You are on page 1of 29

‫المتون والشروح والحواشي والتقريرات في‬

‫التأليف النحوي‬
‫التعريف بالبحث ‪:‬‬
‫يتناول هذا البحث ظاهرة المتون والشروح والحواشي‬
‫والسأباب التي أدت إلى بروزها ‪ ،‬وقد بدأ البحث بلمحة‬
‫موجزة عن عصري المماليك والعثمانيين ‪ ،‬لنهما أبرز‬
‫عصرين اشتهرا بهده الظاهرة التأليفية ‪ .‬ثم تناول البحث‬
‫تعريفا ً بمفردات العنوان ) التن ‪ ،‬والشرح ‪ ،‬والحاشيه ‪،‬‬
‫والتقرير ( بعد ذلك تطرق البحث إلى تاريخ المتون ‪ ،‬متى‬
‫ظهرت ؟ وما أنواع المتن ؟ ثم أشهر المتن المنظومة‬
‫وأشهر علمائها ‪ ،‬وبعد ذلك عرض لشهر المتون النحوية‬
‫المنثورة وأبرز علمائها ‪.‬‬
‫ثم جاء العنصر الهم بالموضوع وهو ذكر السأباب التي‬
‫أدت إلى هذه الظاهرة في الدرس النحوي والدوافع التي‬
‫دفعت العلماء إلى الخاتصار فيما يسمى بالمتون مما‬
‫اضطرهم بدوره إلى الشروح التي اسأتدعت ظهور‬
‫الحواشي ‪.‬‬
‫وقد ناقش البحث بدقة العيوب التي أخاذت على هذه‬
‫الظاهرة مناقشة موضوعية بعيدة عن الحماس ‪ .‬ودافع‬
‫الباحث عن هذه الظاهرة وبين أنها تشكل جزءا ً كبيرا ً من‬
‫تراثنا الخالد الذي ل يستغني عنه الدارس مهما عل كعبه‬
‫في العلوم والمعارف ‪.‬‬

‫تقديم‬
‫كانت كتب النحويين المتقدمين تؤلف لتتضمن ما اهتدوا‬
‫إليه من حقائق نحويه ‪ ،‬وحرص أصحابها على اسأتيفاء‬
‫البحث في كل مسألة بذكر جميع ما يتصل بها ‪ ،‬ولو كان‬
‫ذلك على سأبيل السأتطراد أو لدني ملبسه ‪ ،‬حتى اكتمل‬
‫وضع علم النحو ‪ ،‬ونضجت أبحاثه وتمت مسائلة ‪ .‬وحينما‬
‫جاء من يريد أن يضيف جديدا ً لم يجد زيادة لمستزيد ‪،‬‬
‫اللهم إل شرح كتب من سأبقوه ‪ ،‬وتوضيح ما عسى أن‬
‫يكون فيها مما يصعب فهمه ‪ ،‬وإضافة ما ظهر من خالف‬
‫طارىء بين النحاة ‪ ،‬وما عرضوه من علل وتأويلت‬
‫وشواهد ‪ ،‬فازدادت التآليف اتساعا ً ‪ ،‬وتشعبت البواب‬
‫النحويه ‪ ،‬وكثرت المسائل الخلفيه ‪ ،‬وتنوعت العلل‬
‫والتأويلت العقلية ‪.‬‬
‫وقد دفع هذا كله إلى ظهور فريق ثالث سأعى إلى اخاتصار‬
‫البواب وتقريب المسائل من أذهاب المتعلمين ‪ ،‬فألف‬
‫المتون المنظومة التي برزت في القرن السابع الهجري ‪،‬‬
‫حتى باتت تشكل ظاهرة متميزة في منظومة التأليف‬
‫النحوي أدت إلى ظهور شروح لها أكثر اتساعا ً ‪ ،‬ثم بروز‬
‫ش وتقريرات على هذه الشروح أوجبتها ظروف‬ ‫حوا ٍ‬
‫التوضيح والتبيين ‪.‬‬
‫وقد رأيت أن أدرس هذه الظاهرة باحثا ً عن بدايتها‬
‫التاريخية وأسأباب ظهورها ‪ ،‬مبينا ً أشهر علمائها وقيمتها‬
‫العلمية مبتدئا ً بعرض مفصل عن عنصري المماليك‬
‫والعثمانيين ‪ ،‬لبروز هذه الظاهرة التأليفية المزدهرة فيهما‬
‫مستعرضا ً المآخاذ عليها ‪ ،‬ثم مناقشا ً ما قيل عن هذا‬
‫النمط التأليفي سألبا ً وإيجابا ً ‪ ،‬والله الموفق ‪.‬‬

‫نبذه تاريخية موجزة عن عنصري المماليك‬


‫والعثمانيين ‪:‬‬
‫لعل من المناسأب أن أتحدث ابتداًء عن عصر المماليك‬
‫وعصر العثمانيين أو عصورهم من الوجهة التاريخية قبل‬
‫أن أخاوض في الحديث عن ظاهرة المتون والشروح‬
‫والحواشي والتقريرات في النحو والصرف خااصة ‪ ،‬وفي‬
‫سأائر العلوم على وجه العموم ‪.‬‬
‫فبعد احتلل بغداد أصبحت المكتبات العربية فيها خااوية‬
‫بسبب مصيبة ) هولكو ( ‪ ،‬وبعد النكسات التي سأببها‬
‫زوال سألطان العرب عن الندلس ‪ ,‬أصبح القطران –‬
‫مصر والشام – الملجأ الوحيد للعلماء من جميع القطار‬
‫السألمية ‪ ,‬وترسأخت قيمة هذا الملجأ بعد انتصار قطز‬
‫وبيبرس في عين جالوت وبعد دحر المغول ‪.‬‬
‫وكانت ) شجرة الدر ( قد وضعت قبيل هذا أسأاس‬
‫سألطنة المماليك ‪ ,‬وهي من جواري الملك الصالح نجم‬
‫الدين أيوب ‪ ,‬اشتراها أيام أبيه ‪ ,‬وحين ولدت له ابنا‬
‫أعتقها وتزوجها ‪ ,‬وكانت قوية الشخصية ‪ ,‬تدير الملك عند‬
‫غيابه ‪ ,‬ولما مات مقتول سأنة )‪647‬هـ ( أخافت أمر موته ‪,‬‬
‫لن المعارك مع الفرنج كانت ناشبة ‪ ،‬وقد حكمت ثمانين‬
‫يوما ‪ ,‬ثم تنازلت بعدها لوزيرها وزوجها الثاني عز الدين‬
‫أيبك ‪ ,‬وبذلك بدأ الحكم المملوكي في سأنة )‪648‬هـ( ‪.‬‬
‫وينقسم المماليك إلى قسمين ‪ :‬مماليك بحرية حكموا من‬
‫سأنة )‪648‬هـ( إلى سأنة ) ‪784‬هـ ( ‪ ,‬وأصل هؤلء من‬
‫الحرس الذين اشتراهم الصالح اليوبي وأسأكنهم في‬
‫ثكنات بجزيرة الروضة في النيل ‪ ,‬وكان أكثرهم من الترك‬
‫والمغول ‪.‬‬
‫أما القسم الثاني فهم المماليك البرجية ‪ ,‬وهؤلء جيء‬
‫بهم إلى مصر بعد المماليك البحرية ‪ ,‬وكانوا في أول‬
‫أمرهم حرسأا خااصا للسلطان قلوون ‪ ,‬وكان معظمهم‬
‫أرقاء شراكسة ‪ ,‬وسأموا بالبرجية لنهم كانوا يقيمون في‬
‫أبراج القلعة بالقاهرة ‪ .‬وقد حكم هؤلء مصر في سأنة )‬
‫‪784‬هـ ( إلى سأنة )‪923‬هـ( ‪.‬‬
‫وقد أفلح المماليك عامة في تطهير مصر وبلد الشام من‬
‫بقايا الغزو الوربي ‪ ,‬وصدوا جيش المغول التي قادها‬
‫هولكو وتيمور لنك ‪ ,‬وبذلك مهدت دولتهم للبلد سأبيل‬
‫التنعم بثقافة متصلة وأنظمة سأياسأية مستقرة مستمرة ‪,‬‬
‫وقد سأيطروا نحو )‪270‬سأنة ( إلى أن جاء السلطان سأليم‬
‫العثماني سأنة )‪932‬هـ ( فغلبهم على أمرهم ‪.‬‬
‫وبذلك سأقطت آخار الدويلت المحلية التي نشأت على‬
‫أنقاض الخلفة العربية السألمية ‪,‬وتمهد السبيل لقيام‬
‫خالفة إسألمية جديدة غير عربية ‪ ,‬هي خالفة التراك‬
‫العثمانيين الذين احتلوا بلد الشام ومصر ‪ ,‬والتي بدأت‬
‫بعد موت السلطان المملوكي قانصوه الغوري في حلب‬
‫بعد أن دخالها العثمانيون الذين تابعوا مسيرهم حتى مصر‬
‫‪ ,‬وهناك التقى الجيشان العثماني والمملوكي خاارج‬
‫القاهرة سأنة )‪923‬هـ ( وكان النصر حليف العثمانيين ‪,‬‬
‫وألقى القبض على آخار ملك مملوكي ‪ ,‬وهو طومان باي‬
‫وشنق ‪ ,‬وتحطمت دولة المماليك وظهرت الدولة‬
‫العثمانية التي كبرت واتسعت ‪ ,‬ثم ضعفت وانحسرت‬
‫حتى انفرط عقدها في سأنة ) ‪1341‬هـ ( وبعد عصر‬
‫المماليك عصر الزدهار الكامل للدراسأات النحوية خااصة‬
‫واللغوية عامة في مصر والشام فقد امتلت البلدان‬
‫بالنحاة القادمين من بغداد بعد احتللها على يد التتار سأنة‬
‫)‪656‬هـ( ‪ ,‬ومن الندلس بعد احتلل الفرنجة آخار‬
‫حواضرها – غرناطة – سأنة )‪897‬هـ( ‪ ,‬مما جعل‬
‫المصنفات النحوية على عصرهم تبلغ الذروة كما وكيفا ‪,‬‬
‫فظهرت الموسأوعات كما ظهرت المتون والشروح‬
‫والحواشي ‪ ,‬وكان الملوك السلطين من المماليك خاير‬
‫أعوان للعلماء الذين لجئوا إلى مصر وهم يحملون ما بقي‬
‫من الثروة العلمية العربية ويحفظون البقية الباقية من‬
‫تراث السألم في العراق والندلس ‪ .‬وبهذا أصبحت‬
‫القاهرة في عهد المماليك ) موئل الحضارة السألمية‬
‫وبغية القاصدين وموطن الدرس والبحث ‪ ,‬وصارت‬
‫مدارسأها تزخار بالطلب والعلماء والمعلمين ‪ ,‬ونشط‬
‫التأليف فيها في اللغة والدب والتاريخ والدين وعلوم‬
‫القرآن ‪ .‬أما عهد التراك العثمانيين ‪ ,‬فقد كاد مصباح‬
‫الثقافة ينطفىء فيه ‪ ,‬وشمل القطار التي كانت تحت‬
‫حكمهم – ومنها مصر والشام – فتور عقلي وهبوط علمي‬
‫‪ ,‬إل بصيص من أمل وشعاع من علم كان مايزال ينير‬
‫قلوب طائفة من العلماء وعقولهم ‪ ,‬وبقية من هذا التراث‬
‫العربي الواسأع ‪ ,‬ومن ذلك المجد العظيم ‪ ,‬ومن هذه‬
‫البقية الباقية كانت البذور التي نبتت منها النهضة الحديثة‬
‫في مصر والشام وسأائر القطار ( ‪.‬‬
‫على أنه من الحق أن نقول إن الدراسأات النحوية في‬
‫عصر العثمانيين قد طرأ عليها عهد جديد تميز النشاط فيه‬
‫بالحواشي والتقريرات ‪ ,‬والمختصرات التي يشكل جلها‬
‫فائدة طيبة ‪ ,‬وإن كان بعضها يظهر فيه التأثر بالبيئات‬
‫العجمية ‪ ,‬ويخلو من الضافة والتجديد ‪ ,‬ويقتصر على‬
‫الجمع وال‘عادة والترديد ‪.‬‬
‫وسأنحاول في الصفحات التية الكشف عن الدوافع‬
‫والسأباب والظروف التي أدت إلى تميز عصر المماليك‬
‫بالظاهرة التأليفية المعتمدة على سألسلة المتون‬
‫والشروح والحواشي والتقريرات ‪ ,‬فضل عن عرض شامل‬
‫لهم مؤلفات هذه السلسلة ولشهر مؤلفيها ‪.‬‬

‫المقصود بالمتن والشرح والحاشية والتقرير ‪:‬‬


‫المتن ‪ :‬مصطلح يطلق عند أهل العلم على مبادئ فن‬
‫من فنون جمعت في رسأائل صغيرة خاالية من السأتطراد‬
‫والتفصيل والشواهد والمثلة إل في حدود الضرورة ‪.‬‬
‫والشرح ‪ :‬عمل يتوخاى فيه توضيح ما غمض من المتون‬
‫وتفصيل ماأجمل منها ‪ ,‬وهو يتراوح بين الطول والقصر‬
‫والسهولة والعسر ‪ ,‬وفيه الوجيز والوسأيط والبسيط ‪.‬‬
‫والحاشية ‪ :‬إيضاحات مطولة دعت إليها ظاهرة انتشار‬
‫المتون والشروح ‪ ,‬وقد قصد منها حل مايستغل من‬
‫الشرح ‪ ,‬وتيسير مايصعب فيه ‪ ,‬واسأتدراك مايفوته ‪,‬‬
‫والتنبيه على الخطأ والضافة النافعة ‪ ,‬وزيادة المثلة‬
‫والشواهد ‪.‬‬
‫أما التقرير فهو بمثابة هوامش كان يسجلها العلماء‬
‫والمصنفون على أطراف نسخهم مما يعن لهم من‬
‫الخواطر والفكار على نقطة معينة أو نقاط متعددة ‪,‬‬
‫وذلك أثناء قيامهم بالتدريس من الشروح والحواشي ‪.‬‬

‫ظهور المتون والشروح والحواشي والتقريرات ‪:‬‬

‫لعله من البدهي القول بأن المتون سأابقة للشروح‬


‫والحواشي والتقريرات ‪ ,‬فهذه كلها آثار للمتون وعمل‬
‫عليها ‪ ,‬وإذا أردنا أن نضع تاريخا ً لبداية المتون ‪ ,‬لبد أن‬
‫ننبه على أنها نوعان ‪ :‬متن منظوم ‪ ,‬ومتن منثور ‪ .‬وكل‬
‫واحد منهما يشترك في طبيعته مع الخار في الميل إلى‬
‫الخاتصار ‪ ,‬والخلو من كل مايؤدي إلى السأتطراد‬
‫والتفصيل ‪ ,‬وقلة ذكر المذاهب والخلفات ‪ ,‬كما يندر‬
‫فيهما وجود الشواهد والمثلة التي لتذكر عادة إل في‬
‫حدود الضرورة كما سأبق أن ذكرنا ‪.‬‬
‫)أ( المتن النظوم ‪:‬‬
‫ظهر المتن المنظوم عند العرب في القرن الثاني الهجري‬
‫‪ ,‬ولكن العرب لم يكونوا أول من اخاترعه ‪ ,‬بل كانت له‬
‫أصول عند اليونان ‪ ,‬نرى ذلك عند ) هوميروس ( في‬
‫ملحمته التاريخية ) اللياذة ( ‪.‬‬
‫وقد بدأ ظهوره عند العرب حين اتسعت معارفهم ‪,‬‬
‫وتنوعت لديهم الثقافات ‪ ,‬وزاد إقبالهم على التعلم وقد‬
‫أحسوا حينذاك بحاجتهم إلى نوع خااص من التصنيف‬
‫يعينهم على حفظ المعلومات ونقلها ‪ ,‬فاسأتعانوا على ذلك‬
‫بالشعر الذي امتلكوا ناصيته ‪ ,‬لنه يشكل وسأيلة مشوقة ‪,‬‬
‫ويسهل على المتعلمين حفظه ‪ .‬يقول أحد الباحثين ‪:‬‬
‫) لعل آخار التجاهات الجديدة التي نتناولها بالدراسأة ‪,‬‬
‫والتي لحظنا نشأتها في شعر القرن الثاني ‪ ,‬هو الفن‬
‫التعليمي الذي يصطنعه الشعراء عادة لنظم أنواع شتى‬
‫من العلوم والمعارف تسهيل ً لحفظها‪ .‬ومما لشك فيه أن‬
‫نشأة هذا الفن إنما تقترن باتساع أنواع المعارف والعلوم‬
‫‪ ,‬وازدياد القبال على التعليم والتعلم في القرن الثاني ‪,‬‬
‫وما كان ممكنا أن ينشأ في الشعر العربي فن تعليمي‬
‫قبل هذا القرن لهذا السبب نفسه ( ‪.‬‬
‫ويؤكد باحث آخار أن الرجوزة الموية تعد أول شعر‬
‫تعليمي ظهر في اللغوية العربية وأن أراجيز العجاج وابنه‬
‫رؤية تعد شعرا ً تعليميا ‪ ,‬لنها متون لغوية منظومة في‬
‫اللغة نفسها من حيث هي لغة ‪ ,‬نظماها لتمد الرواة‬
‫باللفاظ الغريبة والسأاليب الشاذة والنادرة ‪ ,‬وتزودهم‬
‫بالشواهد والمثال المأثورة واللفاظ المستعملة والمهملة‬
‫‪.‬‬
‫ثم تتابعت المنظومات العلمية عبر العصور حتى جاء عصر‬
‫المماليك الذي كثر فيه هذا اللون من النظم واتسعت‬
‫موضوعاته ‪ ,‬فشمل كل العلوم ومنها النحو ‪ ,‬وأقبل‬
‫الناظمون على النظم لييسروا على الطلب سأبل اللمام‬
‫بالمعارف وحفظها وسأرعة اسأتحضارها وقت الحاجة ‪,‬‬
‫فجاءت على سأبيل المثال منظومتا ابن مالك الطويلتان‬
‫) الكافية الشافية ( و ) الخلصة اللفية ( ‪ ,‬ومنظومة‬
‫الشاطبي الجامعة في القراءات ‪ .‬وهنا يعن لنا تساؤل في‬
‫ضوء ماهو معروف من أن عصر المماليك يعد العصر‬
‫الذهبي في نظم العلوم المتعددة ‪ ,‬وفي كثرة هذا النظم‬
‫وتنوعه ‪ ،‬وهو ‪ :‬متى ظهر أول متن منظوم في النحو ؟ ‪.‬‬
‫وللجابة على هذا التساؤل نقول ‪ :‬تعزى أقدم منظومة‬
‫في النحو للخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفى سأنة )‬
‫‪170‬هـ ( ‪ ,‬قال خالف الحمر المتوفى سأنة )‪180‬هـ ( ‪:‬‬
‫وحروف النسق خامسة وتسمى حروف العطف ‪ .‬وقد‬
‫ذكرها الخليل بن أحمد في قصيدته في النحو ‪:‬‬

‫وبل وثم وأو‬ ‫فانسق وصل‬


‫فليـسـت تصـعـب‬ ‫بالواو قولك كله‬
‫وسأبيلها رحب‬ ‫الـفـاء ناسأـقة‬
‫المذاهب مشعب‬ ‫كـذلـك عـنـدنـا‬

‫ومهما يكن من شك في نسبة هذه القصيدة للخليل – وهو‬


‫ماتطرق له المحقق – وبصرف النظر عن سأمعة خالف بن‬
‫الحمر وأمانته العلمية ‪ ,‬وبغض النظر عن كل ذلك فإن‬
‫هذه المنظومة مازالت تعد أول منظومة في النحو في‬
‫ذلك الوقت المبكر ‪.‬‬
‫ثم تتابعت بعدها المتون المنظومة ‪ ،‬فنظم أحمد بن‬
‫منصور اليشكري المتوفي سأنة )‪370‬هـ ( أرجوزة في‬
‫النحو ‪ ،‬عدد أبياتها ثلثة آلف إل تسعين ‪ ،‬تناول فيها –‬
‫فيما تناول – الخلف في وزن " غزاة " و " رماة " و "‬
‫قضاة " ونحوها ‪ ،‬وهل هي على " فَُعلة " أو " فََعلة " أو "‬
‫فُ ّ‬
‫عل " ؟ ‪ ،‬وقد قال في مطلعها ‪:‬‬

‫في الصل عند‬ ‫والوزن في الغزاة‬


‫جملة الرواة‬ ‫والرماة‬
‫في سأــالم من‬ ‫ُفـــعـَلة ليـس‬
‫شأنه الظهـور‬ ‫لهــــا نظيـــر‬
‫كما تقول في‬ ‫وآخاــرون فـيـه‬
‫الصحيح جملة‬ ‫قـالوا َفـعََلة‬
‫ثم صنف الحريري المتوفى سأنة )‪516‬هـ ( أرجوزته‬
‫النحوية " ملحة العراب وسأنحة الداب " في ثلثمائة‬
‫وخامسة وسأبعين بيتا ً ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫بحمد ذي الطول‬ ‫أقول من بعد‬


‫شديد الحول‬ ‫افتتاح القول‬
‫حد ّا ً ونوعا ً وإلى كم‬ ‫ياسأائلي عن‬
‫ينقسم‬ ‫الكلم المنتظم‬
‫وافهمه فهم من له‬ ‫اسأمع هديت‬
‫معقول‬ ‫الرشد ما أقول‬
‫نحو ‪ :‬سأعى زيد‬ ‫حد الكلم ما أفاد‬
‫وعمرو مّتبع‬ ‫المستمع‬
‫ومع أن ملحة العراب لم تنل حظ ّا ً كبيرا ً عند الدارسأين‬
‫المعاصرين مثل ألفية ابن مالك ‪ ،‬فإن لها شروحا ً كثيرة ‪،‬‬
‫منها ‪ :‬شرح الحريري نفسه ‪ ،‬وشرح لبن مالك المتوفي‬
‫سأنة )‪672‬هـ ( ‪ ،‬وشرح محمد المقدسأي الحنبلي المتوفى‬
‫سأنة )‪759‬هـ ( ‪ ،‬وشرح الهواري الندلسي الضرير‬
‫المتوفى سأنة )‪780‬هـ ( ‪ ،‬وشرح الشهاب الرملي‬
‫المتوفى سأنة ) ‪842‬هـ ( ‪ ،‬وشرح السيوطي المتوفى‬
‫سأنة )‪911‬هـ ( ‪ ،‬وشروح أخارى لغيرهم ‪.‬‬
‫وبعد الحريري نظم الحسين بن أحمد بن خايران البغدادي‬
‫المتوفى سأنة )‪600‬هـ ( متنا ً في النحو ‪ .‬ثم تتابعت‬
‫المتون النحوية المنظومة حتى وصلت ذروتها في القرن‬
‫السابع الهجري أثناء عصر المماليك ‪ ،‬واتسعت رقعتها‬
‫ط وابن‬‫وكثر الناظمون لها ‪ ،‬وكان من أبرزهم ابن مع ٍ‬
‫الحاجب وابن مالك ‪ .‬ومن هذه المنظومات منظومة لنجم‬
‫الدين الخضراوي المتوفى سأنة )‪663‬هـ ( نظم فيها‬
‫مفصل الزمخشري ‪ .-‬وأرجوزة لشهاب الدين أبي شامة‬
‫المصري المتوفى سأنة )‪665‬هـ ( نظم فيها أيضا ً مفصل‬
‫الزمخشري ‪ .-‬ومنظومة لشهاب الدين الخوالي المتوفى‬
‫سأنة ) ‪693‬هـ ( نظم فيها توضيح ابن هشام النصاري ‪.‬‬
‫وأرجوزة لبي حيان الندلسي المتوفى سأنة ) ‪745‬هـ ( ‪،‬‬
‫لغراب في علمي التصريف‬ ‫ماها " نهاية ا ل‬
‫لم يتمها وسأ ّ‬
‫لعراب " ومنظومة في تسعمائة بيت لعلء الدين‬ ‫وا ل‬
‫طيبرس المتوفى سأنة ) ‪749‬هـ ( وقد جمع فيها بين ألفية‬
‫ماها " الطرفة " ‪.‬‬‫ابن مالك ومنظومة ابن الحاجب وسأ ّ‬
‫ومنظومة ابن الوردي المتوفى سأنة ) ‪749‬هـ ( في مائة‬
‫وخامسين بيتا ً واسأمها " التحفة الوردية " ‪ .‬وأرجوزة في‬
‫حكم " لو " لتقي الدين السبكي المتوفى سأنة )‪756‬هـ‬
‫( ‪ .‬وارجوزة الممقصور والممدود لشمس الدين الهواري‬
‫المتوفى سأنة ) ‪780‬هـ ( ‪ .‬ومنظومة لتقي الدين عبد‬
‫الرحمن بن أحمد الواسأطي البغدادي المتوفى سأنة )‬
‫‪781‬هـ ( لمتن " غاية الحسان في علم اللسان " لبي‬
‫حيان الندلسي ‪ .‬ومنظومة " الحلوة السكرية " لشعبان‬
‫بن محمد المصري الثاري المتوفى سأنة )‪828‬هـ ( ‪.‬‬
‫وألفية له أيضا ً سأماها " كفاية الغلم في إعراب الكلم‬
‫" ‪ .‬وارجوزة لشهاب الدين بن عربشاه الدمشقي‬
‫المتوفى سأنة ) ‪854‬هـ ( ‪ .‬وألفية في النحو لعبد العزيز‬
‫اللمطي المكناسأي المتوفى سأنة )‪880‬هـ ( ‪ .‬وألفية في‬
‫النحو والتصريف والخط لجلل الدين السيوطي المتوفى‬
‫سأنة ) ‪911‬هـ ( ‪.‬‬
‫إن هذا الثبت الذي تضمن أهم المنظومات في عصر‬
‫المماليك يدل على نجاح هذه المنظومات ورواجها ‪ ،‬وأنها‬
‫أصبحت مناط الهتمام تصنيفا ً وتعليما ً آنذاك ‪ ،‬وقد تصاعد‬
‫هذا ‪.‬‬
‫النجاح في عصر العثمانيين من حيث الكم ‪ ،‬ولكن‬
‫المنظومات العثمانية لم تلق الرواج الذي لقته‬
‫المنظومات في عصر المماليك ‪ ،‬ومع ذلك فقد كان فيها‬
‫الجيد المفيد والطريف المبتكر ‪ ،‬مما كان وما زال محل‬
‫اهتمام الدارسأين آنذاك وحتى اليوم ‪ .‬ومن أشهر المتون‬
‫النحوية المنظومة في عصر العثمانيين ‪:‬‬
‫لسأفراييني المتوفى‬ ‫‪ -1‬أرجوزة لعصام الدين بن عربشاه ا ل‬
‫سأنة ) ‪951‬هـ ( باسأم "اللغاز النحوية " ‪.‬‬
‫‪ -2‬منظومة لشرف الدين العمريطي ‪ ،‬فرغ منها سأنة )‬
‫‪976‬هـ ( ‪ ،‬وسأماها " الدرة البهية في نظم الجرومية " ‪.‬‬
‫‪ -3‬منظومة إبراهيم الكرمياني المشهور بشريفي‬
‫المتوفى سأنة )‪1016‬هـ ( سأماها " الفرائد الجميلة " وهي‬
‫نظم لشافية ابن الحاجب ‪.‬‬
‫‪ -4‬أرجوزة لعمر الفارسأكوري المتوفى سأنة ) ‪1018‬هـ (‬
‫لعراب وهوامع الدب " وهي نظم لجمع‬ ‫سأماها " جوامع ا ل‬
‫الجوامع وشرحه همع الهوامع لجلل الدين السيوطي ‪.‬‬
‫‪ -5‬ألفية في النحو لعلي بن محمد الجهوري المالكي‬
‫المتوفى سأنة )‪1066‬هـ ( ‪.‬‬
‫‪ -6‬منظومة نحوية لحسن العطار المتوفى سأنة ) ‪1250‬هـ‬
‫(‪.‬‬
‫‪ -7‬منظومة في الخابار بالظرف لمحمد الخضري‬
‫الدمياطي المتوفى سأنة ) ‪1287‬هـ ( ‪.‬‬
‫‪ -8‬منظومتان لناصف اليازجي المتوفى سأنة ) ‪1288‬هـ‬
‫( ‪ ،‬الولى أسأمها " الخزانة " في علم الصرف ‪ ،‬والثانية‬
‫سأماها " جوف الفرا " في علم النحو ‪.‬‬
‫ومن المنظومات النحوية التي ظهرت في أواخار العصر‬
‫العثماني ‪ :‬أرجوزة لحمد بن عبد الرحيم الطهطاوي‬
‫المتوفى سأنة )‪1302‬هـ ( ‪ .‬واسأمها " نظم المقصود "‬
‫نظم فيها " المقصود " في الصرف المنسوب لبي حنيفة‬
‫‪ .‬ومنظومة " الدرة اليتيمة في علم النحو " لسعيد بن‬
‫سأعد بن نبهان الحضرمي المتوفى سأنة ) ‪1322‬هـ ( ‪.‬‬
‫والنظم المشهور بـ "الجامع بين التسهيل والخلصة المانع‬
‫من الحشو والخصاصة " المعروف بـ " ألفية ابن بون "‬
‫للمختار بن بون الشنقيطي المتوفى سأنة )‪1300‬هـ ( ‪.‬‬
‫ويجدر بنا بعد هذا السرد لسأماء المتون النحوية‬
‫المنظومة ولسأماء ناظميها أن نذكر أهم خاصائص هذه‬
‫المتون ‪ ,‬فهي موجزة العبارة ‪ ,‬تتصف بالخاتصار الشديد ‪,‬‬
‫ويطغى فيها التلميح على التصريح ‪ ,‬ويأتي فيها اليجاز‬
‫والرمز اسأتجابة لما تقتضيه الوزان الشعرية من تقديم أو‬
‫تأخاير أو حذف ‪.‬‬
‫وقد اخاتار أكثر الناظمين لها الرجز لنه أوفى بحور الشعر‬
‫نغما ً ‪ ,‬وأكثرها مطاوعة في تفاعليه للحذف والزخاارف‬
‫والعلل ‪ ,‬واخاتاروا المزدوج من الرجز لطول المنظومات‬
‫العلمية التي ليمكن اللتزام بقافية واحدة فيها ‪ ,‬مما‬
‫اضطرهم إلى مزاوجة القافية في شطري كل بيت ولقد‬
‫رأى بعض النقاد أن هذه المتون خاالية من القيمة الفنية ‪,‬‬
‫ووصفها أحدهم بأنها )مجرد متون علمية منظومة ‪,‬‬
‫وليست في الحقيقة أشعارا تصاغ ‪ ,‬ويعبر بها أصحابها عن‬
‫حاجاتهم الوجدانية أو العقلية ( ووصفها آخار بقوله ‪ ) :‬إن‬
‫الشعر التعليمي قد أصبح في العصور المتأخارة النوع‬
‫الوحيد الذي ل يحمل من الشعر إل اسأمه ( ‪.‬‬
‫)ب( المتن المنثور ‪:‬‬
‫صيغت المتون نثرا ً أيضا ً كما صيغت نظما ً ‪ ،‬وقد اشتهرت‬
‫هذه المتون النثرية في تاريخ العلوم عامة ‪ ،‬وفي تاريخ‬
‫النحو خااصة ‪ ،‬وهي متون اعتمدها الدارسأون جيل ً بعد‬
‫جيل يشرحونها ويعلمونها ‪ ،‬وما زالت حتى اليوم عمدة‬
‫في بابها ومرجعا ً لصحاب كل فن ‪ ،‬وهي حتى الن مجال‬
‫للباحثين يخوضون فيها بالتفسير والتعليق والشرح‬
‫ليضاح والتحقيق ‪ .‬وعندما نحاول أن نضع تاريخا ً للبداية‬ ‫وا ل‬
‫الفعلية التي ظهر فيها أول متن نحوي منثور مختصر ‪،‬‬
‫نجد أنها كانت في القرن الثاني الهجري أيضا ً ‪ ،‬ولعل أول‬
‫من كتب مقدمة أو متنا ً منثورا ً هو خالف بن حيان الحمر‬
‫البصري المتوفى سأنة ) ‪180‬هـ ( ‪ ،‬حين ألف كتابه الوجيز‬
‫" مقدمة في النحو " ‪ .‬وبهذا تكون البداية للمتن المنظوم‬
‫والمنثور واحدة تقريبا ً ‪ ،‬إذ لم يفصل الخليل بن أحمد‬
‫الذي ينسب إليه أول متن منظوم عن خالف الحمر هذا إل‬
‫عشر سأنوات ‪.‬‬
‫ويجلى كون كتاب " الحمر " متنا ً منثورا ً مختصرا ً من‬
‫قوله ‪ " :‬ولما رأيت النحويين وأصحاب العربية أجمعين قد‬
‫اسأتعملوا التطويل وكثرة العلل ‪ ،‬وأغفلوا ما يحتاج إليه‬
‫المتعلم المتبلغ في النحو المختصر ‪ ...‬والمأخاذ الذي‬
‫يخفي على المبتدئ حفظه ‪ ،‬ويحيط به فهمه ‪ .‬فأمعنت‬
‫النظر والفكر في كتاب أؤّلفه وأجمع فيه الصول‬
‫والدوات والعوامل على أصول المبتدئين ؛ ليستغني به‬
‫المتعلم عن التطويل ‪ ،‬فعملت هذه الوراق ‪ ،‬فمن قرأها‬
‫وحفظها وناظر عليها ‪ ،‬علم أصول النحو كله " ‪.‬‬
‫ثم ألف أبو عمر صالح بن إسأحاق الجرمي المتوفى سأنة )‬
‫ماه‬
‫ماه " المقدمة " ‪ ،‬وسأ ّ‬ ‫‪225‬هـ ( مختصرا ً في النحو سأ ّ‬
‫بعضهم " مختصر نحو المتعلمين " ‪ .‬ثم ألف أبو علي‬
‫أحمد بن جعفر الدينوري المتوفى سأنة )‪289‬هـ ( مختصرا ً‬
‫ماه " المهذب " جرده من الخاتلفات واكتفى فيه‬ ‫سأ ّ‬
‫بمذهب البصريين ‪.‬‬
‫ثم ألف أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان المتوفى‬
‫سأنة ) ‪299‬هـ ( متنا ً نحويا ً اسأمه " الموفقي في النحو " ‪.‬‬
‫ثم ألف أبو جعفر النحاس المتوفى سأنة ) ‪338‬هـ ( كتابه‬
‫" التفاحة " وهو متن صغير الحجم كبير الفائدة ‪.‬‬
‫كما كتب أبو الحسن أحمد بن فارس المتوفى سأنة )‬
‫‪395‬هـ ( مقدمة في النحو ثم جاءت مقدمة ابن بابشاذ‬
‫أبي الحسن طاهر أبن أحمد النحوي المتوفى سأنة )‬
‫‪469‬هـ ( ثم مقدمة أبي الحسن علي بن فضال‬
‫المجاشعي المتوفى سأنة ) ‪479‬هـ ( ثم المقدمة الجزولية‬
‫التي تسمى بالقانون لبي موسأى عيسى بن عبد العزيز‬
‫الجزولي المتوفى سأنة ) ‪607‬هـ ( ‪ .‬بعدها ألف أبو الفتح‬
‫المطرزي المتوفى سأنة ) ‪610‬هـ ( متنا ً نحويا ً وأسأماه‬
‫أيضا ً " المقدمة " ‪.‬‬
‫وأسأتمر التأليف في المتون النحوية المنثورة المختصرة‬
‫في عصر المماليك وازدهر وكثر ‪ ،‬كما كثر شراح هذه‬
‫المتون وحفاظها والمقبولون عليها ‪ .‬ومن أشهر ما ألف‬
‫في عصرهم من المتون النحوية ‪ " :‬الكافيه " لبن‬
‫الحاجب المتوفى سأنة ) ‪646‬هـ ( ‪ ،‬و " المقدمة‬
‫الجرومية " في النحو لبي عبد الله محمد بن داود‬
‫الصنهاجي المعروف بـ " أبن آجروم " المتوفى سأنة )‬
‫‪723‬هـ ( وقد شاعت هذه المقدمة وذاعت ‪ ،‬وأقبل عليها‬
‫المعلمون والمتعلمون ‪ ،‬الولون يشرحون والخارون‬
‫يحفظون ‪ .‬ثم تلتها " المقدمة الزهرية " للشيخ خاالد‬
‫الزهري المتوفى سأنة ) ‪905‬هـ ( وهي ل تقل في‬
‫محتواها وقيمتها عن المقدمة الجرومية ‪ ،‬لكنها لم تحظ‬
‫بما حظيت به المقدمة الجرومية من الشهرة والنتشار ‪.‬‬
‫ويمكن أن يندرج تحت أسأم المتون كل كتاب قديم‬
‫اخاتصره مؤلفه وأخاله من الخلف وكثرة التعليلت ‪ ،‬ومن‬
‫ذلك كتاب " الجمل في النحو " لبي القاسأم الزجاجي‬
‫المتوفى سأنة ) ‪339‬هـ ( إل أنه يأخاذ عليه إكثاره من‬
‫المثلة ‪ ،‬وهذا أمر غير مألوف في المتون بآخارة ‪ .‬ومن‬
‫ذلك أيضا ً كتاب " الجمل في النحو " لعبد القاهر‬
‫الجرجاني المتوفى سأنة ) ‪471‬هـ ( ‪.‬‬

‫طبيعة المتون والشروح ‪:‬‬


‫أجمع الباحثون على القول بأن للمتون طبيعة ل تفارقها‬
‫وهي الخاتصار ‪ ،‬مع أنني أرى أن الحقيقة تخالف ذلك‬
‫أحيانا ً ‪ ،‬فالمتون كما تكون مختصرة ‪ ،‬قد تكون عندي من‬
‫أمهات الكتب ‪ ،‬يؤيد هذا ما نراه من الشروح الكثيرة‬
‫والتعليقات العديدة على هذه المهات ‪ ،‬وهي في الوقت‬
‫نفسه دليل على أهميتها وعظم منزلتها ‪ ،‬فكتاب سأيبويه –‬
‫مثل ً – يعد من هذه الناحية متنا ً نحويا ً ‪ ،‬صحيح أنه كبير‬
‫في حجمه الموسأوعي في مسائله وأبوابه وأمثلته ‪ ،‬لكن‬
‫إقبال العلماء والمتعلمين عليه عبر التاريخ ‪ ،‬وكثرة‬
‫شروحه وتتابعها يسوغ عندي تسميته متنا ً ‪.‬‬
‫يقول الشيخ محمد عرفة ‪ " :‬لم يخدم كتاب في العربية‬
‫مثلما خادم ) الكتاب ( لسيبويه ‪ ،‬لوم يوضع على كتاب من‬
‫الشروح والحواشي وتفسير الشواهد مثل ما وضع على‬
‫الكتاب " ‪ .‬و " مقتضب المبرد " و " أصول ابن السراج "‬
‫كذلك ‪ ،‬وهلم جرا ‪ .‬فهذه كلها يمكن أن تعد أيضا ً متونا ً‬
‫لنها ضبطت أصول العلم بدقة وإحكام من جهة ‪ ،‬ولكثرة‬
‫الشروح عليها من جهة أخارى ‪ ،‬أما الشروح فقد وضعت‬
‫بقصد اسأتيفاء كل مسألة من جميع النواحي ‪ ،‬وذكر كل ما‬
‫يتصل بها ولو كان على سأبيل السأتطراد أو لدنى ملبسة‬
‫‪ ،‬فحوت من أجل ذلك القواعد والقوانين النحوية والعلل‬
‫والتأويلت والعوامل والشواهد وإعرابها وتوجيهها‬
‫واللهجات وما يتصل منها بالنحو ‪ ،‬وبحثت أحيانا ً في أصول‬
‫بعض الكلمات ‪ ،‬وقد دعا إلى هذه الشروح العجز عن‬
‫التيان بعلم جديد من مصنف جديد ‪ ،‬مما جعل المصنفين‬
‫يتجهون إلى شرح متون المتقدمين ‪ ،‬وتجلية ما عسى أن‬
‫يكون فيها مما يتعاصى على الفهم ‪ .‬يقول محمد كامل‬
‫حسين ‪ " :‬إن العلوم إذا تم تكوينها ‪ ،‬ووضعت قواعدها ‪،‬‬
‫تمر على العلماء فترة بعد ذلك طويلة أو قصيرة لشرح‬
‫هذه القواعد أو نقدها ‪ ،‬ويكثرون من التأليف حول هذه‬
‫القواعد ‪ ،‬دون أن يحاولوا وضع قواعد جديدة " ‪.‬‬

‫بعض الظواهر التي صاحبت بعض المتون‬


‫والشروح في العصور المتأخرة ‪:‬‬
‫من الظواهر التي صاحبت بعض متون المتأخارين‬
‫وشروحهم ‪:‬‬
‫‪ -1‬ظهور نوع خااص من المتون النحوية يبحث في موضوع‬
‫واحد أو مسألة واحده بإيجاز ‪ ،‬مثال ذلك كتاب " الشذا‬
‫في أحكام كذا " لبي حيان الندلسي المتوفى سأنة )‬
‫‪745‬هـ ( وكتاب " أحكام كل ما تدل عليه " لتقي الدين‬
‫السبكي المتوفى سأنة ) ‪756‬هـ ( ‪.‬‬
‫‪ -2‬تصنيف بعض الكتب على شكل أسأئلة في النحو‬
‫وإجابات عنها ‪ ،‬مثال ذلك كتاب " الجوبة المرضية عن‬
‫السأئلة النحوية " للراعي الندلسي المتوفى سأنة )‬
‫‪853‬هـ ( ‪.‬‬
‫‪ -3‬قيام بعض المؤلفين من أصحاب المتون بشرح متونهم‬
‫‪ ،‬بالضافة إلى ما يقوم به غيرهم من ذلك ‪ ،‬ومن هؤلء‬
‫ابن هشام النصاري في شرحي على متني " قطر الندى‬
‫" و " شذور الذهب " ‪ .‬وخاالد الزهري في شرحه‬
‫لمقدمته " الزهرية " ‪.‬‬
‫طبيعة الحواشي والتقريرات ‪:‬‬
‫دعت الضرورة إلى تصنيف الحواشي والتقريرات بعد‬
‫تصنيف المتون ‪ ،‬وتصنيف الشروح عليها وعلى الكتب‬
‫السابقة ‪ .‬وقد بدأت ظاهرة الحواشي والتقريرات في‬
‫أواخار عصر المماليك ‪ ،‬وانتشرت في عصر العثمانيين ‪،‬‬
‫وأصبحت طابعا ً شامل ً لتدريس العلوم ‪ ،‬ومنهجا ً سأائدا ً‬
‫من مناهج التأليف فيه ‪ ،‬لذلك يعد علماء عصر المماليك‬
‫أول من وصل المتون والشروح بالحواشي والتقريرات ‪،‬‬
‫فوصلوا بهذا بين السابق واللحق ‪ ،‬ثم تبعهم على ذلك‬
‫علماء العصر العثماني ‪.‬‬
‫من هنا يمكن القول بأن المتون والشروح كانت ظاهرة‬
‫مميزة لعصر المماليك ‪ ,‬أظهرت الحياة العلمية فيه ‪,‬‬
‫وحققت بالتأكيد كثيرا ً من النفع المتوخاى منه ‪.‬‬
‫أما الحواشي والتقريرات التي بدأت في أواخار عصر‬
‫المماليك ‪ ,‬وعمت في العصر العثماني حتى أضحت‬
‫ظاهرة راسأخة فيه ‪ ,‬فقد حققت أيضا ً مثل هذا النفع ‪.‬‬
‫وقد تعمق رسأوخاها في القرن العاشر حين ظهرت في‬
‫صورة منهج تأليفي ذائع ‪ ,‬ذلك أن الحواشي كانت إيضاحا ً‬
‫– كما ذكرنا سأابقا ً – لبعض عبارات الشروح ومسائلها ‪,‬‬
‫تجلى ما في عباراتها من غموض ‪ ,‬أو تكمل ما فيها من‬
‫نقص في الحقائق والشروط التي لم يستوفها الشرح ‪.‬‬
‫أما التقريرات فهي تعليقات على الحواشي لبداء‬
‫الملحظات عليها ‪ ,‬ومنشأ الحواشي والتقريرات – في‬
‫نظري – هو نظام التعلم الذي كان سأائدا ً ‪ ,‬إذ كان أسأاسأه‬
‫تدريس كتاب أو إقراءه ‪ ,‬فكان المدرس يعالج المباحث‬
‫التي يتضمنها المتن والشرح ‪ ,‬فإن صادف مسألة غامضة‬
‫أو قصورا ً أو نقصا ً كتب على حاشية الكتاب ما يسد ذلك‬
‫أو يسدده ‪ ,‬ثم يأتي من ينشر الكتاب ‪ ,‬فيطبعه كامل ً مع‬
‫المتن والشرح ‪ ,‬وهكذا كان أحد العلماء إذا تصدى‬
‫لتدريس المجموعة المؤلفة من متن وشرح وحاشية ‪,‬‬
‫أضاف إليها ما يعن له من تقريرات ‪.‬‬
‫ولو حاولنا أن نضع بداية زمنية محددة واضحة للحواشي‬
‫النحوية والصرفية ‪ ,‬نجد أن القرن الثامن كان هو البداية‬
‫لهذا النمط التأليفي ‪ ,‬ويعد محمد بن عبد الرحمن‬
‫المعروف بابن الصائغ المتوفى سأنة ) ‪ 776‬هـ ( من أوائل‬
‫المحشين على المؤلفات النحوية في حاشيته على مغني‬
‫اللبيب لبن هشام النصاري ‪ .‬ثم تتابع المحشون بعده ‪,‬‬
‫فكان لمحمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن جماعة‬
‫ش كثيرة منها ‪ :‬حاشية على‬‫المتوفى سأنة ) ‪ 819‬هـ ( حوا ٍ‬
‫شرح التوضيح ‪ ,‬وحاشية على مغني اللبيب ‪ ,‬وأخارى على‬
‫ألفية ابن مالك ‪ ,‬ورابعة على شرح الشافية للجاربردي ‪.‬‬
‫ثم جاء أحمد بن تقي الدين المعروف بالشمني المتوفى‬
‫سأنة ) ‪ 872‬هـ ( وله حاشية مشهورة على المغني اسأمها‬
‫" المنصف من الكلم على مغني ابن هشام " ‪ .‬ثم جاء‬
‫جلل الدين السيوطي المتوفى سأنة ) ‪ 911‬هـ ( ‪ ,‬ومن‬
‫حواشيه " السيف الصقيل في حواشي ابن عقيل " ‪,‬‬
‫وحاشية على شرح الشذور لبن هشام ‪ .‬وبعد هؤلء جاء‬
‫شهاب الدين أحمد بن قاسأم العبادي المتوفى سأنة )‪994‬‬
‫هـ ( وله حاشية في النحو على شرح ابن الناظم للفية‬
‫والده ‪ ,‬وهو ممن اشتهر أيضا ً بكثرة حواشيه في الفقه‬
‫وأصوله والمعاني والبيان ‪ .‬ثم جاء الشنواني إسأماعيل بن‬
‫شهاب الدين الشافعي المتوفى سأنة ) ‪ 1019‬هـ ( ‪ ,‬وهو‬
‫نحوي تونسي الصل مصري المولد والدار ‪ ,‬ويعد من‬
‫أشهر أصحاب الحواشي في العصر العثماني ‪ ,‬ولعلي ل‬
‫أتجاوز الحقيقة إذا قلت ‪ :‬إنه يعد أحد المعالم الرئيسة‬
‫بين مؤلفي الحواشي في العصور المتأخارة ‪ ,‬فقد كثرت‬
‫حواشيه عامة وفي النحو على وجه الخصوص ‪ ,‬ومن‬
‫أشهر حواشيه النحوية ‪ :‬حاشية على شرح قطر الندى‬
‫لبن هشام ‪ ,‬وحاشية على شذور الذهب لبن هشام ‪,‬‬
‫وحاشية على التوضيح لبن هشام ‪ ,‬وحاشية على شرح‬
‫الفاكهي لمتن القطر المسمى " موصل الطلب إلى‬
‫قواعد العراب " لخالد الزهري وهو شرح لكتاب "‬
‫العراب عن قواعد العراب " لبن هشام ‪ ,‬وقد سأمى‬
‫الشنواني حاشيته هذه " هداية أولي اللباب إلى موصل‬
‫الطلب إلى قواعد العراب ‪ ،‬وحاشيته على شرح‬
‫المقدمة الزهرية في علم العربية لخالد الزهري ‪,‬‬
‫وحاشية على الجرومية سأماها " الدرة الشنوانية على‬
‫شرح الجرومية في علم العربية " ‪.‬‬
‫بعد ذلك تتابع المشحون فجاء الدنوشري المتوفى سأنة )‬
‫‪ 1025‬هـ ( ‪ ,‬فياسأين الحمصي المتوفى سأنة )‪ 1061‬هـ (‬
‫ثم الحفني المتوفى سأنة ) ‪ 1178‬هـ ( ‪ ,‬فالسجاعي‬
‫المتوفى سأنة ) ‪1197‬هـ ( فالكفراوي المتوفى سأنة )‬
‫‪ 1202‬هـ ( ‪ ,‬فالصبان المتوفى سأنة ) ‪ 1206‬هـ (‬
‫فالدسأوقي المتوفى سأنة ) ‪ 1230‬هـ ( فالمير المتوفى‬
‫سأنة ) ‪ 1232‬هـ ( ‪ ،‬فالعطار المتوفى سأنة ) ‪ 1250‬هـ ( ‪,‬‬
‫فالخضري المتوفى سأنة ) ‪ 1287‬هـ ( وأكثر هؤلء العلماء‬
‫كانت لهم أيضا ً تقريرات نحوية على بعض الحواشي‬
‫بسبب عملهم في التدريس ‪ ,‬ويعد الدنوشري خااصة – من‬
‫بين هؤلء – أشهر من كتب التقريرات النحوية ‪.‬‬

‫أسباب ظهور المتون والشروح والحواشي‬


‫والتقريرات ‪:‬‬
‫نشأ هذا النظام التأليفي وتطوير لسأباب وبواعث لافتعال‬
‫فيها ول غلو ‪ ,‬فمن السأباب التي دعت إلى وجود هذا‬
‫اللون ‪ ,‬ثم إلى كثرته في عصري المماليك والعثمانيين ‪:‬‬
‫‪ -1‬الرغبة الشديدة في التسهيل ؛ ليمكن تعلم القواعد‬
‫وتيسير حفظها واسأتذكارها واسأتيعابها ‪ ,‬فوجود متن يتميز‬
‫بالخاتصار والقتصار على السأس العامة ‪ ,‬كان معينا ً على‬
‫حفظ أصول العلم وقواعده ‪ ,‬وتقريب الحقائق إلى أذهان‬
‫المتعلمين في مراحلهم المختلفة ‪ ,‬ليسهل عليهم حفظها‬
‫‪.‬‬
‫‪ -2‬ضبط أصول العلم بدقة وإحكام ‪ ,‬ويكون ذلك بجمع‬
‫مادته ولم شعثها بعبارات موجزة جامعة دقيقة يستطيع‬
‫الدارس اسأتيعابها بأقصر طريق وأقل زمان ‪.‬‬
‫‪ -3‬شدة حرص علماء هذه العصور على سأرعة تلفي ما‬
‫ضاع من الكتب ‪ ,‬ول سأيما بعد كارثة المشرق وإحراق‬
‫المؤلفات في بغداد في فتنة " هولكو " ‪ ,‬وبعد ما أصاب‬
‫المة من نكسات في الندلس ‪ ,‬فرغبوا في جمع شتات‬
‫هذه العلوم في صور مختلفة ‪ ,‬وحرصوا على جمع أكبر‬
‫قدر ممكن من العلوم وحفظها من الضياع بعد النكبات‬
‫السياسأية والعسكرية التي حلت بالمسلمين وأفقدتهم جل‬
‫تراثهم ‪.‬‬
‫‪ -4‬الحرص على أن تحفظ المتون من العلم جوهره ولبابه‬
‫‪ ,‬وأن تقوم بدورها الفعال في مسرح التعليم ‪ ,‬وقد حدث‬
‫هذا في ذلك العصر وفي عصرنا الحاضر ‪ .‬أما الشروح‬
‫فقد كانت تطورا ً طبيعيا ً يناسأب عصر التوسأع والتخصص‬
‫‪ ,‬ويقرب للطلب العلم ‪ ,‬ويسهل لهم تناول مسائله ‪.‬‬
‫من هنا يمكن القول بأن هذه اللوان من التصانيف‬
‫ظهرت ثم ازدهرت في العصور المتأخارة ؛ لن هذه‬
‫العصور جاءت بعد عصور سأابقة عاش فيها الئمة‬
‫محققون يألفون ويجتهدون ‪ ,‬فخلفوا تراثا ً ضخما ً متكامل ً‬
‫‪ .‬وحينما اطلع عليه المتأخارون ‪ ,‬أدركوا أن ليس لديهم‬
‫زيادة علمية ‪ ,‬كما أن طلب زمانهم يصعب عليهم‬
‫اسأتيعاب هذا التراث ‪ .‬يقول ابن خالدون ‪ " :‬واعلم أنه مما‬
‫أضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته ‪,‬‬
‫كثرت التأليف واخاتلف الصطلحات في التعليم وتعدد‬
‫طرقها ‪ ,‬ثم مطالبة المتعلم والتلميذ باسأتحضار ذلك ‪,‬‬
‫وحينئذ ٍ يسلم له منصب التحصيل ‪ ,‬فيحتاج المتعلم إلى‬
‫حفظها كلها أو أكثرها ‪ ,‬ومراعاة طرقها ‪ ,‬ول يفي عمره‬
‫بما كتب في صناعة واحدة إذا تجرد لها ‪ ,‬فيقع القصور‬
‫ولبد دون رتبة التحصيل " ‪ .‬وقد أدى هذا بالعلماء إلى‬
‫التجاه إلى الخاتصار ‪ ,‬تم شرح وتوضيح ما بأيديهم من‬
‫المختصرات ‪ ,‬بعد أن رأوا سأاحة الجتهاد قد ضاقت بهم ‪,‬‬
‫ولم يعد لهم أي مكان يحتلونه فيها ‪.‬‬
‫هذه السأباب التي ذكرناها هي الكامنة وراء ظهور المتون‬
‫وبروزها في منظومة التأليف النحوي ‪ ,‬التي أدت إلى‬
‫ظهور الشروح ‪ ,‬فصورتها المختصرة وعباراتها المضغوطة‬
‫وبعدها عن اسأتيفاء الشروط والجزئيات التي تربط‬
‫بالقاعدة ‪ ,‬أو التي يتطلبها إتمام البحث ‪ ,‬حتمت ظهور‬
‫الشروح التي كان بعضها مستقل عن المتن ‪ ,‬كما في‬
‫شرح ابن عقيل ‪ ,‬أو ممزوجا ً به كما في شرح الشموني ‪,‬‬
‫ثم نشأت بعد هذا وذاك الحواشي والتقريرات بدافع‬
‫تحسين نظام التعليم الذي كان أسأاسأه تدريس الكتاب أو‬
‫إقراءه ‪ ,‬فأخاذ المدرس يعالج المباحث التي يتضمنها‬
‫المتن والشرح ‪ ,‬ويحاول إزالة مافيها من غموض أو قصور‬
‫أو نقص ‪ ,‬فيكتب ما يعن له على حاشية الشرح ‪ ,‬ثم أخاذ‬
‫المعلقون يأتون بتعليقاتهم على الحواشي ‪ ,‬فيبدون‬
‫ملحظاتهم ‪ ,‬ويحاولون بها إتمام النقص وهو ما سأمي‬
‫اصطلحا ً بالتقريرات ‪.‬‬

‫المتون والشروح والحواشي والتقريرات في‬


‫الميزان ‪:‬‬
‫لهذا النظام التأليفي عند بعض الباحثين والنقاد من‬
‫المتقدمين والمحدثين نقائص ‪ ,‬وفيه عيوب ‪ ,‬وعليه مآخاذ ‪,‬‬
‫منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬اليجاز المخل ‪ ,‬وهو كما يرون من أكبر عيوب هذه‬
‫السلسلة التأليفية ‪ ,‬ويظهر هذا بوضوح تام في المتون‬
‫على وجه الخصوص ‪ ,‬فهي أقرب إلى المعميات ؛ لنها‬
‫تكدس المعاني وتختزل اللفاظ ‪ ,‬وتوجز في العبارات ‪,‬‬
‫حتى تصبح ملتوية غامضة يصعب فكها ‪ .‬أما الشروح‬
‫والحواشي و مثلهما التقريريات ‪ ,‬فهي كذلك تهتم‬
‫بالمظهر دون الجوهر ‪ ,‬وتتشاغل باللفاظ بدل ً من‬
‫الشتغال بالمعاني ‪ ,‬لذلك أصبحت تعد في نظر هؤلء‬
‫قشورا ً ل لبابا ً ‪.‬‬
‫‪ -2‬في المتون تشتيت للمتعلم بين تحصيل الحقائق‬
‫وتذليل مافي المتن من صعاب ‪ ,‬وتجلية مافيه من غموض‬
‫وإتمام مافيه من نقص ‪ .‬وقد يكون العناء الذي يبذل في‬
‫ذلك مستنفذا ً في زمن كان المتعلم في غنى عن إضاعته‬
‫لو اسأتقى المعلومات بطريقة مباشرة من عبارات تامة‬
‫وافية واضحة ‪ .‬يقول ابن خالدون ‪ " :‬ذهب كثير من‬
‫المتأخارين إلى اخاتصار الطرق والنحاء في العلوم ‪,‬‬
‫يولعون بها ويدونون منها برنامجا ً مختصرا ً في كل علم‬
‫يشتمل على حصر مسائله وأدلتها باخاتصار في اللفاظ ‪,‬‬
‫وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن ‪ ...‬وهو‬
‫فساد في التعليم ‪ ,‬وفيه إخالل بالتحصيل ؛ وذلك لن فيه‬
‫تخليطا ً على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه وهو‬
‫لم يستعد لقبولها بعد ‪ ...‬ثم فيه شغل كبير على المتعلم‬
‫بتتبع ألفاظ الخاتصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني عليها‬
‫‪ ,‬وصعوبة اسأتخراج المسائل من بينها ؛ بأن ألفاظ‬
‫المختصرات تجدها لجل ذلك صعبة عويصة ‪...‬فهم قصدوا‬
‫إلى تسهيل الحفظ على المتعلمين ‪ ,‬فأركبوهم صعبا ً‬
‫يقطعهم عن تحصيل الملكات النافعة وتمكنها " ‪.‬‬
‫أما الشروح والحواشي والتقريرات ‪ ,‬فتردد الجمل‬
‫المعادة المبتذلة والمثلة المكررة ‪ ,‬وتكثر من حشد الراء‬
‫والمسائل بسبب أو بغير سأبب ‪ ,‬وتكثر من السأتطراد ‪,‬‬
‫مما يزيدها غموضا ًُ وإمعانا ً في التعقيد ‪ ,‬بدل من اليضاح‬
‫والتسهيل ‪.‬‬
‫‪ -3‬المتون دليل واضح على أنها إفراز عصر أجدبت فيه‬
‫العقول ‪ ,‬وانعدم فيه البداع ‪ ,‬وكلت القرائح عن التيان‬
‫بجديد ‪ .‬أما الشروح والمحشون والمقررون فهم مولعون‬
‫بتحكيك ألفاظ النصوص ‪ ,‬وعاجزون عن تذوق مضمون‬
‫أي نص ‪ ,‬ومؤلفاتهم تتسم بصعوبة السألوب ووعورة‬
‫المضمون ‪ ,‬وتهويش المنهج ‪ .‬يقول البهاء السبكي عن‬
‫هذه المصنفات جميعا ً ‪ " :‬ل تنشرح ببعضها الصدور‬
‫الضيقة ‪ ,‬ول تنفتح عندها مغلقة ‪ ,‬ول ينقدح فيها زناد‬
‫الفكر عن مسألة محققة ‪,‬يتناولون المعنى الواحد بالطرق‬
‫المختلفة ‪ ,‬ويتناولون المشكل والواضح على أسألوب واحد‬
‫كلهم قد ألفه ‪ .‬ل يخالف المتقدم منهم المتأخار إل بتغيير‬
‫العبارة ‪ ,‬ول يجد له على حل ما أشكل على غيره أو‬
‫اسأتشكال ما اتضح جسارة ‪ ,‬ول يطمع أن يذوق ما في‬
‫السأتدراك من اللذة ‪ ,‬بل يسري خالف من تقدمه في‬
‫الكلمة الفذة ‪ ,‬ويسير أثره حذو القذة بالقذة ‪ ...‬كل همه‬
‫أن يوسأع الدائرة بما ل يقام له وزن ‪. " ...‬‬
‫‪ -4‬المتون ل يستفاد منها كثيرا ً في مجال التطبيقات‬
‫النحوية ؛ لن ما فيها من قواعد ل يناسأب قابليات الطلب‬
‫بصورة علمية ؛ ولنها تراوح – أحيانا ً – بين الزيادة في‬
‫بعض البواب والنقص في أبواب أخارى ‪ ,‬فأسأاليبها‬
‫ومحتوياتها ومناهج تصنيفها ل تتفق مع الحقائق التربوية‬
‫الحديثة ‪ ,‬والمناهج التعليمية العصرية ‪ .‬أما الشروح‬
‫والحواشي والتقريرات ‪ ,‬فهي تكثر من التعرض لقضايا‬
‫المنطق والكلم والتعليل الفلسفي ‪ ,‬وفيها من الحدود‬
‫والقيود والحترازات مال يتلءم مع المستوى العقلي‬
‫للطلب المتلقين الذين صنفت في الصل لهم ‪.‬‬
‫‪ -5‬هذه المنظومة التأليفية لم تستطيع أن تضيف إلى‬
‫مباحث النحو جديدا ً يجعله مزدهرا ً ناميا ً ‪ ,‬وإنما حوت‬
‫قواعد متحجرة ‪ ,‬وأصبح هم العلماء تلخيص هذه القواعد ‪,‬‬
‫ثم شرح التلخيص ‪ ،‬ثم التحشية على الشرح ‪ ،‬ثم التقرير‬
‫على الحاشية ‪ ،‬لذلك فإن الناظر ل يرى إل كلما ً معادا ً‬
‫مكررا ً في هذه المنظومة ل ينمي ذوقا ً ول يربي ملكة ‪.‬‬
‫هذه هي العيوب المنسوبة أو التي يمكن أن تنسب إلى‬
‫هذه الظاهرة التأليفية في النحو وغيره من العلوم ‪ ،‬وهي‬
‫الظاهرة التي ترسأم صورة علمية وثقافية واضحة لعصر‬
‫المماليك وعصر العثمانيين ‪ ،‬وقد ركزت هذه العيوب على‬
‫جعل هذين العصرين عصري تخلف وانحطاط ‪ ،‬وعلى أن‬
‫هذا اللون من التصانيف دليل على ضعف الهتمام العلمي‬
‫عامة ‪ ،‬وعلى الجهل لدى حكام هذه العصور جميعا ً مما‬
‫انعكس على المؤلفين ‪ ،‬فجاءت تصانيفهم من أجل ذلك‬
‫بصياغة توهم أنهم أتوا بجديد وواقع المر غير ذلك ‪ ،‬إذ‬
‫كانت مؤلفاتهم قلما تسلم من غموض العبارة أو خاطأ‬
‫الفكرة ‪ ،‬أو مخالفة الصطلح السليم ‪ ،‬أو غلط الرواية‬
‫المعزوة ‪ ،‬وهي – في مجملها – كما يقول هؤلء‬
‫المنتقدون صرفت على اللب إلى القشور ‪ ،‬كما أنها – في‬
‫نهاية المر – سألبت من النحو بهجته ورواءه ‪.‬‬
‫أما مصنفو هذه الكتب فقد قالوا فيهم أيضا إنهم متصفون‬
‫بغلبة العجمة عليهم ‪ ،‬وقلة إلمام كثير منهم بالسأاليب‬
‫العربية القديمة مما جعل أقلمهم وأقلم من تشبه بهم‬
‫تتبارى وتتنافس في إقامة الصيغ الخفية ‪ ،‬وفي إقحام‬
‫مصطلحات المنطق واللفاظ الفلسفية ‪ ،‬وفي التلعب‬
‫باللفاظ واليغال في اليجاز ‪ ،‬والحرص على الرمز‬
‫واللغاز ‪ ،‬وفي الجنوح إلى السأتطراد أو اليجاز بل داٍع ‪،‬‬
‫حتى باتت مصنفاتهم ليس فقيرة في السأاليب الدبية‬
‫فحسب ‪ ،‬بل تقع فيها أيضا ً أشياء من المخالفة للقواعد‬
‫النحوية أو الصرفية ‪..‬‬
‫وذهب المنتقدون كذلك إلى أن عيب الحواشي بخاصة‬
‫يكمن في أن أكثرها انصرف انصرافا ً كامل ً إلى الصيغ‬
‫واللفاظ ‪ ،‬بدل ً من فقه العلم ‪ ،‬والغوص في أعماق‬
‫المسائل ‪ ،‬وبهذا أصبحت هذه الحواشي مجال ً لتدريب‬
‫قرائها على الجدل ‪ ،‬والخاذ بهم إلى طريق المناظرة ‪،‬‬
‫وأصبحت في الوقت ذاته تعاني من التواء مناحي البحث‬
‫في أسأاليب مؤلفيها مما حمل القراء على كد الفكر لفهم‬
‫مغازيهم ومراميهم ‪ ،‬وجعلها ذات أثر في شحذ فكر‬
‫الدارس وتوسأيع مدارك عقله ‪ ،‬بدون أن يكون لها الثر‬
‫نفسه في ترقيق شعوره وإرهاف خاياله وتنمية عواطفه ‪.‬‬
‫هذه هي خالصة ما انتقد به بعضهم هذا النمط التأليفي ‪،‬‬
‫وما وسأموه به في العصور التي كتب فيها وشاع ‪.‬‬
‫وبالنظر الموضوعي البعيد عن الحماس الذي اتسم به‬
‫كلم مناهضي هذا اللون من التأليف ‪ ،‬يمكننا أن نقول في‬
‫الدفاع عنه وفي بيان مزاياه ‪ ،‬مع الرد على ما سأقناه‬
‫ورويناه عنهم من العيوب والنقائص ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إن الغموض الذي رأوه عيبا ً في هذا النظام من‬
‫التصنيف ‪ ،‬ليس في رأيي عيبا ً حقيقيا ً ؛ ذلك أن البون‬
‫شاسأع بين من يحصل العلم بيسر وسأهوله ‪ ،‬وذلك الذي‬
‫يحصله بكد وعناء ومشقة ‪ .‬إن هذا النظام في منهجه‬
‫ومضمونه يرمي إلى غاية تعليمية متميزة ‪ ،‬كتميز‬
‫السألوب فيه ‪ ،‬يقول أحد الباحثين ‪ " :‬إن معالجة العبارات‬
‫والنقاش في تأويل معناها ومبناها ‪ ،‬والدوران حولها‬
‫لتفهمها بطرق مختلفة ‪ ،‬وتعرف نقصها وتذليل صعابها‬
‫وتجلية غموضها ‪ ،‬كل هذا له فائدة في شحذ الفكر‬
‫وتكوين ملكة الفن ‪ ،‬والمران على حل المعضلت اللفظية‬
‫وعلى الجدل العلمي " ‪ .‬ثم إنه لو سألم بغموض عبارات‬
‫هذه السلسلة التأليفية فإن ذلك لم يكن من الظواهر‬
‫التي انفردت بها المتون وما بني عليها من مؤلفات وحدها‬
‫حتى تعاب به دون غيرها ‪ ،‬فإن أمهات الكتب القديمة ل‬
‫تخلو من ذلك ‪ ،‬و إل لما كثرت الشروح على كتاب سأيبويه‬
‫وجمل الزجاجي مثل ً ‪ ،‬بل إن من العلماء السابقين من‬
‫كان يسعى إلى الغموض والتعمية في تأليفه ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫ظلت له ولكتبه مكانة عليا عند الدارسأين ‪ ،‬ولم يعب عليه‬
‫ذلك في زمانه ول بعد زمانه ‪ .‬جاء في بعض الروايات أن‬
‫الجاحظ اعترض على أبي الحسن سأعيد بن مسعدة‬
‫الخافش الوسأط قائل ً ‪ " :‬أنت أعلم الناس بالنحو فلم ل‬
‫تجعل كتبك مفهومة كلها ؟ ‪ ،‬وما لنا نفهم بعضها ول نفهم‬
‫أكثرها ؟ ‪ ،‬وما بالك تقدم بعض العويص وتؤخار بعض‬
‫المفهوم ؟ ‪ .‬فقال ‪ :‬أنا رجل لم أضع كتبي هذه لله ‪،‬‬
‫وليست هي من كتب الدين ‪ ،‬ولو وضعتها هذا الموضع‬
‫الذي تدعوني إليه ‪ ،‬قلت حاجتهم إليه فيها ‪ ،‬وإنما غايتي‬
‫المناولة ‪ ،‬فأنا أضع بعضها هذا الوضع لتدعوهم حلوة ما‬
‫فهموا إلى التماس فهم ما لم يفهموا ‪ ،‬وإنما قد كسبت‬
‫في هذا التدبير إذ كنت إلى التكسب ذهبت "‪.‬‬
‫إنني أرى أن ما ذهب إليه المنتقدون لهذا النوع من‬
‫التصنيف وزعموه غموضا ً وتعقيدا ً ليس في حقيقة المر‬
‫سأوى عمق لم يستطيعوا فهمه أصل ً ‪ ,‬أو لم يتمكنوا من‬
‫فهمه على الوجه الصحيح في أحسن الحوال ‪ .‬ولنا في‬
‫قدامى العلماء الذين صبروا على ما في المتون من‬
‫غموض ‪ ,‬وعمدوا إلى إزالته ‪ ,‬أو إيضاح أو إكمال ما فيها‬
‫من نقص – بدون أن يلجئوا إلى القدح – أسأوة حسنة ‪.‬‬
‫أما اليجاز فإنه ليعد عيبا ً إذا كان القصد منه تسهيل‬
‫الحفظ وسأرعة اسأتحضار المعلومات ‪ ,‬إنه في حقيقة‬
‫المر " طور طبيعي في تاريخ التأليف ‪ ,‬إذ لبد من أن‬
‫يعقب طور التوسأع طور يقرب لطلب العلم وناشئته‬
‫تناول مسائل العلم ‪ ,‬ويعاونهم على بلوغ إربتهم من العلم‬
‫في وجازة وعجلة ‪ ,‬وبخاصة صغار المثقفين ‪ ,‬ويجمع لهم‬
‫حقائق العلم في متون يسهل حفظها ‪ ,‬فاسأتحضارها وقت‬
‫الدرس لتكون موضع المناقشة والشرح ‪. "...‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أما ما زعم من تشتيت المتون ذهن المتعلم بين‬
‫التحصيل وتذليل الصعاب ‪ ,‬وما عيب من حشد الراء‬
‫وتكدس المسائل في الشروح والحواشي ‪ ,‬فقد كفانا‬
‫الشيخ محمد عرفة مهمة الرد على ذلك ‪ ,‬فهو يرى أن‬
‫العلم إنما " يمتاز بفهم الغامض وإدراك البعيد وحل‬
‫المستغلق ‪ ,‬وذلك ل يكون إل بتعويد المرء على شيء من‬
‫الصعاب ؛ ليمرن عقله على حل ما يماثلها ‪ ,‬وكما أن‬
‫الرجل الرياضي ل يكون قويا ً على حمل الثقال إل بالتعود‬
‫على حمل أحمال ثقيلة متدرجا ً في ذلك ‪ ,‬كذلك ل يكون‬
‫عقله قادرا ً على حل الصعاب إل إذا عود عقله على حل‬
‫مسائل عويصة متدرجا ً في ذلك " ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إن القول بأن العصر الذي كثر فيه هذا النمط‬
‫التأليفي هو عصر انحطاط أنشغل فيه العلماء بأمور الدنيا‬
‫‪ ,‬وجهل فيه الحكام قيمة العلم ‪ ,‬هو قول يدفعه الواقع‬
‫التاريخي ‪ ,‬وزعم يدحضه ما هو معروف مشاهد ‪ ,‬فكتب‬
‫التراجم حكت لنا ما كان للعلوم كلها في عصر المماليك‬
‫على وجه الخصوص من ازدهار وانتشار ‪ ,‬وما كان للعلماء‬
‫فيه من منزلة رفيعة ‪ ,‬وما كان للحكام آنذاك من اهتمام‬
‫بالعلم والعلماء ‪ .‬والمطالع لفهارس المخطوطات يجد‬
‫الكثير الكثير مما ينطق بما حفل به عصر المماليك خااصة‬
‫من ألوان المعارف والفنون ‪ ,‬مما يتعذر معه رمي‬
‫عصرهم وعصر العثمانيين الذين تلهم بالتخلف والجمود‬
‫والضحالة ‪ .‬وإني لذلك ل أرى صحيحا ً ما ذهب إليه سأعيد‬
‫الفغاني من انتقاد لسألوب هذه المنظومة التأليفية عامة‬
‫وللمتون منها خااصة حين قال إنه ‪ " :‬أسألوب جروا عليه‬
‫في العصور التي جمدت فيها الملكات ‪ ,‬على ما فيه – أي‬
‫المتن – من عناء على الماتن والطالب معا ً " ‪ .‬إن هذين‬
‫العصرين اللذين يصفهما الفغاني بالجمود هما اللذان‬
‫أخارجا ابن الحاجب وابن مالك وابن هشام والسيوطي‬
‫وغيرهم من أشهر النحويين الذين ل يستطيع أحد من‬
‫المنصفين أن ينكر فضلهم العميم فضل ً عن أثرهم‬
‫العظيم في الدرس النحوي ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬إن القول بأن منهج التصنيف وأسألوبه ومضمونه‬
‫في كتب هذه المنظومة التأليفية ل ينطبق مع الوسأائل‬
‫التربوية الحديثة غير دقيق ؛ لنها – فيما أرى ‪ -‬تمتاز في‬
‫هذه المور على غيرها من الكتب التي صنفت في العصر‬
‫الحديث ‪ ,‬فهي ترمي فيها جميعا ً إلى غاية تعليمية مميزة‬
‫‪ ,‬وإن الناظر المنصف في ذلك النظام التأليفي يلمس‬
‫بوضوح تميزه التربوي في " معالجة العبارات والنقاش‬
‫في تأويل معناها ومبناها والدوران حولها ‪ ,‬لتفهمها بطرق‬
‫مختلفة وتعرف نقصها ‪ ,‬وتذليل صعابها ‪ ,‬وتجلية غموضها ‪.‬‬
‫وكل هذا له فائدة في شحذ الفكر وتكوين ملكة الفهم‬
‫والمران على حل المعضلت اللفظية وعلى الجدل‬
‫العلمي " ‪.‬‬
‫كما أن هذا النمط التأليفي يحقق غرضا ً تربويا ً يتمثل في‬
‫التدرج في التحصيل العلمي ‪ ,‬فالمبتدئ يقنع بدراسأة‬
‫المتن ‪ ,‬ويتفهم ما تضمنه من حقائق موجزة ‪ ,‬ثم ينتقل‬
‫إلى الشرح ‪ ,‬وهو أوسأع وأوفى ‪ ,‬ثم يرتقي إلى الحاشية ‪,‬‬
‫ثم إلى التقريرات ليستوفي ما فيهما من تمحيص وزيادات‬
‫ليست في الشرح ‪ .‬إلى جانب هذا كان حفظ المتن عن‬
‫ظهر قلب عونا ً على اللمام بالحقائق العلمية وحفظها‬
‫‪,‬وسأرعة اسأتحضارها والجابة بسرعة عن دقائقها ‪ .‬ولقد‬
‫تحققت هذه المزايا " يوم كان المتعلمون فارغين لها ‪,‬‬
‫منقطعين لحفظها ودرسأها وفك طلسأمها بملزمة‬
‫أسأاتذتهم وعلمائهم ‪ ,‬والرجوع إليهم وإلى الشروح‬
‫والتقارير يوم كانت الحياة هادئة ‪ ,‬ومطالب العيش‬
‫محدودة ‪ ,‬والقناعة غالبة وسأن الطلب كبيرة ‪ ,‬وتقربهم‬
‫من الله بإتقان هذه العلوم واحتمال متاعبها قويا ً ‪ .‬أما‬
‫اليوم فل شيء من ذلك كله ‪ ,‬فالحاجة إلى النحو ليست‬
‫في المرتبة الولى لكثير من الناس وطلب الدراسأات‬
‫العالية ‪ ...‬وإنما هي حاجة المستكمل الذي تدفعه روح‬
‫العصر إلى التجمل بألوان من الثقافة العامة ل يليق‬
‫بالمتحضر أ‪ ،‬يجهلها ‪ ,‬ول أن يجرد نفسه من قدر منها ‪,‬‬
‫فهو في تعلمها غير أصيل ‪ ,‬وحفظه منها يسير " ‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن هذا اللون من التصنيف يربى –‬
‫فيما أرى – فضيلة البحث والتمحيص ‪ ,‬وينمي حلية الصبر‬
‫‪ ,‬ويقوي العتماد على الذات ‪ ,‬ويعود الطالب على دقة‬
‫الملحظة ‪.‬‬
‫خاامسا ً ‪ :‬إن الزعم بأن هذه المؤلفات لم تضف جديدا ً ‪,‬‬
‫وإنما هي قواعد متحجرة كان هم العلماء شرحها فحسب‬
‫هو زعم ل يقره الواقع ؛ ذلك أن تعدد المتون وتنوع‬
‫الشروح والحواشي والتقريرات قد كون – في حقيقة‬
‫المر – ثروة علمية عظيمة خالدت مع الزمان ‪ ,‬وحفلت‬
‫بالمعارف المفيدة والراء السديدة والنظرات المبتكرة ‪,‬‬
‫إضافة إلى ميزة أخارى هي أن هذه المنظومة التأليفية‬
‫حفظت نصوصا ً من أصول ومصادر ضاعت من يد الزمن‬
‫‪ ,‬ولم تصلنا غير أسأمائها ‪ .‬وليت شعري كيف تكون كافية‬
‫ابن الحاجب وألفية ابن مالك وشروحهما قواعد متحجرة‬
‫؟!! ‪.‬‬
‫على أن العجاب بما ورثناه من جمهرة متناسأقة من هذه‬
‫الكتب على هذا النمط التأليفي ‪ ,‬ل يمنعنا من أن نقر بأن‬
‫القليل منها لم يكن على المستوى المرغوب ‪ ,‬ولكن‬
‫وجود مال يقل على المستوى ليس بدعة أو غريبا ً ؛ لن‬
‫شأن التأليف والمؤلفين في كل زمان و مكان أن يكون‬
‫فيهم الجيد وغيرهم ‪ ,‬وأن تتفاوت مصنفاتهم في الجودة‬
‫وعدمها ‪ .‬كما أنه ل يمنعنا من أن نسجل بوضوح ما نعده‬
‫من أبرز معالم الضعف في هذه المصنفات ‪ ,‬وهو ضخامة‬
‫بعض الشروح وكثرة ما فيها من نقول ناقصة أحيانا ‪,‬‬
‫ومطربة أحيانا ً أخارى كما أن بعضها كان محشوا ً‬
‫بمصطلحات الفنون المختلفة ‪ ,‬وكان بعضها الخار مفرطا ً‬
‫في السأتطراد بمناسأبة وبغير مناسأبة ‪.‬‬
‫وخالصة القول عندي أن جمهرة المتون والشروح‬
‫والحواشي والتقريرات ‪ ,‬وكذلك المنظومات والنكت‬
‫وشروح الشواهد ‪ ,‬قد انتظمت في إطار عام متنوع ‪ ,‬وهو‬
‫الطار الذي ل يمكن معه أن ترمى بأنها جميعا ً صور‬
‫متقاربة ليس بين أكثرها مقدار واسأع من التفاوت في‬
‫الموضوع والمنهج والسألوب أو في طريقة عرض‬
‫المعلومات وحجمها‪.‬‬
‫هذا مع القرار بأن بعضها لم يكد يخرج عن غيره أو يزيد‬
‫عليه أو يبتعد عنه مما ل يجعل لشيء من هذه المصنفات‬
‫القليلة مزية علمية ترفعه على ما سأبقه أو عاصره أو‬
‫لحقه من المصنفات المشابهة ‪.‬‬
‫ومهما يكن من شيء فإن الذي ينبغي أل يغيب عن ذهن‬
‫القارئ الكريم في كل الحوال ‪ ,‬هو أن هذا السألوب‬
‫التأليفي يشكل جزءا ً كبيرا ً من تراثنا الخالد الذي ل‬
‫يستغني عنه الدارس مهما عل كعبه في العلوم والمعارف‬
‫‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد الله بن عويقل السلمي *‬

‫المصادر والمراجع‬
‫‪ -1‬اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري‬
‫لمحمد مصطفى هدارة ‪ ,‬دار المعارف بالقاهرة ) ‪1963‬م‬
‫(‪.‬‬
‫‪ -2‬الشتباه والنظائر في النحو للسيوطي ‪ ,‬تحقيق طه‬
‫سأعد ‪ ,‬القاهرة )‪1975‬م( ‪.‬‬
‫‪ -3‬العلم للزركلي ‪ ,‬بيروت ‪ ,‬ط ‪1969 ) 3‬م( ‪.‬‬
‫‪ -4‬إنباه الرواة في أنباه النحاة للقفطي ‪ ,‬تحقيق محمد‬
‫أبي الفضل إبراهيم ‪ ,‬دار الكتب المصرية ) ‪1952‬م (‬
‫‪ -5‬إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون‬
‫لسأماعيل باشا البغدادي ‪ ,‬إسأتانبول ) ‪1945‬م ( ‪.‬‬
‫‪ -6‬بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي ‪,‬‬
‫تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم ‪ ,‬مطبعة عيسى البابي‬
‫الحلبي بمصر ) ‪ 1964‬م ( ‪.‬‬
‫‪ -7‬تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدات ‪ ,‬دار الهلل‬
‫بالقاهرة )‪1914‬م( ‪.‬‬
‫‪ -8‬التطور والتجديد في الشعر الموي لشوقي ضيف ‪,‬‬
‫دار المعارف ‪ ,‬القاهرة ‪ ,‬ط ‪ , 7‬بدون تاريخ ‪.‬‬
‫‪ -9‬جذوة القتباس فيمن حل من العلم في مدينة فاس‬
‫لبن القاضي ‪ ،‬طبع بفاس على الحجر )‪1309‬هـ ( ‪.‬‬
‫‪ -10‬حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة للسيوطي‬
‫‪ ،‬تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم ‪ ،‬مطبعة عيسى البابي‬
‫الحلبي بمصر )‪1967‬م( ‪.‬‬
‫‪ -11‬الحيوان للجاحظ ‪ ،‬تحقيق عبد السلم هارون ‪،‬‬
‫مصطفى البابي الحلبي بمصر ‪ ،‬ط ‪1965) 2‬م( ‪.‬‬
‫‪ -12‬خالصة الثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي ‪،‬‬
‫المطبعة الوهبية بمصر )‪1284‬هـ ( ‪.‬‬
‫‪ -13‬الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لبن حجر‬
‫العسقلني ‪ ،‬دار الجيل ببيروت ‪ ،‬بدون تاريخ ‪.‬‬
‫‪ -14‬شذرات الذهب في أخابار من ذهب لبن العماد‬
‫الحنبلي ‪ ،‬دار الفاق الجديدة ببيروت ‪ ،‬بدون تاريخ ‪.‬‬
‫‪ -15‬طبقات الشافعية الكبرى لتقي الدين السبكي ‪،‬‬
‫تحقيق محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو ‪ ،‬القاهرة )‬
‫‪1964‬م( ‪.‬‬
‫‪ -16‬عروس الفراح في شرح تلخيص المفتاح لبهاء الدين‬
‫السبكي ‪ ،‬ضمن شروح التلخيص ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ط ‪1342) 2‬هـ‬
‫(‪.‬‬
‫‪ -17‬عصر سألطين المماليك ونتاجه العلمي والدبي‬
‫لمحمد رزق سأليم ‪ ،‬المطبعة النموذجية بالقاهرة ط ‪) 2‬‬
‫‪1962‬م( ‪.‬‬
‫‪ -18‬في أدب مصر الفاطمية لمحمد كامل حسين ‪ ،‬دار‬
‫الفكر العربي ‪ ،‬القاهرة )‪1950‬م ( ‪.‬‬
‫‪ -19‬القواعد النحوية مادتها وطريقتها لعبد الحميد حسن ‪،‬‬
‫مكتبة النجلو المصرية ) ‪1952‬م ( ‪.‬‬
‫‪ -20‬كشف الظنون لحاجي خاليفه ‪ ،‬مكتبة المتنبي ببيروت‬
‫‪ ،‬بدون تاريخ ‪.‬‬
‫‪ -21‬الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة لنجم‬
‫الدين الغزي ‪ ،‬تحقيق جبرائيل جبور ‪ ،‬بيروت ) ‪1945‬م‬
‫(‪.‬‬
‫‪ -22‬اللغة والنحو بين القديم والحديث لعباس حسن ‪ ،‬دار‬
‫المعارف بمصر ) ‪ 1966‬م ( ‪.‬‬
‫‪ -23‬مقالت منتخبة لعبد الكريم السأعد ‪ ،‬الرياض ‪ ،‬دار‬
‫المعراج الدولية )‪1415‬هـ ( ‪.‬‬
‫‪ -24‬المقدمة لبن خالدون ‪ ،‬دار الشعب بالقاهرة ‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ ‪.‬‬
‫‪ -25‬مقدمة في النحو لخلف الحمر ‪ ،‬تحقيق عز الدين‬
‫التنوخاي ‪ ،‬مديرية إحياء التراث القديم ‪ ،‬دمشق )‪1961‬م‬
‫(‪.‬‬
‫‪ -26‬من تاريخ النحو لسعيد الفغاني ‪ ،‬دار الفكر ببيروت ‪،‬‬
‫بدون تاريخ ‪.‬‬
‫‪ -27‬النحو والنحاة بين الزهر والجامعة لمحمد أحمد‬
‫عرفه ‪ ،‬مطبعة السعادة ‪ ،‬القاهرة ) ‪1356‬هـ ‪1937 -‬م‬
‫(‪.‬‬
‫‪ -28‬الوسأيط في تاريخ النحو لعبد الكريم السأعد ‪،‬‬
‫الرياض ‪ ،‬دار الشواف للنشر والتوزيع )‪1413‬هـ ( ‪.‬‬

You might also like