You are on page 1of 51

‫ِغ‬

‫علي َر ا ْب‬
‫األسَتاذ يف اَألزَه ر الَّش ِر يف‬

‫أحكام الصالة‬

‫‪1377‬هـ – ‪1958‬م‬

‫فهرست‬
‫الموضوع‬ ‫صفحة‬ ‫املوضوع‬ ‫صفحة‬
‫عدد ركعات الصالة‬ ‫املقدمة‬
‫مفسدات الصالة‬ ‫((باب الطهارة))‬
‫مكروهات الصالة‬ ‫اختالط الطاهر باملاء‬
‫األوقات اليت تكره الصالة فيها‬ ‫ما يفسد املاء من النجاسة‬
‫صالة اجلماعة‬ ‫استعمال املاء‬
‫كل مسلم أهل لالمامة يف الصالة‬ ‫سؤر احليوان‬
‫صالة القصر‬ ‫الطهارة‬
‫اجلمع بني صالتني‬ ‫صفة الوضوء‬
‫قضاء الصالة‬ ‫املسح على اخلفني‬
‫صالة املريض‬ ‫التيمم‬
‫صالة اجلمعة‬ ‫نواقض الوضوء‬
‫صالة العيدين‬ ‫الغسل‬
‫صالة اجلنازة‬ ‫النجاسة‬
‫سجود السهو‬ ‫إزالة النجاسة‬
‫سجود التالوة‬ ‫((باب الصالة))‬
‫سجدة الشكر‬ ‫الصالة‬
‫((باب الصوم))‬ ‫مواقيت الصالة‬
‫الصوم‬ ‫شروط صحة الصالة‬
‫الدعاء‬ ‫صفة الصالة‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على خامت األنبياء واملرسلني‪ ،‬سيدنا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪ .‬أما‬
‫بعد فإين وجدت املسلمني يتعبدون على غري معرفة واضحة لألحكام الشرعية‪ ،‬ورأيت أهنم يف حاجة إىل كتاب يسهل‬
‫االطالع عليه‪ ،‬جيمع األحكام الالزمة لعبادة املسلمني ويستند إىل األدلة الشرعية فيما حيويه من أحكام‪ ،‬ومن أجل ذلك‬
‫أقوم بتقدمي هذا الكتاب املسمى (أحكام الصالة) جلميع املسلمني‪ ،‬سائًال اهلل تعاىل أن ينفعهم به وأن يهديهم سواء السبيل‪.‬‬

‫‪ 1‬من شهر ذي القعدة سنة ‪1377‬‬


‫‪ 19‬من شهر أيار (مايو) سنة ‪1958‬‬
‫علي راغب‬
‫األستاذ باألزهر الشريف‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫باب الطهارة‬
‫الطهارة يف اللغة النظافة والنزاهة عن االدناس‪ ،‬وأما يف اصطالح الفقهاء فهي رفع احلدث وإزالة النجس أو ما يف‬
‫معنامها وعلى صورهتا‪ ،‬واملراد من كلمة وما يف معنامها وعلى صورهتما مثل التيمم واالغتسال املسنونة‪ ،‬والغسلة الثانية‪،‬‬
‫واملضمضة‪ ،‬وما شاكل ذلك‪.‬‬
‫ويكون رفع احلدث وإزالة النجس باملاء املطلق‪ ،‬وهو العاري عن اإلضافة الالزمة لتعريفه‪ ،‬أي هو ما كفى يف‬
‫تعريفه اسم ماء‪ .‬وهو ماء البحر‪ ،‬وما نزل من السماء‪ ،‬أو نبع من األرض‪ ،‬فماء البحر قد قال فيه ‪« :‬هو الطهور ماؤه»‬
‫وما نزل من السماء كماء املطر والثلج‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل فيه‪َ :‬و ُيَنِّز ُل َعَلْيُك ْم ِم ْن الَّس َم اِء َم اًء ِلُيَطِّه َر ُك ْم ِبِه‪ ،‬وما نبع‬
‫من األرض كماء العيون وبعض اآلبار‪ ،‬وقد روي أن النيب ‪ ‬توضأ من بئر بضاعة‪.‬‬
‫وما سوى املاء املطلق من املائعات كاخلل‪ ،‬وماء الورد‪ ،‬والنبيذ‪ ،‬وما اعتصر من الثمر أو الشجر ال جيوز رفع‬
‫احلدث وال إزالة النجس به لقوله تعاىل‪َ :‬فَلْم َتِج ُد وا َم اًء َفَتَيَّم ُم وا‪ ‬فأوجب التيمم على من مل جيد املاء‪ ،‬فدل على أنه ال‬
‫ِء‬ ‫ِم‬
‫جيوز الوضوء بغريه‪ .‬وألن إزالة النجاسة طهارة‪ ،‬والطهارة تكون باملاء قال تعاىل‪َ :‬و ُيَنِّز ُل َعَلْيُك ْم ْن الَّس َم ا َم اًء‬
‫ِلُيَطِّه َر ُك ْم ِبِه‪.‬‬
‫اختالط الطاهر بالماء‬
‫إذا اختلط باملاء شيء طاهر ومل يتغري به لقلته مل مينع الطهارة به‪ ،‬ألن املاء باق على إطالقه‪ .‬وإن مل يتغري به‬
‫ملوافقته املاء يف الطعم واللون والرائحة كماء ورد انقطعت رائحته ينظر‪ ،‬فإن كان كثريًا حبيث غلب على املاء منع الطهارة‪،‬‬
‫وإن كان مل يغلب على املاء جازت الطهارة به‪ .‬وإن اختلط باملاء شيء طاهر‪ ،‬وسّبب تغري أحد أوصاف املاء من طعم أو‬
‫لون أو رائحة نظر‪ ،‬فإن كان مما ال ميكن حفظ املاء منه كالطحلب وغريه مما هو يف مقر املاء أو ممره جازت الطهارة به‪،‬‬
‫ألنه ال ميكن صون املاء عنه فعفي عنه‪ .‬وإن كان مما ميكن حفظه منه ينظر‪ ،‬فإن كان مما ال يزيل اسم املاء عنه كالرتاب‬
‫والدواء مل يؤثر‪ ،‬ألنه مل يزل عنه إطالق اسم املاء باختالطه به‪ .‬وإن كان شيئًا سوى ذلك كالزعفران والتمر والدقيق وغري‬
‫ذلك مما يستغين عنه املاء مل جيز الوضوء به ألنه زال عنه إطالق اسم املاء‪.‬‬

‫ما يستفيد الماء من النجاسة‬


‫إذا وقعت يف املاء جناسة فغريت طعمه‪ ،‬أو لونه‪ ،‬أو رحيه‪ ،‬فهو جنس‪ .‬سواء أكان كثريًا أم قليًال‪ .‬وسواء كان جاريًا‬
‫أم راكدًا‪ .‬فقد انعقد اإلمجاع على أنه إذا تغري طعم املاء أو لونه أو رحيه بنجاسة فإنه ينجس‪ .‬أما إذا مل يتغري املاء ال طعمًا‬
‫وال لونًا وال رحيًا ينظر‪ ،‬فإن كان دون قلتني فهو جنس‪ ،‬وإن كان قلتني فصاعدًا فهو طاهر لقوله ‪« :‬إذا كان الماء قلتين‬
‫فإنه ال يحمل الخبث» والقلتان مخس قرب ماء‪ ،‬أي ما يعادل مقدار اثنيت عشرة تنكة (صفيحة) ماء‪ .‬وهذا إذا كانت‬
‫النجاسة مما يدركه الطرف أما إذا كانت النجاسة مما ال يدركه الطرف‪ ،‬أي ال تشاهد بالعني اجملردة‪ ،‬كذبابة وقعت على‬
‫جناسة مث وقعت على املاء فإنه ال ينجس هبا املاء ويعفى عنها كالثوب إذا أصابته جناسة ال يدركها الطرف فإنه يعفى عنها‪.‬‬

‫استعمال الماء‬
‫املاء املستعمل قسمان‪ ،‬مستعمل يف طهارة احلدث‪ ،‬ومستعمل يف طهارة النجس‪ .‬فأما املستعمل يف طهارة احلدث‬
‫فهو طاهر‪ ،‬فال ينجسه استعماله يف رفع احلدث‪ ،‬أي استعماله يف الوضوء أو الغسل ملا روي عن جابر بن عبد اهلل قال‪:‬‬
‫«جاء رسول اهلل ‪ ‬يعودني وأنا مريض ال أعقل فتوضأ وصب علّي من وضوئه» فهذا دليل طهارة املاء املستعمل‪ ،‬ولكنه‬
‫غري مطهر فال جيوز أن يرفع به حدث‪ ،‬ملا روي عن أيب هريرة أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬ال يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو‬
‫جنب» فقالوا يا أبا هريرة كيف يفعل؟ قال‪ :‬يتناوله تناوًال‪ .‬وحلديث مسلم أن النيب ‪« :‬مسح برأسه بماء غير فضل‬
‫يديه»‪ ،‬وأخرج الرتمذي أن النيب ‪« :‬أخذ برأسه ماء جديدًا» وأخرج الرتمذي والطرباين من رواية بن جارية بلفظ‪« :‬خذ‬
‫للرأس ماء جديدًا» فنهي الرسول عن االغتسال باملاء الدائم دليل على أن املاء املستعمل خيرج عن كونه أهًال للتطهري‪ ،‬ألن‬
‫النهي هنا عن جمرد الغسل‪ ،‬وحكم الوضوء حكم الغسل‪ ،‬وكون الرسول يأمر بأخذ ماء جديد للرأس وميسح هو رأسه مباء‬
‫جديد دليل على أن املاء األول مستعمل ال جيزئ يف التطهري‪ .‬وهذا كله إذا كان املاء دون قلتني‪ ،‬فإن بلغ املاء املستعمل‬
‫قلتني فأكثر زال عنه حكم االستعمال‪ ،‬ألن املاء إذا زاد عن قلتني ال حيمل خبثًا فكونه ال حيمل استعماًال من باب أوىل‪.‬‬
‫وأما املاء املستعمل يف طهارة النجس فينظر فيه فإذا انفصل عن احملل متغريًا فهو جنس وإن انفصل عن احملل غري متغري‪ .‬ينظر‪،‬‬
‫فإن كان الفصل واحملل جنس فهو جنس‪ ،‬وإن انفصل واحملل ظاهر فهو طاهر‪.‬‬
‫سؤر الحيوان‬
‫وسؤر احليوان طاهر وهو ما بقي يف اإلناء بعد شربه أو أكله‪ ،‬وهذا عام يف مجيع احليوان سواء أكان سؤر اهلرة أو‬
‫غريها‪ .‬فجميع احليوانات من اخليل والبغال واحلمري والسباع والفأر واحليات وسائر احليوان املأكول وغري املأكول سؤرها‬
‫طاهر‪ ،‬وكذلك عرقها ولعاهبا طاهر غري مكروه‪ ،‬ملا روي عن جابر أن النيب ‪ ‬قيل له أنتوضأ مبا أفضلت احلمر؟ قال‪:‬‬
‫«نعم وبما أفضلت السباع» ويستثىن من احليوان الكلب واخلنزير فإنه جنس لقوله ‪« :‬إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم‬
‫فليغسله سبعاً» ويف رواية‪« :‬فلُيِر قه ثم ليغسله سبع مرات» واألمر باإلراقة والغسل دليل النجاسة‪.‬‬
‫واألصل يف املاء الطهارة‪ ،‬ومبا أن سؤر احليوان طاهر فإنه ال يكفي اإلخبار عن املاء بأنه جنس أن يعتربه الشخص‬
‫جنسًا‪ ،‬بل ال بد أن يعرف‪ .‬مباذا تنّج س‪ ،‬وعليه فإن ورد على ماء فأخربه رجل بنجاستة مل يقبل قوله حىت يبني بأي شيء‬
‫تنّج س‪ ،‬جلواز أن يكون رأى سبعًا ولغ فيه فاعترب أنه جنس بذلك‪ .‬فإن بنّي النجاسة قبل منه كما يقبل ممن خيربه بالقبلة‪.‬‬
‫وإذا تيقن طهارة املاء وشك يف جناسته توضأ به‪ ،‬ألن األصل بقاؤه على الطهارة‪ ،‬وإن تيقن جناسته وشك يف طهارته مل‬
‫يتوضأ به ألن األصل بقاؤه على النجاسة‪ ،‬وإن مل يتيقن لطهارته وال جناسته توضأ به‪ ،‬ألن األصل طهارة املاء‪.‬‬

‫الطهارة‬
‫الطهارة ضربان‪ :‬طهارة عن حدث‪ ،‬وطهارة عن جنس‪ ،‬وطهارة النجس ال تفتقر إىل النية‪ .‬وأما الطهارة عن‬
‫احلدث من الوضوء والغسل والتيمم فال يصح منها شيء إال بالنية‪ ،‬لقوله ‪« :‬إنما األعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما‬
‫نوى» واملراد هنا باألعمال العبادات‪ ،‬ألن املعامالت تصرفات قولية ال أفعال‪ ،‬والطهارة عن احلدث تؤدى باألفعال فلم‬
‫تصح من غري نية‪ .‬فالنية لطهارة احلدث فرض كالنية إىل الصالة‪ .‬وجيب أن ينوي بقلبه‪ ،‬ألن النية هي القصد‪ .‬وصفة النية‬
‫أن ينوي رفع احلدث أو الطهارة من احلدث‪ ،‬وأيهما نوى أجزاه‪ ،‬ألنه نوى املقصود وهو رفع احلدث‪ ،‬واألفضل أن ينوي‬
‫من أول الوضوء إىل أن يفرغ منه ليكون مستدميًا للنية‪ ،‬والفرض أن ينوي عند بدئه بغسل الوجه ألنه أول عضوا تبدأ فيه‬
‫فروض الوضوء‪.‬‬

‫صفة الوضوء‬
‫والوضوء فرض لقوله ‪« :‬ال يقبل اهلل صالة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»‪ .‬وجيوز للمتوضيء أن يستعني‬
‫بغريه على الوضوء ملا روي أن املغرية صّب على النيب ‪ ‬يف وضوئه ذات ليلة يف تبوك‪ .‬وأن أسامة صّب على النيب ‪ ‬يف‬
‫وضوئه يف صبيحة الوداع بعد دفعه من عرفة بينها وبني املزدلفة‪ .‬وعن حذيفة بن أيب حذيفة عن صفوان ابن عسال رضي‬
‫اهلل عنه قال‪ :‬صببت على النيب ‪ ‬يف احلضر والسفر يف الوضوء‪ .‬ويبدأ بالنية قائًال‪« :‬نويت رفع الحدث أو الوضوء»‪.‬‬
‫والنية فرض‪ .‬ويستحب أن يسمي اهلل تعاىل على الوضوء ملا روى أبو هريرة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬من توضأ‬
‫وذكر اسم اهلل تعالى عليه كان طهورًا لجميع بدنه فإن نسي التسمية في أول الوضوء وذكرها أثناءه أتى بها حتى ال‬
‫يخلو الوضوء من اسم اهلل عز وجل»‪ .‬وبعد النية والتسمية يغسل كفيه ثالثًا‪ ،‬ألن عثمان وعليًا رضي اهلل تعاىل عنهما‬
‫وصفا وضوء رسول اهلل ‪« :‬فغسال اليد ثالثًا» وحيرك خامته إن كان ضيقًا ليحقق إيصال املاء إىل موضعه‪ .‬مث يتمضمض‬
‫ثالثًا ويستنشق ثالثًا مقدمًا املضمضة على االستنشاق واملضمضة أن جيعل املاء يف فيه ويديره فيه مث ميّج ه‪ .‬واالستنشاق أن‬
‫جيعل املاء يف أنفه وميده بنفسه إىل خياشيمه‪ ،‬مث يستنثر‪ .‬ملا روى عمرو بن عبسة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬ما منكم‬
‫من أحد يقرب وضوءه‪ ،‬ثم يتمضمض‪ ،‬ثم يستنشق ويستنثر‪ ،‬إال جرت خطايا فيه وخياشيمه مع الماء»‪ .‬ويستحب أن‬
‫يأخذ املاء ويستنشق باليمىن‪ ،‬وينثر باليسرى حلديث علي رضي اهلل عنه‪« :‬أنه دعا بوضوء فمضمض واستنشق ونثر بيده‬
‫اليسرى ثم قال‪ :‬هكذا طهور النبي ‪ .»‬واملستحب أن يبالغ فيهما لقوله ‪ ‬للقيط بن صربة‪« :‬اسبغ الوضوء‪ ،‬وخلل‬
‫بين األصابع‪ ،‬وبالغ في االستنشاق إال أن تكون صائمًا» وله أن يفصل بني املضمضة واالستنشاق‪ ،‬وله أن يصل بينهما‪.‬‬
‫أما الوصل بينهما فلحديث ابن عباس أنه أخذ غرفة من ماء فمضمض هبا واستنشق‪ ،‬وحلديث عبد اهلل بن زيد «أو‬
‫مضمض واستنشق من كفة واحدة فعل ذلك ثالثًا» وأما الفصل بني املضمضة واالستنشاق‪ .‬فلما روى طلحة بن‬
‫مصرف عن أبيه عن جده قال‪ :‬رأيت رسول اهلل ‪« :‬يفصل بين المضمضة واالستنشاق» ويستحب أن يستاك بعود‬
‫أراك أو سواه حلديث أيب هريرة أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬لوال أن اشق على أمتي ألمرتهم بالسواك عند كل صالة» ويف رواية‪:‬‬
‫«عند كل وضوء» وإن كان يؤذيه السواك أو ال ميضه يستاك بإصبعه حلديث عائشة «قالت يا رسول اهلل الرجل يذهب‬
‫فوه أيستاك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬كيف يصنع؟ قال‪ :‬يدخل إصبعه في فيه»‪ ،‬مث بعد ذلك يغسل وجهه وذلك فرض لقوله‬
‫تعاىل‪َ :‬فاْغِس ُلوا ُوُج وَه ُك ْم ‪ ‬والوجه ما بني منابت شعر الرأس إىل الذقن ومنتهى اللحية طوًال‪ ،‬ومن األذن إىل األذن‬
‫عرضًا‪ ،‬واالعتبار باملنابت املعتادة فإن كان ملتحيًا ينظر فإن كانت حليته خفيفة ال تسرت البشرة وجب غسل الشعر‬
‫والبشرة‪ ،‬وإن كانت كثيفة تسرت البشرة وجب إفاضة املاء على الشعر‪ ،‬ألن املواجهة تقع به‪ ،‬وال جيب غسل ما حتته ملا‬
‫روى ابن عباس رضي اهلل عنه أن النيب ‪« :‬توضأ فغرف غرفة وغسل بها وجهه» وبغرفة واحدة ال يصل املاء إىل ما‬
‫حتت الشعر مع كثافة اللحية‪ .‬وإن كان املستحب أن خيللها إن كانت كثيفة حلديث عثمان رضي اهلل عنه‪« :‬أن النبي ‪‬‬
‫كان يخلل اللحية»‪ .‬مث بعد ذلك يغسل يديه إىل املرفقني وهو فرض لقوله تعاىل‪َ :‬و َأْيِد َيُك ْم ِإَلى اْلَمَر اِفِق ‪ ‬ويستحب أن‬
‫يبدأ باليمىن مث باليسرى ملا روى أبو هريرة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إذا توضأتم فابدأوا بميامنكم» فإن بدأ‬
‫باليسرى جاز ألن اهلل يقول‪َ :‬و أْيِد َيُك ْم‪ ‬وجيب إدخال املرفقني يف الغسل‪ ،‬ملا روي عن أيب هريرة أنه توضأ فغسل يديه‬
‫حىت شرع يف العضدين وغسل رجليه حىت شرع يف الساقني مث قال‪« :‬هكذا رأيت رسول اهلل ‪ ‬يتوضأ» وألن اإلمجاع‬
‫انعقد على أن املرافق مما يغسل‪ .‬مث بعد ذلك ميسح برأسه وهو فرض لقوله تعاىل‪َ :‬و اْم َس ُح وا ِبُرُءوِس ُك ْم ‪ ‬والرأس ما‬
‫اشتمل عليه منابت الشعر املعتاد والنزعتان منه ومها املوضعان احمليطان بالناصية يف جانيب اجلبني‪ .‬والناصية هي الشعر الذي‬
‫ينبت يف مقدمة الرأس مما يلي الوجه بني النزعتني‪ .‬والواجب من مسح الرأس أن ميسح ما يقع عليه اسم املسح وإن قل وال‬
‫يقدر ألن اهلل أمر باملسح وذلك يقع على القليل والكثري وأقله أن ميسح بأقل شيء من إصبعه على أقل شيء من رأسه حىت‬
‫يصدق عليه أنه مسح‪ ،‬إال أن املستحب أن ميسح مجيع الرأس‪ ،‬فيأخذ املاء بكفيه مث يرسله‪ ،‬مث يلصق طرف سبابته بطرف‬
‫سبابته األخرى مث يضعهما على مقدم رأسه‪ ،‬ويضع إهباميه على صدغيه مث يذهب هبما إىل قفاه‪ ،‬مث يردمها إىل املكان الذي‬
‫بدأ منه‪ ،‬ملا روي أن عبد اهلل بن زيد رضي اهلل عنه وصف وضوء رسول اهلل ‪« :‬فمسح رأسه بيديه فاقبل بهما وأدبر»‪.‬‬
‫بدأ مبَّدم رأسه‪ ،‬مث ذهب هبما إىل قفاه‪ ،‬مث رَّدمها حىت رجع إىل املكان الذي بدأ منه‪ .‬مث بعد ذلك ميسح أذنيه ظاهرمها‬
‫وباطنهما‪ :‬ملا روى املقدام بن معد يكرب‪« :‬أَّن النبي ‪ ‬مسح برأسه وُأذنيه ظاهرهما وباطنهما‪ ،‬وأدخل إصبعيه في‬
‫جحري أذنيه‪ .‬ويستحسن أن يكون مسح األذنين بماٍء جديٍد غير الماء الذي مسح به الرأس»‪ .‬حلديث عبد اهلل بن‬
‫زيد أنه رأى رسول اهلل ‪ ‬يتوضأ فأخذ ألذنيه ماء خالف املاء الذي أخذ لرأسه‪ .‬مث بعد ذلك يغسل رجليه وهو فرض‬
‫لقوله تعاىل‪َ :‬و َأْرُج َلُك ْم ِإَلى اْلَك ْع َبْيِن ‪ ‬بفتح أرجلكم مفعول به لكلمة (فاغسلوا) وملا ثبت يف الصحيحني أن رسول اهلل ‪‬‬
‫رأى مجاعة توضأوا وبقيت أعقاهبم تلوح مل ميسها املاء فقال‪« :‬ويل لألعقاب من النار» ويف هذا التصريح بأن استيعاب‬
‫الرجلني بالغسل فرض‪ .‬وملا روى عن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه أن رجًال توضأ فرتك موضع ظفر على قدميه فأبصره‬
‫النيب ‪ ‬فقال‪« :‬ارجع فاحسن وضوءك» وملا روي عن عمرو بن ُش عْيب عن أبيه عن جده أّن رجًال أتى النيب ‪ ‬فقال‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل‪ :‬كيف الطهور؟ فدعى مباء يف إناء فغسل كفيه ثالثًا‪ ،‬وذكر احلديث إىل أن قال‪ :‬مث غسل رجليه ثالثًا مث قال‪:‬‬
‫«هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم»‪ .‬وجيب إدخال الكعبني يف الغسل لقوله تعاىل‪َ :‬و َأْرُج َلُك ْم‬
‫ِإَلى اْلَك ْع َبْيِن ‪ ‬وملا روي عن عثمان يف صفة وضوء رسول اهلل ‪« :‬فغسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثم اليسرى كذلك»‬
‫ومل يرو عنه ‪ ‬أنه فعل خالف ذلك أو أقره أو صرح بإجازته‪ .‬على أن قوله تعاىل إىل الكعبني دليل فرضية الغسل‪ ،‬ودليل‬
‫فرضية الكعبني ألن الغاية تدخل يف ا َغَّيا‪ ،‬وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪ .‬ويستحب أن يبدأ باليمىن قبل اليسرى‪،‬‬
‫ُمل‬
‫وأن خيلل بني أصابعه لقوله ‪ ‬للقيط بن صربه‪« :‬وخلل بين األصابع»‪ .‬واملستحب أن يغسل فوق املرفقني عند غسل‬
‫اليدين‪ ،‬وفوق الكعبني عند غسل الرجلني‪ ،‬لقوله ‪« :‬تأتي أمتي يوم القيامة غّر ًا ُمحّج لين من آثار الوضوء‪ ،‬فمن‬
‫استطاع أن يطيل غرته فليفعل» واملستحب أن يتوضأ ثالثًا حلديث علي رضي اهلل عنه‪« :‬أن النبي ‪ ‬توضأ ثالثًا ثالثًا»‬
‫فإن زاد على ثالث ُك ِر َه‪ ،‬ملا روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده َأن النيب ‪« :‬توضأ ثالثًا ثالثًا ثم قال‪ :‬هكذا‬
‫الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم» وجيوز أن يتوضأ مرة مرة‪ ،‬ومرتني مرتني‪ ،‬ألنه صح عن النيب ‪ ‬أنه‬
‫توضأ مرة مرة‪ ،‬ومرتني مرتني وثالثًا وثالثًا‪.‬‬
‫على هذا الوجه تكون صفة الوضوء‪ ،‬وجيب أن يرتب الوضوء فيغسل وجهه‪ ،‬مث يديه‪ ،‬مث ميسح رأسه‪ ،‬مث يغسل‬
‫رجليه بدليل أن اهلل أدخل املسح بني الغسل‪ ،‬أي بني غسل اليدين والرجلني‪ ،‬وقطع حكم النظري عن النظري‪ ،‬فدّل على أنه‬
‫قصد فرض الرتتيب‪ ،‬وألن األحاديث الصحيحة املستفيضة عن مجاعات من الصحابة يف صفة وضوء النيب ‪ ،‬وكلهم‬
‫وصفوه مرَّتبًا مع كثرهتم‪ ،‬وكثرة املواطن اليت رأوه فيها ومل يثبت يف وضوء النيب صفة غري مرّتبة وفعله ‪ ‬بيان للوضوء‬
‫املأموِر به‪ ،‬والتزامه نوعًا واحدًا قرينة مرجحة للجزم فكان الرتتيب فرضًا‪ .‬وجيب أن يوايل بني أعضائه فإن فّر ق تفريقًا‬
‫يسريًا مل يضر‪ ،‬وإن كان تفريقًا كثريًا وهو بقدر ما جيف املاء على العضو يف زمان معتدل‪ ،‬ال جيزيه الوضوء‪ ،‬ألن املوالة‬
‫فرض‪ ،‬ملا رواه أبو داود والبيهقي عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النيب ‪ ‬أن النيب عليه الصالة والسالم‪« :‬رأى‬
‫رجًال يصلي‪ ،‬وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصالة» وعن عمر أيضًا‬
‫موقوفًا عليه أنه قال‪« :‬لمن فعل ذلك أعد وضوءك» فلو مل تكن املواالة فرضًا الكتفى منه بإعادة غسل رجليه‪ ،‬فأمره‬
‫بإعادة الوضوء والصالة دليل على وجوب املواالة‪.‬‬
‫واملستحب ملن فرغ من الوضوء أن يقول‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأن حممدًا عبده ورسوله‪.‬‬
‫ملا روى عمر رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬من توضأ فأحسن وضوءه ثم قال‪ :‬أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك‬
‫له‪ ،‬وأن محمدًا عبده ورسوله‪ ،‬صادقًا من قلبه فتح اهلل له ثمانية أبواب من الجنة يدخلها من أي باب شاء»‪.‬‬
‫المسح على الخفين‬
‫جيوز املسح على اُخلّف نْي يف الوضوء‪ ،‬ملا روي أن النيب ‪ ‬مسح على اخلفني‪ ،‬وال جيوز ذلك يف غسل اجلنابة ملا روى‬
‫صفوان بن عسال املرادي رضي اهلل عنه قال‪« :‬أمرنا‪ ،‬يعني النبي ‪ ‬أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر‬
‫ثالثًا إذا سافرنا‪ ،‬ويومًا وليلة إذا أقمنا‪ .‬وال نخلعهما من غائط وال بول وال نوم وال نخلعهما إال من جنابة»‪.‬‬
‫وميسح املقيم يومًا وليلة‪ ،‬واملسافر ثالثة أيام ولياليهن ملا روى علي رضي اهلل عنه‪« :‬أن النبي ‪ ‬جعل للمسافر‬
‫ثالثة أيام ولياليهن وللمقيم يومًا وليلة» ويعترب ابتداء املدة من حني حيدث بعد ليس اخلف ألن احلديث يقول‪« :‬أمرنا أن‬
‫نمسح» واملسح يبدأ من وقت جوازه‪ ،‬وجواز املسح يبدأ من وقت اإلحداث‪ .‬وجيوز املسح على كل خف صحيح طاهر‬
‫ساتر ملكان املسح‪ ،‬وهو القدم إىل الكعبني‪ .‬ميكن متابعة املشي عليه سواء كان من اجللود أو اللبود أو اخلرق أو غريها‪ .‬إال‬
‫أنه يشرتط فيه أن يكون ساترًا ألن السرت شطر باإلمجاع‪ .‬ومعىن إمكان متابعة املشي عليه أن ميكن املشي عليه يف مواضع‬
‫النزول وعند احلّط والرتحال‪ ،‬ويف احلوائج اليت يرتدد فيها املنزل‪ .‬ويف املقيم حنو ذلك كما جرت عادة البسي اخلفاف‪ .‬وال‬
‫يشرتط إمكان متابعة املشي عليه مسافات‪ .‬ومثل اخلف اجلورب يف كل شيىيء‪ ،‬فإنه جيوز املسح على اجلوارب مىت أمكن‬
‫متابعة املشي عليها بغض النظر عما إذا كانت صفيقة أم خفيفة‪ ،‬منعلة أو غري منعلة ملا ورد عن املغري بن ُش ْع َبة أن رسول‬
‫اهلل ‪ ‬توضأ ومسح على اجلوربني والنعلني‪ .‬وحكي عن عمر وعلي رضي اهلل عنهما جواز املسح على اجلورب وإن كان‬
‫رقيقًا‪ .‬إال أنه ال جيوز املسح على اخلفني أو على اجلوربني إال إذا لبسهما على طهارة كاملة‪ ،‬ملا روى أبو بكر رضي اهلل‬
‫عنه أن النيب ‪ ‬رّخ ص للمسافر ثالثة أيام ولياليهن وللمقيم يومًا وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن ميسح عليهما واملستحب أن‬
‫ميسح أعلى اخلف ملا روي عن املغري بن شعبة أنه قال‪« :‬رأيت رسول اهلل ‪ ‬يمسح على ظهور الخفين» وله أن ميسح‬
‫أعلى اخلف وأسفله فيغمس يديه يف املاء مث يضع كفه اليسرى حتت عقب اخلف وكفه اليمىن على أطراف أصابعه‪ ،‬مث مير‬
‫اليمىن على ساقه واليسرى إىل أطراف أصابعه‪ .‬ملا روى املغرية بن شعبة رضي اهلل عنه قال‪« :‬وضأت رسول اهلل ‪ ‬في‬
‫غزوة تبوك فمسح أعلى الخف وأسفله»‪ .‬وال يشرتط استيعاب املسح‪.‬‬

‫التيمم‬
‫ِئِط‬ ‫ِم ِم‬
‫جيوز التيمم من احلدث األصغر لقوله تعاىل‪َ :‬و ِإْن ُك نُتْم َمْر َض ى َأْو َعَلى َس َف ٍر َأْو َج اَء َأَح ٌد ْنُك ْم ْن اْلَغا َأْو‬
‫َالَمْس ُتْم الِّنَس اَء َفَلْم َتِج ُد وا َم اًء َفَتَيَّم ُم وا َص ِعيًد ا َطِّيًبا‪ ‬وجيوز التيمم عن احلدث األكرب وهو اجلنابة واحليض والنفاس‪ ،‬ملا‬
‫روي عن عمار بن ياسر رضي اهلل عنهما قال‪« :‬أجنبت فتمّعكت في التراب فأخبرت النبي ‪ ‬بذلك‪ ،‬فقال ‪ :‬إنما‬
‫كان يكفيك هكذا‪ :‬وضرب يديه على األرض ونفخ فيهما‪ ،‬ثم مسح بهما وجهه وكفيه»‪ .‬والتيمم مسح الوجه واليدين‬
‫مع املرفقني بضربة لقوله تعاىل‪َ :‬فَلْم َتِج ُد وا َم اًء َفَتَيَّم ُم وا َص ِعيًد ا َطِّيًبا َفاْم َس ُح وا ِبُو ُج وِه ُك ْم َو َأْيِد يُك ْم ‪ ‬وملا روي عن‬
‫عمار بن ياسر أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬في التيمم ضربة للوجه واليدين»‪ ،‬وجيوز أن يضرب ضربتني ملا روى أبو أمامة وابن‬
‫عمر رضي اهلل عنهم أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬التيمم ضربتان‪ :‬ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين» وحلديث جابر‪:‬‬
‫«التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين‪ ،‬وهذا أكمل التيمم»‪ .‬وجيوز أن يقتصر يف التيمم على ضربة واحدة‬
‫أو ضربتني ميسح هبما وجهه وكفيه‪ ،‬حلديث عمار السابق‪ ،‬وملا رواه أمحد وأبو داود عن عمار أيضًا قال‪« :‬سألت النبي ‪‬‬
‫عن التيمم فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين»‪ .‬وال جيوز التيمم إال بالرتاب‪ ،‬ألن الصعيد الرتاب‪ ،‬والطيب الطاهر‪.‬‬
‫قال يف القاموس‪ :‬والصعيد الرتاب ووجه األرض‪ ،‬وجاء احلديث وعني معىن من معاين الصعيد وهو الرتاب‪ .‬قال األزهري‪:‬‬
‫ومذهب أكثر العلماء أن الصعيد يف قوله تعاىل‪َ :‬ص ِعيًد ا َطِّيًبا‪ ‬هو الرتاب‪ .‬ويف كتاب (فقه اللغة) للثعاليب‪" :‬الصعيد تراب‬
‫وجه األرض"‪ .‬فقوله تعاىل‪َ :‬ص ِعيًد ا َطِّيًبا‪ ‬قال ابن عباس‪ :‬أي ترابًا طاهرًا‪ .‬وملا روى حذيفة بن اليمان رضي اهلل عنهما‬
‫أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬فضلنا على الناس بثالث‪ :‬جعلت لنا األرض مسجدًا‪ ،‬وجعل ترابها لنا طهورًا‪ ،‬وجعلت صفوفنا‬
‫كصفوف المالئكة»‪ .‬ويستدل بتخصيص الرتاب مبا عند مسلم من حديث حذيفة مرفوعًا بلفظ‪« :‬وجعلت تربتها لنا‬
‫طهورًا»‪ .‬ويف حديث علي كرم اهلل وجهه‪« :‬وجعل لي التراب طهورًا» وهذا خاص فينبغي أن حيمل عليه العام وهو‬
‫األرض الواردة يف حديث أيب أمامة‪« :‬وجعلت األرض كلها لي وألمتي مسجدًا وطهورًا»‪ .‬ويؤيد هذا رواية حذيفة‪:‬‬
‫«وجعلت لنا األرض كلها مسجدًا وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء»‪ .‬وألن كلمة ‪َ‬فاْم َس ُح وا‪ ‬يقتضي أن‬
‫يكون هنالك شيء ميسح به‪ ،‬وال يكون ذلك إال مبا يعلق من غبار الرتاب على اليدين حني الضربة على األرض‪ .‬ولذلك‬
‫كان ال بد أن يكون للرتاب غبار حىت يصّح أن يعلق به ما ميسح العضو‪ .‬وأما الرمل الذي ال غبار فيه فال جيوز التيمم به‪.‬‬
‫وال يصح التيمم إال بالنية‪.‬‬
‫وإذا أراد التيمم يسمى اهلل عز وجل كالوضوء‪ ،‬مث جيب أن ينوي مث يضرب بيديه على الرتاب‪ ،‬ويغرق أصابعه إن‬
‫كان الرتاب ناعمًا‪ ،‬فإن ترك الضرب ووضع اليدين جاز‪ ،‬وميسح هبما وجهه‪ ،‬ويوصل الرتاب إىل مجيع البشرة الظاهرة من‬
‫الوجه‪ ،‬وإىل ما ظهر من الشعر‪ .‬مث يضرب ضربة أخرى فيضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهر أصابع يده اليمىن‪،‬‬
‫وميرها على ظهر الكف إىل املرفق‪ ،‬مث يدير بطن كفه إىل بطن ذراعه وميره عليه‪ ،‬ويرفع إهبامه فإذا بلغ الرسغ أمّر إهبام يده‬
‫اليسرى على إهبام يده اليمىن‪ ،‬مث ميسح بكفه اليمىن يده اليسرى مثل ذلك‪ ،‬مث ميسح إحدى الراحتني باألخرى وخيلل‬
‫أصابعهما‪ .‬والفرض من ذلك كله النية‪ ،‬ومسح الوجه‪ ،‬ومسح اليدين‪ ،‬وتقدمي الوجه على اليد‪ .‬وسّنته التسمية وتقدمي‬
‫اليمىن على اليسرى‪ .‬وال جيوز التيمم إال لعادم املاء أو اخلائف من استعماله‪ .‬فأّم ا الواجد فال جيوز له التيمم لقوله تعاىل‪:‬‬
‫‪َ‬فَلْم َتِج ُد وا َم اًء َفَتَيَّم ُم وا‪ ‬ولقوله ‪« :‬الصعيد الطيب وضوء المسلم ما لم يجد الماء»‪ .‬ويعترب احتياج املاء للعطش‬
‫كالعادم للماء‪ ،‬ألنه ممنوع من استعماله‪ ،‬ألن الواجب إبقاء املاء لسد العطش‪ .‬وإذا عدم املاء فال جيوز التيمم إال بعد طلب‬
‫املاء ملا يقتضيه قوله تعاىل‪َ :‬فَلْم َتِج ُد وا َم اًء‪ .‬وال يصح الطلب إال بعد دخول الوقت‪ ،‬ألنه إمنا يطلب ليثبت شرط التيمم‬
‫وهو عدم املاء‪ .‬والطلب أن ينظر عن ميينه ومشاله وأمامه ووراءه‪ .‬وإن كان بني يديه حائل من جبل أو غريه صعد ونظر‬
‫حواليه‪ ،‬وإن كان معه رفيق سأله عن املاء‪ ،‬فإن بذله له لزمه قبوله‪ ،‬وإن باعه منه بثمن املثل وهو واجد للثمن غري حمتاج‬
‫إليه لزمه شراؤه‪ .‬وإن دله أحد على ماء ومل خيف فوت الوقت وال انقطاعًا عن رفقة وال ضررًا يف نفسه وماله لزمه طلبه‪.‬‬
‫ويشرتط للتيمم دخول وقت الصالة‪ ،‬وال جيوز أن يصلي بتيمم واحد أكثر من فريضة‪ :‬ملا روي عن عمرو بن شعيب عن‬
‫أبيه عن جده قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬جعلت لي األرض مسجدًا وطهورًا أينما أدركتني الصالة تمسحت وصليت»‪.‬‬
‫وإذا مل جيد املكلف ال ماء وال ترابًا بأن حبس يف موضع جنس‪ ،‬أو حبس يف موضع كله بالط‪ ،‬أو كان يف أرض ذات‬
‫وحل‪ ،‬فإنه جيب عليه أن يصلي يف احلال على حسب حاله وال جتب عليه اإلعادة إذا وجد املاء‪ ،‬وذلك حلديث عائشة‬
‫رضي اهلل عنها أهنا استعارت قالدة من أمساء فهلكت‪ ،‬فأرسل رسول اهلل ‪ ‬ناسًا من أصحابه يف طلبها‪ ،‬فادركتهم الصالة‬
‫فصلوا بغري وضوء‪ ،‬فلما أتوا النيب ‪ ‬شكوا ذلك إليه‪ ،‬فنزلت آية التيمم‪ .‬فهؤالء صلوا من غري وضوء ومل يأمرهم النيب ‪‬‬
‫باإلعادة‪ ،‬ولقول رسول اهلل ‪« :‬ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم»‪ .‬فاملسلم مأمور‬
‫بالصالة بشروطها وأركاهنا‪ ،‬فإن عجز عن بعضها أتى بالباقي كما لو عجز عن سرت العورة فإنه يصلي غري مستور العورة‪،‬‬
‫أو عجز عن معرفة القبلة فإنه يصلي إىل أي جهة جيتهد أهنا القبلة‪ ،‬أو عجز عن ركن من أركاهنا كالقيام فإنه يصلي قاعدًا‪،‬‬
‫أو عجز عن املاء والرتاب فإنه يصلي دون وضوء وال تيمم‪ .‬وبذلك يكون قيام فاقد الطهورين بالصالة يف احلال واجبا‪،‬‬
‫عالوة على أنه فرض من األصل‪ ،‬ومل يسقط عنه هذا الفرض بفقدان الطهورين‪ ،‬ألن الطهارة شرط لصحة الصالة ال‬
‫لوجوهبا‪ .‬أما عدم إعادة الصالة فإنه يؤدي إىل إجياب ظهرين أو عصرين‪...‬اخل عن يوم واحد‪ ،‬وألن الرسول ‪ ‬يف حديث‬
‫عائشة السابق مل يطلب ممن صلوا بغري وضوء إعادة الصالة ومل يأمرهم بذلك‪.‬‬
‫وإذا كان على بعض أعضاء املكلف كسر حيتاج إىل وضع اجلبائر‪ ،‬أو قرح حيتاج إىل وضع لصوق عليه ووضع‬
‫اجلبائر أو اللصوق وأراد الوضوء ينظر‪ :‬فإن كان ال خياف ضررًا من نزعها وجب نزعها وغسل ما حتتها إن مل خيف ضررًا‬
‫من غسله‪ ،‬وإن خاف الضرر من نزعها أو من غسل ما حتتها باملاء ال جيب نزعها‪ ،‬بل يغسل العضو وميسح على اجلبرية أو‬
‫اللصوق ويتيمم حلديث جابر رضي اهلل عنه‪« :‬أن رجًال أصابه حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه‪ :‬هل‬
‫تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا‪ :‬ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء‪ .‬فاغتسل فمات‪ .‬فقال النبي ‪ :‬إنما‬
‫كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على رأسه خرقه يمسح عليها ويغسل سائر جسده»‪.‬‬
‫نواقض الوضوء‬
‫اخلارج من قبل الرجل واملرأة أو دبرمها ينقض الوضوء سواء أكان غائطًا أو بوًال أو رحيًا أو دودًا أو قيحًا أو دمًا‬
‫أو حصاة أو غري ذلك‪ .‬وال فرق يف ذلك بني النادر واملعتاد‪ ،‬وال فرق يف خروج الريح من قبل املرأة والرجل ودبرمها‪،‬‬
‫وينقض الوضوء أيضًا النوم‪ ،‬والغلبة على العقل بغري النوم‪ ،‬وملس النساء‪ ،‬ومس الفرج‪ .‬وليس شيئًا غري ذلك ينقض‬
‫الوضوء‪.‬‬
‫أما كون اخلارج من السبيلني ينقض الوضوء فلقوله تعاىل‪َ :‬أْو َج اَء َأَح ٌد ِم ْنُك م ِم ْن اْلَغاِئِط ‪ ‬ولقوله ‪« :‬ال وضوء‬
‫إال من صوت أو ريح» وقوله عليه الصالة والسالم‪« :‬إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم‬
‫ال فال يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا»‪ .‬وقال يف املذي‪« :‬يغسل ذكره ويتوضأ»‪ .‬وقال‪« :‬في‬
‫الودي الوضوء»‪ .‬ويف املذي والودي يقول ابن عباس‪" :‬اغسل ذكرك أو مذاكريك وتوضأ وضوءك للصالة"‪ .‬وأما النوم‬
‫فإنه ينقض الوضوء إن كان النائم مضطجعًا أو متكئًا أو منكبًا؛ وأما إن كان النائم قاعدًا وحمل احلدث متمكن من األرض‬
‫فإنه ال ينقض الوضوء بالنوم ولو مسع للنائم غطيط‪ ،‬وذلك ملا روى علي كرم اهلل وجهه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬العينان وكاء‬
‫الَّس ه فمن نام فليتوضأ»‪ ،‬وملا روى أنس رضي اهلل عنه قال‪« :‬كان أصحاب رسول اهلل ‪ ‬ينتظرون العشاء فينامون‬
‫قعودًا ثم يصلون وال يتوضأون»‪ .‬ويف رواية للبيهقي‪« :‬لقد رأيت أصحاب رسول اهلل ‪ ‬يوقظون للصالة حتى إني‬
‫ألسمع ألحدهم غطيطًا ثم يقومون فيصلون وال يتوضأون»‪.‬‬
‫وأما زوال العقل بغري النوم فهو أن جين‪ ،‬أو أن يغمى عليه‪ ،‬أو يسكر‪ ،‬أو ميرض‪ ،‬فيزول عقله فينقض وضوؤه‪.‬‬
‫والدليل على ذلك اإلمجاع كما رواه ابن املنذر‪.‬‬
‫ِئِط‬ ‫ِم ِم‬
‫وأما ملس املرأة فينقض الوضوء لقوله تعاىل يف سورة النساء‪ ،‬ويف سورة املائدة‪َ :‬أْو َج اَء َأَح ٌد ْنُك ْم ْن اْلَغا َأْو‬
‫َالَمْس ُتْم الِّنَس اَء َفَلْم َتِج ُد وا َم اًء َفَتَيَّم ُم وا‪ ،‬فعطف اللمس على اجمليء من الغائط‪ ،‬ورتب عليهما األمر بالتيمم عند فقدان‬
‫املاء‪ ،‬فدل على كون مالمسة النساء حدثًا كاجمليء من الغائط‪ .‬واللمس واملالمسة أن يلمس الرجل بشرة املرأة واملرأة بشرة‬
‫الرجل بال حائل بينهما فينتقض وضوء الالمس منهما لقوله تعاىل‪َ :‬أْو َالَمْس ُتْم الِّنَس اَء‪ .‬ويف قراءة من القراءات السبع‬
‫الصحيحة (أو ملستم النساء) وملس املرأة ينقض الوضوء‪ .‬واللمس يطلق يف اللغة على اجلس باليد‪ .‬وال يطلق على اجلماع إال‬
‫جمازًا بقرينة‪ ،‬وال يصار إىل اجملاز إال إذا تعذرت احلقيقة‪ .‬وقد استدل احلاكم على أن املراد باللمس ما دون اجلماع حبديث‬
‫عائشة‪« :‬ما كان أو قّل يوم إال كان رسول اهلل ‪ ‬يأتينا فيقبل ويلمس الحديث»‪ ،‬واستدل البيهقي حبديث أيب هريرة‪:‬‬
‫«اليد زناها اللمس»‪ ،‬ويف قصة ماعز‪« :‬لعلك قبلت‪ ،‬أو لمست»‪ .‬وحبديث عمر‪« :‬القبلة من اللمس فتوضأوا منها»‪،‬‬
‫وهذا كله يعني أن اآلية دالة على اللمس احلقيقي وهو اجلس باليد‪ .‬ويؤيد ذلك فهم الصحابة هلذه اآلية وقوهلم أن اللمس‬
‫مبعىن اجلس باليد ينقض الوضوء‪ .‬فقد صرح ابن عمر بأن من قّبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء؛ وعن ابن مسعود‬
‫بلفظ‪« :‬القبلة من اللمس وفيها الوضوء»‪ .‬وأما احلديث املروي عن عائشة‪« :‬أن النبي ‪ ‬كان يقبل بعض أزواجه ثم‬
‫يصلي وال يتوضأ» فإن رواياته كلها ضعيفة‪ .‬وعالوة على ذلك فإنه يناقض نص اآلية‪ .‬وأما حديث عائشة اآلخر الذي‬
‫تقول فيه يف رواية‪« :‬حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله»‪ ،‬وتقول فيه يف رواية أخرى‪« :‬فإذا سجد غمزني فقبضت‬
‫رجلي وإذا قام بسطتها» فإنه كذلك يناقض اآلية‪ .‬فيحمل هذا احلديث والذي قبله على أن ذلك خاص بالنيب ‪ ‬لورود‬
‫النص القويل على خالفة‪ .‬وإذا ورد قول يف القرآن أو احلديث مث فعل الرسول خالفة يكون ما فعله الرسول خاصًا به وال‬
‫جيوز التأسي به يف هذا الفعل‪ .‬ألن فعله ‪ ‬ال يعارض القول العام الوارد يف القرآن أو احلديث‪ .‬وال يقال هنا أن احلديث‬
‫يفسر اآلية وال يناقضها فيؤخذ املعىن الذي جاء به احلديث ألنه شرح لآلية‪ ،‬ال يقال ذلك ألن اللفظ الذي يف اآلية وهو‬
‫(المستم) أو (ملستم) ليس عامًا حىت يقال أن احلديث خصصه‪ ،‬وال مطلقًا حىت يقال أن احلديث قيده‪ ،‬وال لفظًا مشرتكًا‬
‫حىت يقال أن احلديث عني معىن من معانيه‪ ،‬وال جممًال حىت يقال أن احلديث فصله‪ ،‬وال مبهمًا حىت يقال أن احلديث فسره‬
‫وبينه‪ ،‬بل هو لفظ واضح الداللة له معىن حقيقي واحد‪ ،‬فمجيء حديث يناقضه ال يقبل‪ ،‬ويتحتم أن يرد احلديث أو حيمل‬
‫على املعىن الذي جاء من أجله‪ ،‬وهو كونه خاصًا بالرسول‪ .‬وعلى هذا يكون صريح اآلية داًال على أن ملس املرأة ينقض‬
‫الوضوء‪ .‬إال أن الذي ينتقض وضوئه هو الالمس فقط‪ .‬أما امللموس فال ينتقض وضوئه ألن اآلية تدل على نقض الالمس‬
‫وال تدل على نقض امللموس‪ ،‬ال منطوقًا وال مفهومًا وال داللة‪ ،‬وألن عائشة رضي اهلل عنها قالت‪« :‬افتقدت رسول اهلل ‪‬‬
‫في الفراش فقمت أطلبه فوقعت يدي على أخمص قدميه فلما فرغ من صالته قال أتاك شيطانك»‪ ،‬ويف رواية‪:‬‬
‫«فوقعت يدي على بطن قدمه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول‪ :‬اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك»‪،‬‬
‫فهذا احلديث دال على أن امللموس ال ينقض وضوئه‪ ،‬إذ لو كان امللموس ينتقض وضوؤه لقطع ‪ ‬الصالة حني ملسته‬
‫عائشة‪ .‬وال فرق بني أن يكون الالمس الرجل أو املرأة فإن الالمس ينتقض وضوؤه ال امللموس‪ .‬أما لو التقت بشرة رجل‬
‫وامرأة حبركة منهما دفعة واحدة انتقض وضوء االثنني ألن كًال منهما المس‪ .‬وهذا كله إذا التقت بشرتا رجل وامرأة‪ ،‬أما‬
‫لو ملس أحدمها شعر اآلخر أو سنه أو ظفره أو ملس بشرته بسنه أو شعره أو ظفره فإنه ال ينتقض الوضوء‪ ،‬ألنه ال يعترب‬
‫ملسًا‪ .‬وكذلك إذا ملس ذات رحم حمرم‪ ،‬أو صغرية‪ ،‬فإنه ال ينتقض وضوؤه ملا روي أن النيب ‪« :‬صلى وهو حامل أمامة‬
‫بنت زينب رضي اهلل عنها فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها» وأمامة كانت صغرية وكانت حمرمًا على النيب ‪‬؛‬
‫ويدخل يف احملرم ذات رحم كاألم والبنت واألخت وبنت األخ واألخت والعمة واخلالة‪ ،‬كما يدخل يف احملرم احملرمة‬
‫برضاع أو مصاهرة كأم الزوجة وبنتها وزوجة االبن واألب واجلد‪ .‬وأما احملرمة على التوقيت كأخت الزوجة وعمتها‬
‫وخالتها فإهنا ال تدخل يف احملرم إذ هي ليست حمرمة على التأبيد فينتقض الوضوء بلمسها‪.‬‬
‫وأما مس الفرج فإنه إن كان ببطن الكف نقض الوضوء ملا روت يسرة بنت صفوان رضي اهلل عنها أن النيب ‪‬‬
‫قال‪« :‬إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ»‪ .‬وإن كان املس بظهر الكف مل ينتقض ملا روى أبو هريرة رضي اهلل عنه أن النيب‬
‫‪ ‬قال‪« :‬إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شيء فليتوضأ وضوءه للصالة»‪ ،‬وملا روي عن يسرة بنت‬
‫صفوان أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬من مس ذكره فال يصلي حتى يتوضأ» ويف رواية ألمحد والنسائي عن يسرة أهنا مسعت رسول‬
‫اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬ويتوضأ من مس الذكر»‪ .‬وهذا يشمل ذكر نفسه وذكر غريه‪ .‬وملا روي عن أيب هريرة أن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء» واإلفضاء باليد ال يكون إال ببطن الكف وألن‬
‫ظهر الكف ليس بآله مس‪ .‬ومثل ذكر نفسه ذكر غريه‪ .‬ومس القبل والدبر كمس الذكر بنقض الوضوء‪ .‬وعلى ذلك فإذا‬
‫مس الرجل أو املرأة قبل نفسه أو غريه من صغري أو كبري حي أو ميت ذكر أو أنثى انتقض وضوء املاس‪ ،‬ملا روي عن‬
‫عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬أيما رجل مس فرجه فليتوضأ‪ ،‬وأيما امرأة مست فرجها‬
‫فلتتوضأ» وحبديث أم حبيبة قالت مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬من مس فرجه فليتوضأ»‪ .‬ومثل فرجه فرج غريه ألنه فرج‬
‫آلدمي‪ ،‬فهو كفرجه سواء بسواء‪ ،‬خبالف فرج البهيمة فإن مسه ال ينقض الوضوء ألنه ال يندرج حتت كلمة (فرجه) فهي‬
‫خاصة باآلدمي‪ .‬والذي ينتقض هو وضوء املاس فقط‪ ،‬أما امللموس فال ينتقض وضوؤه ألن احلديث نص على املاس وعلى‬
‫املفضي بيده فقط‪ ،‬وال ينص على املمسوس وال يفهم منه املمسوس‪ ،‬فدل على أنه ال ينقض وضوؤه‪.‬‬
‫هذه هي نواقض الوضوء فإذا حصل واحد من هذه اخلمسة للذكر أو األنثى انتقض وضوؤه وصار حمدثًا حدثًا‬
‫أصغر‪ .‬ومن كان متوضئًا وهو على يقني من طهارته مث داخله شك أحدث أو ال فال اعتبار ملا داخله‪ ،‬ملا روي عن عباد بن‬
‫متيم عن عمه أنه‪ «:‬شكا إلى رسول اهلل ‪ ‬الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصالة‪ ،‬فقال ال ينفتل أو ال‬
‫ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا»‪.‬‬
‫ومن أحدث حدثًا أصغر حرمت عليه الصالة لقوله ‪« :‬ال يقبل اهلل صالة بغير طهور»‪ ،‬وقوله‪« :‬ال يقبل اهلل‬
‫صالة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»‪ ،‬وحكم سجود التالوة والشكر كحكم الصالة يف ذلك‪ .‬وحيرم عليه الطواف‬
‫لقوله ‪« :‬الطواف بالبيت صالة‪ ،‬إال أن اهلل أباح فيه الكالم»‪.‬وحيرم عليه مس املصحف لقوله تعاىل‪ :‬ال َيَم ُّس ُه ِإَّال‬
‫اْلُم َطَّه ُر وَن ‪ ‬ألن الضمري يف ميسه يعود إىل القرآن‪ِ :‬إَّنُه َلُقْر آٌن َك ِر يٌم ‪ِ ‬في ِكَتاٍب َم ْك ُنوٍن ‪َ ‬ال َيَم ُّس ُه ِإَّال اْلُم َطَّه ُر وَن ‪‬‬
‫َتنِز يٌل ِم ْن َر ِّب اْلَعاَلِم يَن ‪ ،‬أي القرآن‪ ،‬واملطهرون املتصفون بالطهارة‪ .‬والطهارة من احلدث األصغر يقال عن صاحبها‬
‫(مطهر) والطهارة من احلدث األكرب يقال عن صاحبها (مطهر)‪ ،‬فال ميسه إال مطهر سواء أكان طهارة حدث أصغر أو‬
‫طهارة حدث أكرب‪ .‬ويؤيد ذلك أن النيب ‪ ‬كتب إىل أهل اليمن كتابًا وكان فيه‪« :‬وال يمس القرآن إال طاهر»‪ .‬ومس‬
‫املصحف يشمل مس الكتابة واجللد واحلواشي وكل ما يصدق عليه أنه من املصحف‪ .‬أما بيته وعالقته وما شاكل ذلك مما‬
‫ليس من املصحف فال حيرم مسه‪.‬‬

‫الغسل‬
‫والذي يوجب الغسل إيالج احلشفة يف الفرج‪ ،‬وخروج املين‪ ،‬واحليض والنفاس‪ .‬أما إيالج احلشفة فإنه يوجب‬
‫الغسل ملا روت عائشة رضي اهلل عنها أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل»‪ .‬والتقاء اخلتانني حيصل‬
‫بتغييب احلشفة يف الفرج‪ ،‬وذلك أن ختان الرجل هو اجللد الذي يبقى بعد اخلتان‪ ،‬وختان املرأة جلدة كعرف الديك فوق‬
‫الفرج فيقطع منها يف اخلتان‪ ،‬فإذا غابت احلشفة يف الفرج‪ ،‬أي حاذى ختانه ختاهنا وإذا حتاذيا فقد التقيا‪ .‬فكل من أوجل يف‬
‫أي فرج وجب عليه الغسل‪ ،‬سواء أكان فرج آدمية أو هبيمة‪ ،‬حية أو ميته‪ ،‬أنزل أم مل ينزل‪ ،‬وجب عليه الغسل‪ ،‬ملا روي‬
‫أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إذا قعد بين شعبها األربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل وإن لم ينزل»‪.‬‬
‫وأما خروج املين فإنه يوجب الغسل على الرجل واملرأة يف النوم واليقظة‪ ،‬ملا روى أبو سعيد اخلدري رضي اهلل عنه‬
‫أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪« :‬إنما الماء من الماء»‪ .‬وروت أم سلمة رضي اهلل عنها قالت‪« :‬جاءت أم سليم‪ ،‬امرأة أبي طلحة‪،‬‬
‫إلى النبي ‪ ‬فقالت‪ :‬يا رسول اهلل إن اهلل ال يستحي من الحق‪ ،‬هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫إذا رأت الماء»‪ .‬وإن احتلم ومل ير املين‪ ،‬أو شك هل خرج منه املين‪ ،‬مل يلزمه الغسل‪ ،‬وإن رأى املين ومل يذكر احتالمًا‬
‫لزمه الغسل‪ ،‬ملا روت عائشة رضي اهلل عنها‪« :‬أن النبي ‪ ‬سئل عن الرجل يجد البلل وال يذكر االحتالم قال يغتسل‪،‬‬
‫وعن الرجل يرى أنه احتلم وال يجد البلل قال‪ :‬ال غسل عليه»‪ .‬وال جيب الغسل إال من املين وحده‪ ،‬فال جيب الغسل‬
‫من املذي‪ ،‬وال من الودي‪ .‬واملذي هو املاء الذي خيرج بأدىن شهوة‪ ،‬والودي ما يقطر عند البول‪ ،‬وذلك ملا روى علي بن‬
‫أيب طالب رضي اهلل عنه قال‪« :‬كنت رجًال مذاء فجعلت اغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري‪ ،‬فذكرت ذلك للنبي ‪‬‬
‫فقال‪ :‬ال تفعل‪ .‬إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصالة»‪.‬‬
‫وأما احليض فإنه يوجب الغسل لقوله تعاىل‪َ :‬و َيْس َأُلوَنَك َعْن اْلَم ِح يِض ُقْل ُه َو َأًذى َفاْع َتِز ُلوا الِّنَس اَء ِفي‬
‫اْلَم ِح يِض َو َال َتْق َر ُبوُه َّن َح َّتى َيْطُه ْر َن َفِإ َذا َتَطَّه ْر َن َفْأُتوُه َّن ‪ ،‬ولقوله ‪ ‬لفاطمة بنت أيب حبيش‪« :‬إذا أقبلت الحيضة‬
‫فدعي الصالة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي»‪ .‬وأما دم النفاس فإنه يوجب الغسل ألنه حيض جمتمع‪ .‬ومثل النفاس الوالدة‬
‫يف وجوب الغسل‪ ،‬حىت ولو مل تر الدم ألن خروج الولد ال خيلوا من رطوبة ولو خفيت فكان كدم النفاس‪.‬‬
‫ومن أجنب حرم عليه الصالة‪ ،‬والطواف‪ ،‬ومس املصحف‪ ،‬ألن هذه األمور حترم على احملدث‪ ،‬فحرمتها على‬
‫اجلنب من باب أوىل‪ ،‬ألنه حدث أكرب‪ ،‬فهو أغلظ‪ .‬وحيرم على اجلنب قراءة القرآن ملا روى ابن عمر رضي اهلل عنهما أن‬
‫النيب ‪ ‬قال‪« :‬ال يقرأ الجنب وال الحائض شيئًا من القرآن» وحيرم كذلك على اجلنب اللبث يف املسجد‪ ،‬وال حيرم عليه‬
‫العبور لقوله تعاىل‪َ :‬و َال ُج ُنًبا ِإَّال َعاِبِر ي َس ِبيٍل ‪.‬‬
‫وإذا أراد الرجل أن يغتسل من اجلنابة فإنه يسمى اهلل وينوي الغسل من اجلنابة ويغسل كفيه ثالثًا قبل أن يدخلها‬
‫يف اإلناء‪ ،‬مث يغسل ما على فرجه من األذى‪ ،‬مث يتوضأ وضوءه للصالة‪ ،‬مث يدخل أصابعه العشرة يف املاء فيغرف غرفة خيلل‬
‫هبا أصول شعره من رأسه وحليته‪ ،‬مث حيثي على رأسه ثالث حثيات‪ ،‬مث يفيض املاء على سائر جسده‪ ،‬ومير يديه على ما‬
‫قدر عليه من بدنه‪ ،‬مث يتحول من مكانه‪ ،‬مث يغسل قدميه‪ ،‬ألن عائشة وميمونة رضي اهلل عنهما وصفتا غسل رسول اهلل ‪‬‬
‫حنو ذلك‪« :‬فقد روي عن عائشة زوج النبي أن النبي ‪ ‬كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثم يتوضأ كما‬
‫يتوضأ للصالة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يصب على رأسه ثالث غرف بيديه ثم يفيض‬
‫الماء على جلده كله»‪« .‬وعن ميمونة زوج النبي ‪ ‬قالت‪ :‬توضأ رسول اهلل ‪ ‬وضوءه للصالة غير رجليه‪ ،‬وغسل‬
‫فرجه وما أصابه من األذى ثم أفاض عليه الماء ثم نحى رجليه فغسلهما» هذه غسلة من اجلنابة‪.‬‬
‫والفرض من الغسل النية‪ ،‬وتعميم اجلسد باملاء الطهور وما عدا ذلك فهو سنة‪ ،‬واملرأة كالرجل تغتسل من اجلنابة‬
‫كما يغتسل الرجل على الوجه املتقدم‪ .‬وكذلك يغتسل من إناء‪ ،‬وحتت مزراب ومن حنفية‪ ،‬ويف البحر والنهر والربك‬
‫وغريها‪ ،‬وعلى أي صفة كانت إذا استوىف فروض الغسل‪ ،‬واألفضل أن يستويف معها سنن الغسل‪.‬‬
‫النجاسة‬
‫والنجاسة هي البول والغائط‪ ،‬والقيء‪ ،‬واملذي والودي‪ ،‬ومين غري اآلدمي‪ ،‬والدم والقيح وماء القروح‪ ،‬واملعلقة‬
‫وامليتة‪ ،‬واخلمر والنبيذ‪ ،‬والكلب واخلنزير وحلم احلمر اإلنسية وما تنجس بذلك‪.‬‬
‫فأما البول فهو جنس ملا روي عن أنس رضي اهلل عنه أن أعرابيًا بال يف ناحية املسجد فأمر النيب ‪ ‬بذنوب من ماء‬
‫فاهريق عليه‪.‬‬
‫وأما الغائط فهو جنس سواء أكان آلدمي أو حليوان‪ .‬أما جناسة غائط اآلدمي فقد انعقد إمجاع الصحابة على ذلك‪.‬‬
‫وأما سرجني البهائم‪ ،‬وذرق الطيور‪ ،‬فلما روى ابن مسعود رضي اهلل عنه قال‪« :‬أتيت النبي ‪ ‬بحجرين وروثة فأخذ‬
‫الحجرين وألقى الروثة وقال إنها ركس»‪.‬‬
‫وأما جناسة القيء فهي ثابتة باإلمجاع وسواء قيء اآلدمي أو احليوان‪.‬‬
‫وأما املذي فهو جنس ملا روي عن علي رضي اهلل عنه قال‪ :‬كنت رجًال مذاء فذكرت لذلك لرسول اهلل ‪ ‬فقال‪:‬‬
‫«إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك»‪ .‬وأما الودي فهو جنس ألنه خيرج من البول‪ ،‬فكان حكمه حكم البول‪ .‬وأما يف غري‬
‫اآلدمي فهو جنس ألنه خيرج من خمرج البول‪ ،‬فكان حكمه حكم البول‪ ،‬واستثىن منه مين اآلدمي‪ ،‬وخصص بالطهارة‪،‬‬
‫لورود النص يف طهارته‪ ،‬فقد روي عن عائشة رضي اهلل عنها أهنا كانت حتّث املين من ثوب رسول اهلل ‪ ‬وهو يصلي‪ ،‬ولو‬
‫كان جنسًا ملا انعقدت معه الصالة‪.‬‬
‫وأما الدم فهو جنس ملا روي عن أمساء رضي اهلل عنها قالت‪« :‬جاءت امرأة إلى رسول اهلل ‪ ‬فقالت إحدانا‬
‫يصيب ثوبها من دم الحيض كيف نصنع به؟ قال‪ :‬تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه»‪ .‬ومثل الدم يف‬
‫النجاسة القيح ألنه دم استحال إىل ننت‪ .‬وأما ماء القروح فينظر فيه فإن كان له رائحة فهو جنس كالقيح‪ ،‬وإن مل تكن له‬
‫رائحة فهو طاهر كرطوبة البدن‪ .‬ومثل الدم أيضًا العلقة ألهنا دم خارج من الرحم فهي كدم احليض‪.‬‬
‫وأما امليتة فهي جنسة والدليل على جناستها اإلمجاع‪ .‬ويستثىن من امليتة السمك واجلراد‪ ،‬وميتة اآلدمي‪ ،‬فإهنا طاهرة‬
‫ملا روي عن ابن عمر موقوفًا أنه قال‪« :‬أحّل لنا ميتتان ودمان‪ ،‬فأما الميتتان فالحوت والجراد‪ ،‬وأما الدمان فالكبد‬
‫والطحال»‪ ،‬ولقوله عليه الصالة والسالم‪« :‬أن المؤمن ال ينجس»‪.‬‬
‫وأما اخلمر فنجسة باإلمجاع‪.‬‬
‫وأما الكلب فنجس ملا روي أن النيب ‪ ‬دعي إىل دار فأجاب‪ ،‬ودعي إىل دار فلم جيب‪ ،‬فقيل له يف ذلك فقال‪ :‬أن‬
‫يف دار فالن كلبًا‪ .‬فقيل له‪ :‬ويف دار فالن هرة فقال‪ :‬اهلرة ليست بنجسة‪ .‬وملا روي عن أيب هريرة أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات» فدل على أن الكلب جنس‪ .‬وأما اخلنزير فنجس إلمجاع‬
‫الصحابة على جناسته‪ .‬وأما حلم احلمر اإلنسية فنجس ملا روي عن أنس قال‪« :‬أصبنا من لحم الحمر يوم خيبر فنادي‬
‫منادي رسول اهلل ‪ ‬أن اهلل ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس أو نجس»‪.‬‬
‫وأما ما تنجس هبذه األعيان النجسة من األعيان الطاهرة فإنه ينجس إذا أصابته أية جناسة من هذه النجاسات‪ ،‬ألنه‬
‫يعلق من النجاسة عليه فينجس احملل الذي يعلق بالرطوبة‪ .‬أما إذا مل تعلق جناسة كأن أصاب الكلب بيده الناشفة إناء فإنه‬
‫ال ينجس خبالف ما لو أصابه مبلوًال أو أصابه بريقه فإنه ينجس‪.‬‬
‫إزالة النجاسة‬
‫وإذا ولغ الكلب يف إناء أو ادخل عضوًا منه فيه وهو رطب مل يطهر اإلناء حىت يغسل سبع مرات إحداهن‬
‫بالرتاب‪ ،‬ملا روي عن أيب هريرة أن البين ‪ ‬قال‪« :‬طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبعًا إحداهن‬
‫بالتراب»‪.‬ومثل الكلب اخلنزير ألنه أسوأ حاًال من الكلب فاخذ حكمه من باب أوىل‪ .‬وجيزئ يف بول الصيب الذي مل‬
‫يطعم الطعام النضح‪ ،‬وهو أن يبله باملاء وان مل ينزل عنه املاء؛ وال جيزئ يف بول الصبية إال الغسل ملا روى علي رضي اهلل‬
‫عنه أن النيب ‪ ‬قال يف بول الرضيع‪« :‬يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغالم»‪ .‬وأما ما سوى ذلك من النجاسات‬
‫فإنه ينظر فيه‪ :‬فاألعيان النجسة كامليتة والروث وغريمها ال تطهر بالغسل‪ ،‬بل إذا وقعت على طاهر وجنسته ال ميكن تطهريه‬
‫حىت تزول عني النجاسة مث غسل موضعها؛ وإن كانت النجاسة ذائبة كأثر البول والدم واخلمر وغريها تغسل مرة واحدة ملا‬
‫رواه البخاري ومسلم من حديث‪« :‬أمر النبي ‪ ‬أن يصبوا على بول األعرابي ذنوبًا»؛ وإن أصاب اسفل اخلف جناسة‬
‫فدلكه على األرض نظر‪ :‬فإن كانت جناسة رطبة مل جيزئه وال تطهر بل تظل جنسة‪ ،‬وإن كانت يابسة تطهر بالدلك وجيزئه‬
‫ذلك ‪ ،‬ملا روى أبو سعيد اخلدري رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪« :‬إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر نعليه فإن‬
‫كان بها خبث فليمسحه على األرض ثم ليصل فيهما»‪ ،‬فطهارة النعلني من النجاسة العالقة هبما الدلك إن كانت ناشفة‬
‫والغسل إن كانت مبلولة‪.‬‬
‫والنجاسات إمنا تزال باملاء دون غريه من املائعات‪ ،‬سواء أكانت النجاسة دمًا أو غريه‪ ،‬فال فرق بينها وبينه إمجاعًا‪،‬‬
‫ألهنا كلها جناسة‪ ،‬إال إذا ورد نص على غريه فيختص النص مبا ورد فيه‪ .‬وإزالة النجاسة باملاء ثابتة باألحاديث الصحيحة‪،‬‬
‫فعن أمساء بنت أيب بكر قالت‪« :‬جاءت امرأة إلى النبي ‪ ‬فقالت‪ :‬إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف نصنع؟‬
‫فقال‪ :‬تحّته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه»‪ ،‬وعن عبد اهلل بن عمر أن أبا ثعلبة قال‪« :‬يا رسول اهلل أفتنا في‬
‫آنية المجوس إذا اضطررنا إليها قال‪ :‬إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء واطبخوا فيها»‪ .‬وعن عبد اهلل بن سعد قال‪:‬‬
‫سألت رسول اهلل ‪ ‬عن املاء يكون بعد املاء‪ ،‬فقال‪« :‬ذلك من المذي‪ ،‬وكل فحل يمذي‪ ،‬فتغسل من ذلك فرجك‪،‬‬
‫وانثييك‪ ،‬وتوضأ وضوءك للصالة»‪ .‬فهذه األحاديث كلها تدل على أن النجاسة إمنا تزال باملاء ال بغريه‪ .‬وأما إذا ورد‬
‫نص خالف ذلك فهو خاص مبا ورد به كاجللد فإنه يطهر بالدباغ لورود النص به ملا روي عن ابن عباس قال‪ :‬مسعت‬
‫رسول اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬أيما اهاب دبغ فقد طهر»‪.‬‬

‫الصالة‬
‫عن عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ ،‬قال رسول اهلل ‪« :‬بني اإلسالم على خمس‪ :‬شهادة أن ال إله إال‬
‫اهلل‪ ،‬وأن محمدًا رسول اهلل‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وحج البيت‪ ،‬وصوم رمضان»‪ .‬إن هذه اخلمس هي أسس‬
‫اإلسالم اليت بين عليها‪ ،‬ألهنا هي اإلسالم‪ .‬وكوهنا أسس اإلسالم آت من اشتماهلا على العقيدة وعلى األعمال اليت يقصد‬
‫من القيام هبا التقرب إىل اهلل‪ .‬وقد أكد اإلسالم على الصالة فقد روي عن جابر قال‪« :‬قال رسول اهلل ‪ ‬بين الرجل وبين‬
‫الكفر ترك الصالة»‪ ،‬وعن أيب هريرة قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصالة‬
‫المكتوبة»‪ .‬وقد فرضت الصلوات مخسًا‪ .‬فقد روى طلح بن عبيد اهلل رضي اهلل عنه قال‪« :‬جاء إلى رسول اهلل ‪ ‬رجل‬
‫من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته وال نفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن اإلسالم‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪‬‬
‫خمس صلوات في اليوم والليلة‪ .‬قال‪ :‬هل علي غيرهن؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬إال أن تطوع»‪ .‬والصلوات اخلمس فرض على كل‬
‫مسلم بالغ عاقل؛ فأما الكافر فإن كان أصليًا مل جتب عليه‪ ،‬وإذا أسلم ال خياطب بقضائها‪ ،‬لقوله تعاىل‪ُ :‬قْل ِلَّلِذ يَن َكَف ُر وا‬
‫ِإْن َينَتُه وا ُيْغَف ْر َلُه ْم َم ا َقْد َس َلَف ‪‬؛ وإن كان كافرًا مرتدًا وجبت عليه‪ .‬وإذا رجع إىل اإلسالم لزمه قضاؤها‪ ،‬ألن الردة ال‬
‫تسقط عن املرتد أحكام الشرع بل يبقى مطالبًا هبا‪ .‬ألنه التزم حكم اإلسالم بإقراره فلم يسقط جبحده‪ .‬وأما الصيب فال‬
‫جتب عليه لقوله ‪« :‬رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ‪ ،‬وعن النائم حتى يستيقظ‪ ،‬وعن المجنون حتى يفيق» وأما من‬
‫زال عقله جبنون أو إغماء أو مرض فال جتب عليه للحديث السابق وال جيب عليه قضاؤها إال إذا أفاق يف وقت يدرك فيه‬
‫الطهارة والدخول يف الصالة‪ .‬فقد روى عبد الرزاق عن نافع‪ :‬أن ابن عمر اشتكى مرة غلب فيها على عقله حىت ترك‬
‫الصالة مث أفاق فلم يصل ما ترك من الصالة‪ .‬وعن ابن جريح عن ابن طاووس عن أبيه‪« :‬إذا أغمى على المريض ثم عقل‬
‫لم يعد الصالة»‪ .‬وال يؤمر أحد ممن ال جيب عليه فعل الصالة بفعلها إال الصيب‪ ،‬فإنه يؤمر بفعلها لسبع سنني‪ ،‬ويضرب‬
‫على تركها لعشر‪ ،‬ملا روى سرية اجلهين رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬علموا الصبي الصالة لسبع سنين‬
‫واضربوه عليها ابن عشرة»‪ .‬وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬مروا أوالدكم بالصالة‬
‫وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع»‪ .‬ومن وجبت عليه الصالة وامتنع‬
‫عن فعلها فإن كان جاحدًا لوجوهبا فهو كافر ويستتاب كما يستتاب املرتد‪ ،‬فإن أقر بوجوهبا رجع إىل اإلسالم‪ ،‬وإن أصر‬
‫على إنكار وجوهبا قتل من قبل الدولة‪ .‬وأما إذا ترك الصالة تكاسًال مع اعتقاده بوجوهبا يعزر‪ ،‬أي يعاقب بعقوبة التعزير‪،‬‬
‫كأن حيبس حىت يصلي‪ .‬وال يقتل مطلقًا ألن الرسول ‪ ‬يقول‪« :‬ال يحل دم امرئ مسلم إال بإحدى ثالث‪ :‬الثيب‬
‫الزاني‪ ،‬والنفس بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه المفارق للجماعة»‪ ،‬وألن تارك الصالة فاسق وليس بكافر‪ ،‬وجيوز أن يغفر اهلل‬
‫له‪ ،‬حلديث عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬خمس صلوات افترضهن اهلل من أحسن‬
‫وضوءهن وصالهن لوقتهن‪ ،‬وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على اهلل عهد‪ .‬أن يغفر له‪ ،‬ومن لم يفعل فليس له‬
‫على اهلل عهد إن شاء غفر له وإن شاء عّذ به»‪.‬‬

‫مواقيت الصالة‬
‫أول وقت الظهر إذا زالت الشمس عن كبد السماء وآخره إذا صار ظل كل شيء مثله‪ ،‬ملا روى ابن عباس رضي‬
‫اهلل عنهما أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬أّمني جبريل عليه السالم عند باب البيت مرتين فصلى بي الظهر في المرة األولى حين‬
‫زالت الشمس والفي مثل الشراك‪ ،‬ثم صلى المرة األخيرة حين كان ظل كل شيء مثله»‪ .‬وأول وقت العصر إذا صار‬
‫ظل كل شيء مثله‪ ،‬وزاد أدىن زيادة‪ ،‬وآخره إذا صار ظل كل شيء مثليه‪ ،‬ملا روى ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النيب ‪‬‬
‫قال‪« :‬وصلى بي جبريل العصر حين صار ظل كل شيء مثل ظله‪ ،‬ثم صلى المرة األخيرة حين صار ظل كل شيء‬
‫مثليه»‪ .‬مث يذهب وقت االختيار ويبقى وقت اجلواز إىل مغيب الشمس‪ ،‬وأول وقت املغرب إذا غابت الشمس‪ ،‬ملا روي‪:‬‬
‫«أن جبرائيل عليه السالم صلى المغرب حين غابت الشمس وافطر الصائم»‪ .‬وليس هلا إال وقت واحد مث يذهب وقت‬
‫االختيار ويبقى وقت اجلواز إىل مغيب الشفق األمحر‪ .‬وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق‪ .‬والدليل عليه أن جربيل عليه‬
‫السالم صلى العشاء األخري حني غاب الشفق‪ .‬والشفق هو احلمرة‪ ،‬بدليل ما روى عبد اهلل بن عمرو بن العاص رضي اهلل‬
‫عنهما أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪« :‬وقت المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق»‪ .‬وأما آخر وقت العشاء إىل نصف الليل‪ ،‬ملا‬
‫روى عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬وقت العشاء ما بينك وبين نصف الليل»‪ ،‬مث يذهب وقت‬
‫االختيار ويبقى وقت اجلواز إىل طلوع الفجر‪ .‬ووقت الصبح إذا طلع الفجر الثاين وهو الفجر الصادق الذي حيرم به الطعام‬
‫والشراب على الصائم‪ ،‬وآخره إذا أسفر أي إذا أضاء‪ ،‬ملا روي أن جربيل عليه السالم صلى الصبح حني طلع الفجر وصلى‬
‫من الغد حني أسفر‪ .‬مث يذهب وقت االختيار ويبقى وقت اجلواز إىل طلوع الشمس‪ .‬واألوقات كلها مبينة فيما رواه أمحد‬
‫والنسائي والرتمذي يف هذا املوضوع‪ .‬وهو‪ :‬عن جابر بن عبد اهلل‪« :‬أن النبي ‪ ‬جاءه جبريل عليه السالم فقال‪ :‬له قم‬
‫فصله‪ ،‬فصلى الظهر حين زالت الشمس‪ ،‬ثم جاءه العصر فقال‪ :‬قم فصله‪ ،‬فصلى العصر حين صار ظل كل شيء‬
‫مثله‪ ،‬ثم جاءه المغرب فقال‪ :‬قم فصله‪ ،‬فصلى المغرب حين وجبت الشمس‪ ،‬ثم جاء العشاء فقال‪ :‬قم فصله‪،‬‬
‫فصلى العشاء حين غاب الشفق‪ ،‬ثم جاءه الفجر فقال‪ :‬ثم فصله‪ ،‬فصلى الفجر حين برق الفجر‪ ،‬أو قال سطع‬
‫الفجر‪ .‬ثم جاءه من الغد للظهر فقال‪ :‬قم فصله‪ ،‬فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله‪ ،‬ثم جاءه العصر فقال‪:‬‬
‫قم فصله‪ ،‬فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه‪ ،‬ثم جاءه المغرب وقتًا واحدًا لم يزل عنه‪ ،‬ثم جاءه العشاء‬
‫حين ذهب نصف الليل‪ ،‬أو قال‪ :‬ثلث الليل‪ ،‬فصلى العشاء‪ ،‬ثم جاءه للفجر حين أسفر جدًا فقال‪ :‬قم فصله‪ ،‬فصلى‬
‫الفجر‪ .‬ثم قال‪ :‬ما بين هذين الوقتين وقت» وجتب الصالة يف أول الوقت وجوبًا موسعًا‪ ،‬مبعىن أن له أن يفعلها يف أي‬
‫جزء من أجزاء الوقت‪ ،‬أي له اختيار فعلها من أول الوقت إىل آخره‪ .‬وجيوز له أن يصليها حىت دخول الوقت الثاين‬
‫للحديث السابق‪ ،‬وملا روى أبو هريرة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس‬
‫فقد أدرك الصبح‪ ،‬ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»‪ ،‬وملا روي يف الصحيحني‪:‬‬
‫«من أدرك ركعة من الصالة فقد أدرك الصالة»‪ .‬وجتب احملافظة على الصلوات بأوقاهتا قال تعاىل‪َ :‬ح اِفُظوا َعَلى‬
‫الَّصَلَو اِت ‪ .‬وال يعذر أحد من أهل األرض يف تأخري الصالة عن وقتها إال نائم أو ناس أو من يؤخرها للجمع بعذر السفر‬
‫أو املطر‪ ،‬لقوله ‪« :‬ليس التفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة»‪ .‬وإذا مل يصل الصالة يف وقتها حىت فات الوقت أمث‪،‬‬
‫لقوله ‪« :‬من فاته صالة العصر حبط عمله»‪ ،‬وقال‪« :‬ال تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب» ووجب على من‬
‫فاتته الصالة قضاؤها لقوله ‪« :‬من نام عن صالة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»‪ .‬واملستحب أن يقضيها على الفور‪ ،‬فإن‬
‫أخرها عن الفور جاز وال إمث عليه لتأخريها عن الفور‪ ،‬ولكنه يأمث لتأخريها عن وقتها ملا روي عن عمران بن حصني رضي‬
‫اهلل عنهما قال‪« :‬كنا في سفر مع النبي ‪ ‬وانا أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة وال وقعة أحلى عند المسافر‬
‫منها فما أيقظنا إال حر الشمس‪ ،‬فلما استيقظ النبي ‪ ‬شكوا إليه الذي أصابهم‪ .‬فقال‪ :‬ال ضير وال ضرر‪ ،‬ارتحلوا‬
‫فارتحلوا‪ .‬فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ‪ ،‬ونودي بالصالة فصلى بالناس»؛ وهذا احلديث يدل على أن‬
‫النيب ‪ ‬فاتته صالة الصبح فلم يصلها حىت خرج من الوادي‪ ،‬ولو كانت على الفور ملا أخرها‪.‬‬

‫شروط صحة الصالة‬


‫عند إرادة الصالة جتب الطهارة عن احلدث والطهارة عن النجس‪ .‬أما الطهارة عن احلدث فهي شرط يف صحة‬
‫الصالة‪ ،‬لقوله ‪« :‬ال يقبل اهلل صالة بغير طهور»‪ ،‬وقد مضى حكمها يف حبث الطهارة‪ .‬وأما الطهارة عن النجس فهي‬
‫طهارة البدن‪ ،‬وما يصلى فيه‪ ،‬وما يصلى عليه‪ .‬فطهارة البدن شرط يف صحة الصالة‪ ،‬لقوله ‪« :‬تنزهوا من البول فإن‬
‫عامة عذاب القبر منه»‪.‬وطهارة الثوب الذي يصلى فيه شرط يف صحة الصالة أيضًا‪ ،‬لقوله تعاىل‪َ :‬و ِثَياَبَك َفَطِّه ْر ‪ ‬وملا‬
‫روي عن جابر بن مسرة قال‪ :‬مسعت رجًال سأل النيب ‪ :‬أصلي يف الثوب الذي آيت فيه أهل قال‪« :‬نعم‪ ،‬إال أن ترى فيه‬
‫شيئًا فتغسله»‪.‬‬
‫وكذلك طهارة املوضع الذي يصلى عليه شرط يف صحة الصالة حلديث بول األعرايب يف املسجد‪ ،‬وقول النيب ‪:‬‬
‫«صبوا عليه ذنوبًا من ماء»‪.‬‬
‫وجيب عند إرادة الصالة سرت العورة‪ ،‬ملا روي عن عائشة رضي اهلل عنها أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬ال يقبل اهلل صالة‬
‫حائض إال بخمار»‪ .‬فإن انكشف شيء من العورة مع القدرة على السرت مل تصح صالته‪ .‬واملراد باحلائض يف احلديث اليت‬
‫بلغت‪ .‬وسرت العورة شرط لصحة الصالة للرجل واملرأة على السواء‪ .‬إال أن عورة الرجل ختتلف عن عورة املرأة‪ :‬فعورة‬
‫الرجل ما بني السرة والركبة‪ .‬والسرة والركبة ليسا من العورة‪ ،‬ملا روى أبو سعيد اخلدري رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته»‪ ،‬وعن حممد بن جحش قال‪« :‬مر رسول اهلل ‪ ‬على معمر وفخذاه مكشوفتان‬
‫فقال‪ :‬يا معمر‪ ،‬غط فخذيك فإن الفخذين عورة»‪ .‬وأما عورة املرأة احلرة فجميع بدهنا عورة إال الوجه والكفني لقوله‬
‫تعاىل‪َ :‬و َال ُيْبِد يَن ِز يَنَتُه َّن ِإَّال َم ا َظَه َر ِم ْنَه ا‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬وجهها وكفيها؛ وملا روي عن ابن عمر رضي اهلل عنهما أن‬
‫النيب ‪ ‬قال‪« :‬وال تنتقب المرأة المحرمة وال تلبس القفازين»‪ ،‬ولقوله عليه السالم‪« :‬ال يقبل اهلل صالة حائض إال‬
‫بخمار»‪ .‬واحلائض هنا من بلغت سن احمليض ال من هي مالبسة للحيض‪ ،‬واخلمار ما يغطى به رأس املرأة‪.‬‬
‫وجيب سرت العورة مبا ال يصف لون البشرة من ثوب صفيق وغريه‪ ،‬فإن سرت مبا يظهر منه لون البشرة من ثوب‬
‫رقيق مل جيز‪ ،‬ألن السرت ال حيصل بذلك‪.‬‬
‫ِج ِد‬
‫وجيب عند إرادة الصالة استقبال القبلة‪ ،‬لقوله تعاىل‪َ :‬فَو ِّل َو ْجَه َك َش ْطَر اْلَمْس اْلَح َر اِم َو َح ْيُث َم ا ُك نُتْم‬
‫َفَو ُّلوا ُوُج وَه ُك ْم َش ْطَر ُه‪ .‬وهو شرط يف صحة الصالة‪ ،‬فإن كان يف حضرة البيت لزم التوجه إىل عينه‪ ،‬ملا روى أسامة بن‬
‫زيد رضي اهلل عنه أن النيب ‪« :‬دخل البيت ولم يصل‪ ،‬وخرج وركع ركعتين قبل الكعبة‪ ،‬وقال‪ :‬هذه القبلة»‪ ،‬فإن‬
‫دخل البيت وصلى فيه جاز ألنه متوجه إىل جزء من البيت‪ .‬وإن مل يكن حبضرة البيت نظر فإن عرف القبلة صلى إليها‪،‬‬
‫وإن أخربه من يقبل خربه عن علم قبل قوله‪ ،‬وال جيتهد‪ ،‬كما يقبل احلاكم النص من الثقة وال جيتهد‪ .‬وإن رأى حماريب‬
‫املسلمني يف بلد صلى إليها وال جيتهد‪ ،‬ألن ذلك مبنزلة اخلرب‪ .‬وإن مل يكن شيء من ذلك‪ :‬فإن كان ممن يعرف الدالئل‪،‬‬
‫فإن كان غائبًا عن مكة اجتهد يف طلب القبلة‪ .‬والفرض حينئذ يف استقبال القبلة هو اجلهة لقوله تعاىل‪َ :‬فَو ِّل َو ْجَه َك‬
‫َش ْطَر اْلَمْس ِج ِد اْلَح َر اِم َو َح ْيُث َم ا ُك نُتْم َفَو ُّلوا ُوُج وَه ُك ْم َش ْطَر ُه‪ ،‬ولقوله ‪« :‬ما بين المشرق والمغرب قبلة» وإن كان‬
‫يف مكة‪ ،‬فإن كان بينه وبني الكعبة حائل فهو كالغائب‪ ،‬وإن مل يكن بينه وبني الكعبة حائل فهو كمن كان يف حضرة‬
‫البيت يصلي إىل عني الكعبة‪.‬‬
‫وإن كان ممن ال يعرف الدالئل فعليه تقليد من يعرف القبلة‪ ،‬وال حياول أن جيتهد‪ ،‬ألنه كالعامي يف أحكام‬
‫الشريعة‪ .‬ويستحب ملن يصلي أن يضع سرتة بني يديه وأن يدنو منها‪ ،‬ملا روي عن سهل بن أيب حتمة رضي اهلل عنه أن‬
‫النيب ‪ ‬قال‪« :‬إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها ال يقطع الشيطان صالته» وملا روى سهل بن سعد الساعدي‪:‬‬
‫«كان بين مصلى رسول اهلل ‪ ‬وبين الجدار ممر الشاة»‪ .‬وكان عليه السالم أحيانًا يتحرى الصالة عند االسطوانة يف‬
‫مسجده‪.‬‬
‫صفة الصالة‬
‫إذا أراد أن يصلي وقف قائمًا‪ .‬والقيام فرض يف الصالة املفروضة لقوله تعاىل‪َ :‬و ُقوُموا ِلَّلِه َقاِنِتيَن ‪ ،‬وملا روى‬
‫عمر أن ابن احلصني رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬صِّل قائمًا‪ ،‬فإن لم تستطع فقاعدًا‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جنب»‪،‬‬
‫وملا روي أن النيب ‪ ‬كان يقف يف الصالة قائمًا يف الفرض والتطوع‪.‬‬
‫وأما القيام يف النافلة فليس بفرض ألن النيب ‪« :‬كان ينتفل على الراحلة وهو قاعد»‪ ،‬عن جابر قال‪« :‬رأيت‬
‫النبي ‪ ‬يصلي وهو على راحلته النوافل في كل جهة‪ ،‬ولكن يخفض السجود من الركوع ويومئ إيماء»‪ .‬وعن ابن‬
‫عمر قال‪« :‬كان النبي ‪ ‬يسبح على راحلته قبل أي وجهة توجه ويوتر عليها‪ ،‬غير أنه ال يصلي عليها المكتوبة»‪.‬‬
‫ويشرتط يف القيام االنتصاب حىت يصح إطالق اسم القيام عليه‪.‬‬
‫مث ينوي‪ :‬والنية فرض من فروض الصالة‪ ،‬لقوله ‪« :‬انما األعمال بالنيات»‪ ،‬وألهنا قربة حمضة طريقها األفعال‪.‬‬
‫وجيب أن تكون النية مقارنة للتكبري ألنه أول فرض من فروض الصالة‪ ،‬فيجب أن تكون مقارنة له‪ .‬فإن كانت الصالة‬
‫فريضة لزمه تعيني النية‪ ،‬فينوي الظهر أو العصر لتتميز عن غريها؛ وإن كانت الصالة سنة راتبة كالوتر وسنة الفجر مل يصح‬
‫حىت تعني النية لتتميز عن غريها؛ وإن كانت نافلة غري راتبة أجزأته نية الصالة؛ (… مالحظة …) ‪ ،‬مث ذكر أنه نوى قبل‬
‫أن حيدث شيئًا من أفعال الصالة أجزاه‪ ،‬وإن ذكر ذلك بعد ما فعل شيئَا من ذلك بطلت صالته‪ ،‬ألنه فعل فعًال وهو شاك‬
‫يف صالته‪ .‬وإن نوى اخلروج من الصالة‪ ،‬أو نوى أنه سيخرج‪ ،‬أو شك هل خيرج أم ال‪ ،‬بطلب صالته‪ ،‬ألن النية شرط يف‬
‫مجيع الصالة فتبطل بنية اخلروج منها‪ ،‬أو بالرتدد يف أنه خيرج أم يبقى‪ ،‬ألن هذا مناقض جلزم النية‪ .‬أما الوسواس وهو ما‬
‫جيري يف الفكر فال تبطل به الصالة‪ .‬وال بد من دوام نية ما نوى فإن دخل يف الظهر‪ ،‬مث صرف النية إىل العصر بطل الظهر‬
‫بنيته هذه‪ ،‬ألنه قطع بنيته‪ ،‬ومل تصح العصر ألنه مل ينوه عند اإلحرام‪.‬‬
‫ومقارنة النية للتكبري شرط فينوي ويكرب تكبرية اإلحرام‪ .‬والتكبري فرض من فروض الصالة كما روي عن علي‬
‫كرم اهلل وجهه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬مفتاح الصالة الضوء‪ ،‬وتحريمها التكبير‪ ،‬وتحليلها التسليم»‪ .‬والتكبري أن يقول‪" :‬اهلل‬
‫أكرب" ألن النيب ‪ ‬كان يدخل به يف الصالة وقال ‪« :‬صلوا كما رأيتموني أصلي»‪ ،‬وإن كان بلسانه خبل أو خرس‬
‫حركه مبا يقدر عليه‪ ،‬لقوله ‪« :‬إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»‪ .‬ويستحب أن يرفع يديه مع تكبريه اإلحرام‬
‫حذو منكبيه‪ ،‬ملا روى ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النيب ‪« :‬كان إذا افتتح الصالة رفع يديه حذو منكبيه‪ ،‬وإذا كبر‬
‫للركوع‪ ،‬وإذا رفع رأسه من الركوع»‪ ،‬أو حذو أذنيه‪ ،‬وأيهما فعل صح‪ .‬ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبري‪ ،‬وانتهاؤه‬
‫مع انتهائه‪ ،‬فإن مل ميكنه رفعهما‪ .‬أو أمكنه رفع إحدامها أو رفعهما إىل دون املنكب‪ ،‬رفع ما أمكنه‪.‬‬
‫فإذا فرغ من التكبري فاملستحب أن يضع اليمىن على اليسرى فيضع اليمىن على بعض الكف وبعض الرسغ ويقبض‬
‫اليسرى باليمىن‪ ،‬ملا روي عن هلب الطائي قال‪« :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه»؛ وملا روي عن وائل بن‬
‫حجر قال‪« :‬قلت ألنظرن إلى صالة رسول اهلل ‪ ‬كيف يصلي‪ .‬فقام رسول اهلل ‪ ‬فاستقبل القبلة‪ ،‬فكبر فرفع يديه‬
‫حتى حاذى أذنيه‪ ،‬ثم وضع يده اليمنى على ظهر كف اليسرى والرسغ والساعد»‪ .‬واملستحب أن جيعلهما على الصدر‬
‫ملا روى وائل قال‪« :‬رأيت رسول اهلل ‪ ‬يصلي‪ ،‬فوضع يديه على صدره إحداهما على األخرى»‪ ،‬وأخرج أبو داود‬
‫أيضًا عن طاووس أنه قال‪« :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يضع يده اليمنى على يده اليسرى‪ ،‬ثم يشد بهما على صدره وهو في‬
‫الصالة» وأما وضع اليد على اخلاصرة فإنه منهي عنه‪ ،‬فقد ثبت أن النيب ‪ ‬هنى عن االختصار يف الصالة‪ .‬وأما إرسال‬
‫األيدي فلم يرد به نص مطلقًا‪ ،‬وهو خمالف للنصوص الثابتة يف وضع اليد على الصدر‪.‬‬
‫مث يقرأ دعاء االستفتاح‪ ،‬وهو سنة‪ .‬واألفضل أن يقول ما رواه علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه‪ ،‬عن رسول اهلل‬
‫‪« :‬أنه كان إذا قام للصالة قال‪ :‬وجهت وجهي للذي فطر السموات واألرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين‪.‬‬
‫إن صالتي ونسكي‪ ،‬ومحياي ومماتي‪ ،‬هلل رب العالمين‪ ،‬ال شريك له‪ ،‬وبذلك أمرت‪ ،‬وأنا من المسلمين‪ .‬اللهم أنت‬
‫الملك‪ ،‬ال إله إال أنت‪ ،‬أنت ربي‪ ،‬وأنا عبدك‪ ،‬ظلمت نفسي‪ ،‬واعترفت بذنبي‪ ،‬فاغفر لي ذنوبي جميعًا‪ ،‬ال يغفر‬
‫الذنوب إال أنت‪ ،‬واهدني ألحسن األخالق‪ ،‬ال يهدي ألحسنها إال أنت‪ ،‬وأصرف عني سيئها‪ ،‬ال يصرف عني سيئها‬
‫إال أنت‪ ،‬لبيك وسعديك‪ ،‬والخير كله في يديك‪ ،‬والشر ليس إليك‪ ،‬أنا بك وإليك‪ ،‬تباركت وتعاليت‪ ،‬استغفرك‬
‫وأتوب إليك» وجيوز أن يقتصر على بعض هذا الدعاء كما جيوز أن يستفتح بأي دعاء آخر‪.‬‬
‫واملستحب أن ينظر إىل موضع سجوده‪ ،‬ويكره أن ينظر إىل السماء‪ ،‬ملا روي عن ابن سريين «أن النبي ‪ ‬كان‬
‫يقلب بصره إلى السماء فنزلت هذه اآلية ‪‬اَّلِذ يَن ُه ْم ِفي َص َالِتِه ْم َخ اِش ُعوَن ‪ ،‬فطأطأ رأسه»‪ .‬وعن أيب هريرة أن النيب ‪‬‬
‫قال‪« :‬لينتهين قوم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصالة أو لتخطفن أبصارهم»‪ ،‬ويف حديث آخر‪« :‬فإذا صليتم‬
‫فال تلتفتوا فإن اهلل ينصب وجهه لوجه عبده في صالته ما لم يلتفت»‪.‬‬
‫مث يتعوذ فيقول‪ :‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪ ،‬لقوله تعاىل‪َ :‬فِإ َذا ْأَت اْلُق آَن َفاْسَتِعْذ ِبالَّلِه ِم الَّش ْيَطاِن‬
‫ْن‬ ‫ْر‬ ‫َقَر‬
‫الَّر ِج يِم ‪ .‬مث يقرأ فاحتة الكتاب‪ .‬وقراءة الفاحتة فرض من فروض الصالة‪ ،‬ملا روى عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه أن النيب‬
‫‪ ‬قال‪« :‬ال صالة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب»‪ ،‬وقال ‪« :‬ال تجزي صالة ال يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب»‬
‫وقال‪« :‬من صلى صالة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج‪ ،‬هي خداج‪ ،‬هي خداج‪ ،‬غير تمام»‪ .‬فإن تركها ناسيًا‬
‫ال جتزيه ألهنا ركن‪ ،‬وما كان ركنًا يف الصالة مل يسقط فرضه بالنسيان‪ .‬وجيب أن يبتدئها ببسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬فإهنا‬
‫آية منها‪ .‬والدليل عليه ما روته أم سلمة رضي اهلل عنها أن النيب ‪ ‬قرأ بسم اهلل الرمحن الرحيم فعدها آية‪ ،‬وإن كان يف‬
‫صالة جيهر فيها جهر بالبسملة كما جيهر بسائر الفاحتة‪ .‬وجيب أن يقرأها مرتبًا‪ ،‬فإن قرأ يف خالهلا غريها ناسيًا مث أتى مبا‬
‫بقي منها أجزأه‪ ،‬وإن قرأ عامدًا لزمه أن يستأنف القراءة‪ :‬وجتب قراءة الفاحتة يف كل ركعة‪ ،‬ملا روى رفاعة بن أيب رافع‬
‫رضي اهلل عنه قال‪« :‬بينما رسول اهلل ‪ ‬جالسًا في المسجد ورجل يصلي‪ ،‬فلما انصرف أتى رسول اهلل ‪ ‬فسلم عليه‪،‬‬
‫فقال له‪ :‬أعد صالتك‪ ،‬فإنك لم تصّل‪ .‬فقال علمني يا رسول اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬إذا قمت إلى الصالة فكبر ثم اقرأ بفاتحة‬
‫الكتاب وما تيسر‪ ،‬إلى أن قال‪ :‬ثم اصنع في كل ركعة ذلك»‪ .‬وال فرق يف ذلك بني اإلمام واملأموم ملا روى عبادة بن‬
‫الصامت قال‪« :‬صلى بنا رسول اهلل ‪ ‬فثقلت عليه القراءة فلما انصرف قال إني ألراكم تقرأون خلف أمامكم‪ ،‬قلنا‬
‫واهلل اجل يا رسول اهلل نفعل هذا‪ ،‬قال‪ :‬ال تفعلوا إال بأم الكتاب‪ ،‬فإنه ال صالة لمن لم يقرأ بها»‪ .‬فإذا فرغ من الفاحتة‬
‫قال‪" :‬آمني" ومعناه استجب‪ .‬وهو سنة‪ ،‬ملا روي عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪« :‬إذا أمن اإلمام‬
‫فأمنوا»‪ .‬ويرفع هبا صوته يف الصالة اجلهرية‪ ،‬ملا روي عن أيب هريرة قال‪« :‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا فرغ من قراءة أم‬
‫القرآن رفع صوته فقال‪" :‬آمين"»‪ .‬وجتب قراءة الفاحتة باللغة العربية‪ ،‬وال جتوز بغريها مطلقًا‪ ،‬كما ال جتوز قراءة أي آية‬
‫بغري اللغة العربية‪ ،‬فإن قرأ الفاحتة بغري اللغة العربية مل تصح صالته‪ ،‬ألنه مل يقرأ قرآنًا لقوله تعاىل‪ُ :‬قْر آًنا َعَر ِبًّيا‪ ،‬وترمجة‬
‫القرآن ليست قرآنًا‪ ،‬ألن القرآن هو هذا النظم املعجز‪ ،‬وبالرتمجة يزول اإلعجاز‪ .‬مث يقرأ بعد الفاحتة سورة‪ ،‬ملا روي عن‬
‫جابر رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال ملعاذ حني طول يف العشاء‪« :‬إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها‪ ،‬وسبح اسم‬
‫ربك األعلى‪ ،‬واقرأ باسم ربك‪ ،‬والليل إذا يغشى»‪ ،‬وملا روى رجل من جهينة‪« :‬انه سمع رسول اهلل ‪ ‬يقرأ في‬
‫الصبح إذا زلزلت األرض»‪ .‬وإن كان مأمومًا نظر‪ :‬فإن كان يف صالة جيهر فيها بالقراءة مل يزد على الفاحتة‪ ،‬لقوله ‪:‬‬
‫«إذا كنتم خلفي فال تقرأوا إال بأم الكتاب‪ ،‬فإنه ال صالة لمن لم يقرأ بها»‪ .‬وإذا كانت الصالة تزيد على الركعتني ال‬
‫يقرأ السورة فيما زاد على الركعتني ملا روى أبو قتادة رضي اهلل عنه‪« :‬أن رسول اهلل ‪ ‬كان يقرأ في صالة الظهر في‬
‫الركعتين األوليين بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة‪ ،‬وكان يسمعنا اآلية أحيانًا‪ ،‬وكان يطيل في األولى ما ال يطيل‬
‫في الثانية‪ ،‬وكان يقرأ في الركعتين األخيرتين بفاتحة الكتاب»‪ .‬ويستحب لإلمام أن جيهر بالقراءة يف الصبح‪ ،‬واألوليني‬
‫من املغرب‪ ،‬واألوليني من العشاء‪ .‬ومثل اإلمام املنفرد‪ ،‬والدليل عليه إمجاع الصحابة‪ ،‬ولورود النهي عن اجلهر بالنهار‪ ،‬فقد‬
‫روى أبو هريرة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في النهار فارموه بالبعر»‪.‬‬
‫وحني ينتهي من القراءة يركع‪ .‬وهو فرض من فروض الصالة‪ ،‬لقوله عز وجل‪ :‬اْر َك ُعوا َو اْسُج ُد وا‪ .‬واملستحب‬
‫أن يكرب للركوع‪ ،‬ملا روى أبو هريرة رضي اهلل عنه أن النيب ‪« :‬كان إذا قام إلى الصالة يكبر حين يقوم‪ ،‬وحين يركع‪،‬‬
‫ثم يقول‪ :‬سمع اهلل لمن حمده حين يرفع رأسه‪ ،‬ثم يكبر حين يسجد‪ ،‬ثم يكبر حين يرفع رأسه‪ .‬يفعل ذلك في‬
‫الصالة كلها حتى يقضيها»‪ .‬ويستحب أن يرفع يديه حذو منكبيه يف التكبري‪ ،‬حلديث ابن عمر‪« :‬أن النبي ‪ ‬كان إذا‬
‫افتتح الصالة رفع يديه حذو منكبيه‪ ،‬وإذا كبر للركوع‪ ،‬وإذا رفع رأسه من الركوع»‪ .‬وجيب أن ينحين يف الركوع إىل‬
‫حد يبلغ راحتيه ركبتيه‪ ،‬ألنه ال يسمى مبا دونه راكعًا‪ .‬ويستحب أن يضع يديه على ركبتيه‪ ،‬ويفرق أصابعه‪ ،‬ملا روى أبو‬
‫محيد الساعدي رضي اهلل عنه‪ ،‬أن النيب ‪« :‬امسك راحتيه على ركبتيه كالقابض عليهما وفرج بين أصابعه»‪.‬‬
‫واملستحب أن ميد ظهره وعنقه‪ ،‬وال يقنع رأسه وال يصوبه‪ ،‬بل ينحين حبيث يستوي ظهره وعنقه‪ ،‬ملا روي أن أبا محيد‬
‫الساعدي رضي اهلل عنه وصف صالة رسول اهلل ‪ ‬فقال‪« :‬فركع واعتدل‪ ،‬ولم يصوب رأسه ولم يقنعه»‪ ،‬أي ال يرفع‬
‫رأسه حىت يكون أعلى من ظهره‪ .‬واملستحب أن جيايف مرفقيه عن جنبيه ملا روى أبو محيد الساعدي أن النيب ‪ ‬فعل ذلك‪.‬‬
‫واملستحب أن يقول‪« :‬سبحان ربي العظيم ثالثًا»‪ ،‬ملا روي عن حذيفة قال‪« :‬صلّيت مع النبي ‪ ‬فكان يقول في‬
‫ركوعه سبحان ربي العظيم‪ ،‬وفي سجوده سبحان ربي األعلى‪ ،‬ثم يرفع رأسه»‪ .‬ويستحب أن يقول‪« :‬سمع اهلل لمن‬
‫حمده»‪ ،‬حلديث أيب هريرة أن النيب ‪« :‬كان إذا قام إلى الصالة يكبر حين يقوم‪ ،‬وحين يركع‪ ،‬ثم يقول‪ :‬سمع اهلل‬
‫لمن حمده‪...‬الحديث»‪ .‬واملستحب أن يرفع يديه حذو منكبيه يف الرفع‪ ،‬حلديث ابن عمر املار يف تكبرية اإلحرام‪ .‬فإذا‬
‫استوى قائمًا استحب أن يقول‪ :‬ربنا لك احلمد ملء السموات وملء األرض‪ ،‬وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء‬
‫واجملد حق ما قال العبد‪ ،‬كلنا لك عبد‪ ،‬ال مانع ملا أعطيت‪ ،‬وال معطي ملا منعت‪ ،‬وال ينفع ذا اجلد منك اجلد‪ .‬ملا روى أبو‬
‫سعيد اخلدري رضي اهلل عنه أن النيب ‪« :‬كان إذا رفع رأسه من الركوع قال ذلك»‪ .‬وجيب أن يطمئن قائمًا كما‬
‫يطمئن راكعًا‪ ،‬ملا روى رفاعة بن مالك‪ ،‬أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إذا قام أحدكم إلى الصالة فليتوضأ كما أمره اهلل تعالى إلى‬
‫أن قال‪ ،‬ثم ليركع حتى يطمئن راكعًا‪ ،‬ثم ليقم حتى يطمئن قائمًا‪ ،‬ثم ليسجد حتى يطمئن ساجدًا»‪ .‬فالطمأنينة فرض‪،‬‬
‫وكان ‪ ‬يقول‪« :‬أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صالته‪ .‬قالوا يا رسول اهلل وكيف يسرق صالته؟ قال‪ :‬ال يتم‬
‫ركوعها وسجودها»‪ .‬وقال عليه الصالة والسالم‪« :‬ال تجزئ صالة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود»‪.‬‬
‫مث يسجد وهو فرض‪ ،‬لقوله تعاىل‪ :‬اْر َك ُعوا َو اْسُج ُد وا‪ .‬ويستحب أن يبتدئ عند السجود بالتكبريات‪ ،‬حلديث‬
‫أيب هريرة املار يف الركوع‪ .‬واملستحب أن يضع ركبتيه أوال‪ ،‬مث يديه‪ ،‬مث جبهته‪ ،‬وأنفه‪ ،‬ملا روى وائل بن حجر رضي اهلل‬
‫عنه قال‪« :‬كان النبي ‪ ،‬إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه‪ ،‬وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه‪ ،‬ويسجد على الجبهة‪،‬‬
‫واألنف‪ ،‬واليدين‪ ،‬والركبتين‪ ،‬والقدمين»‪.‬‬
‫وأما السجود على اجلبهة ففرض‪ ،‬وال بد أن يكون السجود عليها مباشرة ولو بعضها‪ ،‬فإن سجد على حائل مل‬
‫جيزئه‪ ،‬ملا روى خباب بن األَر ّت رضي اهلل عنه قال‪« :‬شكونا إلى رسول اهلل ‪ ‬حر الرمضاء في جباهنا واكفنا فلم‬
‫يشكنا»‪ ،‬ولو كان الكشف غري واجب لقيل هلم اسرتوها‪ ،‬فلما مل يقل ذلك دل على أن كشفها فرض‪ .‬وأما السجود على‬
‫األنف فسنة‪ ،‬ملا روى أبو محيد أن النيب ‪ ‬سجد وأمكن جبهته وأنفه من األرض‪ ،‬فإن تركه أجزأه ملا روى جابر رضي‬
‫قال‪« :‬رأيت رسول اهلل ‪ ‬سجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر»‪ .‬وأما السجود على اليدين والركبتني والقدمني‬
‫فواجب‪ ،‬ملا روى ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النيب ‪« :‬أمر أن يسجد على سبعة أعضاء‪ ،‬يديه وركبتيه وأطراف‬
‫أصابعه وجبهته»‪ .‬ويستحب أن جيايف مرفقيه عن جنبيه‪ ،‬ملا روى أبو قتادة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬كان إذا سجد جاىف‬
‫عضديه‪ .‬ويستحب أن يقل‪ ،‬أي يرفع بطنه عن فخذيه‪ ،‬ملا روى الرباء بن عازب رضي اهلل عنه‪« :‬أن النبي ‪ ‬كان إذا‬
‫سجد جخ» وروي «جمي»‪ .‬واجلخ اخلاوي‪ .‬ويفرج بني رجليه‪ ،‬ملا روي أن أبا محيد وصف صالة رسول اهلل ‪ ‬فقال‪:‬‬
‫«إذا سجد فرج بين رجليه»‪ .‬ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة‪ ،‬ملا روي عن أيب محيد‪« :‬أن النبي ‪ ‬استقبل‬
‫بأطراف أصابع رجليه القبلة»‪ .‬ويضم أصابع يديه ويضعهما حذو منكبيه‪ ،‬ملا روى وائل بن حجر أن النيب ‪« :‬كان إذا‬
‫سجد ضم أصابعه‪ ،‬وجعل يديه حذو منكبيه»‪ .‬ويرفع مرفقيه‪ ،‬ويعتمد على راحتيه‪ ،‬ملا روى الرباء بن عازب رضي اهلل‬
‫عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إذا سجدت فضم يديك وارفع مرفقيك»‪ .‬وجيب أن يطمئن يف سجوده‪ ،‬ملا روي من حديث‬
‫رفاعة‪« :‬ثم يسجد حتى يطمئن ساجدًا»‪ .‬واملستحب أن يقول سبحان ريب األعلى‪ ،‬حلديث حذيفة املار يف الركوع‪ .‬مث‬
‫يرفع رأسه من السجود‪ ،‬حلديث أيب هريرة يف الركوع‪ .‬مث جيلس مفرتشًا‪ ،‬يفرش رجله اليسرى وجيلس عليها وينصب‬
‫اليمىن‪ ،‬ملا يروى أن أبا محيد الساعدي وصف صالة رسول اهلل ‪ ‬فقال‪« :‬ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها‪ ،‬واعتدل‬
‫حتى يرجع كل عظم إلى موضعه»‪ .‬وجيب أن يطمئن يف جلوسه‪ ،‬لقوله ‪« :‬ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا»‪ .‬وقد كان ‪‬‬
‫يطيل القعود بني السجدتني حىت تكون قريبًا من سجدته‪ .‬وأحيانًا ميكث حىت يقول القائل قد نسي‪ .‬ويستحب أن يقول يف‬
‫جلوسه‪ :‬اللهم اغفر يل وآجرين وعافين وارزقين واهدين‪ ،‬ملا رواه أبو داود والرتمذي أن النيب ‪ ‬كان يقول بني السجدتني‬
‫ذلك‪ .‬ولفظ أيب داود‪« :‬اللهم اغفر لي‪ ،‬وارحمني وعافني واهدني وارزقني»‪ ،‬ولفظ الرتمذي مثله لكنه زاد‪« :‬وآجرني‬
‫وعافني»‪ .‬وبعد االنتهاء من الدعاء يسجد سجدة أخرى مثل األوىل‪ .‬وصفة السجدة الثانية صفة األوىل يف كل شيء‪،‬‬
‫حلديث أيب هريرة‪« :‬أن رسول اهلل ‪ ‬دخل المسجد فدخل رجل فصلى» إىل أن يقول يف احلديث‪« :‬ثم اسجد حتى‬
‫تطمئن ساجدًا‪ ،‬ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا‪ ،‬ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا‪ ،‬ثم افعل ذلك في الصالة كلها»‪ .‬مث بعد‬
‫االنتهاء من التسبيح يف السجدة الثانية يرفع رأسه مكربًا‪ ،‬حلديث أيب هريرة السابق‪ .‬وينهض قاعدًا جلسة خفيفة‪ .‬مث قام‬
‫واعتمد على األرض بيده‪ ،‬ملا روى مالك بني احلويرث أن النيب ‪« :‬استوى قاعدًا‪ ،‬ثم قام واعتمد على األرض بيديه»‪.‬‬
‫وال يرفع يديه حذو منكبيه حني ينهض من السجود‪ ،‬ألنه ال ترفع اليد إال يف تكبرية اإلحرام‪ ،‬والركوع‪ ،‬والرفع منه‪،‬‬
‫حلديث ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪« :‬رأيت رسول اهلل ‪ ‬إذا افتتح الصالة رفع يديه حذو منكبيه‪ ،‬وإذا أراد أن‬
‫يركع‪ ،‬وبعدما رفع رأسه من الركوع‪ ،‬وال يرفع بين السجدتين»‪ .‬ويف رواية يف الصحيحني‪« :‬وكان ال يفعل ذلك في‬
‫السجود»‪ ،‬ويف رواية البخاري‪« :‬وال يفعل ذلك حين يسجد وال حين يرفع من السجود»‪.‬‬
‫وبذلك يكون قد أمت الركعة األوىل‪ ،‬ويصلي الركعة الثانية مثل األوىل‪ ،‬إال يف النية ودعاء االستفتاح‪ ،‬ملا روى أبو‬
‫هريرة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال للمسيء صالته‪« :‬ثم افعل ذلك في صالتك كلها»‪ .‬وإذا كانت الصالة ركعتني‪،‬‬
‫كصالة الصبح‪ ،‬جلس يف الركعة الثانية اجللوس األخري؛ وإن كانت تزيد على ركعتني‪ ،‬كصالة الظهر واملغرب‪ ،‬جلس‬
‫اجللوس األخري يف الرابعة يف مثل الظهر‪ ،‬ويف الركعة الثالثة يف املغرب‪ ،‬ألهنا الركعة األخرية‪ .‬ويف الصالة اليت تزيد على‬
‫ركعتني جلس يف الثانية للتشهد‪ ،‬لنقل اخللف عن السلف عن النيب ‪ ‬وهذا اجللوس للتشهد يف الركعة الثانية يف الصالة اليت‬
‫تزيد عن اثنتني سنة‪ ،‬وليس بواجب‪ ،‬ملا روى عبد اهلل بن جبينة رضي اهلل عنهما قال‪« :‬صلى بنا رسول اهلل ‪ ‬الظهر فقام‬
‫من اثنتين‪ ،‬ولم يجلس‪ ،‬فلما قضى صالته سجد سجدتين بعد ذلك ثم سلم»‪ ،‬ولو كان واجبًا لفعله‪ ،‬ومل يقتصر على‬
‫السجود‪ .‬والسنة أن جيلس يف هذا التشهد مفرتشًا‪ ،‬ملا روى أبو محيد رضي اهلل تعاىل عنه‪« :‬أن النبي ‪ ‬كان إذا جلس في‬
‫األوليين جلس على قدمه اليسرى‪ ،‬ونصب قدمه اليمنى»‪ .‬واملستحب أن يبسط أصابع يده اليسرى على فخذه‪،‬‬
‫وينشرها جهة القبلة‪ ،‬وجيعلها قريبة من طرف الركبة حبيث تساوي رؤوسها الركبة‪ ،‬ويفرجها تفرجيًا مقتصدًا حبيث يكون‬
‫وضعها طبيعيًا؛ وأما اليمىن فيضعها على فخذه اليمىن‪ ،‬مث يعقد أصابعه اخلصر والبنصر‪ ،‬وحيلق حلقة بوضع إصبعه الوسطى‬
‫على اإلهبام‪ ،‬ويرفع السبابة ويشري هبا‪ ،‬ملا روى ابن عمر رضي اهلل تعاىل عنهما‪« :‬أن رسول اهلل ‪ ‬كان إذا قعد في‬
‫التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى‪ ،‬ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى‪ ،‬وعقد ثالثة وخمسين‪ ،‬وأشار‬
‫بالسبابة»‪ .‬ويتشهد بأَّية صيغة وردت من الصيغ الصحيحة‪ .‬وأكمل صيغ التشهد الواردة أن يقول‪« :‬التحيات المباركات‬
‫الصلوات الطيبات هلل‪ ،‬السالم عليك أيها النبي ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعلى عباد اهلل الصالحين‪ ،‬أشهد‬
‫أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأشهد أن محمدًا رسول اهلل»‪ ،‬ملا روي عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يعلمنا‬
‫التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن‪ ،‬فكان يقول‪« :‬التحيات المباركات الصلوات الطيبات هلل‪ ،‬السالم عليك أيها‬
‫النبي ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعلى عباد اهلل الصالحين‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل وأشهد أن محمدًا رسول‬
‫اهلل»‪ .‬ويستحب إذا بلغ الشهادة أن يشري بالسبابة‪ ،‬حلديث ابن عمر السابق‪ .‬فإذا انتهى من التشهد يقوم إىل الركعة الثالثة‬
‫معتمدًا على األرض بيديه‪ ،‬حلديث مالك بن حويرث السابق‪ .‬ويكون قيامه مكربًا‪ ،‬ويبتدئ التكبري من حني يبتدئ القيام‬
‫وميده إىل أن ينتصب قائمًا‪ .‬مث يصلي ما بقي من صالته مثل الركعة الثانية إال يف اجلهر وقراءة السورة‪ .‬فإذا بلغ آخر الصالة‬
‫جلس للتشهد وتشهد‪ ،‬وهو فرض‪ ،‬حلديث ابن مسعود قال‪« :‬كنا إذا صلينا خلف رسول اهلل ‪ ‬قلنا‪ :‬السالم على‬
‫جبريل وميكائيل‪ ،‬السالم على فالن وفالن‪ ،‬فالتفت إلينا رسول اهلل ‪ ‬فقال‪ :‬اهلل هو السالم‪ ،‬فإذا صلى أحدكم‬
‫فليقل‪ :‬التحيات هلل‪ ،‬والصلوات والطيبات‪ ،‬السالم عليك أيها النبي ورحمة اهلل وبركاته‪ ،‬السالم علينا وعلى عباد اهلل‬
‫الصالحين‪ ،‬فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء واألرض‪ ،‬اشهد أن ال إله إال اهلل وأشهد أن محمدًا‬
‫عبده ورسوله‪ ،‬ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو»‪ .‬والسنة يف هذا القعود أن يكون متوركًا فيخرج رجله من‬
‫جانب وركه األمين‪ ،‬ويضع إليتيه على األرض‪ ،‬ملا روى أبو محيد قال‪« :‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا جلس في األوليتين جلس‬
‫على قدمه اليسرى ونصب قدمه اليمنى‪ ،‬وإذا جلس في األخيرة جلس على إليتيه وجعل بطن قدمه اليسرى تحت‬
‫مأبض اليمنى‪ ،‬ونصب قدمه اليمنى»‪ .‬فإذا فرغ من التشهد صلى على النيب ‪ ،‬وهو فرض يف هذا اجللوس‪ ،‬ملا روت‬
‫عائشة رضي اهلل عنها أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬ال يقبل اهلل صالة إال بطهور وبالصالة علّي » واألفضل أن يقول‪« :‬اللهم صِّل‬
‫على محمد النبي األمي‪ ،‬وعلى آل محمد‪ ،‬كما صليت على إبراهيم‪ ،‬وعلى آل إبراهيم‪ ،‬وبارك على محمد النبي‬
‫األمي‪ ،‬وعلى آل محمد‪ ،‬كما باركت على إبراهيم‪ ،‬وعلى آل إبراهيم‪ ،‬إنك حميد مجيد»‪ ،‬ملا روي عن أيب مسعود‬
‫األنصاري البدري رضي اهلل عنه قال‪« :‬أتانا رسول اهلل ‪ ‬ونحن في مجلس سعد بن عبادة‪ ،‬فقال له بشير بن سعد‪:‬‬
‫امرنا اهلل عز وجل أن نصلي عليك يا رسول اهلل‪ ،‬فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صالتنا؟‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قولوا‪ :‬اللهم صِّل على محمد النبي األمي وعلى آل محمد‪ ،‬كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ وبارك على‬
‫محمد النبي األمي وعلى آل محمد‪ ،‬كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‪ ،‬انك حميد مجيد»‪ .‬وإن كانت‬
‫الصالة ركعة كركعة الوتر منفردة‪ ،‬أو ركعتني كصالة الصبح‪ ،‬جلس يف آخرها متوركًا وتشهد وصلى على النيب‪ .‬مث يسلم‬
‫وهو فرض يف الصالة‪ ،‬لقوله ‪« :‬مفتاح الصالة الطهور‪ ،‬وتحريمها التكبير‪ ،‬وتحليلها التسليم»‪ .‬والسنة أن يسلم‬
‫تسليمتني إحدامها عن ميينه‪ ،‬واألخرى عن يساره‪ ،‬والسالم أن يقول‪ :‬السالم عليكم ورمحة اهلل‪ ،‬ملا روى عبد اهلل بن مسعود‬
‫رضي اهلل عنه قال‪« :‬كان النبي ‪ ‬يسلم عن يمينه‪ :‬السالم عليكم ورحمة اهلل‪ ،‬وعن يساره‪ :‬السالم عليكم ورحمة‬
‫اهلل‪ ،‬حتى يرى بياض خده من ها هنا وها هنا»‪ .‬وينوي اإلمام بالتسليمة األوىل اخلروج من الصالة‪ ،‬والسالم على من عن‬
‫ميينه‪ ،‬وعلى احلفظة؛ وينوي بالثانية السالم على من على يساره‪ ،‬وعلى احلفظة‪ .‬وينوي املنفرد بالتسليمة األوىل اخلروج من‬
‫الصالة‪ ،‬والسالم على احلفظة‪ ،‬وبالثانية السالم على احلفظة‪ ،‬وبذلك يكون قد أمت الصالة كاملة يف فروضها وسننها‪.‬‬
‫ويستحب ملن فرغ من الصالة أن يذكر اهلل تعاىل‪ ،‬ملا روى ابن الزبري رضي اهلل عنهما أنه كان يهلل إثر كل صالة‬
‫يقول‪« :‬ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ ،‬وال حول وال قوة إال‬
‫باهلل‪ ،‬وال نعبد إال إياه‪ ،‬وله النعمة وله الفضل‪ ،‬وله الثناء الحسن‪ ،‬ال إله إال اهلل مخلصين له الدين ولو كره‬
‫الكافرون‪ ،‬ثم يقول‪ :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يهلل بهذا في دبر كل صالة»‪ .‬واملستحب رفع الصوت فيه يف الصالة السرية‬
‫واجلهرية‪ ،‬ملا روي عن ابن عباس أنه قال‪« :‬أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬وقال كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته»‪.‬‬
‫والسنة يف صالة الصبح أن يقنت يف الركعة الثانية بعد الرفع من الركوع وقبل اهلوي إىل السجود‪ ،‬ملا روى أنس‬
‫رضي اهلل عنه‪« :‬أن النبي ‪ ‬قنت شهرًا يدعو عليهم ثم تركه‪ ،‬فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا»‪،‬‬
‫«ولما روي أنه سئل أنس‪ :‬هل قنت رسول اهلل ‪ ‬في صالة الصبح؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قيل‪ :‬قبل الركوع أو بعده؟ قال‪ :‬بعد‬
‫الركوع»‪ .‬والسنة أن يدعو بالدعاء الذي علمه رسول اهلل ‪ ‬للحسن بن علي‪ .‬فقد روي عن احلسن بن علي رضي اهلل‬
‫عنهما قال‪« :‬علمني رسول اهلل ‪ ‬كلمات أقولهن في الوتر‪ ،‬فقال‪ ،‬قل‪ :‬اللهم اهدني فيمن هديت‪ ،‬وعافني فيمن‬
‫عافيت‪ ،‬وتولني فيمن توليت‪ ،‬وبارك لي فيما أعطيت‪ ،‬وقني شر ما قضيت‪ ،‬إنك تقضي وال يقضى عليك‪ ،‬انه ال يذل‬
‫من واليت‪ ،‬تباركت وتعاليت»‪ .‬وإن قنت مبا روي عن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه كان حسنًا‪ ،‬وهو ما روى أبو رافع‬
‫قال‪ :‬قنت عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه بعد الركوع يف الصبح فسمعته يقول‪" :‬اللهم إنا نستعينك ونستغفرك وال‬
‫نكفرك‪ ،‬ونؤمن بك‪ ،‬وخنلع ونرتك من يفجرك‪ ،‬اللهم إياك نعبد‪ ،‬ولك نصلي ونسجد‪ ،‬وإليك نسعى وحنفد‪ ،‬نرجو رمحتك‪،‬‬
‫وخنشى عذابك‪ ،‬إن عذابك اجلد بالكفار ملحق‪ .‬اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذي يصدون عن سبيلك‪ ،‬يكذبون‬
‫رسلك‪ ،‬ويقاتلون أولياءك‪ ،‬اللهم أغفر للمؤمنني واملؤمنات‪ ،‬واملسلمني واملسلمات‪ ،‬واصلح ذاب بينهم‪ ،‬وألف بني قلوهبم‪،‬‬
‫واجعل من قلوهبم اإلميان واحلكمة‪ ،‬وثبتهم على ملة رسولك‪ ،‬وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدهتم عليه‪ ،‬وانصرهم‬
‫على عدوك وعدوهم‪ ،‬إله احلق‪ ،‬واجعلنا منهم"‪.‬‬
‫والفرض من مجيع ما ذكر يف صفة الصالة ثالثة عشر هي‪ :‬النية‪ ،‬وتكبرية اإلحرام‪ ،‬والقيام‪ ،‬وقراءة الفاحتة‪،‬‬
‫والركوع حىت يطمئن فيه‪ ،‬والرفع من الركوع حىت يعتدل‪ ،‬والسجود حىت يطمئن‪ ،‬واجللوس بني السجدتني حىت يطمئن‪،‬‬
‫واجللوس يف آخر الصالة‪ ،‬والتشهد فيه‪ ،‬والصالة على رسول اهلل‪ ،‬والتسليمة األوىل‪ ،‬وترتيب أفعاهلا‪ ،‬وما عدا ذلك فهو‬
‫سنن‪.‬‬

‫عدد ركعات الصالة‬


‫عدد ركعات الصلوات املفروضة سبع عشرة ركعة‪ :‬وهي أربع ركعات لصالة الظهر‪ ،‬وأربع ركعات لصالة‬
‫العصر‪ ،‬وثالث ركعات لصالة املغرب‪ ،‬وأربع ركعات لصالة العشاء‪ ،‬وركعتان اثنتان لصالة الصبح‪ ،‬ملا روي عن عائشة‬
‫أم املؤمنني قالت‪« :‬فرض اهلل الصالة ركعتين في الحضر والسفر‪ ،‬فأقرت صالة السفر وزيد في صالة الحضر»‪ ،‬وما‬
‫روي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت‪« :‬فرضت الصالة ركعتين‪ ،‬ثم هاجر النبي ‪ ‬ففرضت أربعًا»‪ ،‬وما روى‬
‫ابن خزمية وابن حبان والبيهقي عن عائشة‪« :‬فرضت صالة السفر ركعتين‪ ،‬فلما قدم رسول اهلل ‪ ‬المدينة واطمأن‪ ،‬زيد‬
‫في صالة الحضر ركعتان ركعتان‪ ،‬وتركت صالة الفجر لطول القراءة‪ ،‬وصالة المغرب ألنها وتر النهار»‪ ،‬وإلمجاع‬
‫الصحابة املنقول عنهم بطريق التواتر‪ .‬وعدد ركعات فرض اجلمعة ركعتان‪ ،‬لقول عمر رضي اهلل عنه‪« :‬وصالة الجمعة‬
‫ركعتان»‪.‬‬
‫وأما عدد ركعات السنة الراتبة مع الفرائض فأدىن الكمال فيها عشر ركعات‪ ،‬وهي ركعتان قبل الظهر‪ ،‬وركعتان‬
‫بعدها‪ ،‬وركعتان بعد املغرب‪ ،‬وركعتان بعد العشاء‪ ،‬وركعتان قبل الصبح‪ ،‬ملا روى ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪:‬‬
‫«صليت مع رسول اهلل ‪ ‬قبل الظهر سجدتين‪ ،‬وبعدها سجدتين‪ ،‬وبعد المغرب سجدتين‪ ،‬وبعد العشاء سجدتين»؛‬
‫وملا روي عن حفصة بنت عمر رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل ‪« :‬كان يصلي سجدتين خفيفتين إذا طلع الفجر»‪.‬‬
‫واألكمل أن يصلي مثانية عشر ركعة غري الوتر‪ ،‬وهي ركعتان قبل الفجر‪ ،‬وركعتان بعد املغرب‪ ،‬وركعتان بعد العشاء‪،‬‬
‫حلديث ابن عمر وحديث حفصة املارين‪ ،‬وأربع قبل الظهر‪ ،‬وأربع بعدها‪ ،‬ملا روت أم حبيبة رضي اهلل عنها أن النيب ‪‬‬
‫قال‪« :‬من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرم على النار»‪ ،‬وأربع قبل العصر‪ ،‬ملا روى علي رضي اهلل‬
‫عنه أن النيب ‪« :‬كان يصلي قبل العصر أربعًا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على المالئكة ومن معهم من‬
‫المؤمنين»‪ .‬والسنة فيها‪ ،‬ويف األربع قبل الظهر وبعدها‪ ،‬أن يسلم من كل ركعتني‪ ،‬حلديث علي رضي اهلل عنه‪ ،‬وحديث‬
‫صالة الليل والنهار مثىن مثىن‪ .‬وأما الوتر فهو سنة ملا روى أبو أيوب األنصاري رضي اهلل عنه‪ :‬أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬الوتر حق‬
‫وليس بواجب فمن أن أحب أن يوتر بخمس فليفعل‪ ،‬ومن أحب أن يوتر بثالث فليفعل‪ ،‬ومن أحب أن يوتر بواحدة‬
‫فليفعل»‪ .‬وأقل الوتر ركعة واحدة‪ ،‬وأكثره إحدى عشرة ركعة‪ ،‬ملا روت عائشة رضي اهلل عنها أن النيب ‪« :‬كان يصلي‬
‫من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر فيها بواحدة»‪ .‬والسنة ملن أوتر مبا زاد على ركعة أن يسلم من كل ركعتني‪ ،‬ملا روى‬
‫ابن عمر رضي اهلل عنهما‪« :‬أن النبي ‪ ‬كان يفصل بين الشفع والوتر»‪ ،‬وملا روي عن عائشة قالت‪« :‬كان رسول اهلل ‪‬‬
‫يصلي ما بين أن يفرغ من صالة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة‪ ،‬يسلم بين كل ركعتين‪ ،‬ويوتر بواحدة»‪.‬‬
‫والسنة أن يقف يف الوتر يف النصف األخري من شهر رمضان‪ ،‬ملا روي عن عمر رضي اهلل عنه أن قال‪« :‬السنة إذا انتصف‬
‫الشهر من رمضان أن تلعن الكفرة في الوتر بعد ما يقول سمع اهلل لمن حمده‪ ،‬ثم يقول‪ :‬اللهم قاتل‬
‫الكفرة»‪.‬وعشرون ركعة لقيام رمضان بعشر تسليمات‪ ،‬ملا روي أن النيب ‪« :‬صلى بالناس عشرين ركعة ليلتين‪ ،‬فلما‬
‫كان في الليلة الثالثة اجتمع الناس فلم يخرج إليهم ثم قال‪ :‬من الغد خشيت أن تفرض عليكم فال تطيقونها»‪.‬‬
‫وركعات صالة الضحى واقلها ركعتان‪ ،‬وأكثرها مثاين ركعات‪ ،‬ملا روى أبو ذر رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«يصح على كل سالمي من أحدكم صدقة‪ ،‬ويجزئ من ذلك ركعتان يصليهما من الضحى»‪ ،‬والسالمي مفرد‬
‫سالميات وهو املفصل؛ وملا روت أم هاين بنت أيب طالب رضي اهلل عنها‪« :‬أن النبي ‪ ‬صلى الضحى ثماني ركعات»‪.‬‬
‫وركعتان حتية املسجد ملا روى أبو قتادة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إذا دخل أحدكم المسجد فليصّل سجدتين من‬
‫قبل أن يجلس»‪ .‬وركعتان عقب الوضوء‪ ،‬ملا روي عن عثمان رضي اهلل عنه قال‪« :‬رأيت رسول اهلل ‪ ‬توضأ ثم قال‪:‬‬
‫من توضأ نحو وضوئي هذا‪ ،‬ثم صلى ركعتين ال يحدث نفسه فيهما‪ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه»‪ .‬وركعتان ملن قدم من‬
‫سفر‪ ،‬أن يصليهما يف املسجد أول قدومه‪ ،‬حلديث كعب بن مالك رضي اهلل عنهما قال‪« :‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا قدم من‬
‫سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين»‪ .‬ومنها ركعات التهجد يف الليل‪ ،‬وركعات التطوع يف النهار‪ ،‬وليس هلا عدد حمدد‬
‫من الركعات‪ ،‬ولكنها تصلى ركعتني ركعتني‪ .‬فإن السنة أن يسلم من كل ركعتني‪ ،‬ملا روى ابن عمر رضي اهلل عنهما أن‬
‫النيب ‪ ‬قال‪« :‬صالة الليل مثنى مثنى‪ ،‬فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة»‪ .‬ومجيع هذه الصلوات سنن ال تسن هلا‬
‫اجلماعة‪.‬‬
‫وهناك ركعات السنن اليت تسن هلا اجلماعة‪ ،‬وهي ركعتان لصالة عيد الفطر‪ ،‬وركعتان لصالة عيد األضحى‪،‬‬
‫لقول عمر رضي اهلل عنه‪« :‬صالة األضحى ركعتان‪ ،‬وصالة الفطر ركعتان‪ ،‬وصالة السفر ركعتان‪ ،‬وصالة الجمعة‬
‫ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم ‪ ،‬وقد خاب من افترى»‪ .‬وركعتان لكسوف الشمس أو خسوف القمر‪ ،‬يف‬
‫كل ركعة قيامان‪ ،‬وقراءتان وركوعان وسجودان‪ ،‬ملا روى ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪« :‬كسفت الشمس فصلى‬
‫رسول اهلل ‪ ‬والناس معه‪ ،‬فقام قيام طويًال نحوًا من سورة البقرة‪ ،‬ثم ركع ركوعًا طويًال‪ ،‬ثم رفع فقام قيامًا طويًال‬
‫وهو دون القيام األول‪ ،‬ثم ركع ركوعًا طويًال وهو دون الركوع األول‪ ،‬ثم سجد‪ ،‬ثم قام قيامًا طويًال وهو دون‬
‫القيام األول ثم ركع ركوعًا طويًال وهو دون الركوع األول‪ ،‬ثم رفع فقام قيامًا طويًال وهو دون القيام األول‪ ،‬ثم‬
‫ركع ركوعًا طويًال وهو دون الركوع األول‪ ،‬ثم سجد‪ ،‬ثم انصرف وقد تجلت الشمس فقال‪ :‬إن الشمس والقمر‬
‫آيتان من آيات اهلل ال يخسفان لموت أحد وال لحياته‪ ،‬فإذا رأيتم ذلك فاذكروا اهلل»‪.‬‬
‫وركعتان كصالة العيد لالستسقاء أي لطلب الغيث إذا احنبس املطر‪ ،‬وهي مثل صالة العيد‪ ،‬فيأيت بعد تكبرية‬
‫اإلحرام بدعاء االستفتاح‪ ،‬مث يكرب سبع تكبريات‪ ،‬ويف الركعة الثانية مخس تكبريات بعد القيام من سجود الركعة األوىل‪ ،‬ملا‬
‫روي عن أيب هريرة قال‪« :‬خرج نبي اهلل ‪ ‬يومًا يستسقي فصلى بنا ركعتين بال أذان وال إقامة‪ ،‬ثم خطبنا ودعا اهلل عز‬
‫وجل‪ ،‬وحول وجهه نحو القبلة رافعًا يديه‪ ،‬ثم قلب رداءه فجعل األيمن على األيسر واأليسر على األيمن»‪ ،‬وملا‬
‫روي عن ابن عباس أنه قال‪« :‬خرج رسول اهلل ‪ ‬متبذًال متخشعًا متضرعًا فصلى ركعتين كما يصلي في العيد ثم‬
‫يخطب خطبتكم هذه»‪.‬‬
‫مفسدات الصالة‬
‫للصالة شروط صحة ال بد من دوامها حىت تنتهي الصالة‪ ،‬فإذا قطع شرط من شروط صحة الصالة‪ ،‬كالطهارة‬
‫وسرت العورة وغري ذلك‪ ،‬بطلب صالة من انقطع لديه هذا الشرط‪ .‬وإذا أحدث املصلي يف صالته بطلت صالته سواء أكان‬
‫حدثه عمدًا أو سهوًا باختياره أو جربًا عنه‪ ،‬ألنه ال فرق يف انقطاع شرط صحة الصالة بني أن حيصل باختياره‪ ،‬أو بغري‬
‫اختياره‪ ،‬إذ يصدق حينئذ على الصالة بأهنا من غري طهور‪ ،‬والصالة من غري طهور فاسدة‪ ،‬قال رسول اهلل ‪« :‬ال يقبل اهلل‬
‫صالة بغير طهور»‪ .‬وإن ترك فرضًا من فروض الصالة كالركوع والسجود ينظر‪ ،‬فإن تركه عمدًا بطلت صالته‪ ،‬لقوله ‪‬‬
‫للمسيء صالته‪« :‬أعد صالتك فإنك لم تصل»‪ .‬وإن تركه سهوًا وسلم من الصالة بطلت صالته أيضًا‪ ،‬ألنه أتى بصالة‬
‫مل تستوف فروضها‪ .‬وإن تركه سهوًا وتذكره قبل أن يسلم ذهبت الركعة اليت ترك فيها الفرض فيعيد الركعة كلها‬
‫ويسجد للسهو‪ ،‬ألنه يكون كمن سها عن ركعة فإنه يأيت هبا وليسجد للسهو‪ ،‬ملا روي عن عبد الرمحن بن عوف رضي‬
‫اهلل عنه قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬إذا سها أحدكم في صالته فلم يدر واحدة صلى أم اثنتين فليبن على واحدة‬
‫فإن لم يدر اثنتين صلى أم ثالثًا فليبن على اثنتين فإن لم يدر أثالثا صلى أم أربعًا فليبن على ثالث وليسجد سجدتين‬
‫قبل أن يسلم»‪.‬‬
‫وإن تكلم يف صالته أو قهقه فيها أو شهق بالبكاء‪ ،‬أو مشت عاطسًا وهو ذاكر للصالة عامل بالتحرمي بطلت‬
‫صالته‪ ،‬ملا روي عن زيد بن أرقم قال‪ :‬كنا نتكلم يف الصالة يكلم الرجل منا صاحبه وهو إىل جبنه يف الصالة حىت نزلت‪:‬‬
‫‪َ‬و ُقوُموا ِلَّلِه َقاِنِتيَن ‪ ‬فأمرنا بالسكوت وهنينا عن الكالم‪ ،‬وحلديث معاوية بن احلكم‪« :‬إن هذه الصالة ال يصلح فيها‬
‫شيء من كالم الناس» أما إن فعل ذلك وهو ناس أنه يف الصالة مل تبطل صالته‪ ،‬ملا روى أبو هريرة قال‪« :‬صلى بنا‬
‫رسول اهلل ‪ ‬الظهر‪ ،‬والعصر فسلم فقال له ذو اليدين أقصرت الصالة أم نسيت يا رسول اهلل‪ ،‬فقال له رسول اهلل ‪‬‬
‫لم تقصر ولم انس‪ ،‬فقال بل قد نسيت يا رسول اهلل‪ ،‬فقال النبي ‪‬أحق ما يقول‪ ،‬قالوا نعم‪ ،‬فصلى ركعتين اخرتين‬
‫ثم سجد سجدتين»‪ .‬وإن فعل ذلك وهو جاهل بالتحرمي ومل يطل مل تبطل صالته‪ ،‬ملا روى معاوية بن احلكم قال‪« :‬بينما‬
‫أنا مع رسول اهلل ‪ ‬إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك اهلل‪ ،‬فحدقني القوم بأبصارهم‪ ،‬فقلت وثكلي امياه ما‬
‫بالكم تنظرون إلّي ‪ ،‬فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم‪ ،‬فلما انصرف رسول اهلل ‪ ‬دعاني‪ :‬بأبي وأمي هو ما رأيت‬
‫معلمًا أحسن تعليمًا منه‪ ،‬واهلل ما ضربني وال كهرني ‪ -‬قال إن صالتنا هذه ال يصلح فيها شيء من كالم الناس إنما‬
‫هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»‪ .‬وهذا إذا كان احلكم مما جيهل عادة عند مثله‪ ،‬فإنه حينئذ يعذر اجلهل فيه‪ .‬أما إذا‬
‫كان احلكم مما ال جيهل عادة عند مثله فإنه ال يعذر اجلهل فيه‪.‬‬

‫مكروهات الصالة‬
‫يكره االلتفات يف الصالة ميينًا أو مشاًال‪ ،‬حلديث عائشة رضي اهلل عنها قالت‪« :‬سألت رسول اهلل ‪ ‬عن االلتفات‬
‫في الصالة فقال هو اختالس يختلسه الشيطان من صالة العبد»‪ .‬وااللتفات ال يبطل الصالة‪ ،‬ملا روي عن جابر رضي‬
‫اهلل عنه قال‪« :‬اشتكى رسول اهلل ‪ ‬فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت إلينا فرآنا قيامًا فأشار إلينا»‪.‬‬
‫ويكره أن يرفع بصره إىل السماء‪ ،‬ملا روى أنس رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬ما بال أقوام يرفعون أبصارهم‬
‫إلى السماء في الصالة فاشتد قوله في ذلك حتى قال‪ :‬لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم» ويكره أن ينظر إىل ما‬
‫يلهيه‪ ،‬ملا روت عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬كان النيب ‪ ‬يصلي وعليه مخيصة ذات أعالم‪ ،‬فلما فرغ قال‪« :‬ألهتني أعالم‬
‫هذه‪ ،‬اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بانبجانية» واخلميصة كساء مربع من صوف‪ ،‬واالنبجانية هي كساء غليظ ال َعلَم‬
‫له‪ ،‬فإذا كان له علم فهو مخيصة‪ .‬ويكره أن يصلي ويده على خاصرته‪ ،‬ملا روى أبو هريرة رضي اهلل عنه‪« :‬أن النبي ‪‬‬
‫نهى أن يصلي الرجل مختصرا» ومعىن املختصر هو أن يضع يده على خاصرته‪ .‬ويكره التثاؤب يف الصالة‪ ،‬ملا روي عن‬
‫أيب هريرة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع»‪.‬‬

‫األوقات التي تكره الصالة فيها‬


‫تكره الصالة يف مخسة أوقات‪ ،‬منها وقتان ألجل الفعل‪ ،‬وثالثة أوقات ألجل الوقت‪ .‬أما اللتان هني عنهما ألجل‬
‫الفعل فهما بعد صالة الصبح حىت تطلع الشمس‪ ،‬وبعد صالة العصر حىت تغرب الشمس‪ ،‬ملا روى ابن عباس رضي اهلل‬
‫عنهما قال‪« :‬شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬نهى عن الصالة بعد‬
‫الصبح حتى تشرق الشمس‪ ،‬وبعد العصر حتى تغرب» وأما الثالثة اليت هنى عنها ألجل الوقت فهي عند طلوع الشمس‬
‫حىت ترتفع‪ ،‬وعند االستواء حىت تزول‪ ،‬وعند االصفرار حىت تغرب‪ ،‬والدليل عليه ما روى عقبة بن عامر رضي اهلل عنه‬
‫قال‪« :‬ثالث ساعات كان رسول اهلل ‪ ‬ينهانا أن نصلي فيهن‪ ،‬أو أن نقبر موتانا‪ ،‬حين تطلع الشمس بازغة حتى‬
‫ترتفع‪ ،‬وحين يقوم قائم الظهيرة‪ ،‬وحين تضيف الشمس للغروب»‪.‬‬
‫غري أن الصالة إن كانت فرضًا أو نفًال يقضي فإنه ال تكره الصالة فيها‪ ،‬لوجود النصوص يف ذلك‪ ،‬فعن جابر بن‬
‫عبد اهلل أن عمر جاء يوم اخلندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش وقال يا رسول اهلل ما كدت أصلي العصر‬
‫حىت كادت الشمس أن تغرب‪« ،‬فقال النبي ‪ ‬واهلل ما صليتها‪ ،‬فتوضأ وتوضأنا فصلى العصر بعدما غربت الشمس‪،‬‬
‫ثم صلى بعدها المغرب» وعن أيب هريرة عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬من نسي صالة فليصلها إذا ذكرها»‪ ،‬وعن أم سلمة رضي‬
‫اهلل عنها‪« :‬أن النبي ‪ ‬صلى ركعتين بعد العصر فلما انصرف قال يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر انه‬
‫أتاني ناس من عبد القيس باإلسالم من قومهم فشغلوني عن اللتين بعد الظهر فهما هاتان الركعتان بعد العصر»‪.‬‬
‫وأما حتية املسجد فتكره صالهتا يف هذه األوقات املنهي عنها كباقي الصلوات‪ ،‬ألن قوله ‪« :‬إذا دخل أحدكم‬
‫المسجد فال يجلس حتى يركع ركعتين» عام يف مجيع األوقات‪ ،‬واألحوال‪ ،‬واملساجد‪ ،‬وما رواه عقبة‪« :‬ثالث ساعات‬
‫كان رسول هلل ‪ ‬ينهانا أن نصلي فيهن‪ ..‬الحديث» خاص بأوقات معينة‪ ،‬وما رواه ابن عباس أن النيب ‪ ‬هنى عن الصالة‬
‫بعد العصر حىت تغرب الشمس‪ ..‬احلديث خاص حباالت معينة‪ ،‬أي بعد صالة العصر ال قبلها‪ ،‬وإذا تعارض اخلاص مع العام‬
‫محل العام على اخلاص‪ ،‬أي إذا ورد نص عام وورد نص خاص كان النص اخلاص خمصصًا لعموم النص العام‪ ،‬أي مستثىن‬
‫من العموم‪ ،‬وهنا حيمل طلب حتية املسجد يف مجيع األوقات على طلبها يف غري األوقات املنهي عن الصالة فيها‪ .‬فتكون حتية‬
‫املسجد يف هذه األوقات اخلمسة مكروهة كباقي الصلوات ألن النهي منصب على مجيع الصلوات فهو منصب على حتية‬
‫املسجد كغريها ومل يرد نص على جوازها يف هذا الوقت كما ورد يف الفرض‪ ،‬وقضاء النافلة الراتبة‪ ،‬فثبت أن حتية املسجد‬
‫تكره صالهتا يف هذه األوقات اخلمسة املنهي عن الصالة فيها‪ .‬وأيضًا فإن النهي الوارد يف احلديث عن الصالة يف ثالث‬
‫ساعات معينة‪ ،‬والنهي الوارد يف احلديث اآلخر عن حالتني معينتني هني عام عن مجيع الصلوات فهو يشمل حتية املسجد‪،‬‬
‫ويشمل النوافل‪ ،‬ويشمل غريها‪ ،‬إذ هو هني عن كل صالة‪ .‬فاالستثناء منه جبواز صالة معينة يف هذه األوقات واحلاالت‬
‫حيتاج إىل نص على جواز هذه الصالة‪ ،‬يف هذه األوقات واحلاالت‪ .‬ومل يرد نص على جواز صالة يف هذه األوقات الثالث‬
‫ويف احلالتني سوى صالة الفرض وقضاء النافلة الراتبة فحسب فكانتا وحدمها مستثناتني فال تكره صالهتما يف هذه األوقات‬
‫اخلمسة‪ ،‬وأما ما عدامها من الصلوات فتكره ومنها حتية املسجد لعموم النهي‪.‬‬

‫صالة الجماعة‬
‫صالة اجلماعة فرض كفاية جيب إظهارها للناس‪ ،‬فإن امتنعوا من إظهارها قوتلوا عليها‪ ،‬والدليل على أهنا فرض ما‬
‫روى أبو الدرداء رضي اهلل عنه النيب ‪ ‬قال‪« :‬ما من ثالثة في قرية وال بدو ال تقام فيهم الصالة إال قد استحوذ عليهم‬
‫الشيطان‪ ،‬عليك بالجماعة فإنما يأخذ الذئب من الغنم القاصية»‪ .‬وأما كوهنا فرض كفاية ال فرض عني فألن بعض‬
‫املسلمني قد تأخر عن صالة اجلماعة مع الرسول ‪ ‬فرتكهم الرسول بعد هتديده هلم باحلرق ولو كانت فرض عني على كل‬
‫مسلم ملا تركهم‪ .‬والصالة مع اجلماعة أفضل من الصالة منفردًا‪ ،‬ملا ورد يف الصحيحني عن النيب ‪ ‬أنه قال‪« :‬صالة‬
‫الجماعة أفضل من صالة اْلَف ِّذ بسبع وعشرين درجة» والصالة يف املسجد أفضل منها يف البيت‪ ،‬ملا روي عن أيب هريرة‬
‫رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت اهلل ليقضي فريضة من فرائض اهلل‬
‫كانت خطواته إحداها تحط خطيئة واألخرى ترفع درجة»‪.‬‬
‫واقل اجلماعة اثنان إمام ومأموم حلديث مالك بن احلويرث قال‪« :‬أتيت النبي ‪ ‬أنا وصاحب لي فلما أردنا‬
‫اإلقفال من عنده قال لنا إذا حضرت الصالة فأّذنا ثم أقيما وليؤمكما أكبركما» وصالة اجلماعة يف املسجد أفضل منها‬
‫يف البيت ملا روي عن ابن مسعود رضي اهلل عنه قال‪« :‬من سره أن يلقى اهلل تعالى غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤالء‬
‫الصلوات حيث ينادى بهن‪ ،‬فإن اهلل تعالى شرع لنبيكم ‪ ‬سنن الهدى‪ ،‬وإنهن من سنن الهدى‪ ،‬ولو أنكم صليتم في‬
‫بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ‪ ،‬ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم‪ ،‬ولقد رأيتنا وما‬
‫يتخلف عنها إال منافق معلوم النفاق‪ ،‬ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف» وجيوز‬
‫للنساء أن حيضرن إىل املساجد للصالة فيها‪ ،‬ولصالة اجلماعة‪ ،‬ملا روى ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫«ال تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن»‪ .‬وتسقط اجلماعة لعذر شرعي كالليلة الباردة أو املطرية‪ ،‬حلديث ابن‬
‫عمر أن رسول اهلل ‪« :‬كان يأمر مؤذنًا يؤذن ثم يقول على اثره أال صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في‬
‫السفر»‪ ،‬ويف رواية ملسلم‪« :‬يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول‪ :‬أال صلوا في الرحال»‪ .‬وكأن حيضر‬
‫الطعام ونفسه تتوقه‪ ،‬أو يدافع االخبثني‪ ،‬ملا روت عائشة رضي اهلل عنها قالت‪« :‬سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول ال صالة‬
‫بحضرة طعام وال وهو يدافعه االخبثان» بل يكره أن يصلي يف هذه األحوال‪ .‬ويستحب ملن قصد اجلماعة أن ميشي إليها‬
‫مشيًا وال يركض إليها مسرعًا ملا روى أبو هريرة عن النيب ‪ ‬أنه قال‪« :‬إذا أقيمت الصالة فال تأتوها وأنتم تسعون ولكن‬
‫ائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» وإن حضر وقد أقيمت الصالة مل يشتغل‬
‫عنها بالنافلة‪ ،‬ملا روي أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إذا أقيمت الصالة فال صالة إال المكتوبة» وإن دخل يف صالة نافلة مث أقيمت‬
‫اجلماعة فإن مل خيش فوات اجلماعة أمت النافلة‪ ،‬مث دخل يف اجلماعة وإن خشي فواهتا قطع النافلة ألن اجلماعة أفضل‪.‬‬
‫وال تصح اجلماعة حىت ينوي املأموم اجلماعة ألنه يريد أن يتبع غريه فال بد من نية االتباع‪ ،‬بأن ينوي االقتداء‪ ،‬أو‬
‫اإلمتام‪ ،‬أو اجلماعة‪ .‬فإن مل ينو املأموم اجلماعة انعقدت صالته منفردًا‪ ،‬وال حتصل له فضيلة اجلماعة‪ .‬وأما اإلمام فإنه ينوي‬
‫اإلمامة فإن مل ينوها صحت صالته وصالة املأمومني‪ ،‬وحتصل اجلماعة للمأمومني ألهنم نووا اجلماعة‪ ،‬أما اإلمام فال حتصل‬
‫له اجلماعة وإن كانت إمامته أوجدت مجاعة‪.‬‬
‫وإن أدرك املأموم القيام مع اإلمام وخشي أن تفوته القراءة ترك دعاء االستفتاح واشتغل بالقراءة‪ ،‬ألهنا فرض فال‬
‫يشتغل عنه بالنفل‪ ،‬فإن قرأ بعض الفاحتة فركع اإلمام يركع ويرتك القراءة‪ ،‬ألن متابعة اإلمام آكد‪ .‬وإن أدركه وهو راكع‬
‫كرب لإلحرام وهو قائم‪ ،‬مث يكرب للركوع ويركع‪ ،‬فإن كرب تكبرية نوى هبا اإلحرام وتكبرية الركوع مل جتزئه عن الفرض‪،‬‬
‫ألنه أشرك يف النية بني الفرض والنفل‪ ،‬ألنه أشرك يف النية فال تنعقد صالته‪ .‬وإن أدرك مع اإلمام الركوع اجلائز فقد أدرك‬
‫الركعة‪ ،‬وإن مل يدرك ذلك مل يدرك الركعة‪ ،‬ومىت أدرك مع اإلمام ركعة فقد أدرك صالة اجلماعة‪ ،‬ملا روي عن أيب هريرة‬
‫رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬إذا جئتم إلى الصالة ونحن سجود فاسجدوا وال تعدوها شيئًا ومن أدرك‬
‫الركعة فقد أدرك الصالة» وإن أدرك مع اإلمام الركعة األخرية كان ذلك أول صالته ملا روي عن علي رضي اهلل عنه أنه‬
‫قال‪« :‬ما أدركت فهو أول صالتك»‪ .‬وعلى هذا فإنه إذا سلم قام إىل ما بقي من صالته فإن كان ذلك يف صالة فيها‬
‫قنوت فقنت مع اإلمام أعاد القنوت يف آخر صالته‪ .‬وينبغي للمأموم أن يتبع اإلمام وال يتقدمه يف شيء من األفعال‪ ،‬ملا‬
‫روى أبو هريرة أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إنما جعل اإلمام ليؤتم به فال تختلفوا عليه‪ ،‬فإذا كبر فكبروا‪ ،‬وإذا ركع فاركعوا‪،‬‬
‫وإذا قال سمع اهلل لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد‪ ،‬وإذا سجد فاسجدوا»‪ .‬وإن سها اإلمام يف صالته فإن‬
‫كان يف قراءة فتح عليه املأموم‪ ،‬ملا روى أنس قال‪« :‬كان أصحاب رسول اهلل ‪ ‬يلقن بعضهم بعضًا في الصالة» وإن‬
‫كان يف ذكر غري القراءة جهر به املأموم ليسمعه‪ ،‬وإن سها يف فعل سبح به ليعلمه‪ ،‬وإن نوى املأموم مفارقة اإلمام وأمت‬
‫لنفسه جاز‪ ،‬سواء أكان ذلك لعذر أم لغري عذر‪« :‬ألن معاذًا أطال القراءة فانفرد عنه أعرابي‪ ،‬وذكر ذلك للنبي ‪ ‬فلم‬
‫ينكر عليه»‪ .‬وكل مسلم يصح أن يكون إمامًا ما دام قد بلغ من العمر حدًا يعقل‪ ،‬وهو من أهل الصالة‪ ،‬ولو كان صبيًا ملا‬
‫روي عن عمرو ابن سلمة رضي اهلل عنه قال‪« :‬أممت على عهد رسول اهلل ‪ ‬وأنا غالم ابن سبع سنين»‪ .‬ويكره أن‬
‫يصلي الرجل بقوم وأكثرهم له كارهون ملا روى ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬ثالثة ال ترفع صالتهم فوق‬
‫رؤوسهم شبرًا رجل أّم قومًا وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وإخوان متصارمان»‪ .‬وتكره إمامة‬
‫الفاجر يف الصالة ولكن الصالة تصح فقد روي عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬اجعلوا أئمتكم خياركم‪ ،‬فإنهم‬
‫وفدكم فيما بينكم وبين ربكم» كما روي عن مكحول عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬الجهاد واجب عليكم‬
‫مع كل أمير برًا كان أو فاجرًا‪ ،‬والصالة واجبة عليكم خلف كل مسلم برًا كان أو فاجرًا‪ ،‬وإن عمل الكبائر» والسنة‬
‫أن يؤم القوم أقرؤهم وافقهم ملا روى أبو مسعود البدري رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬وأكثرهم قراءة‪ ،‬فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة‪ ،‬فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم‬
‫أكبرهم سنًا» وإذا اجتمع هؤالء مع صاحب البيت فصاحب البيت أوىل منهم‪ ،‬ملا روى أبو مسعود البدري رضي اهلل عنه‬
‫أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬ال يؤمّن الرجل الرجل في أهله وال سلطانه وال يجلس على تكرمته إال بإذنه» وإن اجتمع مسافر‬
‫ومقيم فاملقيم أوىل‪ .‬والسّنة أن يقف الرجل الواحد عن ميني اإلمام‪ ،‬ملا روى ابن عباس رضي اهلل عنه قال‪« :‬بت عند‬
‫خالتي ميمونة فقام رسول اهلل ‪ ‬يصلي فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه»‪ .‬فإن جاء آخر احرم عن يساره مث يتقدم‬
‫اإلمام أو يتأخر املأمومان‪ .‬ملا روى جابر قال‪« :‬قمت عن يسار رسول هلل ‪ ‬فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه‪،‬‬
‫وجاء جبار بن صخر حتى قام عن يسار رسول اهلل ‪ ‬فأخذ بأيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه»‪ .‬فإن حضر رجالن‬
‫اصطفا خلفه حلديث جابر‪ ،‬وإن حضر رجل وصيب اصطفا خلفه فإن كانت معهم امرأة وقفت خلفهم ملا روى أنس قال‪:‬‬
‫«قام رسول اهلل ‪ ‬وصففت أنا والتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين» وعن ابن عباس قال‪« :‬صليت إلى‬
‫جنب النبي ‪ ‬وعائشة معنا تصلي خلفنا وأنا إلى جنب النبي أصلي معه» فإن خالفوا فيما ذكرنا فوقف الرجل عن يسار‬
‫اإلمام أو وقفت املرأة مع الرجل أو أمام الرجل‪ ،‬ولكنهم خلف اإلمام ال تبطل الصالة ولكن تكره ملا روى ابن عباس‬
‫رضي اهلل عنهما‪« :‬وقف عن يسار النبي ‪ ‬فلم تبطل صالته» فدل على أن ترتيب املأمومني بالصف سنة فيشمل ترتيب‬
‫الرجال وترتيب النساء‪ .‬أما إن وقف املؤمت وحده منفردًا خلف اإلمام فإن إحرامه يصح فإن دخل يف الصف بعد اإلحرام‬
‫ولو أثناء الركوع أو بعده قبل اهلوى إىل السجود صحت صالته‪ ،‬فقد احرم أبو بكرة خلف الصف وركع مث مشى إىل‬
‫الصف فقال له النيب ‪« :‬زادك اهلل حرصًا وال تعد»‪ .‬وأما إن ظل وحده ومل يدخل يف الصف فقد بطلت صالته ملا روي‬
‫أن رسول اهلل ‪« :‬رأى رجًال يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل فقال له استقبل صالتك فال صالة‬
‫لمنفرد خلف الصف»‪ ،‬وحلديث وابضة بن معبد‪« :‬أن رسول اهلل ‪ ‬رأى رجًال يصلي خلف الصف وحده فأمره أن‬
‫يعيد صالته» هذا إذا كان يف الصف فرجة‪ ،‬أما إذا كان الصف كامًال وليس فيه حمل ملصل فليجدب إليه رجًال ليكون معه‬
‫صفًا آخر‪ .‬فقد أخرج الطرباين عن ابن عباس بإسناد قال احلافظ رواه بلفظ‪« :‬أن النبي ‪ ‬أمر اآلتي وقد تمت الصفوف‬
‫أن يجتذب إليه رجًال يقيمه إلى جنبه»‪.‬‬
‫وينبغي للمأموم أن يتبع اإلمام وال يتقدمه يف شيء من األفعال ملا روى أبو هريرة أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إنما جعل‬
‫اإلمام ليؤتم به فال تختلفوا عليه‪ ،‬فإذا كبر فكبروا‪ ،‬وإذا ركع فاركعوا‪ ،‬وإذا قال سمع اهلل لمن حمده فقولوا اللهم‬
‫ربنا لك الحمد‪ ،‬وإذا سجد فاسجدوا»‪ .‬فإن كرب املأموم قبل اإلمام مل تنعقد صالته ألنه علق صالته بصالته قبل أن تنعقد‬
‫فلم تصح وإن سبقه بركن بأن ركع قبله أو سجد قبله مل جيز ذلك‪ ،‬لقوله ‪« :‬أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل‬
‫اإلمام أن يجعل اهلل رأسه رأس حمار أو يجل صورته صورة حمار» ويلزمه أن يعود إىل متابعته ألن ذلك فرض‪ ،‬فإن مل‬
‫يفعل حىت حلقه فيه مل تبطل صالته‪ ،‬ألن ذلك مفارقة قليلة‪ ،‬وإن ركع قبل اإلمام‪ ،‬فلما أراد اإلمام أن يركع رفع‪ ،‬فلما أراد‬
‫اإلمام أن يرفع سجد‪ ،‬حرم عليه ذلك‪ ،‬فإن كان عاملًا بتحرميه بطلب صالته‪ ،‬ألن ذلك مفارقة كبرية‪ ،‬وإن كان جاهًال‬
‫بتحرميه مل تبطل صالته وال يعتد له هبذه الركعة‪ ،‬ألنه مل يتابع اإلمام يف معظمها‪ ،‬فال بد أن يصلي الركعة‪ ،‬وإن كان التقدم‬
‫بركن واحد ال يضر‪.‬‬
‫وينبغي للمأموم أن يتأخر عن اإلمام فإن ساواه كره وال تبطل صالته‪ ،‬أما إن تقدم اإلمام على املأموم بأن صار‬
‫املأموم يصلي خلف اإلمام فإن حصل ذلك قبل بدء الصالة ال تنعقد‪ ،‬وإن حصل أثناءها بطلت‪ ،‬ألن املأموم يف هذه احلال‬
‫وقف يف موضع ليس موقف مؤمت حبال‪ ،‬فال يطلق عليه مؤمت‪.‬‬

‫كل مسلم أهل لإلمامة في الصالة‬


‫ال يشرتط يف اإلمام للصالة إال أن يكون مسلمًا‪ .‬وعليه فال تصح إمامة الكافر كالنصراين واليهودي واجملوسي‪ ،‬أما‬
‫ما عدا الكافر فإمامته صحيحة والصالة خلفه صحيحة‪ .‬أما املبتدع فإنه ينظر فيه‪ ،‬فإن كانت بدعته تكفر أي يكون كافرًا‬
‫بسبب هذه البدعة كمن يقول إن اهلل حل يف سيدنا علي‪ ،‬فإن إمامة مثل هذا إذا عرف بذلك كإمامة الكافر‪ ،‬ال تصح‪،‬‬
‫ألهنم كفار ولو ادعوا اإلسالم‪ .‬وأما املبتدع الذي ال يكفر ببدعته كمن يقول خبلق القرآن‪ ،‬وكاملعتزلة واخلوارج‪ ،‬فإن‬
‫إمامتهم صحيحة‪ ،‬ألهنم مسلمون‪ ،‬ويقتدى هبم كما يقتدى بسائر املسلمني‪ ،‬وال يكره االقتداء هبم مطلقًا‪ .‬نعم هنالك من‬
‫هو أفضل لإلمامة من غريه من املسلمني مجيعًا وهم املتصفون بأوصاف وردت يف النصوص الشرعية‪ ،‬فالرسول ‪ ‬يقول‪:‬‬
‫«يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اهلل‪ ،‬فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة‪ ،‬فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم‬
‫هجرة‪ ،‬فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًا‪ ،‬وال يؤمن الرجُل الرجَل في سلطانه»‪ .‬وهناك من تكره إمامتهم‬
‫لورود نص يف ذم إمامتهم‪« :‬عن علي رضي اهلل عنه مرفوعًا ال يؤمنكم ذو جرأة في دينه» عن أيب أمامة قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‪« ‬ثالثة ال تجاوز صالتهم آذانهم‪ ،‬العبد اآلبق حتى يرجع‪ ،‬وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط‪ ،‬وإمام قوم‬
‫وهم له كافرون» إال أن كراهة إمامة اجلريء على دينه‪ ،‬ومن يؤم قومًا وهم له كارهون ال تعين أن الصالة غري صحيحة‪،‬‬
‫وال تعين أن املقتدي هبم يأمث‪ ،‬أو أهنم هم يأمثون بتصدرهم لإلمامة‪ ،‬بل تعين أنه يكره االقتداء هبم‪ ،‬ويكره هلم أن يتصدروا‬
‫لإلمامة‪ ،‬وما عدا من ورد النص حبرمة الصالة خلفه‪ ،‬وببطالهنا وهو الكافر‪ ،‬ومن ورد النص بكراهة الصالة خلفه مع‬
‫جواز الصالة وصحتها كاجلريء على دينه‪ ،‬فإن الصالة جائزة خلف أي مسلم سواء أكان شافعيًا أم حنفيًا أم جعفريًا‪ ،‬من‬
‫أهل السنة أم من الشيعة‪ ،‬ملا روى مكحول عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬الجهاد واجب عليكم مع كل أمير‬
‫برًا كان أو فاجرًا‪ ،‬والصالة واجبة عليكم خلف كل مسلم بر كان أو فاجرًا‪ ،‬وإن عمل الكبائر» وملا روي عن أيب‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬يصلون بكم فإن أصابوا فلكم ولهم‪ ،‬وإن اخطأوا فلكم وعليهم» وعلى ذلك فإن‬
‫املسلمني مجيعًا يصلحون أن يكونوا أئمة لبعضهم ما داموا يتصفون باإلسالم‪ ،‬وعليه فاختالف املسلمني يف بعض األفكار‬
‫املتعلقة بالعقيدة كالشيعة والسنة واخلوارج‪ ،‬واختالف املسلمني يف بعض األحكام الشرعية اليت هلا شبة الدليل كالشافعية‬
‫واحلنفية واملالكية مثًال ال يطعن يف إمامة بعضهم لبعض‪ ،‬وال جيعل الصالة من املسلم خلف املسلم الذي خيالفه يف العقائد‬
‫اليت ال تكفر‪ ،‬أو خيالفه يف األحكام اليت هلا شبهة الدليل‪ ،‬صالة غري صحيحة‪ ،‬وال صالة مكروهة‪ .‬أما موضوع جواز‬
‫الصالة خلف من خيالف املقتدي يف العقيدة وعدم كراهتها فظاهر‪ ،‬ألنه اقتداء مسلم مبسلم‪ ،‬وأما موضوع جواز الصالة‬
‫خلف من خيالف املقتدي يف أحكام الصالة وغريها فألن األحكام اليت يقلدها اإلمام أو املأموم أو اليت استنبطها اإلمام أو‬
‫املأموم كلها أحكام شرعية‪ ،‬ولو اختلفت حىت لو تناقضت‪ ،‬ألن كًال منها مستند إىل نص يغلب على ظن من استنبطه أنه‬
‫دليل هذا احلكم‪ .‬ولذلك فهو حكم شرعي يف حق اإلمام وعنده‪ .‬وحكم شرعي عند املأموم يف حق اإلمام‪ .‬فإن الشيعة‬
‫يرون أن الواجب هو مسح الرجلني ال غسلهما‪ ،‬وأهل السنة يرون أن الواجب هو غسل الرجلني إىل الكعبني وال جيزيء‬
‫مسحهما‪ ،‬وأنه لو بقي منهما حمل إصبع صغري مل يغسل مل يصح الوضوء‪ .‬وعلى هذا فالسين إذا مسح رجليه مل يصح‬
‫وضوؤه وبالتايل ال تصح صالته هبذا الوضوء‪ ،‬هذا حكم اهلل يف حقه‪ .‬خبالف الشيعي فهو يرى أن وضوءه باملسح يصح‪،‬‬
‫وصالته هبذا الوضوء تصح‪ ،‬وهذا هو حكم اهلل يف حقه‪ ،‬وكال الرأيني حكم شرعي مع تناقضهما‪ ،‬ألن كل واحد منهما‬
‫يستند إىل دليل شرعي‪ .‬فإذا رأى رجل سين رجًال شيعيًا يتوضأ أمامه‪ ،‬ورآه أنه مسح رجليه ومل يغسلهما‪ ،‬وتقدم هذا‬
‫الشيعي للصالة إمامًا يف الناس‪ ،‬فإنه جيوز للسين أن يقتدي به يف هذه احلالة‪ .‬ألن الشيعي يتبع حكمًا شرعيًا عند الشيعة يف‬
‫نظر السين‪ .‬فهو يقتدي مبن صحت صالته عند نفسه‪ ،‬وصحت صالته عند من يعترب ما اتبعه الشيعي حكمًا شرعيًا استنبط‬
‫باجتهاد صحيح‪ ،‬وإن رآه غلطًا‪ .‬ألن للشيعي شبهة الدليل عند السين‪ ،‬فالشيعة يستندون إىل أن كلمة‪َ :‬و َأْرُج َلُك ْم ‪ ‬يف‬
‫اآلية جمرورة عطفًا على رؤوسكم‪َ :‬و اْم َس ُح وا ِبُرُءوِس ُك ْم َو َأْرُج َلُك ْم ‪ ‬وأن اهلل جعل األعضاء قسمني فجعل اثنني مغسولني‬
‫مها الوجه واليدان إىل املرفقني‪ ،‬واثنني ممسوحني مها الرأس والرجالن إىل الكعبني‪ .‬ويستندون إىل ما روي عن رفاعة يف‬
‫حديث املسيء صالته قال له النيب ‪« :‬إنها ال تتم صالة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره اهلل تعالى فيغسل وجهه‬
‫ويديه‪ ،‬ويمسح رأسه ورجليه» وإىل ما روي عن علي رضي اهلل عنه أنه توضأ فأخذ حفنة من ماء فرش على رجله اليمىن‬
‫وفيها نعله‪ ،‬مث فتلها هبا‪ ،‬مث صنع باليسرى كذلك‪ .‬وألنه عضو يسقط يف التيمم فكان فرضه املسح‪ .‬فهذه الشبهة من الدليل‬
‫فيها إمكانية وجود هذا الفهم لغة وشرعًا من النصوص‪ ،‬ولذلك كان استنباط املسح استنباطًا شرعيًا وما توصل إليه حكم‬
‫شرعي يف حق مستنبطه عنده وعند كل مسلم‪.‬‬
‫وكذلك فإن احلنفية يرون أن ملس املرأة ال ينقض الوضوء والشافعية يرون أن ملس املرأة ينقض الوضوء وعلى هذا‬
‫فالشافعي إذا ملس املرأة انتقض وضوؤه فال جيوز له أن يصلي هبذا الوضوء‪ ،‬ولو صلى به مل تصح صالته‪ .‬واحلنفي إذا ملس‬
‫املرأة مل ينتقض وضوؤه‪ ،‬وجيوز له أن يصلي هبذا الوضوء بعد اللمس وتصح منه الصالة‪ .‬فإذا رأى رجل شافعي رجًال‬
‫حنفيًا ملس امرأة وبعد ملسها تقدم للصالة إمامًا يف الناس‪ ،‬فانه جيوز للشافعي أن يقتدي يف هذه احلالة هبذا الرجل احلنفي‪،‬‬
‫ألن احلنفي اتبع حكمًا شرعيًا عند احلنفية يف نظر الشافعي‪ ،‬فهو يقتدي مبن صحت صالته عند نفسه‪ ،‬وصحت صالته عند‬
‫من يعترب ما اتبعه احلنفي حكمًا شرعيًا استنبط باجتهاد صحيح‪ ،‬وإن رآه غلطًا‪ ،‬ألن للحنفي شبهة الدليل عند الشافعي‪.‬‬
‫فاحلنفية يستندون إىل أن املراد من قوله‪َ :‬أْو َالَمْس ُتْم الِّنَس اَء‪ ‬يف اآلية أو جامعتم‪ ،‬بدليل أول اآلية‪ .‬فاهلل يقول‪َ :‬يا َأُّيَه ا‬
‫اَّلِذ يَن آَم ُنوا َال َتْق َر ُبوا الَّص َالَة َو َأْنُتْم ُس َك اَر ى َح َّتى َتْع َلُم وا َم ا َتُقوُلوَن َو َال ُج ُنًبا ِإَّال َعاِبِر ي َس ِبيٍل َح َّتى َتْغَتِس ُلوا َو ِإْن‬
‫ُك نُتْم َمْر َض ى َأْو َعَلى َس َف ٍر َأْو َج اَء َأَح ٌد ِم ْنُك ْم ِم ْن اْلَغاِئِط َأْو َالَمْس ُتْم الِّنَس اَء َفَلْم َتِج ُد وا َم اًء َفَتَيَّم ُم وا‪ ‬فنهاهم اهلل عن‬
‫ِم ِم‬
‫قربان الصالة وهم سكارى وهناهم عن قرباهنا وهم جنب‪ ،‬مث ذكر مثاًال مما يوجب الوضوء وهو‪َ :‬أْو َج اَء َأَح ٌد ْنُك ْم ْن‬
‫اْلَغاِئِط ‪ ‬وذكر كذلك مثاًال مبا يوجب الغسل وهو‪َ :‬أْو َالَمْس ُتْم الِّنَس اَء‪ ‬وبنّي أنه إذا حصل ذلك ومل يوجد املاء يتيمم‬
‫فاقد املاء لرفع احلدث األصغر‪ ،‬ولرفع احلدث األكرب‪ ،‬أي يسد التيمم مسد الوضوء والغسل‪ ،‬وعلى ذلك يكون املعىن املراد‬
‫يف هذه اآلية من‪َ :‬أْو َالَمْس ُتْم ‪ ،‬اجلماع وليس اللمس باليد‪ .‬ويستندون إىل حديث حبيب بن ثابت عن عروة‪« :‬أن النبي‬
‫‪ ‬قَّبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصالة ولم يتوضأ» وإىل حديث عائشة قالت افتقدت النيب ‪ ‬يف الفراش فقمت أطلبه‬
‫فوقعت يدي على أمخص قدميه فلما فرغ من صالته قال‪« :‬أتاك شيطانك» ولو انتقض وضوؤه لقطع الصالة‪ .‬وإىل‬
‫حديث عائشة يف الصحيحني‪« :‬أن النبي ‪ ‬كان يصلي وهي معترضة بينه وبين القبلة فإذا أراد أن يسجد غمز رجلها‬
‫فقبضتها» ويف رواية‪« :‬فإذا أراد أن يوتر مسني برجله»‪ .‬فهذه الشبهة من الدليل فيها إمكانية وجود هذا الفهم لغة‬
‫وشرعًا من النصوص‪ :‬ولذلك كان استنباط أن ملس املرأة ال ينقض الوضوء استنباطًا شرعيًا‪ ،‬وما توصل إليه حكم شرعي‬
‫يف حق مستنبطه عنده وعند كل مسلم‪ .‬وعلى ذلك كان االقتداء به صحيحًا والصالة صحيحة ولذلك جيوز للسين أن‬
‫يقتدي بالشيعي مهما خالفه يف األفكار واألحكام‪ ،‬وجيوز للشيعي أن يقتدي بالسين مهما خالفه يف األفكار واألحكام‪،‬‬
‫كما جيوز للشافعي أن يقتدي باحلنفي مهما خالفه يف األحكام‪ ،‬وجيوز للحنفي أن يقتدي بالشافعي مهما خالفه يف‬
‫األحكام‪.‬‬

‫صالة القصر‬
‫جيوز القصر يف السفر لقوله تعاىل‪َ :‬و ِإَذا َض َر ْبُتْم ِفي اَألْر ِض َفَلْيَس َعَلْيُك ْم ُج َناٌح َأْن َتْق ُصُر وا ِم ْن الَّص َالِة ِإْن‬
‫ِخ ْف ُتْم َأْن َيْف ِتَنُك ْم اَّلِذ يَن َكَف ُر وا‪ ‬قال ثعلبة بن أمية قلت لعمر رضي اهلل عنه فليس عليكم جناح أن تقصروا يف الصالة إن‬
‫خفتم وقد أمن الناس قال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول اهلل ‪ ‬فقال‪« :‬صدقة تصدق اهلل بها عليكم فاقبلوا‬
‫صدقته» والقصر يف السفر أفضل من اإلمتام ملا روى عمران بن حصني قال‪« :‬حججت مع رسول اهلل ‪ ‬فكان يصلي‬
‫ركعتين‪ ،‬وسافرت مع أبي بكر فكان يصلي ركعتين حتى ذهب‪ ،‬وسافرت مع عمر فكان يصلي ركعتين حتى ذهب‪،‬‬
‫وسافرت مع عثمان فصلى ركعتين ست سنين ثم أتم بمنى»‪ .‬وحلديث عائشة‪« :‬فرضت الصالة ركعتين فأقرت صالة‬
‫السفر وأتمت صالة الحضر»‪ .‬وال جيوز القصر إال يف مسرية يومني وهو أربعة برد ملا روي عن ابن عمر وابن عباس‬
‫رضي اهلل عنهم‪" :‬كانا يصليان ركعتني‪ ،‬ويفطران‪ ،‬يف أربعة برد فما فوق ذلك" وسأل عطاء ابن عباس "أأقصر إىل عرفة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ال‪ ،‬فقال‪ :‬إىل مىن‪ ،‬فقال ال لكن إىل جدة وعسفان والطائف"‪ .‬قال مالك "بني مكة والطائف وجده وعسفان أربعة‬
‫برد"‪ .‬والربيد أربعة فراسخ وكل فرسخ ثالثة أميال هامشية‪ ،‬وامليل ستة آالف ذراع‪ ،‬والذراع أربع وعشرون إصبعًا معتدلة‬
‫معرتضة واإلصبع ست شعريات معتدالت معرتضات‪ .‬هذا هو التقدير الشرعي كما ذكره الفقهاء ويقدر بالكيلو مرتات‬
‫بواحد ومثانني كيلو مرتًا‪ .‬وال فرق بني أن يسافر بالطائرة أو السيارة أو ماشيًا أو راكبًا دابة فإنه مسافر وله أن يقصر‪ .‬وال‬
‫جيوز أن يقصر إذا كان السفر أقل من هذه املسافة ألن النيب ‪ ‬قد خرج إىل البقيع لدفن املوتى والناس معه فلم يقصر وال‬
‫أفطر‪ .‬فلو كان جمرد السفر كافيًا للقصر لقصر‪ .‬وال جيوز القصر إال أن يفارق موضع اإلقامة لقوله تعاىل‪َ :‬و ِإَذا َض َر ْبُتْم‬
‫ِفي اَألْر ِض َفَلْيَس َعَلْيُك ْم ُج َناٌح َأْن َتْق ُصُر وا ِم ْن الَّص َالِة‪ ‬فعلق القصر على الضرب يف األرض‪ .‬وال جيوز القصر ملن ائتم‬
‫مبقيم‪ .‬فإن ائتم مبقيم‪ ،‬يف جزء من صالته لزمه أن يتم‪.‬‬
‫وإن نوى املسافر اإلقامة بأن عزم على اختاذ ذلك املكان حمل إقامة له انقطع سفره يف احلال‪ ،‬فال جيوز له أن يقصر‪،‬‬
‫فلو عدل عن اإلقامة وجدد السفر بعد ذلك فهو سفر جديد‪ .‬أما إذا مل ينو اإلقامة بأن مل يتخذ ذلك املكان حمل إقامة له‬
‫لكن سفره حيتاج إىل مكث مدة لقضاء حوائجه كان مسافرًا‪ ،‬وال تعترب إقامته إقامة مهما كانت املدة اليت يريد أن يقيمها‪،‬‬
‫سواء عرفها أم مل يعرفها‪ ،‬بل يعترب مسافرًا‪ .‬وذلك كمن سافر إىل أوروبا للتجارة وأقام يف بلد يتعرف أسواقها‪ ،‬أو يشرتي‬
‫بضاعة‪ ،‬فإنه يعترب مسافرًا مهما كانت مدة إقامته فيها‪ ،‬سواء تنقل يف عدة بلدان‪ ،‬أو أقام يف بلد واحد‪ .‬وال تقطع إقامته‬
‫السفر مهما طالت ألهنا ال تعترب إقامة بل يعترب مسافرًا‪ ،‬فللمسافر أن يقصر أبدًا ألن األصل السفر‪ .‬وذلك ملا روي عن متامة‬
‫بن شرحبيل قال‪" :‬خرجت إىل ابن عمر فقلت‪ :‬ما صالة املسافر؟ فقال‪ :‬ركعتني ركعتني إال صالة املغرب ثالثًا‪ .‬قلت‪:‬‬
‫أرأيت إن كنا بذي اجملاز‪ .‬قال وما ذي اجملاز؟ قلت‪ :‬مكان جنتمع فيه ونبيع فيه ومنكث عشرين ليلة أو مخس عشرة ليلة‬
‫فقال‪ :‬يا أيها الرجل‪ .‬كنت بأذربيجان‪ .‬ال أدري قال أربعة أشهر أو شهرين‪ .‬فرأيتهم يصلون ركعتني ركعتني" وملا روي‬
‫عن حيىي بن أيب اسحق قال‪ :‬مسعت أنسًا يقول‪« :‬خرجنا مع النبي ‪ ‬من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين‬
‫حتى رجعنا إلى المدينة‪ .‬قلت‪ :‬أقمتم بمكة شيئًا قال أقمنا بها عشرًا» فهذا احلديث صريح يف أنه عليه الصالة والسالم‬
‫كان يقصر منذ خروجه إىل املدينة حىت رجع إليها‪ .‬وملا روي عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪« :‬أقام النبي ‪ ‬تسعة‬
‫عشر يقصر» فاحلديث يدل على أنه عليه السالم كان يقصر طوال مدة إقامته‪ .‬وملا روي عن جابر قال‪« :‬أقام النبي ‪‬‬
‫بتبوك عشرين يومًا يقصر الصالة»‪ .‬وهو يدل أيضًا على أنه عليه السالم قصر كل مدة إقامته يف تبوك‪ .‬فهذه األحاديث‬
‫كلها تدل على أن الرسول كان يقصر كل مدة إقامته خارج املدينة منذ سافر‪ .‬فإن أقام عشرًا قصر‪ ،‬أو أقام تسعة عشر‬
‫قصر‪ ،‬أو أقام عشرين قصر‪ .‬وأما ما ورد بأنه أقام مبكة عشرة أيام ويف تبوك عشرين يومًا وما رواه ابن عباس بأنه أقام‬
‫تسعة عشر يومًا فليس املراد من ذكر املدة يف هذه األحاديث هو تعيني مدة اإلقامة اليت جيوز فيها القصر‪ ،‬بل املراد بيان‬
‫واقع ما حصل أي بيان املدة اليت أقامها كما وقعت‪ ،‬ال بيان مدة اإلقامة اليت جيوز فيها القصر‪ ،‬ألن قصر الرسول يف تلك‬
‫املدة ال ينفي القصر فيما زاد عليها‪ .‬بدليل اختالف املدد اليت أقامها وتعددها‪ ،‬وليس ختصيص إحداها مرجحًا على‬
‫األخرى‪ ،‬ومل يرد ما خيصص مدة بعينها من هذه املدد‪ .‬وبدليل أن فعل القصر يف الصالة مسلط على اإلقامة ومتعلق به‪،‬‬
‫وليس مسلطًا على العدد وال متعلقًا به‪ .‬ففي حديث أنس يقول‪« :‬فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة»‬
‫ويف حديث ابن عباس يقول‪« :‬أقام النبي ‪ - ‬تسعة عشر ‪ -‬يقصر»‪ .‬ويف حديث جابر يقول‪« :‬أقام النبي ‪ - ‬بتبوك‬
‫عشرين يومًا ‪ -‬يقصر الصالة»‪ .‬فصالة الركعتني مسلطة على قوله حىت رجعنا إىل املدينة ومتعلقة هبا‪ ،‬وأقام يف احلديثني‬
‫اآلخرين مسلطة على‪ ،‬يقصر‪ ،‬ومتعلقة هبا‪ .‬وذكر املدة واملكان ذكر للظرف الذي حصل به زمانًا فقط‪ .‬أو مكانًا وزمانًا‪،‬‬
‫وليس ذكر املدة متعلقًا بالقصر‪ .‬فقصر الصالة طوال اإلقامة ثابت مبنطوق هذه األحاديث‪ .‬وأما اإلمتام بعد املدة أو حصر‬
‫القصر يف هذه املدة فال يدل عليه أي حديث من هذه األحاديث ال منطوقًا وال مفهومًا‪ .‬ومل يأت دليل آخر يدل عليه‬
‫فصار ال حمل العتبار املدة يف هذه األحاديث‪ ،‬بل املعترب هو أن يقصر ما دام مسافرًا مهما طالت مدة غيبته‪ ،‬ومهما أقام يف‬
‫البلدان‪ ،‬ما دام يعترب مسافرًا حىت يرجع إىل بلده‪ ،‬أو يتخذ أي مكان حمل إقامة له‪ .‬ويؤيد ذلك ما أخرجه البيهقي عن ابن‬
‫عباس أن النيب ‪« :‬أقام بحنين أربعين يومًا يقصر الصالة»‪.‬‬
‫والسفر املعترب هو السفر حال أداء الصالة ال وقت وجوهبا‪ .‬ألن االعتبار يف صفة الصالة حبال األداء ال حبال‬
‫الوجوب‪ .‬فلو دخل وقت الظهر ومتكن من فعلها مث سافر أثناء وقتها فله أن يقصر‪ ،‬وكذلك لو دخل وقت العصر فصالها‬
‫قصرًا‪ ،‬مث وصل البلد الذي يقصده وأقام قبل أن خيرج وقت العصر اعتربت صالته اليت قصر فيها ألن العربة بأداء الصالة ال‬
‫بوجوهبا‪.‬‬

‫الجمع بين صالتين‬


‫جيوز اجلمع بني الظهر والعصر وبني املغرب والعشاء يف السفر الذي تقصر فيه الصالة‪ .‬وال جيوز اجلمع بني العصر‬
‫واملغرب وال بني العشاء والصبح‪ ،‬وال بني الصبح والظهر‪ .‬ملا روى ابن عمر قال‪« :‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا جد به السير‬
‫جمع بين المغرب والعشاء» وروى أنس رضي اهلل أن النيب ‪« :‬كان يجمع بين الظهر والعصر»‪ .‬ومل يرو عنه ‪ ‬أنه‬
‫مجع يف غري هاتني احلالتني من الصلوات ومها الظهر مع العصر أو املغرب والعشاء‪ .‬والعبادات توقيفية يقتصر فيه على ما‬
‫ورد به النص ويوقف عند حده‪ .‬فال جيوز أن جيمع يف غري الصلوات اليت ورد هبا النص‪ ،‬وجيوز اجلمع بينهما أي الظهر‬
‫والعصر واملغرب والعشاء تقدميًا وتأخريًا‪ ،‬فيجوز اجلمع بينهما يف وقت األوىل فيهما‪ ،‬ويف وقت الثانية‪ .‬غري أنه إن كان‬
‫نازًال يف وقت األوىل فاألفضل أن يقدم الثانية إىل وقت األوىل‪ ،‬وإن كان سائرًا فاألفضل أن يؤخر األوىل إىل وقت الثانية‪،‬‬
‫ملا روي عن ابن عباس‪« :‬أال أخبركم عن صالة رسول اهلل ‪ ‬إذا زالت الشمس وهو في المنزل قدم العصر إلى وقت‬
‫الظهر وجمع بينهما في الزوال‪ ،‬وإذا سافر قبل الزوال أخر الظهر إلى وقت العصر‪ ،‬ثم جمع بينهما في وقت‬
‫العصر»‪ .‬وال بد أن ينوي اجلمع عند ابتداء األوىل وأن يتابع بينهما يف مجع التقدمي‪ .‬وإذا مجع مجع تقدمي ووصل حمل إقامته‬
‫وأقام قبل حلول وقت الثانية فإن كان قد أمت الصالتني صح اجلمع وإال فقد صحت الصالة اليت أمتها فقط‪.‬‬
‫واجلمع يف الصالة ثابت بصحيح السنة‪ .‬فعن أنس قال‪« :‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس‬
‫آخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما‪ ،‬فإن زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب» وعن أنس عن‬
‫النيب ‪« :‬أنه إذا عجل عليه السفر يؤخر الظهر إلى وقت العصر ويؤخر المغرب حتى يجمع بينهما وبين العشاء حتى‬
‫يغيب الشفق»‪ .‬وعن معاذ رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪« :‬كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل‬
‫جمع بين الظهر والعصر وإن ترحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر‪ ،‬وفي المغرب مثل ذلك إذا‬
‫غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء وإن ترحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل‬
‫العشاء ثم جمع بينهما»‪ .‬فهذه األحاديث كلها صحيحة‪ .‬وهي تدل بشكل ال لبس فيه على جواز اجلمع بني الظهر‬
‫والعصر تقدميًا وتأخريًا وبني املغرب والعشاء تقدميًا وتأخريًا كذلك‪.‬‬
‫وال يقال هنا أن اهلل قد جعل للصالة مواقيت إذ جعل لكل صالة وقتًا معينًا له أول ال جيوز أن تصلي قبله وإن‬
‫ُص ليت مل جتزئ‪ ،‬وله آخر ال جيوز أن تؤخر عنه وإن أخرت كان ذلك حرامًا‪ ،‬وأن هذه املواقيت ثبتت بالتواتر بأحاديث‬
‫متواترة‪ ،‬واجلمع يف السفر ثبت خبرب اآلحاد وال جيوز ترك اخلرب املتواتر خبرب اآلحاد‪ ،‬ال يقال ذلك ألن اجلمع بالسفر ليس‬
‫تركًا للمتواتر بل هو ختصيص له‪ ،‬وخرب اآلحاد خيصص القرآن وخيصص اخلرب املتواتر‪ .‬فاملواقيت اليت ثبتت بالتواتر جاءت‬
‫عامة وتقدمي الصالة عن وقتها وتأخريها عن وقتها جاء خاصًا بالسفر‪ ،‬فاحملافظة على الصالة مبواقيتها يبقى ثابتًا بالتواتر‬
‫عامًا‪ ،‬ويستثىن منه حالة السفر فيخصص فيها مجع الصالتني تقدميًا وتأخريًا لثبوته باالخبار الصحاح‪.‬‬
‫إال أن هذا اجلمع ال جيوز إال يف يوم عرفة بعرفة‪ ،‬وليلة مزدلفة هبا‪ ،‬ويف السفر الذي تقصر فيه الصالة‪ ،‬ويف املطر‪.‬‬
‫أما عرفة ومزدلفة فألن النيب ‪ ‬مجع يف عرفة ومزدلفة‪ .‬وأما السفر فألن األحاديث اليت دلت على حصول اجلمع يف غري‬
‫املطر إمنا دلت على حصوله يف السفر فقط‪ .‬ويتبني ذلك من ألفاظ األحاديث على تعددها‪ ،‬فتجد احلديث ينص على‪« :‬إذا‬
‫جد به السير»‪« ،‬إذا ارتحل»‪« ،‬إذا عجل عليه السير» وغري ذلك من األحاديث اليت تدل على السفر‪ .‬وبعض الروايات‬
‫صرحية يف السفر‪ ،‬ففي حديث ابن عباس‪« :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يجمع في السفر بين صالتي الظهر والعصر إذا كان على‬
‫ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء»‪ .‬وعن ابن عباس عن النيب ‪« :‬كان في السفر إذا زاغت الشمس في منزلة‬
‫جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب فإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر‬
‫والعصر وإذا حانت له المغرب في منزلة جمع بينها وبين العشاء وإذا لم تحن في منزلة ركب حتى إذا كانت العشاء‬
‫نزل فجمع بينهما»‪ .‬فهذه كلها قد اقرتن فيها اجلمع بقيد السفر‪ .‬واملراد هنا السفر الذي تقصر فيه الصالة ألن (أل) يف‬
‫السفر للعهد أي السفر املعهود وهو السفر الشرعي الذي اعترب سفرًا يف قصر الصالة‪.‬‬
‫وأما اجلمع يف املطر فلما روي أن أبا سلمة بن عبد الرمحن قال‪« :‬إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين‬
‫المغرب والعشاء»‪ .‬رواه األثرم‪ .‬وقوله‪" :‬من السنة" ينصرف إىل سنة رسول اهلل ‪ ‬فيكون حديثًا‪ .‬وقال هشام بن عروة‪:‬‬
‫"رأيت ابان بن عثمان جيمع بني الصالتني يف الليلة املطرية املغرب والعشاء‪ ،‬فيصليهما معه عروة بن الزبري وأبو سلمة بن‬
‫عبد الرمحن وأبو بكر بن عبد الرمحن ال ينكرونه وال يعرف هلم يف عصرهم خمالف فكان إمجاعًا" رواه األثرم‪ .‬وملا روي‬
‫عن ابن عمر‪« :‬أن النبي ‪ ‬جمع في المدينة بين الظهر والعصر في المطر»‪ ،‬وملا روي عن جابر بن زيد عن ابن عباس‪:‬‬
‫«أن النبي ‪ ‬صلى بالمدينة سبعًا وثمانيًا الظهر والعصر والمغرب والعشاء فقال أيوب لعله في ليلة مطيرة قال عسى»‬
‫رواه البخاري‪ .‬أي قال أبو أيوب السختياين جلابر بن زيد وهو أبو الشعثاء لعل هذا اجلمع يف الليلة املطرية فقال‪ :‬له عسى‬
‫أن يكون كما قلت‪ .‬واحتمال املطر قال به مالك أيضًا عقب إخراجه هلذا احلديث‪ .‬فهذه األدلة كلها تدل يف جمموعها‬
‫على جواز اجلمع يف املطر تقدميًا وتأخريًا‪ ،‬واملراد باملطر ما يطلق عليه اسم مطر‪ ،‬وهو ما يبل الثياب بغض النظر عما إذا‬
‫كانت فيه مشقة أو ال‪ ،‬ملا روي أن النيب ‪ ‬مجع يف املطر وليس بني حجرته واملسجد شيء‪ .‬وبغض النظر عما إذا كان يف‬
‫املسجد أو يف البيت‪ ،‬وبغض النظر عما إذا كان املطر نازًال عند اإلحرام بالصالة أم غري نازل‪ ،‬ألن احلديث مل يعلل باملشقة‬
‫فيؤخذ توقيفًا‪ .‬وألن كونه يف املسجد أو غريه مل يرد به نص فيبقى على إطالقه‪ ،‬عالوة على أنه ثبت أن الرسول ‪« :‬كان‬
‫يجمع في بيوت أزواجه إلى المسجد» وألن احلديث يقول‪« :‬يوم مطير»‪« ،‬في المطر» واحتمال أيوب السختياين قال‬
‫فيه‪« :‬ليلة مطيرة»‪ .‬فاملراد من هذا أن يكون الوقت وقت مطر ال أن يكون املطر نازًال عند اإلحرام بالصالة‪ .‬وألن سبب‬
‫اجلمع وهو العذر املبيح جلمع الصالة إذا وجد جاز اجلمع مطلقًا كالسفر‪ ،‬فكذلك املطر إذا وجد جاز اجلمع مطلقًا سواء‬
‫أكانت فيه مشقة أم ال وسواء أكان يف املسجد أو يف غريه‪.‬‬
‫أما ما عدا عرفة ومزدلفة والسفر واملطر فال جيوز اجلمع مطلقًا وال يقاس عليها غريها حبجة املشقة لعدم وجود علة‬
‫للجمع‪ ،‬وألن املشقة مل ترد علة شرعية يف النصوص‪ .‬وال جيري القياس دون علة‪ ،‬فضًال عن أن العبادات ال تعلل وال يقاس‬
‫عليها‪ .‬وأما حديث ابن عباس‪« :‬أن النبي ‪ ‬جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف‬
‫وال مطر» وحديث ابن مسعود بلفظ‪« :‬جمع رسول اهلل ‪ ‬بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فقيل له في ذلك‬
‫فقال‪ :‬صنعت ذلك لئال تحرج أمتي»‪ .‬وغري ذلك من األحاديث اليت ورد فيها اجلمع مطلقًا من قيد السفر أو املطر فإنه ال‬
‫يعمل هبذه األحاديث بل ترتك وترد دراية ملعارضتها للقطعي املتواتر‪ .‬ألن خرب اآلحاد إذا عارض القرآن أو احلديث املتواتر‬
‫يؤخذ القرآن واحلديث املتواتر ويرد خرب اآلحاد ألنه ظين واملتواتر قطعي‪ ،‬فإذا مل ميكن اجلميع بينهما يرد الظين ويؤخذ‬
‫القطعي‪ .‬وهنا قد ثبتت مواقيت الصالة بالتواتر فوجبت احملافظة عليها‪ ،‬فرتك املواقيت جبمع التقدمي أو مجع التأخري خلرب‬
‫آحاد يعارضها ال جيوز‪ ،‬ألنه يكون تركًا للقطعي وأخذًا بالظين‪ .‬وال يقال هنا أنه جيوز حلاجة أو لعذر على أن ال يتخذ‬
‫ذلك عادة‪ ،‬ألن هذه األحاديث اليت أجازت اجلمع لغري سفر وال مطر جاءت مطلقة غري مقيدة بشيء‪ ،‬ولو قيدت حباجة‬
‫معينة أو بشيء آخر لكانت ختصيصًا كالسفر‪ ،‬وألخذ هبا‪ .‬ولكنها جاءت بنصها مطلقة فال جيوز أن نضيف إليها شيئًا من‬
‫عندنا أو قيدًا مل يرد به النص بل تظل على إطالقها‪ .‬ومبا أهنا مطلقة وأحاديث املواقيت املتواترة مطلقة ومها متعارضان‬
‫واجلمع بينهما متعذر فتؤخذ أحاديث املواقيت وترتك أحاديث اجلمع لغري سفر أو مطر‪.‬‬
‫واملسافر جيمع ما دام مسافرًا مهما بلغت مدة السفر فإن أقام يف مكان ينظر فإن اختذ ذلك املكان حمل إقامة انقطع‬
‫سفره وال جيوز له أن جيمع كمن سافر من القدس إىل الرياض واختذها مكان إقامة له يعمل فيها فإنه ينقطع سفره بإقامته‬
‫يف احلال فال يصح أن جيمع‪ ،‬أما إذا مل يتخذ املكان حمل إقامة له بل أقام فيه ألن العمل الذي سافر من أجله كتجارة‬
‫وحنوها تقتضي إقامته فإنه جيمع الصالة حىت يرجع إىل بلده مهما بلغت مدة إقامته‪.‬‬

‫قضاء الصالة‬
‫َّلِذ‬ ‫ِل‬
‫تأخري الصالة عن وقتها عن تعمد دون عذر شرعي حرام قطعًا بنص القرآن قال تعاىل‪َ :‬فَو ْيٌل ْلُم َص ِّليَن ‪ ‬ا يَن‬
‫ُه ْم َعْن َص َالِتِه ْم َس اُه وَن ‪ ‬وقال تعاىل‪َ :‬فَخ َلَف ِم ْن َبْع ِدِه ْم َخ ْلٌف َأَض اُعوا الَّص َالَة َو اَّتَبُعوا الَّش َه َو اِت َفَس ْو َف َيْلَق ْو َن َغًّيا‬
‫‪ .‬وهذا ثابت أيضًا مبفهوم احلديث املتواتر الذي بينت فيه املواقيت‪ .‬وقد جعل اهلل لكل صالة فرض وقتًا حمدود الطرفني‬
‫يدخل يف حني حمدود ويبطل يف وقت حمدود‪ .‬وقال عليه الصالة والسالم‪« :‬من فاتته صالة العصر فكأنما ُو تر أهله‬
‫وماله»‪ .‬وقال ‪ ‬يف شأن تأخري الصالة عن وقتها‪« :‬ليس التفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة»‪.‬‬
‫وأما من فاتته الصالة لعذر شرعي ورد النص به فال إمث عليه وذلك الناسي والنائم ومن مل يستطع أداء الصالة‬
‫لعدم وجود ما يؤدي به الطهارة من ماء وتراب لقوله عليه الصالة والسالم‪« :‬من نام عن صالة أو نسيها فليصلها إذا‬
‫ذكرها» ولقوله ‪« :‬إذا رقد أحدكم عن الصالة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها» ولقوله عليه السالم‪« :‬إذا أمرتكم‬
‫بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ومفهومه إذا مل تستطع أن تأيت منه شيئًا فال تأت به‪ .‬ويؤيد ذلك قوله تعاىل‪َ :‬ال ُيَك ِّلُف الَّلُه‬
‫َنْف ًس ا ِإَّال ُو ْسَعَه ا‪.‬‬
‫ومن فاتته صالة فرض قضاها سواء أفاتته بعذر أو بغري عذر‪ .‬ألن جمرد قضاء الصالة ثابت باحلديث الصحيح‪ .‬فقد‬
‫روي يف الصحيحني عن عمران بن حصني قال‪ :‬كنا يف سفر مع النيب ‪ ‬وإنا أسرينا حىت كنا يف آخر الليل وقعنا وقعة وال‬
‫وقعة أحلى عند املسافر منها فما أيقظنا إال حّر الشمس فلما استيقظ النيب ‪ ‬شكوا إليه الذي أصاهبم فقال‪« :‬ال ضير وال‬
‫ضرر ارتحلوا فارتحلوا فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصالة فصلى بالناس»‪ .‬وملا وري عن‬
‫جابر رضي اهلل عنه أن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه جاء يوم اخلندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش‬
‫وقال‪« :‬يا رسول اهلل ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب‪ ،‬فقال النبي ‪ ‬واهلل ما صليتها‪ ،‬فقمنا إلى‬
‫بطحان فتوضأ للصالة وتوضأنا لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب»‪ ،‬وملا روي عن أنس‬
‫بن مالك أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬من نسي صالة فليصلها إذا ذكرها ال كفارة لها إال ذلك»‪ .‬وملا روي عن أيب سعيد قال‪:‬‬
‫«حبسنا يوم الخندق عن الصالة حتى كان بعد المغرب يهوي من الليل كفينا‪ :‬وذلك قول اهلل عز وجل‪َ  :‬وَكَف ى‬
‫الَّلُه اْلُم ْؤ ِم ِنيَن اْلِق َتاَل َو َك اَن الَّلُه َقِو ًّيا َعِز يًز ا‪ .‬قال فدعا رسول اهلل ‪ ‬بالًال فأقام الظهر فصالها فأحسن صالتها كما‬
‫كان يصليها في وقتها‪ ،‬ثم أمره فأقام العصر فصالها فأحسن صالتها كما كان يصليها في وقتها‪ ،‬ثم أمره فأقام‬
‫المغرب فصالها كذلك»‪ ،‬وملا روي عنه عليه السالم أنه ملا سألته اجلارية اخلثعمية وقالت يا رسول اهلل إن أيب أدركته‬
‫فريضة احلج شيخًا زمنًا ال يستطيع أن حيج‪ .‬إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال هلا‪« :‬أرأيت لو كان على أبيك دين‬
‫فقضيته أكان ينفعه ذلك؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فدين اهلل أحق بالقضاء»‪ .‬فهذه األحاديث كلها صرحية بقضاء الصالة مما‬
‫يدل على أن قضاء الصالة واجب وال كفارة لرتك الصالة إال قضاؤها سوءا أكان تركها لعذر أو لغري عذر ألن األحاديث‬
‫صرحية‪ .‬وال يقال أن هذه األحاديث كلها مقيدة حبوادث معينة وهي النوم والنسيان والقتال وعدم االستطاعة‪ ،‬وهذه كلها‬
‫أعذار شرعية ال إمث برتك الصالة فيها يف تأخريها عن وقتها فيكون القضاء خاصًا هبا وال يشمل غريها خبالف العمد فلم‬
‫يأت نص جبواز قضائه‪ .‬ال يقال ذلك‪ ،‬ألن هذه احلوادث مل ترد فيها صفة النوم والنسيان والقتال على شكل قيد فيها‪ ،‬وإمنا‬
‫جاءت وصفًا لواقعة حدثت دون أن يفهم منها صفة القيدية هبذه احلادثة‪ .‬أرأيت يف حديث جابر كيف جعل عمر بن‬
‫اخلطاب يسب كفار قريش وقال يا رسول اهلل ما كدت أصلي العصر حىت كادت الشمس تغرب فقال له النيب‪« :‬واهلل ما‬
‫صليتها» مث قام فتوضأ فصلى‪ .‬أين الصفة املقيدة يف هذه احلادثة اليت تدل على أهنا خاصة هبا؟ وقل مثل ذلك يف باقي‬
‫احلوادث فال يوجد يف اللفظ ما يدل على أنه مقيد هبا وأنه ال جيوز يف غريها‪ ،‬بل كل واحد من هذه األحاديث اليت‬
‫حدثت يف واقعة معينة جاءت على سبيل التنصيص على واقع ال على سبيل التنصيص على قيد‪ ،‬وال يظهر فيها السبب‬
‫املخصص لقضاء الصالة فيها وحدها كما يتبني من قراءة األحاديث‪ .‬وأما األحاديث اليت ورد فيها الفعل مؤديًا معىن‬
‫الوصف وهو قوله‪« :‬من نام»‪« ،‬أو نسيها» إذا رقد‪« :‬أو غفل»‪« ،‬من نسي» فإهنا كلها يعترب فيها الوصف قيدًا ويعترب‬
‫فيها مفهوم املخالفة ألهنا صفة‪ ،‬ومفهوم املخالفة يف الصفة معترب‪ .‬وألنه إذا مل يعترب ذكرها قيدًا كان ذكرها هبذا الوصف‬
‫عبثًا وهو منزه عنه احلديث‪ .‬لكن مفهوم املخالفة هلذه النصوص يعطل العمل به نصوص أخرى‪ .‬وإذا ورد نص يدل منطوقه‬
‫على عكس مفهوم نص آخر يعطل املفهوم‪ ،‬ويؤخذ املنطوق ألن داللته على املعىن أقوى من داللة املفهوم‪ .‬فقوله تعاىل‪َ :‬ال‬
‫َتْأُك ُلوا الِّر َبا َأْض َعاًفا ُمَض اَعَفًة‪ ‬معطل مفهومه بقوله تعاىل‪َ :‬و َح َّر َم الِّر َبا‪ ‬وقوله‪َ :‬و ِإْن ُتْبُتْم َفَلُك ْم ُرُءوُس َأْم َو اِلُك ْم ‪.‬‬
‫وهذه األحاديث معطل مفهومها باألحاديث الواردة يف قضاء الفوائت يف غريها وهو القتال‪ .‬ويف حديث قضاء احلج الذي‬
‫جاء فيه قوله‪« :‬فدين اهلل أحق بالقضاء» بلفظ العموم الشامل لكل دين هلل‪ ،‬والصالة دين هلل فتدخل حتت عموم كلمة‬
‫"َدْين اهلل" ألنه اسم جنس مضاف فهو من صيغ العموم قطعًا‪ .‬واملتعمد للرتك قد خوطب بالصالة كما خوطب كل مسلم‬
‫ووجب عليه تأديتها فصارت دينا عليه‪ .‬والدين ال يسقط إال بأدائه فكذلك الصالة ال تسقط بفوات وقتها إال بقضائها‪،‬‬
‫وعليه إمث تركها يف وقتها‪.‬‬

‫صالة المريض‬
‫إذا عجز الشخص عن القيام يف الفروض جيوز له أن يصلي قاعدًا فإن مل يستطع القعود صلى على جنبه يومئ‬
‫بالركوع والسجود‪ ،‬وجيعل سجوده أخفض من ركوعه‪ .‬ملا روي عن عمران بن احلصني قال‪ :‬كانت يب بواسري فسألت‬
‫النيب ‪ ‬عن الصالة فقال‪« :‬صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنبك» وزاد النسائي‪« :‬فإن لم‬
‫تستطع فمستلق ال يكلف اهلل نفسًا إال وسعها»‪ .‬وملا روي عن جابر قال‪ :‬عاد النيب ‪ ‬مريضًا فرآه يصلي على وسادة‬
‫فرمى هبا وقال‪« :‬صل على األرض إن استطعت وإال فأومئ إيماء واجعل سجودك اخفض من ركوعك» فإن مل‬
‫يستطع اإلمياء مل جيب عليه شيء بعد ذلك ألنه مل يرد فيه نص‪ .‬ومثل العاجز من جيد يف القيام مشقة أو زيادة مرض فقد‬
‫روى أنس قال‪« :‬سقط رسول اهلل ‪ ‬عن فرس فخدش أو جحش شقه األيمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصالة‬
‫فصلى قاعدًا وصلينا خلفه قعودًا» فكونه ‪ ‬خدش يدل على أنه مل يعجز عن القيام ولكن شق عليه القيام فصلى جالسًا‪،‬‬
‫مما يدل على أن جمرد وجود املشقة يبيح الصالة قاعدًا يف الفرض‪.‬‬

‫صالة الجمعة‬
‫صالة اجلمعة فرض عني على املسلمني لقوله تعاىل‪ِ :‬إَذا ُنوِد ي ِللَّص َالِة ِم ِم اْل ِة َفا ا ِإَلى ِذ ْك ِر الَّلِه‬
‫ْن َيْو ُجُم َع ْس َعْو‬
‫َو َذُروا اْلَبْيَع ‪ ‬واألمر يف هذه اآلية للوجوب بدليل قرينة النهي عن املباح فدل على الطلب اجلازم‪ .‬وملا روى طارق بن‬
‫شهاب أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إال أربعة‪ ،‬عبد مملوك‪ ،‬وامرأة‪ ،‬وصبي‪،‬‬
‫ومريض» وملا روي عن حفصة أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬رواح الجمعة واجب على كل محتلم» وملا روى جابر رضي اهلل عنه‬
‫أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪« :‬من ترك الجمعة ثالثًا من غير ضرورة طبع على قلبه»‪ .‬وصالة اجلمعة فرضت باملدينة حني نزلت‬
‫آية اجلمعة‪ ،‬وسورة اجلمعة مدنية‪ .‬وأما ما روى عبد بن محيد وعبد الرزاق عن حممد بن سريين قال‪ :‬مجع أهل املدينة قبل‬
‫أن يقدم النيب ‪ ‬وقبل أن تنزل اجلمعة قالت األنصار لليهود يوم جيمعون فيه كل أسبوع وللنصارى مثل ذلك‪ ،‬فهلَّم‬
‫فلنجعل يومًا جنمع فيه فنذكر اهلل تعاىل ونشكره‪ ،‬فجعلوه يوم العروبة‪ ،‬واجتمعوا إىل اسعد بن زرارة فصلى هبم يومئذ‬
‫ركعتني وذكرهم‪ ،‬فسَّم وا اجلمعة حني اجتمعوا إليه‪ ،‬فذبح هلم شاة فتغدوا وتعشوا منها فأنزل اهلل تعاىل يف ذلك بعد‪َ :-‬يا‬
‫َأُّيَه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا ِإَذا ُنوِد ي ِللَّص َالِة ِم ْن َيْو ِم اْلُجُم َعِة ‪ -‬اآلية‪ ‬أما هذا احلديث وحديث كعب وغريه من األحاديث اليت‬
‫تذكر أن أول مجعة كانت يف اإلسالم صالة اجلمعة اليت كانت يف بيت أسعد بن زرارة صالها مصعب فإن هذه األحاديث‬
‫كلها أخبار آحاد ظنية‪ ،‬وهي تعارض القطعي‪ ،‬والقطعي هو أن آية اجلمعة مدنية نزلت باملدينة‪ .‬وفرضية اجلمعة نزلت هبا‪،‬‬
‫وحتمل األحاديث األخرى على أن الرسول طلب إليهم أن يصلوا ركعتني نفًال‪ ،‬بدليل التصريح يف هذا يف بعض الروايات‬
‫أنه ‪ ‬كتب إىل مصعب بن عمري وقال له‪« :‬فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة تقربوا إلى اهلل تعالى‬
‫بركعتين» فقوله عليه السالم‪« :‬تقربوا إلى اهلل» ال يدل على الطلب اجلازم فال يدل على الفرضية بل يدل على النفل‪.‬‬
‫وعلى هذا فالدليل القطعي وهو ثبوت نزول آية اجلمعة يف املدينة وكوهنا هي دليل فرضية اجلمعة يدل على أن اجلمعة‬
‫فرضت باملدينة‪ .‬واملراد من قوله تعاىل‪ِ :‬إَذا ُنوِد ي‪ ‬أي إذا أذن ألن النداء هنا األذان‪ .‬واملراد به األذان عند قعود اإلمام‬
‫على املنرب وقد كان لرسول اهلل ‪ ‬مؤذن واحد‪ ،‬فكان إذا جلس على املنرب أذن على باب املسجد فإذا نزل أقام الصالة‪ .‬مث‬
‫كان أبو بكر وعمر رضي اهلل عنهما على ذلك‪ .‬حىت إذا كان عثمان وكثر الناس وتباعدت املنازل زاد مؤذنًا آخر فأمر‬
‫بالتأذين األول على داره اليت تسمى الزوراء‪ ،‬فإذا جلس على املنرب أذن املؤذن الثاين‪ ،‬فإذا نزل أقام الصالة‪ .‬وكان ذلك‬
‫على مرأى ومسمع من الصحابة فسكتوا عنه مع أنه مما جيب بيان خمالفته لو كان رأيًا له‪ ،‬فكان ذلك إمجاعًا من الصحابة‪.‬‬
‫واإلمجاع دليل من األدلة الشرعية على العبادات واملعامالت والعقوبات وسائر األحكام الشرعية‪.‬‬
‫وال جتب اجلمعة على الصيب واجملنون والعبد اململوك واملرأة واملريض واخلائف واملسافر‪ .‬وما عدا هؤالء فاجلمعة‬
‫فرض عني عليهم‪ .‬أما عدم وجوهبا على الصيب واجملنون فألهنما ليسا مكلفني شرعًا فال جتب عليهما اجلمعة كما ال جتب‬
‫عليهما سائر الصلوات‪ .‬وأما عدم وجوهبا على العبد واملرأة واملريض فلحديث طارق السابق‪« :‬الجمعة حق واجب على‬
‫كل مسلم في جماعة إال أربعة عبد مملوك وامرأة وصبي ومريض»‪ .‬وأما عدم وجوهبا على اخلائف فهو ثابت مبا روي‬
‫عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬من سمع النداء فلم يجبه فال صالة له إال من عذر‪ ،‬قالوا يا رسول اهلل‬
‫وما العذر قال خوف أو مرض»‪ .‬وأما املسافر فإهنا ال جتب عليه ملا روي عن الزهري أنه أراد أن يسافر يوم اجلمعة‬
‫ضحوة فقيل له يف ذلك فقال‪« :‬أن النبي ‪ ‬سافر يوم الجمعة»‪« .‬وكان ‪ ‬في حجة الوداع بعرفة يوم الجمعة فصلى‬
‫الظهر والعصر جمع تقديم ولم يصل جمعته» وملا روى جابر قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬من كان يؤمن باهلل واليوم‬
‫اآلخر فعليه الجمعة إال على امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض» وقد روى جابر بن منصور‪« :‬أن أبا عبيدة سافر يوم‬
‫الجمعة ولم ينتظر الصالة» وروي عن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه أنه أبصر رجًال عليه هيئة السفر فسمعه يقول‪:‬‬
‫"لوال أن اليوم يوم مجعة خلرجت فقال عمر‪ :‬اخرج فإن اجلمعة ال حتبس عن سفر"‪.‬‬
‫فهؤالء كلهم مل جتب عليهم اجلمعة وهم مستثنون من وجوهبا عليهم بالنصوص‪ ،‬وما عداهم ممن مل يرد نص‬
‫باستثنائه فإن اجلمعة فرض عني عليه‪ .‬وهذه هي األعذار الشرعية وال يقاس عليها‪ .‬فالعذر الشرعي ما ورد فيه نص شرعي‬
‫وال يدخل القياُس العبادات‪ ،‬ألنه مل يرد فيها نص معلل حىت يتأتى فيها القياس‪ .‬ومن مل جتب عليه اجلمعة خمري بني الظهر‬
‫واجلمعة‪ ،‬فإن صلى اجلمعة أجزأته عن الظهر واملستحب له أن ال يصلي الظهر حىت يعلم أن اجلمعة قد فاتت‪ ،‬وإن صلى‬
‫الظهر قبل ذلك جاز‪ .‬وأما من حتب عليه اجلمعة فال جيوز له أن يصلي الظهر قبل فوات اجلمعة‪ ،‬فإن صلى الظهر قبل فوات‬
‫اجلمعة مل تصح صالته ألنه خماطب باجلمعة ال بالظهر‪ ،‬وال خياطب بالظهر إال بعد فوات اجلمعة‪.‬‬
‫ويشرتط لصالة اجلمعة أن تكون يف عدد من املسلمني‪ ،‬وقد أمجع الصحابة على أنه ال بد من عدد لصالة اجلمعة‪،‬‬
‫فال بد أن تكون يف عدد‪ .‬وال يشرتط عدد معني فأي عدد يطلق عليه مجاعة واعترب عددًا صحت به صالة اجلمعة ما دام‬
‫يعترب مجاعة‪ ،‬ألن كوهنا مجاعة ثابت حبديث طارق السابق‪« :‬الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة» وألن العدد‬
‫ثابت بإمجاع الصحابة‪ .‬أما تعيني العدد وتعيني قدر اجلماعة فريجع إىل انطباق لفظ اجلماعة ولفظ العدد عليه فقط ليس‬
‫أكثر‪ .‬إذ مل يرد نص معترب بعدد معني ومل يصح أي حديث معترب يف العدد‪ .‬وأما حديث عبد الرمحن بن كعب عن صالة‬
‫املسلمني يف بيت أسعد بن زرارة مع مصعب بن عمري الذي يقول فيه‪« :‬كم كنتم يومئذ قال أربعون رجًال» وما أخرجه‬
‫الطرباين عن ابن عباس أن النيب ‪ ‬كتب ألصحابه يف املدينة يأمرهم أن جيّم عوا فجّم عوا واتفق أن عدهتم أربعني‪ ،‬فإن ذلك‬
‫ليس دليًال على األربعني وال على عدد معني‪ .‬ألن هذه واقعة عني ووقائع األعيان ال حيتج هبا على العموم‪ ،‬أي حادثة‬
‫معينة‪ ،‬فال تدل على الوجوب يف كل صالة مجعة‪ ،‬فقد جاء العدد اتفاقًا ومل يكن مقصودًا عند أداء الصالة فال دليل فيه‪.‬‬
‫عالوة على أن هذا كان قبل اهلجرة ومل تكن صالة اجلمعة قد فرضت بعد ألن صالة اجلمعة فرضت يف املدينة‪ .‬وعلى ذلك‬
‫فلم يرد حديث له منزلة االعتبار يدل على عدد معني يف اجلمعة‪ .‬غري أنه ملا كان ال بد من اجلماعة والعدد‪ ،‬وال يتأتى ذلك‬
‫إال بثالثة فما فوق ألن االثنني ال يسمى عددًا مع مجاعة‪ .‬وعليه ال بد من ثالثة ممن جتب عليهم اجلمعة حىت تصح صالة‬
‫اجلمعة فإن نقصوا عن ذلك مل تصح وال تسمى مجعة لعدم وجود العدد‪ ،‬وقد انعقد اإلمجاع على أنه ال بد من عدد لصالة‬
‫اجلمعة‪.‬‬
‫واجلمعة يصح أداؤها يف املدينة والقرية واملسجد وأبنية البلد والفضاء التابع هلا‪ ،‬وذلك ألن الرسول ‪ ‬صلى اجلمعة‬
‫يف املدينة‪ .‬وملا روي عن ابن عباس رضي اهلل تعاىل عنهما قال‪« :‬أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت في مسجد رسول‬
‫اهلل ‪ ‬في مسجد عبد قيس بُج واثى من البحرين» وجواثى هذه قرية من قرى البحرين‪ .‬وروى أبو هريرة‪« :‬أنه كتب‬
‫إلى عمر يسأله عن الجمعة بالبحرين وكان عامله عليها فكتب إليه عمر جمعوا حيث كنتم»‪ .‬وأما مما روي عن النيب‬
‫‪ ‬أنه قال‪« :‬ال جمعة وال تشريق إال في مصر جامع» فإنه مل يصح‪ ،‬وقال أمحد ليس هذا حبديث‪ .‬وأما صالهتا يف الفضاء‬
‫فألنه مل يرد نص باشرتاطه وصالة اجلمعة كأي صالة مطلوب القيام هبا فإذا شرط فيها شيء غري نص العموم الذي يقضي‬
‫بوجوب أدائها ال بد له من نص‪.‬‬
‫وجيوز أن تقام يف البلد الواحد عدة مجع‪ .‬فإذا كان البلد كبريًا جازت إقامة صالة اجلمعة فيه يف عدة مساجد بغض‬
‫النظر عن أن هناك حاجة إليها أم مل تكن إليها حاجة ألنه مل يرد نص يف عدم تعدد اجلمعة ومل يرد نص يف احلاجة‬
‫وعدمها‪ ،‬فيبقى النص املطلق على إطالقه‪ .‬وأما أن النيب ‪ ‬مل يكن جيمع إال يف مسجد واحد فال يدل على عدم جواز‬
‫مجعها يف أكثر من مسجد‪ .‬ألن عدم فعل الرسول للشيء ال يدل على منع فعله‪ .‬بل كان له مسجد واحد فصلى فيه فال‬
‫يدل على أنه مل يكن يريد أن يصلي يف أكثر من مسجد‪.‬‬
‫وال تصح اجلمعة إال يف وقت الظهر ألهنا فرض يف وقت واحد ففي حديث جابر‪« :‬فصلى الظهر حين زالت‬
‫الشمس» ويف حديث سلمة بن األكوع قال‪« :‬كنا نجمع مع رسول اهلل ‪ ‬إذا زالت الشمس»‪ .‬وال تصح اجلمعة حىت‬
‫يتقدمها خطبتان ملا روى ابن عمر قال‪« :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يخطب يوم الجمعة خطبتين يجلس بينهما»‪ .‬وشروط‬
‫اخلطبتني القيام مع القدرة والفصل بينهما جبلسة‪ ،‬ملا روى جابر بن مسرة قال‪« :‬كان النبي ‪ ‬يخطب قائمًا ثم يجلس ثم‬
‫يقوم ويقرأ آيات ويذكر اهلل تعالى»‪ .‬وجيب أن تشتمل اخلطبتان على قراءة القرآن وذكر اهلل وعلى محده‪ ،‬والثناء عليه‬
‫وعلى الوصية بالتقوى أو أي وعظ من املواعظ وعلى احلديث عن شأن من شؤون املسلمني‪ ،‬حلديث جابر بن مسرة السابق‬
‫وملا روى جابر‪« :‬أن النبي ‪ ‬خطب يوم الجمعة فحمد اهلل تعالى وأثنى عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد عال صوته‬
‫واشتد غضبه واحمرت وجنتاه كأنه منذر جيش ثم يقول بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بإصبعه الوسطى والتي تلي‬
‫اإلبهام ثم يقول‪ :‬إن أفضل الحديث كتاب اهلل وخير الهدي هدي محمد وشر األمور محدثاتها وكل بدعة ضاللة من‬
‫ترك ماًال فلورثته ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإلّي »‪ .‬والضياع العيال وإّيل يعين فليأتوين‪ ،‬وملا روي عن أم هشام بنت حارثة‬
‫بن النعمان الصحابية رضي اهلل عنها قالت‪« :‬ما أخذت ق والقرآن المجيد إال عن لسان رسول اهلل ‪ ‬يقرأها كل جمعة‬
‫على المنبر»‪ .‬ويستحب أن تكون خطبة اجلمعة على منرب‪« :‬ألن النبي ‪ ‬كان يخطب على المنبر»‪ .‬وأن جيلس اخلطيب‬
‫على الدرجة اليت تلي املسرتاح‪« :‬ألن النبي ‪ ‬كان يجلس على هذه الدرجة»‪ .‬وأن يعتمد على قوس أو عصا ملا روى‬
‫احلكم بن حزن رضي اهلل عنه قال‪« :‬وفدت إلى النبي ‪ ‬فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئًا على قوس أو عصا فحمد اهلل‬
‫وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات»‪ .‬ويستحب أن يرفع صوته حلديث جابر املار‪« :‬عال صوته واشتد‬
‫غضبه»‪ .‬ويستحب أن يقصر اخلطبة ملا روي عن عثمان انه خطب وأوجز فقيل له لو كنت تنفست فقال مسعت النيب ‪‬‬
‫يقول‪« :‬قصر خطبة الرجل مئنة من فقهه فأطيلوا الصالة واقصروا الخطبة»‪ .‬وصالة اجلمعة كصالة الظهر إال أن صالة‬
‫الظهر أربع ركعات وصالة اجلمعة ركعتان اثنتان ملا روي عن عمر رضي اهلل عنه أنه قال‪« :‬صالة األضحى ركعتان‬
‫وصالة الفطر ركعتان وصالة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان بينكم ‪ ‬وقد خاب من افترى»‪ .‬والسنة أن‬
‫يقرأ يف الركعة األوىل بعد الفاحتة اجلمعة‪ ،‬ويف الثانية املنافقون‪ ،‬ملا روى عبد اهلل بن أيب رافع قال‪« :‬استخلف مروان أبا‬
‫هريرة على المدينة فصلى بالناس الجمعة فقرأ بالجمعة والمنافقين فقلت‪ :‬يا أبا هريرة قرأت بسورتين سمعت عليًا‬
‫رضي اهلل عنه قرأ بهما قال‪ :‬سمعت حبي أبا القاسم ‪ ‬يقرأ بهما»‪ .‬ومن دخل واإلمام يف الصالة أحرم هبا فإن أدرك‬
‫معه الركوع من الثانية فقد أدرك اجلمعة فإذا سلم اإلمام أضاف إليه أخرى وإن مل يدرك الركوع فقد فاتت اجلمعة‪ .‬فإذا‬
‫سلم اإلمام أمت الظهر ملا روى أبو هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل‪« :‬من أدرك الركوع من الركعة األخيرة يوم الجمعة‬
‫فليضف إليها أخرى ومن لم يدرك الركوع فليتم الظهر أربعًا»‪ .‬وإذا منعته الزمحة من السجود على األرض فإن أمكنه‬
‫أن يسجد على ظهر إنسان لزمه ذلك ملا روي عن عمر رضي اهلل أنه قال‪" :‬إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر‬
‫أخيه"‪.‬‬

‫صالة العيدين‬
‫صالة العيدين سنة ألن النيب ‪ ‬صّالها‪ ،‬فقد روي عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أهنم أصاهبم مطر يف يوم عيد فصلى‬
‫هبم النيب ‪ ‬صالة العيد يف املسجد ومل تأت أي قرينة تدل على فرضيتها‪ .‬ووقت صالة العيد ما بني طلوع الشمس إىل أن‬
‫تزول وهي بال أذان وال إقامة ملا روي عن جابر بن مسرة رضي اهلل عنه قال‪« :‬شهدت مع النبي ‪ ‬العيد غير مرة وال‬
‫مرتين بغير أذان وال إقامة»‪ .‬وتصلى صالة العيد قبل اخلطبة ملا روي عن ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪« :‬كان رسول اهلل‬
‫‪ ‬وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة» والسنة أن يصلي صالة العيد يف املصلى إذا كان مسجد البلد ضيقًا ملا‬
‫روي‪« :‬أن النبي ‪ ‬كان يخرج إلى المصلى»‪ .‬وصالة العيد ركعتان لقول عمر‪« :‬صالة األضحى ركعتان وصالة الفطر‬
‫ركعتان الحديث‪ »...‬والسنة أن يكرب يف األوىل سبع تكبريات سوى تكبرية اإلحرام وتكبرية الركوع‪ ،‬ويف الثانية مخسًا‬
‫سوى تكبرية القيام والركوع وأن تكون التكبريات قبل القراءة ملا روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪« :‬أن رسول‬
‫اهلل ‪ ‬كان يكبر في الفطر في األولى سبعًا وفي الثانية خمسًا سوى تكبيرة الصالة»‪.‬‬
‫وملا روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‪ :‬قال النيب ‪« :‬التكبير في الفطر سبع في األولى وخمس‬
‫في اآلخرة والقراءة بعدهما كلتيهما» وملا روي عن عمر بن عوف املزين رضي اهلل عنه‪« :‬أن النبي ‪ ‬كبر في العيدين‬
‫في األولى سبعًا قبل القراءة وفي الثانية خمسًا قبل القراءة»‪ .‬والسنة إذا فرغ من الصالة أن خيطب ملا روى ابن عمر‬
‫رضي اهلل عنهما‪« :‬أن رسول اهلل ‪ ‬ثم أبا بكر وعمر وعثمان رضي اهلل عنهم كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة»‪.‬‬
‫واملستحب أن خيطب على منرب ملا روى جابر رضي اهلل عنه قال‪« :‬شهدت مع النبي ‪ ‬األضحى فلما قضى خطبته نزل‬
‫من منبره» وملا روي عن أيب سعيد رضي اهلل عنه قال‪« :‬كان النبي ‪ ‬يخرج يوم الفطر واألضحى إلى المصلى وأول‬
‫شيء يبدأ به الصالة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظم ويوصيهم ويأمرهم وإن كان‬
‫يريد أن يقطع بعثًا أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف»‪.‬‬

‫صالة الجنازة‬
‫غسل امليت فرض على الكفاية لقوله ‪ ‬يف الذي سقط عن بعريه‪« :‬اغسلوه بماء وسدر»‪ .‬وأما شهيد الدنيا‬
‫واآلخرة وهو من قتل يف سبيل اهلل من قتال يف معركة فال يغسل ملا روي أن النيب ‪ ‬قال يف قتلى أحد‪« :‬ال تغسلوهم فإن‬
‫كل جرح أو كل دم يفوح مسكًا يوم القيامة» ومل يصل عليهم‪ .‬وتكفني امليت فرض على الكفاية لقوله ‪ ‬يف احملرم الذي‬
‫خر من بعريه‪« :‬كفنوه في ثوبيه اللذين مات فيما»‪ .‬وأقل ما جيزئ ما يسرت العورة كاحلي‪ .‬واملستحب أن يكفن الرجل‬
‫يف ثالثة أثواب‪ ،‬إزار ولفافتني بيض‪ ،‬ملاروت عائشة رضي اهلل عنها قالت‪« :‬كفن رسول اهلل ‪ ‬في ثالثة أثواب سحولية‬
‫من كرسف ليس فيها قميص وال عمامة»‪ .‬ويستحب أن يكون الكفن حسنًا ملا روى جابر أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إذا كفن‬
‫أحدكم أخاه فليحسن كفنه»‪ .‬وأما املرأة فإهنا تكفن يف مخسة أثواب ملا رواه أبو داود بإسناده عن ليلي بنت قانف الثقفية‬
‫الصحابية رضي اهلل عنها قالت‪« :‬كنت فيمن غسل بنت رسول اهلل ‪ ‬فكان أول ما أعطانا رسول اهلل ‪ ‬الحقا ثم‬
‫الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد في الثوب اآلخر قالت‪ :‬ورسول اهلل ‪ ‬جالس عند الباب معه كفنها‬
‫يناولنا ثوبًا ثوبًا»‪ .‬واحلقا بكسر احلاء من احلقو واملراد اإلزار واملئزر‪ .‬وبعد أن يغسل امليت ويكفن يصلى عليه إال الشهيد‬
‫فال يصلى عليه للحديث املار يف قتلى أحد‪ .‬والصالة على امليت فرض على الكفاية لقوله ‪« :‬صلوا على صاحبكم»‪.‬‬
‫ويكفي يف الصالة على امليت واحد وجيوز فعلها يف مجيع األوقات وجيوز فعلها يف املسجد وغريه ملا روت عائشة رضي اهلل‬
‫عنها أن النيب ‪ ‬صلى على سهيل بن بيضاء يف املسجد‪ .‬وشرط صحة صالة اجلنازة الطهارة وسرت العورة والقيام واستقبال‬
‫القبلة ألهنا صالة مفروضة فوجب أن تكون شروط صحة الصالة شروطًا لصحتها‪ .‬والسنة أن يقف اإلمام يف صالة اجلنازة‬
‫عند رأس الرجل وعند عجيزة املرأة ملا روي أن أنسًا رضي اهلل عنه‪« :‬صلى على رجل فقام عند رأسه وعلى امرأة فقام‬
‫عند عجيزتها فقال له العالء بن زياد هكذا كانت صالة رسول اهلل ‪ ‬صلى على امرأة عند عجيزتها وعلى الرجل‬
‫عند رأسه قال نعم»‪ .‬وإذا أراد صالة اجلنازة نوى الصالة على امليت‪ ،‬وذلك فرض‪ ،‬ألهنا صالة فوجب هلا النية كسائر‬
‫الصلوات‪ .‬مث يكرب أربعًا ملا روي عن جابر أن النيب ‪ ‬صلى على النجاشي فكرب عليه أربعًا‪ .‬ويقرأ بعد التكبرية األوىل فاحتة‬
‫الكتاب حلديث ابن عباس رضي اهلل عنهما أنه‪« :‬صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال لتعلموا أنها سنة» مث‬
‫يصلي على النيب ‪ ‬يف التكبرية الثانية وهو فرض من فروضها‪ ،‬ويدعو للميت يف التكبرية الثالثة وهو فرض من فروضها‪،‬‬
‫وجيوز أن يدعو بأي دعاء‪ .‬والداء مبا ورد افضل‪ ،‬ومن األدعية الواردة ما رواه مسلم والنسائي‪ :‬عن عوف بن مالك قال‪:‬‬
‫«سمعت النبي ‪ ‬صلى على جنازة يقول‪ :‬اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه واكرم نزله ووسع مدخله واغسله‬
‫بماء وثلج وبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب األبيض من الدنس وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهًال خيرًا من‬
‫أهله» ويكرب الرابعة ويسلم‪ ،‬ملا روي عن إمامة بن سهل أنه أخربه رجل من أصحاب النيب ‪« :‬أن السنة في الصالة على‬
‫الجنازة أن يكبر اإلمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة األولى سرًا في نفسه ثم يصلي على النبي ‪ ‬ويخلص‬
‫الدعاء للجنازة في التكبيرات وال يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرًا في نفسه»‪ .‬وإذا صلى على امليت بودر بدفنه وال‬
‫ينتظر حضور من يصلي عليه إال الويل فإنه ينتظر إذا مل خيش على امليت التغري ومن مات من املسلمني يف جهاد الكفار‬
‫بسبب من أسباب قتاهلم قبل انقضاء احلرب فهو شهيد ال يغسل وال يصلى عليه‪ ،‬ملا روى جابر رضي اهلل عنه أن رسول‬
‫اهلل ‪« :‬أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم ولم يصلى عليهم ولم يغسلوا» وأن جرح يف احلرب ومات بعد انقضاء‬
‫احلرب غسل وصلي وعليه‪.‬‬

‫سجود السهو‬
‫إذا ترك املصلي ركعة من الصالة ساهيًا مث تذكرها وهو يف الصالة لزمه أن يأيت هبا ويسجد للسهو‪ ،‬وإن شك يف‬
‫تركها بأن شك هل صلى ركعة أو ركعتني أو ثالثًا أو أربعًا لزمه أن يأخذ باألقل ويأيت مبا بقي ويسجد للسهو‪ .‬وإذا سلم‬
‫من صالته مث تيقن أنه ترك ركعة أو ركعتني أو ثالثًا أو أنه ترك ركوعًا أو سجودًا أو غريمها من األركان سوى النية‬
‫وتكبرية اإلحرام نظر فإن ذكر قبل طول الفصل لزمه البناء على صالته فيأيت بالباقي‪ ،‬ويسجد للسهو‪ .‬وإن ذكر بعد طول‬
‫الفصل لزمه إعادة الصالة‪ ،‬ملا روي عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪« :‬صلى رسول اهلل ‪ ‬إحدى صالتي العشي ‪ -‬إما‬
‫الظهر وإما العصر ‪ -‬فسلم في ركعتين ثم أتى جذعًا في قبلة المسجد فاستند إليها وخرج سرعان الناس فقام ذو‬
‫اليدين فقال يا رسول اهلل أقصرت الصالة أم نسيت؟ فنظر النبي ‪ ‬يمينًا وشماًال فقال‪ :‬ما يقول ذو اليدين قالوا‬
‫صدق لم تصل إال ركعتين‪ .‬فصلى ركعتين وسلم ثم كبر ثم سجد ثم كبر فرفع ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع»‪ .‬وملا‬
‫روى أبو سعيد اخلدري رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إذا شك أحدكم في صالته فليلق الشك وليبن على اليقين فإذا‬
‫استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت صالته تامة كانت الركعة نافلة له والسجدتان‪ ،‬وإن كانت ناقصة كانت‬
‫الركعة تمامًا لصالته والسجدتان ترغمان أنف الشيطان»‪ .‬وملا روي عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن مسعود رضي اهلل‬
‫عنه قال‪« :‬صلى رسول اهلل ‪ - ‬قال إبراهيم زاد أو نقص – فلما سلم قيل له يا رسول اهلل احدث في الصالة شيء‬
‫قال وما ذاك قالوا صليت كذا وكذا فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه فقال‪:‬‬
‫انه لو حدث في الصالة شيء أنبأتكم به ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وإذا شك‬
‫أحدكم في صالته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين» هذا بالنسبة لرتك املصلي وتذكره يف الصالة أو بعد‬
‫الصالة وبالنسبة لشكه وهو يف الصالة‪ .‬أما لو شك بعد السالم هل ترك شيئًا‪ ،‬مل يلزمه شيء ألن األصل انه أداها على‬
‫التمام‪ ،‬فال يضره الشك الطارئ‪ ،‬وإن ترك فرضًا ساهيًا وتذكره وهو يف الصالة أو شك يف ترك فرض وهو يف الصالة مل‬
‫يعتد مبا فعله بعد املرتوك من الركعة حىت يأيت مبا تركه مث يأيت بعده‪ .‬ألن الرتتيب فرض يف أفعال الصالة فال يعتد مبا يفعل‬
‫حىت يأيت مبا تركه‪ .‬فإن ترك سجدة من الركعة األوىل وذكرها وهو قائم يف الثانية خر ساجدًا مث بدأ يف الثانية‪ ،‬وإن تذكر‬
‫يف الثالثة انه ترك سجدة من األوىل فكأنه ترك ركعة عليه أن يأيت بركعة‪ ،‬ويف كلتا احلالتني يسجد للسهو‪ .‬هذا كله يف‬
‫الفرض أما لو نسى سنة فتذكرها وهو يف الصالة مل يعد إليها‪ .‬فإن كانت السنة من اهليئات كرفع اليدين من الركوع أو‬
‫التسبيح مل يسجد للسهو وإن كانت السنة كاجللوس األول وكالقنوت سجد للسهو جربًا ملا ترك من السنة‪ ،‬ملا روي عن‬
‫زياد بن عالفه قال‪« :‬صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض في الركعتين فقلنا سبحان اهلل قال سبحان اهلل ومضى فلما أتم‬
‫صالته وسلم سجد سجدتي السهو فلما انصرف قال‪ :‬رأيت رسول ‪ ‬يصنع كما صنعت»‪ .‬وسجود السهو سنة لقوله‬
‫‪ ‬يف حديث أيب سعيد اخلدري‪« :‬كانت الركعة نافلة له والسجدتان»‪ .‬وحمل السجود قبل السالم ملا روي عن عبد اهلل‬
‫بن حبينه رضي اهلل عنهما أن رسول اهلل ‪« :‬قام من صالة الظهر وعليه جلوس فلما أتم صالته سجد سجدتين يكبر في‬
‫كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجدها الناس معه مكان ما نسي من الجلوس»‪ ،‬وحلديث إبراهيم النخعي املار‪،‬‬
‫وملا روي عن أيب سعيد اخلدري رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬إذا شك أحدكم في صالته فلم يدِر كم صلى‬
‫ثالثًا أم أربعًا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم» وحلديث عبد الرمحن بن عوف‪:‬‬
‫«وليسجد سجدتين قبل أن يسلم»‪ .‬وجيوز أن يسجد بعد السالم حلديث ذي اليدين من رواية أيب هريرة‪« :‬وسلم ثم‬
‫كبر ثم سجد ثم كبر فرفع ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع» ولرواية عمران بن حصني‪« :‬فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد‬
‫سجدتين ثم سلم» وملا روي عن ابن مسعود‪« :‬أن النبي ‪ ‬صلى الظهر خمسًا فقيل له أزيد في الصالة فقال‪ :‬وما‬
‫ذلك فقالوا صليت خمسًا فسجد سجدتين بعد ما سلم»‪.‬‬

‫سجود التالوة‬
‫سجود التالوة مشروع للقارئ واملستمع ملا روى ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪« :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يقرأ علينا‬
‫القرآن فإذا مّر بسجدة كبر وسجد وسجدنا»‪ ،‬فإن ترك القارئ السجود سجد املستمع ألن السجود توجه عليهما فال‬
‫يرتكه أحدمها برتك اآلخر‪ ،‬ولكن هذا إذا كان املستمع يستمع إىل القرآن‪ .‬أما إذا مسع القرآن غري مستمع إليه كأن كان‬
‫يقرأ يف املسجد ومسعه من الطريق‪ ،‬أو يقرأ يف بيت آخر بصوت عال فسمعه‪ ،‬أو كان يقرأ جبانبه ولكنه كان مشغوًال عنه‬
‫بكتابة أو حديث آخر‪ ،‬فإنه يف هذه احلالة ال يسجد ألنه غري مستمع للقرآن فال سجود عليه‪ .‬ملا روي عن عثمان وعمران‬
‫بن احلصني رضي اهلل عنهم‪« :‬السجدة على من استمع» وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪« :‬السجدة لمن جلس لها»‬
‫وسجود التالوة هذا سنة وليس بواجب ملا روى زيد ين ثابت رضي اهلل عنه قال‪« :‬عرضت النجم على رسول اهلل ‪ ‬فلم‬
‫يسجد منا أحد»‪ .‬وسجدات التالوة أربع عشرة سجدة ملا روى عمرو بن العاص رضي اهلل عنه قال‪« :‬أقرأني رسول اهلل‬
‫‪ ‬خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثالث في المفصل وفي الحج سجدتان» إّال أن السجود يكون ألربع عشرة وال‬
‫يكون لسجدة ص‪ .‬اليت هي عند قوله تعاىل‪َ :‬و َخ َّر َر اِكًعا َو َأَناَب ‪ ‬ألهنا ليست من سجدات التالوة وإمنا هي سجدة شكر‬
‫ملا روى أبو سعيد اخلدري رضي اهلل عنه قال‪« :‬خطبنا رسول اهلل ‪ ‬يومًا فقرأ ص فلما مر بالسجدة نشزنا بالسجود‬
‫فلما رآنا قال‪ :‬إنما هي توبة نبي ولكن قد استعددتم للسجود فنزل وسجد» وروي عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن‬
‫النيب ‪ ‬سجد يف ص وقال‪« :‬سجدها داود عليه السالم توبة ونسجدها شكرًا»‪ .‬ويّس ن أن يقول يف سجوده ما ورد يف‬
‫ذلك‪ ،‬فقد روي عن عائشة قالت‪ :‬كان النيب ‪ ‬يقول‪« :‬في سجود القرآن بالليل سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه‬
‫وبصره بحوله وقوته»‪ .‬ويكرب لسجود التالوة‪ .‬ألنه صح عن النيب ‪ ‬أنه كرب منه للسجود والرفع‪ .‬ويسلم إذا رفع لقول‬
‫النيب ‪« :‬تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» والسجود صالة‪.‬‬
‫ومن سجد فحسن ألنه سنة ومن ترك السجود فال شيء عليه‪ .‬وإذا مسع السجدة غري متطهر مل يلزمه الوضوء وال‬
‫التيمم‪ .‬ألهنا سجدة تتعلق بسبب فإذا فات مل يسجد كما لو قرأ سجدة يف الصالة فلم يسجد فإنه ال يسجد بعدها‪.‬‬
‫وحكم سجود التالوة حكم صالة النفل يفتقر إىل الطهارة وسرت العورة واستقبال القبلة ألهنا صالة يف احلقيقة‪.‬‬
‫أما كون سجود التالوة صالة فألنه تطلق الصالة على السجود ويطلق السجود على الصالة‪ .‬وقد جاءت‬
‫األحاديث يف روايات الصحابة تعرب عن الصالة بالسجود‪ ،‬إذ تعرب عن الركعة بلفظ سجدة‪ .‬فقد روى ابن عمر قال‪:‬‬
‫«صليت مع رسول اهلل ‪ ‬قبل الظهر سجدتين وبعدها سجدتين وبعد المغرب سجدتين وبعد العشاء سجدتين»‪.‬‬
‫واحلديث يعين ركعتني‪ .‬وروي عن حفصة بنت عمر‪« :‬أن رسول اهلل ‪ ‬كان يصلي سجدتين خفيفتين إذا طلع الفجر»‪.‬‬
‫واحلديث يعين ركعتني خفيفتني وهذا يدل على أنه يطلق على السجود أنه صالة‪ .‬وحني يطلق على الركعة سجدة ‪ -‬وال‬
‫خالف يف أن الركعة صالة ‪ -‬فإن السجدة كذلك تعترب صالة‪ .‬على أن السجود فعل من أفعال الصالة‪ .‬وقد يكون جزءًا‬
‫من الصالة كالسجود يف الصالة اليت تتألف من ركعات‪ ،‬وقد يكون وحده صالة كسجود الشكر وسجود التالوة وسجود‬
‫السهو‪ .‬وكما أن الصالة هلا سبب وهو دخول الوقت كالظهر‪ ،‬أو حصول ما شرعت له كتحية املسجد‪ ،‬فكذلك للسجود‬
‫سبب وهو السهو يف الصالة يف سجود السهو‪ ،‬وحصول نعمة أو دفع نقمة يف سجود الشكر‪ ،‬أو تالوة آية سجدة يف‬
‫سجود التالوة‪ .‬وسجود السهو ال خالف يف أنه ليس جزءًا من الصالة بل هو جابر للصالة قال عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫«وإن كانت ناقصة كانت الركعة تمامًا لصالته والسجدتان ترغمان أنف الشيطان»‪ .‬وسجود السهو يشرتط فيه‬
‫الطهارة لقوله عليه السالم‪« :‬ال يقبل اهلل صالة بغير طهور»‪ .‬ويصدق عليه أنه صالة‪ .‬فكذلك سجود التالوة وسجود‬
‫الشكر يشرتط فيه الطهارة ألنه كسجود السهو عبادة غري ركعات الصالة فما ينطبق على سجود السهو من حيث كونه‬
‫(سجودًا) ينطبق على سجود التالوة سواء بسواء‪ .‬ال من حيث القياس ألنه ال قياس يف العبادات‪ .‬بل من حيث كونه فردًا‬
‫من أفراد السجود والسجود يشرتط فيه الطهارة باعتباره سجودًا ال باعتبار سببه‪ .‬وهبذا يتبني أن سجود التالوة صالة‬
‫فيشرتط فيه ما يشرتط يف الصالة‪.‬‬
‫أما ما ذكره البخاري يف صحيحه من قوله (باب سجود املسلمني مع املشركني واملشرك ليس له وضوء) وكان‬
‫ابن عمر رضي اهلل عنهما يسجد على غري وضوء‪ .‬فال دليل فيه على جواز سجود التالوة بغري وضوء‪ .‬وذلك ألن البخاري‬
‫ذكره يف الباب عنوانًا ومل يروه عن أحد رواية‪ .‬وما يذكره البخاري يف كتابه عنوانًا للباب ال يعترب حديثًا مرويًا له وال‬
‫يصلح لالستدالل كنص شرعي بل هو رأي للبخاري نفسه‪ .‬وأما الرواية األخرى اليت روت أن ابن عمر كان يسجد‬
‫للتالوة على غري وضوء فهي رواية عن جمهول‪ .‬فقد روى ابن أيب شيبة من طريق عبيد بن احلسن عن رجل زعم أنه كنفسه‬
‫عن سعيد بن جبري قال‪( :‬كان ابن عمر ينزل عن راحلته فيهريق املاء مث يركب فيقرأ السجدة وما يتوضأ) واجملهول ال نقبل‬
‫روايته‪ .‬وقد ورد يف رواية األصيلي حبذف كلمة (غري) أي (يسجد على وضوء)‪ .‬وهبذا تبني أنه مل يثبت عن ابن عمر أنه‬
‫سجد للتالوة من غري وضوء على أن الرواية عن ابن عمر أنه كان يسجد على غري وضوء تناقض قوله بوجوب الوضوء‬
‫لسجود التالوة‪ .‬فقد روى البيهقي بإسناد صحيح عن الليث عن نافع عن ابن عمر قال‪( :‬ال يسجد الرجل إال وهو طاهر‬
‫وأن ابن عمر نفسه كان يعترب سجود التالوة صالة ويقول‪ :‬انه مكروه القيام به يف أوقات الكراهية فقد روي عن ابن عمر‬
‫أنه سئل عمن قرأ سجود القرآن بعد الفجر وبعد العصر أيسجد؟ قال‪ :‬ال‪ .‬هذا بالنسبة للرواية وأما بالنسبة لالستدالل فإن‬
‫فعل ابن عمر ليس دليًال شرعيًا وكذلك قوله ال يعترب دليًال شرعيًا بل هو حكم شرعي جملتهد‪ ،‬ألن مذهب الصحايب ليس‬
‫دليًال شرعيًا‪.‬‬
‫وأما ما رواه البخاري قال حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي‬
‫اهلل عنهما‪« :‬أن النبي ‪ ‬سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن واإلنس» فإن هذا احلديث يرد دراية‬
‫ولو رواه البخاري‪ .‬أما وجه كونه يرد دراية فمن وجهتني‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه يعارض نص القرآن القطعي ألن القرآن خيربنا أن املشركني قد كرب عليهم ما يدعوهم إليه الرسول‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪َ :‬ك ُبَر َعَلى اْلُم ْش ِر ِكيَن َم ا َتْد ُعوُه ْم ِإَلْيِه ‪ ‬وهذا احلديث يقول أهنم سجدوا ملا مسعوا القرآن وسجودهم يناقض كونه‬
‫كرب عليهم ما يدعوهم الرسول إليه‪ .‬واهلل تعاىل أخربنا بأن املشركني إذا تلي عليهم القرآن ال يسجدون‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬و ِإَذا‬
‫ُقِر َئ َعَلْيِه ْم اْلُقْر آُن َال َيْسُج ُد وَن ‪ ‬وهذا احلديث يقول أهنم سجدوا حني تلي عليهم القرآن‪ .‬والقرآن خيربنا أهنم ينفرون‬
‫من السجود هلل‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬و ِإَذا ِقيَل َلُه ْم اْسُج ُد وا ِللَّر ْح َم اِن َقاُلوا َو َم ا الَّر ْح َم اُن َأَنْسُج ُد ِلَم ا َتْأُمُر َنا َو َز اَدُه ْم ُنُفوًر ا‪‬‬
‫وهذا احلديث يقول ملا تال عليهم القرآن سجدوا‪ .‬فهذا التناقض بني هذا احلديث وصريح القرآن حيتم رد احلديث دراية‪.‬‬
‫أما الوجه الثاين‪ :‬فإن عبد اهلل بن عباس الذي يقال أنه روى هذا احلديث‪ ،‬كان يف الوقت الذي تنسب فيه هذه‬
‫القصة للرسول وهو قبل اهلجرة الثانية إىل احلبشة يف أول البعثة يف مكة‪ ،‬كان صغريًا على فرض أنه كان مولودًا فعلى فرض‬
‫حصول القصة فإن ابن عباس مل حيضرها قطعًا‪ .‬وشراح هذا احلديث يقولون أن ابن عباس مل حيضر القصة قطعًا‪ .‬وعلى‬
‫ذلك يتعارض احلديث مع واقع القصة على فرض حصوهلا‪ .‬وال يقال هنا أن ابن عباس رواها عن الرسول فيكون الرسول‬
‫قد أخربه هبا مشافهة أو بواسطة‪ .‬ألن ابن عباس ال يروي أن الرسول قال‪ .‬وإمنا يروي حسب رواية احلديث عن مشاهدته‬
‫فيقول‪( :‬أن النيب سجد وسجد معه املسلمون واملشركون) وعليه فال حيتج هبذا احلديث‪.‬‬
‫وبذلك ينتفى جواز السجود للتالوة بغري وضوء ويثبَت أنه ال بد لسجود التالوة من الطهارة ألنه صالة‪.‬‬

‫سجدة الشكر‬
‫يستحب ملن جتددت عنده نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكرًا هلل تعاىل‪ ،‬ملا روي عن أيب‬
‫بكرة‪« :‬أن النبي ‪ ‬كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجدًا شكرًا هلل تعالى»‪ .‬ولفظ أمحد‪« :‬أنه شهد النبي ‪ ‬أتاه‬
‫بشير يبشره بظفر جند له على عدوهم ورأسه في حجر عائشة فقام فخر ساجدًا فأطال السجود ثم رفع رأسه فتوجه‬
‫نحو صدفته فدخل فاستقبل القبلة»‪ .‬وحكم سجود الشكر يف الشروط والصفات حكم سجود التالوة خارج الصالة‪.‬‬

‫الصوم‬
‫ِم‬
‫صوم رمضان ركن من أركان اإلسالم وفرض من فروضه والدليل عليه قوله تعاىل‪َ :‬فَمْن َش ِه َد ْنُك ْم الَّش ْه َر‬
‫َفْلَيُصْم ُه‪ ‬وما روى ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬بني اإلسالم على خمس‪ :‬شهادة أن ال إله إال اهلل وأن‬
‫محمدًا رسول اهلل وإقام الصالة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان» ويتحتم وجوب ذلك على كل مسلم بالغ عاقل‪،‬‬
‫وأما الصيب واجملنون فال جيب الصوم عليهما لقوله ‪« :‬رفع القلم عن ثالثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى‬
‫يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق»‪ .‬وأما احلائض والنفساء فال جيب عليهما ألنه ال يصح منهما‪ ،‬فإذا طهرتا وجب‬
‫عليهما القضاء ملا روت عائشة رضي اهلل عنها قالت‪« :‬في الحيض كنا نؤمر بقضاء الصوم وال نؤمر بقضاء الصالة»‪.‬‬
‫ومن ال يقدر على الصوم حبال وهو الشيخ الكبري الذي جيهده الصوم أي جيد فيه مشقة‪ ،‬واملريض الذي ال يرجى برؤه فإنه‬
‫َّلِذ‬ ‫ِم‬ ‫ِف‬
‫ال جيب عليه الصوم وجتب عليه الفدية لقوله تعاىل‪َ :‬و َم ا َجَعَل َعَلْيُك ْم ي الِّديِن ْن َح َر ٍج ‪ ‬وقوله تعاىل‪َ :‬و َعَلى ا يَن‬
‫ُيِط يُق وَنُه ِفْد َيٌة َطَعاُم ِم ْس ِكيٍن ‪ ‬وملا روى ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪" :‬من أدركه الكرب فلم يستطع صيام رمضان فعليه‬
‫لكل يوم مد من قمح"‪ .‬وقال ابن عمر‪" :‬إذا ضعف عن الصوم أطعم عن كل يوم مدًا" وروي أن أنسًا رضي اهلل عنه‬
‫(ضعف عن الصوم عامًا قبل وفاته فافطر وأطعم)‪ .‬وإن مل يقدر على الصوم ملرض خياف زيادته ويرجى الربء منه مل جيب‬
‫عليه الصوم ألن فيه حرجًا فيفطر‪ .‬وإذا بريء وجب عليه القضاء لقوله عز وجل‪َ :‬فَمْن َك اَن ِم ْنُك ْم َم ِر يًض ا َأْو َعَلى َس َف ٍر‬
‫َفِعَّد ٌة ِم ْن َأَّياٍم ُأَخ َر ‪ .‬وإن أصبح صائمًا وهو صحيح مث مرض أفطر ألنه أبيح له الفطر‪ .‬فأما املسافر فإنه إن كان سفره دون‬
‫أربعة برد أي دون مثانني كيلو مرتًا صام‪ ،‬وال جيوز له أن يفطر ألن السفر الذي يعطي الرخصة هو السفر الشرعي وهو‬
‫أربعة برد قدرت بثمانني كيلو مرتًا‪ .‬وإن كان السفر ‪ -‬أربعة برد فما فوق ‪ -‬فله أن يصوم وله أن يفطر‪ ،‬ملا روت عائشة‬
‫رضي اهلل عنها أن محزة بن عمرو األسلمي قال‪ :‬يا رسول اهلل أصوم يف السفر؟ فقال‪ :‬رسول اهلل ‪« :‬إن شئت فصم وإن‬
‫شئت فافطر»‪ .‬فإن كان ممن ال جيهده الصوم يف السفر فاألفضل أن يصوم لقوله تعاىل‪َ :‬و َأْن َتُصوُموا َخ ْيٌر َلُك ْم ‪ .‬وإن‬
‫كان جيهده الصوم فاألفضل أن يفطر ملا روى جابر رضي اهلل عنه قال‪« :‬مر رسول اهلل ‪ ‬في سفر برجل تحت شجرة‬
‫يرش عليه الماء فقال‪ :‬ما بال هذا؟ قالوا صائم فقال‪ :‬ليس من البر الصيام في السفر»‪.‬‬
‫أما احلامل واملرضع فإنه جيوز هلما أن تفطرا وعليهما القضاء سواء خافتا على أنفسهما فقط أو على أنفسهما‬
‫وولدمها‪ ،‬أو على ولدمها فقط‪ ،‬أو مل ختافا على شيء مطلقًا‪ .‬أما جواز إفطار احلامل واملرضع جملرد كوهنما حامًال ومرضعًا‬
‫بغض النظر عن كوهنما خائفتني أو غري خائفتني‪ ،‬فلما ثبت يف الصحيحني عن انس بن مالك الكعيب أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«إن اهلل عز وجل وضع عن المسافر الصوم وشطر الصالة وعن الحامل والمرضع الصوم»‪ .‬ومل يذكر احلديث أي قيد‬
‫جلواز اإلفطار بل ذكر ذلك مطلقًا للحامل واملرضع جملرد كوهنما حامًال أو مرضعًا‪ .‬وأما وجوب القضاء على احلامل‬
‫واملرضع فألن الصيام وجب عليهما وأفطرتا فصار دينًا يف ذمتهما وجب عليهما قضاؤه‪ ،‬ملا روي عن ابن عباس أن امرأة‬
‫قالت‪ :‬يا رسول اهلل إن أمي ماتت وعليها صوم نذر فأصوم عنها؟ فقال‪« :‬أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان‬
‫يؤدي ذلك عنها قالت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فصومي عن أمك»‪ .‬وأما عدم وجوب الفدية فألنه مل يرد نص يف وجوهبا يف هذه‬
‫احلال‪.‬‬
‫وال جيب صوم رمضان إال برؤية اهلالل فإن غم على الناس وجب عليهم أن يستكملوا شعبان مث يصوموا‪ ،‬ملا روي‬
‫عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاكملوا العدة وال‬
‫تستقبلوا الشهر استقباًال»‪ .‬وال يصح صوم رمضان وال غريه من الصيام إال بالنَّية‪ ،‬لقوله عليه الصالة والسالم‪« :‬إنما‬
‫األعمال بالِّنيات»‪ .‬وجتب النية لكل يوم ألن صوم كل يوم عبادة منفردة يدخل وقتها بطلوع الفجر وخيرج وقتها بغروب‬
‫الشمس‪ .‬وال يفسد صيام اليوم بفساد ما قبله وال بفساد ما بعده فلم يكفه نية واحدة للشهر كله بل ال بد من نية لكل‬
‫يوم‪ .‬وال يصح صوم رمضان وال غريه من الصوم الواجب بنّية من النهار‪ ،‬بل ال بد أن يبّيت النّية من الليل ملا روت حفصة‬
‫رضي اهلل عنها أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬من لم يبّيت الصيام من الليل فال صيام له» وتصح النّية يف أي جزء من الليل من غروب‬
‫الشمس حىت طلوع الفجر‪ ،‬ألنه كله داخل حتت تبييت النّية من الليل‪ .‬وأما صوم التطوع فإنه جيوز بنية قبل الزوال‪ ،‬ملا‬
‫روت عائشة رضي اهلل عنها أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬أصبح اليوم عندكم شيء تطعمون فقالت‪ :‬ال‪ ،‬فقال‪ :‬إني إذًا صائم»‪ .‬وال‬
‫بد من التعيني يف النية‪ ،‬فال بد أن يقول أنه صائم من رمضان ألنه قربة مضافة إىل وقتها‪ .‬غري أنه ال يشرتط التلفظ بالنية بل‬
‫يكفي وجود القصد يف القلب‪ .‬وال جيزئه إال بعزمية أنه من رمضان ألن تعيني النّية يف كل يوم واجب‪ .‬ويدخل يف الصوم‬
‫بطلوع الفجر الصادق وخيرج منه بغروب الشمس‪ ،‬ملا روى عمر رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إذا أقبل الليل من ها‬
‫هنا وأدبر النهار من ها هنا وغابت الشمس من ها هنا فقد أفطر الصائم»‪ .‬ولقوله تعاىل‪َ :‬و ُك ُلوا َو اْش َر ُبوا َح َّتى َيَتَبَّيَن‬
‫َلُك ْم اْلَخ ْيُط اَألْبَيُض ِم ْن اْلَخ ْيِط اَألْس َو ِد ِم ْن اْلَف ْج ِر ‪.‬‬
‫ِم اْلَخ ِط اَأل ِد‬
‫ْس َو‬ ‫وحيرم على الصائم األكل والشرب آلية‪َ :‬و ُك ُلوا َو اْش َر ُبوا َح َّتى َيَتَبَّيَن َلُك ْم اْلَخ ْيُط اَألْبَيُض ْن ْي‬
‫ِم ْن اْلَف ْج ِر ُثَّم َأِتُّم وا الِّص َياَم ِإَلى الَّلْيِل ‪ ‬فإن أكل وشرب وهو ذاكر للصوم عامل بتحرميه بطل صومه ألنه فعل ما ينايف‬
‫الصوم من غري عذر‪ ،‬وإن استعمل السعوط أو صب املاء يف إذنه فوصل إىل دماغه بطل صومه‪ ،‬ملا روى لقيط بن صربة‬
‫رضي اهلل عنه قال‪ :‬قلت يا رسول اهلل أخربين عن الوضوء قال‪« :‬اسبغ الوضوء وخلل بين األصابع وبالغ في االستنشاق‬
‫إال أن تكون صائمًا»‪ .‬فمفهوم املبالغة النهي عن املبالغة يف االستنشاق وهو صائم حىت ال يصل شيء إىل الدماغ‪ ،‬وهذا‬
‫معناه إذا وصل شيء إىل الدماغ حرم عليه وبطل صومه‪ .‬واألكل والشرب والسعوط والقطرة يف األذن تشمل دخول أي‬
‫شيء سواء أكان مما يؤكل ويشرب كالطعام واملاء والتبغ والتنباك وما شابه ذلك أم كان مما يستعمل كالسعوط يف األنف‬
‫والقطرة يف األذن وما شابه ذلك‪ .‬وكذلك حترم املباشرة يف الفرج لقوله تعاىل‪َ :‬فاآلَن َباِش ُر وُه َّن ‪ ‬فدل على عدم املباشرة‬
‫قبل اآلن وهو النهار‪ .‬فإن باشر يف الفرج بطل صومه وإن باشر فيما دون الفرج فأنزل أو قّبل فأنزل بطل صومه وإن مل‬
‫ينزل مل يبطل‪ ،‬ملا روى جابر رضي اهلل عنه قال‪« :‬قّبلت وأنا صائم فأتيت النبي ‪ ‬فقلت قبلت وأنا صائم فقال‪ :‬أرأيت‬
‫لو تمضمضت وأنت صائم»‪ .‬فشبه القبلة باملضمضة فإن وصل املاء أفطر وإال فال‪ ،‬وكذلك املباشرة يف غري الفرج والقبلة‪.‬‬
‫وإن استقاء بطل صومه ملا روى أبو هريرة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬من استقاء فعليه القضاء عامدًا‪ ،‬ومن ذرعه‬
‫القيء فال قضاء عليه»‪ .‬وهذا كله إذا فعله عامدًا فإن فعل أي شيء من ذلك ناسيًا مل يبطل صومه‪ ،‬ملا روي عن أيب‬
‫هريرة رضي اهلل عنه عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬من أفطر في شهر رمضان ناسيًا فال قضاء عليه وال كفارة» وملا روى البخاري‬
‫عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬إذا نسي فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه اهلل وسقاه» وإن أكل أو جامع وهو يظن أن الفجر‬
‫مل يطلع وكان قد طلع أو يظن أن الشمس قد غربت ومل تغرب مل حيسب له صوم يومه وعليه القضاء‪ ،‬ملا روى حنظلة‬
‫قال‪" :‬كنا باملدينة يف شهر رمضان ويف السماء شيء من السحاب‪ .‬فظننا أن الشمس قد غابت فأفطر بعض الناس فأمر‬
‫عمر رضي اهلل عنه من كان قد أفطر أن يصوم يومًا مكانه"‪ .‬وملا روى هشام بن عروة عن فاطمة امرأته عن أمساء قالت‪:‬‬
‫«افطرنا على عهد رسول اهلل ‪ ‬في يوم غيم ثم طلعت الشمس‪ .‬قيل لهشام‪ :‬أمروا بالقضاء قال‪ :‬ال بد من قضاء»‪.‬‬
‫ومن أفطر يف رمضان بغري اجلماع من غري عذر وجب عليه القضاء لقوله ‪« :‬من استقاء فعليه القضاء» ولقوله عليه‬
‫السالم‪« :‬فدين اهلل أحق بالقضاء» وأما من أفطر باجلماع من غري عذر وجب عليه القضاء والكفارة‪ ،‬ألن النيب ‪ ‬أمر‬
‫الذي واقع أهله يف رمضان بقضائه‪ ،‬وملا روي عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪« :‬جاء رجل إلى النبي ‪ ‬فقال‪ :‬هلكت يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬قال وما أهلكك قال‪ :‬وقعت على امرأتي في رمضان فقال‪ :‬هل تجد ما تعتق رقبة قال‪ :‬ال‪ ،‬قال فهل‬
‫تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬ثم جلس فأتى النبي ‪‬‬
‫بعرق فيه تمر فقال‪ :‬تصدق بهذا‪ ،‬فقال‪ :‬أعلى أفقر منا فما بين البتيها أهل بيت أحوج إليه منا‪ ،‬فضحك النبي ‪ ‬حتى‬
‫بدت نواجذه ثم قال‪ :‬اذهب فأطعمه أهلك»‪( .‬والعرق بكسر العني والراء هو املكتل والزنبيل والقفة‪ ،‬وما بني البتيها أي‬
‫ما بني حرتيها‪ ،‬واحلرة األرض املكبسة حجارة سوداء) وهذه هي الكفارة الواجبة على املفطر إذا أفطر باجلماع عامدًا‪.‬‬
‫ويستحب أن يتسحر للصوم ملا روى أنس رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬قال‪« :‬تسحروا فإن في السحور بركة»‬
‫واملستحب أن يفطر على متر فإن مل جيد فعلى املاء ملا روى سلمان بن عامر قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬إذا أفطر أحدكم‬
‫فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور»‪ .‬واملستحب أن يقول عند إفطاره‪ :‬اللهم لك صمت وعلى‬
‫رزقك أفطرت‪ .‬ملا روى أبو هريرة قال‪ :‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا صام مث أفطر قال‪« :‬اللهم لك صمت وعلى رزقك‬
‫أفطرت»‪ .‬ويستحب ملن صام رمضان أن يتبعه بست من شوال‪ ،‬ملا روى أبو أيوب رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫«من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر» ويستحب لغري احلاج أن يصوم يوم عرفة‪ ،‬ملا روى أبو‬
‫قتادة قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬صوم عاشوراء كفارة سنة وصوم يوم عرفة كفارة سنتين سنة قبلها ماضية وسنة بعدها‬
‫مستقبلة»‪ .‬ويستحب أن يصوم يوم عاشوراء حلديث أيب قتادة السابق‪ ،‬ويستحب أن يصوم يوم تاسوعاء ملا روى ابن‬
‫عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬لئن بقيت إلى قابل ألصومن اليوم التاسع» ويف رواية ملسلم زيادة قال‪:‬‬
‫«فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول اهلل ‪ »‬وعاشوراء هي اليوم العاشر من حمرم وتاسوعاء هي اليوم التاسع منه‬
‫ويستحب صيام أيام البيض وهي ثالثة من كل شهر ملا روى أبو هريرة قال‪« :‬أوصاني خليلي ‪ ‬بصيام ثالثة أيام كل‬
‫شهر» وجيوز أن يصوم أي ثالثة أيام من غري تعيني‪ ،‬إال أن األفضل أن يصوم األيام اليت يكون فيها القمر يف أوج نوره‬
‫وهي اليوم الثالث عشر والرابع عشر واخلامس عشر حلديث أيب ذر رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :‬إذا صمت من‬
‫الشهر ثالثًا فصم ثالث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة»‪ .‬وملا روي عن جرير بن عبد اهلل عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬صيام‬
‫ثالثة أيام من كل شهر صيام الدهر‪ ،‬أيام البيض ثالث عشر وأربع عشرة وخمس عشرة»‪ .‬ويستحب صوم يوم االثنني‬
‫واخلميس ملا روي عن عائشة قالت‪« :‬أن النبي ‪ ‬كان يتحرى صيام االثنين والخميس»‪.‬‬

‫الدعاء‬
‫الدعاء هو سؤال العبد ربه‪ .‬والدعاء من أعظم العبادة‪ ،‬وقد أخرج الرتمذي من حديث أنس‪« :‬الدعاء مخ‬
‫العبادة»‪ .‬وقد تواردت اآلثار عن النيب ‪ ‬بالرتغيب يف الدعاء واحلث عليه‪ ،‬فقد أخرج بن ماجه من حديث أيب هريرة‪:‬‬
‫«ليس شيء أكرم على اهلل من الدعاء»‪ .‬وأخرج البخاري حديث‪« :‬من لم يسأل اهلل يغضب عليه» وحديث ابن‬
‫مسعود‪« :‬سلوا اهلل من فضله فإن اهلل يحب أن يسأل» أخرجه الرتمذي‪ .‬وله من حديث ابن عمر رفعه‪« :‬أن الدعاء‬
‫ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد اهلل بالدعاء»‪ .‬وأخرج الرتمذي واحلاكم من حديث عبادة بن الصامت‪« :‬ما‬
‫على األرض مسلم يدعو بدعوة اهلل إال آتاه اهلل إياها أو صرف عنه من السوء مثلها»‪ .‬وألمحد يف حديث أيب سعيد‬
‫رفعه‪« :‬ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم وال قطيعة رحم إال أعطاه اهلل بها إحدى ثالث إما أن يعجل له دعوته‬
‫وإما أن يدخرها له في اآلخرة وإما أن يصرف عنه السوء مثلها»‪ .‬فهذه األحاديث وغريها تدل يف جمموعها على ثبوت‬
‫الدعاء‪ ،‬وهو سؤال العبد ربه‪ .‬وقد وردت يف القرآن عدة آيات تدل على الدعاء قال تعاىل‪َ :‬و َقاَل َر ُّبُك ْم اْد ُعوِني‬
‫ِج‬ ‫ِن‬ ‫ِع‬ ‫ِج‬ ‫ِع ِد‬ ‫ِج‬
‫َأْسَت ْب َلُك ْم ‪ ‬وقال‪َ :‬و ِإَذا َس َأَلَك َبا ي َعِّني َفِإ ِّني َقِر يٌب ُأ يُب َدْعَو َة الَّدا ي ِإَذا َدَعا ‪ ‬وقال‪َ :‬أَّمْن ُي يُب‬
‫ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِش‬
‫اْلُم ضَطَّر ِإَذا َدَعاُه َو َيْك ُف الُّس وَء َو َيْجَعُلُك ْم ُخ َلَف اَء اَألْر ِض ‪ ‬وقال عن دعاء املالئكة‪ :‬اَّل يَن َيْح ُلوَن اْلَعْر َش َو َمْن‬
‫ِف ِل ِذ‬ ‫ِع‬ ‫ٍء‬ ‫ِس‬ ‫ِف ِل ِذ‬ ‫ِم ِبِه‬ ‫ِب ِد‬
‫َحْو َلُه ُيَس ِّبُح وَن َحْم َر ِّبِه ْم َو ُيْؤ ُنوَن َو َيْس َتْغ ُر وَن َّل يَن آَم ُنوا َر َّبَنا َو ْعَت ُك َّل َش ْي َر ْح َم ًة َو ْلًم ا َفاْغ ْر َّل يَن‬
‫ِم ِئ‬ ‫ِت ٍن ِت‬ ‫ِخ‬ ‫ِح‬ ‫ِق‬ ‫ِب‬
‫َتاُبوا َو اَّتَبُعوا َس يَلَك َو ِه ْم َعَذ اَب اْلَج يِم ‪َ ‬ر َّبَنا َو َأْد ْلُه ْم َج َّنا َعْد اَّل ي َو َعْد َتُه م َو َمْن َص َلَح ْن آَبا ِه ْم‬
‫َو َأْز َو اِج ِه ْم َو ُذِّر َّياِتِه ْم ِإَّنَك َأْنَت اْلَعِز يُز اْلَح ِكيُم‪ .‬فاهلل تعاىل قد طلب منا أن ندعوه وبنّي لنا أنه وحده الذي حيب الدعاء‬
‫دون غريه وأوضح لنا شيئًا مما كانت تدعو به املالئكة‪.‬‬
‫فيندب للمسلم أن يدعو اهلل يف السراء والضراء‪ ،‬يف السر والعلن حىت ينال ثواب اهلل‪ .‬والدعاء أفضل من السكوت‬
‫والرضا لكثرة األدلة الدالة عليه‪ .‬ملا فيه من إظهار اخلضوع واالفتقار إىل اهلل تعاىل‪ .‬ولكن جيب أن يكون واضحًا أن الدعاء‬
‫ال يغري ما يف علم اهلل‪ ،‬وال يدفع قضاء‪ ،‬وال يسلب قدرًا‪ ،‬وال حيدث شيئًا على غري سببه‪ .‬ألن علم اهلل متحقق حتمًا‪،‬‬
‫وقضاء اهلل واقع ال حمالة‪ .‬إذ لو دفعه الدعاء ملا كان قضاء والقدر أوجده اهلل فال يسلبه الدعاء‪ .‬واهلل خلق األسباب‬
‫ومسبباهتا‪ ،‬وجعل السبب ينتج املسبب حتمًا‪ ،‬ولو مل ينتجه ملا كان سببًا‪ .‬ولذلك ال جيوز أن يعتقد أن الدعاء طريقة لقضاء‬
‫احلاجة حىت لو استجاب اهلل وقضيت بالفعل ألن اهلل جعل للكون واإلنسان واحلياة نظامًا تسري عليه وربط األسباب‬
‫باملسببات‪ ،‬والدعاء ال يؤثر يف خرق أنظمة اهلل‪ ،‬وال يف ختلف األسباب‪ .‬وإمنا الغاية من الدعاء حتصيل الثواب بامتثال أمر‬
‫اهلل‪ .‬وهو عبادة من العبادات‪ .‬فكما أن الصالة عبادة‪ ،‬والصوم عبادة‪ ،‬واجلهاد عبادة والزكاة عبادة‪...‬اخل فكذلك الدعاء‬
‫عبادة فيدعو املؤمن ويطلب من اهلل قضاء حاجته أو كشف غمته أو غري ذلك من األدعية املتعلقة بالدنيا أو اآلخرة التجاء‬
‫إىل اهلل وخضوعًا له وطلبًا لثوابه وامتثاًال ألوامره‪ ،‬فإن قضيت حاجته كان فضًال من اهلل ويكون قضاؤها وفق أنظمة اهلل‬
‫سائرًا على قاعدة ربط األسباب باملسببات‪ ،‬وإن مل يقضها اهلل كتب له ثواهبا‪ .‬على هذا الوجه ينبغي أن يكون الدعاء من‬
‫املسلم خضوعًا هلل وامتثاًال ألمره وطلبًا لثوابه‪ ،‬سواء قضيت حاجته أم مل تقض‪ .‬وجيوز للمسلم أن يدعو بأي دعاء يريده‬
‫بالقلب أو اللسان‪ ،‬بأي تعبري يراه‪ ،‬وال يتقيد بدعاء معني‪ .‬فله أن يدعو األدعية الواردة يف القرآن‪ ،‬وله أن يدعو األدعية‬
‫الواردة يف احلديث‪ ،‬وله أن يدعو بدعاء من عنده أو بدعاء دعا به غريه‪ .‬فال يقيد بدعاء معني وإمنا يطلب منه أن يدعو اهلل‬
‫تعاىل‪ .‬إال أن األفضل أن يدعو مبا ورد يف القرآن أو احلديث فمن األدعية الواردة يف القرآن قوله تعاىل‪َ :‬و َم ا َك اَن َقْو َلُه ْم‬
‫ِإَّال َأْن َقاُلوا َر َّبَنا اْغِف ْر َلَنا ُذُنوَبَنا َو ِإْس َر اَفَنا ِفي َأْم ِر َنا َو َثِّبْت َأْقَد اَم َنا َو اْنُصْر َنا َعَلى اْلَق ْو ِم اْلَك اِفِر يَن ‪َ. ‬ر َّبَنا ِإَّنَنا َس ِم ْعَنا‬
‫ُمَناِد ًيا ُيَناِد ي ِلِإل يَم اِن َأْن آِم ُنوا ِبَر ِّبُك ْم َفآَم َّنا َر َّبَنا َفاْغِف ْر َلَنا ُذُنوَبَنا َو َك ِّف ْر َعَّنا َس ِّيَئاِتَنا َو َتَو َّفَنا َمَع اَألْبَر اِر ‪َ ‬ر َّبَنا َو آِتَنا َم ا‬
‫ِك ِت‬ ‫ِل‬ ‫ِل ِم‬ ‫ِق ِة‬ ‫ِل‬
‫َو َعْد َتَنا َعَلى ُرُس َك َو َال ُتْخ ِز َنا َيْو َم اْل َياَم ِإَّنَك َال ُتْخ ُف اْل يَعاَد ‪ُ، ‬قْل الَّلُه َّم َم ا َك اْلُم ْل ُتْؤ ي اْلُم ْلَك َمْن َتَش اُء‬
‫َو َتْنِز ُع اْلُم ْلَك ِم َّم ْن َتَش اُء َو ُتِعُّز َمْن َتَش اُء َو ُتِذ ُّل َمْن َتَش اُء ِبَيِد َك اْلَخ ْيُر ِإَّنَك َعَلى ُك ِّل َش ْي ٍء َقِد يرٌ‪َ، ‬ر َّبَنا َال ُتِزْغ ُقُلوَبَنا‬
‫ِل ِذ‬ ‫ِم‬
‫َبْع َد ِإْذ َه َد ْيَتَنا َو َه ْب َلَنا ْن َلُد ْنَك َر ْح َم ًة ِإَّنَك َأْنَت اْلَو َّهاُب ‪ِ، ‬إِّني َو َّج ْهُت َو ْج ِه ي َّل ي َفَطَر الَّس َم اَو اِت َو اَألْرَض‬
‫َح ِنيًف ا َو َم ا َأَنا ِم ْن اْلُم ْش ِر ِكيَن ‪ُ، ‬قْل ِإَّن َص َالِتي َو ُنُس ِكي َو َم ْح َياي َو َمَم اِتي ِلَّلِه َر ِّب اْلَعاَلِم يَن ‪َ ‬ال َش ِر يَك َلُه َو ِبَذ ِلَك‬
‫ُأِم ْر ُت َو َأَنا َأَّو ُل اْلُمْس ِلِم يَن ‪ .‬ومن االستغفارات واألدعية الواردة يف احلديث عن شداد بن أوس رضي اهلل عنه عن النيب ‪:‬‬
‫«سيد االستغفار أن يقول اللهم أنت ربي ال إله إال أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت‬
‫أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء لك بذنبي فأغفر لي إنه ال يغفر الذنوب إال أنت»‪ .‬وعن أيب‬
‫هريرة قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪« :‬واهلل إني الستغفر اهلل وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة»‪ .‬عن حذيفة‬
‫قال‪ :‬كان النيب ‪ ‬إذا أوى إىل فراشه قال‪« :‬باسمك أموت وأحيا‪ .‬وإذا قام قال‪ :‬الحمد اهلل الذي أحيانا بعد ما أماتنا‬
‫وإليه النشور» عن وارد موىل املغرية بن شعبة قال‪ :‬كتب املغرية إىل معاوية بن أيب سفيان أن رسول اهلل ‪ ‬كان يقول يف‬
‫دبر كل صالة إذا سلم‪« :‬ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير‪ ،‬اللهم ال‬
‫مانع لما أعطيت وال معطي لما منعت وال ينفع ذا الجد منك الجد»‪ .‬عن مسّي عن أيب صاحل عن أيب هريرة قالوا‪« :‬يا‬
‫رسول اهلل ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم‪ ،‬قال‪ :‬كيف ذاك؟ قال‪ :‬صلوا كما صلينا وجاهدوا كما‬
‫جاهدنا وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال‪ .‬قال‪ :‬أفال أخبركم بأمر تدركون من كان قبلكم وتسبقون من‬
‫جاء بعدكم‪ ،‬وال يأتي أحد بمثل ما جئتم به إال من جاء بمثله‪ ،‬تسبحون في دبر كل صالة عشرًا وتحمدون عشرًا‬
‫وتكبرون عشرًا» عن عبد الرمحن بن أيب ليلى قال‪ :‬لقيين كعب بن عجرة فقال‪« :‬أال أهدي لك هدية؟ أن النبي ‪ ‬خرج‬
‫علينا فقلنا يا رسول اهلل قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال‪ :‬قولوا اللهم صلى على محمد وعلى‬
‫آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ .‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على‬
‫آل إبراهيم إنك حميد مجيد»‪ .‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال النيب ‪ ‬أليب طلحة التمس لنا غالمًا من غلمانكم خيدمين‬
‫فخرج يب أبو طلحة يردفين وراءه فكنت أخدم رسول اهلل ‪ ‬كلما نزل‪ ،‬فكنت امسعه يكثر أن يقول‪« :‬اللهم اني أعوذ‬
‫بك من الهم والحزن‪ ،‬والعجز والكسل‪ ،‬والبخل والجبن‪ ،‬وضلع الدين وغلبة الرجال»‪ .‬وصح عن النيب ‪ ‬أنه كان‬
‫يقول يف دعائه‪« :‬اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا‬
‫نورا» وعنه ‪ ‬أنه حني رجع من الطائف بعد أن ردته‬
‫وفوقي نورًا وتحتي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا واجل لي ً‬
‫ثقيف شر رد جلس إىل ظل شجرة من عنب وإبنا ربيعة ينظران إليه وإىل ما هو فيه من شدة الكرب‪ ،‬فلما اطمأن رفع عليه‬
‫السالم رأسه إىل السماء ضارعًا يف شكاية وأمل وقال‪« :‬اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس‪،‬‬
‫يا ارحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي‪ ،‬إلى من تكلني‪ .‬إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري‪ .‬إن‬
‫لم يكن بك علي غضب فال أبالي‪ .‬ولكن عافيتك أوسع لي‪ .‬أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح‬
‫عليه أمر الدنيا واآلخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك‪ .‬لك العتبى حتى ترضى وال حول وال قوة إال‬
‫بك»‪ .‬ويستحب أن يرفع يديه حني الدعاء‪ ،‬فقد روي عن حيىي بن سعيد وشريك مسعنا أنسًا‪« :‬عن النبي ‪ ‬رفع يديه‬
‫حتى رأيت بياض إبطيه» ويف حديث أسامة‪« :‬كنت ردف النبي ‪ ‬بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط‬
‫خطامها فتناوله بيده وهو رافع اليد األخرى»‪ .‬ومن األدعية اليت يدعو هبا بعض الناس الدعاء اآليت "اللهم ارزقنا الدنيا‬
‫وال تفتنا فيها وال تبعدها عنا فتفجعنا فيها اللهم اجعل املال كثريًا يف أيدينا وال جتعل منه شيئًا يف قلوبنا" وهو ليس من‬
‫األدعية الواردة‪ ،‬وال بأس أن يدعو به اإلنسان‪ .‬واألحسن أن يدعو باألدعية الواردة‪ .‬ويف صحيحي البخاري ومسلم عن‬
‫أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب ‪ ‬قال‪« :‬نعوذ باهلل من جهد البالء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة األعداء»‪.‬‬
‫ويف صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي اهلل عنه أن النيب ‪ ‬كان يقول‪« :‬اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف‬
‫والغنى»‪.‬‬

You might also like