Professional Documents
Culture Documents
1
المحتوى
3 التقديم
-التشريع السكاني
-التنظيم المؤسسي
41 دمج السياسة السكانية ضمن استراتيجيات التنمية :المفهوم والمقاربات VI
56 المالحق
المراجع
2
التقديـــــم
"إن التكامل الواضح للسكان في استراتيجيات االقتصاد والتنمية سوف يسرع من استدامة التنمية
من تقرير مؤتمر السكان والتنمية 1994 ومواجهة الفقر ،ويسهم في تحقيق األهداف ويحسن نوعية حياة السكان".
مثّل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المنعقد بالقاهرة سنة 1994بداية وضع وتنفيذ سياسات
سكانية وطنية لعديد من الدول التي كانت تفتقر إليها ،لكنه في تونس مثّل بداية مرحلة جديدة لسياسة
سكانية سابقة كثيرا لذلك التاريخ ،نتجت عن إدراك راسخ منذ ستينات القرن الماضي بأهمية القضايا
السكانية وعالقتها بالتنمية االقتصادية واالجتماعية .وتُرجم هذا اإلدراك ،تدريجيا وعبر الزمن ،إلى برامج
ومشاريع ومؤسسات ساهمت في بناء هيكلة السياسة السكانية التونسية.
ويعتبر إنشاء أو وضع سياسة سكانية اعترافا ضمنيا من قبل الدولة بضرورة دمج القضايا السكانية في
عملية التنمية .ففي ضوء االعتراف الكامل بأن اإلنسان هو هدف التنمية ووسيلتها ،وفي ضوء العالقة
المتبادلة بين السكان والتنمية ،فإن تحديد األهداف بخصوص تحسين نوعية الحياة سواء كان ذلك في
الجانب الصحي أو التعليمي أو تمكين المرأة أو تحسين البيئة أو في مجال تقديم خدمات الصحة والصحة
اإلنجابية ،كل ذلك سيؤدي بالنهاية إلى تمكين اإلنسان وجعله قادرا على المساهمة في عملية التنمية عبر
منافذ متعددة.
كانت هذه هي المنطلقات التي حدّدت الرؤية والتوجهات السكانية الوطنية منذ عقود والتي و ّجهت كل ما
أنجز وما تحقّق.
وبتقييم المسيرة السكانية وتحليل مختلف العناصر المتدخلة فيها ومخرجاتها ،يتبيّن اليوم أن الخيار كان في
مبتغاه ومراميه صائبا ،أما من حيث اآلثار ومدى نجاحه في تغيير أوضاع الناس وتوفير فرص المشاركة
وممارسة الحقوق والتنمية العادلة ،فإن األمر يختلف ويتراوح الحكم فيه بين الرضا في مواقع ومستويات،
والفشل في أخرى.
إن وضع وتنفيذ سياسة سكانية وطنية يتطلبان تعاضد جهود الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص
والقوى المجتمعية ألن التحديات والعمل المطلوب معقّد ومتقاطع ومتعدد االختصاصات.
تطور المجتمع وسرعة نسق التغييرات االجتماعية والسياسية والثقافية وعمقها ،حاولت السياسة
ّ ومع
السكانية االنخراط ضمن الواقع الجديد داخليا ،والتناغم مع التوجهات الدولية في المجال والمفاهيم
والمقاربات التي أقرتها المؤتمرات والتظاهرات الدوليّة والتي مثّلت حقوق اإلنسان ومبادئها أحد أركانها
3
األساسية .إالّ أنها عرفت بعض االنتكاسات والحدود خاصة في ضبط العالقة بين السكان والتنمية
وطبيعتها ،وفي ترجمة التوجهات واألهداف التي احتوتها الوثائق واإلعالنات إلى واقع يساهم في تغيير
ظروف عيش كل السكان.
ومع ما وفّرته ثورة كانون الثاني /ينايركانون الثاني /يناير 2011من مناخ الحرية والتعبير وقدر
من الشفافية في نشر المعلومة ،تبيّن أن السلبيات التي كانت تحجبها اإلنجازات والخطاب االنتقائي كثيرة
ومتنوعة ،وأن هناك ضرورة لبذل المزيد من الجهود لمكافحة الفقر والحصول على الحقوق التي تمكن
ّ
الناس من المشاركة الكاملة في المجتمع ،واالستفادة من التقدم االجتماعي واالقتصادي والتكنولوجي
والتمتع بحياة الئقة.
وت ُضاف هذه الدراسة التي تندرج ضمن مشروع اللجنة االقتصادية واالجتماعية لغربي آسيا
"اإلسكوا " حول "تقييم القدرات الوطنية والحاجيات المعرفية في مجال السكان والتنمية في تونس" إلى
الدراسات والبحوث األخيرة التي أنجزت بعد الثورة ،وحاولت إبراز ما تحقّق من إنجازات من أجل
تثمينها وحسن توظيفها والبناء على الدروس المستفادة منها ،وكذلك تسليط الضوء على نقاط الضعف
الحالية والتي قد تؤدّي ،في حال تواصلها ،إلى تهميش القضايا السكانية واختالل جهود التنمية .كما
تتض ّمن الدراسة عدد ا من التوصيات العامة حول تطوير البيئة الداعمة للسياسة السكانية في ترابطها مع
الخطط التنمويّة ،وتوصيات خصوصيّة تتعلّق بتعزيز القدرات المعرفية والمهارية للمتدخلين في الشأن
السكاني – التنموي.
4
منهجية العمل
ت ّم في هذا البحث اعتماد المنهج الوصفي التحليلي بشكل أساسي ،إذ تم جمع البيانات الكمية
تطور وواقع السياسة السكانية في تونس ونوعية الروابط بينها وبين السياسات التنموية
والنوعية عن ّ
العامة والقطاعية .وكان لزاما في ذلك الرجوع إلى عدد من المسوحات والدراسات والبحوث التي أنجزت
في فترات سابقة وإلى نصوص تشريعية وأخرى إدارية ترتيبية ذات عالقة بالموضوع.
وبالتوازي مع ذلك ،تم جمع البيانات والمواقف والمقترحات اإلحصائية حول الوضع الحالي للسياسة
السكانية وتحدياتها الحاضرة والمستقبلية من خالل مقابالت مع مسؤولين وخبراء وممثلي عدد من
مكونات المجتمع المدني ،وقع بداية وضع قائمة فيهم بالتشاور مع أكثر من طرف .كما تم إعداد استمارة
مختصرة لجمع المواقف والمقترحات أرسلت إلى ج ّل الجهات والمؤسسات واألشخاص ذوي العالقة
المباشرة بالسكان والتنمية في تونس.
وحول البيانات والمؤشرات اإلحصائية ،وقع االستناد أساسا إلى المصادر الوطنية ذات الموثوقية العالية
وإلى نتائج الدراسات والمسوح التي تمت مناقشتها واعتمادها .كما تم الرجوع إلى وثائق عدد من
مخططات التنمية االقتصادية واالجتماعية المعتمدة خالل العقدين األخيرين بما في ذلك الوثيقة التوجيهية
للمخطط التنموي الذي يتم حاليا االنتهاء من إعداد مراحله األخيرة.
ومما ساهم في توفر بيانات محيّنة /حديثة ،أن تونس أنجزت خالل سنة 2014عملية اإلحصاء العام
للسكان والسكنى ،وأعدّت خالل السنوات األخيرة عددا من الدراسات والتقارير ذات العالقة بالسكان
وقضاياهم.
أما المرحلة األخيرة ،فقد ُخصصت لتحليل البيانات المج ّمعة من مختلف المصادر وكتابة التقرير.
5
السياسة السكانية في تونس :الخصوصيات ،التحديات واألولويات
لئن كان الحديث عن القضايا السكانية والتعاطي معها قائمين منذ عقود ،فإن انعقاد المؤتمر الدولي
للسكان والتنمية بالقاهرة سنة 1994مثّل نقطة فارقة ومفصليّة في هذا المجال ،وتتويجا لسلسلة من
التظاهرات السكانية العالمية منذ أواخر الخمسينات ،إذ أرسى مسالك واضحة في التعامل مع الشأن
السكاني تجعل من اإلنسان الغاية القصوى من كل فعل تنموي وتعتبر أن ك ّل فرد مه ّم ،وتشدّد على االلتزام
الفردي والجماعي باحترام حقوق اإلنسان وقطع كل أشكال التمييز والتهميش واإلقصاء.
ولكن بالرغم من تركيز المؤتمر على بعض المفاهيم والتدقيق في تفسيرها وإبراز أبعادها مثل الصحة
يعرفه
اإلنجابية والحقوق اإلنجابية ،فإن مفهوم "السياسة السكانية" بقي ،وإلى اليوم ،غير دقيق وال محدّدّ ،
كل طرف وكل جهة حسب ما يراه مناسبا لتوجهاته واختصاصاته وظروفه ،وبقيت حدوده مفتوحة
سعها البعض
ومتحركة يضيّقها البعض ليختزل "السياسة السكانية" في عناصر ومدلوالت محدودة ،ويو ّ
ّ
اآلخر لتصبح قادرة على استيعاب كل ما يتصل بالناس ومحيطهم وتغطية مجاالت عديدة ومتنوعة .ولع ّل
متدرجا في صياغة المفاهيم وتعريفها وفي
ّ مردّ ذلك إلى ّ
أن التعامل مع الشأن السكاني عرف نسقا
خصوصيات الروابط بين العناصر والمكونات .وهو ما تترجمت عنه سلسلة التظاهرات الدولية التي
تطور في الفكر
انتظمت حول السكان ،من مؤتمر روما 1954إلى مؤتمر القاهرة ،1994وما أفرزته من ّ
السكاني من البعد الديمغرافي الكمي إلى المرامي التنموية للقضايا السكانية وارتباطها بحقوق اإلنسان
وبأهمية االستثمار في العنصر البشري وتوسيع مجاالت مشاركته.
لقد نتج عن كل ذلك أننا نجد اليوم تعاريف مختلفة للسياسة السكانية تتراوح بين تحديدها
نمو وهيكلة وتوزيع وهجرة ،وتوسيعها إلى الخصائص النوعية للسكان من
بالخصائص الكمية للسكان من ّ
صحة وصحة إنجابية وتعليم وشغل وأوضاع الفئات الخصوصية كاألطفال والمرأة والمسنين والمه ّجرين
تعرض برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية بالقاهرة إلى السياسات
والالجئين وغيرهم .وقد ّ
السكانية في مفهومها الواسع جدا ضمن األطر االجتماعية واالقتصادية والثقافية والبيئية ،مع التركيز على
تكريس الحقوق واحترامها كمبدأ أساسي في التعامل مع القضايا السكانية المختلفة.
6
وبالرغم من أن أحد أهداف برنامج العمل المذكور في فصله الثالث عشر دعا إلى "إدراج االهتمامات
السكانية في جميع االستراتيجيات والخطط والسياسات والبرامج اإلنمائية ذات الصلة" ،فإن المؤتمر لم
يقدم في وثائقه تعريفا دقيقا للسياسة السكانية وتناولها دائما من حيث مكوناتها وعناصرها التي غطت كل
مجاالت التنمية الشاملة والمستدامة.
لكن حتى تكون منطلقاتنا في البحث واضحة ودقيقة ،ال بدّ من تقديم تعريف للسياسة السكانية كما وردت
صرح به األخصائيون في
ّ في بعض الوثائق الرسمية التونسية وفي عدد من البحوث أو من خالل ما
ي مستوى سوف نبني بياناتنا
ي شيء وعن أ ّ
المجال ،وهي خطوة ضرورية في المنهج حتى ندرك عن أ ّ
وتحليلنا.
و يختلف المختصون في تونس في مفهوم السياسة السكانية بين من يعتبرها "جملة المبادئ واألهداف
واإلجراءات التي تتبناها الدولة فيما يخص القضايا المتعلقة بالسكان وذلك من أجل التأثير في الوضع
السكاني ،ويشمل ذلك المتغيرات في النمو السكاني وعناصره الرئيسية من والدة ووفيات وتوزيع وتركيبة
وهجرة ،إلى جانب القضايا العامة األخرى المرتبطة خاصة بالصحة والتعليم" ،ويرى هؤالء أن السياسة
السكانية مظلة واسعة تندرج تحتها جميع البرامج والفعاليات التي تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة في
المتغيرات السكانية.
ويرى شق آخر أن الصحة الجنسية واإلنجابية والحقوق اإلنجابية هي المحور األساس لكل سياسة سكانية،
إذ أن العناصر والقطاعات األخرى يقع التعامل معها من منظور تأثيرها على الصحة والحقوق اإلنجابية.
وال ينكر أصحاب هذه الرؤية تأثير وضع الصحة اإلنجابية على عدد من قطاعات التنمية االجتماعية
واالقتصادية والبيئية.
وحتى يحسم الموضوع ،فإننا سنعتمد تعريفا للسياسة السكانية مستمدا من أدبيات ووثائق المجلس األعلى
للسكان بتونس ومفاده أن "السياسة السكانية هي المواقف والجهد المعتمد من الحكومة عبر س ّنها لجملة
من اإلجراءات التشريعية المتكاملة والمتناسقة ،وإحداثها لمؤسسات وآليات بهدف التأثير في االتجاهات
السكانية القائمة من حيث الحجم والتركيبة والتوزيع والخصائص وذلك بهدف إحداث تغييرات كمية
ونوعية في حياة الناس وتطوير سلوكيات األفراد بما يضمن عقلنة خياراتهم وترشيد أنماط استخدامهم
للموارد الطبيعية بما يضمن تحقيق مستوى من التنمية يوفر االستدامة والعدالة وتكافؤ الفرص".
7
السياسة السكانية التونسية :االتجاهات والخصائص .II
تعتبر تونس من بين الدول التي بادرت منذ أكثر من 50سنة بوضع األسس األولى لسياستها السكانية
بالمفهوم المشار إليه .فقد حصل اإلدراك مبكرا ،أي منذ الفترة األولى التي تلت استقالل البالد سنة ،1956
بأهمية العالقة التفاعلية بين األبعاد السكانية الكمية والنوعية والتنموية .ولم توضع السياسية السكانية
مكوناتها واتجاهاتها مسايرة
التونسية متكاملة وواضحة المعالم منذ البداية بل تطورت تدريجيا ،وتنامت ّ
وتطو رها نسق النمو ومستوياته بما أفرزته مختلف الفترات التي مرت بها البالد والخيارات
ّ في تش ّكلها
التي اعتمدتها بنجاحاتها وإخفاقاتها .فقد تبلورت ،شيئا فشيئا ،المواقف الرسمية وأحيانا حتى الفكرية من
المسألة السكانية وصيغ التعاطي معها بتدرج في إطار مسار شكلت مالمحه التغيرات والتحوالت التي
عرفتها البالد على كل المستويات خالل العقود الخمسة األخيرة .ولعل ذلك ما يفسر عدم توفّر وثيقة
مصادق عليها من طرف الجهات والسلط المختصة بمس ّمى «السياسة السكانية الوطنية» ،ولكن مفردات
سمت من خالل منطلقات ومبادئ وتشاريع واستراتيجيات وبرامج ومؤسسات وآليات معلنة
تلك السياسة تج ّ
وقائمة وموثّقة .كما أن الخطط التنموية التي اعتمدت إلى حدّ اآلن احتوت ،ضمنيا في البداية ،وبأكثر
وضوح إثر ذلك ،تأكيدا على ثنائية السكان والتنمية.
لقد كان الرابط جلي ا بين البعد السكاني الكمي وإشكاالت التنمية منذ ستينات القرن الماضي .فبالرغم من أن
عدد السكان لم يكن يتجاوز 4.5مليون نسمة سنة ،1966إالّ أن نسبة ّ
نموهم تعدّت %3سنويا ،وفاق
المؤشر اإلجمالي للخصوبة 7أطفال للمرأة الواحدة مع معدالت مرتفعة للوفيات العامة ووفيات الرضع
واألطفال .كل ذلك في بيئة اقتصادية واجتماعية هشة تتميّز بارتفاع نسب الفقر واألمية وش ّح الموارد
الطبيعية وانتشار البطالة وتردّي المؤشرات الص ّحية وأوضاع المرأة .فكان لزاما ،إذا ،على أصحاب
القرار والمختصين أن يضعوا المنوال التنموي الذي يضمن ،ولو جزئيا ،تجاوز تلك األوضاع واالستعداد
المكون السكاني
ّ لمجابهة التحوالت التي كانت كل فئات المجتمع مقبلة عليها ،فكان أن حصلت القناعة بثقل
النمو والتركيبة والتوزيع ،ولكن كذلك ببعده النوعي المتمثل في
ّ في عملية التنمية ،ال ببعده الكمي فقط أي
ضرورة النهوض بقدرات السكان الصحية والتعليمية وتطوير مهاراتهم في مختلف المجاالت بما يسمح
باالنتقال إلى مستويات عيش أفضل.
8
أي في مجتمع غير متعلّم ووضع صحي متدهور وموارد بشرية ،وخاصة منها النسائية ،غير مؤهلة
ومفتقدة إلى حقوقها األساسية ودون تثمين قدراتها.
وفي سنة ،1994ومع انعقاد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية بالقاهرة انخرطت السياسة السكانية التونسية
وسايرت ما تض ّمنه برنامج عمل المؤتمر من تعميق للعالقة بين السكان والتنمية والبيئة ودمج عناصرها
في الخطط التنموية والسياسات القطاعية وترسيخ مقومات االستثمار في اإلنسان وتحسين أوضاع المرأة
وتمكينها ومشاركتها .وكذلك تعديل التشريعات وإحداث المؤسسات واآلليات التي تسمح بتثبيت الحقوق
اإلنسانية وممارستها ورفع كل أشكال التمييز وتعزيز التكافؤ بين الجنسين وتحقيق التوازن بين النمو
االقتصادي واالجتماعي من جهة والنمو السكاني من جهة أخرى لتأمين درجات أرفع من الرفاه للجميع
والتقليص من الفقر والمحافظة على البيئة.
وتؤكد القراءة التحليلية للتوجهات والبرامج المعتمدة انطالقا من النصف الثاني من تسعينات القرن
الماضي انخراط تونس في فلسفة ومضامين مؤتمر القاهرة وتثبيتها لمسلك اإلدماج والتكامل بين مختلف
األبعاد السكانية باعتبار التفاعل القائم بينها إيجابا وسلبا .وبرز ذلك بوضوح من خالل ج ّل المخططات
التنموية التي اعتمدت بعد سنة .1994كما أنجزت دراسات استشرافية تنموية تغطي عديد المجاالت
استنادا إلى مرجعيات مختلفة من أبرزها المرجعية السكانية ووضع السكان ،عددا وهيكلة وتوزيعا ،في
أفق متوسطة وبعيدة .وأ ُعيد تنشيط المجلس األعلى للسكان مع توسيع تركيبته إلى ممثلي المجتمع المدني
والتصور وهي لجان
ّ واألحزاب السياسية .كما أنشئت ضمنه 5لجان قطاعية دائمة العمل للمتابعة والتقييم
وتطور برنامج تنظيم األسرة إلى برنامج وطني للصحة
ّ الطفولة والشباب والتشغيل والهجرة والمسنين.
اإلنجابية بعد أن وقع إثراء مكوناته وتوسيع اهتماماته ومقارباته واعتماد مفهوم الحقوق اإلنجابية كأحد
روافد الحق في الصحة والمعلومة الصحية والخدمات الجيّدة وحق الجميع في النفاذ إليها بيسر .كما ت ّم
إثراء المنظومة التشريعية في عديد الميادين وخاصة قانون األحوال الشخصية الذي عرف أكثر من تنقيح
خالل العقدين األخيرين شمل حقوق المرأة واألطفال والمسنين ووضع األسرة .وأ ُ ّ
قر المبدأ االختياري
لالشتراك في الملكية بين الزوجين كما أنشئ صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق .وشملت المراجعة
التشريعية أيضا قطاعات الص ّحة والتشغيل والحماية االجتماعية واألطفال والمسنين والتهيئة العمرانية
والبيئة وغيرها من الميادين.
تطور القضايا السكانية وتقييمها ،وإضافة إلى احترام دورية عمليات اإلحصاء
ّ وعلى مستوى متابعة
العشرية ،أنجزت مسوح وطنية نوعية منتظمة كل 5سنوات تقريبا شملت أوضاع األسرة وصحة المرأة
واألمومة اآلمنة والصحة اإلنجابية وقضايا الشباب والطفولة إضافة إلى بحوث المتابعة المنتظمة التي
يصدرها المعهد الوطني لإلحصاء وغيره من المؤسسات والتي من أبرزها بحوث «السكان والتشغيل»
9
التي ّ
تغطي قطاعات سكانية ك ّمية ونوعية عديدة.
إن التقييم الموضوعي ألداء السياسة السكانية التونسية خالل العشرين سنة السابقة للثورة يبرز،
استنادا إلى المؤشرات والمعطيات الكمية والنوعية وإلى حقيقة الواقع الميداني ،أن نجاحات تحققت
وإخفاقات س ّجلت ،وأن الخيارات والمقاربات المعتمدة ،وإن كان لها أثرها اإليجابي في مسار التنمية
عامة ،إالّ أنّها بقيت محدودة الفاعلية في عديد المواضع والمستويات.
فم ّما ال ّ
شك فيه أن إنجازات ونتائج إيجابية س ّجلت في جل القطاعات المتصلة بالمسألة السكانية .يمكن أن
نذكر من بينها نجاح برنامج التحكم في الخصوبة والضغط على النمو السكاني الذي م ّكن من بلوغ مؤشر
الخصوبة مستوى اإلحالل ونزل دونه أحيانا قبل أن يرتفع من جديد ليبلغ 2.46سنة ،2014مع اإلشارة
إلى تقلّص الفوارق في مستويات الخصوبة بين الحضر والريف .وعلى المستوى الص ّحي ،وبالرغم من
تزايد حدّة بعض األمراض المتصلة بنوعية العيش ونسقه مثل أمراض القلب والشرايين والس ّكري ،فإن
سن وهو ما يترجمه تراجع المعدالت العامة للوفيات ووفيات الرضّع
الوضع الص ّحي العام للسكان قد تح ّ
ويتعرض فصل قادم إلى تفاصيل كل ذلك .وشملت االنجازات
ّ وتطور مؤمل الحياة عند الوالدة.
ّ واألطفال
أيضا العديد من القطاعات السكانية والتنموية األخرى.
ّإال أن ذلك ال يجب أن يحجب النقائص العديدة التي عرفتها أشكال التعاطي مع أوجه التنمية البشرية
واالقتصادية والتي ساهم مناخ الحرية والشفافية الذي أوجدته ثورة 14كانون الثاني /يناير كانون الثاني/
يناير 2011ومرحلة االنتقال الديمقراطي في رفع الغشاء عنها واإلصداع بها وفتح الحوار حولها دون
تضييق أو توجيه مسبق.
ومن أبرز تجليات ذلك محدودية المنوال التنموي المعتمد خالل العقدين األخيرين في االستفادة من الفرصة
التي يوفرها االنتقال الديمغرافي والتي تكون انعكاساتها سلبية في صورة عدم استغاللها على الوجه
وتتحول إلى أوضاع عسيرة وتحديات تصعب مجابهتها.
ّ األمثل،
ولقد كانت تونس سبّاقة في بلوغ المرحلة األخيرة من االنتقال الديمغرافي مقارنة بالدول العربية
وتعرف هذه المرحلة بأنها تلك التي يبلغ فيها مجتمع ما الذروة في حجم السكان في ّ
سن العمل ّ واإلفريقية.
مقابل أدنى نسبة للسكان المعالين (أي األطفال والمسنين) ،وهي مرحلة تدوم فترة معيّنة حدّدها البعض
بجيل واحد يخت ّل بعدها التوازن اإليجابي بين الفئات النشيطة والسكان المعالين وخاصة المسنين .ويوفّر
التحول الديمغرافي عالمة رئيسيّة في الفعل التنموي إذا ما توفّرت ظروف معيّنة ورافقته توجهات
وخيارات سياسية مالئمة .إن تضخم الفئات النشيطة في المجتمع التونسي ( 15-59سنة) والتي بلغت
نسبتها % 64.5سنة ،2014وتقلص الفئات الصغيرة ( 0-14سنة) التي قدّرت في نفس السنة بـ 23.8
%والنمو البطيء للفئات العمرية المتقدّمة ( 60سنة فأكثر) ال ُمقدّرة بـ ،% 11.7وفّرت للبالد فرصا
10
لإلنتاج وخلق الثروات لم يقع استثمارها على الوجه األفضل نظرا لعدم اإليفاء الكامل بالشروط الرئيسية
والضرورية لتحويل تلك الطاقة إلى فعل وإنتاج ثروة ونماء ،وهي:
تأهيل الموارد البشرية عن طريق التعليم والتكوين بما يتالءم وحاجيات السوق الوطنيّة والدولية أ-
وتأمين الحقوق اإلنسانية وتوفير ظروف ممارستها للجميع وتمكين المرأة والشباب وتعزيز
مشاركتهما في الحياة المجتمعية ورفع كل أشكال التمييز واإلقصاء عنهما.
ج -تكريس الحوكمة الرشيدة القائمة على اإليفاء بااللتزامات وتأمين الحقوق ،وعلى الشفافية والمساءلة
ونشر مبادئ الديمقراطية وعدم التضييق على الحريات ومقاومة الفساد واستغالل النفوذ بكل أشكاله
ونشر المعلومات الموضوعية والصادقة.
إن توفّر هذه الشروط بمستويات عالية كان من شأنه أن يرفع القدرة التشغيلية لالقتصاد ويخفّض من نسبة
البطالة لدى الشباب خاصة ،ويساهم في تنشيط السوق ونمو االستهالك بما يسمح بنمو االدخار الدافع إلى
وتكرس فيه الشفافية وعلوية
ّ االستثمار الداخلي .كما كان من الممكن أيضا ،في وضع تحترم فيه الحقوق
يتطور االستثمار الخارجي الذي عادة ما تكون قدرته على التشغيل كبيرة .وكان لهذه الشروط
ّ القانون ،أن
مجتمعة أيض ا أن تفضي إلى دفع التنمية الشاملة بما يسمح بالتقليص من مستويات الفقر واالستجابة إلى
حاجيات مختلف الفئات وتحسين نوعية العيش.
إن السؤال المطروح في هذه المرحلة هو :هل استفادت تونس فعال من العائد الديمغرافي ،ولماذا ؟
لقد اعتُمدت السياسات والبرامج واآلليات لتنمية القدرات البشرية في الصحة والتعليم والتكوين وأفردت
الفئات الهشة من أطفال ومسنين ومعوقين وعائالت معوزة بإجراءات وبرامج ترمي إلى حمايتهم
واالستجابة لحاجياتهم.
وشملت عديد اإلجراءات والمبادرات قضايا المرأة والشباب وتوفّقت المنظومة االقتصادية إلى تحقيق
النمو التي راوحت لعديد السنوات مستوى % 5سنويا .كما
ّ نتائج ايجابية على المستوى العام تترجمه نسبة
أمكن في بعض الفترات تعبئة قدر هام من االستثمارات الخارجية من خالل بعث مشاريع أجنبية أو
مشتركة وذلك إضافة إلى الدخول ،ولو باحتشام ،في دائرة اقتصاد المعرفة وبعث األقطاب التكنولوجيّة
التي ساهمت في استقطاب عدد من خريجي الجامعات وفي تصدير منتوج الذكاء.
إن هذا الخلل في توزيع الثروة ،والذي كان السمة الواضحة في تونس ،لم يشمل فقط الفئات االجتماعية
واإلناث مقارنة بالذكور ،بل وخاصة الجهات المختلفة للبالد ،إذ يص ّح الحديث في هذا المجال عن واقعين
شديدي االختالف من حيث االستثمار العمومي وتوفّر الخدمات ونوعيتها وتوفّر البنية التحتية ،وهما
الشريط الساحلي من ناحية ،والجهات الداخلية والغربية من ناحية أخرى .فقد تر ّكزت االستثمارات
سمت اختالال صارخا بينها وبين باقي
والمؤسسات والمشاريع في واليات الشريط الساحلي بصورة ج ّ
الواليات .ومن الطبيعي والحالة تلك ،أن تشهد هذه األخيرة ارتفاعا في مؤشرات البطالة والفقر وتدنّيا في
حجم الخدمات االجتماعية ونوعيتها وأن تنشط حركة الهجرة الداخلية للشباب خاصة نحو المدن الساحلية
التي لم تكن قادرة وال مؤهلة الستيعاب األعداد الكبيرة من الوافدين عليها سواء من حيث ظروف العيش
أو توفير مواطن الشغل أو الرعاية االجتماعية وغيرها...
وتمثّل نسب البطالة حسب الواليات ،مؤشرا معبّرا عن هذا التفاوت بينها ،إذ تراوحت في سنة 2014بين
12
% 9.3بوالية المنستير و % 26.2بوالية قفصة ،وتنزل عن مستوى % 15في 9واليات وترتفع عن
مستوى % 20في 4منها .وعلى مستوى الجهات االقتصادية للبالد ،تراوحت البطالة في أواخر سنة
2012بين % 17.4بإقليم تونس ،و % 11.4بإقليمي الوسط الشرقي والشمال الشرقي ،و% 21.3
بالشمال الغربي و % 25.7بالجنوب الشرقي.
أما عن مساهمة المرأة والشباب في الفعل المجتمعي وفي الحياة السياسية ،وبالرغم من المبادرات التي
اتخذت في عدد من المجاالت بهدف االستجابة إلى بعض احتياجاتهم وتوفير الرعاية لهم في أوضاع
معينة ،فإن اإلرادة والجهد لم يكونا كافيين لرفع كل أشكال التمييز ضد المرأة وال لتعزيز مشاركة الشباب
ّ
والتنظم الحر .كما أن الحقوق االقتصادية والمدنية ،وإن وممارسته لحقوقه في التعبير واإلصداع بالرأي
كانت موثّقة في التشاريع والنصوص ،فإنها افتقرت إلى الضمانات التي ّ
تكرس ممارستها في الواقع ،وهو
ما عكسه التدني الكبير لمشاركة الشباب والمرأة في الحراك السياسي الوطني وفي نسيج المجتمع المدني،
بل أن بعض الدراسات المنجزة قبل سنة 2011أ ّكدت عدم رغبة الشباب في ذلك ال عن قناعة وعدم إيمان
بمجرد
ّ بدوره في الشأن العام ،وإنما استنكارا للبيئة والمواقف غير الداعمة وغير المشجعة ،وقد تأ ّكد ذلك
تغيّر الوضع وتوفّر الحريات.
وبالرغم من المكاسب التي تحققت للمرأة التونسية خالل الخمسين سنة الماضية والتي تدعم بعضها في
العقدين األخيرين خاصة في المجال التشريعي ،إذ أصدرت تونس بين سنتي 1999و 14 ،2009نصا
تشريعيا إما جديدا أو تعديليا يتصل بحقوق المرأة ودعم المساواة في الحقوق والواجبات ،فإن الخيارات
العامة والتوجهات االقتصادية لم تخلّصها من عديد أشكال التمييز ولم تؤ ّمن لها المساواة الكاملة بينها وبين
الرجل ،فتواصل الفقر أنثويا أكثر منه ذكوريا وبلغت نسبة األمية لدى اإلناث من الفئة العمرية 10سنوات
فما فوق ضعفها لدى الذكور ( % 12.4للذكور و % 25.0لإلناث سنة .)2014وتجاوزت نسبة بطالة
اإلناث مثيلتها لدى الذكور بكثير ( % 11.4للذكور و % 22.2لإلناث في سنة .)2014
إن العامل الرئيسي واألكثر أثرا في عدم توفّق تونس في االستغالل األفضل لفرصتها الديمغرافية
كرس
واستثمارها من أجل النماء والرفاه وتفعيل حقوق الجميع كان دون شك أسلوب الحوكمة الذي ّ
الفوارق بين الجهات والتهميش لفئات كثيرة والذي لم يعتمد الشفافية في الخطاب والمعامالت ولم يطبّق
المساواة أمام القانون وال المساءلة كمبدأ وممارسة ،وذلك خدمة ألشخاص ومجموعات على حساب
أخرى .وطبيعي في مثل هذا الوضع أن يتف ّ
شى الفساد في عديد المستويات وأن يخت ّل البعد األمني السكاني
بما أن كل ما يخدم مصالح البعض أصبح مباحا .وهو ما يعني تراجعا تدريجيا للثقة في المؤسسات
والهياكل وانحسارا في االستثمار الداخلي والخارجي على السواء وبالتالي تراجعا للمردودية االقتصادية
وتدهورا لألوضاع االجتماعية والقدرة الشرائية لفئات وجهات عدّة .وقد ساهمت جملة من المؤشرات
13
االقتصادية واالجتماعية اإل يجابية في حجب ممارسات الحوكمة غير الرشيدة وتداعياتها إما بأهميتها
(تراجع عجز الميزانية إلى حدود % 2.9كمعدّل ونمو سنوي لالقتصاد بحوالي 5%خالل العشرية
،)1997-2007أو بنشر البيانات والمؤشرات بانتقائية كإبراز النسب والمعدّالت الوطنية التي عادة ما
تخفي الفوارق والتمييز والتهميش.
إن اقتناص الفرصة الديمغرافية وفتح نافذتها على أكبر زاوية ممكنة هو ،مثلما سبقت اإلشارة إليه ،رهين
عدّة عوامل مترابطة وتخضع لجدلية العالقات في تفاعلها وتداعياتها .والواضح اليوم أن تلك العوامل،
خاصة الحوكمة الرشيدة القائمة على احترام حقوق اإلنسان وعلوية القانون والعدالة االجتماعية والشفافية
والمساءلة ،لم تتوفّر بالمستويات المطلوبة .كما لم يتوفّر التوازن المنشود بين القدرات والفرص ،أي بين
العنصر البشري الفاعل والمنتج وبين مكونات المنظومات السياسية واالقتصادية المعتمدة .فالمالحظ في
تونس خالل العقدين السابقين للثورة أن القدرات ّ
تعززت بالصحة والتعليم والتكوين بمستويات مرضيّة،
المرجو .وليس دقيقا ما يذهب إليه البعض أن
ّ لكن الظروف والفرص السانحة الستخدامها لم تتوفر بالقدر
النمو االقتصادي ويدفعه ،ولكن األكثر دقّة وواقعيّة هو أن التحول الديمغرافي
ّ التحول الديمغرافي يش ّجع
ّ
يوفّر الظروف المالئمة والمساندة للتنمية متى عرف أصحاب القرار كيف يغتنمون هذه الفرصة وكيف
يتدخلون بالسياسة المالئمة والبرامج العملية الفاعلة واآلليات الداعمة والحكم الرشيد حتى تكتمل المعادلة.
النمو ولم تكن التنمية .وأخفت المعدّالت
ّ وهو ما لم يتحقّق في تونس باإلرادة والمستوى المطلوبين ،فكان
ي في مثل هذه
الوطنية اإليجابية في كثير من القطاعات الفجوات والتهميش واألوضاع المتردّية .وبديه ّ
األوضاع أن يتفاقم كبت الفئات والجهات المه ّمشة والمحرومة ويتنامى غضبها وشعورها بالضيم إلى حدّ
يحصل فيه االنفجار وهو ما حدث سنة 2008على مستوى الحوض المنجمي وفي أواخر سنة 2010في
كامل جهات البالد وانتهى بالثورة الشعبية التي غيّرت النظام وقلبت المعطيات ووضعت يوم 14كانون
الثاني /ينايركانون الثاني /يناير 2011حدا لمرحلة وبداية ألخرى مغايرة ومختلفة جذريا.
وليس غريبا أن يكون الشباب وسكان المناطق الداخلية هم الذين أطلقوا شرارة الثورة وغذّوها بتلقائية
كتعبير صريح وجارف عن غضب تنامى لديهم عبر السنين .فالفقر والبطالة والتهميش واإلقصاء والتمييز
واستشراء الفساد وغياب الشفافية والمساءلة والمساواة أمام القانون كانت وقود الثورة ،في حين كان
الشباب والمهمشون مطلقوها وقادتها.
ّ
يوظف دائما لخدمة كل السكان ولتأمين العدالة االجتماعية النمو االقتصادي الذي عرفته البالد لم
ّ إن
وحسن توزيع الثروة ،لذلك أفرز األزمات ،فالغضب ،فالثورة .فقد وقع اإلغفال عمليا على األقل ،عن
العالقة التفاعلية ضمن ثنائية السكان والتنمية وعن المبدأ األساسي الذي استندت إليه السياسة السكانية عند
إطالق أول أسسها ،والمتمثل في أن غاية التنمية هي النهوض بالسكان جميعا ال بفئة على حساب أخرى
14
حتى وإن بلغ النمو االقتصادي أعاله .ومن المؤشرات الدّالة على هذا االنعطاف في التعاطي مع قضايا
السكان والتنمية إلغاء المجلس األعلى للسكان سنة 2010وهو الذي كان يؤ ّمن متابعة السياسة السكانية
التنموية ويقيّمها ويحدّد توجهاتها بتركيبته ولجانه القطاعية المختلفة.
تمر بفترة انتقال في ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية دقيقة ،وهو أمر
واليوم وتونس ّ
قوضت أركانا وتسعى إلى بناء أخرى ،كثرت التحدّيات وتزايدت حدّتها .فأمام
متوقع بعد ثورة شعبية ّ
تراجع األداء االقتصادي بفعل عديد العوامل الداخلية في أغلبها وما عرفته البالد من انفالت أمني وتحدّي
البعض لسلطة الدولة والقانون بتبريرات عدّة ،ومع تنامي مطالبة الفئات والجهات التي ه ّمشت بحقها في
التنمية والتشغيل والعدالة االجتماعية وتوفير الخدمات الجيّدة ،يتواصل التعامل بصعوبة من أجل تعديل
األوضاع .حتى أن بعضها تدنّت مؤشراته مباشرة بعد الثورة ولم يبلغ ّ
تطورها بعد النسق المأمول ،على
غرار نسبة البطالة التي تراجعت من % 18.3في سنة 2011إلى % 14.8سنة ،2014والتي تبقى
مرتفعة خاصة لدى الشباب من حاملي الشهادات العليا ،أو االستثمار الداخلي والخارجي الذي تقلّص
بصفة ملحوظة ،أو نسبة التض ّخم التي بلغت مستويات عالية ،حيث ارتفعت نسبة التض ّخم في االستهالك
العائلي بـ % 3.6خالل شهرأيار/مايو 2016مثال ،مقارنة بنفس الشهر من سنة 2015بما من شأنه أن
يقلّص من القدرة الشرائية للسكان وأن يحدّ من االدخار وبالتالي من االستثمار واالنتعاش االقتصادي.
إن المجتمع التونسي يعيش اليوم عسرا في االنتقال من وضع إلى آخر ،وهو أمر طبيعي ،كاالنتقال من
الخالف إلى االختالف ومن اإلقصاء إلى االعتراف ومن الدكتاتورية إلى حكم الشعب ،والمه ّم أن يؤول
ذلك إلى منوال حكم وأداء تحترم فيه الحقوق والحريات وتصان ضمنه المكتسبات واالنجازات ويقع القطع
في إطاره مع التهميش واإلقصاء.
15
وتطوره :المؤشرات ودالالتها
ّ الوضع الديمغرافي .III
لقد أفرزت السياسة السكانيّة التونسيّة التي اعتمدت خالل الخمسة عقود الماضية وضعا ديمغرافيا
بلغت به تونس منذ سنوات المرحلة األخيرة من تحولها الديموغرافي ،وقد ت ّم ذلك بنسق سريع نسبيا
للتحول
ّ مقارنة بما حدث في عديد المجتمعات األخرى .ويعتبر النموذج التونسي مثاال للنمط الكالسيكي
سن األوضاع االقتصادية واالجتماعية ،كان
التطور الطبي وتح ّ
ّ الديمغرافي إذ أن انخفاض الوفيات ،بفعل
سابقا لتراجع مستويات الخصوبة .كما أن السيطرة على اإلنجاب حدثت أساسا بفعل تأ ّخر ّ
سن الزواج ث ّم
وفي مرحلة موالية ،بمفعول السياسات والبرامج الخصوصية ومن أهمها برنامج تنظيم األسرة.
انعكست التحوالت االجتماعية والصحية واالقتصادية والثقافية التي عرفها المجتمع التونسي على
الوضع الديمغرافي وأوضاعه الجديدة التي أثمرتها التحوالت في المواقف والسلوكيات ،وتعبّر عنها
بوضوح المؤشرات والبيانات اإلحصائيّة.
النمو السكاني:
ّ .1.III
لقد أشار التعداد العام األخير للسكان والسكنى لسنة 2014أن عدد سكان تونس بلغ 10.982754ساكنا
مقابل 9.910900ساكنا سنة : 11154.400( .2004تقديرات جويلية .)2015
10982.754
12000 9910.9
8785.4
10000
6966.2
8000
5588.2
6000 4533.3 السكان
4000
2000
0
1966 1975 1984 1994 2004 2014
16
ّ
ويتوزع السكان بين الوسط البلدي بنسبة % 67.8والوسط غير البلدي بنسبة ،% 32.2وقد كان السكان
يتوزعون سنة 1984بين % 52.8في الوسط البلدي و % 47.2في الوسط غير البلدي .وتواصل اتساع
الفجوة بين عدد السكان بالمناطق البلدية والمناطق غير البلدية إلى أن بلغ مستوياته الحالية وذلك ألسباب
اجتماعية واقتصادية تدفع الحراك السكاني نحو المدن الكبيرة والمتوسطة اعتبارا لتر ّكز التنمية في عدد
من الجهات دون غيرها وخاصة بالمناطق الساحلية للبالد ،ولتوفّر الخدمات والفرص أكثر في المدن منها
في القرى واألرياف ،إضافة إلى ما طرأ على التنظيم اإلداري للفضاء الوطني من تغيير تمثّل في بعث
مناطق بلدية جديدة .وسوف يتغيّر المشهد قريبا إثر تجسيم القرار السياسي بتحويل عشرات المناطق من
غير بلدية إلى مناطق بلدية.
أما من حيث التوزيع حسب الجنس ،فقد تجاوزت نسبة اإلناث مثيلتها لدى الذكور خالل العشرية الماضية
إذ بلغت نسبة اإلناث % 50.2مقابل % 49.8للذكور سنة .2014
الجدول :1
2014 2011 2006 2004 2000 1994 1990 1980 1970 1966 السنة
17
1.03 1.29 1.15 1.08 1.14 1.70 1.96 2.75 2.61 3.01 النسبة
%
المصدر :المعهد الوطني لإلحصاء
.2.IIIالوفيات
بعد تراجع هام ،عرفت الوفيات شبه استقرار في مستوى 6في األلف منذ سنة ،1994إذ بلغت
نسبتها ‰ 5.7سنة 1994و ‰ 5.9سنة ،2011وحققت مستواها األعلى سنة .)‰ 6.1( 2003
وبالمقارنة مع بلدان المنطقة أو حتى البلدان النامية بصفة عامة ،يعتبر مستوى الوفيات في تونس منخفضا
ولن يتراجع مستقبال ّإال بانخفاض وفيات الرضّع واألطفال.
من ناحية أخرى ،يقدّر انخفاض الوفيات من خالل مؤمل الحياة عند الوالدة ،وهو مؤشر يعكس المسار
الصافي للوفيات .فقد انتقل مؤمل الحياة عند الوالدة في تونس من 71.0سنة عام 69.1( 1994سنة
للذكور و 72.9سنة لإلناث) إلى 74.9سنة عام 2011مسجال فارقا إيجابيا لإلناث يقدّر بـأربع سنوات أي
تطور مؤمل الحياة كان بطيئا خالل الفترة
72.9سنة للذكور و 76.9سنة لإلناث .ومما تجدر مالحظته أن ّ
2011-1994أي أنه كسب 4سنوات خالل 17سنة في حين أن الربح كان بـ 20سنة خالل العشريات
الثالث السابقة .ويقدّر هذا المؤ ّ
شر خالل عام 2014بـ 73.8سنة للرجال و 78.5سنة للنساء.
.3.IIIالوالدات والخصوبة
تميّز نسق الوالدات في تونس خالل العقدين األخيرين بعدم االستقرار .فبعد تراجع سريع ما بين
استقرت النسبة انطالقا من سنة ،2000
ّ سنتي 1994و 1999إذ انخفض من ‰ 22.7إلى ،‰ 16.7
18
قبل أن تبدأ في االرتفاع لتصل إلى ‰ 19.3سنة 2011و ‰ 20.5سنة .2014ويبرز الشكل التالي
تطور عدد الوالدات خالل العشرية األخيرة.
ّ
2014 225887
2013 222962
2012 206403
عدد الوالدات
2011 204288
2010 201000
2002 163000
تطور العدد السنوي للزيجات نسقا تصاعديا ملحوظا ما بين سنتي 2004و 2010فإنه شهد
ولئن عرف ّ
تطور عدد الوالدات خالل تلك
استقرارا واضحا ما بين 2012و 2014ال يمكن االستناد إليه في تفسير ّ
الفترة .
وبالنظر إلى توزيع نسب الزيجات حسب الفئات العمريّة للنساء ،يتبيّن أن التراجع تواصل بطيئا لكن
منتظما لدى الفئات الصغرى أي 19-15و 24-20و 29-25سنة ،وبقي شبه مستقرا في الفئتين 34-30
و 39 -35سنة.
19
توزيع نسب زواج النساء حسب الفئة العمرية ()% الجدول : 4
2013 2012 2011 2010 2009 2008 2007 2006 2005 السنة
الفئة
العمرية
6.85 7.26 7.17 6.96 7.18 7.35 8.08 9.51 8.65 19-15
26.35 26.81 27.42 28.28 29.16 30.78 30.74 33.12 32.10 24-20
34.78 35.33 35.25 35.02 34.73 34.25 33.68 32.83 33.39 29-25
16.81 16.92 16.66 16.31 15.94 15.35 15.30 13.77 14.64 34-30
7.20 7.00 6.75 6.68 6.44 6.21 6.20 5.47 5.79 39-35
3.54 3.36 3.42 3.43 3.41 3.18 3.30 2.87 3.05 44-40
1.99 1.91 1.92 1.90 1.83 1.63 1.65 1.36 1.39 49-45
1.70 1.41 1.40 1.43 1.33 1.24 1.05 1.08 0.99 54-50
100 100 100 100 100 100 100 100 100 المجموع
المصدر :المعهد الوطني لإلحصاء -التوقعات السكانية 2044-2014
تخوف كان قائما خالل الفترة السابقة لدى العديد من المختصين حول تدني
وم ّما تتو ّجب اإلشارة إليه أن ال ّ
نسب الخصوبة إلى ما دون مستوى تجدّد األجيال نتيجة ارتفاع نسب العزوبة لدى النساء من الفئات
العمرية األعلى خصوبة أي من 20إلى 35سنة .إالّ أن ذلك لم يحدث بل ارتفعت الخصوبة إلى مستويات
عالية نسبيا ،كما سيأتي الحقا ،بالرغم من تواصل ارتفاع العزوبة لدى الفئات المذكورة.
التوزيع النسبي ( )%للنساء العازبات حسب بعض الفئات العمرية الجدول : 5
20
28.0 52.7 83.5 97.8 2004
.4.IIIالخصوبة :
واصلت مستويات الخصوبة في تونس انخفاضها على امتداد أكثر من أربعة عقود ،إالّ أنها أخذت
منحى تصاعديّا منذ أواخر العقد األخير يترجم عنه ارتفاع عدد الوالدات الذي انتقل من 182478والدة
سنة 2005إلى 225887والدة سنة ،2014وهو ما نتج عنه ارتفاعا ملموسا في المؤشر اإلجمالي
3
للخصوبة الذي انتقل من 2.16طفال لكل امرأة سنة 2004إلى 2.20سنة 2009ليبلغ 2.46سنة
.2014وبالرغم من عدم التوافق التام بين المصادر في تحديد مستوى المؤ ّ
شر اإلجمالي للخصوبة (2.1
حسب المسح العنقودي متعدد المؤشرات 2012 - 2011 :4و 2.46حسب دراسة المعهد الوطني
لإلحصاء حول التوقعات السكانية 2015التي تشير إلى أن مستوى 2.1وقع تجاوزه منذ ،)2007فإن
توزيع الخصوبة حسب الفئات العمرية يبرز حسب نتائج المسح العنقودي 4أن النساء في تونس تنجبن
أساسا في الفئتين العمريتين 29-25سنة و 34-30سنة ( % 12.3لألولى و % 12.5للثانية) ،في حين
يكون حجم اإلنجاب ضعيفا جدا لدى النساء من الفئة العمرية 19-15سنة (.) %0.3
الشكل :3
2.46 : 2014
2.16 :2004
é
. 3المؤشر اإلجمالي للخصوبة :عدد األطفال الذين تنجبهم المرأة خالل حياتها اإلنجابية 49-15سنة استنادا إلى نسبة الخصوبة حسب الفئة
العمرية لسنة معيّنة.
21
تطور المؤشر اإلجمالي للخصوبة (م.إ.خ).
ّ الجدول :6
2014 2013 2012 2011 2010 2009 2008 2007 2006 2005 2004 السنة
2.46 2.41 2.31 2.21 2.22 2.20 2.22 2.20 2.15 2.17 2.16 م.إ.خ
وبدراسة نسب الخصوبة حسب الفئات العمرية يتبيّن أن االنخفاض شمل كل األعمار
صين
وبالخصوص الفئة العمرية األعلى خصوبة أي 34-25سنة .لقد كان اإلجماع قائما لدى المخت ّ
والمحلّلين أن انخفاض الخصوبة أصبح سلوكا متجذّرا لدى التونسيات وليس ظرفيا وذلك استنادا إلى
النسق المتواصل الذي عرفه خالل العقود األخيرة .إالّ أن ما ُ
س ّجل خالل العشرية األخيرة من ارتفاع
متواصل ،وإن كان بطيئا ،يرجعه البعض أساسا إلى ارتفاع عدد الزيجات لألشخاص المولودين خالل
عقدي السبعينات والثمانينات .إالّ أن ذلك ال يمنع من ضرورة التمعّن والتحليل والتفسير من طرف
صين في الديمغرافيا وعلم االجتماع واالقتصاديين وغيرهم .وبالرغم من التقلّص الواضح للفوارق
المخت ّ
بين الحضر والريف ،فإنها ال تزال قائمة على صعيد كل الفئات العمرية بمستويات أقل في الحضر منها
في الريف.
أما على المستوى الجهوي (الواليات) ،فإن الفوارق بيّنة بين الواليات التي تس ّجل مستويات أدنى من
المستوى الذي يسمح بتجدّد األجيال (أي دون 2.1طفال) وتلك التي يتراوح فيها المؤشر بين 2.1و 2.7
طفال .ولئن كان األمر منطقيا بالنسبة لواليات الوسط الغربي ذات المؤشرات االقتصادية واالجتماعية
المتواضعة نسبيا ،فهو يبعث على التساؤل عن أسباب ذلك في عدد من الواليات المرفّهة مثل سوسة
والمنستير ونابل المتصفة بمستويات خصوبة عالية نسبيا .وقد يكون نظام توطين الوالدات وما قد يعتريه
سرة لهذا الوضع اعتبارا لتوفّر عدد من المؤسسات الص ّحية ومراكز التوليد
من نقص أحد األسباب المف ّ
العامة والخاصة بتلك الواليات مما يجعلها قبلة لسكان المناطق المجاورة.
وفي الجملة ،فإن مؤشرات الخصوبة تابعت نسقا انحداريا غير مسبوق إلى حدود سنة 2007لتعود إلى
االرتفاع التدريجي بعد ذلك .ويبقى المجتمع التونسي بالرغم من كل ذلك مجتمعا شابا وإن بدأت عالمات
التشيّخ تبرز فيه.
22
المؤشر اإلجمالي للخصوبة حسب الجهات الكبرى وعدد من الواليات الجدول : 7
المؤشر اإلجمالي للخصوبة الجهة /الوالية المؤشر اإلجمالي للخصوبة الجهة /الوالية
يمكن حصر أهم العوامل المحدّدة النخفاض الخصوبة في تراجع الوفيات وخاصة منها وفيات
الرضّع واألطفال ،وإقرار برنامج لتنظيم األسرة منذ سنة 1966وتحرير المرأة والتنمية االقتصادية
واالجتماعية وارتفاع مستويات التعليم خاصة لدى اإلناث وما نتج عنه من تأ ّخر في ّ
سن الزواج ودخول
المرأة سوق الشغل وانخراطها في الحداثة بأشكال وصيغ متعدّدة.
سن المستوى التعليمي من العوامل الرئيسية التي ساهمت في تطوير السلوك اإلنجابي وفي
ويعتبر تح ّ
دخول المرأة للحياة العملية خارج البيت .وقد أولت تونس ،وال تزال ،مجال التعليم والتكوين أه ّمية كبرى
سم ذلك
صصت له نسبة هامة من ناتجها المحلي اإلجمالي .ويتج ّ
واعتبرته من العناصر الدافعة للنمو وخ ّ
في تراجع نسبة األ ّمية لدى السكان من الفئة 10سنوات فأكثر التي انتقلت من % 31.7سنة 1994إلى
% 18.8سنة 2014وحسب الجنس من % 42.3إلى %25.0لدى اإلناث ومن % 21.3إلى 12.4
%لدى الذكور.
ّإال أن هذه المعدالت تخفي تباينات ها ّمة أحيانا بين الجهات وبين الوسطين البلدي وغير البلدي ،إذ تس ّجل
واليات الشمال الغربي والوسط الغربي أعلى نسب أ ّمية لدى اإلناث تراوحت بين 34.8و ،% 41.1
وتأتي إثر ذلك واليتا زغوان والمهدية بنسبة أ ّمية تقارب ثلث اإلناث من 10سنوات فأكثر .أما بين
23
الهوة شاسعة بين مستويات األمية إذ تبلغ % 12.5بالوسط البلدي
الوسطين البلدي وغير البلدي فإن ّ
و % 32.2بالوسط غير البلدي وذلك سنة .2014ويصبح الوضع أكثر قتامة إذا تعلّق األمر باإلناث
مستواهن التعليمي المرحلة االبتدائية إذ ّ
أن أكثر من نصف السكان اإلناث وطنيا ينتمين ّ الالتي ال يتعدى
إلى هذه الفئة ،وثالثة أرباعهن يتواجدن بالواليات األقل نموا والسابق ذكرها .في المقابل ،فإن نسبة
التمدرس في سن 14-6سنة ،والتي تترجم الجهود المبذولة في مجال التعليم ،بلغت حوالي % 95.7
للذكور و % 95.9لإلناث خالل سنة .2014وبالمقارنة مع الفترات الماضية ،نالحظ أن المعادلة انقلبت
لفائدة اإلناث خاصة في المرحلتين الثانوية والجامعية .وتكفي اإلشارة هنا إلى أن حوالي ثلثي عدد الذين
اجتازوا امتحان الباكلوريا (الثانوية العامة) هم من اإلناث.
تطور المستوى التعليمي ،وخاصة لدى اإلناث ،على مستوى وعي األزواج بأه ّمية الصحة
ّ وينعكس
اإلنجابية وعلى سلوكهم اإلنجابي .فكلما ارتفع المستوى التعليمي كلما انخفض عدد األطفال والعكس
صحيح .ففي سنة 1994كان معدّل األطفال المولودين أحياء لدى النساء ( 15-47سنة ) يقدّر بــ 5.7
طفال لدى األم األ ّمية وأصبح 4.1طفال سنة 2006وبـ 2.4طفال لدى األم ذات المستوى التعليمي الثانوي
و 1.3طفال لدى األمهات ذوات مستوى التعليم العالي ( 2.1 : 2006طفال لدى األمهات من التعليم الثانوي
والعالي) .وتشير نتائج المسح متعدد المؤشرات )2011-2012( 4أن أعلى مستويات المؤشر اإلجمالي
س ّجلت لدى األمهات األميّات في حين لم تتجاوز النسبة لدى األمهات من مستوى التعليم العالي
للخصوبة ُ
2.0طفال.
ويعتبر تأ ّخر ّ
سن الزواج الذي بدأ منذ ستينات القرن الماضي وتواصل خالل العقود األخيرة ،عامال محدّدا
في انخفاض الخصوبة وذلك لتقليصه لفترة احتمال الحمل .وفي تونس ،البلد الذي تقع فيه الوالدات بصفة
شبه كليّة في إطار الزواج ،يصبح هذا العامل من أكثر العوامل تأثيرا في تراجع الخصوبة .وتبرز هيكلة
سن الزواج يواصل أثره في تزايد نسب ّ
العزاب في المجتمع من السكان حسب الحالة الزواجيّة أن تأخر ّ
الجنسين وفي كل الفئات العمرية المعنية .ويعدّ الزواج لدى الفئة العمرية 19-15سنة نادرا إذ تقدّر نسبة
العزوبة لدى هذه الفئة بـ % 96.2لإلناث و % 99.3للذكور وذلك سنة .2014وبالنسبة للفئة 24-20
سنة فهي % 82.8لإلناث و % 97.1للذكور.
تطور الهيكلة العمريّة للسكان أثر انخفاض الخصوبة .فقد عرف الهرم السكاني الذي كان
يعكس ّ
يتصف بخصوصيات المجتمعات الشابة تغيّرا جذريا هاما ،إذ لم تعد تمثل فئة األطفال دون 5سنوات
سوى % 8.2من مجموع السكان سنة 2011مقابل % 11.0سنة 1994وارتفعت إلى % 8.84سنة
.2014كما عرفت فئة األطفال 14-5سنة تراجعا ليمثّل حجمها % 14.92من مجموع السكان سنة
24
تطورت نسبة السكان في سن النشاط ( 15-59سنة) من
2014مقابل % 23.8سنة .1994في المقابل ّ
% 56.9من مجموع السكان سنة 1994إلى % 64.5سنة .2014كما ارتفعت نسبة السكان الذين تفوق
أعمارهم 60سنة من % 3.8من المجموع سنة 1994إلى % 11.7سنة ،2014وهو ما يؤشر لتشيّخ
سط والبعيد وحسب اإلسقاطات السكانية للمعهد الوطني لإلحصاء ،فإن
طفيف للسكان .وعلى المدى المتو ّ
هذه الفئة سوف تمثل خالل سنوات 2021و 2031و 2041على التوالي 14.1%و 18.2%و 22.6
%من السكان وذلك حسب السيناريو المعتدل.
في إطار اإلعداد للمخطط الخماسي للتنمية االقتصادية واالجتماعية ،أنجز المعهد الوطني
لإلحصاء خالل سنة 2015دراسة حول التوقعات السكانية للفترة 2044-2014اعتمدت ،كمنطلق لها،
نتائج اإلحصاء العام للسكان والمساكن لسنة 2014وكذلك إحصائيات الحالة المدنية وخاصة منها المتعلقة
بالوالدات والوفيات والزواج .وقد تض ّمنت الدراسة قسما خاصا بالتوقعات السكانية على مستوى الواليات
من حيث العدد والجنس والفئات العمرية .ويل ّخص الجدول التالي بعضا من نتائج الدراسة المذكورة :
المؤشرات (حسب فرضية االنخفاض المعتدل للخصوبة) التوقعات السكانية :بعض الجدول :8
()2024 الوالدة
25
59-15
الخالصة
يبرز تحليل المؤشرات الديمغرافية أن الخصوبة انخفضت في البداية نتيجة لتراجع الوفيات وذلك
التطور العلمي والتقني في المجال الص ّحي في تراجع الوفيات
ّ وفقا لقاعدة التحول الديمغرافي .فقد ساهم
فاختل بذلك التوازن بين الوالدات والوفيات وعرف النمو السكاني نسقا سريعا .ثم ،ومع تراجع وفيات
الرضع واألطفال خاصة ،تغير السلوك اإلنجابي لألزواج مدفوعا بانطالق البرنامج الوطني لتنظيم األسرة
وإتاحة خدماته المجانية للجميع .كما أن تأخر ّ
سن الزواج ألسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية دعّم السلوك
اإلنجابي المتوازن وساهم في تراجع الخصوبة بصفة ملحوظة .وخالل العشرية األخيرة عرفت الخصوبة
ارتفاعا تدريجيا ساهمت فيه عدّة عوامل من أهمها تطور عدد الزيجات.
أما عن هيكلة السكان ،فتتمثل أبرز االستنتاجات في تواصل الوزن الديمغرافي للشباب (حوالي ثلث
السكان) بالرغم من تقلص حجم الفئات العمرية الصغيرة ،واالرتفاع النسبي للفئة العمرية 60سنة فأكثر
وهي تمثل بذلك ،إضافة إلى حجم السكان النشيطين وارتفاع نسبة الفئات الشابة ،تحديات كبرى بدأت
البالد في مواجهتها وهي تحديات ستتواصل خالل العقود القليلة القادمة ال سيما فيما يتعلق بالتشغيل
والتعليم والحماية االجتماعية.
القوة
القدرات وآليات العمل السكاني :عناصر ّ .IV
26
الكمي أو بقدرات السكان وظروف عيشهم بالرغم م ّما س ّجل من تفاوت وتمييز بين الفئات والجهات .ولع ّل
من أهم ما أكسب تلك السياسة قيمتها وفاعليتها العناصر التالية:
.1.IVاإلرادة السياسية:
إن الرؤية السياسية الرسمية ومرجعياتها كانت ،خالل الستينات والسبعينات والثمانينات خاصة ،زاخرة
بالمواقف والقرارات التي تؤ ّكد أنه ال سبيل لتحقيق التنمية الشاملة واستمرارها إال من خالل االهتمام
تطور حجمها ،باإلضافة إلى الموارد األخرى .لذلك كانت المسألة
ّ بالموارد البشرية وتنميتها وترشيد
السكانية وانعكاساتها على النظام االجتماعي واالقتصادي موضع اهتمام اعتبارا أنها تؤثر على التغيّر
مكونات النسق االجتماعي واالقتصادي والثقافي.
الهيكلي في ّ
ومن الطبيعي أن تكون هذه اإلرادة السياسية والتوافق شبه الكلي الحاصل حولها من الفاعلين المجتمعين،
مر السنوات ،حتى أن بعض
والمحرك لمختلف العناصر واآلليات التي غذت السياسة السكانية على ّ
ّ الدافع
المختصين عبّر عن ذلك بالقول بأن "االهتمام بالسياسة السكانية في تونس يعتبر من تقاليد الدولة
وأولوياتها".
ومن تجليات اإلرادة السياسية في المجال السكاني ،انخراط تونس في كل المؤتمرات والمبادرات الدولية
ذات العالقة والتي من أبرزها مسار المؤتمر الدولي للسكان ،1994وفي إعالن األلفية واعتمادها أهدافه
الثمانية سنة 2000والتزامها بخطة عمل بيجين حول المرأة ،1995واعتمادها في سبتمبر 2015خطة
التنمية المستدامة وأهدافه السبعة عشر ،إضافة إلى رفعها كل التحفظات عن اتفاقية القضاء على أشكال
التمييز ضد المرأة (سيداو) ،وهو ما يفرض عليها اليوم تحديد خياراتها السكانية وصياغة سياستها
27
السكانية من جديد على أساس التحوالت العميقة التي عرفتها وعلى أساس التزاماتها الدولية وضمن مقاربة
قائمة على حقوق اإلنسان ومبادئها.
يعتبر التشريع السكاني ،إحداثا وتطويرا ،من أهم ركائز السياسة السكانية والضامن الستدامتها
ولحماية الحقوق ضمنها .لقد واكبت انطالق السياسة السكانية التونسية سلسلة من القرارات والنصوص
التشريعية التي كان لبعضها تأثيرا مباشرا على الوضع السكاني ولبعضها اآلخر تأثيرا غير مباشر.
فقد انطلقت السياسة السكانية من نص تشريعي هو "مجلة األحوال الشخصية" الصادرة في 13آب/
ويقر نظاما جديدا للزواج
ّ أغسطس ،1956وهو القانون الذي ينظم أوضاع الفرد الشخصية والعائلية
بإلغاء تعدّد الزوجات وتنظيم الطالق وإقرار العديد من حقوق المرأة .وقد ت ّم تنقيح وإثراء القانون عديد
المرات بما يكسب المرأة واألسرة المزيد من الحقوق .ثم جاء قانون 8كانون الثاني /ينايركانون الثاني/
يناير 1961الذي يسمح باستيراد وسائل منع الحمل واإلشهار لها وبيعها.
وأقر سنة 1( 1965تموز /يوليو) قانون إجازة اإلجهاض اإلرادي على أن يكون ذلك ابتداء من الطفل
ّ
الخامس وخالل األشهر الثالثة األولى من الحمل .ثم وقع تعديل هذا القانون باألمر الصادر في 26أيلول/
وأقر ضمانات لحماية سالمة األم.
سبتمبر 1973الذي ألغى شرط عدد األطفال ّ
وتعلق اإلجراء الثالث الهام بتحديد السن الدنيا القانونية للزواج وذلك منذ ( 1965مجلة األحوال
الشخصية) على أساس 15سنة للمرأة و 18سنة للرجل ،قبل أن تعدّل بقانون 20شباط /فبراير 1964
لتصبح 17سنة للمرأة و 20سنة للرجل ،وبقانون 14أيار/مايو 2007لتصبح السن الدنيا القانونية
للزوجين 18سنة.
وفرض قانون تشرين الثاني /نوفمبر 1964المت ّمم بالقرار الوزاري تموز/يوليو 1995على المقبلين على
الزواج إجراء الفحص الطبي السابق للزواج واالستظهار بشهادة في ذلك.
إلى جانب هذه التشريعات وغيرها ذات التأثير المباشر ،هناك العديد من النصوص القانونية والترتيبيّة
ذات أثر غير مباشر على العديد من مكونات الشأن السكاني تشمل مجاالت األحوال الشخصية والتعليم
والشغل والحماية االجتماعية وحقوق المرأة والطفل والمسنين والصحة والجنسيّة .
28
سسي ،فيمكن القول بأن قضايا السكان في تونس ،وإن لم تحظ قط
أما على المستوى المؤ ّ
بتخصيص وزارة لها ،مثلما هو الحال في بعض الدول العربية ،فإن بعضا منها ت ّمت إدارتها والتعامل
والرصد والتقييم وأخرى لإلنجاز واإلدارة.
للتصور ّ
ّ سسات
معها ضمن مؤ ّ
يمكن اعتبار وزارة التنمية واالستثمار والتعاون الدولي المؤسسة األبرز المكلّفة ،من ضمن مشموالت
بتصور وتنسيق السياسة السكانية ومتابعة تنفيذها بالتنسيق والتعاون مع الهياكل المعنيّة األخرى.
ّ أخرى،
وتتولّى اإلدارة العامة لتنمية الموارد البشرية ضمن الوزارة تلك المهام على المستوى العملي واإلجرائي.
كما تض ّم الوزارة عدّة هياكل أخرى تهت ّم مباشرة أو بصفة غير مباشرة بالشأن السكاني مثل اإلدارة العامة
للتنمية الجهوية والمندوبية العامة للتنمية الجهوية المكلفة بوضع سياسة التنمية الجهوية ،والمعهد الوطني
للمنافسة والدراسات الكميّة الذي يهت ّم خاصة بإنجاز الدراسات ،والمعهد الوطني لإلحصاء الذي سيقع
التطرق إلى مهامه ضمن فصل الحق.
ّ
أ ُنشئ المجلس األعلى للسكان سنة 1974وأوكلت إليه مهمة تحديد التوجهات االستراتيجية للبالد في
المجال السكاني ووضع السياسة الوطنية في المجال .ومن أبرز مهامه أيضا السهر على التوافق بين
الخيارات السكانية الوطنية ومخططات التنمية االقتصادية واالجتماعية.
ويرأس المجلس الوزير األول ويض ّم في عضويته عددا كبيرا من الوزارات والمنظمات الوطنية الكبرى.
سعت تركيبته منذ 2007لتشمل أحزاب المعارضة.
كما تو ّ
وعلى المستوى الجهوي أحدثت سنة 1974أيضا المجالس الجهوية للسكان برئاسة الوالّة (المحافظون)
لمتابعة األوضاع السكانية ووضع برامج العمل الجهوية.
من المؤسسات الهامة التي أ ُحدثت للتكفل بالجانب الديمغرافي وترشيد اإلنجاب وضمان االنتفاع بخدمات
الصحة اإلنجابية ،نجد الديوان الوطني لألسرة والعمران البشري ،حسب تسميته الحالية التي تغيّرت أكثر
من مرة ،والذي أنشئ سنة ( 1973القانون عدد 17في 23آذار /مارس )1973وتتمثل مهامه التي
ينجزها في إطار السياسة السكانية الوطنية ،في:
-الق يام بالدراسات والبحوث االقتصادية واالجتماعية والديمغرافية ،والتعريف بالمسائل السكانية
بالنمو االقتصادي واالجتماعي.
ّ النمو السكاني
ّ وعالقة
29
النمو
ّ -عرض المقترحات ذات الصبغة التشريعية والترتيبية الرامية إلى تحقيق التناسق بين
الديمغرافي والتنمية االقتصادية.
-إعداد برامج عمل ترمي إلى النهوض باألسرة والمحافظة على توازنها.
-متابعة تحقيق األهداف الوطنية في ميدان السياسة الديمغرافية وسياسة األسرة.
-اإلعالم والتثقيف السكاني
-تقديم خدمات تنظيم األسرة والصحة اإلنجابية
-التكوين في مجاالت تدخله.
ّإال أن عدم وضوح الرؤية الرسمية في المجال السكاني ،مثلما سبقت اإلشارة إليه ،حدّت من إشعاع
الديوان ومبادراته خالل الخماسية األخيرة وقلّصت من الجهد البحثي الذي ميّزه من قبل ومن وظيفته في
خولها له القانون ،خاصة بعد أن ت ّم إلغاء
اقتراح التعديالت أو اإلثراءات التشريعية والتدريبية التي ّ
المجلس األعلى للسكان الذي كان الديوان أمينا عاما له.
كنتيجة طبيعية إلحدى مكونات السياسة السكانية والتنموية التي اعتمدتها البالد منذ عقود وحظيت
بالصدارة في سلّم أولويات البالد ،أي سياسة التعليم للجميع ورفع القدرات المعرفية للسكان ،وتبعا للتعاطي
مع قضايا السكان لفترة زمنية طويلة ،تتوفّر البالد اليوم على كفاءات وطاقات بشرية متخصصة سواء في
التخطيط االستراتيجي ووضع المقاربات والمناهج العملية الفاعلة والبحث السكاني وإنتاج العطيات
والبيانات بنوعية تراعي كل معايير الدقّة والموثوقية العلمية .وقد كانت هذه الكفاءات والقدرات ،وال
تزال ،مح ّل تقدير وتثمين من طرف جهات وهياكل إقليمية ودولية .وال أد ّل على ذلك من أن عديد الدول
30
في العالم استأنست واسترشدت بالتجربة التونسية في وضع وتنفيذ سياساتها السكانية .وتحصلت تونس
على عديد الجوائز العالمية وعلى تقدير دولي لنجاحها وكفاءة إطاراتها في التعاطي مع الشأن السكاني،
منها :جائزة المعهد الدولي للتنمية واألعمال اإلنسانية لليونسكو ( ،)1974وجائزة األمم المتحدة للسكان
( ،)1987واختيار تونس من طرف صندوق األمم المتحدة للسكان كمركز امتياز في مجال السكان في
إفريقيا والعالم العربي ( ،)1994وترأّس تونس لرابطة الشراكة جنوب – جنوب في مجالي الصحة
اإلنجابية والسكان ( )1995وغيرها من الجوائز وصيغ التقدير .ولم يكن كل ذلك لوال الموارد البشرية
ال ُكفُؤ في المجال والتي ال يزال العديد منها ينشطون كخبراء في عديد الدول ويساهمون بمعارفهم
ومهاراتهم في وضع وتنفيذ سياسات وبرامج سكانية وتنموية.
من العوامل اإليجابية التي يمكن أن ترشد السياسيين وأصحاب القرار والفاعلين المجتمعين
ونشطاء المجتمع المدني ،توفر البيانات الكمية والنوعية التي تساعد على التشخيص واتخاذ القرار وتحديد
التوجهات .ويتوفّر بتونس كما تراكميا هائال من البيانات والمعطيات السكانية الكميّة والنوعية تداولت على
إنتاجه المؤسسات والهياكل المعنيّة سواءا في إطار عملها العادي أو بمناسبة إعداد الخطط التنموية العامة
واالستراتيجيات القطاعيّة وذلك على امتداد 5عقود.
كما أ ُنجزت خالل السنوات الخمس األخيرة عديد البحوث والدراسات والمسوحات لعل من أهمها في
المجال ،اإلحصاء العام للسكان والسكنى لسنة ،2014والمسح متعدد المؤشرات )2011-2012( 4
ودراسة اإلسقاطات السكانية ،2044-2014وعشرات الدراسات والبحوث العامة أو القطاعية التي
أنجزها المعهد الوطني لإلحصاء ومؤسسات أخرى وأفرزت كما هائال من المعطيات .كما أن االستشارة
المجتمعية حول الصحة واالستشارة المجتمعية حول التعليم يوفّران موردا آخر للبيانات والمعطيات.
باإلضافة إلى المؤسسات العمومية المعنيّة بتنمية قدرات السكان وتأمين حقوقهم في مجاالت
التعليم والتكوين والشغل والطفولة والشباب والمرأة والمسنين والرعاية االجتماعية وحماية البيئة
والمحيط ،وهي أساسا الوزارات والهياكل القطاعية الملحقة بها ،تتوفّر بتونس آليات وطاقات وطنيّة في
وتطورت في
ّ مجال جمع المعطيات السكانية والتنمويّة وتحليلها ونشرها واستعمالها .تش ّكلت عبر السنين
هيكلتها وقدراتها ونوعية مخرجاتها ،إذ وقع اعتماد منظومة جديدة لإلحصاء على الصعيد الوطني
وإحداث المجلس الوطني لإلحصاء بهدف تأكيد صحة المعطيات والمؤشرات وتجنب التضارب بينها
وضمان تواصل تدفقها واحترام تواترها .وقام المعهد الوطني لإلحصاء بتطوير وتعزيز وسائله لجمع
31
صة عبر تحسين كفاءاته التّقنية وأساليبه وتحديث
وتحليل المعطيات على المستويين الوطني والجهوي خا ّ
تجهيزاته المعلوماتيّة.
كما يتوفّر لدى الديوان الوطني لألسرة والعمران البشري ومختلف الوزارات المعنية بالقضايا السكانية
نظم جمع وتحليل إحصائية وقواعد بيانات يتم تحيينها وتعصيرها باستمرار لتستوعب محدّدات السياسة
السكانية.
وتت ّم متابعة االتجاهات الديمغرافيّة بفضل التعدادات والتحقيقات والبحوث والمسوحات الميدانية التي
تنجزها تونس بانتظام والتي من أه ّمها التعداد العا ّم للس ّكان والسكنى الذي ينجز ك ّل عشر سنوات كان
آخرها سنة .2014كما أعدّت تونس في سنة 2015إسقاطات حول الس ّكان إلى أفق سنة 2044بعد أن ت ّم
قبلها إسقاطات أخرى سنة 1995إلى حدود سنة 2029ت ّم تحيينها سنة .2000
ومن مها ّم المنظومة الوطنية لإلحصاء باألساس تزويد اإلدارات العمومية والمؤسسات االقتصادية
والمنظمات ووسائل اإلعالم والباحثين وسائر المستعملين بالمعلومات اإلحصائية المتعلقة بالمجاالت
السكانية واالقتصادية واالجتماعية والبيئية وغيرها.
وتتمتع هياكل المنظومة الوطنية لإلحصاء باالستقاللية العلمية وتقوم بمهامها وفق المصطلحات والضوابط
المنهجية والتقنيات المتعارف عليها في هذا الميدان وتتولى جمع المعلومات ومعالجتها وخزنها ونشرها
وفق المعايير والمتطلبات التي يقتضيها إنتاج المعلومة اإلحصائية الجيّدة.
تتكون المنظومة الوطنية لإلحصاء من هياكل ومؤسسات مكلفة بجمع ومعالجة وخزن وتحيين ونشر
ّ
اإلحصائيات الرسمية وبتنسيق النشاط اإلحصائي .وتشتمل المنظومة الوطنية لإلحصاء على :
الذي تتمثل مهامه األساسية في اقتراح التوجهات العامة لألنشطة اإلحصائية الوطنية وتحديد األولويات
مع ضبط آليات التنسيق اإلحصائي .كما يعدّ المجلس فضاءا للتشاور بين منتجي ومستعملي المعلومة
اإلحصائية من أجل تطوير إنتاج المعطيات إلى جانب النظر في البرامج اإلحصائية بالنسبة للهياكل
والمؤسسات اإلحصائية العمومية واقتراح برنامج وطني لإلحصاء لفترة معينة.
يمثل المعهد الوطني لإلحصاء الهيكل التنفيذي المركزي للمنظومة الوطنية لإلحصاء وتتمثل مهامه أساسا
في :
تزويد اإلدارات العمومية والمؤسسات االقتصادية والمنظمات ووسائل اإلعالم والباحثين وسائر •
32
المواطنين بالمعلومات اإلحصائية المتعلقة بمختلف المجاالت.
جمع المعلومات اإلحصائية ومعالجتها وتحليلها ونشرها بالتنسيق مع الهياكل العمومية األخرى •
لإلحصاء.
القيام بتنفيذ التعدادات السكانية والمسوح الديموغرافية واالجتماعية واالقتصادية وإعداد اإلحصائيات •
المستخرجة من مختلف السجالت اإلدارية.
تنظيم التوثيق اإلحصائي الوطني المتعلق بالنشاط التنموي وذلك بتجميع المعطيات المنتجة من قبل •
مختلف مكونات المنظومة الوطنية لإلحصاء.
التنسيق الفني لألنشطة اإلحصائية العمومية خاصة من خالل إعداد المنهجيات واآلليات اإلحصائية •
المستعملة داخل البالد ومقاربتها مع مثيالتها في الخارج (المصطلحات ،المناهج اإلحصائية،
المواصفات ،التصانيف)...
صة .ويعتبر هذا التعاون عامال
تطوير التعاون الدولي في ميدان اإلحصاء مع الجهات األجنبية المخت ّ •
أساسيا لتحديث العمل اإلحصائي وأداة مميزة لتنسيق النشاط اإلحصائي وتأمين مالءمته مع المعايير
والمصطلحات اإلحصائية المتعامل بها دوليا وتبادل الخبرات في مختلف الميادين اإلحصائية.
تتولى الهياكل المختصة والتابعة للوزارات والجماعات المحلية والمنشآت والمؤسسات العمومية ،والتي
يبلغ عددها 48هيكال ،جمع المعلومة اإلحصائية ذات العالقة بمجاالت نشاطها ومعالجتها وتحليلها
ونشرها.
إضافة إلى ذلك ،تقوم الهياكل والمؤسسات اإلحصائية الخاصة بجمع واستغالل المعلومات اإلحصائية غير
المتوفّرة والضرورية إلنجاز التحاليل والدراسات التي تقوم بها في نطاق نشاطها ،مع إعالم المجلس
الوطني لإلحصاء بذلك.
33
.7.IVمشاركة المجتمع المدني في وضع وتنفيذ السياسة السكانية :
تعتبر مكونات المجتمع المدني من العناصر الداعمة للسياسة السكانية منذ انطالق محطاتها
األولى ،وأحد مقومات نجاح بعض برامجها .فلقد تبنّى عدد من المنظمات ،على قلة عددها ،منذ ستينات
القرن الماضي البرنامج الوطني لتنظيم األسرة في ظرف زمني وإطار ثقافي يصعب معه نجاح مثل هذا
البرنامج .وال يمكن اليوم أن نستعرض قصة نجاح هذا البرنامج دون أن نث ّمن ،بعد اإلرادة السياسية،
التوافق المجتمعي الذي حصل حوله والذي كانت منظمات المجتمع أحد عناصره .ومما يذكر في هذا
الصدد ،الجهود الكبرى والمتميزة التي بذلها االتحاد الوطني للمرأة التونسية على امتداد عقود من أجل
التعريف بتنظيم األسرة والصحة اإلنجابية وتغيير العقليات والمواقف والسلوكيات حول السلوك اإلنجابي
ورفع درجة وعي النساء خاصة والرجال أيضا بمزايا المباعدة بين الوالدات على صحة المرأة وتمكينها،
المكون المدني
ّ وعلى األسرة والمجتمع .وتعتبر مساهمة الجمعية التونسية للصحة اإلنجابية ،وهي
التنوع إذ أنها لم
صص ،كبيرة من حيث الحجم ومن حيث تغطيتها لكل البالد تقريبا ،وكذلك من حيث ّ
المتخ ّ
تتوقّف عند مستوى اإلعالم والتثقيف وتغير العقليات والممارسات ،بل تجاوزتها إلى تقديم الخدمات القارة
والمتنقلة في بعض المناطق ،واالهتمام بقضايا الشباب والصحة الجنسية واإلنجابية ،وإنجاز بعض
الدراسات العمليّة .كما كان لالتحاد العام التونسي للشغل أيضا دوره في نشر ثقافة ترشيد اإلنجاب داخل
المؤسسات اإلنتاجية بين العمال والعامالت.
وتتواصل اليوم مساهمة المجتمع المدني في التعامل مع القضايا السكانية من خالل النسيج
تبوأت منزلتها كوسيط بين مؤسسات السلطة الرسمية والمجتمع،
المتنامي للمنظمات والجمعيات التي ّ
وبينها وبين العائلة .ولئن تعددت المنظمات والجمعيات قبل ثورة كانون الثاني /يناير 2011ليقارب عددها
العشرة آالف فإنها تضخمت أكثر من حيث الك ّم لتبلغ 18822جمعية ومنظمة مسجلة ولها وجود قانوني
(إلى تاريخ 16أيار /مايو .)2016
أما على مستوى التحرك والتأثير والفاعلية ،فاألمر مختلف تماما سواء كان قبل الثورة أو بعدها ،إذ أن
نسبة مكونات المجتمع المدني البارزة بمشاركتها وأنشطتها وخدماتها ومساهماتها بقيت متواضعة مقارنة
بالعدد الجملي سواء قبل الثورة أو بعدها.
34
كما أن الطفرة التي عرفتها البالد خالل السنوات األخيرة في عدد الجمعيات لم يستفد منها المجال السكاني
كثيرا اعتبارا إلى توجه العديد منها إما نحو المجال الثقافي الفني ( ،)% 18.5أو إلى العمل الخيري
االجتماعي ( ،)% 12.55إالّ أن نسبة ال بأس بها من الجمعيات ُمصنّفة كجمعيات تنموية ()% 10.5
تنشط في مجاالت التشغيل وتحسين ظروف العيش والمشاريع المتناهية الصغر الخ...
تحركها في المجال السكاني وبعثت أخرى ،من بينها الجمعية التونسية للصحة
ومع ذلك واصلت جمعيات ّ
اإلنجابية ،الجمعية التونسية لمقاومة األمراض المنقولة جنسيا والسيدا ،الجمعية التونسية لإلعالم والتوجيه
حول السيدا وتعاطي المخدرات ،الجمعية التونسية للقابالت ،جمعية توحيدة بن الشيخ ،الجمعية العلمية
للدراسات السكانية والهجرة والصحة...
وتعمل هذه الجمعيات أساسا على مواضيع ذات صلة بالصحة والحقوق اإلنجابية ورصد تطور األوضاع
الديمغرافية والسكانية .وتتحرك جمعيات ومنظمات أخرى كثيرة ضمن مكونات السياسة السكانية األخرى
مثل الحث في التعليم ،وتمكين المرأة ،والنهوض بالمرأة الريفيّة ،وحقوق الطفل والصحة العامة ،وتشغيل
35
الشباب ،والحقوق البيئية واالقتصادية واالجتماعية ،والتنمية الشاملة وغيرها .ومن بين هذه الفئة الثانية
نذكر :الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق االنسان ،المنتدى التونسي للحقوق االقتصادية واالجتماعية،
الجمعية التو نسية للنساء الديمقراطيات ،االتحاد الوطني للمرأة التونسية ،جمعيات حماية البيئة والمحيط،
جمعيات التنمية ،االتحاد العام التونسي للشغل ( )UGTTوغيرها ،دون أن ننسى أن المجتمع المدني كان
ممثال وبكثافة في تركيبة المجلس األعلى للسكان.
وخالل الفترة األخيرة ،شارك ممثلو المجتمع المدني في كل مراحل إعداد المخطط الخماسي للتنمية
االقتصادية واالجتماعية ،2020-2016سواء على المستوى القطاعي الوطني أوعلى المستوى الجهوي
في كل الواليات والمعتمديات ،وشارك أيضا وبفاعلية في الحوار المجتمعي إلصالح التعليم والحوار
المجتمعي إلصالح قطاع الصحة.
ومع ذلك ،يرى أغلب المتابعين أن مستوى المشاركة النوعيّة للمجتمع المدني اليوم في الشأن السكاني
متواضع ،إذ باستثناء الجمعيات المتخصصة كليا في المجال ،تبقى مساهمة باقي الجمعيات ظرفية وتفتقر
إلى االستدامة والعمق بصفة عامة.
وتتمثل مشاركة المجتمع المدني في المجال السكاني أساسا في أنشطة التوعية والتثقيف ،وأنشطة
المناصرة وكسب التأييد ،وتقديم بعض الخدمات ،وبدرجة أقل في الرصد والمتابعة والتقييم.
يتحرك فيه
ّ القوة وعناصرها التي ميّزت السياسة السكانية التونسية والمحيط العام الذي
إن نقاط ّ
المتعاملون مع قضاياها ،وإن كانت آثارها ونتائجها مؤ ّكدة على عديد األصعدة ،فإنها لم تفلح ،حسب
معطيات ومؤشرات الواقع الحالي ،في بلوغ مستويات كانت مأمولة وفي تغيير بعض أوضاع فئات سكانية
التعرض إليها آنفا ،وهي أوضاع قامت من أجل تغييرها ثورة كانون الثاني /ينايركانون الثاني/
ّ كثيرة وقع
الرؤية السكانية اليوم
يناير .2011ويمكن إرجاع أسباب ذلك إلى جملة من العناصر من أهمها أن ّ
أصبحت غير واضحة وغير محددة ،ومما زاد الوضع غموضا أن البالد توقّفت عن العمل في إطار
مخطط تنموي اقتصادي واجتماعي كما كانت من قبل ،وذلك منذ ثورة كانون الثاني /ينايركانون الثاني/
يناير .2011ويرى بعض المختصين والعاملين في الشأن السكاني أن هذا الوضع يؤ ّ
شر لغياب التو ّجهات
والخيارات في المجال السكاني فال يمكن بالتالي الحديث عن سياسة سكانية اليوم في تونس خاصة فيما
النمو الديمغرافي ومستويات الخصوبة المقترح بلوغها واتجاهات الهجرة الداخلية
ّ يتصل باتجاهات
36
والخارجية .ومن الطبيعي في هذا الوضع أن تضيق زاوية الرؤيا لدى مخططي ومعدّي الدراسات
االستشرافية اعتبارا لغياب المنطلقات السكانية األساسية والضرورية لكل عملية تخطيط واستشراف .ومن
طبيعي أيضا أن يكون البعد السكاني باهتا اليوم في الخطط واالستراتيجيات الوطنية القطاعية منها
والجهوية والمحلية .ولالستدالل على ذلك تكفي اإلشارة إلى غياب االهتمام تقريبا ،عدى لدى عدد من
الخبراء ،بالنقلة الديمغرافية التي تسللت شيئا فشيئا متمثلة في تو ّجه منحنيات النمو السكاني والخصوبة
نحو األعلى ،فقد سجلت البالد ارتفاعا تدريجيا في عدد الوالدات الذي بلغ حوالي 226ألف والدة سنوية،
وقفزة في مستوى المؤشر اإلجمالي للخصوبة الذي بلغ 2.46طفال للمرأة الوحدة .وكأن البالد لم تعرف
برنامجا لتنظيم اإلنجاب احتفلت هذه السنة بمرور 50سنة على انطالقه ،وقام الجميع لسنوات عديدة
باإلشادة به وبنجاحاته وريادته في المنطقة بل وحتى في العالم ،في حين أن دوال من المنطقة لم ّ
تتبن أي
برنامج رسمي لتنظيم األسرة هي اليوم في نفس المستوى أو تكاد .ثم ماذا أعدّت البالد من ظروف
وخدمات تعليمية وصحية وثقافية وترفيهية التساع قاعدة الهرم بعد أن تقلصت قبل ذلك إلى مستويات
أ ُغلقت من ّ
جرائها عديد المدارس االبتدائية ؟ وهل اتخذت الجهات المعنية إجراءات عملية لتأمين حقوق
الشباب في المشاركة والشغل الالئق والسكن ،وهو الذي بلغ بكثافة هذه السنوات مرحلة الزواج ما يؤكده
تطور ب % 36خالل الفترة 2014-2004؟
النمو الملحوظ لعدد الزيجات الذي ّ
ولكن الالفت للنظر أن الوثيقة التوجيهية للمخطط الذي يجري إعداده والذي سينطلق العمل به قريبا ،لم
تأت ولو بإشارة إلى الرؤية السكانية للبالد وال إلى اختياراتها وتوجهاتها ،ولم تحدد المسالك التي يمكن أن
تسعى المؤسسات والهياكل المعنية بالشأن السكاني إلى اتباعها ،أي أن األمر بقي ضبابيا أو أ ُريد له أن
يبقى كذلك .إن التحاور مع عدد من القائمين على مؤسسات عمومية تشتغل كليا أو جزئيا على القضايا
السكانية يبرز الحيرة التي يجدها هؤالء في غياب توجه سكاني رسمي واضح يسمح لهم بالتخطيط
والتصور والمبادرة .كما نجد نفس هذه الحيرة حتى لدى بعض المشرفين على هياكل أممية أو من مكونات
المجتمع المدني المختصة الذين يأملون في أن تحدد الدولة رؤيتها السكانية.
سسي ،فإن الوضع يشكو اليوم غياب هيكل للتنسيق والمتابعة والتقييم وتحديد
وعلى المستوى المؤ ّ
االتجاهات الوطنية في مجمل القضايا السكانية ،ويؤ ّمن اإلدماج بينها ،وبينها وبين السياسات التنموية .فلئن
دأب المجلس األعلى للسكان على االنعقاد سنويا خاصة خالل الفترة 2009-2000بما سمح بالتقييم
لتطور الوضع الديمغرافي وقضايا السكان ،والوقوف على التحديات وتحديد الرؤى والتوجهات،
ّ المنتظم
فإن إلغاءه بداية من سنة 2010وإعادة النظر في منظومة المجالس العليا ،وإدراج متابعة األوضاع
السكانية ضمن مجلس يشمل المحاور االجتماعية المختلفة ،مثّل نكسة للموقف ّ
الرسمي من ملف السكان
وتراجع ا في مستوى االلتزام بمفرداته .ومن تداعيات ذلك أن ال جهة موكول إليها اليوم متابعة الشأن
37
السكاني والتنسيق بين المتد ّخلين في الشأن السكاني ورصد إنجازاته وإخالالته وخاصة تحديد التو ّجهات
واالختيارات االستراتيجية للبالد في المجال.
وبالرغم من بعث المجالس الجهوية للسكان وتثبيتها بنص قانوني ،فإن التعاطي مع القضايا السكانية بقي
مركزيا وظلّت مشاركة الجهات فيه متواضعة .وتكفي اإلشارة هنا إلى أن المجالس الجهوية للسكان لم تكن
فاعلة ولم تكن تجتمع قبل إلغائها سوى الختيار المرشحين لجائزة رئيس الجمهورية للص ّحة اإلنجابية.
أ ّم ا على مستوى القدرات المهنية للمؤسسات وللمشرفين على الشأن السكاني ،وبالرغم من
الكفاءات العالية المتوفرة لديهم والتي سبقت اإلشارة إليها ،فإن جملة من النقائص ومواطن الضعف تحد ّ
من فاعليتهم ومن نوعية مخرجاتهم .فالواضح ،والمتفق حوله تقريبا ،أن الكفاءات السكانية التونسية في
حاجة ماسة إلى تعزيز قدراتها حول تقنيات ومقاربات العمل الجماعي والتشاركي في التصور والتنفيذ.
كما أن وظيفة التحليل المعمق لنتائج الدراسات وللبيانات والبرمجة القائمة على األدلة الثابتة ومقاربات
التصرف /اإلدارة القائم على النتائج تعوز الكثيرين.
ّ
على مستوى آخر ،ومع توفّر ك ّم كبير من البيانات والمعطيات التي أنتجتها المؤسسات المخت ّ
صة
والهياكل البحثيّة ،فإن اإلجماع قائم على تواضع استثمار هذا "الكنز" المعرفي ،وتواضع الدراسات
والبحوث التحليليّة المع ّمقة لتلك البيانات والمعطيات .إن المسوح والدراسات القيّمة علميا كثيرا ما يقع
االكتفاء منها بنتائجها األوليّة قبل أن تتخذ مكانا لها في المكاتب واألدرج .ويعزو البعض ذلك إلى غياب
اإلرادة أوال ،وإلى الغياب شبه الكلّي للشراكة والتكامل بين المؤسسات المعنية بالشأن السكاني والجامعات.
كما يُس ّجل غياب برنامج بحثي مهيكل على المدى المتوسط وعلى المدى الطويل حول القضايا السكانية،
يعكس ويساير التحوالت االجتماعية والثقافية للمجتمع التونسي.
ومن القضايا المعبرة عن ضعف االستفادة من المعطيات والخصائص السكانية في التنمية ،نذكر الهجرة
بفرعيها الداخلية والخارجية .ذلك أن إحدى أهم الهنات في منظومة التخطيط والحوكمة في تونس أنها لم
تكن لها في يوم من األيام سياسة واضحة للنزوح والهجرة ،ومتكاملة العناصر واستشرافية .إن كل ما
كان ،وما ال يزال إلى اليوم ،هي فقرات في خطب سياسية أو مؤسسات وهياكل قليلة العدد ومحدودة
ّ
توظف سياسيا .إن الحراك السكاني الداخلي ال يأتي فجأة وبكثافة ّإال في حال المسؤولية واإلمكانات
الحروب أو الكوارث الطبيعية الكبرى ،كما أن العديد من الدراسات والمؤشرات وكل اإلسقاطات السكانية
كانت تؤذن بحراك السكان من مناطق معينة وفي اتجاه آخر عادة ما تكون غير مهيأة الستقبال الوافدين
إليها من حيث البنية األساسية والسكن والشغل والخدمات وغيرها .وكنتيجة لذلك ،تشهد الواليات الساحلية
38
كثافة سكانية كبيرة تتزايد منذ عقود ،كما أن واليات الشمال الغربي األربع (الكاف ،سليانة ،جندوبة،
باجة) سجلت استنادا إلى إحصاء 2004وإحصاء ،2014تراجعا في عدد ساكنيها وليس فقط في نسبة
نموهم .وال يزال نزيف السكان إليها متواصال إذ أفصحت نتائج اإلحصاء األخير أن عدد القادمين إليها
ّ
خالل الفترة 2014-2009بلغ 18600ساكنا في حين غادرها 53600ساكنا خالل نفس الفترة .وال
تختلف واليتا القيروان والقصرين عن واليات الشمال الغربي بل تفوقانها في مستوى صافي الهجرة
الداخلية السلبي ( 13800قادم و 45600مغادر خالل نفس الفترة) .أما عن الهجرة الخارجية ،وبالرغم من
ارتفاع درجة وعي أصحاب القرار والسياسيين في بداية ما بعد الثورة بأهميتها وضرورة وضع سياسية
متكاملة واستراتيجيات للتحرك ومؤسسات للرصد والتنفيذ والمتابعة ،فإنه ال شيء ملموس إلى اليوم.
وبقيت النصوص والمقترحات والمشاريع تراوح مكانها واستفحلت ظاهرة الهجرة غير النظامية التي
أودت بحياة آالف األشخاص والتي زادت من حدتها التضييقات للحصول على تأشيرة دخول بلدان شمال
المتوسط وحتى بعض الدول العربية.
ومما يبعث التساؤل أن ال شيء يؤشر عن رفع درجة الوعي بأهمية الهجرة في التنمية واستثمارها عمق
وجدية أكثر خالل السنوات القادمة ،ذلك أن الوثيقة التوجيهية للمخطط التنموي القادم 2020-2016
خصصت مساحات ووضعت أهدافا حول االهتمام بالتونسيين بالخارج وتأطيرهم وتعزيز عالقتهم بوطنهم
ومشاركتهم السياسية ،دون أن تتناول مسألة الهجرة كعنصر ومنشط تنموي ،وما يفرضه ذلك من وضع
استراتيجيات وآليات عمل ومقاربات تنفيذ.
إن األمثلة عديدة عن غياب العمق في التعاطي مع الشأن السكاني بمختلف روافده ومع ثنائية
السكان والتنمية واالكتفاء بالتخطيط والبرمجة باستحضار عدد من المؤشرات الديمغرافية وخاصة النمو
السكاني والتطور الكمي لبعض الفئات العمرية.
من ناحية أخرى ،وبالرغم من مساهمة المجتمع المدني في تجسيم عديد مكونات السياسة السكانية،
فإن هذه المساهمة تبقى متواضعة كما كان باإلمكان أن تكون أكثر بروزا وإيجابيّة وأوضح أثرا .ويعود
تواضع المساهمة النوعيّة الفاعلة للمجتمع المدني في المشاركة في وضع وتنفيذ االستراتيجيات والبرامج
ومعالجة القضايا السكانية إلى عديد األسباب من أهمها:
-ضعف إرادة المؤسسات العمومية في التعامل المنتظم والمستند إلى مرجعيات صلبة وواضحة مع
مكونات المجتمع المدني.
-غياب التنسيق بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني وبين مكونات هذا األخير فيما بينها بما يوحي بأن
مفهوم "الشراكة" الحقيقية ليس موحدا بين مختلف األطراف وال معتمدا ،وهو المفهوم القائم على أن
39
الشراكة هي اتفاق وعقد بين طرفين أو أكثر بخصوص تحقيق أهداف مشتركة يفترض أن تتضمن شكال
من أشكال االعتراف باآلخر وبدوره كشريك في إنجاز عملية التنمية بمختلف روافدها.
-عدم توفر رؤية وطنية سكانية واضحة ما ال يساعد المجتمع المدني على الفاعلية واالستدامة في األداء.
وأي مقاربات ؟
أي مفهومّ ،
دمج السياسة السكانية ضمن استراتيجية التنميةّ : .VI
إن دمج السياسة السكانية ضمن السياسة أو االستراتيجية التنموية يتجاوز التكامل أو التوافق في
األهداف لكال السياستين أو تضمين االستراتجية التنموية فصال أو فقرة حول القضايا السكانية ،إلى تبني
واستبطان الرؤيا السكانية والبعد السكاني ضمن كل مراحل ومكونات استراتيجية /سياسة التنمية ،أي أن
تصور البرامج والسياسات التنموية
ّ تؤخذ في االعتبار المتغيرات السكانية وتأثيراتها الكمية والنوعية عند
وعند صياغة أهدافها وآليات تنفيذها وكذلك نوعية تأثّرها بباقي عناصر االستراتيجية /السياسة التنموية،
كأن نتساءل مسبقا مثال عن أثر تشريع ما أو برنامج ما في المجال الجبائي أو العمراني أو الصناعي أو
الثقافي أو التعليمي أو الرياضي على المتغيرات السكانية وخصائص السكان في األمد القريب والمتوسط
والبعيد .وكذا الشأن عند اتخاذ قرار بالمرور من نمط اقتصادي إلى آخر (من اقتصاد محمي مثال إلى
اقتصاد السوق) ،علينا أن نتساءل عن تأثيرات ذلك على مستويات الفقر ،وعلى توزيع الثروة وتوزيع
السكان والهجرة الداخلية واألوضاع الصحية وغيرها.
تعرف األمم المتحدة في بعض وثائقها اندماج القضايا السكانية ضمن التنمية بأنه "يشمل
في هذا الصدد ّ
إدخال العوامل السكانية بشكل نظامي في عملية التخطيط ألنها تؤثّر وتتأثّر بشكل كبير بالمتغيرات
األخرى المتعلقة بخطط التنمية".
40
• االلتزام الرسمي والتزام المتدخلين برؤية استراتيجية مندمجة للتنمية ذات بعد سكاني تؤ ّمن إطارا
التصور والتخطيط وتحديد األهداف وضبط آليات التنفيذ
ّ تتحرك ضمنه المؤسسات ويقع فيه
ّ عاما
وتتخذ ضمنه القرارات .هذا االلتزام يضمنه موقف واختيارات سياسية واضحة ،دون أن يكون
ذلك الدمج مرتبط بمسؤول أو بفترة أو ظرف معيّن.
• قناعة كل المساهمين والمشرفين على العملية التنموية ووعيهم بأهمية وجدوى ذلك الدمج :قناعة
يمكن أن تكتسب بالتدريب أو المحاورة
• وضوح األبعاد السكانية في خطط ال تنمية بحيث ال تقرأ من بين السطور وال تكون موضوع تأويل
وتفسيرات متعددة.
تصورا وتخطيطا وتنفيذا ضمن رؤية تنموية
ّ • توفّر القدرة والكفاءة لدى المخططين على العمل
سكانية مندمجة .ويمكن ضمان ذلك من خالل التدريب الرامي إلى الرفع من مستوى المعرفة
النظرية والمهارات العملية في مجاالت التحليل والتفاعل االقتصادي واالجتماعي والسكاني.
• التنسيق والشراكة الفاعلة الدائمين والمتواصلين بين مختلف المتدخلين وهو ما يفرض وجود
هيكل فني تعهد إليه تلك المهمة.
• تطوير المنظومة المؤسسية الدافعة لعملية اإلدماج حتى تتجاوز طرق ومناهج عملها التقليدية
المنغلقة على ذاتها إلى أساليب أكثر شمولية وتكامل وتفتح على محاور وجوانب أخرى من التنمية
( أجهزة اإلحصاء ،التخطيط ،القطاعات الرئيسية في التنمية :العمل ،التعليم : )...أساليب جديدة
في جمع المعلومات الضرورية وفي تقنيات التخطيط واإلدارة والتقييم (مثال :استخدام أنظمة
وطنية إحصائية يكون السكان أحد مكوناتها القارة واألساسية في كل قطاعات التنمية االقتصادية
واالجتماعية)
• يفرض الدمج الحقيقي للبعد السكاني في عملية التخطيط للتنمية التركيز منذ البداية على النتائج أي
التحوالت التي ستحصل للسكان على المستويين الكمي والنوعي وهذا يتطلّب اعتماد مقاربة
"التصرف /التخطيط حسب النتائج" .Result Based Approach
إن دمج البعد السكاني ضمن السياسة التنموية يؤ ّمن نسبة هامة من النجاح وتحقيق األهداف.
ويضمن اإلدماج الحقيقي والناجح تجاوز النظرة الضيّقة التي تختزل المسألة السكانية في الجانب
الكمي (عدد ،نمو ،توزيع) إلى نظرة أكثر عمقا ترمي إلى تنمية الموارد البشرية وتحقيق نوعية عيش
أفضل وتضمن حقوق األجيال القادمة .كما أن كل عملية تخطيط يجب أن تحدّد الفرص والمخاطر
الداخلية والخارجية والتي من بينها ما هو في عالقة بالسكان.
41
وانطالقا من هذا العرض النظري ،وباستقراء آراء المختصين والخبراء والعاملين في الشأن السكاني،
يتبين أن المواقف والقراءات تختلف ،مع بروز الموقف الذي يرى أن البعد السكاني لم يكن مدمجا تماما،
بالمفهوم الذي سبق عرضه ،ضمن الخطط التنموية.
صحيح أن جل وثائق مخططات التنمية االقتصادية واالجتماعية من الستينات إلى اليوم ( 13مخططا)
تضمنت إشارات أو فقرات أو فصوال تحت عنوان " الوضع السكاني" أو ما شابهه ،إال أنها اقتصرت في
غالب األحيان على سرد للوضع الديمغرافي الراهن وأحيانا لتوقعات لبعض المؤشرات الكمية.
كما نجد عادة في الوثائق التوجيهية لهذه المخططات ومقدماتها ما يوحي بأن البعد السكاني الكمي والنوعي
سوف يكون أحد المرجعيات التي يستند إليها المخطط ،لكن دون إبراز أن التنمية الشاملة والمستدامة التي
يرمي إليها المخطط التنموي تتطلب التحديد الشامل والدقيق للترابطات بين السكان والموارد والتنمية،
ودون التركيز الواضح على ضرورة تحقيق التوازن المتناغم والديناميكي بين تلك العناصر ،وأن اإلدماج
الحقيقي لقضايا السكان في االستراتيجيات اإلنمائية من شأنه أن يهيّئ للتنمية أفضل ظروف التحقّق
واالستدامة ،فالترابط الحيوي بين السكان والتنمية في التخطيط واإلنجاز ال يحصل إال إذا وضعت الخطط
التنموية ضمن سياقات التغيّرات الديمغرافية وضمن واقع قدرات الناس في مجاالت الصحة والصحة
اإلنجابية والتعليم والشغل وممارسة الجميع لحقوقهم وغيرها.
لكل ذلك ال يمكن الجزم بأن مستوى إدماج البعد السكاني ضمن السياسات والخطط التنموية في تونس كان
عاليا ،كما أنه لم يكن غائبا تماما ،فقد كان المخططون وال يزالون ،وكذلك الهياكل القطاعية ،يستندون في
عملهم ،تخطيطا وتقييما ،إلى جملة من المؤشرات السكانية الكمية .كما أن وجود المجلس األعلى للسكان
سابقا بعضوية أغلب الوزراء وعدد ها ّم من السياسيين ،مث ّل إطارا جيدا للعرض والتحاور في قضايا
تنموية عامة وخصوصية ضمن إطار سكاني وعلى خلفية مؤشرات ومعطيات كمية ونوعية ذات عالقة
بخصوصيات السكان وقدراتهم.
خالل الستينات والسبعينات ،وبالتوازي مع جهودها لوضع أسس تنمية اقتصادية واجتماعية،
اعتمدت تونس برنامج ا لتنظيم األسرة بهدف تقليص مستويات الخصوبة المرتفعة آنذاك والتي كان يرى
فيها المخططون عامال معطال للتنمية .لكن المخططات التنموية األولى لم تتعرض بوضوح وتفصيل للبعد
السكاني في التنمية ،وهو ما تغير نسبيا في المخططين السادس والسابع للتنمية (-1987-1986-1982
)1991الذين كانت من بين مرتكزاتهما التقليص من نسبة النمو السكاني لبلوغ % 1.1سنة ،2001
42
وتطوير الجهات والتقليص من الفوارق بينها ،والحد من الهجرة الداخلية نحو المدن وتنمية الريف
والتقليص من البطالة.
وتطورت المقاربة في إعداد المخطط التاسع للتنمية ( ،)1997-2001فإلى جانب انطالق أشغال اإلعداد
والتفكير من الجهات ،استند المخطط على 21دراسة استراتيجية تناولت عديد المحاور والقضايا المتصلة
بالالمركزية وتنمية القدرات البشرية ،والنزوح والتنمية الريفية ،وتمويل التعليم والصحة وغيرها .كما
تكونت 4لجان فرعية ضمن استشارة وطنية حول تونس في القرن 21من بينها واحدة أوكل إليها إعداد
"استراتيجية السكان والمجتمع المدني".
وتواصل نفس التعاطي مع القضايا السكانية في المخططات الموالية أي تأكيد اعتماد المؤشرات
الديمغرافية كأحد أسس التخطيط التنموي خاصة في تحديد الحاجيات الجهوية وفي مجال البنية األساسية
والخدمات.
وبعد أن أوقفت تونس ما بعد الثورة العمل بالمخطط الخماسي للتنمية االقتصادية واالجتماعية ألكثر من 5
سنوات ،يتم حاليا ( )2016إعداد المراحل النهائية ألول مخطط تنموي ما بعد الثورة للفترة 2020-2016
والذي من المتوقع اعتماد صيغته النهائية والشروع في مرحلة العمل به مع بداية النصف الثاني من سنة
.2016
وقد ورد في الوثيقة التوجيهية لهذا المخطط ،التي تحدد الرؤية االقتصادية واالجتماعية العامة وتضبط
األوليات التنموية للفترة القادمة ،الحديث عن منوال جديد للتنمية يراعي مبادئ حقوق اإلنسان وقواعد
اإلنصاف والعدالة ويعمل على إرساء مقومات الحوكمة الرشيدة .وفي باب استعراض الضغوطات
الداخلية ،تضمنت الوثيقة فقرة بعنوان "حدة التفاوت في الفرص" وأخرى حول "الضغوط الديمغرافية"
است ُعرضت خاللهما بعض نتائج تعداد سنة 2014المتصلة بالتغيّر الحاصل على مستوى التركيبة السكانية
خاصة حجم السكان النشيطين وما يطرحه من تحديات ،وتنامي نسبة المسنين وما يتطلبه من خدمات
ورعاية اجتماعية وصحية .كما استعرضت الوثيقة عددا من المؤشرات النوعية حول قدرات السكان
التعليمية والصحية وفي مجال الشغل.
43
وشدّدت الوثيقة على أن منوال التنمية البديل ينبغي أن يكون منواال إدماجيا شامال على أن يكون اإلدماج
"متعدد األبعاد ال يركز حصريا على الجوانب النقدية الربحية وإنما يشمل قضايا الصحة والتعليم والمعرفة
والتكنولوجيا واإلسكان والخدمات االجتماعية بشكل عام" ،دون أن تقدّم تعريفا لمصطلح اإلدماج ولكن
الواضح أن المقصود هو شمولية المحاور والقطاعات واحتوائها ضمن المخطط.
تفصح البيانات والمؤشرات ذات العالقة بالسكان والتنمية أن تونس ما قبل 2011حقّقت إنجازات
ونجاحات في تجسيم العديد من توصيات وأهداف برامج عمل المؤتمرات الدولية ذات العالقة بالسكان
التي التزمت بها ،وعلى رأسها برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المنعقد بالقاهرة سنة 1994
وذلك بمستويات طيبة نسبيا .فقد توفّقت في السيطرة على ّ
نموها الديموغرافي وترشيده وبلغت المرحلة
األخيرة من انتقالها الديموغرافي بسرعة لم تتجاوز األربعين سنة وهو ما جنّبها أوضاعا صعبة وإشكاالت
ليس من اليسير التغلّب عليها .كما نجحت في تحقيق عديد النتائج وبلوغ مستويات مرضيّة في تنمية
قدرات سكانها في المجال الصحي والتعليمي والتكويني ،و ُخ ّ
صت األسرة والمرأة والشباب والطفولة
والمسنين بمنظومة تشريعيّة ومؤسسية تضمن لهم قدرا من ممارسة العديد من الحقوق.
وحظيت الفئات ذات االحتياجات الخاصة ،من فقراء ومعوزين ومعوقين بالعديد من البرامج والمبادرات
االجتماعية والتضامنية سعيا لضمان العيش الكريم لهم واالستجابة لحاجياتهم .وتوفّرت األطر والظروف
لممارسة الجميع لحقوقهم اإلنجابية وإتاحة خدماتها المجانية لهم في الحضر كما في الريف .ولئن تبقى هذه
النتائج اإليجابية هامة باالستناد إلى المعدالت العامة والمؤشرات على المستوى الوطني ،فإن تعميق
التحليل وتفصيله على مستوى الجهات الجغرافية للبالد والفئات االجتماعية وحسب النوع االجتماعي،
مثلما يقتضيه التحليل الموضوعي ،يبرز وضعا آخر أكثر ّ
تأزما وأقل نجاحا عنوانه " فوارق بين الجهات
والفئات وحقوق البعض دون البعض اآلخر ".
إن المتف ّحص الدقيق في البيانات والمؤشرات الكميّة والنوعيّة وواقع السكان يمكنه أن يقف على حقيقة
ثابتة وهي أن للبلد واجهتان :واحدة مرفّهة نسبيا تتوفّر بها البنية األساسية المقبولة وتُض ّخ فيها
االستثمارات العمومية والخاصة وتؤ ّمن فرص الشغل بحجم مقبول وتتوفر فيها الخدمات الصحيّة
والتربوية واالجتماعية والثقافية بمستويات طيبة ،وهي بصفة عامة المناطق الساحليّة الشرقيّة ،وأخرى
المتطورة وتق ّل فيها االستثمارات العمومية
ّ ترتفع بها نسب الفقر والبطالة وتفتقر إلى البنية األساسية
44
والخاصة وفرص الشغل وتتردّى فيها الخدمات دون إتاحتها للجميع ،وهي المناطق الداخلية والغربيّة
للبالد.
ولم يكن هذا الوضع بسبب عوامل طبيعيّة أو أمنيّة أو ثقافيّة ،بل هو نتيجة خيارات غير صائبة ومنوال
يكرس مبادئ العدالة االجتماعية في توزيع الثروة ورعاية السكان واالستجابة لتطلعاتهم وتأمين
تنمية ال ّ
حقوقهم دون تمييز أو إقصاء.
صل يسمح ببروز الفوارق التي تصل حدّ ّ
الهوة أحيانا بين أوضاع فئة من لذلك فإن التقييم الموضوعي المف ّ
السكان وفئة أخرى .كما أن نوعية الخدمات ،وإن توفّرت ،فهي في كثير من األحيان والجهات ،دون
المقاييس والضوابط التي تضمن الفاعلية واحترام حقوق اإلنسان.
من ناحية أخرى ،تميّزت فترة التسعينات واأللفين في تونس بتسييس الهياكل والمؤسسات حتى تكون في
خدمة النظام ،وهو ما حدّ من فاعليتها ومن موضوعيّة تدخالتها ،ومن توفير خدماتها للجميع بنفس القدر
والنوعيّة.
ومن خالل الحوارات التي أجريت ضمن هذه الدراسة مع عدد من خبراء الشأن السكاني والعاملين فيه،
ومن خالل استقصاء آراء ومواقف مسؤولين ومشرفين على هياكل ومصالح معنيّة بالقضايا السكانية سواء
على مستوى التخطيط والرصد والتنفيذ والمتابعة والتقييم ،واستنادا إلى الوثيقة التوجيهية للمخطط وبالنظر
في خالصات وتوصيات عدد من الدراسات والبحوث والتقارير وخاصة منها خالل السنوات الخمس
األخيرة ،يمكن تحديد أهم االولويات السكانية لتونس في المرحلة الراهنة فيما يلي:
• ضرورة تحديد الرؤية الوطنية السكانية ،وتحديد الفاعلين السياسيين ومكونات المجتمع المدني
لمواقفهم من النهج الذي على البالد أن تتبنّاه في كل ما يتعلق بالسكان من حيث مكوناتهم الكمية
وخصائصهم النوعية ،ورسم العالقات بين القضايا السكانية والتنمية المستدامة كما جاءت في
خطة التنمية 2030التي اعتمدتها البالد .إن المتابع للشأن الوطني التونسي خالل السنوات الخمس
األخيرة يالحظ أن هناك شبه تجاهل مقصود من كل األطراف تقريبا للشأن السكاني باستثناء
بعض األصوات المتطرفة التي تسمع من حين آلخر والتي تمثل خطرا على بعض المكتسبات
وعلى الحقوق.
• حتميّة أن تكون للبالد سياسة سكانية مكتوبة ضمن وثيقة رسمية تنبع من استشارة مجتمعية
شاملة تجمع أصحاب القرار بالخبراء وممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص واألحزاب
السياسية والمرجعيات الحقوقية كما الدينية .ويقع االستئناس في وضعها بالتجربة الثرية لتونس
وتراكماتها ونجاحاتها وإخفاقاتها وكذلك بالتجارب الناجحة في مجتمعات أخرى .ومن المهم أيضا
45
يقرها ويضمن حمايتها وتجسيم مفرداتها ،وذلك حتى ال تكون
أن يسند هذه السياسة نصا تشريعيا ّ
خاضعة ألهواء المتداولين على السلطة وتوجهاتهم الفكرية أو العقائدية.
• تدعيم التنظيم المؤسسي السكاني وذلك من خالل بعث هيكل عمومي بمساهمة حقيقية وفاعلة من
المجتمع المدني توكل إليه مهمة تع ّهد السياسة السكانية ومتابعة تنفيذ عناصرها وتقييم مخرجاتها
والتنسيق بين المتدخلين فيها والتقدم بمقترحات لتطويرهاّ .
إن إلغاء المجلس األعلى للسكان منذ
سنة ،2010وإدراج دراسة القضايا السكانية ضمن مجلس أعلى شامل للمحاور االجتماعية
والصحية وغيرها ،إضافة إلى أن هذا األخير بقي نصا مكتوبا ال وجود فعلي له إذ أنه لم يجتمع
وال مرة واحدة ،أحدث فراغا كبيرا كان من نتائجه غياب الرؤية السكانية وضعف التنسيق
والتكامل بين العاملين في المجال.
• معالجة الفوارق الكبرى بين الجهات على مستوى التنمية وما يتصل بها من عوامل مثل القدرات
البشرية ،والخدمات توفرا ونوعا ،والفرص في الشغل والمشاركة ،وإرساء قواعد الحوكمة
الرشيدة من خالل اعتماد مقاربة حقوق اإلنسان في التخطيط والتنفيذ ،والعمل على القضاء على
تسرب
كل أشكال التهميش والتمييز بين السكان والمناطق وإصالح المنظومات والقطاعات التي ّ
إليها الفساد بكل أشكاله وأنواعه.
• إيالء قضايا الشباب العناية التي تستحقها على مستوى السياسات والبرامج والمؤسسات واآلليات
في مجتمع شاب يبلغ متوسط العمر فيه 32.4عاما والعمر الوسيط ( % 50من المجتمع دونه)
31.0عاما .وال تستمد العناية بقضايا الشباب وجاهتها من الوزن الديمغرافي لهذه الفئة فحسب،
بل إن الوضع أصبح ينذر بكثير من الخطر إن لم تضع الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع
المدني ثقلها من أجل توفير الظروف والفرص للشباب حتى يغير واقعه .وتكفي هنا اإلشارة إلى
المستويات المرتفعة لبطالة الشباب المتحصل على شهادات جامعية والتي تقدر بحوالي % 21
للذكور و % 41.1لإلناث ،في حين أن معدل البطالة العا ّمة بلغ خالل الثالثية األولى لسنة
16.3%( %15.4 ،2016سنة )1994وتمتد فترة البطالة بين سنة وسنتين لدى % 29.8من
طالبي الشغل ،وأكثر من سنتين لدى % 36.2منهم (سنة .)2014
نسبة البطالة لدى الشباب من خريجي التعليم العالي ()% الجدول : 9
46
الثالثية 4 الثالثية 3 الثالثية 2 الثالثية 1
• 2015 • 2015 • 2015 • 2015
من ناحية أخرى ،ونتيجة لغياب سياسة شبابية متكاملة منذ عقود وتواصل هذا الوضع خالل
الخمسية األخيرة ،انتشرت بين الشباب أنماط عيش وسلوكيات مجلبة للضرر مثل تعاطي
المخدرات بأنواعها ،حتى أن بعض اإلحصائيات تشير إلى أن نسبة كبيرة من الموقوفين في
السجون هم هناك بتهمة تعاطي المخدرات أو ترويجها مما جعل مكونات عدة من المجتمع المدني
وعدد من النشطاء الحقوقيين يقودون حملة مناصرة من أجل مراجعة القانون المجرم لتعاطي
المخدرات نحو التخفيف .إن بطالة الشباب وانسداد األفق أمام العديد منهم واليأس الذي تملّك
الكثيرين من بينهم ،هي من األسباب التي دفعت ،وال تزال ،عشرات اآلالف من الشباب لإلبحار
نحو أوروبا بطرق غير نظامية وفي قوارب الموت ،وقد ابتلع البحر المئات ،إن لم يكن اآلالف
منهم.
ّ
إن قضايا الشباب هي قضايا مصيرية ،لذلك فهي تعتبر من األولويات الكبرى التي يتوجب منحها
ما تستحق من الدرس والتحليل والعناية وإيجاد الحلول ،خاصة وأنها تجاوزت الوضع المادي
المعيشي والسلوكي للشباب إلى مستويات أخرى جديرة بتعميق الدرس مثل المشاركة والهوية
والتطرف الديني المغذّي لإلرهاب .إن تونس خالل السنوات األخيرة ،ومن مصادر عديدة
ومتطابقة ،هي ّأول مصدّر لإلرهابيين بدعوى الجهاد وذلك بالرغم من ّ
أن عدد سكانها ال يتجاوز
الـ 11مليون شخص.
• تثمين رأس المال البشري بما يسمح بتأمين الحقوق وممارستها وتوفير القدرات والطاقات
الضرورية لمواجهة التحديات اعتبارا أن التنمية الشاملة والمستدامة تفرض حتمية توفر طاقات
وكفاءات بشرية قادرة على وضع وتنفيذ االستراتيجيات والبرامج وعلى تقديم الخدمات الجيدة
وتبني صيغ إنتاج واستهالك مجدية ومستدامة.
47
• معالجة الظواهر االجتماعية المنتهكة للحقوق وخاصة الفقر والبطالة الذين يمثالن عنصرين
ّ
معطلين للتنمية االقتصادية واالجتماعية ،وتهديدا لالستقرار واألمن االجتماعيين.
• إرساء أرضية متكاملة وناجعة للحماية االجتماعية في إطار رؤية استشرافية متكاملة لالندماج
االجتماعي تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة وتأمين الحق في العيش الكريم للجميع وخاصة للفئات
الضعيفة والهشة ،وبناء مجتمع عادل ومتوازن .ويفرض هذا تقييم وإعادة النظر في منظومة
الحماية االجتماعية المعتمدة حاليا استنادا إلى منوال توافقي مع األطراف االجتماعية وضمن
مقاربة تشاركية ،مع تغليب المعالجة االقتصادية للفقر القائمة على تنمية القدرات وتوفير الفرص
والبيئة المالئمة للمبادرة.
• التكريس الفاعل لممارسة الحقوق اإلنجابية من طرف الجميع اعتبارا لكونها إحدى روافد حقوق
اإلنسان أوال ولعالقتها المباشرة بتمكين المرأة ومشاركتها ،وبالتنمية االقتصادية واالجتماعية بل
وأيضا أل ن ممارسة الحقوق اإلنجابية تساهم بصفة غير مباشرة في تنمية ثقافة السلم واالستقرار
االجتماعيين.
• العمل على الحد من النزوح نحو المدن الكبرى والمناطق الحضرية التي كثيرا ما تكون غير
مهيأة الحتواء الوافدين عليها مما يزيد من تفاقم إشكاالت التهيئة الترابية والبيئية والمحيط ومشاكل
السكن والبطالة وما قد ينتج عن كل ذلك من سلوكيات ضارة .ولن يكون ذلك إال بتنمية مناطق
المغادرة والجهات الداخلية ذات المؤشرات التنموية المتواضعة.
48
• وضع سياسة متكاملة للهجرة الخارجية تتضمن رؤية واضحة وأسس واقعية تأخذ في االعتبار
المحيط ا لدولي القريب والبعيد وتساهم في أن تكون الهجرة مسلك تنمية اقتصادية وفكرية وثقافية
مع إحداث المؤسسات واآلليات الفاعلة لبلوغ ذلكّ ،
وأال يقتصر التعامل مع الهجرة كخيار وفرص
وعنصر تنمية ،من خالل العناية بالمهاجرين وتأطيرهم والتي عادة ما تستثمر لغايات دعائية
وسياسية.
• تنمية الوعي البيئي الجماعي إثر التدهور الذي عرفته عناصر البيئة والمحيط في تونس من
أرض وهواء وماء خاصة مع ضعف الرقابة خالل السنوات األخيرة واالستغالل العشوائي،
وأحيانا اإلجرامي ،للغابات وللغطاء النباتي والمجاري المائية .إن انخراط تونس ضمن خطة
التنمية المستدامة 2030يفرض عليها العمل على تحقيق أهدافها الـ 17التي يتصل 7منها بحماية
البيئة واألرض واستدامة التنمية .ويكفي أن نشير هنا إلى أن كلفة التدهور البيئي تقدر بـ% 2.7
من الناتج المحلي اإلجمالي .ويرجع ذلك باألساس إلى أنماط االنتاج واالستهالك المت ّبعة
سع العمراني المفرط والعشوائي حيث تم مثال استهالك
والمستهلكة للطاقة وللمياه ،وإلى التو ّ
3000هك من األراضي سنة 2013مقابل 300هك فقط في الستينات .وفي مجال المياه ،تعد ّ
تونس من أكثر البلدان فقرا في الحوض الجنوبي للبحر األبيض المتوسط حيث تقدر كميات المياه
المتاحة للفرد الواحد بـ 470مترا مكعبا في السنة مقابل 1000متر مكعب كحد أدنى على
المستوى العالمي ،وسيتفاقم هذا العجز خالل السنوات القادمة.
• وضع منوال للشراكة المنتجة والقادرة على التغيير بين المؤسسات العمومية المختصة ومكونات
المجتمع المدني في المجال السكاني ،إذ نادرا ما نجد اليوم صيغ شراكة حقيقية فاعلة ومستدامة
بين القطاعين ،فالكل يخطط وينشط بمعزل عن اآلخر في غالب األحيان ،وكثيرا ما ال يتجاوز
التعامل مستوى المشاركة والحضور في تظاهرة أنجزها هذا الطرف أو ذاك .ولقد تض ّمنت
الوثيقة التوجيهية للمخطط الخماسي للتنمية االقتصادية واالجتماعية ،2020-2016اعتماد مبدأ
الشراكة والتوافق بين القطاعات العمومي والخاص والمجتمع المدني في وضع السياسات وإجراء
اإلصالحات والتنفيذ والتقييم ،وهو ما تضمنته أيضا وثيقة خطة التنمية المستدامة 2030ومن
قبلها برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية .1994
49
ّ
إن ما ورد في هذه القائمة ال يعني أن تلك هي كل األولويات السكانية لتونس اليوم ،بل إنها أكثر األولويات
المتداولة بين المختصين والعارفين بالشأن السكاني والعاملين فيه من القطاعين العمومي والمدني ،وتلك
التي خلصت إليها بعض الدراسات الحديثة .كما ورد ذكر لمواضيع اعتبرها البعض أيضا من األولويات
مثل تعزيز بُعد النوع االجتماعي في السياسات والبرامج وتمكين المرأة ومزيد تأهيل ورعاية المؤسسة
األسرية.
تضمنت مختلف الدراسات والبحوث والتقارير المنجزة خالل السنوات الخمس األخيرة والمتعلقة
يتكرر العديد منها في أكثر من وثيقة ،وهو ما
ّ بمكونات وعناصر السياسة السكانية توصيات ومقترحات
يد ّل على أن هناك وعيا مشتركا بأبرز النقائص والحدود والتحديات السكانية وشبه توافق على الحلول
التحرك نحو تجسيمها في
ّ الممكنة لذلك ،كما أن تواتر نفس المقترحات عبر الزمن يؤ ّ
شر أيضا إلى أن
الواقع واالستجابة إليها ضعيف إن لم يكن مفقودا.
واستنادا إلى محتوى تلك الدراسات والتقارير وإلى نتائج الحوارات التي أجريت في إطار هذه الدراسة
واالستبيانات التي وقع ملؤها من طرف عدد من العاملين والمهتمين بالشأن السكاني ،نعرض التوصيات
التالية من منظور السعي إلى تجاوز هنات السياسة السكانية ومكوناتها في عالقتها بالتنمية ورفع تحدياتها.
وتتضمن القائمة قسما خاصا بتعزيز قدرات المؤسسات والمباشرين للقضايا السكانية اعتمدنا فيه على ما
طالب به المستجوبون والمحاورون وعلى استخالصاتنا من كل ما تضمنته الدراسة.
.1إطالق حوار مجتمعي بمشاركة كل القوى والفاعلين والمختصين من أجل تحديد دقيق للرؤية
الوطنية في مجال السكان وصياغة سياسة سكانية واضحة تُعتمد بنص تشريعي.
.2إعادة بعث وتنشيط المجلس األعلى للسكان والمجالس الجهوية للسكان بتركيبة متعددة
االختصاصات وبمشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص والخبراء وتمكينها من ظروف العمل
الناجع وآلياته.
50
.4تطوير القدرات الوطنية في مجال السكان والتنمية وذلك من خالل إعادة النظر في نظام تدريس
االختصاصات المتعلقة بها بكليات العلوم اإلنسانية واالجتماعية وإعداد برامج مالئمة للتدريس.
.5تعزيز القدرات لتحليل المعطيات المتصلة بالسكان والتنمية وإشراك الجامعات ومراكز البحث
والجمعيات العلمية والمجتمع المدني.
.7المعالجة الفاعلة والقائمة على التغيير لظواهر الفقر والبطالة والنزوح والهجرة ...وذلك بمقاربات
تشاركية وبعيدا عن كل استثمارات سياسية ألوضاع السكان.
.8على متخذي القرار والمخططين أن يتجاوزوا اإلطار القطاعي الضيق إلى مقاربة وتماش يدمجان
األبعاد السكانية في وضع وتنفيذ السياسات التي تهدف إلى تحقيق التنمية ،وهذا يتطلب اكتساب
مهارات وطرق عمل تتالءم ومبدأ الدمج.
.9إنشاء فريق عمل فني متعدّد االختصاصات لتطوير خطة عمل ترمي إلى تعزيز إدماج البعد
السكاني ضمن خطط التنمية.
.10اعتماد عملية اإلسقاطات السكانية في كل تخطيط عام أو قطاعي ،وهي طريقة يكون فيها السكان
هم المنطلق لتحديد الحاجيات القطاعية وضبط األولويات ووضع البرامج.
.11التطوير الكمي والنوعي للنشاط البحثي حول قضايا السكان الهامة ومن ضمنها قضايا الشباب
والتطرف واإلرهاب ...من منظور تنموي حقوقي
ّ والهجرة والشغل ،وتشيّخ السكان والعنف
شامل.
51
.12العمل على رفع درجة الوعي لدى واضعي السياسات والبرامج ولدى السكان عامة على
المستويات الوطنية والجهوية والمحلية بأهمية البعد البيئي واالستدامة في التنمية ،وتوفير األطر
واآلليات المالئمة لمشاركة كل األطراف في ذلك وخاصة منها المجتمع المدني.
.13العمل بجدية وفاعلية على الوفاء بااللتزامات الوطنية حول االنخراط ضمن خطة التنمية
المستدامة ،2030والعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة بمستويات عالية.
.14اإلسراع بوضع القائمة الكاملة للمؤشرات الوطنية ألهداف التنمية المستدامة وذلك بمشاركة كل
األطراف المعنية.
.16دعم تماشي التخطيط الجهوي للتنمية من خالل إدماج أكثر للمتغيرات السكانية ،ومقاربات حقوق
اإلنسان والنوع االجتماعي وتطوير قدرات الهياكل الجهوية ماديا وبشريا.
.17االستفادة من التقنيات الحديثة ،لتعصير عمليات جمع البيانات السكانية المنتجة من هياكل
المنظومة اإلحصائية بما في ذلك منظومة الحالة المدنية ،وتقاسمها ونشرها بما يوفّر سهولة
الوصول إليها.
.2.VIIIالتوصيات الخاصة بتعزيز قدرات المؤسسات والمجتمع المدني والموارد البشرية في مجال
السكان والتنمية.
بهدف تطوير قدرات العاملين والناشطين في مجال القضايا السكانية والتنمية ومعالجة الفجوات في
المعارف والمهارات المتصلة بها ،يُقترح أن تُن ّظم ورشات عمل ودورات تكوينيّة على المستويين الوطني
والجهوي وذلك في المواضيع التالية:
.1وضع وكتابة مشروع سياسة سكانية متكاملة تستجيب لتحديات المرحلة :الرؤية ،المرجعيات،
المبادئ ،األسس ،األهداف ،العناصر...
52
.2مفهوم اإلدماج الحقيقي للقضايا السكانية في الخطط التنموية وتقنياته وآلياته.
.3طرق وأساليب وتقنيات استثمار البيانات واالسقاطات السكانية في كل تخطيط عام أو قطاعي بما
يجعل السكان هم المنطلق لتحديد الحاجيات القطاعية وضبط األولويات التنموية.
.5العالقة بين السياسة السكانية من جهة واألمن االجتماعي واالستدامة من جهة ثانية.
.6االلتزامات الدولية لتونس فيما يتصل بالقضايا السكانية والتنمية وما تستوجبه من خيارات
ومبادرات على الصعيد الوطني (خاصة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية وخطة التنمية ، 2030
أهداف التنمية المستدامة).
تصور نظام وطني جامع وفاعل لجمع وتحليل المعطيات واستثمارها على الصعيدين الوطني
ّ .7
والجهوي في عمليات التخطيط.
.8تقنيات إعداد وإنجاز الدراسات والبحوث العملية لفائدة اإلطارات العليا والمتوسطة العاملة ببنوك
المعطيات بمختلف الوزارات ذات المنحى السكاني التنموي.
.9إنتاج وحدات تدريب حول محاور السكان والتنمية ( الصحة والحقوق اإلنجابية -تمكين المرأة
والشباب -تعزيز القدرات – التنمية المستدامة -مساهمة المجتمع المدني – الشراكة – التشريع
السكاني – المناصرة للقضايا السكانية.)...
.10التخطيط التنموي والسكاني الجهوي /المحلي وذلك تناغما مع التو ّجه المعتمد في إعداد المخطط
الجديد للتنمية االقتصادية واالجتماعية ،2020-2016الذي انطلق من الواليات.
53
.12تقنيات المناصرة وكسب التأييد للقضايا السكانية في عالقتها بالتنمية.
.13مبادئ وعناصر ّ
خطة التنمية المستدامة 2030وأهداف التنمية المستدامة وغاياتها.
.14إعداد المؤشرات الوطنية ذات العالقة بالسكان والتنمية ألهداف التنمية المستدامة.
.16صيغ الشراكة الحقيقية والفاعلة بين الهياكل العمومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص في
المجال السكاني.
.18تقنيات التصرف /اإلدارة المستندة إلى النتائج والتغيير بدل األنشطة واإلنجاز.
54
المالحــق
55
الملحق : 1إعالن قادة العالم حول السكان سنة 30 :1967رئيسا وملكا فقط
ومن بين الموقّعين عليه الرئيس التونسي األسبق الحبيب بورقيبة
56
57
58
59
امللحق : 2مؤشرات إحصائيّة
المؤشرات
سنة 10982,754 :2014ألف سنة 8785,2 : 1994ألف عدد السكان
سنة %20.5 :2014 سنة 22.7 : 1994 نسبة الوالدات لكل ألف ساكن
سنة 16.7 :1999
سنة %1.03 :2014 سنة %1.7 : 1994 المعدل الخام للنمو الديمغرافي
سنة %11.7 :2014 سنة %3.8 :1994 نسبة المسنين ( 60سنة )+من مجموع
السكان
سنة :2014ذكور 73.8 :سنة سنة :1994ذكور 69,5:سنة مؤمل الحياة عند الوالدة حسب الجنس
إانث 78.5 :سنة إانث 73.3 :سنة
سنة 16.7 :2012لكل 1000والدة سنة 31.8 :1994لكل 1000والدة نسبة وفيات الرضع
حية حية
سنة 27.7 :2011عاما سنة 25.4 :1995عاما متوسط عمر المرأة عند أول زواج
سنة %62.5 :2012 سنة %59.7 :1994 نسبة استعمال وسائل منع الحمل
سنة 2.46 :2015طفال سنة 2.9 :1994طفال المؤشر اإلجمالي للخصوبة (عدد األطفال
سنة 2.16 :2004طفال لكل امرأة)
سنة 44.8 :2009لكل 100ألف سنة 68.9 :1994لكل 100ألف نسبة وفيات األمهات
والدة حية والدة حية
60
سنة :2014ذكور%95.7 : نسبة التمدرس للفئة العمرية ( 6-14سنة) سنة :1994ذكور%89.0 :
إانث%95.9 : إانث%83.2 :
سنة :2014ذكور%12.4 : سنة :1994ذكور%21,3 : نسبة األمية لدى الرجال والنساء :عشر
إانث%25.0 : إانث%42.3 : سنوات فما فوق
العامة%18.8 : العامة %.31 :
البيئة والمحيط
سنة 28.50 :2010 سنة 25.88 :2006 انبعاث الغازات الدفيئة (طن مكافئ ثاني
أكسيد الكربون)
19ألف هكتار سنواي (غري متجددة) األراضي التي تضيع كل سنة نتيجة
التصحّر
61
ابلتصحر
ّ : % 22مناطق صحراوية :% 17 -مناطق شديدة اإلصابة المناطق حسب تأثّرها بالتصحّر
ابلتصحر
ّ :% 32مناطق مصابة بصفة متوسطة
سنة % 58.2 : 2014 سنة % 39.5 : 1994 نسبة األسر المرتبطة بشبكة الصرف
الصحي
62
طور هرم السكان في تونس
الملحق : 3ت ّ
1956 1966
80 & + 80 &+
70 70
ذكور إناث
60 60
30 30
20 20
10 10
0 0
10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 0 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 0 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10
80 &+
1984 1975
70 80 &+
60 70
2004 1994
80 &+ 80 &+
70 70
60
ذكور إناث 60
50 50
40 40
ذكور إناث
30 30
20 20
10 10
0
0
10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 0 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 0 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10
63
2029 2014
80 &+
70
ذكور إناث
60
50
Mascu Féminin
40
30
20
10
0
109 8 7 6 5 4 3 2 1 0 1 2 3 4 5 6 7 8 910
64
الملحق :4الكثافة السكانية حسب الوالية 2014
65
الملحق :5نسبة األمية حسب الوالية 10( 2014سنوات فما فوق)
66
الملحق :6نسبة البطالة حسب الوالية 2014
67
المصـــادر :
▪ المعهد الوطني لإلحصاء تونس :نتائج عمليتي إحصاء السكان والسكنى 2004و 2014
▪ المعهد الوطني لإلحصاء :إسقاطات السكان النشيطين والطلبات اإلضافية للشغل 2019-1999
▪ المعهد الوطني لإلحصاء :قاعدة البيانات اإلحصائية
▪ وزارة التنمية واالستثمار والتعاون الدولي تونس :التقرير الوطني حول السكان والتنمية – القاهرة
زائد 20
▪ الديوان الوطني لألسرة والعمران البشري تونس :تقرير الجمهورية التونسية حول متابعة تنفيذ
برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية 2004-1994
▪ الديوان الوطني لألسرة والعمران البشري :انعكاس برنامج تنظيم األسرة على القطاعات
االجتماعية
▪ الديوان الوطني لألسرة والعمران البشري :السكان في تونس
▪ وزارة التنمية واالستثمار والتعاون الدولي :المسح العنقودي متعدد المؤشرات 2013 :MICS 4
▪ الديوان الوطني لألسرة والعمران البشري :المسح العنقودي متعدد المؤشرات 2007 :MICS 3
▪ الجمهورية التونسية :وثائق المخططات الخماسية للتنمية االقتصادية واالجتماعية 12-11-10-9
▪ وزارة التنمية واالستثمار والتعاون الدولي :الوثيقة التوجيهية لمخطط التنمية االقتصادية
واالجتماعية 2020-2016
▪ عبد الناظر أحمد :السياسة السكانية والتنمية بتونس ،البناء والخصائص والدروس المستفادة
▪ عبد الناظر أحمد :الديوان الوطني لألسرة والعمران البشري :المهام ،والبرامج
▪ عبد الناظر أحمد :الهبة الديمغرافية في تونس ،الفرص والتحديات
▪ المجلس األعلى للسكان تونس :التقارير والمخرجات ،من 2001إلى 2009
▪ الديوان الوطني لألسرة والعمران البشري :أهم نتائج البحوث المع ّمقة للمسح التونسي لصحة
األسرة
وزارة البيئة والتنمية المستديمة تونس :المؤشرات الوطنية للتنمية المستديمة 2010 ▪
▪ مركز التكوين واإلعالم والتوثيق حول الجمعيات تونس www :ifeda.org.tn
▪ اآلسكوا :مسح التطورات االقتصادية واالجتماعية في المنطقة العربية 2015-2014
▪ صندوق األمم المتحدة للسكان :تقرير حالة سكان العالم 2011
▪ جامعة الدول العربية /المشروع العربي لصحة األسرة :صحة األسرة العربية والسكان،
▪ أمين مدني :السياسات والبرامج السكانية وحقوق اإلنسان
▪ البنك الدولي :قاعدة البيانات
68
تقارير التنمية البشرية: ▪ برنامج األمم المتحدة اإلنمائي
▪ Office National de la Famille et de la Population : Fécondité et
planification familiale en Tunisie
▪ Office National de la Famille et de la Population : Documents et rapports
de l’atelier de la réflexion stratégique 2008
▪ Jacques Vallin et Thérèse Locoh : Population et développement en
Tunisie : la métamorphose
▪ Boukhris Mohamed : Population et développement en Tunisie
▪ UNFPA Tunisie : Rapport d’évaluation du programme et d’élaboration de
la stratégie de population
▪ Institut National des statistiques : Les projections de la population 2014-
2044
69