَ ٌ
َل الملك وّل علم بالغيب وّل عندي خزائن اهلل﴿ ،يوَح إَِل أنما إِلهكم إ ِ
إلي ،الذي أجله اإلخبار لكم ّأنما إلهكم إله واحد أي ّل
عليكم بالوحي ،الذي يوحيه اهلل َّ
شريك له وّل أحد يستحق من العبادة مثقال ذرة غيره ،وأدعوكم إلى العمل الذي يقربكم" ، 2
ألنه توكيد فوق توكيد. وقد تم إثبات وحدانية اهلل بأسلوب القصر ّ
اع ُب ُدوهُ َه َذا ِ َ
ِص ٌاط ُم ْس َتقِ ٌ
يم﴾ " ،3استدل
َّ َّ َ َ ل َ َ ُّ ُ ْ َ ْ
وقال اهلل تعالى أيضا﴿ :إِن اَّلل ر ِّب وربكم ف
بتوحيد الربوبية الذي يقربه كل أحد على توحيد األلوهية الذي ينكره المشركون ،فكما أن اهلل
هو الذي خلقنا ورزقنا وأنعم علينا نعما ظاهرة وباطنة ،فليكن هو معبودنا الذي نألهه الحب
رد على النَّصارى القائلين
والخوف والرجاء والدعاء واّلستعانة وجميع أنواع العبادة وفي هذا ٌّ
ألنها ِّ
تؤكد مضمون الجملة وهذا إلثبات ـ"إن" ّ
بأن عيسى أله أو ابن اهلل" ،وأ ّكد الخبر بـ ّ
4
ّ
ألن
وحدانية اهلل سبحانه وتعالى لمنكري الخبر فيستحسن تأكيد الكالم الملقى لتقوية الحكمّ ،
لهذا األسلوب أثر كبير في التأثير على العقول والقلوب وهذا لتحقيق المقاصد التي أمر اهلل
عباده بها وهذا يقوي العقيدة وذلك باستخدام أسلوب التوكيد لتحقيق هذه الغاية.
َْ َ َ ْ َ َّ َّ ُ ْ
ح ُد الق َّهار﴾ ،5أيّ" :ل أحد يؤله ويعبد
اَّلل ال َوا ِ وقال في موضع آخر﴿ :وما مِن إ ِ ٍَل إَِل
بحق إّل اهلل الواحد القهار هذا تقرير أللوهيته بهذا البرهان القاطع ،وهو وحدته تعالى ،وقهره
فإن القهر مالزم للوحدة ،فال يكون قهّاران متساويان في قهرهما أبدا ،فالذي
لكل شيءّ ،
مدب ار فقي ار من جميع الوجوه ،فلم يستحق شيئا من أنواع العبادة ،وقوله "ال َح ُّي ال َقيُّ ُ
وم" ناقصا َّ
يدّلن على سائر األسماء الحسنى" ،3فهذه اآلية الكريمة متضمنة
هذان اّلسمان الكريمان ّ
ألسلوب القصر وهذا إلثبات وحدانية اهلل التي تحمل معاني الربوبية واأللوهية التي جاء
كتاب اهلل لتحقيقها ،والمخلوق ّل ينفع وّل يضرن واّنما النافع الضار هو اهلل ّل غير ،وأ ّكد
الخبر هنا بـ َّ
ـ"أن الشرطية" وذلك طبعا إلثبات وحدانية اهلل جل جالله وهذا ضمن أسلوب
التوكيد.
- 1عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .672
- 2البقرة ،آية .300- 300
- 3عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .97
56
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
ح ٌد َف َه ْل َأنْ ُتمْ
َوا ِ
َ َّ َ َّ َ َ ُ ُ
ك ْم إ ََلٌ ه ل إ ا منأ َل إ وَح
ُ ْ َّ َ ُ َ
وقال في سورة األنبياء﴿ :قل إِنما ي
ِ ِ ِ
َ َّ َ ُ َ ُْ َ
ح ٌد " الذي ّل يستحق العبادة إّل هو ،لهذا محمد" :أن َما إِل ُهك ْم إ ِ ٌَل َوا ِ
ُ ْ
مسل ِ ُمون﴾ " " ،1قل" يا َّ
َ َ ْ َْ
قال":ف َهل أن ُت ْم ُم ْسل ِ ُمون" أي :منقادون لعبوديته مستسلمون أللوهيته ،فإن فعلوا فليحمدوا
من عليهم بهذه النعمة التي فاقت ال ِمنن" ،2حيث أكدت اآلية على وحدانيته
ربَّهم على ما َّ
عز وج ل وذلك لتقرير العقيدة في النفوس ،وذلك باعتماد ألسلوب القصر.
ْ َ َ ُ ْ ُ َ ُ ْ َّ َ َ َ ْ َ
َِّ َّ َ َ ل َ َ َّ ُ ْ 3 ُ ُ
وقال﴿ :ما قلت لهم إَِل ما أمرت ِِن بِه ِ أ ِن اعبدوا اَّلل ر ِّب وربكم﴾ " ،فأنا عبد متبع
ألمركّ ،ل متجرئ على عظمتك ،ما أمرتهم إّل بعبادة اهلل وحده ،واخالص الدين له
للنهي عن اتخاذي وأمي إلهين من دون اهلل ،وبيان أنِّي عبد مربوب ،فكما ّأنه
المتضمن ّ
ِّ
ربُّكم فهو ربي" ،4وللتأكيد على ذلك اعتمد أسلوب القصر بــ"إنَّما" في إثبات وحدانية اهلل
ولتقرير العقيدة في النفوس.
عز وخل
تعددت األيات القرآنية التي ورد فيها أسلوب التوكيد إلثبات وحدانية التي اهلل ّ
ّ
وهذه السالفة الذكر أمثلة قليلة عن ذلك.
ثانيا :عالقة التوكيد بإثبات الحقائق الكونية:
ََ ُْ
س ُم ب ِ َم َواق ِ ِع اَلُّ ُجو ِم
من أمثلة القرآن الكريم في هذا الموضوع قوله عز وجل﴿ :فَل أق ِ
يم﴾" ،5أقسم تعالى بالنجوم ومواقعها يم ( )46إنَّ ُه لَ ُق ْرآ ٌَن َكر ٌ
(ِ )40إَونَّ ُه لَ َق َس ٌم ل َ ْو َتعْلَ ُمو َن َع ِظ ٌ
ِ ِ
الدالة على عظمتهحدث اهلل في تلك األوقات من الحوادث َّ أي مساقطها في مغاربها ،وما ُي ِ
َّ ُ َ َ َ ٌ َ ْ َ ْ َ ُ َ
ون َع ِظ ٌ
يم﴾ ،واّنما كان وكبريائه وتوحيده ،ثم عظَّم هذا القسم به فقالِ﴿ :إَونه لقسم لو تعلم
- 4عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .334
-الواقعة ،آية .44- 46- 40 5
56
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
ِ
المعترضة بين القسم وجوابه ذلك حصرها ،1 ".أثبت سبحانه وتعالى الحقائق الكونية بالجملة
إلفادة الكالم وتقويته وتسديدهّ ،أنها تجري في الكالم مجرى التوكيد لتحقيق مقصد من أهم
المق اصد التي جاء بها القرآن الكريم لتثبيت العقيدة.
َّ َ َ َ ًّ َ َ َ ا َ ُ ْ ا َّ َ ا َ َ ََ َْ َْ َ ُْ ْ
اتات ماء َثاجا (َِ )17لخ ِرج بِه ِ حبا ونباتا ( )10وجن ٍ ِص ِ كما قال﴿ :وأنزَلا مِن المع ِ
ْ َ ا 2
َْ
اجا" أي :كثير جدا " َِلُخ ِر َج بِه ِ َح ًّبا" من ُب ٍر وشعير وُذرة جَّ
َ ً َ ًث اء م" َّحابالس "أي: ، ﴾ ا اف ف أل
َ ا
مما يأكله اآلدميونَ "،ون َباتا" يشمل سائر النبات الذي جعله اهلل قوتا وأرز ،وغيره ذلك ّ
َ َْ ا َ َ َّ
ات ألفافا " أي بساتين ملتفة فيها جميع أصناف الفواكه اللذيذة ،فالذي أنعم لمواشيهم "وجن ٍ
عليكم بهذه النعم العظيمة التي ّل يقدر قدرها ،وّل يحصي عددها" ،3أثبتت هذه اآليات
ألنها
ألن فائدتها توكيد مضمون الحكم ّ
الكريمات الحقائق الكونية بــ"ّلم اّلبتداء" ّ
من مؤكدات الخبر ،الذي يحمل معاني الحقائق الكونية التي تعتبر من أهم المقاصد التي
جاء القرآن الكريم لتحقيقها وذلك باستعمال أسلوب التوكيد ،وهذا لتقرير المعنى في ذهن
السامع وتقرير العقيدة في ذهنه.
ََ ْ
ع َت ْدنَا ل َ ُهمْ َّ َ َ َ َ ْ َ َّ َّ َّ َ َ ُّ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ ا
وقال كذلك﴿ :ولقد زينا السماء النيا بِمصابِيح وجعلناها رجوما ل ِلشيا ِط ِ
ي وأ
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .455 1
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .764 3
55
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .724 1
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .724 3
- - 5عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .442
55
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
ألنها من المقاصد
الكونية التي تأثر في العقول وتجعلهم يتدبرون في خلق السماء ،ذلك ّ
التي جاء كتاب اهلل عز جل لتحقي قها بأسلوب التوكيد إقناع والزام يجعل المؤمنين يتصورون
هذه العظمة التي تزيد في بيان وتقرير العقيدة اإلسالمية عن طريق األدلة العقلية التي
تدحض الباطل وتعلن الحق.
َّ َ ُ ُ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ َ 1 ْ َ َّ َ َ َ ْ َ َ َ
اء بنيناها بِأي ٍد ِإَونا لمو ِسعون﴾ " "والسماء بنيناها" ،أي وقال جل في عاله﴿ :والسم َ
َّ ْ َ
خلقناها وأتقناها وجعلناها سقفا لألرض وما عليها" ،بِأي ٍد" أي :قوة وقدرة عظيمة "ِإَونا
َ َ
لموسعون أيضا على عبادنا بالرزق الذي ما ترك اهلل دابة ِّ ل ُمو ِس ُعون " ألرجائها وأنحائها ،واّنا
في مهامه القفار وّل لجج البحار ،وأقطار العالم العلوي والسفلي إّل وأوصل إليها من الرزق
َ َّ َ
ما يكفيها ،2 ".ولقد أ ّكد سبحانه وتعالى الحقائق الكونية بالتذليل بقولهِ":إَونا ل ُمو ِس ُعون" وهذا
ألنه أسلوب
ألنها من المقاصد التي جاء القرآن لتحقيقها ،بأسلوب التوكيد ّ
زيد في التأكيد ّ
إقناع والزام لترسيخ العقيدة اإلسالمية.
َْ َ َ َ ْ ُ ُ ُ َ ا َ َّ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ َ ُ َ َّ َّ ْ َ ُ ْ
وقال﴿ :يغ َِش الليل اَلَّهار يطلبه حثِيثا والشمس والقم َر واَلُّجوم مسخ َر ٍ
ات بِأم ِره ِ﴾ .3
َّ َ ْ
"قالُ " :يغ َِش الليْل" المظلم "النَّ َهار"المضيء" ،فيظلم ما على وجه األرض ،ويسكن
اآلدميون وتأوي المخلوقات إلى مساكنها ،ويستريحون من التعب وال ّذهاب واإلياب ،الذي
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .446 2
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .369 4
53
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
هذه الحقائق باعتماد أسلوب البدل المؤكد وذلك إلثبات الحقائق الكونية التي تلفت ذهن
يها َمَنا ِف ُع َكثِ َيرةٌ" ،من أصوافها وأوبارها وأشعارها ،وجعل لكم ِ
خالص سائغ للشاربين"َ ،ولَ ُكم ف َ
َ َْ َْ ُ ُ َ
من جلود األنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنهكم ،ويوم إقامتكم" ،ومِنها تأكلون" ،أفضل
ـ"أن"
المآكل من لحم وشحم ، ".ولقد أ ّكد اهلل سبحانه وتعالى في هذه اآلية الحقائق الكونية ب ـ ّ
4
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .172 2
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .033 4
55
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
ألنها
ألنها من مؤكدات الخبر ،وهذا لحث اهلل عباده على النظر والتدبر في آياته العظيمةّ ،
ّ
من المقاصد التي جاء بها القرآن الكريم وتحقيقها باستعمال أسلوب التوكيد.
ون إ ََل ْاْلبل َكيْ َف ُخل َق ْ َََ َُْ ُ َ
ت ()14 ِ ِ ِِ وقال تبارك وتعالى في محكم تنزيله﴿ :أفَل ينظر ِ
َ َ َ َْ ْ
اْل َبال َكيْ َف نُص َب ْ َ الس َماءِ َكيْ َف ُرف َع ْ َ
ض كيْف ت (ِ )19إَوَل اْل ْر ِ ِ ِ ِ ِإَوَل )17 ( ت ِ َّ ِإَوَل
ت﴾ " ،1قال تعالى حان للذين ّل يصدقون الرسول صلى اهلل عليه وسلّم ولغيرهم ُسط َح ْ
ِ
َ َْ َََ َُْ ُ َ َ ْ
الدالة على توحيده "أفَل ينظرون إَِل ِ
اْلب ِ ِل كيف الناس أن يتفكروا في مخلوقات اهلل ّ من ّ
ت" أي أّل ينظرون إلى خلقها البديع وكيف سخرها اهلل للعباد وذلك ولمنافعهم الكثيرة ُخل َق ْ
ِ
َ ْ
اْل َبال َكيْ َف نُص َب ْ
ت " بهيئة باهرة حصل بها استقرار األرض ِ التي يضطرون إليهاِ" ،إَوَل ِ ِ
َ َْ ْ َ َْ
ض كي ف وثباتها عن اّلضطراب ،وأودع فيها من المنافع الجملة ما أودع "ِإَوَل اْلر ِ
مدت ًّ
مدا واسعا وسهلت غاية التسهيل ،ليستقر الخالئق على ظهرها ويتمكنوا ُ َ ْ
س ِطحت " أيّ :
من حرثها وغرسها والبنيان فيها والطرق الموصلة" ،2أ ّكد سبحانه الحقائق الكونية بأسلوب
الوصل هذا لتناسب الفكرة ،باعتبار ّأنها متضمنة ألهم المقاصد التي جاء القرآن لتحقيقها
ألنه من آليات اإلقناع وهذا لتثبيت العقيدة اإلسالمية
وذلك باستخدام بأسلوب التوكيد ّ
في النفوس.
ار ِف اللَّيْل َو َس َّخرَ وقال جل في عالهَ ﴿ :أل َ ْم تَ َر أَ َّن َّ َ
اَّلل يُول ِ ُج اللَّيْ َل ِف اَلَّ َهار َويُول ِ ُج اَلَّ َه َ
ِ ِ ِ ِ
َ َ َ ُ َ ًّ َ َ َّ َّ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ ُ ٌّ َ ْ َّ
الش ْم َس َوالق َم َر ُك ي ِري إَِل أج ٍل مسًّم وأن اَّلل بِما تعملون خبِْي﴾ " ،هذا فيه أيضا انفراده
3
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .773- 771 2
55
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
ذلك األجل انقطع جريانهما" ،1وأكد اهلل سبحانه على هذه الحقائق الكونية باستخدام التوكيد
لما له من أثر كبير في اإلقناع.
ََ ْ اوات ب َغ ْْي َع َمد تَ َر ْو َن َها ُث َّم ْ ََ َّ ُ َّ
اس َت َوى لَع ال َع ْر ِش ٍ ِ ِ ِ
َ َ
م َّ
الس عَ فر ي كما قال أيضا﴿ :اَّلل ِ
اَّل
َ َ َّ ُ ْ َ َ ل ُ
كمْ َ َ َ ُ َ ًّ ُ َ ل ُ ْ َ ْ َ ُ َ ل ُ ْ َّ ْ َ َ ْ َ َ ُ ٌّ َ ْ َ َ َّ
ات لعلكم بِلِقاءِ ر ِب صل اَل َي ِ وسخ َر الشمس والقم َر ُك ي ِري ِْلج ٍل مسًّم يدبِر اْلمر يف ِ
َ ُ
توق ِ ُنون﴾ " ،2يخبر تعالى عن انفراده بالخلق والتدبير والعظمة والسلطان الدال على ّانه وحده
اَّلي َر َف َع َّ
الس َم َ َّ ُ َّ
ات"على عظمها او ِ اَّلل ِ المعبود الذي ّل تنبغي العبادة إّل له ،فقال" :
اء يليق بجالله ويناسب كماله" ،3ولقد أثبت اهلل سبحانه هذه الحقائق
أعلى المخلوقات استو ً
للتدب ر في آيات اهلل العظيمة بالتوكيد المعنوي بــ"كل" التي تدل
ّ النظر
الكونية التي تلفت ّ
على العموم والشمول ،وهذا لتحقيق مقصد من أهم مقاصد الشريعة التي جاء القرآن لغرسها
في النفوس.
ج َنا به ِ َث َم َرات ُُمْ َتل ِ افا َأل ْ َو ُانهاَ
َ َ ْ َ َ َ َّ َّ َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ا َ َ ْ َ ْ
قال جل جالله﴿ :ألم تر أن اَّلل أنزل مِن السماءِ ماء فأخر
ٍ ِ
ال َوابل اس َو َّ َّ َ َ ٌ َ ُ ْ ٌ ُ َْ ٌ َ َْ ُ َ َ َ َ ُ ُ ٌ ُ َ ٌ َ َ ْ
اْل َ
ِ ِ اَل ِن مو ) 34 ( ود س يبِ اب رغو ا ه ان و ل أ ف ِ ل ت ُم رْحو يضِ ب د د ج ومِن ِ ِ
ل ا ب
ٌ َ ُ ٌ 4 ْ ُ َ َ ُ َّ َّ َ َ َ ْ َ َّ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ٌ َ ْ َ ُ ُ َ َ َ َّ َ َ ْ َ
واْلنعا ِم ُمتلِف ألوانه كذل ِك إِنما َيَش اَّلل مِن عِبادِه ِ العلماء إِن اَّلل ع ِزيز غفور﴾ ّ ،
"أن
- 1عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .631
-الرعد ،آية .53 2
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .277 3
55
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
لألرض ،تجدها جباّل مشتبكة ،بل جبال واحدا وفيها ألوان متعددة ،فيها جدد بيض أي
طرائق بيض ،وفيها طرائق صفر ،وحمر وفيها غرابيب سود أي شديد السواد جدا
الناس والدواب واألنعام فيها من اختالف األلوان واألوصاف" .1لقد أ ّكد اهلل الخبر
ومن ذلكّ :
ـ"إن" إلثبات الحقائق الكونية التي تدل على عظمة اهلل وقدرته ،وهذا األسلوب األمثل
بـ ّ
الناس ،واثارة العقل
إليصال المعنى المقصود وتقويته من أجل تقرير العقيدة في نفوس ّ
والوجدان.
ْحتِه ِ َو َأن ْ َز َْلَا م َِن َّ
الس َماءِ َم ا
اء َط ُهوراا ي َر ْ َ اح ب ُ ْ ا
ّشا َب ْ َ
ي يَ َد ْ الريَ َ َ ُ َّ َ
اَّلي أ ْر َس َل ل
قال تعالى﴿ :وه َو ِ
ِ
اِس َكث ِ ا َ ْ َ ا َ ْ ا َ ُ ْ َ ُ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ ا َ
ْيا﴾ " ،2هو وحدة الذي رحم اما َوأنَ ِ َّ ُ ْ
ح َ
ِي بِه ِ بْلة ميتا ونسقِيه مِما خلقنا أنع (َِ )77ل ِ
أدر عليهم رزقه ،بأن أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته ،وهو المطر ،فثار بها
عباده و ّ
السحاب وتألق وصار كسفا ،وألقحته وأرته بإذن آمرها والمتصرف فيها ،ويطهر من الحدث
ّ
والخ بث ويطهر من الغش والدنس ،وفيه بركة من بركته ،أنزله ليحيي به بلدة ميتة فتختلف
النوابت ،واألشجار فيها ونسقيكموه أنتم وأنعامكم ،أليس الذي أرسل الرياح
أصناف ّ
ماء طهو ار مباركا فيه رزق العباد
المبشرات وجعلها في عملها متنوعات ،وأنزل من السماء ً
ألنها من مؤكدات
وبهائمهم" ،استخدم سبحانه وتعالى أسلوب التوكيد بإدخال "ّلم اّلبتداء" ّ
3
الخبر ،وذلك إلثبات هذه الحقائق الكونية وتثبيتها في عقول وقلوب بني البشر ،لكي تدفعهم
إلى التدبر آيات اهلل ،وبهذا تكون العقيدة عقلية وليست تقليدية ،فهي التي تقرب العبد
من رّبه وعبادته وحده ّل شريك له.
َ َ ََ َ َْ ُ َ َّ
كما قال في سورة الشمسَ ﴿ :والش ْم ِس َوض َحاها (َ )1والق َم ِر إِذا تَلها (َ )3واَلَّ َهار ِ إِذا
النفس المفلحة على العظيمة اآليات بهذه تعالى "أقسم ،َ َ ْ َ َ 4
﴾ ا اه ش غ ي ا ذ إ ل َج ََّل َها (َ )2واللَّيْ
ّ ِ ِ
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .606 1
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .000 3
55
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
ُ َ َّ
النفوس الفاجرة فقالَ ":والش ْم ِس َوض َحاها" أي :نورها ونفعها الصادر منها " َوال َق َم ِر
وغيرها من ّ
َ َّ َ
ِإ َذا َت َال َها " أي :تبعها في المنازل والنورَ " ،واَلَّ َهار ِ إِذا َجَلها" أي :جلى ما على وجه األرض
َ ْ َ َ َّ
وأوضحهَ " ،والليْ ِل إِذا َيغشاها " أي:يغشي وجه األرض فيكون ما عليها مظلما فتتعاقب
الظلمة والضياء والشمس والقمر على هذا العالم بانتظام واتقان وقيام المصالح أكبر دليل
أن اهلل بكل شيء عليم" ،1اعتمد اهلل جل في عاله آلية من آليات التوكيد وهي ال َقسم
على ّ
خالقها،ألن هذا األسلوب
ّ إلثبات الحقائق الكونية من أجل التدبر في عظمتها وعظمة
ترسخت العقيدة
غرضه هو تقوية المعنى وازالة الشكوك من قلب السامع ،واذا زالت الشكوك ّ
في النفوس.
ٌ َ َّ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ ُ َ ُّ َ َ َّ َ ْ ُ َّ َّ َّ َ َ ٌ َ
ّشق والمغ ِرب فأينما تولوا فثم وجه اَّلل ِ إِن اَّلل وا ِسع علِيم﴾ " ،أي"
2
وقال﴿:و َِّلل ِ الم ِ
ألنهما محل اآليات العظيمة ،فهما مطالع األنوار ر بالذك خصهما ، " " َو ِ ََّّلل ِ ال ْ َم ّْش ُق َوال ْ َمغْر ُ
ب
ّ ِ ِ
ومغاربها ،فإذا كان مالكا لها ،كان مالكا لكل الجهات" ،3اختار اهلل سبحانه "ّلم اّلبتداء"
ألن ّلم اّلبتداء من مؤكدات الخبر ومضمون
للتأكيد على وجود هذه الحقائق الكونيةّ ،
الحكم ،لما لهذا األسلوب من أهمية في إقناع السامع بالخبر المقصود ،وذلك لترسيخ
العقيدة التي جاء القرآن الكريم من أجلها.
َّ ْ َ َّ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ اوات َو ْاْلَ ْ َ َ َّ َ ْ َّ
كِ ل ف الو ِ ار ه اَل و ل
ِ ي الل فِ َلِ ت اخو ض ِ ر ِ م الس ق
ِ ل خ ِف
ِ ن وقال تبارك وتعالى﴿ :إ ِ
ح َيا به ْاْلَ ْر َض َبعْدَ ْ َ ََ ْ َ َّ َ ُ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َّ َ َ َ َ ْ َ َ َّ َّ َ ْ
ِِ ال ِِت َت ِري ِِف اْلح ِر بِما ينفع اَلاس وما أنزل اَّلل مِن السماءِ مِن ما ٍء فأ
َ ْ ُ َ َّ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ الريَ ِ َ َّ َ يف ل َ ْ َ َ َ َّ َ ْ ُ ل َ َّ َ َ ْ
ات ض َل َي ٍ اب المسخ ِر بي السماءِ واْلر ِ اح والسح ِ ِ ِ ُك داب ٍة وت ِ
ِص موتِها وبث فِيها مِن ِ
ْ ُ َ َ
لِق ْو ٍم َيعقِلون﴾ " ،4ففي خلق السموات واألرض وفي ارتفاعها واتساعها واحكامها واتقانها
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .770 1
-عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .79 3
56
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
وجعل اهلل فيها من الشمس والقمر والنجوم ،وتنظيمها لمصالح العباد وفي خلق األرض
النهار
مهادا للخلق يمكنكم القرار عليها ،واّلنتفاع بما عليها واّلعتبار ،وفي اختالف الليل و ّ
وهو تعاقبهما على الدوام ،فإذا ذهب أحدهما خلفه اآلخر واختالفهما في الحر والبرد
والتوسط وفي الطول والقصر والتوسط ،وما ينشأ عن ذلك من الفصول" ،1قد أ ّكد ج ّل جالله
على هذه الحقائق الكونية بالتوكيد المعنوي ،وذلك باستخدام لفظة" :كل" الدالة على الشمول
النيرة للتدبر في آيات الخالق. والعموم ،وذلك من أجل دفع العقول ّ
ُ ُ َ ٌ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ا َ ُ ْ ْ ُ َ َ ٌ َ ْ ُ َ
سيمون اَّلي أنزل مِن السماءِ ماء لكم مِنه َشاب ومِنه شجر فِيه ِ ت ِ وقال أيضا ﴿ :هو ِ
َ َ َ َا َّ َ َ َّ َّ ْ َ َ َّ ْ ُ َ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُ ل كُْْ ُ َ ُ
ات إِن ِِف ذل ِك َل َية ُك اثلمر ِِ ِن مو اب ن عاْلو يل خ
ِ اَلو ون ت ي الزو ع رالز ِ هِ ب م ( )15ينبِت ل
َ َ َ َّ ُ َ 2 َ ْ
السحاب الرقيق لِقو ٍم يتفكرون﴾ " ،بذلك على كمال قدرة اهلل الذي أنزل هذا الماء من ّ
ماء غزي ار منه يشربون ،وتشرب مواشيهم ،ويسقون منه
اللطيف ،ورحمته حيث جعل فيه ً
النعم العزيرة" ،3ولقد أ ّكد سبحانه هذه الحقائق الكونية
حروثهم ،فتخرج لهم الثمرات الكثيرة ،و ّ
أن لها فائدة توكيد مضمون الحكم ،هذا للفت
ألنها من مؤكدات الخبر كذلك ّ
بــ"ّل اّلبتداء " ّ
ألنه
النظر للتدبر في آيات اهلل العظيمة لتحقيق أهم مقصد جاء به القرآن بأسلوب التوكيدّ ،
ّ
من األساليب التي لها أثر قوي في اإلقناع واإللزام بإظهار الحجة وبيان الحق وهذا يزيد
أن أسلوب التوكيد له غاية لترسيخها في العقول والقلوب بطريقة
في تقرير العقيدة ،باعتبار ّ
عقلية تجعلهم ويتدبرون في جميع األشياء المحيطة بها رغم ّأنهم يشاهدونها كل يوم.
ثالث ا :عالقة التوكيد بإثبات البعث الجزاء:
ومن أمثلة القرآن الكريم في هذا الموضوع قوله جل في عالهَ ﴿ :و َم ْن َيعْص َّ َ
اَّلل ِ
ي﴾ " ،4ويدخل في اسم المعصية يها َو َ َُل َع َذ ٌ
اب ُمه ٌ الا ف ِ َ خل ْ ُه نَ ا
ارا َخ ِ ا َ َ ُ َ ُ َ َ َّ ُ ُ َ ْ
وَل َويَتعد حدودهُ يُد ِ ورس
ِ
- 1عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .62
- 2النحل ،آية .11- 15
- 3الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .711
- 4النساء ،آية .17
56
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
الكفر فما دونه من المعاصي ،فال يكون فيها شبهة للخوارج القائلين بكفر أهل المعاصي
النار
فإن اهلل تعالى رتب دخول الجنة على طاعته ،وطاعة رسوله ،ورتب دخول ّ
ّ
الجنة بال عذاب ،ومن عصى
على معصيته ومعصية رسوله ،فمن أطاعه طاعة تامة دخل ّ
النار وخالدا فيها ،ومن اجتمع فيه معصية وطاعة ،كان فيه
تامة يدخل ّ
اهلل ورسوله معصية ّ
موجب الثّواب والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية" ،1فذكر تعدي الحدود يأ ّكد
الوعيد ب المعصية ذلك بتكرار المعنى دون اللفظ وهذا إلثبات جزاء اهلل سبحانه وتعالى ،وهذه
المتضمنة لمعاني الجزاء من أهم المقاصد التي جاء القرآن لتحقيقها بأسلوب
ّ الخصائص
النهي عن المعصية
التوكيد ،لما فيه من تأثير كبير في نفوس المؤمنين في األمر بالطاعة و ّ
وهذا ما يزيد من تقرير العقيدة في النفوس.
َّ َ َ ْ ِ ْ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ َّ َ ُ ُ ْ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ
ث اْليمان لقد ْلِثتم ِِف كِت ِ
اب اَّلل ِ إَِل يوم اْلع ِ اَّلين أوتوا العِلم و ِ وقال كذلك﴿ :وقال ِ
َ ْ َ ُ َ 2
َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َّ ُ ْ ُ ْ ُ ْ َ
ويتدبر
ّ ر َّ
المتذك فيه ر ك
ّ يتذ ر
ا معُ تم
ر عم "أي ، ﴾ ون مل ع ت َل ث ولكِنكم كنتم فهذا يوم اْلع ِ
ّ
فيه المتدبِّر ،ويعتبر فيه المعتبر حتى صار البعث ،ووصلتهم إلى هذا الحال ،فلذلك
الدنيا وأنكرتم إقامتكم في الدنيا وقتا تتم ّكنون فيه من اإلنابة والتوبة ،فلم يزل
أنكرتموه في ّ
الجهل شعاركم ،وأثاره من التكذيب والخسران ِدثاركم" ،3أسلوب التوكيد في هذه اآلية الكريمة
ِّ َ ُْ َْ ْ
للناس على أهمية هذا اليوم العظيمّ د ليؤك هذا " ث
ِ كرر عبارة "يوم اْلع
هو التّكرار ،حيث ّ
المتضمنة لمعاني البعث الذي يعتبر بدوره من أهم المقاصد
ّ عنده ج ّل جالله في هذه اآلية
الناس بشيء اسمه البعث
التي جاء القرآن لتحقيقها ،فاستخدم لذلك أسلوب التوكيد إلقناع ّ
و ّأنهم مبعوثون في يوم عسير ّل ريب فيه ،ويظهر أثر التوكيد في القدرة على توضيح
المعنى وتقويته وترسيخ العقيدة في ّنفس المتلقي.
- 1عبد الرحمن نا صر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .103
- 2الروم ،آية .06
- 3عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .610
56
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
ويسمى هذا النوع من الخبر طلبا ،لما له من معاني البعث ،وأ ُِّكد الخبر هنا ألهميته.
َّ َْ َ ْ ََ ْ ُ ْ ُ َ َ َْ َ َّ َ ُ ْ ُ َ
وقالَ ﴿ :س َيحلِفون بِاَّلل ِ لك ْم إِذا انقلبْ ُت ْم إِِل ْ ِه ْم ِْلُع ِرضوا عن ُه ْم فأع ِرضوا عن ُه ْم إِن ُه ْم
َْ َ ْ َ َ َْ ُ َ َ ُ ْ َْ َ َ ْ ٌ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ َّ ُ َ َ ا َ َ ُ َ ْ
َتض ْوا عن ُه ْم فإِن ت ْرض ْوا س ُبون (ُ )90يلِفون لكم ِل ِ ك رِجس وم أواهم جهنم جزاء بِما َكنوا ي
ي﴾ " ،3أي ّل توبخوهم وّل تجلدوهم أو تقتلوهم، اَّلل ََل يَ ْر ََض َعن ال ْ َق ْو ِم ال ْ َفاسق َ
َعنْ ُه ْم فَإ َّن َّ َ
ِ ِ ِ ِ
وصدق
ّ المحرمات والمعاصي ،على اختالف أجناسها،
ّ والعمرة ونحوهما ،وما نهى عنه من
بال إله إّل اهلل"ما دلت عليه من جميع العقائد الدينية ،وما ترتب عليها من الجزاء األخروي
ألنه أتى أسباب
نسهل عليه أمره ونجعله ميس ار له كل خير ،ميس اًر له ترك كل شرّ ،
ألنها من مؤ ّكدات
"أما الشرطية" ّ
فيسر اهلل له ذلك" ،وأكد اهلل كل ذلك بإدخال ّ
1
التيسير ّ
الخبر وهذا إلثبات الجزاء الذي وعد اهلل به عباده الصالحين ،وسبب هذا التوكيد هو تقوية
المعنى وازالة الشكوك والظنون من نفس المتلقي.
َ َ َ 2 َ َ ُ َ َ َْ َ ُْ َ ُ
وقال﴿ :ما أغِن عنه ماَل وما كسب﴾ " ،أي الذي كان عنده وأطغاه ،وّل ما كسبه فلم
يرد عنه شيئا من عذاب اهلل ،إذا نزل به" ،3في هذه اآلية جملتان خبريتان ُوصلت الثانية
ألنهما متناسبتان في الفكرة ،أي اعتماد أسلوب الوصل إلثبات جزاء اهلل عز وجل
باألولى ّ
الربط بين الجملتين هذا ليزيد المعنى قوة وثباتا. ألن بالغة الوصل تكمن في ّ ذلك ّ
َ ْ َ َ َ َ َّ ُ ْ ْ ُ كَْ َّ َّ ُ ْ ُ وقال جل في عاله﴿ :فَإ َذا َج َ
اْلن َسان َما َس ََعِ رك ذ ت ي مو ي )27( ى ْب ت الطامة ال اء ِ ِ
َ َ َ ْ َ َ َ ُّ ْ َ
َ َّ
الن َيا ( )27فإِن
َ َ
يم ل َِم ْن يَ َرى ( )26فأ َّما َم ْن َطغ ( )24وآ َثر اْلياة ح ُ ت َْ
اْل ِ
َ
(َ )20وبُ ل ِرز ِ
َ َّ ْ َ َّ َ َ َ َّ َ ْ َ َ َ َ َ َ ل َ َ َ ْ ْ
َ َّ ْ َ َ ْ
ِه ال َمأوى ( )29وأما من خاف مقام ربِه ِ ونَه اَلفس ع ِن الهوى ( )75فإِن اْلنة
َ َ يم ِ َ ح َ َْ
اْل ِ
ْ ْ
الشدة العظمى ،التي تهون عندها كل شدة ِه ال َمأ َوى﴾ ،4أي" إذا جاءت القيامة الكبرى ،و َّ َِ
الدنيا
الصاحب عن صاحبه ،وكل حبيب عن حبيبه في ّ
فحينئذ يذهل الوالد عن ولده ،و َّ
سيئاته ويعلم
ذرة في حسناته ويغمه ويحزن لزيادة ذرة في ّ
فيتمنى زيادة مثقال ّ
ّ من خير وشر
الدنيا وينقطع كل سبب وصلة كانت في الدنيا
أن مادة ربحه وخسرانه ما سعاه في ّ
إذ ذاك ّ
- 1عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .667
- 2المسد ،آية .53
- 3عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .796
النازعات ،آية .71- 75- 29- 27- 24- 26- 20- 27
ّ -
4
55
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
سوى األعمال" ،1توكيد مضمون الحكم بدخول "ّلم اّلبتداء" على شبه الجملة ،وهي
من األدوات التي تؤ ّكد الخبر ،وذلك لتقوية واثبات وجود البعث والجزاء.
وقوله تعالى في كفار مكة وهم يستعجلون العذاب استهزاء ،فنزلت فيهم آيات
َ ُ َّ َ ُ ْ َ ََ ُْ ْ ْ َ َ ُ ْ َ َ ُ ُ َ َ ا َ ْ َ َ ا َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ ُْ ْ ُ َ
جل مِنه المج ِرمون ( )05أثم إِذا رهيبة﴿ :قل أرأيتم إِن أتا كم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستع ِ
ُ َّ َ َّ َ َ َ ُ ُ ُ َ َ َ ْ ُ ْ ََْ ْ ُ َ َما َو َق َع آ ََمنْ ُت ْم به ِ آ ََْل ََن َوقَ ْد ُكنْ ُت ْ
اب اْلْلِ جلون ( )01ثم قِيل لَِّلِين ظلموا ذوقوا عذ ِ ع ت س ت ِ هِ ب م ِ
َ ُ ُْ َ ْ َ ْ ُ ْ ْ َ َّ
س ُبون﴾ " ،2وقت نومكم في الليل وقت غفلتكم أي بشارة هل َت َزون إَِل ب ِ َما كنت ْم تك ِ
استعجلوا بها وأي عقاب ابتدروه ،فأنّه ّل ينفع اإليمان حين حلول عذاب اهلل ،ويقال لهم
فإن
توبيخا وعتابا في تلك الحال التي زعموا ّأنهم يؤمنون ،تؤمنون في حال الشدة والمشقةّ ،
سنة اهلل في عب اده ّأنه بعثهم إذا استعتبوه قبل وقوع العذاب ،فإذا وقع العذاب ّل ينفع نفسا
إيمانها...حين يوفون أعمالهم يوم القيامة ،أي :العذاب الذي تخلدون فيهّ ،ل يفتر عنكم
لما أراد سبحانه التأكيد على وجود الجزاء الذي
ساعة ،من الكفر والتكذيب والمعاصي" ّ ،
3
كيان
وعد به عباده استخدم آلية من آليات التوكيد وهي القصر ،ليوقظ به ضمائر ويهز ّ
عز وج ّل.
يصدع قلوب كل مك ّذب بكالم اهلل ّ
َْْ َ َ َا َ َ َ َْ ُ
اه ْم فَلَ ْم ُن َغادِرْ َ َ َْ ُ َ لُ ْ َ َ
اْل َبال َوت َرى اْلرض بارِزة وحّشن
وقال في موضع آخر﴿ :ويوم نس ِْي ِ
ُْ ْ َ
َ ا 4
فعبر ع ن هذه األـشياء بالماضي ،تنبيها على تحقيق وقوعها مِنهم أحدا﴾ " ،أي نحشرهمّ ،
كشيء مضى وفرع منه مبالغة في التهديد والوعيد" ،5ذلك باإلعتماد على الوصل لمعاني
البعث الذي أ ّكد بهذا األسلوب باعتباره من أهم مقاصد العقيدة.
- 1عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .745
- 2يونس ،آية .03- 01- 05- 79
- 3عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .272
- 4الكهف ،آية .74
- 5الطوفي سليمان ،اإلكسير في علم التفسير ،ت :عبد القادر حسين ،دار الوزاعي ،بيروت ،لبنان ،ط ،1979 3ص
.173
53
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
َْ َ ُ َ َ ْ ِ َّ َ َ َ َ َ َ ْ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ َ َّ َ َ َ َّ
اَّلي آ َمن يا قو ِم اتبِعو ِن أه ِدكم سبِيل الرشادِ ( )27يا قوم إِنما ه ِذه ِ اْلياة وقالَ ﴿ :وقال ِ
ِه َد ُار ال ْ َق َ
خ َرةَ ِ َ ُّ ْ َ َ َ ٌ َّ ْ
فأنه
ّ عون فر لكم يقول كما ّل لقومه نصيحته "معيدا ،1
﴾ ار ر ِ َ اَل النيا متاع ِإَون
ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكالم بالقبول وهو متضمن لمعاني البعث والجزاء بأسلوب
التوكيد بواسطة التكرار الذي يراد به تثبيت حقيقة البعث والجزاء في نفس السامع باعتباره
تقرر.
من مقاصد العقيدة التي جاء القرآن الكريم من أجل تقريرهـا لذا قيل الكالم إذا تكرر ّ
َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َّ ُ َ ْ َ َّ ُ ْ َ َّ ُ
اْلاقة﴾" ،3من أسماء يوم القيامة اْلاقة ( )3وما أدراك ما اْلاقة ( )1ما وقال أيضا﴿ :
ظم تعالى
ألنها تحق وتنزل بالخلق ،وتظهر فيها حقائق األمور ،ومخبآت الصدور ،فع ّ
ّ
أن اهلل أهلك األمم
فإن لها شأنا عظيما ،وهوّل جسيما ،ومن عظمها ّ
كررهّ ،
شأنها وفخمه بما ّ
أن عظم وهول يوم القيامة
المكذبة بها بالعقاب العاجل" ،حيث اعتمد التكرار للتأكيد على ّ
4
حق ّل مفر منه على كل واحد التصديق به ،فالتوكيد إذا يعمل على إزالة الشكوك والظنون
وترسيخ المعنى المقصود في نفس السامع ،وهذا ما يزيد من تقرير العقيدة لديه.
ُ َّ َّ ُ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ َ َ ُ َّ ُ
ام ِة تبْ َعثون﴾ " ،5أي وقال كذلك﴿ :ث َّم إِنك ْم َبع َد ذل ِك ل َم لي ِ ُتون ( )10ثم إِنكم يوم ال ِقي
التكاثر ولبادرتم إلى األعمال الصالحة ،ولكن عدم العلم الحقيقي صيركم إلى ما ترون
أعدها اهلل للكافرين" ،2حيث اعتمد على التوكيد اللفظي
ترون القيامة فترون الجحيم التي ّ
في إثبات حقيقة البعث في نفس السامع لما تحمله من التوكيد من قوة إقناع وتوضيح
السمحاء.
للمعنى ،وهذا كله لتقرير العقيدة ّ
َ َ َّ َ َ ُ َ 3 َ َ جرم ََّ ْ ُ ْ
أن الذين أجرموا
ّ "يقصد ، ﴾ ونال
ِ خ م ن ه ج اب
ِ ذ ع ِف
ِ ِي وقال ج ّل ثناؤه﴿ :إِن الم ِ
جهنم منغمرون فيها ،يحيط بهم العذاب من كل جانب ،خالدين
بكفرهم وتكذيبهم في عذاب ّ
فيهّ ،ل يخرجون منه أبدا" ،4ولتأكيد وجود كل هذه الحقائق وظّف سبحانه أسلوب التوكيد
"إن" من مؤكدات الخبر. ألن ّ
"إن" على الجملةّ ،
بالزيادة ،وذلك بإدخال ّ
ّ
َ َ ْ ٌ َ َ ْ َ ٌ َ َ َّ ُ َ ْ َ َ
َ َّ ْ َ َ ُ َ َّ َ
يم﴾ " ،5أي وهم اللذين
وقال﴿ :فأما إِن َكن مِن المقربِي ( )77فروح وريحان وجنة نعِ ٍ
المحرمات والمكروهات وفضول المباحات ،فلهم راحة
ّ ّأدوا الواجبات والمستحبات وتركوا
وطمأنينة وسرور وبهجة ونعيم القلوب والروح ،وريحان وهو اسم جامع لكل لذة بدنية
من أنواع المآكل والمشارب وغيرها وجنات نعيم جامعة لألمرين كليهما ،فيما ّل عين رأت
وّل أذن سمعت ،وّل خطر على بشر المقربون عند اّلحتضار بهذه البشارة التي تكاد تطير
"أما" التي تتضمن معنى الشرط ،وذلك لتقوية المعنى أكثر وترسيخه
بإدخال الحرف ّ
في النفوس .وبذلك تحقيق مقصد من مقاصد العقيدة اإلسالمية.
ٌ 2 َ َ ُّ َ َّ ُ َّ ُ َ َّ ُ ْ َّ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ْ ٌ َ
وقال كذلك﴿ :يا أيها اَلاس اتقوا ربكم إِن زلزلة الساعةِ َشء ع ِظيم﴾ " ،يخاطب اهلل
غيرهم ،وقد تنحل عزيمته ،وهم قد يكون بهم مانعة يدافعون بها عن أنفسهم ،فكيف بمن
ك ّذب أصدق الخلق ،المعصوم في خبره الذي ّل ينطق عن الهوى ،بالعذاب اليقين ،الذي ّل
مدفع له وّل ناصر منه؟ أليس رد خبره ،حجة عدم بيانه وقت وقوعه من أسفه السفهة؟!!
عدته" ،5ولقد أ ّكد اهلل
ك فيه ،فاحذروا ذلك اليوم وأعدوا له ّ
لهم مخبر بوقت وقوعه الذي ّل ش ّ
- 1عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .755
- 2الحج ،آية .51
- 3عبد الرحمن ن اصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .050
- 4سبأ ،آية .25- 39
- 5عبد الرحمن ناصر السعدي ،تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص .679
55
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
"إن" مراعاة لمنكري البعث الذي جاء القرآن الكريم لتحقيقه ألّنه
الخبر بإدخال التوكيد حرف ّ
من أهم المقاصد اإلسالمية ،وذلك لتوضيح المعنى وتقريره في ذهن السامع.
ْ َ َ َ ك ْم ِِلَ ْو ِم ْ َ
اْل ْم ِع ذل ِك يَ ْو ُم اْلَّغابُ ِن َو َم ْن يُؤم ِْن
َ َْ َ َْ ُ ُ
كما جاء في سورة التغابن﴿ :يوم يمع
ين ف ِ َ
ال َ ْ َْ َ ََْْ ُ َ َْ ك لف ْر َعنْ ُه َسيلئَاته َويُ ْدخل ْ ُه َج َّ
َّ َ َ ْ َ ْ َ ا ُ َ
يها ِِ خ ار ه ناْل ا هِ ت ْح ِن م ي ر
ِ َت اتٍ ن ِ ِ ِ ِ ِ بِاَّلل ِ ويعمل صاْلِ ا ي
ين فِيهاَ ال َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ َّ َ ُ َ َّ َ َ َ ُ َ َ َّ ُ َ ََ ا َ َ َْ ْ ُ ْ
اَّلين كفروا وكذبوا بِآ َياتِنا أولئِك أصحاب اَلار ِ خ ِ ِ أبدا ذل ِك الفوز الع ِظيم ( )9و ِ
ْي﴾ " ،1يعني اذكروا يوم الجمع الذي يجمع اهلل به األولين واآلخرين ،ويوقفهم َوبئ ْ َس ال ْ َمص ُ
ِ ِ
وينبؤهم بما عملوا ،فحينئذ يظهر الفرق والتفاوت بين الخالئق ،ويرفع
موقفا هائال عظيماّ ،
أقواما إلى عليين ،في الفرق العاليات ،والمنازل المرتفعات ،المشتملة على جميع اللذات
الهم والحزن والعذاب الشديد نتيجة ما
والشهوات ،ويخفض أقواما إلى أسفل السافلين ،محل ّ
قدموه ألنفسهم ،وأسلفوه ّأيام حياتهم" .2
هذه من بين اآليات القرآنية الكريمة التي تجلى فيها أسلوب التوكيد لتثبيت اإليمان.
لعل أهم وظيفة للعناصر اللغوية التي يلجأ القرآن إلى تقديمها هي تخصيص الحكم وتأكيد
حدوثه ،لذلك فإن أغلب المفسرين يخرجون اآليات إلي حدث فيها تقديم عنصر أو أكثر
إلى التقديم على أ ن فيها اهتمام بهذا العنصر وعناية تصل حد تقويته بالعبارة ،كأن
في ت قديمه زيادة لفظ دال على التوكيد.
أ /تقديم المسند :
هذا ما وقع في قوله عز وجل﴿ :فَللَّه الْع َّزةُ ََج ا
يعا﴾ ،1من تقديم للمسند على المسند أليه ِ ِ ِ ِ
ومعنى هذا التقديم كما يقول الزمخشري" :أن العزة كلها مختصة باهلل ،عزة الدنيا وعزة
اآلخرة" ،2وهذا الدليل على تخصيص العزة هلل سبحانه وتعالى ،وقدم المسند لتنبيه السامع
ومنعه بذلك من ال ّشك أو توهم الغلط وتزيد منك في الحكم الذي تنسبه له بعد ذلك ،للدّللة
على التوكيد والتحقيق هذا له أثير كبير في التأثير على المتلقي واقرار المعنى.
ُ 3 َ ْ َ َ ْ َ َ ََ ٌ َْ َ َ
كما قال اهلل سبحانه﴿ :قال أراغِب أنت عن آَل ِه ِِت يا إِبراهِيم﴾ " ،اختار الزمخشري
مبتدءا مؤخ ار ،ألنه كان أهم عنده وهو عنده أعنى ،وفيه ت"
ب" خب ار مقدما و" أَن َ كون "ر ِ
اغ ٌ
ً َ
ضرب من التعجب واإلنكار لرغبته عن آلهته ما ينبغي أن يرغب عنها أحد" ،4وبتقديم
المسند على المسند إليه ،يستدعي معنى سياقي ا يفيد توجيه اإلنكار ،الذي دلت عليه الهمزة
إلى نفس الرغبة ،وهذا للدّللة على التعجب ،ألن هذه اآلية تدل على أن أب إبراهيم ينكر
على إبراهيم تمكن الرغبة عن آلهتهم من نفسه ،ويهتم بأمر الرغبة عن اآللهة ألنها موضع
التعجب.
َّ َ ْ َ ُ َ ُ ُ َ َ ُ ُ َ َ ُّ َ َ
وقال اهلل سبحانه﴿ :إِذ قالوا ِلُوسف وأخوه أحب إَِل أبِينا مِنا﴾ ،حيث أن المبتدأ
1
مقرون بــ"ّلم اّلبتداء" التي توجب لها الصدارة في الكالم ،وقُدم المسند للدّللة على بيان
الحال المحبة ليوسف وأخيه من أبيهم على إخوتهم ،على الرغم من أنهم عصبة ،وهذا للفت
نظر السامع والتأثير فيه وتقرير المعنى وايصاله.
ْ 2 َّ ُ َ ْ َ ْ ُ
ألن الخبر جملة فعلية
وقال جل ثناؤه﴿ :اَّلل يسته ِزئ ب ِ ِهم﴾ ،قدم هنا المسند "المبتدأ" ّ
فاعلها ضمير مستتر ،ويكون للدّللة على التّبرك باسم اهلل تعالى ،ألنه هو المخصوص أي
هو وحده الذي يحق له محاسبة الكفار باعتباره سبحانه خالق كل شيء له الحق
ِ
يحاسب .وهذا أفاده تخصيص اهلل وحده في التصرف فيما يشاء ،وّل يحق لمن سواه أن
ّل شريك له
ب /تقديم المسند إليه:
ت َه َذا بآَل َِهت ِ َنا يَا إب ْ َراه ِ ُ
يم﴾"، 3يحلل الزمخشري هذه قال اهلل تعالى﴿ :قَالُوا أَ َأن ْ َ
ت َف َعل ْ َ
ِ ِ
اآلية انطالقا من العالقة اإلسنادية التي تقدم فيها الفاعل وفق ما يقتضيه المقام ،فيرى أن
قصد إبراهيم – عليه السالم -لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم ،وانما
قصد تقريره لنفسه ،ثباته لها على أسلوب تعريضي يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة
وبتبكيتهم " .4وقدم المسند إليه للعناية واّلهتمام به كي يصل إلى المعنى الذي أراده
والتأثير في نفس المتلقي وكذلك أن في تقديمه دّللة على التوكيد.
َ ا ُ َ َ ا َ َ َ َ ْ َ ُّ ْ ُ ُ ُ ُ َ َّ ُ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ
ان تقشعِر مِنه جلود كما قال جل ثناؤه﴿ :اَّلل نزل أحسن اْل ِد ِ
يث كِتابا متشابِها مث ِ
َ ْ َّ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ ُ ْ ُ َّ َ ُ ُ ُ ُ ُ ُ
ي ُجلوده ْم َوقلوبُ ُه ْم إَِل ذِك ِر اَّلل﴾.5اَّلين َيشون ربهم ثم تل ِ
ِ
الزمخشري في تقديم المسند في هذه اآلية دّللتان إحداهما التوكيد وأخرى لقد رأى ّ
َ َ
أن اسم اهلل مبتدأ "ن َّزل" عليه فيه تفخيم بحيث قدم لفظ الجاللة لتوكيد
التخصيص ،إذ يرى ّ
الحكم وتقريره ألنه يحمل دّللتيي التوكيد والتخصيص ،وهذا للتأثير في نفس المتلقي فحسن
الحديث ّل يجوز أن يصدر إّل عنه فهذا تأكيد إلسناده إلى اهلل وأنه من عنده.
َ ُ
وجاء في قوله عز وجلَ ﴿ :وه َو ُي ْطعِ ُم َوَل ُي ْط َع ُم﴾ ،1وعلل ما تتميز به هذه اآلية
عن سابقتها كون اإلسناد هنا جاء بصورتين ،وذلك حسب الفعل الذي جاء مثبتا ،المسند
إليه مقدم والفعل الثاني منفيا المسند إليه لم يقدم،إذ لم ي َقل":وهو ّل يطعم"رغم صحة
الدّللة
استعماله وذلك ألمر يرجع إلى المعنى المراد سياقيا فقد أ ّكد على فاعل اإلطعام ،و ّ
من هذا التقديم العناية به وتقويته له وهذا التقرير المعنى الذي أراده اهلل ،والتأثير في نفس
المتلقي.
َْ َ ُ ُ ُ َ َ َ َّ ْ َ
وقوله تعالىَ ﴿ :ويَقولون لَع اَّلل ِ الك ِذ َب َوه ْم َيعل ُمون﴾ ،2وقُِّدم المسند إليه وهذا
يقتضي تأكيد الخبر وتحقيقه للدّللة على تمام الوعد ،وفي الوفاء به فهو من أحوج األشياء
إلى التأكيد وهذا يساهم في إيصال المعنى المراد والتأثير في نفس المتلقي.
ج -تقديم المفعول به:
"السماء" على الفعل "وتقديم ،ُ َ 3
﴾ ون ع س و ُ
م
َّ َ
ل ا ِإَون د اها ب َأي ْ
َ َّ َ َ َ َ ْ َ َ
قال سبحانه﴿ :والسماء بنين
ّ ِ ٍ ِ
الذي تعدى إليها لالهتمام بها ،ثم بسلوك طريقة اّلشتغال زاده تقوية ليتعلق المفعول بفعله
مرتين ،مرة بنفسه ،ومرة بضميره ،ذلك اّلشتغال في قوة تكرار الجملة" 4وتقدم المفعول به
ألن السماء تدل على قوة وقدرة عظيمة لخالقها ،وهذا
للدّللة على العناية واّلهتمام بهّ ،
للتأثير على المتلقي وزيادة في توكيد المعنى بهذا التقديم.
ألن
النفي واإلثباتّ ،
بمجرد الجمع بين ّ
ّ المفعول به هنا للقصر ،وقد حصل القصر أوّل
حالهم كحال من ينكي غيره كما قيل :يفعل الجاهل بنفسه ما يفعل العدو بعدوه" ،2وبهذا قدم
المفعول به لبيان حال الذين ظلموا أنفسهم ،وهذا ليكون أبلغ في التأثير ،وزيادة في تأكيد
المعنى لدى السامع أو المتلقي.
اك ن َ ْس َتع ُ
ي﴾ ،3قدم المفعول به على الفعل اك َنعْ ُب ُد ِإَويَّ َ
وجاء في قوله عز وجل﴿ :إيَّ َ
ِ ِ
اهتماما به ،وشأن العرب تقديم األهم على المهم ،وهذا يمثل إقرار المؤمن بالربوبية والتذلل
وتحقيق العبادة هلل وحده ّل شريك له ،وهذا للدّللة على اّلختصاص ،أي معنى التوحيد
وهذا لتوكيد المعنى في نفس السامع.
ُ ْ َ َ َ ْ َ َّ َ ْ ُ ل َ
ْ ُ ُ 4 ُ
وّن أعبد﴾ ،والمعنى :نخصك بالعبادة ونخصك وقال عز وجل﴿ :قل أفغْي اَّلل ِ تأمر ِ
بطلب المعونة ،حيث قدم المفعول به على الفاعل للدّللة على اّلختصاص فاهلل وحده
المعبود وّل شريك له ،وهذا للفت نظر المتلقي كذلك لزيادة التوكيد العبارة أكثر.
َّ َ َ ْ ْ
اَّلل فاع ُبد﴾ ،5أي ّل تعبد إّل اهلل لذلك قدم المفعول به وقال سبحانه أيضا﴿ :بَ ِل
للدّللة على التنبيه والتوكيد والتأثير في المتلقي ،وهذا ما يدفع المتلقي لالهتمام بالمتقدم.
َ َ َ َ َ ْ َ ْ 6
َ َ َّ ْ
وجاء في قوله عز وجل﴿ :فأما اِلتِيم فَل تقهر﴾ " ،قدم هنا المفعول به هذا لالهتمام
بشأنه ولهذا القصد لم يؤت به مرفوعا ،وقد حصل مع ذلك الوفاء باستعمال جواب "أما" أن
يكون مفصوّل عنه بشيء كراهية مواّلة فاء الجواب ،لحرف الشرط – وهو أمر تركيبي
محض لكونه نمطا لم تنطق به العرب -ويظهر أنهم ما التزموا الفصل بين "أما" وجوابها
بالمتقدم،ألن موقع "أما" ّل يخل
ّ بتقديم شيء من عالئق الجواب إّل إلرادة اّلهتمام
عن اّلهتمام بالكالم اهتماما يرتكز في بعض في بعض أجزاء الكالم ،فاجتالبها أن مناط
اّلهتمام ببعض متعلقات الجملة ،فذلك هو الذي يعتنون بتقديمه" ،1وهذا للدّللة
على العناية واّلهتمام بالمفعول به ،وهذا يؤدي إلى التأثير في المتلقي واقرار المعنى
وتوكيده.
اَّلل م ِْن عِ َبادِه ِ ال ْ ُعلَ َم ُ
اء﴾ ،2وقدم المفعول به وقال عز من قائل﴿ :إ َّن َما ََيْ ََش َّ َ
ِ
على الفاعل ألنه انحصر و بــ"أنما" وب ــ"أّل" ،فكل من كان باهلل أعلم كان أكثر خشية منه
تعالى ،والتقدير في هذه اآلية الكريمة للدّللة على عظمة اهلل و خشيته وهذا بفضل العلم
ألن أهل خشيته أهل كرامته ،وهذا التوكيد أن خشية اهلل تزيد بكثرة العلم هذا للتأثير
على المتلقي وتقرير المعنى في نفسه.
َ َّ ُ ْ َ ََ
ك ُرون﴾ ،3قُدم المفعول به ألنه اسم استفهام ،وهذا
ِ ِن ت اَّلل ات
ِ َي آ َّ
ي وقال اهلل تعالى﴿ :فأ
األخير له الصدارة في الكالم ،وهذا التقديم للدّللة على أن جميع اآليات والنعم منه تعالى
فلم يجوز اإلنكار واإلعراض عنها ،وفي هذه الحالة فهو وحده المعبود وّل شريك له أي
تخصيص العبادة له وذلك ليؤكد المعنى في نفس المتلقي والتأثير فيه.
َ َ َ ْ َ َّ َ
َ َ ا 4 َ ْ
كما قال عز وجل في محكم تنزيله﴿ :أفغْي اَّلل ِ أبت ِغ حكما﴾ " ،أحاكم إليه وأتقيد
بأوامره ونواهيهن ،فإن غير اهلل محكوم عليه ّل حاكم ،وكل تدبير وحكم للمخلوق فإنه
مشتمل على النقص والعيب الجور ،وانَّما الذي يجب أن ُيتَّخذ حاكما ،فهو اهلل وحده ّل
شريك له ،الذي له الخلق واألمر" ،1وقدم المفعول به في هذه اآلية للدّللة على تخصيص
اهلل عز وجل بأن يتخذ حاكما فهو الخالق وحده وّل شريك هلل.
َ َ َ
وقال أيضاَ ﴿ :و َربَّك فك ل ِْب﴾ " ،2أي عظِّمه بالتوحيد ،واجعل قصدك في إنذارك وجه
اهلل ،وأن يعظِّمه العباد ويقوموا بعبادته" ، 3فقدم المفعول به وهذا للدّللة على تخصيص اهلل
وحده بالعبادة وذلك لتأكيد المعنى.
َ ُ َُ ا َ
وحا ه َديْ َنا م ِْن قبْل﴾ ،3وقدم المفعول به في هذه اآلية كما قال في موضع آخر﴿ :ون
الكريمة للدّللة على العناية واّلهتمام بشأن القمر وهذا يؤدي إلى التوكيد.
د -تقديم حرف اإلضافة و مدخوله:
إن تقديم حرف اإلضافة و مدخوله دليل على وقوع الفعل مما يعني تحقيقه والتأكيد
على حدوثه ومن أمثلة هذا التقديم في القرآن الكريم قوله تعالىَ ﴿ :ولَئ ْن َس َأ ْْلَ ُه ْم َِلَ ُقولُ َّن إ َّنماَ
ِ ِ
ُ ُْ ْ َ ْ َ ْ ُ َ 5 ُ َ َ َ َ ُ َّ َ ُ ُ َ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َّ
كنا َنوض ونلعب قل أبِاَّلل ِ وآ َياتِه ِ ورسوَلِ ِ كنتم تسته ِزئون﴾ " ،لم يعبأ باعتبارهم ألنهم كانوا
كاذبين فيه فجعلوا كأنهم معترفون باستهزائهم ،وبأنه موجود منهم حتى بخوا بأخطائهم موقع
اّلستهزاء ،حيث جعل المسته أز به يلي حرف التقرير ،وذلك إنما يستقيم بعد وقوع اّلستهزاء
وثبوته" ،6فتقديم حرف اإل ضافة ومدخوله " ِباللَّ ِه" وما عطف عليه على الفعل دل على أن
- 1عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الك ريم الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص . 377
- 2المدثر ،آية . 52
- 3األنعام ،آية .77
- 4يس ،آية .29
- 5التوبة ،آية .60
- 6الزمخشري ،الكشاف ،ج ،3ص .351
53
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
هذا الفعل قد وقع منهم ،وأن اإلنكار متوجه إلى ما تقدم ّل إلى الفعل في ذاته بِاللَّ ِه ،وقدم
في نفسه. في اآلية دّللة على التخصيص وهذا للتأثير على المتلقي واقرار المعنى
َ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ ا َ َ ا َ ُ ُ ُ َ َ َ َ َ
اء لَع اَلَّ ِ
اس وقال أيضا في سورة البقرة﴿ :كذل ِك جعلناكم أمة وسطا ِْلكونوا شهد
َ ُ ُ ُ َ َ َ ََ َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ َ ْ ُ
ك ْم َشه ا
اس" وبتأخير" َعَلى اء لَع اَلَّ ِ يدا﴾ "، 1يقارن بين " ِْلكونوا شهد ِ ويكون الرسول علي
َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ َ ْ ُ
ك ْم َشه ا النَّ ِ
"علَي ُكم" فيقول :فإن قلت :لم أخرت َ بتقديم "، ا يد ِ اس" وبين "ويكون الرسول علي
صلة الشهادة أوّل ،وقدمت آخ ار قلت ألن الغرض في األول إثبات شهادتهم على األمم وفي
اآلخر اختصاصهم ،ويكون الرسول شهيدا عليهم" ،2وهذا المعنى – أي التخصيص -هو
األول ّل يفيد ما يفيده الوجه الثاني كما
الفارق بين الوجهين من الت قديم والتأخير ،ألن الوجه ّ
أن فكرة التخصيص في هذه الصورة يستشف منها معنى التوكيد بل إنه غالبا ما يعطي
التخصيص والتوكيد كسب لتقديم أحد عناصر الجملة عموما ،بحيث أن التقديم دّللة
التخصيص وهذا للتأثير في المتلقي وتوضيح المعنى وايصاله.
َ ْ َ َْ َْ ُ
وقال أيضا ﴿ :إِِله ِ أدعو ِإَوِله ِ مآ َِب﴾ " ،إليه أدعوا خصوصاّ ،ل أدعوا غيره ،واليه
3
ّل إلى غيره مرجعي" ،4والتقديم في هذه الحالة للدّللة على التخصيص ألن الدعاء ّل يكون
إّل هلل وهذا التقديم للتأثير في المتلقي وكذلك تقرير المعنى وتوكيده.
َ َ َ َ َ ْ َ ْ َْْ َ ْ ُل
ُك اثلَّ َم َ
ي﴾ "، 5ويتعلق التقديم
ِ ن اث يِ جو ز ا يهِ ف لع ج ات
ِ ر وقال سبحانه أيضا﴿ :ومِن ِ
يها َزو َجي ِن اثَني ِن" وبهذا حلَّل أكثر المفسرين تعلق شبه ِ
"ج َع َل ف َ
بـ"و ِمن ُك ِّل الثَّمر ِ
ات" وبـَ : ََ َ
الجملة بفعل الجعل ،فيكون هنا التقديم للتخصيص والتأكيد واّلهتمام بجميع الثمرات ،وقد
رد هذا التخريج الطاهر بن عاشور على اعتبار أنه ّل نكتة في تقديم الجار والمجرور
على عامله على ذلك التقدير ،ألن جميع المذكور محل اّلهتمام فال خصوصية للثمرات
هنا ،وألن الثمرات ّل يتحقق فيها وجود أزواج وّل يكون الزوجين اثنين" ، 1ولعل هذا التعليل
األخير في كالمه هو السبب المقامي لإلتيان بتقديم حرف اإلضافة ومدخوله قصد التنبيه
أنه كما هو كما يكون في جميع المخلوقات الزوجين اّلثنين كذلك الثمرات وهذا كله للدّللة
على التخصيص والتأكيد واّلهتمام بجميع الثمرات بدون استثناء هذا للتأثير على المتلقي
بهذا التق ديم ألن يؤدي إلى إيصال المعنى المراد من هذا اآلية الكريمة ألن التقديم هو الذي
يدفع بالمتلقي إلى التمعن أكثر في آيات اهلل العظيمة بهذا األسلوب باعتباره أسلوب إقناع
و إلزام.
َْ َ ُ ُ ُ َ َ َ َّ ْ َ
قال تعالىَ ﴿ :ويَقولون لَع اَّلل ِ الك ِذ َب َوه ْم َيعل ُمون﴾ " ،2وذلك أن الكذب ّل سيما
في الدين ّل يعترف بالعلم بأنه كاذب ،واذا لم يعترف بأنه كاذب كان أبعد من ذلك أن
يعترف بالعلم بأنه كاذب" ،3وانصب قول اإلنكار أن يكون على اهلل ثم بين المفعول به الذي
نعد إليه فعل القول فبين اّلهتمام بحرف اإلضافة و مدخوله على اهلل للدّللة على العناية
واّلهتمام بهذا لتأكيد اآلية والتأثر في المتلقي.
َ َْ َ ََْ ُ ْ َ َ ُ ُ ُ ْ َ َْ ُْ ُ ُ ْ َ َا ُ ْ
وقال عز وجل﴿ :مِنها خلقناكم وفِيها نعِيدكم ومِنها َن ِرجكم تارة أخرى﴾ "وتقديم
4
اإلنسان ثم يعود إليه ،لتأكيد المعنى والتأثير في المتلقي بهذا األسلوب باعتباره أسلوب
إقناع و إلزام.
ه -تقديم الظرف:
ٌ َ َ َ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ َ َّ ُْ ْ َ َ ْ
قال تعالى﴿ :فل ْوَل إِذ َسمِع ُت ُموهُ قل ُت ْم َما يَكون َلَا أن ن َتَك َم ب ِ َهذا ُسبْ َحانك هذا ُب ْه َتان
َع ِظ ٌ
يم﴾ " ،1حيث ذكر َّ
أن فائدة تقديمه تكمن في بيان ّأنه كان الواجب عليهم أن ينقادوا أول
ما سمعوا باإلف ك عن المتكلم به ،فلما كان ذكر الوقت أهم وجب التقديم" " ،2أي أنه كان
عليهم بمجرد سماع الخبر أن يتبرؤوا من الخوض فيه" ،3فاّلهتمام هنا إنَّما هو منصب
على الوقت وبيان مدى تعلق الغرض به ّل على قولهم ،وذلك ألنك تقول لمن لم يرد
على خصم لك ذكر بسوء لو أنَّك في تل ك اللحظة قلت له كذا وكذا تسديد منه على أهمية
الوقت والرد على الحصر في ذلك الحين وألن في هذا دّللة اآلية دّللة على أهمية الوقت
في اتخاذ القرار والرد على الخصم ويجب عدم التسرع لما في ذلك من الضرر ،كذلك لها
هذا التقديم أهمية في تأكيد المعنى والتأثير على المتلقي.
َّ َّ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ َ
"إن"
ّ بحرف التأكيد أفاد وقد 4
﴾ ة
ِ اع وجاء في قوله جل جالله﴿ :إن اَّلل عِنده عِلم الس
تحقيق علم اهلل تعالى بوقت الساعة ،وذلك يتضمن تأكيد وقوعها وفي كلمة َّ
"إن" إشارة
إلى اختصاصه تعالى بذلك العلم ،ألن العنديَّة شأنها اّلستئثار ،وتقديم ِ
"عن َد" وهو ظرف
5
مسند على المسند إليه ويفيد التخصيص بالقرينة الدالة على أنه مراد به مجرد التقوى"
فدّللة تقديم الظرف في هذه اآلية تخصيص اهلل سبحانه وتعالى بعلم وقت الساعة فهو
وحده الذي عنده علم وقتها باعتبارها من الغيبيات التي ّل يعلمها إّل اهلل الواحد ،الذي
ّل شريك له خالق الكون والمدبر فيه ،فمن المنطقي أن يكون هو فقط ّل سواه يعلم وقت
قيام الساعة.
وحده ّل شريك له وهنا لتأكيد هذا الخبر الذي ّل يحتمل أي شك وهذا للتأثير على المتلقي
أي نقص. وايصال المعنى كامال بدون
ََْ َ ُْ إن :قال تعالى﴿ :إ َّن َّ َ
ُم ِر ٌج َما ْحذ ُرون﴾ 1فاهلل سبحانه وتعالى يخرج كل ما تذرون اَّلل ِ
ظهوره من القبائح ،واستعمال أسلوب التوكيد من أجل دفع التردد أورد اإلنكار فاهلل أوفى
بوعده وهذا إلقرار المعنى والتأثير على السامع باإلقناع واإللزام.
لَع ال ْ َعالَم َ
ي﴾ ،2لقد
َّ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ُ ا َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ
وقال أيضا﴿ :إن اَّلل اصطِف آ َدم ونوحا وآ َل إِبراهِيم وآ َل عِمران
ِ
فسر بن عاشور هذا النوع من التراكيب في ضوء معناه المقامي فرأى أنه "إنما ابتدئ الكالم
ّ
بمسند إليه خبره فعلي وذلك إلقامة تقوية الخبر اهتماما به" ،3وهذا للدّللة على أن اهلل قام
بالفعل على وجه الحقيقة لذلك أسند الفعل "اصطفى" له وحده ّل شريك له وهذا دليل قاطع
على عظمته ،هذا لالهتمام به وهذا للتأثير طبعا في السامع.
َ ُ َ ْ َ َ َّ
وقال تعالى﴿ :إِن ُر ُسل َنا يَك ُت ُبون َما ت ْمك ُرون﴾ " ،4وتأكيد الجملة لكون المخاطبين
يحسون أنهم يمكرون بالنبي – صلى اهلل عليه وسلم -وأنيعتقدون خالف ذلك ،إذ كانوا ّ
َّ
الموكلين بإحصاء األعمال مكرهم يتمشى عليه وّل يشعر به ،فأعلمهم اهلل بأن المالئكة
يكتبون ذلك ،والمقصود من هذا أن ذلك محصي عليهم ّل يهمل وهو إنذار بالعذاب عليه
"إن" على هذه الجملة للدّللة على تأكيد العدل
وهو يستلزم علم اهلل تعالى بذلك" ،أُدخلت ّ
5
على أن اهلل عز وجل ّل يصلح عمل المفسدين و ّأنه منزه عن ذلك ،وهذا دليل على عظمته
عدله ،وتأكيد الخبر هنا جاء للتأثير على المتلقي وتقرير المعنى أكثر ولذلك أكد ب" :إن"
زيادة في إلغاء الهول في نفوسهم.
ض َو ََل ِف َّ
الس َماءِ﴾ " ،2وهذا ِ َش ٌء ِف ْاْلَ ْ
ر اَّلل ََل ََيْ َِف َعلَيْه ِ َ ْ
وقال عز وجل أيضا ﴿ :إ َّن َّ َ
ِ ِ ِ
فيه تقرير إحاطة علمية بالمعلومات كلها ،جليها وخفيها ظاهرها باطنها ،ومن جملة ذلك
األجنة في البطون التي ّل يدركها بصر المخلوقين وّل ينالها علمهم ،وهو تعالى يدبِّرها
أن" على الكالم لتأكيد علم اهلل
ويقدرها بكل تقدير" ،ودخول حرف التوكيدّ ّ
3
بألطف التدبير ّ
عز وجل بك ّل شيء ،وذلك من أجل إقناع المخاطب. ّ
َّ َ ُ ْ َ َ ٌ َ ٌ َ َّ ُ َ ٌ ُ ْ َ َّ َّ َ َ َ
4
يز ذو انتِقا ٍم﴾ ين كف ُروا بِآ َيَ ِ
ات اَّلل ِ لهم عذاب ش ِديد واَّلل ع ِز وقال أيضا﴿ :إِن ِ
اَّل
َّ
فالدّللة في هذه اآلية الكريمة على التهديد الرهيب للذين كفروا بعذاب شديد ،وذلك
"إن" لتأكيد الخبر هذا الخبر ب" :إن" للتأثير على المتلقي واقرار
باستعمال حرف التوكيد ّ
المعنى المراد منه.
َّ ُ ْ ُ َ ٌ َ َ َ َّ ُ َ
وقال كذلك﴿ :إِنهم أناس يتطهرون﴾ " ،علة األمر باإلخراج ،ذلك شأن "إن" إذا
5
جاءت في مقام ّلشك فيه وّل إنكار ،بل كانت لمجرد اّلهتمام فإنها تفيد مفاد فاء التفريع
وتدل على الربط والتعليل" ،6على ما فيه دّللة توكيدية متصلة ألن التطهر متكرر منهم
ومتجدد ذلك لتأكيد المعنى وتحقيق المراد منه للتأثير في المتلقي بأسلوب التوكيد باعتباره
آلية من آليات اإلقناع التي تدفع السامع إلى التمعُّن أكثر.
َ ُ َّ َّ ََ ََ
ين آ ََم ُنوا إِن ُه ْم ُمَلقو َربل ِ ِه ْم﴾ " ،1وجملة "ِإَّنهُم ُم َالقُو
اَّل َ ِ ار َ
قال جل ثناؤه﴿ :وما أن ِ ِ ِ
د ط ب ا
َربِّ ِهم " في موقع التعليل لنفي أن يطردهم بأنَّهم صائرون إلى اهلل في اآلخرة ،فمحاسب
من يطردهم ،هذا إذا كانت المالقاة على الحقيقة أرادوا أنهم يدعون ربهم في صالته
إن" إن كان اللقاء حقيقة لرد
فينتصر اهلل لهم ،فإذا كانت المالقاة مجازية تأكيد الخبر بّ " :
إنكار قومه البعث ،وان كان اللقاء لمنكري البعث والتأكيد لالهتمام بذلك اللقاء" ،2فذلك
للدّللة على أهمية اللقاء لمنكري البعث وتأكيد الجملة للتأثير على المتلقي وتأكيد الخبر
"إن" كان الخبر جاء لرد إنكار قومه البعث وان كان اللقا ء مجا از فالتأكيد لالهتمام بذلك
بّ :
اللقاء ،وقد زاد هذا التأكيد تأكيدا.
إن" جيء بها َ 3 َّ ُ ْ َ َّ
وقال جل شأنه﴿ :إِنهم مِن الصاْلِ ِي﴾ ،وهذه الجملة المصدرة بّ ":
اهم ِفي َرح َمتَِنا﴾ ،4وهذا
كتعليل إلدخالهم في رحمته وتذليل للكالم في قوله تعالىَ ﴿ :وأَد َخلَن ُ
يفي د أن تلك سنة اهلل مع جميع الصالحين ،وهذا للدّللة على رحمة اهلل بعباده الصالحين
فإن الجزاء من جنس العمل فلقد
ألنهم الكاملون في الصالح لعصمتهم من الذنوب ،ومنها ّ
صدق عهد اهلل للصاحين من التأكيد المعنى والتأثير على المتلقي.
َّ 5 َّ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ َّ ُ ُ َّ َ ُ
النجاة ولم
ّ ا
و يطلب "لم ﴾ِ اَّلل ن
ِ ود ِن م اء ِل
ِ وأ يطِ ا ي الش وا ذ قال عز وجل﴿ :إِنهم اَّت
تفكروا في ضالل الشرك البين ،ولكنهم استوحوا شياطينهم ،وطابت نفوسهم بوسوستهم
وأتمروا ،واتخذوهم أولياء ،فال جرم أن يدوموا على ضاللهم ألجل اتخاذهم الشياطين أولياء
والتردد ،إذ ّل شك فيه ،وانما المقصود من الحرف الدّللة على اّلهتمام بالخبر ،من شأن
4
"ِإ َّن " جاءت لالهتمام أن تقوم مقام فاد التفريغ ،ونفيد التعليل وربط الجملة بالتي قبلها"
"إن"للدّللة على اّلهتمام بالخبر ذلك يؤدي إلى تأكيد المعنى عند المتلقي.
وفي هذا المقام ّ
َ
َّ ُ ْ ْ َ ْ َ ُ َ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ ُ ُ ْ ْ ُ ُ ُ
يدوك ْم وقال جل من قائل في كتابه العزيز﴿ :إِنهم إِن يظهروا عليكم يرَجوكم أو يعِ
ْ 5 َّ
"إن" الدالة على التوكيد ،ألن حدوث الشرط سيكون ّ بالحرف اآلية ،تصدرت ﴾ م ه
ِِف مِل ِ
ِ ت
على المصدرية والتوكيد لتحقيق هذا السبب وتأكيده ،ألنه محل غرابة وجعل السند فعال
أن ُخلق
ماضيا ّل فائدة أن وصف التكذيب قديم راسخ فيهم ،فكان رسوخ ذلك فيهم سببا في ّ
الختم على قلوبهم فال يشعرون بنقائصهم ،وّل يصلحون أنفسهم فال يزالون متكبرين
الطبع و ُ
ُ
معرضين غاوين.
الالم بالمسند والمسند إليه على اختالف صورهما الصرفية ورغم
الالم :وتقرن هذه ّ
اختالف تسميتهما عند النحاة بسب خصوصية استعمالها ،إّل أن الدّللة التي تؤديها
في جميع هذه اّلستعماّلت هي التوكيد وهي "ّلم اّلبتداء" و"الالم الموطأة" و"ّلم جواب
القسم" و"الالم المزحلقة" و"الالم الواقعة في جواب الشرط ّلمتناع" ،وسنورد أمثلة لبيان ما
تؤديه سياقيا في الخطاب من خالل النص القرآني.
َّ 2 َ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ ْ َ َ ُّ َ ْ َ ا
قال جل ثناؤه في محكم تنزيلهْ﴿ :لنتم أشد رهبة ِِف صدورِهِم مِن اَّلل ِ﴾ ،دخلت ّلم
اّلبتداء في اآلية تأكيد الرهبة الواقعة التي يكذب بها المنافقين وهذا لتأكيد الكالم وايصال
المعنى بصورة أكثر قوة باعتبار التوكيد من آليات اإلقناع.
َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ ُّ َ َ َ ْ َ
َتَض﴾ ،3هنا دخلت ّلم اّلبتداء على "سوف" وقال أيضا﴿ :ولسوف يع ِطيك ربك ف
وذلك لتأكيد على حدوث الفعل وتنفيد اهلل عز وجل لوعده في اآلخرة بال حساب وّل سابق
عذاب.
َّ ُ ْ َ ُ َ
اَّلل ِِلَغفِرََل ُه ْم﴾ ،4في هذه اآلية دخلت الالَّم أيضا وقال اهلل تعالى كذلك﴿ :ل ْم يَك ِن
على المضارع دّللة على النفي والتوكيد ،وهذا يؤدي إلى تحقيق المعنى في النفس باعتبار
أن "الالم" من األدوات التي تستعمل للتوكيد أي أنها من أساليب اإلقناع.
ّ
َّ َ ْ َ ُ َ ُ ُ َ َ ُ ُ َ َ ُّ َ َ
وقال كذلك ﴿ :إِذ قالوا ِلُوسف وأخوه أحب إَِل أبِينا مِنا﴾ ،دخول ّلم اّلبتداء
1
على انفراد اهلل عز وجل في ألوهيته ،و ّأنه سبحانه وحده ّل شريك له هو الخالق المعبود ّل
"إنما" من مؤكدات الخبر.
أن ّ غير ،أي تخصيصه بالعبادة ،باعتبار ّ
أن اهلل المعنى
و الحصر هنا ما""إن أفادت ،3
﴾ د ح
ِ اووقال كذلك﴿ :قُ ْل إ َّن َما ُهوََإ َ ٌَل َ
ّ ّ ِ ِ
مخصوص بالوحدانية ونفي أن يكون معه آلهة أخرى ،وهو و ّأنه حده المخصوص بالعبادة
وهذا لتأكيد المعنى في نفس المتلقي أي إقناعه.
ْ َ ُ ْ َّ َ َ َّ َ َ ل َ ْ َ َ َ
حش َما ظ َه َر مِن َها َو َما َب َط َن﴾ " ،4والجلمةوقال جل ثناؤه﴿ :قل إِنما حرم ر ِّب الفوا ِ
الدّللي
لما قبلها ،ويشرح لنا بن عاشور دوره ّ
تعد تذييال ّ
ألن هذاه الجملة ّ
للتأكيد المعنى ّ
ألن اإلخبار عن اليهود
في هذه اآلية فيرى ّأنه جاء به لطمأنة نفوس المؤمنين بنصر اهللّ ،
بأنهم يريدون ضالل المسلمين و ّأنهم أعداء للمسلمين من شأنه أن يلقي الروع في قلوب
ّ
المسلمين.
َّ ل 1 َ َ َ َّ ْ َ َ ْ ُ
سهِن﴾ ،كما جاءت الباء الزائدة للدّللة على زيادة التوكيد وهذا
وقال أيضا﴿ :يَتبصن بِأنف ِ
ألنه من أساليب
النفي ،هذا ما يؤدي إلى التأثير في المتلقي بهذا األسلوب ّ
على توكيد ّ
اإلقناع.
ْ َ ْ َ ُ
ِبذ ِع اَلَّخلة﴾ ،3اتصال الباء الزائدة بالمفعول به وقال عز من قائلَ ﴿ :وه ل ِزي إِِل ْ ِ
ك ِِ
دّللة على الثّبات والتوكيد وهذا للتأثير على المتلقي.
َ ْ َ ََ ََْْ َ ْ ُل
يج﴾ ،يظهر جل ـيا أن "من" في هذا
4
من :قال جل شأنه﴿ :وأنبتنا فِيها مِن ِ
ُك زو ٍج بهِ ٍ
الموضع مزيدة للتوكيد ،وزيادة "من" في غير النَّفي نادرة ،أي أقل من زيادتها في النَّفي
ولكن زيادتها في اإلثبات واردة في الكالم الفصيح وهذا للدّللة على العموم والتوكيد.
يها م ِْن بَ َرد﴾ " ،5المقصود من التوكيد َن ُل م َِن َّ
الس َماءِ م ِْن ج َبال ف ِ َ َ َُل
ِ ٍ وقال أيضا ﴿ :وي ِ
أن اهلل أنبت ما على األرض من أنواع حين َّادعوا
بالحرف "من" تنزيلهم منزلة من ينكر ّ
ألن الكالم فيها
استحالة إخراج الناس من األرض ولذلك جيء بالتوكيد في هذه اآلية ّ
على المشركين " ،1والتوكيد هنا للدّللة على قدرة اهلل سبحانه وتعالى فهو القادر على كل
شيء.
َّ َ ْ َّ
ول إَِل ِِلُ َطاع بِإِذ ِن اَّلل ِ﴾ " ،2يخبر تعالى خب ار وقال جل ثناؤهَ ﴿ :و َما أَ ْر َسل ْ َنا م ِْن َر ُ
س
ٍ
الرسل أن
الرسول ،واّلنقياد له ،وأن الغاية من إرسال ّ
في ضمنه األمر والحث على طاعة ّ
يكونوا مطاعين" ،3وهذا للدّللة على اإلثبات والتوكيد على وجوب طاعة الرسل من غير
تشكيك في صدقهم واخالصهم.
َُ ُ
ود َها اَلَّ ُ َّ َ َّ َ َّ ُ َ َْ ُ َ ْ َ َْ ُ
اس ار ال ِِت وق وقال أيضا﴿ :فإِن ل ْم تف َعلوا َول ْن تف َعلوا فاتقوا اَل
َ ْ َ َُ
ارة﴾ 4دخلت "لن" في هذا المقام على هذه الجملة للدّللة على التوكيد ،وتشديد نفي واْلِج
على نفي الفعل في المستقبل وهذا لتأكيد المعنى وذلك للتأثير على المتلقي.
َ ْ َ ْ ًّ 6
ََْ ُ َ لَ ْ
سيا﴾ ،في هذا المقام أيضا دخلت "لن" لنفي الفعل وقال كذلك﴿ :فلن أكلِم اِلوم إِن ِ
أي ّل ندعوا إله آخر من دون اهلل وهذا لتأكيد التوجيه له وكذلك للدّللة على النفي
الزمان.
المستغرق تأبيد ّ
َ َ َ ُ َ َ ُ ٍ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ْ َ َّ َ ْ َ ْ
أن
وَح إَِل نوح أنه لن يؤمِن مِن قومِك إَِل من قد آ َمن﴾ ،حيث ذكر ّ
1
وقال تعالى﴿ :وأ ِ
فيه تأييسا له من إيمان بقية قومه ،كما د ّل الحرف"لن" على تأبيد النفي في المستقبل أي لن
يؤمنوا باهلل أبدا.
َ
ج َزهُ ه َرباا﴾ ،2جمع بين
ََْ ُ ْ
ع ن نلو ض
ِ ر وقال تعالىَ ﴿ :و َأنَّا َظ َن َّنا أَ ْن لَ ْن نُعج َز َّ َ
اَّلل ِف ْاْلَ ْ
ِ ِ ِ
الدال
معنى التأبيد والتأكيد "والظن هنا مستعمل في اليقين بقرينة تأكيد المظنون بحرف "لن" ّ
على تأبيد النفي وتأكيده ".3
َ َ ْ ُ َ ل َّ ُ َ ْ ا َ َ َ
َ ُ َ 4 خ َر اَّلل نفسا إذا ج َ
اء أجلها﴾ ،يقول الزمخشري في تفسيره ِ وقال عز وجل﴿ :ولن يؤ ِ
" دّللة "لن"على التوكيد في هذه اآلية " َوَلن ُي َؤ ِّخَر اللَّهُ" نفي التأخير على وجه التأكيد الذي
معناه منافاة المنفي" ،5وهنا لن دلّت على نفي التأخير وهذا لتأكيد المعنى والتأثير
على المتلقي
َّ َّ َ َ
ك َف ُروا بآ َيَات ِ َنا َس ْو َف نُ ْصلِيه ْم نَ ا
6
ارا﴾ ِ ِ سوف :قال عز وجل في سورة النساء﴿ :إِن ِ
اَّلين
"إن" للدّللة على توكيد النسبة بعدها ،ثم إن المسند فيها جاء مصد ار بأداة
صدرت الجملة ّ
توكيد تفيد اّلستقبال والتوكيد ،ألن الخبر هنا يحتاج إلى مزيد تأكيد بالحصول فيصلى
الكفار نارا ،ووعيد وتهديد وهو أمر سيحدث ّل محالة وهذا لتأكيد المعنى بهذا األسلوب.
َ ُ َْ َ َ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ
ضمير الفصل :قال سبحانه وتعالى في محكم تنزيله﴿ :وقلنا يا آ َدم اسكن أنت وزوجك
ْ ُ
اسك ْن" ليصبح العطف عليه اْل َّن َة﴾ َ " ،7أن ْ َ
ت" في هذه اآلية تأكيد للضير المستتر في " َْ
وهو استعمال العربية عند عطف اسم على ضمير متصل مرفوع فال يكادون يتركونه
ويقصد بذلك زيادة إيضاح المعطوف فتحصل فائدة تقرير مدلول المعطوف حتى ّل يكون
تابعة المعطوف عليه" ،أبرز منه في الكالم ،فليس الف صل يمثل هذا الضمير مفيدا لتأكيد
ألن اإلتيان بالضمير ّلزم ّل خيرة للمتكلم فيه ،فال يكون مقتضى حال وّل يعرف
النسبة ّ
ّل يخلد من حصول تقرير معنى الضمير" .1 تأكيد،ولكنه
ّ أن المتكلم مريد به
السامع ّ
َ َ َ َ َ َّ ْ َ ا ْ َ
أنا أقل مِنك َماَل َو َو الا﴾ ،2دخول الضمير في هذه وقال عز من قائل﴿ :إِن ت َر ِن
اآلية الكريمة دّللة على التقرير والتوكيد وذلك طبعا للتأثير في المتلقي .
ََ َ َْ ْ
ك َنا م ِْن قَ ْريَة إ ََّل َول َ َها ك ِ َت ٌ
اب َمعْلُ ٌ
وم﴾ " ،3فائدة "الواو" هنا ِ ٍ الواو :قال جل ثناؤه﴿ :وما أهل
تأكيد لصوق الصفة بالموصوف كما يقال في الحال "جاءني زيد عليه ثوب" و"جاءني عليه
بأن الذين
أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر" وهذه الواو هي التي أذنت ّ
4
ثوب" للدّللة وعلى ّ
َْ ٌ َ
قالواَ ﴿" :سبْ َعة َوثام ُِن ُه ْم َك ُب ُه ْم﴾ ،5قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس ،ولم يرجموا بالظن كما
غيرهم" ،6وهذه الدّللة تضمنها مجيء واو تزاد بعد "إّل" لتأكيد الحكم المطلوب إثباته ،إذا
كان في محل الرد واإلنكار نحو" :ما من أحد إّل وله طمع وحسد" واألصل أّلّ تدخلها
الواو.
َ ْ َّ َ َ َ َْ ْ
كقوله تعالىَ ﴿ :و َما أهلك َنا م ِْن ق ْريَ ٍة إَِل ل َها ُمن ِذ ُرون﴾ ،7لكن لما شابهت صورتها
أن اتصافه
صورة الحال أدخلت عليها تأكيدا للصوق الصفة بالموصوف وهذا للدّللة على ّ
55
داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج الفصل الثاني
بها أمر ثابت وهذا لتأكيد المعنى والتأثير على المتلقي بأسلوب التوكيد ألنه من األساليب
التي لها التأثير الكبير على نفس السامع باعتباره من آليات اإلقناع واإللزام.
خالفه معناه "َب ُع َد" ،وكرر للتوكيد وهو من باب تكرار المسند وهذا للدّللة على تناسب الحكم
الذي يمثله المسند .
ج – تكرار الجملة :
ّسا ( )0إ َّن َم َع ال ْ ُع ّْس ي ُ ْ ا
ّسا﴾ ،4والتكرار في هذه اآلية قال تعالى﴿ :فَإ َّن َم َع ال ْ ُع ّْس ي ُ ْ ا
ِ ِ ِ ِ
الكريمة جاء للدّللة على توكيد العهد وهذا ما يزيد في تأكيد المعنى للتأثير على المتلقي.
َ َْ َ َ ُ َ َّ
الس َماءِ إ ِ ٌَل َو ِِف اْل ْر ِ
ض إ ِ ٌَل﴾ ،1تكرار الجملة الثانية اَّلي ِف َّ
ِ ِ وقال جل ثناؤه﴿ :وهو
دّللة على التوكيد وهذا لتقرير معناها في النفوس وتمكينها في القلوب ،وذلك لتأكيد عظمة
اهلل ووحدانيتة وتقوية اليقين النفسي وترسيخه.
رحيم لذلك السوء الذي صدر عنهم بسبب الجهالة .وقي ل جيء لزيادة اّلهتمام ،بالخبر
إن باسمها لبعد ما بينهما. على اّلهتمام الحاصل بحرف التوكيد والالم ،ويتصل خبر ّ
َ ْ ُ ََ َ َ ْ ُْ َ َ ْ َ َ َّ َّ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ
ح ُّبون أن ُي َم ُدوا ب ِ َما ل ْم َيف َعلوا فَل
ِ ُ ي َ
و اوْ وقال تعالىَ﴿ :ل ْحسَب ِ
اَّلين يفرحون بِما أت
َ َُ ْ َ َ ٌ َ َ ْ َ َ َّ ُ ْ َ َ َ َ ْ َ َ
ٌ 7
اب ولهم عذاب أ ِِلم﴾ ،في هذه اآلية الكريمة كرر الفعل لدّللة ْحسبنهم ب ِمفاز ٍة مِن العذ ِ
أن الفعل الثاني يؤكد الفعل األول ،وبهذا يدخل في حكم المكرر وهذا
على التوكيد بحيث ّ
تأكيد للمعنى.
َ َ َْ َ ُ َ َّ َ َ َْ َ َ َّ
وقال تعالىّ﴿ :لَك َس ْوف تعل ُمون ( )2ث َّم ّلَك َس ْوف تعل ُمون﴾ ،1التكرار هنا جاء للتوكيد
ألن كال الجملتين تحصل نفس الدّللة ،وهي وعيد بعد وعيد
ألن دّللة التوكيد أمر ظاهر و ّ
ّ
أي لو تعلمون ما أمامكم علما يصل إلى القلوب لما ألهاكم التكاثر وّل بادرتم إلى األعمال
ولكن عدم العلم الحقيقي صبركم إلى الجحيم التي أعدها اهلل للكافرين ،ويفهم
ّ الصالحة
من هذا التكرار ّأنه ردع للردع واإلنذار.
َ
َ َ َ ُْ ْ ْ َ َ َ َ ٌ
إِذا رجعتم تِلك عّشة ام ثَ ََلثَةِ أيَّا ٍم ِِف ْ َ
اْل ِلج َو َسبْ َع ٍة قال تعالى﴿ :فَم ْن ل َ ْم َي ْد فَص َلي ُ
ِ ِ
ِ
َ ٌَ
مجرد توكيد كما تقول َكمِلة﴾ " ،2وفي وجه الحاجة إلى الفذلكة في اآلية وجوه ،فقيل هو
كتبت بيدي يعني ّأنه جاء على األسلوب عربي وّل يفيد ّإّل تقرير الحكم في الذهن مرتين
الزمخشري بقول العرب "علمان خير من علم" فيعلم جملة كما علم تفصيال
ولذلك شبهها ّ
"إنه تأكيد لدفع توهم أن يكون يفي شيء مما يجب
ليحاط به ومن جهتين فيتأكد العلم ّ
صومه" ،وذكر الزجاج ّأنه قد يتوهم متوهم أن يكون المراد التخيير بين صوم ثالثة أيام
في الحج أو سبعة أيام إذا رجع إلى بلده بدّل من الثالثة أزيل ذلك بجلية المراد يقول" :تلك
عشرة" ،وأن الواو لإلباحة أي للتخيير الذي يجوز معه الجمع وّل يتعين" ،3وقولهم بتقرير
فإنه توجيه للمعنى عند السامع
الحكم في الذهن وان لم يكن في مستوى اإلتيان بفكرة جديدة ّ
لتحديد قصد اآلية وهو أمر نؤكد عليه في هذه الدراسة لما له من أثر في استجالء
مستويات اإلبالغ ،ومن ذلك من ناحية تجديد القصد ومنع تشتت فكر السامع مع كثرة
اّلحتماّلت التي تأتي في تراكيب معينة ،وهي تدفع المتكلم إلى استخدام صور ّل تأتي
بفكرة جديدة واّنما توكيدا لما فهم سابقا وهو في حد ذاته توكيد مخصص للحكم.
َ َُْ َ ْ ُ ُ ُ ُ َ َ ُ َ َّ َ ْ َ ُ َ ْ ُ ُ ُ ُ َ
وقال عز وجل﴿ :قالوا تاَّلل ِ تفتأ تذكر يوسف﴾ ،تؤدي جملة "تفتأ تذكر يوسف"
1
َ َّ
جواب القسم لقوله في "تاَّلل ِ" وهذا للدّللة على ّأنه مازال ذاك ار له وهذا فيه تأكيد للمعنى.
ْ ُ َ ْ َ َُ ُ ُ ُ َ َّ َ َّ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ ْ ُ َ َّ ُ
ع َّدت
ار ال ِِت َوقودها اَلَّاس واْلِجارة أ ِ وقال أيضا﴿ :فإِن ل ْم تف َعلوا َول ْن تف َعلوا فاتقوا اَل
َ ََُْ ََْ 2 َْ
لما قال: ّ ألنه يخفى ماّل المعنى تأكيد من فيها ة اضير اعت "جملة وا ل ع ف ت نلو " ، ﴾ ين ر
ل ِل ِ ِ
فًك
َ ْ َْ ََُْ
للدّللة على توكيد وتشديد ّأنهم ّ ذاهو المستقبل في نفي معناه وكان "، وا "فإِن لم تفعل
ّل يعارضونه.
ْ َ ٌّ َ ْ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ ل ْ َ ْ َ ل َ َ ْ ْ َّ َ ْ َ َّ
َشك بِال َع ِ ل بر د
ِ م ِبِ حِ ب سو كِ ب نَّل
ِ رف
ِ غ ت اسو قح ِ اَّلل وقال﴿ :فاص ِْب إِن وعد
ِ ِ
َّ ِ ٌّ ِ َّ َّ ِ َ ْ ْ َ
اْلبكار ِ﴾ " ،وجملة "إن َوع َد الله َحق " ،تعليل األمر بالصبر ،و"إن" اّلهتمام بالخبر 3
و ِ
بأن التأكيد
كأنه قيل "فوعد اهلل حق" ويفاد ّ
وهي في مثل هذا المقام تغني غناء فاء التعليل ّ
بالنصر في اآلية السابقة في غيرها
الذي هو لالهتمام والتحقيق ،ووعد اهلل هو وعد الرسول ّ
من اآليات والمعنى "ّل تستبطئ النصر فإنه واقع وما عرض من الهزيمة يوم أحد كان
امتحانا وتنبيها على سوء مغبة عدم الحفاظ على وصية الرسول أن ّل يبرحوا من مكانهم ثم
كانت العاقبة للمؤمنين" .4
ب ِفيه" بيان وتوكيد ي
ر "ّل "فقوله ،5
﴾ يهِ ف اب ََل َري ْ َ
ب وقال تعالى﴿ :الم (َ )1ذل َِك ال ْكِ َت ُ
َ َ َ
6
اب" فهو لذلك بمنزلة أن تقول":هو ذلك الكتاب هو ذلك الكتاب" وتحقيق لقوله " َذل َِك الْكِ َت ُ
وذلك ّأنه كما كان في األسماء ما تغنيه صلة معناه باّلسم قبله واصل يصله ورابط يربطه
كالصفة التي تحتاج في ا تصالها بموصوفها إلى ما يصلها به ،وكالتأكيد الذي ّل يحتاج
أيضا إلى رابط يربطه بالمؤكد ،فإن من الجمل كذلك ما تتصل بهما قبلها من ذات نفسها
مستغنية بذلك عن حرف عطف يربطها ،وهي الجملة التي تكون مؤكدة لسابقتها ومبينة
لها ،بحيث إذا حصلت لم تكن شيئا غيرها ،كما لم تكن الصفة غير الموصوف والتأكيد
ب غير المؤكد ،وهو ما حلل عبد القاهر الجرجاني في ضوء دّللة التوكيد في قولهَّ ﴿ :ل َري َ
ِفيه﴾.
ََ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َ َّ َّ َ َ َ ُ َ َ ٌ َ َ
اء عليْ ِه ْم أأنذ ْرت ُه ْم أم ل ْم تن ِذ ْره ْم َل اَّلين كفروا سو ومثا ل ذلك قوله تعالى﴿ :إِن ِ
اب اوةٌ َول َ ُه ْم َع َذ ٌ
غ َش َ ْ
م هار ص لَع َأب ْ ََ َ َ َّ ُ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ
يُؤم ُِنون ( )6ختم اَّلل لَع قلوب ِ ِهم ولَع سم ِع ِهم و
ْ َ
ِِ ِ
َ ََ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َ َ ٌ َ َ َ ْ َ َع ِظ ٌ
اء عليْ ِه ْم أأنذ ْرت ُه ْم أم ل ْم تن ِذ ْره ْم" ،وقوله ":خ َت َم يم﴾ 1قوله "َل يُؤم ُِنون" تأكيد لقوله":سو
َّ ُ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ
لَع َس ْمعِه ْ
ألن من كان حاله إذا أنذر مثل حاله ّ ل،األو
ّ من أبلغ ثان "تأكيد م ِ اَّلل لَع قلوبِهِم و
إذا لم ينذر كان غاية الجهل ،كان مطبوعا على قلبه ّل محالة.
ُ ْ ْ َّ ُ ُ
خ ِر َو َما ه ْم
اس َم ْن َيقول آ ََم َّنا بِاَّلل ِ َوبِاِلَ ْو ِم اَل َِ كذلك في قوله عز وجلَ ﴿ :وم َِن اَلَّ ِ
ِ َّ َ 2 َُ ُ َ ب ُم ْؤمِن َ
دعون"ألن هذه المخادعة ّ يخ " يقل ولم " ون عاد
ُ ُ َ خ
َ ي" : قال ما"إن
ّ ، ﴾ اَّلل ون ِع د ا َي )7( ي ِ ِ
َمنَّا" من غير أن يكونوا مؤمنين فهو إذا كالم أ ُِّكد به كالم آخر هو
ليست شيئا غير قولهم "آ َ
في معناه ،وليست شيئا سواه" ،3وبهذا يقضي عبد القاهر تماما على فكرة التطابق المطلق
بين التراكيب لما في ذلك من ذهاب روح التركيب اللغوي الذي يخضع في النهاية
تغيير في المعنى. أن كل تغيير في المبنى يؤدي إلى إلى القانون ،أي ّ
َّ ُ َ َ َ َ َّ ُ َ َ َّ ُ َ َ ْ ْ َ ْ
ح ٌد﴾ " ،4أنه تعلى في هذا
إِن َما ه َو إ ِ ٌَل َوا ِ ي
ي اثن ِ وقال أيضا﴿ :وقال اَّلل َل تت ِ
خذوا إِله ِ
المقام يتكلم في التوحيد ،ونفى عن ضده فالمقصود األهم نهيهم عن القول بتعدد اآللهة
فنهاهم عن التثنية ،وتنبيها بها على ما فوقها بطريقة األولى كما في الضرب معا التأفيف
واللّفظ الموضوع له ،ليكون أبين وأدل وآكد" ،1وهذا للدّللة على تأكيد النهي عن اتخاذ
العدد المخصوص من الجنس المخصوص ،هذا من حيث عموم الدّللة وهذا تكرار المعنى
دون الغلط.
ُ
َ ْ َ ُ ْ ْ ُ ْ َّ ٌ َ ْ ُ َ َ ْ َ ْ
وقال اهلل جل جالله في سورة آل عمران﴿ :وْلكن مِنكم أمة يدعون إَِل اْل ِ
ْي
ُ َ َ ُْ ُ َ َْ ْ
وف﴾ ،وهذا للدّللة على التنبيه على التّأكيد بين المعطوف الخاص
2
ويأمرون بِالمعر ِ
وأفضليتهّ ،لختصاص يخصه أو وذلك باعتبار األمر بالمعروف نوع خاص من الخبر.
خل ْ ُه نَ ا
ارا﴾ ،3تكرار
َّ َ َ َ ُ َ ُ َ َ َّ ُ ُ َ ْ
وَل َويَتعد حدودهُ يُد ِ
ََ ْ َ ْ
وقال في موضع آخر﴿:ومن يع ِ
ص اَّلل ورس
المعنى في هذه اآلية للدّللة على تأكيد الوعيد ،ية لمن يتعدى حدود اهلل سبحانه.
هذه أمثلة عن األنماط التي جاء عليها التوكيد في القرآن الكريم إلى جانب أنماط
أخرى ّليسع المقام لذكرها كلّها.
أما وقد وصلنا إلى خاتمة هذا البحث فإننا سنلخص أهم النتائج التي خلصنا إليها
خالل هذه الدراسة التي حاولنا من خاللها إثارة قضايا لها ارتباط باستعمال هذا األسلوب
كشكل من أشكال اللغة التي تقوم على تكرير اللفظ أو الجملة أو المعنى ،أو تقرير ما فهم
سلفا ،وعليه فقد كانت أهم النتائج المتوصل إليها ملخصة في النقاط التالية:
-العالقة بين المتكلم والسامع هي أكثر ما يتجلى في استخدام أسلوب التوكيد ودراسته،
فهو أسلوب تعبيري يعتمد استعماله على تشكك السامع أو تردده في قبول الخبر ،وهو
األمر الذي اعتنى به البالغيون والنحاة ،كما يحكم جانبه الكمي والنوعي درجة هذا اإلنكار
أو التردد فتكون األشكال بحسب العنصر المنكر ،كما هو الشأن مع المفعول المطلق
المؤكد مثال الذي يؤتى به عندما يكون الحدث ذاته أم ار مستغربا أو مستبعدا .
-لقد اعتنى العلماء العرب بدراسة هذا األسلوب ،وظلت هذه الدراسات واألبحاث موزعة
في مناسبات متفرقة تحت تأثير المناهج اللغوية المتبعة لدى كل صنف من أصناف العلماء
من نحاة وبالغيين و وعلماء تفسير ،وغيرهم مما أثرى هذا األسلوب بالدراسة.
-إن من األمور المهمة لإلحاطة بهذا األسلوب واستعماالته في اللغة العربية جعل أشكاله
على اختالفها في أنماط تركيبية تفسر من خاللها القضايا المتعلقة بطرائق استخدامه في
اللغة ،واألسرار المعنوية والوظيفية التي تكون وراء ذلك ،خصوصا إذا كان بناؤه يقوم على
المزاوجة بين أشكال متعددة لنفس المعنى األسلوبي العام ،كاللجوء إلى استخدام التقديم
والتأخير مع زيادة بعض األدوات الدالة على التوكيد ،ثم النظر في كيفية تأثير ذلك في
البناء العام للمعنى عند السامع أو عند الدارس.
-تعد دراسة هذا األسلوب باختالف أنماطه ووفق أشكاله المتعددة من الدراسات المطلوبة
لما فيها من فائدة إلبراز كيفية وروده في اللغة العربية ،واالحتماالت الممكنة الستخدام
أدواته وعناصره ،لتمثل أمام المتكلم أنواع االختيارات التي يستفيد منها في إنشاء كالمه،
107
خاتمة
مستخدما أسلوب التوكيد الذي تتوارد أشكاله في اتساق وانسجام وفق قواعد العربية
ومتطلبات المقام.
-لقد تعددت أشكال التوكيد وأنماطه التركيبية في القرآن الكريم ،فضم أدوات اختلفت
معانيها الوظيفية ك ـ"إن "و "أن " ...والقسم كشكل لغوي يؤدي الحالة القصوى التي يقف
عندها المتكلم في تأكيد كالمه ،باإلضافة إلى ما يؤديه التكرار في المستويات المتعددة من
المفرد إلى الجملة ،واستخدام التصرف في الرتب مما يدخل في التقديم والتأخير.
-التوكيد من أجود األساليب البالغية في تحقيق الوظيفة التواصلية المتوخاة من النص
القرآني ،كما يساهم في عملية اإلقناع واإلمتاع.
-تظهر فاعلية التوكيد من خالل طرقه لكل المجاالت التي عالجها القرآن الكريم كالعقيدة
والحقائق الكونية.
وفي الختام نرجو أن تكون ثمرة جهدنا في هذا العمل قد وصلت إلى ما طمحنا إليه
منذ أن بدأت رحلتنا فيه ،فإن أصبينا فمن اهلل وان أخطأنا فمن أنفسنا ومن الشيطان.
108
قائمة المصادر و المراجع
قائمة المصادر و المراجع
* القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم.
-1إبراهيم أنيس ،أسرار العربية ،مكتبة األنجلو المصرية ،القاهرة ،مصر ط.1985 ،7
-2ابن الحاجب ،األمالي ،ت :فصي الحسين ،دار مكتبة الهالل ،بيروت ،لبنان ،ج ،4ط1
.1998
-3ابن السراج ،األصول في النحو ،ت :عبد الحسين الفتلي ،مؤسسة الرسالة بيروت ،لبنان
ط.1996 ،3
-4ابن جني ،الخصائص ،ت :محمد علي النجار ،دار الكتب المصرية ،مصر ،دط ج.2
-5ابن جني ،المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات و االيضاح عنها ،ت :محمد عبد
القادر عطا ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط ،1998 ،1ج.2
-6ابن عطية األندلسي ،المحرر والوجيز في تفسير الكتاب العزيز ،ت :عبن السالن عبد
محمد ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط ،2001 ،1ج.5
الشافي ّ
الدين عبد الحميد ،مكتبة دار التراث ،القاهرة
محمد محي ّ
-7ابن عقيل ،شرح ابن عقيل ،تّ :
مصر،ط ،1980 ،20ج ،1ج.2
-8ابن كيلكلدي ،الفصول المفيدة في الواو المزيدة ،ت :حسن موسى الشاعر ،دار
البشير ،عمان األردن ،ط.1990 ،1
-9ابن منظور ،لسان العرب ،دار صادر ،بيروت ،لبنان ،ط 1دس ،ج،3ج، 2ج.3
-10ابن هشام األنصاري ،شرح شذور الذهب ،ت :حنا الفاخوري ،دار الجيل ،بيروت ،لبنان
ط.1988 ،1
-11ابن هشام األنصاري ،شرح قطر الندى وبل الصدى ،ت :محمد محي الدين عبد
الحميد المكتبة التجارية الكبرى ،ط.1963 ،11
110
-12ابن هشام ،أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ،دار الجيل ،بيروت لبنان ،ط1979 ،5
ج. 3
النحوي ،شرح المفصل ،إدارة الطباعة المنيرة ،دط ،ج.3
-13ابن يعيش ّ
الدين قهوجي وبشير جويجاني ،دار
-14أبو علي الفارسي ،الحجة للقراء السبعة ،ت :بدر ّ
المأمون للتراث ،دمشق ،سوريا ،ط ،1984 ،1ج.2
-15أحمد الفيومي ،المصباح المنير ،مكتبة لبنان ،بيروت ،لبنان.1990 ،
-16أحمد مطلوب ،معجم المصطلحات البالغية وتطورها ،مكتبة لبنان ناشرون ،بيروت
لبنان ط.1993 ،2
-17األخفش األوسط ،معاني القرآن ،ت :إبراهيم شمس الدين ،منشورات محمد علي بيضون
دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط.2002 ،1
-18االستراباذي ،شرح الكافية في النحو ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،دط ،ج 1ج.2
-19االستراباذي ،شرح شافية ابن الحاجب ،ت :محمد محيي الدين عبد الحميد ومحمد نور
حسن ومحمد الزفزاف ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،دط ،ج.2
-20التهاوني ،كشاف اإلصالحات والفنون ،ت :أحمد حسن ،بسج ،دار الكتب
العلميةبيروت ،لبنان ،ط ،1998 ،1ج.1
-21الجزري ،النهاية في غريب األثر ،ت :طاهر أحمد زاوي ومحمود محمد الطناحي
المكتبة العصرية ،بيروت ،لبنان ،دط ،ج.1
-22جمال الدين ابن محمد الطائي ،شرح التسهيل ،ت :محمد عبد القادر عطا طارق فتحي
السيد ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط ،2001 ،1ج.3
-23الحموي ،خزانة األدب وغاية األرب ،ت :عصام شعيتو ،دار ومكتبة الهالل ،بيروت
لبنان ،ط ،1987 ،1ج ،1ج.9
-24الخطيب القزويني ،التلخيص في علوم البالغة ،ضبطه وشرحه عبد الرحمان البرقوقي
دار الفكر العربي ،القاهرة ،ط.1904 ،1
111
-25الخطيب القزويني ،اإليضاح في علوم البالغة ،ت :عماد البسيوني زغلول ،مؤسسة
الكتب الثقافية ،بيروت ،لبنان ،ط ،3دس.
-26رؤوف جالل الدين ،المعجب في علم النحو ،دار الهجرة ،إيران ،قم ،دط .
-27الزبيدي ،تاج العروس من جواهر القاموس ،ت :عبد الستار أحمد فراج ،مطبعة حكومة
الكويت ،ط ،1965 ،2ج ،1ج.40
-28الزجاج ،معاني القرآن واعرابه ،ت :عبد الجليل عبده شلبي ،عالم الكتب ،بيروت لبنان
ط 1988 ،1ج.2
الزركشي ،البرهان في علوم القرآن ،ت :محمد أبو الفضل إبراهيم ،المكتبة العصرية
ّ -29
صيدا بيروت ،لبنان ج.3
-30الزمخشري ،الكشاف ،ت :فتحي عبد الرحمن أحمد حجازي ،مكتبة العبيكان ،الرياض
المملكة العربية السعودية ،ط،1998 ،1ج ،1ج،2ج ،3ج ،4ج ،5ج.6
الزمخشري ،المفصل في علم العربية ،دار الجيل ،بيروت ،لبنان ،دط.
ّ -31
-32سيبويه ،الكتاب ،ت :عبد السالم محمد هارون ،دار الجيل ،بيروت ،لبنان ،ط ،1دس
ج. 3
-34سعد الدين التفتازاني ،المطول (شرح تلخيص المفتاح) ،ت :عبد الهنداوي ،دار الكتب
العلمية ،بيروت ،لبنان ،ط.2007 ،2
-35سعد الدين التفتازاني ،مختصر السعد ( شرح كتاب مفتاح العلوم ) ،ت :عبد الحميد
الهنداوي ،المكتبة العصرية ،بيروت ،لبنان ،ط. 2003 ،1
-36السكاكي ،مفتاح العلوم ،ت :عبد الحميد هنداوي ،دار الكتب العلمية ،ط.2000 ،1
-37سلمان فياض ،النحو العصري ،مركز األهرام ،القاهرة ،مصر ،ط.1995 ،1
-38السيوطي ،اإلتقان في علوم القرآن ،ت :عبد المنعم إبراهيم ،مكتبة نزار مصطفى البارز
المكرمة ،الرياض ،ط ،2006 ،2ج.2
ّ مكة
112
-39السيوطي ،همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ،ت :أحمد شمس الدين ،دار الكتب
العلمية ،بيروت لبنان ،ط ،1998 ،1ج.3
ومحمد
ّ محمد جاد المولى بك
ّ -40السيوطي ،المزهر في علوم اللغة وأنواعها ،ت:
أبو الفضل إبراهيم وعلى البجاوي ،المكتبة العصرية ،بيروت ،لبنان ،دط ،ج.1
للنشر ،تونس ،دط ،ج ،1ج2
-41الطاهر بن عاشور ،التحرير والتنوير،الدار التونسية ّ
ج ،8ج، 9ج ،11ج ،12ج ،13ج ،16ج ،19ج ،21ج ،24ج ،26ج ،29ج.30
- 42الطوفي سليمان ،اإلكيسر في علم التفسير ،ت :عبد القادر حسين ،دار األوزاعي
الدوحة ،قطر ،ط.1989 ،2
-43عباس حسن ،النحو الوافي ،دار المعارف ،القاهرة ،مصر ،ط ،1974 ،3ج.3
-44عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تفيسر كالم المنان ،ت :عبد
الرحمن بن معال اللويحق ،دار حازم ،بيروت ،لبنان ،لبنان ط.2003 ،1
-45عبد الرحمن ،حبنكة ،الميداني ،البالغة العربية (أسسها ،وعلومها ،وفنونها ) ،دار القلم
دمشق ،سوريا ،الدار الشامية ،بيروت ،لبنان ،ط ،1996 ،1ج.1
-46عبد القادر بن عمر البغدادي ،خزانة األدب ولب لباب لسان العرب ،ت :عبد السالم
محمد هارون ،مكتبة الخانجي ،القاهرة ،مصر ،ط ،1996، 3ج.7
-47عبد القاهر الجرجاني ،دالئل اإلعجاز ،ت :محمد عبد المنعم خفاجي ،مكتبة القاهرة
القاهرة ،مصر ،ط.1969 ،1
-48عبد القاهر الجرجاني ،أسرار البالغة ،ت :مصطفى شيخ مصطفى ،مؤسسة الرسالة
بيروت ،لبنان ،ط.2004 ،1
-49عبد القاهر الجرجاني ،التعريفات ،ت :إبراهيم األبياري ،دار الكتاب العربي ،بيروت
لبنان ط.1996 ،3
-50عبد الهادي الفضلي ،مختصر النحو ،دار الشروق ،جدة ،المملكة العربية السعودية
ط.1980 ،7
113
-51عبد الواحد حسن الشيخ ،البديع والتوازي ،مكتبة اإلشعاع للطباعة والنشر والتوزيع
القاهرة ،مصر ،ط.1999 ،1
-52عبده عبد العزيز قليقلة ،البالغة االصطالحية ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،ط3
.1992
-53عيسى علي العاكوب ،وعلي سعد الشتيوي ،الكافي في علوم البالغة العربية ،دار الهناء
طباعة أوسفلد ،دط.
- 54فاضل صالح السامرائي ،معاني النحو ،دار الفكر ،المملكة األردنية الهاشمية ،عمان
األردن ،ط.2008 ،3
-55الكفوي ،الكليات( ،معجم المصطلحات والفروق اللغوية) ،ت :عدنان دريش ومحمد
المصري ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،لبنان ،ط.1998 ،2
-56محمد بن أبي بكر الرازي ،مختار الصحاح ،ت :مصطفى ديب البغا ،دار الهدى عين
ميلة الجزائر ،ط.1990 ،4
-57محمد محمد أبو موسى ،دالالت التركيب (دراسة بالغية) ،دار التضامن ،القاهرة
مصر ،ط.1987 ،2
الدروس العربية ،ت :عبد المنعم خفاجة ،منشورات المكتبة
-58مصطفى الغالييني ،جامع ّ
العصرية صيدا بيروت ،لبنان ،ط.1994، 28
-59موفق الدين يعيش ،شرح المفصل ،إدارة الطباعة المنيرة ،مصر ،ج ،3دط.
114
115
فهرس الموضواعت
فهرس الموضوعات
إهداء.
شكر وتقدير.
مقدمة .........................................................................أ
أ /لغة06..................................................................................
ب /اصطالحا07...........................................................................
بإن20...............................................................
/3فائدة التوكيد ّ
ج /القسم38......................................................................
د /االشتغال39....................................................................
ه /االعتراض46................................................................
ح /التتميم48...................................................................
ط /التذييل49.......................................................................
ي /الترديد50..................................................................
/2التوكيد بالزيادة89...................................................................
/3التوكيد بالتكرار100...................................................................
خاتمة106.............................................................................
فهرس الموضوعات115................................................................
فهرس الموضوعات