You are on page 1of 127

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة جياللي بونعامة – بخميس مليانة‬

‫كلية اآلداب واللغات‬


‫قسم اللغة العربية واألدب العربي‬

‫التوكيد في القرآن الكريم‬

‫نماذج مختارة‬

‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في اللغة واألدب العربي‬


‫التخصص‪ :‬علوم اللغة‬

‫إشراف األستاذ‪:‬‬ ‫إعداد الطالبتين‪:‬‬


‫‪ -‬محمد مزايني‬ ‫‪ ‬شريفة بورهومي‬
‫‪ ‬نعيمة قريشي‬

‫السنة الجامعية‪5102/5102 :‬‬


‫شكر وتقدير‬
‫إالهي اليطيب الليل إال بشكرك واليطيب النهار إلى بطاعتك ‪ ..‬والتطيب‬
‫اللحظات إال بذكرك ‪ ..‬وال تطيب اآلخرة إال بعفوك ‪ ..‬وال تطيب الجنة إال‬
‫برؤيتك‪ ،‬والحمد والمنة هلل سبحانه وتعالى من قبل ومن بعد‪،‬فهو نعم المعين‬
‫ونعم الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬
‫يسعدنا أن نتقدم بالشكر الجزيل‪ ،‬ووافر التقدير‪ ،‬وعظيم االمتنان إلى‬
‫أستاذنا الف اضل‪ :‬محمّد مزايني الذي أشرف على هذه المذكرة‪ ،‬فكان خير‬
‫معين‪ ،‬وخير مرشد‪،‬وخير ناصح‪ ،‬فجزاه اهلل كل خير‪ ،‬ومّتعه بالصحة والعافية‪.‬‬
‫ونتقدم بالشكر الجزيل لألساتذة األجالء أعضاء لجنة المناقشة على ما‬
‫بذلوه من جهد في قراءة رسالتنا‪ ،‬وفي تقويمها‪.‬‬
‫كما نتقدم بالشكر الجزيل إلى قسم اللغة العربية ‪ ،‬بكلية اآلداب في‬
‫جامعة الجياللي بونعامة‪ ،‬واألساتذة العاملين فيها‪.‬‬
‫كما نتقدم بالشكر أيضا إلى كل من قدم لنا يد المساعدة من قريب أو من‬
‫بعيد وساهم في إنجاز هدا العمل المتواضع‪.‬‬
‫إهداء‬
‫إلى من كلله اهلل بالهيبة والوق ار ‪ ..‬إلى من علمني العطاء بدون انتظار ‪ ..‬إلى من أحمل أسمه بكل افتخار ‪..‬‬
‫أرجو من اهلل أن يمد في عمرك لترى ثماراً قد حان قطافها بعد طول انتظار وستبقى كلماتك نجوم أهتدي بها‬
‫اليوم وفي الغد وإلى األبد …والدي العزيز‪.‬‬
‫إلى مالكي في الحياة ‪ ..‬إلى معنى الحب والحنان والتف اني ‪ ..‬إلى بسمة الحياة وسر الوجود‪ ،‬إلى من كان‬
‫دعائها سر نجاحي وحنانها بلسم جراحي إلى أغلى الحبايب أم الغاليّة‪.‬‬
‫إلى سندي وقوتي ومالذي بعد اهلل‪ ،‬إلى من آثروني على نفسهم‪ ،‬إلى من علموني معنى الحياة‪ ،‬من كانوا‬
‫مالذي وملجئي بعد اهلل‪ ،‬إخوتي األعزاء كلّهم بدون اسثناء‪ ،‬لخضر سفيان‪ ،‬كمال سمير رشيد‪.‬‬
‫أمي ‪ ..‬إلى من تحلو باإلخاء وتميزوا بالوف اء والعطاء إلى ينابيع الصدق‬
‫إلى أخواتي اللواتي لم تلدهن ّ‬
‫الصافي إلى من معهم سعدت ‪ ،‬وبرفقتهم في دروب الحياة الحلوة والحزينة سرت‪ ،‬إلى زوجات إخوتي‪:‬‬
‫مسعودة‪ ،‬حياة‪ ،‬ف اطمة‪...‬‬
‫وإلى نور البيت وبهجته إلى رمز البراءة‪ :‬إكرام‪ ،‬بسمة‪ ،‬يسرى‪ ،‬محمّد‪ ،‬إحسان‪ ،‬مريم‪.‬‬
‫الروح التي سكنت روحي وضمّت جروحي زوجي العزيز‪ :‬بن ضيف اهلل فريد‪ ،‬وكل أفراد عائلته‪.‬‬
‫إلى ّ‬
‫تجرعت معي متاعب‬
‫إلى توأم روحي ورفيقة دربي ‪ ..‬إلى صاحبة الق لب الطيب والنوايا الصادقة‪ ،‬إلى من ّ‬
‫البحث من بدايته إلى أن اكتمل وخرج بهذه الصورة‪...‬شريفة بورهومي‪.‬‬
‫وقبل أن أمضي أهدي عملي المتواضع هذا إلى الذين حملوا أقدس رسالة في الحياة‪ ...‬إلى الذين مهدوا لنا‬
‫طريق العلم والمعرفة‪ ...‬إلى جميع أساتذتنا الكرام‪...‬أخص بالذكر األستاذ الف اضل واألب الحنون‪ :‬ميزايني‬
‫محمّد‪.‬‬
‫اآلن تفتح األشرعة وترفع المرساة لتنطلق السفينة في عرض بحر واسع‪ ،‬هو بحر الحياة ومن ينير هذه‬
‫الحياة سوى قنديل الذكريات ذكريات األخوة البعيدة إلى الذين أحببتهم وأحبوني‪ :‬صديق اتي العزيزات‪.‬‬
‫إلى كل من وسعتهم ذاكرتي ولم تسعهم مذكرتي‪...‬‬
‫إهداء‬
‫إلى من كلله اهلل بالهيبة والوق ار ‪ ..‬إلى من علمني العطاء بدون انتظار ‪ ..‬إلى من أحمل أسمه بكل افتخار ‪..‬‬
‫أرجو من اهلل أن يمد في عمرك لترى ثماراً قد حان قطافها بعد طول انتظار وستبقى كلماتك نجوم أهتدي بها‬
‫اليوم وفي الغد وإلى األبد …والدي العزيز‪.‬‬
‫إلى مالكي في الحياة ‪ ..‬إلى معنى الحب والحنان والتف اني ‪ ..‬إلى بسمة الحياة وسر الوجود‪ ،‬إلى من كان‬
‫دعائها سر نجاحي وحنانها بلسم جراحي إلى أغلى الحبايب أم الغاليّة‪.‬‬
‫إلى سندي وقوتي ومالذي بعد اهلل‪ ،‬إلى من آثروني على نفسهم‪ ،‬إلى من علموني معنى الحياة‪ ،‬من كانوا‬
‫مالذي وملجئي بعد اهلل‪ ،‬إخوتي األعزاء كلّهم بدون اسثناء‪ ،‬لخضر سفيان‪ ،‬كمال سمير رشيد‪.‬‬
‫أمي ‪ ..‬إلى من تحلو باإلخاء وتميزوا بالوف اء والعطاء إلى ينابيع الصدق‬
‫إلى أخواتي اللواتي لم تلدهن ّ‬
‫الصافي إلى من معهم سعدت ‪ ،‬وبرفقتهم في دروب الحياة الحلوة والحزينة سرت‪ ،‬إلى زوجات إخوتي‪:‬‬
‫مسعودة‪ ،‬حياة‪ ،‬ف اطمة‪...‬‬
‫وإلى نور البيت وبهجته إلى رمز البراءة‪ :‬إكرام‪ ،‬بسمة‪ ،‬يسرى‪ ،‬محمّد‪ ،‬إحسان‪ ،‬مريم‪.‬‬
‫الروح التي سكنت روحي وضمّت جروحي زوجي العزيز‪ :‬بن ضيف اهلل فريد‪ ،‬وكل أفراد عائلته‪.‬‬
‫إلى ّ‬
‫تجرعت معي متاعب‬
‫إلى توأم روحي ورفيقة دربي ‪ ..‬إلى صاحبة الق لب الطيب والنوايا الصادقة‪ ،‬إلى من ّ‬
‫البحث من بدايته إلى أن اكتمل وخرج بهذه الصورة‪...‬شريفة بورهومي‪.‬‬
‫وقبل أن أمضي أهدي عملي المتواضع هذا إلى الذين حملوا أقدس رسالة في الحياة‪ ...‬إلى الذين مهدوا لنا‬
‫طريق العلم والمعرفة‪ ...‬إلى جميع أساتذتنا الكرام‪...‬أخص بالذكر األستاذ الف اضل واألب الحنون‪ :‬ميزايني‬
‫محمّد‪.‬‬
‫اآلن تفتح األشرعة وترفع المرساة لتنطلق السفينة في عرض بحر واسع‪ ،‬هو بحر الحياة ومن ينير هذه‬
‫الحياة سوى قنديل الذكريات ذكريات األخوة البعيدة إلى الذين أحببتهم وأحبوني‪ :‬صديق اتي العزيزات‪.‬‬
‫إلى كل من وسعتهم ذاكرتي ولم تسعهم مذكرتي‪...‬‬
‫مقدمة‬
‫مقدمة‬

‫أحمد اهلل ربي حمد الشاكرين على نعمائه وأن جعلنا مسلمين‪ ،‬وجعل اللغة العربية لغة‬
‫هم نسألك‬
‫القرآن والدين‪ ،‬والصالة والسالم على خاتم أنبيائه وعلى آله وأصحابه وأوليائه اللّ ّ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫المزيد من صلواتك وسالمك على مصدر الفضائل‪ّ ،‬‬
‫يعد البحث في الصالت القائمة بين الخطاب في جانبيه الفظي و المعنوي من أهم‬
‫الجوانب التي يمكن للدارس تتبعها في ضوء المنهج الوظيفي‪ ،‬ونحن في هذا البحث يمكن‬
‫أن نقف على تلك الوشائج القائمة بين نظام اللغة في تراكيبها وبين ما تؤديه من معان‬
‫وأغراض تتعلق بقصد المتكلم وفهم المتلقي‪ ،‬هذا األخير الذي يختلف في تقبله للخطاب‬
‫تصديقا أو تكذيبا‪ ،‬إنكا ار أو ترددا؛ مما يستوجب من المتكلم صوغ كالمه وفق هذه‬
‫ً‬
‫الحاالت العامة لتلقي خطابه‪ ،‬وهو ما يمكن تطبيقه في أسلوب التوكيد الذي تمثل فيه‬
‫الزيادة في المبنى النموذج األساسي للتعبير فيه‪ ،‬وذلك على اعتبار أنه يمثل فكرة تكرار‬
‫حرفا كان أو اسما أو فعال أو جملة أو شبه‬
‫المعنى بأي صورة كانت سواء بلفظه كما هو ً‬
‫جملة‪ ،‬وهو ما يدخل في التوكيد اللفظي‪ ،‬أو تكرار المعنى بمفهومه ولكن في صورة لفظية‬
‫مخالفة للفظه وهو ما يسمى بالتوكيد المعنوي‪ ،‬وهذه الزيادة التي تكون على أصل الخطاب‬
‫ال تكون إال لفائدة استعمالية في اللغة تؤدى من خالل فهم أن كل تغيير في المبنى يؤدي‬
‫إلى تغيير في المعنى‪.‬‬

‫أما فيما يخص المدونة التي تنطلق منها هذه الدراسة فمصدرها واحد يقوم‬
‫على انسجام ووحدة لغوية وصلت إلى حد اإلعجاز في البيان ونعني بذلك نصوص القرآن‬
‫الكريم ‪ ،‬إذ إن أخذ النماذج من هذا النص كدليل لكل استخدام وكل داللة سياقية ومقامية‬
‫يجعل من النتائج المحصل عليها متسقة ومتكاملة‪ ،‬فال تؤدي بنا إلى اختالق تأويالت‬
‫بعيدة وتعابير مقدرة تنأى عن روح اللغة كما هو الحال عند تحكيم الشعر الذي كثي ار‬
‫ما يخضع إلى تعبير فردي انفعالي‪ ،‬قد يؤدي بصاحبه إلى التصرف في اللغة كأحد‬
‫مستخدميها معتمدا على ما تبيحه الضرورة ليبدع في هذا المجال‪ ،‬ومن ثم تكون هذه‬

‫أ‬
‫مقدمة‬

‫الدراسة إحدى المحاوالت التي كانت وال تزال تنحو إلى جعل القرآن الكريم مصد ار للتقعيد‬
‫والتحليل النحوي‪ ،‬وهذه الفكرة قديمة تناقلتها كتب النحو والتفسير في بعض المناسبات‬
‫فاخترنا لها عنوان‪ :‬التوكيد في القرآن الكريم نماذج مختارة‪.‬‬

‫أما عن أسباب اختيارنا لهذا الموضوع فهي راجعة إلى طبيعة التخصص والميول‬
‫ّ‬
‫الشخصي لمثل هذه المواضيع‪ ،‬إضافة إلى الرغبة في خدمة الخطاب‪ ،‬إضافة إلى الرغبة‬
‫في إبراز األسرار البالغية في توظيف التوكيد في القرآن الكريم‪ .‬الرغبة في إبراز األسرار‬
‫البالغية في توظيف التوكيد في القرآن الكريم‪.‬‬

‫ولع ّل من اإلشكاليات المركزية المطروحة على بساط البحث ما يأتي‪:‬‬


‫‪ -‬ما هي مالمح حضور التوكيد في القرآن الكريم؟‬
‫‪ -‬ما هي مقاصده وفوائده وأهم أغراضه البالغية؟‬
‫‪ -‬ما هي أبرز السياقات التي يرد فيها هذا النمط؟‬
‫النص القرآني؟‬
‫‪ -‬إلى أي مدى يحقق أسلوب التوكيد الوظيفة التواصلية المتوخاة من ّ‬
‫األكاديمية سنحاول إيجاد إجابات علمية وافية وحلول مرضية‬
‫ّ‬ ‫الدراسة‬
‫ونحن في هذه ّ‬
‫التصنع ويجمع بين دقة اللفظ وسالمة المعنى‬
‫ّ‬ ‫لإلشكاليات المطروحة بأسلوب يخلو من‬
‫ولهذا هندسنا لبحثنا الموسوم بالتوكيد في القرآن الكريم نماذج مختارة‪ ،‬خطة ممنهجة ذات‬
‫مقدمة ذكرنا فيها إشكالية البحث وأسباب اختياره‪ ،‬وأهمية الموضوع‪ ،‬والنهج المتّبع‬
‫في إعداد البحث وخطة البحث‪ ،‬متمثلة في فصلين يضم كل فصل مبحثين‪:‬‬
‫األول بعنوان‪:‬‬
‫عنوناه بالتوكيد في الجملة العربية‪ ،‬ينطوي على مبحثين ّ‬
‫ّ‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬
‫مفهوم التوكيد ودواعيه‪ ،‬تناولنا فيه التوكيد بمفهوميه اللغوي واالصطالحي‪ ،‬وأهمية التوكيد‬
‫ودواعيه‪ ،‬والثاني بعنوان‪ :‬التوكيد عند علماء النحو والبالغة‪ ،‬وهو اآلخر تناولنا فيه‬
‫األول التوكيد عند النحاة‪ ،‬والثاني التوكيد عند البالغيين‪.‬‬
‫عنصرين ّ‬

‫ب‬
‫مقدمة‬

‫ضمناه داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‪ :‬وفيه مبحثان‬


‫الفصل الثاني‪ّ :‬‬
‫األول‪ :‬تطرقنا فيه إلى مقاصد التوكيد ضمن النص القرآني‪ ،‬تكلّمنا فيه‬
‫المبحث ّ‬
‫عن مقاصد التوكيد في القرآن الكريم وعالقته بتثبيت العقيدة من خالل ثالث نماذج‪ ،‬هي‬
‫إثبات وحدانية اهلل‪ ،‬إثبات الحقائق الكونية‪ ،‬واثبات البعث والجزاء‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬عمدنا فيه إلى ذكر نماذج من أنماط التوكيد في القرآن الكريم وبعض‬
‫معانيه‪ ،‬تناولنا فيه التوكيد التقديم والتأخير‪ ،‬التوكيد بالزيادة‪ ،‬والتوكيد بالتكرار‪ ،‬وختمنا‬
‫النتائج المتوصل إليها‪.‬‬
‫البحث بملخص ألهم النقاط الرئيسية الواردة في البحث و ّ‬
‫أما بالنسبة للمنهج فقد اتّبعنا منهجين أساسين هما‪:‬‬
‫ّ‬
‫المنهج االستقرائي حيث ألزمنا أنفسنا على ما في القرآن الكريم من آيات التوكيد ورصد‬
‫ما تناوله العلماء والمفسرون واللغويون في معناه‪.‬‬
‫والمنهج الوصفي التحليلي الذي يعتمد على وصف ظاهرة التوكيد وتحليل النصوص‬
‫وتركيبها‪ ،‬بالبحث عن القواعد العامة التي جرى عليها التوكيد في القرآن الكريم‪.‬‬
‫ووصلنا إلى ما وصلنا إليه باالعتماد على بعض المصادر نذكر منها على سبيل‬
‫للزمخشري‪ ،‬دالئل اإلعجاز للجرجاني‪ ،‬األول‬
‫المثال ال الحصر‪ ،‬المفصل في العربية ّ‬
‫في النحو البن السراج‪ ،‬كشاف االصطالحات والفنون للتّهاوني‪ ،‬التلخيص في علوم‬
‫البالغة للخطيب القزويني‪ ،‬األمالي البن الحاجب‪....‬واعتمدنا في الفصل التطبيقي‬
‫على بعض التفاسير كاإلكسير في علم التفسير للطوفي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم‬
‫المنان لعبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬حيث كان المصدر الرئيسي في تحليل ما جاء من‬
‫النص‬
‫توكيد بمعناه الواسع في النص القرآني مع الحرص على فهم كل تغيير في بنية ّ‬
‫انطالقا من فهم القرآن الكريم على ّأنه يمثل أعلى مراتب الفصاحة والبيان‪.‬‬

‫ج‬
‫مقدمة‬

‫ولما كان ال يخلو بحث من الصعوبات فقد واجهناها في بحثنا مجموعة‬


‫ّ‬
‫أن لغة القرآن تحتاج إلى الدقة والتركيز في التعامل معها‬
‫من الصعوبات نذكر منها‪ّ :‬‬
‫إضافة إلى ندرة المصادر والمراجع خاصة في الجانب التطبيقي‪ ،‬كذلك ضيق الوقت‪.‬‬
‫نرجو أن نكون قد وفقنا إلى ٍّ‬
‫حد بعيد في الوصول إلى ما طمحنا إليه‪ ،‬كذلك موضوع‬
‫التوكيد حال دون االلمام بجوانبه المبثوثة في ثنايا أمات الكتب‪.‬‬
‫كما ّأننا لن ننسى من كانوا عونا وسندا لنا في إنجاز هذه الدراسة‪ ،‬وعلى رأس‬
‫امحمد ميزايني‪ ،‬وما أحاطنا به من رعاية واهتمام‪ ،‬وما‬
‫ّ‬ ‫هؤالء األستاذ المشرف‪ :‬األستاذ‬
‫كان له من فضل على هذه الدراسة وصاحبتيها؛ فجزاه اهلل كل خير‪.‬‬

‫د‬
‫الفصل األول اتلوكيد يف اجلملة العربية‬

‫المبحث األول مفهوم اتلوكيد ودواعيه‬

‫المبحث اثلاين اتلوكيد عند علماء انلحو وابلالغة‬


‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم التوكيد ودواعيه‪.‬‬


‫أوال‪/‬التوكيد بمفهوميه اللغوي و االصطالحي‪:‬‬
‫أ ‪ /‬لغة‪" :‬وكد العقد والعهد أوثقه‪ ،‬والهمز فيه لغة يقا‪َ :‬أو َكدته وأَكدتُهُ وآ َكدتُه‬
‫ت اليمين‪ ،‬والهم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــز‬
‫بمعنى‪ ،‬ويقال‪ :‬وكد ُ‬
‫ً‬ ‫إيكادا‪ ،‬والواو أفصح أي َش َددتُه‪ ،‬وَت َوك َد األَمر وَتأَكد‬
‫ً‬
‫توكيدا‬
‫ً‬ ‫وكد‪ ...‬ووكد الرحل والسرج‬ ‫أكد‪ ،‬واذا حلفت فَ ِّ‬ ‫في العقد أجود‪ ،‬وتقول‪ :‬إذا عقدت فَ ِّ‬
‫َ‬
‫ودا إذا أقام به‪ ،‬ويقال‪ :‬ظل‬ ‫‪...‬وَو َك َد بالمكان َيكد و ُك ً‬
‫َ‬ ‫شده‪ ،‬و الوكائد السيور التي يشد بها‬
‫أصاب‪َ ،‬و َكد‬
‫ومتحركا‪ ،‬أي قائما مستعدا‪ ،‬ويقال‪َ :‬و َك َد َي َك َد َوك ًدا أي َ‬
‫ِّ‬ ‫متو ِّك ًدا بأمر كذا وم ِّ‬
‫توكً از‬
‫وهمي‪ ،‬ويقال‪َ :‬و َك َد فالن‬
‫ذاك َوكدي أي مرادي ِّ‬
‫ص َد قَص َده وفَ َعل مثل فعلَه‪ ،‬وما زال َ‬
‫َوك َده قَ َ‬
‫‪1‬‬
‫أمر َيك ُدهُ َوك ًدا‪ ،‬إذا قصده وطلبه"‬
‫صده ‪ ...‬ويقال‪َ :‬و َك َد فالن ً ا‬
‫أمر َيك ُده َوك ًدا إذا مارسه َو َق َ‬
‫ًا‬
‫هذا عن تعريف ابن منظور للتوكيد‪ ،‬حيث تكلم فيه عن أصل اشتقاق الكلمة واستعماالتها‬
‫في اللغة وبعض معانيها‪.‬‬
‫وجاء أيضا في مختار الصحاح‪" :‬أَك َد الشيء َوَوك َدهُ والواو أفصح"‪.2‬‬
‫كما جاء أيضا في المصباح المنير للفيومي "أَكدتُهُ فَ َت َأك َد ويقال على البدل‪َ :‬وكدتُهُ ومعناه‬
‫قوية" ‪.3‬‬
‫الت َ‬
‫يد ويقال فيه أيضا التأكيد ـ ـ بالهمزة ـ ـ‬
‫إضا فة إلى تعريف آخر يقول فيه صاحبه‪" :‬التوك ُ‬
‫وابدالها ألفا على القياس في نحو‪" :‬فَأس َوَ أرس" " ‪ ،4‬فقد قاس كلمة َتوكيد عند تحويلها‬
‫إلى َتأكيد على كلمة فأس عند تحويلها إلى رأس‪ ،‬فإذا صح هذا صح ذاك على القياس‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬دس‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.644‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬محمد بن أ بي بكر الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ت‪ :‬مصطفى ديب البغا‪ ،‬دار الهدى عين ميلة الجزائر‪ ،‬ط‪6‬‬
‫‪ ،1991‬ص ‪.11‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أحمد الفيومي‪ ،‬المصباح المنير‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1991 ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬شرح قطر الندى وبل الصدى‪ ،‬ت‪ :‬محمد محي الدين عبد الحميد‪ ،‬المكتبة التجارية‬
‫الكبرى‪ ،‬ط‪ ،1943 ،11‬ص‪.189‬‬
‫‪6‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫ويقال أيضا‪" :‬التأكيد‪ ،‬ويقال التوكيدـ معناه في اللغة‪ :‬التقوية؛ تقول‪:‬أكدت الشيء‬
‫وتقول‪ :‬وكدته أيضا؛ إذا قويته"‪ .‬وقد جاءت كلمة توكيد في القرآن الكريم فقال جل في‬
‫َ ‪1‬‬ ‫ْ‬ ‫ََ ُْ َ ْ ه َ َ َ ْ ُ ْ ََ َ ُْ ُ ْ ََْ َ َ ْ َ َ‬
‫عاله‪﴿ :‬وأوفوا بِعه ِد اَّلل ِ إِذا َعهدتم وَل تنقضوا اْليمان بعد توكِي ِدها﴾ ‪.‬‬

‫ب‪ /‬اصطالحا‪:‬‬
‫"التأكيد تابع يقرر أمر المتبوع في النسبة أو الشمول‪ ،‬وقيل عبارة عن إعادة المعنى‬
‫الحاصل قبله" ‪.2‬‬
‫كما عرفه الكفوي في كلياته بقوله "أن يكون اللفظ لت قرير المعنى الحاصل قبله وتقويته" ‪.3‬‬
‫"ويطلق التأكيد على معنيين اثنين‪ ،‬التقرير‪ :‬أي جعل الشيء المتحدث عنه مقر ار‬
‫ِّ‬
‫المؤكد الذي يقرر به وهو ما قصدوه‬ ‫في ذهن المخاطب؛ واللفظ الدال على التقرير أي اللفظ‬
‫بقولهم‪ :‬التأكيد لفظ يفيد تقوية ما يفيد لفظ آخر‪ ،‬وهو أعم من أن يكون له" ‪.4‬‬
‫ويعرف الجرجاني أسلوب التوكيد كمفهوم يقوم على إعادة المعنى بقوله‪ ":‬التأكيد أن‬
‫تتحقق باللفظ معنى قد فهم من آخر قد سبق منك‪ .‬أفال ترى أنه إنما كان "كلهم" في قولك‪:‬‬
‫"جاءني القوم كلهم" تأكيد من حيث كان الذي فهم منه وهو الشمول قد فُهم َبدئا من ظاهر‬
‫لفظ القوم‪...‬ولو أنه لم يكن فهم الشمول من لفظ القوم‪ ،‬وال كان هو من موجبه لم يكن "كل"‬
‫تأكيد ولكان الشمول مستفاء من "كل" ابتداء" ‪ .5‬كما أورد له صاحب النحو العصري تعريفا‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬النحل‪ ،‬آية ‪.91‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬ت‪ :‬إبراهيم األبياري‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1994 ،3‬‬
‫ص ‪.71‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الكفوي‪ ،‬الكليات‪( ،‬معجم المصطلحات والفروق اللغوية)‪ ،‬ت‪ :‬عدنان دريش ومحمد المصري‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ص ‪. 147‬‬
‫‪5‬‬
‫– ينظر‪ ،‬التهاوني‪ ،‬كشاف اإلصالحات والفنون‪ ،‬ت‪ :‬أحمد حسن‪ ،‬بسج‪ ،‬منشورات محمد على البيضوني‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ج‪ ،1‬ص ‪.83‬‬
‫‪4‬‬
‫– ينظر‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ت‪ :‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬مكتبة القاهرة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪ ،1949‬ص ‪.177‬‬
‫‪7‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫بقوله‪" :‬التوكيد ‪ :‬تابع يذكر في الكالم المفيد لدفع أي توهم قد يحمله الكالم إلى السامع ويتبع‬
‫ِّ‬
‫المؤكد في اإلعراب رفعا ونصبا وج ار" ‪.1‬‬ ‫لفظ التوكيد ما ِّ‬
‫يؤكده‬
‫وهذا ما ذهب إليه أيضا عبد الهادي الفضلي حيث قال‪ ":‬التوكيد هو تكرار الكلمة‬
‫بلفظها أو بمعناها‪ .‬وتسمى األولى "مؤكدا" بالفتح‪ ،‬والثانية "مؤكدا"‪ ،‬ـبالكسر‪ ،‬وتوكيدا أيضا" ‪.2‬‬
‫والتوكيد بمعن اه االصطالحي الذي سنتناوله في هذه الدراسة هو كل ما يكسب المعنى‬
‫قوة ويزيده ثباتا وتمكنا في النفوس مما ذكره علماء النحو متفرقا و منثو ار في أبوابه هنا‬
‫وهناك‪ ،‬إضافة إلى ما قصده علماء البالغة في استجالئهم للخطاب اللغوي وما يربطه‬
‫بالمقامات والمقاصد المناسبة له‪ ،‬فقالوا عنه‪" :‬يؤتى بالتوكيد ألغراض بالغية غير ما سبق‬
‫بيانه‪ ،‬كالرد على اعتقاد غير صحيح‪ ،‬و ِّادعاء باطل‪ ،‬والتعريض بعبارة المخاطب‪ ،‬وتنزيل‬
‫المخاطب منزلة منكر ما دل عليه التوكيد‪ ،‬واالفتخار‪ ،‬والمدح‪ ،‬الذم‪ ،‬و الترحم‪ ،‬والتشنيع‬
‫لمح إليها البليغ إلماحا بأسلوب‬
‫واإلشعار بهول الحدث وفظاعته إلى غير ذلك من أغراض ُي ِّ‬
‫التوكيد" ‪.3‬‬
‫وهو ما استشفه العلماء في دراستهم التي جعلت النص القرآني وادراك معانيه البارزة‬
‫والخفية مطلبا أساسيا هذا األمر الذي أدى إلى جعل كتبهم تزخر بالبحوث اللغوية الناضجة‬
‫لما تتصف به من دقة ووضوح‪ ،‬وال تزال الدراسات اللغوية المعاصرة تنهل منه‪.‬‬
‫والتوكيد نوعان نوع يعاد فيه االسم بلفظه ‪ ،‬وآخر يعاد فيه المعنى المراد تأكيده فيرى‬
‫عمر"‬
‫عمر ً ا‬
‫و"لقيت ً ا‬
‫ُ‬ ‫أيت ز ًيدا زي ًدا"‪،‬‬
‫ابن السراج أن النوع األول"ما يعاد بلفظه نحو قولك‪" :‬ر ُ‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬سلمان فياض‪ ،‬النحو العصري‪ ،‬مركز األهرام‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1995 ،1‬ص ‪.145‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬عبد الهادي الفضلي‪ ،‬مختصر النحو‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬جدة المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1981 ،7‬‬
‫ص ‪.175‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن‪ ،‬حبنكة‪ ،‬الميدا ني‪ ،‬البالغة العربية (أسسها‪ ،‬وعلومها‪ ،‬وفنونها )‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬الدار‬
‫الشامية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1994 ،1‬ج‪ ،1‬ص ‪.644‬‬
‫‪8‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫"وهذا زيد زيد"‪" ،‬مررت بزيد زيد"‪ ،‬وهذا الضرب يصلح في األفعا ل والحروف والجمل‪ ،‬وفي‬
‫كل كالم تريد تأكيده‪ ،‬فأما الفعل فتفول‪" :‬قام عمرو قام"‪ ،‬وقم قم‪ ،‬اجلس اجلس‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫ث َتحيات َوان لَم َتكلَ َمي‪".‬‬
‫ثَ َال ُ‬ ‫مت اسلَمي‬
‫أ َال فَاسلَمي ثُم اسلَمي ثُ َ‬
‫وأما النوع الثاني فهو‪" :‬أن يقصد به رفع توهم السامع أن المتكلِّم وضع العام موضع‬
‫الخاص‪ ،‬نحو قولك‪" :‬جاء بنو فالن كلِّهم"‪ ،‬لم يرد أن يخص بالمجيء بعضا دون بعض‬
‫ولوال ذلك المكن اعتقاد غير ذلك" ‪.2‬‬
‫كما أن دائرة الحكم ستتسع لما يمسه التوكيد في الجملة العربية مفردا كان أو ومركبا‬
‫ذلك أنه من العموم أن "العرب تؤكد كل شيء تراه في حاجة إلى توكيد‪ ،‬فهي قد تؤكد الحكم‬
‫كله أو تؤكد جزءا منه‪ ،‬وقد تؤكد لفظة بعينها‪ ،‬أو تؤكد مضمون الحكم‪ ،‬أو مضمون اللفظة‬
‫أو غير ذلك‪ ،‬فتقول‪" :‬إن محم ًدا مريض" و"محمد مريض محمد مريض" فهذا تأكيد للحكم‪.‬‬
‫وتقول‪" :‬محمد نفسه مريض" فهذا تأكيد للكلمة‪.‬‬
‫سعيا" فهذا تأكيد للحدث الذي تضمنه اسم الفاعل‪.‬‬
‫وتقول‪ُ " :‬م َحمد َساع إلى الخير ً‬
‫ليال" فهذا تأكيد للزمن الذي تضمنه الدلج ألن الدلج هو السير في الليل‬ ‫أدلجت ً‬
‫ُ‬ ‫وتقول‪" :‬‬
‫َْ ًَْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ َ َ ه َ‬
‫‪3‬‬ ‫َ‬
‫اَّلي أْسى بِعب ِده ِ َلل ﴾ ‪ ،‬ف ـ"ليالً" تأكيد للزمن الذي تضمنه‬
‫خاصة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬سبحان ِ‬
‫‪4‬‬
‫اإلسراء‪"...‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ابن السراج‪ ،‬األصول في النحو‪ ،‬ت‪ :‬عبد الحسين الفتلي‪ ،‬مؤسسة الرسالة بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1994 ،3‬‬
‫ج‪ ،1‬ص ‪.19‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬جمال الدين ابن محمد الطائي‪ ،‬شرح التسهيل‪ ،‬ت‪ :‬محمد عبد القاد ر عطا طارق فتحي السيد‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1111 ،1‬ج‪ ،3‬ص ‪.151‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬اإلسراء‪ ،‬آية ‪.11‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬فاضل صالح السامرائي‪ ،‬معاني النحو‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬المملكة األردنية الهاشمية‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪1118 ،3‬‬
‫ج‪ ،6‬ص ‪.113‬‬
‫‪9‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫ثانيا‪ :‬أهمية التوكيد ودواعيه‪.‬‬

‫إن أغلب الدارسين ألسلوب التوكيد من نحاة وبالغيين قد بحثوا وبإسهاب في األسباب‬
‫التي تستدعي استخدامه‪ ،‬ألن اللغة العربية تسعى في األصل إلى االقتصاد استخدام ألفاظها‬
‫كما أنها تقوم على مبدأ مهم لم يغب عن دارسيها على اختالف تخصصاتهم توجهاتهم‬
‫ويتمثل في الفائدة التي تجنى من وراء اللغة والتي من خاللها يتحقق دورها األساسي في‬
‫المجتمع المتمثل في التبليغ‪ ،‬أال وهو مبدأ الفائدة التي تجنى من الكالم والتي هي ضالة‬
‫الباحثين عامة ودارس النص القرآني خاصة وذلك الستخراج أحكامه ومعانيه‪ ،‬وفهم مقاصده‬
‫والتوكيد يقوم على تكرار اللفظ أو المعنى و هذا ليس من االقتصاد الذي تسعى إليه العربية‬
‫إال أن فائدته تكمن في دفع بعض ما قد يعلق باللفظ من مجاز أو نسيان أو غيرها مما يدور‬
‫في المقام الذي يرد فيه النص أو الجملة‪ ،‬واذا كان التوكيد يقوم على تكرار اللفظ أو المعنى‬
‫مما قد يوحي بانتفاء الفائدة من اللفظ المكرر فقد خرج العلماء فائدته على التأكيد وتوسيع‬
‫الكالم‪ ،‬وبهذا نكون أمام فائدتين في النص‪ :‬فائدة تأسيسية وهي األصل أي المعنى األول‬
‫وفائدة توكيدية وهي الفرع أي الفائدة من الكالم بعد توكيده بالتكرار أو الزيادة أو غيرها‪.‬‬
‫وفيما يلي عرض لفوائد بعض أشكال التوكيد‪ ،‬على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬ألن‬
‫أشكاله كثيرة ومتعددة ال يسعنا المقام لذكرها جميعا‪ ،‬فاقتصرنا على أهمها كفائدة التوكيد‬
‫اللفظي والمعنوي‪ ،‬وبعض األشكال األخرى‪.‬‬
‫‪ /1‬فائدة التوكيد المعنوي‪:‬‬
‫يقر صاحب النحو الوافي "أن الفائدة من التوكيد المعنوي‪ ،‬هو أبعاد ذلك االحتمال‬
‫وازالته‪ ،‬إما عم ذات المتبوع‪ ،‬واما عن إفادته التعميم الشامل المناسب لمدلوله‪ ،‬فإن لم يوجد‬
‫االحتمال لم يكن من بالغة التوكيد" ‪ ،1‬ومن هنا نحاول ذكر فائدة بعض أشكال التوكيد‬
‫المعنوي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عباس حسن‪ ،‬النحو الوافي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1976 ،3‬ج‪ ،3‬ص ‪.131‬‬
‫‪01‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫‪ - 2‬فائدة التوكيد بال ّنفس والعين‪:‬‬


‫هي‪" :‬رفع احتمال أن يكون في الكالم مجاز أو سهو أو نسيان‪ ،‬فإنك إذا قلت‪" :‬جاء‬
‫األمير" فربما يتوهم السامع أن إسناد المجيء إليه‪ ،‬وهو على سبيل التجوز أو النسيان‬
‫ِّ‬
‫فتؤكده بذكر النفس أو العين‪ ،‬وفعل لهذا االحتمال‪ ،‬فيعتقد السامع حينئذ أن‬ ‫أو السهو‪،‬‬
‫الجائي هو ال جيشه وال خدمه وال حاشيته وال شيء من األشياء المتعلقة به" ‪ ،1‬وجاء في‬
‫المفصل أيضا بأنه " إذا قلت جاءني زيد نفسه أو عينه فيزيل التأكيد ظن المخاطب من إرادة‬
‫قلت‪ :‬جاءني زيد وسكت تبين األمر على السامع‬
‫طب" ‪ ،‬و "إذا َ‬
‫‪2‬‬
‫المجاز ويؤمن غفلة المخا َ‬
‫نفسه أم خبره أم رسوله‪ ...‬فتأتي بلفظة التوكيد فتقول‪" :‬جاءني زيد‬
‫هل الذي جاء هو زيد ُ‬
‫عينه" فيرتفع المجاز عن ذهن السامع ويزول الغموض عنه‪ ،‬فيتأكد‬
‫نفسه" أو "جاءني زيد ُ‬
‫ُ‬
‫السامع أن الذي جاء هو زيد بعينه‪.‬‬
‫‪ - 3‬فائدة التوكيد بكل وجميع وعامة‪:‬‬
‫وهي "الداللة على اإلحاطة والشمول‪ ،‬فإذا قلت‪" :‬جاء القوم"‪ ،‬فربما يوهم السامع أن‬
‫بعضهم قد جاء والبعض اآلخر قد يخلف عن المجيء‪ ،‬فتقول‪" :‬جاء القوم كلهم" دفعا للتوهم‬
‫علي كله" ألنه ال يتجزأ‪ ،‬فإذا قلت‪" :‬اشتريت الفرس كلها" صح‪ ،‬ألنه‬
‫لذلك ال يقال‪" :‬جاء ٌّ‬
‫يتجز من حيث المبيع" ‪ .3‬وتكلم عن ذلك أيضا صاحب المفصل بقوله‪" " :‬كل"و "أجمع"‬
‫أ‬
‫يفيدان الشمول والعموم‪ ،‬والتأكيد بهما إلفادة ذلك‪ ،‬فإذا قلت "جاءني القوم كلهم أجمعون"‬
‫جئت بالتأكيد ألال يفهم غير المراد‪ ،‬وذلك أم تأتي بكل وحدها وبأجمع وحدها ألن معناها‬
‫واحد في التأكيد من جهة اإلحاطة والعموم‪ ،‬فإن جمعت بينهما فمبالغة في التأكيد" ‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مصطفى الغالييني‪ ،‬جامع الدروس العربية‪ ،‬ت‪ :‬عبد المنعم خفاجة‪ ،‬منشورات المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1996، 18‬ص ‪.133‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ابن يعيش النحوي‪ ،‬شرح المفصل‪ ،‬إدارة الطباعة المنيرة‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.61‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬مصطفى الغالييني‪ ،‬جامع الدروس العربية‪ ،‬ص‪.133‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬ابن يعيش النحوي‪ ،‬شرح المفصل‪،‬ج‪ ،3‬ص ‪.61‬‬
‫‪00‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ - 4‬فائدة التوكيد بكل وكلتا‪:‬‬


‫"هي إثبات الحكم لالثنين المؤكدين معا فإذا قلت " جاء الرجالن"‪ ،‬وأنكر السامع أن‬
‫الحكم ثابت لالثنين معا أو توهم ذلك‪ ،‬فتقول‪" :‬جاء الرجالن كالهما" دفعا إلنكاره أو توهمه‬
‫و"تعاهد سليم‬
‫َ‬ ‫كال ُهما"‪،‬‬
‫أن الجائي أحدهما ال كالهما‪ ،‬لذلك يمتنع أن يقال‪" :‬اختصم الرجالن َ‬
‫كاله َما"‪ ،‬بل يجب أن تحذف كلمة كالهما ألن فعل المخاصمة والمعاهدة ال يقع إال‬
‫ُ‬ ‫وخالد‬
‫من فأكثر فال حاجة إلى توكيد ذلك‪ ،‬ألن السامع ال يعتقد وال يتوهم أنه حاصل من أحدهما‬
‫دون اآلخر"‪ ،1‬ونفس الشيء بالنسبة للفظة لكلتا‪.‬‬
‫‪ - 5‬فائدة التوكيد اللفظي‪:‬‬
‫وهي "تقرير المؤكد في نفس السامع وتمكينه في قلبه‪ ،‬وازالة ما في نفسه من الشبهة‬
‫طب أن الجائي هو ال غيره ادعيت بذلك وانكر‬
‫علي" فإن اعتقد المخا َ‬
‫فيه‪ ،‬إنك إذا "جاء ٌّ‬
‫كررت لفظة "علي" دفعا إلنكاره‪ ،‬وازالة للشبهة التي تعرضت‬
‫وأظهرت عليه دالئل اإلنكار‪ِّ ،‬‬
‫لها‪ ،‬وان قلت فيه‪ ،‬فثبت ذلك في قلبه وتمط عنه الشبهة" ‪ .2‬إضافة إلى " تمكين السامع من‬
‫تدارك لفظ لم يسمعه‪ ،‬أو سمعه ولكن لم يتبينه‪ ،‬وقد يكون الغرض التهديد‪ ،‬لقوله في خطاب‬
‫َ َ َْ َ‬ ‫ُ َه‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫َه‬
‫المعاندين بالباطل‪ّ﴿ :‬لَك َس ْوف تعل ُمون (‪ )3‬ث هم ّلَك َس ْوف تعل ُمون﴾ ‪ ،4 " 3‬كما أنه قد يكون‬
‫د‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُه َ َْ‬ ‫د‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َْ‬
‫الين﴾" ‪" .‬وأحيانا‬
‫‪5‬‬
‫ين (‪ )07‬ثم ما أدراك ما يوم ِ‬ ‫للتهويل‪ ،‬كقوله تعالى‪﴿ :‬وما أدراك ما يوم ِ‬
‫ال ِ‬
‫يستخدم للتلذذ "بترديد لفظ مدلوله مرغوب ومحبوب فيه نحو‪" :‬الصحة الصحة!! هي‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مصطفى الغالييني‪ ،‬جامع الدروس العربية‪ ،‬ص ‪.133‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬التكاثر‪ ،‬آية ‪.16- 113‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬عباس حسن‪ ،‬النحو الوافي‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.131‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬االنفطار‪ ،‬آية ‪.18- 17‬‬
‫‪01‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫السعادة الحقة الحقة‪" ،‬الجنة الجنة!! ما أسعد من يفوز بها"‪" ،‬األم األم!!أعذب لفظ ينطق‬
‫به الفم" " ‪.1‬‬
‫‪ - 6‬فائدة التوكيد بالفصل والوصل‪:‬‬
‫هي وما يتحصل من معنى في هذا الشكل الذي يعد من األشكال التوكيدية في اللغة‬
‫العربية‪" ،‬ووجه حسن هذا الضرب هو أن في التوكيد تقوية المعاني وتقريرها وفي البيان‬
‫تنشيط النفس وايقاظها‪ ،‬ألنها حين تتلقى كالما ملفوفا بشيء من الغموض تشتاق إلى بيانه‬
‫وتستشرف في الترف على وجهه‪ ،‬فإذا جاء البيان صادف نفسا يقظة متطلعة فيتمكن الكالم‬
‫منها" ‪.2‬‬
‫‪ - 7‬فائدة التوكيد بالتقديم والتأخير‪:‬‬
‫إن العالقة بين فكرة الترتيب ومبدأ الفائدة من الظواهر الواضحة في البحث النحـوي‬
‫حيث درست هذه القضية من قبل علمائنا من وبصورة متكررة وواضحة‪ ،‬إذ يعد كل تغيير‬
‫في ترتيب عناصر الجملة مما له تأثير كبير على ما يجنيه السامع من فائدة وما يقوم عليه‬
‫ذهنه من معنى‪ ،‬ألن " كل تغيير في المبنى يؤدي إلى تغيير في المعنى"‪ ،‬فإذا قلت "زيد‬
‫أخوك" كنت قد أثبت بــ"أخوك" معنى لزيد‪ .‬واذا قدمت وأخرت فقلت‪" :‬أخوك زيد" وجب أن‬
‫تغيير لالسم‬
‫خبر ً ا‬
‫تكون مثب ًتا بــ"زيد" معنى لــ"أخوك"‪ ،‬واال كان تسميتك له اآلن مبتدأ واذ ذاك ً ا‬
‫عليه من غير معنى وألدى إلى أن ال يكون لقولهم‪" :‬المبتدأ والخبر" فائدة غير أن يتقدم اسم‬
‫في اللفظ على اسم من غير أن ينفرد كل واحد منهما بحكم ال يكون لصاحبه‪ ،‬وذلك مما ال‬
‫يشك في سقوطه" ‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عباس حسن‪ ،‬النحو الوافي‪،‬ج‪ ،3‬ص‪.131‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬محمد محمد أبو موسى‪ ،‬دالالت التركيب (دراسة بالغية)‪ ،‬دار التضامن‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1987 ،1‬‬
‫ص ‪.331‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ ،‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.167- 164‬‬
‫‪03‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫وما نقف عليه في هذا الصدد كالمهم عن النظام "الذي يخضع له تركيب االسم واللقب‬
‫وهو من التراكيب المشهور في كل اللغات‪ ،‬إذ يبررون تقديم االسم وتأخير اللقب ألمر له‬
‫عالقة بما يحمله كل منهما من داللة يتمايزان بها عن بعضهما بعض‪ ،‬فيرون أنه إنما وجب‬
‫في القياس تقديم االسم وتأخير اللقب‪ ،‬ألن االسم يدل على الذات وحدها واللقب يدل عليها‬
‫وعلى صفة مدح أو ذم كما هو معلوم‪ ،‬فلو جئت باللقب أوال لما كان لذكر االسم بعده فائدة‬
‫بخالف ذكر االسم أوال‪ ،‬فإن اإلتيان بعده باللقب يفيد هذه الزيادة" ‪.1‬‬
‫وفكرة الفائدة في قضية التقديم والتأخير تتجلى أكثر فيما ذهب إليه رضي الدين‬
‫اإلسترابادي في تعرضه لشرح تقديم الفاعل أو المفعول فقا ل‪" :‬فإذا قلت‪ :‬أليس ذكر الفاعل‬
‫قبل المفعول مفيد أن ذكر المفعول ليس بأهم‪ ،‬لو ذكرت المفعول قبل الفاعل أفاد أن ذكر‬
‫المفعول أهم‪ ،‬قلت‪ :‬تقديم المفعول على الفاعل ال يفيد ذلك‪ ،‬بل قد يكون ذلك التساع‬
‫َ َ َ ُ ه ُ ََ َ ْ‬
‫اْل هن﴾‪ ،3‬إذ ليس بخاف‪ ،‬كما يرى عبد‬
‫الكالم" ‪ ،‬ومثال ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬وجعلوا َِّلل ِ ُشَكء ِ‬
‫‪2‬‬

‫ُ ََ‬
‫ُشَكء" حسنا ومأخذا وروعة من القلوب‪ ،‬وذلك ما ال تجده إن‬ ‫القاهر الجرجاني أن للتقديم "‬

‫أنت أخرت فقلت‪" " :‬وجعلوا الجن شركاء اهلل" وأنك ترى حالك حال من نقل عن الصورة‬
‫المبهجة والمنظر الرائق والحسن الباهر إلى الشيء الغفل الذي ال تحلى منه بكثير طائل‪ ،‬وال‬
‫تصير النفس به إلى حاصل والسبب في أن كان ذلك كذلك هو أن للتقديم فائدة شريفة‬
‫ومعنى جليال ال سبيل إليه مع التأخير‪ ،‬بيانه أنا وان كنا نرى جملة المعنى ومحصوله أنهم‬
‫جعلوا الجن شركاءوعبدوهم مع اهلل تعالى‪ ،‬وكان هذا المعنى يحصل مع التأخير حصوله مع‬
‫ُ ََ‬
‫ُشَكء" يفيد هذا المعنى‪ ،‬ويفيد معه معنى آخر وهو أنه ما كان ينبغي أن‬ ‫التقديم‪ ،‬فإن تقديم "‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ابن عقيل‪ ،‬شرح ابن عقيل‪ ،‬ت‪ :‬محمد محي الدين عبد الحميد‪ ،‬مكتبة دار التراث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪11‬‬
‫‪ ،1981‬ج‪ ،1‬ص ‪.111- 111‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬اال سترابادي‪ ،‬شرح الكافية في النحو‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.14‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬األنعام‪ ،‬آية ‪.111‬‬
‫‪01‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫يكون هلل شريك ال من الجن وال غير الجن‪ ،‬واذا أخر فقيل‪" :‬جعلوا الجن شركاء هلل"‪ ،‬لم يفد‬
‫ذلك ولم يكن في شيء أكثر من اإلخبار عنهم بأنهم عبدوا الجن مع اهلل تعالى" ‪.1‬‬
‫ُ ْ َُ َ‬ ‫َ ْ َُ َ ه‬
‫كما نجد ذلك عند تفسير الزمخشري لقوله تعالى‪﴿ :‬واعلموا أن فِيكم رسول‬
‫ه‬
‫اَّلل ِ﴾ ‪2‬يقول‪" :‬فإن قلت‪ :‬ما فائدة تقديم خبر "أن" على اسمها؟ قلت‪ :‬القصد إلى توبيخ بعض‬

‫المؤمنين على ما استهجن اهلل منهم من استتباع رأي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم آلرائهم‬
‫فوجب تقديمه النصباب الغرض إليه"‪.3‬‬
‫‪ - 8‬فائدة التوكيد بالتكرار‪:‬‬
‫لو أردنا أن نقدم تعريفا للتكرار في اللغة لوجدنا أن أقرب تعريف له "هو عبارة‬
‫عن اإلتيان بشيء مرة بعد أخرى"‪ 4‬مما يوحي لنا بمفارقته للفائدة‪ ،‬ذلك أن هذه األخيرة يفهم‬
‫منها جدة الكالم بأن يكون غير مفهوم من دون ذكره‪ ،‬وهو ما يدفعنا للبحث التساؤل عن‬
‫موضع الفائدة في أشكال التوكيد التي تطابقت مع فكرة التكرار خاصة ما يسمى بالتوكيد‬
‫اللفظي والمعنوي مما درجت عليه كتب النحو من تقسيم مشهور لما يسمى بالتوكيد‬
‫الصناعـي ومن فهم التكرار على أنه قد يكون لغير فائدة فالمالزمة ممنوعة‪" ،‬ذلك إنه لم‬
‫يخ ـل عن فائدة وهي رفع احتمال توهم المجاز كما في األلفاظ المؤكدة فإن القائل‪" :‬جاء‬
‫القوم" يفيد مجيء كلهم لما تقتضيه األلف والالم من االستغراق فقوله بعد ذلك‪" :‬كلهم‬
‫وأجمعون" تأكيد لرفع توهم المجاز‪ ،‬وأنه أراد بالقوم بعضهم فكذلك هنا جاء بقوله بعده تأكيدا‬
‫لرفع توهم أنه أراد المعية تجو از فلم تخل عن فائدة" ‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.111- 111‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الحجرات‪ ،‬آية ‪.17‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ت ‪ :‬فتحي عبد الرحمن أحمد حجازي‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ج‪ ،4‬ص‪.14‬‬
‫‪ - 4‬السكاكي‪ ،‬مفتاح العلوم‪ ،‬ت‪ :‬عبد الحميد هنداوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪،1‬بيروت‪،‬ـ لبنان‪1111 ،‬‬
‫ص ‪.614‬‬ ‫‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬ابن كيلكلدي‪ ،‬الفصول المفيدة في الواو المزيدة‪ ،‬ت‪ :‬حسن موسى الشاعر‪ ،‬دار البشير‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪ ،1991‬ص ‪.84- 85‬‬
‫‪01‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫بل إن فكرة الفائدة تتجلى أكثر في ما ذكره صاحب الكليات من "أن التأكيد بذكر ماهو‬
‫كالعلة أقوى من التأكيد بالتكرار" ‪ ،1‬وهذا ما يجعل التأكيد معنى نحويا سياقيا‪ ،‬يستوفي شروط‬
‫تأدية الغرض من الكالم متمثال في اإلفادة‪ ،‬وان كان كثي ار ما يرتبط بسياق الموقف الذي يمثله‬
‫السامع والمخاطب والرسالة االبالغية ومن األمثلة التي تستوقفنا في هذا السياق ما أورده‬
‫ُش َع ًة َومِنْ َه ً‬ ‫ُ د َ َ َْ ْ ُ‬
‫ك ْم ِ ْ‬
‫اجا﴾‪ ،2‬إذ وجد "أن تكرار‬ ‫الزجاج عند تعرضه لقوله تعالى‪ ﴿ :‬ل ِ ٍّ‬
‫ك جعلنا مِن‬

‫األلفاظ المترادفة في مثل هذا يكون للزيادة في الفائدة" ‪ ،3‬إذ من المؤكد أن التكرير في القرآن‬
‫الكريم ال يكون إال لفائدة وهو ما يمكن أن نستخلصه من األمثلة التي يتعرض لها العلمـ ـاء‬
‫على اختالف تفسي ارتهم وتعليالتهم وتوجهاتهم‪ ،‬بل هناك من يؤكد على جدة المعنى كما فعل‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َهُ َ ه َْ ُ َ َْ ََ ْ‬
‫الفارسي في دفاعه عن قراءة حمزة لقوله تعالى‪﴿ :‬فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما﴾ ‪ ،‬فهو‬
‫‪4‬‬

‫يشير إلى أن التكرار بالرغم من اختالف اللفظ‪ ،‬يفيد معنى آخ ار باإلضافة إلى تفخيم القصة‬
‫ََ ْ‬ ‫ََ ه‬
‫وتعظيمها بألفاظ مختلفة‪ ،‬فإن قال قائل‪ :‬فإنه إذا ق أر "فأ َزل ُه َما" كان قوله بعد "فأخ َر َج ُه َما"‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬
‫تكريرا‪ ،‬فالقراءة األخرى أرجح‪ ،‬ألنها ال تكون على التكرير‪ ،‬قيل‪ :‬إن قوله‪" :‬فأخرجهما" ليس‬

‫بتكرير ال فائدة فيه" ‪.5‬‬


‫‪ - 9‬فائدة التوكيد ِّ‬
‫بالزيادة ‪:‬‬
‫أكثر شيء اتفق عليه النحاة في دراستهم للتوكيد فكرة الزيادة‪ ،‬مما يوحي أن الجملـ ـة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الكفوي‪ ،‬الكليات‪ ،‬ص‪.148‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المائدة‪ ،‬آية ‪.68‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الزجاج‪ ،‬معاني القرآن واعرابه‪ ،‬ت‪ :‬عبد الجليل عبده شلبي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1988 ،1‬ج‪1‬‬
‫ص‪.185- 186‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬البقرة‪ ،‬آية ‪.34‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ ،‬أبو علي الفارسي‪ ،‬الحجة للقراء السبعة‪ ،‬ت‪ :‬بدر الدين قهوجي وبشير جويجاني‪ ،‬دار المأمون للتراث‬
‫دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪ ،1986 ،1‬ج‪ ،1‬ص‪.14‬‬
‫‪06‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫أو التركيب يمكن أن يؤدي دوره في فهم وافهام المتلقي‪ ،‬وانما دخول هذا العنصر المؤكد‬
‫مهما كان شكله كان للتوكيد فقط‪ ،‬وهذا التعبير باختالف أدائه لدى الدارسين أو الباحثين قد‬
‫يوحي أن مصطلح الزيادة يناقض فكرة اإلفادة التي يمكن تأديتها بأقل قدر من األلفاظ متمثال‬
‫في تحديدهم للجملة بأنها "ما يحسن السكوت عليه"‪ ،‬وهذا طبعا مما ال يصح تعميمه‬
‫خصوصا إذا ربط بفهمنا للنص القرآني وما جاء فيه من أشكال توكيدية على اختالفها‪.‬‬
‫وهو أيضا مما ال يمكن أن يغض عليه الطرف لدى علماء اللغة قديما وحديثا‪ ،‬فهذا‬
‫عبد القاهر الجرجاني في كتابه أسرار البالغة وفي سياق حديثه عن قضية الزيادة يقابلها‬
‫بالفائدة‪" :‬واذا ثبت أن وصف الكلمة بالزيادة‪ ،‬نقيض وصفها باإلفادة‪ 1 "...‬بالفائدة فإن تتبع‬
‫مواضع ما قيل عنه إنه زائد في اللغة أو القرآن وتخريجه في مؤلفات القدماء يجعلنا نستنتج‬
‫أن الزائد عندهم ما ال معنى له أو ما ال تأثير له على المعنى المقص ـ ـود والمراد توصيله من‬
‫هذا الكالم ‪ ،‬ويشرح عبد القاهر الجرجاني مصطلح الزيادة في ألفاظ اللغة على نحو يربطها‬
‫بالمعنى‪ ،‬ذلك أن القول بأنها زائدة يفيد أن ال يراد لها معنى‪ ،‬وأن تجعل كأن لم يكن لها‬
‫داللة قط‪ ،‬وهذا يتعارض مع أهم مبدأ استعمالي للغة وهو أن الكلمة ال تتج ـرد من الف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـائدة‬
‫مهما كانت درجة هذه الفائدة‪ ،‬وهو األمر الذي جعل علماء اللغة والتفسير إلى القول إن "ما"‬
‫ٍِ ِِ‬
‫ََلُمم﴾‪ ،2‬تفيد التوكيد‪ :‬ويرد على إن كون "ما"‬ ‫﴿فَبِ َما َر مْحَة م َن اللَّه لمن َ‬
‫ت‬ ‫في نحو قوله تعالى‪:‬‬

‫تأكيدا‪ ،‬نقل لها عن أصلها ومجاز فيها‪ ،‬وكذلك أقول‪" :‬إن كون الباء المزيدة في‪" :‬ليس زيد‬
‫بخارج"‪ ،‬لتأكيد النفي‪ ،‬مجاز في الكلمة‪ ،‬ألن أصلها أن تكون لإللصاق فإن ذلك على بعده‬
‫ال يقدح فيما أردت تصحيحه‪ ،‬ألنه ال يتصور أن تصف الكلمة من حيث جعلت زائدة بأنها‬
‫مجاز‪ ،‬ومتى ادعينا لها شيئا من المعنى فإننا نجعلها من تلك الجهة غير مزيدة" ‪ ،3‬كما يشرح‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬أسرار البالغة‪ ،‬ت‪ :‬مصطفى شيخ مصطفى‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪ ،1116‬ص ‪.195‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬آل عمران‪ ،‬آية ‪.159‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص‪.196‬‬
‫‪07‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫لنا الزركشي في نفس السياق معنى ما أصطلح عليه بالزيادة‪ ،‬والتي تطلق عادة على بعض‬
‫مفرقا‬
‫حروف المعاني "األدوات" ‪ -‬التي جاءت في النص القرآني كما جاءت في كالم العرب ِّ‬
‫بين الزيادة في معناها اللغوي‪ ،‬والزيادة التي توصف بها هذه األدوات لتأدية معنى التوكيد في‬
‫الجمل‪ ،‬ومعنى كونه زائدا أن أصل المعنى حاصل بدونه‪ ،‬دون التأكيد فبوجوده عناصرها‬
‫فيقول ‪" :‬ومعنى كونه زائدا أن أصل المعنى حاصل بدونه‪ ،‬دون تأكيد فبوجوده حصلت فائدة‬
‫التأكيد‪ ،‬والواضع الحكيم ال يضع الشيء إال لفائدة‪ ،‬وسئل بعض العلماء عن التوكيد بالحرف‬
‫وما معناه إذ إسقاط كل الحرف ال يخل بالمعنى‪ ،‬فقال‪ :‬هذا يعرفه أهل الطباع إذ يجدون‬
‫أنفسهم بوجود الحرف على معنى زائد ال يجدونه بإسقاط الحرف قال‪ :‬ومثال ذلك مثال‬
‫العارف بوزن الشعر طبعا‪ ،‬فإذا تغير البيت بزيادة أو نقص أنكره‪ ،‬وقال‪ :‬أجد نفسي على‬
‫خالف ما أجده بإقامة الوزن‪ ،‬فكذلك هذه الحروف تتغير نفس المطبوع عند نقصاها ويجد‬
‫نفسه بزيادها على معنى بخالف ما يجدها بنقصانه ‪.1‬‬
‫َ ََ‬ ‫َ ه َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ َ َه ْ‬
‫اب أَل َيق ِد ُرون لَع‬
‫وتطلق الزيادة على "ال" في نحو قوله تعالى‪ِِ ﴿ :‬لل يعلم أهل الكِت ِ‬
‫َ ْ‬
‫َشء﴾‪" ،2‬ألنها ال تفيد النفي فيما دخلت عليه‪ ،‬وال يستقيم المعنى إال على إسقاطها‪ ،‬ثم إن‬

‫قلنا إن "ال" هذه المزيدة تفيد تأكيد النفي الذي يجيء من بعد في قوله‪" :‬أن ال يقدرون" وتؤذن‬
‫به‪ ،‬فإنا نجعلها من حيث أفادت هذا التأكيد غير مزيدة‪ ،‬وانما نجعلها مزيدة من حيث لم تفد‬
‫النفي الصريح فيما دخلت عليه‪ ،‬كما أفادته في المسألة" ‪.3‬‬
‫ويجب علينا أن نقف عند قضية أساسية تخص حروف الزيادة التي ارتبطت بداللة‬
‫التوكيد كما ناقشها أحد الباحثين المعاصرين حيث رأى أن النحاة لم يذكروا وظيفة لهذه‬
‫الحروف وان اكتفوا بحصرها في التوكيد‪ ،‬وذلك ألن تتبع مواضعها في القرآن الكريم يجعل‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الزركشي‪ ،‬البرهان في علوم القرآن ‪ ،‬ت‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫ج‪ ،3‬ص‪.51‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الحديد‪ ،‬آية‪.19 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬أسرار البالغة‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪08‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫الباحث فيها يالحظ أن لكل حرف معنى يالئم السياق القرآني الذي وجد فيه‪ ،‬فباختالف‬
‫المقام يختلف المعنى‪ ،‬وهو ما تفطن إليه اإلسترابادي في شرح شافية ابن الحاجب‪ ،‬إذ يربط‬
‫فكرة الزيادة بمبدأ الفائدة‪ ،‬يقــول في ذلك‪" :‬فإن قيل‪ :‬فيجب أال تكون زائدة إذا أفادت فائدة‬
‫معنوية‪ ،‬قيل‪ :‬إنما سميت زائدة‪ ،‬ألنه ال يتغير أصل المعنى‪ ،‬بل ال يزيد بسببها إال تأكيد‬
‫المعنى الثابت وتقويته‪ ،‬فكأنها لم تفد شيئا لما لم تغاير فائدتها العارضة الفائدة الحاصلة‬
‫قبلها‪ ،‬ويلزمهم أن يعدوا‪ ،‬على هذا‪" ،‬إن"‪ ،‬و "الم االبتداء"‪ ،‬وألفاظ التأكيد أسماء كانت أو ال‬
‫زوائد‪ ،‬ولم يقولوا به" ‪ ،1‬هذا ويرى بعضهم أن التوكيد هو نفسه الفائدة التي تجنى من الزائد‪.‬‬
‫وذلك أنه كما يقول صاحب تاج العروس‪" :‬ال يفيد غير التأكيد‪ ،‬وهو عند بعض النحاة‬
‫فقولهم‪" :‬إنما زيد قائم" بمنَزلة "أن الشأن زيد قائم" فهو يحتمل العموم كما‬
‫ال يغير المعنى ُ‬
‫يحتمله إن ز ًيدا قائم وعند األكثرين ُينقل اَلمعنىي من احتمال العموم إلى معنى الحصر‪ ،‬فإذا‬
‫قيل‪" :‬إنما زيد قائم" فالمعنى "ال قائم إال زيد" " ‪ ،2‬وهو ما سنستفيد منه في بيان فائدة بعض‬
‫التراكيب التي ال يتحصل منها سوى داللة التوكيد في كونها ال تقل فائدة عن المعاني‬
‫التأسيسية في المعاني المقامية‪ ،‬إذ سقوطها من الكالم يؤدي إلى ذهاب المعنى المقصود‬
‫مقاميا‪.‬‬
‫‪ -‬فائدة بعض عناصر التوكيد في الجملة‪:‬‬
‫إذا كان اإللمام بكل أشكال التوكيد وما يجنى منها من فائدة مما ال يتسع المقام لذكرها‬
‫فإننا سنتناول بعض عناصر التوكيد مع بيان ما تحدث عنه علماء العربية من فائدة تجنى‬
‫من استخدام بعض أشكاألسلوب التوكيد‪ ،‬إذ يعد الحديث عن داللة التوكيد في هذه العناصر‬
‫هو ما يستفاد منها في الكالم وهي الثمرة المعنوية المتحصل عليها في ذلك كما سنرى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬اإلسترابادي‪ ،‬شرح شافية ابن الحاجب‪ ،‬ت‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد ومحمد نور حسن ومحمد‬
‫الزفزاف‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دون ط‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.631‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ :‬ت‪ :‬عبد الستار أحمد فراج‪ ،‬مطبعة حكومة الكويت ‪1945‬‬
‫دط‪ ،‬ج ‪ ،61‬ص ‪.515‬‬
‫‪09‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ - 1‬فائدة التوكيد بضمير الفصل‪:‬‬


‫"هو ضمير يتوسط بين المبتدأ والخبر أو ما أصله مبتدأ وخبر ليؤذن من أول األمر‬
‫ُ َ َ‬
‫بأن ما بعده خبر ال نعت"‪ ،1‬ومن فوائده ما ذكره الزمخشري في تفسير قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وأولئِك‬
‫َ‬ ‫ُ ْ ْ‬
‫ه ُم ال ُمفل ِ ُحون﴾ ‪ ، 2‬فقال‪" :‬فائدته الداللة على أن الوارد بعده خبر ال صفة‪ ،‬والتوكيد‪ ،‬وايجاب‬

‫أن فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره" ‪.3‬‬


‫‪ -2‬فائدة التوكيد بضمير الشأن‪:‬‬
‫"ويسمى أيضا ضمير القصة‪ ،‬وهو الضمير الذي يقدم قبل الجملة ضمي ار يسم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـى‬
‫ذلك نحو قولك‪" :‬هو زيد منطلق" أي "الشأن والحديث زيد منطلق" " ‪ ،4‬ومنه قوله عز وجل‬
‫هُ َ‬ ‫ُْ ُ‬
‫اَّلل أ َحد﴾‪" ،5‬ويتصل بار از في قولك‪" :‬ظننته زيد قائم"‬ ‫في سورة إلخالص‪﴿ :‬قل ه َو‬

‫و"حسبته قام أخوك" و "أنه أمة اهلل ذاهبة" و "أنه يأتنا نأته" " ‪ ،6‬وتعود داللة التوكيد في هذا‬
‫الضمير أنه كما جاء في الكليات "ذكر الشيء مبهما وتفسيره يفيد تقريره وتأكيده" ‪.7‬‬
‫إن‪:‬‬
‫‪ - 3‬فائدة التوكيد ب ّ‬
‫تكاد تجمع كتب النحو واإلعراب على لصوق داللة التوكيد "بإن" ويظهر ذل ـك في‬
‫إع اربها على أنها حرف نصب وتوكيد‪ ،‬إال أن ذلك ليس كل ما يمكن أن يقال عنها فثمة‬
‫أسرار ولطائف داللية ال يمكن أن نجدها إال عند تعدد التراكيب وتعدد المعاني‪ ،‬إذ ي ـرد عبد‬
‫القاهر الجرجاني‪ ،‬على الكندي ـ ـ الذي يرى في الكالم تعددا للتراكيب والمعنى واحد ـ ـ "واعلم‬
‫أن هاهنا دقائق لو أن الكندي استق أر وتصفح وتتبع مواقع "إن" ثم ألطف النظر وكثر التدبر‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬مصطفى الغالييني‪ ،‬جامع الدروس العربية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.69‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬البقرة‪ ،‬آية ‪.15‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.18 ،‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-‬الزمخشري‪ ،‬المفصل في علم العربية‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪ ،‬ص ‪.133‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬اإلخالص‪ ،‬آية ‪.11‬‬
‫‪6‬‬
‫‪-‬الزمخشري‪ ،‬المفصل في علم العربية‪ ،‬ص ‪.133‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬الكفوي‪ ،‬الكليات‪ ،‬ص‪.1181‬‬
‫‪11‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫لعلم علم ضرورة أن ليس سواء دخولها وأن ال تدخل‪ ،‬فأؤل ذلك وأعجبه ما قدمت لك ذكر‬
‫في بيت بشار‪:‬‬
‫اح في التبكير" ‪. 1‬‬
‫اك الن َج ُ‬
‫إن َذ َ‬ ‫الهج َير‬
‫بل َ‬‫صاحبي َق َ‬
‫ُبكًار َ‬
‫"وذلك أنه هل شيء أبين في الفائدة‪ ،‬وأدل على أن ليس سواء دخولها‪ ،‬وأن ال تدخل‬
‫من أنك ترى الجملة‪ ،‬إذا هي دخلت ترتبط بما قبلها‪ ،‬وتأتلف معه وتتحد بهحتى كأن‬
‫احدا‪ ،‬وكأن أحدهما قد سبك في اآلخر‪.‬هذه هي الصورة‪ ،‬حتى إذا‬
‫اغا و ً‬
‫الكالمين قد أفرغا إفر ً‬
‫جئت إلى "إن" فأسقطتها رأيت الثاني منهما قد نبا عن األول وتجافى معناه عن معناه‪ ،‬ورأيته‬
‫ال يتصل به‪ ،‬وال يكون منه بسبيل حتى تجيء بالفاء فتقول‪" :‬بك ار صاحبي قبل الهجير فذاك‬
‫النجاح في التبكير" ثم ال ترى الفاء تعيد الجملتين إلى ما كانتا عليه من األلفة‪ ،‬وال ترد عليك‬
‫الذي كنت تجد بــ"إن" من المعنى" ‪.2‬‬
‫اس‬ ‫وهذا الضرب موجود كثي ار في القرآن الكريم‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى‪﴿" :‬يَا َأ ُّي َها انله ُ‬

‫ه ُ َ ه ُ ْ ه َ َْ َ َ ه َ َ ْ َ‬
‫َشء ع ِظيم﴾‪ ،3‬وقد يتكرر في اآلية الواحدة كقوله جل جالله‪:‬‬ ‫اتقوا ربكم إِن زلزلة الساعةِ‬
‫َ‬ ‫َ َْ َ ُْ ْ َ َ ْ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َن أَقم ه‬
‫َ‬ ‫َ ه َ َ‬
‫ِب لَع َما أ َصابَك إِن ذل ِك م ِْن ع ْز ِم‬ ‫اص‬‫و‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ان‬ ‫و‬ ‫وف‬
‫ِ‬ ‫الص َلةَ َوأ ُم ْر بال ْ َمعْ ُ‬
‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿يَا ُب َ ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ئ َن ْف ِِس إ هن انله ْف َس َْل همارةَ‬ ‫ُ‬
‫ََ َد ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫ِ‬ ‫اْلمور ِ﴾ ‪ ،‬وقد يتكرر في اآلية الواحدة كقوله تعالى‪﴿ :‬وما أب ِر‬ ‫‪4‬‬

‫د ه د َُ‬ ‫ب ُّ ه َ‬
‫حيم﴾ ‪.6 " 5‬‬ ‫ح َم َر ِّب إِن َر ِّب غفور َر ِ‬ ‫السوءِ إَِل ما َر ِ‬ ‫ِ‬

‫‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص‪.163‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.113‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬الحج‪ ،‬آية ‪.11‬‬
‫‪ - 4‬لقمان‪ ،‬آية ‪.17‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬يوسف‪ ،‬آية ‪.53‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪.66 ،‬‬
‫‪10‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ - 4‬فائدة المصدر المؤكد‪:‬‬


‫"ومصدر الفعل الذي يعمل فعله فيه يجيء على ضروب‪ :‬فربما ذكر توكي ًدا نحو قولك ‪:‬‬
‫جلوسا" فليس في هذا أكثر من أنك أكدت فعلك بذكرك مصدره‬
‫ً‬ ‫قياما" و"جلست‬
‫"قمت ً‬
‫شديدا" و"الضرب الذي تعرف"‬
‫ً‬ ‫وضرب ثان تذكره للفائدة نحو قولك‪" :‬ضربت ز ًيدا ض ًربا‬
‫قياما طويال" فقد أفدت في الضرب أنه شديد وفي القيام أنه طويل وكذلك إذا قلت‬
‫و"قمت ً‬
‫‪:‬ضربت ضربتين "و"ضربات"‪ ،‬فقد أفدت المرار وكم مرة ضربت" ‪.1‬‬
‫‪ - 5‬فائدة التوكيد بالبدل‪:‬‬
‫يقول الزمخشري في الكشاف في سياق حديثه عن البدل رابطا دوره في الكالم بمبدأ‬
‫الفائدة‪" ،‬فإن قلت ما فائدة البدل؟ قلت فائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير" ‪ ،2‬فدل‬
‫كالمه على "أن فائدة اإلبدال أمران يرجعان إلى التوكيد وهما‪ :‬ما فيه من التثنية أي تكرار‬
‫لفظ البدل ولفظ المبدل منه وقصد بالتكرير ما يفيده البدل عند النحاة من تكرير العامل‪ ،‬ففي‬
‫َ َ ه َ ََْْ َ َ َ‬ ‫الّص َاط ال ْ ُم ْس َتقِ َ‬
‫اه ِدنَا د ِ َ‬
‫ْ‬
‫ت عليْ ِه ْم﴾‪ ،3‬يفهم ا‬
‫تكرر الفعل عند‬ ‫اَّلين أنعم‬
‫ِصاط ِ‬ ‫يم (‪ِ )6‬‬ ‫قوله‪﴿ :‬‬

‫ير ألنه إعادة للفظ بعينه‬


‫تقديره بـ "اهدنا الصراط المستقيم اهدنا صراط الذين"‪ ،‬وسماه تكر ً ا‬
‫بخالف إعادة لفظ المبدل منه فإنه إعادة له بما يتحد مع ما صدقه فلذلك عبر بالتكريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـر‬
‫وبالتثنية ومراده أن مثل هذا البدل وهو الذي فيه إعادة لفظ المبدل منه يفيد فائدة البدل وفائدة‬
‫التوكيد اللفظي‪ ،‬وقد علمت أن الجمع بين األمرين ال يتأتى على وجه معتبر عند البلغاء إال‬
‫بهذا الصوغ البديع"‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ابن السراج‪ ،‬األصول في النحو‪ ،‬ت‪ :‬عبد الحسين الفتلي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1994 ،3‬‬
‫ج‪ ،1‬ص ‪.141‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.14‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الفاتحة‪ ،‬آية ‪.17- 14‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬الدار التونسية للن شر‪ ،‬تونس‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.191‬‬
‫‪11‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫‪ - 6‬فائدة التوكيد بإنما‪:‬‬


‫كثي ار ما يعرب النحاة "إنما" على أنها كافة ومكفوفة مما قد يوحي بأن الغـ ـرض من‬
‫دخولها في الكالم كف "إن" عن العمل ال عن الداللة‪ ،‬لكونها كانت ناصبة لالسم بعدها‬
‫وعند دخولها عليها منعتها من ذلك‪ ،‬وان كان هذا اإلعراب ال يستقيم مع جميع مواضعها‬
‫فهي تدخل على األفعال أيضا وما كانت "إن" لتعمل في الفعل أبدا كما أنها ال تدخل على‬
‫األفعال مطلقا‪ ،‬ولذلك فمن الضروري التركيز على الدور المعنوي الذي تؤديه سواء كان‬
‫بعدها فعل أو اسم وذلك بعيدا عن العمل وهو ما اعتنى ببيانه الجرجاني "من أنه قد يظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن‬
‫الظان أنه ليس في انضمام "ما" إلى "إن" فائدة أكثر من أنها تبطل عملها حتى ترى‬
‫النحويين ال يزيدون في أكثر كالمهم على أنها كافة‪ .‬ومكانها هاهنا يزيل هذا الظن ويبطله‬
‫عمر جاءني" لم يعقل منه أنك أردت أن‬
‫وذلك أنك ترى أنك لو قلت‪" :‬ما جاءني زيد وان ً ا‬
‫الجائي عمرو ال زيد‪ ،‬بل يكون دخول "إن" كالشيء الذي ال يحتاج إليه‪ ،‬ووجدت المعنى‬
‫ينبو عنه" ‪ 1‬بل إن دخولها في بعض الجمل يكون موجها للمعنى إلى درجة يكون حذفها فيه‬
‫عمرو" وهذا مما‬
‫مغي ار للمعنى السياقي تماما فمن ذلك قولهم‪" " :‬ما جاءني زيد وانما جاءني ُ‬
‫أنت تعلم به مكان الفائدة فيها‪ ،‬وذلك أنك تعلم ضرورة أنك لو لم تدخلها وقلت‪" :‬ما جاءني‬
‫جميعا‪ ،‬وأن المعنى اآلن مع‬
‫ً‬ ‫زيد وجاءني عمرو" لكان الكالم مع من ظن أنهما جاءاك‬
‫عمر" " ‪.2‬‬
‫دخولها أن كالم مع من غلط في عين الجائي‪ ،‬فظن أنه كان ز ًيدا ال ً ا‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التوكيد عند علماء النحو والبالغة‪.‬‬


‫ال يمكن للدارسأو الباحث في المجال اللغوي أن يقف عند الجانب النحوي فقط بدعوى‬
‫أنه حامل الفكر اللغوي‪ ،‬وانما يستقصي الحقائق العلمية من البحوث البالغية وما تعرض له‬
‫البالغيون من مباحث لغوية انفردوا فيها ببحثهم المعنوي الذي يتتبع االستعمال اللغوي وربطه‬
‫بما يحيط به من و مناسبات القول مقتضى الحال‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.171- 171‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫‪13‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫وسنتعرض في هذه الدراسة ألسلوب التوكيد‪ ،‬وتجدر اإلشارة هنا إلى أن هذا األسلوب‬
‫إعادة للفـظ‬
‫رغم بساطة تصور شكله كما يظهر ألول وهلة لدى أغلب الدارسين – باعتباره ً‬
‫بعينه أو المعنى في أبسط تعريفاته ‪ -‬فقد شكل مجاال لالختالف بين النحاة والبالغيين‬
‫وبوجه أخص إذا تعلق األمر بوجود هذا األسلوب في القرآن الكريم‪ ،‬وهو ما نجده قد استرعى‬
‫جهود المفسرين الذين يمثلون الجزء األكثر تطبيقا بالنسبة لموضوع هذا البحث‪ ،‬مع األخذ‬
‫بعين االعتبار خصوصية األسلوب القرآني المعجز في ألفاظه وتراكيبه‪ ،‬وبيانه ومعانيه‪.‬‬
‫أوال‪ :‬التوكيد عند النحاة‪.‬‬
‫‪ / 1‬نوعا التوكيد في النحو العربي‪:‬‬
‫إن اقتصار النحاة على نوعين على ما اصطلحوا عليه بأسلوب التوكيد جعلهم يهملون‬
‫كثي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ار من أشكاله األخرى في اللغة مع اعترافهم بوجود هذه الداللة فيها‪ ،‬ذلك أن التوكيد‬
‫الذي توفرت فيه شروط التبعية المشهورة له ألفاظ مخصوصة وما خرج عنها ال يعد في‬
‫الصناعة النحوية توكيدا‪ ،‬و إن كان فيه معنى التوكيد‪ ،‬وهو األمر الذي ذهب إليه ابن‬
‫الحاج ـب في حديثه عن ضمير الفصل ‪ ،‬فقال‪" :‬ال جائز أن يكون تأكيدا ألنه لو كان تأكيد لم‬
‫يخل إما أن يكون لفظيا واما أن يكون معنويا‪ ،‬وال جائز أن يكون لفظيا ألن اللفظي إعادة‬
‫‪1‬‬
‫اللفظ األول‪...‬وال جائز أن يكون معنويا ألن المعنوي بألفاظ تحفظ وال يقاس عليها"‬
‫وهذه الفكرة تكاد تكون المبدأ النحوي المتبع آن ذاك‪ ،‬كما ال يعني أن نقف عند حدوده‬
‫دون محاولة إلعادة التصحيح والتمحيص ‪ ،‬ولعلى ذلك يكون بجمع ما كان مشتتا واعادة‬
‫إظـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهار ما كان مغمو ار‪ ،‬خصوصا بعض اآلراء النحوية البارزة التي ظلت في مؤلفات‬
‫أصحابها دون أن يؤخذ به‪ ،‬من ذل ك مثال آراء االسترابادي في مؤلفه شرح الكافية خاصة في‬
‫تقسيمه للتوكيد اللفظي وتصنيفه إلى أنواع‪ ،‬وذلك انطالقا من معناه ‪ ،‬وهو األمر الذي تجاهله‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ابن الحاجب‪ ،‬األمالي‪ ،‬ت‪ :‬فصي الحسين‪ ،‬دار مكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ج‪6‬‬
‫ص ‪.111‬‬
‫‪11‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫كثير من النحاة عند الحديث عن التوكيد اللفظي كونهم يكتفون بالقول إنه إذا أعيد ذكر اللفظ‬
‫ويقاب ل بالتوكيد المعنوي الذي له ألفاظ مخصوصة العين والنفس‬
‫َ‬ ‫فهو من التوكيد اللفظي‪،‬‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫وقد فضل صاحب المفصل اسمين آخرين للداللة على ما ذكر سابقا بقوله‪" :‬التأكيد‬
‫صريح وغير صريح‪ ،‬وهو على وجهين‪ ،‬تكرير صريح وغير صريح‪ ،‬فالصريح‪ ،‬نحو قولك‬
‫"رأيت زيدا زيدا" وغير الصريح نحو قولك‪" :‬فعل زيد نفسه وعينه" و"والقوم أنفسهم‪ ،‬وأعينهم"‬
‫"الرجالن كالهما"‪" ،‬ول قيت قومك كلهم"‪" ،‬والرجال أجمعون" "‪.1‬‬
‫وهذا األمر لم يغب عن ذهن علماء اللغة أيضا‪ ،‬فهذا ابن جني في الخصائص يتعرض‬
‫للموضوع موضحا وجود معنى التوكيد مع غياب لفظه المعهود‪ ،‬إذ يقول‪ ":‬فإن قلت‪ :‬فليس‬
‫َ َ‬ ‫َ َ ََ ُه‬
‫ك َ ْ‬ ‫ك َ ْ‬‫َُ َ ْ ْ ُد‬
‫َش ٍّء﴾ ‪ ،3‬و﴿ َوف ْوق‬ ‫َش ٍّء﴾" ‪﴿ ،2‬وخلق‬ ‫في شيء مما أوردته من قولك‪﴿ :‬وأوتِيت مِن ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُد‬
‫ك ذِي عِل ٍّم علِيم﴾" ‪ ،4‬واللفظ المعتاد للتوكيد‪ .‬قيل‪ :‬هو وان لم يأت تابعا على طريقة التوكيد‬
‫ِ‬
‫جميع القوم" ففائدته‬
‫َ‬ ‫فإنه بمعنى هذا األسلوب البتة‪ ،‬أال ترى أنك إذا قلت‪" :‬عممت بالضرب‬
‫‪5‬‬
‫قولك "ضربت القوم كلهم" فإذا كان المعنيان واحدا كان ما وراء ذلك غير معتد به ولغوا‪".‬‬
‫وفيما يلي عرض لبعض تصورات النحاة ألسلوب التوكيد‪ ،‬وتفريعاته‪.‬‬
‫أ ‪ /‬التوكيد اللفظي‪:‬‬
‫درجت كتب النحو منذ القديم على تحديد التوكيد اللفظي على أساس لفظي كما هو‬
‫واضح من اسمه ‪ ،‬بالقول إنه إعادة للفظ أو تك ار ار له‪ ،‬أو بعبارة أخرى هو إعادة ذكر اللفظ‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬المفصل في علم العربية‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬النمل‪ ،‬آية ‪. 13‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬األنعام‪ ،‬آية ‪.111‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬يوسف‪ ،‬آية ‪.74‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬ت‪ :‬محمد علي النجار‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬مصر‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.657‬‬
‫‪11‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫مرة أخرى لسبب من األسباب المشهورة لورود التوكيد في اللغة حتى أصبح التكرار مرادفا‬
‫للتوك ـ ـد على وجه اإلجمال‪.‬‬
‫ومن هنا نحاول جمع بعض التعريفات التي أوردها العلماء لهذا النوع من التوكيد‬
‫كتعريف صاحب النحو األساسي بقوله ‪":‬فهو إعادة اللفظ األول بعينه بقصد التقرير‬
‫أو خوف النسيان‪ ،‬أو عدم اإلصغاء‪ ،‬سواء أكان هذا اللفظ اسما أو فعال أو حرفا أو جملة‬
‫"اسمية أو فعلية" ‪ ،‬ومثال االسم قولنا ‪":‬اهلل اهلل‪ ،"...‬ومثال الفعل قولنا‪" :‬صمم صمم الشعب‬
‫العربي على تحرير أرضه"‪ ،‬ومثال الحرف قولنا‪ :‬نعم نعم سأحضر ‪ ،"...‬ومثال الجملة قوله‪:‬‬
‫د‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َْ َ َ َُْ د ُ ه َ َ ْ‬
‫ين﴾ باإلضافة إلى تعريف آخر لإلمام جالل‬
‫‪1‬‬
‫ال ِ‬
‫ين ثم ما أدراك ما يوم ِ‬ ‫ال ِ‬
‫﴿ وما أدراك ما يوم ِ‬

‫الدين السيوطي والذي كان أكثر تفصيال من التعريفين السابقين‪ ،‬حيث يرى أن "من قسمي‬
‫التوكيد "لفظي" وهو إعادة "اللفظ األول" أو"مرادفه" وهو أحسن في الضمير المتصل والحرف‪،‬‬
‫"مفردا" كان "مركبا" مضافا أو جملة‪ ،‬أو كالما‪ ،‬نكرة‪ ،‬أو معرفة‪ ،‬ظاه ار أو مضم ار اسما أو‬
‫َ‬
‫َ ْ َ ُ‬ ‫ت ْاْل ْر َُ َد كَد َد كَد (‪َ )10‬و َج َ‬
‫اء َربُّك َوال َملك‬
‫َه َ ُ ه‬
‫فعال أو حرفا‪" ،‬ولو ثالث"‪ ،‬نحو‪ّ﴿ :‬لَك إِذا دك ِ‬
‫كَد‬ ‫كَد‬
‫َصفا َصفا﴾" ‪.3 " 2‬‬

‫إال أن هناك من العلماء من حاول التدقيق في صور هذا األسلوب فالحظ بعض‬
‫االختالف في استعماله باختالف المواقع التي وضع فيها أي أن استعماله يختلف باختالف‬
‫المقام‪ ،‬مع مالحظة المعنى الذي يختلف من شكل إلى آخر‪ ،‬مما يعني أن النحاة لم‬
‫يقتصروا في أبحاثهم على الجانب الشكلي فقط وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫‪- 1‬اإلنفطار‪ ،‬آية ‪.18- 17‬‬


‫‪2‬‬
‫‪-‬الفجر‪ ،‬آية‪.11- 11 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪ ،‬همع الهوامع في شرح جمع الجوامع‪ ،‬ت‪ :‬أحمد شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫ط‪ 1998 ،1‬ج‪ ،3‬ص ‪.163‬‬
‫‪16‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫اعتناء به نحو ‪":‬أدرجي أدرجي" وقوله‪:‬‬


‫ً‬ ‫أ ‪/ 1-‬إعادة اللفظ بعينه‪" :‬وهو تكرار اللفظ بعينه‬
‫ون أحبس أحبس‪.‬‬
‫اك الالحقُ َ‬ ‫اك َأتَ َ‬
‫َأتَ َ‬ ‫فَ َأي َن إلَى الن َحاة بَبغلَتي‬
‫ْ َ ُ َ كَد َ كَد‬ ‫َه َ ُ ه‬
‫ت اْل ْرَ د د ﴾ ‪".‬‬
‫‪2 1‬‬
‫وقوله تعالى‪ّ﴿ :‬لَك إِذا دك ِ‬

‫وذهب ابن مالك في هذا النوع إلى إعادة الضمير المتصل وما اتصل به حتـى وان كان‬
‫العنصر المراد توكيد هو الضمير فقال‪:‬‬
‫إال مع اللفظ الذي به وصل‪.‬‬ ‫"وال تعد لفظ ضمير متصل‬
‫أي إذا أريد تكرير لفظ الضمير المتصل للتوكيد لم يجز ذلك إال بشرط اتصال المؤكد بما‬
‫ِّ‬
‫بالمؤك د نحو ‪":‬مررت بك بك ‪ ،‬ورغبت فيه فيه " ‪،‬وال تقول ‪":‬مررت بكك" " ‪.3‬‬ ‫اتصل‬
‫أ ‪ / 2-‬اإلتباع ‪" :‬وهو أن تتبع الكلمة على وزنها أو رويها إشباعا و توكيدا حيث ال يكون‬
‫الثاني مستعمال بانفراده في كالمهم"‪ ،4‬عرفه بعضهم اعتبا ار من فائدته في الكالم بأنه‪" :‬تقوية‬
‫اللفظ بموازنه مع اتفاقهما في الحرف األخير" ‪.5‬‬
‫هذا وقد قُ ِّسم اإلتباع إلى ثالث أقسام هي‪:‬‬
‫هنيئا م ًريئا"‪ ،‬إذ أن معنى مريء في هذا التركيب كما‬
‫أ‪ /‬أن يكون للثاني معنى ظاهر‪" :‬نحو " ً‬
‫جاء في تاج العروس‪ ،‬تقول‪" :‬استم أر فهو مريء‪ ،‬أي هنيء حميد المغبة بين اَلمرأة كتمرة ‪...‬‬
‫الهنيء والمريء صفتان من هنأ الطعام و م أر‪ ،‬إذا كان سائغا ال تنغيص فيه‪ ،‬وقيل الهنيء‪:‬‬
‫ما يلذه اآلكل‪ ،‬والمريء‪ :‬ما يحمد عاقبته‪...‬الهنيء من الطعام والشراب ما ال يعقبه ضرر‬
‫بعد هضمه‪ ،‬و المريء سريع الهضم" ‪. 6‬‬
‫وان ُ‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الفجر‪ ،‬آية ‪. 11‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ابن عقيل‪ ،‬شرح ابن عقيل‪،‬ج‪ ، 1‬ص ‪.116‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬الكفوي‪ ،‬الكليات‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬اإلسترابادي‪ ،‬شرح الكافية في النحو‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.333‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬ج‪( ،1‬مادة مرأ)‪ ،‬ص ‪. 618‬‬
‫‪17‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫ضم إلى األول‬


‫ب‪ّ /‬أال يكون للثاني معنى ظاهر‪ :‬أو ال يكون له معنى في األصل "بل ُ‬
‫لتزيين الكالم لفظا وتقويته معنى نحو‪" :‬حسن وبسن" وعليه "عبس وبسر"‪.1‬‬
‫ج‪ /‬أن يكون له معنى متكلف غير ظاهر‪":‬خبيث نبيث‪ ،‬من نبث الشيء‪ ،‬أي استخرجته‬
‫وأظهرته " ‪.2‬‬
‫وقد كان هذا الضرب موضع اختالف بين النحاة‪ ،‬إذ هناك من صنفه مع القسم الثاني‬
‫مفردة"‪ ،‬وهناك من قال إن معناها متكلف أي من‬
‫‪"،‬أي األلفاظ الثواني التي ال معنى لها ً‬
‫القسم الثالث‪ ،‬وعلى الوجهين فإن الرضي صنف هذه األلفاظ من التوكيد اللفظي‪ ،‬ذلك ال‬
‫أبصعون"‪ ،‬وهذا إنما يدل على تبعيتها‬
‫َ‬ ‫أكتعون" أو"‬
‫َ‬ ‫جاء القوُم‬
‫تستقل عما قبلها فال يقال‪َ " :‬‬
‫تركيبيا "أجمعون"‪ ،‬ومن ثم فهي توكيد لفظي‪ ،‬ال معنوي كما نصت عليه أغلب الكتب النحو‬
‫ية والبالغية‪.‬‬
‫وقد تابع الرضي عديدا من النحاة‪ ،‬نجد منهم ‪ -‬على سبيل المثال ‪ -‬جالل الدين‬
‫السيوطي الذي قال‪" :‬والذي عندي أن هذه األلفاظ تدخل في باب التأكيد بالتكرار‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫"رأيت زيدا زيدا"‪ ،‬و"رأيت رجال رجال"‪ ،‬وانما ُغير منها حرف واحد لما يجيئون في أكثر‬
‫كالمهم بالتكرار ويدل على ذلك أنه إنما كرر في أجمع وأكتع العين‪ ،‬وهنا كررت العين‬
‫والالم نحو"حسن بسن"‪ ،‬و"شيطان وليطان"‪ ،3 ".‬وبذلك جعل اإلمام جالل الدين السيوطي مثل‬
‫أيت ز ًيدا ز ًيدا"‪.‬‬
‫هذه التراكيب‪ ،‬فيما سمي إتباعا‪ ،‬مكافًئة للتوكيد اللفظي في قولنا "ر ُ‬
‫"والتوكيد اللفظي هو اللفظ المكرر به ما قبله فإن كان جملة فاألكثر اقت ارنها بالعاطف نحو‬
‫َ َ َْ َ‬ ‫ُ َه‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫َه‬
‫قوله تعالى‪ّ﴿ :‬لَك َس ْوف تعل ُمون (‪ )3‬ث هم ّلَك َس ْوف تعل ُمون﴾‪ ،4‬ويجب الترك عند إيهام‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الكفوي‪ ،‬الكليات‪ ،‬ص ‪. 35‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪( ،1‬مادة نبث)‪ ،‬ص‪.193‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬ت‪ :‬محمد جاد المولى بك ومحمد أبو الفضل إبراهيم‬
‫وعلى البج اوي‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.615‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬التكاثر‪ ،‬آية ‪.16- 13‬‬
‫‪18‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫التعدد‪ ،‬نحو‪" :‬ضربت زيدا ضربت زيدا "‪ ،‬وان كان اسما ظاه ار أو ضمي ار منفصال منصوبا‬
‫فواضح‪ ،‬نحو‪" :‬فنكاحها باطل باطل باطل" وان كان ضمي ار منفصال مرفوعا جاز أن يؤكد به‬
‫كل ضمير متصل نحو‪" :‬قمت أنت" و"أكرمتك أنت"و"مررت بك أنت" ‪.1‬‬
‫ب ‪ /‬التوكيد المعنوي ‪:‬‬
‫هذا النوع الثاني من أنواع التوكيد ‪ ،‬ويفهم من اسمه بأنه يكون بتكرار المعنى المراد‬
‫توكيده‪ ،‬ويعرف على أساس ألفاظه التي خص بها كالنفس والعين و أشباهها‪ ،‬ومن هنا‬
‫نحاول تعريف هذا النوع من التوكيد عند بعض المهتمين بهذا الموضوع‪ .‬حيثل عرفه أحدهم‬
‫بقوله‪ :‬أن "التوكيد المعنوي يكون بذكر النفس أو العين أو جميع أو عامة أو كال أو كلتا‬
‫على شرط أن تضاف هذه المؤكدات إلى ضمير يناسب المؤكد نحو‪" :‬جاء الرجل عينه"‬
‫و "الرجالن أنفسهما" "رأيت القوم كلهم"‪" ،‬أحسنت إلى فقراء القرية عامتهم" ‪"،‬جاء الرجالن‬
‫كالهما والمرأتان كلتاهما" ‪. 2‬‬
‫هذا وأضاف صاحب المعجب في علم النحو ألفاظ أخرى دالة على التوكيد المعنوي‬
‫حيث يرى أن هذا النوع من التوكيد يكون "بألفاظ مخصوصة هي‪ :‬كل‪ ،‬ونفس‪ ،‬وعين‪ ،‬وأجمع‬
‫وأكتع‪ ،‬وأبتع‪ ،‬وأبصع‪ ،‬وجمعاء‪ ،‬وجمع‪ ،‬وكافة‪ ،‬و قاطبة‪ ،‬وعامة‪ ،‬وجميع‪ ،‬وكال‪ ،‬وكلتا" ‪.3‬‬
‫في حين عرفه صاحب شرح المفصل " بأنه يكون بتكرار المعنى دون لفظه نحو قولك‬
‫"رأيت زيدا نفسه" و"رأيتكم أنفسكم"و"ومررت بكم كلكم"‪ ،‬وجملة األلفاظ التي يؤكد بها‬
‫في المعنى تسعة ألفاظ ‪ :‬نفسه‪ ،‬عينه‪ ،‬أجمع‪ ،‬أجمعون‪ ،‬جمع‪ ،‬كلهم‪ ،‬كالهما‪ ،‬كلتاهما‪ ،‬فأما‬
‫أكتعون‪ ،‬أبصعون كتعاء وبصعاء كتع بصع فكلها توابع ألجمع ال تستعمل منفردة فهي‬
‫شبيهة بقولهم‪ :‬شيطان ليطان وقيل أن معناها كمعنى أجمعين" ‪.4‬‬
‫‪1‬‬
‫‪-‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬ط‪ ،1979 ،5‬ج‪3‬‬
‫ص ‪. 337- 334‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مصطفى الغالييني‪ ،‬جامع الدروس العربية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.131‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬رؤوف جالل الدين‪ ،‬المعجب في علم النحو‪ ،‬دار الهجرة‪ ،‬قم ‪،‬إيران‪ ،‬دط‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬موفق الدين يعيش‪ ،‬شرح المفصل‪ ،‬إدارة الطباعة المنيرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪ ،3‬دط‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪19‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫وفي هذا الصدد بحث علماء النحو في الشروط التركيبية والشكلية لما سمي بالتوكيد‬
‫المعنوي‪ ،‬كما يمكننا تجسيد ذلك كقرائن لفظية ومعنوية مساعدة في تحليل عناصره‪ ،‬أو ما‬
‫يسمى عندهم إعراب ألفاظه‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬
‫‪-1‬المطابقة‪ :‬وتتجلى في ضرورة مطابقة لفظ التوكيد المعنوي" النفس والعين وغيرها"‬
‫للمؤكد‪ ،‬ليس فقط في العالمة اإلعرابية كما هو معروف‪ ،‬وانما أيضا في العدد "إفرادا وتثنية‬
‫ِّ‬
‫المؤكد كذلك‪ ،‬فتقول‪" " :‬جاء‬ ‫وجمعا"‪ ،‬إذ أنه إذا كان المؤكد بهما مفردا مثنى أو جمعا كان‬
‫زيد نفسه عينه" و "جاء الزيدان أنفسهما أعينهما "و"الزيدون أنفسهم أعينهم" و"الهندات‬
‫أنفسهن أعينهن"‪ ،‬إال أنه في التثنية يمكن اإلتيان بلفظ التوكيد مجموعا" ‪.1‬‬
‫كما ينبغي أن يتطابق لفظ التوكيد المعنوي مع المؤكد في الجنس أي في "التأنيث‬
‫والتذكير" ويتضح ذلك في ضرورة إضافة النفس أو العين إلى ضمير يطابق المؤكد نحو‬
‫عينها"‪.‬‬
‫نفسها أو ُ‬
‫عينه" و"هند ُ‬
‫نفسه أو ُ‬
‫جاء زيد ُ‬
‫"‪َ :‬‬
‫"فأما النكرة فال يجوز أن تؤكد بنفسه وال أجمعين وال كلهم‪ ،‬ألن هذه معارف‪ ،‬فإن ِّ‬
‫أكدت‬
‫درة‬
‫بتكرير اللفظ بعينه‪ ،‬أي بالتوكيد اللفظي‪ ،‬لم يمتنع أن تقول‪" :‬رأيت رجال رجال"‪ ،‬و"أصبت ً‬
‫درة"‪ ،‬فأما قولهم‪" :‬مررت برجل ِّ‬
‫كل رجل"‪ ،‬فإنما هذا على المبالغة في المدح‪ ،‬كأنـ ـك قلت‪:‬‬
‫"مررت برجل كامل" ‪.2‬‬
‫‪- 1‬الرتية‪ :‬مما يحكم استخدام التوكيد عموما والتوكيد المعنوي على وجه الخصوص شرط‬
‫ِّ‬
‫المؤكدات في الكالم فإن هناك نظاما‬ ‫ِّ‬
‫فالمؤكد يأتي بعد المؤكد‪ ،‬فإن توالت‬ ‫الرتبة المحفوظة‪،‬‬
‫رتبيا خاصا يحكمها كأن تجتمع ألفاظ التوكيد التالية " كل‪ ،‬جميع‪ ،‬أكتع‪ "...‬فينبغي تقدم "كل"‬
‫ثم "جميع" ثم "أكتع" وال تصرف في الرتب بينها فال يقال‪" :‬جاء القوُم أكتعون أجمعون" وفيما‬
‫يلي نص البن السراج في األصول يتضح فيه الدور الرئيسي للرتبة في بناء الجملة العربية‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬شرح شذور الذهب‪ ،‬ت‪ :‬حنا الفاخوري‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1988 ،1‬‬
‫ص‪. 658‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ابن السراج‪ ،‬األصول في النحو‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.13‬‬
‫‪31‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫التي تحتوي على التوكيد المعنوي بأشكاله بقوله‪" :‬فأما ما يؤكد به" أجمعون" من قولك‪:‬‬
‫"جاءني قومك أجمعون أكتعون" ونحوه فإنما هو مبالغة‪ ،‬وال يجوز أن يكون أكتعون قبل‬
‫"أجمعين" وكذلك سائر هذه التوكيدات نحو قولك ‪" :‬ويلة وعولة "و"هو جائع نائع "و"عطشان‬
‫ِّ‬
‫المؤكد وكالهما‬ ‫نطشان "و"حسن بسن "و"قبيح شقيح "وما أشبه هذا إال يكون المؤكد قبل‬
‫وكلتاهما وكلهن يجرين مجرى" كلمهم" " ‪ ،1‬واذا أريد تقوية التوكيد يؤتى بعد كلمة "كل"‬
‫بكلمة"أجمع" وبعد كلمة"كلها" بكلمة "جمعاء" وبعد كلمة "كلهم" بكلمة "أجمعين" وبعد كلمة‬
‫‪2‬‬
‫"كلهن " بكلمة"جمع""‪.‬‬
‫ومن خالل تتبع فكرة التزام الترتيب األصلي في توظيف هذا أسلوب يتضح أن‬
‫المقصود منها ما عرف عند النحاة في باب التوكيد مع التوابع‪ ،‬وهذا ما أكده الكفوي في‬
‫كلياته بنصه على أن "وجوب تأخير التأكيد إنما هو في التأكيدات االصطالحية ال اللغوية" ‪.3‬‬
‫وهذا دليل على تفطنه إلى الفرق بين تصنيف النحاة لما يسمى بالتوكيد‪ ،‬وبين حديثهم عن‬
‫فكرة التوكيد في أبواب متعددة وأشكال متنوعة ‪.‬‬
‫‪ / 3‬التضام‪ :‬من شروط استخدام األسلوب أيضا أنه ال يمكن توكيد الضمير المتصل‬
‫بإعادته وحده منفصال‪ ،‬وانما ينبغي إعادة ما اتصل به معه‪ ،‬كذلك نجد ألفاظ التوكيد‬
‫المعنوي قد ال ترد منفردة في التوكيد‪ ،‬بل يجب أن تتصل بها بعض العناصر اللغوية التي‬
‫"مررت بقوم َك إما بعضهم‬
‫ُ‬ ‫حددها النحاة وذلك حين يقولون مثال إنه ال يجوز أن تقول ‪":‬‬
‫واما أجمعين واما كلهم" ألن "أجمعين" ال تنفرد‪ ،‬ولكن تقول ‪":‬إما بهم كلهم" و إما " بهم‬
‫‪4‬‬
‫أجمعين"‪ ،‬فإن قلت " ‪ :‬مررت بقومك إما كلهم واما بعضهم" جاز على قبح ‪".‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ابن السراج‪ ،‬األصول في النحو‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.13‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬مصطفى الغالييني‪ ،‬جامع الدروس العربية‪ ،‬ص ‪.136‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ابن السراج‪ ،‬األصول في النحو‪،‬ج‪ ،1‬ص ‪.13‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 13‬‬
‫‪30‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ /4‬الربط‪ :‬إن وجود الضمير في ألفاظ التوكيد المعنوي‪ ،‬لهو العنصر اللفظي الرابط بين‬
‫نفس‬
‫الولد ُ‬
‫جاء ُ‬ ‫ِّ‬
‫المؤكد والمؤكد‪ ،‬مما يعني انعدام الرابط المعنوي بينهما‪ ،‬ولذلك ال نقول‪َ " :‬‬
‫نفسه"‬
‫الولد ُ‬
‫الطلبة كل"‪ ،‬وانما يقال في مثل هذا‪ " :‬جاء ُ‬
‫َ‬ ‫جاء‬
‫عين "وال " َ‬
‫البنت ُ‬
‫ُ‬ ‫"وال" جاءت‬
‫جاء الرجا ُل كلهم"‪ ،‬أي أن ذكر الضمير الذي هو الرابط بين المؤكد‬
‫نفسها" و" َ‬
‫البنت ُ‬
‫ُ‬ ‫و"جاءت‬
‫والمؤكد واجب لفهم المعنى فهما صحيحا‪.‬‬
‫‪ /5‬العالمة اإلعرابية‪ :‬إن للعالمة اإلعرابية دو ار أساسيا في تحديد العالقات الوظيفية داخل‬
‫المال لك‬
‫َ‬ ‫التراكيب العربية عموما‪ ،‬ومن ذلك ما تؤديه عناصر التوكيد في مثل قولنا ‪ :‬و"إن‬
‫أجمع أكتع" ترفع إذا أردت أن تؤكد ما في" لك" واذا أردت أن تؤكد المال بعينه نصبت‬
‫وكذلك‪" :‬مررت بدارك جمعاء كتعاء" أو"مررت بنسائك جمع كتع" " ‪ ، 1‬وذلك أن اسم إن‬
‫"المسند إليه" منصوب فإذا أردنا توكيده نصبنا لفظ التوكيد بعده"أجمع"‪ ،‬واذا أردنا توكيد‬
‫الخبر" المسند" الذي حقه الرفع رفعنا لفظ التوكيد يتحقيق شرط المطايقة‪ ،‬و" "أجمعون" وما‬
‫تصرف منها " وكل إذا كانت مضافة إلى الضمير وجميعهن يجرين على كل مضمر إال‬
‫أجمعين ال تكون إال تابعة ال تقول‪ " :‬رأيت أجمعين" وال "مررت بأجمعين" ال يجوز أن يلي‬
‫جارا‪ ،‬فلما قويت في اإلتباع تمكنت فيه وصلح ذلك في "كل" ألنها في‬
‫ناصبا وال ً‬
‫ً‬ ‫افعا وال‬
‫رً‬
‫مررت ب ُكم أجمعين"‬
‫معنى" أجمعين" في العموم ذلك قولك‪" :‬إن قومك جاءوني أجمعون" و" ُ‬
‫فمعناها العموم وذلك مخالف لمعنى "نفسه" و"أنفسهم" ألن "أنفسهم" وأخواتها تثبت بعد الشك‬
‫ومررت بهم جميعهم وتقول‪" :‬مررت‬
‫ُ‬ ‫فإذا قلت‪" :‬مررت بهم كلِّهم" فهو بمنزلة " أجمعين"‬
‫بدارك كلها" وال تقول‪" :‬مررت بزيد كله" " ‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ابن السراج‪ ،‬األصول في النحو‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.11‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪31‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫‪ / 2‬التوكيد في أبواب نحوية أخرى‪:‬‬


‫بعد أن تعرضنا تعرضا عاما للتوكيد كما درسه النحاة في باب مستقل فاقتصروا بذلك‬
‫على نوعين رئيسيين‪ ،‬تمثل فيهما التوكيد مبنى ومعنى كما ارتآه المنهج النحوي المتبع لديهم‬
‫سنعرض بعض صور التوكيد التي جاءت في الدرس النحوي‪ ،‬والتي لم تدرج ضمن باب‬
‫التوكيد إال أن النحاة من حين إلى آخر نجدهم يلمحون إليه كمعنى وظيفي في بعض‬
‫األبواب أو القضايا النحوية ذات الصلة به‪ ،‬كدراستهم لوظائف الجملة االعتراضية‪ ،‬وحروف‬
‫الجر الزائدة‪ ،‬وغيرها مما سنعرض له فيما يلي‪:‬‬
‫أ‪ /‬الجمل التي ال محل لها من اإلعراب ‪:‬‬
‫في هذا النوع من الجمل ركز النحاة على ظاهرة اإلعراب أيضا كعالمة خاصة بالمفرد‬
‫فارتأوا أن لها محل من اإلعراب فهي ال تجري مجرى المفرد‪ ،‬ومن هذه الجمل نذكر‬
‫على سبيل المثال الجملة االعتراضية‪ ،‬التي ينص النحاة على دور التوكيد فيها‪ ،‬مع‬
‫اهتمامهم بذكر المواضع التي ترد فيها‪.‬‬
‫الجملة االعتراضية‪:‬‬
‫وهي جملة تعترض بين شيئين متالزمين كالمسند والمسند إليه‪ ،‬الصفة والموصوف‬
‫‪...‬الخ‪ ،‬وهذه الجملة لها عالقة وطيدة بالتوكيد‪ ،‬ألن في هذا النوع من األشكال التركيبية‬
‫يبدوا وكأن المخاطب قبل أن ينهي فكرة شعر أنه البد قبل ذلك أن يؤكدها دفعا للشكوك التي‬
‫تعترض المخاطب وما شابه ذلك مما يدخل في أسباب التوكيد ‪ ،‬ثم يواصل كالمه بعد ذلك‬
‫بذكر ما يالزم الجزء األول من كالمه كالفاعل لفعله مثال‪ ،‬ومن المواضع التي ترد فيها‬
‫الجملة االعتراضية للداللة على التوكيد نجد‪:‬‬
‫‪ / 1‬بين المسند والمسند إليه‪ :‬كقول الشاعر‪:‬‬
‫الح‬
‫تكذب نساء صو ُ‬
‫ُ‬ ‫وفيهن الَ‬ ‫هون بناتهم‬
‫أيت رجاالً يكر َ‬
‫"ر ُ‬
‫ائح‬
‫ادب ال يمللنهُ ونو ُ‬
‫نو ُ‬ ‫األيام يعثرن بالف َتى ‪-‬‬
‫وفيهن –و ُ‬

‫‪33‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫والبيت الثاني من أبيات مغنى اللبيب على أن فيه اعتراض بين المبتدأ والخبر" ‪.1‬‬
‫‪ /1‬بين جزئي صلة موصول‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫لعلي وان شطت نواها أزروها" ‪.2‬‬ ‫" والني لرام نظرة قبل التي‬
‫َ َ ه َْ ًَ َ َ َ َ َ هُ َ ْ َ ُ َ ُ َد ُ َ ُ ه‬
‫نل قالوا إِن َما‬‫‪ /3‬بين شرط وجزاء‪ :‬نحو قوله تعالى‪ِ﴿ :‬إَوذا بدنلا آ َية مَكن آ َي ٍّة واَّلل أعلم بِما ي ِ‬
‫ه َ ه َُ ُ‬
‫ود َها انله ُ‬ ‫َ َْ ُ َ هُ‬ ‫َ ْ َ َْ ُ‬ ‫َْ َ ُ َْ‬
‫اس‬ ‫ت ﴾ ‪ ،3‬وقوله تعالى‪﴿ :‬فإِن ل ْم تف َعلوا َول ْن تف َعلوا فاتقوا انلار ال ِِت وق‬ ‫أنت مف ٍّ‬
‫َ َ ُ ‪4‬‬
‫ْ‬
‫َواْلِجارة﴾‬
‫َ‬ ‫ه ََ‬ ‫ََ ُْ‬
‫س ُم ب ِ َم َواق ِ ِع انلُّ ُجو ِم (‪ِ )71‬إَون ُه لق َسم ل ْو‬‫‪ /6‬بين القسم و جوابه‪ :‬نحو قوله تعالى‪﴿" :‬فل أق ِ‬
‫َ َ َْ‬ ‫ه ََ‬ ‫َ‬ ‫ه َُ‬ ‫َ َْ َ َ‬
‫تعل ُمون ع ِظيم (‪ )76‬إِن ُه لق ْرآ َن ك ِريم﴾ ‪ ،5‬هناك اعتراض في قوله‪ِ﴿ :‬إَون ُه لق َسم ل ْو تعل ُمون‬
‫َعظيم﴾ ‪ ،‬بين القسم الذي هو قوله‪﴿ :‬فَ َل أُقْس ُم ب َم َواقع انلُّ ُجو ِم﴾ ‪ ،‬وجوابه الذي هو قوله‪﴿ :‬إنههُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫لق ْرآ َن ك ِريم﴾ " ‪.6‬‬
‫َ‬ ‫هُ ََ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ُْ‬
‫سم بِمواق ِ ِع انلجو ِم (‪ِ )71‬إَونه لقسم‬ ‫‪ /5‬بين الموصوف وصفته‪ :‬نحو قوله تعالى‪﴿" :‬فل أق ِ‬
‫َ َ َْ َ َ‬
‫ل ْو تعل ُمون ع ِظيم﴾ ‪ .7‬هنا اعتراض بين الموصوف وهو "قسم" وصفته وهي "عظيم"‪ ،8‬أي أن‬

‫جملة االعترتض هنا جاءت بين متالزمان هما الصفة والموصوف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد القادر بن عمر البغدادي‪ ،‬خزانة األدب ولب لباب لسان العرب‪ ،‬ت‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬مكتبة‬
‫الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1994، 3‬ج‪ ،7‬ص‪. 141‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬النحل‪ ،‬آية ‪.111‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬البقرة‪ ،‬آية ‪.16‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬الواقعة‪ ،‬آية ‪.74- 75- 76‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ ،‬ابن عطية األندلسي‪ ،‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬ت‪ :‬عبد السالم عبد الشافي محمد‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان‪ .‬ط‪ ،1،1111‬ج‪ ،5‬ص‪.151‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬الواقعة‪ ،‬آية ‪.74- 75‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬ينظر‪ .‬ابن عطية األندلسي‪ ،‬المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.151‬‬
‫‪31‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫‪ /4‬بين الفعل وفاعله‪ :‬كقول الشاعر أبو علي‪:‬‬


‫أسنةُ قوم ال ضعاف وال عزل‪.‬‬ ‫ادث جمة ـ ـ‬
‫"وقد أدركتني ـ ـ والحو ُ‬
‫فهذا كله اعتراض بين الفعل وفاعله " ‪.1‬‬
‫ب‪ /‬الحروف الزائدة‪:‬‬
‫من القضايا التي لقيت اهتماما بالغا من قبل النحاة مما له صلة باإلعراب‪ ،‬كما أن له‬
‫صلة وثيقة بالتوكيد الحروف الزائدة ‪ ،‬وقد عالج النحاة و المفسرون هذا المصطلح كثي ار لما له‬
‫من أهمية في فهم مقاصد القرآن الكريم‪ ،‬فالقول بأنه حرف زائد يوحي بأن وجوده في الكالم‬
‫كغيابه‪ ،‬وهذا مما ترفضه اللغة العربية خاصة في التعامل مع كتاب اهلل عز وجل المعجز‬
‫بلفظه ونظمه لذلك فسره العلماء أمثال الزركشي بقوله‪" :‬ومعنى كونه زائدا أن أصل المعنى‬
‫حاصل بدونه دون تأكيد فبجوده حصلت فائدة التوكيد والواضع الحكيم ال يضع الشيء إال‬
‫لفائدة وسئل بعض العلماء عن التوكيد بالحرف وما معناه إذ إسقاط كل الحرف ال ُيخل‬
‫بالمعنى فقال هذا يعرفه أهل الطباع إذ يجدون أنفسهم بوجود الحرف على معنى زائد ال‬
‫يجدونه بإسقاط الحرف" ‪.2‬‬
‫وجاء في اإلتـقان في علوم القرآن‪" :‬أن يجتنب لفظ الزائد في كتاب اهلل تعالى‪ ،‬فإن‬
‫الزائد قد يفهم منه أنه ال معنى له‪ ،‬وكتاب اهلل منزه عن ذلك‪ ،‬ولذا فر بعضهم إلى التعبير‬
‫بدله بالتأكيد والصلة المقحم" ‪.3‬‬
‫والزيادة التي بقصدها النحاة في هذا المقام زيادة من ناحية اإلعراب ال من نلحية‬
‫المعنى‪ ،‬ويظهر ذلك جليا في ك الم الزركشي عند نعرضه الستخدام "ما" الزائدة حيث يقول‪:‬‬
‫"ومراد النحويين بالزائد من جهة اإلعراب ال من جهة المعنى فإن قوله تعالى‪﴿ :‬فَب َما َر ْ َ‬
‫ْح ٍّة‬ ‫ِ‬

‫‪ - 1‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬ص‪.134‬‬


‫‪2‬‬
‫‪ -‬الزركشي‪ ،‬البرهان في علوم القرآن‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬السيوطي‪ ،‬اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬ت‪ :‬عبد المنعم إبراهيم‪ ،‬مكتبة نزار مصطفى البارز‪ ،‬مكة المكرمة‬
‫الرياض‪ ،‬ط‪ ،1114 ،1‬ج‪ ،1‬ص ‪.413‬‬
‫‪31‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬
‫َ ه ْ َ َ‬
‫ت ل ُه ْم﴾‪" ،1‬معناه ما لنت لهم إال رحمة وهذا قد جمع نفيا واثباتا‪ ،‬ثم اقتصر على‬ ‫مِن اَّلل ِ ِنل‬

‫هذه اإل اردة وجمع فيه بين لفظي اإلثبات وأداة النفي التي هي "ما" "‪.2‬‬
‫وفيما يلي عرض ألهم حروف الزيادة التي تؤدي معنى التوكيد المحصورة في‪" :‬إن‬
‫إذ‪ ،‬إذا‪ ،‬إلى‪ ،‬أم‪ ،‬الباء‪ ،‬الفاء‪ ،‬في‪ ،‬الالم‪ ،‬ال‪ ،‬ما‪ ،‬من‪ ،‬الواو"‪ ،‬نذكر منها على سبيل المثال‬
‫ال الحصر‪:‬‬
‫ب ‪/ 1-‬الباء‪" :‬إن أهم معنى لهذه األداة ‪ -‬التي تقتضي في االسم الذي بعدها الجر كحركة‬
‫"مررت به" يعني أن مروري كان‬
‫ُ‬ ‫إعرابية له ‪ -‬كما هو مشهور هو اإللصاق مثل قولك‪:‬‬
‫مالصقا له‪ ،‬غير أن هناك استعماالت أخرى ال يمكن فهمها بهذا المعنى تدخل في إطار‬
‫تعدد المعنى الوظيفي لها من بينها الباء التي قال عنها النحاة إنها زائدة في الخبر في نحو‬
‫قولك‪" :‬ما زيد بمنطلق" إنما يصح على لغة أهل الحجاز ألنك ال تقول‪" :‬زيد بمنطلق" ‪.3‬‬
‫وهي التي ترد بعد النفي‪ ،‬وهناك من النحاة من أجاز زيادتها بعد اإليجاب أيضا‬
‫ومن هؤالء األخفش كما ذكر الزمخشري وذلك في قوله‪" :‬وزيادة الباء لتأكيد النفي واإليجاب‬
‫في نحو‪" :‬ما زيد بقائم" وقالوا‪" :‬بحسبك درهم" وكفى باهلل" " ‪ ،4‬والمالحظ أن ال أريين يتفقان‬
‫في كون ما جاء به القائلون بزيادة الباء في اإليجاب‪ ،‬إنما مرده في نهاية األمر أن فيه‬
‫معنى النفي"أي النفي الضمني" وليس النفي المعروف نحويا بأدواته المخصوصة‪ ،‬فقولنا‬
‫"كفى باهلل" و"بحسبك" تحمل هذه الداللة‪ ،‬أي داللة النفي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬آل عمران‪ ،‬اآلية ‪. 159‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الزركشي‪ ،‬البرهان في علوم القرآن‪،‬ج‪ ،3‬ص ‪. 68‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬المفصل في علم العربية‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 313‬‬
‫‪36‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫ب ‪ /2-‬الالم‪" :‬وهي الم منصوبة تدخل على االسم الذي تدخل عليه "إن" إذا كان بينها وبين‬
‫‪2‬‬ ‫ارة ِ ل َ َما َي َت َف هج ُر مِنْ ُه ْاْلَنْ َه ُ‬
‫ار ﴾ ‪ ،1‬وهو مثل‪" :‬إن في الدار لزيد" "‬
‫َ ْ‬
‫اْل ِ َج َ‬ ‫"إن" حشو نحو‪﴿ :‬مِن‬

‫وقد اشتهرت أكثر بالدخول على خبر"إ ن"‪ ،‬وتصرف "إن" إلى االبتداء تقول‪" :‬أشهد إنه‬
‫لظريف" و "إ ن ز ًيدا لقائم"‪.‬‬
‫ب ‪ /3-‬من ‪ :‬وهي تزاد عند سيبويه في النفي خاصة لتأكيده وعمومه‪ ،‬وذلك " نحو قوله‬
‫َ ْ‬ ‫ََ َ‬ ‫اءنَا م ِْن ب َ‬
‫تعالى‪َ ﴿ :‬ما َج َ‬
‫ير﴾ ‪ .3‬واالستفهام كالنفي قال اهلل تعالى‪﴿ :‬هل م ِْن‬ ‫ٍّ‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫َل‬‫و‬ ‫ري‬
‫ٍّ‬ ‫ش‬
‫ِ‬
‫َ ُْ ه‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ري اَّلل ِ﴾‪. 6 " 5‬‬‫يد﴾" ‪ ،4‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬هل م ِْن خال ِ ٍّق غ‬ ‫م ِز ٍّ‬
‫ب ‪ /4-‬ما‪ " :‬تعددت المعاني الوظيفية لهذا الحرف وكل معنى يمكن أن يتحدد من خالل‬
‫السياق التي ومن معانيها التي تنصرف إليها هي أن تكون زائدة للتوكيد‪ ،‬فتجيء "إن" مثال‬
‫ك ْم م دَِن ُه ًدى َف َم ْن تَبعَ‬ ‫َ ه َ ْ َه ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مع زيادة "ما" في آخرها للتأكيد نحو قوله عز من قائل﴿ فإِما يأتِين‬
‫َ ُ َْ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ َ ََ َ‬
‫اي فل خ ْوف عليْ ِه ْم َوَل ه ْم َي َزنون﴾ ‪.8 " 7‬‬ ‫هد‬
‫َه‬ ‫ب ‪ / 5-‬ال‪" :‬وتطلق الزيادة على "ال" في نحو قوله تعالى‪ِ﴿ :‬لَ هل َيعْلَ َم أَ ْه ُل الْك َ‬
‫اب أَل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬
‫َ ْ ُ َ ََ‬
‫لَع َ ْ‬
‫َشء﴾" ‪ ،9‬ألنها ال تفيد النفي فيما دخلت عليه‪ ،‬وال يستقيم المعنى إال على‬ ‫يق ِدرون‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬البقرة‪ ،‬آية ‪. 76‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬األخفش األوسط‪ ،‬معاني القرآن‪ ،‬ت‪ :‬إبراهيم شمس الدين‪ ،‬منشورات محمد علي بيضون‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1111 ،1‬ص ‪.85‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المائدة‪ ،‬آية ‪.19‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬ق‪ ،‬آية ‪.31‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬فاطر‪ ،‬آية ‪.3‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬المفصل في علم العربية‪ ،‬ص‪.313‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬البقرة‪ ،‬آية ‪.38‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬المفصل في علم العربية‪ ،‬ص‪.311‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ -‬الحديد‪ ،‬آية ‪.19‬‬
‫‪37‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬
‫َه‬
‫إسقاطها‪ ،‬و"ال" هذه المزيدة تفيد تأكيد النفي الذي يجيء من بعد في قوله تعالى‪﴿" :‬أَل‬
‫ْ‬
‫َيق ِد ُرون﴾‪،‬‬

‫وتؤذن به‪ ،‬ومن حيث إفادتها هذا التأكيد تعد غير مزيدة‪ ،‬وانما زيادتها من حيث لم تفد‬
‫النفي الصريح فيما دخلت عليه" ‪.1‬‬
‫ومما ينبغي الوقوف عليه في هذا الصدد ما أكد عليه الجرجاني من أن هذه الحروف‬
‫ال تزاد للفظ بعدها‪ ،‬إنما ينبغي القول بزيادتها إلى الجملة بأسرها ‪" :‬إعلم أن من أصول هذا‬
‫الباب‪ :‬أن من حق المحذوف أن المزيد أن ينسب إلى جملة الكالم‪ ،‬ال إلى الكلمة المجاورة‬
‫له‪ ،‬فأنت تقول إذا سئلت عن "واسأل القرية" وفي الكالم حذف‪ ،‬واألصل‪ :‬أهل القرية‪ ،‬ثم‬
‫حذف األهل" ‪.2‬‬
‫ج ‪ /‬القسم ‪:‬‬
‫ارتبط مفهوم القسم مع تعدد أدواته أشكاله في اللغة العربية بمعنى التوكيد‪ ،‬إلى حد‬
‫يمكن القول فيه إن القسم هو التوكيد والعكس غير صحيح ‪ ،‬أي التوكيد ليس بالضرورة قسم‬
‫ومن نصوص سيبويه في هذا‪" :‬واعلم أن القسم توكيد لكالمك‪ ،‬فإذا حلفت على فعل غير‬
‫منفي لم يقع لزمته الالم ولزمت الالم النون الخفيفة أو الثقيلة في آخر الكلمة وذلك‬
‫قول‪ ":‬واهلل ألفعلن" "‪. 3‬‬
‫وهناك حروف عديدة كثر استعمالها للداللة على القسم مثل‪ ،‬التاء الواو والياء‪...‬إلخ‬
‫هذا وحدد النحاة جملة القسم انطالقا من خصوصية تركيبها مشابهة لها بجملة الشرط رغم‬
‫اختالف الجانب الداللي لهما يقول الزمخشري في تحديدها‪" :‬جملة فعلية أو اسمية تؤكد بها‬
‫جملة موجبة أو منفية نحو قولك‪ :‬باهلل‪ ،‬وأقسمت‪ ،‬وآليت‪ ،‬وعلم اهلل‪ ،‬ويعلم اهلل‪ ،‬ولعمرك‬
‫ولعمر أبيك‪ ،‬ولعمر اهلل‪ ،‬ويمين اهلل‪ ،‬وأيمن اهلل‪ ،‬و أيم اهلل‪ ،‬وأمانة اهلل‪ ،‬وعلي عهد اهلل ألفعلن‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬أسرار البالغة‪ ،‬ص ‪.195‬‬
‫‪ - 2‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬أسرار البالغة ‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬سي بويه‪ ،‬الكتاب‪ ،‬ت‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬دس‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.116‬‬
‫‪38‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫أو ال أفعل‪ ،‬ومن شأن الجملتين أن تنزال منزلة جملة واحدة كجملتي الشرط والجزاء‪ ،‬ويجوز‬
‫ِّ‬
‫المؤكد بها هي القسم‪ ،‬والمؤكدة‬ ‫حذف الثانية ها هنا عند الداللة جواز ذلك ثمة ‪ .‬فالجملة‬
‫هي القسم عليها‪ ،‬واالسم الذي يلصق به القسم ليعظم به ويفخم هو المقسم به" ‪.1‬‬
‫د ‪/‬االشتغال‪:‬‬
‫"االشتغال مصطلح نحوي له صلة وثيقة بنظرية العامل‪ ،‬و يطلق على تركيب يتقدم فيه‬
‫اسم‪ ،‬ويتأخر عنه فعل قد عمل فيه ضمير ذلك االسم أو سببيه – وهو المضاف إلى ضمير‬
‫االسم السابق – ومثال المشتغل بالضمير‪" :‬زيد ضربته "و "زيدا مررت به" ومثال المشتغل‬
‫بالسبي‪" :‬زيدا ضربت غالمه" ‪.2‬‬
‫والغرض من جملة االشتغال هو التوكيد‪ ،‬ولكنه توكيد قاصر على الفعل وحده وال يتعداه‬
‫إلى غيره مما سبقه أو تأخر عنه‪ ،‬أي أنه خاص بالفعل ال غير‪ ،‬ألنه أو أريد توكيد ما بعده‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ ُ ُ ُ َ‬
‫ت‬‫وسف ِْلبِيه ِ يَا أبَ ِ‬ ‫جيء بما يحقق هذا الغرض وذلك في مثل قوله عز من قائل‪ ﴿:‬إِذ قال ي‬
‫َ‬ ‫د ََ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ ً َ ه‬
‫الش ْم َس َوال ْ َق َم َر َرأيْ ُت ُه ْم ِل َساج ِد َ‬
‫ين ﴾‪.3‬‬ ‫إ ِ ِّن رأيت أحد عَش كوكبا و‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ه ‪ /‬باب التمييز وفكرة التحويل‪:‬‬
‫من المعلوم أن التمييز من الوظائف النحوية التي تخضع لقواعد التحويل‪ ،‬وال تعرف‬
‫عالقته األصلية إال بإعادة التركيب إلى األصل األول له‪ ،‬وهو ما يفسر عدم ظهور العالقة‬
‫عند ذكر طرفي اإلسناد مثال في قولنا‪" :‬انشرح األب" لعدم خضوع هذه النسبة االسنادية‬
‫صدر" يفسر هذه العالقة ويظهر العالقة‬
‫لقانون التوارد المعجمي ولكن إضافة التمييز " ا‬
‫األصلية المتمثلة في جملة "انشرح صدر األب" وما سنركز عليه في هذا المقام الفرق‬
‫المعنوي بين التركيبين‪ ،‬األصلي‪" :‬انشرح صدر األب" والمحول‪" :‬انشرح األب صد ار" مع‬
‫إخضاعه للقانون الوظيفي للغة ألن "كل تغيير في المبنى يؤدي إلى التغيير في المعنى"‪ ،‬فقد‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬المفصل في علم العربية‪ ،‬ص ‪. 366‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ابن عقيل‪ ،‬شرح ابن عقيل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.119‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬يوسف‪ ،‬آية ‪.6‬‬
‫‪39‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫لجأ المتكلم في هذه الجملة إلى تغيير العالقات التركيبية بين العناصر طلبا لمعنى مختلفا‬
‫متمثال في التوكيد وهو ما شرحه الزمخشري بقوله "واعلم أن هذه المميزات عن آخرها أشياء‬
‫مزالة عن أصلها أال تراها إذا رجعت إلى المعنى متصفة بما هي منتصبة عنه ومنادية على‬
‫يت رطل"و"سمن منوان"و"دراهم عشرون" و"عسل ملء اإلناء" و"زبد مثل‬
‫أن األصل عندي "ز ُ‬
‫التمرة" و"سحاب موضع كف" وكذلك األصل وصف النفس بالطيب والعرق بالتصبب والشيب‬
‫شيب رأسي" ألن الفعل في‬
‫ُ‬ ‫اشتعل‬
‫َ‬ ‫باالشتعال‪ ،‬وأن يقال‪" :‬طابت نف ُسه" و"تصبب عرقه" و"‬
‫الحقيقة وصف في الفاعل والسبب في هذه إلزالة قصدهم إلى ضرب من المبالغة والتأكيد" ‪.1‬‬
‫و ‪ -‬التأكيد بالجملة االسمية ‪:‬‬
‫إذا كانت الجملة لمجرد اإلخبار وبالمقابل تعد الجملة االسمية شكال من أشكال التوكيد‬
‫"لما تفيده من ثبوت الحكم أو الوصف‪ ،‬فإن ذلك جعل علماء اللغة يقولون إن اسمية الجملة‬
‫‪2‬‬
‫كما تكون في اإلثبات لتأكيد اإلثبات‪ ،‬فكذا في النفي يكون لتأكيد النفي ال نفي التأكيد"‬
‫ز ‪ -‬ضمير الفصل‪:‬‬
‫ويعرف بأنه ضمير يتوسط بين المبتدأ وخبره قبل دخول العوامل اللفظية عليهما وبعده‬
‫إذا كان الخبر معرفة أو مضارًعا له في امتناع دخول حرف التعريف عليه ك ــ"افعل من كذا"‬
‫أحد الضمائر المنفصلة المرفوعة‪ ،‬ليؤذن من أول أمره بأنه خبر ال نعت‪ ،‬وليفيد ض ًربا من‬
‫عمادا‪ ،‬وذلك في قولك‪" :‬زيد هو‬ ‫ً‬ ‫التوكيد ويسميه البصريون فصال‪ ،‬في حين يسميه والكوفيون‬
‫ك﴾ ‪3‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫المنطلق" و"زيد هو أفضل من عمرو"‪ ،‬وقال تعالى‪ ﴿:‬إ ِ ْن َ َن َه َذا ُه َو ْ َ‬
‫اْل هق م ِْن عنْد َ‬

‫فالنحاة عند تعرضهم له يركزون على نقطتين أساسيتين هما‪ :‬فصله بين الخبر والنعت‪ ،‬وأن‬
‫الخبر معرفة أو ما قا اربها من النكرات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الزمخشري‪ ،‬المفصل في علم العربية‪ ،‬ص ‪.47- 44‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الكفوي‪ ،‬الكليات‪ ،‬ص‪.1155‬‬
‫‪33‬‬
‫‪ -‬األنفال‪ ،‬آية ‪.31‬‬
‫‪11‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫ثانيا‪ :‬التوكيد عند البالغيين‪:‬‬


‫لقد كانت المعاني ضالة البالغيين على خالف النحاة في األغلب األعم من بحوثهم‬
‫ولذلك زخرت كتب البالغة باألساليب ومقتضياتها أوجه تأديتها دون تغليب جانبها الشكلي‬
‫وهكذا فإن أسلوب التوكيد لقي عناية واهتماما بالغا خاصة في البحث البالغي لما له من‬
‫صلة وطيدة بمقتضى الحال وحال المخاطبين والسامعين وأيضا الخبر في حد ذاته إذ قد‬
‫طب بالسامع من جهة‬
‫يكون مما ال يمكن تصديقه ونحوه مما يدخل في عالقة المخا َ‬
‫وبعالقته بالرسالة االبالغية من جهة أخرى‪.‬‬
‫ولكي نتمكن من اإلحاطة بما تركه البالغيون في هذا المجال سنعرض فيما يلي أهم‬
‫المباحث التي خص بها هذا األسلوب لدى البالغيين‪ ،‬والتي جاءت في قضايا متعددة‬
‫و من خاللها يمكننا رسم المخطط العام لهذا األسلوب ضمن البحث البالغي‪.‬‬
‫أ ‪ /‬التقديم والتأخير‪:‬‬
‫لعل أهم ما قدم من دراسات حول التقديم في الجملة العربية في الدرس البالغي اعتماد‬
‫على ما خلفه البالغيون باعتبارهم أكثر من اعتنى بهذه الظاهرة اللغوية التي لها فضل تعلق‬
‫بالمعنى‪ ،‬وذلك عند تقسيم التقديم إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ -‬تقديم ال على نية التأخير‪ :‬وفيه تتغير وظيفة العنصر بتغير ترتيبه‪"،‬وذلك أن تنقل‬
‫الشيء من حكم إلى حكم‪ ،‬وتجعل له بابا غير بابه‪ ،‬واعرابا غير إعرابه‪ ،‬وذلك أن تجيء‬
‫خبر له‪ ،‬فتقدم تارة هذا‬
‫إلى اسمين يحتمل كل واحد منهما أن يكون مبتدأ‪ ،‬ويكون اآلخر ً ا‬
‫على ذاكوأخرى ذاك على هذا " ‪.1‬مثل‪ :‬زيد المنطلق و المنطلق زيد‪.‬‬
‫‪ -‬تقديم على نية التأخير‪ :‬وهو بقاء العنصر اللغوي على وظيفته األولى بالرغم من تقديمه‬
‫لغرض أسلوبي‪ .‬ويكون "ذلك في كل شيء أقررته مع التقديم على حكمه الذي كان عليه‬
‫وفي جنسه الذي كان فيه‪ ،‬كخبر المبتدأ إذا قدمته على المبتدأ‪ ،‬و المفعول إذا قدمته على‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪10‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫وعمر" لم يخرجا‬
‫ًا‬ ‫عمر زيد"‪ ،‬معلوم أن "منطلق‬
‫وضرب ً ا‬
‫َ‬ ‫الفاعل‪ ،‬كقولك‪" :‬منطلق زيد"‪" ،‬‬
‫فوعا بذلك‪ ،‬وكون ذلك مفعوال ومنصوبا‬
‫بالتقديم عما كانا عليه من كون هذا خبر مبتدأ ومر ً‬
‫من أجله‪ ،‬كما يكون إذا أخرت" ‪ ،1‬وهذا القسم هو "ما له صلة بأسلوب التوكيد فغالبا ما يلجأ‬
‫المتكلم إلى استخدام التقديم في كالمه طلبا للتخصيص والتوكيد" ‪ ،2‬ونمثل له بقولنا‪" ":‬ز ًيدا‬
‫عرفتُه "التي تعد تأكيدا إن قدر الفعل المحذوف"المفسر" بالفعل المذكور"قبل المنصوب"‬
‫فت ز ًيدا عرفتُه" واال فتخصيص‪" ،‬أي ز ًيدا عرفت عرفته"‪ ،‬والرجوع في التعيين إلى‬
‫أي‪ ":‬عر ُ‬
‫القرائن وعند قيام القرينة على أنه للتخصيص يكون آكد من قولنا‪" :‬زيدا عرفت" لما فيه من‬
‫التك ارر" ‪.3‬‬
‫ويذهب الجرجاني إلى "أن الفعل المنفي يقتضي ما اقتضاه في المثبت وذلك "أنك‬
‫تحسن‬
‫ُ‬ ‫تحسن هذا"‪ ،‬كان أشد لنفي إحسان ذلك الشيء عنه من قولك‪" :‬ال‬
‫ُ‬ ‫"أنت ال‬
‫إذاقلت‪َ :‬‬
‫هذا" مدلِّال على ذلك بأن الوجه األول يكون في الكالم مع من هو أشد إعجابا بنفسه‬
‫وأعرض دعوى في أنه يحسن ذلك الشيء‪ ،‬فتقابله بهذا الضرب الذي هو أشد للنفي وَأوكد‬
‫َ ه َ ُ ْ َد ْ َ ُْ ُ َ‬
‫َشكون﴾ ‪ ،4‬إذا أفاد تقديم‬ ‫له‪ .‬مثل هذا المعنى نجده في قوله تعالى‪﴿ :‬و ِ‬
‫اَّلين هم بِربِهِم َل ي ِ‬
‫المسند إليه من التأكيد في نفي اإلشراك عنه ما ال يفيده لو قيل‪" :‬والذين ال يشركون بربهم‬
‫أو بربهم ال يشركون" ‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.86- 83‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬سعد الدين التفتازاني‪ ،‬مختصر السعد ( شرح كتاب مفتاح العلوم )‪ ،‬ت‪ :‬عبد الحميد الهنداوي‪ ،‬المكتبة‬
‫العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1113 ،1‬ص ‪.154‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المؤمنون‪ ،‬آية ‪.59‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪11‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫ب – الفصل والوصل ‪:‬‬


‫ال يختلف اثنان على أن الفصل والوصل مصطلحان بالغيان يقابالن العطف وتركه‬
‫في النحو ‪ ،‬فالوصل عطف جملة على جملة أخرى ي قصد مشاركة الثانية األولى الحكم‪ ،‬وله‬
‫أدوات متعددة أشهرها الواو‪ ،‬والفصل ترك العطف ‪ ،‬وقد ذهب إلى ذلك صاحب البالغة‬
‫العربية حيث قال‪" :‬يراد بالوصل الربط بين أجزاء الكالم بحرف عطف‪ ،‬و يراد بالفصل عدم‬
‫الربط بين أجزاء الكالم بحرف عطف" ‪ ،1‬ومثال الوصل قوله تعالى‪[ :‬فمنهم ظالم لنفسه‬
‫ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات] ‪ ،‬إذ عطفت الجمل على بعضها البعض بالواو أي‬
‫وصلها ومثال الفصل قوله تعالى‪[:‬واذا خلو إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن‬
‫مستهزؤون‪ ،‬اهلل يستهزئ بهم] م الحظ أن جملة "اهلل يستهزئ بهم" لم تعطف على جملة "انا‬
‫معكم"ألنها ليست من مقولهم ‪.‬‬
‫وعنصر التوكيد الذي اعتنى به البالغيون في هذا الباب هو العطف لكمال االتصال‬
‫إذ يكون لثالثة أمور أولها‪" :‬أن تكون الثانية مؤكدة لألولى‪ ،‬والمقتضى للتأكيد دفع توهم‬
‫التجوز والغلط وهو قسمان"‪:2‬‬
‫األول‪ :‬أن تنزل الثانية من األولى منزلة التأكيد المعنوي من متبوعه في إفادة التقرير‬
‫ب‬‫ب فِيه ِ﴾‪ ،3‬فإن وزان " ََل َري ْ َ‬
‫اب ََل َري ْ َ‬
‫مع االختالف في المعنى كقوله تعالى‪َ ﴿" :‬ذل َِك الْكِ َت ُ‬

‫فِيه ِ" في اآلية وزان "نفسه" في قولك‪" :‬جاءني الخليفة نفسه"‪ ،‬فإنه لما بولغ في وصف الكتاب‬
‫َ َ‬
‫ببلوغه الدرجة القصوى من الكمال‪ ،‬يجعل المبتدأ "ذل ِك" الدال على العظمة وعلو الدرجة‬

‫وبتعريف الخبر بآداة التعريف الدالة على االنحصار حتى صار المعنى أنه وحده الكتاب‬
‫الكامل‪ ،‬وأن ما عداه من الكتب ناقص‪ ،‬بل ليس بكتاب أصال‪ ،‬جاز أن يظن السامع‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن حبنكة الميداني‪ ،‬البالغة العربية‪( ،‬أسسها وعلومها وفنونها(‪ ،‬ص ‪.557‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬الخطيب القزويني‪ ،‬التلخيص في علوم البالغة‪ ،‬ض‪ ،‬ش‪ :‬عبد الرحم ان البرقوقي‪ ،‬دار الفكر العربي القاهرة‬
‫ط‪ ،1916 ،1‬ص ‪.181‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬البقرة‪ ،‬آية ‪.11‬‬
‫‪13‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬
‫َ‬ ‫أو القارئ أن جملة " َذل َِك الْكِ َت ُ‬
‫اب"‪ ،‬مما يرمي به غير جزافا من غير تحقيق‪ ،‬فاتبعها " َل‬
‫َري ْ َ‬
‫ب فِيه ِ" نفيا لذلك‪ ،‬اتباع "الخليفة" "نفسه" إزالة لما عسى أن يتوهم السامع أنك في قولك‪:‬‬

‫"جاءني الخليفة" متجوز أو ساه" ‪.1‬‬


‫الثاني‪ " :‬أن تنزل الثانية من األولى منزلة التأكيد من متبوعه في اتحاد المعنى كقوله‬
‫ب فيه ُه ًدى ل ِل ْ ُم هتق َ‬ ‫تعالى‪َ ﴿ :‬ذل َِك الْك َت ُ َ ْ‬
‫ي﴾ ‪ ،2‬فإن معناه أنه في الهداية بالغ درجة‬ ‫ِ‬ ‫اب َل َري َ ِ ِ‬ ‫ِ‬

‫ال يدرك كنهها حتى كأنه هداية محضى‪ ،‬وهذا معنى ذلك الكتاب ألن معناه الكتاب الكامل‬
‫والمراد بكماله في الهداية‪ ،‬ألن الكتب السماوية بحسبها تتفاوت في درجات الكمال" ‪.3‬‬
‫ج‪ /‬اإلطناب و التكرير و التطويل‪:‬‬
‫"االطناب هو آداء المقصود بأكثر من العبارة المتعارفة‪ ،‬وأن يخبر المطلوب بمعنى‬
‫المعشوق بكالم طويل‪ ،‬ألن كثرة الكالم عند المطلوب مقصودة؛ فإن كثرة الكالم توجب كثرة‬
‫النظر‪ ،‬وقيل‪":‬اإلطناب أن يكون اللفظ زائد على أصل المراد‪ 4".‬وهو"إما باإليضاح بعد‬
‫اإليهام ليرى المعنى إذا ألقي على سبيل اإلجمال واإلبهام‪ ،‬تشوقت نفس السامع إلى معرفته‬
‫على سبيل التفصيل واإليضاح فتتوجه إلى ما يرد بعد ذلك‪ ،‬فإذا أل قي كذلك تمكن فيها فضل‬
‫تمكن وكان شعورها به أتم"‪. 5‬‬
‫أم ا التكرير فهو إيراد المعنى مرددا أي إعادة ذكر لفظ سبق ذكره و منه ما يأتي لفائدة‬
‫ومنه ما يأتي لغير فائدة‪ ،‬فأما الذي يأتي لفائدة فإنه جزء من اإلطناب وهو أخص منه فيقال‬
‫حينئذ إن كل تكرير يأتي لفائدة هو إطناب‪ ،‬والعكس غير صحيح‪ ،‬وأما الذي يأتي من‬

‫‪1‬‬
‫‪-‬عبده عبد العزيز قليقلة‪ ،‬البالغة االصطالحية‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1991 ،3‬ص‪.151‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬البقرة‪ ،‬آية ‪.11‬‬
‫‪- 3‬الخطيب القزويني‪ ،‬التلخيص في علوم البالغة‪ ،‬ص‪.181‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬الخطيب القزويني‪ ،‬اإليضاح في علوم البالغة‪ ،‬ت‪ :‬عماد البسيوني زغلول‪ ،‬مؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬بيروت‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪ ،3‬دس‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪11‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫التوكيد لغير فائدة فإنه جزء من التطويل‪ ،‬وهو أخص منه فيقال حينئذ‪" :‬أن كل تكرير يأتي‬
‫لغير لفائدة تطويل وليس كل تطويل تكرير يأتي لغير فائدة " ‪ ،1‬ومثال التكرير قولك لمن‬
‫تستدعيه‪" :‬أسرع أسرع" فإن المعنى مردد واللفظ واحد‪ .‬ومن األمثلة التي تتردد في كتب‬
‫َ‬ ‫ُ َه‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫َه‬
‫البالغة والتفسير للتكرير في القرآن الكريم قوله تعالى‪ّ ﴿ :‬لَك َس ْوف تعل ُمون (‪ )3‬ث هم ّلَك َس ْوف‬
‫َ َْ َ‬
‫تعل ُمون﴾ ‪ ،2‬ويفهم من تكريره أنه ردع للردع واإلنذار‪.‬‬

‫د ‪ -‬القصر والحصر‪:‬‬
‫"القصر مصطلح بالغي يقصد به تخصيص شيء بشيء وحصره فيه ويسمى األمر‬
‫األول مقصو ار عليه‪ ،‬كقولن ا في القصر بين المبتدأ والخبر "إنما زيد قائم " وبين الفعل والفاعل‬
‫نحو‪ " :‬ما ضربت إال زيدا" والقصر الحقيقي تخصيص شيء بشيء بحسب الحقيقة وفي نفس‬
‫األمر بأن ال يتجاوز إلى غيره أصال والقصر اإلضافي هو اإلضافة إلى شيء آخر باال‬
‫يتجاوزه إلى ذلك الشيء ‪،‬وان أمكن أن‪ ،‬يجاوزه إلى شيء آخر في الجملة" ‪.3‬‬
‫وداللة القصر على التوكيد هو ما يخصنا في هذا البحث شرحها البالغيون انطالقا من‬
‫قصر الصفة على الموصوف أو قصر الخبر على المخبر عنه ودفع توهم مشاركة غيره له‬
‫في هذه الصفة‪ ،‬وجاء في مفتاح العلوم شرح معنى القصر في الصفة عند السكاكي‪:‬‬
‫"وحاصل معنى القصر راجع إلى تخصيص الموصوف عند السامع بوصف دون ثان‬
‫شاعر ومنجمصا أو كقولك‪" :‬زيد قائم ال قاعد" لمن‬
‫ًا‬ ‫كقولك‪" :‬زيد شاعر ال منجم" لمن يعتقده‬
‫يتوهم على أحد الوصفين من غير ترجيح‪ ،‬ويسمى هذا القصر إفرادا‪ ،‬بمعنى أنه يزيل شركة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أحمد مطلوب‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1993 ،1‬‬
‫ص‪.611‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬التكاثر‪ ،‬آية ‪.6- 3‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬ص‪.115‬‬
‫‪11‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫منجما بل شاعر"‬
‫ً‬ ‫الثاني أو بوصف مكان آخر كقولك لمن يعتقد منجما ال شاعر‪" :‬ما زيد‬
‫أو"زيد شاعر ال منجم " ويسمى هذا قصر قلب بمعنى أن المتكلم يقلب فيه حكم السامع" ‪.1‬‬
‫ويذهب ابن جني إلى إطالق مصطلح التوكيد والتثبيت لالسم أو الخبر الواقع بعد ذلك‬
‫أن "بعد "إال" بدل المصطلح المتعارف عليه "أي االختصاص أو القصر" ‪"،‬ذلك أن "إال" إذا‬
‫باشرت شيئا بعدها فإنما جيء بها لتثبيته وتوكيد معناه‪ ،‬وذلك قولك‪" :‬ما كان زيد إال قائم"‬
‫فهناك قيام ال محالة‪ ،‬فإنما أنت ناف أن يكون صاحبه غير زيد" ‪ ،2‬وذلك ال لشيء إال" ألن‬
‫القصر ال يعدو أن يكون تأكيدا للكالم والمبالغة في توضيح األحكام وتثبيتها في األذهان" ‪.3‬‬
‫وهذا األمر الذي ذهب إليه سي بويه عند تعرضه لتفسير القصر الذي يستفاد من العطف‬
‫بـ ــ"إال" في العلم فيهما‪.‬‬
‫ه ‪ -‬االعتراض‪:‬‬
‫األصل في بناء الكالم أن يؤتى في بعض األجزاء التي ال يمكن فهم بعضها إال بذكر‬
‫اآلخر‪ ،‬كأن يكون العنصران متالزمان وظيفيا مثل‪ :‬الصفة والموصوف‪ ،‬والفعل والفاعل‬
‫وغيرها أو متالزمان معنويا ووظيفيا معا كالشرط وجوابه‪ ،‬والقسم وجوابه‪ ،‬ولكن قد يط أر على‬
‫نظام التالزم طارئ يوجب الفصل بين هاذين العنصرين لعنصر آخر لغرض يريده المخاطب‬
‫وغالبا ما يكون التوكيد والتحقيق لكالمه قد اصطلح على ما يأتي بين المتالزمين باالعتراض‬
‫وهو ما حدده البالغيون بقولهم‪ :‬هو" أن يؤتى في أثناء الكالم أو بين كالمين متصلين معنى‬
‫بجملة أو أكثر ال محل لها من األعراب بنكتة سوى ما ذكر في تعريف التكميل" ‪ ،4‬ومع تعدد‬
‫المعاني البالغية التي يأتي من أجلها االعتراض‪ ،‬فإن أهم هذه المعاني التي هي محور‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬السكاكي‪ ،‬مفتاح العلوم‪ ،‬ص ‪.611‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ابن جني‪ ،‬المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات و االيضاح عنها‪ ،‬ت‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ج‪ ،1‬ص ‪.159- 158‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬إبراهيم أنيس‪ ،‬أسرار العربية‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر ط‪ ،1985 ،7‬ص‪.151‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬الخطيب القزويني‪ ،‬اإليضاح في علوم البالغة‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪16‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫القرآن الكريم مثل قوله‬ ‫بحثنا هذا وهي التوكيد الذي يسوق له البالغيون عدة أمثلة من‬
‫ْ ُ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ َ ه ْ َ ْ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ ُ ُ ُّ ُ َ ْ ً َ َ‬
‫لَع َو ْهن َوف ِ َص ُ ُ‬
‫ي أ ِن اشك ْر ِِل‬
‫ِِف َعم ِ‬
‫اُل‬ ‫ٍّ‬ ‫اليه ِ ْحلته أمه وهنا‬ ‫تعالى‪﴿ :‬ووصينا ِ‬
‫اْلنسان بِو ِ‬
‫َ َ َ َ‬
‫اليْك﴾ ‪" ،1‬إذا خصص االعتراض في هذه اآلية أحد المذكورين بزيادة التأكيد في أمر‬ ‫ول ِو ِ‬

‫علق بهما" ‪.2‬‬


‫و ‪ -‬تأكيد المدح بما يشبه الذم‪:‬‬
‫"تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو أن توحي العبارة الثانية بالمدح وما هي منه "‪" ،3‬ويفيد‬
‫هذا األسلوب التأكيد و ذلك أنه كدعوى الشيء ببينة ألنك قد علقت نقيض المطلوب وهو‬

‫إثبات شيء من العيب بالمحال والمعلق بالمحال فعدم العيب ثابت و هو ضربان" ‪.4‬‬
‫أحدهما‪" :‬وهو أفضلهما أن يستثني من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح بتقدير دخولها‬
‫فيها ‪ ،‬كقول النابغة الذبياني‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫بهن فلول من قراع الكتائب"‬ ‫وال عيب فيهم غير أن سيوافيهم‬
‫"أي إن كان فلول السيف من القراع ‪ ،‬الكتائب من قبيل العيب فالثابت شيء من العيب‬
‫على تقدير أن فلول السيف منه وذلك محال‪ ،‬فهو في المعنى تعليق بالمحال‪ ،‬والتأكيد فيه‬
‫من الوجهين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه كدعوى الشيء ببينة‪ ،‬والثاني‪ :‬أن األصل في االستثناء أن يكون متصال فإذا‬
‫نطق المتكلم بــ"إال" أو نحوها توهم السامع قبل أن ينطق بما بعدها أن ما يأتي بعدها مخرج‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬لقمان‪ ،‬آية ‪.16‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الخطيب القزويني‪ ،‬اإليضاح في العلوم البالغية‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ - -‬أحمد مطلوب‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها‪ ،‬ص ‪.161‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬سعد الدين التفتازاني‪ ،‬المطول (شرح تلخيص المفتاح)‪ ،‬ت‪ :‬عبد الهنداوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪ ،1117‬ص‪.476- 473‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬الحموي‪ ،‬خزانة األدب وغاية األرب‪ ،‬ت‪ :‬عصام شعيتو‪ ،‬دار ومكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1987 ،1‬‬
‫ج‪ ،1‬ص ‪.166‬‬
‫‪17‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫مما ق بلها فيكون الشيء من صفة الذم ثابتا وهذا ذم‪ ،‬فإذا أتت بعدها صفة المدح تأكيد المدح‬
‫لكونه مدحا على المدح وان كان فيه نوع من الخالبة" ‪.1‬‬
‫والثاني ‪" :‬أن يثبت لشيء صفة المدح ويعقب بأداة استثناء تليها صفة مدح أخرى كقول النبي‬
‫– صلى اهلل عليه وسلم – ‪" :‬أنا أفصح العرب بيدا أني من قريش" " ‪ 2‬وأيضا قوله‬
‫ه‬ ‫َْ َ َْ‬ ‫َ َْ َ ُ َ‬
‫َ َ ً َ َ ً ‪3‬‬ ‫ً‬
‫يها لْ ًوا َوَل تأثِيما (‪ )11‬إَِل قِيل سلما سلما﴾ ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ون ف ِ َ‬ ‫عز من قائل‪َ ﴿ :‬ل يسمع‬

‫ز ‪ -‬تأكيد الذم بما يشبه المدح‪:‬‬


‫‪4‬‬
‫"وهو عكس األول‪ ،‬وفيه ضربان أيضا"‬
‫أحدهما‪" :‬هو أن يستثنى من صفة مدح منفية عن الشيء صفة ذم له بتقدير دخول فيه‪ ،‬أي‬
‫دخول صفة المدح كقولك ‪" :‬فالن ال خير في ه إال أنه يسيء إلى من يحسن إليه" ‪. 5‬‬
‫والثاني ‪" :‬هو أن يثبت للشيء صفة ذم ويعقب بأداة استثناء يليها صفة ذم أخرى له كقولك‬
‫‪":‬فالن فاسق أال أنه جاهل " ‪.6‬‬
‫ح ‪ -‬التتميم ‪:‬‬
‫"هو أن يأتي في الكالم ما يوهم خالف المقصود بفضيلة لنكتة ‪ ،‬كالمبالغة نحو قولك‬
‫تعالى‪َ﴿ :‬ويُطمعِ ُمو َن الطََّع َام َعلَى ُحبِِّه﴾ ‪ ،7‬أي‪" :‬يطعمونه على حبه واالحتياج إليه" ‪ .8‬وقيل "هو‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الخطيب القزويني‪ ،‬اإليضاح في العلوم البالغية‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الجززي‪ ،‬النهاية في غريب األثر‪ ،‬ت‪ :‬طاهر أجمد زاوي ومحمود محمد الطناحي‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‬
‫لبنان‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.171‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الواقعة‪ ،‬آية ‪.14- 15‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬سعد الدين التفتزاني‪ ،‬المطول‪ ،‬ص ‪.474‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬الحموي‪ ،‬خزانة األدب وغاية األرب‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪.54‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬اإلنسان‪ ،‬آية ‪.18‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬عبد القاهرالجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪18‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫كلمة التي طرحت من الكالم النقص حسن معناه أو المبالغة مع لفظه يوهم بأنه تام ومجيئه‬
‫على وجهين‪ :‬للمبالغة واالحتياط‪ ،‬ويجيء في المقاطع كما يجيء في الحشو" ‪.1‬‬
‫ط‪ /‬التذييل ‪:‬‬
‫"هو أن يذيل الناظم أو الناثر كالما بعد تمامه وحسن السكوت عليه بجملة تتحقق ما‬
‫قبلها من الكالم‪ ،‬وتزيده توكيدا" ‪ ،2‬وهو قسمان‪:‬‬
‫اء ْ َ‬
‫اْل ُّق‬ ‫" قسم يجري مجرى المثل الستقالله بمعناه وشيوع استعماله كقوله سبحانه ‪َ ﴿ :‬وقُ ْل َج َ‬
‫َ ْ ُ ه ْ َ َ َ ُ ً‬
‫َو َزه َق اْلَا ِطل ۚ إِن اْلَا ِطل ن َزهوقا﴾ ‪ ،3‬تذييل جار مجرى المثل ‪ ،‬وقد جيء به تأكيدا لمفهوم‬

‫قبله " ‪.4‬‬


‫أما القسم الثاني الذي حدده البالغيون في التذييل ‪ ،‬فهو الذي "ال يجري مجرى المثل‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫حيث ال يستقل بمعناه بل تتوقف داللته على ما قبله‪ ،‬كقوله سبحانه‪ ﴿ :‬ذل ِك َج َزي ْ َناه ْم ب ِ َما‬
‫ه ْ َ‬
‫ك ُف َ‬ ‫َ ْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ور﴾ ‪" ،5‬أفاد مطلع اآلية الكريمة أن هذا الجزاء سببه كفرهم ومن‬ ‫كف ُروا َوهل ُنَازِي إَِل ال‬
‫ه ْ َ‬
‫ك ُف َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫ور"‪ ،‬تذييل أريد منه تأكيد مدلول الجملة السابقةوهو ال‬ ‫ثم فقوله سبحانه " َوهل ُنَازِي إَِل ال‬

‫يجري مجرى المثل‪ ،‬ألنه يعتمد في داللته على ما قبله‪ ،‬ومعناه على هذا وهل يجازى ذلك‬
‫الجزاء في أحد رأيين" ‪.6‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الحموي‪ ،‬خزانة األدب و غاية األرب‪،‬ج‪ ،9‬ص ‪.54‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الحموي‪ ،‬خزانة األدب و غاية األرب‪،‬ج‪ ،9‬ص ‪.649‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-‬االسراء‪ ،‬آية ‪.81‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬عيسى علي العاكوب‪ ،‬وعلي سعد الشتيوي‪ ،‬الكافي في علوم البالغة العربية‪ ،‬دار الهناء‪ ،‬طباعة أوسفلد‬
‫دط‪ ،‬ص ‪. 338‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬سبأ‪ ،‬آية ‪.17‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬عيسى العاكوب‪ ،‬على سعد الدين الشتوي‪ ،‬المافي في علوم البالغة العربية‪ ،‬ص ‪.339- 338‬‬
‫‪19‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول‬

‫ي‪ /‬الترديد ‪:‬‬


‫"هو أن يعلق المتكلم اللفظة بمعنى من المعاني ثم يرددها بعينها ويعلقها بمعنى آخر‬
‫فيحسن الرصف ويعجب التأليف"‪.1‬‬
‫ك‪ /‬المجاز ‪:‬‬
‫"المجا ز مشتق من قولهم جزت الطريق وجاز الموضع جو از ومجا از وجاز به وجاوزه‬
‫جوا از وأجازه وأجاز غيره وج ازه سار فيه و سلكه ‪...‬والمجاز والمجازة الموضع" ‪.2‬‬
‫وأكثر شيء يهمنا في هذا البحث ما صرح به ابن جني في الخصائص بقوله‪" :‬فوقوع‬
‫التوكيد في هذه اللغة أقوى دليل على شياع المجاز فيها واشتماله عليها حتى إن أهل العربية‬
‫أفردوا له بابا لعنايتهم به وكونه مما ال يضاع وال يهمل" ‪.3‬‬
‫هو مصطلح يقابل الحقيقة في تعريفه‪ ،‬فإذا كانت" الحقيقة ما أقر في االستعمال‬
‫على أصل وضعه في اللغة‪ ،‬فالمجاز هو ما كان بضد ذلك وانما يقع المجاز ويعدل إليه‬
‫عن الحقيقة لمعان ثالث‪ :‬االتساع‪ ،‬والتوكيد‪ ،‬والتشبيه‪ ،‬فإن عدم األوصاف كانت الحقيقة‬
‫البتة" ‪.4‬‬
‫َ َْ‬
‫اسأ ِل‬‫وما يهمنا في هذا البحث من هذه المعاني التوكيد الذي نجده قوله تعالى‪ ﴿ :‬و‬
‫ال ْ َق ْريَ َة الهِت ُك هنا ف ِ َ‬
‫يها﴾ ‪ ،5‬الذي فسره ابن جني بقوله‪" :‬وأما التوكيد فألنه في ظاهر اللفظ إحالة‬ ‫ِ‬
‫السؤال على من ليس من عادة اإلجابة ‪ ،‬فكأنهم تضمنوا ألبيهم علة السالم أنه سأل‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬عبد الواحد حسن الشيخ‪ ،‬البديع والتوازي‪ ،‬مكتبة اإل شعاع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1999 1‬ص ‪.51‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬إبن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،1‬مادة (جوز)‪ ،‬ص ‪.314‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.651‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.667‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬يوسف‪ ،‬آية ‪.81‬‬
‫‪11‬‬
‫التوكيد في الجملة العربية‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫الجمادات والجبال أنبأته بصحة قولهم‪ ،‬وهذا تناه في تصحيح الخبر ‪ ،‬أي لو سألتها ألنطقها‬
‫اهلل بصدقنا فكيف سألت من عادته الجواب" ‪.1‬‬
‫ويعد هذا العرض السريع للمباحث التي خص النحاة والبالغيون أسلوب التوكيد بما‬
‫يتالءم طبيعة الدرس البالغي وأهدافه تجدر اإلشارة‪ ،‬إلى أن الدرس العربي الحديث قد‬
‫استفاد كثي ار مما تركه هؤالء‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.649‬‬
‫‪10‬‬
‫الفصل اثلاين داللة اتلوكيد يف القرآن الكريم من خالل نماذج‬

‫المبحث ّ‬
‫األول مقاصد اتلّوكيد ضمن انلّص القرآين‬

‫المبحث اثلاين نماذج من أنماط اتلوكيد الكريم وبعض معانيه‬


‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫األول‪ :‬مقاصد التّوكيد ضمن النّص القرآني‪:‬‬


‫المبحث ّ‬
‫بعد اطِّالعنا على ّ‬
‫عدة الكتب لفت انتباهنا وجود مجموعة مقاصد تحقق فيها أسلوب‬
‫التوكيد‪ ،‬والوفرة التي حظي بها هذا األسلوب في القرآن الكريم‪ ،‬م ّكنته من تحقيق مقاصد‬
‫عز‬
‫اء ما تعلّق بالجانب العقدي‪ ،‬أو األخالقي‪ ...‬من بينها توحيد وحدانية اهلل ّ‬
‫متنوعة سو ً‬
‫ومتنوعة‪ّ ،‬إّل ّأننا‬
‫ِّ‬ ‫وجل‪ ،‬الحقائق الكونية‪ ،‬البعث والجزاء إلى جانب مقاصد أخرى كثيرة‬
‫ألنها من أكثر المواطن التي ورد فيها التوكيد بكثرة وأدى فيها وظيفته بأكمل‬
‫اقتصرنا هذه‪ّ ،‬‬
‫السياق في بيان م قاصد التوكيد‪ ،‬فهذا األخير‬
‫وجه‪ ،‬والقرآن الكريم هو الذي أبرز دور ّ‬
‫ألن كل توكيد‬
‫يختلف باختالف السياق الذي ورد فيه‪ ،‬وّل نقول هذا التوكيد أفضل من ذاك ّ‬
‫عز وجل التوكيد في إثبات وحدانيته ج ّل‬
‫أقوى في مقامه الذي ورد فيه‪ ،‬فمثال استعمال اهلل ّ‬
‫في عاله غير استعماله في إثبات البعث والجزاء‪.‬‬

‫عالقة التوكيد بالعقيدة اإلسالمية‪:‬‬


‫إن القرآن الكريم هو كتاب هداية قبل كل شيء قد بلغ أعلى درجات الكمال ف ــي‬
‫ّ‬
‫اختيار أساليب الدعوة‪ ،‬وأدب الحوار والجدل التي هي أحسن إلفحام الخصــم واظهار الحجة‬
‫وبيان الحق ودحض الباطل‪ ،‬ومن أروع األساليب في تحقيق هذه الغاية النبيلة‪ ،‬وأسلوب‬
‫التوكيد باعتباره آلية أسلوبا يكون أكثر من آليات اإلقنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاع واإللزام‪ ،‬ويظهر جليا من‬
‫أن ألسلوب التوكيد عالقة قوية بتقرير العقيدة من خالل ثالث‬
‫خالل اآليات القرآنية‪ ،‬و ّ‬
‫مهمة‪.‬‬
‫جوانب ّ‬
‫عز وجل‪:‬‬
‫ّأوال‪ :‬عالقة التوكيد بإثبات وحدانية اهلل ّ‬
‫اك َنعْ ُب ُد ِإَويَّ َ‬
‫اك‬ ‫إن من أمثلة القرآن الكريم في هذا الموضوع قوله جل جالله‪﴿ :‬إيَّ َ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬
‫ي﴾‪" 1‬أي‪ :‬توحيد األسماء والصفات هو إثبات صفات الكمال هلل تعالى‪ ،‬التي أثبتها‬ ‫ن َ ْس َتع ُ‬
‫ِ‬

‫‪- 1‬الفاتحة‪ ،‬آية ‪. 50‬‬


‫‪35‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لنفسه وأثبتها له رسوله من غير تعطيل وّل تمثيل وّل تشبيه" ‪ 1‬وعن أسلوب التوكيد في إثبات‬
‫وحدانية اهلل في هذه اآلية هو التكرار المفيد‪ ،‬والغرض منه تأكيد األمر وتفخيمه وتعظيمه‬
‫ألن الغرض منها مختلف‬ ‫َّ َ‬
‫يكرر المعنى الواحد لغرضين مختلفين‪ ،‬فكرر لفظة "إِياك" ّ‬ ‫كأن ّ‬
‫فاألولى تفيد إضافة العبادة إلى اهلل‪ ،‬والثانية إضافة اإلعانة منه‪ ،‬وتكرار هذا اللفظ آكد و ّأدل‬
‫على ضراعة المؤمنين وصدقهم واخالصهم البليغ‪ ،‬يراعى فيه أحوال العبارة باإلضافة‬
‫إلى المعنى‪ ،‬وهذه الخصائص المتضمنة لمعاني الربوبية واأللوهية من أهم المقاصد التي‬
‫جاء القرآن لتحقيقها وترسيخها بأسلوب التوكيد في العقول والقلوب‪ ،‬من تقرير العقيدة‬
‫اإلسالمية عند المؤمنين‪ ،‬باعتبار أسلوب التوكيد من آليات اإلقناع‪.‬‬
‫ح ٌد فَإيَّ َ‬
‫اي‬ ‫خ ُذوا إل َ َه ْي اثْنَ ْ َّ َ ُ َ َ ٌ َ‬ ‫كما قال سبحانه عز وجل‪َ ﴿ :‬وقَ َال َّ ُ َ َ َّ‬
‫ي إِنما هو إَِل وا ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اَّلل َل تت ِ‬
‫َ َْ‬
‫اره ُبو ِن﴾ ‪" ،2‬يأمر تعالى بعبادته وحده ّل شريك له‪ ،‬ويستدل على ذلك بانفراده با ّلنعم‬ ‫ف‬

‫متوحد في األوصاف العظيمة‪ ،‬منفردا‬


‫ّ‬ ‫والوحدانية‪ ،‬وتجعلوا له شريكا في ألوهيته‪ ،‬وهو‬
‫باألفعال كلّها‪ ،‬فكما ّأنه الواحد في ذاته وأسمائه ونعوته‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬فلتوحدوه بعبادته" ‪ ،3‬وذلك‬
‫بتكرار المعنى دون اللفظ وهذا لتأكيد النهي عن اتخاذ العدد المخصوص من الجنس‬
‫المخصوص باعتماد أسلوب التوكيد في إثبات القدرة والوحدانية هلل سبحانه وتعالى‪ّ ،‬أنه جل‬
‫ثناءه في هذا المقام يتكلم في التوحيد والنهي عن ضده‪ ،‬أي القول بتعدد اآللهة حتى يكون‬
‫أ ََدل آكد وهو من أهم المقاصد التي جاء كتاب اهلل لتحقيقها بهذا األسلوب وتفخيمها‬
‫وتعظيمها في النفوس‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفي سر كالم المنان‪ ،‬ت‪ :‬عبد الرحمن بن ُمعالَّ اللويحق دار‬
‫إبن حازم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،3552 ،1‬ص ‪.30‬‬
‫‪ - 2‬النحل‪ ،‬آية ‪. 01‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفيسر كالم المنان‪ ،‬ص‪714‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪35‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ح ُ‬
‫يم﴾ ‪" ،1‬يخبر تعالى‬ ‫الر ِ‬ ‫ح ٌد ََل إ َ ََل إ ََّل ُه َو َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫ْح ُن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫و‬‫ك ْم إ َ ٌَل َ‬
‫َُ ُ‬
‫وقال في سورة البقرة‪ِ﴿ :‬إَوله‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ـ ـ وهو أصدق القائلين ـ ـ ّأنه متوحِّد منفرد في ذاته وأسمائه‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وأفعاله فليس له شريك‬
‫مدبر غيره‪ ،‬فإذا كان ذلك‬
‫كفؤ‪ ،‬وّل مثل وّل نظير‪ّ ،‬ل خالق وّل ّ‬
‫سمي له وّل ٌ‬
‫ّ‬ ‫في ذاته‪ ،‬وّل‬
‫ألنه‬
‫ويعب ُد بجميع أنواع العبادة‪ ،‬وّل يشرك به أحد من خلقه ّ‬
‫َ‬ ‫ألنه يؤله‬
‫فهو المستحق ّ‬
‫وعمت كل‬
‫بالرحمة العظيمة التي ّل يماثلها رحمة أحد فقد وسعت كل شيء ّ‬
‫المتصف ّ‬
‫الناس‪ ،‬وقد أعربت جملة التوحيد خبر ثان للمبتدأ "إلهكم"‬
‫حي" ‪ ،‬وهذا الخطاب عام لكافة ّ‬
‫‪2‬‬
‫ّ‬
‫أو صفة أخرى للخبر "إله واحد" وهي مقررة ِّ‬
‫مؤكدة للوحدانية بأسلوب القصر الذي يعتبر‬
‫ُلوهية‪ ،‬وهي أهم‬
‫تأكيد فوق تأكيد إذ يتصاعد األسلوب فيه من إثبات الوحدانية إلى إثبات األ ّ‬
‫مقصد إسالمي جاء به كتاب اهلل عز وجل ليخرج الناّس من الظلمات إلى النور‪ ،‬وهذا كلّه‬
‫بالنسق والمقام ومقدار اإلحساس‪.‬‬ ‫محكوم ّ‬
‫ْ َ َّ َ َ‬
‫لَع َما َر َز َق ُه ْم مِنْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ل ُ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ ا َ ْ ُ‬
‫ك أم ٍة جعلنا منسًك ِِلذكروا اسم اَّلل ِ‬ ‫وجاء في سورة الحج‪﴿ :‬ول ِ ِ‬
‫َ ‪3‬‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ َ َُ ُ ْ ٌَ َ ٌ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ ل ُْ ْ‬
‫أمة من األمم‬ ‫ّش المخبِتِي﴾ ‪ ،‬أي‪" :‬ولكل ّ‬ ‫حد فله أسلِموا وب ِ ِ‬ ‫ب ِهيمةِ اْلنعا ِم فإِلهكم إَِل وا ِ‬

‫السالفة جعلها منسكا‪ ،‬أي‪ :‬فاستبقوا إلى الخيرات وتسارعوا إليها ولننظر أيكم أحسن عمال‬
‫ّ‬
‫أمة منكسا إلقامة ذكره واّللتفات لشكره‪ ،‬وان اختلفت أجناس‬
‫والحكمة في حمل اهلل لكل َّ‬
‫ألوهية ا هلل‪ ،‬وانفراده بالعبودية وترك الشرك وانقادوا‬
‫ّ‬ ‫الشرائع فكلّها متفقة على هذا األصل وهو‬
‫فإن اإلسالم له طريق للوصول إلى دار السالم بخير الدنيا واآلخرة‬
‫واستسلموا له ّل لغيره ّ‬
‫والمخبت الخاضع لربَّه‪ ،‬المستسلم ألمره‪ ،‬المتواضع لعبادته ثم ذكر صفات المخبتين" ‪ ،4‬ذلك‬
‫بأسلوب التوكيد المعنوي لتوجيه خطاب خاص للمؤمنين ذلك لإليمان المطلق باهلل وحده‬

‫‪ - 1‬البقرة‪ ،‬آية ‪.162‬‬


‫‪ - 2‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفيسر كالم المنان‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫‪ - 3‬الحج‪ ،‬آية ‪.27‬‬
‫‪ - 4‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفيسر كالم المنان‪ ،‬ص ‪.015‬‬
‫‪33‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الذي يعتبر وتوحيد اهلل تعالى من أهم المقاصد التي جاء بها القرآن الكريم وهذا كلّه يزيد‬
‫من تقرير العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫اموا َف َقالُوا َربُّ َنا َر ُّب َّ‬
‫وقال أيضا‪﴿ :‬إذْ قَ ُ‬
‫ات َواْل ْر ِ‬
‫ض ل ْن ندع َو م ِْن دونِه ِ إِل اها﴾ ‪،1‬‬ ‫الس َم َ‬
‫او ِ‬ ‫ِ‬
‫"أي الذي خلقنا ورزقنا ودبَّرنا ورّبانا هو خالق السماوات واألرض المنفرد بخلق هذه‬
‫الرب اهلل‪ ،‬الذي ّل تجوز العبادة‬
‫المخلوقات العظيمة‪ ،‬أي إن دعونا آلهة‪ ،‬بعدما علمنا ّأنه ّ‬
‫الصواب فجمعوا بين اإلقرار بتوحيد‬
‫إّل له‪ ،‬أي ميال عظيما عن الحق وطريقا بعيدة عن ّ‬
‫الربوبية وتوحيد األلوهية واّللتزام بذلك‪ ،‬وبيان ّأنه الحق‪ ،‬وما سواه باطل‪ ،‬وهذا دليل على‬
‫كمال معرفتهم بربهم‪ ،‬وزيادة الهدى من اهلل لهم"‪ ،2‬واعتمد التوكيد ب ــ"لن" التي تعتبر من‬
‫حروف الزيادة وذلك تأكيد وتشديد على إثبات وحدانية اهلل‪ ،‬التي تعتبر من أهم المقاصد‬
‫ألنه يزيد من تقرير العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التي جاء القرآن الكريم لتحقيقها بأسلوب التوكيد‬
‫ََ َ ُْ ْ‬ ‫َّ َ َ َّ ُ َ َ َ َّ‬
‫أنا فاعبد ِن﴾ ‪" ،‬أي اهلل المستحق لأللوهية‬
‫‪3‬‬
‫وقال جل ثناؤه‪﴿:‬إِن ِِن أنا اَّلل َل إَِل إَِل‬

‫ألنه الكامل في أسمائه وصفاته المنفرد بأفعاله‪ ،‬الذي ّل شريك له‪ ،‬وّل مثيل‬
‫المتصف بها‪ّ ،‬‬
‫سمي" ‪ ،4‬وهذا بقصر صفة األلوهية على اهلل تعالى‪ ،‬بمعنى نفي كل فرد‬
‫ّ‬ ‫وّل كفؤ‪ ،‬وّل‬
‫من األلوهية‪ ،‬ثم حصر ذلك المعنى فيه تبارك وتعالى حيث اعتمد أسلوب القصر الحقيقي‬
‫في إثبات األلوهية وهو من أهم المقاصد التي جاء القرآن لتحقيقها‪.‬‬
‫َ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ َّ‬
‫الش ْم َس َوال ْ َق َمرَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َُْ ْ َ ْ َ َ‬
‫ات واْلرض وسخر‬ ‫كما قال كذلك‪﴿ :‬ولئِن سأْلهم من خلق السماو ِ‬
‫َ‬
‫َّ ُ َ َّ ُ ْ َ ُ َ ‪5‬‬ ‫َِلَ ُقولُ َّ‬
‫األلوهية والعبادة‬‫ّ‬ ‫بتوحيد‬ ‫بين‬ ‫ذ‬
‫ّ‬ ‫المك‬ ‫كين‬ ‫المشر‬ ‫على‬ ‫استدّلل‬ ‫"وهذا‬ ‫﴾‬ ‫ون‬ ‫ك‬ ‫ف‬‫ؤ‬‫ي‬ ‫ن‬‫أ‬ ‫ف‬ ‫اَّلل‬ ‫ن‬

‫بوبية‪ ،‬فأنت لو سألتهم من خلق السماوات واألرض‬


‫والزام لهم بما أثبتوه من توحيد الر ّ‬

‫‪ - 1‬الكهف‪ ،‬آية ‪.17‬‬


‫‪ - 2‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفيسر كالم المنان‪ ،‬ص ‪.770‬‬

‫‪ - 3‬طه‪ ،‬آية ‪.17‬‬


‫‪ - 4‬عبد ال رحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص‪.746‬‬
‫‪ - 5‬العنكبوت‪ ،‬آية ‪.61‬‬
‫‪35‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ماء فأحيا به األرض بعد موتها‪ ،‬ومن بيده تدبير جميع األشياء؟‬‫ومن ّنزل من السماء ً‬
‫" َِلَ ُقولُ َّن َّ ُ‬
‫اَّلل " وحده وّلعترفوا بعجز األوثان ومن عبدوه مع اهلل‪ ،‬عن شيء من ذلك" ‪ 1‬واثبات‬

‫ألنها متضمنة لمعاني الربوبية واأللوهية‬


‫توحيد الربوبية بالم اّلبتداء لتوكيد مضمون الحكم و ّ‬
‫وهذا ما يزيد من تقرير العقيدة‪.‬‬
‫ْ‬
‫َّ ُ َ َ َ ْ َ َّ َ ُ ل َ ْ َ‬
‫وّن أع ُب ُد أ ُّي َها‬‫ر‬‫الزمر‪﴿ :‬قُ ْل َِلَ ُقولُ َّن اَّلل أفغْي اَّلل ِ تأم ُ‬
‫وقال جل شأنه في سورة ُّ‬
‫ِ‬
‫َْ ُ َ‬
‫اْلاهِلون﴾ ‪ ،2‬أي " " ُقل " يا ّأيها الرسول لهؤّلء الجاهلين‪ ،‬الذين دعوك إلى عبادة غير اهلل‬
‫َ َ َ ْ َ َّ َ ْ ُ ُ ل َ ْ ُ ُ َ ُّ َ ْ َ ُ َ‬
‫اْلاهِلون " أي هذا األمر صدر من جهلكم‪ ،‬واّل فلو كان لكم‬ ‫وّن أعبد أيها‬ ‫"أفغْي اَّلل ِ تأمر ِ‬
‫بأن اهلل تعالى الكامل من جميع‪ ،‬مسدي جميع النعم‪ ،‬وهو المستحق للعبادة دون َمن‬ ‫علم ّ‬
‫كان ناقصا من ك ّل وجه‪ ،‬وّل ينفع وّل يضر‪ِ ،‬لما تأمروني بذلك"‪ ،3‬وفي هذه اآلية الكريمة‬
‫تقدم المفعول به الذي أفاد معنى التوحيد الذي يعتبر من أهم المقاصد التي جاء القرآن‬
‫لتحقيقها فاستعمل اهلل عز وجل كذلك أسلوب التوكيد لترسيخ العقيدة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ُ ْ َُ ُ ُ‬ ‫َ َ ْ َ ُ ْ َُ ُ ُ َ‬
‫َ ٌ ‪4‬‬
‫وقال‪﴿ :‬ولم يكن َل كف اوا أحد﴾ ‪" ،‬لكمال غناه "ولم يكن َل كفوا أحد" ّل في‬
‫ا‬

‫مهما ّل يتم الكالم إّل به‪،‬‬


‫أسمائه وّل في أوصافه تبارك وتعالى" ‪ ،‬وقدم الظرف " َلهُ" كونه ً‬
‫‪5‬‬

‫وهذا إلثبات وحدانية اهلل التي جاء القرآن لتحقيقها‪ ،‬وذلك يزيد في تقرير العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫ْ َ ُّ َ َ ْ َ َّ َّ ُ َّ َّ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َّ َ َ َ‬
‫اَّلل ل ُه َو‬ ‫وقال في سورة آل عمران‪﴿:‬إِن هذا ل ُه َو الق َص ُص اْلق وما مِن إ ِ ٍَل إَِل اَّلل ِإَون‬
‫اْلق"ُّ‬‫يم﴾ ‪" ،6‬وأخبر تعالى "إ ِ َّن َه َذا " الذي قصَّه اهلل على عباده هو "ال ْ َق َص ُص ْ َ‬ ‫يز ْ َ‬
‫اْلكِ ُ‬ ‫ال ْ َعز ُ‬
‫ِ‬
‫وكل قصص يقص عليهم مما يخالفه ويناقضه فهو باطل(‪ )...‬هو المألوه المعبود حقاالذي‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.656- 650‬‬
‫‪ - 2‬الزمر‪ ،‬آية ‪.67‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.690‬‬
‫‪ - 4‬اّلخالص‪ ،‬آية ‪.57‬‬
‫‪ - 5‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تيسير كالم المنان‪،‬ص ‪.794‬‬
‫‪ - 6‬آل عمران‪ ،‬آية ‪.63‬‬
‫‪35‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫"وا َّن اللَّ َه َلهَُو ال َع ِز ُيز" الذي‬


‫ّل تنبغي العبادة إّل له‪ ،‬وّل يستحق غيره مثقال ذرة من العبادة َِ‬
‫قهر كل شيء وخضع له كل شيء الحكيم الذي يضع األشياء في مواضعها‪ ،‬وله الحكمة‬
‫التامة في ابتالء المؤمنين بالكافرين‪ ،‬ويقاتلونهم ويجادلونهم بالقول والفعل" ‪ ،1‬واثبات وحدانية‬
‫اهلل بالحرف الزائد"من" الذي يزيد في الكالم تقرير المعنى الحاصل وتأكيده المتضمن لمعنى‬
‫الربوبية واأللوهية وهي من أهم المقاصد التي جاء القرآن لتحقيقها باّلعتماد على أسلوب‬
‫التوكيد‪ ،‬وهذا يزيد في تقرير وترسيخ العقيدة‪.‬‬
‫وقال كذلك‪﴿ :‬لَي ْ َس َكمِثْلِه ِ َ ْ‬
‫َش ٌء﴾ ‪ ،2‬أي "ليس يشبهه تعالى وّل يماثله شيء من‬

‫مخلوقاته ّل في ذاته وّل في أسمائه كلّها حسن صفاته صفة كمال وعظمته‪ ،‬أفعاله تعالى‬
‫أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك فليس كمثله شيء ّلنفراده و توحده بالكمال‬
‫كمن كل وجه‪ ،3 ".‬اعتمد الحرف زايد "الكاف" للتوكيد اللفظي في هذه اآلية الكريمةإلثبات‬
‫وحدانية اهلل سبحانه وتعالى وهذا لترسيخ العقيدة اإلسالمية التي جاء بها القرآن الكريم‬
‫بأسلوب التوكيد‪.‬‬
‫ُ ْ ُ َّ ُ َ‬
‫اَّلل أ َح ٌد﴾ ‪ ،4‬أي " " ُقل " قوّل جازما به معتمدا له عارفا بمعناه‬ ‫وقال أيضا‪﴿ :‬قل ه َو‬

‫َح ٌد "أي انحصرت فيه األحدية فهو األحد المنفرد بالكمال الذي له األسماء الحسن‬ ‫َّ‬
‫" ُه َو اللهُ أ َ‬
‫والصفات الكاملة العليا‪ ،‬واألفعال المقدسة‪ ،‬والذي ّل نظير له مثيل" ولتقرير وتأكيد وحدانية‬
‫اهلل استعمل ضمير الشأن للتأكيد على وحدانيته ج ّل في عاله لتحقيق أهم المقاصد جاء بها‬
‫مما يزيد في تقرير العقيدة في القلوب والعقول‪.‬‬
‫القرآن الكريم ّ‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪. 114‬‬
‫‪ - 2‬الشورى‪ ،‬آية ‪.11‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تيسير كالم المنان‪ ،‬ص‪.794‬‬
‫‪ - 4‬اّلخالص‪ ،‬آية‪.51‬‬
‫‪35‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬
‫َّ َ َّ ُ َ‬
‫ح ٌد﴾ ‪ ،1‬أي "هو المنفرد باأللوهية الذي ّل تنبغي ّل تنبغي‬
‫َوا ِ‬ ‫اَّلل إ ِ ٌَل‬ ‫وقال‪﴿ :‬إِنما‬

‫أن اهلل مخصوص‬


‫ـ"إنما" التي أفادت ّ‬
‫العبادة إّل له‪ ، ".‬وذلك اعتمد أسلوب التوكيد ب ـ ّ‬
‫‪2‬‬

‫بالوحدانية التي هي من أهم م قاصد الشريعة اإلسالمية التي جاء القرآن الكريم لغرسها في‬
‫النفوس‪.‬‬
‫َْ‬
‫يم ال ْ َعل ِ ُ‬
‫يم﴾‪" ،3‬ويخبر‬ ‫ك ُ‬ ‫ض إ ِ َ ٌَل َو ُه َو ْ َ‬
‫اْل ِ‬ ‫َو ِِف اْل ْر ِ‬
‫َ‬
‫الس َماءِ إ ِ ٌَل‬
‫َ ُ َ َّ‬
‫اَّلي ِف َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال أيضا‪﴿ :‬وهو‬

‫تعالى ّأنه وحده المأللوه المعبود في السماوات واألرض‪ ،‬فأهل السماوات كلّهم‪ ،‬والمؤمنون‬
‫من أهل األرض‪ ،‬يعبدونه ويعظمونه‪ ،‬ويخضعون لجالله ويفتقرون لكماله" ‪ ،4‬إثبات وحدانية‬
‫ألن بتكرار الجملة الثانية توكيد وزيادة في المعنى‬
‫اهلل بأسلوب تكرار الجملة بدون العطف‪ّ ،‬‬
‫أن الجملة الثانية فهي تكرير لألولى وهذا لتقرير‬
‫وهذا لتقرير العقيدة اإلسالمية بحيث ّ‬
‫معناها في النفوس وتمكينها في القلوب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ َْ ُ ا َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ْ‬
‫اع ُب ُدوا َّ َ‬
‫اَّلل َما لك ْم م ِْن إ ِ ٍَل‬ ‫وقال جل جالله‪﴿ :‬لقد أرسلنا نوحا إَِل قومِه ِ فقال يا قو ِم‬
‫َ‬ ‫َ ُْ ُ ‪5‬‬
‫ال" لهم‪" ،‬يَا ق ْو ِم‬ ‫غْيه﴾ ‪" ،‬يدعوهم إلى عبادة اهلل وحده‪ ،‬حين كانوا يعبدون األوثان "فَقَ َ‬
‫ألنه الخالق الرازق المدبر لجميع األمور‪ ،‬وما‬ ‫"‬ ‫ك ْم م ِْن إ َ ٍَل َغ ْ ُ‬
‫ْيهُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫"‬ ‫وحده‬ ‫أي‬ ‫"‪،‬‬ ‫اَّلل‬
‫ْ‬
‫اع ُب ُدوا َّ َ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫سواه مخلوق مدبَّر‪ ،‬ليس له من األمر شيء" ‪ ،6‬وأ ّكد الخبر ب ــ" قد" التي تفيد تحقق وقوعه‬
‫من األدوات التي َّ‬
‫يؤكد بها الخبر‪ ،‬ذلك إلثبات وحدانية اهلل المتضمنة لمعاني‬ ‫ألنها‬
‫ّ‬
‫الربوبية واأللوهية باعتبار ّأنها أهم مقصد جاء القرآن الكريم لتحقيقه وذلك لتقرير المعنى‬
‫في النفوس‪.‬‬

‫‪ - 1‬النساء‪ ،‬آية ‪.141‬‬


‫‪ - 2‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫‪ - 3‬الزخرف‪ ،‬آية ‪.77‬‬
‫‪ - 4‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص‪.09‬‬
‫‪ - 5‬األعراف‪ ،‬آية ‪.09‬‬
‫‪ - 6‬عبد ا لرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.345‬‬
‫‪35‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫َ ل ََ َ َْ ْ ُ َ َْ َ ْ َ َْ َ َ َ ُ َ ل‬ ‫ُْ َ َ َ ْ ْ َ ا َ‬
‫ات ر ِّب َلفِد اْلحر قبل أن تنفد َكِمات ر ِّب‬ ‫وقال كذلك‪﴿ :‬قل ل ْو َكن اْلَح ُر مِدادا لَِك ِ َم ِ‬
‫َ َ َ َّ َ ُ َ‬ ‫ُ ْ َّ َ َ َ َ َ ٌ ْ ُ ُ‬ ‫ا‬ ‫ْ‬ ‫ََْ ْ‬
‫ح ٌد﴾ ‪" 1‬أي‬‫ّش مِثلك ْم يُوَح إ ِ ََّل أن َما إِل ُهك ْم إ ِ ٌَل َوا ِ‬ ‫جئ َنا ب ِ ِمثلِه ِ َم َددا (‪ )159‬قل إِنما أنا ب‬
‫ول و ِ‬
‫َّ َ َ َ َ َ ٌ ْ ُ ُ‬
‫ّش مِثلك ْم ﴾‪ ،‬أي لست بإله وّل لي شراكة في‬ ‫ُقل " يا محمد للكفار وغيرهم‪﴿ :‬إِنما أنا ب‬
‫ُ َ َ َّ َ َّ َ َ ُ ُ ْ َ‬
‫ح ٌد﴾‪ ،‬أي فضلت‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫و‬‫َ‬ ‫ٌ‬
‫َل‬ ‫الملك وّل علم بالغيب وّل عندي خزائن اهلل‪﴿ ،‬يوَح إَِل أنما إِلهكم إ ِ‬
‫إلي‪ ،‬الذي أجله اإلخبار لكم ّأنما إلهكم إله واحد أي ّل‬
‫عليكم بالوحي‪ ،‬الذي يوحيه اهلل َّ‬
‫شريك له وّل أحد يستحق من العبادة مثقال ذرة غيره‪ ،‬وأدعوكم إلى العمل الذي يقربكم" ‪، 2‬‬
‫ألنه توكيد فوق توكيد‪.‬‬ ‫وقد تم إثبات وحدانية اهلل بأسلوب القصر ّ‬
‫اع ُب ُدوهُ َه َذا ِ َ‬
‫ِص ٌاط ُم ْس َتقِ ٌ‬
‫يم﴾ ‪" ،3‬استدل‬
‫َّ َّ َ َ ل َ َ ُّ ُ ْ َ ْ‬
‫وقال اهلل تعالى أيضا‪﴿ :‬إِن اَّلل ر ِّب وربكم ف‬

‫بتوحيد الربوبية الذي يقربه كل أحد على توحيد األلوهية الذي ينكره المشركون‪ ،‬فكما أن اهلل‬
‫هو الذي خلقنا ورزقنا وأنعم علينا نعما ظاهرة وباطنة‪ ،‬فليكن هو معبودنا الذي نألهه الحب‬
‫رد على النَّصارى القائلين‬
‫والخوف والرجاء والدعاء واّلستعانة وجميع أنواع العبادة وفي هذا ٌّ‬
‫ألنها ِّ‬
‫تؤكد مضمون الجملة وهذا إلثبات‬ ‫ـ"إن" ّ‬
‫بأن عيسى أله أو ابن اهلل" ‪ ،‬وأ ّكد الخبر بـ ّ‬
‫‪4‬‬
‫ّ‬
‫ألن‬
‫وحدانية اهلل سبحانه وتعالى لمنكري الخبر فيستحسن تأكيد الكالم الملقى لتقوية الحكم‪ّ ،‬‬
‫لهذا األسلوب أثر كبير في التأثير على العقول والقلوب وهذا لتحقيق المقاصد التي أمر اهلل‬
‫عباده بها وهذا يقوي العقيدة وذلك باستخدام أسلوب التوكيد لتحقيق هذه الغاية‪.‬‬
‫َْ‬ ‫َ َ ْ َ َّ َّ ُ ْ‬
‫ح ُد الق َّهار﴾ ‪ ،5‬أي‪ّ" :‬ل أحد يؤله ويعبد‬
‫اَّلل ال َوا ِ‬ ‫وقال في موضع آخر‪﴿ :‬وما مِن إ ِ ٍَل إَِل‬

‫بحق إّل اهلل الواحد القهار هذا تقرير أللوهيته بهذا البرهان القاطع‪ ،‬وهو وحدته تعالى‪ ،‬وقهره‬
‫فإن القهر مالزم للوحدة‪ ،‬فال يكون قهّاران متساويان في قهرهما أبدا‪ ،‬فالذي‬
‫لكل شيء‪ّ ،‬‬

‫‪ - 1‬الكهف‪ ،‬آية ‪.115- 159‬‬


‫‪ - 2‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.763‬‬
‫‪ - 3‬آل عمران‪ ،‬آية ‪.01‬‬
‫‪ - 4‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪ - 5‬ص‪ ،‬آية ‪.60‬‬
‫‪56‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أن ُيعبد وحده كما كان‬


‫يقهر جميع األشياء هو الواحد الذي ّل نظير له‪ ،‬وهو الذي يستحق ّ‬
‫قاه ار وحده" ‪ ،1‬حصر صفة األلوهية في ذاته وصفاته جل سبحانه عن كل ٍّند أو مثال‪ ،‬هو‬
‫وحده من غير مشاركة أحد له سبحانه فيها‪ ،‬واعتمد أسلوب الحصر إلثبات وحدانية اهلل‬
‫بأسلوب التوكيد‪ ،‬لما له من التأثير في السامع‪.‬‬
‫وم ََل تَأ ْ ُخ ُذهُ س َن ٌة َو ََل نَ ْو ٌم َ َُل ماَ‬ ‫َح ال ْ َق ُّي ُ‬‫اَّلل ََل إ ِ َ ََل إ ِ ََّل ُه َو ال ْ َ ُّ‬
‫وقال جل في عاله‪ُ َّ ﴿ :‬‬
‫ِ‬
‫ي َأي ْ ِديه ْم َو َما َخل ْ َف ُهمْ‬‫ض َم ْن َذا َّاَّلي ي َ ْش َف ُع عنْ َدهُ إ ََّل بإذْنه َيعْلَ ُم َما َب ْ َ‬
‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اوات َو َما ِف ْاْلَر ِْ‬
‫الس َم َ ِ‬ ‫ِف َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ح ْف ُظ ُهماَ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْْ َ ََ َ ُ ُ‬ ‫الس َم َ‬‫اء َو ِس َع ُك ْر ِس ُّي ُه َّ‬ ‫َش ٍء م ِْن عِلْمِه ِ إ ََّل ب َما َش َ‬ ‫ون ب ِ َ ْ‬ ‫ََ ُ ُ َ‬
‫ات واْلرض وَل يئوده ِ‬ ‫او ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وَل ُيِيط‬
‫ل َ ْ َ َ َّ َ ُّ ْ ُ َ ْ َ ل َ َ ْ َ ْ ُ ْ َّ ُ‬ ‫يم (‪ََ )300‬ل إ ْك َراهَ‬ ‫ِل ال ْ َع ِظ ُ‬ ‫َو ُه َو ال ْ َ‬
‫وت‬‫الطاغ ِ‬ ‫غ فمن يكفر ِب‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ش‬ ‫الر‬ ‫ي‬ ‫ب‬‫ت‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ين‬
‫ِ‬ ‫ال‬
‫ِ‬ ‫ِف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬

‫يم﴾ ‪ ،2‬أي "ّل معبود‬ ‫يع َعل ِ ٌ‬ ‫ام ل َ َها َو َّ ُ‬


‫اَّلل َسم ٌ‬ ‫ك بال ْ ُع ْر َوة ِ ال ْ ُوثْ ََق ََل انْف َص َ‬ ‫َْْ َ َ‬ ‫َ ُ ْ ْ َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويؤمِن بِاَّلل ِ فق ِد استمس ِ‬
‫بحق سواه‪ ،‬فهو اإلله الحق الذي يتعين أن تكون جميع أنواع العبادة الطاعة التّألُّه له تعالى‬
‫لكماله وكمال صفاته وعظيم نعمه‪ ،‬ولكون العبد مستحقا أن يكون عبدا لربِّه ممتثال ألوامره‬
‫مجتنبا لنواهيه‪ ،‬وكل ما سوى اهلل باطل فعبادة ما سواه باطلة‪ ،‬لكون ما سرى اهلل مخلوقا‬

‫مدب ار فقي ار من جميع الوجوه‪ ،‬فلم يستحق شيئا من أنواع العبادة‪ ،‬وقوله "ال َح ُّي ال َقيُّ ُ‬
‫وم"‬ ‫ناقصا َّ‬
‫يدّلن على سائر األسماء الحسنى" ‪ ،3‬فهذه اآلية الكريمة متضمنة‬
‫هذان اّلسمان الكريمان ّ‬
‫ألسلوب القصر وهذا إلثبات وحدانية اهلل التي تحمل معاني الربوبية واأللوهية التي جاء‬
‫كتاب اهلل لتحقيقها‪ ،‬والمخلوق ّل ينفع وّل يضرن واّنما النافع الضار هو اهلل ّل غير‪ ،‬وأ ّكد‬
‫الخبر هنا بـ َّ‬
‫ـ"أن الشرطية" وذلك طبعا إلثبات وحدانية اهلل جل جالله وهذا ضمن أسلوب‬
‫التوكيد‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.672‬‬
‫‪ - 2‬البقرة‪ ،‬آية ‪.300- 300‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪56‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ح ٌد َف َه ْل َأنْ ُتمْ‬
‫َوا ِ‬
‫َ َّ َ َّ َ َ ُ ُ‬
‫ك ْم إ ََلٌ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ن‬‫أ‬ ‫َل‬ ‫إ‬ ‫وَح‬
‫ُ ْ َّ َ ُ َ‬
‫وقال في سورة األنبياء‪﴿ :‬قل إِنما ي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ َ ُ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬
‫ح ٌد " الذي ّل يستحق العبادة إّل هو‪ ،‬لهذا‬ ‫محمد‪" :‬أن َما إِل ُهك ْم إ ِ ٌَل َوا ِ‬
‫ُ ْ‬
‫مسل ِ ُمون﴾ ‪" " ،1‬قل" يا َّ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫قال‪":‬ف َهل أن ُت ْم ُم ْسل ِ ُمون" أي‪ :‬منقادون لعبوديته مستسلمون أللوهيته‪ ،‬فإن فعلوا فليحمدوا‬

‫من عليهم بهذه النعمة التي فاقت ال ِمنن" ‪ ،2‬حيث أكدت اآلية على وحدانيته‬
‫ربَّهم على ما َّ‬
‫عز وج ل وذلك لتقرير العقيدة في النفوس‪ ،‬وذلك باعتماد ألسلوب القصر‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ ُ َ ُ ْ َّ َ َ َ ْ َ‬
‫ِ‬‫َّ‬ ‫َّ َ َ ل َ َ َّ ُ ْ ‪3‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وقال‪﴿ :‬ما قلت لهم إَِل ما أمرت ِِن بِه ِ أ ِن اعبدوا اَّلل ر ِّب وربكم﴾ ‪" ،‬فأنا عبد متبع‬

‫ألمرك‪ّ ،‬ل متجرئ على عظمتك‪ ،‬ما أمرتهم إّل بعبادة اهلل وحده‪ ،‬واخالص الدين له‬
‫للنهي عن اتخاذي وأمي إلهين من دون اهلل‪ ،‬وبيان أنِّي عبد مربوب‪ ،‬فكما ّأنه‬
‫المتضمن ّ‬
‫ِّ‬
‫ربُّكم فهو ربي" ‪ ،4‬وللتأكيد على ذلك اعتمد أسلوب القصر بــ"إنَّما" في إثبات وحدانية اهلل‬
‫ولتقرير العقيدة في النفوس‪.‬‬
‫عز وخل‬
‫تعددت األيات القرآنية التي ورد فيها أسلوب التوكيد إلثبات وحدانية التي اهلل ّ‬
‫ّ‬
‫وهذه السالفة الذكر أمثلة قليلة عن ذلك‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عالقة التوكيد بإثبات الحقائق الكونية‪:‬‬
‫ََ ُْ‬
‫س ُم ب ِ َم َواق ِ ِع اَلُّ ُجو ِم‬
‫من أمثلة القرآن الكريم في هذا الموضوع قوله عز وجل‪﴿ :‬فَل أق ِ‬
‫يم﴾‪" ،5‬أقسم تعالى بالنجوم ومواقعها‬ ‫يم (‪ )46‬إنَّ ُه لَ ُق ْرآ ٌَن َكر ٌ‬
‫(‪ِ )40‬إَونَّ ُه لَ َق َس ٌم ل َ ْو َتعْلَ ُمو َن َع ِظ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدالة على عظمته‬‫حدث اهلل في تلك األوقات من الحوادث َّ‬ ‫أي مساقطها في مغاربها‪ ،‬وما ُي ِ‬
‫َّ ُ َ َ َ ٌ َ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫ون َع ِظ ٌ‬
‫يم﴾‪ ،‬واّنما كان‬ ‫وكبريائه وتوحيده‪ ،‬ثم عظَّم هذا القسم به فقال‪ِ﴿ :‬إَونه لقسم لو تعلم‬

‫ألن في النُّجوم وجريانها وسقوطها عند مغاربها آيات وعبر ّل يمكن‬


‫القسم عظيما‪ّ ،‬‬

‫‪ - 1‬األنبياء‪ ،‬آية ‪.157‬‬


‫‪ - 2‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.057‬‬
‫‪ -‬المائدة‪ ،‬آية ‪.114‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ - 4‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.334‬‬
‫‪ -‬الواقعة‪ ،‬آية ‪.44- 46- 40‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪56‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ِ‬
‫المعترضة بين القسم وجوابه ذلك‬ ‫حصرها‪ ،1 ".‬أثبت سبحانه وتعالى الحقائق الكونية بالجملة‬
‫إلفادة الكالم وتقويته وتسديده‪ّ ،‬أنها تجري في الكالم مجرى التوكيد لتحقيق مقصد من أهم‬
‫المق اصد التي جاء بها القرآن الكريم لتثبيت العقيدة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ًّ َ َ َ ا‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ا‬ ‫َّ‬ ‫َ ا َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َْ َْ َ ُْ ْ‬
‫ات‬‫ات ماء َثاجا (‪َِ )17‬لخ ِرج بِه ِ حبا ونباتا (‪ )10‬وجن ٍ‬ ‫ِص ِ‬ ‫كما قال‪﴿ :‬وأنزَلا مِن المع ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ا ‪2‬‬
‫َْ‬
‫اجا" أي‪ :‬كثير جدا " َِلُخ ِر َج بِه ِ َح ًّبا" من ُب ٍر وشعير وُذرة‬ ‫ج‬‫َّ‬
‫َ ً َ ً‬‫ث‬ ‫اء‬ ‫م‬‫"‬ ‫َّحاب‬‫الس‬ ‫"أي‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫﴾‬ ‫ا‬ ‫اف‬ ‫ف‬ ‫أل‬
‫َ ا‬
‫مما يأكله اآلدميون‪َ "،‬ون َباتا" يشمل سائر النبات الذي جعله اهلل قوتا‬ ‫وأرز‪ ،‬وغيره ذلك ّ‬
‫َ َْ ا‬ ‫َ َ َّ‬
‫ات ألفافا " أي بساتين ملتفة فيها جميع أصناف الفواكه اللذيذة‪ ،‬فالذي أنعم‬ ‫لمواشيهم "وجن ٍ‬

‫عليكم بهذه النعم العظيمة التي ّل يقدر قدرها‪ ،‬وّل يحصي عددها" ‪ ،3‬أثبتت هذه اآليات‬
‫ألنها‬
‫ألن فائدتها توكيد مضمون الحكم ّ‬
‫الكريمات الحقائق الكونية بــ"ّلم اّلبتداء" ّ‬
‫من مؤكدات الخبر‪ ،‬الذي يحمل معاني الحقائق الكونية التي تعتبر من أهم المقاصد التي‬
‫جاء القرآن الكريم لتحقيقها وذلك باستعمال أسلوب التوكيد‪ ،‬وهذا لتقرير المعنى في ذهن‬
‫السامع وتقرير العقيدة في ذهنه‪.‬‬
‫ََ ْ‬
‫ع َت ْدنَا ل َ ُهمْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َّ َّ َّ َ َ ُّ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ ا‬
‫وقال كذلك‪﴿ :‬ولقد زينا السماء النيا بِمصابِيح وجعلناها رجوما ل ِلشيا ِط ِ‬
‫ي وأ‬

‫يح" وهي‬ ‫ِ‬


‫ب‬ ‫ا‬ ‫ص‬ ‫م‬‫ِ‬
‫ب‬ ‫"‬ ‫وتليكم‬ ‫ترونها‬ ‫التي‬ ‫"‬ ‫ا‬ ‫النْ َ‬
‫ي‬ ‫اء ُّ‬
‫الس َم َ‬
‫السعِْي﴾ ‪" ،4‬أي‪ :‬ولقد جملنا " َّ‬
‫اب َّ‬‫َع َذ َ‬
‫َ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫النجوم لكان سقفا مظلما‬
‫فإنه لوّل ما فيها من ّ‬
‫الضياء‪ّ ،‬‬
‫النور و ّ‬
‫النجوم‪ ،‬على اختالفها في ّ‬
‫ّ‬
‫ونورا‪ ،‬وهداية ُيهتدي بها‬
‫النجوم زينة للسماء وجماّل ً‬
‫ّل ُحسن فيه وّل جمال‪ ،‬ولكن جعل اهلل ّ‬
‫في ظلمات البر والبحر‪ ،‬وّل ينافي إخباره ّأنه زّين السماء الدنيا بمصابيح‪ ،‬أن يكون كثير‬
‫السماوات السبع‪ ،‬فإن السموات شفاعة‪ ،‬وبذلك تحصل الزينة للسماء الدنيا‬
‫من النجوم فوق ّ‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.455‬‬ ‫‪1‬‬

‫النبأ‪ ،‬آية ‪.16- 10- 17‬‬


‫‪ّ -‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.764‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الملك‪ ،‬آية ‪.50‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وان لم تكن الكواكب فيها" ‪ ،1‬ولقد َّ‬


‫أكد سبحانه الخبر بــ"قد" إلثبات الحقائق الكونية‪ ،‬باعتبار‬
‫ألنها من أهم المقاصد التي جاء القرآن لتحقيقها بأسلوب‬
‫أن "قد" تفيد تحقيق وقوعها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫النفوس وهذا يزيد في بيان وتقرير‬
‫التوكيد‪ ،‬باعتباره أسلوبا له أهمية كبيرة في التأثير في ّ‬
‫ألنه من آليات اإلقناع واإللزام‪.‬‬ ‫العقيدة ّ‬
‫او ٍت‬‫ْحن م ِْن َت َف ُ‬ ‫ات ِط َباقاا َما تَ َرى ِف َخلْق َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫ٍ‬ ‫و‬‫وقال عز وجل‪َّ ﴿ :‬اَّلِي َخلَ َق َسبْ َع َس َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ َ َ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ َ‬ ‫ُ َّ ْ‬ ‫ارج ِع ْاْلَ َ َ‬
‫ِص َه ْل تَ َرى م ِْن ُف ُ‬ ‫فَ ْ‬
‫ِص خا ِسئاا َوه َو‬ ‫ي ينقلِب إِِلك اْل‬ ‫ج ِع اْلِص كرت ِ‬ ‫ور (‪ )2‬ثم ار ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ط‬ ‫ِ‬
‫ْي﴾ ‪" ،2‬أي‪ :‬واحدة فوق األخرى‪ ،‬وليست طبقة واحدة وخلقها في غاية الحسن واإلتقان‬ ‫س ٌ‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬
‫او ٍت" ‪ ،‬أي‪ :‬خلل ونقص‪ ،‬صارت حسنة كاملة متناسبة من‬ ‫ْحن م ِْن َت َف ُ‬ ‫" َما تَ َرى ِف َخلْق َّ‬
‫الر ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل وجه‪ ،‬في لونها وهيئتها وارتفاعها‪ ،‬وما فيها من الشمس والقمر‪ ،‬والكواكب النيِّرات‬
‫الثوابت منهن والسيَّارات‪ ،‬ولما كان كمالها معلوماً‪ ،‬أمر اهلل تعالى بتكرار النظر إليها‬
‫ور‬ ‫ط‬ ‫ارج ِع ْاْلَ َ َ‬
‫ِص "‪ ،‬أي أعده إليها ناظ ار معتب ار " َه ْل تَ َرى م ِْن ُف ُ‬ ‫والتأمل في أرجائها‪ ،‬قال‪ " :‬فَ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ّّ‬
‫" أي نقص واختالل" ‪ ،3‬بحيث أكد الخبر بــ" من الزائدة"‪ ،‬وهذا إلثبات الحقائق الكونية‬
‫باعتبار ّأنها من مؤكدات الخبر الذي يقرر المعنى في ذهن السامع‪.‬‬
‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ‬
‫ك (‪ )4‬إِنك ْم ل ِِف ق ْو ٍل ُم َتل ِ ٍف﴾ ‪" ،4‬أي والسماء ذات‬ ‫ات ْ ُ‬
‫اْل ُب ِ‬
‫َ‬
‫الس َماءِ ذ ِ‬
‫وقال‪َ ﴿ :‬و َّ‬

‫يحركها النسيم‪ّ ،‬إنكم أيها‬


‫الرؤمال‪ ،‬ومياه الغدران‪ ،‬حين ِّ‬ ‫الطرائق الحسنة التي تشبه حبك ّ‬
‫ف" منكم من يقول‪ :‬ساحر ومنكم من‬ ‫المكذبون لمحمد صلى اهلل عليه وسلّم!"لَ ِفي قَو ٍل مخَتِل ٍ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫يقول‪ :‬كاهن‪ ،‬ومنكم من يقول‪ :‬مجنون‪ ،‬إلى غير ذلك من األقوال المختلفة الدالة على‬
‫حيرتهم وشكهم و َّ‬
‫أن ما هم عليه باطل" ‪ ،5‬أقسم اهلل سبحانه وتعالى بالسماء من الحقائق‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.724‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الملك‪ ،‬آية ‪.57- 52‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.724‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬ال ّذاريات‪ ،‬آية ‪.57- 54‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ - - 5‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.442‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ألنها من المقاصد‬
‫الكونية التي تأثر في العقول وتجعلهم يتدبرون في خلق السماء‪ ،‬ذلك ّ‬
‫التي جاء كتاب اهلل عز جل لتحقي قها بأسلوب التوكيد إقناع والزام يجعل المؤمنين يتصورون‬
‫هذه العظمة التي تزيد في بيان وتقرير العقيدة اإلسالمية عن طريق األدلة العقلية التي‬
‫تدحض الباطل وتعلن الحق‪.‬‬
‫َّ َ ُ ُ َ ‪َ َ ْ َ َ َ َ َّ َ 1‬‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ َ َ َ ْ َ َ َ‬
‫اء بنيناها بِأي ٍد ِإَونا لمو ِسعون﴾ " "والسماء بنيناها"‪ ،‬أي‬ ‫وقال جل في عاله‪﴿ :‬والسم َ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫خلقناها وأتقناها وجعلناها سقفا لألرض وما عليها‪" ،‬بِأي ٍد" أي‪ :‬قوة وقدرة عظيمة "ِإَونا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لموسعون أيضا على عبادنا بالرزق الذي ما ترك اهلل دابة‬ ‫ِّ‬ ‫ل ُمو ِس ُعون " ألرجائها وأنحائها‪ ،‬واّنا‬

‫في مهامه القفار وّل لجج البحار‪ ،‬وأقطار العالم العلوي والسفلي إّل وأوصل إليها من الرزق‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫ما يكفيها‪ ،2 ".‬ولقد أ ّكد سبحانه وتعالى الحقائق الكونية بالتذليل بقوله‪ِ":‬إَونا ل ُمو ِس ُعون" وهذا‬

‫ألنه أسلوب‬
‫ألنها من المقاصد التي جاء القرآن لتحقيقها‪ ،‬بأسلوب التوكيد ّ‬
‫زيد في التأكيد ّ‬
‫إقناع والزام لترسيخ العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫َْ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ُ ُ َ ا َ َّ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ َ ُ َ َّ‬ ‫َّ ْ َ‬ ‫ُ ْ‬
‫وقال‪﴿ :‬يغ َِش الليل اَلَّهار يطلبه حثِيثا والشمس والقم َر واَلُّجوم مسخ َر ٍ‬
‫ات بِأم ِره ِ﴾ ‪.3‬‬
‫َّ َ‬ ‫ْ‬
‫"قال‪ُ " :‬يغ َِش الليْل" المظلم "النَّ َهار"المضيء" ‪ ،‬فيظلم ما على وجه األرض‪ ،‬ويسكن‬

‫اآلدميون وتأوي المخلوقات إلى مساكنها‪ ،‬ويستريحون من التعب وال ّذهاب واإلياب‪ ،‬الذي‬

‫النهار"َيطلُُبهُ َحثِي ًثا" كلّما جاء الليل ذهب ّ‬


‫النهار وكلّما ذهب الليل وهكذا أبدا‬ ‫حصل لهم في ّ‬
‫َّ‬
‫على الدوام حتى يطوي اهلل هذا العالم وينقل العباد إلى دار غير هذه الدار " َوالش ْم َس‬
‫َْ‬ ‫َوال ْ َق َم َر َواَلُّ ُج َ‬
‫وم ُم َس َّخ َ‬
‫الدال عل ما له من أوصاف الكمال‬ ‫ّ‬ ‫ه‬
‫ر‬ ‫وتدبي‬ ‫ه‬
‫ر‬ ‫بتسخي‬ ‫أي‬ ‫"‬‫ِ‬ ‫ه‬‫ر‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫أ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ات‬
‫ٍ‬ ‫ر‬
‫فخلقها وعظّمها دال على كمال قدرته‪ ،‬وما فيها من األحكام واّلنتظام واّلتفاق" ‪َّ ،4‬‬
‫ويؤكد اهلل‬

‫‪ -‬ال ّذاريات‪ ،‬آية ‪.74‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.446‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬األعراف‪ ،‬آية ‪.07‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.369‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪53‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫هذه الحقائق باعتماد أسلوب البدل المؤكد وذلك إلثبات الحقائق الكونية التي تلفت ذهن‬

‫السامع إلى التدبُّر فيها‪ّ ،‬‬


‫ألنها تحقق المقاصد التي جاء بها كتاب اهلل عز وجل بأسلوب‬ ‫ّ‬
‫اإلقناع لتقرير العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫التوكيد باعتباره وسيلة من وسائل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ َ َّ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫الس َم َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وِل‬
‫ات ِْل ِ‬
‫ف اللي ِل واَلهار ِ َل َي ٍ‬
‫ض واختَِل ِ‬ ‫ات واْلر ِ‬
‫او ِ‬‫وقال كذلك‪﴿ :‬إِن ِِف خل ِق‬
‫َ‬
‫اب﴾ ‪ ،1‬هذه اآلية الكريمة تتضمن لمعاني اآليات الكونية "وفي ضمن ذلك َّ‬
‫حث العباد‬ ‫ْاْل ْْلَ‬
‫ِ‬
‫ات" ولم يقل على المطلب‬ ‫التفكر فيها‪ ،‬والتبصر بآياتها وتدبر خلقها وأبهم قوله‪ََ " :‬ل َيَ‬
‫على ُّ‬
‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫ألن فيها من اآليات العجيبة ما يبهر النّاظرين ويقنع‬
‫الفالني إشارة لكثرتها وعموما‪ ،‬وذلك ّ‬
‫المتفكرين‪ ،‬ويجذب أفئدة الصادقين وينبه العقول النيرة على جمع المطالب اإللهية" ‪َّ ،2‬‬
‫أكد‬ ‫ّ‬
‫مؤكدات الخبر وفي هذه الحالة َّ‬
‫أكد‬ ‫ألنها من ِّ‬
‫ـ"إن" ّ‬
‫اهلل سبحانه وتعالى هذه الحقائق الكونية ب ـ ّ‬
‫مضمون هذه اآلية‪ ،‬إلثبات الحقائق الكونية وهي خير طريق للتدبر في آيات اهلل لك ّل مسلم‬
‫حي في قلبه وشاهد في في سمعه‪ ،‬حتى تتحقق المقاصد التي جاء بها كتاب اهلل بأسلوب‬
‫ألنه من آليات اإلقناع‪.‬‬
‫التوكيد باعتباره أقوى األساليب في التأثير على العقول ّ‬
‫ُُ َ ََ ُ ْ َ ََ ُ َ ٌَ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َْ َ َ َْ ا ُ‬ ‫َّ َ ُ‬
‫ْبة ن ْسقِيك ْم مِ َّما ِِف بطونِها ولكم فِيها منافِع كثِْية‬ ‫وقال‪ِ﴿ :‬إَون لك ْم ِِف اْلنعا ِم ل ِع‬
‫ْ َْ ُ ُ َ‬
‫َومِن َها تأكلون﴾ ‪"، 3‬أي من نعمه اهلل أن سخر لكم األنعام واإلبل والغنم‪ ،،‬فيها عبرة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫للمعتبرين ومنافع للمنتفعين "ن ْس ِقيك ْم ِم َّما ِِف ُب ُطون ِ َها " من لبن‪،‬يخرج من بين رفث ودم‬

‫يها َمَنا ِف ُع َكثِ َيرةٌ"‪ ،‬من أصوافها وأوبارها وأشعارها‪ ،‬وجعل لكم‬ ‫ِ‬
‫خالص سائغ للشاربين‪"َ ،‬ولَ ُكم ف َ‬
‫َ َْ َْ ُ ُ َ‬
‫من جلود األنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنهكم‪ ،‬ويوم إقامتكم‪" ،‬ومِنها تأكلون"‪ ،‬أفضل‬

‫ـ"أن"‬
‫المآكل من لحم وشحم‪ ، ".‬ولقد أ ّكد اهلل سبحانه وتعالى في هذه اآلية الحقائق الكونية ب ـ ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪ -‬آل عمران‪ ،‬آية ‪.195‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.172‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المؤمنون‪ ،‬آية ‪.31‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.033‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ألنها‬
‫ألنها من مؤكدات الخبر‪ ،‬وهذا لحث اهلل عباده على النظر والتدبر في آياته العظيمة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫من المقاصد التي جاء بها القرآن الكريم وتحقيقها باستعمال أسلوب التوكيد‪.‬‬
‫ون إ ََل ْاْلبل َكيْ َف ُخل َق ْ‬ ‫َََ َُْ ُ َ‬
‫ت (‪)14‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫وقال تبارك وتعالى في محكم تنزيله‪﴿ :‬أفَل ينظر ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ‬
‫اْل َبال َكيْ َف نُص َب ْ‬ ‫َ‬ ‫الس َماءِ َكيْ َف ُرف َع ْ‬ ‫َ‬
‫ض كيْف‬ ‫ت (‪ِ )19‬إَوَل اْل ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِإَوَل‬ ‫)‬‫‪17‬‬ ‫(‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِإَوَل‬

‫ت﴾ ‪" ،1‬قال تعالى حان للذين ّل يصدقون الرسول صلى اهلل عليه وسلّم ولغيرهم‬ ‫ُسط َح ْ‬
‫ِ‬
‫َ َْ‬ ‫َََ َُْ ُ َ َ ْ‬
‫الدالة على توحيده "أفَل ينظرون إَِل ِ‬
‫اْلب ِ ِل كيف‬ ‫الناس أن يتفكروا في مخلوقات اهلل ّ‬ ‫من ّ‬
‫ت" أي أّل ينظرون إلى خلقها البديع وكيف سخرها اهلل للعباد وذلك ولمنافعهم الكثيرة‬ ‫ُخل َق ْ‬
‫ِ‬
‫َ ْ‬
‫اْل َبال َكيْ َف نُص َب ْ‬
‫ت " بهيئة باهرة حصل بها استقرار األرض‬ ‫ِ‬ ‫التي يضطرون إليها‪ِ" ،‬إَوَل ِ ِ‬
‫َ َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬
‫ض كي ف‬ ‫وثباتها عن اّلضطراب‪ ،‬وأودع فيها من المنافع الجملة ما أودع "ِإَوَل اْلر ِ‬
‫مدت ًّ‬
‫مدا واسعا وسهلت غاية التسهيل‪ ،‬ليستقر الخالئق على ظهرها ويتمكنوا‬ ‫ُ َ ْ‬
‫س ِطحت " أي‪ّ :‬‬
‫من حرثها وغرسها والبنيان فيها والطرق الموصلة" ‪ ،2‬أ ّكد سبحانه الحقائق الكونية بأسلوب‬
‫الوصل هذا لتناسب الفكرة‪ ،‬باعتبار ّأنها متضمنة ألهم المقاصد التي جاء القرآن لتحقيقها‬
‫ألنه من آليات اإلقناع وهذا لتثبيت العقيدة اإلسالمية‬
‫وذلك باستخدام بأسلوب التوكيد ّ‬
‫في النفوس‪.‬‬
‫ار ِف اللَّيْل َو َس َّخرَ‬ ‫وقال جل في عاله‪َ ﴿ :‬أل َ ْم تَ َر أَ َّن َّ َ‬
‫اَّلل يُول ِ ُج اللَّيْ َل ِف اَلَّ َهار َويُول ِ ُج اَلَّ َه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ ُ َ ًّ َ َ َّ َّ َ َ َ ْ َ ُ َ َ‬ ‫ْ َ ُ ٌّ َ ْ‬ ‫َّ‬
‫الش ْم َس َوالق َم َر ُك ي ِري إَِل أج ٍل مسًّم وأن اَّلل بِما تعملون خبِْي﴾ ‪" ،‬هذا فيه أيضا انفراده‬
‫‪3‬‬

‫النهار في الليل أي‬


‫النهار‪ ،‬وايالج ّ‬
‫بالتصرف والتدبير‪ ،‬وسعة تصرفه بإيالج الليل في ّ‬
‫إدخال ألحدهما على اآلخر‪ ،‬فإذا دخل أحدهما‪ ،‬ذهب اآلخر‪ ،‬وتسخير للشمس والقمر‬
‫يجريان بتد بير ونظام‪ ،‬لم يختل منذ خلقهما‪ ،‬ليقيم بذلك من مصالح العباد ومن منافعهم‬

‫‪ -‬الغاشية‪ ،‬آية ‪.35- 19- 17- 14‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.773- 771‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬لقمان‪ ،‬آية ‪.39‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ٌّ‬


‫ًّ‬
‫في دينهم ودنياهم‪ ،‬ما به يعتبرون وينتفعون‪ ،‬و"ُك" منهما "ي ِري إَِل أج ٍل مسًّم"‪ ،‬إذا جاء‬

‫ذلك األجل انقطع جريانهما" ‪ ،1‬وأكد اهلل سبحانه على هذه الحقائق الكونية باستخدام التوكيد‬
‫لما له من أثر كبير في اإلقناع‪.‬‬
‫ََ ْ‬ ‫اوات ب َغ ْْي َع َمد تَ َر ْو َن َها ُث َّم ْ‬ ‫ََ‬ ‫َّ ُ َّ‬
‫اس َت َوى لَع ال َع ْر ِش‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫َّ‬
‫الس‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ف‬‫ر‬ ‫ي‬ ‫كما قال أيضا‪﴿ :‬اَّلل ِ‬
‫اَّل‬
‫َ َ َّ ُ ْ َ َ ل ُ‬
‫كمْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ َ ًّ ُ َ ل ُ ْ َ ْ َ ُ َ ل ُ ْ‬ ‫َّ ْ َ َ ْ َ َ ُ ٌّ َ ْ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ات لعلكم بِلِقاءِ ر ِب‬ ‫صل اَل َي ِ‬ ‫وسخ َر الشمس والقم َر ُك ي ِري ِْلج ٍل مسًّم يدبِر اْلمر يف ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫توق ِ ُنون﴾ ‪" ،2‬يخبر تعالى عن انفراده بالخلق والتدبير والعظمة والسلطان الدال على ّانه وحده‬
‫اَّلي َر َف َع َّ‬
‫الس َم َ‬ ‫َّ ُ َّ‬
‫ات"على عظمها‬ ‫او ِ‬ ‫اَّلل ِ‬ ‫المعبود الذي ّل تنبغي العبادة إّل له‪ ،‬فقال‪" :‬‬

‫فإنه لو كان لها‬ ‫واتساعها بقدرته العظيمة‪"،‬ب َغ ْ َ َ َ َ ْ َ َ‬


‫ْي عم ٍد ترونها" أي‪ :‬ليس لها عمد من تحتها ّ‬ ‫ِ ِ‬
‫ََ ْ‬ ‫عمد لرأيتموها " ُث َّم " بعدما خلق السماوات واألرض" ْ‬
‫اس َت َوى لَع ال َع ْر ِش" العظيم الذي هو‬

‫اء يليق بجالله ويناسب كماله" ‪ ،3‬ولقد أثبت اهلل سبحانه هذه الحقائق‬
‫أعلى المخلوقات استو ً‬
‫للتدب ر في آيات اهلل العظيمة بالتوكيد المعنوي بــ"كل" التي تدل‬
‫ّ‬ ‫النظر‬
‫الكونية التي تلفت ّ‬
‫على العموم والشمول‪ ،‬وهذا لتحقيق مقصد من أهم مقاصد الشريعة التي جاء القرآن لغرسها‬
‫في النفوس‪.‬‬
‫ج َنا به ِ َث َم َرات ُُمْ َتل ِ افا َأل ْ َو ُانهاَ‬
‫َ َ ْ َ َ َ َّ َّ َ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ا َ َ ْ َ ْ‬
‫قال جل جالله‪﴿ :‬ألم تر أن اَّلل أنزل مِن السماءِ ماء فأخر‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ال َوابل‬ ‫اس َو َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ ُ ْ ٌ ُ َْ ٌ َ َْ ُ َ َ َ َ ُ ُ ٌ‬ ‫ُ َ ٌ‬ ‫َ َ ْ‬
‫اْل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَل‬ ‫ِن‬ ‫م‬‫و‬ ‫)‬ ‫‪34‬‬ ‫(‬ ‫ود‬ ‫س‬ ‫يب‬‫ِ‬ ‫اب‬ ‫ر‬‫غ‬‫و‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ان‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ُم‬ ‫ر‬‫ْح‬‫و‬ ‫يض‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ومِن ِ ِ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬
‫ٌ َ ُ ٌ ‪4‬‬ ‫ْ ُ َ َ ُ َّ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ٌ َ ْ َ ُ ُ َ َ َ َّ َ َ ْ َ‬
‫واْلنعا ِم ُمتلِف ألوانه كذل ِك إِنما َيَش اَّلل مِن عِبادِه ِ العلماء إِن اَّلل ع ِزيز غفور﴾ ‪ّ ،‬‬
‫"أن‬

‫ماء فأخرج به من الثمرات المختلفات والنباتات المتنوعات ما هو‬


‫اهلل تعالى أنزل من السماء ً‬
‫أوتادا‬
‫ً‬ ‫مشاهد للناظرين‪ ،‬والماء واحد واألرض واحدة‪ ،‬من ذلك الجبال التي جعلها اهلل‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.631‬‬
‫‪ -‬الرعد‪ ،‬آية ‪.53‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.277‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬فاطر‪ ،‬آية ‪.34- 36‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لألرض‪ ،‬تجدها جباّل مشتبكة‪ ،‬بل جبال واحدا وفيها ألوان متعددة‪ ،‬فيها جدد بيض أي‬
‫طرائق بيض‪ ،‬وفيها طرائق صفر‪ ،‬وحمر وفيها غرابيب سود أي شديد السواد جدا‬
‫الناس والدواب واألنعام فيها من اختالف األلوان واألوصاف" ‪ .1‬لقد أ ّكد اهلل الخبر‬
‫ومن ذلك‪ّ :‬‬
‫ـ"إن" إلثبات الحقائق الكونية التي تدل على عظمة اهلل وقدرته‪ ،‬وهذا األسلوب األمثل‬
‫بـ ّ‬
‫الناس‪ ،‬واثارة العقل‬
‫إليصال المعنى المقصود وتقويته من أجل تقرير العقيدة في نفوس ّ‬
‫والوجدان‪.‬‬
‫ْحتِه ِ َو َأن ْ َز َْلَا م َِن َّ‬
‫الس َماءِ َم ا‬
‫اء َط ُهوراا‬ ‫ي َر ْ َ‬ ‫اح ب ُ ْ ا‬
‫ّشا َب ْ َ‬
‫ي يَ َد ْ‬ ‫الريَ َ‬ ‫َ ُ َّ َ‬
‫اَّلي أ ْر َس َل ل‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬وه َو ِ‬
‫ِ‬
‫اِس َكث ِ ا‬ ‫َ ْ َ ا َ ْ ا َ ُ ْ َ ُ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ ا َ‬
‫ْيا﴾ ‪" ،2‬هو وحدة الذي رحم‬ ‫اما َوأنَ ِ َّ‬ ‫ُ ْ‬
‫ح َ‬
‫ِي بِه ِ بْلة ميتا ونسقِيه مِما خلقنا أنع‬ ‫(‪َِ )77‬ل ِ‬
‫أدر عليهم رزقه‪ ،‬بأن أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته‪ ،‬وهو المطر‪ ،‬فثار بها‬
‫عباده و ّ‬
‫السحاب وتألق وصار كسفا‪ ،‬وألقحته وأرته بإذن آمرها والمتصرف فيها‪ ،‬ويطهر من الحدث‬
‫ّ‬
‫والخ بث ويطهر من الغش والدنس‪ ،‬وفيه بركة من بركته‪ ،‬أنزله ليحيي به بلدة ميتة فتختلف‬
‫النوابت‪ ،‬واألشجار فيها ونسقيكموه أنتم وأنعامكم‪ ،‬أليس الذي أرسل الرياح‬
‫أصناف ّ‬
‫ماء طهو ار مباركا فيه رزق العباد‬
‫المبشرات وجعلها في عملها متنوعات‪ ،‬وأنزل من السماء ً‬
‫ألنها من مؤكدات‬
‫وبهائمهم" ‪ ،‬استخدم سبحانه وتعالى أسلوب التوكيد بإدخال "ّلم اّلبتداء" ّ‬
‫‪3‬‬

‫الخبر ‪،‬وذلك إلثبات هذه الحقائق الكونية وتثبيتها في عقول وقلوب بني البشر‪ ،‬لكي تدفعهم‬
‫إلى التدبر آيات اهلل‪ ،‬وبهذا تكون العقيدة عقلية وليست تقليدية‪ ،‬فهي التي تقرب العبد‬
‫من رّبه وعبادته وحده ّل شريك له‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ‬
‫كما قال في سورة الشمس‪َ ﴿ :‬والش ْم ِس َوض َحاها (‪َ )1‬والق َم ِر إِذا تَلها (‪َ )3‬واَلَّ َهار ِ إِذا‬

‫النفس المفلحة‬ ‫على‬ ‫العظيمة‬ ‫اآليات‬ ‫بهذه‬ ‫تعالى‬ ‫"أقسم‬ ‫‪،‬‬‫َ َ ْ َ َ ‪4‬‬
‫﴾‬ ‫ا‬ ‫اه‬ ‫ش‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫َج ََّل َها (‪َ )2‬واللَّيْ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.606‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الفرقان‪ ،‬آية ‪.39- 37‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.000‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬الشمس‪ ،‬آية ‪.57- 52- 53- 51‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ُ َ‬ ‫َّ‬
‫النفوس الفاجرة فقال‪َ ":‬والش ْم ِس َوض َحاها" أي‪ :‬نورها ونفعها الصادر منها " َوال َق َم ِر‬
‫وغيرها من ّ‬
‫َ َّ َ‬
‫ِإ َذا َت َال َها " أي‪ :‬تبعها في المنازل والنور‪َ " ،‬واَلَّ َهار ِ إِذا َجَلها" أي‪ :‬جلى ما على وجه األرض‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫َّ‬
‫وأوضحه‪َ " ،‬والليْ ِل إِذا َيغشاها " أي‪:‬يغشي وجه األرض فيكون ما عليها مظلما فتتعاقب‬

‫الظلمة والضياء والشمس والقمر على هذا العالم بانتظام واتقان وقيام المصالح أكبر دليل‬
‫أن اهلل بكل شيء عليم" ‪ ،1‬اعتمد اهلل جل في عاله آلية من آليات التوكيد وهي ال َقسم‬
‫على ّ‬
‫خالقها‪،‬ألن هذا األسلوب‬
‫ّ‬ ‫إلثبات الحقائق الكونية من أجل التدبر في عظمتها وعظمة‬
‫ترسخت العقيدة‬
‫غرضه هو تقوية المعنى وازالة الشكوك من قلب السامع‪ ،‬واذا زالت الشكوك ّ‬
‫في النفوس‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َ َّ ْ َ ْ ُ َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ ُ َ ُّ َ َ َّ َ ْ ُ َّ َّ َّ َ َ ٌ َ‬
‫ّشق والمغ ِرب فأينما تولوا فثم وجه اَّلل ِ إِن اَّلل وا ِسع علِيم﴾ ‪" ،‬أي"‬
‫‪2‬‬
‫وقال‪﴿:‬و َِّلل ِ الم ِ‬
‫ألنهما محل اآليات العظيمة‪ ،‬فهما مطالع األنوار‬ ‫ر‬ ‫بالذك‬ ‫خصهما‬ ‫‪،‬‬ ‫"‬ ‫" َو ِ ََّّلل ِ ال ْ َم ّْش ُق َوال ْ َمغْر ُ‬
‫ب‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومغاربها‪ ،‬فإذا كان مالكا لها‪ ،‬كان مالكا لكل الجهات" ‪ ،3‬اختار اهلل سبحانه "ّلم اّلبتداء"‬
‫ألن ّلم اّلبتداء من مؤكدات الخبر ومضمون‬
‫للتأكيد على وجود هذه الحقائق الكونية‪ّ ،‬‬
‫الحكم‪ ،‬لما لهذا األسلوب من أهمية في إقناع السامع بالخبر المقصود‪ ،‬وذلك لترسيخ‬
‫العقيدة التي جاء القرآن الكريم من أجلها‪.‬‬
‫َّ ْ َ َّ َ َ ْ ُ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫اوات َو ْاْلَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ‬
‫ك‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫ال‬‫و‬ ‫ِ‬ ‫ار‬ ‫ه‬ ‫اَل‬ ‫و‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫الل‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫َل‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫اخ‬‫و‬ ‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫الس‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ِف‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫وقال تبارك وتعالى‪﴿ :‬إ ِ‬
‫ح َيا به ْاْلَ ْر َض َبعْدَ‬ ‫ْ َ ََ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َّ َ َ َ َ ْ َ َ َّ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫ِِ‬ ‫ال ِِت َت ِري ِِف اْلح ِر بِما ينفع اَلاس وما أنزل اَّلل مِن السماءِ مِن ما ٍء فأ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ َ َّ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫الريَ ِ َ َّ َ‬ ‫يف ل‬ ‫َ ْ َ َ َ َّ َ ْ ُ ل َ َّ َ َ ْ‬
‫ات‬ ‫ض َل َي ٍ‬ ‫اب المسخ ِر بي السماءِ واْلر ِ‬ ‫اح والسح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُك داب ٍة وت ِ‬
‫ِص‬ ‫موتِها وبث فِيها مِن ِ‬
‫ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫لِق ْو ٍم َيعقِلون﴾ ‪" ،4‬ففي خلق السموات واألرض وفي ارتفاعها واتساعها واحكامها واتقانها‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.770‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬البقرة‪ ،‬آية ‪.110‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬البقرة‪ ،‬آية ‪.167‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪56‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وجعل اهلل فيها من الشمس والقمر والنجوم‪ ،‬وتنظيمها لمصالح العباد وفي خلق األرض‬
‫النهار‬
‫مهادا للخلق يمكنكم القرار عليها‪ ،‬واّلنتفاع بما عليها واّلعتبار‪ ،‬وفي اختالف الليل و ّ‬
‫وهو تعاقبهما على الدوام‪ ،‬فإذا ذهب أحدهما خلفه اآلخر واختالفهما في الحر والبرد‬
‫والتوسط وفي الطول والقصر والتوسط‪ ،‬وما ينشأ عن ذلك من الفصول" ‪ ،1‬قد أ ّكد ج ّل جالله‬
‫على هذه الحقائق الكونية بالتوكيد المعنوي‪ ،‬وذلك باستخدام لفظة‪" :‬كل" الدالة على الشمول‬
‫النيرة للتدبر في آيات الخالق‪.‬‬ ‫والعموم‪ ،‬وذلك من أجل دفع العقول ّ‬
‫ُ ُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َّ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ا َ ُ ْ ْ ُ َ َ ٌ َ ْ ُ َ‬
‫سيمون‬ ‫اَّلي أنزل مِن السماءِ ماء لكم مِنه َشاب ومِنه شجر فِيه ِ ت ِ‬ ‫وقال أيضا‪ ﴿ :‬هو ِ‬
‫َ َ َ َا‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ْ َ َ َّ ْ ُ َ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُ ل‬ ‫كْ‬‫ُْ ُ َ ُ‬
‫ات إِن ِِف ذل ِك َل َية‬ ‫ُك اثلمر ِ‬‫ِ‬ ‫ِن‬ ‫م‬‫و‬ ‫اب‬ ‫ن‬ ‫ع‬‫اْل‬‫و‬ ‫يل‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫اَل‬‫و‬ ‫ون‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫الز‬‫و‬ ‫ع‬ ‫ر‬‫الز‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫(‪ )15‬ينبِت ل‬
‫َ َ َ َّ ُ َ ‪2‬‬ ‫َ ْ‬
‫السحاب الرقيق‬ ‫لِقو ٍم يتفكرون﴾ ‪" ،‬بذلك على كمال قدرة اهلل الذي أنزل هذا الماء من ّ‬
‫ماء غزي ار منه يشربون‪ ،‬وتشرب مواشيهم‪ ،‬ويسقون منه‬
‫اللطيف‪ ،‬ورحمته حيث جعل فيه ً‬
‫النعم العزيرة" ‪ ،3‬ولقد أ ّكد سبحانه هذه الحقائق الكونية‬
‫حروثهم‪ ،‬فتخرج لهم الثمرات الكثيرة‪ ،‬و ّ‬
‫أن لها فائدة توكيد مضمون الحكم‪ ،‬هذا للفت‬
‫ألنها من مؤكدات الخبر كذلك ّ‬
‫بــ"ّل اّلبتداء " ّ‬
‫ألنه‬
‫النظر للتدبر في آيات اهلل العظيمة لتحقيق أهم مقصد جاء به القرآن بأسلوب التوكيد‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫من األساليب التي لها أثر قوي في اإلقناع واإللزام بإظهار الحجة وبيان الحق وهذا يزيد‬
‫أن أسلوب التوكيد له غاية لترسيخها في العقول والقلوب بطريقة‬
‫في تقرير العقيدة‪ ،‬باعتبار ّ‬
‫عقلية تجعلهم ويتدبرون في جميع األشياء المحيطة بها رغم ّأنهم يشاهدونها كل يوم‪.‬‬
‫ثالث ا‪ :‬عالقة التوكيد بإثبات البعث الجزاء‪:‬‬
‫ومن أمثلة القرآن الكريم في هذا الموضوع قوله جل في عاله‪َ ﴿ :‬و َم ْن َيعْص َّ َ‬
‫اَّلل‬ ‫ِ‬
‫ي﴾ ‪" ،4‬ويدخل في اسم المعصية‬ ‫يها َو َ َُل َع َذ ٌ‬
‫اب ُمه ٌ‬ ‫الا ف ِ َ‬ ‫خل ْ ُه نَ ا‬
‫ارا َخ ِ ا‬ ‫َ َ ُ َ ُ َ َ َّ ُ ُ َ ْ‬
‫وَل َويَتعد حدودهُ يُد ِ‬ ‫ورس‬
‫ِ‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪ - 2‬النحل‪ ،‬آية ‪.11- 15‬‬
‫‪ - 3‬الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.711‬‬
‫‪ - 4‬النساء‪ ،‬آية ‪.17‬‬
‫‪56‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الكفر فما دونه من المعاصي‪ ،‬فال يكون فيها شبهة للخوارج القائلين بكفر أهل المعاصي‬
‫النار‬
‫فإن اهلل تعالى رتب دخول الجنة على طاعته‪ ،‬وطاعة رسوله‪ ،‬ورتب دخول ّ‬
‫ّ‬
‫الجنة بال عذاب‪ ،‬ومن عصى‬
‫على معصيته ومعصية رسوله‪ ،‬فمن أطاعه طاعة تامة دخل ّ‬
‫النار وخالدا فيها‪ ،‬ومن اجتمع فيه معصية وطاعة‪ ،‬كان فيه‬
‫تامة يدخل ّ‬
‫اهلل ورسوله معصية ّ‬
‫موجب الثّواب والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية" ‪ ،1‬فذكر تعدي الحدود يأ ّكد‬
‫الوعيد ب المعصية ذلك بتكرار المعنى دون اللفظ وهذا إلثبات جزاء اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وهذه‬
‫المتضمنة لمعاني الجزاء من أهم المقاصد التي جاء القرآن لتحقيقها بأسلوب‬
‫ّ‬ ‫الخصائص‬
‫النهي عن المعصية‬
‫التوكيد‪ ،‬لما فيه من تأثير كبير في نفوس المؤمنين في األمر بالطاعة و ّ‬
‫وهذا ما يزيد من تقرير العقيدة في النفوس‪.‬‬
‫َّ َ َ ْ ِ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َّ َ ُ ُ ْ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ‬
‫ث‬ ‫اْليمان لقد ْلِثتم ِِف كِت ِ‬
‫اب اَّلل ِ إَِل يوم اْلع ِ‬ ‫اَّلين أوتوا العِلم و ِ‬ ‫وقال كذلك‪﴿ :‬وقال ِ‬
‫َ ْ َ ُ َ ‪2‬‬
‫َ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َّ ُ ْ ُ ْ ُ ْ َ‬
‫ويتدبر‬
‫ّ‬ ‫ر‬ ‫َّ‬
‫المتذك‬ ‫فيه‬ ‫ر‬ ‫ك‬
‫ّ‬ ‫يتذ‬ ‫ر‬
‫ا‬ ‫م‬‫ع‬‫ُ‬ ‫تم‬
‫ر‬ ‫عم‬ ‫"أي‬ ‫‪،‬‬ ‫﴾‬ ‫ون‬ ‫م‬‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫َل‬ ‫ث ولكِنكم كنتم‬ ‫فهذا يوم اْلع ِ‬
‫ّ‬
‫فيه المتدبِّر‪ ،‬ويعتبر فيه المعتبر حتى صار البعث‪ ،‬ووصلتهم إلى هذا الحال‪ ،‬فلذلك‬
‫الدنيا وأنكرتم إقامتكم في الدنيا وقتا تتم ّكنون فيه من اإلنابة والتوبة‪ ،‬فلم يزل‬
‫أنكرتموه في ّ‬
‫الجهل شعاركم‪ ،‬وأثاره من التكذيب والخسران ِدثاركم" ‪ ،3‬أسلوب التوكيد في هذه اآلية الكريمة‬
‫ِّ‬ ‫َ ُْ َْ ْ‬
‫للناس على أهمية هذا اليوم العظيم‬‫ّ‬ ‫د‬ ‫ليؤك‬ ‫هذا‬ ‫"‬ ‫ث‬
‫ِ‬ ‫كرر عبارة "يوم اْلع‬
‫هو التّكرار‪ ،‬حيث ّ‬
‫المتضمنة لمعاني البعث الذي يعتبر بدوره من أهم المقاصد‬
‫ّ‬ ‫عنده ج ّل جالله في هذه اآلية‬
‫الناس بشيء اسمه البعث‬
‫التي جاء القرآن لتحقيقها‪ ،‬فاستخدم لذلك أسلوب التوكيد إلقناع ّ‬
‫و ّأنهم مبعوثون في يوم عسير ّل ريب فيه‪ ،‬ويظهر أثر التوكيد في القدرة على توضيح‬
‫المعنى وتقويته وترسيخ العقيدة في ّنفس المتلقي‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمن نا صر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪ - 2‬الروم‪ ،‬آية ‪.06‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.610‬‬
‫‪56‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ََ ُْ َ‬ ‫ِيقاتاا (‪ )14‬يَ ْو َم ُينْ َف ُخ ِف ُّ‬


‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َ ْ َ ْ َ ْ‬
‫الصور ِ فتأتون‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫َك‬ ‫كذلك في قوله‪﴿ :‬إِن يوم الف ِ‬
‫ل‬‫ص‬
‫أَف ْ َو ا‬
‫اجا﴾ ‪" ،1‬ذكر اهلل تعالى ما يكون في يوم القيامة الذي يتساءل عنه المك ّذبون‪ ،‬ويجحده‬

‫أن اهلل جعله للخلق‪ ،‬يجري فيه من الزعازع والقالقل ما يشيب‬


‫المعاندون‪ ،‬أنّه يوم عظيم‪ ،‬و ّ‬
‫ألنها من المؤ ّكدات‬ ‫ـ"إن" ّ‬‫له الوليد‪ ،‬وتنزعج له القلوب" ‪ ،‬أ ّكد اهلل سبحانه وتعالى الخبر بـ ّ‬
‫‪2‬‬

‫ويسمى هذا النوع من الخبر طلبا‪ ،‬لما له من معاني البعث‪ ،‬وأ ُِّكد الخبر هنا ألهميته‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ ََ ْ ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫وقال‪َ ﴿ :‬س َيحلِفون بِاَّلل ِ لك ْم إِذا انقلبْ ُت ْم إِِل ْ ِه ْم ِْلُع ِرضوا عن ُه ْم فأع ِرضوا عن ُه ْم إِن ُه ْم‬
‫َْ َ ْ َ َ‬ ‫َْ ُ َ َ ُ ْ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ٌ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ َّ ُ َ َ ا َ َ ُ َ ْ‬
‫َتض ْوا عن ُه ْم فإِن ت ْرض ْوا‬ ‫س ُبون (‪ُ )90‬يلِفون لكم ِل‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫رِجس وم أواهم جهنم جزاء بِما َكنوا ي‬

‫ي﴾ ‪" ،3‬أي ّل توبخوهم وّل تجلدوهم أو تقتلوهم‪،‬‬ ‫اَّلل ََل يَ ْر ََض َعن ال ْ َق ْو ِم ال ْ َفاسق َ‬
‫َعنْ ُه ْم فَإ َّن َّ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫"ِإنَّهُم ِرج ٌس" أي ّ‬


‫ألنهم قدر خبثاء ليسوا بأهل بأن يبالى بهم‪ ،‬وليس التوبيخ والعقوبة مفيدة‬
‫فيهم تكفيهم عقوبة جهنّم‪ ،‬ولهم أيضا هذا المقصد اآلخر منكم غير مجرد اإلعراض‪ ،‬بل‬
‫كأنهم ما فعلوا شيئا‪ ،‬فال ينبغي لكم ـ ـ ّأيها المؤمنون ـ ـ أن ترضوا‬
‫يحبون أن ترضوا عنهم‪ّ ،‬‬
‫عن َمن لم يرض اهلل عنه‪ ،‬بل عليكم أن توافقوا رّبكم في رضاه وغضبه" ‪ ،4‬وفي هذه اآلية‬
‫الكريمة أسلوب القسم‪ ،‬والذي يؤتى به غالبا للتأكيد على إلثبات جزاء من اهلل تعالى‬
‫أن الجزاء من جنس العمل فمن عمل صالحا يلقى رّبه مسرو ار‬
‫للمنافقين‪ ،‬فأراد تأكيد ّ‬
‫جهنم وبئس المصير‪.‬‬ ‫ومن كان في دنياه من المشركين فال جزاء له غير ّ‬
‫اْل ْس َِن (‪ )6‬فَ َس ُنيَ ل ِ ُ‬
‫ّسهُ‬ ‫َ َ َّ َ ْ َ ْ‬
‫ع َطى َو َّات ََق (‪َ )0‬و َص َّد َق ب ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫وقال ج ّل جالله‪﴿ :‬فأما من أ‬

‫النفقات والصدقات‬ ‫و‬ ‫ات‬‫ر‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫الك‬


‫و‬ ‫ات‬ ‫و‬‫ك‬‫كالز‬ ‫المادية‬ ‫العبادات‬ ‫من‬ ‫به‬ ‫ه‬
‫ر‬ ‫أم‬ ‫ما‬ ‫أي‬ ‫"‬ ‫‪،‬‬‫‪5‬‬
‫﴾‬ ‫ى‬ ‫ل ِلْيُ ْ َ‬
‫ّس‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كالحج‬
‫ّ‬ ‫الصوم ونحوهما‪ ،‬والمركبة منها‬
‫كالصالة و ّ‬
‫ّ‬ ‫واإلنفاق في وجوه الخير والعبادات البدنية‬

‫‪ - 1‬النبأ‪ ،‬آية ‪.17- 14‬‬


‫‪ - 2‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.764‬‬
‫‪ - 3‬التوبة‪ ،‬آية ‪.96- 90‬‬
‫‪ - 4‬ع بدالرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.236‬‬
‫‪ - 5‬الّليل‪ ،‬آية ‪.54‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وصدق‬
‫ّ‬ ‫المحرمات والمعاصي‪ ،‬على اختالف أجناسها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والعمرة ونحوهما‪ ،‬وما نهى عنه من‬
‫بال إله إّل اهلل"ما دلت عليه من جميع العقائد الدينية‪ ،‬وما ترتب عليها من الجزاء األخروي‬
‫ألنه أتى أسباب‬
‫نسهل عليه أمره ونجعله ميس ار له كل خير‪ ،‬ميس اًر له ترك كل شر‪ّ ،‬‬
‫ألنها من مؤ ّكدات‬
‫"أما الشرطية" ّ‬
‫فيسر اهلل له ذلك" ‪ ،‬وأكد اهلل كل ذلك بإدخال ّ‬
‫‪1‬‬
‫التيسير ّ‬
‫الخبر وهذا إلثبات الجزاء الذي وعد اهلل به عباده الصالحين‪ ،‬وسبب هذا التوكيد هو تقوية‬
‫المعنى وازالة الشكوك والظنون من نفس المتلقي‪.‬‬
‫َ َ َ ‪2‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َْ َ ُْ َ ُ‬
‫وقال‪﴿ :‬ما أغِن عنه ماَل وما كسب﴾ ‪" ،‬أي الذي كان عنده وأطغاه‪ ،‬وّل ما كسبه فلم‬

‫يرد عنه شيئا من عذاب اهلل‪ ،‬إذا نزل به" ‪ ،3‬في هذه اآلية جملتان خبريتان ُوصلت الثانية‬
‫ألنهما متناسبتان في الفكرة‪ ،‬أي اعتماد أسلوب الوصل إلثبات جزاء اهلل عز وجل‬
‫باألولى ّ‬
‫الربط بين الجملتين هذا ليزيد المعنى قوة وثباتا‪.‬‬ ‫ألن بالغة الوصل تكمن في ّ‬ ‫ذلك ّ‬
‫َ ْ َ َ َ َ َّ ُ ْ ْ ُ‬ ‫كَْ‬ ‫َّ َّ ُ ْ ُ‬ ‫وقال جل في عاله‪﴿ :‬فَإ َذا َج َ‬
‫اْلن َسان َما َس ََع‬‫ِ‬ ‫ر‬‫ك‬ ‫ذ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫م‬‫و‬ ‫ي‬ ‫)‬‫‪27‬‬‫(‬ ‫ى‬ ‫ْب‬ ‫ت الطامة ال‬ ‫اء ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ ْ َ َ َ ُّ ْ‬ ‫َ‬
‫َ َّ‬
‫الن َيا (‪ )27‬فإِن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يم ل َِم ْن يَ َرى (‪ )26‬فأ َّما َم ْن َطغ (‪ )24‬وآ َثر اْلياة‬ ‫ح ُ‬ ‫ت َْ‬
‫اْل ِ‬
‫َ‬
‫(‪َ )20‬وبُ ل ِرز ِ‬
‫َ َّ ْ َ َّ َ‬ ‫َ َ َّ َ ْ َ َ َ َ َ َ ل َ َ َ‬ ‫ْ ْ‬
‫َ‬ ‫َّ ْ َ َ ْ‬
‫ِه ال َمأوى (‪ )29‬وأما من خاف مقام ربِه ِ ونَه اَلفس ع ِن الهوى (‪ )75‬فإِن اْلنة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫يم ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫َْ‬
‫اْل ِ‬
‫ْ ْ‬
‫الشدة العظمى‪ ،‬التي تهون عندها كل شدة‬ ‫ِه ال َمأ َوى﴾ ‪ ،4‬أي" إذا جاءت القيامة الكبرى‪ ،‬و َّ‬ ‫َِ‬

‫الدنيا‬
‫الصاحب عن صاحبه‪ ،‬وكل حبيب عن حبيبه في ّ‬
‫فحينئذ يذهل الوالد عن ولده‪ ،‬و َّ‬
‫سيئاته ويعلم‬
‫ذرة في حسناته ويغمه ويحزن لزيادة ذرة في ّ‬
‫فيتمنى زيادة مثقال ّ‬
‫ّ‬ ‫من خير وشر‬
‫الدنيا وينقطع كل سبب وصلة كانت في الدنيا‬
‫أن مادة ربحه وخسرانه ما سعاه في ّ‬
‫إذ ذاك ّ‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.667‬‬
‫‪ - 2‬المسد‪ ،‬آية ‪.53‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.796‬‬
‫النازعات‪ ،‬آية ‪.71- 75- 29- 27- 24- 26- 20- 27‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪4‬‬

‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫سوى األعمال" ‪ ،1‬توكيد مضمون الحكم بدخول "ّلم اّلبتداء" على شبه الجملة‪ ،‬وهي‬
‫من األدوات التي تؤ ّكد الخبر‪ ،‬وذلك لتقوية واثبات وجود البعث والجزاء‪.‬‬
‫وقوله تعالى في كفار مكة وهم يستعجلون العذاب استهزاء‪ ،‬فنزلت فيهم آيات‬
‫َ ُ َّ َ‬ ‫ُ ْ َ ََ ُْ ْ ْ َ َ ُ ْ َ َ ُ ُ َ َ ا َ ْ َ َ ا َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ ُْ ْ ُ َ‬
‫جل مِنه المج ِرمون (‪ )05‬أثم إِذا‬ ‫رهيبة‪﴿ :‬قل أرأيتم إِن أتا كم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستع ِ‬
‫ُ َّ َ َّ َ َ َ ُ ُ ُ َ َ َ ْ ُ ْ‬ ‫ََْ ْ ُ َ‬ ‫َما َو َق َع آ ََمنْ ُت ْم به ِ آ ََْل ََن َوقَ ْد ُكنْ ُت ْ‬
‫اب اْلْلِ‬ ‫جلون (‪ )01‬ثم قِيل لَِّلِين ظلموا ذوقوا عذ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ُْ َ ْ‬ ‫َ ْ ُ ْ ْ َ َّ‬
‫س ُبون﴾ ‪" ،2‬وقت نومكم في الليل وقت غفلتكم أي بشارة‬ ‫هل َت َزون إَِل ب ِ َما كنت ْم تك ِ‬

‫استعجلوا بها وأي عقاب ابتدروه‪ ،‬فأنّه ّل ينفع اإليمان حين حلول عذاب اهلل‪ ،‬ويقال لهم‬
‫فإن‬
‫توبيخا وعتابا في تلك الحال التي زعموا ّأنهم يؤمنون‪ ،‬تؤمنون في حال الشدة والمشقة‪ّ ،‬‬
‫سنة اهلل في عب اده ّأنه بعثهم إذا استعتبوه قبل وقوع العذاب‪ ،‬فإذا وقع العذاب ّل ينفع نفسا‬
‫إيمانها‪...‬حين يوفون أعمالهم يوم القيامة‪ ،‬أي‪ :‬العذاب الذي تخلدون فيه‪ّ ،‬ل يفتر عنكم‬
‫لما أراد سبحانه التأكيد على وجود الجزاء الذي‬
‫ساعة‪ ،‬من الكفر والتكذيب والمعاصي" ‪ّ ،‬‬
‫‪3‬‬

‫كيان‬
‫وعد به عباده استخدم آلية من آليات التوكيد وهي القصر‪ ،‬ليوقظ به ضمائر ويهز ّ‬
‫عز وج ّل‪.‬‬
‫يصدع قلوب كل مك ّذب بكالم اهلل ّ‬
‫َْْ َ َ َا َ َ َ َْ ُ‬
‫اه ْم فَلَ ْم ُن َغادِرْ‬ ‫َ َ َْ ُ َ لُ ْ َ َ‬
‫اْل َبال َوت َرى اْلرض بارِزة وحّشن‬
‫وقال في موضع آخر‪﴿ :‬ويوم نس ِْي ِ‬
‫ُْ ْ َ‬
‫َ ا ‪4‬‬
‫فعبر ع ن هذه األـشياء بالماضي‪ ،‬تنبيها على تحقيق وقوعها‬ ‫مِنهم أحدا﴾ ‪" ،‬أي نحشرهم‪ّ ،‬‬
‫كشيء مضى وفرع منه مبالغة في التهديد والوعيد" ‪ ،5‬ذلك باإلعتماد على الوصل لمعاني‬
‫البعث الذي أ ّكد بهذا األسلوب باعتباره من أهم مقاصد العقيدة‪.‬‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.745‬‬
‫‪ - 2‬يونس‪ ،‬آية ‪.03- 01- 05- 79‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.272‬‬
‫‪ - 4‬الكهف‪ ،‬آية ‪.74‬‬
‫‪ - 5‬الطوفي سليمان‪ ،‬اإلكسير في علم التفسير‪ ،‬ت‪ :‬عبد القادر حسين‪ ،‬دار الوزاعي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1979 3‬ص‬
‫‪.173‬‬
‫‪53‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫َْ َ ُ‬ ‫َ َ ْ ِ َّ َ َ‬ ‫َ َ َ َ ْ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ َ َّ َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫اَّلي آ َمن يا قو ِم اتبِعو ِن أه ِدكم سبِيل الرشادِ (‪ )27‬يا قوم إِنما ه ِذه ِ اْلياة‬ ‫وقال‪َ ﴿ :‬وقال ِ‬
‫ِه َد ُار ال ْ َق َ‬
‫خ َرةَ ِ َ‬ ‫ُّ ْ َ َ َ ٌ َّ ْ‬
‫فأنه‬
‫ّ‬ ‫عون‬ ‫فر‬ ‫لكم‬ ‫يقول‬ ‫كما‬ ‫ّل‬ ‫لقومه‬ ‫نصيحته‬ ‫"معيدا‬ ‫‪،‬‬‫‪1‬‬
‫﴾‬ ‫ار‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫اَل‬ ‫النيا متاع ِإَون‬

‫ثم تنقطع وتضمح ّل ّل‬


‫ويتنعم قليال‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الغي والفساد‪ ،‬ويتمتّع بها‬
‫ِّ‬ ‫ّل يهديكم إّلّ إلى طريق‬
‫تخدعنكم كما ُخلقتم له‪ ،‬التي هي محل اإلقامة ومنزل السكون واّلستقرار فينبغي‬
‫ّ‬ ‫تغرّنكم وّل‬
‫ّ‬
‫تكرر النداء لتأكيد وزيادة التنبيه على‬
‫لكم أن تؤثروها وتعملوا لها عما يسعدكم فيها" ‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬

‫ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكالم بالقبول وهو متضمن لمعاني البعث والجزاء بأسلوب‬
‫التوكيد بواسطة التكرار الذي يراد به تثبيت حقيقة البعث والجزاء في نفس السامع باعتباره‬
‫تقرر‪.‬‬
‫من مقاصد العقيدة التي جاء القرآن الكريم من أجل تقريرهـا لذا قيل الكالم إذا تكرر ّ‬
‫َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َّ ُ‬ ‫َ ْ َ َّ ُ‬ ‫ْ َ َّ ُ‬
‫اْلاقة﴾‪" ،3‬من أسماء يوم القيامة‬ ‫اْلاقة (‪ )3‬وما أدراك ما‬ ‫اْلاقة (‪ )1‬ما‬ ‫وقال أيضا‪﴿ :‬‬

‫ظم تعالى‬
‫ألنها تحق وتنزل بالخلق‪ ،‬وتظهر فيها حقائق األمور‪ ،‬ومخبآت الصدور‪ ،‬فع ّ‬
‫ّ‬
‫أن اهلل أهلك األمم‬
‫فإن لها شأنا عظيما‪ ،‬وهوّل جسيما‪ ،‬ومن عظمها ّ‬
‫كرره‪ّ ،‬‬
‫شأنها وفخمه بما ّ‬
‫أن عظم وهول يوم القيامة‬
‫المكذبة بها بالعقاب العاجل" ‪ ،‬حيث اعتمد التكرار للتأكيد على ّ‬
‫‪4‬‬

‫حق ّل مفر منه على كل واحد التصديق به‪ ،‬فالتوكيد إذا يعمل على إزالة الشكوك والظنون‬
‫وترسيخ المعنى المقصود في نفس السامع‪ ،‬وهذا ما يزيد من تقرير العقيدة لديه‪.‬‬
‫ُ َّ َّ ُ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫ُ َّ ُ‬
‫ام ِة تبْ َعثون﴾ ‪" ،5‬أي‬ ‫وقال كذلك‪﴿ :‬ث َّم إِنك ْم َبع َد ذل ِك ل َم لي ِ ُتون (‪ )10‬ثم إِنكم يوم ال ِقي‬

‫وسيئها"‪ ،‬وقد أ ّكد إثبات‬


‫الخلق ونفخ الروح في أحد أطواركم وتنقالتكم بأعمالكم حسنها ّ‬
‫ألنه لما‬
‫"إن" لتأكيد الخبر تأكيدا واحدا‪ ،‬وان كان أكثر ّ‬
‫البعث والجزاء بإدخال حرف التوكيد ّ‬

‫‪ - 1‬غافر‪ ،‬آية ‪. 29 - 27‬‬


‫‪ - 2‬الطوفي سليمان‪ ،‬اإلكسير في علم التفسير‪ ،‬ص ‪.757‬‬
‫‪ - 3‬الحاقّة‪ ،‬آية ‪.52- 53- 51‬‬
‫‪ - 4‬الطوفي سليمان‪ ،‬اإلكسير في علم التفسير‪ ،‬ص ‪.792‬‬
‫‪ - 5‬المؤمنون‪ ،‬آية ‪.16- 10‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫النظر في األدلة الواضحة‬


‫يتكرر ويتردد‪ ،‬فيه حث على ّ‬
‫كانت أدلته ظاهرة كان جدي ار بأّلّ ّ‬
‫متضمنة لمعاني البعث الذي يعتبر من أهم المقاصد التي جاء بها القرآن الكريم‪.‬‬
‫ي‬ ‫عل ْ َم ْاِل َِ‬
‫ق‬
‫َ َّ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫َ َّ‬
‫وقال‪ّ﴿ :‬لَك َس ْوف تعل ُمون (‪ )2‬ث َّم ّلَك َس ْوف تعل ُمون (‪ّ )7‬لَك ل ْو تعل ُمون ِ‬
‫ِ‬
‫ح َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ َّ ْ‬
‫يم﴾ ‪ ،1‬أي‪" :‬لو تعلمون ما أمامكم علما يصل إلى القلوب‪ ،‬لما ألهاكم‬ ‫ِ‬ ‫اْل‬ ‫(‪ )0‬لَتون‬

‫التكاثر ولبادرتم إلى األعمال الصالحة‪ ،‬ولكن عدم العلم الحقيقي صيركم إلى ما ترون‬
‫أعدها اهلل للكافرين" ‪ ،2‬حيث اعتمد على التوكيد اللفظي‬
‫ترون القيامة فترون الجحيم التي ّ‬
‫في إثبات حقيقة البعث في نفس السامع لما تحمله من التوكيد من قوة إقناع وتوضيح‬
‫السمحاء‪.‬‬
‫للمعنى‪ ،‬وهذا كله لتقرير العقيدة ّ‬
‫َ َ َّ َ َ ُ َ ‪3‬‬ ‫َ َ‬ ‫جرم َ‬‫َّ ْ ُ ْ‬
‫أن الذين أجرموا‬
‫ّ‬ ‫"يقصد‬ ‫‪،‬‬ ‫﴾‬ ‫ون‬‫ال‬
‫ِ‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫اب‬
‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ع‬ ‫ِف‬
‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫وقال ج ّل ثناؤه‪﴿ :‬إِن الم ِ‬
‫جهنم منغمرون فيها‪ ،‬يحيط بهم العذاب من كل جانب‪ ،‬خالدين‬
‫بكفرهم وتكذيبهم في عذاب ّ‬
‫فيه‪ّ ،‬ل يخرجون منه أبدا" ‪ ،4‬ولتأكيد وجود كل هذه الحقائق وظّف سبحانه أسلوب التوكيد‬
‫"إن" من مؤكدات الخبر‪.‬‬ ‫ألن ّ‬
‫"إن" على الجملة‪ّ ،‬‬
‫بالزيادة‪ ،‬وذلك بإدخال ّ‬
‫ّ‬
‫َ َ ْ ٌ َ َ ْ َ ٌ َ َ َّ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َّ ْ َ َ ُ َ َّ َ‬
‫يم﴾ ‪" ،5‬أي وهم اللذين‬
‫وقال‪﴿ :‬فأما إِن َكن مِن المقربِي (‪ )77‬فروح وريحان وجنة نعِ ٍ‬
‫المحرمات والمكروهات وفضول المباحات‪ ،‬فلهم راحة‬
‫ّ‬ ‫ّأدوا الواجبات والمستحبات وتركوا‬
‫وطمأنينة وسرور وبهجة ونعيم القلوب والروح‪ ،‬وريحان وهو اسم جامع لكل لذة بدنية‬
‫من أنواع المآكل والمشارب وغيرها وجنات نعيم جامعة لألمرين كليهما‪ ،‬فيما ّل عين رأت‬
‫وّل أذن سمعت‪ ،‬وّل خطر على بشر المقربون عند اّلحتضار بهذه البشارة التي تكاد تطير‬

‫‪ - 1‬التكاثر‪ ،‬آية ‪.56- 50- 57- 52‬‬


‫‪ - 2‬الطوفي ‪ ،‬اإلكسير في علم التفسير‪ ،‬ص ‪.792‬‬
‫‪ - 3‬الزخرف‪ ،‬آية ‪.47‬‬
‫‪ - 4‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.424‬‬
‫‪ - 5‬الواقعة‪ ،‬آية ‪.79- 77‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أن الجزاء حق وهو من جنس العمل‬


‫منها األرواح من الفرح والسرور" ‪ ،‬لقد أكد تعالى على ّ‬
‫‪1‬‬

‫"أما" التي تتضمن معنى الشرط‪ ،‬وذلك لتقوية المعنى أكثر وترسيخه‬
‫بإدخال الحرف ّ‬
‫في النفوس‪ .‬وبذلك تحقيق مقصد من مقاصد العقيدة اإلسالمية‪.‬‬
‫ٌ ‪2‬‬ ‫َ َ ُّ َ َّ ُ َّ ُ َ َّ ُ ْ َّ َ ْ َ َ َ َّ َ َ ْ ٌ َ‬
‫وقال كذلك‪﴿ :‬يا أيها اَلاس اتقوا ربكم إِن زلزلة الساعةِ َشء ع ِظيم﴾ ‪ " ،‬يخاطب اهلل‬

‫بالنعم الظاهرة والباطنة‪ ،‬فحقيق بهم أن يتّقوه بترك‬


‫الناس كافة بأن يتقوا رّبهم الذي رّباهم ّ‬
‫ّ‬
‫ثم ذكر ما يعينهم على التقوى‬
‫الشرك والفسوق والعصيان‪ ،‬ويمتثلوا ألوامره مهما استطاعوا‪ّ ،‬‬
‫بأنها إذا‬
‫ويحذرهم من تركها وهو اإلخبار بأهوال القيامة‪ّ ،‬ل يقدر قدره ّل يبلغ كنهه‪ ،‬ذلك ّ‬
‫وتصدعت الجبال واندعت‪ ،‬وكانت‬
‫ّ‬ ‫وقعت الساعة‪ ،‬رجفت األرض وارتجفت‪ ،‬وزلزلت زلزالها‬
‫بالزيادة وذلك بإدخال حرف‬
‫هباء منبثا" ‪ ،‬حيث اعتمد على التوكيد ّ‬
‫‪3‬‬
‫ً‬ ‫كثيبا مهيال ثم كانت‬
‫"إن" على الجملة‪ ،‬وهي متضمنة لمعاني البعث التي جاء بها القرآن الكريم‪ ،‬وهذا‬
‫التوكيد ّ‬
‫ما يزيد من تقرير العقيدة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُْ َ ُ ْ َ ُ‬ ‫ون َم َِت َه َذا ال ْ َو ْع ُد إ ْن ُكنْ ُت ْم َصادِق َ‬
‫َ َُ ُ َ‬
‫ِيعاد يَ ْو ٍم َل‬ ‫ي (‪ )39‬قل لكم م‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال‪﴿ :‬ويقول‬
‫َ ْ َ ْ ُ َ ‪4‬‬
‫َ ْ َ ْ ُ َ َ ُْ َ َ ا ََ‬
‫خرون عنه ساعة وَل تستق ِدمون﴾ ‪" ،‬المخبر يمكن صدقه وكذبه‪ ،‬والعدو قد يبدو له‬ ‫ت ست أ ِ‬

‫غيرهم‪ ،‬وقد تنحل عزيمته‪ ،‬وهم قد يكون بهم مانعة يدافعون بها عن أنفسهم‪ ،‬فكيف بمن‬
‫ك ّذب أصدق الخلق‪ ،‬المعصوم في خبره الذي ّل ينطق عن الهوى‪ ،‬بالعذاب اليقين‪ ،‬الذي ّل‬
‫مدفع له وّل ناصر منه؟ أليس رد خبره‪ ،‬حجة عدم بيانه وقت وقوعه من أسفه السفهة؟!!‬
‫عدته" ‪ ،5‬ولقد أ ّكد اهلل‬
‫ك فيه‪ ،‬فاحذروا ذلك اليوم وأعدوا له ّ‬
‫لهم مخبر بوقت وقوعه الذي ّل ش ّ‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.755‬‬
‫‪ - 2‬الحج‪ ،‬آية ‪.51‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحمن ن اصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.050‬‬
‫‪ - 4‬سبأ‪ ،‬آية ‪.25- 39‬‬
‫‪ - 5‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.679‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫"إن" مراعاة لمنكري البعث الذي جاء القرآن الكريم لتحقيقه ألّنه‬
‫الخبر بإدخال التوكيد حرف ّ‬
‫من أهم المقاصد اإلسالمية‪ ،‬وذلك لتوضيح المعنى وتقريره في ذهن السامع‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ك ْم ِِلَ ْو ِم ْ َ‬
‫اْل ْم ِع ذل ِك يَ ْو ُم اْلَّغابُ ِن َو َم ْن يُؤم ِْن‬
‫َ َْ َ َْ ُ ُ‬
‫كما جاء في سورة التغابن‪﴿ :‬يوم يمع‬
‫ين ف ِ َ‬
‫ال َ‬ ‫ْ َْ َ ََْْ ُ َ‬ ‫َْ‬ ‫ك لف ْر َعنْ ُه َسيلئَاته َويُ ْدخل ْ ُه َج َّ‬
‫َّ َ َ ْ َ ْ َ ا ُ َ‬
‫يها‬ ‫ِِ‬ ‫خ‬ ‫ار‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫اْل‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ْح‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫َت‬ ‫ات‬‫ٍ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِاَّلل ِ ويعمل صاْلِ ا ي‬
‫ين فِيهاَ‬ ‫ال َ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ َ َ َ ُ َ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ا َ َ َْ ْ ُ ْ‬
‫اَّلين كفروا وكذبوا بِآ َياتِنا أولئِك أصحاب اَلار ِ خ ِ ِ‬ ‫أبدا ذل ِك الفوز الع ِظيم (‪ )9‬و ِ‬
‫ْي﴾ ‪" ،1‬يعني اذكروا يوم الجمع الذي يجمع اهلل به األولين واآلخرين‪ ،‬ويوقفهم‬ ‫َوبئ ْ َس ال ْ َمص ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وينبؤهم بما عملوا‪ ،‬فحينئذ يظهر الفرق والتفاوت بين الخالئق‪ ،‬ويرفع‬
‫موقفا هائال عظيما‪ّ ،‬‬
‫أقواما إلى عليين‪ ،‬في الفرق العاليات‪ ،‬والمنازل المرتفعات‪ ،‬المشتملة على جميع اللذات‬
‫الهم والحزن والعذاب الشديد نتيجة ما‬
‫والشهوات‪ ،‬ويخفض أقواما إلى أسفل السافلين‪ ،‬محل ّ‬
‫قدموه ألنفسهم‪ ،‬وأسلفوه ّأيام حياتهم" ‪.2‬‬
‫هذه من بين اآليات القرآنية الكريمة التي تجلى فيها أسلوب التوكيد لتثبيت اإليمان‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪:‬نماذج من أنماط التوكيد الكريم وبعض معانيه‪.‬‬


‫سنحاول في هدا المقام أن نتعرض لبعض أشكال التوكيد وما ّأدته من دّلّلت‪ ،‬في‬
‫سياق النص القرآني‪ ،‬مع تتبع بعض الخصوصيات التركيبية لها‪ ،‬كما سنرصد أهم ما تقوم‬
‫النص القرآني‪ ،‬م ّما يبرز الدور‬
‫به هده األنماط المؤكدة من دور دّللي وسياقي في ّ‬
‫الخطابي ألسلوب التوكيد في اللغة العربي‪ ،‬من خالل مدونته التي تمثل العلو والبيان ومبلغ‬
‫ومما يبعدها عن التمح ل‪ ،‬كي يتسنى لنا تتبع بعض أشكال القرآن‬
‫الفصاحة واإلعجاز‪ّ ،‬‬
‫الكريم لرصد دّللتها التي أفادتها ‪ ،‬كالتوكيد بالتقديم والتأخير‪ ،‬والتوكيد بالزيادة‪ ،‬والتوكيد‬
‫بالتكرار‪ ،‬ألنها من أبرز األشكال التوكيدية في اللغة العربية‪ ،‬ولوضوح دّللتها‪.‬‬

‫‪ /1‬التوكيد بالتقديم والتأخير‪:‬‬

‫‪ - 1‬التغابن‪ ،‬آية ‪.15- 59‬‬


‫‪ - 2‬عبد الرحمن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص‪.739‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لعل أهم وظيفة للعناصر اللغوية التي يلجأ القرآن إلى تقديمها هي تخصيص الحكم وتأكيد‬
‫حدوثه‪ ،‬لذلك فإن أغلب المفسرين يخرجون اآليات إلي حدث فيها تقديم عنصر أو أكثر‬
‫إلى التقديم على أ ن فيها اهتمام بهذا العنصر وعناية تصل حد تقويته بالعبارة‪ ،‬كأن‬
‫في ت قديمه زيادة لفظ دال على التوكيد‪.‬‬
‫أ‪ /‬تقديم المسند ‪:‬‬
‫هذا ما وقع في قوله عز وجل‪﴿ :‬فَللَّه الْع َّزةُ ََج ا‬
‫يعا﴾ ‪ ،1‬من تقديم للمسند على المسند أليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬

‫ومعنى هذا التقديم كما يقول الزمخشري‪" :‬أن العزة كلها مختصة باهلل‪ ،‬عزة الدنيا وعزة‬
‫اآلخرة" ‪ ،2‬وهذا الدليل على تخصيص العزة هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وقدم المسند لتنبيه السامع‬
‫ومنعه بذلك من ال ّشك أو توهم الغلط وتزيد منك في الحكم الذي تنسبه له بعد ذلك‪ ،‬للدّللة‬
‫على التوكيد والتحقيق هذا له أثير كبير في التأثير على المتلقي واقرار المعنى‪.‬‬
‫ُ ‪3‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ََ ٌ َْ َ َ‬
‫كما قال اهلل سبحانه‪﴿ :‬قال أراغِب أنت عن آَل ِه ِِت يا إِبراهِيم﴾ ‪" ،‬اختار الزمخشري‬

‫مبتدءا مؤخ ار‪ ،‬ألنه كان أهم عنده وهو عنده أعنى‪ ،‬وفيه‬ ‫ت"‬
‫ب" خب ار مقدما و" أَن َ‬ ‫كون "ر ِ‬
‫اغ ٌ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ضرب من التعجب واإلنكار لرغبته عن آلهته ما ينبغي أن يرغب عنها أحد" ‪ ،4‬وبتقديم‬
‫المسند على المسند إليه‪ ،‬يستدعي معنى سياقي ا يفيد توجيه اإلنكار‪ ،‬الذي دلت عليه الهمزة‬
‫إلى نفس الرغبة‪ ،‬وهذا للدّللة على التعجب‪ ،‬ألن هذه اآلية تدل على أن أب إبراهيم ينكر‬
‫على إبراهيم تمكن الرغبة عن آلهتهم من نفسه‪ ،‬ويهتم بأمر الرغبة عن اآللهة ألنها موضع‬
‫التعجب‪.‬‬

‫‪ - 1‬فاطر‪ ،‬آية ‪.15‬‬


‫‪ - 2‬ال زمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.40‬‬
‫‪ - 3‬مريم‪ ،‬آية ‪. 76‬‬
‫‪ - 4‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.97‬‬
‫‪56‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ َ ُ ُ َ َ ُ ُ َ َ ُّ َ َ‬
‫وقال اهلل سبحانه‪﴿ :‬إِذ قالوا ِلُوسف وأخوه أحب إَِل أبِينا مِنا﴾ ‪ ،‬حيث أن المبتدأ‬
‫‪1‬‬

‫مقرون بــ"ّلم اّلبتداء" التي توجب لها الصدارة في الكالم‪ ،‬وقُدم المسند للدّللة على بيان‬
‫الحال المحبة ليوسف وأخيه من أبيهم على إخوتهم‪ ،‬على الرغم من أنهم عصبة‪ ،‬وهذا للفت‬
‫نظر السامع والتأثير فيه وتقرير المعنى وايصاله‪.‬‬
‫ْ ‪2‬‬ ‫َّ ُ َ ْ َ ْ ُ‬
‫ألن الخبر جملة فعلية‬
‫وقال جل ثناؤه‪﴿ :‬اَّلل يسته ِزئ ب ِ ِهم﴾ ‪ ،‬قدم هنا المسند "المبتدأ" ّ‬
‫فاعلها ضمير مستتر‪ ،‬ويكون للدّللة على التّبرك باسم اهلل تعالى‪ ،‬ألنه هو المخصوص أي‬
‫هو وحده الذي يحق له محاسبة الكفار باعتباره سبحانه خالق كل شيء له الحق‬
‫ِ‬
‫يحاسب‪ .‬وهذا أفاده تخصيص اهلل وحده‬ ‫في التصرف فيما يشاء‪ ،‬وّل يحق لمن سواه أن‬
‫ّل شريك له‬
‫ب ‪ /‬تقديم المسند إليه‪:‬‬
‫ت َه َذا بآَل َِهت ِ َنا يَا إب ْ َراه ِ ُ‬
‫يم﴾‪"، 3‬يحلل الزمخشري هذه‬ ‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬قَالُوا أَ َأن ْ َ‬
‫ت َف َعل ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلية انطالقا من العالقة اإلسنادية التي تقدم فيها الفاعل وفق ما يقتضيه المقام ‪ ،‬فيرى أن‬
‫قصد إبراهيم – عليه السالم ‪ -‬لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم‪ ،‬وانما‬
‫قصد تقريره لنفسه‪ ،‬ثباته لها على أسلوب تعريضي يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة‬
‫وبتبكيتهم " ‪ .4‬وقدم المسند إليه للعناية واّلهتمام به كي يصل إلى المعنى الذي أراده‬
‫والتأثير في نفس المتلقي وكذلك أن في تقديمه دّللة على التوكيد‪.‬‬
‫َ ا ُ َ َ ا َ َ َ َ ْ َ ُّ ْ ُ ُ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ‬
‫ان تقشعِر مِنه جلود‬ ‫كما قال جل ثناؤه‪﴿ :‬اَّلل نزل أحسن اْل ِد ِ‬
‫يث كِتابا متشابِها مث ِ‬
‫َ ْ َّ‬ ‫َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ ُ ْ ُ َّ َ ُ ُ ُ ُ ُ ُ‬
‫ي ُجلوده ْم َوقلوبُ ُه ْم إَِل ذِك ِر اَّلل﴾‪.5‬‬‫اَّلين َيشون ربهم ثم تل ِ‬
‫ِ‬

‫‪ - 1‬يوسف‪ ،‬آية ‪.57‬‬


‫‪ - 2‬البقرة‪ ،‬آية ‪.10‬‬
‫‪ - 3‬األنبياء‪ ،‬آية ‪.63‬‬
‫‪ - 4‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.67‬‬
‫‪ - 5‬الزمر‪ ،‬آية ‪.32‬‬
‫‪56‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الزمخشري في تقديم المسند في هذه اآلية دّللتان إحداهما التوكيد وأخرى‬ ‫لقد رأى ّ‬
‫َ َ‬
‫أن اسم اهلل مبتدأ "ن َّزل" عليه فيه تفخيم بحيث قدم لفظ الجاللة لتوكيد‬
‫التخصيص‪ ،‬إذ يرى ّ‬
‫الحكم وتقريره ألنه يحمل دّللتيي التوكيد والتخصيص‪ ،‬وهذا للتأثير في نفس المتلقي فحسن‬
‫الحديث ّل يجوز أن يصدر إّل عنه فهذا تأكيد إلسناده إلى اهلل وأنه من عنده‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وجاء في قوله عز وجل‪َ ﴿ :‬وه َو ُي ْطعِ ُم َوَل ُي ْط َع ُم﴾ ‪ ،1‬وعلل ما تتميز به هذه اآلية‬

‫عن سابقتها كون اإلسناد هنا جاء بصورتين‪ ،‬وذلك حسب الفعل الذي جاء مثبتا‪ ،‬المسند‬
‫إليه مقدم والفعل الثاني منفيا المسند إليه لم يقدم‪،‬إذ لم ي َقل‪":‬وهو ّل يطعم"رغم صحة‬
‫الدّللة‬
‫استعماله وذلك ألمر يرجع إلى المعنى المراد سياقيا فقد أ ّكد على فاعل اإلطعام‪ ،‬و ّ‬
‫من هذا التقديم العناية به وتقويته له وهذا التقرير المعنى الذي أراده اهلل‪ ،‬والتأثير في نفس‬
‫المتلقي‪.‬‬
‫َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ َ َ َ َّ ْ َ‬
‫وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ويَقولون لَع اَّلل ِ الك ِذ َب َوه ْم َيعل ُمون﴾ ‪ ،2‬وقُِّدم المسند إليه وهذا‬

‫يقتضي تأكيد الخبر وتحقيقه للدّللة على تمام الوعد‪ ،‬وفي الوفاء به فهو من أحوج األشياء‬
‫إلى التأكيد وهذا يساهم في إيصال المعنى المراد والتأثير في نفس المتلقي‪.‬‬
‫ج ‪ -‬تقديم المفعول به‪:‬‬
‫"السماء" على الفعل‬ ‫"وتقديم‬ ‫‪،‬‬‫ُ َ ‪3‬‬
‫﴾‬ ‫ون‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫َّ َ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ِإَون‬ ‫د‬ ‫اها ب َأي ْ‬
‫َ َّ َ َ َ َ ْ َ َ‬
‫قال سبحانه‪﴿ :‬والسماء بنين‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الذي تعدى إليها لالهتمام بها‪ ،‬ثم بسلوك طريقة اّلشتغال زاده تقوية ليتعلق المفعول بفعله‬
‫مرتين‪ ،‬مرة بنفسه‪ ،‬ومرة بضميره‪ ،‬ذلك اّلشتغال في قوة تكرار الجملة" ‪ 4‬وتقدم المفعول به‬
‫ألن السماء تدل على قوة وقدرة عظيمة لخالقها‪ ،‬وهذا‬
‫للدّللة على العناية واّلهتمام به‪ّ ،‬‬
‫للتأثير على المتلقي وزيادة في توكيد المعنى بهذا التقديم‪.‬‬

‫‪ - 1‬األنعام‪ ،‬آية ‪.17‬‬


‫‪ - 2‬آل عمران‪ ،‬آية ‪.40‬‬
‫‪ - 3‬الذاريات‪ ،‬آية ‪.74‬‬
‫‪ - 4‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،16‬ص ‪.119‬‬
‫‪56‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ُ‬ ‫ََ َ َُ َ ََ ْ َ ُ َُْ َ ُ ْ َ ْ‬


‫كن َكنوا أنفسهم يظلِمون﴾ ‪" ،‬قُدم‬
‫‪1‬‬
‫وجاء في قوله سبحانه أيضا‪﴿ :‬وما ظلمونا ول ِ‬

‫ألن‬
‫النفي واإلثبات‪ّ ،‬‬
‫بمجرد الجمع بين ّ‬
‫ّ‬ ‫المفعول به هنا للقصر‪ ،‬وقد حصل القصر أوّل‬
‫حالهم كحال من ينكي غيره كما قيل‪ :‬يفعل الجاهل بنفسه ما يفعل العدو بعدوه" ‪ ،2‬وبهذا قدم‬
‫المفعول به لبيان حال الذين ظلموا أنفسهم‪ ،‬وهذا ليكون أبلغ في التأثير‪ ،‬وزيادة في تأكيد‬
‫المعنى لدى السامع أو المتلقي‪.‬‬
‫اك ن َ ْس َتع ُ‬
‫ي﴾ ‪ ،3‬قدم المفعول به على الفعل‬ ‫اك َنعْ ُب ُد ِإَويَّ َ‬
‫وجاء في قوله عز وجل‪﴿ :‬إيَّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهتماما به‪ ،‬وشأن العرب تقديم األهم على المهم‪ ،‬وهذا يمثل إقرار المؤمن بالربوبية والتذلل‬
‫وتحقيق العبادة هلل وحده ّل شريك له‪ ،‬وهذا للدّللة على اّلختصاص‪ ،‬أي معنى التوحيد‬
‫وهذا لتوكيد المعنى في نفس السامع‪.‬‬
‫ُ ْ َ َ َ ْ َ َّ َ ْ ُ ل َ‬
‫ْ ُ ُ ‪4‬‬ ‫ُ‬
‫وّن أعبد﴾ ‪ ،‬والمعنى‪ :‬نخصك بالعبادة ونخصك‬ ‫وقال عز وجل‪﴿ :‬قل أفغْي اَّلل ِ تأمر ِ‬
‫بطلب المعونة‪ ،‬حيث قدم المفعول به على الفاعل للدّللة على اّلختصاص فاهلل وحده‬
‫المعبود وّل شريك له‪ ،‬وهذا للفت نظر المتلقي كذلك لزيادة التوكيد العبارة أكثر‪.‬‬
‫َّ َ َ ْ ْ‬
‫اَّلل فاع ُبد﴾ ‪ ،5‬أي ّل تعبد إّل اهلل لذلك قدم المفعول به‬ ‫وقال سبحانه أيضا‪﴿ :‬بَ ِل‬

‫للدّللة على التنبيه والتوكيد والتأثير في المتلقي‪ ،‬وهذا ما يدفع المتلقي لالهتمام بالمتقدم‪.‬‬
‫َ َ َ َ َ ْ َ ْ ‪6‬‬
‫َ َ َّ ْ‬
‫وجاء في قوله عز وجل‪﴿ :‬فأما اِلتِيم فَل تقهر﴾ ‪" ،‬قدم هنا المفعول به هذا لالهتمام‬

‫بشأنه ولهذا القصد لم يؤت به مرفوعا‪ ،‬وقد حصل مع ذلك الوفاء باستعمال جواب "أما" أن‬
‫يكون مفصوّل عنه بشيء كراهية مواّلة فاء الجواب‪ ،‬لحرف الشرط – وهو أمر تركيبي‬

‫‪ - 1‬البقرة‪ ،‬آية ‪.04‬‬


‫‪ - 2‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.013‬‬
‫‪ - 3‬الفاتحة‪ ،‬آية ‪. 0‬‬
‫‪ - 4‬الزمر‪ ،‬آية ‪. 67‬‬
‫‪ - 5‬الزمر‪ ،‬آية ‪.66‬‬
‫‪ - 6‬الضحى‪ ،‬آية ‪.59‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫محض لكونه نمطا لم تنطق به العرب ‪ -‬ويظهر أنهم ما التزموا الفصل بين "أما" وجوابها‬
‫بالمتقدم‪،‬ألن موقع "أما" ّل يخل‬
‫ّ‬ ‫بتقديم شيء من عالئق الجواب إّل إلرادة اّلهتمام‬
‫عن اّلهتمام بالكالم اهتماما يرتكز في بعض في بعض أجزاء الكالم‪ ،‬فاجتالبها أن مناط‬
‫اّلهتمام ببعض متعلقات الجملة‪ ،‬فذلك هو الذي يعتنون بتقديمه" ‪ ،1‬وهذا للدّللة‬
‫على العناية واّلهتمام بالمفعول به‪ ،‬وهذا يؤدي إلى التأثير في المتلقي واقرار المعنى‬
‫وتوكيده‪.‬‬
‫اَّلل م ِْن عِ َبادِه ِ ال ْ ُعلَ َم ُ‬
‫اء﴾ ‪ ،2‬وقدم المفعول به‬ ‫وقال عز من قائل‪﴿ :‬إ َّن َما ََيْ ََش َّ َ‬
‫ِ‬
‫على الفاعل ألنه انحصر و بــ"أنما" وب ــ"أّل"‪ ،‬فكل من كان باهلل أعلم كان أكثر خشية منه‬
‫تعالى‪ ،‬والتقدير في هذه اآلية الكريمة للدّللة على عظمة اهلل و خشيته وهذا بفضل العلم‬
‫ألن أهل خشيته أهل كرامته‪ ،‬وهذا التوكيد أن خشية اهلل تزيد بكثرة العلم هذا للتأثير‬
‫على المتلقي وتقرير المعنى في نفسه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫ك ُرون﴾ ‪ ،3‬قُدم المفعول به ألنه اسم استفهام‪ ،‬وهذا‬
‫ِ ِ‬‫ن‬ ‫ت‬ ‫اَّلل‬ ‫ات‬
‫ِ‬ ‫َي‬ ‫آ‬ ‫َّ‬
‫ي‬ ‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬فأ‬

‫األخير له الصدارة في الكالم‪ ،‬وهذا التقديم للدّللة على أن جميع اآليات والنعم منه تعالى‬
‫فلم يجوز اإلنكار واإلعراض عنها‪ ،‬وفي هذه الحالة فهو وحده المعبود وّل شريك له أي‬
‫تخصيص العبادة له وذلك ليؤكد المعنى في نفس المتلقي والتأثير فيه‪.‬‬
‫َ َ َ ْ َ َّ َ‬
‫َ َ ا ‪4‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫كما قال عز وجل في محكم تنزيله‪﴿ :‬أفغْي اَّلل ِ أبت ِغ حكما﴾ ‪" ،‬أحاكم إليه وأتقيد‬

‫بأوامره ونواهيهن‪ ،‬فإن غير اهلل محكوم عليه ّل حاكم‪ ،‬وكل تدبير وحكم للمخلوق فإنه‬
‫مشتمل على النقص والعيب الجور‪ ،‬وانَّما الذي يجب أن ُيتَّخذ حاكما‪ ،‬فهو اهلل وحده ّل‬

‫‪ - 1‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،25‬ص ‪.751‬‬


‫‪ - 2‬فاطر‪ ،‬آية ‪.37‬‬
‫‪ - 3‬غافر‪ ،‬آية ‪.71‬‬
‫‪ - 4‬األنعام‪ ،‬آية ‪. 117‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫شريك له‪ ،‬الذي له الخلق واألمر"‪ ،1‬وقدم المفعول به في هذه اآلية للدّللة على تخصيص‬
‫اهلل عز وجل بأن يتخذ حاكما فهو الخالق وحده وّل شريك هلل‪.‬‬
‫َ َ َ‬
‫وقال أيضا‪َ ﴿ :‬و َربَّك فك ل ِْب﴾ ‪" ،2‬أي عظِّمه بالتوحيد‪ ،‬واجعل قصدك في إنذارك وجه‬

‫اهلل‪ ،‬وأن يعظِّمه العباد ويقوموا بعبادته"‪ ، 3‬فقدم المفعول به وهذا للدّللة على تخصيص اهلل‬
‫وحده بالعبادة وذلك لتأكيد المعنى‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫َُ ا َ‬
‫وحا ه َديْ َنا م ِْن قبْل﴾ ‪ ،3‬وقدم المفعول به في هذه اآلية‬ ‫كما قال في موضع آخر‪﴿ :‬ون‬

‫الكريمة للدّللة على العناية واّلهتمام بشأنه وهذا لتأكيد المعنى‪.‬‬


‫َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫وقال سبحانه وتعالى كذلك‪َ ﴿ :‬والق َم َر ق َّد ْرناهُ َم َنازِل﴾ ‪ ،4‬وقدم المفعول به في هذه اآلية‬

‫الكريمة للدّللة على العناية واّلهتمام بشأن القمر وهذا يؤدي إلى التوكيد‪.‬‬
‫د ‪ -‬تقديم حرف اإلضافة و مدخوله‪:‬‬
‫إن تقديم حرف اإلضافة و مدخوله دليل على وقوع الفعل مما يعني تحقيقه والتأكيد‬
‫على حدوثه ومن أمثلة هذا التقديم في القرآن الكريم قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ولَئ ْن َس َأ ْْلَ ُه ْم َِلَ ُقولُ َّن إ َّنماَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ُْ ْ َ ْ َ ْ ُ َ ‪5‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ َ ُ ُ َ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َّ‬
‫كنا َنوض ونلعب قل أبِاَّلل ِ وآ َياتِه ِ ورسوَلِ ِ كنتم تسته ِزئون﴾ ‪" ،‬لم يعبأ باعتبارهم ألنهم كانوا‬

‫كاذبين فيه فجعلوا كأنهم معترفون باستهزائهم‪ ،‬وبأنه موجود منهم حتى بخوا بأخطائهم موقع‬
‫اّلستهزاء ‪،‬حيث جعل المسته أز به يلي حرف التقرير‪ ،‬وذلك إنما يستقيم بعد وقوع اّلستهزاء‬
‫وثبوته"‪ ،6‬فتقديم حرف اإل ضافة ومدخوله " ِباللَّ ِه" وما عطف عليه على الفعل دل على أن‬

‫‪ - 1‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الك ريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪. 377‬‬
‫‪ - 2‬المدثر‪ ،‬آية ‪. 52‬‬
‫‪ - 3‬األنعام‪ ،‬آية ‪.77‬‬
‫‪ - 4‬يس‪ ،‬آية ‪.29‬‬
‫‪ - 5‬التوبة‪ ،‬آية ‪.60‬‬
‫‪ - 6‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.351‬‬
‫‪53‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫هذا الفعل قد وقع منهم‪ ،‬وأن اإلنكار متوجه إلى ما تقدم ّل إلى الفعل في ذاته بِاللَّ ِه‪ ،‬وقدم‬
‫في نفسه‪.‬‬ ‫في اآلية دّللة على التخصيص وهذا للتأثير على المتلقي واقرار المعنى‬
‫َ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ ا َ َ ا َ ُ ُ ُ َ َ َ َ َ‬
‫اء لَع اَلَّ ِ‬
‫اس‬ ‫وقال أيضا في سورة البقرة‪﴿ :‬كذل ِك جعلناكم أمة وسطا ِْلكونوا شهد‬
‫َ ُ ُ ُ َ َ َ ََ‬ ‫َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ َ ْ ُ‬
‫ك ْم َشه ا‬
‫اس" وبتأخير" َعَلى‬ ‫اء لَع اَلَّ ِ‬ ‫يدا﴾ ‪"، 1‬يقارن بين " ِْلكونوا شهد‬ ‫ِ‬ ‫ويكون الرسول علي‬
‫َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ َ ْ ُ‬
‫ك ْم َشه ا‬ ‫النَّ ِ‬
‫"علَي ُكم" فيقول‪ :‬فإن قلت‪ :‬لم أخرت‬ ‫َ‬ ‫بتقديم‬ ‫"‪،‬‬ ‫ا‬ ‫يد‬ ‫ِ‬ ‫اس" وبين "ويكون الرسول علي‬

‫صلة الشهادة أوّل‪ ،‬وقدمت آخ ار قلت ألن الغرض في األول إثبات شهادتهم على األمم وفي‬
‫اآلخر اختصاصهم‪ ،‬ويكون الرسول شهيدا عليهم" ‪ ،2‬وهذا المعنى – أي التخصيص ‪ -‬هو‬
‫األول ّل يفيد ما يفيده الوجه الثاني كما‬
‫الفارق بين الوجهين من الت قديم والتأخير‪ ،‬ألن الوجه ّ‬
‫أن فكرة التخصيص في هذه الصورة يستشف منها معنى التوكيد بل إنه غالبا ما يعطي‬
‫التخصيص والتوكيد كسب لتقديم أحد عناصر الجملة عموما‪ ،‬بحيث أن التقديم دّللة‬
‫التخصيص وهذا للتأثير في المتلقي وتوضيح المعنى وايصاله‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ َْ ُ‬
‫وقال أيضا ‪﴿ :‬إِِله ِ أدعو ِإَوِله ِ مآ َِب﴾ ‪" ،‬إليه أدعوا خصوصا‪ّ ،‬ل أدعوا غيره‪ ،‬واليه‬
‫‪3‬‬

‫ّل إلى غيره مرجعي" ‪ ،4‬والتقديم في هذه الحالة للدّللة على التخصيص ألن الدعاء ّل يكون‬
‫إّل هلل وهذا التقديم للتأثير في المتلقي وكذلك تقرير المعنى وتوكيده‪.‬‬
‫َ َ َ َ َ ْ َ ْ َْْ‬ ‫َ ْ ُل‬
‫ُك اثلَّ َم َ‬
‫ي﴾ ‪"، 5‬ويتعلق التقديم‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫اث‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ج‬‫و‬ ‫ز‬ ‫ا‬ ‫يه‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ج‬ ‫ات‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫وقال سبحانه أيضا‪﴿ :‬ومِن ِ‬
‫يها َزو َجي ِن اثَني ِن" وبهذا حلَّل أكثر المفسرين تعلق شبه‬ ‫ِ‬
‫"ج َع َل ف َ‬
‫بـ"و ِمن ُك ِّل الثَّمر ِ‬
‫ات" وبـ‪َ :‬‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫الجملة بفعل الجعل‪ ،‬فيكون هنا التقديم للتخصيص والتأكيد واّلهتمام بجميع الثمرات‪ ،‬وقد‬
‫رد هذا التخريج الطاهر بن عاشور على اعتبار أنه ّل نكتة في تقديم الجار والمجرور‬

‫‪ - 1‬البقرة‪ ،‬آية ‪.172‬‬


‫‪ - 2‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.97‬‬
‫‪ - 3‬الرعد‪،‬آية ‪.26‬‬
‫‪ - 4‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.159‬‬
‫‪ - 5‬الرعد‪ ،‬آية ‪.52‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫على عامله على ذلك التقدير‪ ،‬ألن جميع المذكور محل اّلهتمام فال خصوصية للثمرات‬
‫هنا ‪،‬وألن الثمرات ّل يتحقق فيها وجود أزواج وّل يكون الزوجين اثنين" ‪، 1‬ولعل هذا التعليل‬
‫األخير في كالمه هو السبب المقامي لإلتيان بتقديم حرف اإلضافة ومدخوله قصد التنبيه‬
‫أنه كما هو كما يكون في جميع المخلوقات الزوجين اّلثنين كذلك الثمرات وهذا كله للدّللة‬
‫على التخصيص والتأكيد واّلهتمام بجميع الثمرات بدون استثناء هذا للتأثير على المتلقي‬
‫بهذا التق ديم ألن يؤدي إلى إيصال المعنى المراد من هذا اآلية الكريمة ألن التقديم هو الذي‬
‫يدفع بالمتلقي إلى التمعن أكثر في آيات اهلل العظيمة بهذا األسلوب باعتباره أسلوب إقناع‬
‫و إلزام‪.‬‬
‫َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ َ َ َ َّ ْ َ‬
‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬ويَقولون لَع اَّلل ِ الك ِذ َب َوه ْم َيعل ُمون﴾ ‪" ،2‬وذلك أن الكذب ّل سيما‬

‫في الدين ّل يعترف بالعلم بأنه كاذب‪ ،‬واذا لم يعترف بأنه كاذب كان أبعد من ذلك أن‬
‫يعترف بالعلم بأنه كاذب" ‪ ،3‬وانصب قول اإلنكار أن يكون على اهلل ثم بين المفعول به الذي‬
‫نعد إليه فعل القول فبين اّلهتمام بحرف اإلضافة و مدخوله على اهلل للدّللة على العناية‬
‫واّلهتمام بهذا لتأكيد اآلية والتأثر في المتلقي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َْ َ ََْ ُ ْ َ َ ُ ُ ُ ْ َ َْ ُْ ُ ُ ْ َ َا ُ ْ‬
‫وقال عز وجل‪﴿ :‬مِنها خلقناكم وفِيها نعِيدكم ومِنها َن ِرجكم تارة أخرى﴾ "وتقديم‬
‫‪4‬‬

‫األول والثّالث فلالهتمام بكون‬


‫فأما ّ‬ ‫حروف اإلضافة الثالثة ومدخوّلتها على متعلقاتها‪ّ ،‬‬
‫يها ُن ِع ُ‬
‫يد ُكم" فللمزاوجة مع نظيرية " ‪ ،5‬وان‬ ‫األرض مبدأ الخلق والخلق الثاني‪ ،‬وأما تقديم" َوِف َ‬
‫كانت مما يستحق تقديمه لتقريره والعناية به‪ ،‬وهذا للدّللة على األصل الذي خلق منه‬

‫‪ - 1‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،12‬ص ‪.72‬‬


‫‪ - 2‬آل عمران‪ ،‬آية ‪.40‬‬
‫‪ - 3‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دّلئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫‪ - 4‬طه‪ ،‬آية ‪.00‬‬
‫طاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.375‬‬
‫‪ - 5‬ال ّ‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫اإلنسان ثم يعود إليه‪ ،‬لتأكيد المعنى والتأثير في المتلقي بهذا األسلوب باعتباره أسلوب‬
‫إقناع و إلزام‪.‬‬
‫ه ‪ -‬تقديم الظرف‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ َ َ ْ َ َ َّ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬فل ْوَل إِذ َسمِع ُت ُموهُ قل ُت ْم َما يَكون َلَا أن ن َتَك َم ب ِ َهذا ُسبْ َحانك هذا ُب ْه َتان‬
‫َع ِظ ٌ‬
‫يم﴾ ‪" ،1‬حيث ذكر َّ‬
‫أن فائدة تقديمه تكمن في بيان ّأنه كان الواجب عليهم أن ينقادوا أول‬

‫ما سمعوا باإلف ك عن المتكلم به‪ ،‬فلما كان ذكر الوقت أهم وجب التقديم" ‪" ،2‬أي أنه كان‬
‫عليهم بمجرد سماع الخبر أن يتبرؤوا من الخوض فيه" ‪ ،3‬فاّلهتمام هنا إنَّما هو منصب‬
‫على الوقت وبيان مدى تعلق الغرض به ّل على قولهم‪ ،‬وذلك ألنك تقول لمن لم يرد‬
‫على خصم لك ذكر بسوء لو أنَّك في تل ك اللحظة قلت له كذا وكذا تسديد منه على أهمية‬
‫الوقت والرد على الحصر في ذلك الحين وألن في هذا دّللة اآلية دّللة على أهمية الوقت‬
‫في اتخاذ القرار والرد على الخصم ويجب عدم التسرع لما في ذلك من الضرر‪ ،‬كذلك لها‬
‫هذا التقديم أهمية في تأكيد المعنى والتأثير على المتلقي‪.‬‬
‫َّ َّ َ ْ َ ُ ْ ُ َّ َ‬
‫"إن"‬
‫ّ‬ ‫بحرف‬ ‫التأكيد‬ ‫أفاد‬ ‫وقد‬ ‫‪4‬‬
‫﴾‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫اع‬ ‫وجاء في قوله جل جالله‪﴿ :‬إن اَّلل عِنده عِلم الس‬

‫تحقيق علم اهلل تعالى بوقت الساعة‪ ،‬وذلك يتضمن تأكيد وقوعها وفي كلمة َّ‬
‫"إن" إشارة‬
‫إلى اختصاصه تعالى بذلك العلم‪ ،‬ألن العنديَّة شأنها اّلستئثار‪ ،‬وتقديم ِ‬
‫"عن َد" وهو ظرف‬
‫‪5‬‬
‫مسند على المسند إليه ويفيد التخصيص بالقرينة الدالة على أنه مراد به مجرد التقوى"‬
‫فدّللة تقديم الظرف في هذه اآلية تخصيص اهلل سبحانه وتعالى بعلم وقت الساعة فهو‬
‫وحده الذي عنده علم وقتها باعتبارها من الغيبيات التي ّل يعلمها إّل اهلل الواحد‪ ،‬الذي‬

‫‪ - 1‬النور‪ ،‬آية ‪.16‬‬


‫‪ - 2‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.147‬‬
‫‪ - 3‬الطاهر بن علشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪،‬ج‪ ،17‬ص ‪.119‬‬
‫‪ - 4‬لقمان‪ ،‬آية ‪. 27‬‬
‫‪- 5‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،31‬ص ‪. 194- 196‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ّل شريك له خالق الكون والمدبر فيه‪ ،‬فمن المنطقي أن يكون هو فقط ّل سواه يعلم وقت‬
‫قيام الساعة‪.‬‬

‫‪ / 2‬التوكيد بالزيادة ‪:‬‬


‫تعددت الزيادة في الجملة الواحدة واختلفت كما ونوعا‪ ،‬إذ نجد من خالل تتبعنا‬
‫الدالة على التوكيد مثال ورود بعض الصور التي تتكرر كأن تأتي "إن" مع "الالم"‬
‫لألدوات ّ‬
‫أو "إن" مع "القسم والالم" أو يأتي القسم مع النون المؤكدة في الفعل أو القسم مع الالم‬
‫في اّلسم والفعل‪ ،‬وتصل هذه األدوات في كل جملة إلى أربعة أدوات دالة على معنى‬
‫أسلوبي واحد وهو أمر يسوغه تعدد أشكالها ودّلّلتها أو تنوع اختصاصاتها كأن يكون منها‬
‫المختص بالدخول على الفعل واآلخر مختص بالدخول على اّلسم‪ ،‬األمر الذي يكسب‬
‫اللغة مرونة في استعمالها‪.‬‬
‫زيادة عنصر مؤكد‪:‬‬
‫َْ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ َ ُ َ َّ ُ ُ َ َّ ٌ‬
‫اْل ل ِق فَل تكون َّن م َِن‬‫َنل م ِْن َربلِك ِب‬ ‫النون‪ :‬قال جل ثناؤه في محكم تنزيله‪ ﴿ :‬يعلمون أنه م‬
‫ُْ ْ َ‬
‫َتي َن﴾ ‪" ،1‬والخطاب في هذه اآلية يحتمل خطابا للنبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فيكون‬ ‫المم ِ‬
‫ك ب َْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َ َّ ُ ُ َ َّ ٌ ْ َ ل َ‬
‫اْل لق ﴾‪ ،‬أي فال تكن من الممترين‬ ‫على التفريع على قوله‪﴿ :‬يعلمون أنه مَنل مِن رب ِ ِ‬
‫في أنهم يعلمون ذلك‪ ،‬والمقصود تأكيد الخبر كقول القائل بعد الخبر‪ :‬هذا ما ّلشك فيه‬
‫فاّلمتراء المنفي هو اّلمتراء في َّ‬
‫أن أهل الكتاب يعلمون ذلك غريبا اجتماع علمهم وكفرهم‬

‫به‪ ،‬ويجوز أن يكون خطابا لغير معيَّن‪ُ ،‬‬


‫ليع َّم جميع من يحتاج إلى مثل هذا الخطاب‪ ،‬أي‬
‫السامع من الممتَرين‪ ،‬أي الشاكين في كون القرآن من عند اهلل" ‪ ،2‬وهذاللدّللة‬ ‫َّ‬
‫تكونن أيها ّ‬ ‫فال‬
‫على نفي ال ّشك في كون القرآن من عند اهلل والتحذير منه باعتبار َّ‬
‫أن القرآن من عند اهلل‬

‫‪ - 1‬األنعام‪ ،‬آية ‪.117‬‬


‫‪ - 2‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.14‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وحده ّل شريك له وهنا لتأكيد هذا الخبر الذي ّل يحتمل أي شك وهذا للتأثير على المتلقي‬
‫أي نقص‪.‬‬ ‫وايصال المعنى كامال بدون‬
‫ََْ َ‬ ‫ُْ‬ ‫إن‪ :‬قال تعالى‪﴿ :‬إ َّن َّ َ‬
‫ُم ِر ٌج َما ْحذ ُرون﴾ ‪ 1‬فاهلل سبحانه وتعالى يخرج كل ما تذرون‬ ‫اَّلل‬ ‫ِ‬
‫ظهوره من القبائح‪ ،‬واستعمال أسلوب التوكيد من أجل دفع التردد أورد اإلنكار فاهلل أوفى‬
‫بوعده وهذا إلقرار المعنى والتأثير على السامع باإلقناع واإللزام‪.‬‬
‫لَع ال ْ َعالَم َ‬
‫ي﴾ ‪ ،2‬لقد‬
‫َّ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ُ ا َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ‬
‫وقال أيضا‪﴿ :‬إن اَّلل اصطِف آ َدم ونوحا وآ َل إِبراهِيم وآ َل عِمران‬
‫ِ‬

‫فسر بن عاشور هذا النوع من التراكيب في ضوء معناه المقامي فرأى أنه "إنما ابتدئ الكالم‬
‫ّ‬
‫بمسند إليه خبره فعلي وذلك إلقامة تقوية الخبر اهتماما به" ‪ ،3‬وهذا للدّللة على أن اهلل قام‬
‫بالفعل على وجه الحقيقة لذلك أسند الفعل "اصطفى" له وحده ّل شريك له وهذا دليل قاطع‬
‫على عظمته‪ ،‬هذا لالهتمام به وهذا للتأثير طبعا في السامع‪.‬‬
‫َ ُ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬إِن ُر ُسل َنا يَك ُت ُبون َما ت ْمك ُرون﴾ ‪" ،4‬وتأكيد الجملة لكون المخاطبين‬

‫يحسون أنهم يمكرون بالنبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وأن‬‫يعتقدون خالف ذلك‪ ،‬إذ كانوا ّ‬
‫َّ‬
‫الموكلين بإحصاء األعمال‬ ‫مكرهم يتمشى عليه وّل يشعر به‪ ،‬فأعلمهم اهلل بأن المالئكة‬
‫يكتبون ذلك‪ ،‬والمقصود من هذا أن ذلك محصي عليهم ّل يهمل وهو إنذار بالعذاب عليه‬
‫"إن" على هذه الجملة للدّللة على تأكيد العدل‬
‫وهو يستلزم علم اهلل تعالى بذلك" ‪ ،‬أُدخلت ّ‬
‫‪5‬‬

‫في إحصاء أعمال البشر‪.‬‬

‫‪ - 1‬التوبة‪ ،‬آية ‪.67‬‬


‫‪ -‬أل عمران‪ ،‬آية ‪.22‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ - 3‬الطّاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.371‬‬


‫‪ - 4‬يونس‪ ،‬آية ‪.31‬‬
‫‪ - 5‬الطَّاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.127‬‬
‫‪56‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬
‫َ َ ْ ْ‬ ‫َّ َّ َ َ ْ‬
‫ين﴾ ‪ ،1‬وهذا َّ‬
‫للدّللة‬ ‫اَّلل َل يُصل ِ ُح ع َمل ال ُمف ِ‬
‫س ِد َ‬ ‫وقال جل جالله في سورة يونس‪﴿ :‬إِن‬

‫على أن اهلل عز وجل ّل يصلح عمل المفسدين و ّأنه منزه عن ذلك‪ ،‬وهذا دليل على عظمته‬
‫عدله‪ ،‬وتأكيد الخبر هنا جاء للتأثير على المتلقي وتقرير المعنى أكثر ولذلك أكد ب‪" :‬إن"‬
‫زيادة في إلغاء الهول في نفوسهم‪.‬‬
‫ض َو ََل ِف َّ‬
‫الس َماءِ﴾ ‪" ،2‬وهذا‬ ‫ِ‬ ‫َش ٌء ِف ْاْلَ ْ‬
‫ر‬ ‫اَّلل ََل ََيْ َِف َعلَيْه ِ َ ْ‬
‫وقال عز وجل أيضا‪ ﴿ :‬إ َّن َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فيه تقرير إحاطة علمية بالمعلومات كلها‪ ،‬جليها وخفيها ظاهرها باطنها‪ ،‬ومن جملة ذلك‬
‫األجنة في البطون التي ّل يدركها بصر المخلوقين وّل ينالها علمهم‪ ،‬وهو تعالى يدبِّرها‬
‫أن" على الكالم لتأكيد علم اهلل‬
‫ويقدرها بكل تقدير" ‪،‬ودخول حرف التوكيدّ ّ‬
‫‪3‬‬
‫بألطف التدبير ّ‬
‫عز وجل بك ّل شيء‪ ،‬وذلك من أجل إقناع المخاطب‪.‬‬ ‫ّ‬
‫َّ َ ُ ْ َ َ ٌ َ ٌ َ َّ ُ َ ٌ ُ ْ َ‬ ‫َّ َّ َ َ َ‬
‫‪4‬‬
‫يز ذو انتِقا ٍم﴾‬ ‫ين كف ُروا بِآ َيَ ِ‬
‫ات اَّلل ِ لهم عذاب ش ِديد واَّلل ع ِز‬ ‫وقال أيضا‪﴿ :‬إِن ِ‬
‫اَّل‬
‫َّ‬
‫فالدّللة في هذه اآلية الكريمة على التهديد الرهيب للذين كفروا بعذاب شديد‪ ،‬وذلك‬
‫"إن" لتأكيد الخبر هذا الخبر ب‪" :‬إن" للتأثير على المتلقي واقرار‬
‫باستعمال حرف التوكيد ّ‬
‫المعنى المراد منه‪.‬‬
‫َّ ُ ْ ُ َ ٌ َ َ َ َّ ُ َ‬
‫وقال كذلك‪﴿ :‬إِنهم أناس يتطهرون﴾ ‪" ،‬علة األمر باإلخراج‪ ،‬ذلك شأن "إن" إذا‬
‫‪5‬‬

‫جاءت في مقام ّلشك فيه وّل إنكار‪ ،‬بل كانت لمجرد اّلهتمام فإنها تفيد مفاد فاء التفريع‬
‫وتدل على الربط والتعليل"‪ ،6‬على ما فيه دّللة توكيدية متصلة ألن التطهر متكرر منهم‬

‫‪ - 1‬يونس‪ ،‬آية ‪.71‬‬


‫‪ - 2‬آل عمران‪ ،‬آية ‪.57‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫‪ - 4‬آل عمران‪ ،‬آية ‪.75‬‬
‫‪ - 5‬األعراف‪ ،‬آية ‪.73‬‬
‫طاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.320‬‬
‫‪ - 6‬ال ّ‬
‫‪56‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ومتجدد ذلك لتأكيد المعنى وتحقيق المراد منه للتأثير في المتلقي بأسلوب التوكيد باعتباره‬
‫آلية من آليات اإلقناع التي تدفع السامع إلى التمعُّن أكثر‪.‬‬
‫َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ََ ََ‬
‫ين آ ََم ُنوا إِن ُه ْم ُمَلقو َربل ِ ِه ْم﴾ ‪" ،1‬وجملة "ِإَّنهُم ُم َالقُو‬
‫اَّل َ‬ ‫ِ‬ ‫ار‬ ‫َ‬
‫قال جل ثناؤه‪﴿ :‬وما أن ِ ِ ِ‬
‫د‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫ا‬

‫َربِّ ِهم " في موقع التعليل لنفي أن يطردهم بأنَّهم صائرون إلى اهلل في اآلخرة‪ ،‬فمحاسب‬
‫من يطردهم‪ ،‬هذا إذا كانت المالقاة على الحقيقة أرادوا أنهم يدعون ربهم في صالته‬
‫إن" إن كان اللقاء حقيقة لرد‬
‫فينتصر اهلل لهم‪ ،‬فإذا كانت المالقاة مجازية تأكيد الخبر ب‪ّ " :‬‬
‫إنكار قومه البعث‪ ،‬وان كان اللقاء لمنكري البعث والتأكيد لالهتمام بذلك اللقاء" ‪ ،2‬فذلك‬
‫للدّللة على أهمية اللقاء لمنكري البعث وتأكيد الجملة للتأثير على المتلقي وتأكيد الخبر‬
‫"إن" كان الخبر جاء لرد إنكار قومه البعث وان كان اللقا ء مجا از فالتأكيد لالهتمام بذلك‬
‫ب‪ّ :‬‬
‫اللقاء‪ ،‬وقد زاد هذا التأكيد تأكيدا‪.‬‬
‫إن" جيء بها‬ ‫َ ‪3‬‬ ‫َّ ُ ْ َ َّ‬
‫وقال جل شأنه‪﴿ :‬إِنهم مِن الصاْلِ ِي﴾ ‪ ،‬وهذه الجملة المصدرة ب‪ّ ":‬‬
‫اهم ِفي َرح َمتَِنا﴾ ‪ ،4‬وهذا‬
‫كتعليل إلدخالهم في رحمته وتذليل للكالم في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وأَد َخلَن ُ‬
‫يفي د أن تلك سنة اهلل مع جميع الصالحين‪ ،‬وهذا للدّللة على رحمة اهلل بعباده الصالحين‬
‫فإن الجزاء من جنس العمل فلقد‬
‫ألنهم الكاملون في الصالح لعصمتهم من الذنوب‪ ،‬ومنها ّ‬
‫صدق عهد اهلل للصاحين من التأكيد المعنى والتأثير على المتلقي‪.‬‬
‫َّ ‪5‬‬ ‫َّ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ‬ ‫َّ ُ ُ َّ َ ُ‬
‫النجاة ولم‬
‫ّ‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫يطلب‬ ‫"لم‬ ‫﴾‬‫ِ‬ ‫اَّلل‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫و‬‫د‬ ‫ِن‬ ‫م‬ ‫اء‬ ‫ِل‬
‫ِ‬ ‫و‬‫أ‬ ‫ي‬‫ط‬‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫الش‬ ‫وا‬ ‫ذ‬ ‫قال عز وجل‪﴿ :‬إِنهم اَّت‬

‫تفكروا في ضالل الشرك البين‪ ،‬ولكنهم استوحوا شياطينهم‪ ،‬وطابت نفوسهم بوسوستهم‬
‫وأتمروا‪ ،‬واتخذوهم أولياء‪ ،‬فال جرم أن يدوموا على ضاللهم ألجل اتخاذهم الشياطين أولياء‬

‫‪ - 1‬هود‪ ،‬آية ‪.39‬‬


‫‪ - 2‬الطّاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،13‬ص ‪.06- 00‬‬
‫‪ -‬األبياء‪ ،‬آية ‪.76‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ - 4‬األنياء‪ ،‬آية‪.76 ،‬‬


‫‪ - 5‬األعراف‪ ،‬آية ‪.25‬‬
‫‪56‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ألن في أنفسهم إصرار‬


‫من دون اهلل" ‪ ،‬وهذا للدّللة على التأكيد اتخاذ الشياطين أولياء ّ‬
‫‪1‬‬

‫ألن أسلوب التوكيد‬


‫على الشرك باهلل سبحانه وهذا فيه التأكيد للمعنى والتأثير على المتلقي ّ‬
‫من آليات اإلقناع‪.‬‬
‫َّ َ َ ْ‬
‫اَّلل شيئاا﴾ ‪ 2‬والمعنى الذي يستفاد من هذا الشكل‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬إ َّن ُه ْم لَ ْن يَ ُ ُّ‬
‫ُضوا‬ ‫ِ‬
‫أن كفرهم ّل ينقص من ملك اهلل سبحانه شيئا‪ ،‬وجيء بحرف التأكيد‬
‫التركيبي يتمثل في ّ‬
‫"أن" مثل هذا المقام للدّللة على التعليل والتأكيد ونفي زعم َمن يظنون ّأنه يضروا اهلل‬
‫ّ‬
‫بأعمالهم‪.‬‬
‫"إن" هنا ّل يقصد به رد َّ‬ ‫َ ‪3‬‬ ‫َّ ُ ْ َ ُ َ ْ ا َ‬
‫الشك‬ ‫ّ‬ ‫"وحرف‬ ‫﴾‬ ‫ي‬‫م‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫وقال جل شأنه‪﴿ :‬إ ِنهم َكنوا قوما‬

‫والتردد‪ ،‬إذ ّل شك فيه‪ ،‬وانما المقصود من الحرف الدّللة على اّلهتمام بالخبر‪ ،‬من شأن‬
‫‪4‬‬
‫"ِإ َّن " جاءت لالهتمام أن تقوم مقام فاد التفريغ‪ ،‬ونفيد التعليل وربط الجملة بالتي قبلها"‬
‫"إن"للدّللة على اّلهتمام بالخبر ذلك يؤدي إلى تأكيد المعنى عند المتلقي‪.‬‬
‫وفي هذا المقام ّ‬
‫َ‬
‫َّ ُ ْ ْ َ ْ َ ُ َ َ ْ ُ ْ َ ْ ُ ُ ُ ْ ْ ُ ُ ُ‬
‫يدوك ْم‬ ‫وقال جل من قائل في كتابه العزيز‪﴿ :‬إِنهم إِن يظهروا عليكم يرَجوكم أو يعِ‬
‫ْ ‪5‬‬ ‫َّ‬
‫"إن" الدالة على التوكيد‪ ،‬ألن حدوث الشرط سيكون‬ ‫ّ‬ ‫بالحرف‬ ‫اآلية‬ ‫‪،‬تصدرت‬ ‫﴾‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِِف مِل ِ‬
‫ِ‬ ‫ت‬

‫حتما‪ ،‬وهذا لتأكيد المعنى وتقريره‪.‬‬


‫َ َ ُّ ُ ْ ‪6‬‬ ‫َّ َّ َ َ ل‬
‫"إن" هنا واقعة مع التَّعليل للدّللة على التقرير‬
‫وقال كذلك‪﴿ :‬إِن اَّلل ر ِّب وربكم﴾ ّ‬
‫والطاعة هلل ألنه هو الواحد األحد‪.‬‬

‫‪ - 1‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪.91‬‬


‫‪ - 2‬آل عمران‪ ،‬آية ‪. 146‬‬
‫‪ - 3‬األعراف‪ ،‬آية ‪.67‬‬
‫‪ - 4‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.197‬‬
‫‪ - 5‬الكهف‪ ،‬آية ‪.35‬‬
‫‪ - 6‬آل عمران‪ ،‬آية ‪.01‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫َ‬ ‫َ َ ََ ُ َ َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َّ ُ ْ َ َّ‬


‫"أن" الدالة‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ذلك بِأنهم كذبوا بِآ َياتِنا وَكنوا عنها َغفِلِي﴾ ‪" ،‬واجتلبت ّ‬
‫‪1‬‬

‫على المصدرية والتوكيد لتحقيق هذا السبب وتأكيده‪ ،‬ألنه محل غرابة وجعل السند فعال‬
‫أن ُخلق‬
‫ماضيا ّل فائدة أن وصف التكذيب قديم راسخ فيهم‪ ،‬فكان رسوخ ذلك فيهم سببا في ّ‬
‫الختم على قلوبهم فال يشعرون بنقائصهم‪ ،‬وّل يصلحون أنفسهم فال يزالون متكبرين‬
‫الطبع و ُ‬
‫ُ‬
‫معرضين غاوين‪.‬‬
‫الالم بالمسند والمسند إليه على اختالف صورهما الصرفية ورغم‬
‫الالم‪ :‬وتقرن هذه ّ‬
‫اختالف تسميتهما عند النحاة بسب خصوصية استعمالها‪ ،‬إّل أن الدّللة التي تؤديها‬
‫في جميع هذه اّلستعماّلت هي التوكيد وهي "ّلم اّلبتداء" و"الالم الموطأة" و"ّلم جواب‬
‫القسم" و"الالم المزحلقة" و"الالم الواقعة في جواب الشرط ّلمتناع"‪ ،‬وسنورد أمثلة لبيان ما‬
‫تؤديه سياقيا في الخطاب من خالل النص القرآني‪.‬‬
‫َّ ‪2‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ َ َ ُّ َ ْ َ ا‬
‫قال جل ثناؤه في محكم تنزيله‪ْ﴿ :‬لنتم أشد رهبة ِِف صدورِهِم مِن اَّلل ِ﴾ ‪ ،‬دخلت ّلم‬

‫اّلبتداء في اآلية تأكيد الرهبة الواقعة التي يكذب بها المنافقين وهذا لتأكيد الكالم وايصال‬
‫المعنى بصورة أكثر قوة باعتبار التوكيد من آليات اإلقناع‪.‬‬
‫َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ ُّ َ َ َ ْ َ‬
‫َتَض﴾ ‪ ،3‬هنا دخلت ّلم اّلبتداء على "سوف"‬ ‫وقال أيضا‪﴿ :‬ولسوف يع ِطيك ربك ف‬

‫وذلك لتأكيد على حدوث الفعل وتنفيد اهلل عز وجل لوعده في اآلخرة بال حساب وّل سابق‬
‫عذاب‪.‬‬
‫َّ ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اَّلل ِِلَغفِرََل ُه ْم﴾ ‪ ،4‬في هذه اآلية دخلت الالَّم أيضا‬ ‫وقال اهلل تعالى كذلك‪﴿ :‬ل ْم يَك ِن‬

‫على المضارع دّللة على النفي والتوكيد‪ ،‬وهذا يؤدي إلى تحقيق المعنى في النفس باعتبار‬
‫أن "الالم" من األدوات التي تستعمل للتوكيد أي أنها من أساليب اإلقناع‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ - 1‬األعراف‪ ،‬آية ‪.176‬‬


‫‪ - 2‬الحشر‪ ،‬آية ‪.12‬‬
‫‪ - 3‬الضحى‪ ،‬آية ‪.50‬‬
‫‪ - 4‬النساء‪ ،‬آية ‪.124‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ُ َ ُ ُ َ َ ُ ُ َ َ ُّ َ َ‬
‫وقال كذلك‪ ﴿ :‬إِذ قالوا ِلُوسف وأخوه أحب إَِل أبِينا مِنا﴾ ‪ ،‬دخول ّلم اّلبتداء‬
‫‪1‬‬

‫حبه لهما وهذا أمر ثابت ّل مراد‬


‫على كلمة "يوسف" جاء لتحقيق مضمون الجملة أي زيادة ّ‬
‫فيه وذلك للدّللة على التأكيد وتحقيق المعنى المراد وللتأثير في المتلقي‪.‬‬
‫ٌ ‪2‬‬ ‫َّ َ َّ ُ َ‬
‫"إنما" في هذا التركيب كان للدّللة‬
‫حد﴾ ‪ ،‬مجيء ّ‬ ‫اَّلل إ ِ ٌَل َوا ِ‬ ‫إ ّنما‪ :‬قال عز من قائل‪﴿ :‬إِنما‬

‫على انفراد اهلل عز وجل في ألوهيته‪ ،‬و ّأنه سبحانه وحده ّل شريك له هو الخالق المعبود ّل‬
‫"إنما" من مؤكدات الخبر‪.‬‬
‫أن ّ‬ ‫غير‪ ،‬أي تخصيصه بالعبادة‪ ،‬باعتبار ّ‬
‫أن اهلل‬ ‫المعنى‬
‫و‬ ‫الحصر‬ ‫هنا‬ ‫ما"‬‫"إن‬ ‫أفادت‬ ‫‪،‬‬‫‪3‬‬
‫﴾‬ ‫د‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ا‬‫و‬‫وقال كذلك‪﴿ :‬قُ ْل إ َّن َما ُهوََإ َ ٌَل َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مخصوص بالوحدانية ونفي أن يكون معه آلهة أخرى‪ ،‬وهو و ّأنه حده المخصوص بالعبادة‬
‫وهذا لتأكيد المعنى في نفس المتلقي أي إقناعه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َّ َ َ َّ َ َ ل َ ْ َ َ َ‬
‫حش َما ظ َه َر مِن َها َو َما َب َط َن﴾ ‪" ،4‬والجلمة‬‫وقال جل ثناؤه‪﴿ :‬قل إِنما حرم ر ِّب الفوا ِ‬

‫"إنما" على جملة فعلية مفيدة‬


‫الصدرية ب"إنما" أخذت وظيفة مقول القول كمفعول به‪ ،‬ودخلت ّ‬
‫أن اهلل حرم الفواحش ما ذكر معها ّل‬
‫للقصر الذي يسميه البالغيون قص ار إضافيا‪ ،‬مفاده ّ‬
‫حرمتموه من ال زينة والطيبات‪ ،‬فأفاد إبطال اعتقادهم‪ ،‬كأنه قال‪" :‬ما حرم إّل الفواحش‪"...‬‬
‫ما ّ‬
‫‪5‬‬
‫وهو ما يستفاد منه تحليل ما زعموه حراما وتحريم ما استباحوه من الفواحش وما معها"‬
‫وهذا كلّه للدّللة على القصر وهذا للتأكيد معنى والتأثير على السامع‪.‬‬
‫اَّلل ِ نَص ا‬
‫َّ‬ ‫َّ َ ًّ َ َ َ‬ ‫َََ‬
‫ْيا﴾ ‪ ،6‬ودخول باء‬ ‫ِ‬ ‫الباء‪ :‬قال اهلل تعالى في سورة النَّساء‪﴿ :‬وكِف بِاَّلل ِ و ِِلا وكِف ب ِ‬
‫السامع إلى معرفة تفصيلية كذلك‬
‫زائدة لتوكيد الكفاية للدّللة على إبهام يحصل ليشوق ّ‬

‫‪ - 1‬يوسف‪ ،‬آية ‪.57‬‬


‫‪ - 2‬النساء‪ ،‬آية ‪.141‬‬
‫‪ - 3‬األنعام‪ ،‬آية ‪. 19‬‬
‫‪ - 4‬األعراف‪ ،‬آية ‪.22‬‬
‫‪ -‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.99‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ - 6‬النساء‪ ،‬آية ‪.70‬‬


‫‪53‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الدّللي‬
‫لما قبلها‪ ،‬ويشرح لنا بن عاشور دوره ّ‬
‫تعد تذييال ّ‬
‫ألن هذاه الجملة ّ‬
‫للتأكيد المعنى ّ‬
‫ألن اإلخبار عن اليهود‬
‫في هذه اآلية فيرى ّأنه جاء به لطمأنة نفوس المؤمنين بنصر اهلل‪ّ ،‬‬
‫بأنهم يريدون ضالل المسلمين و ّأنهم أعداء للمسلمين من شأنه أن يلقي الروع في قلوب‬
‫ّ‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ل ‪1‬‬ ‫َ َ َ َّ ْ َ َ ْ ُ‬
‫سهِن﴾ ‪ ،‬كما جاءت الباء الزائدة للدّللة على زيادة التوكيد وهذا‬
‫وقال أيضا‪﴿ :‬يَتبصن بِأنف ِ‬

‫ما يؤدي إلى إيصال المعنى والتأثير في المتلقي‪.‬‬


‫س ا‬ ‫َّ َ‬ ‫ََ‬
‫يبا﴾ ‪ ،2‬جيء بالباء الزائدة في هذه اآلية الكريمة دّللة‬ ‫وقال كذلك‪َ ﴿ :‬وكِف بِاَّلل ِ ح ِ‬

‫ألنه من أساليب‬
‫النفي‪ ،‬هذا ما يؤدي إلى التأثير في المتلقي بهذا األسلوب ّ‬
‫على توكيد ّ‬
‫اإلقناع‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِبذ ِع اَلَّخلة﴾ ‪ ،3‬اتصال الباء الزائدة بالمفعول به‬ ‫وقال عز من قائل‪َ ﴿ :‬وه ل ِزي إِِل ْ ِ‬
‫ك ِِ‬
‫دّللة على الثّبات والتوكيد وهذا للتأثير على المتلقي‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ ََْْ َ ْ ُل‬
‫يج﴾ ‪ ،‬يظهر جل ـيا أن "من" في هذا‬
‫‪4‬‬
‫من‪ :‬قال جل شأنه‪﴿ :‬وأنبتنا فِيها مِن ِ‬
‫ُك زو ٍج بهِ ٍ‬
‫الموضع مزيدة للتوكيد‪ ،‬وزيادة "من" في غير النَّفي نادرة‪ ،‬أي أقل من زيادتها في النَّفي‬
‫ولكن زيادتها في اإلثبات واردة في الكالم الفصيح وهذا للدّللة على العموم والتوكيد‪.‬‬
‫يها م ِْن بَ َرد﴾ ‪" ،5‬المقصود من التوكيد‬ ‫َن ُل م َِن َّ‬
‫الس َماءِ م ِْن ج َبال ف ِ َ‬ ‫َ َُل‬
‫ِ ٍ‬ ‫وقال أيضا‪ ﴿ :‬وي ِ‬
‫أن اهلل أنبت ما على األرض من أنواع حين َّادعوا‬
‫بالحرف "من" تنزيلهم منزلة من ينكر ّ‬
‫ألن الكالم فيها‬
‫استحالة إخراج الناس من األرض ولذلك جيء بالتوكيد في هذه اآلية ّ‬

‫‪ - 1‬البقرة‪ ،‬آية ‪. 337‬‬


‫‪ - 2‬النساء‪ ،‬آية ‪. 50‬‬
‫‪ - 3‬مريم‪ ،‬آية ‪. 30‬‬
‫‪ - 4‬ق‪ ،‬آية ‪. 54‬‬
‫‪ - 5‬النور‪ ،‬آية ‪.72‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫على المشركين " ‪،1‬والتوكيد هنا للدّللة على قدرة اهلل سبحانه وتعالى فهو القادر على كل‬
‫شيء‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َّ‬
‫ول إَِل ِِلُ َطاع بِإِذ ِن اَّلل ِ﴾ ‪" ،2‬يخبر تعالى خب ار‬ ‫وقال جل ثناؤه‪َ ﴿ :‬و َما أَ ْر َسل ْ َنا م ِْن َر ُ‬
‫س‬
‫ٍ‬
‫الرسل أن‬
‫الرسول‪ ،‬واّلنقياد له‪ ،‬وأن الغاية من إرسال ّ‬
‫في ضمنه األمر والحث على طاعة ّ‬
‫يكونوا مطاعين" ‪ ،3‬وهذا للدّللة على اإلثبات والتوكيد على وجوب طاعة الرسل من غير‬
‫تشكيك في صدقهم واخالصهم‪.‬‬
‫َُ ُ‬
‫ود َها اَلَّ ُ‬ ‫َّ َ َّ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َ ْ َ َْ ُ‬
‫اس‬ ‫ار ال ِِت وق‬ ‫وقال أيضا‪﴿ :‬فإِن ل ْم تف َعلوا َول ْن تف َعلوا فاتقوا اَل‬
‫َ ْ َ َُ‬
‫ارة﴾ ‪4‬دخلت "لن" في هذا المقام على هذه الجملة للدّللة على التوكيد‪ ،‬وتشديد نفي‬ ‫واْلِج‬

‫الفعل في المستقبل وذلك للتأثير على المتلقي واقناعه بالخبر المقصود‪.‬‬


‫َ َ ْ َ َ َ َّ ْ ُ َ َ ا َ َ َّ َ ْ َ‬
‫ت أي ْ ِدي ِه ْم﴾ ‪" ،5‬لن" في هذه اآلية الكريمة تدل‬ ‫وقال جل شأنه‪﴿ :‬ولن يتمنوه أبدا بِما قدم‬

‫على نفي الفعل في المستقبل وهذا لتأكيد المعنى وذلك للتأثير على المتلقي‪.‬‬
‫َ ْ َ ْ ًّ ‪6‬‬
‫ََْ ُ َ لَ ْ‬
‫سيا﴾ ‪ ،‬في هذا المقام أيضا دخلت "لن" لنفي الفعل‬ ‫وقال كذلك‪﴿ :‬فلن أكلِم اِلوم إِن ِ‬

‫في المستقبل وذلك لما تعطيه لن من نفي أبدي‪.‬‬


‫َ َْ‬ ‫اموا َف َقالُوا َربُّ َنا َر ُّب َّ‬
‫َا ‪7‬‬ ‫َْ َْ َُ ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫الس َم َ‬ ‫وقال أيضا‪﴿ :‬إذْ قَ ُ‬
‫ض لن ندعو مِن دونِه ِ إِلها﴾‬
‫ات واْلر ِ‬
‫او ِ‬ ‫ِ‬

‫أي ّل ندعوا إله آخر من دون اهلل وهذا لتأكيد التوجيه له وكذلك للدّللة على النفي‬
‫الزمان‪.‬‬
‫المستغرق تأبيد ّ‬

‫‪ - 1‬الطّاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،36‬ص ‪.379‬‬


‫‪ - 2‬النساء‪ ،‬آية ‪.67‬‬
‫‪ - 3‬عبد الرحمن‪ ،‬بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص ‪.160‬‬
‫‪ - 4‬البقرة‪ ،‬آية ‪.37‬‬
‫‪ - 5‬البقرة‪ ،‬آية ‪. 90‬‬
‫‪ - 6‬مريم‪ ،‬آية ‪. 36‬‬
‫‪ - 7‬الكهف‪ ،‬آية ‪.17‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ُ ٍ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ْ َ َّ َ ْ َ ْ‬
‫أن‬
‫وَح إَِل نوح أنه لن يؤمِن مِن قومِك إَِل من قد آ َمن﴾ ‪ ،‬حيث ذكر ّ‬
‫‪1‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬وأ ِ‬

‫فيه تأييسا له من إيمان بقية قومه‪ ،‬كما د ّل الحرف"لن" على تأبيد النفي في المستقبل أي لن‬
‫يؤمنوا باهلل أبدا‪.‬‬
‫َ‬
‫ج َزهُ ه َرباا﴾ ‪ ،2‬جمع بين‬
‫ََْ ُ ْ‬
‫ع‬ ‫ن‬ ‫ن‬‫ل‬‫و‬ ‫ض‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬و َأنَّا َظ َن َّنا أَ ْن لَ ْن نُعج َز َّ َ‬
‫اَّلل ِف ْاْلَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدال‬
‫معنى التأبيد والتأكيد "والظن هنا مستعمل في اليقين بقرينة تأكيد المظنون بحرف "لن" ّ‬
‫على تأبيد النفي وتأكيده "‪.3‬‬
‫َ َ ْ ُ َ ل َّ ُ َ ْ ا َ َ َ‬
‫َ ُ َ ‪4‬‬ ‫خ َر اَّلل نفسا إذا ج َ‬
‫اء أجلها﴾ ‪ ،‬يقول الزمخشري في تفسيره‬ ‫ِ‬ ‫وقال عز وجل‪﴿ :‬ولن يؤ ِ‬

‫" دّللة "لن"على التوكيد في هذه اآلية " َوَلن ُي َؤ ِّخَر اللَّهُ" نفي التأخير على وجه التأكيد الذي‬
‫معناه منافاة المنفي" ‪ ،5‬وهنا لن دلّت على نفي التأخير وهذا لتأكيد المعنى والتأثير‬
‫على المتلقي‬
‫َّ َّ َ َ‬
‫ك َف ُروا بآ َيَات ِ َنا َس ْو َف نُ ْصلِيه ْم نَ ا‬
‫‪6‬‬
‫ارا﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سوف‪ :‬قال عز وجل في سورة النساء‪﴿ :‬إِن ِ‬
‫اَّلين‬

‫"إن" للدّللة على توكيد النسبة بعدها‪ ،‬ثم إن المسند فيها جاء مصد ار بأداة‬
‫صدرت الجملة ّ‬
‫توكيد تفيد اّلستقبال والتوكيد ‪ ،‬ألن الخبر هنا يحتاج إلى مزيد تأكيد بالحصول فيصلى‬
‫الكفار نارا‪ ،‬ووعيد وتهديد وهو أمر سيحدث ّل محالة وهذا لتأكيد المعنى بهذا األسلوب‪.‬‬
‫َ ُ َْ َ َ ُ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ ْ ُ َ‬
‫ضمير الفصل‪ :‬قال سبحانه وتعالى في محكم تنزيله‪﴿ :‬وقلنا يا آ َدم اسكن أنت وزوجك‬
‫ْ ُ‬
‫اسك ْن" ليصبح العطف عليه‬ ‫اْل َّن َة﴾ ‪َ " ،7‬أن ْ َ‬
‫ت" في هذه اآلية تأكيد للضير المستتر في "‬ ‫َْ‬

‫‪ - 1‬هود‪ ،‬آية ‪.26‬‬


‫‪ - 2‬الجن‪ ،‬آية ‪.13‬‬
‫‪ - 3‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج ‪ ،39‬ص ‪.327‬‬
‫‪ - 4‬المنافقون‪ ،‬آية ‪.11‬‬
‫الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،56 ،‬ص‪.119‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ - 6‬النساء‪ ،‬آية ‪. 06‬‬


‫‪ - 7‬البقرة‪ ،‬آية ‪. 20‬‬
‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وهو استعمال العربية عند عطف اسم على ضمير متصل مرفوع فال يكادون يتركونه‬
‫ويقصد بذلك زيادة إيضاح المعطوف فتحصل فائدة تقرير مدلول المعطوف حتى ّل يكون‬
‫تابعة المعطوف عليه‪" ،‬أبرز منه في الكالم‪ ،‬فليس الف صل يمثل هذا الضمير مفيدا لتأكيد‬
‫ألن اإلتيان بالضمير ّلزم ّل خيرة للمتكلم فيه‪ ،‬فال يكون مقتضى حال وّل يعرف‬
‫النسبة ّ‬
‫ّل يخلد من حصول تقرير معنى الضمير" ‪.1‬‬ ‫تأكيد‪،‬ولكنه‬
‫ّ‬ ‫أن المتكلم مريد به‬
‫السامع ّ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ ْ َ ا‬ ‫ْ َ‬
‫أنا أقل مِنك َماَل َو َو الا﴾ ‪ ،2‬دخول الضمير في هذه‬ ‫وقال عز من قائل‪﴿ :‬إِن ت َر ِن‬

‫اآلية الكريمة دّللة على التقرير والتوكيد وذلك طبعا للتأثير في المتلقي ‪.‬‬
‫ََ َ َْ ْ‬
‫ك َنا م ِْن قَ ْريَة إ ََّل َول َ َها ك ِ َت ٌ‬
‫اب َمعْلُ ٌ‬
‫وم﴾ ‪" ،3‬فائدة "الواو" هنا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الواو‪ :‬قال جل ثناؤه‪﴿ :‬وما أهل‬

‫تأكيد لصوق الصفة بالموصوف كما يقال في الحال "جاءني زيد عليه ثوب" و"جاءني عليه‬
‫بأن الذين‬
‫أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر" وهذه الواو هي التي أذنت ّ‬
‫‪4‬‬
‫ثوب" للدّللة وعلى ّ‬
‫َْ‬ ‫ٌ َ‬
‫قالوا‪َ ﴿" :‬سبْ َعة َوثام ُِن ُه ْم َك ُب ُه ْم﴾ ‪ ،5‬قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس‪ ،‬ولم يرجموا بالظن كما‬

‫غيرهم" ‪ ،6‬وهذه الدّللة تضمنها مجيء واو تزاد بعد "إّل" لتأكيد الحكم المطلوب إثباته‪ ،‬إذا‬
‫كان في محل الرد واإلنكار نحو‪" :‬ما من أحد إّل وله طمع وحسد" واألصل أّلّ تدخلها‬
‫الواو‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ْ‬
‫كقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َما أهلك َنا م ِْن ق ْريَ ٍة إَِل ل َها ُمن ِذ ُرون﴾ ‪ ،7‬لكن لما شابهت صورتها‬

‫أن اتصافه‬
‫صورة الحال أدخلت عليها تأكيدا للصوق الصفة بالموصوف وهذا للدّللة على ّ‬

‫‪ - 1‬الط اهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.737‬‬


‫‪ -‬الكهف‪ ،‬آية ‪. 29‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ - 3‬الحجر‪ ،‬آية ‪. 57‬‬


‫‪ - 4‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪. 137‬‬
‫‪ - 5‬الكهف‪ ،‬آية ‪. 33‬‬
‫‪ - 6‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪. 352‬‬
‫‪ -‬الشعراء‪ ،‬آية ‪. 57‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪55‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫بها أمر ثابت وهذا لتأكيد المعنى والتأثير على المتلقي بأسلوب التوكيد ألنه من األساليب‬
‫التي لها التأثير الكبير على نفس السامع باعتباره من آليات اإلقناع واإللزام‪.‬‬

‫‪ / 3‬التوكيد بالتكرار ‪:‬‬


‫َ َّ ُ َ ْ ُ َ َ ا َ ْ ا‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ْ‬ ‫ات اَلَّ‬ ‫أ ‪ -‬تكرار الظرف‪ :‬قال تعالى ‪َ ﴿:‬وم ِْن َث َم َ‬
‫خذون مِنه سكرا ورِزقا‬ ‫يل واْلعن ِ‬
‫اب تت ِ‬ ‫ِ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ْ ُ َ‬ ‫َ َ َ ا َ‬ ‫َّ‬
‫َح َس انا إِن ِِف ذل ِك َل َيَة لِق ْو ٍم َيعقِلون﴾ ‪" ،1‬فإن قلت"بم تعلق قوله ‪":‬من الثمرات النخيل‬

‫واألعناب"؟قلت بمحذوف تقديره "ونسقيكم من ثمرات النخيل واألعناب" أي من عصيرها‬


‫وحذف للدّللة نسقيكم قبله عليه‪ ،‬وقوله ‪":‬واألعناب تتخذون منه سكرا" بيان وكشف‬
‫عن اّلسقاء‪ ،‬أو يتعلق بتتخذون ومنه من تكرير الظرف للتوكيد كقولك "زيد في الدار‬
‫فيها" ‪.2‬‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ب ‪ -‬تكرار الخالفة‪ :‬قال عز وجل ‪ ﴿:‬هيْ َهات هيْ َهات ل َِما توع ُدون﴾ ‪" ،3‬هيهات" اسم فعل أي‬

‫خالفه معناه "َب ُع َد"‪ ،‬وكرر للتوكيد وهو من باب تكرار المسند وهذا للدّللة على تناسب الحكم‬
‫الذي يمثله المسند ‪.‬‬
‫ج – تكرار الجملة ‪:‬‬
‫ّسا (‪ )0‬إ َّن َم َع ال ْ ُع ّْس ي ُ ْ ا‬
‫ّسا﴾ ‪ ،4‬والتكرار في هذه اآلية‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬فَإ َّن َم َع ال ْ ُع ّْس ي ُ ْ ا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكريمة جاء للدّللة على توكيد العهد وهذا ما يزيد في تأكيد المعنى للتأثير على المتلقي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َّ‬
‫الس َماءِ إ ِ ٌَل َو ِِف اْل ْر ِ‬
‫ض إ ِ ٌَل﴾ ‪ ،1‬تكرار الجملة الثانية‬ ‫اَّلي ِف َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقال جل ثناؤه‪﴿ :‬وهو‬

‫دّللة على التوكيد وهذا لتقرير معناها في النفوس وتمكينها في القلوب‪ ،‬وذلك لتأكيد عظمة‬
‫اهلل ووحدانيتة وتقوية اليقين النفسي وترسيخه‪.‬‬

‫‪ - 1‬النحل‪ ،‬آية ‪.64‬‬


‫الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.107‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ - 3‬المؤمنون‪ ،‬آية ‪. 26‬‬


‫‪ - 4‬الشرح‪ ،‬آية ‪. 6- 0‬‬
‫‪666‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬
‫ْ َ َ ا َ َّ َ ْ َ َّ ُ ْ ل ُ ا َ َ ْ َ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫ُْ ْ‬
‫وقال كذلك‪﴿ :‬قل َنا اهب ِ ُطوا مِنها َجِيعا فإِما يأتِينكم م ِِِن هدى فمن تبِع هداي فَل‬
‫ُ ْ َ َْ ُ َ ‪2‬‬
‫َ ٌْ َ َْ ْ ََ‬
‫أن‬
‫ّ‬ ‫باعتبار‬ ‫التأكيد‬ ‫وهذا‬ ‫ا"‬
‫و‬ ‫"اهبط‬ ‫لفظة‬ ‫ار‬
‫ر‬ ‫تك‬ ‫من‬ ‫انطالقا‬ ‫‪،‬‬ ‫﴾‬ ‫ون‬ ‫ن‬‫ز‬‫ُي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َل‬‫خوف علي ِهم و‬

‫الهبوطين مختلفان األول متعلق بالعداوة والثاني متعلق بإتيان الهدى‪.‬‬


‫َ َ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َ ْ ْ ْ ْ ْ َ َّ َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫وقال‪﴿ :‬فاتقوا اَّلل وأ ِطيعو ِن (‪ )157‬وما أسألكم عليه ِ مِن أج ٍر إِن أج ِري إَِل لَع‬
‫اَّلل َوأَط ُ‬
‫َّ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫َر ل ْ َ َ َ‬
‫يعو ِن﴾ ‪" ،3‬وقوله"اتقوا اهلل وأطيعون "تأكيد لقوله " أ ََّل‬ ‫ب العالمِي (‪ )159‬فاتقوا َ ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل َوأَط ُ‬
‫َّ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫يعو ِن" لزيادة‬ ‫ون" ‪ 4‬وهو اعتراض بين الجملتبن المتعاطفتين‪ ،‬وكرر جملة " فاتقوا َ ِ‬ ‫َتتَّقُ َ‬
‫التأكيد فيكون قد افتتح دعوته بالنهي عن ترك التقوى‪ ،‬ثم علل ذلك ثم أعاد ما تقتضيه‬
‫ََ َ َُْ ُ ْ َ َْ ْ َ ْ‬
‫جملة اّلستفتاح‪ ،‬ثم علل ذلك بقوله‪" :‬وما أسألكم عليه ِ مِن أج ٍر" ثم أعاد جملة الدعوة في‬
‫ُ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫َ َّ ُ‬
‫آخر كالمه إذ قال‪" :‬فاتقوا اَّلل وأ ِطيعو ِن " مرة ثانية بمنزلة النتيجة للدعوة وتعليلها والتأكيد‬

‫أيضا لتوقيع اإلنكار منهم" ‪. 5‬‬


‫ْ َ ْ َ َ ََ ْ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ين َعملُوا ُّ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ َّ‬
‫وء ِِبَ َهال ٍة ث َّم تابُوا مِن بع ِد ذل ِك وأصلحوا‬
‫ُ‬ ‫الس َ‬ ‫وقال كذلك‪﴿ :‬ث َّم إ ِن َربَّك ل ِ ِ‬
‫َّل َ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫يم﴾ ‪ ،6‬وحدث تكرار "إِن َربَّك"وهذا للتأكيد ولتبيين أن اهلل غفور‬ ‫ح ٌ‬ ‫ك م ِْن َبعْ ِد َها لَ َغ ُف ٌ‬
‫ور َر ِ‬
‫َّ َ َّ َ‬
‫إِن رب‬

‫رحيم لذلك السوء الذي صدر عنهم بسبب الجهالة‪ .‬وقي ل جيء لزيادة اّلهتمام‪ ،‬بالخبر‬
‫إن باسمها لبعد ما بينهما‪.‬‬ ‫على اّلهتمام الحاصل بحرف التوكيد والالم‪ ،‬ويتصل خبر ّ‬
‫َ ْ ُ ََ‬ ‫َ َ ْ ُْ‬ ‫َ َ ْ َ َ َّ َّ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ‬
‫ح ُّبون أن ُي َم ُدوا ب ِ َما ل ْم َيف َعلوا فَل‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫ا‬‫و‬‫ْ‬ ‫وقال تعالى‪َ﴿ :‬ل ْحسَب ِ‬
‫اَّلين يفرحون بِما أت‬
‫َ َُ ْ َ َ ٌ َ‬ ‫َ ْ َ َ َّ ُ ْ َ َ َ َ ْ َ َ‬
‫ٌ ‪7‬‬
‫اب ولهم عذاب أ ِِلم﴾ ‪ ،‬في هذه اآلية الكريمة كرر الفعل لدّللة‬ ‫ْحسبنهم ب ِمفاز ٍة مِن العذ ِ‬

‫‪ - 1‬الزخرف‪ ،‬آية ‪. 77‬‬


‫‪ - 2‬البقرة‪ ،‬آية ‪. 27‬‬
‫‪ - 3‬الشعراء‪ ،‬آية ‪. 115- 159- 157‬‬
‫‪ - 4‬الشعراء‪ ،‬آية ‪. 156‬‬
‫‪ - 5‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،19‬ص ‪. 109‬‬
‫‪ - 6‬النحل‪ ،‬آية ‪.119‬‬
‫‪ - 7‬آل عمران‪ ،‬آية ‪. 177‬‬
‫‪666‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أن الفعل الثاني يؤكد الفعل األول‪ ،‬وبهذا يدخل في حكم المكرر وهذا‬
‫على التوكيد بحيث ّ‬
‫تأكيد للمعنى‪.‬‬
‫َ َ َْ َ‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫َ َّ‬
‫وقال تعالى‪ّ﴿ :‬لَك َس ْوف تعل ُمون (‪ )2‬ث َّم ّلَك َس ْوف تعل ُمون﴾ ‪ ،1‬التكرار هنا جاء للتوكيد‬

‫ألن كال الجملتين تحصل نفس الدّللة‪ ،‬وهي وعيد بعد وعيد‬
‫ألن دّللة التوكيد أمر ظاهر و ّ‬
‫ّ‬
‫أي لو تعلمون ما أمامكم علما يصل إلى القلوب لما ألهاكم التكاثر وّل بادرتم إلى األعمال‬
‫ولكن عدم العلم الحقيقي صبركم إلى الجحيم التي أعدها اهلل للكافرين‪ ،‬ويفهم‬
‫ّ‬ ‫الصالحة‬
‫من هذا التكرار ّأنه ردع للردع واإلنذار‪.‬‬
‫َ‬
‫َ َ َ ُْ ْ ْ َ َ َ َ ٌ‬
‫إِذا رجعتم تِلك عّشة‬ ‫ام ثَ ََلثَةِ أيَّا ٍم ِِف ْ َ‬
‫اْل ِلج َو َسبْ َع ٍة‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬فَم ْن ل َ ْم َي ْد فَص َلي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫َ ٌَ‬
‫مجرد توكيد كما تقول‬ ‫َكمِلة﴾ ‪" ،2‬وفي وجه الحاجة إلى الفذلكة في اآلية وجوه‪ ،‬فقيل هو‬

‫كتبت بيدي يعني ّأنه جاء على األسلوب عربي وّل يفيد ّإّل تقرير الحكم في الذهن مرتين‬
‫الزمخشري بقول العرب "علمان خير من علم" فيعلم جملة كما علم تفصيال‬
‫ولذلك شبهها ّ‬
‫"إنه تأكيد لدفع توهم أن يكون يفي شيء مما يجب‬
‫ليحاط به ومن جهتين فيتأكد العلم ّ‬
‫صومه‪" ،‬وذكر الزجاج ّأنه قد يتوهم متوهم أن يكون المراد التخيير بين صوم ثالثة أيام‬
‫في الحج أو سبعة أيام إذا رجع إلى بلده بدّل من الثالثة أزيل ذلك بجلية المراد يقول‪" :‬تلك‬
‫عشرة"‪ ،‬وأن الواو لإلباحة أي للتخيير الذي يجوز معه الجمع وّل يتعين" ‪ ،3‬وقولهم بتقرير‬
‫فإنه توجيه للمعنى عند السامع‬
‫الحكم في الذهن وان لم يكن في مستوى اإلتيان بفكرة جديدة ّ‬
‫لتحديد قصد اآلية وهو أمر نؤكد عليه في هذه الدراسة لما له من أثر في استجالء‬
‫مستويات اإلبالغ‪ ،‬ومن ذلك من ناحية تجديد القصد ومنع تشتت فكر السامع مع كثرة‬
‫اّلحتماّلت التي تأتي في تراكيب معينة‪ ،‬وهي تدفع المتكلم إلى استخدام صور ّل تأتي‬
‫بفكرة جديدة واّنما توكيدا لما فهم سابقا وهو في حد ذاته توكيد مخصص للحكم‪.‬‬

‫‪ - 1‬التكاثر‪ ،‬آية ‪. 57 - 52‬‬


‫‪ - 2‬البقرة‪ ،‬آية ‪.196‬‬
‫‪ - 3‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.377‬‬
‫‪666‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫َ َُْ َ ْ ُ ُ ُ ُ َ‬ ‫َ ُ َ َّ َ ْ َ ُ َ ْ ُ ُ ُ ُ َ‬
‫وقال عز وجل‪﴿ :‬قالوا تاَّلل ِ تفتأ تذكر يوسف﴾ ‪ ،‬تؤدي جملة "تفتأ تذكر يوسف"‬
‫‪1‬‬

‫َ َّ‬
‫جواب القسم لقوله في "تاَّلل ِ" وهذا للدّللة على ّأنه مازال ذاك ار له وهذا فيه تأكيد للمعنى‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُ َ ْ َ َُ ُ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َّ َ َّ‬ ‫َ ْ َ َ ْ ُ َ َ ْ ُ َ َّ ُ‬
‫ع َّدت‬
‫ار ال ِِت َوقودها اَلَّاس واْلِجارة أ ِ‬ ‫وقال أيضا‪﴿ :‬فإِن ل ْم تف َعلوا َول ْن تف َعلوا فاتقوا اَل‬
‫َ ‪ََُْ ََْ 2‬‬ ‫َْ‬
‫لما قال‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ألنه‬ ‫يخفى‬ ‫ماّل‬ ‫المعنى‬ ‫تأكيد‬ ‫من‬ ‫فيها‬ ‫ة‬ ‫اضي‬‫ر‬ ‫اعت‬ ‫"جملة‬ ‫وا‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬‫ل‬‫و‬ ‫"‬ ‫‪،‬‬ ‫﴾‬ ‫ين‬ ‫ر‬
‫ل ِل ِ ِ‬
‫ف‬‫ًك‬
‫َ ْ َْ ََُْ‬
‫للدّللة على توكيد وتشديد ّأنهم‬ ‫ّ‬ ‫ذا‬‫ه‬‫و‬ ‫المستقبل‬ ‫في‬ ‫نفي‬ ‫معناه‬ ‫وكان‬ ‫"‪،‬‬ ‫وا‬ ‫"فإِن لم تفعل‬

‫ّل يعارضونه‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ ٌّ َ ْ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ ل ْ َ ْ َ ل َ‬ ‫َ ْ ْ َّ َ ْ َ َّ‬
‫َش‬‫ك بِال َع ِ ل‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِب‬‫ِ‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫س‬‫و‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ن‬‫َّل‬
‫ِ‬ ‫ر‬‫ف‬
‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫اس‬‫و‬ ‫ق‬‫ح‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل‬ ‫وقال‪﴿ :‬فاص ِْب إِن وعد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ ْ َ‬
‫اْلبكار ِ﴾ ‪" ،‬وجملة "إن َوع َد الله َحق "‪ ،‬تعليل األمر بالصبر‪ ،‬و"إن" اّلهتمام بالخبر‬ ‫‪3‬‬
‫و ِ‬
‫بأن التأكيد‬
‫كأنه قيل "فوعد اهلل حق" ويفاد ّ‬
‫وهي في مثل هذا المقام تغني غناء فاء التعليل ّ‬
‫بالنصر في اآلية السابقة في غيرها‬
‫الذي هو لالهتمام والتحقيق‪ ،‬ووعد اهلل هو وعد الرسول ّ‬
‫من اآليات والمعنى "ّل تستبطئ النصر فإنه واقع وما عرض من الهزيمة يوم أحد كان‬
‫امتحانا وتنبيها على سوء مغبة عدم الحفاظ على وصية الرسول أن ّل يبرحوا من مكانهم ثم‬
‫كانت العاقبة للمؤمنين" ‪.4‬‬
‫ب ِفيه" بيان وتوكيد‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫"ّل‬ ‫"فقوله‬ ‫‪،‬‬‫‪5‬‬
‫﴾‬ ‫يه‬‫ِ‬ ‫ف‬ ‫اب ََل َري ْ َ‬
‫ب‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬الم (‪َ )1‬ذل َِك ال ْكِ َت ُ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫‪6‬‬
‫اب" فهو لذلك بمنزلة أن تقول‪":‬هو ذلك الكتاب هو ذلك الكتاب"‬ ‫وتحقيق لقوله " َذل َِك الْكِ َت ُ‬

‫وذلك ّأنه كما كان في األسماء ما تغنيه صلة معناه باّلسم قبله واصل يصله ورابط يربطه‬
‫كالصفة التي تحتاج في ا تصالها بموصوفها إلى ما يصلها به‪ ،‬وكالتأكيد الذي ّل يحتاج‬

‫‪ - 1‬يوسف‪ ،‬آية ‪.70‬‬


‫‪ - 2‬البقرة‪ ،‬آية ‪.37‬‬
‫‪ - 3‬غافر‪ ،‬آية ‪.00‬‬
‫‪ - 4‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ج‪ ،37‬ص‪. 145‬‬
‫‪ 5‬البقرة‪ ،‬آية ‪. 3- 1‬‬
‫‪ - 6‬عبد القاهر الج رجاني‪ ،‬دّلئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪.140- 147‬‬
‫‪665‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أيضا إلى رابط يربطه بالمؤكد‪ ،‬فإن من الجمل كذلك ما تتصل بهما قبلها من ذات نفسها‬
‫مستغنية بذلك عن حرف عطف يربطها‪ ،‬وهي الجملة التي تكون مؤكدة لسابقتها ومبينة‬
‫لها‪ ،‬بحيث إذا حصلت لم تكن شيئا غيرها‪ ،‬كما لم تكن الصفة غير الموصوف والتأكيد‬
‫ب‬ ‫غير المؤكد‪ ،‬وهو ما حلل عبد القاهر الجرجاني في ضوء دّللة التوكيد في قوله‪َّ ﴿ :‬ل َري َ‬
‫ِفيه﴾‪.‬‬
‫ََ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َ‬ ‫َّ َّ َ َ َ ُ َ َ ٌ َ َ‬
‫اء عليْ ِه ْم أأنذ ْرت ُه ْم أم ل ْم تن ِذ ْره ْم َل‬ ‫اَّلين كفروا سو‬ ‫ومثا ل ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬إِن ِ‬
‫اب‬ ‫اوةٌ َول َ ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫غ َش َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫ه‬‫ار‬ ‫ص‬ ‫لَع َأب ْ َ‬‫َ َ َ َّ ُ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ‬
‫يُؤم ُِنون (‪ )6‬ختم اَّلل لَع قلوب ِ ِهم ولَع سم ِع ِهم و‬
‫ْ َ‬
‫ِِ ِ‬
‫َ‬ ‫ََ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ‬ ‫َ َ ٌ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َع ِظ ٌ‬
‫اء عليْ ِه ْم أأنذ ْرت ُه ْم أم ل ْم تن ِذ ْره ْم"‪ ،‬وقوله ‪":‬خ َت َم‬ ‫يم﴾ ‪1‬قوله "َل يُؤم ُِنون" تأكيد لقوله‪":‬سو‬
‫َّ ُ َ َ ُ ُ ْ َ َ َ‬
‫لَع َس ْمعِه ْ‬
‫ألن من كان حاله إذا أنذر مثل حاله‬ ‫ّ‬ ‫ل‪،‬‬‫األو‬
‫ّ‬ ‫من‬ ‫أبلغ‬ ‫ثان‬ ‫"تأكيد‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫اَّلل لَع قلوبِهِم و‬

‫إذا لم ينذر كان غاية الجهل‪ ،‬كان مطبوعا على قلبه ّل محالة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُ‬
‫خ ِر َو َما ه ْم‬
‫اس َم ْن َيقول آ ََم َّنا بِاَّلل ِ َوبِاِلَ ْو ِم اَل َِ‬ ‫كذلك في قوله عز وجل‪َ ﴿ :‬وم َِن اَلَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫َّ َ ‪2‬‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫ب ُم ْؤمِن َ‬
‫دعون"ألن هذه المخادعة‬ ‫ّ‬ ‫يخ‬ ‫"‬ ‫يقل‬ ‫ولم‬ ‫"‬ ‫ون‬ ‫ع‬‫اد‬
‫ُ ُ َ‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ي‬‫"‬ ‫‪:‬‬ ‫قال‬ ‫ما‬‫"إن‬
‫ّ‬ ‫‪،‬‬ ‫﴾‬ ‫اَّلل‬ ‫ون‬ ‫ِع‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫َي‬ ‫)‬‫‪7‬‬‫(‬ ‫ي‬ ‫ِ ِ‬

‫َمنَّا" من غير أن يكونوا مؤمنين فهو إذا كالم أ ُِّكد به كالم آخر هو‬
‫ليست شيئا غير قولهم "آ َ‬
‫في معناه‪ ،‬وليست شيئا سواه" ‪ ،3‬وبهذا يقضي عبد القاهر تماما على فكرة التطابق المطلق‬
‫بين التراكيب لما في ذلك من ذهاب روح التركيب اللغوي الذي يخضع في النهاية‬
‫تغيير في المعنى‪.‬‬ ‫أن كل تغيير في المبنى يؤدي إلى‬ ‫إلى القانون‪ ،‬أي ّ‬
‫َّ ُ َ‬ ‫َ َ َ َّ ُ َ َ َّ ُ َ َ ْ ْ َ ْ‬
‫ح ٌد﴾ ‪" ،4‬أنه تعلى في هذا‬
‫إِن َما ه َو إ ِ ٌَل َوا ِ‬ ‫ي‬
‫ي اثن ِ‬ ‫وقال أيضا‪﴿ :‬وقال اَّلل َل تت ِ‬
‫خذوا إِله ِ‬
‫المقام يتكلم في التوحيد‪ ،‬ونفى عن ضده فالمقصود األهم نهيهم عن القول بتعدد اآللهة‬
‫فنهاهم عن التثنية‪ ،‬وتنبيها بها على ما فوقها بطريقة األولى كما في الضرب معا التأفيف‬

‫‪ - 1‬البقرة‪ ،‬آية ‪. 4- 6‬‬


‫‪ - 2‬البقرة‪ ،‬آية ‪. 9- 7‬‬
‫‪ - 3‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دّلئل اإلعجاز‪ ،‬ص ‪. 146‬‬
‫‪ - 4‬النحل‪ ،‬آية ‪. 01‬‬
‫‪665‬‬
‫داللة التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‬ ‫الفصل الثاني‬

‫واللّفظ الموضوع له‪ ،‬ليكون أبين وأدل وآكد" ‪ ،1‬وهذا للدّللة على تأكيد النهي عن اتخاذ‬
‫العدد المخصوص من الجنس المخصوص‪ ،‬هذا من حيث عموم الدّللة وهذا تكرار المعنى‬
‫دون الغلط‪.‬‬
‫ُ‬
‫َ ْ َ ُ ْ ْ ُ ْ َّ ٌ َ ْ ُ َ َ ْ َ ْ‬
‫وقال اهلل جل جالله في سورة آل عمران‪﴿ :‬وْلكن مِنكم أمة يدعون إَِل اْل ِ‬
‫ْي‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُْ ُ َ َْ ْ‬
‫وف﴾ ‪ ،‬وهذا للدّللة على التنبيه على التّأكيد بين المعطوف الخاص‬
‫‪2‬‬
‫ويأمرون بِالمعر ِ‬

‫وأفضليته‪ّ ،‬لختصاص يخصه أو وذلك باعتبار األمر بالمعروف نوع خاص من الخبر‪.‬‬
‫خل ْ ُه نَ ا‬
‫ارا﴾ ‪ ،3‬تكرار‬
‫َّ َ َ َ ُ َ ُ َ َ َّ ُ ُ َ ْ‬
‫وَل َويَتعد حدودهُ يُد ِ‬
‫ََ ْ َ ْ‬
‫وقال في موضع آخر‪﴿:‬ومن يع ِ‬
‫ص اَّلل ورس‬

‫المعنى في هذه اآلية للدّللة على تأكيد الوعيد‪ ،‬ية لمن يتعدى حدود اهلل سبحانه‪.‬‬
‫هذه أمثلة عن األنماط التي جاء عليها التوكيد في القرآن الكريم إلى جانب أنماط‬
‫أخرى ّليسع المقام لذكرها كلّها‪.‬‬

‫‪ - 1‬الطوفي‪ ،‬اإلكسير في علم التفيسر‪ ،‬ص ‪.349‬‬


‫‪ - 2‬آل عمران‪ ،‬آية ‪. 157‬‬
‫‪ - 3‬النساء‪ ،‬آية ‪. 117‬‬
‫‪663‬‬
‫خاتمة‬
‫خاتمة‬

‫أما وقد وصلنا إلى خاتمة هذا البحث فإننا سنلخص أهم النتائج التي خلصنا إليها‬
‫خالل هذه الدراسة التي حاولنا من خاللها إثارة قضايا لها ارتباط باستعمال هذا األسلوب‬
‫كشكل من أشكال اللغة التي تقوم على تكرير اللفظ أو الجملة أو المعنى‪ ،‬أو تقرير ما فهم‬
‫سلفا‪ ،‬وعليه فقد كانت أهم النتائج المتوصل إليها ملخصة في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬العالقة بين المتكلم والسامع هي أكثر ما يتجلى في استخدام أسلوب التوكيد ودراسته‪،‬‬
‫فهو أسلوب تعبيري يعتمد استعماله على تشكك السامع أو تردده في قبول الخبر‪ ،‬وهو‬
‫األمر الذي اعتنى به البالغيون والنحاة‪ ،‬كما يحكم جانبه الكمي والنوعي درجة هذا اإلنكار‬
‫أو التردد فتكون األشكال بحسب العنصر المنكر‪ ،‬كما هو الشأن مع المفعول المطلق‬
‫المؤكد مثال الذي يؤتى به عندما يكون الحدث ذاته أم ار مستغربا أو مستبعدا ‪.‬‬
‫‪ -‬لقد اعتنى العلماء العرب بدراسة هذا األسلوب ‪ ،‬وظلت هذه الدراسات واألبحاث موزعة‬
‫في مناسبات متفرقة تحت تأثير المناهج اللغوية المتبعة لدى كل صنف من أصناف العلماء‬
‫من نحاة وبالغيين و وعلماء تفسير‪ ،‬وغيرهم مما أثرى هذا األسلوب بالدراسة‪.‬‬
‫‪ -‬إن من األمور المهمة لإلحاطة بهذا األسلوب واستعماالته في اللغة العربية جعل أشكاله‬
‫على اختالفها في أنماط تركيبية تفسر من خاللها القضايا المتعلقة بطرائق استخدامه في‬
‫اللغة‪ ،‬واألسرار المعنوية والوظيفية التي تكون وراء ذلك‪ ،‬خصوصا إذا كان بناؤه يقوم على‬
‫المزاوجة بين أشكال متعددة لنفس المعنى األسلوبي العام‪ ،‬كاللجوء إلى استخدام التقديم‬
‫والتأخير مع زيادة بعض األدوات الدالة على التوكيد‪ ،‬ثم النظر في كيفية تأثير ذلك في‬
‫البناء العام للمعنى عند السامع أو عند الدارس‪.‬‬
‫‪ -‬تعد دراسة هذا األسلوب باختالف أنماطه ووفق أشكاله المتعددة من الدراسات المطلوبة‬
‫لما فيها من فائدة إلبراز كيفية وروده في اللغة العربية‪ ،‬واالحتماالت الممكنة الستخدام‬
‫أدواته وعناصره‪ ،‬لتمثل أمام المتكلم أنواع االختيارات التي يستفيد منها في إنشاء كالمه‪،‬‬

‫‪107‬‬
‫خاتمة‬

‫مستخدما أسلوب التوكيد الذي تتوارد أشكاله في اتساق وانسجام وفق قواعد العربية‬
‫ومتطلبات المقام‪.‬‬
‫‪ -‬لقد تعددت أشكال التوكيد وأنماطه التركيبية في القرآن الكريم‪ ،‬فضم أدوات اختلفت‬
‫معانيها الوظيفية ك ـ"إن "و "أن "‪ ...‬والقسم كشكل لغوي يؤدي الحالة القصوى التي يقف‬
‫عندها المتكلم في تأكيد كالمه‪ ،‬باإلضافة إلى ما يؤديه التكرار في المستويات المتعددة من‬
‫المفرد إلى الجملة‪ ،‬واستخدام التصرف في الرتب مما يدخل في التقديم والتأخير‪.‬‬
‫‪ -‬التوكيد من أجود األساليب البالغية في تحقيق الوظيفة التواصلية المتوخاة من النص‬
‫القرآني‪ ،‬كما يساهم في عملية اإلقناع واإلمتاع‪.‬‬
‫‪ -‬تظهر فاعلية التوكيد من خالل طرقه لكل المجاالت التي عالجها القرآن الكريم كالعقيدة‬
‫والحقائق الكونية‪.‬‬
‫وفي الختام نرجو أن تكون ثمرة جهدنا في هذا العمل قد وصلت إلى ما طمحنا إليه‬
‫منذ أن بدأت رحلتنا فيه‪ ،‬فإن أصبينا فمن اهلل وان أخطأنا فمن أنفسنا ومن الشيطان‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬
‫* القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم‪.‬‬

‫‪ -1‬إبراهيم أنيس‪ ،‬أسرار العربية‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر ط‪.1985 ،7‬‬
‫‪ -2‬ابن الحاجب‪ ،‬األمالي‪ ،‬ت‪ :‬فصي الحسين‪ ،‬دار مكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،4‬ط‪1‬‬
‫‪.1998‬‬
‫‪ -3‬ابن السراج‪ ،‬األصول في النحو‪ ،‬ت‪ :‬عبد الحسين الفتلي‪ ،‬مؤسسة الرسالة بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫ط‪.1996 ،3‬‬
‫‪ -4‬ابن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬ت‪ :‬محمد علي النجار‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬مصر‪ ،‬دط ج‪.2‬‬
‫‪ -5‬ابن جني‪ ،‬المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات و االيضاح عنها‪ ،‬ت‪ :‬محمد عبد‬
‫القادر عطا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ج‪.2‬‬
‫‪ -6‬ابن عطية األندلسي‪ ،‬المحرر والوجيز في تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬ت‪ :‬عبن السالن عبد‬
‫محمد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2001 ،1‬ج‪.5‬‬
‫الشافي ّ‬
‫الدين عبد الحميد‪ ،‬مكتبة دار التراث‪ ،‬القاهرة‬
‫محمد محي ّ‬
‫‪ -7‬ابن عقيل‪ ،‬شرح ابن عقيل‪ ،‬ت‪ّ :‬‬
‫مصر‪،‬ط‪ ،1980 ،20‬ج‪ ،1‬ج‪.2‬‬
‫‪ -8‬ابن كيلكلدي‪ ،‬الفصول المفيدة في الواو المزيدة‪ ،‬ت‪ :‬حسن موسى الشاعر‪ ،‬دار‬
‫البشير‪ ،‬عمان األردن‪ ،‬ط‪.1990 ،1‬‬
‫‪ -9‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ 1‬دس‪ ،‬ج‪،3‬ج‪، 2‬ج‪.3‬‬
‫‪ -10‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬شرح شذور الذهب‪ ،‬ت‪ :‬حنا الفاخوري‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫ط‪.1988 ،1‬‬
‫‪ -11‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬شرح قطر الندى وبل الصدى ‪ ،‬ت‪ :‬محمد محي الدين عبد‬
‫الحميد المكتبة التجارية الكبرى ‪ ،‬ط‪.1963 ،11‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ -12‬ابن هشام‪ ،‬أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬ط‪1979 ،5‬‬
‫ج‪. 3‬‬
‫النحوي‪ ،‬شرح المفصل‪ ،‬إدارة الطباعة المنيرة‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪.3‬‬
‫‪ -13‬ابن يعيش ّ‬
‫الدين قهوجي وبشير جويجاني‪ ،‬دار‬
‫‪ -14‬أبو علي الفارسي‪ ،‬الحجة للقراء السبعة‪ ،‬ت‪ :‬بدر ّ‬
‫المأمون للتراث‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪ ،1984 ،1‬ج‪.2‬‬
‫‪ -15‬أحمد الفيومي‪ ،‬المصباح المنير‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1990 ،‬‬
‫‪ -16‬أحمد مطلوب‪ ،‬معجم المصطلحات البالغية وتطورها‪ ،‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‬
‫لبنان ط‪.1993 ،2‬‬
‫‪ -17‬األخفش األوسط‪ ،‬معاني القرآن‪ ،‬ت‪ :‬إبراهيم شمس الدين‪ ،‬منشورات محمد علي بيضون‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.2002 ،1‬‬
‫‪ -18‬االستراباذي‪ ،‬شرح الكافية في النحو‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪ 1‬ج‪.2‬‬
‫‪ -19‬االستراباذي‪ ،‬شرح شافية ابن الحاجب‪ ،‬ت‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد ومحمد نور‬
‫حسن ومحمد الزفزاف‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪.2‬‬
‫‪ -20‬التهاوني‪ ،‬كشاف اإلصالحات والفنون‪ ،‬ت‪ :‬أحمد حسن‪ ،‬بسج‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلميةبيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ج‪.1‬‬
‫‪ -21‬الجزري‪ ،‬النهاية في غريب األثر‪ ،‬ت‪ :‬طاهر أحمد زاوي ومحمود محمد الطناحي‬
‫المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫‪ -22‬جمال الدين ابن محمد الطائي‪ ،‬شرح التسهيل‪ ،‬ت‪ :‬محمد عبد القادر عطا طارق فتحي‬
‫السيد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2001 ،1‬ج‪.3‬‬
‫‪ -23‬الحموي‪ ،‬خزانة األدب وغاية األرب‪ ،‬ت‪ :‬عصام شعيتو‪ ،‬دار ومكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪ ،1987 ،1‬ج‪ ،1‬ج‪.9‬‬
‫‪ -24‬الخطيب القزويني‪ ،‬التلخيص في علوم البالغة‪ ،‬ضبطه وشرحه عبد الرحمان البرقوقي‬
‫دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة ‪،‬ط‪.1904 ،1‬‬
‫‪111‬‬
‫‪ -25‬الخطيب القزويني‪ ،‬اإليضاح في علوم البالغة‪ ،‬ت‪ :‬عماد البسيوني زغلول‪ ،‬مؤسسة‬
‫الكتب الثقافية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،3‬دس‪.‬‬
‫‪ -26‬رؤوف جالل الدين‪ ،‬المعجب في علم النحو‪ ،‬دار الهجرة‪ ،‬إيران‪ ،‬قم‪ ،‬دط ‪.‬‬
‫‪ -27‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬ت‪ :‬عبد الستار أحمد فراج‪ ،‬مطبعة حكومة‬
‫الكويت‪ ،‬ط‪ ،1965 ،2‬ج‪ ،1‬ج‪.40‬‬
‫‪ -28‬الزجاج‪ ،‬معاني القرآن واعرابه‪ ،‬ت‪ :‬عبد الجليل عبده شلبي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت لبنان‬
‫ط‪ 1988 ،1‬ج‪.2‬‬
‫الزركشي‪ ،‬البرهان في علوم القرآن‪ ،‬ت‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬المكتبة العصرية‬
‫‪ّ -29‬‬
‫صيدا بيروت‪ ،‬لبنان ج‪.3‬‬
‫‪ -30‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ،‬ت‪ :‬فتحي عبد الرحمن أحمد حجازي‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الرياض‬
‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪،1998 ،1‬ج‪ ،1‬ج‪،2‬ج‪ ،3‬ج‪ ،4‬ج‪ ،5‬ج‪.6‬‬
‫الزمخشري‪ ،‬المفصل في علم العربية‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪.‬‬
‫‪ّ -31‬‬
‫‪ -32‬سيبويه‪ ،‬الكتاب‪ ،‬ت‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1‬دس‬
‫ج‪. 3‬‬
‫‪ -34‬سعد الدين التفتازاني‪ ،‬المطول (شرح تلخيص المفتاح)‪ ،‬ت‪ :‬عبد الهنداوي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.2007 ،2‬‬
‫‪ -35‬سعد الدين التفتازاني‪ ،‬مختصر السعد ( شرح كتاب مفتاح العلوم )‪ ،‬ت‪ :‬عبد الحميد‬
‫الهنداوي‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪. 2003 ،1‬‬
‫‪ -36‬السكاكي‪ ،‬مفتاح العلوم‪ ،‬ت‪ :‬عبد الحميد هنداوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪.2000 ،1‬‬
‫‪ -37‬سلمان فياض‪ ،‬النحو العصري‪ ،‬مركز األهرام‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪.1995 ،1‬‬
‫‪ -38‬السيوطي‪ ،‬اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬ت‪ :‬عبد المنعم إبراهيم‪ ،‬مكتبة نزار مصطفى البارز‬
‫المكرمة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪ ،2006 ،2‬ج‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫مكة‬

‫‪112‬‬
‫‪ -39‬السيوطي‪ ،‬همع الهوامع في شرح جمع الجوامع‪ ،‬ت‪ :‬أحمد شمس الدين ‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ج‪.3‬‬
‫ومحمد‬
‫ّ‬ ‫محمد جاد المولى بك‬
‫ّ‬ ‫‪ -40‬السيوطي‪ ،‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬ت‪:‬‬
‫أبو الفضل إبراهيم وعلى البجاوي‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫للنشر‪ ،‬تونس‪ ،‬دط‪ ،‬ج‪ ،1‬ج‪2‬‬
‫‪ -41‬الطاهر بن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪،‬الدار التونسية ّ‬
‫ج‪ ،8‬ج‪، 9‬ج‪ ،11‬ج‪ ،12‬ج‪ ،13‬ج‪ ،16‬ج‪ ،19‬ج‪ ،21‬ج‪ ،24‬ج‪ ،26‬ج‪ ،29‬ج‪.30‬‬
‫‪ - 42‬الطوفي سليمان‪ ،‬اإلكيسر في علم التفسير‪ ،‬ت‪ :‬عبد القادر حسين‪ ،‬دار األوزاعي‬
‫الدوحة‪ ،‬قطر‪ ،‬ط‪.1989 ،2‬‬
‫‪ -43‬عباس حسن‪ ،‬النحو الوافي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1974 ،3‬ج‪.3‬‬
‫‪ -44‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفيسر كالم المنان‪ ،‬ت‪ :‬عبد‬
‫الرحمن بن معال اللويحق‪ ،‬دار حازم‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬لبنان ط‪.2003 ،1‬‬
‫‪ -45‬عبد الرحمن‪ ،‬حبنكة‪ ،‬الميداني‪ ،‬البالغة العربية (أسسها‪ ،‬وعلومها‪ ،‬وفنونها )‪ ،‬دار القلم‬
‫دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬الدار الشامية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1996 ،1‬ج‪.1‬‬
‫‪ -46‬عبد القادر بن عمر البغدادي‪ ،‬خزانة األدب ولب لباب لسان العرب‪ ،‬ت‪ :‬عبد السالم‬
‫محمد هارون‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1996، 3‬ج‪.7‬‬
‫‪ -47‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬ت‪ :‬محمد عبد المنعم خفاجي‪ ،‬مكتبة القاهرة‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪.1969 ،1‬‬
‫‪ -48‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬أسرار البالغة‪ ،‬ت‪ :‬مصطفى شيخ مصطفى‪ ،‬مؤسسة الرسالة‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.2004 ،1‬‬
‫‪ -49‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬التعريفات‪ ،‬ت‪ :‬إبراهيم األبياري‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‬
‫لبنان ط‪.1996 ،3‬‬
‫‪ -50‬عبد الهادي الفضلي‪ ،‬مختصر النحو‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬جدة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‬
‫ط‪.1980 ،7‬‬
‫‪113‬‬
‫‪ -51‬عبد الواحد حسن الشيخ‪ ،‬البديع والتوازي‪ ،‬مكتبة اإلشعاع للطباعة والنشر والتوزيع‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪.1999 ،1‬‬
‫‪ -52‬عبده عبد العزيز قليقلة‪ ،‬البالغة االصطالحية‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪3‬‬
‫‪.1992‬‬
‫‪ -53‬عيسى علي العاكوب‪ ،‬وعلي سعد الشتيوي‪ ،‬الكافي في علوم البالغة العربية‪ ،‬دار الهناء‬
‫طباعة أوسفلد‪ ،‬دط‪.‬‬
‫‪ - 54‬فاضل صالح السامرائي‪ ،‬معاني النحو‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬المملكة األردنية الهاشمية‪ ،‬عمان‬
‫األردن‪ ،‬ط‪.2008 ،3‬‬
‫‪ -55‬الكفوي‪ ،‬الكليات‪( ،‬معجم المصطلحات والفروق اللغوية)‪ ،‬ت‪ :‬عدنان دريش ومحمد‬
‫المصري‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪،‬ط‪.1998 ،2‬‬
‫‪ -56‬محمد بن أبي بكر الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬ت‪ :‬مصطفى ديب البغا‪ ،‬دار الهدى عين‬
‫ميلة الجزائر‪ ،‬ط‪.1990 ،4‬‬
‫‪ -57‬محمد محمد أبو موسى‪ ،‬دالالت التركيب (دراسة بالغية)‪ ،‬دار التضامن‪ ،‬القاهرة‬
‫مصر‪ ،‬ط‪.1987 ،2‬‬
‫الدروس العربية‪ ،‬ت‪ :‬عبد المنعم خفاجة‪ ،‬منشورات المكتبة‬
‫‪ -58‬مصطفى الغالييني‪ ،‬جامع ّ‬
‫العصرية صيدا بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.1994، 28‬‬
‫‪ -59‬موفق الدين يعيش‪ ،‬شرح المفصل‪ ،‬إدارة الطباعة المنيرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ج‪ ،3‬دط‪.‬‬

‫‪114‬‬
115
‫فهرس الموضواعت‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫إهداء‪.‬‬

‫شكر وتقدير‪.‬‬

‫مقدمة ‪.........................................................................‬أ‬

‫األول‪ :‬التوكيد في الجملة العربية‪05............................‬‬


‫الفصل ّ‬

‫األول‪ :‬مفهوم التوكيد ودواعيه‪06.......................................‬‬


‫المبحث ّ‬

‫ّأوال‪ :‬التوكيد بمفهوميه اللغوي واالصطالحي‪06..............................................‬‬

‫أ‪ /‬لغة‪06..................................................................................‬‬

‫ب‪ /‬اصطالحا‪07...........................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬أهمية التوكيد ودواعيه‪10..........................................................‬‬

‫‪ /1‬فائدة التوكيد المعنوي‪10................................................................‬‬

‫‪ /2‬فائدة التوكيد بالنفس والعين‪11..........................................................‬‬

‫‪ /3‬فائدة التوكيد بكل وجميع وعامة‪11......................................................‬‬

‫‪ /4‬فائدة التوكيد بكال وكلتا‪12...............................................................‬‬

‫‪ /5‬فائدة التوكيد اللفظي‪12.................................................................‬‬

‫‪ /6‬فائدة التوكيد بالفصل والوصل‪13........................................................‬‬

‫فائدة التوكيد بالتقديم والتأخير‪13...........................................................‬‬

‫‪ /7‬فائدة التوكيد بالتكرار‪15................................................................‬‬

‫‪ /8‬فائدة التوكيد ِّ‬


‫بالزيادة‪16...............................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫‪ -‬فائدة بعض عناصر التوكيد في الجملة‪19...........................................‬‬

‫‪ /1‬فائدة التوكيد بضمير الفصل‪20.....................................................‬‬

‫‪ /2‬فائدة التوكيد بضمير الشأن ‪20....................................................‬‬

‫بإن‪20...............................................................‬‬
‫‪ /3‬فائدة التوكيد ّ‬

‫‪ /4‬فائدة المصدر المؤكد‪22...........................................................‬‬

‫‪ /5‬فائدة التوكيد بالبدل‪22............................................................‬‬

‫‪ /6‬فائدة التوكيد بإ ّنما‪23.............................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التوكيد عند علماء ال ّنحو والبالغة‪23.........................‬‬

‫ّأوال‪ :‬التوكيد عند النحاة‪24.................................................... .......‬‬

‫‪ /1‬نوعا التوكيد في ال ّنحو العربي‪24.................................................‬‬

‫أ‪ /‬التوكيد اللفظي‪25................................................................‬‬

‫ب‪ /‬التوكيد المعنوي‪29.............................................................‬‬

‫‪ /2‬التوكيد في أبواب نحوية أخرى‪33...............................................‬‬

‫أ‪ /‬الجملة التي ال لها من اإلعراب‪33...............................................‬‬

‫ب‪ /‬الحروف الزائدة‪35.............................................................‬‬

‫ج‪ /‬القسم‪38......................................................................‬‬

‫د‪ /‬االشتغال‪39....................................................................‬‬

‫ه‪ /‬باب التمييز وفكرة التحويل‪39..................................................‬‬


‫فهرس الموضوعات‬

‫و‪ /‬التأكيد بالجملة االسمية‪40.....................................................‬‬

‫ز‪ /‬ضمير الفصل‪40..............................................................‬‬

‫ثانيا التوكيد عند البالغيين‪41.....................................................‬‬

‫أ‪ /‬التقديم واألخير‪41............................................................‬‬

‫ب‪ /‬الفصل والوصل‪43..........................................................‬‬

‫ج‪ /‬اإلطناب والتكرير والتطويل‪44.................................................‬‬

‫د‪ /‬القصر والحصر‪45..........................................................‬‬

‫ه‪ /‬االعتراض‪46................................................................‬‬

‫و‪ /‬تأكيد المدح بما يشبه الذم‪47...............................................‬‬

‫ز‪ /‬تأكيد الذم بما يشبه المدح‪48................................................‬‬

‫ح‪ /‬التتميم‪48...................................................................‬‬

‫ط‪ /‬التذييل‪49.......................................................................‬‬

‫ي‪ /‬الترديد‪50..................................................................‬‬

‫ك‪ /‬المجاز ‪50....................................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬دالالت التوكيد في القرآن الكريم من خالل نماذج‪52......‬‬

‫األول‪ :‬مقاصد التوكيد ضمن ال ّنص القرآني‪53...........................‬‬


‫المبحث ّ‬

‫‪ -‬عالقة التوكيد بالعقيدة اإلسالمية‪53......................................‬‬

‫ّأوال‪ /‬عالقة التوكيد بإثبات وحدانية اهلل‪53.................................................‬‬


‫فهرس الموضوعات‬

‫ثانيا‪ /‬عالقة التوكيد بإثبات الحقائق الكونية‪62.............................................‬‬

‫ثالثا‪ /‬عالقة التوكيد بإثبات البعث والجزاء‪71...............................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬نماذج من أنماط التوكيد في القرآن الكريم وبعض معانيه‪79......‬‬

‫‪ /1‬التوكيد بالتقديم والتأخير‪79 ............................................................‬‬

‫أ‪ /‬تقديم المسند‪80..........................................................................‬‬

‫ب‪ /‬تقديم المسند إليه‪81...................................................................‬‬

‫ج‪ /‬تقديم المفعول به‪82..................................................................‬‬

‫د‪ /‬تقديم حرف اإلضافة ومدخوله‪85......................................................‬‬

‫ه‪ /‬تقديم الظرف‪88.....................................................................‬‬

‫‪ /2‬التوكيد بالزيادة‪89...................................................................‬‬

‫زيادة عنصر ِّ‬


‫مؤكد‪89...................................................................‬‬

‫‪ /3‬التوكيد بالتكرار‪100...................................................................‬‬

‫أ‪ /‬تكرار الظرف‪100......................................................................‬‬

‫ب‪ /‬تكرار الخالفة‪100...................................................................‬‬

‫ج‪ /‬تكرار الجملة‪100...................................................................‬‬

‫خاتمة‪106.............................................................................‬‬

‫قامة المصادر والمراجع‪109 ...........................................................‬‬

‫فهرس الموضوعات‪115................................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات‬

You might also like