Professional Documents
Culture Documents
مجلة الباحث القانونية - العدد 57 غشت 2023 - المدير المسؤول ذ. محمد القاسمي
مجلة الباحث القانونية - العدد 57 غشت 2023 - المدير المسؤول ذ. محمد القاسمي
العدد 57من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر غشت 2023م
Researcher's journal
of Legal and Judicial Researches and Studies
– –
La gestion de la trésorerie et le système Cash Pooling .........................................................Docteur AKHAYAD Loubna
Bref regard sur le droit des sociétés commerciales Syrien ........................................... Docteur Mohamed Saer Rahal
L'interception entre l'intelligence Artificielle et le régime juridique des affaires….…….........…...Abouhafs Abdelhafid
Regard critique sur la constitutionnalisation de la régionalisation avancée au Maroc ...............MEZGHERI MOHAMED
L’industrie déterminant de l’avantage concurrentiel national….........….....Mme. ALLALI Aicha - Mme. NASSRI Rania
Le droit à l’oubli numérique………………………………………………………….....……………………..BENCHEKH Salama
L’organisation territoriale des fonctions de la santé au Maroc .................................................. Docteur ABBASSI Inan
ن أُوتُوا اْلعِلْمَ
َالذِي َ
كمْ و َ (يَ ْرفَعِ اللَ ُه الَذِي َ
ن آ َمنُوا مِن ُ
خبِيرٌ)
َاللهُ بِمَا َتعْمَلُونَ َ
درَجَاتٍ و َ
َ
صدق الله العظيم
مجلة الباحث
للدراسات واألبحاث القانونية والقضائية
مسؤولا المجلة:
محامي بهيئة المحامين بالرباط عضو المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب
اللجنة العلمية:
الأعضاء من داخل المملكة المغربية:
.104
.120
ISSN
Arcif
مجلة الباحث
للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية
www.allbahit.com
تبقى كل الأراء والمواقف الواردة بالمقالات المنشورة بالمجلة ملزمة لأصحابها ولا تلزم المجلة وطاقمها
majalatlbahit2017@gmail.com word
.22
فهرسة العدد:
31
13
44
13
79
331
311
353 –
395
311
311
331
313
359
315
313
379
133 1122
111
153
115
113
171
411
434
411
441
451
411
411
511
133
149
115
111
-1الحسين الروحي « ،مأسسة النوع االجتماعي بين تغيير النص القانوني باسم المساواة والتشبت باإلرث التقليدي» ،جامعة محمد
الخامس ،الرباط ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،سال .المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،مقالة ،عدد مزدوج
، 130-127يوليوز -أكتوبر : 2016ص.157
-2البرنامج الدولي للدورات التدريبية في مجال حقوق اإلنسان والمنتدى األسيوي لحقوق اإلنسان والتنمية « ،دائرة الحقوق» دليل
تدريبي لدعاة الحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،جامعة بيروت العربية ،سنة :0222ص.38
-3امبارك بوطلحة « ،حق المرأة في المساواة بين مدونة األسرة والتزامات المغرب الدولية» ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في
القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال ،الموسم الجامعي :2020-2017ص .276
-4غازي عايد الغثيان الساليطة « ،الحماية القانونية للمرأة ضد التمييز في مجال العمل ” دراسة في االتفاقيات الدولية والقوانين
الوطنية‟» ،مقدم إلى المؤتمر الدولي المنظم بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية السويسي – جامعة محمد الخامس –
المملكة المغربية -يومي 30و 31مارس 2017تحت عنوان ” :الشغل التشغيل والمقاولة النسائية :تشغيل المرأة بين الواقع والقانون
أية أفاق‟ :ص .2
-5حسب قول أحد أعضاء اللجنة الثالثة التابعة لألمم المتحدة ” إنشاء األمم المتحدة قد تم أساسا لمكافحة التمييز في العالم‟ (محمد
يوسف علوان «،مبدأ المساواة وعدم التمييز :دراسة في القانونين الدولي واألردني» :ص . )5
الفكرية بوضع عدة تشريعية دولية لردم هوة وضعية الالمساواة بين الرجل والمرأة ، 6ولهذا فال
عجب أن يحتل الحق في المساواة وعدم التمييز مكان الصدارة في معظم الدساتير وإعالنات
الحقوق الوطنية ،وفي مقدمتها إعالن حقوق اإلنسان والمواطن في فرنسا في عام ، 5977وأن
يتصدر االتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان العالمية منها أو اإلقليمية . 7فالمساواة لم تكن
وليدة العصور الحديثة ،بل تضرب بجذورها في أعماق التاريخ البشري ،فقد تطور هذا المبدأ
مع تطورالبشرية ،وتنوع بتنوعه ،و اتخذ عدة مظاهرله ،واختلف الفقهاء والمفكرون في مدلوله
باختالف مدارسهم ومشاربهم و اتجاهاتهم . 8هذا المدلول دفعنا إلى تقسيم موضوع المقالة إلى
مبحثين :المبحث األول عنون ب:اإلطار القانوني لمبدأ المساواة ،والمبحث الثاني عنون ب:
مفهوم التمييزوأشكاله.
ركزت حركة حقوق اإلنسان المهتمة بقضايا المرأة على توسيع التعريفات الحالية
للحقوق بما يغطي المزيد من االنتهاكات المرتكبة ضد المرأة بصفة خاصة .9وبالتحديد في
غضون العقود األخيرة الماضية .وقد تطورت التشريعات المعنية بالمساواة في بعض األنظمة
القانونية الوطنية و أيضا اإلقليمية .إذ تحتوي تلك التشريعات على ًالمفاهيم والتعريفات ،و
كذا الفقه القانوني ،مما نتج عنه أخذ الحماية ضد التمييز والحصول على المساواة إلى
مستويات أعلى . 10تصديرا لذلك ووصوال إلى ترسيخ معنى المساواة بصفة عامة كي نصل إلى
تحديد معنى ومقصود المساواة بين الجنسين ،حتى يمكن العمل على التعامل معها بشكل
سليم.
سوف نبدأ بتمهيد نوضح فيه بإيجازمعنى المساواة لغة واصطالحا ( المطلب األول)
،ثم نلي ذلك بتأصيل للمساواة على مستوى الفقه والتشريع ( المطلب الثاني ) على أن نختم
المبحث األول بالتمييز بين المساواة وما يشابهها (عالقتها بالعدالة االجتماعية ،وبالنوع
االجتماعي ،ثم بمبدأ عدم التمييز)( .المطلب الثالث).
المساواة لغة :من ”سواء‟ الش يء أي مثله ،والجمع أسواء ،واستوى الشيئان
وتساويا أي تماثال ،ويقال ساوى الشيئ أي عادله ،ثم يقال فالن وفالن سواء أي متساويان .11و
ال يعنى بها إلغاء الفروقات البيولوجية أي الجنسية بين المرأة والرجل ،وال يعنى بها إلغاء مبدأ
توزيع الواجبات ،و إنما يعنى بها إلغاء التمييزأو عدم اإلنصاف أو االضطهاد أو العنف أو تقليص
وتحجيم القدرات والفرص والتباين في توزيع الموارد و المكانات (. 12أتفق مع هذا التفسيرالذي
أعطي لمعنى المساواة بين الرجل و المرأة ،ألنه واضح و دقيق ،ومن ثمة يزيل أي لبس في الفهم).
ورد في المعجم الفرنس ي » «le Robertأن المساواة تتعلق بخاصية ماهو مساو ،بما
يستدعي مفاهيم المشابهة ،التماثل ،القياس ،التطابق ،الموازنة ،التناصف ،الهوية13...
يستعمل لفظ المساواة بمعان كثيرة كالمشابهة والمماثلة والتكافؤ وغيرها ،ومن
المماثلة قوله تعالى" قل إنما أنا بشرمثلكم".
ومن معنى التكافؤ قول رسول الله صلى عليه وسلم "المسلمون تتكافأ دماؤهم"14
وفي القرآن الكريم :سوي الشيئ يسويه تسوية أي عدله وجعله ال عوج فيه كقوله
تعالى « :ثم سواه ونفخ فيه من روحه» .سوي الش يء :جعله على كمال واستعداد لما أنش ئ من
أجله ،كقوله تعالى «:أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم سواك رجال» .سوي الش يء بالش يء :جعله
مثله سواء بسواء فكانا مثلين ،فالشيئان متعادالن ومتماثالن ،كقوله تعالي˸« مثل الفريقين
-11بشرى الوردي «،مبدأ المساواة في الوظيفة العمومية المغربية» ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – سال 71 -أكتوبر :0278ص.5
شيرين شكري ،أميمة أبو بكر" :المرأة والجندر" ،مشكالت الحضارة ،حوارات لقرن جديد ،ماي ،0220ص-12 721 :
13
-J.JRousseau: du contrat social ,II,XI.
-14أيمن نصر عبد العال " :مظاهر اإلخالل بالمساواة في اإلجراءات الجنائية ،دراسة تأصيلية تحليلية مقارنة" ،الطبعة األولى :0270
ص .71
كاألعمى واألصم والبصير والسميع هل يستويان مثال» .وهذا هو المعنى اللغوي للمساواة كما
عرضته معاجم اللغة العربية ،وكما جاء في االستعمال القرآني.15
وفي الحديث الشريف ”ال يزال الناس بخيرما تباينوا‟ ،وفي رواية أخرى”ما تفاضلوا‟.
و يتضح من هذا التعريف أن المساواة تعني في أبسط ما تعنيه التماثل والتشابه بين
األشياء إذا كانت متعادلة .غير أن هذا التعريف ال يكفي إلزالة الغموض واللبس على مبدأ
المساواة ،لذلك البد من تعريفها من وجهة نظر القانون وهذا ما سوف نتطرق له في المطلب
الموالي.
فالمساواة قانونا غير المساواة لغة إذ تثير العديد من اإلشكاالت ،سواء على صعيد
املجتمعات أو على صعيد المدارس الفقهية ،واألمر ال يقتصرعلى المدارس الغربية ،فالمساواة
بالنسبة إلى:
-الفيلسوف فلتير ":Voltaireهي الشيئ الطبيعي بامتياز وفي اآلن ذاته الوهمي
بامتياز"( ، 16ال أتفق مع رأي هذا الفيلسوف ،أراه جانب الصواب كونه وصف المساواة بالشيئ
الوهمي بامتياز :فالمساواة حق من حقوق اإلنسان األصيلة من منظورعقلي ،وهومنظوريدرس
الوضع من خالل عدسة الحقوق ،وإال على المشرع الدولي والوطني واألكاديميين الباحثين
ودعاة حقوق اإلنسان واملجتمع ...أن يتوقفوا عن المطالبة بشيئ وهمي ،وليركنوا إلى التمييز و
العودة إلى زمن العبودية واالستضعاف.)...
-15علي عمارة « المساواة وعدم التمييز بين الجنسين في العمل بين الجهود الدولية والعربية والتشريع المصري» ،القاهرة :0277
ص .50
16 - J.JRousseau: du contrat social ,II,XI
-العالمة عالل الفاس ي ":يجب أن تتمتع المرأة بما يتمتع به الرجل من حقوق ،وأن تقوم
بما يقوم به الرجل من واجبات .ومن حقها أن تتساوى مع الرجل المساواة التي ال تتنافى مع طبائع
االشياء ،ولذلك يمكنها أن تشارك في الصالح العام بالخدمة والفكرواالرشاد.17"...
-األستاذ أحمد الخمليش ي" :ال تتو افق دائما مع العدل ،لكونها تثيرالجدل الذي ال ينتهي
حول تطبيقها في كثير من وقائع الحياة وجزئياتها" ،ويتشعب النقاش أكثر عند إضافة مصطلح
ثالث هوحقوق اإلنسان .ولقد أبان األستاذ الخمليش ي تبعا لذلك عن صعوبة استخالص نظرية
للمساواة في الفقه اإلسالمي ،وذلك نتيجة التطورالمستمرلمفهوم المساواة.18
والبد من اإلشارة إلى أن المساواة ليست نوعا واحدا ،بل هي أنواع ،حتى وإن كان
موضوعها واحدا ،فهناك المساواة المطلقة والمساواة النسبية ،كما توجد مساواة ر افعة
وأخرى خافضة ،ومساواة فعلية وأخرى قانونية.19
أكد رجال القانون الفرنسيون وفي مقدمتهم A.lyon – Caenحيث أشارإلى أن المساواة
القانونية بمفهومها الحصري يجب أن تترجم من خالل االبتعاد عن كل تفرقة.20
وذهب المشرع األلماني إلى عدم االقتصارعلى المساواة بين الذكورواإلناث ،و إنما حتى
بين البشر كافة في قوله" :كل البشر سواسية أمام القانون" .فمبدأ المساواة يعتبر أحد دعائم
الدولة القانونية إن لم يكن أهمها ،على أساس سيادة القانون ال تعلو ما لم تطبق أحكامها على
-17محمد المهدي الحجوي الثعالبي" :المرأة بين الشرع والقانون للفقيه الحجوي" -دراسة وتعليق( -وثيقة فقهية حقوقية مقارنة
حررها الفقيه الحجوي سنة ،7383لتبقى شاهدة على سبق فقهاء الشريعة في المطالبة بحقوق المرأة األسرية واالجتماعية والمدنية
والسياسية) ،أبريل : 0277ص .38
-18محمد سعيد بناني « الحريات والحقوق أية أفاق في ضوء القانون الدستوري للشغل بالمغرب» ،الجزء الخامس ،دجنبر
:0273ص830
-للتوسع أكثر في أنواع المساواة راجع :عمار مساعدي :مبدأ المساواة وحماية حقوق اإلنسان ،مرجع سابق ،الصفحات من82 19
إلى . 80
A-Lyon-Caen: ‟L'égalité et la loi en droit du travail”, Droit social, 1990, n°1.page: 68 -75-20
-https://signal.sciencespo-lyon.fr/article/236975/L'égalité et la loi en droit du travail
قدم المساواة .21وتماشيا مع الصيرورة العالمية الداعية إلى المساواة بين الجنسين خصص
الدستورالمغربي لسنة 1155الفصل 57والفصل 561للنهوض بالمساواة ين الجنسين. 22
وجدير بالذكر أن الشريعة اإلسالمية مصدر من مصادر التشريع ،وفي جوهرها أساسا
ً
متينا للمساواة ،فالبشر المنتشرون في القارات أسرة واحدة انبثقت من أصل واحد ،ال مكان
بينهم للتفاضل في أساس الخلقة و ابتداء الحياة .23ومن اآليات البينات التي تتضح فيها المساواة
َّ ْ َ َ َ َ َََ ُ َ َ ُّ َ َّ ُ َّ ُ َ َّ ُ ُ َّ
احد ٍة َوخل َق و
ٍ ِ س ف ن ن مِ مك ق ل خ ي ذ
بين الرجل والمرأة قوله تعالى﴿ :يا أيها الناس اتقوا ربكم ِ
ال
َ َ ُّ َ َّ ُ َّ َ َ ْ َ ُ ً َ َّ َ
اس ِإنا خلقناكم ِم ْن َها ز ْو َج َها َو َبث ِم ْن ُه َما ِر َجاال ك ِث ًيرا َو ِن َس ًاء ۚ﴾ (سورة النساء ،اآلية ﴿ ،)5يا أيها الن
َ َّ َ ْ َ ُ َْ ُ َ ُ َ َ َ ُ َٰ َ َ َْ َ ُ ْ ُ ُ ً َ
وبا َوق َبا ِئ َل ِلت َعا َرفوا ۚ ِإ َّن أك َر َمك ْم ِعند الل ِه أتقاك ْم﴾ (سورة ِمن ذك ٍر و أنثى وجعلناكم شع
الحجرات ،اآلية ،)51كما جاء في حديث الرسول الكريم «أن النساء شقائق الرجال في األحكام».
َ
ض َل ِل َع َرِب ٍي َعلىوما أكده المصطفى (صلى الله عليه وسلم) في خطبة الوداع بقوله « َأ َال َال َف ْ
َّ َّ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ
أ ْع َج ِم ٍي َوال ِل َع َج ِم ٍي َعلى َع َرِب ٍي َوال ِأل ْح َم َر َعلى أ ْس َو َد َوال أ ْس َو َد َعلى أ ْح َم َر ِإال ِبالتق َوى ».
وتجري التفرقة كذلك بين المساواة في القانون والمساواة أمام القانون .ويتعلق
النوع األول من المساواة بعملية تكوين القانون ،ويقع على كاهل المشرع تحقيقها عند صوغ
القانون ،كما يحدث عند تضمين مبدأ المساواة بين الرجال والنساء مثال ،في الدساتيرالوطنية
وفي القوانين العادية .أما النوع الثاني من المساواة ،فيتعلق بعملية تطبيق القانون ،أي عندما
تمارس اإلدارة نشاطها في تنفيذ القانون ،وبمعنى آخر ،فهي تعنى بضمان التطبيق الفعلي لمبدأ
المساواة الدستوري في جميع الميادين.24
-21محمد سعيد بناني :الحريات والحقوق أية أفاق ،مرجع سابق :ص. 838
-22دستور المملكة 0277صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 37.77.7بتاريخ 03يوليو ، 0277الجريدة الرسمية للمملكة
المغربية المؤرخة في 82يوليو 0277عدد 5378مكرر .
-23ميساء عبد الكريم أبو اصليح" :حق المساواة في القانون الدولي لحقوق اإلنسان" ،رسالة الدكتوراه ،جامعة الشرق األوسط -
كلية الحقوق -قسم القانون العام ،0273 -ص.72:
-24محمد يوسف علوان :التمييز المحظور في القانون الدولي ،مرجع سابق ص. 5 :
غربلة السياق القولي :أي مساواة نقصد؟ هل نعني العدالة االجتماعية ؟ هل هي النوع
االجتماعي ؟ هل هي المناصفة؟ هل هي مبدأ عدم التمييز...؟
-25أيمن نصر عبد العال :مظاهر اإلخالل بالمساواة ،مرجع سابق،ص.20 :
- 26المملكة المغربية ،المعهد العالي للقضاء ومعهد راؤول و النببرغ لحقوق اإلنسان والقانون اإلنساني في مملكة السويد" :حقوق
اإلنسان في مجال الشغل وتطبيقاتها في القضاء الوطني ،"0271ص.87 :
-27س عيد محمد علي محمد السوالحساني" :الحماية القانونية لمبدأ المساواة في الدستور اإلماراتي – دراسة مقارنة -المملكة المغربية
وجمهورية مصر العربية" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في ا لحقوق شعبة القانون العام ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية -أكدال -تخصص :علم السياسة والقانون الدستوري ،2011-2010:ص12 :
28
-UNITED NATIONS ,ESCWA Economic and Social Commission for Western Asia:"Social
Protection as a Tool for Justice", Social Development Bulletin, Vol 5,Issue No.2,Januari2015
p:2.
-29المملكة المغربية ،البرلمان ،مجلس المستشارين" :المنتدى البرلماني للعدالة االجتماعية " ،يومي 17و 20فبراير ،2016ص3:
-30قراءة في القرار بقانون رقم ( )6لعام 2016بشأن الضمان االج تماعي" ،مركز المرأة لإلرشاد القانوني واالجتماعي -فلسطين -
›- https://www.wclac.org‹Library 2016117أكتوبر2012
النوع االجتماعي:
لقد أضحى مبدأ المساواة المبني على النوع االجتماعي من أهم المبادئ اإلنسانية
الذي تحرص الدول على التمسك به ،باعتباره أحد الدعائم األساسية لبناء دولة القانون. 36
ويحيل مفهوم النوع االجتماعي إلى التصنيف االجتماعي وترتيبه للمرأة وللرجل .37ولإلشارة أثار
هذا المفهوم جدال معرفيا ،ولم يكن تعامل الدراسات النوعية مع المفهوم تعامال بسيطا بل
كان تعامال مع حقائق مركبة مما حدا بالدارسين للمفهوم اعتماد مقاربات علمية في دراسة النوع
االجتماعي . 38إن استخدام مصطلح النوع االجتماعي أو مصطلح الجنس ،أصبحا يعبران عن
مدلولين :األول ثقافي والثاني بيولوجي .وأهمية استخدام مصطلح النوع االجتماعي وتحليله ،فهو
-31أيمن نصر عبد العال :مظاهر اإلخال ل بالمساواة ،مرجع سابق :ص 02
-32المعهد العالي للقضاء :حقوق اإلنسان في مجال الشغل ،مرجع سابق :ص. 87
-33الدكتور سعيد محمد علي محمد السوالحساني « الحماية القانونية لمبدأ المساواة ،مرجع سابق :ص.70
-34مجلس المستشارين :المنتدى البرلماني للعدالة االجتماعية ،،مرجع سابق:ص8
-35قراءة في القرار بقانون رقم ( )7لعام 0277بشأن الضمان االجتماعي ،مرجع سابق :ص 8
- 36ابتسام المعتصم بالله" :مبدأ المساواة المبني على النوع االجتماعي في القانون الدولي الخاص المغربي" ،أطروحة لنيل شهادة
الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة مح مد الخامس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – السويسي -الرباط ،السنة
الجامعية ،2012-2017 :ص.3 :
ن ن
-37محمد بنحساين" :النوع والقانو االجتماعي المغربي" ،مجلة القانو المغربي ،مطبعة دار السالم ،العدد ،0277 :88ص.088:
-38الحسين الروحي :مأسسة النوع االجتماعي ،مرجع سابق ،ص. 777 :
الوسيلة التي يستطاع أن يوضح ويحلل بها األسباب الهيكلية والثقافية والعوامل السياسية
واالقتصادية التي أدت إلى التمايز وساهمت في استمراره ،39حيث ،يجري توزيع البيانات
اإلحصائية وفقا للجنس .وإن مصطلح « النوع االجتماعي » يستخدم لتحليل األدوار
والمسؤوليات والقيود والفرص وحاجات المرأة والرجل في املجاالت كلها وفي أي سياق
اجتماعي . 40وتنزيله اقتض ى ميدانيا استعمال مفاهيم قابلة للتطبيق ،فاتفق على المساواة
كمعيار قابل للقياس بين الجنسين ،إال أن البعض استعمله استعماال ميكانيكيا معتمدا على
أرقام جافة ،مقاربة كمية أفرغت المصطلح من حمولته المعرفية .والبحث في مفهوم المساواة
في معزل عن البيئة المفاهيمية للنظام المعرفي يفرغ مفهوم المساواة من محتواه ويفقده القوة
التي كان يتصف بها داخل النظام العام .في حين كان من الواجب استعماله داخل رزنامة معرفية
متكاملة.41
وينبغي التمييزبين المساواة والهوية :الفارق بين هذين المفهومين أي المساواة والهوية،
من حيث الداللة اللغوية ،يتمثل في أن المساواة تعني أن نكون مثل اآلخرين ،وأن نتمتع مثلهم
ً ً ً
بكل الحقوق على قدم المساواة قانونيا واجتماعيا و اقتصاديا ,في حين أن الهوية تعني -رغم
تعدد تعريفاتها -أن نتميز عن اآلخرين ،وأن نبحث عنها في الذات الداخلية الفردية أو الجماعية
عما نختلف فيه عنهم من قيم وثقافة ومعتقدات : 42بمعنى لكل شخص هويته المميزة له ،ولكنه
ينبغي أن يتمتع على قدم المساواة مع غيره في مجتمع بعينه بنفس الحقوق وبنفس الحريات.
وخالفا لهذا المنحى نرى من جانبنا في تشبت بعض المؤسسات ( األحزاب .
السياسية)بالمطالبة بالمناصفة :أي المساواة الكمية في التمثيل ،ظلما كبيرا لكال الطرفين
المرأة والرجل معا ،لهذا نعتقد أنه يجب إعمال معيار الكفاءة كمحدد أساس ي في ولوج مراكز
القرار،وبالتالي إعطاء لكل ذي حق حقه.
و بخصوص المساواة وعدم التمييز ففي بدايات الفكر التحليلي القانوني لظاهرة عدم
التمييز ،لم يميز الفقه القانوني بين مفهومي عدم التمييزوالمساواة ،حيث كان هناك خلط بين
المفهومين ،لكن ما لبث أن تبين لرجال الفكر القانوني بأن هذين المفهومين متكامالن وغير
متطابقين .هذه الخالصة تمكن من الوصول إلى النتيجة اآلتية :فمبدأ المساواة يهدف إلى
التحذير من أي محاولة لمعاملة مختلفة في مجال الحريات أو الحقوق أو الواجبات للحصول
على امتياز في العمل ...في حين أن مبدأ عدم التمييز هو عبارة عن مجموعة هذه المبادئ من
المساواة مجتمعة ،فهو يتناول مجموعة من العناصر الدائمة والثابتة غير المتبدلة و التي ال
يمكن لها في أي حال من األحوال أن تكون محل اعتبار 44ومن جهة أخرى ال تعني المساواة غياب
التمييز وال يعني غياب المساواة وجود التمييز ، 45فالعالقة بين المساواة ومبدأ عدم التمييز هي
عالقة تعايش مشترك.46
و البد من اإلشارة إلى أن هناك فرقا بين التمييز ومبدأ التمايز ،ذلك أن التمييز فيه
خرق لحقوق اإلنسان في حين أن التمايزال عالقة له بخرق حقوق اإلنسان. 47أما عن عالقة مبدأ
التمايز 48بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ،فداخل التمايز يجب أن تكون هناك مساواة .وهو ما
تم التعبير عنه من قبل األستاذ Jean Riveroبارتباط "المساواة بالتمايز" ،وهي التي تقبل في
الحاالت املختلفة ،والمبررة باسم المصلحة العامة.
-44محمد عرفان الخطيب :مبدأ عدم التمييز في تشريع العمل المقارن المفهوم،مرجع سابق ،ص.13 :
45
-منظمة العمل الدولية" :نظرة جديدة إلى الن مو االقتصادي :نحو مجتمعات عربية منتجة وشاملة" ،المكتب اإلقليمي للدول
العربية ،برنامج األمم المتحدة اإلنمائي -المركز اإلقليمي في الدول العربية -بيروت ،0278 ،ص.53 :
46
- Le Conseil national des droits de l’homme – UNESCO: Education à la citoyenneté. Op.Cit,
P:33.
-حوار أجريناه مع األستاذ سعيد بناني بتاريخ 78يناير 0200على الساعة 78:22زواال 47
َّ
وتحزبوا "تمايز أفر ُاد الجماعة بعضهم عن بعض وتنافسوا
تفرقوا واختلف ُ
القوم َّ :
ُ تماي ًزا ،فهو ُمتماِيز ،تمايز
-تمايز يتمايزُ ،
48
الشيئان :اختلفا على وجه التغاير -عدة أحزاب" .تمايز َّ َّ
وتوزعوا بين ّ
https://www.arabdict.com/ar/
وبذلك فإن مبدأ التمايزيرد منظما لحاالت مختلفة ال تخرج عن مبدأ المساواة وتكافؤ
الفرص ،وذلك عند المساواة في الحظوظ عند تساوي الحاالت . 49مما يدفعنا إلى النبش في
مفهوم التمييزوأشكاله لتفادي أي لبس.
إن التمييز اسم يرفع إبهاما في الشيئ قبله ، 50وبالمفهوم اللغوي يعني التفرقة ، 51وكلمة
تمييزمصدرللفعل ميزومازالشيئ يعني عزله ،وفرزه ونحاه عنه ،ويقال تميزالقوم يعني تحزبوا
وتفرقوا.
وفي القرآن الكريم ،قال تعالى ˸« وامتزوا اليوم أيها املجرمون»( سورة يس -اآلية)17
يعرف التمييز بأنه أي تغيير أو استبعاد أو تفضيل ،متخذ على أساس العرق أو اللون أو
الجنس أو الدين أو الرأي السياس ي أو األصل الوطني أو المنشأ االجتماعي ،يكون من شأنه إلغاء
المساواة والمعام لة في االستخدام والمهنة أو اإلضرار بها .وال يشترط تو افر النية لتو افر حالة
التمييز ،بل يتو افرالتمييزسواء كان مباشرا أو غيرمباشر ،فالمهم هو تأثيرالحرمان أو الحد من
المساواة في الفرص و المعاملة الناشئة عن االختالف في المعاملة بين الجنسين .52وعلى ذلك
،فإن التمييزالذي نهتم ببحثه هو التمييزاالقتصادي.
-49للتوسع أكثر في العالقة بين المساواة و التمايز وتكافؤ الفرص راجع :محمد سعيد بناني :الحريات والحقوق أية أفاق ،مرجع
سابق ،الصفحات من 877إلى. 807
-50عباس عبد القادر «،مبدأ عدم التمييز ضد المرأة في القانون الدولي ،انضمام الجزائر لالتفاقيات الدولية لمنع أشكال التمييز» ،كلية الحقوق والعلوم السياسية،
جامعة الجلفة ،مجلة الحقوق والعلوم اإلنسانية ،العدد 05المجلد األول :ص. 878
51
-محمد عرفان الخطيب :مبدأ عدم التمييز في تشريع العمل المقارن المفهوم ،مرجع سابق :ص77
-52علي عمارة :المساواة وعدم التمييز بين الجنسين ،مرجع سابق :ص51
تشير مجموعة من االتفاقيات الدولية ومواثيق حقوق اإلنسان إلى مفهوم التمييز ضد
المرأة بشكل صريح 53كاالتفاقية رقم 511الخاصة بالتمييز في مجال االستخدام والمهنة .54
و اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييزضد المرأة (...55)5797
كما تعرف بعض االتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان التمييزبارتكازها على اآلثار ،حيث
يشمل حظر التمييز التدابير غير التمييزية واملحايدة في الظاهر ،ولكنها تمييزية على مستوى
النتائج واآلثارالتي تحدثها.56
وقد يقع التمييزفي القانون وفي السياسات ،فنكون بصدد التمييزفي القانون de jure or
légal discriminationوقد يقع في العمل أو في الممارسة ،فنكون بصدد التمييزفي الو اقع de
facto discrimination
وقد يحدث التمييز في االستخدام والمهنة في العديد من أماكن العمل املختلفة ،وفي
جميع أنواع العمل .ويتخذ التمييزبين الجنسين في االستخدام والمهنة كظاهرة أشكاال كثيرة .غير
أن كل أشكال التمييزتشترك في سمة واحدة إذ تنطوي على معاملة الناس بشكل مختلف بسبب
خصائص معينة مثل العرق أو اللون أو الجنس ،مما يسفرعنه إضرارا بالمساواة في االستخدام
والمعاملة :أي أنه يفض ي إلى عدم المساواة وإلى توطيدها ،فتتقيد حرية البشرفي تنمية قدراتهم
وفي اختيار مهنتهم ومواصلة انتهاجها ،وتقييد طموحاتهم الشخصية .بغض النظر عن المقدرة
فال يمكن تنمية المهارات والكفاءات ،وتحجب مكافآت العمل ويسود إحساس بالمهانة
واإلحباط وعجزاإلرادة .57
-الدستور الجديد وآفاق حقوق اإلنسان بالمغرب ،مجلة مسالك :عدد مزدوج ، 0278 / 03-01السنة العاشرة :ص 723 53
والتمييزنوعان مباشروغيرمباشر:
ثانيا) التمييزغيرالمباشر:
ويحدث التمييز غير المباشر ،عندما يكون للقواعد والممارسات التي قد تبدو
محايدة أثارا سلبية على أفراد جماعة معينة ،بغض النظر عما إذا كانوا قد استوفوا الشروط
الواجب تو افرها لشغل الوظيفة أم ال.59
وإن مدلول التمييز بنوعيه تناوله الفقيه الفرنس ي M.Minėقائال :إن العبرة ليست في
التفرقة ما بين التمييز المباشر وغير المباشر ،و إنما في تطور السياسة العالمية الهادفة إلى
الضغط على أصحاب العمل إلى اإليمان بفضاء قانوني استشرافي جديد يعمل على وضع قيم
اجتماعية عالمية جديدة ،60نميل إلى هذا الرأي ،ألن التمييز ،كيفما كان نوعه ،فله أثاروأضرار
على الفرد واملجتمع برمته ،إذن يجب التعاون والتضامن للقضاء على أي صنف منهما ،
وبالمناسبة نحترم كل هذه المفاهيم ،لكن ما نرنو إليه وما نتطلع إليه وما نتشوق له هو
-58محمد عرفان الخطيب :مبدأ عدم التمييز في تشريع العمل المقارن المفهوم ،مرجع سابق :ص77
-59فاشتراط إتقان لغة معينة للحصول على وظيفة ،عندما ال يكون إتقان اللغة الزما في ممارسة هذه الوظيفة ،يعد شكال من أشكال
التمييز غير المباشر .وقد يحدث التمييز غير المباشر عندما تحدث معاملة تفضيلية لفئات معينة من العمال ،فاستثناء عمال المنازل
أو عمال الزراعة أو العمال الموسميين من تدابير الحماية االجتماعية بحكم القانون في معظم البلدان ،يمكن أن يسفر عن تمييز غير
مباشر ضد شتى الجماعات والنساء ذوات الدخل المنخفض ،والعمال المنتمون إلى أقليات إثنية والمهاجرون والعمال المسنون ،كلهم
يعانون أكثر من غيرهم من هذا النوع من التمييز .ونخلص مما سبق إلى أنه يكون التمييز غير مباشر متى وجد إجراء تمييز ضد أو
يحابي شخصا ينتمي إلى جنس معين أو قومية أو ديانة معينة ،وال يستند لعناصر موضوعية ومستقلة عن شخص أو جنس المعنى
به ،فهو بالضرورة تمييز ضد الجنس اآلخر( على عمارة :المساواة وعدم التمييز بين الرجل والمرأة ،مرجع سابق:ص. )70
-محمد عرفان الخطيب" :مبدأ عدم التمييز في تشريع العمل المقارن ،نطاق التطبيق واإلثبات" ،مجلة جامعة دمشق للعلوم 60
االقتصادية والقانونية ،قسم القانون الخاص -المجلد - 05العدد األول ،0223 -ص.78 :
اإلنصاف وليس المساواة .فالمساواة نطالب بها كبداية للوصول إلى اإلنصاف ،بكل بساطة
نجد اإلنصاف الذي هو جبر الضرر و إعطاء كل ذي حق حقه يعوض الجور التاريخي على المرأة
وعلى حقوقها ،وذلك باالعتماد على إطار القانون الدولي لحقوق اإلنسان المكون من مجموعة
من االتفاقيات والتوصيات .ومن هذا المنطلق يحق لنا التساؤل عن مدى التزام المشرع
المغربي بهذا اإلطار لضمان تطبيق المساواة بين الجنسين.
المراجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع:
امبارك بوطلحة :حق المرأة في المساواة بين مدونة األسرة والتزامات المغرب -
الدولية ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية سال ،الموسم الجامعي . 1111-1157
بشرى الوردي :مبدأ المساواة في الوظيفة العمومية المغربية ،أطروحة لنيل -
الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية – سال 59 -أكتوبر1151
ميساء عبد الكريم أبو اصليح :حق المساواة في القانون الدولي لحقوق -
اإلنسان ،رسالة الدكتوراه ،جامعة الشرق األوسط -كلية الحقوق -قسم القانون العام
سعيد محمد علي محمد السوالحساني :الحماية القانونية لمبدأ المساواة في -
الدستوراإلماراتي – دراسة مقارنة -المملكة المغربية وجمهورية مصرالعربية ،أطروحة لنيل
الدكتوراه في الحقوق شعبة القانون العام ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية -أكدال -تخصص :علم السياسة والقانون الدستوري -1151:
.1155
ابتسام المعتصم بالله :مبدأ المساواة المبني على النوع االجتماعي في القانون -
الدولي الخاص المغربي ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة محمد
الخامس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – السويس ي -الرباط ،السنة
الجامعية 1157-1159 :
محمد المهدي الحجوي الثعالبي :المرأة بين الشرع والقانون للفقيه الحجوي - -
دراسة وتعليق( -وثيقة فقهية حقوقية مقارنة حررها الفقيه الحجوي سنة ،5717لتبقى
شاهدة على سبق فقهاء الشريعة في المطالبة بحقوق المرأة األسرية واالجتماعية والمدنية
والسياسية) ،أبريل .1156
محمد يوسف علوان :مبدأ المساواة وعدم التمييز :دراسة في القانونين الدولي -
واألردني
محمد يوسف علوان :التمييز املحظور في القانون الدولي ،سياسات عربية، -
دراسات وأوراق تحليلية ،عمان األردن1151 ،
عمار مساعدي :مبدأ المساواة وحماية حقوق اإلنسان في أحكام القرآن ومواد -
اإلعالن ،دراسة تحليلية تأصيلية لمبدأ المساواة وحقوق اإلنسان في الشريعة اإلسالمية
والقانون الوضعي.
علي عمارة :المساواة وعدم التمييز بين الجنسين في العمل بين الجهود الدولية -
والعربية والتشريع المصري ،القاهرة 1155
شيرين شكري ،أميمة أبو بكر :المرأة والجندر ،مشكالت الحضارة ،حوارات -
لقرن جديد ،ماي 1111
الحسين الروحي :مأسسة النوع االجتماعي بين تغيير النص القانوني باسم -
المساواة والتشبت باإلرث التقليدي ،املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،مقالة ،عدد
مزدوج ، 511-517يوليوز -أكتوبر1156
محمد بنحساين :النوع والقانون االجتماعي المغربي ،مجلة القانون المغربي، -
مطبعة دارالسالم ،العدد .1156 :11
محمد سعيد بناني :الحريات والحقوق أية أفاق في ضوء القانون الدستوري -
للشغل بالمغرب ،الجزء الخامس ،دجنبر 1157
محمد عرفان الخطيب :مبدأ عدم التمييز في تشريع العمل المقارن ،نطاق -
التطبيق واإلثبات ،مجلة جامعة دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية ،قسم القانون الخاص
-املجلد - 11العدد األول.
محمد عرفان الخطيب :مبدأ عدم التمييز في تشريع العمل المقارن المفهوم، -
مجلة جامعة دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية ،قسم القانون الخاص -املجلد - 11العدد
الثاني1117 -
عباس عبد القادر :مبدأ عدم التمييز ضد المرأة في القانون الدولي ،انضمام -
الجزائر لالتفاقيات الدولية لمنع أشكال التمييز ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة
الجلفة ،مجلة الحقوق والعلوم اإلنسانية ،العدد 11املجلد األول
عبد العليم محمد :المساواة والهوية :الفارق بين زمنين ،قضايا وآراء ،مجلة األهرام-
مصر-https://gate.ahram.org.eg/daily/News/724070.aspx -
روان عبيد :قراءة في القرار بقانون رقم ( )6لعام 1156بشأن الضمان -
االجتماعي ،مركزالمرأة لإلرشاد القانوني واالجتماعي -فلسطين أكتوبر. 1157
دائرة الحقوق :دليل تدريبي لدعاة الحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية، -
جامعة بيروت العربية ،سنة .1111
المملكة المغربية ،المعهد العالي للقضاء ومعهد راؤول و النببرغ لحقوق -
اإلنسان والقانون اإلنساني في مملكة السويد :حقوق اإلنسان في مجال الشغل وتطبيقاتها في
القضاء الوطني .1159
دستور المملكة 1155صادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 75.55.5بتاريخ -
17يوليو ، 1155الجريدة الرسمية للمملكة المغربية المؤرخة في 11يوليو 1155عدد 1761
مكرر
الدستور الجديد و آفاق حقوق اإلنسان بالمغرب ،مجلة مسالك :عدد مزدوج -
، 1151 / 17-19السنة العاشرة .
منظمة العمل الدولية ،مكتب أنشطة أصحاب األعمال :الدور الريادي -
لمنظمات أصحاب األعمال في حقل المساواة بين الجنسين ،دراسات حالة من 51دول ،السنة
.1111
منظمة العمل الدولية :نظرة جديدة إلى النمو االقتصادي :نحو مجتمعات -
عربية منتجة وشاملة ،المكتب اإلقليمي للدول العربية ،برنامج األمم المتحدة اإلنمائي -المركز
اإلقليمي في الدول العربية -بيروت1151 ،
Le Conseil national des droits de l’homme – UNESCO: Education à -
la citoyenneté et aux droits de l’homme: Manuel pour les jeunes au Maroc
.Année 2015
Bob Hepple, Chair Dimitrina Petrova, Executive Director The Equal -
Rights Trust: Declaration of Principles on Equality, Declaration of Principles on
Equality 2008 The Equal Rights Trust.
https://signal.sciencespo-lyon.fr/article/236975/L'égalité et la loi -
en droit du travail
والمغرب كغيره من الدول عمل على اعتماد ونهج كافة الوسائل القانونية لمكافحة هذه
الظاهرة ،باعتبارها تقوم على التحايل والتهرب المكلفين من دفع لضرائب بغض النظر عن
الشكل الذي يأخذه هذا التهرب ،وما ينجم عنه من أضرار وخيمة ال تقتصر فقط على تقليص
إيرادات الدولة بل اإلخالل بواجباتهم تجاه وطنهم.
كما تشكل عائق في تحقيق األهداف التنموية ،لكونه وسيلة تساهم في تحقيق االستقرار
االقتصادي عن طريق حمايته من التضخم واالنكماش ،كما يوظف من أجل حماية اإلنتاج
الوطني من المنافسة األجنبية وتحسين وثيرة النمو ،فظال عن كونه أداة لتذويب الفوارق
االجتماعية وإعادة توزيع الدخل والثروة بين مختلف فئات املجتمع.
وفي هذا الصدد نجد المشرع المغربي تصدى لهذه الظاهرة في القوانين الجبائية ،وقرر
لها عقوبات جبائية كما خول لإلدارة الضريبية صالحيات المر اقبة وحق تنزيل الجزاءات
الجبائية وتقديم الشكاوى للقضاء ،كأسلوب وقائي قبلي.
لذا فمواجهة ظاهرة التهرب من الضريبة يقتض ي أوال معرفة األسباب التي تدفع إلى التهرب
الضريبي؟ ومعرفة الطرق واألساليب التي يجب إتباعها للمكافحة التهرب والحد منه؟ ووضع
حدود وقوانين صارمة للقضاء على هذه الظاهرة ويثير موضع التهرب الضريبي بالمغرب جملة
من التساؤالت من قبيل :ماهي األسباب الكامنة وراء التهرب؟ -ماهي أشكال هذا التهرب الضريبي؟
و أثاره؟ -ماهي سبل مكافحة التهرب الضريبي؟
لما كان التهرب الضريبي ذا تأثير سلبي ومحايد على مالية الدولة ،بات من الضروري أن
نتعرف على ماهية التهرب الضريبي ،وعلى أنواعه وأسبابه ،و أثاره التي يتركها التهرب سواء من
الناحية المالية أو السياسية أو االجتماعية أو االقتصادية.
اختلفت النظريات الفقهية في القوانين الجبائية في وضع تعريف محدد للتهرب الضريبي،
لكونه يتشابه مع بعض المفاهيم األخرى ،ولهذا فدراسة موضوع التهرب الضريبي تحتم علينا
أوال تعريفه وتمييزه عن بعض المفاهيم المشابهة له (الفقرة األولى) تم التطرق إلى أنواعه
(الفقرة الثانية).
سوف أتطرق في هذه الفقرة إلى ماهية التهرب الضريبي (أوال) ،تم بعد ذلك إلى تمييزه عن
الغش الضريبي(ثانيا).
لقد اختلف فقهاء القانون الجبائي في إعطاء تعريف محدد للتهرب الضريبي ،فهناك من
ينظر إليه على أساس وسيلة يتم بمقتضاه إستغالل الثغرات القانونية التي تركها المشرع
واستعمال وسائل مشروعة وقانونية قصد التخلص من أداء الضريبة سواء كليا أو جزئيا.61
ويقصد بالتهرب الضريبي ذلك السلوك الذي من خالله يحاول المكلف القانوني عدم
دفع الضريبة المستحقة عليه كليا أو جزئيا ،حيث يرى أنها تشكل عبئا عليه فيعمل على
مقاومتها من خالل التخلص منها أونقل عبئها إلى شخص أخر ،وهذا يعني أن التهرب يشمل جميع
الحركات المادية والعمليات املحاسبية واألعمال القضائية التي يستعملها الملزم للتهرب من
دفع الضريبة.62
61يحي صافي وأخرون :الغش الضريبي ،مطبعة الهالل العربية للطباعة والنشر ،الرباط ،السنة ،6991ص.82
62عنابي رضوان :التهرب الضريبي دراسة قانونية سوسيولوجية ،مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية،
المجلد عدد ،8سنة ،8168ص .54
كما عرفها البعض بكونها محاولة الممول أو المكلف بالضريبة التخلص من أعباء
الضريبة وعدم االلتزام القانوني بأدائها كليا أو جزئيا .63وفي نفس االتجاه عرفها البعض األخر
بكون التهرب الضريبي هو عدم قيام المكلف بدفع الضريبة أو الوفاء بالتزامه كليا أو جزئيا تجاه
الدو ائر المالية مما يؤثر على حصيلة الدولة من الضريبة ،وذلك باستخدام طرق ووسائل
مشروعة أو غيرمشروعة.64
كما اعتبره البعض العمل الذي يلجأ بموجبه الخاضع للضريبة إلى التملص من الضريبة
دون أن يخالف القانون.65
وفي هذا اإلطار تبنى مجلس الضرائب بفرنسا مفهوم التهرب الضريبي على أساس
االستفادة من ثغرات النصوص الجبائية املحلية من خالل االعتماد على وسائل تعسفية غير
معاقب عليها جنائيا ومدنيا وتختلف حسب األنظمة الجبائية لكل دولة .66ومن هنا فالتهرب
الضريبي يدخل في إطارالتملص من أداء الضريبة في الوقت املحدد ،من خالل استعمال وسائل
احتيالية وتحايل على النصوص القانونية.
نجده ال يميز بين التهرب الضريبي والغش الضريبي ،لكونه يستعمل مصطلح التملص أو
التأخيرعن تقديم اإلقرارات برقم المعامالت وأحيانا أخرى يستعمل كلمة نقصان أو إغفال.
ويفرق العديد من االقتصادين بين الغش الضريبي والتهرب الضريبي ،باعتبار أن األول
مرادف للتهرب الضريبي غير المشروع أي الغش بمفهومه القانوني ،بينما ينصرف الثاني إلى
التهرب الضريبي المشروع أي بمفهومه االقتصادي.
63بن بعالش خاليدة :مكافحة الغش والتهرب الضريبي في التشريع الجزائري ،مجلة المستقبل للدراسات القانونية
والسياسية ،المجلد ،4العدد ،18السنة ،8186ص.28
64خالد الخطيب :التهرب الضريبي ،مجلة جامعة دمشق ،المجلد ،61العدد ،18السنة ،8111ص.611
65موالي الحسن تمازي :مصدر تفافة المواطنة في عالقة الخاضع للضريبة باإلدارة الجبائية ،المجلة المغربية
لإلدارة المحلية والتنمية ،عددمزدوج ،54-55ماي –غشت ،8118ص.61
66 ABDELKADER TIALATI :la fraude et l’évasion fiscales internationales ,Revue
Almayadine,N°4 Anneé 1989,p82.
67ظهير شريف رقم 66،91،6الصادر في صفر ،6566الموافق 89يوليوز6991بتنفيذ القانون المالي رقم
91،2،2للسنة المالية ،6996/6991المنشور بالجريدة الرسمية ،عدد ،5296بتاريخ فاتح يوليوز.6991
وعموما فالغش الضريبي يقصد به التملص من أداء الضرائب المستحقة عبر اعتماد
الغش والتزويرفي المقتضيات القانونية والضريبية.
وبالرغم من الجهود الفقهية والقضائية الزال غموض مفهوم الغش الضريبي سائدا
لعدم وضوحه عن التهرب الضريبي.
تتعدد صور و أنواع التهرب الضريبي سواء من حيث مطابقته للمعايير التشريعية أو من
حيث القصد اإلداري للملزم.
يتمثل في استغالل المكلف لبعض الثغرات القانونية بغية عدم تحقق الضريبة عليه
بصورة صحيحة وعدم االلتزام بدفعها دون أن يضع نفسه في مركزاملخالف للقانون ،ويمكن أن
يحدث التهرب المشروع عن طريق طبيعي وذلك بتجنب الو اقعة المنشئة للضريبة.68
ويتحقق هذا النوع من التهرب باالستعانة بأهل الخبرة واالختصاص مستغلين في ذلك أي
خلل أو ثغرة في النصوص القانونية.
يعتمد المكلف على وسائل الغش واالحتيال للتخلص من أداء الضريبة ،وهو ما يعرف
بالغش الضريبي ،من خالل إخفاء األموال أو محل اإلقامة ليتعذر على اإلدارة تحصيل أموالها
أو فتح اعتمادات بالبنوك بأسماء وهمية أو نقل أمواله إلى الخارج .أو غيرها من
التصرفات التي تتضح فيها النية السيئة للمكلف سواء وحده أو بمساعدة موظفي السلطات
الضريبية بغية التملص من دفع الضريبة أو جزء منها.69
68خالد الخطيب :التهرب الضريبي ،منشورات مجلة القضاء المدني ،سلسلة دراسات وأبحات ،المجلد العدد،6
سنة ،8164ص.46
69خالد الشاوي :نظرية الضريبة والتشريع الضريبي الليبي ،جامعة فاريونسن ،السنة الجامعية 6929م،
ص.224
كما نجد تهرب ضريبي بسيط وهو كل فعل مرتكب بسوء نية من أجل مخادعة اإلدارة
الجبائية للوصول إلى خضوع أقل للضريبة ،من خالل تقديم تصاريح ناقصة تتضمن بيانات
خاطئة لتقديرالضريبة.
ومقابل هذا النوع هناك تهرب ضريبي مركب يعتمد على طرق تدليسية ،من خالل محو
كل األثارالحقيقية لألنشطة.
وهي حالة الملزم الذي يقدم إلدارة الضرائب محاسبة مزيفة وفواتيركاذبة.70
وال شك أن مثل هذه التصرفات تشكل خطر على الخزينة العامة للدولة ،من خالل
انخفاض إيرادات الدولة وعدم تحقيق العدالة الجبائية.
تعددت أسباب التهرب الضريبي حسب نوعية السياسة المالية والجبائية ومدى انتشار
ما يدفعنا للتطرق الوعي الضريبي والتضامن االجتماعي بين مواطنين ،وهذا
إلى أسباب الذاتية المرتبطة بالمكلف (الفقرة األولى) وأسباب موضوعية مرتبطة باإلدارة
(الفقرة الثانية).
تتمثل هذه األسباب الذاتية في الوعاء الضريبي واألخالق المالية للمكلفين لعدة عوامل
منها:
-اعتقاد الشخص أنه يدفع للدولة أكثرمما يأخذه منها ،لكونها أداة افتقارللشعوب.
-شعورالفرد بثقل العبء الضريبي وعدم العدالة في توزيع العبء الضريبي ما يدفعه من
التهرب من أدائها.
70البوهالي صفاء :التهرب الضريبي بالمغرب :المفهوم األسباب وسبل المكافحة ،مجلة المنارة للدراسات القانونية
واإلدارية ،المجلد عدد خاص ،سنة ،8181يناير ،ص .258
شكلت االجراءات وتعقد المساطر باإلدارة الضريبية مجال للتحايل والتهرب الضريبي،
وهذا ما نجده من خالل:
-إرتفاع معدية الضريبة وثقل العبء الضريبي على المكلفين ،يدفع بهم إلى التهرب أو
الغش في التصريح بالضريبة.
-تعقد النظام الضريبي من خالل فرض إجراءات معقدة وضعف الرقابة الجبائية.71
كل هذه األسباب تساهم بشكل كبيرا في التهرب المكلفين من أداء الضريبة وبالتالي تدهور
إيرادات مالية الدولة وتعطيل عجلة التنمية.
تختلف طرق مكافحة التهرب الضريبي تبعا للنظام الضريبي في كل بلد وحسب الضريبة
المفروضة في كل بلد.
وهذا ما يدفعنا لمعرفة األثار التهرب الضريبي (المطلب األول) وسبل الكفيلة للحد من
ظاهرة التهرب الضريبي (المطلب الثاني).
من المعلوم أنه كلما زاد حجم التهرب الضريبي زادت نتائجه و أثاره السلبية على كافة
الميادين ،سواء من الناحية االقتصادية أو االجتماعية أو المالية.
71عيسى بولخوخ :الرقابة الجبائية كأداة لمحاربة التهرب والغش الضريبي ،رسالة ماستر ،جامعة الحاج لخطر
باتنة ،كلية العلوم االقتصادية وعلوم ،الجزائر ،السنة ،8115/8112ص.21
72محمد السباعي العليقي :المراقبة الجبائية في المغرب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات الوطنية لإلدارة ،الرباط،
السنة ،6992ص .621
تشكل الضريبة المورد األساس ي في التنمية االقتصادية ،لكونها تساهم في خلق التوازن
بين كافة القطاعات الصناعية والفالحية والخدمات.
وتعتمد على اإلعفاءات والتصاعد الضريبي لتحقيق أهداف تنموية وعدالة في توزيع
الدخول والحو افز.
غير أن التهرب الضريبي من الفاعلين االقتصاديين يؤدي إلى انكماش اقتصادي نتيجة
إفالس المؤسسات العاجزة عن المنافسة.73
كما يؤدي إلى انخفاض حجم اإليرادات الحكومة وتأثيره على االستثمار وعرقلة مشاريع
التنمية.
وهذا يدفعها لرفع سعر الضريبة لسد العجز الخاص في اإليرادات وبالتالي اللجوء إلى
االقتراض ،لتمويل مشاريعها سواء عن طريق القروض املحلية أو الخارجية ،وما يشكله من
إنهاك إليرادات الدولة وتحولها لخدمة الدين العمومي عوض تحقيق التنمية.
يترتب عن التهرب الضريبي نتائج وخيمة على السياسة االجتماعية ،خاصة فيما يتعلق
بتوجه االقتصاد الوطني .بحيث يؤدي إلى انخفاض مستوى اإلنتاج و انتشار البطالة والفقر،
ومن جهة ثانية يساهم في توزيع غيرالعادل للدخول والثروات بين مختلف مكونات املجتمع وهو
ما يعيق تحقيق العدالة االجتماعية.74
73الطاهر القضاوي :التهرب الضريبي وسبل الحد منه ،مجلة الجرائم المالية من خالل قرارات المجلس األعلى،
الندوة الجهوية السابعة ،دار الطالبة ،وجدة /26مايو –فاتح يونيو ،8116ص.264
74الطاهر القضاوي :مرجع سابق ،ص .261
عمد المشرع المغربي إلى إصدار نصوص قانونية عاقبت بمقتضاه المتهربين من دفع
الضرائب إلى جانب الجزاءات الجبائية ذات الصفة اإلدارية المفروضة من قبل المصالح
الضريبية .وهذا ما سوف نتناوله من خالل التطرق إلى أليات مكافحة التهرب الضريبي بالمغرب
(الفقرة األولى) تم بعد ذلك نتناول سبل الحد من ظاهرة التهرب الضريبي (الفقرة الثانية).
لمعالجة ومكافحة التهرب الضريبي البد من التطرق إلى السياسة الجبائية المعتمدة من
طرف الدولة (أوال) ،تم بعد ذلك نتناول الرقابة الجبائية ملحاربة التهرب الضريبي(ثانيا).
ظل التشريع الضريبي خاليا من أي نص يجرم التهرب الضريبي إلى حدود سنة ،5776
وذلك كرد فعل على مثل هذه السلوكيات المنافية لألخالق ولروح المواطنة ،واعتبر الغش
الضريبي مخالفة معاقب عليها بغرامات مالية وبعقوبات حبسية .75
إال أنه خضع لتعديالت حيث ألغيت الصيغة الجنائية للتهرب من الضريبة لتصبح
العقوبة السالبة للحرية مقرونة بحالة تكرار عملية التهرب ،ومقصورة على بعض املخالفات
الحبسية ،كما أنها لم ترد إال على مستوى الضرائب الرئيسية الثالثة دون غيرها من
الضرائب.76
75كريم ادعاني :تجريم الغش الضريبي في المغرب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،وحدة العلوم
الجنائية مجامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،طنجة ،السنة الجامعية
،8116/8111ص.16
76هذه الضرائب الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة.
وهي الغرامات تبقى غير كافية لردع المكلفين وإجبارهم على تنفيذ التزاماتهم الضريبية
ليبقى شرط تجريم مرتبط بحالة العود.
المكلفين مخافة أن تكون غير صحيحة وغير صادقة ،أثناء التصريح سواء بحسن النية
أو بسوء النية من أجل التهرب من أداء الضريبية.
فالمشرع الضريبي بالمغرب اعتمد على مهمة الفحص الضريبي الموكلة لمصالح
المديرية العامة للضرائب بموجب مرسوم الصادر في 11نوفمبر5797بشأن تنظيم وزارة
المالية .كما تتكون من مصالح إدارة الرقابة المالية التي تم إنشاؤها في سنة 1111داخل
المديرية العامة للضرائب ،وقد حدد مجموعة من الشروط الشكلية في مسطرة الفحص
املحاسبي تفاديا لتعسف اإلدارات وتعزيزللضمانات التي يتمتع بها المكلفين.
-يعهد بممارسة هذه المهمة إلى أحد الموظفين املحلفين على أن يكون له رتبة مفتش
مساعد على األقل ،وأن يكون معتمدا للقيام بمر اقبة الضرائب.
-ينبغي االحتفاظ بالوثائق مدة 51سنوات لتقدم إلى المكلف بالفحص عند الحاجة.
77أنظر المادة 695المتعلقة بالجزاءات الجنائية في قانون المالية ،8111،رقم 24.14جريدة رسمية ،عدد
.4228
78صفاء البوهالي :مرجع سابق ،ص.22
كما نجد مسطرة التصحيح الضريبي التي تخضع ملجموعة من الشكليات ومراحل تتميز
بالخص وصية لكونها تتجسد في انتقال المفتش املحقق إلى مكاتب المقاولة أو المقر االجتماعي
للملزمين ،مع منعه من نقل أية وثيقة محاسبية إلى مقر اإلدارة الضريبية إال بترخيص من
الخاضع للضريبة ومقابل تسليمه وصل بذلك.79
أما بخصوص أجال هذه المسطرة فقد حددتها مدونة الضرائب كحد أدنى في أكثرمن 6
أشهر للمنشآت التي تعادل أو يقل مبلغ رقم معامالتها المصرح بها عن 11مليون دون احتساب
الضريبة على القيمة المضافة ،وكحد أقص ى أكثرمن 51شهرا بالنسبة للمنشآت التي يفوق رقم
معامالتها المصرح به عن 11مليون دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة.
وعموما هذه المسطرة تشكل ضمانات أساسية وحقيقية للملزم لمالها من ارتباط
بحقوق الدفاع املخولة له في إطارها كمسطرة حضورية تهدف إلى إشراك الملزمين في عملية
تصحيح الوعاء الضريبي لمعرفة وسائلهم وحججهم و إثباتاتهم ومو اقفهم من األساس المعتمد
في تصفية الضريبة في إطارالمراجعة.
هناك مجموعة من اإلجراءات الوقائية تساهم في الحد من التهرب الضريبي على المستوى
الوطني من خالل:
-تحقيق العدالة الضريبية من خالل تبسيط المساطر الجبائية وجعل معدل الضريبة
في حدود المعقول الن ارتفاع معدل الضريبة يؤدي إلى التهرب الضريبي.
79وزارة االقتصاد والمالية :ميثاق الملزم في مجال المراقبة الضريبية ،منشورات المديرية العامة للضرائب،
الرباط ،السنة ،8165ص.6
-اإلعفاءات الضريبية يجب أن تكون مدروسة بشكل جيد ويستفيد منها أشخاص بحاجة
إلى إعفاءات وإال أدى األمر إلى تهرب ضريبي من قبل دافع الضرائب.
يسعى المشرع من خالل إصالحات الضريبية إلى إزالة وتقليص التوتر الموجود بين
المكلف واإلدارة الضريبية ،وكسب ثقة المكلف مع اإلدارة من خالل مجموعة من اإلجراءات
منها:
-نشرالوعي الضريبي من خالل إقناع المكلف بدفع الضريبة المترتبة عليه لكونه واجب
وطني يساهم في تعزيزوتنمية البالد على جميع المستويات االقتصادية واالجتماعية والثقافية.
-القيام بحمالت توعوية وتحسيسية لجميع المكلفين بضرورة أداء الضريبة باعتبارها
واجب وطني يخدم المصلحة العامة للدولة.
خاتمة:
عموما لمكافحة والحد من جريمة التهرب الضريبي يتحتم على الدولة إصالح السياسة
الجبائية المعتمدة وتحسين العالقة بين المكلف واإلدارة الضريبية لكسب ثقة المكلف من
خالل تبسيط اإلجراءات الضريبية وسن ضريبة معقولة تساهم في إصالح وتطوروتنمية الدولة.
الئحة المراجع:
الكتب - :يحي الصافي وآخرون :الغش الضريبي ،مطبعة الهالل العربية للطباعة والنشر،
الرباط السنة 5776م.
-خالد الشاوي :نظرية الضريبة والتشريع الضريبي الليبي جامعة فاريونسن ،السنة
الجامعية 5777م.
-عيس ى بولخوخ :الرقابة الجبائية كأداة ملحاربة التهرب والغش الضريبي رسالة ماستر،
جامعة الحاج لخضر باتنة كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيير ،الجزائر ،السنة الجامعية
1111-1111م.
-محمد السباعي العليقي :المر اقبة الجنائية في المغرب رسالة لنيل دبلوم الدراسات
الوطنية لإلدارة ،الرباط ،السنة 5771م.
-إبراهيم طرش ي :التهرب الضريبي وأليات مكافحته رسالة ماسترفي القانون العام لألعمال
كلية الحقوق جامعة قصدي مرباح ورقلة سنة 1151.1151م.
-كريم ادعاني :تجريم الغش الضريبي في المغرب رسالة لنيل الدراسات العليا المعمقة
وحدة العلوم الجنائية جامعة عبد المالك السعدي ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية ،طنجة ،السنة الجامعية 1119-1116م.
مجالت- :الطاهر القضاوي :التهرب الضريبي وسبل الحد منه ،مجلة الجرائم المالية من
خالل قرارات املجلس األعلى ،الندوة الجهوية السابعة ،دار الطالبة ،وجدة /15ماي ،فاتح،
يونيو1119،م.
-خالد الخطيب :التهرب الضريبي ،منشورات مجلة القضاء المدني سلسلة دراسات
و أبحاث ،املجلد العدد ،9السنة 1151م.
-البوهالي صفاء :التهرب الضريبي بالمغرب –المفهوم األسباب وسبل المكافحة ،مجلة
المنارة للدراسات القانونية واإلدارية ،املجلد عدد خاص ،سنة 1111م.
-عنابي رضوان :التهرب الضريبي دراسة قانونية سوسيولوجية ،مجلة المنارة للدراسات
القانونية واإلدارية ،املجلد عدد ،11السنة 1151م.
-بن بعالش خاليدة :مكافحة الغش والتهرب الضريبي في التشريع الجزائري مجلة
المستقبل للدراسات القانونية والسياسية ،املجلد ،1العدد ،11السنة 1115م.
-موالي الحسن تمازي :مصدر ثقافة المواطنة في عالقة الخاضع للضريبة باإلدارة
الجبائية ،املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية عدد مزودج 11/11ماي /غشت 1111م.
-وزارة االقتصاد والمالية :ميثاق الملزم في مجال المر اقبة الضريبية ،منشورات
المديرية العامة للضر ائب ،الرباط ،السنة 1151م.
النصوص التشريعية:
كما أن لموضوع الصفقات العمومية أهمية معتبرة تكمن في ارتباطها بالمرفق العام ،اذ
أنها تتعلق بمجموع العقود التي تبرمها المر افق العامة في إطارقانون الصفقات العمومية ونظرا
لما تتمتع به الصفقات العمومية من أهمية ونظام قانوني متميز ،فإنه تثور منازعات بشأن
إبرامها وتنفيذها ،حيث تبدو هذه المنازعات في الو اقع العملي أثناء تطبيق النصوص القانونية
،إذ قد يحدث تصادم بين مصلحة الشخص المعنوي باعتباره أحد أطراف العقد مع مصلحة
المتعاقد معها أو المتعهد ،باعتباره الطرف الثاني في هذا العقد ،وذلك فيما يتصل بمدى
مشروعية استخدام هذا الشخص المعنوي لسلطاته اتجاه المتعاقد أو المتعهد أو بمدى أداء
االلتزامات المتبادلة بينهما ،وهذا سيؤدي المحالة إلى رفض اعتراض الطرف المتضرر،وبالتالي
قيام منازعات الصفقات العمومية ،حيث سيسلك صاحب الحق طريقا يلجأ إليه للمطالبة
بحقه و ذلك باللجوء الى القضاء او الوسائل البديلة كالتحكيم .
يمكن تعريف المنازعات اإلدارية بأنها النزاعات التي تكون الدولة طرفا فيها ،ويعهد
باالختصاص لجهة القضاء اإلداري باعتباره الجهة القضائية للحسم في هذه النزاعات نظرا
لطبيعتها الخاصة ،81وألن القضاء اإلداري يستطيع أن يمارس الرقابة على أعمال اإلدارة.82
كما يقصد بها الرقابة القضائية ألعمال السلطة اإلدارية التي تمارسها وتباشرها املحاكم
القضائية على اختالف أنواعها وعلى مختلف درجاتها ومستوياتها ،وذلك عن طريق وبواسطة
تحريك الدعاوى والطعون القضائية املختلفة ضد أعمال السلطات اإلدارية غيرالمشروعة.83
ولما كانت اإلدارة تتحرك بمقتض ى قرارات إدارية وفقا للنصوص القـانـونـيـة ،84توجه إما
إلى شخص مـعـنـوي أو إدارة عمومية أو مـؤسـسـة عـمـومـية أو مؤسسة خاصة أو شخص طبيعي،
فعدم قبوله من الطرف اآلخر على اعتبار انه غير شرعي ينشأ المنازعة اإلدارية ،ولتفادي النزاع
ال بد من إجراءات إداريـة لـحـل هـذه اإلشـكـالـيـة إمـا بـالـطـرق الـوديـة إن أمـكـن ،وإن تعذرذلـك فـمـا
عـلـى الطرف اآلخرإال اللـجـوء إلـى الـطـعـون اإلدارية ،85أو القضاء او التحكيم.
إشكالية البحث
طرح مجال إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية العديد من التساؤالت والفرضيات كونها
عمليات مرتبطة بالخزينة العامة وارتباطها أساسا بالمال العام ،ونظرا للمنازعات التي تنشا
عنها ،حرص المشرع المغربي على تنظيمها وتأطيرها وفق نصوص قانونية .ومن هنا نطرح
اإلشكالية االتية :فيما تتمثل أهم المنازعات الناجمة عن إبرام وتنفيذ الصفقة العمومية؟
ستتم معالجة هذه اإلشكالية أعاله عبر مبحثين :المبحث االول :طرق ابرام الصفقات
العمومية والمنازعات الناشئة عنها على ضوء المرسوم الجديد .1111المبحث الثاني :طرق
81انظر
- Fernand Collavet :", l'arbitrage dans les procès ou sont parties les personnes publiques",R.D.P,
1906,p47.
82استقر قضاء المحكمة االدارية العليا لمصر على تعريفها« :إجراءات الخصومة القضائية بين الفرد واإلدارة ويشترط لتحققها ما يلي
أ وال :ان ترفع للمطالبة بحق من الحقوق الناتجة عن تسيير اإلدارة للمرافق العامة التي تدار وفقا للقانون العام واساليبه
ثانيا :ان يتضح فيها وجه السلطة العامة ومظهرها
ثالثا :ان يكون القانون العام هو الواجب التطبيق على المنازعة
قرار المحكمة االدارية العليا بمصر بتاريخ 41نوفمبر ،4891في الطعن رقم 4981للسنة القضائية الثالثين ،مجموعة السنة الواحدة
و الثالثين ،ص .481
83عوابدي عمار« :النظرية العامة للمنازعات االدارية في النظام القضائي الجزائري « ،ديوان المطبوعات الجامعية ،جزء اول والثاني
4881ص .41
84حسن محمد هند "التحكيم في المنازعات اإلدارية دار الكتب القانونية ،مصر ،المجلة الكبرى دون ذكر ط وتاريخها ،ص .41
85موالي إدريس الحالبي الكتاني ":العقود اإلدارية " دون ذكر المطبعة ط 4999 4ص .11
تنفيذ الصفقات العمومية والمنازعات الناشئة عنها على ضوء المرسوم رقم 1.51.171المتعلق
بدفترالشروط اإلدارية العامة والمطبقة على صفقات االشغال
المبحث األول :طرق ابرام الصفقات العمومية والمنازعات الناشئة على ضوء المرسوم
الجديد رقم 2 -11-431
تكمن أهمية إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية بصورة واضحة في كونها عمليات متصلة
بالخزينة العامة للمملكة وارتباطها بالمال العام ،واإلدارة أو المصلحة المتعاقدة أثناء إقبالها
على التعاقد تحرص على إيجاد الطرف المتعاقد معها بدقة وشفافية ،وال يمكن لإلدارة أن تقوم
بتخصيص الصفقة إال للمتعاقد أوللمؤسسة التي ترى أنها قادرة على تنفيذها على أحسن وجه،
وهذا ما يجعل اإلدارة أو المصلحة المتعاقدة ملزمة قبل إبرام العقد ،ان تتأكد أوال من قدرات
المتعامل المتعاقد معها سواء التقنية أو المالية أو حتى التجارية86.
-86بوزبرة سهيلة مواجهة الصفقات المشبوهة مذكرة لنيل شهادة الماجستير القانون الخاص فرع قانون السوق جامعة جيجل 4999
ص.71
-87انظر نص المادة األولى من المرسوم رقم ،2-22-431المتضمن تنظيم الصفقات العمومية.
وعليه ستتم معالجة هذا البحث من خالل مطلبين اساسين ،يتجلى (المطلب األول) في
أساليب إبرام الصفقات العمومية في إطار المرسوم رقم ،2-22-431أما في (المطلب الثاني)
سنتطرق للمنازعات المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية.
القاعدة في القانون الخاص أن األفراد أحرار في اختيار شركائهم في العقد ،وفي أساليب
إبرام هذا العقد ،أما في القانون العام فإن اإلدارة ال تتمتع بهذه الحرية التامة ،ألن إجراءات
وأساليب إبرام الصفقات العمومية تحكمها نصوص قانونية ،وتخضع للرقابة ،وهذا ما يؤكد
الطبيعة المتميزة للعقد اإلداري بصفة عامة ولعقود الصفقات العمومية بصفة خاصة.
تتمثل (الفقرة األولى) في أنواع الصفقات العمومية اما تتمثل (الفقرة الثانية) في مساطر
وإجراءات ابرام الصفقات العمومية على ضوء مرسوم 7مارس .1111
حسب المادة 9من مرسوم رقم 2-22-431يمكن إبرام صفقات تدعى «صفقات -إطار»
عندما يتعذر مسبقا وبصورة كاملة ،تحديد كمية ووتيرة تنفيذ أي عمل يكتس ي صبغة توقعية
ومتكررة ودائمة.88
ال تحدد صفقات اإلطار إال الحدين األدنى واألقص ى لألعمال التي يتم حصرها حسب
قيمتها أو كميتها والتي يمكن طلبها خالل فترة معينة ال تفوق السنة الجارية إلبرامها ويجب ،أن
يحدد الحدان األدنى واألقص ى من لدن صاحب المشروع 89قبل أي دعوة إلى المنافسة أو إجراء
أي مفاوضة .حيث ال يجوزأن يفوق الحد األقص ى لألعمال ضعف الحد األدنى.
تبرم الصفقات اإلطار لمدة محددة ال تتجاوز ا السنة الجارية وتتضمن دفاتر الشروط
الخاصة المتعلقة بالصفقات اإلطاربندا يتعلق بالتجديد الضمني في حدود مدة إجمالية لثالث
او خمس سنوات حسب الحالة. 90
طبقا لمقتضيات المادة 7من مرسوم 7مارس 1111يجوز لصاحب المشروع إبرام
صفقات تدعى صفقات قابلة للتجديد إذا أمكن لصاحب المشروع تحديد كميات األعمال
ً
مسبقا ،بأكبر قدر ممكن من الدقة والتي تكتس ي طابعا توقعيا ومتكررا ودائما .ويجب ان تحدد
الصفقات القابلة للتجديد على وجه الخصوص مواصفات ومحتوى وكيفيات تنفيذ وثمن
األعمال املحتمل إنجازها خالل مدة ال تتجاوزالسنة الجارية .وتم التنصيص على الئحة األعمال
التي يمكن أن تكون موضوع صفقات قابلة للتجديد لمدة ثالث او خمس سنوات في الملحق رقم
1من المرسوم السالف الذكر.
نصت المادة 7من مرسوم الصفقات العمومية على ان الصفقات بأقساط اشتراطية
هي صفقات تنص على قسط ثابت مشمول باالعتمادات المتوفرة يكون صاحب الصفقة
متأكدا من إنجازه ،وقسط أو أقساط اشتراطية يتوقف تنفيذها على توفر االعتمادات وتبليغ
أمرأوأوامربالخدمة تأمربتنفيذ القسط أواألقساط المعنية داخل اآلجال املحددة في الصفقة.
يشكل القسط الثابت واألقساط االشتراطية بصورة منفردة مجموعة أعمال متجانسة
ومستقلة ووظيفية وعند عدم اصدار االمر بالخدمة المتعلق بقسط او عدة أقساط اشتراطية
في االجال املحددة يمكن لصاحب الصفقة بطلب منه:
إما االستفادة من تعويض عن االنتظارإذا نصت الصفقة على ذلك وفق الشروط التي
تحددها
إذا قرر صاحب المشروع العدول عن إنجاز قسط أو عدة أقساط اشتراطية ،قام بتبليغ
هذا المقرر ،بواسطة أمر بالخدمة إلى صاحب الصفقة .وفي هذه الحالة ،يمنح لصاحب
90انظر الئحة االعمال التي يمكن ان تكون موضوع صفقات اإلطار في الملحق رقم 4من مرسوم الصفقات العمومية
الصفقة تعويض يدعى «تعويض العدول عن اإلنجاز» ،إذا نصت الصفقة عن ذلك ووفق
الشروط التي تحددها.
-حسب المادة 51من مرسوم الصفقات العمومية يمكن أن تكون األشغال أو
التوريدات أوالخدمات موضوع صفقة فريدة أوصفقة محصصة .91يختارصاحب المشروع بين
هاتين الكيفيتين إلنجاز األعمال بالنظر إلى المزايا المالية التقنية التي توفرها أو عندما يكون
من شأن التحصيص تشجيع مشاركة المقاوالت الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة
والتعاونيات و اتحاد التعاونيات والمقاولين الذاتيين .يمكن لصاحب المشروع عند االقتضاء،
حصرعدد الحصص التي يمكن إسنادها إلى نفس المتنافس ألسباب تتعلق بما يلي:
-ضمان التموين.
-قدرة صاحب العمل على إنجازالصفقة بالنظرإلى مخطط التحمل الخاص به.
-أجل التنفيذ.
تعتبر صفقة تصور و إنجاز كل صفقة أشغال فريدة تبرم مع صاحب عمل أو تجمع
ألصحاب أعمال وتتعلق بما يلي:
يمكن لصاحب المشروع أن يلجأ إلى صفقة تصور و إنجاز عندما يتبين ان :إنجاز
المشروع يتطلب منذ البداية ،إشراك صاحب التصور مع منجز العمل؛ وأن موضوع الصفقة
-فيما يتعلق بالتوريدات مادة أو مجموعة من المواد أو أشياء أو سلع لها نفس الطبيعة وتكتسي صبغة متجانسة أو متشابهة أو متكاملة؛
-فيما يتعلق باألشغال :جزء من العمل المراد إنجازه أو حرفة أو مجموعة أعمال تندرج ضمن مجموعة متجانسة إلى حد ما وتتوفر
على مواصفات تقنية متشابهة أو متكاملة
فيما يخص الخدمات :جزء من العمل المراد إنجازه أو مجموعة من األعمال تندرج ضمن مجموعة متجانسة إلى حد ما وتتوفر -
على مواصفات تقنية متشابهة أو متكاملة
يتعلق بمشروع بنية تحتية من نوع خاص أو بأعمال ذات طبيعة خاصة تتطلب طرائق خاصة
ومبتكرة ومراحل تصنيع مندمجة بشكل وثيق.
تتضمن صفقة التصور واإلنجاز التزاما بتحسين مستوى النجاعة الطاقية تبرم صفقة
التصور واإلنجاز عن طريق المباراة طبقا لمقتضيات الفرع الثاني من الباب الرابع من مرسوم
الصفقات العمومية كما حددت المادة 55من المرسوم شروط اللجوء الى صفقة التصور و
االنجاز.92
ينصب الحوارالتنافس ي على مشاريع تكتس ي طابعا معقدا أو مشاريع مبتكرة ال يستطيع
صاحب المشروع ،بوسائله الخاصة ،تحديد الشروط التقنية إلنجازها ،والتركيبة القانونية
والمالية المتعلقة بها.
يتم إجراء مسطرة الحوارالتنافس ي عبر ثالث مراحل متتالية كما يلي:
-سير الحوار التنافس ي حيت يقوم صاحب المشروع بإجراء حوار تنافس ي مع كل مترشح
من المترشحين المقبولين لتقديم عرض
-نتائج الحوارالتنافس ي
في إطار تشجيع البحث العلمي وحث المقاوالت المغربية على االبتكار اتاح المرسوم
الجديد للصفقات العمومية لكل مقاول أو مورد أو خدماتي أن يقترح ،بمبادرة منه ،على صاحب
92الحصول على ترخيص مسبق من رئيس الحكومة ومن الوزير المكلف بالداخلية.
المشروع كل مشروع أو فكرة أو عملية تقدم وظائف جديدة أو خدمات جديدة أو ابتكارات تقنية
تستجيب لحاجة محتملة لم يتم تحديدها مسبقا من لدن صاحب المشروع.
وحسب نفس المادة ال يمكن أن يعتبرعرضا تلقائيا كل عرض سبق أن كان موضوع دعوة
إلى المنافسة .ال يمكن ايضا أن يتعلق العرض التلقائي بمشروع سبق أن قام صاحب المشروع
بإنجاز دراسات في شأنه ،إال إذا تبين أن هذه الدراسات أصبحت متجاوزة93.
الفقرة الثانية :مساطر وإجراءات ابرام الصفقات العمومية على ضوء مرسوم 7مارس
1111
رجوعا ألحكام المرسوم رقم 2-22-431نجد أنه قد حدد في المادة 57طرق إبرام
الصفقات العمومية ،حيث نظمها في ثالث مساطر هي طلب العروض او المباراة او المسطرة
التفاوضية.
جاءت المادة 11من مرسوم 7مارس ،1111مؤكدة أن القاعدة في مجال التعاقد هي
أسلوب المناقصة ،ومما ال شك فيه أن هذا األسلوب يحقق عدة مزايا تتمثل فيما يلي:
-يجسد أسلوب المناقصة مبدأ الشفافية في التعاقد وعالنية اإلجراءات ،وهذا أمر
مطلوب للحد من ظاهرة الفساد المالي
-يحقق هذا األسلوب مبدأ المنافسة الشريفة بين العارضين ،ويكفل أمامهم سبل
المشاركة في المناقصة إذا تو افرت فيهم الشروط المعلن عنها،
93تجدر اإلشارة الى ان صاحب العرض التلقائي يستفي د من هامش لألفضلية يتخذ شكل زيادة تتراوح بين خمسة بالمائة ( )%1وعشرة
بالمائة ( ) %49من التنقيط اإلجمالي للعرض .إن المشرع المغربي وان بدأ محددا ألنواع الصفقات العمومية ،فإنه من جهة أخرى ذكر
أكثر من أسلوب أو طريقة إلبرامها بما يعني أنه فسح مجال الحرية لإلدارة الختيار األسلوب والنمط الذي يليق بها ،حسب ظروف كل
عملية تعاقدية مع إلزامها بتحمل المسؤولية الكاملة في حال اختيار طريقة للتعاقد دون األخرى ،خاصة حين تفضيل أسلوب المسطرة
التفاوضية عن المناقصة ،هذا ما يدفعنا للحديث عن مساطر ابرام الصفقات العمومية في المغرب .
-يوفرهذا األسلوب قدرا واسعا من الحماية للمال العام و ،يبعد اإلدارات العمومية عن
المعامالت المشبوهة،
-يمكن أسلوب المناقصة الرأي العام من مر اقبة وتتبع معظم المراحل المتعلقة
بالصفقة خاصة من خالل ما ينشرفي الصحف وبوابة الصفقات العمومية.
وتعرف المناقصة حسب نص المادة 11من مرسوم 7مارس ،1111أنها تلك الوسيلة
التي تستهدف اإلدارة من خاللها الحصول على عدة متعاهدين متنافسين من أجل تقديم
أحسن(أفضل) عرض ،كما نجد أن نفس المادة من المرسوم السالف الذكر قد بينت أشكال
المناقصة حيث نصت على انه يمكن ان يكون طلب العروض مفتوحا او محدودا 94او باالنتقاء
المسبق كما يمكن أي يكون طلب العروض وطنيا او دوليا.95
واشارت المادة 57من مرسوم الصفقات العمومية الى انه عالوة على طلب العروض
المفتوح يمكن أيضا ابرام صفقات وفق مسطرة طلب العروض المفتوح المبسط ،عندما
يساوي او يقل المبلغ التقديري للصفقة عن مليون ( )5.111.111درهم دون احتساب الرسوم.
94يكون طلب العروض مفتوحا عندما يمكن لكل متنافس الحصول على ملف االستشارة و تقديم عرضه و يكون طلب العروض محدودا
عندما ال يسمح بتقديم العروض اال للمتنافسين الذين قرر صاحب المشروع استشارتهم .ال يجوز إبرام صفقات عن طريق طلب العروض
المحدود إال بالنسبة لألعمال ا لتي ال يمكن تنفيذها سوى من لدن عدد محدود من المقاولين أو الموردين أو الخدماتيين اعتبارا لطبيعتها
وخصوصيتها وألهمية الكفاءات والموارد الواجب تسخيرها والوسائل والمعدات التي يتعين استعمالها ،على أن يقل المبلغ التقديري لهذه
األعمال عن خمسة ماليين ( )109990999در هم دون احتساب الرسوم.
95يكون طلب العروض وطنيا عندما ال يقبل للمشاركة فيه إال المتنافسين المقيمين في المغرب .وفي هذا الصدد اشارت المادة 48من
مرسوم 9مارس 4947الى ان ما عدا الحاالت المبررة ،بصورة قانونية بشهادة إدارية يعدها صاحب المشروع تحت مسؤوليته ،يتم
اللجوء إلى طلب العروض الوطني إذا كان المبلغ التقديري للصفقة يقل أو يساوي عشرة ماليين ( )4909990999 ،99درهم دون احتساب
الرسوم بالنسبة لصفقات األشغال ومليون ( 409990999 ،99درهم دون احتساب الرسوم بالنسبة لصفقات التوريدات والخدمات.
ويكون طلب العروض دوليا عندما يتم قبول المتنافسين المقيمين أو غير المقيمين في المغرب للمشاركة فيه .ويهم الصفقات التي يتجاوز
مبلغها التقديري الحدود المذكورة أعاله .
اختيار العرض األكثر أفضلية من الناحية االقتصادية من لدن لجنة طلب العروض
قصد اقتراحه على صاحب المشروع
وجوب قيام صاحب المشروع الذي يجري طلب العروض بتبليغ الكلفة التقديرية
لألعمال إلى أعضاء لجنة طلب العروض طبقا لمقتضيات المادة 17من مرسوم
الصفقات العمومية
يكون طلب العروض باالنتقاء المسبق عندما ال يسمح بتقديم العروض بعد استشارة
لجنة االنتقاء المسبق ،إال للمتنافسين الذين يتوفرون على المؤهالت الـكافية والسيما من
الناحية التقنية والمالية.
تمكن المباراة من إجراء تبار بين المتنافسين على أساس برنامج ،من أجل إنجاز عمل
يستوجب أبحاثا خاصة ذات طابع تقني أو جمالي أو مالي.
تهم األعمال التي يمكن أن تكون موضوع مباراة ،على وجه الخصوص ،املجاالت
المتعلقة بتهيئة التراب الوطني وبالتعميرأو بالهندسة وكذا األعمال التي تكون موضوع صفقات
تصور و انجاز .وتنظم المباراة على أساس برنامج يعده صاحب المشروع .كما تتضمن المباراة
دعوة عمومية للمنافسة ،ويمكن للمتنافسين الذين يرغبون في المشاركة إيداع طلب القبول.
ويقتصر إيداع المشاريع على المتنافسين المقبولين من لدن لجنة المباراة إثر جلسة القبول
طبقا لمقتضيات المادة 91من المرسوم السالف الذكر.
96تبرم الصفقات التفاوضية بإشهار مسبق وبعد إجراء منافسة أو بدون إشهار مسبق وبدون إجراء منافسة .وحددت المادة 98حالة
اللجوء الى الصفقات التفاوضية.
ينصب هذا التفاوض على وجه الخصوص ،على الثمن وأجل التنفيذ وتاريخ االنتهاء أو
التسليم وعلى شروط التنفيذ أو تسليم العمل وال يجوز في أي حال من األحوال ،أن ينصب هذا
التفاوض على موضوع الصفقة ومحتواها.
يمكن لصاحب المشروع القيام بناء على سندات طلب باقتناء توريدات وبإنجازأشغال
أو خدمات ،وذلك في حدود خمسمائة ألف 111.111درهم مع احتساب الرسوم.
يتم تقدير حد خمسمائة ألف ( )111.111درهما المشار إليه أعاله في إطار سنة مالية
واحدة ،حسب أعمال من نفس النوع وحسب کل آمربالصرف أو آمربالصرف مساعد.
ثانيا -إجراءات إبرام الصفقات العمومية على ضوء مرسوم 7مارس 1111
حدد المشرع المغربي جملة من اإلجراءات األساسية واإللزامية لعملية إبرام الصفقات
العمومية والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
من اجل تكريس مبدا الشفافية وإعطاء الحق في معلومة لجميع المقاوالت
والمؤسسات الراغبة في المشاركة في الصفقات العمومية وكذلك من اجل حكامة جيدة
للصفقات العمومية أكد المشرع المغربي من خالل المرسوم الجديد للصفقات العمومية على
ضرورة نشر البرنامج التوقعي لثالث سنوات (عوض سنة واحدة في مرسوم .)1151من خالل
المادة 59من مرسوم الصفقات العمومية يعين على صاحب المشروع ،في بداية كل سنة مالية،
وقبل متم الثالثة أشهر األولى من على أبعد تقدير ،بنشر البرنامج التوقعي لثالث سنوات
للصفقات التي يعتزم إبرامها برسم السنة المالية المعنية والسنتين المواليتين .وذلك في جريدة
ذات توزيع وطني وفي بوابة الصفقات العمومية .يعلق هذا البرنامج التوقعي ،من لدن صاحب
المشروع ،في مقارالهيئة التابع لها طيلة مدة ثالثين يوما على األقل.97
97يحب أن يتضمن البرنامج التوقعي لثالث سنوات على وجه الخصوص ،ما يلي:
-بالنسبة للسنة المالية المعنية ،اإلشارة ،بالنسبة لكل صفقة إلى موضوع الدعوة إلى المنافسة ،وطبيعة العمل ،ومكان التنفيذ ،وطريقة
اإلبرام المعتزم اعتمادها ،والتق دير المتوقع لكلفة العمل ،والفترة الزمنية المتوقعة لنشر إعالن الدعوة إلى المنافسة ،وعند االقتضاء ،بيان
ما إذا كانت الصفقة مخصصة للمقاولة الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة وللتعاونية والتحاد التعاونيات وللمقاول الذاتي؛
-بالنسبة للسنتين المواليتين للسنة المعنية تقديم مجمع للمشاريع أو العمليات الرئيسية التي يعتزم صاحب المشروع إنجازها في إطار
البرمجة الميزانياتية الممتدة على ثالث سنوات.
.1تحديد الحاجات
تكتس ي هذه المرحلة أهمية بالغة حيث تعتبر اول خطوة تقوم بها اإلدارة من اجل تلبية
حاجياتها من االشغال او التوريدات او الخدمات .ونظرا ألهمية هذه المرحلة جاءت المادة 1من
مرسوم الصفقات العمومية بمجموعة من الضوابط التي يجب على اإلدارة اتباعها من اجل
تحديد حاجياتها.
حسب المادة 1من مرسوم الصفقات العمومية يجب على صاحب المشروع أن يقتصر
عند تحديد األعمال موضوع الصفقة ،على االستجابة لطبيعة الحاجات المراد تلبيتها وحجمها.
كما يتعين على صاحب المشروع ،قبل أي دعوة إلى المنافسة أو إجراء أي مفاوضة أن يحدد بكل
ما يمكن من الدقة الحاجات المراد تلبيتها ،والمواصفات التقنية ومحتوى األعمال المزمع
تنفيذها ،وأن يحرص عندما يستلزم إبرام الصفقة ذلك ،على الحصول على التراخيص وعلى
القيام باإلجراءات المطلوبة بموجب النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.98
ومن مستجدات المرسوم الجديد للصفقات العمومية فيما يتعلق بصفقات األشغال
يتعين على صاحب المشروع ،قبل الشروع في مسطرة إبرام الصفقة التأكد عند االقتضاء ،من
تصفية الوعاء العقاري المزمع إنجازالمشروع عليه ،ما عدا في حالة الحصول على ترخيص من
رئيس الحكومة .99وفيما يتعلق بإنجاز األعمال التي تتضمن مكونا حرفيا ،يتم تحديد الحاجات
من لدن صاحب المشروع على أساس منتوجات الصناعة التقليدية المغربية .وبصفة عامة
يجب تحديد الحاجات على أساس منتوجات مغربية المنشأ أو باإلحالة إلى معايير مغربية
معتمدة .وفي حالة انعدامهما يتم تحديد الحاجات على أساس منتوجات أجنبية المنشأ
تستجيب للمعايير المطبقة في المغرب أو للمعايير الدولية في حالة عدم وجود معايير مطبقة في
المغرب .كما يجب أن تحدد المواصفات التقنية لألعمال موضوع الصفقة وفق معاييرتتعلق،
على وجه الخصوص ،بالنجاعة والقدرة والجودة المطلوبة.
قبل أي دعوة إلى المنافسة أو إجراء أي مفاوضةُ ،يعد صاحب المشروع تقديرا لكلفة
األعمال المزمع إنجازها ،حسب خصائص ومحتوى هذه األعمال واألثمنة المطبقة في السوق،
مع مراعاة جميع االعتبارات واإلكراهات المتعلقة على وجه الخصوص ،بشروط وأجل التنفيذ.
كما يمكن إعداد تقدير كلفة األعمال على أساس مراجع األثمان في حالة وجودها .يتضمن
التقدير المعد ،وفقا لمقتضيات المادة 6من مرسوم الصفقات العمومية مختلف األثمان
الواردة حسب الحالة ،في جدول األثمان ،البيان التقديري المفصل ،وجدول األثمان والبيان
التقديري المفصل ،وجدول الثمن اإلجمالي ،ويقصد بالمبلغ اإلجمالي للتقدير مبلغ التقدير مع
احتساب جميع الرسوم.100
إذا كانت الصفقة محصصة ،قام صاحب المشروع بإعداد تقدير لكل حصة .يضمن
تقدير كلفة األعمال في وثيقة مكتوبة وموقعة من لدن صاحب المشروع .يحتفظ بهذه الوثيقة
في ملف الصفقة.
أ) اإلعالن عن طلب العروض أو الرسالة الدورية المنصوص عليها في المادة 15من مرسوم
الصفقات العمومية حسب الحالة؛
ب) دفترالشروط الخاصة هو عبارة عن وثائق تتضمن مجموعة من القواعد واألحكام التي
تضعها اإلدارة مسبقا بإرادتها المنفردة ،وذلك قبل أي دعوة للمنافسة بما لها من
إمتيازات السلطة العامة ،حيث تطبق على عقودها وصفقاتها العمومية ،حيث تمكن
المترشحين من التعرف على طبيعة ومضمون الخدمة ،و مكان التركيب أو التسليم و
مقتضيات الضمان أو الصيانة ،كما تحدد اإلختيارات و المقاييس التي سوف تستعمل
لمعرفة مدى مطابقة المنتوج الذي سيستلم أو األعمال التي ستنجز ،و من جهة أخرى
تحدد فيه :الشروط العامة و إلتزامات المتعاقد ،مبلغ الكفالة ،التعويضات،
الضمانات ،التأمينات ،العقوبات ،شروط فسخ العقد و التسبيقات التي يستفيد منها
المتعاقد و كيفيات الدفع ،ومن ثم يمكن القول أن دفتر الشروط الخاصة يشكل جزءا
مهما في ملف الصفقة ،ذلك أنه يحدد شروط إبرام الصفقة و كيفيات تنفيذها في إطار
األحكام التنظيمية .
ث) عقد االلتزام المشار إليه في المادة 11من مرسوم الصفقات العمومية والذي يلتزم
بموجبه المتنافس بإنجاز االعمال موضوع الصفقة طبقا للشروط المنصوص عليها في
دفاترالتحمالت وذلك مقابل ثمن يقترحه؛
د) نظام االستشارة هو وثيقة تحدد شروط تقديم العروض ومعايير وكيفيات إسناد
الصفقة .يكون كل طلب عروض موضوع نظام استشارة يعده صاحب المشروع؛
طبقا لمقتضيات المادة 15من مرسوم الصفقات يبين نظام االستشارة ،على وجه
الخصوص ،البيانات التالية:
معايير قبول المتنافسين واسناد الصفقة .ويجب ان تكون لهذه المعايير صلة
مباشرة بموضوع الصفقة المراد ابرامها ،وان تكون موضوعية ،وان ال تكون
تمييزية وغيرمتناسبة مع محتوى االعمال المزمع إنجازها؛
العملة أو العمالت القابلة للتحويل التي يجب أن يعبر بها عن ثمن العرض المالي،
إذا كان المتنافس غيرمقيم بالمغرب؛
اللغة أو اللغات التي يجب أن تحرر بها الوثائق المضمنة في الملفات والعروض
المقدمة من لدن المتنافسين؛
101وهو التصريح الذ ي يعده المتنافس والذي يبين الصفقات العمومية التي يتولى تنفيذها ،بصفته صاحب الصفقة او بصفته متعاقدا
من الباطن ،عند تقديم عرضه الى صاحب المشروع؛
عند االقتضاء ،الشروط والكيفيات التي يتم وفقها فحص العروض البديلة
وتقيمها بالمقارنة مع الحل األساس ي المنصوص عليه في دفترالشروط الخاصة؛
عند االقتضاء ،العدد األقص ى للحصص التي يمكن إسنادها إلى نفس المتنافس
وطريقة إسناد الحصص مجموعة القانون المغربي؛
عند االقتضاء ،رقم الثمن أو األثمنة األحادية األساسية وبيانها ومبلغها التقديري
أو مبالغها التقديرية؛
اإلعالن عن المناقصة يهدف إلى إضفاء الشفافية على العمل اإلداري ،حيث يتم إعالم
المتنافسين المعنيين ،مما يفسح املجال للمنافسة و يضمن إحترام مبدأ المساواة و يسمح
لإلدارة بإختيار أفضل العروض ،و طبقا للمادة 11من مرسوم 7مارس 1111المتعلق
بالصفقات العمومية ,فالنشرإجباري وذلك في بوابة الصفقات العمومية و في جريدتين توزعان
على الصعيد الوطني على االقل ,يختارهما صاحب المشروع ,تكون احداهما باللغة العربية
.ينشر االعالن بلغة نشر كل من الجريدتين اللتين تم اختيارهما ،و يجب أن تحتوي اإلعالنات
على المعلومات المنصوصة عليها في الفقرة االولى من المادة 11من المرسوم السالف الذكر .
.6إيداع العروض
بعد اإلعالن عن الصفقة يتقدم المتعهدون بعطاءاتهم وعروضهم إلى اإلدارة المعنية
من خالل األجل املحدد من طرف اإلدارة ،ويبقى المتعهد ملتزما بعرضه طيلة مدة األجل .حيث
نصت المادة 16من مرسوم الصفقات العمومية على ان المتنافسين يظلون ملتزمين بالعروض
التي قدموها طيلة مدة ستين يوما تسري ،حسب الحالة ،ابتداء من تاريخ جلسة فتح األظرفة أو
من تاريخ توقيع الصفقة من لدن نائل الصفقة عندما تكون هذه الصفقة صفقة تفاوضية.102
102 .غير أنه إذا اعتبرت لجنة طلب العروض أنه يتعذر عليها تحديد اختيارها خالل أجل صالحية العروض المنصوص عليه ،يطلب
صاحب المشروع ،قبل انتهاء هذا االجل ،من المتنافسين المعنيين ،بواسطة رسالة موجهة عن طريق البريد المضمون مع إشعار
بالتوصيل ،تمديد أجل صالحية عروضهم لمدة إضافية يحددها.
تكون جلسة فتح اظرفة المتنافسين عمومية .وتنعقد هذه الجلسة في المكان واليوم
والساعة املحددة في إعالن طلب العروض أو في الرسالة الدورية .إذا صادف هذا اليوم يوم عيد
أو عطلة ،تعقد الجلسة في نفس الساعة من يوم العمل الموالي .تتم مسطرة فتح األظرفة طبقا
لمقتضيات المواد من 17الى 11ويتم اخبار نائل الصفقة بقبول عرضه من طرف صاحب
المشروع ،وذلك برسالة مضمونة مع اشعار بالتوصل او باي وسيلة تعطي تاريخا مؤكدا ،داخل
أجل ال يتعدى ثالثة أيام ابتداء من تاريخ انتهاء أشغال لجنة طلب العروض .كما يخبر أيضا
صاحب المشروع ،داخل االجل نفسه ،المتنافسين المقصيين ،مع بيان أسباب رفض
عروضهم ،وذلك بواسطة رسالة موجهة عن طريق البريد المضمون مع إشعار بالتوصل .ترفق
هذه الرسالة بالوثائق المضمنة في ملفاتهم وذلك طبقا للمادة 19من المرسوم.
ال تعتبر الصفقات التي تبرمها الدولة والجماعات الترابية صحيحة ونهائية اال بعد
المصادقة عليها من لدن السلطة املختصة .كما ال تعتبر الصفقات التي تبرمها المؤسسات
العمومية صحيحة ونهائية إال بعد المصادقة عليها من لدن السلطة املختصة والتأشيرعليها من
لدن مر اقب الدولة ،إذا كان هذا التأشير إلزاميا .ال تعتبر الصفقات التي تبرمها االشخاص
االعتبارية االخرى الخاضعة للقانون العام والمشار إليها في المادة 1من مرسوم 7مارس 1111
صحيحة ونهائية إال بعد المصادقة عليها من لدن السلطة املختصة.
ال تتم المصادقة على الصفقات من لدن السلطة املختصة إال بعد انصرام أجل انتظار
مدته خمسة عشريوما تبتدئ من اليوم الموالي لتاريخ انتهاء أشغال لجنة فتح األظرفة أو لتاريخ
توقيع الصفقة من لدن نائلها إذا كانت هذه الصفقة صفقة تفاوضية .وحددت المادة 511من
مرسوم السالف الذكر أجل تبليغ المصادقة على الصفقة إلى نائلها في أجل أقصاه ستون يوما
ابتداء من تاريخ فتح األظرفة أو تاريخ التوقيع على الصفقة من لدن نائلها ،إذا كانت هذه
الصفقة تفاوضية.
إن الغرض األساس ي من إبرام الصفقات العمومية يكمن في تحقيق المصلحة والمنفعة
العامة ،وبإعتبار الصفقات العمومية من أهم الوسائل التي تمكن اإلدارة من إنجاز مختلف
األشغال ،و اقتناء اللوازم الضرورية من أجل تحقيق مختلف الخدمات والمشاريع المراد
إنجازها.
وللصفقة العمومية أهمية كبيرة في تجسيد هذه المشاريع والبرامج ،وذلك عن طريق
تدخل الدولة بوضع مبالغ مالية مهمة ،األمر الذي يحتم على اإلدارة أثناء قيامها بالتعاقد أن
تبحث على الطرف األكثر كفاءة ،والذي يقدم لها أحسن و أفضل العروض وذلك حتى تتأكد
الدولة من اإلستجابة لألهداف المسطرة هذا من جهة ومن جهة أخرى احترام اإلدارة ألهم
المبادئ األساسية في عقد الصفقة العمومية ،وهي حرية الولوج الى الصفقات العمومية
واحترام الشفافية والمنافسة والمساواة بين المترشحين .103
كما نجد أن المشرع المغربي نص على احترام و مراعاة هذه المبادئ التي تقوم عليها
إجراءات إبرام الصفقات العمومية ،وقام أيضا باستحداث مبدأين اخرين ال يقالن اهمية عن
المبادئ األخرى ،أال وهما النجاعة و الحكامة الجيدة .و طبقا لمقتضيات المادة األولى من
المرسوم السالف الذكريتوجب على صاحب المشروع اخد بعين االعتبار ،عند إبرام الصفقات
العمومية ،حسب الحالة ،االبعاد االقتصادية واالجتماعية والبيئية وااليكولوجية وكذا أهداف
التنمية المستدامة والنجاعة الطاقية والحفاظ على الموارد المائية وتثمين المنظر المعماري
وحماية التراث الوطني والمأثر التاريخية ومتطلبات تشجيع االبتكار والبحث والتطوير .تروم كل
هذه المبادئ تأمين فعالية الصفقات العمومية وحسن استعمال المال العام .كما تجدر
اإلشارة الى ان أي إخالل بهذه القواعد والمبادئ يؤدي إلى نشوء منازعات ،ومن هنا تظهر
منازعات الصفقات العمومية المتعلقة بمرحلة اإلبرام.
اإلقتصادي ،وبعد التسعينات اتسع هذا المصطلح في العقود العامة خاصة عقود الصفقات
العمومية.104
فالشفافية في مجال الصفقات العمومية بمثابة الضمانة القانونية التي تؤكد أن
عمليات إختيارالمتعامل المتعاقد مع اإلدارة قد تمت وفق وسائل مشروعة وقانونية ،فالتعامل
دون احترام مبدأ الشفافية من شأنه أن يخلق أعمال غيرمشروعة وغيرنزيهة ،وعلى اإلدارة أثناء
إبرام الصفقات العمومية أن تلتزم بالشفافية ،حيث تفسح املجال إلشراك جميع األشخاص
واألفراد الذين يهمهم األمر والذين تتحقق فيهم و تنطبق عليهم شروط المشاركة ،حيث يخبر
المهتمين بالمناقصة و إبالغهم بالشروط العامة للعقد و كيفية الحصول على ملف طلب
العروض و المواصفات و قائمة األسعار ،ولشفافية في مجال الصفقات العمومية أهمية كبيرة
كونها الضمانة القانونية لحماية األموال العمومية من الضياع وكشف مختلف التالعبات
والممارسات الغيرالمشروعة أثناء التعاقد ،واالبتعاد من ساحة الفساد.105
و أقر المشرع المغربي بوجوب اتخاذ جميع التدابير الالزمة ،وذلك من أجل تعزيز
الشفافية والمسؤولية والعالنية في ابرام الصفقات العمومية .وتتجلى هذه التدابير التي من
شانها تكريس مبدا الشفافية من خالل:
-وضع معايير موضوعية ودقيقة التخاذ القرارات المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية،
-ممارسة كل طرق الطعن في حالة عدم إحترام قواعد إبرام الصفقات العمومية.
ومن خالل هذه القواعد نجد أن مبدأ الشفافية يقوم على مبدأ أخرال يقل أهمية ،وهو
مبدأ العالنية الذي يعتبر وسيلة لضمان الشفافية ،وبالتالي إحترام القانون ،فمبدأ العالنية
يهدف إلى اإلعالن عن المناقصة مثال عن طريق فتح مجال التعاقد أمام كل من يجد لديه القدرة
104رجدال فتيحة –سعداوي فطيمة ,منازعات الصفقات العمومية ,مذكرة التخرج لنيل شهادة الماجستير في القانون العام ,بجاية 4941
ص .41
105زوزو زوليخة ,جرائم الصفقات العمومية و اليات مكافحتها في ظل القانون المتعلق بالفساد ,مذكرة التخرج لنيل شهادة الماجستير
في القانون الجنائي ,ورقلة,4944,ص .488-489
والمتطلبات الالزمة لتنفيذ العملية موضوع الصفقة ،ومن أجل ضمان علم األفراد المهتمين
بموضوع الصفقة ولكي يتسنى لهم تقديم عروضهم في المواعيد واآلجال املحددة.106
والمشرع المغربي في نص المادة 11من المرسوم ،نص على وجوب والزامية اإلشهار
الصحفي وااللكتروني (عبر بوابة الصفقات العمومية) للصفقة العمومية ،كما تنص نفس
المادة من نفس المرسوم على وجوب احتواء االعالن على مجموعة من الشروط والبيانات التي
يجب أن تتوفر في اإلعالن ،وذلك من أجل جعله في صورة واضحة لموضوع الصفقة المراد
إبرامها.
وفي األخير نخلص إلى أن وسيلة اإلشهار بمثابة الضمانة التي تمكن اإلدارة من تبيان
إحترامها لهذا المبد أ وهذا عن طريق تطبيقها الصارم إلجراءات اإلشهارالمنصوص عليها قانونا
لإلعالن عن الصفقة ،غير أن تطبيق إجراءات اإلشهار لوحدها ال يفي بالغرض ،بإعتبار أن
اإلدارة قد أوفت بإلتزامها لبلوغها مبدأ الشفافية فاألمر يطلب أيضا أن يكون محتوى ملف
طلب العروض خاليا من كل ما من شانه ان يمس مبدأ الشفافية107.
يقصد بمبدأ حرية المنافسة إعطاء الفرصة لكل من تتوفر فيه شروط التقدم
للمناقصة ،وذلك لغرض عرضها على اإلدارة المتعاقدة من أجل إمكانية إختيار أفضل
المتعاقدين ،حيث تعتبر هذه الكيفية لمدة طويلة كقاعدة إلبرام الصفقات العمومية ،وذلك
لتو افقها مع مفهوم الليبرالية االقتصادية بقيامها على مبدأ المنافسة و بتو افقها مع مفهوم
المصلحة العامة ،لكن هذا المبدأ ال يمحي سلطة اإلدارة المتعاقدة في تقدير صالحيات
العارضين و كفاءتهم على أساس مقتضيات المصلحة العامة ،بل تتمتع بسلطة تقديرية في
استبعاد األشخاص غير األكفاء في التعاقد ولها أن تستخدم هذا الحق في كافة مراحل العملية
التعاقدية ،ولكن يجب أن يكون بنصوص قانونية أو بشروط تضعها اإلدارة المتعاقدة
نفسها.108
106عوابدي عمار ،دروس في القانون اإلداري(,د ,ط),ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 4999,ص419
107رجدال فتيحة –سعداوي فطيمة ,منازعات الصفقات العمومية ,مذكرة التخرج لنيل شهادة الماجستير في القانون العام ,بجاية 4941
ص 46
108رجدال فتيحة –سعداوي فطيمة ,منازعات الصفقات العمومية ,مذكرة التخرج لنيل شهادة الماجستير في القانون العام ,بجاية 4941
ص 41
واإلدارة أو المصلحة المتعاقدة ملزمة بإحترام هذا المبدأ ،فال يمكن لها أن تقوم بمنع
متعهد أو إقصاءه من المشاركة إال في حالة عدم توفر الشروط المنصوص عليها في المناقصة،
و تعتبر المشاركة أمر اختياري و متروك للمتعاقد ،غير أن اإلدارة تتمتع ببعض الصالحيات و
االمتيازات التي تخول لها إبعاد المتعاقد األقل كفاءة في نضرها ولها الحق في ذلك ،إال أنها ال
يمكن لها أن تقوم بإبعاد المتعاهدين الراغبين في المشاركة والذين تتوفر فيهم جميع الشروط
القانونية المطلوبة ،كأن يقوما بتقديم أحسن العروض من الناحية التقنية والمالية ،وأن تقف
اإلدارة موقفا مبدأ حياديا إزاء كل المتنافسين وليس لها أن تقوم بتفضيل مرشح على أخر ،و
اال عد فعلها من قبيل املحاباة وعليه فبمجرد تجسيد مبدأ حرية المنافسة بين مختلف
المتعاقدين والمتعهدين و المقاولين مع اإلدارة فإن ذلك يضمن الشفافية في مختلف
التعامالت التي تقوم بها اإلدارة ،و ذلك من أجل تدعيم المنافسة بين أكبر عدد ممكن من
المهتمين بالنشاط موضوع الصفقة ،فال يتم التعاقد على فئة من األشخاص محددين
بذواتهم.109
يقصد بمبدأ المساواة تحقيق المعاملة المتساوية بين كافة المتنافسين ،وذلك عن
طريق تطبيق نفس األحكام والشروط على جميع المشاركين دون تفضيل أثناء التعاقد ،واإلخالل
بهذا المبدأ يتمثل في وسائل التمييز بين متعامل وآخر .كان يتم تفضيل بعض المتنافسين دون
البقية في االطالع على ملف طلب العروض او بعض الوثائق التكميلية للملف كالتصاميم ،أو أن
تقوم اإلدارة بالمفاوضات بشأن إرساء الصفقة مثال على متنافس واحد دون سواه .110
إن تحقيق هذا المبدأ يضمن سالمة المتعاقد مع اإلدارة من خطر االستبعاد غير
القانوني و غير المنصف في حقه أثناء التعاقد ،و تجدر اإلشارة إلى أن مرسوم الصفقات
العمومية اكد في مادته األولى على وجوب احترام هذا المبدأ و لعل السبب هو رغبة المشرع
المغربي في تحقيق المساواة بين جميع المترشحين ،و ذلك أثناء إبرام مختلف التعامالت ،و من
أجل منع مختلف التجاوزات و تجدراإلشارة أن اإلدارة أو المصلحة المتعاقدة ملزمة بالمعاملة
109رجدال فتيحة – سعداوي فطيمة ,منازعات الصفقات العمومية ,مذكرة التخرج لنيل شهادة الماجستير في القانون العام ,بجاية 4941
ص .41
110رجدال فتيحة –سعداوي فطيمة ,منازعات الصفقات العمومية ,مذكرة التخرج لنيل شهادة الماجستير في القانون العام ,بجاية 4941
ص .49
المطابقة لجميع المترشحين ،فليس لها أن تتعاقد على أساس اعتبارات تفضيلية ألن من شأن
ذلك أن يمس بمبدأ الشفافية ،كما ليس لها أن تعفي أحد المترشحين ،و في حالة عدم امتثال
اإلدارة لذلك فإن قوانين العقوبات تكفل حماية مبدأ المساواة في الصفقات العمومية فتنص
على عقوبة لكل من يخل بهذا المبدأ.111
وفي األخير نخلص إلى أن المبادئ التي جاءت بها المادة األولى من مرسوم الصفقات
العمومية وكما تم التطرق اليها سابقا والتي تقوم عليها عملية إبرام الصفقات العمومية تقتض ي
بالضرورة إعالم كافة المتنافسين ومنحهم أجال محددا واخضاعهم لقواعد المنافسة الواحدة
دون أي تمييزبينهم ،وأن تكون قواعد اختيارالمتنافسين واضحة ومحددة وتكون من قبل الجهة
املخولة قانونا لذلك.112
المبحث الثاني :طرق تنفيذ الصفقات العمومية والمنازعات الناشئة عنها على ضوء
المرسوم رقم 2.14.394المتعلق بدفتر الشروط اإلدارية العامة والمطبقة على صفقات
االشغال.
العقد اإلداري عقد يتكون من تقابل إرادتي الطرفين المتعاقدين (اإلدارة ،والمتعامل
المتعاقد معها )،واإلدارة عندما تقبل على إبرام العقد أو الصفقة تنفرد بوضع مجموعة من
الشروط ،ويقتصر دور المتعاقد معها على قبول هذه الشروط أو رفضها ،وعليه فإن إبرام هذا
العقد ال يتم إال عن طريق مو افقة ورض ى الطرف المتعاقد.113
واذا كانت قاعدة (العقد شريعة المتعاقدين )هي التي تسري على العقود بصفة عامة،
فنجد أن هذه القاعدة السالفة الذكر ال تطبق على إطالقها في العقود اإلدارية( ،هذه القاعدة
ال تلزم اإلدارة في العقود اإلدارية بقدر ما تلزمها في العقود المدنية) وتتميز العقود اإلدارية عن
باقي العقود األخرى أن أحد أطر افها يكون إداريا يعمل من أجل الصالح العام ومن أجل حسن
سير المرفق العام ،وهذا ما يبرز اختالل في المساواة بين اإلدارة والطرف المتعاقد معها فيما
111في هذا الصدد بينت المحكمة اإلدارية بالرباط قسم القضاء الشامل بتاريخ 1/1/4944في الملف رقم " 17/74/4944إن خطأ
اإلدارة في إقصاء المدعية من الصفقة ،مخالف للمبادئ الدستورية المتصلة بالشفافية والنزاهة وحرية المنافسة واتصاله باألضرار
المادية والمعنوية المتمثلة في الخسارة الحقيقية وفوات الكسب الناتجة عن ضياع فرصة الفوز في الصفقة ،فضال عن المساس بسمعتها
كشركة رائدة في السوق ،يدل على قيام عناصر المسؤولية اإلدارية في حق الجماعة المدعى عليها".
112رجدال فتيحة –سعداوي فطيمة ,منازعات الصفقات العمومية ,مذكرة التخرج لنيل شهادة الماجستير في القانون العام ,بجاية 4941
ص .49
113رجدال فتيحة – سعداوي فطيمة ,منازعات الصفقات العمومية ,مذكرة التخرج لنيل شهادة الماجستير في القانون العام ,بجاية 4941
ص .49
يخص الحقوق واإللتزمات الناشئة عن العقد ،114كما نجد أن اإلدارة أثناء ممارستها لسلطاتها
وحقوقها كثيرا ما تتعسف في إستعمال هذه الحقوق ،مما يؤدي إلى إحتمال نشوب نزاعات و
خالفات خاصة في مرحلة تنفيذ الصفقة أو العقد المبرم بين الطرفين
وعليه خصص أن نخصص (المطلب األول) لتبيان مساطر تنفيذ الصفقات العمومية
أما (المطلب الثاني) فخصصناه إلبرازأهم المنازعات المتعلقة بمرحلة تنفيذ الصفقة.
إن السبب األساس من إبرام الصفقات العمومية ،هو تنفيذها وينتج عن التنفيذ أثار
بالنسبة لكال الطرفين(المصلحة المتعاقدة ،والمتعامل المتعاقد) ،وتنفيذ العقد بصفة عامة
في مجال العقود اإلدارية يمتاز بعدم المساواة بين األطراف المتعاقدة في الحقوق واإللتزمات،
ويترجم عدم المساواة في العقود اإلدارية لصالح اإلدارة ،وذلك باعتبار أن العقد مرتبط
بالمر افق العمومية التي تهدف إلى تحقيق الصالح العام ،وهذا ما يجعل اإلدارة تنفرد بمجموعة
من السلطات واإلمتيازات التي تخلق تفاوتا بين الحقوق والواجبات بين اإلدارة و الطرف
المتعاقد معها ،ومن أجل إبرازأهم اآلثارالناجمة لكال الطرفين يستوجب التطرق أوال لسلطات
اإلدارة في مواجهة المتعاقد معها ،و نتطرق إلى الحقوق والتزامات المتعامل مع اإلدارة .
تتولى اإلدارة تنظيم ادارة المر افق العامة بما يكفل استمرار سيرها بانتظام واطراد،
وذلك لغرض إشباع الحاجات العامة ،وتحقيق النفع العام ولكفالة قيام اإلدارة بهذه
المسؤوليات واالختصاصات الهامة ،أقر لها القضاء والمشرع مجموعة من اإلمتيازات
والسلطات الهامة ،وهي بمثابة حقوق تتمتع بها اإلدارة في العقد ،كما يتمتع المتعاقد مع اإلدارة
بالمقابل بمجموعة من الحقوق واإللتزامات وبناء على ما سبق ذكره فإن أبرز السلطات التي
تتمتع بها اإلدارة تكمن في:
يقصد بها حق اإلدارة في مر اقبة تنفيذ العقد اإلداري والتأكد من أنه يتم وفق نصوص
العقد ،ودفاترالشروط الخاصة سواء من الناحية المالية أو من الناحية التقنية ،وكذا توجيه
أعمال التنفيذ المتفق عليها في بنود الصفقة واختيار أنسب الطرق والسبل التي تؤدي إليه،
والتحقق أيضا من قيام المتعامل المتعاقد بالتزاماته المالية تجاه اإلدارة وضبط كل ما يقوم
بينهما من روابط مالية.
كقاعدة عامة فسلطة اإلشراف والتوجيه تعتبرمن النظام العام ،فال يجوزاالتفاق على
مخالفتها أو التنازل عنها وهي حقوق ثابتة لإلدارة حتى وان لم ينص عليها العقد ،غير أن اإلدارة
ال يجوز لها أن تبالغ في ممارسة هذه السلطة إلى درجة تصل الى تغير طبيعة العقد أو الصفقة،
ألن تجاوزهذا النطاق يؤدي إلى آن نكون بصدد سلطة تعديل شروط العقد ،وهذا ما يرتب حق
للمقاول في المطالبة بالتعويض إذا تضرر من جراء ذلك ،و تتجسد سلطة اإلدارة في اإلشراف
والتوجيه في مرحلة تنفيذ الصفقة بتقيد حرية المتعاقد مع اإلدارة في تنفيذ العقد بأي وسيلة
كانت ،كما لها كامل الحق في المر اقبة على مدى احترام اإللتزامات المتفق عليها في بنود
العقد.115
وسلطة اإلدارة في اإلشراف والتوجيه أثناء تنفيذ الصفقة ال تخص نوع واحد من العقود
فهي مقررة لكافة العقود اإلدارية غير أن هذه السلطة تختلف من عقد ألخر ،فهي مرتبطة
بنوعية وطبيعة ودرجة إتصالها بالمرفق العام الذي تسهر اإلدارة على حسن تسيره في كافة
الظروف ،مثال :في عقود األشغال العامة نجد أن اإلدارة تتمتع بسلطات واسعة في الرقابة و
التوجيه ،فلها أن تأمرببدء التنفيذ ويقوم رجالها الفنيون بتحديد خطوات سيرالعمل ومواعيد
التسليم ،وما تقوم اإلدارة باستحداثه من تعديالت أثناء تنفيذ العقد ،غيرأنه في عقود التوريد
نجد العكس تماما ،فنجد حق اإلدارة في اإلشراف والتوجيه يختلف حيث يكون محدود ،
فتدخل اإلدارة يقتصرفقط على فحص البضائع أو األدوات و أوضاع وطرق تنفيذ العقد .
115رجدال فتيحة – سعداوي فطيمة ,منازعات الصفقات العمومية ,مذكرة التخرج لنيل شهادة الماجستير في القانون العام ,بجاية 4941
ص .49
تتمتع اإلدارة إلى حد ما بسلطة تعديل أحكام عقد الصفقة بإرادتها المنفردة ،وتعتبر
هذه السلطة أحد أهم مظاهر تميز العقد اإلداري عن العقد المدني ،فنجد أن أحكام العقد
المدني تقر بأن العقد شريعة المتعاقدين ،فال يجوزنقضه أو تعديله إال إذا اتفق الطرفان على
ذلك ،وخالفا لذلك فإن العقد اإلداري وعلى عكس القواعد المعمول بها في مجال القانون
الخاص يمكن لجهة اإلدارة تعديله بإرادتها المنفردة ،ويكاد فقه القانون والقضاء يجمع على أن
كل العقود اإلدارية قابلة لتعديل من جانب اإلدارة بما في ذلك عقود الصفقات العمومية.
تستمد هذه السلطة قوتها من القضاء اإلداري ،وتعرف على أنها إمتياز قانوني يخول
لإلدارة من أجل المصلحة العامة وحسن سير المر افق العامة آن تعدل من مقدار إلتزامات
المتعاقد معها ،وذلك إما بالزيادة أو النقصان وذلك عن طريق ألية تسمى الملحق ،وبالعودة
للمرسوم رقم 2.14.394المتعلق بدفتر الشروط اإلدارية العامة والمطبقة على صفقات
االشغال ,وتحديدا المادة 51منه التي سمحت لإلدارة المتعاقدة إبرام مالحق ويعرف الملحق
على أنه عقد إضافي للصفقة االصلية يعاين اتفاق إرادة الطرفين ويهدف الى تغيير او تتميم بند
اوعدة بنود من السفقة ،دون تغييرموضوعها اومحل تنفيذها .واإلدارة أثناء إقبالها على تعديل
عقد الصفقة يجب عليها أن تتقيد ببنود دفتر الشروط اإلدارية العامة والمطبقة على صفقات
االشغال وتحديدا المادة 51التي حددت حاالت جوازاللجوء الى العقود الملحقة.
لإلدارة سلطة توقيع عقوبات على المتعاقد معها ،وذلك في حالة ما إذا ثبت إهماله
وتقصيره في تنفيذ إلتزاماته التعاقدية ،أو عدم مراعاته آلجال التنفيذ أو عدم إحترامه للشروط
التعاقدية ،ولعال الهدف من توقيع تلك الجزاءات هو السعي إلى تأمين سيرالمرفق العام واجبار
الطرف المتعاقد مع اإلدارة على الوفاء بإلتزاماته التعاقدية على أكمل وجه ،وتأخذ الجزاءات
املحتمل توقيعها على المتعامل المتعاقد عدة صوروأشكال منها:
)5الجزاءات المالية:
هي العقوبات ذات الطابع المالي التي تسلط على المتعامل المتعاقد من أجل إجباره
على تنفيذ الصفقة ،والتي تأخذ أحد الصور التالية :فرض الغرامات ،ومصادرة مبلغ الضمان
او الضمانات.
ا ـ فرض الغرامات :إذا لم ينفذ المتعاقد مع اإلدارة إلتزاماته التعاقدية في األجال المقررة
أو نفذها تنفيذا غير مطابق للمواصفات المتفق عليها ،جاز لإلدارة فرض غرامات مالية عليه،
وهوما أكدته المادتين 61و 66من نص المرسوم رقم 2.14.394المتعلق بدفترالشروط اإلدارية
العامة والمطبقة على صفقات االشغال ،وتدخل ضمن فرض الغرامة صورتان وهما:
-الغرامة التأخيرية :في حالة تأخر المتعامل المتعاقد في تنفيذ الصفقة العمومية في
أجلها وموعدها املحدد ،تلجأ المصلحة المتعاقدة إلى الغرامة التأخيرية ،وذلك جزاء تأخره في
اإلنجاز ولضمان حسن سير المر افق العامة واستمرارها في تلبية اإلحتياجات العامة للجمهور
وفي هذا الصدد يتم تطبيق غرامة عن كل تأخير إذا كان التأخير يتعلق باآلجال اإلجمالي لتنفيذ
الصفقة ما عدا إذا نص دفتر الشروط الخاصة على خالف ذلك ،يحدد مبلغ هذه الغرامة في
واحد على ألف من مبلغ الصفقة.
-الغرامة الناجمة عن اإلخالل باإللتز امات التعاقدية :يمكن أن توقع على المتعامل
المتعاقد في حالة التنفيذ الغيرالمطابق لبنود وأحكام الصفقة العمومية غرامات مالية نتيجة
إخالله بإلتزاماته التعاقدية ،من حيث عدم اإللتزام بتنفيذ الصفقة طبقا للمواصفات المتفق
عليها ،وحتى يضفي المشرع المغربي طابع المشروعية إشترط تحديد نسبة العقوبات وكيفية
فرضها أو اإلعفاء عنها في دفاتر الشروط الخاصة ،كما ألزم المصلحة المتعاقدة بتضمين كل
صفقة نسبة العقوبات المالية ،وتقتطع الغرامات المالية من الدفعات.
ب ـ مصادرة مبلغ الضمان :ألزم قانون تنظيم الصفقات العمومية المصلحة المتعاقدة
الحصول على الضمانات الضرورية التي تضمن تنفيذ الصفقة ،وهذا ما نصت عليه نص المادة
51المتعلق بدفتر الشروط اإلدارية العامة والمطبقة على صفقات االشغال ،وتتمثل هذه
الضمانات أساسا في الضمان المؤقت الذي ال يجب ان يتجاوز مبلغه اثنين بالمائة من المبلغ
التقديري لكلفة االعمال المعد من لدن صاحب المشروع والضمان النهائي يحدد مبلغه في ثالثة
في المائة من المبلغ األصلي للصفقة مع تحويل السنتيمات الى الدرهم األعلى ما عدا اذا نص
دفتر الشروط الخاصة على خالف ذلك ،وذلك حسب نص المادة 51من المرسوم السالف
الذكر ،و االقتطاع الضامن حيث في غياب بنود مخالفة في دفتر الشروط الخاصة ,يتم خصم
اقتطاع ضامن من الدفعات المسلمة الى المقاول و ذلك طبقا للشروط المقررة في المادة 61
من المرسوم السالف الذكر.
)1الفسخ:
تنص المادة 97من المرسوم المتعلق بدفتر الشروط اإلدارية العامة والمطبقة على
صفقات االشغال على ما :يلي " يوجه صاحب المشروع إعذارا إلى المقاول يبلغ إليه بأمر
بالخدمة يبين فيه بالتحديد اإلخالالت المسجلة ضده واألجل الذي عليه ان يعالج فيه هذه
اإلخالالت." .
حيث ال يجوز أن يقل هذا األجل عن خمسة عشر ( )51يوما من تاريخ تبليغ اإلعذار ،ما
عدا إذا ارتأى صاحب المشروع أن هناك استعجال.
وإذا انصرم هذا األجل ،ولم يقم المقاول بتنفيذ التدابير المبينة في اإلعذار ،تقوم
السلطة املختصة خالل أجل أقصاه ثالثون ( )11يوما بعد انتهاء التاريخ املحدد في اإلعذار
التصريح بإحدى اإلجراءات التالية حسب خطورة اإلخالالت:
ا ـ فسخ الصفقة ،ويمكن أن يكون هذا الفسخ إما فسخ بدون قيد أو شرط وإما فسخ
مقرون بحجز الضمان النهائي ويتم اقتطاع المبلغ المطابق اإلصالح االختالالت أو العيوب
المعاينة نسبيا من مبلغ االقتطاع الضامن وعند االقتضاء من المبالغ المستحقة للمقاول دون
اإلخالل بحقوق الممكن القيام بها ضده بأية وسيلة من وسائل التحصيل إما الفسخ متبوعا
بإبرام صفقة جديدة مع مقاول آخر أو تجمع على نفقة ومخاطر المقاول األولي إلتمام األشغال
طبقا لمقتضيات المادة 76من المرسوم 1.51.117السالف ذكره .كما يمكن إتباع فسخ
الصفقة بإقصاء المقاول املخل مؤقتا أو نهائيا من المشاركة في الصفقات العمومية وفق
الشروط الواردة في المادة 517من المرسوم المذكورأعاله رقم .1.51.117
ب ـ القيام بالتنفيذ المباشر على نفقة ومخاطر المقاول ،في هذه الحالة ،تقوم السلطة
املختصة بإحالل مؤقتا محل المقاول املخل .وكيل أعمال إما صاحب المشروع نفسه وإما
مقاول آخرلإلشراف على إتمام األشغال موضوع الصفقة باستعمال الوسائل المادية والبشرية
للمقاول املخل ،وذلك على حساب ومخاطر هذا األخير .ويقوم صاحب المشروع باقتناء
التوريدات والمواد الضرورية للقيام بالتنفيذ المباشر ويحسبها على المقاول املخل وال يكون
التنفيذ المباشرإال جزئيا.
تلجأ المصلحة المتعاقدة لوسيلة الفسخ متى رأت أن المتعامل المتعاقد قد أخل
بإلتزاماته التعاقدية ،وذلك بعد أن تقوم اإلدارة بإعذاره من أجل الوفاء في اآلجال املحددة،
ولإلدارة حق فسخ العقد اإلداري سواء تم النص على هذا الفسخ أو إن لم يتم النص عليه ،دون
اللجوء إلى القضاء وهذا الحق يعتبر مظهرا من مظاهر السلطة العامة بمعنى لإلدارة حق
إستعماله بإرادتها المنفردة ،وعليه فال يمكن للمتعامل المتعاقد اإلعتراض على قرار فسخ
العقد باإلرادة المنفردة للمصلحة المتعاقدة.
ما عادا اذا كان الفسخ تعسفيا او مشوبا بعيب انعدام السبب كما قضت املحكمة
اإلدارية بالرباط في الحكم رقم 165بتاريخ 2014/2/10في الملف رقم ,2011/13/158حيث بينت
املحكمة "ان وفاء المدعية بجميع التزاماتها قبل صدورقرارالفسخ الجزئي للصفقة ،يكون معه
القرار المذكور مشوبا بعيب انعدام السبب المبرر إللغائه .ولما كان فسخ الصفقة من طرف
المدعى عليها تعسفيا ،ولعدم ارتكازقرارالفسخ على سبب جدي ،يجعل مسؤولية اإلدارة قائمة
في فسخ عقد الصفقة".116
يستمد المتعامل المتعاقد حقوقه أساسا من العقد اإلداري ،وهذه الحقوق تعتبربمثابة
التزامات تقع على عاتق اإلدارة ،فلوال هذه الحقوق لما كان بوسع اإلدارة أن تجد أطر افا تتعاقد
معها ،وباعتبار الطرف المتعاقد مع اإلدارة شخص عاديا يسعى دائما لتحقيق الربح ،فإنه تقع
عليه مجموعة من اإللتزمات أثناء تنفيذه لصفقة ومن ثمة فإن حقوق والتزامات المتعاقد مع
اإلدارة هي كاآلتي:
أوال ـ التزامات المتعاقد مع اإلدارة :يعمل المتعامل المتعاقد على أداء إلتزامه التعاقدي
بنفسه ،وعليه إحترام المواعيد واألجال المتفق عليه إلنجازالعقد.
116عبد الرحيم الضاوي ,الصفقات العمومية على ضوء العمل القضائي ,مطبعة األمنية -الرباط 4948,ص .798
يلتزم المتعاقد مع اإلدارة بتنفيذ إلتزاماته التعاقدية بنفسه و ،يعتبر هذا اإللتزام من
القواعد العامة في العقود اإلدارية ،وعليه فإن ألداء الشخص ي للعقد واجب التنفيذ حتى وان
لم ينص عليه صراحة في العقد ،وهذا التنفيذ يكون وفق ما نصت عليه شروط العقد أو دفاتر
الشروط الخاصة وأسس التعاقد المرتبطة عموما باإلمكانيات والمؤهالت والقدرات المالية
والخبرة التي يتمتع بها المتعامل المتعاقد.
ويعتبر التنفيذ الشخص ي لإللتزام التعاقدي شرطا إلزاميا ينتج عنه نتيجة هامة تتمثل
في عدم إمكانية تنازل الطرف المتعاقد بأداء المهام الموكلة إليه للغير ،و اإلخالل بهذا الشرط
يرتب خطأ جسيما يحمل المتعامل المتعاقد كافة األضرارالناتجة عن ذلك ،كما يعطي لإلدارة
حق تسليط أقص ى الجزاءات والعقوبات ،عليه والتي تتمثل في فسخ العقد على مسؤولية
المتعامل المتعاقد ،ومع ذلك يمكن للمتعاقد إستثناءا أن يلجأ إلى التعامل الثانوي أو ما يسمى
بالتعاقد من الباطن ، 117وهذا ما أكدته نص المادة 515من مرسوم الصفقات العمومية .ال
يجوز ان يتجاوز التعاقد من الباطني خمسين في المائة من مبلغ الصفقة ،مع احتساب جميع
الرسوم او ان يشمل الحصة او الجزء الرئيس ي منها.
حتى يتم ضمان تسير المر افق العامة بانتظام واطراد ،يجب أن يلتزم المتعاقد مع
اإلدارة بتنفيذ الصفقة في اآلجال والمواعيد املحددة في العقد ،واألصل هو أن ينص في العقد أو
الصفقة المبرمة على تاريخ بداية تنفيذ األعمال الموصوفة في الصفقة ،وان لم يتم النص عليها
في العقد ،فإن تلك البداية تتحسب بداية من تاريخ التوصل باألمربالخدمة.
تقابل سلطات اإلدارة في توقيع الجزاءات والغرامات المالية على المتعامل المتعاقد
حقوق يتمتع بها هذا األخير ،و هي حقوق معترف بها صراحة في الفقه والقضاء اإلداري ،وذلك
من أجل تمكينه من اإلستمراربالوفاء بإلتزماته التعاقدية و يبقى الحق في الحصول على المقابل
المالي وهو بمثابة حق من الحقوق التي يتمتع بها ويأخذ المقابل المالي عدة صور منها :السعر،
الثمن ،الرسم ،وذلك حسب طبيعة ونوع العقد المبرم كما يمكن أن يكون الدفع دفعة واحدة
117التعاقد من الباطن عقد مكتوب يعهد بموجبه صاحب الصفقة تحت مسؤوليته الى الغير بتنفيذ جزء من الصفقة المسندة اليه
أو عن طريق أقساط عن كل مرحلة من إنجازجزء من العمل المطلوب أو بأي شكل من األشكال
املحددة قانونا.
ويخضع الدفع لقاعدة عامة "الدفع بعد تأدية الخدمة" أي أن اإلدارة ملزمة بدفع
السعر أو الثمن المتفق عليه في بنود الصفقة بعد اإلنتهاء من إنجاز األعمال المتفق عليها ،أو
تسليم التوريدات المطلوبة أو تسليم األصناف المتفق عليها في العقد ودفاترالشروط الخاصة
،وكإستثناء للقاعدة المذكورة سلفا نجد أن المشرع المغربي أتاح للمتعاقد حق الحصول على
تسبيق في حدود عشرة في المائة من مبلغ الصفقة و ذلك طبقا لمقتضيات مرسوم رقم
1.51.191الخاص بالدفع المسبق في الصفقات العمومية و كذلك الحصول عن تسبيق عن
التموين و هو مبلغ مالي تدفعه المصلحة المتعاقدة للمتعاقد معها شرط أن يقدم لها وثائق
تثبت وتؤكد وجود المواد والمنتجات الضرورية لتنفيذ العقد أو الصفقة .
وتجدر اإلشارة أن التسبيق بغض النظر عن شكله (التسبيق الجزافي أو التسبيق على
التموين) يعتبر بمثابة سلفة يقتض ي األمر إستردادها (استرجاعها) من المصلحة المتعاقدة،
وذلك عن طريق خصم قيمة تلك التسبيقات من المبالغ المالية المستحقة ل لمتعامل
المتعاقد ،والمدفوعة له في شكل دفعات على الحساب أو التسوية على رصيد الحساب بداية
من دفع أول كشف أو فتورة.
بإعتبار اإلدارة صاحبة مشروع الصفقة المبرمة ونظرا لكون اإلدارة تظل محتفظة
بكامل صفاتها األصلية وبجميع إختصاصاتها كسلطة عامة تعمل لتحقيق الصالح العام ،
ومكلفة قانونا بتنظيم المر افق العامة فمن الضروري ان تسهر على تنفيذ الصفقة العمومية
بالكيفية التي تراها مناسبة ،وهذا ما يجعلها تلجأ في بعض األحيان إلى بعض التصرفات التي
من شأنها اإلضرار بمصالح المتعامل المتعاقد معها ،وهذا التعارض في المصالح بين األطراف
المتعاقدة هو ما يؤدي إلى إخالل أحد طرفي العالقة التعاقدية بإلتزاماته التعاقدية سواءا تعلق
األمر باإلدارة أو المقاول ،وعليه فإن أهم المنازعات الناشئة أثناء عملية تنفيذ الصفقة
العمومية يمكن حصرها في إخالل اإلدارة بإلتزماتها التعاقدية سواء التقنية أو المالية .
بموجب العقد اإلداري تلتزم اإلدارة بتنفيذ اإلتزاماتها الناشئة عن هذا العقد ،والتي
يقابلها إلتزام الطرف المتعاقد معها بتنفيذ إلتزاماته التعاقدية ،وتجدر اإلشارة أن اإلتزامات
األطراف المتعاقدة عديدة ومتنوعة وذلك حسب اختالف نوع وطبيعة العقد المبرم ،ومن بين
اإلخالالت التعاقدية المرتبة للمنازعات المتعلقة بمرحلة تنفيذ الصفقة نجد تلك المتعلقة
بالجانب التقني والتي تتمثل أهمها في:
أوال ـ إخالل اإلدارة بإلتزاماتها التعاقدية بتمكين المتعاقد معها من البدء من تنفيذ
العقد :
المتعاقد مع اإلدارة ملزم بتنفيذ إلتزاماته التعاقدية واإلنتهاء من جميع األشغال الواردة
في بنود العقد ودفاتر الشروط في األجل املحدد ،وفي حالة عدم اإلنتهاء من تلك األعمال يكون
عرضة ملختلف العقوبات والجزاءات نتيجة عدم الوفاء بإلتزاماته التعاقدية في المدة املحددة،
ومن أجل تمكين الطرف المتعاقد من إنجازاألعمال المتفق عليها في العقد واإلنتهاء منها في األجل
املحدد في العقد ،فإن اإلدارة ملزمة بتوفير جميع الشروط الضرورية الالزمة لتمكين المتعاقد
معها من البدء في تنفيذ الصفقة و تسليمها في األجال املحددة ،و اخالل االدارة بإلتزامها بتمكين
المتعاقد معها من البدء في تنفيذ الصفقة يمكن حصرها في صورتين :
ـ الصورة األولى -إخالل اإلدارة بإلتزاماتها بتسليم موقع تنفيذ العقد :ومن أجل تمكين
الطرف المتعاقد من تنفيذ إلتزاماته التعاقدية ،فاإلدارة ملزمة بتسليم موقع محل تنفيذ
اإللتزام المتفق عليه في العقد المبرم ،غيرأن تسليم موقع العمل لوحده أمرال فائدة منه إلعتبار
أن اإلدارة أوفت بإلتزامها التعاقدي بل هي ملزمة أن تحرص أن يكون الموقع خالي من جميع
الموانع والعوائق سواء المادية أو القانونية التي تحول دون قيام المتعاقد في تنفيذ العقد،
وأن تقوم بتسليمه في الموعد المتفق عليه في العقد و يحق للمتعاقد المطالبة بفسخ الصفقة
اذا تبين غير ذلك ,و في هذا السياق قضت املحكمة اإلدارية بالرباط في الحكم رقم 5151بتاريخ
2015/3/31في الملف رقم " 2014/7114/84أن ثبوت قرار فسخ الصفقة كان نتيجة المشاكل
القانونية بشأن الوعاء العقاري المقام فوقه األشغال يجعل الشركة المدعية ال تتحمل أي
مسؤولية عنه .وفي ظل ثبوت احترام المدعية اللتزاماتها فإنه يكون من حقها الحصول على
المبلغ الباقي بذمة اإلدارة فضال عن اقتطاع الضمان وفوائد التأخير مع رفع اليد عن الضمان
النهائي البنكي ،مع إعمال السلطة التقديرية لتحديد التعويض عن الضررالناجم عن التأخيرفي
إنجازاألشغال الذي تتحمل مسؤوليته اإلدارة".118
-الصورة الثانية -تتمثل في عدم تقديم اإلدارة للمواد الضرورية للتنفيذ :يتعين على
اإلدارة زيادة عن تسليم موقع التنفيذ المتفق عليه دون موانع مادية أو قانونية أن تلتزم أيضا
بتوفير جميع المواد الضرورية الالزمة لمباشرة عملية التنفيذ ،وأن تكون تلك المواد مالئمة
لتنفيذ األعمال الواردة في بنود الصفقة ،وتجدراإلشارة أن تسليم الموقع دون تلك المواد أمر
ال فائدة منه ،وذلك إعتبارا أن تلك المواد بمثابة أليات التنفيذ الذي لن يتم إال عن طريقها ،
وهذا ما يحتم على اإلدارة من تمكين المتعامل المتعاقد بكل التراخيص القانونية والرسومات
الهندسية التي يتم التنفيذ على أساسها ،والتي تستوجب بالضرورة الحصول عليها قبل البدء
في تنفيذ األشغال ،وعليه فبمجرد إخالل اإلدارة بأحد هذه اإللتزمات يرتب عليه منازعات .
و في هذا الصدد بينت محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط من خالل القرار رقم 5717
المؤرخ في 2012/05/02في الملف رقم 7/07/75ان "الضرر الالحق صاحب الصفقة من جراء
اإليقاف لألشغال وتوقفها نهائيا ،لعدم توفر تصاميم دراسات المنشآت الخاصة بعبور
الشعبات ولعدم تحمل الصفقة للغالف المالي يجعل التعويض املحكوم به كاتب الضبط
التغطية تلك التحمالت مبررا".119
يظهر هذا اإلخالل حين تقوم اإلدارة بفرض نوعية معينة من الخدمات وهذه الخدمات
لم يتفق عليها الطرفان في الصفقة األصلية ،أو لم يتطرقا إليها في العقد أثناء إبرامه.
هذه المنازعات تخص الجانب المالي لصفقة وتنشأ نتيجة إخالل أحد الطرفين
المتعاقدين بإلتزاماته المالية وهذه المنازعات تتعلق أساسا بتسديد مستحقات الصفقة ،او
التأخيرفي تسديدها ،وبارجاع مبلغ الضمان ومن أهم األسباب المؤدية الى نشوء المنازعات نذكر
ما يلي:
118عبد الرحيم الضاوي ,الصفقات العمومية على ضوء العمل القضائي ,مطبعة األمنية -الرباط 4948,ص .741
119عبد الرحيم الضاوي ,الصفقات العمومية على ضوء العمل القضائي ,مطبعة األمنية -الرباط 4948,ص .441
أوال ـ إخالل اإلدارة بإلتزام أداء المقابل المادي للعقد :المقابل المادي للعقد هو الثمن
المستحق للمتعاقد مع اإلدارة ،فبمجرد اإلنتهاء من األشغال والوفاء باإللتزمات التعاقدية تلتزم
اإلدارة بأدائه للمتعاقد معها ،وذلك شريطة تتطابق األعمال المنجزة مع الشروط التي تم
التعاقد على أساسها ،والمقابل المادي للعقد المستحق من المتعاقد ال يمكن تعديله باإلرادة
المنفردة لإلدارة فهو إلتزام غير قابل للتعديل وهو بمثابة شرط تم اإلتفاق عليه في بنود العقد،
فكل إخالل بهذا اإللتزام من شأنه أن يرتب مسؤولية اإلدارة تجاه المتعاقد معها.
ثانيا ـ تأخر اإلدارة في الوفاء بإلتزماتها بأداء المقابل المادي للعقد :التأخر في تسديد
مستحقات الصفقة تشكل وتخلق منازعة من شأنها أن تثير عدة إشكاالت ومناز عات بين
الطرفين المتعاقدين ،فالصفقة العمومية بمثابة عقد معاوضة ترتب لكال الطرفين إلتزمات
وحقوق ،فنجد أن المتعامل المتعاقد مع اإلدارة ملزم بتنفيذ األشغال أو الخدمات موضوع
الصفقة حسب األشكال والمواصفات المتفق عليها وبالمقابل نجد اإلدارة ملزمة بدفع المقابل
المالي وذلك حسب الطرق التي حددها القانون ،ونجد في هذا الصدد نص المادة 61من
المرسوم رقم 2.14.394المتعلق بدفتر الشروط اإلدارية العامة والمطبقة على صفقات
االشغال حددت كيفيات الدفع ،و في حالة ما إذا أخلت المصلحة المتعاقدة بهذا اإللتزام فمن
حق المتعاقد معها مطالبة اإلدارة بتنفيذه ،فتقاعس اإلدارة بالوفاء بإلتزاماتها من شأنه أن يثير
منازعات بين الطرفين المتعاقدين .
ثالثا ـ إخالل اإلدارة بإلتزامها برد الضمان النهائي :يلتزم المتعاقد مع اإلدارة بأداء تأمين
نهائي كضمان للوفاء بإلتزاماته التعاقدية تحتفض به اإلدارة لحين تمام عملية تنفيذ الصفقة،
و في حالة إخالل المتعامل المتعاقد بتنفيذ تلك األعمال على النحو المنصوص عليه في العقد
يحق لإلدارة مصادرته ،وتثور مسؤولية اإلدارة التعاقدية إذا إمتنعت عن اإلفراج عن الضمان
النهائي رغم وفاء المتعاقد بإلتزاماته التعاقدية ،وعند التسليم النهائي لمشروع الصفقة فاإلدارة
ملزمة بالقيام بعملية التسوية على حساب الرصيد النهائي و يترتب عن ذلك رد إقتطاعات
الضمان ،وشطب الكفاالت التي كونها المتعامل المتعاقد عند اإلقتضاء ،كما يتعين على
المصلحة المتعاقدة أن تقوم بصرف الدفعات على الحساب أوالتسوية النهائية في أجل ال يمكن
أن يتجاوز ستين ( )61يوم إبتدءا من تاريخ إستالم الكشف أو الفاتورة ,حيث ذهبت املحكمة
اإلدارية بأكادير في الحكم عدد 5179بتاريخ 2018/10/02في الملف عدد 2018/7114/704الى
"أن تسلم المشروع بدون تسجيل أي تحفظ بشأنه داخل مدة الضمان يبقى من حق المدعية
استرداد الكفالة النهائية لكونه لم يعد لوجودها تحت تصرف المدعى عليها أي مبررقانوني .كما
تفرض الفوائد القانونية لتغطية الضرر الناتج عن التأخير في أداء مستحقات مالية محددة
مسبقا والتي ال جدال في استحقاقها أما المستحقات التي تتوقف على التحقق من الوقائع
المدعى بها وعلى مجادلة الطرفين في تحديد المسؤولية فإنه يترتب على المنازعة فيها الحكم
فقط بالتعويض المناسب لجبرالضررالناتج عنها وبالتالي فال مجال للحكم بالفوائد القانونية
على ما تم تحديده" .120كما أقرت املحكمة اإلدارية بالرباط في الحكم رقم 79بتاريخ2013/1/15
في الملف رقم" 2012/13/196بضرورة استرجاع الضمان والحصول على تعويض عن التأخير
في األداء و ذلك لقيام دليل على إنجاز المدعية ألشغال الصفقة من خالل محضر التسليم
النهائي -دون أن تنازع الجماعة المدعى عليها في مضمون الوثيقتين وهو ما يفيد إقرارها بإنجاز
المدعية لألشغال -يجعل الطلب الرامي إلى استرجاع الضمان مؤسس ويجعل مطالبة المدعية
في الحصول على تعويض عن التأخير مستند على أساس ما دامت الجماعة قد امتنعت عن
تسليم مبلغ الضمان رغم انتهاء األشغال".121
وهذه التسوية تأتي بعد التنفيذ الكامل والمرض ي لألشغال والخدمات واألشكال
والكيفيات المتفق عليها في الصفقة ،وعند اإلخالل بإلتزام التسوية فالمتعامل مع اإلدارة له
الحق في المطالبة بالمبلغ المستحق .
رابعا ـ اإلستعمال الغير المشروع لسلطة التعديل :طبقا لمقتضيات المادة 51من
المرسوم رقم 2.14.394المتعلق بدفتر الشروط اإلدارية العامة والمطبقة على صفقات
االشغال ,يحق لإلدارة أن تلجأ إلى سلطة تعديل العقد أو الصفقة سواء تم النص عليه في بنود
الصفقة أو إن لم ينص على ذلك ،وتلجأ المصلحة المتعاقدة لسلطة تعديل العقد في حالة ما
إذا إستوجبت المصلحة العامة ذلك ،و من أجل تكيف العقد المبرم مع المستجدات الطارئة ,
و اذا كانت سلطة التعديل من اإلمتيازات الممنوحة لإلدارة بموجب القانون فهذا ال يعني أن
سلطة تعديل العقد من جانب اإلدارة أن يمارس بصفة مطلقة دون وضع بعض القيود ،ألن
ذلك يؤدي إلى اإلضرار الغير المبرر بالمتعاقد معها ،وعليه فبمجرد خروج اإلدارة عن ضوابط
التعديل القانونية من إستهداف المصلحة العامة وضرورة توفر مبرر للتعديل ،وأن ينصب
120عبد الرحيم الضاوي ,الصفقات العمومية على ضوء العمل القضائي ,مطبعة األمنية -الرباط 4948,ص .711
121عبد الرحيم الضاوي ,الصفقات العمومية على ضوء العمل القضائي ,مطبعة األمنية -الرباط 4948,ص .794
التعديل على جزء من العقد ال كله ،و عدم إتصاله بموضوع الصفقة أو تجاوزه لنطاق
المشروعية فمن شأن ذلك أن يرتب مسؤولية اإلدارة في تحمل المسؤولية وهذا ما أكدته
محكمة النقض المغربية في القرار عدد 2/656الصادر بتاريخ 2019/5/30في الملف اإلداري
عدد " 2017/2/4/4448إن اإلدارة باعتبارها صاحبة المشروع والطرف القوي في العقد
الساهرة على تدبير مر افقها بما يلزم من حكامة ،وفقا لمبادئ احترام القانون والشفافية
والحياد والمصلحة العامة ،لم تسلك مع المتعاقد ما كان يجب من إجراءات قانونية ومساطر
لتدبير الصفقة ،قد عرفت تزايد في حجم الخدمات المطلوبة والخدمات اإلضافية وغيرها
لضرورة ملحة لم تكن متوقعة .كما أنها وباعتبارها صاحبة المشروع وتملك سلطة المر اقبة
والتوجيه أثناء تنفيذ الصفقة لم تعترض على الخدمات المنجزة ،وخاصة تلك التي لم تشملها
بنود التعاقد مما تكون معه قد آثرت ضمنيا االنقياد إلى القواعد العامة للعقود وااللتزامات،
وهي القواعد التي ارتكزت عليها املحكمة إلى جانب تلك العقود اإلدارية ،حينما قضت على
الطاعنة باألداء ،مؤيدة الحكم المستأنف ،وتكون فيما نحت به مؤسسا قانونا ،وما بالوسيلة
على غيرأساس".122
خامسا ـ اإلخالل بالشروط المتعلقة بالفوائد التأخيرية :يقصد بالفوائد التأخيرية تلك
المبالغ المالية والقيم المستحقة للمتعاقد مع اإلدارة وذلك في حالة عدم حصوله على مبلغ
الدفع على الحساب ،ويتم حسابها ابتداء من اليوم الذي يلي تاريخ نهاية الستين يوم ابتداء من
تاريخ التسلم .وفي هذا الصدد بينت املحكمة اإلدارية بالرباط "إن إتمام األشغال المتفق عليها
ووقوف التسليم النهائي يجعل طلب رفع اليد عن الضمانة وإرجاعها مبني على أساس قانوني،
كما أن التعويض عن التماطل مؤسسة طبقا للفصل 111من قانون االلتزامات والعقود لثبوت
توصل الجهة المدعى عليها باإلنذار باألداء وتخلفها عن االستجابة له ،مما يتعين تحديد مبلغه
حسب القدراملحدد في منطوق الحكم".123
سادسا ـ اإلخالل بالشروط المتعلقة باألشغال التكميلية :يقصد باألشغال التكميلية تلك
الخدمات واألشغال اإلضافية التي توكله اإلدارة إلى المتعاقد معها بإنجازها مع العلم أن هذه
األشغال اإلضافية لم يتفق عليها الطرفان أثناء إبرام الصفقة األصلية وغير مدرجة في بنود
122هشام باب ا ,المنازعات المتعلقة بالصفقات العمومية في ضوء القرارات الصادرة عن محكمة النقد ,مكتبة دار السالم ,الطبعة األولى,
.4944
123الحكم رقم 4179بتاريخ4949 /96/44في الملف رقم.1/1441/4949
الصفقة ودون تحديد أو اإلتفاق على السعر املحدد لها ،إال أنه يجب على المصلحة المتعاقدة
أن تقترح سعرا معينا لهذه األشغال التكميلية ،و هذا ما أكده قرار محكمة النقض
عدد1/653الصادر بتاريخ 2014/05/15في الملف اإلداري عدد ,2012/1/4/1503حيث بينت
"أن عقد الصفقة هوعقد من جانبين يقض ي بتنفيذ كل من طرفيه اللتزاماته ،مما يجعل اإلدارة
ملزمة بالوفاء بمستحقات المقاولة التي أنجزت األشغال المتفق عليها في ذلك العقد ،وغالبا أن
يستحق صاحب الصفقة المتعاقد مع اإلدارة الثمن بعد أداء العمل أو جزء منه بناء على وثائق
تثبت اإلنجاز أو ا لتسليم أو هما معا ،ومسألة إثبات تسليم األعمال موضوع الصفقة يتم
بمختلف الوسائل القانونية والتي تختلف باختالف نوع العمل المطلوب تسليمه ،وأن صحتها
تحتم حصول صاحب الصفقة على مستحقاته ،كما أن عدم تجاوز األشغال اإلضافية ما هو
مسموح به قانونا ( %51من المبلغ الكلي للصفقة) وعدم إثبات اإلدارة كون هذه األشغال ال
تخرج عن أغراض التعاقد األصلي للصفقة ال تستلزم عقدا ملحقا بشأن تلك األشغال ،وأن
الزيادة في حجم تلك األشغال يجعل المقاولة المعنية باألمر محقة في الحصول على المبالغ
المالية التي افتضاها إنجازاألشغال المذكورة".124
خاتمة:
اخيرا ان المشرع المغربي قد عدد طرق وأساليب إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية،
بحيث تخضع كل عملية من هذه العمليات (إبرام والتنفيذ) الى قانون صارم ،من خالل المبادئ
التي تحكم قانون الصفقات العمومية ،اال انه يتعرض الطرفان المتعاقدان بالرغم من كل هذا،
الى نشوء المنازعات املختلفة بينهما ،مما يدفعهم الى البحث عن أفضل الحلول.
حاول المشرع المغربي توجيه المتعاقدين ألفضل الحلول لحل خالفاتهما ،فإن وقع نزاع
بين المصلحة المتعاقدة والمتعامل المتعاقد معها في إحدى هتين المرحلتين بسبب تعسف
اإلدارة في استعمال سلطاتها ،أو إخالل المتعامل المتعاقد بالتزاماته ،أو مخالفة أحدهما لبنود
العقد فإنه يستوجب حل هذا النزاع اما باللجوء الى القضاء اواستعمال الوسائل البديلة لفض
المنازعات كالتحكيم.
قائمة المراجع:
124هشام بابا ,المنازعات المتعلقة بالصفقات العمومية في ضوء القرارات الصادرة عن محكمة النقد ,مكتبة دار السالم ,الطبعة األولى,
.4944
أوال ـ الكتب:
هشام بابا ،المنازعات المتعلقة بالصفقات العمومية في ضوء القرارات الصادرة عن
محكمة النقد ,مكتبة دارالسالم ,الطبعة األولى.1115 ,
عبد الرحيم الضاوي ،الصفقات العمومية على ضوء العمل القضائي ،مطبعة
األمنية -الرباط .1157,
عوابدي عمار ،دروس في القانون اإلداري( ،د،ط) ديوان المطبوعات الجامعية
الجزائر. 1111,
حسن محمد هند "التحكيم في المنازعات اإلدارية دارالكتب القانونية ،مصر،
املجلة الكبرى دون ذكرط وتاريخها ،ص 59
موالي إدريس الحالبي الكتاني ":العقود اإلدارية " دون ذكرالمطبعة ط .1111 5
االطروحات والرسائل:
بوزبرة سهيلة مواجهة الصفقات المشبوهة مذكرة لنيل شهادة الماجستير
القانون الخاص فرع قانون السوق جامعة جيجل 1117ص.19
النصوص القانونية:
المراجع بالفرنسية:
Fernand Collavet :", l'arbitrage dans les procés ou sont parties les personnes
publiques",R.D.P, 1906,
القرارات:
قراراملحكمة االدارية العليا بمصربتاريخ 51نوفمبر ،5771في الطعن رقم 1171
للسنة القضائية الثالثين ،مجموعة السنة الواحدة و الثالثين ،ص171
وتسهراألجهزة اإلدارية املختصة في هذا املجال على جعل مشاريع التجهيزوالبناء وتقسيم
األراض ي مطابقة للتصورات واالختيارات التي تحملها وثائق التعمير ،وينص قانون البيئة في هذا
السياق على عدم تسليم الرخصة اإلدارية في مجال البناء والتجزئات إال بعد التأكد من تأثيرها
املحتمل على البيئة ،حيث وجب رفضها إذا كانت لها عو اقب سلبية على البيئة أو على راحة
وطمأنينة الساكنة .125
هنا أناط المشرع بالشرطة اإلدارية مهمة تطبيق وإحترام قانون التعمير خاصة فيما
يتعلق بالتقيد بتوجهات التصاميم واملخططات.
وقد عرف تعريف رخصة البناء جدال فقهيا كبيرا ،ومن أهم التعاريف التي يمكن صياغتها
تعريف الفقيه la Tournièreالذي عرف رخصة البناء بكونها" :هي عمل أو فعل تالحظ بموجبه
125راجع المادة السادسة من قانون البيئة رقم ،11/30الصادر بتطبيقه الظهير الشريف رقم 10300.1ربيع األول 11- 1111ماي
01330
السلطة العمومية أن تنفيذ األشغال المزمع إنجازها يمكن الترخيص لها بالنظر الى النصوص
المتعلقة بالتعمير". 126
ومنح رخصة البناء تمربمراحل ومسطرة تخول للسلطة اإلدارية ،المكلفة بمنح الرخصة
دراسة المشروع المزمع القيام به ال من حيث التجهيزات فقط ،ولكن من حيث مدى تأثيرها على
البيئة.
من هنا نتساءل :ما هي إذن الخصائص العامة لرخصة البناء؟ وما هو دورها في مجال
املحافظة على البيئة بالمغرب؟
سنعالج الخصائص العامة لرخصة البناء من خالل التطرق الى تحديد أطراف رخصة
البناء ،تم تحديد نطاقها وأخيرا تحديد الجهات املختصة بمنحها.
من حيث أطراف رخصة البناء ،نجد أن المشرع في إطار قانون 51/71المتعلق بالتعمير
لم يحدد األطراف التي يجوزلها الحصول على رخصة البناء ،لكن الرخصة يمكن الحصول عليها
سواء كان الشخص طبيعي أو ذاتي ،وفي المقابل فالمشرع يمنع القيام بأي بناء دون الحصول
على رخصة لمباشرة ذلك127.
وطبقا للقواعد العامة فإن رخصة البناء يمكن الحصول عليها من طرف أحد االشخاص
اآلتي ذكرهم:
)5المالك :حيث طبقا للقانون رقم 128 17/17للمالك حق إقامة ما شاء من األبنية لكن
البد له من الحصول على رخصة بذلك129:
126
SALAM HACHAMA ,l’autorisation de construire école national d’administration, centre de recherche
et d’études administrative. Année 1990, P 19.
127راجع المادة 19من قانون 44/89المتعلق بالتعمير.
128الصادر بتطبيقه الظهير الشريف رقم 4/44/419في 41دي الحجة 44) 4174يونيو (4944بتنفيذ القانون رقم 78/99المتعلق
بمدونة الحقوق العينية ج.ر 1889بتاريخ 41ذي الحجة 41) 4174نونبر ( 4944ص .1191
129راجع المادتين 41و 48من قانون 78/99المتعلق بمدونة الحقوق العينية.
130راجع المادة 16من قانون 78/99المتعلق بمدونة الحقوق العينية.
أما فيما يخص األشخاص الذاتية فنجد أن المادة 11من قانون 51/ 71لم تحدد فيما
إذا كانت هذه األشخاص ملزمة بالحصول على رخصة البناء ،لكن بالرجوع إلى منشور5791
ومنشور ،5771فإن الدولة ممثلة في الجماعات الترابية ملزمة بضرورة الحصول على إذن
بالبناء في حالة رغبتها في إقامة بناء معين.
أما من حيث نطاق رخصة البناء فيختلف من حيث الدائرة الترابية ،ومن حيث األشغال
والبناءات ،فمن حيث الدو ائر الترابية 136حيث نجد أن المادة 11من قانون 51/71المتعلق
بالتعميريحددها فيما يلي:
.5داخل الدو ائرالمنصوص عليها في المادة األولى أعاله في المناطق المشاراليها في الفقرة
الثانية من المادة 13757من هذا القانون الذي تكتس ي صبغة خاصة تستوجب خضوع
تهيئتها للرقابة إدارية.
.1خارج الدو ائر المنصوص عليها في البند السابق والتجمعات القروية الموضوع لها
تصميم تنمية على طول السكك الحديدية والطرق والمواصالت غيرالطرق الجماعية.
.1داخل التجزئات المأذون في إحداثها عمال بالتشريع المتعلق بتجزئة االراض ي وتقسيمها
و إقامة املجموعات السكنية.
وقد أضافت المادة 11من قانون 51 /71إمكانية الحصول على رخصة البناء خارج
الدو ائر المنصوص عليها في المادة 11المذكورة أعاله وذلك إما في جميع أو بعض أراض ي
المملكة ،أو فيما يتعلق بأصناف من المباني يتم تحديدها بمرسوم.
وتظهر هذه االستشارة أيضا على مستوى تصميم التنطيق و إرتفاقات التعمير الالزمة
والمصاحبة للتنطيق ،وإلى حد ما تخصيص األراض ي لفتح الطرقات وإحداث المساحات
العمومية وبعض المساحات الخضراء ،وقلما يتم برمجة وتحديد العقارات الالزمة ملختلف
المر افق العامة والمصالح العامة ،لذا فان عملية تنفيذها تتم أساسا بقرارات شرطة التعمير
أكثرمما تتم بواسطة برامج محددة ومشاريع يتم تحضيرها عند إعداد مخططات التهيئة.
الفق ـ ـ ــرة الث ـ ــالثـ ـ ـ ــة :نطاق رخصة البناء من حيث األشغال والبنايات المنجزة.
لم يحدد المشرع المغربي في قانون 51/71المتعلق بالتعمير األشغال والبناءات التي
تخضع للحصول على رخصة البناء ،وحتى على المستوى الفقهي ال نجد تفسيرا لمفهوم البناء
المنصوص عليه في قانون التعمير المغربي ،بل حتى القانون المصري في معرض حديثه عن
م فهوم البناء لم يعطي تعريف ،بل أشار إلى جريمة إقامة منشاة لغرض معين .فنتحدث عن
جريمة القيام بإنشاء أحد المنشآت لكن بدون حصول على ترخيص بذلك من الجهات
املختصة138.
لذلك فإن المشرع المغربي أحسن صنعا عندما لم يضع تعريف لمفهوم البناء حيث
يبقى ذلك من إختصاص الفقه.
من هنا نجد أن الحصول على رخصة البناء يستلزم التأكد من التصاميم والوثائق
المقدمة من طرف المعني باألمر ،كونها تراعي الضوابط العامة للبناء المنصوص عليها في
قانون التعمير ،139ويتأكد هذا األمر بمطالعتنا ملجموعة من مواد القانون 51/71التي فرضت
138أحمد مهدي ،الحماية القانونية للبيئة ودفوع البراءة الخاصة بها ،دار الفكر والقانون للنشر والتوزيع ،لسنة .4996ص .477
139حميد بوجيدة ،رخصة البناء ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة دالئل التيسير ،دار النشر المغربية ،الرباط
،4881ص .44
مجموعة من الشروط لتسليم رخصة البناء ،كالنص على ضرورة االستعانة بمهندس معماري
مختص140.
من هنا يفهم أن هذه اإلستعانة تتعلق فقط بتصاميم وخرائط يتم إعدادها من طرف
المهندس ،لكن المادة 11من نفس القانون كانت أكثر تفصيال عندما نصت على ضرورة وضع
التصاميم المتميزة من طرف المهندس التي تكون موضوع كل دراسة قبل الشروع في األشغال.
لكن التساؤل المطروح هل المهندس عند وضعه لهذه الخرائط والرسوم يراعي البعد
البيئي؟ هل بإمكانه رفض طلب المعني باألمر إذا كان يخالف الضوابط المتعلقة بحماية
البيئة؟ لإلجابة يمكن القول أن دور المهندس المعماري أو حتى المهندسين املختصين يبقى
قاصر على السهر على مطابقة الدراسات التقنية المنجزة في البناء مع التصميم الهندس ي ،تم
متابعة تنفيذ أشغال المبنى ومر اقبة مدى مطابقتها للتصاميم الهندسية وبيانات رخصة البناء.
فيما يخص الجهات املختصة لمنح رخصة البناء ،نجد أنها تختلف بحسب نوع األشغال
المراد القيام بها ،وبحسب النظام القانوني أو التنظيمي الذي تخضع له الجماعة ،لكن يبقى
رئيس مجلس الجماعة ،هو املختص لمنح رخصة البناء ،أو رئيس مجلس الجماعة القروية
المزمع إقامة البناء على أرضها بتنسيق مع رئيس مجلس الجماعة الحضرية ، 141بإستثناء بناء
المساجد الذي يعود فيه اختصاص منح رخصة البناء الى عامل المنطقة. 142
ومنح رئيس الجماعة أو رجل السلطة املحلية لرخصة البناء ،ال يتم إال بعد التأكد من
توفرالشروط العامة التي تخضع لها البنايات العمومية والخاصة ،حفاظا على الصحة وجمالية
المدن ،وبعض المقتضيات األخرى المتعلقة بمجال الحفاظ على البيئة ،وبمقتض ى الفقرة
األولى من المادة 11من الظهيرالمذكور ،143نالحظ أن المشرع المغربي من خالل هذا الظهيرلم
يتوقف على مجرد إستشارة املجالس الجماعية فيما يخص مخططات التعمير بل أراد لها أن
تلعب دور أهم من ذلك يتجلى أساسا في مساهمتها في وضع مشروع تهيئة ترابية ،لكن هذه
المساهمة ال تترجم إال عن طريق منحها حق مناقشة المشاريع والتجهيزات التي قامت بإنجازها
وإعدادها مسبقا اإلدارة المكلفة بالتعمير ،ويمكن التأكيد على ذلك من خالل الدورالعام الذي
تطلع به الجماعات املحلية على ضوء بعض المناشير الوزارية الصادرة في هذا الشأن ومنها
منشورالسيد الوزيراالول 144عدد 119الصادرفي 6ماي 5799المنش ئ للخلية الوزارية المكلفة
بدراسة مشاريع مخططات التهيئة من جهة وإستشارة املجلس الجماعي من جهة أخرى قبل
إعداد الوثائق التقنيةـ ثم المنشور عدد 511الصادر في 6أبريل 5797الصادر عن وزير الدولة
المكلف بالداخلية ،الموجه الى السادة العمال والذي يلح فيه على أن الوثائق التقنية يقع
بإتفاق بين المصالح اإلقليمية المكلفة بالتعمير ،واملجالس الجماعية من جهة والمصالح
الخارجية لبعض الوزارات المعنية من جهة أخرى حتى تكون تلك الوثائق التي ترسم الطرق
والمساحات والمناطق الخضراء والمناطق السكنية بمختلف أنواعها والمناطق الصناعية
والمصالح اإلدارية والمناطق االجتماعية واالقتصادية مطابقة للمطلوب سواء من ناحية
الموقع أو من ناحية المساحة ،والتي يتم اإلتفاق عليها مسبقا من طرف الجميع.145
كما تظهر إختصاصات الجماعات املحلية في مجال حماية البيئة في العديد من
المستويات ،منها توزيع الماء والكهرباء ،ومنها أيضا حماية الغابة في حدودها الترابية لكن ما
يهمنا على مستوى املجال العمراني هو دورها في حماية البيئة من التلوث الناتج عن النفايات
المنزلية خاصة منها الصلبة ،كما تعمل على التأكد من قنوات التطهير أثناء أشغال التجزئة
العقارية ،ومدى صالحيتها ومقاييس إرتباطها بالشبكات الرئيسية كما تعمل المصالح الجماعية
على جمع النفايات الصلبة وتحديد أماكن وضعها وكيفية تصريفها.146
فإعطاء الجماعات املحلية سلطة منح رخص البناء ،و إنشاء تجزئات العقارية ،إضافة
الى سحب رخص المؤسسات الصناعية المزعجة والخطيرة ،هي وسائل تساعد الجماعة على
حماية البيئة ،على المستوى املحلي خاصة وعلى المستوى الوطني عامة .وجدير بالذكر أن
إسناد هذه االختصاصات إلى الجماعات املحلية لدليل على رغبة المشرع في إشراك فعال لكافة
144حسب الفصل 91من الدستور أصبح يترأس الحكومة رئيس الحكومة وليس الوزير األول.
145عبد الرحمان البكريوي ،التعمير المنشئ ضروري لتنمية التخطيط الحضري ،االدارة العمومية والتغيير الجمعية المغربية للعلوم
االدارية ،الشعبة الوطنية للعلوم اإلدارية ،إفريقيا الشرق ،الدار البيضاء 4898ص .49
146
MEKOUR MOHAMED ALI , communes et environnement. Localiser l’écologie l’état et les
collectivités locales au Maroc pressede l’institut d’études politiques de Toulouse 1989 Afrique orient
P/122.
المواطنين في مجال التعمير والبيئة ،إال أن التساؤل الذي يطرح نفسه هو هل ظهير 5796
إستطاع تحقيق االهداف المرسومة؟ وهل تعتبر مقتضياته ناجحة من الناحية العملية؟ إن
نقل السلطة التي كانت بأيدي الباشاوات والقياد الى رؤساء املجالس الجماعية ال زال قاصرا،
وذلك نتيجة مجموعة من العوامل ،يأتي في مقدمتها ضعف الوسائل التقنية والبشرية الكفيلة
بمر اقبة عملية البناء.
الفقرة الخامسة :أهمية املحافظة على البيئة كشرط من شروط منح رخصة البناء.
تظهر المعادلة بين رخصة البناء وحماية البيئة في كل من المواد 11و 11و 91و 19و
14717المتعلقة بالضوابط العامة للبناء من قانون 51/71حيث يتعلق األمربالوثائق التي يجب
أن يشتمل عليها ملف طلب رخصة البناء من أجل تحديد الغرض أو األغراض املخصصة لها
االرض والثانية تتعلق بتسليم رخصة البناء على ضوء بعض اإلعتبارات ومنها البيئة.
فمن حيث األغراض املخصصة لها االراض ي نجد أن المشرع في المادة 11من قانون
51/71إشترط لتسليم رخصة البناء ضرورة التحقق أن البناء المزمع إقامته تتوفرفيه الشروط
التي تفرضها األحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خاصة تلك األحكام الواردة في
تصاميم التنطيق وتصاميم التهيئة ،هذه األحكام التي تسري على القواعد التي يتضمنها مخطط
توجيه التهيئة العمارية ،خاصة تلك المتعلقة بتمييزالمناطق السكنية عن باقي المناطق األخرى
(تجارية ،صناعية ،غابوية ،سياحية).
فإذا تعلق األمر بالحصول مثال على رخصة بناء مصنع ،فالبد من اإلدالء بوثائق تبين نوع
المواد السائلة والصلبة والغازية ،إضافة إلى معرفة نسبة إضرارها بالصحة العمومية
والزراعة ،ومعرفة مسار قنوات الصرف بصفة مباشرة ،أو غير مباشرة ،ومدى تأثيرها على
املحيط البيئي ،حيث أنه في كثير من األحيان عند عدم مراعاة هذه المقتضيات تنتج أضرار
147تنص المادة 17من القانون 44/89على ما يلي «تسلم رخصة البناء بعد التحقق من أن المبنى المزمع إقامته تتوفر فيه الشروط التي
تفرضها األحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ،خصوصا األحكام الواردة في قطاع التنطيق وتصاميم التهيئة».
تنص المادة 11من نفس القانون على ... :و يجب أن تتوفر فيه المتطلبات األمنية الالزمة بحيث تجعل المستعمل لها والدولة
في مأمن من كل خطر يترتب على استخدامها بصورة غير قانونية.
تنص المادة 11من نفس القانون على :ال تسلم الرخصة إذا كانت األرض المزمع إقامة المبنى عليها غير موصولة بشبكة
الصرف الصحي أو شبكة توزيع الماء الصالح للشرب"
تنص المادة 11من نفس القانون على " :يعاقب بغرامة من 499999إلى 4999999درهم مالك المبنى الذي يستعمله بنفسه
أو يجعله في متناول غيره إلستعماله قبل الحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة"
تنص المادة 18من نفس القانون على تحدد ضوابط البناء العامة – ...شروط تهوية المحالت خصوصا فيما يتعلق بمختلف
األحجام واألجهزة التي تهم الصحة والنظافة -...مواد وطرق البناء المحظور استخدامها بصورة دائمة – ...طرق الصرف
الصحي والتزويد بالماء الصالح للشرب"...
وخيمة على المستوى البيئي ،كالتلوث الناتج عن عدم إحترام وجهة قنوات الصرف الصحي أو
القواعد المتعلقة بالمعالجة والتخزين والتصفية ،باإلضافة الى الضجيج المنبعث منها.148
وعلى مستوى السكن إشترط المشرع العديد من القواعد التي تهم املجال الصحي
والوقائي للساكنة بالمغرب ،حيث إشترط في الحصول على رخصة البناء ضرورة توفر بعض
الضوابط التي نص عليها في المادة 17من قانون 51/71والتي تتجلى أساسا في ضوابط السالمة
الواجب مراعاتها في المباني ،والشروط الواجب تو افرها كمتطلبات الصحة والمرور وحماية
المدن ومقتضيات الراحة العامة خصوصا قواعد إستقرار المباني ومكانتها ومساحة املحالت
وحجمها و أبعادها وشروط تهويتها ، 149وتوفير األجهزة التي تهم الصحة والنظافة ثم مواد وطرق
البناء التي يحضر إستخدامها بصورة دائمة ،والتدابير المعدة للوقاية من الحريق إضافة إلى
طرق الصرف الصحي والتزويد بالماء الصالح للشرب ،يمكن للسلطة املختصة آنذاك منح
رخصة البناء إضافة إلى الشروط األخرى المتعلقة باملجال البيئي.
واشتراط مثل هذه القواعد في مجال منح رخصة المبناء يكون الغرض منه حماية البيئة
بصفة عامة وحماية السكان بصفة خاصة من األخطار التي تلحق بها نتيجة مخالفة هذه
القواعد مما قد ينعكس على املحيط البيئي وعلى الصحة العامة للسكان وفي هذا انسجام مع
بعض القوانين التي هدف المشرع من خاللها وضع نوع من التناسق بين قوانين التعميروبعض
القوانين الخاصة150.
لكن اإلشكال المطروح من وجهة نظرنا هو غياب جزاءات قوية بإمكانها ردع املخالفين
خاصة فيما يتعلق بالشق البيئي ،وفي هذا تقصيرمن المشرع الذي عليه التدخل بفرض جزاءات
زجرية بإمكانها ردع املخالفين.
وعلى خالف المشرع المغربي فإن المشرع الجزائري كان أكثر وضوحا فيما يخص منح
رخصة البناء ،حيث إعتمد معيارين يسمح بموجبهما تعريف وتحديد األشغال وأعمال التهيئة
148األسعد العيدي ،المحافظة على البيئة الطبيعية في المغرب التدبير القانوني واإلداري ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون
العام ،جامعة الحسن الثاني عين الشق ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،الدار البيضاء ،سنة 4887ص .44
149الوكاري محمد ،العقار والتنمية الحضرية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،الرباط ،السنة الجامعية ،4891-4891ص .4
150راجع الفصل العاشر من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 7شوال 41 )4774غشت (4841الخاص بتنظيم المحالت المضرة
بالصحة والمحالت المزعجة والمحالت الخطرة ،جريدة رسمية بتاريخ 1شتنبر 4841المعدل بمقتضى ظهير 44جمادى الثانية 4714
) 47أكتوبر .(4887
التي تخضع لدراسة مدى التأثير في البيئة ،151معيار الحجم ومعيار األثار المبنيان على دراسة
تحدد حالة المكان ومحيطه مع التركيزبالخصوص على الثروات الطبيعية والمساحات الفالحية
والغابوية والبحرية والمائية ،تم تحليل أثارها على البيئة وال سيما األماكن والمناظر والحيوان
والنبات واألوساط الطبيعية والتوازنات اإليكولوجية وحسن الجواروالضجيج.
إن حركة التمدن السريع التي عرفها المغرب نتيجة لعوامل إقتصادية و إجتماعية
إضافة الى عامل النمو الديموغرافي والهجرة القروية ، 152كانت السبب الرئيس ي في خلق أزمة
سكنية حادة في المدن الكبرى ،وتشير بعض اإلحصائيات إلى أن نسبة تزايد النمو الديموغرافي
حددت في %51.6بالمقارنة مع عدد السكان سنة ،5771حيث وصل عدد سكان المدن الى
56.161.611نسمة ،بينما وصل عدد سكان القرى الى 51.117.191نسمة ،بينما وصلت نسبة
التمدن الى .153 %11.5
الش يء الذي ساهم في ظهورمدن الصفيح والتجزئات السرية غيرالقانونية ،والتي خففت
نوعا ما من هذه األزمة ،لكن سلبياتها فاقت إيجابياتها ،حيث خلفت أزمة على المستوى البيئي،
تجلت أساسا في تشوه جمالية المدن و إنتشارالتلوث الناتج عن إنعدام قنوات الصرف الصحي
وغيرذلك من سلبيات هذا النوع من السكن.
من هنا نطرح السؤال التالي :أين تتمظهرسلبيات البناء بدون رخصة؟
عرفت وزارة السكنى السكن العشوائي ،بالسكن السري أو السكن غير الالئق ،وهو ذلك
السكن الثابت المبني بالمواد الصلبة أو املجهز بصفة جزئية في أغلب األحيان وهو يتم بدون
تحصيل رخصتي التجزيء والبناء ،154بينما عرفه بعض الفقه بكونه كل سكن مبني بالمواد
151وناس يحيى ،اآلليات القانونية لحماية البيئة في الجزائ ر ،رسالة دكتوراه في القانون العام ،جامعة أبو بكر بلقايد ،تلمسان 4991ص
.49
152عبد الحق صافي :الملكية المشتركة للعمارات والدور المنقسمة إلى شقق أو طبقات أو محالت ،شرح لنصوص القانون رقم 49/99
الطبعة الثانية ،4998-4179ص .44
153عبد الحق صافي ،مرجع سابق ص .44
154عبد الحق صافي ،مرجع سابق ص .44
الصلبة ،وغيرمجهزتجهيزا تاما ،وبدون رخصة تجزيئية وال رخصة بناء ،ويشكل تجمعات سكنية
كبيرة داخل المدارالحضري للمدينة أو المراكزأو قريب منها بمسافة يحددها القانون .155
وبذلك فهو ليس بسكن الصفيح الذي تستعمل فيه ألواح القصدير ،وال بالسكن
القانوني المرخص ببنائه طبقا لقوانين التعمير وتصاميم البناء ،وليس بسكن فردي بل هو
تجمع سكني كبير يشكل أحياءا بل مدنا في بعض المناطق ،ومهما قيل عن هذا النوع من البناء
الذي تنعدم فيه الشروط الدنيا التي تتطلبها املحافظة على كرامة اإلنسان في سكناه ،ويخلوا
من التجهيزات األساسية والمر افق االجتماعية.
لكن رغم كل ذلك يبقى هو الشكل السكني الوحيد الذي أكد قدرته على إستيعاب نسبة
مهمة جدا من الفئات اإلجتماعية ذات الدخل المتوسط أو املحدود فأكد فاعليته في التخفيف
ولو جزئيا من حدة أزمة السكن.
وقد تبنى المغرب إستراتيجية التدخل في األحياء غير القانونية على مقاربة مزدوجة،
األولى تستهدف في تنظيمها من خالل إدماجها كشكل من أشكال العمران ،فيما تتأسس المقاربة
الثانية على مقاربة وقائية تعتمد على تهيئة عقارية مالئمة لفائدة السكان الذين غالبا ما يكونون
زبناء محتملين للسكن غيرالقانوني.
وقد إنتشر هذا النوع من السكن خالل العشرين سنة األخيرة ،فأصبح يستقطب نسبة
عالية ،من السكان الحضريين ،وحسب اإلحصائيات المنجزة في هذا املجال يحتضن هذا النوع
من السكن أكثرمن 157111أسرة تتمركزغالبيتها في الوسط الحضري بنسبة ) ( %91,1في حين
تنتشرالنسبة المتبقية أي )( %11,1في الوسط القروي الخاضع للترخيص وقد عرف هذا النوع
من السكن تزايدا بما قدره 561917أسرة أي بنسبة %15.9من املجموع العام.156 .
155محمد معنى السنوسي ،أضواء على قضايا التعمير والسكنى ،دار النشر المغربية بالدار البيضاء ،4899ص .44
156األطلس الجهوي لحصيلة إنجازات اإلسكان والتعمير والتنمية المجالية ،فضاء العيش الكريم متجذرة في تاريخ العمران المغربي،
حصيلة تقدم برنامج تحسين ظروف سكن قاطني دور الصفيح سنة .4999
ومهما قيل عن هذا النوع من البناء الذي تنعدم فيه الشروط الدنيا التي تتطلبها
املحافظة على كرامة االنسان في سكناه ،حيث يخلو من جل التجهيزات األساسية والمر افق
االجتماعية ،ويبقى رغم كل ذلك هوالشكل السكني الوحيد الذي أكد قدرته على استيعاب نسبة
مهمة جدا من الفئات االجتماعية ذات الدخل المتوسط و املحدود حيث أكد فاعليته في
التخفيف ولو جزئيا من حدة أزمة السكن.
وعلى المستوى البيئي يلعب السكن العشوائي دورا كبيرا في إحداث بعض األضراربالبيئة
في المغرب إذ يتميزهذا النوع من السكن بإنعدام التجهيزات األساسية ،والمر افق االجتماعية،
وبتطوره السريع كما وكيفا ،وغزوه المدن المغربية ،وتهديد مستقبلها ال في التنسيق والجمال
العمراني فحسب ،بل كذلك في استمرارتهديد حياة وسالمة المواطنين.
واذا كان انتشار السكن العشوائي في المغرب يرجع للعديد من العوامل أهمها النمو
الديموغرافي والهجرة القروية من البادية الى المدينة ،فيمكن القول من وجهة نظرنا أن هناك
مراحل أخرى يمكن إستحضارها ،كضعف تكوين الخبراء القانونيين في قوانين التعميرو أنظمة
البناء حيث يتعامل المشرع مع املجزئ غير المرخص له بكيفية ليست في حجم مخالفته ،إذ
تبقى اإلدارة مجرد شرطة إدارية ،وحتى إذا ما طبق عليه القانون فالعقوبة تبقى محدودة ال
تتجاوز الغرامة المالية البسيطة ،أمام ما يحققه املجزئ من أرباح وبذلك تجعله ال يتوانى عن
مواصلة مخالفته لهذه القوانين.
إضافة الى عامل الوعي الذي يفتقرإليه جل ضحايا البناء العشوائي ،حيث ال يميزهؤالء
بين تجزئة مرخص لها وتجزئة عشوائية ،وبين منزل قانوني وآخرغيرقانوني ،وبين حي يتوفرعلى
التجهيزات الضرورية والمر افق الالزمة ،والحي الذي ال يتوفر على ذلك ،من هنا يجد المواطن
في تواضع وبساطة الحي السكني العشوائي ضالته التي يبحث عنها ،وذلك في غياب توعية تقوم
بها األجهزة المسؤولة لصالح هذه الفئات االجتماعية ،وتوضح لها حاجيات الحياة بالمدينة التي
تختلف في بعض جوانبها عن الحياة بالبادية ،وهنا يبرز دور املجتمع المدني في املجاالت
اإلقتصادية واإلجتماعية ،حيث ال يقل دورها أهمية عن دور الحكومة والقطاع الخاص،
فالمؤسسات المدنية تشكل بإمتياز ما يمكن نعته بالرأسمال اإلجتماعي ودورها أضحى مطلوبا
من خالل تبني السياسات االقتصادية واالجتماعية157.
وتكريسا لمفهوم دسترة الحكامة الجيدة ودور املجتمع المدني ،جاء في الخطاب
الملكي ..." :تقوية اليات تخليق الحياة العامة ،وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية
بالمر اقبة واملحاسبة…" . 158
ورغم املجهودات التي بدلها المغرب حيث تم إعالن 11مدينة معلنة بدون صفيح في إطار
تو افق مع الشركاء املحليين الذين تعود إليهم مهمة تحديد طرق إنجاز البرنامج والمدة الزمنية
ألنهائه حتى سنه .1591155
ورغم ذلك يمكن القول أن الحكومة فشلت في سياساتها السكنية ،إذ أن العرض والطلب
في سوق البناء والسكنى ال يتناسبان ،ففي الوقت الذي يتحتم على الحكومة تنفيذ مخطط
سكني لبناء 111.111سكن في السنة من أجل تدارك العجز السكني ،نجد أن معدل البناء ال
يتجاوز 11,111مسكن سنويا ،أي أن ما يبنى من المنازل ال يتجاوز سدس ما يحتاجه سكان
البالد ،وتبقى خمسة أسداس بدون تغطية ،ما يدفع بالسكان باإلتجاه الى سوق البناء
العشوائي.160
157سعيد بلعيساوي :دور هيئات المجتمع المدني في تخليق المؤسسات قراءة في ضوء دستور ،4944مداخلة بمناسبة الندوة العلمية
المنظمة من طرف ودادية موظفي العدل ،المكتب الجهوي بخريبكة ،حول موضوع المستجدات الدستورية إشكالية التنزيل ،بتاريخ 1ماي
،4944منشور بسلسلة إضاءة في الدراسات القانونية تحت عنوان المواطنة وسؤال تخليق الحياة العامة ،ص .69
158مقتطف من خطاب جاللة الملك محمد السادس بتاريخ 8مارس .4944
159األطلس الجهوي لحماية انجازات اإلسكان والتعمير والتنمية المجالية لسنة ،4999عملية تقدم برنامج تحسين ظروف سكن قاطني
دور الصفيح 4944-4991،سبع سنوات من اإلنجاز ،منشور عن حكومة عباس الفاسي.
160عبد الحق صافي ،الملكية المشتركة ،مرجع سابق ،ص.47
وباإلضافة إلى ظاهرة البناء العشوائي نجد نوعا آخرمن األبنية أصبحت تلعب دورا كبيرا
في إمتصاص الجزء األكبر من الساكنة المغربية ذات الدخل املحدود والذي عرف انتشارا على
مدى السنوات الفارطة إبان عهد الحماية وبعدهاـ والذي يتجلى في السكن الصفيحي.
تعتبر أحياء الصفيح وحدات سكنية مجردة من أبسط وسائل الراحة التي تستجيب
لكرامة االنسان ،فهي تتميز بإنعدام المر افق والخدمات اإلجتماعية والصحية وشبكات البنية
األساسية ،كما أن المواد المستعملة في بناء الصفيح كالخشب والصفائح واللدائن ،ال تشكل
بأي حال من األحوال حماية من خطر عو اقب البرودة والرطوبة والحر ،إضافة الى إمكانية
اإلنهياربسبب تهاطل األمطار.
وقد بدأت أحياء الصفيح في الظهور ابتداء من سنة ،5711وجاء ذلك نتيجة الهجرة
القروية من البوادي الى المدن ،نظرا لسوء ظروف الحياة في البادية ،أمام توسع استيالء
المعمرين على األراض ي الفالحية ،وجلب اليد العاملة القروية ألوراش العمل في المدن ونواحيها،
فتوالت الهجرة القروية في مراحل زمنية عديدة ،وعلى الخصوص في سنة 5717عقب األزمة
االقتصادية العالمية ،وسنة 5711عقب الحرب العالمية الثانية ،وسنوات 5717 - 5711بداية
االستقالل ،وسنوات 5771 - 5775في مواسم الجفاف األخيرة.
وتتميز أحياء الصفيح باإلكتظاظ السكاني ،ففي الغالب ما يقطن في البراكة أو الكوخ
الواحد أكثر من عائلة ،وهذا ما يزيد في صعوبة ظروف الحياة ،ويسهل إنتشار المآس ي
االجتماعية ،حيث ترتفع نسبة الجريمة ،والتفكك العائلي واالجتماعي ،مما يؤدي الى إرتفاع
معدل الوفيات ،في مقابل إنخفاض متوسط األعمار ،وتواضع دخل العائالت.
ويمكن القول أن ظهير 59يونيو 5771بمثابة قانون رقم ،51/71لم يغير كثيرا من
مقتضيات قانون التعمير في إطار ظهير 11يوليوز 5711في الجوهر ،بل إستجد فقط بعض
الجوانب محاوال ضبط النمو الحضري وتأثيراته ،ومواكبة تطورالحواضروالمراكزالحضرية،
وبعض األجزاء من القرى املجاورة لها ،ومن بين مستجداته محاولته التخفيف من اإلجراءات
المسطرية إلعداد وثائق التعمير املختلفة ،والمصادقة عليها قصد إخراجها الى حيز الوجود
بالسرعة الفعالية المطلوبتين من أجل التحكم في ضبط التعبيروالبناء.
كما أنه وضع األسس القانونية للتصاميم المتعلقة بالتهيئة العمرانية التي كانت تحدد
اإلختيارات الكبرى للتعميرالممكن تنميته ،إستجابة للحاجيات التي يطرحها النموالحضري على
المدى البعيد ،والتي كانت بمثابة الدراسات األساسية إلعداد تصاميم التهيئة وتصاميم
التنطيق ،وفضال عن ذلك توخت مقتضيات القانون الجديد حماية وتهيئة المناطق ذات
الصبغة الخاصة التي توجد خارج التجمعات الحضرية ،والمناطق املجاورة لها ،واملجموعات
العمرانية و إقرار قواعد جديدة تهدف الرفع من مستوى البعد البيئي في المغرب ،إضافة الى
وضع إجراءات جديدة لردع املخالفات في ميدان التعمير وخاصة في مجال البناء ،تطبعها
الصرامة والسرعة في التدخل لمعالجة جميع املخالفات المتعلقة بالبيئة ،وتفعيل دور
المتدخلين للحيلولة دون انتشار البنايات غير القانونية والعشوائية و الصفيحية التي تعتبر
تهديد فعلي للجانب البيئي في المغرب.
خ ـ ـ ـ ـاتمـ ـ ـة:
161تنص المادة الرابعة في فقرتها الثالثة من القانون 44/89على ... " :تحديد المساحات الخضراء الرئيسية التي يجب القيام بإحداثها
وحمايتها أو إبراز قيمتها أو بهما معا"0
تنص المادة 18من نفس القانون في فقرتها الثانية على ... " :مواد وطرق البناء المحظور استخدامها بصورة دائمة ...طرق
الصرف الصحي والتزويد بالماء الصالح للشرب 0"...
162الصادر بتطبيقه الظهير الشريف رقم 4097018الصادر في 49ربيع األول 44) 4141ماي ،(4997جريدة رسمية عدد -1449
49ربيع اآلخر 48) 4141يونيو - 4997ص .4
163راجع الفقرة األولى من المادة 4من قانون .44/97
164راجع الفقرة األولى من المادة 4من قانون .44/97
الوطنية ومتطلبات حماية البيئة حين إعداد املخططات القطاعية للتنمية وإدماج مفهوم
التنمية المستدامة حين وضع وتنفيذ هذه املخططات.165
وهذا ما يجب أن يتقيد به مشرع قانون 51/71المتعلق بالتعميرـ سواء تعلق األمر
بالقوانين المرجعية كقانون ،55/11أو في المفهوم الجديد للتنمية المستدامة ،خاصة في
الشق المتعلق بخفض الموارد الطبيعية والبيئية فاإلستدامة من المنظور البيئي تعني دائما
وضع الحدود أمام اإلستهالك والنموالسكاني والتلوث بمختلف أنواعه سواء تعلق األمربالتلوث
الفجائي المتمثل في تصادم الناقالت داخل البحار ،أو التلوث الزراعي الذي تتسبب فيه
املخصبات النباتية أو المبيدات الحشرية أو مخلفات الحيوانات ،وبذلك فللحفاظ على التراث
البيئي العالمي ،والموارد الطبيعية من أجل األجيال القادمة تستلزم إيجاد حلول قابلة
لالستثمار اقتصاديا للحد من استهالك الموارد و إيقاف التلوث وحفظ الموارد الطبيعية على
قاعدة الموارد المادية والبيولوجية ،وعلى النظم اإليكولوجية والنهوض بها.
أحمد المهدي ،الحماية القانونية للبيئة ودفوع البراءة الخاصة بها ،دار الفكر
والقانون للنشروالتوزيع سنة .1116
حميد بوجيدة ،رخصة البناء منشورات املجلة المغربية باإلدارة املحلية
والتنمية سلسلة دالئل التيسيردارالنشرالمغربية الرباط .5776
عبد الرحمن البكريوي ،التعمير المنش ئ ضروري لتنمية التخطيط الحضري
اإلدارة العمومية والتغيير ،الجمعية المغربية للعلوم اإلدارية الشعبة الوطنية للعلوم اإلدارية
افريقيا الشرق الدارالبيضاء .5777
عبد الحق صافي ،الملكية المشتركة للعمارات والدور المنقسمة الى شقق أو
طبقات أو محالت ،شرح لنصوص القانون رقم ،57 /11الطبعة الثانية.1117 ،
وناس ي يحيى ،اآلليات القانونية لحماية البيئة في الجزائر رسالة دكتوراه في
القانون العام ،جامعة أبو بكربلقايد تلمسان .1119
الوكاري محمد ،العقاروالتنمية الحضارية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا
في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية
الرباط سنة .5771 - 5771
االسعد العيدي :املحافظة على البيئة الطبيعية في المغرب التدبير القانوني
واإلداري ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون جامعة الحسن الثاني عين الشق كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الدارالبيضاء سنة .5771
وإذا كانت الشركات التجارية على هذا النحو هي الوسيلة المثلى لالستغالل والنشاط
التجاري ،إال أنها في المقابل مادة خصبة الرتكاب املخالفات ومسرح للتجاوزات وألجل ذلك اقترن
إرساء النظام القانوني للشركات التجارية بتجريم محتم تفرضه عديد االعتبارات وذلك ألن بعث
هذه المؤسسات يستوجب توفيرمناخ من الثقة والشفافية.
غير أن احتواء القانون الجنائي للشركات التجارية أثار رؤى متباينة ومختلفة بين مؤيد
ومعارض ،وطرح هذا اإلشكال بصفة خاصة في فرنسا منذ القرن 57مع ظهور قانون 5711
المتعلق بالشركات والذي تضمن عدة أحكام جزائية ،ومنذ ذلك التاريخ بدأ العد التنازلي لميالد
فرع جديد من فروع القانون يسمى القانون الجنائي للشركات التجارية166
يذهب بعض الفقه إلى وجود قوانين جنائية متعددة بتعدد المصالح التي تحميها ،كالقانون الجنائي المالي، 166
والقانون الجنائي للعمل ،والقانون الجنائي لألعمال ،والقانون الجنائي االقتصادي ،والقانون الجنائي لالستثمار...فلكل
فرع من هذه القوانين موضوع خاص يمثل المصلحة المراد حمايتها ،وهذا النهج هو السائد في الفقه الفرنسي ،ويتبنى
أغلب الفقه الجنائي في الدول األوروبية والفقه العربي هذا النهج أيضا ،وزيادة على ذلك بدأت تعرف بعض الفروع
أيضا تقسيمات فرعية أخرى ،فالقانون الجنائي لألعمال بدأت تظهر له فروع كالقانون الجنائي للبنوك والقانون
الجنائي للشركات ،ومن هنا يجد القانون الجنائي للشركات سندا منطقيا وواقعيا لوجوده.
ويعارض بعض الفقه التوجه السابق خوفا من االنقالب التشريعي الذي يمكن أن يتعرض له القانون الجنائي الخاص،
خاصة في المجال االقتصادي والمتابعة المستمرة لدينامكية الظواهر االقتصادية ،مما يؤدي إلى ظهور معانغير
أما بالنسبة للقانون الموريتاني فإن هذا الفرع من القانون ظهرمتأخرا جدا أي مع ظهور
مدونة التجارة الموريتانية التي تبنت في جل أحكامها التشريع الفرنس ي المنظم للشركات
التجارية.167
واإلشكال الذي يطرح نفسه في هذا اإلطار يتلخص فيما يلي :هل إن الجانب الزجري
المعتمد على الردع ينسجم مع مفهوم التجارة في محيط سياس ي وثقافي يعتنق حرية المبادرة
محددة ومفاهيم غامضة اصطلح عليها ب (تقنية التجريم المفتوح) مما يمكن أن يؤدي إلى التضحية بالمفهوم التقليدي
لقاعدة الشرعية الجزائية.
انظر في ذلك:
* محمد عبد الرحيم عنبر ،الموسوعة الشاملة للمبادئ القانونية ،دار الشعب ،القاهرة ،7711الجزء العاشر ص.71
وانظر أيضا:
*محمد زكي أبو عامر ،سليمان عبد المنعم ،قانون العقوبات الخاص ،الطبعة الثانية ،المؤسسة الجامعية للدراسات
والنشر والتوزيع( ،مجد) بيروت ،7777 ،ص.71
وبالتالي حسب هذا االتجاه فليس هناك مبرر للتمييز بين القسم الخاص من قانون العقوبات وبين القوانين الجنائية
الخاصة ،فالقسم الخاص يكفي ليحيط بكافة األفعال المعدودة من الجرائم ،سواء وردت في القانون األساسي العقابي
أو وردت في نصوص وقوانين خاصة ،وهذا يتماشى مع مبدأ وحدة قانون العقوبات وهذا ما يتبناه التشريع الجنائي
اإلسباني.
وهناك اتجاه وسطي ثالث يحرص أنصاره على التنويه إلى أن استقالل قانون العقوبات الخاص ال يعني انفصاله
تماما عن قانون العقوبات العام ،فيبقى قانون العقوبات األصل العام الذي ينبغي الرجوع إليه لسد النقص ،فيكون
هنا قانون العقوبات نفسه جزءا من النظام القانوني العام يستعين بفروعه في المسائل التي لم ينظمها ،وينادي بعض
الفقه بضرورة التفرقة بين قانون العقوبات العام والخاص بحيث يكون القانون مطبقا ويخاطب جميع األشخاص
والوقائع فهو قانون عقوبات عام ،أما إذا كان مقصو ار على طائفة معينة من األفراد بحكم صفتهم الخاصة أو وجودهم
في ظروف معينة ووقائع محددة بحسب موضوعها ،فنكون بصدد قانون عقوبات خاص ( قانون العقوبات االقتصادي،
والقانون الجنائي للشركات التجارية.)..
انظر في ذلك:
*مأمون سالمة ،قانون العقوبات ،القسم العام ،مرجع سابق ،ص 71و .71وفوزية عبد الستار ،شرح قانون
العقوبات ،القسم الخاص ،الطبعة الثانية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1222 ،ص.4وعلي عبد القادر القهوجي،
شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ،7771،ص 44و.43
قانون 14جويلية 7181من الجدير بالذكر أن هذا القانون باإلضافة إلى مدونة التجارة الفرنسية وخاصة 167
المواد من 71إلى 48المكونة للباب الثالث من الكتاب األول المتعلق بالشركات التجارية ،وقانون 1مارس 7713
المنقح الرامي إلى تأسيس الشركات ذات المسؤولية المحدودة ،هي مجموعة القوانين التي كانت تحكم الشركات
التجارية في موريتانيا قبل صدور مدونة التجارة ،انظر المادة 182من م .ت.
الفردية مبدأ والمنافسة وسيلة لتحقيق التطور والنمو االقتصادي مع كل ما يتطلبه ذلك من
إزالة للقيود بجميع أنواعها ،ومن ذلك نزع النصوص الزجرية أوالحد منها في أغلب الميادين168؟
إن اإلجابة على هذه اإلشكالية تقتض ي التطرق للمو اقف الفقهية سواء منها تلك
المعارضة لتدخل القانون الجنائي في ميدان الشركات التجارية(المطلب األول) أو تلك المؤيدة
لذلك التدخل والتي يبدو أن التشريعات المعاصرة تأثرت بها(المبحث الثاني)
المبحث األول :اإلتجاه الر افض لتدخل القانون الجنائي في ميدان الشركات التجارية
يذهب أنصار هذا اإلتجاه إلى التأكيد على التباين بين القانون التجاري الذي ينبني على
الثقة والسرعة في المعامالت والقانون الجنائي الذي يتسم بالشدة والصرامة ،فال موجب
حسب نظرهم للجوء للقانون الجنائي لحماية الشركات التجارية ،باعتبار ذلك يؤدي إلى خنق
روح المبادرة كما يكبل حركة المسيرين ويجعلهم في خوف وقلق مستمرين ،مما يؤثر على نمو
الشركات التجارية.169
وبناء على ذلك اقترح هؤالء تعويض اآلليات الجنائية بآليات مدنية واعتبارها كافية لتوفير
الحماية خاصة وأن الشركات تبني على رضا األطراف ،وأن هؤالء أحرارفي تسيير شؤون شركاتهم
وال داعي إلدخال هذه اآللية المرعبة في عالم األعمال الذي تلعب فيه الحرية والمبادرة الفردية
دورا مهما في تشجيع االستثمارفي هذا املجال.
ومن هذا المنطلق فإن بعض فقهاء القانون رأى في النصوص الجزائية التي بدأت تغزو
حقل األعمال والقوانين التي تنظم هذا الميدان ومنها بالضرورة قوانين الشركات ،تدخال غريبا
في هذا الجسد وال يمكن التسامح معه إال بمضض 170،إذ أن هذه الزيادة في الطابع الزجري ملجال
العجمي بالحاج حمودة ،رضا الوسالتي ،حاتم بالرحومة" ،التقرير الختامي" ملتقى حول الجديد في مجلة 168
أطروحة دكتوراه في القانون‘جامعة أبو بكر بلقايد بتلمسان ،كلية الحقوق والعلوم السياسية، 1271 /1278 ،ص
.11
األعمال ستضرب خصوصيات العمل التجاري عرض الحائط خصوصا ما يتعلق بجانب
السرعة واالئتمان فكيف لمستثمريبحث عن الربح أن يجد نفسه متابعا بغرامات تكلفه أحيانا
جل رأس ماله ،هذا إن لم يفقد حريته أصال؟!
فهذا الزحف الجنائي يسير في اتجاه مناقض لما تقتضيه حرية الحركة الواجبة في حياة
األعمال والروح التي يجب أن تسود المشروع ،171من الجرأة والمبادرة التجارية وتجريب
استراتيجيات جديدة للنهوض بالمشروع ورفع إنتاجيته ،وبالجملة حرية الحركة للقائمين على
اإلدارة األمرالذي ال يمكن التوفيق بينه وبين التهديد بالعقوبة الجنائية.172
وهذا ما دعا أحد كبار فقهاء القانون التجاري إلى التأسف ،لكون عنصر النهوض
بالشركات التجارية قد صاحبه تدخل من قبل القضاء الجزائي ،ودعا فقيه آخر إلى القول بأن
هذا األسلوب هوأسلوب من أساليب العصورالقديمة وال يتناسب مع الدورالذي يجب أن تلعبه
الشركات التجارية في االقتصاد الوطني173.
ولقد تعجب أحد الفقهاء األمريكيين من األسلوب الذي اتبعه المشرع الفرنس ي في قانون
الشركات الصادر عام 5766بتكثيف النصوص الجزائية داخله قائال" :إن واضعي نصوص
القانون الخاص بعام 5766قد استكملوا عملهم بنصوص جزائية ذات حجم وقسوة ليس لها
مثيل في دول العالم المتمدن ،ولي أن أتساءل بأي منطق قد قبل واضعو هذا القانون معاملة
مديري الشركات التجارية على ذات النسق الذي يعامل به األشقياء أو المنحرفون."174
وفي إطار اإلخراج من دائرة التجريم يرى هؤالء الفقهاء أن القانون الجنائي قد تعدى
حدود عدم الجدوى وما يترتب عنها من تعطيل لروح المبادرة في المؤسسة إلى حد الخطورة،
وذلك عندما يستعمل التجريم كوسيلة ضغط ،وهو ما عبر عنه البعض "بالمفعول الملوث
للقانون الجنائي".
171إيهاب الروسان ،خصائص الجريمة االقتصادية -تأصيل وتفصيل ،دراسة في المفهوم واألركان ،مجلة دفاتر
السياسة والقانون ،العدد ،1جوان ،4944ص.11
172 Henry LAUNAIS et Louis ACCARIAS, Droit pénale spécial des sociétés par actions et
ويرى هؤالء الفقهاء أنه يمكن االكتفاء عند الضرورة بالنصوص الجنائية العامة الواردة
صلب القوانين الجنائية وال حاجة بالتالي إلى خلق فرع جديد وهو القانون الجنائي للشركات
التجارية.175
إضافة إلى ذلك يعتقد أنصارهذا التيارأن هناك قواعد كافية تتعلق بالمسؤولية المدنية
في حالة وجود ضرر أو انحراف تجاري ،كنظرية التعسف في استعمال الحق ،176ونظرية
المنافسة غيرالمشروعة ،177وهما نظريتان كفيلتان بإصالح أي ضرربجزاءات مدنية كالتعويض
والبطالن بدل اللجوء إلى أسلوب رادع ولعل قانون شيرمان الصادرعن الكونغرس األمريكي سنة
5771والذي تبعه قانون كاليتون سنة 5751أبرز نموذج في هذا الصدد ،إذ تصديا للممارسات
فيما يتعلق بسياسة التجريم والعقاب يجب أن نالحظ أن السياسة الج ازئية قد عرفت ثالثة نظم متكاملة تبدو فيما 175
يلي:
األول :عدم اعتبار التجريم من خالل قانون العقوبات الوسيلة الوحيدة لمواجهة االنحراف االجتماعي ،وضرورة
التنسيق بين سياسة مكافحة الجريمة مع سياسات التنمية االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية ،ويتحقق هذا
الهدف من خالل الحد من التجريم.
والثاني :هو الحد من عيوب العقوبات المقيدة للحرية وخاصة القصيرة المدة لما لها من آثار سلبية وخطيرة سواء
على المحكوم عليه أو على أسرته أو على المجتمع نفسه .ويتحقق هذا الهدف من خالل سياسة الحد من العقاب،
وقد قيل بأن هذا النظام يستوعب نظام الحد من التجريم ،ألنه ال جريمة بغير عقوبة ،فإذا ما حد المشرع من االلتجاء
إلى العقوبات وخاصة المقيدة للحرية منها تحقق الحد من التجريم ،وقد برز هذا االتجاه في المؤتمر األول لألمم
المتحدة لمكافحة الجريمة ومعاملة المذنبين الذي عقد في جنيف عام 7733فقد أوصى بالعمل على عدم تطبيق
العقوبة المقيدة للحرية إال على األشخاص الذين اقترفوا جرائم خطيرة.
والثالث تطور نظام العدالة الجزائية من خالل توفير بدائل إجرائية تستوعب األهداف التي قام عليها نظام الحد من
العقاب ،وتضيف إليه مفهوما جديدا يتصل بالعدالة الناجزة اعتمادا على مفهوم متطور لسلطة الدولة في العقاب،
فال يقتصر دورها على مجرد إيالم المحكوم عليه ،بل يمتد إلى تأكيد ضمانات أن األصل في المتهم البراءة والتوفيق
بين حقوق المتهم وحقوق المتضرر من الجريمة بعيدا عن اآلثار السلبية إلجراء المحاكمات الطويلة وتحقيق التناسب
في رد الفعل بين الجريمة المنسوبة إلى المتهم واإلجراءات المتخذة ضده في إطار جديد يحقق العدالة الناجزة ،وقد
اهتمت الجمعية الدولية لقانون العقوبات ببحث هذا الموضوع ،فبحثته في مؤتمرها الرابع عشر المنعقد بالقاهرة في
سنة .7714
راجع بهذا الخصوص ولمزيد التوسع:
*أحمد فتحي سرور ،العالم الجديد بين االقتصاد والسياسة والقانون ،دار الشروق ،مصر ،ط ،1223 ،1ص 488
وما بعدها.
نص المشرع الموريتاني على هذه النظرية في المادة 78من ق .إ .ع. 176
الكتاب الخامس من مدونة التجارة الموريتانية المعنون بعنوان "في حرية األسعار والمنافسة " 177
االحتكارية التي كانت تقوم بها بعض الشركات خالل القرن التاسع عشر إضرارا بالمستهلكين،
وذلك بفرض الثمن الذي تريده بعد القضاء على المنافسين .178فكانت طرق العالج في هذين
القانونين إما باختراق المشروعات االحتكارية أو بفرض التعويضات وبالتالي لم تكن المعالجة
عن طريق القانون الجنائي179
لكن على الرغم من نجاح الحماية المدنية والتجارية إال أنها قد ال تجدي نفعا في بعض
األحيان ،وذلك لصعوبة اللجوء إليها في غالب الحاالت كصعوبة إثبات الضرر المستحق
للتعويض .180وحتى القضاء يالحظ أنه يتشدد في قبول الدعوى المدنية المرفوعة من قبل
بعض األشخاص كالدائنين والعاملين بالشركة
-اإلغراق :ويقصد به أن تغرق الشركة المنافسة السوق بسلعها ،بسعر يقل عن التكلفة فتضطر الشركات المنافسة
األخرى المنتجة لنفس السلعة إلى البيع بسعر تلك الشركة ،وإال فإن كساد سلعها وانصراف الزبائن عنها يصبح أم ار
محققا ،وهذا الوضع يصيبها حتما بالخسارة واإلفالس ،لتترك المجال أمام الشركة المنافسة للتحكم في السوق وفرض
السعر الذي تريده للسلعة؛
-تلجأ بعض الشركات إلى شراء السلعة المنافسة بسعر أعلى ثم تبدأ بتخزينها تدريجيا إال أن تشح في السوق وينعدم
عرضها تقريبا ،وعندما يكثر الطلب عليها تخرجها بمقادير محددة وتفرض السعر الذي تريده للسلعة؛
-تتفق بعض الشركات المنتجة لسلعة واحدة إلى تقسيم األسواق العالمية بينها إللغاء المنافسة في المنطقة المخصصة
لكل واحدة منها وبالتالي تستطيع كل شركة في منطقتها أن تفرض السعر الذي تريده للسلعة؛
-تلجأ بعض الشركات إلى تقليد العالمات التجارية ووضعها على سلعة من إنتاج شركة أخرى لكي توحي للمستهلك
بأن هذه السلعة صادرة عنها ،أو أنها مكونة من ذات العناصر المكونة للسلعة ذات العالمة األصلية ،أو أنها في
نفس وزنها أو كمها أو مقاسها.
للمزيد انظر:
* عبود السراج مكافحة الجرائم االقتصادية والظواهر االنحرافية ،الندوة العلمية الحادية واألربعون (:الجرائم االقتصادية
وأساليب مواجهتها) أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية ،الرياض – المملكة العربية السعودية ،من 78إلى 71
جمادى األولى 7471ه الموافق ل 42 -11سبتمبر 7778م ،منشور ،7771ص.18-13
محمد محيي الدين عوض ،أهم المظاهر االقتصادية االنحرافية واإلجرامية ،الندوة العلمية الحادية واألربعون 179
(:الجرائم االقتصادية وأساليب مواجهتها) أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية ،الرياض – المملكة العربية السعودية،
من 78إلى 71جمادي األول 7471الموافق ل 42 -11سبتمبر ، 7778منشور ،7771ص.47 -41
180أحمد محمد اللوزي ،الحماية الجزائية لتداول األوراق المالية- ،دراسة مقارنة ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،األردن،
الطبعة األولى7447،ه1272 ،م ،ص.733
وحتى البطالن كجزاء مدني يبدوفي هذا املجال كارثة وإجراء غيرعادل في آثاره ،ويخلق نوعا
من عدم االستقرارفي العالقات القانونية.
المبحث الثاني :اإلتجاه لمؤيد لتدخل القانون الجنائي في ميداان الشركات التجارية
يرى أنصار هذا اإلتجاه أن االتجاه السابق لم يأخذ بعين االعتبار خصوصية القانون
الجنائي للشركات التجارية ،181إذ يرجع احتواء القانون الجنائي للشركات التجارية إلى أهميتها
باعتبارها أحسن وسيلة لتركيز رأس المال ولتطوير املجتمع واالقتصاد ولتدعيم السياسة
الوطنية ،فاألنشطة األكثر مردودية للمؤسسات الخاصة تسيرها الشركات التجارية ،وهو ما
يؤدي إلى لزوم إفرادها بقانون جنائي مستقل بذاته يراعي مختلف خصوصياتها ويمكنها من
تجنب كل ما من شأنه أن يحد من نشاطها ويسهل ظروف التأقلم ومسايرة التطور حتى تصمد
وتحافظ على كيانها وتواصل القيام بوظيفتها على أحسن الظروف.182
فهل يمكن في هذه الحالة غض الطرف عن عديد األفعال التي من شأنها أن تؤذي الشركة
واملحيطين بها وبالتبعية االقتصاد الوطني؟
إن اإلجابة عن هذا التساؤل حسب اإلتجاه المؤيد لتدخل القانون الجنائي في ميدان
الشركات التجارية ال يمكن أن تكون إال بالنفي ،فتدخل القانون الجنائي يعد أمرا ضروريا
لحماية الشركات التجارية ،183ذلك أن الحرية االقتصادية وإن كانت تتعارض مع قواعد القانون
ليس هناك إجماع بخصوص المميزات والخصائص التي يتمتع بها القانون الجنائي للشركات التجارية ،فهناك 181
من اعتبر أن خصائص هذا القانون تتمثل في :أنه قانون تكميلي للقانون الجنائي وأنه يتميز بالكثافة من الناحية
التجريمية ،وأنه قانون رمزي ومحدد.
-للمزيد من التفصيل انظر:
* ابن خدة رضى ،محاولة في القانون الجنائي للشركات التجارية – تأصيل وتفصيل وفق آخر المدخلة بقانون .23
،12دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع ،الرباط ،الطبعة األولى ،يوليو ،1272ص .722 -13
طارق البختي ،المنظومة الزجرية لشركات المساهمة بين الصرامة والمرونة ،مكتبة الرشاد ،اسطات ،الملكة 182
االقتصادية واالجتماعية للدولة ،بل أصبح القيد األبرز على مبدأ الحرية االقتصادية ،األمر الذي تولد عنه ،إضافة
إلى القانون الجنائي ،قوانين جنائية خاصة وقوانين جنائية تكميلية ،إنها تعكس سلطة الدولة في الحد عبر القانون
من مدى المبادرة الفردية.
الجنائي ،فإن تلك الحرية تتطلب وجود قانون جنائي يسعى للحد من تجاوزات الحرية ذاتها أي
حماية الحرية من إساءة استعمال الحرية ،184إذ يبدو القانون الجنائي مؤهال أكثر من فروع
القانون األخرى لحل كل المشاكل التي يطرحها االنحراف في مجال األعمال.
ويقول أحد الفقهاء في ذلك" :إنه من أجل حماية الشركاء ودائني الشركة ضد األساليب
المنحرفة وغير األمنية للقائمين على إدارتها فإنه ال يكفي التسليم بالمسؤولية المدنية
والجزاءات المهنية؛ فإننا في الو اقع لم نجد عالجا ناجعا وأكثر فعالية من التهديد بالعقوبات
الجزائية الصارمة185.
وحتى قانون شيرمان وكاليتون اللذان سبقت اإلشارة إليهما لم يجدا مناصا من إقحام
النصوص الجنائية في موادهما ،إذ تضمنا في تعديالتهما عددا من الجرائم لمواجهة الممارسات
االحتكارية والمنافسة غيرالمشروعة للشركات التجارية.186
لكن ،لئن كان المبدأ العام يقضي بقصر تدخل القانون الجنائي على حماية المصالح القانونية الجوهرية ،فإن مما ال
ينقض صحة هذا المبدأ أن تتسع دائرة التدخل الجنائي الستيعاب طائفة من المصالح الجديدة ،إما ألن وجودها لم
يكن مقر ار في السابق ،وإما ألنها كانت موجودة فعال ،إال أن سنة التطور اقتضت االرتقاء بها إلى مصف المصالح
الجديرة بالحماية الجنائية اعتبا ار لما أصبح لها من قيمة ال تضاهى.
فهذه الظواهر الجديدة أو التي أعيد اكتشافها من جديد هي التي أخذ الفقه الجنائي المعاصر يعنى بدراستها في إطار
االهتمام بما بات يعرف ب(المصالح المشاعة أو األموال الجماعية).
صحيح أن هذا الفقه ال يجمع على رأي واحد بشأن األساس المعتمد لشمولية هذه األموال الجديدة بالحماية الجنائية،
وال بشأن الحدود المرسومة لهذه الحماية ،إال أن ثمة من يقول بأن امتداد القانون الجنائي إلى هذا النطاق يحتمل أن
يوصف بكونه توسعا معقوال في بعض الحاالت ،كما يمكن أن يوصف بكونه توسعا غير معقول في حاالت أخرى
حسب طبيعة المعايير المعتمدة.
للمزيد من التفصيل انظر:
*عبد الحفيظ بالقاضي ،التدخل الجنائي بين التقييد بالحد األدنى والمد التوسعي الشامل ،القانون الجنائي المعاصر
والتغيير في النموذج اإلرشادي ،مقال منشور بمجلة القصر ،العدد ،72يناير ،1223ص.41
184حسن عز الدين دياب ،تدخل القانون الجنائي في النشاط االقتصادي ،ملتقى العدالة الجزائية :أي تطور ،جندوبة
اطبرقة -تونس ،أيام 72-7-1مارس ،1221 ،ص .773
185 Jean–marie ROBERT, Le droit pénale des affaires , Que sais-j ?, PUF, Paris, 1976 ,
P .67.
186عبود السراج ،مكافحة الجرائم االقتصادية ،...مرجع سابق ،ص.17-11
ولعل ذلك ما دعا جانبا كبيرا من الفقهاء إلى القول بحتمية التدخل الجنائي في مجال
األعمال التجارية والمالية واالقتصادية ،187فعجز الحماية المدنية والتجارية ملجال األعمال
على نحو ما سبق بيانه ،ينضاف إليه قصور قواعد القسم الخاص من القانون الجنائي عن
التصدي لالنحر افات في مجال األعمال التجارية والمالية واالقتصادية ،لكون القائمين على
هذا الحقل يتمتعون بالسلطة والنفوذ الذي يؤهلهم إلى االنحراف واإلساءة ،لذلك لزم التدخل
بوضع الحدود والقيود الالزمة لكبح جماح هذه السلطة وحماية المصالح اللصيقة بحركة
التجارة ،وذلك من خالل إيجاد قانون جنائي لجرائم رجال األعمال ،يحسم فكرة الفلسفة من
التجريم وأهدافها والصوراملجرمة والعقوبات المالئمة إضافة إلى تحديد القواعد اإلجرائية.188
فال شك أن األثر الرادع للعقوبة الجنائية عامل هام في مكافحة الجرائم بصفة عامة
ولجرائم رجال األعمال بصفة خاصة ،والتهديد بالعقوبة يصرف الكثيرين عن السلوك اإلجرامي
كما أن توقيعها يحول غالبا دون عودة من قام بها مرة أخرى.
وتزيد فاعلية األثر الرادع للعقوبة كلما ازدادت يقينية توقيعها على مرتكب الجريمة
وسرعة البت في جريمته وتنفيذ العقوبة عليه189؛ فمن المسلم به أن القواعد اآلمرة المقترنة
بجزاءات جنائية لها وقع نفساني أعمق لدى من يتجه نحو مخالفتها ،كما أنها تغرس الطمأنينة
لدى األفراد لشعورهم بالحماية من التجاوزات واالعتداءات بنصوص جنائية رادعة.
ويكفي دليال على ضرورة االستعانة بالجزاء الجنائي في هذا املجال أنه مع بداية
الثالثينيات من القرن الماض ي ،حينما بدأ المشرع الفرنس ي في األخذ بفكرة التدخل الجزائي في
محيط الشركات عن طريق جرائم خاصة بعيدا عن القواعد التقليدية المتعلقة بجرائم
ولعل ما يدعو لالستغراب أن يتحول بعض الفقهاء ممن ناضل وعارض التدخل الجزائي في مجال األعمال 187
باألمس القريب إلى المناداة بمزيد من هذا التدخل للحد من قوة وتسلط رجال المال واألعمال والشركات الكبرى.
للمزيد انظر:
*عبد الحفيظ بالقاضي ،التدخل الجنائي بين التقيد بالحد األدنى والمد التوسعي الشامل ،القانون الجنائي المعاصر
والتغيير في النموذج اإلرشادي ،مجلة القصر ،المغرب ،العدد ،72جانفي ،1223ص.47
هيكل أحمد عثمان ،جرائم رجال األعمال المالية والتجارية ،الندوة العلمية المنعقدة حول جرائم رجال األعمال 188
المالية والتجارية ،المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية ،بيروت – لبنان ،بتاريخ 4 -1جويلية ،1271ص.71
سعيد قاسم العاقل ،اتجاهات التشريع والفقه ودوره في الحد من جرائم رجال األعمال ،الندوة العلمية المنعقدة 189
حول جرائم رجال األعمال المالية والتجارية ،المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية ،بيروت – لبنان ،بتاريخ -1
4جويلية ،1271ص .1
األموال بدأ عدد المنازعات واالنحر افات الخاصة بإدارة الشركة في التناقص ،وال يمكن إسناد
هذه الظاهرة إال للخوف من هذا الحارس الجديد المسمى بالقاض ي الجزائي.190
وعليه أصبح التدخل الجنائي في مجال األعمال عموما وفي مجال الشركات التجارية أمرا
مسلما به في جل التشريعات الحديثة 191وذلك بتأييد ودعم من فقهاء القانون الذين يرون هذا
التدخل يستند إلى مبررات وأسس يمكن حصرها في ثالث نقاط هي :إعادة التوازن بين المراكز
في حياة األعمال192؛ حماية االدخارالعام193؛ حماية روح المبادرة في إدارة األعمال.194
وقد اهتمت جل التشريعات بما فيها التشريع الموريتاني بتوفير الضمانات الكفيلة
للشركات التجارية من خالل توفير النصوص الزحرية الهادفة إلى تكريس حماية جنائية فعالة
لتلك الشركات.
يتضح من خالل هذه الدراسة أن ميالد القانون الجنائي للشركات التجارية كان ميالدا
عسيرا واكبته العديد من النقاشات بين مؤيد ومعارض ،غير أنه في األخير أصبح و اقعا ملموسا
على مستوى التشريعات المعاصرة بما فيها التشريع الموريتاني الذي سعى على غرار باقي
التشريعات المقارنة إلى وضع جملة من النصوص الجنائية الخاصة بالشركات التجارية من
190Jean LARGUIER et Philippe CONTE, Droit pénale des affaires, A. C, Paris, 1998, P 296.
191إدريس النوازلي ،اإلثبات الجنائي لجرائم األعمال بالوسائل الحديثة ،المطبعة والوراقة الوطنية ،المغرب ،الطبعة
األولى ،1274،الجزء األول ،ص.43
ابن خدة رضى ،مرجع سابق ،ص.721 192
إن تشجيع االستثمار وإنعاش االقتصاد بإعطاء الحرية لرجل األعمال لتدبير وتسيير مشاريعه وأعماله ،بما 193
يضمن مصالحه الخاصة ،يقابله حماية المساهمين والمدخرين والدائنين من اإلدارة السيئة أو غير األمينة للمشروع،
فالحفاظ على ثقة كل الفاعلين االقتصاديين في السوق هو أساس استمرار االقتصاد الوطني في االزدهار والتقدم.
للمزيد انظر:
* محمد بن حم ،مفهوم جرائم رجال األعمال المقاصد ونطاق تطبيق القانون ،الندوة العلمية المنعقدة حول جرائم
رجال األعمال المالية والتجارية ،المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية ،بيروت – لبنان ،بتاريخ 4-1جويلية
1271ص .18-13
روح المبادرة هي ظاهرة نفسية جماعية ،وهي روح المشروع ،لذا فإنه لحماية هذه الروح ال بد من وضع نظام 194
جزائي ،بحيث يتصدى للمشاريع الفيروسية والمديرين غير األمناء ،نظ ار لتأثيرهم السلبي والخطير على حياة األعمال.
للمزيد انظر:
* حسني أحمد الجندي ،القانون الجنائي للمعامالت التجارية( ،القانون الجنائي للشركات التجارية) مطبعة جامعة
القاهرة والكتاب الجامعي ،مصر ،7717 ،الجزء األول ،ص.11
خالل مدونة التجارة ،مقسما تلك النصوص إلى أحكام مشتركة تخص كل اإلنحر افات المرتكبة
في ميدان الشركات التجارية ،فضال عن وضع أحكام جزائية تخص الجرائم المرتكبة في كل
شركة على حدة ،األمرالذي يمكن من خالله التأكيد على تبني المشرع الموريتاني لرأي الإلتجاه
الفقهي القائل بضرورة تدخل القانون الجنائي في ميدان الشركات التجارية.
قائمة المراجع
-ابن خدة رض ى ،محاولة في القانون الجنائي للشركات التجارية – تأصيل وتفصيل وفق
آخر المدخلة بقانون ،11 .11دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع ،الرباط ،الطبعة األولى،
يوليو .1151
-طارق البختي ،المنظومة الزجرية لشركات المساهمة بين الصرامة والمرونة ،مكتبة
الرشاد ،اسطات ،الملكة الغربية.1159 ،
-أحمد محمد اللوزي ،الحماية الجزائية لتداول األوراق المالية- ،دراسة مقارنة ،دار
الثقافة للنشروالتوزيع ،األردن ،الطبعة األولى5115،ه1151 ،م.
محمد عبد الرحيم عنبر ،الموسوعة الشاملة للمبادئ القانونية ،دار الشعب ،القاهرة
،5799الجزء العاشر.
-محمد زكي أبو عامر ،سليمان عبد المنعم ،قانون العقوبات الخاص ،الطبعة الثانية،
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشروالتوزيع( ،مجد) بيروت.5777 ،
-فوزية عبد الستار ،شرح قانون العقوبات ،القسم الخاص ،الطبعة الثانية ،دارالنهضة
العربية ،القاهرة.1111 ،
-علي عبد القادر القهوجي ،شرح قانون العقوبات ،القسم العام ،دار المطبوعات
الجامعية ،اإلسكندرية.5779،
-عبد المنعم العبيدي ،السياسة الجنائية في إطار الشركة خفية االسم ،مركز البحوث
القانونية والدراسات السياسية واالجتماعية ،تونس .1151
-أحمد فتحي سرور ،العالم الجديد بين االقتصاد والسياسة والقانون ،دار الشروق،
مصر ،ط.1111 ،1
-محمد محيي الدين عوض ،أهم المظاهر االقتصادية االنحر افية واإلجرامية ،الندوة
العلمية الحادية واألربعون (:الجرائم االقتصادية وأساليب مواجهتها) أكاديمية نايف العربية
للعلوم األمنية ،الرياض – المملكة العربية السعودية ،من 56إلى 57جمادي األول5159
المو افق ل 11 -17سبتمبر ، 5776منشور.5777
-عبود السراج مكافحة الجرائم االقتصادية والظواهر االنحر افية ،الندوة العلمية
الحادية واألربعون (:الجرائم االقتصادية وأساليب مواجهتها) أكاديمية نايف العربية للعلوم
األمنية ،الرياض – المملكة العربية السعودية ،من 56إلى 57جمادى األولى 5159ه المو افق
ل 11 -17سبتمبر 5776م ،منشور.5777
-حسن عز الدين دياب ،تدخل القانون الجنائي في النشاط االقتصادي ،ملتقى العدالة
الجز ائية :أي تطور ،جندوبة اطبرقة -تونس ،أيام 51-7-7مارس.1119 ،
-محمد بن حم ،مفهوم جرائم رجال األعمال المقاصد ونطاق تطبيق القانون ،الندوة
العلمية المنعقدة حول جرائم رجال األعمال المالية والتجارية ،المركز العربي للبحوث
القانونية والقضائية ،بيروت – لبنان ،بتاريخ 1-1جويلية .1151
-هيكل أحمد عثمان ،جرائم رجال األعمال المالية والتجارية ،الندوة العلمية المنعقدة
حول جرائم رجال األعمال المالية والتجارية ،المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية،
بيروت – لبنان ،بتاريخ 1 -1جويلية .1151
-سعيد قاسم العاقل ،اتجاهات التشريع والفقه ودوره في الحد من جرائم رجال
األعمال ،الندوة العلمية المنعقدة حول جرائم رجال األعمال المالية والتجارية ،المركزالعربي
للبحوث القانونية والقضائية ،بيروت – لبنان ،بتاريخ 1 -1جويلية .1151
-العجمي بالحاج حمودة ،رضا الوسالتي ،حاتم بالرحومة" ،التقرير الختامي" ملتقى
حول الجديد في مجلة الشركات التجارية ،مركز المصالحة والتحكيم ،تونس 19 -16جانفي
.1115
-عبد الحفيظ بالقاض ي ،التدخل الجنائي بين التقيد بالحد األدنى والمد التوسعي
الشامل ،القانون الجنائي المعاصر والتغيير في النموذج اإلرشادي ،مجلة القصر ،المغرب،
العدد ،51جانفي .1111
رابعا :األطاريح
–
Abstract:
determined in the narrow sense, as is the case in natural sciences such as
mathematics and physics etc. ... Therefore, human rights are among the sciences
subject to the influence of beliefs, philosophies and ideologies that have an
impact on their content and trends. This happens if these ideologies are
supported by means and capabilities that no one can compete with. However,
this method can affect a significant number of rules that govern human rights,
and it can also affect the rest of the perceptions, philosophies and beliefs that are
consistent with human dimensions, but are not activated due to the monopoly of
the controlling ideologies on the specific concepts and perceptions of the field of
human rights.
مقدمة:
التمييزبين المذهب والنظرية مسألة في غاية األهمية وذات حساسية مفرطة ،ألن الخلط
بين المفهومين يمكن أن يؤدي إلى نتائج غيرمنسجمة مع الموضوعية والو اقعية ،وتكون كذلك
مخالفة للحقائق العلمية والمعرفية .وهذا ما يحدث فعال في كثير من األحيان عندما ينطلق
البعض من الحقائق العلمية وينسبها إلى المذهب .علما أن المذهب يقوم على رأي أساس ي أو
مجموعة من اآلراء لتوجيه الفهم والسلوك باستقاللية عن التجربة ،بل إن المذهب هو الذي
يخضع التجربة ،بمعنى ما ،ألفكاره ،فهو قطعي وثابت وشمولي وهذا كله ال يناسب ميدان العلوم
الطبيعية وهو ميدان تطبيق النظرية ،فغالبا ما يكون المذهب ذا امتداد أبعد من امتداد
النظرية التي تخص جانبا معينا من ميدان ما .أما النظرية فهي تنطلق من فرضيات وتحاول
اإلجابة عن تساؤالت التي تثيرها باعتماد المناهج العلمية والمعرفية ،وتقتض ي النظرية العلمية
التجرد من الذات والمعتقدات والمصالح الشخصية ،وتكون قابلة للتحقق تجريبيا وخاضعة
للقياس.
تأثير المذهبية في ميادين المعرفة العلمية ليس سهال ،ألن العلم محدد وخاص ،وألن
المذهب حتى وإن نجح في جعل بعض الحقائق العلمية منتسبة له في المدى القصير ،إال أن
العلم قادر عن كشف ذلك الزيف على المدى المتوسط أو البعيد .ورغم ذلك فإن المذاهب
المرتبطة بالقوى العظمى تمتلك اإلمكانيات التي تسمح لها بفرض بعض الممارسات أو
األساليب باعتبارها حقائق علمية وموضوعية.
بحكم أن مجال القوانين والحقوق غير خاضع للقياس العلمي بالمفهوم الدقيق ،فإن
المذهبية يمكنها أن تستغل هذا املجال كمدخل إلقرار بعض األعراف والسلوكيات وصبغها
بصبغة الممارسات الفضلى ،وإعطائها صفة القواسم المشتركة بين البشرية ،في حين أن ذلك
لم يكن سوى تعبيرا عن وجهة نظر مذهبية استغلت سالمة المنطلقات ،وتعسفت في توظيف
الحقائق .وهنا يطرح التساؤل حول مدى اعتبار حقوق اإلنسان ميدانا قابال للقياس العلمي
الصارم وغير متأثر بأية نزعة مذهبية أو توجه أيديولوجي أو عقائدي؟ إن الجواب عن هذه
اإلشكالية الرئيسية يمر عبر تحديد التطورات التي عرفتها حقوق اإلنسان ،موازاة مع التطورات
التي عرفها املجتمع الدولي في إطار القانون الدولي العام والعالقات الدولية ،والوقوف عن
التوجهات المعبر عنها من خالل تأثير أيديولوجيات الفواعل الحقيقية في السياسة الدولية،
وعالقتها بخلق المبادئ والقيم اإلنسانية المتعارف عليها عالميا.
أهداف الدراسة :تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على بعض المداخل التي تعتمدها
بعض المذاهب أو األيدولوجيات لتثبيت مفاهيمها داخل حق حقوق اإلنسان ،بعدما تكون قد
تداولت بشكل مستمر ،ولقيت االستحسان من قوى مؤثرة وفاعلة في المنتظم الدولي ،ويتم
فرض ذلك عن باقي الدول التابعة لها ،وهذه المفاهيم في مضمونها تكون في الو اقع تعبيرا عن
فلسفات وتصورات وعقائد محددة ،وال تكون تعبيرا عن و اقع طبيعي أو حقوق طبيعية ،لكن
هذا التداول يحاول تشكيل الحقوق والحريات وفق تصور يناسب المذهب أو األيدلوجية ،مما
يشكل ضبابية في بعض األحيان ونوعا من التوظيف التعسفي لممارسات ليست علمية وليست
طبيعية ،رغم تقاطعها مع بعض األبعاد اإلنسانية.
المناهج المعتمدة :حاولنا اعتماد المنهج االستقرائي والمنهج االستنباطي انطالقا من
تحديد مجموعة من المالحظات بخصوص طبيعة بعض األيدولوجيات كنوع من المالحظات
العامة ،بهدف إعادة تشكيل القاعدة الكلية ،من خالل االعتماد على أسس نظرية ،وهذه
المنهجية يمكن أن تقودنا إلى االقتراب من الحقيقة .ولتأكيد هذه األخير قمنا بتوظيف المنهج
االستداللي أو االستنباطي من أجل تطبيق هذه النظريات والفرضيات على أرض الو اقع من
خالل رصد توظيف بعض األيدولوجيات لمفاهيم تبدو ذات صبغة طبيعة ،إال أنها في الو اقع
موظفة بشكل يتعارض مع المناهج العلمية والموضوعية ،مع الحرص الشديد للتأكد من صحة
ما تم رصده أو معالجته في إطارقواعد البحث العلمي والحقائق الملموسة.
خطة الدراسة :لقد قسمنا هذه الدراسة إلى أربعة مطالب وكل مطلب يتضمن عدة فروع
وفقرات على الشكل التالي :المطلب األول :التمييز بين النظرية والمذهبية في إطار حقل حقوق
اإلنسان .المطلب الثاني :منظور األيدولوجيات لمفاهيم حقوق اإلنسان .المطلب الثالث:
مداخل المذاهب في التأثيرعلى قواعد وفلسفة حقوق اإلنسان .المطلب الرابع :توظيف معايير
حقوق اإلنسان بطريقة انتقائية ومزدوجة.
يتطلب التمييز بين النظرية والمذهبية بحثا أكثر مما سوف تثيره هذه الدراسة ،إال أن
إثارته في هذا المطلب فرضه طبيعة الموضوع المتعلق بمجال حقوق اإلنسان ،سيما أن هذه
األخيرة صيغت جل قواعدها في ظروف خاصة ،بحيث غابت عن صياغتها دول كثيرة لم تكن
موجودة أصال ،أو أن وجودها كان مرتبطا بالدول االستعمارية ،سيما أن األمم المتحدة كانت
قد أنشأت جهازا رئيسيا يشرف على تنظيم العملية االستعمارية ،195مع اإلشارة إلى أن التمثيلية
داخل جل األجهزة الرئيسية لألمم المتحدة كانت وما زالت نسبية وتمييزية ،ألن الدول الصناعية
الكبرى تتمتع بوضعا خاصا داخل هذه المنظمة ،مع اإلشارة إلى أن جل هذه الدول الفاعلة في
القانون الدولي والعالقات الدولية تنتمي لديانة وثقافة وتاريخ مشترك ،وطبيعة عالقتها بباقي
الدول قائم على أساس التعالي والخضوع والتبعية .196وهذا الوضع ألقى بضالله على صياغة
عدة قوانين دولية كرست ممارسات وأعراف وإجراءات غيرمنسجمة مع مبادئ حقوق اإلنسان،
كما هي متعارف عليها دوليا وعلى رأسها المساواة وعدم التمييز ،197وال يمكن كذلك تغافل تأثيره
على نشأت المنظومة الحمائية الدولية .واإلقراربحقيقة وفكرة أن المؤسسات الدولية ال تعمل
وفق مبدأ المساواة الفعلية وعدم التمييز ،والتسليم بهذه الحقيقة ليس بهدف التقليل من شأن
القانون الدولي لحقوق اإلنسان أو المنظومة الحمائية الدولية ،ولكن للتأكيد على أن هذه
195انظر الفصل الثالث عشر من ميثاق األمم المتحدة الذي أنشأ "مجلس الوصاية".
196صرح مسؤول السياسة الخارجية باالتحاد األوروبي" ،جوزيب بوريل" يوم 71أكتوبر 2222خالل افتتاح األكاديمية
الدبلوماسية األوروبية الجديدة في بلجيكا ،بأن "أوروبا حديقة ،لقد بنينا حديقة ،أفضل مزيج من الحرية السياسية والرخاء
االقتصادي والترابط االجتماعي استطاعت البشرية أن تبنيه ،لكن بقية العالم ليس حديقة تماما ،وبقية العالم هو أدغال".
197إن ميثاق األمم المتحدة كرس مبدأ التمثيلية النسبية وأعطى للدول العظمى تمثيلية دائمة ،أنظر مثال المادة 22من الميثاق.
المؤسسات نشأت في ظروف تحكمت فيها ممارسات غير منسجمة مع مبادئ وقيم حقوق
اإلنسان ،بفضل سيادة أيديولوجيات ومعتقدات ال تعبر عن كل مكونات املجتمع الدولي أو
العالمي ،نتيجة سيادة نظام دولي يسمى بنظام الثنائية القطبية .وهذا األخيركان له تأثيرعلى كل
مستويات الحقوق والحريات األساسية ،وعلى المؤسسات الدولية المعنية بحماية حقوق
اإلنسان ،أو المرتبطة بها .فرغم أن حقوق اإلنسان عالمية وكونية ،إال أن العالم عرف ميالد
مرحلة جديدة بعد انهيار المعسكر الشرقي ،تميزت بسيطرة ثقافة وفلسفة محددة سميت
بالديمقراطية الليبرالية الغربية .وهذه األخيرة سوف تلعب دورا رئيسيا في تشكيل مفاهيم حقوق
اإلنسان وتحديد مجاالتها ووجهتها.
أصبحت حقوق اإلنسان كنظرية مرتبطة بالعلوم اإلنسانية واالجتماعية ،لذلك فهي
تعتمد نفس المناهج العلمية المعتمدة لدى هذه العلوم ،إال أن حقوق اإلنسان كو اقع
وكممارسة تنفرد بكونها الفرع الوحيد من هذه العلوم المرتبطة بكل العلوم وبكل مجاالت
الحياة بدون استثناء ،فال يمكن تصورخلو العلوم من قواعد حقوق اإلنسان كيفما كان نوعها،
وفي إطار ارتباطها بالقانون الدولي العام ،يرى البعض أن األخير يعتبر مستقال عن باقي القوانين
الدولية ،ألنه يعتمد عدة مبادئ وقيم تتناقض إما كليا أو جزئيا مع القانون الدولي العام .لذلك
فالحديث على كون القانون الدولي لحقوق اإلنسان فرعا من فروع القانون الدولي العام مجانب
للموضوعية والعلمية .ألن القانون الدولي لحقوق اإلنسان أصبح يحتكم إلى مبادئ وقيم يمكن
اعتبارها محط إجماع دولي ،باعتبارها قواسم مشتركة لإلنسانية ،ومن جهة أخرى فقد كرست
الممارسة عدة مؤشرات ومعاييريمكن اعتبارها مناهج علمية لقياس الممارسات والتعرف على
اإلجراءات المناسبة والموضوعية ،وكذلك اعتمادها في عملية التصنيف والتقييم ،مما يوحي
أننا أمام علم يمكن أن يخضع للقياس ،ويعتمد اإلنسانية كأرضية مشتركة ومصدرا للحقوق
وضمانة للكرامة ،ومعيارا فاصال بين الخير والشر ،وبين الحق والباطل ،وبين العدل والظلم،
وبين الحماية واالنتهاك.
لقد تأسس القانون الدولي العام على مبدأ السيادة المطلقة للدول على شأنها
الداخلي 198،وعلى عالقاتها بالدول والكيانات املختلفة ،فقرارات الدول مهما كانت طبيعتها تعتبر
شأنا داخليا مرتبطا بسيادة الدولة ،ويحق لها التعامل بالمثل في جميع املجاالت ومن بينها قرار
إعالن الحرب .والفرد ليس له أية شخصية دولية مستقلة ،بل هو جزء مما تملكه الدولة
وتتصرف في مصيره وفق ما تفرضه مصالحها.
بالمقابل إن حقوق اإلنسان ال تعتد بالسيادة المطلقة وتقلل من شأنها كلما ارتبطت
بالحقوق والحريات األساسية ،كما ال يحق للدولة التضرع بعدم التدخل في شؤونها الداخلية
والمس بسيادتها إذا قامت بانتهاك أحد الحقوق الواردة في القانون الدولي لحقوق اإلنسان ،وال
يمكنها التضرع كذلك بالمعاملة بالمثل في القضايا الحقوقية واإلنسانية .هذا من جانب طبيعة
قواعد القانون الدولي لحقوق اإلنسان ،أما من زاوية الحقوق والحريات األساسية فإن جل
الباحثين والدول الحامية لحقوق اإلنسان والمنظومة الحمائية الدولية ،تعتبرها قواسم
مشتركة بين الجنس البشري بغض النظرعن االنتماءات الجغر افية أو العقائدية أو االجتماعية
أو اللون أو نوع الجنس .لذلك فإننا أمام مجال تشترك فيه البشرية جمعاء ،مما يفرض علينا
الحديث عن مجال محفوظ لإلنسانية ومحكوم بقواعد قابلة للقياس.
ارتباط الحقوق والحريات األساسية بطبيعة اإلنسان التي تحمل جوانب الخير والشر
يفرض وضع معايير لحماية هذه الحقوق من كل التأثيرات التي يمكن أن تسمح بطغيان جانب
الشر في نفوس الناس سواء كانوا حاكمين أو محكومين .ووضع هذه المعايير استدعى القيام
بدراسات مختلفة للتوفيق بين المصالح والرغبات التي تفرضها الطبيعة البشرية ،وما ينتج عنها
من خصوصيات واستثناءات ال يمكن الحسم فيها إال باعتماد المناهج الموضوعية والعلمية
والمعرفية ،وهذه األدوات هي التي خلصت إلى استنتاجات حول الطبيعة البشرية والوصول إلى
النتائج الو اقعية للتعبيرعن األرضية المناسبة لصياغة حقائق تثبت و اقعية وموضوعية هذه
الحقوق من خالل أنها:
198أنظر الفقرة 1من المادة 2من ميثاق األمم المتحدة لعام .7491وهذه الفقرة في الواقع تتناقض مع مبدأ السيادة النسبية في
مجال حقوق اإلنسان ،كما تتناقض مع مبدأ التدخل في الشؤون الداخلية في حالة وجود االنتهاكات الجسيمة ضد األفراد.
-1تعبرعن مكوناتها بشكل موجز ،مبينا غرض هذا العلم كنظرية علمية.
-1لها سند في الو اقع ،أي تعتمد في صياغتها على الو اقع ،وقابلة لالختبارالعلمي والقياس.
شقت الحقوق والحريات األساسية طريقها إلى الوجود بعد مرورها بعدة محطات
تاريخية ،واحتكت بعدة فلسفات وتصورات ومعتقدات وخصوصيات وإمكانيات مختلفة
وثورات ،200وهذه العوامل لم تمرمرورالكرام دون إحداث تأثيرعلى مسارومصيرهذه الحقوق،
بل لقد تم التعبيرعنها بمختلف التعابيرإلى حد التناقض بسبب اختالف التصورات والفلسفات
والثقافات وغيرها ،لذلك كانت هذه الحقوق تلبس ثوبا معينا أو تتمظهربلون معين ،ثم بعد ذلك
تغير أشكالها وألوانها بمرور الزمان والظروف والبيئة بالمفهوم الواسع ،مما يعني أن حقوق
اإلنسان لم تسلم من تأثير الثقافات والحضارات التي عاشت في كنفها .وهذا ال يعني أن هذه
الحقوق ليست أصيلة في شخص اإلنسان ،بل إن توظيفها وتكييفها حسب الوضع السياس ي
واأليديولوجي السائد هوالذي أثرعلى مضمونها وأصالتها ،وأصبغها صبغة مذهبية بلباس ولون
اإلنسانية.
االختالفات األيدولوجية بين الشعوب واألمم هو أمر و اقع قائم بذاته وال يمكن نكرانه،
وهو ما يطلق عليه البعض بالخالفات المبدئية ،201وإن هذه األخيرة تنطلق من خلفيات تاريخية
199تعتمد الهيئات الدولية لحقوق اإلنسان أساليب موضوعية وعلمية صارمة من خالل اختصاصها في تفسير بنود االتفاقيات
الدولية لحقوق اإلنسان ،من خالل إصدار تعليقات عامة أو توصيات عامة ،وهذه األخير تخضع لمعايير وتصورات تعتمد
المناهج العلمية والموضوعية بشكل صارم.
200على رأس هذه الثورات "الثورة األمريكية لعام "7111و"الثورة الفرنسية لعام "7114
201أحمد سليم سعيفان ،الحريا ت العامة وحقوق اإلنسان :دراسة تاريخية وفلسفية وسياسية وقانونية مقارنة ،الجزء األول،
منشورات الحلبي الحقوقية ،2272ص.9
وعقائدية وثقافية مختلفة ،وتؤثرعلى الحقوق بشكل مباشر ،فما يعتبره قوم حقا ،قد ال يبدوا
بالضرورة كذلك لدى قوم آخر .202فضال عن تقاطع حقوق اإلنسان وتطورها العبرالزمني ،لذلك
ينبغي الوقوف على تأثير مختلف التصورات والفلسفات التي تعبر عنها األيديولوجيات على
فلسفة حقوق اإلنسان ،وعلى صياغة قواعدها وفق قوالب مناسبة ألهداف وغايات هذه
األيديولوجيات.
ترى النظرية الليبرالية أن الحقوق الفردية هي حقوقا طبيعية لصيقة باإلنسان ،يكتسبها
منذ والدته ويظل محتفظا بها حتى مماته ،وأن مصدر هذه الحقوق هو القانون الطبيعي ،وأنها
مرتبطة بالنظام الطبيعي لألشياء ،وهي حقوق ال تقبل التقييد أو التصرف أو التجزئة ،والدولة
نفسها وجدت من أجل حماية الحقوق والحريات األساسية ،وهذه األخيرتصاغ لها قوانين وتعد
لها برامج لحمايتها .كل هذه الحقائق مقبولة ومستحسنة ومناسبة لكل الناس ،إال أنه ينبغي
التركيز على تنزيل هذه الحقائق على أرض الو اقع كنوع من الثوابت التي تشكل تقاطع كل
الثقافات والفلسفات والعقائد .لذلك فإن قراءة ممارسات الفلسفة الليبرالية يمكن أن تفض ي
إلى اإلقرار بحقيقة أن الحقوق والحريات المقصودة هي الحقوق الفردية ،باعتبار هذه األخيرة
حقوقا منسجمة مع فكرة قداسة الفكر الليبرالي للفرد على حساب الجماعة ،وهنا يتضح تأثير
المذهب الفرداني على حقوق اإلنسان ،بحيث يتم صياغة قواعد حقوق اإلنسان متناغمة مع
عقائد األيدولوجية الغربية الليبرالية ،مما يجعل قيم باقي الشعوب في مهب الريح .رغم أنها يمكن
أن تتضمن ما يؤهلها بأن تعبرعن مستويات إنسانية متقدمة أو استثنائية ،والتي يمكن أن تكون
كذلك مشتركا لإلنسانية جمعاء .إال أن الو اقع العملي أثبت أن الفلسفة الليبرالية هي الوحيدة
التي يمكن أن نستقي منها المفاهيم والمعاييرالمعبرعن اإلنسانية ،كما أنها الوحيدة التي أثبتت
قدرتها على البقاء واالستمرار ،وأنها األقرب للحقوق الطبيعية ،وأنها المنسجمة مع الحقوق
والحريات األساسية .لقد تم تسويق هذه االدعاءات األخيرة من خالل توظيف عدة عوامل منها
ما هو تاريخي ،ومنها ما ارتبط بالقوة والتحكم وامتالك وسائل الترويج والتأثيروالسيطرة.
202جغلول زغدود وعالوة هوام ،حقوق اإلنسان وإشكالية المفهوم ،مجلة التربية ،جامعة األزهر ،العدد ،799سنة ،2272
ص .197
لقد أصبحت املجتمعات األمريكية للشمال ،واألوربية للغرب ،تشترط على الدول األقل
تقدما ال العمالة الزهيدة األجوروالنفط فحسب و إنما أيضا اصطفافا وراء تقاليدها وأخالقها.
وإن عربة التسوق اإليديولوجية األتية من الغرب تحمل ،وهي تتدحرج نحو سائر مناطق العالم
األخرى حرية التعبير ،والتبادل وتنقل الناس والمال وتحررالمرأة وحق االنتخاب ،وإعادة تعريف
المثلية بوصفها تصرفا بشريا مشروعا .203وإن هذه العربة هي الوحيدة التي يمكنها أن تنقذ
البشرية وتحمي الحقوق والحريات األساسية حسب تعبير "فوكوياما" في كتابه "نهاية
التاريخ" ،204إن الخروج عن هذه الكوبة كما تعبر عنها الليبرالية الغربية ،يعتبر مدخال مهما
لمهاجمة باقي األيدولوجيات على أساس أنها انتهاك لحقوق اإلنسان ،وهذا التعسف
اإليديولوجي أصبح قاعدة آمرة لتحكيم مدى انسجام أية ممارسة مع مبادئ حقوق اإلنسان،
وهنا تظهر الثغرة أو الفجوة الكبرى التي تجعل الحقوق والحريات األساسية محكومة بحكم
و اقع ومنطق وفلسفة وتصورات المذهب الليبرالي الغربي.
يرى المذهب االشتراكي أن اإلنسان هو نتاج التاريخ ،لذلك ليس للفرد حقوقا طبيعية
ثابتة ،وال وجودا مستقال عن مجتمعه ،وبحكم أن الفرد ال يتمتع بمكانة أمام الجماعة ،فإن
حقوق الجماعة تسمو على حقوقه ،وإذا تمتع الفرد بأحد هذه الحقوق فهي ليس إال امتيازات
عارضة تقررها الجماعة كما تشاء وتسحبها متى تشاء .وإن الحقوق ال يمكن لها أن تتحقق إال في
بيئة معينة ،تستقرفيها األوضاع المادية بالتحررمن كل الضغوطات ،فيتحررالفرد سياسيا من
ضغط الدولة ،و اقتصاديا من ضغط الحاجة ،ودينيا من ضغط االعتقاد الديني ،وعائليا من
قيود السيطرة العائلية ،205فالحقوق الفردية حسب المذهب االشتراكي هي حقوق طوباوية
ومزيفة ،ويتساءل أنصار هذا المذهب عن قيمة الحرية في الترشح واالنتخاب إذا كان البطن
خاليا والرأس خاويا ،لذلك فالحقوق الو اقعية هي الحقوق االقتصادية واالجتماعية
203إيمانويل تود ،أين نحن من هذا كله؟ خطاطة للتاريخ اإلنساني ،ترجمة فتحي ليسير ،الطبعة األولى ،دار التنوير للطباعة
والنشر بيروت لبنان سنة ،2227ص .27
204لتفصيل أكثر أنظر الصفحات األخيرة من كتاب فوكوياما "نهاية التاريخ واإلنسان األخير" ترجمة فؤاد شاهين وآخرون،
مطبعة مركز اإلنماء القومي ،لبنان ،سنة .7442
205محمد عصفور ،الحرية في الفكرين الديمقراطي واالشتراكي ،الطبعة األولى ،سنة .7417ص.711-187
والثقافية ،والتي ينبغي أن تخضع للتفسير االقتصادي والتأكيد على ترابط الحقوق والطبقية
وجودا وعدما.206
يرى الكثير من الفقهاء الشريعة اإلسالمية أن اإلسالم منح لإلنسان كل الحقوق التي
تتطلبها الح ياة اإلنسانية الكريمة ،والتي تيسرلإلنسان وتساعده على حراسة الدين والذود عنه
وسياسة شؤون دنياه ،وهي في ذلك -يعني الحقوق -حقوق واسعة تتجاوز بعمومها وجزئياتها
بكثير ما عدته عقول البشر من حقوق ،وقد أحاطها اإلسالم بضوابط وقيود صارمة ،وأحاطها
بأوامر ونواهي تصب كلها في مصب حمايتها ،ألن من شأن إقرارها شق الطريق السوي إلقامة
املجتمع اإلسالمي الحقيقي.208
إن ربط حقوق اإلنسان بحراسة الدين يمكن أن يكون مدخال ،يعتبره البعض غير
منسجم مع حقوق اإلنسان وليس من أنواعه ،إضافة إلى أن فرض هذه الحراسة يمكن كذلك
أن تكون مدخال العتبار الدين ناقصا ويحتاج لمن يحميه .وإن ادعاء بأن هناك حقوقا واسعة
تتجاوز بعمومها وجزئياتها بكثير ما عدته عقول البشر يحتاج من الفقهاء الذين صاغوا اإلعالن
بإدراجها في بنوده كتشريع يمكن أن يكون بديال عن اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ،كما ينبغي
أن تكتسب هذه الحقوق صفة االستحسان ،بنفس درجة االستحسان الذي حظيت به بنود
اإلعالن العامي لحقوق اإلنسان والتي أصبحت جزء ال يتجزأ من دساتيرمعظم دول العالم.
بالمقابل فإن القران الكريم لم ينص على تعبير "الحرية" في أية آية من آياته ،إال أنه نص
وكرس مفهوم الكرامة اإلنسانية ،209فكان من باب أولى لفقهاء الشريعة اإلسالمية التمييز بين
الحرية كمفهوم مرن ومطاط ومتغير ،والكرامة اإلنسانية كمفهوم قار ومقر بحقوق وحقائق
ملموسة ،مع تبيان القيمة الحقوقية واإلنسانية للمفهومين .علما أن تنصيص القوانين
والتشريعات على حق من الحقوق ال يعنى مطلقا بأن األفراد والجماعات سوف تتمتع بهذه
الحقوق تلقائيا ،مما يجعلها "حقوقا رسمية" .بالمقابل إذا لم ينص عليها التشريع لكنها تمارس
على أرض الو اقع فهي تصنف ضمن "الحقوق الفعلية" ،لذلك ينبغي التذكير بأن حوارالله مع
الشيطان ،وتحدي األخير للخالق دون أن يقوم الله بتدميره 210هو تعبير حقيقي على وجود
"الحرية الفعلية" في الممارسة اإلسالمية حتى وإن لم ينص عليها النص القرآني ،وإن التعبير
عن الكرامة اإلنسانية هي اإلقرار بوجود حقوقا حقيقية وو اقعية ،ويمكن البحث كذلك عن
مدى تأثيرالفلسفة والعقيدة اإلسالمية األصيلة على ممارسات المسلمين وعلى رأسهم القائمين
على إنفاذ القانون أو تطبيق النصوص الدينية .211لذلك إن كان الدين اإلسالمي قد عبر عن
الحقوق والحريات األساسية بشكل لم يعبر عنه العقل البشري كما جاء في البيان العالمي ،إال
أن فقهاء الشريعة لم يستطيعوا ترجمة هذه الحقوق والحريات إلى و اقع عملي ،أو على أقل
تقدير جعلها حاضرة في مخيال املجتمعات اإلسالمية كنوع من الثقافة املحددة لنوع العالقات
االجتماعية أو ممارسات األفراد والجماعات أو القائمين على إنفاذ القوانين ،إذا استثنينا بعض
الممارسات المعزولة في الفترات السابقة ،لذلك ينبغي إعادة قراءة النصوص الدينية قراءة
اك اك إ َّال َ ْح َم ًة ل ْل َع َالم َين""َ ،212و َما َأ ْ َس ْل َن َ
منسجمة مع األبعاد العالمية واإلنسانية َ"و َما َأ ْ َس ْل َن َ
ر ِ ِ ر ِ ر
ُ ْ ُُ َّ َ َ َّ َ َّ ً َّ
اس َب ِش ًيرا َون ِذ ًيرا" 213واألخالقية " َو ِإن َك ل َعلى خل ٍق َع ِظ ٍيم" .214والحرية " َوق ِل ٱل َح ُّق ِإال كافة ِللن ِ
يال ،سورة ض ا ت َوفَض َّْلنَا ُه ْم على َكثِير ِم َّم ْن َخ َل ْقنَا ت َ ْف ِ َ 209ولَقَ ْد ك ََّر ْمنَا َبنِي آدَ َم َو َح َم ْلنَا ُه ْم فِي ْالبَ ِر َو ْالبَحْ ِر َو َرزَ ْقنَاهُم ِمنَ َّ
الطيِبَا ِ
اإلسراء ،اآلية .12
ت ْال َم ْعلُو ِم،ظ ِرينَ ِ ،إلَى يَ ْو ِم ْال َو ْق ِب فَأ َ ْنظِ ْرنِي ِإلَى يَ ْو ِم يُ ْب َعثُونَ ،قَا َل فَإِنَّكَ مِ نَ ْال ُم ْن َ 210سورة الحجر ،من اآلية 21إلى " .92قَا َل َر ِ
صينَ " ض َو َأل ُ ْغ ِو َينَّ ُه ْم أَجْ َمعِينَ ِ ،إ َّال ِع َبادَكَ مِ ْن ُه ُم ْال ُم ْخلَ ِ
ب ِب َما أ َ ْغ َو ْيتَنِي َألُزَ ِين ََّن لَ ُه ْم فِي األ َ ْر ِ
قَا َل َر ِ
211رد عمر ابن عبد العزيز على وال له استأذنه في تعذيب أناس ليعترفوا فيقول" :أعجب من استئذانك في عذاب بشر وكأني
لك حصن من عذاب الله أو أن رضائي ينجيك من سخطه ،فمن قامت عليه بينة أو أقر فخذ بذلك ومن أنكر فاستحلفه وخل
سبيله ،ألن يلقوا الله بخياناتهم أحب إلي من أن ألقى الله بدمائهم".
212سورة األنبياء اآلية رقم .721
213سورة سبأ اآلية رقم .21
214سورة القلم ،اآلية رقم .9
كان موضوع التفريق بين الحقوق المدنية والسياسية من جهة والحقوق االقتصادية
واالجتماعية والثقافية من جهة أخرى ،محل جدل في أروقة األمم المتحدة ،وذلك ألن هذا
الموضوع مرتبط بالمفهوم النسبي لحقوق اإلنسان عامة ،فالفهم االشتراكي يرى أن الحقوق
االقتصادية واالجتماعية تسبق الحقوق السياسية والمدنية ،وأول مظاهر هذه الحرية
االقتصادية حق العمل والتعليم والرعاية الطبية ،ثم تأتي بعد ذلك حرية الصحافة والتعبير
والرأي ،ويتناقض هذا التقييم تماما مع ترتيب األولويات للحقوق اإلنسانية لدى الغرب إذ
تسبق الحقوق المدنية والسياسية غيرها من الحقوق وذلك نتيجة سيطرت المنظور الفردي
الليبرالي.216
الفرع األول :العهد األول لحقوق اإلنسان بين الحقوق األساسية واالمتداد التاريخي
للفلسفة الليبرالية
تعتبر جل الحقوق الوارد في العهد األول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حقوقا
أساسية ،مما يعني أن هذه الحقوق مرتبطة بالكرامة اإلنسانية ،قبل أن ترتبط بأي اعتبار أخر
كيفما كان نوعه ،فالحق في الحياة والرأي والتعبير والمعتقد وتقرير المصير ...ال يمكن ألحد
التنكرلها أونفيها ،وإال سوف يكون في مواجهة مباشرة مع الحقوق الطبيعية ،والقواعد العرفية
اآلمرة والملزمة ،والقواسم المشتركة بين البشرية جمعاء.
ترجمة هذه الحقوق السابقة يمر عبر جسور مختلفة للعبور إلى الو اقع العملي وإلى
الممارسة ،وهذا المساريحتاج إلى أدوات وبرامج وسياسات وتصورات ،كل هذه اآلليات ال يمكن
أن تنبثق من الفراغ أو تخرج من وعاء إنساني يعبر عن فكرة محل اتفاق وقبول كل التصورات
والفلسفات والمعتقدات .سيما أن األخيرة يمكن أن تعبر عن نوع من االختالف يصل حد
التناقض والتنافر.
هناك فلسفات و أيدولوجيات أعطت لهذه الحقوق وزنا كبيرا ،217بالمقابل هناك
أيدولوجيات أخرى احتقرت هذه الحقوق واعتبرتها طوباوية ،حيث قامت بالرفع من شأن حقوق
أخرى مختلفة .هذا المد والجز بخصوص القيمة الحقوقية واإلنسانية والقانونية ملختلف
الحقوق هو المدخل األساس ي لأليدولوجيات للتعبير عن تصوراتها ومعتقداتها وفلسفتها
المرتبطة بقيمها وعاداتها وهويتها الحضارية.
االنتقال من الحقوق والحريات األساسية إلى الحقوق الفردية يكشف لنا عن جزء من
االختالف الحاصل بين األيدولوجيات ليبرز التناقض بينها في الفهم والتعبير ،كما أن أجيال
حقوق اإلنسان بدورها يمكن أن تقرب الصورة أكثربخصوص امتداد البعد األيديولوجي للتعبير
عن الحقوق المدنية والسياسية ،حيث هناك توجه يدعو إلى التحرر بدل الحرية ،وتلبية
الرغبات والشهوات بدل حماية الكرامة اإلنسانية .لذلك أصبح البعض يفتخر بأعضائه
الحساسة ،وحياته الخاصة ألنها تدرربحا كبيرا عندما يعرضها أمام شاشات الكاميرات لتحصل
217عبرت عن هذه الحقوق المنظومة الغربية منذ عهد مكنا كارتا لسنة 7271مرورا بالثورة األمريكية لعام ،7111والثورة
الفرنسية لعام ،7114كل هذه المحطات التاريخية كرست فيها الحقوق المدنية والسياسية مما يعني أن الفلسفة الرأسمالية
وامتدادها الطبيعي الفلسفة الليبرالية لم تعترف سوى بهذه الحقوق وكيفتها وفق متطلبات العرض والطلب اللذان يفرضهما
السوق.
على كثير من المشاهدات ،والشركات التجارية والصناعة تشجع ذلك بشكل كبير وتدفع مقابل
مادي لمن يتفنن في اإلثار لجلب أكبر عدد من هذه المشاهدات .سخاء هذه الشركات ال يمكن
ربطه بأية عالقة مع الحقوق والحريات األساسية ،بل هو مرتبط بشكل كبير بالربح ،لذلك فإن
حماية الدول الليبرالية لألشخاص الذين يعرضون هذه المشاهد الغير األخالقية والماسة
بكرامتهم ،يفسر التناغم بين الفلسفة الليبرالية وتحقيق أرباح الشركات .وال يعنى أو يرتبط
بحقوق اإلنسان بأية رابطة حقوقية أو إنسانية.
أصبح اإلنسان بين معادلة الربح وحماية الكرامة اإلنسانية والحقوق والحريات
األساسية أداة من األدوات ذات التوظيف المتعدد األشكال واألوجه ،بحيث في عالقته بالربح
فهوأداة جيدة لالستهالك لتحقيق رقم معامالت دسم للشركات ،مقابل دفع أجرة لتلبية الغرائز
والشهوات ،حتى وإن عرض حياته الخاصة والحميمية لالنتهاك والهتك .218وفي عالقته بالحرية
الفردية فاإلنسان أداة للضغط على الحكومات االستبدادية لتقديم التنازالت ،و أثبت الو اقع
أن الدول الليبرالية ال ترغب في تشجيع الشعوب على تقرير مصيرها بل في تكريس أنظمة
استبدادية فاسدة ليسهل التحكم فيها واستغالل مواردها ،هذا التوجه في الحرية ال يمكن
فصله عن التوجه الليبرالي الذي يسعى في المقام األول واألخيرلتحقيق األرباح وال يهمه أي اعتبار
أواهتمام للجوانب األخالقية أواإلنسانية والحقوقية والوجدانية .219لذلك لقد اختلط الحابل
بالنابل ولم نعد نميز بين الضحية والجالد ،حيث فعال هناك حقوقا تنتهك تحت ادعاء أن
األشخاص متحررين ،وهناك سياسات تمارس ألجل التسترعلى هذه االنتهاكات بتقديم حفنة من
المال لألشخاص في أمس الحاجة إليها .وهنا يظهراالختالف العميق بين مفهوم حقوق اإلنسان
(ما يمكن أن نسميه حقوق اإلنسان) الذي يتشاركه النخب – معظمها في الغرب – وبين ما تعنيه
هذه الحقوق (ما يمكن أن نسميه حقوق اإلنسان) بالنسبة للغالبية العظمى من العالم.
فحقوق اإلنسان هي أيدولوجية نيويورك-جنيف-لندن التي تركز على القانون الدولي ،العدالة
الجنائية ومؤسسات الحكم عالميا .فحقوق اإلنسان ِنتاج لـ %5فقط من العالم .أما باقي
العالم ،%77 ،فيرى أن النضال في مجال حقوق اإلنسان من بين العديد من اآلليات التي يمكن
أن تحدث تغييرا اجتماعيا هادفا .فبحكم طبيعتها ،انخفضت حدة مرونة وتكيف وو اقعية وتنوع
218من بين حقوق اإلنسان األساسية حقه في حماية حياته الخاصة ،بحيث أن جل القوانين الوطنية تجرم تصوير الشخص وهو
داخل منزله.
219دخلت الواليات المتحدة األمريكية ومعها الدول الغربية إلى عدد كبير من الدول بهدف نشر الديمقراطية وحقوق اإلنسان
وتحولت بعد ذلك هذه الدول إلى دول فاسدة ومخربة ومدمرة مثال "العراق ،أفغانستان ،ليبيا"....
حقوق اإلنسان – فهي معايير ديمقراطية من القاعدة إلى القمة ،بدال من قواعد موثوقة من
القمة إلى القاعدة.220
عرفت لجنة حقوق اإلنسان التي كانت تابعة للمجلس االقتصادي واالجتماعي لألمم
المتحدة نقاشات حادة بين الدول االشتراكية والليبرالية ،وعلى وجه الخصوص أولوية
مجموعة محددة من حقوق اإلنسان وطرق تحقيقها .حيث انحازت الدول االشتراكية إلى
تكريس الحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،221بالمقابل انحازت الدول الليبرالية إلى
تكريس الحقوق المدنية والسياسية ،222التي كانت تعتبرها شيئا متمما للحرية والديمقراطية،
ودافعت بقوة عن مبدأ إنشاء لجنة أو محكمة لحقوق اإلنسان تشرف على وضع هذه الحقوق
موضع التنفيذ ،بالمقال فإن العهد الثاني لم يتضمن اللجنة المعنية بالحقوق االقتصادية
واالجتماعية والثقافية ،وهذه اآللية تعتبر أساسية لتنزيل مقتضيات الحقوق الواردة في هذا
العهد.223
لوال هذا التباين في فرض األولويات ،لكان هناك عهد واحد يجمع بين كل الحقوق
السابقة ،إ ال أن البعد اإليديولوجي كان صاحب الفصل والكلمة األخيرة ،وإن السياق السياس ي
الذي ساد هذه الفترة كان حاسما في تبنى العهدين بدل عهد واحد .إن هذه االعتبارات ال يمكن
بأي حال من األحوال أن تكون ذات عالقة بتجويد حقوق اإلنسان أو الرقي بها أو تكريسها ،أو
ذات قيمة ح قوقية أو إنسانية ،بقدر ما كان صراعا سياسيا له خلفيات أيدولوجية .لذلك
أصبحت الدول الغربية ال تتدخل في شؤون الدول األخرى املحسوبة على الدول المنتهكة لحقوق
اإلنسان للحقوق االقتصادية أو االجتماعية ،أو مهما بلغت مجتمعات هذه الدول من فقر أو
معاناة صحية أو بيئة .لكن ال تتردد الدول الليبرالية في انتقاد الدول التي تنتهك الحقوق المدنية
220ستيفن هوبجود ،حقوق اإلنسان :ماضيهم حسب التاريخ ،تم االطالع عليه يوم االثنين 71أكتوبر 2222على الساعة 72
صباحا .أنظر الرابط أسفله https://www.openglobalrights.org › human-rights-past-the.
221العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق واالنضمام بموجب
قرار الجمعية العامة لألمم المتحدة 2222ألف (د )27-المؤرخ في 71ديسمبر ،7411تاريخ بدء النفاذ 2 :يناير ،7411وفقا
ألحكام المادة 21منه.
222العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق واالنضمام بموجب قرار الجمعية العامة
لألمم المتحدة 2222ألف (د )27-المؤرخ في 71ديسمبر ،7411تاريخ بدء النفاذ 22 :مارس ،1976وفقا ألحكام المادة 94
منه .لمراجعة نص العهد انظر :األمم المتحدة ،مجموعة صكوك دولية ،المجلد األول (الجزء األول) ،جنيف ،مركز األمم
المتحدة لحقوق اإلنسان ،7442، 7449 ،ص.11-21 ،
223أصبح العهد الثاني الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية يتمتع باللجنة المعنية إال أنها جاءت بقرار من المجلس
االقتصادي واالجتماعي لألمم المتحدة رقم 7411|71بتاريخ 21ماي .7411
والسياسية ،وعلى وجه الخصوص الحقوق المرتبطة بالحق في التعبير أو الرأي أو الحريات
الفردية .لذلك فإن جل الدول التي تستهدفها الدول الغربية هي الدول التي تقمع المظاهرات
وحرية الصحافة والحق في التعبير وعدم إجراء االنتخابات ،وبشكل عام جميع الحقوق ذات
االرتباط بالجانب السياس ي والمعتقد .أما االنتهاكات المرتبطة بما هو اقتصادي أو اجتماعي
مهما بغت من الجسامة و أثرت على حياة األفراد وسالمة أجسادهم و أنفسهم وعقولهم إال أنها
تبقى من الدرجة الثانية ألنها ليس مدخال أساسيا للتدخل في شؤون الداخلية للدول حسب
الفلسفة الليبرالية.
تعتبر حقوق اإلنسان قواعد قانونية وإجرائية ،224وقواعد عرفية تواترت وتحولت إلى
مبادئ وقيم اكتسبت صفة القواعد العرفية اآلمرة ،225وما يميز أكثر هذه القواعد هو أنها
أصبحت تحتكم إلى معايير ومقاييس بفضل مجهودات الهيئات الدولية سواء منها ،االجتهادات
ذات الطابع الفقهي ،أو من خالل ما يصدر على شكل التعليقات العامة .كل هذا املجهود كرس
عدة معايير تقاس عليها مصداقية القوانين ،وممارسات القائمين على إنفاذ القانون ،لذلك
تعتبرهذه الحالة خطوة جد متقدمة في إطارتعزيزحقوق اإلنسان والنهوض بها وحمايتها .إال أنه
يالحظ توظيف هذه المعاييربنوع من االنتقاء .حيث تعتمد هذه المعاييرفيما له عالقة بالحقوق
والحريات الفردية التي كرستها الفلسفة الليبرالية ،وتستثنى من هذه العملية بعض القيم التي
جاءت بها الحضارات األخرى ،وعلى رأس هذه المعاييرالتدابيرالخاصة التي تعتمد لتفسيربعض
الحقوق ذات الطابع التفضيلي لبعض الفئات االجتماعية.
تنص االتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على أنه " ال يعتبر
اتخاذ الدول األطراف تدابيرخاصة تستهدف حماية األمومة ،بما في ذلك تلك التدابيرالواردة في
هذه االتفاقية ،إجراء تمييزيا" .226تشير هذه الفقرة إلى أن معاملة المرأة والرجل بشكل يوحي
بعدم تفعيل مبدأ المساواة بسبب الفروق البيولوجية ،ال يعتبر تمييزا ،وأن هذا التمييز سوف
224المقصود جميع الحقوق واإلجراءات الواردة في االتفاقيات التسعة لحقوق اإلنسان والتي تعتبر النواة الصلبة لحقوق اإلنسان
225على سبيل المثال المواد الواردة في اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ،حيث تحولت جل هذه المواد إلى قواعد عرفية آمرة
وملزمة ،كما أنه ال يتصور خلوها من دساتير الدول.
226الفقرة 2من المادة 9من االتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة مرجع سابق.
يفرض صياغة تدابيرذات طابع دائم ،ألن هذه الفروقات ال يمكن تغييرها بحكم الو اقع أو بحكم
الطبيعة ،إال إذا حدث العكس عندما يحين الوقت الذي تبرر فيه المعرفة العلمية
والتكنولوجية المشارإليها في الفقرة 1من المادة 55إجراء عملية مراجعة لها.227
خروج بعض مواد االتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عن
مبدأ المساواة ومبدأ عدم التمييز ،يمكن أن يعطي االنطباع بتحيز االتفاقية إلى المرأة على
حساب حقوق الرجل ،إال أن هذا االنطباع عندما يستحضرمنطق اإلنصاف بدل منطق العدل
بالمفهوم الصارم والتقليدي ،يمكن أن يبرر تفعيل منهج االنتقال من العام إلى الخاص ومن
الكل إلى الجزء ،كما يمكن أن يفعل منطق التناسب والمعقول والضروري ،وهذا التعامل
تفرضه قواعد طبيعية وأخرى و اقعية وتفرضه المعاملة الحقوقية واإلنسانية.
كل ما سبق ال يمكن املجادلة بشأنه إذا فعلنا المقاربات المناسبة والمعقولة والضرورية.
لكن يمكن مجادلة األيدولوجيات التي تكيل بالمكيالين ،عندما ترى أن نفس المنهج السابق ال
يمكن تفعيله في سياق نظام سياس ي وعقائدي يعتبرالرجل مسؤوال عن تكاليف الحياة الزوجية
بكل تفاصيلها ،بالمقابل يحق له أن يرث حصة تعادل ضعف حصة المرأة .228إذا كانت هذه
القاعدة األخيرة تبدو للبعض نوعا من التمييزوعدم المساواة ،فالبد أن نتساءل عن أي نوع من
المعاملة التي تكلف الرجل بكل تفاصيل الحياة الزوجية بما فيها طلب المرأة لزوجها أداء أجرة
عن رضاعة أبنائهما؟ إن المنطق المفعل في التدابيرالخاصة سواء الدائمة أوالمؤقتة هو نفسه
المفعل بالنسبة آلية الكريمة التي تتحدث عن "للذكرمثل حض األنثيين" ،إال أنه ال يمكن تفعيل
هذه القاعدة القرآنية في سياق نظام ال يؤمن بهذا التقسيم لألدوار بالمفهوم اإلسالمي ،وإال
سوف يتحول إلى الظلم ،ألن الرجل أعطي له حق ضعفين في الميراث ليس لتكريمه و إنما
لتكليفه ،وإذا خرجت المعاملة عن هذه القاعدة فإن هذا التفضيل يصبح تمييزا حقيقيا ،وإن
تعدد هذه المناهج يمكن أن تكون جوابا وتفسرا ملختلف الوضعيات والظروف والسياقات مما
يحتم على املجتمع الدولي وضع معايير لتقدير وضعية الخصوصيات مقابل وضعية القيم
والمبادئ ،كفاصل محدد للمو اقف اإلنسانية واألخالقية والحقوقية ،والتي تتأسس على
قاعدة ومنطق تقسيم األدوار حسب اإلمكانيات والطاقات املختلفة لألطراف ،بما يتناسب مع
227تنص الفقرة 2من المادة 77من االتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على أنه " يجب أن تستعرض
التشريعات الوقائية المتصل ة بالمسائل المشمولة بهذه المادة استعراضا دوريا في ضوء المعرفة العلمية والتكنولوجية ،وأن يتم
تنقيحها أو إلغاؤها أو توسيع نطاقها حسب االقتضاء".
ُوصي ُك ُم اللَّهُ فِي أ َ ْو َال ِد ُك ْم ۖ لِلذَّك َِر مِ ثْ ُل َح ِظ ْاألُنث َ َيي ِْن " سورة النساء ،اآلية .77
" 228ي ِ
االختالفات البيولوجية والنفسية .ألنه عندما نأخذ بعين االعتبار االعتبارات األخيرة ،يبقى
تفعيل العدل بالمفهوم التقليدي غير قادر على إحقاق الحق رغم أنه يمكن أن يفعل القانون،
مما يفرض تفعيل منطق اإلنصاف كمعاملة ذات طابع إنساني لسد الثغرات واألخذ باالعتبارات
واالستثناءات ،والوقوف على منطق التناسب المفض ي لنتائج تراعي جميع االعتبارات وتقدر
األولويات وتقيم المصالح وفق منطق التناسب والضروري والمعقول والمقبول.
الفرع الثاني :معيار تحديد األوليات بين حقوق المثليين وحقوق الشعوب في تقرير
مصيرها
كانت منظمة الصحة العالمية منذ أقل من 11سنة ترى بأن المثلية خلل نفس ي ،وعدلت
عن موقفها بحجة أن العلم أثبت عكس ذلك.229
يحق لنا التساؤل عن سبب عجز العلم في إثبات هذا األمر قبل سنة ،2305771كما يحق
لنا التساؤل عن سبب إصرارعدة علماء إلثبات عالقة المثلية بالجنات التي يحملها البشرتزامنا
مع هذه الفترة ،والتساؤل كذلك عن إصرار الدول الغربية على تقنين حق الزواج المثلي بشكل
سريع لم يراعي أي اعتبار ،231وتشجيع اإلعالم على نشر ثقافة المثلية على نطاق واسع،232
و اتجاه القضاء إلى إصدار أحكام قاصية ضد كل من يعترض عن المثلية .233مما يطرح في األخير
التساؤل الجوهري عن طبيعة الخلفيات التي حكمت التطورات الكبيرة والسريعة والجذرية !؟
علما أن الموضوع ال عالقة له بإثبات الحقائق العلمية بل بفرض التوجهات السياسية
229لتفنيد هذا االدعاء فإن فريق من الباحثين بجامعة "نورث ويستيرن" األميركية أجرى دراسة علمية عام 2279شملت
فحص الحمض النووي لـ 922ذكر من المثليين الجنسيين .لم يتمكن الباحثون من العثور على جين واحد مسؤول عن توجههم
الجنسي ،وقالوا بأن "الجينات كانت إما غير كافية ،وإما غير ضرورية لجعل أي من الرجال شاذًّا جنسيا .وعلق أستاذ علم
الجينات األميركي "آالن ساندرز" على هذه الدراسة قائال" :الجينات ليست هي القصة الكاملة ،إنها ليست كذلك".
230في ورقة بحثية نشرتها أستاذة علم االجتماع "آميباتلر" راجعت فيها كل الدراسات االستقصائية منذ 7411م التي تناولت
نسب األشخاص الذين كان لديهم شريك جنسي مثلي في الواليات المتحدة ،تبين للباحثة أن النسب كانت تتضاعف منذ 7447م
فصاعداا مما يعني أن العوامل اإلعالمية واالجتماعية والسياسية لها دور كبير في تحديد الميول الجنسي ،وإال لو كانت المثلية
الجنسية جينية فقط لظلت النسب ثابتة.
231أصدرت المحكمة العليا في الواليات المتحدة األمريكية عام 2271حكما تاريخيا ،يقضي بمنح الحق للمثليين بالزواج في
كافة الواليات األمريكية ،وهو الحكم الذي وصفه الرئيس باراك أوباما ،بأنه "انتصار ألمريكا ...وانتصار للحب" .انظر الرابط
https://arabic.cnn.com
232ظهور منصات رقمية وهي عبارة عن مكتبات مرئية تحتوي على أفالم ومسلسالت وعروض متعددة الجنسيات ،حيث
انتشرت انتشارا عالميا واسعا ،وأكثرها انتشارا هي شبكة "نتفليكس األمريكية" التي تنشر ثقافة المثلية بدون ضوابط أو مراعات
ألي اعتبارات ،وهذا ما أقرته كذلك المجلة الطبية البريطانية BMJبخصوص التوجه الذي ذهبت فيه "أفالم ديزني" التي
أصبحت تنشر اإليحاءات الجنسية على نطاق واسع في جميع برامجها.
233في ديسمبر عام ،2274أصدر قاض أميركي حكما بالسجن 71عاما على رجل ،ألنه انتزع علما للمثليين عن باب كنيسة
وأحرقه أمام ناد للتعري (بي بي سي سنة .)2274
واأليدلوجية ،سيما أن العلم أثبت من جهة أخرى أن المثلية كانت ومازالت سببا في ظهور عدة
أمراض عضوية ونفسية.234
ربط األحداث والوقائع باإلطارالزمني مسألة في غاية األهمية والموضوعية ،ألنها تساعد
على كشف الخلفيات والحقائق ،لذلك فإن سنة " "5771شكلت منعطفا كبيرا وتحوال عميقا في
العالقات والسياسة الدولية .فهذا المنعطف هو الذي هيأ األجواء النتصار الفكر الليبرالي
وإعالن الحكومة العالمية وقيادة العالم .وهذه الزعامة ال تتم من خالل المؤسسات ذات الطابع
اإلداري والقانوني فقط ،لكن من خالل فرض ثقافة وفلسفة وفكرمتناغم مع الليبرالية الغربية
ومنسجم مع مصالحها ،لذلك كان التركيز عن محو كل ما يمكن أن يتناقض مع حرية الترويج
لتسويق المنتوجات ومرورها إلى كل بقاع العالم ،وهذه الفكرة تقتض ي القضاء على كل القيم
األخالقية واإلنسانية والدعوة لتلبية الرغبات والشهوات ،وهذه األخيرة تعتبر ضامنة لترويج
البضائع والمنتوجات بال تحفظ أوحدود ،ومن هنا جاء التناغم بين تهيئة اإلنسان لالنكباب على
تلبية غرائزه وشهواته وقدرته على االستهالك ،وتحقيق الشركات العمالقة ألرقام معامالت
خيالية.
تعتبر التساؤالت السابقة ضرورية للوقوف على حقيقة أن العلم يستغل في قضايا لها
ارتباط بأيديولوجيات ومعتقدات من أجل إقرارأمرو اقع بعيد عن العلم والنواميس الطبيعية،
وتسليط الضوء على اإللحاح المنقطع النظير لليبرالية الغربية على فرض أمر و اقع غير طبيعي
بدعوى حماية حقوق اإلنسان.
بالمقابل إذا كانت الحقوق والحريات األساسية من ضمن اهتمامات الفلسفة الغربية،
فإن الحقوق والحريات تشترط عدم تجزئتها وتقييدها أو التصرف فيها ،كما تتصف بالتكامل
والشمولية والعالمية ،لذلك ينبغي الوقوف عند خلفيات الليبرالية الغربية في استماتتها في
الدفاع عن حقوق المثليين ،وتهميش حقوق الشعوب في تقرير مصيرها ،ليس من خالل عدم
االهتمام ،ولكن من خالل األمرالمباشر ،باضطهاد حقوق هذه الشعوب ،أومن خالل التشجيع
234كشفت سوزان هوبكنز ،كبيرة المستشارين الطبيين في وكالة األمن الصحي البريطانية ،انتشار مرض جدري القرود بشكل
ملحوظ بين “المثليين ومزدوجي الميول الجنسية” في كل من المملكة المتحدة وأوروبا .وقالت في تصريحات نشرتها ،الجمعة،
صحيفة “دايلي ميل” إنه “تم تسجيل نسبة ملحوظة من الحاالت الحديثة لمرضى جدري القرود في المملكة المتحدة وأوروبا
بين المثليين من الذكور ومزدوجي الميول الجنسية” .وقالت السلطات الصحية البريطانية إنها تشتبه في حدوث إصابات بجدري
القرود عبر عالقات جنسية بين أشخاص مثليي الجنس ،وهو ما أكدته أيضا السلطات الصحية في كندا ،حسب “الديبيش” .اقرأ
المزيد على الرابط التاليhttps://al3omk.com/749150.html :
على ذلك بالدعم السياس ي والعسكري واللوجستيكي ،235أو من خالل السكوت على ذلك بشكل
ممنهج ألجل إبعاد قضاياهم على اهتمامات األمم المتحدة ،236علما أن هذه االنتهاكات تعني
بالماليين من األشخاص يتوزعون عبرعدة دول وقارات .مع ضرورة التمييزبين نوع العنف الذي
يمكن أن يواجه به "مجتمع الميم" وبين طبيعة الجرائم التي تمارس ضد الشعوب التي تريد
تقرير مصيرها والتي تواجه انتهاكات جسيمة وخطيرة مخلفة ماليين من القتلى والجرحى
والمعاقين واملختفين والمهجرين ...ورغم ذلك عندما تتقاطع مصالح الدول الليبرالية مع هذه
الحقوق يتم تبريرها بتصورات لم يقع عليها أي إجماع أو تو افق كالفوض ى الخالقة ،في سبيل
نقل الديمقراطية والحرية إلى الشعوب المتخلفة والمتوحشة.
فمثال إذا كانت الحرب الروسية األوكرانية هي حرب وجود ،انطالقا من رغبة الغرب في
خنق الروس ووضع أسلحة الناتوعلى الحدود الروسية كنوع من تسيج تحركات الدولة الروسية،
فالبد من التساؤل عن موقع الحرب الدعائية األمريكية بخصوص اتهام روسيا باضطهادها
حقوق المثليين في عز الحرب ،إن هذه الدعاية تعبر عن طبيعة الحقوق التي تسعى الواليات
المتحدة نشرها في المستقبل القريب كنوع من الحرب على القيم اإلنسانية وباسم اإلنسانية في
إطارفرض هيمنة القيم الليبرالية التي تخاطب اإلنسان في بعده المادي وتهدد مضمونه الروحي
والفكري والثقافي والنفس ي.
يتحدث باومان في كتابه "الحداثة واإلبهام" ،عن فكرة االندماج باعتبارها الموقف الذي
تتخذه الحداثة من اآلخر ،أي اندماج واستيعاب اآلخرفي ثقافة مغايرة .ففي الثقافة الحديثة ال
يكون اآلخر مقبوال إال بتقديم والئه العلني لقيمـ"نا" ،وتلك هي الطريق األولى لالندماج .وثمة
طريقة أخرى هي الرفض العلني لقيمـ"نا" ،بحيث يكون طرده واضطهاده مبررا .وهنا البد من
سرد بعض النماذج التي تجسد هذا الموقف على أرض الو اقع ،فبعد أن رفض العب كرة القدم
المسلم "إدريسا غاي" ،المشاركة في جولة االحتفال بتحرر المثليين ،237تم استجواب الالعب
235حالة اليمن نموذجا ،فهي حرب بالوكالة بين كثير من الدول وهي في نفس الوقت قد انتهكت حقوق الشعب اليمنى
236حالة فلسطين وما ترتكبه إسرائيل من جرائم عندما تثبت تقوم الواليات المتحدة باستعمال حق الفيتو لتجنب إدانة إسرائيل
أو متابعة جنودها أمام المحكمة الجنائية الدولية.
237هذه القضية وقعت في نفس األسبوع الذي أصبح فيه "جيك دانيلز" أول العب كرة قدم بريطاني منذ عقود يفصح عن
مثليته .وقد تلقى دانيلز -البالغ من العمر 71عاما -احتفاء كبيرا ودعما منقطع النظير ،مقابل مواجهة الالعب "إدريسا" بضرورة
تقديم االعتذار رغما عن حريته في االعتقاد.
المسلم على موقفه من المشاركة في جولة االحتفال بتحرر المثليين ،فقد طالب االتحاد
الفرنس ي لكرة القدم بتقديم االعتذار مما يعني عليك أن تنبذ معتقداتك ،وتنحني أمام شعار
"مجتمع الميم".
يحدث هذا طبعا في الوقت الذي يرفض فيه االتحاد الدولي لكرة القدم واألجهزة التابعة
له ،رفع أي شعار له عالقة بالجوانب السياسية أو العقائدية ،إال أن أمر الو اقع يتحدث عن
ممارسة االنتقائية من خالل الكيل بالمكيالين .فقد جمد االتحاد الدولي كل أنشطة منتخبات
روسيا من طرف رئيس الـ FIFAالسويسري "جياني انفانتينو" ،من خالل فرض عقوبات تأديبية
على منتخباتها و أنديتها ،ولو أن إطارها رياض ي محض إال أن محركاتها سياسية صرفة ،تتنافى مع
مبدأ "عدم تدخل الرياضة في السياسة" ،التي دوما ما تعاملت به "فيفا" في مقاربتها لعدة
جوانب ،لعل أبرزها الشعارات المناهضة للعدوان اإلسرائيلي على قطاع غزة .238وفي خضم
األحداث الجارية ،أثار"أيكون دمير" ،قائد فريق أرضروم سبورت التركي ،جدال واسعا ،بعد رفضه
ارتداء قميص تضامني مع أوكرانيا ،على غرار الحملة الواسعة التي تشهدها مختلف الدوريات
األوروبية .إن الوقائع من هذا القبيل تكاد ال تحص ى ،مما نخلص منه أن فرض بعض القوانين
أوالمبادئ ذات العالقة بحقوق اإلنسان في المالعب الرياضية ليس سوى فرض قيم وممارسات
لفلسفة و أيدولوجية محددة .ولهذا فإن الحقوق والحريات تقع تحت تأثير المذهبية
واإليدلوجية ،من خالل االهتمام بكل ما له عالقة بتلبية الرغبات والشهوات في النفس البشرية،
مما يجعل هذه الفكرة تلقى االستحسان والقبول ،ويحدث ذلك بعد التأكد من تجريد اإلنسان
من قيمه ومبادئ وغاياته الكبرى كذات فاعلة له أدوارإنسانية وأخالقية واجتماعية.
خاتمة:
يتسع التوظيف السيئ للعلم والمعرفة ولبعض المبادئ والقيم التي تعتبر ملكا مشتركا
لإلنسانية ،ليشمل كل مناحي الحياة ،بما فيها التأثيرعلى ثقافات الشعوب ومعتقداتهم وأسلوب
حياتهم ،ولقد تجلت معالم هذا التأثير بشكل واضح بظهور العولمة ،وساهمت التكنلوجيا في
نشر هذا التأثير بشكل سريع عبر مو اقع التواصل االجتماعي وجميع وسائل األخرى المرئية
والمكتوبة والمسموعة ،وجاءت الوسائل ذات التأثير السريع في عز تهيئة المناخ والظروف
238إلى جانب الشعارات المستعملة في المالعب الرياضية ،ينبغي اإلشارة هنا إلى دور الواليات المتحدة األمريكية في إجهاض
تقرير المقرر األممي "ريتشارد غولدستون" سنة 2224ألجل إفالت إسرائيل من العقاب على حساب العدالة الجنائية الدولية،
وهذا ما تحقق على أرض الواقع.
المناسبة حيث عرف املجتمع الدولي تحوال جوهريا على مستوى العالقات الدولية التي أصبحت
تحت تأثير النظام السياس ي الدولي املحكوم باألحادية القطبية ،وظهور حكومة تدعي العالمية،
وهذه األخيرة حاولت بكل الوسائل اختزال كل الثقافات والفلسفات واألديان في منظومة فكرية
وفلسفية وعقائدية واحدة هي الليبرالية الغربية ،ولم تكتف بتقديم نفسها كبديل لباقي النظم
السياسية فقط ،بل حاولت إنهاء التاريخ البشري ،وفرضت ادعاء أن القيم الليبرالية ال يعلو
فوقها أية قيم أخرى ،ألنها هي نفسها التي عبرت عنها اإلنسانية واألخالق والطبيعة ،لذلك فإن
العولمة هي الغطاء الشرعي لممارسات الليبرالية الغربية ،وهي المعيار كذلك للتمييز بين الحق
والباطل .هذه العقيدة وظفت حقوق اإلنسان لتكريس ادعاء مركزيتها الغربية ،وأن فلسفة
حقوق اإلنسان هي نفسها الفلسفة التي تنادي بها الليبرالية الغربية كنوع من التالزم الذي ال
يقبل االنفكاك .لذلك أصبحت حقوق اإلنسان في كثير من جوانبها وتفاصيلها القانونية
واإلجرائية غير قادرة عن التعبير عن تصورات خارج الفلسفة الليبرالية ،ومن نتائج ذلك التنكر
لباقي القيم اإلنسانية التي تعبرعنها مختلف األمم والشعوب ،ويمكن رصد ذلك من خالل تسيج
الحريات الفردية وجعلها تتطور في فلك تتناغم فيه مع حرية السوق وما يحكمها من قواعد
مؤسسة على إشباع الغرائز وتلبية الرغبات ،وهذا األسلوب الذي يحاول خطاب الجانب
الشهواني في شخص اإلنسان هو دعامة الدعاء أن الفلسفة الغربية هي فلسفة الحقوق
والحريات ،وأن األساس هو السعي لرفاهية الفرد ،وهذا الهدف األخير هو غاية يبرر جميع
الوسائل المعتمدة حتى وإن كانت على حساب الكرامة اإلنسانية أو هويته الحضارية أو على
حساب األخالق والقيم اإلنسانية ،وهذا األساس هو نفسه الذي يبرر استخدام القوة في
العالقات الدولية واللجوء لحق الفيتو على حساب حقوق الشعوب في تقرير المصير أو
استعماله لإلفالت من العقاب ،أو التحررمن بعض القوانين الدولية كميثاق األمم المتحدة ،أو
الجهربحق القوى العظمى في حماية المصالح القومية حتى وإن استدعى األمرإعالن الحرب دون
اللجوء ملجلس األمن ،وشرعنة االنتهاكات الخطيرة والجسيمة ضد حق الشعوب بتبريرات واهية
كالفوض ى الخالقة أو تصديرالديمقراطية وحقوق اإلنسان.
كل الممارسات والفلسفات السابقة هي مداخل حقيقة للمذهب الفردي الليبرالي للتأثير
على صياغة قواعد حقوق اإلنسان وعلى استحسان بعض المبادئ القيم المتعارف عليها دوليا،
كما أنها مداخل كذلك للتأثير على سير اإلجراءات التي تعتمدها بعض الهيئات الدولية لحقوق
اإلنسان وصبغتها بالصبغة المذهبية التي تتو افق مع مصالح فلسفات و أيدولوجيات محددة،
وجعلها منسجمة ومتو افقة مع الموضوعية والعلمية واإلنسانية بشكل تعسفي ،وهذا التالزم
كرسه التوجه العالمي نحو فرض القيم المادية التي تؤمن بالرغبة واللذة والنشوة والتمتع
كغاية من غايات اإلنسان في مصارحياته.
قائمة المراجع:
الكتب
إيمانويل تود ،أين نحن من هذا كله؟ خطاطة للتاريخ اإلنساني ،ترجمة فتحي ليسير،
الطبعة األولى ،دارالتنوير للطباعة والنشربيروت لبنان سنة .1115
أحمد سليم سعيفان ،الحريات العامة وحقوق اإلنسان :دراسة تاريخية وفلسفية
وسياسية وقانونية مقارنة ،الجزء األول ،منشورات الحلبي الحقوقية .1151
فوكوياما "نهاية التاريخ واإلنسان األخير" ترجمة فؤاد شاهين وآخرون ،مطبعة مركز
اإلنماء القومي ،لبنان ،سنة .5771
محمد عصفور ،الحرية في الفكرين الديمقراطي واالشتراكي ،الطبعة األولى ،سنة .5765
املجالت العلمية.
جغلول زغدود وعالوة هوام ،حقوق اإلنسان وإشكالية المفهوم ،مجلة التربية ،جامعة
األزهر ،العدد ،511سنة .1151
أماني محمود فهمي ،حقوق اإلنسان في عالقات الشرق والغرب ،مجلة السياسة
الدولية ،مركزاألهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية ،القاهرة ،عدد ،76سنة .5777
فمحدودية تدخالت الجماعات الترابية ليست فقط قانونية وإدارية ،و إنما ترجع
بالدرجة األولى ،إلى عدم توفرالهيئات الترابية على موارد مالية كافية ،للقيام بالدورالمنوط بها
حسب ما هو منصوص عليه في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية.239
وتتشكل الموارد المالية للجماعات الترابية من موارد ذاتية ،إلى جانب الموارد المرصودة
من الدولة قصد مساعدتها على القيام باألدوارالمنوطة بها على أحسن وجه ،إضافة إلى الموارد
املحولة من الدولة عند نقل اختصاص معين للجماعة الترابية ،كما أكدت على ذلك المادة 515
من الدستور والذي أكد على أنه" :تتوفر الجهات والجماعات الترابية األخرى ،على موارد مالية
ذاتية ،وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة ،كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات
والجماعات الترابية األخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له" ،وهو المقتض ى الذي
أكدته القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ،والتي تقض ي بأنه" :تتوفر الجماعات الترابية
-239عصام القرني" ،التدبير الجبائي الترابي بين محدودية الحصيلة وثقل الرهانات" ،المجلة المغربية للقانون
اإلداري والعلوم اإلدارية ،عدد مزدوج ،7-4 ،السنة ،4941ص 0447
لممارسة اختصاصاتها على موارد مالية ذاتية وموارد مالية ترصدها لها الدولة وحصيلة
االقتراضات".240
ومن خالل رصد موارد الجماعات الترابية ،يتضح أنها تتصدرها الضرائب والرسوم المأذون
للجماعة الترابية بتحصيلها طبقا للقوانين الجاري بها العمل ،ثم األتاوى واألجورعن الخدمات
المقدمة ،مما يوضح مدى أهمية الجبايات املحلية كأحد الموارد الرئيسية لتمويل ميزانيات
الجماعات الترابية.
تتعدد موارد الجماعات الترابية ،ويمكن تصنيفها إلى نوعين :المصادر التمويلية ذات
الطبيعة الجبائية ،والمصادر التمويلية ذات الطبيعة غير الجبائية ،والتي تنقسم بدورها إلى
موارد غير جبائية عادية (ذاتية)( ،المطلب األول) ،إضافة إلى الموارد االستثنائية (المطلب
الثاني).
أسند المشرع مجموعة من الموارد الذاتية ذات الطبيعة غير الجبائية إلى ميزانيات
الجماعات الترابية ،وذلك قصد تمويل حاجياتها األساسية ،وتنقسم إلى صنفين :يرتبط األول
باألمالك الجماعية ،التي أصبحت تساهم بشكل كبيرفي تنمية موارد الجماعات الترابية (الفقرة
األولى) ،أما المورد اآلخر فيتمثل في مداخيل الملك الغابوي (الفقرة الثانية).
تعتبراألمالك الجماعية من الموارد غيرالجبائية للجماعات الترابية ،التي تعد أداة فعالة
لتحقيق التنمية ،وتلعب دورا مهما داخل الميزانية الجماعية ،فهي تشكل ثروة جماعية يحق
لكل فرد االنتفاع منها في حدود ما تقره القوانين ،كما تعد أداة مهمة لتسييرالمر افق العمومية
املختلفة.241
أما األمالك الخاصة ،فهي األمالك التي يمكن للجماعات الترابية أن تتصرف فيها مثل
التصرفات التي يجريها األفراد على ممتلكاتهم ،بحيث تكون موضوع جميع التصرفات المعروفة
في التعامل المدني ،والهدف من كل ذلك هو إنماء الميزانية الترابية وإغناء االعتمادات
المرصودة بها.
و إيمانا بأهمية وقيمة األمالك الجماعية ،نظمها المشرع بمجموعة من القوانين سواء
ذات الصبغة الخاصة ،أو تلك التي تتخذ صبغة عامة مرتبطة أساسا بالقوانين المنظمة
للجماعات الترابية ،والتي يمكن تصنيفها وتحديدها من خالل الجدول التالي:
-242عبد القادر خراص ،تدبير األمالك الجماعية وتنمية الرصيد العقاري للجماعات الترابية ،مطبعة دار وليلي،
مراكش ،الطبعة األولى ،4997 ،ص 0416
-243محمد بوجيدة وميلودة بوخال ،أمالك الجماعات الترابية وهيئاتها ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية
والتنمية ،سلسلة دالئل التسيير ،عدد ،1سنة ،4881ص 048
وبالرغم من الدورالذي تلعبه األمالك الجماعية في مجال التدخل االقتصادي ،وفي مجال
تطوير االستثمار الترابي على صعيد الجماعات الترابية ،سواء بتوفير العقار أو الحصول على
بعض المداخيل المالية التي تمكن من دعم ميزانية التجهيز ،فإن ذلك لم يتحقق على أرض
الو اقع لعدة أسباب ،منها :قدم النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها في ميدان
الممتلكات ،244وتشتتها وعدم مواكبتها لروح قانون التنظيم الترابي والتطورات التي عرفتها
الجماعات الترابية واإلصالحات الجهوية الجديدة التي مست منظومة الالمركزية .245هذا
إضافة إلى عدم توفر التشريع المتعلق بالممتلكات الجماعية على نصوص خاصة لبعض
املجاالت الحيوية ،الش يء الذي يؤدي إلى تطبيق النصوص المنظمة ألمالك الدولة.
وإلى جانب هذه االختالالت القانونية ،تعاني الجماعات الترابية من سوء تدبيرواستغالل
الممتلكات الجماعية ،فتعرف بعض الجماعات خصاصا واضحا في الموارد البشرية ذات
كفاءة ،إذ يظل التأطيرغيركاف خاصة فيما يتعلق بتدبيرواستغالل الممتلكات ،246خصوصا مع
ما للعنصرالبشري من دور فعال في كل تدبيرسليم واستغالل عقالني وترشيد للموارد المالية.
كما تؤدي ظاهرة تفويتات األمالك الجماعية الخصوصية -والسيما األراض ي -بأثمان
رمزية ،ال تراعي السومة العقارية السائدة لفائدة الخواص ،إلى تقليص الرصيد العقاري من هذه
األراض ي مما يؤثر على مالية الجماعات الترابية ،وبالتالي عدم مراعاة المصلحة العامة
املحلية.247
إن المفهوم العام لمصطلح الغابة يحيل إلى أنها عبارة عن مساحة شاسعة مكسوة
بأشجار مختلفة ،يعيش بها عدد من الكائنات الحية ذات طبيعة نباتية ،وهناك نوعان من
الغابات ،األول هو الذي نمت دون تدخل اإلنسان في غرسها وتكاثرت وبلغت ذروتها ،والثاني
عكس األول ،فاالزدهاروتكاثراألشجاريكون من عمل وتدخل اإلنسان بواسطة الغرس.248
فالغابة تساهم بشكل كبيرفي دعم الموارد المالية للجماعات الترابية ،خاصة تلك التي
تتوفر على ثروة غابوية مهمة ،249ولهذا وجب االهتمام بها ألنها تعتبر موردا ماليا وبيئيا ،في نفس
الوقت ،لذا فمن الضروري تنميته والحفاظ عليه ،نظرا لما يمكنه أن يوفرمن موارد مالية يكون
لها أثرإيجابي على مالية الجماعات الترابية.250
ومنذ سنة 1977تخلت الدولة عن منتوج الملك الغابوي لفائدة الجماعات الترابية التي
توجد الغابات تحت نفوذها ،حيث نص الفصل 14من الظهير بمثابة قانون 251الصادر بتاريخ
11شتنبر 5796المنظم لمساهمة السكان في تنمية االقتصاد الغابوي ،على أن الموارد المالية
الناجمة عن الملك الغابوي ،الو اقعة داخل الحدود الترابية للجماعة ،تدفع إلى ميزانية
الجماعة الترابية المذكورة.
ومنذ صدور هذا القانون ،أصبح للجماعات الترابية نوع من المداخيل الجديدة التي
تدرموارد مالية جد مهمة على ماليتها ،حتى يتسنى لها مواكبة ركب التنمية الترابية والمساهمة
فيه .وقد فرض القانون المتعلق بتنظيم مساهمة السكان في تنمية االقتصاد الغابوي ،على
الجماعات الترابية برمجة 29 %كحد أدنى من المداخيل الغابوية إلعادة التشجير وتحسين
-248كريم لحرش ،تدبير مالية الجماعات الترابية ،مكتبة الرشاد ،للنشر والتوزيع ،سطات ،الطبعة الثالثة ،السنة
،2017ص 011
-249نجيب جيري " ،قصور النظام القانوني والتنظيمي ألمالك الجماعات الترابية وإشكالية التمويل غير الجبائي
للتنمية المحلية بالمغرب" ،مجلة أمالك الدولة ،العدد ،4الطبعة األولى ،4944 ،ص 099
-250عبد العالي الفياللي" ،الجماعات الترابية بالمغرب بين الحكامة المالية وتجويد آليات الرقابة" ،أطروحة لنيل
الدكتوراه في القانون العام ،جامعة سيدي محمد بن عبد الله ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية
بفاس ،السنة الجامعية ،4941-4941ص 0418
-251ظهير شريف بمثابة قانون رقم 40160719بتاريخ 41رمضان 49( 4786شتنبر )4816يتعلق بتنظيم
مساهمة السكان في تنمية االقتصاد الغابوي ،صادر بالجريدة الرسمية العدد 7771بتاريخ 44شتنبر ،4816
ص 091
الغابات وتلبية و إقامة نقط الماء والمسالك الغابوية ،وخلق المناطق الخضراء وحماية
الغابة.252
وبذلك ،فالملك الغابوي بالمغرب يغطي حوالي 8ماليين و 969ألف هكتار ،وبالتالي فهو
يعد من المساهمين في دعم الموارد المالية للجماعات الترابية خاصة التي تتوفر على ثروة
غابوية مهمة .253وال يتأتى تحقيق تنمية محلية ،إال بفضل تخصيص جل المداخيل الغابوية
لفائدة ميزانيتها ،واستثمار مداخيلها في خلق مشاريع تنموية مهمة ،تنفع جميع الساكنة
الترابية.254
وعليه ،تتوفر الجماعات الترابية على رصيد عقاري مهم تستطيع بمقتضاه إنجاز مشاريعها
االقتصادية واالجتماعية ،المدرجة في البرامج واملخططات الترابية.255
رغم تنامي اإليرادات الذاتية للجماعات الترابية ،وكذا الموارد املحولة من الدولة ،فإنها
مازالت تعاني من خصاص مالي ،لذلك عادة ما تلجأ إلى البحث عن موارد استثنائية لتغطية
نفقاتها ،خاصة مع االختصاصات الهامة الممنوحة لها ،لذلك يتم اللجوء إلى القروض لتمويل
ميزانيتها (الفقرة األولى) ،إضافة اإلمدادات العمومية والتي تعد من بين الوسائل التي تمكن
الجماعات الترابية من حل إشكالية التمويل (الفقرة الثانية).
-252أحمد حضراني" ،النظام الجبائي المحلي على ضوء التشريع المغربي والمقارن" ،المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية ،العدد ،44السنة ،4994ص 060
-253دورية وزير الداخلية حول إعداد ميزانيات الجماعات الترابية برسم سنة ،2008رقم ،102المديرية العامة
للجماعات ،مديرية المالية ،2007/09/28ص 041
-254محمد رحيم ومصطفى فراح ،إطاللة على الشأن المحلي ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
السنة ،2002ص 073
-255صالح العمراني ،الملك الغابوي بين النص القانوني واإلكراهات الواقعية ،مطبعة األمنية ،الرباط ،السنة
،4946ص 01
يعتبر القرض دينا ماليا مستحقا عن الجماعة الترابية أو الهيئة املحلية ،بموجب عقد
سداد أصل الدين والفوائد وبشروط محددة ،والذي أصبحت تلجأ إليه الجماعات الترابية
لتمويل بعض التجهيزات والمشاريع التنموية والتي تستغرق وقتا طويال.256
كما يعتبرالقرض املحلي مصدرا استثنائيا تلجأ إليه الجماعات الترابية ،من أجل تغطية
النفقات غيرالعادية ،لذلك فهومورد تنتفي فيه صفة الدورية واالنتظام .ومن تم فالقرض عامة
هو عقد دين مالي تستدين الدولة أو إحدى الهيئات العامة ،من الجمهور سواء األفراد
الطبيعيون أوالمعنويون أوالدول ،على أساس رد قيمته مع دفع فوائد عنه طيلة فترة العقد.257
وقد شكلت القروض مصدرا تمويليا مفضال لدى الجماعات الترابية لتمويل برامجها
االستثمارية ،نظرا للخصاص الذي تعرفه مواردها الذاتية.258
وتجدراإلشارة إلى أن القروض تعد مصدرا تمويليا لميزانية التجهيزدون التسيير ،كما يمكن
أن تخصص لتمويل مساهمات الجماعة الترابية في مشاريع تكون موضوع عقود تعاون أو
شراكة ،259ويسجل هذا الجزء في الميزانية ،كما أن تسديد الدين يسجل في إطار االعتمادات
املخصصة لميزانية التسيير ،ويعتبرنفقة إجبارية.260
ونظرا ألهمية هذه القروض فقد اهتمت بها السلطات العمومية منذ السنوات األولى
لالستقالل ،وذلك للحاجة الملحة لتمويل االستثمارات العمومية الترابية .261فالقروض تبقى
من بين اآلليات الناجعة لحل مشكل التمويل لالستجابة الحتياجات التنمية الترابية.262
-256مريم زان" ،النظام المالي للجهة على ضوء القانون التنظيمي رقم ،"444041المجلة المغربية لإلدارة المحلية
والتنمية ،عدد مزدوج ،441-446يناير -أبريل ،4946ص 0494
-257عبد الفتاح بلخال ،علم المالية العامة والتشريع المالي المغربي ،الطبعة األولى ،مطبعة فضالة ،المحمدية،
الطبعة األولى ،السنة ،2005ص 0135
-258محمد علي أديبا ،إشكالية االستقالل المالي للجماعات المحلية بالمغرب :نحو مقاربة واقعية ،منشورات المجلة
المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد ،48السنة ،4994ص 0471
-259المادة الثانية ،من نفس المراسيم0
-260نور الدين السعداني ،الجماعات الترابية بالمغرب بين توسيع االختصاصات التدبيرية وإكراهات االستقاللية
المالية –دراسة تحليلية ،-مطبعة دار السالم ،الرباط ،الطبعة األولى ،سنة ،4941ص 019
-261أمينة بنخيلة" ،االقتراض الجماعي المساطر والنتائج" ،مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية ،العدد
السادس ،أبريل ،4941ص 0499
-262حورية المرضي" ،موارد الجماعات الترابية ودورها في التنمية ،الجماعات الترابية بالجهة الشرقية كنموذج"،
أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بوجدة ،السنة الجامعية
،4991-4997ص 0419
ونظرا للطابع العمومي للجماعات الترابية ،وغياب إرادة حقيقية للمؤسسات القرضية
الخاصة (القطاع البنكي) بمنحها القروض ،بادرت الدولة المغربية إلى إحداث صندوق التجهيز
الجماعي سنة 5761للمساهمة في تنمية الجماعات ،بمنحها قروضا وسلفات لفائدة مشاريع
التجهيزاألساسية ،وقد أعيد تنظيمه سنة 5771ثم سنة 5776بقانون خاص.263
ويعد صندوق التجهيز مؤسسة عامة متمتعة بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي،
ويخضع لوصاية الدولة ومر اقبتها ،كما أنه يخضع للقانون المتعلق بمزاولة نشاط مؤسسات
االئتمان ومر اقبتها ،فمن مهام هذا الصندوق هو المساهمة في تنمية الجماعات الترابية.264
عن طريق منح مالية في شكل قروض ،وتقديم مختلف الدعائم اللوجستيكية في نفس الغرض
في إطارما سمي بالمساعدات التقنية.
إن أهمية صندوق التجهيز الجماعي تتجلى من خالل الحرص على التوفيق بين مهمته
المزدوجة كبنك وكمؤسسة ذات منفعة جماعية .فبوصفه بنكا ،يسعى الصندوق إلى تحقيق
مستوى من المردودية الستمرارية وتأمين نشاطه ،حتى يتمكن وبشكل أفضل من أداء مهمته
للمنفعة الجماعية ،التي تهدف إلى الرقي بالتنمية الترابية وتحسين إطارعيش المواطن.265
وإلى جانب هذا ،فإن صندوق تجهيز الجماعات الترابية يضع شروطا كثيرة للحصول على
القروض ،كاشتراطه النجاعة المالية للمشروع ،وأن يتم تدبير المشروع بطريقة حيوية من
الناحية المؤسساتية ،وأن يكون المقترض متوفرا على إمكانية تسيير المشروع على الوجه
األكمل أو اللجوء إلى العقد.266
-263ظهير شريف رقم ،40180468صادر في 6ذي الحجة 47( 4719يونيو ،)4818جريدة رسمية عدد ،4171
بتاريخ 48ذو الحجة 46( 4719يونيو ،)4818ص 04814وقد تم تغييره بالظهير الشريف رقم 408401
صادر في 1صفر 1( 4147غشت )4884بتنفيذ القانون رقم 74089المتعلق بإعادة تنظيم صندوق تجهيز
الجماعات الترابية ،جريدة رسمية عدد 1461بتاريخ 48صفر 48( 4147غشت ،)4884ص 04941وتم
تتميمه بالظهير الشريف رقم 40860499الصادر في 46ربيع األول 4( 4141غشت )4886بتنفيذ القانون
رقم ،44086جريدة رسمية عدد ،1174بتاريخ 8رجب 44( 4141نونبر ،)4886ص .4117
-264عبد الناصر بنفارس" ،مصادر تمويل الجماعات الترابية وشروط تحقيق استقاللها المالي" ،أطروحة لنيل
الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بفاس ،السنة الجامعية ،4949-4941
ص 0491
-265حورية المرضي ،موارد الجماعات الترابية ودورها في التنمية ،الجماعات الترابية بالجهة الشرقية كنموذج"،
أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بوجدة ،السنة الجامعية
،4991-4997ص 0418
266- CHABIH.J, «Aspects financiers de la décentralisation territoriale au Maroc», Thèse
إال أن المالحظ فيما يخص مجاالت صندوق التجهيزالجماعي ،أنه تم تقييده بميادين مهمة،
لكن غابت ميادين أخرى ال تقل أهمية ،كمجاالت الصحة والبنيات ذات البعد االستثماري
بالمفهوم االقتصادي.267
كما نصت المادة الخامسة من المراسيم التطبيقية الثالث المنظمة لعمليات االقتراض
للجماعات الترابية ،على أنه يمكن لهذه األخيرة اللجوء إلى االقتراضات لدى مؤسسات االئتمان
الوطنية أو األجنبية أو الدولية ،ويتم الترخيص بذلك لدى هذه المؤسسات ،بموجب قرار
مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية ،داخل
أجل أقصاه عشرون ( )11يوما من تاريخ توصلهما من قبل رئيس مجلس الجماعة الترابية
المعنية بنسخة من رسالة تحمل مو افقة مؤسسة االئتمان المعنية.
وتعتبر جماعة أكادير أول جماعة تلج أسواق القروض الدولية ،من خالل عملية إصدار
سندات الطلب بمبلغ مليار درهم عن طريق اكتتاب خاص لمؤسسات استثمارية وطنية ودولية
من خالل البنك األوروبي للتنمية وإعادة اإلعمار) ، (BERDباعتباره أحد المشتركين في إصدار
سندات القرض.
تعد اإلمدادات العمومية عبارة عن تمويالت تقدمها الدولة أو أشخاص اعتبارية أخرى
خاضعة للقانون العام للجماعات الترابية قصد تغطية نفقاتها ،أو هي المساعدات المالية التي
-267عادل تميم" ،صندوق التجهيز الجماعي بين إكراهات االقتراض وآفاق التمويل االستثماري المحلي" ،مجلة
المتوسط للدراسات القانونية والقضائية ،العدد ،7يونيو ،4941ص 061
-268مرسوم رقم 40410481ومرسوم رقم 40410481ومرسوم رقم ،40410486الصادرة في 41من رمضان
8( 4179يونيو )4941بتحديد القواعد التي تخضع لها عمليات االقتراض التي تقوم بها على التوالي كل من
الجهة والعمالة واإلقليم والجماعة0
-269المادة األولى من المراسيم المتعلقة بتحديد القواعد التي تخضع لها عمليات االقتراض ،السالفة الذكر0
تقدمها الدولة ،في شكل مبالغ مالية إلى الوحدات الترابية ،بهدف تغطية العجز الحاصل في
ميزانياتها ،وتختلف فيما بينها حول الهدف من اإلعانات ،تبعا الختالف فلسفاتها وإمكانياتها.270
ويمكن التمييز بين نوعين من اإلمدادات المالية للجماعات الترابية ،يتعلق األول
باإلعانات أو المساعدات العمومية (الفقرة األولى) ،والثاني بالموارد المالية املحولة من طرف
الدولة ( الفقرة الثانية).
تنقسم اإلعانات أو المساعدات العمومية إلى قسمين ،إمدادات التسيير (أ) ،وإمدادات
التجهيز(ب).
ويطلق عليها اسم "المساعدات الموازنة" ،وغالبا ما تكون هذه اإلعانات عبارة عن
مساعدات إجمالية تملك الجماعة الترابية الحق في صرفها بحسب رغبة املجلس ،بحيث تتوفر
الجماعة الترابية على حرية تخصيصها لنفقاتها العادية ،إذ ال يمكنها أن تتوقف مثال عن دفع
مرتبات موظفيها ومستخدميها ،أو نفقات أقساط الدين....إلخ .غير أنها قد تكون مخصصة
إلنفاق معين ،كما الحال في اإلمدادات االستثنائية للقيام بمهام تدخل في إطار ميزانية التسيير
املحددة مسبقا .وتخصص لتغطية التوازن التقديري لميزانيات التسيير ،نظرا للعجز الذي
تعرفه العديد من هذه الميزانيات .كما يالحظ أن مساعدات التسيير غالبا ما تكون مساعدات
إجمالية.
ويقصد بها المبالغ المالية التي تمنحها الدولة للمجالس المنتخبة ،والتي غالبا ما تكون
مخصصة ألنشطة محددة ،وتخضع لشروط مسبقة تحددها الجهات المانحة ،قصد تمويل
-270محمد علي أديبا ،إشكالية االستقالل المالي للجماعات المحلية بالمغرب :نحو مقاربة واقعية ،منشورات المجلة
المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد ،48السنة ،4994ص 0414
تجهيزات تم االعتراف لها بطابعها الجماعي ،مثل البنايات لغايات إدارية (بنايات إدارية ،مرآب
السيارات....إلخ) ،أو بنايات لغايات تجارية (أسواق كبرى ،مذابح ،غرف تبريدية....إلخ) ،أو
بنايات لغايات ثقافية أو دينية (مساجد ،دور الشباب....إلخ) ،حيث يتم تمويل هذه التجهيزات
إما كليا أو جزئيا.
وعليه ،فإن إعانات التجهيز تعتبر أداة مالية مهمة ،تمنحها الدولة للجماعات الترابية
قصد تمكينها من مواجهة األعباء االستثمارية ،وتشجيعها على إنجاز التجهيزات ذات الفائدة
المشتركة وطنيا أو ترابيا ،ال سيما وأن وظيفة الجماعات الترابية لم تعد تقتصر ،كما كان في
السابق ،على املجال اإلداري الصرف ،بل تعدى األمر ذلك ،ليشمل وضع و إقامة البنيات
والبرامج التجهيزية التي من شأنها استقبال االستثمارات الترابية.271
بما أن الموارد الذاتية للجماعات الترابية تبقى ضعيفة ودون مستوى تحقيق شروط
التنمية املحلية ،وتشكل إلى جانب ذلك أحد مظاهر األزمة المالية للوحدات الترابية ،فإن هذه
الوحدات تلجأ بشكل كبير لوسائل تمويلية أخرى من أجل النهوض بوضعيتها المالية ،الش يء
الذي تأكدت معه فكرة أن الجماعات الترابية تستقبل موارد خارجية أكثر مما تحصل عليه
محليا .إذ تعتمد ميزانياتها بشكل كبير على حصصها من ضرائب الدولة ،سواء ميزانيات
الجماعات أو مجالس العماالت واألقاليم (أوال) ،أو ميزانيات الجهات (ثانيا).
شكل إحداث الضريبة على القيمة المضافة في أبريل 1986محطة أساسية ضمن
تحقيق األهداف التي وضعها القانون اإلطار 3.83المتعلق باإلصالح الضريبي ،لتدعيم جبايات
الجماعات الترابية وضمان انتظام المساعدات التي تقدمها الدولة لها ،إذ تم تخصيص حصة
ثابتة تقدر بنسبة % 30من العائد السنوي للضريبة على القيمة المضافة ،والتي يتم توزيعها
على ميزانيات الجماعات ومجالس العماالت واألقاليم بشكل خاص ،دون ميزانيات الجهات.
ومسألة توزيع هذه الحصة لم تنص عليها ال القوانين المنظمة للمالية املحلية وال النصوص
-271كريم لحرش ،تدبير مالية الجماعات الترابية بالمغرب ،مرجع سابق ،ص 016
التنظيمية المتعلقة بقواعد تمويل الجماعات الترابية املحددة لطرق تدبير نشاطها ،بل ترك
األمرلوزارة الداخلية بصفتها السلطة الوصية على الجماعات الترابية.272
إذ لم يتم إقرارمعاييرمحددة لتوزيع حصة الجماعات الترابية من الضريبة على القيمة
المضافة إال سنة ،5776حيث صدرمنشوروزيرالداخلية عدد 17بتاريخ 16يناير 5776لوضع
معاييرعامة للتوزيع تتوخى السهولة والموضوعية والشفافية.
وعليه ،يتم تقسيم حصة الجماعات الترابية من الضريبة على القيمة المضافة ،والتي
تمثل % 11من المنتوج السنوي لهاته الضريبة كما يلي:
ويتم تدبير حصة الجماعات الترابية من الضريبة على القيمة المضافة بواسطة
حساب خصوص ي للخزينة في قانون مالية السنة ،يحمل اسم "حصة الجماعات الترابية من
منتوج الضريبة على القيمة المضافة" ،ويعد وزير الداخلية اآلمر بالصرف لهذا الحساب
الخصوص ي.
-272عبد اللطيف بروحو ،مالية الجماعات الترابية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية ،منشورات المجلة المغربية
لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد ،81سنة ،4946ص 0294
وهكذا نجد أن قانون مالية سنة 1156قد رفع من هاته النسبة إلى % 2من منتوج
الضريبة على الدخل ،و % 2من منتوج الضريبة على الشركات ،و تطورت هاته النسبة من سنة
ألخرى إلى أن وصلت للسقف املحدد ،أي % 5من منتوج الضريبة على الدخل و % 1من منتوج
الضريبة على الشركات ،كما نص قانون مالية 1156كذلك على الرفع من حصة الجهات من
منتوج الضريبة على عقود التأمين من % 13إلى .%11
تضاف إليها اعتمادات مالية من الميزانية العامة للدولة والتي بلغت سقف 51مليار
درهم سنة ، 1115كما نصت على ذلك المادة 188من القانون .111.14
ويتم تدبير كل هاته الموارد المالية املحولة لفائدة الجهات بواسطة حساب خصوص ي
للخزينة في قانون مالية السنة ،تحت اسم الصندوق الخاص المتعلق بمنتوج حصص
الضرائب املخصصة للجهات ،ويعتبروزيرالداخلية اآلمربالصرف بالنسبة لهذا الصندوق.
وتعتمد تقنية توزيع موارد هذا الحساب الخاص ،على تقسيمها إلى صنفين :بحيث يتم
توزيع الصنف األول بالتساوي بين الجهات ،لتأمين حد أدنى من الموارد لكل منها ،بينما يتم توزيع
النصف اآلخرحسب مساحة كل جهة وعدد سكانها القانوني املحدد في آخرإحصاء عام للسكان
والسكني.
-273القانون رقم 11086المتعلق بتنظيم الجهات ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 4081091بتاريخ 47من
ذي القعدة 4( 4141أبريل ،)4881الصادر بالجريدة الرسمية عدد ،1119بتاريخ 41ذي القعدة 7( 4141أبريل
،)4881ص 0116
-274القانون التنظيمي رقم 444041المتعلق بالجهات ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 4041097بتاريخ 49
من رمضان 1( 4176يوليو ،)4941الجريدة الرسمية عدد ،6799الصادرة بتاريخ 6شوال 47( 4176يونيو
،)4941ص 06641
وقد تم تحديد معايير توزيع هاته الموارد بين الجهات بموجب المرسوم رقم
1.51.779الصادربتاريخ 11دجنبر ،1151على الشكل التالي:
كما تجدر اإلشارة إلى أن المشرع 275نص على موارد أخرى للجهات ،كموارد صندوق
التأهيل االجتماعي ،والذي يعد مصدرا تمويليا مؤقتا ،يهدف إلى سد العجز في مجاالت التنمية
البشرية والبنيات التحتية األساسية والتجهيزات ،السيما في مجال الماء الصالح للشرب،
والكهرباء ،والسكن غير الالئق ،والصحة ،والتربية ،وشبكة المواصالت .ويعتبر رئيس الحكومة
آمرا بقبض مداخيل وصرف نفقات هذا الصندوق.
وكذلك صندوق التضامن بين الجهات ،والذي يهدف إلى ضمان التوزيع المتكافئ
للموارد قصد التقليص من التفاوتات فيما بينها ،ويعتبر وزير الداخلية آمرا بقبض مداخيل
وصرف نفقات هذا الصندوق.
كما ينبغي اإلشارة إلى نوع آخر من الموارد املحولة من الدولة إلى الجماعات الترابية
بمختلف أصنافها ،ويتعلق األمر بفوائد األموال المودعة بالخزينة العامة ،والمتأتية من
الضرائب والجبايات والرسوم التي تم تحصيلها لفائدة هذه الجماعات.
حري بالذكر كذلك أن الموارد املحولة من طرف الدولة تمثل حصة األسد من مجموع
موارد الجماعات الترابية ،إذ فاقت % 64سنة .2021
خاتمة:
إذا كانت مؤشرات التنمية املحلية تقاس بمدى فعالية تدخالت الوحدات الالمركزية في
تنزيل مخططاتها على أرض الو اقع ،وفق مقاربة و اقعية تحدد بموضوعية األهداف المسطرة،
فإن تحقيق هذه الغايات رهين بما يتوفر لهذه الهيئات من موارد مالية تبلورها في إطار مشاريع
تنموية ،وكلما ارتبطت هذه اإلمكانيات المالية بموارد ذاتية كلما تعززاالستقالل المالي وتأكدت
مصداقية الفعل املحلي وارتفع هامش حرية مجاالت تدخل الجماعات الترابية.
فالموارد المالية مؤشر هام على مدى استقاللية الجماعات الترابية ،لكن التركيز عليها
قد ال يفيد في إدراك المدلول الكلي لالستقالل المالي ،فمهما ارتفعت حجم الموارد ،فإنها في ظل
سياسة إنفاقية غير معقلنة تجعله غير ذي جدوى ،مما يصعب معه إدراك مفهوم االستقالل
المالي باالعتماد على الموارد دون النفقات.
الئحة المراجع:
عصام القرني" ،التدبير الجبائي الترابي بين محدودية الحصيلة وثقل الرهانات" ،املجلة
المغربية للقانون اإلداري والعلوم اإلدارية ،عدد مزدوج ،1-1 ،السنة .1159
منية بلمليح ،قانون األمالك العمومية بالمغرب ،منشورات املجلة المغربية لإلدارة
املحلية والتنمية ،سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية ،الطبعة األولى ،السنة .1117
محمد بوجيدة وميلودة بوخال ،أمالك الجماعات الترابية وهيئاتها ،منشورات املجلة
المغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،سلسلة دالئل التسيير ،عدد ،1سنة .5771
كريم لحرش ،تدبير مالية الجماعات الترابية ،مكتبة الرشاد ،للنشر والتوزيع ،سطات،
الطبعة الثالثة ،السنة .2017
نجيب جيري" ،قصور النظام القانوني والتنظيمي ألمالك الجماعات الترابية وإشكالية
التمويل غير الجبائي للتنمية املحلية بالمغرب" ،مجلة أمالك الدولة ،العدد ،5الطبعة األولى،
.1151
عبد العالي الفياللي" ،الجماعات الترابية بالمغرب بين الحكامة المالية وتجويد آليات
الرقابة" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة سيدي محمد بن عبد الله ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بفاس ،السنة الجامعية .1151-1151
ظهير شريف بمثابة قانون رقم 5.96.111بتاريخ 11رمضان 11( 5176شتنبر )5796
يتعلق بتنظيم مساهمة السكان في تنمية االقتصاد الغابوي ،صادر بالجريدة الرسمية العدد
1111بتاريخ 11شتنبر ،5796ص .79
أحمد حضراني" ،النظام الجبائي املحلي على ضوء التشريع المغربي والمقارن" ،املجلة
المغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية ،العدد ،11السنة .1115
دورية وزير الداخلية حول إعداد ميزانيات الجماعات الترابية برسم سنة ،2008رقم
،102المديرية العامة للجماعات ،مديرية المالية ،2007/09/28ص .59
محمد رحيم ومصطفى فراح ،إطاللة على الشأن املحلي ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح
الجديدة ،الدارالبيضاء ،السنة .2002
صالح العمراني ،الملك الغابوي بين النص القانوني واإلكراهات الو اقعية ،مطبعة
األمنية ،الرباط ،السنة .1156
مريم زان" ،النظام المالي للجهة على ضوء القانون التنظيمي رقم ،"555.51املجلة
المغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،عدد مزدوج ،519-516يناير -أبريل .1156
عبد الفتاح بلخال ،علم المالية العامة والتشريع المالي المغربي ،الطبعة األولى ،مطبعة
فضالة ،املحمدية ،الطبعة األولى ،السنة .2005
محمد علي أديبا ،إشكالية االستقالل المالي للجماعات املحلية بالمغرب :نحو مقاربة
و اقعية ،منشورات املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،العدد ،17السنة .1115
نور الدين السعداني ،الجماعات الترابية بالمغرب بين توسيع االختصاصات التدبيرية
وإكراهات االستقاللية المالية –دراسة تحليلية ،-مطبعة دار السالم ،الرباط ،الطبعة األولى،
سنة .1151
حورية المرض ي" ،موارد الجماعات الترابية ودورها في التنمية ،الجماعات الترابية
بالجهة الشرقية كنموذج" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية بوجدة ،السنة الجامعية .1111-1111
عبد الناصر بنفارس" ،مصادر تمويل الجماعات الترابية وشروط تحقيق استقاللها
المالي" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية بفاس ،السنة الجامعية .1157-1159
حورية المرض ي ،موارد الجماعات الترابية ودورها في التنمية ،الجماعات الترابية بالجهة
الشرقية كنموذج" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية بوجدة ،السنة الجامعية .1111-1111
عادل تميم" ،صندوق التجهيز الجماعي بين إكراهات االقتراض و آفاق التمويل
االستثماري املحلي" ،مجلة المتوسط للدراسات القانونية والقضائية ،العدد ،1يونيو .1159
واحكامها
Islamic banking windows - their concept and provisions
ملخص البحث:
يركز البحث على موضوع مهم واساس ي يتمثل في اعتماد النو افذ االسالمية لدى
المصارف الربوية ،باعتبار ان االخيرة تتعاطى بالفوائد الربوية في تعامالتها بالتالي يثير موضوع
النو افذ االسالمية اهتماما بالغا في مدى شرعية النو افذ االسالمية واموالها طالما هي تنشا من
خالل المصرف الربوي.
إن اعتماد النو افذ االسالمية في المصارف الربوية تم تنظيمه في العديد من الدول
العربية واالجنبية بموجب تشريعات خاصة او انظمة متميزة عن القواعد القانونية للمصرف
الربوي بسبب خصوصية هذه النو افذ االسالمية.
وعليه فان النو افذ االسالمية هي وسيلة اساسية مهمة في تنشيط العمل المصرفي
عموما واالستثمارات المتنوعة على وفق الصيغ الشرعية واالسالمية في مجاالت التعامالت
المالية االسالمية.كلمات مفتاحية( :النافذة ،االسالمية ،الربا ،التعامل ،االستثمار)
ABSTRACT
المقدمة:
ان انتشار النظام المصرفي اإلسالمي وعدم تأثره باألزمات المالية املحلية والدولية ادى
الى اكتسابه قوة و مرونة عالية ألداء مهامه وتحقيق نسب نجاحات كبيرة في مجال اقبال االفراد
والمؤسسات المالية حاليا على اختالف توجهاتها إلى الصيرفة االسالمية.
ً ً
وعطاء أدى إلى وان عدم تعامل النو افذ اإلسالمية بشكل عام بالفائدة الربوية أخذا
وضع اسس متينة لها في الو اقع العملي المصرفي وتأثر المصارف الربوية التقليدية
بالصيرفةاإلسالمية مما ادى الى تجاوب هذه المصارف مع هذا النظام وادىلفتح نو افذ إسالمية
تمارس االعمال المصرفية اإلسالمية في عدد من المصارف التجارية الربوية ،وما حققتههذه
النو افذ اإلسالمية من قفزات نوعية أساسية في االقتصاد والتنمية واالستثمار ،لتحقيق
العديد من األهدافومن بينها جذب األموال والمدخرات واستثمارها بأساليب التمويل الشرعي
اإلسالمي البعيدة عن الربا.
ونلحظ في إطار فتح النو افذ اإلسالمية في المصارف التقليدية الربوية اتجاهين :األول
يؤيد الفكرةويراها الطريق االمثل لنشرثقافة النظام المصرفي اإلسالمي والتوسع به.
أما الثاني فهو يعارض التجربة ألن ذلك يؤدي للتداخل في أالعمال في المصرف
الواحدبين األعمال المصرفية التقليدية الربوية وبين تلك األعمال المصرفيةاإلسالميةمما قد
يؤدي الى فشل هذه التجربة وعدم إقبال األفراد للصيرفة اإلسالمية والتعامل معها ،نظرا
الختالط االموال.
ومع وجود هذين االتجاهين نرى عمليا انتشارالنو افذ اإلسالمية بشكل واسع ليس على
الصعيد املحلي او االقليمي العربي واالسالمي فحسب ،بل انتهجت هذه التجربة العديد من
المصارف الدولية حيث قامت العديد من المصارف والمؤسسات المالية العالمية مثل
مصرف Citibankوالمصرف السعودي االمريكي ومجموعة ANZاالسترالية-النيوزلندية وغيرها
بفتح نواف اإلسالمية لتداول المنتجات اإلسالمية واإلسهام في نشرالعمل المصرفي اإلسالمي.
تتعلق مشكلة الموضوع في امكانية فصل الذمة المالية بين المصرف الربوي والنافذة
االسالمية ،و ايضا مسالة تشكيل هيئة الرقابة الشرعية في النافذة االسالمية ومتطلبات اختيار
اعضائها في ظل المصرف الربوي ،وعرض لمشكلة اساسية تتمثل بدعم قطاعات النو افذ
االسالمية في المصارف الربوية وجعل االقبال اليها واسعا من خالل لجوء االفراد والشركات
اليها ،ومن جانب اخر مدى توفر الغطاء القانوني للنو افذ االسالمية من تشريعات او انظمة
خاصة لكي تتجاوزاي مشكالت قانونية تصادفها.
سيتم التركيز على أهم المستجدات في موضوع النو افذ اإلسالمية في المصارف الربوية
وبيان موقف المشرع العراقي من ذلك خصوصاعندما صدرت تعليمات المصرف المركزي
العراقي رقم 6لسنة 1155في الصيرفة اإلسالميةواعتماد قانون المصارف االسالمية العراقي رقم
11لسنة 1151فيما بعد،وكيفية معالجتها لهذا الموضوع مع االشارة لبعض القوانين كما
فيقانون إنشاء المصارف اإلسالمية في لبنان رقم 191لسنة 1111وقانون المصارف اإلسالمية
اإلماراتي رقم 6لسنة 5771مع االشارة الى بعض التجارب العربية األجنبية في تبني فكرة النو افذ
في المصارف الربوية.
سيتم معالجة الموضوع من خالل االتي :المبحث األول :مفهوم النو افذ اإلسالمية
المصرفية .المبحث الثاني :االحكام الفقهية والقانونية للنو افذ اإلسالمية المصرفية.
ال بد من تحديد معنى النو افذ اإلسالمية المصرفية التي تمارس تقديم الخدمات
المصرفية المالية في المصارف الربوية ،وبيان أهميتها في المصارف التقليدية وذلك في
المطلبين االتيين :المطلب األول :التعريف بالنو افذ اإلسالمية المصرفية .المطلب الثاني:
أهمية النو افذ اإلسالمية.
عرفت النو افذ االسالميةبأنها":االنتقال من وضع المصرفية التقليدية المبنية على سعر
الفائدة إلى المصرفية اإلسالمية القائمة على مقاصد الشريعة اإلسالمية"(.)276
جاء التعريف عاما وكأنما يقصد به تحول المصرف الربوي بالكامل الى اسالمي مع ان
الغرض الدقيق للنافذة االسالمية اقتصارها على اعمال معينة ومحددة ضمن المصرف
الربوي.
ويعرفها آخر بأنها":تلك الجهات التي تنتمي إلى بنوك تقليدية تمارس جميع األنشطة
المصرفية طبقا ألحكام الشريعة االسالمية"(. )277
) )276د.ضرار الماحي ود.محمد عوض ،الفروع والنوافذ االسالمية في البنوك التقليدية ،مجلة تفكر ،معهد اسالم المعرفة،
جامعة الجزيرة-السودان ،مجلد ،72عدد ،2224 ،7ص . 19
) )277حسين حسين شحاته ،الضوابطالشرعيةلفروعالمعامالتاإلسالميةبالبنوكالتقليدية ،ص ،2بحث منشور بتاريخ كانون الثاني
،2227وعلى موقع .https://down.ketabpedia.com/files/bkb/bkb-fi03901-ketabpedia.com.doc:
وقد جاء التعريف اعاله ليبين انها جهات مستقلة تنشا في إطار المصرف الربوي اال ان
اعمالها تكون وفق احكام الشريعة االسالمية.
ومن جانب اخرعرفت بانها":قيام المصرف الربوي بتخصيص جزء اومكان من المصرف
ربوي لكي يقدم جانب ما يقدمه من خدمات تقليدية"(. )278
ً
وذهب اخر الى انها":ادارة داخل المصرف التقليدي يتم إنشاؤها خصيصا للعمل وفق
أحكام الشريعة اإلسالمية ومبادئها من اجل تقديم الخدمات المصرفية اإلسالمية املختلفة
ً
وتحقيق أهداف المصرف اإلسالمي مما يستلزم في النافذة أن تكون ذات طبيعة مختلفة تماما
عن المصرف التقليدي"(.)279
يؤكد التعريف على انها جهاز اداري موجود داخل المصرف الربوي لكن تنشا بشكل
خاص لممارسة اعمال الصيرفة االسالمية.
كما وعرفت على إنها":وحدات تابعة لمصارف تقليدية تمارس أعمال الصيرفة
ً
اإلسالمية تحت رقابة هيئات شرعية مختصة و تعمل وفقا للقوانين النافذة"(.)280
جاء التعريف اعاله متضمن العديد من االشارات المهمة على اعتبار النافذة وحدات
اساسية لممارسة اعمال التمويل والمصرفية االسالمية مع وجود رقابة خاصة تتمثل بالرقابة
الشرعية تظهروفق التشريعات المرعية.
وعليه تعد النو افذ اإلسالمية من أهم الكيانات المبتكرة في المصارف التقليدية بحيث
تقدم خدمات متنوعه تحت اشراف هيئة متخصصة للرقابة الشرعية على عمليات النافذة
االسالمية وفق احكام الشريعة االسالمية وان هذه النافذة تختلف بذات الوقت من مصرف إلى
آخر فبعضها يقدم خدمات مصرفية متكاملة لعمالء المصرف ومنها ما يقدم خدمات معينة
كخدمات االستثماروالتمويل وغيرها.
) )278د.فهد الشريف ،الفروع االسالمية التابعة للمصارف الربوية ،دراسة في ضوء االقتصاد االسالمي ،المؤتمر العالمي
الثالث لالقتصاد االسالمي ،جامعة ام القرى ،السعودية ،2221 ،ص .72
) )279عارف محمد الخير الحاج ،الرقابة الشرعية على النوافذ اإلسالمية بالبنوك التقليدية دراسة تحليلية للتجربة الماليزية،
رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس الجامعة اإلسالمية العالمية في ماليزيا -كلية أحمد إبراهيم للحقوق ،2221 ،ص 21
)(280د .أحمد الدخيل ،النوافذ اإلسالمية في المصارف الحكومية العراقية ،دراسات اقتصادية إسالمية ،المجلد التاسع عشر،
العدد الثاني ، 2272 ،ص .12
إن ممارسة النو افذ اإلسالمية ألعمالها من خالل البنوك التقليدية يهدف الى تحقيق
عدة أمورمنها(:)281
-5وجود اعتقاد لدى المصارف التقليدية بان المصارف اإلسالمية كالمصارف التقليدية
تقوم بتقديم خدمات التمويل وخصوصا التشابه بين المرابحات والقروض مما عززالمصارف
التقليدية بإنشاء نو افذاسالمية خاصه بها.
-1الهدف األسمى والمهم للمصارف التقليدية من خالل فتح النو افذ اإلسالمية هو
الحفاظ على عمالئها واستعادة العمالء الذين فقدتهم ونتيجة لقناعة القائمين على المصرف
الربوي على نجاح و انتشار الصيرفة اإلسالمية بشكل كبير وواسع و اتاحه الفرصةألصحاب
المصارف التقليدية بالتعرف عن قرب على منافعها.
-1تلبية احتياجات بعض العمالء الراغبين في التعامل على وفق المصارف اإلسالمية لكي
ال يبتعدوا عن المصارف التقليدية.
-6تعد النو افذ اإلسالمية في المصارف الربوية من التجارب غاية في األهمية اذ اتجهت
العديد من المصارف العالمية المشهورة التخاذ أسلوب النو افذ العاملة وفق الشريعة
االسالمية كوسيلة لجذب واستقطاب المليارات من الدوالرات والماليين من الناس مما اكسبها
قوة عاليةومتانه مصرفية اذ أن أعمال البنوك بدأت تعتمد على النو افذ االسالمية مما يدلل
على مكانتها في االقتصاد العالمي(. )282
) )281د.لطف محمد السرحي ،الفروع االسالمية في البنوك التقليدية ،بحث مؤتمر المصارف االسالمية اليمنية ،الواقع وافاق
المستقبل ،نادي رجال االعمال ،اذار ،2272ص2و .9
) )282زهرة بني عامر ،النوافذ االسالمية ما لها وما عليها ،مقالة منشورة بتاريخ ، 2277-2-72وعلى الموقع:
http://www.iefpedia.com/vb/formdisplay.php
ولقد بلغ عدد المصارف التقليدية التي قامت بفتح نو افذ إسالمية ما يقارب 111
مصرف حول العالم و بحجم اصول يصل الى 111ملياردوالرأمريكي()283على وفق تقريراملجلس
العام للبنوك والمؤسساتاإلسالمية في البحرين منها 11مصرف في بريطانيا وعلى رأسها مصرف
)284(HSBCالذي يقدم خدماته المصرفية اإلسالمية عبروحدته الخاصة ويطلق عليه اسم امانه
HSBC AMANAHالمؤسسة عام 5777وتديرحاليا أكثرمن 57ملياردوالرمن هذه المنتجات
اإلسالمية حول العالم(.)285
وقد قام مصرف ABC INTERNATIONAL BANKفي بريطانيا ايضا بفتح نافذة
اسالميه باإلضافة الى مصرف DEUTSCHE BANKوتجدر االشارة هنا الى أن عدد البنوك في
بريطانيا والتي تقدم خدماتها المصرفية اإلسالمية بلغ 11مصرف منها 1اسالميه و 59مصرفا
تقليديافيه عدة نو افذ إسالمية تقدم من خاللها هذه المنتجات اإلسالمية(. )286
ومن المصارف ايضا التي اعتمدت على هذه التجربة (مصرف درسدنر كالي
نورث بنسن) الذي أسس وحده متخصصه للصيرفة اإلسالمية ومجموعة )287(ANZاألسترالية
النيوزيلندية في إنشاء قسم الخاص بالتمويل اإلسالمي ومصرف CITIBANKالذي أسس وحدة
تمويل إسالمية متخصصة عام 5771قبل أن يفتح فرعا اسالميا برأس مال مستقل في البحرين
عام 5776وغيرها الكثير من المؤسسات المالية والمصرفية(.)288
) )283د.محمد البلتاجي ،مشكالت االدارة الشرعية في المصارف التقليدية ذات النوافذ االسالمية ،ورقة عمل مقدمة للمؤتمر
السنوي للهيئات الشرعية ،البحرين ،2272 ،ص. 9
) HSBC )284وهي اختصار لعبارة HONGKONG AND SHANGHAI BANKING CORPORATION
وهي من اكبر المؤسسات المتخصصة في الخدمات المصرفية والمالية في العالم يتضمن اتحاد مجموعة كبيرة من البنوك فيما
بينها ومركزه الرئيس لندن ويغطي ما يقارب اكثر من 12بلد .لمزيد من التفاصيل:
HTTP://WWW.HSBC.COM/ABOUT-HSBC
) )285ينظر موقع المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية االسالمية/https://www.cibafi.org :
) )286فؤاد بنعلي ،البنوك االسالمية في اوربا الواقع واالفاق ،مجلة االقتصاد االسالمي العالمي ،المجلس العام للبنوك
والمؤسسات المالية االسالمية ،البحرين ،العدد ،72ايار ،2272ص. 97
) )287وهي اختصار AUSTRALIA AND NEW ZEALANDوهي من اكبر المصارف في استراليا وتعد من اهم
المجموعات المصرفية العالمية ومركزه الرئيس في مدينة ملبورن .ولمزيد من التفاصيل:
HTTP://WWW.ANZ.COM.AU/ABOUT-US/ORR-COMPANY.PROFILE/FACTS/HISTORY
) )288د.سعيد المرطان،تقويم المؤسسات التطبيقية لالقتصاد اإلسالمي النوافذ اإلسالمية للمصارف التقليدية ،ص ، 72متاح
على الموقع/https://iefpedia.com/arab/wp-content/uploads/2009/06 :
و يالحظ وبما ال يقبل الشك أن قيام المصارف التقليدية بالمسارعة بفتح نو افذ
إسالمية يعد من اهم االدلة على نجاح تجربة المصارف اإلسالمية والتي صارتتحقق نمو سنوي
قدره %11فيدل دليال قاطعا على النظرفي احكام الشريعة االسالمية السمحاء ليس فقط ممكن
في كل زمان ومكان بل هو مربح ومبارك ايضا لألفراد(، )290تصديقا لقوله تعالى" :يمحق الله
الربا ويربي الصدقات والله ال يحب كل كفارأثيم" (. )291
وتبرز أهمية هذه التجربة بما تتمتع به من درجة عالية من األمان بحيث انه لو فشلت
التجربة او تعرضت ألي خسارة فانه سيكون ذلك مقتصرا على التجربة فقط دون أن يتأثر
المصرف الرئيس بذلك.
ً
عالميا في قطاع الخدمات المالية اإلسالمية، وتجدراالشارة الى ان مملكة البحرين ً
مركزا
والدولة المضيفة ألكبر تجمع من المؤسسات المالية اإلسالمية في الشرق األوسط .وتضم
البحرين اليوم منظمات وهيئات مهمة لتطوير الخدمات اإلسالمية منها 7نافذة تابعة
ً
للمصارف التقليدية ،لقد كان النم و في قطاع الخدمات المصرفية اإلسالمية كبيرا ،حيث قفزت
الموجودات اإلجمالية في هذا القطاع من 5.7مليار دوالر أمريكي في العام 1111إلى 11.9مليار
دوالر أمريكي في يوليو .)292( 1111
وفي احصائية حديثة بلغ عدد البنوك التقليدية التي تمتلك نو افذ إسالمية 75بنكعام
1157مقارنة بعدد 71بنك تقليدي لهم نو افذ إسالمية لعامي 1159و 1156في حين كانت
البنوك التقليدية التي تمتلك نو افذ إسالمية 71بنك لعامي 1151و 1151مقارنة بعدد 71بنك
عام 1151ومقدار أصول الصيرفة العالمية لغاية 1111محوالي 1تريليون دوالر وعدد فروع
ووحداتا لتمويل والصيرفة اإلسالمية التابعة للبنوك التقليدية حوالي 111وحدة(.)293
) )289تريز منصور ،الصيرفة االسالمية مفهومها وتطورها في اسواق المال العالمية ،مجلة الجيش اللبناني ،عدد ،212نيسان
،2221ص .2
) )290موقع االقتصاد العالمي االسالميHTTP://WWW.IESGS.COM :
) )291سورة البقرة /االية .211
) )292دغسانطاهرطلفاح ،الصيرفةاإلسالميةفيالبنوكالتقليديةمالهاوماعليها ،كلية الشريعة ،جامعة الكويت ،ص.22
) )293المصدر ذاته ،ص.79
ونجد قيام العديد من المصارف التقليدية في العراق كما في مصرفي الر افدين والرشيد
الحكوميين بإنشاء النو افذ اإلسالمية حيث قام مصرف الرشيد بفتح نافذة إسالمية في بغداد
ويعد أحد ثالثة فروع سيقومالمصرف بفتحها للعمل من النو افذ اإلسالمية ،وعلى نظام
وتوقع المستشار السابق لدى محافظ اإلسالمية()294 مصرفي قائم على أساس الشريعة
المصرف المركزي العراقي السيد مظهرمحمد صالح في حديث له بان":فتح النو افذ اإلسالمية
في المصارف الحكومية التقليدية سيؤدي إلى زيادة نشاطها بنسبة تزيد على %11وبين
انالحكومةالعر اقية خصصت ما يقرب من 11مليار دينار لدعم مصرفي الر افدين والرشيد
مناصفة لفتح النو افذ االسالمية واضاف ايضا بان قانون المصارف العراقي النافذ لم يفرق
بين الصيرفة االستثمارية والصيرفة التجارية حيث ال يوجد سند قانوني أو فقرة في قانون
المصارف العراقي لتنظيم المصارف اإلسالمية ويحدد عملها"( ،)295وهذا االمرطبعا قبل تشريع
قانون المصارف االسالمية في العراق عام . 1151
والجديربالذكرأن النو افذ اإلسالمية في المصارف الحكومية العر اقية بدأت وفقا لما
أعلنه المصرف المركزي في شهر أيار عام 1151ومما يؤكد االتجاه وعزم الحكومة العر اقية
باالتجاه الى المصرفية اإلسالمية لدى مصارفها التقليدية ما نصت عليه المادة ( )19من قانون
الموازنة العامة االتحادية للعراق لعام 1151والمرقم 11لسنة )296(1151حيث جاء فيه":تلتزم
وزارة المالية االتحادية بتمويل مبلغ اضافي لزيادة راس مال النو افذ اإلسالمية في كل من مصرف
الر افدين والرشيد وبمبلغ 11ملياردينارلكل منهما بناء على طلب من المصرف المركزي العراقي
وقيام المصرف المركزي العراقي بالمو افقة على فتح النافذة اإلسالمية في مصارف القطاع
الخاص الراغبة في ذلك.
ان تجربة النو افذ اإلسالمية تعد من التجارب األساسية على صعيد المصارف الربوية
التقليدية وإن هذه الفكرة والتجربة الجبارة التي ظهرت و انتشرت بشكل كبير كان هناك من
يؤيدها ومن يرفضها و ايضا البد من االشارة الى اجراءات تأسيس النو افذ ومتطلباتها القانونية
االساسية لكي تظهر للو اقع العملي وكل ذلكوفقا للمطلبين اآلتيين :المطلب األول :االتجاهات
المؤيدة والمعارضة لتجربة النو افذ اإلسالمية .المطلب الثاني :تأسيس النو افذ اإلسالمية
ومتطلباتها.
يتطلب االمرهنا بيان اآلراء الفقهية التي تدعم وجود هذه النو افذ في المصارف الربوية،
واآلراء التي تعارض ذلك ووفقا للفرعين التاليين:
-5أن تبني المصارف الربوية لتجربة النو افذ اإلسالمية يعد من أهم وسائل محاربة الربا
استنادا الى قوله تعالى" :وأحل الله البيع وحرم الربا"( ، )297ويعد هذا الراي مقصدا اساسيا
لدعم املجتمعات االسالمية في رفع بلوى الربا عنه.
-1قد ال تتو افر لدى بعض الدول السند القانوني لغرض إنشاء مصارف إسالمية تعمل
على وفق الشريعة اإلسالمية فتعد النافذة االسالمية في المصرف التقليدي بديال مؤقتا لحين
التحول الكامل للعمل المصرفي االسالمي او فتح مصارف إسالمية قائمة بحد ذاتها(. )298
-1االعتماد على النو افذ اإلسالمية يعد اعتر افا من المصارف الربوية بجدواها
وتنويع أساليب االستثمار والتمويل من خاللها بشرط ان تكون متو افقة مع االقتصادية()299
الشريعةاإلسالمية(.)300
-1نجاح تجربة النو افذ اإلسالمية في هذه المصارف قد يؤدي مستقبال لتحول المصارف
الربوية بالكامل إلى المصارف اإلسالمية( )301وذلك بسبب النتائج التي ستحققها من جراء العمل
المصرفي اإلسالمي.
-6ضرورة إعطاء الحق لمثل هذه المصارف في تبني وتقديم خدمات ومنتجات مصرفية
ومالية اسالميه لعمالئها على المدى البعيد مع انتقاء العمليات المصرفية اإلسالمية المناسبة
وهذا الرأي يتالءم مع فلسفة الشريعة اإلسالمية بالتدرج في تحريم املحرمات ،و أنوجود النو افذ
اإلسالمية داخل المصرف التقليدي سوف يشجع على التعايش المشترك بين نظامين مصرفيين
مختلفين اصال بينهما بدل المواجهة غيرهذه الفائدة(. )304
ظهر اتجاه ثان بشأن تجربة النو افذ اإلسالمية يعد ر افض لهاومن اهم حججه بهذا
الشأن هي:
-5الخوف من أن يؤدي فتح النو افذ اإلسالمية في المصارف التقليدية الى التشويش على
حسن سير تطبيقها في أذهان العاملين والعمالء على حد سواء(. )305
-1مسألة المو افقة الشرعية على إنشاء النو افذ االسالمية حيث ان البعض يصر على
عدم جوازإنشاء النافذة االسالمية من بنوك تقليدية ربوية(.)306
-1ان التعامل مع النو افذ اإلسالمية في المصارف الربوية سيؤدي الى اختالط األموال
الحالل والحرام ويتعذرالفصل بينهما في الكثيرمن األحيان(.)307
-1يالحظ أن هذه النو افذ ما هي إال وسيلة تسعى المصارف الربوية لكسب فرص السوق
المالي االسالمي ،ومثل هذه النو افذ ال تعد سوى واجهة شكلية إقامتها المصارف الربوية لغرض
الفوزبحصة من سوق العمل المصرفي اإلسالمي الذي يتزايد اإلقبال عليه بشكل واسع.
-9أن العديد من المصارف التقليدية التي فتحت نو افذ اإلسالمية قد ال تطبق مبادئ
الشريعة اإلسالمية في تعامالتها المالية مع الزبائن اال شكليا ،مما يؤدي الى انها تقوم بتقديم
نظرة غير سليمة عن الصيرفة اإلسالمية ،وكذلك ضعف الوعي فيما يخص مفاهيم التمويل
اإلسالمي مما يشكل مشكلة في التسويق المصرفي اإلسالمي مع غياب قنوات اعالمية متخصصة
في نشرثقافة الصيرفة اإلسالمية والتمويل واالستثماراإلسالمي لدول الغرب(.)308
ومما سبق نجد أن هذا االتجاه يحرم التعامل مع المصارف الربوية وإن كانت لديها
نافذة اسالميه العتبار أن هذه النافذة اصال تابعة للمصرف التقليدي والتابع تابع وبالتالي ال
يشجع هذا االتجاه االعتماد على النو افذ اإلسالمية.
سيتم في هذا المطلب التركيز على طريقة إنشاء النو افذ اإلسالمية في المصارف الربوية
واهم الضوابط واإلجراءات الخاصة بها ضمن إطار المصرف التقليدي ،واالشارة للتشريعات
القانونية التي نصت او اشارت للنو افذ االسالمية المصرفية قدراالمكان.
اذ البد من وجود التوجه الحقيقي لقيادات المصرف التقليدي في ذلك وااللتزام
بالضوابط الشرعية وتجنب ارتكاب املخالفات الشرعية وفهم قضية الحالل والحرام واوجدت
العديد من البنوك ال مركزية ضمن النصوص القانونية المنظمة لها مجموعة من اإلجراءات
والضوابط ،وتباينت التشريعاتبشان تضمينهالموقف واضح من مسالة النو افذ اإلسالمية.
فلم يتضمن قانون المصارف اإلسالمية اإلماراتي ذي الرقم 6لسنة 5771أي نصوص
تنظم عمل النو افذ اإلسالمية ,ويشير الو اقع العملي بأن األسلوب المتبع هو تأسيس مصارف
إسالمية جديدة أو أن يتبنى المصرفالتقليدي الراغب في التحول للمصرفية اإلسالمية مبدأ
التحول الكلي وفق خطة زمنية معلنة ,اذال يوجد في القطاع المصرفي اإلماراتيفكرة االزدواجيةفي
التعامل داخل المصرف الواحد سواء في شكل فروع إسالمية أو نو افذ أو منتجات إسالمية ,مع
استمرارالمصرف بالعمل بالنظام التقليدي ،ويظهرلنا ذلك جليا من خالل تتبع نشرة المصرف
المركزي اإلماراتي الخاصة بالبنوك العاملة داخل دولة اإلمارات حيث يوجد عدة بنوك تحمل
أسماء مزدوجة تقليدية وإسالمية مثال ذلك مصرف أبو ظبي الوطني ومصرف أبو ظبي اإلسالمي
ومصرف دبي التجاري ومصرف دبي اإلسالمي(.)309
كما أكد على ذلك المصرف المركزي اإلماراتي للعديد من البنوك التقليدية التي تعمل
في دولة االمارات العربيةالمتحدةعلى فتح النو افذ اإلسالمية من خالل التزام هذه المصارف
بمسك سجالت حسابات منفصلة للخدمات المصرفية اإلسالمية في المصرف التقليدي
لعمالئه تكون بالضرورة منفصلة عن سجالت الخدمات المصرفية التقليدية الربوية لعمالئه
داخل المصرفباإلضافة الى اعداد حساب األرباح والخسائر والميزانية العمومية لقسم
الخدمات المصرفية اإلسالمية بالمصرف بشكل منفصل أيضا(. )310
ومن جانب اخر نالحظ قرار هيئة الرقابة الشرعية ملجموعة HSBCالمصرفية وحدة
امانه للصيرفة اإلسالمية-الشرق األوسط في 1111-1-11ما نصه":يعتبر إنشاء وحدة مصرفية
إسالمية تابعة لمصرف تقليدي مقبوال من الناحية الشرعية شريطة التقيد بالضوابط التالية:
) )309مصرف اإلمارات العربية المتحدة المركزي ،كشف بأسماء البنوك الوطنية وتوزيع فروعها في دولة اإلمارات العربية
المتحدة ،كشف رقم ( )7متاح على موقع مصرف اإلمارات العربية المتحدة www.centralbank.aeللمزيد من التفصيالت
أنظر إلى د .عبدالعزيز الغرير ،فصل البنوك التقليدية عن اإلسالمية ال يخدم القطاع المصرفي والعمالء ،مقال منشور في
جريدة الشرق األوسط ،العدد 77 ،72122رجب 71-7924يونيو .2221
) )310عبد الفتاح منتصر ،مقالة بعنوان :المركزي لن يغلق النوافذ االسالمية في البنوك التقليدية ، 2277/2/4 ،متاحة على
الموقعHTTP://WWW.ALBAYAN.AE/RES/HTML :
) )311أ.سليمان عبد الله ناصر ،مقالة تجربة ماليزيا ومقارنتها بالتجربة اليمنية ،مؤتمر المصارف االسالمية في اليمن ،ص،7
المقام بتاريخ ،2272/2/22 :منشور على الموقعHTTP://WWW.NWESYEMEN.NET :
-5أن تكون حسابات الوحدة المصرفية اإلسالمية منفصلة عنحسابات المصرفي التقليدي-1 .
أال تنعكس أرباح وخسائر القسم الربوي على أرباح وخسائر القسم االسالمي -1 .أن تكون كل
المعامالت القائمة بالوحدة المصرفية اإلسالمية متو افقة مع الشريعة وتحت رقابة علماء
الشريعة".
وفي قرار اخر ايضا صدر بخصوص دور املجامع الفقهية في ترشيد مسيرة المؤسسات
المالية اإلسالمية اذ نص على ضرورة التنسيق بين هيئات الرقابة الشرعية في المؤسسات
المالية اإلسالمية وضرورة التعاون بين هيئات الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية واملجامع
الفقهية والدولية للتنسيق والتعاون وتبادل اآلراء(. )312
وأجاز أيضا المشرع اللبناني للمصارف التقليدية فتح نو افذ اإلسالمية حيث
منحمصرف االعتماد اللبناني الرخصة لذلك تحت اسمالمصرف االسالمي للتنمية ومصرف
لبنان والمهجر واشترط القانون أن يكون رأس مال النافذة االسالمية بحدود 11مليون دوالر
باعتبارأن الضمانات متوفرة في رأس مال المصرف القائمة اصال (.)313
وفي وقت قريب اعتمدت سلطنة عمان ومن خالل المرسوم السلطاني رقم 67لسنة
1151والخاص بإصدار تعديالت على بعض أحكام القانون المصرفي العماني رقم 551لسنة
1111الصيرفة االسالمية من خالل اضافة الباب السادس للقانون المصرفي العماني والذي
جاء تحت مسمى "األعمال المصرفية اإلسالمية"اذ اجازت المادة ( )511منه على اختصاص
المصرف المركزي بالترخيص لممارسة االعمال المصرفية اإلسالمية من خالل النو افذ
اإلسالمية في المصارف التقليدية واعفت المادة ( )511من هذا القانون المصارف المرخص
لها بمزاولة تلك األعمال من الرسوم التي تفرض على المعامالت المتعلقة بتملك األموال
العقارية والمنقولة او ايجارها أو استئجارها التي تجرى ألغراض مزاولة األعمال المصرفية
اإلسالمية وبينت المادة ( )516من ذات القانون على وجود لجنة للرقابة الشرعية على النافذة
االسالمية مع قيام مجلس املحافظين بإنشاء هيئة عليا للرقابة الشرعية(. )314
) )312قرار رقم 22/1/742بشان دور المجامع الفقهية في ترشيد مسيرة المؤسسات المالية االسالمية اليات وصيغ ،مجمع الفقه
االسالمي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون االسالمي ،الدورة ،22الجزائر.2272 ،
) )313تريز منصور ،مصدر سابق ،ص .2
) )314تجدر االشارة الى ان المادة ( )722من المرسوم السلطاني رقم 14لسنة 2272نص على " :يختص مجلس المحافظين
بوضع اللوائح والتعاميم واالرشادات المتعلقة باألعمال المصرفية االسالمية سواء فيما يتعلق بالترخيص التنظيم واالدارة
والرقابة الشرعية راس المال االئتمان حدود االستثمار والكشوف المحاسبة التقارير االفصاح وادارة المخاطر وغيرها.
اما بخصوص موقف المشرع العراقي فيالحظ قيام المصرف المركزي العراقي
بإصدارتعليمات الصيرفة اإلسالمية رقم 6لسنة 1155والتيتنظم العمل المصرفي االسالمي في
َ
العر اقوالتي بقيت نافذة ولم تلغ بعد صدور قانون المصارف االسالمية العراقي عام ،1151اذ
نصت المادة ( )1 /5من التعليمات على إعطاء صالحية للمصرف المركزي في فتح نو افذ
إسالمية للمصارف التقليدية ،وبينت التعليمات في المادة ( )1منها على اهم اهداف النافذة
االسالمية في تقديم الخدمات المصرفية وممارسة عمليات التمويل واالستثمارحسب الشريعة
االسالمية و تحريم الربا اخذا واعطاء بكل أوجه المعروفة سواءلحسابها او لحساب الغير ،مع
بيان ذلك في عقد تأسيسها ومن بين األهداف أيضا تطوير وجذب وسائل استثمار االموال
والمدخرات وتوجيهها نحو المشاركة في عمليات االستثمار وفقا ألحكام الشريعة االسالمية
الغراء.
وال بد أن يتم تخصيص رأس مال مستقل مصدره معروف بعيد عن شبهات الربا وله
استقاللية عن اموال البنك االخرى ،ويقوم المصرف بمراجعة نشاطه األساس ي وعقد تأسيسه
لكي يتالئم مع نشاط المصرفية اإلسالمية ويحق للنافذة بعد تأسيسها أن تمارس كل األنشطة
المسموح بها في ظل أحكام الشريعة اإلسالمية.
والبد ان يكونلكل نافذة هيكلية ادارية خاصة تتضمن مديرا للنافذة و اقسام ادارية
وتنفيذية اخرى ولها خبرة في العمل المصرفي اإلسالمي.
وبينت المادة ( )51من التعليمات ايضا على قواعد النظم المالية واملحاسبية وإعداد
البيانات المالية للفصل بين حسابات النو افذ والمصرف الرئيس وإعداد التقاريرالشهرية عن
المركزالمالي للنافذة وارساله الى المصرف المركزي العراقي المديرية العامة لمر اقبة الصيرفة
واالئتمان والقيام بإيجاد أدوات التحوط( )315المناسبة للنافذة والتي تحول دون تملكها لألصول
والسلع التي يشتريها وتعرضه ملخاطرمختلفة.
ففي العراق صدرت تعليمات رقم ( )6لعام 1155من قبل المصرف المركزي العراقي
نظمت بموجبها عمل النو افذ اإلسالمية في المصارف العر اقية عموما والحكومية منها على وجه
الخصوص( ،)316وتم بموجبها فتح أكثر من فرع إسالمي تابع لمصرف الر افدين ومصرف
الرشيد ،غير إن المتابع لو اقع النو افذ اإلسالمية في المصارف الحكومية العر اقية يجد إن
المشرع العراقي قد عدل عن موقفه الداعم إلى وجود النو افذ اإلسالمية ضمن تشكيالت
المصارف الحكومية (الر افدين والرشيد) ،فقد نصت المادة ( )11من قانون الموازنة العامة
العر اقية لسنة 1151على االتي" :يفك ارتباط كل من النافذة اإلسالمية التابعة لمصرف
الرشيد ومصرف الر افدين وإلحاقها بمصرف النهرين اإلسالمي وعلى أن يتم نقل رأس مال
النافذتين وموجوداتها من المصرفين المذكورين أعاله إلى مصرف النهرين اإلسالمي".
وبهذا يكون المشرع العراقي قد تبنى موقف تشريعي جديد يميل فيه إلى عدم تبني فكرة
وجود النو افذ اإلسالمية ضمن هيكلية المصارف الحكومية العر اقية الربوية وان األسلوب
األمثل للتحول هو بتأسيس مصارف حكومية إسالمية مستقلة وخيرمثال على ذلك هو مصرف
النهرين اإلسالمي الذي تأسس بموجب القانون رقم 71لسنة .1151
ومن المعلوم انه إذا كان المصرف الذي يريد اعتماد نافذة إسالمية مصرفا غيرحكومي
ً
فيجب تعديل عقد تأسيسه لغرض ممارسة النافذة لخدمات الصيرفة اإلسالمية ،أما إذا كان
المصرف تابع لقطاع الدولة فيجب تعديل قانون إنشائه ليناسب مع النافذة اإلسالمية التي
يراد فتحها(.)317
والبد من وجود هيئة رقابة شرعية في النافذة االسالمية المصرفية وهي عبارة عن هيئة
او إدارة تر اقب ما تقوم به النافذة االسالمية من اعمال وتتأكد من مطابقتها ألحكام الشريعة
اإلسالمية الغراء ،ويتم ممارسة هذه الرقابة من قبل هيئة او ادارة تعد سلطة مستقلة بحد ذاتها
) )315التحوط :هو الوقاية واالحتماء من المخاطر فهو فن ادارة المخاطر لالسعار من خالل اخذ مراكز عكسية عند التعامل في
ادوات المشتقات او هو االجراءات التي تتخذ لحماية المال من التقلب غير المتوقع وذلك باقل كلفة .للتفاصيل ينظر :د.عادل
عبد الفضيل ،االحتياط ضد مخاطر االستثمار في المصارف االسالمية ،ط ،7دار الفكر الجامعي ،االسكندرية،2277 ،
ص. 721
) )316التعليمات منشورة على موقع المصرف المركزي العراقي الصفحة الرسمية للبنك www.cbi.iq
) )317المادة ( )72من تعليمات الصيرفة االسالمية في العراق.
لغرض االبتعاد عن أي تأثير او ضغوط من االدارة التنفيذية للبنك بشكل عام ،وهي تتكون من
اشخاص طبيعيين من كبار رجال العلم في الشرع واالقتصاد والقانون ،وقد يطلق على هذه
الهيئة عدة مسميات اخرى كما في هيئة االفتاء ،لجنة الرقابة الشرعية ،المر اقب الشرعي،
ً
هيئة الفتوى( ،)318وعرفت بأنها :جهاز يضم عددا من الفقهاء والمتخصصين في المعامالت
المالية ،يضع الضوابط الشرعية المستمدة من األدلة الشرعية ،وتكون هذه الضوابط ملزمة
للمؤسسة ويتابع تنفيذها للتأكد من سالمة التنفيذ( )319ويالحظ على هذا التعريف انه جعل دور
ً ً
هيئة الرقابة الشرعية دورا شامال ال يقتصر على مجرد المر اقبة الشرعية بل يتعداه إلى وضع
الضوابط الشرعية الملزمة .
ومن الجدير بالذكر ان مجلس الخدمات المالية اإلسالمية قد عرف هيئة الرقابة
الشرعية بأنها(( :كيان محدد تم إنشاؤه أوالتعاقد معه من قبل مؤسسة خدمات مالية إسالمية
إلنجازنظام الضوابط الشرعية وتطبيقه)) (.)321
يتضح من التعريفات السابقة ،انها متفقة على ان الهدف من عمل هذه الهيئة هو ان
ً
يكون عمل شركة التكافل ،وغيرها من المؤسسات المالية اإلسالمية متو افقا مع أحكام
ومبادئ الشريعة اإلسالمية.
وتكون هيئة الرقابة الشرعية( )322متخصصة ودائمة وفعالة تتكون من العلماء الموثوق
بهم والمشهود بعلمهم وصدقهم وخبراتهم في مجاالت العمل المصرفي اإلسالمي لكي تتولى تنظيم
( )318د .محمد محمود العجلوني ،البنوك االسالمية ،ط ،2دار المسيرة ،عمان-االردن ،2272 ،ص.717-712
( )319د.يوسف بن عبدالله الشبيلي ،الرقابة الشرعية على شركات التأمين التعاوني ،بحث مقدم الى مؤتمر التأمين التعاوني:
ابعاده وافاقه وموقف الشريعة اإلسالمية منه ،بالتعاون بين الجامعة األردنية ،مجمع الفقه اإلسالمي الدولي ،المنظمة اإلسالمية
للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) ،والمعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب (عضو مجموعة البنك اإلسالمي للتنمية) ،عمان،
للفترة من 72-77ابريل ،2272ص.2
( )320مصطفى سلعس ،اثر انتشار ثقافة التكافل على مبيعات شركات التأمين اإلسالمي ،بحث مقدم الى كلية االقتصاد ،جامعة
دمشق ،قسم الدراسات العليا ،2224 ،ص.72-4
( )321مجلس الخدمات المالية اإلسالمية ،المعيار رقم ( ،)22العناصر األساسية في عملية المراجعة الرقابية لشركات التكافل
وإعادة التكافل (قطاع التأمين اإلسالمي) ،2271 ،ص.14
) )322هيئة الرقابة الشرعية :وهي عبارة عن هيئة او ادارة تراقب ما يقوم به المصرف االسالمي او النافذة االسالمية من اعمال
وتتأكد من مطابقتها ألحكام الشريعة االسالمية الغراء ويتم ممارسة هذه الرقابة من قبل هيئة او ادارة تعد سلطة مستقلة بحد
العقود وصياغتها والتأكد من صحة المعاملة التي تتم عبر النافذة وال بد أن تكون هذه الهيئة
الشرعية مستقلة بالتأكيد عن إدارة المصرف الربوي ،والسبب في ذلك لكي ال تخضع هذه الهيئة
لتأثيرات وضغوطات من اإلدارة مما قد يسبب انحر افا عن أهدافه الرقابية داخل النافذة
االسالمية.
واشار قانون المصارف االسالمية العراقي رقم 11لسنة 1151النافذ على( )324ضرورة
تعين الهيئة التأسيسية لكل مصرف عندت أسيسه وبمو افقة البنك المركزي العراقي هيئة
تسمى (هيئةالرقابةالشرعية) ،اذ تتألف هيئة الرقابة الشرعية من ( )1خمسة أعضاء يكون
(ثالثة) منها في األقل منذوي الخبرة في الفقه اإلسالمي واصوله (و اثنان) منهم في األقل من ذوي
الخبرة واالختصاص في االعمال المصرفية والقانونية والمالية ،وينتخب أعضاء الهيئة من بينهم
رئيسا وعضوا تنفيذيا ولها ان تستعين بمن تراه مناسبا من األشخاص والهيئات لتحقيق
ذاتها لغرض االبتعاد عن اي تأثير او ضغوط من االدارة التنفيذية للبنك بشكل عام وهي تتكون من اشخاص طبيعيين ومن كبار
رجال العلم في الشرع واالقتصاد والقانون ويطلق على هذه الهيئة عدة مسميات منها هيئة االفتاء او لجنة الرقابة الشرعية او
المراقب الشرعي او هيئة الفتوى .للتفاصيل اكثر ينظر :د .محمد محمود العجلوني ،البنوك االسالمي ،ط ،2دار المسيرة ،
عمان ،2272 ،ص. 717-712
) )323د.محمد البلتاجي ،مصدر سابق ،ص 1و4و. 72
( )324المادة 1من القانون.
اهدافها ،مع مالحظة وجود قيد مهم بانه ال يجوز ان يكون أعضاء هيئة الرقابة الشرعية من
اإلداريين او الموظفين من المدراء او من أعضاء مجلس اإلدارة او المساهمين في المصرف
وتكون مدة العضوية ( )1ثالث سنوات قابلة للتجديد بمو افقة الهيئة العامة للمصرف بعد
استحصال مو افقة البنك ،ويكون اثر قرارات الهيئة ملزمة للمصرف.
ومن الضروري أن يكون أعضاؤها من ذوي الكفاءات العلمية ،ومن المتخصصين في
ميداني المعامالت المالية واالقتصاد اإلسالمي ،وأن ال يقل عددها عن ثالثة درءا للتواطؤ ،وان
يأتي أعضاء الهيئة باالختيارمن قبل الجمعية العمومية للبنك ال من مدير البنك ،مما يكسبهم
قوة في إصدارالفتاوى الشرعية للبنك دون تحقيق مصلحة شخصية بالبقاء في منصب عضوية
هيئة الرقابة الشرعية ،إضافة إلى حضور جلسات مجلس اإلدارة والجمعية العمومية حتى
يكونوا على اطالع على تعامالت البنك مع ضرورة أن تكون فتاوى وآراء الهيئة ملزمة وواجبة
التنفيذ(.)325
ولمصرف النهرين االسالمي العراقي وهو شركة عامة حكومية هيأة للرقابة الشرعية(،)326
تتألف منأربعة أعضاء من ذوي الخبرة واالختصاص في الفقه اإلسالمي وأصوله ،ويتم اختيارهم
من مجلس ادارة المصرف( .)327ونجد ان االمر هنا منتقد الن وضع اعضاء في الهيئة بعدد زوجي
غير دقيق ويفضل ان يكون عددهم 1او خمسة اعضاء وذلك للترجيح والفصل عند تساوي
االصوات.
وتضع الهيئة صيغ عمل المصرف ولها مراجعة معامالته وتصرفاته وإصدار القرارات
ً ً
بخصوصها طبقا ألحكام الشريعة اإلسالمية ،وتصدر الهيئة قراراتها وفقا لمبادئ الشريعة
اإلسالمية األكثرمالئمة دون التقيد بمذهب معين ،وتكون قراراتها ملزمة ونهائية.
وتكون وظيفة الهيئة()328ابداء اآلراء الشرعية للمعامالت التي تقوم بها النافذة االسالمية
في المصرف الربوي وبيان عدم مخالفتها ألحكام الشريعة اإلسالمية مع رفع تقريرسنوي ملجلس
إدارة المصرف الربوي والجمعية العمومية للمساهمين ويحق للهيئة الشرعية أن تقترح ما تراه
مناسبا لتحقيق أعمال المصرف على الوجه الشرعي ويكونللهيئة الشرعية رئيس وعضو
تنفيذي يتم اختيارهم باالنتخاب من بين اعضائها وتكون القرارات وكل اإلجراءات تصدر من
الهيئة الشرعية ملزمة( )329لإلدارة التنفيذية للمصرف حتى ال تبقى هذه القرارات والتوجيهات
توصيات غيرملزمة وبالتالي تفقد الهيئة مكانتها األساسية في النافذة االسالمية.
واستنادا للمادة ( )51من التعليمات الصيرفة االسالمية في العراق التي وضحت بان
تؤسس في كل نافذة في المصارف التقليدية قسم خاص للتدقيق الشرعي الداخلي ضمن الهيكل
التنظيمي للمصرف وتكون مهمتها مراجعة اإلجراءات املحاسبية وخطة التدقيق السنوية
وضوابط املحاسبة واداره املخاطر وإصدار التوصيات بالمو افقة عليها ويراجع تقرير مر اقب
الحسابات الخارجي فيما يتعلق بكشوفات المصارف والفروع المالية و إبالغ مجلس اإلدارة
بذلك ومراجعة التقاريرالواجب تقديمها من النافذة الى المصرف المركزي العراقي.
والبد من االشارة الى انه ال يجوز حل الهيئة الشرعية او اعفاء أي عضو فيها اال بقرار
مسبب من مجلس إدارة المصرف بأغلبية ثلثي األعضاء ومو افقة الهيئة العامة للمصرف(. )330
ان وجود قانون خاص للمصارف االسالمية سيوفرنقلة نوعية ومهمة في مجال االستثمار
المصرفي االسالمي وادوات تمويله وفقا ألحكام الشريعة االسالمية السمحاء ،مما سيؤدي في
النهاية ان انتهجت الخطط االقتصادية واالستثمارية الصحيحة والدقيقة لتطوير االقتصاد
الوطني بشكل كبيرويحقق مكاسب لم تستطع المصارف الربوية ان تحققها.
وقد اكتفت بعض المصارف اإلسالمية بالنص في نظامها األساس ي أو في قانون إنشائها
فقط على االلتزام بأحكام الشريعة اإلسالمية دون النص على األسلوب الذي يحقق هذا االلتزام
ومثال ذلك البنك اإلسالمي للتنمية في جدة ،إذ اليوجد فيه رقابة شرعية فهو يعرض
استفساراته على لجان منبثقة عن مجمع الفقه اإلسالمي(.)331
وهناك من الدول من أعلن عن تشكيل هيئة عليا شرعية وقانونية ومصرفية بقرار من
مجلس الوزراء تتولى الرقابة العليا على المصارف والمؤسسات المالية والشركات االستثمارية
) )329المادة ( )7/27من قانون تنظيم العمل المصرفي السوداني لعام .2229
) )330المادة 4من قانون المصارف االسالمية العراقي.
) )331فالح بدر الحميدي السبيعي ،الرقابة القانونية على البنوك اإلسالمية ،رسالة ماجستير ،كلية الدراسات القانونية العليا ،
جامعة عمان العربية ،األردن ،2221 ،ص.44
على عكس بعض التشريعات العربية كالتشريع اإلماراتي الذي تبنى مبدأ الرقابة
الشرعية المزدوجة من خالل هيئتين للرقابة الشرعية ،الهيئة األولى هي هيئة داخلية في
المصرف اإلسالمي أو المؤسسة أو الشركة االستثمارية اإلسالمية وتمارس رقابة ذاتية داخلية
والبد من مو افقة الهيئة العليا للرقابة الشرعية على تشكيل أسماءأعضاء هيئة الرقابة
الداخلية ،والهيئة الثانية هي هيئة عليا للرقابة الشرعية تشكل بقرارمن مجلس الوزراء وتمارس
الرقابة بصفة عامة على أعمال المصرف اإلسالمي الداخلية للتأكد من مطابقة المعامالت
المصرفية والتصرفات واآلراء الفقهية ألحكام وقواعد الشريعة اإلسالمية(.)333
الخاتمة
من خالل ما تم عرضه في هذا البحث توصلنا إلى جملة من النتائج والتوصيات وهي:
أوال :النتائج:
-5تمثل النو افذ االسالمية ادوات مهمة في التعامالت المالية المصرفية االسالمية.
-1قيام العديد من المصارف الربوية باعتماد النو افذ االسالمية بشكل واسع وجذب
العمالء من االفراد والشركات اليها لما تحققه من اهمية في النشاط التجاري.
-1ان اعتماد المصارف الربوية االوربية واالمريكية للنو افذ االسالمية يمثل اكبر دعم
اساس ي ومهم لتطويرها بشكل واسع وذلك يعطي بالضرورة ومن باب اولى اعتمادها بشكل واسع
من الدول العربية واالسالمية في المصارف الربوية.
-1خضوع فتح النو افذ االسالمية في أي مصرف ربوي الى ضوابط ونصوص قانونية
خاصة بها تختلف عما هو مطبق على المصارف الربوية.
-6اعتمدت العديد من الدول ومن خالل تشريعاتها على النو افذ االسالمية من خالل
وضع القواعد القانونية الخاصة بها والمالئمة لها بسبب خصوصية هذه النو افذ االسالمية.
) )332المادة ( )1من القانون االتحادي اإلماراتي بشأن المصارف اإلسالمية رقم ( )1لسنة . 7411
) )333المادة ( )1-1من القانون اإلماراتي بشأن المصارف اإلسالمية رقم ( )1لسنة .7411
-9ان النو افذ االسالمية تتعامل باألمورالمالية المشروعة وعليه البد من وجود هيئة او
جهة متخصصة لمر اقبة ومتابعة اعمالها وعقودها وما تقدمه للجمهور من خدمات مالية
ومصرفية وهذه الهيئة او الجهة هي هيئة الفتوى الشرعية المصرفية او كما تسمى هيئة الرقابة
الشرعية.
ثانيا :التوصيات:
-5تعديل نص المادة /55اوال من قانون مصرف النهرين االسالمي العراقي الى ضرورة تعيين
اعضاء هيئة الرقابة الشرعية من خمسة اعضاء من ذوي الخبرة واالختصاص في الفقه
االسالمي واحكامه.
-1من خالل التطبيق العملي في هذا املجال البد من البحث على التوعية بطبيعة العمل
المصرفي اإلسالمي وتعيين هيئة الرقابة الشرعية والعمل على النو افذ اإلسالمية في المصارف
الربوية مما يمثل قيمه اضافيه حقيقية لعمل النظام المصرفي.
-1اقترح توفير الدعم المالي والفني للنو افذ اإلسالميةالمفتوحة في المصارف الربوية
وتوزيع نشاطاتها المالية والمصرفية نحو األفضل واالستفادة من تجارب الدول في هذا املجال
وال ضيرفي نقل تجارب احدى الدول المالية العربية او االجنبية للعراق لالستفادة من مميزات يا
وتجاوزمساوئها.
-6نقترح إعداد دورات تدريبية وتثقيفية و توضيحية للعاملين في املجال المصرفي واالدارات
لهذه المصارف لحثهم على التحول الكلي للمصرفية االسالمية او التعامل مع المنتجات
اإلسالمية من خالل فتح النو افذ اإلسالمية.
الئحة المراجع:
د.ضرار الماحي ود.محمد عوض ،الفروع والنو افذ االسالمية في البنوك التقليدية ،مجلة
تفكر ،معهد اسالم المعرفة ،جامعة الجزيرة-السودان ،مجلد ،51عدد .1117 ،5
حسين حسين شحاته ،الضوابطالشرعيةلفروعالمعامالتاإلسالميةبالبنوكالتقليدية،
ص ،1بحث منشوربتاريخ كانون الثاني .1115
د.فهد الشريف ،الفروع االسالمية التابعة للمصارف الربوية ،دراسة في ضوء االقتصاد
االسالمي ،المؤتمرالعالمي الثالث لالقتصاد االسالمي ،جامعة ام القرى ،السعودية.1111 ،
عارف محمد الخير الحاج ،الرقابة الشرعية على النو افذ اإلسالمية بالبنوك التقليدية
دراسة تحليلية للتجربة الماليزية ،رسالة ماجستيرمقدمة إلى مجلس الجامعة اإلسالمية العالمية في
ماليزيا -كلية أحمد إبراهيم للحقوق.1116 ،
أحمد الدخيل ،النو افذ اإلسالمية في المصارف الحكومية العر اقية ،دراسات اقتصادية
إسالمية ،املجلد التاسع عشر ،العدد الثاني. 1151 ،
لطف محمد السرحي ،الفروع االسالمية في البنوك التقليدية ،بحث مؤتمر المصارف
االسالمية اليمنية ،الو اقع و افاق المستقبل ،نادي رجال االعمال ،اذار .1151
زهرة بني عامر ،النو افذ االسالمية ما لها وما عليها ،مقالة منشورة بتاريخ ، 1155-1-51وعلى
الموقع.http://www.iefpedia.com/vb/formdisplay.php :
محمد البلتاجي ،مشكالت االدارة الشرعية في المصارف التقليدية ذات النو افذ االسالمية،
ورقة عمل مقدمة للمؤتمرالسنوي للهيئات الشرعية ،البحرين.1151 ،
فؤاد بنعلي ،البنوك االسالمية في اوربا الو اقع واالفاق ،مجلة االقتصاد االسالمي العالمي،
املجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية االسالمية ،البحرين ،العدد ،51ايار .1151
تريزمنصور ،الصيرفة االسالمية مفهومها وتطورها في اسواق المال العالمية ،مجلة الجيش
اللبناني ،عدد ،111نيسان .1116
مصطفى ابراهيم محمد ،تقييم ظاهرة تحول البنوك التقليدية للمصرفية االسالمية ،رسالة
ماجستير ،الجامعة االمريكية المفتوحة ،قسم االقتصاد االسالمي ،مكتب القاهرة.1116 ،
احمد شعبان محمد ،البنوك االسالمية في مواجهة االزمات المالية ،ط ،5دار الفكر
الجامعي ،االسكندرية.1151 ،
شوقي بو رقبة ،تقييم الكفاءة التشغيلية للمصارف االسالمية ،بحث منشور املجلة
االسالمية االقتصادية ،املجلد ،55العدد . 1119 ،5
مصطفى ابراهيم ،مصدر سابق ،ص555؛ د.سمير الشيخ ،فلسفة تطبيق المصرفية
االسالمية في البنوك التقليدية ،ص ،59منشورة بتاريخ .1155/51/1
عبد الفتاح منتصر ،مقالة بعنوان :المركزي لن يغلق النو افذ االسالمية في البنوك
التقليدية ، 1155/1/7 ،متاحة على الموقع.HTTP://WWW.ALBAYAN.AE/RES/HTML :
سليمان عبد الله ناصر ،مقالة تجربة ماليزيا ومقارنتها بالتجربة اليمنية ،مؤتمر المصارف
االسالمية في اليمن ،ص ،5المقام بتاريخ ،1151/1/11 :منشور على الموقع:
.HTTP://WWW.NWESYEMEN.NET
يوسف بن عبدالله الشبيلي ،الرقابة الشرعية على شركات التأمين التعاوني ،بحث مقدم الى
مؤتمر التأمين التعاوني :ابعاده و افاقه وموقف الشريعة اإلسالمية منه ،بالتعاون بين الجامعة
األردنية ،مجمع الفقه اإلسالمي الدولي ،المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو)،
والمعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب (عضو مجموعة البنك اإلسالمي للتنمية) ،عمان ،للفترة من
51-55ابريل .1151
مصطفى سلعس ،اثر انتشار ثقافة التكافل على مبيعات شركات التأمين اإلسالمي ،بحث
مقدم الى كلية االقتصاد ،جامعة دمشق ،قسم الدراسات العليا.1117 ،
فالح بدر الحميدي السبيعي ،الرقابة القانونية على البنوك اإلسالمية ،رسالة ماجستير ،
كلية الدراسات القانونية العليا ،جامعة عمان العربية ،األردن .1119 ،
شكلت أحدات الحادي عشر من سبتمبر من عام 1115م نقطة تحول مهمة في مسيرة
العالم مع الظاهرة اإلرهابية ،حيث برزت جريمة تمويل اإلرهاب مع ظهور تنظيمات إرهابية
عديدة ،وبالنظر إلى أهمية مكافحة هذا النوع من الجرائم ،الذي يوفر منابع تغذي الجرائم
اإلرهابية ،فإن المؤسسات المالية والمنظمات الدولية تتكاتف في مكافحة جريمة تمويل
اإلرهاب ،وذلك من أجل تجفيف منابع التمويل ،ومن ثم الحد من الجرائم اإلرهابية والتي تعتمد
على األموال التي ترصد لها ،في حالة وضع آليات تحد من وصولها والوقوع في أيدي اإلرهابيين.334
وقد بدأت العديد من الجهات المصرفية في تتبع والتحفظ على األصول والودائع
الخاصة ببعض المنظمات والهيئات المتصلة بالجماعات اإلرهابية أو تلك التي تقوم بتمويل
العمليات اإلرهابية ،كما أن غالبية التشريعات في العالم لم تجرم جريمة تمويل اإلرهاب إال في
نهاية التسعينيات من القرن الماض ي حيث أصبحت جريمة قائمة بذاتها ،حيث سنت غالبية
الدول قوانين ضد اإلرهاب للتغلب على هذه الظاهرة على المستوى الوطني قبل تجريم تمويل
اإلرهاب.
كما بذلت عدة جهود دولية لمكافحة تمويل اإلرهاب ،أهمها تلك الجهود التي قامت بها
املجموعة الدولية للعمل المالي وتوصياته FATFإضافة إلى أن األمم المتحدة شهدت جهودا
كبيرة في مجال مكافحة تمويل اإلرهاب من أهمها إعداد "اإلتفاقية الدولية لقمع تمويل اإلرهاب
" 5777
-334نجاجرة ،كمال :مكافحة تمويل اإلرهاب -دراسة مقارنة ،المتحدة للنشر والتوزيع ،تاريخ النشر ،4944/97/97،ص .44
كما تمثل مكافحة تمويل اإلرهاب الجبهة األساسية في الحرب على اإلرهاب ،وذلك ألن
المال يعتبر املحرك الرئيس ي للجماعات اإلرهابية 335،والمكون األساس ي لها ،فمن خالل تمويل
هذه الجماعات تتمكن من تجنيد اإلرهابيين ،وتعدهم وتدربهم بواسطته ،وتوفربه المستلزمات
الضرورية وأدوات التنفيذ من أسلحة ،ومتفجرات ،وآالالت ،وهكذا ،فالتمويل هو أساس نجاح
العمليات اإلرهابية ،والعنصر الفاعل في تحقيق أهدافها ،وبالتالي فإن منع تمويل اإلرهاب
وقمعه يتطلب تعاونا دوليا شامال متسم بحسن النية ملحاصرة وتجفيف مصادرتمويل اإلرهاب،
وتجريم المساعدة على تمويل اإلرهاب وتجريم عمليات غسل األموال336 ،وكذلك ضرورة
التعاون وتبادل المعلومات حول األنشطة المشبوهة ،وإجراء رقابة فاعلة على الحسابات
المصرفية وحركات األموال بين الدول ،خصوصا على شبكة اإلنترنت.
وبالتالي فدراسة منع تمويل اإلرهاب وقمعه يثير عدة إشكاليات ،وموضوعا شائكا سواء
على المستوى الدولي أو القانون الوطني ومن هنا تبرز إشكالية البحث :ماهي الوسائل التي
إعتمدها المغرب واملجتمع الدولي في مكافحة تمويل اإلرهاب والجماعات المتطرفة؟
يشكل تمويل اإلرهاب عنصرا أساسيا وجوهريا البد منه لتنفيذ واستمرار العمليات
اإلرهابية ،ألن المال يعتبرعصب الجماعات اإلرهابية ،والمكون األساس ي لها ،فمن خالل تمويل
هذه الجماعات تتمكن هذه األخيرة من تجنيد اإلرهابيين ،وتعدهم وتدربهم بواسطته ،وتوفر به
المستلزمات الضرورية ،وأدوات التنفيذ من أسلحة ،ومتفجرات ،وآالت ،وهكذا ،فالتمويل هو
أساس نجاح العمليات اإلرهابية ،والعنصرالفاعل في تحقيق أهدافها ،لذلك فإن تحديد مفهوم
التمويل ومصادره يضحى أمرا بالغ األهمية.
ظهرمصطلح تمويل اإلرهاب حديثا ضمن مصطلحات القانون الدولي والقانون الجنائي
الوطني ،فالتجريم والعقاب المفروض كانا ينصبان على مكافحة اإلرهاب فقط ،ولم يتم
االلتفات إلى تجريم تمويل الجماعات اإلرهابية وتجميد أموالها بشكل واضح ،كوسيلة لتجفيف
-335عبد الوهاب عرفة :الشامل في جريمة غسل األموال السيد ،المكتب الفني للموسوعات القانونية ،اإلسكندرية ،يونيو ،4947ص
.74
-336فاضل شايع علي :تمويل اإلرهاب عن طريق غسيل األموال ،دار السنهوري القانونية والعلوم السياسية ،مارس ،4946ص .49
منابع اإلرهاب ،إال عام 5777م بعد صدور االتفاقية الدولية لقمع تمويل اإلرهاب ،التي جاءت
لمكافحة ظاهرة تمويل اإلرهاب الذي يتميزبالطابع العالمي.337
"أي ش يء له قيمة مادية أو معنوية منقول كان أم عقار ،أو وثائق قانونية أو أدوات بأي
شكل كانت ،وكذلك المساعدات اإللكترونية والرقمية وعمليات االئتمان المصرفية ،وشيكات
المسافرين والشيكات البنكية والحواالت البريدية واألسهم والسندات والحواالت وخطابات
االعتماد" .338كما عرفه البعض بأنه" :تقديم المساعدات المادية ،وكذلك األسلحة بكافة
أنواعها ،والمأوى والمهن والتدريب ووسائل النقل واالتصال والوثائق لجهات إرهابية داخلية أم
خارجية ،وكذلك القيام بعمليات مصرفية لمصلحتها واستثمار وغسيل أموالها"339.
يعد التمويل العصب الحقيقي للنشاطات اإلرهابية ،فيتم الحصول على المواد وتجنيد
األفراد وشراء والئهم ،حيث يأتي التمويل عادة من أفراد متعاطفين مع فكر تلك التنظيمات
اإلرهابية ،إال أنهم ال يريدون االنخراط فيها حفاظا على وضعهم االجتماعي واالقتصادي ،فيقتصر
دورهم على التمويل ،ويتم تمويل المنظمة اإلرهابية من مصادر مالية تم الحصول عليها بشكل
337
-Erik Nemeth, Cultural Security: Evaluating the Power of Culture in International Affairs, vol. 5 (World
Scientific, 2014) , 67.
-338محمد ا حمد على كاسب ،المسؤولية الجنائية الدولية ،لجريمة تبييض األموال فى اطار من التشريعات العربية والوطنية واالتفاقيات
الدولية وعالقتها بتمويل اإلرهاب الدولى ،المصرية للنشر و التوزيع ،4944ص .41
-339محمد احمد على كاسب ،مرجع سابق ص.41 ،
قانوني كالهبات من المتبرعين ،وهم األثرياء ،ومن المشاريع التجارية المشروعة ،أو من خالل
المؤسسات ال خيرية بدال من استخدام أموالها لألغراض الخيرية ،واالستثمار في األسهم أو
العقارات بواسطة أفراد أو جمعيات تدعم األعمال اإلرهابية.
ويالحظ حجم الدورالذي تلعبه األموال ذات المصدرالمشروع في دعم الجريمة اإلرهابية
يتغير بتغير الجماعة اإلرهابية ،وبتغير مكان مصدر تمويلها ،إن كان في نفس الموقع الجغرافي
الذي تمارس فيه أعمالها اإلرهابية ،أو في مكان آخر.
ومن أهم مصادر تمويل اإلرهاب المشروعة جمع التبرعات واألموال للجمعيات الخيرية
ُ
واألنشطة الخيرية ،فبعد الحادي عشر من سبتمبر 1115م ،اهتمت األجهزة ذات الصلة
ُبمكافحة اإلرهاب وبعض الحكومات ،مثل الحكومة األميركية ،وبعض الحكومات العربية،
خصوصا تلك التي كان لها تجاربها في مجال مكافحة اإلرهاب.
يقصد بتمويل اإلرهاب من المصادر غير مشروعة أن يكون الدخل الناش ئ بشكل مباشر
من أنشطة مختلفة تدرإيرادات غيرمشروعة قانونا ،وهنا يظهرالتعامل في املخدرات على سبيل
المثال ،وكذلك الخطف واالبتزاز ودفع مبالغ الفدية ،إال أن أهم المداخل غير المشروعة هي
تهريب املخدرات ،نظرا للمردود الضخم من األموال الذي تدرها هذه التجارة غيرالمشروعة
كما قد يتمثل هذا المصدر في الدعم المالي الذي تقدمه بعض الدول والمنظمات ذات
البنى التحتية الضخمة بما فيه الكفاية لجمع األموال وتوفيرها للمنظمة اإلرهابية لتنفيذ
عمليات إرهابية وهنا تكمن صعوبة مكافحة تمويل المنظمة اإلرهابية.
كما أن هناك التمويل الذي يتخذ صورة تدريب الجماعات اإلرهابية على القيام بأعمالها
التخريبية ،والتمويل من الفدية ،والتمويل من السطو المسلح على خزائن الشركات الكبرى
والبنوك التجارية ،والتمويل من الهدايا والتبرعات340 ،والتمويل من التهديد واالبتزاز لبعض
الدول إلجبارها على اتخاذ موقف معين أو التصرف بطريقة معينة ،ويتضح من ذلك أن هناك
جوانب متعددة إلنفاق التمويل في الجرائم اإلرهابية التي ازدادت وتنوعت وتطورت في العصر
-340عبد العزيز عبد الله مح مد المعمري :جريمة تمويل االرهاب بين األحكام العامة في قانون العقوبات والقانون الخاص ،دار النهضة
العربية للنشر والتوزيع ،ديسمبر .17 ،4948
الحديت ،فلم تعد تقتصر على شراء األسلحة والمعدات وغيرها من األدوات والوسائل التي
تستخدم في ارتكاب الجريمة اإلرهابية ،ولكن شملت أمورا شتى كانت التشريعات الدولية
والوطنية حريصة على امتداد تجريم عمليات اإلنفاق إليها بقدرالمستطاع.
فقد تبين أن هناك أمواال يتم إنفاقها على اإلعداد الذهني والفكري لإلرهابيين والمنفذين
للعمليات اإلرهابية ،بجانب أموال يتم إنفاقها على الدعاية واإلعالن ،وأخرى على إنشاء مراكز
للتجنيد وقنوات فضائية ومو اقع إلكترونية لكسب التأييد وتجنيد األفراد ،وذلك كله بهدف
اإلعداد للجريمة اإلرهابية أو الترويج لها ،أو تسويق أفكاراإلرهاب ونشرها.
يعد اإلرهاب اإللكتروني مصدرا من مصادر تمويل اإلرهاب ،حيت يرتبط اإلنترنت بعالقة
مباشرة بتمويل اإلرهاب فهناك أساليب إلكترونية تزيد من قوة الجماعات اإلرهابية وهي
اإلعالم ،فاإلنترنت نوع من اإلعالم ومن خالله يتم نشر المعلومات وترويج الدعايات للجماعات
اإلرهابية والدعم العالمي للشبكات ،حيت كان استخدام اإلنترنت في العمليات اإلرهابية ودعمها
محدودا قديما ،لعدم وجود اإلنترنت لكن مع تواجده ظهر ما يسمى باإلرهاب اإللكتروني الذي
يعتمد على اإلنترنت في ترويع الناس وإلحاق الضرر بهم وتهديدهم ،ومن األساليب التي تتبعها
الجماعات اإلرهابية للتمويل إلكترونيا من جهات ومنظمات عبرتوفيرالدعم واإلعالن على شبكة
اإلنترنت ،ونشر أخبار الجماعات أول بأول ،وجمع المعلومات عن األشخاص عبر مو اقع
التواصل االجتماعي الصطياد األشخاص القابلين لالنحراف نحو اإلرهاب ،ومن لديهم القابلية
للجماعات اإلرهابية ،ومما يساعد الجماعات اإلرهابية باللجوء إلى التمويل بهذه األساليب عبر
اإلنترنت ،هي سهولة قيام الجماعات بنشر وبت ما يريدونه على الشبكة دون رقابة لعدم وجود
ج ة معينة تتحكم بالمعروض على الشبكة العنكبوتية ،وسهولة استخدامها وقلة التكلفة
وضعف الخبرة لدى الجهات األمنية والقضائية ).في التعامل مع الجرائم اإللكترونية ) ويبرزدور
شبكة اإلنترنت في تمويل الجماعات المتطرفة في التقارب الذي يمنحه اإلنترنت بين العناصر
اإلرهابية عبر تبادل األفكار ومناقشة الخطط والمبادئ التي سيسيرون عليها فوجدوا أن أمن
وسيلة و أكثرها دقة و أقواها هي استخدام اإلنترنت في تمويل اإلرهاب.
يمكن للمؤسسات المالية مساعدة الحكومات والدو ائر الحكومية في الحرب ضد
اإلرهاب؛ إذ يمكنها المساعدة من خالل منع المعلومات والكشف عنها وتقاسمها ،فعليها السعي
لمنع المنظمات اإلرهابية من الوصول إلى خدماتها المالية ،ومساعدة الحكومات في جهودها
للكشف عن التمويل اإلرهابي المشبوه واالستجابة على وجه السرعة لالستفسارات الحكومية.
فعلى المستوى المؤسس ي ،للمؤسسات المالية أربعة أنشطة رئيسية في مكافحة تمويل
اإلرهاب :الضوابط الداخلية والعناية الواجبة تجاه العمالء ،والمر اقبة ،وحفظ السجالت ،
واإلبالغ عن األنشطة المشبوهة ،وقد يتطلب إنشاء ضوابط داخلية جديدة من المؤسسات
المالية تغييرنماذج قبول العمالء وإجراءات التشغيل أنظمة المعلومات ،كما من المهم ً
أيضا و
تدريب الموظفين على اإلجراءات الجديدة لضمان التطبيق الناجح للضوابط الداخلية وعملية
االمتثال لمكافحة غسل األموال ومكافحة تمويل اإلرهاب ككل ،وبشكل عام يسيرتمويل اإلرهاب
ً
جنبا إلى جنب مع غسيل األموال وهذا هو السبب في أن عمليات التحقق من الخلفية ألعضاء
أيضا في حماية المنظمة ،كما يجب ً
أيضا مجلس اإلدا ة والمساهمين والموظفين تساعد ً
ر
التحقق من التبرعات والمساهمات للتأكد من أنها من مصادرمشروعة.341
وفي يوم الجمعة 11فبراير كان اليوم األخير للجلسة العامة ملجموعة العمل المالي في
باريس افتتح أسبوع FATFفي 11فبراير حيت ناقش المندوبون القضايا الرئيسية في مكافحة
غسل األموال وتمويل اإلرهاب.
قررت مجموعة العمل المالي باإلجماع بين أعضائها سحب المملكة المغربية من عملية
المر اقبة المعززة المعروفة باسم "القائمة الرمادية" ،بعد تقييم مدى امتثال النظام الوطني
للمعاييرالمتعلقة بـ مكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب ،منذ اعتماد مجموعة العمل المالي
في فبراير 1115لخطة العمل الخاصة بالمملكة المغربية .تم اتخاذ هذا القرار خالل اجتماع
الجمعية العامة ملجموعة العمل المالي ) ، (FATFالذي عقد في باريس ،فرنسا ،في الفترة من 11
إلى 11فبراير .1111
341
-Roberto Durrieu, Rethinking Money Laundering & Financing of Terrorism in International Law:
Towards a New Global Legal Order (Martinus Nijhoff Publishers, 2013), 220–244.
يأتي قرار مجموعة العمل المالي بعد االستنتاجات اإليجابية الواردة في تقرير خبراء
املجموعة ،والتي أقرت الزيارة الميدانية التي تمت في بلدنا في الفترة من 56إلى 57يناير .1111
رحب هذا التقرير ،الذي رفع بموجبه المغرب من القائمة الرمادية ،بااللتزام السياس ي
الرسمي للمملكة بمطابقة النظام الوطني لمكافحة غسل األموال وتمويل اإلرهاب مع المعايير
الدولية ،فضال عن ذلك .االحترام الكامل من قبل بلدنا لجميع التزاماته في المواعيد املحددة.342
الفقرة الثانية :التعاون المغربي -الدولي في المسائل الجنائية المتعلقة بمكافحة تمويل
اإلرهاب :السياق ونظرة عامة
يعد تمويل اإلرهاب ،من أعقد وأخطرالجرائم التي خصها المنتظم الدولي باهتمام بالغ،
و أفرد لها آليات تصدي قانونية ومؤسساتية متعددة سواء على مستوى الوقاية أو المكافحة،
الرتباطها من جهة بإعادة توظيف عائدات الجريمة ومن جهة ثانية لتوجيه هذه العائدات نحو
تمويل أفعال جرمية شنيعة على رأسها الفعل اإلرهابي.
ُ
كما أن إثبات أن المعالجة القانونية الدولية تعد بمثابة حجر الزاوية في منع تمويل
اإلرهاب وقمعه وغيرها بعد أن أثبت الو اقع فشل الجهود المبذولة داخل نطاق الدولة الواحدة
أو من الجرائم المنظمة.
تم تجريم تمويل اإلرهاب بموجب القانون رقم 11.11المتعلق بمكافحة اإلرهاب
ً ً
المصادق عليه في 17مايو ،1111وأضيفت المادة 1-157الحقا والتي تعتبر أعماال إرهابية :أي
وسيلة ،مباشرة أو غير مباشرة ،من خالل توفير أو جمع أو شراء األموال أو القيم ،أو الممتلكات
بقصد استخدامها ،أو مع العلم أنها ستستخدم كليا أو جزئيا الرتكاب عمل إرهابي ،سواء حدث
الفعل المذكور أم ال ،343فمن المالحظ ،أن القانون لم يعرف بشكل صريح تمويل اإلرهاب ،بل
قام فقط بتجريم بعض أشكال األنشطة التي اعتبرها أعماال إرهابية ،أدرجت المادة 157-1
أشكالها ،لكنها لم تشمل جميع أشكال التمويل المذكورة في المادة 1من االتفاقية الدولية لقمع
342
https://www.fatf-gafi.org/fr/countries/detail/Maroc.html
-343مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا ,تقرير التقييم المشترك حول مكافحة غسل األموال وتمويل
اإلرهاب ,مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا (Menafatf.org, n.d.),
.http://www.menafatf.org/sites/default/files/MENAFATF.5.07.A.P6.R1_02-01-08_.pdf
تمويل اإلرهاب ،حيث اقتصر الفعل على استخدام األموال لتنفيذ عمل إرهابي ،العمل دون
توسيع نطاق استخدامه من قبل منظمة إرهابية أو من قبل إرهابي ،من المعتقد على نطاق
واسع أنه يجرم تمويل اإلرهاب ،سواء تم العمل اإلرهابي أم ال.344
كما جرم القسم ذاته تقديم المساعدة أوالنصيحة لعمل تمويل اإلرهاب وأضاف المادة
157.1التي تعاقب كل من أقنع غيره بأي وسيلة من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة
اإلرهاب أو دفعه أو دفعها للقيام بذلك أو تحريضه على القيام بذلك ،وتعتبر جرائم تمويل
اإلرهاب جريمة أصلية لغسيل األموال ،حيث تنص المادة 11من قانون مكافحة اإلرهاب على
أن األموال المغربية تجرم عمليات أو عائدات غسل الممتلكات إذا كان الغرض من هذه
العمليات أواألعمال هوتمويل اإلرهاب ،كما لم يحدد قانون مكافحة اإلرهاب ما إذا كانت جرائم
تمويل اإلرهاب تنطبق بغض النظرعما إذا كان الشخص المتهم بارتكاب الجريمة في نفس البلد
أو في دولة مختلفة عن الدولة التي يوجد فيها اإلرهابي ،لكن السلطات المغربية ذكرت أنه إذا
كان المتهم في جريمة تمويل اإلرهاب مغربيا ،فإنه يعاقب بغض النظرعما إذا كان الشخص قد
ارتكب الجريمة في نفس الدولة أو في دولة غير الدولة التي يوجد فيها التنظيم اإلرهابي ،أو التي
وقع فيها العمل اإلرهابي وفق نص المادة 955من قانون اإلجراءات الجنائية.
كما تنص المادة 157 .1من قانون العقوبات على أن مرتكبي جريمة تمويل اإلرهاب
بالنسبة لألشخاص الطبيعيين ،يعاقبون بالحبس من 1إلى 11سنة وغرامة من 111111إلى
مليوني درهم ،أما بالنسبة لألشخاص االعتباريين يعاقب بغرامة من 5،111،111إلى
1،111،111درهم ،وتطبق العقوبات على األشخاص االعتباريين دون اإلخالل بالعقوبات التي
قد تصدربحق مديريها أو موظفيها المتورطين في الجرائم.
-344حجيوي نور سعيد :جريمة تمويل اإلرهاب في القانون المغربي والمقارن ،دراسة مركزة للبناء القانوني لجريمة تمويل اإلرهاب،
دار األمان ،4998 ،ص .17
الظروف واألحداث املختلفة التي مر بها العالم ،خاصة منذ نهاية القرن الماض ي وبداية القرن
الحالي ،دفعت املجتمع الدولي إلى فهم األدوات العديدة التي تستخدمها مجموعات التطرف
العنيف؛ وقد أدى هذا الجهد ً
أيضا إلى فهم أن أحد أهم األدوات هو التمويل ،وقد دفع ذلك
مجلس األمن والجمعية العامة لألمم المتحدة والمنظمات اإلقليمية إلى إصدار قرارات ملزمة
وصياغة اتفاقيات دولية و إقليمية من شأنها مكافحة تمويل المنظمات اإلرهابية.345
;و تأسيس لجنة مكافحة اإلرهاب تابعة ملجلس األمن انطالقا من قراري مجلس األمن
5191سنة 1115و 5611سنة 1111إلى تعزيز قدرة الدول األعضاء في األمم المتحدة على منع
وقوع أعمال إرهابية سواء داخل حدودها أو خارجها346.
باإلضافة إلى ذلك ،ركزت مجموعة العمل المالي ) (FATFجهودها على المستوى العالمي
لمكافحة تمويل اإلرهاب وتبنت عدة طرق لتحقيق هذا الهدف ،واألهم من ذلك ،جاء التعاون
الدولي في منع وقمع تمويل اإلرهاب على مستويين أساسيين:
•منع وصول األموال إلى الجماعات اإلرهابية من خالل فرض قيود على تحويل األموال
وحركتها عبرالدول وتجميد األموال المملوكة للمنظمات اإلرهابية.
خاتمة:
إن تمويل اإلرهاب من أهم التهديدات األمنية الدولية واملحلية التي تواجه المغرب
واملجتمع الدولي ،بسبب التصعيد األخير وشدة العمليات اإلرهابية في أجزاء كثيرة من العالم،
أصبح من المؤكد اآلن أننا ال نستطيع مناقشة أساليب وإجراءات وعو اقب الجماعات
المتطرفة دون التعامل مع أحد أهم جوانب عملها ،وهو التمويل ألن المنظمات اإلرهابية
تستمد قوتها بشكل أساس ي من مصادر تمويلها ،فعندما تتنوع مصادر الدخل يزداد خطر
التنظيمات اإلرهابية والجرائم التي ترتكبها.
-345سريست إسماعيل الباجالني :مواجهة جريمة تمويل اإلرهاب في القانون الدولي والداخلي "دراسة تحليلية مقارنة" ،دار الفكر
الجامعي 94 ،يناير ،4948ص .11
-346هشام بوحوش :دور لجنة مكافحة اإلرهاب التابعة لمجلس األمن في مكافحة اإلرهاب الدولي ،العدد 11ديسمبر ،4941ص
.411
وقد اتخذت العديد من الدول والمنظمات الدولية إجراءات مختلفة تهدف إلى تجفيف
مصادر تمويل اإلرهاب وتجميد أموال المنظمات اإلرهابية لمنع جرائمها ومكافحتها ،وهذا
يجعل تمويل اإلرهاب أكثر خطورة بطبيعته باعتباره جريمة دولية ،وهذا يجعل محاكمة الجاني
ً ً أمرا ً
من خالل نظام العدالة الجنائية ً
صعبا ويتطلب تعاونا فعاال بين الدول ،عالوة على ذلك ،
فإن المنظمات المتطرفة تدرك بشكل خاص أهمية التمويل في الحفاظ على وجودها وضمان
استمرارية نشاطها اإلجرامي.
الئحة المراجع:
عبد الوهاب عرفة :الشامل في جريمة غسل األموال السيد ،المكتب الفني
للموسوعات القانونية ،اإلسكندرية ،يونيو .1151
فاضل شايع علي :تمويل اإلرهاب عن طريق غسيل األموال ،دار السنهوري
القانونية والعلوم السياسية ،مارس .1156
عبد العزيزعبد الله محمد المعمري :جريمة تمويل االرهاب بين األحكام العامة
في قانون العقوبات والقانون الخاص ،دارالنهضة العربية للنشروالتوزيع ،ديسمبر .1157
هشام بوحوش :دور لجنة مكافحة اإلرهاب التابعة ملجلس األمن في مكافحة
اإلرهاب الدولي ،العدد 11ديسمبر.1151
حجيوي نورسعيد :جريمة تمويل اإلرهاب في القانون المغربي والمقارن ،دراسة
مركزة للبناء القانوني لجريمة تمويل اإلرهاب ،داراألمان.1117 ،
سريست إسماعيل الباجالني :مواجهة جريمة تمويل اإلرهاب في القانون الدولي
والداخلي "دراسة تحليلية مقارنة" ،دارالفكرالجامعي 15 ،يناير.1157
نجاجرة ،كمال :مكافحة تمويل اإلرهاب -دراسة مقارنة ،المتحدة للنشر
والتوزيع ،تاريخ النشر.1111/11/11،
محمد احمد على كاسب ،المسؤولية الجنائية الدولية ،لجريمة تبييض األموال
فى اطارمن التشريعات العربية والوطنية واالتفاقيات الدولية وعالقتها بتمويل اإلرهاب الدولى،
المصرية للنشروالتوزيع .2021
Nemeth, Erik. Cultural Security: Evaluating the Power of Culture in
International Affairs. Vol. 5. World Scientific, 2014.
الشفعة
Procedural formalities for the exercise of the right of pre-emption
مقدمة:
إن الملكية الخاصة يضمنها الدستور ويحميها القانون ،ولها مركز خاص في العديد
من االتفاقيات الدولية ،347ويراد بهذا الحق قدرة الفرد على أن يصبح مالكا ،كما يعطيه وحده
دون سواه الحق في استعمال ذلك الش يء ،واستغالله ،والتصرف فيه ،بدون تعسف وضمن
الحدود التي رسمها القانون والنظام العام ،وال يمكن االعتداء على هذا الحق أو نزعه إال في إطار
الحدود التي رسمها القانون.
وقد بلور المشرع المغربي هذا المفهوم الخاص لحق الملكية في مختلف قوانينه،
بدءا بالقانون األسمى للبالد من خالل الفصل 11من دستور المملكة ،348حيث نص على ما يلي:
" يضمن القانون حق الملكية ،ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون ،"...وكذلك
مدونة الحقوق العينية 349حينما نصت في مادتها 11على أنه " :ال يحرم أحد من ملكه إال في
األحوال التي يقررها القانون."...
-347تنص المادة 71من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الصادر في 72ديسمبر 7741على ما يلي " :لكل
فرد حق في التملك ،بمفرده أو باالشتراك مع غيره .ال يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا ".
-348ظهير شريف رقم 7.77.77صادر في 11من شعبان 17( 7441يوليوز )1277بتنفيذ نص الدستور،
منشور بالجريدة الرسمية عدد 3784مكرر – 11شعبان 42( 7441يوليوز )1277ص.4827 :
-349القانون رقم 47.21المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 7.77.711بتاريخ
13ذي الحجة 11( 7441نونبر ،)1277منشور بالجريدة الرسمية عدد 3771بتاريخ 11ذو الحجة 7441
( 14نونبر ،)1277ص.3313 :
وقد أصبحت القوانين الحديثة تعتبر الملكية مؤسسة حقوقية يراد منها أن تؤدي
وظيفة اجتماعية ،ولتحقيق هذا الهدف كان البد أن تفرض على حق الملكية قيود تحد من
سلطة المالك على ملكه ،وتمنعه من أن يستعملها فيما يتعارض مع مصالح الجماعة ،ومن هذه
القيود حق الشفعة ،350هذا الحق الذي يعتبر قيدا يرد على حق الملكية لكونه يمكن كل من
تو افرت فيه شروط األخذ بالشفعة 351من أن يأخذ الحصة المبيعة من يد المالك الجديد الذي
انتقلت إليه.
ويقصد بالشفعة عند فقهاء القانون " :حق ممنوح للشريك على الشيوع في أن ينتزع
لنفسه الحصة الشائعة التي باعها أحد الشركاء للغير في مقابل أن يدفع للمشتري الثمن
ومصروفات العقد والمصروفات الضرورية والنافعة التي أنفقها منذ البيع ".352
-350الشفعة لغة :بضم الشين وسكون لفاء مشتقة من الشفع وهو خالف الوتر الذي هو الزوج ،تقول كان وت ار
الشفعة ،و َّ
الشفعة في الدار واألرض :القضاء بها فشفعته شفعا ،وشفع الوتر من العدد شفعا صيره زوجا ،ثم قال :و ُّ
لصاحبها.
-ابن منظور ،لسان العرب ،مادة الشفع ،الجزء الرابع ،المطبعة الميرية ،ببوالق – مصر ،الطبعة األولى 7422ه،
ص.477 :
وسميت بذلك ألن األخذ بها يضيف بسببها الشفيع الحصة المشفوعة فتصير بذلك الحصتان شفعا بعد أن
كانت التي بيده وترا.
-محمد برادة اغزيول ،الدليل العملي للعقار غير المحفظ ،منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية،
سلسلة الدراسات واألبحاث ،مطبعة فضالة ،المحمدية ،العدد ،1 :الطبعة الثانية ،أبريل ،1221ص.774 :
أما اصطالحا يقصد بالشفعة " :أخذ شريك ممن تجدد ملكه الالزم اختيا ار بمعاوضة عقار أو ما يتبعه بمثل
الثمن أو قيمة الشقص أو ما حدده الشارع في عوض الشقص ".
-الشيخ خليل بن إسحاق الجندي المالكي" ،المختصر" ،مكتبة اإلمام مالك ،الطبعة األولى 7411ه1221/م،
ص.778 :
-351تنص المادة 474من مدونة الحقوق العينية على مايلي " :يشترط لصحة طلب الشفعة أن يكون طالبها:
-شريكا في الملك المشاع وقت بيع حصة شريكه في العقار أو الحق العيني؛
-أن يكون تاريخ تملكه للجزء المشاع سابقا على تاريخ تملك المشفوع من يده للحصة محل الشفعة؛
-أن يكون حائ از لحصته في الملك المشاع حيازة قانونية أو فعلية؛
-أن يكون المشفوع منه قد تملك الحصة المبيعة بعوض ".
-352مأمون الكزبري ،التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي ،شركة الهالل
العربية للطباعة والنشر ،الرباط ،الجزء الثاني ،الطبعة الثانية ،7711 ،ص 717 :وما بعدها.
وعرفها البعض اآلخر 353بكونها سبب من أسباب كسب الملكية ،وهي رخصة إذا
استعملها الشفيع تملك عقارا باعه صاحبه لغيره ،وحل الشفيع محل المشتري في هذا البيع
بشروط معينة.
أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد عرفها في المادة 171من مدونة الحقوق العينية
بأنها " :أخذ شريك في ملك مشاع أو حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن
ومصروفات العقد الالزمة والمصروفات الضرورية النافعة عند االقتضاء ".
كما عرفها الفصل 791من قانون االلتزامات والعقود في فقرته األولى بأنها " :إذا باع
أحد المالكين على الشياع ألجنبي حصته الشائعة ،جاز لباقيهم أن يشفعوا هذه الحصة
ألنفسهم ،في مقابل أن يدفعوا للمشتري الثمن ومصروفات العقد والمصروفات الضرورية
والنافعة التي أنفقها منذ البيع .ويسري نفس الحكم في حالة المعاوضة."...
وعليه ،يمكن القول أن الشفعة كو اقعة قانونية ،حق خوله المشرع للشفيع كي
يكسب الحصة المبيعة بعد تو افر عدة شروط ،فهي بذلك لصيقة بالشفيع ومرتبطة بالعقار
المشفوع ،ولقد نظمها المشرع المغربي في الفصل الرابع من الباب األول من القسم األول من
الكتاب الثاني المتعلق بأسباب كسب الملكية والقسمة ،وبالضبط في المواد من 171إلى ،151
كما نظمها في إطار قانون االلتزامات والعقود في الباب األول من القسم السابع المتعلق
باالشتراك من الكتاب الثاني ،وبالضبط في الفصول من 791إلى.796
-353عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،أسباب كسب الملكية ،دار النهضة العربية،
القاهرة – مصر ،الجزء التاسع ،طبعة ،7781ص.448 :
التعامل معه ،وذلك بحلول الشريك محل المشتري فيما اشتراه ولو جبرا عليه ،بعد تسلمه ما
دفعه فيه.
مما سبق يمكن القول أن للشفعة أهمية قصوى على أكثر من مجال ،ففي املجال
االقتصادي ترمي إلى منع تجزئة العقارات وتشتتها إلى قطع صغيرة لدرجة يصعب معها مواصلة
العمل فيها ،وهو ما ينعكس سلبا على التطور االقتصادي والعقاري ،وفي املجال االجتماعي
تكتس ي الشفعة أهمية بالغة باعتبارها تساهم في تحقيق السلم االجتماعي بواسطة تحقيق
األمن واالستقرار املجتمعي ،وذلك عن طريق التقليل من المنازعات العقارية والتقليص منها،
ويعتبرهذا الهدف هو السبب الرئيس ي الذي من أجله شرعت الشفعة.
فالمشرع المغربي خول للشريك على الشياع أن يسترد من أي مشتر الحصة التي
اشتراها من شريك آخ ر بمقتض ى حق الشفعة ،وفق إجراءات وآجال محددة بعد ثبوت حالة
الشياع ،وثبوت السبب مقابل أدائه للمفوت له الثمن والرسوم القانونية المترتبة عن العقد
قانونا ،ولما كانت الشفعة تتم إما رضائيا أو قضائيا ،فإنه في الحالة األخيرة البد من استصدار
حكم من املحكمة املختصة يقض ي بها ،لذلك يطرح تساؤل حول اإلجراءات الواجب إتباعها
للحصول على حكم يقررالشفعة ،وما هي السلطات الممنوحة للقضاء في هذا اإلطار؟
تتفرع عن هذه اإلشكالية المركزية التي تحدد اإلطار العام لموضوع هذا البحث
التساؤالت التالية:
-ما هو المقابل الذي يتعين على الشفيع أداؤه للمشفوع منه لكي يستحق الشفعة؟
تقتض ي معالجة هذا الموضوع تقسيمه إلى مبحثين :سيخصص (األول) لإلجراءات
الممهدة لممارسة الشفعة ،بينما سيتناول (الثاني) اإلجراءات الجوهرية لممارسة الشفعة.
تنص المادة 111من مدونة الحقوق العينية في فقرتها األولى على ما يلي " :يمكن للمشتري
بعد تقييد حقوقه في الرسم العقاري أو إيداعها في مطلب التحفيظ أن يبلغ نسخة من عقد
شرائه إلى من له حق الشفعة ،وال يصح التبليغ إال إذا توصل به شخصيا من له الحق فيها."...
فاألفعال اإلرادية الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو اإلقرار به أو تغييره
أو إسقاطه ،ال تنتج أي أثرولو بين األطراف إال من تاريخ التقييد في الرسم العقاري ،وال شفعة إال
بوجود البيع ،وال أثر لهذا البيع إال من تاريخ التقييد بالرسم العقاري (المطلب األول) ،ويتعين
على المشتري توجيه إنذار بالشراء إلى الشفيع حتى يتسنى له ممارسة حقه في الشفعة ،هذا
اإلنذار يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط وتسلك فيه مجموعة من اإلجراءات (المطلب
الثاني).
عندما تتعلق الشفعة بعقار محفظ ،يجب أن يكون السند الذي بمقتضاه تملك
منه355 الشفيع 354الحصة التي يشفع بسببها ،مقيدا في الصك العقاري قبل قيام المشفوع
بتسجيل سنده ،دون إعارة أي اهتمام ألي من السندين أسبق تاريخا.356
فقد جاء في الفصل 66من ظهير التحفيظ العقاري ،357كما تم تغييره وتتميمه
بالقانون رقم 51.19أن " :كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إال
بتقييده ،و ابتداء من يوم التقييد ،في الرسم العقاري من طرف املحافظ على األمالك
العقارية."...
وبالتالي فملكية العقار املحفظ ال تنتقل إال من تاريخ التقييد ،وبذلك فالبيع غير
المقيد ال ينقل الملكية فيما بين المتعاقدين ،ويترتب على ذلك أن المشتري ال يصبح مالكا للعين
المبيعة ما دام لم يقيد شراءه.
واإلشكال الذي يثار هو هل تتوقف ممارسة حق الشفعة من طرف الشفيع على هذا
التقييد أم أن هناك إمكانية لممارسة حق الشفعة في البيع غيرالمقيد؟
بالرجوع إلى الفصل 69من ظهير التحفيظ العقاري ،يتبين أن البيع ال يعتبر موجودا
إال من تاريخ تقييده بالرسم العقاري ،358ولما كانت العبرة في األسبقية بالنسبة للعقارات
املحفظة هي للتقييد ،ألن الحقوق العينية العقارية ال تنشأ وال تنتقل حتى بين المتعاقدين إال
اعتبارا من تاريخ تقييدها في السجل العقاري ،فإن الشريك الذي لم يقيد حقه أو الذي قيد حقه
بعد أو في نفس تاريخ تقييد الحق المتصرف فيه ال يستطيع أن يطالب بشفعة هذا الحق.359
وذهب جانب من الفقه 360إلى جوازاألخذ بالشفعة ،ولو أن العقد لم يسجل ألن البيع
ينعقد صحيحا بصرف النظرعن التسجيل الذي ينحصرأثره في تقييد نقل الملكية.
في حين استقر القضاء المغربي على عدم جواز ممارسة الشفعة إال في البيع المقيد،
ألن الوجود القانوني للحق ال ينشأ إال بتقييده في الرسم العقاري ،سواء بين األطراف المتعاقدة
أو بالنسبة لألغيار ،حيث ينتج عن التقييد الحقيقي عدم االعتراف به و إبقاؤه في طي الكتمان،
ألن مشتري العقار املحفظ ال يصير مالكا له ،إال بتمام إجراءات التقييد ،أما قبل ذلك فليس له
إال مجرد حقوق شخصية تجاه البائع.
-358يقصد بالرسم العقاري ،الدفتر أو الكناش الذي تسجل فيه البيانات المختلفة المتعلقة بالعقار وتدون فيه كافة
الحقوق الواردة عليه من طرف المحافظ على األمالك العقارية ،وهو المصطلح الذي درج عليه القضاء في كثير من
الق اررات.
-عبد الخالق أحمدون ،التحفيظ العقاري بالمغرب ،مطبعة طوب بريس ،الرباط ،طبعة ،1272ص.71 :
-359مأمون الكزبري ،مرجع سابق ،ص.711 :
-360محمد خيري ،قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي ،دار النشر المعرفة ،الرباط ،الطبعة الخامسة،
،1227ص.341 :
حيث جاء في قرار صادر عن املجلس األعلى 361ما يلي ... " :إن أجل الشفعة في العقار
املحفظ يبتدئ من تاريخ تسجيل البيع المراد شفعته في الرسم العقاري للملك المبيع جزء منه،
وليس من تاريخ إيداعه لدى املحافظة العقارية.
املحكمة عللت قرارها بأن بداية أجل الشفعة يكون من تاريخ تسجيل البيع في الرسم
العقاري ال من تاريخ إيداعه بكناش التقييد باملحافظة العقارية الذي يتعذرإطالع العموم عليه،
تكون قد عللته تعليال كافيا ".
وإلثبات أن الحصة قد انتقلت إلى مالك آخر ،يجب على الشريك المطالب بالشفعة
أن يحصل على نسخة من عقد البيع المقيد مع شهادة املحافظ على األمالك العقارية بثبوت
هذا الشراء بأنه سجل في الرسم العقاري.
وهذا ما أكدته المادة 171من مدونة الحقوق العينية التي تنص على ما يلي " :يتعين
على طالب الشفعة إثبات بيع الحصة المطلوب شفعتها .فإذا كان العقار محفظا يتعين عليه
إثبات تقييد البيع بالرسم العقاري ".
و أيضا الفقرة الثانية من المادة 177من نفس المدونة التي جاء فيها " :فإذا كان
العقار محفظا فإن الحصة المشفوعة ال تؤخذ إال من يد المشتري المقيد بالرسم العقاري ".
وعليه ،إذا أحجم المشتري عن تقييد شراءه بالصك العقاري ،فإن الشفيع يجب عليه
أن يطالب المشتري بتقييد شرائه على الرسم العقاري حتى يتمكن بدوره من تقييد االستحقاق
بالشفعة ،ويستمد هذا الحق من القانون الذي يخول له أن يحل محل المشتري في أخذ الحصة
المبيعة ،وحتى يتسنى للشفيع التعبير عن موقفه من ممارسة الشفعة ،يجب أن يكون عالما
ببيع شريكه لحصته الشائعة في العقار ،ولهذا يتعين على المشتري أن يوجه للشفيع إنذارا
بحصول البيع.
-361قرار رقم 774صادر بتاريخ 7773/7/71الملف العقاري عدد ،77/1172أورده عبد العزيز توفيق ،قضاء
المجلس األعلى في الشفعة خالل أربعين سنة ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى،7777 ،
ص.741 :
تنص الفقرة األولى من المادة 111من مدونة الحقوق العينية على ما يلي " :يمكن
للمشتري بعد تقييد حقوقه في الرسم العقاري أو إيداعها في مطلب التحفيظ أن يبلغ نسخة من
عقد شرائه إلى من له حق الشفعة ،وال يصح التبليغ إال إذا توصل به شخصيا من له الحق فيها،
ويسقط حق هذا األخير إن لم يمارسه خالل أجل ثالثين يوما كاملة من تاريخ التوصل".
فبمقتض ى هذه المادة يحق للمشتري الذي قيد شراءه في الرسم العقاري أن يبلغ هذا
الشراء إلى كل الشركاء الذين لهم الحق في الشفعة ،وهذا التبليغ يكون إما بواسطة رسالة
مضمونة مع اإلشعاربالتوصل ،وإما بواسطة كتابة الضبط.
ويتعين أن يتضمن التبليغ تحت طائلة البطالن جميع البيانات الكافية ،خاصة
األسماء العائلية والشخصية وموطن أو محل إقامة كل من البائع والمشتري ،وبيان الحصة
المبيعة بيانا كافيا ،وبيان الثمن المؤدى فيها ،ومبلغ التحسينات والمصاريف الالزمة للعقد،
من واجب تحرير العقد وواجبات التسجيل ،ورقم الرسم العقاري أو مطلب التحفيظ أو مراجع
عقد التفويت.362
وتتم الممارسة في هذه الحالة عادة بأن يقوم الشريك الراغب في الشفعة والذي
توصل بهذا التبليغ بإعالم المشتري برغبته في األخذ بالشفعة ،ويؤدي له الثمن والمصاريف،
ويحرران عقدا يعترف فيه المشتري بتمكين الشريك من الشفعة ،وبهذا تنتهي القضية ،وال يبقى
للشفيع إال أن يسجل هذا العقد باملحافظة على األمالك العقارية ،ليكون حجة ضد الجميع.363
وإذا لم يقبل المشتري الثمن الذي عرضه عليه الشريك ،أو لم يحرر معه عقد تنازله
عن الحصة المشفوعة ،فعلى هذا الشريك أن يقوم بإيداع الثمن والمصاريف بصندوق
املحكمة لحساب المشتري داخل األجل القانوني ،ويكفيه في هذه الحالة أن يتقدم إلى رئيس
املحكمة االبتدائية مستدال بالتبليغ الذي توصل به من المشتري ويطلب منه أن يودع الثمن
والمصاريف في صندوق املحكمة لحساب المشتري.
وهذا ما نصت عليه المادة 116من مدونة الحقوق العينية التي جاء فيها " :يجب على
من يرغب في األخذ بالشفعة أن يقدم طلبا إلى رئيس املحكمة االبتدائية املختصة يعبر فيه عن
رغبته في األخذ بالشفعة ،ويطلب فيه اإلذن له بعرض الثمن والمصروفات الظاهرة للعقد عرضا
حقيقيا ثم بإيداعهما في صندوق املحكمة عند رفض المشفوع منه للعرض العيني الحقيقي،
وأن يقوم بكل ذلك داخل األجل القانوني وإال سقط حقه في الشفعة ".
وفي نفس االتجاه جاء في حكم صادر عن املحكمة االبتدائية بالقنيطرة 364ما يلي... " :
تقدم المدعي بطلب يرمي إلى عرض قيمة المبيع على المدعى عليها فرفضت التوصل بمبلغ
العرض فقام بإيداع المبلغ بصندوق املحكمة والتمس الحكم بالمصادقة على العرض العيني
...وحيث لما كان حق الشفعة في عقار محفظ ،يقع بالتعبير الصريح عن الرغبة في ممارستها
وبإيداع الثمن ومصروفات العقد على ذمة المشفوع منه داخل األجل المنصوص عليه في ظهير
التحفيظ العقاري وهو سنة من تقييد الشراء على الرسم العقاري فإن الثابت ...أن المدعي
أودع بصندوق هذه املحكمة ...مبلغ ...شاملة لثمن المبيع ...ورسوم التسجيل ...باإلضافة إلى
أجرة محررالعقد ...حكمت املحكمة بالمصادقة على العرض العيني ."...
وإغفال إنذار أي من الشفعاء يترتب عليه وقوع اإلنذار باطال ،فال تنفتح إجراءات
الشفعة ،وينبغي أن يتم إنذارالشفيع أو الشفعاء في موطن كل منهم.
فإذا مض ى األجل القانوني وهو 11يوما من تاريخ التوصل بالتبليغ ،ولم يمارس
الشريك حقه ،بحيث لم يعبر عن رغبته في الشفعة ،أو لم يؤد الثمن والمصاريف للمشتري ،أو
لم يتم اإليداع بصندوق املحكمة ،فإن حقه في الشفعة يسقط ،وال يستطيع أن يتمسك بأي
أجل آخر ،ألن هذا التبليغ إذا وقع على الوجه القانوني يقطع كل أجل على الشريك ،هذا ما
سيتم التطرق إليه في المبحث الموالي.
قد تتم الشفعة رضائيا ،وذلك عندما يعلم أحد المشتاعين بتفويت أحد شركائه في
العقار حصته كليا أو جزئيا لشخص آخر ،ويريد أن يمارس حقه في الشفعة ،يتقدم بالطلب
للمشتري بصفة ودية ليتخلى له عنها مقابل الثمن والمصروفات فيستجيب له المشتري فيثبتان
هذه الشفعة في العقد.
وقد تتم الشفعة قضاء ،وذلك عندما ال يقع التراض ي بين الشفيع والمشفوع،
ولممارسة هذه الدعوى البد من إتباع مجموعة من اإلجراءات المسطرية تتمثل في إعالن
الشفيع عن رغبته في األخذ بالشفعة (المطلب األول) ،واحترام اآلجال املحددة قانونا لممارسة
الشفعة (المطلب الثاني).
يعتبر اإلعالن عن الرغبة في ممارسة حق الشفعة ،اإلجراء األساس ي التي تنبني عليه
اإلجراءات األخرى والتي ال يمكن اتخاذها في غيبته ،فمن خالله يعبر الشفيع عن إرادته في أن
يأخذ الحصة المبيعة من مشتريها ،وذلك عن طريق عرض عيني حقيقي للثمن المؤدى ،يقوم
به الشفيع لفائدة المشتري ،وكذا مبلغ ما أدخل على العقار من تحسينات ،وما أدى من
مصاريف الزمة للعقد ،وهذا ما أكده قرار صادر عن املجلس األعلى بقوله " :العبرة في نزاعات
الشفعة بالمطالبة القضائية وكذا العرض العيني ".366
فحينما يعلم الشريك أن حصة أحد شركائه انتقلت إلى مالك جديد ببيع أوبمعاوضة،
ويرغب في استعمال حقه في الشفعة ،يتعين عليه أن يبلغ للمالك الجديد رغبته في الشفعة إما
بواسطة رسالة أو مباشرة ،فإن قبل هذا المشفوع منه أن يمكن هذا الشريك من الشفعة حررا
-366قرار عدد 111صادر بتاريخ ،1227/7/71ملف مدني عدد ،1222/4/7/1441منشور بمجلة الحقوق
المغربية ،دار اآلفاق المغربية ،الدار البيضاء ،اإلصدار الثالث ،الطبعة األولى ،يناير ،1271ص.112 :
وثيقة بذلك ،وبهذا تنتهي القضية وينتقل النصيب المشفوع إلى ملكية الشفيع ،ويقيد ذلك في
الرسم العقاري.
وهذا اإلعالن وإن كان ال يوقف األجل فيما إذا كان الشريك الذي قام به خاضعا ألجل
من اآلجال املحددة الستعمال حق الشفعة ،كما أنه ال يعتبر بداية إلجراءات الشفعة ،إال أنه
إجراء ضروري لتحريك القضية ،ولمعرفة موقف المشتري من رغبة الشريك في الشفعة.367
والشفيع ال يعتبرممارسا لحق الشفعة إال إذا أبدى رغبته في االستشفاع ،إذ يرى بعض
الفقهاء 368أن إعالن الرغبة في األخذ بالشفعة عبارة عن إرادة منفردة صادرة من جانب الشفيع،
فهي تصرف قانوني صادر من جانب واحد ،فهذه اإلرادة التي صدرت من جانب الشفيع هي
العنصر الذي يستكمل به عناصر األخذ بالشفعة ،وبمجرد إعالنها إلى كل من البائع والمشتري
تتكامل هذه العناصر ،فيحل الشفيع محل المشتري إزاء البائع بحكم القانون ،وبالتالي لم يعد
بإمكان الشفيع التراجع عن تلك الرغبة بإرادته المنفردة ،بل يتوقف ذلك عن رض ى المشتري.
حيث جاء في حكم صادرعن املحكمة االبتدائية بالقنيطرة 369أنه ... " :وحيث لما كان
حق الشفعة في عقار محفظ يقع بالتعبير الصريح عن الرغبة في ممارستها ...ومادام أن تقديم
الدعوى يعد إعالنا للشفيع برغبته في ممارسة حق الشفعة والتي تم تبليغها للمشفوع منه الذي
أجاب عنها ...حكمت املحكمة باستحقاق المدعي للشفعة ."...
وتجدراإلشارة أنه إذا لم يقبل المشفوع منه أن يمكن الشفيع من شفعته ،تعين على
هذا األخير أن يلتجئ إلى القضاء داخل األجل المقرر للشفعة إلعالن رغبته في أخذ الحصة
المبيعة.
ويكون هذا اإلعالن بواسطة املحكمة التي يقع العقار في دائرتها ألن دعوى الشفعة
تعتبر دعوى عينية ،ولهذا تكون املحكمة االبتدائية هي املختصة بالنظر في هذه الدعوى ،حيث
إن الشريك الراغب في الشفعة يتقدم إلى رئيس املحكمة بمقال استعجالي يطلب منه فيه إصدار
أمر إلى كتابة الضبط من أجل أن تقوم بتبليغ المشتري برغبته في شفعة الحصة التي اشتراها،
و أنه مستعد ألداء الثمن والمصاريف للمشتري ،و أنه يعرضه عليه ،وإال أمر الرئيس بصندوق
املحكمة لحساب المشتري ،مع تحريرمحضربذلك.370
جاء في قرار صادر عن املجلس األعلى أنه " :يلزم الشفيع بعرض و إيداع الثمن
والمصروفات المعلومة من العقد ،أو التي أثبت المشفوع منه إنه كان يعلمها وليس من قبيل
ذلك مصاريف الوساطة في البيع ،مادامت ليست مضمنة بالعقد وال علم بها للشفيع بصفته
هذه ،وال يبدأ األجل لذلك فيها إلى بعد حصول العلم من قبلهن وإن العلم بالمبلغ المؤدى
للوسيط في البيع قد ال يحصل للشفيع إال بعد تقديم المشفوع منه الحجة على ذلك ".371
هذا وتنحصر أطراف دعوى الشفعة في الشفيع والمشتري فقط دون إدخال البائع
كطرف ثالث في النزاع ،وهذا ما أكده قرار صادر عن املجلس األعلى 372الذي جاء فيه " :دعوى
الشفعة يكفي توجيهها ضد المشتري الستشفاع الحصة المبيعة وليس من الالزم إدخال البائع
فيها ."...
إال أن الشفيع قد يضطرأحيانا إلى إدخال البائع في الدعوى ،إذا كانت الحصة المبيعة
تتعلق بعقار غير محفظ ،وكانت عملية التفويت غير ثابتة إال استنادا إلى إقرار المشتري ،ألن
الحكم الذي يستصدره في مواجهة هذا األخير ،قد يشل األول مفعوله ،بناء على مبدأ األثر
النسبي لألحكام.373
وعندما يصدر الرئيس أمره بتبليغ اإلعالن إلى المشتري وعرض الثمن عليه عرضا
حقيقيا ،يقوم الشريك بإيداع الثمن والمصاريف بصندوق املحكمة إن لم يقبله المشتري بعد
عرضه عليه عرضا حقيقيا ،وإن لم يتم إيداع الثمن في الصندوق داخل األجل سقط حق
الشريك في الشفعة ،وال بد أن يقع كل من العرض واإليداع بعد تقييد المشفوع منه لشرائه في
الرسم العقاري ،وداخل األجل املحدد للشفعة.
ثم تقوم كتابة الضبط بتنفيذ األمر الصادر عن رئيس املحكمة ،وذلك بأن تبلغ
للمشتري رغبة الشريك المدعي في شفعة الحصة التي اشتراها ،و إيداعه للثمن بصندوق
املحكمة لحسابه ،فإن قبل المشتري هذا العرض وو افق على تمكين الشريك من الشفعة حرر
كاتب الضبط محضرا بذلك ودفع الثمن والمصاريف للمشتري حاال إن كان قد بقي عند
الشفيع ،وإال أذن بحيازته من صندوق املحكمة إن كان قد أودعه فيه ،ثم يمكن الشريك من
نسخة من املحضر المذكور ليقدمها للمحافظة العقارية لتقييدها ،وبذلك يتم نقل ملكية
الحصة المشفوعة إلى هذا الشريك.374
وإن لم يقبل المشتري هذا العرض ،وامتنع من تمكين الشريك من الشفعة ،فإن كاتب
الضبط يحررمحضرا بذلك ،ويتم إيداع الثمن والمصاريف بصندوق املحكمة ،ثم يقوم الشفيع
برفع دعوى عادية يطلب فيها الحكم بصحة العرض واإليداع والحكم بشفعة الحصة التي
اشتراها المشفوع منه ،ويدلي بمحضرالعرض وبما يثبت استحقاقه للشفعة.
لقد حدد المشرع أجل ممارسة حق الشفعة في المادة 111من مدونة الحقوق
العينية التي تنص على أنه " :يمكن للمشتري بعد تقييد حقوقه في الرسم العقاري أو إيداعها في
مطلب التحفيظ أن يبلغ نسخة من عقد شرائه إلى من له حق الشفعة ،وال يصح التبليغ إال إذا
توصل به شخصيا من له الحق فيها ،ويسقط حق هذا األخير إن لم يمارسه خالل أجل ثالثين
يوما كاملة من تاريخ التوصل.
يتعين أن يتضمن التبليغ تحت طائلة البطالن بيانا عن هوية كل من البائع والمشتري،
مع بيان عن الحصة المبيعة وثمنها والمصروفات ورقم الرسم العقاري أو مطلب التحفيظ أو
مراجع عقد التفويت ،فإن لم يقع هذا التبليغ فإن حق الشفعة يسقط في جميع األحوال بمض ي
سنة كاملة من تاريخ التقييد إذا كان العقار محفظا أو اإليداع إذا كان العقار في طور التحفيظ،
وبمض ي سنة على العلم بالبيع إن كان العقار غير محفظ.
وإذا لم يتحقق العلم بالبيع فبمض ي أربع سنوات من تاريخ إبرام العقد ".
من خالل هذه المادة يتبين أن آجال ممارسة الشفعة هي آجال واجبة االحترام وال يرد
عليها وقف أوانقطاع ،وإال ترتب عن ذلك سقوط الحق في الشفعة ،فهي تختلف باختالف نوعية
العقارموضوع الدعوى.
فبالنسبة للحالة المتعلقة بشفعة عقار غير محفظ ،يجب ممارسة حق الشفعة
داخل أجل سنة يبتدئ من تاريخ العلم بالبيع الحاصل في الملكية الشائعة ،أما في حالة عدم
العلم فبمقتض ى أربع سنوات من تاريخ إبرام العقد ،فقد جاء في حكم صادر عن املحكمة
االبتدائية بالناظور 375ما يلي " :تنحصر مدة ممارسة حق الشفعة في العقارات غير املحفظة
بالنسبة للشفيع الحاضرفي أربع سنوات من تاريخ إبرام العقد ".
وفي نفس االتجاه جاء في قرارصادرعن محكمة االستئناف بالرباط 376ما يلي " :إذا كان
الشفيع غيرمقيم و أنكرعلمه بالشراء ،فإن أجل الشفعة هو أربع سنوات ".
ومما تجدراإلشارة إليه أن أجل الشفعة يعتبرأجل سقوط ال أجل تقادم ،377ال تخضع
للوقف وال لالنقطاع وال تطبق عليها مقتضيات الفصل 175من قانون االلتزامات والعقود،
بهدف تفدي تكراردعاوى الشفعة والستقرارالمعامالت وخاصة في العقار.
-375حكم رقم 411صادر بتاريخ 1227/23/23ملف عقاري رقم ،24/817منشور بمجلة األمالك ،العدد:
،72سنة ،1277 :ص.137 :
-376قرار رقم 747صادر بتاريخ 71دجنبر 1227ملف عقاري عدد ،71/1227/41منشور بمجلة القضاء
والقانون ،مطبعة األمنية ،الرباط ،العدد ،782 :سنة ،1271 :ص.178 :
-377وما يؤكد ذلك هو العبارة التي استعملها المشرع في الفقرة الثانية من المادة 424من مدونة الحقوق العينية
عندما قال ... " :فإن حق الشفعة يسقط "...وفي الفصل 718من قانون االلتزامات والعقود" :يسقط حق المالك
على الشياع في األخذ بالشفعة بعد مضي سنة من علمه بالبيع الحاصل من المالك معه ."...
وحيث جاء في قرار صادر عن المجلس األعلى ما يلي ... " :أجل الشفعة أجل سقوط ال أمد تقادم ال تعتريه أسباب
التوقف وال االنقطاع ".
أما إذا لم يقع هذا التبليغ فإن حق الشفعة يسقط في جميع األحوال بمض ي سنة
كاملة من تاريخ التقييد إذا كان العقار محفظا أو اإليداع إذا كان العقار في طور التحفيظ،
فالمشرع المغربي جعل من التقييد بالرسم العقاري نقطة االنطالق الحتساب سجل السنة
الكاملة المؤدية في حالة عدم ممارسة الشفعة إلى سقوط الحق في هذه الحالة األخيرة ،وجعل
من تاريخ اإليداع بطلب التحفيظ نقطة االنطالق الحتساب أجل السنة المؤدية إلى سقوط
الحق في الشفعة كلما تعلق األمربالعقارفي طورالتحفيظ.
وفي الختام ،تجدر اإلشارة إلى أنه بعدما يتقدم الشفيع أمام املحكمة لرفع الدعوى
وذلك بمقال مرفق بالوثائق الالزمة ،ومن ذلك الوثائق المثبتة الستحقاقه الحصة المشفوعة،
فإن املحكمة تصدر حكمها إما بالمصادقة على العرض العيني واستحقاق الشفيع الحصة أو
بإلغاء الدعوى.
فإذا صدرحكم نهائي بالمصادقة على العروض العينية فإن الشفيع يستحق الحصة
المشفوعة ويكتسبها عن طريق الشفعة ،ويكون الحكم النهائي سندا لملكية الشفيع.
ويالحظ من مقتضيات الشفعة أن هذا الحكم هودليل إثبات ملكية الشفيع ،فالحكم
إذن ليس سببا للملكية ،فسبب الملكية هو الشفعة ،أما الحكم النهائي بالشفعة فال يعدو أن
-قرار رقم 87صادر بتاريخ ،7713/7/7ملف مدني عدد ،7177أورده عبد العزيز توفيق ،مرجع سابق ،ص:
.32
وفي نفس االتجاه قضى قرار صادر عن محكمة االستئناف بتازة ما يلي ... " :حيث أن أجل الشفعة هو أجل سقوط
ال تقادم ،ذلك أن البيع كان سنة 1224وطلب الشفعة قدم سنة 1223أي سنتين من تاريخ البيع ،وأن أجل الشفعة
ال يمكن في جميع األحوال أن يتجاوز سنة ."...
-قرار رقم 72صادر بتاريخ ،1221/72/8ملف رقم ( 21/777غير منشور).
يكون إجراء موجودا منذ أن مارس الشفيع إجراءات الشفعة في األجل وطبق الشكليات
المنصوص عليها في القانون.
ويتولى تنفيذ الحكم بالمصادقة على العروض العينية واستحقاق الشفعة املحافظ
على األمالك العقارية ،وذلك بناء على طلب يرفعه إليه الشفيع مصحوبا بنسخة من الحكم
المذكور ،ويشترط في هذا األخيرأن يكون قد اكتسب قوة الش يء المقض ي به كما نص على ذلك
الفصل 61من ظهير التحفيظ العقاري ،بحيث يقوم املحافظ آنذاك بتقييده في الرسم
العقاري ،وبالتالي تنتقل الملكية في اسم الشفيع ،وإذا استوفت الشفعة إجراءاتها ،فإنه يترتب
عن ذلك آثارقانونية تتجلى في كون الشفيع يحل محل المشتري اتجاه البائع بقوة القانون.
الئحة المراجع
-ابن منظور ،لسان العرب ،مادة الشفع ،الجزء الرابع ،المطبعة الميرية ،ببوالق –
مصر ،الطبعة األولى 5111ه.
-الشيخ خليل بن إسحاق الجندي المالكي" ،املختصر" ،مكتبة اإلمام مالك ،الطبعة
األولى 5117ه1119/م.
-عبد الخالق أحمدون ،التحفيظ العقاري بالمغرب ،مطبعة طوب بريس ،الرباط،
طبعة .1151
-عبد الرزاق أحمد السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،أسباب كسب
الملكية ،دارالنهضة العربية ،القاهرة – مصر ،الجزء التاسع ،طبعة .5767
-عبد العزيز توفيق ،قضاء املجلس األعلى في الشفعة خالل أربعين سنة ،مطبعة
النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء ،الطبعة األولى.5777 ،
-محمد ابن معجوز ،أحكام الشفعة في الفقه اإلسالمي والتقنين المغربي المقارن،
مطبعة النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء ،الطبعة الثانية .5771
-محمد برادة اغزيول ،الدليل العملي للعقار غير املحفظ ،منشورات جمعية نشر
المعلومة القانونية والقضائية ،سلسلة الدراسات واألبحاث ،مطبعة فضالة ،املحمدية،
العدد ،1 :الطبعة الثانية ،أبريل .1119
-محمد خيري ،قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي ،دار النشر المعرفة،
الرباط ،الطبعة الخامسة.1117 ،
البيداغوجيا اإلبداعية هي عبارة عن نهج تعليمي يهدف إلى تنمية قدرات اإلبداع والتفكير
الخالق لدى األفراد ،وذلك بتصميم بيئة تعليمية تشجع على االبتكار والتجديد ،واستخدام
استراتيجيات التدريس اإلبداعي لتحفيزاألفراد على التفكيرالناقد والمنطقي.
وعلى الرغم من وجود بعض المعيقات التي تواجه تطبيق البيداغوجيا اإلبداعية ،إال أنه
يمكن التغلب عليها من خالل التركيزعلى تحديدها وتطبيق الحلول المناسبة لها.
ً
حقيقيا في ويمكن القول إن تنمية القدرات اإلبداعية لدى األفراد تعتبر استثما ًرا
ً
مفتاحا مستقبلهم ومستقبل املجتمعات ،وأن االهتمام بتطبيق البيداغوجيا اإلبداعية يمثل
لتحقيق النجاح والتميزفي العديد من املجاالت.
Résumé de l'article:
:مقدمة
فمن الوهم االعتقاد أن التربية والتعليم أفعال إنسانية بعيدة الصلة عن مفاهيم اإلبداع
واالبتداع واإلبداعية ،فكل تعلم هو في جوهره وأصله فعل إبداعي ينجم عن مثول “مسار ذهني
متكامل يجري في دماغ المتعلم طفال كان أم كهال ،ويكون موجها آليا نحو تحصيل مكتسب
معرفي أو مكتسب مهاري جديد ينضاف إلى املخزون من المكتسبات والمعارف والخبرات
والمهارات السابقة .والتعلم ال يكون إال بعد حدوث تغييرات وجدانية سلوكية تتغيربموجبها بنية
ذلك الدماغ المتعلم بمفعول التكيف والمواءمة مع المعلومة الجديدة القادمة من
و يعني هذا أنه على التربية أن تكون متجددة في أهدافها و مناهجها حتى ال تنعزل املحيط”378
عن املجريات والطفرات النوعية التي يشهدها العالم معرفيا وعلميا وقيميا .فالذات المتعلمة
في أغلب ما رسخ واستقر من أطروحات ورؤى بيداغوجية وتعليمية حديثة هي بالضرورة “ذات
فاعلة منشئة” حينما تتعلم بمفردها أو مستطيعة بغيرها أو متفاعلة مع ذوات أخرى من أقرانها.
وعلىه فإن التعلم هو منشأ الذات المتعلمة ،إنها تبتدع تجربة تعلمها على نحو مختلف
ال يشبه غيره من التجارب التعلمية األخرى ،تجربة فريدة على خالف ما نظنه من كونها محكومة
بالتشابه المعمم والتضارع المنمط ،وإن كنا نعلم مجموعة أفراد نفس الش يء ،ونبلغهم ذات
املحتويات والمقررات المدرسة وفق برمجة ما وأهداف محددة مسبقا ،إنها سنة االختالف
الكوني الدال على عظمة الخالق وال تبديل لخلق الله.
إن التعلم من هذا المنظور العرفاني العصبي يبقى إنشاء و ابتداعا و إبداعا ،وهو في
َ
مطلق األحوال ِب ْدع منشئه (أي المتعلم) ،ومبتدع من تسبب في اختالق مساراته وتهيئة أسباب
تحصيله بتدبيربيداغوجي مسبق (أي المدرس).
َ َ
واألمرال ينافرالمدلول المعجمي المستكن في الفعل َبدع من اللغة العربية فـ “بدع الش يء
َ
والب ْدع الش يء الذي يكون أوال ،وفالن ِب ْدع في هذا
يبدعه بدعا و ابتدعه :أنشأه وبدأه ،والبديع ِ
ْ
األمر أي أول لم يسبقه أحد والمبتدع الذي يأتي أمرا على شبه لم يكن ابتدأه إياه وفي القرآن
قوله تعالىُ “ :ق ْل َما ُك ْن ُت ب ْد ًعا ِم َن ُّ
الر ُس ِل” 379أي ما كنت أول من أرسل وقد أرسل قبلي رسل كثير ِ
“.380
-4378تعريف دوكوتال سنة 4898وما عقبه من تعريفات تعود إلى تيارات نفسية عرفانية عصبية مختلفة
379سورة األحقاف اآلية 8
-4380ابن منظور ،لسان العرب ،مادة (ب،د،ع)دار إحياء التراث العربي،بيروت لبنان ،المجلد األول،ط ،4887 ،7ص ص ]714-714
فكل تعلم إذن ينطوي على تجربة فريدة يخوضها الفرد ليقطع أطوارحياته ومسارتكوينه
،وهو مع كل تجربة يضيف شيئا جديدا مبتدعا لشخصيته وألسلوب عمله ،مهارات وكفايات
قد توظف نفس املحتويات لكن بطرق وأساليب تختلف عن طرق غيره وأساليبه وتقنياته.
فالظاهرة البيداغوجية اذن مختلفة ومتغيرة وغيريقينية وغيرمتوقعة ،رغم ما توحي به
في ظاهرها من صبغة تقنية مقننة باعتبارها علما أو مجموعة من الكفاءات والمهارات التي تميز
صنعة كل مشتغل بالتدريس.
فكما أن البيداغوجيا أو “علم تقنيات التدريس وسبل تطويرها” تطرح نفسها موضوع
درس وعقلنة وتحليل وتفسير وتأويل علوم التربية والتعليميات وسائر التخصصات المهتمة
بالعملية التعليمية التعلمية ،فإنها في عمقها “البراكسيس ي”.381
العملي تجوز لدارسها والمنشغل بها أن يمنحها تعريفا يرى فيها" :علم هندسة الممكن
والمتاح من أجل بلوغ أهداف تعليمية تتسم بأقص ى حدود الوجاهة والنجاعة واإلنصاف".
والتدريس أو التعليم بالموازاة لم يعد يكتفى فيه بالتعريفات التقليدية بما هو “عملية
تواصل تفض ي إلى بناء المعرفة ،و إنما صار من ضروب “التصرف في بناء المعرفة و”إدارة
للتعلمات وعملية التعلم برمتها ،أي إدارة الفصل وهندسة الوضعيات وتنظيم التواصل وبناء
التقويمات …”.382
إن كل ما سبق يجعل من البيداغوجيا منشودا نظريا مفارقا مقيدا بالتقعيد والتنظير،
أي بالتشابه والتنميط والتصنيف ،فنقول بيداغوجيا كذا وكذا (البيداغوجيا التقليدية،
أن هناك ث الثة أنشطة أساسية للبشر :التفكير واإلبداع والبراكسيس ،كما ان -7381كان الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو يعتقد َّ
الفيلسوف البولندي أوغست شسكوفسكي «وهو من الهيغيليين الجدد» أحد أوائل الفالسفة الذين استخدموا مصطلح البريكسس على أنَّه
عمل موجَّه نحو تغيير المجتمع
382
René CAHAY, Maryse HONOREZ, Brigitte MONFORT, François REMY, Jean THERER, Les styles
d’apprentissage Une recherche du LEM (Laboratoire d’Enseignement Multimédia de l’Université de
Liège),p2
وعلى خالفها تحافظ الممارسات البيداغوجية على تنوعها وتفردها بوصفها أساليب
فردية ونماذج اجتماعية موروثة حينما تنطبع بشخصية المدرس و ابداعه الخالق ومو اقفه
ومعارفه وخبراته وأساليبه في تطبيق تلك المفاهيم النظرية المقنن ،لتخلف آثارا منجزة ال تشبه
غيرها وال مثيل لها في السابق وال في ما سيأتي بعدها من األفعال ،مهما كان ذلك النمط التعليمي
وذلك المنوال البيداغوجي محافظا أو محاكيا ألنموذج بعينه من نماذج التدريس وطرائقه.
فما هو مفهوم االبداع؟ و ماهى هي النظريات المفسرة إلبعاده وجوانبه؟ وماذا تعني
البيداغوجيا اإلبداعية وفيما تختلف عن بقية البيداغوجيات والمقاربات؟ وما هي سمات
التلميذ أو الطالب المبدع؟
سنعالج هذه االشكالية في اربعة محاور على الشكل التالي :املحور األول :مفهوم اإلبداع
والنظريات المفسرة لجوانبه و أبعاده .املحور الثاني :مفهوم البيداغوجيا اإلبداعية و
مرجعياتها النظرية .املحور الثالث :خصائص وسمات المتعلمين المبدعين .املحور الرابع:
عوائق تنمية القدرات اإلبداعية.
اإلبداع هو امتالك فكرة أو أفكار جديدة شريطة أن تكون شخصية أصيلة وذات معنى
ونافعة ،وتشير بعض المعاجم اللغوية إلى أن اإلبداع هو إخراج وتوليد أفكار أو أشياء غير
مسبوقة ،لذلك فإنه يقترب دالليا من مجموعة من المفاهيم كاالختراع واالكتشاف واالبتكار.
وفي هذا السياق يعرف "إليف يول تورانس" اإلبداع بأنه "عملية تشبه البحث العلمي ،فهو
اإلحساس بالمشاكل وتشكيل األفكاروالفرضيات ،ثم اختبارهذه الفرضيات وتعديلها للوصول
إلى النتائج المرغوبة" ،ويفهم من هذا القول أن اإلبداع هو القدرة على الخيال والتصور التي
تمكن من إيجاد حلول لبعض المسائل والمشكالت.
إن اإلبداع هو ظاهرة اجتماعية ذات مضمون ثقافي وحضاري ،حيث يحمل الفرد في
إطارها صفة المبدع إذا تجاوز تأثيره في املجتمع حدود المقاييس العادية والمعايير المألوفة
الفكرية أو العلمية أو الفنية أو الثقافية التي يمارس فيها المبدع تأثيرا شخصيا واضحا في
اآلخرين.
و ُيمكن تعريف اإلبداع (باإلنجليزية ): Creativityعلى أنه تحويل األفكار الجديدة
والخيالية إلى حقيقة و اقعية ،ويتميزاإلبداع بالقدرة على إدراك العالم بطرق مبتكرة وجديدة،
وصنع روابط بين ظواهر لم تكن تبدو مرتبطة ببعضها ،والمساهمة في و إيجاد أنماط خفيةُ ،
إيجاد الحلول خارج الصندوق ،وبهذا فإن اإلبداع يتضمن عمليتين رئيسيتين هما التفكير ثم
اإلنتاج.383
يتضمن اإلبداع مرحلتين أساسيتين ال يكتمل إال بوجود كلتيهما :التفكير و اإلنتاج ،إذ ال
بناء على هذه األفكار ،حيث يتطلب يكفي أن ُيفكرالشخص بطريقة إبداعية ،بل عليه التصرف ً
ً
مجموعة من المهارات وهي كاآلتي384: اإلبداع
-إيجاد الحلول.
و ُيمكن تنمية اإلبداع لدى األشخاص من خالل عدد من التقنيات ،ومنها ما يأتي:385 :
383
"What is Creativity? (And why is it a crucial factor for business success?)", creativityatwork., Retrieved
24/8/2022. Edited.
384
Linda Naiman, "What is Creativity? " ،www.creativityatwork.com, Retrieved 2021-3-28. Edited.
385
Creativity", www.newworldencyclopedia.org, Retrieved 29-3-2021. Edited.
-توفيرفرص االختيارواالكتشاف.
إن مسألة اإلبداع ليست وليدة اليوم ولكنها من المشكالت العريقة التي تعددت حولها
النظريات واختلفت في تفسيرها وتحديد جوانبها و أبعادها المتعددة والمتباينة نشير منها إلى
النظريات التالية:
نظرية اإللهام ،التي تفرض أن األعمال اإلبداعية تظهربشكل فطري لدى اإلنسان المبدع
بمعزل عن التجارب والخبرات المتوفرة لديه،
نظرية التحليل النفس ي ،التي درس في إطارها سيغموند فرويد العوامل النفسية الداخلية
التي تدفع المبدعين إلى إنجازأعمالهم اإلبداعية من خالل تفجيرالمكبوتات والتعبيرعنها
في شكل مشاعروأحاسيس و أفكار.
النظرية العقلية ،التي ترى أن اإلبداع هو نتاج للعقل وللفكر ،حيث ذهب جاك جيلفورد
إلى أن اإلبداع هو تنظيم يتكون من مجموعة من القدرات العقلية منها :الطالقة والمرونة
واألصالة والحساسية تجاه المشكالت.
نظرية قياس الذكاء ،التي ترى أن هناك عالقة بين السلوك والذكاء واإلبداع ،لذلك فإن
اإلبداع مثل الذكاء يجب أن يخضع للقياس وللبحث التجريبي ألنه يوجد لدى األفراد
بنسب متفاوتة.
النظرية االجتماعية ،وهي التي تؤكد على دور املحيط االجتماعي في عملية اإلبداع وفي
االنتاج اإلبداعي ،إلى جانب تأثيرالعوامل التربوية والثقافية واالقتصادية.
تعني البيداغوجيا في دالالتها اللغوية ،تهذيب الطفل وتأديبه وتأطيره وتكوينه وتربيته.
وقد تعني الذي ير افق المتعلم إلى المدرسة .وتدل أيضا على التربية العامة ،أو فن التعليم ،أو
فن التأديب ،أو نظرية التربية التي تنصب على جميع الطرائق والتطبيقات التربوية التي تمارس
داخل المؤسسة التعليمية.
وقد يكون المقصود بها أيضا ذلك العلم الذي يتناول التربية في أبعادها الفيزيائية
والثقافية واألخالقية ،أو يدل على مجموعة من العلوم التربوية النظرية والتطبيقية ،كعلم
النفس التربوي ،وعلم االجتماع التربوي ،وعلم التخطيط التربوي ،وعلم االقتصاد التربوي،
وعلم اإلحصاء التربوي ،وعلم مناهج البحث ،والسياسة التربوية ،وفلسفة التربية ،والديدكتيك
وغيرها من العلوم.
ومن هنا ،فكلمة البيداغوجيا" إغريقية األصل ،وكانت تدل على العبد الذي ير افق
الطفل في تنقالته ،وبخاصة من البيت إلى المدرسة .ولقد تطور استعمال الكلمة ،وأصبح يدل
على المربي (Pedagogue) .والبيداغوجيا هي جملة األنشطة التعليمية -التعلمية التي تتم
ممارستها من قبل المعلمين والمتعلمين386.
أما البيداغوجيا اإلبداعية فهي عبارة عن مفهوم تعليمي يركز على تنمية القدرات
اإلبداعية لدى األفراد ،وذلك بتصميم بيئة تعليمية تشجع على االبتكار والتجديد ،واستخدام
استراتيجيات التدريس اإلبداعي لتحفيزاألفراد على التفكيرالناقد والمنطقي.
- 386 -أحمد أوزي :المعجم الموسوعي لعلوم التربية ،دار النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى سنة 4996م،
ص.419:
نظرية التعلم االجتماعي Social Learning Theory:وهي نظرية تعتمد على التفاعل بين
تتكون من تجارب األفراد وتفاعالتهم مع بيئتهم ،و أنه من المهم توفير بيئة تعليمية
تشجع على بناء المعرفة والتعلم النشط.
نظرية الذكاءات المتعددة Multiple Intelligences Theory:وتعتمد على فكرة وجود
أنواع مختلفة من الذكاءات لدى األفراد ،و أنه يمكن تطويركل منها بشكل منفصل.
باإلضافة إلى ذلك ،يمكن تطبيق مفاهيم البيداغوجيا اإلبداعية في املجال الفني
واإلبداعي ،وتحفيز الفنانين والمبدعين على االبتكار والتجديد و إنتاج أعمال فنية جديدة
ومتنوعة.
ً ً
إن البيداغوجيا اإلبداعية مفهوما هاما في مجال التعليم والتربية ،وتعتبر ضرورية
لتحسين العمليات التعليمية وتطويرالمهارات اإلبداعية لدى األفراد .وتحتاج هذه المفاهيم إلى
تطبيقات عملية ودراسات دقيقة لتحقيق أقص ى فائدة منها في املجال التعليمي وفي مجاالت
الحياة األخرى.
إنها تستهدف تكوين متعلمين يمتلكون العلم والمعرفة والتكنولوجيا ،ويتميزون بقدرات
وكفايات جيدة في جميع التخصصات ،ليصبحوا متعلمين مبدعين قادرين على اإلنتاج ومواجهة
الوضعيات الصعبة بواسطة ما تم اكتسابه من تعلمات معرفية وخبرات منهجية ،وقد عرفها
عبد الكريم غريب بقوله ":إنها االنشطة والعمليات المنظمة التي يقوم بها المتعلم ألجل ابتكار
أفكارأو اكتشاف أشياء تتميزبتفردها " ،وفي السياق ذاته تجدراإلشارة إلى أن العملية اإلبداعية
تتمثل أيضا في تحليل النصوص وفهمها وتفسيرها وتأويلها ،وقد تتجاوز هذا التحليل إلى تقديم
تصورات فكرية جديدة.
أما سوزان فيلطو Suzanne Filteauفقد اعتبرت التربية اإلبداعية أوبيداغوجيا اإلبداع
la créativité de la pédagogieسيرورة أو عملية تعليمية تضع المتعلم أمام وضعية مشكلة،
حيث يضطر إلى استحضار موارده النظرية والمنهجية والمهارية ورؤيته الثاقبة لحلها ،وعلى
ضوء ذلك تظهرقدرة المتعلم على إنتاج أفكارجديدة ،وخصوصا تلك األفكارالنابعة من حسه
اإلبداعي.
العقل المتسائل الخالق :وهي صفة فطرية في اإلنسان (الفضول ،حب
االستطالع) التي تعززها التربية والتدريب المبكر.
النشاط المتميز :ويتجلى في كثرة تساؤل المتعلم عن ما يدور حوله ،وكذلك في
امتالكه لدرجة عالية من الذكاء ،تمكنه من إدراك األشياء بطريقة تختلف عن االخرين.
القدرة على التحليل :أي القدرة على تجميع المعلومات وتحليلها وتقويمها
واالحتفاظ بها بشكل منظم من أجل استخدامها في أماكنها المناسبة.
القدرة على التفكير اإلبداعي :يتمتع المتعلم المبدع بالقدرة على التفكير
اإلبداعي واالستنباط والتخيل ،وتحليل المعلومات بطريقة مختلفة عن اآلخرين.
اإلصرار :يتمتع المتعلم المبدع باإلصرار والتحدي لتحقيق أهدافه و إنجاز ما
ً
متحمسا للعمل بجد لتحقيق النجاح. يريده ،ويكون
الحس الفني :يتمتع المتعلم المبدع بالحس الفني واإلبداعي ،ويتميزبالقدرة على
اإلنتاج الفني والتعبيراإلبداعي ،وتصميم األفكاربطريقة مختلفة وجديدة.
ً
خاصا للتفاصيل ويحاول ً
اهتماما االهتمام بالتفاصيل :يولي المتعلم المبدع
إيجاد التفاصيل الصغيرة التي يمكن أن تحسن من جودة العمل النهائي.
هناك العديد من المعيقات التي يمكن أن تعوق تنمية القدرات اإلبداعية ،ومن بينها
نشيرمنها إلى ما يلي:
البرامج والمقررات الدراسية التي تتضمن معطيات علمية ومعرفية ال تحفزعلى اإلبداع.
البيئة السلبية :بيئة سلبية يمكن أن تحبط رغبة األفراد في التفكيراإلبداعي والتجريبي،
وتقلل من إصرارهم وتشجعهم على االلتزام باألفكارالتقليدية.
نقص الموارد والتسهيالت :يمكن أن تكون نقص الموارد والتسهيالت ،مثل المال
والوقت والمواد والتجهيزات ،عوامل مؤثرة في تقليل فرصة األفراد للتفكير والتجريب
بطرق إبداعية.
الخبرة املحدودة ونقص التعليم :الخبرة املحدودة ونقص التعليم في مجاالت معينة
ً
عامال ر ً
ئيسيا في تحديد نطاق قدرات اإلبداعية التي يمكن لألفراد يمكن أن تكون
تطويرها .
االنفصال بين الموضوعات :االنفصال الدراس ي بين الموضوعات يمكن أن يعيق تطوير
المهارات اإلبداعية لألفراد ،إذ أنه يمنعهم من الربط بين الموضوعات املختلفة و إيجاد
حلول مبتكرة للمشاكل المعقدة.
التالية:
تهييئ وإعداد وضعيات ديداكتيكية تتميز بخصائص النشاط اإلبداعي ،وتشعر المتعلم
بالحاجة إلى اإلبداع واالبتكار.
احترام أسئلة المتعلم و أفكاره األصيلة و إبراز قيمتها وفسح املجال أمامه لإلبداع واالبتكار
مع تجنب إصداراألحكام المسبقة.
ربط المعارف والمهارات بالو اقع المعيش ي خصوصا حينما يتعلق األمر بمفاهيم مجردة
كالرياضيات ،وذلك من خالل إعطاء أمثلة حية ومناسبة تمكن المتعلم من تجسيد تعلماته
واالنتقال من النظري إلى التطبيقي.
استغالل القواسم المشتركة بين المواد الدراسية املختلفة (اللغة العربية /التربية
اإلسالمية /الجغر افيا /العلوم الطبيعية /التربية التشكيلية /الرياضيات).
تحفيز المتعلم على معرفة تاريخ االكتشافات واالختراعات والتعرف على سير أصحابها،
والدو افع المؤدية إلى اكتشافاتهم واختراعاتهم.
استخدام آ ليات التفكير اإلبداعي الرقمي تماشيا مع التقنيات الحديثة وبعض التطبيقات
التعليمية المرتبطة باللوحات التفاعلية وبرامج الحاسوب وغيرها ،وعلى المربي أو المدرس
القيام باالختيار المناسب لهذه االليات حسب طبيعة المادة والمهارات التي يسعى إلى
تنميتها.
إن النظرية االبداعية التربوية ال يمكن أن تتحقق داخل المؤسسة التعليمية إال بالسعي
المستمر وراء التحديث والتجديد وتجنب التكرار واالجترار واستنساخ التجارب التربوية و
العتيقة ،الش يء الذي يتطلب التشجيع على فلسفة التخطيط وإعادة البناء وتطوير البحث
العلمي وتنمية القدرات الذاتية على االختراع واالكتشاف بهدف مواجهة كل التحديات اآلنية
والمستقبلية ،ومن الشروط التي تستوجبها البيداغوجيا االبداعية االحتكام إلى الجودة
الحقيقية على المستويين الكمي والكيفي ،بشكل يستجيب ويتالءم مع المقاييس العالمية
للتربية والتعليم .
خالصة القول التعلم فعل ِب ْدع منقطع النظيرمن إنجازالمتعلم ذاته ال يضاهيه في ذلك
غيره لما يتصف به الدماغ البشري من خصائص الليونة واللدونة والفرادة ،والتعليم على نفس
القدر ،فعل موصول بالبيداغوجيا أو فن التدريس ال يقل ابتداعا وخلقا و ابتكارا عنه ،ألنه نتاج
أسلوب مدرس بعينه في زمان ومكان محددين ومع جمهور معين من المتعلمين لهم درجات
متباينة من الصعوبات تميزهم أساليبهم الخاصة وطبيعة تفاعالتهم مع املحتويات والمعارف
المدرسة وفي ما بينهم من سياق تعليمي إلى آخروإن في نطاق المنوال التدريس ي الواحد واملحتوى
المقررالمضبوط والهدف المنتقى.
خاتمة:
ً
تفكيرا يمكن االستنتاج من دراسة البيداغوجيا اإلبداعية أن اإلبداع هو قدرة تتطلب
ً ً
ومستمرا ،وقدرة على االبتكار والتجديد والتعلم والتطوير .وتأتي البيداغوجيا اإلبداعية خالقا
كأحد الحلول الممكنة لتطويرالقدرات اإلبداعية عند األفراد.
ومن خالل التركيز على البيئة التعليمية وتصميمها بشكل يشجع على اإلبداع والتفكير
الخالق ،وتطبيق استراتيجيات التدريس اإلبداعي وتشجيع التفكير الناقد والمنطقي ،يمكن
تنمية القدرات اإلبداعية لدى األفراد.
على الرغم من وجود معيقات تحول دون تنمية القدرات اإلبداعية لدى األفراد ،إال أن
هذه المعيقات يمكن التغلب عليها من خالل التركيز على تحديدها والعمل على إيجاد الحلول
المناسبة للتغلب عليها.
-5ابن منظور ،لسان العرب ،مادة (ب،د،ع)دارإحياء التراث العربي،بيروت لبنان ،املجلد
األول،ط.5771 ،1
-2جميل حمداوي – من أجل نظرية تربوية جديدة :البيداغوجيا االبداعية مقال منشور
على موقع :مجلة مدرستي للتربية والتعليم بتاريخ 57يونيو www.madrassaty.com 1151
-1أحمد أوزي :المعجم الموسوعي لعلوم التربية ،دار النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،
المغرب ،الطبعة األولى سنة 1116م.
تمثل المر اقبة اإللكترونية إحدى القضايا األساسية في العصر الحديث والتي أخذت
ً
اهتماما ً
كبيرا بين األوساط العلمية السياسية واألمنية املختلفة؛ وذلك على اعتبار أن موضوع
المر اقبة من الموضوعات التي تمس الحريات العامة وحقوق اإلنسان ،كما ترتبط قضية
ً
المر اقبة اإللكترونية بالنواحي التطورالسياس ي والديمقراطية وخاصة في التعامل مع الجوانب
التي تمس العالم اإللكتروني وما أنتجته تكنولوجيا االتصال والمعلومات من أدوات ومفردات
حديثة للتعبير عن الرأي .وعلى هذا األساس تعد المر اقبة اإللكترونية من الموضوعات التي
تعكس حالة التوازن األمني والسياس ي بين كيفية توظيف التكنولوجيا الحديثة في زيادة حرية
التعبير ،وكيفية المر اقبة واالشراف من الحكومات واألجهزة املختلفة على املحتوى اإللكتروني،
ومن ثم تتبع كيفية استخدام الوسائل اإللكترونية والتي أصبحت مجال اهتمام السلطات
املختلفة (.)387
ومما ال شك فيه أنه وسائل التكنولوجيا المعاصرة قد احتلت المكانة األولى على مستوى
نقل األفكار والبيانات والمعلومات وعملية تبادل اآلراء واالتجاهات املختلفة؛ حيث أصبحت
الوسائل اإللكترونية بما تشتمل عليه من تطبيقات اجتماعية ووسائل تواصل حديثة من بين
-387سليمان مختار النحوي :مشكلة المراقبة اإللكترونية ،الجامعة اللبنانية ،كلية الحقوق والعلوم السياسية واإلدارية،
مجلة الحقوق والعلوم السياسية ،العدد ،12لبنان ،1271 ،ص .121
أبرزالوسائل التي تنقل األحداث والصورونواحي المعرفة املختلفة على نحو سريع ودقيق ،ومن
ثم فإن الفضاء اإللكتروني يمثل العالم الحديث الذي ال يستطيع اإلنسان العيش بدونه ،كما
أن استخدام تلك التكنولوجيا المعاصرة تعد إحدى حقوق اإلنسان المعترف بها على المستوى
الدولي ،وعلى الرغم من ذلك إال أن انتشارالوسائل االتصالية والمعلوماتية الحديثة قد مكنت
المستخدمين من زيادة حرية التعبير وسهولة عملية تبادل اآلراء واألفكار من خالل األدوات
اإللكترونية ،وهو األمر الذي أدى إلى اتجاه الحكومات إلى استخدام أنواع متباينة من الرقابة
واالشراف على الكثيرمن المو اقع اإللكترونية التي يتم االعتماد عليها في العصرالحديث؛ وذلك
في ضوء فرض السيطرة ،وكذلك االتجاه نحو محاربة الجرائم اإللكترونية املختلفة ،والحفاظ
على األمن القومي ،وكذلك حفظ أمن واستقرارالحياة الشخصية لألفراد والمؤسسات(.)388
وفي هذا اإلطار يمكن اإلشارة إلى أن الوسائل اإللكترونية الحديثة بما تشتمل عليه من
أساليب وأدوات وتطبيقات تعد بمثابة البيئة اإللكترونية التي يتم من خاللها ممارسة الحريات
والتعبير عن أحد أهم حقوق اإلنسان؛ األمر الذي يعكس أثر عملية المر اقبة اإللكترونية على
ً
نفوس األفراد وخاصة على مستوى تقييد الحريات ،ومن ناحية أخرى تضع الحكومات البرامج
الرقابية التي يمكن من خاللها متابعة األحوال العامة ودراسة الرأي العام وتحديد اآلراء
والتوجهات التي تؤثر بشكل كبيرعلى صناعة الرأي العام على المستوى الدولي ،وهو األمرالذي
قد يراه المواطن على اعتبارأنه إحدى وسائل تحجيم اآلراء والتعصب الواضح(.)389
ومن هنا فقد جاء موضوع البحث الراهن ،الذي يحاول الباحث من خالله إلقاء الضوء
على العالقة التي تربط بين التطور التكنولوجي الحديث وعمليات المر اقبة اإللكترونية ،التي
تضعها الحكومة كإحدى السياسات التي قد تقوم بمثابة إحدى آليات تقييد الحريات وقمعها.
مشكلة الدراسة :ما أثرالمر اقبة اإللكترونية على حقوق اإلنسان والحريات العامة؟
تساؤالت الدراسة:
-388هيام صالح محمد بدر الدين :التكنولوجيا ودورها في التعبير عن الرأي وتأثيرها على المجتمع ،المجلة
القانونية ،المجلد ،72العدد ،4كلية الحقوق ،جامعة القاهرة ،فرع الخرطوم ،1217 ،ص .7771
389
- Jeremie Harris: Free Expression in the Age of the Internet Social and Legal
Boundaries, Route ledge Taylor and Francis group, New York, 2018, P 115.
في ضوء ما تم عرضه من موضوع البحث والمشكلة البحثية المطروحة ومن خالل
التساؤل العام ،يمكن عرض التساؤالت اآلتية:
-ما المقصود بالمر اقبة اإللكترونية وآلياتها في دولة اإلمارات العربية المتحدة؟
-ما دور القضاء في ضمان حماية الحريات العامة وحقوق اإلنسان في املجال
الرقمي؟
-ما أبرز القيود التي تفرضها المر اقبة اإللكترونية على الحريات العامة وحقوق
اإلنسان؟
أهداف الدراسة:
يتمثل الهدف العام للدراسة الراهنة في تحديد أثر المر اقبة اإللكترونية على حقوق
اإلنسان والحريات العامة ،وفي ضوء هذا الهدف تتفرع األهداف اآلتية:
-التعرف على مدى التأثيرالقانوني للمر اقبة اإللكترونية على الحريات العامة.
-الكشف عن أبرزالقيود التي تفرضها المر اقبة اإللكترونية على حقوق اإلنسان
والتغلب عليها.
أهمية الدراسة:
تكتسب الدراسة أهمية كبيرة على المستويين النظري والتطبيقي ،ويمكن عرض هذه
األهمية كاآلتي:
-تمثل المر اقبة اإللكترونية من القضايا الهامة التي ينبغي إلقاء الضوء على
مفهومها وآلياتها في العصرالحديث.
-تعد المر اقبة اإللكترونية من أبرز القضايا المطروحة على الساحة العلمية
على المستوى السياس ي واألمني؛ وذلك في ضوء العالقة التي تربط بينها والتمتع
بالحريات العامة والحفاظ على حقوق اإلنسان.
-تعد المر اقبة اإللكترونية من األدوات المعاصرة التي يتم من خاللها التعبيرعن
الرأي وتكوين االتجاهات واألفكاروتبادل المعلومات في ضوء املجال اإللكتروني.
-ترتبط قضية المر اقبة اإللكترونية بعملية التوازن بين تحقيق النواحي األمنية
والسياسية واالستقرار ،مع الحفاظ على الحريات العامة حرية التعبيروالفكر.
-يمثل املجال الرقمي أحد أبرز الوسائل التي يتم من خاللها التعبير عن الرأي
وممارسة حقوق اإلنسان من خالل االعتماد على الوسائل اإللكترونية.
وهو العالم االفتراض ي التي يتم من خالله ممارسة عمليات نقل وتبادل المعلومات
والمعارف والثقافات املختلفة ،وهو املجال الذي يتم في إطاره فرض عملية المتابعة والمر اقبة
اإللكترونية(.)390
هذا ويعود أصل مصطلح الفضاء اإللكتروني إلى الكاتب وليام جيبسون الذي طرحه في
الثمانينيات من القرن العشرين؛ حيث يعرفه بأنه" :مجموعة من األدوات التي تقوم في األساس
على مجال الحاسب اآللي ،عن طريق ربط الشبكات المتصلة ،وفي ضوء تنظيم البيانات
والمعلومات ،وهو األمر الذي تطور ً
كثيرا في العصر الحديث ،وأصبح هذا املجال اإللكتروني
بمثابة البيئة المتطورة التي تعتمد على وسائل التواصل الحديثة في عملية الربط ونقل البيانات
والمعلومات ودعم العالقات اإلنسانية بال حدود"(.)391
كما يعرف الفضاء اإللكتروني بأنه" :الفضاء الذي تدور فيه المعلومات والبيانات
والعالقات اإلنسانية دون حدود ،كما أن هذا الفضاء ال يمكن رؤيته ألنه غير مادي ،وهو كذلك
-390خالد محمد غازي :صحافة الخط الساخن ،وكالة الصحافة العربية للنشر والتوزيع ،القاهرة ،1217 ،ص .41
391
- Terry Daughtry: Freedom of Expression on the Internet, Gale Cengage Learning,
2010, P 33.
غير مرتبط بالمسافة أو الوقت ،فهو مجال افتراض ي من خالل التفاعل بين األفراد عن طريق
الشبكات اإللكترونية المتواصلة وتوظيف تطبيقات التواصل االجتماعي الحديثة"(.)392
وعليه يقوم الفضاء اإللكتروني على الحاسوب اآللي الذي يعرف بأنه" :جهاز لمعالجة
البيانات والمعلومات بعمليات حسابية ومنطقية بصفة آلية ودون تدخل بشري أثناء التشغيل،
ً
وعادة ما يعمل بالترقيم الثنائي .كما يعرف ً
أيضا بأنه" :جهازإلكتروني يقوم باستقبال البيانات
ً
وتخزينها ،ومـن ثـم إجراء مجموعة من العمليات الحسابية والمنطقية عليها وفقا لسلسلة من
التعليمـات والبـرامج املختزنة في ذاكرته ،ومن ثم إخراج نتائج المعالجة على وحدات اإلخراج
املختلفة" .ويتكون الحاسب اآللي من عدة مكونات هي :وحدات إدخال ،وحدات معالجة،
وحدات إخراج ،برامج تشغيل ،لغات برمجة ،البرامج المساعدة ،وبرامج التطبيقات .وتعد تلك
المكونات بمثابة وحدات مسئولة عن إدخال المعلومات والبيانات إلى الحاسب اآللي ،تمهي ًدا
لتنفيذ مهام أخرى عليها ،ومن هذه الوحدات لوحة المفاتيح المستخدمة إلدخال أوامر
منصوصة ،والماسح الضوئي إلدخال الصور والنماذج على هيئتها للحاسب اآللي ،والكاميرا،
والميكرفون إلدخال الصوت والمؤثرات الصوتية ،وغيرها من وحدات اإلدخال التي يكون هدفها
األساس ي هو إدخال البيانات للحاسب اآللي وتغذيته بالمعلومات(.)393
تشير المر اقبة اإللكترونية إلى" :العملية التي يتم من خاللها اعتماد نظم الرقابة أو
االشراف على استخدام الحاسب اآللي ،بهدف ممارسة العملية الرقابية وفق مجموعة من
األدوات اإللكترونية التي يتم اعدادها من أجل هذا الهدف ،من خالل الشكل الذي يوفرالوقت
والجهد والتكليفة ويساعد في عملية الوصول إلى النتائج المطلوبة"(.)394
-392صالح عبد الحميد ويمنى عاطف :اإلعالم والفضاء اإللكتروني ،دار أطلس للنشر واإلنتاج اإلعالمي ،القاهرة،
،1273ص .121
-393إيهاب أبو العزم :الرخصة الدولية لقيادة الحاسب اآللي ،مفاهيم تكنولوجيا المعلومات ،منشورات دار الحكمة،
طرابلس ،ليبيا ،1271 ،ص .17
-394شريف درويش اللبان :شبكة اإلنترنت في الوطن العربي بين حرية التعبير وميكانزمات الرقابة ،مجلة االتجاهات
الحديثة في المكتبات والمعلومات للنشر والتوزيع ،المجلد ،71العدد ،17القاهرة .1224 ،ص .11
كما تعرف عملية المر اقبة اإللكترونية بأنها" :العملية التي يتم من خاللها التركيز على
متابعة ما يدور عبر شبكة اإلنترنت على مستوى القرارات واألفكار والمعلومات ،ودراسة اآلراء
العامة واالتجاهات من خالل االعتماد على أدوات تكنولوجيا متخصصة"(.)395
والمر اقبة اإللكترونية هي ً
أيضا" :العملية التي يتم من خاللها دراسة المتغيرات الخاصة
عبرشبكة اإلنترنت ،ومتابعة الرأي العام من خالل األسلوب اإللكتروني عن بعد؛ وذلك في ضوء
االعتماد على مجموعة من البرامج الرقابية والتي تساعد في عملية تحقيق النتائج السريعة
والشاملة"(.)396
والمر اقبة اإللكترونية هي" :عملية التهيئة للمتطلبات التكنولوجية والبرمجيات في سبيل
معالجة البيانات المعلومات وشبكة الربط اإللكتروني وإدارة قواعد أنظمة المعلومات من أجل
األشراف والرقابة على ما يدورفي إطارشبكة اإلنترنت ويتم ذلك من خالل مجموعة من الوسائل
اإللكترونية والمتخصصين أي أن نظام المر اقبة اإللكترونية يتكون من البيئة التكنولوجية
وبرامج التخزين والنقل والقائمين على عملية المتابعة أو االشراف(.)397
هذا وتعرف المر اقبة اإللكترونية بأنها" :عملية التحكم في المعلومات ونشرها من خالل
شبكة اإلنترنت ،ويتم ذلك في ضوء المتابعة واالشراف على المو اقع اإللكترونية ،كما تدور
المر اقبة اإللكترونية حول فرض السيطرة على التطبيقات الخاصة بمو اقع التواصل ،في
سبيل التعرف على الرأي العام واالتجاهات من قبل الحكومات"(.)398
هذا وتختلف األسباب التي تقف وراء عملية المر اقبة اإللكترونية بين الحفاظ على األمن
واالستقرار من التهديدات الخارجية .ومن أشهر الدول التي تفوقت في مجال المر اقبة
اإللكترونية نجد كوريا الشمالية و إيران والسعودية واإلمارات وقطر ومصر ،هذا وقد نظر
البعض إلى أن المر اقبة اإللكترونية تعد من األفعال التي تخالف المبادئ الدولية الخاصة
-395وردة خالف :دور الرقابة اإللكترونية في مكافحة الفساد اإلداري ،المجلة الجزائرية للدراسات التاريخية والقانونية،
المجلد ،8العدد ،4المركز الجامعي ،الجزائر ،1211 ،ص .84
-396عادل عبد الصادق :الفضاء اإللكتروني والديمقراطية بين التحوالت والتحديات ،المركز العربي للنشر والتوزيع،
القاهرة ،1271 ،ص .71
-397محمد مصطفى رفعت :الرأي العام في الواقع االفتراضي وقوة التعبئة االفتراضية ،دار العربي للنشر والتوزيع،
القاهرة ،1271 ،ص .124
-398المرجع السابق نفسه :ص .172
بتطبيق حقوق اإلنسان فيما يتعلق بوسائل االتصال املختلفة ،كما أن عملية المر اقبة تمثل
ً
انتهاكا لحرية التعبير والرأي في املجال العام .ومن النواحي الهامة التي ينبغي اإلشارة إليها عند
تعريف المر اقبة اإللكترونية تلك المبادئ التي أقرتها وثيقة المبادئ الدولية لتطبيق حقوق
ً
اإلنسان فيما يتعلق بمر اقبة االتصاالت؛ حيث نجد أن هناك ثالثة عشرمبدئا يتعلق بمر اقبة
االتصاالت ،قد اتفق على تلك المبادئ الخبراء الدوليين في الخصوصية الرقمية والمنظمات
املختلفة على مستوى العالم ،مثل مؤسسة الحدود الرقمية ومؤسسة الحقوق الرقمية
األوروبية وقد تم ذلك في أكتوبر 1151في بروكسل ،هذا وقد تم االتفاق على اإلطار العام لتلك
المبادئ في ديسمبر ،1151ثم بعد ذلك بدأت صياغة المبادئ على يد خبراء الخصوصية ،وتم
عرضها في سبتمبر ،1151كما صدرت النسخة النهائية من تلك المبادئ في مايو 1151؛ حيث
تناولت كيفية إجراء الحكومة لعملية الرقابة اإللكترونية من خالل االعتماد على الوسائل
التكنولوجية الحديثة ،وفي ضوء تلك المبادئ يتم وضع اإلطارالحقوقي للحريات الرقمية(.)399
هذا وقد قامت مجموعات املجتمع المدني بالعمل على نشر تلك المبادئ على مستوى
التشريعات الوطنية المتعلقة بهذا الصدد ،وفي ضوء تلك الوثيقة فقد تم وضع مجموعة من
المبادئ التي ينبغي عدم معارضتها من قبل الحكومات أو المؤسسات فيما يتعلق بالرقابة على
ً
تشريعا االتصاالت .ومن بين تلك المبادئ ،نجد قانونية الرقابة؛ حيث ينبغي أن يكون هناك
ً
مؤهال أمام الجميع واضح ودقيق ،في سبيل حفظ الحقوق ،كما نجد ً
أيضا ضرورة تو افرعنصر
المشروعية؛ حيث ال يجوز فرض المر اقبة اإللكترونية إال من خالل الهيئات الحكومية
أيضا ،نجد عنصرالمتخصصة وفي سبيل تحقيق األهداف المشروعة ،ومن بين المبادئ ً
ً
أيضا مبدأ المالئمة؛ الضرورة في سبيل تحقيق هدف مشروع وعدم انتهاك حقوق اإلنسان ،و
حيث ينبغي أن تتناسب عملية المر اقبة اإللكترونية المسموح بها في القانون مع الهدف
المشروع الذي تما س المر اقبة من أجله ،كما ينبغي ً
أيضا أن تكون عملية المر اقبة ر
اإللكترونية لالتصاالت متو افقة مع حقوق اإلنسان ومبادئ الديمقراطية ،ويكون الهدف
األساس ي هو حفظ األمن القومي(.)400
399
- World trends in freedom of expression and media development special digital
focus, UNESCO, 2015.
-400جاسم يونس الحريري :مستقبل الحريات السياسية في دولة اإلمارات العربية المتحدة ،دار الجنان للنشر والتوزيع،
دبي ،اإلمارات العربية المتحدة ،1212 ،ص .777
تشيرحقوق اإلنسان إلى الحقوق التي يتمتع بها جميع البشروالتي ال تمنحها دولة معينة،
كما أنها حقوق تتسم بالعالمية يتساوى فيها الجميع دون تفرقة ،هذا وقد اعتمد اإلعالن
العالمي لحقوق اإلنسان الذي أقرته الجمعية العامة لألمم المتحدة سنة 5717أول وثيقة
قانونية تحدد حقوق اإلنسان األساسية التي يجب حمايتها على المستوى العالمي ،وقد أقرت
تلك الوثيقة مبادئ اتفاقيات ومعاهدات حقوق اإلنسان الحالية والمستقبلية ،وغير ذلك من
الصكوك القانونية والركائز األخرى .وفي هذا اإلطار يمكن اإلشارة إلى أن حقوق اإلنسان تمثل
حجراألساس الذي قام عليه القانون الدولي لحقوق اإلنسان ،والذي قررأن الجميع متساوون
في الحقوق؛ وذلك في ضوء ما جاء عن اإلعالنات واالتفاقيات والقرارات الدولية لحقوق
اإلنسان(.)401
وهنا يمكن اإلشارة إلى أن حقوق اإلنسان هي عبارة عن" :مجموعة المبادئ أو المعايير
التي تصف نموذج السلوك اإلنساني على اعتبار أن تلك الحقوق من أساسيات مبادئ
اإلنسانية ،كما أنها مالزمة للبشر بغض النظر عن أية فروق .كما تعتمد حقوق اإلنسان على
القوانين املحلية والدولية التي ينبغي أن تراعي احترام حقوق اإلنسان وتعترف بالكرامة البشرية
ومبادئ المساواة الثابتة بين البشر وهو األمر الذي يؤكد على ركائز الحرية والعدل وتحقيق
السالم.
وفي هذا السياق يتضح أنه ال يوجد تعريف واحد دقيق محدد لحقوق اإلنسان ،ولكن
تظهرالكثيرمن التعريفات على حسب اختالف الثقافات واملجتمعات المتباينة .وعلى الرغم من
ذلك إال أن هناك نوع من االتفاق على تعريف أساس ي لحقوق اإلنسان تناوله (رينيه كاسان) وهو
أبرزواضعي اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان؛ حيث نظرإلى هذا المفهوم على اعتبارأنه" :إحدى
الفروع الخاصة من الدراسات االجتماعية؛ حيث يقوم هذا الفرع بدراسة العالقات بين الناس
من خالل االستناد على الكرامة اإلنسانية والعمل على تحديد الحقوق"(.)402
كما عرف (كارل فاساك) حقوق اإلنسان بأنها" :ذلك العلم الذي يهم كل شخص والذي
يقوم على احترام القانون ،كما يشتمل هذا العلم على المبادئ األساسية لحفظ الكرامة
اإلنسانية في ضوء القوانين الوضعية الوطنية والدولية ،والتي ينبغي أن تنص على الحقوق
ً
وخاصة الحق في المساواة والذي يعد إحدى أساسيات املحافظة على النظام العام"(.)403
وقد عرف الفرنس ي (ماديو) حقوق اإلنسان بأنها" :علم دراسة الحقوق الشخصية على
المستوى الوطني والدولي؛ حيث يقوم هذا العلم على تأييد الكرامة اإلنسانية واملحافظة عليها
في ضوء مراعاة الحقوق التي يقررها النظام العام"(.)404
كما يمكن تعريف حقوق اإلنسان على اعتبار أنها" :مجموعة من المطالب والحقوق
واجبة الوفاء لكل البشرعلى قدم المساواة دون التميز"(.)405
وعلى المستوى القانوني فإن حقوق اإلنسان تمثل ذلك العلم الذي تكفله القوانين
واألنظمة الشرعية املختلفة؛ حيث تضع المبادئ األساسية له مع التأكيد على ضرورة اهتمام
الحكومات املختلفة بتنفيذ المبادئ األساسية التي يقوم عليها هذا العلم .وقد اهتمت منظمة
األمم المتحدة بحقوق اإلنسان من خالل التأكيد على ضرورة حفظ األمن والسالم الدوليين ،في
ضوء مراعاة كافة الحقوق اإلنسانية ،كما كان لمنظمة األمم المتحدة الدور البارز في الكشف
عن مجموعة االنتهاكات حول العالم بخصوص حقوق اإلنسان(.)406
ومن النواحي الهامة التي ينبغي اإلشارة إليها أن توصيات الجمعية العامة رقم 159لسنة
5717بشأن إصدار اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ،لم تكن كافية لضمان كافة الحقوق
اإلنسانية .وعليه نجد دور الجمعية العامة لألمم المتحدة سنة 5711في التأكيد على حقوق
اإلنسان من الناحية المدنية والسياسية ،وكذلك رعاية األحوال االجتماعية واالقتصادية،
وعليه تم رفع مشروع للجمعية العامة لألمم المتحدة نتج عنه صدور ميثاقين يعبران عن
الحقوق المدنية والسياسية؛ وذلك من خالل قرار الجمعية العامة رقم 1516وكان ذلك في
ديسمبر ،5766ومن أبرز نتائج هذين الميثاقين نجد التصديق على العهد الخاص بالحقوق
المدنية والسياسية والتي أقرت حرية الفكر والضمير والعقيدة الدينية ،وكذلك حرية الرأي
والتعبير ،والحق في التجمع ،وحرية المشاركة في الحياة العامة والسياسية(.)407
ثانيا :مظاهرالتأثير
ال شك أن الفضاء اإللكتروني أصبح مجاال خصبا النتهاك حقوق اإلنسان وباتت
ا لمنصات الرقمية ليست غير حصينة أمام المر اقبة واعتراض االتصاالت وجمع البيانات
ً
فحسب ،بل يمكن في الحقيقة أن تيسر هذه الممارسات ،وتعرض بذلك مجموعة من حقوق
اإلنسان للخطر .والتأثير الخطير بشكل خاص على الحق في الخصوصية ،فالحق في حرية الرأي
والتعبير ،والحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات ،والحق في الحياة العائلية ،والحق في
ً
الصحة ،قد تتعرض هي أيضا للخطر.408
وإذا كانت التكنولوجيا الرقمية تمنح في الو اقع العديد من الفوائد واإليجابات التي ال
ُ
يمكن إنكارها .فقيمتها بالنسبة إلى حقوق اإلنسان والتنمية ال تقدر بثمن .فهي تمكننا من
التواصل والترابط مع الناس في جميع أنحاء العالم بشكل غير مسبوق ،ومن التعبئة واإلعالم
والتحقيق ،ومن استخدام االتصاالت المشفرة وصور األقمار الصناعية وتدفق البيانات من
ً
أجل الدفاع مباشرة عن حقوق اإلنسان وتعزيزها .ويمكننا حتى أن نستخدم الذكاء االصطناعي
كي نتوقع انتهاكات حقوق اإلنسان الممكنة ونتصدى لها .لكن كل ذلك ال ينسينا جانبها المظلم.
وال يمكننا أن نعبرعن هذا الجانب المظلم إال بأشد العبارات ،فالثورة الرقمية هي قضية عالمية
أساسية من قضايا حقوق اإلنسان .وفوائدها الواضحة ال تلغي ً
أبدا مخاطرها الجلية التي ال
خاضع ْين
َ لبس فيها .كما ال يمكننا أن نقبل بأن يكون الفضاء اإللكتروني والذكاء االصطناعي غير
متاحين لحقوق اإلنسان .فنحن نتمتع بنفس الحقوق في العالم لإلدارة واإلشراف أو غير َ
-407شفيق السامرائي :حقوق اإلنسان في المواثيق واالتفاقيات الدولية ،دار المعتز للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن،
،1274ص .11
408
https://www.ohchr.org/ar/stories/2014/11/mass-surveillance-exceptional-measure-or-dangerous-
habit
االفتراض ي والعالم الو اقعي .وهذا ما أكدت عليه الجمعية العامة لألمم المتحدة ومجلس
حقوق اإلنسان.409
واليوم ،تتعرض حرية اإلنترنت للخطربشكل متزايد من خالل أدوات وتكتيكات ما يمكن
تسميته باالستبداد الرقمي التي انتشرت بسرعة في جميع أنحاء العالم .لقد استغلت األنظمة
القمعية ،وشاغلو المناصب الذين لديهم طموحات استبدادية ،وعناصر حزبية عديمة
الضمير ،المساحات غير المنظمة لمنصات وسائل التواصل االجتماعي ،وحولوها إلى أدوات
للتشويه السياس ي والسيطرة املجتمعية.
لقد كانت وسائل التواصل في بعض األحيان بمثابة ساحة للنقاش المدني ،إال أنها تميل
اآلن بشكل خطير نحو التوجهات المعادية لليبرالية ،مما يعرض مستخدمي اإلنترنت إلى حملة
غيرمسبوقة تستهدف حرياتهم األساسية.
وبناء على ما سبق ،فإن مجموعة من الحكومات تنشر أدوات متقدمة لتحديد
المستخدمين ومر اقبتهم على نطاق هائل .ونتيجة لهذه التوجهات ،انخفضت حرية اإلنترنت في
العالم للعام التاسع على التوالي في .1157
لقد استخدم الزعماء السياسيون األفراد لتشكيل اآلراء عبر اإلنترنت بشكل خفي في 17
من أصل ،61وهو رقم جديد .ففي العديد من الدول ،تزامن ظهورالشعوبية واليمين المتطرف
مع نمو مجموعات الغوغائيين عبر اإلنترنت الذين هم عبارة عن مستخدمين أصليين وحسابات
احتيالية أو آلية ،حيث يصنعون جمهورا عريضا ذا اهتمامات متشابهة ،ويحملون رسائلهم
السياسية بمحتوى خاطئ أو مثيرلالشمئزاز ،وينسقون نشرها عبرمنصات متعددة.410
وعليه ،تعد عملية الحفاظ على الحريات العامة وحقوق اإلنسان إحدى الركائز
األساسية التي تقوم عليها الديمقراطية في العصر الحديث؛ وذلك في ضوء الحفاظ على حقوق
409
https://www.ohchr.org/ar/2019/10/human-rights-digital-age
410
https://institute.aljazeera.net/ar/ajr/article/901
الئحة المراجع:
سليمان مختارالنحوي :مشكلة المر اقبة اإللكترونية ،الجامعة اللبنانية ،كلية الحقوق
والعلوم السياسية واإلدارية ،مجلة الحقوق والعلوم السياسية ،العدد ،11لبنان.1157 ،
هيام صالح محمد بدر الدين :التكنولوجيا ودورها في التعبير عن الرأي وتأثيرها على
املجتمع ،املجلة القانونية ،املجلد ،51العدد ،1كلية الحقوق ،جامعة القاهرة ،فرع الخرطوم،
.1115
خالد محمد غازي :صحافة الخط الساخن ،وكالة الصحافة العربية للنشر والتوزيع،
القاهرة.1115 ،
صالح عبد الحميد ويمنى عاطف :اإلعالم والفضاء اإللكتروني ،دارأطلس للنشرواإلنتاج
اإلعالمي ،القاهرة.1151 ،
إيهاب أبوالعزم :الرخصة الدولية لقيادة الحاسب اآللي ،مفاهيم تكنولوجيا المعلومات،
منشورات دارالحكمة ،طرابلس ،ليبيا.1159 ،
شريف درويش اللبان :شبكة اإلنترنت في الوطن العربي بين حرية التعبير وميكانزمات
الرقابة ،مجلة االتجاهات الحديثة في المكتبات والمعلومات للنشروالتوزيع ،املجلد ،51العدد
،15القاهرة.1111 ،
-411كريمة قالعة :حرية الرأي والتعبير في اإلعالم اإللكتروني ما بين بوادر التشريع وضوابط الممارسة اإلعالمية،
مجلة الدراسات ،العدد ،1271 ،38ص .711
وردة خالف :دور الرقابة اإللكترونية في مكافحة الفساد اإلداري ،املجلة الجزائرية
للدراسات التاريخية والقانونية ،املجلد ،6العدد ،1المركزالجامعي ،الجزائر.1111 ،
عادل عبد الصادق :الفضاء اإللكتروني والديمقراطية بين التحوالت والتحديات ،المركز
العربي للنشروالتوزيع ،القاهرة.1151 ،
محمد مصطفى رفعت :الرأي العام في الو اقع االفتراض ي وقوة التعبئة االفتراضية ،دار
العربي للنشروالتوزيع ،القاهرة.1157 ،
جاسم يونس الحريري :مستقبل الحريات السياسية في دولة اإلمارات العربية المتحدة،
دارالجنان للنشروالتوزيع ،دبي ،اإلمارات العربية المتحدة.1111 ،
معتوق عبد الله الشريف :حقوق اإلنسان – مفاهيم وآليات ،دارمدارك للنشروالتوزيع،
دبي ،اإلمارات العربية المتحدة.1151 ،
عبد الجبارعبد الوهاب الجبوري :حقوق اإلنسان بين النصوص والنسيان ،دارالفارابي
للنشروالتوزيع ،بيروت ،لبنان.1151 ،
قاسم محمد كريم :الديموقراطية وحقوق اإلنسان المتضمنة في كتب التاريخ في بعض
الدول العربية ،ابن النفيس للنشروالتوزيع ،عمان ،األردن.1157 ،
شفيق السامرائي :حقوق اإلنسان في المواثيق واالتفاقيات الدولية ،دار المعتز للنشر
والتوزيع ،عمان ،األردن.1151 ،
ملخص:
تهدف هذه الدراسة للوقوف على حجم تزايد إستخدام التكنولوجيا واإلنترنيت ،بحيث
أصبحت التجارة التجارة اإللكترونية من أسرع الطرق إلنشاء وتوسيع األعمال التجارية حول
العالم ،وفي المملكة العربية السعودية تحديدا تزداد شعبية التجارة اإللكترونية يوما بعد يوم،
كما تزداد إهتمامات المستهلكين عبرخاصية اإلنترنيت باعتباره من أكثراألساليب سهولة وراحة،
إذ أنه في السنوات القليلة الماضية شهدت التجارة اإللكترونية في السعودية إرتفاعا ملحوظا
نتيجة البيئة االقتصادية المناسبة التي خلفتها المملكة العربية السعودية لما وفرته من
إمكانيات متطورة وسريعة تلبي الحاجيات العامة .الكلمات المفتاحية :التجارة ،التجارة
اإللكترونية ،التقلبات اإلقتصادية.
Abstract
This study aims to determine the size of the increasing use of technology
and the Internet, so that e-commerce has become one of the fastest ways to
establish and expand businesses around the world, and in the Kingdom of Saudi
Arabia in particular, the popularity of e-commerce is increasing day by day, and
the interests of consumers through the Internet feature are increasing as one of
the most easy and comfortable methods, as in the past few years e-commerce in
المقدمة:
وقامت الثورة في مجال التكنولوجيا واالتصاالت بالمساهمة في زيادة الت اربط بين
أسواق العالم ،مما أضفى على المعامالت التجارية صفة العالمية ،وظهر ما أصبح يعرف
بالتجارة االلكترونية ،حيث أظهرت شبكة اإلنترنت طرق جديدة لنقل المعلومات وتخزينها
وتبادل المنتجات والسلع والخدمات من خالل النقل اإللكتروني ،وأصبحت اإلنترنت من الركائز
األساسية التي تعتمد عليها التجارة سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الخارجي ،كما أنها
أصبحت وسيلة مهمة في إتمام اإلتفاقيات واألعمال والتسويق والتبادل التجاري ،لذلك إنتشر
مفهوم التجارة اإللكترونية على المستوى األكاديمي والعلمي413.
ً ً
وشهد العالم بالسنوات األخير اهتماما مت ازيدا بالتجارة االلكترونية كنتيجة حتمية
وضرورية للتطوارت والمستجدات الحديثة في مجال تكنولوجيا المعلومات واالتصاالت ،حيث
قامت وال ازلت تقوم شبكة االنترنت بدور محوري ومهم كوسيط الستكمال القيام بأعمال
ً ً
التجارة بشكلها الحديث والمعاصر ،حيث حدث تحوال كبي ار من الشكل التقليدي للتجارة إلى
ً ً
الشكل االلكتروني الحديث ،وأصبحت التجارة االلكترونية و اقعا ملموسا في ظل البيئة الحالية.
ً ً ً
وهذا ما جعل للتجارة االلكترونية دوارمركزيا لتطوير اإلنتاجية ،وأصبحت بالتالي محركا
لالقتصاد وتطوره ونموه ،فقد منحت إمكانيات كبيرة للدول املختلفة بتحسين أوضاعها ،وتنويع
412-حماد ،طارق عبدالعال ،التجارة اإللكترونية المفاهيم التجارب التحديات األبعاد التكنولوجية والمالية والتسويقي
والقانونية ،األسكندرية :الدار الجامعية ،8112 ،ص .41
413-رأفت رضوان ،عالم التجارة اإللكترونية ،القاهرة ،المنظمة العربية للتنمية اإلدارية6999 ،م ،ص.58
اقتصادها وصاد ارتها ،فاالنتشار الكبيرة للتقنية والتجارة االلكترونية يحقق لها المساهمة في
النمو االقتصادي بشكل كبير.
ويرى الباحث أن التجارة االلكترونية بارتباطها واعتمادها الكلي على التكنولوجيا ،والتي
باتت متغيرومتطورة بشكل يومي متسارع ،ومرتبطة بجميع مجاالت الحياة ،أصبحت هي األخرى
ً ً
مرتبطة كذلك بشكل رئيس على مستوى األفراد واملجتمعات والدول ،مما يجعلها العبا مهما في
حلقة االقتصاد.
أهمية البحث.
-تطرق الموضوع لجانب مهم ،يعد سمة هذا العصروهوالتكنولوجيا ،وكذلك االقتصاد
ً ً
الذي يعد عامال مهما بتطوراالقتصاد.
-تساعد إجابات عينة الدراسة في تحديد أهم السلبيات والصعوبات التي يواجهها
مستخدمي مو اقع التجارة اإللكترونية.
-تسهم إجابات عينة الدراسة في إيجاد العديد من المقترحات التي تعمل على تحسين
التجارة اإللكترونية ،مما يؤدي إلى زيادة التطوراالقتصادي.
-تسهم نتائج الدراسة في تزويد الجهات المعنية بو اقع التجارة اإللكترونية ودورها في
تطورإقتصاد المملكة العربية السعودية.
-تساعد نتائج الدراسة بوضع مجموعة من المقترحات لتحسين التجارة اإللكترونية من
وجهة نظرالمستخدمين ،األمرالذي يؤدي إلى تحسين التطوراالقتصادي.
-تتيح املجال أمام الباحثين في إعداد دراسات أخرى متعلقة بموضوع البحث ،لتجنب
عدم تكرارالدراسة.
-التعرف على مدى التأثير اإليجابي للتجارة االلكترونية على تطور إقتصاد المملكة
العربية السعودية.
-بيان و اقع الصعوبات التي تواجه التجارة االلكترونية في المملكة العربية السعودية.
-وضع مجموعة من المقترحات للتغلب على الصعوبات التي تواجه التجارة االلكترونية
في المملكة العربية السعودية.
-معرفة دور التجارة اإللكترونية في تطورإقتصاد المملكة العربية السعودية خالل الفترة
الممتدة مابين 1151و 1115؟
أنتجت التطوارت الحديثة في عالم التكنولوجيا طرق جديدة للممارسة التجارة عن طريق
شبكة اإلنترنت التي أثرت على العمليات التجارية وطريقة شراء السلع وطلب الخدمات ،لذلك
ً
أصبحت التجارة اإللكترونية أمرا ضروريا لجميع الدول إلحداث تطوارت إقتصادية داخل
الدولة ،فقد لعبت التجارة اإللكترونية دوار بارزا في إتمام العمليات التجارية بطرقها الحديثة
والمعاصرة ،فقد تبدل أسلوب التجارة التقليدية إلى أسلوب التجارة اإللكترونية الحديثة،
وسعت الدول إلى تعزيز دور التجارة اإللكترونية ألنها باتت و اقع ملموس يستخدمه الجميع،
ويتوقع خالل السنوات القادمة ستصبح التجارة اإللكترونية الطريقة المعتمدة في المعامالت
التجارية ،لذلك يجب على جميع الدول معرفة التحديات والصعوبات التي تواجه ممارسة
التجارة اإللكترونية في الدول ،األمرالذي يؤدي إلى االستفادة منها بالشكل األمثل لتسهيل القيام
بالعمليات التجارية ،مما يجعل المنشآت االقتصادية على مختلف أحجمها واختالف أنشطتها،
أن تعد العدة للدخول إلى عالم التجارة االلكترونية ،ومعرفة كيف يمكن تذليل صعوباتها من
أجل تحقيق فوائدهاً ،
وبناء على ما سبق ستحاول هذه الدراسة اإلجابة عن السؤال الرئيس ي
التالي:
-ما المقترحات للتغلب على الصعوبات التي تواجه التجارة اإللكترونية في المملكة
العربية السعودية؟
-هل هناك دور للتجارة اإللكترونية في تطور إقتصاد المملكة العربية السعودية خالل
الفترة الممتدة مابين 1151و 1115؟
414-أوذينة ،زكريا ،النمو االقتصادي في تكنولوجيا المعلومات ،رسالة ماجستير غير منشورة ،8161،قسم العلوم
االقتصادية ،كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير ،جامعة محمد بوضياف ،الجزائر ،ص .29
ونظرا االقتصادية415، ومعالجتها وتبادلها بين عدة جهات لها عالقة بالجوانب التجارية أو
للتطوارت السريعة والمدهشة التي ارفقت إستخدام التجارة اإللكترونية من خالل الشركات
العالمية املختلفة ،فقد أستدعى ذلك من الشركات األخرى الدخول إلى التجارة اإللكترونية
عن طريق إعداد الدراسات الالزمة للتعرف على آلية الوصول إلى عالم التجارة اإللكترونية،
وذلك لكي تستطيع هذه الشركات مواكبة التطوارت والسير في طريقها لكي تتمكن من تحقيق
فوائد عديدة416. أهدافها إقتداء بالشركات التي تستخدم التجارة اإللكترونية وحققت
وعليه فسنتطرق لدراسة لمفهوما هذه التجارة اإللكترونية وخصائصها (أوال) ،والوقف
على أنواعها وأهدافها بالمملكة العربية السعودية (ثانيا) ،ومنافعها (ثالثا).
كما تعرف أيضا بأنها مجموع عمليات البيع والشراء التي تتم عبر االنترنت ،وتشمل هذه
التجارة تبادل المعلومات وصفقات السلع االستهالكية والتجهيزات وخدمات المعلومات
المالية والقانونية ،وتستعمل هذه التجارة وسائل مختلفة إلتمام الصفقات ،مثل الفاكس
والبريد االلكتروني والهاتف ،واالنترنت بشكل عام417.
أما المنظمة العالمية للتجارة فتعرفها بأنها مجموعة متكاملة من عمليات إنتاج وتوزيع
وترويج وبيع المنتجات من خالل شبكات االتصاالت الشراء والبيع للمعلومات أو السلع أو
ً
الخدمات عن طريق استعمال شبكات الكمبيوتر حاليا ومستقبال وباستخدام أي عدد من
الشبكات الضخمة التي تشكل االنترنت.
415-رمضان ،مدحت ،الحماية الجنائية للتجارة اإللكترونية – دراسة مقارنة ،القاهرة :دار النهظة العربية،
،8116ص .61
عبد الخالق ،السيد ،التجارة اإللكترونية والعولمة ،القاهرة :المنظمة العربية لمتنمية اإلدارية ،8111 ،ص 416-
.21
417-البدور ،زيدان ،واقع التجارة االلكترونية في الدول العربية دراسة حالة :الجزائر -مصر ،رسالة ماجستير
غير منشورة ،8162 ،جامعة محمد خيضر ،الجزائر.28 ،
إن هذا يعني أن التجارة اإللكترونية تتضمن جميع العمليات األساسية المساهمة في
بيع منتج ً الختالف األدوات استهالكي أو خدمي أو فكري ،ولكن هذه العمليات املختلفة تأخذ
ً
شكال جديدا المساعدة على تنفيذها وهي األدوات المعلوماتية اإللكترونية.
تتميز التجارة اإللكترونية بتخطيها الحدود الجغر افية والمكانية ،حيث أتاح اإلنترنت
العديد من الوسائل اإللكترونية إلقامة األنشطة التجارية.
فأتحت التجارة اإللكترونية في تقديم الخدمات من خالل المو اقع اإللكترونية عن طريق
اإلنترنت كاألقراص الدمجة والموسيقى و أفالم الفيديو التي تتضمن دروس وب ارمج حاسوب
ومعلومات.
تمر الصفقات التجارية بم ارحل عديدة كالتفاوض والتعاقد والدفع ،لذلك ساعدت
المو اقع التجارية مستخدميها على إجراء الم ارحل و إتمام الصفقات دون إستخدام األوارق
والمستندات.
أتاح اإلنترنت لألشخاص بأن يقيموا معامالت تجارية دون معرفتهم لبعضهم.
418-بومايله ،سعيد؛ وبوباكور ،فارس ،أثر التكنولوجيا الحديثة لإلعالم واالتصال في المؤسسة االقتصادية،
8168جامعة أبي بكر بلقايد ،الجزائر ،ص.11
تتغير أنشطة التجارة اإللكترونية بشكل سريع ،وذلك إلرتباطها بوسائل اإلتصال
اإللكتروني التي تتعرض إلى تغيرات تكنولوجية سريعة ،مما يؤدي إلى تغييرقوانين وترتيبات ونظم
التجارة اإللكترونية.
عندما تفكر في إنشاء شركة أو محل تجاري على أرض الو اقع ،فسيتحتم عليك توفير
العديد من رؤوس األموال واألصول التي ستتطلب لتجهيزها كثير من األشياء قبل البدء بشكل
فعلي ،وذلك مثل :رسوم اإليجار ،الديكوروالتجهيز ،المعدات باإلضافة إلي رواتب العاملين.
ً ً
أما إذا أعدت النظرفي األمر ،وقررت في إنشاء متجرا إلكترونيا لمنتجاتك ،أو الخدمة التي
ً
تقدمها أوال ،فستجد إن تكلفة المشروع التي قد أعددتها لمشروعك سوف تقل إلي النصف
ً
تقريبا ،فـ تكلفة انشاء متجر إلكتروني يعد أقل في التكلفة من إنشاء شركة تجارية تقليدية على
أرض الو اقع.419
بمعنى الوصول الفعال للعمالء بغض النظرعن الزمان والمكان ،ومن ثم يسهل التعامل
ً
مع العديد من الشركات سواء املحلية أو العالمية ،و أيضا العمالء بكل سهولة ويسر ،وفي أي
وقت وأي مكان.
ميزة تنوع المنتجات420 .7
من أهم خصائص التجارة اإللكترونية التي تميزها ،هي كونها صرح تجاري كبير ومفتوح،
ُ
فهناك العديد من املجاالت والشركات التي تقدم مختلف المنتجات والسلع ،كما تمكنك من
419
- Moradi, M. A., & kabryaee, M. (n.d.). Impact of Information Communication
Technology on Economiv Growth in Selected Islamic Contries. Retrieved Octobre 31,
2017, from econpapers.repec.org, p25.
420-الحبيب ،طه ،أثر تكنولوجيا المعلومات واإلتصاالت على النمو االقتصادي في الدول النامية دراسة قياسية
خالل الفترة ،2015-2005مجلة البحوث االقتصادية والمالية ،8162 ،ص.86
التواصل معها بشكل يسير وبسيط .فالتنوع الرائع للمنتجات والخدمات المتاحة على شبكة
اإلنترنت؛ تسمح لك بالمقارنة والتدقيق لالختيارمن العروض ما يناسبك وما يناسب شركتك.
.7زيادة األرباح
.51توفيرالجهود والوقت
تعمل التجارة اإللكترونية على توفير الكثير من الوقت والجهد المبذول ،فأنت لست
بحاجة للسفرإلى الخارج أو التحرك من مكانك حتى تتمكن من إتمام صفقة ما أو شراء خدمة أو
ُ
منتج معين .فبنقرة ذر واحدة تستطيع أن تشتري أو حتى تبيع ما تريده عن طريق بطاقات
ُ
االئتمان ،أو بواسطة وسائل الدفع اإللكتروني املختلفة التي تتيحها البلد الخاصة بك.
كل هذه الخصائص المميزة تعود عليك وعلى منتجاتك باإليجاب من خالل :زيادة أرباح
الشركة ،زيادة الوعي ومعرفة العالمة التجارية الخاصة بك ،سهولة جذب عمالء جدد من
مختلف أنحاء العالم.
421-بومايله ،سعيد؛ وبوباكور ،فارس ،أثر التكنولوجيا الحديثة لإلعالم واالتصال في المؤسسة االقتصادية،
8168جامعة أبي بكر بلقايد ،الجزائر ،ص.66
من مستهلك إلى مستهلك (C2C):أشبه بالنموذج األول إلى حد كبير ،لكن تكون التعامالت
فيه بين المستهلكين وبعضهم .تقدم معظم المتاجراإللكترونية الكبرى إمكانية فعل ذلك
اآلن ،فيمكن ألي أحد االشتراك بحساب بائع وعرض المنتجات التي يريد بيعها على
حسابه بالمتجراإللكتروني .
من مستهلك إلى شركة ُ (C2B):يعد أحد النماذج التقليدية التي يقوم المستهلك فيها عادة
بتقديم خدمة إلى شركة ما .على سبيل المثال :عندما تقوم شركتك بشراء إحدى خدمات
تصميم الشعار اإللكتروني من على موقع خمسات ،يكون حينها النموذج المطابق لذلك
هو).(C2B
ً
أما بالنسبة لتصنيف شركات التجارة اإللكترونية وفقا للمعروض من المنتجات
والخدمات ،فيمكن تقسيم أنواعها كاآلتي:
شركات بيع البضائع :النوع األشهرللمتاجراإللكترونية ،إذ تعرض البضائع مثل المالبس
ُ
واألثاث واألطعمة .أي تعتمد على بيع السلع المادية التي ترسل إلى المستهلك بمجرد
الشراء ،ومن أشهرأمثلتها متجرأمازون .
شركات تقديم الخدمات :هي التي تقوم ببيع الخدمات التي ترغب بها عبر اإلنترنت .أبرز
ُ
األمثلة على ذلك نموذج الـ SaaSلألعمال إذ تباع فيه البرمجيات في صورة خدمات لها
سنويا أو ً
شهريا . ً اشتراك وخطط للدفع إما
شركات المنتجات الرقمية :تختلف المنتجات الرقمية عن السلع المادية ،إذ يمكن أن
تتمثل في كتاب إلكتروني أو في برنامج للحاسوب أو في دورة تدريبية .على سبيل المثال:
لقد اتجه البعض من األفراد للعمل في التجارة اإللكتروني ،كما أتجه البعض األخر
لالعتماد عليها في شراء العديد من السلع والخدمات ،وذلك قد ساهم في ازدياد أهمية التجارة
اإللكترونية ،وتوسع مجالتها ،والتي تهدف إلى422:
ولعل أهم اهداف التجارة االلكترونية هي العمل طوال اليوم وعلى مدار الساعة ،ويعد
ذلك من أهم األهداف التي يحرص الشخص صاحب العمل التجاري على تحقيقها؛ فالتجارة
اإللكترونية ال ترتبط بمواعيد للعمل ،فهي تمكن المشتري من الوصول إلى ما يريده في أي وقت
وفي أي مكان.
تهدف التجارة اإللكترونية إلى الوصول للمستهلك أو المشتري بغض النظر عن مكانه
المتواجد فيه بعد اتمام عملية تصميم متجر الكتروني احترافي؛ إذ يمكن إتمام عملية البيع
والشراء وكل طرف من أطر افها (البائع والمشتري) في دولة مختلفة عن األخرى بل وفي قارة
مختلفة عن األخرى.
ً ً
والوصول للعمالء في أي مكان قد ساهم كثيرا في توسيع نطاق العمل ،خاصة للمتاجر
اإللكترونية التي تعتمد على الخدمات ،أوالتي تتعاقد مع شركات كبرى لتوصيل منتجاتها للعمالء
في الدول املختلفة.
422-جبريل ،سعيد صالح ،واقع التجارة اإللكترونية في فلسطين والتحديات المستقبلية ،رسالة ماجستير ،غزة:
جامعة األزهر ،كلية االقتصاد والعلوم اإلدارية ،8168 ،ص.25
423-ديمش ،سمية ،التجارة اإللكترونية حقيقتها وواقعها في الجزائر ،رسالة ماجستير ،جامعة منتوري -قسنطينة،
كلية العلوم االقتصادية وعلوم التيسير ،8166 ،ص .668
424-الشيخ ،فؤاد ،عواد ،محمد سلمان ”،المعوقات المدركة لتبني تطبيقات التجارة اإللكترونية في الشركات
األردنية” ،المجلة األردنية في إدارة األعمال ،المجلد ،6العدد ،6مطبعة الجامعة األردنية ،األردن ،8114 ،ص
.92
من الواضح وجود عدة فروق بين التجارة اإللكترونية والتجارة التقليدية ،فكل منهم
ً
يتخذ شكال مختلف ألداء نفس المهمة .بالنسبة للتجارة التقليدية على العميل أن يذهب إلى
املحل التجاري بنفسه ويدفع مقابل السلع التي يختارها .أما في التجارة اإللكترونية ،فبنقرة
واحدة يمكنك شراء المنتجات بغض النظرعن مكان تواجدها وتواجدك.
ولكل نوع منهم مميزات ومنافع مهمة ،لكن مع هذا ُتحقق التجارة اإللكترونية اآلن ً
نموا
غير مسبوق في نسب المبيعات السنوية .كما أنها تالحق ركب التطور وتواكب التغيرات
التكنولوجية؛ في محاولة منها لتوفير تجربة متكاملة للمستهلكين بأبسط الطرق ،وتتمثل أهم
مميزاتها في اآلتي426:
425-أبازيد ،ثناء ،واقع التجارة اإللكترونية والتحديات التي تواجهها عربيا ً ومحلياً ،مجلة جامعة تشرين ،سلسلة
العلوم االقتصادية والقانونية ،المجلد ( )86العدد ( ،8114 )5ص.46
426
- Salahuddin, M., & Gow, J. (2015). The effect of the Internet on economic growth in
SouthernAfrican contries: Acombinaton of panel and time series approachescou.
Retrieved octobre 30, 2017, p69.
سرعة الشراء
تتيح التجارة اإللكترونية للمستهلكين التسوق من أي مكان وفي أي وقت ،فليس من
الضروري أن يذهب المستهلك إلى مدينة أخرى لشراء منتجات معينة ،فقط ببضع نقرات يمكنه
الحصول على المنتجات التي يريدها دون عناء!
إضافة إلى توفرعدد كبير من المنتجات المتاحة أمام ُ
المشترين .ففي السابق ،لم يكن
ً
محليا ،لكن اآلن بإمكانك المشتري اقتناء وشراء ُمنتجات إال المنتجات المصنوعة
بمقدور ُ
الشراء من كل دول العالم ،وبذلك سيكون أمام المشتري مجموعة ال بأس بها من المنتجات.
َّ
التسوق سهولة
من مميزات التجارة اإللكترونية تو افرها على مدار الساعة ،على عكس المتاجر
ً
محدودا التقليدية التي تلتزم بساعات تشغيل معينة .عالوة على ذلك ،لم يعد المستهلك
بالمتاجر املحيطة به فقط ،بل يمكنه شراء أي منتج يريده حتى لو كان في الجهة األخرى من
العالم.
ال يستدعي إنشاء متجر إلكتروني قيام صاحب المشروع بتأجير مكان لعرض المنتجات
أوإنفاق مبالغ طائلة على تجهيزه ،بل يمكنه إطالق متجره اإللكتروني بأقل تكاليف في أسرع وقت،
ً
نظرا النخفاض متطلباته المالية مقارنة بالمتاجر التقليدية .كما أن عمليات التوسع ال تحتاج
إلى إنشاء فروع جديدة بأماكن أخرى ،بل أصبح باإلمكان قيام الشركات بعمل قفزات توسعية
لمناطق جغر افية بعيدة 427.
427-أوذينة ،زكريا ،النمو االقتصادي في تكنولوجيا المعلومات ،رسالة ماجستير غير منشورة ،8161،قسم العلوم
االقتصادية ،كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير ،جامعة محمد بوضياف ،الجزائر ،ص .59
فال ترتبط المتاجر اإللكترونية بموقع جغرافي واحد ،بل يمكن زيارتها من أي مكان
بالعالم مما يعني سهولة االنتشار الرقمي .فبفضل انتشار التسويق اإللكتروني و انتشار وسائل
التواصل اإلجتماعي أصبح توسيع الحصة السوقية أكثر ً
يسرا .وهوما يجعل التجارة اإللكترونية
موفرة في تكاليف اإلنشاء والتشغيل والتوسع .
من الواضح أن التجارة اإللكترونية تتفوق على التجارة التقليدية بالعديد من النواحي،
ً
بداية من توفيرالوقت والجهد والتكاليف ،وصوال إلى تقديم مميزات أخرى ،مثل :إتاحة كوبونات
الخصم وتوفير العروض بشكل أفضل ،وال ننس ى استجابة مشاريع التجارة اإللكترونية إلى
آليات التسويق الداخلي ) (inbound marketingالتي تمثل أغلب االتجاهات الحديثة
للمسوقين.
كذلك من بين المنافع نجد428:
عدم اللجوء إلى تخزين المنتجات بكميات كبيرة مما يؤدي إلى تقليل تكلفة اإلحتفاظ
به ،كما قللت مخاطرالتخزين التي تتعرض لها السلع.
428-حماد ،طارق عبدالعال ،التجارة اإللكترونية المفاهيم التجارب التحديات األبعاد التكنولوجية والمالية والتسويقي
والقانونية ،األسكندرية :الدار الجامعية ،8112 ،ص.48
املحور الثاني :آثار التجارة اإللكترونية على إقتصاد المملكة العربية السعودية والدول
العربية
تعرف العالقات االقتصادية المتبادلة بين الدول نموا مطردا سواء أكان ذلك بسبب
الكميات الهائلة من السلع والخدمات التي يتم تبادلها بين الدول من خالل التجارة عامة ،أو
بسبب األصول المالية المتداولة بين الدول ،أم بسبب النشاط المتعاظم للشركات الدولية
متعددة الجنسيات ،ومما ال شك فلقد كان للثورة التكنولوجية األثر الكبير على مجال إقتصاد
الدول.
ففقي تقرير قد أصدرته غرفة الرياض ممثلة في مرصد قطاع دعم األعمال بخصوص
المكانة االقتصادية العالمية للمملكة ،بهدف رصد وتحليل أهم المؤشرات االقتصادية الدولية
للمملكة العربية السعودية ،بحيث سلطت على أهم اإلنجازات العالمية للمملكة عبر تحقيق
مراتب متقدمة ملختلف النواحي االقتصادية.
429-ديمش ،سمية ،التجارة اإللكترونية حقيقتها وواقعها في الجزائر ،رسالة ماجستير ،جامعة منتوري -قسنطينة،
كلية العلوم االقتصادية وعلوم التيسير ،8166 ،ص.25
430-الشيخ ،فؤاد ،عواد ،محمد سلمان ”،المعوقات المدركة لتبني تطبيقات التجارة اإللكترونية في الشركات
األردنية” ،المجلة األردنية في إدارة األعمال ،المجلد ،6العدد ،6مطبعة الجامعة األردنية ،األردن،8114 ،
ص.54
كما عرفه ريمون باربأنه اإلرتفاع الذي يحصل في الثروات المتاحة والسكان ،أما فرنسوا
بيروا عرفه :بأنه اإلرتفاع الذي يحصل خالل فت ارت زمنية طويلة مع وجود مؤشر إيجابي في
دولة ما.
ومنه فالتطور التقني له إنعكاس كبير يشمل العديد من الميادين لعل أبرزه ميدان
التجارة اإللكترونية بإعتباره مجال حيوي خاصة في ظل حقبة الثورة التكنولوجية التي شكلت
نهضة ُبركانية في دولة المملكة العربية السعودية.
في دراسة لمرصد قطاع دعم األعمال بغرفة الرياض عن التجارة اإللكترونية في
السعودية ،فإن المملكة العربية السعودية شهدت تطورا كبيرا في التجارة اإللكترونية للحاق
بعالم التقنية في قطاع التجارية اإللكترونية لتصل نسبة المتعاملين في التسوق والدفع
اإللكتروني إلى نحو % 99من السكان ،إذا وحلت الســعودية في المركز الـ 55بين دول مجموعة
العشــرين والـ 17عالميا على مؤشــرالتجــارة اإللكترونية لعــام .1111
وأصبحـت السـعودية أحـد أكبـر األسواق العالميـة في التجارة اإللكترونية خالل عـام
،1157وتوسـعت بشـكل كبيـرإلـى أن وصـل حجـم التعامالت فـي التجـارة اإللكترونية إلى نحـو 1.7
مليـاردوالرخـالل عـام 1111بسـبب جائحـة كورونا ،ويتوقع أن تصل إيرادات التجارة اإللكترونية
في السعودية في العام 1111إلى 9.11مليار دوالر بمعدل نمو سنوي 431.%6.7
431-الحبيب ،طه ،أثر تكنولوجيا المعلومات واإلتصاالت على النمو االقتصادي في الدول النامية دراسة قياسية
خالل الفترة ،2015-2005مجلة البحوث االقتصادية والمالية ،8162 ،ص.11
وحدد الدراسة إلى أن عـدد المتاجـر اإللكترونية ارتفـع فـي المملكـة لتبلــغ 17.67ألف
متجــرومنصــة للتجــارة اإللكترونية فــي نهايــة النصــف األول مــن العــام ،1111بزيــادة قدرهــا 1195
منصــة إلكترونــية مقارنــة بالعــام الذي سبقه والتــي بلــغت نســبة زيادتهـا فيه نحـو %51فقـط وفقا
لبيانات وزارة التجارة ،وأضافت أنه من المتوقع أن يصل عــدد المتاجــروالمنصــات اإللكترونية
خالل العام الجاري إلى نحو 16.11ألف متجرإلكتروني حيث جاءت بأعلى معدل زيادة بلغت نحو
% 19مقارنـة بالعـام السـابق نتيجـة اسـتمرارجائحـة كورونا.
ويرجع هذا التطور بناءا على توصيات تم األخذ بها مسبقا وهما كالتالي432:
-أهمية التنسيق وتكامل الجهود بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص الستكمال
مسيرة اإلنجازات والتقدم للمؤش ـرات االقتصادية والمقاييس العالمية ومعالجة
التحديات والمعوقات اإلدارية والمالية والتنظيمية التي تحول دون ذلك.
-ضــرورة تدعيــم وزيــادة نســب مشــاركة القطاع الخاص فــي تنفيذ مبــادرات
واســتراتيجيات برامج رؤية المملكة ،1111ال سيما في المرحلة الحالية .
-أهميــة تفعيــل جميــع أنــواع الرقابة لمشــاريع وبرامــج الرؤيــة 1111م ،وتنفيــذ اللوائــح
واألنظمة من الجهات ذات العالقة املخولة بمتابعة جدولة تنفيذ المشاريع وفق األوقات
الزمنية املحددة والجودة المطلوبة.
-أهميــة إعــداد المزيد مــن التقاريروالدراسات الدورية لمتابعة رصد اإلنجازات لمشــاريع
الرؤية 1111بشكل دوري وربط اإلنجاز باملخططات المســتقبلية للمنشآت متناهية
الصغر والصغيرة والمتوسـطة والكبيرة وتذليل التحديات والمعوقات ،وتقديم الحلول
المناسبة.
432
- Moradi, M. A., & kabryaee, M. (n.d.). Impact of Information Communication
Technology on Economiv Growth in Selected Islamic Contries. Retrieved Octobre 31,
2017, from econpapers.repec.org, p19.
من المنتظر أن تفتح التجارة اإللكترونية آفاقا متعددة ومجاالت كثيرة للدول العربية
ومن أهمها املجال االقتصادي 433،ومن المأمول أن يكون للتجارة اإللكترونية آثار متعددة
ومرغوبة على جوانب اقتصادية متعددة .والستخدام التجارة اإللكترونية أثر كبيرفي طرق عمل
الشركات ولها تأثيرواضح في أسعارالبضائع والمنتجات .ويمكن تلخيص تأثيراتها بالنقاط اآلتية:
.5تعمل التجارة اإللكترونية على تحسين الكفاءة والقدرة التنافسية بين المنشآت بفعل
دخول المعرفة والمعلومات كأصل مهم ورئيس من أصول رأس المال كما تتاح الفرصة لزيادة
حجم عمليات البيع من خالل االستفادة من المقدرة على التسوق عبر اإلنترنت طوال ساعات
النهار والليل دون أن تزيد التجارة اإللكترونية من الضغوط التنافسية على المنشآت ،وذلك
بفعل تخفيض تكلفة المنتجات ،ألن تطبيق هذا النوع من التجارة سيؤدي إلى زيادة كمية هذه
المنتجات وسعي المنشآت إلى ترويجها في مناطق جديدة لم تكن تتوجه إليها من قبل .وإلى تقديم
أفضل عروض البيع لجذب العمالء ،وتقديم تسهيالت كثيرة للمستهلك ،مما يؤدي إلى زيادة
النفقات العامة األخرى ،وبذلك تفقد المنشآت األقل كفاءة قدرتها على المنافسة.
.1تعمل التجارة اإللكترونية على زيادة اإلنتاجية والنمواالقتصادي للدول العربية بسبب
الكفاءة في عرض السلع والخدمات وتقليل القيود للدخول إلى األسواق والمقدرة العالية
بالحصول على المعلومات الالزمة ،باإلضافة إلى تخفيض كلفة المواد وتسريع الحصول عليها
وتخفيض تكاليف اإلنتاج" الكفاءة باستخدام برمجيات التسييرالذاتي.
ويالحظ أن أثرها على المستوى الرأس ي بالنسبة للمشروعات ذو أهمية كبيرة .فمن
المعروف أن كـل منتج هو عبارة عن توليفة من مجموعة من المواد والخدمات .فالكتاب الذي
نقرأه في المكتبة -على سبيل المثال -يحتوي على أفكار للمؤلف ،وأوراق طبع عليها ،وخدمات
التجميع والتغليف ،ثم تأتى عملية تسويق الكتاب ونقله إلى أماكن توزيعه .فكل هذه السلع
433-رمضان ،مدحت ،الحماية الجنائية للتجارة اإللكترونية – دراسة مقارنة ،القاهرة :دار النهظة العربية،
،8116ص.86
434-حماد ،طارق عبدالعال ،التجارة اإللكترونية المفاهيم التجارب التحديات األبعاد التكنولوجية والمالية والتسويقي
والقانونية ،األسكندرية :الدار الجامعية ،8112 ،ص.41
والخدمات المتعلقة بإنتاج الكتاب يمكن أن تتم كلها بواسطة مشروع واحد يتكفل بتداول هذا
المنتج بين المؤلف والقارئ وكل ذلك بفضل مشروعات متخصصة ،وهكذا يظهر أن التوسع
الرأس ي هـو درجـة مـن التكامل بين السلع والخدمات في نفس المشروع.
ويترتب علـي مـا سـبق أثر إيجابي للتجارة اإللكترونية يتمثل في انخفاض تكاليف
المبادالت ونقـل المعلوماتية ،وهكذا أصبحت تكنولوجيا المعلوماتية واالتصاالت شرطا
جوهريا في إتمام العمل في االقتصاد كذلك يالحظ أن من شأن عمل التجارة اإللكترونية أن
تجعل الصفقات تتم على نحو أسرع ،ومن شأن كل ذلك أن تزيد إنتاجية دوران رأس المال.
. 1إتاحة الفرصة أمام المنشآت الصغيرة والمتوسطة العربية للنفاذ إلى أسواق جديدة
لتصريف منتجاتها وكسراحتكارالمنشآت الدولية الكبيرة لهذه األسواق ،حيث لم تعد المنشآت
الصغيرة بحاجة إلى وسائط تقليدية للبيع ،ولم تعد بحاجة إلى االنتقال إلى البالد األخرى و إقامة
ً ً
وكاالت فيها ،ولكن أصبحت بحاجة إلى وسطاء المعلومات الذين يلعبون دورا مؤثرا في التجارة
اإللكترونية ،خاصة إذا علمنا أن أي منظمة مهما كان انتماؤها وطبيعة عملها تستطيع الدخول
إلى الشبكة وعرض ما تشاء من سلع وخدمات و أفكار دون أية قيود ،ألن المنافسة أصبحت
عالمية النطاق .كما أن االستثمار لفتح موقع تجارى على اإلنترنت سيكون أقل إذا ما قورن
باالستثمارالضروري الالزم لفتح محل تجاري بالطريقة التقليدية.
.1ستؤدي التجارة اإللكترونية بما تحمله من تكنولوجيا متطورة إلى تحسين طرق إدارة
الشركات لسالسل التزويد التي تربطها مع زبائنها ومورديها ،وإلى مزيد من تقسيمات العمل وتغيير
في أنماطه وأساليبه والتخلي عن بعض العناصر البشرية ،باإلضافة إلى االستغناء عن بعض
الوكالء والمتاجر سواء متاجر البيع بالجملة أو التجزئة ،مما سيكون لهذا كله أثر غير محمود
على زيادة معدالت البطالة حتى ولو كانت بطالة مؤقتة ممكن أن تزول على المدى الطويل.
.6تسهيل عملية التسوق الشخص ي بين الدول العربية ،والذي يتيح لشركة ما في دولة
عربية ما أن تسوق منتج لشخص معين أو مجموعة معينة من األشخاص لدولة عربية أخرى
وبطريقة أفضل من أي وسط إعالني .وقد ظهرت في اآلونة األخيرة أدوات متعددة ومتطورة في
مجال التجارة اإللكترونية ،ومن شأن هذه األدوات تسهيل المعامالت التجارية سواء أكان ذلك
على المستوى املحلي أم الدولي .وبفضل هذه األدوات المتطورة يسهل اتصال المشروعات
بعضها ببعض مقللة بذلك تكاليف النقل والتحويـل وغيرها .كما أن هذه األدوات المتطورة
تساعد كثيرا في عمل الحكومات السيما في تقدير الضرائب والرسوم الجمركية وغيرها من
الحقوق المستحقة للدولة.
ويجب أن تبذل في هذا املجال جهـودا متعددة على المستوى الدولي" وتغطى مجاالت
متعددة (كالجمارك ،التحويل اإللكتروني ،اإلجراءات اإلدارية ،المواصالت ،البنوك ووسـائـل
الـدفع ،التأمين والمعلومات التجارية) ،وكل ذلك في سبيل التوصل إلى قواعـد مـوحـدة تحكـم
مـثـل هـذه المسائل على المستوى الدولي435.
.9من أهم اآلثار التي يمكن أن تنجر عن تطبيق التجارة اإللكترونية في الدول العربية
إتاحة الفرصة لتوطيد العالقات االقتصادية بينها خاصة و أنه تجمعها العديد من الخصائص
(كالدين واللغة والثقافة والتجاور) التي تسهل وتسرع عمليات التبادل فيما بينها .فبفضل
اإلنترنت أصبحت الحدود والفواصل بين المنتج والمستهلك – في أغلب األحيان-غير موجودة
تقريبا.
.7تخفض التجارة اإللكترونية من مطرح الضريبة في مهن متعددة كالصر افة ومبيعات
الكتب.
باإلضافة إلى هذه التأثيرات المباشرة تحرص بعض املجتمعات على استخدام النشر
اإللكتروني 436في تسليط الضوء على تجاربها اإلنسانية واالجتماعية املختلفة ،رغم انهيار الكثير
من الحدود والمسافات بفعل ثورة المعلومات وتطورتكنولوجيا االتصاالت وهي تؤكد بذلك على
435-بومايله ،سعيد؛ وبوباكور ،فارس ،أثر التكنولوجيا الحديثة لإلعالم واالتصال في المؤسسة االقتصادية،
8168جامعة أبي بكر بلقايد ،الجزائر ،ص.25
436-الشيخ ،فؤاد ،عواد ،محمد سلمان ”،المعوقات المدركة لتبني تطبيقات التجارة اإللكترونية في الشركات
األردنية” ،المجلة األردنية في إدارة األعمال ،المجلد ،6العدد ،6مطبعة الجامعة األردنية ،األردن،8114 ،
ص.58
الجوانب اإلنسانية من هويتها الحضارية ،فالجانب اإلنساني من حياة كل مجتمع كان وسيبقى
عامال مهما في تعزيز الشعور باالنتماء لهذا املجتمع ،وحافزا للعمل والتضامن بين مختلف أبناء
املجتمع على اختالف شرائحهم االجتماعية واالقتصادية .فلماذا ال تستثمر ساحات النشر
اإللكترونية عبراإلنترنت بكل مزاياها في نشر تراثنا وثقافتنا العربية و إيصال تجاربنا اإلنسانية
إلى شعوب العالم؟ فقد فرضت اإلنترنت تحديا أساسيا ال يمكن إغفاله ،فليس لنا خيار إال أن
نجد مكانا في هذه الشبكة العالمية ،والتي أصبحت جزء أساسيا من الحياة السياسية
واالجتماعية والثقافية والعلمية .أنه حان الوقت لالهتمام بنشر الدين اإلسالمي كما فعل
التجارالمسلمون في بدية انتشاره وكذلك اللغة والثقافة العربية أكثرمن ذي قبل.
ولقد لعبت شبكة المعلومات العالمية اإلنترنت دورا مهما في السنوات األخيرة في فك
العزلة عن المثقف المعارض وعن الثقافة النقدية بصفة عامة .فإذا كان النظام المستبد
يحكم إغالق السبل أمام الكتابة المضادة ،فأن شبكة اإلنترنت ال تفتأ تفتح سبيال بعد سبيل.
وهذا األمرال يوفرفقط أمام المثقف فرصة التواصل في محيطه األدنى ،بل يوفرالفرصة أيضا
للتواصل مع العالم ،وفي هذه الفترة من المهم جدا أن يعني المثقف العربي بالصحافة
اإللكترونية وبالكتاب اإللكتروني والنشر اإللكتروني عبر اإلنترنت وان يقيم أو اثق الروابط مع
شتى المو اقع437.
يجب االهتمام بنشر الثقافة العربية عبر اإلنترنت وبذلك يمكننا تحصين الثقافة
العربية من مخاطر العولمة الجارفة وبالتالي يمكننا الحفاظ على الهوية العربية ونقل رسالتنا
إلى العالم كله عبر شبكة اإلنترنت إلثراء الثقافة العالمية .فإذا أخذنا بعين االعتبار أن معظم
مستخدمي اإلنترنت هم من األطفال والشباب وإذا نظرنا إلى مدى التغييرالذي أحدثته اإلنترنت
في أنماط الحياة وأساليب التعليم في القرن العشرين وما نشاء عنه من ظهور سلوكيات جديدة
بين األجيال الصغيرة بالذات سنكتشف أن غياب مو اقع عربية تحاكي أجيالنا وتتعامل معهم
بروح العصر سيؤدي إلى تهميش الدور التربوي والحضاري والتراثي الذي تلعبه ثقافتنا العربية،
وستجعلهم عرضة لالمتصاص وبالتالي سيبدأ اختفاء وضعف هويتنا العربية .علينا توظيف
التكنولوجيا الحديثة لخدمة الثقافة العربية واالهتمام بالنشر اإللكتروني عبر اإلنترنت التي
وصلت إلى العالم اجمع .مما ال شك فيه أنه أصبح من الممكن أالن أن مشكلة اللغة العربية
437-عبد الخالق ،السيد ،التجارة اإللكترونية والعولمة ،القاهرة :المنظمة العربية لمتنمية اإلدارية ،8111 ،ص.45
و إفتقار البرامج العربية ذات محركات البحث القوية القادرة على الحد وخاصة وان اللغة
اإلنكليزية هي اللغة المستخدمة في تبادل المعلومات على مستوى الشبكات العالمية.
خاتمة:
تعد فوائد و إيرادات التجارة اإللكترونية ضخمة جدا بشكل كان يصعب على العقل
تصورها ،ويعود السبب في ذلك إلى أن عمليات التجارة اإللكترونية تتم عبرشبكة االنترنيت التي
استطاعت إلغاء الحدود االقتصادية بين الدول بصفة عامة ،والمملكة العربية السعودية
بصفة خاصة ،لقد استطاعت الدول المتقدمة استغالل تقنية التجارة اإللكترونية بشكل مثالي
واخترقت أسواق العالم بشكل منقطع النظير ،وبدأت تحقق إيرادات ضخمة جدا ،ورغم
السلبيات الكثيرة المر افقة للتجارة اإللكترونية والمؤثرة بشكل كبير على النظام املحاسبي ،إال
أن شركات الدول المتقدمة تحاول وبشكل دؤوب تقليص تلك السلبيات بشتى الوسائل نظرا لما
تحققه التجارة اإللكترونية من عوائد ضخمة لها بشكل خاص ولدولها بشكل عام.
وبالرغم من وجود الكثيرمن الصعوبات لدى الدول العربية في سبيل اإلفادة من التجارة
اإللكترونية ،إال أن هناك أمل كبير في تخطي هذه العقبات واللحاق بركب الدول األخرى في هذا
املجال .ولكن لن يتحقق ذلك إال بوضع وتفعيل استراتيجيات بعيدة ومتوسطة المدى وعلى
المستويين القومي واإلقليمي لتطويرقطاع تقنية المعلومات والتجارة اإللكترونية.
إعطاء األولوية لقطاع العلوم وتقنية المعلومات في إعداد وصياغة برامج وخطط
التعليم.
تبني سياسة التثقيف التكنولوجي واستخدام تقنية المعلومات بين أفراد املجتمع،
وذلك من خالل برامج التدريب والتعليم في المؤسسات المهنية واإلدارية ،مع االهتمام
بنشر الوعي التقني في المؤسسات التعليمية واألكاديمية وتحديث مناهج التعليم بما
يتناسب والبيئة التكنولوجية.
توجيه وتخصيص االستثمارات املحلية وجذب رؤوس األموال األجنبية في مجال قطاع
تقنية المعلومات واالتصاالت.
دعم برامج التعاون فيما بين الدول العربية في مجال التكنولوجيا وتقنية المعلومات
واالستعانة بخبرات الدول األخرى في هذا املجال.
الئحة المراجع:
كتب: .5
ر أفت رضوان ،عالم التجارة اإللكترونية ،القاهرة ،المنظمة العربية للتنمية
اإلدارية5777 ،م.
عبد الخالق ،السيد ،التجارة اإللكترونية والعولمة ،القاهرة :المنظمة العربية
لمتنمية اإلدارية.1116 ،
البدور ،زيدان ،و اقع التجارة االلكترونية في الدول العربية دراسة حالة:
الجزائر -مصر ،رسالة ماجستيرغيرمنشورة ،1151 ،جامعة محمد خيضر ،الجزائر .
بومايله ،سعيد؛ وبوباكور ،فارس ،أثر التكنولوجيا الحديثة لإلعالم واالتصال
في المؤسسة االقتصادية 1151 ،جامعة أبي بكربلقايد ،الجزائر.
جبريل ،سعيد صالح ،و اقع التجارة اإللكترونية في فلسطين والتحديات
المستقبلية ،رسالة ماجستير ،غزة :جامعة األزهر ،كلية االقتصاد والعلوم اإلدارية.1151 ،
مقاالت: .1
الحبيب ،طه ،أثر تكنولوجيا المعلومات واإلتصاالت على النمو االقتصادي في
الدول النامية دراسة قياسية خالل الفترة ،2015-2005مجلة البحوث االقتصادية والمالية،
.1157
ً ً
أبازيد ،ثناء ،و اقع التجارة اإللكترونية والتحديات التي تواجهها عربيا ومحليا،
مجلة جامعة تشرين ،سلسلة العلوم االقتصادية والقانونية ،املجلد ( )19العدد (.1111 )1
الشيخ ،فؤاد ،عواد ،محمد سلمان ”،المعوقات المدركة لتبني تطبيقات
التجارة اإللكترونية في الشركات األردنية” ،املجلة األردنية في إدارة األعمال ،املجلد ،5العدد،5
مطبعة الجامعة األردنية ،األردن.1111 ،
.1المراجع األجنبية.
لقد أبانت جائحة كورونا عن ضرورة التعلم اإللكتروني الذي لم يعد ترف ثقافي أو فكري
و إنما بات ضرورة حتمية ال يرتقي العمل التربوي إال بها ،وليس من المسوغ على الدول التنصل
من حتميته في ظل األوضاع الراهنة والتي أبان عليها فيروس كورونا المستجد بما ال يدع مجاال
للشك .ناهيك عن التطور المعرفي والتكنولوجي السريع ،الذي بات يشكل جزء أساس ي من
حياتنا اليومية ،والذي أثر على منظمات وهيئات املجتمع ،وأدى إلى ضرورة البحث في املجال
التربوي عن أفضل الطرق واألساليب التي تساعد المتعلمين على التعلم ،وتوفر بيئة تعليمية
تفاعلية تناسب احتياجات المتعلمين في القرن الحادي والعشرين ،وتساعدهم على تطوير
قدراتهم ،حتى يكونوا قادرين على التعامل مع متغيرات هذا العصر وتواكب تطوراته وتواجه
تحدياته.438
ومن المعلوم أنه في العصر الحالي لم يعد التعليم منحصر في طبقة أو فئة معينة دون
غيرها بل أصبح واجبا وطنيا يلزم الجميع بالتمدرس االجباري في سن معينة ومن يتخلف عن
ذلك يتعرض للعقاب .كما ساهمت ثورة المعلومات واالتصاالت في التشجيع على التعليم
وتسهيل عملية الولوج إليه ،وبالتالي ازدادت تشهد المؤسسات التعليمية وتقدمت تقدما
واضحا في مواكبة العملية التعليمية ،كما ارتفع عدد الطلبة الملتحقين بمؤسسات التعليم،
وازدياد معدل انتقال الطلبة من بلد إلى آخر ،إضافة إلى دخول الجامعات في العملية التنافسية
على الصعيد العالمي ،وذلك بسبب النمو السريع لتقنيات اإلنترنت ،لذا أصبحت الحاجة
ضرورية إلدخال نظم تعليمية حديثة من شأنها أن تنهض بتطوير التعليم العالي ،والتقدم
واالرتقاء به من التعلم التقليدي إلى التعلم اإللكتروني.
438التعليم عن بعد :االستجابة لجائحة كورونا ،مجموعة مؤلفين ،المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج ،4949 ،ص .6
إن التعليم يمثل األسس المتينة التي تنهض باملجتمع وتساهم في بناء الدولة جنبا مع
القضاء والصحة واألمن...بل يمكن القول أن التعليم أهمها؛ إذ ال يمكن أن نؤسس لقضاء جيد
دون تعليم جيد وهكذا بالنسبة للصحة واألمن وغيره من املجاالت التي تبقى مشروطة في جودتها
بالتعليم .وال يمكن الحديث عن تنمية خاصة في بعدها المستديم دون بناء تعليم حيوي
يستجيب لتحديات العولمة التي باتت تهدد خصوصيات الدول وتمحي هوياتهم وتطمس
شخصيتهم الثقافية والفكرية دون مرتكزتعليمي قادرعلى مواجهة تداعياتها ودفع تحدياتها بما
يتالءم مع تعزيزالهوية دون االنكفاء عليها ولكن االنخراط االيجابي في العصرومواكبة تطوراته
دون االنمحاء والذوبان فيه .وبالتالي ،التعليم اليوم يواجه في عصر الثورة التكنولوجية والثورة
الرقمية العديد من التحديات والفرص التي فرضتها التطورات الهائلة في مجال تكنولوجيا
المعلومات واالتصاالت والبرمجيات الرقمية وما تخولها من أفاق مستقبلية متعددة إذا تم
التعامل معها بمنطق الفرصة التي يجب أن تغتنم.
ما هي دو افع ومبررات تبني نظام التعليم عن بعد؟ وكيف يساهم في تجاوز اختالالت
التعليم التقليدي؟
أهمية الموضوع:
ال شك أن هذا الموضوع يأتي في سياق أزمات متتالية لعل أهمها انشار جائحة كورونا،
لذلك فإن من أهم الحلول المقدمة لعدم توقف الحياة التعليمية هو التعليم عن بعد وما
يتيحه من اإلمكانيات التي تساهم في االستشراف المستقبلي للتعليم والتحديات التي باتت تلقيها
األوكات الطبيعية على البشرية ،فمن الضروري ،إذا ،التفكيرفي حل عملي حتى ال تتوقف مر افق
الدولة الحيوية وعلى رأسها التعليم الذي هو أحد أهم األعمدة في تنمية الدول وخدمة
املجتمعات.
اإلشكالية :كيف يساهم التعليم عن بعد في حل األزمات؟ املحور األول :اإلطار العام
للتعليم عن بعد .املحورالثاني :دورالتعليم في تجاوزاألزمات.
يعتبر التعليم من أهم الحقوق اإلنسانية التي يجب الدفاع عنها وصيانتها وضمان
استمرارها وحصول الجميع على تعليم جيد ومالءم ومتاح ،ألن العملية التعليمية خصوصا في
المراحل األولى هي التي تصنع عقل وفكر اإلنسان ،ويهذب أخالقه ويصقل مهاراته وقدراته،
ويطور إبداعاته ،ويساعد في تشكيل وعيه االجتماعي والسياس ي الذي ينعكس على دوره في
املجتمع ومشاركته في صناعة مستقبله وبناء دولته من خالل خلق جيل قادر على تحمل
المسؤولية.
والدول العربية ،كغيرها من الدول ،عرفت قدر التعليم ومكانته ضمن أولويات املجتمع
ولو متأخرا بعض الش يء ،حيث أصدرت قرارا عن طريق مجلس الجامعة العربية رقم ( 1111في
عام )5767والذي تضمن إنشاء لجنة إقليمية عربية دائمة الحقوق اإلنسان العربي ،وتنمية
الوعي بحقوق اإلنسان لدى الشعب العربي ،وباألخص حقه في التعليم .وبعد أن أبرزت المادة
( )16من اإلعالم العالمي لحقوق اإلنسان ،حق اإلنسان في التعليم ،وذلك من خالل مبادئ
أساسية يمكن أن نجملها في ما يلي:439
ولذلك ،فالتعليم عن بعد يعد أحد المداخل الرئيسية لمعالجة اختالالت التعليم
ولمواجهة تحديات العصر كتحدي وباء كورونا ،ويمثل التعليم عن بعد أحد أشكال التعليم
الحديث الذي يعتمد على استخدام الوسائط اإللكترونية في العملية التعليمية من خالل
تسهيلها وتيسيرولوجيتها ألنه يقوم على إلغاء قيد الزمن وقيد المكان وعدم االلتزام بوقت معين
أو مكان محدد إال في حدود قليلة وضمن شروط معينة ،كما أنه يركز على الحس اإلبداعي لدى
الطالب والتلميذ من خالل التفاعل اإليجابي وتجاوز عملية التلقين التي تعتمد على شحن
الطالب بكمية المعلومات التي ال فائدة منها عوض تمكينه من البحث الذاتي عن المعلومة
439رافدة الحريري ،نظم وسياسات التعليم وتطويرها في دول مجلس التعاون الخليجي ،دار اليازودي ،4949 ،ص .11
ونقدها وتمحيصها؛ وهو ما يعمل على تفعيله التعليم اإللكتروني ،من خالل تحويل العملية
التعليمية برمتها من أسلوب التلقين إلى أسلوب اإلبداع واالبتكار ،وهو ما يسهم في تنمية مهارات
التفكير ،و إنتاج طلبة باحثين أكثر منهم متلقين ،مما يزيد في توسيع مفهوم التعليم الذاتي
باالعتماد على طاقاته وقدراته ،وسرعة تعلمه ووفقا لما لديه من خبرات ومهارات سابقة؛ وذلك
بغية إرضاء الطالب بأن يصبح مطلوبا بعد تخرجه في سوق العمل وإرضاء كافة أجهزة املجتمع
المستفيدة من هذه العملية.440
وال يزال هدف الوصول لتعليم جيد عن بعد في الدول العربية بعيد المنال في أغلب هذه
الدول ،نظرا ألن أغلب المؤسسات التعليمية عاجزة عن تمويل هذه التكنولوجية المكلفة
والباهظة الثمن ،وبالتالي تظل أغلب المؤسسات التعليمية بما فيها الجامعات غير مهيأة
الستيعاب هذه الوسائط اإللكترونية ،خصوصا وأن استعمالها يحتاج تكوين معين األمر الذي
ال يوجد في أغلب مجتمعاتنا التي تفتقرللعنصرالبشري الكفء في هذه املجاالت رغم املجهودات
المبدولة على هذا الصعيد ،ناهيك عن ضعف االستثمارفي مجال البحث العلمي ،ولتجاوزهذه
العثرات يقترح الباحثون جملة من المعاييرواألسس التي يجب التوفرعليها ومن جملتها:441
إصالح التعليم يتعين أن يتم في إطار تكاملي ،ومقاربة شمولية تجمع أجزاءه مع بعض
وينظرإليه كوحدة متجانسة؛
العمل على تكوين عنصر بشري متخصص ينتج لنا خبراء متخصصين في مجال التعليم
اإللكتروني من أجل تحسين جودة التعليم ورفع قيمته؛
االبتعاد عن التعميم؛
فالتعليم عن بعد يلبي احتياجات الطلبة والتالميذ ويتيح لهم جميع الفرص التعليمية
على قدم من المساواة خصوصا االستفادة من التجارب الدولية الرائدة في هذا املجال ،ألنه من
440أحمد إبراهيم أحمد ،الجودة الشاملة في اإلدارة التعليمية والمدرسية ،دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ،4997 ،ص
.466
441سعاد محمد عيد ،تخطيط السياسة التعليمية والتحديات الحضارية المعاصرة ،مرجع سابق ،ص .417
المتيسر اليوم االنفتاح على تجارب أخرى من خالل ما تتيحه الشبكة العنكبوتية ،وبالتالي،
تنمية مهارات التفكيرلدى الطلبة والبحث والتمحيص والنقد ،ما يعززالتعلم الذاتي القائم على
أسس نشطة ويعزز القيم االجتماعية ويسهم في تربية األجيال وينمي قدرتهم على التواصل مع
اآلخرين بحيث يسمح التعليم اإللكتروني بإتاحة الفرصة للطلبة للتفاعل الفوري فيما بينهم من
جهة وبينهم وبين المعلم من جهة أخرى من خالل الوسائل اإللكترونية مثل حلقات النقاش
وغرف الحوار وغيره كما يعمل على نشر ثقافة التعلم والتدرب الذاتيين في املجتمع ويعد األفراد
لتحمل أعباء المستقبل بما يحقق تنمية املجتمع.442
لقد أصبح التعليم عن بعد أداة لصناعة التقدم والنهضة في عصر أصبح فيه التقدم
معرفيا وأصبحت فيه النهضة تكنولوجية بالدرجة األولى في ظل تحول االقتصاد العالمي إلى
اقتصاد يعتمد على المعرفة وتقنياتها في ظل ثورة االتصاالت والمعلومات والوسائل التعليمية
المتعددة التي يشكل فيها اإلنسان أهم مكوناتها .وتعد العالقة بين التعليم والتنمية من األمور
المثيرة للجدل والنقاش فالتعليم في مفهومه الواسع من شأنه تسريع خطط التنمية التي بدورها
تسعى إلى رفع التعليم ،وبالعكس فإن الجهل وغياب الوعي يخلق التخلف ،ويعوق تنفيذ خطط
التنمية القومية.443
وقد بات واضحا أن التنمية الحقيقية ال يمكن ان تنطلق وتعم فوائدها دون االهتمام
بالتعليم الذي هو من أهم أدوات تنمية الطاقات البشرية ،على اعتبار أن اإلنسان هو محور
التنمية وأساسها.
وأصبح التعليم في وقتنا الحاضريحتل مركزالصدارة في عداد العوامل التي تحقق مسيرة
املجتمعات النامية ،وهو شرط ضروري يتر افق مع كل عمل تنموي خالله ،تتحقق السيطرة على
الذات وعلى الطبيعة ويعرف المواطن حقوقه وواجباته ،ويتحقق االكتفاء الذاتي ويتمكن
املجتمع من حل مشاكله والعمل على التكيف مع الظروف العالمية .ولما كانت الجامعات إحدى
442بوطهرة أسيا ،دور التعليم اإللكتروني في تحسين جودة التعليم العالي والبحث العلمي بالجامعة الجزائرية ،مرجع ساب
مجلة الدراسات اإلعالمية ،المركز الديمقراطي العربي ،العدد األول ،يناير ،4949ق ،ص .66
443رمزي أحمد عبد الحي ،التعليم عن بعد في الوطن العربي و تحديات القرن الحادي و العشرين ،مكتبة األنجلو المصرية،4949 ،
ص .41
المؤسسات التربوية والتعليمية الرئيسية التي تزود املجتمع بما يحتاجه من الكفاءات الفنية
واإلدارية كان البد من وجود فلسفة إدارية لها تخدم هدف تنمية القوى العاملة والتخطيط لها
وتقف على حاجات األفراد ومتطلبات املجتمع و اتجاهات العصرالذي نعيش فيه.
ويقوم التعليم عن بعد على صفات أساسية منها :البساطة والسرعة في نقل المعلومة
عبرالويب .كما أنه ال يحتاج إلى تثبيت برنامج أو أقراص مضغوطة على جهاز الكمبيوترالخاص
بك ،كل ما تحتاجه هو االتصال بشبكة اإلنترنت ومتصفح الويب .باإلضافة لذلك ،يوفر لك
التعلم دون توقف ،بما يعني أن جميع الدورات متاحة على مدار الساعة طوال أيام األسبوع،
ويمكن من إعادة املحتوى كلما أتيحت لك الفرصة .وأي شخص قادر على التعلم من منزله
ومكتبه ،وفي الساعة التي تالئمه مادام الوصول يكون مجاني إلى األدلة اإللكترونية ،مما يعني
أن االشتراك يحتوي على حق الوصول إلى الكتيبات اإللكترونية للفصل الدراس ي )ً ، (PDF
جنبا
إلى جنب مع التمارين التدريبية واختصارات مفيدة من السهل اتباعها ،حيث تكون تعليمات
خطوة بخطوة مما يعني أن أي شخص يمكنه مشاهدة الدورات التدريبية عدة مرات عكس
التعليم التقليدي الذي يرتكزعلى الوجود المباشروالعيني.444
إن مرور العالم أجمع بجائحة كورونا قد أثبت أن التعلم عن بعد ليس مجرد حل مؤقت
ألزمة عابرة ،بل هو نمط من أنماط التعليم ،الذي يمكن اعتباره موازيا للتعليم المدرس ي،
وداعما له ،وإن االهتمام بالتعلم اإللكتروني ،يعد من ضرورات الحياة ،لسببين رئيسين ،هما:
أوال أن اكتساب أساسيات الث قافة الرقمية ،واستخدام أدواتها في التعلم والعمل ،وفي كثير من
شؤون الحياة اليومية ،أصبح في مقدمة األمور التي يحتاجها الجميع ثانيا :أن التحول الرقمي
التدريجي في تصريف المعامالت الرسمية منها والخاصة ،يعهد السبيل لتطبيق ممارسات التعلم
عن بعد ،كجزء طبيعي من خبرات الحياة اليومية لجميع الناس لذلك على راسمي سياسات
التعليم وخبراء التخطيط التربوي أن يعيدوا النظرفي كثيرمن المسلمات التي تسيرنظام التعليم
الحاضر وأن يستشرفوا خصائص نظام تعليم مبتكر ،يؤهل الجيل القادم للتعلم الذاتي
المستمرالذي طالما حلم به المفكرون وأوصت المؤتمرات العالمية للتوجه نحوه ،وأن يتخذوا
من التدابيرالعملية ما يضمن:
444
Bareq Raad Raheem, Amirullah Khan, THE ROLE OF E-LEARNING IN COVID-19 CRISIS, international
journal of creative research thoughts, volume 8, issue March 2020.
تبني سياسة تعليمية تثمر تجربة التعلم عن بعد ،في إجراء تطويرشامل لنظام التعليم
بمدخالته وعمليات ومخرجاته؛
وضع معايير لضبط العمل في نطاق مفهوم التعلم عن بعد ،بما في ذلك مواصفات
مصادره وأدو اته ،واألساليب المتبعة في تقييم تحصيل التعليم واألداء ،وتقدير
مستويات الشهادات المدرسية والمؤهالت األكاديمية؛
تأهيل جميع المعنيين بتخطيط التعليم وقيادة مؤسساته وإداراته في مجال التعلم عن
بعد .وممارسته في أداء أعمالهم اليومية؛
تطوير برامج تأهيل المعلمين قبل الخدمة و أثناء العمل ،وبخاصة في مجال تخطيط
دروس ونشاطات التعلم عن بعد ،بما في ذلك التعلم اإللكتروني ،ومتابعة أداء الطلبة
وتقييم نتائج تحصيلهم.
ایجاد مصدرذي كفاءة مهنية عالية التولى مسؤولية البحث والتطويرلتصميم مصادر
التعلم الرقمي وأدو اته ،من أجل تنمية الخبرة الالزمة لضمان تطبيق التعلم عن بعد
بالمستوى المطلوب
العمل على توفير متطلبات البنية التقنية االساسية الالزمة إلتاحة خدمات التعلم
اإللكتروني واستمرارها وفي المثل يقال رب ضارة نافعة .فهل تنجح كورونا الصارة في
التحول النافع للتعليم عن بعد.
وجملة القول ،فإن التعليم عن بعد جاء ليتجاوز نقائص التعليم التقليدي ،كما جاء
ليتجاوز األزمات التي تركتها األوبئة والجوائح خصوصا جائحة كورونا ،كما أنه يمكن االستفادة
مما يتيحه التعليم عن بعد للمساهمة في حل بعض المشاكل التي ينتجها التعليم التقليدي،
مثل االكتظاظ الذي تعرفه أغلب المؤسسات التعليمية والجامعات والكليات ،كما يمكن عن
طريقه تفادي النقص الموجود في األطر التعليمية والكوادر الجامعية ،كما أنه يتيح إمكانية
االستفادة من الجامعات العريقة في الدول المتقدمة وما تتيحه من فرص وتطبيقات إلغناء
المعرفة املحلية واالنفتاح على تجارب أخرى دون تكلفة باهظة الثمن ،وبنتائج جيدة.
الئحة المراجع:
ر افدة الحريري ،نظم وسياسات التعليم وتطويرها في دول مجلس التعاون الخليجي ،دار
اليازودي.1157 ،
أحمد إبراهيم أحمد ،الجودة الشاملة في اإلدارة التعليمية والمدرسية ،دار الوفاء لدنيا
الطباعة والنشر.1111 ،
بوطهرة أسيا ،دور التعليم اإللكتروني في تحسين جودة التعليم العالي والبحث العلمي
بالجامعة الجزائرية ،مرجع ساب مجلة الدراسات اإلعالمية ،المركزالديمقراطي العربي ،العدد
األول ،يناير.1157
رمزي أحمد عبد الحي ،التعليم عن بعد في الوطن العربي و تحديات القرن الحادي
والعشرين ،مكتبة األنجلو المصرية.1151 ،
تسعى هذه المعالجة إلى تسليط الضوء على موضوع راهن يشغل اهتمام الباحثين
والمتتبعين للشأن العام خاصة في شقه الشبابي ،يتعلق األمربرصد و اقع المشاركة السياسية
للشباب الموريتاني ومستويات تمثالت الشباب للفعل السياس ي وآليات التمكين السياس ي
للشباب ،وتركز بشكل أساس على بحث طبيعة العالقة بين الشباب والمؤسسات السياسية
خاصة األحزاب وأسباب عزوف الشباب عن االنتماء لهذه األحزاب .الكلمات المفتاحية:
المشاركة السياسية -الشباب – التمثالت االجتماعية -العزوف.
مقدمة:
لئن كان حضور الشباب الديمغرافي والعددي يبدو للوهلة األولى جليا من خالل الهرم
السكاني للبالد ،فإن هذا الحضور العددي ال يواكبه في الو اقع حضور فعلي في الحياة العامة
ومراكز القيادة والتدبير ،سواء الدو ائر اإلدارية أو مؤسسات الفعل السياس ي وفي مقدمتها
األحزاب السياسية التي تشكل اإلطار المناسب لترجمة حضور الشباب ومشاركته في العملية
السياسية ،األمرالذي يفتح املجال أمام إثارة عديد األسئلة حول حالة الال تجانس أو التناقض
هذه ،بين اكتساح عددي لهذه الفئة مقابل انحسارلوجودها في مراكزالقرار،
ذلك أن المشاركة السياسية تعتبر إحدى معايير القياس لمدى ديمقراطية النظام
السياس ي وتماسكه ،وكذلك طبيعة الثقافة السياسية للمواطنين ،وترتبط المشاركة السياسية
بمفاهيم أخرى ذات داللة متقاربة في حقل العلوم السياسية وعلم االجتماع السياس ي من قبيل
التنشئة السياسية والثقافة السياسية والعملية الديمقراطية ....الخ.
ولذلك فإن مستوى المشاركة السياسية يعبر من جهة عن مدى الوعي السياس ي
للمواطن ،ومن جهة ثانية يعكس مستوى تطورالمنظومة السياسية للبلد ككل،
والمشاركة السياسية من حيث هي عملية طوعية إرادية ،تتحقق عبر عدة آليات
كاالنتساب لألحزاب السياسية أوالمشاركة في االنتخابات والعضوية في الهيئات المنتخبة ،وحتى
بطرق تبدو احتجاجية كالمشاركة في التظاهرات والتجمعات العمومية والنشاطات التي
تستهدف التعبيرعن موقف ما اتجاه حدث أو موضوع أو قضية تتعلق بالشأن العام.
من هذا المنطلق تبدو إثارة سؤال المشاركة السياسية للشباب أكثر من مشروعة ،فإلى
أي حد يبدو الشباب الموريتاني مهتما بالمشاركة السياسية؟ وما هي طبيعة نظرته للشأن العام
عموما ومؤسسات الشأن السياس ي بشكل خاص؟ بمعني آخرما هي طبيعة العالقة بين الشباب
واألحزاب السياسية؟ ما هي التمثالت االجتماعية للشباب اتجاه األحزاب السياسية والحياة
السياسية بشكل عام؟ كيف يمكن تفسيرظاهرة العزوف عن المشاركة السياسية لدى الشباب
وما هي أهم العوامل المؤدية لها؟ وكيف يمكن تطوير وتعزيز المشاركة السياسية للشباب
الموريتاني؟
قاد عدم توفر األحزاب السياسية الموريتانية على رؤية وبرامج ملموسة الستيعاب
الشباب وتأطيرهم ،باإلضافة لضعف ثقة الشباب في هذه األحزاب إلى ضعف مشاركتهم
السياسية.
على الرغم من كثرة تداول هذا المفهوم واستخدامه سواء في الدراسات واألبحاث أو على
مستوى الخطابات والنقاش العمومي ،إلى أنه مع ذلك ليس بالبساطة والسهولة التي يتصور
البعض ،فمصطلح الشباب يبقى ملتبسا وغامضا وليس محل اتفاق حول معنى محدد ثابت له،
فإذا كانت منظمة األمم المتحدة قد ربطت تعريف الشباب بالنظرإلى الفئة العمرية لهم
حيث تعتبرالشباب هم "تلك الفئة التي تتراوح أعمارها بين 51و 11سنة دون المساس بتعريفات
أخرى تعتمدها الدول األعضاء"445.
فإن ذلك لم يجعل من مسألة إيجاد تعريف للمفهوم بالمهمة السهلة ،فهذا التعريف
الذي صاغته األمم المتحدة يبدو أكثر مالئمة للعمليات اإلحصائية منه للبحث السيسولوجي،
فمفهوم الشباب يختلف ويتباين من بلد آلخرومجتمع ملجتمع باعتباره فئة تمتازبالتحول وعدم
االستقرار؛
وحسب بعض الباحثين فإن الشباب هو المرحلة الممتدة ما بين فترة المراهقة حتى
مرحلة البلوغ؛
وفي موريتانيا ال يوجد تعريف مضبوط بالنصوص يحدد هذا الفئة ،لكن البالد اعتمدت
في تعريفها للشباب نفس الداللة التي يحيل إليها الميثاق اإلفريقي للشباب والذي صادقت عليها
موريتانيا ،حيث يحدد هذا الميثاق سنة الشاب في 11عاما.
ويبدوأن هذا التحديد هوالذي سيجري بها العمل رسميا ،حيث تم تحديد السن القانوني
لل ترشح للمقاعد املخصصة لالئحة الوطنية للشباب خالل االستحقاقات االنتخابية البرلمانية
والتي تم استحداثها ألول مرة (ستجري االنتخابات يوم 51مايو 446.)1111
في السياق األكاديمي يبدو التعريف مختلف باختالف مشارب الباحثين ومرجعياتهم،
حيث يعتبر عالم االجتماع الفرنس ي ادغارموران بأن الشباب هم الحلقة األضعف في التماسك
445قرار الجمعية العامة لألمم المتحدة رقم A/RES/50/81 :بتاريخ 4886/97/47بإعالن يوم عالمي للشباب.
446قانون نظامي رقم - 4947-947يتضمن تعديل أحكام المادة 7جديدة من القانون النظامي رقم 4949-979
الصادر بتاريخ 41يوليو ، 4949القاضي بتعديل األمر القانوني رقم 84-949الصادر بتاريخ 91أكتوبر 4884
،المعدل ،المتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب النواب في الجمعية الوطنية – .الجريدة الرسمية العدد 4149
بتاريخ 4947/94/49ص .447
االجتماعي ،وغالبا تتم دراستهم باعتبارهم ينتمون إلى عالم مختلف ،وباعتبارهم فئة خاصة في
بيئتهم االجتماعية يعيشون أزمات متعددة سواء في الشغل أو االندماج االجتماعي447.
أما تالكوت بارسونزفيتحدث عن الشباب في إطار نسق وظيفي يسهل االنتقال من مرحلة
الطفولة إلى مرحلة الرشد ،وغالبا ما يتسم هذا االنتقال باالضطراب وعدم االستقرار ومحاولة
اكتشاف الذات.
وال تفض ي هذه التعريفات على اختالفها في الوقوف على ضبط جامع مانع للمفهوم الذي
يبقى محل جدل كبير كمصطلح حديث نسبيا ظهر أساسا خالل حقبة الستينات من القرن
العشرين إبان الحركة الطالبية في فرنسا حيث برز مفهوم الشباب بقوة للتعبير االندفاع
والحيوية التي يتصف بها الحراك حينها.
وألن موضوع هذه المعالجة يدور حول الشباب ،والشباب الموريتاني تحديدا ،فإنه ال
بأس من العودة بش يء من اإلسهاب لدورومكانة هذا الشباب وتطورمشاركته التاريخية في الشأن
العام،
الذين خرجوا من عباءات ابرزاألحزاب السياسية القائمة حينها(الوفاق واالتحاد) حيث سيكون
لهذه الكيانات الشبابية وقادتها دورسياس ي كبيرفي مستقبل البلد المستقل حديثا حينها448.
فالشباب الموريتاني إذا أبان منذ الوهلة األولى عن رغبة واستعداد حاسم لالنخراط في
العمل السياس ي و إبراز مشاركته في الشأن العام عبر كافة القنوات المتاحة وبذلك سجل
حضوره في مختلف مراحل الحياة السياسية للبلد منذ االستقالل وصول للوقت الراهن حيث
تعالت األصوات المطالبة بحضور ومشاركة سياسية أكثر حضورا وفعالية وفي موقع ما قدمة
لصنع القرار ،ويبدو أن هذه األصوات بدأت تستقطب اآلذان الصاغية على مستوى جهات
القرار ،فقد تمكن عدد من الشباب من الولوج لمسؤوليات مختلفة في القطاعات الهامة
للدولة( العدل ،الدبلوماسية ،الداخلية ،المالية )...عبر بوابة المدرسة الوطنية لإلدارة
والصحافة والقضاء الجهاز اإلداري المكلف باكتتاب وتكوين الموظفين في المناصب اإلدارية،
كما أتاح تشكيل مجلس للشباب (تمت إعادة تنظيمه وتوسيعه مؤخرا ليصبح املجلس الوطني
للشباب) الفرصة لوصول عدد منهم للواجهة السياسية ،ولعل أبرز مظاهر تجسيد المشاركة
السياسية للشباب هوقراراستحداث الئحة وطنية للشباب ألول مرة تضم 55مقعد في البرلمان
للشباب دون سنة 11سنة من بينهم وجوبا ممثلين لذوي االحتياجات الخاصة449.
إذا كان أغلب الدارسين والباحثين في العلوم السياسية واالجتماعية درج على استخدام
مصطلح المشاركة حسب السياق الفكري والداللي الذي يرد فيه ،فإن إيجاد تعريف محدد لهذا
المفهوم ظل مثار خالف وصعوبة وذلك لتعدد الخلفيات والسياقات التي يتم تناوله فيها،
ولتعدد املحاوالت التي تناولت هذا المفهوم مما زاد من صعوبة تعريفه،
إن انتماء المفهوم ألكثر من حقل معرفي( العلوم السياسية ،علم االجتماع) 450قد زاد
من غموضه من جهة ومن جهة أخرى أعطى فرصة لغزارة البحث واإلنتاج حوله ،ففي رحلة
البحث عن إيجاد التعريف والتأصيل المفاهيمي له تبارى عدد من المفكرين والفالسفة وعلماء
االجتماع ،حيث نظر افالطون إلى مفهوم المشاركة السياسية من خالل حديثه عن
448محمد األمين ولد سيدي باب ،مظاهر المشاركة السياسية في موريتانيا ،مركز دراسات الوحدة العربية ،يناير
،5002ص . 81
- 449القانون النظامي المحدد آللية انتخاب النواب في الجمعية الوطنية -الجريد الرسمية العدد – 4149م س
-450إبراهيم ابراش ،علم االجتماع السياسي ،دار الشروق للنشر والتوزيع ،القاهرة 4889ص 41
الديمقراطية باعتبار المشاركة إحدى مظاهر الديمقراطية ،في حين تعرض أرسطو للمفهوم في
سياق السعي للخير العام(المنفعة العامة) ،451فيما ركزت كتابات علماء السياسة الرواد في
الغرب من أمثال مونتسكيو وأليكسيس دي توكفيل وجون ستوارت ميل على دور المواطن
الفاعل في تحديد شكل ومضمون املجال العام ،أما جان جاك روسو فقد اعتبر المشاركة
السياسية هي القدرة على مزاولة السيادة أو ممارستها ،وهناك أيضا من المفكرين من ربط
عملية المشاركة بالنموذج الديمقراطي للمجتمع وأهمية بناء مؤسسات سياسية فعالة حيث
تكون هذه المؤسسات هي التي تهيأ الظروف المواتية للمشاركة السياسية ،فالمشاركة
السياسية الفعالة والمؤثرة تظل رهينة بتوسع فرص التنافس السياس ي ،ومن أبرز المفكرين
الذين دافعو عن هذا الطرح نوردلينجر ،وروبرت دال ،وهنتجتون ،ويالحظ من خالل مختلف
التعريفات السابقة أن المشاركة السياسية ال تتحقق إال إذا كان النشاط سياسيا أو ذا حمولة
سياسية يكون هدفه التأثير في الحكومة أو ممارسة ضغط على صانعي القرار قصد توجيه
السياسة العامة أو البرامج الحزبية ،وغير ذلك من المشاركات يختلف عن المشاركة
السياسية حيث إنه يدخل في مجاالت أخرى اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية وذلك باختالف
ممارسه والفضاء الموجه له؛
كما عرفها بعضهم أنها "األنشطة التي تهدف إلى التأثير في اختيار الحكام ومهامهم التي
يقومون بها والتأثير في بعض قرارات السلطة" ،452أما الباحث الفرنس ي فيلب براو فيرى أن
المشاركة السياسية هي " جميع األنشطة الفردية أو الجماعية التي قد تعطي للمحكومين تأثيرا
على أداء النظام السياس ي".
وهكذا فإن المشاركة السياسية تعد سمة بارزة من سمات املجتمع الديمقراطي وإحدى
عوامل رقي املجتمع ونضجه ،حيث تتيح للمواطنين التعبير عن آرائهم ومو اقفهم ،كما تمكن
الفاعلين من التأثير على السياسات الحكومية ،والقيام بدور هام في رسم السياسة العامة
للدولة ،هذا فضال عن كونها تنمي الشعوربالمسؤولية وروح المبادرة والتعلق بالصالح العام،
وإذا كانت التعريفات السابقة أتاحت التعرف على مفهوم المشاركة السياسية ،فما هي
أشكال هذه المشاركة وما أبرز قنواتها ؟ ما هي التمثالت االجتماعية للشباب اتجاه األحزاب
451إبراهيم ابراش ،علم االجتماع السياسي ،دار الشروق للنشر والتوزيع ،القاهرة 4889مرجع سابق ص 41
- 452السيد يس – الثورة والتغير االجتماعي -مركز الدراسات السياسية واالسترانيجيه باألهرام – العدد 41
4811ص .19
السياسية والحياة السياسية بشكل عام؟ ما ابرزأسباب عزوف الشباب عن المشاركة ؟ وكيف
يمكن تطويروتعزيزالمشاركة السياسية للشباب الموريتاني؟
اختلف الباحثون في تصنيف األشكال التي تأخذها المشاركة السياسية ،فهذا المفهوم
الذي بدا في التشكل منذ القرن السابع عشر في سياق النهضة الثقافية والفكرية التي عرفتها
القارة األوروبية وتبلور مفهوم الفضاء العام بما يحيل إليه من ضرورة الرقابة على السلطة
السياسية ،قد يأخذ عدة أشكال ومستويات ،ولعل أبرزهذه األشكال مايلي:
-المشاركة المنظمة :وهي التي تتم في إطار مؤسسات قائمة تمثل حلقة الوصل بين
المواطن والنظام السياس ي وذلك عن طريق األجهزة والمر افق اإلدارية التي تقوم ببلورة
وصياغة مطالب المواطن ودمجها في شكل برامج سياسية قابلة للتطبيق تسعى
الحكومة واملجالس المنتخبة واألحزاب السياسية وكذلك والنقابات والمنظمات
المهنية كل من موقعه في تجسيدها ،453وهذا النوع من المشاركة يعتبراألكثر ديمومة
صلة باإلطارالذي تتم ممارسته فيه.
-المشاركة المستقلة :وهي التي يقوم بها المواطن بشكل فردي طوعي حر ومستقل،
بحيث تكون له الحرية في تحديد نوع مشاركته وطبيعتها ،ويكون له االختيارفي أن يشارك
أو اليشارك.
-المشاركة الظرفية :وهذا النوع من المشاركة يرتبط بالمناسبات الظرفية ويتجسد من
خالل التصويت في االنتخابات أو عمليات االستفتاء الذي جري حول قضية أو موضوع
ما يهم الرأي العام ،ويمتاز هذا النوع من المشاركة بطابعه المؤقت حيث يمثل الفئة
غيرالمؤطرة سياسيا.
453احسان محمد الحسن ،علم االجتماع السياسي ،المكتبة الوطنية ،جامعة الموصل .٤٨٩١ ،
تتم المشاركة السياسية عبر عدة قنوات ،وقد اختصر بعض علماء االجتماع والعلوم
السياسية 454أبرزها في ما يلي:
تشكل األحزاب السياسية أحد أهم مؤسسات المشاركة السياسية بل وتعتبر التجسيد
الفعلي للممارسة الديمقراطية ،فكثيرا ما تم النظر للتعددية للحزبية كشرط للعملية
الديمقراطية ومقياسا لمدى نجاح التجربة الديمقراطية ألي لبد ،وذلك لما تتيحه من حرية
االختيار للمواطن بين البرامج واألحزاب التي تعكس وجهة نظره حيال الشأن العام والموقف
منه ،ويعتبر االنتماء للحزب سلوكا وعمال تطوعيا للفرد وإحدى الحريات العامة التي تكفلها
الدساتير في النظم الديمقراطية ،حيث يسمح هذا االنتماء لألفراد بتوحيد أفكارهم وجهودهم
في شكل برامج ومشاريع سياسية يدافع عنها الحزب ويسعى لتطبيقها عند وصوله للسلطة
ويختلف مستوى مشاركة األفراد حسب رغبتهن وحماسهم فهناك المتعاطف مع الحزب
والمناضل فيه وهناك العضو الفاعل والقائد ،فيما يمثل الحزب اإلطار التنظيمي المالئم
لتأطير المشاركة السياسية وتفعيلها من خالل الربط بين المواطنين والسلطة ،455وتعمل
األحزاب على حث المواطنين من أجل المشاركة السياسية خاصة في المواسم االنتخابية حيث
تقوم بتقديم المرشحين ورسم البرامج االنتخابية وهي بذلك تمثل إحدى أهم قنوات المشاركة
السياسية.
بات اإلعالم وخاصة وسائل التواصل االجتماعي الحديثة إحدى قنوات المشاركة
السياسية المهمة ،حيث أتاحت لألفراد خيارالتحررمن القيود التنظيمية وااللتزامات الحزبية،
فأصبحت وسيلة للتعبير عن المو اقف والمطالب و أداة ضغط على السلطة ذات تأثير كبير
بحكم سهولة استخدامها وكثرة المنخرطين فيها ،ولقد شكلت األحداث التي عرفها العالم العربي
خالل العشرية األخيرة أو ما سمي بالربيع العربي دليال على قوة تأثير هذه الوسائل ،حيث كانت
454فيليب برو ،علم االجتماع السياسي ،ترجمة محمد عرب ،بيروت المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر 6992
ص .211
455احسان محمد الحسن ،علم االجتماع السياسي ،المكتبة الوطنية ،جامعة الموصل .٤٨٩١ ،مرجع سابق ص
.26
تمثل المشاركة عن طريق في االستفتاء الشعبي إحدى اكثر انواع المشاركة تمكينا
للمواطنين من إبداء الرأي حول قضية ما تكون في الغالب ذات أهمية وطنية بالغة ،وترتبط هذه
الممارسة بما يسمى الديمقراطية التمثيلية حيث يتاح لشعب ممارسة السلطة من خالل إبداء
رأيه ، 456ويلجأ إلى تطبيق هذا التوع من المشاركة في األنظمة الديمقراطية التي تفضل قبل
تطبيق قانون أو اتخاذ إجراء محدد نيل المو افقة الشعبية عليه ،لذلك تعمد إلى إجراء
االستفتاء ،على إن هذا األخير قد يكون مطلوبا دستوريا في بعض المسائل ،وقد تكون السلطة
حرة في استعماله ،ولعل من أبرز األمثلة التي يمكن استحضارها في هذا السياق هو ما قام به
الجنرال شارل ديغول سنة 5767عندما قام بطرح مشروع هو صاحبه لالستفتاء الشعبية بغية
التأكد من مدى التأييد الشعبي له ،وحين لم ينل المشروع تصويب األغلبية قدم استقالته.
بما أن موضوع المعالجة يتعلق أساسا بالمشاركة السياسية لدى فئة محددة من
املجتمع وهي الشباب ،فإنه من األهمية بمكان بعد تأصيل المفاهيم الرئيسية( الشباب
والمشاركة السياسية) أن نبحث في جوهر التمثالت االجتماعية لهؤالء الشباب حيال الحياة
الحزبية وكيف يبنون تصوراتهم للحزب السياس ي باعتباره أحد أهم قنوات المشاركة السياسية
456طارق محمد عبد الوهاب ،سيكولوجية المشاركة السياسية مع دراسة في علم النفس السياسي في البيئة العربية،
دار غريب للطباعة والنشر ،القاهرة - 8111ص 688
،ذلك أن التمثالت االجتماعية ينبني عليها الجزء األكبر من حياة األفراد والجماعات ،فهي
ترتبط بو اقعهم المعاش وبحياتهم اليومية وبتفاصيل الو اقع من حولهم بكل تجلياته
وتفاصليه.،
فالتمثالت توجهنا إلى الطريقة التي تحدد مختلف الجوانب التي تهم و اقع الحياة
اليومية ،وتشير كذلك للكيفية التي نؤول من خاللها هذه الجوانب ونحكم عليها ونقيمها ،وإذا
لزم األمراتخاذ موقف منها ،457يقول مؤسس نظرية التمثالت االجتماعية موسكو فيتش ي :
"التمثالت االجتماعية تشير إلى مجموعة من المفاهيم والبيانات واإليضاحات التي تبع
من الحياة اليومية ،فهي تعادل األساطير ونسق القيم في املجتمعات التقليدية ،بل يمكن عدها
بمثابة النسخة المعاصرة للحس المشترك"458.
و انطالقا إذا من هذه التصورات المرتبطة بالتمثالت االجتماعية وأهميتها كأداة لدراسة
المو اقف واالنطباعات لدى األفراد ،نحاول رصد تمثالت الشباب حول األحزاب السياسية،
وكيف تساهم هذه التمثالت في بناء مو اقفهم من األحزاب ومن العملية السياسية بشكل عام
هل تشكل عامل جذب أم عنصرعزوف عن المشاركة؛
فالو اقع أن تمثالت الشباب الموريتاني هي مزيج متعارض ومتناقض أحيانا ،ففي الوقت
الذي تبدي فئة كبيرة من هذا الشباب سخطا على األجيال السابقة وتتهمها بالهيمنة والسيطرة
و إقصاء الشباب بل والعمل على إبعادهم عن دو ائر القرار ،ال تقدم هذه الفئة في ذات الوقت
رؤية بديلة أوتطرح قطيعة مع الممارسات محل االنتقاد ،ولذلك نجدها تتشبث وتشيد في بعض
األحيان برموز حقب وفترات كانت تنتقدها ،وحتى على مستوى العقلية والممارسات تبقى
األقرب إلعادة انتاج الماض ي منها للقطيعة وبصمات الجيل الجديد؛
لذلك فإن بعض الباحثين يرى انه يمكن الحديث عن مفهوم األجيال في أغلب املجاالت
باستثناء املجال السياس ي ،حيث تغيب روح المبادرة والتجديد مقابل استمرارالنمط وتكراره؛
من هنا تبدأ أزمة المشاركة السياسية لدى الشباب ،كنتيجة مباشرة لتمثالتهم اتجاه
األحزاب السياسية والسياسيين ،حيث ينظرون لألحزاب الساسية في الغالب أنها كيانات
457 - Denise jodlete ; représentations sociales :un domaine en expansion, : les
représentations sociales 7ém ed (paris :PUF,1989) p31
458 - Maurice Debesse, L’adolescence (paris :PUF 1979) p12
شخصية أو مشخصنة ترتبط بالزعيم الواحد الذي يحتكر كل نشاطات الحزب والسلكة فيه،
ومن الصعوبة بل النادرعزله أو تغييره إال بعد الوفاة ،كما أن قوانين األحزاب ونصوصها تكرس
هذه الهيمنة من خالل جعل زعيم الحسم حاضرا وحاسما في كل الهيئات وصاحب القراراألخير،
وقد فرضت هذه الخصائص التنظيمية والسياسية التي تطغى على و اقع األحزاب
السياسية في البالد تهميشا و إقصاءا للشباب ،وبالتاي لم يجدو ذواتهم فيها ،مما جعل هذه
األحزاب تكرس قطيعة مع الشباب وتعيش دو ائرمغلقة في ظل غياب شبه تام للحراك السياس ي
الحزبي ،ونتيجة لهذه الوضعية باتت األحزاب السياسية تعيش حالة جمود مما كون لدى
الشباب صورة سلبية اتجاهها ،حيث ينظرون لها بأنها ال يمكن االعتماد عليه في خلق التغيير
وقيادته ،وهذا ما يعطيهم المبررالكافي للعزوف عن اإلنتساب لها.
لقد عرفت موريتانيا التعددية الحزبية مع دستور 11يوليو 5775الذي كرس هذا
التعددية بعد سنوات من األحكام العسكرية وهيمنة الحزب الواحد بعد االستقالل ،فبدأت
بأحزاب معدودة( الحزب الجمهوري ،اتحاد القوى الديمقراطية ،التجمع من أجل الديمقراطية
والوحدة ،االتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم) لكنها ما لبثت أن قاربت المائة حزب ،وبدل
أن تقوي وتعززالتجربة الديمقراطية ساهمت في إضعافها ،فباتت التعددية تضعف تأثرالنخب
الحزبية بسبب حالة التشرذم واالنشقاق ،حيث بدى أن أغلب هذه األحزاب يتمركز حول
شخص رئيسه ويغلق التنافس في وجه بقية القادة والزعماء اآلخرين ما يضطرهم في النهاية إلى
االنشقاق وتأسيس أحزابهم الخاصة ،وهذا الوضع يؤثركثيرا في تمثالت الشباب بصورة سلبية،
ففي النهاية من وجهة نظرهم تظل هذه األحزاب رغم تعددها تتشابه وتتطابق ،حين ال فرق
يرتبط بالمشاريع والبرامج ،مما يؤثر في الممارسات السياسية للشباب ويجعل انتسابهم لهذه
األحزاب إن حصل اليتم عن قناعة وال يترتب عليه التزام و انضباط ،
وقد أظهرت دراسة ميدانية دراسة ميدانية لقياس نسبة المشاركة السياسية لدى
الشباب الموريتاني من خالل نموذج االنتخابات التشريعية والبلدية لسنة 1157االنتخابات
الرئاسية .1157قم بها الباحث و تم االعتماد فيها على أسلوب المقابلة وخاصة مع فئة الشباب
الجامعي في جامعة نواكشوط ،حيث أجريت المقابلة مع 11شابا تم اختيارهم بشكل عشوائي
من أجل رصد و اقع مشاركة الشباب ومعرفة أسباب ضعفها أو قوتها ،حيث كانت مقابالت
مفتوحة لكي تتيح مجال مناقشة حر وتفاعل أكثر مع الشباب بوصفه مجتمع الدراسة ،اظهرت
هذه الدراسة مدى عزوف الشباب وأحيانا سخطهم اتجاه الطبقة السياسية ،وقد لوحظ بأن
أغلبية من شملتهم المقابلة غير منتمين ألي حزب لعدة أسباب.
تم تقييم المشاركة السياسية لهؤالء الشباب من خالل مدى انتسابهم لألحزاب بوصفها
قناة المشاركة الرئيسية وكذلك تسجيلهم في الالئحة االنتخابية وتصويتهم في آخر اقتراعين
عرفتهما البالد (االنتخابات الرئاسية 1157والبلدية والتشريعية 459)1157
لقد أعطت هذه المقابلة نتيجة أولية بارزة بشأن عزوف الشباب عن االنتماء األحزاب
حيث اتفق اغلبهم أن السبب األول لهذا العزوف هو عدم الثقة في هذه األحزاب التي ال تعبر في
رأيهم إال عن مصالح أصحابها...
وعوض االنخراط في األحزاب يفضل بعضهم أشكاال أخرى من المشاركة كاالحتاج ()%11
مقاطعة االنتخابات ()%11
ويالحظ من خالل الرجوع إلى معلومات االنتخابات التشريعية والبلدية لسنة 1157ان
نسبة المشاركة لدى الفئة العمرية 11-57سنة لم تتجاوز .%7
وبالتالي فإن تمثالت الشباب لهذه األحزاب تميل بشكل عام إلى تكريس نوع من التماهي
بين الحزب وقيادته ،وتتلخص في موقفين أساسين:
-انعدام الثقة:
إذ تكاد هذه الصورة تتكرر لدى معظم الشباب ،حيث يبقى انعدام الثقة وغياب
المصداقية القاسم المشترك الذي يختزل صورة الحزب في أذهان هؤالء ،فأغلب تصرفات قادة
األحزاب تهدف في النهاية لتحقيق مصالحهم الشخصية ومصالح مقربيهم ،وبالتالي فإنه في نظر
- 459دراسة ميدانية لقياس نسبة المشاركة السياسية لدى الشباب الموريتاني من خالل نموذج االنتخابات التشريعية
والبلدية لسنة 4949االنتخابات الرئاسية -4948إعداد الباحث محمد مولود ابنين.
هؤالء ال جدوى من المشاركة السياسية التي تتم عن طريق مثل هذه الكيانات ،واالنتساب لها
عديم الجدوى وال أهيمة له في إحداث تغييرفعلي في السياسية و املجتمع,
تشكلت لدى غالبية الشباب صورة سلبية اتجاه األحزاب السياسية على النحو الذي
أشرنا له سابقا ،ولكن هذه الصورة أدت في المقابل لظهورفئة من الشباب تتسم بالو اقعية أو
البرغماتية المبينة على حسابات عقالنية دقيقة ،حيث يربطون انتسابهم لهذه األحزاب بمقدار
الخدمات التي يمكنهم الحصول عليها منها ،فهم يسعون من خاللها لتحقيق مصالحهم
الشخصية كربط العالقات بكبار المسوؤلين و إيجاد فرص توظيف أو تحقيق مصالح مالية
تجارية كالصفقات مثال,,,الخ ،فيما يشبه االتفاق غيرالمعلن بيه هؤالء الشباب وهذه األحزاب,
ولذلك فإن الشباب في سياق هذه المقاربة يميزون بين األحزاب التي يمكن التعويل عليها
لتحقيق هذه األهداف وتلك التي ال يمكنها تقديم ش يء لهم؛
ويترتب على إعادة بناء تمثالت الشباب حول األحزاب السياسية القول بأن األمرال يتعلق
بغياب الوعي السياس ي لدى الشباب بقدر ما هو درجة من الوعي تعكس فهما لطبيعة هذه
األحزاب ،فالشباب يظهردائما وعيا عاليا بالقضايا التي تهمه وهوما يتجسد في الحضورالفاعل
من خالل عدة قنوات أخرى غيراألحزاب وكمنها الحركات االحتجاجية ومنظمات املجتمع المدني
ووسائل التواصل ا الجتماعي حيث يوظف كل هذه األدوات للتعبير عن ذاته وإعالن مو اقفه
حيال القضايا الكبرى والجوهرية للبالد.
ينظر بعض الباحثين إلى االنتساب لألحزاب السياسية على انه أسمى تعبير عن درجة
المشاركة في أي نظام سياس ي ،ومؤشر على مدى الوعي واالهتمام بالشأن العام ،وبالرغم من
ذلك فإن انتساب الشباب الموريتاني لألحزاب السياسية ال يزال ضعيفا ومحدودا ،وذلك
نتيجة لعدة أسباب وعوامل أبرزها:
إذا كان المقصود بالمشاركة السياسية –كما تمت اإلشارة إليه فيما سبق -هو مساهمة
الفرد الحرة والطوعية في الشأن العام ،سواء كان ذلك بشكل منظم عبر مؤسسات وهياكل
المشاركة ،او بشكل تلقائي مؤقت عبر وسيلة من وسائل المشاركة األخرى ،من خالل إبداء
الرأي ،فإن هذه المشاركة بشكل عام ال تزال ضعيفة لدى فئة الشباب ،مما يحتم اتخاذ
إجراءات محفزة لهذا المشاركة تضمن تمكين الشباب بشكل فعلي وخلق حافزمشاركة لديه،
ولعل من بين أهم هذه اإلجراءات والخطوات:
-تكريس الديمقراطية الداخلية لألحزاب :فمسالة الديمقراطية داخل األحزاب تعد هي
األخرى من عوامل العزوف عن المشاركة واإلنتماء لهذه األحزاب وخاصة لدى الفئات الشابة
التي باتت ترى في هذه األحزاب مجرد كيانات عائلية أو قبلية تخدم مصالح مجموعات ضيقة،
حيث تظل نفس الوجوه في قيادة وواجهة الحزب دون أن تتيح لعموم المنخرطين فرصة
المشاركة في اتخاذ القراروالتناوب على قيادة الحزب ،ولذلك فإن تكريس الديمقراطية الداخية
في هذه األحزاب من خالل دمقرطة الحزب وتمكين منتسبيه من أخذ القرارات في إطارالنصوص
المنظمة له تشكل إحدى حو افرالمشاركة األساسية وتمكين الشباب.
-تنمية الثقافة السياسية :ذلك إن خلق ثقافة سياسية لدى الشباب من خالل التربية
على المواطنة من شانه أن يضمن في المستقبل مشاركة سياسية فاعلة ،فال يمكن بناء نظام
سياس ي ديمقراطي دون تنمية الوعي السياس ي لدى المواطن وخاصة فئة الشباب التي تمثال
غالبية سكان البلد والطاقة الحية في املجتمع التي يقع عليها رهان المستقبل ،وكلما زاد الوعي
السياس ي لدى الشباب كلما ارتفعت مشاركته السياسية.
خاتمة:
إذا كان الشباب الموريتاني يشكل غالبية سكان البالد ،والوقود املحرك للعملية
السياسية فإن مشاركة وتمكين هذا الشباب بما يضمن له تصدر واجهة الفعل وتبوء مكانته
المستحقة في صنع القرار ال تزال ضعيفة ،وترتبط بحاالت موسمية كالتسجيل على الالئحة
االنتخابية والتصويت لمرشحين في الغالب ليس بدافع النتماء السياس ي أو الحزبي ،ولذلك تظل
هذه المشاركة رهينة إرادة جادة تخلق لها الظروف واألسباب الكفيلة بتحقيقها كدعامة
أساسية للنظام السياس ي وللتجربة الديمقراطية في البالد.
المراجع:
.5الكتب
-محمد األمين ولد سيدي باب ،مظاهر المشاركة السياسية في موريتانيا ،مركز دراسات
الوحدة العربية ،يناير.1111
-ماجد محيي آل غزاي ،المشاركة السياسية اآلليات والعوامل المؤثرة ،دراسة نظرية،
-احسان محمد الحسن ،علم االجتماع السياس ي ،المكتبة الوطنية ،جامعة الموصل،
.٤٨٩١
-برهان غليون ،الديمقراطية وحقوق اإلنسان في الوطن العربي سلسلة كتب المستقبل
العربي (( ٤١مركزدراسات الوحدة العربية ،بيروت ،ط ٢ ٢ ،
-طارق محمد عبد الوهاب ،سيكولوجية المشاركة السياسية مع دراسة في علم النفس
السياس ي في البيئة العربية ،دارغريب للطباعة والنشر ،القاهرة 1111.
.1املجالت:
شقير محمد ،أصول الظاهرة الحزبية بالمغرب ،املجلة المغربية لعلم االجتماع ،العدد
.5771 ، 51 -55
-محمد مولود ابنين ،دراسة ميدانية لقياس نسبة المشاركة السياسية لدى الشباب
الموريتاني من خالل نموذج االنتخابات التشريعية والبلدية لسنة 1157االنتخابات الرئاسية
.1157
.1المراجع األجنبية:
? - Michel Offerlé (Aout 2010) les partis politiques collection que sais- je
presses Universitaires de France 7éme édition.
إذا كان مفهوم "العلمانية" كما أثبت عبد الوهاب لمسيري في تنقيبه وبحثه عن داللته،
قد تجاوزعبرعملية الترشيد المادي ،الذي عرفته كل مجاالت الحياة ،الداللة على فصل الدين
عن الدولة إلى الداللة على مرجعية تفسيرية شاملة ،تتميز بخضوع كل مجال من هذه املجاالت
للقوانين الكامنة فيه ،وباستمداده مرجعيته من ذاته ،وبانفصال كل تلك املجاالت عن
المنظومات الدينية واألخالقية ،وعن الغائيات اإلنسانية ،وأنها مرجعية متحركة في إطارمتتالية
من ثالثة مراحل هي التحديث ،والحداثة ،وما بعد الحداثة تؤول إلى انتقال من عالم متماسك
فيه معيارية إلى عالم مفكك بال معيارية ، 460فإن االنتقال العلماني بهذا المعنى يعني تفكيك
كل القيم األخالقية و الدينية وحتى الفلسفية اإلنسانية لصالح التحرر الذاتي المادي ،وهو ما
يؤكده "أنجلهارت " و"كريستيان ويلزل " في نموذجهما التصوري للتطوراالجتماعي الذي ربطاه
بالتحرر المادي ،461والمعرفي ،واالجتماعي ،مفترضين بذلك من هذا التحرر المتغير المتحكم
460عبد الوهاب لمسيري " الموسوعة اليهودية " المجالد الثاني ص 71 -77 -74دار لشروق عمان ،األردن .
461جعللللل "رونالللللد انجلهللللارت " و"كريسللللتيان ولللللزل " فللللي كتابهمللللا المعنللللون "التحللللديث ،والتغيللللر الثقللللافي ،والديمقراطيللللة ،
سلللليرورة التنميللللة البشللللرية " " Modernization, Cultural Change, and Democracy The Human
" Development Sequenceمللللن التحللللرر المللللادي بتحقيللللق األمللللن الوجللللودي المللللادي جللللذر السللللالل السللللببية فللللي تشللللكيل
األنظملللة الثقافيلللة واالجتماعيلللة ،وهلللو ملللا يلللدل عللللى ملللدى عملللق حضلللوراللداللة الشلللاملة لمفهلللوم العلمانيلللة -كملللا حلللددها المسللليري-
فللللي تصللللور "انجلهللللارت وولللللزل" ،خاصللللة وأن هللللذه الداللللللة عنللللد المسلللليري ،تستحضللللر رؤيللللة تطبيعيللللة وتحييديللللة لإلنسللللان ،إذ
تنظر إليه معرفيا ككائن طبيعي اقتصادي جنساني ممتد للطبيعة المادة .
تعللللد نظريللللة تسلسللللل التنميللللة البشللللرية ( ، )HDSالتللللي اقترحهللللا رونالللللد إنجلهللللارت وكريسللللتيان ويلللللزل ( Inglehart and
، )Welzel 2005واحلللدة ملللن أبلللرز نظريلللات التحلللديث ،والتلللي تلللنص عللللى أن التنميلللة االقتصلللادية والتغيلللرات فلللي القللليم الثقافيلللة
التحرريلللة والديمقراطيلللة مرتبطلللة ارتباطلللا وثيقلللا ،ويفترضلللان أن هلللذه العمليلللات اللللثالث تتبلللع اتجاهلللا سلللببيا مشلللتركا ،حيلللث تلللوفر
المللللوارد االقتصللللادية وسللللائل التحللللرر ،والتللللي بللللدورها تللللوفر الللللدافع لمؤسسللللات أكثللللر ديمقراطيللللة ،وبمللللرور الوقللللت تمررررر البلرررردان
بمرحلررة انتقاليرررة حيررث تتغيرررر قررريم مواطنيهررا مرررن عكررس الحاجرررة إلرررى البقرراء علرررى قيررد الحيررراة إلرررى الحاجررة إلرررى عرري حيررراة تقريرررر
المصررير .وفللي نهايللة المطللاف ،تتغيللر الطريقللة التللي يحكللم بهللا بلللد مللا لللتعكس هللذه القلليم التحرريللة ( Inglehart and Welzel
.)2005; Welzel 2013
انظر :
في إحداث التطورات االجتماعية سواء ما تعلق منها بالعالقات االجتماعية – السياسية ،أو
462. الثقافية – املجتمعية
هكذا إذن تبرز إشكالية البحث في آثار االنتقال العلماني التحرري من عالم المنظومات
القيمية ذات المعيارية المتجاوزة للذات و الطبيعة ،أي األخالقية والدينية إلى عالم المرجعية
المعرفية ذات السيولة القيمية ،والتي يمكن صياغتها على النحو التالي :أي آثار لالنتقال
العلماني التحرري على النظام االجتماعي ؟ وألن النظام االجتماعي يعد نسقا عاما وشامال
ملجاالت متعددة ،فسيتم االقتصار على ثالثة مستويات ضمن هذا النظام نظرا لتضمنها في
الدراسة التي قدمها "فالنغان ولي" ،باعتبارها أرضية "أمبريقية " تسعف من خالل المعطيات
والخالصات التي أتت بها في إبرازآثارهذا االنتقال التحرري .
وبناء على ما تقدم سيتم تناول اإلجابة عن هذه اإلشكالية بالتطرق بداية إلى تقييم مدى
الو اقعية األنطولوجية لهذا االنتقال العلماني ،من خالل تسليط الضوء على مدى تمايزقطبيه
القيميين ،قطب قيم السلطة ،وقطب قيم التحرر (املحور األول) ،ليتم االنتقال بعد ذلك إلى
رصد آثاراالنتقال بين هاذين القطبين على المستويات الثالثة للنظام االجتماعي (املحورالثاني).
املحور األول :التحقق الو اقعي لالنتقال القيمي العلماني بين قطبي قيم السلطة وقيم
التحرر.
تقدم الدراسة األمبريقية التي رصدا "فالنغان ولي " 463فيها تأثيراالنتقال من التمركزحول
قيم السلطة ذات األساسين الديني و الحداثي العقالني نحو التمركز حول قيم التحرر و التعبير
عن الذات صورة عن اآلثار االجتماعية الناجمة عن هذا االنتقال العلماني ،وذلك على ثالث
مستويات اجتماعية هي :
« Revising the Human Development Sequence Theory Using an Agent-Based Approach and
Data » Viktoria Spaiser and David J.T. Sumpter , School of Politics and International Studies,
University of Leeds, Social Science Building, Leeds, LS2 9JT, United Kingdom 2016 , p 1 .
462انظر :
Ronald The Human Development Sequence Modernization, Cultural Change, and Democracy
Inglehart . Christian Welzel. Cambridge University Press Cambridge, New York, Melbourne,
Madrid, Cape Town, Singapore, São Paulo.
463
» « The New Politics , Culture Wars, and The Authoritarian Libertarian Value Change
Scott C. Flanagan and Aie-Rie Lee Comparative Political Studies Vol. 36 No. 3, April 2003
235-270 Sage Publications.
مستوى ممارسة الفرد إرادته في عالقته بالسلطات االجتماعية والسياسية الذي يتحدد
االنتقال السابق فيه من هيمنة قيم االحترام والوالء للسلطة وللنظام ،نحو قيم االستقاللية،
والحرية ،والمشاركة الحازمة في أنشطة تحدي النخبة ،والحق في عدم االمتثال للقواعد
االجتماعية والسلطات القانونية ،464وهو ما تمت اإلشارة إليه سابقا بالمستوى االجتماعي
الخارجي؛
مستوى عالقة االفراد باآلخرين ومو اقفهم من الوالء وخدمة اآلخرين ومصالح املجموعة
والقواعد األخالقية ،ويتحدد االنتقال ضمن هذا المستوى من إنكار الذات ،وقوة الوالءات
الجماعية القوية ،وخدمة اآلخرين ،ووضع مصالح املجموعة قبل مصالح الفرد ،وااللتزام
بالقواعد األخالقية الصارمة ،إلى االنغماس في الذات ،والبحث عن المتعة ،وعن الحد األقص ى
من التنمية الشخصية ،وضعف والءات املجموعة ،ووضع مصالح المرء الخاصة قبل اآلخرين
،وهو ما تمت اإلشارة إليه سابقا بالمستوى العالئقي العاطفي .
وضع "فالنغان ولي " جدوال يتضمن عشرين مؤشرا ميزا فيها بين قيم السلطة وقيم التحرر
ضمن األبعاد الثالثة السابقة ،حيث وضع مؤشرات ثمانية لتمثيل تقابل قيم الوالء مع قيم
االستقالل الذاتي الخاصة بالبعد الفرعي األول ).(D1
464
Adorno, Theodore W., Frenkel-Brunswik, E., Levinson, D. J., & Sanford, R. N. (1950). The
authoritarian personality. New York: Harper.
465
Rokeach, M. (1960). The open and closed mind. New York: Basic Books.
الجدول ()5
وهي احترام السلطة ،والحفاظ على النظام ومكافحة الجريمة ،تعليم األطفال الطاعة واألخالق
الحميدة ،وجوب اتباع تعليمات األعلى منزلة ،مقابل التشديد على حرية التعبير ،والمزيد من
الرأي في الحكومة ،وفي أمكنة العمل ،وفي التجمعات ،وتربية األطفال على االستقاللية ،و
تفضيل مكان العمل بفرص استخدام المبادرة الخاصة466.
وبالنسبة للبعد الثاني) ، (D1فقد تضمن ستة مؤشرات تقابل بين نظم المعتقدات
المغلقة والمتسقة ،مع نظم المعتقدات المفتوحة وغير المتكاملة ،وهي :اإليمان بأن (اإلله )
466
The New Politics , Culture Wars, and The Authoritarian Libertarian Value Change IDEM P
4.
حقيقي ومهم وشخص ي ،اإليمان بالخطيئة والجحيم والشيطان أي االعتقاد بأن هناك مبادئ
توجيهية واضحة تماما ،فيما يتعلق بما هو خيروما هو شر ، ،والحذرمن التغييرمقابل االعتقاد
بأن مفاهيم اإلله والشيطان غير واضحة أي االعتقاد بعدم وجود معايير مطلقة للخير ،والشر
،وأن كل ش يء نسبي ويعتمد على الظروف ،وتربية األطفال على الخيال ،واإليمان بأن األفكار
الجديدة دائما هي األفضل .
وبالنسبة للبعد الثالث ( ) D1فتضمن ستة مؤشرات تقابل بين إنكار الذات و االنغماس
في الذات ،وهي :أهمية اإلخالص الزوجي ،وأهمية محبة واحترام الوالدين ،وأولوية المصلحة
بكامل التمتع مقابل الخاصة المنفعة على العامة
الحرية الجنسية ،و تمتع اآلباء بحياتهم الخاصة وعدم التضحية برفاههم من أجل أطفالهم ،
و إيثارالمنفعة الخاصة على المصلحة العامة.
وتجدر اإلشارة إلى أن "فالنغان ولي" وضعا مقياسين للمؤشر الثالث من البعد الثالث
يتضمن المقياس األول فيها اختيارات -لتقيم مدى الشعور بإمكانية تبرير أنواع مختلفة من
السلوكات الفردية -متعلقة بسؤال إلى أي مدى ينبغي تقييد األفراد من ممارسة تفضيالتهم
الخاصة ،أو االنغماس في رغباتهم لحساب املجتمع أوغيره.
وقد رجح أن االنتقال القيمي سيكرس قبول السماح لألفراد بمزيد من االستقاللية،
وتبرير القيام بسلوكات مختلفة ،حتى لو كانت غير قانونية أو ضارة باآلخرين ،كما رجح
االستعداد للتغاض ي عن اإلجراءات التي ال يوجد فيها ضحية عدا الدولة ،أو املجتمع بشكل عام
،كإجراءات الغش في الضرائب ،وتجنب أجرة وسائل النقل العام ،والمطالبة بالمزايا
الحكومية التي ال يحق الحصول عليها ،وقبول الرشوة ،والتغاض ي عن القمامة ،والشرب أثناء
القيادة.
أما المقياس الثاني ،فيتضمن اختيارات – لتقييم "االنغماس في الذات على حساب
اآلخرين" ،والتي يوجد فيها ضحية فردية ستعاني من بعض الخسائر الشخصية نتيجة لهذا
اإلجراء.
وقد رجح أن االنتقال القيمي سيكرس قبول تبرير الكذب ألجل المنفعة الخاصة،
والحفاظ على األموال التي تم العثور عليها ،وشراء ش يء معلوم أنه مسروق ،وعدم اإلبالغ عن
األضرار التي تم إلحاقها باآلخرين من سرقة السيارات ،وعن اللهو بركوب السيارات المسروقة
،وعن سرقة شؤون اآلخرين ،وعن الطالق 467.وبالعودة إلى القيم املحصل عليها في الجدول
السابق ،يتأكد تحقق االنتقال العلماني القيمي وفق ما تم ترجيحه من اتجاهات بين الذين تم
تصنيفهم ضمن قطب السلطة ،والذيم صنفوا ضمن قطب التحرر ؛ حيث أتت جميع قيم
األوزان املحصل عليها في االتجاه المتوقع ،فقد تراوح متوسط الوزن على العناصرالعشرين من
مستوى منخفض بلغ 1.111لبريطانيا إلى مستوى مرتفع بلغ 1.167في ألمانيا الغربية.
وكان متوسط األوزان لكل دولة في جميع الدول االثنتي عشرة هو ،1.111كما تم إجراء
تحليل العوامل لعينة واحدة مجمعة من جميع المستجيبين من جميع الدول االثنتي عشرة،
وكان متوسط عامل الوزن للعينة املجمعة ،1.151كما تم إنشاء مقياس بعد التسلط /التحرر
كمقياس مضاف بسيط عبر هذه العناصر العشرين ،وبالنسبة لجميع العناصر ،تم ترميز
االستجابة التحررية على أنها النهاية العليا لتوزيع االستجابة ألغراض إنشاء المقياس.
املحورالثاني :نتائج دراسة "فالنغان ولي " حول االنتقال العلماني القيمي
سيتم عرض النتائج المتوصل إليها من قبل "فالنغان ولي " في دراستهما آلثار االنتقال
العلماني التحرري ،التي انطلقا فيها من المقارنة بين عينتين مختلفتين من األفراد ،عينة
المدافعين عن قيم السلطة ،وعينة التحررين أو المدافعين عن القيم التحررية ،ليتم تصنيف
تلك النتائج وفق المستويات االجتماعية الثالث في خالصة تركيبية موضحة آلثار االنتقال
العلماني التحرري االجتماعية .
يقدم الجدول ( )1في دراسة "فالنغان ولي " ،اآلثار النفسية الناجمة عن االنتقال
العلماني القيمي نحو التحرر وقيم التعبير عن الذات حيث يرصد العالقة بين القيم التحررية
ومؤشرات (موقفية ) أربعة للرضا ،و خمسة أخرى لالغتراب ،468وقد أتت النتائج مؤكدة على
ُ
عكس ما افترض حصوله مع االنتقال العلماني التحرري ،إذ كان من المفترض أن يزيد التحرر
من الشعور بالسعادة في جميع جوانب حياة المتحررين ،لكن العالمات السلبية في كل
467
The New Politics , Culture Wars, and The Authoritarian Libertarian Value Change IDEM p
8
468
The New Politics , Culture Wars, and The Authoritarian Libertarian Value Change IDEM p
4
المؤشرات الفردية األربعة للرضا وفي المؤشر المشترك أيضا ضمن الجدول والخاصة بكل
الدول باستثناء النمسا تؤكد أن هذا االفتراض عكس ي تماما .
الجدول ()1
ففي دول من أصل اثنتي عشرة دولة كما هو مبين في الجدول ترتبط سلبا القيم التحررية
بالرضا عن الحياة ،وكذلك ترتبط سلبا بالرضا الوظيفي والمالي في ثمانية دول من أصل اثنتي
عشرة دولة ،و أيضا بالرضا عن الحياة المنزلية في احدى عشرة دولة من أصل اثنتي عشرة دولة.
وما يمكن استخالصه من هذه النتائج هيمنة القيم التحررية تحدث اغترابا نفسيا لدى
األفراد ،يتجسد في ارتفاع معدالت عدم الرضا لدى المتحررين ،وفي المقابل تحدث هيمنة
القيم األخالقية الدينية رضا نفسيا لدى المؤمنين بتلك القيم ،وهو ما أكده "انجلهارت" نفسه
اعتمادا على دراسته لتقارير(" )WVSرابطة مسح القيم العالمية" لسنة ،469 5775حيث
كشف عن ترابط مهم بين الرضا عن الحياة ككل ،وحضور الكنيسة ،ومستشهدا على نفس
النتيجة بدراسات أجريت من 5761حتى أو ائل ، 5771والتي أثبتت أن من يحضرون الكنيسة
بانتظام ،أو يتمسكون ببعض المعتقدات الدينية هم أكثر سعادة من أولئك الذين ال يفعلون
ذلك.
469
Inglehart Ronald 1990. Culture Shift in Advanced Industrial Societies. Princeton: Princeton
)University Press., pp. 227-229
وقد وجدت دراسات حديثة أن اإليمان الديني ال يرتبط فقط بمستويات أعلى من
السعادة ،ولكن بشعور أكبر بالتكامل املجتمعي ،مع صحة بدنية وعقلية أفضل ،وأجهزة مناعة
أقوى ،وطول عمر أكبر470 .
النتيجة الثانية :االنفتاح على التعددية العرقية والثقافية واالغتراب الوطني
يؤكده الجدول ( 471 )1في دراسة "فالنغان ولي " دائما في الجزء المعنون باالغتراب من
خالل القيم المثبتة به أن األفراد التحررين أقل اغترابا ،أوأكثرتسامحا مع املجموعات املختلفة
عرقا ودينا ،وكذلك هم مع أنماط الحياة أو السلوك املختلفة عن أنماط حياتهم و سلوكهم .
التحرريون ،إذن ،أكثر انفتاحا على تعددية الثقافات و أنماط الحياة ،إذ هناك عالقات
إيجابية كبيرة بين القيم التحررية والتسامح في جميع الدول االثنتي عشرة ،مع متوسط ارتباط
بنسبة 1.11موزعة على تلك الدول ،ومتوسط ارتباط للدول مجتمعة بنسبة .1.15
Gallup, George, Gallup Jr., George, & Lindsay, Michael. (2000). Surveying the religious landscape:
Trends in U.S. beliefs. Harrisburg, PA: Morehouse.
Koening, Harold G. (1999). The healing power of faith: Science explores medicine’s last great frontier.
New York: Simon & Schuster.
472
The New Politics , IDEM 12
وبشكل عام ،فمتوسط العالقة بين القيم التحررية والوطنية موزعة على الدول االثنتي
عشرة موزعة بلغ ، 1.11وفي العينة مجتمعة بلغ ،1.16ما يعني أن القيم التحررية تضعف
الشعورالوطني ،وأنها ترفع من مستوى هذا هذا النوع من االغتراب.
وما يمكن ق وله على سبيل االستخالص التركيبي بين نتائج المعطيات السابقة سواء ما
تعلق منها بعالقة قيم التحررباالغتراب النفس ي ،أو باالنفتاح على التعددية وباالغتراب الوطني ،
إن االنتقال نحو القيم التحررية يرفع من االغتراب النفس ي ،بإضعافه الشعور بالرضا عن
الحياة ،والرضا الوظيفي والمالي والرضا عن الحياة المنزلية ،قياسا إلى الشعوربالرضا عن هذه
المناحي بين معتنقي القيم األخالقية الدينية ،كما يؤدي هذا االنتقال من جهة أخرى إلى إضعاف
الشعور باالنتماء الوطني ،أما على المستوى املجتمعي المرتبط بعالقة األفراد باملجموعات
املختلفة عرقيا أو ثقافيا ،أو ذوات أنماط الحياة املختفة فيتميزبقوة االنفتاح والقبول ،إال أنه
تجدر اإلشارة إلى أن قوة هذا االنفتاح ال قوة التماسك بين مجموعات النسيج االجتماعي ،بل
على العكس الرتباطه بتآكل هذا التماسك كما اثتب ذلك "بونتام " في دراسته لتطورالرأسمال
االجتماعي في "الواليات المتحدة األمريكية" ابتداء من ستينيات القرن العشرين .
إن لهذه النتائج انعكاسا على عالقة األفراد التحررين بالمؤسسات املجتمعية
والحكومية ،وبقضايا الصراع الثقافي ،وتغير أنماط المشاركة المهيمنة ،سيتم تناولها فيما
سيأتي.
ثمة نتائج أخرى تؤكد ارتفاع مستويات ارتياب األفراد في المؤسسات االجتماعية و
السياسية (الحكومية ) ،نتيجة هذا االنتقال العلماني التحرري ،وهوما أثبتته دراسة "فالنغان
ولي" ،مع مقياس الثقة في مؤسسات مجتمعية هي :خمس الكنيسة ،والشركات الكبرى ،
والنظام التعليمي ،والصحافة ،والنقابات ،حيث أظهرت نتائجه أن ألغلبية التحرريين ثقة
ضئيلة ،أو معدومة في هذه المؤسسات ،باستثناء النظام التعليمي.
فبالنسبة للكنيسة أعرب ٪97من التحرريين في هذا المقياس عن ثقة ضئيلة ،أو معدومة
فيها مقارنة ب ٪11فقط من الذين صنفهم "فالنغان ولي " مدافعين عن السلطة ،وأرجع كل
منهما هذه النتيجة إلى أن معظم التحرريين يعتبرون األخالق التقليدية التي تتبناها الكنيسة
مقيدة للغاية ،ومتجاوزة ،وتتعارض مع سعيهم لتحقيق الذات ،وأن الجماعات الدينية املختلفة
مصدر لالنقسام ،والصراع على الصعيدين الوطني والدولي ،حيث تتمسك بعناد باملجتمعات
وتحاول فرض مختلف العقائد والمطلقات التي يعتبرها التحرريون مجرد افتراءات للعقل
البشري.
وبالنسبة لمؤسسات الصحافة واإلعالم التلفزي فالنتائج جاءت غير بديهية إلى حد ما،
حيث يشير"فالنغان " إلى تقارب مستويات الثقة في هذه المؤسسات بين التحرريين و المدافعين
عن السلطة ،لكنه يشيرإلى رأي هذه املجموعة األخيرة حول التحيزالتحرري اللبرالي الذي تعرفه
هذه المؤسسات ويسوق بعض األدلة الداعمة لهذا الرأي ،منها أن لدى النخبة اإلعالمية
مع 117صحفيا في أكثر مقابالت "ليشتر وروثمان"473 مو اقف ال تمثل عامة السكان؟ فنتائج
وسائل اإلعالم تأثيرا في أمريكا ،أثبتت أن ٪57فقط من الصحفيين شعروا بأن المشاكل البيئية
مبالغ فيها ،و ٪71منهم يؤمنون بحق المرأة في اإلجهاض ،و ٪79يرون أن الحكومة ال ينبغي أن
تنظم الجنس ،و ٪11فقط يرون أن المثلية الجنسية خاطئة ،و ٪51فقط يرون أن المثليين
جنسيا ال ينبغي أن يدرسوا في المدارس العامة ،وبالتالي فهذه الردود – في رأي "فالنغان ولي " -
تبين أن النخبة اإلعالمية تحمل قيما تحررية قوية ال تمثل المو اقف الوسيطة للسكان ككل .
ومنها مدى انعكاس هذا التحيز في محتوى تقاريرالنخبة اإلعالمية حيث يرى أن األدلة
بشأن اإلبالغ عن الحمالت االنتخابية وتقاريرها مختلطة ،ويبقى من المشكوك فيه أن يظهر
تحيز حزبي واضح باستمرار في التقارير اإليجابية والسلبية للمرشحين ،لكن ومع ذلك ،ففيما
يخص القضايا السياسية الجديدة ،يعتقد احتمال التحيز بالنظر إلى أن المو اقف اليسارية
الجديدة غالبا ما تعتبر هي المو اقف الصحيحة سياسيا ،وأن الصحفيين قد يعتبرون أنفسهم
مدافعين عن الحق في الخيارات المستقلة ملختلف الجماعات والمصالح .474
وبالنسبة للمؤسسة الوحيدة التي يظهر فيها التحرريون ثقة أكبر من المدافعين عن
السلطة وهي (االتحادات النقابية) ،ففي الو اقع ،عند النظر إلى النسب المئوية الفعلية ،ال
يتعلق األمر بارتفاع ثقة التحرريين في النقابات ،بل إن المدافعين عن السلطة ال يثقون في
473
Lichter, S. Robert, Rothman, Stanley, & Lichter, Linda S. (1986). The media elite:
new power brokers. Bethesda, MD: Adler & Adler. America’s
474
Norris, Pippa. (Ed.). (1999). Critical Citizens: Global Support for
Oxford University Press. DemocraticGovernment.NY:
النقابات ،ف ٪17من التحرريين لديهم ثقة ضئيلة أو معدومة في النقابات ،أقل قليال من
متوسطهم العام ،لكن ٪66من السلطويين ال يثقون في النقابات ،لذا فإن الفرق الرئيس ي هنا
يكمن في أن السلطويين يرون أن النقابات تخل بالنظام االجتماعي .
وكما هو مبين في الجدول ( )1فقد جاء متوسط العالقات المتبادلة ،والمشتركة عبر
الدول بين القيم وعدم الثقة المؤسسية املجتمعية متراوحا بين نسبتي 1.19و 1.15عبر هذه
المؤسسات املجتمعية الخمس ،و أبلغ ٪61من التحرريين عن ثقة ضئيلة أو معدومة مقارنة ب
٪11فقط من المدافعين عن السلطة .
وما يمكن استخالصه من المعطيات السابق اتجاه األفراد نحو تبني القيم التحررية
يضعف شعور الثقة لديهم في المؤسسات املجتمعية كالكنيسة ،المؤسسات اإلعالمية ،و
االتحادات النقابية .
ويزداد هذا التوجه قوة حيث تصبح االختالفات بين السلطويين والتحرريين أكثر حدة
عند االنتقال إلى المؤسسات الحكومية ،ويؤكد ذلك نتائج المقياس المعتمد في تلك الدراسة
الذي شمل خمس مؤسسات حكومية هي البرلمان ،والخدمة المدنية ،والنظام القانوني ،
والشرطة ،والقوات المسلحة475 .
وعلى ضوء هذه البيانات المضمنة في الجدول ،يتضح أن صنف التحررين أضعف ثقة
في جميع المؤسسات سواء املجتمعية ،أو الحكومية ،وفي هذا السياق يرى "فالنغان و لي " أن
هذا الوضع من عدم ثقة التحرريين في جميع المؤسسات ،تقريبا ،ال يمثل فقط انعكاسا لعدم
ثقتهم في السلطة ،ولكن أيضا لشعورهم بفقدان االستقاللية في مواجهة المؤسسات الكبيرة
املجهولة الهوية ،فما يهدد ممارسة استقاللهم التحرري الذاتي ،وال يمكنهم السيطرة عليه ،ال
يثقون به.
إنهم ال يعتقدون إمكانية الوثوق بالمؤسسات الكبيرة لتعزيز مصالحهم الشخصية ،بل
يعتقدون رجحان أن تتصرف بطرق من شأنها أن تضر بحريتهم ،أو بيئتهم أو أمنهم المالي أو
سالمتهم ،وهكذا بدا أن التلوث وسالمة المنتجات وجشع الشركات أصبحت قضايا رئيسية ،
475للحصول على البيانات المستخدمة في دراسة "فالنغان ولي " يمكن الرجوع إلى:
Measuring and Comparing Values in 16 Countries of the Western World
https://www.gesis.org/angebot/daten-finden-und-abrufen/european-values-study
مع ظهور ظاهرة جديدة نسبيا تتمثل في المظاهرات ضد المنظمات الدولية والشركات الكبرى
476.
يؤدي االنتقال العلماني إلى تبني التحررين قضايا يسارجديد ضمن دائرة الصراع الثقافي
،تعكس رؤاهم المعرفية لقضايا األخالق ،وحقوق اإلنسان ،ونوعية الحياة ،وقضايا تحدي
النخبة.
ويرجع ذك إلى سببين هما :تناقص الفائدة الحدية لقضايا السياسة القديمة ،وتبني
رؤية ما بعد حداثية ورفاه منفتح على تعددية وجهات النظر العالمية وعلى القيم التحررية،
والضغط من أجل الحرية في تبني أنماط حياة جديدة ،و اتخاذ أنواع جديدة من الخيارات
الشخصية 477.
و يؤكد الجدول ( )1في دراسة " فالنغان ولي " ارتباط قضايا اليسار الجديد بالقيم
التحررية ،فبالنسبة ل:
476فالواليات المتحدة ،على سبيل المثال ،شهدت في صيف عام 4999أعمال الشغب ضد منظمة التجارة العالمية في سياتل والمظاهرات
ضد الشركات الكبرى في المؤتمر الديمقراطي في "لوس أنجلوس" .
477تمظهرت في دعوات إضفاء الشرعية على المخدرات ،والجنس الحر ،واإلجهاض ،والطالق بدون موجب أو سبب ،وتحرير
القيود المفروضة على المواد اإلباحية ،و وتخليص حرية التعبير من أي نوع من الرقابة ،وتحرير المرأة ،وحقوق األقليات ،وحماية
البيئة ،والسالم العالمي وحكومة عالمية واحدة ،وفصل الكنيسة عن الدولة ،وإخراج التربية األخالقية من المدارس.
انظر :
The New Politics , Culture Wars, and The Authoritarian Libertarian Value Change IDEM p 17
تتأكد العالقة بين االنتقال العلماني و انفصال قيمه التحررية عن المبادئ األخالقية
الصريحة والمطلقة ،واعتبار األخالق مجرد مسألة تفضيل شخص ي ،ويؤكد ذلك االنقسام
الحاد بين التحررين والمدافعين عن حول قضايا "اإلجهاض" ،و"القتل الرحيم /االنتحار"،
و"تعاطي املخدرات" ،و"الدعارة" و"المثلية الجنسية" ،و"القيم األسرية البديلة ،"478وهو ما
تؤكده معطيات الجدول ( )1في كون االنتقال العلماني التحرري يتجه نحو تعزيز الدفاع ودعم
القضايا الالأخالقية في وجه القضايا األخالقية .
تؤكد معطيات الجدول نفسه على أن التحرريين ،بفعل ارتفاع مستوى تسامحهم أو
"المباالتهم « ،و انفصالهم عن القيم التقليدية ،وتأكيدهم على أهمية وحق كل فرد في السعي
إلى تحقيق الذات بالكامل ،حتى في التضحية باآلخرين ،مؤيدون بشكل أقوى بكثير لحقوق المرأة
واألقليات وفق هذا التصورمقارنة بالسلطويين ،الذين ليسوا بالضرورة معادين لحقوق المرأة
واألقليات ،لكنهم بالتأكيد ال يذهبون إلى مدى ما يفعله التحرريون بشأن هذه القضايا.479
تؤكد معطيات الجدول ( ) 1أن التحرريين أكثر استعدادا لقبول ضرائب أعلى لمنع
التلوث ،والتبرع بالمال طواعية للقضايا البيئية ،ويعزو "فالنغان ولي " ذلك إلى أن التحرريين
يعتقدون أن النظام البيئي اإليكولوجي ظهر من خالل التطور وبالتالي فهو موجود في حالة هشة
478اسررتند تقيرريم قضرررية "القرريم األسرررية البديلررة " إلررى مؤشررررين ،أحرردهما يسررأل عررن الشررعور برررأن الررزواج مؤسسررة عفررا عليهرررا
الرررزمن ،والثررراني يسرررأل عمرررا إذا كررران مرررن الصرررواب للمررررأة أن تخترررار إنجررراب أطفرررال خرررارج إطرررار الرررزواج ،ودون عالقرررة مسرررتقرة
مع أي رجل ،ومن المرجح أن يؤيد التحرريون البدائل التي تختلف اختالفا جذريا عن األسرة التقليدية.
479
The New Politics , Culture Wars, and The Authoritarian Libertarian Value Change IDEM p
22.
من االعتماد المتبادل ،وأن اإلنسان بتدخله في هذا التوازن البيئي الدقيق يهدد من خالل
ممارساته االستغاللية ،بتدمير الظروف التي تجعل الحياة ممكنة.
يستخلص "فالنغان ولي " من معطيات الجدول السابق أن التحررين يدافعون عن
الحاجة إلى تغييرات جذرية كبيرة ،وعن تبرير العنف السياس ي 480الذي يصل إلى المدى الذي ال
ينظر فيها إلى أي سلطة على أنها شرعية ،وإلى النظر إلى عدم االمتثال ،وحتى إلى العنف
الفوضوي .
على أنهما ليسا مشاكل خطيرة ،وهو ما يعني أن القيم التحررية تعمل على تبرير تفكيك
مؤسسات السلطة و األعمال الفوضوية .
خالصة:
تأكيدا على ما تم االنطالق منه من كون دراسة "فالنغان ولي " ترصد تأثير االنتقال من
التمركز حول قيم السلطة ذات األساسين الديني و العلماني العقالني نحو التمركز حول قيم
التحرر و التعبير عن الذات على ثالث مستويات اجتماعية ،فإن هذه الخالصة سيتم تصنيف
النتائج المقدمة سابقا وفق هذه المستويات الثالثة ،فما تم تأكيده من حصول االغتراب
النفس ي و عدم الثقة في المؤسسات االجتماعية و السياسية ،وتفضيل خيارات التغييرات
الجذرية ،وتبريرعدم االمتثال للقواعد االجتماعية والسلطات القانونية وتبريرالعنف السياس ي
األعمال الفوضوية تندرج ضمن آثار المستوى االجتماعي الخارجي ،أما تم تأكيده من التمركز
حول انفصال القيم التحررية واألفكار الجديدة عن المبادئ األخالقية الصريحة والمطلقة
والتحررمن العادات والمعتقدات المتسقة ،واعتبار األخالق مجرد مسألة تفضيل شخص ي من
باملجموعة ،مع التأكيد على قيم عدم التو افق ،واالنفتاح على أنظمة معتقدات غير متكاملة ،
وعلى تعددية املجموعات ،واألفكار ،و أنماط الحياة املختلفة والتمحور حول اإلنسان ،واعتقاد
نسبية الحقيقة ،و التصورات المتغيرة وغير الراسخة حول النفس والو اقع فتندرج ضمن آثار
المستوى االجتماعي الداخلي ،وبالنسبة لما تم تأكيده من تمركز حول البحث عن تحقيق
480يتكرررون معيرررار العنرررف مرررن مؤشررررين ،ويوضرررح أن التحررررريين أكثرررر اسرررتعدادا مرررن السرررلطويين لتبريرررر القترررال مرررع الشررررطة
واالغتيال السياسي.
المصالح الشخصية و إيثار المنفعة الذاتية على المصلحة العامة ،وضعف الوالء الوطني
االنغماس في الذات ،والبحث عن المتعة ،وعن الحد األقص ى من التنمية الشخصية ،وضعف
والءات املجموعة ،ووضع مصالح المرء الخاصة قبل اآلخرين ،وهو ما تمت اإلشارة إليه سابقا
بالمستوى العالئقي العاطفي ،فيندرج ضمن آثارالمستوى العالئقي العاطفي.
هكذا إذن يبدو التأثير السلبي لحركة االنتقال العلماني على تلك المستويات االجتماعية
الثالث ،ومدى تأثير املحددات المعرفية التي انبنى عليها التصور المعرفي لنموذج هذا االنتقال،
وهو ما يدعو إلى إعادة النظر في هذه املحددات ،خاصة وأن ثمة ما ِيؤكد اآلثار اإليجابية
للمحددات المعرفية ذات األصول المعرفية األخالقية و الدينية كما سبقت اإلشارة .
المراجع
)5عبد الوهاب لمسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " الجزء الثاني دارلشروق
عمان ،األردن ،الطبعة األولى .5777
https://www.jstor.org/stable/3593079
5) Rokeach, M. (1960). The open and closed mind. New York: Basic
Books.
http://garfield.library.upenn.edu/classics1979/A1979HJ26700001.pdf
10) Norris, Pippa. (Ed.). (1999). Critical Citizens: Global Support for
Democratic Government.NY: Oxford University Press.
يخضع املحافظ على األمالك العقارية باعتباره موظفا عموميا لجميع المقتضيات
القانونية والتنظيمية والمهنية التي توجبها ممارسة الوظيفة العمومية ،481كما يتحمل
مسؤولية جنائية تخضع لنظام قانوني وقضائي مستقل بقواعد (مطلب ثان) ،باإلضافة إلى
تحمله مسؤولية مدنية وهي تعتبرمسؤولية تقصيرية تجد سندها في الخطأ المنهي الناتج عن عدم
القيام بااللتزامات المعروضة عليه قانونا ،والتي تؤدي إلى إلحاق أضرار بالغير (مطلب اول)
باإلضافة أيضا إلى مسؤوليته المالية (مطلب ثالث).
بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 61من ظهير االلتزامات والعقود نجده يتطرق لمسؤولية
املحافظة العقاري عن األخطاء التي يتسبب فيها ،بحيث بعدما قرر مبدأ عدم إمكانية إقامة أي
دعوى مدنية ضد قرار محافظ ،أكد في الفقرة األخيرة على مراعاة تطبيق القواعد الخاصة
بمسؤولية الدولة وموظفيها كما هو منصوص عليها في الفصول 97و 71من ظهير االلتزامات
والعقود.
-481محمد الحياني :المسؤولية في نظام التحفيظ العقاري المغربي ،الجزء األول ،الطبعة األولى ،مؤسسة النخلة للكتاب،
وجدة ،4002 ،ص .000
لكن ما دامت مسؤولية املحافظ على األمالك العقارية ال يمكن أن تكون إال عن اإلخالل
بااللتزام المنهي 482فهل يمكن القول بأن مسؤوليته تقصيريه أم أنها مسؤولية من نوع خاص؟483
إن املحافظ على األمالك العقارية عندما يرتكب خطأ في التحفيظ العقاري نتيجة
استعماله وسائل تدليسيه ،يمكن أن تتم متابعته في إطار المبادئ العامة للمسؤولية
التقصيرية ،484ويتعين على من يدعي تضرره ،إذا كان في نيته الحصول على التعويض عن الضرر
أن يوفرحجتين:
-5حجة توفره على حق تملك أو نوع آخر من الحقوق العينية التي كانت على العقار
لمصلحته ،والتي لم تنتف إال بسبب عمليه التحفيظ .وفي هذا اإلطار يمكن اإلشارة
إلى أن محكمة االستئناف بالرباط في قرارها بتاريخ 5711/51/51أقرت على أنه يمكن
للمحكمة التي تعرض عليها دعوى في الموضوع هدفه البحث عن حقوق كل طرف على
العقارالذي ادعى بأنه حفظ بطريقة غيرقانونية485؛
وقد ذهب أحد الباحثين 486إلى القول بأن التدليس المنصوص عليه في الفصل 61من
ظهيرالتحفيظ يجب أخذه بمفهومه العام كو اقعه ترتب عنها ضررمقصود ،وهواالتجاه الغالب
لدى الفقه القانوني واالجتهاد القضائي الذي يفسر مفهوم التدليس بصفة عامة .بحيث يكفي
أن يكون المستفيد من التحفيظ ذو نية سيئة ،حتى يثبت تدليسه وال حاجه للقيام بمناورات
تدليسية ،كما هو الشأن في الميدان التعاقدي .وبذلك يفسر التدليس الوارد في الفصل 61
-482عبد االله مرابط :إلغاء مطلب التحفيظ لعدم متابعة المسطرة ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص،
كلية الحقوق ،جامعة محمد الخامس ،الرباط ،4002/4002 ،ص .004
-483عبد الحفيظ أبو الصبر :مسؤولية المحافظ على األمالك العقارية والرهون بالمغرب ،0991/0994 ،ص .22
-484عمر موسى :الدعاوى الكيدية أثناء مسطرة التحفيظ العقاري ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص،
كلية الحقوق ،جامعة محمد الخامس ،الرباط ،4002/4002 ،ص .000
-485قرار محكمة االستئناف بتاريخ ،0912/00/01أورده بول ديكر ،القانون العقاري المغربي ،الطبعة الثانية،0922 ،
الرباط ،ص .010
-486محمد بن الحاج السلمي ،سياسة التحفيظ العقاري بالمغرب بين اإلشهار العقاري والتحفيظ االجتماعي ،رسالة لنيل
دبلوم الدراسات العليا ،المدرسة الوطنية لإلدارة ،سنة ،0921/0922ص.012
حسب المفهوم العام بالفعل المتعمد الذي يلحق الضرر .إال أن المطالبة بالتعويض نتيجة
التدليس تتقادم بمرور خمس سنوات ابتداء من اليوم الذي يعلم فيه المدلس عليه بوقوع
التحفيظ أو التدليس .أو بعشرين سنة ابتداء من تاريخ اتخاذ قرارالتحفيظ.
فقرة ثانية :مدى إعمال دعوى اإلثراء بال سبب في مواجهة املحافظ على األمالك العقارية
إن اإلثراء بال سبب هو و اقعة تقوم على انتقال قيمة مالية من ذمة إلى أخرى ،دون أن
يكون لهذا االنتقال سبب قانوني يرتكزعليه كمصدرله .487وكما هو معلوم ،تقوم دعوى اإلثراء
بال سبب على ثالثة أركان :إثراء المدين ،افتقار الدائن المترتب على اإلثراء ،و انعدام السبب
القانوني لإلثراء488.
فهل يحق للمضرور عالوة على حقة في تحريك دعوى المسؤولية اإلدارية الموجهة ضد
الدولة ،أو الدعوى الموجهة ضد املحافظ على األمالك العقارية ،اللجوء إلى دعوى اإلثراء بال
سبب ضد الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية؟
ذهب أحد الباحثين إلى أن السبب القانوني لإلثراء يمكن أن يتمثل أيضا في قراريصدرمن
جهة اإلدارة ،489وفي هذا الصدد أعطت محكمة النقض الفرنسية للمتضررمن التحفيظ الحق
في إقامة دعوى مرتكزة على نظرية اإلثراء بال سبب 490والمنظمة بمقتض ى الفصل 66من ظهير
االلتزامات والعقود.
إال أن تعويض المتضررمن التحفيظ العقاري عن طريق االعتراف لفائدته بدعوى اإلثراء
بال سبب ليس حال ناجعا ،وذلك راجع لكون هذه الدعوى ال تستعمل في كل حاالت التدليس
باعتبار أن شروطها ليست محددة بكيفية واضحة ،فهي عبارة عن طعن ال يستعمل إال بعد
استنفاذ طافة الطعون المنصوص عليها في الفصل 61من ظهيرالتحفيظ العقاري ،مما يترتب
عليه تضييع الوقت وكذا تحمل المعني مصاريف كثيرة.
-487عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،نظرية االلتزام بوجه عام ،مصادر االلتزام ،دار إحياء التراث
العربي ،بيروت ،لبنان ،ص.004
-488عبد القادر لشقر ،محاضرات في قانون التحفيظ العقاري ،ورقة الترقيم ،السنة ،4001/4002ص.22
-489عبد اإلله لمرابط ،مرجع سابق ،ص.002
-490قرار بتاريخ 00نونبر ،0922مجموعة لما وراء البحار ،0924ص ،042أورده :محمد الحاج السلمي ،مرجع
سابق ،ص.012
وفي حالة ما إذا سلمنا بأحقية المضرور في تحريك دعوى اإلثراء بال سبب ،فمن هم
األشخاص المستفيدون من ذلك؟
في هذا الصدد ذهب أحد الباحثين إلى القول بأنه ما دمنا نتحدث عن ضحايا التحفيظ،
بأن أطراف مسطرة التحفيظ العقاري يحق لهم رفع هذه الدعوى ضد الوكالة الوطنية
للمحافظة العقارية التي اغتنت على حسابهم بغض النظر عن النوع االعتناء491.
لكن إذا كانت دعوى اإلثراء بال سبب مطالبة مشروعة من جانب أطراف مسطرة
التحفيظ أو التقييد ،فإن وجه الصعوبة الذي يطرح ويحول دون انتصار المتضرر في دعواه،
تتمثل في كون القرار الوزيري المتعلق بتعيين نظام إدارة املحافظة على األمالك العقارية تعتبر
رسوما مستخلصة حقوق مكتسبه لخزينه الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية492.
لكن هذا ال ينفي مشروعية وأحقية أطراف مسطرة التحفيظ في المطالبة باسترداد
الرسوم المستخلصة على اعتبار أنها دفعت للمحافظة العقارية ،ألجل قيام هذه األخيرة
باإلجراءات الالزمة إلجراءات التحفيظ والتقييد ،حسب ما أكدت عليه دوريات املحافظة
العقارية 493حيث كرست حق المتضررفي استرداد الرسوم في حالتين:
والثانية تتعلق بعدم قيام محافظ العقاري باإلجراءات المطلوبة كال او بعضا.
يخضع املحافظ العقاري لألحكام القانونية المنظمة للمسؤولية الجنائية التي تطبق على
مختلف موظفي وأعوان الدولة في حالة متابعتهم جنائيا من طرف القضاء أو في حالة ارتكابهم
ألخطاء أو مخالفات ذات طابع منهي ،بحيث يتعرض املحافظ للتوقيف أو النقل أو إعادة الترتيب
من مهام املحافظ إلى إطارعادي أو العزل عند االقتضاء.
ينص الفصل 511من القانون العقاري رقم 51.19في قسمه الثالث الذي جعله المشرع
للعقوبات" :تطبيق أحكام القانون الجنائي على من:
-5يقوم عن علم وبقصد ربح غير مشروع لشخص آخر ،بتزوير أو تزييف أو تحريف
الرسوم العقارية أونظائرها أوالقوائم أوالشهادات التي سلمها املحافظ على األمالك
العقارية ،طبقا لهذا القانون يستعمل مستندات مزورة أو مزيفة أو محرفة على
الكيفية المذكورة؛
-1يقترف زورا في املحررات المقدمة بقصد التقييد أو التشطيب ،إما بتزييف أو تحريف
كتابات أو توقيعات ،وإما بخلق أشخاص وهميين أو باصطناع اتفاقات أو تصرفات أو
إبراءات أو إدراج ذلك في تلك السندات بعد تحريرها ،بإضافة أو تزييف شروط أو
تصريحات أو وقائع كان غرض تلك املحررات أو تثبتها.
ونظم المشرع جريمة التزوير في املحررات الرسمية في الفرع الثالث من الباب السادس
تحت عنوان :التزوير والتزييف واالنتحال من القانون الجنائي ،حيث عرف التزوير في الفصل
115منه بـ" :تزويراألوراق هو تغييرالحقيقة فيها بسوء نية ،تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى
وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون" .كما ينص الفصل 111من نفس
القانون بالمعاقبة بالسجن المؤبد كل قاض أو موظف عمومي وكل موثق أو عدل ارتكب أثناء
قيامه بوظيفته تزويرا بإحدى الوسائل اآلتية:
ونظرا للظروف العصيبة التي يشتغل فيها املحافظ على األمالك العقارية على صعيد
جميع املحافظات في ظل تزايد القضايا المعروضة عليه ،بصفته موظفا عموميا قد تحمله على
السقوط في فخ التزوير والتحايل ألجل السطو على ملك الغير .وغالبا ما يتم الزج بالمسؤولية
الجنائية للمحافظ العقاري عندما تثار قضية على ملك الغير بداعي قيامه أثناء تحريره الورقة
الرسمية في إطارمزاولته لوظيفته بتغييرجوهرها أوبإحداث في ظروف تحريرها ،وذلك إما بكتابة
اتفاقيات تخالف ما رسمه أو أماله األطراف المعنيون أو بإثبات صحة وثائق يعلم أنها غير
صحيحه494.
جريمة االختالس:
ال ينازع أحد في جريمة االختالس التي يرتكبها الموظف العام ويكون موضوعها أموال
موجودة في حيازته بمقتض ى وظيفته أو بسببها ،حيث يستوي في هذا أن تكون تلك األموال عامة
أو خاصة أو موكولة ألحد األفراد ،ويعلل هذا التجريم أيضا أن فعل الموظف العمومي هنا
ينطوي على خيانة األمانة العامة التي حملتها الدولة إليه والثقة التي وضعتها فيه حينما عهدت
إليه لحيازة المال لحسابها495.
ينص الفصالن 115و 111من ق.ج على جريمة االختالس بحيث يعاقب بالسجن من
خمسة إلى عشرين سنة وبغرامة مالية من خمسة آالف إلى مئة ألف درهم كل قاض أو مفوض
عمومي بدد أواختلس أواحتجزبدون حق أوأخفى أمواال عامة أوخاصة أوسندات تقوم مقامها
أو حججا أو عقودا أو منقوالت موضوعة تحت يده بمقتض ى وظيفته أو بسببها.
جريمة الرشوة:
تباينت التعاريف الفقهية للرشوة ،وتكاد تتفق هذه التعاريف على العناصر األساسية
المكونة لجريمة الرشوة ،حيث عرفها البعض بأنها" :اتجارالموظف العام في أعمال وظيفته أو
امتناعه عنها" ،496وعرفها البعض أيضا بأنها" :اتجارالموظف العام بوظيفته أو استغاللها بأن
يطلب أو يقبل أو يحصل على عطية أو وعد بها ألداء عمل من أعمال وظيفته أو االمتناع عنه أو
اإلخالل بواجباته"497.
-494هشام البصري :المسؤولية الجنائية ،دراسة مكامن الخلل في الحماية العقارية ،مقال منشور بجريدة الصباح ،عدد
.9242
-495نورالدين العمراني :شرح القانون الجنائي الخاص ،ص.22
-496محمود نجب حسني :قانون العقوبات-القسم الخاص ،دار النهضة العربية ،سنة ،0990القاهرة ،ص.02
-497محمد زكي أبو عامر :القانون الجنائي –القسم الخاص ،-الدارالبيضاء ،0911 ،ص.120
وقد صدر قرار ملحكمة النقض في هذا اإلطار يعتبر الرشوة هي ضبط الموظف متلبسا
بمبلغ لم يستطع لسبب تحصله عليه من طرف الغير ،يقيم جنحة االرتشاء في حقه مقابل
امتناعه عن القيام بعمل يدخل في إطار وظيفته498.
جرم المشرع استغالل النفوذ في الفصل 111من ق.ج حيث جاء فيه" :يعد مرتكبا
لجريمة استغالل النفوذ ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من خمسة آالف
درهم إلى مئة ألف درهم من طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو تسلم هبة أو هدية أو أي فائدة أخرى،
من أجل تمكين شخص أو محاولة تمكينه من الحصول على وسام أو رتبة شرفية أو مكافأة أو
مركزا أو وظيفة أو خدمة أو أية مزية أخرى تمنحها السلطة العمومية بصفته أو أي ربح ناتج عن
اتفاق يعقد مع سلطة عمومية أو مع إدارة موضوعة تحت إشر افها .وبصفة عامة الحصول
على قرارلصالحه من تلك السلطة أو اإلدارة مستغال بذلك نفوذه الحقيقي أو المفترض وإذا كان
الجاني قاضيا أوموظفا عموميا أومتوليا مركزا نيابيا فإن العقوبة ترتفع إلى الضعف ألن جريمة
استغالل النفوذ تهدم أهم مبدأ دستوري أال وهو مبدأ المساواة بين المواطنين أمام المر افق
العامة للدولة".
يلعب نظام التحفيظ العقاري دورا كبيرا في ضبط الملكية العقارية وسائر الحقوق
العينية ،وفي تطوير المشاريع االقتصادية واالجتماعية من خالل ما يوفره من أمن وما يشكله
من ضمانة أساسية ال غنى عنها الستقرار المعامالت ونموها في ظل الحماية القانونية499.
ولتحقيق ذلك يجب إخضاعه لمسطرة خاصة تستهدف تحقيق عنصرين أساسيين هما:
استكشاف أنواع التملك الالمشروع وخاصة الترامي غيرالقانوني على ملك الغير؛
-498قرار محكمة النقض عدد 0/210المؤرخ في ،4002/2/00ملف جنحي عدد ،4002/2102الغرفة الجنائية.
-499عبد الخالق أحمدون ،نظام التحفيظ العقاري بالمغرب بين النظرية والتطبيق-دراسة في االجتهاد القضائي واإلداري،
مطبعة النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء ،4040 ،ص .02
وتتميز هذه المسطرة بطابعها إهدارها500 منع إغفال الحقوق المشروعة لتفادي
الوقائي ،حيث تعمل على تطهير العقار من الحقوق العالقة به والمشكوك في صحتها
ويهدف نظام التحفيظ العقاري إلى إعطاء كل عقاررسما عقاريا خاصا به وهورسم نهائي
غير قابل للطعن فيه ،ولو تم تأسيسه ً
بناء على غش أو تدليس ،وبالتالي فإن الشخص
المستفيد من عملية التحفيظ والذي صدر الرسم العقاري باسمه يعتبر هو المالك
القانوني للعقار املحفظ 501الش يء الذي يؤدي إلى ضياع المرتفقين وال يبقى لألطراف
المتضررة سوى المطالبة بالتعويض المادي عن حقوقهم المتضررة من جراء
التحفيظ ،وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها تحت عدد 1334والصادر في
1111/1/11حيث جاء فيه "502كل حق عيني عقار لم يسجل في الرسم العقاري يعتبر
غيرموجود".
ومن ثم فإن مسطرة التحفيظ قد تعترضها عدة إكراهات وصعوبات في مختلف مراحلها.
ففيها يخص طلب التحفيظ فإن اإلشكال الرئيس ي الذي يطرح نفسه في هذا الصدد
يتعلق بمسألة إرفاق الطلب بالوثائق والمستندات التي تدعمه وتؤكده .فهذه المسألة أثارت
ومازالت تثير العديد من اإلشكاالت نظرا للصياغة التي جاء بها الفصل 14من القانون
العقاري 503.51.19الذي جاء فيه "يقدم طالب التحفيظ مع مطلبه أصول أو نسخ رسمية
500
- Victor grasse. Le droit foncier outremer, son évolution depuis l’indépendance thèse
1968. P 137.
-501خالد ميداوي ،تطور نظام التحفيظ العقاري بمنطقة الشمال ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون
الخاص ،كلية الحقوق ،الرباط ،السنة الجامعية ،1994 / 1995ص.10
هذا وترد عدة استثناءات على قاعدة التطهير واكتساب الرسم العقاري صفة نهائية غير قابلة ويتعلق األمر باألمالك العامة
واألمالك المحبسة وحقوق المياه والحقوق المحبسة.
-لالطالع أكثر أنظر كتاب :التحفظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي ،لألستا مأمون
الكزبري ،الجزء األول ،التحفيظ العقاري ،شركة الهالل العربية للطباعة والنشر ،الرباط ،الطبعة الثانية ،سنة ،1988
ص. 90-19 :
-502قرار صادر عن محكمة النقض تحت عدد ،1334بتاريخ 4ماي ،2005منشور بمجلة المنازعات العقارية من خالل
قضاء المجلس األعلى ،سنوات ،2000 / 2005عدد ،3سلسلة دالئل علمية ،ص.22
-503الفصل 14من القانون العقاري .02.02
للرسوم والعقود والوثائق التي من شأنها أن تعرف بحق الملكية وبالحقوق العينية المترتبة على
الملك".
ويتضح من هذا الفصل أنه جاء عاما في صياغته وال يتضمن أي إلزام أو أي شكل من
أشكال الرقابة التي قد يمارسها املحافظ على األمالك العقارية على غرار الرقابة التي يمارسها
على الوثائق المؤيدة لطلبات التقييد الواردة في الفصلين 72و 73من القانون 51.19اللهم
إمكانية طلب املحافظ على األمالك العقارية من طالب التحفيظ ترجمة الوثائق المدلى بها
بواسطة ترجمان محلف إذا كانت محررة بلغة أجنبية وعلى نفقته كما جاء في الفصل 15من
القانون.50451.19
وهوما دفع بالعديد من المهتمين إلى التأكيد على ضرورة إجبارية إرفاق مطلب التحفيظ
بالمستندات والوثائق الضرورية والمؤيدة لمطلبهم وذلك بالنظرإلى كون مطلب التحفيظ يعتبر
قرينة قانونية على وجود حق خاص في حالة تعرضات على مطلب التحفيظ بحيث يكون موقع
طالب التحفيظ مدعى عليه والمتعرض مدعي وعلى هذا األخيرإثبات ادعائه 505تطبيقا للقاعدة
القانونية البينة على من ادعى.
وهو ما يدفعنا إلى القول بالتناقض في الخطاب القانوني الموجه للمحافظ العقاري من
طرف المشرع نظرا إللزام المشرع للمحافظ .بضرورة تعليل قراره القاض ي برفض طلب
التحفيظ خصوصا وأن هذا األخير ال يتوفر على اآلليات العلمية والفنية التي تؤهله للتأكد من
هوية طالب التحفيظ وهو ما يجعلنا نؤكد على ضرورة تقديم هذا األخير للوثائق الدالة على
الحق العيني المطلوب تحفيظه.
ومن هنا فإننا ندعو المشرع المغربي إلى إعادة النظر في الفصل 15من القانون 51.19
بما يتماش ى مع صالحيات املحافظ ومهامه على اعتبار أنه مسؤول عن أي خطأ صدر منه أثناء
القيام بعملية التقييدات أو التشطيبات في الرسوم العقارية أما فيما يتعلق بإشهار الحقوق
العينية العقارية وحتى ال تمر عمليات التحفيظ في جو من السرية والكتمان وتطبيقا لمبدأ
-504ينص الفصل 15من القانون 02.02على ما يلي" :يمكن للمحافظ على األمالك العقارية أن يطلب على نفقة طالب
التحفيظ ترجمة الوثائق المدلى بها بواسطة ترجمان محلف إ ا كانت محررة بلغة أجنبية".
-505جمعة محمد الزريقي ،نظام الشهر العقاري في الشريعة اإلسالمية دراسة مقارنة مع نظام السجل العيني منشورات دار
اآلفاق الجديدة ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى1408 ،هـ0911 /م ،ص .020
العلنية في ميدان الشهر العقاري ،فقد قرر المشرع المغربي من خالل القانون العقاري 14.07
القيام بعملية إشهار واسعة لجميع عمليات التحفيظ بدءا من مطلب التحفيظ حتى تأسيس
الرسم العقاري.506
ومن أجل ذلك كان من الضروري إيجاد آلية قانونية من شأنها تنظيم الملكية العقارية
وما يرد عليها من حقوق عينية والحفاظ على استقرارها في إبرام التصرفات المتضمنة نقل أو
إنشاء أو تعديل أو تأسيس أو إقرار أو تغيير أو إسقاط الحق العيني العقاري لتكون حجة على
الكافة ذلك ال يتحقق إال بإخضاعها لعملية الشهرالعقاري.507
وباعتبار عملية اإلشهار العقاري هي الطريق القانوني والوحيد لتنظيم الملكية العقارية
وجهل الكثيرين بها السيما في أوساط األسرة القانونية ،بالرغم من الصالحيات الواسعة التي
يتمتع بها املحافظ على األمالك العقارية في مر اقبة مدى صحة السندات والتصرفات
المعروضة عليه قصد إشهارها قبل أي إجراء آخر في عملية الشهر وإجراءاته خاصة ما يندرج
تحت مر اقبة الوثائق .أو ما قد يصدر من قرارات عن املحافظ على األمالك العقارية متعلقة
باإللغاء أو التعديل أو التأييد وهو ما من شأنه يخلق منازعات عقارية تؤثر سلبا على مبدأ
استقرار المعامالت ،وذلك راجع إما لعدم التطبيق الصحيح للنصوص القانونية أو لعدم فهم
نظام اإلشهارالعقاري.
ورغم الجهود التي بذلتها الدولة في هذا املجال إال أنه ال زال تحقيق استقرار المعامالت
العقارية أمرا بعيدا ،خاصة وأن الطلب على العقار في تز ايد مستمر السيما مع دخول الدولة
ضمن منظومات السوق العالمية والتي تقتض ي السرعة في المعامالت وتحقيق االئتمان على
أساس الثقة خاصة في وجه المستثمراألجنبي.
ونفس الش يء يمكن قوله بالنسبة لتعليق اإلعالنات لدى الجهات املختصة فهذه األخيرة
ال تحقق النتائج المطلوبة منها بالنظر لجهل نسبة كبيرة من المواطنين ملحتوى هذه التعليقات
باإلضافة إلى ما تعرفه لوحات اإلشهار لدى المقاطعات واملحاكم أو املحافظات من اكتظاظ في
اإلعالنات واختالطها ببعضها البعض.
-506محمد خيري ،العقار وقضايا التحفيظ في التشريع المغربي ،مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط ،الطبعة ،0142ص.022
-507لالطالع أكثر أنظر مقتضيات الفصول 65و 67و 18و 68من القانون العقاري .14.07
أما بخصوص مسطرة التحديد ضمن مسطرة التحفيظ وبالنظرألهميتها في اتخاذ قرارات
التحفيظ ،وكذلك المهندس المساح الطبوغرافي في العناية الالزمة حتى تمرفي أحسن الظروف،
وحتى تساهم في إبرازمعالم العقار و اتخاذ قرار التحفيظ ً
بناء على المساحة النهائية املحددة في
التصميم النهائي.
وبالرغم من هذه األهمية الكبيرة والدور الهام لهذه العملية ،فإنها تطرح مجموعة من
الصعوبات سواء بالنسبة للمحافظ العقاري أو بالنسبة للمهندس المساح الطبوغرافي ،509وهي
صعوبات وإكراهات ذات طابع قانوني أو تقني ومن بين هذه الصعوبات القانونية ما يتعلق
بالفصل 19من القانون العقاري ،14.07وما يخلقه من تأويالت وصعوبات في التطبيق من حيث
دور المهندس الطبوغرافي وإمكانية تفويض بعض اختصاصهم للتقنيين وقد تحفظ التقنيون
الطوبوغر افيون بشأن قيامهم باإلجراءات المباشرة لعمليات التحديد في غياب المهندس
الطبوغرافي.510
وأمام هذا اإلشكال فمنذ دخول القانون 14.07حيز التنفيذ 24نونبر 2011لوحظ نوع
من التعثر في إنجاز التحديد ،كما يوجد إشكال آخر يتعلق بمدى أحقية صاحب اإليداع حسب
الفصل 84من متابعة المسطرة بما في ذلك تعيين حدود وعائه العقاري للمهندس ولتالفي هذا
اإلشكال أصدر المدير العام للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية مذكرة في هذا االتجاه تحت
رقم ،122بتاريخ 5دجنبر ،2011تسمح لرئيس مصلحة المسح العقاري بإمكانية تفويض
الصالحيات املخولة له إلنجازعملية التحديد إلى التقنيين الطبوغر افيين.
المساح على اعتبار أنه رب الملك الجديد ،ويتضح من هذا اإلشكال ضياع حقوق
المستفيد من اإليداع طبقا للفصل 84من القانون .14.07
-508أنور البكوري ،دور المحافظ على األمالك العقارية في تحقيق الملكية على ضوء مستجدات قانون ،14.07ص.49
-509إبراهيم يحضيه ،اإلشكاالت العملية في مسطرة التحفيظ اإلدارية ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ،جامعة
القاضي عياض ،السنة الجامعية ،4002/4002ص .29
-510محمد خيري ،العقار وقضايا التحفيظ العقاري ،م.س .ص.021-022
ومن هنا ،فإننا نرى ضرورة تدخل المشرع لمنح الصفة من البداية للمستفيدين من
اإليداع طبقا للفصل 84خاصة الصفة لحضورعملية التحديد هذه العملية ال تحرك المسطرة
وال تتابع بدون إنجازها.511
كما يوجد إشكال آخر مرتبط بعدم وقوع تبليغ االستدعاء للمجاورين ،وذلك بالرغم من
تعدد طرق التبليغ ،ومرد ذلك راجع إلى نقص البيانات الواردة ببطائق االستدعاء والمستمدة
من تصريحات طالب التحفيظ ،مما يؤدي إلى رجوع هذه البطائق بعبارة غيرمعروف أو يقطن في
عنوان آخر .وهنا نتساءل هل يعد عدم الحضور أو عدم القيام بتبليغ املجاورين والمتدخلين
ً
باالستدعاء لحضورعملية التحديد سببا يوجب إلغاء عملية التحديد512؟
وباإلضافة إلى اإلشكاالت القانونية ،تعرف مسطرة التحديد عدة إشكاالت عملية
وو اقعية على المستوى التقني أهمها طبيعة عمل المهندس المساح الطبوغرافي ،ويتمثل هذا
في أنه إذا كان عمل المهندس ال يطرح أي إشكال على المستوى التقني ،فإن الوضع يختلف
عندما يتعلق األمرباألمورذات الطابع القانوني ،وذلك الفتقاده الدراية بقواعد القانون والفقه
اإلسالمي والحقوق العينية والحقوق العرفية اإلسالمية ،وأحكام المواريث والوصايا وقانون
التحفيظ العقاري والمسطرة المدنية وقانون االلتزامات والعقود ،وهي كلها قوانين ذات ارتباط
بالعمليات القانونية التي حددها الفصالن 20و 21من قانون التحفيظ العقاري.513
كما يوجد إشكال آخريرتبط بمدة عملية التحديد ،بحيث ال يتجاوزفي معظم األحيان يوما
واحدا بل ساعة أو ساعتين ،وهو ما ال يكفي إلجراء بحث قانوني مفصل عن حالة العقار سواء
من حيث و اقع الحيازة أوالحقوق الواردة على العقار ،بحيث يتمثل دورالمهندس فقط في مجرد
عمليات تقنية من تحديد لموقع العقار ،ورسم الخريطة المؤقتة ،وتحديد المساحة
والمشتمالت .وهو ما يضفي على هذه المرحلة صفة الطبوغر افية أكثرمما هي قانونية.514
ومن بين الصعوبات المتعلقة بمسطرة التحفيظ ،نجد كذلك ،ما يتعلق بمبدأ القوة
المطلقة للقيد في الرسم العقاري في الفصل 62من القانون ،14.07والمتمثل في أن األخذ بهذا
المبدأ يثير مجموعة من اإلكراهات والصعوبات القانونية والعملية في آن واحد ،ويتجسد ذلك
في حالة عدم عكسه الوضعية الحقيقية للعقار من الناحية القانونية فيما يخص المالك
الحقيقي وأصحاب الحقوق العينية الواردة عليه ،أو من الناحية المادية فيما يتعلق بالبيانات
الالزمة للعقار كالموقع والحدود والمساحة خاصة عند ثبوت في وقت الحق أن هذا القيد ال
يستند على أسس قانونية وو اقعية سليمة.515
ومن بين الصعوبات الو اقعية أيضا ،نجد تقاعس الورثة على تضمين إراثه الهالك
بالرسم العقاري ،نظرا لغياب األجل القانوني الملزم لذلك ،كما جاء في الفصل 82من القانون
العقاري ،51614.07الذي ترك الباب مفتوحا لرغبة الورثة في تسجيل اإلراثة في الرسوم
العقارية ،وتزداد األمور صعوبة في حالة ترك الهالك ألكثر من زوجة وورثة ،كما يصبح المشكل
عويصا في حالة ترك وصية أو وصايا أو تركة لقاصرين مما يتطلب األمرحصرتركة الهالك مع ما
يتطلب ذلك من إجراءات ومصاريف.
الئحة المراجع:
محمد الحياني :المسؤولية في نظام التحفيظ العقاري المغربي ،الجزء األول ،الطبعة
األولى ،مؤسسة النخلة للكتاب ،وجدة.1111 ،
عبد االله مرابط :إلغاء مطلب التحفيظ لعدم متابعة المسطرة ،رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة محمد الخامس ،الرباط،
.1116/1111
عبد الحفيظ أبو الصبر :مسؤولية املحافظ على األمالك العقارية والرهون بالمغرب،
.5771/5771
عمر موس ى :الدعاوى الكيدية أثناء مسطرة التحفيظ العقاري ،رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،جامعة محمد الخامس ،الرباط،
.1119/1116
محمد بن الحاج السلمي ،سياسة التحفيظ العقاري بالمغرب بين اإلشهار العقاري
والتحفيظ االجتماعي ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ،المدرسة الوطنية لإلدارة ،سنة
.5797/5799
عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط في شرح القانون المدني ،نظرية االلتزام بوجه عام،
مصادرااللتزام ،دارإحياء التراث العربي ،بيروت ،لبنان.
عبد القادر لشقر ،محاضرات في قانون التحفيظ العقاري ،ورقة الترقيم ،السنة
.1117/1119
هشام البصري :المسؤولية الجنائية ،دراسة مكامن الخلل في الحماية العقارية ،مقال
منشوربجريدة الصباح ،عدد .7111
محمود نجب حسني :قانون العقوبات-القسم الخاص ،دارالنهضة العربية ،سنة ،5771
القاهرة.
محمد زكي أبو عامر :القانون الجنائي –القسم الخاص ،-الدارالبيضاء.5777 ،
عبد الخالق أحمدون ،نظام التحفيظ العقاري بالمغرب بين النظرية والتطبيق-دراسة
في االجتهاد القضائي واإلداري ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء.1111 ،
خالد ميداوي ،تطور نظام التحفيظ العقاري بمنطقة الشمال ،رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق ،الرباط ،السنة الجامعية 1994 /
.1995
جمعة محمد الزريقي ،نظام الشهرالعقاري في الشريعة اإلسالمية دراسة مقارنة مع نظام
السجل العيني منشورات داراآلفاق الجديدة ،بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى1408 ،هـ5777 /م.
محمد خيري ،العقار وقضايا التحفيظ في التشريع المغربي ،مطبعة المعارف الجديدة،
الرباط ،الطبعة .1151
أنور البكوري ،دور املحافظ على األمالك العقارية في تحقيق الملكية على ضوء
مستجدات قانون .14.07
إبراهيم يحضيه ،اإلشكاالت العملية في مسطرة التحفيظ اإلدارية ،رسالة لنيل دبلوم
الماسترفي القانون الخاص ،جامعة القاض ي عياض ،السنة الجامعية .1151/1151
هشام بصري ،إشكاالت تدبير مسطرة التحديد على ضوء القانون ،14.07منشورات
المنبرالقانوني ،سلسلة ندوات و أبحاث ،العدد ،1مطبعة المعارف الجديدة ،الرباط.2012 ،
بوشعيب اإلدريس ي ،التطهير في نظام التحفيظ العقاري وفق القانون رقم ،14.07
منشورات مجلة المنار ،سلسلة البحوث الجامعية ،العدد ،2014مطبعة دار السالم للطباعة
والنشروالتوزيع ،الرباط.
شكل تبني دستور 1155قفزة نوعية في مجال تكريس الحقوق والحريات ،جعلت منه
ميثاقا حقيقيا لها .فقد تجاوز المشرع الدستوري المغربي حالة الجمود والثبات التي كانت
تعرفها الدساتير السابقة في شقها المرتبط بدسترة الحقوق والحريات ،محدثا بذلك ثورة على
مستوى نمط هذه الدسترة.
فمن خالل الغوص في ثنايا الوثيقة الدستورية لسنة ،1155يالحظ أن مجال الحقوق
والحريات قد عرف توسعا كبيرا ،سواء من خالل التزام المغرب بحقوق اإلنسان كما هي متعارف
عليها دوليا ،وعبر االعتراف بسمو االتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية ،وكذا من حيث
حجم الحقوق والحريات التي تم تكريسها والتفصيل فيها في صلب الدستور بمختلف أجيالها.
الكلمات المفاتيح :الحقوق -الحريات – دستور – 1155التكريس الدستوري.
Abstract :
By diving into the folds of the constitutional document of 2011, it is noted
that the field of rights and freedoms has witnessed a great expansion, both
مقدمة:
يعد موضوع الحقوق والحريات من المواضيع التي باتت تحظى باهتمام عالمي و إقليمي
خاص ،كونه مؤشرا رئيسيا على مستوى تقدم املجتمعات وتطورها ورقيها ونمائها ،ومقياسا داال
على مدى ديمقراطية األنظمة السياسية ،بعدما انتقلت الديمقراطية من مفهومها التقليدي،
الذي كا ن يقتصر على ما يتصل بتنظيم السلطات فقط ،لتشمل إلى جانب ذلك كل ما يتعلق
بالحقوق والحريات.517
اعتبارا لذلك ،تم بلورة وصياغة هذه الحقوق والحريات وتأكيد كفالتها في إعالنات
الحقوق والمواثيق واالتفاقيات الدولية والعالمية واإلقليمية ،و اتجهت كافة الدول إلى إقرارها
في دساتيرها الوطنية ،حتى أضحت مالزمة لها ومكونا أصليا لها في شكلها ومضمونها ،ولم يعد
باإلمكان الحديث عن دستوربدون حقوق وحريات.518
وقد تمخض عن هذا التوجه موجة دستورية جديدة اجتاحت مختلف األنظمة
الدستورية ،وجعلت من الحقوق والحريات الموضوع األسمى في دساتير الدول ،حيث عملت
الدساتير الحديثة على أن تكون الحقوق والحريات الواردة في صلبها أكثر إسهابا وتفصيال مما
517أحمد بوز ،القانون الدستوري لحقوق اإلنسان :دراسة في الحماية الدستورية للحقوق والحريات في المغرب والتجارب المقارنة،
مطبعة شمس برينت ،سال ،الطبعة األولى ،1212 ،ص .4
محمد نويري ،دور القضاء الدستوري في حماية الحقوق والحريات األساسية بالمغرب :دراسة تحليلية مقارنة ،أطروحة 518
لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،وجدة ،السنة الجامعية
،1271-1271ص .44
كان عليه األمر في الدساتير القديمة ،التي كانت تنص على الحقوق والحريات بشكل محتشم.519
وأصبح تبني دستورجديد بمثابة لحظة أساسية لإلقراربأولوية الحقوق والحريات على السلطة
والتنظيم ،واالنتقال بالنص الدستوري من سؤال المؤسسات ،إلى فكرة تحقيق دولة الحقوق
والحريات ،عبرعملية اإلغناء المادي والقانوني للوثيقة الدستورية بمرجعية حقوق اإلنسان.520
بيد أن الظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي عاشها المغرب بداية العشرية
الثانية من األلفية الثالثة ،خاصة ما تعلق منها بسياق الربيع العربي ،الذي اجتاح عددا من
الدول العربية ،كان لها دور حاسم في تبني دستور جديد للمملكة سنة ،5241155وسع مجال
صالح أزحاف ،التحول النوعي للحقوق والحريات األساسية في الدستور المغربي ،منشورات المجلة المغربية لألنظمة 519
مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولى ،1221 ،ص .71
ديباجة دستور المملكة المغربية لسنة ،7771الصادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 7.71.733بتاريخ 77ربيع 521
اآلخر 7( 7474أكتوبر ،)7771الجريدة الرسمية عدد 4711بتاريخ 74ربيع اآلخر 74 ( 7474أكتوبر ،)7771ص
.7133-7141
522الفصل 73من دستور المملكة المغربية لسنة ،7778الصادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 7.78.731بتاريخ 14
جمادى األولى 1( 7471أكتوبر ،)7778الجريدة الرسمية عدد 4412بتاريخ 18جمادى األولى 72( 7471أكتوبر
،)7778ص .1171-1111
أحمد بوز ،مرجع سابق ،ص 778و.771 523
دستور المملكة المغربية لسنة ،1277الصادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 7.77.77بتاريخ 11شعبان 7441 524
( 17يوليوز ،)1277الجريدة الرسمية عدد 3784مكرر بتاريخ 11شعبان 42( 7441يوليوز ،)1277ص -4822
.4811
التكريس الدستوري للحقوق والحريات بشكل غيرمسبوق في أي وثيقة دستورية مغربية أخرى،
لدرجة جعلت البعض يذهب إلى حد اعتباره دستورالحقوق والحريات.525
من هنا تثار اإلشكالية التالية :كيف عمل المشرع الدستوري لسنة 1155على توسيع
مجال الحقوق والحريات داخل ثنايا الوثيقة الدستورية وتجاوزنقائص الدساتيرالسابقة؟
وألننا نسائل الوثيقة الدستورية عن مدى توسيعها ملجال الحقوق والحريات ،فإن ذلك
يقتض ي منا اعتماد مقاربة دستورية تحليلية ،سنحاول من خاللها أن نخوض في صلب دستور
،1155لنكشف النقاب عن مخرجاته فيما يتعلق بنتائج دسترة الحقوق والحريات.
وفي هذا اإلطار ،نجد أن دستور 1155تضمن العديد من المقتضيات ذات الصلة
بمجال الحقوق والحريات ،توزعت على مختلف أجزاء الدستور ،بدء من ديباجته التي كرست
انخراط المغرب في المنظومة الكونية لحقوق اإلنسان باعتباره مدخال أساسيا لتوسيع مجال
الحقوق والحريات (المطلب األول) ،ومرورا بمختلف أبواب الدستور التي عملت على تعزيز
وتفصيل الحقوق والحريات موضوع الدساتير السابقة ،وأضافت إليها أخرى لم تكن موجودة
من قبل (المطلب الثاني).
المطلب األول :انخراط الدستور في المنظومة الكونية لحقوق اإلنسان مدخل أساس ي
لتوسيع مجال الحقوق والحريات:
ميمون خراط ،حقوق اإلنسان في الدستور المغربي بين السمو الكوني والخصوصية الوطنية ،ضمن دستور 1277 525
بالمغرب :مقاربات متعددة ،منشورات مجلة الحقوق ،العدد ،1271 ،3ص .121
الفقرة األولى :اإلقرارالدستوري بااللتزام بحقوق اإلنسان كما هي متعارف عليها دوليا:
تعتبر حقوق اإلنسان قواعد كونية ،شكلت عبر التاريخ مجاال لنضال اإلنسان على
اختالف انتمائه وجنسه ولونه ،فهي رصيد مشترك لإلنسانية جمعاء ،دون انتقاء أو تمييز.526
وتستمد عالمية حقوق اإلنسان أساسها من كون الحقوق الطبيعية ثابتة المضمون ،وتحمل
نفس الدالالت ونفس املحتوى ،ومن المفروض أن تتمتع الكائنات البشرية بها ،بصرف النظر
عن النظام السياس ي أونمط الحكم ،على نحويمنع مصادرتها بشكل تعسفي أوغيرقانوني ويؤدي
إلى حرمانهم منها.527
من هذا المنطلق ،يعتبرالقانون الدولي لحقوق اإلنسان مصدرا مؤسسا لحقوق اإلنسان
بشكلها الدولي المتعارف عليه عالميا ،ومرجعا مفسرا لمضمونها ،مما جعل منه مرجعية ال
محيد عنها بالنسبة للدساتير ،528بالشكل الذي يؤدي إلى ربط التوثيق الدستوري للحقوق
والحريات ببعدها الكوني ،وتجاوز إشكال الخصوصية الوطنية .529ومن تم فال مجال لحرمان
األفراد من حقوقهم وحرياتهم األساسية بحجة أن النظام الدستوري ال يعترف لهم بتلك الحقوق
أو بجزء منها.
لذلك ،أبى دستور ، 1155من خالل ديباجته ،إال أن يؤكد على عدد من المبادئ
وااللتزامات المتعلقة باحترام القانون الدولي لحقوق اإلنسان ،والمتمثلة في إعالن تشبت
المملكة بحقوق اإلنسان كما هي متعارف عليها عالميا ،وتعهدها بااللتزام بما تتضمنه مواثيق
المنظمات الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات.530
محمد مرحوم ،حقوق اإلنسان بين التنصيص الدستوري وحماية المحكمة الدستورية ،مجلة القانون المغربي ،العدد ،47 526
اإلنسان بالمغرب ،سلسلة الندوات واأليام الدراسية ،العدد ،11المطبعة والوراقة الوطنية الحي المحمدي الداوديات ،مراكش،
الطبعة األولى ،1223 ،ص .48
أحمد بوز ،مرجع سابق ،ص .47 528
المرجعية لهوية الدولة ،وهو ترتيب دستوري يحمل بين طياته دالالت عميقة ،جعلت البعض
يجزم بأن الدولة المغربية ستضع على عاتقها تفعيل وإعمال االحترام العالمي لحقوق اإلنسان،
كدعامة أساسية قائمة بذاتها لمكانة حقوق اإلنسان في السياسات العمومية ومالءمة التشريع
الوطني للمعاييرالدولية لحقوق اإلنسان.532
وإلى جانب تأكيد ديباجة دستور 1155على التشبت بحقوق اإلنسان كما هي متعارف
عليها دوليا ،فقد تضمنت التأكيد على االلتزام بحماية منظومتي حقوق اإلنسان والقانون الدولي
اإلنساني والنهوض بهما ،واإلسهام في تطويرهما ،مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق ،وعدم
قابليتها للتجزيء ،535وهوالتزام بحماية حقوق اإلنسان في فترات السلم والحرب ،واعتراف بكونها
أحمد مفيد ،ضمانات الحقوق والحريات األساسية في دستور ،1277في دستور حقوق اإلنسان قراءات وأبحاث، 533
منشورات المجلة المغربية للسياسات العمومية ،سلسلة دفاتر حقوق اإلنسان ،7عدد ،1271 ،1ص .77
نفس المرجع السابق ،ص ..77 534
كل غير قابل للتجزئة ،ومن تم ضرورة حمايتها مجتمعة وعدم إمكانية التمييز في إطارها ،بالنظر
ألن بعضها يكمل البعض اآلخر ،والمساس بحق معين سيؤثرال محالة على العديد من الحقوق
األخرى.536
استندت الكثير من االنتقادات التي وجهت للوثائق الدستورية لما قبل دستور 1155
بشأن عالقة القانون الدولي بالقانون الداخلي ،على كونها لم تحسم في مدى درجة القاعدة
الدولية في مواجهة القاعدة الداخلية ،هل تفوقها سموا أم تتساوى معها من حيث القيمة
القانونية .537فعلى الرغم من إعالن دستوري 5771و 5776تشبت المغرب بحقوق اإلنسان كما
هي متعارف عليها عالميا ،538فإن غياب مقتضيات صريحة تعطي لالتفاقيات الدولية المصادق
عليها سموا على القوانين الداخلية ،ظل يطرح صعوبات في تحديد مكانتها في النظام القانوني
المغربي.539
فدوا بنبنعيسى ،مدى فعالية الحماية الوطنية لحقوق اإلنسان بالمغرب ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة 537
موالي اسماعيل ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،مكناس ،السنة الجامعية ،1271-1278ص .41
نص كل من دستور 7771ودستور 7778في ديباجتهما على ما يلي" :وإدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار 538
المنظمات الدولية ،فإن المملكة المغربية ،العضو العامل النشيط في هذه المنظمات ،تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من
مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبثها بحقوق اإلنسان كما هي متعارف عليها عالميا".
عادلة الوردي ،مكانة االتفاقيات الدولية في الدستور المغربي ،ضمن دستور 1277بالمغرب :مقاربات متعددة، 539
التحجج بقانونه الداخلي ،ويفرض عليه تعديل قانونه الداخلي من أجل مالءمته مع تلك
االتفاقيات.542
وإذا كانت القراءة السطحية لما ورد في ديباجة الدستورتدل على أنه قد شكل قطيعة مع
الدساتير السابقة وحسم في مسألة السمو لصالح المعاهدات الدولية على حساب القوانين
الوطنية ،543فإن قراءة متمعنة لنفس المقتضيات الدستورية تفيد أن المشرع الدستوري قد
أخذ موقفا وسطا بين سمو مطلق للمعاهدات الدولية وبين إنكار للمرجعية الدولية لحقوق
اإلنسان ،544حيث نجد أنه ربط هذا السمو بشروط إجرائية ،عندما جعله ينضبط لمصادقة
الدولة على المقتض ى االتفاقي ونشره في الجريدة الرسمية ،وأخرى موضوعية ،تتمثل في عدم
الخروج عن نطاق ثالث محددات دستورية ،أولها الدستور ،وثانيها قوانين المملكة ،وثالثها
الهوية الوطنية الراسخة للمملكة.545
ورغم ما يمكن قوله عن دستور ،1155كونه لم يأت بجديد بخصوص مكانة المعاهدات
الدولية ،حينما نص على سموها وسحبه في ذات الوقت بإحاطته بشروط معينة ،546فإنه على
األقل قد حقق تقدما نسبيا فيما يخص ضبط العالقة بين المعاهدات الدولية والقانون
الوطني ،حيث باتت الهرمية الدستورية تتسم بنوع من الوضوح ،فالدستور هو أعلى مرجع
قانوني ،تليه القوانين التنظيمية ،واالتفاقيات الدولية تندرج في مرتبة أدنى منها ،لكنها تسمو
على القوانين العادية.547
وهو ما من شأنه توسيع دائرة الحقوق والحريات وعدم حصرها فيما هو منصوص عليه
دستوريا ،بل تعدي ذلك إلى اشتمال الحقوق والحريات موضوع االتفاقيات الدولية التي صادق
المصطفى بوكرين ،المعاهدات الدولية بين السمو الدستوري وإقرار رقابة المحكمة الدستورية ،ضمن القضاء الدستوري 542
المغربي :المستجدات واآلفاق ،منشورات المجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية ،العدد الخاص رقم ،71مطبعة األمنية،
الرباط ،الطبعة ،1277 ،7ص .717
نفس المرجع السابق ،ص .717 543
عليها المغرب ،548والتي ال تشكل تعارضا مع دستور المملكة وقوانينها وهويتها الوطنية .وهو ما
يدل عليه كذلك الفصل 57من دستور ،1155حينما أقربمبدأ المساواة بين النساء والرجال في
الحقوق والحريات المدنية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية ،الواردة
في الباب الثاني من الدستور ،وفي مقتضياته األخرى ،وكذا في االتفاقيات والمواثيق الدولية،
كما صادق عليها المغرب ،وكل ذلك في نطاق احترام أحكام الدستور وثوابت المملكة
وقوانينها.549
حرص المشرع الدستوري لسنة 1155على إقرار مجموعة من الحقوق والحريات التي
تضمنت ها الدساتير السابقة للمغرب ،وعمل على توسيعها وتفصيلها ،سواء منها المدنية
والسياسية ،أو االقتصادية واالجتماعية والثقافية.
وفي هذا اإلطار ،احتلت الحقوق والحريات المدنية والسياسية حصة األسد ضمن الئحة
الحقوق والحريات المنصوص عليها في دستور ،5501155حيث عرفت إضافات هامة جعلت
مضمونها يتطابق مع ما تضمنته مقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وهكذا فقد استهلت الوثيقة الدستورية اإلعالن عن الحقوق والحريات بالتأكيد على مبدأ
المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق المدنية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية
عبد اإلله أمين ،حقوق اإلنسان والحريات العامة المحددات المرجعية والضمانات القانونية والمؤسساتية ،سلسلة إضاءات 548
في الدراسات القانونية ،العدد ،77مطبعة صبحي ،قلعة السراغنة ،الطبعة األولى ،مارس ،1212ص .774
الفصل 77من دستور المملكة المغربية لسنة .1277 549
حميد اربيعي ،حقوق اإلنسان في المغرب بين الكونية والخصوصية ،منشورات مؤسسة عالل الفاسي ،مطبعة النجاح 550
والثقافية والبيئية ،وعلى سعي الدولة إلى تحقيق المناصفة بينهما .551وأكدت على أسمى
الحقوق اإلنسانية على اإلطالق ،وهوالحق في الحياة ،وأوكلت حمايته للقانون ،552لتتجاوزبذلك
تجاهله من طرف الدساتير السابقة ،و أقرت حق الفرد في سالمة شخصه و أقربائه وحماية
ممتلكاته.553
وتأكيدا منه على أن األصل في الحماية الجنائية للحقوق والحريات يرتبط أساسا
بالدستوروبالشرعية الدستورية ،554اتجه المشرع الدستوري لسنة 1155نحو حظركل أشكال
التمييزبسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو االنتماء االجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو
اإلعاقة أو أي وضع شخص ي مهما كان ،555عالوة على تجريم مجموعة من الممارسات واألفعال
الماسة بالحق في الحياة وسالمة األشخاص ،مثل المس بالسالمة الجسدية أو المعنوية
لألشخاص ،من قبل أي جهة كانت ،عامة أو خاصة ،وفي أي ظرف ،وممارسة التعذيب بكافة
أشكاله ،وكل المعامالت القاسية أو الالإنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة اإلنسانية،556
واالعتقال التعسفي أو السري واالختفاء القسري ،557واإلبادة وغيرها من الجرائم ضد
اإلنسانية ،وجرائم الحرب وكافة االنتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق اإلنسان.558
كريم لحرش ،الدستور الجديد للمملكة المغربية شرح وتحليل ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة الثالثة، 559
،1217ص .722
الفصل 14من دستور المملكة المغربية لسنة .1277 560
إلى جانب ذلك ،عمل دستور 1155على حماية حق الشخص في حياته الخاصة ،بمنع
االنتهاكات والتجاوزات التي قد تطال حرمة المنزل وسرية االتصاالت الشخصية ،وضمن حرية
التنقل عبرالتراب الوطني واالستقرارفيه ومغادرته والعودة إليه ،564وكفل حماية خاصة لحرية
الفكر والرأي والتعبيربكل أشكالها ،فضال عن حرية اإلبداع والنشروالعرض ،565وأكد ألول مرة
على حق المواطنات والمواطنين في الحصول على المعلومات ،566واشتمل على حزمة من
التدابيرالمرتبطة بحرية الصحافة ،567وتولى تأطيروحماية حريات االجتماع والتجمهروالتظاهر
السلمي وتأسيس الجمعيات واالنتماء النقابي والسياس ي .568إضافة إلى تكريس الدستور الحق
في المشاركة في إدارة الشؤون العامة وتكافؤ الفرص بين الرجال والنساء في ولوج الوظائف
االنتخابية.569
ومن جهة ثانية ،أقرت الوثيقة الدستورية معظم الحقوق االقتصادية واالجتماعية
والثقافية المتضمنة في المواثيق الدولية خاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية
واالجتماعية والثقافي ة ،وعملت على تدعيمها بإلقاء عبء تحقيق االستفادة منها على الدولة
والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية ،التي يتوجب عليها تعبئة كل الوسائل المتاحة،
لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين ،على قدم المساواة منها ،570متجاوزة الفراغ
الدستوري الذي كانت تعرفه الدساتيرالسابقة في هذا املجال.
دخل المشرع الدستوري المغربي مرحلة حاسمة في تكريسه للحقوق والحريات بانفتاحه
على الجيل الثالث من حقوق اإلنسان ،حيث توقف عند بعض حقوق التضامن من خالل
تأكيده على الحق في الحصول على الماء ،باعتباره من مكونات الوجود وال يمكن ألي كائن
االستغناء عنه ،والحق في العيش في بيئة سليمة ،والحق في التنمية المستدامة .578وعلى غرارما
نص عليه بخصوص الحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،أوجب دستور 1155الدولة
والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بضرورة تعبئة كل الوسائل المتاحة قصد تيسير
أسباب استفادة المواطنات والمواطنين ،على قدم المساواة منها.
وتواصل اعتراف الدستور بالحقوق البيئية والتنموية من خالل توسيع نطاق تطبيق
القوانين بإضافة الميدان البيئي والتنمية المستدامة ،حيث أصبح القانون يختص بالتشريع
في ميدان القواعد المتعلقة بالبيئة وحماية الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة ،ويضع إطار
لألهداف األساسية لنشاط الدولة في الميادين االقتصادية واالجتماعية والبيئية والثقافية.580
مقابل حقوق التضامن ،وسعيا منه إلقرارحقوق بعض الفئات ذات الوضع الخاص ،أو
الفئات األولى بالرعاية ،583نص دستور 1155على مجموعة من الحقوق والحريات الفئوية ،كما
هوالشأن فيما يخص المغاربة المقيمين بالخارج ،الذين حرص على تمكينهم من التمتع بحقوق
المواطنة كاملة ،بما فيها الحق في التصويت والترشيح في االنتخابات ،584وضمان أوسع مشاركة
لهم في المؤسسات االستشارية وهيئات الحكامة الجيدة ،585ونص على مجلس الجالية المغربية
بالخارج ،باعتباره مؤسسة دستورية ،يعهد إليها تأمين الحفاظ على عالقات قوية مع هويتهم
الوطنية وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم.586
كما متع المشرع الدستوري األجانب ،وألول مرة في تاريخ المغرب ،بمجموعة من الحقوق
والحريات ،على رأسها االعتراف لهم بالحريات األساسية التي يتمتع بها المواطنون المغاربة،
وفقا لما يحدده القانون ،وتمكين المقيمين منهم بالمغرب من المشاركة في االنتخابات
املحلية ،587محدثا بذلك طفرة نوعية هامة.588
كما أولى دستور 1155عناية للشباب حينما حث السلطات العمومية على اتخاذ التدابير
المالئمة من أجل توسيع وتعميم مشاركتهم في التنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية
والسياسية للبالد ،ومساعدتهم على االندماج في الحياة النشيطة والجمعوية وتقديم المساعدة
للذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرس ي أو االجتماعي أو المنهي ،وتيسير ولوجهم للثقافة
والعلم والتكنولوجيا ،والفن والرياضة واألنشطة الترفيهية ،وتوفير الظروف المواتية لتفتق
طاقاتهم الخالقة واإلبداعية في كل املجاالت ،589مع التأكيد على إحداث مجلس استشاري
للشباب والعمل الجمعوي ،كهيئة استشارية في ميادين حماية الشباب والنهوض بتطوير الحياة
الجمعوية ،وهو مكلف بدراسة وتتبع المسائل التي تهم هذه الميادين ،وتقديم اقتراحات حول
كل موضوع اقتصادي واجتماعي وثقافي يهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل
الجمعوي ،وتنمية طاقاتهم اإلبداعية ،وتحفيزهم على االنخراط في الحياة الوطنية ،بروح
المواطنة المسؤولة.590
وفي نفس اإلطار ،لم يغفل المشرع الدستوري األشخاص والفئات ذوي االحتياجات
الخاصة ،حيث ألزم السلطات العامة بوضع وتفعيل سياسات موجهة لصالح هذه الفئات،
تتمثل بالخصوص في معالجة األوضاع الهشة لفئات من النساء واألمهات ،واألطفال
واألشخاص المسنين ،والوقاية منها ،وإعادة تأهيل األشخاص الذين يعانون من إعاقة
جسدية ،أو حسية حركية ،أوعقلية ،وإدماجهم في الحياة االجتماعية والمدنية ،وتيسير تمتعهم
بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع ،591والسهرعلى ضمان تكافؤ الفرص للجميع ،والرعاية
الخاصة للفئات االجتماعية األقل حظا.592
الشريف تيشيت ،الحقوق والحريات األساسية في ظل دستور ،1277ضمن دستور 1277بعد خمس سنوات :حصيلة 588
وآفاق ،مجلة مسالك الفكر والسياسة واالقتصاد ،مطبعة النجاح الجديدة ،العدد ،1278 ،42-47ص .31
الفصل 44من دستور المملكة المغربية لسنة .1277 589
خاتمة:
إن البحث في تكريس دستور 1155للحقوق والحريات جعلنا نقف أمام نقلة بنيوية نوعية
في مجال دسترة الحقوق والحريات ،حيث انخرطت الوثيقة الدستورية عمليا في جيل دساتير
الحقوق والحريات ،وبوأتها مكانة مهمة على المستوى الكمي ،بإحداث باب خاص بالحريات
والحقوق األساسية ،وزيادة عدد الفصول الخاصة بها ،وعلى المستوى النوعي ،عبرتأكيدها على
المرجعية الدولية لحقوق اإلنسان ،وسمو االتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية ،وعبر
تضمين الئحة مفصلة بعدد من الحقوق والحريات التي تحتوي عليها الصكوك الدولية
واإلقليمية لحقوق اإلنسان ،بعضها كان إلى زمن قريب عبارة عن طموحات وأحالم.
بيد أن دستور 1155وإن كان يبدو ،على هذا المستوى ،مسايرا للتجارب الدستورية
المقارنة في عدد من الجوانب ،فإن ذلك لم يمنع من تسجيل بعض الحدود والقيود التي تكتنف
التكريس الدستوري للحقوق والحريات .ويظهر ذلك جليا من خالل ربطه التمتع ببعض تلك
الحقوق والحريات بعدم التعارض مع عدد من الثوابت ،وهوما يسمح بإمكانية استغاللها للحد
من الحقوق والحريات .باإلضافة إلى صياغة بعض الحقوق والحريات في شكل مساعي
ومتنمنيات ،وجعلها مجرد أهداف ستعمل الدولة من أجل تحقيقها ،إن توفرت اإلمكانيات،
وليس التزامات تقع على الدولة مسؤولية ضمانها ،وهو ما ينطبق على الحقوق والحريات ذات
الطابع االقتصادي واالجتماعي والثقافي وحقوق الجيل الثالث.
الئحة المراجع:
الكتب:
أحمد بوز ،القانون الدستوري لحقوق اإلنسان :دراسة في الحماية الدستورية
للحقوق والحريات في المغرب والتجارب المقارنة ،مطبعة شمس برينت ،سال ،الطبعة األولى،
1111؛
عبد اإلله أمين ،حقوق اإلنسان والحريات العامة املحددات المرجعية
والضمانات القانونية والمؤسساتية ،سلسلة إضاءات في الدراسات القانونية ،العدد ،55
مطبعة صبحي ،قلعة السراغنة ،الطبعة األولى ،مارس 1111؛
كريم لحرش ،الدستورالجديد للمملكة المغربية شرح وتحليل ،مطبعة النجاح
الجديدة ،الدارالبيضاء ،الطبعة الثالثة1115 ،؛
األطروحات والرسائل:
فدوا بنبنعيس ى ،مدى فعالية الحماية الوطنية لحقوق اإلنسان بالمغرب،
أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة موالي اسماعيل ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،مكناس ،السنة الجامعية 1159-1156؛
محمد نويري ،دور القضاء الدستوري في حماية الحقوق والحريات األساسية
بالمغرب :دراسة تحليلية مقارنة ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد
األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،وجدة ،السنة الجامعية .1157-1159
المقاالت:
أحمد مفيد ،ضمانات الحقوق والحريات األساسية في دستور ،1155في دستور
حقوق اإلنسان قراءات و أبحاث ،منشورات املجلة المغربية للسياسات العمومية ،سلسلة
دفاترحقوق اإلنسان ،5عدد 1151 ،7؛
المصطفى بوكرين ،المعاهدات الدولية بين السمو الدستوري و إقرار رقابة
املحكمة الدستورية ،ضمن القضاء الدستوري المغربي :المستجدات واآلفاق ،منشورات
املجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية ،العدد الخاص رقم ،57مطبعة األمنية ،الرباط،
الطبعة 1157 ،5؛
حميد اربيعي ،حقوق اإلنسان في المغرب بين الكونية والخصوصية ،منشورات
مؤسسة عالل الفاس ي ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء ،الطبعة األولى1156 ،؛
عادلة الوردي ،مكانة االتفاقيات الدولية في الدستور المغربي ،ضمن دستور
1155بالمغرب :مقاربات متعددة ،منشورات مجلة الحقوق ،العدد 1151 ،1؛
محمد مرحوم ،حقوق اإلنسان بين التنصيص الدستوري وحماية املحكمة
الدستورية ،مجلة القانون المغربي ،العدد ،17يناير1157؛
ميمون خراط ،حقوق اإلنسان في الدستور المغربي بين السمو الكوني
والخصوصية الوطنية ،ضمن دستور 1155بالمغرب :مقاربات متعددة ،منشورات مجلة
الحقوق ،العدد 1151 ،1؛
يوسف البحيري ،تأصيل مسؤولية الدولة المغربية في مجال حقوق اإلنسان:
المكتسب والرهان ،ضمن المواطنة وحقوق اإلنسان بالمغرب ،سلسلة الندوات واأليام
الدراسية ،العدد ،11المطبعة والور اقة الوطنية الحي املحمدي الداوديات ،مراكش ،الطبعة
األولى.1111 ،
القوانين:
دستور المملكة المغربية لسنة ،5771الصادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف
رقم 5.71.511بتاريخ 55ربيع اآلخر 7( 5151أكتوبر ،)5771الجريدة الرسمية عدد 1591بتاريخ
51ربيع اآلخر 51 ( 5151أكتوبر ،)5771ص 5111-5119؛
دستور المملكة المغربية لسنة ،5776الصادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف
رقم 5.76.519بتاريخ 11جمادى األولى 9( 5159أكتوبر ،)5776الجريدة الرسمية عدد 1111
بتاريخ 16جمادى األولى 51( 5159أكتوبر ،)5776ص 1171-1171؛
دستور المملكة المغربية لسنة ،1155الصادر األمر بتنفيذه الظهير الشريف
رقم 5.55.75بتاريخ 19شعبان 17( 5111يوليوز ،)1155الجريدة الرسمية عدد 1761مكرر
بتاريخ 17شعبان 11( 5111يوليوز ،)1155ص .1619-1611
تعد إشكالية عدم تنفيذ األحكام القضائية النهائية الصادرة في مواجهة اإلدارة إشكالية
معقدة ألن تعكس من جهة مصلحة ذوي الحقوق يتعين تجسيدا لدولة الحق و القانون ،ومن
جهة أخرى الحفاظ على استمرارية المرفق العمومي ،فإذا كانت هذه اإلشكالية تضرب في العمق
مصالح ذوي الحقوق بسبب عدم تنفيذ األحكام الصادرة في مواجهة اإلدارة بحيث إن هذا األمر
يحول دون تحصيل أصحاب األحكام القضائية لحقوقهم ،وهذا فيه مساس بالحقوق التي
يفترض أن ال قضاء بأحكامه هو حاميها ،فإنه أحيانا قد تقدم بعض المسوغات التي تتذرع بها
اإلدارة كالحفاظ على استمرارية خدمات المرفق العام من أجل االمتناع عن تنفيذ األحكام
القضائية النهائية ،غيرأنه ال ينبغي التوسع في الذرائع التي تقدمها اإلدارة ،و إنما ينبغي حصرها
في الحدود الدنيا احتراما لهيبة القضاء ،وحفاظا على مبدأ المشروعية ،وصونا لدولة الحق
والقانون بحيث ال يعقل أن يسلك المتقاض ي المسطرة القضائية من أجل تحصيل حقوقه أو
استرجاعها بما تتطلبه هذه المسطرة من إجراءات طويلة و معقدة ليجد نفسه أمام أحكام
قضائية غيرمنفذة في مواجهة اإلدارة لذلك يقتض ي األمرالنظرفي اآلليات الكفيلة لضمان تنفيذ
األحكام الصادرة في مواجهة اإلدارة.
تمهيد:
تثير إشكالية تنفيذ األحكام القضائية ضد اإلدارة نقاشا فقهيا و قانونيا ألنها مرتبطة
بشكل عميق بمنزلة الدولة و مؤسساتها فيما يتعلق بتطبيق القانون ،ومدى مشروعية تمييزها
عن األشخاص الطبيعيين علما أن لإلدارة تصرفات قانونية تخولها امتياز السلطة العامة من
قبيل استعمال القوة العمومية ،وسلطة نزع الملكية ،كما أنها لها تصرفات تنزل بالدولة إلى
مرتبة الشخص الطبيعي من قبيل التعويض عن الضرر ،وذلك بحكم التحوالت التي عرفها
مجال تدخلها وأدو اته ،وبحكم التطورات القانونية و الحقوقية المواكبة ،وكذا االجتهادات
القضائية و الفقهية التي اختلفت في تحديد عدد من المفاهيم كالمصلحة العامة ،و المرفق
العام و غيرهما ،ففي حالة عدم تنفيذ األحكام القضائية النهائية ،فإن هذه األحكام تبقى بدون
جدوى مادام أن المعني بها ال يستطيع استيفاء حقه فعال بتنفيذ الحكم بسبب امتناع اإلدارة
عن تنفيذ هذه األحكام أو تماطلها ،وال ينص القانون املحدث للمحاكم اإلدارية على مقتضيات
خاصة لمواجهة امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام الصادرة ضدها ،ولذا فالمرجع الممكن
اعتماده هو المادة السابعة من القانون 15-71املحدث للمحاكم اإلدارية التي تحيل على
مقتضيات المسطرة المدنية ،ولعل هذا الفراغ القانوني الذي يعاني منه القضاء اإلداري
المغربي هو ما يدعم امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام الصادرة ضدها تحت ذرائع متعددة ،فإذا
كان تنفيذ األحكام القضائية ضد الخواص سواء أكانوا طبيعيين أومعنويين ألن القاض ي العادي
يتوفر على وسائل اإلكراه و الجبر ،فإن القاض ي اإلداري ال يملك أية سلطة إلكراه اإلدارة على
التنفيذ ،كما أن هذا الفراغ القانوني يتيح إمكانيات واسعة للدولة و مؤسساتها للتحجج بعدم
توفرأو عدم كفاية االعتمادات المالية ،أو عدم وضوح نص الحكم القضائي وبالتالي الحاجة إلى
تأويله و تفسيره ،أو برؤيتها الضيقة و املحافظة على النظام العام و المصلحة العامة ،ففي
الحاالت التي تمتنع فيها اإلدارة عن تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضدها فإن هذا األمريكرس
االنطباع بأن اإلدارة ال تحترم مبدأ المشروعية الذي يجب أن يلتزم به الجميع على قدم
المساواة ،إذ يفترض في اإلدارة أن تشكل النموذج بالنسبة للغير في االلتزام بالقوانين ،وتنفيذ
األحكام القضائية الصادرة ضدها ،فمبدأ المشروعية هو مظهر أساس ي لدولة القانون يقتض ي
من خالله احترام اإلدارة للقانون بمفهومه الواسع ،بما فيها أحكام القضاء في الحاالت التي
تخاطب فيها ،فرغم وجود قرينة السالمة التي تتمتع بها أعمال اإلدارة االنفرادية أو التعاقدية،
فإن هذا األمر ال يمنع من خروج اإلدارة عن مسارها الصحيح مما يجعل أعمالها عرضة للطعن
أمام القضاء اإلداري ،فاإلدارة ملزمة باحترام سلطة القضاء وتنفيذ أحكامه النافذة ،وقد يتجلى
هذا االمتناع في عدة مظاهر منها :االمتناع الصريح في شكل قرار إداري جديد يخلق وضعية
جديدة يصبح معه تنفيذ الحكم مستحيال ،وقد يتخذ االمتناع شكل التنفيذ المعيب عن طريق
التنفيذ المتأخرأو التنفيذ الناقص.
املحوراألول :تعدد األسباب المانعة من تنفيذ اإلدارة من تنفيذ األحكام الموجهة ضدها.
يعد تنفيذ األحكام القضائية النهائية مسألة وجوبية إذ ال معنى لوجود هذه األحكام من
دون تنفيذ ،لذلك يفترض في اإلدارة أن تلتزم باألحكام القضائية بطريقة اختيارية احتراما للقضاء
و القانون السيما وأن مسطرة التقاض ي تتميز بتعقد إجراءاتها وطولها ،وإال فصاحب الحق
سيكون مضطرا للجوء إلى الوسائل القانونية المتاحة من أجل إجبارها على التنفيذ،
يتقرر إيقافها594 فالمقتضيات الدستورية 593تنص على أن األحكام القضائية النهائية التي لم
الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع ،ويجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة الالزمة
لتنفيذ هذه األحكام ألن عدم تنفيذ األحكام القضائية يمس في الصميم هيبة و حرمة القضاء،
فاإلخالل بمبدأ عدم احترام األحكام يصير بمبدأ المشروعية إلى العدم ،595فما يطمح إليه كل
متقاض من رفع دعواه لدى القضاء اإلداري ليس هو إغناء االجتهاد القضائي في المادة اإلدارية
بل استصدار حكم لصالحه يحمي حقوقه المعتدى عليها من طرف اإلدارة مع ترجمة منطوقه
على أرض الو اقع بتنفيذه ،وعليه فالجميع يتفق على ضرورة تنفيذ األحكام القضائية غير أن
اإلدارة قد تجد نفسها أمام صعوبة التنفيذ ألسباب قانونية أو و اقعية ،وأحيانا ملجرد التأخيرو
التماطل من اإلدارة ،وهذا األمر يثير مجموعة من التساؤالت :ماهي الوسائل الكفيلة لحث
اإلدارة على التنفيذ؟ وهل يمكن اللجوء إلى وسائل التنفيذ الجبري إلرغامها على التنفيذ؟ وماهي
اإلشكاليات المتولدة في حالة التنفيذ الجبري على اإلدارة؟ وكيف يمكن التوفيق بين إلزامية
تنفيذ األحكام القضائية النهائية و بين متطلبات الحفاظ على سير المر افق العمومية و عدم
تعطيل خدماتها؟
المبحث األول :األسباب الموضوعية والقانونية المؤدية إلى عدم تنفيذ األحكام
القضائية الصادرة ضد اإلدارة.
تتعدد األسباب التي تدفع اإلدارة إلى االمتناع عن تنفيذ األحكام القضائية بحيث يمكن
الحديث في الشق األول عن األسباب الموضوعية و القانونية السيما وأن "املحاكم اإلدارية ال
تتوفر على مرجعية قانونية خاصة بها بشأن األحكام الصادرة عنها التي يظل إطارها القانوني
مستمد من القواعد العامة للتنفيذ الجبري المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية بينما
لم يخصص القانون املحدث للمحاكم اإلدارية أهمية كبيرة لموضوع تنقيذ أحكام القضاء
اإلداري مشيرا فقط إلى أن التنفيذ يتم بواسطة كتابة ضبط املحكمة التي أصدرت الحكم ،في
الوقت الذي كان يفترض فيه أن يدقق هذا القانون في اإلجراءات و التدابير الكفيلة بتنفيذ
األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة ألنه ال معنى لوجود قضاء إداري ال تنفذ أحكامه مادام
أن من أبرز الغايات التي يتوخاها المتقاض ي من لجوئه للقضاء هو استيفاء حقوقه و الدفاع
عنها أمام االعتداء أم التعسف أو الشطط ،وعليه فاملحكوم لفائدته يواجه العديد من
الصعوبات في سبيل تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهة اإلدارة ،فالقضاء اإلداري
يصدرأحكاما قضائية ضد اإلدارة إما بإلغاء قراراتها غيرالمشروعة أو الحكم عليها بالتعويض،
إال أنه ال يتوفر على سلطة حقيقية إلجبارها على التنفيذ لعدم توفره على الوسائل المادية و
القانونية للقيام بذلك" ،596فإلى جانب هذا السبب المتمثل في غياب إطارقانوني خاص بتنفيذ
األحكام القضائية الصادرة في مواجهة اإلدارة ،هناك صعوبات قانونية أخرى تتمثل أساسا في
صعوبة تفسير الحكم القضائي أو فهم مقصوده ،إال أن هذه الصعوبة" ال تعطي لإلدارة حق
التملص من التزاماتها بتنفيذ الحكم تنفيذا كامال و صحيحا ألنها يمكنها اللجوء إلى الجهة
القضائية المصدرة للحكم لتستفسرها عن كيفية تنفيذ أحكامها حين يكون هناك ما يدعو
للشك في تفسيرها" ،597وعليه لتجاوزهذه الصعوبة يفترض أن يكون منطوق األحكام القضائية
واضحا يزيل التفسيرات المتعددة التي تتذرع بها اإلدارة للتماطل او االمتناع عن تنفيذ األحكام
القضائية ،وكذلك يساهم في تسهيل إجراءات التنفيذ و تسريعها ،كما ينص قانون المسطرة
المدنية 598على قيام عون التنفيذ باإلجراءات المتعلقة بطرق التنفيذ في حالة رفض المدين
الوفاء بالدين املحكوم به دون األحكام التي تقض ي بإلغاء القرارات الصادرة عن السلطات
اإلدارية "بسبب التجاوز في استعمال السلطة التي ال تقض ي بأي حق مالي حتى يتأتى اعتماد
مسطرة التنفيذ الجبري بشأنها أوتوجيه أوامرإلى اإلدارة من أجل إجبارها على التنفيذ باالعتماد
على أنه :ليس للشخص المتضرر من عدم التنفيذ أن يطلب من املحكمة اإلدارية إصدار أمر
لإلدارة الممتنعة عن التنفيذ من أجل االمتثال لحكمه لما في ذلك من تطاول على مبدأ فصل
" -596القضاء اإلداري المغربي" لحسن صحيب ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية و التنمية ،ع ،99الدار البيضاء ،ط ،4999ص
.181
" -597إشكالية تنفيذ األحكام القضائية في مواجهة اإلدارة" لحميد أمالل ،جامعة محمد الخامس ،4999 ،ص.41
-598الفقرة األخيرة من الفصل 119من ق.م.م
السلطات" ،599ومن بين األسباب القانونية هو تعارض قواعد تنفيذ األحكام اإلدارية مع ظهير
،5711فهذا الظهيرينص على أن األحكام والقرارات التي تكون بمقتضاها الخزينة العامة أوأحد
الصناديق التابعة إلدارة عمومية ملزمة باألداء ال يمكن تنفيذها في حالة ما إذا طلب فيها النقض
إال تحت مسؤولية األطراف الذي حصلوا عليه بإعطائهم ضمانات حسب الشروط المقررة في
هذا الظهير ،600وعليه فغالبا ما تتمسك اإلدارة بطلبها بالنقض ضد سند التنفيذ ،وامتناعها
لذلك عن تنفيذه أو تثير بشأنه صعوبات قانونية باالعتماد على هذا الطعن االستثنائي ،وقد
اعتبر قاض ي التنفيذ باملحكمة اإلدارية بالرباط في معرض صرفه النظر عن الصعوبة المثارة"
إن مقتضيات ظهير 5711املحتج بخرقها مستبعدة من التطبيق بقواعد المسطرة المدنية التي
جاءت الحقة على الظهير المذكور ،ومسندة بشكل صريح ملحكمة النقض إمكانية إيقاف تنفيذ
األحكام القضائية النهائية الصادرة في المادة اإلدارية سواء بالكفالة أو بدونها" ،601أما محكمة
النقض فاعتبرت " أن أحكام ظهير 5711ألغيت صراحة بمقتض ى الفصل الخامس من ظهير
5791المتعلق بالمصادقة على قانون المسطرة المدنية الذي حدد الحاالت التي يتعين فيها
إيقاف التنفيذ بسبب الطعن بالنقض ،وهو الفصل الواجب التطبيق في النازلة ،فمحكمة
االستئناف حين اعتبرت أن الطعن بالنقض في القرارالقاض ي باألداء بوقف التنفيذ اعتمادا على
ظهير 5711الذي تم إلغاؤه تكون قد طبقت مقتضيات قانونية غير نافذة تم إلغاؤها ،فكان
قرارها خارقا للقانون مما يتعين معه التصريح بنقض القرار المطعون فيه" .602ومن بين
األسباب المؤدية إلى عدم تنفيذ األحكام القضائية هو اصطدام تنفيذ أحكام القضاء الشامل
بإكراهات برمجة بند في الميزانية ،فهذا األمر ينسحب أيضا على قضايا االعتداء المادي التي
أفرزت األحكام الصادرة بمناسبتها في مواجهة الدولة في نطاق الفصل 97من قانون االلتزامات و
العقود ،تعذرتنفيذ بسبب عدم توفرالدولة على بند في الميزانية مخصص لتنفيذ هذه األحكام
على غرار البند المسمى بالتحمالت المشتركة التي تقتطع منه كل المبالغ المالية في إطار
التعويض عن األضرار التي تسببها األشياء المملوكة للدولة من خالل قيام الوكيل القضائي
للمملكة بإعداد لقوائم من أجل عرضها على وزير المالية بصفته اآلمر بالصرف ،ثم على قسم
الميزانية و املحاسبة الذي ييهئ االلتزام من أجل عرضه في مرحلة موالية على المر اقب المالي
-599قرار الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض الصادر بتاريخ ،4881-91-44الذي اعتبر أن امتناع اإلدارة عن التنفيذ ال يخول للقاضي
اإلداري إصدار أمر لإلدارة من أجل التنفيذ وأنه ليس على المحكوم لفائدته سوى طرق باب قضاء اإللغاء أو قضاء التعويض.
-600الفصل األول من ظهير .4811-96-41
-601أمر صادر عن رئيس المحكمة اإلدارية بالرباط بتاريخ 4944-99-41في الملف .4944/697
-602قرار محكمة النقض عدد 191بتاريخ 4998-94-44منشور بمجلة مجلس القضاء األعلى ،عدد ،14ص .418
بهدف التأشير عليه ليحول في نهاية المطاف إلى جهة الخزينة العامة للمملكة التي تتولى أداء
المبلغ للطرف المعني ،فنقص االعتمادات المالية تتعلق أساسا بمبدأ سنوية الميزانية
المعمول بها في المغرب ،وبالتالي فإن صدور حكم يقض ي بأداء مبلغ مالي يصطدم أثناء تنفيذه
بغياب اعتمادات مخصصة لهذه الغرض داخل بنود الميزانية ،لذا فتنفيذ هذه األحكام يقتض ي
انتظار برمجة االعتمادات خالل السنة المالية الموالية باستثناء بعض المؤسسات التي تعمل
بشكل مسبق على تخصيص االعتمادات لتنفيذ األحكام القضائية ،وعليه يتعين على
المؤسسات األخرى إعداد دراسات توقعية من أجل توقع األحكام الصادرة ضدها والمبالغ
املحكوم بها من أجل تدبيرتنفيذ األحكام الصادرة ضدها ،ففي الكثيرمن الحاالت تختبئ اإلدارة
وراء انعدام أو قلة الموارد الكفيلة بتنفيذ الحكام القضائية ،فقد اعتبرجانب من الفقه أن هذا
األمرفيه شطط في استعمال السلطة يستوجب التعويض فضال عن أن الدولة يفترض فيها مألة
الذمة ،ومن بين األسباب القانونية التي تؤدي باإلدارة إلى االمتناع عن تنفيذ األحكام القضائية
هو الحفاظ على األمن النظام العام بحيث يعد الحفاظ على األمن و النظام العام بصوره
الثالث( الصحة ،األمن ،السكينة) من أهم أسباب وجود اإلدارة ،لذلك فإذا كان " تنفيذ الحكم
القضائي من شأنه المساس باألمن العام و إيقاع الخلل بالمصالح اإلدارية والمر افق العامة
فإنه ال يتم تنفيذه" ،603وهنا تجد األحكام القضائية نفسها أمام مصلحتين كلتاهما تؤدي إلى
الحفاظ على النظام العام ،فمن جهة فتنفيذ األحكام القضائية النهائية يساهم في االستقرار
االجتماعي و األمن القضائي ،لكن من جهة أخرى قد تظهر مصلحة أخرى وهي الحفاظ على
النظام العام فهنا تضطر اإلدارة إلى تأخير أو تعطيل تنفيذ األحكام القضائية تفاديا لكل ما من
شأنه أن يخل بالنظام بحيث يتم تقديم الصالح العام على الصالح الخاص ،غير أنه البد من
ت دقيق مفهوم النظام العام الذي يتميز بالعمومية و التجريد في إطار تنفيذ األحكام القضائية
حتى ال يتخذ ذريعة للتأخير أو االمتناع عن تنفيذ األحكام القضائية ،فإذا كان هذا االمتناع قد
يمليه واجب الحفاظ على النظام العام ،فإنه ينبغي عدم التوسع فيه حفاظا على القوة الملزمة
للش يء المقض ي به ،فاإلدارة بقدر ماهي تأخذ بعين االعتبار الحفاظ على النظام العام ،فإنها
تأخذ بعين االعتبارمصلحة أخرى وهي تنفيذ األحكام القضائية حفاظا على حقوق الغيرواحتراما
للقانون وتعزيزا للثقة في العدالة وتحقيقا لألمن القضائي.
" -603إشكالية تنفيذ األحكام اإلدارية الصادرة في مواجهة اإلدارة" ( مرجع سابق) ص .49
إذا كانت بعض األسباب التي تدفع اإلدارة إلى االمتناع عن تنفيذ األحكام القضائية
مرتبطة بمعطيات أو مادية خارج عن إرادة اإلدارة قد تكون ذات طبيعة قانونية أو موضوعية،
فإنه في الشق الثاني قد تظهر بعض األسباب األخرى حيث يكون فيها إلرادة اإلدارة دورا في
نشوئها ،ومنها :الدو افع الشخصية فبعض "رجال اإلدارة لم يتخلصوا من بعض األفكار و
الممارسات السلبية ،ويعتبرون األحكام القضائية مجرد توصيات غير ملزمة ،وال يقدمون على
تنفيذها إال إذا كانت في صالح اإلدارة ،أما إذا كان ضد اإلدارة فيمتنعون عن التنفيذ وفي أحسن
األحوال يتأخرون في التنفيذ ،ويعتقد هذا النوع من رجال اإلدارة أن تنفيذ الحكم القضائي
يمكن أن يكشف عن سوء تسييره اإلداري مما يؤدي إلى فقدان الثقة في اإلدارة ،كما أن هؤالء
يعتقدون بأن المواطن ال يقاض ي اإلدارة و إنما يقاض ي المسؤول عن اتخاذ القرار في اإلدارة،
وهناك من يتمسك بمبدأ الفصل بين السلطات لتجنب إجبار اإلدارة على تنفيذ األحكام
القضائية ،إال أن استقالل القضاء عن اإلدارة ال يعني تجاهل القرارات الصادرة عن بعضهما
البعض ألن ذلك سيترتب عنه فوض ى و اضطراب في النظام العام" ،604فأحيانا يكون للهواجس
الشخصية صدى في امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام القضائية ،وفي بعض األحيان تتدخل
االعتبارات السياسية في عرقلة تنفيذ األحكام القضائية السيما أن " أكثر اإلدارات امتناعا عن
تنفيذ هذه األحكام هي الهيئات املحلية ،حيث تكون المنازعات القضائية نتيجة لوجود خالفات
شخصية أو حزبية مما يجعل عملية التنفيذ معقدة ،حيث يكون التنفيذ منوطا بموظفين غير
محايدين وحساسيتهم تجاه القانون أضعف مما يؤدي إلى انتهاك مبدأ المشروعية و سيادة
القانون ،وبالتالي يعمدون إلى وضع عقبات مادية أو قانونية في وجه تنفيذ األحكام اإلدارية
الصادرة في مواجهة إدارتهم ،605وعليه يتضح أن ثمة مجموعة من األسباب التي تتضافرلتفاقم
إشكالية تأخير أو عدم تنفيذ األحكام القضائية النهائية الصادرة في مواجهة اإلدارة سواء تعلق
األمرباألسباب القانونية أو الموضوعية ،أو تعلق األمر باألسباب الشخصية أو السياسية.
" -604إشكالية تنفيذ األحكام اإلدارية الصادرة في مواجهة اإلدارة" ( مرجع سابق) ص .41
" -605تنفيذ األحكام اإلدارية" ( مرجع سابق) ،ص .176
تتعدد صور امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام القضائية ومن بينها" :التماطل في التنفيذ
حيث تلجأ اإلدارة أحيانا إلى التماطل في تنفيذ األحكام القضائية مما يصعب على القاض ي
اإلداري إلزام اإلدارة بالتنفيذ في وقت محدد أو حتى تحديد هذا الوقت ألن اإلدارة دائما م تعتبر
أن التأخير في التنفيذ له ما يبرره" ،606فاإلدارة أحيانا قد تتفادى االمتناع الصريح فتلجأ إلى
التنفيذ الجزئي أوالناقص ،ومع ذلك يبقى هذا التنفيذ صورة من صورة االمتناع بحيث ال تتقيد
اإلدارة بشكل حرفي لما جاء في مضمون الحكم القضائي ،بل تقوم بتنفيذه تنفيذا ناقصا أو
جزئيا بما يتو افق مع رغبتها ،فاألصل أن "اإلدارة يتعين أن تنفذ الحكم بشكل كامل و صحيح
لكن حينما تريد اإلدارة أن تتجنب االمتناع الصريح أو التأخير في التنفيذ فإنها تلجأ إلى التنفيذ
الناقص أو الجزئي ،فهذه الصورة من االمتناع يظهر جليا من خالل إغفال اإلدارة لبعض اآلثار
القانونية و المادية التي يرتبها الحكم عند تنفيذه ،فمثال كالعمل على إعادة موظف اتخذ قرار
العزل في حقه ،وتم إلغاؤه بحكم قضائي إلى وظيفته أو منصب أقل غير الذي كان يشغله في
السابق أو حرمانه من حقه في التعويض أو في الترقية ،وهذا النوع من التنفيذ يعد بمثابة عقاب
تمارسه اإلدارة في حق المدعي الذي تجرأ أو خاصمها أمام القضاء" ،607وهناك صورة أخرى من
صور االمتناع ويتعلق األمر باالمتناع الصريح رغم أن اإلدارة غالبا ما تتجنب هذا االمتناع ألنها
تتفادى المواجهة مع القضاء ،كما أن اإلدارة ال تريد أن تتهم بكونها إدارة غير ديمقراطية تخرق
القانون ،وال تلتزم بأحكام القضاء حتى وإن لجأت اإلدارة إلى االمتناع الصريح فإنها ال تصدرقرارا
صريحا بالرفض ،و إنما يتخذ غالبا شكل قرارسلبي باعتبارها قرارا ال يتضمن القيام بأي إجراء
تنفيذي فهو ينفذ بنفسه و ينتج آثاره عند صدوره في الحال ،وهو بذلك ال يتقيد بأجل الستين
يوما للطعن باإللغاء على اعتبار أنه قرار مستمر في آثاره ،وأن الطعن فيه يظل مفتوحا لطالما
تستمر حالة االمتناع من جانب اإلدارة المصدرة له سواء كان قرارا صريحا بالرفض أو قرارا
ضمنيا بالرفض "،فالقرارالضمني الصادرعن وزيرالعدل القاض ي برفض إرجاع الطاعن لخطة
العدالة يجعل هذا الرفض مستمرا في آثاره مما يظل الطعن فيه باإللغاء مفتوحا و غير مقيد
" -606إشكالية تنفيذ األحكام اإلدارية الصادرة في مواجهة اإلدارة" ( مرجع سابق) ،ص .74
" -607إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة" لثائرة نزال ،مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد ،ع ،79-48
السنة ،4941ص .411
بأجل 61يوما املحدد لدعوى اإللغاء" ،608وأما فيما يخص القرار اإلداري اإليجابي فمن أشهر
األمثلة على ذلك قضية" فابريكي" إذ صدر قرارا من مجلس الدولة الفرنس ي يقض ي بإلغاء قرار
عزله من العمل كحارس في البلدية إال أن العمدة امتنع عن التنفيذ بإصدار قرار صريح بعدم
التنفيذ تحت طائلة استحالة إرجاع الموظف إلى حالته األصلية ليتولى بعد ذلك مجلس الدولة
من جديد إلغاء القرار ،وأحيانا قد تلجأ اإلدارة إلى تغيير قوانينها التنظيمية ليس من أجل
المصلحة العامة ،بل هي مناورة تعتمدها اإلدارة للتحايل على تنفيذ الحكم القضائي المكتسب
لقوة الش يء المقض ي به ،ولعل امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام القضائية فيه ضررخاص يمس
مباشرة املحكوم لصالحه ،وفيه أيضا ضرر عام حيث يفقد املجتمع ثقته في القضاء مادام أنه
يصدر أحكاما قضائية نهائية ال تجد سبيلها إلى التنفيذ ،وعليه يتضح بأن صور االمتناع عن
التنفيذ متعددة بحيث قد تكون هناك نية واضحة لدى اإلدارة لالمتناع عن التنفيذ من خالل
االمتناع الصريح ،وقد تكون هناك نية مبيتة لدى اإلدارة لالمتناع عن التنفيذ من خالل
التماطل في التنفيذ أو التنفيذ الجزئي لمنطوق الحكم القضائي الصادرفي مواجهة اإلدارة.
المبحث الرابع :التجارب المقارنة في مجال تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد
اإلدارة.
إن إشكالية عدم تنفيذ األحكام القضائية غير منحصرة في دولة دون غيرها بل تستفحل
في الدول التي تعتمد األساليب البيروقراطية في التدبير اإلداري ،وسوء تعامل اإلدارة مع
المرتفقين ،ولذلك تعاملت العديد من الدول بحزم و صرامة مع هذه الظاهرة من خالل تجريم
االمتناع عن تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد الدولة كما هو عليه الحال " في مصر من
خالل المادة 511من قانون العقوبات المعدل بالقانون رقم 511الصادر سنة 5711الذي
يعاقب بالحبس و العزل لكل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته في وقف تنفيذ األوامر
الصادرة عن الحكومة أو أحكام القوانين و اللوائح أو تأخير تحصيل األموال و الرسوم أو وقف
تنفيذ حكم أوأمرصادرمن أي جهة مختصة ،وكذلك يعاقب بالحبس و العزل كل موظف امتنع
عمدا عن تنفيذ حكم مما ذكر بعد مض ي ثمانية أيام منذ إنذاره على يد محضر إذا كان تنفيذ
الحكم أواألمرداخال في اختصاص الموظف" ،609باإلضافة إلى الجزاءات الجنائية و اإلدارية التي
-608حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط ،رقم ،4199بتاريخ 4947-91-46منشور بموقع العلوم القانونية .
" -609إشكالية تنفيذ األحكام القضائية" المصطفى التراب ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية و التنمية ،دار النشر المغربية ،ع ،4888 ،41
ص .41
أقرها المشرع المصري فقد كرس االجتهاد القضائي في مصر الجزاءات المدنية ،واعتبر أن
امتناع الموظف املختص عن تنفيذ الحكم دون مبرر هو قرار سلبي خاطئ ينطوي على مخالفة
لقوة الش يء المقض ي به ،وهي مخالفة قانونية لمبدأ أساس ي وأصل من األصول القانونية ،ومن
ثم وجب اعتبار "خطأ المدعى عليه خطأ شخصيا يستوجب مسؤوليته عن التعويض
المطلوب ،610بل إن االجتهاد القضائي المصري سارإلى أبعد من ذلك حينما اعتبرفي أحد قراراته
الوزيرمدنيا أصيال باعتباره محدثا للضررفي حين اعتبرالحكومة مدنية بصفة تبعية أواحتياطية
إلهمالها في الرقابة أو اإلشراف" ،611وأما في التشريع الفرنس ي فقد عولجت إشكالية تنفيذ
األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة عبر ثالث مراحل ،أولها سنة 5761حيث أحدثت لجنة
التقريرو الدراسات ،وهي لجنة قضائية على صعيد مجلس الدولة أسندت لها النظر في تظلمات
المواطنين من الصعوبات التي يصادفونها أثناء تنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الدولة في
مواجهة اإلدارة إال أن دورها املحدود وعدم قدرتها على الحد من هذه الظاهرة دفع المشرع
الفرنس ي إلى إحداث مؤسسة الوسيط سنة ،5791والذي خول لها سلطة توجيه أوامر لإلدارة
قصد تنفيذ بعض األحكام التي امتنعت عن تنفيذها أو كانت سببا في عرقلة تنفيذها ،إال أن هذا
األمر لم يمنع اإلدارة من التمادي في االمتناع ،لذلك لجأ المشرع الفرنس ي إلى تبني بعض
األساليب إلجبار اإلدارة على التنفيذ مثل أسلوب الغرامة التهديدية سنة ،5771والتي يمكن أن
تمتد إلى الموظف الذي تسبب في عدم التنفيذ ،وذلك في إطار المسؤولية التأديبية و المالية
للموظف من خالل تقديمه ملحكمة التأديب و املحاسبة المالية ،612وعليه يتضح بأن التجارب
المقارنة اعتنت بهذه الظاهرة نظرا النعكاساتها على صورة دولة الحق والقانون ،فهذه الدول
قد راكمت عقودا من التجربة في سبيل حل هذه اإلشكالية ،فحري بالدول األخرى االستفادة من
تجارب هذه الدول.
تعتمد اإلدارة في عدم تنفيذ األحكام القضائية على مجموعة من المبررات الموضوعية
أو الذاتية ،وعدم التنفيذ يلحق بالمتضرر أضرارا مباشرة ألنه يمس حقوقه و مصالحه
الشخصية ،ولكن في نفس الوقت يحدث أضرارا اعتبارية و معنوية للمجتمع حيث يفترض في
" -610القضاء اإلداري ،قضاء اإللغاء" لسليمان الطماوي ،الطبعة األولى ،4941 ،ص .411
" -611القضاء اإلداري ،قضاء اإللغاء" (مرجع سابق) ص .419
" -612عدم تنفيذ أحكام القضاء اإلداري من طرف اإلدارة " لحبيب العطشان ،مجلة القضاء و القانون ،ع ،4999 ،416ص.41-46
اإلدارة أن تعطي القدوة في احترام القانون و القضاء ،و االلتزام بمبدأ المشروعية ،بينما نجد في
الو اقع أن اإلدارة تتملص من تنفيذ األحكام القضائية بذرائع واهية ،لذلك عملت التشريعات
الحديثة على البحث عن الوسائل و السبل القانونية الممكنة لتجاوز هذه اإلشكالية ،ومنها
الحكم بالغرامة التهديدية على اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ ،وإمكانية الحجزعلى أموال اإلدارة
الممتنعة عن التنفيذ.
تعد الغرامة التهديدية إحدى الوسائل القانونية التي يمكن للمتضرر سلوكها ضد عدم
تنفيذ اإلدارة لألحكام القضائية حيث" يمكن للدائن الحصول على التنفيذ العيني متى كان األمر
يتعلق بالقيام بعمل أو االمتناع عن عمل لصيق بشخص المنفذ عليه ،ممكن و جائز قانونا و
تلزم إرادته في تنفيذه ،وال تسعفه إجراءات التنفيذ األخرى ،ومن خصائص هذه الغرامة أنها
تهديدية أوال وتحكمية ،وال يقض ى بها إال بناء على طلب ،وهي تنقلب في نهاية المطاف إلى المطالبة
بالتعويض يحدد تبعا لطبيعة الضرر و أهميته ومداه الناتج عن االمتناع عن التنفيذ مع األخذ
بعين االعتبار تعنت المدين" ،613وعليه فالغرامة التهديدية هو ذلك المبلغ من المال الذي ال
يهدف إلى تعويض املحكوم لصالحه ،وال يهدف كذلك إلى تعويضه عن األضرارالتي لحقته جراء
تماطل املحكوم في تنفيذ الحكم بقدرما تهدف إلى إجباراملحكوم عليه على تنفيذ الحكم الصادر
في حقه دون تأخير ،وقد أيد القضاء المغربي تطبيق الغرامة التهديدية على اإلدارة الممتنعة عن
التنفيذ مع عدم وجود ما يمنع تطبيقها وذلك بالعديد من القرارات و األحكام ،ومنها الحكم
الصادر عن املحكمة اإلدارية بالرباط حيث جاء فيه" حيث اتضح أن الحكم موضوع التنفيذ
يتمثل في قرار إلغاء العزل مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية ،لذلك فإن األمر يتعلق بتنفيذ
عيني يتمثل في التزام املحكوم عليه بإرجاع المدعي إلى الحالة التي كانت قبل الحكم بإلغاء قرار
العزل ،حيث إنه بمقتض ى الفصل 117من ق.م.م فإنه يحق لرئيس املحكمة أن يصدر أمرا
بغرامة تهديدية يؤديها املحكوم عليه عن كل فترة يمتنع فيه عن التنفيذ" ،614ومنها الحكم
الصادرعن املحكمة اإلدارية بالرباط ضد وزيرالتربية الوطنية حيث جاء فيه" حيث إن الفصل
117من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أن الغرامة التهديدية كوسيلة إلجباراملحكوم
" -613الغرامة الت هديدية و الحجز في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ األحكام و القرارات اإلدارية" (مرجع سابق) ،ص .69-18
" -614الدليل العملي لالجتهاد القضائي في المادة اإلدارية" ألحمد بوعشيق ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية و التنمية ،ع ،4991 ،46
ص .167
عليه على التنفيذ قد ورد ضمن الباب الثالث من القانون المذكور المتعلق بالقواعد العامة
بشأن التنفيذ الجبري لألحكام ،وحيث إن املحاكم اإلدارية تطبق القواعد المقررة في قانون
المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خالف ذلك طبقا للمادة 9من القانون رقم ،71.15
وحيث ال يوجد نص قانوني يستثني اإلدارة من فرض غرامة تهديدية عليها في حالة امتناعها عن
تنفيذ حكم قضائي في مواجهتها" ،615وعليه يتضح أن القضاء ال يتوانى عن فرض الغرامة
التهديدية في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضدها ،وهذا
التوجه القضائي دعمه جانب من الفقه " حيث اعتبر أن الحكم بالغرامة التهديدية على اإلدارة
يعد خطوة إيجابية في اتجاه إجبار اإلدارة على تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهتها،
حيث إن القضاء اإلداري أظهر استعدادا لمواجهة هذا الرفض املخل بمبدأ سيادة القانون،
فالحكم بالغرامة التهديدية هي وسيلة أكثر فعالية من االقتصار على القول بأن عدم التنفيذ
يفتح حق التقاض ي عن طريق اإللغاء و التعويض" ،616وقد عرفت محكمة النقض تطورا فيما
يخص إعمال الغرامة التهديدية في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ " حيث ميزت في البداية
بين قضاء اإللغاء و قضاء التعويض ،وقررت عدم إمكانية إجبار اإلدارة على التنفيذ عن طريق
الغرامة التهديدية إال عندما يتعلق األمر بدعوى اإللغاء" ،617وهذا ما تبنته محكمة االستئناف
بمراكش في قرارلها حيث جاء فيه" وصح ما عاب المستأنف على الحكم المستأنف بالخصوص
ذلك أن الغرامة التهديدية تندرج ضمن إجراءات التنفيذ الجبري لألحكام ،ويتجلى الهدف من
الحكم بها في إجباراملحكوم عليه على تنفيذ الحكم الصادرضده بالقيام بعمل أواالمتناع القيام
بعمل في حالة رفضه و امتناعه الصريح عن التنفيذ طبقا لمقتضيات المادة 117من قانون
المسطرة المدنية التي تنص على أن إذا رفض المنفذ عليه أداء التزام أو خالف التزاما باالمتناع
عن عمل أثبت عون التنفيذ ذلك في محضره ،وأخبرالرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية ،وحيث
إنه بالرجوع إلى الحكم املحتج باالمتناع عن تنفيذ مقتضياته يتبين أنه إنما قض ي بمبالغ مالية،
وهي مخاطبة بالمقتض ى القانوني أعاله بل تطبق بشأنها قواعد التنفيذ الجبري المنصوص
عليها في الباب الثالث من القسم التاسع من قانون المسطرة المدنية إن كان مجال
لتطبيقها" ،618فإذا كان أحد التوجهات القضائية تقض ي بأن الحكم بالغرامة التهديدية ال تسري
"-615الدليل العملي لالجتهاد القضائي في المادة اإلدارية" (مرجع سابق) ،ص .114
" -616الغرامة التهديدية و تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة" آلمال المشرفي ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية و التنمية ،ع
،4889 ،79ص .18
" -617الغرامة التهديدية و الحجز في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ أحكام القضاء اإلداري" (مرجع سابق) ،ص .481
-618الغرامة التهديدية و الحجز في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ أحكام القضاء اإلداري" (مرجع سابق) ،ص .481
إال على دعاوى اإللغاء ،فإن توجه قضائي آخر أقر بالغرامة التهديدية في كافة القضايا ،وال يميز
بين دعاوى اإللغاء ودعاوى التعويض ،وهذا ما ذهبت إليه املحكمة اإلدارية بالرباط" حيث تعتبر
الغرامة التهديدية وسيلة قانونية إلجباراملحكوم على التنفيذ متى كان األمريتعلق بالقيام بعمل
أو االمتناع عنه لصيق بشخص المنفذ عليه ،وتلزم إرادته في تنفيذه دون أن تسعف فيه
إجراءات التنفيذ الجبري ،وشرط في ذلك أن يكون التنفيذ ممكنا و جائزا وامتناع المنفذ عليه
غيرمبررسواء تعلق األمرفي إطاردعوى اإللغاء اوالقضاء الشامل مادام إمكانية التنفيذ الجبري
غيرممكنة في حقه" ،فتعميم الحكم بالغرامة التهديدية على كافة القضايا هو توجه وجد صداه
لدى بعض األوساط الفقهية التي أكدت على أن نفس المبررات التي تدعو إلى تحديد الغرامة في
إطار القضاء الشامل المعتمدة من طرف محكمة النقض هي نفسها المتاحة إلعمالها في إطار
قضاء اإللغاء ،و أنه ال داعي للتفرقة بين الدعويين فيما يخص تحديد الغرامة التهديدية مادام
أن النتيجة واحدة وهي امتناع اإلدارة عن التنفيذ ،وتعلق التنفيذ بإرادتها المنفردة ذلك أن مبدأ
فصل السلطات ،وما يستتبعه من استقالل اإلدارة وعدم توجيه أوامر لها لم يتخذ إال ليضمن
لإلدارة حرية الحركة وليس عدم االلتزام بقوة الش يء المقض ي به ،فإلى جانب التوجه القضائي
الذي أخذ بعدم التمييز بين دعاوى اإللغاء و دعاوى القضاء الشامل عند حكمه بالغرامة
التهديدية في مواجهة شخص من أشخاص القانون العام ،فهي الدعوة التي تبناها جانب من
الفقه المغربي ،619وإن كان اتجاه فقهي يرى بعدم صواب تطبيق ألية الغرامة التهديدية على
أشخاص القانون العام في رمته لما ينطوي عليه من إهدارملجموعة من المبادئ و القواعد التي
يتأسس عليه القانون اإلداري ،620فالغرامة التهديدية قد تفرض على المسؤول عن عدم ننفيذ
الحكم القضائي شخصيا ،ومن أبرز االجتهادات القضائية في هذا الباب ما يعرف بقضية
"العطاوي" ضد رئيس جماعة تونفيت ،والذي يتعلق برفض رئيس املجلس تنفيذ حكم إلغاء
قرار عزل السيد "محمد العطاوي" من وظيفة جماعية ،ومن التخلي عن القرار الملغى وإرجاع
الطاعن إلى وظيفته و تسوية وضعيته اإلدارية ،وبالتالي تم فرض الغرامة التهديدية ضد رئيس
الجماعة شخصيا لكونه ساهم في عرقلة تنفيذ معتمدا على فكرة المسؤولية الشخصية
للموظف الممتنع عن التنفيذ ،621ومن ثم تواترت األوامر القضائية الصادرة عن املحاكم
" -619الغرامة التهديدية و الحجز في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ األحكام الصادرة ضدها" لمحمد القصري ،سلسلة دراسات ،ع
،71ص.44
" -620مباحث في مستجدات القضاء اإلداري" للحياللي امزيد ،سلسلة مؤلفات جامعية ،4997 ،ص.61
" -621الدليل العملي لالجتهاد القضائي في المادة اإلدارية" ( مرجع سابق) ،ص .164
اإلدارية التي تحكم بفرض الغرامة التهديدية الشخصية في مواجهة اآلمرين بالصرف في اإلدارة
من وزارء و رؤساء جماعات ترابية ،ومن األمثلة على ذلك األمر رقم 1115الصادر ضد وزير
الصحة بتاريخ ،1151 -17-15وكذا األمررقم 1561الصادرضد رئيس املجلس الجماعي للرباط
بتاريخ ،1156-17-55فقد جاء في هذه األوامر أن تحديد الغرامة التهديدية لإلجبار على تنفيذ
األحكام الصادرة ضد اإلدارة يكون في مواجهة الممتنع عن التنفيذ ،والذي أسماه الفصل 117
من قانون المسطرة المدنية المنفذ عليه و ليس املحكوم عليه ،وهذه العبارة األخيرة يتجاوز
معناها الشخص ليتسع لكل من يقوم مقامه في التنفيذ ،ويندرج ضمن هذا المفهوم ممثل
الشخص المعنوي العام املحكوم عليه ،622وعليه يتضح بأن الحكم على اإلدارة الممتنعة عن
تنفيذ األحكام القضائية بالغرامة التهديدية هي من الوسائل القانونية المبتكرة من أجل دفع
اإلدارة إلى االلتزام بمبدأ المشروعية ،و تنفيذ األحكام الحائزة لقوة الش يء المقض ي به ،واحترام
دولة الحق و القانون.
يعد الحجز على األموال صورة من صور التنفيذ الجبري لألحكام القضائية المعمول بها
في قانون المسطرة المدنية المنصوص عليها في الباب الرابع من القسم التاسع المتعلق بطرق
التنفيذ ،إال أنه إذا كان الحجزعلى أموال الخواص أمرا طبيعيا وال إشكال فيه ،فإن الحجزعلى
أموال األشخاص المعنوية العامة يطرح العديد من اإلشكاالت نظرا ألن هذا الحجز قد يؤدي
إلى عرقلة السير العادي للمرفق العمومي بانتظام و اضطراد ،فإذا كانت" عدم قابلية األموال
العامة للحجز تجعل هذه األموال تتمتع بحماية قانونية فإن ذلك يفتقر للمبرر القانوني حينما
يمتنع الشخص المعنوي العام عن تنفيذ حكم قضائي حائز لقوة الش يء المقض ي به بدون أي
مبرر" ،623وهذا ما أقرته املحكمة اإلدارية بوجدة في األمر االستعجالي عدد 1115/59ضد
المكتب الوطني للكهرباء ،والتي أكد في أحد قراراتها على ما يلي ":وحيث إنه إذا كان ال يجوزالحجز
على المال فليس لكون هذه األموال غير قابلة للحجز مادام أنه ال يوجد أي نص يمنع من ذلك،
بل لكون الدولة و المؤسسات التابعة لها مليئة الذمة و ال يخش ى عسرها طبقا للمادة 517من
قانون االلتزامات والعقود ،لكن في حالة االمتناع غيرالمبررعن تنفيذ األحكام القضائية الحائزة
لقوة الش يء المقض ي به كما هو األمر في نازلة الحال حيث يحرص المحجوز عليه على عدم
" -622الغرامة التهديدية و الحجز في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ أحكام القضاء اإلداري" (مرجع سابق) ص .494
" -623القضاء اإلداري المغربي" (مرجع سابق) ص .644
التنفيذ ليس إنكارا لحق طالب التنفيذ فيما يطالب به بل ملجرد تقادم الدين موضوع السند
التنفيذي وكون أموال المكتب ال تقبل الحجز ،فتصبح مالءة الذمة غيرمجدية في التنفيذ ذلك
أن التنفيذ ال يشترط فيه عسر المدين بل مجرد عدم الوفاء بدون مبرر ،لذلك فالمبررات
القانونية التقليدية املحتج بها على رد الحجزفي مواجهة أشخاص القانون العام من يسرو ثقة و
قواعد املحاسبة تصبح غير ذي فائدة في تعطيل إجراء الحجز ،إذ أن يسر المدين ال يحول دون
التنفيذ عليه ،وأما الثقة في اإلدارة تعتبر مفهوما متجاوزا إذ إن المفروض أن التنفيذ ال يجري
إال إذا امتنعت اإلدارة عن الوفاء بالتزاماتها ،وأما قواعد املحاسبة ال يمكن أن تكون بحال حائال
دون التنفيذ ،ثم إن مدلول المصلحة العامة الذي تتركزعليه قاعدة عدم قابلية األموال العامة
بالحجز يجب أن يعاد فيها النظر باالسترشاد بمبادئ النظام العام المتمثلة من باب أولى في
احترام مبدأ المشروعية وسيادة القانون ومبدأ قوة الش يء المقض ي به الذي باحترامها يحترم
النظام العام ألجل ذلك يبقى الدفع املجرد بعدم قابلية أموال المكتب الوطني للكهرباء للحجز
باعتباره مؤسسة عمومية غير مؤسس" ،624وتجدر اإلشارة إلى أن مناط إيقاع الحجز التنفيذي
على منقوالت المرفق العمومي هو تقدير ما إذا كانت هذه المنقوالت غير الزمة لسير المرفق أم
ال ،حيث إنه ال يجوزالحجزعلى سيارة اإلسعاف وال على شاحنة جمع النفايات ألنها تعد ضرورية
لسير المرفق العام ،وذلك قياسا على الفصل 117من قانون المسطرة المدنية ،والذي يمنع
الحجز على الكتب و اللوازم الضرورية لعمل المحجوز عليه ،وتطبيقا لهذا االتجاه تم الحجز
على أموال بلدية بني أدرار لتنفيذ حكم قض ى عليه بمبالغ مالية لفائدة المسمى "هرو محمد"،
وتم حجزمنقوالت هذه البلدية ممثلة في سيارة و تلفازومكيف باعتبارأن هذه المنقوالت ال يضر
بيعها واستيفاء الدين المستحق على البلدية بسير المرفق العام ،ولهذه الوسيلة دور مهم في
إجبار اإلدارة على التنفيذ للحجز على أموالها ،وهذا ما حصل بمناسبة تنفيذ حكم قضائي
إلزامي و نهائي بالحجز على مجموعة من السيارات بالملف التنفيذي عدد 11/77الصادر عن
املحكمة اإلدارية بفاس في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ" ،وتقرر تحديد تاريخ بالمزاد
العلني غيرأن املجلس المنفذ عليه ولتفادي الحجزعليه بادرإلى تنفيذ الحكم تلقائيا تفاديا لبيع
المحجوزات ،ووفى بالتزامه المالي موضوع السند التنفيذي" ،625فالحجز على أموال اإلدارة
الممتنعة عن تنفيذ األحكام القضائية قد يتخذ صورة الحجز التنفيذي على المنقوالت غير
الضرورية بالنسبة لسير المر افق العمومية ،وقد تتخذ صورة الحجز لدى الغير ضمن وسائل
التنفيذ الجبري 626لألحكام ،وتتصف مسطرة الحجز لدى الغير بكونها " تطال أموال املحكوم
عليه الموجودة بين يدي الغير باعتبار هذا األخير مدينا للمحكوم عليه بتلك األموال مادام أن
القانون المدني يجعل أموال المدين جميعها ضمانا لجميع ديونه ويجيز بالتالي إمكانية تتبعها
ولو كانت بيد الغير وإجباره على تسليمها" ،627فقد مر الحجز لدى الغير كوسيلة إلجبار اإلدارة
على التنفيذ بعدة مراحل ،و اتخذ القضاء بشأنه مجموعة من المو اقف ،ففي البداية كان
هناك اجتهاد قار ينص على عدم الحجز على األموال العمومية ،وهذا التوجه لم يأت من فراغ
بل جاء نتيجة اقتباسه ألهم اجتهادات القضاء اإلداري الفرنس ي التي تسيرفي هذا االتجاه ومنها"
القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 15دجنبر ،5779والذي لم يستثن أموال
أشخاص القانون العام من الحجزفقط بل جعل هذا المنع قاعدة عامة ولو تعلق األمربأموال
ملك أشخاص القانون العام وإن كانت تمارس نشاطا صناعيا أو تجاريا ،إذ إن مبدأ عدم قابلية
أموال أموالها للحجزال يسمح باللجوء إلى طرق التنفيذ الواردة في القانون الخاص ،وعليه فإن
هذه المسألة بالنسبة للدولة يجب أن ال تطرح أصال" ،628ويقوم هذا التصورعلى أساس الغاية
الكبرى من المال العام ،وهي تحقيق المنفعة العامة وضمان سير المرفق العام باضطراد و
انتظام ،وعليه ال يجوزالحجزعلى هذا المال مادام أن الحجزيتعارض مع تلك الغاية ،وقد أكد
املجلس األعلى(سابقا) " عدم حواز إيقاع الحجز على أموال الشخص المعنوي العام الفتراض
مالءة ذمته" ،629وقد حافظ هذا املجلس على نفس التوجه ،وباعتباره أعلى هيئة قضائية حينئذ
سارت املحاكم األدنى درجة على نفس منوال املجلس األعلى للقضاء(سابقا) ،وقضت بحظر
التنفيذ الجبري على اإلدارة مستندة في ذلك كما سبق القول إلى مجموعة من المبررات أهمها" :
عرقلة سيرالمرفق العام ،وتعارض مبدأ الحجزمع طبيعة األموال العمومية التي ال تقبل الحجز
باإلضافة إلى هذا فإن هذه المسطرة تعتبر تعديا للقضاء على اختصاص السلطات املخول لها
وضع القانون المالي و تنفيذه" ،630ثم استقر بعد ذلك على إمكانية اقتصار الحجز على
الحسابات الخصوصية ،فالقضاء اإلداري في محاولته التوفيق بين خصوصية المال العام من
-626المادة ( ) 184تنص على أن" يتم حجز ما للمدين لدى الغير بناء على سند تنفيذي أو بأمر يصدره رئيس المحكمة االبتدائية بناء
على طلب الرجوع إليه عند وجود صعوبة".
" -627الغرامة التهديدية و الحجز في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ أحكام القضاء اإلداري" (مرجع سابق) ص .491
" -628التطلع إلحداث مسطرة لتنفيذ األحكام و القرارات الصادرة في مواجهة اإلدارة" لمحمد الزياني ،ع ،4999 ،96ص .11
-629قرار المجلس األعلى عدد 8894/9بتاريخ .4884-91-96
" -630الغرامة التهديدية و الحجز في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ أحكام القضاء اإلداري" ( مرجع سابق) ص .61
جهة ،وحرصه على تطبيق القانون من جهة أخرى سارفي كثيرمن اجتهاداته إلى جوازالحجزعلى
األموال العمومية شريطة أن ال تكون هذه األموال ضرورية لضمان استمرارية سيرالمرفق العام
بانتظام و اضطراد ،وبعد ذلك أضحى التوجه القضائي يجيز القضاء الحجز على الميزانية
العامة للدولة على اعتبار أن ليس هناك نص يحظر الحجز على األموال العمومية ،وباعتبار أن
االمتناع عن التنفيذ يجعل مالءة ذمة اإلدارة كمبررلعدم الحجزعليها مبررا متجاوزا ،ثم صدرت
أحكام بتصحيح الحجزعلى حساب الخزينة العامة للمملكة لدى بنك المغرب ،واعتبار الخازن
العام منفذا عليه مع إمكانية الحكم عليه بغرامة تهدبدية شخصية ،ومن أبرز القرارات
القضائية في هذا اإلطار قضية "فاطمة العنصري" ضد المكتب الجهوي لالستثمار باللوكوس،
ففي هذه القضية " صدر ابتدائيا عن املحكمة اإلدارية بالرباط حكما يقض ي بأداء المكتب
الجهوي لالستثمار لفائدة المدعية تعويضا مدنيا قدره ثمانية ماليين درهم مع النفاذ المعجل
في حدود الربع لكن المكتب املحكوم عليه رفض التنفيذ ،وأمام هذا الرفض لجأت المدعية إلى
مسطرة الحجزلدى الغير ،وتم بناء على الحكم االبتدائي والذي يشكل سندا تنفيذيا حجزالمبلغ
املحدد في الربع والمشمول بالنفاذ المعجل من حساب المكتب المذكوربين يدي الخزينة العام
للمملكة ،وتقدمت المدعية إلى السيد رئيس املحكمة اإلدارية بالرباط بصفته هذه بطلب
تلتمس فيه التصديق على هذا الحجز ،فاستجاب رئيس املحكمة لهذا الطلب ،وأصدرأمرا يجيز
فيه حجز أموال المؤسسات العمومية في حالة رفضها بدون مبرر لتنفيذ حكم قضائي صادر في
مواجهتها في غياب نض قانوني صريح يمنع ذلك ،حيث برر القاض ي الدفع المقدم من طرف
المكتب بكونه مؤسسة عمومية وأن أمواله أموال عامة ال يجوزالحجزعليها بأنه على الرغم من
أموال المكتب تقدم كإعانات من طرف الدولة إال أنه بمجرد تحويلها لحساب المكتب بصفته
مؤسسة عمومية فإنها تدخل في الذمة المالية لهذه الشخص المعنوي الذي له كيان خاص
ذاتي يستقل عن ميزانية الدولة تماما ،وهذا يجعل مصدرأمواله ال اعتبارله في إمكانية حجزها،
وأضاف أن السبب الرئيس ي في عدم جواز الحجز على األموال العمومية هو كونها مليئة الذمة
أي أنها قادرة على الوفاء بكل ديونها مما يجعلها الدائن في مأمن من عسرها وال يخش ى على
حقوقه من الضياع ،وال حاجة له للجوء إلى الحجز على أموالها ،إال أن هذا المبدأ ال يأخذ على
إطالقيته حيث يستبعد تماما في حالة امتناع اإلدارة عن التنفيذ عن اإلذعان لحكم صادر في
مواجهتها ،إذ ال يجوزاالحتماء وراء هذا المبدأ لتفادي تنفيذ حكم حائزلقوة الش يء المقض ي به
وإلضاعة الحقوق ،كما أنه ال يوجد أي نص قانوني يعفي أي محكوم عليه من تنفيذ األحكام
القضائية الصادرة في مواجهتها سواء أكانت مؤسسة عمومية أو غيرها مادام ان الحكم مذيل
بالصيغة التنفيذية" ،631فال يمكن أن يكون مبدأ عدم قابلية األموال العامة للحجزعائقا أمام
تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهة اإلدارة "،هذا ولم تميزاألحكام القضائية المندرجة
تحت لواء هذا االتجاه بين هذه األموال العامة على اختالف أشكالها ،إذ شمل الحجز أموال
أشخاص القانون العام من الميزانية العامة بحجية أن قاعدة عدم حواز الحجز تجد مجال
تطبيقها في الحالة التي يؤدي فيها الحجز إلى عرقلة السير العادي للمرفق العمومي على أساس
أن المبالغ المحجوزة هي مرصودة لنفقات محددة وعليها تتوقف استمراريته في أداء خدماته،
كما أن أشخاص القانون العام يفترض فيها الخضوع لألحكام الصادرة في حقها وتنفيذها
تجسيدا لمبدأ المشروعية ،واحترام األحكام الحائزة لقوة الش يء المقض ي به ،كما أن هذه
األشخاص المعنوية يفترض فيها مالءة الذمة وال يخش ى عسرها ،وليس انطالقا من اعتبار
األموال العامة غير قابلة للحجز مادام ال يوجد أي نص قانوني صريح يمنع ذلك" ،632عموما
يبقى الحجز على أموال اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ إحدى الوسائل القانونية التي ابتكرت في
مجال حل إشكالية امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام القضائية سواء كان عن طريق الحجز
التنفيذي على المنقوالت غير الضرورية أو عن طريق الحجز لدى الغير إلجبار اإلدارة على أداء
حقوق الغير.
المبحث الثالث :القواعد القانونية التي تساهم في حل إشكالية امتناع اإلدارة عن تنفيذ
األحكام القضائية.
" -631الغرامة التهديدية و تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة" (مرجع سابق) ص .81-84
-632القرار عدد 197الصادر عن عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط ،في .4946-91-79
المعنى القانوني السليم هو القاض ي وليس مأمور التنفيذ" ،633غير أنه أصبح في اآلونة األخيرة "
يعتد بمحضراالمتناع فقط الذي يحرره مأمورالتنفيذ فقط دون التأكد من نوايا اإلدارة ،حيث
جاء في قرار ملحكمة النقض ما مفاده" الغرامة التهديدية لم يشترط لها الفصل 117من قانون
المسطرة المدنية سوى التاكد من امتناع تنفيذ حكم قابل للتنفيذ سواء كان عدم التنفيذ كليا
أو جزئيا ،ولم يقرن المقتض ى القانوني المذكور الحكم بالغرامة من التأكد من نوايا املحكوم
عليه" ،634وما تنبغي اإلشارة إليه أن القانون الفرنس ي قد " حمل مسؤولية التأخيرفي التنفيذ إلى
الشخص المشرف على تسيير اإلدارة التي تصدر ضدها األحكام القضائية ،ولذلك أعطى
الصالحية ملجلس الدولة في تحديد الغرامة التي تفرض على الشخص المعنوي العام الذي ال
يحترم تنفيذ أحكام القضاء" ،635ومن بين القواعد القانونية التي تساهم في حل إشكالية امتناع
اإلدارة عن تنفيذ األحكام القضائية أن " اإلدارة حينما تمتنع فقد يتخذ هذا االمتناع شكل قرار
سلبي باعتباره قرارا ال يتضمن القيام بأي إجراء تنفيذي فهو ينفذ بنفسه ،وينتج آثاره عند
صدوره في الحال ،وهو بذلك ال يتقيد بأجل الستين يوما للطعن باإللغاء على اعتبار أنه قرار
مستمر في آثاره ،وأن الطعن فيه يظل مفتوحا لطالما تستمر حالة االمتناع من جانب اإلدارة
المصدرة له سواء كان قرارا صريحا بالرفض أو قرارا ضمنيا بالرفض ،فالقرارالضمني الصادر
عن وزير العدل القاض ي برفض إرجاع الطاعن لخطة العدالة يجعل هذا الرفض مستمرا في
آثاره مما يظل الطعن فيه باإللغاء مفتوحا وغيرمقيد بأجل 61يوما املحدد لدعوى اإللغاء"،636
ومن بين المبادرات التي يمكن أن تساهم في حل إشكالية امتناع اإلدارة عن التنفيذ أن السلطة
التنفيذية 637على إحداث لجنة وزارية لمعالجة هذه اإلشكالية حيث حثت القطاعات الوزارية
على تعميم المنشور على كافة المصالح اإلدارية التابعة لها ،وكذا المؤسسات العمومية
الخاضعة لوصايتها ،والسهر على تطبيق مضامينه و االلتزام بمقتضياته من أجل تكريس
القانون و احترام حرمة القضاء ،وقد أنيطت بهذه اللجنة الوزارية 638مجموعة من المهام ومنها:
البحث عن سبل الوقاية لتفادي الممارسات و القرارات اإلدارية التي من شأنها التسبب في
"-633الغرامة التهديدية و ال حجز في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ أحكام و قرارات القضاء اإلداري" لمحمد قصري ،مجلة
المحاكم المغربية ،ع ،1يناير ،4991ص.481
-634القرار رقم 49لمحكمة النقض الصادر يتاريخ .4944-94-44
" -635تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد الجماعات الترابية" لكريم الشكاري ،مقال منشور بموقع العلوم القانونية ،دجنبر .4941
-636حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط ،رقم ،4199بتاريخ 4947-91-46منشور بموقع العلوم القانونية .
-637منشور أصدرته في السابع من دجنبر سنة 4941تحت .4941/41
- 638تتكون هذه اللجنة من :وزير العدل ،وزي ر الدولة المكلف بحقوق اإلنسان ،أمين الحكومة ،وزير االقتصاد ،الوكيل القضائي
للمملكة...،
المنازعات ،وإعداد إطار قانوني خاص بالتنفيذ في مواجهة أشخاص القانون العام يوازن بين
إلزامية تنفيذ األحكام القضائية الحائزة لقوة الش يء المقض ي به وبين ضرورة ضمان استمرارية
المرفق العام ،وتأهيل المصالح القانونية المكلفة بالمنازعات ،وتكوين الموارد البشرية
المعنية ،غير أن التساؤل المطروح حول نجاعة و فعالية هذا اإلجراء خصوصا أمام غياب أي
نص قانوني يلزم اإلدارة بتنفيذ األحكام القضائية النهائية ،وعليه يتضح أنه إلى جانب الوسائل
القانونية كالغرامة التهديدية أو الحجز على أموال اإلدارة ،أن ثمة مجموعة من القواعد
القانونية و اإلجراءات التي تساهم في حل إشكالية امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام القضائية.
خاتمة:
يبدو من خالل ما سبق أن إشكالية عدم تنفيذ األحكام القضائية النهائية الصادرة في
مواجهة اإلدارة إشكالية معقدة ألنها تنطوي على مصلحتين يتعين مراعاتهما تجسيدا لدولة
الحق و القانون ،فإذا كانت هذه اإلشكالية تهدد من جهة مصالح ذوي الحقوق ألن عدم التنفيذ
هذا يحول دون تحصيل أصحاب األحكام القضائية لحقوقهم ،وهذا فيه هدر للحقوق التي
يفترض أن القضاء بأحكامه هو حاميها ،فإنه أحيانا قد تظهر بعض المبررات التي تتذرع بها
اإلدارة كالحفاظ على استمرارية خدمات المرفق العام من أجل االمتناع عن تنفيذ األحكام
القضائية النهائية ،غيرأنه ال ينبغي التوسع في الذرائع التي تقدمها اإلدارة ،و إنما ينبغي حصرها
في الحدود الدنيا احتراما لهيبة القضاء ،وحفاظا على مبدأ المشروعية ،وصونا لدولة الحق و
القانون بحي ث ال يعقل أن يسلك المتقاض ي المسطرة القضائية من أجل تحصيل حقوقه أو
استرجاعها بما تتطلبه هذه المسطرة من إجراءات طويلة و معقدة ليجد نفسه أمام أحكام
قضائية غير منفذة في مواجهة اإلدارة التي يفترض أن تكون هي القدوة باعتبارها ممثلة الدولة
في احترام األحكام القضائ ية الحائزة لقوة الش يء المقض ي به ،وهذا األمر يخل بثقة المتقاض ي
في القضاء باعتباره المالذ لحماية حقوقه ،لذلك فإن المشرع وضع بعض الوسائل القانونية
التي بإمكانها أن تساهم في حل هذه اإلشكالية أو التخفيف منها على األقل ،ومن جملة ما وضعه
المشرع في هذا الجانب هو الحكم على اإلدارة بالغرامة التهديدية من أجل إجبارها على التنفيذ،
و أيضا الحجز على أموال اإلدارة ،وقد أثارت هذه الوسائل نقاشات قانونية وفقهية وقضائية
نظرا لغياب وسائل قانونية خاصة بتنفيذ األحكام الصادرة في مواجهة اإلدارة مادامت أن قانون
املحاكم اإلدارية يحيل على القواعد العامة المتعلقة بالتنفيذ الجبري دون أن يأخذ بعين
االعتبار خصوصية املحكوم عليه في هذا النوع من األحكام القضائية ويتعلق األمر باإلدارة التي
يعهد إليها تقديم مجموعة من الخدمات للمرتفقين ،ولذلك فأي مساس بمالية هذه اإلدارة جراء
تنفيذ هذه األحكام القضائية الصادرة ضدها قد تكون له انعكاسات مباشرة على مصالح
المرتفقين ،وعليه فهذه األحكام تتفادى الحجزعلى العقارات و المنقوالت الضرورية ألداء هذه
الخدمات ،وتلجأ في المقابل إلى الحجزعلى العقارات والمنقوالت غيرالضرورية ،وبذلك القضاء
أحيانا قد يتمسك بالمعنى الحرفي لمبدأ المشروعية ،واألحكام الحائزة لقوة الش يء به ،وتارة
يميل لجهة اإلدارة من منطلق مالءة الذمة ،وصعوبة الحجزعلى األموال العمومية ألنها مرصودة
لتقديم خدمات لعامة الناس ،وتارة أخرى يسلك مسلكا وسطا فال هو يريد المساس بمبدأ
المشروعية و ال هو يرغب في تعطيل خدمات المر افق العمومية.
المصادرو المراجع
-5المؤلفات
" -القضاء اإلداري المغربي" لحسن صحيب ،املجلة المغربية لإلدارة املحلية و التنمية،
ع ،71الدارالبيضاء ،ط .1117
" -إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة" لثائرة نزال ،مجلة مسالك في
الفكرو السياسة و االقتصاد ،ع ،11-17السنة .1151
" -إشكالية تنفيذ األحكام القضائية في مواجهة اإلدارة" لحميد أمالل ،جامعة محمد
الخامس.1117 ،
" -إشكالية تنفيذ األحكام القضائية" المصطفى التراب ،املجلة المغربية لإلدارة املحلية
و التنمية ،دارالنشرالمغربية ،ع .5777 ،19
" -الدليل العملي لالجتهاد القضائي في المادة اإلدارية" ألحمد بوعشيق ،املجلة المغربية
لإلدارة املحلية و التنمية ،ع .1111 ،56
" -الغرامة التهديدية و الحجز في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ األحكام الصادرة
ضدها" ملحمد القصري ،سلسلة دراسات ،ع .19
" -الغرامة التهديدية و تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة" آلمال المشرفي،
املجلة المغربية لإلدارة املحلية و التنمية ،ع .5777 ،17
" -القضاء اإلداري ،قضاء اإللغاء" لسليمان الطماوي ،الطبعة األولى.1151 ،
" -تنفيذ األحكام اإلدارية" لحسني سعد عبد الواحد ،مطابع املجلي الوطني للدفاع،
القاهرة.5771 ،
" -تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد الجماعات الترابية" لكريم الشكاري ،مقال
منشوربموقع العلوم القانونية ،دجنبر.1159
" -عدم تنفيذ أحكام القضاء اإلداري من طرف اإلدارة " لحبيب العطشان ،مجلة
القضاء و القانون ،ع .1117 ،516
" -مباحث في مستجدات القضاء اإلداري" للجياللي امزيد ،سلسلة مؤلفات جامعية،
.1111
"-التطلع إلحداث مسطرة لتنفيذ األحكام و القرارات الصادرة في مواجهة اإلدارة" ملحمد
الزياني ،ع .1117 ،76
-1القرارات القضائية
لكننا نرى أن «لمبرت" قدم نظريته ليبين من خاللها أن ضعف الضبط االجتماعي في
املجتمع يؤدي إلى انتشار الجريمة وتفاقم معدالتها بذلك املجتمع ،يؤدي الضبط المفرط فيه
إلى اتجاه البعض نحو ارتكاب سلوك إجرامي فيقول "إننا ألفنا أن االنحراف يؤدي إلى أعمال
( )639إسحاق إبراهيم منصور ،الموجز في علم اإلجرام والعقاب ،الجزائر ،ديوان المطبوعات الجامعية ،4898 ،ص.467
( )640محمد سالمة محمد ،الدفاع االجتماعي في مواجهة الجريمة ،االسكندرية ،دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ،4996 ،ص .441
الضبط االجتماعي ،ولكن األكثر أهمية هو أن وسائل الضبط االجتماعي قد تكون بدورها
مسئولة عن االنحراف( ،)641قد هذه الفكرة صائبة إلى حد ما ،غير أنها تبقى في نظرنا خاصة
باملجتمعات التي يزيد فيها الضبط االجتماعي ،ولذلك فإنها ال تفسر جميع أشكال السلوك
اإلجرامي(. )642
ظهرت العقوبات في املجتمع اإلنساني القديم ،ولكنها اختلفت باختالف األزمنة واألمكنة،
ومرت بمراحل تطورمنذ األزمنة البدائية إلى العصرالحديث ،فإذا كانت العقوبة اليوم هي جزاء
يقرره القانون ويوقعه القاض ي على من تثبت مسئوليته عن الجريمة ،فإنها كانت في الماض ي
تعكس فقط إرادة وقدرة من يملك القوة وإكراه وضعف من ال يملكها.
تعود أقرب مرحلة تتوفرخاللها أدلة علمية على شكل حياة اإلنسان إلى العصرالحجري،
فخالل تلك المرحلة عاش اإلنسان حياة خوف وصراع من أجل البقاء في بيئة ال يبقى فيها إال
األقوى واألكثرشراسة من البشروالحيوانات على حد سواء ،حينها كان اإلنسان والحيوان يمثل
ً
كل واحد منهما غذاء لآلخر وخطرا على اآلخر ،فالقتل كان من األعمال التي توفر العيش لكليهما
يأتيانه بالغريزة ،وتحت وطأة هذه الخصائص المتوحشة وما تعج به الطبيعة من ظواهرمهلكة
تميزت الحياة االجتماعية األولى باالندفاع الشديد نحو تمجيد القسوة والعنف ،ولما كان أي
تجمع يفرزبالضرورة سلطة ما ،فإن السلطة التي ظهرت في بداية تشكل املجتمع خالل المراحل
المتأخرة من العصرالحجري أوبعده ،كانت معبرة عن كل هذه الظروف ومرتكزة عليها ،فالقسوة
والعنف هي التي تقيم السلطة وتمنحها الشرعية ،وأدى االزدياد في عدد األفعال املجرمة إلى
استحالة مواجهة الخارجين على نطاق التجريم من قبل صاحب السلطة بمفرده ،األمر الذي
دفع الب ابليين وقدماء المصريين إلى سن قوانين تتضمن أنواع الجرائم وعقوباتها ،وصياغة
بعض القواعد المنظمة لالتهام والتحقيق القضائي واملحاكمة ،ومن ثم قيام الملك بتفويض
كثيرمن أعمال القضاء لمن ينوب عنه .
وقد بقى اإلنسان طيلة العصرالحجري القديم ،يدفع القوة بالقوة دون وازع يرجعه عن
ً
الظلم واالعتداء ،فكان يعيش في حالة تربص وحذر ،وكانت حياته مسرحا لنزاع وحروب متصلة،
ال يأمن فيها على حياته ،وال يستقر معه على حال ،ومن أجل ذلك اقتضت سالمته واستقرار
حياته وجود وازع يمنع من الظلم واالعتداء ،وكان هذا الوازع ،هواألساس الذي قام عليه مفهوم
القانون والعقوبة ،وإلى هذا يشير "ابن خلدون" في مقدمته بالقول ،ثم إن هذا االجتماع إذا
حصل للبشر كما قررنا وتم عمران العالم به ،فال بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض لما في
طباعهم الحيوانية من العدوان والظلم.
ويبدو مما تقدم بأن القوة على الرغم مما تنطوي عليه من معنى القسوة والظلم ،إال أنها
ً
دفعت اإلنسان إلى احترام اإلنسان اآلخر خوفا من بطشه ،وبذلك خلق الوازع التنظيمي لرسم
العالقات بين الجماعات البدائية ،الذي بدونه سيزداد العدوان والظلم أكثرفأكثر.
ً
على أن استعمال القوة لم يكن مقصورا على العالقات بين الجماعات املختلفة حسب،
و إنما كان يعد كذلك األساس الذي يدور حوله العالقات بين أفراد الجماعة الواحدة ،ففي
داخل إطار الجماعة نجد أن النظام العقابي كان يقوم على أساس االنتقام الشخص ي أو الثأر،
ً
فكان كل فرد يثأر لنفسه إذا ما وقع عليه أي اعتداء ،ولما كانت الجماعات البدائية تبلغ حدا
من الضآلة يندر معه وقوع اعتداءات من بعض أفرادها على البعض اآلخر ،فإننا ال نكاد نجد
لديها جزاءات محددة لصوراالعتداء املختلفة ،و إنما كان الفرد المعتدي عليه هو الذي يقدرما
إذا كان الفعل الذي وقع عليه يعتبراعتداء يستوجب العقاب أم ال ،وهو الذي يقدرنوع العقاب
ومقدا ه وهو الذي يوقعه بنفسه أو بمعاونة أهله وأصدقائه ً
أيضا ،أما خارج دائرة الجماعة ر
فقد ظلت القوة هي الوسيلة الوحيدة التي تحسم كل نزاع بين الجماعات املختلفة مهما كان
نوعه ،وهي التي تحمي الحق بل وتخلقه ،ألن تقدير الحق أو الواجب مبنى على قوة الخصم أو
ضعفه دون تفرقة في ذلك بين أمرمدني وأمرجنائي ،فكل اعتداء على حق كان يعد جريمة تدفع
المعتدي عليه وبشدة إلى االنتقام ،إن هذه الحالة كانت تتفق مع معيشة القوم وعقليتهم ،إذا
ً
ال تعترف الجماعة بحق للغريب عنها في تقرير العقوبات ،بل تعتبره عدوا يحل قتله ،وال تعتد
ً ً
باالعتداء على شخص الغيرأو ماله ،فال تعتبره جريمة وال يجرعلى صاحبه وزرا وال عارا ،بل كان
ً ً ً ً
السلب مسلكا شريفا ،واإلغارة مبعثا للفخر ،واالنتقام واجبا تحتمه المروءة .
لقد كان االنتقام الفردي هو الطابع المميز لهذا العصر ،لذلك كانت القوة هي األساس
الذي تدورحوله العالقات بين أفراد الجماعة الواحدة أو بينهم وبين الجماعات األخرى ،غيرأنه
يجب التمييز بين عالقات أعضاء الجماعة الواحدة ببعضهم وعالقاتهم بغيرهم من الجماعات
األخرى ،وقد اتخذت العقوبات نمطين إحداهما داخل الجماعة ،والثاني خارج الجماعة ويتضح
ذلك من خالل اآلتي:
حدث داخل الجماعة الواحدة تمييز بين األفعال التي تمس كيان الجماعة كلها وتضر
بمصالحها وتهدد أمنها ،واألفعال التي ال تصل إلى هذا الحد من الخطورة وتعتبر ماسة بكيان
األفراد فقط ،والنوع األول يمكن أن نسميه الجرائم العامة ،أم النوع الثاني فيمكن تسميته
بالجرائم الخاصة ،والكثرة الغالبة من األفعال كان ينظر إليها على أنها تخص المعتدي
والمعتدي عليه وحدهما وليس فيها ما يعكر أمن الجماعة وصفوها ،فأفراد الجماعة يقفون
ً ً ً
موقفا سلبيا وال يناصرون أحدا ضد آخر ،فالقتل والجرح والضرب والسرقة إن وجدت ،ألنه
لم تكن هناك أموال وإن وجدت فهي مملوكة على الشيوع بينهم ،كلها أفعال ال تحفل بها
الجماعة ،أما الجرائم العامة فكانت محصورة في الخروج على تقاليد الجماعة الخاصة
بالقواعد التي تحكم نظم الزواج ،كالزواج من غير أعضاء الجماعة إذا كانت تأخذ بنظام
االقتراب ،أو الزواج من أعضاء الجماعة إذا كانت تأخذ بنظام االغتراب ،فهذه املخالفة تعتبرزنا
ً
محرما ،وكذلك الحال في القتل بالسحرأو إلحاق األذى باستعمال السحر ،وفي الجرائم العامة
تطبق الجماعة -عن طريق شيوخها أو رؤسائها – أشد أنواع العقاب ضد الخارج على تقاليده،
ومن صورهذا العقاب اإلعدام أو النفي خارج الجماعة أو إتالف أحد أعضاء جسم الجاني مثل
فقئ العين أو صم األذن أو قطع اللسان ،فالجريمة والعقوبة تستندان إلى أساس ديني سواء في
الجرائم العامة أو الخاصة ،فالجريمة ذنب ديني والعقوبة تكفير عنه ولذلك اتسمت العقوبة
ً
بالقسوة إرضاء لآللهة وخوفا من غضبها.
إذا حدث اعتداء على شخص ينتمي إلى جماعة أخرى فمبدأ التضامن يوجب على أفراد
جماعة الجاني مظاهرته ومساعدته ،ويوجب على جماعة املجني عليه االنتقام من الجاني
وجماعته ،فتقوم سلسلة من الحروب والغارات ال تنتهي بين الجماعات ،فالقوة هي فيصل كل
نزاع .وقد ساعد على نمو روح العداء ضد الجماعات األخرى حياة العزلة االقتصادية
والسياسية واالجتماعية التي سادت بين الجماعات ،مما ترتب عليه عدم االعتراف لألجنبي عن
ً
الجماعة بأي حق من الحقوق ،بل كان االعتداء عليه مبعثا للفخروالتباهي من جانب المعتدي،
وترتب على قيام نظام الجماعة على مبدأ التضامن مع شيوع الملكية الجماعية إلى عدم حصر
دائرة االنتقام في شخص معين أو مال بذاته ،ومن هنا ساد مبدأ المسئولية التضامنية ،وبالنظر
إلى عدم وجود سلطة عليا تعترف بها الجماعات المتنازعة ،فإنه لم يكن هناك مناص من
االلتجاء إلى القوة لفض كل ما يثورمن منازعات مهما كانت تفاهة هذا النزاع .
ويبدو مما تقدم أن القوة كانت فيصل كل نزاع في عالقة الجماعة بغيرها من الجماعات،
ويعتقد أن سبب التجاء األفراد في الجماعات البدائية إلى القوة ،هو أن مفهوم حقوق الفرد
ً
الخاصة لم يكن معترفا بها ،إذ كانت الملكية جماعية ،وكان االلتجاء إلى القوة للدفاع عن المال
أو العرض هو الوسيلة الوحيدة المتوفرة في ذلك الحين .وقد ساعد على االلتجاء إلى االنتقام
الشخص ي عدم وجود قواعد دينية ،تحظر االلتجاء إلى القوة ،ولم يتالش مبدأ استعمال القوة
إال بعد أن تغيرت أنماط تفكيرالقوم ،وبدأ الشعورباحترام حقوق الغير ،فقل الرجوع إلى القوة
للدفاع عن النفس والمال ،والذي ساعد على اختفاء القوة ازدياد سلطة رؤساء الجماعات
الذين اعتمدوا على قوتهم ،أو على دهائهم وحنكتهم في إقناع األفراد بترك أسلوب االلتجاء إلى
القوة ،و اندثرت فكرة االنتقام الشخص ي واستعمال القوة عندما تأصلت الديانة في قلوب
ً ً
األفراد ومنحت الرؤساء سلطانا قويا استطاعوا بموجبه أن يوقعوا الجزاء على من يعص ى
أوامرهم ،وأصبحت السلطة المطلقة بيدهم واختفى بذلك كل أثر الستعمال القوة في تنظيم
العالقات بين األفراد.
اتخذت العقوبة في داخل مجتمع العائلة – أي عند انتماء الجاني واملجني عليه إلى نفس
العائلة– صورة التأديب لرب العائلة على أفرادها ،وكانت هذه السلطة متسعة فشملت قتل
الجاني أو طرده من العائلة ،وال نستطيع أن ننكر على العقوبة في نطاق املجتمع العائلي طابعها
العام ،إذ كان رئيس هذا املجتمع وممثله هو الذي يوقعها ،وكانت بعض األفعال التي توقع من
أجلها تتخذ طابع خيانة املجتمع ،كالفرارمن القتال ،وتثيرفي أغلبها شعوراالستنكارالعام.
ويعرف "أوجست كونت" األسرة بأنها الخلية األولى في جسم املجتمع وأنها النقطة األولى
التي يبدأ منها التطور ،وهي الوسط الطبيعي واالجتماعي الذي ترعرع فيه الفرد ،كما يعرفها
"هربرت سبنسر" بأنها الوحدة البيولوجية واالجتماعية ،ويشيرإليها "ويليام أجبرن" بأنها منظمة
ً
دائمة نسبيا مكونة من زوج وزوجة وأطفال أو بدونهم ،ويرى أن العالقات الجنسية هي المبرر
األساس ي لوجود األسرة ،وأنها من مميزات األسرة في كافة المستويات الثقافية .فالعائلة هي
تجمع اجتماعي قانوني ألفراد اتحدوا بروابط الزواج والقرابة أو بروابط التبني ،وهم في الغالب
ً ً ً ً
يشاركون بعضهم بعضا في منزل واحد ،ويتفاعلون تفاعال متبادال طبقا ألدواراجتماعية محددة
ً ً
تحديدا دقيقا وتدعمها ثقافة عامة.
ً
كما أن الخلية االجتماعية األولى – أساسا لنشأة الدولة فقد بدأت األسرة أو العائلة على
أساس االنتماء إلى األم ،وتطورت بعد ذلك إلى مرحلة أخرى وهي التي صار انتماء األسرة فيها إلى
األب ،واألسرة أو العائلة تتكون عادة من األب واألم واألوالد سواء قل عددهم أو كثر ،ثم تطور
الحال بعد ذلك إلى تكوين عدد أسر ،ومن هذا إلى القبيلة المكونة من عدة عائالت حتى وصل
التطور إلى التنظيم الحديث الذي يضم عدة عائالت في شكل أو صورة أمة تكون الدولة،
وأصحاب هذه النظرية يعتبرون سيادة الوالد على أسرته و أبنائه هي اللبنة األولى التي انبثقت
عنها السلطة السياسية ،وهذا ما نعثر عليه في التراث القديم وخاصة عند "أرسطو" في كتابه "
ً
السياسة " أن العائلة تنشأ أوال ثم تتحد مع عدة عائالت بقصد إشباع وتوفير الحاجات التي ال
يمكن للعائلة أن تنهض بها منفردة ومن ثم تتكون القرية ،ومن اتحاد عدد من القرى تتكون
الدولة ،ومنذ عهد "أرسطو" وجدت هذه النظرية ً
عددا من المؤيدين عبر مختلف العصور
يرجعون قيام الدولة إلى سيطرة األب على األسرة .
ظلت العقوبة في داخل املجتمع االثني مرتبطة بسلطة التأديب التي لرئيس املجتمع على
أفراده ،وإن تميزت باتساع هذه السلطة بالنظر إلى نمو فكرة المصلحة المشتركة ،مما أدى إلى
تعدد األفعال التي توصف بالخيانة وتنوعها ،و اتخذت العقوبة في هذا املجتمع طابع "االنتقام
ً
الجماعي" من الجاني باعتباره خائنا ،ولم يندثر االنتقام الفردي في حالة انتماء الجاني واملجني
عليه إلى عائلتين مختلفتين تنتميان إلى العشيرة ،ولكن مالحظة املخاطرالتي تجلبها على املجتمع
ً
هذه الحروب الصغيرة حملت السلطة في العشيرة على فرض القيود عليها حصرا لها في نطاق
ضيق ،وكانت أبرزهذه القيود هي القصاص وتحريم االنتقام في أمكنة ومواسم محددة.
ً
أما إذا كان الجاني منتميا إلى عشيرة املجني عليه ،فقد كانت الحرب بين العشيرتين هي
األثرالطبيعي للجريمة ،وقد اتخذت العقوبة بذلك طابع "االنتقام من عدوخارجي" فكانت صورة
أخرى لالنتقام الجماعي ،فمن أشكال العقوبة في القضاء البدوي التي توقع على الجاني وحده
دون تضامن الجماعة الثأرية التي ينتمي إليها ،إذا كانت الجريمة تخل بالشرف كالسرقة أو
الجرائم الجنسية.
ً ً
فالهدف من العقوبة هدفا انتقاميا ،ثم تطور من االنتقام الفردي إلى االنتقام الجماعي
باالقتصاص من الجاني تحت إشراف الجماعة أو العشيرة ،ثم االنتقام الديني في ظل نظام
القبيلة التي تكونت من مجموعة من العشائر ،ومع ذلك غلب على العقوبة طابع
االنتقام من الجاني.
ً ً
و إننا نجد تمايزا واضحا بين الوحدات القرابية الحقيقية المكونة للوحدة السياسية
ً
العشائرية في املجتمعات البدوية ،حيث تضم تلك الوحدة العشائرية الثأرية مثال العائلة
األصلية التي انحدرت عن الجد األكبر للوحدة القبلية الكبرى التي تنتمي إليها ،وهي في كثير من
األحيان تعتبرالجماعة المسيطرة أو الرئيسة في تلك الوحدات العشائرية التي قد تضم العائالت
المكتتبة أو المنضمة إليها والتي قد تتعدد أصولها.
العقاب القبلي
إن القبيلة ظهرت في مرحلة متأخرة ،جراء تكاثرالعشائرالطوطمية وتوالدها وتجمعها في
بقعة جغر افية محددة ،ومن الصعب تحديد تاريخ معين لبدء العصر القبلي ،ولكن ما يمكن
تأكيده أن القبائل استقرت في بعض المناطق فنشأت بين أفرادها عالقات متداخلة ومتشابكة
أسفرت عن قيام منازعات ومشكالت ،وقد استوجب ذلك قيام حكم من بين أفراد القبيلة (قد
ً
يكون رئيسا) قادر على الفصل في الخالفات والمنازعات وإصدار األوامر والنواهي وتنفيذ
العقوبات بحق من يخرج عن القواعد واألعراف السائدة ،وهكذا ظهرت السلطة التي تسهرعلى
ً
تنظيم مختلف العالقات بين أفراد القبيلة وفقا لهذا الرأي.
ً ً
ولم يكن انضمام مجموعة من العشائرفي قبيلة ما عامال مذيبا تماما بين عشائرحريصة
على استقاللها لمواجهة عدو مشترك ،ولذلك ظلت حالة انتماء الجاني إلى عشيرة غير عشيرة
ً
املجني عليه سببا إلثارة الحرب بينهما ،ولكن هذا الوضع لم يكن ليتفق مع المصلحة العامة
للقبيلة بعد أن تماسكت عشائرها ،فكان ال بد من وسيلة للحد منه ،وقد استمدت هذه الوسيلة
من نظم الحرب ذاتها ،فإذا كانت الحرب تنتهي في العادة باتفاقية صلح تحسم المسائل التي
أثارت الحرب وتلك التي ترتبت على قيامها ،فإنه من السائغ تجنب الحرب ابتداء عن طريق اتفاق
ينظم المسائل التي يراد حسمها بالعنف؛ وإذا كان أهم ما تضمنه اتفاقيات الصلح هو إلزام
المهزوم بتسليم مال إلى المنتصر ،فإن تجنب الحرب مستطاع عن طريق عقد اتفاق تلزم به
عشيرة الجاني بتسليم مال إلى عشرة املجني عليه.
وقد ظل للعقوبة في مجتمع القبيلة طابع "االنتقام الجماعي" ،و اتضح هذا الطابع بصفة
خاصة بالنسبة لألفعال التي تهدد أمن املجتمع كالخيانة واألفعال التي تمس الدعائم الدينية
التي ي قوم عليها ،وتميزت من أجل ذلك بقسوة بالغة ،ولكن طرأ على نظام العقوبة تعديل كان
الدين مصدره ،فقد تميز مجتمع القبيلة باعتماد واضح على الدين في نشأته وتنظيمه ،ذلك أن
في مقدمة األسباب التي دعت العشائر المتجاورة إلى االنضمام في قبيلة كان اشتراكها أو تقاربها
في العقائد الدينية ،وقد حرص شيخ القبيلة وأعوانه على الدين باعتباره الرابطة التي تكفل
الوحدة القبلية ،وظهر أثر ذلك في إسناد سلطاته إلى الدين واعتباره وظيفته األساسية هي
استبقاء مرضاة اآللهة وحمايتها للقبيلة ،وقد استتبع ذلك تغييرفي النظرإلى الجريمة والعقوبة،
فالجريمة يفسرها تقمص األرواح الشريرة والشياطين جسد الجاني وتوجيهها إياه إلى الفعل
ً
اإلجرامي سعيا إلغضاب اآللهة ؛ والعقوبة هي الوسيلة إلى استرداد رضاء اآللهة ،والطريق إلى
ً
ذلك هو "التكفير" عن الجريمة ،ويتحقق التكفير بإنزال العذاب بالجاني طردا لألرواح الشريرة
منه استرضاء لآللهة التي أساءها ارتكاب الجريمة ،وبذلك حل "التكفير" محل "االنتقام
ً
الجماعي" غرضا للعقوبة ،ودخلت الطقوس الدينية في إجراءات النطق بالعقوبة وتنفيذها على
ً
نحوظهربه الجاني في صورة الضحية التي تقدم لآللهة دفعا لغضبها واستبقاء لحمايتها للمجتمع
فموضوع القانون البدائي ينصب على دراسة العوامل والقوى المتعددة التي تعمل على وجود
فاالنتقام ومقابلة العدوان بالعدوان هو دستور القبائل وأسلوب الحياة وهو ما يضمن
ً ً
االنتصار دائما للطرف األقوى ولو كان معتديا ،وتعتبر السياسة العقابية في جميع األحوال
ً
الشخصية تحركها دو افع التأثر لدى الفرد ولدى القبيلة ،ثم ما لبث أن اتخذ االنتقام طابعا
ً ً
دينيا التسام السلطة بالطابع الديني وأضحى خضوع األفراد لها نوعا من الخضوع للدين،
ً ً ً
وأصبحت الجريمة عصيانا دينيا ،وباتت العقوبة تكفيرا عن ذلك العصيان وكان سيد القبيلة
أو زعيمها لآللهة ،له سلطة الحياة والموت على أفراد قبيلته ،وعلى األفراد قبول الجزاء مما بلغ
من قسوة مرضاة لآللهة ،لذلك اختلت العالقة بين الجريمة والعقوبة و اتسمت بالقسوة
واإلفراط .
ويرى تارد" أن الجماعات اإلجرامية هي أقرب في تكونيها ونظمها وممارسة نشاطها إلى
جماعات مهنية ،وال يمكن وصف القبائل في مجتمع ما تغلب عليه صفات معينة ،تربطهم روابط
الدم أو المصاهرة وهي في الغالب ال تغزو وال تقاتل إال بعد االعتداء عليها أو على مراعيها و انتهاك
حرماتها ،في المقابل تتصف بالنزاهة واإلخالص والوفاء بالعهد ،وهي صفات تفتقر املجتمعات
ً
حاليا إلى معظمها ،وأنها إذا اضطرت إلى القتال والحروب فإنها تتصرف بشجاعة وعنفوان بعيدة
عن الخسة والمهانة.
وقد أشار" مالينوفسكي " في صدرمقدمته لكتاب (الجريمة والعرف في مجتمع بدائي) إلى
أن موضوع القانون البدائي ينصب على دراسة العوامل والقوى المتعددة التي تعمل على وجود
النظام وعلى وحدة وتماسك القبيلة البدائية ،وأن معرفة هذه العوامل تشكل قاعدة للنظريات
األنثروبولوجية في التنظيم البدائي ،وتكون بمثابة المبادئ الموجهة للتشريع وتنفيذ العقوبات
على الجاني ،فالقانون والنظام يتحكمان في جميع أوجه النشاط في القبائل البدائية ،وهما ً
ً
يحكمان أيضا كل األعمال اليومية والحياة العامة ألعضائها ،فاإلنسان القبلي يخضع لقواعد
ً ً
قبيلته ولقيودها وتقاليدها وعرفها خضوعا تاما .
وتطبق املجتمعات القبلية العرف الذي يتمتع بدرجة عالية من المرونة بحيث ال يقوم
ً ً ً
تطبيقه في المنازعات أو الحاالت املختلفة تطبيقا حرفيا ،فالقاعدة العرفية ال تجرم أفعاال
معينة في ذاتها ،بقدر ما تنص على اإلجراءات العرفية المتبعة في تسوية منازعات معينة ،ومن
المفهوم أنه ال توجد سلطة شرعية منوطة بإصدار القواعد العرفية ،ولكنها وسائل تستقر
وبتأصل إتباعها بقدر جدواها في تحقيق الترضية والوصول بالمتنازعين إلى تسوية مقبولة
للنزاع ،ولكننا نجد في حاالت معينة أن الجماعات القبلية تتفق فيما بينها عند مواجهة مشكلة
معينة على تسوية تتبع في الحاالت المماثلة ،ومن المؤكد أن القضاء القبلي يفتقر إلى القصر
المنظم في تنفيذ أحكامه ،حيث ال توجد شرطة رسمية ،ولكن تنفيذ القاعدة العرفية
ً
والعقوبات المقررة يستند إلى حقائق اجتماعية أخرى منها مثال حق الجماعة في االعتماد على
قوتها الذاتية في الحصول على حقوقها المقررة ،ودعم الجماعة لكل عضو من أعضائها في
مواجهته لآلخرين ،كما أن منها عالقات المصاهرة والمصالح المشتركة في استثمارموارد الثروة
الطبيعية.
فدراسة نسق التقنين والجزاء والسلطة والزعامة في املجتمعات القبلية ترتبط بالضرورة
بدراسة النسق السياس ي الذي يحتل مركزًا ً
مهما في بناء تلك املجتمعات البسيطة.
العقاب في العصرالحديث
يرى "روتمان" أن الفكر المسيحي تولى تقديم العقوبة كعالج طبي على يد القديس
"أوغسطين" والقديس "توما االكويني" وعلى هدى هذا الفكرظهرت عقوبة التوبة الكنسية التي
تتجلى في عزل املجرم بـ (دير) ليتأمل حياته إال أن التطبيق العملي لهذه الفكرة الدينية أسفرعن
تعسف واضح في استعمالها استمر حتى نهاية القرن الثامن عشر عدا بعض االستثناءات
القليلة.
كما يرى "روتمان" أن "هيجل" مال إلى حتمية تكافؤية العقوبة مع الجريمة المرتكبة أي
أنه كان يميل نحوإقرارفكرة العدالة المطلقة ،ومع هذا يرى "هيجل" أن العقاب يمكن أن يكون
وقد كان الهدف من العقوبة السالبة للحرية مجرد حبس حرية اإلنسان ليكفرعن ذنبه،
ولينتقم املجتمع لحقه المعتدي عليه بارتكاب الجريمة ثم تحول الهدف إلى إبعاده عن املجتمع
ً
حتى انتهاء مدة العقوبة المقض ي بها ،وحاليا أصبح هدف العقوبة السالبة للحرية إصالح
املحكوم عليه بعد عالجه من مرض الجريمة ،ولما كان العالج بالمفهوم الطبي النفس ي ال يعرف
ميعاد تحققه من جهة كما أنه عادة يحتاج إلى وقت طويل ألننا نعالج نفس المذنب ال جسده
من جهة أخرى ،ولما كان اإلصالح كذلك يحتاج إلى الوقت غيرمحدد كالعالج ،لذا بدأ البحث في
مقدار العقوبة السالبة للحرية على ضوء تحقيق هذين الهدفين المعاصرين العقوبة ،وترتيب
على هذا انتقاد العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة بل ،ولقد وصل الحال إلى حد المطالبة
بإلغاء تقرير العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة في التشريع حتى ال ينطق بها القاض ي ،كما
نادى أنصار هذا االتجاه بأن ال يقدم القضاة على النطق بها وأن تحدد سياستهم القضائية في
ً
النطق بالغرامة أو حتى بالبراءة بدال منها حتى تسايرالهدف الحقيقي المعاصر من وراء العقوبة
السالبة للحرية ،وحتى ال يتعارض المذنب املحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة (
ً
كموظف أو كرجل أعمال يقض ي عليه بعقوبة الحبس لمدة شهر مثال لو اقعة إصابة خطأ )
ملخالطة املجرمين الخطرين داخل العنابرالجماعية أو خلف أسوارالسجن بوجه عام .
وتفرع عن هذا الرأي كذلك من ينادي بأنه إذا كان من الالزم إقرارالعقوبة السالبة للحرية
ً
قصيرة المدة وفقا لسياسة تدرج السلم العقابي فانه يجب أن يخضع المذنب بعد قضاء هذه
المدة القصيرة داخل السجن للعالج النفس ي واالجتماعي خارج السجن تحت إشراف مختصين
معينين من قبل الدولة وهذه أول مشكلة قانونية تنبثق عن تطورغرض العقوبة السالبة للحرية
في املجتمع المعاصرالمتأثربأفكارالمدرسة العلمية وحركة الدفاع االجتماعي .
شهد الفكر اإلنساني إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تطورات هائلة شملت شتى
المعارف والعلوم اإلنسانية ،ونتيجة هذه التطورات ارتقت اإلنسانية في أفكارها ومعيشتها،
ً
واكتشف الفرد آفاقا جديدة في حياته المادية وعالقاته االجتماعية ،وقد انعكس كل ذلك على
النظام القانوني بصفة عامة وعلى فكرة العقوبة بوجه خاص .
وعلى الرغم من أن المسيحية قد سادت في أوروبا و انتشرت معها تعاليمها التي تدعو إلى
التسامح والرحمة فقد اتصفت العقوبات – طوال العهود التي سبقت الثورة الفرنسية –
بالقسوة البالغة ،ويعلل ذلك بتأثير عوامل أخرى غلبت في النظم القانونية على التعاليم
المسيحية.
وقد بدأت العقوبة منذ الثورة الفرنسية تتطور حيث كان اتجاهها البارزهو "اإلقالل من
مقدار اإليالم الذي تنطوي عليه" ،وتبدو معالم هذا التطور واضحة عند المقارنة بين نظم
العقوبات التي سادت في العهد السابق على الثورة والنظم التي جاء بها تشريع الثورة والتشريعات
الالحقة عليه ،ومن هنا يمكن تحديد معالم التطورللعقوبة في ثالث ٍ
نواح :
من الناحية األولى اعترفت التشريعات القديمة بعقوبات قاسية كالعقوبات البدنية التي
تقوم على بتر بعض األعضاء أو إعدام بعض الحواس أو الجلد والضرب ،والعقوبات المهينة
كطبع عالمات غيرقابلة للزوال على جسد الجاني تدل على جريمته ،وهذه العقوبات قد اختفت
من التشريعات الحديثة ،وكذلك الحد من قسوة العقوبات المطبقة ،وذلك بأن هجرت معظم
التشريعات عقوبات بتر األعضاء والجلد وتشويه جسم اإلنسان وسائر العقوبات األخرى التي
تضمنتها التشريعات القديمة التي يجمع بينها طابع القسوة والعنف وعدم التناسب بين قدر
اإلثم أو الخطيئة وبين العقوبة المطبقة عليه ،وقل عدد الجرائم المعاقب عليها باإلعدام
و انحصر في جرائم االعتداء على الحياة وجرائم التجسس ،كما ظهرت فكرة الظروف املخففة
وجعل العقوبة بين حدين أدنى و أقص ى للقاض ي أن يتخير مقدار العقوبة بينهما حسبما تفصح
عنه شخصية الجاني ،وبراعته في ارتكاب الجريمة.
ومن الناحية الثانية فإن العقوبات القاسية التي تشرك التشريعات القديمة والحديثة
ً ً
في االعتراف بها كعقوبة اإلعدام قد اختلف نطاقها اختالفا كبيرا ،فكانت فيما مض ى مقررة لعدد
كبير من الجرائم ،ومنها ما هو قليل الخطورة في ذاته ،أما التشريعات الحديثة فتحصرها في
جرائم االعتداء على الحياة في صورة مباشرة أو غيرمباشرة ،بل إن منها ما قد حذفها ،ويبرزهذا
االختالف توسع القضاء أو النطق بها ،في حين يميل القضاء الحديث إلى الحد من نطاقها عن
طريق الظروف املخففة ويتوسع رئيس الدولة في استعمال سلطته في العفو عنها.
ً ً
أما الناحية الثالثة فقد تطورت أساليب تنفيذ العقوبات تطورا كبيرا ،فكان طابعها فيما
مض ى التعذيب والتنكيل ،وطابعها في التشريع الحديث هو االتجاه إلى اإلصالح والتأهيل،
فالتشريعات الحديثة تقتصرعلى تنفيذ اإلعدام بمجرد إزهاق الروح ،وأغلبها ال يعرف إال أسلوب
تنفيذ واحد يحدده القانون ويمتنع القاض ي التصرف فيه .
ولقد ساهم التطور االجتماعي في هذه المرحلة في إحداث تغيرات جذرية في اتجاهات
ومفاهيم العلمية العقابية ،وأهم تغييرتمثل في التحول من العقاب كهدف بحد ذاته إلى تحويل
العقاب إلى محاولة لإلصالح ،أي ظهرت الدعوة إلى إلغاء أساليب التعذيب والعقوبات
الجسيمة ،وحلت مكانها فكرة التهذيب واإلصالح .
وهذه الحركات اإلصالحية اتسع نطاق دائرتها وظهرت في فرنسا وأمريكا ،ففي عام 5996م
نشأت جماعات لإلصالح في أمريكا و إنجلترا بهدف العمل على مساعدة النزالء باسترداد مكانتهم
االجتماعية ،وثمرة هذه الجهود كانت إنشاء أول إصالحية في فيالدلفيا تتضمن عدة مبان صحية
في عام 5759م .
ً
وفي نهاية القرن التاسع عشركان ينظرللمؤسسات العقابية على أنها للردع أوال واإلصالح
ً
ثانيا ،ولكن مع حلول القرن العشرين تغيرت هذه النظرية وأصبحت المؤسسة العقابية أداة
لإلصالح ،مع اعتماد نظام الدرجات واالمتيازات بداخل المؤسسة العقابية ،والذي يقصد به
ً
انتقال النزيل من درجة إلى أخرى أفضل كلما كان سلوكه حسنا ،وباإلضافة لهذا النظام تم
اعتماد نظام آخروهو التصنيف إلى فئات حسب حالة كل سجين وقابليته لإلصالح ،فأصبحت
ً ً
رسالة المؤسسة العقابية هي اإلصالح أوال والردع ثانيا ،والتي أخذت على عاتقها مسئولية إعادة
ً ً ً
الثقة بنفس النزيل وإعداده نفسيا وجسميا ومهنيا وثقافيا .
ويمكن القول إن العقوبة في القانون الوضعي تمثل ذلك الجزء الذي ينتقص من حقوق
قانونية للمجرم ويوقع بواسطة السلطة القضائية على مرتكب الفعل اإلجرامي ،وهذا االنتقاص
ينطوي على إيالم للمجرم جزاء ما كسبت يداه ،والعقوبة توقع على املجرم متى اعتدى على
مصلحة قانونية من المصالح التي حماها المشرع بنصوصه وقوانينه.
يتناول هذا المقال بالدراسة والتحليل إشكالية حفظ النظام العام في الفضاء
من خالل، وتكون نقطة االنطالق من تحديد اإلطار النظري لمفهوم النظام العام،اإللكتروني
كما يبين المقال المصادر التي يستمد منها هذا المفهوم،تحديد المفهوم ونشأته وتطوره
وتعمل الدراسة في طور الحق على تأصيل فكرة النظام العام.شرعيته والخصائص التي تميزه
باإلضافة إلى إبراز مساهمة المشرع المغربي في تأطيره وحمايته في الفضاء،الرقمي ومدلوالته
األمن، الرقمنة، النظام العام:مفتاح- كلمات.الرقمي ودور القضاء واالجتهاد القضائي في ذلك
.السيبراني
Résumé :
:مقدمة
لقد خلق اإلنسان كائنا اجتماعيا بطبعه ،فال يمكنه االستمرار إال مع غيره من األفراد
الذين يتقاسمون معه شبه طباعه وعاداته ،هذا التعايش كان ينتظم قديما في صورة قبيلة أو
عشيرة ،ومع تطور السلوك البشري وتغير الزمان والمكان واألحوال أصبحنا نتحدث اآلن عن
األمة والدولة كإطار ينتظم فيه األفراد .وعليه ،كانت الحاجة ماسة إلى وجود قواعد تنظم
الروابط االجتماعية التي تحكم عالقات األفراد ،وهو الدورالذي تضطلع به القواعد القانونية
في وقتنا الحالي.
ويقصد بالقواعد القانونية مجموعة القواعد التي تنظم الروابط االجتماعية وتقوم على
احترامها سلطة عامة توقع الجزاء على من يخالفها .643وتستمد هذه القواعد قوتها من مجموعة
من المصادرأهمها التشريع المكتوب الذي يصدرعن سلطة أساسية في الدولة تسمى بالمشرع.
حيث قد يرى هذا األخير –المشرع -في بعض األحيان ترك الحرية لألفراد في تنظيم شؤونهم
بأنفسهم ،فيورد بمقتض ى ذلك قواعد يمكن االحتكام إليها كما يمكن تالفيها ،وتسمى هذه
القواعد بالقواعد المكملة ،وقد يرى المشرع في أحيان أخرى أن هناك أمورا يتعين عليه
تنظيمها بنفسه وال يترك فيها مجاال الختيار األفراد ،وهي القواعد التي ال يجوز االتفاق على ما
يخالف حكمها أوالتحلل من الخضوع لها ،وهي المتصلة بمفهوم النظام العام ،وهذا ما يسوقنا
إلى التساؤل عن ماهية هذا المفهوم؟
ترتبط فكرة النظام العام نشأة وتطورا بظهورفكرة الدولة القومية حيث املجتمع المنظم
سياسيا والمقسم إلى حكام ومحكومين؛ وهي بذلك فكرة متصلة اتصاال مباشرا باملجتمع كونها
مستمدة من مجموعة القواعد المعبرة عن القيم واألسس العليا الكامنة في ضميرالجماعة مما
يجعلها صمام األمان لهوية املجتمع وحفظ ثوابته .ومع هذه الوظيفة السامية تكون فكرة
النظام العام إحدى أهم األفكار القانونية الكبرى التي ال يساهم رجل القانون وحده في تحديد
كنهها وتأطير مضمونها؛ بل يشاركه فيها صائغو ضمير الدولة ومفكروها كل في مجال تخصصه؛
مما يجعلها بحق مفصال من مفاصل الربط بين مجموعة من العلوم؛ األمرالذي سينعكس سلبا
على تحديد طبيعة هذه الفكرة المتنوعة االستخدام.644
643الطيب الفصايلي ،المدخل لدراسة القانون ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،4888 ،ص .41
644عليان بوزيان ،أثر حفظ النظام العام على ممارسة الحريات العامة ،أطروحة دكتوراه في الشريعة والقانون ،كلية العلوم االنسانية،
جامعة وهران ،الجزائر ،4991 ،ص.1 :
ولم يتوقف األمر عند تعدد منابع الفكرة بين مختلف العلوم االنسانية بل تعداه إلى
تغلغلها في ثنايا النظرية العامة للقانون؛ إذ تجد مكانا بارزا لها في مختلف فروع القانون بقسميه
العام والخاص؛ فهي في القانون الخاص مجموعة القواعد القانونية التي تنظم المصالح
األساسية والعليا في املجتمع في شكل قواعد آمرة وناهية يمنع على األفراد االتفاق على مخالفتها
في الحال والمآل .وهي في القانون العام تعتبر هدفا يجب أن تبتغيه سلطات الضبط التشريعي
واإلداري والقضائي من أجل إشاعة األمن وصيانة الصحة العمومية وتوفيرالسكينة العامة.645
إن محاولة فرض منظومة قانونية موحدة في كل دولة قومية مع بداية القرن التاسع عشر
في أوروبا من أجل إخضاع المبادرات الفردية والحريات التعاقدية لسلطان القانون ،دفع بالفكر
القانوني األوروبي إلى البحث عن ضابط يقوم بدورالدرع الحامي للقيم والمصالح العليا للدولة،
ومن ثم تم استعارة مصطلح النظام العام ليكون األداة القانونية في الضبط االجتماعي كحد
على سلطان اإلرادة.646
منذ نهاية القرن الماض ي وبعد انتشار شبكة االنترنيت وتكنولوجيا المعلوميات
واكتساحها ألغلب مجاالت الحياة كان المشرع ملزما بمواكبة هذا التطور بواسطة قواعد
قانونية تؤطرالعالم االفتراض ي كتلك التي تؤطرالعالم الحقيقي ،وبالتالي كان من الضروري من
جهة تعديل بعض النصوص القانونية وتوسيع نطاق تطبيقها لتشمل العالم االفتراض ي ،ومن
جهة أخرى سن قواعد جديدة بالنسبة للمجاالت التي ال تسعها التشريعات السابقة.
ولقد حاول المشرع المغربي تأطيرالعالم الرقمي بمجموعة من النصوص التي يروم جزء
مهم من قواعدها الحفاظ على النظام العام الرقمي ،وحيث إننا في الطور األول من تنزيل هذه
القواعد القانونية ،أضف إلى ذلك أن هذا املجال يعرف تطورا مستمرا ومضطرا مما يصعب
من مهمة تأطيره من طرف المشرع ،خصوصا وأن حدوده ومجاالت تغطيته تزيد يوما بعد يوم،
فمجموعة من المعامالت يتم رقمنتها باستمرار نظرا لعدة أسباب أهمها كون هذه المعامالت
الرقمية أكثر فعالية سواء من ناحية الوقت أو التكلفة .لكل هذه االعتبارات كان لزاما علينا
كباحثين في العلوم القانونية تناول المفاهيم الكبرى للقانون والبحث في مدى إمكانية تنزيلها
والتعامل معها في العالم الرقمي.
تتجلى أهمية هذا البحث في ارتباطه بمفهوم النظام العام الذي تفرق الباحثون في تحديد
ماهيته وضبطه نظريا ،بحيث ما يزال يكتنف جوانبه من الغموض والعمومية الكثير ،وال أدل
على ذلك من عدد األبحاث حوله .وهكذا ،فأهمية موضوع النظام العام الرقمي تكمن في حداثته
وندرة الكتابات حوله ،على أساس أن مادة البحث والتي يتكون جزء مهم منها من مجموعة من
النصوص القانونية ،مازالت في المراحل األولى لتنزيلها .كما يمكننا أن نشير إلى راهنية البحث
بالنظر للظروف التي يمر بها العالم في هذه المرحلة والمرتبطة أساسا بانتشار جائحة كورونا،
وهو ما عزز قيمة العالم الرقمي وقاد األفراد والحكومات والمنظمات إلى السعي نحو استعمال
الوسائل التكنولوجية واللجوء إلى العالم الرقمي أكثر.
كما تظهر أهمية الموضوع جلية في معالجته لمسألة مدى مواكبة القاعدة القانونية
للتطورات التي تعرفها املجتمعات ،ومدى احتوائها وتأطيرها لنشاط األفراد وتعامالتهم وما يعرف
ذلك من تطورات ،إضافة إلى بيان اإلكراهات والمعيقات التي يمكن أن تتولد عن تكييف
مجموعة من النصوص القانونية مع خصوصيات العالم الرقمي .وسنحاول أن نسبرأغوارهذا
الموضوع مسترشدين بقواعد القانون الخاص والعام على حد السواء ،وهو ما سيمكننا من
اإللمام بالموضوع من كافة جوانبه .ونظرا لألهمية البالغة التي يكتسيها الموضوع ،سنحاول
بسط تمفصالته من خالل اإلشكالية التالية :إلى أي حد يمكن تأصيل مفهوم النظام العام
الرقمي بالمغرب؟ وما مدى مساهمة التشريع والقضاء في تحديد مدلوله وتأطيره وحمايته؟
وتتفرع عن هذه اإلشكالية مجموعة من األسئلة الفرعية من قبيل:
كيف يمكن التمييزبين حدود النظام العام بمفهومه التقليدي وحدوده في العالم الرقمي؟
وهكذا ،ومن أجل تناول هذا الموضوع بالبحث والدراسة سنعمل على تقسيمه إلى
محورين :األول سنرى فيه مفهوم النظام العام ومصادره وخصائصه ،أما الثاني فسنخصصه
لدراسة مدلول النظام العام الرقمي وتأطيره وحمايته ،وبالتالي تكون هندسة البحث على الشكل
التالي :املحور األول :النظام العام :مفهومه ،مصادره ،وخصائصه .املحور الثاني :النظام العام
الرقمي :مدلوله وتأطيره وحمايته.
إن تطور املجتمع في العقود األخيرة من الناحية التكنولوجية والرقمية أدى إلى ظهور
عوالم أخرى غير العالم الحقيقي الذي جرت العادة على تأطيره بواسطة القواعد القانونية .إذ
أحدث لنا التطور التكنولوجي عالما آخر افتراضيا من خالل شبكة االنترنيت ،وأصبح أغلبنا
يمض ي زمنا مهما من حياته في هذا العالم .وبالتالي برزت الحاجة ماسة إلى تقنينه وضبط
القواعد التي تحكمه من طرف المشرع .وهكذا ،البد في مرحلة أولى من بسط المفاهيم
األساسية التي يتناولها الموضوع من خالل طرح مدلوالت فكرة النظام العام(أوال) ،وهو ما
سيمكننا في مرحلة الحقة من اإلحاطة بالموضوع بشكل أدق من خالل دراسة المصادر
التشريعية والتنظيمية للنظام العام باإلضافة إلى خصائصه(ثانيا).
إن مفهوم النظام العام مفهوم مرن يختلف مضمونه من حيث الزمان والمكان وفقا
لألنظمة السائدة في كل مجتمع ،فما يعتبر من النظام العام في مكان معين قد ال يعتبر كذلك في
مكان آخر .لذلك فهو مفهوم متغير ونسبي ،إذ ال يمكن حصره وال تقديم تعريف دقيق له ،فهو
من المفاهيم القانونية األكثر غموضا .وعليه ،فأغلب التعريفات التي جاد بها الفقه كانت
تعريفات تقريبية ومن زوايا نظر متقاربة أحيانا ومتباعدة أحيانا أخرى ،لكنها كانت تدور حول
محورأساس ي أال وهو حماية المصلحة العامة التي تعلو على مصلحة األفراد.
وهكذا ،يمكن القول بأنه مجموعة القواعد القانونية المنظمة للمصالح التي تعلو على
المصلحة الفردية سواء أدخلت تلك المصالح في املجال السياس ي أو االجتماعي أو االقتصادي
أو الخلقي ،ولو لم يرد بهذه القواعد نص تشريعي .647كما عرفه "جودوليوري المرداندير"
بمجموعة الشروط الالزمة لألمن واآلداب العامة التي ال غنى عنها لقيام عالقات سليمة بين
المواطنين ،بما يناسب عالقاتهم االقتصادية.648
647ماموني ربيعة ،حدوش تسعديت ،النظام العام االجتماعي ،رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون ،كلية الحقوق والعلوم السياسية،
جامعة مولود معمري ،تيزي وزو ،4941 ،ص .7
648فيصل نسيغة ،رياض دنش ،النظام العام ،مجلة المنتدى القانوني ،العدد الخامس ،ص .466
إن مفهوم النظام العام قد تطوربتطوروظائف الدولة ،فهذه األخيرة أصبحت فضال عن
وظائفها السابقة طرفا هاما في المعادلة االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،الش يء الذي
انعكس إيجابا على مفهوم النظام العام ،بحيث لم يعد يكتس ي طابع االستثناء المقيد للحرية
الفردية فقط بل أصبح ضابطا أساسيا .وهكذا ،أصبحنا نتحدث عن مجموعة من المفاهيم
المرتبطة بالنظام العام والتي تولدت عن تطور املجتمع وتطور وظائف الدولة ،ونتحدث هنا
بالخصوص عن مفاهيم من قبيل :النظام العام اإلداري ،النظام العام االقتصادي ،النظام
العام االجتماعي...
فأما النظام العام اإلداري فيقصد به مجموعة من القواعد التي تستهدف تحقيق
المصالح العامة ،سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية ،أو هو السير العام والمنتظم
للمر افق العامة ،وهو الذي يحمي ما قد يهدد اإلدارة بمفهومها العام من أخطار ،649وغالبا ما
يروم تطبيق قواعد النظام العام اإلداري تحقيق ثالثة أهداف أساسية :األمن العام ،والسكينة
العامة ،والصحة العامة .وعندما نقول األمن العام ،فإننا نقصد به حماية حياة األشخاص
وممتلكاتهم من كل خطر سواء أكان مصدر هذا الخطر فعل االنسان أو فعل الطبيعة .أما
السكينة العامة ،فيقصد بها تلك اإلجراءات التي تهدف إلى املحافظة على الهدوء العام ومنع كل
مظاهراالزعاج .بينما يقصد بالصحة العامة حماية صحة المواطنين من األمراض واألوبئة.
وبالنسبة للنظام العام االقتصادي فيعرف بكونه نظام إيجابي يهدف إلى تحديد ما يجب
أن يتضمنه ال عقد من أحكام ،فينقسم إلى نظام عام اقتصادي توجيهي ونظام عام حمائي.
ونتحدث عن النظام العام االقتصادي التوجيهي عندما يكون املجتمع في بعض األحيان في
حاجة إلى توجيه معامالت وعالقات الفرد ،فيجبر على المشاركة لتحقيق هدف اقتصادي أو
اجتماعي ،فالهدف من هذه القواعد هو توجيه العالقات االقتصادية من أجل تحقيق منفعة
عامة .أما النظام العام االقتصادي الحمائي فيهدف إلى الدفاع عن مصلحة المتعاقد الضعيف
في العقد نظرا لتفوق الطرف اآلخراقتصاديا عليه.650
أما النظام العام االجتماعي فيقصد به مجموعة القواعد والمبادئ التي تستهدف حماية
العامل وتكفل الظروف االنسانية للشغل ولحياة المستخدمين ،سواء تعلق األمرباألجرأو بإنهاء
649أحمد الجراري ،النظام العام اإلداري في زمن كورونا ،مجلة استشراف للدراسات واألبحاث القانونية ،العدد الخامس ،شتنبر
،4949ص .8
650ماموني ربيعة ،حدوش تسعديت ،مرجع سابق ،4941 ،ص 1و.1
العقد والفصل التعسفي والتعويض عنه ،أو بالسالمة المهنية والرعاية الصحية ،أو بتنظيم
ساعات و أيام العمل .651فالغاية من كل هذه القواعد هي حماية طرفي عقد العمل وحماية
مصالحهما ،خصوصا الطرف الضعيف في العقد.
ويعود ظهورفكرة النظام العام إلى عهد نظرية األحوال عندما لجأ بعض الفقهاء في أو ائل
القرن الرابع عشرإلى التفرقة بين القوانين المستحسنة أو المالئمة وبين القوانين البغيضة أو
الغير مفيدة .فاألولى يمكن أن تسري وتمتد خارج إقليم الدولة ويطبقها القاض ي الوطني ،أما
األخرى فتقف عند حدود إقليم الدولة التي صدرت فيها وال يسوغ للقاض ي الوطني تطبيقها
ملخالفتها لقيم ومبادئ مجتمعه ،إذ يعتبر الفقه هذه التفرقة أصل فكرة النظام العام بالمعنى
الحالي بوصفها وسيلة الستبعاد القوانين األجنبية المتعارض مع األسس التي يقوم عليها
املجتمع الوطني .652ومن جهة أخرى هناك من يقول بأن أصل ظهور فكرة النظام العام لصيق
بظهورتنازع القوانين ،ومرتبط باسم الفقيه اإلطالي "بارتول" زعيم المدرسة اإليطالية التي تعد
أول مدرسة وضعت النواة األولى لفكرة النظام العام.653
إن فكرة النظام العام تسمح بدخول األفكاروالظواهراالجتماعية السائدة في املجتمع إلى
دائرة المعامالت بين األفراد ،فعندما كان النظام الحر بنزعته الفردية ،ومبدأ عدم التدخل،
يمثالن الفلسفة السائدة في املجتمع في زمن معين ،كان مبدأ سلطان اإلرادة من أهم تطبيقات
فكرة النظام العام .وهو ما أدى إلى تضرر طبقات اجتماعية واسعة ،فكان البد من تدخل
القانون استجابة لحاجات هذه الفئات .وبهذا المعنى يمكن القول أن القانون هو تلك األداة
التي يمكن بواسطتها الحفاظ على حقوق المستضعفين في املجتمع بالخصوص ،مع مراعاة
حقوق الفئات األخرى.
وتحديد مضمون فكرة النظام العام يوجب علينا قراءة آراء الجماعة ومعتقداتها
وفلسفتها وما تسعى إلى تحقيقه ،فالتيار السائد في املجتمع في زمن معين هو الذي يسمح لنا
بتحديد مضمون فكرة النظام العام ،وبالتالي تصبح هذه الفكرة تعبيرا صادقا عن التصورالكلي
لضميراملجتمع ،وال أدل على ذلك من أن القاض ي وهو بصدد تحديد مضمون فكرة النظام العام
ال يتقيد برأيه الشخص ي ،و إنما مقيد بإمالءات الجماعة و أفكارها وادعاءاتها .وعلى هذا
األساس ،يرتبط القانون وجودا وعدما بالغاية التي وضع من أجلها وهي المصلحة العامة ،كما
يعتبرالنظام العام بمثابة المرجع األساس واألصلي في مراجعة القانون للتأكد من انسجامه مع
الغاية التي وضع من أجلها والنظرفي مآله ،ووضع ضوابط تسلبه صفة المشروعية إذا انحرف
عنها.
أما بالنسبة لتأطير هذا المفهوم من الناحية القانونية فيمكننا الحديث عن مجموعة
من المصادر التي تساهم بشكل أو بآخر لتحقيق هذه الغاية ،وأول هذه المصادر يتمثل في
االتفاقيات الدولية التي تعمل على تنزيل مبادئ وقواعد تلزم جميع رعايا الدولة ،وطبعا البد من
أن تكون هذه القواعد متو افقة مع مبادئ وقيم املجتمع ،وبالتالي تكون جزءا ال يتجزأ من
النظام العام .ويحدث أن يصادق بلد ما على اتفاقية دولية قد تحوي في طياتها بعض
المقتضيات التي تخالف النظام العام لذلك املجتمع ،وفي هذه الحالة تصادق الدولة االتفاقية
في مجملها مع التحفظ على تلك المقتضيات املخالفة لنظامها العام.
أما ثاني المصادر فهو دستور الدولة ،باعتباره النص القانوني األسمى والجامع ألهم
القواعد الكبرى التي تنظم حياة األفراد ،وعليه يمكن القول بأن النص الدستوري من أهم
النصوص التي تسهم في تأطير النظام العام ،على اعتبار أنه نص يستمد قوته ومشروعيته من
اإلرادة الشعبية (االستفتاء بالنسبة لنموذج المغرب) .وعلى غرار هذه النصوص ،فالنصوص
القانونية العادية والتنظيمية تساهم أيضا في هذا األمر ،وكذلك األمربالنسبة لالجتهاد القضائي
الذي يعد أيضا مصدرا من مصادر تكريس النظام العام بما يسنه من قواعد جديدة وتفسير
للقواعد القانونية الموجودة.
ولدراسة النظام العام البد من معرفة السمات التي تميزه والخصائص التي تطبع ماهيته،
أول هذه الخصائص كون النظام العام فكرة وطنية لصيقة باملجتمع الذي بلورها من خالل
تصرفات وسلوك أفراده ،فهي فكرة ذات طابع وطني تختلف من دولة إلى أخرى وتتعلق المبادئ
العامة التي تستقرفي ضميراملجتمع من حيث الدين واآلداب والسياسة واالقتصاد وغيرها ...وما
يميزالنظام العام أيضا ،كونه مفهوما نسبيا فهو يرتكزعلى قواعد أساسية يقوم عليها املجتمع،
ولذلك فهومفهوم متطوربتطوراملجتمع ،ومن ثم يكون نسبيا يختلف من مكان إلى آخرومن زمن
إلى آخر ،الختالف المثل والمبادئ باختالف الجهات واألفكاروالمعتقدات واألزمنة.
كما أن النظام العام يتميز بصفة العمومية ،والمقصود في هذا المقام أن يكون النظام
العام المراد حمايته أوإعادة استتبابه متصال بمجموعة من األفراد غيرمحددين بذواتهم ،وليس
بفرد واحد بعينه حاله في ذلك حال القاعدة القانونية التي ال تنفك عن صفة العمومية ،حيث
ال سبيل لتحقيق المصلحة العامة لألفراد في ظل غياب طابع العمومية والتجريد .ويرى بعض
الفقه أن طبيعة فكرة النظام العام ال عالقة لها بالفلسفة السياسية واالجتماعية للدولة ،فهي
فكرة قانونية محايدة على خالف فكرة الخير المشترك ذات الطبيعة السياسية.654
إن الهدف األساس ي من هذا البحث هو تأصيل فكرة النظام العام ومحاولة ربطها بالعالم
الرقمي باعتبارها مقصدا عاما من وراء التشريع ،بحيث تستخدم كمعيار مؤطر لسلوك الفرد،
فالغاية األساسية التي تسعى إليها كل القواعد القانونية تتمثل في كيفية ضمان ممارسة
الحقوق والحريات في إطارمن النظام العام.
من خالل هذا املحور ،سنحاول جاهدين بذل وسعنا لبسط مدلول النظام العام الرقمي،
الش يء الذي يمكن اعتباره محاولة أولى لتناول مفهوم جديد كهذا(أوال) ،وهو األمر الذي
سيمكننا من دراسة مدى تأطيره وحمايته سواء من طرف التشريع أو القضاء (ثانيا).
إن مهمة تحديد المفاهيم لها من الصعوبة ما يجعلها عسيرة المنال ،خصوصا عندما
يتعلق األمر بمفهوم جديد أو مفهوم فضفاض ومرن كمفهوم النظام العام ،و إننا في محاولتنا
هذه لتأسيس هذا المفهوم لن نخرج عن املجال الذي حلقت حوله تعاريف الفقهاء لمفهوم
النظام العام ،على اعتبار أن المفهوم الذي نحاول اإلحاطة به امتداد لفكرة النظام العام في
العالم الرقمي .وهكذا ،يمكن أن نقول بأن النظام العام الرقمي هومجموعة القواعد السياسية
واالجتماعية واالقتصادية والخلقية التي تحكم سلوك األفراد في العالم الرقمي ،أو هو تلك
األسس التي اتفق األفراد على احترامها وحمايتها خالل ممارستهم ألنشطتهم االقتصادية
واالجتماعية إلكترونيا.
وهنا سنجد أنفسنا أمام مجموعة من االشكاالت المرتبطة بمحاولة التعريف هذه .أول
هذه االشكاالت يتعلق بتحديد المدلول المادي للعالم الرقمي ،حيث إن التطور التكنولوجي
الذي تنامى في ظل الثورة المعلوماتية أدى إلى بروز جيل جديد من المفاهيم ،كمفهوم العولمة
الذي يشيرإلى حالة من انفتاح شعوب العالم على بعضها البعض اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا،
ومفهوم القرية الكونية الذي يشير إلى حالة من اختزال المسافة والزمن .وبالتالي يبرز إشكال
الحدود المكانية لتطبيق النصوص القانونية المؤطرة للعالم الرقمي أي نطاق التطبيق
القاعدة القانونية في الفضاء اإللكتروني.
وتأسيسا على ما سبق ،إذا كانت القواعد القانونية التي يصدرها المشرع يبتغي بها تأطير
سلوك األفراد داخل مجال ترابي معين ومحدد بدقة ،تبعا لمبدأ إقليمية القوانين والذي يحكم
أغلب النصوص القانونية ،نظرا لكون املجال الترابي في هذه الحالة محصور بالحدود
الجغر افية والقانونية للدولة؛ فإن حدود العالم الرقمي يصعب حصرها وتأطيرها جغر افيا.
ينبثق عن إشكال نطاق تطبيق القواعد المؤطرة للعالم الرقمي إشكال أخر ،وهو
المتعلق بمرجعية تلك األسس السياسية واالجتماعية واالقتصادية والخلقية التي يقوم عليها
مفهوم النظام العام فاختالط املجتمعات في الفضاء اإللكتروني يجعل من الصعب االتفاق على
قواعد مشتركة تؤطر كل املجاالت ويتو افق عليها الجميع في كل أنحاء العالم ،فالعالم الرقمي
أنشأ مجموعة من العالقات والروابط االقتصادية واالجتماعية بين عدد كبير من األشخاص
الذين ينتمون إلى مجتمعات ذات بيئة اجتماعية وثقافية مختلفة .وبالتالي يمكننا القول بأن
أهم المصادر التي يمكن أن يعهد إليها بتأطير النظام العام الرقمي هي االتفاقيات والمعاهدات
الدولية ،على اعتبار توحيدها إلرادة مجموعة من الشعوب واملجتمعات حول قواعد قانونية
موحدة ،حيث تصبح بهذا المعنى شريعة عامة ،وهو نموذج اإلعالن العالمي لحقوق االنسان.
ومن جانب آخر ،يتقاطع النظام العام اإلداري في الو اقع مع النظام العام اإلداري في
الفضاء الرقمي في كون أن كليهما يرميان إلى تحقيق المصلحة العامة وحماية اإلدارة مما قد
يهددها من أخطار ،غير أنه إذا كان النظام اإلداري يهدف إلى تحقيق األمن العام والسكينة
العامة والصحة العامة فالنظام العام اإلداري الرقمي من المفترض أن يكتفي إلى حد ما بحفظ
األمن العام أكثر ،على اعتبار أن السكينة العامة والصحة العامة لهما من الخصوصية ما
يجعلهما في منأى عن التهديد المباشرملخاطرالفضاء اإللكتروني.
وأما بالنسبة للنظام العام االقتصادي فالظاهر أن هناك نقاط تقاطع كثيرة مع النظام
العام االقتصادي الرقمي ،حيث إن مجموعة من القواعد التي تؤطر عالقات األفراد
االقتصادية في الو اقع تمتد أيضا إلى العالم الرقمي ،فالغش أو التدليس في عقود البيع مثال من
أسباب فساد العقد سواء أكان العقد ورقيا أو إلكترونيا ،صريحا أو ضمنيا ،ومن البديهي أيضا
كونه يخضع لنفس االستنكار في كل مجتمعات العالم ،ألن هذا من قواعد النظام العام التي
تستمد مشروعيتها من األسس األخالقية المشتركة بين مختلف الشعوب.
ومعلوم أن املجال االقتصادي يعتمد حاليا وبشكل كبير على املجال الرقمي فرقم
معامالت السوق اإللكترونية يزداد يوما بعد يوم ،وبالتالي تزداد نسبة نشاط األفراد الذي
يشتغل جزء كبير منهم لدى مشغلين وشركات من دول أجنبية يقوم نشاطها على بيع سلع أو
خدمات في الفضاء اإللكتروني ،وهنا يمكننا الحديث عن قواعد النظام العام االجتماعي التي
تعمل على تنظيم العالقة بين هذين الطرفين ،وعن إمكانية تأطير عقود العمل هذه من طرف
التشريع المكتوب بالشكل الذي يضمن حقوق طرفين العقد والطرف الضعيف باألساس،
ويحفظ قواعد النظام العام االجتماعي المشتركة بين الشعوب.
لقد حاول المشرع المغربي منذ السنوات األولى للثورة المعلوماتية تأطيروحفظ النظام
العام الرقمي من خالل مجموعة من النصوص القانونية التي تواترت على مدى سنوات ،من
أولها القانون المتمم ملجموعة القانون الجنائي والمرتبط بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة
اآللية للمعطيات ،655والذي صدر بالجريدة الرسمية في نهاية سنة ،1111حيث حدد مجموعة
من العقوبات لمرتكبي الجرائم المعلوماتية ،ويعتبرهذا النص من أول النصوص القانونية التي
عملت على حفظ النظام العام الرقمي من خالل تجريم مجموعة من األفعال المرتكبة بشكل
إلكتروني .يمكننا الحديث أيضا عن القانون المتعلق بزجرإهانة علم المملكة ورموزها ،656حيث
حدد هذا القانون عقوبة جريمة إهانة العلم المملكة ورموزها بواسطة أفعال مادية
655القانون رقم 91097بتتميم مجموعة القانون الجنائي في ما يتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة اآللية للمعطيات ،الصادر بتنفيذه
الظهير الشريف رقم 940970481صادر في 46رمضان 44( 4141نونبر ،)4997ج ر عدد 1414بتاريخ 44دجنبر .4997
656القانون رقم 41091المتعلق بزجر إهانة علم المملكة ورموزها ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 40910491صادر في 49
ذي القعدة 49 ( 4146دجنبر ،)4991ج ر عدد 1799بتاريخ 44دجنبر .4991
كالمكتوبات والمطبوعات والملصقات سواء أكانت معروضة في الو اقع أو بواسطة الوسائل
اإللكترونية.
ومع تطور النشاط اإللكتروني ،كانت الحاجة ماسة إلى تشريعات إضافية تؤطر هذا
املجال ،وعلى هذا األساس صدرالقانون المتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات القانونية،657
والذي جاء لتحديد النظام المطبق على المعطيات القانونية التي يتم تبادلها بطريقة إلكترونية
والمعادلة بين الوثائق املحررة ورقيا وتلك المعدة بشكل إلكتروني ،وعلى التوقيع اإللكتروني،
وقد عملت المقتضيات التشريعية لهذا القانون على حماية وتأطيرالنظام العام الرقمي بفروعه
املختلفة ،كالنظام العام اإلداري واالقتصادي واالجتماعي .وفي نفس االتجاه ،يعتبر القانون
المتعلق بحماية األشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخص ي 658من أبرز
القوانين الهادفة إلى حفظ النظام العام الرقمي ،حيث عزز الترسانة القانونية السابقة الذكر
بمجموعة من المقتضيات التي تحمي األمن االقتصادي واالجتماعي والنفس ي لألفراد من خالل
حماية معطياتهم الشخصية في الفضاء اإللكتروني بالخصوص ،وهو ما يعتبر بدون شك من
صميم النظام العام.
إن المصلحة العامة تقتض ي مواكبة التشريع للتطورات التي يعرفها املجتمع ،فالقانون
هو تعبير عن إرادة املجتمع ،بل هو أسمى تعبير عن إرادة األمة .وهكذا ،فقد اقتضت هذه
المواكبة تقنين مجموعة من األنشطة االقتصادية في صيغتها اإللكترونية وهو ما عجل بصدور
قانون حماية المستهلك ،659حيث يعد من النصوص التشريعية المؤطرة للنظام العام
االقتصادي الرقمي ،إذ وردت بين مضامينه مجموعة من القواعد القانونية الرامية إلى حماية
الحقوق االقتصادية لألشخاص في إطار المعامالت التجارية ،وقد تم تأطير هذه المعامالت في
صيغتها العادية وصيغتها اإللكترونية أيضا ،حيث خصص الباب الثاني من القسم الرابع
للعقود التجارية المبرمة عن بعد ،ناهيك عن التعبير الحرفي الصريح للمشرع عن دخول كل
657القانون رقم 17091المتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات القانونية ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 94.91.448صادر في
48ذي القعدة 79( 4149نونبر ،)4991ج ر عدد 1191بتاريخ 6دجنبر .4991
658القانون رقم 98099المتعلق بحماية األشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي ،الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 94.98.41صادر في 44صفر 49( 4179فبراير ،)4998ج ر عدد 1144بتاريخ 47فبراير .4998
659القانون رقم 74099القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 4044097صادر في 41ربيع
األول 49( 4174فبراير ،)4944ج ر عدد 1874بتاريخ 1ابريل .4944
األحكام والمقتضيات المتعلقة بالعقود المبرمة عن بعد في كنف النظام العام من خالل المادة
.11
لقد فرضت الثورة الرقمية تحول مجموعة من األنشطة االقتصادية والمهنية من شكلها
التقليدي إلى الصيغة اإللكترونية ،وهو ما فرض على المشرع تكييف تلك النصوص التي كانت
تؤطر هذه األنشطة في صيغتها األولى مع الوضعية الحالية .من هذه األنشطة نذكر مهنة
الصحافة ،حيث تمت إعادة تأسيس التشريع المؤطر لها والمتمثل في القانون المتعلق
بالصحافة والنشر 660ليشمل الصحافة اإللكترونية ،والتي أصبحت تعرف إقباال كبيرا ونشاطا
متزايدا على حساب الصحافة الورقية.
وعلى غراركل هذه النصوص المذكورة ،هناك مجموعة من النصوص األخرى التي تروم
من قريب أو من بعيد حفظ النظام الرقمي أو تأطيره ،661غير أن من أهم النصوص التشريعية
الحديثة التي تطال النظام العام الرقمي بشكل مباشر القانون المتعلق باألمن السيبراني،662
حيث يعتبر أول نص قانوني يختص بشكل أساس ي باألمن اإللكتروني أو السيبراني ،وهو مفهوم
لصيق بموضوعنا حول النظام العام الرقمي ألن األمن من محددات النظام العام ،وفي مدلول
هذا القانون يقصد باألمن السيبراني مجموعة من التدابير واإلجراءات ومفاهيم األمن وطرق
إدارة املخاطر واألعمال والتكوينات و أفضل الممارسات والتكنولوجيات التي تسمح لنظام
معلومات أن يقاوم أحداثا مرتبطة بالفضاء اإللكتروني ،من شأنها أن تمس بتو افر وسالمة
وسرية المعطيات املخزنة أو المعالجة أو المرسلة ،والخدمات ذات الصلة التي يقدمها هذا
النظام أو تسمح بالولوج إليه.
وقد جاء هذا التشريع بتأسيس هيئة مختصة باألمن اإللكتروني أطلق عليها إسم السلطة
الوطنية لألمن السيبراني ،وبالمدلول الحرفي للمادة 15من هذا النص ،فإن هذه السلطة تعمل
على التصدي ألي هجوم إلكتروني يمكن أن يمس بالوظائف الحيوية للمجتمع ،أو الصحة ،أو
660القانون رقم 99047المتعلق بالصحافة والنشر ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 40460444صادر في 6ذي القعدة 4171
( 49غشت ،)4946ج ر 6184بتاريخ 41غشت .4946
661نذكر على سبيل المثال القانون رقم 17041القاضي بتغيير وتتميم بعض أحكام مجموعة القانون الجنائي ،الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 40460491صادر في 47شوال 49( 4171يوليو ،)4946ج ر 6184بتاريخ 41غشت .4946
والقانون رقم 64046المحدثة بموجبه وكالة التنمية الرقمية ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 4041041صادر في 9ذي الحجة
79( 4179غشت ،)4941ج ر عدد 6691بتاريخ 41شتنبر .4941
والقانون رقم 74047المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 4049041صادر في 1جمادى
اآلخرة 44( 4178فبراير ،)4949ج ر عدد 6611بتاريخ 44مارس .4949
662القانون رقم 91049المتعلق باألمن السيبراني ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 4049068صادر في 1ذي الحجة 41( 4114
يوليو ،)4949ج ر عدد 6891بتاريخ 79يوليو .4949
السالمة ،أو األمن ،أو التقدم االقتصادي أو االجتماعي ،وهو ما يمكن اعتباره من صميم النظام
العام الرقمي .وعليه ،يمكن القول بأن المشرع المغربي حاول تأطيروحفظ النظام العام الرقمي
من خالل مجموعة من التشريعات وعبر امتداد زمني دام قرابة العشرين سنة .وهنا يمكننا
التساؤل عن دورالقضاء في هذا الباب؟
إن الدور األساس ي الذي يضطلع به القضاء يتمثل في تفسير النصوص التفسير الصحيح
واألقرب لتحقيق غايات التشريع والمتمثلة في تحقيق المصلحة العامة وحفظ النظام العام
وتجنب المساس به ،وهو دور محوري في تنزيل النصوص وتكييفها مع معطيات الو اقع .وحيث
إن كل هذه النصوص التي تم ذكرها والتي تروم حفظ النظام العام الرقمي البد لها من تفسير
وإسقاط على أرض الو اقع؛ يمكننا القول بأن التفسيرالقضائي لهذه المقتضيات ال يقل أهمية
عن التشريع نفسه .وعلى غرار الوظيفة التفسيرية للقاض ي ،ال يمكننا إغفال دور االجتهاد
القضائي في حفظ النظام العام الرقمي باعتباره مصدرا مهما من مصادر القاعدة القانونية،
وبالنظر كذلك لما للقاض ي من سلطة تقديرية واسعة في تكييف الوقائع وتحديد ما إذا كانت
تمس بالنظام العام أم ال.
خاتمة:
تأسيسا على ما سبق ،وبالنظر لما يشكله مفهوم النظام العام من أهمية على مستوى
المنظومة القانونية ألي بلد ،يمكننا القول أن من العسير تحديد إطار مفاهيمي دقيق لفكرة
النظام العام الرقمي ،على اعتباراألبعاد الكثيرة واملحددات املختلفة التي يشملها هذا المفهوم،
شأنه في ذلك شأن مفهوم النظام العام الذي ما يزال يسيل من مداد الباحثين الكثير ،لكن تبقى
هذه محاولة أولية اقتضتها نزعة البحث العلمي رغبة في تناول المفهوم وإلقاء الضوء على دور
التشريع في تحديد ماهيته ،حيث يتبين من خالل ما سبق أن المشرع المغربي أطرهذا المفهوم
من خالل مجموعة من القواعد القانونية التي تم ذكرها ،وال يمكننا أن نغفل دور القضاء في
تأطير تنزيل هذه القواعد وتفسيرها .وختاما ،إن كل هذه المعطيات واالعتبارات تسائل الباحثين
في العلوم القانونية لتناول مفاهيم كهذه والتفصيل فيها بقدرما تضطلع به من أهمية في النظرية
العامة للقانون؟
الئحة المصادروالمراجع:
أحمد عبد الكريم سالمة ،القانون الدولي الخاص ،دار النهضة ،القاهرة،
الطبعة األولى.1117 ،
يحيى قاسم علي ،المدخل لدراسة القانون دراسة مقارنة ،كوميت للتوزيع،
القاهرة ،الطبعة األولى.5779 ،
عليان بوزيان ،أثر حفظ النظام العام على ممارسة الحريات العامة ،أطروحة
دكتوراه في الشريعة والقانون ،كلية العلوم االنسانية ،جامعة وهران ،الجزائر.1119 ،
ماموني ربيعة ،حدوش تسعديت ،النظام العام االجتماعي ،رسالة لنيل شهادة
الماسترفي القانون ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة مولود معمري ،تيزي وزو.1159 ،
فيصل نسيغة ،رياض دنش ،النظام العام ،مجلة المنتدى القانوني ،العدد
الخامس.1117 ،
تعتبر القسمة العقارية الطريق الغالب إلنهاء الشيوع ،وتكون بكيفية رضائية او عن
طريق اللجوء الى القضاء ،كما انها يمكن ان تكون دعوى مستقلة ال تخالطها أي دعوى او انها
تلتقي مع بعض الدعاوى او المساطرالتي تعقدها او تطيل من مدتها على غرارالتقائها بمسطرة
نزع الملكية او دعوى انهاء العالقة الزوجية وضرورة اقتسام األموال المشتركة بين الزوجين،
حيث يكون لزاما على المشتاعين او طرفي العالقة الزوجية ان يدبروا دعوى القسمة بالمراعاة
مع خصوصيات الدعاوى القائمة وباالحتكام الى النصوص القانونية الواجبة التطبيق .الكلمات
المفتاح :القسمة -نزع الملكية-الطالق-الكد والسعاية -دعوى القسمة-مسطرة القسمة-
التعويض-اتباث االشتراك.
Abstract:
the parties to the marital relationship are obliged to manage the division
lawsuittakingintoaccount the particularities of the existinglawsuits and
referring to the applicable legaltexts.
Key words
مقدمة:
القسمة بكسر القاف اسم مؤنث بمعنى التجزئة والنصيب والحظ والجمع أقسام.663
وتعني أيضا الفرز وعزل نصيب كل شريك ،فهي الفعل الصادر عن القاسم ،وهو تحويل الش يء
المشترك إلى أشياء صغيرة ومتمايزة فيما بينها ،وهي أيضا األثر المشاهد من فعل القاسم وهو
الحصة المفرزة.664وعرفها المالكية بكونها تعيين نصيب كل شريك في مشاع (عقارأو غيره) ،ولو
كان التعيين باختصاص تصرف فيما عين له ،مع بقاء الشركة في الذات ،وهذا التعريف يشمل
عندهم أنواع القسمة الثالثة :قسمة المهايأة ،وقسمة المراضاة ،وقسمة القرعة ،665وعرفها
الفقيه المالكي ابن عرفة بأنها" :تصيير مشاع مملوك من مالكين فأكثر معينا ولو باختصاص
تصرف فيه.666
-663ابن منظور-لسان العرب -مادة قسم -دار صادر بيروت -الطبعة السادسة ،2991م 2121هـ -ج -21ص .119
664أحمد الغازي الحسيني-طوارئ القسمة-أطروحة لنيل دكتوراه الدولة-كلية الحقوق الرباط-أكدال السنة الجامعية -2992
سم:اسم من سمات وقِ َ س َمة[مفرد] :ج قِ ْ -2991ص \ 21ولمزيد من اإلفادة فالقسمة حسب معجم اللغة العربية المعاصرة ف ِق ْ
ظ ،حِ صّة. \،حسب معجم ارزُ قُو ُه ْم مِ ْنهُ}\ نصيب ،ح ّ س َمةَ أُولُو ا ْلقُ ْربَى َوا ْليَت َا َمى َوا ْل َم َ
سا ِكينُ فَ ْ {وإِ َا َحض ََر ا ْل ِق ْ اقتسام الشّيء " َ
ُ
س َمة ا ْل َما ِل"س َمتَهُ" "قِ ْ َ َ
س َمة َونَ ِصيب" "أ َخذ كُ ُّل ش َِريكٍ قِ ْ صتَهُُ " .ك ُّل ش َْيءٍ قِ ْ س َمتَهُ :نَ ِصيبَهُ ،حِ َّ س َمة [ق س م] نالَ ِق ْ الغني قِ ْ
ث "\وحسب معجم الرائد قسمة ج قسم-2 .أن يأخذ كل من الشركاء أو الورثة حصته من المال أو الميراث أو س َمةُ ا ْل َ
مِيرا ِ "قِ ْ
جزأه .وجعله نصفين .وبين القوم :أعطى كالًّ نصيبه .يقال: سماًَّ : س َم الشي َء ـ ِ قَ ْ نحو لك-1 .نصيب \.وحسب المعجم الوسيط قَ َ
س َم) فالن فالناً :أخذ ك ّل منهما سام .ويقال :قسم القوم الشيء بينهم :أخذ ك ٌّل منهم نصيبه منه( .قَا َ الرزق .فهو القَ َّ قسم الله ِ ّ
سموا المال بينهم .والقو َم: َّ
س َم) الشي َء :جزأه أجزاء .يقال :ق َّ َ ً
س َمه .ويقال :قاسمه المال .فهو قسيمه فيه .وفالنا :حلف له( .ق َّ قِ ْ
سا َمة) :ما يعزله القاسم لنفسه من رأس المال سما ً هنا وقسما ً هناك .ويقال :حكم القاضي بالقسامة :باليمين( .القُ َ فرقهم قِ ْ َّ
سم): سن( .القَ ْ سر على طيّه .وال َح َ أول طيِّها حت ّى تتك ّ سام ّي) :الذي يَ ْطوي الثياب ّ سام( .القَ َ
سا َمة) :صنعة الق ّ ليكون أجرا ً له( .ال ِق َ
سمين (يراد به المصدر) ،وقِسمين (يراد به النصيب أو الجزء من الشيء المقسوم) .والعطاء. (مصدر) يقال :هذا ينقسم قَ ْ
جزاء ِبقدر ا ْلعدَد الثَّانِي َويُسمى األول س َمة عدد على آخر تجزئة األول أ َ َ سم يقسمه (وال يجمع)(\ .فِي ا ْلحساب) ق ْ يقال :عنده قَ ْ
س َمة \.وحسب معجم لغة الفقهاء القسمة بكسر فسكون ج قسم ،االقتسام ِ ْق ْ
ل ا ارج َ
خ والناتج ه ي
ِْ َ لعَ وم س ْ
ق
َ ُ م ْ
ل ا خر سوم َو ْاآل ا ْل َم ْق ُ
)2قسمة إفراز :وهي القسمة التي أمكن التعديل فيها .من غير رد )1قسمة تعديل :وهي التي ال تستقيم الحصص فهيا
متساوية إال بأن يجعل مع بعضها عوضا –قسمة الغرماء :قسمة مال المدين المفلس على دائنيه العاديين.
665احمد الدردير-الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب اإلمام مالك-دار المعارف 9/959وما بعدها.
-666االمام التسولي-كتاب البهجة في شرح التحفة- ،وبهامشه حلى المعاصم لفكر ابن عاصم -دار الرشاد الحديثة ،طبعة
م ،2992ج ،1ص .111انظر أيضا -الشيخ ابو بكر حسن الكشناوي ،أسهل المدارك شرح ارشاد السالك في فقه امام االئمة
مالك ،ج ،9ط ،1القاهرة ،ص.15
ومن الناحية القانونية لم يعرف المشرع المغربي القسمة العينية و إنما تمت اإلشارة في
مدونة الحقوق العينية إلى القسمة البتية باعتبارها أداة لفرز نصيب كل شريك في الملك
وينقض ي بها الشياع ونفس األمرفي قانون المسطرة المدنية.667وعرفها مأمون الكزبري بما يلي:
هي التي تجري بتقسيم الش يء المشترك إلى عدة أقسام مفرزة بعضها عن بعض تتفق مع حصص
الشركاء الذين يستقل كل واحد منهم بقسم يتناسب وحصته بكيفية تضع حدا لحالة الشياع،
وال يلجأ إليها إال إذا كان العقارالمشاع قابال لها.668
و انضم القضاء من خالل احكامه الى من عرفوا القسمة حيث جاء في قرار ملحكمة
النقض صادر بتاريخ 1111\16\51ان "دعوى القسمة تهدف الى تمكين كل متقاسم من حظه
في جميع أجزاء المال القابل للقسمة العينية.669وعموما فالقسمة عملية حل المقسوم بتعيين
الحصة الشائعة وتحول الملكية الشائعة لكل من الشركاء الى ملكية مفرزة بحيث يستقل كل
شريك بنصيبه عن باقي الشركاء.
والقسمة مشروعة بكتاب الله وسنة رسوله واجمع عليها علماء االمة .فقد جاء في كتاب
َ َ ُ ٌ َ ْ ََ
(:ون ِب ْئ ُه ْم أ َّن ال َم َاء ِق ْس َمة َب ْي َن ُه ْم ۖ ك ُّل ِش ْر ٍب ُّم ْحتض ٌر) ،670ومعنى ذلك ان القوم الله الكريم
يتقاسمون الماء والناقة فلهم يومهم وللناقة يومها .671وفي السنة وردت العديد من األحاديث
َّ ُ َّ ُ
عليه وسل َم النبوية الدالة على جواز القسمة ومنها :قوله (ص)":قض ى رسول ِ
الله صلى الله ِ
ُ َ بالشفعة فيما لم ُي َ ُّ
الحدود فال شفعة".672ودرج الناس على التخلص من مشاكل ِ وقعت
ِ قس ُم فإذا ِ
و اضرار الشيوع بالقسمة وقد اشارت عديد الكتب لذلك ،فما كان بحسب المنطق السليم و
التفكير القويم واعماال للعقل من بد من التخلص منه بالقسمة ،673واستدل الفقهاء في ذلك
ات َّ َ َّ َّ َ َ ُ َ َ ُ ض ُه ْم َع َل ٰى َب ْ
بقوله تعالىَ ( :وإ َّن َكث ًيرا م َن ْال ُخ َل َطاء َل َي ْبغي َب ْع ُ
ض ِإال ال ِذين آمنوا وع ِملوا الص ِالح ِ
ٍ ع ِ ِ ِ ِ ِ
َو َق ِل ٌ
يل َّما ُه ْم ).674
أما في اإلجماع فقد كان الناس -وما زالوا -منذ عهد رسول الله صلوات الله وسالمه عليه
حتى يومنا هذا يتعاملون بالقسمة في المواريث وفي غير المواريث دون نكير من أحد حيث قال
ً
صاحب البدائع" فكانت شرعيتها متوارثة".675
والخروج من الشيوع بالقسمة يكون رضاء او باللجوء الى القضاء الذي يبت في الموضوع
بحكم قابل للطعن وفق المساطر القانونية المتبعة وفي احترام لآلجال المقررة ،وفي بعض
األحيان تخالط دعوى القسمة بعض الدعاوى والمساطر تجعل الشركاء امام مساطر
أخرى ونصوص قانونية هي األولى بالتطبيق من تلك المطبقة في القسمة وهو ما سنتطرق اليه
من خالل تناولنا لموضوع قسمة عقار خاضع لمسطرة نزع الملكية ،ومن خالل انهاء الشيوع
من عدمه خالل انهاء العالقة الزوجية.
حق الملكية ليس مطلقا اذ يمكن الحد من مداه إذا ما دعت ضرورة النمو االقتصادي
واالجتماعي ذلك شريطة االحتكام الى اإلجراءات المنصوص عليها قانونا ،وهو ما يسمى بنزع
الملكية للمنفعة العامة هذا األخيرة يمثل نوعا من عدم المساواة بين اإلدارة والخواص.676
ولتحقيق نوع من العدل بين اإلدارة والخواص -في حالتنا هذه هم الشركاء المشتاعين في
العقار والذين يريدون قسمته اما رضائيا او بدعوى قضائية امام املحكمة املختصة – سن
المشرع قوانين تحدد شروط نزع الملكية ،والمسطرة الواجبة االتباع ،وعلى المتضررمن ذلك
االلتجاء الى القضاء تحقيقا للعدالة المنشودة.
-تحقيق المصلحة العامة :فالهدف من نزع الملكية هو القيام بأعمال تكتس ي صبغة
المنفعة العامة ،هذه األخيرة اهتم الفقه المغربي والقضاء بتعريفها وسكت المشرع كعادته
عن ذلك ،وتسعى هذه المنفعة الى تحقيق هدفين هما املحافظة على النظام وتحقيق المصلحة
العامة.678
-احترام نطاق نزع الملكية :حيث ان نزع الملكية يستهدف العقارات والحقوق العينية
العقارية التي يملكها االفراد دون المنقوالت ،إال إذا أصبحت هذه األخيرة تكتس ي صبغة عقارية
عن طريق الضم واإلدماج.
-المرحلة اإلدارية :تبتدئ ببحث اداري تتواله السلطة اإلدارية املختصة ويخضع لإلشهار
القانوني ويودع لدى الجماعات المعنية ولدى مصلحة املحافظة العقارية ،يليه اإلعالن عن
المنفعة العامة بمرسوم يتخذ باقتراح من الوزير المعني باألمر ،ويكون بمثابة تعيين للمنطقة
التي يمكن نزع ملكيتها ويتم نشره في الجريدة الرسمية وكذا في جريدة أو عدة جرائد مأذون لها
في نشر اإلعالنات القانونية ،ويعلق بمكاتب الجماعة التي تقع فيها المنطقة المقرر نزع ملكيتها.
وإذا ثبت أن هذا اإلعالن يقتصرعلى منطقة ما فإنه يتعين على السلطة اإلدارية املختصة تحديد
األراض ي المراد نزع ملكيتها بكل دقة وأن تصدر بذلك مقرر التخلي الذي يجب اتخاذه في أجل
سنتين تبتدئ من تاريخ اإلعالن عن المنفعة العامة ،وإذا انصرم هذا األجـل دون أن يتم إصـدار
هذا المقررفإنه يتعين تجديــد إعالن المنفعـة العامة .ويودع مشروع التخلي لدى املحافظة على
األمالك العقارية التابع لها موقع العقارات .وعلى إثر ذلك يقوم املحافظ بتسليم نازع الملكية
شهادة تثبت أن مشروع المقررالمذكورقد تم قيده بالرسم العقاري بالنسبة للعقارات املحفظة
أو في سجل التعرضات فيما يتعلق بالعقارات في طور التحفيظ ،وإذا كان األمر يتعلق بعقارات
غيرمحفظة فإن مشروع مقررالتخلي يودع لدى كتابة ضبط املحكمة اإلدارية الو اقع العقارفي
نفوذها الترابي .ويجوز بعد ذلك لألطراف االتفاق على مبلغ التعويض واال يمكنهم اللجوء الى
القضاء .هذا االخير ير اقب مشروعية المسطرة اإلدارية لنزع الملكية عن طريق دعوى اإللغاء
678محمد األعرج واألستاذ سمير أحيذار ” اختصاص القضاء اإلداري الشامل في مادة نزع الملكية ” العدد 71من منشورات
المجلية المغربية لإلدارة المحلية والتنمية.2006-
679مليكة الصروخ -العمل اإلداري-الطبعة األولى 2012-1434م.
للشطط في استعمال السلطة ،إذا أثبت المعنيون باألمر أن الغرض من نزع الملكية ال ينصب
على تحقيق المنفعة العامة.
-المرحلة القضائية :وتشمل أوال مرحلة الحيازة حيث يتعين على طالب نزع الملكية
التوجه إلى املحكمة اإلدارية الو اقع العقارفي دائرة نفوذها لتقديم طلب ألجل الحكم له بحيازة
العقار مقابل إيداع أو دفع مبلغ التعويض المقترح ،وثانيا مرحلة نقل الملكية التي تنزع بإيداع
نازع الملكية طلبا لدى املحكمة اإلدارية الو اقع الملك في نفوذها ،فيتولى رئيس املحكمة
املختصة أو القاض ي المفوض من قبله إصدار حكم يقض ي بنقل الملكية ،وأخيرا تحديد
التعويض عن نقل الملكية الذي تختص املحاكم اإلدارية بتقديرقيمته مراعية في ذلك مجموعة
من االعتبارات كشموله الضررالحالي واملحقق وتحديد مقدارالتعويض حسب قيمة العقاريوم
صدور قرار نزع الملكية ،على أن املحكمة قد تكتفي بالتعويض المقترح من طرف نازع الملكية
وقد تعدله بناء على طلب الشركاء ،كما أنها قد تلجأ إلى انتداب خبير في الموضوع.وبناء على
التقرير الذي ينجزه هذا األخير يتم تحديد التعويض.680وللمحكمة كامل السلطة لتعديل
التعويض المقترح إذا ما تبين لها عدم انسجام النتيجة التي انتهى إليها هذا األخير مع الو اقع.
وإذا ما تم التراض ي بين الشركاء ونازع الملكية حول التعويض المقترح من طرف هذا األخير ،فإن
املحكمة ال يسعها إال اإلشهاد على االتفاق المبرم بين الطرفين.
باالستناد الى المقتضيات الواردة في الفصل 17من قانون نزع الملكية ألجل المنفعة
العامة 681نستنتج ان حقوق أطراف دعوى القسمة باعتبارها من الدعاوى العينية تتحول من
المطالبة بفرز النصيب من العقار محل القسمة إلى حقوق في التعويض من نازع الملكية وال
يمكن المطالبة بغير ذلك ،كما أن صدور المرسوم القاض ي بنزع ملكية العقار ألجل المنفعة
العامة ،يوجب االمتناع عن االستمرار في قسمته عينا682.
680غير أن هذا ال يعني بالضرورة أن المحاكم اإلدارية تتقيد بالمبلغ الذي يحدده التقرير بحرفيته ،فلها أن تعتمد على خبرة واحدة أو
أكثر دون التقيد بما جاء فيها ألجل تحديد التعويض المستحق للمنزوع ملكيته .وإذا ما حددت الخبرة القضائية مبلغ التعويض عن
نزع ملكية عقار أقل من مبلغ التعويض المعروض من طرف اإلدارة نازعة الملكية يجعل المبلغ األخير هو الواجب األخذ به.
681الذي جاء فيه "ال يمكن لدعاوى الفسخ أو االستحقاق وجميع الدعاوى العينية االخرى أن توقف نزع الملكية أو أن تحول
دون إنتاج آثاره ،وتحول حقوق المطالبين إلى حقوق في التعويض ويبقى العقار خالصا منها".
682ألغي الفصل 165من ق.م.م بموجب القانون رقم 11.19الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 2/11/19بتاريخ 19فبراير
،1111الجريدة الرسمية عدد 5221بتاريخ ،1111/11/15ص .159
أوال :التعويض المعمول به هل هو القيمة املحددة بموجب تقرير الخبير ،بمعنى هل
يستحق المالكون نصيبهم وفق الثمن املحدد بموجب الخبرة المنجزة بمقتض ى دعوى
القسمة أم وفق ما تقترحه اإلدارة نازعة الملكية من تعويض .وكإجابة على هذا التساؤل
استقر الفقه ومعه القضاء على اعمال المقتض ى األخير ،وما للشركاء في حالة عدم
رضاهم عنه اال الطعن في قيمته أمام املحكمة اإلدارية.683
ثانيا :محل نزع الملكية هل هو العقار المشاع بأكمله ام فقط جزء منه .684فاذا كان
العقارالمنزوع ملكيته هو العقارالمشاع بأكمله فال يثارهنا أي اشكال نظرا الستحقاق
جميع المالكين لحقوق مادية في مواجهة نازع الملكية ،اما إذا كان العقار المنزوع
ملكيته هو فقط جزء من العقار المشاع فغالبا ما تطرح إشكاالت بخصوص الموازنة
بين مصالح األطراف ،ولتحقيق هذه الموازنة يقترح قسمة التعويض الوارد على الجزء
المنزوع من اجل المنفعة العامة بين جميع المشتاعين ،واللجوء الى قسمة الجزء
المتبقي قسمة عينية إذا كانت ممكنة وإال فقسمة التصفية.
ان مسألة اقتسام األموال المشتركة بين الزوجين من المسائل القانونية التي اثارت
جدال قبل مدونة االسرة و اثناء دخولها حيز التنفيذ ،بدعوى ان حق المرأة بعد االنفصال أو
الوفاة في اقتسام الموارد المتأتية خالل الحياة الزوجية مناصفة بين الزوجين ظلما للرجل أكثر
مما هو إنصاف للمرأة ،غير اخدين باالعتبار أن المرأة عملت طويال في المصانع و انخرطت في
سوق العمل وصار لها مورد مالي غالبا ال تختص به لنفسها بل يضاف إلى موارد األسرة وينفق
فيما يتم إنفاقه على هذه األسرة ،ومتجنبين المرور على ما تقوم به المرأة من أعباء
منزلية ،ناهيك عن أعمال ماتزال تقوم بها إلى اآلن في الكثيرمن األرياف كالعمل في الحقل زراعة
وحصادا ورعاية ماشية وغيرها ،وهي كلها ليست مكلفة بها أصال وال تلزمها بها أي شريعة أو شرع،
وإن كانت األعراف كرستها كجزء من وظيفتها.
وعليه فالقول بحق المرأة في شراكة زوجها فيما يكتسبانه من أموال بعد زواجهما
يكتسب وجاهة ،فوقائع حياتنا تطرح عشرات المشكالت والصعوبات التي تواجهها المرأة عند
انفصالها عن زوجها حيث تجد نفسها بعد رحلة عمرليست قصيرة خالية الوفاض وقد تبددت
سنين عمرها أو بعضها وتبددت مواردها المالية .وهو ما تنبه اليهالمشرع المغربي في مدونة
االسرة من خالل المادة ،68517وقبل ذلك من خالل ما تطرق اليه الفقه عند حديثه عن حق
الكد والسعاية 686ولعل أول من اجتهد و أفتى في مسألة "الكد والسعاية" هو الفقيه المالكي
(أحمد بن عرضون) 687في القرن العاشر الهجري وهو أول من قال بحق الزوجة بنصف مال
األسرة المكتسب بعد انعقاد الزوجية عند وقوع الطالق أو الوفاة وقبل اقتسام التركة استنادا
لكدها وسعايتها في تثميرهذا المال.688
وان كانت المادة 17وحق الكد والسعاية ،يجمعهما نفس الهدف ،وهو الحفاظ على
حقوق كل من الزوجين ،أثناء اقتسام األموال المكتسبة بينهم ،فان بينهما بعض الفروق
الجوهرية من قبيل ان:
–مؤسسة الكد والسعاية تهم جميع أفراد األسرة وليس الزوجين فقط ،على خالف ما
تضمنته مدونة األسرة التي تتكلم عن الزوجين فقط.
685والتي تضمنت ما يلي " :لكل من الزوجين مة مالية مستقلة عن مة اآلخر ،غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير األموال
التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية ،االتفاق على استثمارها وتوزيعها .يضمن هذا االتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.
يقوم العدالن بإشعار الطرفين عند زواجهما باألحكام السالفة الذكر إ ا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة لإلثبات ،مع
مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال األسرة "
686وهو بذل الجهد في العمل والسعي وراء الرزق -وهو حق المرأة في الثروة التي تنشئها وتكونها مع زوجها خالل فترة
الحياة الزوجية ،وهذا الحق يضمن للزوجة إ ا انتهت العالقة الزوجية بينها وبين زوجها إما بالطالق أو الوفاة بأن يتم تحديد
وحساب مجموع الثروة التي تم تكوينها خالل فترة الحياة الزوجية فتحصل على جزء منها مقابل ما بذلته من مجهودات
مادية ومعنوية إلى جانب زوجها -ومن التعريفات التي أعطيت له ،نجد أنه ” حق شخصي يقوم على أساس مساهمة السعاة
في إطار شركة عرفية على تنمية ا لثروة األسرية أو تكوينها مقابل استحقاقهم جزء من المستفاد يتناسب وقدر مساهمتهم
حين إجراء القسمة ،وكل لك يتم وفق مقتضيات العرف المحلي \الحسين الملكي -وهو حقوقي ومحام مغربي مخضرم
وصاحب نظرية "الك ّد والسعاية" المتوفى في الرباط عام . 1122
687هو اإلمام ،القاضي ،ا لفقيه ،العالم أبو العباس أحمد بن الحسن بن يوسف بن عمر بن يحيى المعروف والمشتهر بابن
الزجَلي ،ال ُموسوي ،الصَّالحي ،المغربي ،المالكيُ .ولد عام 911هـ بقرية تلمبوط التابعة إلقليم شفشاون شماليعَرضونَّ ،
المغرب.
688موقع (مرايانا) الكد والسعاية .ابن عرضون الفقيه المغربي الذي أفتى بحماية حقوق النساء وتحصينها ضد العنف
االقتصادي .الكاتب علي بنهرار تاريخ .1112\1\5
–مؤسسة الكد و السعاية تقوم على أساس العرف املحلي وليس إرادة األطراف ،عكس
ما تنص عليه المادة 17من مدونة األسرة ،التي تفسح املجال كامال إلعمال مبدأ سلطان اإلرادة.
وما يهمنا نحن في مقالنا هذا هو مسألة قسمة األموال المشتركة بين الزوجين عند
الطالق.وتجدر اإلشارة إلى أن الطالق ال يؤدي بالضرورة إلى انتهاء حالة الشيوع ،بل يعد من بين
األسباب المبررة لطلب إنهاءها ،فحالة االشتراك تظل قائمة حتى تتم تصفية األمالك المشتركة،
وهو ما يعني أنه يمكن للطليقين اإلبقاء على حالة الشيوع بينهما.
فمن الثابت أن المشرع وإن رتب عن الطالق إمكانية انتهاء االشتراك في األمالك إال انه لم
يفرض على الزوجين أن يقوما بقسمة المشترك وتصفيته في إطارنفس قضية الطالق ،أوفي إطار
قضية مستقلة ،والمستحسن جعل القسمة الحقة للطالق على اعتبار:
ان قسمة المشترك ال تتم إال بعد أداء الديون أو تأمين ما يلزم ألدائها ،وإعداد مشروع
قسمة فيها ،وهو ما قد يؤدي إلى طول إجراءات التقاض ي.
ان النظر في قضية الطالق وفي مسألة االشتراك من شأنه أن يجعل قضية الطالق ذات
طابع مدني مالي ،في حين أن رغبة المشرع المغربي في قضايا األحوال الشخصية اتجهت
إلى اإلبقاء على طابعها العائلي ،حيث يتركزاهتمام املحكمة في هذه المرحلة على محاولة
اإلصالح وإلى اتخاذ الوسائل الوقتية الالزمة والقرارات الفورية المتصلة باألبناء ،أكثر
من اهتمامها بالمنازعات ذات الطبيعة المالية.
والقسمة تتم وفقا للقواعد العامة الواردة في مدونة الحقوق العينية وقانون المسطرة
المدنية ،غير ان ما يطرح اشكاال هو مسألة إثبات الملكية المشتركة موضوع طلب القسمة،
و إثبات هذا املجهود أو هذه المساهمة في تنمية هذه الثروة المكتسبة خالل فترة الزواج.
فبحسب األصل فالمطالب بحق املجهود الذي بذله والدورالذي كان له في تنمية األموال
التي يتوفر عليها الزوج اآلخر هو الذي يتحمل عبء إثبات ذلك ،وهو ما قضت به عديد املحاكم
الوطنية كاملحكمة االبتدائية بالرباط التي قضت بأن "عدم إثبات المدعية لحجة قانونية كونها
ساهمت بشكل فعال في تنمية وازدهار ثروة زوجها إعماال لقاعدة المدعى مطالب بالبينة،
يستوجب رد الدعوى على حالتها" واملحكمة االبتدائية بالبيضاء – قسم قضاء األسرة -التي
قضت بعدم قبول طلب المطلقة لعلة أنها لم تثبت مساهمتها في الشقة الوحيدة التي يمتلكها
الزوج ،كما جاء أيضا في حكم صادرعن املحكمة االبتدائية بالدارالبيضاء – قسم قضاء األسرة
"وحيث مادام المدعى قد ادعى حقا له على ما اكتسبته زوجته خالل فترة الزواج ولم يدل بما
يثبت مساهمته في تنمية تلك األموال وأن الوثائق المدلى بها من طرفه ال تنهض لحجة في إثبات
ما يدعيه وبذلك يبقى طلبه مخالفا لمقتضيات القواعد العامة في اإلثبات ويبقى غير مبرر
ويتعين التصريح برفضه"
ولكن يمكن للمحكمة أن تأخذ بعين االعتبارالراتب أو األجرة التي يحصل عليها كل واحد
منهما ومدى املجهودات أو األعباء التي تحملها الزوجين لتنمية األموال المكتسبة أثناء قيام
الزوجية وبذلك يمكن أن تقوم بتوزيع هذه األموال بحسب النسبة التي تعود لكل واحد منهما
وقد يعتمد في ذلك على كافة وسائل اإلثبات المقررة قانونا وان كانت الوسيلة الوحيدة لإلثبات
التي يمكن أن تقف عائقا أمام المدعى هو ما يتعلق بالفصل 111من ق ل ع689لكون ان العالقة
الزوجية في مجتمع محافظ مثل المغرب تقوم على الثقة وفي االعم الغالب ال يكون هناك أي
توثيق بين الزوجين هذا من جهة ومن جهة ثانية يمكن ان يكون احد الزوجين ال يمارس أي عمل
مأجور خاصة بالنسبة للمرأة غير العاملة أو المرأة التي تقوم باألشغال المنزلية فقط فكيف
يمكن لهذه األخيرة أن تثبت مساهمتها في األموال التي يمتلكها الزوج وكذا ما تحملته من أعباء
لتنمية هذه األموال؟ مما يعني أن الطلبات التي ستتقدم بها هذه الفئة (المرأة غيرالعاملة) أمام
القضاء سوف يكون مصيرها عدم قبول الطلب النعدام اإلثبات.
وهنا يبقى الدورعلى عاتق القضاء من أجل حماية هذه الفئة من الزوجات غيرالعامالت
خصوصا الزوجة التي تكون قد قضت عمرا طويال مع زوجها والتي قد تبين األبحاث التي قد تقوم
بها املحكمة أنها فعال ساهمت بمجهودها وسعيها في تنمية أموال األسرة.
خاتمة
إذا كان المشرع المغربي قد اعطى الحق ألي الشريك في الخروج من الشيوع اما رضاء
او بالتوجه الى القضاء فانه وكما رأينا قد يرتبط هذا الحق ببعض الدعاوى والمساطر التي
تفرض على الشريك اما تحويل مطالبه كما رأينا في مسطرة نزع الملكية للمنفعة العامة حيث
689التي تنص على أن " :االتفاقات وغيرها من األفعال القانونية التي يكون من شأنها أن تنشئ أو تنقل أو تعدل أو تنهي
االلتزامات أو الحقوق ،والتي يتجاوز مبلغها أو قيمته ا عشرة آالف درهم ،ال يجوز إثباتها بشهادة الشهود .ويلزم أن تحرر
بها حجة رسمية أو عرفية ،وإ ا اقتضى الحال لك أن تعد بشكل إلكتروني أو أن توجه بطريقة إلكترونية".
لم تصبح للمطالبة العينية جدوى ويستغنى عنها بالمطالبة بالتعويض وما يصاحب ذلك من
منازعات حول قيمته وتحديد املحكمة املختصة بذلك ،او ما يرتبط بمشاق اثبات كد الزوجة
وسعايتها إذا ما تعلق االمر بإنهاء العالقة الزوجية و اقتسام األموال المشتركة بين الزوجين.
المراجع المعتمدة
-القران الكريم
-ابن منظور-لسان العرب -مادة قسم -دار صادر بيروت -الطبعة السادسة ،5779م
5159هـ -ج .51
-معجم اللغة العربية المعاصرة \معجم الغني\ معجم الرائد \المعجم الوسيط \معجم
لغة الفقهاء.
-االمام التسولي-كتاب البهجة في شرح التحفة- ،وبهامشه حلى المعاصم لفكرابن عاصم
-دار الرشاد الحديثة ،طبعة م ،5775ج -- ،1الشيخ ابو بكر حسن الكشناوي ،أسهل المدارك
شرح ارشاد السالك في فقه امام االئمة مالك ،ج ،1ط ،1القاهرة.
-جالل الدين محمد بن احمد املحلي وجالل الدين عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي،
تفسيرالجاللين ،ط ،1بغداد ،مطبعة بابل ،عبد الرحمن حياوي.5771 ،
-صحيح البخاري ،تحقيق د .مصطفى ديب البغا ،ج ،1ط ،1بيروت ،دارابن كثيراليمامة،
.5779
-السيد علي فكري ،المعامالت المادية واالدبية ،ج ،5ط ،5القاهرة ،مطبعة مصطفى
البابي الحلبي.
-محمد األعرج واألستاذ سمير أحيذار ” اختصاص القضاء اإلداري الشامل في مادة نزع
الملكية ” العدد 95من منشورات املجلية المغربية لإلدارة املحلية والتنمية.1116-
-محمد األعرج واألستاذ سمير أحيذار ” اختصاص القضاء اإلداري الشامل في مادة نزع
الملكية ” العدد 95من منشورات املجلية المغربية لإلدارة املحلية والتنمية.1116-
-جيهان زواش -دعوى قسمة العقارودور القضاء في حماية المتقاسم-رسالة لنيل دبلوم
الماستر في قانون العقود والعقار-شعبة القانون الخاص ،تحت إشراف الدكتور إدريس
الفاخوري ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،وجدة،
السنة الجامعية.1151-1155 :
-موقع (مرايانا) الكد والسعاية .ابن عرضون الفقيه المغربي الذي أفتى بحماية حقوق
النساء وتحصينها ضد العنف االقتصادي .الكاتب علي بنهرارتاريخ .1115\1\1
تشكل اإلدارة العمومية بالمغرب الوسيلة القانونية و الدستورية التي تستخدمها الدولة
لتلبية حاجيات المواطنين و السهر على خدمة مصالحهم ،وتنفيذ برامجها و سياساتها
العمومية ،و هي بذلك تكتس ي أهمية بالغة ،ألنها هي جوهركل بناء و نماء في كل واجهات الحياة
العامة و المناخ العام للتنمية االقتصادية واالجتماعية ،لذلك تشكل دراسة الو اقع التواصلي
باإلدارة منطلقا يمكن من تقويم فعالية اإلدارة واحترامها للمبادئ األساسية التي تقوم عليها
دولة الحق و القانون ،690ألنه يعتبر املحك األساس ي الذي يحكم التجارب اإلدارة و مسلسل
اإلصالح هو خدمة المواطن و تحسين الخدمات اإلدارية المقدمة إليه و توفير ظروف العمل
للموظفين.691
ومن تم وجب على اإلدارة أن تبحث دائما عن أنسب الطرق التي تحقق للمرتفقين أعلى
مستوى من الرضا ،و التي تمكنها أيضا من تحقيق أعلى مستوى من المردودية و اإلنتاجية.
وعليه ،فإنه على الرغم من أن اإلدارة يجب أن تقيم عالقات تفاعل قوية مع املجتمع
باعتباره مآل خدماتها واملحدد الشتغالها واستمراريتها ،تطبيقا لما أكدت عليه المدارس
-عبد الحق عقلة" .القانون اإلداري الجزء األول المبادئ األساسية لدراسة القانون والعلم اإلداريين " ،الطبعة الثالثة 690
السولكية من أهمية دور العالقات اإلنسانية داخل اإلدارة وفي عالقتاها بمحيطها ،فقد ظلت
اإلصالحات اإلدارية بعيدة من تطويرهذه العالقة.
فمعظم تلك اإلصالحات كانت ترتكز على إصالح النصوص القانونية دون االهتمام
بتحسين عالقاتها مع الجمهور عبر تطوير طرق التواصل وولوج مختلف التدخالت التي راكمت
تعديل العمل اإلداري.
ومن أجل توجيه المرجعية داخل المرفق العمومي ،اعتمدت الدولة ثقافة الصالح العام
كإطار يجب أن يحكم عمل المرفق واشتغاله .فامتالكها للصالح العام جعل المر افق اإلدارية
في موقع أقوى تجاه باقي المكونات داخل املجتمع ،إال أن الو اقع يثبت أن هذه الثقافة لم تستطع
الثبات حتى داخل المر افق العمومية وذلك ألسباب عدة 692،كانتشار الرشوة والفساد اإلداري
وتبذير المال العام ،وبالتالي التصادم بين المرجعيات المعتمدة ،وهذا ما أثر بشكل كبير على
اندماج المواطن في مسلسل اإلصالح اإلداري ،خاصة وأن اإلصالحات المتوالية لم تعمل إال على
إعادة اإلنتاج ولم تستطع تغييروترسيخ القيم القادرة على تفعيل دينامية التغيير.693
إن المفهوم الحديث لإلدارة ال يعتمد على كفاءة و قدرات أطرهاإلنجاز األعمال بسرعة
ودقة فحسب،بل يعتمد أيضا على ما تتمتع به هذه اإلدارة أو تلك من عالقات طيبة في مجال
إدارتهارو طريقة تواصلها مع اآلخرين694.
و التواصل لغة يعني التالقي و االلتقاء ،و كلمة "تواصل" على وزن "تفاعل" تشتق من
الوصل والذي يعني جمع الش يء بالش يء ،و منها وصل المكان أي بلغ المكان ،و واصل أي داوم و
-692نجيب بودربالة :الرشوة والمجتمع ،منشورات الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة ،مطبعة النجاح الجديدة ،2111 ،ص .24
-693نجيب بودربالة :مرجع سابق ،ص .00
_ 694السنوسي بوعالم التحرير اإلداري و قواعده ،مطبعة دار النشر المغربية ،عين السبع ،الدارالبيضاء ،4004 ،ص .2
استمر ،و منها أيضا تواصل الرجالن أي تالقى الرجالن و تفاعال 695.وعليه فالتواصل يفيد معنى
التأثيرالمتبادل بين طرفي أو أطراف عملية التفاعل.
أما على المستوى اإلداري فإن التواصل "يعني حماية الفرد وضمان وصوله إلى المعلومة
التي تهمه من الجهة اإلدارية التي يتعامل معها" .ويعني أيضا العملية التي تنقل بها المعلومات
بين المرسل و المرسل إليه بإحدى طرق االتصال املختلفة و هي إما بالقول أو الكتابة أو بالسمع
أو بالرؤية أو بهما معا696.
من خالل ما سبق يمكن التأكيد على أن التواصل اإلداري يجد أهميته في ما يشكله من
وسيلة لربط الجهازاإلداري بالعاملين و بالجمهورالخارجي و العكس ،فمن خالل تواصل فعال و
جيد تستطيع اإلدارة نقل خططها و سياساتها تجاه المستويات اإلدارية املختلفة واألفراد و
األجهزة األخرى المتعاملة معها ،مما يساعد على خلق جومن التفاهم بين أعضاء الجهازاإلداري
و المتعاملين معه لتحقيق أهدافه بفعالية ،لذلك فهو يلعب دورا مهما داخل المنظمة اإلدارية،
و يشكل قطب الرحى عند مزاولته لكافة العمليات اإلدارية من تنظيم و تخطيط و رقابة ،بحيث
يعتبر الركيزة األساسية التي تعتمد عليها األطر اإلدارية في تحقيق أهدافها ،و لذلك ليس هناك
من ينكر أهمية وصول البيانات و الحقائق والمعلومات إلى اإلدارة بالصورة الصحيحة و في
الوقت المناسب ،و هو ما يساعد على اتخاذ القرارات السليمة وفي توفير المعلومات الكاملة و
الصحيحة التي يحتاج إليها الجهاز اإلداري697.
ويرتبط التواصل اإلداري أشد االرتباط بمنظومة الحكامة ،التي ترتبط نوع التدبير
بالقطاع العمومي ،ومستوى المساءلة العامة في الدولة :يعكس المؤشراألول مستوى الفعالية
والكفاءة في ميادين عدة :اإلدارة ،العدالة –مثال ،-كما يقيس باألساس مستوى أداء اإلدارة
بالقطاع العام المعروف بسوء التدبير ،و سيادة ما يعرف بأزمة الحكامة التواصلية.
_695المنجد في اللغة و األعالم ،دار المشرق ،بيروت،لبنان الطبعة ،2141 ،41ص .103
_ 696ماهي عليش :من مظاهر الفكر اإلداري الحديث :االتصاالت و أثرها في اإلنجاز اإلداري و في رفع كفاءة العاملين ،مجلة
االقتصاد و اإلدارة ،عدد ،23أكتوبر ،2142ص .30
_697باهي محم د :المبادئ و األسس العملية للتحرير اإلداري ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء ،2112 ،ص .222
فبالرجوع إلى أشغال المناظرة األولى حول اإلصالح اإلداري بالمغرب ،نستشف األسباب
التي تؤدي إلى أزمة الحكامة التواصلية فيما يخص العالقة ما بين اإلدارة والمتعاملين معها،
سواء التنظيمية والمؤسساتية أو القانونية منها ،وهي كالتالي:
-غياب رؤية شمولية لالستقبال واإلرشاد ،حيث تتسم اإلجراءات المعمول بها
باالنفرادية من طرف بعض القطاعات اإلدارية ،وبنظرة تقليدية لالستقبال؛
-غياب معلومات صحيحة وكاملة ودقيقة عن الخدمات التي تسديها المصالح اإلدارية،
وعدم االهتمام الكافي بالرد على االستفسارات الكتابية والهاتفية وغيرها للمواطنين ،بخصوص
تنظيم واختصاصات المصالح والمشاكل التي يطرحونها بشأن خدمات تلك المصالح؛
-عدم توفر معظم اإلدارات على ملصقات وأشكال أو رسوم بيانية داخل بناية اإلدارة
تمكن من االهتداء إلى المر افق والمكاتب التي تهم الو افدين عليها؛
-عدم احترام اآلجال والبطء في الرد على الطلبات وفي معالجة القضايا والملفات التي تهم
المتعاملين مع اإلدارة ،وهو ما ينتج عنه عزوف المواطن عن االلتجاء إلى التظلم والشكوى؛
-غياب الوعي بأهمية الشكايات والتظلمات كر افد هام من رو افد إصالح اإلدارة
وتحسين أساليب تنظيمها وتسييرها؛
-تغييب المرتفق في إعداد السياسات والبرامج المعدة أصال لتلبية رغباته واالستجابة
لحاجياته؛
-عدم توفر المتعامل مع اإلدارة عل الوسائل التي تمكنه من مطالبتها باالستفادة من
خدماتها بشفافية و وضوح وفي إطاراحترام القانون؛
-عدم التقيد الفوري لإلدارة بتنفيذ األحكام القضائية النهائية الصادرة في مواجهتها ،مما
يولد لدى المرتفق شعورا باالستهانة بحرمة القضاء وهيبته في غياب اآلليات المؤسساتية
والقانونية والمالية المساعدة على تسريع وثيرة تنفيذ هذه األحكام من لدن اإلدارة698.
كل هذا يدفعنا إلى القول بأن عوائق نجاح اإلصالح اإلداري ال تتمثل فقط في قوة اإلدارة
وتغييبها للمجتمع ،بل تكمن أيضا في المقاومة المذهبية والذهنية التي يبديها أفراد املجتمع
(ثقافة الخضوع واملحافظة ،واالنتظارية ،)...حيث أن مجهودات تطوير قيم الدولة و أساليب
تدخلها (المردودية ،الفعالية ،الكفاءة ،)...لم يصاحب بتحول في ثقافة الجمهور (اإلبداع،
الخلق ،التكيف .699)...إن هذا التعارض من الطبيعي أن يؤدي إلى تناقض بين البرامج
واالقتراحات المقدمة وبين النتائج املحققة .وفي ظل هذا الوضع يبدو تهميش الو اقع االجتماعي
نتيجة حتمية ،بشكل قلص من قوة هذه اإلصالحات ،وهو ما يفسرالمشكل االجتماعي -النفس ي
الذي سقطت فيه معظم اإلصالحات اإلدارية ،حيث التناقض األبدي بين الو اقع والخطاب،
وبين القول والفعل واالهتمام بالمظاهر عوض الجوهر700.
وما تجب اإلشارة إليه ،هو أن تراكم االختالالت التي شملت اشتغال الجهاز اإلداري،
أفض ى إلى قوة الخصائص البيروقراطية (المركزية والتضخم والبطء) ،أثرت على قدرة هذه
األجهزة على قبول المبادرات التي تروم تعديل هذه الوضعية .ونظرا لسطحية اإلصالحات التي
لم تستطع النفاذ إلى عمق اإلدارة العمومية بسبب تعدد أنواع المقاومات فقد استطاعت فئة
كبارالموظفين المتكونة من بيروقراطيي اإلدارة العمومية من أن تحقق امتيازات عديدة (مادية
واجتماعية) ،أدت إلى جعل مصالحها بمنأى عن أي مساس ،خاصة وأنها دائمة البحث عن
السلطة والمو اقع السياسية ،فضال عما تمنحه الوظيفة العمومية من شعورباألمان يقوي قيم
املحافظة ومقاومة التغيير.701
_699سلمي مصطفى :مساهمة المواطن والموظف في العمل اإلداري من منظوم العلم اإلداري ،مرجع سابق ،ص .243
-700علي السدجاري :الدولة واإلدارة بين التقليد والتحديث ،سلسلة البحوث اإلدارية ،2110 ،ص .34
_701كميمش عبد الله :تطور مفهوم اإلصالح اإلداري بالمغرب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون في القانون
العام ،جامعة محمد األول وجدة السنة الجامعية ،4000/2111ص .11
لذلك أصبحت إشكالية أزمة الحكامة التواصلية تشكل أهم االنشغاالت الراهنة سواء
على الصعيد الحكومي أو املجتمعي نظرا للمرحلة الراهنة التي تعرف استكمال بناء دولة الحق
والقانون ،ونظرا للتطور السريع للمحيط الدولي الذي يؤكد على تكريس ثقافة حقوق
اإلنسان.702
فعالقة اإلدارة بالمواطن أصبحت مفهوما يختزل نوعا من االزدواجية في الرؤيا :ازدواجية
بين "النظرة السلطوية "التي تحتكرها اإلدارة ،و نظرة "الزبون "التي يفرضها سياق الحداثة
تغذيها متطلبات الفعالية و التنافسية. 703
إذا كان التدبير العمومي الجديد من المنظور الشمولي يسعى إلى تطوير أساليب التدبير
والرفع من قيمتها في سبيل تقديم خدمات بجودة عالية وبأقل تكلفة ممكنة وفي وقت زمني
معقول يتناسب وطبيعة الخدمة المقدمة للمتعاملين مع اإلدارة بعيدا عن التعقيدات
واإلجراءات المسطرية الطويلة والمعقدة ،فإن هذا سيرد االعتبار إلى العنصر التواصلي الذي
يجب أن يحتكم إلى مبادئ العدل واإلنصاف والمساواة والشفافية في التعامل مع المرتفقين
والقضاء على كل الظواهر اإلدارية المعتلة ،كالرشوة واملحسوبية والزبونية والتسلط.
إن أهمية العالقة التواصلية تتجلى من خالل ما توصلت إليه الدراسات الميدانية التي
تم إنجازها من طرف بعض الخبراء والباحثين في مجال علم اإلدارة ،والتي خلصت إلى أن العملية
التواصلية ليست كأداة من أدوات التوجيه فقط ،بل كأساس لتحقيق أهداف المنظمة من
خالل المشاركة الفعالة لألفراد بها من خالل ما يتوفرون عليه من مهارات في املجال االتصالي.704
-702سعيد حام صي" :سياسات القرب ودورها في تحديث الممارسات السياسية واإلدارية بالمغرب الحديث ،أطروحة لنيل الدكتوراه
في القانون العام ،وحدة علم السياسة والقانون الدستوري ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال
،السنة الجامعية -4020/4001ص.211:
-اإلصالح اإلداري بالمغرب "أعمال المناظرة الوطنية األولى لإلصالح اإلداري المنظمة من طرف وزارة الوظيفة العمومية، 703
منشورات المجلة
المغربية لإلدارة المحلية و التنمية ،سلسلة نصوص ووثائق ،العدد 4004/14ص. 241:
-704محمد البعدوي ،أساليب القيادة الفعالة :مقاربة وظيفية حول صفات ومهارات القائد الناجح ،مكتبة دار السالم للطباعة والنشر
والتوزيع ،الرباط ،الطبعة األولى ،4024 ،ص .24
بإلقاء نظرة على منجزات مختلف القطاعات اإلدارية .يتضح أنه على الرغم من
املجهودات التي قامت بها بعض اإلدارات،فإن العمل يبقى غير مكتمل و ذلك راجع لألسباب
التالية: 705
اعتبار تبسيط المساطر اإلدارية حكرا على الخاليا المكلفة بهذا الموضوع، -
بينما يجب أن ينظرإليه كهاجس يومي ملختلف مكونات اإلدارة المركزية و املحلية ،و اعتباردور
هذه الخاليا كمؤطرومنشط لمشروع التبسيط.
-ندرة معالجة التعقيدات بصفة جذرية و بمنظور منهجي أي دراستها في العمق وفحصها
فحصا شامال ومفصال وذلك باستخراج حلول مستديمة و أكثر نجاعة تؤدي إلى تحسن ملموس
بالنسبة لإلدارة و المرتفق على حد سواء.
لقد حاول المغرب اتخاذ العديد من التدابير من أجل إصالح المساطر اإلدارية ،إال أن
هذه اإلجراءات باءت بالفشل ،و لم تكن نتيجة تصور عام للوضعية التي يجب أن تكون عليها
هذه المسطرة ،و إنما كانت برغماتية وجزئية ،فالتفكيرفي إصالح المساطراإلدارية بدون التفكير
في إصالح الهياكل 706أدى إلى إصالحات غيرمنسجمة و معرضة باستمرارللتهميش و اإلقصاء.
705اإلصالح اإلداري بالمغرب :أعمال المناظرة الوطنية األولى :مرجع سابق ،ص . 200 :
706 Benazzi Lakhdar : "l’administration publique et le changement des préjuges a
combattre" Revue marocaine de droit et d’ecnomie du develeppement N° 23, p
26.
فبالرغم من التدابيرالمتخذة في مجال تليين المساطراإلدارية ،فال زال هناك ضعف على
مستوى التواصل اإلداري ،فالمستعمل يهدر طاقات ومجهودات كبيرة للحصول على الخدمة
المنشودة.
و حتى على مستوى الهياكل اإلدارية ،فاإلدارة المغربية بقيت سجينة النموذج التقليدي
الذي ال يتو افق بالضرورة مع الو اقع االجتماعي والثقافي ،ويتجلى هذا النموذج أكثر في عدم
مراعاة نطاق اإلشراف وإحداث منظمات ضخمة يشكل حجمها أحد العوامل األساسية في قلة
مردوديتها وعدم فعاليتها.
فبالرغم من املجهودات المبذولة في مجال تحديث اإلدارة المغربية ،نالحظ أن هناك بون
شاسع بين األماني و الو اقع ،فلم يتم تسجيل أي رد فعل حقيقي و ملموس .إن األمرال يتعلق هنا
بإحداث خاليا للتبسيط ،ولكن على الخصوص بإصدارإجراءات تنظيمية واضحة في هذا الشأن
.و هذا الوضع عبر عنه الملك محمد السادس بقوله في افتتاح املجلس األعلى لإلنعاش الوطني
يوم 1ماي ( 1111البيروقراطية اإلدارية تعتبر من أكبر عوائق التنمية ...فاإلدارة بإجراءاتها
المعقدة و س لوكياتها الرتيبة وسوء تدبيرها للمرفق العمومي يضاف إلى ذلك انكماشها على
نفسها و عجزها عن التواصل مع محيطها واالستماع النشغاالت المتعاملين معها يؤدي إلى
تزايد ظواهرسلبية تتمثل على الخصوص في الالمباالة إزاء مصالح المواطنين و كذلك
و بالرغم من دقة ووضع بعض المساطراإلدارية ،فإن الجهات التي سهرت على وضعها لم
تشرك المعنيين إلبداء آرائهم و اقتراحاتهم حول هذه المساطر المعنيين بها ،ومن ثمة يمكن
القول بأن عملية تقنين المساطر اإلدارية ظلت جزئية ،و في حاجة إلى التعديل والتجديد و
المراجعة المستمرة.
إن التجربة العملية قد أبانت عن عدم احترام التدابير 707التي تم اتخاذها في مجال
تبسيط المساطراإلدارية ،مما ساهم في استمرارالوضع على ما هوعليه داخل اإلدارة المغربية،
و بالتالي يجب التفكيرفي مراجعة اإلجراءات والمساطراإلدارية و تحليلها لمعرفة الالزم منها وغير
الالزم لالستعاضة عنه بما هو أبسط من ناحيتي الجهد والوقت ،وتفادي الوثائق اإلدارية
707كمنشور وزير الشؤون اإلدارية بتاريخ 21يناير 2114و المتعلق بمسطرة تصفية المعاشات ،و كذا منشور الوزير األول الصادر
بتاريخ 40نونبر 2114بشأن تبسيط المساطر اإلدارية .
الزائدة وغيرالضرورية بقدراإلمكان ،وذلك لتجنب المرتفقين ضياع المزيد من الوقت والمال،
بل وفي بعض األحيان ضياع حقوق البعض منهم.
و المستثمر يضيق و يختنق من إدارة تضيع على االقتصاد الوطني وعلى سوق التشغيل
كثيرا من فرص التنمية التي يراهن عليها االستثمار الخاص الوطني واألجنبي .فبدون إدارة مرنة
شفافة وخدومة ،وبدون قضاء عادل قوي و نزيه و مستقل ال يمكن أن نحسب و نعول على ثقة
المستثمركان وطنيا أو أجنبيا.708
كما أن القرارات املحصورة العدد واملحدودة التأثير على و اقع الحياة اليومية التي تم
اتخاذها في بداية انطالق أوراش اإلصالحات اإلدارية لم تذهب بعيدا بالبعد الجوهري ونفاذ
العمق في الجسم اإلداري وفي املحيط االجتماعي.
و تظل إشكالية إصالح اإلدارة العمومية تختزل في إصالح النصوص التشريعية والقانونية
والتنظيمية وفي اإلكثارمن المناظرات والندوات واالكتفاء باإلعالن عن التدابير اإلصالحية التي
تأتي أو ال تأتي.
إن خطة مناهضة الرشوة على أهميتها وفي أبعادها السياسية واالقتصادية واالجتماعية،
لم ترق إلى المستوى الذي يجعل من تفعيلها وتجسيدها أساسا من أسس دولة الحق والقانون
ورجة فكرية فكرته من شأنها أن تكرس قيم التحديث والتطور والتأهيل إلدارتنا .وما تزال بؤر
الفساد اإلداري واملحسوبية والزبونية تعشعش في بعض المصالح العمومية دون وازع أخالقي أو
رادع قانوني.
كما أن بعض اإلدارات ما تزال لم تستوعب تطبيق المفهوم الجديد للسلطة وفلسفة
االنفتاح على المواطن ،وهو ما يشكل عائقا أمام بناء إدارة الجوارفي عالقة اإلدارة بالمواطن.
والو اقع أن الصورة العامة ألداء اإلدارة المغربية تظل دون مستوى مواجهة التحديات
الخارجية ولرهان التنمية الشاملة والمستديمة ،ومن تم تأتي املحاوالت اإلصالحية في تصورها
وصياغتها مجزأة ومنعزلة أو منفصلة عن التوجهات التنموية ،فال تتضمن الخطط الوطنية
و تظل توجهات اإلصالح اإلداري في صورتها التقليدية مبنية على أسس منهجية بعيدة عن
نظرة تحديثية شمولية و كلية و متكاملة.
-إن المنهجية المعتمدة في مجال إصالح اإلدارة المغربية منهجية تقليدية و نمطية
وسكونية بدل أن تكون تحديثية ودينامية ،فهي تهتم فقط بالهياكل واألنظمة واللوائح
واإلجراءات وتهميش البعد األدائي والتدبيري عن منظومة اإلصالح اإلداري.
كما أن برنامج إصالح الجهازاإلداري لم ترتكزعلى توجهات و أولويات تنموية ،إذ ال يمكن
الفصل بين رهانات التنمية الشاملة والمستديمة ومتطلبات اإلصالح اإلداري الذي هو بحق
مربط الفرس وصمام األمان في إنجاز الرؤية اإلستراتيجية الكفيلة بتحقيق التنمية في المسار
النسقي للحرية االقتصادية القائمة على التنافسية واالنفتاح االقتصادي.
لقد مرت سنوات على انطالق مسيرة التناوب في بالدنا .إال أن أوراش اإلصالح اإلداري التي
تندرج في سياق ميثاق حسن التدبير لم تعرف بعد طريقها لتفعيل توجهاته وترجمتها إلى تدابير
وإجراءات عملية ملموسة ،و بالرغم من اإلجماع التو افقي على إصالح اإلدارة كحلقة أساسية
ووازنة في مسلسل اإلصالحات الهيكلية التي يتطلع إليها املجتمع المغربي فإنه ظل حبيس
الخطاب السياس ي وبرنامج األحزاب السياسية على اختالف مو اقعها داخل الحكومة أو في
المعارضة ،و الو اقع أن التغيير ال تقاس قيمته بنبرة ونكهة الخطاب بقدر ما تقيم بوتيرة ودرجة
ترجمته و تجسيده على أرض الو اقع المعيش وفي خدمة المواطنين قوال و فعال .إن عدم تدارك
هذه الوضعية السلبية سيحول دون تمكين اإلدارة العمومية من أن تكون في مستوى الرهانات
واالستحقاقات والمستجدات الوطنية والدولية ومواجهة التحديات املحلية و الخارجية .و في
الحقيقة لقد بذلت مجهودات صوب تحديث اإلدارة ،لكنها تظل دون تطلعات المواطنين
والفاعلين االقتصاديين واالجتماعيين على حد سواء .و لذا أصبح إصالح هذه المساطرضروريا
ألن السيرالعادي لإلدارة ال يتناسب مع اإلفراط في هذه الشكليات و ما يترتب عن ذلك من ارتفاع
في التكاليف و تأخرفي اإلنجاز. 709
فالمواطنين لم يكن لهم الحق إال في مجموعة من المناظرات المتكررة غير المنتهية ،و
األيام الدراسية والندوات التي تعد بالفعل ضرورية إلنضاج التفكير و اقتراح التوصيات التي
تكون في الغالب سديدة ومليئة باألفكار الحكيمة ،ولكنها ال يمكن أن تحل محل العمل ،و
السلطات الحكومية ال تحس أبدا بواجب ترجمة نتائج وتوجيهات هذه الدراسات إلى قوانين
ملزمة.
في الحقيقة ال تكفي اإلرادة السياسية إلصالح الجهازاإلداري ،فهذه اإلرادة موجودة ،إنما
ينقص حكومة قوية صارمة منسجمة كفؤة ،و التي تلعب دور القوة الدافعة الضرورية لكل
مشروع إصالحي ،غير أن الحكومة لم تملك الوقت الكافي لتنفيذ ما وعدت به في مجال إصالح
اإلدارة العمومية من أجل تحسين وتحديث التدبيراإلداري .
إن حكومة التناوب السابقة لم تمتلك التصميم والعزم الكافيتين لقيادة اإلصالحات
التي ال يمكن تأجيلها باستمرار ،فعوض أن تفي هذه الحكومة بوعودها ،فإنها أبانت عن
استقالة وعجز تامين ،فقد اكتفت بإجراءات "التحسيس" دون نتيجة و اقعية على المستوى
القانوني.
709 El Moussaoui Rachid :" l’administration est-elle réformable ? beaucoup de
projets peu de réalisations " ;Revue marocaines des régimes juridiques et
politiques ,N 3 -4 2003 P : 20.
710 El Moussaoui Rachid: op-cit P : 21.
وعلى مستوى " ميثاق حسن التدبير" ،فإن هذا األخيرال يمتلك القوة القانونية اإللزامية،
وأصبح بالتالي مجرد حسن نية على األقل ،ما دام لم يترجم إلى إجراءات ملموسة ذات طابع
تشريعي و تنظيمي.
غير أن هذا ال يمكن أن ينسينا حقيقة أساسية هو كون اإلصالح اإلداري عمال طويال
المدى يجب أن يكون ممتدا في الزمان بإخفاقاته ونجاحاته ،وهو يفرض إعادة النظرالمتكررة،
والتحسينات المستمرة والدورية على قاعدة عمل " تقييمي وموضوعي وارتباطا مع تطلعات
المواطنين ،إن اإلصالح اإلداري هو ديناميكية صيرورة ليست لها نهاية.
وإذا كان تبسيط المساطراإلدارية يعتبرخطوة مهمة في اتجاه تحسين الحكامة التواصلية
باإلدارة العمومية ،فإنه سيساهم ال محالة في تخليق هذه اإلدارة ،والتخفيف من السلوكات
السائدة التي تنتج عن ظاهرة التعقيد اإلداري.
-عبد الحق عقلة" .القانون اإلداري الجزء األول المبادئ األساسية لدراسة القانون
والعلم اإلداريين " ،الطبعة الثالثة 1111مطبعة دارالقلم.
-عبد الحفيظ أدمينو "نظام البيروقراطية اإلدارية بالمغرب" أطروحة لنيل الدكتوراه في
القانون العام السنة الجامعية ،1111/1115جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية أكدال الرباط.
-نجيب بودربالة :الرشوة واملجتمع ،منشورات الجمعية المغربية ملحاربة الرشوة ،مطبعة
النجاح الجديدة.5777 ،
-السنوس ي بوعالم التحرير اإلداري و قواعده ،مطبعة دار النشر المغربية ،عين السبع،
الدارالبيضاء.1111 ،
_ ماهي عليش :من مظاهر الفكر اإلداري الحديث :االتصاالت و أثرها في اإلنجاز اإلداري
وفي رفع كفاءة العاملين ،مجلة االقتصاد و اإلدارة ،عدد ،51أكتوبر.5775
-باهي محمد :المبادئ و األسس العملية للتحرير اإلداري ،مطبعة النجاح الجديدة،
الدارالبيضاء.5779 ،
-علي السدجاري :الدولة واإلدارة بين التقليد والتحديث ،سلسلة البحوث اإلدارية،
.5771
_ كميمش عبد الله :تطورمفهوم اإلصالح اإلداري بالمغرب،رسالة لنيل دبلوم الدراسات
العليا المعمقة في القانون في القانون العام ،جامعة محمد األول وجدة السنة الجامعية
.1111/5777
-13سعيد حامص ي" :سياسات القرب ودورها في تحديث الممارسات السياسية واإلدارية
بالمغرب الحديث ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،وحدة علم السياسة والقانون
الدستوري ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال ،
السنة الجامعية .1151/1117
- 14اإلصالح اإلداري بالمغرب "أعمال المناظرة الوطنية األولى لإلصالح اإلداري المنظمة
من طرف وزارة الوظيفة العمومية ،منشورات املجلة المغربية لإلدارة املحلية و التنمية،سلسلة
نصوص ووثائق ،العدد .1111/67
-15محمد البعدوي ،أساليب القيادة الفعالة :مقاربة وظيفية حول صفات ومهارات
القائد الناجح ،مكتبة دارالسالم للطباعة والنشروالتوزيع ،الرباط ،الطبعة األولى.1151 ،
16اإلصالح اإلداري بالمغرب :أعمال المناظرة الوطنية األولى :مرجع سابق ،ص . 511 :
17 Benazzi Lakhdar : "l’administration publique et le changement des
préjuges a combattre" Revue marocaine de droit et d’ecnomie du develeppement
N° 23.
18كمنشور وزير الشؤون اإلدارية بتاريخ 56يناير 5771و المتعلق بمسطرة تصفية
المعاشات ،و كذا منشور الوزير األول الصادر بتاريخ 11نونبر 5771بشأن تبسيط المساطر
اإلدارية.
بالرجوع إلى المادة الثانية من القانون 75/11نجدها تنص على أنه " تحدث بدو ائر
املحاكم االبتدائية مكاتب المفوضين القضائيين للقيام بالمهام المنوطة بهم طبقا لهدا القانون
أمام مختلف محاكم المملكة".وهكذا فان المفوض القضائي بمجرد نجاحه في المباراة وخالل
نهاية التكوين يرخص له وزيرالعدل بموجب قراريحدد فيه مقرمكتبه لمزاولة المهنة .فحسب
المادة أعاله اختصاص المفوض القضائي مرتبط بدائرة املحكمة االبتدائية التي تشمل مقر
تواجد مكتبه بها ،فكل محكمة يقع بدائرة اختصاصها مجموعة من مكاتب المفوضين
القضائيين بالرغم من أن نفس المادة أعاله تنص على عبارة "أمام مختلف محاكم "....التي
توحي بأنه يمكن للمفوض القضائي أن يمارس مهامه على الصعيد الوطني.
في حين جاءت المواد 51و11و 15من نفس القانون لتبن بشكل جلي ان المفض القضائي
يعمل تحت دائرة نفود املحكمة االبتدائية التي عين بها.
وهكذا نصت المادة 51على "إذا تغيب مفوض قضائي او عاقه عائق مؤقت اصدررئيس
املحكمة االبتدائية لمقره امرا بتكليف مفوض قضائي اخر بنفس الدائرة " ...وهو االمر الدي
يؤكد بقاء المفوض القضائي مختصا في الحيزالجغرافي الذي تشمله املحكمة االبتدائية المعين
بدائرتها.
وقد نصت المادة 11على انه "تمسك كتابة الضبط سجال وفق نموذج يحدد بقرار وزير
العدل يؤشرعل صفحاته رئيس املحكمة االبتدائية املختصة" وهو األمر الذي يؤكد على رابطة
االختصاص المكاني بين المفوض القضائي واملحكمة التي يوجد بدائرتها مقر مكتبه ,كما أن
طالب اإلجراء حسب المادة 15من نفس القانون يختارالمفوض القضائي من بين المفوضين
القضائيين الموجودة مقارمكاتبهم بدائرة املحكمة المطلوب القيام باإلجراءات بدائرة نفوذها .
وهكذا فان االختصاص المكاني للمفوض القضائي حسب ما جاء في مواد القانون المشار
إليه سابقا يبقى لصيقا بدائرة املحكمة االبتدائية التي عين بدائرتها مهما كان حيزها الجغرافي.
إذا كان المفوض القضائي يتمتع بالحماية القانونية أثناء مزاولته لمهامه حسب نص
المادة 19من قانون 11.75التي تنص على انه يتمتع المفوض القضائي أثناء مزاولته لمهامه
بالحماية القانونية التي تنص عليها مقتضيات الفصلين 161و 169من القانون الجنائي "فانه
في المقابل يخضع لسلطة المر اقبة من طرف رئيس املحكمة أو من ينوب عنه في دلك بغية
التأكد من األعمال واإلجراءات التي يقوم بها من الناحية الشكلية والموضوعية باعتبارأن رئيس
املحكمة يكون لديه ملف شخص ي مفتوح لكل مفوض قضائي تحت مر اقبته و إشر افه أو من
ينتدبه لهده الغاية حسب ما هومنصوص عليه في المادتين 55و 56من نفس القانون ,وهوالذي
يعد التقارير بشان الخروقات التي يرتكبها المفوض القضائي ويحيلها على وكيل الملك،كما
يمكن له أن يضع حدا إللحاق الكاتب الذي اختاره المفوض القضائي عند تبوث مخالفة خطيرة
في حقه.
أما فيما يخص سلطة مر اقبة وكيل الملك فانه يتخذ ما يراه مناسبا بخصوص التقارير
التي تحال عليه من طرف رئيس املحكمة بخصوص املخالفات التي يرتكبها المفوض
القضائي،كما يمكنه أن يقوم بتفتيش مكتب هدا األخير التابع لدائرة نفوذه مع إشعار السيد
الوزير باالختالالت المهنية الخطيرة التي تتبثها محاضر البحث ،مع إمكانية اتخاذ قرار التوقيف
المؤقت عندما تستوجب الضرورة دلك وتحريرالمتابعة التأديبية بناء على تقريررئيس املحكمة
أو شكاية المتضرر أو تقرير الهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين كما أن عمليات تصفية
المشاركة تجرى تحت مر اقبة وكيل الملك،و إذا ما تم التساهل في هدا األمر بغية تبسيط
اإلجراءات والمساطر القضائية فانه يبقى من الضروري حصول المفوض القضائي على االدن
من رئيس املحكمة مع إشعار وكيل الملك بمهمة تنفيذ إجراء معين خارج دائرة االختصاص
الترابي للمحكمة حتى يتسنى لسلطة المر اقبة مواكبة وتتبع اإلجراءات والملفات و ما قد
يطالها من إخالالت مهنية ونزاعات بين منفذ اإلجراء وطالبه والجهة المنفذ عليها.
تنظم مهنة الخبراء القضائيون بموجب القانون ،11.11ونظرا للدورالطالئعي الذي يقوم
به الخبراء القضائيين في مجال سرح العدالة فانه يتم اللجوء إلى الخبرة إلجراء التحقيق في
المسائل الفنية والتقنية والعلمية التي يصعب إدراكها واستخالصها واستحالة التقريرفيها.و
على هذا األساس فقد ساهمت في االرتقاء بالعمل القضائي و جودة خدمات العدالة لكن هذا ال
يجعل المهن القضائية ال تعيش معوقات و مشاكل تؤثرعلى فعاليتها نذكرمن بينها:
تحديد فصول المتابعة بخصوص الجروح غير العمدية الناتجة عن حادثة سير حسب
مدة العجز الحقيقة للضحايا و هو ما يتطلب انجاز خبرة طبية في الموضوع إذا تجاوزت مدة
العجزالمدونة بالشهادة الطبية األولية 11يوما .
إال انه عمليا نصادف عدة عر اقيل مردها أساسا قلة الخبراء املحلفين بدائرة نفوذ هده
املحكمة .او بطئ إنجازها الرتباطات األطباء المهنية من جهة .
ومن جهة أخرى يثارإشكال قانوني بخصوص هده النقطة و المتعلق أساسا بعدم تحديد
الجهة املختصة النجازالخبرة الطبية و الطرف الذي يتحمل أداء صائرها .
و نقترح تعيين عدد كافي من الخبراء في دائرة نفوذ هده املحكمة حسب التخصص فضال
عن تحديد الجهة التي تتحمل أداء صائرالخبرة.
و نالحظ أيضا أنه في أيام الديمومة و خارج أوقات العمل في العطل الوطنية و الدينية و
عطل نهاية األسبوع ال تسلم بها الشواهد الطبية بدعوى عدم وجود الطبيب املختص لمنح
الشواهد الطبية و هو ما يؤثرفي اتخاذ القرارالمناسب في حق الجناة.
*عدم منح الفرص لجميع الخبراء القضائيين بالرغم من تسجيلهم بالجدول و أدائهم
القسم.
*مسألة التخليق و تنقيح المهن من الشوائب غير المهنية والفساد الذي قد يطال هذه
الخيرة.
* عدم انجاز الخبراء القضائيين للمهام المسندة اليهم في الوقت المناسب الذي تحدده
املحكمة،مما يؤدي إلى تأخرالبث في الملفات.
ونقترح لتجاوزهدا اإلشكال نقترح تعيين أطباء لتسليم الشواهد الطبية للضحايا و أيضا
للمحروسين نظريا متى دعت الضرورة لدلك لحسن تصريف األشغال و تسهيل مأمورية اتخاذ
القرارات المناسبة في القضايا ذات االرتباط بدلك .
و على هذا المعطى فالبد من تحديث هذه المهن و الرقي بها من اجل إرساء عالقات مهنية
سليمة كشرط أساس ي وجوهري لتقديم خدمة قضائية ناجعة لتحقيق األمن القانوني و
القضائي و تحقيق عدالة مستقلة و محايدة و نزيهة من خالل مراعاة المشاكل التي تعوق هذه
المهن لجعلها في استقاللية تامة عن الجهات الوصية وخضوعها بشكل كلي فيما يتعلق بالرقابة
و التوجيه و التأديب.
-تم تنظيم مهنة النساخة بموجب القانون رقم 17.11الصادربتاريخ 11يونيو 1115و قد
كانت موجودة فيما قبل بموجب نصوص متفرقة مرتبطة بخطة العدالة و االشكاالت التي بقيت
عالقة بهاته المهنة بالرغم من تنظيمها من طرف المشرع بموجب القانون المشاراليه سابقا و
هي أن هذا األخيرلم يحدد لها صفة و لم يعترف صراحة بالناسخ هل هومساعد للقاض ي "قاض ي
التوثيق" في أداء مهامه أم هو مستقل عنه؟فحسب المواد 1،7و 7فهو يمارس مهامه بمقر
املحكمة االبتدائية (قسم قضاء األسرة) ويلتزم بالتوقيت اإلداري للعمل إذن اإلشكال الذي يبقى
مطروحا هو هل يمارس وظيفة عمومية من خالل التزامه بالتوقيت اإلداري و مقر العمل
باملحكمة االبتدائية و كذا خضوعه للسلطة الرئاسية أم يمارس مهنة حرة مستقلة؟.
و هناك إشكال آخر يطرح في هذا املجال هو ازدواجية الوصاية و الرقابة و التأديب،
فحسب المواد 11و 11من القانون المنظم فالناسخ يخضع لرقابة قاض ي التوثيق و لرقابة
و وجهة نظره على السيد الوزارة الوصية ،بحيث أن قاض ي التوثيق هو الذي يحيل الشكاية
وكيل الملك وهذا األخيريحيل المتابعة على غرفة المشورة التي تبلغ قرارها لوزيرالعدل (المادة
.)11
و هناك إشكالية أخرى تتجلى في عدم االستقاللية من خالل التداخل مع مهنة العدول
بحيث أنه ال يمكن استخراج النسخ إال بعد مو افقة قاض ي التوثيق و توقيع العدلين بخالف
نسخ األحكام التي تحتاج إلى توقيع كاتب الضبط مما يطرح مسألة البطئ والتعقيد ويجعل عمل
الناسخ بدون فائدة.
لتفادي نظام التضمين المقام في مهنة النساخة الذي يمتاز بالفوضوية و العشوائية
والبطء والتعقيد قد يؤدي إلى ضياع النسخ واألرشيف بأكمله على خالف ما تحتاج إليه العدالة
من السرعة و جودة الخدمات بما يتالئم و المعايير الدولية و التنافسية االقتصادية في ظل
إحداث املحكمة االلكترونية أو الرقمية فانه من وجهة نظرنا نقترح إلغاء مهنة النساخة بصفة
عصري توثيقي قضاء واعتماد كاملة
يعتمد على النظام المعلوماتي مع العمل على إدماج كافة فئة النساخ ضمن الوظيفة العمومية
(كتابة الضبط).
نجد أن هذا الجهازقد تم تأطيره بموجب ظهائر ونصوص قانونية خاصة و عامة.
فكما ل ال يخفى على أحد الدور المهم المنوط بهذا الجهاز في مجال العدالة و خاصة
مسألة التحري و ضبط الجريمة ومرتكبيها و تقديمهم إلى العدالة وفق تعليمات قانونية دقيقة
ومضبوطة ،إال أنه نجد هناك بعض اإلشكاالت تعترض هذا الجهازنذكرمن بينها:
*عدم االستقاللية :بحيث نجد أن ضباط الشرطة القضائية يسيرون برأسين الجهاز،
الذي يتبعون له و جهازالنيابة العامة.
*مسألة التكوين و الكفاءة و التخصص بحيث نجد أن أغلب الضباط ليس لهم تكوين
في املجال القانوني و كذلك العلمي فأغلب الضباط مستوياتهم ال تتجاوز السنتين األوليتين من
التعليم العالي ،وهناك من ليس لهم بالكل تكوين في املجال القانوني.
* و لذلك و من وجهة نظرنا فالبد من تحديث هذا الجهازبإحداث ضباط شرطة قضائية
ذوي كفاءة وخبرة وتكوين عال في هذا املجال تابعين بشكل مباشرلجهازي النيابة العامة وقضاء
التحقيق من حيث سلطة الرقابة و التوجيه و التأديب.
باستقرائنا للمادة 17من القانون المنظم لمهنة املحاماة و التي تنص على أنه "ال يمكن
اعتقال املحامي أو وضعه تحت الحراسة النظرية ،إال بعد إشعارالنقيب ،ويستمع إليه بحضور
النقيب أو من ينتدبه لذلك.
ال يجرى أي بحث مع املحامي ،أو تفتيش لمكتبه ،من أجل جناية أو جنحة ذات صلة
بالمهنة ،إال من طرف النيابة العامة أو قاض ي التحقيق وفق المقتضيات أعاله.
ال يمكن تنفيذ حكم إفراغ مكتب محام إال بعد إشعارالنقيب ،و اتخاذ اإلجراءات الالزمة
لضمان مصالح موكليه".
* إشكال وضع املحامي رهن تدابيرالحراسة النظرية عند ارتكابه لجنحة تستدعي ذلك ،
بحيث يجب إشعار النقيب وفي حالة تعذر ذلك لسبب من األسباب يؤدي إلى عرقلة اإلجراءات
القانونية
* ضرب مبدأ المساواة أمام القانون عرض الحائط بالتنصيص على الشكليات
اإلجرائية في القانون المنظم لمهنة املحاماة.
وتبعا لإلشكاالت المذكورة أعاله نقترح بعض االقتراحات من اجل تجاوزها من بينها :
* االستماع إلى املحامي بدون التنصيص على ضرورة حضور النقيب أو من يمثله عند
االستماع اليه من طرف النيابة العامة و ذلك لكون الجهة الموكل إليه ذلك هي جهة قضائية
ودورها حماية حقوق وحريات األفراد و تسريعا للبت في الشكايات
* االكتفاء بإشعار النقيب عند وضع املحامي رهن تدابير الحراسة النظرية سواء أكان
اإلشعار قبلي أو بعدي
*صعوبة انجاز األبحاث التي يكون أحد أطر افها محامون لعدم استجابة مؤسسة
النقيب للحضورإلى جانب املحامي المشتكى به.
* عدم إدالء املحامي بتوكيل من موكله مما يؤدي إلى بعض النزاعات بين املحامين حول
النيابة في الملفات خصوصا في قضايا حوادث السير و كذلك تصوير ملفات و محاضر ال شأن
لهم بها سوى تسريبها للغير.
وتجدر االشارة في االخير ان لكل قانون نو اقص وثغرات ال تظهر ألول مرة مع سنه وبداية
تطبيقه ،و إنما مع مرورالزمن وظهوربعض الحاالت التطبيقية التي لم يتوقعها المشرع ،ولذلك
يصبح لزاما على هدا االخير تعديله أوإلغاؤه بقانون جديد إليجاد حلول لهذه الثغرات أوالحاالت
التطبيقية التي لم يقننها المشرع.
مقدمة
من أجل ضمان نزاهة العملية اإلنتخابية ،فتح المشرع باب الطعن في المقررات ذات
الصلة باإلنتخابات أمام الجهة القضائية املختصة ،ذلك أن النظام القضائي المغربي الذي
يتسم باإلزدواجية بين القضاء العادي واإلداري يفرض على أطراف النزاع أن يتقيدوا بقواعد
اإلختصاص التي تتسم بالنظام العام و بالتالي ال يجوز مخالفتها مهما كان ،و رفع الدعوى أمام
الجهة القضائية التي أحال عليها المشرع للبث في النازلة ،كما ينضاف في المادة اإلنتخابية
اختصاص من نوع اخر ،وهو القضاء الدستوري و الذي يختص بالبث في مجال معين طبقا
ألحكام الدستورو بعض القوانين التنظيمية.
كما وضع المشرع المغربي ترسانة من النصوص و المقتضيات القانونية التي تحدد
بكيفية مضبوطة و دقيقة شكليات و إجراءات تقديم الطعون اإلنتخابية أمام الهيئة القضائية
املختصة ،وتكتس ي دراسة مسطرة الطعون اإلنتخابية أهمية قصوى ،اذ أنها تمكن مختلف
الفاعلين من اإللمام بطرق و مساطرالطعن ،و الجهات املختصة و كل األمورالمتعلقة باالجال،
وبذلك تساهم في ترسيخ اإلنتخابات الحرة و النزيهة كشرط أساس ي لتكريس الديمقراطية ،ألن
غياب ذلك يعني غياب الديمقراطية ،فإن الحق يتجرد من قيمته العلمية إذا لم يستطع صاحبه
إثبات الدليل على من يدعيه أمام السلطة املختصة ،و التي عليها تمحيص ما يقدم لها من أدلة
وفق الشروط القانونية ،و الفصل في الدعوى إعتمادا على الدليل الذي اقتنعت به ،فمدعي
الحق لن يستطع أخذ حقه إال بعد أن يقدم الدليل عليه ،و القاض ي ال يستطيع الفصل في
الدعوى و البث في طلبات الطاعنين و دفوعهم إال في ضوء ما يقدم له من أدلة ،وعليه من خالل
هذا المقال سيتم الحديث عن إختصاص املحكمة الدستورية في النظر في الطعون التشريعية
،و من خالل ذلك سيتم طرح إشكاالت أهمها:
ماهي سلطات القاض ي الدستوري في الرقابة على عريضة الطعن اإلنتخابي ،و ماهي
اإلجراءات المتخذة لذلك ثم ماهي العر اقيل التي تحد من فعالية املحكمة الدستورية في املجال
االنتخابي و ما السبل الكفيلة للحد منها ؟.
ولإلجابة على هذه اإلشكاالت سيتم تقسيم الموضوع إلى مبحثين :المبحث األول :سلطات
القاض ي الدستوري في الرقابة على عريضة الطعن االنتخابي و البث فيها .المبحث الثاني:
العر اقيل التي تحد من فعالية املحكمة الدستورية في املجال االنتخابي و سبل تجاوزها.
المبحث األول :سلطات القاض ي الدستوري في الرقابة على عريضة الطعن اإلنتخابي و
البث فيها:
يقتض ي لقبول عريضة الطعن المقدمة أمام املحكمة الدستورية أن تستوفي هذه األخيرة
مجموعة من الشروط وهو ما سيتم الحديث عنه فيما يلي:
تخضع عريضة الطعن اإلنتخابي لرقابة مشددة من قبل القاض ي الدستوري من خالل
دقة تحققه من البيانات المتضمنة في العريضة و مدى إحترامها للشكليات المنصوص عليها في
القانون.
من المسلم به فقها وقضاءا أن ال دعوى بال مصلحة ،ويقصد بالمصلحة الفائدة العملية
التي يراد تحقيقها بااللتجاء إلى القضاء ،تلك هي القاعدة التي أشار إليها قانون المسطرة
المدنية المغربي حيث ينص الفصل األول منه على " أنه ال يصح التقاض ي إال ممن له الصفة
واألهلية والمصلحة إلثبات حقوقه"
فالصفة تتوفر كلما كانت هناك مصلحة شخصية مباشرة لر افع الدعوى سواء أكان
ر افع الدعوى هو الشخص الذي كان مرشحا في اإلقتراع المطعون فيه أم كان ناخبا في الدائرة
االنتخابية التي وقع فيها الطعن اإلنتخابي ،إذ يكفي أن يثبت الطاعن العالقة التي تربط بين
مصلحته وبين االنتخاب المطعون فيه711
وقد حددت المادة 71من القانون التنظيمي رقم 15-79المتعلق بمجلس النواب من لهم
الصفة والمصلحة واألهلية في أربع جهات في المنازعات االنتخابية ألعضاء مجلس النواب وهي:
الناخبون ،المرشحون المعنيون بأمر االنتخاب ،عمال العماالت واألقاليم ،كاتب اللجنة
الوطنية لإلحصاء،ومن غير هؤالء األشخاص ال يحق ألحد اللجوء إلى املحكمة الدستورية
بمناسبة المنازعات التي قد تطال العملية االنتخابية ،وهكذا فأي طعن في انتخاب أعضاء
مجلس النواب ممن ليس له الصفة وخارج من هم مذكورين في المادة 71من القانون المشار
إليه أعاله ،فإن مصيره عدم القبول ،حيث قض ى املجلس الدستوري في قرارله:
"وحيث أن المآخذ تتمثل في أن السيد عبد اللطيف الجراري فازبمقعد انتخابي بالدائرة
االنتخابية المطعون فيها ،وبالتالي تنعدم فيه صفة الطاعن ومصلحته في الطعن في االنتخابات
التشريعية التي جرت بالدائرة االنتخابية املحمدية التابعة لعمالة املحمدية.
و أيضا أن عريضة الطعن المقدمة من طرف السيد عبد الرحمان العزوزي لم تتضمن
صفة الطاعن المنصوص عليها بموجب المادة 15من القانون التنظيمي رقم 17- 71المتعلق
باملجلس الدستوري .وقد جاء رد املحكمة كما يلي :وحيث أن هذين الدافعين مردودان لكون
الفائز عبد اللطيف الجراري الذي قدم الطعن في مواجهة السيد محمدالعطواني بمفرده،
طالبا إلغاء انتخابه يبقى مرشحا له الصفة (المصلحة) التي تخول له حق تقديم الطعن وأن
السيد عبد الرحمان العزوزي باعتباره مرشحا فإن له الصفة التي تخول له حق الطعن فقضت
املحكمة الدستورية برفض الطلب712.
وعليه فإن املحكمة الدستورية تتأكد من صفة الطاعن الناخب من الوثائق المدلى بها،
أما إذا كان مرشحا ،فإن املحكمة ترجع إلى الئحة المترشحين للتأكد من ورود إسمه فيها.
711خالد الشلللللرقاوي السلللللموني " ،المجلس الدسلللللتوري ورقابته على االنتخابات التشلللللريعية أبي رقراق للطباعة
والنشر ،الطبعة األولى ،8114الرباط ،ص .82
712قرار المجلس الدستوري رقم 199/99الصادر في 1يونيو 4999
تنص المادة 15من القانون التنظيمي المتعلق باملجلس الدستوري في فقرتها األولى على
أنه "يجب أن تكون العرائض ممضاة من أصحابها أو من محام مسجل في جدول إحدى هيأت
املحامين بالمغرب ،وأن تتضمن االسم العائلي واالسم الشخص ي للمنتخب المنازع في
انتخابه“...
وعليه ،فإن الشكليات التي ينبغي أن تتو افر في العريضة هي:أن المسطرة كتابية أمام
املجلس الدستوري ويكون ذلك بواسطة عريضة الطعن مكتوبة وممضاة من طرف أصحابها أو
محام مسجل في جدول إحدى هيئات املحامين بالمغرب.
وهكذا قض ى املجلس الدستوري في إحدى قراراته برفض طلب يرمي إلى إلغاء نتيجة
االنتخاب الذي أجرى في 9سبتمبر 1119بالدائرة االنتخابية "أكادير إدوتنان" عمالة أكادير'713
حيث أن أحكام الفقرة األولى من المادة 15من القانون التنظيمي رقم 17.71توجب أن تتضمن
العرائض االسم الشخص ي للمنتخب المنازع في انتخابه ،وحيث إن عريضة الطاعن المذكور،
ال تتضمن االسم العائلي واالسم الشخص ي للمنتخب المنازع في إنتخابه ،األمر الذي يتعين معه
التصريح بعدم قبولها.
كما ال يتم أيضا قبول الطعون العتبارات شكلية أخرى ،كعدم إمضائها خاصة وأن
القوانين التنظيمية المتعلقة باملجلس الدستوري سواء المغربي أوالفرنس ي ينص على أن تكون
العرائض ممضاة من أصحابها ،أو من محام مسجل بالجدول ،على إعتبار أن أهمية التوقيع
تكمن في تصريح الطاعن عن التزامه بما جاء في العريضة ،ونود أن نشير هنا إلى أنه بخالف
املحكمة الدستورية المغربية ،فإن املجلس الدستوري الفرنس ي قام منذ 5779بتعديل
إجراءات ،بما يمكن الطاعنين من إصالح االختالالت الشكلية التي تشوب العريضة كتوقيعها
مثال وال يحكم فيها بعدم القبول إال بعد إنذاراألطراف بإصالحها.
ولإلشارة فإن الطاعن يتمتع بحق رفع أكثر من طعن واحد في نفس العريضة وفي نفس
الوقت ،وينصب كل واحد على موضوع معين في عمليات اإلقتراع.
وفي هذا اإلطار فقد أفضت املحكمة الدستورية في إحدى قراراتها "حيث إن المطعون في
انتخابه يدفع بعدم قبول 714عريضة الطعن من حيث الشكل بدعوى :أنها قدمت من طرف
السيد ب.زفي طلب واحد في مواجهة المطعون في انتخابهم األربعة رغم تباين الوقائع المتعلقة
بكل واحد منهم.
لكن حيث من جهة ،إنه ليس في القانون ما يمنع الطعن ،بعريضة واحدة في نتائج
إنتخابية لفائزين متعددين ما دام هذا الطعن بهم نفس الدائرة اإلنتخابية ،ونفس اإلنتخاب
ويستوفي الشروط المضمنة في الفقرة األولى من المادة 15من القانون التنظيمي المتعلق
باملجلس الدستوري".715
كما يجب أن تتضمن العريضة لكي تكون مقبولة ،أيضا طلب إلغاء نتائج اإلنتخاب وليس
فقط تصحيح عدد األصوات التي حصل عليها مرشح معين من أجل الحصول على تعويض
مصاريف الدعاية.716
وإضافة إلى كل هذه الشكليات المتعلقة بالبيانات الواجب تضمينها بعريضة الطعن
فهناك إجراءات أخرى تتعلق بالوقائع والمستندات ،المفترض توفرها بعريضة الطعن ،ونقصد
هنا الوقائع التي يقوم عليها الطعن،كما يلزم أن تكون لها صلة بالمستندات والحجج المدلى بها
إلثبات وتعزيزادعاءات الطاعن.
وعلى هذا األساس أصدر القاض ي الدستوري عدة قرارات ،تقض ي برفض الطلبات
الرامية إلى إلغاء نتائج االنتخاب ،نتيجة عدم استيفائه بالشروط السالفة الذكر ،وهكذا قضت
املحكمة بشأن االنتخابات المتعلقة بتجديد ثلث مجلس المستشارين ،في نطاق هيئة
الجماعات املحلية ،بجهة طنجة -تطوان ،على إثر االقتراع الذي أجري يوم 6أكتوبر 1111بما
يلي:
" وحيث إنه يستفاد من هذه الفقرة األخيرة أن المستندات المدلى بها والمشفوعة
بعريضة الطعن يجب أن تكون ذات صلة بالوسائل املحتج بها وحيث إن ما أدلى بها الطاعن من
716-محملللللد األعرجمحملللللد قصلللللري :الطعلللللون االنتخابيلللللة بلللللين احكلللللام التسلللللريع وقلللللرارات القضلللللاء
المغربي ،الطبعة ،8116ص .611
محضر كل من مكتب التصويت رقم 1والمكتب المركزي والوصل النهائي بالترشيح ومطبوع
انتخابي ليس له عالقة بالوسائل املحتج بها في عريضة الطعن.717
وحيث إن الطاعن لم يدل بأي مستند لدعم أسباب البطالن التي يتمسك بها ،األمرالذي
يجعل طلبه مجردا من أي حجة تثبت ما ادعاه ويستوجب بالتالي التصريح بعدم قبوله.
كما أنه موازاة مع تقديم الطاعن للبيانات المتعلقة بالوقائع والوسائل املحتج بها،يجب
عليه أن يشفع عريضته بالمستندات المدلى بها إلثبات تلك الوسائل...
ويعتبر شرط االثبات شرطا جوهريا وركنا أساسيا لقبول العريضة على اعتبار أنه
الوسيلة التي يعتمد عليها األفراد في صيانة حقوقهم ،وهي األداة الضرورية لقاض ي االنتخاب
لتمكينه من تكوين قناعته بعد التحقيق من صحة الوقائع القانونية.
وفي هذا املجال نسجل أنه نسبة العرائض التي يتم رفضها بعلة انعدام وسائل االثبات
تظل مرتفعة سواء أمام املجلس الدستوري المغربي أو الفرنس ي .،فبالنسبة لهذا األخير ،فهو
يحدد انعدام وسائل االثبات في الحاالت التالية:
عرض المآخد التي ال أثر لها أو غير العاملة بالنظر لطابعها املحدود ،وغير المؤثر اعتبارا
للفارق الكبيرلألصوات.
ونعتقد ان هذا التنصيص يعد مسألة طبيعية على اعتبار أنه يفترض في من ينازع في
عملية انتخابية ،عليه تقديم الحجج الضرورية لتأسيس طعنه ،وهي نفس المقاربة المعتمدة
من طرف املجلس الدستوري المغربي ،بحيث يعتمد في حيثيات قرارته على نفس التعليالت
السالف ذكرها.
إذا كانت سلطة القاض ي الدستوري مقيدة في مجال مر اقبة اإلجراءات الشكلية لتقديم
عريضة الطعن االنتخابي ،فإنه يملك سلطة تقديرية واسعة في مجال البث في جوهر ومضمون
عرائض الطعون االنتخابية من حيث تكييف الوقائع وتقييمها.
إن املحكمة الدستورية ال يمكنها أن تبث في نزاع انتخابي إال إذا تمت اإلحالة إليه عن طريق
توجيه عريضة الطعن إلى األمانة العامة للمحكمة ،هذه العريضة يجب أن تراعي مجموعة من
الشروط الشكلية ليتم قبولها من طرف املحكمة.
حيث حدد القانون التنظيمي رقم 17-71المتعلق باملجلس الدستوري في 51يوما من
تاريخ اإلعالن عن نتيجة االقتراع األجل الذي يتم داخله الطعن طبقا للقانون،وبالتالي فتوجيه
العريضة إلى املجلس يجب أن تكون داخل هذا األجل ،وأن املحكمة تدفع بعدم قبول العرائض
التي تحال إليها خارج األجل القانوني718.
وتجدر اإلشارة إلى أنه ال يؤخذ بعين االعتبار تاريخ توجيه العريضة ،بل تاريخ تسجيلها،
وقد حددت المادة 71من هذا القانون من لهم الصفة والمصلحة واألهلية في توجيه عرائض
الطعن إلى املجلس ،الناخبون والمرشحون المعنيون بأمراالنتخاب ،عمال العماالت واألقاليم
وأخيرا كاتب اللجنة الوطنية لإلحصاء.
718عسو منصور ،أحمد مفيد ،نعيمة البالي ،القانون االنتخابي المغربي ،مطبعة أنفو -برائت ،طبعة ،8116ص
.882
وهذه أموريصعب عليه القيام بها ،إذ ليس من السهل اإلتيان باألدلة والمستندات في المنازعات
االنتخابية.
أما األمربالتحقيق فيعد إجراءا إداريا ذا طابع كتابي سري تأمربه املحكمة الدستورية في
النازلة المعروضة عليها ،إذا تبين لها أن الوقائع المراد التحقيق فيها ،لها تأثير على نتيجة
االقتراع ،كما يعتبر إجراءا استثنائيا عند املحكمة الدستورية ألنها ترفض الكثير من العرائض
دون إجراء تحقيق سابق إذا كانت غير مقبولة ،أو ليس لها تأثير في نتيجة االنتخاب 719لهذا أول
عمل تقوم به املحكمة بعد قبولها عريضة الطعن هو تعيين المقررالذي يؤدي وظيفة أساسية
تتمثل في تهييئ ملف الدعوى االنتخابية من تاريخ تكليفه بالملف إلى حين إعداد مشروع القرار
فهو العضو الذي يستعين به قاض ي االنتخاب للبث في القضية المعروضة عليه.
وتملك املحكمة الدستورية المغربية كما هو الشأن بالنسبة لنظيره الفرنس ي سلطة
تقديرية في تعيين المقرر ،ويصدرقرارالتعيين من قبل رئيس املحكمة ،وال يتم اإلعالن عن اسمه
إال في حالة إجراء تحقيق ،حيث يشيرالقرارإلى اسم المقررالذي تم تكليفه بالقيام بالتحقيق.720
فهو مرحلة من الدعوى تثار فيها مناقشة الوسائل الو اقعية والقانونية المدعمة بكل
طلب أو دفع بحيث يسعي كل خصم إلى إقناع القـاض ي بصحة ادعاءاته أو بعدم صحة ادعاءات
خصمه ،كما أن القاض ي يسعى من جانبه إلى اإللمام بوقائع النزاع والتأكد من مطابقتها
للحقيقة تسهيال لمهمته في الفصل في النزاع721.
719حيث رفض المجلس الدستوري في العديد من القرارات إجراء تحقيق ألنه رأى أن ال ضرورة من ذلك ومثال
على ذلك :القرار رقم 19/616الصادر في 86ماي 8119والقرار رقم 19/168الصادر في 4دجنبر .8112
720بوعزاوي بوجمعة" ،مراقبة صحة االنتخابات التشريعية المباشرة في المغرب" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في
القانونالعام ،جامعة محمد األول ،كلية الحقوق بوجدة.8116 ،
721محمد المجذوبي اإلدريسي" ،إجراءات التحقيق في الدعوى في قانون المسطرة المدنية المغربي" ،مطبعة الكاتب
المغربي ،الطبعة األولى ،6994 ،ص .2
فإذا تبين للقاض ي أن وسائل الطعن تستدعي إجراء تحقيق فإنه يأمربإجرائه،ويستدعي
في هذا اإلطارمن يرى االستفادة من التحقيق معهم ،سواء كانوا ناخبين أو أعضاء يسهرون على
سيراالقتراع بمكاتب التصويت.
وقد صدرت عن املحكمة الدستورية عدة قرارات من أجل القيام بإجراء تحقيقات في
النوازل التي تعرض عليها ،وخير مثال على ذلك القرار رقم 19/611الصادر في 16يوليو 1119
والذي جاء في حيثياته :وبعد االطالع على المالحظات المتعلقة بالبحث الذي أجراه في النازلة
املجلس الدستوري في 57فبرايرو 51و 15مارس 1119والمودعة بأمانته العامة في 7و 51أبريل
،1119وحيث يستفاد من االطالع على األوراق المدرجة في الملفين وعلى نتيجة التحقيق والبحث
اللذين قاما بهما املجلس الدستوري ،فإن املجلس يقض ي بإلغاء انتخاب السيد محمد قداري
عضوا بمجلس المستشارين على إثر االقتراع الذي أجري في 7شتنبر 1116في نطاق الهيئة
الناخبة المكونة من ممثلي غرف الصناعة التقليدية بجهة مكناس تافياللت".
وفي قرارآخر ،صرحت املحكمة الدستورية " :وحيث أنه يبين من االطالع على الوثائق التي
استحضرها املجلس من كل من املجلس األعلى ومحكمة االستئناف بمراكش واملحكمة
االبتدائية بابن جرير ومن التحقيق الذي استلزم في النازلة بقصد التأكد من طبيعة بعض
وقائعها ،فإن املجلس يقض ي بالغاء انتخاب السيد جمال الدين العكرود عضوا بمجلس النواب
مع إعادة االنتخاب المتعلق بالمقعد الذي كان يشغله722.
انطالقا من هذه القرارات ،يتبين أن املحكمة قامت بإجراء التحقيقات من أجل االطالع
عن قرب على وقائع القضية ومحاولة اإللمام بكل تجلياتها.
ومن جهة أخرى ،يكلف المقرربتلقي تصريحات الشهود بعد أدائهم اليمين بين يديه ،على
أن الشهود يدلون بشهادة للمقرر دون حضور الطاعن والمطعون في انتخابه ويؤدون القسم
المنصوص عليه في الفصل 71من قانون المسطرة المدنية.
كما يمكن للمحكمة أن ترفض االستماع إلى الشهود إذا لم يدل الطاعن بالحجة ،وهكذا
نجد في العديد من قراراته حيث أن الطاعن لم يدل بأية وثيقة تزيد ما يدعيه ،و اكتفي بطلب
االستماع إلى الشهود دون اإلتيان بإثبات أوقرينة تبررذلك ،فإنه يتعين معه التصريح بعدم قبول
طلبه.
كما يمكن للمحكمة أن تكلف من أعضائها أو المقرر المعين للقيام في عين المكان
بإجراءات التحقيق التي يرى ضرورة القيام بها .وتحرر محتويات التحقيق وإجراءاته في محضر
تطلع عليه األطراف املحلية األمانة العامة للمحكمة الدستورية وتدلي بمالحظاتها في شأنه كتابه
في غضون 7أيام .
بعد أن تصبح الدعوى جاهزة للبث فيها ،تجتمع املحكمة بدعوى من رئيسها للتداول ،ثم
بعد ذلك يتم إصدار قرار في شأنها،و تتداول املحكمة الدستورية بناءا على تقرير يعده المقرر
وبعد التأكد من كل المعطيات والوقائع التي تحيط بالنازلة المعروضة عليه ،على غرار النظام
الفرنس ي ،يقوم رئيس املحكمة بتعيين المقرر الذي يقوم بتلقي تصريحات الشهود والقيام
بالتحقيقات الالزمة ثم يعد محضرا بذلك ويدعو المعنيين باألمر لالطالع عليه باألمانة العامة
للمحكمة و إبداع مالحظاتهم في شأنه كتابة في غضون 7أيام.
في هذا الصدد تجتمع املحكمة بدعوة من رئيسها 723وال تكون مداوالتها صحيحة إال إذا
حضرها تسعة من أعضائه على األقل 724،وفي حالة تعذرحضورالرئيس يقوم العشراألكبرسنا
مقامه ،725وتتخذ القرارات بأغلبية ثلثي األعضاء الذين تتألف منهم املحكمة 726.
وهكذا تجد في جل قراراتها العبارة التالية " :وبعد االستماع إلى تقرير العضو المقرر
والمداولة طبقا للقانون " ،لتنطلق بعد ذلك املحكمة بالقرارالذي ال يقبل أية وسيلة من وسائل
الطعن ،ويكون الزما لكل الهيئات والسلطات.
أما بخصوص إصدار القرار فعندما تكون القضية جاهزة تبث فيها املحكمة الدستورية
بعد االستماع إلى تقرير المقرر داخل أجل 61يوما 727،إال أن المشرع لم يحدد أجال للمقرر
ليجعل القضية جاهزة ،ولم يحدد أجال للمحكمة للبث في الطعون االنتخابية منذ تاريخ تسجيلها
إلى تاريخ البث فيها ،مما جعل العديد من المنازعات االنتخابية تتعطل أمام املحكمة الدستورية
وال تفصل فيها إال بعد مرور سنتين أو أكثر 728،من هنا نتساءل وبوضوح،هل هذا التأخير الذي
تعرفه املحكمة يترجم نوعا من الخلل في وظيفتها الرقابية على االنتخابات البرلمانية ؟ وبالتالي
عجزها عن إرساء عدالة سياسية حقيقية ،أم أنه دليل على عدم جرأتها في اتخاذ القرارفي منأى
عن كل ضغط أو تأثيرسياس ي؟.
فالقاض ي الدستوري يملك في المادة االنتخابية سلطة تقديرية واسعة الختيار الوقت
المناسب للبث في الدعوى وإصدار القرار في النازلة على اعتبار أن القانون لم يلزمها بأجل
محدد ،األمر الذي يفتح لها الباب على مصراعيه للتعجيل أو التأجيل في بعض المنازعات
االنتخابية دون البعض اآلخر على عكس اإلنتخابات الجماعية والتي برجع فيها االختصاص إلى
املحاكم اإلدارية ،إذ أن القانون قيد القاض ي اإلداري بأجل محدد للبث في الطعون االنتخابية،
حيث أن املحكمة اإلدارية تبث في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء املجالس املحلية وأعضاء
الغرف الفالحية في ظرف 11يوما من تاريخ إيداعها بكتابة الضبط بهذه املحكمة729.
المبحث الثاني :العر اقيل التي تحد من فعالية املحكمة الدستورية في املجال االنتخابي
وسبل تجاوزها
ال أحد يستطيع أن ينفي الدورالكبيرالذي لعبته املحكمة الدستورية في تخليق االنتخابات
التشريعية وتطهيرها من بعض الشوائب ،لكن رغم ذلك ،فحصيلة املحكمة في هذا املجال تبقى
غير كافية وال تبعث على االرتياح ،العتبارات متعددة منها ما هو قانوني مرتبط بالنصوص
التشريعية ،ومنها ما هو موضوعي مرتبط بالممارسة وطريقة اشتغال املحكمة (المطلب األول).
ومن هنا أصبحت الضرورة ملحة إلدخال تعديالت وتحسينات على طريقة عمل املحكمة (
المطلب الثاني) .
728لوالد داجو" ،القضاء الدستوري بالمغرب المجلس الدستوري والمنازعات االنتخابية" ،رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ،كلية الحقوق ،أكدال -الرباط ،ص .56
729عسو منصور ،المنازعات االنتخابية في العمل القضائي للمحاكم اإلدارية" ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،سلسلة مواضيع الساعة ،العدد ،56سنة ،8115ص 644
رغم المكاسب واإلنجازات التي حققتها املحكمة في مر اقبة صحة االنتخابات البرلمانية،
فإنه الزالت بعض العر اقيل التي تحد من فعاليته.
أدى بعض القصور في التشريع والنصوص القانونية إلى ضعف دور القاض ي الدستوري
في محاربة وزجر الغش االنتخابي على العديد من المستويات وفي جميع أطوار العمليات
االنتخابية.
فمثال أثناء العملية الممهدة لإلقتراع خصوصا فيما يتعلق بمر اقبة التقطيع االنتخابي
فإن الممارسة في المغرب قد جعلت القانون التنظيمي ملجلس ي البرلمان ينص على أن إحداث
الدو ائر االنتخابية يتم بمرسوم (المادة ،)1وبالتالي فهي تفلت من رقابة املحكمة الدستورية
التي تختص بالنظر في دستورية القوانين وليس المراسيم ،اذ أن القانون التنظيمي ملجلس
النواب حدد على سبيل الحصرحاالت إلغاء االنتخاب730،مستبعدا بذلك قبول أية وسيلة ترتكز
على اإلخالل بمبدأ المساواة في التمثيل السياس ي ،ومما ال شك فيه أن تقييد حرية املحكمة في
تقدير مدى تأثير التقطيع االنتخابي على نتائج االقتراع لها انعكاسات سلبية على صدق ونزاهة
االنتخابات البرلمانية.731
نتيجة االنتخاب ،ألن أمر التقسيم موكول إلى السلطة اإلدارية وقد يخضع إلى وسائل طعن
خاصة.732
هناك إكراهات مرتبطة ببينة املحكمة وتركيبيتها (طريقة التعيين) ،إن تناول موضوع
تعيين قضاة املحكمة الدستورية بالمغرب معناه التساؤل عن الشروط الواجب توفرها لتحديد
اختيارات التعيين ،والكيفية التي تتم بها ؟ وبالرجوع إلى التجارب الدستورية المقارنة ،يتبين أنه
ليس هناك نظام مثالي في تعيين قضاء املحاكم الدستورية ،حيث يالحظ وجود اختالف في مجال
ومعاييروشروط التعيين بين تجربة وأخرى ،فالدستورالمغربي الذي أخذ من التجربة الفرنسية
نموذجا ال يحدد أية معايير أو شروط لتعيين أعضاء املحكمة الدستورية ،سواء المهنية منها
(التكوين ،اللغة ،السن األدنى والسن األعلى .)...أو التقنية المتعلقة بالتمييز بين المتخصص
وغير المتخصص ،من التقني والسياس ي 733.ويشكل نمط تعيين قضاة املحكمة عامال محددا
لطبيعة المؤسسة ووظيفتها ،ما دام أن غياب معاييرمحددة على هذا المستوى ،يمكن أن يجعل
مسطرة التعيين مبنية على عناصرشخصية كفكرة " رد الجميل " ،الصداقة واملجاملة ،وبالتالي
فنمط التعيين يطرح إشكاليتين رئيسيتين :األولى تتعلق بسلطة التعيين أي من هي الجهة املخولة
قانونيا ودستوريا بتعيين أعضاء املحكمة ،والثانية البحث إذا ما كان هذا النمط أوالسياسة في
التعيين تتالءم مع المهام التي أسندت للمحكمة ،إذن فأي مغربي يتمتع بحقوقه السياسية
والمدنية يمكن له أن يكون عضوا في املجلس إذا تم اختياره من طرف الملك أو رئيس مجلس ي
البرلمان ،دون أن يكون مقيدا بأي شرط يتعلق بالتكوين القانوني أو التمثيلية السياسية.
إضافة إلى أن تعيين أعضاء املحكمة من قبل جهات سياسية يدفع إلى التشكيك في
استقالليته.734وهنا نتساءل :ماذا يمكن أن يفعل أوأن يقوم به طبيب أومهندس داخل املحكمة
من المفروض أن تكون مهمته قانونية بحثة ؟ وهل يستطيع أن يواكب تطور مجال مغاير من
الذي اكتسبه او له دراية به ؟
734عبد الرحيم منار السليمي ،مناهج عمل القاضي الدستوري بالمغرب ،دراسة سوسيو قضائية ،منشورات المجلة
المغربية لإلدارة المحلية و التنمية ،سلسلة مؤلفات و أعمال جامعية ،عدد ،61سنة ،4996ص.11
فتركبية املحكمة تمزج بين ما هومنهي (التكوين القانوني) ،وما هوتقني (طبيب) مما يجعل
عملها يعرف بعض القصور ،فاملحكمة ونظرا للدور الكبير المنوط بها وللمكانة التي تحتلها
داخل الهرم القضائي المغربي ،كان يجب أن تتشكل من أشخاص يتمتعون بدراية كافية بمجال
القانون ،وأن ال يسمح لمن ليس له تكوين قانوني بأن يلج إليه ،ألن موضوع المنازعات
االنتخابية باعتباره إحدى الوظائف التي تشتغل عليها املحكمة الدستورية ،هو موضوع معقد
يحتاج إلى موهبة ومعرفة مسبقة بأمورالتحقيق والتشريع ،وبالتالي إضفاء شرعية أكبروضمانة
أكبر لالقتراع وتعزيز من ثقة المتقاضين في العدالة ،ألنهم يدركون أن طعونهم هي بين أشخاص
أكفاء ملمين بعملهم ،وبالتالي يستطيعون إرجاع الحق لصاحبه متى ظهر لهم ذلك ،خصوصا
وأن الكل يعلم بأن االنتخابات والمنازعات االنتخابية بصفة خاصة تهدف إلى إيجاد حلول
وإجابات عن مشاكل واختالالت ميزت االقتراع ،وتهدف إلى إنتاج مؤسسات دستورية تسهر على
الدفاع عن المواطنين ،زد على ذلك ،أن قرارالقاض ي الدستوري يغلب عليه الطابع السياس ي،
وذلك راجع إلى حداثة عهد المغرب بالتجربة الديمقراطية ومحدودية االجتهاد القضائي
الدستوري ،وطبيعة مسطرة التعيين في املحكمة الدستورية واالعتبارات المتحكمة فيها ،وإلى
كونها حكما بين أطراف سياسية متنازعة على السلطة ،مما يجعلها أحيانا ال تتمتع باالستقاللية
والتجرد الحقيقي ،وغير قادرعلى كشف خبايا األمورفي بعض الملفات الحساسة ،مما تنعكس
سلبا على جودة المنتوج الدستوري ،مجمل القول ،لقد أثبتت الممارسة القضائية في المغرب
عن قصور املحكمة الدستورية في أداء وظيفتها ،وهذا ما أثر سلبا على مردوديتها ،وبالتالي
أصبحت الضرورة ملحة لتحسين مناهج ووسائل عمل هذا الجهاز حتى يستطيع أن يسترجع
هيبته كمؤسسة دستورية قادرة على ضبط آليات وميكانيزمات انتخاب أعضاء البرلمان.
تتعلق الوسائل باإلمكانيات المادية والبشرية والقانونية المتاحة للمجلس للقيام بمهامه
في أحسن الظروف (الفقرة األولى) أما المناهج فتتعلق بطريقة عمله واشتغاله وبكيفية
استخدام تلك الوسائل (الفقرة الثانية).
بما أن املحكمة الدستورية عبارة عن مؤسسة قائمة بذاتها ،فإنها تحتاج إلمكانيات مادية
وبشرية كافية للقيام بمهامها في أحسن الظروف ولتحقيق أكبر قدر من المردودية ،فلكي تقوم
املحكمة بدور فعال و إيجابي في النظر في الطعون االنتخابية ،فإنها تحتاج إلى وسائل مادية
وبشرية هامة لمساعدتها في مهامه المتعددة ،باإلضافة إلى العنصر البشري الحاسم المتكون
من األعضاء ،تحتاج املحكمة إلى طاقم إداري هام إلعداد العمل وإلى مساعدة مقررين مؤهلين،
وإلى وثائق ووسائل العمل المتطورة ،خاصة عندما تتراكم القضايا والطعون االنتخابية.735
هذه العناصرالبشرية وعلى اختالف أصنافها وتكوينها تلعب دورا هاما في تحليل القضايا
وتجهيزها والقيام بالتحقيقات الضرورية للوصول إلى الحقيقة بغية تحقيق العدالة واإلنصاف
للطرف المتضرر ،ولن يتأتى تحقيق هذه األهداف إال بالتوفر على أطر وكفاءات مؤهلة علميا
وتقنيا وخاضعة لتكوين قانوني يسمح لها القيام بدورها الطالئعي في أحسن الظروف.
أما من جهة أخرى ،فباإلضافة إلى العناصر البشرية السابقة الذكر تحتاج املحكمة إلى
اعتمادات مالية تمكنها من العمل والقيام بوظيفتها بعيدا عن أي تأثيرات خارجية ،هذه
االعتمادات تشمل أجوروتعويضات الرئيس واألعضاء والموظفين ،إضافة إلى نفقات التسيير،
وهذا ما جعل المشرع يلحق ميزانية املحكمة ضمن الميزانيات الملكية ،وهذا إن دل فإنما يدل
على المكانة المتميزة التي تحتلها هذه المؤسسة الدستورية داخل الهرم المؤسساتي للمملكة.
ويظهر بجالء ضرورة توفير اإلمكانيات المالية والبشرية الالزمة للمحكمة عندما يتم
إصدار األمر بإجراء األبحاث والتحقيقات في قضية ما ،وما يتطلبه األمر من انتقال إلى عين
المكان واالستقرار واالستماع إلى الشهود وما يصاحبه من مصاريف اإلقامة والتجوال
والتسيير.736
غيرأن توفيرهذه اإلمكانيات يصبح بال معنى إذا لم يتم التحرك من أجل تعزيز الجوانب
القانونية والتي أبانت الممارسات عن قصورفي التشريع وفي النصوص القانونية المنظمة لعمل
القاض ي الدستوري في المنازعات اإلنتخابية.
735عبد العزيز النويضي ،العدالة و السياسة :االنتخابات و القضاء الدستوري في المغرب ،مطبعة النجاح ،الطبعة
األولى ،4991 ،الدارالبيضاء ،ص .414
736عبد المالك أعزاز " ،الضمانات والضوابط لصحة االنتخابات المقبلة " ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،سلسلة مواضيع الساعة ،عدد ،22سنة ،8118ص .61
فلكي تطلع املحكمة بدورها الطالئعي في محاربة الغش االنتخابي وضمان نزاهة االقتراع،
فالبد من تحسين مناهج عملها ،بالصـورة التي تعيد ثقة المتقاضين فيه ،إن تحسين مناهج
عمل املحكمة الدستورية تشكل ضمانات مسطرية للنزاهة والفعالية وتقدم ضمانات هامة
للمتقاضين على أساس أن القاض ي الدستوري هوالقاض ي الذي تتلخص مهمته في إحقاق الحق
والبحث عن العدالة.
ف من بين مجاالت تحسين مناهج عمله نذكر :تحديد آجال واضحة للبث في الطعون
االنتخابية ،ف من أجل السير العادي للعمليات االنتخابية وضمان نزاهتها ،أقر المشرع المغربي
الطعون االنتخابية كوسيلة عملية لتصحيح العيوب التي من شأنها أن تلحق بإرادة المواطنين
في أية عملية انتخابية، 737.لكن التأخر الفادح في البث في هذه الطعون يعد قصورا خطيرا لما
ينبع عنه منعدم استقرار في المراكز القانونية لألشخاص ،ويشكل هاجسا مستمرا بالنسبة
للمطعون في انتخابه ،وإحساسا بنوع من إنكار العدالة بالنسبة للطاعن ،السيما إذا استغرق
البث في الدعوى ما يقارب أو يفوق مدة الوالية االنتخابية.738
وبالرجوع إلى المادة 11من القانون التنظيمي المتعلق باملجلس الدستوري التي تنص
على أنه " :عندما تكون القضية جـاهزة يبث فيها املجلس الدستـوري داخل أجل 61يوما بعد
االستماع على تقريرالمقرر" ،أي أن المشرع لم يحدد بدقة المدة التي يستغرقها قضاة املحكمة
الدستورية في تجهيز القضية من أجل البث فيها ،حيث جعلها مفتوحة ،وبالتالي فأجل البث في
هذه الطعون يرجع إلى السلطة التقديرية للمحكمة التي ما إذا كانت القضية أو الدعوى جاهزة
أم تحتاج لمزيد من الوقت ،ولعل أفضل وسيلة هي تحديد القانون التنظيمي للمحكمة أو
للبرلمان ،أجال للمجلـس للبت في الطعون ،انطالقا من تاريخ رفعها إليه مع تقييد المقـرر أو
المقررين بأجل محددة لوضع تقريرهم في القضية ،وتقييد الطاعن والمطعون في انتخابه كذلك
بآجال محددة لتقديم العرائض والمطعون في انتخابه كذلك بآجال محددة لتقديم العرائض
والمذكرات الجوابية 739.هذا خالفا لما يحصل في فرنسا ،حيث أن املجلس الدستوري الفرنس ي
737محمد عامري " ،الطعون االنتخابية بالمغرب " ،مطبعة افريقيا الشرق ،الطبعة األولى ،6992ص .98
738إدريس بلمحجوب * ،توجهات العمل القضائي في المنازعات االنتخابية بين الغرفة اإلدارية والمجلس
الدستوري" ،دفاتر المجلس األعلى ،العدد ،8112 ،2ص .86
739 Kamal el guelloa,conseil constitutionnel , juge électoral, étude analytique du
contentieux électoral concernant les électionslégislatives de 1997, mémoire pour
l’obtention de DESA, en droit public, Rabat,2001
يمتاز بالسرعة والفعالية في البث في القضايا المعروضة عليه ،ففي سنة 5775تمت االنتخابات
النيابية في 51و 15يونيو (نظام االقتراع الفردي بدورتين) ،وفحص املجلس إثرها 61عريضة
وأصدر 11مقررا و أنهى كل ذلك في شهر دجنبر ( 5775حوالي 6أشهر) .وفي سنة ،5777توصل
املجلس ب 77عريضة طعن وأصدر 71مقررا في نفس اآلجال ،وفي انتخابات مارس ،5771قدمت
111عريضة وأصدر املجلس 519مقررا كذلك تم بين شهر أبريل ودجنبر ،فالفرق شاسع بين
املحكمة الدستورية المغربية ونظيرها الفرنسية ،ومن ثم فالدعوة أصبحت ضرورية لتمكين
املحكمة من وسائل عمل كافية مع تحديد آجال اليجوزتجاوزها للبث في الطعون ،ألن هذا األمر
قد أصبح ذو أهمية بالغة حتى يبقى للطعون معنى وتؤدى الوظيفة التي أنشئت من أجلها.
خاتمة :
فال غرو إذن أن القضاء يلعب دورا متميزا في ضبط مختلف العمليات باعتباره آلية مهمة لتقنية
املجال االنتخابي وتخليق الحياة السياسية وإعادة الثقة للممارسة السياسية باعتبارها
ممارسة نبيلة تروم تحقيق انخراط المواطن في الحياة العامة واشتراكه في الشأن العام.
خالد الشرقاوي السموني " ،املجلس الدستوري ورقابته على االنتخابات التشريعية أبي
رقراق للطباعة والنشر ،الطبعة األولى ،1111الرباط.
محمد قصري :الطعون االنتخابية بين احكام التسريع وقرارات القضاء المغربي ،الطبعة
.1119
-عسو منصور ،أحمد مفيد ،نعيمة البالي ،القانون االنتخابي المغربي ،مطبعة أنفو -
برائت ،طبعة .1119
-محمد املجذوبي اإلدريس ي" ،إجراءات التحقيق في الدعوى في قانون المسطرة المدنية
المغربي" ،مطبعة الكاتبالمغربي ،الطبعة األولى.5771 ،
-عزيزة الغداني " ،مر اقبة املجلس الدستوري لصحة االنتخابات التشريعية في المغرب
بين الفعالية واملحدودية" ،منشورات املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،سلسلة دراسات،
عدد ،91سنة .1119
-عبد الرحيم منار اسليمي ،مناهج عمل القاض ي الدستوري بالمغرب ،دراسة سوسيو
قضائية ،منشورات املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية،
عدد ،61سنة .1116
-عبد المالك أعزاز " ،الضمانات والضوابط لصحة االنتخابات المقبلة " ،منشورات
املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،سلسلة مواضيع الساعة ،عدد ،17سنة .1111
-محمد عامري " ،الطعون االنتخابية بالمغرب " ،مطبعة افريقيا الشرق ،الطبعة األولى
.5771
-إدريس بلمحجوب " ،توجهات العمل القضائي في المنازعات االنتخابية بين الغرفة
اإلدارية واملجلس الدستوري"،دفاتراملجلس األعلى ،العدد .1111 ،1
تمثل مرحلة سير الدعوى والتحقيق فيها املحك الحقيقي للمحكمة ولألطراف ،حيث إن
املحكمة مدعوة لتفعيل النصوص وتطبيقها ،كما أن األطراف مدعوون لعرض أوجه دفاعهم،
ومطالبهم وبسط الوقائع وتقديم الحجج والبراهين ،ليتحدد خالل هذه المرحلة مصير هذه
االدعاءات والمطالب ،كل ذلك في إطاراجرائي قانوني وشكلي محدد ال سلطان فيه لإلرادة.740
واملحكمة في إطار تحقيقها للدعوى يجب أن تتوخى اإلسراع في اتخاذ اإلجراءات الالزمة
للحكم فيها ،تحقيقا للنجاعة المنشودة في عمل القضاء ،لكن يجب التوضيح أن البطء في
التقاض ي ال يعود في جميع األحوال إلى املحكمة ،بل قد يعود إلى النصوص القانونية المنظمة
لسيراإلجراءات ،لكونها تتسم بالتعقيد وتغليب الجانب الشكلي ،باإلضافة إلى بعض الممارسات
التي أفرزها الو اقع العملي مثل ظاهرة التقاض ي بسوء نية التي أضحت عبئا يثقل كاهل القضاء
خاصة في ظل عجزالقواعد المسطرية عن وضع حد للظاهرة.
فال شك في أنه ال يمكن الوصول إلى مرحلة تكون فيها الخدمة القضائية تتميز بالسرعة
والفعالية ،دون التوفرعلى إطارتشريعي ومسطري يكفل تحقيق البت داخل أجل معقول ،ذلك
أن النصوص القانونية توضع في األصل لتسهيل عملية التقاض ي ،غير أنها في بعض األحيان قد
740رشيد حوبابي ،أحكام التبليغ بين النظر الفقهي والعمل القضائي في القانون المغربي والمقارن ،مطبعة أمستيتون ،الطبعة
األولى ،4998 ،ص.1:
تكون هي السبب في هدر الزمن القضائي ،إما ألن مقتضياتها تسهم في ظاهرة هدر الزمن
القضائي ،أو ألنها لم تستطع الحد من بعض الممارسات التي تؤدي إلى تمطيط أمد التقاض ي،
مثل ظاهرة التقاض ي بسوى نية ،ولتحليل الموضوع ينبغي التركيز بداية على مبدأ التقاض ي
بحسن نية (أوال) ثم تسليط الضوء على بعض الممارسات التي تجسد التقاض ي بسوء نية
(ثانيا)
إن األصل في التقاض ي هو حرية اللجوء إلى القضاء ،ذلك أن حق اإلنسان في التقاض ي
من الحقوق التي أقرتها كل المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية ،مثل المادة الثامنة من
اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان التي قررت أن " لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى املحاكم
الوطنية إلنصافه من أعمال فيها اعتداء على الحقوق األساسية التي يمنحها القانون" ،والمادة
العاشرة من نفس اإلعالن التي تنص على أن لكل إنسان على أساس المساواة الكاملة في أن تنظر
في قضيته بإنصاف وبعالنية محكمة مستقلة تفصل في الحقوق التي له والواجبات التي عليه أو
في صحة كل اتهام جنائي يواجه به".
فالحق في التقاض ي إذا هو حق ذوا نطاق واسع ،ذلك أن لكل شخص أن يقدم للقضاء
أي مطلب يرى عرضه عليه ،حتى لو كان هذا المطلب غيرمحقق ،أو كان ال يرتكزعلى أي أساس،
وما يقال عن حرية اإلدعاء ،يقال مثله عن حرية الدفاع ،وحرية سلوك مختلف طرق الطعن.
فالخصوم يستطيعون أن يدلون بما يشاؤون من دفوع ،حتى لوكانت دفوعا واهية ،كما يستطيع
أن يمارس أي طريق من طرق الطعن القانونية ،عادية أو غير عادية ،حتى لو كان مصير هذا
الطعن الرد املحتم.
إال أن هذا الحق يظل كسائر الحقوق ،مقرونا بضرورة عدم التعسف في استعماله،
والتعسف كما عرفه الفقهاء هو ذلك التحايل على مقصود الشرع ،أو هو التحايل لبلوغ هدف
لم يشرع الحق ألجله ،741فحق التقاض ي كآلية لحل النزاع أو الوصول للحق ،أو حمايته ،ال
يستقيم وال يكتمل في تحقيق المبتغى منه مالم يتعزز بالمفهوم األخالقي ،الذي يتجاوز المعيار
القانوني الصرف المتجرد ،والقائم على شكليات مضبوطة وآليات مسطرية تؤطره ،ولهذه
الغاية نجد المشرع قد أقرن حق التقاض ي بضرورة ممارسته بحسن نية.
وحسن النية يعتبربدوره من المبادئ األخالقية الهامة يحمله كل فرد في وجدانه وقناعته
كيفما كان مستواه العلمي أو المعرفي ،وعليه فإنه يتعين على كل متقاض ممارسة حقه بحسن
نية ،فكونه صاحب حق ال يشفع له في استعمال أساليب وطرق تقوم على سوء النية ،ولو كان
من شأنها حماية حقوقه ومصالحه ،بمعنى أنه ال مجال للقول بكون الغاية تبرر الوسيلة ،فإن
لم تكن هذه األخيرة مشروعة وأخالقية ،فال يمكن الحديث عن الغاية ولو كانت مشروعة.
والمشرع المغربي ما فتئ يذكر بضرورة التقاض ي بحسن نية كلما تسنت له فرصة ذلك،
فعالوة على الفصل 1من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه" يجب على كل متقاض
نص المشرع في الفصل 561من نفس القانون742 ممارسة حقوقه طبقا لقواعد حسن النية"
على أنه إذا ما رأت محكمة االستئناف عند نظرها في استئناف أمر باألداء أن االستئناف لم
يقصد منه إال التسويف والمماطلة يمكن لها الحكم بغرامة مدنية ال تقل عشرة في المائة من
مبلغ الدين وال تفوق 11في المائة من هذا المبلغ لفائدة الخزينة ،كما نص المشرع في الفصل
111من قانون المسطرة المدنية ،على أن يحكم على الطرف الذي ال يقبل تعرضه ،بغرامة ال
تتجاوز مائة درهم بالنسبة للمحاكم االبتدائية ،وثالثمئة بالنسبة ملحاكم االستئناف،
وخمسمائة درهم بالنسبة ملحكمة النقض ،دون مساس بالتعويض للطرف اآلخرعند االقتضاء.
ويحق ملحكمة النقض حسب الفصل 196من قانون المسطرة المدنية ،أن تبت في
الطلب الذي يمكن أن يرفعه إليها المطلوب ضده في النقض للمطالبة بتعويض عن الضررالذي
لحقه بسبب رفع الطعن التعسفي.
كما نص المشرع في الفقرة األخيرة من المادة 11من مدونة األسرة ،على أنه" إذا كان
سبب عدم توصل الزوجة باالستدعاء ناتجا عن تقديم الزوج لعنوان غير صحيح ،أو تحريف في
-741أحمد إبراهيم عبد التواب ،النظرية العامة للتعسف في استعمال الحق اإلجرائي ،الطبعة األولى ،القاهرة ،4996 ،ص:
.791
اسم الزوجة بسوء نية ،تطبق على الزوج العقوبة المنصوص عليها في الفصل 165من القانون
الجنائي ،بطلب من الزوجة المتضررة" ،ونص أيضا في الفصل 17من قانون التحفيظ العقاري،
على أن ":كل طلب للتحفيظ أو تعرض عليه ،ثبت للمحكمة صدوره عن تعسف أو كيد أو سوء
نية يوجب ضد صاحبه غرامة لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري
والخرائطية ،ال يقل مبلغها عن عشرة في المائة من قيمة العقارأو الحق المدعى به ،والكل دون
المساس بحق األطراف المتضررة في التعويض".
وفي هذا الصدد سبق للقضاء أن أكد بدوره 743على وجوب التقاض ي بحسن نية ،إذ جاء
في قرار للمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) " إذا كان االلتجاء إلى القضاء حقا ،فيجب أن
يمارس بحسن نية" وجاء في قرار آخر ،أن " املجلس األعلى يعتبر توجيه الدعوى في عنوان غير
حقيقي للمدعى عليه ،لحرمانه من درجة التقاض ي ،أمرا يتنافى وقواعد حسن النية عند
التقاض ي ،وفق أحكام الفصل 1من قانون المسطرة المدنية".
إال أن ما تجدر مالحظته أخيرا في و اقع الممارسة القضائية ،هو ضعف تفعيل
المقتضيات التي تنص على وجوب التقاض ي بحسن نية ،وذلك وفق ما سبقت اإلشارة إليه
أعاله ،ولعل من األسباب المباشرة لعدم تفعيلها ،هو كون المشرع لم يرتب أي جزاء عند
اإلخالل بها على غرارما هو منصوص عليه في الفصل 1من قانون المسطرة المدنية ،مما يجعله
نصا ميتا ،يكتفي المشرع فيه بمخاطبة ضمير المتقاض ي ،مع العلم أن من أبرز خصائص
القاعدة القانونية خاصية اإللزام على مخالفتها ،فبدون إقران القاعدة القانونية بالجزاء على
مخالفتها ستظل قاعدة قانونية غيرمنتجة وغيرفعالة.
تتعدد مظاهر التقاض ي بسوء نية أمام املحاكم ،ويتفنن مجموعة من الفاعلين في حقل
العدالة في تجسيدها وممارستها كل فيما يخصه ،فالمتقاض ي له دور في ذلك ،وباقي األطراف
المتدخلة في مسطرة التقاض ي قد يكون لهم دورأيضا في تجسيد التقاض ي بسوء نية واستفحال
-743ورد في قرار للمجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) على أنه " إذا كان االلتجاء إلى القضاء حقا ،فيجب أن يمارس
بحسن نية (القرار عدد 446في الملف ،878الصادر بتاريخ 4891/94/41 ،منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد
71/76ص .)41 :وجاء في قرار آخر على أن " المجلس األعلى يعتبر توجيه الدعوى في عنوان غير حقيقي للمدعى عليه،
لحرمانه من درجة التقاضي ،أمر يتنافى وقواعد حسن النية عند التقاضي وفق أحكام الفصل 1من قانون المسطرة المدنية
(قرار عدد ،4711ملف تجاري 497/86 ،صادر بتاريخ .4888/49/96مجلة قضاء المجلس األعلى عدد 16ن ص .)444
هذه الظاهرة في ظل عجز التشريع على القضاء عليها ،يخلق في الو اقع صعوبة كبيرة تواجه
القاض ي في االهتداء إلى وجه القضاء في الدعوى ،ويؤدي بالتالي إلى تمديد مسطرة التقاض ي بما
فيه من هدرللزمن القضائي ،الذي يؤدي بدوره إلى تراكم الملفات القضائية.
فبعض المتقاضين أو من ينوب عنهم يبرعون أحيانا ويجتهدون في التقاض ي بسوء نية،
حيث يلجأ بعضهم إلى استغالل المقتضيات المسطرية التي تلزم القاض ي بضرورة توجيه
اإلنذار ،في حالة إغفال ذكر بعض البيانات ،أو اإلعراض عن اإلدالء بالحجج ،أو اإلدالء بنسخ
غير كافية من المقال أو المذكرات ،منتظرين توجيه اإلنذار إليهم من املحكمة ،وما يترتب عن
ذلك من إضاعة الوقت وإطالة أمد التقاض ي ،مما يحول دون إيصال الحق إلى أصحابه في أجل
معقول.
وهكذا نجد أن المدعى عليه أووكيله يلتمس مهلة للجواب ،فإذا أنذرته املحكمة للجواب،
أدلى بمذكرة دون أي نسخة فتضطر املحكمة معه إلى تنبيهه لإلدالء بنسخة أو نسخ كافية ،وفي
حالة توصله يدلي بجواب تنقصه بعض البيانات ،أو يشير إلى وثائق وحجج دون أن يرفقها
بالجواب ،فتضطر املحكمة أيضا إلنذاره إلتمام البيانات الناقصة ،وإرفاق الحجج بالجواب،
وبعد هذا وذاك قد يتعمد اإلدالء بمقال مضاد ،وقد أغفل فيه بعض البيانات ،وعدم إرفاقه
بأي نسخة أو وثيقة ،منتظرا توجيه اإلنذارات من املحكمة.
وبعد صدورالحكم ،وقد حاول القضاء أن يتجاوزكل هذه المعوقات والممارسات ،ووقع
تبليغه للمحكوم عليه ،ليعمد هذا األخير إلى استئنافه فيدلي بمقال استئنافي دون النسخ
المساوية لعدد األطراف المطعون ضدهم ،وغير مرفق بنسخة من الحكم المستأنف ،وناقصا
من بعض البيانات ،وتعتريه بعض االختالالت ،لتبدأ محكمة االستئناف مرحلة جديدة من
اإلنذارات ومسارا من اإلجراءات الجديدة.
وقد ال يحتاج المتقاض ي أو وكيله ،الستغالل المقتضيات المسطرية ألجل تمطيط أمد
النزاع ،فقد تكون الدعوى كيدية من أساسها ،وتكون كذلك ،متى قام المدعي برفع دعواه أمام
املحكمة طبقا لإلجراءات التي نص عليها القانون ،ولكنها تنطوي على حيلة ومكيدة ،لإليقاع
بالخصم في مآزق مرهقة ،ومن األمثلة عليها أن يرفع شخص دعوى دون أن تكون له مصلحة
فيها.
وفي هذا الصدد توجد أيضا ،بعض الدعاوى يمكن وصفها بالصورية ،والمقصود بها تلك
الدعاوى التي يراد بها عرقلة دعوى صحيحة ،أوالتغطية على إجراءات أوتصرفات غيرمشروعة،
ومن أمثلتها رفع دعوى الرجوع لبيت الزوجية ،ال لش يء إال إليقاف نفقة الزوجة بإعالنها ناشزا.
أو طلب إجراء حجز تحفظي بناء على دين وهمي ،أو دعوى الصعوبة في التنفيذ ،فقط لعرقلة
تنفيذ الحكم.
كما قد يتحول البحث في إطار مقتضيات الفصل 95من قانون المسطرة المدنية إلى
وسيلة لتجميد الدعوى ،عندما يعمد أحد محترفي الدعاوى الكيدية إلى تقديم شهود وهميين ال
وجود لهم ،ويطلب استدعاءهم إلجراء البحث معهم ،ويتكرر ذلك مرات عديدة دون جدوى ،في
الوقت الذي تسمح مقتضيات الفصل 91من نفس القانون بإنذار المعني
بتقديم شهوده ،والتكفل بإحضارهم للمحكمة.
وكمخرج لهذا الوضع ،يرى البعض ضرورة التخفيف من كثرة اإلنذارات ،وقصرها على
حاالت معينة وإعطاء املحكمة الصالحية بشأنها في حاالت أخرى ،وعدم االلتفات إليها في
مواضيع أخرى ،فيمكن إعفاء املحكمة من توجيه أي إنذار ،في حالة عدم توفر المقال على
البيانات الضرورية ،كعدم ذكر الهوية الكاملة للمدعى عليه ،وفي حالة عدم اإلشارة إلى ملخص
الوقائع ،وعدم إرفاق المقال بالنسخ الكافية المساوية لعدد األطراف ،وذلك على غرار ما نص
عليه قانون المسطرة المدنية بالنسبة للطعن بالنقض ،حيث رتب الفصل 111جزاء عدم
القبول بدون إنذار ،على عدم توفر مقال النقض على بيان أسماء األطراف الشخصية
والعائلية ،وموطنهم الحقيقي ،وملخص الوقائع ،والمستنتجات والوسائل ،وإرفاقه بنسخة
الحكم النهائي ،والنسخ الكافية لعدد األطراف ،بل نص الفصل 111من قانون المسطرة
المدنية على جزاء التشطيب تلقائيا دون استدعاء الطرف ،في حالة عدم تقديم مقال ،أو
تقديمه موقعا من طرف طالب النقض نفسه ،أو من طرف مدافع ال تتوفر فيه الشروط
المقررة.744
إن ما يمكن أن يقال أخيرا هو أن القضاء يعاني كثيرا من ظاهرة التقاض ي بسوء نية ،لما
لها من تأثيرعلى تصفية الملفات القضائية بالسرعة الالزمة ،وإذا كان يتوجب على كل مساعدي
-744عبد اللطيف التجاني ،بعض عيوب وثغرات المسطرة وأثرها على سرعة البت والتنفيذ في المادة المدنية ،مجلة اإلشعاع
العدد 44سنة 4999ص .41
القضاء أن يتحملوا المسؤولية كل من موقعه في عملية إنتاج العدالة وأن يحاول تفادي كل ما
من شأنه إطالة أمد المسطرة ،فإن على القاض ي أيضا التحلي بالفطنة الالزمة التي تجعله ال
يسايرمحترفي هذه األساليب الكيدية ،وأن يتصدى لسد الثغرات بما له من صالحيات واسعة.
الئحة المراجع:
رشيد حوبابي ،أحكام التبليغ بين النظر الفقهي والعمل القضائي في القانون المغربي
والمقارن ،مطبعة أمستيتون ،الطبعة األولى.1117 ،
أحمد إبراهيم عبد التواب ،النظرية العامة للتعسف في استعمال الحق اإلجرائي،
الطبعة األولى ،القاهرة.1116 ،
القرار عدد 116في الملف ،717الصادر بتاريخ 5771/11/51 ،منشور بمجلة قضاء
املجلس األعلى عدد 11/16ص.)11 :
قرار عدد ،5191ملف تجاري 111/76 ،صادر بتاريخ .5777/51/16مجلة قضاء املجلس
األعلى عدد 16ن ص .151
عبد اللطيف التجاني ،بعض عيوب وثغرات المسطرة و أثرها على سرعة البت والتنفيذ
في المادة المدنية ،مجلة اإلشعاع العدد 11سنة .1111
تخلص هذه الدراسة إلى أن العالقات الموريتانية الجزائرية ضاربة في القدم منذ عهد
القو افل إلى اليوم ،وقد تعززت مع استقالل الدولتين عن فرنسا وطبعها دائما التعاون الثنائي
سواء في املجال السياس ي أو االقتصادي.
وقد مرت هذه العالقات الثنائية بمراحل فتور نتيجة لتقلب مو اقف وسياسة األنظمة
التي حكمت البلدين منذ االستقالل إلى اليوم.
وقد كان لكل مرحلة من مراحل توجهات الدبلوماسية الموريتانية والجزائرية طابعهما
الخاص ،ويمكن أن نالحظ ذلك من خالل تأثرالسياسية الخارجية للبلدين بشكل الحكم سواء
كان مدنيا أوعسكريا ،وعلى العموم يظل طابع هذه العالقات هوالتعاون الثنائي واألخوة وحسن
الجواربحكم المصيرالمشترك للشعبين الشقيقين.
Abstract :
Algerian and Algerian have their own character, and we can notice this
through the foreign policy of the two countries is influenced by the form of
government, whether civil or military, and in general, the nature of these
relations remains bilateral cooperation, brotherhood and good neighborliness by
virtue of the common destiny of the two brotherly peoples.
المقدمة:
تجمع موريتانيا والجزائر روابط دينية وثقافية عديدة فالعديد من القبائل الموريتانية
تنحدرمن أصول جزائرية ال سيما منطقة آدرارالجزائرية (اتوات) وهي المنطقة التي كانت على
صلة بسكان الصحراء ،حيث كانت نقطة تجمع ركب الحجاج المتوجهين للديارالمقدسة وكان
لعلمائها دوربارزفي الحياة الدينية لشعوب الصحراء مثل الشيخ لمغيلي ناشرالطريقة القادرية
في الصحراء.
وتكتس ي العالقات الموريتانية الجزائرية أهمية قصوى لما يربط الشعبين من تاريخ
مشترك وجغر افيا واحدة ووشائح قربي ضاربة في التاريخ منذ عهد القو افل ،مما شكل عالقات
روحية واجتماعية وثقافية و اقتصادية بين الشعبين الشقيقين.
ومن منظورالعالقات الدولية يرى "هانس مورجانثو" أستاذ العالقات السياسية الدولية
أن جوهرالعالقات الدولية هو السياسة الدولية وأن موضوع السياسة الدولية هو الصراع بين
الدول المستقلة من أجل القوة ،فيما يعرفها "هولتس ي" بكونها تلك العالقات الدولية التي تنشأ
داخل كل مجموعة من الكيانات السياسية قبائل ،دول ،مدن ،أمم إمبراطوريات تربط بينها
تفاعالت تتميز بقدر كبير من التوتر ووفق قدر من االنتظام فالعالقات الدبلوماسية هي عالقات
منظمة بين الدول ،كما أسلفنا ولكنها في نفس الوقت هي فن وبالتحديد في إدارة شؤون الدولة
عبر تنفيذ سياستها الخارجية ،وهنا تبرز أهمية العالقات الدبلوماسية بين الدول في تنظيم
العالقات فيما بينا على أسس ودية وثيقة تؤمن مصالحها وتأخذ بعين االعتبار مبدأ السيادة
والمساواة لكل دولة ،والعالقات بين موريتانيا والجزائر ليست استثناء من هذه القاعدة
فروابط عدة جمعت بين كل من البلدين على مر السنين ساهمت في تدعيمها وإرساءها حقائق
الجغر افيا والتاريخ.
فما هو مسار العالقات الموريتانية الجزائرية؟ وكيف تطورت؟ ،وبناء على هذا سنقسم
موضوع هذه الدراسة إلى محورين أساسيين ،محورسياس ي ،ومحوراقتصادي.
أوال :املحورالسياس ي
ظهر االنحياز الموريتاني لصالح الجزائر قبل ظهور الدولة حينما وقع النائب السابق
حرمة ولد بابانا في مدينة "برن "Berneبسويسرا مع املجاهد عباس فرحات في شهريناير5716م
وثيقة التحريرالمغرب العربي وقد تضمنت الوثيقة أن أيا من الدولتين تتحر قبل األخرى تتعهد
بوضع إمكانياتها المادية والعسكرية والمعنوية في خدمة الدولة األخرى في كفاحها من أجل
االستقالل.
وكانت الثورة الجزائرية قريبة من الموريتانيين جغر افيا ووجدانيا ،وكانت األموال تجمع
في موريتانيا لدعم الثورة مع بداية االستقالل ،وهو أمر لم يقتصر على موريتانيا فحسب بل إن
مجتمعات البيظان في المنطقة بشكل عام كانت متعاطفة مع الجزائريين بشكل كبيير إلى حد
أن الرئيس الجزائري السيد عبد العزيزبوتفليقة كان مكلفا من قبل الثواربجمع التبرعات التي
كانت القبائل البيظانية في تمبكتو وأزواد و انواذيبو ولكويرة تقدمها للثورة وكثيرا ما ساق عبد
العزيز بوتفليقة –الذي كان يعرف حينها بلقب عبد القادر المالي -األبقار واألغنام من تلك
األحواز ،كما قال الرئيس بوتفليقة نفسه في حملته االنتخابية سنة ،1111وفي موريتانيا كانت
صور التعاطف كثيرة وعميقة ومرورا بالمو اقف النبيلة من منظمة األقاليم الصحراوية التي
عبر عنها في باريس كل من النائب سيد املختار ولد يحيى انجاي والمستشار سليمان ولد الشيخ
سيديا ،وقد عبرت النخبة الوطنية في مؤتمر أالك مايو 5717عن دعمها لنضال الشعب
الجزائري ورفضها القاطع قبول االنضمام في منظمة األقاليم الصحراوية المشتركة باعتبار
ذلك يمثل طعنة لظهر الثورة الجزائرية ،وهو الموقف الذي أكده الرئيس املختار ولد اداداه
ي الجنيرال ديكول أثناء زيارته لموريتانيا745. لضيفه الرئيس الفرنس
-745م حمد إدريس حرمه بابانا ،السياسة الخارجية الموريتانية (المحددات والتوجهات) ،أطروحة لنيل دكتوراه دولة في القانون العام،
كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة تونس المنار ،4991-4997 ،ص.199 :
وعندما حصلت موريتانيا على االستقالل سنة 5761ساندت كفاح الشعب الجزائري
ي واعترفت بالحكومة المؤقتة746. ضد االستعمارالفرنس
وقد كانت سنوات ،5791 ،5791و 5791سنوات حاسمة في تطور نظام الرئيس املختار
ولد داداه الباحث عن استقالل حقيقي يحرره من عقدة االستقالل الممنوح والمكبل باتفاقيات
استعمارية ،فهذه السنوات هي التي تم فيها اتخاذ القرارات الشهيرة بمراجعة االتفاقيات
الموقعة في 5765م بين الفرنسيين والموريتانيين ،والخروج من منطقة الفرنك ،و إنشاء العملة
الوطنية األوقية ،وتأميم ميفرما ،ودخول الجامعة العربية.
قاد الرئيس املختاربدء من سنة 5791م مجموعة إصالحات اعتبرت في حينها قرارات ثورية
كبرى ومؤشرا بارزا على التحول الجديد لنظام املختار في اتجاه سياسات تحررية في الخارج
وتقدمية في الداخل ،لقد جسدت هذه اإلصالحات تطلعات الجماهيرالموريتانية ونخبها الواعية
وفي مقدمتها الحركات اليسارية والقومية التي كانت تضغط بإلحاح في هذا االتجاه ،كما أن
ظروفا خارجية جديدة طرأت شجعت الرئيس املختار على التوجه نحو تحقيق هذه اإلصالحات
الهامة ،لقد كان في مقدمة هذه الظروف المساعدة ،االعتراف المغربي بموريتانيا سنة 5767م
وهو االعتراف الذي فتح بابا واسعا لموريتانيا لتطويرعالقاتها مع العالم العربي كما سمح لها في
نفس الوقت بالتوجه نحو انتهاج سياسات داخلية أكثر توازنا ومصداقية بعد ما أرغمتها حالة
العداء مع المغرب إلى االرتماء الكامل في األحضان الفرنسية ،كما مثلت العالقات الموريتانية
مع الدول الموصوفة حينها بالثورية مثل الجزائر وليبيا وغينيا كوناكري والصين الشعبية دورا
بارزا في خلق األرضية المناسبة لمثل هذه القرارات747.
أما القرار الثاني الهام فقد كان يتعلق بإنشاء عملة وطنية بعد الخروج من منطقة النقد
الفرنس ي اإلفريقي التي مهد لها الطريق قرار مراجعة االتفاقات مع فرنسا ،وقد شرح الرئيس
املختار ولد داداه في مذكراته الظروف التي اكتنفت بداية تفكيره في التوجه للخروج من منطقة
النقد الفرنس ي اإلفريقي و إنشاء عملة وطنية.
"كان نبأ تخفيض قيمة الفرنك الفرنس ي ،الذي أخذت به علما عبرا إلذاعة عند وصولي
إلى فرنسا يوم 7من أغسطس ،5767برهانا على أننا مستقلين حقيقة ،وأن ما لدينا ال نملكه في
الو اقع .وكنا نحن الموريتانيين في منطقة الفرنك البلد الوحيد الذي يتوفرعلى ميزان مدفوعات
خارجية متوازن .ومع ذلك كنا نعامل مثل ما يعامل اآلخرون ،وثرواتنا الخاصة لم يحسب لها
حسابها .وقد اقترن قرارنا الخروج من مطقة الفرنك بقرار مراجعة االتفاقيات .وإذا كان
استقاللنا قد تم من الناحية القانونية عن طريق تحويل الصالحيات ،فإن سك عملة وطنية لم
يوضع في الحسبان أصال .وقد ربطت باستمراربين االستقالل والعملة ،إذ كيف يكون المرء سيد
التصرف في أمواله في نظام ال سلطان له عليه؟
لقد مر عقد ونيف من عمر دولة االستقالل بوجود كوادر اقتصادية وطنية قادرة على
النهوض بمسؤوليات البناء الوطني ،كما سمحت العالقات المميزة بين نظام الرئيس املختار
والنظام الجزائري الثوري بتجسيد ودعم هذا الحلم الوطني الكبير.
ورغم تشكيك البعض –حينها -في جدو ائية امتالك عملية وطنية والخروج من منطقة
النقد الفرنس ي اإلفريقي ،إال أن قرار إنشاء العملة الوطنية كان إلى جانب البعد السيادي فيه
خطوة كبيرة نحو االستقالل االقتصادي للبلد ،حي سمح بإنشاء رأسمال وطني وقاعدة
اقتصادية وطنية كما يقول سيد أحمد ولد ابنيجارة748.
لقد ظل الرئيس املختار رغم كل ما شهدته عالقاته فيما بعد مع الجزائر من قطيعة،
يشيد بالموقف النبيل للجزائرمع موريتانيا في ذلك الوقت العصيب يقول الرئيس املختار(وما
كان إلنشاء العملة الوطنية والبنك المركزي ،في 5791أن يتحققا في الظروف الجيدة التي تم
فيها لوال العون النفيس الذي قدمته لنا السلطات المصرفية الجزائرية حيث طبقت حرفيا
أوامر رئيس الجمهورية التي أعطت األولوية المطلقة لكل العمليات المعقدة التي سبقت مولد
األوقية).
القرار الثالث الهام من القرارات الثورية كان هو القرار المتعلق بتأميم شركة حديد
موريتانيا "ميفرما" التي تشرف على استغالل حديد البالد منذ مطلع الستينات ،وهي شركة
متعددة الجنسيات تقودها مجموعة روتشيلد ،لقد جاء تأميم شركة ميفرما ضمن المناخ
الثوري الذي خلقته القرارات السابقة والتي مهدت الطريق لهذا القرار وهي مراجعة االتفاقات
مع فرنسا و إنشاء عملة وطنية ،حيث بات تأميم ميفرما ضرورة اقتصادية لتثبيت العملة وتوفير
رصيد ضامن لها حيث ال تمكن المراهنة على حديد تحت سلطة شركة أجنبية.
ومرة أخرى كانت الجزائر على الخط مع موريتانيا في واحد من أشد القرارات خطورة
وتعقيدا ،يقول الرئيس املختارعن لقائه بالرئيس بومدين في أغسطس 5791وخالل هذه الزيارة
نفسها أطلعت الرئيس بومدين على قرارانا بتأمين شركة ميفرما تحت غطاء من السرية التامة
وطلبته المساعدة عند االقتضاء أي مساعدة يمكن أن تكون مهنية ومتعددة الوجوه ،وهذا
بالفعل ما قدمته الجزائر إزاء هذا القرار الهام749.
وفيما يتعلق بانتماء موريتانيا إلى الجامعة العربية يقول الرئيس املختار ولألمانة
التاريخية أن السيد بومدين قد قام بالكثير من الجهود ليتم هذا االنتساب في أكثر الظروف
علنية ،إذ كانت الطريقة المتبعة بالنسبة للدول التي سبقتنا أن يتم إعالن قبولها في مؤتمروزراء
الشؤون الخارجية ،أما بالنسبة لنا فإن السيد بومدين باعتباره رئيس المؤتمر المصيف وبناء
على طلب من موريتانيا جعل قمة الرؤساء تتبنى قبول عضويتنا مباشرة في قيمة الجزائر
750.5791
وقد شكلت حرب الصحراء الغربية 5791منعطفا كبيرا في تاريخ العالقات الموريتانية
الجزائرية إلى حد القطيعة والتنافرنتيجة لوقوف الجزائرإلى جبهة البوليزاريو لكن ذلك لم يدم
طويال.
وكان انقالب العاشر من يوليو 5797بمثابة نصر كبير للجزائر والبوليزاريو وحلفائهم في
موريتانيا ،وكان يمكن لهذا النصر أن يمتد وأن يصل إلى نتائج كبرى غير أن الموت المفاجئ
والغامض للرئيس هواري بومدين حد من ذلك ،إال أن الجزائر ستستعد المبادرة في الساحة
الموريتانية مع وصول المقدم محمد خونا ولد هيدالة إلى السلطة ،وبعد سقوط نظام الرئيس
هيدالة استمرت العالقات الجزائرية الموريتانية على نحو حسن بفعل سياسة الحياد التي
انتهزها الرئيس ولد الطايع ،وكان هناك تنسيق وتشاور بين البلدين وخالل أحداث سنغال ابريل
5777وقفت الجزائر مع موريتانيا على جميع األصعدة751.
كما أن الجزائر وموريتانيا عضوان في اتحاد المغرب العربي الذي يضم أيضا تونس
والمغرب وليبيا.
وقد حضر الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع إلى القمة العربية المعقدة في الجزائر
يومي 11و 1111/11وكانت أول قمة عربية تعقد بعد وفاة الرئيس الفلسطين ياسر عرفات كما
جاءت بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري752.
كما قام رئيس املجلس العسكري الحاكم في موريتانيا العقيد اعل ولد محمد فال بزيارة
رسمية للجزائرتستغرق يومين تم خاللها بحث التعاون الثنائي والقضايا اإلقليمية ،وتعتبرهذه
أول زيارة رسمية يقوم بها ولد محمد فال للجزائر منذ االنقالب على نظام الرئيس معاوية ولد
الطايع الذي تولى السلطة بدوره عن طريق انقالب عام 753.5771
وشهدت العالقات بين الجزائر وموريتانيا حركة دبلوماسية كبيرة تمثلت في تلقي الرئيس
محمد ولد الشيخ الغزواني اتصاال هاتفيا من نظيره الجزائري السيد عبد املجيد تبون أواخر
ديسمبر الماض ي ،1115كما أكدت الجزائر وموريتانيا عزمهما على مواصلة الجهود في التعاون
الثنائي واالرتقاء به إلى آفاق أرحب بما يحقق طموحات وتطلعات الشعبين الشقيقين ،وجاء ذلك
خالل استقبال الوزيراألول الموريتاني محمد ولد بالل وزيرالشؤون الخارجية والجالية الوطنية
بالخارج السيد رمضان لعمامرة الذي قام بزيارة عمل إلى موريتانيا بصفته مبعوثا خاصا لرئيس
الجمهورية السيد عبد املجيد تبون ،كما عقد رمضان لعمامرة جلسة عمل مع نظيره الموريتاني
إسماعيل الشيخ تم خاللها التباحث حول جملة من القضايا المتعلقة بالعالقات الثنائية وكذا
مستجدات األوضاع على الصعيدين اإلقليمي والدولي واعرب الوزران عن ارتياحهما للمستوى
المتميز الذي حققه التعاون الثنائي في مجاالت عدة مشيدين بالتطور الملحوظ الذي تشهد
التبادالت التجارية بين البلدين رغم تداعيات جائحة كورونا كما تم االتفاق على إضفاء
-751د .محمد سالم الصوفي ،أزمة الصحراء الغربية ،تطورها السياسي واالجتماعي والتاريخي ،مقاربة للنزاع من النشأة إلى عتبة
التسوية ،الناشر ،المركز الموريتاني الدولي للنشر واإلعالم (المدى) ،الطبعة األولى ،4999ص.16 :
752
-httbs://www.echoroukonline.com
753 -
httbs://www.alquds.co.uk
ديناميكية جديدة على آليات العمل المشترك وتعزيز دوريها في ترجمة التوجيهات السامية
لقياديتي البلدين754.
كما أن زيارة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الجزائر التي دامت
ثالثة أيام بدعوة من نظيره الجزائري السيد عبد املجيد تبون تندرج ضمن إطارتقوية العالقات
الثنائية وتعزيز التعاون بين البلدين وتحت إشراف الرئيسين جرى توقيع اتفاقيات تعاون
متعددة ،وقد أشاد الرئيس الجزائري عبد املجيد تبون بمستوى التعاون القائم بين البلدين كما
أكد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن الزيارة كانت فرصة لترسيخ عالقات التعاون بين
الجزائر وموريتانيا واالرتقاء به إلى مستوى األخوة والصداقة التي تجمع البلدين والشعبين
الشقيقين755.
كما وصل إلى نواكشوط وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف يوم 11فبراير 1111
حامال رسالة من الرئيس الجزائري عبد املجيد تبون إلى نظير محمد ولد الشيخ الغزواني حول
العالقات الثنائية والتنسيق السياس ي ،ووقع عطاف مع نظيره الموريتاني محمد سالم ولد
مرزوك اتفاقا يقض ي بتأسيس آلية مستدامة لتعزيز التنسيق السياس ي وقررا بدأ التحضير
لالستحقاقات الثنائية المقبلة خاصة التئام لجنة المتابعة و انعقاد الدورة العشرين للجينة
المشتركة الكبرى التي يترأسها رئيسا الحكومة في البلدين والمرتقب عقدها في الجزائر756 .
ثانيا :املحوراالقتصادي
لم يقتصر التعاون الثنائي الموريتاني الجزائري بين عامي 5791-5769على الصعيدين
السياس ي والدبلوماس ي فقط ففي الميدان االقتصادي والمالي لم يكن العون الجز ائري عديم
الجدوى وبغض النظر عن القروض ذات الصبغة الكالسيكية ،وفي هذا اإلطار قدمت الجزائر
هبة بمبلغ 111مليون فرنك غرب إفريقي وكان ذلك في السياق التالي يقول املختار ولد داداه:
"حدثت السيد الرئيس هواري أبو مدين ذات يوم عن المشاريع الكبرى لبنيتنا التحتية وركزت
على األهمية التي يوليها حزب الشعب الموريتاني وحكومته لمشروع إنشاء ميناء في المياه
العميقة بنواكشوط العتباره أمرا حيويا بالنسبة لبالدنا فرد علي السيد بومدين قائال أن
754
-httbs://www.alkhbar Nktt.mr
755
-httbs://www.france24.com
756 -
httbs://www.alquds.co.uk
الجزائر مستعدة بأن تساعد الجمهورية اإلسالمية الموريتانية في إنجاز هذا المشروع الذي
تولونه أهمية كبيرة فستمول دراسته أوال وتساهم مساهمة مهمة في تغطية تكاليف بناء وتجهيز
هذا الميناء عندما تكون نتائج الدراسة إيجابية" ،وهوما كان بالفعل من خالل تقديم هذه الهبة
بمقيمة 111مليون فرنك إفريقي ،ويضيف املختارولد داداه بناء على طلب منا قررت الصين أن
تأخذ على عاتقها تكاليف العملية بمجمها بما فيها الدراسة والتنفيذ ،يقول السيد الرئيس
املختار ولد داداه وعندما أخبرت السيد الرئيس هواري بومدين بذلك "رد علي بأنني أستطيع
التصرف في ذلك المبلغ كما أريد" وكان املختار ولد داداه مصرا على أن يبقى أثر ملموس لتلك
الهبة المهمة واألخوية على األرض الموريتانية شاهدا على التضامن بين الشعبين الجزائري
والموريتاني ،وقد كان مستشفى أالك الجهوي أهم اإلنجازات الممولة من تلك الهبة إضافة إلى
مشاريع أخرى أكثر تواضعا757.
كما أن الشركة الجزائية الموريتانية للصيد البحري AL MAPكانت شهادة على التعاون
االقتصادي بين البلدين ،تأسست هذه الشركة في عام 5771وهي شركة مختلطة برأسمال أربعة
ماليين دوالر تبلغ قيمة استثماراتها حوالي 56مليون دوالر وأسهم الشركة موزعة بنسبة %15
للحكومة الموريتانية و %17للحكومة الجزائرية وحجم االستثمارالسنوي للشركة في حدود 51
آالف طن من السمك تبلغ قيمته حوالي 51ماليين دوالر ،وتصدر هذه األسماك إلى الجزائر وما
ينقص عن استهالك السوق الجزائرية يجري تصديره إلى بعض األسواق العربية.
وفي إطار هذا التعاون تأتي مصفات نوايبو لتكرير البترول والتي بدأ اإلنتاج فيها بشكل
فعلي في 51تموز عام ،5771حيث تم افتتاح المصفات رسيما من قبل رئيس الدولة رئيس
اللجنة الوطنية للخالص الوطني وعدد من المسؤولين الموريتانيين ،وهي أول مؤسسة
اقتصادية تضررت من خالل حرب الصحراء التي أنهكت االقتصاد الموريتاني وتنتج المصفات
سنويا حوالي 511مليون طن تستهلك السوق املحلية الموريتانية ما نسبته %11إلى %11من
اإلنتاج والباقي يجري تصديره إلى السوق اإلفريقية وبعض الدول األوروبية والواليات المتحدة
األمريكية758 .
-757المختار ولد داداه ،موريتانيا على درب التحديات ،ط ،4996 ،4دار النشر كرتاال ،ص.118 :
-758مجلة دنيا المجتمع ،اسبوعية ،عربية اقتصادية ،العدد 19شباط/فبراير .4897
يقول الرئيس محمد خونا ولد هيدالة "أما الجزائر فكانت عالقتنا معها غاية في القوة،
وقد زارنا الرئيس الشاذلي وظلت العالقات تتقوى باضطراد ،وقد أقمنا معهم عددا من المشاريع
المشتركة مثل شركة النقل البحري ومصفات الغاز في نواذيبو ،وشركة المنتجات النفطية
نفتك التي كنا نشتري عبرها المازوت الجزائري بشكل مخفض ،هذا باإلضافة إلى مصنع السكر
وسوما غاز ،ويضيف الرئيس محمد خونا ولد هيدالة في كتابه الذي صدر مؤخرا "من القصر
إلى األسر" كما كنا نعد لتوقيع اتفاق مع الجزائر لتصدر اللحوم الحمراء إليها ويقض ي االتفاق
بإنشاء مسلخ عصري في مدينة النعمة يتولى العمل فيه خبراء توفدهم الجزائروكانت مالي طرفا
في هذا االتفاق حيث نصدر و إياها عبر مطار النعمة اللحوم إلى الجزائر التي كانت تستورد
حاجياتها من هذه المادة من استراليا ،ومع ذلك فإن هذه الجهود التي بذلت في هذا القطاع لم
تكن على قدر ما كنا نطمح إليه ألسباب منها الجفاف الذي ضرب البالد759.
وقد سعت الجزائرمنذ تأسيس اتحاد المغرب العربي سنة 5777إلى دعم هذا المشروع
حيث أولته األهمية التي يستحقها لتجسيد أهدافه ،وصادقت على 17اتفاقية من أصل 17تم
إبرامها في إطاراالتحاد
وفي إطارجهودها لبناء تجمع مغاربي منسجم مع تاريخه وفاعل في محيطه أدرجت الجزائر
البعد المغاربي في مشاريعها التنموية الوطنية وإدراكا منها بأن هذه المشاريع االستراتيجية
الضخمة ستساهم في االندماج والتكامل االقتصادي المغاربي ومن بين هذه المشاريع طريق
السيار شرق غرب والربط الكهربائي والربط الهاتفي ،كما بادرت الجزائر سنة 1111إلى إطالق
مشروع املجموعة االقتصادية المغاربية المشركة الذي من شأنه تحفيز االندماج االقتصادي
وتجسيد فرص التكامل مع التركيز على المقاربة االقتصادية ،كما أن وثيقة المعاهدة التي تم
توقيعها من قبل دول االتحاد تؤكد على إقامة تعاون يحقق التنمية الصناعية والزراعية
والتجارية واالجتماعية للدول األعضاء و اتخاذ ما يلزم من وسائل لهذا الغرض خصوصا بإنشاء
مشروعات مشتركة إعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد ،وفي إطار تجسيد هذا التعاون
المغاربي انعقدت القمة المغاربية في نواكشوط في نوفمبر 5771وحضرها الرئيس الشاذلي بن
اجديد.
-759محمد خونا ولد هيدالة ،من القصر إلى األسر ،تجربة رئيس مع أطول سجن سياسي في موريتانيا ،الطبعة األولى ،4944 ،ص:
.444
وقد وفقت الجزائر إلى جانب موريتانيا ماديا ومعنويا في الكثير من القضايا التي تهم
موريتانيا بشكل خاص والمنطقة بشكل عام ،و أنشأ البلدان لجنة كبرى للتعاون في كافة
املجاالت ،وقد عقدت هذه اللجنة في 56مارس 1111اجتماعها بنواكشوط ،ولعل أهم ما
أسفرت عنه هذه الدورة مشروعين هامين بالنسبة لموريتانيا يتعلق األول منهما ببروتكول خاص
بالعمل على إنهاء اإلطار الخاص ألشغال ترسيم مصفات نفط نواذيبو وإعادة تشغيلها ،والثاني
يتعلق بإرساء التعاون في مجال األمن وخاصة فيما يتعلق بتبادل المعلومات والخبرات خاصة
الخبرة الجزائرية في مجال مكافحة اإلرهاب760.
وفي هذا السياق انعقدت اللجنة العليا المشتركة الموريتانية الجزائرية للتعاون في دورتها
57بالتوقيع على 56وثيقة تعاون وتضمن املحضر اتفاقيات ومذكرات تفاهم وبرامج تنفذ بين
البلدين في مجاالت متعددة ،كما التوقيع خالل الجلسة الختامية على خارطة طريق متابعة
وتنفيذ التعاون بين البلدين من طرف الوزيراألول الموريتاني يحيى ولد حدمين ونظيره الجزائري
عبد المالك سالل.
وتتويجا لتوصيات هذه الدورة 57للجنة العليا المشتركة بين البلدين المنعقدة في 11
ديسمبركانون األول 1156في الجزائرالعاصمة و افق الرئيس بوتفليقة رسيما على فتح أول معبر
حدودي بين الجرائر وموريتانيا بعد اتفاق وقعته حكومة البلدين سابقا ،ويربط المعبر مدينة
تيندوف الجزائرية ازويرات الموريتانية.
ودعا الوزير األول الجزائري عبد المالك سالل غرف التجارة والصناعة ورجال األعمال
إلى تكثيف التواصل والمشاركة في المعارض واللقاءات االقتصادية بين الجزائروموريتانيا من
أجل اغتنام فرص الشراكة المتاحة بين البلدين761 .
كما انعقدت اللجنة العليا المشتركة الموريتانية الجزائرية الدورة 57في نواكشوط
وبحضور الوزير األول الجزائري أيمن عبد الرحمن ونظيره الموريتاني محمد ولد بالل ،وتم
التوقيع على 16اتفاقية وبروتوكول تفاهم ،وقطت هذا االتفاقيات الطاقة والتحول الرقمي
والصيد البحري والزراعة والتنمية الحيوانية والتكوين المنهي والتجارة والصناعة والتجهيز
والنقل والعمل االجتماعي ،كما وقع رئيس االتحاد الوطني ألرباب الموريتانيين محمد زين
760
- httbs://www.alquds.co.uk
761- httbs://radioalgerie.dz
العابدين ورئيس الكونفدرالية الجزائرية ألرباب العمل محمد سامي عقلي على هامش
اجتماعات اللجنة المشتركة اتفاق تعاون بين الهيئتين يهدف إلى تنسيق التعاون و اكتشاف آفاق
االستثمار بين البلدين ووضع آلية لتنسيق الجهود بين القطاعين الخاصين الموريتاني
والجزائري762.
وقد جاءت زيارة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني 1115/51/19في
إطارالتعاون بين البلدين وأشرف ولد الغزواني رفقة السيد الرئيس عبد املجيد تبون على حفل
توقيع مجموعة من االتفاقيات في مجال التعليم والصحة والتكوين المنهي والمؤسسات
الصغيرة وكذلك توقيع مذكرة تفاهم لبناء طريق تنيدوف ازويرات ،763وتشير األرقام إلى أن
الجزائرتعتبرأحد أهم الممونين الرئيسيين لموريتانيا حيث ارتفعت قيمة الصادرات الجزائرية
نحو موريتانيا بـ %111خالل الثلث األول من سنة 1115مقارنة بنفس الفترة من عام ،1111
حسب معطيات المديرية العامة للجمارك الجزائرية والتي نشرتها وكالة األنباء الجزائرية،
ووفقا للمصدر ذاته فقد تم تسجيل 555عملية تصدير باتجاه موريتانيا عبر المركز الحدودي
البري "الشهيد مصطفى بن بلعيد" بوالية تيندوف خالل الفترة ما بين يناير كانون األول حتى
مارس آذارمن العام ،1115ويمثل ذلك بزيادة عمليات التصديرعن طريق المعبرالمذكوربنسبة
تتجاوز %551مقارنة بالثلث من .1111
وإلى جانب النقل البري يشهد النقل الجوي عبرطائرات الشحن ارتفاعا ملموسا حيث تم
نقل ما يزيد عن 51رحلة جوية منتجات فالحية لفائدة المستوردين الموريتانيين764.
خاتمة:
ونستنتج مما سبق أن العالقات الثنائية الموريتانية الجزائرية ضاربة في القدم منذ عهد
القو افل إلى اليوم ،وقد مرت هذه العالقات بمراحل فتور نتيجة لتقلب سياسة األنظمة
وتوجهاتها السياسية في البلدين.
762- httbs://www.ennaharonline.com
763- httbs://www.alaraby.co.uk
764- httbs://www.skynewsarabia.com
أو مدنيا مما انعكس على دبلوماسيتهما بالشخصنة وعدم الموضوعية والمو اقف الغامضة
التي انعكست سلبا على المصلحة العامة.
وفي الغالب العام هي عالقات أخوة وصداقة وحسن الجوار ومصير مشترك بحكم
الجغر افيا والمصيرالمشترك وهذا ما تعززالهوية العربية واإلسالمية للشعبين الشقيقين.
المراجع:
املختارولد داداه ،موريتانيا على درب التحديات ،الطبعة األولى ،1116دارالنشر )5
كرتاال.
سيد اعمر ولد شيخنا ،موريتانيا المعاصرة شهادات ووثائق ،الجزء األول، )1
،5771-5719دارالفكرانواكشوط.
محمد خونا ولد هيدالة ،من القصر إلى األسر ،تجربة رئيس مع أطول سجن )1
سياس ي في موريتانيا ،الطبعة األولى.1151 ،
httbs://www.alquds.co.uk )9
httbs://www.echoroukonline.com )7
httbs://www.aljazeera.net )7
httbs://www.alaraby.co.uk )51
کانت الثورة التى شهدها العالم فى مجال المعلومات واالتصاالت خالل التسعينيات من
القرن الماض ي من تعزيز دور االقتصاد الرقمي في العديد من مناحي الحياة ،حيث أصبحت
تکنولوجيا االتصاالت وتقنية المعلومات تلعب الدور األساس ى في القطاعات االقتصادية
املختلفة من خالل المساهمة في زيادة مستوي الکفاءة عبر عنصرين أساسيين( تقليل
التکلفة،واختصار الوقت ) تلک العنصرين إلنجاز المعامالت االقتصادية والمالية وتحسين
إنتاجية العمالة وزيادة مستويات المنافسة بين المؤسسات االقتصادية ،من جهة آخري،
ارتبط نمو دور االقتصاد الرقمي خالل السنوات الماضية من األلفية الجديدة مع ظهور
التقنيات المرتبطة بالثورة الصناعية والتى من بينها تقنيات الذکاء االصطناعي والبيانات
الضخمة و أنترنت األشياء والحواسبة السحابية.765
ويعد التحول الرقمي فى االقتصاد ضرورة يفرضها الوقت الراهن في ظل الحاجة إلى تنويع
االقتصاد للتخفيف من حدة االثار السلبية للکوارث واألزمات خاصة فى ظل جائحة کورونا
والذي عصفت باالقتصادات العالمية ،حيث ظهر االقتصاد الرقمى کحل للعديد من
المشکالت االقتصادية وأمکن االستفادة من الخصائص التى يتميز بها االقتصاد الرقمى من
کافة الدول التى لديها بنية رقمية مکنتها من نمو اقتصادها بشکل متسارع حيث يعمل االقتصاد
الرقمي على زيادة مستويات المرونة من خالل قدرته على تحقيق نقلة نوعية متسارعة فى األداء
765عبد الرحمن فرج السيد مصطفى ،دور االقتصاد الرقمي فى النمو االقتصادي ،المجلة العلمية للدراسات والبحوث المالية واإلدارية،
المقالة ،79المجلد ،47العدد ،7مارس ،4944الصفحة .4169-4171
االقتصادي حيث أسهم في توفير العديد من الوظائف لألجيال الشابة المتز ايدة والتى تلتحق
بسوق العمل يوميا.766
أهمية الموضوع :تكمن أهمية هذا الموضوع أنه يوضح األهداف الرئيسية للتحول
الرقمي االقتصادي وكيف يمكن االستفادة من التجارب المقارنة ،وقد حققت دولة اإلمارات
إنجازات كبيرة خالل مرحلة التحول إلى اقتصاد رقمي منذ .1151وقد ساعدت هذه اإلنجازات
في تعزيز تنافسية االقتصاد الوطني لدولة اإلمارات .مما يتطلب دراسته دراسة أكاديمية لتجاوز
كل العر اقيل التي يمكن أن يقع فيها.
مشكلة البحث:
ما هي األسس النظرية والقانونية التي يقوم عليها االقتصاد الرقمي؟ وكيف تبنت دولة
اإلمارات هذا النموذج؟
منهج البحث:
المنهج التاريخي :سيتم استخدام المنهج التاريخي في بيان التاريخ االقتصادي لدولة
اإلمارات ومعرفة كيف تبنت نموذج االقتصاد الرقمي.
المنهج التحليلي :والذي يعتمد على دراسة المشكلة كما توجد في الو اقع وتحليلها
والربط والتفسير للوصول إلى استنتاجات ،فسيتم استخدامه لتحليل مقومات
االقتصاد الرقمي.
ولإلجابة عن هذه اإلشكالية ،اعتمدنا الخطة التالية :املحور األول :مفهوم االقتصاد
الرقمي .املحورالثاني :أليات االقتصاد الرقمي.
يعتبر اإلقتصاد الرقمي محصلة التفاعل بين إتجاهات تقدم تكنولوجيا المعلومات
واالتصال وبين المنظومة اإلقتصادية اإلقتصاد الكلي -اإلقتصاد الجزئي و إقتصاد القطاعات
766أحمد إبراهيم دهشان ،اقتصاديات المعرفة وجه التنمية االقتصادية الحديثة ،دار اليازودي ،4944 ،ص.41
يتسم االقتصاد الرقمي في أيامنا هذه بتكنولوجيا كانت غيرمعروفة وقت ظهوره كمفهوم
ومنها الن فاذ إلى الحزمة العريضة التابثة بسرعة تبلغ عشرات الميجابيتات في الثانية والحزمة
العريضة النقالة والهواتف الذكية وتطبيقاتها والمو اقع الشبكية ،حيث يشير االقتصاد
الرقمي إلى االقتصاد المعتمد على تكنولوجيا واالتصاالت وكمفهوم عام مرتبط بتمكين التحول
الرقمي في قطاعات رئيسية وحيوية مختلفة مثل الحكومة والسياسات والعامة واللوائح
التنظيمية ،إذا فاالقتصاد الرقمي يعتمد على التقدم الهائل في االتصاالت وتكنولوجيا
المعلومات في انتاج وتجارة السلع وحركة رؤوس األموال768.
يعتمد نجاح ونمو االقتصاد الرقمي على قدرة األفراد والمؤسسات على المشاركة في
شبكات المعلومات ومو اقع االنترنت املختلفة ويتطلب االشتراك الفعال في تلك الشبكات وفي
االقتصاد الرقمي ضرورة توفر البنية التحتية في االقتصاد مثال :شبكة الكهرباء ،شبكة
التليفونات ،انخفاض تلك الخدمات توفر اآلالت واألجهزة والمعدات والمهارات والتعليم
والتدريب.
تؤثر تكنولوجيا المعلومات على درجة المنافسة وأساليبها وتحسين المراكز التنافسية
ويختلف هيكل السوق وفق درجة تطبيق تكنولوجيا المعلومات واالتصاالت في االقتصاد
الرقمي وذلك على المستويين املحلي والدولي ويجب أن تتكامل تكنولوجيا المعلومات مع
منظومات وقطاعات االقتصاد املختلفة وخاصة التصنيع والزراعة التعليم التدريب ،الخدمات
المالية والمصرفية واالستثمارية .
تلعب تكنولوجيا المعلومات دورا أساسيا في زيادة معدالت النمو االقتصادي وفي
االستثمارات الرأس مالية والتجارة االلكترونية الداخلية والخارجية وتؤثر االنترنت في أساليب
أداء المعامالت التجارية وأساليب العمل والزالت هناك بعض القضايا التي لم تحسم بعد في
االقتصاد الرقمي مثال :ما هو نصيب كل قطاع اقتصادي من التجارة االلكترونية؟
تأخذ المعلومات اإلقتصادية أشكاال مختلفة في اإلقتصاد الرقمي ،فقد تكون في شكل
كلمات أو أصوات أوأشكال توضيحية كلها قد تكون رقمية أوغيررقمية ويقصد بالمعلومات تلك
المعلومات الموجودة على أشرطة ممغنطة أو أفالم ،والتي ال يمكن تخزينها في الحواسيب
اإللكترونية أو تحويلها ،في حين أن األشرطة أو الديسكات الممغنطة المركزة CDتأخذ أشكاال
رقمية حيث يمكن تحويلها بين الحواسيب اإللكترونية ،وبالتحديد تم تحويل األشرطة والوسائل
التقليدية لتداول المعلومات إلى األسلوب الرقمي والديسكات والفلوبي ديسك ،فيمكن تداول
المعلومات الرقمية بين مراكز المعلومات والحواسيب اإللكترونية في حالة تدعيم تلك
الحواسيب بالهواتف واألقمار الصناعية ،ومن المعروف أيضا إمكانية تخزين وإسترجاع
المعلومات الرقمية ،بجانب إستخدام الكاميرات اإللكترونية الرقمية وأجهزة تصوير
المستندات Scannerحتى الوصول إلى اإلنترنت و770(Word. Wide Web - (www.
وتعمل الدول على أليات تنفيذ التحول إلى االقتصاد الرقمى من أجل تحقيق التنمية فى
القطاعات االقتصادية ،حيث تم وضع االقتصاد الرقمي أحد البنود الهامة استرتيجيتها ،وذلک
عن طريق تهيئة البيئة التشريعية ودعم البنية التحتية لتوفيرالمناخ المالئم لالقتصاد الرقمى
وتطبيقه فى جميع مجاالت االقتصاد القومى لجذب الکثير من االستثمارات وتعزيز النمو
االقتصادى.
770أسامة عبد السالم السيد ،االقتصاد الرقمي ،نفس المرجع السابق ،ص
نالحظ مما سبق أن تأثيرات االقتصاد الرقمي تنمو بسرعة ،حيث أدي االنتشار السريع
لالقتصاد الرقمي إلى تغيرات في العمليات واألنظمة داخل القطاعات االقتصادية الحالية ،من
خالل إعادة تشکيل سلوک المستهلک الحالي ،و التفاعالت التجارية و نماذج األعمال ،و ظهور
عمليات و أنظمة وقطاعات اقتصادية جديدة داخل القطاعات الفردية،حيث أفرز االقتصاد
الرقمي ظهورالعديد من الشرکات الجديدة المعتمدة على الرقمنة بشکل کامل مثل" ،أوبر" أکبر
شرکة "سيارات أجرة" في العالم ،و"فيسبوک" شرکة الوسائط العالمية األکثر شهرة في العالم،
و"علي بابا" أکبرشرکة تجزئة في العالم وأکثرها قيمة ،مما يؤکد أن االقتصاد الرقمي يمثل دفعة
کبيرة لالقتصاد بشکل کبير.
ويتكون االقتصاد الرقمي من نشاطات اقتصادية وتجارية ومالية يتم إنجازها من خالل
ماليين العمليات المتزامنة التي تتم بين األفراد والجهات الحكومية والخاصة باستخدام
التقنيات الرقمية مثل تقنية “البلوك تشين” ،والتي تمثل شبكة عالمية من الحواسيب يتم
عبرها إتمام الصفقات و انتقال األموال بشكل سريع وال مركزي .وكذلك تقنية الذكاء الصناعي
ً
حيث االعتماد على “األتمتة” في اتخاذ القرارات .هذا النوع من االقتصاد يعتمد كثيرا على
الخدمات الرقمية القائمة على توفربنية أساسية كفؤة يتم من خاللها تحويل األشياء (المادية)
إل ى بيانات ضخمة ومعلومات يتم تبادلها بسرعة عالية عبر منظومة متكاملة من شبكات
االتصاالت واالنترنت.
والمتطلبات الضرورية لرفع استخدام املجتمعات آليات االقتصاد الرقمي تعتمد على
توفر إمكانيات االتصال من خالل شبكة إنترنت ذات تكلفة مقبولة ،ونظم اتصاالت مفتوحة
وآمنة وذات جودة مناسبة ،وهي متطلبات قد يصعب توفرها في مستوى متقدم وموحد بين دول
ً
العالم .تدل التجربة التاريخية للدول النامية على استفادتها نسبيا من ظهورالهواتف املحمولة
لخصائص بنيتها التحتية ،التي امتازت بإنشاء أبراج االتصاالت بسرعة أعلى وتكلفة أقل من
نظيرتها في شبكات الهواتف الثابتة ،التي واجهت عقبات بيروقراطية وطبوغر افية وتقنية حدت
من توسعها و انتشارها.771
قائمة المراجع
• محمد أبو الشامات ،اتجاهات اقتصاد المعرفة في البلدان العربية ،مجلة جامعة
دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية ،املجلد ،17العدد.651 - 175 ،1151 ،5
• سامر بابكر ،اقتصاد المعرفة ،سلسلة كتيبات تعريفية ،صندوق النقد العربي ،العدد
.1115 ،51
• برنامج األمم المتحدة اإلنمائي ،المؤشر العالمي للمعرفة لسنة ،1115دار الغرير
للطباعة والنشر ،دبي.1115،
• جبار بوكثير وفاطمة الزهراء قوني ،اقتصاد المعرفة وعالقته باالقتصاد الرقمي بين
التبعية واالحتواء ،المركز الجامعي عبد الحفيظ بوالصوف – ميلة ،ورقة مقدمة في الملتقى
ۚ
الوطني الثالث حول المستهلك واالقتصاد الرقمي ضرورة االنتقال وتحديات الحماية،11 ،11 ،
أفريل.1157 ،
• محسن الخضيري ،اقتصاد المعرفة ،ط ،5مجموعة النيل العربية ،القاهرة.1115 ،
ً
• محمد دياب ،اقتصاد المعرفة :حقبة جديدة نوعيا في مسارالتطوراالقتصادي ،مجلة
الجيش (الدفاع الوطني اللبناني) ،العدد ،61تموز ،1117موقع الدفاع الوطني اللبناني:
ً
/https://www.lebarmy.gov.lb/ar/contentاقتصاد-المعرفة-حقبة-جديدة-نوعيا-في-
مسار-التطور-االقتصادي ،الفقرة ( ،)51تاريخ الدخول .1111/55/5
• منيرة زياني ،دوراقتصاد المعرفة في نجاح التخطيط االستراتيجي لمنظمات األعمال في
الجزائر ،مجلة كلية التراث الجامعة ،ملجد ،5العدد 51 ،11آذار.516 – 551 ،1111
• سوزان عبد الغني ،مدى إمكانية التكامل بين تكنولوجيا المعلومات واالقتصاد المعرفي
ً
في المنظمات التعليمية /كليتي العلوم والهندسة جامعة كركوك أنموذجا :دراسة استطالعية،
771أحمد بناصر الراجحي ،التحول لالقتصاد الرقمي ودوره في التنمية االقتصادية ،أغسطس.4944 ،
مجلة تكريت للعلوم اإلدارية واالقتصادية :جامعة تكريت ،املجلد ،51العدد – 17 ،1156 ،11
.66
• محمد عبد الغني ،االقتصاد التقليدي في مقابل اقتصاد المعرفة والتنافسية ،مجلة
كلية السياسة واالقتصاد ،العدد ،6أبريل .77- 11 ،1111
• هبة عبد المنعم وسفيان وقعلول ،اقتصاد المعرفة :ورقة إطارية ،صندوق النقد
العربي.1157 ،
• أحمد عبد الونيس ومدحت أيوب ،اقتصاد المعرفة ،ط ،5مركز دراسات وبحوث
الدول النامية ،مصر.1116 ،
• مراد علة ،االقتصاد المعرفي ودوره في تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية في
ً
األقطارالعربية -دول مجلس التعاون الخليجي أنموذجا ،ورقة مقدمة في المؤتمرالدولي العاشر
لالقتصاد والتمويل اإلسالمي ،قطر 11-11 ،آذار.1151
ومن هنا بدأ الحديث عن متدخل آخر في السياسات العمومية؛ غير الدولة والجماعات
املحلية وغيرها من المؤسسات "الرسمية"؛ وهو املجتمع المدني ،وذلك عبر أدوار مختلفة تبدأ
من المر اقبة وتصل إلى المشاركة في اإلعداد.
عند هذا المستوى وجب تحديد ما المقصود باملجتمع المدني ،قبل الحديث عن دوره في
السياسات الترابية ،إعدادا وبلورة.
ووجبت اإلشارة هنا إلى أن املجتمع المدني بدوره ،هو مفهوم مستجد في القاموس
السياس ي المغربي المعاصر ،كما أنه ينطوي على تعقيد كبير يظهر انطالقا من عتبة اللغة ،إذ
تتأسس الطبيعة المعقدة لمفعوم املجتمع المدني من كونه ،كما هو وارد في اللغة العربية على
األقل ،مفهوما طارئا يجمع بين مصطلحين عربيين جديدين أيضا؛ "مجتمع" و"مدني" ،لذلك
فإن تحليل المفهوم بنيويا عبر تركيبته اللغوية واالصطالحية يعتبر عتبة أولى تقود للتحديد
الشامل للمفهوم ،وهو التحديد الذي سيمر ،بطبيعة الحال ،عبر وضعه في سياقه التاريخي
وفحصه على ضوء مسلسل تطورالفلسفة السياسية.
وتبعا ذلك نعثر في قاموس "المعاني" ،أن مصطلح املجتمع يتأسس على جذع لغوي هو
القوم" ،أيُ فعل "اجتمع" ،ولهذا الفعل تصاريف عدة حسب السياق ،فمثال يقال "اجتمع
َّ انضم ُ
َّ
بعضهم إلى بعض ،اتحدوا و اتفقوا ،ويقال "اجتمع به /اجتمع معه" أي التقى به أو قابله،
ل َْ َ ُ "اج َت َم َع ُ
"اجت َم َع الرج ُل" أي استوت ِل ْح َيت ُه ،وبلغ غاية شبابه ،ومنه أيضا القو كما يقال ْ
َ َ َ
الم ِاش ي" أي أسرع في مشيه.
ُ َ
أما املجتمع فله تعريف في معجم المعاني أيضا يفيد بأن امل ْجت َم ُع هو "موضع االجتماع
َ َّ
جماعة من الناس تربطها روابط ومصالح مشتركة وعادات وتقاليد وقوانين واحدة ُم ْجت َمع
المدينة".
َ َ
"مدني( :اسم) كم نجد أن المصطلح يجد له تعريفا في معجم المعاني أيضا يفيد ما يلي:
اسم منسوب إلى َمدينة ،خاص بالمواطن أو بمجموع المواطنين ،عكس عسكري")772(.
في حدود هذا التعريف يظهر أن مفهوم "مدني" هو مرتبط بالمدينة ،أي أنه خاص بأهل
المدن ،فهل هذا يعني أن سكان القرى ال يدخلون في دائرة املجتمع المدني؟ ،كما اعتبر ،في
التعريف نفسه دائما ،أنه خاص بالمواطن ،وهنا إحالة على مفهوم آخرمتشعب هو المواطنة،
وفي سياق التعريف بالخلف اعتبرالمعجم أن المدني هو ضد العسكري ،فهل العسكريون خارج
دائرة املجتمع المدني؟
هذه التساؤالت تقود إلى أن التعريف المعجمي العربي للمجتمع المدني موسوم بكثير
من عدم التدقيق ،ذلك أنه ال يسع ما يحيل عليه المفهوم من معان أشمل في إطارتداوله الدارج.
هذا األمر مرتبط أيضا بكون المفهوم طارئ على اللغة العربية ،إذ له أصل غربي باعتبار أنه
مفهوم أنتجه الفكر السياس ي الغربي بالتحديد ،وقد ظهر بادئ األمر لدى الفالسفة اليونان
والرومان وفي مقدمتهم أرسطو الذي تحدث عن الجماعة السياسية (.)koinônia politikè
- 772معجم المعاني.
كما برز عند شيشرون ،وهو سياس ي عاش في عهد الدولة الرومانية ،وذلك عند حديثه
بصريح العبارة عن املجتمع المدني ( )societas civilisوالذي قصد به الجماعة السياسية في
المدينة (.)773
كما أن األصل الالتيني لمصطلح مجتمع هو " ،" societasويعبر عنه باللغة الفرنسية
بمصطلح " ،" sociétéوالذي يحيل ،في قاموس " ،" larousseعلى عدة معان تحيل على "مجموع
الكائنات البشرية التي تعيش في مجموعة منظمة" أو "وسط بشري يعيش فيه الفرد في إطار
مؤسسات وقوانين وقواعد" ( .)7أما مفهوم "مدني" ،وأصله الالتيني " ،" civilisوبالفرنسية
" "civilفهو يعني ،في القاموس الفرنس ي دائما "ما هو منسوب للمواطن ووضعه باعتباره عضوا
في جماعة وطنية ،على خالف العسكري أو الديني".
ويقودنا تتبع المسار التاريخي لهذا المفهوم إلى تحديد طبيعته ،وهنا يعتبر غازي
الصوراني ،في كتاب "تطور مفهوم املجتمع المدني وأزمة املجتمع العربي" ،أن "مفهوم املجتمع
المدني مرعبرأربع لحظات تخلص التطورالتاريخي للمفهوم:
-اللحظة األولى :هي لحظة نشوئه اللغوي وتحديد معناه ،وهي اللحظة التي بدأت منذ
عصرالنهضة وصوال إلى هيغل.
-اللحظة الثانية :هي لحظة ماركس (كارل ماركس) ،الذي حدد المفهوم استنادا إلى هيكل
قام بتجاوزه ،من خالل مفهوم بديل أصبح هو المفهوم المتداول.
-اللحظة الثالثة :لحظة غرامش ي الذي عاد إلى "نبش" المفهوم ،لكن الستخدامه في
سياق آخر ربما نتج عن تطور املجتمع البرجوازي ،حيث يميز بين روسيا وبالتالي ضرورة الثورة،
وأوروبا الرأسمالية وضرورة حرب المو اقع ،معتبرا أنه المستوى السياس ي املجتمعي المقابل
للمستوى السياس ي الذي هو الدولة ،ويقصد به النقابات والمدرسة والكنيسة.
-اللحظة الرابعة :العودة إلى المفهوم -وإلى غرامش ي -على ضوء حركة المعارضة التي
نشأت في دول أوربا الشرقية (المنظومة االشتراكية) منذ بداية ثمانينات القرن العشرين،
لتنظيرحركة النقابات العمالية في بولندا .ثم االستخدام اإليديولوجي له كمقابل لسلطة الدولة
الشمولية ،وادعاء تمثيل املجتمع .وهذه اللحظة هي اللحظة التي جرى تعميمها ،عبر التركيز
المكثف على المفهوم ؛ دراسة وإعالما؛ لتصبح هي لحظة التأثيروصياغة الوعي لدى قطاعات
من المثقفين والساسة .وهي اللحظة التي أوجدت كل االلتباسات التي أحاطت بالمفهوم،
ووضعته محل شك وتشكيك ،ألنها كانت "الكلمة السحرية" التي "فكت أسر" املجتمع ،لكنها
دمرت االشتراكية لتصبح هي "الكلمة السحرية الضرورية لتجاوزالنظم االستبدادية من جهة،
و"اللعنة" التي استخدمتها "الرأسمالية العالمية" لتهديم النظم االشتراكية من جهة أخرى"
(.)774
إجماال ،تسير كل التعاريف في سياق تعريف املجتمع المدني على أنه مجتمع مخالف
للمجتمع العسكري والديني والسياس ي ،كما تسير في اتجاه اعتبار املجتمع المدني هو فاعل
مخالف للسلطة ،لكنه في الوقت نفسه متحكم في خلقها وتوجيهها ،وهنا يظهرتذبذب مفاهيمي،
ففي النهاية نحن أمام توجهين األول يقول إن املجتمع المدني هو الذي يشكل السلطة (في إطار
بيئة ليبرالية مع لوك ،وفي سياق تدافع جدلي عن ماركس و غرامش ي) ،وتوجه آخر يعتبر أن
املجتمع المدني هو خارج السلطة ويسير بالموازاة معها ،وهذا التوجه هو الذي ذهبت إليه
التعاريف الواردة في الوثائق واألدبيات األممية .فمنظمة اليونسكوعلى سبيل المثال ،وفي سياق
تعريفها بالشركاء في مجال التربية ،تعتبرأن املجتمع المدني ،والذي تنصفه في خانة الشركاء ،هو
الذي يضم مجموعة من الجمعيات غير الحكومة وذات الهدف غير الربحي .وفي عدة وثائق
رسمية ومؤسساتية نجد تعاريف تعتبرتعرف املجتمع المدني بمكوناته التي تنحصر ،في نظرها،
بشكل مجمل ،في المنظمات غيرالحكومة ،ففي الكتاب األبيض الخاص بالحكامة داخل االتحاد
األوربي نجد التعريف التالي مثال" :املجتمع المدني يضم المنظمات النقابيات ومنظمات أرباب
الشغل ،والمنظمات غيرالحكومية ،والجمعيات المهنية ،والمنظمات الخيرية ،والمنظمات التي
تدرج المواطنين في الحياة املحلية والجماعية ،مع مساهمة محددة للكنائس والجماعات
الدينية"()775
- 774الصوراني غازي ،تطور المجتمع المدني وأزمة المجتمع العربي ،مركز دراسات الغد العربي ،غزة-فلسطين،
الطبعة األولى ،8115 ،ص 6و.2
775 http://www.unesco.org/education/efa/fr/partnership/civil_society.shtml.
أما بخصوص تحديد مفهوم السياسة الترابية ،فسنعمل على تحديد مفهوم التراب ثم
السياسات التربية.
من المعلوم أن التراب في التشريعات والدراسات واألبحاث يعتبر فضاء ومجاال ملختلف
المكونات الطبيعية والسكانية و املجتمعية الموجودة به دون إغفال مجموع العناصرالمشكلة
لوجود هذا التراب ارتباطا باألنشطة االجتماعية و االقتصادية و الثقافية و بالتالي السياسية.
إذن فالتراب الوطني هو نتاج تاريخ تشيد عبرقرون من طرف مجتمع له تنظيمه الخاص به بهدف
االستجابة لحاجيات التسيير واألمن و التنمية ،و يعتبرمكونا من مكونات الهوية التي تستند إلى
املجال المشكل لألسس المادية للحياة الجماعية و استمراريتها التاريخية ،و بهذا المعنى يصبح
التراب ذلك الفضاء المادي والجغرافي والسكاني والسياس ي والثقافي واالقتصادي ،أي مجال
بشري و تاريخي المفروض تنميته المستمرة و التعامل معه يحتاج إلى استحضار مفهومه أثناء
أي تدبير مجالي ،إي استحضار السياس ي إلى جانب الدينامية االجتماعية و االقتصادية و
الثقافية
تعتبر السياسة الترابية جزءا ال يتجزأ عن السياسات العمومية هذه األخيرة التي تعرف
بكونها الخطة التي تقوم على تصورات تنجزعلى أرض الو اقع لمعالجة مشكل معين يمس مجاال
عاما.
وهذا التوجه التعريفي هو ما يذهب إليه المعهد العالي للدراسات العمومية الفرنس ي
والذي يعرف السياسة العمومية بأنها "مجموع القرارات واألعمال والتدخالت المتخذة من قبل
الفاعلين المؤسساتيين واالجتماعيين ألجل إيجاد الحلول لمشكل جماعي ما".
ويزيد جون كلود توينغ ( )Jean-Claude Thoenigعن هذا التعريف تعريفا أكثر دقة في
معجمه الخاصة بمصطلحات السياسات العمومية حين يقول إن السياسات العمومية هي
"التدخالت التي تقوم بها السلطة باستعمال القوة العمومية والشرعية الحكومية في مجال
محدد على مستوى املجتمع أو التراب (.)776
إذا كنا قد انطلقنا من كون السياسة العمومية الترابية هي مجموع تدخالت السلطة،
سواء كانت الدولة أو الجماعات الترابية ،لحل مشكل يهم املجتمع والتراب ،وإذا ما اعتبرنا أن
املجتمع المدني هو مواز للمجتمع الرسمي ،أي رجال الدولة والجماعات الترابية وغيرها من
الهيئات المنوط بها تنزيل السياسات العمومية ،فكيف يمكن تصورالعالقة بين املجتمع المدني
والسياسات العمومية ؟
هذه هي اإلشكالية التي سنعمل على دراستها خالل مقالنا هذا ،والتي حددناها في :أي دور
للمجتمع المدني في بلورة السياسات الترابية ؟ وماهي اآلليات الكفيلة بتحقيق ذلك؟
سنتناول هذه اإلشكالية بالدراسة من خالل :أدوار املجتمع المدني في إعداد و بلورة
السياسات العمومية الترابية عبر :
-الوثيقة الدستورية
-القوانين التنظيمية
إن تفعيل مبدأ الديمقراطية التشاركية على المستوى الترابي ،يرتكزأساسا على تمكين
المواطنين و المواطنات و هيئات املجتمع المدني ،من المشاركة السياسية الفعلية في تدبير
الشأن املحلي و بلورة السياسات الترابية ذات األولويات ،و إيجاد الحلول إلشكاليات التنمية ،
ألن التنمية لم تعد محصورة فقط في مجموع املخططات التقنية التي تستهدف إلى تحقيق أرقام
اقتصادية ومالية ,بل إن البعد االستراتيجي للتنمية ،ينبغي أن يذهب في اتجاه تدعيم قدرات
األفراد في مجال اتخاذ القرارالتنموي ومشاركة الفاعلين في تدبيرالشأن املحلي ،إنها ترتبط إلى
حد كبيربالبعد التخطيطي وذلك عبرآلية التخطيط االستراتيجي التشاركي ،الذي يغدومنهجية
ديمقراطية تشجع التفكير املحلي الموجه نحو المستقبل و تسهل وتوجه مختلف الفرقاء
املحليين ،كما يمثل عملية التواصل داخل الجماعات املحلية.
إن توسيع المشاركة والتشارك بين جميع الفاعلين يجب أن يكون بعيدا عن نظرة
التعالي السلطوي ،وعن اإلقصاء بشتى أنواعه ،بل السماح للفاعلين االجتماعيين ،كاملجتمع
المدني والشركاء االقتصاديين والخواص ،من أجل المشاركة في اتخاذ القرار التنموي وتعزيز
الثقة بين الناخب والمنتخب.
سنحاول من خالل هذا املحور مالمسة كال من المقتضيات الدستورية ،التي جاء بها دستور
، 1155فيما يخص تفعيل الديمقراطية التشاركية والسماح للمواطنين واملجتمع
المدني بالمشاركة في التدبير الترابي ،من خالل إعداد و بلورة السياسات العمومية ،و كذلك
بالنظرفي القوانين التنظيمية المنزلة ألحكام الدستورالمتعلقة بالجهات و الجماعات الترابية.
إن عملية صنع السياسات العمومية عملية معقدة ،لكن ذلك ال يمكن أن يشكل مبررا
يدفعنا للقول بضرورة انفراد الدولة كفاعل وحيد في إنتاجها ،بل على النقيض من ذلك ،فهذه
العملية المعقدة تجعل الدولة تتحمل عبئا كبيرا يمكن التخفيف منه بإشراك فاعلين آخرين،
لذلك فقد كان المشرع المغربي واعيا بخطورة هذا الدور و أهمية مساهمة بقية الفاعلين في
عملية صنع السياسات ،ويتضح ذلك جليا من خالل مقتضيات دستور ،1155فإشراك املجتمع
المدني في هذه العملية لن يساهم في تخفيف العبء الملقى على كاهل الدولة بإعداد هذه
السياسات فقط ،بل سيساهم في إنجاحها وتسهيل تقبلها من قبل المواطن الذي يعتبرالمعني
األساس ي بها .
جاءت عدة فصول دستورية تؤسس للمشاركة الفعلية للمواطنين والمواطنات في
إعداد وبلورة السياسات العمومية ،سواء وطنيا أو محليا :
-الفصل ":51تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور ،قصد إشراك
مختلف الفاعلين االجتماعيين ،في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها".
-الفصل ": 51للمواطنين والمواطنات الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية.
ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق".
-الفصل":516يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر ،وعلى التعاون
والتضامن؛ ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبيرشؤونهم ،والرفع من مساهمتهم في التنمية
البشرية المندمجة والمستدامة".
-الفصل "51تتلقى المر افق العمومية مالحظات مرتفقيها ،و اقتراحاتهم وتظلماتهم،
وتؤمن تتبعها.تقدم المر افق العمومية الحساب عن تدبيرها لألموال العمومية ،طبقا للقوانين
الجاري بها العمل ،وتخضع في هذا الشأن للمر اقبة والتقييم ".777
التقنية األولى :اآلليات التشاركية للحوارو التشاورالغاية منها تحقيق هدفين :
-777الفصول 68و 62و 64و 86و 22و 621و 629و 641من الدستور المغربي لسنة .8166
انطالقا من هذه المعطيات يبدو أن التقنية األولى (اآلليات التشاركية) الهدف منها فتح
قنوات للنقاش و التشاورو الحوارمن أجل تبادل وجهات نظرو مد جسرتبادل اآلراء بين املجتمع
بمواطنيه وجمعياته و بين املجالس المنتخبة حول قضايا برامج التنمية ،و التنمية هنا قد
تشمل كل ش يء يهم الفضاء الترابي املحلي.
بمعنى أن هذه املجالس بحكم الدستور ،أصبحت مطالبة بفتح قنوات النقاش و الحوار
أمام المواطنين و فعاليات املجتمع المدني ،قبل اإلقدام على اتخاذ أي قرار يهم برامج التنمية
ومن جهة أخرى أضحى أيضا من حق المواطنين و الجمعيات تتبع هذه البرامج و تقييمها.
كما أنه من خالل هذه المقتضيات الدستورية يتضح بجالء األدوار التي أناطها
دستور 1155بهيئات املجتمع المدني للمساهمة في إنتاج السياسات العمومية أو الترابية .وما
يهمنا هنا وله عالقة بموضوع مقالنا هو :األدوار التي خولها دستور 1155للمجتمع المدني على
المستوى الترابي.
باستقرائنا للفصول الدستورية التي سبق استعراضها ،يمكن استخالص ثالثة أدوار:
تعتبر مرح لة اإلعداد المرحلة المؤسسة إلعداد السياسات الترابية ،و يتم فيها تحديد
األولويات و المشكل أو المطالب المطروحة ثم حصر الموارد التي يمكن تسخيرها لمعالجته
وتشخيص المطلب االجتماعي المطروح ,و من ثمة تحديد اختيارات الجماعة الترابية ،في
معالجة هذا المطلب بناء على التشخيص الذي أجرته ،وهو أمر دقيق يستلزم معرفة مجموعة
من المعطيات و الظروف املحيطة قصد اختيار القرار أو الحل المالئم ،فاتخاذ التصرف
المناسب هنا ينبع عن سلطة تقديرية تحاول أن تحقق التوازن بين المشكل المطروح من جهة،
واإلمكانيات المتاحة لمواجهته ،و غالبا ما يتطلب مثل هذا االختيار إلماما عميقا بالمشكل و
حيثياته و كل الظروف املحيطة به أو المؤثرة فيه ،وهو ما يجعل السلطات محتاجة أكثرمن أي
وقت مض ى إلى الفاعل المدني ،الذي أصبح يلعب دورا محوريا في هذه المرحلة و يساهم في وضع
مطلب اجتماعي معين ضمن اهتمامات و أجندة المؤسسات المنتخبة ( الفصل ،) 51و ذلك
بتحديد نوع المشاكل التي يعاني منها ،و التعريف بأسبابها و درجة خطورتها و توضيح الصورة
بشكل أفضل لألجهزة الرسمية حتى تستطيع اإللمام بمختلف المطالب و المشاكل المطروحة
و الوقوف على أسبابها الحقيقية ،مما يسهل تحديد نوع و شكل التدخل في معالجة المشكل ،و
على هذا األساس يلعب املجتمع المدني دورا أساسيا في مرحلة إعداد السياسات الترابية ،من
خالل التشخيص الدقيق للمشكل أو المطالب االجتماعية و المر افعة و النضال من أجل جعل
هذا المطلب مبرمجا ضمن الذي أجندة الجماعة الترابية ،باعتماد جملة من اآلليات سنأتي
على ذكرها الحقا .
سيكون دور هذا الشريك أكثر فاعلية لو تم إعطاؤه فرصة المشاركة في تنفيذ الحل
املختارفي السياسة الترابية التي تم اختيارها على أرض الو اقع .
إن الدستور الجديد لم يكتف فقط بالتأكيد على ضرورة إشراك املجتمع المدني في
عملية إعداد وبلورة السياسات ،ولكن أيضا إشراكه في تنفيذها وذلك استجابة للفصول 51
و 51و 517من الدستور.
وبذلك تلي مرحلة اإلعداد مرحلة التنفيذ ،و هي المرحلة األهم في إنتاج السياسات
الترابية حيث يتم تنزيل الحل الذي تم اختياره من عدة حلول على أرض الو اقع ،و يساهم
املجتمع المدني في إرساء هذه المرحلة ،و بالتالي يتحول من فاعل سلبي إلى فاعل إيجابي ،
يساهم في إنجاح تنفيذ هذه السياسات وخلق تواصل فعال مع الساكنة و المواطنين للتخفيف
من حدة عرقلة هذه المشاريع و الوعي بأهميتها و ضرورتها.
-778ذ .حسن بوزيدي ،دور المجتمع المدني بالمغربي في دستور ،8166سلسلة الفرقان 8165 ،العدد 65ص
22:
يعتبرتقييم السياسات الترابية مدخال أساسيا نحو بناء ترسانة املحاسبة والمساءلة عبر
طرح مجموعة من التساؤالت في اتجاه بناء وجهة نظر مجتمعية حول مدى إجابة و استجابة
هذه السياسة لحاجيات املجتمع.
ف مرحلة التقييم هي مرحلة جوهرية في إنتاج السياسة الترابية و األداة الكفيلة بإعطائها
حسا و قيمة مضافة من خالل قياس مدى قدرتها على االستجابة لمطلب اجتماعي.
إن التصور الجديد لتدبير الشأن العام وفق الديمقراطية التشاركية يدفع نحو إشراك
املجتمع المدني إلى إخضاع املخططات والسياسات العمومية للتقييم والمر اقبة ،هذا التوجه
انتقل من الخطاب السياس ي و التأطيرالقانون العادي إلى النص الدستوري(.)779
إن عملية التقييم ال تقف فقط عند رصد االختالالت التي تعتري تطبيق سياسة عمومية
معينة ،بل تتجاوز ذلك نحو تجميع المعطيات حول نجاعة تلك السياسة و تحديد الشروط
الكفيلة بنجاحه .
و يتجلى الدور الهام للمجتمع المدني في مرحلة التقييم في الوقوف على مدى نجاعة
السياسة الترابية في قطاع معين و تحقيقها للنتائج التي وضعتها من خالل رسمها لألهداف في
بداية رسم السياسة الترابية ،وبالتالي الحفاظ على المال العام من التدبير ،كما يعتبر آلية
للمحاسبة والرقابة االجتماعية والشفافية و بالتالي تحقيق حكامة جيدة .
تهدف هذه القوانين التنظيمية إلى إقامة جهوية متقدمة بالمغرب ،كأساس لترسيخ
قواعد الحكامة الجيدة والديمقراطية املحلية والجهوية ،و إفراز نخب مؤهلة لتدبير الشأن
املحلي ،و انبثاق أقطاب اقتصادية وتنموية مندمجة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا في إطار
التضامن و التشارك الوطني .السؤال الذي نطرحه عالقة له بموضوعنا :ماهي اآلليات التي
جاءت بها القوانين التنظيمية إلشراك املجتمع المدني في إنتاج السياسات الترابية ؟
فيما يتعلق بالقانون التنظيمي المتعلق بالجهات نظم المسالة المتعلقة باآلليات
التشاركية للحوار و التشاور في المادتان 556و ، 559حيث نصت المادة 556على أنه "تطبيقا
إلحكام الفقرة األولى من الفصل 517من الدستورتحدث مجالس الجهات آليات تشاركية للحوار
و التشاورلتيسيرمساهمة المواطنات و المواطنين و الجمعيات في إعداد برامج التنمية و تتبعها
طبقا للكيفيات املحددة في النظام الداخلي للجهة" ،و أضافت المادة " 559تحدث لدى مجلس
الجهة 1هيأت استشارية :
-هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات املجتمع المدني تختص بدراسة القضايا الجهوية
المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة و تكافؤ الفرص و مقاربة النوع .
يحدد النظام الداخلي للمجلس تسمية هاته الهيئات و كيفيات تأليفها و تسييرها .
-المالحظة األولى :إن أول ما يثير االنتباه ،هو التضييق الخطير المتمثل في المضمون
الضعيف و املحدود ،الذي حصر فيه واضعو القانون التنظيمي للجهات املحتوى الدستوري
للفصل 517من دستور 1155فهذا األخير يعطي للمواطنين و المواطنات و الجمعيات عبر
اآلليات التشاركية للحوارو التشاورالحق في المساهمة في إعداد برامج التنمية و تتبعها ،بمعنى
إدالء هذه األطراف بدلوها في كل برامج التنمية و تتبعها .فالعبرة حسب الفصل 517بالحضور
في مجال التنمية وليس باآلليات التي تمكن من وصول المواطنين والمواطنات والجمعيات لهذا
الهدف ،في حين أن القانون المنظم للجهات اختزل هذه اآلليات في ثالث هيئات استشارية فقط
،و لكن الخطيرليس في عدد هذه اآلليات التشاركية و إنما في املجاالت التي تغطيها هذه الهيئات
االستشارية ،فقراءة سريعة في مضمون و جوهر اآلليات التشاركية التي سطرها القانون
التنظيمي للجهات تبين أنه غطى فقط الجوانب المتعلقة بالقضايا التالية:
-القضايا الجهوية المرتبطة بتفعيل مبادئ المساواة و تكافئ الفرص مقاربة النوع؛
من خالل هذا القانون التنظيمي نالحظ على أنه حصر مفهوم برامج التنمية الواردة في
الفصل 517من دستور 1155في هذه القضايا .األمر الذي يثير العديد من االستفهامات حول
مفهوم التنمية عند واضعي القوانين التنظيمية للجماعات الترابية؟
و كمالحظة ثانية فإن القضايا أعاله و إن كانت تدخل في مجال برامج التنمية فبكل تأكيد
أنها ال تمس صلب برامج التنمية ،فعمق و صلب برامج التنمية يهم التعليم الصحة
التشغيل...وهذه القضايا لم يتعرض إليها القانون التنظيمي للجهات و لم يضع آليات تمكن
السكان و الجمعيات من التشاورو الحوارحولها.
باإلضافة إلى ما سبق و كمالحظة ثالثة ،فإن كان الفصل 517من دستور 1155لم يحدد
طبيعة اآلليات التشاركية للحوار و التشاور ،فإن القانون التنظيمي اختزلها في الهيئات
االستشارية .و هذا التوجه بدوره غير دقيق ألنه عندما نفكك البناء اللغوي للفصل 517
سنالحظ انه استعمل عبارة "اآلليات التشاركية" بمعنى مساهمة المواطنات و المواطنين
والجمعيات في صناعة القرار في برامج التنمية و إشراكهم في بنائها ،و بالتالي وضع بصمات لهم
في مجاالت التنمية من خالل انشغاالتهم و احتياجاتهم اليومية ،و بأي سند َّ
حول القانون
التنظيمي للجهات حق المواطنين و الجمعيات في إشراكهم في برامج التنمية و تتبعها إلى مجرد
مو اقف وآراء استشارية.
و أخيرا تجدراإلشارة أن اآلليات التي و ضعها القانون التنظيمي للجهات ،هي آليات ذات
طابع استشاري و بالتالي فهي ال تلزم املجلس الجهوي في ش يء بل أكثر من ذلك أن الفصل 517
من الدستور يتحدث عن مساهمة المواطنين و المواطنات في برامج التنمية عبر مرحلتين
:اإلعداد و التتبع ،و لكن اآلليات التي وضعها القانون التنظيمي و المتمثلة في الهيئات الثالثة
لئن اعتبرها تؤمن و لو بطريقة ضعيفة مساهمة المواطنين و الجمعيات في مرحلة اإلعداد فإن
القانون لم يضع اآلليات التي ستمكن من مساهمة هؤالء في تتبع هذه البرامج)780(.
باالنتقال من مسالة مناقشة اآلليات التشاركية إلى مناقشة مسالة العرائض يالحظ أن
الباب الخامس من القانون التنظيمي للجهات و على طول المساحة التشريعية الممتدة من
الفصل 557حتى المادة 511نظم هذا األخيرالعرائض.
ففي ما يخص شروط تقديم العرائض أشار إلى أنه " طبقا ألحكام الفقرة الثانية من
الفصل 517من الدستوريمكن للمواطنات و المواطنين و الجمعيات أن يقدموا و فقا الشروط
املحددة بهذه عرائض يكون الهدف منها مطالبة املجلس بإدراج نقطة تدخل في صالحياته ضمن
جدول أعماله".
و ال يمكن أن يمس موضوع العريضة الثوابت المنصوص عليها في الفصل األول من
الدستور. 781
و بالرجوع إلى الشروط المنظمة بمقتض ى أحكام المادة 515من القانون التنظيمي
الخاص بالجهات ،نجد أن الشرط سيفرزالعديد من المشاكل و سيجعل العالقة متوترة أحيانا
بين املجالس الجهوية و بين الجمعيات لسبب بسيط هو أن هذا الشرط ليس دقيقا و محكما
على مستوى الصيغة ،ألن الجمعيات فيها التي تشتغل على هدف واضح يظهر جليا من خالل
تسميتها (مثل جمعية محاربة الهدر المدرس ي آو الجمعيات التي تشتغل على البيئة )...فهدا
النوع من الجمعيات يمكن بسهولة معرفة مدى ارتباط نشاطها بموضوع العريضة .لكن هناك
من الجمعيات من يظهر من خالل تسميتها أنها تشتغل على كل ش يء وعلى كل الملفات (مثل
الجمعيات التي تشتغل على التنمية ) فالتنمية تشمل كل ش يء و في هذه الحالة يصعب وضع
فواصل حاسمة بين موضوع العريضة و بين نشاط الجمعية الن مجاالت اهتمام الجمعية في
هذه الحالة تشمل كل األنشطة تقريبا.
كما أن الشروط التي وضعها القانون التنظيمي للجهات فيما يتعلق بمقدم العريضة من
قبل الجمعيات تطرح بعض اإلشكاليات :
-5و هي في حالة تقديم العريضة وامتنع الرئيس عن تسليم الوصل المتعلق بإيداع
العريضة ما العمل في هذه الحالة؟ و ما العمل في حالة إذا رفض الرئيس تسلم العريضة بحجة
أن الشروط المنصوص عليها قانونا لم تحترمها الجمعية المعنية؟ فهل الجمعية يمكنها اللجوء
إلى القضاء مباشرة أم يتعين عليها مسطرة التظلم؟
-1تتعلق بالحالة التي يقبل فيها الرئيس العريضة و يمنح الوصل ،و لكنه تراخى في إحالتها
على المكتب للتأكد من استيفائها للشروط المطلوبة قانونا فالقانون التنظيمي للجهات ال يشير
إطالقا إلى اآلجال الفاصلة بين تاريخ إيداع العريضة لدى الرئيس و بين إحالتها على المكتب
لتتضح الصورة أمام أصحاب العريضة حول الطريق الذي سيتبعونه في الدفاع عن العريض
.782
يحدد النظام الداخلي للمجالس تسمية هاته الهيئة و كيفية تأليفها و تسييرها "
انطالقا من هذه األحكام يبدو أن صناع القانون التنظيمي المتعلق بالعماالت و األقاليم
تبنوا فيما يخص " اآلليات التشاركية " هيئة استشارية واحدة مقارنة بالقانون التنظيمي
للجهات األمر الذي يعني أنهم اعتمدوا معيار التمثيلية المبني على االنتخاب فيما يخص هذا
التفاوت و االختالف على مستوى عدد الهيئات ،وهو اعتماد و اعتقاد في غير محله أصال لسبب
بسيط هو أن اآلليات أعاله تندرج ضمن أدوات المنطق التشاركي الذي يختلف عن المنطق
التمثيلي و تصبوا إلى توسيع دائرة التشارك و التشاور.
-782عبد الغني أمريدة .اآلليات التشاركية و العرائض أمام الجماعات الترابية في المغرب مجلة السياسات
العمومية مرجع سابق ص646:
يالحظ أن القانون التنظيمي للجماعات ،فيما يتعلق باآلليات التشاركية نص على أن
تحدث لدى مجلس الجماعة هيئة استشارية بشراكة مع فعاليات املجتمع المدني تختص
بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤالقرص ومقاربة النوع وتسمى "هيئة
المساواة و تكافؤ الفرص و مقاربة النوع"
يحدد النظام الداخلي للمجلس كيفيات تأليف هذه الهيئة و تسيرها ".
يبدو أن الجماعات في المغرب ،لم تستفد كثيرا من مستجدات دستور 1155في الباب
المتعلق باآلليات التشاركية ،مقارنة بالباقي ،حيث أحدث لها هيئة استشارية واحدة هي هيئة
كانت موجودة تقريبا في الميثاق الجماعي السابق.
إن رغبة المشرع في االنفتاح على فعاليات املجتمع المدني من جمعيات و منظمات غير
حكومية ،و الساكنة المعنية؛ لهو دليل قاطع على األعطاب التي خلفتها الديموقراطية
التمثيلية ،فكان الرهان حول سمو الديموقراطية التشاركية و جاهزيتها كمكمل لألولى،
و بالتالي فالفاعل المدني أصبح يتمتع بأدوار أساسية في بلورة و تنفيذ السياسات
العمومية الترابية.
نية المشرع في تعزيزمبدأ االنفتاح ،وذلك بالنص على إحداث هيئات استشارية بشراكة
مع فعاليات املجتمع المدني ،و هل الفئات الممثلة في الهيئات يتم اختيارها على أساس الكفاءة
والنزاهة ،أم أن األمر يستدعي تو افقات و تقديم المصالح الشخصية عن المصلحة العامة؟ و
ماذا عن طريقة االختيار ،هل ستتم بطريقة ديموقراطية تحتكم االنتخاب ،أم التعيين هومآلها؟
رغبة المشرع في منح فعاليات من املجتمع المدني صفة االقتراح ،و بالتالي غلب على
الهيئة الطابع االستشاري دون التمتع بالصفة التقريرية .783
تعبئة المواطن قصد تنمية الوعي التشاركي من أجل المصلحة املحلية العامة ،وتنظيم
مشاركته في تحسين ظروف العيش ،والحفاظ على البيئة و إنعاش التضامن وتنمية
الحركة الجمعوية المواطنة.
/ 783عبد الرحمان الماضي ،أطروحة دكتوراه في القانون العام تحت عنوان :الحكامة الترابية التشاركية ،السنة
الجامعية ، 62/8168صص .824 ،825 :
خاتمة :
ال شك أن دور املجتمع المدني في الدستور الجديد ،تقوى كثيرا خصوصا عندما أفرد له
الدستور بضعة فصول ،حيث اعترف بأهمية دور املجتمع المدني في إعداد و تنفيذ و تقييم
السياسات العمومية والترابية ،فمتى كان املجتمع المدني فاعال أساسيا في جميع هذه المراحل،
كلما كان له دور أساس ي في تلبية حاجيات شريحة كبيرة من املجتمع ،وكذلك في تخليق الحياة
العامة والتقليل من إمكانيات التالعب بمصالح المواطنين ،لوجود من يدافع عنهم و يحارب كل
أشكال الفساد الذي يتفش ى بالمر افق العمومية .
لكن و اقع الحال و على مستوى الممارسة ،نجد أن املجتمع المدني يعيش محنة
حقيقية ،ألن الدستور لم يوضح له طريقة المشاركة ،على اعتبار أنه القانون األسمى ،الذي
يتضمن عموميات ال مسائل خاصة ،و ترك األمر للقوانين التنظيمية لتحدد كيفية المشاركة
لتفعيل أدوار املجتمع المدني ،السؤال الذي يمكن طرحه هنا هو :هل بالفعل أن ما جاءت به
هذه القوانين التنظيمية يرض ي طموحات هيئات املجتمع المدني و يعكس بالفعل البعد
التشاركي بكل تجلياته ،أم جاءت لتقنن و تقيد المشاركة بوضعها ملجموعة من الشروط بعضها
يقيد أكثرمما ييسر؟
وبالتالي يمكن القول على أن دستور 1155كان ر اقيا ومتقدما فيما يتعلق بمجال الحقوق
والحريات ،ولكن القوانين التنظيمية المنزلة للمقتضيات الدستورية ،فيما يخص مشاركة
المواطنين وهيئات املجتمع المدني في إعداد وبلورة السياسات العمومية ال ترقى إلى مستوى
الوثيقة الدستورية.
و في ختام هذه الدراسة التي طرحت إشكالية مشاركة هيئات املجتمع المدني في تدبير
الشأن املحلي يمكننا القول إن عملية إعادة الثقة للفرد واملجتمع المدني ورسم معالم جديدة
لعالقة أكثر انفتاحا مع الدولة يمكن أن تنجز فقط في إطار التنسيق والتعاون ما بين املجتمع
المدني بكل تشكيالته ومنظماته وما بين الفاعل الرسمي وغير الرسمي ،ومشاركة جميع
الفعاليات السياسية والمدنية والحقوقية واإلعالمية وتوحيد جهود جميع شرائح املجتمع في
إطار الديمقراطية التشاركية ،من خالل تنزيل سليم لمقتضيات الدستور والتعبير عن إرادة
حقيقة من قبل الدولة في إشراك املجتمع المدني في إعداد وبلورة وتقييم السياسات العمومية
.
المراجع :
عبد الرحمان الماض ي ،أطروحة دكتوراه في القانون العام تحت عنوان:
الحكامة الترابية التشاركية ،جامعة الحسن األول بسطات ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،السنة الجامعية .1151/1151
رشيد لصفر ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام _التدبير ألتشاركي
لشان العام املحلي الجماعات الحضرية و القروية نموذجا سنة . 1151_1117
محمد اليعكوبي ،التصورالجديد لدوراملجلس الجماعي على ضوء القانون رقم
، 97.11املجلة المغربية لإلدارة املحلية و التنمية العدد .1111 11
عبد الغني أمريدة ،اآلليات التشاركية والعرائض أمام الجماعات الترابية في
المغرب ،مجلة السياسات العمومية.
مقاالت وأبحاث
قانونية وقضائية
باللغة الفرنسية
784
A. CHEVALLIER, Les banques de groupes, les petites affiches, 1988.
785
K. OHAMA, "Les banques de groupe en France", PUF, Coll; Gestion, 1991.
é é é
Résumé
Le droit des sociétés en Syrie s’est développé trop doucement. En
effet, la précédente période législative en Syrie s’est caractérisée par
l’émanation de plusieurs législations couronnées enfin par l’ordonnance
législative n° 29, année 2011. En fait, la législation commerciale
syrienne n’a connu le développement que par l’émanation de cette
ordonnance. Ces développements se sont traduits essentiellement par
l’adoption de nouvelles formes sociales, surtout la société
unipersonnelle. Cependant, le droit syrien se caractérise toujours, malgré
son évolution, par la stagnation par rapport aux législations
commerciales modernes. Ce droit ignore encore à ce jour certaines
formes sociétaires, bien connues aujourd'hui dans le monde des sociétés,
à savoir la société par actions simplifiée. Ainsi, cette recherche vise
principalement à faire une étude brève des dispositions essentiels du
droit des sociétés commerciales syrien, et de jeter un coup d’oïl sur les
dispositions principales concernant les sociétés en général et les
caractéristiques principales de celles-ci.
Mots clés : sociétés commerciales- droit syrien- développement
législatif.
786
Maurice Cozian, Alain Viandier, Florence Deboissy, Manuel de droit des sociétés, 26ème éd. Litec
(LexisNexis), 2013, extrait de l'introduction.
787
P. LE Canu, B. Dondero, Droit des sociétés, 5ème, éd. LGDJ,2013. P. 19.
partager les bénéfices et les pertes qui peuvent en résulter. C'est le contrat
de société.
La personnalité morale : de la rencontre des personnes physiques
ayant réunis leurs volontés, se crée une personne morale, différente des
premières et surtout indépendante. En effet, cette nouvelle société a une
personnalité distincte de celles de chacun de ses membres. C’est cette
fiction juridique, admise et consacrée par toutes les législations
modernes de la plupart des pays du monde, ce qui place la société, entité
juridique autonome dans une place privilégiée. En raison de sa nature
spécifique assez complexe, la société n'est plus constituée simplement
d’un simple contrat créant des droits en faveur des parties et mettant des
obligations à leur charge, mais le contrat de société a pour objet principal
de faire naitre (créer) une personnalité morale distincte de celle de
chacun de ses parties (les associés). Cette personnalité juridique propre
de la société fait de celle-ci une institution organisée et durable, en vue
d'un objectif déterminé.
1.3 Définition et domaine du droit des sociétés
On entend par le droit des sociétés788, l'ensemble des règles
juridiques qui définissent les conditions générales et particulières, de
création, d’organisation et de fonctionnement de la société, entendu dans
son sens purement juridique et procédural particulier à ce domaine. Ce
droit peut être considéré alors comme l'ensemble des règles qui régissent
la vie des sociétés de leur naissance à leur mort par la liquidation 789
788
Ph. Merle, A. Fauchon, Droit commercial- sociétés commerciales, Précis Dalloz, édition 2022-2023.
789
David Calfoun, L'essentiel du droit des sociétés, édition 3, 2022, GUALINO Lextenso, Paris, France.
« Cette branche du droit régit les différentes étapes de la vie des sociétés
ainsi que les relations entre les acteurs du fonctionnement de ces
groupements : dirigeants, associés, organes de contrôle, etc. La matière,
très riche du point de vue théorique (personnalité morale, vote
majoritaire, intérêt social, règles propres aux sociétés cotées en bourse,
gouvernement d'entreprise, par exemple), a également un important
intérêt pratique, détenant la clé des problèmes juridiques les plus
cruciaux du droit des affaires (…) »790 . « On l’enseigne le plus souvent
autour de deux axes : les règles générales applicables à toute société, puis
les règles spéciales propres à chaque forme sociale »791. « C’est un droit
« géniteur » dont la maîtrise permet de donner naissance à des personne
morales, qui vont être des acteurs essentiels de la vie économique et
sociale »792. Ces acteurs sont en réalité les sociétés.
Le droit des sociétés est une matière fondamentale du droit des
affaires. Il constitue une branche importante et spécifique d'un droit
complexe qui s'appelle le droit des affaires et droit économique. Ces
deux terminologies sont, d'ailleurs, utilisées habituellement ensemble
l'une à côté de l'autre (coude à coude) dans les manuels et programmes
universitaires concernant la matière commerciale793. En fait, la
terminologie juridique classique utilisée dans le domaine commercial est
le droit commercial. Toutefois les manuels et les programmes
universitaires en la matière font aujourd'hui fréquemment référence à la
790
Bruno Dondero, Droit des sociétés, 3ème éd. DALLOZ 2013, descrip. Ouvr.
791
M.-H. Monserrie-Bon et L. Grosclaude, Droit des sociétés et des groupements, LGDJ, 2ème éd.
2013, P. 3.
792
Ibid.
793
Yves Guyon, Droit des affaires, tome 1 : Droit commercial général et sociétés, édition 12,
Economica, Paris, 2003.
794
Braud Alexandre , L'essentiel du droit commercial et des affaires , 5ème éd., GAULINO,2013-
2014,descrip. Ouvr. V. Egalement, Dominique Legeais, Droit commercial et des affaires, SIREY,20ème
éd. 2012.
795
I. Pilard, Droit des affaires : définition simple, études et débouchés, JDN, 2023.
Droit des sociétés- manuel et applications, DUNOD, éd. ,796France Guiramand, Alain Héraud
2013/2014, P.4.
797
Ibid.
798
Ibid.
799
Ibid. P.3.
fin à sa vie. Alors, selon cette conception, c'est le contrat qui donne
naissance à la société et c'est lui qui organise toute la vie sociale ; il
organise les relations entre les associés eux-mêmes, les relations entre
les associés et la société et enfin, les rapports des associés et la société
envers les tiers. Le contrat est donc la pierre de touche des droits et des
obligations des associés.
Cette conception a été appuyée par une consécration législative.
En effet, le législateur des différents pays arabes et étrangers a adopté
cette conception dans sa définition de la société. Et le législateur syrien
ne faisant exception ; ainsi, il définit la société, dans son article 473 du
code civil comme “ un contrat par lequel deux ou plusieurs personnes
conviennent de participer à une entreprise commune par l'affectation des
biens ou leur industrie, afin de partager les bénéfices et les pertes qui
peuvent en résulter". En effet, la conception contractuelle de la société
apparaît clairement dans les sociétés de personnes où l'intuitu personae
et l'affectio societatis sont très marqués. Ces deux notions constituent
l'âme de la société de personnes ; ils jouent un rôle primordial durant
toute la vie sociale. Elles conditionnent la vie et la continuité de la
société. Alors, la bonne entente des associés assure l'existence et la vie
de la société et garantit le bon fonctionnement de celle-ci, en revanche,
la mésentente mène vers un terme à la volonté de coopérer. En
conséquence, la vie de la société s'attache à la volonté et au bon vouloir
des associés. Comme la société est née par un accord, elle peut mourir
par un accord.
2.2.1.2 La conception institutionnelle de la société
800
Art., 53, ord. Lég. N° /29/, 2011.
fonctionne sous une raison sociale. Elle est constituée entre deux ou
plusieurs associés qui sont responsables personnellement et
solidairement des obligations et dettes sociales".
3.2.1.1.2 Caractéristiques :
La société en nom collectif est l'exemple type des sociétés de
personnes, car elle englobe tous les éléments essentiels caractérisant ces
sociétés, et surtout le caractère personnel de la société. L'intuitu personae
gouverne toute la vie sociale de cette société (de sa naissance et jusque
sa mort). Cette société constitue la forme juridique la plus convenable
des petites entreprises économiques, et surtout les entreprises familiales.
Société fonctionnant sous une raison sociale, celle-ci est l'appellation
sous laquelle la société elle fonctionne. Elle est formée des noms
patronymiques de tous les associés ou de certains d'entre eux avec
l'addition du terme " et ses associés".
Le statut de l'associé dans la SNC est caractérisé par deux
éléments fondamentaux : 1- L’acquisition de l'associé de la qualité de
commerçant. Ainsi, en cas de faillite de la société, ce cas extrême
remonte inéluctablement à la faillite des associés801 . 2- La responsabilité
personnelle et solidaire des associés est la caractéristique la plus
importante de cette forme sociale. Les associés sont responsables
personnellement et solidairement de toutes les obligations et dettes
sociales. Elle constitue l'exemple type des sociétés à risque illimités ; les
risques sociaux sont, dans cette forme sociale, indéfinie et de plus,
aggravés par le caractère solidaire de l'engagement des associés.
801
Art.29, al.2-3, ord. Lég. N° 29, 2011.
la connaissance des tiers et son existence est limitée entre les parties
contractants".
3.2.1.3.2 Caractéristiques :
Le caractère occulte de la SEP est la caractéristique la plus marquée
de cette société. Elle est créée pour rester secrète, non révélée ou publiée,
et de ce fait non portée à la connaissance du public. Le plus souvent, elle
est créée par défaut, c'est-à-dire par le non-respect des formalités
nécessaires à la création ou au fonctionnement de la société. C'est la
société qui a légalement un caractère occulte, c'est une société sans
personnalité morale. A défaut de cette dernière, la société n'a pas de
patrimoine propre et les associés restent alors propriétaires des biens
qu'ils mettent à la disposition de la société. En conséquence, chaque
associé agit en son nom personnel et il est seul engagé à l'égard des tiers.
Ainsi, les tiers n'ont pas de relation juridique avec la société, mais
seulement avec l'associé contractant. Si la société se dévoile aux yeux
des tiers, elle perd donc sa qualification juridique en tant que société en
participation et elle peut être traitée comme une société de fait.
Société à courte durée, la société en participation est une société
sans personnalité morale. C'est une des caractéristiques importante et
marquée de cette société. Ainsi, sans personnalité morale, la société n'est
pas soumise aux mesures de publication et d'immatriculation imposées
aux autres sociétés802. Sans personnalité morale, il n'y a pas
d'immatriculation. La SEP n'a donc pas de raison sociale, pas de
patrimoine propre, pas de siège social. Elle ne peut non plus ester en
802
Art. 51, al. 2, ord. Lég. N° 29, 2011.
803
Art.52, ord. Lég. N° 29, 2011.
804
V. Spéc. Laure Siné, Le petit Droit des sociétés - Les notions clés en 20 fiches, DUNOD, éd., 2014 .
805
Art. 55, al. 1, ord. Lég. N° 29, 2011.
806
Art. 55, al.4, ord. Lég. N° 29, 2011.
dans cette société. Elle est souvent constituée entre des associés peu
nombreux, son capital est divisé en parts sociales non négociables. La
cession des parts sociales aux tiers peut faire l'objet d'un agrément, alors
que la cession de ces parts entre associés reste libre. Toutefois, la SARL
emprunte certains caractères aux sociétés de capitaux, surtout la
responsabilité limitée des associés. Ainsi, la responsabilité des associés
est limitée à leur apport, ce qui est une des caractéristiques la plus
marquée des sociétés de capitaux. La responsabilité des associés est
limitée au montant de leur apport, et la dénomination de cette société doit
être suivie par le terme de " société à responsabilité limitée". La SARL
ne comprend alors que des associés responsables uniquement dans la
limite de leur apport. La solvabilité de la société est donc liée au seul
montant des apports reçus. Le capital social est divisé en parts sociales
équitables et non négociables807 .Ce capital peut être uniquement sous la
forme d’apports en numéraire ou en nature. Les apports en industrie y
sont interdits.
Une des caractéristiques principales de cette société c’est que cette
société peut prendre la forme d'une société à responsabilité limitée
unipersonnelle. Le droit syrien a innové dans ce domaine ; il a permis la
constitution de société à responsabilité limitée n’ayant qu’une seule
personne, et cette société, dans ce cas, prendra l’appellation de société
unipersonnelle à responsabilité limitée (SURL).
807
Art. 56, al. 5, ord. Lég. N° 29, 2011.
808
Art. 74, ord. Lég. N° 29, 2011.
809
Art. 86, al. 2, ord. Lég. N° 29, 2011.
810
Art. 148, al.1, ord. Lég. N° 29, 2011.
811
Art. 167, ord. Lég. N° 29, 2011.
812
Art. 171, al. 1, ord. Lég. N° 29, 2011.
813
Art. 171, al. 2, ord. Lég. N°29, 2011.
814
Art. 98-99. Ord. Lég. N°29, 2011.
815
Art.91, al. 1-2-3, ord. Lég. N°29, 2011.
816
V. Sur cette société, spec. H. Alhoussari, L’autonomisation de la SAS, thèse, université de Rennes I,
2019, P.-H. CONAC, La société par actions simplifiée (SAS)- Bilan et perspectives, Col., Dalloz, 2016,
p. 1. J. Paillusseau," La nouvelle société par actions simplifiée-Le big bang du droit des sociétés (1er
partie)", art. D.Aff. n. 175, 23 sep. 1999, p. 1354, C. Cujatar, " De l'EURL à la SASU ou du big bang à la
transfiguration du concept de société par l'unipersonnalité ", Pet. Aff. 2000, n. 185, P.52, Didier Vallete, "
contexte et méthode de l'adoption du nouveau régime de la société par actions simplifiée (Art. 3 de la loi
du 12 juillet 1999), présentation du dispositif", Rev. Soc. Av. juin. 2000, P.215, P. Le Cannu, " La SAS
pour tous (loi n. 99-587, 12 juillet 1999, art. 3)", chron. 198, Bull. july, soc. Août -sep. 1999, p.841.
817
B. Jadaud, « Société en participation et sociétés et créées de fait de », J.C. sociétés, Fas. 44-F, n° 7,
Cozian, Viandier et Deboissey, Droit des sociétés, éd. Litec.2001, DIDIER, P., L'entreprise en société,
T.2, PUF, 1997.P. 546.
818
HOUIN, Rapport général sur les situations de fait, Travaux de l'association Henri CAPITANT, T. XI,
1957, P. 322.
M. ,819Y. Chartier, '' La société dans le code civil après la loi du 4 jan. 1978'', JCP. G. 1978, n° 410
Gaudemaris, '' Théorie de l'apparence et sociétés'', Rev., soc. 1991, P. 465, LUCAS, F., '' la société dite
créée de fait'', Mél., GUYON, Dalloz, 2003, P. 737, M. Raimon, « Les sociétés non immatriculées et
l'engagement des associes vis à vis des tiers », Gaz., Pal., 21 déc. 2000.
820
Savatier, note sous Trib., civ., Seine, 3 mai 1922, DP., 1924, 209.
821
J. Vallansan, et E. Morvieux, « Société en participation et société créée de fait », GLN Joly, coll.
Pratique des affaires, 1996.
822
R. Contin, Droit commercial, I, les entreprises commerciales, Paris, PUF, 1978, P. 57.
823
J. M. Bermond de Vaulx, « L’empire des faits et l’émergence de la notion de société », D. 1996,
Chron. P. 185. V. aussi F. X. Lucas, « La société dite créée de fait », Mél. GUYON, Dalloz 2003, P.
737, P. LE Cannu, Droit des sociétés, Montchrestien, 2002, n°1383).
824
J.J. Daigre, note sous CA., Versailles 17 mars 2000, Bull., Joly 2000, P. 874, G. Gibirila, note sous
Cass., Com., 16 juin 1998, Defrénois, 1999, art., 36959.
825
M. Cozian, A. Viandier, F. Deboissy, Manuel de droit des sociétés, op. cit, extrait de l'introduction,
seule monnaie. Cette relation forte entre ces deux sociétés a poussé
certains auteurs à dire que la société unipersonnelle est le fils unique de
la SARL826.
La société unipersonnelle doit être distinguée de l'entreprise
individuelle. La société unipersonnelle a pour but principal d'accorder à
l'investisseur individuel la possibilité de profiter de la responsabilité
limitée qui n'existe pas dans le cadre de l'entreprise individuelle et cela à
cause de l'absence de la personnalité morale de celle-ci. La société
unipersonnelle se distingue ainsi, et spécialement, de l'entreprise
individuelle par la faculté de profiter du système de la responsabilité
limitée. En effet, dans la société unipersonnelle l'investisseur n'est
responsable des dettes sociales qu’à la hauteur de son apport fait à la
société. Tandis que l'entreprise individuelle expose l'investisseur aux
risques de la responsabilité illimitée (absolue). Faut de la personnalité
morale de l'entreprise individuelle, l'investisseur est responsable, en
toute sa fortune actuelle et future, des obligations et des dettes résultant
de l'investissement de l'entreprise individuelle. La société unipersonnelle
est alors le moteur principal d'encourager les investissements individuels
sans subir le risque de la responsabilité absolue. Cette société constitue
la soupape de sécurité pour l'investisseur individuel, car elle lui permet
de profiter du système de la responsabilité limitée et échapper donc au
fantôme de la responsabilité absolue. La société unipersonnelle joue
alors, de cette façon, un rôle vital dans l'activisme du mouvement
d'investissement et plus spécialement dans les pays sous-développés où
826
Férderic Zenati, "Législation Française et communautaire en matière de droit privé, commentaire de
la loi du 11 Janvier 1985, Rev. Trim. Dr. Civ. 1985, p. 77.
827
J. Paillusseau, La société anonyme, Technique d´organisation de l'entreprise, th. Paris, 1967, P.3,
Randoux, " Le droit des sociétés à la recherche d’un nécessaire équilibre, Rev. Soc. 2000, P.105.
828
EURL : entreprise unipersonnelle à responsabilité limitée (loi, 1985), EARLU : exploitation agricole à
responsabilité limitée unipersonnelle, SASU : société par actions simplifiée unipersonnelle (loi, 1999),
SELARLU : société d'exercice libérale à responsabilité limitée unipersonnelle, SUIR : société
unipersonnelle d'investissement à risque (loi, 2004). V. Pour la SASU, en particulier, J. Paillusseau," La
nouvelle société par actions simplifiée-Le big bang du droit des sociétés (1er partie)", art. D.Aff. n. 175,
23 sep. 1999, p. 1354; " La nouvelle société par actions simplifiée-Le big bang du droit des sociétés
(suite)", art. D.Aff. n. 176, 30 sep. 1999, p. 1385, C. Cujatar, " De l'EURL à la SASU ou du big bang à la
transfiguration du concept de société par l'unipersonnalité", Pet.Aff. 2000, n. 185, P.52, D. Vallete, "
Contexte et méthode de l'adoption du nouveau régime de la société par actions simplifiée (Art. 3 de la
loi du 12 juillet 1999), présentation du dispositif", Rev. Soc. Av. juin. 2000, P.215, P. Le Cannu, " La SAS
pour tous (loi n. 99-587, 12 juillet 1999, art. 3)", chron. 198, Bull. july, soc. Août -sep. 1999, p.841.
829
Art. 55, al. 2-3, ord. Leg. N, 29,2011.
830
Art. 55, al.,2-3, ord. Leg. N, 29, 2011.
831
Il est donc difficile de l’exclure de celle-ci par l’assemblé des associés. Qualifiée de "monstruosité
juridique" violant les droits fondamentaux des associés, son admission en tant que principe général est
encore litigieuse. V. Sur ce sujet, Salma khaled S. Exclusion d'un associe dans les sociétés commerciales
à la lumière de la modification du code des sociétés commerciales par la loi du 16 mars 2009, Maison
du livre, 2013, Tunis. V. Egalement sur le bon usage des clauses d’exclusion dans la SAS, R. Dalmau, Du
bon usage des clauses d’exclusion dans les SAS – A propos de décisions récentes, Option Finance, 2023,
N. 1700.
832
Sur le contenu du droit de participer aux décisions collectives, v. C. KOERING, La règle « une action-
une voix », thèse Paris I, 2000, n° 366.
833
Béatrice et Francis Grandguillot, L'essentiel du droit des sociétés, 12ème éd., GAULINO, 2014, P.
17.
834
Ibid.
sociales. Au contraire, dans les sociétés par actions et les SARL, l'apport
limite les obligations des associés.
5.1.1.2 La participation et le partage des bénéfices et des
pertes
C'est le deuxième élément fondamental de la société. La recherche
et la réalisation des bénéfices constituent le but historique et essentiel de
la société. Cela permet en effet de distinguer la société des autres
groupements dont le but reste essentiellement marqué par le
désintéressement financier, comme l'association.
Chaque associé doit avoir vocation à participer aux résultats
sociaux. Cette participation prend en effet deux formes : la participation
aux bénéfices et la participation aux pertes. Chaque associé a le droit de
profiter des bénéfices réalisés par la société dont il est un de ses
membres. Cette participation positive aux résultats sociaux constitue la
contrepartie de son apport. Elle est donc un des droits et avantages
essentiels que confère la qualité d'associé. La deuxième face de la
participation aux résultats sociaux est la participation aux pertes sociales.
C'est la participation négative aux résultats sociétaires. Chaque associé
doit partager avec les autres associés les bénéfices et les pertes de la
société. Si la participation au partage des bénéfices de la société constitue
un des droits essentiels de l'associé, la participation au partage des pertes
sociales est une des obligations fondamentales qu'impose la qualité
d'associé. Le défaut de cette participation aux pertes conduit donc parfois
à l'inexistence de la qualité d'associé et par conséquent à celle de la
société.
835
V. En particulier, J. DE Bermond DE Vaulx, « Le spectre de l’affectio societatis », JCP. E. I, Etudes
et Chron. 346, P. 183, J. DE Bermond DE Vaulx, « A propos d’une conception exaltée de l’affectio
societatis », note sous CA Poitiers, 25 Mars 1992, Dr. Soc. Av. 1993, N 4, N. Reboul, « Remarques sur
une notion conceptuelle et fonctionnelle : l’affectio societatis », Rev. Soc. 2000, P. 426, Y. Guyon,
« Affectio societatis », refendu par N. Reboul, Juris. Class. Sociétés, Fasc. 20-10, 2, 2000, N 1, P. 2, N.
Thibierge, « De l’affectio societatis », in Liber amicorum Georges Daublon, Ed. Defrénois, 2001, P.
313.
836
V. sur ce sujet, Christophe VENZON, L’AFFECTIO SOCIETATIS, Mémoire DEA de droit des affaires,
2003, Faculté de droit, de sciences politiques et de gestion de Strasbourg, Université Robert Schuman.
Comme l’affirme fort bien M. le Professeur Cozian « on en appelle à l’affectio societatis en cas de
837
838
Art. 17, al. 1, ord. Lég. N° 29, 2011.
839
Art. 17, al. 2, ord. Lég. N °29, 2011.
840
Art. 3, al. 1, ord. Lég. N °29, 2011.
841
Art. 4, al.1, ord. Lég. N °29, 2011.
L'article 8 de l’ordonnance législative, n° 29, 2011 dispose que " le certificat d'inscription de la
842
société ...doit contenir les informations suivantes : 1-numéros d'inscription, 2- nom de la société, 3-
forme de la société,4- sorte de la société, 5- objet de la société, 6- durée de la société, 7- capital de la
société,8- centre de la société, 9- nom des directeurs ou des membres du conseil d'administration…etc..".
843
Art. 3, al.2, ord. Lég. N °29, 2011
844
Art.3, al.3. Ord. Lég. N °29, 2011.
845
Art. 13, al. 2, ord. Lég. N °29, 2011.
de la société : par exemple, dans les sociétés anonymes, ce nom est pris
de son objet avec l'addition du terme société anonyme privée ou
publique846, en plus, il est interdit que le nom de la SA soit pris du nom
de n'importe quelle personne, sauf dans le cas où l'objet de cette société
est l'investissement d'un brevet d'invention inscrit légalement au nom de
cette personne847. Il en va de même de la SARL où il faut ajouter au nom
de la société le terme : société à responsabilité limitée 848. Cette
appellation sociale peut également être prise des noms des associés ou
des noms de certains d'entre eux, et dans ce cas, on est en présence du
titre social. Ce dernier concerne les sociétés de personnes où prédomine
l'intuitu personae. En tout cas, le nom social ne doit pas être contraire
aux mœurs et à l'ordre public. Il est à noter que la société a également
une nationalité propre. Cela veut dire que la personnalité morale de la
société lui donne un état civil propre et distinct.
5.1.3.4 Intensité et limites de la personnalité morale
Le législateur a offert la personnalité morale à la société pour
réaliser son objet. Cela veut dire que la société jouit, durant toute la vie
sociétaire, de la naissance jusqu'à la mort, d'une personnalité morale
complète (absolue) afin d'effectuer tous les actes juridiques et toutes les
activités et les affaires indispensables à ce but.
En effet, la personnalité juridique de la société peut, pendant des
périodes précises de la vie sociale, être limitée. Ces périodes sont : la
période de constitution et celle de liquidation. La personnalité morale de
846
Art. 88, al. 2, ord. Lég. N °29, 2011.
Art. 88, al.1, ord. Lég. . N °29, 2011. 847
848
Art. 57, al.1, ord. Lég. N °29, 2011.
849
Art. 20, ord. Lég. N °29, 2011.
850
Art. 28, ord. Lég. N °29, 2011.
851
Art. 24, N° 5, ord. Lég. N °29, 2011.
852
Art. 23, ord. Lég. N °29, 2011.
6. Conclusion
853
Art. 21, N° 1, ord. Lég. N °29, 2011.
854
Art. 21, N° 2, ord. Lég. N °29, 2011.
855
Art. 21, N° 4, ord. Lég. N °29, 2011.
856
Art. 21, N° 3, ord. Lég. N °29, 2011.
ou moins, depuis longtemps dans les droits des sociétés modernes qui
s’intéressent et suivent les progrès du monde des affaires commerciales
mondiales.
Cependant, il convient de noter que le droit des sociétés
commerciales syrien se caractérise toujours, malgré son évolution, par le
retard et la stagnation par rapport aux législations commerciales
modernes. La loi syrienne ignore encore à ce jour certaines formes
sociétaires modernes, bien connues et très efficaces aujourd'hui dans le
monde des affaires et des sociétés, à savoir la société par actions
simplifiée (SAS).
Bibliographie
I- Traité et ouvrages généraux
A. Constantin, Droit des sociétés, Mémento Dalloz, 5èmeéd. 2012.
B. Alexandre , L'essentiel du droit commercial et des affaires ,
5ème éd., GAULINO, 2013-2014 .
B. Dondero, Droit des sociétés, DALLOZ ,3ème éd.2013.
B. et F. Grandguillot, L'essentiel du droit des sociétés,12ème, éd.,
GAULINO,2014.
D. Calfoun, L'essentiel du droit des sociétés, édition 3, GUALINO
Lextenso, 2022.
D. Legeais, Droit commercial et des affaires, SIREY,20ème éd.
2012.
D. Vidal, Droit des sociétés, 7ème, éd. LGDJ, 2010.
F. X. Lucas, Droit commercial, Actes de commerce- Commerçants-
Fond de commerce, Montchrestien, Focus Droit 1998.
J.J. Daigre, note sous CA., Versailles 17 mars 2000, Bull., Joly
2000, P. 874.
M. Gaudemaris, '' Théorie de l'apparence et sociétés'', Rev., soc.
1991, P. 465.
M. Raimon, « Les sociétés non immatriculées et l'engagement des
associes vis à vis des tiers », Gaz., Pal., 21 déc. 2000.
N. Reboul, « Remarques sur une notion conceptuelle et
fonctionnelle : l’affectio societatis », Rev. Soc. 2000, P. 426.
N. Thibierge, « De l’affectio societatis », in Liber amicorum
Georges Daublon, Ed. Defrénois, 2001, P. 313.
P. Le Cannu, " La SAS pour tous (loi n. 99-587, 12 juillet 1999, art.
3)", chron. 198, Bull. july, soc. Août -sep. 1999, p.841; obs. sous Cass.
Com. 4 oct. 1994, D. 1995, P. 465, Defrénois 1995, P. 249.
R. Dalmau, Du bon usage des clauses d’exclusion dans les SAS –
A propos de décisions récentes, Option Finance, 2023, N. 1700.
Randoux, " Le droit des sociétés à la recherche d’un nécessaire
équilibre, Rev. Soc. 2000, P.105.
Savatier, note sous Trib., civ., Seine, 3 mai 1922, DP., 1924, 209.
Y. Chartier, '' La société dans le code civil après la loi du 4 jan.
1978'', JCP. G. 1978, n° 410.
Y. Guyon, « Affectio societatis », refendu par N. REBOUL, Juris.
Class. Sociétés, Fasc. 20-10, 2, 2000, N 1, P. 2.
857
https://www.netapp.com/fr/artificial-intelligence/what-is-artificial- intelligence/#.text-
L'intelligence%20artificielle %20 (1A), agir%20comme%20des%20%C3%AAtres%20humains. & text-
Des%20syst%C3%A8mes%20informatiques (Consulté le 02/11/2021)
Le droit des affaires est une matière très vague, c'est pour cette
raison qu'une délimitation sera nécessaire.
Cependant, le monde des affaires est un monde basé sur des
réglementations bien précises où le législateur à essayer de tout
réglementer, afin d'assurer une bonne exploitation des entreprises
ainsi une protection de toutes les parties de ce monde en amont, les
commerçants personnes morales ou physiques, en aval, les
consommateurs autant qu'une partie faible dans le domaine tout ça
par le biais du contrat qui est le seul outil de toute les relations.
Ainsi, en analysant le marché, nous constatons que c'est un
jeu très dur, où toute faute peut être fatale, et par conséquent,
l'expulsion du jeu. Le marché est très compétitif, où les entreprises
sont appelées à suivre le rythme dès leurs pénétrations sous peine
d'être sanctionnées soit par les concurrents ou les consommateurs.
D'ailleurs, c’est pour ces raisons que le contrat peut être
considéré comme le pédale des affaires, alors que la concurrence
comme le moteur des affaires.
Nous allons essayer de mettre en œuvre la relation entre l'IA
et le contrat, pour aller vers l'impact de l'IA sur la compétitivité du
marché
Le contrat vecteur essentielle pour l'Intelligence
Artificielle
858 Mostapha MEKKI, « Intelligence Artificielle et Contrat(s) », in Droit de l'Intelligence Artificielle, ouvrage collectif
862 La procédure linéaire classique est la rencontre d'une offre et d'une acceptation, son objectif fondamental est
l'existence d'un consentement libre et éclairé pour un exercice plein et entier de la liberté contractuelle.
863 Accord de principe : Accord de différentes personnes s'engageant à concourir de bonne foi pour l'élaboration
d'un contrat dont le cadre est fixé dès l'origine et dont les conditions restent à déterminer
Accord partiel : accord intervenant sur des éléments distincts du contrat envisage.
864 Mustapha MEKKI, « Intelligence Artificielle et Contrat(s) » Op.cit., P : 141
865 Une legal tech est un Legal Technology, anglicisme signifiant « technologie juridique ». Ces legaltechs ont vu le
jour aux Etats-Unis avec l'apparition de RocketLawyer et Legalzoom qui sont venues bouleverser les pratiques
traditionnelles des praticiens du droit. Elles permettent, en faisant usage de la technologie et de logiciels
performants, d'offrir une large palette de services juridiques aux internautes grâce à des algorithmes de génération
documentaire. Le but poursuivi par ces legaltechs est d'automatiser le service juridique et donc d'instaurer de cette
manière une nouvelle relation entre le client et le professionnel du droit
- Diagnostiqueurs ;
- Titulaires de droit de priorité ;
- Administrations ;
- Différents organismes...
Cependant, grâce aux plateformes numériques sécurisées, et
avec la technologie de blockchain ainsi que la gestion par IIA, la
mise en place de différents registres qui se digitalisent sera possible
et importante, de même, les erreurs et les incohérences seraient
immédiatement corrigées867
Il faut mettre l'accent sur que la blockchain est un grand livre
de comptes ouverts et accessible à tous en écriture et en lecture,
partagé sur un grand nombre d'ordinateurs à travers le monde.
Il s'agit d'un logiciel qui stocke et transfère de la valeur ou
des données via internet, de façon transparente, sécurisée et sans
organe central de contrôle868.
Développée à partir de 2008, la blockchain est en premier lieu
une technologie de stockage et de transmission d'informations.
Cette technologie offre de hauts standards de transparence et de
sécurité car elle fonctionne sans organe central de contrôle. Plus
concrètement, la blockchain permet à ses utilisateurs - connectés
en réseau de partager des données sans intermédiaires869.
Vers une gestion de risque à méditer
21/07/2021)
* désigne les ressources d'informations dont les caractéristiques en termes de volume, de vélociste et de variété
imposent l'utilisation de technologies et de méthodes analytiques particulières pour générer de la valeur, et qui
dépassent en général les capacités d'une seule et unique machine et nécessitent des traitements parallélisés.
871
Mustapha MEKKI, « Intelligence Artificielle et Contrat(s) », Op.cit., P:147
872 Antoine GARAPON, « les enjeux de la justice prédictive », La semaine juridique, LexisNexis, N" 1 et 2, 2017, P:
49.
873 Cette Legal techs connue pour analyser et procéder à la classification des archives, ainsi la rédaction des contrats
874
Livre Blanc, & comment gérer vos contrats à l'aide de l'intelligence artificielle ?», Hyperlex, P: 16 et 17.
875 Ces trois dernières années, le Maroc a été particulièrement prolifique en termes d'E-commerce. En 2018, le
Royaume a occupé là Se place en Afrique en termes d'E-commerce selon l'indice du commerce électronique
d'entreprise à consommateur (B2C) de la Conférence des Nations unies sur le commerce et le développement
(CNUCED). Si en Afrique le Maroc se hisse au 5e rang derrière d'autres pays comme le Nigeria et l'Afrique du Sud en
matière de taille de marché de l'E-commerce, il est passé de la 85e à la 81e place sur 151 pays évalués au niveau
mondial. Ce rapport de la CNUCED se base sur le nombre d'acheteurs en ligne, le niveau de sécurité des serveurs et
la facilité de paiement et de livraison.... Selon les statistiques de Maroc Télécommerce, entre 800 et 1000 sites d'E-
commerce sont actifs dans le Royaume (et proposant le paiement par carte bancaire), et près de 500 sites e-
commerce ont été créés au Maroc en 2019 dont 300 ont effectivement démarré leur activité cette même année.
Voir https://www.energiedin.ma/e-commerce-maroc/ (Consulté le 22/07/2021)
876 Hervé JACKIMEN Aspects contractuelles et de responsabilité civile en matière de IIA », in L'intelligence artificielle
et le droit, ouvrage collectif sous la coordination d'Hervé JACQUEMIN et Alexandre DE STREEL, Larcier, Bruxelles,
2017, P: 104.
877 L'article 12 de la Convention énonce une règle de non-discrimination visant à préciser que, pour une opération
donnée, l'absence de contrôle ou d'intervention par un humain n'empêche pas en soi la formation d'un contrat.
Ainsi, si un contrat peut être invalidé pour un certain nombre d'autres raisons en vertu du droit interne, le seul tait
qu'un système de messagerie automatisé a été utilisé aux fins de sa formation ne le prive pas de sa valeur légale, de
sa validité ou de sa force exécutoire. Voir la Convention Des Nations Unies sur l'utilisation de communications
électroniques dans les contrats internationaux de New-York 2005, P : 74.
878 Actuellement, l'attribution des actions d'un système de messagerie automatise a une personne physique ou
morale se fonde sur le principe qu'un tel système ne peut fonctionner que dans les limites techniques prédéfinies
lors de sa programmation. Touetois, on peut envisager, au moins en théorie, que seront mises au point à l'avenir
des générations de systèmes d'information automatisés capables d'agir de façon autonome et pas simplement de
façon automatique. Ainsi, grâce aux progrès de l'intelligence artificielle, un ordinateur pourra être capable de tirer
des leçons de l'expérience, modifier les instructions de ses propres programmes et même concevoir de nouvelles
instructions. Voir la Convention Des Nations Unies sur l'utilisation de communications électroniques dans les
contrats internationaux de New-York 2005, P:74.
879 NICK SZABO, "Smart Contrats : Building Blocks for Digital Markets publié Sur le site
https://www.ton.hum.uva.n//rob/Courses/InformationinSpeech/CDROM/Literature/L01winterschool2006/szabo
best.vwh.net/smart contrats 2.html (Consulté le 23/07/2021)
880
Mustapha MEKKI, Intelligence Artificielle et Contrat(s) », Op.cit., P : 158.
881 Emmanuel NETTER, « Droit et numérique », publié sur le site : https://enetter.fr/le-contrat/section-1-droit-
commun-des-contrats/ii-lideal-de-rigueur-dans-lexecution-des-contrats/#note-7Consultéle23/07/2021)
882 Par exemple : Si l'état de catastrophe naturelle est établi, alors une indemnité est automatiquement versée sur
884
Hassan ESSOUSSI, « Les smart contrats américains, un nouveau paradigme contractuel »> N°5, 2020, P :176
885
Loi n"107-12 promulguée par le Dahir n°1-16-05 du 23 rabil II 1437 (3 février 2016) modifiant et complétant la loi n°44-00
relative à la vente d'immeuble en l'état futur d'achèvement complétant le dahir du 9 ramadan 1331 (12 août 1913) formant code
des obligations et des contrats
886
Article 618-3 bis al 7 de la loi 107-12
887
Article 618-1 loi 107-12 ; ... en contrepartie d'un prix à payer par ce dernier, au tur et à mesure de l'avancement des travaux »
888
Une Decentralized Autonomous Organization (DAO ou en français << Organisation Autonome Décentralisée>>) est une
organisation fonctionnant grâce à un ensemble de smart contrat qui établissent et fournissent des règles de gouvernance à une
organisation. Ces règles sont transparentes et immuables car inscrites dans un réseau blockchain, une technologie de stockage et
de transmission d'informations, transparente, sécurisée, et fonctionnant sans organe central de contrôle
889
Mustapha MEKKI, « Intelligence Artificielle et Contrat(s) », Op.cit., P : 159.
890
N'oublions pas que le smart contrat n'a rien d'un contrat intelligent, du moins pour le moment. Il ne peut faire que ce que le
programmeur a prévu qu'il fasse
891
Art 269 du DOC
892
Mustapha MEKKI, « Intelligence Artificielle et Contrat(s) », Op.cit., P : 161.
893
Art 231 du DOC
894
Mustapha MEKKI, « Intelligence Artificielle et Contrat(s) », Op.cit., P : 167.
895
Sont des plateformes en ligne délivrant des conseils financiers ou permettant la gestion automatisée d'un portefeuille d'actifs.
Conçus à partir d'algorithmes informatiques, de Big data ou d'intelligence artificielle, à la différence des acteurs traditionnels
comme les banques privées ou les gestionnaires de patrimoine, ces robots nécessitent une intervention humaine.
896
Hervé JACKIMEN « Aspects contractuelles et de responsabilité civile en matière de IIA », Op.cit., P : 71.
897
On dit d'un contrat ou d'une situation juridique qu'il est sui generis quand il n'est réductible à aucune catégorie préexistante ;
Il constitue alors, à lui seul, une espèce nouvelle
898
Les robots sont composés d'éléments incorporels (logiciels, algorithmes, bases de données, etc.) et d'éléments matériels qui
leur permettent de se mouvoir dans l'espace (on vise tant le hardware que la structure tangible du robot). Les éléments matériels
constituent des biens meubles corporels pour lesquels le régime de la vente (ou du leasing, ou de la location) peut s'appliquer sans
difficulté particulière en termes de qualification. S'agissant par contre des éléments logiciels, des discussions sont permises.
899
Art 723 et suivant du DOC
900
C.SJ. Luxembourg 5 février 2003 ; Voir http://www.crid.be/pdf/public/4423.pdf (Consulté le 25/07/2021), les parties ont
qualifié l'opération de vente pour invoquer, selon le cas, les règles relatives à l'obligation de délivrance ou à la garantie des vices
cachés. Cela étant, comme le rappelle la Cour d'appel dans l'affaire précitée, « les obligations des parties (obligation de délivrance,
de garantie des vices, de conseil et d'information du côté du fournisseur, et obligation de collaborer et de payer le prix convenu
du côté de l'utilisateur) sont essentiellement les mêmes que le contrat soit qualifié de vente, de bail (acquisition d'une licence) ou
encore de contrat de vente complète par un contrat d'entreprise »
901
Hervé jackimen « Aspects contractuelles et de responsabilité civile en matière de l’IA, Op.cit., P : 83.
902
L'accessoire suit le principal. Si un bien ou le devenir d'un bien dépend d'un autre bien il peut être considérer juridiquement
comme son accessoire.
903
« La garantie contre les vices cachés est régulièrement invoquée en matière informatique, en dépit des inconvénients suscitent
par sa mise en œuvre et ses effets. Après un temps de perplexité, il est désormais largement admis que la garantie des vices cachés
s'applique au logiciel pour couvrir non seulement les défauts du support matériel, mais aussi les erreurs de conception ou de
programmation », Voir Didier GOBERT et Etienne MONTERO, « Les obligations de conformité et de garantie des vices cachés en
matière informatique : le contrat Au secours des incertitudes légales et jurisprudentielles» publié sur le site
http://www.crid.be/pdf/public/4401.pdf (Consulté le 25/07/2021)
904
Hervé JACKIMEN « Aspects contractuelles et de responsabilité civile en matière de IIA », Op.cit., P : 87
doit concevoir son robot de telle sorte que malgré cette autonomie,
il puisse l'empêcher d'effectuer des comportements potentiellement
dommageables, garantissant ainsi un niveau de sécurité suffisant.
é
é é
Résumé
Même si le timing du déclenchement du chantier de la
régionalisation avancée et de la réforme constitutionnelle au Maroc
est pratiquement le même, les motivations qui président à la
révision constitutionnelle ne sont pas celles qui ont mené à revoir
l’organisation territoriale du pays. La Constitution de 2011 est une
réforme qui s’est imposée face à un soulèvement populaire inscrit
dans la vague du printemps arabe, alors que la régionalisation
avancée est initialement une réflexion royale qui s’est concrétisée
en 2010 par l’instauration de la CCR905. On ne peut donc soutenir
que la Constitution de 2011 soit la consécration dédiée à la réforme
territoriale même si cette dernière en fait partie ; ce qui n’est pas
sans conséquences sur le contenu des textes, notamment, ceux qui
touchent à l’autonomie du pouvoir régional.
905
La Commission Consultative de la Régionalisation (CCR) a été instituée par le roi Mohammed
VI le 3 janvier 2010 afin de proposer une conception générale de la régionalisation avancée en gardant à
l'esprit toutes les dimensions y afférentes, ainsi que le rôle qui revient aux institutions constitutionnelles
compétentes dans sa mise en œuvre. Cette mission a été menée par Omar Azziman, ancien ambassadeur
de Rabat à Madrid. L’acronyme (CCR) faisant référence à la Commission est mentionné par le rapport
soumis au roi. (http://www.regionalisationavancee.ma/PDF/Rapport/Fr/L1_ConceptionGenerale.pdf).
a. Développement
1. Le cadre spécifique de la constitutionnalisation de la
régionalisation avancée
Dans une conception libérale avancée, il est
incontestablement admis que l’autonomie régionale est devenue
une partie intégrante de la démocratie locale, sinon la plus
expressive de ses composantes. Sa raison d’être se situe dans sa
capacité à mesurer les intentions politiques quant à une
régionalisation effective, même si la problématique des références
demeure toujours une contrainte à prendre en considération. En
effet, devant la pluralité des systèmes politico-juridiques, il serait
difficile de poser les éléments d’une évaluation adéquate.
Autrement dit, l’universalité de la démocratie locale n’est pas
chose évidente, chaque ensemble de mécanismes et de textes
répond naturellement à des données particulières. Néanmoins, un
pouvoir régional autonome demeure un idéal universel de la
décentralisation.
Au Maroc, la constitutionnalisation de la régionalisation
avancée n’était pas un impératif venant concrétiser la réforme
administrative, car le contexte dans lequel s’inscrit la Constitution
de 2011 est différent (1.1). Il n’était pas alors prioritaire de parler
d’un pouvoir régional plus autonome, et encore moins d’autonomie
politique (1.2).
1.1 La place de la régionalisation avancée dans la réforme
constitutionnelle
906
Afin d’éviter de dériver sur un sujet parallèle, nous soulignons succinctement que la Constitution de
2011 s’est établie dans un climat de protestations populaires (du 20 février) revendiquant la liberté, la
dignité, la citoyenneté, la dissolution du parlement et la destitution du gouvernement, une monarchie
parlementaire, une Constitution démocratique et populaire, la séparation des pouvoirs, l’abrogation de
l’article 19 de la Constitution 1996, la séparation du pouvoir et de la richesse, l’instauration de la reddition
des comptes, la reconnaissance de la langue amazigh, etc. La régionalisation avancée s’y est inscrite dans
la continuité des choses, et non parce qu’elle faisait partie des revendications.
907
Madani, M., ¨Constitutionnalisme sans démocratie : la fabrication et la mise en œuvre de la Constitution
marocaine de 2011¨, in Bendourou, O., El Mossadeq, R., Madani M., (dir.), La nouvelle Constitution
marocaine à l’épreuve de la pratique, Actes du colloque organisé les 18 et 19 avril 2013, édition La
Croisée Des Chemins, 2014, p.33.
908
La Constitution française du 4 octobre 1958 a fait l’objet d’une double révision constitutionnelle en
mars 2003 :
- Loi constitutionnelle n. 2003-267 du 25 mars 2003 relative au mandat d'arrêt européen ;
- Loi constitutionnelle n. 2003-276 du 28 mars 2003 relative à l'organisation décentralisée de la
République.
909
À l’image des catalans en Espagne, les populations du Rif du Maroc, une contrée qui se situe au nord-
est du pays, avaient toujours, plus que les autres, cette tendance revendicatrice des valeurs locales -et pour
certains de séparatisme-. Cette situation est due certainement à leur particularité culturelle et linguistique,
leur position géographique, et surtout à leur histoire doublement jalonnée, d’abord par leur combat contre
le colonialisme, et puis par leur persécution par l’ancien régime.
910
Notons également, dans le même sens, que les représentants de la région du Rif n’ont jamais évoqué la
question d’une autonomie plus élargie correspondante à leur culture, ce qui explique que la représentativité
locale au Maroc ne porte jamais sur des sujets susceptibles d’interpeller la notion de l’unité.
911
Art. 2 CE.
912
Nous utilisons ici l’adjectif ¨unitaire¨ avec beaucoup de prudence car dans toute la doctrine espagnole
aujourd’hui, on parle plutôt d’un État carrément fédéral dans la pratique.
913
L’alinéa 3 du premier article de la Constitution espagnole précise cette forme politique de l’État.
914
Aragón Reyes, M., ¨La construcción del Estado autonómico¨, Cuadernos Constitucionales de la
Cátedra Fadrique Furió Ceriol, n. 54-55, 2006, p.76.
915
Dans un article intitulé ¨La mémoire malmenée de la transition espagnole à la démocratie¨, Baby, S.,
précise que « La transition espagnole légale vers la démocratie, entendue ici comme la période allant de
la mort de Franco en 1975 à l’arrivée des socialistes au gouvernement en 1982 ». Baby, S., ¨La mémoire
malmenée de la transition espagnole à la démocratie¨, Presses de Sciences Po, Vingtième Siècle, Revue
d'histoire, n. 127, 2015, p. 43. (https://www.cairn.info/revue-vingtieme-siecle-revue-d-histoire-2015-3-
page-42.htm), consulté le 10/05/2022.
une régionalisation politique dans cet état de faits, c’est donner une
garantie suprême à l’existence d’un pouvoir concurrent au niveau
régional, au moment où la démocratie nationale peine encore à
trouver ses marques.
La révision constitutionnelle est surtout une réforme globale
d’une architecture politique marocaine devenue très contestable et
surtout réfractaire au changement. Ceci est d’autant plus vrai que
cette révision est revêtue d’une couverture politique très
prononcée, notamment en ce qui concerne les procédés de son
élaboration. Ce questionnement réoriente sensiblement notre
analyse vers une approche constitutionnaliste.
2. La transition démocratique à l’examen de la légalité
constitutionnelle
Si le fait de scruter le climat politique précédant la réforme
constitutionnelle pourrait nous informer sur les bases qui théorisent
à la constitutionnalisation de la régionalisation au Maroc, l’examen
des procédures d’adoption de la nouvelle Constitution nous permet,
lui, de mesurer l’étendue de la transition démocratique. Ainsi, les
garanties constitutionnelles d’un pouvoir régional plus autonome
ne sont pas cantonnées seulement dans le cadre politique ou la
teneur des textes, mais aussi et préalablement dans les critères du
constitutionnalisme moderne dont les principes coïncident avec les
valeurs de la démocratie.
El Mossadeq, R., constate que « Le processus de l’élaboration
de la nouvelle Constitution adoptée par référendum populaire le 1er
917
El Mossadeq, R., ¨Les dérives du pouvoir constituant¨, in Bendourou, O., EL Mossadeq, R., Madani,
M., (dir.), La nouvelle Constitution marocaine à l’épreuve de la pratique, genèse de la nouvelle
Constitution, op.cit, p.9.
918
Ibid.
919
Yassine, A., « Islamiser la modernité », édition Al Ofok impressions, 1998, p. 303.
920
Par opposition à la notion formelle du constitutionnalisme qui se définit comme étant un ensemble de
procédures et de normes juridiques hiérarchisées, la notion substantielle, elle, se caractérise par son ¨ordre
juridique libéral¨, selon Friedrich, C.J., qui impose le respect, non seulement, des règles formelles, mais
également les principes et les valeurs.
921
Rouyer, M., ¨Les promesses du constitutionnalisme¨, Raisons politiques, n. 10, mai 2003, p.12, cité par
Madani, M., Constitutionnalisme sans démocratie : la fabrication et la mise en œuvre de la Constitution
marocaine de 2011, op.cit, p.83.
922
El Mossadeq R., ¨Les dérives du pouvoir constituant¨, op.cit, p.12.
923
Ibid.
924
El Mossadeq, R., ¨L’illusion du changement dans le nouveau projet constitutionnel¨, in La nouvelle
Constitution et l’illusion de changement, Bendourou, O., (dir.), Cahier de Wijhat Nadar (en arabe), 2011,
p.79.
925
Entre le 9 mars, la date du discours royal, et le 10 juin le jour de la remise du projet et de la synthèse
de la révision constitutionnelle, il n’était question que de trois mois pour ouvrir le débat avec les partis,
les syndicats, des organisations de jeunes et des acteurs associatifs culturels et scientifiques, afin de
recueillir leurs conceptions et mémorandums à ce sujet.
926
Bendourou, O., ¨Réflexions sur la Constitution du 29 juillet 2011 et la démocratie¨, in Bendourou, O.,
EL Mossadeq, R., Madani, M., (dir.), La nouvelle Constitution marocaine à l’épreuve de la pratique,
op.cit, p. 136.
927
L’auteur cite et analyse les violations suivantes : L’organisation des élections législatives du 25
novembre 2011 ; nomination du chef du gouvernement et expédition des affaires courantes, nomination
des ambassadeurs ; l’intervention du roi dans le domaine gouvernemental et la constitution du deuxième
gouvernement, ainsi que dans les politiques publiques.
928
L’article 96 précise que « Le Roi peut, après avoir consulté le président de la Cour Constitutionnelle
et informé le Chef du Gouvernement, le président de la Chambre des Représentants et le président de la
Chambre des Conseillers, dissoudre par dahir, les deux Chambres ou l'une d'elles seulement. La
dissolution a lieu après un message adressé par le Roi à la Nation ». L’article 97 définit le délai de
l’élection des chambres après dissolution, il stipule que «L'élection du nouveau Parlement ou de la
nouvelle Chambre intervient deux mois, au plus tard, après la dissolution ». Et enfin l’article 98, lui, offre
une garantie de stabilité initiale à la nouvelle Chambre élue lorsqu’il indique que « Lorsqu'une Chambre
est dissoute, celle qui lui succède ne peut l'être qu'un an après son élection, sauf si aucune majorité
gouvernementale ne se dégage au sein de la Chambre des Représentants nouvellement élue ».
929
BENDOUROU O., « Réflexions sur la Constitution du 29 juillet 2011 et la démocratie », op.cit, p.137.
930
Ibid.
931
Extrait du discours royal du 20 aout 2013.
932
L’article 49 C. dresse les compétences du conseil des ministres et en premier lieu : « Les orientations
stratégiques de la politique de l’État ».
933
L’article 48 C. indique que « Le Roi préside le Conseil des ministres composé du Chef du Gouvernement
et des ministres ».
934
Extrait du discours royal du 20 aout 2013.
935
Ibid.
936
BENDOUROU O., « Réflexions sur la Constitution du 29 juillet 2011 et la démocratie », », op.cit,
p.140.
937
Ibid.
938
Extrait d’une interview royale accordée au magazine américain Time, du 26/06/2000.
939
Ibid.
940
BELOUCHI B., « L’alternance, les mots et les choses », éd Afrique Orient, 2003, p.105.
941
Dans le Titre III de la Constitution, réservé à la royauté, l’article 47 précise que le roi « nomme le chef
du gouvernement (…) les membres du gouvernement (…) peut à son initiative (…) mettre fin aux fonctions
d’un ou de plusieurs membres du gouvernement (…) A la suite de la démission du chef du gouvernement,
le Roi met fin aux fonctions de l’ensemble du gouvernement…» ; l’article 48 indique que « Le Roi préside
le Conseil des ministres…» ; alors que dans l’article 51 « Le Roi peut dissoudre, par dahir, les deux
Chambres du Parlement ou l’une d’elles » ; il est selon les termes de l’article 53 « le Chef suprême des
Forces Armées Royales. Il nomme aux emplois militaires… » ; il préside suivant les dispositions de
l’article 54 « le Conseil supérieur de sécurité » ; le roi « signe et ratifie les traités » selon l’article 55 ; et
« préside le Conseil supérieur du pouvoir judiciaire » d’après l’article 56 ; il peut également proclamer
par Dahir « l’état d’exception » dans l’article 59.
942
MADANI M., « Constitutionnalisme sans démocratie : la fabrication et la mise en œuvre de la
Constitution marocaine de 2011 », op.cit, p.34.
943
MELLONI D., « La Constitution marocaine de 2011 : une mutation des ordres politique et juridique
marocains », Revue Pouvoirs, , éd Le Seuil, n°145, 2013, p.10. (https://www.cairn.info/journal-pouvoirs-
2013-2-page-5.htm), consulté le 22/09/2020.
944
FERRIE J-N et DUPRET B., « La nouvelle architecture constitutionnelle et les trois désamorçages de
la vie politique marocaine », revue Confluences Méditerranée, éd L'Harmattan, n° 78, 3/2011, p. 25.
945
Ibid.
946
Cet article, qui fait partie du titre II intitulé « De la Royauté », est inscrit dans toutes les constitutions
du Maroc depuis la première de 1962 jusqu’à celle de 1996.
947
L’article dispose que « «La forme monarchique de l’État, ainsi que les dispositions relatives à la
religion musulmane, ne peuvent faire l’objet d’une révision constitutionnelle».
948
L’article précise que « Le Roi, Amir Al Mouminine, veille au respect de l'Islam. Il est le Garant du libre
exercice des cultes ; Il préside le Conseil supérieur des Oulémas, chargé de l'étude des questions qu'il lui
soumet ; Le Conseil est la seule instance habilitée à prononcer les consultations religieuses (Fatwas)
officiellement agréées, sur les questions dont il est saisi et ce, sur la base des principes, préceptes et
desseins tolérants de l'Islam ; Les attributions, la composition et les modalités de fonctionnement du
Conseil sont fixées par dahir ; Le Roi exerce par dahirs les prérogatives religieuses inhérentes à
l'institution d'Imarat Al Mouminine qui lui sont conférées de manière exclusive par le présent article ».
949
L’article stipule que « Le Roi, Chef de l'État, son Représentant suprême, Symbole de l'unité de la
Nation, Garant de la pérennité et de la continuité de l'État et Arbitre suprême entre ses institutions, veille
au respect de la Constitution, au bon fonctionnement des institutions constitutionnelles, à la protection du
choix démocratique et des droits et libertés des citoyennes et des citoyens, et des collectivités, et au respect
des engagements internationaux du Royaume ; Il est le Garant de l'indépendance du Royaume et de son
intégrité territoriale dans ses frontières authentiques ; Le Roi exerce ces missions par dahirs en vertu des
pouvoirs qui lui sont expressément dévolus par la présente Constitution ; Les dahirs, à l'exception de ceux
prévus aux articles 41, 44 (2e alinéa), 47 (1er et 6e alinéas), 51, 57, 59, 130 (1er alinéa) et 174 sont
contresignés par le Chef du Gouvernement ».
950
SAIDI AZBEG H., « Processus de démocratisation et monarchie constitutionnelle au Maroc », thèse de
doctorat en droit public, Université de Bordeaux Montesquieu, 2014, p. 293.
951
Ibid., p.361.
952
Ibid.
953
Discours royal du 3 janvier 2010.
954
EL YAAGOUBI M., « Le droit administratif, thématique », op.cit, pp. 102/103.
955
Barraud B., « La souveraineté et la norme fondamentale », Les ANNALES DE DROIT, Presses
universitaires de Rouen et du Havre, n°12, 2018, p.10.
(https://journals.openedition.org/add/878?lang=en), consulté le 07/09/2020.
956
YAAGOUBI M., « Le droit administratif, thématique », op.cit, p.103.
957
Ibid.
é
é
958
PORTER définit le pays d’origine comme étant le pays où l’on définit une stratégie, où sont élaborés
les produits et les procédés majeurs, et où résident les savoirs appartenant en propre à l’entreprise. C’est
la plateforme de la stratégie globale d’une industrie, le lieu où s’opère la complémentarité entre
avantages domestiques et avantages issus d’une position mondiale.
959
Michael PORTER, « Avantage concurrentiel des nations », Inter Edition, 1993, P. 84.
960
Claude MOZEROLE, « La mondialisation : théories, enjeux et débats », A. Colin, Paris 2005.
961
Djamila KACEMI, « Diagnostic économique et financier des programmes de stabilisation et
d’ajustement structurel de l’économie algérienne »Thèse de doctorat en sciences économiques,
Université Lyon 2 2008.
962
M. PORTER, P. 87
963
M. PORTER P. 88
964
M. PORTER, PP.89-90.
965
On parle uniquement d’handicaps partiels, car l’excès d’handicaps peut déboucher sur la paralyse de
toute l’activité.
966
Une innovation capable d’éliminer de contourner ou de réduire le besoin en facteurs similaires,
particulièrement dans les facteurs élémentaires et non spécialisés.
967
PORTER, P. 92
968
M. PORTER, PP. 91-92
969
M. PORTER, P. 95.
970
M. PORTER, PP. 95-96.
971
A l’exemple d’automobile dont on peut distinguer les voitures à grand cylindres et les voiture à petits
cylindres
972
M. PORTER, P. 98
973
Une clientèle constituée d’entreprises permet d’entrainer d’étroites collaborations dans le
développement de l’activité en général.
974
Le climat, la situation géographique, la fiscalité, la variété des normes et les contraintes sociales sont
autant de facteurs qui contribuent à la naissance d’une clientèle exigeante.
975
M. PORTER, P. 99.
976
M. PORTER, P. 104.
977
A titre d’exemple, PORTER cite le cas d’une clientèle d'étrangers venue en formation ou des touristes,
qui en revenant dans leur pays d'origine, véhiculent avec eux certaines valeurs acquises dans le pays
d'accueil, et créent ainsi un besoin pour certains produits.
978
Abdelkader SID AHMED, « économie de l’industrialisation à partir des ressources naturelles (I.B.R) »
Tome 1, PUBLISUD, 1989.
979
M. PORTER, P. 113.
980
M. PORTER définit la chaîne de valeur comme étant l’outil d’analyse qui permet d’identifier les
activités clés pour l’obtention d’un avantage concurrentiel parmi l’ensemble des activités que la firme
doit mettre en œuvre pour satisfaire un secteur ou segment. Il distingue a trois grandes catégories
d’activités dans une chaîne de valeur : les activités de soutien, les activités primaires liées à la production
et les activités primaires liées à la vente et au contact client. La chaîne de valeur permet de mettre en
évidence les activités clés de la firme, c’est à dire celles qui ont un impact réel en termes de coût ou de
différenciation par rapport aux concurrents. Le processus d’élaboration d’une chaîne de valeur doit
permettre à l’entreprise de connaître la stratégie à adopter pour réussir sur un secteur donné, la chaîne
de valeur idéale pour réussir cette stratégie, le positionnement des chaînes de valeur des concurrents et
de l’entreprise par rapport à celle ci, et enfin connaître ses forces et faiblesses afin de mieux orienter ses
décisions stratégiques.
981
ESSAMA NANGA , .E.E. et WOROU HOUNDEKON, .R.D. 2021. COOPETITION ET AVANTAGE
CONCURRENTIEL DANS LES ENTREPRISES DE LA TELEPHONIE MOBILE : LE CAS DU CAMEROUN. Revue
Française d’Economie et de Gestion. 2, 4 (avr. 2021).
982
M. PORTER, P. 119.
983
Michael PORTER, « L’Avantage concurrentiel : comment devancer ses concurrents et maintenir son
avance ». DUNOD, Paris 1999. Et également, M. PORTER, « What is Strategy », Harvard Business Review,
1996.
à é é
é
984
Yves Détraigne et Anne-Marie Escoffier, Rapport d’information n°441 (2008-2009), la vie privée à
l’heure des mémoires numériques : pour une confiance renforcée entre citoyens et société de
l’information.
985
Voir à ce sujet la réflexion récente de la CNIL, dans son rapport annuel 2013, disponible sur le site :
986
Marion Barbezieux Le droit de l’oubli numérique : bilan et perspectives, Editions universitaires
Européennes – 2016, Deutshland / Allemagne, p 1213
987
Cour de cassation, chambre civile 2, audience du 8 juillet 2004, pourvoi 03-13.260, publié au bulletin
(http://legifrance.gouv.fr/affichJuriJudi.do?oldAction=rechJuriJudi&idTexte=JURITEXT000007048780).
988
Cour de cassation, chambre civile 2, audience du 8 juillet 2004, pourvoi 03-13.260.
989
Décision du Conseil constitutionnel n° 2013-319 QPC du 7 juin 2013.
990
Arrêt de la cour d’appel de Paris, pôle 2, chambre 7, 26 février 2014, RG 13/01241.
991
C-131/12 « Google Spain et Google », arrêt de la CJUE (grande chambre) du 13 mai 2014
(http://curia.europa.eu/juris/liste.jsf?language=fr&num=C-131/12#).
992
Voir à ce sens, Etienne Quillet, le droit à l’oubli numérique sur les réseaux sociaux, Master de droits
de l’homme et droit humanitaire dirigé par Emmanuel Decaux, Année universitaire 2011, université
Panthéon Assas, P21.
993
994
CJUE, Arrêt du 13 mai 2014, op cit
995
Jacky Durand, Un jeu de dupes entre Etat et élus, libération, 10 décembre 2009
996
commission des lois du Senat, rapport d’information « vie privée à l’heure des mémoires numérique »,
2009, disponible sur le sire : https://www.senat.fr/rap/r08-441/r08-441_mono.html#toc49
997
Yves Eudes, le droit à l’oubli, un droit fondamental, publié le 2 avril 2009, leMonde. FR, disponible
sur le site : https://www.lemonde.fr/technologies/article/2009/04/01/le-droit-a-l-oubli-un-droit-
fondamental_1175265_651865.html
998
Michel Gentot, « La protection des données personnelles à la croisée des chemins », asmp.fr - Groupe
d’études Société d’information et vie privée, cité par : Charlotte Heylliard, le droit à l’oubli sur internet,
mémoire de Master 2 recherche, mention NDP, université Paris-Sud, 2011-2012, p 35
999
Op. Cit. « La vie privée à l’heure des mémoires numériques », Commission des lois du Sénat, 2009
1000
Voir à ce propos, CNIL, « La publicité ciblée en ligne », Communication présentée en séance plénière
le 5 février 2009, M. Peyrat Rapporteur, p 24
1001
CNIL, ce que le « le paquet Télécom » change pour les cookies, fiche pratique, p 3, disponible sur le
site : https://www.aide-joomla.fr/forge/documents/legislation/paquet_telecom_cookies_cnil_2012.pdf
1002
CNIL, comment effacer des informations me concernant sur un moteur de recherche ?, c,il/fr, 4 Avril
2011
1003
Alain Bensoussan, « Le droit à l’oubli sur Internet », Gazette du Palais, 6 février 2010, n°37, p.3, cité
par Charlotte Heylliard, le droit à l’oubli sur internet, mémoire de Master 2 recherche, mention NDP,
université Paris-Sud, 2011-2012, p 41
1004
« Le droit à la mort virtuelle : plaidoyer pour les droits de l’homme numérique », la Lettre de
l’Arcep, juillet 209, p.22
1005
Voir à ce sujet, l’article de presse intitulé « Le droit à l’oubli, un droit fondamental », 2 avril 2009, Le
Monde.fr
1006
BATTISTI (Michèle) « Le droit à l’oubli numérique : un droit à reconstruire », Documentalistes-
Sciences de l’information 2010, vol. 47, n°1.
1007
Idem.
é é
é
Mots clés :
Santé, Organisation territoriale, Groupements Sanitaires
Territoriaux, protection sociale, couverture sanitaire universelle.
GST
Introduction
Le Maroc connaît ces dernières années une véritable
réorganisation de ses champs politique, juridique, économique et
social. En effet, après la constitution de 2011, plusieurs chantiers
de réformes ont été lancés dont notamment celui de la
régionalisation avancée. La constitution a fait de la région un acteur
majeur de développement économique et social. L’article 137 de la
constitution marocaine dispose que : « les régions et les autres
collectivités territoriales participent à la mise en œuvre de la
politique générale de l’Etat et à l’élaboration des politiques
territoriales… »1008. Cela devrait se traduire, dans la pratique, par
des politiques et programmes répondant aux besoins des
populations locales.
L’organisation territoriale des politiques publiques est une
résultante de cette évolution dans la gestion des affaires publiques,
c’est l’adoption du découpage territorial comme levier de
réorganisation mais aussi de régulation et de gouvernance de
l’action publique. Elle vise une meilleure prise en compte des
caractéristiques du territoire par une organisation en proposant un
traitement territorialisé des problèmes publics pour y répondre au
mieux.
En effet la territorialisation des politiques publiques implique
le passage d’une politique uniforme, pour laquelle les mêmes
1008
Dahir n° 1-11-91 du 27 châabane 1432 (29 juillet 2011) portant promulgation du texte de la
constitution, BORM n° 5964 bis du 30 juillet 2011.
1009
COLLIGNON, François, DU CHAFFAUT, Gilles, et LARBI, Abdelkader. La
territorialisation : menace ou levier de l’action publique. Atelier organisé par l’association des
dirigeants territoriaux anciens de l’INET, Entretiens territoriaux de Strasbourg, 2007, vol. 5, p.
2.
1010
LAURIOL, Jacques, PERRET, Véronique, TANNERY, Franck. L'espace et le territoire dans
l'agenda de recherche en stratégie, Revue française de gestion, 2008, no 4, p. 15.
1011
DOUILLET, Anne-Cécile. Les élus ruraux face à la territorialisation de l'action
publique. Revue française de science politique, 2003, vol. 53, no 4, p. 586.
1012
DE MAILLARD, Jacques. Le partenariat en représentations : contribution à l'analyse des
nouvelles politiques sociales territorialisées. Politiques et management public, 2000, vol. 18, no
3, p. 21-41.
1013
Dahir n° 1-21-30 du 09 Châabane 1442 (23 mars 2021) portant promulgation de la loi-cadre
n° 09-21 relative à la protection sociale, BORM Ar. n° 6975, du 05 Avril 2021.
1014
Dahir n° 1-22-77 du 14 joumada I 1444 (09 décembre 2022) portant promulgation de la loi-
cadre n° 06-22 relative au système national de santé, BORM Fr. n° 7178, du 16 Mars 2023.
1015
Préambule de la loi-cadre 06.22
1016
Art 2 de loi 06.22, op.cit.
1017
Ibid., Art 4.
1018
Dahir n° 1-23-50 du 09 Douhijja 1444 (28 Juin 2023) portant promulgation de la loi n° 08-
22 relative à la création des groupements sanitaires de territoires, BORM Ar. n° 7213, du 17
Juillet 2023.
1019
Projet de la loi 09.22 relative à la fonction sanitaire, approuvée à l’assemblée générale du
parlement le 26 Avril 2003, en attende de publication au BORM.
1020
Art 19 de loi 06.22, op.cit.
1021
Décret n° 2-75-835 du 24 safar 1396 (25 février 1976) relatif aux attributions et à
l’organisation de la santé publique, Op.cit., p 331.
1022
Arrêté du ministre de la santé publique n°1441-80 du 13 moharrem 1401 (21 novembre 1980)
relatif aux attributions et à l’organisation des services extérieurs du ministère de la santé
publique, Op.cit., p. 33.
1023
Décret n°2-88-711 du 11 joumada II 1410 (9 janvier 1990) relatif aux attributions et à
l’organisation du ministère de la santé publique, Op.cit., p.85.
1024
Arrêté de la Ministre de la santé n° 1363-11 du 12 joumada II 1432 (16 mai 2011) relatif aux
attributions et à l'organisation des services déconcentrés du ministère de la santé, Op.cit., p.2630.
1025
EL HARRAK, Saloua. Rôles et attributions des directions régionales de la santé : Etat
actuel et perspectives, Op.cit., p.3.
1026
Arrêté de la Ministre de la santé n° 3160.14 du 05 kiaada 1435 (01 Septembre 2014) relatif
à la délégation de signature. B.O n° 6312 du 04 Safar 1436 (27 Novembre 2014).
1027
Arrêté du Ministre de la santé n° 003.16 du 23 Rabii I 1437 (04 Janvier 2016) relatif à la
création, la détermination des attributions et l’organisation des services déconcentrés du
ministère de la santé. B.O n°6452 du 21 Joumada II 1437 (31 mars 2016) Ar, p.2888.
1028
Ibid.
1029
Arrêtés du Ministre de la santé de délégation de signature aux directeurs régionaux de la
santé du 23 Moharrem 1440 (3 Octobre 2018), BO n°6724 Ar du 29 Safar 1440 (08 Novembre
2018).
1030
Exemples : Circulaire ministérielle n°13 du 13 Février 2019 au sujet de la suspension
provisoire du travail à cause d’une faute grave ; Circulaire ministérielle n°14 du 13 Février 2019
au sujet de la procédure de gestion des accidents de travail ; Circulaire ministérielle n°49 du 27
Aout 2019 au sujet de la procédure de défalcation du salaire.
1031
MINISTERE DE LA SANTE. Ressources humaines de la santé en chiffre 2015.Rapport.
2016.
1032
Décret n° 2-12-507 du 28 rabii I 1436 (20 janvier 2015) relatif à la situation des médecins et
des médecins dentistes du secteur privé conventionnés avec le ministère de la santé. B.O n° 6344
du 28 joumada I 1436 (19 mars 2015), p.1095.
1033
Arrêté du ministre de la santé n°1203-15 du 19 joumada II 1436 (9-4-2015) fixant les
circonscriptions administratives et la liste des établissements de santé relevant du ministère de
la santé dans lesquels les médecins généralistes et spécialistes et les médecins dentistes du
secteur privé peuvent exercer par voie conventionnelle. B.O n° 6370 du 1 ramadan 1436 (18-6-
2015), p.3126.
1034
Décret n° 2-12-507 du 28 Rabii I 1436 (20 janvier 2015), Op.cit.
1035
Art 1 de loi 08.22, op.cit.
1036
Ibid., Art 12.
1037
Ibid., Art 7.
1038
Ibid., Art 4.
1039
Projet de Loi 09.22, op.cit.
1040
Ibid., Art 7.
1041
Arrêté du Ministre de la santé n° 490.12 du 03 Rabii I 1433 (27 janvier 2012) relatif à la
délégation de signature et l’approbation des marchés. BO n° 6026 (Ar) du 08 Rabii II 1433 (1er
mars 2012), p.754.
1042
Ibid., Art 3.
1043
Arrêtés du Ministre de la santé du n°3161.14 au 3176.14 du 05 Di kiaada 1435 (1er septembre
2014) modifiant et complétant l’arrêté n° 495.12 du 03 Rabii I 1433 (27 Janvier 2012) relatif à
la délégation de signature et l’approbation des marchés. BO n° 6313 (Ar) du 08 Safar 1436 (1er
décembre 2014), p.8170.
1044
Arrêté du Ministre de la santé n° 3678.19 du 11 Safar 1441 (10 Octobre 2019) relatif à la
délégation de signature et l’approbation des marchés. B.O n° 6842 (Ar) du 29 Rabii II 1441 (26-
12-2019), p.11859.
1045
Décret n° 2.13.658 du 23 kiaada 1434 (30 septembre 2013) relatif aux instituts superieurs de
professions infirmières et techniques de santé. BO n°6195 Bis du 9 Douhijja 1434 (15 Octobre
2013) Ar, p.6507.
1046
Art 13 de loi 08.22, op.cit.
1047
Ibid., Art 7.
1048
Ibid., Art 7.
les zones rurales et les zones urbaines et entre les populations riches
et pauvres1049.
Partout au Monde, l’accessibilité aux services de santé
connait des inégalités territoriales, d’où le but d’une planification
sanitaire efficace. Selon Lambert1050, « les conditions
d’accessibilité aux équipements collectifs sont toujours contrastées
dans les grandes Nations, où persistent des inégalités régionales et
des régions de peuplement dispersé (zones de montagne, régions
sous peuplées ou dépeuplées). Des enquêtes d’économie de la santé
permettront d’identifier, sur l’espace sanitaire, les principaux
déséquilibres entre offre et demande de soins. La progression du
taux d’utilisation des services existants (consultation,
hospitalisation) accompagne la diminution des barrières d’accès
aux soins (fréquence et commodité des transports, prise en charge
des dépenses par les assurances). La concentration des médecins
et celles des équipements hospitaliers accentue les déséquilibres de
la carte sanitaire. Les zones d’attraction et de rayonnement des
grands hôpitaux spécialisés (CHU) se sont souvent étendues au
détriment de filières de soins moins coûteuses. De même
l’implantation des médecins libéraux, celle des pharmacies ou
laboratoires d’analyses révèle des déséquilibres d’implantations.
Par voie de conséquence les populations peu médicalisées et
1051
LUCAS, Véronique et TONNELLIER François. Géographie de l'Offre de soins : tendances
et inégalités. Données Sociales, 1996, no 1117, p. 259-264.
1052
LE PEN, Claude. Efficacité et équité en économie de la santé. Quelques remarques
introductives, Communication aux Journées des Économistes Français de la, 1996.
1053
GIRER, Marion. Le droit à la protection de la santé dans l’alinéa 11 du Préambule de 1946 :
les impacts en termes de solidarité, Médecine & Droit, op.cit., p.149.
1054
BOUTAYEB, Abdesslam. Social inequalities and health inequity in Morocco.
International Journal for Equity in Health, 2006, vol. 5, no 1, p. 1.
1055
Bréchat, Pierre-Henri. Renforcer la démocratie sanitaire et la participation des citoyens et
des usagers aux politiques de santé pour la protection et le développement de la démocratie
1057
Belghiti Alaoui Abdelali. La carte sanitaire : le pourquoi et le comment. Communication
orale, Rabat, 18 décembre 2014.
1058
Dahir n° 1-11-83 du 2 juillet 2011 portant promulgation de la loi cadre n° 34-09 Op.cit.,
p.1856.
1059
Dahir n° 1-16-62 du 24 mai 2016 portant promulgation de la loi n° 70-13 relative aux centres
hospitalo-universitaires, publié au B.O n° 6474 du 16 juin 2016, p.1047 ; qui abroge le Dahir n°
1-82-5 du 15 janvier 1983 portant promulgation de la loi n° 37-80 relative aux centres
hospitaliers, B.O n° 3668 du 16 février 1983.
1060
Décret n° 2-17-589 du 9 kaada 1439 (23 juillet 2018) pris pour l’application de la loi n° 70-
13 relative aux centres hospitalo-universitaires. B.O n° 6696 du 19 kiaada 1439 (2-8-2018),
p.1525.
1061
MINISTERE DE LA SANTE. Livre Blanc : Pour une nouvelle gouvernance du secteur de
la Santé. Deuxième conférence nationale de la santé.2013, op.cit.
1062
LOPEZ, Alain. Réguler la santé. Objectifs, méthodes et outils pour une stratégie globale
des politiques de santé. Op.cit., p. 106.
1063
Décret n° 2-17-304 du 8 chaoual 1438 (3 juillet 2017), Op.cit.
1064
ABBASSI, Inan, LOPEZ, Alain, BRÉCHAT, Pierre-Henri. Planification régionale de la
santé au Maroc : contraintes et perspectives, op.cit., p. 708.
1065
Art 4 de loi 08.22, op.cit.
1066
MINISTERE DE LA SANTE. Politique pharmaceutique Nationale. Op.cit., p.19.
1067
Dahir n° 1-06-151 du 30 chaoual 1427 (22 novembre 2006) portant promulgation de la loi
n° 17-04 portant code du médicament et de la pharmacie. B.O n° 5480 du 7 Décembre 2006.
1068
COUR DES COMPTES. Rapport annuel de la Cour des comptes au titre de l’année 2018
.2019, p.305-306.
1069
Arrêté du Ministre de la santé n°12657 du 2 octobre 2017 relatif à la création des
coordinations régionales des missions d’inspection.
Selon le Bilan d’étape (2018-2019) présenté par l’inspecteur général du ministère de la santé.
1070
Voir : santé. L’inspection générale pointe les failles du système. Article.LesEco.ma. 12/07/2019.
Disponible sur : https://leseco.ma/sante-l-inspection-generale-pointe-les-failles-du-système.
1071
Art 4 de loi 08.22, op.cit.
Conclusion
A la lumière de ce qui précède, force est de constater que
d’énormes efforts ont été déployer surtout cette dernière décennie
en matière de territorialisation des fonctions du système de santé.
Cependant, l’accaparement des principales compétences au
niveau central notamment en matière de gestion financière et
humaines, les problèmes liés à la déconcentration des fonctions de
planification de l’offre de soins, d’appui et de logistique du système
comme la gestion de l’équipement biomédical ou la gestion du
médicament, l’absence de l’intégration et de la convergence,
conduisent nécessairement à un faible impact sur l’égalité d’accès
aux soins.
En somme, la territorialisation des politiques de santé au
Maroc a jusque-là subi une logique verticale du haut en bas, une
déconcentration décidée par le haut, uniforme par rapport aux
territoires et qui ne prend pas en compte des spécificités des
territoires.
Néanmoins, la prochaine configuration territoriale de la santé
devrait capitaliser sur les principaux mécanismes et points forts de
la déconcentration des fonctions de la santé élaborés jusque-là.
La dynamique actuelle de l’organisation des territoires de
santé moyennant les GST à la lumière de la nouvelle loi-cadre
06.22 relative au système national de la santé et la loi 08.22 relative
aux groupements sanitaires territoriaux, devrait apporter des
Rapports
CHAUFFOUR, Jean-Pierre. Le Maroc à l’horizon 2040 :
Investir dans le capital immatériel pour accélérer l’émergence
économique. Washington, DC : La Banque mondiale. 2018.
COUR DES COMPTES. Rapport annuel de la Cour des
comptes au titre de l’année 2018, p.305-306.2019.
MINISTERE DE LA SANTE. Livre Blanc : Pour une
nouvelle gouvernance du secteur de la Santé. Deuxième
conférence nationale de la santé.2013.
MINISTERE DE LA SANTE. Politique pharmaceutique
Nationale. Rapport. 2015.
MINISTERE DE LA SANTE. Ressources humaines de la
santé en chiffre 2015, Rapport, Octobre 2016.
Communications :
LE PEN, Claude. Efficacité et équité en économie de la
santé. Quelques remarques introductives, Communication aux
Journées des Économistes Français de la, 1996.
Webographie :
• L’inspection générale pointe les failles du système.
Article.LesEco.ma. 12/07/2019. Disponible sur :
https://leseco.ma/sante-l-inspection-generale-pointe-les-failles-
du-système.