You are on page 1of 537

‫مجلةقراءاتعلمية‬

‫‪2023‬‬

‫للأبحاث والدراسات القانونية والإدارية‬

‫‪Number 05■ November ■ 2023‬‬ ‫۩۩۩۩‬ ‫■‪0202‬‬ ‫■‬

‫يف األحباث والدراسات القانونية واإلدارية‬


‫‪Scientific Readings Journal‬‬

‫مجلـة علميـة محكمـة تعنـى بنش ـر الدراسـات والأبحـاث القانونيـة‬


‫والإداريـة الـمغربيـة والـمقارنـة‬

‫مديرة الـمجلة‪:‬‬

‫رئيسة التحرير‪:‬‬

‫جميع حقوق الـنشـر محفوظة للنارش وللمجلة ©‬


‫ند‬ ‫اإليداع القانوني‬ ‫‪:‬‬ ‫ر دمد‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Majalatkiraat@gmail.com‬‬ ‫‪www.allbahit.com‬‬
2023

2
‫‪2023‬‬

‫عنوان اجمللة‪ :‬جملة قراءات علمية يف األحباث والدراسات القانونية واإلدارية‬ ‫‪o‬‬

‫‪ O‬مسؤولو اجمللة‪ :‬ذة حليمة عبد الرمى ■ دة بسمة بلحمرة ■ ذ حممد القامسي‬
‫جمال االشتغال‪ :‬نشر الدراسات واألحباث القانونية واإلدارية اغمرربية واغمقارنة‬ ‫‪O‬‬

‫شركاء اجمللة‪ :‬دار اغمنظومة العربية ■ موقع الباحث القانوني‬ ‫‪O‬‬

‫‪ O‬اإليداع القانوني عدد‪ 20 :‬ن د ‪0202‬‬

‫الرقم الدولي املعياري للدورية‪: 2737-8322 :‬‬ ‫‪O‬‬

‫‪ O‬التواصل مع اجمللة‪:‬‬
‫جميع حقوق النشر محفوطة للناشر وللمجلة©‬

‫‪3‬‬
‫‪2023‬‬

‫املكلف بالتواصل – ذ حممد القامسي‬ ‫رئيسة التحرير – دة بسمة بلحمرة‬ ‫مديرة اجمللة – ذة حليمة عبد الرمى‬

‫‪4‬‬
‫‪2023‬‬

‫جلنيت املراجعة اللغوية والنشر‪:‬‬

‫‪5‬‬
2023

6
‫‪2023‬‬

‫شروط وأجبيدات لنشرر ي لجة ررلال لةية‬


‫أن يكون اغمقال حمرتما لشروط وقواعد وأجبديات البحوث العلمية اغمتعارف عليها‪................‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أن ينصب موضوع اغمقال على اجملال القانوني (القانون العام أو اخلاص) حسب األحوال‪.............‬‬ ‫‪‬‬

‫احرتام األمانة العلمية‪ ،‬وتوثيق اغمعلومات‪ ،‬وتفادي األخطاء اغمادية واغمنهجية‪....................‬‬ ‫‪‬‬

‫أن يكون البحث أو اغمقال قد أجاب عن اإلشكاليات اليت طرحها يف جمملها‪........... ............‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫تُدرج اإلحاالت وتوثيق اغمعلومات يف أسفل كل صفحة حصرا حتت طائلة رفض اغمقال‪...............‬‬ ‫‪‬‬

‫تُدرج مجيع اغمراجع اغمعتمدة يف حترير اغمقال أسفل اخلامتة مباشرة حتت طائلة رفض اغمقال‪........‬‬ ‫‪‬‬

‫يُضمن باغمقال وجوبا البيانات الكاملة للكاتب (امسه الكامل ودرجته العلمية) ‪...................‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫يتعني على كاتب اغمقال باللرة العربية ترمجة عنوانه إىل اللرة اإلجنليزية‪......................‬‬ ‫‪‬‬

‫يتحمل كاتب كل مقال منشور باجمللة اغمسؤولية عما به من سرقات أدبية ومرالطات علمية‪..........‬‬ ‫‪‬‬

‫تُرسل اغمقاالت إىل بريد اجمللة حصرا ( ‪............. )majalatkiraat@gmail.com‬‬ ‫‪‬‬


‫تُدرج اغمقاالت اغمرسلة يف األعداد اغمناسبة هلا حسب تاريخ تلقيها إال يف حالة االستعجال القصوى‪....‬‬ ‫‪‬‬

‫تسلم شواهد النشر ووعود بالنشر يف ابانهم ألغراض علمية ومهنية ‪............................‬‬ ‫‪‬‬

‫تُنشر اجمللة على أوسع نطاق‪ ،‬ويبقى نشر اغمقاالت باجمللة مؤدى عنه حسب وضعية كل باحث‪.........‬‬ ‫‪‬‬

‫يُمكن‪ ،‬وعند الضرورة‪ ،‬إصدار أعداد ورقية كمؤلفات مجاعية من جملة قراءات علمية‪.............‬‬ ‫‪‬‬

‫كُل اغمواقف اليت ترد باغمقاالت اغمنشورة باجمللة ال تعرب إال عن آراء كاتبيها وال تعرب عن رأي اجمللة‪..‬‬ ‫‪‬‬

‫‪7‬‬
‫‪2023‬‬

‫الـفهرس‬

‫‪21‬‬ ‫مميزات شركة التضامن من خلال القانون الموريتاني‪ ............................‬الدكتور الشيخ سيداتي أحمدو أحمد مولود‬

‫‪12‬‬ ‫أركان الأخذ بالشفعة دراسة في ضوء التشر يع والقضاء والفقه‪ .......................................‬الدكتور عمر الخضر‬

‫‪84‬‬ ‫الإجرام الر ياضي في التشر يع المغربي‪ ...............................................................‬الدكتور محمد المبطول‬

‫‪47‬‬ ‫النظام الأمني داخل المؤسسات السجنية بالمغرب‪ .........................................‬الدكتور عبداللطيــف أكــدي‬

‫‪69‬‬ ‫مسؤولية الدولة عن عمليات التلقيح بين الإجبار والإختيار‪ ،‬جائحة كورونا نموذجا‪ ...................‬الدكتورة وفاء رزوق‬

‫‪222‬‬ ‫الصيغ الحديثة لاستثمار الأموال الوقفية‪ :‬صناديق الاستثمار الوقفية أنموذجا‪ .......................‬الدكتور سعيد بلغريب‬

‫‪211‬‬ ‫ا لمشاركة السياسية للمرأة بالمغرب على ضوء المبادئ الدستور ية والتشر يعات الوطنية‪ ................‬الدكتور ياسير بوكلاطة‬

‫‪281‬‬ ‫آليات الحماية القانونية للتجارة الإل كترونية ‪ .......................................................‬الدكتور يسيرة الشنواني‬

‫‪296‬‬ ‫أي دور للنيابة العامة في تكريس مبادئ الحكامة الأمنية‪..........................................‬الدكتور يونس الصالحي‬

‫‪261‬‬ ‫التعليم العالي الجامعي والمهني وسؤال الجودة في ظل مشروع النموذج التنموي الجديد‪ ............‬الدكتور رماش عز الدين‬

‫‪104‬‬ ‫رهانات المشرع المغربي في مدونة التغطية الصحية الأساسية‪ ....................................‬الدكتور يوسف تمل كوتان‬

‫‪112‬‬ ‫حدود مبدأ سلطان الإرادة بين الواقع وهاجس التطور ‪ ...........................................‬الدكتور جواد خربوش‬

‫‪116‬‬ ‫موق ع نظر ية الظروف الطارئة في نظــام صعوب ات المقاول ة‪ ........................................‬الدكتور سعيد موقوش‬

‫‪8‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪191‬‬ ‫الوساطة الإل كترونية ودورها في حل المنازعات التجار ية ‪ .......................................‬الأستاذ عبد الله منيوي‬

‫‪141‬‬ ‫ظاهرة التنمر لدى الأطفال‪ .....................................................................‬الأستاذة ريم الدوسري‬

‫‪168‬‬ ‫دور الفاعلين السياسيين والقضائيين في ضمان الحق في الصحية بالمغرب‪ ................................‬الأستاذ هشام بلوا‬

‫‪106‬‬ ‫آليات تنفيذ الأحكام في مواجهة الإدارة الممتنعة‪ .................................................‬الأستاذ محسن الطيبي‬

‫‪119‬‬ ‫قراءة لأبرز مضامين الحماية التشر يعية والقضائية المصلحة الفضلى للطفل ‪ ..............................‬الأستاذ كريم لحمين‬

‫‪182‬‬ ‫الجهو ية ورهان تحقيق التنمية الترابية ‪ ..........................................................‬الأستاذة سلوى الوعماري‬

‫‪122‬‬ ‫الماء بالمغرب الأقصى‪ :‬دراسة تار يخية‪ ..........................................................‬الأستاذة عواطف الغالي‬

‫‪112‬‬ ‫البطالة في أوساط الجامعيين بممل كة البحرين وحقوق المواطن حسب قانون العمل‪ .........‬الأستاذة نعيمة عبدالله الجاسم‬

‫‪168‬‬ ‫مسطرة نزع المل كية من أجل المنفعة العامة ‪ .......................................................‬الأستاذ حسن صبطي‬

‫‪826‬‬ ‫تجربة القض اء الإداري ف ي موريتانياـــ "التكوين والاختصاصات"‪ .................‬الأستاذ محمد أبت حمادي محمد عبدي‬

‫‪881‬‬ ‫ارتفاقات المنع من البناء والحق في المل كية العقار ية الخاصة‪ ........................................‬الأستاذ حسن مدرج‬

‫‪894‬‬ ‫التكييف الفقهي لتصرفات الروبوتات المستقلة‪ :‬أهلية الروبوت أنموذجا‪ .....................‬الأستاذ عبد الواحد موساوي‬

‫التدبير بال كفاءات كنهج حديث لتدبير الموارد البشر ية بالإدارة العمومية‪ ........‬الدكتور جواد القادري و إيمان بنجيلاني‬

‫‪840‬‬ ‫‪L’INSTRUCTION PREPARATOIRE............................................ Oumaima RIDAOUI‬‬

‫‪744‬‬ ‫‪Le contrôle de gestion: un enjeu de performance de l’action publique territoriale à la‬‬
‫‪lumière de la régionalisation avancée........ O Aziza BENKADA+ Mohammed BELOUCHI‬‬

‫‪9‬‬
‫‪2023‬‬

‫تقديمـ للعدد – مديرة المجلة ‪ -‬ذة حليمة عبد الرمى‬


‫–‬
‫بسم لله الرحمان الرحيم‪ ،‬والصلاة والسلام على أشرف‬
‫المرسلين‪ ،‬سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪...‬أما بعد؛ إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن نقص‬
‫شريط مجلة قانونية تنضاف للساحة العلمية كي تكون بين‬
‫يدي كل باحث وممارس ومهتم بالشؤون القانونية والإدارية‪،‬‬
‫حيث تسنح له الفرصة لنشر مقالاته وأبحاثه المتوفرة على‬
‫شروط وقواعد النشر المسطرة من قبل طاقم المجلة ويعرف‬
‫بها على أوسع نطاق‪.‬‬
‫فبعد تفكير ممل‪ ،‬وشد وجدب‪ ،‬تقرر إخراج هذه المجلة لحيز الوجود‪ ،‬حيث اختار‬
‫الطاقم المؤسس لها عنونتها بـ (مجلة قراءات علمية فـي الأبحاث والدراسات القانونية‬
‫والإدارية)‪ ،‬وللإشارة‪ ،‬فالعدد الخامس والعشرون من صرح هذا المصنف يتضمن مقالات وأبحاث‬
‫علمية جادت بها جعب باحثين أفذاذ من المغرب وغيره‪ ،‬أساتذة جامعيين ودكاترة وباحثين‬
‫في الشأن القانوني‪ ،‬ستكون بحول الله وتوفيقه اضافة كبيرة لميدان البحث العلمي القانوني‬
‫الخصب بشقيه العام والخاص؛ فالشكر الجزيل والامتنان العميق لأعضاء للجنتين العلمية‬
‫والمراجعة اللغوية والنشر كل باسمه وصفته على ما أبدوه من رغبة جامحة للتعاون مع‬
‫طاقم المجلة بقصد الرقي بمنسوب ومستوى البحث العلمي في المغرب والوطن العربي‪.‬‬

‫وفي انتظار العدد السادس والعشرون‪ ،‬تقبلوا مني معشر الأفاضل أزكى عبارات التقدير‬
‫والاحترام‪ ،‬والسلام على من اتبع طريق الرحمان‪...‬حرر بالمملكة المغربية بتاريخ‬
‫‪.0202/11/02‬‬

‫‪11‬‬
2023

11
‫‪2023‬‬

‫مميزات شركة التضامن من خالل القانون الموريتاني‬


‫‪Advantages of Tadhamon company through Mauritanian law‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫تعد الشركات إحدى أهم ظواهر الحياة االقتصادية كونها مظهرا من مظاهر التعاون‬
‫االقتصادي والتجاري بين أفراد املجتمع‪ ،‬وتشكل أداة للنظام الرأسمالي في الدول ذات النهج‬
‫الليبرالي الستقطاب االدخاروتوجيهه نحو االستثمار‪.‬‬

‫وظاهرة الشركات ظاهرة بالغة القدم ويشارإلى أن وادي الر افدين‪ ،1‬كان أول مكان ظهرت‬
‫فيه الشركات ألول مرة بدليل ما ورد بشأنها من أحكام في قانون حامورابى فقد كانت حضارة‬
‫البابليين تجارية في جوهرها تتصل بالبيوع والقروض والعقود والمشاركة ‪.2‬‬

‫أما عند الرومان فقد ارتبطت نشأة الشركة بنظام األسرة‪ ،‬فقد عرف القانون الروماني‬
‫الشركة ألول مرة في موضوع التركة‪ ،‬حيث كان أفرد األسرة يتفقون على بقاء أموال التركة شركة‬

‫‪1‬ـ اكرم ياملكى‪ ،‬الوجيز فى شرح القانون التجارى العراقى‪ ،‬ج ‪ ،2‬فى الشركات التجارية‪ ،‬ط‪ ،2‬مطبعة العانى‪،‬‬
‫بغداد ‪ ،2792 ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪2‬ـ اكرم ياملكى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪12‬‬
‫‪2023‬‬

‫بينهم‪ ،‬وكانت تسمى الشركة األسرية‪ ،‬ثم عرف القانون الروماني الشركة الرضائية أو ما يعرف‬
‫بالمشاركات‪3.‬‬

‫وقد اهتمت الشريعة اإلسلمية بالشركة باعتبارها من النظم التجارية التي تقوم على‬
‫أساس التعاون‪ ،‬ففي القرآن الكريم يقول عز وجل (وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على‬
‫بعض إال الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم)‪.4‬‬

‫والخلطاء هم الشركاء‪ ،5‬كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدس ي‬
‫الذي رواه أبوهريرة قال‪ :‬إن الله يقول (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإن خانه‬
‫خرجت من بينهما)‪.6‬‬

‫وقد عرف الفقه اإلسلمي نوعين رئيسيين من الشركات وهما شركة الملك وشركة العقد‬
‫وتنقسم شركة العقد بدورها إلى‪:‬‬

‫‪1‬ـ شركة العنان (االشتراك في المال والعمل)‪.‬‬

‫‪2‬ـ شركة المضاربة (اشتراك في مال من جانب وعمل من جانب آخر)‪.‬‬

‫‪3‬ـ شركة الوجوه (اشتراك في التحمل في الذمم دون مال)‪.‬‬

‫‪4‬ـ شركة األبدان (أو األعمال وهي اشتراك فيما يكسبان بأبدانهما)‪.‬‬

‫‪5‬ـ شركة المفاوضة (اشتراك في كل ما تقدم‪ ،‬بأن يفوض أحدهما إلى اآلخركل تصرف مالي‬
‫وبدني فيشتمل العنان والمضاربة والوجوه واألبدان)‪.7‬‬

‫‪3 Hicham AL hafidh ,Le Contrat de Sociètè en Droit Romain Classique ,Review of juridical‬‬

‫‪Scienes,College of Low ,Bagdad University ,Vall,&,N2 ?1969 ,p1-50 .‬‬


‫‪4‬ـ سروة ص‪ ،‬االية (‪.)22‬‬
‫‪5‬ـ الخلطاء جمع خليط وهو الشريك الذى خلط ماله فى مال شريكه‪ ،‬أى الشركاء الذين اليتميز ملك كل واحد من‬
‫ملك صاحبه اال بالقسمة‪ ،‬انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬المجلد السابع‪ ،‬ط‪ ، 3‬دار صادر للطباعة والنشر ‪،‬بيروت‬
‫‪،2112،‬ص ‪.221‬‬
‫‪6‬ـاجالل الدين السيوطى‪ ،‬الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير ‪،‬ج‪ ، 2‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ ،2712‬ص ‪.273‬‬
‫‪ 7‬ـ نجيب محمد بكير‪ ،‬أنواع الشركات في الفقه اإلسالمي‪ ،‬بحث منشور في مجلة المحاماة (تصدر عن نقابة‬
‫المحامين المصرية)‪ ،‬العدد(‪7‬ـ‪ ،)21‬السنة ‪،97‬نوفمبر ـ ديسمبر‪ ،2717،‬ص ‪92‬ـ‪. 72‬‬

‫‪13‬‬
‫‪2023‬‬

‫وقد صدرفي فرنسا في القرن التاسع عشرقانون تجاري يعتبرمن أقدم القوانين التجارية‪،‬‬
‫وقد تلته مجموعة من القوانين كان من أواخرها قانون ‪ 24‬يوليو ‪ 1611‬المنظم للشركات‬
‫التجارية‪.‬‬

‫وقد تأخر ظهور القانون التجاري في موريتانيا حيث ظل التقنين في هذا املجال مرجعيته‬
‫القوانين الفرنسية القديمة إلى أن جاء األمرالقانوني القانون ‪ 31/ 2001‬الصادربتاريخ ‪ 7‬فبراير‬
‫‪ 2001‬المعدل لألمر القانوني رقم ‪ 121/96‬الصادر بتاريخ ‪ 10/25‬المتضمن قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪.‬‬

‫وقد وردت على وجه الخصوص "مدونة التجارة الموريتانية" بموجب القانون رقم‬
‫‪ 05/2000‬الصادر بتاريخ ‪ 19‬يناير ‪ ،2000‬الذي ألغيت بعض أحكامه وعدل البعض اآلخر‬
‫وأضيفت إليه مقتضيات جديدة بموجب القانون رقم‪.032/2015‬‬

‫ونظرا ألهمية الدور الذي تلعبه الشركات التجارية في إنعاش حركة االقتصاد‪ ،‬اهتم‬
‫المشرع بوضع القواعد القانونية التي تنظم كافة المراحل التي تمر بها الشركة بدءا بتأسيسها‬
‫و انتهاء بانحللها مرورا بتسييرها‪ ،‬كما منحها الشخصية االعتبارية لتكون ذاتا مستقل عن‬
‫مؤسسيها‪.8‬وقد عرف المشرع الموريتاني‪ 9‬الشركة التجارية بالمادة ‪« 620‬مكررة» من ق‪.‬إ‪.‬ع بأنها‬
‫عقد بمقتضاه يضع شخصان أو أكثر أموالهم أو عملهم بقصد تقسيم الربح واالستفادة من‬
‫المزايا االقتصادية التي قد تنشأ عنها بشرط السلمة من الربا والجهالة والغرر‪.10‬‬

‫‪ 8‬المادة ‪ 9-729‬من ق‪ ،‬إ ع "تتمتع كل الشركات ما عدى شركة المحاصة المشار إليها بالمادة ‪ 212‬وما بعدها من‬
‫م‪ ،‬ت‪ ،‬م‪ ،‬بالشخصية االعتبارية ابتداء من تقييدها في سجل الجارة"‪.‬‬
‫‪ 9‬لم يخص المشرع الموريتاني الشركات التجارية بنص خاص‪ ،‬بل نظمها ضمن مدونة التجارة (م‪ ،‬ت‪ ،‬م‪).‬‬
‫الصادرة بمقتضى القانون رقم ‪ 19‬لسنة ‪ 2111‬الصادر بتاريخ ‪ 9‬فبراير ‪ ،2111‬وقبل صدور هذا القانون كانت‬
‫المادة تعاني من فراغ تشريعي حيث كانت الشركات التجارية تخضع ألحكام المدونة الفرنسية وخاصة المواد من‬
‫‪ 21‬حتى ‪ 29‬وقانون ‪ 22‬يوليو ‪ 2199‬المنقح والمتعلق بالشركات ولمرسوم ‪ 31‬نوفمبر لسنة ‪ 2191‬المطبق لهذا‬
‫القانون في المستعمرات الفرنسية‪ ،‬ولقانون ‪ 9‬مارس ‪ 2729‬المتعلق بالشركات ذات المسؤولية المحدودة‪ .‬وقد نصت‬
‫المادة ‪ 991‬من م‪ ،‬ت‪ ،‬م‪ .‬على إلغاء كل تلك النصوص‪ .‬ومع ذلك تبقى الشركات التجارية خاضعة ألحكام المواد‬
‫من ‪ 721‬وحتى ‪ 2123‬من قانون االلتزامات والعقود الموريتاني (ق‪ ،‬إ‪ ،‬ع‪ ،‬م) وقد خضعت هذه المواد لتعديالت‬
‫بمقتضى القانون رقم ‪ 32‬لسنة ‪ 2112‬الصادر بتاريخ ‪ 9‬فبراير ‪.2112‬‬
‫‪ 10‬يقابل المادة ‪ 721‬مكررة من ق ا ع م الفصل ‪ 2‬من م‪ ،‬ش‪ ،‬ت‪ ،‬ت‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪2023‬‬

‫وتكون الشركة‪ 11‬تجارية بموضوعها عند ممارستها أحد األعمال المنصوص عليها‬
‫بالمادتين السادسة‪ 12‬والسابعة من مدونة التجارة الموريتانية‪ .‬وتعد تجارية من حيث الشكل‬
‫مهما كان موضوع نشاطها شركات التضامن وشركات التوصية البسيطة والشركات ذات‬
‫المسؤولية املحدودة وشركات األسهم‪ ،‬التي هي شركة التوصية باألسهم باإلضافة إلى الشركة‬
‫خفية االسم‪.‬‬

‫وتعتبر شركة التضامن من أقدم الشركات ظهورا حيث يرجع أصلها إلى العهد الروماني‪،‬‬
‫وكانت تسمى بنظام الملكية العائلية المشتركة حيث لم يكن يسمح بالدخول في هذا النظام إال‬
‫أفراد العائلة الواحدة‪ ،‬وبمرورالوقت تطورت هذه الشركة شيئا فشيئا حتى أخذت شكلها الحالي‬
‫في القرون الوسطى‪ ،‬وفيما يتعلق بتسميتها فهي حديثة حيث أنها سميت بشركة التضامن نسبة‬
‫إلى وصفها من قبل ‪ jacques Savani‬في كتابه الشهير"التاجرالكامل "‬

‫والتي وصفها بكونها الشركة التي يباشر فيها الشركاء التجارة باسمهم جميعا ومن هنا‬
‫جاءت تسمية شركة التضامن‪.13‬‬

‫وقد تناولها المشرع الموريتاني في مدونة التجارة من المادة ‪ 303‬إلى ‪.319‬‬

‫‪ 11‬الشركة في اللغة‪ :‬المخالطة والشريك هو الداخل مع غيره في عمل أو أي أم كان ويجمع على شركاء‪ ،‬وتطلق‬
‫الشركة على أمور ‪ :‬اختالط األموال‪ ،‬اختالط أعمال الشركاء‪ ،‬وتطلق على العقد الذي ينشئ هذه المعاملة ألنه‬
‫الخلط وهذا غالب استعمال الفقهاء‪.‬‬
‫انظر في ذلك‪ :‬أحمد رضا‪ ،‬معجم متن اللغة‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪ ،‬بيروت‪ ،2111 ،‬ص ‪.322‬‬
‫‪ 12‬المادة ‪ 9‬جديدة من القانون رقم ‪ 132 – 2129‬المكمل والملغي والمعدل لبعض أحكام القانون رقم ‪– 2111‬‬
‫‪ 119‬الصادر بتاريخ ‪ 21‬يناير ‪ 2111‬المتضمن مدونة التجارة" يعد عمال تجاريا بحسب موضوعه على الخصوص‪:‬‬
‫‪ -‬شراء األموال المنقولة أو العقارات بغية بيعها على حالها أو بعد تغييرها؛ ‪ -‬كراء المنقوالت أو العقارات من أجل‬
‫تأجيرها من الباطن؛ ‪-‬كل مؤسسة لإلنتاج أو التحويل أو التمثيل؛ كل مؤسسة لإلنتاج أو التحويل أو التمثيل؛ ‪ -‬كل‬
‫مؤسسة للبناء أو الحفر أو تسويق األرض؛ ‪ -‬كل مؤسسة لنقل األمتعة؛ ‪ -‬كل مؤسسة للتزويد أو الخدمات؛ ‪ -‬مكاتب‬
‫ووكاالت العمال واألسفار واإلعالم واإلشهار –التنقيب عن المناجم والقالع واستغاللها؛ ‪ -‬كل نشاط صناعي أو‬
‫تجاري –كل مؤسسة الستغالل النقل أو االستصالح؛ ‪-‬كل مؤسسة السغالل المالهي العمومية أو اإلنتاج الفكري‬
‫أو الطباعة والنشر مهما كان شكلها وسندها؛ ‪ -‬كل مؤسسة لتوزيع الماء والغاز والكهرباء والبريد والمواصالت؛‬
‫‪-‬كل مؤسسة للتأمين؛ ‪-‬كل مؤسسة الستغالل المستودعات والمخازن العمومية – كل مؤسسة للبيع بالمزاد العلني‬
‫للسلع الجديدة بالجملة أو األشياء المستعملة بالتجزئة؛ ‪-‬كل عملية مصرفية أو عملية صرف أو سمسرة أو خاصة‬
‫بالعمولة أو من أعمال الوساطة؛ ‪-‬كل عملية وسيط لشراء وبيع العقارات أو المحالت التجارية أو القيم المنقولة؛ ‪-‬‬
‫كل عملية إرسال بحري؛ ‪-‬كل تأجير أو إرسال بحري؛ ‪-‬كل العمليات المرتبطة باسغالل السفن والطائرات والتجارة‬
‫البحرية والجوية"‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪2023‬‬

‫إن شركة التضامن وإن كانت محدودة االنتشار في بلدنا‪ ،‬فإنها شهدت تطورا ملحوظا في‬
‫االقتصاديات المعاصرة‪ ،‬األمرالذي يبعث على التساؤل عن مميزات هذه الشركة ؟‬

‫إن الباحث عن حصائص شركة التضامن سيجد أن مجمل تلك الخصائص‬

‫يرجع أساسا إلى االعتبار الشخص ي‪ ،‬ويتمثل ذلك في المسؤولية غير املحدودة للشركاء‬
‫والعنوان املخصوص (المبحث األول) واكتساب صفة التاجروحظرتداول الحصص (المبحث‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مسؤولية الشركاء غيراملحدودة والعنوان املخصوص‬

‫تتميز شركة التضامن كغيرها من شركات األشخاص بالمسؤولية غير املحدودة للشركاء‬
‫(المطلب األول) وعنوانها املخصوص (المطلب الثاني)‬

‫المطلب األول‪ :‬مسؤولية الشركاء غيراملحدودة‪:‬‬

‫تعتبر المسؤولية الشخصية والتضامنية للشركاء عن ديون الشركة والتزاماتها من أهم‬


‫خصائص شركة التضامن‪ ،‬والتي تعني أن لدائني الشركة ضمانا على ديون الشركة فالشريك ال‬
‫تتحدد مسؤوليته عن ديون الشركة بقدر حصته‪ ،‬و إنما تتعداها إلى أمواله الشخصية‪،‬‬
‫ومسؤولية الشركاء عن التزامات الشركة في كل أموالهم تكون على وجه التضامن بينهم‪14 .‬‬

‫وقد نصت المادة ‪ 15303‬جديدة من م ‪.‬ت على المسؤولية اللمحدودة والتضامنية‬


‫للشريك في شركة التضامن‪.‬‬

‫ومن أثارالمسؤولية غيراملحدودة للشركاء أن إشهار إفلس الشريك قد يؤدي إلى إفلس‬
‫الشركة‪ ،‬ألن توقف الشركة وعجزها عن تسديد ديونها يعني عجزالشركاء فيها‪.16‬‬

‫إال أنه وقبل مطالبة الشريك أو الشركاء بالوفاء بديون الشركة‪ ،‬يتعين على دائني الشركة‬
‫وبعد ‪30‬يوما على إنذار الشركة بتسديد ديونها‪ ،‬وبعد عجزها عن ذلك‪ ،‬ليتسنى لهم أن يطالبوا‬

‫‪ 14‬ـ عزيز العكيلي‪ ،‬شرح القانون التجاري‪ ،‬الشركات التجارية‪ ،‬ص ‪ 221‬ـ‪.227‬‬
‫‪ 15‬ـ تنص المادة ‪ 313‬جديدة من م‪.‬ت على أنه ‪ ":‬شركة التضامن هي التي ينشئها شخصان أو عدة أشخاص‬
‫طبيعيين أو اعتباريين تكون لهم جميعا صفة التاجر ويسألون من غير تحديد و بالتضامن عن ديون الشركة‪".‬‬
‫‪16‬ـ الطالب حسين موسى‪ ،‬الموجز في الشركات التجارية‪ ،‬ط‪ ،2‬مطبعة معارف بغداد ‪،‬بغداد ‪ ،2793‬ص ‪.91‬‬

‫‪16‬‬
‫‪2023‬‬

‫الشركاء بتسديد ديون الشركة‪ ،‬ويمكن أن يمدد هذا األجل بأمر من رئيس املحكمة املختصة‬
‫والذي يبت عن طريق االستعجال دون أن يتجاوزالتمديد ‪ 30‬يوما حسب المادة ‪ 17304‬من م ت‬
‫‪.‬‬

‫ويقوم التضامن بين جميع الشركاء الذين كانوا أعضاء في شركة التضامن من وقت نشوء‬
‫االلتزام سواء كانوا مديرين أو من غيرهم ‪،‬وسواء كانت أسماؤهم ظاهرة في عنوان الشركة أو في‬
‫النشر‪.‬‬

‫وتعتبرهذه المسؤولية من قبل النظام العام ‪،‬وعليه يقع باطل في مواجهة الغيرالنص في‬
‫عقد الشركة على تحديد مسؤولية أحد الشركاء المتضامنين بمقدارحصته في رأس المال ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العنوان املخصوص للشركة‬

‫تتميز شركة التضامن عن غيرها من الشركات التجارية األخرى بعنوان تعرف به في‬
‫الوسط التجاري توقع به جميع التعهدات المنجزة لحسابها‪ ،‬والمقصود بالعنوان على ما يبدو‬

‫إعلم الغيربنوع التجمع الذي يتعامل معه األشخاص الذين يكونونها‪ ،‬وتم االعتماد عليه‬
‫في إطار التعامل مع الشركة بفضل االئتمان القوي الذي تضمنه الطبيعة التضامنية لهؤالء‬
‫الشركاء ‪.‬‬

‫وقد ألزم المشرع الموريتاني في المادة ‪ 305‬من مدونة م ت بيان عنوان الشركة وذلك‬
‫بصفة جلية يكتب بعنوانها الشركاء بأسمائهم أو يكتفي بواحد منهم‪18‬‬

‫وعادة ما تذكر األسماء األكثر شهرة من حيث االئتمان في عنوان الشركة‪ ،‬ونظرا ألهمية‬
‫اسم الشريك في عنوان الشركة يجب أن يتفق مع صفاتها الحقيقية‪ ،‬وإذا انسحب أحد الشركاء‬
‫أو توفي وحصل أن استمرت الشركة بدخول شريك جديد أو ورثة الشريك المتوفى‪ ،‬ففي هاتين‬
‫الحالتين يجب إضافة الشريك الجديد أو وضع اسم الورثة وكل شخص يقبل إدراج اسمه في‬

‫‪ 17‬ـ تنص المادة ‪ 312‬من م ت على أنه‪ ":‬ال يجوز لدائني الشركة مطالبة أحد الشركاء بوفاء ديون الشركة إال‬
‫بعد مرور ثالثين يوما على األقل من تـاريخ إنذار الشركة بتصرف غير قضائي لم تترتب عنه نتيجة ‪.‬يمكن أن‬
‫يمدد هذا األجل بأمر من رئيس المحكمة المختصة بالقضايا التجارية والذي يبت عن طر يـق االسـتعجال دون أن‬
‫‪ ٦٥٢‬يتجاوز هذا التمديد ثالثين يوما‪".‬‬
‫‪ 18‬ـ تنص المادة ‪319‬من م ت على أنه ‪ ":‬تعرف شركة التضامن تحت اسم جماعي يكون مسبوقا أو متبوعا‬
‫مباشرة على نحو مقروء بكلمات "شركة تضامن‪".‬‬

‫‪17‬‬
‫‪2023‬‬

‫تسمية شركة التضامن يكون مسؤوال عن التزامات الشركة بنفس الشروط المطبقة على‬
‫الشركاء حسب المادة ‪ 19307‬من م ت‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬اكتساب الشريك صفة التاجروحظر تداول الحصص‬

‫إن كل شريك في شركة التضامن يكتسب صفة التاجر (المطلب األول) ويحظر على‬
‫الشركاء تداول الحصص (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬اكتساب الشريك صفة التاجر‬

‫يتمتع الشركاء في شركة التضامن بصفة التاجر‪ ،‬وفقا للمادة ‪ 30320‬جديدة من م تـ فكل‬
‫الشركاء يكتسبون صفة التاجر‪ ،‬سواء أدرجت أسماؤهم في عنوان الشركة أم ال ‪،‬وسواء تدخلوا‬
‫في إدارة الشركة أم ال‪.‬‬

‫فكل شخص يريد أن يمارس نشاطا اقتصاديا من خلل شركة التضامن يلزمه أن يكون‬
‫متمتعا باألهلية لممارسة التجارة حسب ما نصت عليه المادة ‪ 20721‬من م ت‪.‬‬

‫أما التحليل القانوني إللزامية صفة التاجرفي شركة التضامن فهو أن‬

‫الشخصية االعتبارية للشركة هشة‪ ،‬فهي تكشف الشخصيات الطبيعية لألفراد‬


‫المنتمين إليها والمسؤولين عن ديونها في حالة إعسارها‪ ،‬فالمعاملت التي تقوم بها الشركة يتم‬
‫إبرامها مباشرة على حساب الشركاء وباسمهم وخيردليل على ذلك‪ ،‬فهذه العمليات يتم التفاوض‬
‫بشأنها تحت اسم مخصوص يتكون من أسماء الشركاء المتضامنين‪ ،‬وهذا الخلط بين الشركة‬
‫و األشخاص المنتمين إليها هو الذي يسمح بإطلق صفة التاجرعلى هذا النوع من الشركاء‪.‬‬

‫وتنتج عن هذه الصفة عدة آثارتتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫‪ 19‬ـ تنص المادة ‪ 319‬من م ت على أنه ‪ ":‬كل شخص يقبل أن يدرج اسمه بتسمية الشركة عالما بما يترتب عن‬
‫ذلك يكون مسؤوال عن التزامات هذه األخيرة بنفس الشروط المطبقة على الشركات‪".‬‬
‫‪ 20‬ـ تنص المادة ‪ 313‬جديدة من م ت على أنه ‪ ":‬شركة التضامن هي التي ينشئها شخصان أو عدة أشخاص‬
‫طبيعيين أو اعتباريين تكون لهم جميعا صفة التاجر"‪.‬‬
‫‪ 21‬ـ تنص المادة ‪ 219‬من م ت على أنه ‪ ":‬ال يجوز ألحد أن يكون شريكا في شركة تضامن أو شريكا متضامنا‬
‫في شركة توصية إذا لم تكن له األهلية الواجبة الحتراف التجارة‪".‬‬

‫‪18‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪1‬ـ يتعين على الشريك المتضامن أي يتمتع شخصيا بأهلية القيام باإلعمال التجارية‬
‫فعليه إذا كان يمارس مهنة أو وظيفة ال تتلئم مع ممارسة التجارة أن يتخلى عنها وإال وقع تحت‬
‫طائلة العقاب المترتب على الحظرالمفروض عليه بشأن ممارسة اإلعمال التجارية‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ إن إفلس الشركة يؤدي إلى إفلس كل واحد من الشركاء‪ ،‬ألن توقف الشركة عن الدفع‬
‫يعني أنه لم يعد هناك واحد من الشركاء المسؤولين بالتضامن عن ديونها قادرا على مواجهة‬
‫الديون المستحقة عليها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪:‬حظرالتنازل عن الحصص‬

‫إن اعتبار االعتبار الشخص ي الذي تقوم عليه شركة التضامن يقتض ي بكل تأكيد ثبات‬
‫األشخاص الكونين لها‪ ،‬لذا فإن حصص االشتراك في هذا النوع من الشركات ال يمكن أن يتجسد‬
‫في شكل سندات قابلة للتداول‪ ،‬فيحظر على الشركاء في شركة التضامن كقاعدة عامة مبدئية‬
‫التنازل عن حصصهم لصالح الغير دون مو افقة باقي الشركاء‪ ،‬وكل شرط مخالف يعد كأن لم‬
‫يكن‪ ،‬حسب المادة ‪ 31522‬من م ت ‪.‬‬

‫ونلحظ في هذا الصدد أن املحظور هو التنازل عن الحصة للغير أما بين الشركاء فجائز‬
‫ألنه ال يضرباالعتبارالشخص ي‪.‬‬

‫لكن قاعدة حظر التنازل عن حصص االشتراك في شركة التضامن أوفي شركات‬
‫األشخاص بصفة عامة ال تتعلق بالنظام العام‪ ،‬لذلك يجوزالخروج عن هذه القاعدة باالتفاق‬
‫على إمكانية التنازل عن الحصة لصالح الغيرفي عقد تأسيس الشركة أو في اتفاق الحق‪ ،‬غير أنه‬
‫ال يشترط لقيام أثر هذا االتفاق حصول رضا الشركاء عن طريق مو افقتهم أو مو افقة األغلبية‬
‫منهم على قبول المتنازل له كشريك متضامن‪ ،‬وفي هذا اإلطاريجوزالنص في عقد التأسيس على‬

‫‪ 22‬ـ تنص ف ‪ 2‬من المادة ‪ 329‬معدلة من م ت على أنه ‪ ":‬ال يجوز أن تكون حصص االشتراك ممثلة في سندات‬
‫قابلة للتداول‪ .‬وال يمكن التنـازل عنـها إال برضـا جميـع الشركاء ‪.‬ويعتبر كل شرط مخالف لذلك كأن لم يكن‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪2023‬‬

‫إعطاء الشركاء حق استرداد الحصة من المتنازل له مقابل دفع قيمتها له‪ ،‬وفقا لمقتضيات‬
‫المادة ‪ 23645‬من ق ل ع والمادة ‪24 315‬من م ت ‪.‬‬

‫قائمة المراجع‬

‫‪ -‬اكرم ياملكى ‪،‬الوجيز فى شرح القانون التجارى العراقى‪،‬ج‪ ،2‬فى الشركات التجارية ‪،‬ط‪،2‬‬
‫مطبعة العانى‪ ،‬بغداد‪.1672 ،‬‬

‫‪ -‬اجلل الدين السيوطى ‪،‬الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير ‪،‬ج‪، 1‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت ‪.1691‬‬

‫‪ -‬نجيب محمد بكير‪ ،‬أنواع الشركات في الفقه اإلسلمي ‪،‬بحث منشور في مجلة املحاماة‬
‫(تصدرعن نقابة املحامين المصرية)‪ ،‬العدد(‪6‬ـ‪،)10‬السنة ‪،16‬نوفمبرـ ديسمبر‪.1696،‬‬

‫‪ -‬أحمد رضا‪ ،‬معجم متن اللغة‪ ،‬املجلد الثالث‪ ،‬دارمكتبة الحياة‪ ،‬بيروت‪.2009 ،‬‬

‫‪ -‬عزيزالعكيلي ‪،‬شرح القانون التجاري‪ ،‬الشركات التجارية ‪ ،‬ص ‪ 119‬ـ‪.116‬‬

‫‪ -‬الطالب حسين موس ى ‪،‬الموجز في الشركات التجارية ‪،‬ط‪ ،1‬مطبعة معارف بغداد‪،‬‬
‫بغداد ‪.1673‬‬

‫‪Hicham AL hafidh ,Le Contrat de Sociètè en Droit Romain‬‬


‫‪Classique ,Review of juridical Scienes,College of Low ,Bagdad University‬‬
‫‪,Vall,&,N2 ?1969 ,p1-50 .‬‬

‫‪ 23‬ـ تنص المادة ‪ 729‬من ق ل ع على أنه‪ ":‬ال يسوغ للشريك‪ ،‬ولو كان متصرفا للشركة‪ ،‬بدون موافقة كل شركائه‬
‫اآلخرين‪ ،‬أن يدخل أحدا من الغير في الشركة باعتباره شريكا فيها‪ ،‬ما لم يكن عقد الشركة قد خوله ذلك‪".‬‬
‫‪ 24‬ـ تنص ف ‪ 2‬من المادة ‪ 329‬معدلة من م ت على أنه ‪ ":‬ال يمكن إجراء التخلي في غياب اإلجماع‪ ،‬إال أنه يمكن‬
‫من خالل النظام األساسي تنظيم إجراءات السترداد الحصة من أجل تمكين الشريك المتخلي عنها باالنسحاب‪".‬‬

‫‪21‬‬
‫‪2023‬‬

‫–‬

‫أركان األخذ بالشفعة دراسة في ضوء التشريع والقضاء والفقه‬


‫‪The pillars of intercession are studied in the light of legislation, judiciary and jurisprudence‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫تعتبر الملكية العقارية في اإلسلم استخلفا إلهيا ومنحة ربانية أقرها اإلسلم وبين‬
‫حدودها‪ .‬فالرسول (ص) يقول‪" :‬كل المسلم على المسلم حرام‪ ،‬دمه وماله وعرضه"‪ .‬و إقرار‬
‫اإلسلم للملكية في الو اقع إقرار لغريزة التملك في البشر مع حرص اإلنسان على المال‪ ،‬وحافز‬
‫للبشرعلى العمل والكسب وعمارة الكون والتصرف في مال الله‪.25‬‬

‫والملكية الخاصة يضمنها الدستور ويحميها القانون‪ ،‬ولها مركز خاص في العديد من‬
‫االتفاقيات الدولية‪ ،‬فقد جاء في الفصل ‪ 17‬من اإلعلن العالمي لحقوق اإلنسان الصادرفي ‪10‬‬
‫أكتوبر ‪" :1649‬إن لكل إنسان حق التملك بمفرده وباالشتراك مع غيره‪ ،‬وال يجوزتجريد أحد من‬
‫ملكه تعسفا" وقد بلور المشرع المغربي هذا المفهوم الخاص لحق الملكية من خلل الفصل‬
‫‪ 35‬من الدستور الذي جاء فيه‪" :‬يضمن القانون حق الملكية‪ ،‬ويمكن الحد من نطاقها‬
‫وممارستها بموجب القانون إذ اقتضت ذلك متطلبات التنمية االقتصادية واالجتماعية للبلد‪،‬‬
‫وال يمكن نزع الملكية إال في الحاالت ووفق اإلجراءات التي ينص عليها القانون‪."...‬‬

‫‪ . 25‬عبد الله الكرني‪" ،‬الشفعة من خالل العمل القضائي المغري"‪ ،‬لرسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني‪ ،‬جامعة‬
‫القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بمراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪ 2777 -2771‬ص ‪.2‬‬

‫‪21‬‬
‫‪2023‬‬

‫وقد أصبحت القوانين الحديثة تعتبرحق الملكية مؤسسة حقوقية يراد منها أن تؤدي‬
‫وظيفة اجتماعية‪ ،‬ولتحقيق هذا الهدف كان ال بد أن تفرض على حق الملكية قيود تحد من‬
‫سلطة المالك على ملكه‪ ،‬وتمنعه من أن يستعملها فيما يتعارض مع مصالح الجماعة‪.26‬‬

‫ومن هذه الحقوق حق الشفعة‪ ،‬حيث تعتبر الشفعة قيدا يرد على حق الملكية لكونه‬
‫يمكن من تو افرت فيه شروط األخذ بالشفعة‪ ،‬من أن يأخذ الحصة المبيعة من يد المالك‬
‫الجديد الذي انتقلت إليه‪.‬‬

‫ونظم المشرع المغربي حق الشفعة بمقتض ى مدونة الحقوق العينية‪ ،‬في الفصل الرابع‬
‫من الكتاب الثاني المتعلق بأسباب كسب الملكية‪ ،‬والقسمة وخصوصا في المواد ‪ 262‬إلى ‪،312‬‬
‫والكل مع مراعاة أحكام المادة ‪ 1‬من نفس القانون‪ .27‬كما ترتب علقة الشفعة أيضا بالقانون‬
‫المالي ‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن ممارسة الشفعة تتطلب تو افر شروط محددة يتعين على‬
‫الشفيع أخذها بعين االعتبار‪ ،‬سواء تعلق األمربعقارمحفظ أوغيرمحفظ‪ ،‬أوفي طورالتحفيظ‪،‬‬
‫ذلك حسب ما نصت عليه المادة ‪ 263‬من م‪ .‬ح‪ .‬ع‪ ،‬إلى جانب توفرأركان الشفعة‪ ،‬والمتمثلة في‪:‬‬
‫الشفيع‪ ،‬والمشفوع منه‪ ،‬والمشفوع به‪ ،‬والمشفوع‪ .‬وذلك قصد توفير الحماية للشفيع‪،‬‬
‫بإحاطته بمجموعة من الضمانات القانونية والقضائية لضمان تمتعه واستحقاقه للحصة‬
‫المبيعة‪ ،‬وذلك من خلل استرجاعه للحصة التي انتقلت للغير‪.28‬‬

‫ولهذا سنقوم بمقاربة هذا الموضوع وفق إشكالية محورية تتمحور حول إبراز أركان‬
‫االخذ بالشفعة‪ ،‬مع التركيزعلى الدورالذي يمكن للقضاء أن يقوم به قصد التوفيق بين مصلحة‬

‫‪ .26‬نادر غزالن‪" ،‬إجراءات ممارسة الشفعة في العقار المحفظ"‪ ،‬مطبعة دار القلم بالرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2123 ،‬ص ‪.1-9‬‬
‫هذا‬ ‫‪ .27‬تنص المادة األولى من القانون رقم ‪ 37.11‬المتعلق بمدونة الحقوق العينية على أنه‪" :‬تسري مقتضيات‬
‫القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار‪.‬‬
‫تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في ‪ 7‬رمضان ‪ 2332‬موافق ‪ 22‬غشت ‪ 2723‬بمثابة قانون االلتزامات‬
‫والعقود في ما يرد به نص في هذا القانون‪ ،‬فإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من‬
‫الفقه المالي"‪.‬‬
‫‪ .28‬يطلق اسم الشفيع‪ :‬على من له حق الشفعة‪ ،‬والمشفوع على الشيء الذي يتعلق به حق الشفعة‪ ،‬والمشفوع منه‬
‫على الشخص الذي تمارس الشفعة ضده ‪ ،‬والمشفوع به على الشيء الذي وجبت به الشفعة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪2023‬‬

‫كل من الشفيع‪ ،‬والمشفوع منه‪ ،‬والمشفوع‪ ،‬والمشفوع به‪ ،‬الستخلص حقه؟ وكذا االجتهادات‬
‫القضائية بهذا الخصوص‪.‬‬

‫وللوقوف على مدى فعالية حق الشفعة بالنسبة لكل من الشفيع والمشفوع منه‪،‬‬
‫سوف نتطرق لركنا الشفيع والمشفوع منه‪ ،‬ثم لركنا المشفوع والمشفوع‪ ،‬وذلك وفق التقسيم‬
‫اآلتي‪ :‬المبحث األول‪ :‬ركنا الشفيع والمشفوع منه‪ .‬المبحث الثاني‪ :‬المشفوع والمشفوع به‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬ركنا الشفيع والمشفوع منه‬

‫إن الشفعة ال تتحقق إال بوجود شروط أساسية سواء أتعلق األمر بالنسبة لشخص‬
‫الشفيع‪ ،‬أم بالنسبة للمشفوع منه‪ ،‬وذلك ألن األخذ بالشفعة يضع الشفيع والمشفوع منه في‬
‫مواجهة مباشرة‪ ،‬يترتب عنها انتزاع الشفيع الحصة من يد المشفوع منه‪.‬‬

‫فكان ال بد من تحديد الشفيع (المطلب األول)‪ ،‬ثم المشفوع منه (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ركن الشفيع‬

‫الشفيع هو الشريك الذي تبث له الحق في أخذ النصيب الذي انتقل إلى المالك الجديد‪.‬‬
‫فكل من يملك نصيبا شائعا في عقار له الحق في أن يشفع ما باعه شريكه‪ ،‬وهو إما أن يكون‬
‫واحدا أومتعددا‪ ،29‬وفي الحالتين معا يجب أن تتوفرفيه شروط معينة (الفقرة األولى)‪ ،‬وفي حالة‬
‫تعدد الشركاء فإنه يتعين تحديد من هو أحق بالشفعة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الشروط الواجب توفرها في الشفيع‬

‫يشترط في الشفيع لممارسة الشفعة أن تتحقق فيه الشروط التالية‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أن يكون شريكا على الشياع‪.‬‬

‫‪ .29‬حنان بوعزة‪" ،‬الشفعة في العقار المحفظ"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون المدني واألعمال‪ ،‬جامعة عبد‬
‫المالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ .‬طنجة‪ .‬السنة الجامعية ‪ ،2121 -2117‬ص ‪.23‬‬

‫‪23‬‬
‫‪2023‬‬

‫إن الشفيع في العقار املحفظ‪ 30‬هو المالك على الشيوع لعقار محفظ‪ ،‬أو المالك على‬
‫الشيوع لحق من الحقوق العينية العقارية القابلة للتداول بحد ذاتها‪ ،‬كالمشتاع في حق االنتفاع‬
‫أو حق السطحية أو حق كراء األمد‪...31‬‬

‫والملكية الشائعة هي حق عيني موزع بين عدة مالكين دون أن ينفرد واحد منهم بحصة‬
‫مقررة عن سواها من الحصص‪ ،‬فانعدام الشركة بين الشفيع والبائع في عقارال توجب الشفعة‬
‫في الحصة المبيعة‪ ،‬فالجار الملصق ال يستحق شفعة العقار الذي يبيعه جاره‪ ،‬أسواء كان‬
‫ملصقا له أم ال وكيفما كانت الملصقة‪ ،‬ونفس الش يء بالنسبة لصاحب العلو كأن تكون دار‬
‫مشتركة بين شخصين يملك أحدهما الطابق السفلي‪ ،‬ويملك األخر الطابق العلوي‪ ،‬فإن باع‬
‫أحدهما ما يملكه لم يكن اآلخر الحق في أن يشفع‪ ،‬ألن ملك كل واحد منهما متميز عن اآلخر‬
‫وأصبحا جارين‪ .‬إذ أن شفعة الجارغيرجائزة في مذهب اإلمام مالك‪ ،‬بخلف المذاهب الفقهية‬
‫األخرى كالمذهب الحنفي‪.32‬‬

‫فالشريك على الشياع هو الوحيد الذي له حق الشفعة طبقا لظهير ‪ 2‬يونيو ‪،1615‬‬
‫سواء أكان شريكا منفردا أم متعددا‪ .‬ذلك أن الشياع شرط أساس ي لممارسة حق الشفعة‪،‬‬
‫لذلك فل شفعة لمن كان شريكا و انتهت شركته‪ ،‬وهو نفس المقتض ى الذي احتفظ به المشرع‬
‫المغربي في المادة ‪ 263‬من مدونة الحقوق العينية ‪.3336.09‬‬

‫وهكذا تجدر اإلشارة‪ ،‬إلى أنه يرد على شرط ملكية الشفيع على الشياع استثناء قرره‬
‫المشرع لفائدة الدولة‪ ،‬فهذه األخيرة يحق لها األخذ بالشفعة سواء كانت مالكة أم ال‪.34‬‬

‫‪ .30‬أما الشفيع حسب أحكام ق‪ .‬ل‪ .‬ع‪ :‬هو المالك على الشيوع للمنقول أو العقار الذي له حصة شائعة فيه صغيرة‬
‫كانت أم كبيرة وسواء كان اختياريا أم وليد التفاق أو كان اضطراريا أي وليد اإلرث‪.‬‬
‫‪ .31‬ينظر الفصل ‪ 7‬من مدونة الحقوق العينية ‪.37.11‬‬
‫‪ .32‬حنان بوعزة‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪.33‬للتوسع أكثر حول الشفعة الممارسة من طرف الدولة‪ ،‬أنظر محمد بادن‪" ،‬الشفعة الممارسة من طرف الدولة"‪،‬‬
‫دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع الرباط الطبعة‪ ،‬األولى ‪.2119‬‬
‫‪.34‬ولما كانت بعض هذه الحقوق مما ال يمكن لصاحبها أن يتصرف فيها بالبيع فأن الحقوق العينية العقارية التي‬
‫تثب للشركاء فيها الحق في الشفعة هي‪:‬‬
‫ـ حق الملكية‪.‬‬
‫ـ حق االرتفاق‪.‬‬
‫‪-‬والتحمالت العقاري‪.‬‬
‫ـ حق االنتفاع‪.‬‬
‫ـ حق العمرى‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪2023‬‬

‫ويقصد بالشريك على الشياع في حق من الحقوق العينية العقارية‪ ،‬الشخص الذي‬


‫يملك جزءا شائعا من أحد الحقوق العينية العقارية التي أشارت إليها المادة ‪ 6‬من مدونة‬
‫الحقوق العينية ‪ ،36.09‬فكل شريك على الشياع في حق من هذه الحقوق يثبت له الحق في‬
‫الشفعة‪ ،‬مهما كانت نسبة الجزء الذي يملكه الشريك الطالب للشفعة بالنسبة إلى الحصة التي‬
‫يطلب شفعتها‪.35‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬كون حق الشفيع من نفس طبيعة الحق المطلوب شفعته‬

‫يتعين أن يكون الشفيع شريكا للبائع في رقبة وأصل الحصة المطلوب شفعتها‪ ،‬ال شريكا‬
‫في منفعتها فقط‪ ،‬إذ ال شفعة في الرقبة لشريك في المنفعة فقط‪ ،‬كاملحبس عليه إذ باع شريك‬
‫األحباس واجبه في عقار محفظ‪ ،‬ألنه ال يملك من الرقبة المبيعة شيئا‪ ،‬ومثله ناظر األوقاف‪،36‬‬
‫فالشريك في الرقبة يستحق الشفعة ولو كان ال يملك المنفعة‪ ،‬بخلف مالك المنفعة فقط فهو‬
‫ال يستحق الشفعة‪.37‬‬

‫فهكذا إذا كان عدة أشخاص يملكون منفعة عقار وآخرون يملكون رقبة ذلك العقار‪،‬‬
‫فإذا فوت أحد الشركاء نصيبه في المنفعة استحق باقي شركائه في تلك المنفعة للشفعة‪ ،‬وإذا‬
‫فوت أحد المالكين للرقبة حصته في الرقبة استحق بقية شركائه في رقبة الشفعة‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬ثبوت ملكية الشفيع قبل تاريخ التصرف الموجب للشفعة‪38‬‬

‫ـ حق االستعمال‪ ،‬حق السطحية‪.‬‬


‫‪-‬حق الكراء الطويل األمد‪.‬‬
‫ـ حق الحبس‪.‬‬
‫ـ حق الزينة‪.‬‬
‫ـ حق الهواء والتعلية‪.‬‬
‫ـ الحقوق العرفية المنشأة بوجه صحيح قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ‪.‬‬
‫‪.35‬محمد ابن معجوز‪" ،‬أحكام الشفعة في الفقه اإلسالمي والتقنين المغربي المقارن"‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة بالدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،2773‬ص‪.221 ،‬‬
‫‪ .36‬سليمان الحمزاوي‪" ،‬أحكام الشفعة والصفقة"‪ ،‬سلسلة دروس المعهد الوطني للدراسات القضائية‪ ،‬منشورات‬
‫تنمية البحوث والدراسات‪ ،‬مطبعة الساحل بالرباط‪ ،‬طبعة ‪ ،1987‬ص‪.11 ،‬‬
‫‪ .37‬محمد خيري‪ :‬الشفعة وآجالها بين العقار المحفظ والعقار في طور التحفيظ‪ ،‬مجلة محاكمة‪ ،‬عدد ‪ ،3‬سنة ‪،2119‬‬
‫ص ‪.29‬‬
‫‪ .38‬حنان بوعزة‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص‪.29 ،‬‬

‫‪25‬‬
‫‪2023‬‬

‫تذهب كل القوانين إلى أنه يجب تو افر سبب الشفعة من وقت بيع المال المشفوع فيه‬
‫إلى حين تمام أخذه بالشفعة‪ ،‬ولكن ال يكفي أن تتوفرصفة الشفيع وقت البيع‪ ،‬بل يجب أن تظل‬
‫كذلك حتى يتم له األخذ بالشفعة رضاء أو قضاء‪.‬‬

‫وهذا ما يسيرعليه أيضا الفقه المالكي‪ ،‬بمعنى أن يكون الشفيع شريكا في الشياع قبل‬
‫قيام شريكه بتفويت حصته‪ ،‬أي أن يكون تاريخ تملك الشفيع للجزء المشاع الذي يشفعه‪،‬‬
‫سابقا على تاريخ الحصة المشفوعة‪.‬‬

‫أما إذا كان تاريخ تملكه ال حقا على تصرف شريكه فل شفعة‪ ،‬فيجب أن تكون ملكية‬
‫الشفيع سابقة على البيع الذي يأخذ فيه بالشفعة‪ ،‬أما مجرد التفاوض فيما بينه وبين البائع ال‬
‫يكفي إذا لم يتم البيع‪.‬‬

‫وإذا اكتسب الشفيع هذا الحق بالميراث‪ ،‬فيجب أن تكون وفاة الموروث سابقة على‬
‫البيع‪ ،‬وإذا اكتسبه بالتقادم يجب أن تكتمل مدة التقادم‪ ،‬كما أن سبب الشفعة يظل قائما إلى‬
‫تمام األخذ بها‪.‬‬

‫يجب أن يكون هذا الثبوت بحجة كتابية ثابتة التاريخ قبل استحقاق الشفعة‪ ،‬إال انه‬
‫في مجال العقار املحفظ بالخصوص‪ ،‬نرى أن العبرة في تحديد تملك الشفيع لحصة المشاعة‬
‫هي تاريخ تقييد الحصة المشاعة بالرسم العقاري‪ ،‬إعماال لألثر المنش ئ للتقييد طبقا للفصل‬
‫‪ 17-11‬من ظهير ‪ 6‬رمضان ‪ 1331‬المو افق ل ‪ 12‬غشت ‪ 1613‬المعدل والمتمم لقانون ‪14.07‬‬
‫المنظم لمسطرة التحفيظ العقاري‪ ،‬كما يتعين أن يكون هذا التقييد سابقا على تقييد بيع‬
‫الحصة المشفوعة‪ ،‬وهذا ما قض ى به املجلس األعلى في قراره الصادر بتاريخ ‪ 23‬فبراير ‪1677‬‬
‫(ملف مدني عدد ‪" :)513050‬ال تثبت لطالب الشفعة صفة الشريك التي يستحقها إال إذا كان‬
‫عقد تملكه مقيدا بالسجل العقاري قبل تقييد عقد التملك المطلوب منه الشفعة‪ .‬وإذا كان‬
‫تقييد شراء الطالب قد تم في تاريخ الحق لتقييد شراء المطلوب‪ ،‬فل حق لألول في المطالبة‬
‫بالشفعة ولو كان تاريخ عقد شرائه سابقا على تاريخ عقد شراء المطلوب‪."39‬‬

‫غيرأن ممارسة الورثة للشفعة رهين بتوفرالشروط التالية‪:‬‬

‫‪ .39‬عبد الله الكرني‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص ‪.32 ،31 ،27‬‬

‫‪26‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ .1‬أن يكون تقييد موروثهم لحقه سابقا على تقييد بيع الحصة المشفوعة‪.‬‬

‫‪ .2‬أن يضعوا عدة إراتثهم باملحافظة العقارية‪ ،‬إذ ال يجوز لهم ممارسة الشفعة إال بعد‬
‫تقييدها بالسجل العقاري‪.‬‬

‫‪ .3‬أن يمارسوا الشفعة خلل األجل الذي كان ممنوحا لمورثيهم‪.‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬استمرارملكية الشفيع إلى تاريخ استحقاق الشفعة‬

‫ال يكفي أن يكون الشفيع مالكا وقت البيع‪ ،‬بل يجب أن يظل مالكا حتى يمتلك العقار‬
‫المشفوع فيه‪ ،‬فإذا تصرف في العقارقبل ذلك‪ ،‬كما لو باعه أو أوقفه أثناء الدعوى لم يقض له‬
‫بالشفعة‪ ،‬وإذا توفي الشريك بعد أن ثبت له الحق في الشفعة انتقل هذا الحق إلى ورثته‪ ،‬وفي هذا‬
‫الصدد جاء في قرار للمحكمة اإلقليمية بالرباط ما يلي‪" :‬إن الموروث كان له الحق في األخذ‬
‫بالشفعة إلى غاية ‪ 11‬فبراير ‪( 1611‬تاريخ انقضاء السنة على تسجيل البيع في الرسم العقاري)‬
‫وأن من مات على حق فلوارثه‪ ،‬ويتنزل منزلته في ذلك الحق‪ ،‬الذي هنا هو حق األخذ بالشفعة‬
‫الممتدة إلى ‪ 11‬فبراير وأن الورثة حين طلبوا األخذ بالشفعة لم يتجاوزوا المدة التي كان‬
‫لموروثهم في نطاقها استعمال حق الشفعة‪ ،‬كما لو كان موروثهم هو الذي قام بذلك الحق‪."40‬‬

‫وتجدراإلشارة أن ممارسة الورثة لحق الشفعة ال تصبح إال بعد تقييد إراتثهم في السجل‬
‫العقاري‪.41‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تزاحم الشركاء في الشفعة‬

‫حينما يتعدد الشركاء قد يستحقون الشفعة كلهم في آن واحد ونسميهم حينئذ بالشركاء‬
‫المتساوين في حق الشفعة (أوال)‪ ،‬وقد يكون بعضهم أولى من بعض في استحقاق الشفعة‬
‫ونكون حينئذ أمام ما يسمى بحق األولوية في الشفعة (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تساوي الشركاء في استحقاق الشفعة‬

‫‪ .40‬قرار المحكمة اإلقليمية بالرباط عدد ‪ ،2239‬بتاريخ ‪ ،2792/12/22‬منشور بمجلة المحاماة‪ ،‬عدد ‪ ،3‬ص‬
‫‪ .211‬مأخوذ عن محمد ابن معجوز‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص‪.219 ،‬‬
‫‪ .41‬حنان بوعزة‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬

‫‪27‬‬
‫‪2023‬‬

‫إن ما ينبغي أن نسلم به أن الشركاء كلما كان مدخلهم واحدا‪ ،‬إال واستحقوا الشفعة‬
‫بالتساوي‪ ،‬وهذا االستحقاق للشفعة بالتساوي قد يكون سببه الشراء‪ ،42‬وقد يكون سببه‬
‫اإلرث‪ ،43‬أو الهبة أو الوصية ‪،‬أو غير ذلك من أسباب كسب الملكية‪ .‬إال أن هناك نقاشا بين‬
‫الفقهاء حول ما إذا كان هؤالء الشركاء يستحقون الشفعة على عدد رؤوسهم‪ ،‬أم يقتسمون‬
‫الحصة الشائعة على قدرحصصهم‪.‬‬

‫فبالنسبة للحنفية‪ ،‬إذا تعدد أهل الطبقة من الشفعاء وطلبوا الشفعة جميعا‪،‬‬
‫قسمت بينهم بالتساوي من غير تفضيل صاحب النصيب األكبر على صاحب النصيب األصغر‪،‬‬
‫وذلك بان األصل عند الحنفية أن السبب في ثبوت الشفعة هو أصل الشراكة ال قدرها‪ ،‬كما أن‬
‫ثبوت الشفعة إنما يتبث لدفع ضررالدخيل‪ ،‬وذلك قدرمشترك للجميع ما داموا في طبقة واحدة‬
‫بل مرجح‪ ،‬فيتبث للجميع الحق في التساوي‪.‬‬

‫أما الشافعية والمالكية والحنابلة فإن القسمة تكون حسب نسبة كل ما يملكه‪ ،‬طالبو‬
‫األخذ بالشفعة‪ ،‬ألنها وجبت لكل منهم بسبب ما يملكه من العقار المشترك مع العقار المبيع‪،‬‬
‫فيأخذ كل منهم بقدرما يملكه من هذا العقار‪ 44،‬وفي هذا الصدد يقول ابن ألعاصم في أرجوزته‪:‬‬
‫أن يشفعوا معه بقدر األنصاب‪45‬‬ ‫والشركاء للشفيع وجبا‬

‫وقال الخليل "هي على األنصاب وترك للشريك حصته"‪.‬‬

‫وقد اخذ المشرع المغربي بهذه القاعدة بالنص في الفصل ‪ 674‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على أن "لكل‬
‫مالك على الشياع أن يشفع بنسبة حصته‪ ،‬أي أن حق الشفعة يمارس من طرف جميع الشركاء‬
‫كل بقدرنصيبه بتعبيرالفصل ‪ 21‬من ظهير‪ 2‬يونيو ‪ 1615‬الملغى الذي يقض ي بأنه‪" :‬يمارس هذا‬

‫‪ . 42‬وذلك كأن يشتري ثالثة أشخاص دار في العقد الواحد بنسبة الثلث لكل واحد منهم‪ ،‬فيصبحون مالكين لذلك‬
‫العقار في وقت واحد وبسبب واحد‪.‬‬
‫‪ .43‬وذلك كأن يتوفى شخص ويترك ورثة ذكورا وإناثا فيصبحون مالكين في آن واحد‪.‬‬
‫‪ .44‬محمد يوسف موسى‪" ،‬األموال ونظرية العقد في الفقه اإلسالمي"‪ ،‬مطبعة دار الفكر العربي‪ ،‬طبعة ‪،2779‬‬
‫ص‪.277 ،‬‬
‫‪ .45‬أحمد أباش‪" ،‬األحكام العامة للشفعة في قواعد الفقه اإلسالمي والقانون المغربي"‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،2111‬ص‪.292 - 292 ،‬‬

‫‪28‬‬
‫‪2023‬‬

‫الحق (حق الشفعة) على نفس العقار من طرف جميع الشركاء كل بقدر نصيبه‪ ،‬فإن تنازل‬
‫البعض منهم فإن هذا الحق يمارسه الباقون بقدرحصصهم‪."46‬‬

‫من خلل النصوص السالفة الذكريتبين أن التشريع المغربي يتطابق مع قواعد الفقه‬
‫اإلسلمي جملة وتفصيل في هذا املجال‪ ،‬وعليه فإن جميع الشركاء يمارسون حقهم في الشفعة‬
‫وتوزع الحصة المشفوعة بحسب أنصبتهم في الشياع ال بحسب عدد رؤوسهم‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد جاء قرار املجلس األعلى يقض ي "ال يمكن للمشتري الشريك أن يمارس‬
‫الشفعة من نفسه لنفسه بل يترك له حظه من طرف الشفعاء اآلخرين إال أن هذا الترك ليس‬
‫جبرا عليه فإذا أبدى رغبته في التنازل فل يترك له‪."47‬‬

‫ثانيا‪ :‬مراتب الشركاء في األخذ بالشفعة‬

‫حين نتكلم عن مراتب الشركاء‪ ،‬فإن هذا يعني أننا نقصد ما يسمى بحق األولوية في‬
‫الشفعة‪ ،‬بمعنى أنه في حالة تفويت حصة شائعة في عقار‪ ،‬ويرغب الشركاء في الشفعة فإنها تثبت‬
‫للبعض دون البعض اآلخر‪ ،‬اعتمادا على حق األولوية‪ ،48‬وقد نصت المادة ‪ 267‬من مدونة‬
‫الحقوق العينية ‪ 36.09‬على أنه‪" :‬إذا اختلفت مراتب الشفعاء كان ترتيبهم في األخذ بالشفعة‬
‫على الشكل التالي‪:‬‬

‫يقدم من يشارك البائع في السهم الواحد في الميراث على من عداه‪ ،‬فإن لم يأخذ انتقل‬
‫الحق إلى باقي الورثة ثم الموص ى لهم‪ ،‬ثم األجانب ويدخل كل واحد من هؤالء مع من يليه في‬
‫شفعته دون العكس‪ ،‬ويتنزل المشتري منزلة البائع‪ ،‬والوارث منزلة موروثه في األخذ بالشفعة‪".‬‬
‫وبالرجوع إلى تلك األحكام‪ ،‬فإذا كان الشركاء غير متساوين في المدخل بأن كان بعضهم أولى من‬
‫بعض في األخذ بالشفعة‪ ،‬بأن كان بعضهم شريكا بالمعنى األخص‪ ،‬وبعضهم شريكا بالمعنى‬
‫األعم‪ .‬فإ ن الشريك األخص يقدم على الشريك األعم‪ ،‬ويأخذ الحصة كلها إن كان واحدا‪،‬‬
‫ويقسمها مع من في درجته على قدرما يملكه كل واحد منهم‪ ،‬وال يستحق الشريك األعم الشفعة‬

‫‪ .46‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.292 ،‬‬


‫‪ .47‬قرار المجلس األعلى رقم ‪ ،2123‬بتاريخ ‪ 2771/19/17‬في الملف المدني عدد ‪ ،13/2239‬منشور في‪ ،‬عبد‬
‫العزيز توفيق‪" ،‬قضاء المجلس األعلى في الشفعة خالل أربعين سنة"‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة األولى‪،2777‬‬
‫ص‪.91 ،‬‬
‫‪ .48‬حنان بوعزة‪ ،‬م ‪ ،‬س‪ ،‬ص‪.23 ،‬‬

‫‪29‬‬
‫‪2023‬‬

‫إال إذا تنازل عنها الشريك األخص‪ ،‬أو لم يتقدم لطلبها في الوقت الذي طلبها الشريك األعم‪ ،‬أو‬
‫رض ي الشريك األخص بأن يشترك معه الشريك األعم في شفعة الحصة‪.49‬‬

‫ونسوق مثل للشريك األخص والشريك األعم وفقا لما عبر عنه اإلمام مالك بقوله "في‬
‫الرجل يورث األرض نفرا من والده ثم يهلك فيبيع أحد أوالد الميت حقه في تلك األرض فإن أخ‬
‫البائع أحق بشفعته من عمومته شركاء أبيه"‪ ،‬كما أن المالكية أوجدوا قواعد لتطبيق أحقية‬
‫بعض الشركاء على آخرين تبعا لمراتبهم على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ .1‬يقدم الشريك األخص على الشريك األعم‪.‬‬

‫‪ .2‬يدخل الشريك األخص على الشريك العام وال عكس‪.‬‬

‫‪ .3‬يدخل صاحب اإلرث بالفرض على صاحب اإلرث بالنصيب وال عكس‪.‬‬

‫‪ .4‬يدخل الوارث على الموص ى له وال عكس‪.‬‬

‫‪ .5‬يقدم الشريك في اإلرث على الشريك من غيراإلرث‪.‬‬

‫‪ .1‬ينزل خلف كل شريك منزلته‪.‬‬

‫‪ .7‬إذا تنازل المشاركون في السهم عن الشفعة‪ ،‬انتقل الحق إلى من يليهم‪.50‬‬

‫والشفيع سواء أكان واحد أم متعددا‪ ،‬مسلما أو غيرمسلم فهو ينتزع عن طريق ممارسة‬
‫حقه في شفعة الحصة المشاعة من المشفوع منه‪ ،‬لذلك وجب تحديد المشفوع منه الذي‬
‫يواجه بالشفعة‪ ،‬وهو ما نستنتجه من خلل إحدى القرارات حيث جاء فيه‪" :‬الزوجة وارثة‬
‫بالفرض كالبنت البائعة‪ ،‬لها حق األولوية بالشفعة على األخ لقول املختص ويدخل األخص على‬
‫غيره كذي السهم على وارث‪."51‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ركن المشفوع منه‬

‫‪ .49‬محمد ابن معجوز‪ ،‬مرجع س‪ ،‬ص‪.229 ،‬‬


‫‪ .50‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.222 ،‬‬
‫‪ .51‬قرار المجلس األعلى رقم ‪ ،279‬الصادر في ‪ 22‬فبراير ‪ 2719‬الملف العقاري عدد ‪ ،77931‬منشور بمؤلف‪،‬‬
‫عبد العزيز توفيق‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬الطبعة‪ ،‬ص‪.222 ،‬‬

‫‪31‬‬
‫‪2023‬‬

‫المشفوع منه‪ ،‬هو الشخص الذي تملك الحصة المشاعة بعوض‪ ،‬وفي العقار املحفظ‬
‫هو الشخص الذي يملك الحصة الشائعة في عقار محفظ عن طريق الشراء‪ ،‬وهو الذي تمارس‬
‫الشفعة ضده‪ .‬والشرط الرئيس ي للشفيع ليثبت له الحق في أخذ الشقص من المشفوع منه‪ ،‬أن‬
‫يكون شريكا فيه قبل أن ينتقل إلى المشفوع منه‪ ،‬وأن يكون انتقاله بعوض‪ .‬قبل ذلك يجب أوال‬
‫أن نحدد الشخص الذي تمارس الشفعة ضده (الفقرة األولى)‪ ،‬والبيع الذي تثبت فيه الشفعة‬
‫(الفقرة الثانية)‪ .‬ثم تحديد المشفوع منه في حالة توالي البيوع (الفقرة الثالثة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الشخص الذي تمارس ضده الشفعة‬

‫يختلف الشخص الذي تمارس ضده‪ ،‬فقد يكون أجنبيا وقد يكون هو المكتسب للحصة‬
‫المشاعة بمقتض ى عقد البيع‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الشفعة ضد الشريك األجنبي‬

‫أجمع الفقه والقضاء على أن الشفعة تثبت للشريك عندما يكون المشتري الجديد‬
‫أجنبيا عنهم ألن حكمة تشريع الشفعة هي رفع الضرر الذي يمكن يلحق بالشركاء من دخول‬
‫دخيل عليهم‪ ،52‬فقد قضت محكمة االستئناف بالرباط بان الشفعة ال تمارس إال إذا كان‬
‫مكتسب الحصة المشاعة من الغير‪ .‬إال أن نفس املحكمة تراجعت عن رأيها واعتبرت الشفعة‬
‫من الغيرجائزة‪ ،‬سواء أكان مكتسبا الحصة المشاعة من الغيرأم واحدا من الشركاء‪.53‬‬

‫لكن املجلس األعلى (سابقا) محكمة النقض (حاليا) حسم هذه المسألة واعتبر أن‬
‫الشفعة جائزة ضد المشتري‪ ،‬سواء أكان أجنبيا عن الشركاء أم كان أحدهم‪ ،‬حيث جاء في قراره‪:‬‬
‫"لكن حيث إن الفقه اإلسلمي الذي يحتج به الطاعن ال يمنع األخذ بالشفعة من يد الشريك وال‬
‫يقيم أية تفرقة بين الشفعة من الشريك والشفعة من األجنبي‪ ،‬إال من حيث أثر الشفعة‪،‬‬
‫فبالنسبة للشريك يترك جزء من المبيع في حدود حصته‪ ،54‬وإن هذه القاعدة هي التي تقررها‬
‫المقتضيات المنصوص عليها في ظهير ‪ 2‬يونيو ‪ 1615‬المطبق على العقارات املحفظة الذي هو‬

‫‪ .52‬عادل حاميدي‪" ،‬التصرفات الواردة على العقار غير المحفظ بين الفقه اإلسالمي والفراغ القانوني"‪" ،‬دراسة‬
‫عملية لعقود القسمة‪ ،‬الشفعة‪ ،‬الهبة‪ ،‬الوقف"‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬أكتوبر ‪،2119‬‬
‫ص‪.97 ،‬‬
‫‪ .53‬حنان بوعزة‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص‪.27 ،‬‬
‫‪ .54‬نفس المرجع ص‪.27 ،‬‬

‫‪31‬‬
‫‪2023‬‬

‫القانون الواجب التطبيق في النازلة‪ ،‬وان المراد بالغير في نص الفصل ‪ 25‬من الظهير المذكور‬
‫ليس هو األجنبي عن العقار و إنما هو األجنبي عن عقد البيع‪ ،‬وان هذا التفسير هو الذي يعطي‬
‫لنص الفصل ‪ 674‬من ق ‪.‬ل ‪.‬ع املحتج به ولهذا فقد كانت املحكمة على صواب حين قضت على‬
‫الطاعن بالشفعة في حدود حصته المطلوبة في النقص‪ ،‬فالوسيلة تكون لهذا غير مرتكزة على‬
‫أساس‪.55‬‬

‫وعلى هذا األساس فالرأي السائد حاليا في الفقه والقضاء على أن الشفعة تثبت‬
‫للشريك واألجنبي مع ضرورة التقيد بمبدأ األولوية‪ ،‬ذلك أن الفصل ‪ 26‬من ظهير ‪ 2‬يونيو ‪1615‬‬
‫أوجب أن "كل شريك في الملك يشتري جزءا من العقاريصبح مشاركا في ممارسة األخذ بالشفعة‬
‫كغيره من باقي الشركاء بقدرالحصة التي كان يملكها قبل الشراء"‪ .‬وهو نفس المقتض ى الذي أتى‬
‫به المشرع المغربي من خلل المادة ‪ 261‬من م‪ .‬ح‪ .‬ع‪.56‬‬

‫من خلل النصي ن أعله يظهر بجلء أن نية المشرع انصرفت على إعطاء الشركاء حق‬
‫ممارسة الشفعة ال في مواجهة الشخص الغريب الذي يشتري حصة شائعة من أحد المشاعين‪،‬‬
‫بل حتى في مواجهة الشريك الذي يشتري حصة مشاعة من شريك آخر‪.‬‬

‫ويرى األستاذ مأمون الكزبري‪ ،‬أنه من فضائل ذلك أنه يمنع على أحد الشركاء االستئثار‬
‫بإضافة حصة شريك أو أكثر إلى حصته األصلية‪ ،‬ويمكن الشركاء من املحافظة على نسبة‬
‫الحصص في الش يء المشاع‪ ،‬إذ هم استعملوا الشفعة في مواجهة الشريك المشتري‪ ،‬إال أن‬
‫البعض يخالف هذا الرأي‪ 57‬بقوله‪ :‬إذا كان الغرض من تشريع الشفعة هو إبعاد الغرباء من‬
‫المشتاعين ولم شتات الملكية ورفع ضرر الشركة‪ ،‬فإن البيع الصادر من أحد المشتاعين ألي‬
‫مشتاع آخر‪ ،‬و إنما يتحقق هذا الهدف بالذات وممارسة الشفعة تجاه المشتري الشريك و إنما‬
‫تبتعد عن الهد ف الحقيقي الذي من أجله شرعت الشفعة وتؤدي إلى تقليص سلطات اإلرادة‬

‫‪ .55‬نفس المرجع ص‪.27 ،‬‬


‫‪ .56‬ينص الفصل ‪ 279‬من مدونة الحقوق العينية على أنه‪" :‬إذا باع شريك حصته ألجنبي في ملك مشاع‪ ،‬فيجب‬
‫ع لى الشريك أن يأخذ الحصة المبيعة بكاملها أو أن يتركها‪ .‬إذا تعدد الشفعاء كان لكل واحد منهم األخذ بالشفعة بقدر‬
‫حصته في الملك المشرع يوم المطالبة بها‪ ،‬فإذا تركها البعض‪ ،‬وجب على من رغب في الشفعة من الشركاء أخذ‬
‫الحصة المبيعة بكاملها‪.‬‬
‫إذا كان المشتري أحد الشركاء فلكل شريك في الملك أن يأخذ من يده بقدر حصته في الملك‪ ،‬ويترك للمشتري نصيبه‬
‫بقدر حصته ما لم يعرب عن رغبته في التخلي عنها"‪.‬‬
‫‪ .57‬حنان بوعزة‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص‪.31 ،‬‬

‫‪32‬‬
‫‪2023‬‬

‫وتقييد حرية التعاقد‪ ،‬وتتسبب في إقامة منازعات يكون البعض منها غالبا هو التعسف في‬
‫استعمال الحق وإزعاج المالكين على الشياع وتقييد تصرفاتهم في حقوقهم‪...‬‬

‫ومن جانبنا نؤيد ما ذهب إليه الرأي المعارض على اعتبارأن الشفعة شرعت لرفع ضرر‬
‫الدخيل‪ ،‬ونحن نرى أن شراء الحصة من طرف الشريك يبقى الحال كما هو عليه إذ ال يوجد‬
‫ضررفي هذه الحالة‪.‬‬

‫بقي أن نشير أن المشفوع منه قد يكون شخصا طبيعيا كما قد يكون شخصا معنويا‪.‬‬
‫فالشرط الوحيد فيه هوأن يكون قد تملك الحصة الشائعة محل الشفعة بمقتض ى عقد البيع‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المشفوع منه هو المكتسب للحصة المشاعة بمقتض ى عقد البيع‬

‫بالرجوع إلى الفصل ‪ 25‬من ظهير ‪ 2‬يونيو ‪ 1615‬نجده أشار إلى أن المشفوع منه‪ ،‬بأنه‬
‫الشخص الذي اشترى حصة مشاعة من عقار"(‪ ...‬أن يأخذ الحصة المبيعة بدال من مشتريها‬
‫بعد أدائه المبلغ ‪ ،")...‬فعبارة مشتريها تعود على المشفوع منه الذي واجه الشفيع بشفعة ما‬
‫اشتراه شريكه‪ ،‬وقد جاء في الفصل ‪ 26‬من نفس الظهير ليوضح أكثر معنى المشفوع منه بقوله‬
‫"كل شريك في الملك يشتري جزءا من العقار ‪ ."...‬وهو نفس المقتض ى الذي أتى به المشرع من‬
‫خلل مدونة الحقوق العينية في المادة ‪ ،261‬في فقرتها األخيرة على أنه‪" :‬إذا كان المشتري أحد‬
‫الشركاء فلكل شريك في الملك أن يأخذ من يده بقدر حصته في الملك‪ ،‬ويترك المشتري نصيبه‬
‫بقدرحصته ما لم يعرب عن رغبته في التخلي عنها"‪.‬‬

‫يتضح من خلل النصوص أعله أن البيع‪ ،‬وحده هو التصرف الذي يجيز األخذ‬
‫بالشفعة في العقاراملحفظ‪.58‬‬

‫ولكن تحقيقا لهدف المشرع من الشفعة وقطع الطريق على التواطؤ‪ ،‬فإنه إذا ظهرمن‬
‫عقد المقايضة أن االلتزام مكتسب الحصة الشائعة على قدر من األهمية‪ ،‬فل مانع من اعتبار‬
‫عقد المقايضة بمثابة عقد للبيع‪ ،‬وبالتالي موجب األخذ بالشفعة‪.‬‬

‫‪ . 58‬وفي هذا يختلف القانون العقاري عن ق‪.‬ل‪.‬ع الذي ينص على أن‪ ":‬الشفعة تثبت في البيع وسائر ألنواع‬
‫المعاوضات"‪ .‬للمزيد من التوسع حول هذا الموضوع أنظر‪:‬‬
‫عادل حاميدي‪" ،‬التصرفات الواردة على العقار غير المحفظ بين الفقه اإلسالمي والفرع القانوني"‪ .‬مطبعة الوراقة‬
‫الوطنية بمراكش‪،‬الطبعة األولى أكتوبر‪ ،2119 ،‬ص‪.99 ،‬‬

‫‪33‬‬
‫‪2023‬‬

‫أما التبرعات فل تجوزفيها الشفعة‪ .‬فقد نصت صراحة المادة ‪59303‬من مدونة الحقوق‬
‫العينية‪ ":‬على أنه ال شفعة فيما فوت تبرعا ما لم يكن التبرع صوريا أو تحايل كما ال شفعة في‬
‫الحصة الشائعة التي تقدم في صداق أو خلع"‪.‬‬

‫يستنتج من هذه المادة أنه ال شفعة في الحصة الشائعة التي تقدم في صداق أو خلع‪.‬‬
‫كما أنه ال شفعة فيما فوت عن طريق المزاد العلني‪ ،‬وهو ما نص عليه المشرع في المادة ‪60302‬‬

‫من مدونة الحقوق العينية‪.‬‬

‫لقد جاءت المادتان لسد النقص الحاصل في ظهير ‪ 2‬يونيو ‪ 1615‬الذي لم ينص على‬
‫هذا المبدأ بل ترك األمرللقضاء للبث في ذلك‪.‬‬

‫والظاهرأن القضاء المغربي سبق وان سارفي التوجه الذي أخذت به المادة ‪303‬‬

‫المشار إليها أعله‪ ،‬ويتجلى ذلك من خلل القرار عدد ‪ 146‬الصادر عن املجلس األعلى –‬
‫سابقا – محكمة النقض – حاليا – بتاريخ ‪ 1690/03/04‬الذي جاء فيه‪" :‬ال تقبل الشفعة في‬
‫عقد التبرع ما لم يطعن فيه بشيعة بيع أو معاوضة‪."61‬‬

‫ونحن نؤيد هذا الرأي على اعتبار أنه ال شفعة فيما فوت تبرعا تماشيا مع أحكام الفقه‬
‫المالكي‪ ،‬حيث جاء في تحفة ابن العاصم على أنه‪:‬‬

‫وشفعة في الشخص يعطي عن عوض والمنع في التبرعات مفترض‪.62‬‬

‫والقانون المغربي‪ ،‬حيث نجد أن مدونة الحقوق العينية‪ ،‬قد حسمت هذا التضارب حول‬
‫إمكانية الشفعة في التبرعات بمقتض ى المادة ‪ 303‬بقولها‪" :‬ال شفعة فيما فوت تبرعا‪."...‬‬

‫‪ .59‬تنص المادة ‪ 313‬من مدونة الحقوق العينية على أنه‪" :‬ال شفعة فيما فوت تبرعا ما لم يكن التبرع صوريا أو‬
‫تحايال كما ال شفعة في الحصة الشائعة التي تقدم في صداق أو خلع"‪.‬‬
‫‪ .60‬تنص المادة ‪ 312‬من نفس المدونة على انه‪" :‬إذا بيعت الحصة المشاعة في المزاد العلني وفق اإلجراءات‬
‫المنصوص عليها في القانون فال يجوز أخذها بالشفعة"‪.‬‬
‫‪ .61‬محمد نبيل حرزان‪" ،‬الشفعة في العقار المحفظ بين ظهير ‪ 2‬يونيو ‪ 2729‬ومدونة الحقوق العينية‪ ،‬المستجدات‬
‫التشريعية في المادة العقارية"‪ ،‬دراسات لتطور القوانين ذات الصلة وأفاق التطبيق في ضوء‪ :‬القانون رقم ‪22.19‬‬
‫المتعلق بالتحفيظ العقاري‪ ،‬القانون رقم ‪ 37.11‬المتعلق بمدونة الحقوق العينية‪ ،‬القانون رقم ‪ 12.19‬المتعلق‬
‫باإلقامات العقارية لإلنعاش السياحي‪ ،‬الظهير الشريف رقم ‪ 2.17.239‬المتعلق بمدونة األوقاف‪ ،‬مجلة الحقوق‪،‬‬
‫سلسلة "األنظمة والمنازعات العقارية" اإلصدار السابع‪ ،‬فبراير ‪ ،2123‬ص‪.27 -21 ،‬‬
‫‪ .62‬محمد ابن معجوز‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص‪.292 ،‬‬

‫‪34‬‬
‫‪2023‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬البيع الذي تثبت فيه الشفعة‬

‫إذا كانت الشفعة في العقار املحفظ ال تثبت إال في عقد البيع‪ ،‬فإن هناك أنواع من‬
‫البيوع تعرف نقاشا حول إمكانية جواز الشفعة فيها‪ ،‬مثل البيع الجبري والبيع غير المسجل في‬
‫الرسم العقاري‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الشفعة في البيع الجبري‬

‫كما هو معلوم فإن البيع قد يكون رضائيا يمكن أن جبريا‪ ،‬والشفعة في البيع بالمزاد‬
‫العلني محل خلف‪ ،‬فهناك من يرى أنه ال خلف في أن البيع بالمزاد العلني من البيوع التي تثبت‬
‫فيها الشفعة‪ .‬والبيع الجبري هو اإلشكال المطروح‪ ،‬لكن مدونة الحقوق العينية الجديدة ‪36.09‬‬
‫قد حسمت هذا الجدل واإلشكال المطروح بمقتض ى المادة ‪" 302‬إذا بيعت الحصة المشاعة‬
‫في المزاد العلني وفق اإلجراءات المنصوص عليها في القانون فل يجوز أخذها بالشفعة"‪ ،‬ولكن‬
‫ال بأس من الرجوع إلى الناقش الفقهي واالجتهادات القضائية التي أصلت لهذه المادة‪ ،‬ويقول‬
‫الدكتور محمد ابن معجوز‪" :‬ال خلف أن البيع بالمزايدة من البيوع التي تثبت فيها الشفعة‬
‫بمعنى أن الشريك حق بأن يشفع الحصة التي باعها شريكه عن طريق المزايدة‪ ،‬سواء أكان هذا‬
‫الشريك الذي يرغب في الشفعة حاضر أثناء المزايدة أم لم يكن حاضرا وسواء علم بتلك‬
‫المزايدة في إبانها أو لم يعلم"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الشفعة في البيع الغيرالمقيد‬

‫لقد عرف البيع غيرالمقيد في الرسم العقاري بدوره نقاشات حادة في الفقه‪ ،‬وتردد بشأنه‬
‫املجلس األعلى (سابقا) ومحكمة النقض (حاليا)‪ .‬لقد اختلف الرأي إذا كان البيع غير مقيد‬
‫بالرسم العقاري يعطي الحق في ممارسة حق الشفعة أم ال‪ ،‬فذهب فريق إلى جوازاألخذ بالشفعة‬
‫ولوأن العقد لم يسجل‪ ،‬ألن البيع ينعقد صحيحا بغض النظرعن تقييده بالرسم العقاري الذي‬
‫يرتب نقل الملكية وقد استند هذا الرأي على ما يلي‪:‬‬

‫ـ إن عدم جواز ذلك يرتب نتائج خطيرة ال يمكن أن يبيحها المشرع لما تنطوي عليه من‬
‫حيل يمكن أن يلجأ إليها المشفوع ضده لتعطيل حق خوله المشرع للشفيع‪ ،‬كأن يتقاعس‬

‫‪35‬‬
‫‪2023‬‬

‫المشتري أو يتلكأ عن تقييد رسم الشراء متربصا الفرصة السانحة‪ ،‬مستغل ظروف الشفيع‬
‫فيبقى هذا األخيرتحت رحمته‪.63‬‬

‫ـ إن عقد البيع من العقود الشكلية التي ال تنعقد إال بالتقييد‪ ،‬فعقد البيع غير مقيد هو‬
‫عقد بيع كامل صحيح يتم بتراض ي عاقديه‪ ،‬ويكفي أن يحرر كتابة في محرر ثابت التاريخ‪ ،64‬أما‬
‫الذي يخضع إلجراءات شكلية فهو نقل الملكية الذي ال ينتج أي أثرولو بين األطراف إال من تاريخ‬
‫التسجيل‪.‬‬

‫ـ إن النصوص الخاصة بالشفعة في مدونة الحقوق العينية تنص على وجوب تقييد عقد‬
‫البيع بالرسم العقاري لصحة دعوى الشفعة‪ ،‬بل إن المادة ‪ 304‬من المدونة المذكورة صريحة‬
‫في األخذ بالشفعة بالنسبة للشريك الحاضر في العقد خلل ثلثين يوما كامل من تاريخ التوصل‬
‫ولم ينص على تاريخ تقييد العقد‪.‬‬

‫ـ انتظار الشفيع حتى يتم تقييد عقد الشراء قد يجعل حالة العقار غير مستقرة مدة قد‬
‫تطول كثيرا‪ ،‬وهذا يتنافى مع مقتضيات الشفعة التي تتسم بكثير من السرعة والعجلة في حسم‬
‫النزاع‪.‬‬

‫أما الرأي القائل بعدم جواز الشفعة في البيع غير المقيد فقد استند على الحجج‬
‫التالية‪:‬‬

‫ـ إن الملكية حسب ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬ال تنتقل إال بتقييد عقد البيع في السجل‬
‫العقاري‪ ،‬فحيث ال تنتقل الملكية فل شفعة‪ ،‬ألن العقد غير المقيد ال ينتج أثارا ومنها ممارسة‬
‫حق الشفعة ويترتب عن ذلك أن الشفعة ال تثبت في البيع االبتدائي (الوعد بالبيع) وفي البيع‬
‫المعلق على شرط الو اقف ألن هذين البيعين ال يمكن تقييدهما في الرسم العقاري مادام ال‬
‫ينقلن الملكية للمشتري‪.‬‬

‫‪ .63‬حنان بوعزة‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص‪.39 ،‬‬


‫‪ .64‬ينص الفصل ‪ 217‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على أنه‪" :‬إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها‬
‫رسميا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ‪ .‬وال يكون له أثر في مواجهة الغير إال إذا سجل في‬
‫الشكل المحدد بمقتضى القانون"‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪2023‬‬

‫ـ إن القائلين بجوازأخذ الشفعة بالعقد غيرالمقيد لقطع دابرالحيل‪ ،‬يصطدم مع مبادئ‬


‫قانون التحفيظ العقاري‪ ،‬وأهمها أنه لم يبق هناك فرق من حيث الحجية بين العقد والتقييد‬
‫في السجل العقاري‪ ،‬ثم أن القانون ال يحمي الشفيع إال بعد أن يتولد له الحق في الشفعة‪ ،‬وال‬
‫يتأتى ذلك إال بنقل الملكية عن طريق التقييد‪ ،‬فنقل الملكية هو جوهركل عقد البيع‪.‬‬

‫ـ إن طلب األخذ بالشفعة في بيع لم يقيد يعد هو طلب سابق ألو انه‪ ،‬إذ ال داعي لتقديم‬
‫طلب الشفعة قبل تقييد التصرف المطلوب في الشفعة بالرسم العقاري‪ ،‬الن تقديم الدعوى‬
‫يعتبرمخالفا لنصوص ظهير‪ 12‬غشت ‪ 1613‬المتعلق بالتحفيظ العقاري كما تم تعديله وتتميه‬
‫بمقتض ى قانون ‪ ،14.07‬الذي يجعل المدعي عليه في الشفعة بدون صفة في الدعوى مادام لم‬
‫يقيد العقد بالرسم العقاري‪.‬‬

‫أما موقف القضاء المغربي من الشفعة في البيع غير المقيد فقد كان يسير مع موقف‬
‫االتجاه الثاني‪ ،‬الذي كان ال يجيزالشفعة في العقاراملحفظ قبل تقييد الشراء في الرسم العقاري‪،‬‬
‫إذ صدرقرارعن محكمة االستئناف بالرباط جاء فيه‪ ":‬ال تجوزالشفعة في بيع عقارمسجل قبل‬
‫تقييد البيع في السجلت العقارية "كما صدر قرار عن مجلس األعلى (سابقا) ومحكمة النقض‬
‫(حاليا) يقض ي بأن أمد الشفعة يبتدئ من تاريخ تسجيل البيع باملحافظة ال من تاريخ وقوعه‪.65‬‬

‫إال أن املجلس األعلى سرعان ما بلورموقفه بصورة أكثروضوحا بقرارعدد ‪ 595‬بتاريخ‬


‫‪ ،1671/06/20‬إذ تراجع عن موقفه السابق وقال‪" :‬يجوز أن يمارس حق الشفعة ولو قبل‬
‫تسجيل عقد الشراء على الرسم العقاري‪."66‬‬

‫ومن جانبا نؤيد االتجاه الذي ذهب إال القول‪ ،‬بأنه ال يجيز الشفعة في البيع غير مقيد‪،‬‬
‫ألن البيع الموجب للشفعة يجب أن يكون مقيدا بالرسم العقاري‪ ،‬وذلك ألن البيع غير المقيد‬
‫ال أثرله سواء فيما بين المتعاقدين أو تجاه الغيرومادام أن البيع هو األساس والمنطلق الوحيد‬
‫لممارسة الشفعة في العقاراملحفظ‪ ،‬وأن البيع غيرالمقيد يعتبرطبقا لقواعد التحفيظ في حالة‬
‫العدم‪ ،‬وبالتالي فإن الشفعة في هذه الحالة تكون غيرممكنة‪.‬‬

‫‪ .65‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ ،973‬بتاريخ ‪ ،2799/22/21‬منشور في عبد العزيز توفيق‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ .66‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ ،919‬صادر عن الغرفة المدنية بتاريخ ‪ 2799/17/21‬منشور في مؤلف‪ ،‬عبد‬
‫العزيز توفيق‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص‪.23 ،‬‬

‫‪37‬‬
‫‪2023‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬تحديد المشفوع منه في حالة توالي البيوع‬

‫قد يقوم المشتري بتفويت الحصة المقتناة لحساب شخص ثان‪ ،‬وقد تتداولها العديد‬
‫من األيادي على هذا الوجه‪ ،‬وذلك قبل إعلن الشريك عن رغبته في استشفاعها‪ ،‬وهذه‬
‫الوضعية تجد حلولها في قول خليل‪" :‬وأخذ بأي بيع شاء وعهدته عليه‪."67‬‬

‫وفحوى هذا النص‪ :‬أن الحصة المشاعة إذا تعاقبت عليها عدة بيوعات‪ ،‬فإن للشفيع‬
‫حق استردادها بثمن أي البيع يعتبره هواألصلح بالنسبة إليه‪ ،‬وعهدته عليه أي أن المشفوع منه‬
‫هو الذي يلتزم تجاهه بالضمان‪ .‬غير أنه طبقا للتجاه المعمول به قضاء والذي اعتبر الشفعة‬
‫من تطبيقات االستحقاق‪ ،‬فإن االلتزام بالضمان يلقي على عاتق سلف المشفوع منه بثمن‬
‫شرائه وليس على هذا األخير‪.68‬‬

‫أما في التشريع‪ ،‬نجد المشرع قد سكت سواء تعلق األمربالنسبة لقانون ل ‪.‬ع‪ .‬وظهير‪2‬‬
‫يونيو ‪ 1615‬عن الموضوع‪ ،‬األمرالذي أدى إلى تباين مو اقف املحاكم بمختلف درجاتها قبل أن‬
‫يستقرقضاء مجلس األعلى (سابقا) ومحكمة النقض (حاليا) على موقف يكاد يكون قارا‪.‬‬

‫فهكذا فقد أعطت املحكمة االبتدائية بالدارالبيضاء الخيارللشريك في شفعة الحصة‬


‫المبيعة من المشتري األول أو الثاني ألن كليهما اكتسب تحت شرط فاسخ هو احتمال ممارسة‬
‫شركاء البائع لحقهم في الشفعة حيث قالت‪ " :‬بأن للشفيع الحق في ممارسة حق الشفعة ضد‬
‫البيع األول‪ ،‬وإن أجل ثلثة أيام ال يسري بالنسبة إليه إال من تاريخ تبليغ البيع األول"‪.‬‬

‫وبعد ذلك استقر العمل القضائي على أنه لطالب الشفعة إذا تعددت التفويتات على‬
‫الحصة المطلوب شفعتها أن يشفع ضد أي مشتري أراد‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬ركنا المشفوع والمشفوع به‬

‫بإضافة إلى الشفيع – وهو الشريك على الشياع في ملكية‪ ،‬أو في ملكية حق من الحقوق‬
‫العينية العقارية – والمشفوع منه – وهو المشتري لحصة شائعة في هذا العقار أو حق عيني‬

‫‪ .67‬محمد أو القاضي ‪"،‬أحكام الشفعة‪ ،‬في ضوء التشريع والفقه"‪ ،‬منشورات المرافعة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة بالدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى يونيو ‪ ،2113‬ص‪.93 ،‬‬
‫‪ .68‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.92 ،‬‬

‫‪38‬‬
‫‪2023‬‬

‫عقاري – فإن األخذ بالشفعة يلزم أن يسلم المشفوع منه للشفيع الحصة التي تملكها بالشراء‪.‬‬
‫وهو ما يصطلح عليه "المشفوع" _ (المطلب األول)‪ ،‬وهو ما يأخذه الشفيع من يد المشتري‬
‫شفعة‪ ،‬فبالمقابل يؤدي الشفيع للمشتري منه الثمن وكل ما يخرج من يده بمناسبة الشراء وهو‬
‫ما يعرف ب "المشفوع به" (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ركن المشفوع‬

‫الش يء المشفوع هوما يأخذه الشفيع من يد المشتري عن طريق ممارسة حق الشفعة‪،‬‬


‫وهوهنا خاص بالعقار‪ ،‬إذ أن األصل عند الفقهاء هواألرض وما يتصل بها من بناء وغرس‪ ،‬وعليه‬
‫فل شفعة في غير العقار أي سائر المنقوالت إذ ال شفعة في المنقول‪ ،‬وهذا ما يتماش ى دائما مع‬
‫حديث الرسول (ص) في الشفعة والذي ذكرناه أنفا ومضمونه‪ ،‬أن الرسول (ص) قض ى بالشفعة‬
‫في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فل شفعة‪ ،69‬والمعروف لدى الجميع أن‬
‫الش يء القابل للقسمة والقابل لحدود العقارال غير‪ .‬أحب أن أنبه هنا إلى أن الفقهاء اختلفوا في‬
‫تحديد معنى العقار أهو األرض فقط‪ ،‬ألن العقار في نظرهم هو كل ما ال يمكن نقله أبدا‪،‬‬
‫ويستثنون الشجر والبناء باعتباره في زعمهم منقوال ويذهب آخرون أن العقار هو األرض مع‬
‫البناء‪.‬‬

‫واألشجارالقائمة عليها في حالة بيع البناء والشجر وحده فل شفعة فيه‪ .70‬أما المشرع‬
‫المغربي استنادا إلى الفصل ‪ 25‬من ظهير ‪ 2‬يونيو ‪ 1615‬فحصر موضوع الش يء المشفوع فيما‬
‫يلي‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الشفعة في ملكية عقارمحفظ‬

‫العقارات حسب مدونة الحقوق العينية ‪ ،36.09‬هي إما عقارات بالطبيعة أو عقارات‬
‫بالتخصيص‪.‬‬

‫‪ .69‬محمد الحياني‪" ،‬في نظام التحفيظ العقاري المغربي‪ :‬التوثيق والتحفيظ العقاري – الشفعة والعقار – الحالة‬
‫المدنية وإدارة المحافظة العقارية – التحفيظ والتنمية – المحافظ العقاري وقاضي التحفيظ العقاري‪ ،‬الجزء األول‪،‬‬
‫مطبعة النخلة للكتاب بوجدة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2112 – 2229 ،‬ص‪.22- 22 ،‬‬
‫‪ .70‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.22 ،‬‬

‫‪39‬‬
‫‪2023‬‬

‫وقد عرف الفقهاء العقار بطبيعته بأنه كل ما ال يمكن نقله من مكان إلى آخر كالدور‬
‫واألراض ي‪.‬‬

‫أما المشرع المغربي فقد عرف العقاربطبيعته بمقتض ى المادة ‪ 1‬من نفس المدونة‪،71‬‬
‫كما عرف العقارات بالتخصيص في المادة ‪ 7‬من نفس المدونة‪ .72‬وتعتبر العقارات بطبيعتها‬
‫املحصوالت الفلحية الثابتة بجذورها وثمار األشجار التي لم تجنى والغابات التي لم تقطع‬
‫أشجارها‪.‬‬

‫وهكذا يمكن القول إن المشرع المغربي يرى ثبوت الشفعة حتى في الثمارالمملوكة على‬
‫الشياع‪ ،‬ذلك أن العمل يجري عند الملكية بثبوت الشفعة في الثمارالخريفية سواء بيعت أو مع‬
‫األرض وما عليها من أشجار‪ ،‬إلى أن هناك من يرى بثبوت الشفعة في كل الثمار بشروط معينة‬
‫وفي حاالت محددة‪.‬‬

‫أما العقاربالتخصيص فهو منقول بطبيعته رصد على خدمة العقارأو استغلله‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الشفعة في حق عيني عقاري‬

‫لقد حدد المادة ‪ 6‬من مدونة الحقوق العينية ‪ 36.09‬الصادر في ‪ 22‬نونبر ‪،2011‬‬
‫الحقوق العينية العقارية فيما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬حق الملكية‪.‬‬

‫‪ .2‬حق االرتفاق‪ ،‬والتحملت العقارية‪.‬‬

‫‪ .3‬حق االنتفاع‪.‬‬

‫‪ .4‬حق العمرى‪.‬‬

‫‪ .5‬حق االستعمال‪ ،‬حق السطحية‪.‬‬

‫‪ .71‬تنص المادة ‪ 9‬من م‪ .‬ح‪ .‬ع‪ .‬على أنه‪ ":‬العقار بطبيعته هو كل شيء مستقر بحيز ثابت فيه يمكن نقله من دون‬
‫تلف أو تغيير في هيئته"‪.‬‬
‫‪ .72‬تنص المادة ‪ 9‬من م‪ .‬ح‪ .‬ع‪ .‬على أنه‪" :‬العقار بالتخصيص هو المنقول الذي يضعه مالكه في عقار يملكه رصدا‬
‫لخدمة هذا العقار واستغالله أو يلحقه به بصفة دائمة"‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ .1‬حق الكراء طويل األمد‪.‬‬

‫‪ .7‬حق الحبس‪.‬‬

‫‪ .9‬حق الزينة‪.‬‬

‫‪ .6‬حق الهواء والتعلية‪.‬‬

‫‪ .10‬الحقوق العرفية المنشأة بوجه صحيح قبل دخول هذا القانون حيزالتنفيذ‪.‬‬

‫شفعة الحصة الشائعة في ملكية عقار جائزة‪ ،‬إال أنه بالنسبة للحقوق العينية فإن‬
‫هناك بعضا منها ال تجوزفيها الشفعة‪ ،‬إال إذا كانت قابلة للتداول بحد ذاتها‪ ،‬أي قابلة للتفويت‪،‬‬
‫ومن أمثلة الحقوق العينية القابلة للتفويت‪ ،‬التي تقبل الشفعة نجد حق االنتفاع‪ ،73‬وحق‬
‫السطحية‪ ،74‬وحق الكراء طول األمد‪.‬‬

‫وهكذا لو كان عدة أشخاص يملكون على الشيوع حق السطحية أو حق االنتفاع أو حق‬
‫كراء طويل األمد في عقار محفظ‪ ،‬وباع أحد المشتاعين نصيبه في حق السطحية أو في حق‬
‫االنتفاع أو في الكراء طويل األمد‪ ،‬تثبت الشفعة لباقي الشركاء‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ركن المشفوع به‬

‫المشفوع هو ما يؤديه الشفيع للمشتري منه عند األخذ بالشفعة‪ ،‬مقابل حصوله على‬
‫الحصة المشفوعة‪ ،‬إذ أن من شروط صحة األخذ بالشفعة أداء الثمن الذي بيع به العقار مع‬
‫مصاريف العقد‪ ،75‬وكذلك الصائروقيمة التحسينات التي قام بها المشتري‪ ،‬قال المتحف‪:‬‬

‫وما ينوب المشتري فيما اشترى يدفعه له الشفيع محضرا‬

‫الفقرة االولى‪ :‬أداء الثمن‬

‫‪ .73‬عرفت المادة ‪ 97‬من م‪ .‬ح‪ .‬ع‪ .‬حق االنتفاع بأنه‪ " :‬االنتفاع حق عيني يخول للمنتفع استعمال عقار على ملك‬
‫الغير واستغالله‪ ،‬وتنقضي مدته لزوما بموت المنتفع‪.‬‬
‫‪ .74‬عرفت المادة ‪ 229‬من م‪ .‬ح‪ .‬ع‪ .‬حق السطحية بأنه‪" :‬حق عيني قوامه ملكية بنايات أو منشآت أو أغراس فوق‬
‫أرض الغير وينتقل بالشفعة أو اإلرث أو الوصية‪.‬‬
‫‪ .75‬محمد الحياني‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص‪.22 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫‪2023‬‬

‫يعد التزام الشفيع بأداء الثمن أول وأهم التزاماته القانونية الناتجة عن ممارسة‬
‫الشفعة‪ ،‬ألن المشرع المغربي في القوانين الوضعية وقبل الفقه اإلسلم‪ ،‬علق انتقال الملكية‬
‫من المشتري إلى الشفيع على وفاء هذا األخير بالتزامه األول واألساس ي وهو أداء الثمن‪ ،‬وأعطى‬
‫المشفوع منه حق حبس المبيع حتى يتم األداء‪.‬‬

‫وإذا كان مما ال جدل فيه أن القانون نص صراحة وألزم الشفيع بتأدية الثمن وتوابعه‬
‫للمشتري فإن الصعوبة تكمن في تحديد هذا األداء‪ ،‬وبداية احتسابه وذلك من خلل ما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الثمن الواجب أداءه‬

‫إن مسألة تحديد الثمن النهائي لمن المشاكل الكثيرة التي ال زالت تطرح العديد من‬
‫المنازعات القضائية وهو مشكل قديم قدم الشفعة نفسها‪ ،‬فقد عرفه الفقه اإلسلمي واعتنى‬
‫به عناية خاصة‪ ،‬حيث وضع له من القواعد ما ساعد على إيجاد الحلول المرضية‪ ،‬كلما تعلق‬
‫األمربجدية الثمن‪.76‬‬

‫الو اقع إن الثمن الوارد في عقد الشراء هو الثمن الحقيقي الذي حصل به البيع‪ ،‬إال أن‬
‫الفقه والقضاء لم يجعل منه إال قرينة بسيطة قابلة إلثبات العكس‪ ،‬حين جاء في قرار املجلس‬
‫األعلى (سابقا) ومحكمة النقض (حاليا) أنه‪" :‬األصل أن الثمن المذكور في العقد هو الثمن‬
‫الحقيقي الذي جعل البيع إال إذا تبث العكس"‪.‬‬

‫من جانب آخر ذهب الفقه إلى القول‪ ،‬بأن المشتري المشفوع منه يجوز له أن يثبت‬
‫بالطرق الجائزة في اإلثبات فيما بين البائع والمشتري بأن الثمن المذكور في عقد البيع هو عقد‬
‫صوري ذكرفي العقد ناقصا للتخفيف من رسوم التسجيل‪.77‬‬

‫ثانيا‪ :‬وقت أداء الثمن‬

‫يلزم الشفيع بأن يؤدي للمشفوع منه زيادة الثمن الذي أداه للبائع‪ ،‬إال أن المشرع‬
‫المغربي لم يحدد في قانون التحفيظ العقاري ومدونة الحقوق العينية أجل معينا ألداء الثمن‬
‫وتوابعه‪ .‬أما ق‪ .‬ل‪ .‬ع فقد نص في الفصل ‪ 674‬على أنه يلزم طالب الشفعة أن يدفع ما عليه‬

‫‪ .76‬حنان بوعزة‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص‪.92 ،‬‬


‫‪ .77‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.93 ،‬‬

‫‪42‬‬
‫‪2023‬‬

‫معجل وعلى األكثر خلل ثلثة أيام‪ ،78‬فإذا انقض ى هذا األجل لم يكن لمباشرة حق الشفعة أي‬
‫أثر‪ ،‬وقد اعتبر املجلس األعلى (سابقا) ومحكمة النقض (حاليا) في قراره رقم ‪ 90/666‬في‬
‫‪ 1690/12/24‬أن العبرة بالتاريخ الذي تم فيه إيداع الثمن والمصاريف‪ ،‬وليس بالتاريخ الذي‬
‫نفذ فيه العرض‪ .79‬وجاء في قرار آخر للمجلس األعلى (سابقا) ومحكمة النقض (حاليا) رقم ‪16‬‬
‫في ‪ :801695/01/06‬بالنسبة للعقاراملحفظ فإن ممارسة حق الشفعة الذي يجب أن يقع داخل‬
‫األجل القانوني‪ ،‬ال تتم بإقامة دعوى االستحقاق وال بمجرد طلب الترخيص بعرض الثمن‪ ،‬و إنما‬
‫بالتعبيرالصريح عن الرغبة في ممارسة حق الشفعة‪ ،‬و إيداع الثمن بالفعل على ذمة المشفوع‬
‫منه‪.‬‬

‫يعد إيداع الثمن ركنا أساسيا لممارسة حق الشفعة ال يغني عنه أي إجراء آخر‪ ،‬ومعنى‬
‫ذلك أن إيداع الثمن يتم قبل عرضه كما هو منصوص عليه في المادة ‪ 262‬من م‪ .‬ج‪ .‬ع وذلك‬
‫خلفا لمسطرة العروض المنصوص علها في الفصل ‪ 275‬من ق‪.‬م‪ .‬م‪ .‬والتي تقتض ي أال يتم‬
‫اإليداع إال بعد رفض العرض‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أداء توابع الثمن‬

‫إذا كان الشريك الشفيع ملزما بأداء الثمن للمشتري مقابل حصوله على الش يء‬
‫المشفوع‪ ،‬فإنه ملزم كذلك بأداء المصاريف اللزمة للعقد والتي صرفها المشتري‪ ،‬وكذا قيمة‬
‫التحسينات‪ .‬وهو ما نتطرق إليه فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مصروفات العقد‬

‫تتمثل المصروفات في نفقات التقييد والطوابع وأجرة الموثق‪ ،‬ورسوم التحفيظ إذا‬
‫كان العقار محفظا‪ ،‬ويجب أن يؤدى من هذه الرسوم ما هو واضح من خلل العقد‪ ،‬وأما الباقي‬
‫فيقع إثباته بعد رفع الدعوى بالطرق القانونية‪ ،‬وفي هذا ورد في قرار املجلس األعلى (سابقا)‬

‫‪ .78‬إبراهيم بحماني‪" ،‬أداء الشفيع الثمن وتوابعه"‪ ،‬مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد ‪ 219‬يناير‪ ،‬فبراير‬
‫‪ ،2119‬ص‪.29 ،‬‬
‫‪ .79‬قرار المجلس األعلى رقم ‪ 11/777‬بتاريخ ‪ ،2711/22/22‬منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد ‪ 219‬يناير‪،‬‬
‫فبراير ‪ 2119‬ص‪.29 ،‬‬
‫‪ .80‬قرار المجلس األعلى رقم ‪ 97‬بتاريخ ‪2719/12/17‬منشور بنفس المجلة‪ ،‬ص‪.29 ،‬‬

‫‪43‬‬
‫‪2023‬‬

‫ومحكمة النقض (حاليا) عدد ‪ 102‬في ‪" 811662/03/04‬ال يلزم الشفيع بعرض أداء إال ما كان‬
‫على علم به‪ ،‬أو يفترض فيه ذلك من المصاريف التي أداها المشفوع منه‪ ،‬وكان أداؤها من‬
‫مستلزمات زيادة على الثمن تكون املحكمة قد أساءت تطبيق القانون حين قضت برفض دعوى‬
‫الشفعة لكون الشفيع لم يعرض ولم يودع المصاريف األخرى‪ ،‬زيادة على مصاريف التسجيل‬
‫دون أن تبين إن كان على علم بها أو يفترض فيه ذلك‪ ،‬لكونها مسجلة على عقد الشراء أو بالرسم‬
‫العقاري"‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التحسينات‬

‫التحسينات هي قيمة البنايات واألغراس والنفقات التي يقصد منها صيانة المبيع‬
‫وحفظه وزيادته‪ ،‬وتحديد قيمة التحسينات بالنظر لما أفقهه المشتري‪ ،‬وليس بالنظر إلى‬
‫الظروف االقتصادية التي تؤدي إلى رفع قيمة العقار‪ ،‬وإذا وقع تحديد قيمة التحسينات من‬
‫طرف املحكمة فإنه يكون عليها أن تضرب لطالب الشفعة أجل ثلثة أيام ليؤدي ما عليه‪ ،‬فإن‬
‫لم يؤده داخل األجل المذكور سقط حقه في الشفعة‪ ،‬وال يمكنه االمتناع من األداء بدعوى أن‬
‫له حق االستئناف أو النقض‪ ،‬و إنما يجب عليه أن يؤدي‪ ،‬ثم بعد ذلك أن يمارس حقوقه في‬
‫الطعن‪ ،‬وفي النهاية يطبق الحكم البات ويرجع كل طرف بماله على اآلخر ويحل الشفيع محل‬
‫المشتري‪ ،82‬نص قرار املجلس األعلى رقم ‪ 421‬المؤرخ في ‪ .2003/02/01‬على أن‪" :‬الحكم‬
‫بالشفعة يقتض ي أداء الثمن والمصاريف والتحسينات إن طلبت أمام محكم االستئناف‬
‫باعتبارها مترتبة عن الطلب األصلي‪ ،"83‬وجاء في قرار آخر ملحكمة النقض على أنه‪" :‬ال يلزم‬
‫الشفيع سوى بأداء الثمن للمشتري وكذا مصاريف التحسينات املجراة على العقار‪ ،‬وال يمكن‬
‫مواجهته بالرهون المثقل بها العقارما لم تكن له يد فيها‪."... 84‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫‪ .81‬إبراهيم باحماني‪" ،‬نظام الشفعة"‪ ،‬مقال منشور بمجلة القضاء والقانون‪ ،‬السنة الثالثون‪ .‬العدد ‪ ،229‬مطبعة‬
‫األمنية الرباط‪ ،‬طبعة ‪ ،2112‬ص‪.91 ،‬‬
‫‪ .82‬إبراهيم بحماني‪" ،‬نظام الشفعة"‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص‪.92 ،‬‬
‫‪ .83‬إبراهيم بحماني‪ "،‬أداء الشفيع الثمن وتوابعه"‪ ،‬م‪ ،‬س‪ ،‬ص‪.29 ،‬‬
‫‪ .84‬قرار محكمة النقض عدد ‪ 2929‬المؤرخ في ‪ 2122/19/22‬ملف مدني عدد ‪.2121/2/2/929‬‬

‫‪44‬‬
‫‪2023‬‬

‫فحاولنا على امتداد صفحات هذه الدراسة‪ ،‬الوقوف على مدى توفق المشرع المغربي‬
‫من خلل مدونة الحقوق العينية رقم ‪ ،36.09‬في تجاوزاإلشكاالت التي كان يطرحها ظهير‪ 2‬يونيو‬
‫‪ 1615‬بخصوص الحماية القانونية للشفيع في األخذ بالشفعة كلما توفت أركانها‪ ،‬وبالتالي الحد‬
‫من التضارب الذي عرفه االجتهاد القضائي المغربي في هذا الجانب‪.‬‬

‫فتبين لنا أن المشرع المغربي‪ ،‬تمكن من وضع حدا لكثير من التأويلت وذلك بتحديد‬
‫المفاهيم والمقتضيات القانونية المتعلقة بممارسة حق الشفعة على العقار‪ .‬فإذا كانت مدونة‬
‫الحقوق العينية‪ ،‬قد استطاعت إلى حد ما تجاوزالعديد من اإلشكاالت التي كانت مطروحة أمام‬
‫القضاء‪ ،‬وسد الكثير من الثغرات التي كانت واردة على الفصول ‪ 25‬إلى ‪ 34‬من ظهير ‪ 2‬يونيو‬
‫‪ ،1615‬ذلك بتنصيصها على شروط األخذ بالشفعة‪ ،‬وحق الورثة في ممارسة هذا الحق‪ ،‬وتطرقها‬
‫لمراتب الشركاء في الشفعة‪ ،‬حيث نؤكد أن المشرع المغربي قد أحسن صنعا في هذا الصدد‬
‫بالنظر لألهمية الكبرى التي يكتسيها حق األخذ بالشفعة‪ ،‬وذلك حماية لدوي الحقوق الخاصة‬
‫المتعلقة بالعقارالمشفوع‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫عبد الله الكرني‪" ،‬الشفعة من خلل العمل القضائي المغري"‪ ،‬لرسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا المعمقة في القانون المدني‪ ،‬جامعة القاض ي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية بمراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪. 1666 -1669‬‬

‫نادر غزالن‪" ،‬إجراءات ممارسة الشفعة في العقار املحفظ"‪ ،‬مطبعة دار القلم بالرباط‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪.2013 ،‬‬

‫حنان بوعزة‪" ،‬الشفعة في العقاراملحفظ"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماسترفي القانون المدني‬
‫واألعمال‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫طنجة‪ .‬السنة الجامعية ‪.2010 -2006‬‬

‫محمد بادن‪" ،‬الشفعة الممارسة من طرف الدولة"‪ ،‬دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع‬
‫الرباط الطبعة‪ ،‬األولى ‪.2005‬‬

‫‪45‬‬
‫‪2023‬‬

‫محمد ابن معجوز‪" ،‬أحكام الشفعة في الفقه اإلسلمي والتقنين المغربي المقارن"‪،‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة بالدارالبيضاء‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.1663‬‬

‫سليمان الحمزاوي‪" ،‬أحكام الشفعة والصفقة"‪ ،‬سلسلة دروس المعهد الوطني‬


‫للدراسات القضائية‪ ،‬منشورات تنمية البحوث والدراسات‪ ،‬مطبعة الساحل بالرباط‪ ،‬طبعة‬
‫‪.1987‬‬

‫محمد خيري‪ :‬الشفعة وآجالها بين العقار املحفظ والعقار في طور التحفيظ‪ ،‬مجلة‬
‫محاكمة‪ ،‬عدد ‪ ،3‬سنة ‪.2007‬‬

‫محمد يوسف موس ى‪" ،‬األموال ونظرية العقد في الفقه اإلسلمي"‪ ،‬مطبعة دار الفكر‬
‫العربي‪ ،‬طبعة ‪.1661‬‬

‫أحمد أباش‪" ،‬األحكام العامة للشفعة في قواعد الفقه اإلسلمي والقانون المغربي"‪،‬‬
‫منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2009‬‬

‫قرار املجلس األعلى رقم ‪ ،1023‬بتاريخ ‪ 1660/05/06‬في الملف المدني عدد ‪،93/2137‬‬
‫منشور في‪ ،‬عبد العزيز توفيق‪" ،‬قضاء املجلس األعلى في الشفعة خلل أربعين سنة"‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة األولى ‪.1666‬‬

‫عادل حاميدي‪" ،‬التصرفات الواردة على العقارغيراملحفظ بين الفقه اإلسلمي والفراغ‬
‫القانوني"‪" ،‬دراسة عملية لعقود القسمة‪ ،‬الشفعة‪ ،‬الهبة‪ ،‬الوقف"‪ ،‬المطبعة والور اقة‬
‫الوطنية بمراكش‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬أكتوبر‪.2001‬‬

‫عادل حاميدي‪" ،‬التصرفات الواردة على العقار غير املحفظ بين الفقه اإلسلمي والفرع‬
‫القانوني"‪ .‬مطبعة الور اقة الوطنية بمراكش‪ ،‬الطبعة األولى أكتوبر‪.2001 ،‬‬

‫محمد نبيل حرزان‪" ،‬الشفعة في العقار املحفظ بين ظهير ‪ 2‬يونيو ‪ 1615‬ومدونة الحقوق‬
‫العينية‪ ،‬المستجدات التشريعية في المادة العقارية"‪ ،‬دراسات لتطور القوانين ذات الصلة‬
‫و أفاق التطبيق في ضوء‪ :‬القانون رقم ‪ 14.07‬المتعلق بالتحفيظ العقاري‪ ،‬القانون رقم ‪36.09‬‬
‫المتعلق بمدونة الحقوق العينية‪ ،‬القانون رقم ‪ 01.07‬المتعلق باإلقامات العقارية لإلنعاش‬

‫‪46‬‬
‫‪2023‬‬

‫السياحي‪ ،‬الظهير الشريف رقم ‪ 1.06.231‬المتعلق بمدونة األوقاف‪ ،‬مجلة الحقوق‪ ،‬سلسلة‬
‫"األنظمة والمنازعات العقارية" اإلصدارالسابع‪ ،‬فبراير‪.2013‬‬

‫محمد أو القاض ي ‪"،‬أحكام الشفعة‪ ،‬في ضوء التشريع والفقه"‪ ،‬منشورات المر افعة‪،‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة بالدارالبيضاء‪ ،‬الطبعة األولى يونيو ‪.2003‬‬

‫‪47‬‬
‫‪2023‬‬

‫اإلجرام الرياضي في التشريع المغربي‬


‫‪Sports Crime in Moroccan Legislation‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫تعتبر الرياضة من أهم األنشطة التي مارسها اإلنسان على مر التاريخ‪ ،‬نظرا لما لها من‬
‫فوائد بدنية ونفسية وتربوية هامة تساعد على تحمل متطلبات الحياة ومواجهة مصاعب‬
‫الدهر‪.‬‬

‫وإذا كانت الرياضة قد تأسست عبرتاريخها على أسس من القيم االجتماعية‪ ،‬وفي مقدمتها‬
‫األساس األخلقي القائم على الروح الرياضية واإلخاء والسمو‪ ،‬إذ لعبت الرياضة أدوارا مختلفة‬
‫في تجنيد وتنظيم الشباب‪ ،‬وكانت أسلوبا ووسيلة للتعبير ولتأييد الشخصية الوطنية‪ ،‬فإن‬
‫تغلغل عدة تأثيرات ومنها السياسة واالقتصاد خاصة‪ ،‬جعل مجال الرياضة مسرحا تمارس فيه‬
‫أنواع عدة من الجريمة تتراوح بين اإلجرام الفردي البسيط واإلجرام المنظم المعقد‪ ،‬والذي‬
‫شكل أحد البثور السوداء في وجه الرياضة الجميل‪ ،‬جعلت منه ظاهرة جديرة بالدراسة في‬
‫الوقت الراهن‪ ،‬حيث أن اإلجرام الرياض ي لم يعد أمرا طارئا‪ ،‬وال حدثا استثنائيا يمكن تجاهله‪،‬‬
‫و إنما أصبح ظاهرة اجتماعية بامتياز‪ ،‬ينبغي البحث في دالالتها وأسبابها‪ ،‬وال بد من تفاعل‬
‫الجميع إن شئنا الحد من خطورتها‪.‬‬

‫‪48‬‬
2023

،‫وتهدف هذه المقالة إلى إبرازأهم تجليات اإلجرام الرياض ي في الساحة الرياضية الوطنية‬
‫ حيث لم يقتصر هذا األخير في‬،‫وكيف واجهه المشرع المغربي سواء موضوعيا أو إجرائيا‬
‫معالجته لظاهرة على النصوص العامة (مجموعة القانون الجنائي) بل ضمن أيضا نصوصا‬
،‫خاصة بعض الجرائم التي من شأنها تعزيز سياسته الجنائية في مكافحة الظاهرة والحد منها‬
‫ والقانون التأديبي للجامعة‬.‫ المتعلق بالتربية البدنية‬30.06 ‫ومن أبرز هذه القوانين القانون رقم‬
.‫الملكية المغربية لكرة القدم‬

Summary :

Sport is considered one of the most important activities practiced by


human beings throughout history, because of its important physical,
psychological and educational benefits that help to meet the requirements of life
and to face its difficulties.

If sport was founded throughout its history on the foundations of social


values, especially moral ones based on the sporting spirit, brotherhood and
primacy. It also played different roles in youth recruitment and organization and
it was a means of expression and support of the national character. The
penetration of several influences related to politics and economy in particular,
made sports a scene for many types of crimes, ranging from simple and individual
crimes to complex and organized ones. This has formed one of the black pimples
in the face of the beautiful sport and made it a phenomenon worthy of studying
now, as sports criminality is no longer a matter that can be ignored. It has become
a very distinguished social phenomenon that should be explored with the
interaction of everybody, to look for its implications and causes in order to reduce
its severity.

This article aims to highlight the most important manifestations of sports


criminality in the national sports arena and how the Moroccan legislator faced it

49
‫‪2023‬‬

‫‪objectively and procedurally. Given that, he did not deal with it through general‬‬
‫‪provisions only (criminal law), but he also included special provisions that will‬‬
‫‪strengthen the criminal law in order to combat and reduce this phenomenon. The‬‬
‫‪most notable of these laws are the law No. 30.09 on physical education and the‬‬
‫‪disciplinary law of the Royal Moroccan Football Federation.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪: Keywords :‬‬

‫شغب الملعب‪ –hoologanism :‬التلعب بنتائج المباريات‪ -Match-fixing :‬العقود‬


‫الرياضية‪ - Sports Contracts :‬السلمة الرياضية‪Sports Safety :‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫تعد الرياضة أحد األنشطة اإلنسانية المهمة‪ ،‬فل يكاد يخلو مجتمع من املجتمعات‬
‫اإلنسانية من شكل من أشكال الرياضة‪ ،‬بغض النظر عن درجة تقدم أو تخلف هذا املجتمع‪،‬‬
‫ولقد عرفها اإلنسان عبر عصوره وحضارته املختلفة‪ ،‬وإن تفاوتت توجهات كل حضارة بشأنها‪،‬‬
‫فبعض الحضارات اهتمت بالرياضة العتبارات عسكرية سواء كانت دفاعية أو توسعية‪،‬‬
‫والبعض اآلخر مارس الرياضة لشغل أوقات الفراغ وكشكل من أشكال الترويح‪ ،‬بينما وظفت‬
‫الرياضة في حضارات أخرى كطريقة تربوية‪ ،‬حيث فطن المفكرون التربويون القدماء إلى إطار‬
‫القيم الذي تحفل به الرياضة‪ ،‬وقدرتها الكبيرة على التنشئة والتطويع‪ ،‬وبناء الشخصية‬
‫االجتماعية المتوازنة‪ ،‬ناهيك عن اآلثار الصحية التي ارتبطت منذ القدم بممارسة الرياضة‬
‫وتدريباتها البدنية‪ ،‬وهذا المفهوم الذي أكدته نتائج البحوث العلمية حول اآلثار الصحية على‬
‫المستوى البيولوجي لإلنسان‪85 .‬‬

‫إن الرياضة باعتبارها مظهرا اجتماعيا واضحا‪ ،‬أصبحت تفرض نفسها في أوساط‬
‫الباحثين‪ ،‬وأصبحت منجزات الرياضة على المستوى اإلجمالي و أنشطتها تعد أحد المؤشرات‬
‫العامة التي يحكم من خللها على مستوى التقدم االجتماعي والثقافي ملجتمع ما‪ ،‬فالرياضة‬
‫أضحت ظاهرة متداخلة بشكل عضوي بنظام الكيانات والبنى االجتماعية‪ ،‬كما أن التقدم‬

‫‪ 85‬أمين أنور الخولي‪ ،‬الرياضة والمجتمع‪ ،‬مجلة عالم المعرفة‪ ،‬عدد ‪ ،612‬دجنبر ‪ ،1992‬ص‪ .5 ،‬أنظر أيضا‪ :‬بوطالبي بن جدو‪ ،‬محاضرات في مادة تاريخ وفلسفة التربية البدنية‬
‫والرياضية‪ ،‬سنة أولى ليسانس‪ ،‬جامعة محمد لمين دباغين‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬فرع‪ :‬علوم وتقنيات النشاطات البدنية والرياضية‪ ،‬السنة الجامعية‪.6112 - 6115 :‬‬

‫‪51‬‬
‫‪2023‬‬

‫والرقي الرياض ي يتوقف على المعطيات االجتماعية السائدة في املجتمع‪ ،‬ولذلك فإن التحليل‬
‫النهائي للظروف االقتصادية‪ ،‬االجتماعية والثقافية وحجم ومدى التأثيرات الحيوية بينها هو‬
‫الذي يحدد عبر عدد من الروابط غير المباشرة إلى أي مدى يمكن أن تتقدم الرياضة‪ ،‬و أيضا‬
‫إلى أي مدى يمكن أن تتدهور‪86 .‬‬

‫وإذا كانت الرياضة قد تأسست عبرتاريخها على أسس من القيم االجتماعية‪ ،‬وفي مقدمتها‬
‫األساس األخلقي القائم على الروح الرياضية واإلخاء والسمو‪ ،‬حيث يجتمع الناس على الود‬
‫والتفاهم والصداقة في إطار ترويحي يعمل على إزالة التوترات‪ ،‬ويساعد على التقارب ونبذ‬
‫الفرقة‪ ،‬فإن تغلغل عدة تأثيرات ومنها السياسة واالقتصاد خاصة‪ ،‬جعل مجال الرياضة مسرحا‬
‫تمارس فيه أنواع عدة من الجريمة تتراوح بين اإلجرام الفردي البسيط واإلجرام المنظم المعقد‪،‬‬
‫جعلت منها ظاهرة جديرة بالدراسة في الوقت الراهن‪ ،‬حيث أن اإلجرام الرياض ي لم يعد أمرا‬
‫طارئا‪ ،‬وال حدثا استثنائيا يمكن تجاهله‪ ،‬و إنما أصبح ظاهرة اجتماعية بامتياز‪ ،‬البد من البحث‬
‫في دالالتها وأسبابها‪ ،‬إن شئنا الحد من خطورتها‪.‬‬

‫بناء على ذلك عمدت مختلف الدوا‪ ،‬ومن بينها المملكة المغربية‪ 87‬على ضرورة وجود‬
‫قوانين وتشريعات تحكم الرياضة وخاصة التنافسية منها‪ 88،‬مما فتح املجال لطرح سؤال‬
‫جوهري يتمحورحول مدى وعي المشرع المغربي بخطورة ظاهرة اإلجرام الرياض ي ؟ وإلى أي حد‬
‫وفق في إيجاد ترسانة قانونية كفيلة بالحد منها ؟ وهو اإلشكال الذي تتفرع عنه التساؤالت‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ ‬كيف غزت الجريمة مجال الرياضة في الوقت الذي كانت عامل أساسيا للحد‬
‫منها ؟‬

‫‪ 86‬مات فيف‪ ،‬أساسيات التربية البدنية‪ ،‬دون ذكر الطبعة‪ ،‬موسكو ‪ ،‬دار النشر التقدم‪ ،1981 ،‬ترجمة أمين أنور الخولي‪ ،‬ص‪.8 ،‬‬
‫‪ 87‬ارتقى دستور المملكة المغربية لسنة ‪ 6111‬بالرياضة لدرجة الحق الدستوري الواجب تحقيقه وتنميته وتوفير مختلف الوسائل لتيسير التمتع به‪ ،‬وهو ما يتضح من نصوص الفصول‬
‫‪ 11 ،11 ،62‬منه‪.‬‬
‫‪ 88‬تعد الرسالة ا لملكية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية للرياضة بالصخيرات سنة ‪ ، 6118‬المرجعية األساسية لمختلف القوانين واالستراتيجيات التي اعتمدتها المملكة في‬
‫هذا القطاع‪ ،‬حيث أشار جاللته إلى‪... " :‬إن الوضع المقلق لرياضتنا الوطنية‪ ،‬على عالته الكثيرة‪ ،‬يمكن تلخيصه في إشكاالت رئيسية‪ ،‬وهي بإيجاز‪ :‬إعادة النظر في نظام الحكامة‬
‫المعمول به في تسيير الجامعات واألندية‪ ،‬ومالءمة اإلطار القانوني مع التطورات التي يعرفها هذا القطاع ‪..." "...،‬ولتجاوز األزمة الحالية‪ ،‬فإنه يتعين وضع نظام عصري وفعال‬
‫لتنظيم القطاع الرياضي‪ ،‬يقوم على إع ادة هيكلة المشهد الرياضي الوطني وتأهيل التنظيمات الرياضية لالحترافية ودمقرطة الهيآت المكلفة بالتسيير إن الوضع يتطلب‪ ،‬قبل كل‬
‫شيء‪ ،‬اتخاذ التدابير المؤسساتية والقانونية المالئمة لمواكبة التطورات المتسارعة التي تعرفها الرياضة العالمية‪ ،‬والسيما متطلبات تطوير االحترافية‪".‬‬

‫‪51‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ ‬ما هي األسباب الكامنة وراء ذلك ؟‬

‫‪ ‬كيف يمكن الحد من استفحال ظاهرة اإلجرام في الرياضة ؟‬

‫‪ ‬وماهي انعكاسات ذلك على تغيرمفهوم الرياضة؟‬

‫وألجل اإلحاطة محاولة بالموضوع سأعمل على تناوله في نقطتين أساسيتين‪:‬‬

‫‪ ‬أوال‪ :‬اإلجرام الرياض ي البسيط أسبابه وسبل مكافحته‪.‬‬

‫‪ )1‬ظاهرة شغب الملعب‪.‬‬

‫‪ )2‬اإلخلل بالسلمة الرياضية‪.‬‬

‫‪ ‬ثانيا‪ :‬اإلجرام الرياض ي المنظم مظاهره وتداعياته‪.‬‬

‫‪ )1‬ظاهرة تزويرالعقود الرياضية‪.‬‬

‫‪ )2‬ظاهرة التلعب في نتائج المباريات الرياضية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬اإلجرام الرياض ي البسيط أسبابه وسبل مكافحته‪.‬‬

‫سنتولى في هذه النقطة الحديث عن كل من ظاهرة شغب الملعب (‪ ،)1‬ومسألة اإلخلل‬


‫بالسلمة الرياضية (‪.)2‬‬

‫‪ )1‬ظاهرة شغب الملعب‪:‬‬

‫تقع الملعب الرياضية بما تحتويه من منشآت وأجهزة على مساحة محددة‪ ،‬تجعلها قبلة‬
‫لحشود غفيرة من الجماهيرفي مختلف التظاهرات الرياضية‪ ،‬إذ ال يمكن ممارسة أي رياضة دون‬
‫وجود جماهير‪ ،‬فالجمهور هو جزء ‪ -‬اللعب رقم ‪ 12‬في لعبة كرة القدم ‪ -‬من النشاط الرياض ي‪،‬‬
‫بيد أن مميزات هذا العنصر تقابلها سلبيات تعكر صفو الروح الرياضية والتنافس الشريف‪،‬‬
‫تتمثل أساسا في ظاهرة شغب الملعب التي أصبحت واسعة االنتشار في الملعب الرياضية‬
‫العالمية‪ ،‬وهي ظاهرة ليست بالحديثة و إنما هي ظاهرة قديمة قدم الرياضة التنافسية‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫‪2023‬‬

‫ويقصد بشغب الملعب الرياضية‪" :‬األعمال العدو انية من ضرب‪ ،‬وتدمير‪ ،‬وتخريب‪،‬‬
‫وكذلك التصرفات غير اللئقة واللأخلقية التي يقوم بها اللعبون واإلداريون والجماهير‬
‫الرياضية خرقا لألنظمة القانونية المعمول بها قبل و أثناء وبعد المسابقات الرياضية‪89".‬‬

‫وتاريخ الرياضة على مر العصور حافل باألحداث املجسدة لهذه الظاهرة‪ ،‬إذ يرجعها‬
‫الباحثين إلى األصول االثنوجر افية‪ 90‬للمنافسات الرياضية القديمة لإلنسان البدائي‪ ،‬حيث‬
‫كان الصراع على أشده وكانت المباريات بمثابة المعارك‪ ،‬وتفض النزاعات بالطرق الحبية‪ ،‬فقد‬
‫نعت كونراند لورينزالرياضة بقوله‪" :‬إنها أحد أشكال الطقوس المميزة لمعركة أعدتها الثقافة‬
‫اإلنسانية‪91".‬‬

‫والحوادث الممثلة للظاهرة لم تقتصر على العصور القديمة‪ ،‬بل إنها ظاهرة متجددة‬
‫ومتغيرة في كل زمن وحين‪ ،‬إذ شهد العالم أحداثا عديدة تراوحت بين الخسائرالمادية والبشرية‬
‫وبين قطع العلقات الدبلوماسية بين الدول‪ ،‬ونذكرمن هذه الحوادث‪:‬‬

‫‪ ‬أدت أعمال العنف والشغب سنة ‪ 1614‬في مباراة (بيرو) و(األرجنتين) إلى قتل‬
‫‪ 319‬شخصا وجرح أزيد من ‪ 500‬آخرين إثراحتساب الحكم ألحد األهداف تسلل‬
‫في هذه المباراة‪ ،‬ولم يمنع تدخل قوات األمن من حدوث المأساة‪.‬‬

‫‪ ‬تعد الكارثة األكثر ذهوال هي التي حدثت في أمريكا الوسطى سنة ‪ ،1616‬ففي‬
‫مباراة (هندوراس) و(السلفادور) ضمن تصفيات كأس العالم‪ ،‬أدت حوادث‬
‫العنف والشغب إلى قطع العلقات بين البلدين وإعلن حالة الحرب سميت ب‬
‫"حرب كرة القدم"‪.‬‬

‫‪ 89‬مراد زويقات‪ ،‬جريمة شغب المالعب‪ ،‬ورقة مقدمة الستكمال لمادة علم الجريمة التطبيقي‪ ،‬الفصل األول‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬العام الدراسي‬
‫‪1262‬ـ‪ ،1261‬ص ‪.5‬‬
‫‪ 90‬اإلثنوجرافيا فرع من علم اإلنسان‪ ،‬إذ ينصب على دراسة الطباع‪ ،‬ويدرس قيم الناس وحياتهم اليومية‪ ،‬والعالقات االجتماعية‪ ،‬ويحصل على المعلومات بطرق مختلفة تشمل الحديث مع‬
‫أعضاء المجتمع وتصوير أنشطتهم على شرائط أو تقارير مكتوبة‪.‬‬
‫‪ 91‬أمين أنور الخولي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.662‬‬

‫‪53‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ ‬أحداث ما بعد مباراة (الجز ائر) و(مصر) في اللقاء الفاصل في السودان برسم‬
‫تصفيات كأس العالم ‪ ،2010‬حيث أدت أحداث الشغب والعنف إلى تأثروجمود‬
‫العلقات بين البلدين‪.‬‬

‫فأحداث الشغب في الملعب الرياضية ما هي إال تعبير عن ثقافة مكتسبة وسلوك‬


‫مفتعل‪ ،‬غير أنه ال يخفى ـ غالبا ـ تأثير الو اقع االجتماعي واألحداث المعاشة يوميا‪ ،‬وهو ما جعل‬
‫المفكر سارتر يستعين بأحداث المنافسات الرياضية للداللة على البناء الجدلي للجماعات‬
‫البشرية وأدوار األفراد‪ ،‬ويستشف من تحليله أن الصراع في الملعب الرياضية يتناسب مع‬
‫تركيبة الجماعات البشرية والنظام االجتماعي الذي يمثله مهما بدا ذلك متناقضا‪92.‬‬

‫وإذا كانت ظاهرة الشغب في الملعب الرياضية تنطوي على هذه الخطورة البالغة‪ ،‬فإن‬
‫القضاء عليها لن يتأتى إال بالفهم واإللمام بمسبباتها‪ ،‬هذه األخيرة التي تختلف من مجتمع آلخر‪،‬‬
‫فضل عن كونها متعددة يصعب حصرها‪ ،‬ومتسمة بالتباين من حيث التأثير‪.‬‬

‫والعوامل المسببة لهذه الظاهرة تجاذبتها نظريات مختلفة‪ 93،‬حاولت كل واحدة منها‬
‫تفسيرالسلوك المكون أو المؤطرللعنف والشغب‪ ،‬وهي النظريات التي يمكن إجللها في اآلتي‪:‬‬

‫‪ .1‬نظرية الغرائزأو التفسيرالبيولوجي‪:‬‬

‫تفترض هذه النظرية أن اإلنسان يولد ولديه استعداد مسبق للعدوان‪ ،‬والذي يظهر‬
‫بشكل مباشر أو عن طريق التنفيس في المو اقف المقبولة اجتماعيا‪ ،‬مثل المنافسات‬
‫الرياضية‪.‬‬

‫‪ .2‬نظرية التعلم االجتماعي‪:‬‬

‫تفترض هذه النظرية أن العنف والشغب ظاهرة مكتسبة عن طريق الملحظة واملحاكاة‪،‬‬
‫ويتعلمها األفراد كما يتعلمون أي نوع من أنواع السلوكيات االجتماعية األخرى‪ ،‬وهو ليس غريزيا‬
‫يولد مع اإلنسان كما ذهبت لذلك النظرية السابقة‪.‬‬

‫‪ 92‬أمين أنور الخولي‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.662‬‬


‫‪ 93‬لالطالع أكثر على هذه النظريات‪ ،‬أ نظر سعد سعيد الزهراني‪ ،‬سيكولوجية العنف والشغب لدى الجماعات‪ ،‬أبحاث الندوة العلمية ـ أمن المالعب الرياضية‪ ،‬الرياض ‪ 62‬ـ ‪/2 / 61‬‬
‫‪ ،6111‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪( ،‬تاريخ ومكان النشر والناشر غير مذكورين)‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬ص ‪ 11‬ـ ‪.12‬‬

‫‪54‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ .3‬نظرية اإلحباط‪:‬‬

‫يرى أنصار هذه النظرية أن العنف والشغب ما هو إال نتيجة اإلحباط الذي يؤدي إلى‬
‫القيام بالسلوك العدو اني‪ ،‬حيث أنه متى ما تعرض الفرد إلى موقف محبط فإن العنف‬
‫والشغب يكون استجابة طبيعية لهذا الموقف‪.‬‬

‫وإن كان لنا أن نقول شيئا حول هذه النظريات أوإمكانية الترجيح بينها‪ ،‬فإننا نسايرنظرية‬
‫التعلم االجتماعي‪ ،‬ونرد ذلك إلى أن تصرف الفرد وعقليته وهو بمفرده‪ ،‬يختلف عن تصرفه‬
‫وعقليته وهو ضمن جماعات الشغب التي يلتقي بها في الملعب الرياضية‪ ،‬ففي الصورة األولى‬
‫يحكم العقل ويتصف باالتزان‪ ،‬ويبتعد عن كل ما يس يء لصور‪ ،‬عالما أن أنظاراملجتمع مسلطة‬
‫عيله‪ ،‬فضل عن وعيه بالمسؤولية القانونية التي يمكن أن تطاله إذا ما أساء التصرف‪ ،‬بينما في‬
‫الصورة الثانية ينضم إلى الجماعات المشاغبة ويتأثر بسلوكها‪ ،‬فينعدم ـ مبدئيا ـ شعوره‬
‫بالمسؤولية‪ ،‬وتغيب عن ذهنه نظرة املجتمع إليه فيقد على التصرف وفق لتصرفاتها ويمش ي‬
‫على هديها‪94.‬‬

‫ومهما اختلفت تفسيرات المنظرين والباحثين وتعددت منطلقاتهم‪ ،‬فإن أسباب ظاهرة‬
‫شغب الملعب صعب الحصر‪ ،‬لكن يمكن ذكرأهمها في التالي‪:‬‬

‫‪ ‬الحشد الزائد‪.‬‬

‫‪ ‬تأثيرالكحوليات واملخدرات‪.‬‬

‫‪ ‬التحكيم الهزيل والمتحيز‪.‬‬

‫‪ ‬الجماهيرالمتعصبة بشدة لفريقها‪.‬‬

‫‪ ‬األداء السلبي في مباريات حساسة‪.‬‬

‫‪ ‬التوترات االجتماعية والسياسية‪.‬‬

‫‪ ‬عدم تيهئ الظروف الملئمة للدخول والخروج من الملعب‪.‬‬

‫‪ 94‬من أجل التعرف أكثر عل ى التفسير العلمي النفسي لسلوكيات الجماهير‪ ،‬أنظر‪ :‬سيغموند فرويد‪ ،‬علم نفس الجماهير‪ ،‬ترجمة جورج طرابيشي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الطليعة‪،‬‬
‫‪ .6112‬وأنظر أيضا‪ :‬غوستاف لو بان‪ ،‬سيكولوجيا الجماهير‪ ،‬ترجمة هشام صالح‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الساقي‪.1991 ،‬‬

‫‪55‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ ‬عدم احترام القوانين الجاري بها العمل‪.‬‬

‫‪ ‬استفزاز المشجعين من قبل بعض اللعبين أو سوء تقدير أحد رجال األمن أثناء‬
‫معالجة بعض الحاالت‪.‬‬

‫‪ ‬الشحن اإلعلمي السلبي للجماهيربسبب المنافسة‪.‬‬

‫‪ ‬ميل بعض األفراد إلى العنف عندما يكونوا في جماعات‪.‬‬

‫وإذا أردنا أن تسير الرياضة بالشكل السليم والبعيد عن هذه الظاهرة السلبية البد من‬
‫إيجاد حلول ك فيلة بإحاطة الظاهرة بإطار يسهل معه احتوائها‪ ،‬ومكافحتها بكيفية نلمس‬
‫نجاعتها على أرض الو اقع‪.‬‬

‫لعل أبرز وسيلة لكبح جماح هذه الظاهرة هي نشر ثقافة التنافس الشريف وتقبل‬
‫الخسارة كما الفوز‪ ،‬وهو أمر يقتض ي التحسيس بخطورتها ومساوئها سواء بشكل غير مباشر‬
‫بواسطة وسائل اإلعلم المرئية والمسموعة والمكتوبة‪ 95،‬أو بشكل مباشر عن طريق توزيع‬
‫مناشير بمناسبة بيع التذاكر‪ ،‬وتوزيع قمصان تحمل شعارات مكافحة الشغب‪ 96،‬إضافة إلى‬
‫وضع الئحة الممنوعات بالصور أمام أبواب الملعب‪ ،‬كما يمكن تحقيق هذه الغاية من خلل‬
‫تنظيم مسابقات الجمهورالمثالي‪ ،‬واللعب المثالي في آخرالموسم‪ ،‬فضل عن تكوين خلية أمن‬
‫الملعب الرياضية التي يمكن تشكيلها من ممثل السلطات املحلية‪ ،‬وممثل النيابة العامة‪،‬‬
‫وممثل األمن الوطني‪ ،‬وممثل الدرك الملكي‪ 97.‬ومن األمور التي تعد غاية في األهمية‪ ،‬االهتمام‬
‫برفع مستوى كفاءة التحكيم الرياض ي‪ ،‬ناهيك عن إنفاذ العقوبات الزجرية‪ 98 ،‬إذا لم تنجح‬
‫األساليب الوقائية ـ على مسببي ومرتكبي الشغب بشكل يحد من هذه الظاهرة التي تهدد الرياضة‬
‫وجماليتها‪.‬‬

‫‪ 95‬أنظر في هذا اإلطار‪ :‬خليفة طالب بهبهاني‪ ،‬دور وسائل اإلعالم في الحد من شغب المالعب الرياضية‪ ،‬مداخلة ضمن ندوة‪ :‬األمن الرياضي تحت عنوان‪ :‬شغب المالعب وأساليب‬
‫مواجهته‪ ،‬التي نظمها مركز الدراسات والبحوث‪ ،‬جامعة نايف للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،6112 ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪ 96‬أنظر في هذا الصدد ‪ :‬سمير عبد القادر خطاب‪ ،‬دور التربية في تنمية الوعي الرياضي لدى المشجعين‪ ،‬مداخلة ضمن ندوة‪ :‬األمن الرياضي تحت عنوان‪ :‬شغب المالعب وأساليب‬
‫مواجهته‪ ،‬التي نظمها مركز الدراسات والبحوث‪ ،‬جامعة نايف للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،6112 ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪ 97‬أنظر في هذا السياق‪ ،‬مم دوح عبد الحميد عبد المطلب‪ ،‬دور أجهزة األمن في فرض األمن أثناء المناسبات الرياضية‪ ،‬مداخلة ضمن ندوة‪ :‬األمن الرياضي تحت عنوان‪ :‬شغب المالعب‬
‫وأساليب مواجهته‪ ،‬التي نظمها مركز الدراسات والبحوث‪ ،‬جامعة نايف للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،6112 ،‬ص ‪.111‬‬
‫وجدير بالذكر في هذا السياق أن المديرية العامة لألمن الوطني قد أحدثت قسم األمن الرياضي التابع لمديرية األمن العمومي‪ ،‬والخاليا التابعة له في مختلف المدن مهمتها تتبع التظاهرات‬
‫الرياضية‪ ،‬بغية القيام بدورها الريادي في التطبيق السليم للقانون رقم ‪ 19.19‬بمعية الجهات المعنية من وزارة الداخلية واألندية‪.‬‬
‫‪ 98‬األمر الذي أقره المشرع المغربي بموجب القانون رقم ‪ 19.19‬المتعلق بمحاربة العنف داخل المالعب المتمم لمجموعة القانون الجنائي‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪2023‬‬

‫وهكذا‪ ،‬ولما كان التشريع أحد اآلليات التي تملكها الدولة لحكم املجتمع وبسط سيطرتها‬
‫وسيادتها على األفراد‪ ،‬وتحديد اإلطار العام لسلوكياتهم والحؤول دون جنوحهم عن النظام‬
‫العام للدولة‪ ،‬وأمام تفش ي ظاهرة الشغب في الملعب الوطنية‪ ،‬عمل المشرع المغربي على‬
‫التدخل لضبط هذا املجال الحيوي‪ ،‬وذلك من خلل القانون رقم ‪ 06.06‬المغير والمتمم‬
‫ملجموعة القانون الجنائي‪ 99،‬وخصص له الفرع الثاني مكرر‪ ،‬من خلل ‪ 16‬فصل تمم بها الفصل‬
‫‪ 309‬تحت عنوان‪" :‬العنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها‪".‬‬

‫وبالرجوع إلى هذه الفصول يتضح أن المشرع المغربي حاول من خلل األفعال املجرمة‬
‫والعقوبات المقررة لها‪ ،‬وضع سياسة جنائية كفيلة بالحد من هذه الظاهرة‪ ،‬تميزت بعدة‬
‫خصائص‪ ،‬أبرزها التعدد والتنوع في التجريمات‪ ،‬حيث حاول المشرع اإلحاطة بمختلف األفعال‬
‫الجرمية التي تساهم في حدوث العنف سواء قبل أو أثناء أو بعد المباريات والتظاهرات‬
‫الرياضية‪ ،‬إذ قسمها وفقا لطبيعتها و أثرها على األفراد‪ ،‬آخذ في ذلك بعين االعتبار األوجه‬
‫المتعددة لمأالت العنف (الموت واإليذاء والخسائرالمادية)‪ ،‬إلى أعمال عنف ينتج عنها الموت‬
‫(الفصل ‪ ،)1 - 309‬عاقب عليها ‪ -‬إذا تو افرت شروط الفصل ‪ - 403‬بالحبس من سنة إلى خمس‬
‫سنوات وبغرامة من ‪ 1.200‬إلى ‪ 20.000‬درهم‪ ،‬وأعمال عنف ارتكب خللها ضرب وجرح أو أي‬
‫نوع آخر من أنواع العنف أو اإليذاء (الفصل ‪ ،)2 - 309‬حدد لها عقوبة الحبس من ثلثة أشهر‬
‫إلى سنتين وغرامة من ‪ 1.200‬إلى ‪ 10.000‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‪ 100،‬باإلضافة‬
‫إلى أعمال عنف ذات طبيعة مادية تنصب على األموال سواء كانت عقارية أو منقولة ( الفصل‬
‫‪ )3 – 09‬أقر لها عقوبة الحبس من ثلثة أشهر إلى سنة وبغرامة من ‪ 1.200‬إلى ‪ 10.000‬درهم أو‬
‫بإحدى هاتين العقوبتين فقط‪101.‬‬

‫‪ 99‬ظهير شريف رقم ‪ ،1.11.18‬الصادر في ‪ 69‬من جمادى اآلخرة ‪ 1216‬الموافق ل ‪ 6‬يونيو ‪ ،6111‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 19.19‬المتعلق بالعنف المرتكب أثناء المباريات أو‬
‫التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها‪ ،‬والمتمم لمجموعة القانون الجنائي‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ،5952‬الصادرة بتاريخ ‪ 61‬رجب ‪ 1216‬الموافق ل ‪ 11‬يونيو ‪ ،6111‬ص ‪.1181‬‬
‫‪ 100‬حيث تمت متابعة األظناء في هذه النازلة على الدخول إلى ملعب تحت تأثير مخدر والمساهمة في أعمال العنف أثناء إجراء مباراة رياضية‪ ،‬ارتكب خاللها أعمال الضرب والجرح‬
‫وإلحاق خسائر مادية بمال منقول مملوك للغير وإتالف أجزاء من الملعب وارتكاب عنف في حق موظف عمومي أثناء قيامه بوظيفته‪ ،‬حيت تم الحكم عليهم بالحبس بثالثة أشهر وغرامة‬
‫مالية قدرها ‪ 1611‬درهم في حق واحد منهم والحكم على الباقي بشهرين وغرامة مالية قدرها ‪ 1611‬درهم‪ .‬حكم المحكمة االبتدائية (الزجرية) بالدار البيضاء)‪ ،‬في الملف الجنحي‬
‫التلبسي عدد ‪ ،6999/6111/6115‬بتاريخ‪ ،6111/12/69 :‬غير منشور‪.‬‬
‫‪ 101‬إذ تمت معاقبة الظنين في هذه النازلة بشهر واحد حبسا نافذا و غرامة نافذة قدرها ‪ 6111‬درهم على إثر مساهمته في إلحاق أضرار مادية بمنقوالت مملوكة للغير بمناسبة تظاهرة‬
‫رياضية‪ .‬حكم المحكمة االبتدائية (الزجرية) بالدار البيضاء‪ ،‬في الملف الجنحي التلبسي عدد ‪ ،6111/1581/11‬بتاريخ‪ ،6111/ 16/ 66 :‬غير منشور‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫‪2023‬‬

‫كما أنه من الملحظ أن مشرع القانون رقم ‪َّ 06.06‬‬


‫وسع من نطاق التجريم‪ ،‬وهو ما من‬
‫يتضح من خلل العنوان المعتمد لهذا القانون‪ ،‬إذ يتميزنطاق تطبيقه ببعد ترابي يتجاوزما قد‬
‫يفهم من القراءة السطحية له‪ ،‬التي تفيد بأنه يطبق داخل الحدود الجغر افية للمنشئات‬
‫والتظاهرات الرياضية‪ ،‬وهو أمر بخلف الو اقع العملي‪ ،‬إذ يمتد تطبيق أحكامه إلى األفعال‬
‫الجرمية المرتكبة بعد إجراء المباريات والتظاهرات الرياضية‪ ،‬وكذا في األماكن العمومية التي‬
‫تبث فيها تلك المباريات أو التظاهرات الرياضية‪،‬‬

‫وجدير بالذكر أن مشرع القانون رقم ‪ 06.06‬استحضر طبيعة البيئة التي يمارس فيها‬
‫العنف الرياض ي‪ ،‬والذي تتسم غالبا بالجماعية‪ ،‬من قبيل مجموعات اإللتراس‪ ،‬وهو ما يبرر‬
‫استخدامه لمصطلح "المساهمة" والتي تفيد أن كل شخص ارتكب شخصيا فعل يدخل في‬
‫التنفيذ المادي لألفعال املجرمة بموجب هذا القانون يعتبرمساهما في جرائم العنف الرياض ي‬
‫طبقا للفصول المشكلة لهذا القانون‪ ،‬والمشار إليها أعله‪102.‬‬

‫وألن القضاء هو المرآة العاكسة لنجاعة التشريعات والضامن لحسن تطبيقها‪ ،‬فقد‬
‫منحه المشرع صلحيات مهمة‪ ،‬و أناط به دورا فعاال في التدخل كلما ظهر لها موجب للتدخل‪،‬‬
‫وتم منحه الحق في الحكم بالمصادرة لفائدة الدولة األدوات واألشياء التي استعملت أو كانت‬
‫ستستعمل في ارتكاب الجريمة التي تحصلت منها‪ ،‬وكذلك المنح وغيرها من الفوائد التي كوفئ‬
‫بها مرتكب الجريمة أو كانت معدة لمكافأته (الفصل ‪ ،)15 – 309‬كما يجوز للمحكمة أن تأمر‬
‫بنشر المقرر الصادر باإلدانة طبقا ألحكام الفصل ‪ 49‬من القانون الجنائي أو بثه بمختلف‬
‫الوسائل السمعية البصرية أو بتعليقه (الفصل ‪ ،)11 - 309‬إضافة إلى إمكانية أن تأمراملحكمة‬
‫بحل الشخص المعنوي في حالة صدور مقرر بإدانته من أجل إحدى الجرائم المنصوص عليها‬
‫سابقا (الفصل ‪ ،)17 - 309‬فضل عن تمكين املحكمة من سلطة الحكم علوة على العقوبات‬
‫المنصوص عليها في قانون الشغب على الشخص المدان بالمنع من حضور المباريات أو‬
‫التظاهرات الرياضية لمدة ال يمكن أن تتجاوز سنتين مع إمكانية شمول هذا التدبير بالنفاذ‬
‫المعجل‪ ،‬كما يسوغ للحكمة أيضا تحديد صورة هذا المنع‪ ،‬إما بملزمة محل إقامته أو مكان‬

‫‪ 102‬بوركبة نبيل‪ ،‬قراءة في القانون رقم ‪ 19.19‬المتعلق بالعنف المرتكب في المباريات والتظاهرات الرياضية‪ ،‬مقال منشور بموقع‪ marocdroit.com :‬اطالع يوم‪،6119/11/11 :‬‬
‫على الساعة‪.12h30 :‬‬

‫‪58‬‬
‫‪2023‬‬

‫آخر أو تكليفه بالتردد على مركز األمن أو السلطة املحلية وذلك خلل وقت إجراء المباريات أو‬
‫التظاهرات الرياضية التي منع من حضورها (الفصل ‪.)19 - 309‬‬

‫وعموما‪ ،‬فيمكن القول أن المملكة المغربية قد خطت خطوات هامة في اتجاه مواجهة‬
‫الظاهرة‪ ،‬لكنها خطوات تبقى قاصرة وغير كافية‪ ،‬حيث أن االقتصار على المقاربة األمنية أو‬
‫الزجرية أبان على عدم نجاعته‪ ،‬خاصة عند عدم تفعيل القرارات وتنزيل اإلجراءات في هذا‬
‫الشأن‪ ،‬إذ رغم وجود قوانين صارمة مازالت ظاهرة الشغب في تزايد مما يدفعنا إلى القول‬
‫بضرورة إعادة النظر في المقاربة الزجرية ذاتها‪ ،‬عبر بلورة سريعة وملحة للقانون ‪،06.06‬‬
‫باإلضافة إلى تنويع الزوايا التي يمكن النظرمنها إلى هذه الظاهرة‪.‬‬

‫‪ )2‬ظاهرة اإلخلل بالسلمة الرياضية‪:‬‬

‫تمتد ظاهرة اإلصابات الرياضية ملختلف التخصصات الفردية منها والجماعية‪،‬‬


‫وأصبحت من المواضيع األكثر أهمية التي تشغل البال وتؤرق الرياضيين الممارسين نظرا‬
‫للخطورة المتأصلة في بعض األلعاب‪ ،‬حيث يكون غالبا االحتكاك مباشرة مع الخصم من جهة‬
‫أو نتيجة لعدم الوعي الكافي بالممارسة الصحية لألنشطة الرياضية‪ ،‬أو ملخالفة للنظم‬
‫والقوانين المنظمة للسلمة الرياضية من جهة أخرى‪ .‬فاحتمال التعرض لإلصابة الرياضية‬
‫وارد عند جميع الرياضيين‪ ،‬ويبقى البحث قائما لدى المعنيين بتدريب األنشطة الرياضية إليجاد‬
‫أفضل السبل والوسائل للوقاية والتقليل من حوادث اإلصابات الرياضية‪ ،‬أوعلى األقل في حالة‬
‫حدوثها محاولة التعريف بالطريقة العلمية السليمة في إسعاف وتأهيل اإلصابة وإعادة اللعب‬
‫للممارسة‪.‬‬

‫وإذا كانت اإلصابات الرياضية أمرا طبيعيا نظرا للتنافس الشديد والشريف في اآلن نفسه‬
‫أثناء ممارسة اللعبة‪ ،‬السيما الجماعية منها‪ ،‬ففي مقابل ذلك تتعدد الحاالت الشاذة التي تخرج‬
‫عن اإلطار االعتيادي للرياضة‪ ،‬تكون ناتجة عن إخلل الرياضيين ذاتهم لألنظمة والقوانين‬
‫المؤطرة للسلمة الرياضية‪ ،‬مما يؤدي إلى الجنوح عن الهدف األسمى للرياضة‪ ،‬ولعل األمثلة‬
‫على هذه الظاهرة كثيرة في الملعب الرياضية كملعب كرة القدم‪ ،‬وكرة القدم األمريكية‪،‬‬
‫وملعب الهوكي على الجليد‪ .‬وهو ما يفسركثرة حاالت اإليقاف التي يتعرض لها الرياضيين‪ ،‬ونحو‬

‫‪59‬‬
‫‪2023‬‬

‫ذلك إيقاف العبة أمريكية مدى الحياة عن ممارسة كرة القدم بسبب عنفها المعتاد أثناء‬
‫المباريات‪.‬‬

‫هكذا أصبح الرياض ي بحاجة إلى حماية وضمان لمواجهة خطر اإلصابة قبل وبعد‬
‫وقوعها‪ ،‬وذلك باتخاذ اإلجراءات اللزمة للوقاية من اإلصابة‪ ،‬وكذا التعامل مع اإلصابة‪ ،‬ويعتبر‬
‫التأمين األداة الضرورية لتحقيق الرياضيين للحماية المرجوة‪ ،‬إذ أضحى ـ التأمين ـ مطلب جميع‬
‫الفئات المكونة للجسم الرياض ي‪ ،‬حفاظا على العنصراألساس ي في أي لعبة وهوالرياض ي نفسه‪،‬‬
‫ي‪103.‬‬ ‫إضافة إلى النادي الذي استثمرالكثيرلتكوين هذا الرياض‬

‫والتأمين في املجال الرياض ي ليس باألمر الحديث‪ ،‬بل أن تطوره اقترن بتطور الرياضة‪،‬‬
‫خاصة مع إقبال شركات التأمين على تغطية املخاطر الرياضية‪ ،‬بعدما صار التأمين في هذا‬
‫الميدان ضرورة ملحة‪ ،‬زكتها األحداث الرياضية المصحوبة بانعدام السلمة بين الفينة‬
‫واألخرى‪.‬‬

‫والتاريخ الرياض ي يحفظ لنا مجموعة من وثائق التأمين وصلت ألرقام كبيرة تقدر‬
‫بالمليين‪ ،‬ومن أمثلة ذلك اكتتاب اللعب البرازيلي ‪ pelé‬لوثيقة تأمين بثلثة مليين فرنك فرنس ي‬
‫أثناء كأس العالم سنة ‪ 1616‬بإنجلترا‪ ،‬وكذا التأمين الذي عقده حارس مرمى المنتخب االسباني‬
‫إيكر كسياس بمبلغ ‪ 7000‬يورو‪ ،‬وكذلك التأمين الذي أبرمه الملكم محمد علي بطل العلم في‬
‫الوزن الثقيل ب ‪ 100.000‬فرنك فرنس ي قيل مواجهة البطل األلماني كارل ميلدن بورغ‪ 104.‬وهي‬
‫كلها وثائق أبرمت لتأمين اإلصابة عن املخاطر الرياضية التي قد يتعرض له الرياضيين‪ ،‬والتي‬
‫يعود سببها في الغالب إلى إخلل المنافس بالنظم المعمول بها‪ ،‬ليبقى التأمين هو الضمان‬
‫األنجع لتفادي اإلصابة‪ ،‬فضل عن تطبيق القواعد القانونية المنظمة للسلمة الرياضية‬
‫والضرب على أيدي الرياضيين غيرالمنضبطين‪.‬‬

‫غيرأن القول بضرورة التأمين في املجال الرياض ي ال يعني غياب إمكانية المسائلة الجنائية‬
‫إذا ثبت أن األفعال املخلة بقواعد السلمة الرياضة والمنافية للعب النظيف‪ ،‬والتي ترتكب عن‬

‫‪ 103‬معزيز عبد الكريم‪ ،‬العقد والتأمين والتعويض في المجال الرياضي‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪ .626‬أنظر كذلك‪ :‬رعد أدهم عبد الحميد‪ ،‬ريبر‬
‫حسين يوسف‪ ،‬التأمين عن االصابات الجسدية للرياضي المحترف ‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،‬مجلة جامعة تكريت للحقوق‪ ،‬السنة ‪ ،8‬المجلد ‪ ،1‬العدد ‪ ،6112 ،69‬ص ‪ 116‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 104‬معزيز عبد الكريم‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.652‬‬

‫‪61‬‬
‫‪2023‬‬

‫عمد وسوء نية‪ ،‬حيث أنه بالرغم من اعتباراأللعاب الرياضية إحدى أسباب التبريرالتي لم ترد‬
‫في نص الفصل ‪ 124‬من القانون الجنائي‪ ،‬فإن ذلك مشروط بأن تأتي هذه األفعال التي ترتبت‬
‫عنها اإلصابات الرياضية ضمن األنواع الرياضية المعترف بها قانونا‪ ،‬ووفقا القواعد الرياضية‬
‫المعمول بها دون قصد إحداث الضرر‪ ،‬وأن يقع العنف أثناء ممارسة اللعبة‪ ،‬ثم رضا المنافس‬
‫بالمشاركة في المباراة‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة في هذا الصدد إلى أن مشرع القانون رقم ‪ 10530.06‬قد أوجب بمقتض ى‬
‫المادة ‪ 79‬منه على الجامعات الرياضية أن تحدد القواعد التقنية المطبقة على التجهيزات‬
‫الرياضية‪ ،‬ال سيما من أجل ضمان سلمة الرياضيين وسلمة المنافسات والتظاهرات الرياضية‬
‫بصفة عامة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬اإلجرام الرياض ي المنظم مظاهره وتداعياته‪.‬‬

‫تبوأت الرياضة واألنشطة البدنية مكانة واضحة على الساحتين املحلية والعالمية‪،‬‬
‫كظاهرة اجتماعية تستحق الدراسة والتأمل‪ ،‬ولقد برزت مظاهر هذه المكانة من خلل إنشاء‬
‫الهيئات والمؤسسات والجمعيات والروابط واالتحادات واللجان المهتمة بالرياضة‪ ،‬وتعمل‬
‫على رعاية أنشطتها محليا ودوليا‪ ،‬ولقد برز االهتمام بالرياضة خلل المائة سنة المنصرمة‬
‫نتيجة لعدد من الظروف االقتصادية واالجتماعية والتغيرات الثقافية العميقة التي وقعت إبان‬
‫تلك الفترة‪ ،‬ولقد كان التتويج الفعلي لنجاح الرياضة في إحياء األلعاب األولمبية و إقامة أول‬
‫دورة حديثة منها سنة ‪ ، 1961‬ولعل النجاح المطرد في إقامة هذه الدورات من العوامل العامة‬
‫التي أثارت االهتمام بالرياضة على كل المستويات‪ ،‬وساعد في ذلك الدور المهم الذي لعبه‬
‫اإلعلم وبخاصة التلفزيون في تقديم الرياضة للعامة وتبسيط مفاهيمها‪ ،‬وتشكيل اتجاهات‬
‫إيجابية نحوها‪106 .‬‬

‫ويعتقد مفكر التربية البدنية‪ "zeigler"،‬أن عدة قوى أصبحت تؤثر في الرياضة ومنها‬
‫أساسا القيم والمعاييراألخلقية‪ ،‬السياسة‪ ،‬االقتصاد‪ ،‬الدين و البيئة‪ ،‬وبالرغم من أن الطابع‬

‫‪ 105‬ظهير شريف رقم ‪ 1.11.151‬صادر في ‪ 11‬من رمضان ‪ 62( 1211‬أغسطس ‪ )6111‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 11.19‬المتعلق بالتربية البدنية والرياضة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد‪:‬‬
‫‪ ،5885‬بتاريخ ‪ 12‬ذو القعدة ‪ 65( 1211‬أكتوبر ‪ ،)6111‬ص ‪.2815‬‬
‫‪ 106‬أمين أنور الخولي‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.69 ،‬‬

‫‪61‬‬
‫‪2023‬‬

‫البدني يطغى على المنافسة الرياضية‪ ،‬فإن الصفات المعنوية والنفسية والمعرفية والعقلية‪،‬‬
‫تستخدم جميعها خلل المنافسات الرياضية‪ ،‬وال يمكن إغفالها‪ ،‬مما جعل للرياضة خصائص‬
‫ومتطلبات‪ .‬وألجل ذلك يعتقد عالم االجتماع "‪ "mongan‬أن للرياضة مظهرين أساسيين‪ ،‬مظهر‬
‫وهما معا يثيران الكثير من المشاعر‬ ‫درامي"‪107"Dramatic‬‬ ‫طقوس ي"‪ "Ritualistic‬وآخر‬
‫واألحاسيس وهو ما جعل الرياضة وسيلة للتوفيق بين األوضاع االجتماعية القائمة وبين التعبير‬
‫النفس ي اللشعوري‪ ،‬حتى قيل أنه أصبحت الرياضة تقدم المتعة للمشاهدين‪ ،‬والمكانة‬
‫للرياضيين‪ ،‬واألموال للمدربين واإلداريين ورياضيي االحتراف‪.‬‬

‫وبذلك اصطبغت الرياضة بالصبغة المادية‪ ،‬وأصبحت أحد أكبر مجاالت تسويق‬
‫البضائع والمصالح التجارية‪ ،‬وقد كان وراء االرتقاء الملحوظ للرياضة مصالح رأسمالية‪ ،‬حيث‬
‫أنه كلما زادت درجة تصنيع املجتمع واهتماماته بالتقنيات الحديثة زاد حجم المصادراإلضافية‬
‫التي يمكن استثمارها في الرياضة لكونها مصدرا للربح ووسيلة دعاية ناجحة‪108 .‬‬

‫وأمام هذا التحول الراديكالي في وظيفة الرياضة كوسيلة للترويح‪ ،‬ونزوعها نحو المادية‬
‫و انصهارها في دورة االقتصاد‪ ،‬جعلها كغيرها من قطاعات اإلنتاج األخرى‪ ،‬مجاال للعديد من‬
‫الممارسات اللشرعية‪ ،‬بلغت في أقص ى خطورتها صورا من اإلجرام المنظم كالتزوير في العقود‬
‫الرياضية (‪ )1‬والتلعب في نتائج المباريات الرياضية (‪.)2‬‬

‫‪ )1‬التزويرفي العقود الرياضية‪:‬‬

‫يعتبرالعقد أهم صورالتصرف القانوني في الحياة اإلجتماعية ألن اإلرادة المنفردة ليست‬
‫سوى مصدر استثنائي لللتزام‪ ،‬ال تنشئه إال في حاالت محددة يعترف لها القانون بالقدرة على‬
‫إنشاء الروابط القانونية‪109 .‬‬

‫والرياضة إحدى املجاالت الحيوية التي تستوجب في معاملتها اللجوء إلى اآلليات‬
‫ي‪110.‬‬ ‫والمؤسسات القانونية‪ ،‬وإحدى هذه اآلليات أو المؤسسات نجد العقد الرياض‬

‫‪ 107‬محمد علي محمد‪ ،‬وقت الفراغ في المجتمع الحديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬دار المعرفة‪ ،1981 ،‬ص‪.161 ،‬‬
‫‪ 108‬أمين أنور الخولي ‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.111،‬‬
‫‪ 109‬العربي بلحاج ‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،1999،‬ص‪.26،‬‬
‫‪ 110‬وفقا للمادة ‪ 12‬من القانون رقم ‪ 11.19‬والتي أحالت عليها المادة األولى من ذات القانون فإن الجمعيات الرياضية تبرم عقود شغل مع الرياضيين المحترفين واألطر الرياضية المحترفة‬
‫تسمى "عقودا رياضية" وفق عقود نموذجية تحددها اإلدارة حسب خصائص الرياضيين أو األطر الرياضية وخصائص كل نشاط رياضي‪ ،‬وبالتالي ال يخرج مفهوم العقد الرياضي عن مفهوم‬

‫‪62‬‬
‫‪2023‬‬

‫والعتبارالعقد بأنه رياض ي‪ 111،‬هناك ثلث معايير‪ :‬المعيارالشخص ي وطبقا له يعد العقد‬
‫رياضيا إذا قام بإبرامه شخص رياض ي أيا كان محل العقد ومهما كانت طبيعته‪ ،‬وهناك المعيار‬
‫الموضوعي‪ ،‬وطبقا له يعد العقد رياضيا إذا كان محله عمل رياضيا متمثل إما في لعبة رياضية‬
‫أو عمل غرضه وهدفه رياض ي‪ ،‬وأخيرا هناك المعيارالطبيعي ومفاده أن العقد يعتبررياضيا إذا‬
‫ي ذلك‪112.‬‬ ‫كانت طبيعته تقتض‬

‫وبغض النظر عن مدى توفق هذه المعايير في تحديد مفهوم العقد الرياض ي‪ ،‬فإن‬
‫التساؤل المثارهو‪ :‬من هو الرياض ي؟‬

‫إنه بالرجوع إلى المادة ‪ 51‬من القانون ‪ 30.06‬المتعلق بالتربية البدنية والرياضة‪ ،‬نجدها‬
‫تنص على أنه‪" :‬تمنح صفة رياض ي هاوي أو محترف للرياضيين الممارسين لألنشطة البدنية‬
‫والرياضية‪ ،‬من لدن الجامعة المعنية‪ ،‬وفقا للتعاريف المنصوص عليها في المادة األولى من هذا‬
‫القانون ولألنظمة العامة للجامعات الرياضية" وبالعودة إلى المادة األولى من نفس القانون‬
‫نجدها تنص على أن‪" :‬الرياض ي هو كل العب أو ممارس رياض ي يزاول نشاطا رياضيا بدنيا أو‬
‫ذهنيا" كما عرفت الرياض ي املحترف بأنه‪" :‬كل رياض ي أو كل إطار رياض ي يمارس أو يؤطر مقابل‬
‫أجربصفة رئيسية أو حصرية نشاطا رياضيا ألجل المشاركة في منافسات أو تظاهرات رياضية‪".‬‬

‫ويتميزالعقد الرياض ي بعدة خصائص منها‪ ،‬أنه عقد رضائي كقاعدة عامة يتم باإليجاب‬
‫والقبول‪ ،‬وبالتالي فهو عقد ملزم لجميع أطر افه‪ ،‬كما أنه عقد معاوضة فيه أخد وعطاء أو‬
‫مقابل‪ ،‬وهو عقد مستمر‪ ،‬فالمدة فيه عنصرجوهري‪ ،‬وأخيرا فإن العقود الرياضية التي يبرمها‬
‫اللعبون مع النوادي تعد من عقود اإلذعان‪ ،‬إذ يذعن الرياضيون لشروط النادي أو غيره‪،‬‬

‫العقد بصفة عامة كما هو في القانون المدني لكن شريطة أن يأتي وفق الشكليات التي حددتها اإلدارة الرياضية المعنية في العقد النموذجي‪ .‬أنظر في هذا الصدد‪ :‬موسي محمد وآخرون‪،‬‬
‫العقد الرياضي النموذجي‪ ،‬مقال منشور بموقع‪ www.maroclaw.com :‬تم االطالع بتاريخ‪ ،6119/11/11 :‬على الساعة‪.12h30 :‬‬
‫‪ 111‬يعرف موضوع العقود الرياضية بالمغرب مجموعة من اإلشكاالت‪ ،‬تتلخص في اعتماد رخصة الجامعة كآلية للتحايل على العقد‪ ،‬وغياب تسجيل العقود بالجامعة‪ ،‬وإمضاء العقود من‬
‫طرف واحد‪ ،‬وعدم حصول الالعبين على نسخ العقود‪ ،‬ثم غياب القانون الداخلي لألندية‪ .‬أنظر في هذا الصدد‪ :‬المتقي عبد اإلله‪ ،‬عقود الالعبين‪ ...‬عيوب وثغرات وتحايل‪ ،‬مقال منشور‬
‫على الموقع‪ assabah.ma :‬بتاريخ‪ 2 :‬شتنبر ‪ ،6111‬تم االطالع بتاريخ‪ ،6119/11/11 :‬على الساعة‪.15h15 :‬‬
‫‪ 112‬معزيز عبد الكريم‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪ 625‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪2023‬‬

‫المسبقة للتعاقد معه‪ ،‬ومع ذلك فإن التفاوض في العقد الرياض ي أمر قائم‪ 113،‬فضل عن أن‬
‫هناك من كيفه بأنه عقد عمل ذو طبيعة خاصة‪114.‬‬

‫وبالرجوع إلى الفصل ‪ 59‬من القانون أعله‪ ،‬نجده يشدد على الجمعيات والشركات‬
‫الرياضية حينما تقوم باالستغلل التجاري لفائدتها أو لفائدة مسانديها للصورة الجماعية لفرق‬
‫أو للرياضيين‪ ،‬أن يتم ذلك بعقود رياضية‪ ،‬ويجب تبعا لذلك دفع جزء من مداخيل ذلك‬
‫االستغلل التجاري للفرق أو الرياضيين أو األطر الرياضية المعنية بالعقد‪ .‬وتحدد شروط‬
‫االستغلل التجاري بالعقد الرياض ي وفقا لشروط المادة ‪ 14‬من نفس القانون‪ ،‬وال يمكن‬
‫للرياضيين تبعا لذلك تفويت صورتهم الفردية إلى أحد المنافسين للطرف الثاني للعقد‪ ،‬أو أن‬
‫يرتبطوا بعدة عقود عن نفس الفترة‪.‬‬

‫كما أنه جدير بالذكر أن مشرع القانون ‪ 30.06‬يعاقب بغرامة من ‪ 50.000‬إلى ‪100.000‬‬
‫درهم الجمعيات الرياضية أو الشركات الرياضية أو المؤسسات الخاصة للرياضة وللتربية‬
‫البدنية أو مراكز التكوين إذا قامت بتشغيل رياضيين محترفين أو أطر رياضية محترفة دون أن‬
‫تبرم مع كل واحد منهم عقدا رياضيا‪ ،‬كما هو منصوص عليه في المادة ‪ 14‬من هذا‬
‫القانون‪(.‬المادة ‪.)2/64‬‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى أنه بجانب العقوبات التي تقررها ‪ -‬حسب كل رياضة ‪ -‬الجامعات‬
‫الملكية المنظمة للعبة في حق من ثبت تورطهم في عمليات تزوير العقود الرياضية تطبق‬
‫القواعد العامة المتعلقة بتزويراملحررات الرسمية وفقا للفصول من ‪ 351‬إلى ‪ 356‬من القانون‬
‫الجنائي‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن التطور الهائل الذي عرفته الرياضة‪ ،‬ودخولها عالم المال واألعمال‬
‫وخضوعها لقواعد الصفقات واألرباح‪ ،‬وبالنظرإلى مستوى التنافس الحاد بين األندية الرياضية‬
‫التي تحول أغلبها إلى شركات تجارية ضخمة يتم تداول أسهمها في البورصات العالمية‪ ،‬وبالنظر‬
‫إلى حجم األموال واألرباح المتحصلة من عقود الرعاية واالحتضان‪ ،‬أصبحت العقود الرياضية‬

‫‪ 113‬محمد سليمان األحمد وآخرون‪ ،‬الثقافة بين القانون والرياضة‪ ،‬مدخل فلسفي ثقافي عام في القانون الرياضي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عمان ‪ ،‬دار وائل للنشر‪،6115 ،‬ص‪.95،‬‬
‫‪ 114‬عالء الدين زياد‪ ،‬عقد العمل الرياضي‪ ،‬مذكرة التخرج لنيل شهادة الماجستير‪ ،‬تخصص‪ :‬القانون الرياضي‪ ،‬جامعة جياللي اليابس‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬سيدي بلعباس‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،6112 - 6115 :‬ص‪.55 .‬‬

‫‪64‬‬
‫‪2023‬‬

‫وخاصة عقود االحتراف مجاال واسعا لكل الممارسات المشبوهة‪ 115،‬فالرغبة في تحصيل أكبر‬
‫قدر من األرباح من جانب الشركات الرياضية‪ ،‬يقابله جشع الرياضيين اللذين يسعون بدافع‬
‫الشهرة أحيانا أو بدافع الخوف من المستقبل إلى رفع سقف المطالب المادية‪ .‬وعليه أصبحنا‬
‫نعاين عدة صور من التدليس والتزوير واإلجحاف في العقود الرياضية‪ ،‬بل وحتى التواطؤ من‬
‫أجل اإليقاع في الغلط عن طريق االحتيال‪ ،‬ومن أهم صور االخلالت المتعلقة بعقود الرياضة‬
‫خاصة االحتر افية منها نذكرعلى سبيل المثال‪:‬‬

‫‪ o‬التزوير في مدة العقد االحترافي‪ ،‬حيث تستعمل المدة الزائدة عن المدة األصلية في‬
‫ابتزازالرياض ي لدفعه إلى التنازل عن مستحقاته في حالة عدم الرغبة في تجديد العقد‪.‬‬

‫‪ o‬التصريح الكاذب بقيمة العقد الرياض ي قصد تسهيل عملية التهرب الضريبي‪.‬‬

‫‪ o‬الترويج الكاذب لعقود احتراف أو رعاية وهمية بغية رفع قيمة الرياض ي في سوق‬
‫االنتقاالت‪.‬‬

‫‪ o‬عمليات النصب واالحتيال الممارسة من بعض وكلء الرياضيين املحترفين‪.‬‬

‫‪ o‬عدم تمكين الرياض ي املحترف من ما يسمى "بالبطاقة الدولية" قصد التعاقد مع‬
‫طرف آخر وذلك بنية االبتزاز‪.‬‬

‫‪ o‬تنظيم بعض المنافسات الرياضية بمقتض ى العقود المبرمة على أساس أنها خيرية في‬
‫حين أنها تكون تجارية وذلك قصد االستئثارباألرباح‪.‬‬

‫‪ o‬التزويرفي سن الرياضيين‪ ،‬أو في بعض وثائقهم الشخصية الرسمية‪.‬‬

‫‪ o‬توقيع مجموعة من العقود الرياضية من طرف نفس الرياض ي لنفس الفترة‪.‬‬

‫‪ o‬ادعاء صفة رياض ي "دو مستوى عالي" المنظمة قانونا‪ ،‬قصد إبرام عقود بشروط‬
‫مادية مرتفعة‪.‬‬

‫‪ 115‬محمد سليمان أحمد‪ ،‬الوضع القانوني لعقود انتقال الالعبين المحترفين‪ ،‬عمان‪ ،‬دار الثقافة‪،6111 ،‬ص‪.18 ،‬‬

‫‪65‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ o‬إخفاء بعض األمراض غير العضوية الصعبة التشخيص أو إظهار مزايا غير حقيقية‬
‫من طرف وكلء الرياضيين بغرض التدليس‪.‬‬

‫إن القائمة تبقى طويلة‪ ،‬ذلك أن التطورالتكنولوجي وسرعة النمو االقتصادي جعل من‬
‫الرياضة والرياضيين سلعة تجارية تخضع لميكانزمات السوق وتتأثر باألساليب الملتوية‬
‫واالحتيالية السائدة‪ ،‬وتبقى المقاربة الزجرية لشل هذه الظاهرة المتفشية في عالم الرياضة‪،‬‬
‫والتي قد تصل إلى السجن والغرامات الباهظة‪ ،‬غير كافية لكبح جماح هذه االخلالت‪ ،‬ويبقى‬
‫السبيل هو التوعية واليقظة االجتماعية والرجوع باألساس إلى جوهر الرياضة كوسيلة نبيلة‬
‫غايتها الترويح والتهذيب والتقارب بين األفراد والجماعات‪.‬‬

‫‪ )2‬التلعب في نتائج المباريات الرياضية‪:‬‬

‫بالنظر إلى أهمية المسابقات الرياضية على اختلف أنواعها‪ ،‬وما تدره من أموال سواء‬
‫من عائدات بيع حقوق البث التلفزيوني أو عقود الدعاية واإلشهار‪ ،‬أصبحت هذه المسابقات‬
‫ساحة للمراهنات بامتياز‪ ،‬وإذا كانت ثقافة المراهنات قد غزت جميع املجاالت فإن الرياضة‬
‫تعتبر اليوم أهم سوق للمراهنات نظرا لكثرة المسابقات الرياضية وتنوعها وغرابتها أحيانا‪،‬‬
‫ونظرا إلمكانية التلعب في نتائجها ما دام األمر متوقفا على إرادة أفراد بعينهم يتحكمون في‬
‫النتائج ويمكنهم تغيير مجرياتها في كل وقت وحين‪ .‬ولذلك نجد اليوم أن حاالت الفساد المالي‬
‫واإلداري أصبحت مرتبطة بالتلعب بنتائج المباريات الرياضية‪ ،‬وقد شهد مبالغ المراهنات‬
‫المالية على المباريات الرياضية زيادة كبيرة في السنوات األخيرة‪ ،‬كما يسراستخدام االنترنت إلى‬
‫حد كبير في إمكانية المراهنة على المباريات في جميع أنحاء العالم‪ ،‬ونظرا إلمكانية تحقيق أرباح‬
‫كبيرة والخطرالضئيل لكشف التلعب‪ ،‬بات هذا األخيرأكثرجذبا للمجرمين وعصابات الجريمة‬
‫المنظمة‪ ،‬وغسل األموال‪ ،‬حيث األرقام بالمليارات‪ ،‬إذ أنه تضخ ثلثة مليين دوالر يوميا من‬
‫األموال للمراهنات في مجال مباريات كرة القدم وحدها‪116 .‬‬

‫وتتركز أهم شبكات التلعب في نتائج المباريات في أوربا‪ ،‬حيث تسخر شركات التحويل‬
‫السريع لألموال للقيام بنقل الرشاوى إلى شتى أنحاء العالم‪ ،‬هذه الرشاوى التي تصل إلى حد‬

‫‪ 116‬نشرة األنتربول‪ ،‬األمانة العامة‪ ،‬النزاهة في مجال الرياضة‪ ،‬التوعية بالفساد في كرة القدم وزيادة فهمه‪ ،6116 ،‬ص ‪.6‬‬

‫‪66‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ 100.000‬يورو للمباراة الواحدة‪ ،‬سواء كان المتلقي العبا رياضيا أو حكما أو مسؤوال إداريا في‬
‫البعثة المستهدفة‪ 117،‬ولعل أهم مثال على هذه الفضائح ما أسفر عنه التحقيق الذي باشرته‬
‫منظمة "اليوروبول" والذي أسفر على كشف التلعب في نتائج أكثر من ‪ 390‬مباراة في أوربا‬
‫وحدها‪ ،‬و‪ 300‬مباراة أخرى في كل من افريقيا وأسيا وأمريكا الجنوبية والوسطى‪ ،‬وتعتبرمقابلت‬
‫تصفيات كأس العالم وكأس أوربا من أهم المباريات الرياضية المستهدفة ألنها تستأثر بمتابعة‬
‫جماهيرية كاسحة‪ 118،‬وقبل ذلك تفجرت فضيحة "الكالشيوبولي" في ايطاليا‪ ،‬كما أن سنة ‪2012‬‬
‫وحدها عرفت توقيف ‪ 63‬العبا في تركيا‪ ،‬و‪ 100‬في زمبابوي‪ ،‬وفي كوريا الجنوبية أقدم مدرب‬
‫ومجموعة من اللعبين على االنتحارعقب إدانتهم بالتلعب بنتائج مباريات البطولة االحتر افية‪،‬‬
‫كما أدين وعوقب بالسجن في الصين أزيد من ‪ 10‬العبا وحكما ومدربا ومسؤوال محليا على نفس‬
‫الممارسات أعله‪ 119،‬وما يقال عن كرة القدم يقال عن كرة اليد كفضيحة التلعب في نتائج‬
‫بطولة كرة اليد الفرنسية العام سنة ‪ ،2011‬وكذلك في بطولة محترفي كرة السلة األمريكية‬
‫‪ ،NBA‬وكافة أصناف الرياضات عبرالعالم سواء تعلق األمربالرياضة الهاوية أو االحتر افية‪.‬‬

‫وفي أواخر شهر ماي ‪ 2015‬ألقت الشرطة السويسرية القبض على ‪ 7‬مسؤولين كبار من‬
‫قادة االتحاد الدولي لكرة القدم ‪ FIFA‬في مدينة زيوريخ بسبب تورطهم في قضايا فساد ورشوة من‬
‫قبل بعض الدول للحصول على شرف تنظيم كأس العالم‪ ،‬و أيضا غسيل األموال بناء على طلب‬
‫من مكتب التحقيقات الفيدرالي األمريكي‪.‬‬

‫والمغرب ال يشكل استثناء من هذه الظاهرة‪ ،‬حيث ظهرت على الساحة الوطنية مؤخرا ‪-‬‬
‫وليست القضية األولى ‪ -‬قضية التلعب بمباريات البطولة الوطنية االحتر افية "اتصاالت‬
‫المغرب"‪ ،‬حيث طفت على سطح األحداث الكروية ببلدنا شبهة التلعب بنتيجة مباراة الكوكب‬

‫‪ 117‬على أنه ليست الرشاوى هي الوسيلة الوحيدة للضغط واستمالة هؤالء‪ ،‬بل نجد كذلك استعمال السلع الباهظة الثمن أو الخدمات الجنسية أو التهديد باستعمال العنف‪.‬‬
‫‪ 118‬لعل المثال األبرز لهذه المراهنات نجد المقامر السنغافوري الشهير ويلسون بيرومال‪ ،‬الذي اعترف في مقابلة مع شبكة »سي إن إن» األمريكية أنه جني بين ‪ 5‬و‪ 2‬ماليين دوالر من‬
‫خالل التأثير والتالعب في حوالي ‪ 111‬مباراة دولية سواء في الدورات األوليمبية أو تصفيات كأس العالم وكأس أمم أفريقيا وغيرها من المحافل الرياضية الكبرى‪.‬‬
‫أسس بيرومال شركات وهمية مثل »‪ »football4U‬بهدف إغراء العديد من االتحادات األهلية والكثير من األندية مما ضمن له تحقيق مبالغ خيالية‪ ،‬كما استطاع إبرام عدة عقود وهمية‬
‫مع عدة اتحادات مثل جنوب أفريقيا وبوليفيا إلقامة مباريات ودية يرتبها بنفسه ويحدد نتائجها‪ ..‬ولم يكتف بيرومال بذلك فقد اعترف بأنه أحيانا يختار الحكام واختيار المالعب وتأجيرها‬
‫ليوم كامل باسم هذه الشركات الوهمية التي يطلقها‪ .‬أنظر‪ :‬قنديل محمد‪ ،‬المراهنات‪ ..‬بزنس بال رقيب‪ ،‬مقال منشور بموقع‪ akhbarelyom.com :‬تم االطالع بتاريخ‪:‬‬
‫‪ ،6119/11/19‬على الساعة‪.11.61 :‬‬
‫‪ 119‬الموقع اإللكتروني‪ www.reuters.com/article/sport :‬اطالع يوم‪ 6119/11/11 :‬على الساعة‪ 15،61 :‬ليال‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪2023‬‬

‫المراكش ي ويوسفية برشيد‪ ،‬بشكل اعتبره نادي المغرب التطواني مشينا وخادشا بسمعة الكرة‬
‫الوطنية‪.‬‬

‫ومما سبق‪ ،‬فإن أخطر األمراض التي أصبح يخش ى معها على مجال الرياضة وصيرورتها‬
‫وسمعتها عموما‪ ،‬هو تغلغل الجريمة المنظمة‪ 120‬والتي مثلنا لها بتحكم مافيا المراهنات والقمار‬
‫عبرالعالم في نتائج مباريات ومنافسات رياضية عالمية‪ ،‬ولعل هذا الخطر هو الذي دفع بالفيفا‬
‫وهي أعلى هيئة دولية تتولى تسيير شؤون الرياضة األكثر شعبية في العالم وهي كرة القدم‪،‬‬
‫وبشراكة مع األنتربول إلى إطلق برنامج عالمي يركز على المراهنات النظامية وغير النظامية‬
‫وعلى التلعب بنتائج المباريات‪ ،‬وذلك لتحقيق أمرين هامين‪:‬‬

‫‪ ‬تعليم وتدريب الجهات الفاعلة الرئيسية في اللعبة‪ ،‬على كيفية تحديد‬


‫محاوالت إفساد المباريات أو التلعب بنتائجها ومقاومتها واإلبلغ عنها‪.‬‬

‫‪ ‬العمل على إعداد أجهزة إنفاذ القانون للتحقيق والتعاون في القضايا‬


‫المتصلة بالفساد والتلعب بنتائج المباريات‪ ،‬وألجل ذلك تم إحداث‬
‫الوحدة المعنية بالنزاهة في الرياضة في مقراألمانة العامة لألنتربول بمدينة‬
‫ليون الفرنسية‪ ،‬وهذه الوحدة التي تلقت مؤخرا أكبر هبة مالية تقدم‬
‫لمنظمة أمنية من طرف الفيفا والتي بلغت ‪ 20‬مليون يورولتنفيذ برنامجها‬
‫الطموح على مدى عشر سنوات‪121 .‬‬

‫وال تقتصر الجهود الدولية على هذه الشراكة والبرامج‪ ،‬بل توجد مجموعة من الهيئات‬
‫مختلفة المناهل ومتنوعة التخصصات‪ ،‬غيرأن جلها إن لم نقل كلها تعمل في فلك المرجعيات‬
‫الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد بشكل عام‪ ،‬كاتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة‬
‫‪ 122،2003‬والتوصيات مؤتمرالدول األطراف في االتفاقية السالفة الذكرالمنعقد بفيينا أيام ‪22‬‬

‫‪ 120‬جراء اعتبارات ذات طبيعة اقتصادية وسياسية وحتى اجتماعية لم تستطع الدول على حصر مفهوم الجريمة المنظمة في تعريف جامع مانع‪ ،‬لهذا نجد جل التشريعات تخلو من تعريف‬
‫هذه الجريمة‪ ،‬لكن هذا ال يمنع من ذكر التعاريف التي وضعها الفقه‪ ،‬ومنها‪" :‬أنها تلك الجريمة التي ترتكب من تنظيم إجرامي هيكلي يتكون من شخصين فأكثر تحكمه قواعد معينة‬
‫أهم ها قاعدة الصمت‪ ،‬ويعمل هذا التنظيم بشكل مستمر لفترة غير محددة ويعبر نشاطه حدود الدول‪ ،‬ويسعى للحصول على الربح المادي‪ ".‬جهاد محمد البريزات‪ ،‬الجريمة‬
‫المنظمة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬اعمان – ألردن‪ ،‬دار الثقافة‪ ،6118 ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ 121‬نشرة األنتربول‪ ،‬األمانة العامة‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪ 2 ،‬و‪.5‬‬
‫‪ 122‬لقد وقعت المملكة المغربية على اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد في ‪ 11‬أكتوبر ‪ ،6111‬ثم صادقت عليها في ‪ 9‬ماي ‪ ،6111‬الجريدة الرسمية عدد‪ ،5592 :‬بتاريخ ‪8‬‬
‫محرم ‪ 11( 1269‬يناير ‪ ،)6118‬ص ‪.111‬‬
‫كما وقعت المملكة على االتفاقية العربية لمكافحة الفساد بتاريخ ‪ 61‬دجنبر ‪ ،6111‬الجريدة الرسمية عدد‪ ،2668 :‬بتاريخ ‪ 2‬ربيع اآلخر ‪ 2( 1215‬فبراير ‪ ،)6112‬ص ‪.121‬‬

‫‪68‬‬
‫‪2023‬‬

‫إلى ‪ 24‬غشت ‪ ،2011‬والذي تمحور حول موضوع النزاهة في املجال الرياض ي‪ ،‬وينضاف إلى ذلك‬
‫توصيات المؤتمر الدولي السادس للوزراء وكبار الموظفين المسؤولين عن التربية البدنية‬
‫والرياضة والتابع لمنظمة األمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة المنعقد بتاريخ ‪/10 /16 :‬‬
‫‪ ،2017‬أكدت على ضرورة التزام السلطات الوطنية والهيئات الحكومية وغير الحكومية المعنية‬
‫بالرياضة من بحث جميع جوانب النزاهة في الرياضة بطريقة فعالة‪.‬‬

‫ومن جملة هذه الهيئات نجد املجلس الدولي لألمن الرياض ي ‪ 123،ICSS‬والمنظمة الدولية‬
‫للنزاهة الرياضية ‪ 124،SIGA‬وكذا االتحاد الدولي لكرة القدم ‪125.FIFA‬‬

‫أما على الصعيد الوطني فقد بدلت الهيئات المكلفة بتدبيرالشأن الرياض ي جهودا حثيثة‬
‫في هذا الصدد‪ ،‬أمل منها في تطويرالعرض الرياض ي وخلق جومن المنافسة الشريفة‪ ،‬وهي جهود‬
‫ال تنفصل عن الجهود العامة التي تبدلها الدولة في مكافحة الفساد بشكل عام‪ ،‬حيث أصبحت‬
‫للمملكة استراتيجية وطنية ملحاربة الفساد ‪ 2025 - 2011‬كترجمة اللتزاماتها الدولية في هذا‬
‫اإلطار‪ ،‬كما أن دستور‪ 2011‬نص في الفصلين ‪ 31‬و‪ 117‬منه على إحداث "الهيئة الوطنية للنزاهة‬
‫والوقاية من الرشوة"‬

‫و انسجاما مع التزاماته الدولية نص الفصلين ‪ 31‬و‪ 117‬من دستور المملكة على إحداث‬
‫هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة التي تقوم بمهام المبادرة والتنسيق واالشراف وضمان‬
‫تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد‪ ،‬وتلقي ونشر المعلومات في هذا املجال‪ ،‬وكذا المساهمة‬
‫في تخليق الحياة العامة‪ ،‬وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬وثقافة المرفق العام ‪ ،‬وقيم المواطنة‬
‫المسؤولة وقد صدر بشأن تنظيمها وأليات اشتغالها وكذا عضويتها‪ ،‬القانون التنظيمي رقم‬

‫‪ 123‬هي منظمة غير ربحية‪ ،‬ليست لها أي توجهات أو ارتباطات خاصة أو حكومية‪ ،‬وتهدف إلى أن تصبح مركزا عالميا للخبرة‪ ،‬وبوصفه مركزا دوليا مقره بالدوحة‪ ،‬بقطر‪ ،‬يعمل المركز مع‬
‫ج ميع األشخاص المسؤولين عن األمن الرياضي‪ ،‬والسالمة والنزاهة‪ ،‬وتشمل قائمة عمالئه وشركائه وأصحاب المصلحة الرئيسيين مثل منظمي الفعاليات والحكومات والدول المرشحة‪،‬‬
‫والجهات المالكة للبنية التحتية‪ ،‬والجمعيات الرياضية‪ ،‬والبطوالت واألندية‪ .‬للتعرف أكثر على هذا المركز أنر الموقع التالي‪/http://www.theicss.org :‬‬
‫‪ 124‬تأسست المنظمة الدولية للنزاهة الرياضة سنة ‪ 6111‬بلندن‪ ،‬ومقرها بجنيف بسويسرا كأول منظمة دولية في العالم تعنى بالنزاهة في الرياضة‪ ،‬وتم إدراجها كمؤسسة مستقلة وفقا‬
‫للقانون السويسري‪ ،‬وتهتم هذه المنظمة بكل ما يتعلق بالنزاهة في الرياضة عبر ثالث محاور رئيسية وهي‪ :‬الحوكمة الجيدة التي تستند على معايير مبادرة النزاهة والشفافية في الرياضة والتي‬
‫تتضمن أعلى المعايير من حيث الديمقراطية والشفافية والمسائلة والتمثيل الحقيقي للشركاء وأصحاب ا لمصالح في عمليات صناعة القرار باالتحادات والمؤسسات الرياضية المختلفة‪،‬‬
‫وكذلك النزاهة المالية وذلك وفقا لتوصيات منتدى النزاهة المالية في الرياضة ‪ ،‬بما في ذلك االلتزام بالرقابة الشاملة والتوافق مع المعايير‪ .‬باإلضافة إلى النزاهة الرياضية وهو الجانب الذي‬
‫يشمل م كافحة التالعب في نتائج المباريات والمراهنات غير المشروعة من خالل تطبيق قواعد ومبادئ الدليل الصادر عن البرنامج المشترك بين جامعة باريس السوربون والمركز الدولي‬
‫لألمن الرياضي‪.‬‬
‫‪ 125‬هي الهيئة المنظمة للعبة كرة القدم في العالم‪ ،‬تأسست في ‪ 61‬ماي ‪ ،1912‬في باريس‪ ،‬ويقع مقرها بمدينة زيوريخ السويسرية‪ ،‬وتظم ‪ 611‬من اتحادات كرة القدم في العالم‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫الموسوعة الحرة‪ :‬ويكيبيديا‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ 113.12‬بتاريخ ‪ 2‬يوليوز ‪ 126.2015‬ولتفعيل هذه االستراتيجية تم إحداث اللجنة الوطنية‬


‫لمكافحة الفساد على مستوى رئاسة الحكومة بتاريخ ‪127.2017/11/2 :‬‬

‫أما على مستوى الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فهناك مجهودات تبدل في هذا‬
‫ّ‬
‫املجال وإن كانت على قلتها لكنها محمودة‪ ،‬إذ أنه من جملة أهداف الجامعة الملكية لكرة القدم‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 5‬من نظامها األساس ي منع الطرق والممارسات التي من شأنها أن‬
‫تلحق ضررا بنزاهة المنافسات أو اللعبين الرسميين واألعضاء أو التي تتسبب في إحداث‬
‫تجاوزات في كرة القدم وكذا اتخاذ التدابير الوقائية اللزمة‪.‬‬

‫و انسجاما مع أهدافها في هذا املجال‪ ،‬وكذا تفعيل للوائح ودوريات االتحاد الدولي لكرة‬
‫القدم في مجال حماية النزاهة الرياضية‪ ،‬تضمنت المدونة التأديبية للجامعة الملكية لكرة‬
‫القدم نصوصا تجرم وتعاقب األفعال النافية للقيم الرياضية من قبيل الرشوة المنصوص‬
‫عليها وعلى عقوبتها من خلل الفص ‪ ،66‬ثم فعل التأثير غير المشروع على نتائج المباريات من‬
‫خلل الفصل ‪ ،100‬وكذا تجريم الغش الرياض ي من خلل الفصل ‪ ،101‬ثم تجريم فعل تزوير‬
‫ورقة المباراة من خلل الفصل ‪ ،102‬تم تجريم تعاطي المنشطات من خلل الفصل ‪ 103‬من‬
‫القانون التأديبي للجامعة‪ 128.‬وزيادة على هذا يمكن تطبيق العقوبات المقررة لجريمة الرشوة‬
‫في مجموعة القانون الجنائي (الفصلين ‪ 249‬و‪.)246‬‬

‫ويطرح التلعب بنتائج المباريات تهديدا أوسع نطاقا أيضا‪ ،‬إذ يستخدم املجرمون األموال‬
‫أي وقت مض ى‪ ،‬وضع‬ ‫المتأتية منه في أنشطة غير مشروعة أخرى‪ .‬وبات من المهم‪ ،‬أكثر من ّ‬
‫استراتيجيات منسقة لمنع التلعب بنتائج المباريات عن طريق إشراك الجهات المعنية على‬
‫كل من الصعيد الوطني واإلقليمي والدولي‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫‪ 126‬ظهير شريف رقم ‪ 1.15.25‬صادر في ‪ 61‬شعبان ‪9( 1212‬يونيو ‪ )6115‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 111.16‬المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها‪ .‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد‪ ،2112 :‬بتاريخ ‪ 15‬رمضان ‪ 6( 1212‬يوليوز ‪ ،)6115‬ص ‪.2115‬‬
‫‪ 127‬مرسوم رقم ‪ 6.11.622‬صادر في ‪ 68‬من رمضان ‪ 61( 1218‬يونيو ‪ )6111‬بإحداث اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد‪ .‬الجريدة الرسمية عدد‪ 2586، :‬بتاريخ ‪ 2‬شوال ‪1218‬‬
‫(‪ 69‬يونيو ‪ ،)6111‬ص ‪.1858‬‬
‫‪ 128‬وقد خرج للوجود قانون محاربة تعاطي المنشطات في مجال الرياضة سنة ‪ .6111‬ظهير شريف رقم ‪ 1.11.62‬صادر في ‪ 8‬ذو الحجة ‪ 11( 1218‬أغسطس ‪ )6111‬بتنفيذ‬
‫القانون رقم ‪ 91.16‬المتعلق بمكافحة تعاطي المنشطات في مجال الرياضة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد‪ ،2212 :‬بتاريخ‪ 61 :‬ذو الحجة ‪ 1218‬الموافق ل ‪ 12‬شتنبر ‪ ،6111‬ص ‪.5128‬‬

‫‪71‬‬
‫‪2023‬‬

‫إنه أمام استفحال ظاهرة اإلجرام في الوسط الرياض ي تعالت األصوات إلعادة النظر في‬
‫الطبيعة التنافسية للرياضة‪ ،‬بعد أن تحولت أغلب المنافسات الرياضية إلى صراع مرير قد‬
‫يتخطى كل القيم البشرية‪ ،‬واستعانت بأساليب أبعد ما تكون من قيم الرياضة األصلية كالعنف‬
‫والعدوان‪ ،‬والغش وتعاطي المنشطات‪ ،‬وتقديم الرشاوى للمسؤولين والرسميين والرياضيين‪،‬‬
‫األمر الذي أصبح ينذر بتقويض نظام الرياضة بكامله‪ .‬فهل أصبحنا ملزمين بتقبل منطق‬
‫البيزنس الرياض ي؟‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫الكتب‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫بلحاج العربي‪ ،‬النظرية العامة لللتزام في القانون المدني الجزائري‪ ،‬ط ‪،1‬ج‪،2‬‬ ‫‪‬‬
‫ديوان المطبوعات الجامعية‪.‬‬

‫مات فيف‪ ،‬أساسيات التربية البدنية‪ ،‬دون ذكر الطبعة‪ ،‬موسكو ‪ ،‬دار النشر‬ ‫‪‬‬
‫التقدم‪ ،1691 ،‬ترجمة أمين أنور الخولي‪ ،‬ص‪.9 ،‬‬

‫محمد سليمان أحمد‪ ،‬الوضع القانوني لعقود انتقال اللعبين املحترفين‪ ،‬دار‬ ‫‪‬‬
‫التفافة‪ ،‬عمان‪.2001 ،‬‬

‫محمد سليمان األحمد وآخرون‪ ،‬الثقافة بين القانون والرياضة‪ ،‬مدخل فلسفي‬ ‫‪‬‬
‫ثقافي عام في القانون الرياض ي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار و ائل للنشر‪ ،‬عمان‪،2005،‬‬

‫محمد علي محمد‪ ،‬وقت الفراغ في املجتمع الحديث‪ ،‬دارالمعرفة‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.1691‬‬

‫القوانين والمواثيق الدولية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫النظام األساس ي للجامعة الملكية لكرة القدم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫القانون التأديبي للجامعة الملكية لكرة القدم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪71‬‬
‫‪2023‬‬

‫اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد‪ ،5561 :‬بتاريخ‬ ‫‪‬‬
‫‪ 9‬محرم ‪ 17( 1426‬يناير ‪ ،)2009‬ص ‪.133‬‬

‫ظهير شريف رقم ‪ ،1.11.39‬الصادر في ‪ 26‬من جمادى اآلخرة ‪ 1432‬المو افق ل‬ ‫‪‬‬
‫‪ 2‬يونيو ‪ ،2011‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 06.06‬المتعلق بالعنف المرتكب أثناء المباريات أو‬
‫التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها‪ ،‬والمتمم ملجموعة القانون الجنائي‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ ،5651‬الصادرة بتاريخ ‪ 27‬رجب ‪ 1432‬المو افق ل ‪ 30‬يونيو ‪ ،2011‬ص ‪.3091‬‬

‫ظهيرشريف رقم ‪ 1-10-150‬صادرفي ‪ 13‬من رمضان ‪ 24( 1431‬أغسطس ‪)2010‬‬ ‫‪‬‬


‫بتنفيذ القانون رقم ‪ 30-06‬المتعلق بالتربية البدنية والرياضة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪،5995‬‬
‫الصادرة بتاريخ ‪ 11‬ذو القعدة ‪ 25( 1431‬أكتوبر ‪ ،)2010‬ص ‪.4905‬‬

‫ظهير شريف رقم ‪ 1.15.15‬صادر في ‪ 21‬شعبان ‪6( 1431‬يونيو ‪ )2015‬بتنفيذ‬ ‫‪‬‬


‫القانون رقم ‪ 113.12‬المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها‪ .‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد‪ ،1374 :‬بتاريخ ‪ 15‬رمضان ‪ 2( 1431‬يوليوز ‪ ،)2015‬ص ‪.1075‬‬

‫مرسوم رقم ‪ 2.17.214‬صادر في ‪ 29‬من رمضان ‪ 23( 1439‬يونيو ‪)2017‬‬ ‫‪‬‬


‫بإحداث اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد‪ .‬الجريدة الرسمية عدد‪ 1592، :‬بتاريخ ‪ 4‬شوال ‪1439‬‬
‫(‪ 26‬يونيو ‪ ،)2017‬ص ‪.3959‬‬

‫القانون المدني الجزائري‪ ،‬األمر رقم ‪ 59 - 75‬المؤرخ في ‪ 20‬رمضان من عام‬ ‫‪‬‬


‫‪ 1365‬المو افق ل ‪ 21‬سبتمبر‪ ،1675‬المتضمن للقانون المدني‪ ،‬المعدل والمتمم‪.‬‬

‫المقاالت‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫أمين أنور الخولي‪ ،‬الرياضة واملجتمع‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬عدد ‪ ،211‬الكويت‪،‬‬ ‫‪o‬‬
‫دجنبر‪.1661‬‬

‫معزيزعبد الكريم‪ ،‬العقد والتأمين والتعويض في املجال الرياض ي‪ ،‬مجلة العلوم‬ ‫‪o‬‬
‫اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬يناير ‪.2012‬‬

‫‪72‬‬
‫‪2023‬‬

‫رعد أدهم عبد الحميد‪ ،‬ريبر حسين يوسف‪ ،‬التأمين عن االصابات الجسدية‬ ‫‪o‬‬
‫للرياض ي املحترف ‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،‬مجلة جامعة تكريت للحقوق‪ ،‬السنة ‪ ،9‬املجلد ‪ ،3‬العدد ‪،26‬‬
‫‪.2011‬‬

‫خليفة طالب بهبهاني‪ ،‬دور وسائل اإلعلم في الحد من شغب الملعب الرياضية‪،‬‬ ‫‪o‬‬
‫مداخلة ضمن ندوة‪ :‬األمن الرياض ي تحت عنوان‪ :‬شغب الملعب وأساليب مواجهته‪ ،‬التي‬
‫نظمها مركز الدراسات والبحوث‪ ،‬جامعة نايف للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪.2004 ،‬‬

‫الرسائل واألطروحات‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫سعد سعيد الزهراني‪ ،‬سيكولوجية العنف والشغب لدى الجماعات‪ ،‬أبحاث‬ ‫‪‬‬
‫الندوة العلمية ـ أمن الملعب الرياضية‪ ،‬الرياض ‪ 21‬ـ ‪ ،2000 /1 / 27‬جامعة نايف العربية‬
‫للعلوم األمنية‪( ،‬تاريخ ومكان النشروالناشرغيرمذكورين)‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬

‫علء الدين زياد‪ ،‬عقد العمل الرياض ي‪ ،‬مذكرة التخرج لنيل شهادة الماجستير‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫تخصص‪ :‬القانون الرياض ي‪ ،‬جامعة جيللي اليابس‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬سيدي‬
‫بلعباس‪ ،‬الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية‪.2011 - 2015 :‬‬

‫مراد زويقات‪ ،‬جريمة شغب الملعب‪ ،‬ورقة مقدمة الستكمال لمادة علم‬ ‫‪‬‬
‫الجريمة التطبيقي‪ ،‬الفصل األول‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪،‬‬
‫العام الدراس ي ‪1421‬ـ‪.1427‬‬

‫المو اقع اإللكترونية‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫بوركبة نبيل‪ ،‬قراءة في القانون رقم ‪ 06.06‬المتعلق بالعنف المرتكب في‬ ‫‪‬‬
‫المباريات والتظاهرات الرياضية‪ ،‬مقال منشور بموقع‪ marocdroit.com :‬تم االطلع يوم‪:‬‬
‫‪ ،2016/10/01‬على الساعة‪.16h30 :‬‬

‫قنديل محمد‪ ،‬المراهنات‪ ..‬بزنس بل رقيب‪ ،‬مقال منشور بموقع‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫‪ akhbarelyom.com‬تم االطلع بتاريخ‪ ،2016/11/06 :‬على الساعة‪.00.27 :‬‬

‫‪73‬‬
‫‪2023‬‬

‫النظام األمني داخل المؤسسات السجنية بالمغرب‬


‫‪The security system inside prison institutions in Morocco‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫استطاعت الحركات الحقوقية من خلل نشاطها المتمثل في الدفاع عن حقوق االنسان‬
‫داخل املجتمعات العربية أن تكرس لثقافة جديدة فيما يخص حقوق االنسان‪ ،‬بحيث كان‬
‫للحركة الحقوقية أثر كبير في تعزيز مسار حقوق االنسان على مستويين‪ ،‬بحيث يتمثل األول في‬
‫الضغط نحو دفع السلطة في المغرب إلى المصادقة على الكثير من المعاهدات واالتفاقيات‬
‫الدولية ذات الصلة بحقوق االنسان‪ ،‬وإصلح وسن مجموعة من التشريعات انسجاما مع‬
‫التحوالت املجتمعية والتطورات الدولية في هذا الشأن‪ ،‬ويرتبط الثاني بترسيخ ثقافة حقوق‬
‫االنسان في أوساط املجتمع‪.‬‬

‫ومن البديهي أن مفهوم األمن كان قاصرا على األمن العسكري وفقط‪ ،‬إال أنه أصبحنا في‬
‫الحاضرأمام مفاهيم أمنية جديدة خاصة األمن داخل السجون و ما يتطلبه من حيطة و يقظة‬
‫في كل لحظة أو حين من قبل العاملين بالسجن‪.‬‬

‫و لما كانت األجهزة األمنية في الماض ي تحافظ على مسافة فاصلة بينها و بين المعتقلين‪،‬‬
‫فل كلم و ال سلم معهم‪ ،‬كما أن معاملتها كانت تطبعها الصرامة والحزم بل تتعداها إلى وظيفة‬

‫‪74‬‬
‫‪2023‬‬

‫قمعية يتعرض فيها المعتقلون إلى التعذيب و التنكيل امتدادا لما كانوا يتعرضون له داخل‬
‫املخافر‪ ،129‬وهوما كان ينتج عنه أن هذه األجهزة األمنية ال تصل إلى حد معرفة سكنات وحركات‬
‫المعتقلين و أفكارهم وهمومهم و تطلعاتهم‪ ،‬فقد ظهرمن يدعو إلى أن تكون هذه األجهزة األمنية‬
‫قريبة ما أمكن لهؤالء المعتقلين من أجل خلق هامش كبير من التفاعل من أجل الوصول إلى‬
‫الهدف األمني المنشود‪.‬‬

‫إن مفهوم األمن يشمل كل ما يمكن أن يخل بالسير العادي للسجن كالفرار و التمرد‪،‬‬
‫ويقصد به مجموعة من األسباب التي تهدف إلى تحقيق الطمأنينة والسكينة واالستقرار داخل‬
‫املجتمع‪ ،‬وهو مفهوم يرتبط ارتباطا وثيقا بالسلمة بمفهومها الواسع والذي يشمل سلمة‬
‫األشخاص الصح ية والبدنية والفكرية وكذا سلمة الممتلكات بما في ذلك البنايات والمعدات‬
‫واألمتعة‪ ،‬والتي أناط المشرع مهمة السهر على الحفاظ عليها للمؤسسة السجنية وباقي األجهزة‬
‫األخرى المتدخلة في هذا املجال‪.130‬‬

‫و قد نظم المشرع المغربي هذا الموضوع في المواد‪ 13‬إلى ‪ 70‬من القانون المنظم‬
‫للسجون‪ 131‬بالمغرب رقم ‪ ،69-23‬و من المادة ‪ 35‬إلى ‪ 54‬من المرسوم التطبيقي للقانون‬
‫المتعلق بتنظيم و تسييرالمؤسسات السجنية‪ ،132‬كما نظمه في المادتين ‪ 120‬و‪ 121‬من قانون‬
‫المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫لقد حاول المشرع المغربي ضبط مختلف اإلجراءات المتعلقة باملحافظة على أمن‬
‫ال مؤسسات السجنية كما عمل على تحديد اختصاصات بعض األجهزة الساهرة على تحقيق‬
‫األمن داخل هذه المؤسسة سواء تعلق األمر بأمنها الداخلي أو الخارجي‪.‬‬

‫‪ -129‬عبد الرحيم عميمي‪ ،‬سجون المغرب تتحول إلى ‪-‬مقابر‪ -‬للسجناء مقال منشور في أسبوعية المشعل المغربية و الموقع اإللكتروني‬
‫الحوار المتمدن ‪ -‬العدد‪ ،7112/10/01 – 0581 :‬منقول عن الموقع ‪.www.m.ahewar.org/s.asp?aid=90571&r=0‬‬
‫‪ -130‬موالي ادريس أكلمام‪ ،‬المحافظة على األمن داخل المؤسسات السجنية و حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬مجلة إدماج العدد ‪ ،7110 4‬ص‬
‫‪.01‬‬
‫‪ -131‬ظل المغرب يعمل بمقتضيات ظهيري ‪ 0101‬و ‪ 0101‬إلى حدود صدور قانون ‪ 15-70‬الذي يعتبره الحقوقيون قفزة نوعية في‬
‫تطور مؤسسة السجون بالمغرب‪ .‬وذلك بالنظر إلى الحقوق التي جاء بها لفائدة السجين‪.‬‬
‫‪ -132‬مرسوم رقم ‪ 7.11.458‬صادر في ‪1‬شعبان ‪0( 0470‬نونبر‪ )7111‬تحدد بموجبه كيفية تطبيق القانون رقم ‪ 70.15‬المتعلق‬
‫بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 0.11.711‬بتاريخ ‪00‬جمادى األولى ‪78(0471‬‬
‫اغسطس‪.)0111‬‬

‫‪75‬‬
‫‪2023‬‬

‫و انسجاما مع ذلك‪ ،‬تكمن أهمية هذا الموضوع في إبرازمدى ملئمة التشريعات الوطنية‬
‫في هذا املجال مع التشريعات الدولية خاصة مع القواعد الدولية لمعاملة السجناء هذا‬
‫باإلضافة إلى تشخيص مدى نجاح محاولة التوفيق بين معادلة العقاب وكرامة اإلنسان‪ ،‬بمعنى‬
‫إقصاء مفهوم االنتقام واستحضاردورالمؤسسة السجنية كعامل إصلحي وكمؤسسة للتأهيل‬
‫والتكوين من أجل إعادة اإلدماج‪.133‬‬

‫و عليه يقتض ي حديثنا عن موضوع األمن داخل المؤسسات السجنية أن نتناول في‬
‫المبحث األول األجهزة التي تسهرعلى أمن المؤسسة السجنية على أن نتناول آليات ضبط األمن‬
‫داخل المؤسسة السجنية في المبحث الثاني‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬األجهزة المكلفة بحماية أمن المؤسسات السجـنية‬

‫إن الكلم عن األجهزة المكلفة بحماية أمن المؤسسات السجنية بين التنظيم والو اقع‪،‬‬
‫يحتم علينا الحديث عن األجهزة الساهرة على األمن داخل المؤسسات السجنية (المطلب األول‬
‫)‪ ،‬ثم األجهزة الساهرة على األمن خارج المؤسسة (المطلب الثاني )‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬األجهزة الساهرة على األمن داخل المؤسسات السجنية‬

‫أناط المشرع المغربي مسألة الحفاظ على أمن المؤسسات السجنية إلى أجهزة داخلية‬
‫تتمثل في مدير المؤسسة السجنية والموظفين العاملين معه‪ ،‬وما يهمنا في هذا املحور هو دور‬
‫األجهزة في املحافظة على األمن داخل السجن‪ ،‬مما يجعلنا نتساءل حول مسؤولية هذه األجهزة‬
‫في الحفاظ على األمن داخل المؤسسة السجنية (الفقرة األولى ) ومن جهة أخرى ما هي‬
‫الجزاءات التي رتبها المشرع على عدم تطبيق القواعد المتعلقة بالحفاظ على األمن داخل‬
‫المؤسسة (الفقرة الثانية )‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مسؤولية األجهزة الداخلية في الحفاظ على األمن داخل المؤسسة‬
‫السجنية‬

‫‪ -133‬وظيفة العقوبة تغيرت من وظيفة االنتقام والردع إلى وظيفة إعادة إدماج السجناء في المجتمع وبتعبير آخر من عقوبة إيالمية إلى‬
‫عقوبة ادماجية تأهيلية‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪2023‬‬

‫تتمثل هذه األجهزة بصفة رئيسية في مدير المؤسسة السجنية والموظفين واألعوان‬
‫العاملين معه ‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى المواد ‪ 13‬إلى ‪ 70‬من القانون رقم ‪ 23.69‬المتعلق بتنظيم وتسيير‬
‫المؤسسات السجنية‪ ،‬والمواد من ‪ 35‬إلى ‪ 45‬من المرسوم الصادر بتطبيقه يتضح أن‬
‫المسؤولية على األمن الداخلي للمؤسسات السجنية تبقى عالقة على الموظفين التابعين‬
‫للمندوبية العامة إلدارة السجون وإعادة اإلدماج‪ ،‬فهي بخصوصه مشتركة بين المدير‬
‫والموظفين التابعين للمؤسسة‪.134‬‬

‫ورغم ذلك فمدير المؤسسة السجنية هو المسؤول المباشر عن حماية أمن المؤسسة‬
‫وهو الساهر على التطبيق السليم والدقيق للضوابط المتعلقة بالحفاظ على النظام واألمن‬
‫العام الداخلي للمؤسسة السجنية‪ ،‬كما أنه تبعا لذلك يعتبر قانونا مسؤوال إلى جانب باقي‬
‫الموظفين بصفة قانونية وإدارية أمام إدارة السجون عن كل الحوادث أو حاالت الهروب‬
‫المترتبة عن إهمالهم أو لعدم مراعاة النظم والقوانين‪ ،‬وذلك بغض النظر عن مسؤوليته‬
‫المباشرة‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 13‬من القانون ‪ 23.69‬المنظم للسجون‪ ،135‬والذي نص‬
‫على ما يلي " يجب على مدير كل مؤسسة سجنية‪ ،‬أن يسهر على التطبيق الدقيق للضوابط‬
‫المتعلقة بالحفاظ على النظام واألمن بداخلها ‪.‬‬

‫يسأل تأديبيا على هذا األساس عن كل الحوادث أو حاالت الهروب الناتجة عن إهماله أو‬
‫عن مراعاة النظم وذلك بصرف النظرعن المتابعات التأديبية التي يمكن تحريكها ضد موظفين‬
‫آخرين "‬

‫ويتألف موظفو المؤسسة السجنية من حارس وقائد السجن حيث نصت المادة الثالثة‬
‫من النظام األساس ي الخاص بموظفي المندوبية العامة إلدارة السجون وإعادة اإلدماج على ما‬
‫يلي "تشتمل هيئة الحراسة واألمن على اإلطارين التاليين ‪:‬‬

‫‪ 134‬ـ رياض عبد الغاني‪ ،‬تنفيذ العقوبات على مستوى المؤسسات السجنية‪ ،‬مكتبة دار السالم الرباط ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،7111 ،‬ص‬
‫‪.071‬‬
‫‪ -135‬ظهير شريف رقم ‪ 0.11.711‬صادر في ‪ 00‬من جمادى األولى ‪ 78 ( 0471‬اغسطس ‪ )0111‬بتنفيذ القانون رقم ‪70.15‬‬
‫المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4271‬بتاريخ ‪ 8‬جمادى اآلخرة ‪ 0471‬موافق ‪ 01‬شتنبر ‪ 0111‬ص‬
‫‪.7710‬‬

‫‪77‬‬
‫‪2023‬‬

‫_ إطارحارس السجن‬

‫_ إطارقائد السجن‬

‫يقوم حارس السجن بمهام األمن داخل المؤسسات السجنية ويقوم بمهام محددة على‬
‫سبيل الحصر‪ ،‬حيث نصت المادة ‪ 4‬على ما يلي " تناط بإطار حارس سجن مهام الحفاظ على‬
‫أمن المؤسسات السجنية وسلمة السجناء طبقا للقوانين الجاري بها العمل‪ ،‬ويقوم على‬
‫الخصوص بما يلي ‪:‬‬

‫_ تفتيش المعتقلين عند الدخول أو الخروج من المؤسسة ألي سبب من األسباب‪.‬‬

‫_ تأمين الحراسة بمختلف المراكزداخل المؤسسة السجنية‪.‬‬

‫_ مر اقبة وتفتيش كل مر افق المؤسسات السجنية‪.‬‬

‫_ إحكام إغلق األبواب والمسالك والتأكد من إخلء الممرات ومسالك الطواف وفعالية‬
‫إنارتها‪.‬‬

‫_ مر اقبة وسائل اإلغلق بصفة دورية والتأكد يوميا من سلمة اإلقفال والقضبان‪.‬‬

‫‪ -‬استعمال السلح عند الضرورة للحفاظ على أمن المؤسسة السجنية‪.‬‬

‫‪ -‬مر اقبة تحركات السجناء أثناء األشغال العامة والفسحة‪.‬‬

‫‪ -‬المساهمة في تنظيم وتسييرالعمل على األحياء واألجنحة داخل المعقل‪.‬‬

‫‪ -‬التدخل في الحاالت االستعجالية والطارئة‪.‬‬

‫‪ -‬القيام بجوالت تفقدية بعد إغلق الزنازين و أثناء الليل‪.‬‬

‫‪ -‬تفتيش الزوارو المؤونة ومر اقبة قاعة الزيارة‪.‬‬

‫‪ -‬المساهمة في عملية خفرالسجناء و أثناء القيام بترحيلهم إلى مؤسسات أخرى أو نقلهم‬
‫إلى المستشفى‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬حراسة المصحة تأمين عمل األطرالطبية وشبه الطبية‪.136‬‬

‫أما قائد سجن فله مهام خاصة وهي على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪ -‬ادارة وتسيير شؤون المؤسسات السجنية‪.‬‬

‫‪ -‬تدبيرشؤون المعاقل‪.‬‬

‫‪ -‬االشراف على تنفيذ الخطط والبرامج االمنية‪.‬‬

‫‪ -‬مر اقبة فرق الحراسة والمساهمة في تكوينها‪.‬‬

‫‪ -‬التأكد من التطبيق الدقيق للضوابط المتعلقة بالحفاظ على النظام واالنضباط‬


‫داخل المؤسسات السجنية‪.‬‬

‫‪ -‬مساعدة طاقم المؤسسة في التدخل للحد من االختلالت األمنية‪.‬‬

‫‪ -‬مر اقبة وتقييم سيرالعمل بالمعقل‪.‬‬

‫‪ -‬مر اقبة تسييرالمصالح االقتصادية بالمؤسسات السجنية‪.‬‬

‫ولكي يتم تفعيل هذه المقتضيات بشكل يؤدي للتوازن بين احترام كرامة السجين وأمن‬
‫المؤسسة السجنية‪ ،‬أصبح البد من إعادة التفكير في الموارد البشرية التي تعتبر أساس كل‬
‫إصلح‪ ،‬وذلك بتأهيل وتكوين الموظفين في مجال حقوق االنسان‪ ،‬وذلك لتؤدي المؤسسة‬
‫السجنية دورها في التأهيل وإعادة اإلدماج‪.137‬‬

‫ولكي تؤدي هذه األجهزة األدوار المنوطة بها‪ ،‬البد من مساءلتها عن كل إخلل بواجباتها‬
‫المهنية‪ ،‬وذلك بفرض جزاءات تأديبية عليها وتحريك المتابعات القضائية‪ ،‬وهذا ما سنتطرق‬
‫إليه في الفقرة الثانية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬جزاءات اإلخلل بقواعد األمن داخل المؤسسات السجنية‬

‫‪136‬ـ مرسوم رقم ‪ 7_ 15_811‬صادر في ‪ 5‬ذي القعدة ‪ 2( 0471‬نوفمبر ‪ )7115‬بشأن النظام األساسي الخاص بموظفي المندوبية‬
‫العامة إلدارة السجون وإعادة اإلدماج‪.‬‬
‫‪137‬ـ محمد أوجار‪ ،‬بمناسبة تقديمه للقواعد الدولية لمعاملة السجناء‪ ،‬مركز التوثيق واإلعالم والتكوين في مجال حقوق اإلنسان ‪ ،‬ص ‪.1‬‬

‫‪79‬‬
‫‪2023‬‬

‫إن النظام المتبع في المؤسسات السجنية المغربية‪ ،‬والفكر السائد لدى كل الموظفين‬
‫العام لين‪ ،‬والمسيرين هو السهر على تنفيذ األحكام القضائية‪ ،‬وتشديد األمن والحراسة‬
‫باإلضافة إلى فرض االنضباط و االحترام‪ ،‬غير أن الخروج عن هذا النظام يعد بحكم القانون‬
‫إخلل بالمسؤولية المنوطة بها‪ .‬بحيث تعرضهم ملخالفات تأديبية أو متابعات قضائية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العقوبات االدارية (الجزاءات التأديبية)‬

‫يعتبر مدير المؤسسة السجنية المسؤول األول على تطبيق القواعد المتعلقة بالحفاظ‬
‫على األمن داخل المؤسسة السجنية باالضافة إلى الموظفين واألعوان العاملين معه‪ ،‬حتى تقوم‬
‫هذه األجهزة باألدوار المنوطة بها في هذا املجال‪ ،‬كان البد من وجوب مساءلتها على كل إخلل‬
‫بواجباتها المهنية‪ ،138‬وهذا ما كرسته المادة ‪ 13‬من قانون ‪ 69_23‬المتعلق بتنظيم وتسيير‬
‫المؤسسات السجنية في فقرتها الثانية التي تم ذكرها سابقا‪ ،‬على وجوب تطبيق المتابعات‬
‫التأديبية في حق كل مسؤول أخل بمسؤوليته‪.‬‬

‫وتعد العقوبات التأديبية بصفة عامة وسيلة من الوسائل االدارية الرادعة‪ ،‬تطبقها‬
‫الجهة املختصة بناء على نص قانوني من أجل ردع مرتكبي املخالفات داخل الجماعة الوظيفية‬
‫بهدف املحافظة على النظام فيها‪.‬‬

‫فالموظف مسؤول عن كل األعمال واألخطار التي يقوم بها إداريا ومهنيا‪ ،‬وكل إخلل أو‬
‫إهمال لمهامه يعرضه إلى عقوبات تأديبية أو متابعات قضائية في حالة تلبسه أو مخالفته للنظم‬
‫والقوانين الداخلية‪ ،‬التي تحكم عليه القيام بالعمل‪ ،‬والتزامه بكل انضباط ومسؤولية‪.‬‬

‫والمادة ‪ 44‬من النظام األساس ي الخاص بموظفي المندوبية العامة إلدارة السجون‬
‫وإعادة اإلدماج‪ 139‬نصت على مجموعة من العقوبات التأديبية‪ ،‬بحيث نص هذا الفصل على ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫تشتمل العقوبات التأديبية المطبقة علي موظفي هيئة الحراسة واألمن‪ ،‬والمرتبة‬
‫تصاعديا حسب تزايد درجة الخطورة علي ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -138‬محمد أزيزبي‪ ،‬واقع السجون المغربية وأهدافها اإلصالحية‪ ،‬مطابع إفريقيا ‪ ،7111‬بدون طبعة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ص‪.004 :‬‬
‫‪ -139‬الرجوع للمرسوم رقم ‪ 7.15.811‬بشأن النظام األساسي الخاص بموظفي المندوبية العامة إلدارة السجون وإعادة االدماج‪ ،‬صادر‬
‫في ‪ 5‬ذي القعدة ‪ 2( 0471‬نونبر ‪. )7115‬‬

‫‪81‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪-‬اإلنذار‪140‬‬

‫‪-‬التوبيخ‪141‬‬

‫‪-‬التشطيب من الئحة الترقي‪142‬‬

‫‪-‬النقل التأديبي علي نفقة المعني باألمر‬


‫‪-‬التدحرج في الرتبة ‪143‬‬

‫‪-‬التوقيف المؤقت على العمل لمدة ال تتجاوزستة أشهرمع توقف الرجوع إلى األسلك على‬
‫بحث حول مروءة وحسن أخلق الموظف‪.‬‬
‫‪-‬التدحرج في الدرجة‪144‬‬

‫اإلحالة علي التقاعد التلقائي‬


‫‪-‬العزل مع االحتفاظ بالحق في التقاعد‬

‫وتصدر العقوبات التأديبية األربعة األولى بقرار للمندوب العام إلدارة السجون وإعادة‬
‫اإلدماج دون استشارة املجلس التأديبي‪ ،‬أما باقي العقوبات فتصدر بعد استشارة املجلس‬
‫التأديبي وفق المسطرة املحددة في هذا املجال‪.145‬‬

‫ثانيا‪ :‬المتابعات القضائية‬

‫يقصد بالمتابعات القضائية كل مخالفة أو جنحة أو جناية يرتكبها الموظف وتكون‬


‫موضوع مساءلة قضائية‪ ،‬ويكون هناك مجال إلعمال المتابعات القضائية في حالة ارتكاب‬

‫‪ -140‬االنذار‪ ،‬هو إجراء لتحذير الموظف ويتخد في المخالفات البسيطة أي يرتكبها هذا األخير والهدف من هذا االجراء هو دفع الموظف‬
‫إلى عدم القيام بمثل هذه األفعال وإال سيتعرض لعقوبات أكثر صرامة‪.‬‬
‫‪ -141‬التوبيخ‪ :‬هو إجراء أشد من االنذار‪ ،‬ويأتي في درجة ثانية في سلم العقوبات‪ ،‬وقد تكون له انعكاسات سلبية على وضعية الموظف‬
‫اذا أخد بعين االعتبار من طرف االدارة في منح النقطة الخاصة بالترقية‪.‬‬
‫‪ -142‬التشطيب من الئحة الترقي‪ :‬هي عقوبة تؤدي إلى التشطيب على اسم الوظف من الئحة الترقي في الرتبة برسم السنة التي اتخد فيها‬
‫القرار ويختص باقتراح هذه العقوبة المجلس التأديبي‪ ،‬وهذه العقوبة التقترح إال في حالة ثبوت أن الموظف مقيد في جدول الترقي برسم‬
‫السنة التي اتخذ فيها القرار‪.‬‬
‫‪ -143‬الت درج في الرتبة‪ :‬يقصد بها تخفيض رتبة الموظف إلى الرتبة األدنى مباشرة‪ ،‬وال تقترح هذه العقوبة في الحالة التي يمكن أن‬
‫يترتب عن التدرج تغيير وضعية الموظف من رسمي إلى متدرب‪.‬‬
‫‪ -144‬التدحرج في الدرجة‪ :‬يترتب عليها إنزال الموظف من درجته األصلية إلى درجة أدنى دون أن يترتب عليها إخراجه من إطاره‪.‬‬
‫وال تتخذ هذه العقوبة إال في الحالة التي يكون فيها إطار الموظف مكون من عدة درجات ويكون في درجة أعلى من وجود درجة أدنى‬
‫يمكن انحداره إليها‪.‬‬
‫‪ -145‬مرسوم رقم ‪ ،7.15.811‬صادر في ‪ 5‬ذي القعدة ‪ 2( 0471‬نونبر ‪ )7115‬بشأن النظام األساسي الخاص بموظفي المندوبية‬
‫العامة إلدارة السجون وإعادة اإلدماج‬

‫‪81‬‬
‫‪2023‬‬

‫الموظفين التابعين للمندوبية العامة إلدارة السجون ألخطاء تكتس ي صبغة جنائية أو‬
‫جنحية‪.146‬‬

‫ويمكن تحديد بعض هذه الجرائم فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬جريمة التواطؤ على الهروب‪ :‬نظم المشرع المغربي هذه الجريمة في الفصل ‪ 312‬من‬
‫ق‪.‬ج حيث اعتبر المشرع مرتكب هذه الجريمة كل من مكن أو ساعد على هروب أحد‬
‫المسجونين‪ ،‬أو حاول ذلك ولو بغير علم السجين‪ ،‬بل ولو لم يقع الهروب فعل أو محاولته من‬
‫طرف السجين ويعاقب مرتكب هذه الجريمة بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات‪ ،‬كما يمكن‬
‫أن يحكم عليه بالحرمان من مباشرة جميع الوظائف أو الخدمات العامة مدة تتجاوز عشر‬
‫سنوات‪.‬‬

‫‪ -‬اإلهمال الذي يمكن أو يسهل الهروب والذي نص عليه الفصل ‪311‬من ق‪.‬ج يعتبرفي حد‬
‫ذاته شديد األثر بالنسبة للموظفين المكلفين بحراسة السجناء أو نقلهم‪ ،‬ألنه ال يعاقب على‬
‫المشاركة أو التواطؤ فقط و إنما ملجرد اإلهمال‪.‬‬

‫هذا باإلضافة إلى مجموعة من الجرائم التي يمكن أن يتابع ألجلها موظف إدارة‬
‫السجون‪ ,‬كالشطط في استعمال السلطة إزاء األفراد (الفصول من ‪ 224‬إلى ‪ 232‬ق‪.‬ج) تواطؤ‬
‫موظف (الفصول من ‪ 233‬إلى ‪ 231‬ق‪.‬ج)‪ ،‬تزوير األوراق الرسمية أو العمومية ( الفصول من‬
‫‪ 351‬إلى ‪ 351‬ق‪.‬ج)‪.‬‬

‫والجديربالذكرأن التنصيص على الجزاءات التأديبية أوالمتابعات القضائية ليس وحده‬


‫الكفيل لضمان الحفاظ على األمن داخل المؤسسة السجنية‪ ،‬بل يجب العمل على باقي‬
‫العناصر سواء المادية المتمثلة في شكل البنايات وهندستها إذ يجب أن تستجيب للدور الذي‬
‫أنشأت من أجله وهو الحفاظ على األمن‪ ،‬أو البشرية منها حيث يجب التفكير في هذا العنصر‬

‫‪ 146‬مشروع الالمركزية والالتمركز في مجال تدبير الموارد البشرية‪ ،‬دليل الشؤون التأديبية‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬الطبعة األولى يونيو‬
‫‪ 7114‬ص‪.00 :‬‬

‫‪82‬‬
‫‪2023‬‬

‫الذي يشكل عماد كل إصلح‪ ،‬فهذه النصوص الجديدة يجب أن يواكبها تكوين‬
‫الموظفين‪147‬وتأهيلهم من أجل التطبيق السليم لمقتضياتها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األجهزة الساهرة على األمن خارج المؤسسة‬

‫يعد الحفاظ على األمن داخل المؤسسة السجنية مسؤولية مشتركة بين المدير و‬
‫الموظفين التابعين للمؤسسة‪ ،‬حسب ما ورد في المادة ‪ 13‬من قانون ‪ 23-69‬و المادة ‪ 35‬من‬
‫المرسوم التطبيقي للقانون المتعلق بتنظيم و تسيير المؤسسات السجنية‪ ،‬علما بأن األصل في‬
‫هاته المسؤولية يبقى دائما على عاتق مدير المؤسسة باعتباره هو الساهر على حماية األمن و‬
‫النظام الداخلي داخل المؤسسة السجنية و المسؤول المباشرعن اإلشراف على إدارتها‪.‬‬

‫إال أن اإلمكانيات البشرية و المادية املحدودة للمؤسسة قد تدفعها إلى االستعانة بجهات‬
‫خارجية و هذا ما أكدته المادة ‪ 31‬من المرسوم التطبيقي في الفقرة األخيرة حيث تتوزع هذه‬
‫األجهزة إلى كل من الشرطة و الدرك ( الفقرة األولى) باإلضافة إلى اللجنة اإلقليمية لمر اقبة‬
‫السجون (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬عناصرالشرطة و الدرك الملكي‬

‫حسب النشرة اإلحصائية لسنة ‪ 2003‬التي صدرت عن مديرية إدارة السجون فإن عدد‬
‫المعتقلين في ذات السنة بلغ ‪ 54542‬معتقل‪ ،‬في حين بلغ عدد المؤطرين العاملين بمختلف‬
‫السجون ‪ 5151‬موظفا بمن فيهم المكلفون بالحراسة والعاملين بمختلف مر افق السجون أي‬
‫بمعدل موظف لكل ‪ 11‬معتقل‪.148‬‬

‫و عليه‪ ،‬يتضح بجلء أن عدد موظفي السجون ال يكفي لسد حاجيات السجناء إذا ما‬
‫اعتمدنا المقاربة الكمية في التحليل‪.‬‬

‫‪ -147‬يجب على موظف السجن أن يكون ملما على األقل بمبادئ أولية في علم اإلجرام وعلم النفس وعلم االجتماع وملما أيضا بقواعد‬
‫المسطرة الجنائية‪ ،‬وأن يكون‪ ،‬وهذا هو األهم‪ ،‬متشبعا بأبسط قواعد حقوق اإلنسان‪ ،‬فال ينبغي أن يميز في المعاملة بين المعتقلين بسبب‬
‫العرق أو اللون أو الجنس أو الجنسية‪ ،‬أو الدين أو الرأي أو المركز االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -148‬أي أن الكفاف التأطيري حاضر بامتياز بالنظر إلى سوء توزيع هؤالء الموظفين وكونهم ملزمون بمهام متعددة و مختلفة بحيث‬
‫يعتبرون مطالبين بالحفاظ عن األمن واالنضباط وفي نفس الوقت ملزمون بتلبية طلبات السجناء و تأمين مختلف أشكال اتصالهم بالعالم‬
‫الخارجي و رئيس المعقل و بالتالي يتضح بجالء أن عدد موظفي السجون ال يكفي لسد متطلبات السجناء‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫‪2023‬‬

‫لذلك نجد أن المشرع المغربي تفطن إلى هذه الوضعية ونص في الفقرة الثانية من‬
‫المادة ‪ 31‬من المرسوم التطبيقي على أنه في حالة تعرض المؤسسة السجنية لهجوم أو تهديد‬
‫من الخارج‪ 149‬يتعين على مدير المؤسسة بمجرد تبليغه بالحادث الخطير‪ 150‬إشعار الضابطة‬
‫القضائية سواء مصالح األمن أو الدرك الملكي مع إخبار وكيل الملك و السلطة املحلية و إدارة‬
‫السجون‪.151‬‬

‫و انسجاما مع ذلك‪ ،‬يمكن في حالة وقوع حادث خطير أو التخوف من وقوعه داخل‬
‫المؤسسة السجنية بحيث يتعذرمعه على طاقم الحراسة التحكم في الموقف وإرجاع األمورإلى‬
‫نصابها والحفاظ على النظام بالوسائل المتوفرة لدى المؤسسة‪ ،‬يجب على مدير هذه‬
‫المؤسسة أن يطلب التدخل والمساعدة من رئيس مصلحة الشرطة والدرك‪ 152‬مع إشعار‬
‫السلطة املحلية ووكيل الملك واإلدارة المركزية فورا‪.‬‬

‫كما أشارت المادة ‪ 37‬إلى أن إدارة السجون تتكفل بتنسيق وتعاون مع السلطات‬
‫املختصة بإنجاز خطة خاصة للوصول إلى الحفاظ على سلمة وأمن كل مؤسسة سجنية‬
‫والتدخل السريع عند االقتضاء ‪.‬‬

‫و بناء على ما سبق‪ ،‬يتضح أن المشرع حدد انطلقا من المواد السالفة الذكر حاالت‬
‫طلب المساعدة من الشرطة أو الدرك في الحاالت التالية‪:‬‬

‫‪ ‬الحالة التي تتعرض فيها المؤسسة السجنية لهجوم أو تهديد من الخارج‪.‬‬

‫‪ ‬حالة وقوع حادث خطير داخل المؤسسة السجنية يتعذر معه على العاملين السيطرة‬
‫عليه اعتمادا على اإلمكانيات الذاتية للمؤسسة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اللجنة اإلقليمية لمر اقبة السجون‬

‫‪ -149‬نفس الشيء بالنسبة للفصل ‪ 711‬من المسطرة الجنائية الفرنسية‪..dans l’hypothèse d’une attaque ou d’une :‬‬
‫‪menace provenant de l’extérieur.‬‬
‫‪ -150‬تتخذ اإلجراءات في حالة الحوادث الخطيرة بنوع من االستعجال والفورية وذلك عن طريق اإلشعار الفوري للنيابة العامة والسلطة‬
‫المحلية وإدارة السجون‪ ،‬والهدف من وراء ذلك كله هو إعادة المؤسسة السجنية إلى حالتها العادية‪.‬‬
‫‪ -151‬رياضي عبد الغاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.000‬‬
‫‪ -152‬إن سبب لجوء المشرع لهذه اإلمكانية يتجلى أساسا في االنتقادات الموجهة له بخصوص نقص عدد الموظفين بالمقارنة مع عدد‬
‫السجناء داخل المؤسسات السجنية‪ ،‬إال أنه يعاب على هذا التنصيص بكون عناصر الدرك و الشرطة لم يتلقوا التدريب المالئم لمعاملة‬
‫السجناء‪ ،‬و عليه يكون المشرع غير موفق في حالة االستعانة بأجهزة الشرطة والدرك عند وقوع حادث خطير داخل المؤسسة‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪2023‬‬

‫تنص المادة ‪ 120‬من قانون المسطرة الجنائية بأنه يناط بهذه اللجنة اإلقليمية لمر اقبة‬
‫السجون خصوصا مهمة السهر على توفير وسائل الصحة واألمن والوقاية من األمراض وعلى‬
‫نظام تغذية المعتقلين وظروف حياتهم العادية وكذا المساعدة على إعادة تربيتهم على المستوى‬
‫األخلقي وإدماجهم اجتماعيا بعد اإلفراج عنهم ‪.‬‬

‫و تماشيا مع العناية التي يوليها قانون المسطرة الجنائية لنزالء المؤسسات السجنية‬
‫حيث إذا كانت التركيبة البشرية والقطاعية المكونة للجنة مشكلة من قبل من عامل العمالة‬
‫أو اإلقليم ورئيس املحكمة االبتدائية ووكيل الملك بها‪ ،‬فإنه وفي إطارهذه العناية قد أضاف إلى‬
‫هذه الشخصيات قاض ي تطبيق العقوبة ورئيس مجلس الجماعة اللذين توجد بدائرة ترابهما‬
‫المؤسسة وممثلي قطاعات التربية الوطنية والشؤون االجتماعية والرياضية والتكوين المنهي‬
‫وأعضاء متطوعين من الجمعيات والقطاعات الحيوية ذات الصلة بالعمل االجتماعي والتربوي‬
‫بالسجون‪.153‬‬

‫هذا ويكمن الهدف من إنشاء هذه اللجنة في تفتيش المؤسسات السجنية ومراكزتهذيب‬
‫األحداث‪ ،‬ويكمن دورها أيضا في تقديم تقاريرإلى الجهات املختصة ومقترحات من شأنها تحسين‬
‫األوضاع داخل السجون‪ ،154‬باإلضافة إلى توصيات في ذات الموضوع‪ ،‬و كذا مر اقبة تطبيق‬
‫العقوبة من أجل تحقيق غرضها األساس ي‪.‬‬

‫تقوم هذه الفعاليات القضائية واإلدارية بزيارات ميدانية‪ 155‬لتفقد أحوال السجناء‬
‫والسهر على توفير وسائل األمن والوقاية من األمراض‪ ،‬إال أن الو اقع يؤكد أن مجموعة من‬
‫السلوكات المسيئة لوجه اإلدارة العامة للسجون يغذيها انعدام التفتيش من طرف اإلدارة‬
‫نفسها ومن طرف أعضاء هده اللجنة‪ 156‬وفي نفس السياق أكد املجلس االستشاري لحقوق‬
‫اإلنسان سابقا‪ ،157‬بخصوص اللجنة اإلقليمية لمر اقبة السجون في تقريره الصادر في أبريل‬

‫‪ -153‬المادة ‪ 171‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬


‫‪Publication du conseil consultatif des Droits de l’Homme, série « Etudes thématiques », -154‬‬
‫‪Rapport sur la situation dans les prisons, avril 2004, p :25.‬‬
‫‪ -155‬من الناحية الواقعية يالحظ ندرة هذه الزيارات إن لم نقل منعدمة ألن الوالي و عامل العمالة أو اإلقليم و كذا رئيس مجلس الجهة‬
‫أو الجماعة يتحمل مسؤولية التزامات أخرى تكاد تجعل هذا االختصاص الموكل له في هذا الشأن مستحيال‪.‬‬
‫‪ -156‬سجون المغرب تتحول إلى ‪-‬مقابر‪ -‬للسجناء ‪:‬مقال منشور بأسبوعية المشعل و الموقع اإللكتروني ‪ ahewar.org‬أسبوعية‬
‫المشعل المغربية ‪ ،‬الحوار المتمدن‪-‬العدد‪ ،00:11 - 01 / 0 / 7112 - 0581 :‬المحور‪ :‬أوراق كتبت في وعن السجن‪.‬‬
‫‪ -157‬يسمى حاليا بالمجلس الوطني لحقوق اإلنسان ‪.Conseil national de Droits de l’Homme‬‬

‫‪85‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ 2004‬أنها ال تجتمع إال وفق تعليمات أو توصيات صادرة من طرف السلطات المركزية دون‬
‫تحديد دورية لهذه الزيارات وهو ما يجعل عملها وزياراتها تتم بشكل غير مضبوط وفي تواريخ‬
‫متباعدة مما ال يسمح باالطلع عن كتب على األوضاع االجتماعية واألمنية للمعتقلين‪.158‬‬

‫كما أن الجمعية المغربية لحقوق اإلنسان ذكرت في تقريرها أن هذه اللجان اإلقليمية‬
‫لمر اقبة السجون مجمدة وال تقوم بواجبها الذي تحتمه عليها المادتين ‪ 120‬و‪ 121‬من قانون‬
‫المسطرة الجنائية وتضيف أن زيارتها تكون شكلية وال يترتب عنها أي إجراءات عملية‪.159‬‬

‫صفوة القول‪ ،‬بالرجوع إلى مختلف التقارير المنجزة بخصوص تقييم عمل هذه األجهزة‬
‫األمنية الساهرة على ضمان األمن داخل السجون‪ ،‬سواء التقارير الصادرة عن املجلس الوطني‬
‫لحقوق اإلنسان أو التقارير الصادرة عن المرصد المغربي للسجون أو تلك الصادرة عن‬
‫منظمات حقوقية وطنية أودولية‪ ،‬فإنه يمكن الوقوف على عدة اختلالت قانونية وأخرى عملية‬
‫تنقص من فعالية عمل هذه األجهزة‪.‬‬

‫لكل ذلك‪ ،‬فإن المقاربة األمنية الصرفة والتي يطغى فيها هاجس األمن أكدت مختلف‬
‫التقاريرالمنجزة في هذا الشأن على محدوديتها لذلك وجب إعمال مقاربة أمنية جديدة ألن و اقع‬
‫عمل األجهزة األمنية أصبح يفرض التحاور مع السجناء للتواصل معهم و ذلك لضبط أفكار و‬
‫سلوك كل معتقل للوصول إلى إعطاء تقييمات أولية و مرحلية أو نهائية عن كل النزالء‪ ،‬هذه‬
‫التقييمات التي ستساعد ال محالة على تحقيق المقاربة األمنية المسطرة من طرف إدارة‬
‫السجن من جهة‪ ،‬كما ستساعد على إعادة إصلح لشخصية كل معتقل كما أنها قد تساعد على‬
‫الوقوف على الحاالت الخطيرة التي تستوجب معاملتها بكثيرمن الحزم و الصرامة‪.160‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬آليات ضبط األمن داخل المؤسسات السجنية‬

‫تناول المشرع المغربي االجراءات الخاصة بأمن المؤسسات السجنية في المواد‬


‫والمواد من ‪ 35‬إلى ‪ 45‬من المرسوم‬ ‫الجديد‪161‬‬ ‫‪ 16_19_17_15_14‬من قانون السجون‬

‫‪ -158‬تقرير خاص باألوضاع في السجون صادر عن المجلس االستشاري لحقوق اإلنسان سنة ‪ 7114‬تمت ترجمته إلى العربية سنة‬
‫‪.7115‬‬
‫‪ -159‬الجمعية المغربية لحقوق اإلنسان‪ :‬التقرير السنوي لسنة ‪.7110‬‬
‫‪ -160‬مجلة إدماج ‪ -‬العدد الثالث‪،7111 -‬ص‪.08‬‬
‫‪ -161‬ظهير شريف رقم ‪ 0_11_711‬صادر في ‪ 00‬من جمادى األولى ‪ 78( 0471‬اغسطس ‪ ) 0111‬بتنفيذ القانون رقم ‪70.15‬‬
‫المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫‪2023‬‬

‫التنظيمي‪ ،‬متوخيا من وراء هذا التنظيم خلق توازن بين الحفاظ على أمن واستقرارالمؤسسات‬
‫السجنية واحترام حقوق السجناء‪ ،‬وبحكم أن المغرب قد صادق على العديد من االتفاقيات‬
‫والعهود الدولية المتعلقة بحماية حقوق االنسان ومعاملة السجناء‪ ،‬االمرالذي أدى بالمشرع‬
‫المغربي إلى تقنين ضوابط صارمة الستعمال القوة ضد المعتقلين‪ ،‬وحصر حاالت استعمال‬
‫السلح‪ ،‬كما نظم التفتيش وحدد كيفية مر اقبة المراسلت‪ ،‬وهو ما سنتناوله في المطلبين‬
‫التاليين‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬استعمال القوة والسلح ضد السجناء‬

‫السجن هو الحرمان من االستقللية فالشخص الذي يوضع في مؤسسة سجنية يخضع‬


‫لقوانين وتعليمات وإجراءات محددة‪ ،162‬واألصل في أحكام المعاملة العقابية عدم جواز اللجوء‬
‫إلى الوسائل القسرية في معاملة املحكوم عليهم لما في ذلك من مساس بكرامة هؤالء‪ ،‬إال أن‬
‫المشرع المغربي أجازبصفة استثنائية وإلى جانبه عدد من التشريعات استعمال تلك الوسائل‬
‫لمواجهة أوضاع خاصة‪ ،‬لكن بقيود وشروط صارمة تحد من تعسف أو انحراف يخرج بتلك‬
‫الوسائل عن الغاية المرجوة من إقراراللجوء إليها‪ 163‬وذلك وفق الضوابط التي حددها القانون‬
‫المنظم للسجون ‪ 23.69‬والمرسوم التنظيمي لهذا القانون‪.‬‬

‫فقد نصت المادة ‪ 5‬من اإلعلن العالمي لحقوق اإلنسان على أنه " ال يجوزإخضاع أحد‬
‫للتعذيب وال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية الحاطة بالكرامة"‪ 164‬وبناء عليها حدد‬
‫قانون تنظيم وتسييرالمؤسسات السجنية والمرسوم املحدد لكيفية تطبيقه ضوابط استعمال‬
‫القوة في مواجهة المعتقلين أو الغير‪ ،‬وحصرحاالت استعمال السلح‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬استعمال القوة‬

‫انطلقا من المادة ‪ 14‬من قانونا ‪ 23.69‬يتبين أن المشرع المغربي حظر على موظفي‬
‫المؤسسات السجنية استعمال القوة ضد المعتقلين كمبدأ عام‪ ،‬إال أننا نجده استثنى ذلك‬

‫‪ -162‬عايد عواد الوريكات‪ ،‬نظريات علم الجريمة‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬طبعة ‪ ،7115‬ص‪.751‬‬
‫‪ -163‬عبد العالي حفيظ‪ ،‬صالحيات قاضي العقوبات في القانون المغربي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،7118‬ص ‪.001‬‬
‫‪ -164‬اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الصادر في ‪ 01‬دجنبر ‪.0145‬‬

‫‪87‬‬
‫‪2023‬‬

‫من أجل حفظ األم ن داخل المؤسسات السجنية بحيث حدد مجموعة من الحاالت على سبيل‬
‫الحصرأجاز من خللها استعمال القوة ضد المعتقلين وهي كالتالي‪:‬‬

‫_ في حالة الدفاع المشروع لمواجهة اعتداء حال غير مشروع من طرف المعتقل‪ ،‬على‬
‫أن يكون فعل الدفاع مناسبا مع خطورة االعتداء وفق الضوابط والشروط المقررة لحالة‬
‫الدفاع الشرعي في القانون الجنائي‪ ،‬ويشترط في هذه الحالة أن يكون استعمال القوة في مكان‬
‫ووقت الهجوم من طرف المعتقل‪.‬‬

‫_ عند محاولة النزيل من الهروب من المؤسسة السجنية‪.‬‬

‫_ عند القبض على المعتقل الهارب‪.‬‬

‫_ عند وجود مقاومة باستعمال العنف من طرف المتعلقين‪.‬‬

‫_ في حالة عدم االمتثال لألوامر وفي هذا تنص المادة ‪26‬من المرسوم ‪ 3‬نونبر ‪ 2000‬على‬
‫أنه" يجب على المعتقلين االمتثال لتوجيهات الموظفين الذين لهم سلطة داخل المؤسسة‬
‫وذلك في كل ما يتعلق بتنفيذ المقتضيات المنظمة للسجون " أي أنه يجب أن تكون هذه األوامر‬
‫أو التوجيهات التي يجب على السجين االمتثال لها يجب أن تكون مشروعة غير مخالفة‬
‫للمقتضيات المنظمة للسجون‪.‬‬

‫و انطلقا من الفقرة الثانية من المادة ‪ 14‬يتضح أن المشرع اشترط أن يكون استعمال‬


‫القوة منحصرا في حدود ما هو ضروري للتحكم في المعتقل المتمرد دون إفراط أو مغاالة في‬
‫استعمال القوة و عليه فالقوة ما هي إال و سيلة لشل حركة المعتقل‪ ،‬فالهدف من هذه األخيرة‬
‫هو حفظ األمن داخل المؤسسات السجنية إال أن ذلك ال يجب أن يتم على حساب كرامة‬
‫السجناء حتى ال تنتقل هذه الوسيلة إلى ذريعة للنتقام من المعتقلين وهو ما يجب على‬
‫الموظفين أثناء أدائهم لمهامهم أن يتحلوا بخصال حميدة بالشكل الذي يفرض احترامهم‬
‫للمعتقلين ويجعلهم يؤثرون فيهم تأثيرا حسنا‪ ،‬وهذا ما أكدته المادة ‪ 2‬وكذلك المادة ‪4‬من‬
‫المرسوم على أنه" يجب على الموظفين معاملة السجناء معاملة حسنة تقوم على المساواة‬
‫وبدون تميز" لكي تقوم المؤسسة السجنية بعمل أسمى أال وهو التهذيب واإلصلح ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫‪2023‬‬

‫إن المشرع المغربي قد خطى خطوة حسنة في هذا اإلطار بتو افقه مع روح االتفاقيات‬
‫الدولية‪ ،‬وما يزكي هذا الطرح هو ما تنص عليه الفقرة األولى من المادة ‪ 54‬من القواعد‬
‫النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي تنص على أنه " ال يجوز لموظفي السجون أن يلجؤوا‬
‫إلى القوة في علقتهم مع السجناء إال دفاعا عن أنفسهم أو في حاالت الفرار أوالمقاومة الجسدية‬
‫بالقوة أو االمتناع السلبي ألمر يستند إلى القانون أو األنظمة‪ ،‬وعلى الموظفين الذين يلجؤوا إلى‬
‫القوة أن ال يستخدموها إال في أدنى الحدود الضرورية وأن يقدموا فورا تقريرا عن الحادث إلى‬
‫مديرالسجن "‪.‬‬

‫فما هي حاالت استعمال السلح ووسائل اإلكراه األخرى‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حاالت استعمال السلح‬

‫يقصد بالسلح هنا المسدسات والبندقيات التي عادة يحملها الحارس المكلف بالباب‬
‫الرئيس ي وحراس األبراج وحراس األوراش الخارجية وال سيما السجون الفلحية وكذلك المكلف‬
‫بالخفر‪ ،‬وهناك أسلحة غيرمتداولة يحتفظ بها المقتصد وال تستعمل إال إذا وقع طارئ خطير‬
‫يستوجب التدخل السريع‪ ،‬وكل هذه األسلحة تكون تحت المر اقبة الدقيقة والصيانة‪ ،‬وال يتم‬
‫توزيعها على المؤسسات إال بتنسيق مع قيادات القوات الخارجية ‪.‬‬

‫ونجد المشرع المغربي انطلقا من المادة ‪ 15‬من القانون المنظم للسجون أنه اشترط‬
‫شروط خاصة لحاالت استعمال السلح في حالة اللجوء إليه من مخاطروما يترتب على ذلك من‬
‫نتائج وخيمة على مستوى المؤسسة أو على مستوى األشخاص‪.‬‬

‫حاالت استعمال السلح ضد المعتقلين أو األغيار‬

‫‪ -‬عند تعرض الموظفين للعنف أوالعتداء خطير‪ ،‬أوفي حالة تهديدهم من طرف أشخاص‬
‫مسلحين‪ ،‬أو عند استهدافهم بإلقاء قذائف خطيرة عليهم‪.‬‬

‫‪ -‬عند عدم تمكن موظفي المؤسسة السجنية من الدفاع بطريقة عن المؤسسات‬


‫والمراكز التي يحرسونها‪ ،‬واألشخاص الذين هم في عهدتهم‪ ،‬أو إذا تعرضوا لمقاومة ولم يكن‬
‫بإمكانهم ردها باستعمال السلح‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬عندما يحاول المعتقلون اإلفلت من حراستهم‪ ،‬وال يتأتى ضبطهم إال باستعمال السلح‪.‬‬

‫‪ -‬إذا حاول أشخاص الدخول إلى المؤسسة أو دخلوا إليها‪ ،‬ولم يمتثلوا لإلنذارات‬
‫الموجهة إليهم‪ ،‬وحاولوا اإلفلت من البحث عنهم أو إلحاق ضرر بسلمة وأمن الحراس‬
‫والمعتقلين أو المؤسسة‪.‬‬

‫وما يلحظ على المادة ‪ 15‬أنها لم تحدد ما مدى مقدار هذا العنف الذي يمكن رده‬
‫بالسلح‪ ،‬و إنما جاءت عبارة العنف عامة وغامضة‪.‬‬

‫_ شروط استعمال السلح ضد المعتقلين أو األغيار‬

‫‪ +‬أن يستعمل من طرف الموظف أثناء ممارسته لوظيفته (المادة ‪) 15‬‬

‫‪ +‬أن يتم توجيه إنذارات قبل استعمال السلح ( المادة ‪) 15‬‬

‫‪+‬أن يستعمل السلح في نطاق الحدود الضرورية للتحكم في الوضع‪ ،‬وهذا ما أشارت إليه‬
‫المادة ‪ 39‬من المرسوم التطبيقي‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى الفقرة الثالثة من المادة ‪ 54‬من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة‬
‫السجناء نجدها تنهي على أنه" ال ينبغي للموظفين الذين يقومون بمهمة تجعلهم في تماس مباشر‬
‫مع السجناء أن يكونوا مسلحين‪ ،‬إال في ظروف استثنائية و باإلضافة إلى ذلك ال يجوز أيا كانت‬
‫الظروف‪ ،‬تسليم سلح ألي موظف‪ ،‬ما لم يكن قد تم تدريبه على استعماله "‪.‬‬

‫ويتضح مما سبق أن استعمال السلح ال يصبح ضروريا إال إذا لم يتأتى ضبط الوضع‪.‬‬

‫أما فيما يخص وسائل اإلكراه األخرى فتتمثل في وضع األصفاد للمعتقلين عندما يتم‬
‫نقلهم أو إخراجهم من المؤسسة وكلما استدعت الضرورة ذلك‪ ،‬غير أنه يتعين إزالة هذه‬
‫األصفاد عند مثول المعتقل أمام السلطات القضائية‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 33‬من‬
‫القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي نصت على أنه "ال يجوز أبدا أن يستخدم‬
‫أدوات تقييد الحرية‪ ،‬كاألغلل والسلسل واألصفاد و ثياب التكبيل كوسائل للعقاب‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك ال يجوزاستخدام السلسل أو األصفاد كأدوات لتقييد الحرية‪ ،‬أما غيرذلك‬

‫‪91‬‬
‫‪2023‬‬

‫من أدوات تقييد الحرية فل تستخدم مثل إال كتدبير للحتراز من هروب السجين خلل نقله‪،‬‬
‫شريطة أن تفك بمجرد مثوله أمام سلطة قضائية أو إدارية‪.‬‬

‫مجمل القول في هذا الصدد‪ ،‬في الحاالت و الظروف التي ال تسمح باستتباب وتأمين‬
‫حراسة المعتقل على نحو معين يتم اللجوء إلى استعمال األصفاد و هو بذالك إجراء استثنائي‬
‫في حين أن األصل هو عدم و ضع األصفاد إذا كانت ظروف األمن و سلمة المؤسسة في حالة‬
‫عادية ال يخش ى معها أي اخلل بالنظام الداخلي للمؤسسة أو مس بشخصية المعتقل‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التفتيش ومر اقبة المراسلت‬

‫في إطار ضبط أمن المؤسسة السجنية‪ ،‬ينص القانون على ضرورة مر اقبة مراسلت‬
‫المعتقلين (الفقرة األولى ) كوسيلة للتصال بالعالم الخارجي وكذا تفتيش المعتقلين (الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التفتيش‬

‫أصبح األمن داخل المؤسسات السجنية يأخذ اهتمام المكلفين بهذا املجال‪ ،‬وارتباط‬
‫مع المنظومة الجديدة لقانون ‪ 23.69‬نجد المشرع حرص على تحقيق التوازن بين المقاربة‬
‫األمنية وضمان حقوق اإلنسان‪ ،‬وبالطبع يعد التفتيش من أهم اآلليات التي ترمي إلى حفظ‬
‫األمن داخل المؤسسات السجنية‪ ،‬وذلك لما له من أهمية في ضمان الحياة األمنية لصالح‬
‫الدولة واملجتمع من زاوية‪ ،‬وحماية المعتقل من زاوية أخرى‪.‬‬

‫و يجب أن يكون التفتيش من قبل مفتشون مؤهلون وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 55‬من‬
‫القواعد الدنيا لمعاملة السجناء على أنه " يجب أن يكون هناك تفتيش منتظم لمؤسسات‬
‫السجون وخدماتها ويكلف به مفتشون مؤهلون ذو خبرة تعينهم سلطة مختصة‪ ،‬وعلى هؤالء‬
‫المفتشون بوجه خاص واجب االستيفاء من كون هذه المؤسسات تدار طبقا للقوانين‬
‫واألنظمة وعلى قصد تحقيق أهداف الخدمات التأديبية واإلصلحية"‪ ،‬هذا باإلضافة إلى أن‬
‫القيام بالتفتيش الدوري هي أدوات التدخل العملية كي ال يتسرب أي محظور‪ ،‬أو أشياء خطيرة‪،‬‬
‫أو رسائل مجهولة أو اخلل بنظام السجن‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫‪2023‬‬

‫و انسجاما مع ذلك‪ ،‬ستكشف الزيارات المفاجئة للقضاة‪ ،‬لو كانت على المستوى‬
‫العملي‪ ،‬عن الصورة الحقيقية و سيترتب عليها نتائج بالغة األهمية سواء على مستوى إدارة‬
‫المؤسسة السجنية أو على المعتقلين و كذا على تحقيق إعادة اإلدماج‪.165‬‬

‫وباستقرائنا للمادة ‪ 19‬من ق ‪ 23.69‬نجد المشرع المغربي منح سلطة واسعة للمدير‬
‫لكونه لم يحدد الحاالت التي تسمح باللجوء إلى هذا اإلجراء األمني‪ ،‬خصوصا أن المادة أعله‬
‫جاءت على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬في حين نجد المادة ‪14‬من القانون النموذجي العربي الموحد‬
‫لتنظيم السجون ينص على ما يلي " يجب أن يفتش كل مسجون عند دخوله السجن‪ ،‬وأن يؤخذ‬
‫ما يوجد معه من ممنوعات ونقود وأشياء ذات قيمة‪ ،‬وتودع بخزانة السجن‪ ،‬وتسجل في سجل‬
‫خاص يسلم إليه عند إفراج عنه‪ ،‬ما لم يرغب في تسليمها لشخص معين‪166".‬‬

‫ومما ينبغي اإلشارة إليه أن الفقرة األولى من المادة ‪ 19‬جاءت بعبارة "في كل حين " مما‬
‫قد يجعل من استعمال التفتيش ينقلب إلى وسيلة استفزازوتنكيل بالسجناء‪،‬‬

‫ويتم تفتيش المعتقلين بواسطة أشخاص من نفس الجنس‪ 167‬صون لكرامة السجناء‪،‬‬
‫ولكن رغم تفتيش الذي يتم بعد فترات الزيارة نجد داخل المؤسسات السجنية تواجد املخدرات‬
‫وهناك من يتاجر فيها داخل المؤسسة‪ ،‬ألن أساليب التفتيش ال تزال تقليدية تعتمد على‬
‫أساليب يدوية األمرالذي يسهل عملية‪ 168‬ولوج املخدرات إلى أغوارالسجون‪.‬‬

‫رغم ذلك يبقى التفتيش إجراء وقائي يهدف منع حصول ما من شأنه إحداث اضطراب‬
‫في األمن والسلمة داخل السجن‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مر اقبة المراسلت‬

‫أما فيما يتعلق بالمراسلت التي تعتبر وسيلة للتصال بالعالم الخارجي‪ ،169‬فإنها في إطار‬
‫المقاربة األمنية قد تشكل خطرا يهدد سلمة المؤسسة السجنية‪ ،‬مما دفع بالمشرع المغربي‬

‫‪ -165‬رياضي عبد الغاني‪ ،‬تنفيذ العقوبات على مستوى المؤسسات السجنية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،7111‬ص‪.011‬‬
‫‪ 166‬ـ القانون النموذجي العربي الموحد لتنظيم السجون‪ ،‬اعتمده مجلس وزراء العدل العرب كقانون استرشادي في دورته ‪ 01‬بالقرار‬
‫رقم‪_018‬د‪.7111_00_01_01‬‬
‫‪ -167‬ليس و فقط صونا لكرامة السجناء ولكن تجاوبا و تعاليم ديننا الحنيف‪.‬‬
‫‪ -168‬إن عملية ولوج المخدرات إلى أغوار السجون تتم وفق طرق جد حديثة و بطرق ذكية يستعصي فهمها ويستحيل معها ضبطها‪.‬‬
‫‪ -169‬يراسل المعتقلون باإلضافة إلى عائلتهم وأصدقائهم الجرائد و الجمعيات الحقوقية‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫‪2023‬‬

‫إلى تنظيم المراسلت كآلية من آليات ضبط األمن‪ ،‬وما يستشف من المادة ‪ 17‬أنه يحق‬
‫للمعتقلين تلقي الرسائل وتوجيهها إال أنها تقرأ وتخضع للمر اقبة سواء أثناء توجيهها أو تلقيها‪،‬‬
‫ويمكن حجز المراسلت إذا كانت تحتوي على تهديدات ضد سلمة األشخاص أو أمن‬
‫المؤسسات‪ ،‬إال أن المراسلت المتبادلة بين السجين ومحاميه الذي يؤازره ال تخضع لهذه‬
‫المر اقبة‪.‬‬

‫و يمنع أيضا إيصال أو إخراج رسائل أو مبالغ نقدية أو هاتف نقال أو أي ش يء آخروهذا‬
‫ما نصت عليه المادة ‪ 45‬من القانون العربي المذكورسابقا على أنه "يسمح للمسجون مراسلة‬
‫ذويه وأصدقائه‪ ،‬واستقبال رسائلهم‪ ،‬ما لم تقررإدارة السجن أن المراسلة تضر باألمن‪ ،‬فيجوز‬
‫لها أن تر اقبها أو تقيدها‪.‬‬

‫و في نفس السياق‪ ،‬يملك المعتقل حرية استعمال المراسلت كوسيلة للتعبيرو التشكي‬
‫للجهات المعنية باألمر‪.170‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫رغم كل ما سبق التطرق إليه إال أن الو اقع العملي يطرح تناقضا بين األمن داخل‬
‫السجون وحقوق السجناء‪ ،‬وما يغذي هذا التناقض علقة التوترالسائدة بين المسؤولين على‬
‫السجون والسجناء في ظل ثقافة تحتقرالسجناء وتنظر للسجون كأماكن للعقاب فقط‪ ،‬إذ أن‬
‫إشكالية األمن وحقوق السجناء هي إشكالية عامة‪ ،‬إال أنها تتأثر في المغرب بعوامل إضافية‬
‫منها‪ ،‬ضعف التجهيزات واإلمكانيات المتاحة لهم‪ ،‬المستوى الثقافي العام ومستوى الوعي‬
‫بالحقوق وضرورة احترامها لدى طرفي المعادلة السجنية‪.‬‬

‫إن مناقشة إشكالية األمن وعلقتها بحقوق السجناء يجب أن تستحضر كافة القوانين‬
‫الدولية والوطنية المتعلقة بالسجون‪ ،‬وال من االهتمام بأدبيات المنظمات الحقوقية املحلية‬
‫والدولية‪ ،‬إذ لم يعد مقبوال اليوم أن نجد مديرالمؤسسة السجنية غيرمتتبع لعمل المنظمات‬
‫الحقوقية المهتمة بأوضاع السجون والسجناء أدبياتها‪.171‬‬

‫‪ -170‬رياضي عبد الغاني‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.075‬‬


‫‪ 171‬ـ مركز التوثيق واإلعالم والتكوين في مجال حقوق اإلنسان‪ ،‬القانون الجديد للسجون والمعايير الدولية لمعاملة السجناء‪ ،‬أشغال‬
‫الدورة التكوينية‪ ،‬ص ‪.51_58_54‬‬

‫‪93‬‬
‫‪2023‬‬

‫كما نحث على التكوين المستمر لموظفي إدارة السجون في مجال حقوق اإلنسان‬
‫وقواعد معاملة السجناء‪ ،‬وكذا المساهمة مع الجمعيات الحقوقية لتأهيل السجناء من أجل‬
‫إعادة اإلدماج بعد مغادرة السجن مع ضرورة إحداث مراكز الستقبالهم وتوجيههم حتى ال‬
‫تتحقق ظاهرة العود‪.‬‬

‫و مما الشك فيه أن تنامي حركة حقوق اإلنسان سيزيد من االهتمام بالمؤسسات‬
‫السجنية و أوضاعها لتحقيق أهداف العقوبة‪.‬‬

‫الئح ـ ـ ـ ـ ـ ــة المراج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع‬

‫الكتب‪:‬‬

‫‪ -‬رياض عبد الغاني‪ ،‬تنفيذ العقوبات على مستوى المؤسسات السجنية‪ ،‬مكتبة دار‬
‫السلم الرباط ‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2006‬‬

‫‪ -‬أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح‪ ،‬شرح القانون الجنائي المغربي‪ ،‬القسم العام‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪.1690‬‬

‫‪ -‬محمد أزيزبي‪ ،‬و اقع السجون المغربية وأهدافها اإلصلحية‪ ،‬مطابع افريقيا الشرق‪،‬‬
‫الدارالبيضاء‪ ،‬بدون طبعة‪.2001 ،‬‬

‫‪ -‬عايد عواد الوريكات‪ ،‬نظريات علم الجريمة‪ ،‬دارالشروق‪ ،‬بدون طبعة ‪.2009 ،‬‬

‫‪ -‬مشروع دعم اللمركزية واللتركيز‪ ،‬في مجال تدبير الموارد البشرية‪ ،‬دليل الشؤون‬
‫التأديبية‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬يونيو‪.2004‬‬

‫‪_Benoit Chabert et Pierre-Olivier Sur : Cours de droit pénal général, 2‬‬


‫‪édition 1997, DALLOZ.‬‬

‫‪ -‬تقريرخاص باألوضاع في السجون‪ ،‬صادرعن املجلس اإلستشاري لحقوق اإلنسان سنة‬


‫‪.2009‬‬

‫‪ -‬الجمعية المغربية لحقوق اإلنسان‪ ،‬التقريرالسنوي‪ ،‬سنة ‪.2003‬‬

‫‪94‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬اإلعلن العالمي لحثوث اإلنسان‪ ،‬الصادرفي ‪ 10‬دجنبر‪.1649‬‬

‫القوانين‪:‬‬

‫‪-‬القواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء‪.‬‬

‫‪ -‬القانون النموذجي العربي الموحد لتنظيم السجون‪ ،‬اعتمده املجلس الوزراء العدل‬
‫العرب كقانون استرشادي‪ ،‬دورة ‪.2000 ،11‬‬

‫‪ -‬قانون رقم ‪ 23.69‬المتعلق بتنظيم وتسييرالمؤسسات السجنية‪.‬‬

‫‪ -‬القانون الجنائي‪.‬‬

‫‪ -‬قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫‪ -‬النظام األساس ي الوظيفة العمومية‪ ،‬ظهير شريف رقم ‪ 1_59_009‬المؤرخ في ‪24‬فبراير‬


‫‪.1659‬‬

‫‪ -‬محمد أوجار‪ ،‬بمناسبة تقديمه للقواعد الدولية لمعاملة السجناء‪ ،‬مركز التوثيق‬
‫واإلعلم والتكوين في مجال الحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫مقاالت‪:‬‬

‫‪ -‬موالي ادريس اكلمام‪ ،‬املحافظة على أمن داخل المؤسسات السجنية وحماية حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬مجلة إدماج‪ ،‬العدد ‪.2003 ،4‬‬

‫‪ -‬عبد الرحيم عميمي‪ ،‬سجون المغرب تتحول إلى مقابر للسجناء‪ ،‬أسبوعية المشعل‬
‫المغربية‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫‪2023‬‬

‫–‬

‫مسؤولية الدولة عن عمليات التلقيح بين اإلجبار واإلختيار‪،‬‬


‫جائحة كورونا نموذجا‬
‫‪The state's responsibility for vaccinations between forced and selective, the‬‬
‫‪corona pandemic is a model‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر التلقيح اإلجباري التزام قانوني تفرضه الدولة من أجل تحقيق المصلحة العامة‬
‫المتمثلة في وقاية املجتمع من األمراض المعدية كالسل‪ ،‬وشلل األطفال‪ ،‬والحصبة وغيرها ‪.‬‬
‫والتلقيح اإلجباري يعتبر عمال طبيا‪ ،‬قد يترتب عليه في بعض الحاالت أضرار جسيمة تمس‬
‫الشخص الذي خضع له‪ ،‬غير أنه وفي غياب اجتهاد قضائي صادر عن القاض ي اإلداري في هذا‬
‫املجال نطبق من المفروض اجتهاده في مجال المسؤولية عن المر افق االستشفائية العمومية‬
‫بصفة عامة‪. 172‬‬

‫وإذا كانت المسؤولية اإلدارية تهدف إلى تعويض المضرورعما أصابه من ضرر‪ ،‬فالقضاء‬
‫اإلداري ينظر إلى موضوع المسؤولية اإلدارية من زاوية المضرور‪ ،‬فمركز المضرور وحقوقه في‬

‫‪ -172‬محند بوكوطيس‪" ،‬مسؤولية الدولة في املجال الطبي‪ ،‬مقارنة تحليلية على ضوء القضاء اإلداري"‪ ،‬ص‪.62 .‬‬

‫‪96‬‬
‫‪2023‬‬

‫مواجهة اإلدارة والحماية التي يجب أن يتمتع بها‪ ،‬هو الذي يحدد نظام المسؤولية المطبق في‬
‫القانون اإلداري‪ ،‬فالمنتفعون بخدمات المرفق والذين يصبحون ضحايا إلجراء األعمال الطبية‬
‫أو العلجية عليهم‪ ،‬أصبحت تطبق عليهم المسؤولية دون خطأ‪ ،‬وعلى ضوء ذلك سوف نتعرف‬
‫على موقف القضاء اإلداري الجديد بخصوص األضرار الناتجة عن أعمال التطعيمات‬
‫اإلجبارية‪ ،‬وموقفه تجاه التقنيات الطبية العلجية الجديدة‪.173‬‬

‫حيث يعتبر التطعيم اإلجباري واألبحاث الطبية من أهم الميادين التي طبعت تدخل‬
‫المشرع لمعالجة مشكلة األضرار المتولدة عن تلك األنشطة‪ ،‬وخاصة مع ظهور األوبئة كما هو‬
‫الحال مع جائحة كورونا‪ ،‬حيث أخد الحديث عن لقاحات كورونا حيزا كبيرا من االهتمام في‬
‫حياتنا كأشخاص‪ ،‬وأصبح من المسائل الدولية التي شغلت الرأي العام العالمي‪ ،‬بسبب ما خلفه‬
‫انتشار الفيروس من تبعات كارثية فاقت كل التوقعات على الرغم من التدابير التي اتخذتها‬
‫مختلف الدول لمكافحته والحد من انتشاره ‪.‬‬

‫على أنه من الضروري التصريح بأن اكتشاف لقاح لكورونا لم يستقبل لدى الكافة‬
‫بالفرحة واالستبشار‪ ،‬بل قابله البعض بالكثير من التخوف والرفض‪ ،‬فقد أبدى العديد من‬
‫األفراد رفضهم أخذ اللقاح بل حتى أن البعض من المتخصصين في املجال الطبي أبدو الكثيرمن‬
‫التخوف من أخذ هذا اللقاح‪ ،‬سيما وأن البحوث والتجارب السريرية التي خضعت لها هذه‬
‫اللقاحات لم تأخذ وقتها الكافي‪ ،‬إذ ال يمكن أن نتجاهل أبدا حقيقة ما قد يترتب عن اللقاحات‬
‫واألدوية بشكل عام من آثار جانبية أدت بالمريض في الكثير من األحيان إلى الوفاة‪ ،‬على الرغم‬
‫من أن هذه األدوية تكون قد خضعت لتجارب سريرية استغرقت أعوام وليس مجرد شهور‪.‬‬

‫كل هذا يدفعنا ألن نتساءل بشأن الحماية القانونية المكرسة فعليا في القانون والتي‬
‫يمكن لمستعملي اللقاح اللجوء إليها و إثارتها في حالة ما إذا لحقهم الضرر‪ ،‬واألكثرمن هذا جدير‬
‫بنا التساؤل مرة أخرى‪:‬‬

‫‪ -173‬محمد فؤاد عبد الباسط‪" ،‬تراجع فكرة الخطأ‪ ،‬أساسا لمسؤولية المرفق الطبي العام (اإلتجاهات الحديثة ملجلس‬
‫الدولة الفرنس ي)"‪ ،2003 ،‬ص‪.22 .‬‬

‫‪97‬‬
‫‪2023‬‬

‫هل القواعد المفعلة حاليا في القانون تكفي لتضمن حق المضرور‪ ،‬أم قد آن األوان‬
‫لتفعيل التغييروتكريس قواعد جديدة للمساءلة ؟‬

‫من هنا يثار التساؤل عمن يتحمل المسؤولية في حالة تعرض الشخص للضرر وخاصة‬
‫وأن الشخص الذي تعرض للضررمن جراء تلك العمليات يوجد في وضعية خاصة بفعل الطابع‬
‫اإللزامي للتلقيح؟‬

‫وعليه ففرض التلقيح على األفراد من أجل حماية الصحة العامة ال يمر دون حوادث‪،‬‬
‫(المبحث األول) كما أن إعطاء شرعية للبحث الطبي على جسم اإلنسان في سياق اكتساب‬
‫العلمية الكفيلة بتطوير الصحة العامة ليس بمنأى أيضا عن مشكلة الحوادث واألضرار‬
‫(المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مسؤولية الدولة عن عمليات التلقيح اإلجباري‬

‫لقد أقرت مختلف تشريعات الصحة ألغلبية الدول على إجبارية مجموعة من التلقيحات‬
‫ضد بعض األمراض المعدية والتي من بينها‪ :‬السل‪ ،‬شلل األطفال‪ ،‬الجذري‪ ،‬الدفتيريا ‪.174...‬‬

‫فالقانون وفي مجال مكافحة بعض األمراض جعل المصلحة العامة للمجتمع أولى من‬
‫الحرية الشخصية للفرد‪ ،‬لذا سن نظام التطعيم أو التلقيح اإلجباري والذي يعتبر بمثابة إجراء‬
‫قانوني ضروري لمكافحة األمراض المعدية أكثر مما يعد تدخل علجيا‪ ،‬غير أن هذه األعمال‬
‫مثلها مثل باقي األعمال العلجية األخرى قد تتسبب في أضرار للمرض ى مما يستوجب معه قيام‬
‫مسؤولية الجهة التي تتكفل بإجرائها‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬النظام التشريعي لتعويض ضحايا التطعيم اإلجباري‬

‫لقد حقق المشرع الفرنس ي السبق وقرر مسؤولية الدولة عن عملية التلقيح اإلجباري‬
‫دون خطأ‪ ،‬حيث وضع المشرع الفرنس ي في القانون رقم ‪ 14-143‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬يوليوز سنة‬
‫‪ 1614‬نظاما للتعويض بدون خطأ تتحمله الدولة‪ ،‬وذلك من خلل المادة ‪ 3‬المعدلة بمقتض ى‬
‫المادة ‪ L.10.1‬من مدونة الصحة العامة لسنة ‪ ،1661‬والتي نصت على أن " تعويض األضرار‬

‫‪ -174‬محمد حسين منصور‪" ،‬الخطأ الطبي في العلج"‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.473 .‬‬

‫‪98‬‬
‫‪2023‬‬

‫الناتجة عن التلقيح اإلجباري‪ ،‬تطبق وفق الشروط التي تحددها هذه المدونة‪ ،‬والتي تتم في‬
‫المراكزالمسموح لها بذلك‪ ،‬تتحملها الدولة"‪.175‬‬

‫كما وسع المشرع الفرنس ي نطاق التعويض ليشمل األضرارالناتجة عن عمليات التلقيح‬
‫اإلجباري ضد فيروس اإللتهاب الكبدي نوع ‪ ،B‬وذلك من خلل المادة ‪ 104‬من قانون ‪ 4‬مارس‬
‫‪176.2002‬‬

‫فالقضاء الفرنس ي لم يفرق قبل صدور قانون ‪ 1614‬بشأن النظام المطبق للمسؤولية‬
‫اإلدارية في هذا املجال بين التطعيمات اإلجبارية واالختيارية‪ ،‬فقد كان هذا القضاء يتطلب إلقرار‬
‫المسؤولية عن التبعات الضارة ألعمال التطعيمات‪ ،‬ضرورة إثبات الخطأ الجسيم لمرفق‬
‫التطعيم‪ ،‬ولم يكن يقتض ي بالمسؤولية خارج نطاق فكرة الخطأ‪.177‬‬

‫غير أن الفقه إستند للقول بمسؤولية الدولة عن عمليات التلقيح اإلجباري‪ ،‬إلى أنه إذا‬
‫كانت عملية التلقيح اإلجباري تعد نشاطا طبيا‪ ،‬فإن منازعات التعويض الناتجة عنها لها طابع‬
‫خاص‪ ،‬ألن المتضرريوجد في وضعية خاصة بفعل الطابع اإللزامي للتلقيح‪ ،‬لذا يجب أن تتحمل‬
‫الدولة التبعات الضارة الناتجة عنه‪ ،‬ألن اإللتزام القانوني المفروض في هذه الحالة يعتبرمصدرا‬
‫لمسؤولية الدولة بدون خطأ‪ ،‬إلحتمال تعرض الشخص للخطربعد إجراء التلقيح‪.‬‬

‫فالدولة هي التي تسأل عن األضرار الناتجة عن التلقيحات اإلجبارية‪ ،‬والمسؤولية تبنى‬


‫هنا على أساس المساواة بين المواطنين في تحمل األعباء‪.‬‬

‫‪ -175‬محند بوكوطيس‪" ،‬مسؤولية الدولة في املجال الطبي‪ ،‬مقارنة تحليلية على ضوء القضاء اإلداري"‪ ،‬ص‪.62 .‬‬
‫‪176- Article 104 : « Les dispositions de l'article L. 3111 -9 du code de la santé publique sont applicables aux‬‬

‫‪personnes visées à l'article L. 3111-4 du même code qui ont été vaccinées contre l'hépatite B avant la date‬‬
‫‪d'entrée en vigueur de la loi n° 91-73 du 18 janvier 1991 portant dispositions relatives à la santé publique et‬‬
‫‪aux assurances sociales ».‬‬
‫‪Depuis la loi du 4 mars 2002 relative au droit des malades, et en vertu des dispositions du titre II de l’article‬‬
‫‪L. 1142-1 du CSP3 , un dommage directement imputables à une vaccination recommandée, lorsqu’il a eu‬‬
‫‪pour le patient des conséquences anormales eu égard à son état de santé, présente un caractère de gravité‬‬
‫‪et entraîne des conséquences sur la vie privée et professionnelle, ouvre droit à réparation au titre de la‬‬
‫‪solidarité nationale Le régime d’indemnisation relève alors également de l’Oniam.‬‬
‫‪ -177‬حمدي علي عمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.234 .‬‬

‫‪99‬‬
‫‪2023‬‬

‫ويعد صدور قانون ‪ 1614‬والذي أقر نظام المسؤولية دون خطأ على عاتق الدولة عن‬
‫األضرار الناتجة عن التطعيمات اإلجبارية‪ ،‬أقر نظام المسؤولية دون خطأ للدولة عن أضرار‬
‫التطعيمات اإلجبارية وهذا النظام تبنى نظرية املخاطر من خلل تصوره وجود مخاطر على‬
‫األشخاص الخاضعين للتلقيح اإلجباري‪ ،‬غير أنه إشترط شرطان إلقرار المسؤولية دون خطأ‪،‬‬
‫وهما أن يكون الضررالذي أصاب الضحية منسوب لتطعيم له طابع إجباري‪ ،‬وضرورة أن يكون‬
‫التطعيم قد مورس في مركز معتمد للتطعيم‪178.‬‬

‫ومن هذا المنطلق قدرمجلس الدولة بأن رابطة السببية بين الضرر والتطعيم اإلجباري‬
‫قائمة‪ ،‬لما كان فعل التطعيم عامل مشددا للحالة المرضية للضحية‪.‬‬

‫غيرأن سرعان ما تدخل المشرع الفرنس ي بقانون ‪ 401.75‬المؤرخ ‪ 1675/5/21‬الذي ألغى‬


‫التفرقة بين التلقيح في مراكز معتمدة والذي يتم في غيره من المراكز في عيادة خاصة أو مركز‬
‫غيرمعتمد‪.‬‬

‫وبخصوص التشريع المغربي وكأغلب التشريعات وخصوصا العربية‪ ،‬أغفلت أن تسن‬


‫نظاما تشريعيا يتطرق لمسؤولية الدولة عن أضرار التلقيح والتعويض عنها‪ ،‬ويبقى بذلك‬
‫خاضعا للقواعد العامة للمسؤولية‪.‬‬

‫‪ -178‬زياد خالد يوسف المفرجي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.221 .‬‬

‫‪111‬‬
‫‪2023‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحلول القضائية للمسؤولية عن التطعيم اإلجباري‬

‫أما عن موقف القضاء اإلداري الفرنس ي‪ ،‬ففي بداية األمر‪ ،‬أي في ظل غياب النصوص‬
‫القانونية التي تتحدث عن هذه المسؤولية‪ ،‬كان يرفض تعويض المرض ى المضرورين من عملية‬
‫التلقيح اإلجباري في حالة غياب أي خطأ يثبت مسؤولية الجهة التي تولت القيام بهذا العمل‬
‫العلجي‪ ،‬وبالتالي فإن مسؤولية المر افق الصحية العمومية ال تقوم إال في حالة وجود خطأ‬
‫مرفقي‪ ،‬ولكن بعد ذلك بدأ القضاء الفرنس ي يعرف بعض الليونة‪ ،‬إذ أقر بهذه المسؤولية على‬
‫أساس الخطأ المفترض‪ ،‬ولقد إعتبرالقضاء اإلداري أن العدوى التي أصابت الطفل ‪179Dejous‬‬

‫وسبعة أطفال آخرين‪ ،‬من جراء عملية التلقيح اإلجباري‪ ،‬التي خضعوا لها‪ ،‬تشكل سوء في سير‬
‫المرفق الصحي العمومي‪ ،‬من شأنه أن يؤدي إلى قيام مسؤولية هذا المرفق‪.‬‬

‫وكما سبق الذكر‪ ،‬فإن مجلس الدولة الفرنس ي قبل ‪ 1614‬كان يرفض رفضا قاطعا تطبيق‬
‫أحكام المسؤولية على أساس املخاطر‪ ،‬وهذا رغم الجهود التي كان يبذلها مفوضوا الحكومة‬
‫للضغط عليه في هذا املجال‪.‬‬

‫وفي قرارصادرعن املحكمة اإلدارية ببوردو‪ ،‬بين القاض ي اإلداري بأن العمل يأخذ مفهوما‬
‫مختلفا‪ ،‬وذلك بسبب الطابع اإللزامي لعمليات التلقيح اإلجباري التي تفرض على األفراد في إطار‬
‫المصلحة العامة‪ ،‬فإذا ألحقت بهم ضررا خاصا وغيرعاد‪ ،‬فإن مسؤولية الدولة تقوم دون خطأ‪،‬‬
‫و أنه عندما ينتج هذا اإللتزام عن نص قانوني لم ينص على تعويض معين‪ ،‬فما يلحظ أنه رغم‬
‫إقرارالمسؤولية بدون خطأ إال أنه أقامها على أساس إنعدام المساواة أمام األعباء العامة وليس‬
‫على أساس املخاطر‪.‬‬

‫غيرأن المشرع الفرنس ي حسم موقفه في مجال التلقيحات اإلجبارية بموجب قانون ‪1614‬‬
‫المعدل للمادة ‪ 10‬من قانون الصحة حيث نص بموجب المادة الثالثة على المسؤولية بدون‬
‫خطأ للدولة عن األضرار التي يمكن أن تحدث‪180.‬‬

‫‪ -179‬محمد فؤاد عبد الباسط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.55 .‬‬


‫‪ -180‬منيررياض حنا‪ ،‬مرجع سابق ص‪.151 .‬‬

‫‪111‬‬
‫‪2023‬‬

‫أما عن إجتهاد القضاء اإلداري المغربي في الموضوع فقد أشار حكم للمحكمة اإلدارية‬
‫بالبيضاء بتاريخ ‪ 17‬دجنبر ‪ 2009‬إلى مسؤولية المرفق الصحي‪ ،‬معتبرة أن فقدان الضحية‬
‫لحاسة السمع من جراء التلقيح اإلجباري الذي خضع له بواسطة أحد األطباء العاملين‬
‫بمستوصف األمل العمومي‪ ،‬ضررا جسيما وال تتحلل اإلدارة من المسؤولية إال بإثبات خطأ‬
‫المضرور‪181.‬‬

‫وبخصوص التلقيح ضد كوفيد‪ ،16-‬يبقى اختياريا وجميع الدول لم تفرضه على‬


‫المواطنين‪ ،‬ولم تجعله إجباريا‪ ،‬تماشيا مع ما نادت به منظمة الصحة العالمية‪ ،‬وهنا يطرح‬
‫اإلشكال بالنسبة لألضرار الناتجة عن اللقاحات المضادة لفيروس كورونا‪ ،‬إذ ما دام أنها‬
‫اختيارية وغير إجبارية فل مجال للحديث عن مسؤولية الدولة‪ ،‬وأن هذه األخيرة ال يمكن أن‬
‫تتحمل األضرارالناتجة عنها‪.‬‬

‫وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض بالمغرب بحيث اعتبرت أن‪" 182‬الدولة مسؤولة عن‬
‫األضرار التي تنتج عن التلقيح اإلجباري‪ ،‬وجعل القرار المشار إليه أن أساس التعويض هو‬
‫التضامن بين أفراد املجتمع في تحمل األخطار االجتماعية بصرف النظر عن قيام الخطأ من‬
‫عدمه"‪ ،‬حيث إننا في حالة التلقيح اإلجباري المفروض من طرف الدولة‪ ،‬ال نلتفت لوجود الخطأ‬
‫من عدمه‪ ،‬بل يكفي حصول الضرر من التلقيح لتقوم مسؤولية الدولة ويكون التعويض‬
‫مستحقا للضحية‪ ،‬وبمفهوم معاكس فالدولة ال تتحمل أي مسؤولية بالنسبة ملخاطر التلقيح‬
‫االختياري‪.‬‬

‫وتبقى توصيات منظمة الصحة "هي اآللية العالمية األولى والوحيدة للتعويض عن‬
‫اإلصابات الناجمة عن اللقاح‪ ،‬حيث يتم تمويل برنامج التعويض من مبالغ تأخذ من كل جرعة‬
‫لقاح مدعومة من قبل برنامج (كوفاكس)‪".183‬‬

‫‪ -181‬محند بوكوطيس‪" ،‬مسؤولية الدولة في املجال الطبي‪ ،‬مقارنة تحليلية على ضوء القضاء اإلداري"‪ ،‬ص‪.63 .‬‬
‫‪ -182‬قرارعدد ‪ 231/2‬صادربتاريخ ‪ 11/04/2013‬في الملف اإلداري عدد ‪.742/4/2/2012‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪ -183‬وقعت منظمة الصحة العالمية اتفاقا مع شركة تشب املحدودة )‪ (NYSE: CB‬من خلل شركة إيزس التابعة لشركة تشب‪،‬‬
‫ً‬
‫نيابة عن مرفق كوفاكس في ‪ 17‬شباط‪ /‬فبراير‪ 2021‬إلدارة برنامج التعويض عن الضرربغض النظرعن الطرف المسؤول عنه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫في البلدان واالقتصادات المنخفضة والمتوسطة الدخل البالغ عددها ‪ 62‬بلدا و اقتصادا‪ ،‬المؤهلة لتلقي الدعم عن طريق‬
‫آلية االلتزام المسبق للسوق لمرفق كوفاكس التابع للتحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫‪2023‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فالملحظ أن الشركات العالمية التي أنتجت اللقاحات وقدمتها مقابل‬
‫تكلفة مالية مناسبة‪ ،‬اشترطت عدم تحملها مسؤولية التعويض في حال حدوث مضاعفات‬
‫بسبب التلقيح‪ ،‬فاألمر يعد تعسفا‪ ،‬ولكن عند قياسه بحاجة الدول إلى اللقاح في أسرع وقت‬
‫وبتكلفة مقدور عليها‪ ،‬فإنه يدخل في إطار تسريع وتيرة تصنيع لقاح يحتاجه العالم للحد من‬
‫تداعيات الوباء‪.‬‬

‫كما أن جبر الضرر يبقى من مسؤولية الدولة‪ ،‬لكن األمر يحتاج تأطيرا قانونيا مفصل‪،‬‬
‫فقانون الشغل مثل‪ ،‬الذي يؤطر علقة المشغل باألجير‪ ،‬ال يضم بنودا تتعلق بهذه الحالة‬
‫المستجدة المتعلقة بفرض التلقيح بمقرات العمل وال اإلجراءات المترتبة في حال تعرض‬
‫الموظف ألي ضرر‪ ،‬وبالتالي تبقى لجنة اليقظة الدو ائية الجهة الوحيدة التي تنظر في ملفات‬
‫المتضررين في حدود إمكانيات المنظومة الصحية المغربية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مسؤولية الدولة عن املخاطرالعلجية الطبية المستحدثة‬

‫يستخلص من مبدأ إحترام سلمة جسم اإلنسان الذي تكرسه المواثيق والقوانين‪ ،‬بأن‬
‫الجسم البشري بجميع مكوناته وعناصره ال يمكن أن يكون محل لمعاملت مالية‪ ،‬وبأن‬
‫االستثناء بإمكانية المساس بسلمة اإلنسان مرتبطا بالضرورة الطبية‪ ،‬مع وجوب الحصول‬
‫دائما على الرضا المسبق للشخص المعني بخلف الحاالت التي ال تسمح فيها حالة الشخص‬
‫بالتعبير‪184.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلطارالقانوني لألبحـاث الطبيــة‬

‫في املجال الطبي يفيد المبدأ بأن تقدم العلوم والتقنيات الطبية ال يمكن أن يخطوا‬
‫خطواته على حساب كرامة اإلنسان التي تثبت له من لحظة ميلده‪ ،‬لذلك كانت القوانين تحرم‬
‫التجارب الطبية على جسم اإلنسان‪ ،‬إال أن الضرورية الطبية فرضت نفسها ومنحت القوانين‬

‫‪ -184‬منذر الفضل‪" ،‬التجربة الطبية على الجسم البشري ومدى الحماية التي يكفلها القانون المدني والقوانين العقابية‬
‫والطبية"‪ ،‬مجلة الكوفة العدد ‪ ،7‬سنة ‪ ،2010‬ص‪.15 .‬‬

‫‪113‬‬
‫‪2023‬‬

‫الطابع الشرعي لألبحاث على جسم اإلنسان وحدد إطاره القانون من خلل وضع أحكام لحماية‬
‫األشخاص الذين يصبون أنفسهم للبحث الطبي‪.185‬‬

‫إذ يعتبر البحث الطبي في المؤسسات الطبية العامة والخاصة أمرا ال يستغنى عنه‪،‬‬
‫فالدواء الجديد ال يمكن الثقة في استعماله قبل تجريبه على األشخاص‪ ،‬كما أن ضرورة البحث‬
‫تفرض نفسها في التقنيات الجراحية وفي جميع أنشطة الصحة‪.186‬‬

‫غيرأنه و أثناء تقديم العلجات الطبية المستحدثة على ضوء التطورالعلمي‪ ،‬قد تتسبب‬
‫في اضرار للمرض ى من جراء هذا العلج الجديد‪ ،‬وهي العلجات التي قد تكون حتى من الناحية‬
‫العلمية غيرحاسمة في علج مرض معين‪ ،‬أو ينتج عنها أثارجانبية غيرمتوقعة الحدوث‪.‬‬

‫وفي هذا السياق وأمام الحقيقة التي فرضها التجريب العلمي على جسم اإلنسان جاء‬
‫القانون رقم ‪ 29.13‬المتعلق بحماية األشخاص الذين يشاركون في األبحاث البيوطبية‪187.‬‬

‫حيث يعد أول قانون مغربي وهو مستلهم من الخبرات األجنبية وال يتعارض مع القيم‬
‫الدينية واألخلقية‪ ،‬إذ ينص على المو افقة الطوعية والحرة والمستنيرة لألشخاص المشاركين‬
‫في األبحاث البيوطبية‪ ،‬حيث يشترط إعتماد الرأي اإليجابي للجنة األخلقية وحماية األشخاص‬
‫كقيمة أخلقية‪.‬‬

‫وتستند الحاجة الملحة لتوفير هذا اإلطار القانوني إلى اإلستجابة لمضامين الدستور‬
‫المغربي واإلتفاقيات الدولية‪ ،‬والمعاهدات الرامية إلى تكريس حقوق اإلنسان وإحترام كرامته‬
‫وسلمته الجسدية‪.‬‬

‫‪ -185‬منذرالفضل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.20 .‬‬


‫‪186 - article L.109-7 du code de la santé publique français : « Pour les recherches biomédicales sans finalité‬‬

‫‪thérapeutique directe, le promoteur assume, même sans faute, l’indemnisation intégrale des conséquences‬‬
‫»‪dommageables de la recherche pour la personne qui s’y prête...‬‬
‫‪- article L.209-7 du code de la santé publique français : «Pour les recherches biomédicales à finalité‬‬
‫‪thérapeutique directe, le promoteur assume l’indemnisation des conséquences dommageables de la‬‬
‫‪recherche pour la personne qui s’y prête, sauf preuve à sa charge, que le dommage n’est pas imputable à sa‬‬
‫» ‪faute ...‬‬
‫‪ -187‬ظهيرشريف رقم ‪ 1.15.110‬الصادرفي ‪ 19‬من شوال ‪ 4( 1431‬أغسطس ‪ )2015‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 29.13‬المتعلق بحماية‬
‫األشخاص المشاركين في األبحاث البيوطبية‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫‪2023‬‬

‫وقد حدد المشرع شروط إجراء األبحاث حيث ال يمكن إنجازها إال في مؤسسات الصحة‬
‫التابعة للدولة حسب المادة ‪ ،24‬فالهدف األساس ي للقانون هو ضمان حماية وسلمة اإلنسان‬
‫وفي سبيل ذلك حدد الشروط الضرورية التي تعطي للبحث صبغته القانونية‪ ،‬وعليه فإن‬
‫مباشرة البحث العلمي دون تو افرأحد الشروط األساسية يفتح باب المسؤولية‪.‬‬

‫وهو ما نصت عليه المادة ‪" 34‬يتحمل المتعهد مسؤولية األضرار التي تلحق بصحة‬
‫المشارك أثناء إنجاز البحث أو بعد توقيفه أو انتهائه‪ ،‬عند ثبوت علقة سببية بين البحث‬
‫واألضرارويضمن المتعهد التعويض الكامل للمتضررأولذوي حقوقه في حالة وفاته‪ ،‬وذلك مهما‬
‫كانت المدة الفاصلة بين تاريخ البحث وتاريخ ظهور الضرر‪ ،‬وبالتالي فنظام المسؤولية الطبية‬
‫حقق نوعا من التوازن بين التقدم العلمي واستخدام التقنيات العلجية الجديدة وبين املخاطر‬
‫االستثنائية المتولدة عنها"‪.‬‬

‫وبعد ظهور جائحة كورونا كان لزاما ظهور علجات سريعة وفعالة‪ ،‬وهذا ما جعل الدولة‬
‫المغربية كغيرها من الدول اتخاد قرارات سريعة ومنها الترخيص للمستشفيات المغربية في‬
‫استخدام دواء ‘الكلوروكين’ و ‘هيدروكس ي كلوروكين’ لعلج المصابين بفيروس كورونا بمختلف‬
‫جهات المملكة‪ ،‬ويأتي ذلك بعد مو افقة السلطات الصحية رسميا على السماح باستعمال‬
‫الدو ائين في كامل مستشفيات البلد‪ ،‬وذلك لعلج المصابين بفيروس كورونا‪ ،‬بعد أن ثبتت‬
‫فاعلية العقار بعدد من الدراسات الوطنية واألجنبية‪ ،‬شجعت السلطات المغربية املختصة‬
‫على الترخيص الستعماله‪ ،‬لفائدة مرض ى كورونا المستجد‪ ،‬كما تعهدت وزارة الصحة بضمان‬
‫توفيرالدو ائين و إقرارتدابيرصارمة الستخدامها لفائدة المصابين‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الحلول القضائية للمسؤولية عن املخاطرالعلجية الطبية المستحدثة‬

‫إن المر افق الطبية العمومية و أثناء تقديم العلجات الطبية المستحدثة على ضوء‬
‫التطور العلمي‪ ،‬قد تتسبب في أضرار للمرض ى من جراء هذا العلج الجديد‪ ،‬وهي العلجات التي‬
‫قد تكون حتى من الناحية العلمية غيرحاسمة في علج مرض معين‪ ،‬أو قد ينتج عنها آثار جانبية‬
‫غير متوقعة الحدوث‪188.‬‬

‫‪ -188‬محند بوكوطيس‪" ،‬مسؤولية الدولة في املجال الطبي‪ ،‬مقارنة تحليلية على ضوء القضاء اإلداري"‪ ،‬ص‪.63 .‬‬

‫‪115‬‬
‫‪2023‬‬

‫وبالنظرإلى هذه النظريات الحديثة في املجال الطبي ونتيجة إلستخدام التقنيات العلجية‬
‫الجديدة‪ ،‬زادت املخاطرالتي ولدت أضرارا خاصة وغيرعادية للمرض ى المعالجين دون قيام أي‬
‫خطأ من جانب المرفق الطبي‪.‬‬

‫والقاض ي اإلداري إزاء األضرار الخاصة وغير العادية الجسامة التي أصابت المرض ى‬
‫نتيجة إستخدام تقنيات علجية جديدة‪ ،‬تخلى عن موقفه بشأن المسؤولية على أساس الخطأ‬
‫و إنتقل إلى مجال المسؤولية دون خطأ لحماية هؤالء المرض من التقنيات الجديدة‪189.‬‬

‫وقد طبق القضاء اإلداري الفرنس ي المسؤولية على أساس املخاطر ألول مرة في مجال‬
‫األعمال الطبية والجراحية‪ ،‬بموجب قرارصادرعن محكمة االستئناف "بليون" بتاريخ ‪ 21‬دجنبر‬
‫‪ 1660‬في قضية ‪ Gomez‬والتي تتلخص وقائعها في أن الطفل المدعوا ‪ Gomez‬البالغ من العمر‬
‫‪ 15‬سنة أدخل المستشفى إلجراء عملية جراحية في العمود الفقري‪ ،‬وعلى إثرها ظهرت‬
‫مضاعفات جسيمة إنتهت بعد ‪ 31‬ساعة بإصابة الطفل بالشلل في أطر افه السفلى نتيجة‬
‫إستخدام طريقة علج جديدة تدعى ‪ Méthode de luque‬غير معروفة النتائج بشكل كبير‪ ،‬في‬
‫أول األمر رفضت املحكمة اإلدارية التعويض عن الضرر اللحق بالطفل على أساس غياب أي‬
‫خطأ صادرمن الطبيب أوأحد معاونيه‪ ،‬فاستأنفت عائلة ‪ Gomez‬هذا الحكم وأصدرت محكمة‬
‫إستئناف ليون قرارا يقض ي بأن إستعمال طريقة علجية حديثة تعرف بـ ‪ luqué‬يمكن أن يسبب‬
‫خطرا للمرض ى الذين يخضعون لها‪ ،‬خاصة أن نتائجها غيرمعروفة بعد‪ ،190‬وأن حالة المريض‬
‫لم تفرض إستخدامها‪ ،‬مما يؤدي إلى إثارة مسؤولية المستشفى عن المضاعفات التي تعتبر‬
‫نتيجة حتمية ومباشرة للطريقة المستعملة ‪ luqué‬حتى بعد غياب الخطأ‪191.‬‬

‫وقد أثارهذا الحكم إحتجاجا في األوساط الطبية والقانونية‪ ،‬كما أثاركثيرا من التساؤالت‬
‫واإلستفسارات بين الفقهاء حول قيمته والمنظور الجديد له‪ ،‬نظرا ألنه قرر ألول مرة منح‬
‫التعويض للمرض ى المنتفعين بخدمات المرفق‪.‬‬

‫‪ -189‬حمدي علي عمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.290‬‬


‫‪ 190‬سهيل يوسف الصويص‪ " :‬مسؤولية الطبيب بين حقوق المريض ومتطلبات القانون الحديث"‪ ،‬دارورد األردنية للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،2007‬ص‪.153‬‬
‫‪ -191‬محند بوكوطيس‪" ،‬مسؤولية الدولة في املجال الطبي‪ ،‬مقارنة تحليلية على ضوء القضاء اإلداري"‪ ،‬ص‪.64 .‬‬

‫‪116‬‬
‫‪2023‬‬

‫غير أنه ال يمكن إعتبار المريض الذي يخضع عن كره لتقنية علجية جديدة معاونا‬
‫للمرفق الطبي بمساهمته في تأكيد نتائج العلج‪ ،‬ألن قضاء مجلس الدولة الفرنس ي المتعلق‬
‫بمسؤولية اإلدارة دون خطأ من جانبها عن األضرار التي تصيب األفراد الذين يساهمون‬
‫بمعاونتهم في إدارة المرفق‪ ،‬يشترط إلقرارالمسؤولية في هذه الحالة‪ ،‬أن تتم المساهمة للمرفق‬
‫إما بتكليف من اإلدارة أو تلبية لطلب منها أو تطوعا من األفراد في حالة الضرورة‪.192‬‬

‫والمريض الذي يخضع باإلكراه إلستخدام العلج الجديد ال يندرج تحت أي من هذه‬
‫الشروط‪ ،‬وبالتالي ال يمكن إعتباره معاونا للمرفق‪ ،‬بل يجوز مساءلة الطبيب أو المرفق على‬
‫أساس الضغط المؤثروالذي يشوب حرية المريض في اإلختيار‪ ،‬فالمريض إنسان حرله حقوق‬
‫مقدسة على جسمه‪ ،‬ال يجوزالمساس بها بغيررضائه ويجب أن يكون الرضا خاليا من أي إكراه‪.‬‬

‫ومن المؤكد أن المرض ى المنتفعين بنشاط المرفق الطبي هم أكثرالفئات تعرضا ملخاطر‬
‫النشاط الطبي‪ ،‬فالحادث الذي يقع للمريض أثناء العلج أو العملية الجراحية التي تمارس‬
‫بإستخدام تقنية علجية جديدة في غيرحاالت الضرورة واإلستعجال‪ ،‬يجب أن يؤدي إلى مساءلة‬
‫اإلدارة إذا ما نشأ عنه ضررخاص وإستثنائي دون حاجة إلى إثبات وقوعها في خطأ‪.‬‬

‫ومن هنا يمكن القول بأن حكم ‪ Gomez‬يعتبر حالة جديدة من حاالت المسؤولية دون‬
‫خطأ للمرفق الطبي‪ ،‬وإليضاح الغموض الذي أحاط بهذا الحكم يتعين علينا معرفة البواعث‬
‫التي دفعت القاض ي اإلداري للحكم بمسؤولية المرفق الطبي دون خطأ على أساس الخطر‬
‫ى المنتفعين بخدمات المرفق‪ ،‬حيث توجد ثلثة بواعث‪193:‬‬ ‫العلجي تجاه المرض‬

‫‪ -‬الباعث األول‪ :‬المضاعفات اإلستثنائية وغيرالعادية الجسامة التي أصابت المضرور‪.‬‬

‫‪ -‬الباعث الثاني‪ :‬غياب األسباب الضرورية التي تستلزم اللجوء للتقنية العلجية‬
‫الجديدة‪.‬‬

‫‪ -‬الباعث الثالث‪ :‬إستخدام تقنية علجية جديدة لم تكن نتائجها معلومة تماما‪.‬‬

‫‪ 192‬سهيل يوسف الصويص‪ :‬مرجع سابق‪.155 ،‬‬


‫‪ -193‬حمدي علي عمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.265 .‬‬

‫‪117‬‬
‫‪2023‬‬

‫أما القضاء المغربي فقد إعتبر بمناسبة تقرير مسؤولية الدولة عن العلجات الخطيرة‪،‬‬
‫أن األضرار الناتجة عن معالجة المرض ى بإستعمال األدوية الخطيرة‪ ،‬مسؤولية مبنية على‬
‫أساس املخاطر‪ ،‬وذلك في قضية » ‪ Pasqui contre le docteur « dalonnée‬إذ إعتبرت املحكمة‬
‫أن إستعمال الدواء أدى إلى شلل المضرور‪ ،‬يحمل الدولة المسؤولية على أساس مشاطرة مع‬
‫المتضرر‪ ،‬وهو نفس اإلتجاه الذي ذهبت إليه الغرفة اإلدارية بمحكمة النقض‪ ،‬وذلك في قضية‬
‫"زح" بتاريخ ‪ 21‬نونبر ‪ 1676‬حيث قررت المسؤولية في هذه القضية على أساس املخاطر ويتعلق‬
‫األمر فيها بتقديم األقراص "الفنازيل" لتلميذ المدرسة اإلبتدائية من أجل الوقاية ضد مرض‬
‫معدي وتسببت هذه األقراص في قروح في عين الطفل "ز" و إنتهت بفقدان بصره‪.‬‬

‫إال أن القضاء عموما‪ ،‬ورغم أنه أقر مسؤولية الدولة في املجال الطبي‪ ،‬في الحالة التي‬
‫تحدث فيها أضرارا للمرض ى‪ ،‬وأسس هذه المسؤولية على نظرية املخاطر حينا وعلى مبدأ‬
‫المساواة أمام األعباء العامة في أحيان أخرى‪ ،‬فلم يكن ذلك بشكل مطلق وفي جميع الحاالت‪،‬‬
‫بل وضع شروطا لتطبيق نظرية املخاطر‪ ،‬والتي تستمد من الشروط التي وضعها الفقه القانوني‬
‫لهذه النظرية منذ ظهورها‪.‬‬

‫وعلى ذلك أوضح القضاء أن المسؤولية دون خطأ ال تقوم إال إذا كان العمل الطبي الذي‬
‫تسبب في الضررضروريا للتشخيص أولعلج المريض‪ ،‬ويكون الخطرالذي يمكن حدوثه معروف‬
‫الوجود‪ ،‬لكن نسبة حدوثه تبقى إستثنائية‪ ،‬كما يشترط في الضرر الناتج عن العمل الطبي أن‬
‫يكون شديد الخطورة‪ ،‬حيث ال يبدي المريض إستعداد خاص لهذا الخطر‪194.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫من الملحظ أن الحديث عن جبرالضرريصطدم بضعف الميزانية والموارد المالية من‬


‫جهة‪ ،‬وبضعف في مجال التشريع في هذا الباب من جهة أخرى‪ ،‬فالمغرب في حاجة إلى المزيد من‬
‫القوانين التي تنظم مثل هذه الحاالت بشكل دقيق وواضح‪.‬‬

‫فمن الصعب الحديث عن التعويضات في ظل عدم وجود صندوق وطني للتضامن‪،‬‬


‫فهذه الصناديق عبر العالم يتم تمويلها بواسطة الضرائب واالشتراكات‪ ،‬وهو ما يطرح سؤال‬

‫‪ -194‬محند بوكوطيس‪" ،‬مسؤولية الدولة في املجال الطبي‪ ،‬مقارنة تحليلية على ضوء القضاء اإلداري"‪ ،‬مرجع سابق ص‪.65 .‬‬

‫‪118‬‬
‫‪2023‬‬

‫قدرة المواطنين بالمغرب على المساهمة في هذا الجانب في ظل وضعية فئة عريضة من ذوي‬
‫الدخل املحدود والمتوسط‪.‬‬

‫كما ال يمكن للدولة أن تتملص من مسؤوليتها في األضرار الناتجة عن اللقاحات‬


‫المضادة لفيروس كورونا ‪ -‬والتي ظهرت عند مجموعة من األشخاص ‪ -‬على اعتبار أنها دعت‬
‫المواطنين بصفة ملحة وبشتى الطرق إلى أخد جرعاتهم من اللقاحات‪ ،‬بل إنها فرضت جواز‬
‫التلقيح وحرمت غير حامليه من غير الملقحين من ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي‬
‫وحرمتهم من أبسط حقوقهم في تعارض تام مع الدستور والمواثيق الدولية‪ ،‬وهذا كاف للقول‬
‫بقيام مسؤوليتها‪ ،‬ألن فرض التلقيح كان إجباريا بطريقة غيرمباشرة‪.‬‬

‫وبالتالي فالدولة المغربية ملزمة ومطالبة اليوم باحترام توصيات منظمة الصحة‬
‫العالمية وذلك بإصدار مرسوم خاص للتعويض عن أضرار التطعيم ضد (كوفيد ‪ )16-‬لكل‬
‫األشخاص الذين أصيبوا بآثارجانبية شديدة نتيجة تلقي اللقاح‪ ،‬واألخد بتجارب دول تتوفرعلى‬
‫صندوق خاص بالتعويض عن اآلفة الطبية والتأمين على األخطاء الطبية‪ ،‬يلجأ إليه كل من‬
‫يصاب بأعراض جانبية خطيرة بسبب اللقاح تؤدي إما إلى عاهة مستديمة أو إلى الوفاة‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫محمد حسين منصور‪" ،‬الخطأ الطبي في العلج"‪ ،‬املجموعة المتخصصة في‬ ‫‪‬‬
‫المسؤولية القانونية للمهنيين‪ ،‬الجزء األول المسؤولية الطبية‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‬
‫بيروت لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.2004‬‬

‫زياد خالد يوسف المفرجي‪" ،‬المسؤولية اإلدارية عن األعمال الطبية‪ ،‬دراسة‬ ‫‪‬‬
‫مقارنة"‪ ،‬منشورات زين الحقوقية بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2011‬‬

‫سهيل يوسف الصويص‪ " :‬مسؤولية الطبيب بين حقوق المريض ومتطلبات‬ ‫‪‬‬
‫القانون الحديث"‪ ،‬دارورد األردنية للنشروالتوزيع‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.2007‬‬

‫عبد الحميد ثروت‪" ،‬تعويض الحوادث الطبية‪ ،‬مدى المسؤولية عن‬ ‫‪‬‬
‫التداعيات الضارة للعمل الطبي"‪ ،‬دارالجامعة الجديدة للنشر‪.2007 ،‬‬

‫‪119‬‬
‫‪2023‬‬

‫محمد فؤاد عبد الباسط‪" ،‬تراجع فكرة "الخطأ" أساسا لمسؤولية المرفق‬ ‫‪‬‬
‫الطبي العام‪( ،‬اال تجاهات الحديثة ملجلس الدولة الفرنس ي)"‪ ،‬دار النشر منشأة المعرف‬
‫اإلسكندرية ‪.2003‬‬

‫محند بوكوطيس‪" ،‬مسؤولية الدولة في املجال الطبي‪ ،‬مقاربة قانونية تحليلية‬ ‫‪‬‬
‫على ضوء القضاء اإلداري"‪ ،‬منشورات مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية‪ ،‬سلسلة‬
‫البحوت الجامعية‪ ،‬العدد ‪. 2014 ،3‬‬

‫منذرالفضل‪" ،‬التجربة الطبية على الجسم البشري ومدى الحماية التي يكفلها‬ ‫‪‬‬
‫القانون المدني والقوانين العقابية والطبية"‪ ،‬مجلة الكوفة العدد ‪ ،7‬سنة ‪.2010‬‬

‫منير رياض حنا‪" ،‬األخطاء الطبية في الجراحات العامة والمتخصصة"‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪‬‬
‫األولى‪ ،‬دارالفكرالجامعي‪.2013 ،‬‬

‫‪111‬‬
‫‪2023‬‬

‫الصيغ الحديثة الستثمار األموال الوقفية‪ :‬صناديق االستثمار‬


‫الوقفية أنموذجا‬
‫‪Modern formulas for investing endowment funds: endowment investment funds as a model‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعيش عالم اليوم تطورا سريعا شمل جميع مناحي الحياة‪ ،‬وهذا التطور شمل أيضا‬
‫مختلف التصرفات القانونية التي يقوم اإلنسان بإبرامها‪ ،‬ومجال الوقف ليس بمنأى عن هذا‬
‫التطور؛ ذلك أن عنصرالديمومة الذي يقوم عليه يستلزم بالضرورة التفكيرالمستمرفي كل ما‬
‫يمكنه المساهمة في الحفاظ على الوقف وتعميره وتثميره على نحو يحقق المقاصد التي أنشأ‬
‫من أجلها والتي تروم أساسا تقديم الخدمات املختلفة في مجاالت حساسة كالصحة والتعليم‬
‫ومحاربة الهشاشة االجتماعية وتحقيق التكافل االجتماعي بين مختلف مكونات املجتمع‪.‬‬

‫وهكذا يعد مجال استثماراألموال الوقفية مجاال خصبا للبحث والتحديث في كل الصيغ‬
‫االستثمارية التي من شأنها أن تساهم في تحقيق مقاصد الوقف وتنميه على نحو أفضل من‬
‫غيرها من الصيغ التقليدية؛ ككراء األموال الوقفية أو معاوضتها بأموال أخرى أكثر نفعا من‬
‫حيث المردودية‪ ،‬في ظل احترام خصوصية المؤسسة الوقفية وما تتطلبه من شروط‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫‪2023‬‬

‫وقد ظهرت في الوقت المعاصرالعديد من التصرفات االستثمارية ذات الطابع التجديدي‬


‫في تدبيرواستثمار األموال الوقفية والتي أبانت التجربة في العديد من دول العالم وبشكل خاص‬
‫بالعالم اإلسلمي عن نتائج محمودة‪ ،‬والتي يمكن للمغرب االستفادة منها مستقبل في هذا‬
‫اإلطار ‪ ،‬اعتماد صيغة صناديق االستثمار الوقفية لتثمير أموال الوقف‪ ،‬وتعد هذه الصناديق‬
‫أنموذجا مبتكرا ومنتجا جديدا يناسب المؤسسات الوقفية‪ ،‬إذ يشكل أحد أهم أوعية إدارة‬
‫واستثمار أموال وأصول األوقاف‪ ،‬التي تجمع بين حبس األصل وتنميته واستثمار عوائده في‬
‫مصارف خيرية وتنموية متنوعة‪ ،‬كما أن له أثرا بالغا في تطوير قطاع الوقف وتحقيق األهداف‬
‫المرجوة منه؛ نظرا العتمادها على تنويع المشاريع الوقفية وتنظيمها وفق قالب مؤسس ي‬
‫واستثماري تتخذ من اإلدارة الحديثة أسلوبا ومن الحكامة الجيدة منهجا لضبط أعمالها‪.‬‬

‫وتقوم الصناديق المذكورة على أساس التمويل الشعبي لها من طرف شريحة كبيرة من‬
‫الو اقفين المساهمين ولو بمساهمات بسيطة القيمية يتم تحديدها من قبل إدارة الصندوق‪،‬‬
‫وهذا األمر يشكل عامل محفزا إلنشاء األوقاف من طرف صغار الو اقفين المنتمين لعامة‬
‫الشعب بحيث ال يصبح الوقف أو االنخراط في المشاريع الوقفية حكرا على الفئات الميسورة‬
‫من املجتمع‪ ،‬كما أنه ر افعة لدعم االستثمارالوطني وتحقيق التنمية‪.‬‬

‫وعليه سنحاول بحث هذه المؤسسة القانونية من خلل التطرق إلى تحديد مفهومها‬
‫وتصنيفاتها املختلفة (المطلب األول)‪ ،‬و أيضا مختلف العلقات القانونية التي تتشكل‬
‫بمناسبتها وكذا المزايا التي تختص بها عن غيرها من المؤسسات القانونية الوقفية األخرى‬
‫(المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم صندوق االستثمارالوقفي و أنواعه‬

‫يثير صندوق االستثمار الوقفي العديد من التساؤالت خاصة تلك التي تهم تحديد‬
‫مفهومه‪ ،‬نظرا للرتباط التقارب الكبيربينه وبين مؤسسات قانونية أخرى‪ ،‬بلغت في أحيان كثيرة‬
‫مستوى الخلط لدى كثير من الباحثين‪ ،195‬وهو األمر الذي يستدعي ضرورة تحديد مفهوم هذا‬

‫ط ططتث ا ن‬ ‫‪ "195‬غالبا ما يختلط على الباحثين تداخل مص ططالص الصط ططقدي المصطل ما مصطططالص الصط ططقدي المصطل ا‬
‫عام ‪ 3991‬م‪ ،‬يالص ططقاالو المص‬ ‫فعلى الرغم من صدم األيل نس طط؛ ان ئناط ط األيل من ص؛ل ال؛قم ال ططيمل للتق‬

‫‪112‬‬
‫‪2023‬‬

‫الصندوق رفعا ألي لبس (الفقرة األولى)‪ ،‬ثم أن ضبط تحديد هذه المؤسسة القانونية‬
‫وإخضاعها لمعايير تصنيفية معينة يفرز لنا مختلف التصنيفات التي يندرج تحتها تبعا‬
‫للخصوصية الوقفية التي يتمتع بها هذا الصندوق (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم صندوق االستثمارالوقفي‬

‫يتطلب منا تحديد مفهوم صندوق االستثمار الوقفي اإلحاطة بمجموعة من المفاهيم‬
‫األخرى ذات الصلة‪ ،‬وهي كاآلتي‪:‬‬

‫أوال) الصندوق االستثماري‪ :‬تجدراإلشارة بداية إلى أن فكرة إنشاء الصناديق االستثمارية‬
‫قديمة بالمقارنة مع أي نوع من الصناديق األخرى‪ ،196‬كما أنه يتعذر إيجاد جامع مانع لها‬
‫العتبارات مختلفة ترجع الختلف أشكالها و أنواعها و أنظمتها القانونية؛ فقد تكون في شكل‬
‫شركة وقد ال تكون في هذا الشكل‪ ،‬كما انها قد تتمتع بالشخصية المعنوية وال تتمتع بها‪ ،‬وهذ‬

‫فل الكم ت فل عام ‪ 3991‬م‪ ،‬ثم تم إعااة تاط ططايلما ع ط ط ن ع ل الطم يالدما التل نالت الصط ططقاالو عام ‪1003‬‬
‫تث ا ي ظمر إلى المجما عام ‪ 1002‬م‪.....‬‬ ‫م‪ ،‬نجد الصقدي المصطل ا‬
‫إلى تقييو القطا العام‪ ،‬يللم عن نر و الت؛ر‪ ،،‬يالقطا الخا‪ ،،‬يللم عن نر و األ مم‪،‬‬ ‫يالصطقدي المصطل لمد‬
‫ئ ى هم تقييو إح اء ق المصف‪....‬‬ ‫لتقييو هد‬
‫فل ال لك العرب السعماي ب طط‪:‬نه "‬ ‫تث ا ي المصطل فيد عرفته الميئ العام لأليصا‬ ‫اما ف ا يخص الصقدي ا‬
‫يجمف تدايلما‪ ،‬هدفه تمفير فر‪ ،‬المصف للع مم‬ ‫صط ط ط ططقدي ا ط ط ط ططتث ا ي ل ي له مدة مقداة‪ ،‬ج ا يحداته ممصمف‬
‫ط ططتث ا‬ ‫ط ط طماء مانت عيق ئم نيدي فل ئيجه ا‬ ‫يتل؛ القاجات ال جت ع فل ا ط ططتث ا ئممال الص ط ططقدي المص‬
‫لتمفير عائد اي ي يصططر على ا حت اجات ال جت ع من خيل نس ططب مقداة من ص ططافل ئ با الص ططقدي اليابل‬
‫للتمف ا على الجم ال ستطيدة من الصقدي باال قمي بقد ئانى "‬
‫تث ا ي‪ ،‬مجل ا صتصاا ال يمل‪،‬‬ ‫انظر ئ طام ع؛د ال جيد العانل‪ ،‬نقم تسطم و ا طترات جل للصقدي المصطل ا‬
‫ال جلد ‪ ،13‬العدا ‪ ،124‬ئبر ل ‪ 199 ، ،1013‬يما لليما‪.‬‬
‫إلى اليرم التا ططا ميياي فل ئي يبا تقدلدا هملقدا فل العام ‪ 211‬م‪،‬‬ ‫ططتث ا‬ ‫‪ "196‬تعما فكرة إناططاء الص ططقاالو ا‬
‫بتام ات يتغيرات مثيرة ت اشت ما تام ا صتصاا‬ ‫تث ا‬ ‫تلتما إنجلت ار فل عام ‪ 210‬م‪ ،‬يليد مرت الصقاالو ا‬
‫ط ط ططتث ا‬ ‫ط ط ططتث ا ع مما حتى يصط ط ططلت إلى شط ط ططال ييا و ما هل عل ه ا م‪ ،‬يصد تاط ط ططالت فكرة الصط ط ططقاالو ا‬ ‫يا‬
‫حال ا فل ئمر اا عام ‪ 911‬م ‪" ...‬‬ ‫بال طاه م اليائ‬
‫نظر تا؛ ق ‪،‬‬ ‫اا‬ ‫المص‬ ‫تث ا‬ ‫انظر ع؛د الله بن مق د الدخيل ي لاام بن مق د الجا ر‪ ،‬الصقاالو ا‬
‫ماتب ال لم فمد‪ ،‬ال لك العرب السعماي ‪ ،‬ايم لمر الابع ‪ 3111 ،‬ه‪.34، ،‬‬

‫‪113‬‬
‫‪2023‬‬

‫االختلفات والفروق لها تأثير بين في طبيعتها القانونية‪ ،‬وطبيعة صكوكها‪ ،‬وصفة الشركاء فيها‪،‬‬
‫بما يتبع ذلك من تأثير على التكييف الفقهي المتعلق بها وما يعقبه من أحكام‪197.‬‬

‫ورغم ذلك فقد حاول البعض أن يجد له تعريفا بكونه‪" :‬وعاء يتكون من مجموعة من‬
‫الوحدات االستثمارية المملوكة ألشخاص تحت إدارة شخص مرخص له من هيئة السوق‬
‫المالية "‪198.‬‬

‫جاء في تعريف آخرللدكتورمحمد علي القري أن‪ " :‬صناديق االستثمارهي محافظ تجتمع‬
‫فيها المدخرات الصغيرة لتكون حجما من األموال يمكن ان يستفيد من ميزات التنويع والذي‬
‫يؤدي إلى تقليل مخاطر االستثمار‪ .‬وتؤسس هذه الصناديق على صفة شركة استثمار‬
‫(‪ )Investment Company‬تشرف عليها جهات حكومية متخصصة لغرض الرقابة والتوجيه‪.‬‬
‫وتقوم هذه الشركات بجمع االشتراكات عن طريق إصاروحدات استثمارية متساوية القيمة عند‬
‫اإلصدار شبيهة باألسهم‪199.‬‬

‫وعلى العموم ففكرة الصناديق االستثمارية تقوم على أساس قيام عدد كبير من‬
‫المستثمرين بتجميع أموالهم‪ ،‬ويعمل وسيط مرخص له على إدارتها لصالحهم‪ ،‬وذلك لتحقيق‬
‫أرباح أكبر ال يمكنهم تحقيقها منفردين؛ لتوفر عامل مهم هو عنصر الخبرة لدى الوسيط‬
‫المذكور‪ ،‬والتي تضمن تحقيق عوائد أعلى مما قد يحققه المستثمر في حال تشغيله ألمواله‬
‫منفردا في األسوق‪ ،‬إضافة إلى أن تجميع األموال في صندوق استثماري واحد يؤدي إلى تقليص‬
‫العبء اإلداري على المستثمرين‪ ،‬لما يتطلبه ذلك من جهد وإجراءات نظامية معقدة‪ ،‬هذا‬
‫باإلضافة إلى الحد من املخاطر التي يتعرض لها المستثمر المنفرد في األسواق المالية؛ ألن‬
‫ضخامة األسهم والسندات التي تحتفظ بها الصناديق تخفف من اآلثار التي قد يخلفها تراجع‬
‫أي من هذه األدوات على األداء الكلي للصندوق االستثماري‪200.‬‬

‫‪197‬ع؛د الله بن مق د الدخيل ي لاام بن مق د الجا ر‪ ،‬مرجا ابو‪.19، ،‬‬


‫‪198‬ع؛د الله بن مق د الدخيل ي لاام بن مق د الجا ر‪ ،‬مرجا ابو‪.11 ، ،‬‬
‫ال يمل‪ ،‬بقث ميدم إلى ندية التا؛ يات ا صتصااي ال يم‬ ‫تث ا‬ ‫‪ 199‬مق د علل اليري‪ ،‬صقاالو ا‬
‫ال صرف ‪ ،‬ال لك العرب السعماي ‪ ،‬جدة‪3132 ،‬ه‪.1 ، ،‬‬
‫‪200‬انظر‬

‫‪114‬‬
‫‪2023‬‬

‫وبالتالي فصناديق االستثمارتهدف إلى تقديم الخدمات لنوعين من المستثمرين هما‪:201‬‬

‫فئة أولى‪ :‬تملك رأس المال ولكن يصعب عليها إدارتها بمفردها‪ ،‬والقيام باستثمارمدروس‬
‫والتنبؤ باألسعارواألرباح المستقبلية لهذه االستثمارات‪.‬‬

‫وفئة ثانية‪ :‬تمثل أصحاب المدخرات الصغيرة الذين ال يملكون القدر الكافي من رؤوس‬
‫األموال للدخول في استثمارات كبيرة مضمونة نسبيا وذات مخاطرأقل‪.‬‬

‫ثانيا) صناديق االستثمار اإلسلمي‪ :‬تعد ظاهرة صناديق االستثمار اإلسلمية حديثة‬
‫النشأة بحيث تعود لسنوات قليلة‪ .‬ويقصد بصندوق االستثماراإلسلمي هوذلك الذي تلتزم فيه‬
‫الجهة المدبرة له بالضوابط الشرعية فيما يخص األصول والخصوم والعمليات فيها‪ ،‬وبخاصة‬
‫ما يتعلق بتحريم الفائدة المصرفية‪ ،‬وتظهرهذه الضوابط في نشرة اإلصدارالتي تمثل اإليجاب‬
‫الذي بناء على قبول المستثمر له يشترك في ذلك الصندوق‪ ،‬وكذلك تظهر في األحكام والشروط‬
‫التي يوقعه فيها الطرفان عند االكتتاب‪202.‬‬

‫وال تعد هذه الصناديق مجرد وسيط مالي كما هو الحال في صناديق االستثمارالتي تنشئها‬
‫شركات االستثمار‪ ،‬والبنوك التقليدية‪ ،‬وشركات التأمين‪ ،‬بل إن هذه الصناديق باإلضافة إلى‬
‫ذلك تعتمد على منهج االستثمار اإلسلمي الذي يمزج بين رأس المال والعمل؛ حيث تقوم‬
‫المؤسسة المالية اإلسلمية التي تركب في تكوين الصندوق بإعداد دراسة اقتصادية لنشاط‬
‫محدد‪ ،‬وتبين جدوى االستثمار فيه‪ ،‬ثم تقوم بتمويله عن طريق االكتتاب‪ ،‬فالعقد الذي يربط‬

‫فل تطعيل اي الياا‪ ،‬المصطل ص ط ططقدي الن اء‬ ‫ط ططتث ا‬ ‫‪ ‬ح ااي مم اا يفرج الله ئحيم‪ ،‬اي الص ط ططقاالو ا‬
‫ي ف المصطل الس ط ططعماي ن ملجا‪ ،‬مجل العلمم ا صتص ط ططااي يعلمم التس ط ططيير‪ ،‬ال جلد ‪ ،39‬العدا األيل‪ ،‬اجق؛ر‬
‫‪.113 ، ،1039‬‬
‫‪ ‬ع؛د الله بن مق د الدخيل ي لاام بن مق د الجا ر‪ ،‬مرجا ابو‪ 12 ، ،‬يما لليما‪.‬‬
‫‪201‬ح ااي مم اا يفرج الله ئحيم‪ ،‬مرجا ابو‪.111 ،‬‬
‫ط ط ط ططتث ا ال ط ط ط ططيمل‪ ،‬بقث ميدم إلى ندية التا؛ يات ا صتصط ط ط ططااي ال ط ط ط ططيم‬ ‫‪202‬مق د علل اليري‪ ،‬صط ط ط ططقاالو ا‬
‫ال صرف ‪3132 ،‬ه‪.19 ، ،‬‬

‫‪115‬‬
‫‪2023‬‬

‫بين إدارة الصندوق والمكتتبين فيه هو عقد المضاربة الشرعية‪ ...‬فإدارة الصندوق هي‬
‫المضارب في حين المساهمين هم أصحاب المال‪203.‬‬

‫ثالثا) الصندوق الوقفي‪ :‬تأتي فكرة الصناديق الوقفية في إطارإدارة وتثميرالعمل الوقفي‬
‫بأسلوب مستحدث يجعل من المشاريع الوقفية عبارة عن قوالب تنظيمية تتمتع باالستقلل‬
‫المالي واإلداري وتسعى باستقللية لتحقيق الحاجات االجتماعية التنموية المطلوبة منها‪204.‬‬

‫وقد سبق لألمانة العامة لألوقاف بدولة الكويت أن عرفت الصناديق الوقفية بأنها‪" :‬‬
‫اإلطار األوسع لممارسة العمل الوقفي‪ ،‬ومن خللها يتمثل تعاون الجهات الشعبية مع‬
‫المؤسسات الرسمية في سبيل تحقيق أهداف التنمية الوقفية "؛ والملحظ أن هذا التعريف‬
‫تناول الصناديق الوقفية من حيث الغاية من إنشائها والمتمثلة في اإلطار الوسع لنشر العمل‬
‫الوقفي‪ ،‬وعن طريق توسيع قاعدة المشاركة بين القطاعات الشعبية والمؤسسات الحكومية‬
‫وغير الحكومية‪ ،‬وتحقيق الغاية السامية لهذه الصناديق وهي تحقيق التنمية الوقفية‪205.‬‬

‫وفي تعريف آخرلصندوق الوقف النقدي الذي يمثل صيغة من الصناديق الوقفية‪ ،‬يعد‬
‫هذا الصندوق وسيطا ماليا واجتماعيا غيرربحي ما بين و اقفين يلتمسون عائدا أخرويا وموقوف‬
‫لهم يحتاجون إلى تمويل ألغراض استهلكية أو استثمارية‪ .‬وبذلك فإن وساطة الصندوق‬
‫مزدوجة‪ :‬وساطة مالية ووساطة اجتماعية‪ ،‬وهو ما يترجم الدور التمويلي والدور االجتماعي‬
‫للصندوق‪206.‬‬

‫ويمثل صندوق الوقف أداة محورية في نظام الوقف‪ ،‬وهو عبارة عن وعاء لتجميع الهبات‬
‫الوقفية النقدية من الو اقفين بغرض استخدامها في الصالح العام‪ ،‬كبناء بعض المر افق أو‬

‫‪203‬ح ااي مم اا يفرج الله ئحيم‪ ،‬مرجا ابو‪.111 ، ،‬‬


‫التق م‬ ‫الص‬ ‫مسطتدام ‪ ،‬ال تت ر الثانل لأليصا‬ ‫ميترح غير تيليدي لتق‬ ‫‪ 204‬ئح د مق د هليل‪ ،‬مجا ت يص‬
‫يالرؤى ال ستي؛ل ‪ ،‬جامع ام اليرى‪ ،‬ما ال ارم ‪ 3111 ،‬ه‪ 1004 /‬م‪.19 ، ،‬‬
‫ططال ماجسططتير‪،‬‬ ‫ططتث ا ي ا ا ط فيم اصتصططااي ‪،‬‬ ‫‪205‬ئ ططام ع؛د ال جيد ع؛د الق يد العانل‪ ،‬صططقاالو المصف ا‬
‫الجامع ال يم ‪ ،‬مل الار ع ياليانمم‪ ،‬بغداا‪ ،‬السق الجامع ‪3119‬ه ‪ 1002 /‬م‪.29 ، ،‬‬
‫‪ 206‬ح م حسططين‪ ،‬تام ر مت ططسططات المصف ال ططيمل‪ ،‬ن ملج صططقدي المصف القيدي األصططغر‪ ،‬ال تت ر ال ططيمل‬
‫العاشطر ليصتصطاا يالت م ل ال طيمل الجمانل ال ت س لحصيحات ا صتصااي يالقيدي يال ال ‪ ،‬الديح ‪ ،‬صار‪،‬‬
‫‪ 11-11‬ما س ‪.1 ، ،1031‬‬

‫‪116‬‬
‫‪2023‬‬

‫شق طريق أو تمويل طلبة العلم أو غيرذلك مما يندرج ضمن المصلحة العامة‪ .207‬غيرأن الطابع‬
‫النقدي للصندوق ال يمنع من امتلك الصندوق لألصول االستثمارية العينية كاألراض ي والمباني‬
‫والمعدات والتجهيزات املختلفة‪.208‬‬

‫وتعد فكرة الصناديق الوقفية تطويرا لفكرة الوقف الجماعي على نحو أكثر مؤسسية‪،‬‬
‫وفيها يعلن الصندوق عن استعداده لتلقي أموال الو اقفين وتوكله عنهم في تأسيس أوقاف خيرية‬
‫أو رعاية أوقاف قائمة قد يحدد مجالها بنشرة اإلصدار أو يفوض في اختيار املجال الذي يعتقد‬
‫أهميته‪ ،‬مثل بناء المساجد أو صندوق بناء المياتم أو صندوق طباعة المصحف‪209.‬‬

‫رابعا) صندوق االستثمار الوقفي‪ :‬يعتبر الصندوق االستثماري الوقفي صورة من صور‬
‫المستحدثة للوقف الجماعي‪ ،‬والتي أبانت على نتائج استثمارية عالية المردود لألموال الوقفية‬
‫في الدول الغربية قبل الدول اإلسلمية‪210‬؛ ولعل تجربة الواليات المتحدة األمريكية خير دليل‬

‫الدي التق مي ياعم مطاءة صط ط ط ططقاالو المصف حال‬ ‫ح م حسط ط ط ططين‪ ،‬تصط ط ط ططا م ماط ط ط ططا ا المصف ال قتا ل لتر‬ ‫‪207‬‬

‫‪ ،‬متت ر الصامك ال يم يئايات الت م ل ال يمل‪ ،‬األ ام‪ ،‬نمن؛ر ‪ 1031‬م‪.1 ، ،‬‬ ‫صقاالو المصف الر‬
‫ح م حسط ط ط ط ط ط ططين‪ ،‬الت م طل الر طل األصط ط ط ط ط ط ططغر ئي اي للص ط ط ط ط ط ط طقطاالو المص ط فل ماطافقط الباطال يالطير فل الر ف‬ ‫‪208‬‬

‫ال غا بل؟‪ ،‬لل لتيى الديلل الثانل حمل ال ال ال يم ‪ ،‬الرؤ ال يم ل يايم الطير يالباال عن نر و الزماة‬
‫يالت م ل األصغر‪ 19-11 ،‬لمنيم ‪.9، ،1031‬‬ ‫ياأليصا‬
‫‪ 209‬ع؛د الجبا ح د ع؛يد الس ط طط؛مانل‪ ،‬يصف الص ط ططامك يص ط ططامك المصف‪ ،‬مجل جامع ال لم ع؛د العز ز ا صتص ط ططاا‬
‫ال يمل‪ ،‬العدا الثالث‪ ،‬ئكتمبر ‪.333 ، ،1031‬‬
‫للمصف التل تم إناط ططاؤها فل العالم ال ط ططيمل نجد مثي "صط ططقدي الن اء ي ف‬ ‫ط ططتث ا‬ ‫‪210‬من بين صط ططقاالو ا‬
‫‪ 03‬شطتق؛ر ‪ ،1032‬يهم صقدي‬ ‫المصف" السطعماي اليي تم نرحه بالسطم ال ال لل لك العرب السطعماي بتا‬
‫ا ططتث ا ي يصطل مطتم يماري نرحا عاما‪ ،‬تمصف يحداته لص ططالص مت ط طسط ط مس ططتا طططى ال لم ف ص ططل التخصط طص ططل‬
‫من خيل ال اط ططا م فل اعم الرعاي الصط ططق ع؛ر‬ ‫الصط ططقدي إلى تعز ز الدي التق مي لأليصا‬ ‫الخير ‪ ،‬ي مد‬
‫المصف‬ ‫األصطمل ال مصمف للصطقدي يا طتث ا ها ب ا يقيو م؛دا التكافل ا جت اعل ي عما بالقطا على مصا‬ ‫تق‬
‫ياألصططل ال مصم ‪ ،‬حيث ييمم مدلر الصططقدي با ططتث ا ئصططمله التل تا ط ل القيد يالعيا ات ياألي ا ال ال يغيرها‬
‫تقييو ن م فل ئس ال ال ال مصم ‪ ،‬بقيث لتم تمف ا نسطب من العمائد باطال طقمي يمسطت ر على مصططا‬ ‫بمد‬
‫المصف ال قداة للصقدي ‪.‬‬
‫انظر‬
‫ط ططتث ا ئممال المصف‪ ،‬مجل ا صتصط ططاا‬ ‫مآل‬ ‫المص‬ ‫ط ططتث ا‬ ‫‪ ‬صط ططدييل ئح د يفق يل ط ططعاا‪ ،‬الصط ططقاالو ا‬
‫يإاا ة األع ال‪ ،‬ال جلد الثانل‪ ،‬العدا السااس‪.311 ، ،1032 ،‬‬
‫‪ ‬ح ااي مم اا يفرج الله ئحيم‪ ،‬مرجا ابو‪.111 ، ،‬‬

‫‪117‬‬
‫‪2023‬‬

‫على ذلك‪ ،‬وأخص تجربة الصناديق االستثمارية الوقفية كوقف تعليمي لجامعة هارفارد‬
‫األمريكية‪211.‬‬

‫يتكون من مجموعة من الوحدات الوقفية‪ ،‬ويعرف على أنه عن صندوق تتجمع فيه‬
‫أموال وقفية عقارية أو منقولة او نقدية ليتم تشكيل أصل مالي يتم استثماره في أدنى درجات‬
‫املخاطرة لصالح مصرف وقفي محدد بناء على شروط الو اقفين المستثمرين؛ فهو صندوق‬
‫وقفي تقوم فكرته انطلقا من الصناديق االستثمارية والتي تعتبروعاء ماليا تكونه مؤسسة مالية‬
‫متخصصة ذات دراية وخبرة في مجال إدارة االستثمارات‪ ،‬بنك أو شركة استثمارمثل‪ ،‬عن طريق‬
‫تجميع مدخرات الفراد والعمل على استثمارها في مجاالت مختلفة تحقق للمستثمرين عائدا‬
‫ضمن مستويات معقولة من املخاطرة عن طريق االستفادة من مزايا التنويع‪212.‬‬

‫وهكذا فالصندوق الوقفي االستثماري هو صندوق استثماري يتيح الفرصة لفئة كبيرة‬
‫من أفراد املجتمع ألجل وقف أموالهم النقدية والعينية‪ ،‬واستثمار أموال الصندوق بمهنية‬
‫واحتر افية لتنمية وتحقيق األرباح وتوزيع العوائد على مصارف الوقف بما يكفل ديمومة‬

‫بالم يات ال تقدة األمر ا ‪ ،‬يهم صقدي تم إنااؤه من‬ ‫التعل‬ ‫‪ "211‬لتصد يصف جامع ها فرا ترتيل األيصا‬
‫الت؛رعطات التل تتلياها الجامع ئي إحدى مل اتما‪ ،‬ي عت د حج ما على ميدا ما تقصط ط ط ط ط ط ططل عل ه من ت؛رعات‪ ،‬فتقطو‬
‫الجامع فل‬ ‫طتخدام القالل‪ ،‬يتسطتث ر جزءا مقه من ئجل تمليد الدخل‪ ،‬إل تيمم مت طس األيصا‬ ‫جزءا مقه على ا‬
‫ئصملما لي تخدام القالل‪.‬‬ ‫ال تم ط بسقل ما بين ‪ 4%‬إلى ‪ 5%‬من‬
‫ي يعت؛ر يصف جامع ها فرا حس ط ط ططابا مقطراا‪ ،‬يلكقه لت‪:‬لف من ئكثر من ‪ 31000‬ص ط ط ططقدي فراي لتم ا ط ط ططتث ا ها‬
‫با ططال ج اعل‪ ،‬في ي ان إنطا العائد من هيه األممال إ لدعم الغرل ال قدا للص ططقدي ‪ ،‬يهم ي قص اع ا يا ططا‬
‫ياتل ئعض ططاء هيئ‬ ‫القاا يمسططتداما فل ج ا ممام الجامع يئنا ططاتما ال عطاة من الضططرائل‪ ،‬إل تغال األيصا‬
‫التد ي ب ا فل للم األ طتالي ‪ ،‬يال سطاعدات ال ال للكتل الجامع ‪ ،‬يال قص الد ا ط للخر جين‪ ،‬يالق اة ياألناطا‬
‫الايب ط ‪ ،‬م ططا تططدعم ال؛راما األكططااي ط يال اتبططات يمتططاحف الطقمم يال رافو يمج معط من األنا ط ط ط ط ط ط طاط األخرى‪...‬‬
‫ي عت؛ر المصف ئك؛ر مص ط ط ط ط ط ططد للدخل لدعم ميزان الجامع ن لتم افا جزء من المبات متمف ا ط ط ط ط ط ططقمي لدعم ميزان‬
‫الجطامعط ‪ ،‬فل حين لتم البيطاء على ئي ف ااة تتجايف هيا التمف ا السط ط ط ط ط ط ططقمي فل المصف بقيث ي ان ئم تق م يتدعم‬
‫األج ال الياام ‪ ،‬ينت ج ليلم ي ان ئم لمفر المصف األ اس ال الل للجامع ألج ال صاام "‬
‫انظر صدييل ئح د يفق يل عاا‪ ،‬مرجا ابو‪ 311 ، ،‬يما لليما‪.‬‬
‫‪212‬صدييل ئح د يفق يل عاا‪ ،‬مرجا ابو‪.310 ، ،‬‬

‫‪118‬‬
‫‪2023‬‬

‫الصرف على تلك المصارف وزيادة عدد المستفيدين‪ ،‬فهو وعاء يتكون من مجموعة من‬
‫الوحدات الموقوفة المسبل ريعها تحت إدارة شخص مرخص له من هيئة سوق المال‪213.‬‬

‫ورغم وجود بعض أوجه التشابه‪ ،214‬تختلف الصناديق الوقفية عن منتج الصناديق‬
‫االستثمارية الوقفية‪ ،‬فالصناديق الوقفية هي أوعية لجمع األموال وصرفها في أوجه الخير‪ ،‬وأما‬

‫ططتدام ال ال للج ع ات‬ ‫مآل لتقييو ا‬ ‫ططتث ا المص‬ ‫‪213‬بممرالد ع؛د الياا ي ططققمم ج ال الدلن‪ ،‬صططقاالو ا‬
‫الخير ‪ ،‬مجل ا جتماا للد ا ات اليانمن يا صتصااي ‪ ،‬ال جلد السابا‪ ،‬العدا الرابا‪.301 ، ،1032 ،‬‬
‫من نيد‬ ‫على ئنما يعاء تتج ا ف ه األصمل المص‬ ‫تث ا‬ ‫ا‬ ‫يجاء فل صمل خر ئم " يتعر الصطقاالو المص‬
‫لتقييو ئعلى عائد‬ ‫ئي ئ ططمم تسططتخدم لاط طراء عيا ات يم تلكات يئصططمل متقمع تدا على صططط مقطظ ا ططتث ا‬
‫م ان عطط ن ميدا مي؛مل من ال خانر‪ ،‬يالصططقدي لبيى لا صططط مال إل ئم شططراء العيا ات ياأل ططمم ياألصططمل‬
‫يغير من ن؛ ع هيا الصط ططقدي ألم مل للم إن ا هم ا ط ططتث ا لتقييو العائد‬ ‫ال ختلط يت م ل الع ل ات التجا‬
‫للصقدي ‪ ،‬فل ست العيا ات لاتما هل المصف ي األ مم‪ ،‬يمن تم فإم مقتم ات هيا الصقدي ل ست ثابت بل تتغير‬
‫الكل ل قتم اته التل ت ثل م؛لغا نيديا‪ ،‬يهيا ال ؛ل هم‬ ‫إاا ة الصقدي ‪ ،‬ي ع؛ر عن الصقدي بالق‬ ‫ا‬ ‫بقسل‬
‫إلى حصطص صغيرة تكمم فل متقايل‬ ‫المصف يهم ب ثاب العين التل جرى تق؛ سطما‪ ،‬ياألممال فل الصطقدي ميسط‬
‫األفراا من ال سط ططل ين الراغ؛ين فل المصف‪ ،‬يتمجه عمائد الصط ططقدي إلى ئغرال المصف ال قداة فل يث ي ا ش ط ططتراك‬
‫إل يسجل على صط يصف‪".‬‬ ‫ناظر المصف ي امم للصقدي شخص اعتبا‬ ‫فل الصقدي تقت إش ار‬
‫انظر مق د علل اليري‪ ،‬صططقاالو المصف يتكي طما الاططرعل‪ ،‬ندية المصف فل الاططر ع ال ططيم يمجا ته‪ ،‬ال لك‬
‫العرب السعماي ‪ ،‬الر ال‪.31 ، ،1001،‬‬
‫‪ " 214‬ينيحظ عقد إجراء ميا ن بين الصقديصين يجما صد من التاابه ف ا بيقم ان‬

‫‪ ‬ييمم مي الصقديصين على ئ اس الار ع ال يم ي لتزم بضماباما من حيث ئحاام فيه ال عاميت يمراعاة‬
‫تث ا ي تستقد إلى يجما مجلي إاا ة لتكمم من ح ل األ مم يهم‬ ‫القيل يالقرام‪ .‬يإاا ة الصقدي المصطل ا‬
‫بدي هم يستديم للم إلى مدلر ييمم بتمج ه األ مم حسل نمعما لتقييو ال رجمة مقما‪.‬‬
‫‪ ‬ئما إاا ة الصط ططقدي المصطل فتسط ططقد إلى مجلي إاا ة ئيضط ططا‪ ،‬إ ئنه لتكمم من عدا العقاصط ططر الاط ططع؛ يمدلر‬
‫ط ا ططات يخاط براما الصططقدي فل‬ ‫للصططقدي من بين ممظطين صاا‪ ،‬األيصا ‪ ،‬ي تملى مجلي الاا ة إص ار‬
‫ناا ئحاام المصف‪.‬‬
‫ططتث ا‬ ‫ال ططيم ئي الا ططرمات ا‬ ‫ططتث ا ي عن نر و ال ص ططا‬ ‫‪ ‬تتم الدعمة لتا ططايل الص ططقدي المصطل ا‬
‫فل الديل ‪.‬‬ ‫عن نر و إاا ة األيصا‬ ‫ال يم ال ختلط ‪ .‬بيق ا تتم الدعمة ليكتتاو فل الصقاالو المص‬
‫ااخل ال؛لد يل ي بإ ااة حاملل األ ططمم‬ ‫مي الصططقديصين إ نبيا لتاططر ا ال قظم لأليصا‬ ‫‪ ‬عدم إماان تص ط‬
‫ئي مدبر ه‪".‬‬

‫‪119‬‬
‫‪2023‬‬

‫الصناديق االستثمارية الوقفية فهي جمع للمال بهدف االستثمار ثم صرف أرباح البرنامج‬
‫االستثماري في أوجه الخير‪.215‬‬

‫تث ا ي‪ ،‬مجل ا صتصاا ال يمل‪،‬‬ ‫انظر ئ ام ع؛د ال جيد العانل‪ ،‬نقم تسم و ا ترات جل للصقدي المصطل ا‬
‫ال جلد ‪ ،13‬العدا ‪ ،124‬ئبر ل ‪.100 ، ،1013‬‬

‫‪215‬بممرالد ع؛د الياا ي ققمم ج ال الدلن‪ ،‬مرجا ابو‪.301 ، ،‬‬

‫‪121‬‬
‫‪2023‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أنواع صناديق االستثمارالوقفية‬

‫إذا كانت الصناديق االستثمارية تتنوع وتتعدد تبعا للمعايير المعتمدة في تصنيفها فتفرز‬
‫لنا في الغالب صنفين أو اكثر من تلك الصناديق المتقابلة فيما بينها حسب كل معيار‪ ،216‬فإنه‬
‫على العكس من ذلك نجد صناديق االستثمار الوقفية ال تخضع لنفس القاعدة إذا ما تم‬
‫تصنفيها طبقا لذات المعايير‪217‬؛ فنظرا لخصوصية األموال الوقفية وما يتطلبه االستثمارفإننا‬
‫نكون أمام مجموعتين من المعايير‪ :‬مجموعة أولى يصنف لنا كل واحد منها صناديق االستثمار‬
‫الوقفية إلى نوعين اثنين (أوال)‪ ،‬ومجموعة أخرى ال تصنف الصناديق المذكورة إلى نوع واحد‬
‫(ثانيا)‪.‬‬

‫أوال) أنواع صناديق االستثمارالوقفية حسب المعاييرالمتعددة التصنيف‪:‬‬

‫أ) من حيث الدعوة للكتتاب فيها‪ :‬فقد تكون صناديق االستثمار الوقفي إما نوع الطرح‬
‫العام حيث تتم دعوة الجميع للمشاركة فيها‪ ،‬أو تكون من نوع الطرح الخاص حيث يفتح‬
‫باب المشاركة لعدد محدود من المشاركين‪.‬‬

‫ب) من حيث هيكل الرأسمال‪ :‬قد تكون صناديق االستثمار الوقفية مفتوحة حيث تكون‬
‫ذات رأسمال متغير تزداد بإنشاء وحدات جديدة‪ ،‬أو تنقص كما إذا تعلق األمر بالوقف‬
‫المؤقت‪ .‬كما يمكن أن تكون هذه الصناديق مغلقة حيث تقوم بإصدار كامل رأسمالها‬
‫مرة وادة للكتتاب العام عند تأسيسها ومن تم يكون العدد الكلي لوحدات االستثمار‬
‫المصدرة غيرقابلة للزيادة‪.‬‬

‫ت) من مكان االستثمار‪ :‬قد يكون نطاق استثمارصندوق االستثمارالوقفي وطنيا ال يتجاوز‬
‫حدود البلد الذي ينتمي إليه‪ ،‬أو قد يكون نطاقه أوسع من ذلك فيكون عالميا‪.‬‬

‫‪216‬انظر‬
‫‪ ‬ع؛د الله بن مق د الدخيل ي لاام بن مق د الجا ر‪ ،‬مرجا ابو‪ 12 ، ،‬يما لليما‪.‬‬
‫‪ ‬بممرالد ع؛د الياا ي ققمم ج ال الدلن‪ ،‬مرجا ابو‪ 301 ، ،‬يما لليما‪.‬‬
‫‪ ،‬مرجا‪ ،‬ابو‪ 90 ، ،‬يما لليما‪.‬‬ ‫‪ ‬جعطر‬
‫‪217‬صدييل ئح د يفق يل عاا‪ ،‬مرجا ابو‪.313 ، ،‬‬

‫‪121‬‬
‫‪2023‬‬

‫ث) من حيث تحمل تكلفة البيع‪ :‬تبعا لهذا المعيار فصندوق االستثمار الوقف قد يكون‬
‫محمل يقوم بتسويق إصداراته من الوثائق من خلل منافذ توزيع (رجال بيع أو‬
‫سماسرة) مقابل رسوم يتحملها المستثمر الذي يشتري الوثيقة‪ ،‬وتضاف قيمة عمولة‬
‫السمسارالكلية إلى صافي قيمة األصول‪ .‬أو قد يكون الصندوق غيرمحمل يقوم بتسويق‬
‫إصداراته مباشرة دون وسطاء من خلل اإلعلن عنها في وسائل اإلعلم املختلفة‪.‬‬

‫ثانيا) أنواع صناديق االستثمارالوقفية حسب المعاييرأحادية التصنيف‪:‬‬

‫أ) من حيث األهداف التي يسعى إليها الصندوق‪ :‬تصنف صناديق االستثمارالوقفية ضمن‬
‫صناديق الدخل التي تهدف إلى تحقيق عائد دوري مناسب على االستثمار‪ ،‬وهو بذلك‬
‫ليس من صناديق النموذات العائد التراكمي لرأسمال‪ ،‬أوتلك الصناديق المتوازنة ذات‬
‫الطبيعة املختلفة التي تجمع بين النوعين السابقين‪ ،‬ثم أنه ليس من صناديق الضريبة‬
‫التي تسعى دون دفع الضريبة على األرباح من قبل المستثمرين؛ والتي ال تقوم بتوزيع‬
‫األرباح المتحصلة من االستثمار عليهم و إنما تعيد استثمارها في محافظ مالية مقابل‬
‫حصوص المستثمرين على أسهم أو وثائق إضافية بما يعادل قيمتها‪.‬‬

‫ب) من حيث محل االستثمار‪ :‬تعد صناديق االستثمار الوقفية من الصناديق التي تستثمر‬
‫في مجاالت استثمارية قليلة املخاطر كالعقار والسلع والمعادن النفيسة وغيرها‪ ...‬دون‬
‫املجاالت ذات املخاطركالعملت واألسهم‪.‬‬

‫ت) من حيث السياسات واالستراتيجيات المتبعة‪ :‬تعتبر صناديق االستثمارية للوقف من‬
‫قبيل الصناديق المتحفظة الدفاعية التي ال تتقبل استثمارات عالية املخاطر‪ ،‬وبالتالي‬
‫فهي ليست بالصناديق الهجومية التي تكون استثماراتها عالية املخاطر أو حتى تلك‬
‫الصناديق المتوازنة التي تحاول التوليف بين النوعين السابقين‪.‬‬

‫وهكذا وبعد التطرق لكل من مفهوم صندوق االستثمار الوقفي و أنواعه املختلفة‬
‫سنحاول في المطلب الموالي بحث مختلف العلقات القانونية التي يتميز بها وكذا المزايا‬
‫والخصائص التي يتمتع بها كأسلوب جديد في استثمار األملك الوقفية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬العلقات القانونية لصندوق االستثمارالوقفي ومزاياه‬

‫‪122‬‬
‫‪2023‬‬

‫يتميز صندوق االستثمار الوقفية بوصفه مؤسسة قانونية بوجود شبكة من العلقات‬
‫املختلفة أبرزها ما يربط مديرهذا الصندوق بمجموعة من المتدخلين فيه (الفقرة األولى)‪ ،‬كما‬
‫ألن لهذه المؤسسة مجموعة من المزايا والخصائص التي تبرر اللجوء إليه كصيغة عصرية‬
‫للستثمارات الوقفية يمكن الركون إليه لتحقيق التنمية الشاملة في أي بلد (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬العلقات القانونية لصندوق االستثمار الوقفي‬

‫يقوم عمل صندوق االستثمارالوقفي على شبكة من العلقات القانونية حيث نجد مديره‬
‫طرفا أصيل فيها‪ ،218‬وهي كالتالي‪:‬‬

‫أوال) العلقة بين الو اقفين ومديرالصندوق االستثماري الوقفي‪ :‬هذه العلقة ينظرإليها‬
‫من زاويتين اثنتين؛ أولهما أنها علقة وكالة بأجر على اعتبار أن مدير الصندوق يربطه عقد مع‬
‫مجموعة الو اقفين يلزمه بإدارة الوحدات الوقفية المكونة لهذا الصندوق مقبل أجريتقاضاه‬
‫على ذلك‪ ،‬وثانيهما أنها علقة مضاربة حيث يقدم الو اقفون األموال ويتولى مدير الصندوق‬
‫العمل على استثمارها نظيرحصة من معلومة من األرباح‪.‬‬

‫ثانيا) العلقة بين مجلس صندوق االستثمار الوقفي ومديره‪ :‬يتولى مجلس الصندوق‬
‫عملية اإلشراف على أعمال مديره‪ ،‬وهو مكون من مجموعة من األعضاء الذين يمثلون‬
‫الو اقفين‪ ،‬ويمكن إجمال مهام املجلي فيما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬اتخاذ القرارات في جميع العقود والتقاريرالجوهرية التي يكون الصندوق طرفا فيها‪.‬‬

‫‪ .2‬اإلشراف على أعمال الصندوق التي ينجزها مديره‪.‬‬

‫‪ .3‬مر اقبة مدى التزام المديرالنصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بعمل الصندوق‪.‬‬

‫‪ .4‬التأكد من قيام المدير بمسؤولياته بما يحقق مصلحة مالكي الوحدات وفقا لشروط‬
‫قيام الصندوق واألحكام المنظمة له‪.‬‬

‫ثالثا) العلقة بين مدير صندوق االستثمار الوقفي وهيئة السوق المالية‪ :‬يعتبر مدير‬
‫صندوق االستثمار الوقفي‪ ،‬بوصفه ممثله القانوني‪ ،‬المسؤول األول أمام هيئة السوق المالية‬

‫‪218‬ع؛د الله بن مق د الدخيل ي لاام بن مق د الجا ر‪ ،‬مرجا ابو‪ 11 ، ،‬يما لليما‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫‪2023‬‬

‫فهي التي ترخص إلنشاء الصندوق‪ ،‬وتعمل على التأكد من سلمته ومو افقته للشروط‬
‫النظامية‪ ،‬وتر اقب عمله‪ ،‬ومدى التزام المديربشروط الصندوق وأحكامه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مزايا صناديق االستثمارالوقفية‬

‫يتمتع العمل في قطاع األوقاف عن طريق الصناديق االستثمار الوقفي بمجموعة من‬
‫المزايا‪ ،219‬والتي يمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬

‫أوال) إدارة االستثمارات من طرف جهة متخصصة‪ :‬يتم خلل العمليات االستثمارية‬
‫املجزة من قبل مديرالصندوق االستفادة من خبرة وكفاءة هذا العنصرفي اتخاذ أفضل القرارات‬
‫االستثمارية‪ ،‬ومنح الو اقفين غير المتخصصين في االستثمار ومهارات التحليل المالي فرصة‬
‫للستفادة من معرفة ومهنية املختصين بهذا مجال إدارة واستثمار األصول‪ ،‬كما يسمح للوقف‬
‫بالوصول إلى أفضل النتائج االستثمارية الممكنة‪.‬‬

‫ثانيا) الرقابة الجيدة على العمل الوقفي‪ :‬تخضع صناديق االستثمار الوقفي لرقابة‬
‫واسعة داخلية يمارسها مجلس الصندوق وأخرى خارجية وذات طابع مزدوج بشراكة كل من‬
‫الجهة الحكومية المكلفة باإلشراف على قطاع األوقاف داخل البلد و أيضا من قبل هيئة السوق‬
‫المالية‪ ،‬وعنصر الرقابة هذا يساهم بشكل أساس ي في تتبع وتوطيد دعائم األعمال االستثمارية‬
‫التي ينهجها الصندوق على أسس سليمة‪.‬‬

‫ثالثا) الرفع من شفافية أداء األوقاف‪ :‬تعد صناديق االستثمار الوقفية ملزمة باإلفصاح‬
‫الدوري عن نتائج أعمالها وما حقته خلل االستثمارات التي قامت بها‪ ،‬ويتعلق األمر بمختلف‬
‫التقارير التي تنجزها الجهة مدبرة هذه الصناديق والتي تبين قدرة هذه األخيرة على تنميتها‪ ،‬إذا‬

‫‪219‬انظر‬
‫‪ ‬بممرالد ع؛د الياا ي ققمم ج ال الدلن‪ ،‬مرجا ابو‪.304 ، ،‬‬
‫‪ ،‬مجل بقمث إ يم ياجت اع متيدم ‪،‬‬ ‫فل التق‬ ‫‪ ‬حسين ع؛د ال الل األ رج‪ ،‬اي الصقاالو المص‬
‫ال جلد الثانل‪ ،‬العدا الرابا‪ ،‬ئكتمبر ‪ 111 ، ،1031‬يما لليما‪.‬‬
‫‪ ‬ح ااي مم اا يفرج الله ئحيم‪ ،‬مرجا ابو‪.111 ، ،‬‬

‫‪124‬‬
‫‪2023‬‬

‫أن المعلومات متاحة للجميع‪ ،‬يكون أمام جمهور الو اقفين المتبرعين كافة المعطيات التي‬
‫تمكنهم من المقارنة بين كفاءة مختلف الصناديق المذكورة‪220.‬‬

‫رابعا) تنويع االستثمارات وتقليل املخاطر‪ :‬يتيح االستثمار في إطار صناديق االستثمار‬
‫الوقفية للو اقف إمكانية تنويع استثماراته بتكلفة أقل نسبيا من االستثمارالمباشر‪ ،‬كما تقلل‬
‫من املخاطر االستثمارية نتيجة لتنوع الوحدات الوقفية التي يمتلكها الصندوق‪ ،‬باإلضافة على‬
‫التوزيع الممنهج للستثمارات عبر نطاق أوسع من األصول والمناطق الجغر افية واملجاالت‬
‫االستثمارية تقليل من مخاطرتركزاألصول واالستفادة من تباين عوائدها‪.‬‬

‫خامسا) فتح األبواب أمام المشاركة الشعبية للمساهمة في األوقاف‪ :‬ويهم األمر هنا‬
‫باألساس شريحة واسعة من المواطنين التي تمكنهم الصناديق االستثمارية الوقفية من‬
‫المساهمة في إقامة مشاريع وقفية متنوعة‪ ،‬صغيرة أو ضخمة‪ ،‬بما لهذه الصناديق من إمكانية‬
‫تقسيم الرأسمال المطلوب ألجل إنجازتلك المشاريع‪ ،‬مهما كان كبير‪ ،‬إلى وحدات صغيرة تكون‬
‫في متناول جميع الشرائح االجتماعية وإعطائهم بالتالي الفرصة في القيام بتلك األوقاف‪.‬‬

‫سادسا) تجديد الدور التنموي للوقف‪ :‬يساهم االستثمار في قطاع األوقاف عن طريق‬
‫صناديق االستثمار الوقفية في تجديد الدور التنموي لهذا القطاع وجعله ر افعة أساسية‬
‫لتحقيق التنمية الشاملة من خلل‪:‬‬

‫‪ .1‬تحقيق االستدامة المالية للجهات غير الحكومية والمؤسسات الوقفية عن طريق‬


‫االستفادة من عوائد الصناديق وفق قواعد محددة‪.‬‬

‫‪ .2‬سد حاجات املجتمع بمختلف شرائحه املختلفة‪ ،‬خاصة الهشة منها‪ ،‬في مجاالت‬
‫تنموية متنوعة اقتصادية واجتماعية‪.‬‬

‫تلج‪ :‬إلى الابا‬ ‫‪ 220‬نظ ار للتام التكقملمجل اليي ئصبص العالم يع اه فإم مثير من الميئات ال ارف على األيصا‬
‫لطترات فمق مختلط ن‬ ‫يما تقجزه من اع ال ا ططتث ا‬ ‫ططتث ا المص‬ ‫العقك؛مت لقاططر التيا ر ال تعلي بصططقاالو ا‬
‫بط ططال لك ط ط العرب ط ط السط ط ط ط ط ط ططعماي ط ط لات الرابط العقمام ا لكترينل‬ ‫يمن للط ططم مقصط ط ط ط ط ط ط ط ط الميئ ط ط العط ططام ط ط لأليصط ططا‬
‫‪www.awqaf.gov.sa‬‬

‫‪125‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ .3‬تطوير األداء في العمل في مجال الوقف باعتماد آليات الحكامة الجيدة في تدبير‬
‫األملك الوقفية واعتماد الكفاءة والخبرة في المهنية اللزمة في تحقيق النتائج‬
‫المرضية‪.‬‬

‫وهذا باإلضافة ألهداف أخرى تشترك فيها مع الصناديق الوقفية ويتعلق األمرب‪:‬‬

‫‪ .1‬إحياء سنة الوقف بالدعوة إلى مشروعات تجد القابلية لدى جمهورالو اقفين‪.‬‬

‫‪ .2‬إشباع حاجات الفئات االجتماعية الهشة واملحتاجة للدعم ألجل تحقيق االندماج‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫‪ .3‬تطويرالعمل الخيري من خلل نموذج جديد لتدبيراألوقاف‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫وهكذا ومن خلل المزايا والخصائص التي يتمتع بها االستثمار بواسطة الصناديق‬
‫الوقفية للستثمار بوصفها صيغة من بين الصيغ المستحدثة للستثمار الوقفي مدى الفرص‬
‫المتاحة أمام المغرب للستفادة منه لتحقيق النهضة المنشودة على مستوى التنمية الشاملة‬
‫بالبلد؛ وذلك بحكم القاعدة الواسعة ملجموع الو اقفين المساهمين فيه لما يتميزبه من صغر‬
‫حجم القيم الوقفية المدرجة فيه‪ ،‬وكذا بالنظر للفرص المتاحة من خلله لتحريك عجلة‬
‫االقتصاد الوطني وتشجيع االستثمار الداخلي والخارجي‪ ،‬و أيضا من خلل التخفيف على‬
‫الميزانية العامة للدولة في تلبية حاجيات عامة ذات طابع أساس ي وملح لشيحة من المواطنين‬
‫بوصفهم موقوف عليهم‪ ،‬هي في األصل تشكل التزامات أصيلة لها اتجاههم‪ ،‬وبما يتيح إمكانية‬
‫توجيه العديد من االعتمادات اتجاه مشاريع عمومية أخرى أو صوب مناطق أخرى هي أيضا في‬
‫حاجة ماسة لها‪.‬‬

‫هذا باإلضافة إلى الطابع المؤسساتي المنظم والحكامة الجيدة التي يتمتع بها هذا النوع‬
‫من االستثمار الوقفي الذي يحول دون اإلخلل برصيد األموال الوقفية المرصودة لذلك‬
‫االستثماروالعمل على املحافظة عليها واستدامتها حتى تحقق األهداف المرجوة منها وفق منهج‬
‫يطبعه النجاعة في تحقيق تلك األهداف‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫‪2023‬‬

‫الئحة المصادروالمراجع‪:‬‬

‫أسامة عبد املجيد العاني‪ ،‬نحو تسويق استراتيجي للصندوق الوقفي‬ ‫‪‬‬
‫االستثماري‪ ،‬مجلة االقتصاد اإلسلمي‪ ،‬املجلد ‪ ،41‬العدد ‪ ،491‬أبريل ‪.2021‬‬

‫عبد الله بن محمد الدخيل وسلطان بن محمد الجاسر‪ ،‬الصناديق االستثمارية‬ ‫‪‬‬
‫الوقفية‪ :‬دراسة نظرية تطبيقية‪ ،‬مكتبة الملك فهد‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬دون ذكر‬
‫الطبعة‪ 1435 ،‬ه‪.‬‬

‫محمد علي القري‪ ،‬صناديق االستثمار اإلسلمي‪ ،‬بحث مقدم إلى ندوة‬ ‫‪‬‬
‫التطبيقات االقتصادية اإلسلمية المصرفية‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬جدة‪1419 ،‬ه‪.‬‬

‫حمادي موراد وفرج الله أحلم‪ ،‬دورالصناديق االستثمارية في تفعيل دورالقطاع‬ ‫‪‬‬
‫الوقفي‪ :‬صندوق اإلنماء وريف الوقفي السعودي نموذجا‪ ،‬مجلة العلوم االقتصادية وعلوم‬
‫التسيير‪ ،‬املجلد ‪ ،16‬العدد األول‪ ،‬دجنبر‪.2016‬‬

‫أحمد محمد هليل‪ ،‬مجاالت وقفية مقترحة غير تقليدية لتنمية مستدامة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫المؤتمرالثاني لألوقاف‪ :‬الصيغ التنموية والرؤى المستقبلية‪ ،‬جامعة ام القرى‪ ،‬مكة المكرمة‪،‬‬
‫‪ 1427‬ه‪ 2001 /‬م‪.‬‬

‫أسامة عبد املجيد عبد الحميد العاني‪ ،‬صناديق الوقف االستثماري‪ :‬دراسة‬ ‫‪‬‬
‫فقهية اقتصادية‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬الجامعة اإلسلمية‪ ،‬كلية الشريعة والقانون‪ ،‬بغداد‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪1426‬ه ‪ 2009 /‬مص ‪.96‬‬

‫رحيم حسين‪ ،‬تطوير مؤسسات الوقف اإلسلمي‪ ،‬نموذج صندوق الوقف‬ ‫‪‬‬
‫النقدي األصغر‪ ،‬المؤتمراإلسلمي العاشرللقتصاد والتمويل اإلسلمي‪ :‬الجوانب المؤسسية‬
‫لإلصلحات االقتصادية والنقدية والمالية‪ ،‬الدوحة‪ ،‬قطر‪ 25-23 ،‬مارس ‪.2015‬‬

‫رحيم حسين‪ ،‬تصكيك مشاريع الوقف المنتج‪ :‬آلية لترقية الدورالتنموي ودعم‬ ‫‪‬‬
‫كفاءة صناديق الوقف حالة صناديق الوقف الريفية‪ ،‬مؤتمر الصكوك اإلسلمية وأدوات‬
‫التمويل اإلسلمي‪ ،‬األردن‪ ،‬نونبر‪ 2013‬م‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫‪2023‬‬

‫رحيم حسين‪ ،‬التمويل الريفي األصغر أي دور للصناديق الوقفية في مكافحة‬ ‫‪‬‬
‫البطالة والفقر في الريف المغاربي؟‪ ،‬للملتقى الدولي الثاني حول المالية اإلسلمية‪ ،‬الرؤية‬
‫اإلسلمية لمقاومة الفقر والبطالة عن طريق الزكاة واألوقاف والتمويل األصغر‪ 26-27 ،‬يونيو‬
‫‪.2013‬‬

‫عبد الجبار حمد عبيد السبهاني‪ ،‬وقف الصكوك وصكوك الوقف‪ ،‬مجلة‬ ‫‪‬‬
‫جامعة الملك عبد العزيز‪ :‬االقتصاد اإلسلمي‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬أكتوبر‪.2015‬‬

‫صديقي أحمد وفقيقي سعاد‪ ،‬الصناديق االستثمارية الوقفية كآلية الستثمار‬ ‫‪‬‬
‫أموال الوقف‪ ،‬مجلة االقتصاد وإدارة األعمال‪ ،‬املجلد الثاني‪ ،‬العدد السادس‪.2019 ،‬‬

‫بوكرديد عبد القادر وسحنون جمال الدين‪ ،‬صناديق االستثمار الوقفية كآلية‬ ‫‪‬‬
‫لتحقيق االستدامة المالية للجمعيات الخيرية‪ ،‬مجلة االجتهاد للدراسات القانونية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬املجلد السابع‪ ،‬العدد الرابع‪.2019 ،‬‬

‫محمد علي القري‪ ،‬صناديق الوقف وتكييفها الشرعي‪ ،‬ندوة الوقف في الشريعة‬ ‫‪‬‬
‫اإلسلمية ومجاالته‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬الرياض‪.2002،‬‬

‫أسامة عبد املجيد العاني‪ ،‬نحو تسويق استراتيجي للصندوق الوقفي‬ ‫‪‬‬
‫االستثماري‪ ،‬مجلة االقتصاد اإلسلمي‪ ،‬املجلد ‪ ،41‬العدد ‪ ،491‬أبريل ‪.2021‬‬

‫حسين عبد المطلب األسرج‪ ،‬دور الصناديق الوقفية في التنمية‪ ،‬مجلة بحوث‬ ‫‪‬‬
‫إسلمية واجتماعية متقدمة‪ ،‬املجلد الثاني‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬أكتوبر‪.2012‬‬

‫‪128‬‬
‫‪2023‬‬

‫المشاركة السياسية للمرأة بالمغرب على ضوء المبادئ‬


‫الدستورية والتشريعات الوطنية‬
‫‪The political participation of women in the light of the constitutional principles‬‬
‫‪and the national legislation in Morocco‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫يمكن القول أنالديمقراطية تتأسس في كل بلدان العالم على توجيه عام يروم نحو إقرار‬
‫نوع من التمثيلية بين الرجال والنساء في مو اقع القرار وداخل المؤسسات التمثيليةوإحداث‬
‫القطيعة مع الديمقراطية الذكورية‪.‬فلقد انطلق المغرب منذ االستقلل في مسيرة النضال لبناء‬
‫دولة القانون وترسيخ الممارسة الديمقراطية‪ ،‬ويظل تحقيق هذا الهدف رهينا بإرساء دولة‬
‫الحق والقانون وتكافؤ الفرص والمساواة وقد أفرزت هذه التحوالت عدة قضايا إلى الواجهة‬
‫ومن بينها قضية المشاركة السياسية للمرأة‪ ،‬فمن خلل هذا الموضوع حاولنا اإلجابة على‬
‫اإلشكالية التالية الى أي حد ساهمت التشريعات الوطنية والمبادئ الدستورية في تمكين المرأة‬
‫من المشاركة السياسية؟ وهو الش يء الذي سوف يحيلنا الى استنتاج عام يدور حول ضرورة‬
‫تقوية الترسانة القانونية من تشريعات وآليات تحترم خصوصية املجتمع المغربي وذلك لمزيد‬
‫من تقوية فرص مشاركتها سياسيا‪ ،‬وفي إطار اإلحاطة بكافة جوانب الموضوع سوف يتم‬
‫االعتماد على المنهج التحليلي لما له من مقومات تتمثل في رصد وتحليل و اقع المشاركة‬

‫‪129‬‬
2023

-‫الديمقراطية‬-‫التحوالت‬-‫ المرأة – المشاركة السياسية‬:‫ الكلمات المفتاحية‬.‫السياسية للمرأة‬


.‫المساواة‬

Abstract :

All over the world, democracy is based on a general direction aimed at


establishing a kind of representation between men and women in decision-
making, within representative institutions, and making a rupture with the male-
dominant democracy. Morocco has launched, since independence, a march of
struggle to build a state of law and consolidate democratic practices. Besides,
achieving this goal remains subject to establishing a state of rights, law, equal
opportunities and equality; these transformations have rushed several issues to
the surface. Among these, we find the issue of women political participation.
Through this topic, we tried to answer the following problematic: to what extent
have national legislation and constitutional principles contributed to enabling
women to participate in politics? The thing that will refer us to a general
conclusion revolving around the need to empower the legal arsenal of legislation
and mechanisms that respect the privacy of Moroccan society. This is meant to
give more chances to their political participation, and within the framework of
briefing on all aspects of the subject, we will rely on the analytical approach
thanks to its constituents in monitoring and analyzing the fact of women political
participation.

Key words: woman - political participation - transformations - democracy -


equality.

‫ يشكل وضع المرأة و مكانتها في أي مجتمع من المؤشرات المهمة التي تدل على‬:‫مقدمة‬
‫ فهذا يفسح املجال أمام‬،‫مستوى تطورهذا املجتمع فكلما كانت املجتمعات متحضرة و متقدمة‬
‫فأن يدعي مجتمع ما أنه متقدم أو يسيرفي طريق النمو‬، ‫المرأة ألخذ دورها الكامل في بناء املجتمع‬

131
‫‪2023‬‬

‫ونصفه مهمش ومعطل النظرعن أسباب وعوامل هذا التطور‪ ،‬وتعتبرمشاركة المرأة في مختلف‬
‫جوانب الحياة االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية ر افعة أساسية لنمو‬
‫املجتمع وحدوث توازن فيه‪ ،‬فمن الطبيعي أن يقترن موضوع المرأة العربية في أي جانب من‬
‫جوانبه مباشرة بالشريعة اإلسلمية اعتبارا أن اإلسلم هو الدين الرسمي لألفراد األمة العربية‬
‫فاإلسلم كرم المرأة ورفع من قيمتها يقول سبحانه وتعالى" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم‬
‫من نفس واحدة و خلق منها زوجها وبث منهما رجاال كثيرا ونساء‪221".‬‬

‫وعلى هذا النهج أقرت الدساتير المغربية المتعاقبة مند دستور ‪ 1662‬دستور إلى دستور‬
‫‪ 2011‬بمساواة الرجل والمرأة في الحقوق السياسية‪ ،‬بل أن العولمة وما شهدته من توسيع‬
‫حقوق المرأة السياسية على المستوى الدولي جعلت المغرب يصادق على االتفاقيات الدولية‬
‫التي توجب التنمية الشاملة للموارد البشرية في عملية النماء‪222.‬‬

‫ومن هنا تتمثل الحقوق السياسية المتمثلة أساسا في حق اإلنسان في المشاركة بطريقة‬
‫االنتخاب أو التصويت أو حق الترشح‬
‫مباشرة أو غير مباشرة في إدارة الشؤون العامة‪ ،‬وكذا حق ٍ‬
‫للمجالس المنتخبة املحلية أو الوطنية وتبوء المناصب الوزارية داخل الحكومة‪.223‬‬

‫فمن هنا وجب الحديث عن المشاركة السياسية بمفهومها و أبعادها و مختلف‬


‫مستوياتها فمفهوم المشاركة السياسيةأوال يعد أحد المفاهيم المثيرة للجدل والخلف في الرأي‬
‫بين الباحثين و السياسيين والكتاب والمهتمين بالشأن العام على حد سواء فالبعض يحدد هذا‬
‫المفهوم على مجرد سلوك سياس ي للمواطنين في اختيار النخبة الحاكمة و يتسع هذا المفهوم‬
‫لدى البعض ليشمل السلوك السياس ي للمواطنين في صنع السياسات العامة و اتخاذ القرارات‬
‫و اختيار النخب الحاكمة على كافة المستويات كما يربط البعض في إطار تعريفه للمشاركة‬
‫السياسية بين السلوك السياس ي للمواطنين عدة متغيرات أخرى مؤثرة تشتمل على الوعي‬
‫واالهتمام السياس ي لدى األفراد و كذلك اتجاهاتهم و آرائهم إزاء البيئة السياسية املحيطة و‬
‫يخلص المدقق في مراجعة األدبيات العربية و األجنبية المعاصرة إلى أن هذا المفهوم يتضمن‬

‫اآلية ‪2‬‬‫‪221‬سورة النساء‬


‫‪ 222‬نجاة الكص‪" :‬مواقف وآراء حول الوضع القانوني للمرأة المغربية" الطبعة األولى يونيو ‪ 1001‬ص ‪.4‬‬
‫‪-3‬يونس زروال‪" :‬تمثيلية المرأة في البرلمان المغربي من خالل االنتخابات التشريعية ‪ "1022‬بحث لنيل دبلوم‬
‫الماستر في القانون العام الموسم الجامعي ‪ 1027-1023‬ص ‪2‬‬

‫‪131‬‬
‫‪2023‬‬

‫كافة األبعاد والمستويات السابق ذكرها في ضوء ما سبق يمكن تبني المشاركة السياسية‬
‫باعتبارها سلوكا سياسيا يمارسه المواطنون طوعية في صنع السياسة العامة و اتخاذ القرارات‬
‫على كافة المستويات منها درجة الوعي و االهتمام السياس ي و كذا اتجاهات األفراد و آرائهم نحو‬
‫السياسية املحيطة‪224.‬‬ ‫البيئة‬

‫أهمية الموضوع‪.‬‬

‫لموضوع التمثيل السياس ي للمرأة بالمغرب أهمية قصوى تتجلى على مستويين أهمية‬
‫نظرية وأهمية و اقعية‪:‬‬

‫فيما يخص األولى نلحظ أنمثل هذه المواضيع طرحت على بساط النقاش بين الباحثين‬
‫والمشرعين والسياسيين المهتمين بموضوع المرأة للوصول أساسا إلى إصلح النظم‬
‫والتشريعات االنتخابية وبما يساهم في تطوير الديمقراطية بعدما أقرت أغلب املجتمعات في‬
‫العالم اليوم بحق المرأة في ترشحها وتمثيلها النيابي‪ ،‬وذلك بضرورة كسر التميز الذي يطالها‬
‫أثناء تمتعها بالحقوق السياسية والمدنية مقارنة مع الرجل‪.‬‬

‫أما األهمية الو اقعية فتتجلى أساسا في العمل على فك التناقض الصارخ و ازدواجية‬
‫النظرة ألدوار المرأة المغربية خصوصا بعدما فرضت هده األخيرة تواجدها المستمر على‬
‫المستوى الحياة االجتماعية و االقتصادية و الثقافية عن طريق إنتاجها العلمي و المعرفي في‬
‫حين بقي قاصرا في املجال السياس ي و تدبير الشأن العام هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى البحث‬
‫عن حلول استراتيجية و تدابير تفرض نفسها بجدية على المشرع املجتمع المدني واألحزاب‬
‫السياسية لتكريس التوصيات التي خرجت بها أكثر من اتفاقية دولية وخاصة االتفاقيات‬
‫الدولية الخاصة بحقوق المرأة‪ ،‬و كذا الوصول إلى أهمية وضعية المرأة داخل المشهد‬
‫السياس ي من خلل المقاربة الكمية والكيفية للمرأة داخل الجماعات الترابية بالمغرب لضبط‬
‫القيمة المضافة للمرأة في تدبيرالشأن العام املحلي‪.‬‬

‫إشكالــية الموضوع‬

‫‪2‬عادل عبد الغفار‪ :‬اإلعالم والمشاركة السياسية للمرأة رؤية تحليلية واستشرافية ط‪ 2‬القاهرة‪ ،‬الدار المصرية‬
‫اللبنانية ‪ 1001‬ص ‪.84‬‬

‫‪132‬‬
‫‪2023‬‬

‫للموضوع إشكالية مركزية تفرض نفسها انطلقا من عنوانه باألساس إذافبعدما صادق‬
‫المغرب على العديد من المعاهدات الهادفة إلشراك المرأة في عملية صنع القرار االتفاقية‬
‫الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة ‪ 1652‬اتفاقية القضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة‬
‫سنة ‪ 1676‬و اتخاذ مجموعة من التشريعات التي تكفل حق المرأة في المشاركة السياسية‪ ،‬فهل‬
‫استطاعت فعل المرأة المغربية أن تصل إلى مركزالقرار؟‬

‫ولمعالجة هاته االشكالية سوف نعتمد على التصميم التالي‪ :‬المطلب األول‪ :‬المشاركة‬
‫التمثيلية للمرأة في املجالس المنتخبةعلى ضوء المبادئ الدستورية‪.‬المطلب الثاني‪ :‬المشاركة‬
‫التمثيلية للمرأة على ضوء التشريعات الوطنية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المشاركة التمثيلية للمرأة في املجالس المنتخبةعلى ضوء المبادئ‬


‫الدستورية‪.‬‬

‫شكل التعديل الدستوري الجديد محطة هامة من املحطات التاريخية التي أبدعت في‬
‫التأسيس للنهوض بأوضاع المرأة المغربية وذلك بسبب المتغيرات االجتماعية واالقتصادية‬
‫والثقافية التي صاحبت هذا التعديل وكذا المقتضيات الدستوريةالجديدة التي تنظم وضعية‬
‫المرأة عبر التنصيص على الحق في مساهمتها في تدبير الشأن العام والسياس ي على وجه‬
‫خاص‪ ،225‬ومن اهم المقتضيات المساعدة على وضع الركائز األساسية للمشاركة التمثيلية‬
‫للمرأة نجد مجموعة من المبادئ األساسية يمكن اإلحاطة بها من خلل‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المشاركة التمثيلية للمرأة من خلل مقاربة النوع‪.‬‬

‫لقد عمل الدستور الجديد على وضع عدة مبادئ مساهما بها في فتح آفاق على مختلف‬
‫املجاالت‪ ،‬ان كل هذه المبادئ الدستورية أعطت للمرأة حقها في المشاركة السياسية نجدها‬
‫أوال في مقاربة النوع االجتماعي باعتبارها آلية ستمكن من تمكين المرأة سياسيا و هو ما سوف‬
‫نحاول تحليله عبر اإلحاطة بمقاربة النوع من الجانب السياس ي وبالتالي‪،‬إن المساواة بين‬
‫الجنسين هي حجر األساس لكل مجتمع يتوق إلى العدل االجتماعي وحقوق اإلنسان‪ ،‬فالمغرب‬

‫القرم المنق ‪ ،‬مجل األمل‪ ،‬عدا ‪،3113‬‬ ‫الدصالل ئخمات الصطا تقظ م نسائل ائد فل تا‬ ‫‪225‬مق د معري‬
‫السق الخامس ‪.311، ،3992‬‬

‫‪133‬‬
‫‪2023‬‬

‫حرص على تمكين المرأة من كافة حقوقها منذ االستقلل وذلك تجاوزا لآلراء الجامدة و التقاليد‬
‫المضرة بها لذلك ظل موضوع مقاربة النوع من القضايا التي احتدم الصراع بشأنها بين تصور‬
‫تقليدي وآخرحداثي و في هذا اإلطارحسم المشرع قضية تحسين وضعية المرأة في قمة أولويات‬
‫مشروعه املجتمعي‪ ،‬وذلك باعتبارها المدخل الحقيقي لترسيخ قيم العدل والمساواة بين الرجل‬
‫و المرأة فتم ترجمة ذلك في الوثيقة الدستورية الجديدة حيت من بين محاورها العشرة نجد‬
‫املحور الثالث المتعلق بالمساواة بين الجنسين حيت نصت على دسترة المواثيق الدولية كما‬
‫صادق عليها المغرب وبين مساواة الرجل والمرأة في الحقوق المدنية وذلك في إطاراحترام أحكام‬
‫الدستور وقوانين المملكة المستمدة من الدين اإلسلمي‪ ،‬وكذا بين المساواة بينهما في كافة‬
‫الحقوق السياسية واالقتصادية واالجتماعية و الثقافية والبيئية واحداث آليات للنهوض‬
‫بالمناصفة بين الرجل والمرأة‪226.‬‬

‫فمن أهم ما جاء به الدستور الجديد خصوصا في مجال اإلنصاف والمساواة بين‬
‫الجنسين نجد أوال‪ ،‬من الناحية الشكلية للوثيقة الدستورية أن كلمة المرأة المغربية تم ذكرها‬
‫في الدساتير عبر ثلثة فصول‪ ،‬لكن في الدستور الجديد تم ذكرها في تسعة فصول كما أن المرأة‬
‫المغربية ساهمت في صياغة الوثيقة الدستورية كعضوة مشاركة في لجنة لصياغة الدستور‬
‫وكممثلة لألحزاب السياسية والنقابات واملجتمع المدني‪ 227.‬أما من حيث مضمون الوثيقة‬
‫الدستورية فقد جاء الدستورالجديد من الحقوق والواجبات لفائدة المرأة المغربية وردت كما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪ -‬مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والحريات والسياسية‬


‫واالقتصادية واالجتماعية والتفافية والبيئية وفق االتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب‬
‫وذلك في نطاق أحكام الدستوروثوابت المملكة وقوانينها‪.‬‬

‫ويسعى في هذا الصدد الدستورالجديد إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء‪،‬‬
‫بحيث أنها ستحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز‪.‬‬

‫‪ 226‬امينة اركلمة‪:‬المرأة في الدستور المغربي الجديد’جريدة المنعطف العدد ‪30 40.70‬يونيو ‪.1022‬‬
‫‪ 227‬امينة اركلمة‪:‬المرأة في الدستور المغربي الجديد مرجع سابق ص ‪.21‬‬

‫‪134‬‬
‫‪2023‬‬

‫وقد تم التنصيص في العديد من الفصول على التمييز االيجابي لصالح النساء في مجال‬
‫الولوج إلى الوظائف العمومية والمشاركة في الحياة االقتصادية والثقافية‪228.‬‬

‫فقد أصبح لها الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع وتقديم عرائض إلى السلطات‬
‫العمومية حيت يحق للمرأة المغربية على غرار الرجل المغربي تقديم عرائض ‪229‬للسلطات‬
‫العمومية‪.‬‬

‫وكمثال تطبيقي على ادماج مقاربة النوع فقد ارتأينا الى معالجة نموذج وزارة الوظيفة‬
‫العمية ومدى تطبيقه على أرض الو اقع‪.230‬‬

‫نموذج انخراط وزارة الوظيفة العمومية في مقاربة النوع‪.‬‬

‫عرف السياق الدولي حملة واسعة للنهوض بوضعية المرأة‪ ،‬وشجعت اإلرادة الملكية‬
‫والسياسات الحكومية على نهج إصلحات سياسية واجتماعية و اقتصادية تخول المرأة‬
‫المغربية ولوج ميادين متنوعة كانت إلى حـين حكرا على الرجل‪ ،‬ويسعى المغرب إلى إدماج مقاربة‬
‫النوع االجتماعي في مخططات السياسات العمومية‪ ،‬ضمانا للمساواة بين الجنسين‪ ،‬وتكريسا‬
‫لمأسسة هذه المقاربة وجعلها ر افدا في إقراروضعية عادلة ومنصفة‪ ،‬وضمانا لتمثيلية شاملة‬
‫للمواطنين لتحقيق مغرب متطور‪.‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬تنخرط وزارة الوظيفة العمومية وتحديث اإلدارة بقوة في هذا المسار‬
‫التنموي‪ ،‬حيث تعمل على تثمين الموارد البشرية‪ ،‬من خلل مشاريع تروم إدماج مقاربة النوع‬
‫االجتماعي في التسيير اليومي للموارد البشرية وهي تسعى جاهدة من أجل مأسسة المساواة بين‬
‫الجنسين في قطاع الوظيفة العمومية‪ ،‬وقد أنجزت‪ ،‬بتعاون مع شركاء تقنيين وماليين مجموعة‬
‫من البرامج والمشاريع‪ ،‬باعتبارها آليات لتفعيل وتحقيق التزامات هذه الوزارة أمام الحكومة من‬
‫جهة‪ ،‬وإزاء الشركاء من جهة أخرى‪231.‬‬

‫‪ 228‬الباب األول الفصل ‪ 1‬والباب الثاني الفصل ‪ 21‬من الدستور المغربي لسنة ‪.1022‬‬
‫‪ 229‬الباب األول الفصل ‪ 21-28‬من الدستور المغربي لسنة ‪.1022‬‬
‫‪230‬ادريس الكريني‪" :‬التمكين السياس ي للمرأة المغاربية في ضوء الحراك‪ :‬دراسة حاالت تونس والمغرب وليبيا"‪،‬‬
‫يناير ‪،6102‬برنامج دعم البحث العربي‪،‬ص‪.5‬‬
‫‪231‬‬
‫‪http://www.mmsp.gov.ma/ar/decline.aspx?m=8&r=194‬‬

‫‪135‬‬
‫‪2023‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬دورمبدأ المناصفة في تكريس المشاركة السياسية للمرأة‪.‬‬

‫ارتبط مبدأ المناصفة بمفهوم الحصة في اتخاذ القرار السياس ي باعتبارهما يرتبطان‬
‫بتخصيص عدد محدد من المقاعد داخل هيئة تمثيلية لفئة محددة في أساس اقليمي أو لغوي‬
‫أو عرقي أو مجتمعي من أجل تحقيق التمثيل النسبي األنسب لهذه الفئة للتعبير عن مصالحها‬
‫وآرائها داخل املجالس المنتخبة‪.232‬‬

‫أما مفهوم المناصفة بين الجنسين يهدف إلى تعزيزتكافؤ الفرص بين الجنسين على أرض‬
‫الو اقع ‪ ،‬بما يساهم في إتاحة فرص المشاركة الحقيقية في الحياة العامةوفي الترقي للمناصب‬
‫القيادية التي يتم من خللها المساهمة في اتخاذ القرارات المؤثرة في الحياة اليومية كما ينبغي‬
‫لدفع خطط وبرامج األجهزة الحكومية على القيام بإجراءات و تدابير تخول للمرأة فرصا أكبر‬
‫لنيل حقوقها لمشاركتها في السلطة وفي كافة مراحل اتخاذ القرار‪،‬ويعمل على إعطاء دفعة كبيرة‬
‫للجهود المؤسساتية المبذولة من أجل تفعيلها و ضمان حضورو تواجد ومشاركة متساوية على‬
‫مستوى أجهزة القرار لكل من الرجل و المرأة بشكل يضمن المناصفة‪،‬ويعتبر المغرب من‬
‫البلدان القليلة في العالم الذي ينص صراحة علة مبدأ المناصفة في الدستورباإلضافة الى مبدأ‬
‫المساواة و تكافؤ الفرص بين الجنسين‪.‬‬

‫وهذا المبدأ يعبر عن رغبة المشرع المغربي في منح النساء فرصة التواجد في صلب‬
‫المبادرات الوازنة التي تمكنهم من احتلل أشواط متقدمة في كافة املجاالت خصوصا السياسية‬
‫منها‪.233‬‬

‫كما أن دسترة هذا المبدأ يعتبر إجراء تصحيحيا يعيد التوازن إلى املجتمع على أساس‬
‫تحقيق اإلنصاف والعدل ألن المناصفة تعيد االعتبارإلى مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة على‬
‫أرض الو اقع وتمكن من التفعيل الحقيقي والترجمة الفعلية له كما تضمن كسر الحلقة‬
‫المفرغة التي تنت التفاوت واالختلل الذي تكرسه اآلليات البنيوية والثقافية واالجتماعية‬

‫‪232‬منذر عنبتاوي "االنسان قضية وحقوق"‪ ،‬مطبعة تونس قرطاج الطبعة الثانية ‪ ،1992‬الصفحة ص ‪.56‬‬
‫‪ 233‬عبد الرحيم خالص‪،‬عزيزة الخراجي‪،‬س ـ ــعيد بوطيب‪ ":‬المرأة الحركاتية" بحث في الشـ ــروط الذاتية والموضـ ــوعية النبثاق حركة نسـ ــوية في‬
‫المجتمعات المغاربية‪ ،‬مجلة العلوم القانونية‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬مطبعة األمنية الرباط‪،‬ص‪.12،11،18،19،21:‬‬

‫‪136‬‬
‫‪2023‬‬

‫واالقتصادية التي تهمش وتقص ي المرأة‪234.‬وهذا ما جاء في الفصل ‪16‬من الدستور المغربي‬
‫تسعى الدولة إلى تحقيق المناصفة بين الرجال والنساء ونصبت لهذه الغاية هيئة المناصفة‬
‫ومكافحة كل أشكال التمييز‪ ،‬كذلك الفصل ‪" 31‬تعمل الدولة والمؤسسات العمومية‬
‫والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنات ولمواطنين‬
‫على قدم المساواة من الولوج إلى مختلف الوظائف"‪.‬‬

‫من هنا يتم استنتاج مفاده أن آفاق المشاركة التمثيلية للمرأة في املجالس المنتخبة من‬
‫خلل الدستور جاء بثورة في هذا املجال من خلل المبادئ الدستورية التي فتحت آفاق واعدة‬
‫في الحقل النسوي لتطويرهذه المشاركة والعمل على تفعيل هذه المبادئ على أرض الو اقع من‬
‫خلل تكريس الحق في التصويت والترشيح تفعيل إلطارالمساواة بين الرجل والمرأة اذ يحق لكل‬
‫مواطن أو مواطنة التصويت والترشح للنتخابات شرط بلوغ سن الرشد القانوني والتمتع‬
‫بالحقوق المدنية والسياسية وينص القانون على المقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص‬
‫بين النساء والرجال في ولوج الوظائف االنتخابية عبر األخذ بالمضامين التالية التي تعتبر‬
‫مكتسبات مهمة للرقي باألدوارالطلئعية للمرأة المغربية وهي على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -‬الحق في التصويت والترشيح‪:‬ففي إطارالمساواة بين الرجل والمرأة يحق لكل مواطن أو‬
‫مواطنة التصويت والترشح للنتخابات شرط بلوغ سن الرشد القانوني والتمتع بالحقوق‬
‫المدنية والسياسية وينص القانون على المقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤالفرص بين النساء‬
‫والرجال في ولوج الوظائف االنتخابية‪.‬‬

‫‪-‬كما نص الدستور الجديد من خلل الفصل ‪ 114‬على إحداث هيئة مكلفة بالمناصفة‬
‫ومحاربة جميع أشكال التمييز بموجب الفصل ‪ 16‬من مهامها الحرص على احترام الحقوق‬
‫والحريات المنصوص عليها في الدستورمع مراعات االختصاصات المسندة إلى املجلس الوطني‬
‫لحقوق اإلنسان‪235.‬‬

‫‪ 234‬فاطمة الزهراء بابا احمد‪ :‬مبدأ المناصفة‪:‬التأسيس الدستوري ورهانات التنزيل مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد عدد‬
‫مزدوج ‪ 62-61‬ص ‪.26‬‬
‫‪ 235‬اميناركلمة‪:‬تأصيل مقاربة النوع في دستور‪ 1022‬مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد عدد مزدوج‬
‫‪ 1023 17-13‬ص ‪.78-77‬‬

‫‪137‬‬
‫‪2023‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المشاركة التمثيلية للمرأة على ضوء التشريعات الوطنية‪.‬‬

‫يعتبر قانون األحزاب وقانون انتخاب أعضاء الجماعات الترابية من بين أهم انفتاح‬
‫املجالس المنتخبة على مختلف القوانين المتعلقة بتدبير الشأن العام املحلي‪،‬ويعتبر التعديل‬
‫الذي طال قانون األحزاب طفرة نوعية في املجال الحزبيكما يعتبر تنظيم انتخاب أعضاء‬
‫الجماعات الترابية ومن تم وجب اإللمام بها واإلحاطة بها خصوصا على مستوى آفاق هذه‬
‫المشاركة التمثيلية للمرأة داخل املجالس المنتخبة‪.236‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬على مستوى قانون األحزاب‪.‬‬

‫يشكل قانون األحزاب آفاق مهمة على مستوى المشاركة التمثيلية للمرأة وهذا ما سيتم‬
‫إبرازه من خلل‪:‬‬

‫‪- ‬ضمانات تواجد المرأة في القرارالحزبي‪.‬‬

‫ان الحديث عن مكانة المرأة في األحزاب السياسية يقودنا الى رصد بعض الظواهر التي‬
‫تحكم علقة المرأة باألحزاب المتمثلة أساسا في كون األغلبية العظمى من النساء اللواتي‬
‫يلتزمن مع األحزاب السياسية السيما قبل انتقاها الى السلطة هن من الفتيات اللواتي نلن‬
‫درجات ال بأس بها من التعليم وممن ساعدتهن الظروف االجتماعية على ذلك لهذا فأغلب‬
‫الحزبيات هن من الطالبات أو األستاذات‪237.‬‬

‫وال تستمر المرأة المتزوجة في الغالب داخل الحزب إال إذا كانت الظروف املحيطة بها‬
‫تشجعها على ذلك كانتماء الزوج لنفس الحزبهذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فان االلتزام الحزبي‬
‫بالنسبة للمرأة هو في كثير من األحيان حدث طارئ قد يزول مع أول تحول أسري أو شخص ي في‬
‫حياتها لذلك نجد الطالبات غالبا ما يتركن العمل الحزبي عند تخرجهن أو التحاقهن بالعمل أو‬
‫عند مواجهة أي مسؤولية اجتماعية كالزواج فهذه األعباء قد تحول بين المرأة وبين الممارسة‬
‫السياسية الجد فعالة‪.‬‬

‫‪236‬رشيد أويجا‪ :‬مقاربة النوع االجتماعي في الخطاب والواقع التربويين بالمغرب‪ ،‬الحوار المتمدن‪ ،‬العدد ‪1144‬‬
‫بتاريخ ‪ 17‬يونيو‪ ،1001‬ص‪.2‬‬

‫‪ 237‬بشري التيجي‪:‬إدماج مقاربة النوع في الوظيفة العمومية‪ ،‬مرجع سابق ص ‪92.-43‬‬

‫‪138‬‬
‫‪2023‬‬

‫وقد تتفاوت تمثيلية النساء داخل األحزاب السياسية لكن على العموم يبقى تواجدها‬
‫ضعيفا‪،‬ويكاد ينعدم في بعض المناصب كاألمين العام أوالكاتب العام أوفي باقي األجهزة التقريرية‬
‫لألحزاب‪.238‬‬

‫فمن خلل قانون األحزاب الجديد وضع عدة آفاق لذلك منها أنه أوجب على الحزب أن‬
‫ينص في نظامه األساس ي على نسبة النساء والشباب الواجب إشراكهم في األجهزة المسيرة‪.‬‬

‫و هوا ما أكد عن تحول في طبيعة التعاطي مع المشاركة السياسية للمرأة و التي اعتبرت‬
‫أحد األسس الديمقراطية لتحصين وتحديث النظام السياس ي الحديث ‪،‬وفي هذا اإلطارفقد تم‬
‫ربط هذه المشاركة بالتنمية الديمقراطية‪،‬وأصبح من الصعب تصور أي تنمية ديمقراطية إذ‬
‫لم يصاحبها توسيع حقيقي لفرص مساهمة كل الموارد البشرية في صناعة القرار و على رأسها‬
‫النساء‪، 239‬لكن على الرغم من هذا التحول الذي شهده المغرب بدءا من سنة ‪،2001‬والذي‬
‫يمكن اعتباره ايجابيا فان بعض الفاعلين ونشطاء املجتمع المدني اعتبروا أن المادة التي‬
‫تحدثت عن ضرورة مشاركة النساء جاءت فضفاضة و لم تحدد النسبة الضرورية التي ينبغي أن‬
‫تخصص للمرأة داخل الهيئات المقررة و لكن هذا ما تم استدراكه من خلل القانون الجديد‬
‫الذي حث أن يسعى كل حزب لبلوغ نسبة الثلث لفائدة النساء داخل هياكله‪.‬‬

‫قد عمل قانون األحزاب السياسية ‪ 11-26‬على تحديد مبادئ تنظيم األحزاب السياسية‬
‫وتسييرها مرتكزا على مبدأ تدعيم مشاركة المرأة في الحزبي والسياس ي‪.‬‬

‫ان النسبة الطبيعية لعدد النساء التي يجب أن تتوفر في الهيأة الحزبية المنتخبة حسب‬
‫قانون األحزاب هي الثلث كحد أدنى في أفق التحقيق التدريجي لمبدأ المناصفة فأحكام المادة‬
‫‪240 21‬من قانون ‪ 11-26‬فتحت للمرأة بابا واسعا من أجل االنخراط في تسيير وتدبير مختلف‬
‫أجهزة التسييرداخل األحزاب السياسية بعدما كانت نسبة حضورها من قبل ضئيلة‪.‬‬

‫‪238‬رشيد أقجي‪" :‬المغرب وااللتزامات الدولية في مجال حقوق اإلنسان" مكتبة دار السالم للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪،‬الرباط طبعة أولى ‪ 6115‬ص ‪.62‬‬
‫‪.239.‬ميلود بالقاضي مقاربة قانونية وسياسية لتعامل القوانين االنتخابية مع التمثيلية النسائية مقال منشور في‬
‫جريدة‪-‬المغربية‪-‬ليوم‪.1004/02/18‬‬
‫‪ 240‬الفصل ‪ 11‬من قانون ‪ 22-11‬المتعلقة باألحزاب السياسية الجريدة الرسمية عدد‪ 17 8141‬أكتوبر ‪.1022‬‬

‫‪139‬‬
‫‪2023‬‬

‫فمعظم األحزاب المغربية عملت على تعديل أنظمتها األساسية بشكل يتكيف مع‬
‫مستجدات قانون األحزاب‪ 11-26‬فعملت على إدخال تدابير التمييز االيجابي داخل هياكل‬
‫التسيير من أجل تحسين التمثيلية المرأة داخل أجهزة تسييرها‪،‬ومن خلل القراءة ملختلف‬
‫القوانين األساسية أغلب األحزاب السياسية في المغرب يتضح أن هذه األحزاب انتقلت إلى‬
‫مرحلة أخرى ‪.‬تعبرفيها عن نضجها في التعامل مع الجنس األنثوي وذلك بالتعامل مع المرأة بنوع‬
‫من التفضيل خلل عملية تحديد األجهزة المقررة و المسيرة وذلك بشكل متفاوت‪،‬فالتمييز‬
‫االيجابي اختلفت نسبة تطبيقه من حزب آلخر‪:‬‬

‫*حزب العدالة والتنمية‪ :‬تنص المادة ‪ 17‬من قانونه األساس ي على أن يخصص للنساء‬
‫نسبة ال تقل عن ‪ %25‬من عدد أعضاء المنتخبين في الهيئات التقريرية والتنفيذية للحزب‪.‬‬

‫*حزب الحركة الشعبية‪ :‬قد خصص نسبة ‪ %30‬للنساء من عدد األعضاء المنتخبين في‬
‫الهياكل التقريرية والتنفيذية لحزبه‪،‬مع السعي لتجسيد مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء‪241.‬‬

‫من هنا أصبحنا نلمس التطور الذي لحق مكانة المرأة في أجهزة التسيير والتدبير الحزبي‬
‫منذ حصول المغرب على االستقلل إلى اليوم وذلك راجع إلى تطبيق آلية الكوطا هذه اآللية التي‬
‫مكنت الدول بما فيها الديمقراطية العريقة من إدخال المرأة إلى الحياة السياسية بشكل رسمي‬
‫وجعلها مؤثرة في صنع القرار وذلك من خلل نسبة الثلث‪ ،‬نسبة الثلث التي منحت للنساء من‬
‫وضع تصوراتهن والعمل على تطبيقها‪.‬‬

‫‪- ‬التأطيرالحزبي للقطاع النسوي‪:‬‬

‫عرفت فترة االستقلل اهتماما كبيرا لألحزاب السياسية اتجاه القطاع النسوي حيث‬
‫اعتبرت قضية المرأة قضية مجتمعية ترتهن خصوصياتها بقيمة وتطور املجتمع حيث كانت‬
‫استراتيجية األحزاب موجهة أساسا للنهوض باملجتمع ككل وتوظيف القضية لهذا‬

‫‪241‬‬
‫‪-‬معلومات مستخرجة من المواقع االلكترونية لحزب العدالة والتنمية والحركة الشعبية‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫‪2023‬‬

‫الغرض‪242.‬ونظرا أن املجتمع المغربي عرف الفعل الجمعوي متأخرا فان مختلف التيارات‬
‫الحزبية زذلك هدفا في التحكم في مقاليد التطورالسياس ي ومسارالفعل النضالي‪.‬‬

‫فهناك ثمانية أحزاب سياسية تتوفر على شعب نسائية والحال أنه بالنظر إلى المساعي‬
‫السياسية واأليدلوجية لهذه األحزاب فان األهداف والنشاطات الخاصة بشعبها تأخذ توجهات‬
‫مختلفة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬على مستوى املجتمع المدني‪.‬‬

‫ان املجتمع المدني يثير بصورة شاسعة إلى الوجوه الغير السياسية للنظام االجتماعي‬
‫المعاصربحيث يمكن مثل مناقشة ما إذا كان هناك اتفاق بين املجتمع المدني والدولة‪.‬‬

‫واملجتمع في الو اقع يكتس ي خصوصية ملحوظة في أوربا الغربية لكونه يحيل إلى مفهوم‬
‫حكومة محدودة املجال والصلحيات في أفق أزمة الدولة الكنزية‪،‬ويحيل غياب التنظيم‬
‫والضبط والتناسق واالنسجام ويؤكد فكرة التفكيك والتشتت ومن هنا فكرة ضرورية عرقية‬
‫جديدة ‪ Neo copropativisme‬وهي مقولة تضر بوجوب تبني نظرية من نوع جديد مرتكزة‬
‫جديدة على مؤسسات عرقية نقابية تخول سلطات اقتصادية واجتماعية وسياسية‪.243‬‬

‫‪ ‬استثماراملجتمع المدني من طرف المرأة‪.‬‬

‫عملت النساء المغربيات خلل سنوات الثمانينات على البحث عن انفتاح أكثر على‬
‫العالم وعن اهتمام أوسع داخل املجتمع فكانت إرادتهن في خلق فضاءات خاصة بهن وأن يصرن‬
‫مستقلت في اختيارهن وقراراتهن‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫‪ELMOSSADEQ RKIA : LES FORCES POLITIQUES MAROCAINES FACE AU‬‬
‫‪PROBLEME DE LA DEMOCRATISATION DU Régime THEZD’Etat paris 2.1981 p‬‬
‫‪83‬‬
‫‪243‬مغيزول لور‪ :‬حقوق المرأة اإلنسان في لبنان‪ "،‬اللجنة الوطنية لشؤون المرأة‪ ،‬مؤسسة جنيف مغيزول‪،‬‬
‫بيروت لبنان‪،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص‪.002‬‬

‫‪141‬‬
‫‪2023‬‬

‫وهذا ما قاد إلى ترقي الخطاب النسائي حول المرأة إلى االلتزام بالمطالبة بحقوقهن‬
‫وتحسين شروط حياتهن ويمكن تقسيم الحركة النسائية بالمغرب إلى أربعة مجموعات كبرى‪:244‬‬

‫*الجمعيات النسائية المعترف بها رسميا‪،‬تدخل في تشاور مع مصالح الدولة من أجل‬


‫القيام بأعمال مشتركة على المستوى الوطني أو املحلي‪.‬‬

‫*الشعب النسائية في األحزاب السياسية وهي تطبق عموما سياسة أحزابها باحثة عن‬
‫اهتمام سياس ي لدى النساء‪.‬‬

‫*جمعيات حماية األسرة التي تولي أهمية خاصة للنساء خصوصا القرويات والمنتميات‬
‫للفئات املحرومة‪.‬‬

‫*مجموعة البحوث والدراسات النسائية التي تسعى إلى معرفة أفضل بوضعية المرأة‬
‫حسب مقاربات متنوعة تندمج فيها مختلف العلوم‪.‬‬

‫‪- ‬حدود عمل الحركة الجمعوية النسائية المغربية‪.‬‬

‫إذا كانت اإلحصائيات تشير إلى تصاعد في الحركة الجمعوية النسائية بمعناها الواسع‬
‫وإذا كانت الكتابات تؤكد تنمية مجتمع مدني قادر على المساهمة في تحسين الشروط‬
‫االقتصادية والثقافية للنساء فإننا نسجل حدودا في عمل هذه الحركة ومن بينها‪:245‬‬

‫*حدود مرتبطة بالتنظيم الداخلي للجمعيات والجماعات النسائية‪:‬حيث ال تضم اال‬


‫نسبة من األعضاء النشيطين‪،‬كما أن عدد المنخرطين يبقا مبهما إال نادرا ما يتم تقديم أرقام‬
‫حقيقية‪.‬كما أن الحركة النسائية ذات طابع حضري بشكل كبير‪.‬‬

‫‪244‬لبنى الشافعي‪ :‬الحركات النسائية واملجتمع المدني‪ ،‬مالحظات أولية‪ ،‬مجلة آفاق‪ ،‬العدد األول‪،0991 ،‬‬
‫ص‪.010‬‬
‫‪245‬‬
‫‪Philippe richarde « droit De l’homme un concept universel, formule de différentes matières »,‬‬
‫‪actes des travaux de l’université d’Etat sur « droit de l’homme : Normes et mécanismes de protection‬‬
‫‪« organisé par l’association marocaine des droit humains, publication solidarité, 1997 P7.‬‬

‫‪142‬‬
‫‪2023‬‬

‫باإلضافة إلى أن بنية الجمعيات النسائية مماثلة األحزاب السياسية فهي بنية ثقيلة‬
‫ومتصلبة ال تسمح بدخول جمهور واسع من النساء كما أنها ال تساعد على إقامة تسيير جماعي‬
‫وديمقراطي داخل هذه الجمعيات‪.‬‬

‫*حدود مترابطة باندراج الجماعة النسائية في السياق االجتماعي‪:‬حيث تسعى‬


‫هيمنةااليدولوجياعلى موضوع الحركة النسائية تحت وصاية الدولة أو حزب سياس ي و بالتالي‬
‫فان تمثيللنساء باعتبارهن قاصرات فاعلتتحت السلطة الفعلية أي الرمزية لألبأو‬
‫الزواج‪،….‬يعرقل انبثاق وتنمية ايدلوجية نسائية داخل هذه الجمعيات‪.‬‬

‫كما أن الحركة الجمعوية غير مفهومة من قبل النساء‪،‬فهي غالبا متشبثة بالعمل‬
‫االجتماعي‪،‬أما السياسة فهي عند العديد من النساء ش يء غريب عن حيلتهن‬
‫اليومية‪،‬ومصالحهن المباشرة فهي حقل ذكوري‪.‬‬

‫‪+‬حدود مرتبطة باإلحاطة على الوصاية السياسية‪:‬إن الوصاية السياسية الظاهرة أو‬
‫الخفية على بعض الجمعيات تخلق مبادرتها وتؤخر برامجها وتوجهاتها وتعرقل التنسيق بين‬
‫مختلف الجمعيات‪،‬فالعمل لدى النساء يندرج عند البعض منهن في الفترات اإلنتاجية أو إبان‬
‫المؤتمرات‪،‬من أجل تعبئ أكبرعدد من النساء نحو أحزابهن‪.246‬‬

‫ورغم كل القيود والموانع فان الحركة الجمعوية النسائية تأخذ مكانتها شيئا فشيئا في‬
‫المشهد املحلي‪.‬‬

‫خ ـ ــاتـ ـ ـم ــة‪:‬‬

‫لعل أبرز مجال تبدو فيه العلقة بين الجنسين متفاوتة وواضحة هو املجال السياس ي‬
‫وذلك راجع إلى التقسيم التقليدي لألدوار المنوطة بكل من الجنسين واعتبار املجال السياس ي‬
‫والنقابي خاص بالرجل وتناسوا أن الجوهرفي الديمقراطية هو ضرورة حضورالمرأة في المشهد‬

‫‪246‬محمد سالم شكري‪":‬األخالق واملجتمع المدني"‪،‬منشورات اتحاد كتاب المغرب‪،‬الطبعة األولى‪ ،‬الرباط‪،6101،‬‬
‫ص‪.25:‬‬

‫‪143‬‬
‫‪2023‬‬

‫السياس ي بحيث أنها عنصر أساس ي في املجتمع على اعتبار أن املجتمعات المتقدمة السبب في‬
‫نموها هو إشراك المرأة في الحقل السياس ي وفي مشاريع التنمية‪.‬‬

‫أما على المستوى الحزبي فالملحظ هو أن طبيعة مشاركتها في هياكلها تبقى لتأثيث‬
‫المشهد داخل األحزاب دون أن يكون لها سلطة في اتخاذ القرار‪ ،‬وهو الش يء الذي يمنعها من أن‬
‫تكون حاضرة بقوة من خلل اللوائح االنتخابية وهو ما تم التوصل اليه من خلل دراسة تجربة‬
‫المرأة المغربية من داخل األحزاب‪.‬‬

‫اذن فان جل ما وصلت اليه المرأة المغربية سواء على الصعيد الوطني أو العربي‬
‫والعالمي من نجاح وكفاءة وتمكين‪ ،‬اال أن هناك العديد من النساء ال زلن يعانين من التهميش‬
‫واالقصاء والتمييز في مختلف وشتى املجاالت‪ ،‬وذلك ما يوجب على الدول أن تقوم بالمزيد من‬
‫الجهود من أجل ضمان مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص‪ ،‬حيث يجب تضمين مبدأ عدم التمييزفي‬
‫كافة التشريعات الوطنية‪ ،‬وتمكينها الفعلي في اتخاذ القرارات وتعزيز مشاركة النساء في العمل‬
‫السياس ي‪ ،‬باعتماد مقاربة حقوقية عمادها البعد الكوني والعالمي‪.‬‬

‫وفي األخير يمكن القول على أن بالرغم من مواكبة التشريعات الوطنية الهادفة الى‬
‫مشاركة المرأة السياسية اال أنها تبقى غيركافية نظرا الحتوائها على مجموعة من النقائص سواء‬
‫على مستوى صياغتها الفضفاضة أو على مستوى أجرئتها على أرض الو اقع لعدم احترام بعض‬
‫المضامين للخصوصية الوطنية وكذا عدم دراسة األبعاد االجتماعية لهاته الترسانة القانونية‬
‫وهو الش يء الذي يجب على صناع القرار وكافة الفاعلين والمتدخلين معالجته سواء على‬
‫المستوى الحزبي أو على مستوى املجتمع المدني‪.‬‬

‫الئحة المصادروالمراجع‪.‬‬

‫المراجع باللغة العربية‪:‬‬

‫‪ -‬مغيزول لور‪ :‬حقوق المرأة اإلنسان في لبنان‪ "،‬اللجنة الوطنية لشؤون المرأة‪ ،‬مؤسسة‬
‫جنيف مغيزول‪ ،‬بيروت لبنان‪،‬بدون تاريخ‪،‬‬

‫‪-‬رشيد أقجي‪" :‬المغرب وااللتزامات الدولية في مجال حقوق اإلنسان" مكتبة دار السلم‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرباط طبعة أولى ‪.2005‬‬

‫‪144‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 1-11-61‬صادر في ‪ 27‬من شعبان ‪ 26( 1432‬يوليو ‪ )2011‬بتنفيذ‬


‫نص الدستور‪.‬‬

‫‪ -‬ميلود بالقاض ي مقاربة قانونية وسياسية لتعامل القوانين االنتخابية مع التمثيلية‬


‫النسائية مقال منشورفي جريدة‪-‬المغربية‪-‬ليوم‪.2007/01/25‬‬

‫‪-‬فاطمة الزهراء بابا احمد مبدأ المناصفة‪ :‬التأسيس الدستوري ورهانات التنزيل مجلة‬
‫مسالك عدد مزدوج ‪.24-23‬‬

‫‪ -‬اميناركلمة‪:‬تأصيل مقاربة النوع في دستور‪ 2011‬مجلة مسالك في الفكر والسياسة‬


‫واالقتصاد عدد مزدوج ‪.2013 24-23‬‬

‫‪ -‬اميناركلمة‪:‬المرأة في الدستورالمغربي الجديد’جريدة المنعطف العدد ‪30 70.40‬يونيو‬


‫‪.2011‬‬

‫‪ -‬عبد الرحيم خالص‪،‬عزيزة الخراجي‪،‬سعيد بوطيب‪ ":‬المرأة الحركاتية" بحث في‬


‫الشروط الذاتية والموضوعية النبثاق حركة نسوية في املجتمعات المغاربية‪ ،‬مجلة العلوم‬
‫القانونية‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬مطبعة األمنية الرباط‪.‬‬

‫‪ -‬محمد معروف الدقالي‪ :‬أخوات الصفا تنظيم نسائي رائد في تاريخ الحركة الوطنية‪،‬‬
‫مجلة األمل‪ ،‬عدد ‪ ،1431‬السنة الخامسة ‪.1669‬‬

‫‪ -‬رشيد أويجا‪ :‬مقاربة النوع االجتماعي في الخطاب والو اقع التربويين بالمغرب‪ ،‬الحوار‬
‫المتمدن‪ ،‬العدد ‪ 2179‬بتاريخ ‪ 24‬يونيو‪.2006‬‬

‫‪-‬لبنى الشافعي‪ :‬الحركات النسائية واملجتمع المدني‪ ،‬ملحظات أولية‪ ،‬مجلة آفاق‪ ،‬العدد‬
‫األول‪.1663 ،‬‬

‫‪ -‬محمد سلم شكري‪":‬األخلق واملجتمع المدني"‪،‬منشورات اتحاد كتاب المغرب‪،‬الطبعة‬


‫األولى‪ ،‬الرباط‪.2013،‬‬

‫‪ -‬ادريس الكريني‪" :‬التمكين السياس ي للمرأة المغاربية في ضوء الحراك‪ :‬دراسة حاالت‬
‫تونس والمغرب وليبيا"‪ ،‬يناير‪ 2011‬برنامج دعم البحث العربي‪.‬‬

‫‪145‬‬
2023

‫المراجع باللغة الفرنسية‬

Philippe richarde « droit De l’homme un concept universel, formule de


différentes matières », actes des travaux de l’université d’Etat sur « droit de
l’homme : Normes et mécanismes de protection « organisé par l’association
marocaine des droit humains, publication solidarité, 1997.

ELMOSSADEQ RKIA : LES FORCES POLITIQUES MAROCAINES FACE AU


PROBLEME DE LA DEMOCRATISATION DU Régime THEZD’Etat paris 2.1981

146
‫‪2023‬‬

‫آليات الحماية القانونية للتجارة اإللكترونية‬


‫‪Legal protection mechanisms for e-commerce‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫تشكل ثورة االتصال والمعلومات أحد العناوين البارزة للمرحلة الراهنة بسبب االنتشار‬
‫الهائل للنترنيت‪ ،‬وقد أدى ذلك إلى تطور مفهوم التجارة اإللكترونية ولم بعد يقتصر على بيع‬
‫وشراء السلع والخدمات عبر االنترنيت فقد توسعت إلى أن أصبحت تشمل عمليات بيع‬
‫المعلومات نفسها إلى جانب السلع والخدمات‪.‬‬

‫‘إما بطريقة إلكترونية بحتة أو جزئية سواء لعبت الشركة اإللكترونية دورا رئيسيا في‬
‫السلعة أو الخدمة المقدمة أو كوسيط بين البائع والمشتري‪.‬‬

‫وبالنسبة للمغرب لم يعرف استخدام الشبكة المعلوماتية بشكل موسع إال أواخر‬
‫التسعينات حيث كثرة مقاهي االنترنيت وتزايد اإلقبال عليها فأصبحت المعاملت التجارية تتم‬
‫عبرهذه النواة فساهم ذلك في ظهورالجرائم المعلوماتية من اختراق للمو اقع وتدميرها وسرقة‬
‫المعلومات والسطو على بطائق االئتمان وغيرها من الجرائم المعلوماتية الماسة بالتجارة‬
‫اإللكترونية‪ ،‬فبرزت الحماية القانونية ألول وهلة في القانون المغربي حيث صدرالقانون ‪53.03‬‬

‫‪147‬‬
‫‪2023‬‬

‫المتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية لسنة ‪ 2007‬باإلضافة إلى القانون رقم ‪06.09‬‬
‫المتعلق بحماية األشخاص الذاتيين تجاه المعطيات ذات الطابع الشخص ي لسنة ‪.2009‬‬

‫ومع تسارع الوقت وزيادة انتشار التجارة اإللكترونية داخليا وخارجيا وزيادة حجم‬
‫التداول اإللكتروني بين الشركات ودورها في تنمية االقتصاد وطنيا وعالميا خصوصا أثناء فترة‬
‫‪ covid 19‬وبعدها‪.‬‬

‫ومن خلل ما سبق‪ ،‬ومع هذه المعطيات يمكننا طرح التساؤل التالي؟‬

‫إلى أي حد استطاع المشرع المغربي حماية جميع المتدخلين في التجارة اإللكترونية بين‬
‫البائع والمشتري أو السماسرة؟ وهل الحماية القانونية وحدها كفيلة بتحقيق دلك‪ ،‬أم ال بد أن‬
‫تواكبها حماية تقنية لتواكب التطورالمتسارع للنظام المعلومات العالمي؟‬

‫لإلجابة عن ذلك‪ ،‬ارتأيت الحديث اوال عن املحددات العامة لعقود التجارية اإللكترونية‬
‫في (المبحث األول)‪ ،‬ثم للحماية القانونية للتجارة اإللكترونية في (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬املحددات العامة لعقود التجارية اإللكترونية‬


‫ً ً‬
‫احتلت اإلنترنت مكانا بارزا في حياة العالم‪ ،‬وتطوره‪ ،‬حتى أضحت تستخدم في كثير من‬
‫مجاالت الحياة‪ ،‬فيمكن الدخول إلى اإلنترنت للحصول على المعلومات‪ ،‬واألخبار في أي‬
‫وقت واالستخدام األحدث واألبرزلألنترنت هو التجارة عن طريقه ‪.‬‬

‫وفي هذا المبحث كان من الضروري‪ ،‬ما أمكن‪ ،‬دراسة ماهية العقود التجارية‬
‫اإللكترونية‪ ،‬وإعطاء فكرة عن العقود اإللكترونية‪ ،‬من حيث التوقيع والمصادقة اإللكترونية‬
‫وحجيتهما في إثبات التجارة اإللكترونية في (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ماهية العقود التجارية اإللكترونية‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫محددا لها‪ ،‬فكل كاتب أو مؤلف‬ ‫بالنظر إلى مفهوم التجارة اإللكترونية نجد أنه ال تعريفا‬
‫يحاول االجتهاد في إيجاد التعريف المناسب‪ ،‬فهناك من عرفها بأنها "استخدام الوسائل‬
‫التكنولوجية الحديثة‪ ،‬مثل اإلنترنت وغيرها من الوسائل التكنولوجية األخرى في إبرام‬
‫الصفقات‪ ،‬وعقد العقود‪ ،‬والتسويق‪ ،‬وتبادل الخ‬

‫‪148‬‬
‫‪2023‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم العقود التجارية اإللكترونية‬

‫ينشأ العقد كقاعدة عامة في معظم القوانين الدولية بمجرد توصل طرفيه إلى اتفاق‬
‫بشأن أحكامه األساسية‪ ،‬وهو ما يتم في الغالب بتبادل التعبير عن إرادتين متطابقتين بشأن‬
‫عملية معينة ما لم ينص العقد على خلف ذلك‪.‬‬

‫وإذا كانت العقود المبرمة ال تثير الكثير من الشكوك حول التراض ي بين الطرفين‪ ،‬فإن‬
‫العقود اإللكترونية التجارية تثير الكثير من النقاش حول التعبير عن اإلرادة بسبب الوسائل‬
‫المستعملة للتطابق اإليجابي مع القبول ببن كل المتعاقدين‪.‬‬
‫القانونية‪247‬‬ ‫وبالرجوع إلى القانون ‪ 53.05‬المتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات‬
‫وتحديدا الفصل ‪ 15.03‬الذي ينص على أنه‪ " :‬يمكن استخدام الوسائل اإللكترونية ووضع‬
‫عقود تعاقدية أو معلومات متعلقة بسلع أو خدمات رهن إشارة العموم من أجل إبرام عقد من‬
‫العقود "‪.‬‬

‫ويتضمن هذا الغرض اإللكتروني طبقا للفصل ‪ 15.04‬من نفس القانون الخصائص‬
‫األساسية لسلعة او الخدمة المفترضة واألصل التجاري أو أحد العناصر باإلضافة لشروط بيع‬
‫هذه السلعة أو الخدمة ومختلف المراحل الواجب إتباعها إلبرام العقد بطريقة إلكترونية وال‬
‫سيما الكيفية التي يفي طبقها األطراف بالتزاماتهم المتبادلة‪.‬‬

‫إذ نرى أن المشرع المغربي وحماية منه للمتعاقدين فقد ألزم بضرورة إفراغ العرض‬
‫اإللكتروني في قالب قانوني وأن كل اقتراح غير متضمن لكافة البيانات المثار إليها في الفصل‬
‫‪ 15.04‬ال يجوزاعتباره عرضا ويبقى مجرد إشهاروال يلزم صاحبه‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬فاإليجاب هو األساس الذي يتم بناء العقد عليه‪ ،‬فيجب احتوائه على كافة‬
‫العناصراألساسية ليتم إصدارقبول كامل‪.248‬‬

‫‪ - 247‬القانون رقم ‪ 51.15‬المتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5555‬بتاريخ ‪ 65‬ذو القعدة ‪0565‬‬
‫(‪ 62‬دجنبر ‪ ،)6116‬ص‪.1659 :‬‬
‫‪ - 248‬محمد فؤاد المطالعة‪ " ،‬الوجيز في العقود التجارية اإللكترونية – دراسة مقارنة – دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان األردن‪،‬‬
‫اإلصدار الثاني‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،6115 - 0569 ،‬ص‪.59 :‬‬

‫‪149‬‬
‫‪2023‬‬

‫هذا األخير هو الركيزة الثانية إلقامة العقود اإللكترونية‪ ،‬وقد نص المشرع المغربي على‬
‫أحكام القبول اإللكتروني وما تحمله من خصوصية من خلل الفصل ‪ 15.3‬من قانون ‪.53.05‬‬

‫إال أن القبول ال ينتج آثاره إال إذا كان من أرسا إليه العرض قد تمكن من التحقق من‬
‫تفاصيل اإلذن الصادرعنه ومن السعراإلجمالي ومن تصحيح األخطاء املحتملة ‪...‬‬

‫على العموم‪ ،‬يمكن القول بأن التعبير عن اإلرادة في الوسائل اإللكترونية يختلف عن‬
‫التعبير عن اإلرادة التقليدية من حيث الوسيلة الرقمية المستخدمة وتعدد طرفي التعبير عن‬
‫اإلرادة بهذه الوسائل‪ ،‬فقد يتم عن طريق الرسائل المعلوماتية‪ ،‬أو البيانات أو البريد اإللكتروني‪،‬‬
‫أو من خلل التنزيل عن بعد‪ ،‬أو من خلل التعبير عن اإلرادة مباشرة من خلل شبكة االنترنيت‬
‫داخل المو اقع اإللكترونية‪ ،‬أو بواسطة عرف الدردشة أو بواسطة الوكيل اإللكتروني‪ ،249‬وذلك‬
‫بمجرد توصل الموجب بقبول الموجب له يصبح ملزما بإيجابه بشكل ال رجعة فيه‪.250‬‬

‫وإذا كان تعاقد حاضرين ال يثير إشكاال من حيث تحديد الزمان والمكان عند انعقاد‬
‫العقد‪ ،‬فإن التعاقد اإللكتروني بين غائبين من حيث الزمان والمكان عكس ذلك‪ ،‬ألن تحديد‬
‫الزمان والمكان دور في تحديد وقت بدء تنفيذ االلتزامات التي يفرضها العقد وتحديد املحكمة‬
‫املختصة والقانون الواجب التطبيق‪.251‬‬

‫وهوما تداركه المشرع المغربي مؤخرا من خلل القانون ‪ 79.20252‬المغيروالمتمم للمادة‬


‫‪ 202‬من قانون ‪ 31.09‬المتعلق بتدابير لحماية المستهلك‪ 253‬حيث حسم هذه المسألة‪ ،‬إذ نص‬

‫‪ - 249‬بشرى النية‪ " ،‬العقد المبرم بطريقة إلكترونية " أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال الرباط‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،6106 – 6100 :‬ص‪.001 :‬‬
‫‪ - 250‬أحمد ادريوش‪ " ،‬تأمالت حول قانون التبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية " منشورات سلسلة المعرفة القانونية‪ ،‬مطبعة‬
‫األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،‬سنة ‪ ،6119‬ص‪.55 :‬‬
‫‪ - 251‬إبراهيم الدسوقي أبو الليل‪ " ،‬إبرام العقد اإللكتروني في ضوء أحكام القانون اإلماراتي والمقارن‪ ،‬الدليل اإللكتروني للقانون‬
‫العربي "‪ problaw info‬كتاب إلكتروني مأخوذ من الموقع اإللكتروني ‪ www.issu.com‬تاريخ االطالع يوم ‪ 6166/11/11‬على الساعة‬
‫‪22h00‬‬
‫‪ - 252‬تم تغيير وتتميم المادة ‪ 616‬بمقتض ى المادة األولى من القانون رقم ‪ 65.61‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 0.61.55‬بتاريخ ‪ 65‬من ربيع اآلخر ‪ 00( 0556‬ديسمبر ‪ )6161‬؛ الجريدة الرسمية عدد ‪ 2955‬بتاريخ ‪ 2‬جمادى األولى ‪0556‬‬

‫(‪ 60‬ديسمبر ‪ ،)6161‬ص‪.5525 :‬‬

‫‪ - 253‬ظهير شريف رقم ‪ 0.00.11‬صادر في ‪ 05‬ربيع األول ‪ 0516‬الموافق ل ‪ 05‬فبراير ‪ 6100‬بمثابة القانون رقم ‪15‬ـ‪ 10‬القاض ي بتدبير‬
‫حماية المستهلك ‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5916‬صادر في ‪ 6‬أبريل ‪ ،6100‬ص‪.0166 :‬‬

‫‪151‬‬
‫‪2023‬‬

‫على أن االختصاص القضائي النوعي ينعقد حصريا للمحكمة االبتدائية في حال نشوب نزاع بين‬
‫المورد والمستهلك‪ ،‬ورغم وجود أي شرط مخالف‪.‬‬

‫وهكذا جاء في المادة ‪ 202‬من القانون ‪ 31.09‬ما يلي‪ " :‬في حال نزاع بين المورد والمستهلك‪،‬‬
‫ورغم وجود أي شرط مخالف‪ ،‬فإن االختصاص القضائي النوعي ينعقد حصريا للمحكمة‬
‫االبتدائية‪.‬‬

‫تعتبراملحكمة املختصة مكانيا‪ ،‬محكمة موطن أو محل إقامة المستهلك أو محكمة املحل‬
‫الذي وقع فيه الفعل المتسبب في الضررباختيارهذا األخير"‪.‬‬

‫فالقانون ‪ 79.20‬الذي بمقتضاه تم تعديل المادة ‪ 202‬من القانون رقم ‪ 31.09‬جاء‬


‫ليجعل جميع المنازعات التي تنشأ بين المستهلكين والمهنيين ينعقد االختصاص النوعي فيها‬
‫للمحاكم االبتدائية بشكل حصري‪ ،‬وبالتالي لم يعدد ممكنا اللجوء فيها للمحاكم التجارية‪ ،‬وال‬
‫للمحاكم االدارية بالنسبة ألشخاص القانون العام الذين يزاولون االنشطة الربحية والذين لهم‬
‫صفة منهي حسب قانون ‪.31.09‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اآلثارالمترتبة عن اإلخلل بالعقود التجارية اإللكترونية‬

‫كما في العقود التجارية العادية فغن العقود اإللكترونية ينتج عن عنها نفس اآلثار‬
‫المترتبة عن اإلخلل بالعقد‪ ،‬فالبائع أو الشركة التجارية تلتزم بتسليم محل العقد وضمانه‪ ،‬في‬
‫حين أن المستهلك ملزم بتسلم محل العقد ا إلكتروني وأداء محل العقد‪.‬‬

‫وبما أن الوضعية في إطار العقود اإللكترونية غير متوازنة‪ ،‬فتسليم السلعة أو البضاعة‬
‫هو أهم مرحلة في العقود اإللكترونية وأهم يقع على البائع‪ ،‬وذلك راجع إلى الطابع غير المادي‬
‫للعقد اإللكتروني والذي يكون فيه اإليجاب مجرد معلومات على الشاشة‪ ،‬مما يصعب معه‬
‫ملمسة المبيع أو معاينته مباشرة‪.254‬‬

‫‪ - 254‬موالي حفيظ علوي قادري‪ " ،‬إشكاالت التعاقد في التجارة اإللكترونية " الشركة المغربية سوماديل للتوزيع والنشر‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،6101 ،‬ص‪.065 :‬‬

‫‪151‬‬
‫‪2023‬‬

‫فعند تسلم المبيع يتعين على المشتري فورا التأكد من مطابقته للمواصفات المتفق‬
‫عليها قبل التوقيع على وثيقة االستلم‪ ،‬وبإمكان المشتري في حال اكتشافه أن المبيع غيرمطابق‬
‫للمواصفات المطلوبة‪ ،‬فله أن يرفض االستلم ويدرج ملحظاته في ورقة التسليم‪.‬‬

‫أما في حالة عدم حصول التسليم‪ ،‬فالبائع هنا هو المسؤول أيضا عن كل عمليات‬
‫اإلرسال والنقل وما قد يقع‪ ،‬وال يمكن له أن يتحلل من مسؤوليته تجاه المشتري أو أن يلقي بها‬
‫على الناقل مثل‪.255‬‬

‫وإذا كانت منتوجات ملموسة يمكن إثبات عدم مطابقتها‪ ،‬إال أن اإلشكال يطرح في حالة‬
‫ما إذا كان العقد اإللكتروني ينصب على خدمة أوبرنامج إلكتروني يتم تسليمها من خلل تحميلها‬
‫على دعامات أو أقراص ممغنطة وتحمل مباشرة على شبكة االنترنيت دفعة واحدة أو على شكل‬
‫دفعات أو عبرمراحل‪.‬‬

‫وعند الحديث عن المسؤولية الملقاة على عاتق البائع‪ ،‬فل بد من الحديث عن التزامات‬
‫المستهلك اإللكتروني تجاه الطرف األول‪ ،‬فالمشتري ملزم بتسلم المبيع وبدفع الثمن وهوما يميز‬
‫العقد اإللكتروني‪ ،‬إذ أن في الغالب يكون الدفع من خلل الوسائل اإللكترونية والتي تلءم مع‬
‫هذا النوع من التجارة‪ ،256‬إما عن طريق البطاقة البنكية أو بواسطة األموال الرقمية أو أي‬
‫وسيلة من الوسائل األخرى‪.‬‬

‫يتبين من خلل ما سبق‪ ،‬أنه رغم لما للعقد اإللكتروني من خصوصية‪ ،‬إال أن قانون‬
‫االلتزامات والعقود يظل هو الشريعة العامة المطبقة عل هذا النوع من العقود إذ أن التزامات‬
‫البائع تتمثل بصفة عامة طبقا للفصل ‪ 469‬من ق‪.‬ل بااللتزام بالتسليم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬التوقيع والمصادقة اإللكترونية وحجيتهما في إثبات التجارة اإللكترونية‬

‫كما هو الشأن بالنسبة للمحررات العرفية التقليدية فإن الكتابة موقعة وحدها ال تكفي‬
‫ألن تكون دليل كامل لإلثبات ما لم تكن موقعة ممن يراد االحتجاج بها عليه‪ ،‬فالتوقيع شرط‬

‫‪ - 255‬عبد الحميد أخريف‪ " ،‬عقود االستهالك – الدليل القانوني للمستهلك ‪ " -‬مطبعة أميمة فاس‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،6112 ،‬ص‪.55 :‬‬
‫‪ - 256‬نضال سليم إبراهيم‪ " ،‬أحكام عقود التجارة اإللكترونية " اإلصدار الثاني‪ ،‬دار الثقافة لنشر والتوزيع‪ ،‬عمان األردن‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،6119 ،‬ص‪.005 :‬‬

‫‪152‬‬
‫‪2023‬‬

‫جوهري للمحرر العرفي‪ ،‬ألنه هو الذي ينسب الكتابة إلى صاحبها وهو الذي يعطي املحرر العرفي‬
‫قيمته في اإلثبات‪.257‬‬

‫هذا وقد احدث قانون ‪ 53.05‬المتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات سلطة جديدة‬
‫سماها بالسلطة الوطنية العتماد ومر اقبة التصديق‪ .‬تتمثل في‪:‬‬

‫‪ -‬اقتراح معاييرنظام االعتماد على الحكومة و اتخاذ التدابيراللزمة لتطبيقها‪.‬‬

‫‪ -‬اعتماد مقدمي خدمات التصديق على التوقيع اإللكتروني ومر اقبة أنشطتهم فهي‬
‫بمثابة الجهازالساهرعلى تنظيم هذه المهام إداريا وتنظيميا إذا لها صلحية اختيار‬
‫مقدمي خدمات المصادقة ا إلكترونية المرشحة لنيل االعتماد توفرها على الكفاءة‬
‫المهنية وحفظ السير المنهي والتوفر على نظام دقيق لضمان السلمة لمعاملة‬
‫الزبناء‪.‬‬

‫بناء على ذلك سأعمل من خلل هذا المطلب الحديث عن التوقيع اإللكتروني في (الفقرة‬
‫األولى)‪ ،‬والمصادقة ودورها في حماية المتعاقدين في (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التوقيع اإللكتروني‬

‫إلى جانب المفهوم التقليدي للتوقيع الذي يتم كتابة وكذلك التوقيع الذي يتم بالختم أو‬
‫البصمة نجد أن الو اقع العملي قد أفرز نوعا جديدا من الوسائل الرقمية التي تحل محل‬
‫التوقيع بمعناه التقليدي‪.‬‬

‫فقد أدى التطور المتسارع في عالم االتصال والمعلوميات إلى استعانة معظم الشركات‬
‫بالوسائل الحديثة الش يء الذي نتج عنه اليسر والسهولة والثقة في المعاملت التجارية‪ ،‬ومن‬
‫بين هذه الوسائل نجد التوقيع الكتروني‪.‬‬

‫فالتوقيع اإللكتروني كما جاء في الفقرة األولى من المادة الثانية من قانون األونيسترال‬
‫النموذجي‪ 258‬هوالبيانات ا إلكترونية الموجودة في الرسائل والبيانات المرتبطة منطقيا بها والتي‬

‫‪ - 257‬جميلة العماري‪ " ،‬الوجيز في عقد البيع – دراسة على ضوء قانون ‪ 51.15‬لتبادل المعطيات القانونية بشكل إلكتروني – قانون‬
‫‪ 55.11‬لبيع العقار في طور اإلنجاز " مطبعة سليكي إخوان‪ ،‬طنجة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دجنبر ‪ ،6119‬ص‪.55 :‬‬
‫‪ - 258‬صدر هذا القانون عن لجنة األمم المتحدة للقانون التجاري الدولي عام ‪ 6110‬بشأن التوقيعات اإللكترونية‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫‪2023‬‬

‫تستخدم للتحقق من شخصية الموقع في إطار هذه الرسائل وتشير إلى قبوله المعلومات التي‬
‫تتضمنها‪.‬‬

‫أما بخصوص المشرع المغربي ومن خلل قانون ‪ 53.05‬لم يعط تعريفا للتوقيع‬
‫اإللكتروني و إنما استوجب إذا التوقيع إلكترونيا أن يتم استعمال وسيلة تعريف موثوق بها‬
‫تضمن ارتباطه باملحررالموضوع عليه‪.‬‬

‫وفي نفس اإلطار فقد عرفه أحد الفقه‪ 259‬أنه مجموعة من اإلجراءات التقنية التي تمكن‬
‫من تحديد شخصية من تصدر عنه هذه اإلجراءات وقبوله بمضمون التصرف الذي صدر‬
‫التوقيع بشأنه‪.‬‬

‫من خلل ما سبق‪ ،‬يمكن القول أن التوقيع اإللكتروني هو كل علمة او رمز إلكتروني‬
‫يضاف إلى رسالة البيانات المعلوماتية الصادرة عن صاحب التوقيع والتي تبين هويته وقبوله‬
‫أو عدم قبوله االلتزام بذلك البيان‪.‬‬

‫وللتوقيع اإللكتروني مجموعة من الصور‪:‬‬

‫‪ -‬التوقيع اإللكتروني الرقمي‪:‬‬

‫وهو من أحدث التوقيعات وأكثرها فعالية وحماية لما يتوفر عليه من تقنيات التشفير‬
‫التي تم باستخدام المفاتيح السرية والطرق الحسابية المعقدة‪ ،‬وهو يحتوي على رقم سري ال‬
‫يعرفه إلى صاحبه‪.260‬‬

‫‪ -‬التوقيع البيومتري‪:‬‬

‫‪ - 259‬ضياء أحمد نعمان‪ " ،‬المسؤولية المدنية الناتجة عن الوفاء اإللكتروني بالبطائق البنكية " المطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،6101 ،‬ص‪.62 :‬‬
‫‪ - 260‬سكينة فعراس‪ " ،‬الحماية القانونية للمستهلك المتعاقد في التجارة اإللكترونية " رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪،‬‬
‫جامعة عبد المالك السعدي‪،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بطنجة‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،6105 – 6106 :‬ص‪.21 :‬‬

‫‪154‬‬
‫‪2023‬‬

‫يقصد بهذا النوع من التوقيع التحقق من شخصية المتعامل انطلقا من الخواص‬


‫الفزيائية الطبيعية ألفراد مثل بصمة األصبع وبصمة الصوت والمسح الرقمي للعين والوجه‪.‬‬

‫إال أن ما يعاب على هذه التقنية رغم أنها وسيلة للتعريف بصاحبها إال أنه ال تضمن‬
‫بالضرورة التعبيرالصحيح عن إرادة صاحبها الحقيقية‪.261‬‬

‫‪ -‬التوقيع بالقلم اإللكتروني‪:‬‬

‫وهو توقيع كالتوقيع العادي يتم بقلم إلكتروني على ماسح ضوئي مرتبط بجهاز الحاسب‬
‫اآللي‪.‬‬

‫ويلعب التوقيع اإللكتروني دورا كبيرا في تعزيز الثقة التعاقدية اإللكترونية بصفة عامة‬
‫والتجارة اإللكترونية بصفة خاصة‪ ،‬لذلك نجد أن التشريع الوطني أولى له أهمية كبيرة وعيا منه‬
‫بالدورالذي أصبحت تلعبه التقنيات الحديثة في إثبات العقود الموجهة بوسائل إلكترونية‪.‬‬

‫ومن أجل تحقيق هذه األهداف استلزم األمر وجود طرف ثالث محايد موثوق به يعمل‬
‫بطريقة خاصة على التأكد من جدية وصحة هذه اإلرادة التعاقدية ممن تنسب إليه‪ ،‬والتأكد‬
‫من جدية هذه اإلرادة وبعدها عن الغش والتدليس واالحتيال‪ ،‬باإلضافة إلى تحديد مضمون‬
‫اإلرادة تحديدا واضحا يمكن المتعامل من االعتماد عليه في معاملته‪.262‬‬

‫لذلك أناط المشرع المغربي مهمة التصديق اإللكتروني إلى لجنة خاصة مسؤولة على‬
‫التصديق على هذا النوع من العقود من أجل إعطاء الرسمية وتعزيز الثقة في الوثيقة‬
‫اإللكترونية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬المصادقة اإللكترونية ودورها في حماية المتعاقدين‬

‫لقد كان من أجل ازدهار التبادل اإللكتروني للمعطيات اإللكترونية و انعكاسه على‬
‫التجارة اإللكترونية تعزيز الثقة واألمان لدى المتعاملين عبر الشبكة المعلوماتية‪ ،‬ويأتي في‬

‫‪ - 261‬العربي جنان‪ " ،‬التعاقد اإللكتروني في القانون المغربي * دراسة مقارنة – " المطبعة الوراقة الوطنية مراكش‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،6101‬ص‪.50 :‬‬
‫‪ - 262‬عبد الحيكم الزواق‪ " ،‬تنظيم التبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية عبر االنترنيت " سلسلة الشؤون القانونية والمنازعات‪،‬‬
‫مطبعة الكرامة‪ ،‬دار األمان الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،6102 ،‬ص‪.655 :‬‬

‫‪155‬‬
‫‪2023‬‬

‫مقدمة الضمانات الحمائية التي يتعين توفرها هو وجود طريقة للتحقق من األوراق واعتماد‬
‫المتعاملين بدرجة أكبرفي هذا العالم االفتراض ي عن العالم التقليدي‪ 263‬وخصوصا ما إذا علمنا‬
‫ان هذه المعاملت تتم عن بعد بين طرفين ال يلقيان بشكل ملموس وال يعرفون بعضهم‪.‬‬

‫لذلك ولتعزيز هذه الثقة أوجد المشرع المغربي طرفا ثالثا أسوة بالتشريعات المقارنة‪،‬‬
‫أنيطت له مهمة المصادقة اإللكترونية من خلل قانون ‪ 53.05‬خصوصا الباب الثالث‪.‬‬
‫فالمشرع اعتمد على نظام الترخيص المسبق لمقدمي خدمة المصادقة اإللكترونية من طرف‬
‫السلطة الوطنية المكلفة باعتماد ومر اقبة المصادقة اإللكترونية إلصدار شهادة المصادقة‬
‫اإللكترونية‪.264‬‬

‫هذه الشهادة هي بمثابة رسالة بيانات يؤكد االرتباط بين الموقع وبين إنشاء التوقيع‬
‫اإللكتروني‪ ،‬فهي بالرجوع إلى المادة ‪ 10‬من قانون ‪ 53.05‬تبين العلقة بين المعطيات التي تمكن‬
‫من التحقق من التوقيع اإللكتروني والموقع وأنها تكون في شكل سند يتم إعداده بشكل‬
‫إلكتروني‪.‬‬

‫ويجب أن تحترم هذه الشهادة مجموعة من البيانات التي يجب أن تضمن فيها والمتمثلة‬
‫في اإلشارة إلى أن هذه الشهادة مؤمنة ومع بيان هوية مقدم الخدمة المصادقة اإللكترونية‬
‫وكذلك اسم ومقر وموقع صاحب الشهادة اإللكترونية وتحديد بداية ونهاية مدة صلحيتها‬
‫ورقمها السري‪ ،‬وذلك تحت طائلة ترتيب المسؤولية التقصيرية كما جاء في المادة ‪ 24‬من قانون‬
‫‪ 53.05‬التي جاء فيها‪ " :‬يتحملون وفق القواعد القانونية العادية مسؤولية تهاونهم اوقلة كفاءتهم‬
‫او قصورهم المنهي سواء تجاه المتعاقدين معهم أو اتجاه األغيار"‪.‬‬

‫وهذا التهاون أوالقصورمحل متابعة جنائية حسب ما جاء في المادة ‪ 26‬من نفس القانون‬
‫بحيث يعاقب بالحبس من ثلثة أشهر إلى سنة وغرامة من ‪ 1000‬درهم إلى ‪ 100.000‬درهم كل‬
‫من تابع نشاطه رغم سحب اعتماده أو أفش ى المعلومات أو السرالمنهي "‪.‬‬

‫‪ - 263‬محمد سعيد أحمد إسماعيل‪ " ،‬أساليب الحماية القانونية للمعطيات التجارية اإللكترونية " منشورات حلبي الحقوقية‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،6119 ،‬ص‪.665 :‬‬
‫‪ - 264‬انظر المرسوم التنظيمي رقم ‪ 6.15.505‬صادر في جمادى األولى ‪ 60(0511‬مارس ‪ )6119‬لتطبيق قانون ‪ 51.15‬المتعلق بالتبادل‬
‫اإللكتروني للمعطيات القانونية‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫‪2023‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الحماية القانونية للتجارة اإللكترونية‬

‫لقد قام النظام القانوني منذ زمن مبكر بحماية الرض ى في العقود عن طريق وسائل‬
‫تقليدية متعددة‪ ،‬أهمها نظرية عيوب اإلرادة‪ ،‬السبب‪ ،‬اإلثراء‪ ،‬التعسف في استعمال الحق‪....‬‬

‫لذلك‪ ،‬فإن المستهلك يظل من حقه كأي متعاقد‪ ،‬عندما يجد نفسه في مواجهة عقد‬
‫يحتوي على شروط ت عسفية‪ ،‬اللجوء إلى المبادئ العامة التي تنظم عملية التعاقد للبحث من‬
‫ً‬
‫خللها عن األدوات القانونية التي تمكنه إما من التنصل من العقد نهائيا أو استبعاد تلك‬
‫الشروط و آثارها فقط مع االحتفاظ بالعقد قائما‪.‬‬

‫غير أنه إذا كان قانون العقود وااللتزامات يحتوي على العديد من القواعد التي يمكن‬
‫اعتبارها ملئمة لتحقيق بعض الحماية للطرف الضعيف في العقود غيرالمتوازنة‪ ،‬فإن دراسة‬
‫متأنية لتعدد القواعد تبين لنا في مجملها أنها تتضمن بعض المبادئ التي اقتصرت في ُمجملها‬
‫على تصحيح األوضاع الظاهرة‪ ،‬فهي قد التصل إلى تحقيق التوازن العقدي وحماية الثقة التي‬
‫يقتضيها الضميرفي المعاملت املختلفة‪.‬‬

‫هذا الوضع شكل فراغا في التشريع المغربي عانى منه لفترة طويلة‪ ،‬حيث كان يشكل‬
‫تهديدا حقيقيا لحقوق للمستهلك بصفة عامة والمستهلك ا إلكتروني بشكل خاص الذي لم يكن‬
‫يتوفر على الوسيلة القانونية الكفيلة فعل بحماية حقه أثناء التعاقد‪ ،‬خاصة في ظل قصور‬
‫القواعد العامة في تحقيق ذلك‪ ،‬األمر الذي يقتض ي من المستهلك اإللكتروني الرجوع إلى‬
‫القانون القاض ي بتحديد تدابير حماية المستهلك رقم ‪ 31.09‬من أجل البحث عن القواعد‬
‫الكفيلة بحمايته من الشروط التعسفية التي قد يضمنها البائع في العقد‪ ،‬ومن عيوب المواد‬
‫والمنتوجات‪.‬‬

‫وأمام هذا الوضع‪ ،‬يمكننا أن نتساءل حول أبرز المقتضيات الحمائية التي أتى بها‬
‫القانون ‪ 31.09‬بغية حماية المستهلك اإللكتروني الطرف الضعيف في العلقة التعاقدية؟‪.‬‬

‫لملمسة ذلك‪،‬ارتأيت هنا الحديث عن حماية أطراف عقود التجارة اإللكترونية في‬
‫(المطلب األول)‪ ،‬على أن أخصص الحديث في (المطلب الثاني) عن الحماية الجنائية له‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬حماية أطراف عقود التجارة اإللكترونية‬

‫‪157‬‬
‫‪2023‬‬

‫يتميز المستهلك اإللكتروني بوضعية خاصة في العلقة التعاقدية التي تربطه بالشركة‬
‫التجارية‪ ،‬ويرجع السبب إلى القوة التي يتميز بها الطرف الثاني نظرا للمعلومات التي يعرفها‬
‫بخصوص العلقة التعاقدية األمر الذي يؤدي إلى بروز قوته أثناء تحريره للعقد مع المستهلك‬
‫الذي يوجد في وضع ضعيف‪ ،‬إذ يفرض عليه المورد شروطا تحمي مصالحه‪ ،‬حيث أنه بعدما‬
‫شكل مبدأ سلطان اإلرادة حجر الزاوية في الفكر القانوني خلل القرن ‪ ،16‬منذ أن تكرس في‬
‫مدونة نابليون لسنة ‪ ،1904‬إذ كانت الرضائية هي األصل العام الذي يحكم العلقات التعاقدية‬
‫ويضمن تحقق المساواة بين أطر افها‪ ،‬والتي كانت تشمل حرية اإلنسان في أن يتعاقد وفقا لما‬
‫تقرره إرادته إلى جانب حريته في عدم التعاقد‪ ،265‬وفي هذا اإلطار عرفت القوانين المعاصرة‬
‫تطورا سريعا وأهمية متعاظمة في مجال حماية المستهلك ودرء املخاطر التي يمكن أن يتعرض‬
‫لها‪ ،‬بحيث لم تقف عند ضمان السلمة البدنية‪ ،‬و إنما تجاوزتها إلى السلمة المعنوية‬
‫للمستهلكين بكفالة سلمة الرضا وحرية اإلرادة واالختيار المتبصر تفاديا للوقوع في التضليل‬
‫وذلك من خلل االلتزام باإلعلم‪.‬‬

‫انطلقا من ذلك‪ ،‬سأعمل من خلل هذا المطلب الحديث عن الحماية المدنية‬


‫للمستهلك اإللكتروني في (الفقرة األولى)‪ ،‬ثم للحماية الجنائية له في (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الحماية المدنية للمستهلك اإللكتروني‬

‫إن العقد بين حاضرين يدلل الكثير من الصعوبات واإلشكاالت على أساس أن التعاقد‬
‫يتم أمام أعين المتعاقدين وبحضورهم‪ ،‬مما يسمح لكل منهم بالتحقق من شخصية اآلخر‪،‬‬
‫والتحقق من محل العقد‪ ،‬في حين أن هناك الكثيرمن المسائل في إطارالعقود المبرمة عن بعد‬
‫يحيطها الشك من الجانبين وخصوصا المستهلك الذي يفتقد الخبرة والدراسية اللزمة مما قد‬
‫يصعب عليه الحكم الدقيق على المنتوج محل العقد‪.266‬‬

‫‪ -265‬جابر محجوب علي‪ " ،‬قواعد أخالقيات المهنة‪ ،‬مفهومها أساس التزامها ونطاقه " مجلة الحقوق‪ ،‬عدد ‪ ، 6‬يوليوز ‪ ،0995‬ص‪:‬‬
‫‪.119‬‬
‫‪ - 266‬هادي مسلم يونس البشكاني‪ " ،‬التنظيم القانوني للتجارة اإللكترونية – دراسة مقارنة – " دار شنان للنشر والبرمجيات‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،6119‬ص‪.115 :‬‬

‫‪158‬‬
‫‪2023‬‬

‫لذلك أقر المشرع المغربي قواعد خاصة أسوة بالتشريعات المقارنة السابقة في هذا‬
‫املجال‪ ،‬من أجل حماية مصلحة الطرف الضعيف واألولى بالحماية أال وهوالمستهلك اإللكتروني‬
‫حيث خصص له الباب الثاني من المواد ‪ 25‬إلى ‪ 44‬من القانون رقم ‪ 31.09‬المتعلق بتدابير‬
‫لحماية المستهلك‪.‬‬

‫ولعل أبرزمظاهرهذه الحماية يمكن إجمالها في االلتزام العام باألعلم وحق المستهلك في‬
‫الرجوع والعدول عن العقد إذا ما تو افرت شروط ذلك‪ ،‬فبالرجوع إلى المادة ‪ 26‬من قانون‬
‫‪ 31.09‬نجدها تنص على مجموعة من التدابير كضرورة التعريف بالمميزات األساسية للمنتوج‬
‫أو السلعة أو الخدمة مع ذكر اسم المورد وصفته التجارية والمعطيات الهاتفية ومقره وبريده‬
‫اإللكتروني وآجال التسليم والمصاريف ‪...‬‬

‫وهو ما أشارإليه المشرع الفرنس ي في المادة ‪ 19/121‬من قانون االستهلك الفرنس ي بعد‬
‫تعديله أنه في جميع األحوال يجب عرض السلعة أو خدمة عن بعد على أحد المستهلكين ‪ ،‬فإن‬
‫المنهي يلتزم باإلعلم باسمه ومشروعه وأرقام هواتفه‪.267‬‬

‫باإلضافة إلى إعطاء المستهلك الحق في الرجوع عن إرادته بعد إبرامه للعقد في مهلة‬
‫معينة والمتمثلة في ‪ 7‬أيام لممارسة حق التراجع و ‪ 30‬يوما بممارسة هذا الحق في حالة لم يفي‬
‫المورد بالتزاماته طبقا للمادة ‪ 31‬من القانون ‪.31.09‬‬

‫بالرغم أن هذا العقد من العقود اللزمة ولعل الدافع من وراء إعطاء المشرع المغربي‬
‫هذا الحق للمستهلك يرجع إلى طرفي التعاقد دائما نظرا ألن المستهلك ال تتوفر له اإلمكانيات‬
‫الفعلية أو الحقيقية للمعاينة والتحقق من السلع والخدمات قبل إبرام العقد بل يرى الصورة‬
‫فقط في الغالب‪.268‬‬

‫‪ - 267‬بلقاسم حاميدي‪ " ،‬إبرام العقد اإللكتروني " أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة الحاج لخضر باتنة‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،6105 – 6105 :‬ص‪.60 :‬‬
‫‪ - 268‬محمد سعيد أحمد إسماعيل‪ " ،‬أساليب الحماية القانونية للمعطيات التجارية اإللكترونية " مرجع سابق‪ ،‬ص‪.191 :‬‬

‫‪159‬‬
‫‪2023‬‬

‫ويعتبرهذا الحق من أهم الضمانات القانونية للمستهلك لكن ال يقع في الغش والتدليس‪،‬‬
‫وقد عززت هذه الضمانة في حالة مخالفتها بضمانات زجرية وغرامات مالية كما جاء في المواد‬
‫‪ 173‬و ‪ 165‬من قانون ‪.31.09‬‬

‫وإذا كان المشرع أتى بمجموعة من الضمانات للمستهلك اإللكتروني والتي تحق له نوعا‬
‫من الحماية القانونية‪ ،‬فإن هذه الحماية يجب أن تنصب فعل في مصلحة المستهلك بل يجب‬
‫فعل أن تحقق نوعا من التوازن بين جميع أطراف التجارة اإللكترونية وخوصا الشركات التجارية‬
‫اإللكترونية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الحماية الجنائية للمستهلك اإللكتروني‬

‫نظرا لخطورة التي تكتسيها جرائم االعتداء على المو اقع ا إلكترونية فإن معظم الدول‬
‫التي لها قوانين تعنى بالجرائم المعلوماتية قد لجأت إلى تجريم هذه األفعال لما تنطوي عليه‬
‫من تهديد عل أمن وسلمة المعطيات المعالجة آليا‪.269‬‬

‫وتختلف وسائل ارتكاب هذه الجرائم حيث يمكن الدخول إلى هذه المو اقع بعدة‬
‫أساليب وأحيانا ال يقتصر األمرعلى الدخول لهذه المو اقع بدون سبب معقول‪ ،‬بل العمل على‬
‫تدميرو إتلف المعلومات املخزنة فيها‪ ،‬أوما يسمى بتدميرنظام المعلومات مما يترتب عنه خسائر‬
‫فادحة خصوصا فيما يتعلق باختراق المو اقع التجارية والحساسة‪.270‬‬

‫لذلك نجد أن المشرع المغربي خول من خلل مجموعة من القوانين كقانون المتعلق‬
‫باألمن السيبراني رقم ‪ 05.20271‬أو قانون ‪ 07.01272‬حيث نجد أن الفصل ‪ 03/107‬من القانون‬

‫‪ - 269‬عبد الرزاق رفيق‪ " ،‬جرائم النصب واالحتيال عبر االنترنيت – دراسة مقارنة – " مكتبة الرشاد سطات‪ ،‬الطبعة األولى‪،6109 ،‬‬
‫ص‪.012 :‬‬
‫‪ - 270‬حنان الصرافي‪ " ،‬الحماية الجنائية للتجارة اإللكترونية في القانون المغربي – دراسة مقارنة – " رسالة لنيل دبلوم الماستر في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بطنجة‪ ،‬السنة الجامعية‪– 2014 :‬‬
‫‪ ،2015‬ص‪.15 :‬‬
‫‪ - 271‬قانون رقم ‪ 15.61‬بتتميم مجموعة القانون الجنائي فيما يتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة اآللية للمعطيات‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ ،5060‬الصادر في ‪ 65‬ماي ‪ ،6111‬ص‪.5655 :‬‬
‫‪ - 272‬قانون رقم ‪ 16.12‬يتعلق باألمن السيربراني الصادر في ‪ 5‬ذي الحجة ‪ 0550‬الموافق ل ‪ 65‬بوليوز ‪ ،6161‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪.2915‬‬

‫‪161‬‬
‫‪2023‬‬

‫الجنائي ينص على أن كل من دخل إلى مجموعة أو بعض نظم المعالجة اآللية للمعطيات عن‬
‫طريق االحتيال يعاقب بالحبس من شهرإلى ‪ 3‬أشهروغرامة من ‪ 2000‬إلى ‪ 10.000‬درهم‪.‬‬

‫يتبين أن المشرع أخذ بالمفهوم الموسع ملحل الدخول غير القانوني فإن أي وسيلة‬
‫إلكترونية تقوم بجمع وترتيب وتخزين وحفظ المعلومات يؤدي الدخول إليها جزئيا أو كليا إلى‬
‫قيام جريمة الدخول غيرالمشروع إن كان هذا الدخول احتياليا وعن قصد وليس خطأ وهذا ال‬
‫يعطي تبريرلمن دخل بالخطأ في التغييرأو تدميرالمعطيات‪.‬‬

‫وبال رجوع إلى الفقرة األخيرة من نفس الفصل نجده ينص على نفس العقوبة في حالة‬
‫الدخول بالخطأ لنظم المعالجة آليا والبقاء فيه وتضاعف العقوبة في حالة الحذف أو التغيير‬
‫للمعطيات المدرجة‪.‬‬

‫مع تمديد العقوبة حسب الفصل ‪ 04/107‬حيث يعاقب بالحبس من ‪ 1‬أشهر إلى سنتين‬
‫وغرامة من ‪ 10.000‬إلى ‪ 100.000‬درهم في حالة كان نظام المعالجة آليا يخص نظام أمن الدولة‬
‫الداخلي او الخارجي او يمس بأسرارتهم االقتصاد الوطني‪.‬‬

‫إال أن الملحظ أنه رغم كل هذه القوانين إال أن املجال اإللكتروني بصفة عامة والمو اقع‬
‫التجارية بالخصوص تظل مطمعا للقرصنة اإللكترونية‪.‬‬

‫ففي تقرير أمريكي رسمي صادر عن مكتب التحقيقات الفدرالي فإن جرائم االنترنيت‬
‫وخصوصا المو اقع التجارية قد ارتفعت بنسبة الهجمات عليها بنسبة ‪ 70 %‬خلل سنة ‪2020‬‬
‫بالمقارنة مع سنة ‪ 2016‬وان مجموعة من الشركات التجارية تعرضت ألضرارمادية كثيرة بسبب‬
‫هذه الهجمات لذلك ال بد من تحرير الحماية القانونية والزجرية بحماية تقنية تواكب تطور‬
‫األساليب الجديدة للحتيال االلكتروني المتسارع‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وسائل األداء االلكترونية ودورها في حماية التشريعات االلكترونية‬

‫تقوم المعاملت المالية في التجارة االلكترونية على تبادل السلع والخدمات عبر الشبكة‬
‫الرقمية‪ ،‬لكي تتم هذه العملية ال بد من الدفع والسد عبر وسائل جديدة حلت محل النقد‬

‫‪161‬‬
‫‪2023‬‬

‫التقليدي ومساهمة في اختصار الوقت وتقليل التكلفة وتحقيق مزايا أخرى‪ ،273‬إال أن هذه‬
‫المزايا يوازيها عيوب ومخاطرمحدقة بها سنحاول من خلل هذا المطلب الوقوف عليها‪.‬‬

‫وسنبين من هذه الوسائل ما هي األكثر تداوال البطائق اإللكترونية والمستقبلية (النقود‬


‫الرقمية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬البطائق اإللكترونية‬

‫يمكن تعريف البطاقة البنكية من الناحية القانونية وسيلة أداء من وسائل الدفع‬
‫اإللكتروني تقوم مقام النقود وهي ورقة تتضمن أمرا أو التزاما بالوفاء غير قابل الرجوع فيه من‬
‫طرف الزبون صاحب البطاقة إلى المؤسسة المصدرة لها قصد القيام بتحويل مبلغ معين من‬
‫حسابه إلى حساب التاجرالمنخرط في نظام البطاقة البنكي‪ ،‬أو أنها بعبارة أخرى تعهد بمقتضاه‬
‫يقوم مصدرالبطاقة بفتح اعتماد معين لمصلحة شخص آخر‪.‬‬

‫وع لى العموم‪ ،‬فإن بطاقة االئتمان هي أحد أنواع بطاقات الدفع اإللكتروني فهي بطاقة‬
‫خاصة يصدرها البنك لعميله تسمح لهذا األخير بشراء البضائع أو الحصول على خدمات بين‬
‫مختلف منافذ البيع‪ ،‬كبديل للنقود مقابل أن يقوم التاجر بتحمل القيمة من البنك المصدر‬
‫للبطاقة‪ ،‬ويطلق عليه على هذه العملية اسم نظام الدفع اإللكتروني‪.274‬‬

‫ويمكن تقسيم هذه البطائق إلى عدة أنواع‪:‬‬

‫‪ -‬بطاقة الحاسب اآللي‪ :‬وهي بطاقة تخول لصاحبها سحب مبالغ مالية محددة مقدارا‬
‫عن طريق شبابيك أوتوماتيكية‪.‬‬

‫‪ -‬بطاقة الوفاء‪ :‬وهي أيضا بطاقة أداء تخول صاحبها الوفاء بثمن مبلغ الخدمات‬
‫وتحويل ثمنها إلى حساب التاجر‪.‬‬

‫‪ - 273‬زهير شعوان‪ " ،‬الحماية الجنائية للتجارة اإللكترونية في القانون المغربي " رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬
‫عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بطنجة‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2016 – 2017 :‬ص‪.13 :‬‬
‫‪ - 274‬إدريس النوازلي‪ " ،‬الحماية القانونية لعقود التجارة اإللكترونية على ضوء التشريع المغربي والمقارن " رسالة لنيل دبلوم الماستر‬
‫في القانون الخاص‪ ،‬جامعة القاض ي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بمراكش‪ ،‬السنة الجامعية‪– 2009 :‬‬
‫‪ ،2010‬ص‪.20 :‬‬

‫‪162‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬بطاقة الضمان‪ :‬تستخدم لضمان الوفاء بالشيك في حدود المبلغ المتفق عليه‬
‫فالزبون صاحب الشيك هو نفسه صاحب البطاقة ولكي يعطي الشيك ضمانة‬
‫المؤونة يقوم بكتابة البيانات المتعلقة بالبطاقة على ظهرالشيك‪.‬‬

‫‪ -‬بطاقة االئتمان‪ :‬وهي بمثابة قروض استهلك‪.‬‬

‫ومع تطورهذه الوسائل حاول المشرع المغربي أن يعطي لها حماية قانونية وحمايتها من‬
‫السرقة والتزويروالتزييف‪.‬‬

‫حيث نجد الفصل ‪ 310‬من القانون الجنائي ينص على أن كل من زورلوزيف أوغيريعاقب‬
‫بالحبس من ‪ 1‬أشهرإلى ‪ 3‬سنوات وغرامة من ‪ 200‬إلى ‪ 1500‬درهم‪ ،‬فإذا كان الفصل أعله‪ ،‬يتكلم‬
‫عن التزوير بصفة عامة‪ ،‬فإن المشرع ومن خلل الفصل ‪ 107.7‬من نفس القانون خصص‬
‫عقوبة ثقيلة تخص من يزور أو يستعمل الوسائل االلكترونية المزورة حيث يعاقب من سنة‬
‫حبسا إلى ‪ 5‬سنوات وبغرامة من ‪ 10.000‬إلى ‪ 100.000‬درهم‪.‬‬

‫من هنا يتبين لنا أن المشرع حول إعطاء حماية قوية لوسائل األداء االلكترونية‪ ،‬إذ أن‬
‫العقوبة المنصوص عليها في إطارالفصل ‪ 107.7‬اشد من العقوبة المنصوص عليها في إطار‪310‬‬
‫من القانون الجنائي‪ .‬إال أن هذه الوسيلة ورغم انتشارها الواسع إال أنها لم تعد وحيدة وبدأت‬
‫نظم معاملة جديدة تحت مسمى النقود الرقمية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬العملة الرقمية‬

‫أوجدت الرقمنة بصفة عامة والتجارة االلكترونية بصفة خاصة وسائل جديدة‬
‫ومتنوعة لألداء‪ ،‬فإذا كان كل ش يء مرقمن أو في طريق الرقمنة وأصبح العالم منعدما إلى ما هو‬
‫مادي ملموس و افتراض غيرملموس‪ ،‬ومع اتساع نطاق التجارة االلكترونية كان ال بد من وسائل‬
‫جديدة لألداء في هذا العالم االفتراض ي مما ساعد في ظهورالعملة الرقمية أو النقود الرقمية‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫‪2023‬‬

‫ويمكن تعريفها بأنها قيمة مخزنة بطريقة إلكترونية على وسيلة إلكترونية ومقبولة للدفع‬
‫كوسيلة معتمدة لدى الغير‪.275‬‬

‫هذه النقود يمكن اعتبارها أنها عبارة عن قيمة مفترضة ناتجة عن تسجيل القيمة‬
‫الحقيقية للنقود الحقيقية لدى مؤسسة مالية (بنك مركزي)‪ ،‬وتستخدم في األداء المالي‬
‫للمقابل بعد تسجيلها وتخزينها عبرالوسائط اإللكترونية في حيازة الدافع‪.‬‬

‫إال أن هذا التعريف يمكن ان يشمل تعريف النقود الرقمية الرسمية أي التي هي مرتبطة‬
‫ذبقيمة معينة‪ ،‬أي أنها تستمد قونها من ش يء ملموس ثابت وله قيمة‪.‬‬

‫فمنذ الدوالر األمريكي الذي يستمد قوته بارتباطه مع قيمة الذهب‪ .276‬إذن فالعملة‬
‫عالميا تكون معطاة بقيمتها ذهبا إلعطائها الموثوقية‪.‬‬

‫غل أن العملة الرقمية في مفهمومها الحالي وخصوصا (البتكوين) باعتباره العملة‬


‫الرقمية األكثر شهرة وتداوال في المصنفات الرقمية إذ يعتبر هو الذهب الرقمي رغم أنه ال يرتبط‬
‫بقيمة ملموسة‪.‬‬

‫إذ تم طرحه كآلية مالية جديدة غير معروف مصدره والغاية من ورائه رغم ان اهدافه‬
‫بدات بالظهور‪.‬‬

‫ويرى الكثير أن العملة الرقمية في مستقبل االقتصاد الرقمي العالمي الجديد وان‬
‫االقتصاد الحالي معرض ففي أي لحظة للنهيار بسبب أزمة كورونا وبسبب الديون قابلة‬
‫للنفجارفي أي لحظة‪.‬‬

‫لذلك فالعالم بحاجة إلى عملة آمنة ال ترتبط بما هو مادي وأن االقتصاد الرقمي ال يمكن‬
‫أن يبنى على المركزية وهو ما تحققه العملت الرقمية التي تدار عبر شبكة عالمية الل مركزية‬
‫تسمى سلسلة الكتل (البلوك تشين)‪.‬‬

‫‪ - 275‬حنان العرافي‪ " ،‬الحماية القانونية للتجارة اإللكترونية في القانون المغربي " رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪،‬‬
‫جامعة القاض ي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بمراكش‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2015 – 2014 :‬ص‪.025 :‬‬
‫‪ - 276‬انظر اتفاقية بريتون وودز بتاريخ‪ 66/16/0955‬حيث تم ربط الذهب بعد الحرب العالمية الثانية‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫‪2023‬‬

‫وهي عبارة عن قاعدة من البيانات موزعة تمتاز بقدرات على االحتفاظ بسجلت عامة‬
‫تسمى الكتلة تحتوي على الطابع الزمني والروابط بالكتلة السابقة بحيث يمكنها املحافظة على‬
‫البيانات املخزنة من ها وبالتالي تسلسل كل هذه الكتل مع بعضها وهي تنمو باستمرار وال يمكن‬
‫الرجوع إلى تعديلها‪.‬‬

‫ويرى الكثيرون أن العملة الرقمية هي ثورة اقتصادية وان قيمتها هي ثقة املجتمع بها وان‬
‫الدوالر ا أمريكي الذي أعطته قيمته هو الثقة العالمية وليس بمقدوره من مخزون الذهب‬
‫ويذهبون إلى أبعد من ذلك على أن الذهب أيضا الذي أعطاه قيمته هو اإلنسان وان قيمته هو‬
‫ندرته‪.‬‬

‫وبما أن العالم المرقمن االفتراض ي فإنه ال بد من آن نسلم أن البيتكوين هي ذهب‬


‫العملت الرقمية وأن قيمته تنبعث من مدى تداوله‪.‬‬

‫هذا ما جعل بعض الدول تدق ناقوس الخطر وعلى رأسها أمريكا التي ترى أن العملت‬
‫اإللكترونية تشكل تهديدا على اقتصادها حيث تذكربتجريم التعامل بها‪ ،‬أو بما أنها شرال بد منه‬
‫فيجب ربطها بالدوالروأن يكون البنك المركزي هو املحدد لقيمتها وأن تصبح هناك عملة رقمية‬
‫رسمية كما فعلت الصين و روسيا‪.‬‬

‫‪.‬إال انه رغم أن البيتكوين ليس عملة رقمية رسمية إال أن بعض الدول بدأت تستعمله‬
‫ويرون فيه مخلفا الرتباط بالدوالروهناك من بدا باالستثمارفيه حيث نجد بتاريخ ‪27/03/2021‬‬
‫أن صندوق التقاعد النيوزيلندي استثمر‪ 5‬بالمائة من أصوله في عملة البيتكوين‪.‬‬

‫وشركة ‪ TESLA‬للسيارات الكهربائية بدورها استثمرت أزيد من ‪ 1.5‬مليون دوالر في عملة‬


‫البيتكوين‪.‬‬

‫لذلك نجد ان كل التشريعات الدولية تسابق الزمن من أجل مواكبة التطورالتكنولوجي‬


‫الجديد وإحداث أرضية قانونية ملئمة للتقنيات الحديثة يعتبرمخاطرها أكثرحجما وتعقيدا‪.‬‬

‫والسؤال الذي يمكننا طرحه هنا أين المشرع لمغربي من العملت الرقمية‪ ،‬وما هي‬
‫السبل القانوية لألفراد والمستثمرين بصفة خاصة واالقتصاد الوطني بصفة عامة من خطر‬
‫غامض كان سابقا والذي أصبح اليوم محل تهافت المستثمرين؟‬

‫‪165‬‬
‫‪2023‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫شهدت السنوات األخيرة تطورا كبيرا للتجارة اإللكترونية إذ أصبحت تمثل قضية بقاء‬
‫لكل من يتطلع نحواقتصاد يرتكزعلى السرعة في األداء وتخفيض التكاليف وربح الجهد والوقت‬
‫والحرية في االختيار‪.‬‬

‫فإذا كانت التجارة االلكترونية بدأت تفرز نتائجها واشق طريقها وتبوئها مكانة ليست‬
‫بالهينة في و اقع التجارة العالمية واعتبارها مستقبل االقتصاد العالمي‪.‬‬

‫فإننا بحاجة إليجاد بيئة تشريعية وتقنية قوية تواكب التطورالمتسارع لآلليات الرقمية‬
‫العالمية وعدم االنهيار بإحيائها بل الوقوف على سلبياتها ومخاطرها‪ ،‬ومن اجل تحقيق هذه‬
‫الغاية ال بد من تظافر جهود جميع القطاعات القانونية واالقتصادية والتقنية من اجل توفير‬
‫حماية لجميع الفاعلين والمتدخلين في هذا القطاع مما ينعكس إيجابا على االقتصاد الوطني‬
‫بصفة عامة وهذا لن يتحقق اال بالعمل على دفع مستوى الفرد في مجال المعلوميات وبناء‬
‫مجتمع قادرعلى استيعاب فكرة التجارة االلكترونية نفسها‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫القانون رقم ‪ 53.05‬المتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية‪ ،‬الجريدة الرسمية‬


‫عدد ‪ 5594‬بتاريخ ‪ 25‬ذو القعدة ‪ 21( 1429‬دجنبر‪ ،)2007‬ص‪.3796 :‬‬

‫محمد فؤاد المطالعة‪ " ،‬الوجيز في العقود التجارية اإللكترونية – دراسة مقارنة – دار‬
‫الثقافة للنشروالتوزيع‪ ،‬عمان األردن‪ ،‬اإلصدارالثاني‪ ،‬الطبعة األولى‪.2009 – 1426 ،‬‬

‫بشرى النية‪ " ،‬العقد المبرم بطريقة إلكترونية " أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫أكدال الرباط‪ ،‬السنة الجامعية‪.2012 – 2011 :‬‬

‫أحمد ادريوش‪ " ،‬تأملت حول قانون التبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية " منشورات‬
‫سلسلة المعرفة القانونية‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،‬سنة ‪.2006‬‬

‫‪166‬‬
‫‪2023‬‬

‫إبراهيم الدسوقي أبو الليل‪ " ،‬إبرام العقد اإللكتروني في ضوء أحكام القانون اإلماراتي‬
‫والمقارن‪ ،‬الدليل اإللكتروني للقانون العربي "‪ problaw info‬كتاب إلكتروني مأخوذ من الموقع‬
‫اإللكتروني ‪ www.issu.com‬تاريخ االطلع يوم ‪ 2022/03/30‬على الساعة ‪. 22h00‬‬

‫ظهير شريف رقم ‪ 1.11.03‬صادر في ‪ 14‬ربيع األول ‪ 1432‬المو افق ل ‪ 19‬فبراير ‪2011‬‬
‫بمثابة القانون رقم ‪09‬ـ‪ 31‬القاض ي بتدبير حماية المستهلك ‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 5632‬صادرفي ‪ 7‬أبريل ‪ ،2011‬ص‪.1072 :‬‬

‫موالي حفيظ علوي قادري‪ " ،‬إشكاالت التعاقد في التجارة اإللكترونية " الشركة المغربية‬
‫سوماديل للتوزيع والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪.2013 ،‬‬

‫عبد الحميد أخريف‪ " ،‬عقود االستهلك – الدليل القانوني للمستهلك ‪ " -‬مطبعة أميمة‬
‫فاس‪ ،‬الطبعة األولى‪.2001 ،‬‬

‫نضال سليم إبراهيم‪ " ،‬أحكام عقود التجارة اإللكترونية " اإلصدار الثاني‪ ،‬دار الثقافة‬
‫لنشروالتوزيع‪ ،‬عمان األردن‪ ،‬الطبعة األولى‪.2006 ،‬‬

‫جميلة العماري‪ " ،‬الوجيز في عقد البيع – دراسة على ضوء قانون ‪ 53.05‬لتبادل‬
‫المعطيات القانونية بشكل إلكتروني – قانون ‪ 44.00‬لبيع العقارفي طوراإلنجاز" مطبعة سليكي‬
‫إخوان‪ ،‬طنجة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دجنبر‪.2006‬‬

‫ضياء أحمد نعمان‪ " ،‬المسؤولية المدنية الناتجة عن الوفاء اإللكتروني بالبطائق‬
‫البنكية " المطبعة والور اقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة األولى‪.2010 ،‬‬

‫سكينة فعراس‪ " ،‬الحماية القانونية للمستهلك المتعاقد في التجارة اإللكترونية " رسالة‬
‫لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية بطنجة‪ ،‬السنة الجامعية‪2019 – 2017 :‬‬

‫العربي جنان‪ " ،‬التعاقد اإللكتروني في القانون المغربي * دراسة مقارنة – " المطبعة‬
‫الور اقة الوطنية مراكش‪ ،‬الطبعة األولى‪.2010 ،‬‬

‫‪167‬‬
‫‪2023‬‬

‫عبد الحيكم الزواق‪ " ،‬تنظيم التبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية عبر االنترنيت "‬
‫سلسلة الشؤون القانونية والمنازعات‪ ،‬مطبعة الكرامة‪ ،‬دار األمان الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪2011‬‬

‫محمد سعيد أحمد إسماعيل‪ " ،‬أساليب الحماية القانونية للمعطيات التجارية‬
‫اإللكترونية " منشورات حلبي الحقوقية‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة األولى‪.2006 ،‬‬

‫جابر محجوب علي‪ " ،‬قواعد أخلقيات المهنة‪ ،‬مفهومها أساس التزامها ونطاقه " مجلة‬
‫الحقوق‪ ،‬عدد ‪ ، 2‬يوليوز‪.1669‬‬

‫هادي مسلم يونس البشكاني‪ " ،‬التنظيم القانوني للتجارة اإللكترونية – دراسة مقارنة –‬
‫" دارشنان للنشروالبرمجيات‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2006‬‬

‫‪ -‬بلقاسم حاميدي‪ " ،‬إبرام العقد اإللكتروني " أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬جامعة الحاج لخضرباتنة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية‪.2014 – 2015 :‬‬

‫‪168‬‬
‫‪2023‬‬

‫أي دور للنيابة العامة في تكريس مبادئ الحكامة االمنية‬


‫‪Any role of the public prosecution in enshrining the principles of security governance‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫أثارت الحكامة وال تزال تثير الكثير من النقاش ليس فقط بالنسبة للمعنى الذي يمكن‬
‫اعطائه للمصطلح‪ ،‬بل ان هذا الجدل يمتد الى الشكل والمضمون الذي يمكن أن يساعد على‬
‫تجسيد عناصر المعنى وبالتالي تناولت امكانية المعنى والشكل ألجل انجاح محاوالت استعمال‬
‫مصطلح الحكامة الذي يعتبرمن المصطلحات التي أتت وواكبة بداية االلفية الثالثة من التاريخ‬
‫المعاصرأي ما يعرف بعصرالعولمة‬

‫واذا كان مفهوم الحكامة ‪ ،277‬كمفهوم تدعو اليه االمم المتحدة وتروج له المنظمات‬
‫الدولية ‪،‬فقد استقر منذ سنوات كتعبير عن ممارسة السلطة السياسية وادارتها لشؤون‬
‫املجتمع وموارده ‪،‬بحيث نجد أن برنامج االمم المتحدة للتنمية يعرفها بكونها ممارسة السلطة‬
‫السياسية واالقتصادية واالدارية في اطار تدبير موارد في اطار تدبير شؤون بلدها على جميع‬

‫‪ 277‬يرجع أصل مصطلح الحكامة ‪ Gubernance‬إلى األصل الالتيني الذي يعني قيادة السفينة وهو المعنى الذي يبين لفظ الحكامة‬
‫كحسن تدبير وتسيير‪ ،‬إدارة الحكم‪ ،‬اإلدارة المجتمعية‪ ،‬الحكم‪ ،‬إدارة شؤون الدولة والمجتمع للمزيد حول هذا الموضوع المرجو الرجوع‬
‫الى ‪:‬‬
‫هشام خلفادير‪ :‬الحكامة األمنية بالمغرب تدبير االزمات نموذجا ‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر ‪ ،‬جامعة الحسن األول سطات ‪،‬الموسم الجامعي‬
‫‪ 2123/2122‬ص ‪29‬‬
‫سعيد جعفري ‪ :‬الحكامة وأخواتها مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي ‪ ،‬الشركة المغربية لتوزيع الكتاب الدار البيضاء ‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،2121‬ص ‪ 23‬وما بعدها ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫‪2023‬‬

‫المستويات من خلل اليات وعمليات ومؤسسات السياسية ‪ ،‬فهي ليست فن التسيير على‬
‫مستوى سلطة معينة ‪ ،‬و انما هي فن تمظهرمستويات مختلفة في تسيراقليم معين "‬

‫ومن خلل هذه التعاريف يمكن القول أن الحكامة االمنية بانها ذلك المسلسل‬
‫الديمقراطي في اتخاذ القرار والتنسيق والمسائلة الجماعية والذي يتم اقراره من قبل الشرطة‬
‫والمؤسسات السياسية واملجتمع المدني بهدف تدبير فعال لألمن العمومي‬

‫وعليه يمكن القول أن مفهوم الحكامة يرتبط ارتباطا وثيقا بمجموعة من المفاهيم من‬
‫قبيل المواطنة ‪ ،‬مفهوم املجتمع المدني ‪ ،‬مفهوم دولة الحق والقانون ‪ ،‬وتتمخض عنه مفاهيم‬
‫كثيرة من بينها الحكامة االمنية والتي يقصد منها مجموع الخدمات المرفقية التي يستفيد منها‬
‫االفراد ومن بينها هذه الخدمات نجد حفظ النظام واالمن التي بدورها تعتبر خدمة يؤدي عنها‬
‫المواطن من خلل دفعه للضرائب ‪ ،‬لكن مشكلة هذه الخدمة أنها في كثير من االحيان تصبح‬
‫قوة لردع الفرد خاصة عندما تتعارض وبعض حقوقه االساسية من قبيل التظاهر والتجمهر‬
‫على وجه الخصوص‬

‫وكنتيجة لتراكمات سنوات ماضية تميزت بمجموعة من االنتهاكات الحقوقية التي‬


‫شهدها المغرب وعمل على طي صفحاتها من خلل تبني نهج وأسلوب جديد يوفق بين الضرورة‬
‫االمنية وبين الحقوق االنسانية ‪ ،‬فل يمكن الحديث عن تحول ديمقراطي في أي مجتمع دون‬
‫الحديث عن الحكامة االمنية التي تبنى على مجموعة من االسس ‪،‬وفي هذا االطار ومن أجل‬
‫الحفاظ على االمن والنظام داخل البلد عمل المغرب على سن مجموعة من المقتضيات‬
‫القانونية من اجل ترسيخ مفهوم الحكامة ‪ ،‬حيث شكل دستور ‪ 2011‬مناسبة مهمة لسن‬
‫مجموعة من المؤسسات بهدف الحفاظ على االمن ومن بينها نجد السلطة القضائية ‪ ،‬فالقضاء‬
‫يشكل السلطة الثالثة ضمن السلط والمؤسسات الدستورية الحديثة ‪ ،‬اذ تعتبر بمثابة صمام‬
‫أمان للحقوق والحريات وهي الساهرة على جزر كافة املخالفات و الجنح والجنايات التي تعرض‬
‫عليها في حالة وقوع تجاوزات ‪ ،‬وتختص كذلك بمر اقبة االعمال التي تقوم بها الضابطة‬
‫القضائية‬

‫فالنيابة العامة سلطة تتولى النيابة عن املجتمع من أحل المصلحة العامة ‪،‬وتطبق‬
‫القانون في حالة مخالفته وتترتب عليها عقوبات ‪ ،‬كما تعتبر الهيئة القضائية التي تهتم بكفالة‬

‫‪171‬‬
‫‪2023‬‬

‫االفراد وبالتالي الساهرة على حماية املجتمع بهدف تحقيق العدالة ‪ ،‬ولعل خير وصف للنيابة‬
‫العامة تلك العبارة التي تحدث عنها الفقيه الفرنس ي "بورتاليس " عندما قال " ان هذه‬
‫المؤسسة هي التي أنقدت الحكومات المعاصرة من الوشاة هذا الجيش الذي يشكل خطرا‬
‫اجتماعيا كبيرا على االسرة املحترمة وعلى الدولة نفسها في عهد أباطرة روما القديمة ‪ ،‬وهي‬
‫حارسة القضاء وموجهة االجتهاد وعون الضعفاء المظلومين وخصم االشقياء العتاه وسند‬
‫المصلحة العامة ‪ ،‬ثم انها خيرممثل لجهازملجتمع بأسره ‪"278‬‬

‫وقد مرت النيابة العامة مثل كل أجهزة الدولة بتطور تاريخي حافل باألحداث والوقائع‬
‫الكبرى ‪ ،‬ذلك ان نشأة النيابة العامة مع بداية القرن الرابع عشروبالضبط سنة ‪ 1303‬عندما‬
‫كلف الملك فليب لوبون بعض افراد حاشيته للقيام بمهام النيابة العامة ‪ ،‬او باألحرى النيابة‬
‫عن الملك لدى املحاكم والسيما تمثيل الملك في توقيع العقوبات واستخلص االتاوات ‪،‬‬
‫فاعتبرت حينها من حاشية القصر‬

‫وقد دخلت هذه المؤسسة اول مرة الى المغرب بمقتض ى ظهير ‪ 12‬غشت ‪ 1913‬المتعلق‬
‫بالتنظيم القضائي للحماية الفرنسية بالمغرب ‪ ،‬غيرانها لم تعد في ذلك الوقت املحاكم العصرية‬
‫الفرنسية بسبب ثنائية التشريع الجنائي لكن سلطات الحماية سرعان ما تنبهت ألهمية مر اقبة‬
‫املحاكم التي ال تخضع لنفوذها وتم لها ذلك بواسطة المندوب املخزني والمندوب الحكومي ‪،‬‬
‫هذين الموظفين اللذين عملت الحماية على توسيع مهامهما فيما بعد بنصوص الحقة كانت كلها‬
‫في خدمة لسياسة االستعمارية‬

‫وعلى اثر استقلل المغرب ‪ ،‬بادر الى وضع قانون المسطرة الجنائية بتاريخ ‪ 10‬فبراير‬
‫‪ 1959‬والذي جاء نقل حرفيا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية الفرنس ي لسنة ‪ 1958‬ناسخا‬
‫بالتالي مهام النيابة العامة ‪ ،‬كما هي في القانون الفرنس ي والذي اعتبر على علته مكسبا مهما في‬
‫الحقل القانوني المغربي لتتوالى بعد ذلك سلسلة التعديلت وصلت نحو عشرين تعديل‬

‫‪278‬هذا ما جعل قادة الثورة الفرنسية سنة ‪ 2917‬يعبئون ضد هذه المؤسسة ويعملون على الغائها مباشرة بعد نجاح الثورة باعتبارها من‬
‫رموز الملكية المستبدة واداة للظلم والفساد ‪ ،‬اال انه سرعان ما تبين لهم العكس واهمية هذه المؤسسة ‪ .‬للمزيد حول هذا الموضوع المرجو‬
‫االطالع على‬
‫ياسين الكعيوش ‪ :‬استقالل السلطة القضائية من خالل اصالح منظومة العدالة ‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر ‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية فاس ‪ ،‬السنة الجامعية ‪ 2122/2123‬ص ‪ 3‬وما بعدها ‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫‪2023‬‬

‫اختتمت بسن القانون ‪ 22.01‬المتعلق بالمسطرة الجنائية كما تم تعديله وتتميمه بمقتض ى‬
‫القانون ‪ 23.05‬والقانون ‪24.05‬‬

‫وفي المقابل جاء دستور ‪ 2011‬على غرار الدساتير السابقة بمجموعة من المقتضيات‬
‫الجديدة التي تهم استقلل السلطة القضائية باعتبارها سلطة مستقلة عن باقي السلط طبقا‬
‫للفصل ‪ 107‬من الدستور الذي خصص لها بابا كامل ضم ‪ 22‬فصل يتحدث فيها ضمنيا عن‬
‫استقلل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية ‪ ،‬حيث تمت المصادقة على القانون ‪33.17‬‬
‫المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل الة الوكيل العام للملك لدى‬
‫محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة هذه االخيرة ‪279‬‬

‫من كل ما سبق يتضح ان اهمية الموضوع يمكن ان نستقيها من خلل االدوار والمهام‬
‫التي يمكن ان تقوم بها النيابة العامة في الحفاظ على االمن والنظام داخل املجتمع في احترام تام‬
‫لحقوق االنسان والمواثيق الدولية وبالتالي المساهمة في تكريس مبادئ الحكامة االمنية ‪ ،‬ومن‬
‫هذا المنطلق نتساءل عن كيفية مساهمة النيابة العامة في تكريس مبادئ الحكامة االمنية ؟‬

‫هذا ما سنحاول االجابة من خلل المطلبين التاليين‪:‬‬

‫المطلب االول ‪ :‬مؤسسة النيابة العامة‬

‫ان النيابة العامة مؤسسة تمثل املجتمع امام املحاكم الزجرية ‪ ،‬وهي جزء من هذه االخيرة‬
‫وتختص اساسا بإقامة الدعوى العمومية ومباشرة سيرها حتى نهايتها وهذا ما نصت عليه المادة‬
‫‪ 36‬من قانون المسطرة الجنائية بالقول " تتولى النيابة العامة اقامة وممارسة الدعوى‬

‫يلي‪:‬‬ ‫أقرما‬ ‫الجديد‪00-02‬‬ ‫القانون‬ ‫‪279‬أن‬


‫• حلول الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة محل وزير العدل في ممارسة االختصاصات التي كانت ممنوحة‬
‫لوزير العدل ونقلها لرئيس النيابة العامة بما فيه إصدار األوامر والتعليمات الكتابية الموجهة لقضاة النيابة العامة‪.‬‬
‫• كما يسهر رئيس الوكيل العام لدى محكمة النقض على حسن سير الدعاوى في مجال اختصاصها وممارسة الطعون وتتبع القضايا‬
‫فيها‪.‬‬ ‫طرفا‬ ‫العامة‬ ‫النيابة‬ ‫تكون‬ ‫التي‬ ‫المحاكم‬ ‫على‬ ‫المعروضة‬
‫•إضافة إلى اإلشراف على عمل النيابة العامة ومراقبتها في ممارسة صالحياتها المرتبطة بممارسة الدعوى العمومية ومراقبة سيرها‬
‫العمل‪.‬‬ ‫بها‬ ‫الجاري‬ ‫للتشريعات‬ ‫طبقا‬ ‫الجنائية‬ ‫السياسة‬ ‫مضامين‬ ‫احترام‬ ‫إطار‬ ‫في‬
‫فالرقابة الحقيقية ألعمال النيابة العامة تتجلى حقيقة في الرقابة الملكية على اعتبار أن السلطة الملكية تتجسد في الضمانات الممنوحة لها‬
‫الستقالل السلطة القضائية المسطرة دستوريا‪ ,‬حيث جاء في الفصل ‪ 012‬من دستور ‪ 7100‬على أن ” السلطةالقضائية مستقلة عن السلطة‬
‫التشريعية وعن السلطة التنفيذية‪،‬والملك هو الضامن الستقالل القضاء ” ورقابة أخرى تتجلى في دور المجتمع المدني والحقوقي في الرصد‬
‫و تتبع قرارات النيابة العامة من أجل ضمان الحقوق ورصد مختلف القضايا المعروضة أمام المحاكم بمختلف درجاتها‪.‬‬
‫وفي الختام فقد شكل قانون ‪ 00-02‬دعامة أساسية لتوطيد استقالل النيابة العامة كجهاز قائم بداته بعيدا عن مؤثرات السلطة التنفيدية‬
‫المتمثلة في وزير العدل والحريات ‪ ,‬كما توجأيضا بانتصار نضال الطبقة الحقوقية المغربية منذ عقود‪ .‬وبهذه الخطوة الجريئة يكون‬
‫المشرع المغربي قد حذا حدو التشريعات المقارنة التي تأخد بنظام استقالل النيابة العامة‬

‫‪172‬‬
‫‪2023‬‬

‫العمومية ومر اقبتها وتطالب بتطبيق القانون ولها اثناء ممارسة مهامها الحق في تسخير القوة‬
‫العمومية مباشرة " والنيابة العامة كطرف رئيس ي في الدعوى العمومية تسمى بالقضاء الو اقف‬
‫الن من يمثلها يقف لزوما حين يأخذ الكلمة امام املحكمة لبسط مطالب االدعاء الشفوية او‬
‫لمناقشة أوجه اسناد التهمة الى المتهم ‪ ،‬في حين أن قضاة االحكام ال يقفون أبدا ولذلك سمو‬
‫بالقضاء الجالس‬

‫وامام تشعب الصلحيات التي يسندها القانون لمؤسسة النيابة العامة باعتبارها‬
‫الخصم الرئيس ي في الخصومة الجنائية سنقتصر في هذه الدراسة على تشكيلها امام القضاء‬
‫والبحث في صلحياتها خاصة المرتبطة على الخصوص بالحكامة األمنية (الفقرة األولى ) ونعرض‬
‫لمسؤوليتها واالشخاص الخاضعين إلشر افها ( الفقرة الثانية)‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬تنظيم النيابة العامة و صلحيتها‬

‫يقوم بتمثيل النيابة العامة أمام املحاكم الجنائية العادية وكيل الملك ونائب له او عدة‬
‫نواب ‪ ،‬يخضعون إلشر افه ومر اقبته واليه يرجع االختصاص وتحت مر اقبة الوكيل العام‬
‫للملك في ممارسة الدعوى العمومية بالنسبة للمجتمع واملخالفات التي تختص بها هذه املحاكم‬

‫أما لدى محاكم االستئناف فتتكون من الوكيل العام للملك بصفته رئيسا للنيابة العامة‬
‫وممثل له ا له نواب يساعدونه وقد يخلفونه في حالة حدوث مانع له واليه يرجع االختصاص في‬
‫اثارة الدعوى العمومية في الجنايات كما يكون مختصا في متابعة الجنح المرتبطة بها لوجود‬
‫نص خاص يسمح له بذلك ‪ ،‬اما النيابة العامة لدى محكمة النقض فيمثلها الوكيل العام للملك‬
‫يساعده املحامون العامون ‪ ،‬وبخصوص املحاكم االستثنائية او المتخصصة فالنيابة العامة‬
‫تكون ممثلة بمندوب الحكومة فيما يخص املحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة‬
‫الملكية ‪،‬أما امام املحكمة العليا الحدثة بموجب الفصل ‪ 82‬من الدستورفيمثلها الوكيل العام‬
‫للملك لدى محكمة النقض باإلضافة املحامي العام االول وعضوين من اعضاء البرلمان ينتخب‬
‫كل منهما من طرف مجلس النواب ومجلس المستشارين ‪.‬‬

‫وتخضع سلطات النيابة العامة كمؤسسة قضائية الى الوكيل العام للملك لدى محكمة‬
‫النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة حيث يمكنه توجيه تعليمات مباشرة وملحظات الى الوكلء‬

‫‪173‬‬
‫‪2023‬‬

‫العامين للملك لدى محاكم االستئناف والى وكلء الملك لدى املحاكم االبتدائية ‪ ،‬كما له سلطة‬
‫معالجة االختلالت التي يلحظها ‪.‬‬

‫وبخصوص صلحيات النيابة العامة وبالرجوع الى المادة ‪ 36‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية فإنها تنص على انه " تتولى النيابة العامة اقامة وممارسة الدعوى العمومية ومر اقبتها‬
‫وتطالب بتطبيق القانون ولها اثناء ممارسة مهامها الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة "‬
‫بناءا على هذه المادة يتضح ان النيابة العامة لها صلحيات تتصل بالخصومة الجنائية اتصاال‬
‫مباشرة تنحصر في اقامة الدعوى العمومية ووجوب ممارستها ومر اقبتها فمصطلح اقامة او‬
‫تحريك الدعوى العمومية يقصد به اول اجراء تفتتح به الخصومة الجنائية بين طرفيها وذلك‬
‫بإحالتها مت سمح القانون بذلك ليقول القضاء كلمته الفصل في موضوعها سواء بتحريك‬
‫المتابعة او حفظ القضية النعدام االدلة‬

‫اذ بمجرد علمها بارتكاب جريمة ضد الشخص الذي نسبت اليه في املحضر او الوشاية او‬
‫الشكاية حتى لو كانت االدلة غير كافية او مشكوك فيها تتولى التحري والتحقيق على اعتبار ان‬
‫النيابة العامة وجدت للدفاع عن املجتمع وليس الحكم على قيمة الحجج واالدلة‪. 280‬‬

‫هذا وتجذراإلشارة إلى أن قانون المسطرة الجنائية المغربي عرف تطورا مهما‪ ،‬حيث كان‬
‫أول قانون للمسطرة ج عرفه المغرب هو الظهير رقم ‪ 1.59.211‬الصادر في ‪ 10‬فبراير ‪1656‬‬
‫واستمر العمل به لغاية ‪ 13‬نونبر ‪ ،1613‬حيث ثم تغييره بمقتض ى الظهير رقم ‪ 1.13.271‬كما تم‬
‫تعديله سنة ‪ 1674‬بمقتض ى الظهير رقم ‪ 1.74.449‬وبقي معموال به إلى غاية صدور‬
‫القانون ‪ [1]22.01‬بمقتض ى الظهير رقم ‪ 01.02.255‬بتاريخ ‪ 3‬أكتوبر ‪ 2002‬والذي دخل حيز‬
‫التطبيق في فاتح أكتوبر ‪ 2003‬كقانون جديد للمسطرة الجنائية‪ ،‬حيث جاء بعدة مستجدات‬

‫إن قواعد القانون الجنائي باعتباره قانون موضوع تظل في حالة سكون‪ ،‬إلى أن تقع الجريمة فيأتي دور القانون اإلجرائي (قانون المسطرة الجنائية)‬ ‫‪2280‬‬
‫باعتباره حلقة وصل بين ارتكاب الجريمة وتوقيع العقاب على مرتكبها‪ ،‬كما ينظم سلطة الدولة وأجهزتها في االعتقال والمتابعة والمحاكمة والعقاب ويحدد‬

‫القواعد المتعين تطبيقها في جميع اإلجرا ءات القضائية التي تعقب ارتكاب الجريمة‪ ،‬هذه القواعد التي قد تمس بعضها بحقوق وحريات األفراد‪ ،‬ذلك ألننا‬

‫أمام معادلة صعبة تقتضي الموازنة بين مكافحة الجريمة وحماية األمن العام وبين احترام الحقوق والحريات العامة وهو األمر المتفق عليه عالميا في مجال‬

‫حقوق اإلنسان‬
‫والقانون الجنائي في شقه المسطري يتنازعه نظامان لإلجراءات هما النظام اإلتهامي وهو األقدم حيث كانت الدعوى الجنائية أشبه بالمدنية وال تتحرك‬
‫الدعوى الجنائية إال إذا باشرها المجني عليه مع العالنية وشفوية المرافعات‪ ،‬ثم النظام التفتيشي حيث تقوم الدولة بمهمة اإلتهام عن طريق النيابة العامة‬
‫مع سرية اإلجراءات وكتابتها وجريانها في غياب الخصوم‪ ،‬والمشرع المغربي أخذ بالنظام المختلط حيت يعتمد النظام التفتيشي خالل مرحلة البحث عن‬
‫األد لة فتسود السرية والكتابة ثم يظهر النظام اإلتهامي خالل المحاكمة حيث العلنية والحضورية والشفوية‬

‫‪174‬‬
‫‪2023‬‬

‫لكنه بدوره لم يخلوا من الثغرات التي عرضته لعدة تعديلت في إطار مخطط إصلح القضاء‬
‫نذكر منها القانون رقم ‪ 31-10‬والقانون ‪ 37-10‬والقانون ‪ 35-11‬كانت الغاية من اصدار هذه‬
‫القوانين سد تلك الثغرات التي اعترت القانون ‪22.01‬‬

‫وقد خصص المشرع للشرطة القضائية الباب الثاني من القسم األول من الكتاب األول‬
‫من القانون السالف الذكر‪ ،‬باإلضافة إلى بعض المواد األخرى المتفرقة‪ .‬إذن من هم ضباط‬
‫الشرطة القضائية وماهي المهام المنوطة بهم في قانون المسطرة الجنائية؟‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬ضباط الشرطة القضائية‬

‫إن مهام الشرطة القضائية وإن كانت كثيرة ومتعددة فإنها تنحصر أساسا في التثبت من‬
‫وقوع الجرائم‪,‬وجمع األدلة عنها والبحث عن مرتكبيها (المادة ‪ 19‬من ق م ج) وتقوم بعملها هذا‬
‫إما في إطارالبحث في حالة التلبس بالجريمة ‪,‬أوفي إطارالبحث التمهيدي العادي أو في إطارإنابة‬
‫قضائية‪.‬‬

‫‪.‬إن انتماء أعضاء الشرطة القضائية إلى مصالح وجهات قضائية وإدارية متعددة يحقق‬
‫نوعا من التخصص من شأنه أن يساعد أكثر على مكافحة الجريمة وضبط املجرمين ‪.‬‬

‫وكيفما كان انتماء أعضاء الشرطة القضائية‪ ,‬فإنهم يخضعون في عملهم بهذه الصفة‬
‫للسلطات القضائية في التسيير واإلشراف والمر اقبة (المادة ‪ 19‬من ق م ج) وهكذا فوكيل‬
‫الملك يسير في دائرة نفوذه أعمال الشرطة القضائية (المادتان ‪11‬و‪ 45‬من ق م ج) أما الوكيل‬
‫العام للملك فإن الشرطة القضائية موضوعة تحت سلطته في دائرة نفوذ كل محكمة‬
‫استئناف‪(,‬المادتان ‪17‬و‪ 46‬من ق م ج) كما يخضعون في أعمالهم للمر اقبة أمام الغرفة‬
‫الجنحية بمحكمة االستئناف (المادة ‪ 26‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪) .‬‬

‫‪175‬‬
‫‪2023‬‬

‫تتكون الشرطة القضائية من ضباط سامين للشرطة القضائية‪ 281‬وضباط الشرطة‬


‫القضائية‪ 282‬وأعوان الشرطة القضائية وبعض الموظفين واألعوان المكلفين بمهام الشرطة‬
‫القضائية‪.283‬‬

‫وتختلف مهام الشرطة القضائية حسب األحوال العادية او في حالة التلبس‬

‫فخلل البحث التمهيدي العادي هو البحث الذي تقوم به الشرطة القضائية في غير‬
‫حاالت التلبس بالجريمة أي في األحوال العادية التي ال يتوفر فيها االستعجال لغياب المظهر‬
‫اإلنفجاري للجريمة المرتكبة بحيث ال يسيطر فيها على الباحث هاجس الحيلولة دون إخفاء أو‬
‫تدبرالجاني ألموره وتمكنه من إخفاء معالمها‪ ،‬إذ األمريتعلق ببحث متعلق بجريمة ارتكبت غالبا‬
‫منذ فترة مهمة وكل ما يشترط فيها هو أال تكون مشكلة لفترة تقادم الجريمة حيث يمنع إذ ذاك‬
‫إثارة الدعوى العمومية بصددها‪.‬‬

‫هذا وقد عالج قانون المسطرة الجنائية لسنة ‪ 2002‬البحث التمهيدي العادي من خلل‬
‫الباب الثاني من القسم الثاني من ق م ج في خمس مواد وهي‪92-91-90-76-79 :‬‬

‫واختصارا فإن المهام المنوطة بالضابطة القضائية في مرحلة البحت التمهيدي العادي‬
‫تتلخص فيما يلي‬

‫‪ 281‬إن الضباط السامون للشرطة القضائية يملكون سلطة تسيير أعمال ضباط الشرطة القضائية العاديين‪ ,‬ويستطيعون بهذه الصفة توجيه‬
‫تعليمات لهم يكونون ملزمين بتنفيذها كما أن حضور أحد الضباط السامين للشرطة القضائية لمكان الجريمة يغل يد الضابط العادي ما لم‬
‫يتخل له الضابط السامي عن البحث‬
‫‪282‬‬

‫المدير العام لألمن الوطني‪ ,‬ووالة األمن‪ ,‬والمراقبون العامون للشرطة ‪ ,‬وعمداء الشرطة‪ ,‬وضباط الشرطة‪,‬ضباط الدرك‬
‫الملكي وذوي الرتب فيه وكذا الدركيون الذين يتولون قيادة فرقة أو مركز للدرك الملكي طيلة مدة هذه القيادة‪ ,‬البشوات والقواد‬
‫‪ ,‬غير أن صفة ضابط الشرطة القضائية يمكن أن تخول لمفتشي الشرطة الذين قضوا على األقل ‪ 3‬سنوات من العمل بصفتهم‬
‫مفتشين‪ ,‬وعينوا بقرار خاص‪.‬والدركيون الذين قضوا على األقل ‪3‬سنوات من الخدمة بالدرك الملكي وعينوا إسميا بقرار‬
‫مشترك بين وزير العدل والسلطة الحكومية المكلفة بالدفاع الوطني ‪.‬‬

‫‪ 283‬يقتصر دور أعوان الشرطة القضائية على مساعدة الضباط وتنفيذ أوامرهم وتعليماتهم بخصوص جمع المعلومات حول‬
‫الجرائم والتثبت من وقوعها‪,‬وذلك قصد التوصل إلى معرفة مرتكبيها(المادة‪ 29‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ).‬وال يحق لهم مباشرة المهام التي‬
‫ينيطها القانون بضباط الشرطة القضائية كاستجواب المشتبه فيه‪,‬وتحرير محاضر البحث التمهيدي (العادي والتلبسي) والوضع‬
‫تحت الحراسة النظرية وتفتيش المنازل وغيرها من اإلجراءات التي أوكل القانون القيام بها لمن له صفة ضابط الشرطة‬
‫القضائية دون غيره‪,‬وهذا ال يمنع عون الشرطة القضائية من الحضور إلى جانب الضابط الذي ينجز البحث كمساعد له في‬
‫جميع اإلجراءات التي يقوم بها‪,‬مادام يعمل تحت إشراف الضابط ويأتمر بأوامره وتعليماته ‪.‬‬
‫ويحمل صفة عون الشرطة القضائية ‪:‬‬
‫‪ -‬موظفو المصالح العامة للشرطة ‪.‬‬
‫‪ -‬الدركيون الذين ليست لهم صفة ضابط الشرطة القضائية ‪.‬‬
‫‪ -‬خلفاء الباشوات وخلفاء القواد ‪(.‬المادة ‪ 29‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.).‬‬

‫‪176‬‬
‫‪2023‬‬

‫تلقي الشكايات والوشايات طبقا للمادة ‪ 21‬من ق م ج‪ ،‬وال يختلف األمر بين ما إذا قدمت‬ ‫‪‬‬

‫هذه الشكايات أو الوشايات كتابة أو شفويا أو عبر الهاتف أو الشبكة المعلوماتية‪ ،‬ومن‬
‫شخص معلوم أو مجهول‪ ،‬فقط يتعين التحري على ما هو كيدي حفاظا على كرامة‬
‫المواطنين وحقوقهم‪.‬‬

‫استدعاء المشتكى بهم أو المشبوه فيهم للستماع إليهم مع االحترام التام لحقوقهم‬ ‫‪‬‬

‫المنصوص عليها في ق م ج عند البحث معهم تمهيديا‪.‬‬

‫استدعاء المصرحين واالستماع إليهم‪ ،‬وفي هذا اإلجراء فإن من تستمع إليهم الضابطة‬ ‫‪‬‬

‫القضائية في إطارجمع األدلة وثبوت الجريمة من عدم ثبوتها يسمون مصرحين ال شهودا ألن‬
‫المصرحين ال يؤدون اليمين القانونية أمامها عكس الشهود‪.‬‬

‫القيام بكل إجراء يفيد العدالة مثل اإلنتقال إلى مكان ارتكاب الجريمة واإلستعانة بالكلب‬ ‫‪‬‬

‫البوليسية المدربة الكتشاف املخدرات والمتفجرات مثل‪ ،‬والتنصت على الهاتف طبقا‬
‫للقانون (المادة ‪ 109‬ق م ج)‪.‬‬

‫اما في حالة التلبس واعتمادا على المادة ‪ 51‬من ق م ج يمكن القول بأن صور أو أحوال‬
‫التلبس بالجناية أو الجنحة قد أوردها المشرع على سبيل الحصر‪ ،‬بحيث ال يمكن والحالة هذه‬
‫الزيادة فيها من أي كان‪ ،‬وعليه فإن حاالته ال تخرج عن الوضعيات التالية‪:‬‬

‫‪1-‬حالة إذا ضبط الفاعل أثناء إنجازالفعل اإلجرامي أو على إثرإنجازه‪.‬‬

‫‪2-‬حالة ما إذا كان الفاعل مازال مطاردا بصياح الجمهورعلى إثرارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫‪3-‬حالة مشاهدة ما يستدل به على إسناد الجريمة لشخص معين‪.‬‬

‫‪4-‬حالة التماس مالك المنزل أو ساكنه من النيابة العامة أو ضابط الشرطة القضائية‬
‫معاينة جريمة وقعت بداخله‪.‬‬

‫وفيما يلي نورد مختلف المهام واالجراءات المنوطة بالضابطة القضائية في عملية البحث‬
‫التمهيدي التلبس ي‬

‫‪177‬‬
‫‪2023‬‬

‫إذا تعلق األمر بحالة التلبس بجناية أو جنحة يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يخبر‬ ‫‪‬‬

‫ممثل النيابة العامة املختصة فورا وأن ينتقل حاال إلى عين المكان إلجراء المعاينات‬
‫المفيدة والضرورية‪.‬‬

‫الحفاظ على األدلة القابلة للندثاروحجزاألدوات التي استعملت في إرتكاب الجريمة أو التي‬ ‫‪‬‬

‫كانت معدة لإلستعمال‪.‬‬

‫عرض األشياء المحجوزة على المشبوه فيهم قصد التعرف عليها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫العمل على منع كل شخص غير مؤهل قانونا لتغيير حالة مكان ارتكاب الجريمة وبصفة‬ ‫‪‬‬

‫استثنائية يسمح بهذا التغييرفي حالة الضرورة وللحفاظ على السلمة أو الصحة العمومية‬
‫أو تقديم إسعافات للضحايا‪.‬‬

‫العمل على حجز األوراق أو الوثائق التي قد تكون لها علقة بالجريمة من األشخاص الذين‬ ‫‪‬‬

‫يظن أنهم قد شاركوا في الجريمة أو من الذين يحوزونها‪ ،‬للضابطة القضائية الحق في‬
‫اإلنتقال إلى منازل هؤالء لتفتيشها طبقا للقانون‪.‬‬

‫الحفاظ على السر المنهي إذا تعين إجراء التفتيش في األماكن المعدة لإلستعمال المنهي‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السرالمنهي‪.‬‬

‫إحصاء األشياء المحجوزة ولفها ووضعها في غلف أو وعاء أو كيس والختم عليها من طرف‬ ‫‪‬‬

‫ضابط الشرطة القضائية وذلك بحضوراألشخاص اللذين حضروا التفتيش‪.‬‬

‫تحريرمحضربهذه العمليات طبقا للقانون‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫تفتيش المنازل (الوقت القانوني املحدد‬ ‫‪‬‬

‫إذا كان القانون المغربي‪ ،‬سواء في الدستور(الفصل ‪ )24‬أو في مجموعة القانون الجنائي‬
‫(الفصلن ‪ 230‬و‪ )441‬قد حصن المنازل وجعل لها حرمة ال ينبغي انتهاكها من أحد‪ ،‬وإال عرض‬
‫نفسه للعقاب الواجب بالنصوص اآلنفة الذكر‪ ،‬فإن هذا التحصين‪ ،‬مع ذلك ال ينبغي أن يكون‬
‫مطلقا ليقف حائل دون تحقيق العدالة الجنائية التي قد تقتدي أحيانا استبعاد هذه الحصانة‬
‫وغض الطرف عنها لضرورة إجراء بحث أو تحقيق في منزل من المنازل قد يضم داخله أدلة‬

‫‪178‬‬
‫‪2023‬‬

‫حاسمة عن جريمة من الجرائم يجري البحث بصددها‪ ،‬وال يمكن التوصل لألدلة إال عن طريق‬
‫إباحته لضابط الشرطة القضائية ليطلع وهو يقوم بالبحث عن كل ما يستدل به عن الجريمة‬
‫ونسبتها لفاعل معين –قد يكون صاحب المنزل أو غيره‪ -‬وهذا هو التفتيش‬

‫لكن وحفاظا على حرمة المنازل فقد حدد المشرع أوقاتا محددة للقيام بهذا اإلجراء‪،‬‬
‫وعليه فإن تفتيش المنازل يتعين أن يكون داخل الوقت القانوني املحدد بين السادسة صباحا‬
‫والتاسعة ليل طبقا للمادة ‪ 12‬من ق م ج التي نصت على“ ‪:‬ال يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو‬
‫معاينتها قبل السادسة صباحا وبعد التاسعة ليل‪ ،‬إال إذا طلب ذلك صاحب المنزل أو وجهت‬
‫استغاثة من داخله‪ ،‬أو في الحاالت االستثنائية التي ينص عليها القانون‪ ،‬غير أن العمليات التي‬
‫ابتدأت في ساعة قانونية يمكن مواصلتها دون توقف‪.‬‬

‫إذا تعلق األمر بجريمة إرهابية و اقتضت ذلك ضرورة البحث أو حالة االستعجال‬
‫القصوى أو إذا كان يخش ى اندثاراألدلة فإنه يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها بصفة‬
‫استثنائية قبل الساعة السادسة صباحا أو بعد التاسعة ليل بإذن كتابي من النيابة العامة‬

‫ال تطبق هذه المقتضيات إذا تعين إجراء التفتيش في محلت يمارس فيها عمل أو نشاط‬
‫ليلي بصفة معتادة”‬

‫هذا وتجدر اإلشارة إلى أن اإلخلل بهذه اإلجراءات يعرض املخل للمساءلة القانونية عن‬
‫جنحة انتهاك حرمة منزل‪ ،‬كما يجب لفت االنتباه إلى أن الوقت القانوني لتفتيش المنازل يتقيد‬
‫به ضباط الشرطة القضائية والضباط السامون للشرطة القضائية إذا كانوا يقومون بالبحث‬
‫التمهيدي كيفما كانت رتبهم‪ ،‬ما عدى قاض ي التحقيق وفي مرحلة التحقيق اإلعدادي فإنه عند‬
‫تفتيشه لمنزل الضنين فإنه ال يتقيد بهذا الوقت‪ ،‬شريطة قيامه به شخصيا وبحضور ممثل‬
‫النيابة العامة‬

‫باإلضافة الى كل ذلك تعتبر الحراسة النظرية إجراء يقوم به ضابط الشرطة القضائية‬
‫دون غيره من األعوان‪ ،‬وهي توقيف شخص واالحتفاظ به في مكان مخصص (غرف األمن) لمدة‬
‫محددة وحسب شروط معينة حسب األحوال‬

‫‪179‬‬
‫‪2023‬‬

‫وبهذا الوضع تحت الحراسة النظرية إجراء من شأنه أن يقيد من حرية الشخص‪ ،‬وهو‬
‫أقدس حق يملكه‪ ،‬لهذا فإن المشرع قد أحاطه بسياج من الحيطة والحذروحدد بالتالي شروطا‬
‫ثم وضع له مددا يتعين على‬ ‫النظرية‪284‬‬ ‫يتعين التقيد بها عند وضع شخص تحت الحراسة‬
‫ضابط الشرطة التقيد بها والتي تختلف حسب نوع الجريمة‪285‬‬

‫المطلب الثاني ‪:‬أية علقة بين الحكامة األمنية ومؤسسة النيابة العامة‬

‫الشك في إن إرساء دعائم دولة الحق والقانون يستلزم توفير اآلليات الكفيلة لتحقيق‬
‫العدالة والمساواة واحترام الحقوق والحريات وهذه اآلليات تنظم مختلف العلقات القانونية‬
‫بين األفراد فيما بينهم من جهة وبين األفراد واألجهزة القائمة على األمن من جهة ثانية‪ ،‬وذلك‬
‫برسم الحدود التي تؤطر كل طرف على حدة في إطار صيغة توفيقية بين السلطة والحرية ‪ ،‬وفي‬
‫نوع من التوازن الذي يكفله القانون الجنائي بصفة عامة وقانون المسطرة الجنائية بصفة‬

‫‪284‬يتبين من قراءة المواد ‪ 11‬و‪ 14‬و‪ 41‬من ق م ج بأن شروط الوضع تحت الحراسة النظرية المخول لضابط الشرطة القضائية أثناء‬
‫البحث التمهيدي بنوعيه واحدة ‪-‬على العموم‪ -‬سواء من حيث تقدير أسباب اللجوء إليها أو من حيث مدتها أو الشكليات التي على ضباط‬
‫الشرطة القضائية مراعاتها‪ ،‬وفيما يلي نلخص هذه الشروط‬
‫أن تكون الجريمة تشكل جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون بعقوبة سالبة للحرية‪ ،‬وهذا أمر طبيعي في نظرنا ألنه إذا كان المشرع ال‬ ‫‪‬‬
‫يفرد للفعل الجرمي عقوبة حبسية كاإلقتصار على الغرامة فقط فليس من المعقول في شيئ حرمان المشبوه فيه في مثل هذه القضايا من‬
‫حريته بوضعه تحت الحراسة النظرية‪.‬‬
‫أن تكون هناك ضرورة لإلحتفاظ بالمشبوه فيه تحت الحراسة النظرية‪ ،‬وهذا الشرط تنص عليه (المادة ‪ 11‬من ق م ج) ذلك أن البحث‬ ‫‪‬‬
‫قد يتطلب اإلحتفاظ بالمشبوه فيه رهن إشارة ضابط الشرطة القضائية للحد من خطورة المجرم أو الحيلولة دون فراره أو التأثير على‬
‫باقي شركائه في الجريمة‪.‬‬
‫أن يكون الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية بالغا سن الرشد الجنائي (‪24‬سنة) أما القاصرين فيتم اإلحتفاظ بهم في مكان‬ ‫‪‬‬
‫مخصص لذلك طبقا لما نص عله الفصل ‪ 710‬من ق م ج‪.‬‬
‫أال تتجاوز الحراسة النظرية المدة القانونية حسب األحوال كما سنرى الحقا‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تمديد مدة الحراسة النظرية مقيد بوجود أدلة جديدة وضرورة اإلستمرار في البحث لمدة أطول‪ ،‬فقد يكتشف ضابط الشرطة القضائية وهو‬
‫يبحث في الجريمة أن خيوطا مرتبطة بها تشكل أدلة جديدة ال بد من إتمامها كما إذا كان للمشبوه فيه شركاء في مدن أخرى تتطلب المسطرة‬
‫إجراءات إلحضارهم ووقتا كافيا إلنجاز المهمة وهذا يتطلب منه الحصول على تمديد لمدة الحراسة النظرية بإذن كتابي من النيابة العامة‬
‫المختصة‬
‫‪ 285‬إن مدد الحراسة النظرية تختلف باختالف نوع الجريمة‪ ،‬فإذا تعلق األمر بجناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس وكانت تندرج ضمن‬
‫الجرائم العادية فمدة الحراسة النظرية ‪ 74‬ساعة يمكن تمديدها بإذن كتابي لمدة واحدة ‪ 17‬ساعة أي ما مجموعه ‪ 41‬ساعة‪ ،‬ويتعين لزوما‬
‫تقديم المشتبه فيه إلى وكيل الملك أو الوكيل العام للملك قبل انتهاء المدة‪.‬‬
‫وإذا تعلق األمر جرائم المس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي‪ ،‬فإن مدة الوضع تحت الحراسة النظرية تحدد في ‪ 11‬ساعة قابلة للتجديد مرة‬
‫واحدة بإذن كتابي من النيابة العامة‪.‬‬
‫إذا تعلق األمر بجريمة إرهابية فإن مدة الحراسة النظرية تكون ‪ 11‬ساعة قابلة للتمديد مرتين لمدة ‪ 11‬ساعة في كل مرة بناء على إذن‬
‫كتابي من النيابة العامة‬
‫كما تجدر اإلشارة إلى أنه يتعين على ضباط الشرطة القضائية مراعات واحترام ضوابط الوضع تحت الحراسة النظرية لما لهذا االجراء‬
‫من أهمية ومساس بحرية األفراد‪ ،‬فيجب التقيد بهذه الضوابط سواء على مستوى الضمانات التي منحها المشرع للشخص المشتبه فيه أو‬
‫على مستوى مدد الوضع تحت الحراسة النظرية وشروط اللجوء إليها ثم مالءمة محاضر الشرطة للشروط الموضوعية واإلنسانية‪ ،‬واالبتعاد‬
‫عن معاملة الموقوفين بطريقة قاسية أو مهينة وتجنب التعذيب واإلكراه والضغط‪ ،‬وتفعيال للدور الرقابي للنيابة العامة فإنها تقوم بزيارات‬
‫تفقدية إلى مخافر الشرطة واإلطالع على السجل المعد لهذه الغاية وإحالة الئحة األشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية إلى النيابة‬
‫العامة خالل ‪ 17‬ساعة السابقة‬

‫‪181‬‬
‫‪2023‬‬

‫القضائية‪286‬‬ ‫خاصة ‪ ،‬لذا أقر المشرع الجنائي المغربي المسؤولية الجنائية لضابط الشرطة‬
‫من خلل مجموعة من نصوص التجريم والعقاب وحيث أن المسؤولية الجنائية للضباط‬
‫الشرطة القضائية تتمثل في ذلك األثرالقانوني المترتب على ارتكاب فعل مجرم كو اقعة قانونية‬
‫أثناء قيامهم بمهامهم الرسمية انطلقا من أساس تحملهم للجزاء الذي تفرضه نصوص‬
‫المتابعة الجنائية بسبب خرق األحكام التي تقررها هذه القواعد وبالتالي تأتي لنا مشروعية‬
‫التساؤل حول ماهية العلقة الجدلية القائمة األساس بين كل من المسؤولية الجنائية لعناصر‬
‫ضابط الشرط القضائية واالختصاصات المنوطة بهم ؟ وبين المسؤولية الجنائية والضمانات‬
‫القانونية لحريات األفراد الماثلين أمامهم؟ ومؤدى هذه اإلشكالية أن تجاوز ضباط الشرطة‬
‫القضائية باختصاصاتهم الممنوحة لهم قانونا ليكون بذلك تطاوال وتهكما على حساب حريات‬
‫وحقوق المشبه فيهم أثناء البحث التمهيدي‪ .‬وإذا ما سلمنا بوجود مسؤولية جنائية لهذه الفئة‬
‫فإلى أي حد يتم تفعيل هذه النصوص الجامدة ؟ وتحريم مسطرة المتابعة‪ .‬وإلى أي حد و ائم‬
‫المشرع الجنائي المغربي بين عدم المساس بسمعة رجال الشرطة القضائية وحماية حقوق‬
‫األفراد ؟ ‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مسؤولية اعمال ضباط الشرطة القضائية‬

‫سبق القول على أن ضباط الشرطة القضائية بمناسبة أدائهم لمهامهم المنصوص عليها‬
‫في المادة ‪ 19‬من قانون المسطرة الجنائية ‪ ،‬يمكنهم أن يتطاولوا على حريات وحقوق الماثلين‬
‫أمامهم وهذا ما يشير إما إلى إهمال أوخطأ منهي يوجب مسؤولية الضابط من تأديبه إما من‬
‫طرف رؤسائه اإلداريين أو عن طريق القضاء‪ ،‬وإما أن يقوم بفعل مجرم ضد المشتبه فيه وهو‬
‫ما يشدد مسؤوليته الجنائية كاالعتقال التحكمى أو التعذيب على سبيل المثال ‪.‬‬

‫يخضع رجال الضابطة القضائية من ضباط سامين وضباط عاديين وأعوانهم إلى‬
‫مقتضيات القانون الجنائي باعتبارهم أشخاص عاديين أوبحكم مهامهم باعتبارأن هذا القانون‬

‫‪ 286‬هناك فرق بين الشرطة اإلدارية التي تسعة من خالل مهامها إلى المحافظة على النظام العام وممتلكات األشخاص‪ .‬وكل أعمالها تأتي‬
‫قبل ارتكاب األفعال الجرمية مما يتخذ عملها طابعا وقائيا‪ ،‬وبين الشرطة القضائية التي تعتبر آلية فعالة وحاسمة من آليات العدالة الجنائية‬
‫بحيث هي التي تؤسس لهذا األخيرة من حيث الكشف عن مكامن اإلجرام وضبط مرتكبيه من خالل إنجاز كل المحاضر وتنفيذ تعليمات‬
‫النيابة العامة واإلنابة القضائية وبالتالي فإن صفتها الضبطية مرتبطة بوقوف الجريمة‪ ،‬فهي إذن المساعد األول للقضاء وتحل من أجل الحد‬
‫من الظاهرة اإلجرامية أو على األقل بضبط مرتكبيها وتقديمهم إلى العدالة ولكن بضوابط معينة ومحددة خصوصا مع ميالد المفهوم الجديد‬
‫للسلطة وتضييق نطاقها في مقابل إرساء ضمانات عقوبة أثناء مرحلة البحث التمهيدي الذي يمكن أن يشوبه مساس بحريات األفراد وحقوقهم‬
‫المتعارف عليها دوليا‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫‪2023‬‬

‫ال يضع تميزا بين مختلف أفراد ومكونات املجتمع سواء بسواء وبالتالي فمن قام بأي فعل يعد‬
‫خرقا للقانون الجنائي ‪ ،‬ولو داخل قيامه بمهامه يعاقب طبقا لفصول المتابعة وحيث أن هناك‬
‫مجموعة من األفعال التي تعتبر جرائم يمكن لضبابط الشرطة القضائية أن يرتكبوها أثناء‬
‫مزاولتهم لمهامهم فهناك جريمة الشطط في استعمال السلطة (‪ 232-244‬من قانون المسطرة‬
‫الجنائية) وجرائم تجاوز االختصاص من الفصول ‪ 237‬إلى الفصول ‪ 240‬والجرائم المتعلقة‬
‫باالختلس والغدر من الفصول ‪ 241‬إلى ‪ 247‬إضافة إلى جرائم الرشوة واستغلل النفوذ‬
‫وجرائم استعمال السلطة في وضعية غير شرعية بعد زوال الحق في مباشرتها وجريمة عدم‬
‫الحفاظ على السر المنهي ‪ 441‬من القانون الجنائي وال ننس ى جريمة االعتقال التحكمى الفصل‬
‫‪ 225‬من ق‪.‬ج‪ .‬وجريمة هتك حرمة منزل وجريمة التعذيب أواستعمال العنف ضد المشتبه فيهم‬

‫ومن ثمة يتبين لنا أن المشرع الجنائي المغربي انطلقا من مبدأ شرعية التجريم والعقاب‬
‫حدد مختلف األفعال التي يمكن أن تثار بمناسبة ارتكابها قيام المسؤولية الجنائية لضباط‬
‫الشرطة القضائية التي تعتبر ضمانة قانونية لحماية حقوق األفراد من خلل مفهوم الردع‬
‫العام‪ .‬لهذه الفئة مع تحديد عقوبات قاسية بشأنها عند الحكم على مرتكبيها ال لش يء وإال‬
‫ملحاولة تكريس مبادئ العدالة الجنائية وحماية األفراد من منطلق أن الظلم أينما كان يحدد‬
‫العدل في كل مكان وبالتالي ال معنى من انتزاع الحقيقة من المتهم على مديح الحرية‬

‫لذلك يتعين على رجال الشرطة القضائية بمختلف احترام القانون الحترام حريات‬
‫وحقوق األشخاص ولكونهم فئة خاصة يفرض عليها الواجب إعطاء المثال األعلى في تطبيق‬
‫القانون‬

‫اما فيما يخص المسؤولية التأديبية فإن بعض ضباط الشرطة القضائية ال يميزون بين‬
‫قيام مسؤوليتهم الجنائية وقيام مسؤوليتهم التأديبية وخصوصا منها المسؤولية التأديبية التي‬
‫توقعه الغرفة الجنحية ملحكمة االستئناف وعن تلك التي يوقعها عليهم رؤسائهم اإلداريين‬

‫فإذا كانت المسؤولية الجنائية لضابط الشرطة القضائية تقوم بناء على إتيان فعل‬
‫مخالف لما نص عليه المشرع الجنائي وعاقب عليه بعقوبات قاسية فإن مناط المسؤولية‬
‫التأديبية يترتب عن كل إخلل بالواجبات الوظيفية واإلخلل بااللتزامات المهنية التي تقتض ي‬
‫احترام مبادئ وأخلقيات هذه المهنة من القسم الذي يؤديه ضابط الشرطة القضائية قبل‬

‫‪182‬‬
‫‪2023‬‬

‫اكتسابهم لهذه الصفة لما يتطلبه القانون من التجرد وحسن المقصد في األداء وبالتالي فإن‬
‫المسؤولية التأديبية ليست محددة بنصوص قانونية كما هو الحال بالنسبة للمسؤولية‬
‫الجنائية املحددة أفعالها حصرا كما ال يخضع الخطأ التأديبي لقاعدة الشرعية بل هو خروج‬
‫ومخالفة لواجب الموظفين عن السيرالعادي لوظيفته‬

‫ذلك أن موقع ضابط الشرطة القضائية وهو يوثق مسبقا لوثائق املحاكمة الجنائية‬
‫يجعله مسؤوال عن كل خطأ ناتج عن تقصيرأو إهمال أو تجاوزيجعله عرضة للمسائلة التأديبية‬
‫واألمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة يصعب تحديدها على سبيل الحصر غير أن من أبرزها سوء‬
‫معاملة أحد أطراف البحث التمهيدي أو بمناسبة القيام بأحد إجراءات خارج الضوابط‬
‫القانونية المنظمة لها كالتفتيش خارج ساعة العمل ألن كل إجراء لم يتخذ لغاية نبيلة يهدف‬
‫إليها المشرع سيرتب على ضابط الشرطة القضائية الذي ارتكبه قيام مسؤوليته التأديبية التي‬
‫تبدأ انطلقا من تحريك المسطرة التأديبية التي توقعها الغرفة الجنحية والمسؤولية التأديبية‬
‫التي توقعها السلطة الرئاسية لضابط الشرطة القضائية‪ .‬فتحريك المسطرة التأديبية‬
‫القضائية تبدأ بتقديم كتابي من السيد الوكيل العام للملك الذي يترأس سلطة سير ضابط‬
‫الشرطة القضائية إلى الغرفة الجنحية ملحكمة االستئناف أو تباشرها هذه األخيرة مباشرة عند‬
‫علماها باملخالفة أثناء دراسة ملفات التحقيق حيث تكون هذه التصرفات صادرة عنه بهده‬
‫الصفة كما يمكن أن تتولد مسؤولية تأديبية من طرف الرؤساء اإلداريين عند ما يتم اكتشاف‬
‫مخالفات للقانون أو المساطر المنجزة أو األخطاء ضد القوانين واألنظمة الداخلية‪ .‬وبالرجوع‬
‫للقانون المنظم واملحدث لإلدارة العامة لألمن الوطني نجده ينص على أن العقوبات التأديبية‬
‫ال يمكن أن تخرج على التوبيخ واإلنذار والحذق من جدول الترقية واالنتقال من المقر والرجوع‬
‫في الترقية‪...‬إلخ‪.‬‬

‫وبهذه النقطة تختلف المسؤولية التأديبية عن المسؤولية الجنائية التي تكون العقوبة‬
‫فيها سالبة للحرية والغرامة المالية‪ .‬وأخيرا يمكن القول على أن المسؤولية الجنائية تختلف‬
‫عن التأديبية لرجال الضابطة القضائية في كون أن القضاء هو الجهة التي تثبت قيام‬
‫المسؤولية الجنائية من خلل الغرفة الجنائية االبتدائية لدى املحكمة االبتدائية أو املحكمة‬

‫‪183‬‬
‫‪2023‬‬

‫االبتدائية بحيث نوع الجريمة عكس المسؤولية تأديبية فإن الجهة التي تطبق العقوبة هي‬
‫الغرفة الجنحية ملحكمة االستئناف أو السلطة اإلدارية التي ينتمي إليها ضابط الشرطة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬دورالنيابة العامة في توطيد حماية الحقوق والحريات‬

‫تعتبر حماية حقوق االنسان أولوية وطنية يؤكدها دستور المملكة ومختلف السياسات‬
‫العمومية التي تنهجها بلدنا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجللة الملك محمد السادس ‪،‬‬
‫ويتحلى ذلك من خلل التفاعل االيجابي للسلطات المغربية مع مختلف االليات االممية لحماية‬
‫حقوق االنسان وكذا التطورالكبيرالذي تشهده ممارسة الحقوق والحريات في بلدنا‬

‫ووعيا من المشرع المغربي ببعض الظواهر االجرامية الخطيرة التي تأثر بشكل خطيرعلى‬
‫الحريات االساسية لألفراد ‪ ،‬فقد أوالها عناية خاصة تو افق االلتزامات الدولية المقررة لبلدنا‬
‫المقررة بموجب اتفاقيات حقوق االنسان ‪،‬فجرم التعذيب والتمييزوكذلك االعتقال التعسفي‬
‫واالختفاء القسري ‪ ،‬مما يؤكد أن السياسة الجنائية تهدف الى توطيد دعائم دولة الحق والقانون‬
‫واحترام حقوق االنسان ‪ ،‬وفي هذا االطار وسعيا لحماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية‬
‫والتصدي لكل النتهاكات التي تمس هذه الحقوق تعمل النيابة العامة على تتبع الجرائم الماسة‬
‫بالحقوق االساسية لألفراد سواء المرتكبة من قبل المواطنين العاديين او الموظفين المكلفين‬
‫بإنفاذ القوانين بهدف تعزيزحقوق االنسان وسيادة القانون‬

‫وفي هذا االطار ومن أجل تفعيل دور النيابة العامة في تكريس مبادئ الحكامة االمنية‬
‫ومر اقبة أعمال ضباط الشرطة القضائية ‪ ،‬وعلى اعتبار أن كل المواطنين سواسية أمام‬
‫القانون ‪ ،‬فقد تم احداث شعبة خاصة بتلقي الشكايات في مختلف املحاكم باإلضافة الى قسم‬
‫برئاسة النيابة العامة ‪ ،‬فالشكاية تمثل وسيلة حضارية في احاطة جهازالعدالة الجنائية وخاصة‬
‫النيابة العامة بما وقع من خرق للقانون لتتصرف بما مكنها القانون من صلحيات خصوصا‬
‫بإعطاء تعليماتها بالبحث في موضوع الشكاية ومن خلل الجدول التالي‪:‬‬

‫معالجة الشكايات المتعلقة بانتهاك حقوق االنسان‪ :‬المصدر التقري السنوي للنيابة‬
‫العامة‬

‫‪184‬‬
‫‪2023‬‬

‫التعذيب والعنف وسوء‬ ‫االعتقال التعسفي‬ ‫االختفاء القسري‬ ‫السنة‬


‫المعاملة‬

‫‪31‬‬ ‫‪05‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪2017‬‬

‫‪32‬‬ ‫‪03‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2018‬‬

‫يتضح أن هناك مجموعة من الشكايات التي تلقتها مختلف النيابات العامة على الصعيد‬
‫الوطني ‪ ،‬بحيث نلحظ ان هذه االخيرة قامت بالبحث والتحري في موضوعها حيث أنه فيما‬
‫يخص االختفاء القسري سواء خلل سنتي ‪ 2017‬او ‪ 2018‬تمت معالجة مجموعة من الشكايات‬
‫اال انه خلل سنة ‪ 2017‬ظلت ‪ 43‬شكاية االبحاث فيها سلبية وان شكاية واحدة اتضح انه بعد‬
‫البحث ان المعني باألمر تم اعتقاله وفق االجراءات القانونية وان االمر ال يعتبر من بين حاالت‬
‫االختفاء القسري‬

‫فيما يخص االعتقال التعسفي‪ 287‬وطبقا للفصل ‪ 23‬من الدستور والذي جرم بصفة‬
‫صريحة االعتقال التعسفي بحيث ال يجوز القاء القبض على اي شخص او اعتقاله او متابعته‬
‫او ادانته اال في الحاالت وطبقا لإلجراءات التي ينص عليها القانون ‪ ،‬وان االعتقال التعسفي من‬
‫أخطر الجرائم التي تعرض مقترفيها ألقص ى العقوبات طبقا لمقتضيات الفصلين ‪ 225‬و‪227‬‬
‫من مجموعة القانون الجنائي ‪ ،‬حيث يلحظ أنه خلل سنة ‪ 2018‬تم تسجيل ثلثة (‪ )03‬حاالت‬
‫للعتقال التعسفي وان النيابات العامة المسجل بها هذه الشكايات تمت دراستها وتتبعها حيث‬
‫تم حفظ شكاية واحدة ‪،‬فيما الزالت شكايتان في طورالبحث‬

‫‪287‬لم يعرف المشرع المغربي االعتقال التحكمى ‪ ،‬إال أن بعض الفقه كل اعتقال سواء‪ ،‬كان احتياطيا أو في إطار الحراسة النظرية أو‬
‫تنفيذ لعقوبة سالبة الحرية ال يحترم اإلجراءات والشروط والضوابط التي وضعها المشرع له يعتبر اعتقاال تعسفيا”‬
‫وبالتالي‪ ،‬فهذه الجريمة تكون عندما نكون بصدد اعتقال احتياطي أو بوضع تحت الحراسة النظرية والتي حدد المشرع المدة المتعلقة بها‬
‫طبقا للمادة ‪ 11‬من القانون الجنائي ‪ ،‬إذ ال تتجاوز ‪ 74‬ساعة تمدد مرة واحدة بإذن كتابي من النيابة العامة ‪ ،‬ما لم يتعلق األمر بالمس بأمن‬
‫الدولة الداخلي أو الخارجي فالمدة هي ‪ 11‬ساعة تمدد مرة واحدة أما إدا تعلق األمر بجرائم إرهابية تكون المدة ‪ 11‬ساعة تمدد لمرتين بنفس‬
‫المدة في كل مرة ‪ ,‬فعدم احترام ضابط الشرطة القضائية لهذه المدة أو في حالة إهمال االستجابة ‪ ..‬وإثبات حالة االعتقال التحكمى الغير‬
‫مشروع سواء في أمكنة أو المحالت المخصصة لذلك ‪ ،‬فهي تكون سببا في قيام مسؤوليته الجنائية معاقب بالتجريد من الحقوق الوطنية‪ .‬كما‬
‫هو منصوص عليه في الفصل ‪ 118-114‬ق‪.‬ج‪ .‬ما لم يكن تصرفه بناء على أألمر صادر من رؤساءه ففي هذه الحالة يتمتع بعذر من العقاب‬
‫وتطبق العقوبة على الرئيس الذي أصدر األمر وحده‬
‫وإذا كان العمل التحكمى ارتكب لغرض ذاتي أو بقصد إرضاء أهواء شخصية تطبق العقوبة المنصوص عليها في الفصول ‪ .770-731‬كما‬
‫هو منصوص عليه في الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 118‬ق‪.‬ج‬

‫‪185‬‬
‫‪2023‬‬

‫أما فيما يتعلق بالتعذيب والعنف وسوء المعاملة ‪ ،288‬فيلحظ أنه خلل سنة ‪2018‬‬
‫سجلت النيابات العامة ‪ 32‬شكاية تتعلق بالتعذيب وممارسته من طرف موظفين عموميين وبعد‬
‫البحث في موضوعهما تقررحفظ ‪ 20‬شكاية النعدام وسائل االثبات ‪ ،‬فيما ‪ 10‬شكايات مازالت‬
‫في طور البحث ‪ ،‬وشكايتان فتحت بشأنهما متابعات قضائية ‪ ،‬حيث تمت متابعة (‪ )05‬دركيين‬
‫من ارتكابهم جناية االعتقال التعسفي واستعمال العنف حيث احيلوا على قاض ي التحقيق‬
‫إلجراء التحقيق االعدادي ‪ ،‬كما تمت متابعة ضابط شرطة قضائية من اجل استعمال العنف‬
‫والتهديد والزالت قضيته مطروحة امام القضاء‬

‫كما ان تفتيش المنازل ال ينبغي ان ينتهك حرمتها فالتفتيش إجراء استثنائي ال يصرح به‬
‫إال إذا كانت الجريمة قد ارتكبت فعل وكانت من النوع الذي يمكن إثباته بواسطة حجز‬
‫مستندات وغيرها من األشياء الموجودة بحوزة األشخاص مشكوك مشاركتهم في الجريمة ‪ ،‬وقد‬
‫نظمت المواد ‪ 56‬إلى ‪ 13‬من قانون المسطرة الجنائية شروط التفتيش وتوقيته‪ ،‬والذي بطبيعة‬
‫الحال إذا ما تم خرقه فحينئذ نكون بصدد هتك حرمة منزل وبالتالي قيام المسؤولية الجنائية‪،‬‬
‫مع العلم أن المساكن فرضت لها حماية دستورية وهي ما نص عليه الفصل ‪ 24‬من الدستور‬
‫المغربي ‪ 2011‬إن المنزل ال تهتك حرمته وال تفتيش وال تحقيق إال طبق الشروط واإلجراءات‬
‫المنصوص عليها في القانون ” وحتى تكون بصدد جريمة هتك حرمة منزل ‪ ،‬فعلى ضابط الشرطة‬
‫القضائية عدم القيام باملخالفات‪ ،‬بل يقتصر هذا اإلجراء المسطري على الجنايات والجنح ‪،‬‬
‫كما ال يمكن القيام به إال من طرف ضابط الشرطة القضائية‪ ،‬ما لم يتعلق األمر بمكتب محام‪،‬‬
‫ففي هذه الحالة يقوم به قاض من قضاة النيابة العامة وبمحضر املحامين أو من ينوب عنه‬

‫‪ 1288‬تنص المادة ‪ 132‬من ق‪.‬م‪.‬ج على ما يلي ‪“ :‬كل قاضي أو موظف عمومي أو رجال مفوضي السلطة أو القوة العمومية إستعمل أثناء‬
‫قيامه بوظيفته أو بسبب قيامه بها العنف ضد األشخاص أو يأمر باستعماله بدون مبرر شرعي يعاقب على هذا العنف‪ ،‬على حسب خطورته‬
‫…” هذه الجريمة لم يكن منصوص عليها في القانون الجنائي المغربي بشكل صريح ولم يصدر القانون الذي يجرم هذا الفعل إال في سنة‬
‫‪ 1000‬بعد أن رفع المغرب تحفظاته بشأن االتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب في ‪ . 1007‬والتعذيب كما عرفه الفصل األول من القانون‬
‫" كل إيذاء سبب ألما أو عذابا‬ ‫المتعلق بتجريم ممارسة التعذيب ‪13.07‬والفصل ‪ 132.2‬من ق‪.‬ج يقصد بالتعذيب بمفهوم هذا القانون‬
‫جسديا أو نفسيا يرتكبه عمدا موظف عمومي أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت له ‪ ،‬في حق شخص لتخويفه أو إرغام شخص آخر‬
‫على اإلدالء بمعلومات أو بيانات أو اعتراف بهدف معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص" ‪..‬‬
‫وبالتالي فضابط الشرطة القضائية عليه االلتزام بما هو منصوص عليه في ق‪.‬م‪.‬ج فيما يتعلق بالبحث وجمع األدلة واستنباط الدليل بكيفية‬
‫مشروعة وليس استعمال العنف واإلكراه‬
‫إذ تنص المادة ‪ 113‬من ق‪.‬م‪.‬ج على أنه "ال يعتد بكل اعتراف تبث انتزاعه بالعنف و اإلكراه”…‬
‫باإلضافة إلى قيام المسؤولية الجنائية لمن تسبب في التعذيب ويعاقب بالسجن من ‪ 8‬سنوات إلى ‪ 28‬سنة وغرامة من ‪ 20.000‬إلى ‪30.000‬‬
‫و تختلف هده العقوبة حسب الشخص الدي مرس عليه التعذيب من الفصل‪2132/‬إلى ‪ /1321‬ق‪.‬ج‬
‫المؤبد ‪ :‬قاصر دون ‪ 24‬سنة‬
‫األشخاص في وضعية صعبة‬
‫ضد امرأة حامل إذا كان مسبوقا أو تاله اعتداء جنسي‬

‫‪186‬‬
‫‪2023‬‬

‫طبقا للفقرة ‪ 4‬من الفصل ‪ 56‬القانون الجنائي بل األكثرمن دلك المادة ‪ 76‬من القانون الجنائي‬
‫تلزم ضابط الشرطة القضائية في حالة البحث التمهيدي بعدم الدخول إلى المنازل وتفتيشها‬
‫دون مو افقة صريحة من الشخص الذي ستجري العمليات بمنزله مع احترام أوقات التفتيش‬
‫كما هو منصوص عليها في المادة ‪ 12‬من القانون الجنائي ‪.‬‬

‫مع بعض االستثناءات كطلب صاحب المنزل بالقيام بالتفتيش أو في حالة ما إذا وجهت‬
‫استغاثة من داخله‬

‫كما أنه في الجرائم اإلرهابية يكفي أخذ اإلذن من النيابة العامة ومباشرة التفتيش ولو‬
‫خارج الوقت القانوني وبالتالي فكل إخلل لما سبق وأن ذكرناه يعد جريمة انتهاك حرمة منزل‬
‫تنتج عنه مسؤولية جنائية وعقوبة من شهرإلى سنة وغرامة من ‪ 200‬إلى ‪ 500‬درهم طبقا للفصل‬
‫‪ 230‬من قانون الجنائي‬

‫كما خول المشرع للنيابة العامة زيارة اماكن االعتقال سواء في مخافر الشرطة او‬
‫المؤسسات السجنية ومؤسسات االمراض العقلية ومراكز ايداع االحداث للطلع على مدى‬
‫احترام المقتضيات القانونية الخاصة باعتقال االشخاص وظروف االيواء‪ ،‬اذ تعتبرزيارة اماكن‬
‫االعتقال الية رقابية ووقائية فعالة لتوفير الظروف القانونية للعتقال وأسنته والتأكد من‬
‫شرعية االعتقال اذ أن القانون يلزم الجهات القضائية المتعددة ومن بينها النيابة العامة بزيارة‬
‫اماكن االعتقال ويحدد لذلك اجاال تعتبر الحد االدنى للزيارات التي يجب القيام بها بكيفية‬
‫منظمة ومباغثة‬

‫فعند زيارة مخافر الشرطة التي تأوي اشخاصا رهن الحراسة النظرية تتم زيارة النيابة‬
‫العامة مرة على االقل في االسبوع ولها زيارتها في اي وقت تشاء وعليها مر اقبة سجلت االعتقال‬
‫لتتاكد من مدى شرعية وضع االشخاص رهن الحراسة النظرية ‪ ،‬وعند االنتهاء من الزيارة يتم‬
‫تحرير تقرير يتضمن مدى احترام اجراءات الحراسة النظرية واجالها ومباشرتها في اماكن معدة‬
‫لهذه الغاية بحيث ينبغي ان تتوفر على االنارة والتهوية المرحاض ‪ ،‬بحيث يتضمن هذا التقارير‬
‫مختلف المعطيات المشاراليها باإلضافة الى االختلالت ان وجدت يتم توجيهه الى السيد الوكيل‬
‫العام للملك‪ ،‬فمن خلل المادة ‪ 45‬من قانون المسطرة الجنائية يتضح ان النيابة العامة لها‬
‫عدة مهام ومن بينها السهر على احترام اجراءات الحراسة النظرية والتي تتم بمخافر الشرطة او‬

‫‪187‬‬
‫‪2023‬‬

‫الدرك الملكي ‪ ،‬بحيث وصل عدد املخافرالتي تتم فيها الحراسة النظرية ‪ 772‬مركزعلى الصعيد‬
‫الوطني باإلضافة الى مخفر واحد يتعلق بالمكتب المركزي لألبحاث القضائية التابع إلدارة‬
‫مر اقبة التراب الوطني‬

‫أما فيما يتعلق بمر اقبة السجون فانه طبقا للمادة ‪ 616‬من قانون المسطرة الجنائية‬
‫تلزم وكلء الملك بزيارتها مرة واحدة كل شهر على االقل من أجل التحقق من شرعية االعتقال‬
‫وظروفه و ايمانا من رئاسة النيابة العامة بأهمية هذه الزيارات في تحسين شروط االعتقال‬
‫ومر اقبة ظروف أنسنة الفضاء السجني تم توجيه الدورية رقم ‪ 6‬س رن ع بتاريخ ‪ 15‬نونبر‪2017‬‬
‫الى المسؤولين عن النيابات العامة لحثهم على تنفيذ الزيارات المتعلقة بتفقد السجناء بشكل‬
‫منتظم واعداد تقارير بشأنها والتحقق ليس فقط من شرعية االعتقال و انما ايضا من ظروفه‬
‫ومدى احترام الحقوق المقررة قانونا ‪ ،‬فعند انتقال وكيل الملك او نائبه الى المؤسسة السجنية‬
‫فانه يتأكد من شرعية االعتقال وذلك من خلل تفحص السجلت الخاصة باإليداع والسند‬
‫التنفيذي للعتقال واحترام المدة القانونية لهذا االيداع ‪ ،‬فمثل ال يمكن ان تتجاوز مدة‬
‫االعتقال االحتياطي المدة المقررة لها قانونا ‪ ،‬باإلضافة الى ضرورة التأكد من وجود اوامر‬
‫االيداع الصادر عن النيابة العامة او عن قضاة التحقيق او االحكام القضائية القابلة للتنفيذ‬
‫وغيرها من السندات المعتبرة مبررا لإليداع بالسجن ‪ ،‬كما يطلع وكيل الملك او نائبه على ظروف‬
‫ايواء السجناء خاصة ما يتعلق بالتطبيب والعلج والتغذية ومر اقبة سجل التأديب وبالتالي‬
‫االستماع الى تظلمات السجناء و اتخاذ االجراءات اللزمة بشأنها ‪ ،‬بحيث عند االنتهاء من الزيارة‬
‫يتم توجيه تقرير مفصل الى رئاسة النيابة العامة التي تعمل على مراسلة القطاع الوص ي على‬
‫تدارك االختلالت ان وجدت وكل ذلك من اجل الحفاظ على ما تبقى للسجناء من حقوق على‬
‫اعتبار ان النيابة العامة هي الساهرة على تطبيق القانون وبالتالي الحفاظ على االمن والنظام‬
‫داخل املجتمع‬

‫من كل ما تقدم يمكن القول ان النيابة العامة تشرف على اعمال الضابطة القضائية‬
‫وباعتبار التدخلت االمنية قد تنتهك الحقوق والحريات وباعتبار ان الشرطة القضائية جهاز‬
‫يعمل تحت اشراف النيابة العامة ‪ ،‬فان هذه االخيرة مسؤولة عن النتائج التي تحدثها الضابطة‬
‫القضائية وبالتالي ففي حالة حدوث انتهاكات حقوقية نتيجة االعمال االمنية او القاء القبض او‬

‫‪188‬‬
‫‪2023‬‬

‫الوضع تحت رهن الحراسة النظرية وجب على النيابة العامة تحريك المسطرة بحق الموظف‬
‫المكلف بإنفاذ القانون الذي تجاوزالسلطات املخصصة له قانونا‬

‫للنظرفي مسطرة المتابعة عندما تنسب المسؤولية الجنائية لضابط من ضباط الشرطة‬
‫القضائية يجب التمييز بين مسطرة المتابعة بخصوص المسؤولية الجنائية لضباط الساميين‬
‫للشرطة القضائية‪ ،‬وكذا مسطرة المتابعة عندما تنسب المسؤولية لضباط الشرطة القضائية‬
‫العاديين ‪ ،‬وهذا ما توصلنا إليه من خلل استقرائنا للفصول ‪ 219-217 – 121-215‬من قانون‬
‫المسطرة الجنائية‬

‫‪ :‬مسطرة المتابعة في حالة المسؤولية الجنائية للضباط الساميين للشرطة القضائية‬

‫هنا أيضا يجب التمييزبين الحالة األولى التي تنسب فيها المسؤولية الجنائية للوكيل العام‬
‫ونوابه والحالة الثانية عندما تنسب إلى وكيل الملك ونوابه وكذا قاض ي التحقيق بمحكمة‬
‫االستئناف ‪ ،‬ثم الحالة الثالثة التي تسب فيها المسؤولية الجنائية لقاض ي التحقيق باملحكمة‬
‫االبتدائية‬

‫ففي الحالة األولى عندما يرتكب الوكيل العام للملك أو نوابه وفعل يوجب مسؤوليتهم‬
‫الجنائية فإن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض تأمر بناءا على ملتمسات الوكيل العام للملك‬
‫بنفس املحكمة بأن يجري التحقيق في القضية عضوا أو أعضاء من هيئتها وبعد انتهاء التحقيق‬
‫يصدر قاض ي التحقيق أو قضاة التحقيق أمرا قضائيا بإحالة ما توصل إليه في هذه الحالة إلى‬
‫الغرفة الجنائية بمحكمة النقض‬

‫وهذه األخيرة هي التي تبث في القضية وهنا يقبل االستئناف داخل أجل ‪ 9‬أيام وتبث فيه‬
‫غرف محكمة النقض مجتمعة باستثناء الغرفة الجنائية التي سبق لها البت في القضية‪.‬‬
‫ولإلشارة فإنه ال تقبل أية مطالبة بالحق المدني أمام محكمة النقض‬

‫عندما ينسب الفعل إلى وكيل الملك أو نوابه و كذا قاض ي التحقيق بمحكمة االستئناف‬
‫اما فب الحالة الثانية‬

‫يقوم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بإحالة قضيته بملتمس إلى الغرفة‬
‫الجنائية بنفس املحكمة التي تقررما إذا كان األمر يتطلب إجراء تحقيق في الموضوع‬

‫‪189‬‬
‫‪2023‬‬

‫وهنا في حالة اإليجاب تعين محكمة استئناف غير املحكمة التي يباشر في دائرتها المعني‬
‫باألمرمهمته حيث ينتدب الرئيس األول ملحكمة االستئناف المعينة قاضيا أومستشارا للتحقيق‬
‫لهذا الغرض في و اقع النازلة‪ ،‬وبعد انتهاء قاض ي التحقيق في مهمته يرفع الملف إلى الوكيل العام‬
‫للملك ملحكمة االستئناف ليقدم ملتمساته‬

‫فإذا تعلق األمر بجناية صدر قاض ي التحقيق مرا بإحالة القضية إلى غرفة الجنايات ‪،‬‬
‫بنفس محكمة االستئنا ف التي بوشر فيها التحقيق ‪ .‬أما إذا تعلق األمر بجنحة فإنه يصدر أمرا‬
‫بإحالة القضية على غرفة الجنح االستئنافية وتكون األوامر الصادر عن قاض ي التحقيق قابلة‬
‫للطعن باالستئناف أمام الغرفة الجنحية بنفس محكمة االستئناف‬

‫هنا يمكن المطالبة أمام املحكمة بالحق المدني ألن محكمة االستئناف محكمة موضوع‬

‫وفي الحالة األخيرة والثالثة عندما يكون الفعل منسوبا إلى قاض ي التحقيق باملحكمة‬
‫االبتدائية بصفته ضابطا ساميا للشرطة القضائية فإن الوكيل العام للملك لدى محكمة‬
‫االستئناف يحيل القضية بملتمساته إلى الرئيس األول لدى نفس املحكمة الذي يقررما إن كان‬
‫األمريقتض ي إجراء بحث وفي حالة اإليجاب يعهد إلى قاض ي التحقيق لدى نفس املحكمة للقيام‬
‫بإجراءات التحقيق‬

‫وبعد االنتهاء ترفع القضية أو الملف إلى الوكيل العام للملك ‪ ،‬ليقدم ملتمساته في حالة‬
‫إذا تعلق األمربجناية يأمرقاض ي التحقيق بإحالة القضية إلى الغرفة الجنائية بنفس املحكمة‪،‬‬
‫أما إذا تعلق األمربجنحة فإنه يأمربإحالتها إلى غرفة الجنح االستئنافية‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬مسطرة متابعة لضباط الشرطة القضائية العادية‬

‫إذ نسب الفعل الجرمي لباشا أو قائدا أو عامل أو لضابط شرطة قاضية من غير المشار‬
‫إليهم سابقا أثناء ممارستهم لمهامهم‬

‫يقوم الوكيل العام للملك لعرض القضية على الرئيس األول ملحكمة االستئناف الذي‬
‫يقررفيما إن كان يقتض ي األمرإجراء البحث‬

‫في حالة اإليجاب بعين رئيس محكمة االستئناف مستشارا مكلفا بالتحقيق بمحكمته‬

‫‪191‬‬
‫‪2023‬‬

‫اال انه بالرجوع الى الو اقع العلمي لهذه الممارسة يتبين ان سلطة النيابة العامة على‬
‫ضباط الشرطة القضائية شبه منعدمة بحيث ان دورها أصبح يقتصرفقط على ارسال وتسلم‬
‫الشكايات مع بعض التعليمات وتلقي املحاضر دون حضور المعاينات واخذ صورة معينة عن‬
‫الحدث وبالرجوع الى المادة ‪ 40‬من قانون المسطرة الجنائية نلحظ ان رقابة القضاء على‬
‫الشرطة القضائية ال يتم اال اذا ما رفع االمراليها بناء على الشكايات او الوشايات التي توجه ضد‬
‫الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين وخاصة الضابطة القضائية حيث تختص املحكمة‬
‫الجنحية بالنظر في هذه الشكايات ‪ ،‬فيتم اجراء بحث واالستماع اللتما سات النيابة العامة‬
‫و اقوال الموظفين حيث يتم اما توقيفه او فصله مع تبليغ القرارالى رؤساءه‬

‫أما اذا تعلق االمر باإلخلل بجناية أمرت الغرفة الجنحية بإرسال الملف الى النيابة‬
‫العامة لتتخذ ما تراه مناسبا من خلل اجرائها لتحقيقات كاملة وفورية ومستقلة في اي انتهاك‬
‫يرتكبه رجال الشرطة او غيرهم من الموظفين الملفين بإنفاذ القوانين بحيث تعمل على تحديد‬
‫اية انتهاكات حقوقية وتعمل على احالة المسؤولين عن االنتهاكات الى القضاء ‪.‬‬

‫خاتمة‪ :‬لقد عملت الدول على اختلفها على ضمان مسالة حقوق االنسان من خلل‬
‫قوانينها التي حاولت من خللها التوفيق بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة ‪ ،‬وكذا التوفيق بين‬
‫حقوق االنسان وممارسة السلطة ‪ ،‬ولعلنا نجد خيرا في استقلل مؤسسة النيابة العامة‬
‫باعتبارها المؤسسة الساهرة على تطبيق القانون واحترام حقوق االنسان كيفما كان وضعه‬
‫سواء أكان حرا ام مشتبها فيه أو معتقل‬

‫من هنا يبرزالدورالفعال الذي يمكن ان تلعبه النيابة العامة في حماية الحقوق االنسانية‬
‫والسهرعلى جزركل مخالف سواء من المواطنين العاديين او المكلفين بإنفاذ القوانين ‪ ،‬سواء‬
‫عن طريق التقدم بشكاية مباشرة اوالتي تحال على النيابة العامة من االفراد مباشرة اومنظمات‬
‫املجتمع المدني اومن القطاعات الحكومية كالوزارة المكلفة بحقوق االنسان اواملجلس الوطني‬
‫لحقوق االنسان والهدف من كل هذا هو التصدي النتهاكات حقوق االنسان ‪.‬‬

‫الئحة المراجع المعتمدة‪:‬‬

‫‪191‬‬
‫‪2023‬‬

‫هشام خلفادير‪ :‬الحكامة األمنية بالمغرب تدبير االزمات نموذجا‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الماستر‪ ،‬جامعة الحسن األول سطات‪ ،‬الموسم الجامعي ‪.2013/2012‬‬

‫سعيد جعفري ‪ :‬الحكامة وأخواتها مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي ‪ ،‬الشركة‬
‫المغربية لتوزيع الكتاب الدارالبيضاء ‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2010‬‬

‫ياسين الكعيوش‪ :‬استقلل السلطة القضائية من خلل اصلح منظومة العدالة‪ ،‬رسالة‬
‫لنيل دبلوم الماستر‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية فاس ‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.2014/2013‬‬

‫‪192‬‬
‫‪2023‬‬

‫التعليم العالي الجامعي والمهني وسؤال الجودة في ظل‬


‫مشروع النموذج التنموي الجديد‬
‫‪University and professional higher education and the question of quality under the‬‬
‫‪new development model project‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫أضحت محصلة النهــوض بالبحــث العلمــي وتحسين جــودة التعليــم الجامعــي والمهنــي مــن‬
‫الشــروط األساســية لتســريع مســار التنميــة بالمغــرب والدفــع بــه إلــى مصــاف األمــم ذات‬
‫التنافســية المســتدامة‪ ،‬باعتباره مــن املحــددات الجوهرية للنمــوذج التنمــوي‪ 289‬الذي يعتزم‬
‫المغرب تنزيله على أرض الو اقع إلعادة تأهيل األوضاع االجتماعية واالقتصادية ذات الصلة‬
‫المباشرة بعموم المواطنين المغاربة‪ ،‬كونه يســاهم فــي تكويــن وتحفيــز الكفــاءات الضروريــة‬
‫لتنميــة القطاعــات االقتصاديــة واالجتماعيــة‪ ،‬فــي القطاعيــن العــام والخــاص‪ ،‬ممــا يســمح‬

‫‪ 289‬يعد فهوم لنمفمج لننمفم حدد لنفهدم ي لننه تدددددددود ا ح فيي فنولي ا خه ل‪،‬ممي ل عيىا دددددددمل‬
‫ف دددددددنمي لنن مىل لنفدمىمي ملنفدودددددددم اوجل لنفهوم م ل عمى لنج يد‬ ‫لنف دددددددنمي لنمعمه حم‬
‫لالمنظمىلا محتددلما لننمظي مم ددملا لننمهيج ن عيمىلا لال ددنىلني يي مى دد ل منميما لننه يماصه ح نموددل‬
‫حمه ف فم ي غميما‬ ‫يوم لن دددددديم ددددددما لنعفمفيي نديم ا لنا مدم نددي لنند ‪ .‬لفم يفل نعىيهه‬
‫مفىلفه منىافم ل ددددددنىلني يي ين ا مىا ح لخوم ان م ددددددملا ا ىلليي ننددي مفم حخ ددددددا‪ .‬افعم آعى يفل‬
‫خه ا لنف مالا ‪.‬‬ ‫ل نامىه نمىل ف يم م فيم ننعميى لنا ننىق ان ى ي ح‬
‫فدددددددددددددددفددددددد ىمل دددددددددددددده فدددددددم دددددددم لندددددددمدددددددفدددددددمج لندددددددندددددددمدددددددفدددددددم مفدددددددم لندددددددفدددددددعددددددد دددددددمل فدددددددمددددددده لندددددددفدددددددمقددددددد‬ ‫لمددددددظددددددى‬
‫لالنلنىممه ‪ https://www.akhbarona.com/writers/288261.html#ixzz7PU8iWAJWK‬نمىيخ لنويمىا ‪.0100-10-10‬‬

‫‪193‬‬
‫‪2023‬‬

‫باإلنتــاج المســتمر للمعرفــة والثقافــة‪ ،‬األمــر الــذي يــؤدي فــي نهايــة المطــاف إلــى انبثــاق مجتمــع‬
‫مبتكــرومزدهــرومندمــج فــي اقتصــاد المعرفــة‪.‬‬

‫وترتيبا على ذلك جاءت المبادرة الملكية لتعلن عن انخراط المغرب في تنزيل مشروع‬
‫تنموي جديد سيرا على درب التجارب المقارنة لدى غالبية الدول السائرة في طريق النمو‪ ،‬من‬
‫خلل مضامين خطاب الملك محمد السادس في افتتاح الدورة األولى من السنة التشريعية‬
‫الثانية من الوالية التشريعية الحالية للبرلمان بتاريخ ‪ 13‬أكتوبر ‪ ،2017‬حيث أكد على أن‬
‫«النموذج التنموي للمملكة أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن المغربي»‪ ،‬مضيفا‬
‫أن‪" :‬المغاربة اليوم يحتاجون إلى التنمية المتوازنة والمنصفة التي تضمن الكرامة للجميع‬
‫وتوفر الدخل وفرص الشغل‪ ،‬وخاصة للشباب‪ ،‬وتساهم في االطمئنان واالستقرار واالندماج في‬
‫الحياة المهنية والعائلية واالجتماعية‪ ،‬التي يطمح إليها كل مواطن‪ ،‬كما يتطلعون إلى تعميم‬
‫التغطية الصحية وتسهيل ولوج الجميع إلى الخدمات االستشفائية الجيدة في إطار الكرامة‬
‫اإلنسانية"‪ .‬وسرعان ما عاد الملك ليجدد الدعوة في خطاب عيد العرش يوم ‪ 30‬يوليو ‪،2016‬‬
‫إلى مراجعة وتحيين النموذج التنموي الحالي‪ ،‬من خلل صياغة مشروع نموذج تنموي جديد‬
‫يرقى إلى تطلعات وطموحات المغاربة ويحقق اإلقلع االقتصادي واالجتماعي المنشود‪290.‬‬

‫وعليه‪ ،‬جرى تعيين لجنة خاصة تم تكليفها بإعداد تقرير مفصل بشأن مشروع النموذج‬
‫التنموي الجديد‪ ،‬وذلك خلل شهر نونبر من سنة ‪ ،2016‬وقد عهد برئاستها للسيد شكيب‬
‫بنموس ى إلى جانب ‪ 35‬عضوا من مسارات أكاديمية ومهنية مختلفة‪ ،‬وكلفت بالعمل على مشروع‬
‫النموذج التنموي الجديد في إطارمنظوراستراتيجي شامل ومندمج‪ ،‬و أنيط بنفس اللجنة اقتراح‬
‫التعديلت الكبرى المأمولة والمبادرات الملموسة القمينة بتحيين وتجديد النموذج التنموي‬
‫الوطني وفق مقاربة تشاركية ومندمجة‪ ،‬وقد كان من المقررأن ترفع تقريرها إلى الملك في صيف‬
‫سنة ‪ 2020‬لوال ظروف جائحة “كورونا” التي فرضت تمديد عملها إلى بداية سنة ‪.2021‬‬

‫وعليه‪ ،‬فقد دعت لجنــة النموذج التنموي في تقريرها الذي أنجزته في ختام جلساتها‪ ،‬ال‬
‫سيما بالنسبة للشق المتعلق بالتعليم العالي والتكوين المنهي‪ ،‬إلــى ضرورة "القيــام بتحديــث‬

‫‪ 290‬فدناس ف لنععمل لنج حندمه لنف ك فدف لن دم س يم ‪ 01‬حلنماى ‪ 0102‬افمم داي لخننمح لن مىا ل من ف لن مي لننتىيعيي لنثمميي ف لنماليي لننتىيعيي‬
‫يه افمق ف س لنمملل ‪ https://www.chambredesrepresentants.ma/ar 2019 /‬انمىيخ ‪.0100/10/00‬‬ ‫ن لالع ع‬

‫‪194‬‬
‫‪2023‬‬

‫فعلــي لمؤسســات التعليــم العالــي العموميــة والخاصــة والعمل على الرفع من حسن أدائها‪،‬‬
‫باإلضافــة إلــى التثميــن القــوي لشعب التكوين المنهي ولطــرق التعلــم الهجيــن وبالتنــاوب‪ ،‬وذلــك‬
‫بهــدف تمكيــن الشــباب المغاربــة مــن ســبل امتــلك الكفــاءات العاليــة وتحســين آفــاق اندماجهــم‬
‫فــي ســوق الشــغل"‪ .‬وقدمت تبعا لهذه التوصيات أربعة اقتراحــات‪ :‬أولها‪ :‬واجب ضمان‬
‫استقللية مؤسسات التعليم العالي؛ وثانيها‪ :‬ضرورة جعــل الطالــب فــي صلــب إصلحــات‬
‫وإج ـراءات تحســين أداء التعليــم العالــي والمهنــي؛ وثالثها‪ :‬العمل على تعزيــزقيمــة التكويــن المنهي؛‬
‫ثم رابعها‪ :‬السعي نحو تشــجيع البحــث العلمــي مــن خلل آليــة مســتقلة للتمويــل والتقييــم‪.291‬‬

‫ولعل هذا المعطى هو ما يبرز أهمية البحث العلمي كمحرك أساس ي ووسيلة فاعلة‬
‫وأساسية في تحقيق التنمية المستدامة‪ ،‬على اعتبار أن الجامعة هي المعقل الحقيقي لتكوين‬
‫وتدريب األجيال التي ستتولى المسؤوليات‪ ،‬وكذا بلورة السياسات العمومية واملخططات‬
‫البنيوية طبقا لما تمليه أحكام الدستور‪ ،‬وتفعيل لتوصية الرؤية االستراتيجية لإلصلح ‪-2015‬‬
‫‪ 292 2030‬التي أقرها الملك محمد السادس والداعية إلى تحويل اختياراتها الكبرى إلى قانون‪،‬‬
‫وهو ما سعت إليه الحكومة المغربية من خلل القانون ‪ -‬اإلطار رقم ‪ 51-17‬المتعلق بمنظومة‬
‫التربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،293‬في تماش تام مع األهداف األساسية لسياسة الدولة‬
‫واختياراتها االستراتيجية من أجل إصلح هذا املجال‪ ،‬وكذا آليات تحقيق هذه األهداف‪ ،‬ال‬
‫سيما ما يتعلق منها بمكونات المنظومة وهيكلتها وقواعد تنظيمها‪ ،‬وسبل الولوج إليها‬
‫واالستفادة من خدماتها ومبادئ تدبيرها ومصادروآليات تمويلها‪.294‬‬

‫ترتيبا على ما سبق فإن اإلشكال الذي يظل مطروحا في هذا لسياق هو الذي يرتبط‬
‫أساسا بمدى فعالية األدوار التي يمكن أن يضطلع بها التعليم العالي لتنزيل أسس المشروع‬
‫التنموي الجديد في مجال التربية والتكوين والبحث العلمي بالمغرب‪ ،‬وتنفيذ مخططاته بالشكل‬

‫لنندىيى لنعم لنفف لي‬ ‫لنمفمج لننمفم لن ي ندىيى لنعمقما مل نعم ا لنثدي نن ىي منيىا لنند منددي لنىخمه ن في‬ ‫‪ 291‬لن مي لنعموي امنمفمج لننمفم‬
‫لنفصىايي حاىيا‪ 2021‬ص ‪.89‬‬
‫ن نىايي ملننلمي ملنادث لنع فه ىق ‪0108/2‬‬ ‫لنف س ل‬ ‫‪ 292‬لنىؤيي لال نىلني يي نإلو ح ‪ 0111-0102‬ف ح ا ف ى ي ل مومف ملن م ا ملالىندم‬
‫ص ‪.28‬‬
‫افمظمفي لننىايي‬ ‫‪ 293‬لنظويى لنتدددىيف ىق ‪ 1.19.113‬فؤىخ خه ‪ 7‬ج لند ي ‪ 1440‬لنفملخ ا ‪ 9‬غتدددا ‪ 2019‬انمهيج لندممم ل عمى ىق ‪ 51.17‬لنفنع‬
‫ملننلمي ملنادث لنع فه لن ىي ا لنى فيي لنع ‪ 02 5912‬جم لند ي ‪ 08( 0441‬حغ عس ‪.)0108‬‬
‫‪ 294‬لنفم ا ‪ 0‬ف لندممم ل عمى ىق ‪. 51.17‬‬

‫‪195‬‬
‫‪2023‬‬

‫المطلوب للوصول إلى الغايات المنشودة‪ .‬وهي اإلشكالية التي تتفرع عنها مجموعة من األسئلة‬
‫املحورية من قبيل‪:‬‬

‫‪ o‬ما هي المقترحات التي ينبني عليها النموذج التنموي الجديد في شقه المتعلق بمجال‬
‫التربية والتكوين؟‬

‫‪ o‬ما هي النتائج التي يهدف النموذج التنموي لتحقيقها في إطار البحث العلمي؟ وكيف‬
‫يمكن تقييمها؟‬

‫‪ o‬وفق أي منطلق يمكن للتعليم الجامعي المساهمة في تنزيل مقتضيات النموذج‬


‫التنموي؟ وبأية وسائل؟‬

‫‪ o‬ما التصور المقترح للرتقاء بالدور التنموي للجامعة المغربية في ظل تصاعد متطلبات‬
‫املجتمع وتناميها؟‬

‫اإلجابة عن هذه األسئلة الفرعية التي تطرحها اإلشكالية الرئيسية‪ ،‬تتطلب وجوبا ضرورة‬
‫التطرق‪ ،‬في نقطة أولى‪ ،‬لمناقشة مختلف التوجهات والمقترحات الرئيسية التي جاء بها مشروع‬
‫النموذج التنموي الجديد‪ ،‬على أساس استخلص مجموعة من االستنتاجات التي من شأنها أن‬
‫تسعف في تذييل عقبات تنزيل هذا الورش االستراتيجي الذي انخرط فيه المغرب‪ ،‬وذلك في‬
‫النقطة الثانية من هذا المقال العلمي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مقترحات النموذج التنموي الجديد ونتائجه في إطارالبحث العلمي‬

‫ومن أجل تعليم جامعي مناسب قدمت اللجنة في تقريرها أربعــة اقتراحــات‪ :‬أولها ضمان‬
‫استقللية مؤسسات التعليم العالي‪ ،‬ثانيا جعــل الطالــب فــي صلــب إصلحــات وإج ـراءات‬
‫تحســين أداء التعليــم العالــي والمهنــي؛ ثالثا‪ ،‬تعزيــز قيمــة التكويــن المنهي ثم رابعا‪ ،‬تشــجيع‬
‫البحــث العلمــي مــن خلل آليــة مســتقلة للتمويــل والتقييــم‪.295‬‬

‫منددي لنىخمه ن في‬ ‫‪ 295‬لن مي لنعمودددي امنمفمج لننمفم ) حاىيا( ‪ 2021‬لنمفمج لننمفم لن ي ‪:‬ندىيى لنعمقما مل دددنعم ا لنثدي نن دددىي منيىا لنند‬
‫لنندىيى لنعم ص ‪.011 – 89‬‬

‫‪196‬‬
‫‪2023‬‬

‫وعليه سنحاول التطرق لكل مقترح على حدى وتبيين أهدافه وتفصيله مع ما جاء به‬
‫القانون اإلطار‪ 51-17‬بتركيزو إيجاز‪.‬‬

‫أ) اســتقللية مؤسســات التعليــم العالــي‬

‫إن االهتمام بالجامعة‪ ،‬ومن خللها بالتعليم العالي والبحث العلمي‪ ،296‬ورفع مستواه‬
‫وتنميته والنهوض به‪ ،‬يجب أن يحظى باألولوية في أية استراتيجية للتقدم والتنمية‪ ،‬ألن الجامعة‬
‫المغربية تعتبر مكونا أساسيا من مكونات المنظومة التعليمية نظرا لعر اقتها والدور الريادي‬
‫الذي لعبته‪ ،‬عبرتاريخها‪ ،‬في تكوين األطروالكفاءات‪.297‬‬

‫وعليه يتمثل اســتقللية مؤسســات التعليــم العالــي في مراجعــة طــرق حكامتها بهــدف الرفــع‬
‫مــن نجاعــة أدائهــا‪ .‬ويجــب وفق المصدرذاته‪ ،‬أن ترتكــزهــذه الحكامــة الجديــدة على نظــام لقيــادة‬
‫المؤسســات الجامعية‪ ،‬يكــون شــفافا وذا مصداقيــة وموجهــا نحو حســن األداء مــن خلل إرســاء‬
‫تعاقــدات متعــددة الســنوات بيــن هــذه المؤسســات والدولــة تحــدد بموجبهــا األهــداف المتوخــاة‬
‫فيمــا يتعلــق ب‪ :‬بـ "إنتــاج األبحــاث العلميــة وب ـراءات االختــراع‪ ،‬واســتقطاب الطلبــة وقابليتهــم‬
‫لإلدمــاج فــي ســوق الشــغل‪ ،‬باإلضافة إلى األثــرعلــى االقتصــاد الجهــوي والوطنــي‪.‬‬

‫وعلى أساس ما سبق فإن تكريس مبدأ االستقللية يفرض ضرورة‬


‫دمقرطة الهياكل الجامعية وتفعيل دورها التقريري واستبعاد مبدأ التعيين في المسؤولية‪ ،‬عن‬
‫طريق انتخاب رؤساء الجامعات والعمداء‪ ،‬فهذا هو المدخل في اعتقادي لتحقيق‬
‫استقللية الهياكل الجامعية‪ .‬وعلى مستوى البحث العلمي‪ ،‬فمعلوم أن البحث العلمي هو‬
‫مقياس تقدم الشعوب واملجتمعات‪ ،‬وهو مجموعة من النشاطات والتقنيات واألدوات التي‬
‫تبحث في الظواهر املحيطة والتي تهدف إلى زيادة المعرفة وتسخريها في عملية التنمية ملختلف‬
‫جوانب الحياة‪.298‬‬

‫‪ 296‬ا مظم لننىايي ملننلمي امنفصىل يع دددد اتددددلا ف ددددنفى نندمي فمنظ ف ديث فى م ينه لن لع يي ملنعمى يي ملن مفعي لنفصىايي له ددددم ن نلمي ملنادث‬
‫م ه نلا او ح مفعه امنفصىل‪.‬‬ ‫جل ل ن يمق جنك ح ى م لن م ا ياد لنفدىك ل‬ ‫لنع فه ال يعى‬
‫(‪ )0888‬لنندىيى لنند ي ه دما نعاي لنفيثمق لنمعمه ن نىايي ملننلمي ‪ 0101-0111‬لنفلن اما ملنفعيدما ملنند يما‬ ‫ن نىايي ملننلمي‬ ‫لمظى لنف س ل‬
‫ص ‪.8-9‬‬
‫‪ 0108‬ص‬ ‫ي فمتدمىلا ف دمنك خه لنهلى ملن دديم دي ملالقنودم فعاعي لنم مح لن ي ا لن لى لناي ددم‬ ‫‪ 297‬ى دمل و ىم مفمج مم لننمفم ف ح ا نعمق‬
‫‪.001-018‬‬
‫اىيس ل نلنىمميي‪.‬‬ ‫‪ 298‬ا لند لنم منه ( ‪ 02‬ممماى ‪ )0105‬لننع ي لنعمنه لنفصىاه اي فتمىي ل و ح مملق لن وفي ف ي‬

‫‪197‬‬
‫‪2023‬‬

‫وفي هذا اإلطاريشيرتقريرالنموذج التنموي إلى‪ ،‬أنه "يجــب علــى مجلــس اإلدارة أن ينتقــل‬
‫بكيفيــة جذريــة مــن التركيبــة المتضخمــة الحاليــة‪ ،‬إلــى تركيبــة فعالــة‪ .‬ويجــب أن يك ـون المعيــار‬
‫األساســي النتقــاء رؤســاء الجامعــات‪ ،‬ولتوظيــف وترقيــة األســاتذة‪ ،‬هــو قدرتهــم علــى تطويــر‬
‫البحــث العلمــي المتميــزومهــام التكويــن عالــي المســتوى"‪ .299‬إضافــة إلــى ذلــك‪" ،‬يجــب أن تكــون‬
‫مســاءلة هــؤالء الرؤســاء وفرقهــم مرتبطــة بنتائــج الجامعــة ارتباطــا وثيقــا‪.‬‬

‫والملحظ أن القانون اإلطار رقم ‪ 51.17‬سطر أهدافه الرامية أساسا إلى تجسير العلقة‬
‫بين المشروع املجتمعي التنموي والمشروع التربوي التكويني‪ ،‬لتمكين المؤسسة الجامعية‪،‬‬
‫بمفهومها الشامل من إنجازالوظائف المنوطة بها كقاطرة لتحقيق التنمية الوطنية‪ ،‬والجهوية‪،‬‬
‫واإلقليمية‪ ،‬باإلضافة إلى ترسيخ قيم الحداثة والمواطنة‪.‬‬

‫ب) ترســيخ المكانـة المركزيــة للطالـب‬

‫ســواء فيمـا يخــص وضــع إطــار للمنافسـة بيــن المؤسســات أو فــي تصميــم البرامــج‬
‫التعليميــة واإلدمــاج في ســوق الشــغل‪ .‬وف ـي هذا اإلطــار‪ ،‬تدعــم اللجنــة حريــة الطلبــة فــي اختيــار‬
‫جامعاتهــم بغــض النظــر عــن محــل إقامتهــم‪ ،‬بشــكل يجعــل المؤسســات تتنافــس الســتقطاب‬
‫الطلبــة"‪.‬‬

‫ويتــم تمويــل مؤسســات التعليــم العالــي العموميــة مــن ميزانيــة الدولــة لكــن أيضــا‪،‬‬
‫وجزئيــا‪ ،‬مــن مســاهمة الطلبــة فــي مصاريــف الدراســة بالنســبة ألولئــك القادريــن علــى ذلــك‪،‬‬
‫بمــوازاة مــع آليــة للمنــح االجتماعيــة ومنــح الســتحقاق وتطويــر عــرض لقــروض الطلبــة مضمونــة‬
‫مــن طــرف الدولــة‪.‬‬

‫وعليه فإن أي إصلح منشود‪ ،‬يجب أن يحدد بصفة و اقعية‪ ،‬البرامج واملجاالت الكفيلة‬
‫بتحسين فعالية ونجاعة منظومة التعليم العالي والبحث العلمي‪ ،‬وتنميتها والدفع بها نحو إعادة‬
‫النظرفي دورها‪ ،‬و إقرارنظام تعليمي جيد‪ ،‬األمرالذي لن يتحقق إال من خلل تحسين المردودية‬
‫والتقليل من الهدر واالنقطاع عن الدراسة بالرفع من نسبة الحصول على الشواهد وذلك عبر‬

‫ص ‪.88‬‬ ‫ما‬ ‫فى‬ ‫‪ 299‬مدىيى لن مي لنعموي امنمفمج لننمفم‬

‫‪198‬‬
‫‪2023‬‬

‫إدراج دروس في اللغات وتقنيات اإلعلم والتواصل ومنهجية العمل الجامعي‪ ،‬لتمكين الطلبة‬
‫من التحكم في آليات ومناهج العمل الخاصة باملحيط الجامعي‪.300‬‬

‫كما يتعين على الدولة اتخاذ التدابير اللزمة من أجل تمكين المتعلمين في مختلف‬
‫مستويات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي من االستفادة من الخدمات االجتماعية‬
‫التالية‪ ،‬وذلك وفق مبادئ االستحقاق والشفافية وتكافؤ الفرص‪:‬‬

‫‪ o‬خدمات اإليواء واإلطعام بالنسبة للمتعلمين من ذوي االحتياج؛‬

‫‪ o‬نظام التغطية الصحية لفائدة المتعلمين غير المستفيدين برسم أي نظام آخر؛‬

‫‪ o‬نظام للمنح الدراسية لفائدة المتعلمين المستحقين الذين توجد أمهاتهم و آباؤهم أو‬
‫أولياؤهم أو المتكفلون بهم في وضعية اجتماعية هشة؛‬

‫‪ o‬نظام تفضيلي للقروض الدراسية لفائدة المتعلمين الذين يرغبون في االستفادة منها‬
‫قصد متابعة دراستهم العليا‪.301‬‬

‫ج) التعليم الرقمي‬

‫وذلك باعتمــاد طــرق بيداغوجيــة جديــدة يتــم التركيــز فيهــا علــى تقويــة كفــاءات الطلبــة‪،‬‬
‫ســواء العلميــة والتقنيــة أو األفقيــة والســلوكية‪ .‬ويجــب اعتمــاد الرقميــات فــي إعمــال هــذا‬
‫التحــول‪ ،‬إذ أن جدواهــا وفعاليتهــا فــي التعليــم والتكويــن ال تحتاجــان إلــى دليل‪ ،‬ذلك أن أزمة‬
‫كوفيد ‪ 16-‬أكدت وسرعت إدراك هذه الحقيقة‪.302‬‬

‫ومــن شــأن اســتعمال الرقميــات أن ُيغيــر بعمــق النمــوذج االقتصــادي المتعلــق بالتعليــم‬
‫العالــي‪ ،‬الــذي يتيــح تقديــم برامــج تكويــن عــن بعــد تتــوج بش ـهادات ألكبــرعــدد مــن الطلبــة وبأقــل‬

‫ص ‪.001‬‬ ‫ما‬ ‫‪ 300‬ى مل و ىم فى‬

‫افمظمفي لننىايي ملننلمي ملنادث لنع فه‪.‬‬ ‫‪ 301‬لنفم ا ‪ 00‬ف لندممم ل عمى ‪ 20-02‬لنفنع‬
‫ددف‬ ‫لنفوددمهما لناي لغم يي لنىقفيي نم ه لنفتددىع مدم فأ د ددي جل لنممع ف لننع ي انلىي دده‬ ‫‪ 302‬مفم يوي ف ح فيي لناع لندممممه نددمق لنفؤنف‬
‫جل ل فى افلمميي اد لث نفؤ د دما ىقفيي فنعووي حم فنع ا‬ ‫لنمودمص لندمممميي لننه دنود ى نموي نفدن ديما لندممم ل عمى دمنف لنجلى ديث ديني‬
‫يملا لن مفعي‪.‬‬ ‫ف‬ ‫اع‬ ‫لننعووما نماعي ن مفعما ملجنك اد لث فىللو ن نع ي ملننلمي‬
‫‪:‬او د ح لننع ي لنعمنه آخمق ل ددنىلني يي ندىيى لنف س ل‬ ‫نفوي ف لننهودديا دما ا فم لنىقفمي خه لننع ي ملنع فما لننع يفيي ادعمع لننع ي لنعمنه ىل‬
‫ن نىايي ملننلمي ملنادث لنع فه ىق ‪ 0108/12‬يمميم ‪ 0108‬ص ‪.21-20‬‬

‫‪199‬‬
‫‪2023‬‬

‫تكلفــة‪ .‬عـلوة علــى ذلــك‪ ،‬يجــب أن يدمــج إتقــان أساســيات الرقميــات فــي جميــع شــعب التكويــن‬
‫ابتــداء مــن الســلك األول مــن التعليــم العالــي‪ ،‬وأن يكــون الولــوج إلــى التجهيــزات والشــبكات‬
‫الرقميــة متاحــا لــكل الطلبــة‪.‬‬

‫وتقــر اللجنــة الخاصــة بالنمــوذج التنمــوي بالــدور املحــوري والتكميلــي الــذي يجــب أن‬
‫يلعبــه التكويــن المهنــي‪ ،‬إلــى جانــب التكويــن الجامعــي‪ ،‬فــي إعــداد الكفــاءات الضروريــة لمواكبــة‬
‫احتياجــات مختلــف القطاعــات االقتصاديــة الوطنيــة وتوفيــرآفــاق للشــغل للشــباب‪.‬‬

‫كما يدعو النموذج التنموي الجديد إلى إصلحات طموحة من شأنها تعزيز واستكمال‬
‫رؤية ‪ 2030‬والقانون اإلطار المنبثق عنها‪ ،‬هذا باإلضافة إلى الرفع من قدرات النظام التعليمي‬
‫من حيث الصمود والتكيف‪ ...‬مع إيجاد حلول ملئمة لإلكراهات المتعلقة بتعميم وتطوير ربط‬
‫المؤسسات التعليمية باألنترنت وتعزيز كفاءات المدرسين في مجال الرقميات " ‪303‬من خلل‬
‫إصلحات تعتمد على أربع ر افعات قصد االرتقاء بجودة نظامنا التربوي والتكويني بشكل‬
‫جوهري‪:‬‬

‫‪ -1‬االستثمار في تكوين وتحفيز المدرسين قصد جعلهم الضامنين لنجاح التعليمات؛‬

‫‪ -2‬إعادة تنظيم المسار الدراس ي ونظام التقييم لضمان نجاح كل متعلم؛‬

‫‪ -3‬تحديد املحتويات والمناهج البيداغوجية لتعلم فعال ومحفز؛‬

‫‪ -4‬جعل المؤسسات تتحمل مسؤولياتها لكي تصبح محركا للتغيير ولتعبئة الفاعلين‪.‬‬

‫كما أوص ى املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بجعل املجال الرقمي أداة‬
‫للنهوض بالجامعات‪ ،‬واعتماد حكامة جيدة‪ ،‬وتعليم وتكوين مبتكرين‪ ،‬مشددا على أهمية‬
‫الرقمنة في تطويرالمنظومة التعليمية‪.‬‬

‫د) تطويرالبحث العلمي‬

‫ص ‪.81‬‬ ‫‪ 303‬ندىيى ن مي لنمفمج لننمفم‬

‫‪211‬‬
‫‪2023‬‬

‫إن "نمــاء المغــرب لــن يكــون ذا شــأن إال إذا اســتند علــى بحــث علمــي متميــز داخــل‬
‫الجامعــات"‪ ،‬ويتوقــف هــذا األمــرأساســا علــى هيكلــة نظــام البحــث العلمــي مــن خلل إنشــاء آليــة‬
‫صارمــة للتقييــم العلمــي‪.304‬‬

‫ومن أجل تطويــرالبحــث العلمي في الجامعات المغربية يتطلب توســيع أعــداد الطلبــة علــى‬
‫مســتوى الدكتــوراه فــي ســياق اإلحالــة الكثيفــة لألســاتذة علــى التقاعــد‪ ،‬وتقويــة االنفتــاح علــى‬
‫العالــم (بالتعــاون مــع كبريــات الجامعــات الدوليــة وكــذا االعتمــاد علــى الكفــاءات المغربيــة‬
‫بالخــارج)‪ .‬كمــا اقترحت لجنة النموذج التنموي أن يضم الجيــل الجديــد مــن الباحثيــن فــي ســلك‬
‫الدكتــوراه أفضــل الطلبــة فــي البـلد‪ ،‬والذيــن يجــب‪ ،‬باإلضافــة إلــى تخصصاتهــم العلميــة‪ ،‬أن‬
‫يســتفيدوا مــن تكوينــات فــي مهــن ووســائل البيداغوجيــا والتعليــم وكــذا اللغــات األجنبيــة‪،‬‬
‫وبالخصــوص اإلنجليزيــة‪.305‬‬

‫كما إن القراءة المعمقة لهذه االقتراحات في التقرير ستكشف عن تقاطعات مهمة لحد‬
‫التطابق في عدة نقاط بين االقتراحات اإلجرائية للتقرير المقدم من طرف اللجنة والمشاريع‬
‫المنبثقة عن القانون اإلطار ‪ 17-51‬المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي والتي‬
‫يت م تنزيلها ولذلك فإن هذه االقتراحات ال تعني بدء إصلح جديد بل االستمرار في تنزيل كافة‬
‫أوراش اإلصلح التربوي المفتوحة و إثرائها وإغنائها بمقترحات متضمنة في نفس التقرير‪ ،‬وفي‬
‫هذا اإلطارنفسه فإن القانون اإلطاريعزز االستقللية الفعلية للجامعات واألكاديميات الجهوية‬
‫للتربية والتكوين في إطار تعاقدي‪ ،‬مع إقرار آلية للتتبع والتقييم وقياس األداء واالفتحاص‬
‫بكيفية دورية و إرساء استقللية مؤسسات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬باعتماد‬
‫مشروع المؤسسة أساسا لتنميتها المستمرة وتدبيرها الناجع ومنح تحفيزات لألطر اإلدارية‬
‫والتربوية والتقنية وربط الترقي المنهي بالمردودية‪.‬‬

‫لنادث‬ ‫ان نلثيف لنادث خه لن مفعما لنفصىايي نل ى يفمي لنمظىا لنصىايي‬ ‫م ف س لن منيي لنفصىايي امنعمى‬ ‫م نه ا لن ه امومف حفي‬ ‫‪ 304‬م م فم‬
‫م ه خه‬ ‫لنف نمي لن منه افم نعىده ف ند يما خه فعن ف لنف نفعما ملنفم مع ل‬ ‫م يي ن مدمش‬ ‫لنع فه دما لنو ىا ام نامى م ف اي لند ميم ل‬
‫لنمدمتما لنعفمفيي لنىل مي خه لن ما لنصىايي‪.‬‬
‫فدم ددددىا اعممل “لنادث لنع فه مق ددددميم لنو ىا” خه ل يي ل لل ملنع م ل م ددددمميي امنىامع ل ىاعم ‪ 11‬يمميم ‪ 0100‬خه اعمى لن مىا لننلميميي نهمل ا امدثه‬
‫لن لنمىله خه لنل يي لننماعي ن مفعي فدف لنعمفس‪.‬‬
‫ص ‪.011‬‬ ‫ما‬ ‫‪ 305‬فى‬

‫‪211‬‬
‫‪2023‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تنزيل مقتضيات النموذج التنموي في الجامعة المغربية‬

‫يعتبر النموذج التنموي الجديد ر افعة بشحنة قوية ألنه يستمد روحه من خلفيات‬
‫مرجعية ودستورية تتجلى أهمها في الخطب الملكية السامية كما أنه يخصص عبر مداخله‬
‫مجاال واسعا يرقى إلى تحقيق التنمية المستدامة‪ ،306‬والنهوض بالبحث العلمي خاصة في‬
‫الجامعة المغربية‪ ،‬حيث أن كل تجارب اإلقلع االقتصادي واملجتمعي الناجحة في العالم بأسره‪،‬‬
‫اعتمدت على التعليم الناجع والناجح‪ .‬إنما في المغرب يبدو وكأننا ندورفي دوامة إصلح‪ .‬اإلصلح‬
‫التعليمي منذ االستقلل‪ ،‬وليس هناك أي شك لدينا في أنه ال تنمية بل تعليم‪ :‬جيد‪ ،‬متكافئ‪ ،‬يركز‬
‫على القيم والعلوم والتقنيات الحديثة وعلى اإلبداع واالبتكار في جميع املجاالت الفنية‬
‫والحضارية واألدبية والعلمية‪ ،‬تعليم منفتح على اللغات والحضارات والثقافات النافعة دون أي‬
‫تفريط في مكونات الهوية الوطنية‪.‬‬

‫في نفس السياق طرح أحد األساتذة الباحثين تساؤال هاما مفاده‪ :‬هل الجامعة مؤهلة‬
‫للمساهمة في إعداد المشروع التنموي الجديد؟‪ ..307‬ونتفق معه في الجواب الذي قدمه بهذا‬
‫الشأن حين سعى للتأكيد على أن الجامعة المغربية ظلت محاصرة وفرض عليها االنغلق مع‬
‫املحيط الخارجي ذلك ما جعلها ال تؤدي دورها في إنتاج األفكاروصناعة المعرفة وفي إمداد الوطن‬
‫وسوق الشغل بخريجين يمتازون بالكفاءة ويساهمون في النمو االقتصادي‪ ،‬معتبرا النظام‬
‫الجامعي الحالي الذي يمنح شهادة االجازة أو الماستر أو الدكتوراه‪ ،‬نظام معطوب بسبب عدد‬
‫الحصص والمواد وغيرها‪ ،‬وبالتالي فقد تحولت الجامعات إلى خلية لتخرج العاطلين‪ ،‬مؤكدا‬

‫حموم" لننمفيي لنف نفىا ملنعم ني ملنفنملومي ملنفنلمف ي ملننه نىل ه لناع لنايله خه في فتىم منوم ملننه ال‬ ‫‪ 306‬حمال يفل نعىف لننمفيي لنف ن لفي‬
‫يما لندم في‪.‬‬ ‫د مل ل‬ ‫ن مه لنثفمى نأل يما لندمنيي‬
‫حمظى ف دا حام لنموى يم في ف دا فدف لننمفيي لنف ن لفي ‪:‬فهومفوم‪-‬حاعم م‪ -‬فؤتىلنوم لنف فم ي لنعىايي ن ن ىيل ملنمتى ص ‪.90‬‬
‫فعميم تدددمىلمل يم لن فعي ‪ 02‬ممماى‪ 0108‬خه لن دم لننتدددممى ل ما ن مفعي لند ددد لنثممه امن لى لناي دددم‬ ‫مفعيم مخم م‬ ‫ثمميم يفل ل تدددمىا ان ح‬
‫ا ناىمل ح لن مفعي لنفصىايي لننه ن ع ا مى م خه لننلمي ملنادث لنع فه ف ما ان لنف م في حلثى خه امم ف مىلا لننمفيي لنف ن لفي ‪.‬محاىومل ع ا‬
‫لخننمح جل لن دم لنفمظ اتددىللي ف (فمن ي لنفملعمي) دما فم ددمع مدم مفعي فملعمي لف ي ‪ ..‬تددىمع مف ددؤمنيما مآنيما لنمومض امن مفعي ام نامى م‬
‫ملنادث لنع فه‬ ‫ح لن مفعي لنفصىايي فؤ ي ادل عاىلا من مىل حعى م مح ددمنجنوم له ن عل مىل حلثى خه ف منه نلمي لنعموددى لناتددى‬ ‫قمعىا ن نمفيي‬
‫دن ندم ف ددددم فنوم خه نددي لننمفيي لنف ددددن لفي لننه ينع انيوم لن في ‪ .‬لنفمق ل نلنىممه‬ ‫اتددددمىا فعن ف لنهم ي‬ ‫ف م دددد عاىنوم مفعمىخوم ى‬
‫‪ https://www.mapcasablanca.ma‬نمىيخ لنويمىا ‪.0100/11/01‬‬
‫ويو عفىيش ف لع ي دما فم دمع” فتدىمع لنمفمج لننمفم خه ديمقه لنعم “ م ما ندا ممل لن مفعي مفتىمع لنفععع لننمفم لن ي ندا‬ ‫‪ 307‬فدف‬
‫لنف وى خه عما ل يي لنددمق عما ‪ 2‬ممماى ‪.0108‬‬

‫‪212‬‬
‫‪2023‬‬

‫على أن دورالجامعة يرتكز بالخصوص على صناعة األفكاروالتنظيرو إفرازنخب شبابية تمارس‬
‫السياسية أو ال تمارسها‪.‬‬

‫ومن تم فإن الملمح الكبرى للنموذج التنموي الجديد ودور الجامعة في مواكبة هذا‬
‫النموذج‪ ،‬تتمثل في اشراك كل الكفاءات الوطنية والفعاليات الجادة وجميع القوى الحية‬
‫لتوحيد الرؤية‪ ،‬في إطار مقاربة تشاركية تفض ي إلى وضع نموذج تنموي جديد يستجيب‬
‫لطموحات المملكة المغربية بصفة عامة ‪ ،‬وهذا ما أكد عليه الملك محمد السادس في أحد‬
‫خطبه " وسيرا على المقاربة التشاركية‪ ،‬التي نعتمدها في القضايا الكبرى‪ ،‬كمراجعة الدستور‪،‬‬
‫والجهوية الموسعة‪ ،‬فإننا ندعو إلى إشراك كل الكفاءات الوطنية‪ ،‬والفعاليات الجادة‪ ،‬وجميع‬
‫القوى الحية لألمة‪".‬‬

‫وعليه يقتض ي اإلصلح الحقيقي للتعليم الجامعي إعادة االعتبار للطالب‪ ،‬ولفضاء‬
‫المؤسسات التعليمية التي يجب أن تكون جاذبة وجذابة ومؤهلة‪ .‬أيضا‪ ،‬أي نقاش حول اللغة‬
‫التدريسية فهو يندرج ضمن المزايدات الهوياتية العقيمة‪ ،‬فاللغتان العربية واألمازيغية لغتان‬
‫رسميتان ال أحد يجادل في مكانتهما‪ ،‬لكن االنفتاح اللغوي يجب أن يكون عاديا‪ ،‬وأن يخضع‬
‫لتقديرالفائدة العلمية‪ ،‬وليس العتبارات أخرى إيديولوجية أو سياسية‪.‬‬
‫ً‬
‫ويظل سؤال مدى االرتكاز على خوصصة التعليم قائما ومؤرقا‪ .‬ونقول هنا‪ ،‬من وجهة‬
‫نظرنا‪ ،‬إن خوصصة التعليم ال يجب أن تكون عقدة مجتمعية أو سؤاال إيديولوجيا‪ .‬وهنا نقترح‬
‫أن يتم العمل با تفاقيات وشراكات بيداغوجية على أساس دفتر تحملت بين الدولة ومؤسسات‬
‫التعليم الخصوص ي‪ .‬مع ضرورة أن تحافظ الدولة على دورها في المر اقبة البيداغوجية‬
‫والمادية على هذه المؤسسات الخاصة‪ .‬مع تمتيع األسر التي تختار القطاع الخاص من‬
‫تخفيضات ضريبية لتفادي االزدواج الجبائي‪ .‬لكن كل هذا باالرتكاز أوال وأخيرا على المدرسة‬
‫العمومية طالما أن التعليم هو حق للجميع وأن التعليم هو في آخرالمطاف خدمة عمومية‪.‬‬

‫كمــا أن حكامــة هــذه المؤسســات يمكــن أن تســتفيد مــن إش ـراك الجهــات فــي تطويــربرامــج‬
‫البحــث والتكويــن المتخصصــة‪ ،‬فــي انســجام مــع دورهــا فــي مواكبــة تنميــة االقتصــاد املحلــي‪.‬‬
‫ويجــب علــى هــذه المؤسســات النهــوض بجــودة عرضهــا التكوينــي وتنويعــه‪ ،‬مــع االنخــراط فــي‬
‫مقاربــات للشــراكة مــع القطــاع الخــاص"‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫‪2023‬‬

‫ودعا التقرير‪ ،‬إلى "اعتماد تشــجيع تكوينــات التميــز علــى مشــاركة القطــاع الخــاص الــذي‬
‫يمكــن لــه أن يتدخــل فــي إحــداث صياغــة برامــج التكويــن وأن يســاهم بذلــك فــي تســهيل ولــوج‬
‫الطلبــة إلــى ســوق الشــغل‪ .‬وبإمــكان المؤسســات املحتضنــة للتكوينــات المتخصصــة تعبئــة‬
‫أنــواع أخــرى مــن التمويــل غيــر تلــك المبرمجــة فــي إطــار ميزانيــة الدولــة‪ ،‬خصوصــا من خلل‬
‫الشــراكات بيــن القطاعيــن العــام والخــاص‪ ،‬وتعبئــة الشــراكات مــع القطــاع الثالــث الــذي يهــدف‬
‫بالضــرورة إلــى تحقيــق الربــح"‪.‬‬

‫لكن التعليم الذي نريد أن يستقر عليه تصورالنموذج التنموي ال يتعين أن يكتفي فقط‬
‫بتلقين القيم ومحو األمية وتوفير اليد العاملة التقنية‪ ،‬على أهمية هذه األهداف‪ .‬بل يجب أن‬
‫تتعدى وظائف التعليم البديل إلى إطلق زخم جديد وقوي في مجال البحث العلمي بجميع‬
‫تخصصاته‪ ،‬وتوسيع الدراسات العقلنية‪ ،‬كالفلسفة والتاريخ واألدب والفنون والثقافات‬
‫والحضارات‪ .‬وإلى جانب ذلك‪ ،‬ال بد من إعطاء معنى جديد ومتجدد للتكوين المنهي‪ ،‬وتوسيع‬
‫نطاقه‪ ،‬وتنويع تخصصاته ومجاالته‪ ،‬ال سيما في اتجاه المهن الجديدة والعالم الرقمي‬
‫والتكنولوجيات الحديثة‪.308‬‬

‫وتدعو اللجنــة في تقريرها إلــى التعجيــل بإعمــال خارطــة الطريــق المتعلقــة بمــدن المهــن‬
‫والكفــاءات المقــرر إنجازهــا على مســتوى الجهــات االثنتــي عشــر للمملكــة‪ ،‬إلــى جانــب اإلشــراك‬
‫القــوي للقطــاع الخــاص فــي حكامــة هــذه المؤسســات وفــي تحديــد الحاجيــات مــن الكفــاءات علــى‬
‫المســتوى الجهــوي وفــي صياغــة برامــج التكويــن‪ .‬لــذا‪ ،‬توصــي اللجنــة بإلحــاح باالســتثمارقبــل كل‬
‫شــيء فــي توظيــف وتكويــن المكونيــن وفــي هندســة التكويــن الســيما فيمــا يخــص المهــارات‬
‫الشــخصية "الناعمــة"‪.‬‬

‫وهذا ما أكد عليه السيد عبد اللطيف ميراوي‪ ،‬في كلمة خلل الجلسة االفتتاحية‬
‫للمحطة الخامسة من سلسلة المناظرات الجهوية‪ ،‬التي أطلقتها الوزارة قصد بلورة "املخطط‬
‫الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي واالبتكار"‪ ،‬حيث أنه "تكريسا‬
‫للبعد الجهوي للختيارات التنموية لبلدنا‪ ،‬فإن النموذج الجديد للجامعة المغربية يصبو إلى‬

‫ىل ددددي مند يا فدما فمتددددمى امنفمق لالنلنىممه ‪ https://www.assahifa.com‬نمىيخ‬ ‫ي‬ ‫تددددىا فىنلولا نمفمج نمفم‬ ‫‪ 308‬ا لنماه ي م‬
‫لنويمىا ‪.0100-10-01‬‬

‫‪214‬‬
‫‪2023‬‬

‫إرساء أسس عدالة مجالية فعلية ترتكز على رؤية واضحة‪ ،‬تأخذ بعين االعتبار التطورات‬
‫االقتصادية واالجتماعية والثقافية التي تشهدها الجهات واألقاليم"‪.309‬‬

‫وإلى جانب ذلك‪ ،‬ال بد من إعطاء معنى جديد ومتجدد للتكوين المنهي‪ ،‬وتوسيع نطاقه‪،‬‬
‫وتنويع تخصصاته ومجاالته‪ ،‬ال سيما في اتجاه المهن الجديدة والعالم الرقمي والتكنولوجيات‬
‫الحديثة‪.‬‬

‫وبناء على ما سبق يكتس ي املخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث‬
‫العلمي واالبتكار(‪ )PACITE ESRI 2030‬بعدا استراتيجيا وطابعا عمليا صرفا‪ ،‬يستمد جوهره‬
‫من التوجيهات االستراتيجية للنموذج التنموي الجديد ويهدف إلى ترجمة أولويات البرنامج‬
‫الحكومي‪ ،‬خصوصا في شقه المتعلق بتطوير الرأسمال البشري‪ ،‬إلى تدابير عملية بغية تسريع‬
‫اندماج المغرب في مجتمع المعرف‪ ،‬كما يستند هذا املخطط الوطني على منظومة متجانسة‬
‫من القيم‪ ،‬بمقدورها تعبئة جميع الفاعليين ودعم التفاهم حول رؤية مشتركة وتتمحور هذه‬
‫القيم حول الشفافية واألخلقيات والتميز والقدرة على الصمود من خلل التكوين واإلنصاف‬
‫وتكافؤ الفرص باإلضافة إلى االنفتاح‪ ،‬كما يهدف هذا املخطط إلى إرساء نموذج جديد للجامعة‬
‫المغربية‪ ،‬يرتكزعلى أربعة محاورمهيكلة تتمثل في اصلح بيداغوجي شامل ومندمج‪ ،‬أسس بحث‬
‫علمي بمعايير دولية ‪ ،‬منظومة حكامة ناجعة وفعالة‪ ،‬دور محوري للمجاالت الترابية من حيث‬
‫االبتكاروخلق القيمة المضافة على المستوى االقتصادي واالجتماعي والبيئي ‪.310‬‬

‫إن غاية النموذج التنموي الجديد هو "‪:‬بناء نموذج تنموي دينامي يحقق نموا قويا‪،‬‬
‫دامجا ومستداما‪ ،‬ويضمن تكافؤ الفرص‪ ،‬وينهض بتنمية الفرد‪ ،‬ويعزز قدراته في ظل مجتمع‬
‫مزدهر ومتضامن‪ ،‬يحتل فيه المواطن مكانة مركزية ‪"311.‬الش يء الذي سيكون له انعكاسات‬
‫إيجابية في تسريع وتيرة النمو‪ ،‬وتعزيز الحس الوطني وترسيخه لدى المواطنين‪ ،‬مما سيساهم‬
‫في ضمان استقرار الوطن‪ ،‬والقدرة على مواجهة األخطار الخارجية املحذقة به‪.‬‬

‫لند ددددمفدعددددي لنددفدصدىاديددددي لند دددد يدددد يدودددد ف اند اى دددددددددددم ح دددددددس دددد لنددددي خدعد ديددددي لنددفدمقد ل ندلدندىممدده‬ ‫يدؤلدددد ح مدفدمج‬ ‫دادددد لند دعديدف فديددىلم‬ ‫‪309‬‬
‫‪ https://www.maroc24.com/46956‬نمىيخ لنويمىا ‪.0100-11-10‬‬
‫‪ 310‬فمق مولىا لننع ي لنعمنه ملنادث لنع فه ملالانلمى ‪.www.enssup.gov.ma‬‬
‫ص‪.04‬‬ ‫ملال نفم ه ملنايله ‪2019‬‬ ‫‪ 311‬لنمفمج لننمفم لن ي ن فصىل لنف س لالقنوم‬

‫‪215‬‬
‫‪2023‬‬

‫في الختام‪ ،‬نشير إلى أن العمل الذي أنتجته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد‪،‬‬
‫هو خارطة طريق يمكن اعتمادها في وضع االستراتيجيات التنموية الكفيلة بإعمال الحق في‬
‫التنمية‪ ،‬وهذا لن يتحقق إال إذا توفرت اإلرادة القوية لدى الدولة إلعمال هذا الحق‪.‬‬

‫الئحة المراجع‬

‫‪-‬رضوان زهرو‪ :‬نموذجنا التنموي من أجل تعاقد جديد‪ ،‬منشورات مسالك في الفكر‬
‫والسياسة واالقتصاد‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدارالبيضاء‪2016 ،‬‬

‫‪-‬مدحت أبو النصر‪ ،‬ياسمين مدحت محمد‪ ،‬التنمية المستدامة ‪:‬مفهومها‪-‬أبعادها‪-‬‬


‫مؤشراتها‪ ،‬املجموعة العربية للتدريب والنشر‪.‬‬

‫‪-‬الظهير الشريف رقم ‪ 1.19.113‬مؤرخ في ‪ 7‬ذي الحجة ‪ 1440‬المو افق ل ‪ 9‬غشت ‪2019‬‬
‫بتنفيذ القانون اإلطار رقم ‪ 51.17‬المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية العدد ‪ 17 ،1905‬ذي الحجة ‪ 16( 1440‬أغسطس ‪.)2016‬‬

‫‪-‬تقرير النموذج التنموي الجديد‪ ،‬تحرير الطاقات وبناء الثقة لتسريع المسيرة نحو‬
‫التقدم واالزدهار من أجل الجميع‪ ،‬التقرير العام‪ ،‬اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪ ،‬أبريل‬
‫‪.2021‬‬

‫‪-‬املجلس األعلى للتربية والتكوين‪ ،)1666( :‬التقريرالتحليلي حول تطبيق الميثاق الوطني‬
‫للتربية والتكوين ‪ ،2013-2000‬المكتسبات والمعيقات والتحديات‪.‬‬

‫‪-‬الرؤية االستراتيجية لإلصلح ‪ ،2030-2015‬من أجل مدرسة اإلنصاف والجودة‬


‫واالرتقاء‪ ،‬املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬رقم ‪.2016/5‬‬

‫‪-‬النموذج التنموي الجديد للمغرب‪ ،‬مساهمة املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪،‬‬


‫‪.2019‬‬

‫‪-‬محمد عزيز خمريش‪ :‬مداخلة حول موضوع " مشروع النموذج التنموي في سياقه‬
‫العام"‪ ،‬ندوة تحت عنوان" الجامعة ومشروع املخطط التنموي الجديد تحت املجهر في‬
‫سطات"‪ ،‬من تنظيم رابطة الشباب الديمقراطي واالقتصادي بشراكة مع رئاسة جامعة‬

‫‪216‬‬
‫‪2023‬‬

‫الحسن األول وكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ومختبر البحث في الحكامة‬
‫والتنمية المستدامة شعبة القانون العام‪ ،‬سطات‪ 5 ،‬نونبر‪.2016‬‬

‫‪-‬محمد رواس ي‪ :‬ما هو النموذج التنموي وما المطلوب منه‪ ،‬مقال منشور بالموقع‬
‫االلكتروني‪https://www.akhbarona.com/writers/288261.html#ixzz7PU8iWAJW ،‬‬

‫‪-‬عبد النبي عيدودي‪ :‬عشرة مرتكزات لنموذج تنموي جديد‪ :‬دراسة وتحليل‪ ،‬مقال منشور‬
‫بالموقع االلكتروني‪https://www.assahifa.com ،‬‬

‫‪-‬عبد الحق الوسولي‪ 25 (:‬نونبر ‪ ،)2011‬التعليم العالي المغربي بين مشاريع اإلصلح‬
‫وو اقع اللزمة‪ ،‬مجلة هسبريس اإللكترونية‪.‬‬

‫‪-‬عبد اللطيف ميراوي يؤكد أن نموذج الجامعة المغربية الجديد يهدف إلى إرساء أسس‬
‫عدالة فعلية‪ ،‬الموقع اإللكتروني‪https://www.maroc24.com/46956 :‬‬

‫‪ -‬موقع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي واالبتكار‪https://www.enssup.gov.ma ،‬‬

‫‪217‬‬
‫‪2023‬‬

‫رهانات المشرع المغربي في مدونة التغطية‬


‫الصحية األساسية‬
‫‪The Moroccan legislator's bets on the basic health coverage code‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر الحق في التغطية الصحية من الحقوق التي أقرتها مجموعة من المواثيق‬
‫واإلتفاقيات الدولية‪ 312‬من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة الذي يعد توسيع التغطية‬
‫الصحية من غاياتها الرئيسية‪ .‬والمشرع المغربي شأنه شأن التشريعات المقارنة أقر بحق‬
‫الدستور‪313‬‬ ‫التغطية وارتقى به إلى مصاف الحقوق الدستورية‪ ،‬حيث نص في الفصل ‪ 31‬من‬
‫على حق التغطية إلى جانب الحماية اإلجتماعية‪ ،‬باعتبارهما من أهم وسائل تحقيق العدالة‬
‫اإلجتماعية‪.‬‬

‫وتكريسا لهذا الحق عمل المشرع المغربي على سن مدونة التغطية الصحية األساسية‬
‫الصادرة سنة ‪ 2002‬والتي دخلت حيز التنفيذ سنة ‪ ،2005‬ومن خلل هذه المدونة اعتمد‬

‫‪ -312‬ومنها ما يتعلق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق اإلقتصااااادية واإلجتماعية والثقافية‪ ،‬واإلتفاقية رقم ‪ 201‬بشااااأن المعايير‬
‫الدنيا للضااااامان اإلجتماعي الصاااااادرة عن منظمة العمل الدولية‪ ،‬والتوصاااااية رقم ‪ 101‬بشاااااأن األرضااااايات الوطنية للحماية‬
‫اإلجتماعية الصادرة عن هذه المنظمة‪ ،‬وكذا خطة األمم المتحدة من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة‪.‬‬
‫‪ -313‬ينص الفصل ‪ 32‬من الدستور المغربي على أنه تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية‪ ،‬على تعبئة كل‬
‫الوساااائل المتاحة‪ ،‬لتيساااير أساااباب اساااتفادة المواطنات والمواطنين‪ ،‬على قدم المسااااواة‪ ،‬من الحق فيالعالج والعناية الصاااحية‬
‫والحق في الرعاية الصحية الحماية االجتماعية والتغطية الصحية‪ ،‬والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة‬

‫‪218‬‬
‫‪2023‬‬

‫المشرع عدة أنظمة للتغطية الصحية سواء بالنسبة ألنظمة التأمين الخاصة بأجراء القطاع‬
‫العام أو بالنسية ألجراء القطاع الخاص‪ ،‬وكذا نظام المساعدة الطبية لفائدة الفئات الفقيرة‬
‫والهشة‪ ،‬واعتمد المشرع المغربي على التوسيع التدريجي لهذه األنظمة‪ ،‬وذلك باعتماد المشرع‬
‫لمبادئ وتقنيات متعارف عليها في مجال التأمين‪.‬‬

‫وبطبيعة الحال فإن هذا التنظيم تميز بخصوصية تشريعية تمثلت في بروز تشريعات تهم‬
‫كل نظام من أنظمة التغطية الصحية األساسية‪ ،‬مما انبثق عن المدونة قوانين خاصة عبرت‬
‫عن فلسفة المشرع في توسيع التغطية الصحية األساسية للوصول إلى التغطية الصحية‬
‫الشاملة التي تبقى الهدف األسمى للمشرع المغربي في هذا املجال‪.‬‬

‫وبالرغم من هذه املجهودات والمكاسب إال أن منظومة التغطية الصحية ما زال يطبعها‬
‫التشتت والضعف في مستوى التغطية والنجاعة‪ ،314‬لذلك برزت توجهات جديدة من طرف‬
‫المشرع في إطار إصلح جديد لنظام الحماية اإلجتماعية التي أطلقها جللة الملك محمد‬
‫السادس نصره الله‪.315‬‬

‫إن أهمية هذا الموضوع ينبع من سياقه الهام الذي يتمثل في الرؤيا الملكية من أجل‬
‫تطويرأنظمة التغطية الصحية على اعتبارها جزء ال يتجزأ من منظومة الحماية اإلجتماعية كما‬
‫أن أهمية هذا الموضوع تتجلى في كون أن نظام التغطية الصحية يهتم بالجانب اإلجتماعي‬
‫لجميع شرائح املجتمع وبطبيعة الحال هو تعبير صريح عن اإلرتقاء بالحقوق اإلجتماعية لكل‬
‫فرد مما يضمن رقي املجتمع وتنميته‪.‬‬

‫على ضوء ما سبق ورغبة في دراسة هذا الموضوع نثيراإلشكالية الرئيسة كما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬ما هي الرهانات التي تواخاها المشرع المغربي من خلل توسيع أنظمة التأمين الصحي؟‬

‫وعلى ضوء هذه اإلشكالية الرئيسية يمكن طرح اإلشكاالت الفرعية على النحو التالي ‪:‬‬

‫‪ -314‬هذا ما تم تأكيده من خالل تقرير المجلس اإلقتصااادي واإلجتماعي والبيئي برساام ساانة ‪ ،1024‬ص‪ ،210 :‬كما تم تأكيد‬
‫ذلك من نص الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد بتاريخ ‪ 11‬يوليوز ‪.1010‬‬
‫‪ -315‬وهو ما ورد في نص الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد بتاريخ ‪ 11‬يوليوز ‪.1010‬‬

‫‪219‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬كيف نظم المشرع المغربي ألنظمة التغطية الصحية من خلل القانون رقم ‪15.00‬‬
‫بمثابة مدونة التغطية الصحية األساسية؟‬

‫‪ -‬ما هي اآلليات التي اعتمدها المشرع من خلل توسيع أنظمة التغطية الصحية ؟‬

‫‪ -‬هل تمكن المشرع من التوسيع الشامل ألنظمة التغطية الصحية؟‬

‫ولإلجابة عن اإلشكالية الرئيسية واإلشكاليات الفرعية سنتناول هذه الدراسة وفق‬


‫التقسيم المنهجي التالي ‪ :‬المبحث األول ‪ :‬التوجه التشريعي نحو مبادئ وتقنيات التأمين‬
‫اإلجتماعي والتضامني‪ .‬المبحث الثاني ‪ :‬التوجه التشريعي نحو التدرج في بلوغ التغطية الصحية‬
‫الشاملة‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬التوجه التشريعي نحو مبادئ وتقنيات التأمين اإلجتماعي والتضامني‬

‫أقرالمشرع المغربي من خلل مدونة التغطية الصحية األساسية بالتزام الدولة بالتكفل‬
‫الجماعي والتضامني للنفقات الصحية على اعتبار أن الحماية اإلجتماعية تقوم على التضامن‬
‫والتلحم اإلجتماعي‪ ،‬وهذا التلحم يقتض ي ضمان المساواة واإلنصاف بغية استفادة جميع‬
‫المواطنين من الخدمات الطبية‪.‬‬

‫ولبلوغ هذا المبتغى تم إرساء منظومة التغطية الصحية األساسية شكلت األساس الذي‬
‫تقوم عليه الحماية اإلجتماعية في مجال الصحة‪ ،‬وقد فرضت هذه األخيرة ضرورة إيجاد نظام‬
‫التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض قائم على مبادئ وتقنيات التأمين اإلجتماعي‪ ،‬ونظام‬
‫المساعدة الطبية القائم على مبادئ المساعدة اإلجتماعية والتضامن الوطني لفائدة السكان‬
‫المعوزين‪316.‬‬

‫ولعل ما انطلق منه المشرع من خلل بلورته لحق التغطية الصحية في مدونة التغطية‬
‫الصحية األساسية ينم عن توجهه نحو مبادئ التأمين اإلجتماعي (المطلب األول) في أنظمة‬

‫‪ -316‬ديباجة القانون رقم ‪ 18.00‬بمثابة مدونة التغطية الصااحية الصااادر بمقتضااى الظهير الشااريف رقم ‪ 2.01.111‬بتاريخ‬
‫‪ 18‬من رجب ‪ 3( 2713‬أكتوبر ‪ )1001‬بالجريدة الرساااامية عدد ‪ 8041‬في ‪ 21‬رمضااااان ‪ 12( 2713‬نوفمبر ‪ )1001‬ص‪:‬‬
‫‪.3771‬‬

‫‪211‬‬
‫‪2023‬‬

‫التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض‪ ،‬ونحو مبادئ المساعدة اإلجتماعية والتضامن الوطني‬
‫(المطلب الثاني) فيما يخص نظام المساعدة الطبية‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬التوجه التشريعي نحو مبادئ وتقنيات التأمين اإلجتماعي‬

‫لقد اعتمد المشرع المغربي عند سنه لمقتضيات مدونة التغطية الصحية األساسية‬
‫على مبادئ وتقنيات التأمين اإلجتماعي‪ ،‬وجعل هذه المبادئ هي المنطلقات لتحديد القواعد‬
‫الخاصة بأنظمة التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض‪.‬‬

‫وقد عرف الفقه التأمين اإلجتماعي بأنه هو ذلك التأمين الذي ينتظم العمال ويؤمنهم من‬
‫إصابات العمال ومن المرض والعجز والشيخوخة ويساهم فيه إلى جانب العمال أصحاب‬
‫العمل والدولة ذاتها‪ ،‬وتتولى الدولة تنظيمه وإدارة شؤونه‪317.‬‬

‫والتأمين اإلجتماعي بهذا المفهوم يهدف إلى تحقيق مصلحة اجتماعية تتمثل في حماية‬
‫مصالح الطبقة العاملة‪ ،318‬فيحميها من إصابات العمل ومن المرض والعجز والشيخوخة‬
‫والبطالة‪ ،319‬وبالتالي تحقيق األمان اإلجتماعي إذ هو مظهر من مظاهر التعاون والتضامن‬
‫اإلجتماعي تهدف الدولة من خلله إلى تحسين الظروف اإلجتماعية للعمال‪ ،320‬هذه الطبقة التي‬
‫تعتمد في كسب قوتها على قوة عملها‪ ،‬لذا كان من الضروري أن تؤمن من األخطار التي قد تهدد‬
‫أفرادها‪ ،321‬وبالتالي القضاء في حدود اإلمكان على مختلف العوامل التي تصرف الناس عن‬
‫العمل وتعزيز العناصر التي تحثهم على العمل وهي المهمة الملقاة على عاتق أنظمة الضمان‬
‫اإلجتماعي‪322.‬‬

‫‪ -317‬عبد الباري مشاعل‪ ،‬تقييم تطبيقات وتجارب التأمين التعاوني‪ ،‬ندوة التأمين التعاوني المنعقدة من طرف الهيئة اإلسالمية‬
‫العالمية لإلقتصاد والتمويل‪ ،‬رابطة العالم اإلسالمي‪ ،‬المعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب‪ ، 1001 ،‬ص‪.1 :‬‬
‫‪ -318‬محمد دبوزين‪ ،‬التأمين الجماعي‪ ،‬دراساة وتحليل لنظام التأمين الجماعي في الجزائر‪ ،‬رساالة لنيل شاهادة ماجسااتر فرع‬
‫التحليل اإلقتصادي‪ ،‬جامعة الجزائر كلية العلوم اإلقتصادية وعلوم التسيير‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1024-1021‬ص‪.10 :‬‬
‫‪ -319‬فؤاد معالل‪ ،‬محاضاارات في قانون التأمين دراسااة تحليلية على ضااوء مدونة التأمينات المغربية الجديدة‪ ،‬جامعة ساايدي‬
‫محمد بن عبد الله‪ ،‬كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية فاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،1012-1010‬ص‪.1 :‬‬
‫‪ -320‬عبد الله أشركي أفقير‪ ،‬الموجز في قانون التأمين‪ ،‬مطبعة ال بريني برانت‪ ،‬طنجة‪ ،‬طبعة ‪ً ،1001‬ص ‪.41 :‬‬
‫‪ -321‬محمد دبوزين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10 :‬‬
‫‪322‬‬
‫‪-Esko Kalimo, réduire la dépendance vis-à-vis de la sécurité sociale grâce à la prévention des‬‬
‫‪risques , problèmes conceptuels et stratégique, AISS 1994, P : 140.‬‬

‫‪211‬‬
‫‪2023‬‬

‫ونظرا لقيام التأمين اإلجتماعي على فكرة التضامن اإلجتماعي ضد املخاطر فإن الدولة‬
‫تحتم إجباريته‪ ،‬وتقوم بمر اقبته وتنظيمه‪ ،323‬وتساهم مع أرباب العمل والعمال في جميع‬
‫أقساط التأمين‪ 324،‬فالمؤمنون يقبلون دون امتعاض في تمويل النظام دون مقابل الشتراكاتهم‬
‫كما يغدون مبدأ التضامن القاعدة األساسية لكل نظام صحي يهدف احترام الحق في الصحة‬
‫للجميع‪325.‬‬

‫وبما أن تقنيات التأمين اإلجتماعي تقوم على مبدأ المساهمة‪ 326‬فإن المشرع المغربي‬
‫كرس هذه التقنية وذلك عندما نص في الفقرة األولى من القانون رقم ‪ 15.00‬على أنه يتوقف‬
‫تخويل الحق في اإلستفادة من خدمات التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض على األداء‬
‫المسبق لمبالغ اإلشتراك‪ ،‬وتؤهل الهيئة المكلفة بالتدبير لوقف تقديم الخدمات إذا لم يتم‬
‫القيام بهذا األداء بصورة فعلية‪.‬‬

‫في حقيقة األمرفإنوقف تقديم خدمات التأمين في حالة إذا لم يتم القيام باألداء لواجب‬
‫اإلشتراك يضرب في مبدأ التضامن في تحمل املخاطر الذي يقوم عليه التأمين اإلجتماعي وهذه‬
‫اإلشكالية تطرح أكثر في تأمين أصحاب المهن الحرة الذي يجد فيه المؤمن نفسه في بعض‬
‫األحيان مجبرا عن التوقف عن العمل لظروف خارجة عن إرادته‪ ،‬وبالتالي عدم القدرة على‬

‫‪ -323‬تم تنظيم التأمين اإلجباري األساااسااي عن المرض من طرف مؤسااسااات عمومية تابعة للدولة وذلك يتاكد من مقتضاايات‬
‫المادة ‪ 43‬من القانون رقم ‪ 18.00‬بمثابة مدونة التغطية الصاااحية األسااااساااية‪ ،‬حيث نصااات على أنه "يعهد تدبير نظام التأمين‬
‫اإلجباري االساسي عن المرض المشار إليه في المادة ‪ 42‬أعاله إلى الهيئتين التاليتين ‪:‬‬
‫‪ -‬الصاااااندوق الوطني للضااااامان اإلجتماعي المحدث بالظهير الشاااااريف المعتبر بمثابة قانون رقم ‪ 2.41.247‬بتاريخ ‪ 28‬من‬
‫جمادى اآلخرة ‪ 14( 2311‬يوليو ‪ )2141‬بالنساابة إلى األشااخاص الخاضااعين لنظام الضاامان اإلجتماعي وذوي حقوقهم وكذا‬
‫أصحاب المعاشات بالقطاع الخاص‬
‫‪ -‬الصاااندوق المغربي للتأمين الصاااحي بالنسااابة ليشاااخاص الذين يتولى تدبير أنظمة التامين اإلجباري األسااااس عن المرض‬
‫لفائدتهم طبقا للتشريعات الجاري بها العمل‪.‬‬
‫كما تم إساناد مهمة التأطير التقني للتأمين اإلجباري األساسي عن المرض للوكالة الوطنية للتأمين الصحي‪ ،‬حيث نصت المادة‬
‫‪ 81‬من القاانون ‪ 18.00‬الماذكور على أناه "تنااط باالوكاالاة الوطنياة للتاامين الصااااااحي مهماة التأطير التقني للتأمين اإلجباري‬
‫األسااااساااي عن المرض والساااهر على إعداد الوساااائل الكفيلة بضااابط منظومته في إطار التقيد باألحكام التشاااريعية والتنظيمية‬
‫المتعلقة به‪.‬‬
‫وتعد الوكالة الوطنية للتأمين الصاحي مؤساساة عمومية تتمتع بالشاخصاية المعنوية واإلستقالل المالي وتخضع لوصاية الدولة‬
‫(المادة ‪ 84‬و ‪ 84‬من القانون رقم ‪.)18.00‬‬
‫‪ -324‬عبد الله أشركي أفقير‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41 :‬‬
‫‪325‬‬
‫‪- Mamoun Elhbabi, Economie de la santé, système de santé étrangers, système marocain‬‬
‫‪Edition espaces santé, 45 rue de l’atlas, casablanca, septembre 1997, p : 7.‬‬
‫‪ -326‬وهذا التوجه كرساااااه المشااااارع المغربي من خالل المادة األولى من القانون رقم ‪ 18.00‬عندما نصااااات على أنه تحدث‬
‫منظومة للتغطية الصحية األساسية تشمل التأمين اإلجباري األساسي عن المرض الذي يقوم على مبدأ المساهمة‪...‬‬

‫‪212‬‬
‫‪2023‬‬

‫األداء‪ ،‬وهذه اإلشكالية تكرست من خلل تطبيق نظام التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض‬
‫لفائدة أصحاب المهن الحرة‪.327‬‬

‫إلى جانب المساهمة توجه المشرع المغربي لمبدأ التعاضد في تحمل املخاطر‪ ،328‬ويعني‬
‫هذا المبدأ هوالتعاون بين مجموع المؤمن الذين يتهددهم جميعا خطرواحد‪ ،‬مع رغبتهم جميعا‬
‫توقي نتائجها الضارة‪ ،‬ولذلك فهم يعمدون فيما بينهم إلى جمع مبلغ كبير من المال‪ ،‬يساهم فيه‬
‫كل منهم بقدر يتناسب مع ما يضيفه إلى املجموع الكلي لألخطار ويوزع هذا المال على من تحل‬
‫بهم كارثة‪.329‬‬

‫إن اعتماد المشرع المغربي لتقنيات التأمين اإلجتماعي يكون قد راعى مبادئ التضامن‬
‫التي يتوجب القيام عليها هذه المبادئ التي يجب أن تقوم على مبادئ اإلنصاف قصد استفادة‬
‫الجميع من خدمات التغطية الصحية‪ ،‬وهذا ما أكده المشرع من خلل ما نص عليه في المادة‬
‫األولى من القانون رقم ‪ 15.00‬الذي جاء فيه أن تمويل الخدمات المتعلقة بالعلجات الصحية‬
‫تقوم على مبادئ التضامن واإلنصاف‪.‬‬

‫بالرغم ما نص عليه المشرع من مبادئ التضامن واإلنصاف في اإلستفادة من الخدمات‬


‫المتعلقة بالعلجات إال أن ذلك لم يتحقق من خلل تطبيق نظام التغطية الصحية إذ بالنظر‬
‫إلى المراسيم المتخذة بتطبيق القانون رقم ‪ 15.00‬يتبين أن نسب اإلستفادة تتفاوت بين مؤمني‬
‫القطاع الخاص ومؤمني القطاع العام‪ ،330‬وهذا األمر يجب تداركه من طرف المشرع تحقيقا‬
‫لمبادئ التضامن واإلنصاف المنصوص عليهما في المادة األولى من القانون رقم ‪.15.00‬‬

‫‪ -327‬هذا ما نصااات عليه المادة ‪ 27‬من القانون رقم ‪ 14.28‬المتعلق بنظام التأمين اإلجباري األسااااساااي عن المرض الخاص‬
‫بفئات المهنيين والعمال المسااتقلين واألشااخاص غير األجراء الذين يزاولون نشاااطا خاصااا‪ ،‬حيث نصاات على أنه كل انقطاع‬
‫عن مزاولة المهنة أو النشاااط لمدة متصاالة تفوق سااتة أشااهر ألسااباب غير المرض أو الحمل أو وقوع حادثة أو صاادور قرار‬
‫إداري مؤقت أو إحالة على القضاء يؤدي إلى وقف الحق في الخدمات وبالتالي وقف تقديمها‪.‬‬
‫‪ -328‬هذا التوجه تم تكريسه من خالل المادة األولى من القانون رقم ‪ 18.00‬عندما أكد المشرع المغربي على أن نظام التأمين‬
‫اإلجباري األساسي عن المرض يقوم على مبدأ التعاضد في تحمل المخاطر‪.‬‬
‫‪ -329‬محمد دبوزين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10 :‬‬
‫‪ -330‬أنظر مقتضايات المرسوم ‪ 1.08.434‬صادر في ‪ 22‬من جمادى اآلخرة ‪ 24( 2711‬يوليو ‪ )1008‬بتحديد نسب تغطية‬
‫الخدمات الطبية التي يتحملها الصاااندوق الوطني للضااامان اإلجتماعي برسااام نظام التأمين اإلجباري األسااااساااي عن المرض‪،‬‬
‫ومقتضاااايات المرسااااوم رقم ‪ 1.08.431‬صاااااادر في ‪ 22‬من جمادى اآلخرة ‪ 24( 2711‬يوليو ‪ )1008‬بتحديد نساااااب تغطية‬
‫الخدمات الطبية التي يتحملها الصاااندوق الوطني لمنظمات االحتياط اإلجتماعي برسااام نظام التأمين اإلجباري األسااااساااي عن‬
‫المرض‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫‪2023‬‬

‫ويبقى هذا المبدأ غائبا حتى في نسب اإلشتراك التي يتحملها كل من المؤمنين بالقطاع‬
‫الخاص والمؤمنين بالقطاع العام‪ ،‬حيث يتبين التفاوت بين النسب املحددة للفئتين من خلل‬
‫مقتضيات المراسيم المتخذة بتحديد نسب اإلشتراك التي يتحملها المؤمن برسم نظام التأمين‬
‫اإلجباري األساس ي عن المرض‪.331‬‬

‫يتبين مما تقدم أن المشرع المغربي توجه نحو اعتماد مبادئ وتقنيات التأمين اإلجتماعي‬
‫في نظام التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض‪ ،‬وقد توفق في ذلك من خلل مبدأ التعاضد في‬
‫تحمل املخاطر ومبدأ اإلجبارية‪ ،‬إال أنه لم يتوفق فيما يخص مبدأ التضامن واإلنصاف في‬
‫استفادة الجميع من خدمات التغطية الصحية‪ ،‬إذ ميز بين مؤمني القطاع الخاص ومؤمني‬
‫القطاع العام في تحمل واجب اإلشتراك وفي نسب الخدمات المقدمة لكل الفئتين‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬التوجه التشريعي نحومبادئ وتقنيات المساعدة اإلجتماعية والتضامن‬


‫الوطني‬

‫إذا كان المشرع قد اعتمد فيما يخص نظام التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض على‬
‫مبادئ وتقنيات نظام التأمين اإلجتماعي القائم على مبدأ المساهمة والتعاضد في تحمل‬
‫املخاطر‪ ،‬فإن األمر يختلف في نظام المساعدة الطبية إذ اعتمد المشرع في هذا النظام على‬
‫مبادئ المساعدة اإلجتماعية والتضامن الوطني‪.‬‬

‫إن اعتماد المشرع المغربي لمبادئ المساعدة اإلجتماعية والتضامن الوطني يجد‬
‫أساسه في قيام نظام المساعدة الطبية على التعاون فيما بين الدولة واألفراد‪ ،‬وكذلك بين‬
‫األفراد فيما بينهم‪ ،‬وبهذه الطريقة تكون الدولة قد أسست التحامها اإلجتماعي من خلل التركيز‬
‫على املجال اإلجتماعي من خلل التركيز على مجاالت التضامن وبفضل هذا التضامن تتحصل‬
‫الصحة على وضعية متميزة‪332.‬‬

‫‪ -331‬أنظر مقتضاايات المرسااوم رقم ‪ 1.08.437‬صااادر في ‪ 22‬من جمادى اآلخرة ‪ 24( 2711‬يوليو ‪ )1008‬بتحديد نساابة‬
‫اإلشتراك الواجب أداؤه لصندوق الوطني للضمان اإلجتماعي برسم نظام التأمين اإلجباري األساسي عن المرض‪ ،‬ومقتضيات‬
‫المرسااوم رقم ‪ 1.08.438‬صااادر في ‪ 22‬من جمادى اآلخرة ‪ 24( 2711‬يوليو ‪ )1008‬بتحديد نساابة اإلشااتراك الواجب أداؤه‬
‫للصندوق الوطني لمنظمات اإلحتياط اإلجتماعي برسم نظام التأمين اإلجباري األساسي عن المرض‪.‬‬
‫‪332‬‬
‫‪-Mamoun Elhbabi, Op cit, p : 6.‬‬

‫‪214‬‬
‫‪2023‬‬

‫وبعكس نظام التأمين اإلجباري االساس ي عن المرض الذي يقوم على مبدأ اإلشتراك فإن‬
‫نظام المساعدة الطبية يقوم على مساهمة الدولة في التمويل‪ ،333‬فيما يتحمل األشخاص‬
‫المصنفون في وضعية الهشاشة المساهمة الجزئية السنوية‪ ،334‬بخلف األشخاص المصنفون‬
‫في وضعية الفقرفإنهم معفون من أي مساهمة بالنظام‪.335‬‬

‫إن اعتماد المشرع لهذه التقنية أدى إلى تحسين معدل التغطية الصحية إذ أن منذ‬
‫تعميمه ونسبة اإلستفادة في ارتفاع مستمر‪ ،‬لكن ما طرح اإلشكال في هذا الخصوص هو تحمل‬
‫األشخاص الموجودين في وضعية الهشاشة للمساهمة السنوية حيث أن معدل اإلستفادة في‬
‫صفوف هذه الفئة عرف انخفاضا حادا وهو األمر الذي قد يكون مرتبطا على األرجح بحجم‬
‫المساهمة السنوية المفروضة على هذه الفئة من المستفيدين‪.336‬‬

‫ولعل تحمل الدولة لتمويل النظام على أساس التضامن الوطني فرض اعتماد املجانية‬
‫في اإلستفادة منه‪ ،‬وهذه املجانية تعتبر مناط العدالة في استهلك العلجات ذات الجودة‬
‫العالية‪ 337،‬األمر الذي أدى بالمشرع إلى التنصيص على هذه املجانية حيث نص في المادة ‪115‬‬
‫من القانون رقم ‪ 15.00‬على أنه يحدث وفقا ألحكام هذا القانون نظام المساعدة الطبية لفائدة‬
‫األشخاص المشار إليهم في المواد ‪ 111‬إلى ‪ 116‬بعده‪ ،‬قصد تحمل مصاريف الخدمات الطبية‬
‫المقدمة لهم في المستشفيات العمومية والمؤسسات العمومية للصحة والمصالح الصحية‬
‫التابعة للدولة‪ ،‬وتم تأكيد هذه املجانية بموجب المادة ‪ 21‬من المرسوم رقم ‪ 2.09.177‬الصادر‬

‫‪ -333‬تنص الماادة ‪ 218‬من القاانون رقم ‪ 18.00‬على أناه يمول نظاام المساااااااعادة الطبياة بصاااااافاة رئيسااااااياة من لدن الدولة‬
‫والجماعات المحلية‪ .‬كماتنص المادة ‪ 211‬من القانون رقم ‪ 18.00‬على أنه تدرج في قانون المالية مسااااهمة الدولة المرصااادة‬
‫لتمويل نظام المساااعدة الطبية‪ ،‬وتعتبر مساااهمات الجماعات المحلية المرصاادة لتمويل النظام المذكور نفقات إجبارية بالنساابة‬
‫لهذه الجماعات وفقا للتشريع الجاري به العمل‪ ،‬وتدرج المساهمات المذكورة كل سنة في ميزانيات هذه الجماعات‪.‬‬
‫كما تنص المادة ‪ 11‬من المرسااااوم رقم ‪1.04.244‬الصااااادر في (‪ 11‬ساااابتمبر ‪ )1004‬بتطبيق مقتضاااايات الكتاب الثالث من‬
‫القانون رقم ‪ 18.00‬المتعلق بنظام المسااااعدة الطبية على أنه تعتبر المسااااهمة السااانوية للجماعات المحلية المذكورة في المادة‬
‫‪ 211‬أعاله بمثابة مشااااركة في تحمل مجانية العالجات لفائدة األشاااخاص الموجودين في وضاااعية الفقر داخل الدائرة الترابية‬
‫لجماعة محلية ما‪.‬‬
‫‪ -334‬وهذا ما أكدته مقتضايات المادة ‪ 218‬من القانون رقم ‪ 18.00‬حيث أن النظام يتم تمويله عن طريق مسااهمة المستفيدين‬
‫إلى جانب الدولة‪ ،‬كما أكدته مقتضايات المادة ‪ 18‬من المرسوم رقم ‪ 1.04.244‬حينما نصت على أنه تؤدى المساهمة الجزئية‬
‫السنوية المذكورة في المادة ‪ 210‬من القانون رقم ‪ 18.00‬من طرف المستفيدين الموجودين في وضعية هشاشة‪.‬‬
‫‪ -335‬لم يتطرق القانون رقم ‪ 18.00‬والمرسااوم التطبيقي رقم ‪ 1.04.244‬لمسااألة تحمل األشااخاص الموجودين في وضااعية‬
‫الفقر للمساهمة في النظام إذ تم إعفاء هذه الفئة من المساهمة لتتحملها الدولة والجماعات المحلية وهذا ما يستفاد من مقتضيات‬
‫المادة ‪ 11‬من المرسااوم رقم ‪ 1.04.244‬إذ تعتبر المساااهمة الساانوية للجماعات المحلية المذكورة في المادة ‪ 211‬أعاله بمثابة‬
‫مشاركة في تحمل مجانية العالجات لفائدة األشخاص الموجودين في وضعية الفقر داخل الدائرة الترابية لجماعة محلية ما‪.‬‬
‫‪ -336‬التقرير السنوي للمجلس اإلقتصادي واإلجتماعي والبيئي برسم سنة ‪ ،1021‬ص‪.44 :‬‬
‫‪337‬‬
‫‪-Mamoun El Hbabi, Op cit, p : 76.‬‬

‫‪215‬‬
‫‪2023‬‬

‫بتاريخ (‪ 26‬سبتمبر‪ )2009‬بتطبيق الكتاب الثالث من نظام المساعدة الطبية‪ ،‬وذلك حينما نص‬
‫عل أنه لألشخاص المؤهلين لإلستفادة من نظام المساعدة الطبية حسب الفئة التي ينتمون‬
‫إليها الحق في اإلستفادة في الخدمات اللزمة طبيا والمتوفرة في المستشفيات العمومية للصحة‬
‫والمصالح الصحية التابعة للدولة‪.‬‬

‫وبالرغم من التنصيص على هذه المبادئ المتمثلة في المساعدة اإلجتماعية والتضامن‬


‫الوطني واملجانية في تحمل العلجات إال أن نظام المساعدة الطبية لم يلقى الرضا من طرف‬
‫المستفيدين نظرا لوجود العديد من العر اقيل تحد من الولوج لإلستفادة من الخدمات‬
‫الطبية‪ ،‬مما يؤكد فشل هذا النظام في توفيرالتغطية الصحية لهذه الفئة من املجتمع‪ ،338‬وتبقى‬
‫الحقيقة الو اقعية للقطاع الصحي في المغرب تقول أنه "ال توجد اليوم أية بنية يمكن لألفراد‬
‫المعنيين بالصحة ألن يتناقشوا داخلها للتوصل إلى أن يتكفل املجتمع بمرضاه"‪ 339،‬ولهذا‬
‫فالوضعية الصحية بالمغرب متدنية وخطيرة‪ ،‬فهل من بديل‪340.‬‬

‫لقد تدخل المشرع من أجل إعادة النظرفي هذا النظام حيث من المرتقب أن يتم تحويله‬
‫إلى نظام تأميني يستند على بعض تقنيات نظام التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض وذلك في‬
‫إطارالتوسيع الشامل لنظام التغطية الصحية األساسية‪.341‬‬

‫المبحث الثاني ‪:‬التوجه التشريعي نحو التدرج في بلوغ التغطية الصحية الشاملة‬

‫تعتبرالتغطية الصحية الشاملة هدف تحلم كل الشعوب لبلوغه‪ ،‬ويعد جزءا جوهريا من‬
‫أهداف التنمية المستدامة‪ ،‬التي تحتم على الدول توفير الحماية من املخاطر المالية وإمكانية‬
‫الحصول على الخدمات الصحية األساسية والجيدة بأسعارجيدة لجميع المواطنين‪.‬‬

‫‪ -338‬التقرير السنوي للمجلس اإلقتصادي واإلجتماعي والبيئي‪ ،‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.40 :‬‬
‫‪339‬‬
‫‪- Abdellah Bouras, les médecins mécontents du niveau de leurs honoraires, la vie économique,‬‬
‫‪24 mars 2000, p : 2.‬‬
‫‪340‬‬
‫‪- Abdellah boudahrain la sécurité sociale au Maghreb, du noveau milénaire, carences et défis,‬‬
‫‪Maroc, Almadariss, casablanca, tome, imprimerie annajah alajadida, 1er édition, 2000, 509,‬‬
‫‪p :122.‬‬
‫‪ -341‬صاااااادر مؤخرا قاانون إطاار رقم ‪ 01.12‬يتعلق باالحمااياة اإلجتمااعياة‪ ،‬حيث نص في المادة ‪ 8‬منه على أنه "يتم تعميم‬
‫التأمين اإلجباري األساااسااي عن المرض من خالل ‪ - :‬توساايع اإلسااتفادة من هذا التأمين لتشاامل الفئات المعوزة المسااتفيدة من‬
‫نظام المساعدة الطبية‪"...‬‬

‫‪216‬‬
‫‪2023‬‬

‫والمغرب بدوره كباقي سائر دول العالم يهدف من خلل منظومته الصحية بلوغ التغطية‬
‫الصحية الشاملة لجميع مواطنيه هذا ما تم تسطيره من خلل ديباجة القانون رقم ‪15.00‬‬
‫بمثابة مدونة التغطية الصحية األساسية التي أقرت بالتوسيع التدريجي للتأمين اإلجباري‬
‫األساس ي عن المرض (المطلب األول) ليشمل جميع المواطنين بمختلف شرائحهم اإلجتماعية‬
‫قصد تحقيق استفادة الجميع من الخدمات الطبية بهدف بلوغ التغطية الصحية الشاملة‬
‫(المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬اعتماد المشرع للتوسيع التدريجي لنظام التغطية الصحية‬

‫أقر المشرع المغربي من خلل ديباجة القانون رقم ‪ 15.00‬بالتوسيع التدريجي لنظام‬
‫التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض ومن خلل هذا التوجه عمل المشرع المغربيعلى إحداث‬
‫نظام التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض يسري على الفئات التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬موظفي وأعوان الدولة والجماعات املحلية والمؤسسات العمومية؛‬

‫‪ -‬األشخاص الخاضعين لنظام الضمان اإلجتماعي الجاري به العمل في القطاع الخاص؛‬

‫‪ -‬أصحاب المعاشات بالقطاعين العام والخاص؛‬

‫‪ -‬العمال المستقلين واألشخاص الذين يزاولون مهنة حرة وجميع األشخاص اآلخرين‬
‫الذين يزاولون نشاطا غيرمأجوركما يسري التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض أيضا‬
‫على قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وطلبة التعليم العالي العام والخاص‪342.‬‬

‫لقد عمل المشرع المغربي بعد دخول القانون رقم ‪ 15.00‬حيزالتنفيذ على تفعيل نظامين‬
‫للتأمين اإلجباري األساس ي عن المرض األول يخص موظفي وأعوان الدولة والجماعات املحلية‬
‫والمؤسسات العمومية وأصحاب المعاشات بهذا القطاع‪ ،‬والثاني يخص األشخاص الخاضعين‬
‫لنظام الضمان اإلجتماعي الجاري به العمل وأصحاب المعاشات في القطاع الخاص‪ ،‬فيما باقي‬
‫األنظمة األخرى عمل على إدراجها بشكل تدريجي فيما بعد‪.‬‬

‫‪ -342‬المادة ‪ 1‬من القانون رقم ‪ 18.00‬بمثابة مدونة التغطية الصحية األساسية‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫‪2023‬‬

‫وقد اعتمد المشرع في عملية التدريج هذه تقنية تشريعية خاصة‪ ،‬حيث حدد من خلل‬
‫هذا القانون القواعد العامة المشتركة بين جميع األنظمة‪ ،‬والقواعد الخاصة بنظام التأمين‬
‫اإلجباري األساس ي عن المرض الخاص بالمأجورين وأصحاب المعاشات بالقطاعين العام‬
‫والخاص‪ ،‬وكذا األحكام الخاصة بنظام المساعدة الطبية‪ ،‬فيما حدد بموجب تشريعات خاصة‬
‫القواعد التي تخضع لها أنظمة التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض الخاصة بالطلبة والعمال‬
‫المستقلين واألشخاص الذين يزاولون مهنة حرة وجميع االشخاص اآلخرين الذين يزاولون‬
‫نشاط غيرمأجور‪ ،‬باإلضافة إلى قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير‪.343‬‬

‫وتطبيقا لذلك تم إصدارالقانون رقم ‪ 111.12‬المتعلق بنظام التأمين اإلجباري األساس ي‬


‫عن المرض الخاص بالطلبة هذا النظام المنبثق عن مدونة التغطية الصحية يهدف إلى توسيع‬
‫التغطية الصحية لتشمل طلبة القطاع لخاص والعام‪.344‬‬

‫واستكماال لعملية التدريج في توسيع التغطية الصحية تم إصدار القانون رقم ‪69.15‬‬
‫المتعلق بنظام التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض الخاصبالعمال المستقلين واألشخاص‬
‫الذين يزاولون مهنة حرة‪ ،345‬إال أن هذا القانون لم يتم اإلنتهاء من تنزيله ليشمل كل األصناف‬
‫المعنية‪.‬‬

‫وسار المشرع على هذا النهج حينما أعد مشرع قانون بتعديل المادة ‪ 5‬من القانون رقم‬
‫‪،15.00‬وذلك من أجل إصدار تشريع خاص يتعلق بالتأمين اإلجباري األساس ي عن المرض‬
‫الخاص باألبوين‪ ،‬وذلك ما تم بموجب مشروع قانون رقم ‪ ،13.11‬إال أن هذا المشروع تم سحبه‬
‫من الغرفة الثانية بمجلس المستشارين إلعادة الحوار بشأنه مع مختلف الفرقاء اإلجتماعيين‪.‬‬

‫وعلقة بعملية التدريج التي اعتمدها المشرع تجدر اإلشارة إلى أن نظام المساعدة‬
‫الطبية لم يتم العمل به حين تم تفعيل مقتضيات مدونة التغطية الصحية بموازاة مع نظام‬

‫‪ -343‬المادة ‪ 7‬من القانون رقم ‪ 18.00‬بمثابة مدونة التغطية الصحية األساسية‪.‬‬


‫‪ -344‬ظهير شاااريف رقم ‪ 2.28.208‬صاااادر في ‪ 24‬من شاااوال ‪ 7 ( 2731‬أغساااطس ‪ ) 1028‬بتنفيذ القانون رقم ‪221.21‬‬
‫المتعلق بنظام التأمين اإلجباري األساااسااي عن المرض الخاص بالطلبةشااااااا منشااور بالجريدة الرساامية عدد ‪ 1347‬بتاريخ ‪10‬‬
‫شوال ‪ 1( 2731‬أغسطس ‪ ،)1028‬ص‪.1101 :‬‬
‫‪ -345‬ظهير شااااااريف رقم ‪ 2.24.28‬صااااااادر في ‪ 14‬من رمضااااااان ‪ 13 ( 2734‬يونيو ‪ ) 1024‬بتنفيذ القانون رقم ‪14.28‬‬
‫المتعلق بنظام التأمين اإلجباري األساااسااي عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المسااتقلين واألشااخاص غير األجراء‬
‫الذين يزاولون نشااااطا خاصاااا‪ ،‬منشاااور بالجريدة الرسااامية عدد ‪ 1841‬بتاريخ ‪ 24‬شاااوال ‪ 23( 2734‬يوليو ‪ ،)1024‬ص ‪:‬‬
‫‪.3110‬‬

‫‪218‬‬
‫‪2023‬‬

‫التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض‪ ،‬بل تم تفعيله تدريجيا ابتداء من سنة ‪ 2009‬وبشكل‬
‫شمولي سنة ‪.3462012‬‬

‫إن اعتماد المشرع للتدرج في عملية توسيع نظام التغطية الصحية عبر تقنية التشريع‬
‫بقوانين خاصة أدى إلى تعدد األنظمة‪ ،‬وبالرغم مما لهذا التدريج من أهمية في توسيع اإلستفادة‬
‫بين جميع سكان المملكة إال أنه طرح صعوبات في انسجام وترابط هذه األنظمة فيما بينها بسبب‬
‫عدم ترابطها وتجزئها‪.347‬‬

‫وينضاف إشكاال أخر حد من مجهودات توسيع التغطية الصحية يتمثل في إشكالية‬


‫االنتقال من التغطية الصحية اإلختيارية إلى التغطية الصحية اإلجبارية من طرف الهيئات‬
‫العامة أو الخاصة التي تضمن لمأجوريها تغطية صحية اختيارية لدى شركات التأمين أو لدى‬
‫التعاضديات أو لدى الصناديق الداخلية‪ ،‬ويجد هذا اإلشكال أساسه في عدم صدور جميع‬
‫النصوص التطبيقية اللزمة لتطبيق القانون رقم ‪ 15.00‬حيث تم ربط شرط صدور هذه‬
‫النصوص بأجل ‪ 5‬سنوات قابلة للتجديد تحتسب ابتداء من إصدار المراسيم التنظيمية‬
‫للقانون المذكور‪ ،348‬وهذا الشرط الذي لم يتحقق بعد بسبب عدم صدور هذه النصوص‬
‫التنظيمية مما ادى إلى عدم توسيع التغطية الصحية في مفهوم اإلجبارية التي يقوم عليها نظام‬
‫التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض مما كرس تشتت هذه األنظمة وعدم وحدتها‪.349‬‬

‫‪ -346‬نصاات المادة ‪ 14‬من المرسااوم رقم ‪ 1.04.244‬المتعلق بتطبيق مقتضاايات الكتاب الثالث من القانون رقم ‪ 18.00‬على‬
‫أنه تتم أجرأة مقتضااايات هذا المرساااوم بجهة تادلة أزيالل وتعميمه تدريجيا إلى باقي جهات المملكة بقرار مشاااترك للسااالطات‬
‫الحكومية المكلفة بالداخلية والمالية والصحة‪.‬‬
‫‪ -347‬تقرير المجلس اإلقتصادي واإلجتماعي والبيئي برسم سنة ‪ ،1024‬ص‪.210 :‬‬
‫‪ -348‬نصت المادة ‪ 227‬من القانون رقم ‪ 18.00‬على إن الهيئات العامة أو الخاصة التي تضمن في تاريخ دخول هذا القانون‬
‫تغطية صاحية اختيارية إما بواساطة عقود جماعية لدى شاركات التامين‪ ،‬وإما لدى تعاضديات وإما في إطار صناديق داخلية‪،‬‬
‫يجوز لها بصافة انتقالية وطوال المدة خمس سنوات قابلة للتجديد ابتداء من إصدار المراسيم التنظيمية المتعلقة بهذا القانون أن‬
‫تساااتمر في القيام بالتغطية المذكورة بشااارط أن تدلي بوجود هذه التغطية للصاااندوق الوطني للضااامان اإلجتماعي والصاااندوق‬
‫الوطني لمنظماات اإلحتيااط اإلجتمااع ي‪ ،‬حسااااااب الحاالاة وذلك وفق إجراءات تتحدد بنص تنظيمي‪ .‬وفي هذه الحالة يجب أن‬
‫تشاااااامال التغطياة جميع الماأجورين بماا فيهم المأجورين الجدد المعنيون خالل الفترة اإلنتقالية‪ ،‬وعند اإلقتضاااااااء‪ ،‬أصااااااحاب‬
‫المعاشااات المتمتعون بهذه التغطية من قبل‪ .‬وعند انصاارام األجل المذكور يلزم المشااغلون المشااار إليهما أعاله باإلنخراط في‬
‫نظام التامين اإلجباري األساااسااي عن المرض المدبر من طرف الصااندوق الوطني للضاامان اإلجتماعي أو الصااندوق الوطني‬
‫لمنظمات اإلحتياط االجتماعي حسااب الحالة وبتسااجيل مأجوريهمن وعند اإلقتضاااء بتسااجيل أصااحاب المعاشااات كذلك‪ ،‬الذين‬
‫سابق أن تمتعوا بالتغطية المذكورة‪ .‬وفي جميع الحاالت فإن الحقوق المكتسابة لفائدة المساتفيدين من هذه األنظمة سواء بالنسبة‬
‫للجهة المتحملة لإلشتراكات أو فيما يخص نسبة التغطية لفائدة من يحتفظ بها‪.‬‬
‫‪349‬‬
‫‪-Khadija Zehaf, mémoire pour l’obtention du DESS droit réalisé, université mohammed v,‬‬
‫‪Rabat année 2006, p : 67.‬‬

‫‪219‬‬
‫‪2023‬‬

‫بالرغم من مجهودات المشرع في نهج التدريج نحو توسيع التغطية الصحية إال أن هذه‬
‫املجهوات لم تحقق األهداف المرجوة منها في بلوغ التغطية الصحية الشاملة فكيف يمكن‬
‫للمشرع أن يحقق ذلك‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬طموحات المشرع نحو بلوغ التغطية الصحية الشاملة‬

‫ال يمكن إنكار المكتسبات التي حققها المشرع عند نهجه للتوسيع التدريجي للتغطية‬
‫الصحية الذي استغرق أكثر من عقدين من الزمن منذ صدور مدونة التغطية الصحية‬
‫األساسية‪ ،‬إذ بفضل هذه املجهودات تم توسيع استفادة التغطية الصحية لتشمل شرائح‬
‫مهمة من املجتمع لكن ال يمكن الجزم بعدم وجود صعوبات بشأن تطبيق التغطية الصحية في‬
‫شموليتها‪.350‬‬

‫إن إطلق مجموعة من أنظمة التغطية الصحية في إطار توسيع برامج الحماية‬
‫اإلجتماعية‪ ،‬والتي مكنت على اختلف أشكالها من محاربة الفوارق اإلجتماعية وولوج فئة‬
‫واسعة إلى الخدمات األساسية‪،‬على أساس المساواة واإلنصاف‪ ،‬وبالرغم من هذه املجهودات‬
‫والمكاسب إال أن منظومة التغطية الصحية ما زال يطبعها التشتت والضعف في مستوى‬
‫التغطية والنجاعة‪.351‬‬

‫لذلك تم بمبادرة من جللة الملك محمد السادس نصره الله إطلق عملية حازمة من‬
‫أجل إصلح منظومة الحماية اإلجتماعية وتعميم التغطية الصحية من أجل بلوغ الشمولية‪.352‬‬

‫‪ -350‬أشااار المجلس اإلقتصااادي واإلجتماعي والبيئي على أنه رغم التقدم المحرز بتعميم التغطية الصااحية األساااسااية تسااجل‬
‫عدة اختالالت إن على مساتوى نظام التامين اإلجباري األسااساي عن المرض أو نظام المسااعدة الطبية‪ ،‬وترتبط بشكل خاص‬
‫بتمويل لمنظومة وبحكامة القطاع‪ .‬تقرير المجلس اإلقتصادي واالجتماعي والبيئي برسم سنة ‪ ،1024‬ص‪.21 :‬‬
‫‪ -351‬وهذا ما تم تأكيده من طرف جاللة الملك نصااره الله وأيده في مناساابة خطاب العرش المجيد بتاريخ ‪ 11‬يوليوز ‪1010‬‬
‫إذ جااء في خطااب جاللتاه " ‪ ...‬وقد ساااااابق لي دعوت في خطاب العرش لساااااانة ‪ ،1024‬للتعجيل بإعادة النظر في منظومة‬
‫الحماية االجتماعية‪ ،‬التي يطبعها التشتت‪ ،‬والضعف في مستوى التغطية والنجاعة‪."....‬‬
‫‪ -352‬وقد جاء في خطاب جاللة الملك بتاريخ ‪ 11‬يوليوز ‪ ... " :1010‬لذا‪ ،‬نعتبر أن الوقت قد حان‪ ،‬إلطالق عملية حازمة‪،‬‬
‫لتعميم التغطية االجتماعية لجميع المغاربة‪ ،‬خالل الخمس سااااانوات المقبلة‪.‬وندعو للشاااااروع في ذلك تدريجيا‪ ،‬ابتداء من يناير‬
‫‪ ، 1012‬وفق برنامج عمل مضااابوط‪ ،‬بدءا بتعميم التغطية الصاااحية اإلجبارية‪ ،‬والتعويضاااات العائلية‪ ،‬قبل توسااايعه‪ ،‬ليشااامل‬
‫التقاعد والتعويض عن فقدان العمل‪ .‬ويتطلب هذا المشاااااروع إصاااااالحا حقيقيا لينظمة والبرامج االجتماعية الموجودة حاليا‪،‬‬
‫للرفع من تأثيرها المباشااار على المساااتفيدين‪ ،‬خاصاااة عبر تفعيل الساااجل االجتماعي الموحد‪ .‬وينبغي أن يشاااكل تعميم التغطية‬
‫االجتماعية‪ ،‬رافعة إلدماج القطاع غير المهيكل‪ ،‬في النساااايج االقتصااااادي الوطني لذا‪ ،‬ندعو الحكومة‪ ،‬بتشاااااور مع الشااااركاء‬
‫االجتماعيين الستكمال بلورة منظور عملي شامل ‪ ،‬يتضمن البرنامج الزمني‪ ،‬واإلطار القانوني‪ ،‬وخيارات التمويل‪ ،‬بما يحقق‬

‫‪221‬‬
‫‪2023‬‬

‫وتجسيدا لإلرادة وللتوجيهات الملكية عمل المشرع على استكمال بناء منظومة التغطية‬
‫الصحية عبرسن قانون إطاررقم ‪ 06.21‬يتعلق بالحماية اإلجتماعية‪ ،‬وتأسيسا لهذه التوجيهات‬
‫الملكية السامية يحدد هذا القانون اإلطار األحكام والمبادئ‪ ،‬والتوجهات واآلليات المؤطرة‬
‫لعمل الدولة في مجال الحماية اإلجتماعية‪ ،‬وعلى الخصوص التغطية الصحية األساسية‪.353‬‬

‫ولعل من بين أهم الرهانات المرجوة من هذا القانون هو تعميم التأمين اإلجباري‬
‫األساس ي عن المرض من خلل توسيع اإلستفادة من هذا التأمين لتشمل الفئات المعوزة‬
‫المستفيدة من نظام المساعدة الطبية‪ ،354‬مع تحقيق التنزيل التام للتأمين اإلجباري األساس ي‬
‫عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين واألشخاص غيراألجراء الذين يزاولون‬
‫نشاطا خاصا‪ ،‬ليشمل كل الفئات المعنية‪ ،‬واعتماد اآلليات اللزمة لهذا الغرض‪ ،‬ال سيما‬
‫تبسيط مساطرأداء وتحصيل اإلشتراكات المتعلقة بهذا التأمين‪.355‬‬

‫إن هذا التوجه الذي رسمه المشرع من خلل القانون اإلطار رقم ‪ 06.21‬يجد أساسه‬
‫فيما تم القيام به من مبادرات تشريعية تهدف إلى الشروع في التنزيل لهذا اإلصلح‪ ،‬ولعل ما يؤكد‬
‫ذلك هو التسريع بتنزيل المراسيم التطبيقية للقانون رقم ‪ 69.15‬الخاصة باستفادة كل أصناف‬
‫المهنيون والعمال المستقلون واألشخاص الذين يزاولون نشاطا خاصا‪.356‬‬

‫ولبلورة آلية تبسيط مساطر أداء وتحصيل اإلشتراكات المتعلقة بهذا التأمين تم إدخال‬
‫تعديلت جوهرية على مقتضيات القانون رقم ‪ 69.15‬بشأن إجراءات التسجيل واإلنخراط بغية‬
‫تسهيل هذه العملية‪.357‬‬

‫التعميم الفعلي للتغطية االجتماعية‪ .‬ولبلوغ هذا الهدف‪ ،‬يجب اعتماد حكامة جيدة‪ ،‬تقوم على الحوار االجتماعي البناء‪ ،‬ومبادئ‬
‫النزاهة والشفافية‪ ،‬والحق واإلنصاف‪ ،‬وعلى محاربة أي انحراف أو استغالل سياسوي لهذا المشروع االجتماعي النبيل ‪."...‬‬
‫‪ -353‬أنظر ديباجة القانون رقم ‪ 01.12‬يتعلق بالحماية اإلجتماعية الصاادر بموجب الظهير الشريف رقم ‪ 2.12.30‬بتاريخ ‪1‬‬
‫شعبان ‪ 13( 2771‬مارس ‪ ،)1012‬بالجريدة الرسمية عدد ‪ 1148‬بتاريخ ‪ 11‬شعبان ‪ 8( 2771‬أبريل ‪ ،)1012‬ص‪.1244 :‬‬
‫‪ -354‬إذ ساااااايتم اإلرتقااء بنظاام المساااااااعادة الطبية الخاص بالفئات المعوزة إلى نظام تأميني إسااااااوة بنظام التأمين اإلجباري‬
‫األساسي الخاص بأجراء القطاعين العام والخاص‪.‬‬
‫‪ -355‬المادة ‪ 8‬من القانون اإلطار رقم ‪ 01.12‬المتعلق بالحماية اإلجتماعية‪.‬‬
‫‪ -356‬تجدر اإلشاارة إلى أنه تم إصادار مجموعة كبيرة من المراسيم التي تمكن من أجل تسريع إستفادة مجموعة من المهنيين‬
‫من نظام التأمين اإلجباري األسااساي عن المرض (العدول‪ ،‬المفوضاون القضاائيون‪ ،‬النساات‪ ،‬التراجمة ‪ ،‬األطباء‪ ،‬المهندسون‬
‫المعماريون‪ ،‬الصناع التقليديون‪ ،‬المرشدين السياحيين‪.)...‬‬
‫‪ -357‬أنظر القانون رقم ‪ 30.12‬بتغيير وتتميم القانون رقم ‪ 14.28‬المتعلق بنظام التأمين اإلجباري االسااااااساااااي عن المرض‬
‫الخاص بالمهنيين والعمال المساتقلين واألشاخاص غير األجراء الذين يزاولون نشااطا خاصاا‪ ،‬الصاادر بالجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 4001‬بتاريخ ‪ 22‬ذو الحجة ‪ 11( 2771‬يوليوز ‪ ،)1012‬ص‪.8144 :‬‬

‫‪221‬‬
‫‪2023‬‬

‫إال أن ما يعاب بخصوص التعديلت الواردة هو مقتضيات المادة ‪ 1‬من هذا القانون‪358‬‬

‫التي قلصت من دور الفئات المعنية والفرقاء اإلجتماعيين في كيفيات تطبيق هذا القانون‪،‬‬
‫خصوصا فيما يتعلق بتحديد نسب اإلشتراك التي تتم عن طريق المشاورات مع هذه الفئات‪،‬‬
‫مع العلم أن نسب اإلشتراك املحددة دائما ما تلقى معارضة من طرف المعنيين بدعوى ارتفاعها‬
‫وعدم انسجامها مع الدخل التي تحققه المهن التي يزاولونها‪.‬‬

‫وإذا كان هذا التعديل يجد مبرره في طول المدة الزمنية التي يمكن أن تستغرقها‬
‫المشاورات وبالتالي ضرورة اإللتزام بتوسيع التغطية الصحية اإلجبارية بحلول سنة ‪ 2022‬الذي‬
‫حدد معالمه ومرتكزا ته الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية بتاريخ ‪ 6‬أكتوبر‬
‫‪ ،2020‬إال أنه في نفس الوقت أغفل التوجيهات الملكية الصادرة في الخطاب السابق بمناسبة‬
‫عيد العرش بتاريخ ‪ 26‬يوليوز‪ ،2020‬والذي تم التأكيد فيه على ضرورة اعتماد الحواراإلجتماعي‬
‫البناء من أجل تعميم برامج الحماية االجتماعية‪.‬‬

‫ونظرا للترابط بين هؤالء الفرقاء‪ ،‬فإن جودة النظام رهين بجودة العلقات بين هؤالء‪،‬‬
‫كما أن كل تعديل للنظام من أي جانب يؤثرعلى جميع الفرقاء األخرين‪.359‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫بناء على ماسبق يمكن القول أن رهانات المشرع المغربي في توسيع أنظمة التأمين‬
‫الصحي اتضحت من خلل اعتماد مبدأ التدرج نحو بلوغ التغطية الشاملة‪ ،‬وذلك باإلعتماد على‬
‫مبادئ وتقنيات التأمين اإلجتماعي التي يقوم عليها نظام التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض‪،‬‬
‫واعتماد مبادئ وتقنيات المساعدة اإلجتماعية والتضامن الوطني فيما يخص نظام المساعدة‬
‫الطبية‪.‬‬

‫لعل هذه الجهود اصطدمت بعدة صعوبات وعر اقيل أدت إلى تشتت وعدم انسجام هذه‬
‫االنظمة فيما بينها مما حال دون بلوغ التغطية الصحية الشاملة‪ ،‬ليبقى هذا الهدف من رهانات‬
‫المشرع على ضوء اإلصلح الشامل والعميق لمنظومة الحماية اإلجتماعية‪.‬‬

‫‪ -358‬أنظر المادة االولى من القانون رقم ‪ 30.12‬بتغيير وتتميم القانون رقم ‪ 14.28‬المتعلق بنظام التأمين اإلجباري االساسي‬
‫عن المرض الخاص بالمهنيين والعمال المستقلين واألشخاص غير األجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا‪.‬‬
‫‪Elhbabi, Op Cit, p : 46. Mamoun -359‬‬

‫‪222‬‬
‫‪2023‬‬

‫ويشكل اإلصلح الشامل لمنظومة التغطية الصحية الجديد أهم مرتكزات بلوغ التغطية‬
‫الشاملة وتبين من خلل هذه الدراسة على أهمية المستجدات التشريعية التي جاء بها هذا‬
‫اإلصلح‪ ،‬والتي تهدف باألساس إلى الرقي بنظام المساعدة الطبية إلى نظام تأميني يتشارك مع‬
‫نظام التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض‪ ،‬ال من حيث بعض المبادئ وال من حيث بعض‬
‫التقنيات التي تعد من مميزات التأمين الصحي في التعاضد وتحمل املخاطر‪ ،‬وبالتالي توفير‬
‫الحماية الكافية لحقوق الفئات الفقيرة والهشة‪.‬‬

‫كما ال نغيب ما لهذا اإلصلح في أهمية توسيع التغطية الصحية األساسية لفائدة‬
‫مختلف شرائح املجتمع وهذا ما سيتبين من خلل مستقبل التغطية الصحية األساسية في‬
‫بلدنا‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫القانون رقم ‪ 15.00‬بمثابة مدونة التغطية الصحية الصادر بمقتض ى الظهير الشريف‬
‫رقم ‪ 1.02.261‬بتاريخ ‪ 25‬من رجب ‪ 3( 1423‬أكتوبر ‪ )2002‬بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5091‬في ‪11‬‬
‫رمضان ‪ 21( 1423‬نوفمبر‪ )2002‬ص‪.3446 :‬‬

‫عبد الباري مشعل‪ ،‬تقييم تطبيقات وتجارب التأمين التعاوني‪ ،‬ندوة التأمين التعاوني‬
‫المنعقدة من طرف الهيئة اإلسلمية العالمية لإلقتصاد والتمويل‪ ،‬رابطة العالم اإلسلمي‪،‬‬
‫المعهد اإلسلمي للبحوث والتدريب‪2006 ،‬‬

‫محمد دبوزين‪ ،‬التأمين الجماعي‪ ،‬دراسة وتحليل لنظام التأمين الجماعي في الجزائر‪،‬‬
‫رسالة لنيل شهادة ماجستر فرع التحليل اإلقتصادي‪ ،‬جامعة الجزائركلية العلوم اإلقتصادية‬
‫وعلوم التسيير‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2017-2011‬‬

‫فؤاد معلل‪ ،‬محاضرات في قانون التأمين دراسة تحليلية على ضوء مدونة التأمينات‬
‫المغربية الجديدة‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد الله‪ ،‬كلية العلوم القانونية واإلقتصادية‬
‫واإلجتماعية فاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2021-2020‬‬

‫عبد الله أشركي أفقير‪ ،‬الموجزفي قانون التأمين‪ ،‬مطبعة ال بريني برانت‪ ،‬طنجة‪ ،‬طبعة‬
‫‪.2006‬‬

‫‪223‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪Esko Kalimo, réduire la dépendance vis-à-vis de la sécurité sociale grâce à‬‬


‫‪la prévention des risques , problèmes conceptuels et stratégique, AISS 1994.‬‬

‫التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض من طرف مؤسسات عمومية تابعة للدولة وذلك‬
‫يتاكد من مقتضيات المادة ‪ 73‬من القانون رقم ‪ 15.00‬بمثابة مدونة التغطية الصحية‬
‫األساسية‬

‫الصندوق الوطني للضمان اإلجتماعي املحدث بالظهيرالشريف المعتبربمثابة قانون رقم‬


‫‪ 1.72.194‬بتاريخ ‪ 15‬من جمادى اآلخرة ‪ 27( 1362‬يوليو ‪ )1672‬بالنسبة إلى األشخاص‬
‫الخاضعين لنظام الضمان اإلجتماعي وذوي حقوقهم وكذا أصحاب المعاشات بالقطاع الخاص‬

‫‪Mamoun Elhbabi, Economie de la santé, système de santé étrangers,‬‬


‫‪système marocain Edition espaces santé, 45 rue de l’atlas, casablanca, septembre‬‬
‫‪1997.‬‬

‫‪Abdellah Bouras, les médecins mécontents du niveau de leurs honoraires,‬‬


‫‪la vie économique, 24 mars 2000.‬‬

‫‪Abdellah boudahrain la sécurité sociale au Maghreb, du noveau milénaire,‬‬


‫‪carences et défis, Maroc, Almadariss, casablanca, tome, imprimerie annajah‬‬
‫‪alajadida, 1er édition, 2000.‬‬

‫ظهير شريف رقم ‪ 1.15.105‬صادر في ‪ 19‬من شوال ‪ 4 ( 1431‬أغسطس ‪ ) 2015‬بتنفيذ‬


‫القانون رقم ‪ 111.12‬المتعلق بنظام التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض الخاص بالطلبةـ‬
‫منشوربالجريدة الرسمية عدد ‪ 1394‬بتاريخ ‪ 20‬شوال ‪ 1( 1431‬أغسطس ‪ ،)2015‬ص‪.1602 :‬‬

‫ظهير شريف رقم ‪ 1.17.15‬صادر في ‪ 29‬من رمضان ‪ 23 ( 1439‬يونيو ‪ ) 2017‬بتنفيذ‬


‫القانون رقم ‪ 69.15‬المتعلق بنظام التأمين اإلجباري األساس ي عن المرض الخاص بفئات‬
‫المهنيين والعمال المستقلين واألشخاص غير األجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا‪ ،‬منشور‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 1591‬بتاريخ ‪ 19‬شوال ‪ 13( 1439‬يوليو ‪ ،)2017‬ص ‪.3610 :‬‬

‫‪224‬‬
‫‪2023‬‬

‫حدود مبدأ سلطان اإلرادة بين الواقع وهاجس التطور‬


‫‪The boundary of the principle of the authority of the will between reality and‬‬
‫‪the obsession of evolution‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبرمبدأ سلطان االرادة من بين أهم الميكانيزمات التي يقوم عليها القانون المدني‪ ،‬وهو‬
‫يشكل اللبنة األساسية في إنشاء العقود ويفيد بأن إرادة العاقدين كافية لوحدها لإلنشاء‬
‫الرابطة العقدية‪ ،‬وترتيب كافة اآلثار القانونية التي تتضمنها (‪ ،)360‬لهذا فإن العقود التي يتم‬
‫إنشاؤها بشكل صحيح تقوم مقام القانون كما جاء ذلك في الفصل ‪)361( .230‬‬

‫(‪ )360‬كما تم تعريفه‪:‬‬


‫‪le principe de l'autonomie de la volonté signifiée que le contrat tire sa force obligatoire des‬‬
‫‪volontés des parties qui sont souveraine. il y a donc deux éléments d'une part, la souveraineté‬‬
‫‪de la volonté, d'autre part la force obligatoire de la volonté.‬‬
‫‪Christian Larroumet, droit civil, tome 3 les obligations, le contrat, 3°édition 1996 p: 101‬‬
‫أنظر أيضا‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمان الشرقاوي‪" ،‬القانون المدني‪ ،‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام‪ ،‬على ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة‬
‫للقانون االقتصادي"‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬الجزء األول التصرف القانوني‪ ،‬منشورات فريق البحث في تحديث القانون والعدالة"‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،2122‬ص‪.22.2 :‬‬
‫‪ -‬عبد الحق الصافي‪" ،‬القانون المدني‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المصدر االرادي لاللتزامات‪ ،‬العقد‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬تكوين العقد"‪،‬‬
‫مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2119.2229 ،‬ص‪.213 :‬‬
‫(‪ )361‬الذي نص على أ نه‪ " :‬االلتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها‪ ،‬وال‬
‫يجوز إلغاؤها إال برضاهما معا أو في الحاالت المنصوص عليها في القانون"‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫‪2023‬‬

‫لكن قبل أن يظهر هذا المبدأ كان التعاقد ال يرتكز على رضا األطراف أي على تو افق‬
‫إرادتهم بل كانت هناك شكليات كان ال بد من احترامها لكي يتم إتمام العقد على وجه صحيح كما‬
‫هو الحال بالنسبة لما كان سائدا في القانون الروماني‪ ،‬فقوة العقد أنداك كانت تستمد من تلك‬
‫الشكلية التي تبرم وفقها‪.‬‬

‫لكن نتيجة التطورات التي أصبح يعرفها املجتمع الروماني أصبح يتم االعتماد على اإلرادة‬
‫في تكوين العقود ولو بشكل طفيف‪ ،‬وذلك ما تجسد من خلل االعتراف برضائية تكوين بعض‬
‫العقود (البيع‪ ،‬اإليجار‪ ،‬الشركة) (‪.)362‬‬

‫وبهذا أصبح االعتماد في إنشاء العقود على اإلرادة‪ ،‬وأصبح لمبدأ سلطان اإلرادة مكانة‬
‫هامة‪ ،‬حيث أصبح نتاج الفلسفة الفردية التي تم ظهورها في عصر األنوار (‪.)363‬‬

‫وقد مر مبدأ سلطان اإلرادة بمحطات تاريخية بحيث أصبح دور اإلرادة يتقوى وذلك في‬
‫أوربا مند نهاية القرن الثاني عشروذلك لعدة أسباب كتأثيرالدين والكنيسة في ترسيخ هذا المبدأ‬
‫وذلك من خلل الحث على احترام التعاقدات‪ ،‬باإلضافة إلى االعتبارات االقتصادية التي أدت‬
‫إلى تزايد النشاط التجاري بحيث تمت هناك زيادة في النشاط التجاري وكان ال ُبد من إزالة تلك‬
‫الشكليات ألجل تحريرالتبادالت (‪.)364‬‬

‫وما ينبغي اإلشارة إليه إلى أن مبدأ سلطان اإلرادة بلغ قمته خلل القرن الثامن عشرحيث‬
‫قامت النظرية التقليدية للعقد التي تقول بأن العقد يفيد تو افق إرادتين على إحداث أثر‬
‫قانوني‪ ،‬وبهذا أصبحت اإلرادة‪ ،‬الركيزة األساسية التي تعتمدها النظريات القانونية‪.‬‬

‫لكن هذه النظرية أصبحت محط انتقاد مند أواخر القرن ‪ 16‬وذلك راجع لعدة عوامل‬
‫اقتصادية واجتماعية‪ ،‬فبدأ التوجه إلى اعتماد توجهات حديثة في إطارقانون العقود‪.‬‬

‫وتكمن أهمية هدا الموضوع في كون مبدأ سلطان اإلرادة آلية من أهم اآلليات التي يقوم‬
‫عليها القانون المدني على اعتبارأن االرادة هي التي تنش ئ العقد‪ ،‬إال أن هذا المبدأ عرف تراجعا‬
‫بفعل عوامل اقتصادية واجتماعية أدت الى ظهور توجهات جديدة أثرث بشكل مباشر على‬

‫(‪ )3‬عبد الحق الصافي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.212‬‬


‫(‪ )363‬عبد الرحمان الشرقاوي‪ ،‬مرجع سابق ص‪.23‬‬
‫(‪ )364‬عبد الحق الصافي مرجع سابق ص ‪.213‬‬

‫‪226‬‬
‫‪2023‬‬

‫النتائج القانونية لمبدأ سلطان االرادة ومن هنا تبرز األهمية الحقيقية لدراسة هذا الموضوع‬
‫خاصة إذا علمنا أن طبيعة بعض العقود يمكن أن تنتج آثارا تمتد الى البيئة‪.‬‬

‫وتماشيا مع ما ذكر فإلى أي حد ساهمت العوامل االقتصادية واالجتماعية في المساس‬


‫بجوهرمبدأ سلطان اإلرادة؟‬

‫وبما أن الموضوع يحتمل المعالجة من خلل مجموعة من الزوايا كالحديث عن‬


‫الشكلية في علقتها بمبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬و أيضا علقته بعيوب اإلرادة‪ ،‬وبمؤسسة التفسير‬
‫والتكييف‪ ،‬إلى جانب علقته بإبرام العقود بشكل الكتروني‪.‬‬

‫لكن التطرق لهده النقط لن يسعفنا في دراسة مبدأ سلطان االرادة بشكل دقيق‪ .‬لذلك‬
‫ً‬
‫حاولنا اإلشارة إلى بعضها بشكل ضمني وفق التصميم التالي‪ :‬أوال‪ :‬العوامل االقتصادية التي أدت‬
‫ً‬
‫الى تراجع مبدأ سلطان اإلرادة‪ .‬ثانيا‪ :‬العوامل االجتماعية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان‬
‫اإلرادة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العوامل االقتصادية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان االرادة‬

‫لقد كان هاجس حماية المستهلك العامل األساس ي الذي دفع أغلب دول العالم إلى تبني‬
‫قوانين جديدة شكلت ثورة حقيقية على العديد من المفاهيم التي كانت سائدة إبان وضع قانون‬
‫االلتزامات والعقود المغربي ومن قبله مدونة نابوليون وفي مقدمة هذه المفاهيم مبدأ سلطان‬
‫اإلرادة (‪ )365‬الذي عرفت نتائجه تأثرا بالخصوص في الحرية التعاقدية والقوة الملزمة للعقد مما‬
‫جعله يخرج عن المفهوم التقليدي الذي تم تفصيله أعله‪ ،‬فمبدأ سلطان اإلرادة ازدهربموجب‬
‫عوامل اقتصادية و انتكس بموجب عوامل اقتصادية (‪.)366‬‬

‫لهذا يجب دراستهما وفق المنظور الحديث سواء على مستوى تكوين العقد (‪ )1‬أو على‬
‫مستوى تنفيذ العقد (‪.)2‬‬

‫‪ )1‬هاجس حماية المستهلك‬

‫(‪ )365‬عبد الرحمان الشرقاوي‪ ،‬م‪.‬س ص‪29‬‬


‫(‪ )366‬البكاي معزوز‪ :‬حماية المتعاقد أو المستهلك بين القواعد العامة و القوانين الخاصة‪ ،‬مداخلة بمناسبة ندوة وطنية‬
‫في موضوع مائوية صدور ق‪.‬ل‪.‬ع الم نظمة من طرف كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية مكناس يومي ‪23‬و‬
‫‪. 2129/12/ 22‬‬

‫‪227‬‬
‫‪2023‬‬

‫ال مجال للشك في أن مفهوم المستهلك الذي كان مفهوما اقتصاديا محضا أصبح قانونيا‬
‫منذ تدخل المشرع من أجل حماية المستهلك (‪ )367‬ويقصد بهذا األخير حسب المادة الثانية من‬
‫القانون‪ )368( 31-09‬كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية‬
‫منتوجا أو سلعا أو خدمات معدة الستعماله الشخص ي أو العائلي (‪.)369‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أنه يجب حماية المستهلك ليس ألنه طرف ضعيف بل ألنه ال يعرف‬
‫» ‪« non-sachant‬محتويات ما سيقتنيه مقارنة مع الطرف االخرالذي يعتبراختصاص ي في ذلك‬
‫المنتوج (‪.)370‬‬

‫إضافة إلى أن االستاذ عبد القادر العرعاري أكد على أنه باعتبارالمستهلك محطة نهائية‬
‫في دورة االنتاج والتوزيع القتصار مهمته على اقتناء حاجياته األساسية بشكل متجدد فهو إذن‬
‫فاعل اقتصادي قوي له دورايجابي في تنشيط الرواج التجاري والصناعي وهو مبرركافي في نظره‬
‫إلنصافه (‪.)371‬‬

‫وهناك اتجاه أخر يرى أن سبب تدخل المشرع من أجل حماية المستهلك يتمثل في كون‬
‫العقود التي تبرم من طرف المستهلك هي عقود إذعان أما إذا كان العقد محل تفاوض فلن يكون‬
‫هناك أي سبب يدعو لحماية المستهلك لذلك فالحماية الحقيقية يجب أن تنصب على مفهوم‬
‫عقود اإلذعان عوض أن تنصب على المستهلك (‪.)372‬‬

‫‪(367( Christian larroumet o.p cit p109‬‬


‫(‪ )368‬ظهير شريف رقم ‪ 2.13.22‬صادر في ‪ 22‬من ربيع األول ‪ 21(2232‬فبراير ‪ )2122‬بتنفيذ القانون رقم ‪32.11‬‬
‫القاضي بتحديد تدابير حمائية للمستهلك‪.‬‬
‫(‪ )369‬وانطالقا من هذا التعريف يظهر أن المشرع أخد باالتجاه الواسع وهو نفس الموقف الذي دافع عنه الفقيه الفرنسي‬
‫فرييه ديدييه الذي ذهب إلى أن مفهوم المستهلك الواسع للمستهلك هو الذي ينسجم مع غايات قانون االستهالك‪.‬‬
‫من أجل االطالع على االتجاهات الفقهية بخصوص مفهوم المستهلك انظر‪:‬‬
‫عبد الرحمان الشرقاوي‪ ،‬م‪.‬س ص ‪92-91‬‬ ‫‪-‬‬
‫زكرياء العماري‪ ،‬حماية المستهلك دراسات و أبحاث في ضوء مستجدات القانون رقم ‪ 32-11‬القاضي بتحديد‬ ‫‪-‬‬
‫تدابير لحماية المستهلك‪ ،‬سلسلة "دراسة و أبحاث " مجلة القضاء المدني‪ ،‬دون ذكر العدد‪ ،‬ص ‪ :‬من ‪ 29‬إلى ‪.32‬‬
‫وتجدر االشارة الى أن محكمة النقض الفرنسية كانت سباقة الى االخد بالمفهوم الواسع للمستهلك‬
‫‪…dans le silence de la loi (n°23 du 10 janvier 1978 (produits et services), la première chambre‬‬
‫‪civile, le 28 avril 1987 n’a pas hésité à considérer une société anonyme comme un‬‬
‫‪consommateur‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Henri et léon mazeau, jean mazeau, francois chabas, o.p cit p 31.‬‬
‫‪(370) Henri et léon mazeau, jean mazeau, francois chabas, o.p cit p 31.‬‬
‫(‪ )371‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬وجهة نظر خاصة في مادة القانون المدني المعمق بين الفقه والقضاء الطبعة األولى سنة‬
‫‪ 2121‬ص‪.99‬‬
‫‪(372) Christian larroumet o.p cit p 109‬‬

‫‪228‬‬
‫‪2023‬‬

‫وقد أكد ‪ chabas‬على نفس الش يء إال أنه أقربأن الحماية التي يحظى بها المستهلك والتي‬
‫يتدخل من أجل سنها المشرع ال تتمحور حول عقود اإلذعان فقط بل حتى حول شخصية‬
‫المستهلك باعتباره طرفا غيرمنهي (‪.)373‬‬

‫وبالرجوع للعديد من المقتضيات التي جاء بها قانون ‪ 31.09‬يظهر جليا مدى تأثر مبدأ‬
‫سلطان االرادة في مرحلة تكوين العقد مما يعني أن شروط العقد وتكوينه ومحتواه أصبحوا‬
‫محددين سلفا من طرف المشرع بقواعد امرة وليس فقط قواعد مكملة (‪)374‬‬

‫ومن هنا يظهر أن مبدأ سلطان اإلرادة عرف تراجعا بموجب مقتضيات قانون ‪31.09‬‬
‫والذي يبرز جليا من خلل فرض المشرع ملجموعة من االلتزامات على المنهي حيث نجد مثل‬
‫االلتزام باإلعلم (‪ )375‬ومنح مهلة للتفكيرومهلة للرجوع إضافة إلى أن أغلب العقود التي تبرم بين‬
‫المستهلك و المنهي تعتبر عقود إذعان و هو ما يؤدي إلى المساس بالحرية التعاقدية للمستهلك‪،‬‬
‫وحتى يؤكد المشرع هذه الحماية قام بضبطها من خلل النص على غرامات مالية متفاوتة في‬
‫القسم السابع من قانون ‪ 31.09‬في حالة عدم احترام مقتضيات القسم الثاني من نفس‬
‫القانون‪.‬‬

‫إضافة إلى ما سبق عرف مبدأ سلطان اإلرادة تأثرا بارزا على مستوى تنفيذ العقد أيضا‬
‫ولعل ذلك راجع إلى ظهورالنظام العام االقتصادي التوجيهي نتيجة تخلف األساس االقتصادي‬
‫للعقد وانهيار التوازن بين مركز الطرفين " وهو ال يهدف إلى الحد من حرية األفراد المتعاقدين‬
‫بطريق مباشربل يرتكزعلى المساهمة في توجيه االقتصاد الوطني والقيام بإصلحات وترميمات‬
‫للنظام االقتصادي وهاته اإلصلحات يكون لها تأثير واضح على مجال العقود التي لم تعد في‬

‫‪(373) Henri et léon mazeau, jean mazeau, francois chabas, o.p cit p31‬‬
‫‪."..Il ne faudrait d’ailleurs pas croire que la protection du consommateur se résume en une‬‬
‫‪lutte contre le contrat d’adhésion. Certes, ce dernier est au premier chef visé mais la‬‬
‫‪réglementation ne se limite pas à lui. Ce qui importe au législateur, c’est la personne du‬‬
‫‪consommateur, dans son activité extra_ professionnelle, même si celle-ci se traduit par un‬‬
‫‪contrat de gré à gré".‬‬
‫‪(374) Christian larroumet o.p cit, p :106.‬‬
‫(‪ )375‬وقد خصص المشرع الباب األول لاللتزام العام باالعالم من المادة الثالثة إلى المادة الحدية عشر وتخصيص الباب‬
‫الثاني لالعالم باجال التسليم من المدة ‪ 22‬الى المادة ‪22‬‬

‫‪229‬‬
2023

‫نظام التوجيه االقتصادي تنشأ بواسطة إرادتين بل أصبحت تزاوج بين اإلرادة الشخصية‬
.)376( ‫واإلرادة الموضوعية‬

‫ويظهر النظام العام االقتصادي التوجيهي بشكل واضح في العقود التي تتطلب حماية‬
.‫للطرف الضعيف و أبرزهم المستهلكون‬

‫ من قانون‬16 ‫وقد تجلى هذا التأثرفي مرحلة تنفيذ العقد من خلل نص المشرع في المادة‬
.31-09

‫على ضرورة تفسير الشك لمصلحة المستهلك إضافة إلى أن المشرع أكد بموجب القسم‬
‫ على إمكانية إلغاء الشروط التعسفية وهو ما أقرته فعل‬20 ‫ إلى المادة‬15 ‫الثالث من المادة‬
‫ حيث تتلخص وقائع هذه القضية في رفع دعوى من طرف‬2014 ‫محكمة النقض الفرنسية سنة‬
‫ شرط‬23 ‫االتحاد الفدرالي للمستهلكين "إيزر" ضد تبادلية "ديزر" الفرنسية بخصوص إزالة‬
‫تعسفي وضعوا في عقد أبرم مع التبادلية إيزر والمقيمين بدار المسنين باعتبارهم مستهلكين‬
.)377( ‫إضافة إلى المطالبة بالتعويض‬

‫ ص‬،2123 ‫ ماي‬-‫ العدد الرابع عشر يناير‬،‫ مجلة الحقوق‬،‫ التدخل التشريعي في المجال التعاقدي‬:‫) عبد الرزاق حباني‬376(
222 :
:‫لذلك قضت محكمة النقض بـ‬... )377(
PAR CES MOTIFS, et sans qu’il y ait lieu de statuer sur les autres griefs du pourvoi :
CASSE ET ANNULE, mais seulement en ce qu’il déclare sans objet la demande d’interdiction de
l’usage à l’avenir des clauses contenues dans le contrat de séjour proposé jusqu’au 19 avril
2011 par la Mutualité française Isère gestionnaire de l’EHPAD en l’état de son nouveau contrat
de séjour et de son nouveau règlement de fonctionnement, et en ce qu’il déboute
l’association UFC38 de sa demande en suppression de « six autres clauses de l’ancien contrat
de séjour de l’EHPAD », l’arrêt rendu le 7 mai 2013, entre les parties, par la cour d’appel
de Grenoble ; remet, en conséquence, sur ces points, la cause et les parties dans l’état où elles
se trouvaient avant ledit arrêt et, pour être fait droit, les renvoie devant la cour d’appel
de Chambéry
Arrêt n° 1095 du 1er octobre 2014 – Cour de cassation – Première chambre civile –
ECLI :FR :CCASS :C101095
Publié:
https ://www.courdecassation.fr/jurisprudence_2/premiere_chambre_civile_568/1095_1er_302
42.html

231
‫‪2023‬‬

‫وهكذا يمكن القول بأن القوة الملزمة للعقد عرفت تراجعا ملحوظا فحتى ولوأبرم العقد‬
‫بشكل صحيح فقد نص المشرع على إمكانية إلغاء شروطه إذا كانت تعسفية وبذلك يكون قد‬
‫ضرب مبدأ سلطان اإلرادة في عمقه‪.‬‬

‫‪ )2‬تطويق الحرية في مجال المنافسة‬

‫لقد كان تدخل المشرع المغربي ينصب باألساس في القيام بالتنظيم‪ ،‬ثم انتقل بعد ذلك‬
‫للحماية‪ ،‬إلى أن أصبح يتدخل من أجل ضبط العلقات االقتصادية‪ ،‬الش يء الذي ظهرجليا من‬
‫خلل سنه لقانون حرية األسعار والمنافسة حيث نظم حرية األسعار وضبطها بالمنافسة على‬
‫اعتبار أن المنافسة ستنعدم إذا وجدت ممارسات تسمح لمقاولة ما باحتكار السوق والقضاء‬
‫على المنافسين الموجودين وحتى املحتملين (‪.)378‬‬

‫لقد كانت ألطراف العقد الحرية سواء في إبرام العقد أوفي تحديد شروطه كما سبق الذكر‬
‫عند تحليل الحرية التعاقدية وفق المنظور التقليدي‪ ،‬حيث كانت العقود تبرم بين الدائن‬
‫والمدين‪ ،‬إال أنه وبفعل التطورات تدخل فاعلين اقتصاديين شكلوا قوة اقتصادية مما أدى إلى‬
‫ضرورة تدخل المشرع وهو ما حدث فعل بمقتض ى قانون تنظيم األثمان ومر اقبتها وشروط‬
‫إمساك المنتوجات والبضائع بتاريخ ‪ 12‬أكتوبر‪ 1671‬إال أنه ألغي بموجب قانون ‪ 66.01‬المتعلق‬
‫بحرية األسعار والمنافسة لكن النصوص المتخدة لتطبيق قانون ‪ 12‬أكتوبر ‪ 1671‬كانت قد‬
‫ظلت سارية مع اشتراط عدم تعارضها مع أحكام قانون ‪.66.01‬‬

‫أما حاليا وبعد صدوردستور‪ 2011‬أصبح القانون ‪ 104.12‬هو الذي ينظم حرية األسعار‬
‫والمنافسة (‪ ،)379‬حيث نص في قسمه األول على حرية األسعارإال إنه ربطها بصدورنص تنظيمي‬
‫يحدد كيفيات تنظيم أسعارالسلع والخدمات والمنتوجات(‪ ،)380‬ومن هنا يظهربجلء أن المشرع‬
‫وضع نطاقا لحرية األسعارولم يتركه على إطلقتيه‪.‬‬

‫‪(378) Christian larroumet o.p cit p 118.‬‬


‫(‪ )379‬ظهير شريف رقم ‪ 2.22.229‬صادر في ‪ 2‬رمضان ‪31(2739‬يونيو ‪ )2122‬بتنفيد القانون رقم ‪ 212.22‬المتعلق بحرية‬
‫األسعار والمنافسة‪.‬‬
‫(‪ )380‬المادة ‪ 2‬من قانون ‪ 212.22‬المتعلق بحرية األسعار والمنافسة‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫‪2023‬‬

‫ولهذا يمكن القول أن الحرية التعاقدية كنتيجة قانونية لمبدأ سلطان اإلرادة عرفت‬
‫تراجعا واضحا انطلقا من المادة ‪ 2‬من قانون ‪ 104-12‬حيث أن المشرع لم يكتفي بتنظيم حرية‬
‫األسعارو إنما قام أيضا بضبطها‪.‬‬

‫ورغم أن المشرع نص على حرية األسعار إال أنه ضبطها بالمنافسة (‪ ،)381‬فهذه الحرية‬
‫تمارس داخل نطاق المنافسة و يظهر ذلك جليا من خلل تخصيص القسم الثاني من قانون‬
‫‪ 104.12‬للممارسات المنافية لقواعد المنافسة كالحد من دخول السوق أو من الممارسة‬
‫الحرة للمنافسة من لدن منشئات أخرى (‪.)382‬‬

‫و انطلقا مما نص عليه المشرع في المواد ‪ 9 ،7 ،1‬و‪ 10‬من قانون ‪ 104.12‬يظهر بشكل‬
‫واضح انتهاك للقوة الملزمة للعقد كأثر قانوني لمبدأ سلطان اإلرادة وذلك بحضره لبعض‬
‫االتفاقات سواء الصريحة أو الضمنية والتي رتب عليها جزاء البطلن‪ ،‬فرغم نشوئها بشكل‬
‫صحيح وفي عقد سليم وبرض ى األطراف قد يطالها البطلن إذا خالفت ما نصت عليه الفصول‬
‫األنفة الذكر‪.‬‬

‫وتماشيا مع ذلك حرص المشرع المغربي على ضبط مجال المنافسة من خلل إعطائه‬
‫مجموعة من الصلحيات ملجلس المنافسة الذي لم يعد له دور استشاري منذ صدور قانون‬
‫الذي نص في مادته الثانية على أن هذا املجلس يتمتع‬ ‫‪ 13.20‬المتعلق بمجلس المنافسة (‪)383‬‬

‫بسلطة تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومر اقبة عمليات‬
‫التركيزاالقتصادي كما هي معرفة في القانون المتعلق بحرية األسعاروالمنافسة‪.‬‬

‫واعتمادا على ما سبق يمكن القول أن ظهور توجهات تنادي بحماية المستهلك وضبط‬
‫مجال المنافسة باعتبارهما عاملين اقتصاديين ساهما بشكل مباشر في تراجع مبدأ سلطان‬
‫اإلرادة‪ ،‬دون إغفال عوامل اجتماعية كان لها دورأيضا في تراجع مبدأ سلطان اإلرادة وعلى رأسها‬

‫(‪ )381‬تنص المادة ‪ 2‬من نفس القانونتحدد أسعار السلع والخدمات والمنتوجات عن طريق المنافسة الحرة‪.‬‬
‫(‪ )382‬محمد العروصي‪ ،‬المختصر في بعض العقود المسماة (عقد البيع والمقايضة والكراء) الطبعة الثانية‪ ،‬مطبعة مرجان‪،‬‬
‫سنة ‪ 2122‬ص ‪.32‬‬
‫(‪ )383‬ظهير شريف رقم‪ 12.22.229‬صادر في ‪ 2‬رمضان ‪ (2239‬يونيو ‪ )2122‬بتنفيد القانون ‪ 23.21‬المتعلق بمجلس‬
‫المنافسة‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫‪2023‬‬

‫الحفاظ على المصلحة العامة وذلك بتدخل الدولة من خلل فرض عقود وفق شكلية معينة‬
‫(عقود اإلذعان‪ ،‬العقود اإلجبارية) جعلت مبدأ سلطان اإلرادة في تراجع‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬العوامل االجتماعية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان االرادة‬

‫تأثر مبدأ سلطان االرادة بمجموعة من التحوالت االقتصادية واالجتماعية مما أدى الى‬
‫تراجع الطريقة التقليدية في التعاقد التي كانت تستند أساسا على المساواة أثناء التفاوض على‬
‫شروط العقد حيث ظهرت أنواع جديدة للتعاقد كانا أبرزها عقود االذعان (‪ )1‬والعقود‬
‫االجبارية(‪.)2‬‬

‫‪ )1‬عقود االذعان‬

‫يقصد بعقد االذعان عقد يبرم دون مساومة حيث يتولى الطرف المتفوق قانونيا أو فعليا‬
‫تحديد كل شروطه دون أن يكون باستطاعة الطرف الثاني الضعيف أن يناقش تلك أو يفضل‬
‫عليها تعديلت معينة وال يكون أمامه اال قبولها جملة أو رفضها جملة (‪.)384‬‬

‫و انطلقا من هدا التعريف أن الطرف الثاني المتعاقد تكون له الحرية الكاملة في اللجوء‬
‫من عدمه إلى ما يعرضه عليه الطرف االول اال أن ارادته تصبح مستهدفة عندما يكون ملزما‬
‫بقبول تلك الشروط كما هي أو رفضها دون إمكانية مناقشتها‪.‬‬

‫ويظهر أن سلطة القاض ي في المغرب في تحقيق التوازن من خلل تأويل العقد تكون‬
‫ضيقة إذا كانت عباراته واضحة‪ ،‬ألن كل من دخل في علقة بإرادة واعية ال يستطيع أن يتخلى‬
‫عنما التزم به‪.‬‬

‫وتستعمل عقود االذعان في عدة مجاالت كعقود االشتراك والخدمات (الماء‪ ،‬الكهرباء)‬
‫اال أن أبرز مثال لعقود االذعان هو عقد النقل‪ ،‬حيث ظهر هذا االخير منذ زمن بعيد ويعتبر من‬
‫العقود المركبة التي تضم اضافة الى الناقل والمسافرشركة التأمين‪.‬‬

‫وتعتبرعقود النقل عقودا نموذجية بامتيازحيث أن المسافريكون ملزما بالمو افقة على‬
‫ماورد في تذكرة السفر دون إمكانية التفاوض حولها ويعتبر اللجوء إلى العقود النموذجية في‬

‫(‪ )384‬عبد الحق صافي مرجع سابق ص ‪. 219‬‬

‫‪233‬‬
‫‪2023‬‬

‫الوقت الحاضر أمرا ال مفر منه‪ ،‬حيث أن اللجوء إلى هده العقود له عدة امتيازات تتمثل‬
‫باألساس في ما ينتج عنها من تبسيط وتسهيل في المعاملت فليس من المعقول أن يناقش الناقل‬
‫بنود العقد مع كل مسافر على حدى‪ ،‬إضافة إلى أن هده العقود النموذجية قد تكون خلصة‬
‫خبرة فنية وقانونية وربما ذات خبرة علمية وليست هده العقود في معظم صورها عقود إذعان‬
‫(‪.)385‬‬

‫إذن يظهر على أن عقود اإلذعان تتميز بافتقارها إلى المناقشة والمساومة بين طرفيها‬
‫حيث ينفرد طرف بإعداد بنود العقد والتي غالبا ما تكون في قالب شكلي‪.‬‬

‫‪)2‬العقود االجبارية‬

‫لقد أدى تدخل المشرع في العديد من المرات إلى التضييق من سيادة مبدأ الحرية‬
‫التعاقدية حيث لم يبقى محتفظا بتلك الصرامة التي أعطيت له في البداية‪ ،‬حيث إن المصلحة‬
‫العامة اقتضت في الكثيرمن األحيان إجبارالشخص على إبرام عقد معين كما هوالشأن بالنسبة‬
‫ملجال التأمين االجباري على السيارات (‪.)386‬‬

‫وقد عرفت المادة األولى من القانون رقم ‪ 66.17‬المتعلق بمدونة التأمينات أن عقد‬
‫التأمين اتفاق بين المؤمن والمكتتب من أجل تغطية خطر ما‪ ،‬ويحدد هذا االتفاق التزاماتهما‬
‫المتبادلة‪387.‬وقد أدى التطور االقتصادي الحديث الى ظهور حاالت ال يتسع فيها القام‬
‫للمناقشات والمفاوضات التي تسبق ابرام العقد عادة مما يحصل أحد العاقدين في حاالت‬
‫كثيرة‪.‬‬

‫يحدد شروط العقد مقدما على نحو ال يقبل المناقشة ويعرضها على الجانب االخرالدي‬
‫يكون له الخيار في أن يقبلها بدون نقاش أو أن يمتنع عن قبولها (‪ ،)388‬وهو الشأن بالنسبة لعقد‬

‫(‪ )385‬عبد الله خضيري‪ ،‬عقد اإلدعان بين الرضا واالكراهات االقتصادية رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‬
‫وحدة قانون األعمال والمقاوالت جامعة محمد الخامس الرباط كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية السويسي‪،‬‬
‫‪ ،2122-2123‬ص ‪.93‬‬
‫(‪ )386‬عبد الرحمان الشرقاوي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫(‪ )387‬ظهير شريف رقم ‪ 2.12.231‬صادر في‪ 29‬رجب ‪ 3( 2223‬أكتوبر ‪ )2112‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 29.77‬المتعلق بمدونة‬
‫التأمينات (الجريدة الرسمية عدد ‪9192‬بتاري ــخ ‪ 2‬رمضان ‪ 2223‬الموافق ل ‪ 9‬نونبر ‪ 2112‬ص ‪.)3219‬‬
‫(‪ )388‬عبد الله خضيري م‪.‬س ص ‪. 22‬‬

‫‪234‬‬
‫‪2023‬‬

‫التأمين حيث يكون المكتتب أو المؤمن له ملزما بقبول البنود التي جاء دكرها في العقد‪،‬‬
‫باعتباره عقدا اجباريا‪.‬‬

‫وتستمد العقود االجبارية قوتها اإللزامية من النص القانوني وهو ما أكدت عليه المادة‬
‫‪ 120‬من مدونة التأمينات المغربية فالمؤمن له يكون ملزما بالتأمين على سيارته اال أن ارادته‬
‫تبقى حرة في اختيارشركة التأمين التي يود التعاقد معها وبمجرد اختياره للشركة تستهدف ارادته‬
‫مرة أخرى حيث يصبح ملزما بالمو افقة على العقد النموذجي الدي سبق وضعه من طرف تلك‬
‫الشركة‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫بما أن المنهجية الحديثة تؤكد على عدم إدراج خلصة للموضوع في الخاتمة فإنه يمكن‬
‫االقتصارعلى إعطاء النتائج التالية‪:‬‬

‫ال يمكن اعتبارمبدأ سلطان اإلرادة في الوقت الراهن من النظام العام‪ ،‬وفي هذا‬ ‫‪‬‬
‫عند حديثه عن الحرية‬ ‫‪)389( Christian larroumet‬‬ ‫اإلطار يمكننا الذهاب إلى أكثر مما قاله‬
‫التعاقدية‪.‬‬

‫والقول على أن مبدأ سلطان اإلرادة ال يعتبر مبدأ دستوريا ألنه ال يوجد أي مقتض ى في‬
‫دستور‪ 2011‬ينص على هذا المبدأ‪.‬‬

‫لم تكن النتائج القانونية المترتبة على مبدأ سلطان اإلرادة على إطلقتها حيث‬ ‫‪‬‬
‫عرفت حدودا حتى على مستوى المفهوم التقليدي لمبدأ سلطان اإلرادة‪.‬‬

‫مبدأ سلطان اإلرادة عرف تراجعا بسبب ظهورعوامل اقتصادية واجتماعية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪(389) " toute fois, le conseil constitutionnel considérer que la liberté contractuelle n’étais pas‬‬
‫‪une principe de valeur constitutionnelle ( cons . const.3 aout 1994, J.C .B 1995.II. 22404 ;note‬‬
‫)‪Brouselle‬‬
‫‪Christian larroumet, o.p cit p 122‬‬

‫‪235‬‬
‫‪2023‬‬

‫القوة الملزمة للعقد عرفت تراجعا ملحوظا على مستوى المفهوم الحديث‬ ‫‪‬‬
‫لمبدأ سلطان اإلرادة وذلك بموجب مقتضيات قانون حرية األسعار والمنافسة وقانون حماية‬
‫المستهلك‪.‬‬

‫قد تنشأ مقتضيات صحيحة وفق ق ل ع إال أنه يلحقها جزاء البطلن إذا‬ ‫‪‬‬
‫خالفت مقتضيات قانون حرية األسعاروالمنافسة‪.‬‬

‫بعد ظهور نظام عام اقتصادي توجيهي عرفت الحرية التعاقدية تراجعا حيث‬ ‫‪‬‬
‫أصبحت الدولة تتدخل من أجل توجيه العقد ولو على حساب المصلحة الفردية لألشخاص‪.‬‬

‫نسبية اثار العقد عرفت تراجعا حيث أصبحت اثار العقد تمتد حتى إلى البيئة‬ ‫‪‬‬
‫باعتبارها طرفا غيرمباشر في العقد‪.‬‬

‫ال يمكن القول بأنه تم االستغناء عن مبدأ سلطان اإلرادة إال أنه تم التراجع عنه‬ ‫‪‬‬
‫لصالح ظهور عقود جديدة أغلبها اتسمت بطابع الشكلية التي فرضها المشرع من اجل حماية‬
‫الرضا الصادر عن أحد أطراف العقد‪ ،‬و من تم‪ ،‬فإنه في مثل هذه الحالة‪ ،‬تساهم الشكلية في‬
‫احترام اإلرادة )‪ )390‬لهذا ينبغي الدفاع عنها و إقرارها في جميع العقود‪.‬‬

‫العامل التكنولوجي بدوره أثر على مبدأ سلطان اإلرادة حيث عرف تغييرا حتى‬ ‫‪‬‬
‫على مستوى التعبيرعن هذه اإلرادة فأصبح التعبير إلكترونيا‪.‬‬

‫صحيح أن مبدأ سلطان اإلرادة عرف تراجعا بفعل العوامل االقتصادية‬ ‫‪‬‬
‫واالجتماعية والتكنولوجية إال أنه ال يمكن االستغناء عنه‪ ،‬فبعض العقود ما زالت تعتبر مبدأ‬
‫سلطان اإلرادة هو األصل كعقود الشغل رغم وجود بعض االستثناءات‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫(‪ )390‬عبد الرحمان الشرقاوي ‪ :‬القانون المدني دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام على ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة‬
‫للقانون االقتصادي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪23 :‬‬

‫‪236‬‬
‫‪2023‬‬

‫عبد الرحمان الشرقاوي‪" ،‬القانون المدني‪ ،‬دراسة حديثة للنظرية العامة لللتزام‪ ،‬على‬
‫ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون االقتصادي"‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬الجزء األول التصرف‬
‫القانوني‪ ،‬منشورات فريق البحث في تحديث القانون والعدالة"‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2012‬‬

‫عبد الحق الصافي‪" ،‬القانون المدني‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المصدر االرادي لللتزامات‪ ،‬العقد‪،‬‬
‫الكتاب األول‪ ،‬تكوين العقد"‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة األولى‪.2001.1427 ،‬‬

‫البكاي معزوز‪ :‬حماية المتعاقد أو المستهلك بين القواعد العامة و القوانين الخاصة‪،‬‬
‫مداخلة بمناسبة ندوة وطنية في موضوع مائوية صدور ق‪.‬ل‪.‬ع المنظمة من طرف كلية العلوم‬
‫القانونية و االقتصادية و االجتماعية مكناس يومي ‪13‬و ‪. 2015/02/ 14‬‬

‫ظهير شريف رقم ‪ 1.03.11‬صادر في ‪ 14‬من ربيع األول ‪ 19(1432‬فبراير ‪ )2011‬بتنفيذ‬


‫القانون رقم ‪ 31.09‬القاض ي بتحديد تدابيرحمائية للمستهلك‪.‬‬

‫زكرياء العماري‪ ،‬حماية المستهلك دراسات و أبحاث في ضوء مستجدات القانون رقم ‪-09‬‬
‫‪ 31‬القاض ي بتحديد تدابيرلحماية المستهلك‪ ،‬سلسلة "دراسة وأبحاث " مجلة القضاء المدني‪،‬‬
‫دون ذكرالعدد‪.‬‬

‫عبد القادر العرعاري‪ ،‬وجهة نظر خاصة في مادة القانون المدني المعمق بين الفقه‬
‫والقضاء الطبعة األولى سنة ‪. 2010‬‬

‫عبد الرزاق حباني‪ :‬التدخل التشريعي في املجال التعاقدي‪ ،‬مجلة الحقوق‪ ،‬العدد الرابع‬
‫عشريناير‪ -‬ماي ‪.2013‬‬

‫ظهيرشريف رقم ‪ 1.14.111‬صادرفي ‪ 2‬رمضان ‪30(1635‬يونيو ‪ )2014‬بتنفيد القانون رقم‬


‫‪ 104.12‬المتعلق بحرية األسعاروالمنافسة‪.‬‬

‫محمد العروص ي‪ ،‬املختصر في بعض العقود المسماة (عقد البيع والمقايضة والكراء)‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬مطبعة مرجان‪ ،‬سنة ‪. 2014‬‬

‫‪237‬‬
‫‪2023‬‬

‫عبد الله خضيري‪ ،‬عقد اإلدعان بين الرضا واالكراهات االقتصادية رسالة لنيل دبلوم‬
‫الماستر في القانون الخاص وحدة قانون األعمال والمقاوالت جامعة محمد الخامس الرباط‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية السويس ي‪2014-2013 ،‬‬

‫ظهيرشريف رقم ‪ 1.02.239‬صادرفي‪ 25‬رجب ‪ 3( 1423‬أكتوبر‪ )2002‬بتنفيذ القانون رقم‬


‫‪ 17.66‬المتعلق بمدونة التأمينات (الجريدة الرسمية عدد ‪5054‬بتاريخ ‪ 2‬رمضان ‪1423‬‬
‫المو افق ل ‪ 7‬نونبر‪ 2002‬ص ‪.)3105‬‬

‫‪238‬‬
‫‪2023‬‬

‫موقـع نظرية الظروف الطارئة في نظــام صعوبـات‬


‫المقاولـة قراءة في ضوء القانون رقم ‪71.37‬‬
‫‪The position of the theory of contingent circumstances in the system‬‬
‫‪of entrepreneurial difficulties‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعـد القانون نتـاج لما يرى فيه النـاس من قواعـد تحقق مصلحتهم ويخضعـون لها لضبـط‬
‫علقاتهم‪ ،‬ومن ضمـن تلك القواعـد نجـد مؤسسـة العقـد‪ ،‬هـذا األخير يعبـر عن ظـروف أي‬
‫مجتمـع‪ ،‬وهو الذي يعكـس مـرآة التطور القانوني ألي مجتمـع‪ ،‬لذلك كـان أمـرا بديهيـا أن تتغيـر‬
‫العقـود وتتطورطبقـا للظروف االقتصاديـة للمجتمـع‪ ،‬وتطفـو على السطـح الظروف االقتصاديـة‬
‫كأبـرز ظـرف يؤثـر على العقـد نظـرا لعلقـة التأثيـر المتبـادل بين القانون واالقتصـاد‪ ،‬ولكثـرة‬
‫االحتكـاك الكبير بينهمـا حتى ُ‬
‫ص ّـور القانون بكونـه بلـورة للقتصـاد‪ ،‬وعلى اعتبـار أن التأثيـر الذي‬
‫يمارسـه االقتصـاد على القانون كبيـر‪ ،‬وعلى اعتبـارأن االقتصـاد دائـم التطـور‪ ،‬فإن العقـد بدوره‬
‫لم يسلـم من هـذا التطور‪ ،‬لكـون العقـد هـو الجزء الحيوي في القانـون‪.391‬‬

‫إدريـس بنشقـرون‪ ،‬أثـر تغيـر الظروف االقتصـادية على العقـد‪ ،‬مجلـة القصـر‪ ،‬العـدد الثاني‪ -‬ماي ‪ ،2112‬ص‪.29 :‬‬ ‫‪391‬‬

‫‪239‬‬
‫‪2023‬‬

‫ففكـرة القـوة الملـزمة كانـت مقبولـة في زمـن كان يمتـازبالثبـات واالستقـرارفي ميدان مدنـي‬
‫صـرف‪ ،‬لكن التطورات التي عرفها العالـم على جميـع األصعـدة‪ ،‬وبالخصوص على المستوى‬
‫االقتصـادي والظرفيـة الحاليـة التي أصبحـت تمتـاز بسرعـة التقلبـات في ظـل نظـام اقتصـادي‬
‫عالمـي مترابـط يؤثـرويتأثـربعضـه ببعـض‪ّ ،‬أدت إلـى جعـل األخـذ بفكرة القوة الملـزمة للعقـد تنـزل‬
‫إرهاقـا بالمديـن‪.392‬‬

‫إن العقد على حد تعبير سافاتييه » ‪ ، « René Savatier‬قد "انفجـر" وليس ذلك بفعل‬
‫التحول الحاصل فحسب بنتيجة تكاثرأنواعه من عقود فردية وعقود جماعية‪ ،‬بل و أيضا بفعل‬
‫التحول في قواعده وأسسه‪ ،‬فالعقد لم يعد شريعة مطلقة بين المتعاقدين‪ ،‬ولم يعد ينبعث‬
‫ويتحرك بفعل اإلرادة التي أوجدته فحسب‪ ،‬بل و أيضا بفعل إرادة خارجية تفرض عليه إتباع‬
‫خط سير محدد مسبقا‪ .‬فتمتزج اإلرادة العقدية الداخلية باإلرادة الغريبة في كثير من أنواع‬
‫التعاقد‪ ،‬بل وفي أماكن متعددة‪ ،‬وتترك تلك اإلرادة الداخلية للعقد مركزها إطلقا لإلرادة‬
‫الخارجية التي تصبح الموجه واآلمردون سواها‪. 393‬‬

‫ومن خلل هذا الوضع الجديد المتمثل في توجيه العقد وفرض االلتزامات من مصدر‬
‫خارجي بإرادة غير عقدية استنسابية‪ ،‬تبرز نظرية الظـروف الطارئـة في العقود المدنية لتكون‬
‫وسطا بين نظريات كلسيكية أصبحـت تعرف أزمـة في ظـل تحـول اقتصاديـات العالم‪.‬‬

‫وقـد عرف األستـاذ أحمـد حشمت أبوسيـت‪ ،‬نظريـة الظروف الطارئـة بقولـه‪ " :‬كل حـادث‬
‫عام الحـق على تكويـن العقـد‪ ،‬وغير متوقـع الحصول على التعاقـد‪ ،‬ينجـم عنه اختلل بيـن في‬
‫المنافـع المتولدة عن عقد يتراخى تنفيذه إلى أجل أو آجـال‪ ،‬ويصبح تنفيذ المدين اللتزامـه كما‬
‫أوجبه العقـد يرهقـه إرهاقا شديدا ويتهدده بخسارة فادحـة تخرج عن الحـد المألوف في خسائـر‬
‫التجار"‪.394‬‬

‫‪ 392‬أحمـد شكـري السباعـي‪ ،‬مسطرة التسويـة القضائيـة والتصفيـة القضائيـة وتمويـل المقاولـة‪ ،‬مجلـة المحاكـم المغربيـة‪ ،‬عـدد ‪11‬‬
‫ينايـر‪ -‬فبرايـر ‪ ،2111‬ص‪.22 :‬‬
‫‪ 393‬لطيفـة وراوي‪ ،‬إعـادة النظـر في االلتزامات المرهقـة‪ ،‬رسالـة لنيل دبلـوم الدراسات العليا المعمقـة في القانون الخاص بكلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصاديـة واالجتماعية بوجـدة‪ -‬جامعـة محمد األول‪ ،‬السنة الجامعيـة ‪ ،2119 -2119‬ص‪.32 :‬‬
‫‪ 394‬أورد هذا التعريف محمد رشيد قباني‪ ،‬نظرية الظروف الطارئة في الفقه اإلسالمي والقانون الوضعي‪ :‬بحث مقارن‪ ،‬مجلـة المجمع‬
‫الفقهي اإلسالمي‪ ،‬العدد الثاني‪2217 :‬هـ‪2717 -‬م‪ ،‬ص‪ ،232 :‬نقال عن أحمد حشمت أبو ستيت‪ ،‬نظرية االلتزام في القانون المدني الجديد‪،‬‬
‫الجزء األول‪ ،‬مطبعة مصـر‪ ،‬الطبعـة الثانية‪ ،‬سنة ‪2792‬م‪ ،‬ص‪.329 :‬‬

‫‪241‬‬
‫‪2023‬‬

‫وفي نفس السيـاق يعرف األستـاذ محمد عبد الرحيم عنبر‪ ،‬نظرية الظروف الطارئة بأنها‪:‬‬
‫"الظرف الطارئ في حالـة عامـة غير مألـوفة أو غير طبيعيـة أو و اقعـة ماديـة عامـة أيضا‪ ،‬لم يكن‬
‫في حسبـان المتعاقدين وقت التعاقـد ولم يكن في وسعهما ترتيب حدوثها بعد التعاقـد‪ ،‬ويترتب‬
‫عليها أن يكون تنفيذ االلتزام التعاقدي مرهقـا للمدين‪ ،‬بحيث يهدده بخسـارة فادحـة وإن لم‬
‫يصبـح مستحيل"‪.395‬‬

‫أما الدكتـور محمد الكشبـور فقـد عرف نظرية الظروف الطارئة بأنها‪ " :‬تواجد المتعاقد‬
‫المدين في ظروف اقتصادية غالبا جـد صعبـة‪ ،‬تجعل تنفيذ االلتزام العقدي من طرف ال يتم إال‬
‫مقابل خسارة جـد فادحـة‪ ،‬ال يمكن رفعها عنه إال بمراجعة هذا االلتزام من طرف السلطة‬
‫القضائيـة"‪.396‬‬

‫وهكـذا‪ ،‬يمكن القـول أن نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬تمتازبعدة خصائص نجملها في اآلتـي‪:‬‬

‫‪ -‬إن نظرية الظروف الطارئة تطبق في الحاالت التي يكون فيها تنفيذ االلتزام مرهقا‬
‫بالمدين‪ ،‬ويكون الجزاء هو رد االلتزام المرهق إلى الحد المعقول وتوزيع الخسارة‬
‫على الطرفين‪ .‬أما إذا استحال التنفيذ‪ ،‬فإن األمر يتعلق بنظرية أخرى هي نظرية‬
‫القوة القاهرة التي تختلف أحكامها عن أحكام نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬فالجزاء‬
‫فيها هو فسخ العقد و انقضاء االلتزام‪.‬‬

‫‪ -‬إن نظريـة الظروف الطارئة تطبق على العقود الفوريـة والمتراخيـة التنفيذ‪ ،‬شريطة‬
‫أن يفصل فاصـل زمني في العقد الفوري بين تاريـخ انعقـاد العقـد وتاريخ تنفيذه‪ ،‬وأن‬
‫ال يصدرأي إهمـال من المديـن‪.397‬‬

‫‪ -‬إن نظرية الظروف الطارئـة تعالج اختلل التوازن عند تنفيذ العقـد‪ ،‬إذ أنها تعالج‬
‫عاقبـة حادث ال يـد فيه ألي من المتعاقدين‪ ،‬ولهذا كان أثـرها توزيـع تبعـة هذا‬
‫الحادث على عاتـق الطرفين‪ .‬كما أنها تحقق توازنـا إلى حـد ما بين التنفيذ العيني‬

‫‪ 395‬محمد عبد الرحيم عنبر‪ ،‬الوجيز في نظريـة الظروف الطارئـة‪ ،‬مطبعـة زهـران‪ -‬القاهـرة‪ ،‬دون ذكر رقـم الطبعة‪ ،‬سنـة ‪ ،2719‬ص‪:‬‬
‫‪.27‬‬
‫‪ 396‬محمد الكشبـور‪ ،‬نظـام التعاقـد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ -‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعـة األولى‪ ،‬سنة‬
‫‪2223‬هـ‪2773 -‬م‪ ،‬ص‪.219 :‬‬
‫‪ 397‬المختـار عطـار‪ ،‬النظرية العامـة لاللتزامات في ضوء القانون المغربـي‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ -‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعـة األولـى‪:‬‬
‫‪2232‬هـ‪2122 -‬م‪ ،‬ص‪.213 :‬‬

‫‪241‬‬
‫‪2023‬‬

‫للعقـد وتنفيذه بطريقـة التعويض‪ ،‬ففي هذا النوع األخيـرمن التنفيذ ال يلزم المدين‬
‫إال بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعـه وقت التعاقـد‪ ،‬وهذه النظريـة تقـرب‬
‫المديـن في التنفيـذ العيني من القـدرالذي كان يمكن توقعـه وقت العقـد‪.398‬‬

‫‪ -‬إذا لم تتجاوز الخسارة الحد المألوف فل مجال لتطبيق النظرية‪ ،‬ذلك أن‬
‫الخسارة والكسب العاديين أمران متوقعان عادة في المعاملت فإذا ترتب على‬
‫العقد خسارة مألوفة وعادية فإن المدين ينفذ التزامه كامل كما جاء في العقد‪.‬‬

‫وبالرجـوع إلى األهـداف التي سطرهـا نظـام معالجـة صعوبـات المقاولـة‪ ،399‬يمكـن القول‬
‫أن إدخـال نظريـة الظروف الطارئـة في دواليـب مدونـة التجـارة المغربيـة‪ ،400‬جـاء بالموازاة مـع‬
‫تطـورنظـام اإلفـلس‪ ،‬كون أن األول مـا هو في األخيـرإال صـورة متطـورة للثانـي‪.‬‬

‫فهـذه الفلسفـة التشريعيـة تسعـى إلى محاولـة إنقـاذ المقاوالت االقتصاديـة وتفـادي‬
‫سقوطهـا في مخالـب االنـدثار‪ ،‬عن طريـق إيجـاد سبـل لمعالجتها والدفـع بها قدمـا نحـو تجاوز‬
‫األمراض التي تواجههـا‪ ،401‬وهو ما يبرر إقحـام المشرع المغربي للعديـد من المصطلحات‬
‫الطبيـة‪ ،402‬ومن قبيـل "الوقايـة" و"المعالجـة"‪ ،‬تـروم تقصـي و اقـع المقاولـة والتخفيف من حـدة‬
‫أزمتها وضمان استمراريتها من خلل العديـد من اآلليـات التي تضمـن لها هـذه االستمراريـة‪.‬‬

‫وعلى اعتبـار أن نظـام صعوبـات المقاولـة يمكن النظر له من زاويتين‪ ،‬زاويـة ما قبـل‬
‫التوقـف عن الدفـع ومرحلـة ما بعـد التوقـف عـن الدفـع‪ ،‬وعلى اعتبـار أن المرحلتين معـا تجعـل‬
‫المقاولـة تعيـش على وقـع عـدم االستقـرار‪ ،‬نتيجـة الظروف الطارئـة التي تعصـف بالمقاولـة‬
‫فتعكـرعليها صفوهـا وسكينتهـا‪.‬‬

‫‪ 398‬عادل مبارك المطيرات‪ ،‬أحكام الجوائـح في الفقه اإلسالمي وصلتها بنظريتي الضرورة والظروف الطارئـة‪ ،‬بحث مقـدّم لنيل درجة‬
‫الدكتوراه بكلية دار العلـوم‪ -‬جامعـة القاهرة‪ ،‬السنة الجامعية‪2222 :‬هـ‪2112 -‬م ‪ ،‬ص‪.91 -99 :‬‬
‫‪ 399‬جاء في هـذا الصـدد‪ " :‬أما نظـام صعوبـة المقاولـة فيهـدف إلى جانـب تطهيـري حمايـة المقاولـة القابلـة للحيـاة ولإلنقـاذ وحمايـة‬
‫المصالـح االجتماعيـة واالقتصاديـة والمالية للفـرد والدولـة‪ ،‬انظر أحمـد شكري السباعـي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.22 :‬‬
‫‪ 400‬الظهير الشريف رقم ‪ 2.79.13‬الصادر في ‪ 29‬من ربيـع األول ‪) 2229‬فاتح أغسطس ‪ ( 2779‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 29.79‬المتعلق‬
‫بمدونة التجارة‪ ،‬منشـور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 2221‬الصادرة بتاريخ ‪ 27‬جمادى األولى ‪ 3) 2229‬أكتوبر ‪ )2779‬ص ‪.2219‬‬

‫‪ 401‬نبيـل المصباحـي‪ ،‬مس اطـر صعوبـات المقاولـة التجاريـة‪ :‬هل تحتـاج إلى اإللغـاء أم إلى اإلصـالح فقـط‪ ،‬مجلـة الملـف‪ ،‬العـدد‬
‫العاشـر‪ ،‬أبريـل ‪ ،2119‬ص‪.291 :‬‬
‫‪ 402‬عبـد الرحيـم شميعـة‪ ،‬إجراءات الوقايـة والمعالجـة من صعوبات المقاولـة طبقـا للقانون ‪ ،12.22‬مطبعـة سجلماسـة‪ ،‬الطبعـة األولى‪،‬‬
‫ص‪.12 :‬‬

‫‪242‬‬
‫‪2023‬‬

‫وهـذه الظـروف يمكـن النظـر لهـا من زاويـة نظـام صعوبات المقاولـة من ناحيتيـن‪ ،‬فنجـد‬
‫صعوبات تواجههـا المقاولـة‪ ،‬تستدعـي تدخـل سريعـا من قبل رئيس املحكمـة لرفعهـا‪ ،‬نتيجـة‬
‫اإلرهـاق الذي تلحقـه بالمقاولـة‪ ،‬وكذا نظـرا ألنها تفتـح عليها أبواب املجهـول‪ ،‬ومن ناحيـة ثانيـة‬
‫نجـد و اقعـة التوقـف عن الدفـع‪ ،‬باعتبارها تشكـل إن لم تعالـج‪ ،‬آخـر مسمـار يـدق في نعـش‬
‫المقاولـة‪ ،‬ألنه يحملهـا من اإلرهـاق الش يء الكثيـر‪.‬‬

‫هكـذا فإن أهـم الحوادث الطارئـة التي يمكن أن تتعـرض لـها المقاولـة ويدخلهـا خانـة‬
‫ودائـرة أحكـام نظريـة الظروف الطارئـة بفلسفتها وحمولتهـا األخلقيـة‪ ،‬وهي كـل من الصعوبات‬
‫أثناء مرحلـة الوقايـة والتوقـف عن الدفـع (المطلــب األول) ووقف المتابعـات الفرديـة وأداء‬
‫الديـون وسريـان الفوائـد كأثـر من آثـار الظروف الطارئـة في نظـام صعوبـات المقاولـة (المطلـب‬
‫الثانـي)‪.‬‬

‫المطلـب األول‪ :‬و اقعـة الصعوبات والتوقـف عن الدفـع كحادث طارئ في نظام صعوبات‬
‫المقاولة‬

‫تتطابـق وتتماهـى نظريـة الظروف الطارئـة مـع نظـام صعوبـات المقاولـة من حيـث و اقعـة‬
‫الصعوبـات (الفقـرة األولــى) إلى جانـب اعتبـار التوقـف عن الدفـع كحـادث طـارئ يخضـع النظـام‬
‫لمقتضيـات نظريـة الظروف الطارئـة (الفقـرة الثانيـة)‪.‬‬

‫الفقـرة األولـى‪ :‬مقاربـة و اقعـة الصعوبـات ونظريـة الظـروف الطارئـة‬

‫إذا كان شـرط االستثنائيـة من الشروط الواجـب تو افرها في نظريـة الظروف الطارئـة‪ ،‬فإن‬
‫مفهـوم الصعوبـات المبررة إلخضـاع المقاولـة لمسطـرة الوقايـة‪ ،‬ينبغـي أن ينضبـط لهـذا‬
‫الشـرط‪ ،‬وإن بصفـة أقـل مما هـو عليه األمـرفي نظريـة الظروف الطارئـة‪ .‬إذ أن المقاولـة تعيـش في‬
‫محيـط اقتصـادي متقلـب يعـرف هـزات وأزمـات‪ ،‬ناهيـك عن ترابـط املحيـط االقتصادي بعضـه‬
‫ببعـض‪ ،‬إذ أن قيـام أزمـة أو غيـرذلك من شأنـه أن يعرقـل نشـاطا اقتصـاديا في مكـان مـا‪ ،‬وكل هـذا‬
‫يجعـل المقاولـة في فـم العاصفـة ويؤهلهـا لتعـرف صعوبـات اقتصـادية أو ماليـة أو قانونيـة‪.‬‬

‫هـذه الصعوبـات تكـون غيـر مألوفـة في إطـار السيـر العـادي للمقاولـة‪ ،‬إذ ليس باإلمكـان‬
‫القـول أن المقا ولـة تعيـش دائمـا حالـة من الصعوبات بمختلف أشكالها‪ ،‬إذ أن القاعـدة هي أن‬

‫‪243‬‬
‫‪2023‬‬

‫تعرف المقاولـة وضعـا طبيعيـا خاليـا من الصعوبات المهـددة لكيانهـا‪ ،‬واالستثناء هو أن تطفـو‬
‫على السطـح مثـل هـذه الصعوبات‪.403‬‬

‫هكـذا جـاء في المـادة ‪ 547‬من مدونـة التجـارة وفق مستجدات القانون رقـم ‪ 73.17‬المتعلق‬
‫بمساطـر صعوبـات المقاولـة‪ ،404‬على أنـه‪ " :‬إذا لـم يعمـل رئيـس المقاولـة تلقائيـا على تصحيـح‬
‫االختـلل الذي من شأنـه أن يؤثـرسلبـا على استغللهـا‪ ،‬يبلـغ إليه مر اقـب الحسابـات‪ ،‬إن وجـد أو‬
‫أي شريـك في الشركـة‪ ،‬الوقائـع أو الصعوبـات‪ ،‬خاصـة الصعوبات ذات الطبيعـة القانونيـة أو‬
‫االقتصاديـة أو الماليـة أو االجتماعيـة‪ ،‬التي من شأنهـا اإلخـلل باستمراريـة استغـللها‪ ،‬وذلك‬
‫داخـل أجـل ثمانيـة أيـام من اكتشافـه لها برسالـة مضمونـة مـع اإلشعـاربالتوصل‪ ،‬يدعـوه فيها إلى‬
‫تصحيح ذلك االختـلل"‪.‬‬

‫فالملحـ ظ إذن أن المشرع قـد استخـدم مصطلـح الوقائـع حينـا والصعوبـات حينـا آخـر‪،‬‬
‫كما قـام بتحديـد طبيعـة تلك الصعوبات ‪ -‬وذلك على سبيل المثـال ال الحصر‪ -‬والمتمثلة في‬
‫الصعوبات القانونية أو الماليـة أو االجتماعيـة‪ ،‬هـذا على خلف النـص السابق للمادة ‪ 541‬من‬
‫مدونة التجارة‪( 405‬قبـل التعديلت التي حملها القانون رقم ‪ ،)73.17‬الذي لم ّ‬
‫يفصـل في حيثيـات‬
‫تلك الصعوبات‪ ،‬تاركـا بذلك أمـراستخلصها للسلطـة التقديريـة للقاض ي‪.‬‬

‫كمـا نجـد المشرع المغربي كذلك ‪ ،‬أنـه حاول في إطـار المـادة ‪ 551‬من مدونـة التجارة‪،‬‬
‫إعطـاء بعـض األمثلـة من هذه الوقائـع أو الصعوبات‪ ،‬والتي يمكن القـول أنها تـدوربين الصعوبات‬
‫البسيـطة العابـرة التي ال تؤثـرعلى سيـرالمقاولـة‪ ،‬وتلك الصعوبات التي تتمثـل في و اقعـة التوقـف‬
‫عن الدفـع والتي تنقلـب إلى مرحلـة المعالجـة عوض الوقايـة‪ ،406‬إذ جـاء في المادة ‪ 551‬من مدونـة‬
‫التجارة على أنـه‪ " :‬تفتـح مسـطرة المصالحـة أمـام كل مقاولـة‪ ،‬دون أن تكـون في وضعيـة التوقـف‬

‫‪ 403‬بـدر بوزكـاوي‪ ،‬موقـع نظرية الظروف الطارئـة في نظام صعوبـات المقاولـة‪ ،‬رسالـة لنيل دبلـوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية السويسي‪ -‬جامعـة محمد الخامـس‪ ،‬السنة الجامعيـة‪ ،2129 /2129 :‬ص‪.92 :‬‬
‫‪ 404‬الظهيـر الشريـف رقـم ‪ 2.21.29‬الصـادر في ‪ 12‬شعبان ‪ 27( 2237‬أبريـل ‪ )2121‬القاضي بتنفيـذ القانون رقـم ‪ 93.29‬بنسخ وتعويض‬
‫الكتاب الخامـس من القانون رقـم ‪ 29.79‬المتعلـق بمدونـة التجارة‪ ،‬فيمـا يخـص مساطـر صعوبـات المقاولـة‪ ،‬منشـور بالجريـدة الرسميـة‬
‫عـدد ‪ 9999‬بتاريخ ‪ 23‬أبريـل ‪ ،2121‬ص‪.2329 :‬‬
‫‪ 405‬جاء في الصيغة القديمـة للمادة ‪ 929‬من مدونـة التجارة‪ ،‬علـى أنـه‪" :‬إذا لم يعمل رئيس المقاولة تلقائيا على تصحيح اإلخالل الذي من‬
‫شأنه أن يؤثر سلبا على استغاللها‪ ،‬يبلغ إليه مراقب الحسابات‪ ،‬إن وجد أو أي شريك في الشركة‪ ،‬الوقائع التي من شأنها اإلخالل باستمرارية‬
‫استغاللها‪ ،‬داخل ثمانية أيام من اكتشافه لها برسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل تتضمن الدعوة إلى تصحيح ذلك اإلخالل"‪.‬‬

‫‪ 406‬زكريـاء العمـاري‪ ،‬مفهـوم الصعوبات المالية المبررة إلخضـاع المقاولـة إلجـراء التسويـة الوديـة‪ ،‬مجلـة القضـاء المدني‪ ،‬العـدد‬
‫الثاني‪ ،‬سنـة ‪ ،2121‬ص‪.19 :‬‬

‫‪244‬‬
‫‪2023‬‬

‫عن الدفـع‪ ،‬تعاني من صعوبات اقتصاديـة أو ماليـة أو لها حاجيـات ال يمكن تغطيتها بواسطـة‬
‫تمويـل يناسب إمكانياتها‪ .‬يتضمـن الطلب الذي يتقـدم بـه رئيس المقاولـة عرضـا حول الوضعيـة‬
‫المالية واالقتصادية واالجتماعية والحاجيات التمويليـة للمقاولـة وكذا وسائـل مواجهتها"‪.‬‬
‫ّ‬
‫المضمنـة في إطار الفصلين ‪ 547‬و ‪ 550‬من مدونـة‬ ‫وبدراسـة هذه األمثلـة للصعوبات‬
‫القانونية‪ 407‬واالقتصـادية‪408‬‬ ‫التجارة‪ ،‬نجـد أن المشرع المغربي يتحـدث عن الصعوبات‬
‫والماليـة‪ ،409‬وهـي صعوبات من شأنها إذا بلغـت حـدا معينا أن تنعكـس سلبـا على المقاولـة‪ ،‬مما‬
‫يفرض ضرورة تدخـل الجهـاز القضائي في محاولـة إسعـاف المقاولـة وتذليل صعوباتها‪ .‬وبالتالي‬
‫فإن كل و اقعـة تنتهـك السيرالعـادي للمقاولـة وتجعلها في مرمـى تهديـد التوقـف عن الدفـع‪ ،‬تصلح‬
‫إلدخالها خانـة الصعوبات والوقائـع‪.‬‬

‫الفقـرة الثانيـة‪ :‬التوقـف عـن الدفــع كحـادث طـارئ في نظـام صعوبـات المقاول ــة‬

‫يعـد التوقـف عـن الدفـع ظـرفا استثنائيـا يـؤدي إلى إرهـاق المقاولـة‪ ،‬ممـا يتطلب منـا‬
‫مقاربتـه في ضوء مقتضيـات نظريـة الظروف الطارئـة‪ ،‬ولكن قبـل ذلك نـرى ضرورة الوقـوف علـى‬
‫المفهـوم القانونـي للتوقـف عـن الدفـع‪.‬‬

‫أوال‪ :‬المفهـوم القانوني للتوقـف عـن الدفــع‬

‫‪ 407‬لنوعماـما لندمممميـي ه فعن ـف لنفتملـا ملنعىلقيـا جلا لنعماـ لندممممه لننه قـ نعـا اد ـ ن ايـى لنفدممنـي‬
‫مندـما م لنف يىي ما لىنوم امنليهيـي لننه نن ف دفميـي لنفو دـي لنفتنىلـي ن تىلـم مفومن لن للمي مفعن ف‬
‫لنفنعمف يـ فعوم‪ .‬مف جل لنفمع يفل لندما ح لنمقملـ لننمنيـي يفل ح نتلا وعماما قمممميـي‬
‫ـممي ف ح ـا نع يـا اعـض لنعدـم اتلا يويـ ف لالننولفما لنف دـما ا لم ـا لنفدممنـي‪.‬‬ ‫‪ -‬ىخـ‬
‫د مل املـه ن فدممنـي حم ـ ل نع ص لنفدممنـي ن يمموم خه نمىيعوم‪.‬‬ ‫‪ -‬نمقيـ د ـو نع هه‬
‫‪ -‬لنفتملا لننه يفل ح يعىخوم ومو ن ييى لنفدممنـي مل خيفم اي ح ملوم حم مني ـي ـ ق ىا جل ل عيـى ف لنع ـمج‬
‫قىلىلا ـىل نع ف لن فعيـي لنعفمفيـي حم فم تماـه جنك‪ .‬مخه جلا لن يـمق يفثـا لن لنمى حدفـ تلى لن ام ـه‬
‫ن وعماـما لندمممميي اإ ـم ا يل ـي ن فدممنـي حم لنويم ا خه ىحس لنفـما حم عه ـه حم نع يـا لنمظـم ل م ه حم نععيـا‬
‫يى ح ووا ا لىا لنتىلـي‪ .‬ن فويـ ف لننهويا خه جه لنوعماما حمظـى حدفـ تلى لن ام ـه لنم يـع خه ف معـى‬
‫لنمقميـي ف لنوعماما لننه نعنـىض لنفدممنـي مف معـى فعمن نوـم ىل ـي فعفدـي خه لندممم لنن مى لنفصىاه لن ي‬
‫لى لنمتى لنفعىخـي لنعاعـي لنثمنثـي لن ـو ل ما ص ‪. 254‬‬ ‫ملنفدمى‬

‫ن فدممنـي مل خه تدـه لنفىناع ام منم ‪.‬‬ ‫‪ 408‬يدوـ امنوعماما لالقنوـم يي ن ك ل وفـما لننه يعىخوـم لنفديـع لالقنوـم‬
‫نمج لننمخيـ خوفه امنوـ ك لن وله حم لنل ـه‬ ‫حمظـى ولىيم لن عفمى فى ـ ماـ ص ‪ .91،92‬لفم ف ث ّـا نوجه لنوعماما ل‬
‫امنفمل ل منيـي‪ .‬حمظـى لننمخي خوفه ف هوـم‬‫وعماـي لننوم‬ ‫لنفمنـم خ ـ‬ ‫وـوا ل منـم ملجل لنمدـص خه لنع ـل‬
‫ل ادـمث ملن ىل ما لندمممميي لنعـ لنثمنث‬ ‫لنمقملـ لننه ف تأموم ل عـ ا ام نفىلىيـي ل نصـ ا متـمع لنفدممنـي ف ـي‬
‫فـم ‪ -‬يمميم ‪ 2114‬ص ‪. 147‬‬
‫‪ 409‬ف حفث ـي جه لنوعماما لنفمنيـي م ـ لىنهـمع ـم خه دم ـي لنفدممنـي نألفـملا لنفن لمنـي ايـدـمف لنتىلـي ل نف م نوم‬
‫ن تىلـي لننماع ـي ملجل ى مفيا لنتىلـي‪ .‬ن فويـ ف لال ع ع ىل ـ ولىيـم لنعفمى فهوـم لنوعماما لنفمنيي لنفاىىا‬
‫ع ـمع لنفدممنـي ـىل لنن ميـي لنم يـي ف ـي لند ـم لنف مه لنعـ لنثممه مـي ‪ 2111‬ص ‪. 93‬‬

‫‪245‬‬
‫‪2023‬‬

‫يعتبرالتوقف عن الدفع الشرط الثاني واألساس ي الفتتاح مساطرالمعالجة‪ ،‬كما جاء في‬
‫حيثيات أحد أحكام املحكمة التجارية بالدار البيضاء ‪" :‬وحيث أن املحكمة برجوعها للوثائق‬
‫المدلى بها من طرف المدعية وكذا لمقالها االفتتاحي لم يثبت لها حالة التوقف عن الدفع التي‬
‫تعد شرطا أساسيا وجوهريا الفتتاح المسطرة‪.410"...‬‬

‫وحسب نفس الحكم‪ ،‬فإن انعدام هذا الشرط يتعين معه التصريح بعدم قبول الدعوى‪،‬‬
‫ذلك أن توقف الشخص الطبيعي أو المعنوي المدعي عن أداء ديونه المستحقة عند الحلول‬
‫يوحي بأن الوضعية المالية لهذا األخيرأصبحت متدهورة أو مختلة‪.‬‬

‫وعلى خلل مقتضيات المادة ‪ 510‬من مدونة التجارة في نسختها السابقـة‪ ،‬التي لم‬
‫تستعمل عبارة التوقف عن الدفع‪ ،‬وإن كان يتـم استعمالها في مواطن أخرى‪ ،‬بل عبرت عن ذلك‬
‫بعدم القدرة على سداد الديون المستحقة عند الحلول‪ ،411‬نـجد أن المشـرع المغربي في ضوء‬
‫التعديـلت التي حملها القانون رقم ‪ 73.17‬المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم ‪ 15.65‬المتعلق‬
‫بمدونـة التجارة فيما يخص مساطـرصعوبات المقاولـة‪ ،‬قـد أورد مفهـوم التوقـف عـن الدفـع مع‬
‫تحديـد حالـة تحققـه‪ ،‬وذلك ضمن مقتضيات المـادة ‪ 575‬من مدونـة التجارة‪ ،‬التي جـاء فيها‪" :‬‬
‫تطبـق مسطـرة التسويـة القضائيـة على كـل مقاولـة ثبت أنهـا في حالـة توقـف عن الدفـع‪ .‬تثبـت‬
‫حالـة التوقـف عن الدفـع متـى تحقق عجـز المقاولـة عن تسديـد ديونهـا المستحقـة المطالـب‬
‫بأدائهـا بسبب عـدم كفايـة أصولهـا المتوفـرة‪ ،‬بما في ذلك الديـون الناتجـة عن االلتزامات المبرمـة‬
‫في إطـاراالتفـاق الـودي المنصوص عليه في المادة ‪ 551‬أعله"‪.‬‬

‫وهي صياغة متطورة بالمقارنة مع الصياغة القديمة التي شملتها المادة ‪ 510‬من مدونـة‬
‫التجارة‪ ،‬كما أنها صياغة منسجمة مع األهداف التي يروم المشرع تحقيقها من خلل التعديلت‬
‫التي حملتها مدونة التجارة الجديدة‪ ،‬حيث ال تقف عند حدود التوقف المادي عن الدفع‪ ،‬بل‬
‫يتعداه إلى دراسة الوضعية المالية الحقيقية ومدى إمكانيتها لألداء من عدمه‪ ،‬على اعتبار أن‬

‫‪ 410‬حكـم صـادر عن المحكمـة التجاريـة بالدار البيضـاء رقـم ‪ ،2111/222‬بتاريـخ ‪ 22‬مـاي ‪ ،2111‬ملـف رقـم ‪( 2111/211‬حكـم غيـر‬
‫منشـور)‪.‬‬
‫‪ 411‬تنص المادة ‪ 991‬من مدونـة التجارة قبل صـدور القانون رقـم ‪ 93.29‬على ما يلي ‪ " :‬تطبق مساطر معالجة صعوبات المقاولة على كل‬
‫تاجر وكل حرفي وكل شركة تجارية ليس بمقدورهم سداد الديون المستحقة عليهم عند الحلول‪ ،‬بما في ذلك الديون الناجمة عن االلتزامات‬
‫المبرمة في إطار االتفاق الودي المنصوص عليه في المادة ‪ 999‬أعاله"‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫‪2023‬‬

‫المقاولة وإن كانت تعرف صعوبات تختلف من حيث طبيعتها وحدتها‪ ،412‬فإن ذلك ال يعتبر‬
‫بالضرورة نهاية لحياتها‪ ،‬بل قد تتمكن من تجاوزها واالستمرارفي نشاطها‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولقـد تولـد لدى الفقه والقضاء اختـلف حول المعنى المقصود من التوقف عن الدفع‪،‬‬
‫وذلك بالنظر إلى درجة وتطور الصعوبات التي تعترض المقاولة والتي على أساسها يتم سلوك‬
‫المسطرة الملئمة لتصحيح وضعية المقاولة‪.‬‬

‫فهناك النظرية التقليدية والتي حددت المقصود بالتوقف عن الدفع بامتناع أو رفض‬
‫المقاولة األداء‪ 413‬بغض النظر عن مدى إمكانية الوفاء من عدمه‪ ،‬أي االرتكاز على المنظور‬
‫المادي لألداء‪ ،‬وذلك حماية للئتمان التجاري الذي يسود المعاملت التجارية‪.‬‬

‫وكان القضاء في فرنسا يعتبر التوقف عن الدفع قرينة على خطأ التاجر المفلس دون‬
‫األخذ بعين االعتباراألسباب والملبسات التي حافت بهذه الو اقعة‪ ،‬وذلك لكون تقنيات التجارة‬
‫والصناعة كانت محدودة وبسيطة‪ ،‬متجسدة في مؤسسات صغيرة لم تتخذ بعد شكل المقاوالت‬
‫الكبرى‪ ،‬بحيث يسهل ضبط التجاوزات القانونية املخلة بتقاليد المهنة‪ ،‬إال أن القفزة الخطيرة‬
‫التي عرفها االقتصاد العالمي باعتماده الشبه الكلي على التصنيع الرأسمالي والمنافسة الحرة‬
‫وتداخل عدة عوامل تقنية ومعلوماتية‪ ،‬غيرت بعض المفاهيم التقليدية في الميدان‬
‫التجاري‪.414‬‬

‫هكذا‪ ،‬وبالمقابل قامت نظرية حديثة‪ ،‬تتجه إلى أن التوقف المادي عن الدفع ألسباب‬
‫عارضة ال يبرر فتح مساطر المعالجة‪ ،‬بل يلزم أن يكون هذا التوقف ناتجا عن مركز مالي‬

‫‪ 412‬بخصوص طبيعة أسباب الصعوبات التي قد تعرفها أغلب المقاوالت‪ ،‬فيمكن تصنيفها إلى ثالثة أصناف ‪ :‬وهي األسباب ذات طبيعة‬
‫استراتيجية وذلك مثل النقـص في المبيعات الناتج عن تراجع السوق أو نقص في المنافسة أو تراجع الزبائن أو استثمارات سيئة غير ذات‬
‫مردودية أو أن مقر أو تمركز أو تحويل المقاولة سيئ ‪ ...‬أو أسباب مرتبطة بتدبير معيب وذلك مثل ارتفاع تكلفة اإلنتاج أو أن االدخار كبير‬
‫جدا أو أن التنمية تتم بشكل سريع مع تواجد هامش غير كاف للتمويل أو أن البنية ثقيلة جدا أو غياب مخطط التنمية ‪ ...‬أو أسباب مرتبطة‬
‫بنظام االختصاصات مثل عدم أهلية المسير المالي أو سوء المحاسبة أو سوء تفاهم بين المسيرين والمساهمين أو مرض أو وفاة رئيس المقاولة‬
‫وتعويضه بشخص أقل أهلية‪ ،‬أو تراجع المساعدات البنكية ‪ ...‬للمزيد من اإليضاح انظـر ‪:‬‬
‫‪JEAN BRILMAN, GESTION DE CRISE ET REDRESSEMENT D’ENTREPRISE, ED : HOMMES ET TECHNIQUES, 1985, PARIS, P : 45.‬‬
‫‪ 413‬نشير في هذا الصدد إلى أنه ثمة أحكام تميز بين التوقف عن الدفع واالمتناع عن الدفع‪ ،‬فالتوقف عن الدفع يعني عجز‬
‫التاجر عن سداد ديونه‪ ،‬بينما يجوز أن يكون االمتناع عن الدفع إراديا أو اختياريا يمكن مواجهته بوسائل التنفيذ العادية‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى ينبئ التوقف عن الدفع عن عجز المدين من التخلص من عبء ديونه بغض النظر عن رغبته في ذلك أم ال‪.‬‬
‫‪ 414‬فاتحة مشماشي‪ ،‬الصفة العقابية لإلفالس‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص بكلية العلوم القانونية واالقتصاديـة‬
‫واالجتماعيـة بالرباط‪ -‬جامعـة محمد الخامس‪ ،‬سنـة ‪ ،2779‬ص‪.22 :‬‬

‫‪247‬‬
‫‪2023‬‬

‫مضطرب‪ ،‬أي البحث في مدى تأثير التوقف عن الدفع على ائتمان التاجر‪ ،‬وهكذا تم اعتماد‬
‫المعيار االقتصادي من قبل هذا االتجاه‪ ،‬الش يء الذي يوضح على أنه ثمة تحول نوعي طرأ على‬
‫المفهوم‪.‬‬

‫ويجسد هذا التحول‪ ،‬االنتقال من المفهوم القانوني الصرف إلى المفهوم الموضوعي‪،‬‬
‫الذي أعطى له طابعا خاصا نأى به عن الشكلية واآللية في التطبيق ونزله ضمن الظروف‬
‫االقتصادية التي تحيط به‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬صار يعتد بالوضعية المالية للمدين لبحث وضبط‬
‫المظاهر الدالة على و اقعة التوقف عن األداء‪ ،‬مما جعل عملية التشخيص تتجاوز األسباب‬
‫الذاتية التقليدية لتشمل الكشف عن الظروف الموضوعية‪.415‬‬

‫وقد تبنت تشريعات عديدة هذا المفهوم الجديد‪ ،‬وعلى رأسها التشريع الفرنس ي‪ ،‬الذي‬
‫جعل من هذا المفهوم الجديد الشرط الوحيد لتطبيق مساطر المعالجة‪ ،‬وذلك من خلل‬
‫المادة الثالثـة من القانون الصادر بتاريخ ‪ 25‬يناير ‪ ،1695‬الذي استعمل عبارة ما مفادها أن‬
‫المقاولة تخضع لمسطرة التسوية إذا استحال عليها مواجهة خصومها المستحقة بأصولها‬
‫الموجودة‪ ،‬وكذلك التشريع البلجيكي الذي يعتبر التاجر في حالة إفلس إذا تزعزع ائتمانه‬
‫(المادة ‪ 437‬من القانون التجاري البلجيكي)‪.‬‬

‫كما أن مجموعة من الدول العربية تبنت المفهوم الجديد للتوقف عن الدفع‪ ،‬كالتشريع‬
‫المصري‪ ،‬حيث عرفته محك مة النقض المصرية بقولها أنه ‪ ... " :‬هو الذي ينبئ عن مركز مالي‬
‫مضطرب وضائقة مالية مستحكمة‪ ،‬يتزعزع معها ائتمان التاجروتتعرض بها حقوق دائنيه لخطر‬
‫محقق أو كبيراالحتمال ‪.416" ...‬‬

‫ونفس االتجاه ذهب إليه التشريع الكويتي (المادتين ‪ 555‬و‪ 510‬من القانون التجاري‬
‫الكويتي)‪ ،‬وكذا التشريع اللبناني‪ ،‬هذا األخير الذي يستوجب على التاجر أن يكون في حالة من‬
‫العجزواالنهيارالمالي تجعله ال يملك الوسائل التي تمكنه من مواجهة ديونه المستحقة‪ ،‬بعدما‬
‫كانت املحاكم اللبنانية في أول األمرتكتفي بالتوقف المادي عن الدفع مجردا‪ ،‬أي دون حاجة إلى‬

‫‪ 415‬عبـد الكريـم عبـاد‪ ،‬دور القضـاء في معالجـة صعوبات المقاولـة‪ ،‬أطروحـة لنيـل الدكتـوراه في الحقوق بكلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصـادية واالجتماعية بالدار البيضاء‪ -‬جامعـة الحسن الثاني‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2112-2113‬ص‪.29 :‬‬
‫‪ 416‬قـرار صادر عن محكمة النقـض المصرية بتاريخ ‪ ،2713/12/32‬مجموعـة أحكام النقض‪ ،‬طعن رقم ‪ 2922‬س ‪،92‬‬
‫ق‪ .‬منشور في مجموعة نادي القضاة العـدد ‪ ،19-11‬الجزء ‪ ،2‬ص‪.32 :‬‬

‫‪248‬‬
‫‪2023‬‬

‫إثبات عجز التاجر عن سداد ديونه بزوال أسباب امتناعه عن الوفاء أو على حد تعبير محكمة‬
‫التمييـزاللبنانيـة‪ ،‬فـإن "مفهوم االنقطاع عن الدفع هو غيرمفهوم عدم الملءة ‪.417" ...‬‬

‫أما بخصوص التشريع المغربي الحالي‪ ،‬فإنه استعمل عبرالمادة ‪ 575‬من مدونة التجارة‬
‫عبارة "عجـ زالمقاولـة عن تسديـد ديونهـا المستحقـة"‪ ،‬والتي نستشف من خللها على أن المعيار‬
‫االقتصادي هو المتبنى حاليا‪ ،‬بحيث يتم االضطلع على المركزالمالي الحقيقي للمقاولة وحول‬
‫ما إذا كانت على استعداد للوفاء من عدمه‪ ،‬وذلك ما تشير إليه عبارة "عدم كفايـة أصولها‬
‫المتوفـرة"‪ ،‬أي أن وضعيتها ميؤوس منها‪ ،‬أوعلى حد تعبيرالمشرع المغربي مختلة بشكل ال رجعة‬
‫فيه (المادة ‪ 593‬من مدونة التجارة)‪.‬‬

‫إال أنه وباالضطلع على العديد من األحكام القضائية على مستوى درجات القضاء‬
‫التجاري حاليا‪ ،‬نجد على أنه ولتحديد المقصود من حالة التوقف عن الدفع‪ ،‬ثمة ما يفيد‬
‫االعتماد على الوضعية االقتصادية والمالية العامة للمدين‪ ،‬تماشيا مع المقتضيات الجديدة‬
‫لمدونة التجارة‪ ،‬كما ذهبت إلى ذلك املحكمة التجارية بأكادير في أحد أحكامها‪ ،‬والتي بعدما‬
‫اشترطت لتطبيق مساطر معالجة صعوبات المقاولة أن تكون هذه األخيرة في حالة عجز عن‬
‫سداد الديون المستحقة عند الحلول‪ ،‬أي أن تكون في وضع التوقف عن الدفع‪ ،‬أضافت قائلة‬
‫‪" :‬وقد تولى العمل القضائي لدى الدول التي أحدثت النظام القانوني لصعوبات المقاولة تعريف‬
‫التوقف عن الدفع‪ ،‬حيث جاء في قرارملحكمة النقض الفرنسية أنه هوعجزالمدين عن مواجهة‬
‫ديونه المستحقة بأصوله الموجودة والقابلة للتصرف‪ ،‬وفي حكم للمحكمة التجارية بـ "ليـل"‬
‫نجد توضيحا لهذا التعريف‪ ،‬حيث اعتبر المقاولة في حالة توقف عن الدفع إذا لم يكن في‬
‫مقدورها الدفع عند االطلع للديون المستحقة والحالة باألموال الموجودة بين يديها أو في‬
‫حساباتها البنكية أو بالتحويل المباشر ألموال قابلة للتحصيل (‪ )Yves Chaput‬وحيث أنه‬
‫ليكون لهذا التعريف معنى أوضح‪ ،‬يتعين القول أنه ليكون الدين مستحقا وحاال يجب على‬
‫الدائن أن يبادر إلى المطالبة به فور حلول أجل األداء الحتمال إمكانية انقضائه وفق ما قرر‬
‫القانون المدني‪.418" ...‬‬

‫‪ 417‬قـرار أشـار إليه عبـد الكريـم عبـاد‪ ،‬مرجـع سابـق‪ ،‬ص‪.29 :‬‬
‫‪ 418‬حكـم صـادر عن المحكمة التجارية بأكاديـر رقم ‪ 77/3‬بتاريخ ‪ 22‬ماي ‪ ،2777‬ملـف رقـم ‪ ،77/2‬منشـور بمجلـة‬
‫المرافعـة‪ ،‬العـدد العاشـر‪ ،‬مارس ‪ ،2111‬ص‪.332 :‬‬

‫‪249‬‬
‫‪2023‬‬

‫وقد حاولت املحكمة التجارية بالدار البيضاء في حكم لها تدقيق المعنى بشكل أوضح‪،‬‬
‫عندما قررت "أن التوقف عن دفع الديون وفق الرأي الغالب في الفقه‪ ،‬إنما يتحقق عند تو افر‬
‫عنصرين أساسيين‪ ،‬األول هو الوقوف المادي عن الدفع‪ ،‬والثاني أن يكون هذا الوقوف ناشئا‬
‫عن فقدان التاجرالئتمانه وعجزه الحقيقي عن االستمرارفي ممارسة نشاطه التجاري ‪.419" ...‬‬

‫ثانيــا‪ :‬التوقـف عن الدفـع كتطبيق من تطبيقات نظريـة الظروف الطارئـة‬

‫خلفـا لما كان عليه األمـر في عهـد نظـام اإلفـلس‪ ،‬مـن اعتبـار التاجـر مفلسـا ملجـرد عـدم‬
‫أداء الديون الحالـة والمستحقـة عليه في تاريخها‪ ،‬ولو كان يملك تغطيتهـا‪ ،420‬فإنـه في ظـل نظام‬
‫صعوبات المقاولـة‪ ،‬وإن حافـظ المشرع على أصالـة هذه المؤسسة‪ ،‬إال أنها عرفـت تحـوال نقلها‬
‫من المفهـوم القانوني الذي يقـف عنـد عتبـة المقاولـة إلى مفهـوم اقتصـادي يغـوص في مسببات‬
‫هـذا المفهـوم‪ ،‬بحيـث يسمـح للقضـاء بالتدخـل في الفضـاء الخاص لهذه المقاولـة‪.‬‬

‫ومن ث ّـم‪ ،‬فإن مفهـوم التوقـف عن الدفـع اعتمادا على المعيـار االقتصـادي‪ ،‬يتماشـى إلى‬
‫أبعـد الحـدود مع مبادئ نظريـة الظروف الطارئـة‪ ،‬بحجـة أنـه ال يمكـن اعتبـارالمقاولـة تمـربظـرف‬
‫استثنائي يضعهـا في مركـز مالـي مضطـرب ال تحسـد عليه يؤدي إلى إرهاقهـا‪ ،‬إال إذا كانـت تواجـه‬
‫فعـل صعوبـات من شأنهـا إذا ما استمـرت أن تؤدي إلى زوال المقاولـة‪ ،‬إن هـو استمـر على ما هو‬
‫عليه دون تدخـل قضائي من شأنـه العمـل على تذليـل صعوبـات المقاولـة‪ ،421‬والمتتبـع لمسـار‬
‫القضـاء التجـاري المغربي سيلحـظ دون أدنـى شك تغيـر طريقـة اشتغـال هـذا القضـاء في إطـار‬
‫النظـرإلى مفهـوم التوقف عن الدفـع في اتجـاه اعتنـاق المفهـوم االقتصـادي له‪.‬‬

‫ومن بين القـرارات الصـادرة عن املحاكم المغربيـة‪ ،‬والتي تؤكـد اتجـاه القضـاء المغربي نحـو‬
‫تبنـي المفهـوم االقتصـادي للتوقـف عن الدفـع‪ ،‬مـا جاء في القرارالصـادرعن محكمة االستئنـاف‬
‫بالدار البيضـاء بتاريـخ ‪ 11‬مـاي ‪ ،2000‬حيـث جاء في حيثيـاتـه ما يلـي‪ " :‬وحيث أنـه لئـن كانت‬

‫‪ 419‬حكم صـادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم ‪ 71/327‬بتاريخ ‪ 2771/1/3‬ملف رقم ‪( 2172/71‬حكم غير‬
‫منشور)‪.‬‬
‫‪420‬‬
‫‪Yves Guyon, Droit de l’affaire, T2 entreprise en difficultés redressement judiciaire, Faillite 7‬‬
‫‪ED économico, p 135.‬‬
‫‪ 421‬عبـد الرحيـم السـادكي‪ ،‬التوقـف عن الدفـع وأثـ ره على تصـرفات المديـن خـالل فتـرة الريبـة‪ ،‬رسالـة لنيـل دبلـوم ماستـر قانون‬
‫األعمـال بكلية العلوم القانونية واالقتصـادية واالجتماعيـة بمراكـش‪ -‬جامعـة القاضـي عيـاض‪ ،‬السنـة الجامعيـة ‪ ،2121 -2117‬ص‪:‬‬
‫‪.29‬‬

‫‪251‬‬
‫‪2023‬‬

‫النصـوص القانونية لم تحـدد مفهـوم التوقـف عن الدفـع‪ ،‬فإن االجتهـاد القضائي تطـرق له‪ ،‬كما‬
‫ذهـبت إلى ذلك محكمـة النقـض المصرية في أحـد قراراتها‪ ،‬التي جاء فيها‪ :‬التوقف عن الدفـع هـو‬
‫الذي ينشـأ عن مركـز مالي مضطرب وضائقـة مستحكمـة يتزعـزع معهـا ائتمـان التاجـر وتتعرض‬
‫حقوق دائنيـه إلى خطـرمحقق أو كبيـراالحتمـال‪ ،‬فليس كل امتنـاع عن الدفـع يعتبرتوقفـا أويكون‬
‫مرجـع هـذا االمتنـاع عـذرا طرأ على المديـن مع اقتـداره‪ ،‬وقـد يكون لمنازعـة في الديـن من ناحيـة‬
‫صحتـه أو مقـداره أو حلـول أجـل استحقاقـه أو انقضائـه بسبب من األسباب"‪.422‬‬

‫كما جـاء في قـرار صـادر عن املجلـس األعلـى بتاريخ ‪ 24‬نونبـر ‪ 2004‬على أن‪ " :‬محكمـة‬
‫االستئنـاف‪ ،‬وفي إطار سلطتها التقديريـة في تقييـم الحـجج والتي ال تخضـع لرقابـة املجلس األعلـى‬
‫إال من حيـث التعليـل‪ ،‬التي أيـدت الحكم االبتدائـي القاض ي بالتصفيـة القضائيـة بعدما تبين لها‬
‫من تقريـرالسنديـك المعيـن في النازلـة تعـذرالقيـام بمهامـه الرئيسيـة بسبب عـدم استجابـة رئيس‬
‫المقاولـة لدعـواته للحضور‪ ،‬خاصة والمقاولة متوقفـة عن العمل منـذ ‪ ،1669‬وال يوجـد بها أي‬
‫عامل وأن وضعيتها االقتصـادية بلغـت سنة ‪ 2000‬ناقـص ‪ 1.977.259,30‬درهـم‪ ،‬وأن الديـون‬
‫المصرح بها بلغـت ‪ 3.765.965,16‬درهـم ‪ ،‬و إنه يستحيل استمرار المقاولة التي أدلت بمحضـر‬
‫ملحاولـة إثبـات أنهـا ال زالـت تباشـرعملها‪ ،‬فقـام السنديـك بزيارتها للتأكـد مما دون بـه‪ ،‬بمعيـة كاتـب‬
‫الضبط ومقـدم الشرطـة اللذيـن وقعـا معـه محضرا فوجـدوا مقرها مغلقا‪ ،‬تكـون قـد خلصت‬
‫وعن صواب أن املحضـر المدلـى به من طرف المستأنفـة ال يعكـس جديتها في وضعيتها الحالية‪،‬‬
‫وأن تقـرير السنديـك يبقـى قائما واعتبرت أن وضعية المقاولـة مختلـة بشكل ال رجعـة فيه‪ ،‬مما‬
‫يبرروضعها تحت التصفيـة القضائيـة‪ ،‬وبالتالي لم يخرق قرارها أي مقتض ى"‪.423‬‬

‫فمن خلل هذه القرارات وغيرها‪ ،‬نستنتج أن التوجهات الحديثـة للجتهاد القضائـي‬
‫المغربي في إعمـال مفهـوم التوقـف عن الدفـع يتماهـى ويتماش ى مع الشـروط التي تقـوم عليها‬
‫نظريـة الظروف الطارئـة‪ ،‬وهو ما نلحظـه على مستوى المقارنـات التاليـة‪:‬‬

‫‪ 422‬قـرار صـادر عن محكمـة االستئنـاف بالدار البيضـاء عـدد ‪ ،2111/991‬بتاريخ ‪ 29‬مـاي ‪ ،2111‬أورده عبـد الرحيـم السادكـي‪،‬‬
‫التوقـف عن الدفـع وأثـره على تصـرفات المديـن خـالل فتـرة الريبـة‪ ،‬رسالـة لنيـل دبلـوم ماستـر قانون األعمـال بكلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصـادية واالجتماعيـة بمراكـش‪ -‬جامعـة القاضـي عيـاض‪ ،‬السنـة الجامعيـة ‪ ،2121 -2117‬ص‪.21 :‬‬
‫‪ 423‬قـرار صـادر عن المجلس األعلى عـدد ‪ 2217‬بتاريخ ‪ 22‬نونبـر ‪ 2112‬ملـف تجاري عـدد ‪( 2113/2/3/2932‬قـرار غير منشور)‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -1‬التوقـف عن الدفـع وشـرط تراخـي العقـد ‪ :‬باستقـراء مقتضيـات الفصـل ‪ 594‬من مدونـة‬
‫التجارة‪ ،424‬نـجد أن التوقـف عن الدفـع يتـلءم مع نطـاق الظـرف الطارئ‪ ،‬وذلك على‬
‫اعتبـارشمولـه للعقـود المتراخيـة التنفيـذ أو العقـود المؤجلـة التنفيذ‪ ،‬كما يشمل جميـع‬
‫أنواع العقود كيفمـا كانت طبيعتها‪ .‬إذ جـاء في حيثيـات الحكـم الصادر عن املحكمـة‬
‫التجاريـة بالربـاط بتاريخ ‪ 26‬نونبـر ‪ 2000‬ما يلـي‪ " :‬وحيـث إنه على مستوى الفقـه يـرى أن‬
‫العجـز عن الوفـاء بالديـون في ميعـاد االستحقـاق يفيـد التوقـف عن الدفـع‪ ،‬وهو موقـف‬
‫يتخـذه المديـن وال يتوقـف على يسـره أو عسـره"‪ .425‬وبالتالي نلحـظ أن املجـال الخصـب‬
‫إلعمـال التوقـف عن الدفـع هو نطـاق العقـود المتراخيـة التنفيـذ‪ ،‬شأنه في ذلك شـأن‬
‫نظريـة الظروف الطارئـة‪.‬‬

‫‪ -2‬التوقـف عـن الدفـع وشـرط االستثنائيـة‪ :‬إذا كانت الصعوبـات التي تجتـازها المقاولـة‬
‫أثنـاء مرحلـة الوقايـة‪ ،‬من حيـث امتـداد الظـرف الطارئ ليشمل فعـل اإلنسـان وفعـل‬
‫الطبيعـة على غـرار ما هـو عليه األمـر في ظـل مقتضيـات نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬فإن‬
‫نفـس األمـر يحضـر في إطـار مرحلـة المعالجـة‪ ،‬إذ أن الظـرف الطارئ الذي من شأنـه أو‬
‫يؤدي إلـى وقـوع المقاولـة في حالـة التوقـف عن الدفـع‪ ،‬قـد يكون ناتجـا عن فعـل اإلنسان‬
‫أو يمكن أن يكـون صنيـع الطبيعـة‪ .‬وبغـض النظر عن كل ما سبـق‪ ،‬فإن أثـر التوقـف عن‬
‫الدفـع يحضـر فيه عنصـر االستثنائيـة‪ ،‬وهو ما يبرر التدخل القضائي إلزالـة إرهـاق‬
‫المقاولـة‪ ،426‬وفي هـذا اإلطـار جـاء في حكـم صـادر عن املحكمـة التجاريـة بالربـاط بتاريـخ‬
‫‪ 12‬دجنبـر ‪ ،2001‬ما يلـي‪ .. " :‬وحيـث إنـه من المقـرر قضـاء أن االمتنـاع عن الدفـع لعـذر‬

‫‪ 424‬تنـص المـادة ‪ 912‬من مدونـة التجارة على أنـه‪ " :‬يسري أثر الحكم القاضي بفتح المسطرة من تاريخ صدوره‪ .‬ويشار إليه في السجل‬
‫التجاري المحلي والسجل التجاري المركزي فور النطـق بـه‪ .‬يقـوم كاتـب الضبط بنشـر إشعـار بالحكم‪ ،‬يتضمن إسم المقاولـة كما هو‬
‫مقيـد في السجل التجاري‪ ،‬وكذا رقـم تسجيلها به في صحيفـة مخـول لها نشـر اإلعالنات القانونية والقضائية واإلدارية وفي الجريـدة‬
‫الرسمية داخل ثمانية أيـام من تاريخ صدوره‪ .‬ويدعو الدائنين إلى التصريح بديونهم للسنديك المعين‪ .‬ويعلق هذا اإلشعار على اللوحـة‬
‫المعـدة لهـذا الغـرض بالمحكمة المصدرة للحكم فـور النطق بـه ‪ ...‬يبلغ كاتب الضبط الحكم إلى رئيس المقاولـة والسنديـك داخـل أجـل‬
‫ثمانيـة أيـام من تاريخ صـدوره"‪.‬‬
‫‪ 425‬حكـم صـادر عن المحكمـة التجاريـة بالربـاط عـدد ‪ 39‬بتاريـخ ‪ 2111/22/27‬ملـف عـدد ‪ ،2111/32/9‬حكـم أورده امحمـد‬
‫لفـروجـي‪ ،‬التوقـف عن الدفـع في قـانون صعوبـات المقاولـة‪ :‬دراسـة تحليليـة نقديـة مذيلـة بعينـات من عمـل القضـاء في الموضوع‪،‬‬
‫مطبعـة النجـاح الجديـدة‪ -‬الدار البيضـاء‪ ،‬الطبعـة األولى سنـة ‪ ،2119‬ص‪.293 :‬‬
‫‪ 426‬بحيث يـرى الفقـه أن ضـرورة الـرؤيـة للظرف الطارئ االستثنائـي في أثـره‪ ،‬وليس النظـر في حـد ذاتـه‪ .‬انظـر عبد الرحيـم عنبـر‪،‬‬
‫مرجـع سابـق‪ ،‬ص‪.29 -29 :‬‬

‫‪252‬‬
‫‪2023‬‬

‫طـرأ على المديـن مـع اقتـداره أو لمنازعـة جديـة في صفـة الديـن أو مقداره أو حلـول أجـل‬
‫استحقاقـه أو انقضـائه ال يع ّـد توقفـا عـن الدفـع"‪.427‬‬

‫‪ -3‬التوقـف عـن الدفـع وشـرط اإلرهـاق‪ :‬جـاء التنصيـص على هذا الشرط في إطـارمقتضيات‬
‫المادة ‪ 593‬من مدونـة التجـارة‪ ،‬التي جاء فيـها علـى أنه‪ " :‬تقضـي املحكمة بالتسويـة‬
‫القضائيـة إذا تبيـن لها أن وضعيـة المقاولـة ليسـت مختلـة بشكـل ال رجعـة فيـه‪ ،‬وإال‬
‫فتقضـي بالتصفيـة القضائيـة"‪ ،‬أي أال تكون وضعيـة المقاولـة ميؤوس منهـا‪ ،‬بـل إن‬
‫إمكانيـة إنقاذهـا ال زالـت قائمـة‪ .‬وبتنزيـل ذلك على مقتضيات نظريـة الظروف الطارئـة‪،‬‬
‫فإن ذلك يعنـي أن هناك استحالـة نسبيـة‪ ،‬وهـوما يفتـح الباب أمـام تدخـل قضائي إلعـادة‬
‫التوازن العقـدي بما يحقق ويعـزز فرص إنقـاذ المقاولـة‪ ،‬وبإكمـال قـراءة المـادة ‪ 593‬من‬
‫مدونـة التجارة‪ ،‬نجدها تنـص على أنـه في حـال ما إذا كانت المقاولـة في وضعيـة مختلـة‬
‫بشكـل ال رجعـة فيـه‪ ،‬فإن املحكمـة تقضـي بالتصفيـة من الوهلـة األولـى‪ ،‬ألننـا والحالـة‬
‫هاتـه نكـون أمـام استحالـة مطلقـة توازي نظريـة القـوة القاهـرة‪ .‬إذ جـاء في قـرارصـادرعن‬
‫املجلـس األعلـى بتاريخ ‪ 03‬أكتوبـر ‪ 2001‬ما يلـي‪ " :‬لكن حيـث إن القـرار المطعـون فيه لم‬
‫يعتمـد أساسـا القضـاء بالتصفيـة القضائيـة‪ ،‬على خـلف الحاصـل بين الشركـاء‪ ،‬و إنما‬
‫اعتمـد كون الثابـت أن الشركـة الطالبـة مختلـة بشكل ال رجعـة فيـه‪ ،‬ومن تـم فل فائـدة‬
‫من سلـوك مسطـرة التسويـة القضائيـة‪ ،‬ما دام أنـه ال يوجـد أمـل في استمراريـة استغللهـا‬
‫أوالحفـاظ على مناصـب الشغـل الموجـود بها‪ ،‬ألنها لم تعـد قابلـة ألي إصـلح إذ لم تتقيـد‬
‫الشركـة بمخطط االستمراريـة‪ ،‬خاصـة رفـع الرأسمـال إلى ‪ 300.000‬درهـم المتفق عليه‬
‫وتعيين مر اقـب للحسابـات وإدمـاج الحساب الجـاري للشركـاء في رأسمـال الشركـة‪،‬‬
‫فيتعيـن إيجـاد الحل العـادل لتمكيـن الدائنين من الحصول على نسبـة معينـة من‬
‫حقوقهـم‪ ،‬فيكـون بذلك قـد راعـى مقتضيات الفصل ‪ 116‬و أتـى معـلل بما فيه الكفايـة‬
‫والوسيلـة على غير أساس"‪ .428‬كما جـاء في قـرار صـادر عن محكمـة النقـض بتاريخ ‪10‬‬
‫أبريـل ‪ 2014‬ما يلـي‪ " :‬حيـث إن املحكمـة مصـدرة القرار المطعـون فيـه أجـرت بحثـا في‬

‫‪ 427‬حكـم صـادر عن المحكمـة التجاريـة بالربـاط عـدد ‪ 92‬بتاريـخ ‪ 2112/22/22‬ملـف رقـم ‪ ،2112/39/9‬حكـم أورده امحمـد‬
‫لفـروجـي‪ ،‬مرجـع سابـق‪ ،‬ص‪.297 :‬‬
‫‪ 428‬قـرار صـادر عن المجلـس األعلـى عـدد ‪ 2111‬بتاريـخ ‪ ،2112/21/13‬ملـف تجـاري عـدد ‪ 2112/999‬بين شركـة التنميـة‬
‫التجاريـة وجابـر يوسـف ومن معـه ( قـرار غيـر منشــور)‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫‪2023‬‬

‫النازلـة‪ ،‬حضره رئيس المقاولـة وسنديـك التصفيـة القضائيـة‪ ،‬فاكتفـى رئيس المقاولـة‬
‫بتأكيـد ما جاء في مقالـه االستئنافي‪ ،‬من أنه بصـدد إبـرام صفقـات مع شركـات أجنبيـة‬
‫وتنفيـذ الحكم باألداء الصادرلفائـدة شركته‪ ،‬دون اإلدالء بأي حجـة تفيـد تنفيـذ مخطط‬
‫االستمراريـة‪ ،‬كما تم حصره بمقتض ى الحكم الصادر بتاريخ ‪ ،2003/01/26‬وال إقامتـه‬
‫الدليل على وجـود إمكانيات جديـة تساعـد على استمراريـة الشركـة‪ ،‬وهوما ذهـب بها وعن‬
‫صـواب لتأييـد الحكم االبتدائي القاضـي بتحويـل التسويـة القضائيـة للشركـة الطالبـة‬
‫إلى تصفيـة قضائيـة‪ ،‬اعتبـارا منه لكون وضعيـة هذه األخيـرة أصبحـت مختلـة بشكل ال‬
‫رجعـة فيـه‪ ،‬وعاجـزة عجـزا كليـا عن تنفيـذ مخـطط االستمراريـة"‪.429‬‬

‫المطلـب الثاني‪ :‬وقـف المتابعات الفرديـة وأداء الديـون وسريان الفوائد كأثـر من آثـار‬
‫الظروف الطارئـة في نظام صعوبات المقاولـة‬

‫أمـام تبني واعتنـاق المشرع المغربي لمبـدأ سلطـان اإلدارة وتكريسـه لقدسيـة العقـد‪ ،‬فإن‬
‫سلطة القاضـي ال تعـدو تقف عنـد حـدود احتـرام إرادة األطـراف‪ ،‬دون القدرة على النيـل من هـذه‬
‫اإلرادة سواء بالتعديـل أو اإللغـاء‪ .‬بيـد أن التطورات والتحوالت االقتصـادية واالجتماعيـة‬
‫ساهمـت في التلطيف من حـدة تشـدد التشريعـات المدنيـة‪ ،‬سواء من ناحيـة إعطـاء نافذة صغيـرة‬
‫يستطيـع بواسطتها القاضـي القيـام بإطـللـة خاطفـة وعابـرة على العقـد‪ ،‬أو من خـلل التبني‬
‫الصريـح لنصوص قانونية تعطـي القاض ي سلطـة أصليـة في هذا التدخـل‪ ،‬وذلك من خلل‬
‫ّ‬
‫التوسـل بمقتضيات نظريـة الظروف الطارئـة‪.‬‬

‫وفي هـذا اإلطـار نجـد أن نظـام صعوبـات المقاولـة‪ ،‬الذي اقتبـس من نـور نظريـة الظروف‬
‫الطارئـة‪ ،‬أعطـى للقضـاء فضـاء رحبـا للتحرك متسلحـا بإرادة المشرع الصريحـة واملجسـدة على‬
‫أرض الو اقـع في نصـوص قانونية ترخـي بظللها على السلطـة التقديريـة للقاضـي في اتجـاه‬
‫توسيعها إلى أقص ى الحـدود‪ ،‬بحيـث تترتـب أثنـاء معالجـة صعوبـات المقاولـة جملة من اآلثـارالتي‬
‫تؤثـر بشكل سلبـي على وضعيـة المقاولـة وتعـوق استمراريتها داخل محيطها االقتصاديـة‪ .‬لذلك‬
‫خـول المشـرع المغربي للقاضـي سلطة التدخـل لوقـف المتابعـات القضائيـة الفرديـة حالـة فتـح‬

‫‪ 429‬قـرار صـادر عن محكمـة النقـض عـدد ‪ 212‬بتاريـخ ‪ 21‬أبريـل ‪ 2122‬في الملـف التجـاري عـدد ‪ ،2123/2/3/2291‬منشـور‬
‫بمجلـة نشـرة قـرارات محكمـة النقـض (الغرفـة التجاريـة)‪ ،‬السلسلـة الرابعـة‪ ،‬العـدد ‪ ،29‬سنـة ‪ ،2122‬ص‪.99 :‬‬

‫‪254‬‬
‫‪2023‬‬

‫مسطرة المعالجة القضائية للمقاولـة ( الفقرة األولى) إلى جانب وقـف أداء الديـون السابقة عن‬
‫الحكم القاض ي بفتح مسطـرة المعالجـة (الفقرة الثانية) وكذا وقـف سريـان الفوائـد (الفقرة‬
‫الثالثة) باعتبـارهذه التدابيـرأثـرمن آثـارالظروف الطارئـة في نظام صعوبـات المقاولـة‪.‬‬

‫الفقـرة األولـى‪ :‬وقـف المتـابعـات القضائيـة الفرديـة‬

‫بمجرد صدورالحكم بفتح مسطرة المعالجة القضائية‪ ،‬توقف وتمنع كل دعوى قضائية‬
‫يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم المذكور‪ ،430‬سواء كانت هذه الدعوى ترمي‬
‫إلى الحكم على المدين بسداد مبلغ من المال‪ ،‬أو كانت تهدف إلـى فسخ عقد لعدم سـداد مبلغ‬
‫من المال‪ .431‬كما يطال نفس التوقيف أو المنع كل إجراءات التنفيذ يباشرهـا الدائنون على‬
‫األمـوال المنقولـة أو األمـوال العقاريـة‪ .432‬وتبعا لذلك‪ ،‬فإن اآلجال املحددة توقف كذلك تحت‬
‫طائلة السقوط أو الفسخ‪.‬‬
‫ورغم أن تطبيق هذه القاعدة من طرف القضاء قد يعتبره البعض يشكل ّ‬
‫مسا بحقوق‬
‫الدائنين‪ ،‬فإنها بالمقابل تعتبر من أهم القواعد التي تساعد على تسوية وتحديد وضعية‬
‫المقاولة وإعادة إدماجها في محيطها االقتصادي‪ ،‬إذ أن من شأن استمرار هذه المتابعات‬
‫الفردية أن يؤثر سلبا على أصول المقاولة وتوفير حاجياتها الضرورية من أجل االستمرارية‪،‬‬
‫وعلى األمن الضروري الذي تحتاجه من أجل تحضير مخطط التسوية القضائية‪ ،‬كما أن‬
‫استمرار العقود وعدم فسح املجال لفسخها‪ ،‬لمن شأنه أن يحافظ على مواصلة المقاولة‬
‫لنشاطها االقتصادي وتفـادي ضياع أدوات االستغلل ومعـدات التجهيـز التي قـد تضعـف من‬
‫القدرة اإلنتاجية للمقاولـة‪ ،‬وبالتالي تضعف حظوظها في التسوية‪ ،‬وذلك من قبيل عقود التزويد‬

‫‪ - 430‬يتبنى المشرع الفرنسي نفس القاعدة‪ ،‬وذلك من خالل مقتضيات المادة ‪ L621-40‬من القانون التجاري الفرنسي‪،‬حسبما تم نسخها‬
‫بمقتضـى القانون رقـم ‪ 129-2119‬الصـادر بتاريـخ ‪ 29‬يوليـوز ‪ ،2119‬والذي دخـل حيـز التنفيذ بتاريخ ‪ 12‬ينايـر ‪ ،2119‬والتي تنص‬
‫على ما يلي‪:‬‬
‫‪« I. - Le jugement d'ouverture suspend ou interdit toute action en justice de la part de tous les créanciers‬‬
‫‪dont la créance a son origine antérieurement audit jugement et tendant :‬‬
‫; ‪1° A la condamnation du débiteur au paiement d'une somme d'argent‬‬
‫‪2° A la résolution d'un contrat pour défaut de paiement d'une somme d'argent.‬‬
‫‪II. - Il arrête ou interdit également toute voie d'exécution de la part de ces créanciers tant sur les meubles‬‬
‫‪que sur les immeubles.‬‬
‫‪III. - Les délais impartis à peine de déchéance ou de résolution des droits sont en conséquence‬‬
‫‪suspendus ».‬‬
‫‪ 431‬الفقـرة الثانيـة من المادة ‪ 999‬من مدونـة التجارة‪.‬‬
‫‪ 432‬الفقـرة الثالثـة من المادة ‪ 999‬من مدونـة التجارة‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫‪2023‬‬

‫بالسلع أوالخدمات وعقود الكراء‪ ...‬إذا كانت مطالبة المتعاقد مع المقاولة بالفسخ بسبب عدم‬
‫أداء مبلغ من المال‪.‬‬

‫كما أنه من شأن استمرار الدائنين فرادى في مقاضاة المقاولة بعد خضوعها لمسطرة‬
‫المعالجة القضائية أن يفقد مساطر صعوبات المقاولة طابعها االجتماعي والمساو اتي الذي‬
‫تتميز به عن مساطر التنفيذ األخرى العادية‪ ،‬وحيث أن المشرع ومراعاة منه لهذا الطابع‬
‫الجماعي للمسطرة أحدث مسطرة بديلة عن المتابعات الفردية‪ ،‬أال وهي مسطرة التصريح‬
‫بالديون‪ ،‬والتي تستهدف تمكين الدائن من التصريح و إثبات دينه في مواجهة المؤسسة‬
‫الموضوعة تحت التسوية أثناء تحديد مصيرها‪.433‬‬

‫وال يخضع لمقتضيات هذه القاعدة سوى الدائنون الناشئة ديونهم قبل الحكم القاض ي‬
‫بفتح المسطرة‪ ،‬وذلك كيفما كانت طبيعة ديونهم ومصدرها‪ ،‬وكيفما كانت صفتهم‪ .‬أما الدائنون‬
‫الناشئة ديونهم بعد فتح المسطرة فل تشملهم هذه القاعدة‪ ،‬بل أكثر من ذلك فهم يتمتعون‬
‫بحق األولوية واألفضلية في استيفاء ديونهم مقارنة مع غيرهم من الدائنين‪ ،‬وذلك بحكم‬
‫االمتيازات التي ّ‬
‫خصهم المشرع بها‪ ،‬بهدف تشجيعهم على مساعدة المقاولة و إقراضها وهي في‬
‫طورالمعالجة القضائية‪ ،‬خصوصا و أنه يصعب الحصول على تمويل كاف في هذه المرحلة من‬
‫المراحل الصعبة التي تعرفها المقاولة‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن أثر الحكم القاض ي بفتح مسطرة المعالجة القضائية في وقف أو منع كل‬
‫دعوى قضائية يقيمها الدائنون تنحصرعلى طائفتين من الدعاوى‪:‬‬

‫‪ -‬كل دعوى قضائية فردية رامية إلى الحكم على المدين بسـداد مبلـغ مالـي‪.‬‬

‫‪ -‬كل دعوى قضائية فردية رامية إلى فسخ عقد لعدم سـداد مبلـغ مالـي‪.‬‬

‫هكذا‪ ،‬وخروجا عن القواعد العامة والتي تقض ي بإمكانية الدائن إذا كان دينه مستحقا‬
‫وحاال أن يبادر إلى المطالبة به فور حلول أجل األداء‪ ،‬الحتمال إمكانية انقضائه وفق ما قرره‬

‫‪ 433‬حكـم صـادر عن المحكمة التجارية بمراكش رقـم ‪ 2111/39‬بتاريخ ‪ 2111/12/29‬ملف رقم ‪ ، 77/393‬منشـور بمجلة المحامي‪،‬‬
‫عـدد ‪ -37‬يوليوز ‪ ،2112‬ص‪.299 :‬‬
‫وقد جاء في تعليل المحكمة لحكمها ما يلي‪" :‬وحيث إنه وما دامت المدعية قد صرحت بدينها بتاريخ ‪ 77/12/22‬حسب الثابت من إقرارها‪،‬‬
‫فإنها تكون قد قامت بالمتعين لحماية حقوقها‪ ،‬وتكون بالتالي دعواها الالحقة للحكم القاضي بفتح المسطرة غير مرتكزة على أساس‪ ،‬ويتعين‬
‫إعمال الجزاء الذي رتبته المادة ‪ 993‬من مدونة التجارة والتصريح بعدم ثبوتها‪."...‬‬

‫‪256‬‬
‫‪2023‬‬

‫القانون المدني الذي يعتبر أحد مصادر القاعدة القانونية في المادة التجارية‪ ،‬فإن خضـوع‬
‫المدين في مسطرة المعالجة القضائية تجعله في وضعية خاصة‪ ،‬حتمتها ظروف اقتصادية‬
‫واجتماعية تمنع الدائن من رفع أي دعوى بعد صدور حكم فتح المسطرة‪ ،‬وتوقف كل دعوى‬
‫مقامة قبل صدور الحكم المذكورإذا كانت هذه الدعوى أو تلك تنتمي إلى الصنفين المذكورين‬
‫أعله من الدعاوى‪.434‬‬

‫إذ جاء في قـرار صـادر عن املجلس األعلى بتاريـخ ‪ 06‬شتنبـر ‪ 2006‬ما يلي‪ " :‬حيـث إن المادة‬
‫‪ 153‬من مدونة التجارة تنص على " يوقف حكم فتح المسطرة ويمنع كل دعوى قضائية يقيمهـا‬
‫الدائنون أصحاب ديـون نشأت قبل صـدور الحكم المذكور‪ ،‬ترمي إلى الحكم على المدين بأداء‬
‫مبلغ من المال‪ ،‬فسخ عقـد لعـدم أداء مبلغ من المال‪ "..‬ومحكمة االستئناف التجارية مصدرة‬
‫القرار المطعـون فيه لما تمسكـت الطاعنة بخضوعها لمسطرة التسويـة القضائية بمقتض ى‬
‫قرار نهائـي عللت قرارها "بأن الحكـم بفتـح مسطرة التسويـة القضائية المتمسك به صدر في‬
‫مواجهـة المستأنفة بتاريخ ‪ 2005/11/23‬بناء على طلبها لم يقدم إال بتاريخ ‪ 2005/7/25‬أي بعـد‬
‫حوالي سنتين من تاريخ توصلها باإلنـذارباألداء الذي هـو ‪ 2003/9/19‬الذي ترتب عنه فسخ عقـد‬
‫الكراء المبرم بين الطرفين‪ ،‬وبالتالي فإن المستأنفـة ال يمكنها أن تستفيـد من المنـع أو الوقـف‬
‫المنصوص عليه في المادة ‪ 153‬من مدونة التجارة‪ ،‬باعتبار أن تقاعسها عن أداء الواجبـات‬
‫الكرائيـة المترتبـة بذمتهـا في األجل املحدد لها في اإلنـذارتكون قـد وضعـت حدا لهذه العلقـة منـذ‬
‫انتهاء األجل المذكور‪ "...‬مــع أن المادة ‪ 153‬من مدونة التجارة وردت بصفـة عامـة فيما يخص‬
‫إيقـاف حكم مسطرة التسويـة القضائيـة لكل الدعاوى التي يقيمهـا الدائنـون بديـون نشأت قبل‬
‫صـدورالحكم المذكوروالراميـة إلى أداء مبلـغ من المال أو فسخ عقـد لعدم أداء مبلغ من المال‪،‬‬
‫فجـاء قرارها فاسـد التعليـل المنـزل منزلـة انعـدامه وعرضة للنقض فيما قض ى به من تأييـد‬
‫الحكم االبتدائي القاض ي برفض طلب بطلن اإلنـذارباإلفـراغ"‪.435‬‬

‫والمتأمل في هذه الوسيلة أو القناة من قنوات تدخل القاض ي ونفاذه للعقد‪ ،‬يقف حول‬
‫حقيقة أن القاض ي هنا ال يمس بمضمون العقد‪ ،‬إذ أن تدخله يقف عند عتبة طريقة تنفيذه‪،‬‬

‫‪ 434‬عبـد الكريـم عبـاد‪ ،‬مرجـع سابـق‪ ،‬ص‪.272 :‬‬


‫‪ 435‬قـرار صادر عن المجلس األعلى عدد ‪ 2211‬بتاريـخ ‪ 17‬شتنبـر ‪ 2117‬في الملف عـدد ‪ ،2119/2/3/2227‬منشور بمجلة نشرة‬
‫قرارات المجلس األعلى ( الغرفـة التجاريـة)‪ ،‬الجزء ‪ ،9‬السلسلة ‪ 2‬سنـة ‪ ،2121‬ص‪.299 :‬‬

‫‪257‬‬
‫‪2023‬‬

‫فهو ال يرفع إرهاقا على المدين‪ ،‬وال يلقي بقسط منه على الدائن‪ ،‬بل كل ما في األمر أنه يتدخل‬
‫لمصلحة المدين حسن النية لمنحه مهلة حتى يسترجع عافيته وينفذ االلتزام على شاكلته األولى‬
‫دون أن يلحقه أي تغييرأو تعديل‪.436‬‬

‫وهو أمريستقيم ومضمون قاعدة وقف المتابعات في نظام صعوبات المقاولة‪ ،‬إذ يمكن‬
‫القول أن النظام قام باستلهام هذه الوسيلة من نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬إذ تطالعنا المواد‬
‫‪ 437555‬و‪ 438191‬من مدونة التجارة بقاعدة ذهبية تؤطرنظام صعوبات المقاولة‪ ،‬أال وهي قاعدة‬
‫وفق المتابعات الفردية كجدار يحول بين الدائنين والمقاولة‪ ،‬يمنعهم من القيام بأي إجراء في‬
‫سبيل الحصول على ديونهم‪ ،‬بحيث أنه وبالرجوع مثل للمادة ‪ 191‬من مدونة التجارة والتي توازي‬
‫المادة ‪ 555‬في مرحلة الوقاية تنص على أن كل دين ناش ئ في ذمة المقاولة قبل توقفها عن الدفع‬
‫يصبح خاضعا لوقف المتابعات الفردية‪ ،‬دونما االلتفاتة أو تمييز لطبيعة الدين كونه ثابتا أم‬
‫متنازع فيه‪.439‬‬

‫وال شك أن الغرض من وراء تسليح القاض ي في نظام صعوبات المقاولة بهكذا وسيلة‬
‫يتماش ى ومنظور نظرية الظروف الطارئة‪ ،‬على اعتبار أن ّ‬
‫السماح للدائنين بمواصلة المتابعات‬
‫ورفع الدعاوى على المقاولة أن يستنزف إمكانياتها‪ ،‬وهي في مرحلة حرجة تحتاج إلى تحصين‬
‫أصولها‪ ،‬إذ تعد بمثابة مدين حسن النية تحتاج إلى فترة تستعيد فيها نشاطها وحيويتها‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن فسح املجال أمام المطالبة بفسخ العقود فيه تقويض لكل جهود النهوض بالو اقع‬
‫المتردي للمقاولة و إقبارفرص انتشالها من ْ‬
‫وحـل اإلفلس‪.440‬‬

‫الفقـرة الثانيـة‪ :‬وقــف أداء الديون‬

‫‪ 436‬بـدر بوزكـاوي‪ ،‬مرجـع سابـق‪ ،‬ص‪.222 :‬‬


‫‪ 437‬جـاء في المـادة ‪ 999‬من مدونـة التجارة ما يلـي‪ ..." :‬يوقف هذا األمر ويمنع كل دعوى قضائية يقيمها كل دائـن ذي ديـن سابـق‬
‫لألمـر المشـار إليـه تكون غايتهـا‪:‬‬
‫‪ -‬الحكم على المدين بسداد مبلغ مالي‪.‬‬
‫‪ -‬فسخ عقد لعدم سداد مبلغ مالي‪.‬‬
‫كمـا يوقـف هـذا األمـر أو يمنـع كل إجـراء تنفيذي يباشـره الدائنـون على األمـوال المنقولـة أو األمـوال العقاريــة"‪.‬‬
‫‪ 438‬كما تنص المادة ‪ 919‬من مدونة التجارة على أنـه‪" :‬يوقف حكم فتح المسطرة أو يمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب‬
‫ديون نشأت قبل الحكم المذكور يرمي إلى‪:‬‬
‫‪ -‬الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال‬
‫‪ -‬فسخ عقد لعدم أداء مبلغ من المال"‪.‬‬
‫‪ 439‬عبد العزيز تزيد‪ ،‬أثـار الحكم بالتسوية القضائية أو التصفية القضائية على المتابعات الفردية‪ ،‬مجلة المعيار‪ ،‬العدد ‪ ،32‬ص‪.22-22 :‬‬
‫‪ 440‬عبـد الكريـم عبـاد‪ ،‬مرجـع سابـق‪ ،‬ص‪.217 :‬‬

‫‪258‬‬
‫‪2023‬‬

‫حرص المشرع المغربي على الحفاظ على اإلمكانيات المالية المتبقية للمقاولة‪ ،‬وقرر‬
‫عددا من التدابير القانونية لمنع تبذيـرها أو التصرف فيها لفائدة دائنين دون اآلخرين‪ ،‬ولذلك‬
‫نص على منع أداء الديون السابقة في النشأة على حكم التصفية القضائية‪ ،‬من أجل الحفاظ‬
‫على مستوى االئتمان العام الذي تشكله أموال المدين بالنسبة للدائنين‪ ،‬وتحقيق توزيع أموال‬
‫المقاولة باملحاصة بين كافة الدائنين‪ ،‬ولذلك فقد جعل المشرع المغربي من هذه القاعدة‬
‫قاعدة عامة شاملة لكافة الديون إال ما استثني منها صراحة‪ ،‬كما قرر جزاء واضحا في حالة‬
‫مخالفة أحكامها‪.441‬‬

‫هكـذا جاء في المادة ‪ 160‬من مدونـة التجـارة على أنـه‪ " :‬يترتـب عن حكـم فتـح المسطـرة‬
‫بقـوة القانـون منـع أداء كـل ديـن نشـأ قبـل صـدوره"‪.‬‬

‫ويعتبر تقرير مثل هذه القاعدة أمرا إيجابيا وضروريا بالنسبة للمقاولة الخاضعة‬
‫لمسطرة التسوية‪ ،‬وذلك بهدف الحفاظ على األصول الضرورية لمواصلة النشاط واإلنتاج‬
‫والشغل‪ ،‬حتى تتقوى حظوظ المقاولة في عملية التسوية‪ .‬بل إن المقاولة في حاجة أكثرفي هذه‬
‫الظروف الصعبة من حياتها لتمويلت ومساعدات مالية‪ ،‬حتى يمكن إنقاذها من الصعوبات‬
‫المالية واالقتصادية التي تعاني منها‪.‬‬

‫ومن شأن تطبيق هذه القاعدة أيضا أنها تدعم مبدأ المساواة في األداء‪ ،‬والذي يجب أن‬
‫يعم جميع الدائنين الناشئة ديونهم قبل فتح المسطرة‪.442‬‬

‫ومبدئيا‪ ،‬ال يشمل نطاق قاعدة المنع من أداء الديون سوى الديون السابقة النشأة عن‬
‫حكم فتح المسطرة‪ ،‬دون الديون التي نشأت بعد الحكم القاض ي بفتح المسطرة‪ ،‬التي تخضع‬
‫لمقتضيات المادة ‪ 560‬من مدونة التجارة والتي تنص على أنه‪" :‬يتم سداد الديون الناشئة‬
‫بصفة قانونية بعد صدورحكم فتح مسطرة التسوية القضائية‪ ،‬والمتعلقة بحاجيات سيرهذه‬
‫المسطرة أو تلك المتعلقة بنشاط المقاولة وذلك خلل فترة إعداد الحل في تواريخ استحقاقها‪.‬‬
‫وفي حالة تعذر أدائها في تواريخ استحقاقها‪ ،‬فإنها تؤدى باألسبقية على كل الديون األخرى سواء‬

‫‪ 441‬لحسـن زهـران‪ ،‬التصفيـة القضائيـة للمقاولـة وفق التشريـع والقضـاء‪ ،‬أطروحـة لنيـل شهادة الدكتـوراه في القانـون الخاص بكليـة‬
‫العلـوم القانونية واالقتصـادية واالجتماعيـة بالدار البيضاء‪ ،‬عين الشـق‪ -‬جامعـة الحسـن الثاني‪ ،‬السنـة الجامعيـة ‪ ،2119-2112‬ص‪:‬‬
‫‪.292‬‬
‫‪ 442‬عبـد الكريـم عبـاد‪ ،‬مرجـع سابـق‪ ،‬ص‪.311 :‬‬

‫‪259‬‬
‫‪2023‬‬

‫كانت مقرونة أم ال بامتيازات أو بضمانات‪ ،‬باستثناء األفضلية المنصوص عليها في المادتين ‪559‬‬
‫و‪ 515‬أعله"‪ .‬هكذا ارتأى المشرع المغربي تمتيع هذه الفئة من الدائنين بامتيازات خاصة‬
‫مقارنة مع الدائنين السابقة ديونهم في النشأة حكم فتح المسطرة‪ ،‬حتى تتمكن المقاولة من‬
‫الحصول على الموارد الضرورية من طرف المؤسسات المالية واألبناك‪.‬‬

‫وتشمل قاعدة المنع من أداء الديون السابقة سائر الديون كيفما كانت طبيعتها (ديون‬
‫مدنية أو تجارية أو ضريبية‪ .443)...‬كما تشمل سائرالدائنين‪ ،‬سواء كانوا دائنين عاديين أو دائنين‬
‫أصحاب امتيازات عامة أو خاصة أو أصحاب رهون‪.‬‬

‫ويتم تطبيق المنع من أداء الديون الناشئة قبل صدور الحكم القاض ي بفتح المسطرة‬
‫سواء على رئيس المقاولة الخاضعة لهذه المسطرة أو على السنديك‪ ،‬كما يهم هذا المنع جميع‬
‫طرق األداء‪ ،‬بما في ذلك استعمال األوراق التجارية أو التحويل البنكي أو حوالة الديون المهنية‬
‫أو أية وسيلة أخرى من وسائل األداء التي يتم التعامل بها‪.‬‬

‫وإذا كان تقرير هذه القاعدة يجد مبرره وتفسيره في االنعكاس اإليجابي على المقاولة من‬
‫حيث مدة إسهامها في تقوية فرص إنقاذها‪ ،‬فإن لها بالمقابل آثارعكسية على الدائنين بما يشكل‬
‫تهديدا وضربا ألهم الضمانات التي يقررها القانون‪ ،‬لكن قد نجد عذرا للمشرع في إقراره لهذه‬
‫القاعدة‪ ،‬وذلك من خلل محاولة تحقيق الحماية الجماعية لجمهور الدائنين على اختلف‬

‫‪ 443‬بالنسبة للمشرع الفرنسي‪ ،‬فقد استثنى من تطبيق القاعدة الديون العمالية ‪ ،‬والتي يجب تسويتها في اآلجال المشار إليها في المادة ‪L625-‬‬
‫‪ 8‬من القانون التجـاري الفرنسي التـي جـاء فيها ما يلـي‪:‬‬

‫‪« Nonobstant l'existence de toute autre créance, les créances que garantit le privilège établi aux articles‬‬
‫‪L. 143-10, L. 143-11, L. 742-6 et L. 751-15 du code du travail doivent être payées par l'administrateur sur‬‬
‫‪ordonnance du juge-commissaire, dans les dix jours du prononcé du jugement ouvrant la procédure de‬‬
‫‪redressement judiciaire, si l'administrateur dispose des fonds nécessaires.‬‬

‫‪Toutefois, avant tout établissement du montant de ces créances, l'administrateur doit, avec‬‬
‫‪l'autorisation du juge-commissaire et dans la mesure des fonds disponibles, verser immédiatement aux‬‬
‫‪salariés, à titre provisionnel, une somme égale à un mois de salaire impayé, sur la base du dernier bulletin‬‬
‫‪de salaire, et sans pouvoir dépasser le plafond visé à l'article L. 143-10 du code du travail. A défaut de‬‬
‫‪disponibilités, les sommes dues en vertu de deux alinéas précédents doivent être acquittées sur les‬‬
‫‪premières rentrées de fonds ».‬‬

‫‪261‬‬
‫‪2023‬‬

‫أصنافهم وألوانهم والمتعاقدين مع المقاولة المدينـة‪ ،‬ألن من شأن هذه القاعدة تدعيم مبدأ‬
‫المساواة بين الدائنين خصوصا الناشئة ديونهم قبل فتح المسطرة‪.444‬‬

‫ووعيا من المشرع المغربي بأهمية قاعدة وقف أداء الديون‪ ،‬فإنه نص على هذا القيد‬
‫حتى بالنسبة لمرحلة الوقاية‪.445‬‬

‫هذا وبالرجوع إلى أحكام المادة ‪ 446161‬من مدونة التجارة‪ ،‬نلحظ ونقف حول حقيقة‬
‫مفادها إقراروترتيب المشرع لجزاء البطلن ألي أداء أو تسديد ثم خرقا لقاعدة منع أداء الديون‬
‫السابقة لمرحلة فتح المسطرة‪ ،‬مما يدل وبشكل قاطع على ارتباط قاعدة منع أداء الديون‬
‫السابقة بمجال النظام العام‪ ،‬ال أدل على ذلك إمكانية تقديم طلب إبطال العقد من كل ذي‬
‫مصلحة طبقا ألحكام المادة ‪ 161‬من مدونة التجارة‪.‬‬

‫الفقرة الثالثـة‪ :‬وقــف سريان الفوائـد‬

‫ال تنسجم الغاية من مساطر المقاولة مع استمرار الديون في إنتاج الفوائد‪ ،‬ألن ذلك‬
‫سيزيد من التكاليف المالية‪ ،‬وسيقوض مبدأ المساواة بين الدائنين بحيث يستفيد الدائنون‬
‫المقرونة ديونهم بفوائد من الوضع المالي المضطرب للمقاولة‪ ،‬ومن فعل التأخيرالذي قد يقع‬

‫‪ 444‬عمـر السكتـاني‪ ،‬نظـام التعاقـد بين ثوابـت النظريـة الع امـة لاللتـزامات ومتغيـرات قانـون صعوبـات المقاولـة‪ :‬دراسـة تحليليـة في‬
‫ضوء تطـور التشريـع ومواقـف الفقـه وأحكـام القضـاء‪ ،‬مداخلـة تمت المساهمـة بها ضمن أشغـال الملتقـى الدولي المنظـم من طرف كلية‬
‫الحقـوق بمراكـش يومي ‪ 29 -22‬يونيـو ‪ ،2123‬تحت عنـوان‪ " :‬قانون االلتزامات والعقـود بعـد ‪ 211‬سنـة"‪ ،‬ص‪329 :‬‬
‫‪ 445‬تنـص المـادة ‪ 999‬من مدونـة التجـارة على أنـه‪ " :‬إذا تبين للمصالح أو رئيس المقاولة أن الوقف المؤقت لإلجراءات من شأنه‬
‫تسهيل إبرام اتفاق مع الدائنين‪ ،‬عرض األمر على رئيس المحكمة‪ ،‬ويمكن لهذا األخير بعد االستماع لرأي الدائنين الرئيسيين‪ ،‬أن يصدر‬
‫أمرا يحدد مدة الوقف في أجل ال يتعدى مدة قيام المصالح بمهمته‪.‬‬

‫يوقف هذا األمر أو يمنع كل دعوى قضائية يقيمها كل دائن ذي دين سابق لألمر المشار إليه تكون غايتها‪:‬‬

‫‪ .2‬الحكم على المدين بسداد مبلغ مالي؛‬


‫‪ .2‬فسخ عقد لعدم سداد مبلغ مالي‪.‬‬
‫كما يوقف هذا األمر أو يمنع كل إجراء تنفيذي يباشره الدائنون على األموال المنقولة أو األموال العقارية‪.‬‬

‫توقف تبعا لذلك اآلجال المحددة تحت طائلة سقوط الحقوق أو فسخها‪.‬‬

‫يمنع األمر القاضي بالوقف المؤقت لإلجراءات‪ ،‬تحت طائلة البطالن‪ ،‬السداد الكامل أو الجزئي ألي دين سابق لهذا األمر‪ ،‬أو األداء‬
‫للضامنين الذين يوفون بالديون المؤسسة سابقا وكذا القيام بتصرف خارج عن التسيير العادي للمقاولة‪ ،‬أو منح رهن رسمي أو رهن‪ ،‬ما‬
‫لم يصدر ترخيص من رئيس المحكمة‪.‬‬

‫ال يطبق هذا المنع على الديون الناجمة عن عقود الشغل"‪.‬‬

‫‪ 446‬جاء في المـادة ‪ 972‬من مدونـة التجـارة على أنـه‪ " :‬يبطل كل عقد أو تسديد تم خرقا لمقتضيات المادة السابقة وذلك بطلب من كل‬
‫ذي مصلحة يقدمه داخل أجل ثالث سنوات ابتداء من تاريخ إبرام العقد أو أداء الدين‪ ،‬أو من تاريخ إشهار العقد حينما يستلزم القانون ذلك"‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫‪2023‬‬

‫أثناء سداد هذه الديون‪ .‬وقد حرص المشرع المغربي على تقرير مبدأ وقف سريان الفوائد‬
‫بالنسبة للمقاولة الخاضعة لمسطرة التصفية القضائية‪ ،‬وذلك إقـرار منـه لنظريـة الظروف‬
‫الطارئـة‪ ،‬وجعل هذا الحكم عاما وشامل لكافة الفوائد وواجب التطبيق على كافة الديون كيفما‬
‫كان نوعها أو حجمها‪ ،‬وذلك للحد من النزيف المالي الذي تتعرض له‪ ،‬إذ يصبح البحث عن إنقاذ‬
‫رؤوس األموال أولى من البحث عن إنقاذ الفوائد‪.447‬‬

‫هكـذا نص المشرع على حكم عام بالنسبة للفوائد المشمولة بقاعدة الوقف‪ ،‬حيث جاء‬
‫في المادة ‪ 162‬من مدونـة التجارة على أنه‪ " :‬يوقف حكم فتح المسطرة سريان الفوائد القانونية‬
‫واالتفاقية وكذا كل فوائد التأخير وكل زيادة"‪ .‬وبهذا‪ ،‬فإن الوقف يشمل كافة أنواع الفوائد‬
‫سواء القانونية أو االتفاقية‪ ،‬وكذا كافة فوائد التأخيروالزيادات‪ ،‬وعلى خلف القانون المغربي‪،‬‬
‫فإن القانون الفرنس ي تعامل مع قاعدة وقف سريان الفوائد بنوع من الحرص‪ ،‬بحيث لم يجعل‬
‫القا عدة عامة وشاملة لكافة الفوائد‪ ،‬بل استثنى منها الفوائد المترتبة عن أي عقد قرض تبرمه‬
‫المقاولة لمدة تساوي أو تزيد على سنة‪ ،‬وكذا كافة العقود المقرونة بتأجيل األداء لمدة تساوي‬
‫أو تزيد على سنة‪ ،‬وذلك طبقا لمقتضيـات المادة ‪ L622-28‬من القانون التجـاري الفرنسـي‪،448‬‬
‫وقد سعى المشرع الفرنس ي من خلل تقريرهذا االستثناء إلى تشجيع األبناك ومؤسسات القرض‬
‫على منح قروض للمقاوالت التي تعاني صعوبات مالية قصد مساعدتها على تجاوزهذه المرحلة‪،‬‬
‫وهو بتحديده ألجل السنة فما فوق يكون قد شجع القروض الطويلة األمد على حساب القروض‬
‫القصيرة األمد‪ ،‬وقد شايع جانب من الفقه المغربي هذا االتجاه في القانون الفرنس ي‪ ،‬بينما ذهب‬
‫جانب آخرإلى تحبيذ موقف المشرع المغربي‪ ،‬الذي لم يستثني من قاعدة وقف سريان الفوائد‬

‫‪ 447‬لحسـن زهـران‪ ،‬مرجــع سابـق‪ ،‬ص‪.291 :‬‬


‫‪ 448‬جـاء في المـادة ‪ L622-28‬من القانـون التجـاري الفرنسـي ما يلــي‪:‬‬
‫‪« Le jugement d'ouverture arrête le cours des intérêts légaux et conventionnels, ainsi que de tous‬‬
‫‪intérêts de‬‬
‫‪retard et majorations, à moins qu'il ne s'agisse des intérêts résultant de contrats de prêt conclus pour‬‬
‫‪une‬‬
‫‪durée égale ou supérieure à un an ou de contrats assortis d'un paiement différé d'un an ou plus. Les‬‬
‫‪personnes‬‬
‫‪physiques coobligées ou ayant consenti une sûreté personnelle ou ayant affecté ou cédé un bien en‬‬
‫‪garantie‬‬
‫‪peuvent se prévaloir des dispositions du présent alinéa. Nonobstant les dispositions de l'article 1343-2‬‬
‫‪du‬‬
‫‪code civil, les intérêts échus de ces créances ne peuvent produire des intérêts ».‬‬

‫‪262‬‬
‫‪2023‬‬

‫أي نوع من القروض‪ ،‬حيث اعتبر أحمد شكري السباعي أن االستثنائيين الواردين في المادة‬
‫‪ L622-28‬من القانون التجـاري الفرنسـي يختلقان مشاكل في الممارسة العملية تتعلق بكيفية‬
‫حسابهما قد يؤديان إلى إرهاق المقاولة‪ ،‬وخلص إلى أن المشاكل في ذلك تفوق المنافع‬
‫واألهداف التي يروم المشرع تحقيقها‪ ،‬ولذلك حسنا فعل التشريع المغربي حينما رجح األخذ‬
‫بها‪ .449‬وواضح أن الحديث عن منافع أو مساوئ قاعدة وقف سريان الفوائد‪ ،‬ال يطرح بشكل‬
‫حاد بالنسبة لمسطرة التصفية القضائية‪ ،‬حيث تكون المقاولة قد وصلت إلى مراحل متقدمة‬
‫من االنهيار‪ ،‬ال تنفع معها أية علجات مالية قد تصلها عبر قروض سواء قصيرة األجل أو طويلة‬
‫األجل‪ ،‬ومهما كانت طبيعة الديون أو الدائنين‪.450‬‬

‫وأمام حضـورهاجس حمايـة الدائنين‪ ،‬فإن المشـرع ارتـأى عـدم تـرك قاعـدة وقـف سريـان‬
‫الفوائـد مستمـرة‪ ،‬بـل وضـع لها حـدا في حـال تبنـي مخطط اإلنقـاذ أو مخطـط االستمراريـة من‬
‫قبـل املحكمـة‪ ،451‬هذا وبإعمـال مفهـوم املخالفـة‪ ،‬فإنه وفي حالـة استقـرار املحكمـة على مخطط‬
‫غيـرمخطط اإلنقـاذ وال مخطط االستمراريـة‪ ،‬فإن القاعـدة تبقـى ساريـة المفعـول‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫إدريـس بنشقـرون‪ ،‬أثـر تغيـر الظروف االقتصـادية على العقـد‪ ،‬مجلـة القصـر‪ ،‬العـدد‬
‫الثاني‪ -‬ماي ‪2002‬‬

‫أحمـد شكـري السباعـي‪ ،‬مسطرة التسويـة القضائيـة والتصفيـة القضائيـة وتمويـل‬


‫المقاولـة‪ ،‬مجلـة املحاكـم المغربيـة‪ ،‬عـدد ‪ 90‬ينايـر‪ -‬فبرايـر‪.2000‬‬

‫لطيفـة وراوي‪ ،‬إعـادة النظـر في االلتزامات المرهقـة‪ ،‬رسالـة لنيل دبلـوم الدراسات العليا‬
‫المعمقـة في القانون الخاص بكلية العلوم القانونية واالقتصاديـة واالجتماعية بوجـدة‪ -‬جامعـة‬
‫محمد األول‪ ،‬السنة الجامعيـة ‪.2007 -2001‬‬

‫‪ 449‬أحمـد شكري السباعي‪ ،‬الوسيـط في مساطـر الوقايـة من الصعوبـات التي تعتـرض المقاولـة ومسـاطر معالجتهـا‪ ،‬دار النشـر المعرفـة‪،‬‬
‫طبعـة ‪ ،2111‬ص‪.222 :‬‬
‫‪ 450‬لحسـن زهـران‪ ،‬مرجــع سابـق‪ ،‬ص‪.292 :‬‬
‫‪ 451‬حيث نصـت المادة ‪ 973‬من مدونـة التجارة على أنـه‪ " :‬يستأنـف سريـان الفوائـد ابتداء من تاريـخ الحكـم المحـدد لمخطط اإلنقـاذ أو‬
‫الحكـم المحدد لمخطط االستمراريـة"‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫‪2023‬‬

‫محمد عبد الرحيم عنبر‪ ،‬الوجيز في نظريـة الظروف الطارئـة‪ ،‬مطبعـة زهـران‪ -‬القاهـرة‪،‬‬
‫دون ذكر رقـم الطبعة‪ ،‬سنـة ‪.1697‬‬

‫محمد الكشبـور‪ ،‬نظـام التعاقـد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ -‬الدارالبيضاء‪ ،‬الطبعـة األولى‪ ،‬سنة ‪1413‬هـ‪1663 -‬م‪.‬‬

‫املختـار عطـار‪ ،‬النظرية العامـة لللتزامات في ضوء القانون المغربـي‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ -‬الدارالبيضاء‪ ،‬الطبعـة األولـى‪1432 :‬هـ‪2011 -‬م‪.‬‬

‫عادل مبارك المطيرات‪ ،‬أحكام الجوائـح في الفقه اإلسلمي وصلتها بنظريتي الضرورة‬
‫والظروف الطارئـة‪ ،‬بحث مق ّـدم لنيل درجة الدكتوراه بكلية دار العلـوم‪ -‬جامعـة القاهرة‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية‪1422 :‬هـ‪2001 -‬م‪.‬‬

‫نبيـل المصباحـي‪ ،‬مساطـر صعوبـات المقاولـة التجاريـة‪ :‬هل تحتـاج إلى اإللغـاء أم إلى‬
‫اإلصـلح فقـط‪ ،‬مجلـة الملـف‪ ،‬العـدد العاشـر‪ ،‬أبريـل ‪.2007‬‬

‫عبـد الرحيـم شميعـة‪ ،‬إجراءات الوقايـة والمعالجـة من صعوبات المقاولـة طبقـا للقانون‬
‫‪ ،91.14‬مطبعـة سجلماسـة‪ ،‬الطبعـة األولى‪.‬‬

‫بـدر بوزكـاوي‪ ،‬موقـع نظرية الظروف الطارئـة في نظام صعوبـات المقاولـة‪ ،‬رسالـة لنيل‬
‫دبلـوم الماستر في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية السويس ي‪-‬‬
‫جامعـة محمد الخامـس‪ ،‬السنة الجامعيـة‪.2011 /2015 :‬‬

‫الظهيـر الشريـف رقـم ‪ 1.19.21‬الصـادر في ‪ 02‬شعبان ‪ 16( 1436‬أبريـل ‪ )2019‬القاض ي‬


‫بتنفيـذ القانون رقـم ‪ 73.17‬بنسخ وتعويض الكتاب الخامـس من القانون رقـم ‪ 15.65‬المتعلـق‬
‫بمدونـة التجارة‪ ،‬فيمـا يخـص مساطـرصعوبـات المقاولـة‪ ،‬منشـوربالجريـدة الرسميـة عـدد ‪1117‬‬
‫بتاريخ ‪ 23‬أبريـل ‪ ،2019‬ص‪.2345 :‬‬

‫زكريـاء العمـاري‪ ،‬مفهـوم الصعوبات المالية المبررة إلخضـاع المقاولـة إلجـراء التسويـة‬
‫الوديـة‪ ،‬مجلـة القضـاء المدني‪ ،‬العـدد الثاني‪ ،‬سنـة ‪.2010‬‬

‫‪264‬‬
‫‪2023‬‬

‫فاتحة مشماش ي‪ ،‬الصفة العقابية لإلفلس‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في‬
‫القانون الخاص بكلية العلوم القانونية واالقتصاديـة واالجتماعيـة بالرباط‪ -‬جامعـة محمد‬
‫الخامس‪ ،‬سنـة ‪.1665‬‬

‫قـرارصادرعن محكمة النقـض المصرية بتاريخ ‪ ،1693/01/31‬مجموعـة أحكام النقض‪،‬‬


‫طعن رقم ‪ 1514‬س ‪ ،51‬ق‪ .‬منشورفي مجموعة نادي القضاة العـدد ‪ ،95-90‬الجزء ‪ ،2‬ص‪.34 :‬‬

‫حكـم صـادر عن املحكمة التجارية بأكاديـر رقم ‪ 66/3‬بتاريخ ‪ 14‬ماي ‪ ،1666‬ملـف رقـم‬
‫‪ ،66/2‬منشـوربمجلـة المر افعـة‪ ،‬العـدد العاشـر‪ ،‬مارس ‪ ،2000‬ص‪.332 :‬‬

‫حكم صـادر عن املحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم ‪ 69/346‬بتاريخ ‪ 1669/9/3‬ملف‬


‫رقم ‪( 1064/69‬حكم غيرمنشور)‪.‬‬

‫عبـد الرحيـم السـادكي‪ ،‬التوقـف عن الدفـع و أثـره على تصـرفات المديـن خـلل فتـرة‬
‫الريبـة‪ ،‬رسالـة لنيـل دبلـوم ماستـر قانون األعمـال بكلية العلوم القانونية واالقتصـادية‬
‫واالجتماعيـة بمراكـش‪ -‬جامعـة القاضـي عيـاض‪ ،‬السنـة الجامعيـة ‪.2010 -2006‬‬

‫عبـد الرحيـم السادكـي‪ ،‬التوقـف عن الدفـع و أثـره على تصـرفات المديـن خـلل فتـرة‬
‫الريبـة‪ ،‬رسالـة لنيـل دبلـوم ماستـر قانون األعمـال بكلية العلوم القانونية واالقتصـادية‬
‫واالجتماعيـة بمراكـش‪ -‬جامعـة القاضـي عيـاض‪ ،‬السنـة الجامعيـة ‪.2010 -2006‬‬

‫قـرارصـادرعن محكمـة النقـض عـدد ‪ 201‬بتاريـخ ‪ 10‬أبريـل ‪ 2014‬في الملـف التجـاري عـدد‬
‫‪ ،2013/1/3/1259‬منشـور بمجلـة نشـرة قـرارات محكمـة النقـض (الغرفـة التجاريـة)‪ ،‬السلسلـة‬
‫الرابعـة‪ ،‬العـدد ‪ ،17‬سنـة ‪ ،2014‬ص‪.77 :‬‬

‫حكـم صـادرعن املحكمة التجارية بمراكش رقـم ‪ 2000/35‬بتاريخ ‪ 2000/01/17‬ملف رقم‬


‫‪ ، 66/373‬منشـوربمجلة املحامي‪ ،‬عـدد ‪ -36‬يوليوز‪ ،2001‬ص‪.215 :‬‬

‫قـرار صادر عن املجلس األعلى عدد ‪ 1299‬بتاريـخ ‪ 06‬شتنبـر ‪ 2006‬في الملف عـدد‬
‫‪ ،2007/2/3/1126‬منشور بمجلة نشرة قرارات املجلس األعلى ( الغرفـة التجاريـة)‪ ،‬الجزء ‪،5‬‬
‫السلسلة ‪ 2‬سنـة ‪ ،2010‬ص‪.117 :‬‬

‫‪265‬‬
‫‪2023‬‬

‫عبد العزيز تزيد‪ ،‬أثـار الحكم بالتسوية القضائية أو التصفية القضائية على المتابعات‬
‫الفردية‪ ،‬مجلة المعيار‪ ،‬العدد ‪.31‬‬

‫‪266‬‬
‫‪2023‬‬

‫الوساطة اإللكترونية ودورها في حل المنازعات التجارية‬


‫‪Electronic mediation and its role in resolving commercial disputes‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫تبرز أهمية البحث في موضوع الوساطة االلكترونية من خلل كونه يتخذ مرجعا له‬
‫وأرضية النطلقه فضاء اليزال بدوره حديث النشأة أال وهو االنترنيت‪ ،‬ومما ال شك فيه أن من‬
‫أكثر وسائل االتصال شيوعا واستخداما من قبل المتعاملين في حقل التجارة الدولية‪ ،‬شبكة‬
‫المعلومات الدولية (األنترنت)‪ ،‬نظرا لما توفره من مزايا عديدة في شتى مجاالت العلوم‬
‫والمعرفة‪ ،‬وهو ما دفع التجار والمتعاملين في ميدان التجارة الدولية إلى التقليل من اللجوء إلى‬
‫وسائل وأساليب التعاقد التقليدية‪ ،‬واالنتقال إلى استخدام األساليب الحديثة المتمثلة في‬
‫التعاقد عبراالنترنت‪.‬‬

‫وألن التجارة تظل محتفظة بكثير من خصائصها المشتركة بين نوعيها التقليدي‬
‫والحديث‪ ،‬فإنه من الطبيعي أن نلحظ نشوء إشكاليات ومنازعات قانونية بين األطراف الفاعلة‬
‫في املجال التجاري يكون ‪ -‬بطبيعة الحال ‪ -‬مرجعها املجال الجديد الذي تدور فيه الوقائع‬
‫التجارية وهو األنترنيت‪ ،‬حيث تثور إشكاالت تتعلق بانعقاد العقد وتنفيذه أو تفسيره أو إثباته‪.‬‬
‫وألجل التكيف والتفاعل االيجابي مع الو اقع الجديد فقد ظهرت العديد من الوسائل السلمية‬
‫لحل مثل تلك المنازعات؛ كالتحكيم‪ ،‬الصلح‪ ،‬المفاوضات وكذلك الوساطة‪.‬‬

‫‪267‬‬
2023

.‫ مراكز‬،‫ المنازعات التجارية‬،‫ العقود‬،‫ اإللكترونية‬،‫ الوساطة‬:‫الكلمات المفاتيح‬

Summary of the study:

The importance of the research about electronic mediation is underlined


by the fact that it takes a reference and a basis to launch it in a still new space that
is the Internet, and there is no doubt that one of the most common means of
communication that traders use in the field of international trade is the
international information network (Internet), Due to the advantages it offers
many in various fields of science and knowledge, which has prompted traders and
workers in the field of international trade to reduce dependence on traditional
means and methods of purchase and use modern methods of online purchasing.

And because commerce retains many of its common characteristics


between its traditional and modern types, it is natural to witness the emergence
of legal problems and conflicts between actors in the commercial field, whose
reference, of course, refers to the new field in which commercial realities revolve,
which is the Internet, where problems arise with regard to the conclusion of the
contract and its execution, interpretation or proof. In order to adapt and interact
positively with the new reality, many peaceful means have emerged to resolve
these differences. Such as arbitration, conciliation, negotiations and mediation.

Keywords: mediation, electronic, contracts, centers, commercial disputes.

‫مقدمة‬

‫انعكس ظهور وسائل االتصال الحديثة المرتبطة باألنترنت كالبريد اإللكتروني ووسائل‬
‫ حيث أتاحت هذه الوسائل‬،‫التواصل االجتماعي على مفهوم التجارة واألعمال التجارية‬
‫للمتعاملين فيها إمكانيات عديدة كالتسويق و إبرام العقود في فضاء خيالي دون الحاجة إلى‬
‫ فأصبح تبادل السلع والخدمات ودفع مقابلها وغيرها من العمليات‬،‫التنقل أو التواجد المادي‬

268
‫‪2023‬‬

‫غاية في السهولة‪ ،‬وبأقل تكلفة و أقل جهد ووقت ممكن‪ ،‬وأصبحت العقود المبرمة عبر هذه‬
‫الوسائل تسمى بعقود التجارة اإللكترونية‪.‬‬

‫تعد العقود اإللكترونية عقود دولية عابرة للحدود ال تدخل ضمن حدود دولة معينة‪،‬‬
‫ويمكن أن تكون تجارية أومدنية وفق طبيعة كل عقد والعلقة التي تربط أطراف العقد‪ ،‬وتعرف‬
‫التجارة اإللكترونية بأنها تنفيذ بعض أوكل المعاملت التجارية في السلع والخدمات التي تتم بين‬
‫مشروع تجاري وآخر‪ ،‬أو بين مشروع تجاري ومستهلك‪ ،‬وذلك باستخدام تكنولوجيا المعلوميات‬
‫واالتصاالت‪452 .‬‬

‫وألن التجارة تبقى من حيث طابعها العام هي نفسها‪ ،‬فإنها تظل محتفظة بكثير من‬
‫خصائصها‪ ،‬التي تبقى مشتركة بين نوعيها التقليدي والحديث‪ ،‬حيث يلحظ نشوء إشكاليات‬
‫ومنازعات قانونية بين األطراف الفاعلة في املجال التجاري ‪-‬بطبيعة الحال‪ -‬عبراألنترنيت‪ ،‬حيث‬
‫تثور إشكاالت تتعلق بانعقاد العقد وتنفيذه أو تفسيره أو إثباته‪ .‬وألجل التكيف والتفاعل‬
‫االيجابي مع الو اقع الجديد فقد ظهرت العديد من الوسائل السلمية لحل مثل تلك المنازعات؛‬
‫كالتحكيم والصلح والمفاوضات وكذلك الوساطة‪.‬‬

‫وتعتبرالوساطة اإللكترونية إحدى طرق تسوية المنازعات بصورة عامة‪ ،‬على الرغم من‬
‫أن التحكيم ما يزال هو الوسيلة األساسية البديلة عن القضاء الرسمي في حسم المنازعات‬
‫التجارة الدولية إال أن الوساطة عبر الوسائل االلكترونية الحديثة التي تعد الواليات المتحدة‬
‫األمريكية مهد والدتها أضحت تفرض نفسها وتقف إلى جانب التحكيم‪ ،‬فهي عموما موضوع من‬
‫الموضوعات المستحدثة والتي ما زالت في طور النشوء‪ ،‬والتي لم تنتشر بصورة كبيرة إال في‬
‫العقدين األخيرين‪ ،‬بالرغم مما يسجله كثير من الباحثين من بطء وثيرة انتشارها بالمقارنة مع‬
‫التحكيم‪.‬‬

‫وظهور الوساطة االلكترونية ما هو إال استجابة للدعوات المتزايدة‪ ،‬يوما بعد آخر ‪،‬‬
‫إليجاد قضاء مريح للطرفين المتنازعين‪ ،‬وعدالة فاعلة‪ ،‬خارج أسوار املحاكم الرسمية‪،‬‬

‫‪ -452‬بوجمعة جعفر‪ ،‬الوسائل اإللكترونية لحل منازعات عقود التجارة اإللكترونية‪ ،‬مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في العلوم القانونية‪،‬‬
‫جامعة إكلي محند أولحاج البويرة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ، 6105 -‬ص ‪.6‬‬

‫‪269‬‬
‫‪2023‬‬

‫وبالسرعة المنشودة من قبل األطراف وبأقل تكلفة‪ ،‬من خلل التوفيق بين الخصوم‪ ،‬مفاوضات‬
‫ال يكون فيها طرف غالب وطرف مغلوب‪ ،‬ودون أن يترتب على ذلك أية قطيعة بين الطرفين‪.‬‬

‫سأعتمد في مقالي هذا منهجا تحليليا مقارنا من خلل إجراء بعض المقارنات ما بين بعض‬
‫التشريعات العربية كقانون الوساطة االردني على سبيل المثال‪ ،‬وبعض االتفاقيات الدولية‬
‫والقواعد التي تحكم هذا الموضوع‪ ،‬ومنها قانون اليونسترال النموذجي للتوفيق التجاري لعام‬
‫‪ ،2002‬وقانون نظام المركزالعربي لتسوية المنازعات في األردن‪ ،‬وكذلك معاييرسلوك الوسطاء‬
‫المعتمد من قبل نقابتي التحكيم واملحامين األمريكيتين عام ‪ ،1664‬مع إبرازتجربة بعض مراكز‬
‫الوساطة اإللكترونية‪.‬‬

‫وتبدوا أهمية الموضوع من الناحية النظرية في كون النزاعات اإللكترونية ما زالت حديثة‬
‫النشأة‪ ،‬ووضع حلول لهذه المنازعات يستدعي إعادة النظر في القوانين السارية المفعول‬
‫وتدارك الفراغ التشريعي بسن قوانين تتفق مع طبيعة منازعات التجارة اإللكترونية‪ ،‬وأما من‬
‫الناحية العملية فتظهر أهميته في كون أن المشرع المغربي لم ينظم الوساطة اإللكترونية‬
‫تنظيما خاصا باإلضافة إلى غياب مراكزعبرالمو اقع اإللكترونية‪.‬‬

‫ولما كان مفهوم الوساطة االلكترونية يفيد في مجمله تسوية النزاع بطريقة ودية بين‬
‫الطرفين‪ ،‬عن طريق تدخل طرف ثالث محايد يتولى عملية الوساطة وتقريب وجهات النظر بين‬
‫ً‬
‫الطرفين وصوال الى حل يرضيهما‪ ،‬فإن اإلشكالية تثار بخصوص مدى إحاطة المشرع المغربي‬
‫بمختلف جوانب الوساطة اإللكترونية بالمقارنة بالتشريعات المقارنة؟‬

‫ولإلجابة عن هذه اإلشكالية فإنه تقتض ي من بين ما تقتضيه تجاوزحدود المفهوم اللغوي‬
‫للوساطة اإللكترونية إلى البحث في عناصره الجوهرية التي تهم الخصائص‪ ،‬الشروط‪ ،‬األنواع‪،‬‬
‫اآلليات‪ ،‬وكذا الحدود‪ ،‬وهو ما سأعمل على تناوله من خلل الدراسة اآلتية‪ ،‬حيث قسمت‬
‫موضوعها إلى مبحثين‪ ،‬كل منهما يتناول مطلبين‪ ،‬لكل مطلب من هذه المطالب فقرتان‪ ،‬وفق‬
‫التصميم اآلتي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬ماهية الوساطة االلكترونية عبرالوسائل اإللكترونية‪:‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مراكزالوساطة االلكترونية ودورها في تسوية المنازعات التجارية‬

‫‪271‬‬
‫‪2023‬‬

‫خاتمة‪.‬‬

‫االلكترونية‬ ‫الوسائل‬ ‫عبر‬ ‫الوساطة‬ ‫ماهية‬ ‫األول‪:‬‬ ‫المبحث‬


‫إن دراستي هذه تستهدف باألساس الوساطة اإللكترونية‪ ،‬لذلك وجب الوقوف على تعريفها‬
‫وبيان خصائصها (المطلب األول)‪ ،‬وسأبرز أنواع الوساطة االلكترونية وتنظيمها القانوني‬
‫(المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف الوساطة عبر الوسائل االلكترونية وخصائصها‬


‫الفقرة األولى‪ :‬تعريف الوساطة االلكترونية‬

‫تقوم الوساطة في فلسفتها العامة على مقاربة أساسية هي رابح – رابح‪ ،‬وهي بمفهومها‬
‫التقليدي وسيلة غير قضائية من وسائل تسوية المنازعات بصورة ودية‪ ،‬تقتض ي وجود طرف‬
‫ثالث؛ يسمى الوسيط‪ ،‬يعمل على تقريب وجهات النظر بين الطرفين المتنازعين‪ ،‬للوصول إلى‬
‫اتفاق نهائي من خلل التوصيات غير الملزمة التي يقدمها الوسيط‪ ،‬وهي كذلك من الوسائل‬
‫البديلة لحل المنازعات تتم تحت قيادة شخص محايد‪ ،‬يقوم بتسهيل الطريق علي األطراف‪،‬‬
‫و إيصالهم إلى اتفاق مقبول منهم‪ ،‬من خلل شرحه المكاسب التي يمكن أن يحققوها بالوصول‬
‫إلى حل عن طريق االتفاق بدال من اللجوء إلى القضاء‪.453‬‬

‫وقد ورد تعريف الوساطة في المادة األولى من قانون اليونسترال النموذجي للتوفيق‬
‫التجاري لعام ‪ ، 2002‬والذي عرفها بأنها عملية يتم من خللها حل النزاع وديا بالوساطة‪ ،‬مع‬
‫محاولة الوسيط الوصول لحل ودي للنزاع العقدي‪ ،‬أو القانوني‪ ،‬دون أن يملك سلطة إجبار‬
‫المتنازعين على قبول الحل‪.454‬‬

‫كما عرفتها المادة األولى من نظام المركز العربي لتسوية المنازعات في األردن بأنها‬
‫"الوسيلة التي يتم بموجبها السعي لفض النزاع دون أي سلطة للوسيط أو الموفق لفرض قراره‬

‫‪ -453‬بنسالم أوديجا‪ ،‬الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات‪ ،‬مطبعة دار القلم‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 0996‬ص ‪. 15 ، 15‬‬
‫‪ -454‬قانون االونسترال النموذجي للتوفيق التجاري الدولي لألمم المتحدة ‪ /‬نيويورك لعام ‪.6116‬‬

‫‪271‬‬
‫‪2023‬‬

‫في النزاع‪ ،‬وذلك عن طريق تقريب وجهات النظر‪ ،‬و إبداء اآلراء االستشارية التي تتيح الوصول‬
‫للحل بهذه الوسيلة‪" 455‬‬

‫كما ورد تعريف الوساطة ضمن معايير سلوك الوسطاء‪ ،‬المعتمد من قبل نقابتي‬
‫التحكيم واملحامين األمريكيتين عام ‪ 1664‬في القسم الخاص بحل النزاعات‪ ،‬بأنها عملية تقوم‬
‫فيها جهة ثالثة محايدة بتسهيل حل النزاع من خلل تشجيع الوصول إلى اتفاقية‪ ،‬طواعية من‬
‫قبل األطراف المتنازعة‪ ،‬وذلك بتيسير االتصال والتفاهم بينهم‪ ،‬والسعي للوصول إلى أفضل‬
‫الحلول للنزاع‪ ،‬لتمكين األطراف من الوصول إلى اتفاق‪.456‬‬

‫ومن التعريفات الجامعة للوساطة بمفهومها التقليدي ما أورده األستاذ ‪ ،Beven‬بأنها‬


‫تدخل طرف ثالث محايد بين طرفي النزاع من أجل الوصول إلى صيغة نهائية لتسوية النزاع‪.457‬‬

‫وعموما فالوساطة هي إحدى آليات الحلول البديلة لفض النزاعات المعروضة في بلدان‬
‫عديدة وتشمل صورا مختلفة منها " الوساطة القضائية ‪ ،‬الوساطة الخاصة ‪ ،‬الوساطة‬
‫االتفاقية‪ ".‬وفي ضوء ما سبق يتبلور مفهوم الوساطة وتتحدد ماهيتها‪ ،‬في أنها عملية تطوعية‬
‫تقوم على إرادة طرفي النزاع في اللجوء اليها‪ ،‬يعمل فيها األطراف مع شخص ثالث يسمى الوسيط‪،‬‬
‫يتمتع بصفتي النزاهة والحياد ال يجاد حل مقبول للطرفين ينهي النزاع لذلك فهي ال يمكن ان‬
‫ً‬
‫تكون وسيلة فعالة جدا في حل المنازعات اال اذا شارك طرفا النزاع في إجراء التسوية وكانوا‬
‫راغبين فعل في التوصل إلى حل وسط ينتهي به النزاع‪ .‬من هنا فإن الوساطة ليست عملية‬
‫قضائية أو عملية تكميلية أو أنها عملية تجعل أطراف النزاع يعيشون في حالة من التوتروالقلق‬
‫وعدم االرتياح‪ ،‬و إنما هي مصممة إلعطاء األطراف المتنازعة أدوارا ومسؤوليات متساوية‪.‬‬

‫وإلى جانب هذا المفهوم التقليدي الذي أتيت على تقديمه‪ ،‬هناك مفهوم حديث‬
‫للوساطة‪ ،‬نابع من تدخل أجهزة االتصال الحديثة ومنها شبكة االنترنيت في إجرائها‪ ،‬فيقصد‬
‫بالوساطة عبراالنترنيت أو الوساطة االلكترونية ‪ :‬اتصال طرف ثالث محايد مع طرفي النزاع على‬
‫شبكة االنترنيت‪ ،‬من أجل الوصول إلى تسوية نهائية لهذا النزاع‪ ،‬أو هي وسيلة لحل نزاعات عقود‬

‫‪ -455‬قانون الوساطة االردني ‪ ،‬عمان ‪ ،‬رقم ‪ 16‬لسنة ‪. 6111‬والمعدل برقم ‪ 06‬لسنة ‪.6119‬‬

‫‪ -456‬بوليس انطونيوس‪ ،‬تحديات شبكة االنترنت ‪،‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪،‬بيروت لبنان ‪،‬بدون سنة نشر‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫‪( -457‬مرجع سابق)‪ ،‬بوجمعة جعفر‪ ،‬الوسائل اإللكترونية لحل منازعات عقود التجارة اإللكترونية‪ ،‬ص ‪.65‬‬

‫‪272‬‬
‫‪2023‬‬

‫التجارة االلكترونية‪ ،‬والعقود االلكترونية عموما‪ ،‬عبر استخدام الوسائل التكنولوجية‪ ،‬وعلى‬
‫رأسها شبكة االنترنيت‪ ،‬حيث يتم االستعانة من قبل األطراف المتنازعين بوسيط‪ ،‬ال يقوم‬
‫باتخاذ قرارلحل النزاع‪ ،‬ولكنه يساعدهم على إيجاد حل مقبول لكل منهما بشكل محايد‪.458‬‬

‫ولعل من أبرزمراكزالوساطة والتحكيم االلكترونية التي تقدم خدمة لتسوية المنازعات‬


‫بالطرق االلكترونية مركز الوساطة (مركز الويبو للتحكيم والوساطة)‪ ،459‬ومركز الوساطة‬
‫)‪(square Trade‬الذي يتيح للمتعاملين في ميدان التجارة الدولية خدمة أخرى غير خدمة‬
‫الوساطة االلكترونية‪ ،‬أال وهي خدمة المفاوضات المباشرة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬خصائص الوساطة االلكترونية‬

‫حققت الوساطة االلكترونية كوسيلة لتسوية المنازعات عن بعد نجاحا واسعا‪ ،‬و اقباال‬
‫هائل من قبل المتنازعين في ميدان التجارة الدولية‪ ،‬وهو معطى يرجع لما تمتازبه هذه الوسيلة‬
‫من خصائص ومزايا معينة أهمها‪:‬‬

‫أوال‪ :‬فعالية األدوات المستخدمة للتفاوض في عملية الوساطة االلكترونية وضمان‬


‫تسجيل المناقشات التي تجري بين طرفي النزاع في برنامج مستقل على شبكة االنترنت‪ ،‬وفي كل‬
‫مراحل المفاوضات‪ ،‬بدءا من مرحلة االتصال األولي بين طرفي النزاع‪ ،‬حتى االتفاق النهائي بينهما‪،‬‬
‫وتوفير قاعدة بيانات متكاملة تشمل سير الوساطة وأمثلة متعددة ألنواع القضايا‪ .‬وكيفية‬
‫اإلثبات‪ ،‬وتقديم الطلبات‪ ،‬وتزويد كل من طرفي النزاع بنموذج‪ ،‬يتضمن سائر الحلول الودية‬
‫لفض النزاع‪ ،‬بغية تمكينهم من التفاوض على تسوية النزاع‪ ،‬وحفظ كامل المستندات والوثائق‬
‫وتخزينها‪ ،‬وتزويد املحكمة بنسخة من االتفاق النهائي الموقع عليه من قبل المتنازعين إذا ما‬
‫رفض أحد المتنازعين تنفيذ ما تم االتفاق عليه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬كما وتمتاز الوساطة االلكترونية بمرونتها وعدم التقييد بإجراءات مرسومة‪،‬‬
‫واستغلل الوقت بشكل أمثل‪ ،‬والحصول على حلول سريعة‪ ،‬مما يخفف من عدد القضايا التي‬
‫تسجل أمام املحاكم وبالتالي يعود بالتأثيرااليجابي على الموارد العامة‪ ،‬من خلل خفض تكاليف‬

‫‪ -458‬محمد احمد علي املحاسنة ‪ ،‬تنازع القوانين في العقود االلكترونية ‪ ،‬ط‪ ،0‬عمان ‪ ،‬االردن ‪ ، 6101 ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ -459‬محمد احمد علي املحاسنة ‪ ،‬تنازع القوانين في العقود االلكترونية ‪ ،‬ط‪ ،0‬عمان ‪ ،‬االردن ‪. 6101 ،‬‬

‫‪273‬‬
‫‪2023‬‬

‫حل المنازعات عن طريق املحاكم‪ ،‬كما أنه تعمل على التقليل من مشكلت االنفعال العاطفي‬
‫التي يتعرض لها ا الطراف في حال المواجهة‪ ،‬وجها لوجه إذ يمكنهم استخدام أسلوب الوساطة‬
‫االلكترونية لحل قضاياهم بطريقة مناسبة‪ ،‬وبدون حضورمادي‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬ومن المزايا التي تتمتع بها الوساطة االلكترونية أيضا بساطة إجراءاتها‪ ،‬ووضوح‬
‫قواعدها‪ ،‬حيث يمكن استخدامها لتسوية عقود منازعات التجارة الدولية في مختلف الميادين‬
‫واملجاالت‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬كذلك فان الوساطة االلكترونية هي عملية قليلة التكلفة ‪ ،‬حيث إن التكاليف‬
‫المالية التي يتحملها األطراف عند اللجوء للوساطة االلكترونية قليلة جدا‪ ،‬إذا ما قورنت‬
‫بتكاليف حل النزاع قضائيا أو أو حتى عن طريق الوساطة التقليدية‪ ،‬فالحضور أمام شاشة‬
‫الحاسوب يعفي األطراف ويكفيهم عناء التنقل لملقات بعضهم البعض في الوساطة العادية‪،‬‬
‫أو للمثول أمام القضاء في حالة التقاض ي‪ ، .‬وهي وسيلة من الوسائل االكثر فعالية لتسوية‬
‫منازعات عقود التجارة الدولية ‪ ،‬حيث تؤكد إحدى الدراسات أن أكثر من ‪ %97‬من منازعات‬
‫التجارة الدولية قد تمت تسويتها عن طريق الوساطة‪460‬‬

‫خامسا‪ :‬كما وتشير الدراسات األمريكية الى ان ‪ %75‬من منازعات العمل الدولية قد تم‬
‫تسويتها عن طريق اللجوء الى الوساطة‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬وتؤدي الوساطة االلكترونية في حل النزاعات إلى املحافظة على العلقات الودية‬
‫بين الخصوم‪ ،‬مما يفتح آفاق أخرى في سبيل التعاون االقتصادي‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬زد على ذلك أنها تتيح لطرفي النزاع حرية االنسحاب واللجوء للتقاض ي حيث إن‬
‫بإمكان أي منهما االنسحاب في أي لحظة من متابعة عملية الوساطة والعودة إلى التمسك بكافة‬
‫الحقوق والدفوع القانونية أمام القضاء دون أي تأثير آلليات الحلول البديلة على إجراءات‬
‫التقاض ي فضل عن أنها عملية تسمح للوسيط بتقييم المراكزالقانونية للخصوم‪.461‬‬

‫‪ -460‬الخيرقش ي ‪ ،‬المفاضلة بين الوسائل التحكيمية وغير التحكيمية في تسوية المنازعات الدولية ‪ ،‬ط‪ ، 0‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪. 0999 ،‬‬
‫‪ -461‬خالد ممدوح ابراهيم‪ ،‬التقاض ي االلكتروني في الدعوى االلكترونية واجراءاتها امام املحاكم‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬االسكندرية ‪ ،6115‬ص‪:‬‬
‫‪.66‬‬

‫‪274‬‬
‫‪2023‬‬

‫ثامنا‪ :‬استخدام الوسائل التقنية الحديثة‪ ،‬وأهمها شبكة االنترنيت‪ ،‬في عملية الوساطة‬
‫بقصد توفير ميزات السرعة والسهولة في تسوية النزاع‪ ،‬مع توفير مرتكزات الثقة واالمان‪ ،‬عبر‬
‫وسائل الكترونية فعالة‪ ،‬منذ لحظة إحالة النزاع إلى الوساطة ‪ ،‬وحتى تسويته نهائيا‪.‬‬

‫تاسعا‪ :‬حرية الطرفين في اختيارالقواعد االجرائية التي تناسبهم ومرونة اإلجراءات خلل‬
‫عملية الوساطة التي تتم عبرشبكة االنترنيت‪ ،‬مع منح الطرفين – دون غيرهما – كامل الحرية في‬
‫زيارة الموقع االلكتروني لمركزالوساطة للطلع المباشرعلى خطوات العملية برمتها‪.462‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع الوساطة عبرالوسائل االلكترونية وتنظيمها القانوني‬

‫الفقرة األولى‪ :‬أنواع الوساطة االلكترونية‬

‫لما كانت الوساطة عملية طوعية تتم بواسطة طرف ثالث محايد‪ ،‬ويتولى األطراف وضع‬
‫قواعدها االجرائية أو يلجأون إلى مؤسسات متخصصة تقوم بعماية الوساطة‪ ،‬فإنه عادة ما‬
‫توضع إجراءات الوساطة‪ ،‬بشكل يحترم المساواة والعدل بين األطراف المتنازعة‪ ،‬وبصورة‬
‫تساعد على التحضيرللتسوية‪ ،‬بعد أن يقدم كل طرف أفضل عرض لحسم النزاع‪ ،‬بشكل سري‬
‫إلى الشخص الثالث الحيادي الذي يسيرفي عملية التقارب بين عرض ي الطرفين‪ ،‬من خلل قيامه‬
‫بمفاوضات‪ ،‬يسعى من خللها‪ ،‬إلى خلق مناخ ينهي بالمصالحة‪.‬‬

‫من الناحية المبدئية تقسم الوساطة إلى وساطة تقليدية‪ ،‬ووساطة تتم عبر شبكة‬
‫االنترنيت والوساطة التقليدية ثلثة أنواع كما هو معلوم ‪ :‬قضائية‪ ،‬يتولى فيها القضاء اإلحالة‬
‫على الوسطاء المعتمدين لديه‪ ،‬أو اتفاقية‪ ،‬يتفق عليها األطراف في ذات العقد األصلي أو في عقد‬
‫ال حق قبل أن ينشب بينهم نزاع‪ ،‬أو قانونية‪ ،‬توجب فيها القوانين الوطنية لبعض الدول‪ ،‬إحالة‬
‫األطراف إلى وسيط‪ ،‬قبل المروربمرحلة التقاض ي‪.‬‬

‫والفارق الرئيس ي بين الوساطة التقليدية والوساطة عبرشبكة االنترنيت يكمن – كما هو‬
‫الحال في الفرق بين سائر الوسائل البديلة التقليدية والوسائل البديلة االلكترونية – في‬
‫استخدام شبكة االنترنيت في النوع الثاني دون األول‪ ،‬باعتبارها وسيلة للقيام بإجراءات‬

‫‪ -462‬جمال محمود الكردي ‪،‬تنازع القوانين بشان المسؤولية عن سوء استخدام االنترنت‪ ،‬ط‪ ،0‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة ‪ ،6116 ،‬ص‪.000 :‬‬

‫‪275‬‬
‫‪2023‬‬

‫الوساطة منذ بدايتها حتى تسوية النزاع‪ ،‬أو حتى اقتناع األطراف باللجوء إلى وسيلة أخرى‬
‫لتسوية النزاع بدال من الوساطة‪.‬‬

‫وبالتالي فإن استخدام هذه التكنلوجيا الحديثة‪ ،‬هو الذي يضفي على الوساطة شكلها‬
‫الحديث‪ ،‬إذ يمكن أن يكون إتمام عملية الوساطة‪ ،‬معاصرا بالصوت والصورة‪ ،‬عن طريق‬
‫تقنية)‪ ، (video conference‬أو قد يكون بدون صورة من خلل الحديث المتزامن بين األطراف‪،‬‬
‫عبرما يعرف بغرف الدردشة)‪ ، (chat rooms‬ويمكن – في سبيل تقريب وجهات النظروالوصول‬
‫إلى أكثر الحلول قبوال لدى األطراف – أن يتصل الوسيط بكل طرف على حدة‪ ،‬عبر بريده‬
‫االلكتروني‪ ،‬وبإمكان هذا الطرف أن يجيب الوسيط عبرذات اآللية‪ ،‬أو يرسل ما يشاء من رسائل‬
‫وتعليقات حول موضوع النزاع‪.‬‬

‫وسواء تمت الوساطة بأي من هذين النوعين‪ ،‬فإنها ال تخرج عن إحدى الصورتين‪:‬‬
‫‪-‬الصورة األولى‪ :‬الوساطة البسيطة ‪ (Facilitative):‬ويقتصردورالوسيط فيها على مجرد إيصال‬
‫عروض األطراف‪ ،‬ووجهات نظرهم إلى بعضهم البعض‪ ،‬دون أن يكون له أي تأثير في اقتراح‬
‫الحلول‪ ،‬أو وضع تسوية للنزاع‪ ،‬األمرالذي يجعل الوسيط أقرب إلى كونه رابطا بين طرفين منه‬
‫وسيطا‪.‬‬ ‫كونه‬ ‫إلى‬
‫‪-‬الصورة الثانية‪ :‬الوساطة الفعالة‪/‬التقييمية ‪ (Evaluation):‬يقوم الوسيط فيها بدور إيجابي‬
‫بين طرفي النزاع‪ ،‬وال يكتفي بنقل وجهات نظرهم إلى بعضهم البعض‪ ،‬بل يساعد في إنشاء‬
‫االقتراحات‪ ،‬والبحث عن حلول للتسوية‪ ،‬ومراجعة األطراف لحين الوصول إلى مو افقتهم عليها‪.‬‬
‫‪-‬وللوساطة صورة أخرى تستخدم مفهوم (الغرف الثلثة)‪ ،‬ويجتمع فيها الوسيط – أوال‪ -‬مع‬
‫أحد الفريقين‪ ،‬ثم يجتمع مع الفريق الثاني في غرفة افتراضية أخرى‪ ،‬ثم يجتمع بالفريقين سوية‪،‬‬
‫وبواسطة ذات الوسائل االلكترونية‪ ،‬بغية القيام بمتطلبات الوساطة‪ ،‬لغرض الوصول إلى‬
‫تسوية مقبولة للنزاع‪.‬‬

‫يوجد أيضا من يعتمد المنطلق المؤسساتي ليميزبين أنواع الوساطة االلكترونية‪ ،‬حيث‬
‫نوعين ‪:‬‬ ‫إلى‬ ‫المنطلق‪/‬المعيار‬ ‫لذلك‬ ‫تبعا‬ ‫يقسمها‬
‫احترافي‪.‬‬ ‫فردي‬ ‫بشكل‬ ‫األشخاص‬ ‫بها‬ ‫يقوم‬ ‫حرة‪،‬‬ ‫‪-‬وساطة‬
‫‪-‬وساطة مؤسساتية‪ ،‬تنظم من قبل مركز وساطة معين‪ ،‬وتخضع لنظامه‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫‪2023‬‬

‫وهناك عدد من مراكزالتسوية التي تتخذ من الوساطة وسيلة لحل النزاعات‪ ،‬من أشهرها مركز‬
‫وساطة‪ ، Web Médiate‬الذي يختص بالقيام بالوساطة الفعالة بين األطراف المتنازعة‪ ،‬وهو‬
‫يعد من أشهرمو اقع الوساطة عبرشبكة االنترنت‪.‬‬

‫ومن المراكز المعروفة أيضا والتي تمارس عملية تسوية المنازعات من خلل الوساطة‬
‫عبر شبكة االنترنت الدولية‪ ،‬مركز‪ ، E-Mediator‬ومركز‪ ، ECODIR‬للوساطة عبر شبكة‬
‫االنترنت‪ ،‬وهو مركزخاص بتسوية منازعات المستهلكين في دول االتحاد االوربي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التنظيم القانوني للوساطة االلكترونية‪:‬‬

‫القانون النموذجي للتوفيق لسنة ‪ :2002‬اليونسترال هو االختصار اللغوي للجنة األمم‬


‫المتحدة للقانون التجاري الدولي وهي الهيئة القانونية الرئيسية التابعة لمنظومة األمم‬
‫المتحدة في مجال القانون التجاري الدولي‪.‬‬
‫وقد اعتمدت األونسيترال هذا القانون النموذجي في ‪ 24‬حزيران‪/‬يونيه ‪ ،2002‬وهو ّ‬
‫يقدم‬
‫ً‬ ‫قواعد ّ‬
‫موحدة فيما يتعلق بعملية التوفيق‪/‬الوساطة‪ ،‬تشجيعا على اللجوء إلى الوساطة‬
‫ً‬
‫وحرصا على زيادة القابلية ّ‬
‫للتنبؤ واليقين في استخدامها‪ .‬وتلفيا لعدم اليقين الناجم عن عدم‬
‫وجود أحكام تشريعية‪ .‬ويتناول القانون النموذجي الجوانب اإلجرائية للتوفيق‪/‬الوساطة‪ ،‬بما‬
‫ّ‬
‫في ذلك تعيين الموفقين‪/‬الوسطاء‪ ،‬وبدء التوفيق‪/‬الوساطة وإنهاؤه‪ ،‬وتسيير إجراءاته‪،‬‬
‫واالتصاالت بين الوسيط واألطراف األخرى‪ّ ،‬‬
‫وسرية األدلة ومقبوليتها في اإلجراءات األخرى‪،‬‬
‫باإلضافة إلى قضايا ما بعد الوساطة‪ ،‬مثل قيام بالسهر على إنفاذ اتفاقات التسوية‪463‬‬

‫‪ -463‬وتتلخص الجوانب التي عملت لجنة األمم المتحدة للقانون التجاري الدولي على تنظيمها من خالل القانون النموذجي بخصوص الوساطة‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫‪-‬نطاق التطبيق والتعاريف المادة ‪0‬‬
‫‪-‬تفسير القانون (المادة ‪)6‬‬
‫‪-‬تغيير أحكام هذا القانون باالتفاق (المادة ‪)1‬‬
‫‪-‬بدء إجراءات التوفيق (المادة ‪)5‬‬
‫‪-‬عدد الوسطاء وطريقة تعيينهم (المادة ‪)5‬‬
‫‪-‬تسيير إجراءات الوساطة والتوفيق (المادة ‪)2‬‬
‫‪-‬إفشاء المعلومات (المادة ‪)5‬‬
‫‪-‬وضعية األدلة (المادة ‪)01‬‬

‫‪277‬‬
‫‪2023‬‬

‫نشير كذلك إلى أنه ومنذ وضع قانون األونسيترال النموذجي لسنة ‪ 2002‬وإلى اآلن قامت‬
‫‪ 17‬دولة بالمصادقة عليه وهي دول ذات قيمة نوعية‪ ،‬حيث نجد من بينها الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬فرنسا‪ ،‬كندا‪ ،‬بلجيكا‪ ،‬سويسرا‪....‬مما يعكس حجم االهتمام المتزايد بالوساطة‬
‫بصفة عامة‪ ،‬و الوساطة االلكترونية بشكل خاص‪ ،‬باعتبارها آلية بديلة وفعالة لتسوية‬
‫المنازعات التجارية‪ ،‬وما يترتب عن ذلك من تشجيع للستثمار‪.‬‬

‫المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)‬

‫المنظمة العالمية للملكية الفكرية أو الويبو)‪ ، (WIPO‬منظمة دولية تابعة لألمم‬


‫المتحدة‪ ،‬تعمل من أجل حماية الحقوق الملكية الفردية لألفراد‪ .‬ظهرت في سنة ‪1617‬‬
‫وتأسست سنة ‪ .1674‬انطلقت بعد انعقاد مؤتمر باريس للملكية الصناعية في ‪ 1933‬بيرن‪،‬‬
‫ّ‬
‫ومؤتمر حماية المصنفات األدبية والفنية‪ ،‬الموقع في سنة ‪ .1991‬مهمتها فرض االحترام‬
‫للخصوصية الفكرية في العالم بأسره‪ ،‬إضافة إلى حماية حقوق الفرد الملكية(صور‪ ،‬أغاني‪،‬‬
‫فنون‪ )...‬وتبعا لذلك ف (الويبو) هيئة محايدة ودولية غير ربحية تقدم خدمات تسوية‬
‫المنازعات‪ ،‬وتتيح خيارات فعالة من حيث الوقت والتكاليف لتسوية المنازعات‪ .‬وتمكن‬
‫خدمات الوساطة والتحكيم والتحكيم المعجل وقرارات الخبراء التي تقدمها الويبوإلى الخواص‬
‫من األطراف من تسوية منازعاتهم املحلية أو الدولية في مجالي الملكية الفكرية والتكنولوجيا‬
‫بفعالية دون اللجوء إلى املحاكم‪ .‬ويقدم المركزأيضا خدمات تسوية المنازعات الخاصة بأسماء‬
‫الحقول‪.‬‬

‫أما بالنظرللتشريعات المقارنة فنصت الفقرة ب من المادة السابعة من قانون الوساطة‬


‫األردني على أنه " اذا توصل الوسيط الى تسوية النزاع كليا او جزئيا ‪ ،‬يقدم إلى قاض ي إدارة‬
‫الدعوى أوقاض ي الصلح تقريرا بذلك ويرفق به اتفاقية التسوية الموقعة من قبل أطراف النزاع‬
‫للمصادقة عليها من قبل قاض ي إدارة الدعوى أو قاض ي الصلح وتعتبر هذه االتفاقية بعد‬
‫المصادقة عليها بمثابة حكم قطعي ال يخضع ألي طريق من طرق الطعن‪«464‬‬

‫‪-‬إنهاء إجراءات الوساطة (المادة ‪)00‬‬


‫‪-‬إنفاذ اتفاق التسوية (المادة ‪)05‬‬
‫‪ -464‬وتقابلها الفقرتين ‪ 6‬و‪ 1‬من المادة ‪ 05‬من قواعد الوساطة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية الويبو‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫‪2023‬‬

‫نصت المادة الثامنة من قانون الوساطة االردني على أنه "تعتبرجميع إجراءات الوساطة‬
‫سرية وال يجوزاإلتيان بها أو بما تم فيها من تنازالت من قبل أطراف النزاع أمام أية محكمة أو أي‬
‫جهة كانت‪".‬‬

‫أما المادة التاسعة منه فقد نصت على أنه يجب الحرص على سرية جميع المعلومات‬
‫المتعلقة بإجراءات التوفيق ما لم يتفق الطرفان على خلف ذلك‪ ،‬وما لم يكن إفشاؤها الزما‬
‫بمقتض ى القانون أو ألغراض تنفيذ اتفاقية التسوية أو إنفاذه‪" .465‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الوساطة ودورها في تسوية المنازعات التجارية‬

‫تعرفت من خلل المبحث السابق على كل من التعريف القانوني وكذا التأطير القانوني‬
‫في التشريع الدولي للوساطة االلكترونية وذلك انسجاما مع الطبيعة الكونية لهذه الوسيلة‪ ،‬كما‬
‫رأيت أن الوساطة قد تكون بسيطة تقتصر على مجرد نقل وجهات نظر األطراف إلى بعضهم‬
‫البعض لحين الوصول إلى تسوية‪ ،‬كما يمكن أن تكون فعالة يساهم فيها الوسيط بإنشاء‬
‫الحلول و اقتراح النهايات التي تساعد في حسم النزاع‪ ،‬لذا فالتساؤل الذي يستتبع هذه الخطوة‬
‫هنا‪ ،‬هو البحث عن اآلليات التي تتم بها الوساطة بين األطراف المتنازعة ؟وكيف تقوم المراكز‬
‫المتخصصة بعملية الوساطة بين األطراف المتنازعة؟ وما آليات الوساطة والفرق بينها‬

‫‪ -465‬أما المادة العاشرة منه فقد نصت على أنه " ال يجوز لطرفي النزاع في إجراءات التوفيق وال للموفق وال ألي شخص آخر بمن فيهم القائمون‬
‫بإدارة إجراءات التوفيق االعتماد على أي مما يلي أو تقديمه كدليل أو اإلدالء بشهادة أو إعطاء دليل بشأنه في إجراءات تحكيمية أو قضائية أو‬
‫إجراءات مماثلة‪:‬‬
‫الدعوة الموجهة من أحد الطرفين للمشاركة في إجراءات التوفيق أو كون أحد الطرفين راغبا في المشاركة في إجراءات التوفيق‪.‬‬
‫باآلراء أو المقترحات التي أبداها أحد طرفي التوفيق بشأن تسوية ممكنة للنزاع‪.‬‬
‫تالبيانات أو االقرارات التي قدمها أحد الطرفين أثناء إجراءات التوفيق‪.‬‬
‫ثاالقتراحات المقدمة من الموفق‪.‬‬
‫جكون أحد الطرفين قد أبدى رغبته في قبول اقتراح تسوية مقدم من الموفق‪.‬‬
‫حوثيقة أعدت ألغراض إجراءات التوفيق‪.‬‬
‫تنطبق الفقرة ‪ 0‬من هذه المادة بصرف النظر عن شكل المعلومات او االدلة المشار اليها فيها ‪.‬‬
‫ال يجوز لهيئة تحكيم او محكمة او سلطة حكومية مختصة اخرى ان تأمر بإفشاء المعلومات المشار اليها في الفقرة ‪ 0‬من هذه المادة واذا‬
‫قدمت تلك المعلومات كدليل خالفا ألحكام الفقرة ‪ 0‬من هذه المادة وجب اعتبار ذلك الدليل غير مقبول غير انه يجوز افشاء تلك المعلومات‬
‫او قبولها كدليل طالما كان ذلك الزما بمقتض ى القانون او ألغراض تنفيذ اتفاق تسوية او انفاذه ‪.‬‬
‫تنطبق أحكام الفقرات ‪ 0،6،1‬من هذه المادة سواء كانت أم لم تكن اإلجراءات التحكيمية أو القضائية أو اإلجراءات المماثلة تتعلق بالنزاع‬
‫الذي يشكل أو كان ليشكل موضوع إجراءات التوفيق‪.‬‬
‫كما نصت نفس المادة على أنه " ال يجوز لقاض ي الوساطة تحت طائلة البطالن ‪ ،‬النظر في موضوع الدعوى التي سبق وأن أحيلت الى‬
‫للوساطة‪" .‬‬

‫‪279‬‬
‫‪2023‬‬

‫وشبيهاتها؟ (المطلب األول )؟‪ ،‬وما هو التقييم القانوني لدورالوساطة عبر الوسائل االلكترونية‬
‫في تسوية المنازعات التي تقوم في بيئة الدولية (المطلب الثاني)‪ ،‬هذا ما سنتعرف عليه من خلل‬
‫المطلبين‪.‬اآلتيين‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬آليات الوساطة االلكترونية وتميزها عن التحكيم والمفاوضات المباشرة‬
‫الفقرة األولى‪ :‬آليات الوساطة االلكترونية‬

‫في الوساطة التقليدية تتخلص الية عمل الوسيط الذي يمكن ان يكون شخصا طبيعيا‬
‫اومعنويا بوصفه طرفا ثالثا محايدا يهدف الى الصلح بين الطرفين )‪ (conciliateur‬عبراالجتماع‬
‫بهما والتركيز على النقاط المقبولة من قبلهما والتي تصلح ان تكون اساسا في تسوية النزاع‬
‫ويمكن ان يكون االجتماع بكل طرف لوحده في سبيل توطيد االساس المتفق عليه بين الطرفين‬
‫بشكل مرن وصوال الى تسوية نهائية مقبولة من االطراف‪.‬‬

‫وللوساطة عبر شبكة االنترنت الية تتجلى فيها اهمية استخدام شبكة االنترنت في كل‬
‫مرحل من مراحل عملية الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لحسم المنازعات بدءا من‬
‫تقديم طلب الوساطة الذي يتم بملء النموذج االلكتروني المعد سلفا على الموقع االلكتروني‬
‫لمركز الوساطة والمتضمن جملة بيانات شخصية وموضوعية تخص موضوع النزاع والطرف‬
‫االخرمرورا باتصال المركزبالطرف االخربعد قبول نظرالنزاع من خلل الوساطة عبرالمركزاذ‬
‫ان المادة (‪/4‬فقرة‪ )2‬من قانون األونسيترال النموذجية للتوفيق التجاري الدولي لعام ‪2002‬‬
‫تحدد للطرف االخرالمدعو الى حل النزاع الوساطة مدة (‪ )30‬يوما من تاريخ استلم طلب اجراء‬
‫التسوية للرد عليها االجاد أو الرفض حكيما منه للوساطة يترتب عليها انتهاء اجراءات الوساطة‬
‫واغلق القضية الكترونيا في حين حدد مركز وساطة ‪ square Trade‬هذه المهلة ب(‪ )14‬يوما‬
‫وقصرها مركزتسوية ‪ internet neural‬على (‪ )10‬أيام فقط‪.‬‬

‫وبعد دفع الرسوم المترتبة على عملية الوساطة الى مركز التسوية وباتفاق طرفي النزاع‬
‫على شكل الوسيط واالجراءات التي ستتبع في عملية الوساطة تبدا مهمة الوسيط التي تقوم اوال‬
‫على مرحلة تمهيد يساعد فيها الوسيط طرفي النزاع بتبادل المعلومات والصفقات وتحديد‬
‫المسائل الجوهرية محل الخلف ثم يقوم الوسيط الناجح بمساعدة االطراف على تطوير‬
‫الخيارات و ابتكار طرق لخلق الحلول الممكنة وفق الخيارات المتاحة المتولدة من طرف‬

‫‪281‬‬
‫‪2023‬‬

‫مناقشتهم هذه المناقشات تم عبرشبكة االنترنت من خلل تحديد صفحة الكترونية للنزاع على‬
‫الموقع االلكتروني لمركز التسوية واعطاء كل طرف كلمة المرور )‪(password‬الخاصة به‬
‫للحفاض على سرية جلسات الوساطة او يتولى الوسيط ذلك عند عدم اتفاقهما‪.‬‬

‫يقوم الوسيط بتنبيه الطرفين الى العوائق التي يمكن ان تحول دون الوصول الى تسوية‬
‫نهائية ال سيما إفهام الطرفين ان النزاع في هذا الوقت دخل مرحلة تبادل التنازالت لتضييق رقعة‬
‫النزاع ويمكن للوسيط في هذه الحالة ان يستخدم الية االجتماع المشترك ال يساعد على‬
‫الوصول الى تسوية مناسبة ليقوم الوسيط في نهاية العملية كلها بصياغة مسودة اتفاقية‬
‫الوساطة النهائية والملزمة والتي يطلق عليها )‪ ، (Binding Settlement Agreement‬للطرفين‬
‫و عرضها عليها للتوقيع عليها‪.‬‬

‫ويمكن ملحظة الدورااليجابي الذي يلعبه استخدام شبكة االنترنيت في عملية الوساطة‪،‬‬
‫حتى أثناء جلسات الوساطة‪ ،‬عندما يكون هناك رغبة من أحد أطراف النزاع في تعديل طلباته أو‬
‫أدلة اثباته المقدمة الى مركزالوساطة أو المبرزة أثناء الجلسات ‪ ،‬اذا يحق ألي من طرفي النزاع‬
‫في مثل هذه الحاالت الدخول الى الموقع االلكتروني الخاص بمركز التسوية‪ ،‬و الدخول الى‬
‫قضيته عبركلمة المرورالممنوحة له من المركزمسبقا‪ ،‬والخاصة بالنزاع المراد اجراء التعديل‬
‫عليه‪ ،‬ليدخل الى صفحة النزاع الخاصة بالقضية المطلوبة و الدخول اليها‪ ،‬و اجراء التعديل‬
‫الذي يريد‪ ،‬مع اشعار الوسيط ‪ ،‬و الطرف اآلخر بذلك‪ ،‬من خلل ارسال نسخ من التعديل أو‬
‫البيان بعددهم‪.‬‬

‫وتستخدم مراكز وساطة متعددة عبر االنترنيت‪ ،‬هذه اآلليات في عمليات الوساطة التي‬
‫تقوم بها بين المتنازعين‪ ،‬و من تلك المراكز‪ ،‬مركز‪On Line Résolution.‬‬
‫وتستوفي المراكز التي تتولى القيام بعمليات الوساطة عبر شبكة االنترنت رسوما معينة مقابل‬
‫ما تقدمه من خدمات و من هذه المراكز‪ ، Internet Neural‬الذي يستوفي (‪ )250‬دوالرا‪ ،‬عن‬
‫تقديم الطلب من المدعي‪ ،‬و مثل هذا المبلغ عند اجابة المدعى عليه باإليجاب‪ ،‬مبلغ (‪)125‬‬
‫دوالرا‪ ،‬عن كل ساعة من جلسات الوساطة لحد الساعة (‪ )1‬مساء ‪ ،‬يضاف له (‪ )%50‬للجلسات‬
‫من بعد الساعة (‪ )7‬مساء و لغاية الساعة (‪ )7‬صباحا‪ ،‬هذا في حاالت الوساطة التي تتطلب‬
‫اجتماعات و استخدام آليات ال )‪ ، (Conférence Vidéo‬أما اذا جرت عملية الوساطة عبر‬

‫‪281‬‬
‫‪2023‬‬

‫البريد االلكتروني فقط‪ ،‬فان المركز يستوفي رسومه على أساس الدقيقة الواحدة‪ ،‬بدء من (‪)1‬‬
‫دوالر حتى (‪ ) 1‬دوالر للدقيقة الواحدة‪ ،‬حسب قيمة المبلغ المتنازع بشأنه‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬تمييزالوساطة عن التحكيم‬

‫يمكن أن يفيد عقد المقارنة بين الوسائل البديلة موضوع البحث في نقطة جوهرية‪،‬‬
‫تتمثل في منح األطراف التي ترغب اللجوء الى وسائل التقاض ي البديلة صورة واضحة المعالم‪،‬‬
‫دقيقة التصور‪ ،‬للعو اقب التي يمكن أن تنتج عن اختياروسيلة معينة‪ ،‬و بالتالي يكون لألطراف‬
‫كامل الحرية في اللجوء الى اآلليات التي يرون أنها أنسب لظروفهم‪ ،‬و أقدرعلى تسوية النزاع الذي‬
‫نشب بينهم ‪ ،‬و نميز الوساطة عن كل من التحكيم (أوال) ‪ ،‬و المفاوضات المباشرة (ثانيا)‪ ،‬كما‬
‫يلي‪:‬‬
‫التمييزبين الوساطة و التحكيم‪:‬‬

‫عند عقد مقارنة بين الوساطة عبراالنترنت ‪ ،‬و التحكيم عبراالنترنت لبيان أوجه الشبه و‬
‫االختلف بينهما‪ ،‬نجد أنهما يتشابهان في عدم امكانية اللجوء إلى كل منهما‪ ،‬إال بناء على تراض ي‬
‫األطراف على ذلك‪ ،‬سواء قبل النزاع‪ ،‬و يسمى عندئذ (شرط التحكيم) أو (عقد أو اتفاق‬
‫الوساطة)‬ ‫اتفاق‬ ‫أو‬ ‫(عقد‬ ‫أو‬ ‫التحكيم)‬
‫في‪:‬‬ ‫يختلفان‬ ‫و‬
‫‪-‬أن الوساطة عادة ما تكون بين أطراف يعرفون بعضهم جيدا‪ ،‬و تربطهم علقات وثيقة‪ ،‬في حين‬
‫قد ال تكون هناك معرفة بين االطراف التي تلجأ الى التحكيم‪ ،‬سوى أنهم تربطهم علقة تجارية‪.‬‬
‫‪-‬كما أن الوسيط ال يتمتع سوى بحق اقتراح الحلول و محاولة التوفيق بين رغبات و مصالح‬
‫التحكيمي‪.‬‬ ‫القرار‬ ‫بسلطة‬ ‫املحكم‬ ‫يتمتع‬ ‫حين‬ ‫في‬ ‫األطراف ‪،‬‬
‫‪-‬و لهذا يعد الحياد و االستقلل شرطا الزما في الحكم‪ ،‬في حين يعد شرط الخبرة و الكفاءة و‬
‫القدرة على االقتناع و اقتراح الحلول هي ما يلزم في الوسيط‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المراكزالمرصدة للوساطة اإللكترونية‬

‫لقد وجدت تسوية المنازعات عبر الوساطة والتوفيق اإللكتروني تطبيقات فعلية‬
‫ومتنوعة وشاملة لمنازعات التجارة اإللكترونية وذلك من خلل مبادرات خاصة تبنتها بعض‬

‫‪282‬‬
‫‪2023‬‬

‫التنظيمات االقتصادية واإلقليمية واإلتحادية المهنية الفعالة في هذا املجال والتي تهتم‬
‫بمواكبة التطوراإللكتروني السريع ومن أهم هذه‬

‫المنظمات والهيئات‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مركز‪Square trade médiator .‬‬

‫يعد مركز ‪ Square trade‬من أشهر وأول المراكز المتخصصة في مجال حل المنازعات‬
‫بطريق الوساطة اإللكترونية‪ ،‬وقد نظر المركز في الكثير من المنازعات الناشئة عن المعاملت‬
‫التي تتم من خلل سوق البيع بالمزاد عبراألنترنت " ‪ " E-BAY‬والذي يعد أول موقع أمريكي للبيع‬
‫بالمزاد العلني‪ ،‬وتحديدا المنازعات التي تنشأ بين الشركة القائمة على المركز وبين المتعاملين‬
‫بالمزاد بيعا أو شراء من خلل السوق‪.‬‬

‫ومن أشهر المنازعات التي نشأت عن البيع بالمزاد عبر السوق المشار إليه نذكر قيام‬
‫شركة " ‪ " ROLAX SA‬وشركة " ‪ " MANUFACTURE DES MONTRES ROLEX S .A‬إلنتاج‬
‫الساعات برفع دعوى ضد شركتي" ‪، " EBAY GMBH et EBAY INTERNATIONAL AG‬‬
‫وتأسست الدعوى على قيام الشركتين األخيرتين بعرض ساعات اسم "رولكس" وأسماء أخرى‬
‫دون وجه حق‪.‬‬

‫إلى جانب ذلك يوجد نظام )‪ Online Ombuds Office )OOO‬وهو نظام لحل المنازعات‬
‫الناشئة عن ‪ Cyberespaces‬وغيرها من المنازعات التي يرغب األطراف حلها طبقا لهذا النظام‪،‬‬
‫وذلك كله عن طريق الوساطة‪ ،‬فعلى الشخص الذي يرغب في إخضاع منازعته لهذا النظام ال‬
‫يكون عليه إال ملئ استمارة إلكترونية يوضح فيها طبيعة المنازعة والحل المأمول‪.‬‬

‫وطبقا لنظام )‪ )OOO‬يتم تعيين وسيط بمجرد تلقي طلب الوساطة أو إلى أي طريقة‬
‫أخرى من طرق حل النزاعات‪ ،‬باالتصال بالمدعي الستكمال ما نقص من معلومات كان يجب‬
‫أن يشملها طلب التسوية بطريق الوساطة‪466 .‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مركزالمنظمة العالمية للملكية الفكرية‪WIPO .‬‬

‫‪ -466‬بوجمعة جعفر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪283‬‬
‫‪2023‬‬

‫تم إنشاء هذا المركز عام ‪ ، 1664‬وهو يقدم خدمات لتسوية النزاعات التجارية الدولية‬
‫بين األطراف الخاصة في مجال الملكية الفكرية‪ ،‬وهو جزء من مكتب الويبو الدولي ويدير‬
‫اإلجراءات الوساطة التحكيم التحكيم المعجل‪ ،‬كما يقدم المركز خدمات استشارية بشأن‬
‫اتفاقات االحتكام وصياغتها عند االقتضاء‪467.‬‬

‫كذلك كان للدور الكبير الذي تمارسه المنظمة العالمية للملكية الفكرية "‪" WIPO‬‬
‫إسهامات كبيرة في تطوير وتفعيل نظام الوساطة الخاصة بالتجارة اإللكترونية‪ ،‬بتنظيم‬
‫المنازعات الخاصة باألنترنت السيما المتعلقة بالملكية الفكرية‪ ،‬وأسماء المو اقع‪ ،‬والعلمات‬
‫التجارية‪ ،‬ويمكن من خلل هذا النظام التغلب على العديد من الصعوبات‪ ،‬حيث يسمح بحرية‬
‫اختيارالقانون الواجب التطبيق‪ ،‬ويتضمن وحدة الجزاء رغم اختلف الجنسيات‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫من خلل كل ما سبق يمكن لنا القول أن الوساطة اإللكترونية عرفت ازدهارا في الدول‬
‫التي نظمتها تشريعيا‪ ،‬وعمدت إلى إجراءاتها في فض منازعات التجارة اإللكترونية‪ ،‬عكس المغرب‬
‫الذي ال زال لم يأخذ بمثل هذا النوع من الوساطة في قوانينه وتشريعاته‪ ،‬باستثناء الوساطة‬
‫االتفاقية التي نظمها في القانون رقم ‪ 09 - 05‬في الفصول من ‪ 55 - 327‬إلى ‪ 16 - 327‬من قانون‬
‫المسطرة المدنية‪.‬‬

‫ومن أجل تجاوزمختلف العقبات التشريعية التي تحول دون االرتقاء بالوساطة كطريقة‬
‫لحل المنازعات اإللكترونية فإننا نقترح‪:‬‬

‫‪ -‬وضع تشريع خاص بالوساطة اإللكترونية كوسيلة لفض المنازعات بشكل عام‬
‫والمنازعات التجارية بشكل خاص‪.‬‬

‫‪ -‬كوين خبراء متخصصين في مجال المنازعات التجارية اإللكترونية حيث دائما ما يرغب‬
‫المتنازعين في عرض نزاعاتهم على ذوي الخبرة في املجال الفني والتجاري لهذه التجارة‬

‫‪ -467‬إلياس حداد‪ ،‬المنظمة العالمية للملكية الفكرية‪ ،‬مقال منشور بالموقع اإللكتروني ‪ ency.com-www.arab‬تاريخ الزيارة ‪ ، /6166/06/10‬على الساعة ‪06:11‬‬

‫‪284‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬إنشاء مراكز للوساطة اإللكترونية و إقامة دورات توعوية وذلك لتثقيف األفراد‬
‫وإلمامهم التام بمزايا وإجراءات الوساطة اإللكترونية كوسيلة بديلة لفض المنازعات‪.‬‬

‫‪ -‬ضرورة تأمين المعاملت اإللكترونية عبر األنترنت ووضع قائمة للمراكز الخاصة بحل‬
‫النزاعات اإللكترونية دوليا واعتماد قراراتها دوليا أيضا‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الكتب‪:‬‬

‫الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات‪ ،‬بنسالم أوديجا‪،‬‬ ‫‪‬‬


‫مطبعة دارالقلم‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2006‬‬

‫طرق فض المنازعات في التجارة اإللكترونية‪ ،‬ملي حفيظ علوي قاديري‪،‬‬ ‫‪‬‬


‫الطبعة األولى ‪.2013‬‬

‫تحديات شبكة االنترنت ‪ ،‬بوليس انطونيوس‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‬ ‫‪‬‬


‫‪،‬بيروت لبنان ‪،‬بدون سنة نشر‪.‬‬

‫التحكيم االختياري واالجباري‪ ،‬احمد ابو الوفا‪ ،‬منشاة المعارف ‪ ،‬االسكندرية‬ ‫‪‬‬
‫‪. 2001 ،‬‬

‫تنازع القوانين بشان المسؤولية عن سوء استخدام االنترنت‪ ،‬جمال محمود‬ ‫‪‬‬
‫الكردي ‪ ،‬ط‪ ،1‬دارالنهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪.2007 ،‬‬

‫المفاضلة بين الوسائل التحكيمية وغير التحكيمية في تسوية المنازعات‬ ‫‪‬‬


‫الدولية‪ ،‬الخيرقش ي‪ ،‬ط‪ ، 1‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪. 1666 ،‬‬

‫العقود الدولية التحكيم االلكتروني‪ ،‬الياس ناصيف‪ ،‬ط‪ ، 1‬منشورات الجميلي‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،‬لبنان ‪. 2012 ،‬‬

‫التقاض ي االلكتروني في الدعوى االلكترونية واجراءاتها امام املحاكم ‪ ،‬خالد‬ ‫‪‬‬


‫ممدوح ابراهيم ‪ ،‬دارالفكرالجامعي ‪ ،‬االسكندرية ن ‪.2009‬‬

‫‪285‬‬
‫‪2023‬‬

‫التحكيم التجاري الدولي ‪ ،‬محمود مختاراحمد بريري ‪ ،‬ط‪ ،3‬دارالنهضة العربية‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،‬القاهرة ‪. 2004 ،‬‬

‫التحكيم االلكتروني ‪ ،‬محمد ابراهيم ابو الهيجاء ‪ ،‬دار الثقافة لنشر والتوزيع ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫عمان ‪ ،‬االردن ‪2010 ،‬‬

‫ابرام العقد عبر االنترنت ‪ ،‬عبد الباسط جاسم محمد ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪. 2010‬‬

‫تنازع القوانين في العقود االلكترونية ‪ ،‬محمد احمد علي املحاسنة ‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪‬‬
‫عمان‪ ،‬االردن ‪. 2013 ،‬‬

‫ثانيا ‪ :‬االتفاقيات والقوانين‬

‫قانون االونسترال النموذجي للتوفيق التجاري الدولي لألمم المتحدة ‪ /‬نيويورك‬ ‫‪‬‬
‫لعام ‪.2002‬‬

‫قانون الوساطة االردني ‪ ،‬عمان ‪ ،‬رقم ‪ 37‬لسنة ‪. 2003‬والمعدل برقم ‪ 12‬لسنة‬ ‫‪‬‬
‫‪.2006‬‬

‫قواعد الوساطة لدى المنظمة العالمية للملكية الفكرية (‪)wipo‬‬ ‫‪‬‬

‫نظام المركزالويبي لتسوية المنازعات ‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ثالثا‪ :‬األطروحات والرسائل‪:‬‬

‫الوسائل اإللكترونية لحل منازعات عقود التجارة اإللكترونية‪ ،‬بوجمعة جعفر‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مذكرة تخرج لنيل شهادة الماسترفي العلوم القانونية‪ ،‬جامعة إكلي محند أولحاج البويرة‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية – ‪.2015‬‬

‫‪286‬‬
2023

‫ظاهـرة التنمـر لـــدى األطفـال‬


The phenomenon of bullying in children
:‫ملخص‬
‫تتصف ظاهرة التنمربأنها من أخطرالظاهرانتشارا خصوصا مع انتشاروسائل التواصل‬
‫ بمعنى أنها قد‬.‫ وما يميزها أنها تتكرريويما حتى تترسخ في الذهن‬،‫االجتماعي واأللعاب االلكترونية‬
‫ إذ يفترش المتنمر أنه األقوى دائما فيلجأ إلى العنف واإليذاء من أجل‬،‫تحدث أكثر من مرة‬
‫ التنمر من السلوكيات التي تنتشر‬.‫التسلط على اآلخرين والتحكم بهم طول الوقت بل وإذاللهم‬
ً
.‫بشكل كبيربين األطفال والتي لألسف تحمل آثارا سلبية عميقة على نفسية الطفل ومستقبله‬

ABSTRACT

The phenomenon of bullying is characterized as one of the most dangerous


and widespread phenomena, especially with the spread of social media and
electronic games, and what distinguishes it is that it is repeated daily until it
becomes ingrained in the mind. This means that it may happen more than once,
as the bully assumes that he is always the strongest, so he resorts to violence and
abuse in order to dominate others. Controlling them all the time and even
humiliating them. Bullying is one of the behaviors that is widely spread among

287
‫‪2023‬‬

‫‪children and unfortunately has profound negative effects on the child’s‬‬


‫‪psychology and future.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫ال شك أن التنمرمن أخطرالظواهرالتي تعرفها املجتمعات البشرية‪ ،‬والتي بدأت تتكرر‬


‫بشكل الفت في العقود األخيرة‪ ،‬خصوصا مع ظهور التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬و انتشار وسائل‬
‫التواصل االجتماعي‪ ،‬ويعتبر التنمر عند األطفال من أشدها خطورة وأكثرها ضررا لدى الطفل‪.‬‬
‫وهو يقع ضمن أنماط السلوك العدو اني التي تحدث بأسلوب متعمد ومتكررمما يتسبب في ضرر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نفس ي أو جسدي عند الطفل الذي يتعرض إلى التنمر؛ وهناك أشكاال متعددة من التنمر عند‬
‫األطفال‪ ،‬مثل نشر الشائعات والتهديد بالتعنيف‪ ،‬واالعتداء الجسدي أو اللفظي‪ ،‬أو تعمد‬
‫تجاهل الطفل واستبعاده من اللعب‪ .‬ولكن قد يتساءل البعض هل جميع المضايقات التي قد‬
‫يتعرض لها طفلك ُتعد ً‬
‫تنمرا؟ بالطبع ال‪ ،‬قد يتعرض أي طفل للمضايقة أو االستفزاز من قبل‬
‫أصدقائه أو أقاربه‪ .‬وقد تأتي المضايقة في سياق فكاهي وودي وبالتراض ي وعندما يجد الطفل‬
‫ً‬
‫األمر مضحكا‪ ،‬ولكن مع ذلك يمكن أن تتجاوز تلك المضايقات الفكاهية البسيطة وتتحول إلى‬
‫تنمرا إذا حدثت بأسلوب متعمد ومتكرر‪ .‬ولذلك يجب أن يؤخذ التنمرعند األطفال على محمل‬ ‫ً‬
‫الجد‪ ،‬وليس فقط التخلص من مصدر التنمر ولكن ً‬
‫أيضا محاولة محو تلك اآلثار النفسية‬
‫السيئة‪ ،‬فقد يؤثر التنمر على شعور الطفل باألمان وتقدير الذات لديهم كذلك الثقة بالنفس‪،‬‬
‫قد يساهم التنمرفي حدوث مآس ي خطيرة مثل االنتحار‪.‬‬

‫وتنتشر هذه الظاهرة بشكل أكبر بين طلب المدارس‪ ،‬وتتصف ظاهرة التنمر بالتكرار‪،‬‬
‫بمعنى أنها قد تحدث أكثرمن مرة‪ ،‬إذ يفترش المتنمرأنه األقوى دائما فيلجأ إلى العنف واإليذاء‬
‫من أجل التسلط على اآلخرين والتحكم بهم طول الوقت بل وإذاللهم‪ .‬التنمرمن السلوكيات التي‬
‫ً‬
‫تنتشر بشكل كبير بين األطفال والتي لألسف تحمل آثارا سلبية عميقة على نفسية الطفل‬
‫ً‬
‫ومستقبله‪ .‬قد يعيش الشخص ظروفا أسرية أو مادية أو اجتماعية معينة‪ ،‬أو يتأثر باإلعلم‬
‫ووسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬أو قد يعاني من مرض عضوي ما أو عاهة‪ ،‬أو ربما مجموعة من‬
‫هذه العوامل كلها‪ ،‬والتي تؤدي في النهاية إلى أن يعاني من اضطرابات في الشخصية‪ ،‬واإلصابة‬
‫ً‬
‫ببعض األمراض النفسية‪ ،‬والتي ستكون بدورها مسببا لتحوله إلى شخص متنمر‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫‪2023‬‬

‫فالتنمر هو شكل من أشكال اإلساءة واإليذاء موجه من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو‬
‫ً‬
‫جسديا في الغالب‪ ،‬والتنمرهو من األفعال المتكررة على مرالزمن والتي‬ ‫مجموعة تكون أضعف‬
‫تنطوي على خلل في ميزان القوى بالنسبة للطفل ذي القوة األكبر‪ ،‬أو بالنسبة ملجموعة تهاجم‬
‫مجموعة أخرى أقل منها قوة‪ .‬يمكن أن يكون التنمرعن طريق التحرش الفعلي واالعتداء البدني‬
‫أو غيرها من أساليب اإلكراه األكثردهاء مثل التلعب والتسلط والترهيب واالستقواء وغيرها من‬
‫األساليب العد انية التي تهدف إلى اإلضراربشخص آخر ً‬
‫عمدا بهدف اكتساب السلطة عليه‪.468‬‬ ‫و‬

‫ولمعالجة هذا الموضوع نقترح اإلشكالية التالية‪:‬‬

‫إلى أي حد تساهم ظاهرة التنمرلدى األطفال في العنف؟‬

‫ولإلجابة نقترح الخطة التالية‪ :‬املحور األول‪ :‬اإلطار النظري للتنمر‪ .‬املحور الثاني‪ :‬أسباب‬
‫التنمروأليات علجه‪.‬‬

‫املحوراألول‪ :‬اإلطارالنظري للتنمر‬

‫ُيعرف معجم المعاني الجامع التنمر لغة‪ :‬التشبه بالنمر في لونه أو طبعه‪ ،‬ويقال تنمر‬
‫لفلن أي تنكر له أو أوعده‪ ،‬وتنمر مدد في صوته عند الوعيد‪ ،‬ونمر فلن أي عضب وساء خلقه‬
‫وصاركالنمر‪ ،‬ألنه ال ُيلقى إال غضبان وكذلك الحال بالنسبة لمصطلح استناد الذي يحمل نفس‬
‫المعنى وهو التشبه باألسد في غضبه وقوته وتهجمه‪ ،‬فإن أصل الكلمة من كلمة النمر الحيوان‬
‫الذي يتميز في قوته وقدرته على مهاجمة املخلوقات األخرى‪ ،‬وتنمر االنسان يعنى أنه تصرف‬
‫كالنمرفي استقوائه وتهجمه‪.469‬‬

‫واصطلحا يعرفه ريجبي وسلي بأنه ظلم أو اضطهاد متكرر قد يكون بدني أو نفس ي من‬
‫قبل شخ ص أكثر قوة من الضحية أو من قبل مجموعة من األفراد‪ ،‬ويختلف الظلم الناتج عن‬
‫التنمر مقارنة بأي ظلم آخر ألن التنمر نتيجة لعدم المساواة في القوة بين المتنمر والضحية‪،‬‬
‫باإلضافة إلى شرط تكرار الظلم‪ .470‬وعرف اريكسون التنمر بمجموعة من األفعال المؤذية التي‬

‫‪ 468‬ايمان يونس ابراهيم العبادي‪ ،‬التنمر لدى األطفال‪ ،‬مركز الكتاب االكاديمي‪ ،2121 ،‬ص‪.9‬‬
‫‪ 469‬موقع معجم المعاني الجامع‪.‬‬
‫‪ 470‬التنمر في المداس‪ :‬ظاهرة التنمر أسبابها ومدى انتشارها‪ ،‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج‪،‬‬
‫استراتيجيات وأساليب مواجهة التنمر‪ ،2121 ،‬ص‪.7‬‬

‫‪289‬‬
‫‪2023‬‬

‫تتكرر بين األطفال‪ ،‬وسببها األساس ي حقيقة عدم التوازن في السلطة المتمثلة في القوة بين‬
‫الطرفين‪ ،‬وأضاف اريكسون أن التنمرعادة ما ينتشر في المدارس وملعبها واألحياء والطرق وفي‬
‫المنازل‪ ،‬وجميع أنحاء املجتمع وإن انتشار فعل التنمر يؤثر على أداء المدرسة كمؤسسة‬
‫اجتماعية تربوية خصوصا وأنها تنمو في المدرسة ابتداء من سن أربع سنوات‪.471‬‬

‫وهناك من يعرف التنمربأنه سلوكيات متعمدة من طرف تلميذ أوأكثر‪ ،‬بهدف أذية تلميذ‬
‫آخر وبشكل متكرر‪ ،‬وهذه السلوكيات تشمل التهديد والتوبيخ‪ ،‬واالستفزاز‪ ،‬والشتم وقد تكون‬
‫عبر اللمس الجسدي مثل الضرب والسحب والدفع‪ ،‬وقد تكون دون لمس ودون استخدام‬
‫الكلم‪ ،‬ويقوم بها المتنمر باإليحاء الجسدي بدافع إبعاد الضحية عن مجموعة األصدقاء‪.‬‬
‫ويعرفه أخر‪ ،‬بأنه سلوك عدو اني صادرعن فرق في القوى بين طرفين سواء كانوا فرد أو جماعة‬
‫من المتنمرين أوالضحايا‪ ،‬يتكررفيه العدوان بصورة مستمرة من قبل المتنمرويهدف إلى إلحاق‬
‫الضررالنفس ي أو الجسدي بالضحية المستهدفة وعادة ما يتواجد الطرفين بمكان واحد بشكل‬
‫متكررمثل مؤسسات التعليم والعمل واألحياء والطرق والملعب‪.472‬‬

‫املحورالثاني‪ :‬أسباب التنمروأليات العلج‬

‫ال يقتصرتأثيرالتنمرعلى الصحة الجسدية بل يمتد ليؤثرعلى الصحة النفسية ويسبب‬


‫مشاكل في التواصل االجتماعي التأثير الجسدي للتنمر معروف مثل‪ :‬الكدمات والصداع وآالم‬
‫المعدة وصعوبات في النوم لكن التأثيرالذي يدعونا للقلق هو التأثيرالنفس ي وخاصة االكتئاب‬
‫والتفكير في االنتحار بالرغم من أن التنمر يسبب الميل للنتحار إال أنه البد من وجود عوامل‬
‫أخرى بجانبه مثل االكتئاب ومشاكل عائلية وتاريخ صحي بوجود صدمة نفسية فالعديد ممن‬
‫تعرضوا للتنمرليس لديهم أي أفكارأو تصرفات تدل على إمكانية حدوث االنتحار‪ .‬كما أن التنمر‬
‫يدمر قدرة الطفل على رؤية نفسه بإيجابية يؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس فيبدأ بتصديق ما‬
‫يقوله المتنمر وتراوده أفكار عن أنه ضعيف‪ ،‬قبيح وعديم الفائدة فيبدأ في الشعور بالعزلة‬
‫واالنسحاب من حياته االجتماعية بجانب انخفاض مستواه األكاديمي و تكرار تغيبه عن‬
‫المدرسة‪.‬‬

‫‪471‬ميالد ألفي جرجس‪ ،‬اإلذاعة والتلفزيون كظاهرة عالمية‪ ،‬دار غيداء للتوزيع والنشر‪ ،2121 ،‬ص‪.212‬‬
‫‪ 472‬عائشة بطي الشامسي‪ ،‬أساسيات في تربية األطفال‪ ،‬دليل لآلباء واألمهات لفهم دوافع سلوكيات األطفال من عمر ‪ 22-2‬سنة‪ ،‬أوستن‬
‫ماكوالي‪ ،2122 ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪291‬‬
‫‪2023‬‬

‫ومن أهم األسباب التي تؤدي إلى تفش ي ظاهرة التنمر‪ ،‬نجد التربية األسرية غيرالسليمة‪،‬‬
‫حيث أن بعض األسرتشجع أبناءها على السلوك العدائي ويعتبرون ذلك داللة على تفوق أبنائهم‬
‫وقدرتهم على قيادة األخرين والسيطرة عليهم‪ .‬وبالتالي ال يقبلون بأي تدخل تربوي لتعديله وربما‬
‫يستخدمون امكانياتهم في االنتقام ممن يشتكي على ولدهم أو يعترض على تصرفاته‪ ،‬وغالبا ما‬
‫ير افق التربية األسرية غير السليمة اإلهمال من طرف األسر والوالدين‪ ،‬خصوصا األب الذي‬
‫يجري وراء توفيرمتطلبات الحياة المادية ألوالده وإهمال واجب تربيتهم‪ ،‬فل يعتنى بتوجيه االبناء‬
‫توجيها صحيحا‪ ،‬وال ير اقب سلوكياتهم وتقوم‪ ،‬وال تفرض عقوبات عليهم النحر افهم‪ ،‬وقد يكون‬
‫ذلك اما بسبب انشغال االهل في العمل أو بسبب تفكك االسرة‪ ،‬أو عدم مباالتها بأهمية تقويم‬
‫سلوك االبناء‪ ،‬هذا االهمال يجعل الطفل متماديا في الخطأ واالساءة للحصول على اي شكل من‬
‫االنتباه أو االهتمام حتى لو كان بسبب اعتداءاته‪.‬‬

‫فضل على الصراع الذي يكون بين الوالدين والجو المشحون في البيت‪ ،‬فيجد الطفل‬
‫نفسه في جو غيرصحي للعيش بسبب كثرة الخلفات بين أمه ووالدة وقد يسمع كلما نابيا يؤثرفي‬
‫تكوينه ويعتاد على سماعه‪ ،‬ومن تم قد ال يفهم الطفل أنه من غيرالمقبول االعتداء على االخرين‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بسبب اختلفهم حجما أو شكل اوعرقا أودينا‪ .‬إذ أنه يرى ويسمع في بيته االنتقاد والتجريح وربما‬
‫العنصرية والكراهية فيترجم ذلك الى تنمر واعتداء‪ ،‬فاعتياده على رؤية هذا السلوك في اسرته‬
‫كالقسوة والعدائية والمعاملة الشرسة بين افراد عائلته‪ ،‬يجعله ال يعرف غير هذا االسلوب كي‬
‫يحصل على اهتمام االخرين واحترامهم‪ ،‬لذا فهو يمارسه في علقته مع اقرانه‪ ،‬إذ أن السلوك في‬
‫نظره إما ان يكون شرسا معتديا‪ ،‬ليكون ذا سلطة ويحصل على ما يريد أو أن يكون خانعا ذليل‪،‬‬
‫فيكون منبوذا‪ ،‬ومن المؤكد أنه سيسلك طريق االعتداء والتنمر‪.473‬‬

‫كما أنه‪ ،‬وفي بعض الحاالت يكون التنمر واالساءة علمة من علمات االكتئاب أو‬
‫ً‬
‫اضطراب الشخصية أو عرضا لمرض عقلي‪ ،‬كالغضب واستخدام القوة والعنف وسوء فهم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫افعال و اقوال االخرين على انها معادية ومستهدفة له‪ .‬وهذا النوع من االوالد يحتاج علجا نفسيا‬
‫ً‬
‫وعصبيا وربما لتدريس خاص‪.474‬‬

‫‪ 473‬عائشة بطي الشامسي‪ ،‬أساسيات في تربية األطفال‪ ،‬م‪،‬س‪ ،‬ص‪.17‬‬


‫‪ 474‬ايمان يونس ابراهيم العبادي‪ ،‬التنمر لدى األطفال‪ ،‬م‪،‬س‪ ،‬ص‪.29‬‬

‫‪291‬‬
‫‪2023‬‬

‫ومن األسباب المهمة‪ ،‬أيضا‪ ،‬تدني المستوى الدراس ي أو المادي أو االجتماعي‪ ،‬فقد‬
‫ً‬
‫يلحظ الطفل تدني المستوى االجتماعي ويسعى جاهدا لتحسين وضعه‪ ،‬فيتنمر ليحصل على‬
‫واجبات االخرين الدراسية أو يسرق منهم ليحصل على ثمن طعامه أو يحل مشكلة افتقاده‬
‫لألصدقاء من خلل العلقات التسلطية؛ ويزيد من ذلك ضعف نظام المدرسة‪ ،‬فقد يكون‬
‫ً‬
‫التنمرناتجا عن ضعف نظام المدرسة أو وجود أعدادا كبيرة من الطلب تفوق قدرة المسؤولين‬
‫على السيطرة عليهم‪ ،‬فتظهراالساءات و االعتداءات‪ ،‬ويفلت المتنمرون من العقاب على الرغم‬
‫من التزام المدرسة علنا بسياسة مناهضة للترهيب والتنمر‪.‬‬

‫ومن أخطراألسباب وأكثرها انتشارا‪ ،‬العنف المتزايد في وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬وفي‬
‫األلعاب االلكترونية‪ ،‬حيث ينتشرالتحريض على العنف في وسائل االعلم كاأللعاب االلكترونية‬
‫العنيفة‪ ،‬واالفلم املحرضة على العنف‪ ،‬وكذلك افلم الكارتون العنيفة‪ ،‬وبرامج المصارعة‬
‫الحرة‪ ،‬التي تجعل من العنف واالعتداء تسلية ومتعة بل وطريقة حياة‪ ،‬وكذلك في وسائل‬
‫التواصل االجتماعي التي فتحت املجال للجميع أن يتكلم بحرية دون قيد أو شرط‪.475‬‬

‫ولعلج هذه الظاهرة التي بدأت تنتشر بشكل مخيف بين األطفال‪ ،‬وقلما ينجو منها أحد‬
‫خلل حياته ولها نتائج نفسية خطيرة‪ .‬وال معنى إلخفائها أو التسترعلى وجودها‪ .‬بل يجب التعاون‬
‫في سبيل كشفها ومحاربتها وعلج اسبابها واطر افها؛ فالعلج يشمل جتهي التنمر‪ :‬الجهة االولى‬
‫هي الطفل الذي يقع عليه الظلم واالعتداء‪ ،‬إذ يجب االهتمام به وتصحيح آثار التنمر عليه‬
‫وإحاطته بالعناية‪ .‬والجهة الثانية هي المعتدي الذي يمارس العنف واالعتداء كنمط سلوك‬
‫ثابت يجب توجيهه وتقويمه كي ال يؤذي المزيد من الضحايا وال يتطورسلوكه ليصبح اكثرعدائيا‬
‫وينخرط في افعال اجرامية ال يمكن تلفيها‪ .‬فالطرفين بحاجة للعلج النفس ي والتقويم للتخلص‬
‫من آثارهذا السلوك الخطيرالذي ينتقل معهم حتى الكبرليجعلهم افرادا غيراسوياء يعانون من‬
‫اضطرابات نفسية تؤثرعلى انتاجيتهم ونجاحهم في الحياة‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫ايمان يونس ابراهيم العبادي‪ ،‬التنمرلدى األطفال‪ ،‬مركزالكتاب االكاديمي‪2020 ،‬‬

‫‪475‬أحمد محمد عبد الرؤوف المنيفي‪ ،‬التنمر وابتزاز النساء عبر اإلنترنت (الطرق واالساليب ‪ -‬عالمات التحذير للتعرف على الضحايا‬
‫‪ -‬كيف نحمي ابناءنا وبناتنا‪ ،2121 ،‬ص‪.91‬‬

‫‪292‬‬
‫‪2023‬‬

‫التنمر في المداس‪ :‬ظاهرة التنمر أسبابها ومدى انتشارها‪ ،‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬المركز‬
‫العربي للبحوث التربوية لدول الخليج‪ ،‬استراتيجيات وأساليب مواجهة التنمر‪2020 ،‬‬

‫ميلد ألفي جرجس‪ ،‬اإلذاعة والتلفزيون كظاهرة عالمية‪ ،‬دار غيداء للتوزيع والنشر‪،‬‬
‫‪.2020‬‬

‫عائشة بطي الشامس ي‪ ،‬أساسيات في تربية األطفال‪ ،‬دليل لآلباء واألمهات لفهم دو افع‬
‫سلوكيات األطفال من عمر ‪ 12-4‬سنة‪ ،‬أوستن ماكوالي‪.2021 ،‬‬

‫أحمد محمد عبد الرؤوف المنيفي‪ ،‬التنمرو ابتزازالنساء عبراإلنترنت (الطرق واالساليب‬
‫‪ -‬علمات التحذيرللتعرف على الضحايا ‪ -‬كيف نحمي ابناءنا وبناتنا‪.2020 ،‬‬

‫‪293‬‬
‫‪2023‬‬

‫دور الفاعلين السياسيين والقضائيين في ضمان الحق في‬


‫الصحية بالمغرب‬
‫‪The role of political and judicial actors in ensuring the right to health in Morocco‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫تندرج حقوق اإلنسان ضمن استراتيجيات التغييراالجتماعي‪ ،‬التي تهدف إلى بناء مجتمع‬
‫ديمقراطي حداثي‪ ،‬يتمتع فيه األفراد والجماعات بروح المبادرة‪ ،‬والمشاركة في سيرورة التنمية‬
‫البشرية واملجتمعية‪ ،‬والتفاعل اإليجابي مع قضايا اإلنسان والوطن‪ ،‬والتحلي بروح المسؤولية‬
‫اتجاه الذات و اتجاه األخر‪.‬‬

‫فإذا كانت هذه الحقوق قد ولدت من رحم مجموعة من التحوالت التاريخية؛ كالحملت‬
‫االستعمارية والحرب العالمية الثانية‪ ،‬إضافة إلى تأثيرات الديانات السماوية والنظريات‬
‫الفلسفية‪...‬فإن اإلنسانية اليوم‪ ،‬أصبحت تطمح إلى حقوق كونية تتجاوز كل ما هو جغرافي أو‬
‫عرقي أو لغوي أو اثني‪.476...‬‬

‫‪ 476‬أمينة حميدي‪ ،‬الحق في التعليم بين المواثيق الدولية ورهانات اإلصالح‪ :‬المغرب نموذجا‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬جامعة‬
‫محمد الخامس ‪ -‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،6102 – 6105 ،‬ص ‪.1‬‬

‫‪294‬‬
‫‪2023‬‬

‫ً‬
‫ويعد الحق في الصحة من أهم حقوق اإلنسان الجديرة بالحماية‪ ،‬وأن هذا الحق يعد حقا‬
‫ً‬
‫شامل ال يقتصر على مجرد تقديم خدمات الرعاية الصحية‪ ،‬بل ينصرف لجميع العوامل التي‬
‫يمكن أن تؤثرعليه‪ ،‬وقد كرس هذا الحق في سياق العديد من االتفاقيات الدولية‪ ،‬والتي تناولت‬
‫الحق في الصحة بما يتلءم وموضوعاتها‪.477‬‬

‫وفي ظل هذه االعتبارات‪ ،‬عمد المغرب إلى وضع سياسية صحية تنطوي على صياغة‬
‫األولويات التي يمكن من خللها تحديد االختيارات واألهداف الصحية‪ ،‬وذلك من خلل ملئمة‬
‫القطاع الصحي والبحث في طرق تماهيه مع سيرورة التنمية االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫حيث تم االنتقال من مجتمع يعتمد في قضايا الصحة‪ ،‬على مرتكزات المعتقدات‬


‫والخر افات الموروثة‪ ،‬واإلذعان لحتمية القضاء والقدر الطب الشعبي الذي يوظف وسائل‬
‫علجية رجعية‪ ،‬إلى مجتمع حديث يوظف مرتكزات الطب الحديث‪ .‬هذا االنتقال هو نتاج‬
‫ملجموعة من الفاعلين السياسيين والقضائيين‪ ،‬وذلك عبر تدخلهم صنع السياسة الصحية‬
‫بالمغرب‪ ،‬إما من خلل املخططات الحكومية أو عبر األحكام الصادرة عن القضاء بمختلف‬
‫درجاته‪478.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإننا سنحاول من هذه الورقة البحثية اإلجابة عن اإلشكالية التالية‪ :‬أين يتجلى‬
‫دورالفاعلين السياسيين والقضائيين في ضمان الحق في الصحة بالمغرب؟‬

‫فمن أجل الوصول إلى نتائج هذه ا إشكالية المطروحة‪ ،‬سأعتمد على التقسيم التالية‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الفاعلون في صنع السياسة الصحية‪ .‬المطلب الثاني‪ :‬دور القضاء في ضمان‬
‫الحق في الصحة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الفاعلون في صنع السياسة الصحية‬

‫ساهمت الدولة المغربية وال زالت تساهم بمختلف مكونتها‪ ،‬سواء الفاعلين الرسميين أو‬
‫غيرالرسميين في النهوض بالقطاع الصحي بالمغرب‪ ،‬خاصة المؤسسات الدستورية التي جاء بها‬

‫‪ 477‬سارة كمال مصطفى‪ ،‬حيدر أدهم عبد الهادي‪ ،‬دور المقرر الخاص في حماية الحق في الصحة‪ ،‬منشورات مجلة كلية الحقوق – جامعة‬
‫النهرين‪ ،‬املجلد ‪ ،66‬العدد ‪ ،6161 ،6‬ص ‪.065‬‬
‫‪ 478‬لمياء أزرن‪ ،‬تطور السياسة الصحية بالمغرب‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،6112 -6115 ،‬ص ‪.1‬‬

‫‪295‬‬
‫‪2023‬‬

‫دستور ‪ 2011‬فيما يتعلق بالحقوق والحريات األساسية لألفراد‪ .‬باعتبار أن الحق في الصحة‬
‫أصبح يحظى بمكانة هامة‪ ،‬لتحقيق الطموح المنشود على المدى القريب والمتوسط في بلوغ‬
‫مدارك –دولة الحكامة‪ -‬عبرتبنيها من لنموذج التنموي الجديد‪ .‬وهذا ال يتحقق فعليا إال بوجود‬
‫فاعل سياس ي كيف ما كانت نوعيته‪.‬‬

‫لذلك سنقف في هذا المطلب عند دورالمؤسسات الرسمية في النهوض بالقطاع الصحي‬
‫(الفقرة األولى)‪ ،‬تم نعرج بعد ذلك للحديث عن دورهيئات حماية الحقوق والحريات في النهوض‬
‫بالقطاع الصحي (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬دورالمؤسسات الرسمية في النهوض بالقطاع الصحي‬

‫تشكل المؤسسة الملكية والحكومة والمؤسسة البرلمانية المؤسسات األساسية‬


‫الفاعلة داخل أي نظام سياس ي‪ ،‬وذلك من خلل وضع البرامج واملخططات االستراتيجية التي‬
‫تهم مختلف القطاعات بما فيها القطاع الصحي‪ ،‬كما أنها تساهم في استدامة إشاعة ثقافة‬
‫حقيقية لباقي حقوق اإلنسان‪ ،‬ان اعمال الحق كيف ما كان أمر مهم لإلعمال التام لحقوق‬
‫االن سان‪ ،‬و هذا يتم تحت اناطة المؤسسات الفاعلة بهذا الخصوص‪ ،‬و من المسلم ان ضمان‬
‫حقوق االنسان يكون من اختصاص المؤسسات الفاعلة فيه‪ ،‬لذلك سنحاول في هذه الفقرة‬
‫مناقشة دورالمؤسسة الملكية وكذا الحكومة في الحفاظ على الحقوق الصحية للمواطنين‪.‬‬

‫‪ -1‬المؤسسة الملكية‬

‫تحظى المؤسسة الملكية بمكانة محورية في النسيج التاريخي واالجتماعي والسياس ي‬


‫المغربي‪ ،479‬وهذا ما يفسر فاعلية المؤسسة بهذا الخصوص‪ ،‬حيث نجد الملك الراحل محمد‬
‫الخامس أولى أهمية خاصة للشأن الصحي حيث قدم توجيهات أطرت السياسة الصحية لما‬
‫بعد الحماية‪ ،‬حيث أنه كان ينظر إلى الصحة كأولوية وضرورة حيوية حيث قال‪" :‬ال يمكن‬
‫للمغرب أن يتقدم ويحقق طموحاته إال إذا كان مستواه الصحي عاليا"‪.‬‬

‫‪479‬‬
‫كريم الحرش‪ :‬الدستور الجديد للمملكة المغربية –الشرح والتحليل‪ ،‬مكتبة الرشاد سطات‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2122 ،‬ص‪.227:‬‬

‫‪296‬‬
‫‪2023‬‬

‫وقد سار على نفس النهج الراحل الملك الحسن الثاني‪ ،‬حيث قال‪" :‬إن الذخيرة الثمينة‬
‫ألية أمة ليست احتياطها من الذهب أو العملت الصعبة بالغة ما بلغت‪ ،‬وليست كذلك ثروتها‬
‫الجوفية وال صناعتها‪ ،‬بل هي صحة شعبها"‪480.‬‬

‫ومنذ تولي جللة الملك محمد السادس سدة الحكم‪ ،‬قام بإعطاء توجيهاته إلرساء ترسانة‬
‫استشفائية بالبلد ومغربة األطرالطبية‪ ،‬دون إهمال تكوين األطرشبه الطبية‪.481‬‬

‫تتمثل في مجموعة من الخطابات التي يلقيها الملك في مختلف المناسبات أمام أعضاء‬
‫السلطتين التشريعية والتنفيذية أو للشعب مباشرة‪ ،‬فأهمية هذه الخطب ال تكمن فقط في‬
‫كونها تشكل خارطة طريق للحكومة والمؤسسات الدستورية للقضايا التي يجب أن تحظى‬
‫بأولويتها أثناء إعداد السياسات العامة للحكومة تشريعا وتنفيذا‪ ،‬بل تعتبر بمثابة تعليمات‬
‫وتوجيهات سامية تصدرها أعلى سلطة في البلد بهدف توجيه عمل مختلف مؤسسات الدولة‬
‫ومر افقها اإلدارية‪.‬‬

‫وقد حظيت المسألة الصحية بعناية خاصة في الخطب الملكية‪ ،‬وذلك من خلل النظر‬
‫لها من زاوية كونها تشكل مدخل من مداخل اإلصلحات الهيكلية التي تصب في اتجاه تحديث‬
‫مؤسسات الدولة ودمقرطتها وتعزيز حقوق المواطنين‪ ،‬وقد شهدت هذه الخطب انطلقتها‬
‫الرسمية خلل فترة حكم الملك الحسن الثاني وتعززت مع تولي الملك محمد السادس الحكم‪،‬‬
‫الذي جعل من معطى حقوق اإلنسان أحد رو افد خطبه لدرجة يمكن القول معها بأن مفهوم‬
‫حقوق اإلنسان شكل أحد أهم الركائزالتي تنبني عليها فلسفة حكم الملك محمد السادس الذي‬
‫خصص مجموعة من خطبه وبشكل حصري ملجموعة من القضايا المتعلقة بحقوق‬
‫اإلنسان‪.482‬‬

‫‪ -2‬الحكومة‬

‫‪480‬لمياء أزرن‪ ،‬تطور السياسة الصحية بالمغرب‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.011 -99‬‬
‫‪ 481‬لمياء ازرن‪ :‬تطور السياسة الصحية بالمغرب‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪ 482‬عبد الغني السرار‪ ،‬السياسة العامة في مجال حقوق اإلنسان بالمغرب‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬
‫محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – السويس ي‪ -‬الرباط‪ ،6109 – 6105 ،‬ص ‪.010‬‬

‫‪297‬‬
‫‪2023‬‬

‫يعتبر الوزراء مسؤولون على تنفيذ السياسة الحكومة كل في القطاع الذي يشرف عليه‪،‬‬
‫وذلك في إطار التضامن الحكومي‪ ،‬كما يطلعون رئيس الحكومة على ما يقومون به باتخاذه‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬وفي إطار السياسة العامة في مجال حقوق اإلنسان‪ ،‬نجد بأن الحكومة المغربية تضم‬
‫في تشكيلتها مجموعة من القطاعات الوزارية التي تعنى بإعداد وتنفيذ السياسة الحكومة في‬
‫مجال حقوق اإلنسان‪ ،‬ويختلف تدخل كل قطاع وزاري بحسب املجاالت المسندة إليه بموجب‬
‫القوانين التنظيمية املحددة لسيره‪.483‬‬

‫وتشكل وزارة الصحة األداة الناجعة في يد الحكومة من أجل بلورة التوجهات واألهداف‬
‫العامة المتخذة‪ ،‬والعمل على تنفيذها في الميدان الصحي‪ ،‬وتهدف هذه الوزارة بتعاون مع باقي‬
‫القطاعات المعينة بالشأن الصحي إلى ضمان السلمة البدنية والعقلية واالجتماعية‬
‫للمواطنين‪ ،‬كما تسهر على التوفيق بين التوجهات وتنسيق األهداف والتدابير التي تساعد على‬
‫الرفع من المستوى الصحي للسكان‪.484‬‬

‫ويعتبر البرنامج الحكومي من أهم اآلليات والوسائل التي يتم فيه وضع املخطط الصحي‬
‫الذي ترغب ال حكومة في تنزيله خلل واليتها الحكومية‪ ،‬وعلى هذا األساس ينص الفصل ‪ 99‬من‬
‫دستور ‪ 2011‬على أنه يعرض رئيس الحكومة أمام مجلس ي البرلمان البرنامج الذي يعتزم‬
‫تطبيقه‪ ،485‬ويجب أن يتضمن هذا البرنامج كافة املخططات واالستراتيجيات بما فيها‬
‫املخططات التي تهم املجال الصحي‪.‬‬

‫‪ -3‬البرلمان‪:‬‬

‫لقد احتلت المؤسسة البرلمانية في تراتبية المؤسسات الدستورية‪ ،‬الباب الرابع من‬
‫دستور ‪ ، 2011‬كما شملتها عدة تغييرات سواء من حيث االختصاصات الموكولة إليها‪ ،‬أو من‬
‫حيث التسمية‪ ،‬إذ أصبح البرلمان في دستور ‪ ،2011‬يطلق عليه المؤسسة التشريعية‪ ،‬عوض‬

‫‪ 483‬عبد الغني السرار‪ ،‬السياسة العامة في مجال حقوق اإلنسان بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.051‬‬
‫‪ 484‬لمياء أزرن‪ ،‬اإلصالح في املجال الصحي نموذجا‪ ،‬دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،6112 -6115 ،‬ص ‪.06‬‬
‫‪ 485‬الفصل ‪ 55‬من دستور المملكة المغربية‪ ،‬الصادر بتاريخ ‪ 69‬يوليوز ‪ ،6100‬الجريدة الرسمية‪ :‬عدد ‪ 5925‬مكرر في ‪ 11‬يوليوز ‪ ،6100‬ص‬
‫‪.1211‬‬

‫‪298‬‬
‫‪2023‬‬

‫"البرلمان" كما كانت تنص على ذلك الدساتير السابقة‪ ،486‬وبهذا الخصوص ينص الفصل ‪71‬‬
‫من دستور ‪ ، 2011‬على أن البرلمان يتجلى دوره في التشريع ومر اقبة العمل الحكومي وتقييم‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬وهي اختصاصات تشمل مختلف القطاعات الوزارية بما فيها القطاع‬
‫الصحي‪ ،‬فبهذا الخصوص نجد أن ما خول للبرلمان من اختصاصات تمكنه من التشريع‬
‫والتصويت على مخططات التنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية وغيرها من المواضيع‬
‫التي تهم الحقوق االقتصادية واالجتماعية‪.487‬‬

‫ففي املجال الصحي‪ ،‬يختص البرلمان في التشريع في مجال الحقوق والحريات األساسية‬
‫المنصوص عليها في الدستور‪ ،‬بما في ذلك التصديرالذي يعتبرجزء ال يتجزأ من دستورالمملكة‪،‬‬
‫إضافة إلى التشريع في مبادئ وقواعد المنظومة الصحية‪ ،‬وكذا األمراض المهنية التي لها علقة‬
‫بمجال الشغل‪.488‬‬

‫أما في مجال مر اقبة العمل الحكومي‪ ،‬فإن المشرع المغربي وضع أمام أعضاء المؤسسة‬
‫التشريعيةـ عد ة آليات قصد مر اقبة أعمال الحكومة‪ ،‬كاألسئلة الرقابية سواء الكتابية منها أو‬
‫الشفوية‪ ،‬التي توجه إلى كل وزير حسب قطاعه‪ ،‬بما فيهم وزير الصحة‪ ،‬أو األسئلة الشهرية‬
‫الموجهة لرئيس الحكومة‪ ،‬والتي تخص جميع املخططات االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أو عن‬
‫طريق فتح لجان لتقص ي الحقائق قصد جمع المعلومات حول االختلالت التي يعرفها قطاع‬
‫الصحة‪.489‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬نص دستور ‪ 2011‬وألول مرة على آلية جديدة يمكن للبرلمان من خللها‬
‫أن ير اقب العمل الحكومي‪ ،‬وذلك من خلل مدى التزام الحكومة بتنزيل برامجها ومخططاتها‪،‬‬
‫وتتمثل هذه اآللية في آلية "تقييم السياسة العامة والسياسات العمومية"‪ ،‬والتي تعتبر من‬

‫‪ 486‬رشيد المدور‪ ،‬البرلمان في ضوء مستجدات الدستور‪ ،‬منشورات دفاتر في القانون البرلماني المغربي‪ ،‬العدد ‪ ،0‬الطبعة األولى‪ ،6109 ،‬ص ‪.6‬‬
‫عبد الرزاق الحنوشي‪ :‬البرلمان وحقوق اإلنسان مرجعيات وممارسات‪ ،‬مطبعة دار المناهل‪،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مارس ‪،2122‬‬
‫‪487‬‬
‫ص‪29 :‬‬
‫‪ 488‬نبيل فتال‪ ،‬البرلمان المغربي بين آلية التشريع وإمكانية التقييم‪ ،‬مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية‪ ،‬عدد خاص حول‬
‫القانون الدستوري ‪ ،6109‬ص ‪.60 -61‬‬
‫‪ 489‬أحمد بوز‪ ،‬البرلمان المغربي‪ :‬البنية والوظائف‪ ،‬منشورات املجلة المغربية للعلوم السياسية واالجتماعية‪ ،‬عدد خاص‪ ،‬دجنبر‬
‫‪ ،6102‬ص ‪.011‬‬

‫‪299‬‬
‫‪2023‬‬

‫المستجدات التي جاء بها دستور‪ ،2011‬قصد مر اقبة نتائج املخططات التي تضعهما الحكومة‬
‫في مختلف القطاعات الحكومية‪.490‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬دورهيئات حماية الحقوق والحريات في النهوض بالقطاع الصحي‬

‫لقد عمل المشرع الدستوري المغربي على تعزيز ضمانات حماية الحقوق والحريات‬
‫وتكريسها من خلل دسترة بعض المؤسسات الوطنية املختصة في هذا الشأن‪ ،‬حيث خص‬
‫دستور‪ 2011‬في بابه الثاني عشربعض فصوله لهيئات حماية حقوق اإلنسان والنهوض بها‪ ،‬وعلى‬
‫رأسها املجلس الوطني لحقوق اإلنسان (‪ )1‬ومؤسسة الوسيط (‪.)2‬‬

‫‪ -1‬املجلس الوطني لحقوق اإلنسان‬

‫نص دستور‪ 2011‬في فصله ‪ 111‬على املجلس الوطني لحقوق اإلنسان‪ ،‬كمؤسسة وطنية‬
‫تعددية ومستقلة‪ ،‬تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق اإلنسان‬
‫وحمايتها‪ ،‬وبضمان ممارستها الكاملة‪ ،‬والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات‬
‫والمواطنين‪ ،‬أفراد وجماعات‪ ،‬وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية‬
‫والكونية في هذا املجال‪.491‬‬

‫ومن هذا المنطلق واعتبارا لإلنجازات التي حققها املجلس االستشاري لحقوق اإلنسان‬
‫في مجال الحقوق والحريات‪ ،‬وتسوية ماض ي االنتهاكات‪ ،‬وتحقيق األهداف االستراتيجية‬
‫للتجربة المغربية في مجال العدالة االنتقالية‪ ،‬ومن أجل تعزيزالعمل واالرتقاء بمهنية املجلس‪،‬‬
‫تم إنشاء املجلس الوطني لحقوق اإلنسان‪.492‬‬

‫إذ يمارس املجلس الوطني لحقوق اإلنسان مجموعة من االختصاصات والمهام التي‬
‫تهدف إلى حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬وذلك من خلل رصد انتهاكات حقوق اإلنسان بسائر جهات‬

‫‪ 490‬أمين السعيد‪ ،‬التوازن بين السلطات في النظام الدستوري المغربي بين الوثيقة الدستورية لسنة ‪ 6100‬والممارسة السياسية‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،6109 ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ 491‬الشريف تيشيت‪ ،‬الحقوق والحريات األساسية في ظل دستور ‪ ،6100‬منشورات مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪-19‬‬
‫‪ ،6102 ،51‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 492‬يونس مليح‪ ،‬مسار بناء المؤسسات الدستورية الحصيلة والرهانات‪ ،6109‬منشورات مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،6102 ،51 -19‬ص ‪.09‬‬

‫‪311‬‬
‫‪2023‬‬

‫المملكة‪ ،‬ومن أجل ذلك يجوزله إجراء التحقيقات والتحريات اللزمة بشأنها‪ ،‬كلما توفرت لديه‬
‫معلومات مؤكدة وموثوق منها‪ ،‬حول حصول هذه االنتهاكات‪ ،‬مهما كانت طبيعتها أو مصدرها‪،‬‬
‫وينجزتقاريربشأنها‪ ،‬كما ينظرفي ينظر في جميع حاالت خرق حقوق اإلنسان‪ ،‬إما بمبادرة منه أو‬
‫بناء شكاية‪ ،‬ومن أجل القيام بمهامه فإن السلطات العمومية ملزمة بوضع جميع التسهيلت‬
‫اللزمة التي من شأنها أن تمكن املجلس من القيام بمهام في أحسن الظروف‪.493‬‬

‫ال شك أن هذه المؤسسة الحقوقية المدافعة عن حقوق اإلنسان‪ ،‬تشكل دعامة رئيسية‬
‫مقوية لدولة الحق والقانون‪ ،‬ولبنة أساسية تعزز صرح التقدم الديمقراطي الذي تعرفه‬
‫المملكة‪ ،‬خصوصا وأنها مؤسسة للمشورة ومر اقبة وتقييم أوضاع حقوق اإلنسان بالبلد‪،‬‬
‫باإلضافة إلى كونها تعد تقارير سنوية وتقارير متخصصة أو موضوعاتية حول حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫بما فيها الحقوق الصحية‪ ،‬وكذا حول حصيلة و آفاق عمل املجلس‪ ،‬يتم عرضها أمام أنظار‬
‫الملك وينشر التقرير بالجريدة الرسمية‪ .‬وكذلك إمكانية زيارة المستشفيات من أجل اإلطلع‬
‫على و اقع القطاع الصحي بمختلف تراب المملكة‪.494‬‬

‫‪ -2‬مؤسسة الوسيط‬

‫جاء دستور ‪ 2011‬ليحمل مؤسسة الوسيط ضمن هيئة حماية الحقوق والنهوض بها‪،‬‬
‫ً‬
‫حيث نص في الفصل ‪ 112‬بالتأكيد دستوريا على أن‪:‬‬

‫"الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة؛ مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق‬


‫العلقات بين اإلدارة والمرتفقين‪ ،‬واإلسهام في ترسيخ سيادة القانون‪ ،‬وإشاعة مبادئ العدل‬
‫واإلنصاف‪ ،‬وقيم التخليق والشفافية في تدبير اإلدارات والمؤسسات العمومية والجماعات‬
‫الترابية والهيئات التي تمارس صلحية السلطة العمومية"‪.495‬‬

‫توجه الشكايات والتظلمات إلى الوسيط أو إلى الوسطاء الجهويين بصفة مباشرة من‬
‫طرف المشتكي‪ ،‬و بواسطة من ينوب عنه‪ ،‬كما يمكن ألعضاء البرلمان‪ ،‬ورؤساء سائر اإلدارات‪،‬‬
‫ورؤساء كل من املجلس الوطني لحقوق اإلنسان واللجنة الوطنية لمر اقبة حماية المعطيات‬

‫‪ 493‬عبد الغني السرار‪ ،‬السياسة العامة في مجال حقوق اإلنسان بالمغرب‪ ، ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.022‬‬
‫‪ 494‬يونس مليح‪ ،‬مسار بناء المؤسسات الدستورية الحصيلة والرهانات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ 495‬الشريف تيشيت‪ ،‬الحقوق والحريات األساسية في ظل دستور ‪ ،6100‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.26‬‬

‫‪311‬‬
‫‪2023‬‬

‫ذات الطابع الشخص ي والهيئة العليا للتصال السمعي البصري والهيئة المركزية للوقاية من‬
‫الرشوة ومجلس المنافسة‪ ،‬وغيرها من المؤسسات‪ ،‬والجمعيات التي ال تدخل في مجال‬
‫اختصاصهم‪ ،‬وتختص بها المؤسسة‪.496‬‬

‫وفي تقريره برسم سنة ‪ ،2013‬أقر الوسيط بتواضع املجهود المبذول من جانب اإلدارات‬
‫وحاجته إلى المزيد؛ فرغن التقدم الملموس في معالجة المؤسسة للشكايات والتظلمات‪ ،‬تبين‬
‫أن تفاعل اإلدارات المعنية معها‪ ،‬وتسريعها لوتيرة اإلجابة و إيجاد الحلول لها لم يصل بعد إلى‬
‫ً‬
‫المستوى المنشود‪ ،‬نظرا لما يعتري القضايا الكبرى التي تستأثر باهتمام المؤسسة من‬
‫صعوبات في المعالجة‪.497‬‬

‫تلقى الوسيط‪ ،‬في سنة ‪ ،2011‬العديد من التظلمات (‪ ،)9291‬بحيث بلغ العدد اإلجمالي‬
‫للشكايات التي تدخل في االختصاص ما مجموعه ‪ 2291‬وذلك بنسبة تصل إلى ‪ ،%27.1‬تقدم بها‬
‫أشخاص اعتباريون منهم ‪ 1172‬شخص ذاتي (شكلت اإلناث منهم ‪ 434‬مقابل ‪ 1339‬بالنسبة‬
‫للذكور)‪ ،‬في حين بلغ عدد الشكايات التي تم توجيه أصحابها وإرشادهم ما مجموعه ‪ 5665‬وذلك‬
‫بنسبة تصل إلى ‪ .%72,4‬قام الوسيط بمراسلة اإلدارات المعنية لمعرفة موقفها بشأن ‪1775‬‬
‫تظلم‪ ،‬أما الشكايات التي أحيلت من لدنه على املجلس الوطني لحقوق اإلنسان فعددها ‪ ،44‬في‬
‫حين بلغ عدد التي تم حفظها ‪ ،46‬وتمت مراسلة ‪ 391‬شخص من اجل استكمال ملفاتهم‪ ،‬بينما‬
‫‪ 32‬شكاية ال تندرج في اختصاص المؤسسة‪.498‬‬

‫وقد شكلت الشكايات التي تهم املجال الصحي فيما يخص علقة المواطن بالمرفق‬
‫الصحي‪ ،‬نسبة كبيرة من تلك الشكايات‪ ،‬وذلك يرجع باألساس إلى االحتكاك اليومي للمواطن‬
‫بالمستشفيات وما تعانيه هذه األخيرة من اختلالت خاصة فيما يخص استقبال المواطنين‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬دورالقضاء في ضمان الحق في الصحة‬

‫‪ 496‬عبد الغني السرار‪ ،‬السياسة العامة في مجال حقوق اإلنسان بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.066‬‬
‫‪ 497‬الشريف تيشيت‪ ،‬الحقوق والحريات األساسية في ظل دستور ‪ ،6100‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ 498‬عبد الغني السرار‪ ،‬السياسة العامة في مجال حقوق اإلنسان بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.066‬‬

‫‪312‬‬
‫‪2023‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد لعبت املحاكم المغربية بمختلف أصنافها دورا هاما في حماية الحقوق الصحية‬
‫للمواطنين والنهوض بها‪ ،‬وذلك عبر مجموعة من األحكام الصادرة عنها‪ ،‬سواء الصادرة عن‬
‫محاكم القضاء اإلداري (الفقرة األولى) أو الصادرة عن محاكم القضاء العادي (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الحق في الصحة من منظورالقضاء اإلداري‬

‫سبق للمحكمة اإلدارية بمدية أكاديرقسم القضاء الشامل سنة ‪ 1669‬أن رفضت الطلب‬
‫الذي تقدم به أحد المواطنين والرامي إلى الحكم بتحميل الدولة في شخص الوزير األول‪،‬‬
‫مسؤولية األضرار الصحية والمادية والمعنوية اللحقة به مدة إقامته بسقم المستعجلت‬
‫بمستشفى الحسن الثاني بعد حادثة السيرالتي كان ضحيتها‪ ،‬وذلك بناء على العلة التالية‪:‬‬

‫"حيث ثبت للمحكمة بعد دراسة الملف واالطلع على ورقة دخول وخروج المدعي إلى ومن‬
‫مستشفى الحسن الثاني بأكادير‪ ،‬وكذا تقرير الخبرة القضائية المنجزة في الملف‪ ،‬أنه لم يثبت‬
‫أي تقصيرأو إهمال في جانب المستشفى المذكور‪ ،‬ذلك أن المدعي الضحية نقل من مستشفى‬
‫الحسن الثاني بأكادير بطلب من عائلته ولم ينازع المدعي أثناء سريان هذه الدعوى أن عملية‬
‫النقل تمت بسيارة عادية دون مراعاة الشروط الطبية المطلوبة في مثل هذه الحالة"‪.‬‬

‫وحيث اعتبارا لذلك لم يثبت للمحكمة مسؤولية الدولة في األضراراللحقة بالمدعي مما‬
‫ً‬
‫يجعل الدعوى غيرمؤسسة قانونا ويتعين التصريح برفضها‪.499‬‬

‫وبالرغم من ذلك‪ ،‬فإن املحكمة‪ ،‬وإن كانت قد رفضت الطلب‪ ،‬فهي قد اعترفت صراحة‬
‫بصفة االلتزام ألحد جوانب الحق في الصحة‪ ،‬وهو الحق في تلقي الخدمات الطبيعة والعلجية‪،‬‬
‫وكيفته بأنه التزام ببذل عناية‪ ،‬إذ جاء في الحيثية األولى لحكمها المذكورما يلي‪:‬‬

‫"حيث إن المرفق الصحي العمومي أعد لتوفير الظروف الملئمة للعلج واستقبال‬
‫المرض ى وتوفيرالخدمات الطبية النوعية والكفاءات المهنية المطلوبة حسب كل حالة‪ ،‬لتوفير‬
‫العلج والعناية الطبية اللزمة‪ ،‬وكل إهمال أو تقصير في هذا الجانب تتحمل تبعاته الدولة‬
‫ً‬
‫باعتبارها المسؤولة أساسا عن صحة المواطن"‪.‬‬

‫‪ 499‬أحمد ادرويش‪ ،‬مسؤولية مرافق الصحة العمومية‪ ،‬الكتاب السابع من سلسلة المعرفة القانونية‪ ،‬البوكيلي للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،0999 ،‬ص ‪.62‬‬

‫‪313‬‬
‫‪2023‬‬

‫وفي قضية أخرى كانت معروضة على نفس املحكمة‪ ،‬فقد اعتبرت هذه األخيرة بأن‪:‬‬

‫"‪ ..‬مسؤولية الدولة عن األضرارالتي لحقت بالمدعية ثابتة‪ ،‬ويتعين من أجل ذلك الحكم‬
‫على الدولة المغربية في شخص السيد الوزيراألول بتوفيرالعلج على نفقتها للمدعية مع ما يترتب‬
‫عن ذلك قانونا"‪.500‬‬
‫ً‬
‫من خلل هذا الحكم األخيرنلحظ بأنه جاء مخالفا لما جاء في الحكم األول‪ ،‬إذا أن الحكم‬
‫ً‬
‫األخير جاء واضحا فيما يخص انتصار القضاء اإلدارية لحق المواطنين في الصحة‪ ،‬وذلك أسوة‬
‫بجميع الحقوق األساسية التي أقرتها المواثيق واإلعلنات الدولية‪.‬‬

‫أما محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش‪ ،‬فبدورها دعت إلى ضمان حق المواطنين في‬
‫الصحة‪ ،‬إذ جاء في إحدى قرارا املحكمة‪:‬‬

‫"وحيث يتضح من الوثائق التي أدلت بها ومن البحث الذي أجرته املحكمة اإلدارية أن‬
‫ً‬
‫حالة المدعية تتطلب علجا بالخارج ويتطلب مصاريف باهظة ليس في مقدروها القيام‬
‫بتغطيتها؛‬

‫وحيث إن طبيعة المرض المزمن الذي ألم بالمدعية‪ ،‬وباعتباره شكل حالة نادرة تستلزم‬
‫تضافر وبذل الجهود من طرف وزارة الصحة العمومية المسؤولة األولى واألخير على سلمية‬
‫املجتمع من األمراض‪ ،‬وعلى محاربتها بما يضمن األمن واالستقرار فيه‪ ،‬وذلك باالعتراف بحق‬
‫المواطن في هذا املجال‪ ،‬إن على مستوى تشخيص المرض‪ ،‬أو على مستوى توفير العلج‪ ،‬وبما‬
‫يعكسه هذا االعتراف على أرض الو اقع؛‬

‫وحيث إن هذا الواجب يمتد ليشمل كل ما ال يستطيع المواطن أن يستقل بتوفيره‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫لنفسه‪ ،‬ويطوق الدولة بتوفير الصحة التي باتت تشكل حقا حقوقيا كونية لصيقة بالحق‬
‫األساس ي العالمي لإلنسان في الحياة"‪.501‬‬

‫‪ 500‬حكم املحكمة اإلدارية بأكادير‪ ،‬قسم القضاء الشامل‪ ،‬عدد ‪ ،6116/055‬بتاريخ ‪ 66‬أبريل ‪ ،6116‬ملف عدد ‪.6115/552‬‬
‫‪ 501‬قرار محكمة االستئناف اإلدارية رقم ‪ 065‬بتاريخ ‪ 05‬ربيع األول ‪ 0569‬الموافق ل ‪ 62‬مارس ‪ ،6115‬في الملف رقم ‪.6116/2/161‬‬

‫‪314‬‬
‫‪2023‬‬

‫من خلل هذا القرار‪ ،‬نلحظ بأن محكمة االستئناف اإلدارية بمراكش‪ ،‬ذهبت فيما‬
‫ذهبت إليه املحكمة اإلداري بأكادير‪ ،‬بحيث اعتبر أن الحقوق الصحية تعتبر من الحقوق‬
‫األساسية والتي تعتبرجزء ال يتجزأ من حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الحق في الصحة من منظورالقضاء العادي‬


‫ً‬
‫لم يكن القضاء العادي بعيدا كل البعد عن املحاكم اإلدارية فيما يخص حماية الحق في‬
‫الصحة للمواطنين‪ ،‬وتعتبر قضية "زوجة محفوظ"‪ ،‬من القضايا التي نظرت فيها املحكمة‬
‫االبتدائية بالدارالبيضاء‪.‬‬

‫وتتلخص وقائع هذه القضية في كون‪:‬‬

‫"المدعية كانت تشكو من ألم في بطنها وعرضت نفسها على طبيب اختصاص ي في أمراض‬
‫النساء الذي أخبرها بوجود كيس في رحمها قرب القرب على وشك االنفجار‪ ،‬وأجرى لها عملية‬
‫جراحية بسرعة دون معرفة الدم أو إجراء تحاليل مخبرية ودامت العملية الجراحية خمس‬
‫ساعات‪ .‬وأن الطبيب أخبر زوجها بكونه أزال الشحوم من بطنها في إطار عملية تجميلية‪ ،‬وأنها‬
‫بعد العملية أحست بألم شديد ببطنها وتغيب الطبيب عن زيارتها وأصيبت بنزيف داخلي حاد‪،‬‬
‫وارتفعت درجة حرارتها وأدخلت اإلنعاش إلزالة السائل من جسدها‪ .‬و أنه تبين لها حسب تقارير‬
‫األطباء أن المدعى عليه استأصل القرن بكامله وحرمها من نعمة اإلنجاب واستأصل جزءا من‬
‫المعي الصغير وترك فيه ثقبا وبعض الضمادات وأجريت عليها أربع عمليات جراحية إلصلح ما‬
‫يمكن إصلحه‪ ،‬وأسست دعواها على الخطأ التقصيري طبقا لمقتضيات الفصلين ‪ 77‬و ‪ 79‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫وقد أمرت املحكمة بإجراء خبرة ثلثية تعد الختصاصيين في أمراض النساء والتجميل‬
‫والجهازالهضمي الذين خلصوا في تقريرهم إلى أن تطبيع الحرارة المرتفعة بالحيوانات الضمادة‬
‫كان بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة وأن مضاعفات العملية الجراحية يتوقع حدوثها وكان‬
‫على الجراح إعلم المريضة بها‪ .‬و أنه نتج عن التدخل الجراحي تشوهات تحتاج لجراحة تقويمية‬
‫متكررة و أنه لم يكن ضروريا إجراء العملية فورا ومن المستجيب تأجيلها‪ .‬وبخصوص واجب‬

‫‪315‬‬
‫‪2023‬‬

‫اإلعلم فإنه كان يتعين على الطبيب الجراح إخبار المريضة ذات السوابق الجراحية‬
‫بالمضاعفات وااللتصاقات النسيجية المترتبة عنها‪.‬‬

‫اعتبارا لذلك وتطبيقا للقانون استبعدت املحكمة األساس التقصيري المعتمد من طرف‬
‫المدعية ووصفت العلقة بكونها تعاقدية تترتب عنها المسؤولية العقدية للطبيب وقضت بقيام‬
‫هذه المسؤولية لثبوت إخلل الطبيب بواجب اإلعلم الذي يعد من االلتزامات األساسية‬
‫الملقاة على عاتقه وأن هذا االلتزام يزداد أهمية عندما يتعلق األمربالطبيب الجراح التي يتعين‬
‫عليه إخبارالمريض بكافة المضاعفات املحتملة للعملية الجراحية وإعماال للسلطة التقديرية‬
‫املخولة لها في هذا املجال حددت املحكمة تعويضا للمدعية"‪.502‬‬

‫من خلل حيثيات هذه القضية نلحظ بأن املحكمة حكمت على الطبيب بالتعويض‬
‫لفائدة المدعية‪ ،‬جراء الخطأ الطبي الذي قام به الطبيب‪ ،‬وهو ما يدل على أن املحاكم العادية‬
‫بدورها ساهمت والزالت تساهم في حماية الحقوق الصحية للمواطنين‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫يتبين لنا مما تقدم‪ ،‬بأن السياسة الصحية بالمغرب أصبحت تحظى بمكانة خاصة من‬
‫لدن الفاعلين الرسميين وغير الرسميين‪ ،‬وكذلك من طرف االجتهادات القضائية‪ .‬ويرجع ذلك‬
‫باألساس إلى كون هذا الحق يعتبر من الحقوق األساسية والكونية التي لها ارتباط وجداني‬
‫بشخصية األفراد‪ ،‬لذلك أعطاها المشرع المغربي مكانة خاصة داخل منظومته القانونية‪،‬‬
‫ً‬
‫وذلك تماشيا مع روح دستور ‪ ،2011‬وكذلك مع المواثيق واإلعلنات الدولية التي صادق عليها‬
‫المغرب‪ ،‬خاصة اإلعلن العالمي لحقوق اإلنسان لسنة ‪ ،1649‬وكذلك العهدين الدوليين‬
‫الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية لسنة ‪1611‬‬
‫وغيرها من االتفاقيات التي وقع عليها المغرب‪.‬‬

‫الئحة المراجع المعتمدة‪:‬‬

‫الكتب‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪ 502‬حكم صادر عن املحكمة االبتدائية بالدار البيضاء بتاريخ ‪ 62‬دجنبر ‪ ،6116‬ملف ‪.1559/61/12‬‬

‫‪316‬‬
‫‪2023‬‬

‫أحمد درويش‪ ،‬مسؤولية مر افق الصحة العمومية‪ ،‬الكتاب السابع من سلسلة المعرفة‬ ‫‪‬‬
‫القانونية‪ ،‬البوكيلي للطباعة والنشروالتوزيع‪.1666 ،‬‬

‫كريم الحرش‪ ،‬الدستور الجديد للمملكة المغربية –الشرح والتحليل‪ ،‬توزيع مكتبة‬ ‫‪‬‬
‫الرشاد سطات‪ ،‬الطبعة األولى‪.2012 ،‬‬

‫عبد الرزاق الحنوش ي‪ ،‬البرلمان وحقوق اإلنسان مرجعيات وممارسات‪ ،‬مطبعة دار‬ ‫‪‬‬
‫المناهل‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مارس ‪.2022‬‬

‫املجلت‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫أحمد بوز‪ ،‬البرلمان المغربي‪ :‬البنية والوظائف‪ ،‬منشورات املجلة المغربية للعلوم‬ ‫‪‬‬
‫السياسية واالجتماعية‪ ،‬عدد خاص‪ ،‬دجنبر‪.2011‬‬

‫أمين السعيد‪ ،‬التوازن بين السلطات في النظام الدستوري المغربي بين الوثيقة‬ ‫‪‬‬
‫الدستورية لسنة ‪ 2011‬والممارسة السياسية‪ ،‬الطبعة األولى‪.2016 ،‬‬

‫سارة كمال مصطفى‪ ،‬حيدر أدهم عبد الهادي‪ ،‬دور المقرر الخاص في حماية الحق في‬ ‫‪‬‬
‫الصحة‪ ،‬منشورات مجلة كلية الحقوق – جامعة النهرين‪ ،‬املجلد ‪ ،22‬العدد ‪.2020 ،2‬‬

‫الشريف تيشيت‪ ،‬الحقوق والحريات األساسية في ظل دستور ‪ ،2011‬منشورات مجلة‬ ‫‪‬‬


‫مسالك في الفكروالسياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪.2011 ،40 -36‬‬

‫رشيد المدور‪ ،‬البرلمان في ضوء مستجدات الدستور‪ ،‬منشورات دفاتر في القانون‬ ‫‪‬‬
‫البرلماني المغربي‪ ،‬العدد ‪ ،1‬الطبعة األولى‪.2016 ،‬‬

‫نبيل فتال‪ ،‬البرلمان المغربي بين آلية التشريع وإمكانية التقييم‪ ،‬مجلة المنارة‬ ‫‪‬‬
‫للدراسات القانونية واإلدارية‪ ،‬عدد خاص حول القانون الدستوري ‪.2016‬‬

‫يونس مليح‪ ،‬مسار بناء المؤسسات الدستورية الحصيلة والرهانات‪ ،‬منشورات مجلة‬ ‫‪‬‬
‫مسالك في الفكروالسياسية واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪.2011 ،40 36‬‬

‫األطروحات والرسائل الجامعية‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫‪317‬‬
‫‪2023‬‬

‫لمياء أزرن‪ ،‬تطور السياسة الصحية بالمغرب‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في‬ ‫‪‬‬
‫القانون العام‪ ،‬جا معة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫أكدال‪ ،‬الرباط‪.2001 -2005 ،‬‬

‫عبد الغني السرار‪ ،‬السياسة العامة في مجال حقوق اإلنسان بالمغرب‪ ،‬أطروحة لنيل‬ ‫‪‬‬
‫الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية – السويس ي‪ -‬الرباط‪.2016 – 2019 ،‬‬

‫أمينة حميدي‪ ،‬الحق في التعليم بين المواثيق الدولية ورهانات اإلصلح‪ :‬المغرب‬ ‫‪‬‬
‫نموذجا‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ -‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية – أكدال‪ ،‬الرباط‪.2011 – 2015 ،‬‬

‫األحكام القضائية‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫حكم املحكمة اإلدارية بأكادير‪ ،‬قسم القضاء الشامل‪ ،‬عدد ‪ ،2007/149‬بتاريخ ‪27‬‬ ‫‪‬‬
‫أبريل ‪ ،2007‬ملف عدد ‪.2005/451‬‬

‫حكم صادر عن املحكمة االبتدائية بالدار البيضاء بتاريخ ‪ 21‬دجنبر ‪ ،2007‬ملف‬ ‫‪‬‬
‫‪.3946/23/01‬‬

‫قرار محكمة االستئناف اإلدارية رقم ‪ 125‬بتاريخ ‪ 19‬ربيع األول ‪ 1426‬المو افق ل ‪21‬‬ ‫‪‬‬
‫مارس ‪ ،2009‬في الملف رقم ‪.2007/1/323‬‬

‫‪318‬‬
‫‪2023‬‬

‫آليات تنفيذ األحكام في مواجهة اإلدارة الممتنعة‬


‫‪Mechanisms of execution of sentences in the face of refraining management‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫من خلل هذه المقالة سيتم تناول موضوع في غاية من األهمية‪ ،‬ويتعلق األمر بموضوع‬
‫تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام واإلشكاليات التي يثيرها‪،‬‬
‫وتهدف المقالة إلى التصدي لظاهرة امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام القضائية التي تصدر‬
‫ضدها في ظل غياب أي مقتض ى قانوني يخص حاالت امتناع اإلدارة عن التنفيذ‪ ،‬باستثناء ما‬
‫تضمنته المادة ‪ 46‬من قانون ‪ ،41/60‬هذه المادة الفريدة التي تحدد فقط طريقة تنفيذ األحكام‬
‫دون أن ترتب أية مسؤولية عن عدم تنفيذها‪ ،‬وسيتم تناول مبادرة القاض ي اإلداري من خلل‬
‫اجتهاده في ما يصدره من لمأل الفراغ القانوني واجتهاده في األحكام التي يصدرها باالعتماد على‬
‫استعمال إجراءات ذات طابع مدني و اقتراحه لحلول خلقة ومؤثرة في مجال التنفيذ ضد اإلدارة‬
‫والمؤسسات العمومية‪ ،‬بحيث أصبح ممكنا مواجهة اإلدارة بواسطة فرض غرامة تهديدية إلى‬
‫جانب حجز أموالها باعتبارها أشخاصا معنوية لها كيان مستقل‪ .‬كلمات مفتاحية‪ :‬امتناع‬
‫االدارة‪ ،‬حكم االلغاء‪ ،‬األحكام القضائية االدارية‪ ،‬القاض ي اإلداري‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫‪2023‬‬

‫مقدمة‪ :‬يعد القضاء اإلداري من المرتكزات المهمة لدولة القانون‪ ،503‬ودعامة أساسية‬
‫لدولة قوامها العدل ويطبق فيها القانون‪ ،‬فهو بذلك يتعالى على كل الحساسيات والحسابات‬
‫الضيقة‪ ،‬باعتبار أن بناء مجتمع متماسك وقوي‪ ،‬يتطلب بالضرورة قضاء مستقل وفعاال في‬
‫أدائه ومتسما باإلنصاف في أحكامه‪ ،‬كما أن القضاء ضمانة أساسية الستقرار املجتمعات‬
‫وازدهارها‪ ،‬ورسالته نبيلة للحفاظ على قدسية الحق بمعناه الشامل وفي أبهى تجلياته‪ ،‬وتكريس‬
‫قيم العدل والسكينة والطمأنينة والشعور باألمن‪ ،‬وبالتالي سيادة مظاهر الرخاء واستقرار‬
‫املجتمعات‪.‬‬

‫كما يعتبر تنفيذ األحكام القضائية أساس القضاء وغايته‪ ،‬وقد صدق عمر بن الخطاب‬
‫رض ي الله عنه لما كتب إلى قاضيه أبي موس ى األشعري فقال " ال ينفع التكلم بحق ال نفاذ له "‪،‬‬
‫فهو يمثل أهم مرحلة من مراحل التقاض ي والتي غالبا ما تكون صعبة ومحاطة بالعر اقيل‬
‫والصعوبات‪ ،‬ولعلها تزداد صعوبة عندما يتعلق بطرف يحظى بامتيازات السلطة العامة‪.‬‬

‫ذلك أنه ال قيمة للقانون بدون تنفيذ‪ ،‬وال قيمة ألحكام القضاء بدون تنفيذها‪ ،‬وال قيمة‬
‫لمبدأ الشرعية في الدولة ما لم يقترن بمبدأ آخر مضمونه احترام أحكام القضاء وضرورة‬
‫تنفيذها‪ ،‬وإال فماذا يجدي أن يجتهد ويبتكرالقاض ي اإلداري في إيجاد الحلول الناجعة بما يتلءم‬
‫وصون الحقوق والحريات والمشروعية إذا كانت أحكامه مصيرها الموت‪ ،‬فما يطمح إليه كل‬
‫متقاض من رفع دعواه لدى القضاء اإلداري ليس هو إغناء االجتهاد القضائي في المادة اإلدارية‬
‫بل استصدار حكم لصالحه يحمي حقوقه المعتدى عليها من طرف اإلدارة مع ترجمة منطوقه‬
‫على أرض الو اقع بتنفيذه‪.504‬‬

‫ال يخفى أن تنفيذ األحكام والقرارات القضائية الصادرة عن القضاء الحائزة لقوة الش يء‬
‫المقض ي به تكتس ي أهمية وحساسية بالغة‪ ،‬بالظرلكون المقتضيات الدستورية أكدت إلزامية‬
‫األحكام القضائية للجميع أفراد ومؤسسات‪ ،‬واستوجب على السلطات العمومية أن تقدم كل‬

‫‪ .503‬عماد ابركان نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب ومتطلبات المالءمة‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2122/2129‬ص ‪.223‬‬
‫‪. 504‬محمد القصري ‪ " :‬الغرامة التهديدية كوسيلة إلجبار اإلدارة على تنفيذ أحكام القضاء اإلداري " منشورات المجلة المغربية لإلدارة‬
‫المحلية والتنمية‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط " يوليوز – أكتوبر ‪2122.‬‬

‫‪311‬‬
‫‪2023‬‬

‫المساعدات اللزمة أثناء املحاكمة‪ ،‬متى صدر لها األمر بذلك‪ ،‬والمساعدة كذلك على تنفيذ‬
‫األحكام القضائية النهائية ‪.505‬‬

‫إن من بين أهم الضمانات التي خولها المشرع لألفراد لحماية حرياتهم وحقوقهم هووجود‬
‫القضاء اإلداري كجهة متخصصة في المنازعات اإلدارية‪ ،‬بحيث يتولى مر اقبة أعمال السلطات‬
‫اإلدارية في مواجهة اإلدارة المتمتعة بامتيازات السلطة العامة‪ ،‬بالنظر للتطور الذي عرفته‬
‫وظائف اإلدارة لمواكبة حركية املجتمع وتطوره مما يتطلب معه تجاوزالمفهوم العتيق لإلدارة‪،‬‬
‫هذا األخيرالذي غالبا ما ينطبع بالهاجس األمني إلى تبني مفهوم جديد يقوم على الحكامة الترابية‬
‫والبعد املجالي‪ ،‬وذلك عبر انتهاج سياسة القرب واالنفتاح على تطلعات الساكنة واالنكباب‬
‫اإلجرائي على معالجة اإلشكالية التنموية على الصعيد الترابي واملحلي‪.506‬‬

‫إن القضاء اإلداري هو الوسيلة التي تضبط مشروعية التصرفات اإلدارية لألشخاص‬
‫العامة إن على المستوى المركزي أو اللمركزي‪ ،‬وهو إحدى السلطات التي ترتكز عليها األنظمة‬
‫الحديثة في تقويم علقاتها اإلدارية املختلفة‪ ،‬ومن خلله يحفظ للقانون اإلداري وللعدالة‬
‫اإلدارية أساسها‪ ,‬حتى قيل إنه "ال وجود للقانون اإلداري بدون قضاء إداري"‪.507‬‬

‫إن رقابة القاض ي اإلداري على اإلدارات العمومية تختلف عن األنماط الرقابية األخرى في‬
‫كثير من الجوانب‪ ،‬فهي ال تتحرك من تلقاء نفسها‪ ،‬و إنما البد من أن يعرض عليها األمر أو أن‬
‫ترفع الدعوى من قبل صاحب المصلحة أمام القضاء حتى يمارس الرقابة على أعمال تلك‬
‫اإلدارة وليفحص مدى مشروعيتها‪ ،‬أو مدى إمكانية التعويض عن االضرار المترتبة من جراء‬
‫تصرفاتها املختلفة‪ ،‬وهي تحمي اإلدارة أيضا‪ ،‬كما أن تلك الرقابة ومن خلل ما يتوفر القاض ي‬

‫‪505.‬الفصل ‪ 229‬من الدستور المغربي لفاتح يوليو ‪ ،2122‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 22-22-72‬الصادر في ‪ 29‬من‬
‫شعبان ‪ 2232‬الموافق لـ ‪ 27‬يوليو ‪ ، 2122‬الصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 9792‬مكرر ‪ ،‬الصادرة في ‪ 21‬شعبان ‪ 2232‬الموافق ل‬
‫‪31‬يوليوز ‪.2122‬‬
‫‪. 506‬إيمان داودي‪" :‬الوالي والعامل والتنمية المحلية بالمغرب"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‬
‫كلية العلوم القانونية واالجتماعية سال ‪ ،2129/2122 ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪ .507‬محمد سعيد الرياحي‪ ،‬قانون مكافحة غسل األموال نحو صالحيات جديدة للقاضي االداري‪ ،‬منشورات ‪.‬م‪.‬م‪.‬ا‪.‬م‪.‬ت‪ ،‬عدد مزدوج‬
‫‪ 79/72‬شتنبر‪ -‬دجنبر‪ ،2121 ،‬ص ‪.292‬‬

‫‪311‬‬
‫‪2023‬‬

‫اإلداري من ضمانات الحياد واالستقلل وما يتمتع به من اإللمام القانوني والتخصص‪ ،‬يفترض‬
‫أن تشكل ضمانا فعاال لإلنصاف والعدالة و مصدرا للثقة أكثرمن غيرها‪.508‬‬

‫إن االهتمام ببناء دولة القانون وتكريس وإرساء مبادئ المشروعية ابتدأ بإنشاء املحاكم‬
‫اإلدارية سنة ‪ ،1663‬وهو حدث شكل طفرة إيجابية ونقلة نوعية في تاريخ القضاء اإلداري‪،‬‬
‫تعززت بإنشاء محاكم استئناف إدارية في ‪ ،509 2001‬حيث استطاعت هذه املحاكم ومنذ إنشائها‬
‫تكريس عدة مبادئ وخلق قواعد وضوابط لفرض احترام األحكام التي تصدر عنها في مواجهة‬
‫االمتيازات التي يمنحها القانون لإلدارة باعتبارها سلطة عامة‪ ،‬وهذه االمتيازات التي يكفلها‬
‫القانون اإلداري لإلدارة في مواجهة األفراد‪ ،‬يجعلها الطرف األقوى في العلقة ‪ ،‬وإحدى صورهذه‬
‫االمتيازات تتمثل في حق اإلدارة في إصدار قرارات ملزمة بإرادتها المنفردة‪ ،‬ودونما حاجة‬
‫للحصول على مو افقة املخاطبين بها‪ ،‬أو حتى اللجوء المسبق إلى القضاء للعتراف لها بهذا‬
‫الحق‪.‬‬

‫إن العدالة املجسدة في القضاء اإلداري جاءت كنظام متخصص يسعى إلى الموازنة بين‬
‫مصلحة اإلدارة وحقوق األفراد المتعاملين معها‪ ،‬عبر مر اقبة تصرفات اإلدارة عند ممارسة‬
‫اختصاصاتها والتزامها باحترام القانون‪ ،‬ولن يتحقق لها هذا الدورإال باحترام األحكام القضائية‬
‫الحائزة لقوة الش يء المقض ي به‪ ،‬وقد عبرعنه رئيس وزراء بريطانيا األسبق "تشرشل" من خلل‬
‫موقفه من تنفيذ حكم يقض ي بإزالة مطار حربي أقيم بجوار إحدى املحاكم البريطانية ‪ ،‬وكان‬
‫يحول دون تمكن القضاة من التركيز عند الفصل في الدعوى المطروحة عليهم بسبب الضجيج‬
‫الذي تحدثه الطائرات‪ ،‬وبمجرد ما قضت املحكمة بإزالته بحكم قضائي‪ ،‬ورغم ظروف الحرب‬
‫التي كانت تقتض ي اإلبقاء عليه‪ ،‬فكان تنفيذ هذا الحكم رغم ضراوة الحرب‪ ،‬حتى ال يقال عنه ال‬
‫يحترم القانون وأحكام القضاء ‪ ،‬وهو ما عبر عنه بمقولته الشهيرة‪ " :‬أكرم" لنا أن يقول العالم‬
‫أن بريطانيا قد خسرت الحرب من أن يقول أنها لم تحترم أحكام القضاء" ‪.510‬‬

‫‪508‬‬
‫‪.Mohammed El Yaagoubi : « les tribunaux administratifs et le développement local au Maroc ».‬‬
‫‪Publications REMALD in 33 juillet -Août, 2007 .p 9-10-11.‬‬
‫‪ .509‬القانون ‪ 11.13‬المحدثة بموجبه محاكم استئناف إدارية‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ ، 19.19.2‬صادر في ‪ 9‬محرم‬
‫‪ 22(2229‬فبراير ‪.)2119‬‬
‫‪. 510‬أحمد الصايغ ‪ ":‬الغرامة التهديدية كوسيلة لتنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة" منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية‬
‫والتنمية ‪ ،‬سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية العدد ‪ 2112 ،99‬ص‪.21 :‬‬

‫‪312‬‬
‫‪2023‬‬

‫إن الوسيلة المثلى التي تمكن من تحقيق هذا الهدف هي القانون بجميع عناصره‬
‫ومميزاته‪ ،‬هذا ما صرح به الدستورالمغربي في الفقرة األولى من مادته السادسة عندما أكد أن‬
‫"القانون هو أسمى تعبير عن إرادة األمة‪ ،‬والجميع أشخاصا ذاتيين واعتباريين‪ ،‬بما فيهم‬
‫السلطات العمومية متساوون أمامه وملزمون باالمتثال له" ‪.511‬‬

‫لقد اكتفى المشرع في القانون ‪ 41-60‬املحدث للمحاكم اإلدارية ‪512‬باإلشارة إلى التنفيذ‬
‫في مادتين‪ ،‬إحداهما هي ( المادة ‪ 513 )7‬التي يحيلنا فيها على قانون المسطرة المدنية والمتعلق‬
‫بتنفيذ األحكام القضائية التي ترجع في األصل لمنازعات القانون الخاص‪.‬‬

‫كما كان لتدخل القاض ي اإلداري في المغرب في مسألة التنفيذ أثرا بالغا على نظام‬
‫التنفيذ في مواجهة أشخاص القانون العام‪ ،‬في ظل غياب نصوص قانونية فعالة للتنفيذ عليها‪،‬‬
‫إذ صدرت عنه قرارات وأحكام عبرت عن اإلرادة والعزم في ترسيخ الحقوق وإرساء مبدأ‬
‫المشروعية وسيادة القانون‪ ،‬ويتضح ذلك من خلل توسع مجال تدخلته ليشمل االستعانة‬
‫بطرق التنفيذ الجبري المعمول بها في القانون الخاص لحث إدارات الدولة ومؤسساتها‬
‫والجماعات الترابية لحثهم على تنفيذ أحكامه في حدود ما هومسموح به‪ ،‬حيث استعان بوسيلتي‬
‫الغرامة التهديدية والحجز لدى الغير كإجراءين ضاغطين يمسان السيولة المالية التي تتوفر‬
‫عليها‪ ،‬لفرض أحكامه‪.‬‬

‫إن الملحظ أن وسائل حث اإلدارة على التنفيذ المعتمدة من القواعد العامة‬


‫للمنازعة اإلدارية إذا كانت تسير باتجاه اعتبار موقف اإلدارة باالمتناع عن التنفيذ قرارا إداريا‬
‫قابل بدوره للطعن باإللغاء‪ ،‬والحكم عليها بأداء التعويض كلما تبث هذا االمتناع‪ ،‬إال أن ذلك‬
‫يعتبر غير كاف لحمل اإلدارة على االمتثال لحكم القضاء كلما أصرت على االستمرار في موقف‬
‫االمتناع‪ ،‬واعتبارا لعجز وسائل التنفيذ المستمدة من القواعد العامة عن احتواء ظاهرة‬

‫‪.511‬المادة ‪ 9‬من دستور فاتح يوليو ‪ ،2122‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ .512‬أنظر ظهير شريف بمقتضى قانون رقم ‪ 2-72-229‬صادر في ‪ 22‬ربيع األول ‪ 222‬الموافق ل ‪ 21‬شتنبر ‪ ، 2773‬يقضي‬
‫بتطبيق قانون المحاكم اإلدارية رقم ‪ 22-71‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 2229‬تاريخ ‪ 3‬نونبر ‪.2773‬‬
‫‪.513‬المرجع السابق‬

‫‪313‬‬
‫‪2023‬‬

‫االمتناع عن التنفيذ المسجلة في بعض الحاالت‪ ،‬حاول القضاء اعتماد آليات جديدة أكثر‬
‫فعالية بهدف الوصول إلى حمل اإلدارة على التنفيذ‪514.‬‬

‫هذا‪ ،‬وتكمن إشكالية الموضوع في حول الوسائل الكفيلة واآلليات المتاحة المتبعة‬
‫لحث اإلدارة وإرغامها على تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهتها في حال امتنعت عن‬
‫ذلك‪ ،‬ولهذا يمكن طرح اإلشكالية العامة للموضوع في صيغة التساؤل المركزي اآلتي ‪:‬‬

‫إلى أي حد استطاع اجتهاد القاض ي اإلداري من ابتكار وسائل واعتماد أساليب إلرغام‬
‫أشخاص القانون العام على تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهتهم ؟‬

‫سنحاول من خل هذه المقالة دراسة أسلوب الغرامة التهديدية كوسيلة إلجبار اإلدارة‬
‫على التنفيذ (المبحث األول)‪ ،‬إلى جانب وسيلة الحجزفي مواجهة اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ‬
‫(المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬الغرامة التهديدية كوسيلة إلجباراإلدارة الممتنعة عن التنفيذ‬

‫يعتبر تنفيذ ا ألحكام القضائية دعامة أساسية للعدالة‪ ،‬على اعتبار الغاية التي‬
‫يتوخاها كل متقاض ي من اللجوء إلى القضاء هي استخلص حقوقه بعد الحكم بها‪ ،‬ولمواجهة‬
‫ظاهرة االمتناع عن التنفيذ من قبل اإلدارة‪ ،‬عملت املحاكم اإلدارية على اعتماد وسيلة الغرامة‬
‫التهديدية‪ ،‬إلى جانب وسيلة الحجز المنصوص عليهما في قانون المسطرة المدنية‪ ،‬والتي تمت‬
‫اإلحالة عليه في المادة ‪ 7‬من قانون ‪ 60-41‬املحدث للمحاكم اإلدارية وذلك من أجل اإلسراع‬
‫بتنفيذ األحكام الصادرة في حق اإلدارة وإرغامها على الوفاء بالتزاماتها‪.‬‬

‫إن أهمية الغرامة التهديدية هي في كونها وسيلة لضمان تنفيذ األحكام اإلدارية بما تحمله‬
‫من إكراه غير مباشر لإلدارة‪ ،‬إذ تساعد على جعل اإلدارة تعي أنها ملزمة بدفع مبلغ معين تزداد‬
‫قيمته كلما تماطلت أو تأخرت عن التنفيذ‪ ،‬ولهذا اعتبرت الغرامة التهديدية من أهم الوسائل‬
‫التي يمكن أن تدفع اإلدارة إلى تنفيذ األحكام‪ ،‬خاصة ذات المضمون المالي منها خوفا من تزايد‬

‫‪ . 514‬محمد بوكطب ‪ " :‬تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة في ميدان تدبير الموارد البشرية "‪،‬منشورات مجلة القضاء المدني‪،‬‬
‫سلسلة أعمال جامعية‪ ،‬دار نشر المعرفة‪ ،‬الرباط ‪ ، 2129 ،‬ص‪.23 :‬‬

‫‪314‬‬
‫‪2023‬‬

‫مبلغ الغرامة كلما زادت مدة التأخر‪ ،515‬وال يعتبرفرض هذه الغرامة تدخل من قبل القاض ي ضد‬
‫اإلدارة بتوجيه األوامر أو الحلول محلها‪ ،‬في التنفيذ أو مساسا بمبدأ فصل السلط ‪ ، 516‬بل هو‬
‫فقط يهدف من خلل هذا العمل دفع اإلدارة إلى احترام التزاماتها وتحسيسها بواجبها في تنفيذ‬
‫أحكامه‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلطارالعام للغرامة التهديدية‬

‫بالرجوع إلى القانون املحدث للمحاكم اإلدارية ‪ 41.60‬وحتى القانون المتعلق بإحداث‬
‫محاكم االستئناف اإلدارية ‪ 90.03‬ال نجدهما ينصان على مقتضيات خاصة لمواجهة امتناع‬
‫اإلدارة عن التنفيذ‪ ،‬ومن تم عمل القاض ي اإلداري على االستعانة لمواجهة هذا اإلشكال‬
‫بمقتضيات المادة ‪ 7‬من قانون ‪ 41.60‬الذي يحيل على المسطرة المدنية ‪ 517‬التي أقرت الغرامة‬
‫التهديدية كطريقة من طرف التنفيذ الغيرالمباشريمكن أن يتم اعتمادها من قبل القضاء كحل‬
‫لعلج رفض املحكوم ضده تنفيذ التزاماته ‪ 518‬فإذا كانت الغرامة التهديدية هي وسيلة في يد‬
‫القاض ي يجبر بها األشخاص الطبيعيين على تنفيذ أحكامه ‪ ، 519‬فهذا ال يمنع القاض ي اإلداري‬
‫من اعتمادها كذلك لفرض تنفيذ أحكامه في مواجهة أشخاص القانون العام‪ ،‬وبهذا تم التوسيع‬
‫من نطاق فرض الغرامة التهديدية كلما توفرت لدى القاض ي اإلداري شروط الحكم بها بالرغم‬
‫من المعوقات التي تحول دون ‪،‬تصفيتها‪ ،‬وقبل التطرق لهذه النقط سنعمل أوال على تعريف‬
‫الغرامة التهديدية وتحديد خصوصياتها التي تميزها عن باقي المفاهيم المشابهة لها‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬ماهية الغرامة التهديدية‬

‫تعد الغرامة التهديدية من ابتداع القضاء وهي نظام مقررفي القانون الخاص بل هي من‬
‫أهم الوسائل التي تحمل المدين على تنفيذ التزاماته‪ ،‬ولقد أظهرت نجاعتها ضد األفراد‬

‫اليضاء الاا ي ال غربل فل ح اي حيم ال تعاصد فل مجال الصطيات الع مم "‪ ،‬ئنريح لقيل الدمتم اه‬ ‫‪ .515‬لم ف اا دي " مساه‬
‫فل اليانمم العام ‪ ،‬مل القيم بالدا ال؛ ضاء‪ ،‬السق الجامع ‪. 319 ، ،1031-1031‬‬
‫‪ .516‬مق د صصري "الغرام التمدلدي يالقجز فل مماجم الاا ة ال تقع عن تقطيي األحاام الصاا ة عدها‪ ،‬مرجا ابو ‪31 ،‬‬
‫‪ .517‬لقص الطصل ‪ 112‬من صانمم ال سارة ال دن على ئنه " إلا فض ال قطي عل ه ئااء التزام بع ل ئي خالف التزاما با متقا‪ ،‬عن ع ل‬
‫ئث؛ت عمم التقطيي للم فل مقضره يئخ؛ره الرئ ي اليي يقام بغرام تمدلدي ما لم يان ؛و القام بما‪ " ..‬مرجا ابو ‪1121،‬‬
‫‪.518‬إبراه م فع م "الاا ة يتقطيي ئحاام اليضاء" ‪.49 ،‬‬
‫مرجا ابو ‪،‬‬ ‫" الغرام التمدلدي مم يل لتقطيي األحاام اليضائ الاا ‪ ،‬ال جل ال غرب لحاا ة ال قل يالتق‬ ‫‪. 519‬ئح د الصاي‬
‫‪19 – 12‬‬

‫‪315‬‬
‫‪2023‬‬

‫وأشخاص القانون الخاص‪ ،‬وعليه فالغرامة التهديدية هي وسيلة فعالة في قواعد القانون‬
‫الخاص‪ ،‬لهذا حاول القاض ي اإلداري تكييفها لتتلءم مع وضعية األحكام اإلدارية‪ ،‬ولقد‬
‫اعتمدت عليه املحاكم اإلدارية بالمغرب من أجل إجبار اإلدارة على التنفيذ‪ ،‬وسنقوم بتحديد‬
‫مفهومها فقها وقضاء‪ ،‬ولكن قبل ذلك سنتطرق للتعريف اللغوي واالصطلحي لفكرة الغرامة‬
‫التهديدية‪.‬‬

‫والغرامة التهديدية تعني لغة ما يلزم أداءه تأديبا أو تعويضا عن طريق الكره ‪ ،520‬أما‬
‫اصطلحا فيقصد بها التهديد المالي أو اإلكراه المالي‪ ،‬والغرض منها الحكم على المدين بمبلغ‬
‫معين يدفع عن كل يوم يتأخرفيه املحكوم ضده عن تنفيذ التزامه ‪. 521‬‬

‫أما بالنسبة للفقه‪ ،‬فقد عرف العديد من الفقهاء الغرامة التهديدية على أنها عقوبة‬
‫مالية تفرض عن كل يوم تأخير يحكم بها القاض ي لضمان تنفيذ الحكم من قبل املحكوم عليه‪،‬‬
‫وعليه عرفها األستاذ "الطيب عبد السلم "برادة على أنها وسيلة إكراه يتم اللجوء إليها عندما‬
‫يتماطل المدين في موقفه‪ ،‬أو ال يريد أن يقوم بما التزم به من عمل‪ ،‬أو خالف ما التزم به من‬
‫االمتناع عن عمل‪ .522‬وقد عرفها الفقيه "عبد الرزاق أحمد السنهوري على أنها مبلغ مالي يلزم به‬
‫القضاء المدين على تنفيذ التزاماته خلل مدة معينة‪ ،‬وكلما تأخركان ملزما بدفع غرامة تهديدية‬
‫عن هذا التأخيرالذي يقدر عن كل يوم تأخير ‪. 523‬‬

‫لقد عرف القضاء اإلداري المغربي الغرامة التهديدية على أنها وسيلة إلجبار املحكوم‬
‫عليه على التنفيذ وليست نوعا من التعويض‪ ،‬وأنها وسيلة إكراه مختلفة كل االختلف عن‬
‫التعويض وهي ليست في األخير إال وسيلة لردع االمتناع عن تنفيذ حكم وليس من أهدافها‬

‫‪ .520‬ئبل البياء الكطمي " لسام العرو يالياممس ال ق ط مااة غرم‪ ،‬يالكل ات" ‪199 ،‬‬
‫‪521‬‬
‫‪.GUETTIER (Christoph) : l’administration et l’exécution des décision de justice A.J.D.A 20 Juillet‬‬
‫‪20Aout 1999 spécial p :66.‬‬
‫يالقيم التل تقجز إاا ا صتضائما" ‪.111 ، ،‬‬ ‫‪522.‬الايل ع؛د السيم برااة " تقطيي األحاام الاا‬
‫‪.523‬الدمتم ع؛د الر اف ئح د السقمم ي "الم ط" فل شر اليانمم ال دنل"‪.201، ،‬‬

‫‪316‬‬
‫‪2023‬‬

‫تعويض األضرار أو التماطل وهي عادة تستخلص حسب مدى خطورة غلط المدين الممتنع‬
‫وحسب إمكانيته أيضا " ‪.524‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬خصوصية الغرامة التهديدية‬

‫لقد ابتدع القضاء اإلداري فكرة الغرامة التهديدية في المنازعات اإلدارية‪ ،‬للجوء إليها‬
‫لمواجهة امتناع أشخاص القانون العام بشأن المنازعات التي تقوم بينهم وبين األفراد‪ ،‬وهي‬
‫نظام مقرر فى القانون الخاص‪ ،‬كما أنها عادة ما تقض ي بها املحاكم العادية في المنازعات التي‬
‫تقوم بين األفراد‪.‬‬

‫تعد التطبيقات القضائية للغرامة التهديدية في مواجهة اإلدارة بالمغرب حديثة نسبيا‬
‫ولم تظهرإال بعد إحداث املحاكم اإلدارية‪ ،‬ولقد صدرأول حكم بهذا الشأن عن إدارية الرباط في‬
‫شكل أمر استعجالي ‪، 525‬أكد فيه القضاء اإلداري المغربي إمكانية بثه في طلب فرض الغرامة‬
‫التهديدية ضد اإلدارة‪ .‬وبالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية التي أحالنا عليها قانون ‪41.60‬‬
‫نجده ينص في الباب الثالث المتعلق بالقواعد العامة للتنفيذ من خلل الفصل ‪ ،449‬على‬
‫الغرامة التهديدية في غياب أي نص قانوني يستثني اإلدارة من هذه الوسيلة ألن كلمة المنفذ‬
‫عليه الواردة في قانون المسطرة المدنية جاءت عامة‪ ،‬مما سمح للقاض ي اإلداري باعتمادها‬
‫لفرض تنفيذ أحكامه في مواجهة أشخاص القانون العام ‪. 526‬‬

‫كما ينص الفصل ‪ 449‬من قانون المسطرة المدنية كذلك‪ ،‬على أن الجهة املختصة‬
‫بتحديد الغرامة التهديدية هي رئيس املحكمة اإلدارية لكن ليس بصفة تلقائية‪ ،‬ولكن بناء على‬
‫طلب المعنى باألمرفي إطار مسطرة توجيهية استعجالية‪ ،‬وهوما أكدته املحكمة اإلدارية بالرباط‬
‫في أحد األحكام الصادرة عنها ‪.527‬‬

‫م م اف عد ال جلي ال؛لدي لليق ارة‪،‬‬ ‫‪ 1031‬ملف صم ‪ 321-01‬س‪ ،‬الارم العيا‬ ‫بالرباط صاا بتا‬ ‫الاا‬ ‫‪.524‬حام ال قا‬
‫مقام بالدليل الع لل ليجتماا اليضائل ألح د بمعار ن‪. 122 ، ،‬‬
‫‪ 04‬ما س ‪ ،3991‬مقام بالدليل الع لل ألح د بم عايو‪،‬‬ ‫بالرباط عدا ‪ ، 311‬بتا‬ ‫الاا‬ ‫‪.525‬صض ي ث العايري حام ال قا‬
‫مرجا ابو‪. 113-110 ، ،‬‬
‫"الغرام التمدلدي مم يل لتقطيي األحاام اليضائ الاا ‪ ،‬مرجا ابو ‪.11 ،‬‬ ‫‪. 526‬ئح د الصاي‬
‫‪ ،19/01/1004‬ملف صم ‪ 04 313‬س‪ ،‬عد ي اف ة‬ ‫بالرباط‪ ،‬صم ‪ 313‬صاا بتا‬ ‫الاا‬ ‫‪ .527‬ئمر ا تعجالل صاا عن ال قا‬
‫التجميز‪ ،‬غير مقام ‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫‪2023‬‬

‫ومن خصائص الغرامة التهديدية أيضا اقترانها بسلطة القاض ي اإلداري في توجيه أوامر‬
‫تنفيذية لإلدارة ألنها مرتبطة بضرورة اتخاذ إجراء معين‪ ،‬أو االمتناع عن إجراء معين حسب ما‬
‫يستوجبه تنفيذ الحكم ‪ ،528‬وال يمكن للقاض ي أن يمارسها من تلقاء نفسه حتى ولو بذا له ذلك‬
‫بل ال بد من طلب يقدمه إليه صاحب الشأن صراحة‪.‬‬

‫ومن خصائص الغرامة التهديدية أيضا كونها ذات طبيعة تحكيمية‪ ،‬ألنها ال تهدف إلى‬
‫معاقبة اإلدارة على امتناعها عن التنفيذ بقدر ما تهدف إلى دفعها دفعا نحو اإلسراع في التنفيذ‬
‫بما لها من طبيعة قسرية‪ ،‬ولهذا يقال أن علة وجودها هو اإلجبارعلى التنفيذ ‪.529‬‬

‫وقد تتشابه الغرامة التهديدية مع فكرة الشرط الجزائي على اعتبارأن كلهما يعد جزاء‬
‫ماليا عن عدم تنفيذ االلتزامات‪ ،‬أو مقابل لتأخر في التنفيذ‪ ،‬لكن ذلك ال يعني أنه ليس هناك‬
‫مجموعة من الفوارق بينهما‪ ،‬حيث أن الغرامة لتهديدية أساسها القانون ‪ ،530‬أما الشرط‬
‫الجزائي فأساسه هو االتفاق‪.‬‬

‫وال يحكم في الغرامة التهديدية إال في االلتزامات التي يكون موضوعها القيام بعمل أو‬
‫االمتناع عن عمل‪ ،‬في حين أن الشرط الجزائي يمكن أن يقع االتفاق على ترتيبه كجزاء عندما‬
‫يتم اإلخلل بأي التزام كيفما كان موضوعه‪ ،‬كما أن الغرامة التهديدية يحكم بها القاض ي‪ ،‬أما‬
‫الشرط الجزائي فيقع بموجب اتفاق مسبق بين المدين والدائن على أنه يمكن أن يلجأ المدين‬
‫إلى القضاء قصد استيفاء التعويض في حالة التنازع بخصوص الشرط الجزائي‪.‬‬

‫أما الفرق بين الغرامة التهديدية والتعويض‪ ،‬فيتمثل في كون الغرامة التهديدية تقدرعلى‬
‫أساس وحدة زمنية قد تقاس باليوم أو بالشهر أو بأي وحدة زمنية أخرى‪ ،‬أما التعويض فيتم‬
‫تحديده بشكل جزافي وعلى أساس الضررالذي لحق المعني باألمر‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬نطاق فرض الغرامة التهديدية وشروط الحكم بها في القضاء اإلداري‬

‫‪528‬‬
‫‪.CHEVALIER (Jacques) : << l’interdiction pour le juge de faire acte administrateur » op. cit p 68 .‬‬
‫الر ائل اليانمن لض ام تقطيي األحاام الاا ‪.90 ، ،‬‬ ‫‪ .529‬عص ت ع؛د الله الا‬
‫‪ .530‬الطصل ‪ 112‬من صانمم ال سارة ال دن ‪. 1121، ،‬‬

‫‪318‬‬
‫‪2023‬‬

‫لقد كرس القضاء اإلداري نظام الغرامة التهديدية في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن‬
‫التنفيذ‪ ،‬ولقد استطاع بذلك دفع اإلدارة الممتنعة نحو تنفيذ التزاماتها‪ ،‬خاصة أنها وسيلة من‬
‫الوسائل القانونية التي منحها المشرع للقاض ي العادي من خلل نصوص قانون المسطرة‬
‫المدنية ّإبان التنفيذ‪ ،‬ويمكن القول أن القاض ي اإلداري في المغرب يعتمد بلجوئه في فرض هذه‬
‫الغرامة على نظام وحدة القضاء‪ ،‬والذي يسمح له بتطبيق قواعد المسطرة المدنية على‬
‫المنازعات اإلدارية والمدنية على حد سواء‪ ،‬خاصة مع غياب أي نص قانوني يستثني اإلدارة من‬
‫تطبيق هذه الوسيلة عليها ‪. 531‬‬

‫إن فعالية القضاء اإلداري في ضمان تنفيذ أحكامه تجلت من خلل اجتهاد القاض ي‬
‫اإلداري المغربي بتطبيق الغرامة التهديدية على اإلدارة الممتنعة ودفعها لتنفيذ التزاماتها‪ ،‬في‬
‫ظل غياب نص قانوني صريح‪ ،‬وبالرغم من ذلك أبان القاض ي اإلداري المغربي على و اقعية كبيرة‬
‫تجلت في التفسير الواسع للمادة ‪ 7‬من قانون ‪ 41.60‬المنشأ للمحاكم اإلدارية التي تحيلنا على‬
‫قانون المسطرة المدنية‪ ،‬وتطبيق نصوصها تطبيقا دقيقا يتماش ى وروح القانون ‪.532‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬المرجعية القانونية لتطبيقها‬

‫عرفت الغ رامة التهديدية في المغرب كجزاء لمواجهة عدم تنفيذ أحكام القضاء العادي‬
‫ألنها وسيلة من الوسائل القانونية التي منحها المشرع المغربي للقاض ي العادي‪ ،‬من خلل‬
‫نصوص قانون المسطرة المدنية عند التنفيذ‪ ،‬ولقد استطاع باالعتماد عليها إكراه المدين‬
‫الممتنع عن التنفيذ ودفعه إلى تنفيذ التزاماته كرها وبقوة القانون‪.‬‬

‫مع نشأة القضاء اإلداري بالمغرب طرحت أمامه إشكالية عدم وجود نص تشريعي صريح‬
‫يحدد وسيلة للتنفيذ المباشرفي مواجهة األشخاص المعنوية العامة‪ ،‬وأمام هذا الوضع أحالنا‬
‫المشرع من خلل القانون ‪ 41.60‬المنشأ لهذه املحاكم إلى قانون المسطرة المدنية فيما يتعلق‬
‫بالتنفيذ الجبري على اإلدارة‪ ،‬وبهذا استخدم القضاء اإلداري فكرة الغرامة التهديدية في مواجهة‬
‫اإلدارة كلما امتنعت أو تعنتت في تنفيذ األحكام الصادرة ضدها‪ ،‬حيث أن القاض ي اإلداري في‬

‫الصاا ة عدها"‪31 ، ،‬‬ ‫‪.531‬مق د صصري "الغرام التمدلدي يالقجز فل مماجم الاا ة ال تقع عن تقطيي األحاام الاا‬
‫بالرباط عدا‬ ‫الاا‬ ‫"الغرام التمدلدي يتقطيي األحاام اليضائ الصاا ة عد الاا ة "‪ ،‬تعليو على حام ال قا‬ ‫‪.532‬ئمال ال ارفل‬
‫‪ ،‬عدا ئبر ل (ئبر ل – لمنيم (‪.12 ، ،)3992‬‬ ‫‪ 4‬ما س ‪ ، 3991‬ي ث العايري ال جل ال غرب لحاا ة ال قل يالتق‬ ‫‪ ، 311‬بتا‬

‫‪319‬‬
‫‪2023‬‬

‫المغرب استند في فرضه لهذه الغرامة على اإلدارة على نظام وحدة القضاء الذي يسمح له‬
‫بتطبيق قواعد المسطرة المدنية على المنازعات اإلدارية والمدنية على حد سواء‪ ،‬خاصة مع‬
‫غياب أي نص قانوني يستثني اإلدارة من تطبيق هذه الوسيلة عليها ‪.533‬‬

‫تجد وسيلة الغرامة التهديدية سندها في الفصل ‪ 449‬من قانون المسطرة المدنية والذي‬
‫خول للمدين أي يطلب تصفية الغرامة التهديدية في شكل مبلغ نقدي‪ ،‬على اعتبارها وسيلة‬
‫إلجبارالمدين وتهديده من أجل تنفيذ االلتزام الناتج عن حكم سابق قضت به املحكمة لصالح‬
‫المدين له‪.‬‬

‫لقد أعطى هذا القانون سلطة توقيع الغرامة التهديدية في حالة عدم تنفيذ االحكام‬
‫القضائية للقاض ي اإلداري الفرنس ي سواء تعلق األمر بمجال اإللغاء أو التعويض‪ ،‬على أن ال‬
‫يقض ي بها إال في حالة عدم تنفيذ األحكام اإلدارية‪ ،‬فإن لم يصدر حكم فل مجال إلعمالها أي ال‬
‫يتم اللجوء إليها إال بعد صدورحكم وبعد أن يتضح أن اإلدارة لم تقم بتنفيذه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬موقف الفقه والقضاء من تطبيقها‬

‫لقد ظل القاض ي اإلداري لفترة طويلة متجردا من أي وسائل تدعم وتضمن تنفيذ‬
‫أحكامه النهائية ال لقوة الش يء المقض ي به‪ ،‬في المقابل ظلت اإلدارة تتمادى في االمتناع عن‬
‫تنفيذ األحكام التي تصدرضدها وتماطل في ذلك بكل الوسائل‪ ،‬كما ظل الفقه بدوره يدلي بآرائه‬
‫ويبسط بحججه التي يستحث بها القضاء على فرض رقابته على اإلدارة‪ ،‬والمشرع على إرساء‬
‫القواعد القانونية اللزمة لتكريس دولة الحق والقانون ووضع وسائل وآليات تحقق ذلك‪.‬‬

‫لقد نشأ اختلف في المو اقف الفقهية حول تقرير الغرامة التهديدية في حق اإلدارة‬
‫الممتنعة عن التنفيذ من قبل القاض ي بين مؤيد ومعارض‪ ،‬إال أن الملحظ أن أغلبية الفقه‬
‫اتجهت نحو تأييد اعتماد وسيلة الغرامة التهديدية في مواجهة اإلدارة لحملها على تنفيذ األحكام‬
‫الصادرة ضدها‪ ،‬بينما اتجه قلة من الفقهاء إلى معارضة اللجوء إلى هذه الوسيلة إلرغام اإلدارة‬
‫على التنفيذ‪ ،‬لما تحمله من تناقض مع مبدأ فصل السلط ‪ ،534‬ونلحظ أن الجانب الفقهي الذي‬

‫الصاا ة عدها"‪ ،‬مرجا ابو ‪.11،‬‬ ‫‪ .533‬مق د صصري الغرام التمدلدي يالقجز فل مماجم الاا ة ال تقع عن تقطيي األحاام الاا‬
‫‪534‬‬
‫‪.HARSI (Abdellah) : « Le problème de l’exemption des décisions de justice condamnant‬‬
‫‪l’administration » article précité, p 60.‬‬

‫‪321‬‬
‫‪2023‬‬

‫عارض توجيه أوامرلإلدارة أو الحلول محلها هو الموقف الذي عارض تطبيق الغرامة التهديدية‬
‫عليها‪ ،‬ألن فرضها يعد بمثابة توجيه أوامر لإلدارة ‪ ،535‬ولتعارضه مع مبدأ عدم جواز الحجز على‬
‫أموال الدولة ‪. 536‬‬

‫أما االتجاه المؤيد لفرض الغرامة التهديدية على اإلدارة‪ ،‬ويمثله جانب كبيرمن الفقه‪،‬‬
‫فإنه يستند في تبرير لجوء القاض ي إلى وسيلة الغرامة التهديدية في إرغام اإلدارة على التنفيذ‪،‬‬
‫على كون وسيلة الغرامة التهديدية من الوسائل المالية التي تكاد تتشابه مع أحكام التعويض‬
‫التي غالبا ما يقض ي بها القاض ي اإلداري ‪ ،537‬عند فض النزاع بين اإلدارة والمتضررين من‬
‫أفعالها‪ ،‬كما اعتبرها البعض اآلخر على أنها وسيلة مناسبة وتتماش ى وطبيعة التزامات اإلدارة‬
‫بالتنفيذ‪ ،‬خاصة عندما يتعلق األمر بتنفيذ أحكام اإللغاء‪ ،‬والقاض ي عندما يلجأ إلى هذه‬
‫الوسيلة فهو ال يتدخل في شؤون اإلدارة وال يوجه لها األوامر‪ ،‬بل يهدف من خلل ذلك تحذير‬
‫اإلدارة من مغبة التهاون في تنفيذ التزاماتها ‪ ،538‬تجاه تنفيذ أحكام القضاء الصادرة في حقها‪ ،‬وإال‬
‫ستقابل بفرض جزاء مالي عليها‪.‬‬

‫فيما يخص توجه ا لفقه المغربي نجد غالبيته تؤيد وسيلة الغرامة التهديدية لمواجهة‬
‫امتناع اإلدارة عن التنفيذ ‪ ،539‬وإن كان مبلغها يؤدي من المال العام الذي يستخلص في معظمه‬
‫من جيوب دافعي الضرائب‪ ،‬وبالتالي فالمواطن هو الذي يدفع ثمن تماطل اإلدارة وامتناعها‬
‫عن التنفيذ‪ ،‬ولقع اعتبرالعديد من الفقهاء المغاربة على أنه ال يمكن اعتبارأن تهديد اإلدارة في‬
‫أموالها بمثابة وسيلة ضغط عليها‪.‬‬

‫أما بالنسبة للقضاء اإلداري فحاول من جانبه وبالرغم من الفراغ التشريعي التصدي‬
‫إلشكالية امتناع اإلدارة عن التنفيذ بالنسبة لألحكام التي تصدرضدها‪ ،‬وبهذا استطاع التوصل‬
‫إلى فرض الغرامة التهديدية على اإلدارة لحملها على التنفيذ‪ ،‬وذلك عمل بمقتضيات المسطرة‬

‫‪535‬‬
‫‪.Weil (PROSPER) : « Les conséquences de l’annulation d’un acte administratif », op.cit, p 62 et‬‬
‫‪suivant.‬‬
‫‪536‬‬
‫‪.HASRI (Abdellah) : le même Article p :60-62.‬‬
‫‪537‬‬
‫‪.AUBY (Jean-Marie) et DRAGO (Roland) : << Traité de contentieux administratif »>, op.cit p :530.‬‬
‫ميا ن بين اليانمنين ال صري يالطرنسل"‪.112 ، ،‬‬ ‫‪.538‬ع؛د ال قعم ع؛د العظ م جيرة ئثا " حام ا لغاء – ا ا‬
‫‪. 539‬مق د مقجمبل " الغرام التمدلدي يتصطيتما على عمء اجتمااات ال قاكم اليضائ الاا " نبع ‪ ،1001‬اا اليلم الرباط‪، ،‬‬
‫‪.11‬‬

‫‪321‬‬
‫‪2023‬‬

‫المدنية التي تحيل عليها المادة ‪ 7‬من قانون ‪ 41.60‬حتى يعطي قيمة لمبدأ قوة الش يء المقض ي‬
‫به‪.‬‬

‫ويمكن القول أن الغرامة التهديدية تعتبر في مجال القضاء اإلداري في المغرب وليدة‬
‫االجتهاد القضائي وليست وليدة النص القانوني ‪ ، 540‬ألنه ال وجود لنص قانوني صريح يتطرق‬
‫لفرض الغرامة التهديدية على اإلدارة‪ ،‬وبما أنه ال يوجد كذلك نص قانوني يمنع ذلك‪ ،‬تدخل‬
‫القاض ي اإلداري لسد هذا الفراغ معتمدا في ذلك على نص المادة ‪ 7‬من القانون املحدث‬
‫للمحاكم اإلدارية ‪ 41.60‬التي تحيل لقواعد المسطرة المدنية ‪ ، 541‬وبهذا أصبح القاض ي اإلداري‬
‫يحكم على اإلدارة بغرامة تهديدية لحملها على تنفيذ ما صدر ضدها من أحكام خاصة بعدما‬
‫اتضح تزايد عدد األحكام الغيرالمنفذة‪.‬‬

‫إن هذه الوضعية دفعت القضاء اإلداري إلى البحث عن وسائل للتخفيف من هذا‬
‫المشكل‪ ،‬لتظهربذلك مجموعة من االجتهادات المتواترة والتي أبانت عن رغبة القاض ي في تجاوز‬
‫القيود المفروضة عليه‪ ،‬خاصة تلك التي تتعلق بعدم جواز توجيه أوامر لإلدارة أو الحجز على‬
‫أموالها‪ ،‬ولقد عبر عن مو اقف شجاعة اتسمت بالوضوح وارتكزت على تعاليل منطقية ‪،542‬‬
‫وهذا التوجه الذي تبناه القضاء اإلداري المغربي بتطبيقه لوسيلة الغرامة التهديدية في مجال‬
‫التنفيذ ضد اإلدارة‪ ،‬يؤكد على رغبة هذا القضاء في التطور لمواكبة االنجازات الهامة التي‬
‫عرفتها المرحلة التي واكبت إنشاء املحاكم اإلدارية‪.543‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬شروط وإجراءات الحكم بالغرامة التهديدية‬

‫‪.540‬مق د مقريك " تا؛يو الغرام التمدلدي بين تيانا نصم‪ ،‬ال سارة ال دن يصانمم إحداث ال قاكم الاا "‪ ،‬مجل األميك تعقى‬
‫بالد ا ات اليانمن يالطيم ‪ ،‬العدا ‪ 1‬ق ‪391 ، ،1001‬‬
‫‪541‬‬
‫‪.BEN ABDELLAH (Mohammed Amine) : L’astreinte contre le responsable administratif opposant le‬‬
‫; ‪refus d’exécution d’une décision de justice contre l’administration >> note sous T.A de Meknès‬‬
‫‪ordonnances de’ référé 3 Avril 1998 ,attaoui et 23 juin 1998 ismaili alaoui, REMARLD, n 27-199, p‬‬
‫‪114.‬‬
‫‪542‬‬
‫‪.BEN ABDELLAH (mehamed-amine) : « l’astreite contre l’administration »>, note sous T.A e »rabat‬‬
‫‪6 mars héritiers elachiri REMALD, n double 20-21 Juillet 1997, p 243‬‬
‫بمجدة‪ ،‬عدا‬ ‫الاا‬ ‫تعجالل الصاا عن ال قا‬ ‫‪ .543‬ئمال ال ارفل " الغرام التمدلدي ال ير ة فل مقام القام تعليو على األمر ا‬
‫‪ 01/30/3992‬فل صض ناصر مصاطى يمن معه عد يف ر الترب المنق ‪. 302 ، ،‬‬ ‫‪ 92-12‬صاا بتا‬

‫‪322‬‬
‫‪2023‬‬

‫إن دور القاض ي اإلداري متعلق بنشوء حق املحكوم له في التنفيذ‪ ،‬بحيث تنشأ خصومة‬
‫جديدة تعرض على انظاره‪ ،‬وهي وإن كانت في حقيقة األمر ناتجة عن الخصومة األصلية التي‬
‫سبق الحسم فيها بحكم قضائي‪ ،‬إال أن هناك اختلف واضح بين الدعوتين سببا وموضوعا‪ ،‬ألن‬
‫مناط األولى استخلص حق‪ ،‬والثانية تنفيذه وجعله و اقعا‪ ،‬وهو ما يمكن أن يتم عن طريق‬
‫فرض غرامة تهديدية على اإلدارة ‪.544‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬شروط الحكم بالغرامة التهديدية‬

‫إن الحكم بالغرامة التهديدية يتطلب تو افرشروط معينة يمكن إجمالها ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬أن يتعلق األمر بحكم قضائي‪ ،‬أي تعلق األمر بتنفيذ حكم قضائي صادر عن جهة‬
‫قضائية لها والية الحكم‪ ،‬وحسمت في الخصومة وأنهت النزاع لصالح أحد األطراف في الدعوى‪،‬‬
‫والغرامة التهديدية ال تطبق كنظام في القضاء اإلداري إال على ما اتخذه القاض ي اإلداري من‬
‫أحكام‪ ،‬وكل ما يخرج من دائرة األحكام ال يمكن أن يتم طلب تنفيذه عن طريق الحكم بالغرامة‬
‫التهديدية‪.‬‬

‫وقد تصدر أيضا عن القاض ي اإلداري نوع من األوامر بمناسبة الفصل في الدعوى‬
‫المطروحة عليه‪ ،‬كاألمربتقديم ما تحت يد اإلدارة من أوراق أو اإلفصاح عن األسباب الحقيقية‬
‫الو اقعية والقانونية التي كانت وراء إصدار اإلدارة للقرار المطعون فيه‪ ،‬وهذه األوامر كما‬
‫يتخذها قاض ي الموضوع يمكن أن يتخذها قاض ي المستعجلت‪.‬‬

‫ويختلف تطبيق الغرامة التهديدية بين األوامر الصادرة عن قاض ي الموضوع وتلك‬
‫الصادرة عن قاض ي المستعجلت فبالنسبة لألولى فل يسري بشأنها نظام الغرامة التهديدية‪،‬‬
‫بينما الثانية تسمح بها لوجود ضرورة ومصلحة ملحة تقتض ي فرض غرامة لضمان تنفيذها ‪.545‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أن يكون الحكم من أحكام اإللزام‪ ،‬أي أن أحكام اإللزام هي التي يسمح محلها‬
‫بتطبيق الغرامة التهديدية‪ ،‬وألن دورها اإلعلن عن وجود حق وإلزام املحكوم ضده بأداء معين‪.‬‬

‫‪544‬‬
‫‪.« L’application par le Conseil d’etats des dispositions de la loi 16 juillet 1980 relatives aux astreites‬‬
‫‪» Mel Peiser ’renoble, presse universitaire des Grenoble, 1995, p 24.‬‬
‫‪545‬‬
‫‪.CHAPUS (Renus) : « droit du contentieux administratif » op, cit p 1143 .‬‬

‫‪323‬‬
‫‪2023‬‬

‫وبما أن التنفيذ في حقيقته هو منح حق سبق الحكم به ومطالبة املحكوم ضده بالقيام‬
‫بما افترض الحكم عليه به‪ ،‬سواء تعلق األمربالقيام بعمل أو باالمتناع عن القيام به‪ ،‬والوحيدة‬
‫التي لها هذه الصفة هي أحكام اإللزام ودونها من األحكام ال تستدعي أساسا طلب تنفيذها‪،‬‬
‫وبالتالي ال تح تاج إلى نظام الغرامة التهديدية على اعتبار أن هذه األخيرة هي وسيلة إجبار لتنفيذ‬
‫ما يقبل التنفيذ من أحكام وإعمال هذا الشرط بالنسبة لفرض العرامة التهديدية جاء به مجلس‬
‫الدولة الفرنس ي عمل بالمبدأ الذي يقتض ي‪ ،‬في حالة سكوت المشرع على القاض ي أن يتدخل‬
‫باجتهاده لتحديد شروط تدخله ‪.546‬‬

‫ثالثا ‪ :‬عدم تنفيذ الحكم‪ ،‬أي أنه إذا كان الحكم يمثل أول شرط لتطبيق نظام الغرامة‬
‫التهديدية‪ ،‬فإن عدم تنفيذه يمثل شرطه الثاني الذي به يكتمل التطبيق‪ ،‬وقد عبرعنه المشرع‬
‫في قانون المسطرة المدنية بقوله " في حالة عدم تنفيذ الحكم"‪.‬‬

‫فإذا كان نظام الغرامة التهديدية في القانون الخاص ال يمكن االلتجاء إليه في حالة عدم‬
‫تنفيذ املحكوم عليه االلتزامات املحكوم عليه بها والتي في مقدوره تنفيذها‪ ،‬فإن االجتهادات‬
‫القضائية للقضاء اإلداري المغربي تأكد إعمال ذات األحكام عند تطبيق نظام الغرامة التهديدية‬
‫على اإلدارة‪ ،‬مع مراعاة خصوصية طبيعة المنازعة اإلدارية‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬أن يكون التنفيذ ممكنا‪ ،‬كما ال يمكن أن تصور من خلل مقتضيات القانون‬
‫الخاص حمل المدين على تنفيذ التزاماته عن طريق الغرامة التهديدية إذا كان التنفيذ‬
‫مستحيل‪ ،‬كذلك بالنسبة لإلدارة ال يمكن إجبارها على تنفيذ ما هو مستحيل‪ ،‬ألنه من أهم‬
‫شروط إكراه المدين على التنفيذ أن يكون هناك التزام فعلى بالتنفيذ‪ ،‬وأن يكون هذا التنفيذ‬
‫ممكنا‪ .‬لهذا ال تطبق الغرامة التهديدية في حالة وجود قوة قاهرة أو حادث فجائي يحوالن دون‬
‫التنفيذ لعدم القدرة على توقعهما أو دفعهما‪ ،‬وهما يدخلن فى إطار الظروف االستثنائية التي‬
‫تفض ي إلى تحلل اإلدارة من التزامها بالتنفيذ‪ ،‬ويبررامتناعها عن إجراءه ‪.547‬‬

‫‪546 .‬فتقل يالل التقطيي الج؛ري يفيا ل ج مع ال رافعات الجدلدة‪.19 ، ،‬‬


‫‪547‬‬
‫‪. BON (pierre) : « un progrès de l’état de droit : la loi du 16 juillet 1980 rela v » aux astreintes en‬‬
‫‪matière administrative et à l’exécution des jugements par la puissance publique » op.cit, p 5.‬‬

‫‪324‬‬
‫‪2023‬‬

‫خامسا ‪ :‬أال تكون قد بدأت في التنفيذ‪ ،‬ال يمكن تفعيلها في حال بدأت اإلدارة في اتخاذ‬
‫الخطوات اللزمة للتنفيذ بعد تقديم املحكوم له طلب بذلك‪ ،‬فإن هذا التصرف يشفع لإلدارة‬
‫ويوقف إمكانية خضوعها للتهديد المالي‪ ،‬معتبرا أن اتخاذ إجراءات توفيراإلمكانيات التي توضح‬
‫رغبة املحكوم عليه البدء في إجراءات التنفيذ بمثابة تنفيذ الحكم الصادر ضده‪ ،‬وبالتالي‬
‫استوجب األمررفض الحكم عليه بغرامة تهديدية ‪ ،548‬وبالنسبة للمشرع المغربي وإن سكت عن‬
‫تحديد هذه المسألة‪ ،‬إال أن الو اقع العملي يؤكد على أن القضاء اإلداري المغربي دأب على‬
‫إعطاء مهلة معقولة قبل فتح باب إكراهها على التنفيذ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إجراءات طلب الحكم بالغرامة التهديدية‬

‫إن الحديث عن الغرامة التهديدية كوسيلة إلجبار اإلدارة الممتنعة يفض ي بالضرورة الى‬
‫تحديد إجراءات تقديم طلب الحكم بالغرامة التهديدية‪ ،‬والتي نجملها كاآلتي‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬الرسوم القضائية‬

‫لقد استقر موقف القضاء اإلداري المغربي على اعتبار طلب الحكم بالغرامة التهديدية‬
‫غالبا ما يقدم في طلب مستقل يحيلنا على مضمون منازعة جديدة‪ ،‬لهذا أخضعه للرسوم‪ ،‬أي‬
‫اعتباره طلب تابع للطلب األصلي‪ ،‬أوطلب عارض أوإضافي‪ ،‬حيث يصبح الحكم في الطلب األصلي‬
‫نهائيا‪ ،‬وبعد المطالبة بتنفيذه وامتناع اإلدارة عن تنفيذه يحررعون التنفيذ محضرا بذلك‪ ،‬وهو‬
‫ما يتضح من خلل توجه القضاء اإلداري خصوصا عندما اعتبرفي العديد من اجتهاداته أن طلب‬
‫الحكم بالغرامة ‪ 549‬التهديدية طلب مستقل‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ضرورة توقيع طلب فرض الغرامة التهديدية على اإلدارة من قبل محامي‬

‫إن األصل في مسطرة رفع الدعوى اإلدارية بالمغرب هو أن يتم توقيع أي عريضة أو دعوى‬
‫تقدم أمامه من قبل محامي‪ ،‬وذلك كضمانة لجدية الطلب من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية للتأكد من‬
‫أنه حررممن لديه خبرة بالمقتضيات القانونية التي يتعرض لها القضاء اإلداري‪ ،‬والخصوصية‬

‫‪548‬‬
‫‪.C.E 31 Octobre 1984 Melki, R.D.P 1985, note : Drago p 340 .‬‬
‫‪ .549‬ص ار عدا ‪ 319‬صاا فل ‪ ، 11/01/1004‬ملف إاا ي عدا ‪ ،3409/1/1/1001‬فل صض مق د بلياعل عد ال جلي األعلى‬
‫الصدا الرص ل ما س ‪ 1001‬العدا ‪ 44‬مرمز القار يالتمثيو اليضائل‪.391 ، ،‬‬

‫‪325‬‬
‫‪2023‬‬

‫التي تتميز بها الدعوى اإلدارية‪ ،‬وبالتالي صياغة المقاالت وإعداد الدفوع بطريقة قانونية‬
‫سليمة‪ ،‬وحتى ال يهدروقت املحكمة في الفصل في طلبات غير مؤسسة على سند قانوني‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الحجز كوسيلة لتنفيذ األحكام اإلدارية‬

‫يعتبر الحجز على األموال وسيلة من وسائل التنفيذ الجبري الجاري بها العمل في تنفيذ‬
‫األحكام التي تدخل في إطارالقانون الخاص‪ ،‬فالفرد إذا أبى التنفيذ طوعا ألزم عليه کرها بإتباع‬
‫طرق التنفيذ المعهودة في القانون الخاص‪ ،‬كالحجزبمختلف أنواعه سواء كان حجزا تحفظيا‬
‫‪ conservatoire‬أو حجزا تنفيذيا أو حجزا على ما للمدين لدى الغير ‪.550‬‬

‫وإذا كان المشرع المغربي لم ينص صراحة على التنفيذ الجبري على اإلدارة فإن قضاءه‬
‫اإلداري اعترف بإمكانية اللجوء إلى بعض طرق التنفيذ الجبري كوسيلة الحجز لتنفيذ ما لم‬
‫يستطع تنفيذه اختيارا ‪ ،‬في محاولة منه للتوفيق بين عدم قابلية األموال العمومية للحجز ‪،‬‬
‫وضمان تنفيذ األحكام التي تصدر عنه‪ ،‬وقد لقي موقفه هذا استحسانا واسعا من لدن جانب‬
‫واسع من فقهاء القانون اإلداري‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬مفهوم وطبيعة الحجزعلى أموال الدولة‬

‫إذا كانت األحكام التي تصدر في إطار القانون الخاص تسمح بإمكانية اللجوء إلى طرق‬
‫التنفيذ الجبري التي يعد الحجزعلى األموال أحدها‪ ،‬فإن هذه الطريقة ال تجد لها تطبيقا إذا ما‬
‫تعلق األمربالتنفيذ على مؤسسة عمومية‪ ،‬إال في حاالت خاصة وفي حدود معينة عمل بمبدأ عدم‬
‫جواز الحجز على األموال العمومية حفاظا على مبدأ سير المرفق العمومي بانتظام واضطراد‪،‬‬
‫ألن المر افق العامة تحتاج في أداء وظيفتها إلى أموالها العامة‪ ،‬وألن هناك تباين واضح بين مركز‬
‫اإلدارة ومركزاألفراد في نطاق اإلجبارعلى تنفيذ ما رفض تنفيذه من أحكام اختياريا‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مفهوم الحجزوخصائصه‬

‫أوال ‪ :‬مفهوم الحجز‬

‫‪.550‬ع؛د السيم برااة "تقطيي األحاام الاا ‪ ،‬يالقيم التل تقجز إاا ا صتضائما " ‪ ،‬مرجا ابو ‪.113 ،‬‬

‫‪326‬‬
‫‪2023‬‬

‫يعتبرالحجزمن الوسائل التنفيذية الجبرية التي يمكن اللجوء إليها من أجل تنفيذ أحكام‬
‫القضاء وتطبق في حق الملزمين بها في حالة امتناعهم عن التنفيذ طوعا‪ ،‬وهو " إجراء تنفيذي‬
‫جبري يتم بناء على سند تنفيذي ‪ ،551‬أو بأمر يصدره رئيس املحكمة التي رفعت أمامها دعوى‬
‫التنفيذ وذلك طبقا للفصل ‪ 461‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬والمواد التي تؤطروسيلة الحجز‬
‫في قانون المسطرة المدنية تتمثل في الفصول من ‪ 494‬إلى ‪ 461‬والمادتين ‪ 55220‬و ‪ 21‬من قانون‬
‫املحاكم التجارية ‪ ،553‬والمادة ‪ 7‬من قانون املحاكم اإلدارية ‪ 554 60.41‬الذي يحيلنا على قانون‬
‫المسطرة المدنية عند التنفيذ‪ ،‬والذي يسمح باللجوء إلى وسيلة الحجز في مواجهة اإلدارة ما‬
‫دام ال يوجد نص قانوني صريح يمنع ذلك‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬خصائصه‬

‫بما أن الحجز هو من وسائل التنفيذ الجبري التي تمارس على أموال المدين من أجل‬
‫استخلص ما في ذمته من ديون‪ ،‬فهو يعد من االجراءات المهمة التي يمكن االعتماد عليها إلجبار‬
‫اإلدارة على التنفيذ أوأداء التعويض املحكوم به لفائدة الطرف المدعي‪ ،‬ومن أهم ما يميزوسيلة‬
‫الحجزالتي تطبق في األحكام اإلدارية كونها مستنبطة من قبل القاض ي اإلداري مادام ال يوجد أي‬
‫نص قانوني يمنعه من سلوكها‪.‬‬

‫والحجز لدى الغير يتم إما بناء على أمر قضائي أو على سند تنفيذي‪ ،‬وذلك طبقا للفصل‬
‫‪ 461‬من قانون المسطرية المدنية‪ ،‬وبمجرد وجود السند التنفيذي يتولى مأمورالتنفيذ مباشر‬
‫إجراءات الحجز لدى الغير في إطار التنفيذ الجبري لألحكام بدون حاجة إلى استصدار طالب‬
‫التنفيذ ألمرقضائي‪.‬‬

‫‪ . 551‬السقد التقطييي ع ل صانمنل متمد لقو ممعمعل معين لراا به التقطيي اصتضاء لميا القو ي عرفه البعض على ئنه مخصص لحثبات‬
‫يخمل لصاحبه القو فل اتخال إجراءات التقطيي الج؛ري في يجمف لاالل التقطيي ئم لباشر التقطيي الج؛ري إ غيا مام حائ از لسقد ي ققه‬
‫اليانمم صط السقد التقطييي‪.‬‬
‫‪ 33‬مضام ‪ 12 ، 3191‬شتق؛ر ‪ 3911‬ييضل بتا؛يو صانمم ال سارة‬ ‫‪552 .‬ظمير شر ف ب يتضى صانمم صم ‪ 111 – 11-3‬بتا‬
‫ال دن ‪ 1124 ،‬ي ‪.1121‬‬
‫‪.553‬ظمير شر ف صم ‪ 21-94-3‬صاا فل ‪ 31‬ب ا األيل ‪ 3131‬ال مافو ل ‪ 3‬غات ‪ 3994‬ال تعلو بتقطيي صانمم صم ‪31.91‬‬
‫‪ 1‬ئكتمبر ‪1322 ، 3994‬‬ ‫عدا ‪ 1132‬بتا‬ ‫ال تعلو ب دين التجا ة صاا بالجر دة الر‬
‫‪554.‬ظمير شر ف ب يتضى صانمم صم ‪ 3.93.111‬صاا فل ‪ 11‬ب ا األيل ‪ 3131‬ال مافو ل ‪ 30‬شتق؛ر ‪ ،3991‬ييضل بتا؛يو صانمم‬
‫صم ‪.1349، 13.90‬‬ ‫ال قاكم الاا‬

‫‪327‬‬
‫‪2023‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬نطاق تطبيق وسيلة الحجز وإشكاالتها من خلل المادة ‪ 6‬من قانون‬
‫المالية‬

‫إذا كانت أشخاص القانون العام وإلى وقت قريب بعيدة عن أي مساءلة في حالة‬
‫امتناعها عن تنفيذ األحكام الصادرة ضدها‪ ،‬حيث تظل حبيبة الرفوف في املحاكم خاصة ما‬
‫تعلق منها بدعوى اإللغاء‪ ،‬فإن الكم الهائل لألحكام الصادرة ضد أشخاص القانون العام‪ ،‬أمام‬
‫ضرورة احترام مبدأ قوة الش يء المقض ي به‪ ،‬ابتكراالجتهاد القضائي المغربي على نطاق املحاكم‬
‫اإلدارية وسيلة الحجزإلجبارالمؤسسات العمومية على تنفيذ األحكام الصادرة ضدها‪ ،‬في حالة‬
‫االمتناع عن التنفيذ‪ ،‬شريطة أن يكون الدين موضوع الحجز يدخل في إطار األموال الخاصة‬
‫ألشخاص القانون العام وأن يكون هذا الدين أيضا ثابتا ومستحق األداء "‪.555‬‬

‫إذا كانت القاعدة العامة المتفق عليها هي عدم جواز الحجز على األموال العامة‬
‫للدولة‪ ،‬إال أن إمكانية الحجزعلى بعض األموال التي تدخل في حكمها عرفت عدة نقاشات فقهية‬
‫انصبت في أغلبها على التمييز بين األموال اللزمة لسير المرفق العام والتي ال تقبل الحجز‪،‬‬
‫واألموال الخاصة والتي تقبل الحجز‪.‬‬

‫أوال ‪ -‬مدى تو افق الحجزوالحماية الممنوحة ألموال الدولة من خلل الفقه والقضاء‬

‫تتجلى أهمية التمييز بين هذين النوعين من األموال في اآلثار التي تترتب عنها‪ ،‬فاألموال‬
‫العامة لإلدارة خصها المشرع بقواعد متميزة تضمن لها الحماية اللزمة مقارنة مع أموالها‬
‫الخاصة نظرا لكونها مخصصة للمنفعة العامة‪ ،‬وبالتالي ال يجوز التصرف فيها بما يتعارض‬
‫وطبيعة النفع العام‪ ،‬و أيضا عدم جوازكسب ملكيتها بالتقادم أو الحجزعليها‪ ،‬على خلف المال‬
‫الخاص للدولة الذي يجري التعامل بشأنه وفق ما يجري بين أشخاص القانون الخاص‪.‬‬

‫إن التنظيم القانوني لألموال العمومية جاء ألول مرة بالمغرب من خلل مقتضيات‬
‫بموجب ظهير ‪ 1‬يوليوز ‪ ، 5561614‬والمعدل بظهير ‪ 26‬أكتوبر ‪ ،557 1616‬وظهير ‪ 16‬أكتوبر ‪1621‬‬

‫‪ 01/01/1004‬عدا ‪ 311‬ملف صم ‪ 310-04‬س‪ ،‬شرم ماء باه عد‬ ‫بالرباط صاا بتا‬ ‫الاا‬ ‫‪.555‬ئمر ا تعجالل لل قا‬
‫ال اتل المنقل للسا القدلدي يالخافم العام لل لك غير مقام ‪.‬‬
‫‪556 .‬ظهير ‪ 2‬يوليوز ‪ 2722‬متعلق باألمالك العمومية باإليالة الشريفة الجريدة الرسمية عدد ‪ 92‬بتاريخ ‪ 29‬شعبان ‪ ،2332‬الموافق ل‬
‫‪ 21‬يوليوز ‪ ، 2722‬ص ‪.299‬‬
‫‪557 .‬ظهير ‪ 29‬نونبر ‪ 2727‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 322‬بتاريخ ‪ 23‬صفر ‪ 2331‬الموافق ل ‪ 29‬نونبر ‪ 2727‬ص ‪.921‬‬

‫‪328‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪558‬وظهير ‪ 29‬يونيو ‪559 1654‬ثم ظهير ‪ 11‬غشت ‪ ،5601665‬بحيث أورد المشرع المغربي أمثلة لما‬
‫يعتبرماال عاما‪ ،‬أما ما دون ذلك فقد ترك للقاض ي وفقا لكل حالة أن يحدد ما يعتبرمن مرادفات‬
‫المال العام‪.‬‬

‫وإذا كانت المر افق العمومية يجب أن تحاط بكل الضمانات التي تمكنها من أداء خدماته‬
‫بصورة مضطردة ومنتظمة للمنتفعين بها‪ ،‬عمل بمبدأ عدم تعطيل المرفق العام وعرقلته‪ ،‬فإنه‬
‫ال يجوزالتنفيذ على أموالها اللزمة لسيرها عن طريق مسطرة الحجز‪ ،‬لكن في المقابل نتساءل‬
‫كيف يمكن التعامل مع مبدأ ضرورة تنفيذ األحكام اإلدارية الحائزة لقوة الش يء المقض ي به‪،‬‬
‫عمل بمبدأ احترام سيادة القانون ومبدأ المشروعية ‪. 561‬‬

‫ثانيا ‪ :‬موقف الفقه من الحجزعلى أموال اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ‬

‫ي عتبر من وجهة نظر نطاق واسع من الفيه أن المبادئ األساسية التي تحكم األموال‬
‫العامة تمنع سلوك طرق التنفيذ الجبري على أموال الدولة‪ ،‬وقد استقرالرأي على عدم إمكانية‬
‫إجراء الحجز على أموال المؤسسات العمومية ‪ ، 562‬وبهذا رفضوا إمكانية لجوء دائني اإلدارات‬
‫العمومية إلى أسلوب التنفيذ الجبري الستفاء التزاماتهم عليها‪ ،‬ويستمد أنصارهذا الحضرحقهم‬
‫من عدم إمكانية سلوك طرق التنفيذ الجبرية في مواجهة اإلدارة لعدم وجود مسطرة خاصة‬
‫بالتنفيذ ضد أشخاص القانون العام ‪ ،563‬وأي حجز ألموال الدولة يعتبر متنافيا مع قاعدة‬
‫تخصيص أموال الدولة للمنفعة العامة‪ ،‬ومن تم وجب القول بعدم جوازالحجزعليها ألن الحجز‬
‫ينتهي إلى التصرف في المال العام‪.‬‬

‫فإذا كان هذا هو رأي جانب من الفقه فإن البعض اآلخر أجاز إمكانية الحجز على أموال‬
‫الدولة‪ ،‬معتبرا وسيلة الحجزوسيلة مهمة لتنفيذ أحكام القضاء اإلداري‪ ،‬غيرأنه ينبغي التفرقة‬

‫‪558 .‬ظهير ‪ 27‬أكتوبر ‪ 2722‬المتعلق باألمالك الخاصة للبلديات‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 229‬بتاريخ ‪ 22‬ربيع األول ‪ 2321‬الموافق ل‬
‫‪ 21‬نونبر ‪ 2722‬ص ‪.2123‬‬
‫‪559 .‬ظهير ‪ 21‬يونيو ‪ 2792‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2299‬بتاريخ ‪ 22‬ذي القعدة ‪ 2393‬موافق ل ‪ 29‬يوليوز ‪ 2792‬ص ‪2129‬‬
‫عدا ‪ 1111‬بتا ‪ 10‬شتق؛ر ‪.3110 ، ،3991‬‬ ‫‪ .560‬ظمير صم ‪ 3.91.311‬بتا ‪ 34‬غات ‪ 3991‬الجر دة الر‬
‫الصاا ة عدها"‪ ،‬ميال ابو ‪،‬‬ ‫‪.561‬مق د صصري الغرام التمدلدي يالقجز فل مماجم الاا ة ال تقع عن تقطيي األحاام الاا‬
‫‪.41‬‬
‫‪562‬‬
‫‪.De SOTO (jean) : Droit administratif-Théorie générale du service public, éd Montchrestien ; paris‬‬
‫‪1981 p 264.‬‬
‫الجدلدة‪ ،‬الرباط ‪.310 ، 3991‬‬ ‫مق د هيري يالجييلل ئمز د‪ ،‬مابع ال عا‬ ‫بال غرو‪ ،‬ترج‬ ‫‪.563‬م ايل ي ل "ال قافعات الاا‬

‫‪329‬‬
‫‪2023‬‬

‫بين األموال العامة اللزمة لسير المرفق العمومي واملخصصة إلشباع حاجات عامة‪ ،‬والتي ال‬
‫يجوز الحجز عليها وبين تلك التي ال تأثر في سير المرفق‪ ،‬وبالتالي يمكن أن تشكل ضمانا ألداء‬
‫الدين‪ ،564‬ووفقا لهذا االتجاه يعد ماال عاما كل مال مخصص الستعمال الجمهورأي كل عقارأو‬
‫منقول تملكه الدولة ومخصص لخدمة المرفق العام واستغلله أو مخصص الستعمال‬
‫الجمهوربالفعل أوبقوة القانون‪ ،‬بينما يقصد بالمال الخاص للمرفق العمومي تلك األموال التي‬
‫يجوزبيعها والتصرف فيها أو حجزها أو امتلكها بالتقادم ‪.565‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬إشكالية الحجزعلى أموال الدولة من خلل المادة التاسعة من قانون‬
‫المالية‬

‫كان‬ ‫‪5662020‬‬ ‫إن موضوع تنفيذ األحكام اإلدارية في ضوء قانون المالية للسنة المالية‬
‫مثار نقاش أفرز موقفين متعارضين‪ ،‬فهناك من اعتبر أن الحجز على أموال الدولة يخالف‬
‫األحكام الدستورية المتعلقة بمالية الدولة‪ ،‬بحيث قامت مجموعة من األنظمة القانونية‬
‫الغربية والعربية بمنع الحجزعلى األموال والممتلكات العمومية بغرض تنفيذ األحكام القضائية‬
‫النهائية‪ ،‬وهو مبدأ من المبادئ العامة للقانون تتضمنه األنظمة القانونية العريقة وتطبقه منذ‬
‫القدم‪ ،‬بل إن القضاء الفرنس ي‪ ،‬واعتمادا على هذا المبدأ العام والذي يعتبر أن الممتلكات‬
‫العامة ال يمكن الحجز عليها‪ ،‬منع الحجز ليس على ممتلكات الدولة والجماعات الترابية فقط‪،‬‬
‫بل حتى على ممتلكات المؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري والصناعي‪ ،‬وذلك باعتبارها‬
‫ممتلكات في ملكية اشخاص عامة بالرغم من طابعها التجاري والصناعي‪ ،‬وبالتالي منع اللجوء‬
‫إلى طرق التنفيذ المعمول بها في المسطرة المدنية لتنفيذ األحكام الصادرة ضدها‪ ،‬مع العلم أن‬
‫المسطرة المدنية نفسها تنص على أنه ال يقبل الحجز على جميع األشياء التي يصرح القانون‬
‫بعدم قابليتها للحجز‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬المساهمة في احترام أحكام القضاء وضمان على استمرارية المرفق العام‬

‫‪.564‬مق د األعرج " إشاال تقطيي األحاام اليضائ على ال ت سات العام "‪.11 ، ،‬‬
‫‪.565‬نصرة مي ح ضر " نر التقطيي الج؛ري يإجراءات التمف ا" ماابا فتص العرو ‪،‬اماو ‪131 ، ،3941‬‬
‫صم ‪ 10.39‬للسق‬ ‫‪.566‬ظمير شر ف صم ‪ 3.39.311‬صاا فل ‪ 34‬من ب ا ا خر ‪ )31( 3113‬ايس ؛ر ‪ )1039‬بتقطيي صانمم ال ال‬
‫‪ 31‬ب ا ا خر ‪ )31( 3113‬ايس ؛ر ‪33024. ، – 1039‬‬ ‫عدا ‪ 4212‬مار بتا‬ ‫ال ال ‪ – 1010‬ج‬

‫‪331‬‬
‫‪2023‬‬

‫يعتبر بعض الفقه أن مقتضيات المادة التاسعة من مشروع قانون المالية‪ 567‬تساهم‬
‫في احترام األحكام القضائية النهائية‪ ،‬وأنها تهدف الى ضرورة ضمان استمرارية المرفق العام‪،‬‬
‫حيث ال يعقل من خلل هذا الرأي أن يتم الحجز على أموال وممتلكات الدولة والجماعات‬
‫الترابية مقابل تنفيذ قرار فردي‪ ،‬خصوصا وأن األموال المبرمجة واملخصصة مسبقا في‬
‫الميزانية مرصودة كنفقات لتقديم خدمات حيوية لعموم المواطنين بهدف تحقيق المنفعة‬
‫العامة‪ ،‬بما فيها النفقات املخصصة ألداء رواتب الموظفين واألعوان ودفع مستحقات‬
‫الموردين والشركات المنفذة للصفقات والخدمات العمومية‪ ،‬وكذا تلك املخصصة لتنفيذ‬
‫األحكام القضائية‪.‬‬

‫إن مقتضيات هذه المادة من خلل وجهة نظر المدافعين عنها قد حققت التوازن‬
‫المطلوب بين مبدأين دستوريين وقانونيين وبين تحقيق المصلحة الخاصة والعامة‪ ،‬وذلك من‬
‫خلل تحقيق االحترام الواجب لألحكام القضائية النهائية والزامية تنفيذها لفائدة األفراد‬
‫والخواص‪ ،‬والحفاظ على استمرارية المرفق العام بأداء مستحقات الموظفين واألعوان‬
‫والشركات المتعاقدة مع الدولة والجماعات الترابية وتحقيق المصلحة العامة بتوفيرالخدمات‬
‫العامة الضرورية للمواطنين ‪.568‬‬

‫أما الجهات الرسمية في الدولة فإنها ترجع إقرار هذه المادة ضمن قانون الميزانية ومنع‬
‫الحجزعلى أموال وممتلكات الدولة‪ ،‬يعتبراجراء لضمان استمرارية المرفق العام‪ ،‬ألن من شأن‬
‫هذا االرتفاع الكبير في الحجوزات تهديد التوازنات المالية للدولة والمؤسسات العمومية‬
‫والجماعات الترابية‪ ،‬إذا لم تتم برمجة تنفيذ األحكام بشكل يراعي إكراهات الميزانية العامة‬
‫ومحدودية المداخيل‬

‫‪567 .‬تنص المادة ‪ 7‬من قانون المالية رقم ‪ 91.27‬على أنه يتعين على الدائنين الحاملين ألحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة أو‬
‫الجماعات الترابية ومجموعاتها أال يطالبوا باألداء إال أمام مصالح األمر بالصرف لإلدارة العمومية أو الجماعات الترابية المعنية‪ ،‬ففي‬
‫حالة صدور حكم قضائي نهائي قابل للتنفيذ‪ ،‬يل زم الدولة أو جماعة ترابية أو مجموعاتها بأداء مبلغ معين‪ ،‬يتعين األمر بصرفه داخل أجل‬
‫أقصاه تسعون (‪ ) 71‬يوما ابتداء من تاريخ تبليغ اإلعذار بالتنفيذ في حدود االعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية لهذا الغرض‪ ،‬وفق مبادئ‬
‫وقواعد المحاسبة العمومية‪ ،‬وأال يتم األداء تلقائيا من طرف المحاسب العمومي داخل اآلجال المنصوص عليها باألنظمة الجاري بها العمل‬
‫في حالة تقاعس األمر بالصرف األداء بمجرد انصرام األجل أعاله‪ .‬وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية‪ ،‬يتم عندئذ تنفيذ‬
‫الحكم القضائي عبر األمر بصرف المبلغ المعين في ح دود االعتمادات المتوفرة بالميزانية‪ ،‬على أن يقوم اآلمر بالصرف وجوبا بتوفير‬
‫االعتمادات الالزمة ألداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات الالحقة وذلك في أجل أقصاه أربع (‪ )2‬سنوات ووفق الشروط المشار إليها‬
‫أعاله‪ ،‬دون أن تخضع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها للحجز لهذه الغاية‪.‬‬
‫‪ .568‬اا ي األفمل ‪-‬الا سل – ال ااة ‪ 2‬مار بين القجز على م تلكات الديل يعري ة ا ت ار ال رفو العام ا ثقين ‪ 11‬ماي‬
‫‪. ، 1031‬‬

‫‪331‬‬
‫‪2023‬‬

‫علما بأن منع الحجز يبقى مقيدا بمجموعة من الضوابط المنصوص عليها في هذه‬
‫المادة التاسعة لضمان حق المتقاضين في الحصول على حقوقهم كاملة‪ ،‬وأن الهدف في إطار‬
‫مشروع قانون المالية هو توطيد ثقة المواطن في المؤسسات‪ ،‬و انه حريص على احترام األحكام‬
‫القضائية وعلى تنفيذها‪ ،‬وضمان استمرار المرفق العام في أداء الخدمات المقدمة للمواطن‬
‫بشكل خاص ‪.569‬‬

‫في حين هناك من يرى بان المادة ‪ 6‬المذكورة تشكل جريمة تحقيرللمقررات القضائية‪،‬‬
‫فقد اعتبربعض الفقه أن مقتضيات المادة ‪ 6‬من قانون المالية تشكل جريمة تحقيرللمقررات‬
‫القضائية وتمس بمبدأ المساواة أمام القانون والقضاء وتخلق تمييزا للدولة عن المواطنين في‬
‫مجال التنفيذ‪ ،‬وتجعل المقررات القضائية النهائية ال قيمة لها وال تكتس ي أي طابع اجباري من‬
‫خلل جعل التنفيذ على الدولة اختياريا‪ ،‬دون اجبارها على التنفيذ لكونها تستطيع تأجيل‬
‫التنفيذ لسنوات عديدة بسبب عدم وجود االعتمادات في الميزانية‪ ،‬وهو ما يعني انهيار الدولة‬
‫وتحقيرمقررات القضاء وضرب في الصميم والعمق لحقوق المواطن ‪.570‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬المساس بسيادة القضاء واستقلله‬

‫يعتبر الكثير من المتخصصين أن مقتضيات المادة ‪ 6‬من مشروع قانون المالية لسنة‬
‫‪ ، 2020‬تمس بسيادة واستقللية القضاء وبمصداقيته ومن شأنها المساس بمقومات دولة‬
‫القانون وبمبدأ ثقة المواطنين والمتقاضين واملحامين في القرارات واألحكام الصادرة عن‬
‫القضاء‪ ،‬إن المادة المذكورة منحت اإلدارة املحكوم عليها حق التصرف في تنفيذ األحكام أو‬
‫تأجيل التنفيذ لسنوات ومنعت المادة اعله الحجز على أموال اإلدارة وميزتها على بقية‬
‫المتقاضين‪ ،‬وبذلك تكون الحكومة معها قد أبانت عن موقفها التحكمي ضد المرفق القضائي‬
‫وضد قرارات املحاكم اإلدارية‪ ،‬التي تصدراحكاما بالحجزعلى أموال اإلدارة بين يدى املحاسبين‪،‬‬
‫وبالتالي ينبغي الدفاع عن األحكام وعن تنفيذها دون عرقلة من الدولة‪ ،‬أن مقتضيات المادة ‪6‬‬
‫تزيد من احتقار القرارات الصادرة باسم الملك ضد الدولة‪ ،‬فكيف تقبل الحكومة محاسبة‬

‫‪.569‬القجمفات على ئممال الديل بلغت ‪ 30‬ميلير ا هم ‪ ،‬ميال مقام على ممصا جر دة الصبا ‪https://assabah.ma‬‬
‫ال ست رة لعرصل تقطيي ا حاام"‪،‬‬ ‫صم ‪ 10.39‬لسق ‪ 1010‬يالجر‬ ‫ال ااة ‪ 9‬من ماري‪ ،‬صانمم ال ال‬ ‫‪.570‬مق د الميقل "عدم ا تم‬
‫األحد ‪ 10‬لقالر ‪ 1013‬على الساع ‪31 00‬‬ ‫ميال مقام بال مصا ا لكترينل ‪ https://anfaspress.com‬تم الني‪ ،‬عل ه بتا‬
‫فيا‬

‫‪332‬‬
‫‪2023‬‬

‫األفراد والخواص عند رفض التنفيذ‪ ،‬وأن تضع هي لنفسها مقابل ذلك مساطر وقوانين‬
‫تعسفية ومتناقضة مع الدستور واحكامه تحميها وتحمي ادارتها ومسؤوليها من المساءلة‪ ،‬ومن‬
‫أجل استقلل القضاء وفرض احترام قراراته‪ ،‬فمن المفروض أن ذمة الدولة مليئة لكن عندما‬
‫تعجز الدولة عن أداء ديونها الداخلية فإنها تصاب باإلفلس‪ ،‬وإن هي امتنعت عن األداء فإنها‬
‫تتسبب عن قصد في افلس التاجر والمقاولة والمستثمر وتدعو المستثمر األجنبي للرحيل دون‬
‫رجعة ‪.571‬‬

‫إذا كانت بعض التشريعات األجنبية كما سبقت اإلشارة إلى ذلك آنفا قد تصدت لمسألة‬
‫عدم تنفيذ األحكام القضائية‪ ،‬فإن المشرع المغربي لم يتطرق لهذا الموضوع‪ ،‬بل اكتفى‬
‫المشرع المغربي بالتنصيص في المادة ‪ 6‬من قانون المالية رقم ‪ 70.16‬على عدم خضوع أموال‬
‫وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها للحجز‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫يمكن القول أنه رغم اجتهادات ومبادرات القاض ي اإلداري المغربي‪ ،‬إال أن إمكانيات‬
‫ووسائل القضاء اإلداري لتنفيذ أحكامه الصادرة ضد أشخاص القانون العام محدودة وغير‬
‫واضحة وذائبة في المسطرة المدنية المتوجهة أساسا لألفراد والخواص‪ ،‬إذ أن االجتهاد‬
‫القضائي في هذا الصدد متقدم مقارنة مع النص القانوني‪ ،‬كما أن هناك ضرورة ملحة‬
‫لتنصيص القانون الجنائي على تجريم عدم تنفيذ األحكام أو التسبب في التأخير في تنفيذها‪،‬‬
‫ولهذا فإن الضرورة باتت ملحة بالتنصيص الصريح على مقتضيات قانونية تنظم مرحلة تنفيذ‬
‫األحكام القضائية الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام‪ ،‬وتحدد الوسائل الجبرية‬
‫الكفيلة بتحقيق منطوق األوامر واألحكام وتضفي على أحكام القضاء النهائية ما يجب أن تتمتع‬
‫به من احترام من طرف الجميع بما في ذلك اإلدارة ومؤسساتها العمومية ‪.‬‬

‫الئحة المراجع ‪:‬‬

‫‪.571‬ج ال ئمدي ي "مقاممم ال ااة ‪ 9‬من صانمم ال ال فض ق يعرب صاع لس ااة اليضاء اعت؛ريه "ا ت؛دااا حامم ا"‪ ،‬ميال مقام‬
‫‪ 11‬لقالر ‪ 1013‬على الساع ‪. 31 00‬‬ ‫بال مصا اللكترينل ‪ https://al3omk.com/467644.html‬تم ا ني‪ ،‬عل ه بتا‬

‫‪333‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬دستورفاتح يوليو ‪ ،2011‬الصادربتنفيذه الظهيرالشريف رقم ‪ 11-11-61‬الصادرفي ‪27‬‬


‫من شعبان ‪ 1432‬المو افق لـ ‪ 26‬يوليو ‪ ،2011‬الصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5614‬مكرر ‪،‬‬
‫الصادرة في ‪ 29‬شعبان ‪ 1432‬المو افق ل ‪30‬يوليوز‪.2011‬‬

‫‪ -‬ظهيرشريف بمقتض ى قانون رقم ‪ 1-61-225‬صادرفي ‪ 22‬ربيع األول ‪ 141‬المو افق ل ‪10‬‬
‫شتنبر ‪ ، 1663‬يقض ي بتطبيق قانون املحاكم اإلدارية رقم ‪ 41-60‬صادر بالجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 4227‬تاريخ ‪ 3‬نونبر‪.1663‬‬

‫‪ -‬محمد بوكطب ‪ " :‬تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة في ميدان تدبيرالموارد‬
‫البشرية "‪،‬منشورات مجلة القضاء المدني‪ ،‬سلسلة أعمال جامعية‪ ،‬دار نشر المعرفة‪ ،‬الرباط‬
‫‪.2017 ،‬‬

‫‪ -‬عماد ابركان ‪" :‬نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب ومتطلبات الملءمة"‪،‬‬
‫أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية وجدة‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.2014/2015‬‬

‫‪ -‬أحمد الصايغ ‪ ":‬الغرامة التهديدية كوسيلة لتنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد‬
‫اإلدارة" منشورات املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية ‪ ،‬سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية‬
‫العدد ‪ 2004 ،55‬ص‪.20 :‬‬

‫‪ -‬محمد القصري ‪ " :‬الغرامة التهديدية كوسيلة إلجبار اإلدارة على تنفيذ أحكام القضاء‬
‫اإلداري " منشورات املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط‬
‫" يوليوز– أكتوبر‪.2011‬‬

‫‪ -‬أمال المشرفي ‪" :‬الغرامة التهديدية وتنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة "‪،‬‬
‫تعليق على حكم املحكمة اإلدارية بالرباط عدد ‪ ، 134‬بتاريخ ‪ 1‬مارس ‪ ، 1667‬ورثة العشيري‬
‫املجلة المغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬عدد أبريل (أبريل – يونيو (‪ ،)1669‬ص ‪.79‬‬

‫‪ -‬ميشيل روس ي‪" :‬المنازعات اإلدارية بالمغرب‪ ،‬ترجمة محمد هيري والجيللي أمزيد‪،‬‬
‫مطبعة المعارف الجديدة‪ ،‬الرباط ‪.1665‬‬

‫‪334‬‬
2023

Mohammed El Yaagoubi : « les tribunaux administratifs et le -


développement local au Maroc ». Publications REMALD in 33 juillet -Août, 2007
.

GUETTIER Christoph : l’administration et l’exécution des décision de -


justice A.J.D.A 20 Juillet 20Aout 1999 spécial.

Weil PROSPER : « Les conséquences de l’annulation d’un acte administratif -


».

335
‫‪2023‬‬

‫قراءة ألبرز مضامين الحماية التشريعية والقضائية‬


‫المصلحة الفضلى للطفل‬
‫‪Read the most important contents of legislative and judicial protection in the‬‬
‫‪best interest of the child‬‬
‫يجب االنطلقة من االسرة باعتبارها المكون االساس ي والنواة املحورية للمجتمع‬
‫بمختلف أطيافه لذلك كان لزاما إعطاء األهمية الكبرى لها وبمختلف مكوناتها في شتى القوانين‬
‫على المستوى الوطني والعالمي خاصة ما يتعلق بالطفل ونحن بصدد تحديث عن المصلحة‬
‫الفضلى له‪ .‬فحسب المادة االولى من اتفاقية األمم المتحدة فقد حدد مفهوم الطفل "بكونه‬
‫كل انسان لم يتجاوز سن الثامنة عشر من عمره ولم يبلغ سن الرشد بموجب القانون الوطني‬
‫للبلد الذي يعيش فيه"‪ ،‬وهو بذلك يعتبر عنصرا أساسيا من العناصر المكونة لخلية األسرة‬
‫ويشكل أحد اعمدتها الهامة‪.‬‬

‫وبهذا فقضية التطرق للمصلحة الفضلى للطفل تبدو في أول األمر في غاية االهمية‬
‫ويقتض ي ذلك التطرق لألساس ي القانوني المؤطر لها (أوال) ودور القضاء في حماية المصلحة‬
‫الفضلى للطفل (ثانيا)‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫‪2023‬‬

‫أوال‪ :‬االساس القانوني للمصلحة الفضلى للطفل‪.‬‬

‫ان فكرة المصلحة الفضلى للطفل هي مفهوم مستحدث بموجب القانون الدولي‬
‫الخاص منذ سنة ‪ 1696‬من طرف االمم المتحدة خاصة اتفاقية األمم المتحدة لحقوق الطفل‬
‫من نفس السنة ‪ ،‬كما تبنتها العديد من التشريعات الداخلية والدولية‪.‬‬

‫وهكذا فانه ال يوجد تعريف محدد ودقيق لهذا المفهوم كما لم يتم إجماع املجتمع‬
‫الدولي حول جوهره‪ ،‬كونه مفهوم مطاط وواسع يقتض ي مراعاة أحوال الطفل ووجهات نظره في‬
‫اي قرارات تخصه سواء كانت صادرة عن الدول أو الجهات القضائية أو االدارات‪.‬‬

‫فمختلف القوانين الوطنية تطرقت لذلك (أ) تماشيا مع االعلنات واالتفاقية‬


‫الدولية (ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬القوانين الوطنية المؤطرة للمصلحة الفضلى للطفل‪.‬‬

‫إن أول ما يراعيه المشرع الوطني في صياغة أي قانون هو مسألة تعارضه مع‬
‫االتفاقيات واإلعلنات العالمية مواءمته مع مبادئ هذه األخيرة وبما ال يتعارض مع النظام العام‬
‫الداخلي ولذلك نجد على رأس هذه القوانين الدستور(‪ )1‬ثم القوانين(‪.)2‬‬

‫‪ -1‬تجليات المصلحة الفضلى للطفل في الدستور‪.‬‬

‫يعتبرالدستورأسمى تشريع في البلد وهوالمؤطروالموجه االساس ي لكل القوانين‪.‬‬

‫وبناء على هذا المؤطر الدستوري فقد كرس عدة نصوص لحماية الحقوق‬
‫والحريات المتعلقة باألسرة بصفة عامة والتي تروم حماية حقوق الطفل سواء باعتباره إنسانا‬
‫أو بصفته طفل نوجزها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬ينص الفصل ‪ 16‬على‪:‬‬

‫‪ -‬حق المساواة حيث "يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة في الحقوق والحريات‬
‫المدنية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية‪"...‬‬

‫‪337‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬عدم التمييز في التمتع بالحقوق بأي شكل من األشكال سواء بسبب الجنس أو اللون أو‬
‫المعتقد‪.‬‬

‫‪ -‬الحق في الحياة‪.‬‬

‫‪-‬الحق في ممارسة الشؤون الدينية (الفصل الثالث)‪.‬‬

‫‪ -‬الحق في حرية التعبير والرأي والتفكير(الفصل ‪.)25‬‬

‫‪ -‬الحق في الزواج وتكوين أسرة (الفصل ‪ 32‬باعتباره انسان)‪.‬‬

‫‪ -‬الحق في التعليم كحق أساس ي‪.‬‬

‫‪ -‬الحق في المشاركة الثقافية (الفصل السادس)‪.‬‬

‫‪: 2‬تجليات المصلحة الفضلى للطفل في مدونة االسرة‪.‬‬

‫لقد تعددت صورحماية الطفل في مدونة االسرة لتحقيق االستقرارالمادي والمعنوي‬


‫نتطرق اليها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬مصلحة الطفل المرتبطة بالنسب والهوية‪.‬‬

‫لقد حثت مدونة االسرة على ضرورة توثيق عقد الزواج باعتباره الوسيلة الوحيدة‬
‫إلثباته وبالتالي ضمان حقوق الطفل وبما فيها نسبه واستقرار العائلي‪ ،‬كما ان مدونة االسرة‬
‫ألقت التزامات على االبوين منها تثبيت هويات أطفالهم والحفاظ عليها واختيار لهم أسماء‬
‫وتسجيلها سجلت الحالة المدنية؛ (أنظرالمادة ‪ 150‬من مدونة االسرة)‪.‬‬

‫‪ -‬مصلحة الطفل المرتبطة بالرعاية‪.‬‬

‫من الحقوق التي تتضمن للطفل المصلحة الفضلى هي الحق في الرعاية من خلل‬
‫اختيار الوسط الملئم الذي ينبغي ان يترعرع فيه الطفل والحقوق التي يجب أن يضمنها داخل‬
‫هذا الوسط وهو األمر الذي كرسته مدونة االسرة من خلل المواد التالية‪:‬‬

‫‪ -‬المادة ‪": 4‬االب واألم مسؤولين بشكل متساوي على تربيه أبنائهم"‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬المادة ‪" : 54‬على االباء حماية حياة وصحة ابنائهم والحفاظ على سلمتهم الجسدية‬
‫والنفسية من الناحية القضائية والعلجية"‪.‬‬

‫ثم كذالك التربية على السلوك وقيم النبل المؤدية الى الصدق في القول والعمل‬
‫واجتناب العنف الجسدي والمعنوي والوقاية من االستغلل والحرص على التكوين والتحصيل‬
‫العلمي‪.‬‬

‫‪ -‬المادة ‪" :173‬نصت على تربية املحضون ورعايته دينيا"‪.‬‬

‫‪ -‬مصلحة الطفل المرتبطة بتسييرشؤونه المالية‪.‬‬

‫نظرا لما قد يضر بمصالح الطفل المالية؛ فان المشرع وضع تصرفاته تحت رقابة‬
‫نائبه الشرعي وكذا القضاء وإخضاعها ألحكام خاصة بالتمييزبين ثلثة حاالت‪:‬‬

‫‪ -‬الحالة التي يتصرف من خللها القاصروتجلب له نفعا منها فإنها تكون نافذة‪.‬‬

‫‪ -‬الحالة التي تجلب من خللها تصرفاته ضررا فإنها تكون باطلة لكونها أفقرته وأضرت‬
‫بمصلحته الفضلى التي تقتض ي املحافظة على حصته المالية‪.‬‬

‫‪ -‬التصرفات التي تكون بين النفع والضرر تكون متوقفة إجازتها على النائب الشرعي‬
‫حسب مصلحة الطفل‪.‬‬

‫ب ‪-‬االعلنات واالتفاقيات الدولية المؤطرة للمصلحة الفضلى للطفل‪:‬‬

‫ونقصد بها تلك االتفاقيات والمعاهدات التي أصبح المغرب ملزما بها؛ فمن بين‬
‫المستجدات التي ارتكز عليها إعداد مواد مدونة األسرة هو الحفاظ على حقوق الطفل وذلك‬
‫بإدراج المقتضيات الدولية التي ترسخ مفهوم المصلحة الفضلى للطفل؛ ونحاول التطرق لهذه‬
‫االعلنات واالتفاقيات بإيجازفيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬االعلن العالمي لحقوق االنسان ‪. 1649‬‬

‫لقد نص االعلن العالمي لحقوق االنسان في مادته االولى انه "يولد جميع الناس‬
‫أحرارا ومتساويين في الكرامة والحقوق" فهذه المادة تشمل اإلنسان عامة والطفل خاصة؛ كما‬

‫‪339‬‬
‫‪2023‬‬

‫انه نص في الماده الثانية على ان "كل إنسان له الحقوق والحريات دون تمييز" والمادة الثالثة‬
‫نصت على "الحق في الحياة والحرية والسلمة" وهو تأكيد على حق الطفل في البقاء والنمو‬
‫والحماية ضد أي خطريمس حياته ‪ .‬والمادة الرابعة تحظراالسترقاق‪.‬‬

‫المادة ‪ 25‬تؤكد على أهمية رعاية األمومة والطفولة المادة ‪ 21‬نصت على حق كل انسان‬
‫في التعليم‪.‬‬

‫‪ -2‬العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية لسنة ‪1611‬‬

‫لقد خص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر سنة ‪ 1611‬مجموعة‬


‫من النصوص لشرعنة وتحصين المصلحة الفضلى للطفل‪،‬وهكذا نجد المادة ‪ 6‬تنص على‬
‫انه "ال يجوزالحكم باإلعدام على أشخاص ارتكبوا جرائم دون ‪ 19‬وال يجوزتنفيذه في حق إمراة‬
‫حامل" ‪،‬في حين تنص المادة ‪ 10‬على ضرورة فصل المتهمون األحداث عن الرشداء ومعاملتهم‬
‫معاملة تو افق سنهم و إحترام حرية الوالدين في تأمين تربية اوالدهم الدينية والخلقية وفقا‬
‫لقناعتهم الخاصة عند الطلق‪،‬كما نصت المادة ‪ 23‬بأن لكل "طفل الحق في إجراءات الحماية‬
‫التي يستوجبها مركزه كقاصر دون تمييز بسبب اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو االصل‬
‫القومي و ضرورة تسجيل كل طفل فوروالدته وإعطائه إسما وحقه في اكتساب الجنسية‪.‬‬

‫‪ -3‬العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة ‪.1611‬‬

‫يعتبرالعهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية الصادرخلل‬


‫سنة ‪ 1611‬ايضا من النصوص الدولية التي اهتمت كثيرا بحقوق الطفل وحماية مصلحته‬
‫الفضلى وجعلها في صلب مقتضياته ‪،‬وقد نصت المادة ‪ 12‬نصت على أن على "حق كل إنسان‬
‫في التمتع بأعلى مستوى من العناية الصحية التي تكفل األفراد سواء الصحة الجسمانية أو‬
‫العقلية" ‪ ،‬كما نصت المادة ‪ 13‬على "الحق في التعليم وجعله إلزاميا ابتدائيا ومجانيا للجميع‬
‫واختياراالباء لنوع المدارس والتعليم"‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ - 4‬االعلنات الدولية لحقوق الطفل‪.‬‬

‫إضافة إلى ما سبق ذكره من قوانين وطنية ونصوص وإعلنات دولية اهتمت بحقوق‬
‫الطفل ومصلحته الفضلى وجعلتها في صلب بنودها‪ ،‬فان هناك اعلنات و اتفاقيات دولية اخرى‬
‫اهتمت ايضا بهذا االمر‪ ،‬حيث البعض منها خصصت لهذا الموضوع بأكمله سنحاول االشارة‬
‫اليها بشكل موجزكما سياتي‪:‬‬

‫‪ -‬إعلن جونيف لحقوق الطفل لسنة ‪.1624‬‬

‫‪ -‬إعلن حقوق الطفل لسنة ‪.1654‬‬

‫‪ -‬االعلن العالمي لبقاء الطفل ‪.1660‬‬

‫هذه االعلنات اكدت على حقوق الطفل بما يحقق مصلحته الفضلى ويمكن إجمالها‬
‫فيما يلي‪:‬‬

‫‪ +‬تمتع جميع األطفال بالحقوق دون تمييز‪.‬‬

‫‪ +‬توفيرالحماية القانونية لنشأة الطفل‪.‬‬

‫‪ +‬حق الطفل في الضمان االجتماعي والغذاء والمأوى‪.‬‬

‫‪ +‬الحق في العلج والتعليم والوقاية من الكوارث‪.‬‬

‫‪ +‬الحماية من القسوة واالستغلل‪.‬‬

‫‪ +‬الحماية من التمييزفي جميع صوره‪.‬‬

‫‪ -‬االتفاقية الدولية لحقوق الطفل سنة ‪. 1696/11/20‬‬

‫تعتبرهذه االتفاقية من اهم االتفاقيات الدولية التي تناولت حقوق الطفل ومصلحته‬
‫الفضلى وقد تطرقت لذلك بتفصيل وقد جاءت كأمر ملح للدفاع عن حقوقه وحمايتها‪،‬‬

‫حيث اقرت مجموعة من المبادئ الرامية إلى ضمان وحماية حقوق الطفل بالشكل الذي‬
‫يحفظ كرامته وكينونته كطفل وتتمثل هذه المبادئ فيما يلي‪:‬‬

‫‪341‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ - 1‬حق الطفل في المساواة (عدم التمييز)‪ .‬بغض النظر على الجنس اللون الدين‬
‫واالنتماء‪.‬‬

‫‪ -2‬تحقيق المصلحة العليا للطفل‪ :‬أكدت على مبدا أن "األطفال أوال" وجعل مصلحتهم‬
‫فوق كل االعتبارات‪.‬‬

‫‪ -3‬املحافظة على حق الطفل في البقاء والنماء‪.‬‬

‫‪ -4‬إحترام أوامراألطفال‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬دورالقضاء في رعاية المصلحة الفضلى للطفل‪.‬‬

‫يعد القضاء الركيزة األساسية ألي إصلح وهو الحامي للحقوق والحريات‪ ،‬لذلك كان‬
‫إلزاما لمنح القضاء مكانة خاصة في قضايا األسرة إلى جانب النيابة العامة التي تعتبرطرفا أصليا‬
‫في جميع القضايا بنص المادة ‪ 3‬من مدونة االسرة‪.‬‬

‫وارتباطا بذلك‪ ،‬فان القضاء األسري يلعب دورا في غاية األهمية لضمان المصلحة‬
‫الفضلى للطفل في عدة مواضيع‪( ،‬كالتعدد‪ ،‬زواج القاصر؛ الحضانة؛ تصرفات القاصر؛ أموال‬
‫القاصر)‪.‬‬

‫‪ -‬زواج القاصر‪ :‬فالقاض ي يكون على املحك بين منح االذن للقاصرللزواج من عدمه من‬
‫خلل تكوين قناعته بما يحقق مصلحته (المادة ‪،)219‬على اعتبار ان هدا النوع من االذن يعد‬
‫استثناء من االصل الذي يجعل من االهلية شرطا من شروط عقد الزواج ‪،‬ولذلك فان القاض ي‬
‫يجري بحثا اجتماعيا ويستعين بالخبرة كما انه يستشيرابوي القاصر لكون الزواج متوقف على‬
‫مو افقتهم طبقا ألحكام المادة ‪ 21‬من مدونة االسرة‪.‬‬

‫‪ -‬التعدد‪ :‬بالرجوع الى المادة ‪ 41‬من مدونة االسرة نجدها اخضعت التعدد إلذن املحكمة‬
‫وتحت مر اقبتها بضمان جميع الحقوق بما في ذلك النفقة وجعل مصلحة الطفل فوق كل‬
‫اعتبار‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬النيابة الشرعية‪ :‬النائب الشرعي سواء كان وليا أو وهميا فهو يخضع لمر اقبة القضاء‬
‫(المادة ‪ ،)235‬وبالتالي فجميع التصرفات التي يقوم بها نيابة عن القاصرتخضع لمر اقبة قاض ي‬
‫شؤون القاصرين لرعاية مصالح الطفل واألمرباإلجراءات اللزمة للحفاظ عليها وادارتها‪.‬‬

‫‪ -‬الحضانة‪ :‬لقد خصص المشرع المغربي في مدونة االسرة حيزا مهما لموضوع الحضانة‬
‫باعتبارها من املخلفات التي تنتج عن الطلق او غياب الوالدين‪ ،‬فالقضاء يمكنه أن يتدخل‬
‫ويستند للخطابة في غياب االم واألب ألحد االقارب االكثرأهلية مراعاة للمصلحة الفضلى للطفل‬
‫حسب مقتضيات المادة ‪ 171‬من مدونة االسرة‪.‬‬

‫‪ -‬تصرفات القاصر‪ :‬وهي تخضع لمسطرة دقيقة حفاظا على مصلحة القاصر فيتدخل‬
‫من خللها قاض ي شؤون القاصرين بمنح االذنات للنواب الشرعيين أو الوص ي او المقدم للقيام‬
‫بتصرفات في أموال القاصر(انظرالمادة ‪ 271‬من االسرة)‪.‬‬

‫النيابة العامة‪.‬‬

‫وتجدر االشارة الى ان النيابة العامة تلعب دورا مهما الى جانب القضاء الجالس في‬
‫حماية مصالح الطفل ورعايتها حيث جعلت مدونة االسرة منها طرفا في كل القضايا المتعلقة‬
‫بتطبيق احكامها ‪،‬فقد جاء في المادة ‪ 54‬على "ان النيابة العامة تسهر على تنفيذ األحكام‬
‫المتعلقة بالطفل"؛ وبالتالي حماية مصلحته الفضلى‪،‬كما يمكنها اختيار للطفل إحدى‬
‫وفي اطار تدبير‬ ‫المؤسسات لرعايته والمطالبة بإسقاط الحضانة بناء على المادة ‪177‬‬
‫الوضعيات الصعبة لألحداث يمكنها التقدم بملتمسات اتخاذ التدابير المؤقتة وإحالتها على‬
‫قاض ي األحداث قاض ي األحداث ثم اتخاذ التدابير اللزمة في حالة وجود نزاع بمنع سفر‬
‫املحضون إلى الخارج دون مو افقة النائب الشرعي ضمان زيارة لمضمون التربية‪.‬‬

‫وفي الشق الجنائي يمكنها أيضا متابعة كل من لم يخطر بوضعية طفل في خطر من‬
‫اجل عدم تقديم مساعدة الشخص في خطرطبقا للفصل ‪ 431‬من القانون الجنائي‪.‬‬

‫وتجدر االشارة في األخير إلى أن الدولة المغربية تبدل مجهودات كبيرة لحماية‬
‫االطفال ومصالحهم الفضلى من خلل سن نصوص قانونية متعددة بدءا بمدونة االسرة‬
‫والقانون التنظيمي إللزامية التعليم األساس ي ‪،‬والقانون المتعلق بكفالة االطفال المهملين‪،‬‬

‫‪343‬‬
‫‪2023‬‬

‫والقانون المتعلق بالحالة المدنية والمرسوم التطبيقي له ‪،‬هذا باإلضافة الى المصادقة على‬
‫االتفاقية األممية لحقوق الطفل في ‪، 1663/01/14‬كما ان جللة الملك أعطى تعليماته‬
‫السامية في الرسالة الموجهة لرئيس الحكومة من اجل التشاورمع جميع القطاعات وفعاليات‬
‫املجتمع بخصوص التعديلت التي سيتم ادخالها على قانون مدونة األسرة‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫‪2023‬‬

‫الجهوية ورهان تحقيق التنمية الترابية‬


‫‪Regionalization and the bet of achieving territorial development‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبرالنهوض والرقي بالشأن العام املحلي‪ ،‬الهدف الرئيس ي الذي من أجله اعتمد المغرب‬
‫الجهوية المتقدمة‪ ،‬فاإلدارة المركزية مهما كانت امكانياتها البشرية لن تستطيع تلبية الرغبات‬
‫على المستوى الترابي ‪ ،‬وبالرغم من اعتماد أسلوب اللمركزية الترابية‪ ،‬الذي استطاع أن يحرر‬
‫الدولة من بعض االلتزامات والواجبات ويبقى ناقصا دون تطويره‪ ،‬فالهدف في تفعيل وتنزيل‬
‫الجهوية هو انعاش مشاريع التنمية الترابية‪ ،‬فبات موضوع الجهوية يستقطب اهتماما متزايدا‬
‫من لدن مكونات املجتمع المغربي وذلك ألهميته حيث أن موضوع الجهوية ليس وليد اللحظة‬
‫بالمغرب بل هو نتاج لمسلسل اإلصلح الذي تبناه المغرب‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الجهوية الموسعة أساس لترسيخ الديمقراطية الترابية‪.‬‬

‫الجهة تعد أداة أساسية لخوض تحديات التنمية‪ ،‬فهي تشكل شرطا جوهريا لتنظيم‬
‫واعداد مجال ترابي قادر على توفير مستلزمات التنمية على مستوى املجال املحلي وذلك عبر‬

‫‪345‬‬
‫‪2023‬‬

‫استراتيجيات جهوية تنموية تتوخى الحد من الفوارق االجتماعية والوقاية من االقصاء‬


‫االجتماعي‪572.‬‬

‫فيما أفرد الدستور الباب التاسع بكامله للجهات والجماعات الترابية فقد حدد‬
‫الفصل‪ 135‬الجماعات التر ابية للمملكة هي الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات‪ ،‬وعلى أن‬
‫الجماعات الترابية أشخاص اعتبارية‪ ،‬خاضعة للقانون العام وتسير شؤونها بطريقة‬
‫ديموقراطية‪.‬‬

‫وقد أقر الفصل‪140‬باالختصاصات الممنوحة للجهات‪ ،‬وحصرها في اختصاصات‬


‫ذاتية وأخرى مشتركة مع الدولة وبين بأن طريقة التوزيع ستكون بناءا على مبدأ التفريغ‪573.‬‬

‫وقد نص أيضا على مبدأ التدبيرالحر‪ 574‬في ممارسة الصلحيات‪ ،‬فالجهوية لن تقتصر‬
‫على البعد السياس ي فقط بل من المنتظرأن يكون مطلب التنمية املحلية في قلب هذا اإلصلح‬
‫الهيكلي للسياسة اللمركزية بالمغرب وهذا ما خلصت إليه اللجنة االستشارية للجهوية‬
‫المتقدمة إذ وضعت املجلس الجهوي في الصدارة في مجال التنمية المندمجة‪575.‬‬

‫لقد أصبح املجال الجهوي اإلطار لطرح قضايا التنمية الجهوية لكونه املجال األوسع‬
‫لمناقشة اإلشكاالت التنموية والتي استصعب على الدولة إيجاد حلول لها‪.‬‬

‫لتكوين صورة وقاعدة مستقطبة للقضايا التنموية‪ ،‬فالجهوية المتقدمة من‬


‫االختيارات الوطنية التي يجسدها الفاعل المركزي بهدف تدعيم اللمركزية والعمل على تحقيق‬
‫التنمية المنشودة‪ ،‬باالعتماد على الجهة كوحدة ترابية والتي تدير به للترشيد وأداة من أدوات‬
‫التشريع بالعمل التنموي‪.‬‬

‫‪ -572‬عادل تميم‪ ،‬المبادئ الدستورية والقانونية المؤطرة للجهوية المتقدمة‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬مجلة ‪ Remald‬ص‪.2‬‬
‫‪ -573‬تمكين الجهة من اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة‪ ،‬االختصاصات الذاتية‪ :‬تهم التخطيط والتنمية الجهوية‪ ،‬وإنعاش‬
‫األنشطة االقتصادية‪ ،‬دعم المقاوالت‪ ،‬تطوير السياحة‪ ،‬التكوين المهني‪.‬‬
‫االختصاصات المشتركة‪ :‬اعتماد مبدا التدرج والتمايز‪ ،‬اعتماد التعاقد كفائدة لممارسته هذه االختصاصات‪ ،‬تحقيق الوصاية الالمركزية‪.‬‬
‫‪ -574‬يمثل مبدأ التدبير الحر المنصوص عليه في الفصل ‪ 239‬أحد اهم تجليات الحكامة الترابية التي اقرها دستور ‪ 2122‬فضال عن كونه‬
‫يشكل منعطفا هاما في مسار تعزيز الالمركزية اإلدارية باعتباره يمكن الجماعات الترابية‪ ،‬وال يسمح بتدخل ممثلي السلطة المركزية‬
‫الوالة والعمال في مهامها‪.‬‬
‫‪ -575‬تقرير اللجنة االستشارية للجهوية الموسعة‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬ص‪.22‬‬

‫‪346‬‬
‫‪2023‬‬

‫أوال‪ :‬المؤسسة الترابية المعنية –العامل‪ -‬الوالي‬

‫تمكن مؤسسة العامل أو والي الجهة في إطار الجهوية المتقدمة من مدى نجاعة‬
‫مؤسسات اإلدارة الترابية‪ ،‬وكذا تحديد الوظائف التي تقوم بها داخل النظام السياس ي‪،‬‬
‫و انطلقا من هذه الرؤية يمكن القول أن إقرار أي نموذج للجهوية رهين بمدى سلمة التنظيم‬
‫اإلداري داخل الدولة واعتماد ال تمركزحقيقي وفعال‪ 576‬لتحقيق التكامل المطلوب بين أدواركل‬
‫من الجهة والدولة على مستوى اللمركزي‪ ،‬إلى جانب تدقيق وتوسيع االختصاصات وتحرير‬
‫العمل الجهوي‪ ،‬واعتماد مقاربات جديدة في تدخلت الدولة‪.‬‬

‫فهيمنة الدولة من خلل المركزية المفرطة يتجلى في رقابة ملئمة من خلل ضرورة‬
‫مر اقبة ومطابقة السياسات الجهوية مجملها مع السياسات الوطنية ومن جهة أخرى هناك‬
‫الوصاية الممنوحة للعامل كممثل للدولة ومؤسسة تهيمن على باقي المؤسسات الجهوية من‬
‫خلل صلحياته الواسعة "العامل على تنفيذ السياسة الجهوية‪ ،‬وعدم وجود إدارة مستقلة‬
‫منتجة‪ ،‬وسيطرة المنطق المركزي على العمل الجهوي‪ .‬باإلضافة إلى غياب ممارسة جهوية‬
‫وغياب التواصل والتنسيق بين اإلدارة والمؤسسات على صعيد الجهة‪ ،‬باإلضافة إلى غياب‬
‫الرؤية في االختصاصات المنقولة من قبل الدولة ملجلس الجهة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬نجاح الجهوية في تحقيق التنمية‪.‬‬

‫أصبح موضوع الجهوية يحظى باهتمام ملحوظ كإطار ملئم لبلورة استراتيجية بديلة‬
‫للتنمية االقتصادية واالجتماعية املحلية وتنسيق مختلف تدخلت الفاعلين االقتصاديين‬
‫واالجتماعيين وتطوير هوامش الحرية السياسية على المستوى الجهوي واملحلي‪577.‬‬

‫فالرهان على مشروع الجهوية الموسعة من أجل تحقيق تنمية شاملة‪ ،‬يستوجب وضع‬
‫استراتيجية إصلحية لو اقع الجهة الداخلي والخارجي وتجنيد كل الطاقات والمؤهلت الذاتية‬
‫للجهة والعمل على تطوير مواردها‪ ،‬األمر الذي يستدعي وضع تخطيط استراتيجي تساهم فيه‬

‫‪ -576‬محمد لحموشي‪ ":‬المفهوم الجديد للسلطة بالمغرب من أجل حكامة جيدة في مجاالت الديموقراطية والتنمية‪ "،‬الطبعة األولى‪ ،‬الناظور‪،‬‬
‫ص ‪.291‬‬
‫‪ -577‬خالد فريد‪ ":‬الحكامة والسياسة مساهمة في نقد البعد المعياري للمفهوم" مجلة الدولية‪ ،‬عدد‪ ،9‬مراكش‪.2117‬‬

‫‪347‬‬
‫‪2023‬‬

‫الجهة بفعالية مع تطوير بدائل للتنمية قوامها تنوع الموارد و ابتكار أشكال جديدة للتنظيم‬
‫واإلنتاج‪.‬‬

‫إن تشخيص و اقع حال الجهوية في تحقيق التنمية بالمغرب يؤكد أنه حان الوقت‬
‫للتفكيرفي نموذج جهوي بديل قادرعلى تحقيق تنمية متوازية وذلك عبرتمكين هذا التنظيم من‬
‫أدوات وامكانيات تخوله النجاعة في تدخلته االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫ولنجاح الجهوية الموسعة في تحقيق اقلع تنموي شامل يجب التركيزعلى ضرورة إعادة‬
‫النظر في التقسيم الجهوي وتفادي التضارب في االختصاصات والعمل على الزيادة في الموارد‬
‫المالية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬إعادة النظر في التقسيم الجهوي الحالي‬

‫إن إعادة النظر في التنظيم الجهوي في أفق مشروع الهجوية المتقدمة ومنح الجهة‬
‫المزيد من السلط واالدوار على مستوى تنظيم وتسيير التراب املحلي يقتض ي بالضرورة إعادة‬
‫النظرفي العلقات التي تربط الدولة بها‪ ،‬فالتطورالذي عرفته الجهة والتجارب التي راكمتها جعل‬
‫منها هيأة مؤهلة لها ما يسمح بربط علقات مع الهيأة والبنيات المركزية إلنجاز مشاريع‬
‫مشتركة‪578.‬‬

‫فالتقسيم الجهوي الحالي تعتريه مجموعة من العيوب وبالتالي وجب إعادة النظر فيه‬
‫وطرح تقسيم جديد للجهوية قائم على تحقيق التكافؤ بين الجهات على مستوى المقومات‬
‫الديموغر افية واالقتصادية وعلى مستوى اإلمكانيات التجهيزية والمر افق االقتصادية بغية‬
‫تنمية متوازنة تعود بالفائدة على مجموع المكونات الترابية والبشرية للجهة‪ ،‬فالتقسيم‬
‫الجهوي الذي يحقق التكامل الوظيفي كفيل بجعل الجهة وحدة مندمجة تستند إلى التكامل‬
‫التدبير‪579،‬‬ ‫الحاصل بين مكوناتها في تعميق وترسيخ الديمقراطية واعتماد مفهوم الحكامة في‬
‫فالمغرب كغيره من الدول التي سبقته للجهوية كفرنسا واسبانيا والتي توجد في نفس الوضع قد‬
‫أقدم منذ استقلله على دمقرطة مؤسساته‪ ،‬فمسألة تفعيل دورالجهة أصبح ضرورة حيوية‪.‬‬

‫‪ 578‬عبد القادر الكيحل‪ ":‬الرهانات السياسية والتنموية للجهوية بالمغرب" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ص‬
‫‪.277‬‬
‫‪ -579‬زهير الرنان‪ ":‬مرجعيات البعد التنموي للجهوية المتقدمة بالمغرب " نشر بموقع ‪.www.maroc droit.com.‬‬

‫‪348‬‬
‫‪2023‬‬

‫رابعا‪ :‬الحكامة الترابية في ظل تنزيل الجهوية‪.‬‬


‫إن بناء الجهوية يتطلب االقتناع بضرورتها أوال والوعي بدورها ثانيا‪580.‬‬

‫إن الجهوية تتوخى أهم أبعادها وأهدافها ترسيخ الحكامة املحلية‪ ،‬وتعزيزسياسة القرب‬
‫من المواطن‪ ،‬وتفعيل التنمية الجهوية والحكامة وهي مختلف اآلليات التي من خللها يمكن‬
‫للمنتخبين ترشيد عقلنة تدبيرالشأن املحلي وكذا مأسسة الفعل والقراراإلداري وتدبيرالموارد‬
‫البشرية وكذا تمكين المنتخبين املحليين من استثمار مختلف اإلمكانات التواصلية من أجل‬
‫توفير الخدمات لمرتفقي الجماعات‪ ،‬فتطوير الجهوية يتطلب وجود قيادات جهوية‪ ،‬وتعزيز‬
‫سياسة القرب‪581.‬‬

‫فالجهوية بالمغرب باإلضافة إلى أنها ورش انخرط فيه المغرب يجب أن يجتهد النظام‬
‫السياس ي أكثرإلى جانب فاعلين آخرين في تعكيسها على مستوى املجاالت‪ ،‬وتطويرإطارها والرفع‬
‫من أدائها وكذا شكل وطريقة اشتغالها‪.‬‬

‫إن تطبيق مشروع الجهوية المتقدمة بالمغرب جاء امتثاال لإلرادة الملكية السامية‬
‫وااللتزام الحر السيادي للدولة والرامي لتمكين المغرب من جهوية متقدمة تكون مدخل‬
‫لديموقراطية محلية حقيقية و اثقة في الكفاءات من خلل تشريفها على تدبيرالشأن العمومي‪،‬‬
‫كما جاءت إلصلح هياكل الدولة من خلل السيرإلى اللمركزية‪.‬‬

‫فإعماال لمبدأ الديموقراطية التشاركية‪ ،‬انطلقت مشاورات حول التصورات التشريعية‬


‫لهذا الورش اإلصلحي‪ ،‬وطرحت من خلله الحكومة قانون تنظيمي خاص بالجهات‪ ،‬حيث تابع‬
‫العديد من المهتمين والمتخصصين ما تضمنه القانون التنظيمي الخاص بالجهات‪ ،‬موضحة‬
‫النقاط التي جاء بها غيرأنهم انتقدوا بعض مقتضياته‪ ،‬حيث ذهب البعض العتبارها اخفاقات‬
‫وتراجعات عن الوثيقة الدستورية مثل الرقابة على القرارات المتعلقة بمالية الجهة والبعض‬
‫اآلخرذهب بالقول إلى أن التنظيم الجهوي غيرمنصف من حيث معاييره المعتمدة‪.‬‬

‫‪ -580‬الخالق ي مراد" التنوع والتكامل السياسة الجهوية بالمغرب "دراسة نظرية وتطبيقية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في‬
‫القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس الرباط‪ 2122/2122،‬ص ‪.77‬‬
‫‪ -581‬مصطفى قريشي‪ :‬الجهوية المتقدمة ورش مفتوح للحكامة الترابية‪ ،‬مجلة مسالك للفكر والسياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪.2129 27/31‬‬

‫‪349‬‬
‫‪2023‬‬

‫ختاما فالجهوية تعد من أبرزالسمات التي تميزاألنظمة المعاصرة وهي شكل جد متطور‬
‫لنظام اللمركزية ووسيلة ديموقراطية إلشراك المواطنين في تدبير شؤونهم من خلل وضع‬
‫جهوية محلية تحظى بصلحيات واسعة وامكانيات هامة‪.‬‬

‫إن اللمركزية الجهوية أصبحت البديل واألداة األساسية لخوض معركة التنمية‪ ،‬حيث‬
‫تشكل شرط أساس ي وجوهري لتنظيم وإعداد مجال ترابي قادر على تحقيق التوازن بين‬
‫اللمركزية الجهوية واللمركزية اإلدارية وتمنح للسكان حق إدارة شؤونهم بالشكل الذي يجعل‬
‫عملية اتخاذ القراريستجيب لتنمية األنشطة االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫عادل تميم‪ ،‬المبادئ الدستورية والقانونية المؤطرة للجهوية المتقدمة‪ ،‬املجلة المغربية‬
‫لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬مجلة ‪.Remald‬‬

‫محمد لحموش ي‪ ":‬المفهوم الجديد للسلطة بالمغرب من أجل حكامة جيدة في مجاالت‬
‫الديموقراطية والتنمية‪ "،‬الطبعة األولى‪ ،‬الناظور‪.‬‬

‫خالد فريد‪ ":‬الحكامة والسياسة مساهمة في نقد البعد المعياري للمفهوم" مجلة‬
‫الدولية‪ ،‬عدد‪ ،5‬مراكش‪.2006‬‬

‫عبد القادر الكيحل‪ ":‬الرهانات السياسية والتنموية للجهوية بالمغرب" رسالة لنيل‬
‫دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام‪.‬‬

‫زهير الرنان‪ ":‬مرجعيات البعد التنموي للجهوية المتقدمة بالمغرب " نشر بموقع‬
‫‪.www.maroc droit.com.‬‬

‫الخالقي مراد" التنوع والتكامل السياسة الجهوية بالمغرب "دراسة نظرية وتطبيقية‪،‬‬
‫رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‬
‫الرباط‪2011/2012،‬‬

‫مصطفى قريش ي‪ :‬الجهوية المتقدمة ورش مفتوح للحكامة الترابية‪ ،‬مجلة مسالك للفكر‬
‫والسياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪.2015 26/30‬‬

‫‪351‬‬
‫‪2023‬‬

‫الماء بالمغرب األقصى‪ :‬دراسة تاريخية‬


‫‪Water in the far Maghreb: a historical study‬‬
‫تقديم‪:‬‬
‫الماء إكسيرالحياة ومصدربقاء الكائنات‪ ،‬بل وشرط وجودها؛ إذ انعدامه يقتض ي‬ ‫ُي َع ُّد ُ‬
‫َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ َ‬
‫ين كف ُروا أ َّن‬ ‫انعدامها؛ وندرته يقتض ي المشقة والعنت‪ ،‬مصداقا لقوله تعالى ﴿ ولم ير الذ‬
‫َ ََ ْ ُ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َْ‬ ‫ض َك َان َتا َ ْت ًقا َف َف َت ْق َن ُ‬ ‫َّ َ َ َ ْ َ‬
‫اه َما ۖ َو َج َعلنا م َن ال َماء ك َّل ش ْي ٍء َح ّ ٍي ۖ أفل ُيؤمنون﴾ [سورة‬ ‫ر‬ ‫األ ْر َ‬ ‫السماوات و‬
‫ُ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫وتشييد القرى والحواضر‪ ،‬وتحقيق متطلبات العيش الكريم‬ ‫األنبياء آية ‪ ، ]30‬ف َجل ُب المنافع‪،‬‬
‫تجد حاضرة أوقرية‬ ‫َل ُمرتبطة بوجود هذه الثروة مثل حاجة اإلنسان إلى الهواء‪ ،‬ألجل ذلك ال ُ‬
‫تكاد ُ‬

‫إال وارتبطت باألنهاروالوديان والعيون ضمانا الستمرارية الحياة بها على جميع‪.‬‬
‫َ ْ‬
‫هذه األهمية ك َست ُه طابع معيارية التشييد الحضاري‪ ،‬والبناء العمراني‪ ،‬خصوصا في‬
‫املجال االقتصادي الذي يعتمد على الفلحة والزراعة فقط‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لمنطقة‬
‫الغرب اإلسلمي عامة والمغرب األقص ى خاصة الذي كان اقتصاده ُمعتمدا على الفلحة التي‬
‫كانت مصدر استمرارية الحياة بها‪ ،‬غير أنه َج َّر َاء التقلبات المناخية الطبيعية‪ ،‬وتوالي سنوات‬
‫ُ ً‬ ‫َّ‬
‫الجفاف أثربشكل َجل ّ ٍي على اإلنتاج وبالتالي تضرراالقتصاد لزوما ‪ ،‬مما ُيسهم في التأثيرالمباشر‬
‫على استقرار األوضاع السياسية واالجتماعية بالكثير من المدن المغربية‪ ،‬األمر الذي جعله‬

‫‪351‬‬
‫‪2023‬‬

‫َ‬
‫قض َّية صراع بين أفراد املجتمع حول مصادره‪ ،‬وكيفية تدبيره‪ ،‬واالستفادة منه سواء بالمدن أو‬
‫البوادي منذ القدم الى اآلن‪ .‬ولبيان ذلك استقرأنا وتتبعنا المراجع والمصادر التي َعنيت بنقل‬
‫ذلك وتأريخه وخاصة ُ‬
‫كتب النوازل والرحلت وكتب الجغر افية‪.‬‬

‫الماء وأهمية في العصرالوسيط‬ ‫‪-1‬‬

‫أهمية الماء ودوره في الحياة‬ ‫أ‪-‬‬

‫الماء هو ذلك العنصرالطبيعي البالغ األهمية في حياة البشر والحيوانات والنبات‬


‫مصدر استمرارَّية الحياة لدى جميع الكائنات‬ ‫ُ‬ ‫والحشرات‪ ...‬وهو المكون األساس للبيئة‪ ،‬فهو‬
‫َ ُ َ‬ ‫الس َماء َم ًاء َف َأ ْس َق ْي َن ُاك ُم ُ‬
‫اح َل َو اق َح َف َأ َنزْل َنا م َن َّ‬ ‫الحية‪ ،‬لقوله تعالى َو َأ ْر َس ْل َنا ّ‬
‫وه َو َما أنت ْم ل ُه‬ ‫الرَي َ‬
‫َ َ‬
‫بخازنين ﴾ [سورة الحجرآية ‪.]22‬‬

‫فهو أحد الموارد الطبيعية المتجددة والعناصر األساسية على األرض ‪ ،‬نظرا للدور‬
‫الذي يلعبه في استمرارالعيش لكل الكائنات الحية‪ ،‬يؤكده ذلك عبد العزيزالغامدي في كتابه "‬
‫المياه ومتطلبات األمن المستقبلي في الدول العربية من خلل نظريته‪ " :‬الماء يساوي‬
‫الحياة"‪، 582‬كما يعتبرعامل أساسيا في نشوء الحضارات في حال توفره‪ ،‬بمعنى أن حضارتنا هي‬
‫حضارة ماء‪ ،‬وال يوجد حضارة بل ماء؛ ألنه شرط أساس ي ألي تجمع بشري عمراني والحاجة‬
‫تزداد إليه مع ازدياد الكثافة السكانية‪ ،‬واستبحار العمران وتطوره ونمو الحضارة والبنيان‪،583‬‬
‫فالحضارة البشرية انحصرت في األماكن التي توجد فيها الجعافر واملحميات‪ ،‬والعيون واآلبار‬
‫وخصوصا انه عاملهم االقتصادي ومصدر عيشهم هو الزراعة التي تعتمد باألساس على الماء‪.‬‬
‫في حين تؤدي ندرته إلى انتهاء وزوال هذه الحضارات أي انه عندما ال يتوفرماء الشرب أو السقي‬
‫فإنها سرعان ما تنتهي كما يضعف الرابطة ما بين اإلنسان واألرض وبين اإلنسان واإلنسان‪ ،‬فهو‬
‫بذلك االستقرار والتماسك‪ ،‬لهذا نجد ان كل املجتمعات اإلنسانية األولى نشأت على ضفاف‬
‫األنهار والبحيرات التي لم تكن حضارتها سوى حضارة الزراعة اي حضارة األرض والزراعة‪ ...‬وفي‬

‫‪ -582‬عبد العزيز بن صقر الغامدي ‪ "،‬المياه ومتطلبات االمن المستقبلي في الدول العربية للعلوم االمنية بالرباط"‪،‬‬
‫ط‪ -‬ب‪ -‬مفرج‪ /‬دار نابلس‪ ،‬بيروت‪ ،1007،‬ج‪ ،3‬ص‪.40‬‬
‫‪ --583‬ذ‪ .‬محمد بن عبد العزيز بن عبد الله‪ ،‬لنفم خه لنهلى لال فه مل ل لنعىاه"‪ ،‬ج ‪ ،2‬المملكة المغربية‬
‫وزارة االوقاف والشؤون اإلسالمية ‪ 2229‬هـ‪ 2779 /‬م‪.‬ص‪.1‬‬

‫‪352‬‬
‫‪2023‬‬

‫هذا الصدد يذكر الباحث فتحي علي حسين قوله‪" :‬كان الماء هو األساس في نشأة الحضارات‬
‫اإلنسانية وتطورها فان حضارات السومريين والبابليين واألشوريين والفنيقيين والفراعنة نشأت‬
‫في أحواض األنهاركذلك فان المدن التاريخية الكبرى ازدهرت على ضفاف األنهار‪...‬وهكذا في كل‬
‫مدينة او منطقة حضارية كان الماء هو المصدراالساس لتجمعها واستقرارها"‪ ،‬كما يعتبرالماء‬
‫مصدراسترزاق الناس وقوتهم وعيشهم في قوله عزوجل‪ ":‬الذي جعل لكم األرض فراشا والسماء‬
‫بناءا و انزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم فل تجعلوا لله أندادا و أنتم‬
‫تعلمون"‪ ،584‬ويعتبر جوهر الماء وطبيعته أنه جسم سيال منبسط عرضا‪ ،‬جار بلطافته‪ ،‬كروي‬
‫الجملة أي كرة محيطة بكرة األرض‪ ،‬إما على سطوحها في اوساطها وإما حواليها‪ ،‬ألن األرض لما‬
‫كانت في جملة شكلها كهيئة الكرة وكان الماء محيطا بها‪ ،‬صارالماء أيضا كهيئة الكرة (ضرورة‪،‬‬
‫لتشكله) بشكل ما هو محيط به‪ ،‬فأما مزاجه فإنه بارد رطب عرضا‪ ،‬وأما في الجوهر فسيال‬
‫برطوبته وبرد ببرودته‪ .‬فهو يحفظ على الحيوان رطوباته األصلية إذا شربه ويحييه‪ ،‬ويحفظ‬
‫النبات من التهافت واليبس والجفاف‪(.‬وله منافع اكثر من ذلك)‪585....‬‬

‫أنواع الماء ومصادره‬


‫ْ ُ‬
‫‪ -‬إن الناظرلهذه الثروة يجدها أنواعا منوعة منها المل ُح األجاج‪ ،‬ومنها العذ ُب الفرات ولك ٍ ّل‬
‫وسيلة االستفادة منه بحسب نوع االستعمال‪ ،‬وتوفر اإلمكانات اللزمة الستغلله‬
‫أحسن استغلل وسأعمل عرض أنواعه بتفصيل‪:‬‬
‫َّ‬
‫الشروب ُ‬
‫الحلو‪ :‬هو الذي يوصف بالعذوبة الذي ال يغلبه طعم يضاف إليه‪ ،‬الماء‬ ‫‪ -‬الماء‬
‫ُ‬
‫المرهو شرالمياه‪ ،‬ثم الماء المالح الزعاق‪ ،‬ثم القابض العفص‪ ،‬ثم ما غلب عليه طعم‬
‫بعض المعادن‪ .‬قال الحكيم ابن الخيراإلشبيلي الماء ستة أنواع‪ :‬منها الماء العذب وهو‬
‫أخفها وزنا وهو أوقفها لتغذية الناس والنبات‪ ،‬وماء المطر وهو الماء المبارك الذي‬
‫يصلح لسقي ما لطف من النبات مثل الزرع والقطاني وجميع الخضرالتي تقوم على ساق‬
‫واحدة مما أصله قريب من وجه األرض‪ ،‬وهو يصلح لسقي أبقال األشجار‪ ،‬وهو أحمد‬

‫‪ -584‬سورة البقرة االية ‪.22‬‬


‫‪ -585‬ابن وحشية‪ ،‬الفالحة النبطية‪ ،‬تحقيق توفيق فهد‪ ،‬المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬ص ‪.99.99‬‬

‫‪353‬‬
‫‪2023‬‬

‫المياه و أفضلها يجود به جميع النبات لعذوبته ورطوبته ويجود به الكرنب والقطن‬
‫والباذنجان وشبهها (‪ ،)...‬ثممياه األنهار طبايعها مختلفة باليبوسة والرطوبة والحروشة‬
‫وهي تذهب برطوبة األرض فتحتاج لذلك الخضر الضعاف التي تسقى بها ‪ ...‬والماء‬
‫ُ‬
‫الزعاق والمر ‪ ...‬يصلحان لبعض َبقول الجنات مثل الفرج والبقلة والرجلة‪ ...‬وأما ماء‬
‫العيون العذبة الماء‪...‬والمياه التي تصلح لسقي كلما يزرع في الجنات‪ ...‬ومياه العيون‬
‫وماء اآلباريو افقان من الخضرماله أصل كبيرغائرتحت األرض كالجزرواللفت الطويل‬
‫ال يتم صلحها إال به‪ ...‬والماء المالح‪ ...‬هو الذي ينعقد منه الملح وماء الطويليس‬
‫يصلحان لسقي من النبات بل هما مفسدان بجميع الشجر والخضر‪ ،‬وأما المياه‬
‫الحديدية والكبريتية والنحاسية وشبهها فغير موفقة للنبات‪586"...‬‬

‫الماء وتأثيره على مسارالتاريخ‬ ‫‪-2‬‬

‫تاريخ الماء تاريخ صراع وأزمات‬ ‫أ‪-‬‬

‫مما ال شك فيه أن مختلف المصادر التي تعنى بثقافة الماء قد أكدت دوره في التأثير‬
‫على مسار أحداث التاريخ‪ ،‬وهذا التأثير منه ما هو ايجابي وما هو سلبي‪ ،‬فاإليجابي ارتبط بقيام‬
‫عدة حضارات منذ المرحلة القديمة‪ ،‬بدليل أن معظم الحضارات قامت على ضفاف األنهار‬
‫والسواحل كالحضارة الفرعونية‪ ،‬وحضارة ما بين النهرين‪ ،587‬في المقابل عرفت معظم‬
‫املجتمعات اإلنسانية عبر التاريخ أزمات وصراعات حول مسألة االستفادة منه‪ ،‬خصوصا في‬
‫ندرته أو انعدامه ال سيما في فترات التغيرات المناخية كالجفاف الذي يسهل اندالع األزمات من‬
‫مجاعات وأوبئة وأمراض‪ ،‬وكثرة التساقطات التي تولد فيضانات وسيول من الممكن ان تسبب‬
‫في كوارث طبيعية وبشرية‪ .‬والتاريخ يوثق لنا الكثير من هذه الكوارث مثل ما جاء في كتاب ابن‬
‫ابي زرع‪" :‬وفي يوم الثلثاء الثالث عشرمن شهر رمضان من السنة المذكورة ‪723‬هـ‪ " :‬بعد صلة‬
‫العصر منه نشأ بخارج مدينة فاس من جهة جوفها سحاب وظلمة شديدة ورياح هائلة واعصار‬
‫أعقب ذلك برد عظيم كبير الجرم ‪......‬ونزل منه أمثال الجبال وفي خلله مطر و ابل فجاء منه‬

‫‪ -586‬ابن العوام االشبيلي‪ ،‬الفالحة ‪ ،‬باعتناء بانكوري‪ ،‬مدريد‪ ،2112 ،‬ص ‪.239/232‬‬
‫‪ -587‬مقال نشر بالعدد األول من مجلة جيل العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬للباحثة أميمة سميح الزين‪ /‬باحثة في‬
‫حقوق اإلنسان والبيئة – جامعة آريس األمريكية‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫‪2023‬‬

‫السيول الطاغية‪.....‬وجاء وادي سد رواغ بسيل عظيم هلك فيه بشركثيرمن الناس ما يزيد على‬
‫مائة وخمسين نفسا‪ ،588"....‬وإذا حاولنا إمعان النظر في أفق تطور املجتمع من الداخل‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫والتحوالت التي طرأت على ُبنى ساكنة المدن والقرى َسنلحظ أن بلد المغرب األقص ى قد‬
‫عرفت تنقلت بشرية واسعة منذ أقدم العصور‪ ،‬وكانت مسرحا لصراعات مريرة حول التحكم‬
‫في املجال‪ ،589...‬علما أن العرب عرفوا عبقرية بكل ما يخص تدبير المياه منذ العهد القديم‪،‬‬
‫وذلك بما يتميز به موقعه الجغرافي الطبيعي ومناخه المعتدل‪ ،‬وما يتوفر عليه من شبكة‬
‫هيدروغر افية‪ ،‬حيث شكلت المياه على مرالسنين عامل مهما في تعاقب الحضارات‪ ،‬لما لها من‬
‫أهمية بالغة في حياة كل الكائنات الحية على وجه األرض‪ ،‬إذ ظلت المكون األساس ي في نشأة‬
‫الحياة وتطورها واستمرارها‪ ،‬أما بالنسبة لعلقة مراكز االستقرار البشري في الحقبة القديمة‬
‫بالشبكة الهيدروغر افية‪ ،‬فقد كشفت الدراسات عن اختيارالسكان في العصرالقديم لمو اقع‬
‫قريبة من املجاري المائية ومحمية في اآلن نفسه تفاديا لخطرالسيول‪ ،‬بغية استغلل مياهها في‬
‫الشرب وفي باقي االستخدامات الحضرية‪ ،‬فهي وديان موسمية الجريان لكن مجاريها العريضة‪،‬‬
‫وأوديتها التي تجتازها‪ ،‬وكذا القطاعات التي يغمرها الماء‪ ،‬تعتبر مناسبة لممارسة األنشطة‬
‫الفلحية‪ ،‬ذاك أن دينامية الجريان والترتيب في بعض المناطق إضافة إلى التعرية وتغير مسار‬
‫املجاري المائية‪ ،‬مس بعض المو اقع القديمة‪ .‬لكن تأثير التعرية في البنيات الموجودة على‬
‫هامش بعض المو اقع القديمة لم يكن السبب في هجرها‪ ،‬فنجد أن الماء كان هو السبب في‬
‫نشوء واستمرار اغلب الحضارات‪ ،‬فأول مكان ولدت فيه الحياة هو أكثر األماكن خصوبة على‬
‫وجه األرض‪ ،‬فبدؤوا بالزراعة كأي حضارة‪... ،‬وبفضل قطرات الماء المتساقطة من السماء إلى‬
‫األرض على شكل مطر‪ ،‬سهلت إنماء وإرواء األرض الذي كان له مغزى كبير وعميق في التفكير‬
‫اإلنساني‪ .‬فهذه القطرات تمثل في األساطيرالدينية القديمة المني الذي يطلقه الذكر‪ ،‬والمتمثل‬

‫‪ -588‬علي ابن ابي زع الفاسي ‪ ،‬األنيس المطرب بروض األنيس المطرب‪ ،‬في اخبار ملوك المغرب وتاريخ‬
‫مدينة فاس" ‪ ،‬دار المنصور للطباعة والوراقة‪ -‬الرباط ‪ ،2792‬ص ‪.223‬‬
‫‪ -589‬محمد القبلي‪ ،‬نمىيخ لنفصىل نديي منىليل منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب‪ ،‬ص‬
‫‪.229‬‬

‫‪355‬‬
‫‪2023‬‬

‫في السماء الواهبة‪ ،‬لتخصيب األنثى ‪/‬األرض المستلمة‪ .‬هذه العملية الحياتية هي في عمق‬
‫ً‬
‫فلسفة األديان والحضارات‪ ،‬ولها دور كبيرجدا في فكر اإلنسان وتأملته‪590.‬‬

‫ومما يؤكد هذا القول الباحث فتحي علي حسين بقوله‪" :‬كان الماء هو األساس في نشأة‬
‫الحضارات اإلنسانية وتطورها‪ ،‬فان حضارات السومريين والبابليين واألشوريين والفنيقيين‬
‫والفراعنة نشأت في أحواض األنهار ‪ ،...‬وهكذا ففي كل مدينة أو منطقة حضارية كان الماء هو‬
‫المصدر األساس ي لتجمعها وحضارتها وتطورها‪ ،591‬وللماء دور حيوي في تقدم حياة اإلنسان‬
‫وبقائه وتطور وجوده وتطور حضارته‪ .‬فقد نهضت الحضارات األولى في وديان األنهار الكبيرة‪ ،‬في‬
‫وادي النيل في مصر وشمالي السودان‪ ،592‬ووادي دجلة والفرات في بلد ما بين النهرين‪،593‬‬
‫ووادي السند في الهند وباكستان‪ ،‬ووادي هوانج في الصين وغيرها‪ .‬و أنشأت كل هذه الحضارات‬
‫أنظمة ري كثيرة طورت األرض وجعلتها منتجة‪ .‬وقد انهارت الحضارات حينما نضبت موارد المياه‬
‫أو عندما أساء الناس استخدام هذه الموارد‪ ،‬فقد شق الرومان القدماء قنوات لجر الماء‪،‬‬
‫و أنشأوا القنوات والخزانات المائية في أرجاء إمبراطورتيهم‪ ،‬فأحالوا المناطق على طول ساحل‬
‫الشمال اإلفريقي إلى حضارة مزدهرة تطورت خللها الحياة وازدهرت‪ .‬وبعد ذهابهم طويت‬

‫‪ -590‬مقال نشر بالعدد األول من مجلة جيل العلوم اإلنسانية واإلجتماعية‪ ،‬لباحثة أميمة سميح الزين‪ /‬باحثة في حقوق‬
‫اإلنسان والبيئة – جامعة آريس األمريكية‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -591‬فتحي علي حسين‪" ،‬لنفيمه ملمىلق لن عاي لن يم يي خه لنتىق لالم ع"‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة‪ ،2779 ،‬ص‬
‫‪.9‬‬
‫‪ -592‬ظهرت الحضارة المصرية القديمة على ضفاف النيل‪ ،‬ودامت حوالي ‪ 3000‬سنة تقع مصر القديمة في حوض‬
‫البحر األبيض المتوسط الشرقي‪ ،‬وقد وفرت كميات الطمي الناتجة عن الفيضانات المنتظمة لنهر النيل أراضي‬
‫خصبة صالحة للزراعة مما جعلها قبلة لمجموعة من األجناس البشرية التي توحدت على يد الفرعون مينا‪/‬موسوعة‬
‫حضارة العالم‪ .‬مرجع من مقال‪ .‬نشر بالعدد األول من مجلة جيل العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬لباحثة أميمة سميح‬
‫الزين‪ /‬باحثة في حقوق اإلنسان والبيئة – جامعة آريس األمريكية‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪ -593‬سميت كذلك حضارة بالد الرافدين حيث نشأت شمال شرق حوض البحر المتوسط على نهري دجلة والفرات‪،‬‬
‫فسميت باسم بالد الرافدين أي نهري دجلة والفرات موسوعة حضارة العالم‪/‬مرجع نشر بالعدد األول من مجلة جيل‬
‫العلوم اإلنسانية واالجتماعية ‪ ،‬للباحثة أميمة سميح الزين‪ /‬باحثة في حقوق اإلنسان والبيئة – جامعة آريس‬
‫األمريكية‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫‪2023‬‬

‫مشاريعهم المائية‪ .‬وفي الوقت الراهن صارت بعض هذه المناطق أماكن صحراوية تصعب فيها‬
‫الحياة‪.594‬‬

‫كما أن الفكر اإلغريقي بدوره قدس الماء بشكل كبير إذ اعتبره هو عين الحياة وإله‬
‫الكون‪ ،‬فلكل مجرى مائي في اليونان له أسطورة معينة وكلها تحظى بآيات تبجيل دينية‬
‫‪595...‬وكان اإلله كرع عند المصريين أول من خرج من المياه األولى و أنجب فيما بعد اآللهة‬
‫‪.596....‬‬

‫أما السومريون فان البداية المائية عندهم موجودة في فكرة االينوما إليش‪ ،‬ملحمة‬
‫التكوين البابلية التي عندما كانت في األعالي لم يكن هناك سماء وفي األسفل لم يكن هناك أرض‪،‬‬
‫ولم يكن في الوجود سوى المياه"‪ ،597‬فقد اعتقد السومريون أن البحر هو األم التي ولدت‬
‫السماء واألرض وهذا يدل على أن المياه المصدر األول للوجود وهو مصدر الحياة ومنبع الخير‬
‫والبركة؛ لذلك الحضارة السومرية نعتت الماء بشتى أوصاف التعظيم والتقديس وعبرت عنه‬
‫ً‬
‫برموزوصورمختلفة على األختام واأللواح الحجرية وواجهات المعابد وقد اتخذت شعارا لوادي‬
‫ً‬
‫الر افدين‪ ،598‬كما أن الساميين اتخذوا اإلناء الفوار شعارا لهم ‪ 2000‬سنة قبل‬
‫الميلد ينبع منه مجريان رئيسان لدجلة والفرات‪ ،‬أما عند األشوريين فقد تم تحوير شعار اإلناء‬
‫الفوار بحيث يلئم الظروف الطبيعية املحيطة بالوطن األشوري في المناطق الشمالية من‬
‫العراق والمتكونة من مناطق جبلية مرتفعة تعتمد على األمطار في زراعتها‪ ،‬لقد حل القرص‬
‫املجنح الذي يرجع تأريخه إلى أو ائل األلف األول قبل الميلد محل اإلناء الفوار حيث ينبع‬
‫املجريان من إناءين‪ ،‬يقعان في السماء على جانبي القرص املجنح وهو رمز انصباب مياه األمطار‬

‫‪ -594‬برومل)ن‪.‬س)‪"،‬صيانة التراث الحضاري"‪ ،‬ترجمة صادق عبدالحميد الراوي و طالب عبد المير مهدي‪،‬‬
‫المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ ،‬تونس‪ ،1001‬ص‪.74‬‬

‫لا ل يم ملنجل ل ملنهىق ملنا ع خه لنعمن ‪ ،‬ط‪.‬ب‪.‬‬ ‫ل يم‬ ‫فم م ي‬ ‫‪ -595‬مجموعة من الباحثين ‪،‬‬
‫مفرج‪ ،‬دار نابلس بيروت ‪ ،2112،‬ج‪ ،3 ،‬ص‪11‬‬
‫دار الحكمة للنشر‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ ،2712 ،3‬ص ‪ .22‬وكومالن ب‪،‬‬ ‫‪ -596‬فراس السواح‪ ،‬فصمفىا لنعدا ل من‬
‫ل معيى ل غىيديي ملنىمفمميي ‪ ،‬ص ‪223‬‬

‫دار الحكمة للنشر‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ ،2712 ،3‬ص‪31‬‬ ‫‪ - -597‬فراس السواح‪ ،‬فصمفىا لنعدا ل من‬
‫‪ -598‬مقال‪ .‬نشر بالعدد األول من مجلة جيل العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬للباحثة أميمة سميح الزين‪ ،‬باحثة في‬
‫حقوق اإلنسان والبيئة – جامعة آريس األمريكية‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫‪2023‬‬

‫على األرض وإروائها فالري والحضارة وحماية تقدم الحياة سلسلة مترابطة فحيثما وجد الماء‬
‫ازدهرت الحضارة وتقدمت أساليب الحياة‪ .599‬في حين ذهب الرومان إلى االعتقاد بان املحيط‬
‫االقيانوس ي في البداية كان نهرا شاسعا يحيط بالعالم األرض ي وهو في األساطير أول آلهة‬
‫المياه"‪.600‬‬

‫الماء وكيفية تدبيره واالستفادة منه بالمغرب القديم‬ ‫ب‪-‬‬

‫يحتل المغرب موقعا جغر افيا وسطا بين إفريقيا جنوب الصحراء والضفة الشمالية‬
‫للبحراالبيض المتوسط‪ ،‬فإنه ظل مرتبطا خلل الزمن الجيولوجي الرابع بالتطورالذي عرفته‬
‫الصحاري‪ ،‬أما التطورات الجغر افية لمضيق جبل طارق‪ ،‬فقد مكنت أحيانا من إقامة تبادل‬
‫مع الضفة الشمالية للبحر األبيض المتوسط مثلما سمحت أحيانا أخرى بانطلق هجرات‬
‫بشرية بين الضفتين‪.601‬وهوبلد فلحي من أقدم العصوروقد كان الماء في علقته باألرض أسباب‬
‫نموه وازدهاره ودعامة قوت وكسب أفراده‪ ،‬إذ أنه بلد يتوفرعلى مناطق ذات مياه كثيرة أهمها‪:‬‬
‫سهول ماسة وواد سبو و دكالة وواد أم الربيع ‪....‬وقد اعتمد املجتمع المغربي القديم عليه في‬
‫معاشه‪ ،‬فعلى ضفاف األنهارأقام السكان زراعة القمح والشعيروالزيتون واألشجارالمثمرة‪ ،‬وال‬
‫ننس ى ان المغرب كان وال يزال يحظى بتنوع طبيعي وبشري مميز جغر افيا نظرا اللتقاء مؤثرات‬
‫متنوعة وتداخل عدة أبعاد قارية وبحرية‪ ،‬يرجع بعضها إلى الماض ي‪ ،‬وقد أطلق العديد من‬
‫الدارسين في هذا املجال على المغرب مصطلح "جزيرة المغرب"‪ 602‬بحكم تشبيه المغرب بجزيرة‬
‫محفوفة بالصحاري والبحار‪ ،‬النتمائه من حيث األصول إلى الدرع الصلب للمجال القاري‬
‫اإلفريقي إذ يرجع تشكل ملمحه إلى أكثرمن ‪ 500‬مليون سنة‪ ،‬إذ تمثل منطقة الركيبات بالجنوب‬
‫الغربي للبلد اللمسات األولى لتضاريسه التي أخذت تتبلورحدودها عند مرتفعات زمورالمشرفة‬
‫على سهول طرفاية والعيون وبوجدور والداخلة مما سيؤدي إلى ابراز عنصرين متمايزين هما‪:‬‬

‫‪ -599‬دور المياه في نشوء الحضارات‪ ،‬النبأ العدد ‪ 83‬شوال ‪ 2712‬كانون الثاني ‪.1002‬‬
‫لا لال يم ملنجل ل ملنهىق ملنا ع خه لنعمن ‪ ،‬ط‪.‬ب‪.‬‬ ‫لال يم‬ ‫فم م ي‬ ‫‪ --600‬مجموعة من الباحثين‬
‫مفرج‪ ،‬دار نابلس بيروت ‪ ،1007،‬ج‪،3 ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ -601‬فم و نمىيخ لنفصىل"‪ ،‬منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب‪ ،‬الرباط‪ ،2129 ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ -602‬سميت بهذا االسم نظرا لوجود المغرب في القسم الشمالي الغربي من افريقيا‪ .‬محمد القبلي‪" ،‬فم و نمىيخ‬
‫لنفصىل"‪ ،‬منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب‪ ،‬الرباط‪ ،2129 ،‬المقدمة‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫‪2023‬‬

‫حوض تندوف إلى الجنوب‪ ،‬وسلسلة األطلس الصغير شمالي وادي درعة‪ .603‬وقد بدأت النشأة‬
‫الجيولوجية للمغرب عند التخوم الصحراوية‪ ،‬لتستمرعبرظهور "الميسيتا"‪ 604‬المغربية‪،‬‬

‫هذا وقد شكلت الثروة المائية بالمغرب القديم عامل مهما وخصبا في حياة السكان‪،‬‬
‫إذ أثرت بشكل كبيرفي حياتهم االقتصادية من جهة‪ ،‬ومحفزا لتنويع أنشطتهم الفلحية والحرفية‬
‫وتكثيف الحياة القروية من جهة أخرى‪ ،‬كما أدت هذه الثروة المهمة مواجهة أطماع القوى‬
‫األجنبية من أهمهم الرومان الذين كانوا ينظرون إليها كأنها جنة الخلد‪ .‬فسيطروا على العديد‬
‫من الوديان أهمها واد الحلو‪ ،‬وواد سبو بحيث رجح أحد الدارسين ان هذا الواد هو خريتس‬
‫‪ chrétis‬عند حنون أو كرابيس ‪ krabis‬عند سكولكس او كريمتيس عند أرسطو او كراتيس‬
‫عند بلينيوس الشيخ وواد سل اوسلت ‪ salat‬اوسلتة ‪ salata‬أوسلتوس ‪( salathos‬أبورقراق)‬
‫‪ ،605‬كما نجد وديان اخرى لم تخضع لنفوذ النطاق الروماني كواد دووس وقد ذكره‬
‫بطولماليوس بعد مدينة سل ظن تيسو أنه هو الواد المالح الذي يصب جنوب فضالة‪ ،‬وواد‬
‫اناتس الذي يبعد عن لكوس بنحو ‪ 205‬أميال حسب أكريب‪ ،‬واد أسانة كانت مياهه مالحة‬
‫بسبب أمواج البحرالتي كانت تغمرمصبه‪ ،606‬وواد ديورهو وراء أناسة جنوب واد أم الربيع‪ ،‬واد‬
‫كوسنوم ‪ quosenum‬وواد دارات ‪( darat‬واد درعة) قال عنه أحد الباحثين القدماء إنه يدعى‬
‫أيضا باسم نهول ‪ ،Nahul‬ثم واد كير(واد غير) قيل عنه يخترق مناطق قاحلة وراء السفوح‬
‫الشرقية لألطلس حسب مشاهدة القائد الروماني سوويتونيوسبالينوس ويظن احد الدارسين‬

‫‪ -603‬محمد القبلي‪" ،‬فم و نمىيخ لنفصىل"‪ ،‬منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب‪ ،‬الرباط ‪،2129،‬‬
‫ص ‪.2‬‬
‫‪ -604‬لنفي ينم هي عبارة عن مساحة منضدة تغمرها بحار قليلة العمق تعود الى الزمن الجيلوجي الثاني‪ ،‬وتتكون‬
‫من مجموعتين تتمتد أوالهما نحو الجنوب على شكل كتلتين قديمتين من بقايا االلتواء الهرسيني – هما كتلتان‬
‫الجبيالت والرحامنة‪ -‬بينما تنتصب إ لى الشمال كتلة ضخمة هي كتلة الهضبة الوسطى الممتدة على طول محور‬
‫ازرو‪ -‬خنيفرة حتى جنوب الرباط‪ ،‬أما المجموعة الثانية فتمتد بالهضاب العليا للمغرب الشرقي‪ ،‬تسمح بالربط بين‬
‫تافياللت وفاس عبر االلتفاف على األطلس المتوسط من الجهة الشرقية على امتداد واد ملوية ‪ ،‬وذلك في حالة‬
‫انعدام االمن او تهاطل الثلوج‪ .‬محمد القبلي‪" ،‬فم و نمىيخ لنفصىل"‪ ،‬منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ‬
‫المغرب‪ ،‬الرباط ‪،2129،‬ص ‪.2‬‬
‫‪ -605‬ذ‪ .‬محمد مجذوب‪" ،‬الماء في تاريخ المغرب" منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية سلسلة ندوات ومناظرات‪،‬‬
‫رقم‪ ،2111 ،22‬ص ‪.17‬‬
‫‪ -606‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.22‬‬

‫‪359‬‬
‫‪2023‬‬

‫ان هذا الواد هو الذي اطلق عليه فيتروفوس اسم اكير ‪ ،Agger‬ونجد ايضا سبولكوس‬
‫‪- Subulcus‬اي واد سبو – و أبوس ‪ Ubus‬ثم سالنسيس ‪.607 Salnsis‬‬

‫وعندما نرجع ألسماء معظم الوديان نجد بعظها اطلقت على السكان مثال‪:‬‬

‫‪ -‬واد اهل لكسوس ‪ / Lixitai‬اهل سل ‪ / Salinsai‬أهل ماسة ‪ /Masathi‬الكوتليون اهل‬


‫درعة ‪ / .Darathitae‬اهل أناتيس ‪608.‬‬

‫كما نج د المدن حملت اسماء االنهار مثل مدينة ملوشة أو ملوشت‪ ،‬مدينة تامودا‪،‬‬
‫مدينة زسيليس ‪ ،Zélis‬ومدينة لكسوس ‪ ،‬ثم مدينة سل ‪609 .‬‬

‫وقد تميز المغرب في التاريخ القديم بانتشار العديد من الوديان مطلقين عليها اسماء‬
‫مازال البعض منها متداوال الى اآلن منها ما تقع في اطراف المغرب هي ملوية التي تدعوها سكان‬
‫المنطقة باسم ملوشت‪ ،‬واد كيرالذي حافظ على اسمه الى االن ثم واد درعة ‪.610‬‬

‫وقد كان هم الفلحين في المغرب من القديم استنباط المياه الجوفية خاصة في المناطق‬
‫التي تنعدم فيها المياه السطحية ويصعب استغللها نظرا ملحدوديتهم المادية في حفر بئر أو‬
‫خطارة‬

‫ج‪ -‬الماء وكيفية تدبيره واالستفادة منه بالمغرب الوسيط‬

‫تطلق الحقبة الوسيطية على الفترة الزمنية في التاريخ األوروبي التي امتدت من‬
‫القرن الخامس اي بانهيار اإلمبراطورية الرومانية الغربية ودخول اروبا في عصر االنقسام‬
‫والفيودالية (اإلقطاع) وسيادة سلطة المسيحية التي أصبحت محمية من طرف الدولة وقد‬
‫تبنت الدعوة وعملت على نشرها بين عدد من الشعوب‪ ،‬فأصبحت المسيحية هي الدين الرسمي‬

‫‪ - -607‬ذ‪ .‬محمد مجذوب‪" ،‬لنفم خه نمىيخ لنفصىل" منشورات كلية اآلداب والعلوم االنسانية‪ ،‬سلسلة ندوات‬
‫ومناظرات ‪ ،‬رقم‪ ،2777 ،22‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -608‬ذ‪ .‬محمد مجذوب‪" ،‬لنفم خه نمىيخ لنفصىل" منشورات كلية اآلداب والعلوم االنسانية‪ ،‬سلسلة ندوات‬
‫ومناظرات ‪ ،‬رقم‪ ،2777 ،22‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -609‬نفس المرجع ص ‪.21‬‬
‫‪ -610‬نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪361‬‬
‫‪2023‬‬

‫لكل الدول األوربية التي تأسست بعد ذلك اسبانيا و انجلترا وفرنسا وألمانيا‪ 611...‬إلى أواخرالقرن‬
‫واستمرت حتى عصر النهضة‬ ‫ميلدي‪612‬‬ ‫الخامس عشر وأو ائل القرن السادس عشر‬
‫واالستكشاف‪ ،‬وقد كان هذا العصر في أروبا عصر ظلم نتيجة الحروب واالنهيار‪ ،‬وفي المقابل‬
‫كان عصر النور والنهضة واالزدهار عند المسلمين بفضل ما أنجزه اإلسلم من وحدة سياسية‬
‫على مجال جغرافي واسع وذاك من اجل تكوين األمة ونشر الدين ومجابهة األعداء ولو لفترة‬
‫محدودة‪،613‬‬

‫وقد كانت الدولة المدرارية أول دولة مغربية إسلمية تتأسس في سجلماسة بعد مرور‬
‫نصف قرن على الفتح اإلسلمي‪ ،‬وبعد مرور ثمانين سنة حتى قامت أول دوله مركزية هي الدولة‬
‫اإلدريسية التي استقلت بنفسها عن الخلفة العباسية في الشرق و اتخذت لنفسها مدينة فاس‬
‫عاصمة لها والتي ظلت تمثل المركزالرئيس ي للتجارة في المغرب األقص ى‪ 614،‬واهم مركزعمراني‬
‫خلل القرن الثالث هجري‪ .‬بحيث بنيت فيه فنادق وعمارات حمامات (‪ 20‬حمام) وعيون‬
‫وسواقي وسدود ‪ .....‬وقد بلغت المطاحن على واد فاس حسب البكري ‪ 300‬مطحنة‪ ،‬وحسب‬
‫كتاب االستبصار‪ 310‬مطحنة في العصر الموحدي‪ ،‬وقد وصف اليعقوبي مدينة فاس "بكونها‬
‫مدينة جليلة كثيرة العمارة والمنازل‪ ،‬وعلى نهر فاس عمارات دليلة وقرى وضياع ومزارع من‬
‫حافتيه"‪ ،615‬كما وصفها ابن حوقل "بان جميع ما بها من الفواكه والغلت والمطاعم‬
‫والمشارب والتجارات والمر افق والخانات زائد على سائرما قرب منها وبعد"‪،616‬‬

‫وتشير معظم الدراسات والمصادر التاريخية أن األمويين كانوا أول من اهتموا بمسالة‬
‫الري على يد عبد الرحمان بن مروان الذي قام بجلب الساقية إلى مدينة ايجلي التي تقع في‬
‫منطقة سوس وتوجد على نهر كبير كثير الثمر وقصب السكر ومنها يحمل إلى جميع بلد‬

‫ط‪ ،2‬منشورات كلية االداب‬ ‫‪-611‬محمد زنيبر‪ ،‬لنفصىل خه لنعوى لنم يع لن مني – لنف يمي‪ -‬لالقنوم‬
‫بالرباط‪2221،،‬هـ‪2777/‬م‪،‬ص ‪.29‬‬
‫‪ -612‬احمد العزاوي فعنوى خه نمىيخ لنصىل لال فه ج‪2‬االنقسام السياسي(القرون االسالمية االولى)‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫الرباط‪2233 ،‬هـ‪2122/‬م‪،‬ص ‪.21‬‬
‫‪-613‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -614‬محمد زنيبر‪ ،‬لنفصىل خه لنعوى لنم يع لن مني – لنف يمي ‪ -‬لالقنوم ط‪ ،2‬منشورات كلية اآلداب‬
‫بالرباط‪2221،،‬هـ‪2777/‬م‪،‬ص‪29‬‬
‫فه ج‪2‬االنقسام السياسي(القرون اإلسالمية األولى)‪ ،‬ط‪،3‬‬ ‫‪ -615‬احمد العزاوي فعنوى خه نمىيخ لنصىل ل‬
‫الرباط‪2233 ،‬هـ‪2122/‬م‪ ،‬ص ‪.292‬‬
‫‪ -616‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.292‬‬

‫‪361‬‬
‫‪2023‬‬

‫المغرب‪ ،617...‬وهو الذي عمر واد سوس في منطقة سوس‪ ،618‬ونظرا ألهمية الموقع الجغرافي‬
‫للمنطقة والمرتبط بأهم املحاورالتجارية الصحراوية بين السودان والمشرق واألندلس من جهة‬
‫‪ ،‬ووفرة مياهها وخبرة فلحيها من جهة ثانية األمر الذي جعلها محط نزاع بين الحكام واألمراء‬
‫خصوصا بين أبناء الذين قاموا بتقسيم المغرب بينهم إدريس األول الذين قاموا بتقسيم مناطق‬
‫المغرب بينهم فكانت منطقة سوس من نصيب عبد الله‪619‬‬

‫وقد تميزت الفترة األخيرة من هذا العصر –الوسيط‪ -‬بظهور الدول الكبرى وهي الدولة‬
‫المرابطية التي امتد نفوذها شرقا إلى مدينة الجزائر‪ ،‬وشماال إلى أواسط البلد اإلسبانية‬
‫وجنوبا إلى نهري السنغال والنيجر‪ ،‬وكانت للمرابطين تقاليد وأعراف وخبرة كبيرة في استغلل‬
‫وتدبيروتوزيع المياه وتنظيم األراض ي الزراعية بحيث ادخلوا ما يعرف بنظام الخطارات في مدينة‬
‫مراكش‪ ،620‬ثم دولة الموحدين التي امتدت سلطتها على كل بلد المغرب إلى شرق طرابلس‬
‫محدودة بحدود السلطة المصرية‪ ،‬وشماال داخل البلد اإلسبانية‪ ،‬وجنوبا الى داخل بلد‬
‫الصحراء اإلفريقية الكبرى وقد شهدت معظم مناطق المغرب خللها حروبا بين المرابطين‬
‫والموحدين أتلفت نتيجتها المنشآت المائية وأرغمت الفلحين على مغادرة أراضيهم وكانت هذه‬
‫الفترة أكثرضررا على معظم المناطق المائية والفلحية المهمة‪ ،621‬ومع انتصارمصامدة الجبل‬
‫على المرابطين قاموا باستصلح أنظمة المياه بحيث أقاموا المطاطب على األودية والمدرجات‬
‫على سفوح الجبال وسقوها بمياه الجداول واألنهار ثم الدولة المرينية والتي اختصت بحكم‬
‫المغرب األقص ى ‪.622‬‬

‫وتكتس ي مسألة الماء في المغرب ودرجة التحكم فيها طابعا حيويا ذلك بسبب ضعف‬
‫اإلمكانيات والظروف المناخية والهيدرولوجية وتغيرها بسبب تغير نسبة التساقطات السنوية‬
‫من منطقة ألخرى‪ ،‬وتعاقب فترات ممطرة أخرى جافة قد تدوم عدة سنوات‪ ،‬كما تعرف البيئة‬

‫‪ - -617‬مجلة أمل‪ ،‬التاريخ‪ -‬الثقافة – المجتمع‪ ،‬تاريخ الري في الجنوب المغربي‪ ،‬العدد ‪ ،22‬اكادير‪.‬ص‪.21-7‬‬
‫‪ -618‬ابو عبيد البكري لنفصىل خه جلى ا لخىيديي ملنفصىل باريس ‪ ،2799‬ص‪.292-292‬‬
‫‪ -619‬ابو عبد الله بن محمد االدريسي‪ "،‬نزهة المشتاق في اختراق االفاق" ‪ ،‬ج‪ ، 2‬بيروت ‪ ، 2717 ،‬ص‪.229‬‬
‫‪ -620‬مجلة أمل‪ ،‬التاريخ‪ -‬الثقافة – المجتمع‪ ،‬تاريخ الري في الجنوب المغربي‪ ،‬العدد ‪ ،22‬اكادير‪.‬ص‪.21‬‬
‫‪ -621‬أبو بكر بن علي الصنهاجي الملقب بالبيذق‪ :‬اخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين‪ " .‬ت‪ .‬عبد الوهاب بن منصور‪ ،‬ط‪:‬‬
‫دار المنصور بالرباط ‪2792‬م‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫ج ‪ ،2‬االنقسام السياسي (القرون اإلسالمية األولى)‪،‬‬ ‫فه‬ ‫‪ -622‬احمد العزاوي فعنوى خه نمىيخ لنصىل ل‬
‫ط‪ ،3‬الرباط‪2233 ،‬هـ‪2122/‬م‪،‬ص ‪.3-2‬‬

‫‪362‬‬
‫‪2023‬‬

‫المناخية في معظم السنوات تدهورا كبيرا‪ ،‬وتمثل املجاالت الرطبة في المغرب ‪%20‬من أراضيه‪،‬‬
‫في حين يمثل املجال الجاف وشبه الجاف ‪ %90‬من أراضيه‪623.‬‬

‫وقد كانت القوة االقتصادية في العصر الوسيط تعتمد على الفلحة األمر الذي زاد من‬
‫أهمية ودور المياه في المغرب األقص ى الذي كان سكانه يعتمدون على الرعي والزراعة التي كان‬
‫وتخص‬ ‫المدن‪624‬‬ ‫قد اعتمدها العنصر البربري والتي انتشرت بمجاري األودية وبأرباض‬
‫السلطين التي كانت لهم أراضيهم الخاصة ‪ ،‬ونجد من بينهم سلطين الدولة المر ابطية الذين‬
‫كانوا يجلبون الماء إلى بساتينهم في أرباض مراكش‪ ،‬كذلك فعل عبد المومن ثم خلفاؤه بجلب‬
‫الماء إلى صهاريج كبرى لسقي جناتهم منها‪ ،‬ولتدريب جندهم على القتال فوق سطح الماء في‬
‫مراكش كما جلبوا الماء إلى بساتينهم خارج رباط الفتح وفاس وسبتة واشبيلية ‪ ،‬كما قاموا‬
‫بإنشاء نواعيرعلى بعض األنهارمنها نهر اشبيلية‪" :‬بحيث احدث المنصورالموحدي سنة ‪562‬هـ‬
‫بعد معركة األرك من غرس بحيرة غرب نهر اشبيلية و إقامة النواعير على ضفته‪ ،625‬إما الفلح‬
‫الصغيروالمتوسط فقد كانت ضعف إمكانياته في جلب المياه تدفعه باللجوء الى مهندسين ذوي‬
‫معرفة المياه الباطنية والكشف عنها فيشيرون عليه بالحفرفي مكان يعينونه له‪ ،626‬بحيث قال‬
‫اإلدريس ي عن نظام السقي بمراكش في عهد المرابطين‪ ":‬وماؤها الذي تسقى به البساتين‬
‫مستخرج بصنعة هندسية حسنة(نظام الخطارات) استخرج ذلك عبيد الله بن يونس‬
‫المهندس‪ ،‬وسبب ذلك أن ماءهم ليس ببعيد الغور‪...‬فقصد إلى أعلى األرض مما يلي البستان‬
‫فاحتفر فيه بئرا مربعة كبيرة التربيع‪ ،‬ثم احتفر منها ساقية متصلة الحفر على وجه األرض‪ ،‬ومر‬
‫يحفر بتدريج من ارفع إلى أخفض متدرجا إلى أسفله بميزان حتى وصل الماء إلى البستان وهو‬
‫منسكب مع وجه األرض يصب فيه‪ ،‬فهوجارمع األيام ال يفتر‪...‬فستحسن ذلك ولم يزالوا يحفروا‬
‫في األرض ويستخرجون مياهها إلى البساتين حتى كثرت البساتين والجنات‪ .‬و اتصلت بذلك‬
‫عمارات مراكش‪ ،‬وحسن قطرها ومنظرها‪627.‬‬

‫‪ -623‬زينب مبسوط‪ ،‬اإلنسان والماء في الصحراء المغربية االطلنتية"‪ ،‬طـ‪ ،2‬مراكش‪2237 ،‬هـ‪2121/‬م‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫فه ج‪2‬االنقسام السياسي (القرون اإلسالمية األولى)‪،‬‬ ‫‪ -624‬احمد العزاوي فعنوى خه نمىيخ لنصىل ل‬
‫ط‪ ،3‬الرباط‪2233 ،‬هـ‪2122/‬م‪،‬ص ‪.239-239‬‬
‫‪ -625‬ابن عذاري المراكشي‪ ،‬البيلن المغرب في أخبار األندلس والمغرب" ‪ ،‬الجزء الثالث قسم الموحدين‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪2719‬ص ‪.222‬‬
‫‪ -626‬مجلة أمل‪ ،‬التاريخ‪ -‬الثقافة – المجتمع‪ ،‬تاريخ الري في الجنوب المغربي‪ ،‬العدد ‪ ،22‬اكادير‪ .‬ص ‪.1‬‬
‫‪-627‬ابو عبد الله بن محمد االدريسي‪ "،‬نزهة المشتاق في اختراق االفاق" ‪ ،‬ج‪ ، 2‬بيروت ‪ ، 2717 ،‬ص ‪.233‬‬

‫‪363‬‬
‫‪2023‬‬

‫هذا و َّأما الزراعة المسقية فقد عرفت تطورا بشكل كبير نتيجة االستقرار السياس ي‬
‫والجبائي واألمن خاصة في العهد الموحدي األول الذي اعتبرت فترته فترة الخلفاء الثلث‬
‫األو ائل" أكثر استقرارا بعد الفترة االنتقالية من المرابطين الى الموحدين‪ ،‬وقد عرفت سياسة‬
‫مخزنية واضحة في ميدان الري وتعبئة المياه وما تبعها من إحياء األراض ي الموات واستصلحها‬
‫وتوسع المساحات الزراعية المسقية‪ ،‬وتنويع المزروعات واألغراس ‪ ،628".....‬كما كان الفلحون‬
‫يلجؤون الى بعض االساليب التقليدية للتعرف على المياه الجوفية بواسطة أساليب تقليدية‬
‫بسيطة تعتمد على سعف النخل أو أغصان الزيتون والتين الطرية أحيانا على حفنة شعير أو‬
‫ليقة صوف او االكتفاء بملحظة المكان وفحصه عند شروق الشمس وغروبها‪ ،...‬وقد جاء في‬
‫كتاب المغرب في ذكربلد افريقية والمغرب ألبي عبيد البكري ما يلي‪ " :‬واخبرني غيرواحد أنه رأى‬
‫بمرس ى بادس رجل قصير القامة مصفر اللون يكرمه أهل ذلك الموضع ويقدمونه ويذكرون أنه‬
‫ينبط المياه في المواضع التي لم يعهد فيها ماء عيونا و آبارا‪ .‬و أنه يخبر بقرب الماء وبعده و أنه‬
‫إنما يستدل على ذلك باستنشاق هواء ذلك الموضع ال غير"‬

‫‪ -1‬الماء في أدب النوازل وطرق تنظيمه بالمغرب الوسيط‬

‫أ‪ -‬النوازل الفقيهة للماء بالمغرب‬

‫ارتبطت النوازل الفقهية بدخول الدين اإلسلمي للمغرب منذ منتصف القرن األول‬
‫للهجرة على يد عقبة بن نافع عام ‪ 50‬للهجرة‪ ،‬إذ ابتدأ إبان ذلك تطبيق الشريعة اإلسلمية‬
‫بالتدريج بمبادئها وأحكامها حول كل ما يهم الحياة االجتماعية واالقتصادية والثقافية‬
‫والسياسية والدينية‪...‬األمر الذي ساعد على سرعة انتشاره في ظل الظروف القاسية التي كان‬
‫يعيشها الناس من العبودية والقسوة‪ ،‬فقد جاء مثل الضوء المنيروالمنجد الذي ولد إحساس‬
‫في نفوس أغلبية الناس باألمان والذين استغنوا عن مختلف الطقوس والممارسات الموروثة‬

‫‪ -628‬مجلة أمل‪ ،‬التاريخ‪ -‬الثقافة – المجتمع‪ ،‬تاريخ الري في الجنوب المغربي‪ ،‬العدد ‪ ،22‬اكادير‪ .‬ص ‪.7‬‬

‫‪364‬‬
‫‪2023‬‬

‫عن الفنقيين والرومان والبيزنطيين إلى حد االعتقاد الراسخ بان الخضوع لتعاليم اإلسلم‬
‫والرضا بكافة أحكامه فرض ديني وواجب على كل عاتق مغربي مسلم‪629‬‬

‫هذا وتعتبر كتب النوازل أهم المصادرالتاريخية التي ساعدت ومازالت تساعد الباحثين‬
‫والمهتمين في املجال العلمي واالكاديمي ‪ ،‬بل واألكثر من ذلك أنها أصبحت من المواضيع‬
‫األساسية التي تدرس في الجامعات الغربية والعربية والمغربية في مختلف الشعب والتخصصات‬
‫كالتاريخ وعلم االجتماع والدراسات اإلسلمية والشريعة‪ ،‬لكونها علم حيوي يساعد في نقل في‬
‫فهم التاريخ اإلنساني‪ ،‬وعلقاته المتعددة في كل املجاالت الحياتية وفي العصر الوسيط‬
‫بالخصوص‪ ،‬وقد اهتمت معظم النوازل "المطروحة بالمشاكل والظواهر االجتماعية‬
‫والسياسية واالقتصادية كما اهتمت بمختلف الطبقات واألجناس والفئات من أمراء وفقراء‬
‫والمستضعفين والبؤساء‪ ،....‬وغطست في أعماق الحياة اليومية للمجتمعات اإلسلمية‬
‫وواكبت تطوركافة المستجدات التي تعرفها الحياة اإلسلمية"‪ ،630‬وجاءت النوازل بطابع فقهي‬
‫عبارة عن سؤال وجواب‪ ،‬وال ننس ى بأن معظم الدراسات تعتبر ان األوربيين و المستشرقين أول‬
‫من اهتموا بدراستها كمصدر أساس ي لمعرفة التاريخ اإلنساني وذلك منذ الثلثينيات‪ ،‬إذ قال‬
‫ليفي بروفنسال في كتابه تاريخ اسبانيا اإلسلمية ‪" :‬بأن الجرد المنهجي لهذه الكتب سيساعد‬
‫كثيرا على فهم املجتمعات اإلنسانية اإلسلمية عبر التاريخ‪ ،‬وبالرغم من الطابع الفقهي للنازلة‬
‫فإنها تكتس ي في ميدان الدراسات التاريخية بعدا هاما يتجلى في أنها تعكس من خلل السؤال‬
‫والجواب أوضاعا تاريخية دقيقة من جهة‪ ،‬وتتميزبعفويتها وبراءتها من جهة ثانية‪ ،‬ألنها لم تصدر‬
‫من سلطة رسمية‪ ،‬ولم تتلون بلون إيديولوجي أو سياس ي‪ ،‬فابتعاد المفتي عن السلطة الحاكمة‬
‫وفرمناخا من الحرية لفكره دون تدخل من الجهات الرسمية كما لفت إلى قيمة النوازل وضرورة‬
‫التعويل عليها وذلك برجوعه إلى كتاب "األحكام الكبرى البن سهل (‪419‬هـ‪1065 /‬م) في العديد‬
‫من القضايا االجتماعية واالقتصادية في األندلس كتجربة لما قاله‪ ، 631‬ودراسة لوبيزأورتزحول‬
‫دخول الفتاوى األندلسية وقيمتها‪ ،‬هذا وقد أشار العديد من المستشرقين الى أهمية المصادر‬

‫‪ -629‬د‪.‬احمد اد الفقيه‪ ،‬مظم لنفيمه ملنددمق لنفىناعي اوم خه لندممم لنفصىاه تى م م ىخم منتىيعم ط‪،2‬‬
‫‪2223‬هـ‪2112 /‬م‪ ،‬منشورات كلية الشريعة ‪،‬اكادير‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫فه مجلة الهدى‪ ،‬عدد ‪ ،2772 ،22‬ص ‪.21‬‬ ‫‪ -630‬محمد بن حمزة‪ ،‬دل لنفهنىيما خه م لنهده ل‬
‫‪ -631‬صالح أحمد العلي ‪ ،‬لننمىيخ لال نفم ه ن عىل مجلة أفاق عربية‪ ،‬عدد أكتوبر‪ ،2799‬ص ‪.91‬‬

‫‪365‬‬
‫‪2023‬‬

‫وقد‬ ‫وروبار برنشفيك"‪632.‬‬ ‫النوازلية أهمهم‪ :‬المستشرق األلماني جوزيف شاخت وجاك بيرك‬
‫كان الماء من بين القضايا التي اهتمت بها خلل النوازل ألنها ترتبط بحياة البشر سواء كانوا‬
‫أفرادا أوجماعات في قرى‪ ،‬قبائل أومدن ارتباطا وثيقا‪ ،‬ويتضح ذلك من خلل املحاورالتي جاءت‬
‫في هذه الكتب والتي طرحت لنا المعاناة واالزمات المتتالية والحروب بين السكان والجماعات‬
‫التي تقطن بالمناطق التي تعاني من ندرة المياه أو انعدامه‪ ،‬وبحسب ما نقلته لنا ايضا العديد‬
‫من الدراسات والمصادر املختصة حول دور الماء في التأثير على مسار أحداث التاريخ‪ .‬من‬
‫صراعات بين السكان سواء في المدن أو البوادي وهو األمر الذي أشارت إليها العديد من كتب‬
‫النوازل والفقه التي كانت حسب ما ورد في العديد من الدراسات واألبحاث في صلب هذه‬
‫الصراعات كالنزاعات بين األعالي واالسافل حول االستفادة من الماء ‪ ....‬ونقلها لنا حول الكيفية‬
‫التي كان يتم بها هذا التدبيرمن جهة‪ ،‬ومدى تدخل الدولة للحد منها من جهة ثانية‪ .‬لهذا اعتبرت‬
‫هذه الكتب –النوازل‪ -‬من أهم المصادر التي أتاحت لنا التعرف عن أحوال الماء بالغرب‬
‫اإلسلمي وكل ما يحيط به من تقنيات تشرونزاعات سواء تعلق األمربمشاكل السقي أوبالحقوق‬
‫على المياه واألضرار التي ألحقت بأصحابها من جراء الغصب والتعدي وما تنج عنه من‬
‫خصومات احتاجت تدخل الفقهاء واإلفتاء في نوازلها من زاوية شرعية معتمدين أساسا على‬
‫أهل الخبرة والمعرفة‪ ،‬وخوصا ان فتاوى الفقهاء كانت هي القاعدة االساسية المعتمد بها‬
‫لكونهم هم من كانوا يمثلون السيادة في ذلك الوقت‪ ،‬ونذكرهنا نوازل احمد الونشريس ي صاحب‬
‫كتاب "المعيارالمغرب والجامع المعرب عن فتاوى علماء افريقية واألندلس والمغرب " ونوازل‬
‫البرزلي صاحب كتاب " جامع األحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام‪".‬‬

‫هذا ويعتمد اإلطارالتشريعي للماء من خلل السنة على ثلثة أحكام وهي ‪":‬التشارك"‬
‫التي تعتمد على نهى الرسول ‪ ‬عن بيع أو منع فضل الماء بهدف جعله في منفعة من هو في‬
‫حاجة إليه‪ ،‬وأساس هذا النهي أن الماء من األشياء المشتركة بين األفراد شربا وسقيا يتقاسمون‬
‫االنتفاع به‪ ،‬وعلى أساسه ال تجوز ملكية األنهار لما جاء في المدونة الكبرى قال سحنون البن‬
‫القاسم‪" :‬أرأيت لو أن نهرا انحرف الى األرض فجاء رجل فبنى في األرض عليه رحى ماء بغير أمري‬
‫فأصاب ذلك ماال؟ قال‪ :‬أما من بنى في األرض فالكراء له الزم فيما بنى أما الماء ال يوجد في‬

‫‪ -632‬زناتي أنور‪ ،‬لنل لنمملوا فو ىل ن ىل ما لالقنوم يي ملال نفم يي خه لنفصىل مل م نس مملوا لا‬
‫لندم مفمج م ‪،‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬بيروت ‪ ،2129‬ص ‪.279‬‬

‫‪366‬‬
‫‪2023‬‬

‫الكراء"‪ 633‬وقال مالك‪" :‬ال أرى لماء النهر كراء"‪ ،634‬والقنوات ملكية خاصة واآلبار المملوكة‬
‫والمياه الطبيعية الجارية على سطح األرض‪ ،635‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ال يمنع فضل‬
‫الماء ليمنع به الكأل"‪ " ،636‬وقد ورد في تفسير السنة النبوية عدة أقوال منها رواية اإلمام أحمد‪:‬‬
‫" منع فضل مائه أو فضل كلؤه منعه الله يوم القيامة"‪ ،‬وفي خراج بن آدم عن بريدة قال‪ ":‬منع‬
‫فضل الماء بعد الري يعد من الكبائر"‪ 637.‬ونفي الضرر" الذي يحمي المصلحة العامة لألفراد‬
‫والشركاء تجنبا لنشوب النزاعات والخلفات والحروب بين الجماعات بما ال يضر بغيره حيث ال‬
‫ضرروال ضرارو"العرف"‪.‬‬

‫ب‪ -‬الحقوق المائية النوازلية بالمغرب الوسيط‪:‬‬

‫بالرجوع لبعض الدراسات نجد أن للماء عدة حقوق للستفادة منه نلخصها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬حق الشرب‪ :‬وهو الماء الطاهر الصالح للشرب الذي يشتمل على مياه األمطار والترع‬
‫العمومية‪ ،‬وهو من المياه المشتركة بين جميع الناس وخاصة الذي يتكون من مياه الترع‬
‫واألنهارالصغيرة المملوكة ألشخاص معينين‪ .‬ويكون عاما بين جميع الناس‬

‫‪ ‬حق الشفة‪ :‬وهو الماء الذي يبيحه أصحاب المياه المملوكة للغير تناول الماء منه بالشفة‬
‫دفعا للعطش مع عدم األضرار بالمنشآت المائية كتخريب الجسور أو منع المياه من‬
‫الوصول إلى األرض‪ 638‬ثم الماء املحرز الذي يتكون من المياه التي وضعها الناس في األو اني‬
‫واألوعية وهو ملك من استأثر به مصداقا لقوله (ص)‪" :‬من سبقت يده إلى مال مباح فهو‬
‫له"‪.‬‬

‫مجلة دعوة الحق ‪ ،‬عدد ‪،277‬‬ ‫لنثىما لنفمليي‬ ‫امنفدمخظي‬ ‫‪ -633‬محمد بن أحمد االمراني‪" ،‬ليف حفى لال‬
‫ص ‪.222‬‬
‫‪ -634‬نفس المرجع والصفحة‪.‬‬
‫‪ -635‬محمد بونبات‪ ،‬ددمق لنفم خه لنفصىل فدمىاي ن مملوا مل ىلف مقممم لنفم " طـ‪ ،2111 ،2‬مراكش‪،‬‬
‫‪ 2777‬م‪2299/‬هـ‪،‬ص ‪.22-23‬‬
‫ج‪ ،3‬المطبعة العربية الحديثة‪ ،‬القاهرة‪2212 ،‬هـ‪2712/‬م‪ ،‬ص ‪.211‬‬ ‫‪ -636‬البخاري‪ ،‬لن مف لنودي‬
‫لنثىما لنفمليي مجلة دعوة الحق ‪ ،‬عدد ‪،277‬‬ ‫امنفدمخظي‬ ‫‪ -637‬محمد بن أحمد االمراني‪" ،‬ليف حفى لال‬
‫ص ‪.222‬‬
‫‪ -638‬محمد بونبات‪ ،‬ددمق لنفم خه لنفصىل فدمىاي ن مملوا مل ىلف مقممم لنفم " طـ‪ ،2111 ،2‬مراكش‪،‬‬
‫‪ 2777‬م‪2299/‬هـ‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪367‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ ‬حق املجرى‪ :‬وهو مشترك بين الجميع الذين يحيطون به‪ ،‬وتعني مرور مجاري المياه اللزمة‬
‫من ري األرض التي تمرمنها المياه إلى األرض البعيدة عن موارد المياه‪ ،‬وعليه ليس لصاحب‬
‫األرض ان يمنع مرور الماء لجاره وله حق االنتفاع به‪ ،‬ويتم هدا الحق بالتراض ي اذا كان‬
‫أصاب االراض ي شركاء وذلك باالتفاق على نوبات متواليه حول االنتفاع به من شرب او‬
‫سقي‪ ،‬في هذا الصدد قال عمرابن الخطاب رض ي الله عنه لرجل كان بينه وبين الماء أرضا‬
‫‪ ،‬فأبى صاحبها أن يدعه يرسل الماء في أرضه‪:‬‬

‫"لو لم أجد للماء مسيل إال على بطنك لجريته"‪ ،639‬أما في حالة عدم االتفاق في هذه‬
‫الحالة يبين مقدار نصيب كل واحد وتقسيم المياه بالنوبات بينهم على حساب مقدار أراضيهم‪.‬‬
‫ويكون هذا الحق لجلب الماء الصالح لألرض‪.‬‬

‫‪ ‬حق المسيل‪ :‬يشكل حقا من حقوق االرتفاق ألجل االنتفاع من األرض املحاطة من كل جانب‬
‫وصوال إلى تخليها من المياه الزائدة‪ ،‬وهو حق الشخص في صرف مياه أرضه في مصرف‬
‫مملوك لجاره أو في حقه إسالة المياه وتمريرها في أرض ذلك الجار لتصل إلى المصارف‬
‫العامة‪ ،‬ويكون لتصريف الماء الغير الصالح لألرض أو البيت أو المزروعات‪640...‬‬

‫حق األعلى على األسفل‪ :‬وبسبب موقع األرض أو الدار في الجبال والهضاب في هذه‬
‫الحالة يمنع حبس مرورالمياه إلى األسفل من طرف األعلى‪ ،‬لينتفع به سواء في لسقي أو الشرب‬
‫ذلك أن الرسول (ص) قض ى في شرب النخل من السيل أن األعلى فاألعلى يشرب قبل األسفل‬
‫ويترك الماء إلى الكعبين‪ ،‬ثم يرسل الماء إلى األسفل الذي يليه‪ ،‬وكذلك حتى ينقض ي الحوائط‬
‫أو يفنى الماء"‪.641‬‬

‫خلصة عامة‪:‬‬
‫ُ‬
‫وخلصة القول نلحظ بجلء مدى أهمية الماء في دينامية الحياة العامة واستمرارية‬
‫ََ‬
‫الحياة االجتماعية‪ ،‬مما كان ُيحدث صراعات ونزاعات حوله نتج عنه أحيانا تغيير مسار تاريخ‬

‫‪ -639‬االمام مالك‪ ،‬الموطأ‪ ،‬ص ‪.29‬‬


‫ىلف مقممم لنفم " طـ‪ ،2111 ،2‬مراكش‪،‬‬ ‫‪ -640‬محمد بونبات‪ ،‬ددمق لنفم خه لنفصىل فدمىاي ن مملوا مل‬
‫‪ 2777‬م‪2299/‬هـ‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -641‬نفسه ص ‪.21‬‬

‫‪368‬‬
‫‪2023‬‬

‫بعض الحضارات واألمم كما أكدته العديد من الدراسات التاريخية والدينية والفلسفية‬
‫واالجتماعية حول مسألة الماء وعلقته بالطبيعة واإلنسان وباقي الكائنات الحية عبرالتاريخ‪.‬‬

‫وهو أمر لم يكن رهين العصر القديم أو الوسيط بل زادت ح َّدته مع تقدم الزمان وتغير‬
‫َّ‬
‫األحوال الذي اتسم بانفجار ديمغرافي‪ ،‬واالستغلل المفرط للماء بتقدم الصناعات وتطورها‬
‫وكذلك وسائل الري مما صار ينذر بكارثة عظمى سيعرفها العالم المعاصر في قابل األيام بسبب‬
‫الصراع حول الماء الذي بدأت بوادره تطفو على السطح وما مثال دولة مصر مع النيل عنا‬
‫ببعيد‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫عبد العزيز بن صقر الغامدي ‪ "،‬المياه ومتطلبات االمن المستقبلي في الدول العربية‬
‫للعلوم االمنية بالرباط"‪ ،‬ط‪ -‬ب‪ -‬مفرج‪ /‬دارنابلس‪ ،‬بيروت‪ ،2004،‬ج‪.3‬‬

‫محمد بن عبد العزيز بن عبد الله‪" ،‬الماء في الفكر االسلمي واألدب العربي"‪ ،‬ج ‪،1‬‬
‫المملكة المغربية وزارة االوقاف والشؤون اإلسلمية ‪ 1417‬هـ‪.1661 /‬‬

‫ابن وحشية‪ ،‬الفلحة النبطية‪ ،‬تحقيق توفيق فهد‪ ،‬المعهد العلمي الفرنس ي للدراسات‬
‫العربية‪ ،‬دمشق‪.‬‬

‫مقال نشر بالعدد األول من مجلة جيل العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬للباحثة أميمة‬
‫سميح الزين‪ /‬باحثة في حقوق اإلنسان والبيئة – جامعة آريس األمريكية‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫علي ابن ابي زع الفاس ي ‪ ،‬األنيس المطرب بروض األنيس المطرب‪ ،‬في اخبارملوك المغرب‬
‫وتاريخ مدينة فاس" ‪ ،‬دارالمنصورللطباعة والور اقة‪ -‬الرباط ‪.1672‬‬

‫محمد القبلي‪ " ،‬تاريخ المغرب تحيين وتركيب"‪ ،‬منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ‬
‫المغرب‪.‬‬

‫برومل)ن‪.‬س)‪"،‬صيانة التراث الحضاري"‪ ،‬ترجمة صادق عبدالحميد الراوي وطالب عبد‬


‫الميرمهدي‪ ،‬المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ ،‬تونس‪.2002‬‬

‫‪369‬‬
‫‪2023‬‬

‫مجموعة من الباحثين ‪ " ،‬موسوعة علم األديان ‪،‬كل األديان والذاهب والفرق والبدع في‬
‫العالم"‪ ،‬ط‪.‬ب‪ .‬مفرج‪ ،‬دارنابلس بيروت ‪ ،2004،‬ج‪.3 ،‬‬

‫فراس السواح‪" ،‬مغامرة العقل األولى"‪ ،‬دارالحكمة للنشر‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪ ،1692 ،3‬ص ‪.42‬‬
‫وكوملن ب‪" ،‬األساطيراإلغريقية والرومانية"‪.‬‬

‫موجزتاريخ المغرب"‪ ،‬منشورات المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب‪ ،‬الرباط‪،2015 ،‬‬

‫محمد مجذوب‪" ،‬الماء في تاريخ المغرب" منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬
‫سلسلة ندوات ومناظرات‪ ،‬رقم‪.1666 ،11‬‬

‫أبو بكر بن علي الصنهاجي الملقب بالبيذق‪ :‬اخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة‬
‫الموحدين‪ " .‬ت‪ .‬عبد الوهاب بن منصور‪ ،‬ط‪ :‬دارالمنصوربالرباط ‪1671‬م‪.‬‬

‫احمد العزاوي‪ "،‬مختصر في تاريخ الغرب اإلسلمي"‪ ،‬ج ‪ ،2‬االنقسام السياس ي (القرون‬
‫اإلسلمية األولى)‪ ،‬ط‪ ،3‬الرباط‪1433 ،‬هـ‪2012/‬م‪.‬‬

‫احمد اد الفقيه‪" ،‬نظام المياه والحقوق المرتبطة بها في القانون المغربي‪ ،‬شرعا وعرفا‬
‫وتشريعا"‪،‬ط‪1423 ،1‬هـ‪2002 /‬م‪ ،‬منشورات كلية الشريعة ‪،‬اكادير‪.‬‬

‫زناتي أنور‪" ،‬كتب النوازل مصدرا للدراسات االقتصادية واالجتماعية في المغرب‬


‫واألندلس نوازل ابن الحاج نموذجا"‪،‬المركزالعربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬بيروت ‪.2011‬‬

‫محمد بن أحمد االمراني‪" ،‬كيف أمراالسلم باملحافظة على الثروة المائية"‪ ،‬مجلة دعوة‬
‫الحق ‪ ،‬عدد ‪.266‬‬

‫محمد بونبات‪" ،‬حقوق الماء في المغرب‪ ،‬مقاربة للنوازل واألعراف وقانون الماء" طـ‪،1‬‬
‫‪ ،2000‬مراكش‪ 1666 ،‬م‪1451/‬هـ‪.‬‬

‫‪371‬‬
‫‪2023‬‬

‫البطالة في أوساط الجامعيين بمملكة البحرين‬


‫وحقوق المواطن حسب قانون العمل‬
‫‪Unemployment among university students in the Kingdom of Bahrain and the rights‬‬
‫‪of citizens according to the Labor Law‬‬
‫الملخص‪:‬‬
‫البطالة إحدى المشاكل الرئيسية في معظم بلدان العالم‪ ،‬لما لها من انعكاسات على‬
‫الوضع االقتصادي والسياس ي واالجتماعي‪ ،‬وقد تناول العديد من الباحثين االقتصادين‬
‫موضوع البطالة ودراسة أسبابها و آثارها ووضع الحلول الناجعة للحد منها‪ ،‬وتعد بطالة‬
‫الجامعيين من أكثرالمشاكل التي تعتري العالم العربي بشكل عام ومملكة البحرين بشكل خاص‪،‬‬
‫ومن منطلق حقوق المواطن الذي كفلها دستورمملكة البحرين حسب المادة (‪ )13‬الذي تتناول‬
‫حق المواطن بالعمل في فقرة ( أ و ب ) العمل واجب على كل مواطن‪ ،‬تقتضيه الكرامة‬
‫ويستجوبه الخير العام‪ ،‬ولكل مواطن الحق في العمل‪ ،‬وفي اختيار نوعه وفقا للنظام العام‬
‫واآلداب‪ ،‬وتكفل الدولة توفيرفرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه‪.‬‬

‫‪371‬‬
‫‪2023‬‬

‫وعليه سيتم من خلل هذا البحث تسليط الضوء على بطالة الجامعيين وأسباب‬
‫تفشيها‪ ،‬وخصوصا أن النسبة األكبرفي بطالة الجامعين في مملكة البحرين بطالة اإلناث‪ ،‬والعمل‬
‫على إيجاد حلول ناجعة للمشكلة من منطلق حقوق المواطن بالعمل‪.‬‬

‫كلمات مفتاحية‪ :‬حقوق المواطن‪ ،‬بطالة الجامعيين‪ ،‬النظريات المفسرة لظاهرة‬


‫البطالة‪ ،‬سوق العمل‪ ،‬التصدي لمشكلة البطالة‪.‬‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫تعتبرالبطالة من أهم وأخطر القضايا االقتصادية واالجتماعية والسياسية التي تعاني‬


‫منها الدول النامية والمتقدمة على حد سواء‪ ،‬باختلف أنظمتها االقتصادية واالجتماعية‬
‫والسياسية‪ ،‬وتعتبرالبطالة وفقا لتعريف منظمة العمل الدولية‪:‬‬
‫"السكان القادرين على العمل‪ ،‬والراغبين فيه‪ ،‬والباحثين عنه‪ ،‬وال يجدونه"‪642.‬‬

‫ظهرت مشكلة البطالة في الدول النامية في تسعينيات القرن العشرين كنتاج لعدة عوامل‬
‫من ضمنها‪ :‬تزايد عدد العمالة الو افدة‪ ،‬وجود فجوة كبيرة بين متطلبات سوق العمل‬
‫ومخرجات التعليم‪ ،‬االفتقاد‬

‫إلى جهة تشخص المشكلة وتعمل على وضع الحلول الملءمة بشكل علمي (جهة‬
‫تخطيط)‪ ،‬األزمات االقتصادية والسياسية التي تحدث بين فينة وأخرى‪ ،‬الخلل في بعض‬
‫العناصر كتخلف معدل النمو االقتصادي عن معدل الزيادة السكانية‪ ،‬عدم التوازن في سوق‬
‫العمل بين العرض والطلب‪ ،‬إضافة إلى تضخم الشباب وزيادة مشاركة المرأة في النشاط‬
‫االقتصادي‪ ،‬كل ذلك أدى إلى زيادة في معدل البطالة‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فل بد من وضع سياسات اقتصادية واجتماعية وسياسية للحد من مشكلة‬
‫البطالة‪ ،‬ولنجاح أي تخطيط ولحل أية مشكلة البد من توفر قاعدة بيانات دقيقة ترصد ما‬
‫سوف تؤول إليه المشكلة في المستقبل‪ ،‬وبناء على كل المعطيات التي رصدتها وتوصلت إليها‬

‫‪ 642‬يرة العابد‪ ،‬فه عباف‪ ،‬ظاهرة الباال فل الجزائر ُبت الماصا يالا محات‪ ،‬مجل الباحثين عدا‪ 33،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.11 ، 1031‬‬

‫‪372‬‬
‫‪2023‬‬

‫تضع خططا مستقبلية للحد من المشكلة وتفاقمها لتكون في معدلها الطبيعي دون زيادة‪،‬‬
‫فحسب اإلحصائيات التي تم رصدها فإن نسبة العاطلين عن العمل في العالم العربي حسب‬
‫تقديرات منظمة العمل الدولية فقد سجلت أعلى وأسرع معدل بطالة بين الشباب في جميع‬
‫أنحاء العالم‪ ،‬حيث يتوقع أن يصل إلى ‪ % 24.8‬في عام ‪ 2022‬والوضع أسوأ بالنسبة للشابات في‬
‫المنطقة‪ ،‬حيث بلغ معدل البطالة بينهن ‪%42.5‬‬

‫في عام ‪ ، 2022‬وهو أعلى بنحو ثلثة أضعاف من المتوسط العالمي لبطالة الشابات‬
‫‪643.% 14.5‬‬

‫وبذلك تعد البطالة واحدة من أكبر المشكلت التي تواجه املجتمعات في الوقت الحالي‪،‬‬
‫فهي تؤدى إلى الكثير من اآلثار التي تتجاوز الجو انب االقتصادية إلى العديد من الجوانب‬
‫االجتماعية واألمنية والتنموية‪ ،‬ومن ثم فإن إعطاءها اهتماما خاصا بوصفها أهم مشكلت‬
‫املجتمعات المعاصرة يعد‬
‫أمرا على جانب كبير من األهمية‪644.‬‬

‫وقد حظي موضوع البطالة بأهمية كبيرة لدى أصحاب القرارات السياسية والباحثين في‬
‫املجالين‬

‫االجتماعي واالقتصادي باعتباره موضوعا يفرض نفسه بشكل دائم وملح على الساحة‬
‫الدولية عموما والساحة العربية خصوصا‪ ،‬فالبطالة أخذت تؤرق متخذي القرار في كل الدول‬
‫وتهدد كياناتهم إذا لم يتم اتخاذ اإلجراءات الوقائية‪ ،‬فالطاقة المعطلة كالبركان‪ ،‬والتعامل معها‬
‫يجب أن يكون بحذر‪ ،‬فل يمكن أن تنمو وتنهض وتتطورأي دولة وطاقات أبناءها شبه مشلولة‪،‬‬
‫وهذا يتطلب النهضة بالبلدان من خلل خلق مشاريع استثمارية تخلق فرص عمل ولن يتأتى كل‬
‫ذلك إذا لم يكن هناك استقرارسياس ي ألي دولة لتكون جاذبة لرؤوس األموال‪ ،‬حيث إن البطالة‬
‫لم تعد آنية بحيث يمكنها أن تنتهي بانتهاء مدة زمنية معينة من خلل خلق فرص عمل لفئة‬

‫الع ل الديل ‪.‬‬ ‫‪ 643‬ممصا األمم ال تقدة‪ 33 ،‬ئغساي ‪ -1011‬احصائ ات مقظ‬


‫امص ع؛د المهاو ‪ 1001‬الباال فل ال جت ا القضري للياهرة الك؛رى‪ ،‬مجل مل ا ااو‪ ،‬جامع الياهرة‪،‬‬ ‫‪644‬‬

‫مجلد ‪ ،41‬العدا ‪.119 ، ،1‬‬

‫‪373‬‬
‫‪2023‬‬

‫معينة وتنتهي المشكلة‪ ،‬و إنما البطالة مستمرة باستمرارالحياة‪ ،‬وتتفاوت البطالة من دولة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬فالدول العربية وغير العربية تعاني من نفس المشكلة وتبذل قصارى جهدها من أجل‬
‫تحجيمها‪ ،‬ولم تعد ال بطالة كالسابق إذ أصبحت اليوم مستشرية في صفوف حملة الشهادات‬
‫الجامعية وذلك بسبب عدم وجود مواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل‪ ،‬انتشار الكثير‬
‫من الجامعات التي أصبح من السهل الحصول من خللها على الشهادة الجامعية‪ ،‬وزيادة‬
‫العمالة األجنبية ساهم بشكل كبيرفي البطالة‪ ،‬إضافة إلى ذلك لم تعد البطالة ذكورية كالسابق‬
‫و إنما أصبحت أنثوية إذ تشكل نسبة اإلناث العاطلت عن العمل من حملة الشهادات الجامعية‬
‫في مملكة البحرين ‪ % 85‬تقريبا‪.‬‬

‫وهذا البحث يسلط الضوء على بطالة الجامعين من خلل‪ :‬تعريف البطالة الجامعية‪،‬‬
‫وأسبابها‪ ،‬والعلقة بين البطالة واحتياجات سوق العمل‪ ،‬األساليب والخطط التي اتخذتها‬
‫مملكة البحرين‬

‫للحد من هذه المشكلة تنفيذا الى دستور مملكة البحرين الذي كفل لجميع المواطنين‬
‫الحق في العمل حسب المادة (‪.)13‬‬

‫مشكلة البحث‪:‬‬

‫البطالة نتيجة خلل اجتماعي وظروف اقتصادية تحول دون توفرأعداد كافية ومناسبة‬
‫من فرص العمل لتشغيل المتعطلين من الفئات التعليمية املختلفة‪ ،‬مما يسبب مشكلت‬
‫اقتصادية واجتماعية وسياسية ونفسية وهذا يعد مخالفة قانونية لدستور مملكة البحرين‬
‫الذي يكفل حق العمل لجميع المواطنين‪ ،‬ومن هنا يتطلب االمر معرفة حقيقة البطالة في‬
‫أوساط الجامعين من الباحثين عن عمل‪ ،‬وأسبابها‪ ،‬ودورحكومة مملكة البحرين للحد من هذه‬
‫المشكلة‪ ،‬وعليه تتحدد مشكلة البحث في السؤال الرئيس التالي‪:‬‬

‫ما و اقع وأسباب بطالة الجامعيين في مملكة البحرين؟ وماهي الحلول للحد من المشكلة؟‬

‫تقسيم البحث‪:‬‬

‫املحوراألول‪ :‬مفهوم البطالة وأسبابها والنظريات الحديثة والمعاصرة في البطالة‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫‪2023‬‬

‫المفهوم العام للبطالة‪ :‬إن البطالة مظهر من مظاهر الخلل في البناء االقتصادي وتعتبر‬
‫ظاهرة اقتصادية واجتماعية لها أبعادا تاريخية‪ ،‬وتعين وجود فئة نشيطة دون عمل أي قادرين‬
‫على العمل وال يعملون بسبب عدم وجود فرص للعمل بالرغم أنهم يبحثون عن العمل بشكل‬
‫متواصل وجدي‪.645‬‬

‫يعتبرمكتب العمل الدولي أن كل شخص يبلغ ‪ 15‬سنة في بطالة إذا كانت تتوفرفيه ثلثة‬
‫شروط‪ :‬أن يكون بل عمل‪ ،‬أن يكون جاهزا ألن يعمل في استخدام مأجور أو غير مأجور ويكون‬
‫يبحث عن عمل‪.646‬‬

‫المفهوم الرسمي للبطالة‪ :‬تتمثل في الفرق بني كمية العمل المعروضة وكمية العمل‬
‫المأجورة في‬

‫مجتمع ما خلل فترة زمنية معينة وبالتالي فإن حجم البطالة يتمثل في حجم الفجوة بني‬
‫الكمية‬

‫المعروضة من العمل والكمية المطلوبة من العمل في سوق العمل عند مستوى معني‬
‫من األجور‪.647‬‬

‫المفهوم العلمي للبطالة‪ :‬هي الحالة التي ال يستخدم املجتمع فيها قوة العمل فيه‬
‫استخداما كامل او امثل ومن ثم يكون الناتج الفعلي في هذا املجتمع أقل من الناتج املحتمل‪ ،‬مما‬
‫يؤدي الى تدني مستوى رفاهية افراد املجتمع عما كان يمكن الوصول‬

‫‪ 645‬خالد الزيايي ‪ ،‬الباال فل المنن العربل ال اال ي القل ‪ ،‬مج مع القيل العرب ‪ ،‬مصر‪.34 ، ، 1001‬‬
‫ع؛د األمير إبراه م ش ي الدلن‪ ،‬ئصمل ا صتصاا الكلل‪ ،‬ال ت س الجامع‬ ‫مم‪ .‬ترج‬ ‫‪ 646‬بر ق يا‪.‬‬
‫للد ا ات ‪ 1‬يالقار يالتمف ا‪ ،‬ل؛قام‪.133. ، 3929. ،‬‬
‫علل ع؛د المهاو نجا‪ ،‬ماال الباال يئثر برناما الصي ا صتصااي عليما‪ ،‬الدا الجامع ‪ ،‬ال اقد‬ ‫‪647‬‬

‫‪.1 ، ،1001‬‬

‫‪375‬‬
‫‪2023‬‬

‫إليه ومن خلل هذا التعريف نميزبعدين للبطالة فاألول يتمثل في عدم االستخدام التام‬
‫للقوة العاملة أما الثاني يتمثل في االستخدام غير األمثل للقوة العاملة‪ ،‬مما يترتب عليه أن تكون‬
‫اإلنتاجية المتوسطة للفرد أقل من حد أدنى معين‪.648‬‬

‫التعريف اإلجرائي ‪:‬عدم توفر عمل لحملة الشهادات الجامعية‪ ،‬ولديهم الرغبة والقدرة‬
‫ويبحثون عن العمل‪ ،‬ولم يجدوه‪.‬‬

‫المقياس الرسمي للبطالة‪:‬‬

‫عادة ما يقاس معدل البطالة من الجهات الرسمية بنسبة عدد العاطلين عن العمل إلى‬
‫العدد الكلي للعمال المشاركين في القوة العاملة عند نقطة زمنية معينة وذلك باستخدام‬
‫الصيغة التالية‪:‬‬

‫معدل البطالة= عدد العاطلين قوة العمل × ‪100‬‬

‫عدد العاطلين‪ :‬وهم كل األفراد القادرين عن العمل والراغبين فيه والباحثين عنه‪ ،‬وال‬
‫يجدون فرص عمل متاحة لهم في ظل األجورالسائدة‬

‫قوة العمل‪ :‬تشيرإلى جميع األفراد العاملين والعاطلين الذين يرغبون في العمل‪ ،‬بالطبع‬
‫في ظل األجورالسائدة أي أن‬

‫قوة العمل = حجم العمالة ‪ +‬حجم البطالة‪.649‬‬

‫أسباب بطالة الجامعيين‪:‬‬

‫تشهد البطالة بين الجامعيين تضخما متزايدا بسبب التوسع الكمي في حملة‬
‫الشهادات العلیا‪ ،‬وعدم ملءمة برامج التعليم مع متطلبات سوق العمل‪ ،‬يوجد فائضا في أعداد‬
‫الخريجين الذين يعانون من مقلقة في التخصصات التي تقدمها مؤسسات التعليم العالي‪ ،‬في‬
‫الوقت الذي يوجد فيه نقص واضح في مجاالت أخرى تحتاج اليها المؤسسات بالقطاع العام‬

‫‪، ،1002‬‬ ‫‪ 648‬مق د ئح د السر يت يعلل ع؛د المهاو نجا‪ ،‬مباائ ا صتصاا الكلل‪ ،‬اا الجامع ‪ ،‬ال اقد‬
‫‪.132‬‬

‫‪ - 649‬علل ع؛د المهاو جقا ‪ ،‬مرجا ؛و لمره ‪.33 ، 30 ، ،‬‬

‫‪376‬‬
‫‪2023‬‬

‫والخاص‪ ،‬كما يرجع سبب بطالة الجامعيين إلى تراجع سياسة التعين المباشر لحاملي‬
‫الشهادات الجامعية‪ ،‬والتي كانت من مهام الحكومة‪ ،‬فقد كانت تتكفل بتعيين الخريجين‬
‫الجامعيين في القطاع العام‪ ،‬وهذا ما أدى الى البطالة المقنعة‪ ،‬فأنشاء عدد كبيرمن المناصب‬
‫نجم عنه ارتفاع نسبة العمال في مجمل الوظائف‪ ،‬اال انه في الثمانينيات تغيردورالدولة في تعين‬
‫الخريجين فنجم عن ذلك زيادة نسبة بطالة الجامعين بعد أن كانت البطالة محصورة باألميين‪،‬‬
‫وظل معدل نسبة بطالة الجامعين في يرتفع بشكل سنوي‪ ،‬اذ وصلت نسبة البطالة بالبحرين في‬
‫‪ ) %5.4 ( 2022‬حسب ما جاء في جلسة مجلس الوزراء في ‪ 23‬يناير ‪ 2023‬بعد ما كانت ‪ %7.7‬في‬
‫‪ ،2021‬ومن رغم من انخفاض نسبة البطالة اال ان مشكلة الخريجين ال زالت تتصدر ملف‬
‫البطالة‪ ،‬ويرجع سبب ذلك االرتفاع المستمرفي اعداد الخريجين‪ ،‬الى جانب المشكلة لم تقتصر‬
‫على العدد فقط ألن المهم النوعية التي يجب ان يتميز بها هذا الكم ومدى ملءمته لسوق‬
‫العمل‪ ،‬إضافة الى ذلك زيادة حجم العمالة األجنبية التي أصبحت مقلقة‪650.‬‬

‫إضافة الى ان هناك أسباب أخرى‪:‬‬

‫‪-1‬طبيعة التعليم الجامعي‪ ،‬لم تعد مخرجات التعليم الجامعي تواكب التغيرات‬
‫المتسارعة في متطلبات سوق العمل‪.‬‬

‫‪ -2‬التوسع السريع وغير املخطط في التعليم الجامعي خلل فتح تخصصات غير مطلوبة‬
‫بسوق العمل‪.‬‬

‫‪ -3‬زيادة أعداد الجامعات إذ أصبحت الجامعات الخاصة إذ أن هناك بعض الجامعات‬


‫مخرجاتها ال ترتقي بالمستوى المطلوب لسوق العمل‪.‬‬

‫‪-4‬عدم المواءمة بين مخرجات التعليم احتياجات سوق العمل من حيث الكم والكيف‪.‬‬

‫‪-5‬التعليم ال زال يعتمد على التلقين أكثرمن اعتماده على التفكيرواألبداع واالبتكار‪.‬‬

‫ال ستدام فل الجزائر‪ ( ،‬ال ماجستير) ‪ ،‬فل ا صتصاا‬ ‫التاغيل على التق‬ ‫ا‬ ‫ثا‬ ‫‪ 650‬جبا ي ع؛د الر اف‬
‫ال ستدام ‪ ،‬مل العلمم ا صتصااي يعلمم التسيير‪ ،‬جامع فرحات عباس‪ ،‬ا ف‪1031/1031 ،‬‬ ‫الديلل يالتق‬
‫‪.312 ،‬‬

‫‪377‬‬
‫‪2023‬‬

‫بعكس التجربة األلمانية التي إذ يرتبط نظام التعليم بسوق العمل ارتباطا وثيقا‪،‬‬
‫فالطالب يقض ي معظم وقته في الشركة أوالمصنع‪ ،‬فالعمل يحدد ما يجب عليه أن يتعلمه و أين‬
‫ومتى‪ ،‬وكذلك الصين تعزز التعاون بين القطاعات املختلفة ومعاهد البحوث عن طريق إنشاء‬
‫مجمعات العلوم والمناطق االقتصادية عالية التكنولوجيا‪.‬‬

‫‪-1‬اعتماد التعليم الجامعي على أساليب غير دقيقة في اختيار المدخلت من الطلب‪،‬‬
‫وأساليب تقليدية في التعليم والتدريب والتقويم‪.‬‬

‫‪ -7‬ضعف برامج التوجيه واإلرشاد األكاديمي والمنهي‪.‬‬

‫‪ -9‬سوء التخطيط في توزيع الطلبة حيث يتم خلفا لرغباتهم ومؤهلتهم مما يؤدي إلى‬
‫الفشل أوتخريجهم بكفاءات ضعيفة غيرمؤهلين وغيرراغبين بالعمل في مجال تخصصهم‪ ،‬وهذا‬
‫التوزيع غيراملخطط له قد يحرم طلبة آخرين لديهم الرغبة في هذه التخصصات‪.‬‬

‫‪ -6‬األمية المهنية أو الميدانية التي يعاني منها أكثر الخريجين مما يؤدي إلى صعوبة في‬
‫تطبيق ما تعلموه والخوف والقلق من مواجهة المهنة‪.651‬‬

‫في المقابل الواليات المتحدة األمريكية من أجل تفعيل هذا االتصال وتفاديا منها وقوع‬
‫الخريجين في البطالة‪ ،‬فإن رجال األعمال وكذا العديد من المؤسسات يقومون بالعديد من‬
‫األنشطة‪ ،‬كالمشاركة في إدارة وتمويل المعاهد املختلفة والمشاركة في تخطيط المناهج‪ ،‬تحديد‬
‫المهارات والمعارف اللزمة للعمل في كل صناعة‪ ،‬إعداد برامج أثناء الصيف لتدريب الطلب‪،‬‬
‫ومن أهم الدالئل على االرتباط الوثيق بين الجامعات وجهات التوظيف في الواليات المتحدة‪،‬‬
‫قيام المؤسسات الصناعية ورجال‬

‫الاماج لدى خرجل الجامع الجزائر ‪ ( ،‬ال ماجستير) ‪ ،‬علم اجت ا‪،‬‬ ‫ا‬ ‫‪ - 651‬بلعربل ئ اء ياصا‬
‫التقظ م‪ ،‬مل العلمم النسان يا جت اع ‪ ،‬جامع مق د خضير‪ ،‬بسارة‪.11-11، 1031/1031، ،‬‬

‫‪378‬‬
‫‪2023‬‬

‫األعمال بإنفاق ما بين ‪ 200-40‬مليون دوالر سنويا في إعداد البرامج الخاصة برفع‬
‫مستوى الفنيين والتكنولوجيين وغيرهم‪ ،‬لذلك نجد أن معظم الخريجين الذين تلقوا برامج‬
‫لتحديث وتطوير مهاراتهم في المؤسسات الصناعية يلتحقون بسوق العمل مباشرة‪652.‬‬

‫ولم يتوقف األمر عند هذا الحد‪ ،‬بل أصبح أغلب أرباب العمل يطلبون الخبرة المهنية‪،‬‬
‫خصوصا في اآلونة األخيرة‪.‬‬

‫وهناك أسباب متعلقة بالبيئة املحيطة بالجامعة‪:‬‬

‫‪ -1‬العادات والتقاليد االجتماعية التي تقلل من قيمة بعض المهن فل يقبل بها‬
‫الخريجون‪.‬‬

‫‪ -2‬نظرة املجتمع إلى فئة المعلمين واألساتذة (مهنة التدريس) في ظل تدني الرواتب‬
‫ي‪ ،‬وهذا دفع بالكثير منهم للبحث عن مصادر أخرى لتحسين المعيشة‪653.‬‬ ‫والمستوى المعيش‬

‫التوجه العام للناس والمتعلق باهتمامهم وميولهم وتوجهاتهم‪ ،‬ومثال ذلك أن التدريس‬
‫مهنة محترمة بصورة عامة وللمرأة بصورة خاصة‪ ،‬ولهذا نجد أعدادا كبيرة من اإلناث في البحرين‬
‫يقبلن على الكليات المعنية بذلك على حساب باقي المهن التي تعانين نقصا في اإلطارات واليد‬
‫العاملة المؤهلة‪. 654‬‬

‫ظهرت عدة نظريات حديثة تقوم بالتطوير والتعديل وهي أكثر قدرة على تفسير الظواهر‬
‫الحديثة‪.‬‬

‫‪ -‬نظرية رأس المال البشري من مؤسسيها ‪.1964 Beher,Shult‬‬

‫‪ -‬نظرية تجزئة سوق العمل‬

‫ياصتصاا السم القرة‪ ،‬المام ال ا؛معات الجامع ‪ ،‬الجزائر‪-، 1001، ،‬‬ ‫‪ 652‬ال سايي ع اء مجيد العمل‬
‫‪.311‬‬
‫‪ 653‬نامام بعيمو حسين الترب فل المنن العربل‪ ،‬اا العرفام للقار يالتمف ا‪ ،‬ط‪ 3،‬ع ام‪ ،‬األ ام‪1001، ،‬‬
‫‪.278 ،‬‬
‫‪ 654‬بلعربل ئ اء مرجا ابو‪.11. ، ،‬‬

‫‪379‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬نظرية البحث عن العمل‬

‫‪ -‬نظرية اختلل التوازن‬


‫أوال‪ :‬نظرية رأس المال البشري من مؤسسيها ‪655.1964 Beher,Shult‬‬

‫تتمثل أهمية نظرية رأس المال البشري في المؤسسات في أن الشخص الذي يستثمر‬
‫في التعليم والتدريب يزداد لديه المستوى المهاري ويكون أكثر إنتاجية من األشخاص ذوي‬
‫المستوى المهاري األقل لذلك يمكن تحقيق المكاسب العليا نتيجة االستثمار في رأس المال‬
‫البشري‪ ،‬يشيربيكرإلى أن " التعليم يزيد المكاسب واإلنتاجية بشكل أساس ي بواسطة توفيرالدور‬
‫الهام في تنمية العاملين الحاليين‪ ،‬وتدعم نظرية رأس المال البشري الفكرة المتعلقة بأنه يمكن‬
‫تنمية المعارف والمهارات لدى العاملين من خلل االستثمارفي التعليم والتدريب والتعلم‪".‬‬

‫ثانيا‪ :‬نظرية تجزئة سوق العمل‪(656 .‬‬

‫أول من تطرق إلى تجزئة سوق العمل االقتصاديان ‪ M-Piore,P-Doeringer‬سنة ‪.1971‬‬

‫تفترض النظيرة وجود نوعين من األسواق يختلفان من حيث الخصائص والوظائف‬


‫المرتبطة بكل منهما‪:‬‬

‫السوق األولية‪ :‬تتميز هذه السوق باالستقرار الوظيفي‪ ،‬وتشمل المناصب العليا‪ ،‬ذات‬
‫األجورالعالية في ظل الظروف الجيدة‪ ،‬تستخدم هذه السوق الفنون اإلنتاجية ذات راس المال‬
‫المرتفع‪ ،‬والعمالة الماهرة‪ ،‬وتتسم هذه السوق بدرجة كبيرة من االستقرارعلى طلب منتجاتها‪،‬‬
‫وهذا ينعكس بدوره على الموظفين‪.‬‬

‫السوق الثانوية‪ :‬عكس السوق األولية‪ ،‬تتسم بأجور منخفضة‪ ،‬حركية عالية لليد‬
‫العاملة‪ ،‬علقات العمل فردية‪ ،‬مناصب عمل محدودة‪ ،‬مما يعرض أغلب العمالة للبطالة‪،‬‬
‫نظرا الستخدامها أساليب‬

‫‪655‬‬
‫‪Becker, G. S. (1964). Human capital theory. Columbia, New York, 1964.‬‬
‫‪ 656‬ج ي جما تيقل ي جا ا ا تريو‪ ،‬ا صتصاا الكلل‪ ،‬ترج ع؛د الطتا ع؛د الرح ام يع؛د العظ م مق د‪ ،‬اا‬
‫ال ر للقار‪ ،‬ال لك العرب السعماي ‪.111. ، 3999، ،‬‬

‫‪381‬‬
‫‪2023‬‬

‫إنتاجية كثيفة‪ ،‬مما يؤثرعلى التقلبات في مستوى النشاط االقتصادي‪ ،‬والنتيجة أن هذا‬
‫النوع ال يتمتع بالحقوق والضمانات التي يتمتع بها الموجود بالسوق األولية‪.‬‬

‫ويؤدي هذا األمرإلى أن هذه الفئة تكون أكثرعرضة للبطالة‪ ،‬فالمرورمن السوق األولية‬
‫إلى السوق الثانوية عملية شبه مستحيلة‪ ،‬ألن العامل المنتمي للسوق الثانوية يتطلب منه‬
‫قضاء فترة البطالة ليست بالقصيرة‪ ،‬حتى يتم إدماجه في سوق العمل األولى‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬نظرية البحث عن عمل‪.‬‬

‫ظهرت هذه النظرية على يد مجموعة من االقتصادين ‪ Pevry,Hall,Gordon,phelps‬في‬


‫فترة السبعينات‪ ،‬حيث استطاعت هذه النظرية أن توفر إضاءة مهمة ملختلف مظاهر سوق‬
‫العمل حيث تسعى إلى إدخال بعض الحقائق في النموذج النظري لسوق العمل‪.657‬‬

‫الفكرة الرئيسية لهذه النظرية أن عملية البحث عن عمل من قبل الباحث عن العمل‬
‫والبحث عن عامل من قبل رب العمل هي عملية أو جهد غير منسق‪ ،‬ويحتاج إلى وقت طويل‪،‬‬
‫ومكلف للطرفين‪ ،‬فالعامل يمض ي الكثير من الوقت ويستخدم طاقات كبيرة في عملية البحث‬
‫عن عمل ورب العمل أيضا يمض ي الكثير من الوقت في البحث عن عامل مناسب للعمل‪.‬‬

‫تنطلق هذه النظرية من الفرضيات الخمس التالية‪:‬‬

‫‪ -‬نقص المعلومات‪ ،‬فالباحث عن العمل يبحث عن األجر األحسن ولكنه ليس لديه علم‬
‫باألجور المقترحة في سوق العمل‪ ،‬وذلك ألن األجور المعروضة من طرف المؤسسات تتغير من‬
‫مؤسسة إلى أخرى‪.‬‬

‫‪ -‬كلما كانت مدة البحث في سوق الشغل طويلة كلما كان األجر المتوقع الحصول عليه‬
‫مرتفعا‪ ،‬وذلك ألن عملية البحث الطويلة األمد توفرإمكانية تحصيل كمية كبرية من المعلومات‬
‫وعدد هائل من االتصاالت بين الباحثين عن عمل وأرباب العمل‪.‬‬

‫‪ 657‬مل ا حي ات‪ ،‬إشاال الباال يالتضخم فل الجزائر خيل الطترة ‪ 1413-1331،‬ئنريح ميدم لقيل شمااة‬
‫امتم اه فل العلمم ا صتصااي ‪ ،‬جامع الجزائر ‪.11.، 1331، 1،‬‬

‫‪381‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬تكون عملية الحصول على المعلومات المتعلقة باألجور ومناصب الشغل المتوفرة‬
‫مكلفة بالنسبة للباحثين عن عمل‪.‬‬

‫‪ -‬وجود حد أدنى لألجور بمعنى أن العامل سوف يقبل أي أجرأعلى من هذا األجرويرفض‬
‫أي أجراقل منه‪.658‬‬

‫رابعا‪ :‬نظرية اختلل التوازن‬

‫تقوم هذه النظرية علـى رفـض الفـروض األساسـية للنمـوذج الكلسـيكي والنيو كلسيكي‬
‫القائم على تحليل سوق العمل المتعلق باستجابة األجورواألسعارعلى النمو الـذي بدوره يحقـق‬
‫التـوازن بـين العـرض والطلـب وفـرض بـديل هـو جمـود األجـورواألسـعارفي األجـل القصـير‬

‫ويرجـع هـذا الجمـود إلى عجـز كـل مـن األجـور واألسـعار في األجـل القصـير بالسـرعة الكافيـة‬
‫لتحقيـق التـوازن (عندما يكون المعروض من الخدمات أو السلع مساويا إلى الطلب) ونتيجـة‬
‫لـذلك قـد يتعـرض سـوق العمـل لحالـة مـن االختلل أو عـدم التـوازن تتمثـل في وجـود فـائض في‬
‫عرض العمل عن الطلب عليه‪ ،‬مما يؤدي إلى ظهوربطالة إجبارية‪)18( .659‬‬

‫يتحقق التوازن في سوق العمل حسب التحليل الكلسيكي عندما يتساوى الطلب على‬
‫العمل مع عرض العمل عند معدل أجرحقيقي‪ ،‬ويتحقق هذا التوازن عند مستوى االستخدام‬
‫التام الذي جعل سوق العمل خاليا من العاطلين عن العمل‪ ،‬الذي مكن الكلسيك من تقديم‬
‫صورة للتوازن الكلي في سوق العمل المعتمدة في أساسها على مقومات التحليل الجزئي وتنطلق‬
‫منه لتحديد مستوى األجر الحقيقي الذي يحقق التوازن العام‪.‬‬

‫االقتصاد عند مستوى التوظيف الكامل‪ ،‬من خلل ذلك يتضح أن هناك ثلثة مستويات‬
‫لألجر الحقيقي كما يلي‪:‬‬

‫المستوى األول‪ :‬الطلب أعلى من العرض‪.‬‬

‫‪Geneviève Grangeas; Jean -MarieLepage, Economie de l’emploi, Presse niversitaires‬‬


‫‪658‬‬

‫‪de France,France, 1993, p5.‬‬


‫‪ 659‬مدني بن شهرة‪ ،‬اإلصالح االقتصادي وسياسة التشغيل (التجربة الجزائرية) ‪ ،‬دار الحامد للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عمان ‪ 2111،‬ص ‪.229‬‬

‫‪382‬‬
‫‪2023‬‬

‫وهذا يعني أن سوق العمل يعاني من نقص في عدد العمال القادرين على العمل والراغبين‬
‫فيه وبالتالي سوق العمل في احتياج مما ينتج عنه ظهوربطالة إجبارية‪.‬‬

‫المستوى الثاني‪ :‬العرض أعلى من الطلب‪.‬‬

‫وهذا يعني أن سوق العمل يعاني من فائض في عدد العمال‪ ،‬مما ينتج عنه ظهور بطالة‬
‫اختيارية‪.‬‬

‫المستوى الثالث‪ :‬العرض يساوي الطلب‪.‬‬

‫وهذا يعني أن سوق العمل ال يعاني من البطالة واالحتياج أي أنه في حالة االستخدام التام‬
‫حيث كل شخص يرغب في العمل يمكن الحصول عليه عند األجر السائد‪)19( .660‬‬

‫الحق في العمل واالتفاقيات الدولية التي تسهم في الحد من تداعيات البطالة‪:‬‬

‫في ‪ 26‬يوليو‪ ،2012‬أصدرملك مملكة البحرين قانون العمل الجديد رقم ‪ 36‬لسنة ‪2012‬‬
‫ليحل محل قانون العمل القديم (رقم ‪ 23‬لسنة ‪ .)1976‬تم سن القانون الجديد ليتلءم مع عدة‬
‫معاهدات عربية ودولية واالتفاقيات التي وقعت عليها البحرين والتي دخلت حيز التنفيذ على‬
‫مدى السنوات الماضية‪.‬‬

‫القانون الجديد اعطى المزيد من الحقوق للعاملين‪ ،‬مثل تحسين ظروف العمل‪ ،‬وخلق‬
‫فرص أفضل للستثمار‪ ،‬ومنع ممارسات التمييز مثل التمييز في دفع األجور على أساس الجنس‪،‬‬
‫أو األصل العرقي‪ ،‬أو اللغة‪ ،‬أو الدين‪ ،‬أو المعتقدات ‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫والحق في العمل من الحقوق التي ينبغي االهتمام بها‪ ،‬فهو حق أصيل نصت عليه المادة‬
‫‪ 23‬من اإلعلن العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬والمادة ‪ 6‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق‬
‫االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬انضمت البحرين للعهد الدولي الخاص بالحقوق‬
‫االقتصادية واالجتماعية والثقافية في عام ‪ ،2008‬االمر الذي جعلها تتحمل مسؤولية قانونية‬
‫وأخلقية وسياسية يفرض عليها الوفاء بما احتوته من مواد‪ ،‬وفي مقدمها الحق في العمل‬
‫لمواطنيها‪.‬‬

‫‪ 660‬ع اء ج يد ال م مي‪ ،‬القظر ا صتصااي ‪ ،‬التقليل ا صتصااي الكلل‪ ،‬المام ال ا؛معات الجامع ‪ ،‬بن عاقمم الجزائر‪.11 ، ،‬‬

‫‪383‬‬
‫‪2023‬‬

‫فالثروة الحقيقة التي تملكها مملكة البحرين هي المواطن‪ ،‬فعندما يتم تدريبه بشكل‬
‫صحيح‪ ،‬ويعطى الفرصة إلثبات قدراته ومهاراته سيكون منتجا‪ ،‬ومخلصا في عمله‪ ،‬ولن يكون‬
‫هناك شخص أكثرحبا واخلصا وامانة من المواطن عندما يعطى فرصة‪.‬‬

‫وجاءت المادة ‪ 13‬من دستور مملكة البحرين كترجمة طبيعية لميثاق العمل الوطني‬
‫حيث نصت على‪:‬‬

‫أ) العمل واجب على كل مواطن‪ ،‬تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام‪ ،‬ولكل مواطن‬
‫الحق في العمل وفي اختيارنوعه‪ ،‬وفقا للنظام العام واآلداب‪.‬‬

‫ب) تكفل الدولة توفيرفرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه‪.‬‬

‫ج) ال يجوزفرض عمل إجباري على أحد إال في األحوال التي يعينها القانون لضرورة قومية‬
‫وبمقابل عادل‪ ،‬أو تنفيذا لحكم قضائي‪.‬‬

‫د) ينظم القانون‪ ،‬على أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة االجتماعية‪ ،‬العلقة‬
‫بين العمال وأصحاب األعمال‪.661‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد قطعت البحرين شوطـا كبيرا في مسألة توفير فرص عمل مناسبة لإليفاء بحق‬
‫المواطن في العمل‪ ،‬حيث انخفضت نسبة البطالة في ‪ 2022‬إلى ‪ %5.4‬حسب تصريحات وزارة‬
‫العمل‪ ،‬ولكن التزال هناك مشاكل أخرى تتعلق بسوق العمل‪ ،‬وفي هذا الصدد أشارت التقارير‬
‫إلى تـمكن وزارة العمل من توظيف ما يقارب ‪ 29‬ألف عاطل عن عمل في ‪ 2022‬حسب ما صرح به‬
‫وزيرالعمل لجريدة الوطن الصادرة بتاريخ ‪ 18‬فبراير ‪.2023‬‬

‫ويعد ملف الخريجين الجامعيين هـو التحدي الكبيرالمتعلق بالحق في العمل‪.‬‬

‫وقد بذلت حكومة البحرين متمثلة بوزارة العمل وهيئة تنظيم سوق العمل وصندوق‬
‫العمل قصارى جهدها من أجل االلتزام بهذا الحق‪ ،‬من خلل إعادة تدريب وتأهيل الباحثين عم‬
‫عمل ومن ضمنهم الجامعيين بما يتلءم مع متطلبات سوق العمل للحد من البطالة‪.‬‬

‫‪ 661‬هيئ التار ا يالرئي اليانمنل ‪/https://www.lloc.gov.bh‬‬

‫‪384‬‬
‫‪2023‬‬

‫يمكن أن نحد من البطالة من خلل توفير المناخ المناسب ً‬


‫بدء بالتأهيل األكاديمي‬
‫ً‬
‫والتدريب النوعي‪ ،‬فالعمل أصبح مرتبطـا بالتعليم‪ ،‬وبالتالي البد من تضافرالجهود من قبل كافة‬
‫الجهات المعنية لتكون مخرجات التعليم مواءمة لمتطلبات سوق العمل‪.‬‬

‫كما أن المملكة من منطلق حرصها على التزامها بهذا الحق اخذت بالعمل على حماية‬
‫الباحث عن عمل من خلل قانون التأمين ضد التعطل‪ ،‬إذ يتم صرف التأمين ضد التعطل‬
‫للباحثين عن عمل ألول مرة‪ ،‬وكذلك امتدت الحماية الى المسرحين من وظائفهم‪،‬‬

‫فالبحرين من الدول الذي انضمت الى االتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية‪،‬‬
‫فهذه التشريعات تسهم في حصول المواطنين على حقوقهم‪ ،‬وكذلك تعمل على حماية العمال‬
‫من التمييز‪ ،‬وكانت البحرين قد صادقت على العديد من االتفاقيات الدولية المتعلقة بتنظيم‬
‫حقوق العمل وغيرها‬

‫من االتفاقيات وأهم االتفاقيات التي صدقت عليها البحرين حسب ما اشارت اليه منظمة‬
‫العمل‬

‫الدولية هي‪:‬‬

‫‪ - C029‬اتفاقية العمل اإلجباري‪( 1930 ،‬رقم ‪)29‬‬

‫‪ - C105‬اتفاقية إلغاء العمل اإلجباري‪( 1957 ،‬رقم ‪)105‬‬

‫‪ - C111‬اتفاقية التمييز(التشغيل والمهنة) ‪( 1958 ،‬رقم ‪)111‬‬

‫‪ - C138‬اتفاقية الحد األدنى للسن‪( 1973 ،‬رقم ‪)138‬‬

‫‪ - C155‬اتفاقية السلمة والصحة المهنيتين وبيئة العمل‪( 1981 ،‬رقم ‪)155‬‬

‫املحورالثاني‪ :‬العلقة بين البطالة واحتياجات سوق العمل‬

‫يتســم ســوق العمــل فــي بمملكة البحرين بتحديــات وصعوبــات تتمثــل فــي زيــادة حجــم‬
‫العمالــة الو افــدة واالرتفاع فــي معدالت البطالــة ً بيـن فئـة الشـباب‪ ،‬وارتفـاع معدالته العالـية‪،‬‬
‫وطبيعـة بيئـة العمـل وجودتـه‪ ،‬بيـن المواطنيـن‪ ،‬خصوصـا األجوروالرواتــب والمكافــآت‪ ،‬والعديــد‬

‫‪385‬‬
‫‪2023‬‬

‫مــن المواضيــع األخرى المتعلقــة بهــذا القطــاع‪ ،‬كمــا يتســم ســوق العمــل فــي مملكة البحرين‬
‫بتغيــر مستمر وبســرعة كبيــرة ‪.‬وتشـكل العمالـة الو افـدة تحديـا للملكة‪ ،‬ممـا يدفعهـا إلـى المزيـد‬
‫مـن العمـل لمواجهـة التحديـات والتخفيـف مـن اآلثار السـلبية علـى العمالـة الوطنيـة‪ ،‬وخاصـة‬
‫الباحثيـن عـن عمـ‪ ،‬وتأتــي أهميــة دراســة وتحليــل إحصــاءات ســوق العمــل فــي المملكة فــي‬
‫التعــرف علــى مـدى قـدرة هـذه الـدولة علـى المشـاركة بفعاليـة فـي االقتصاد‪ ،‬وتعزيـز قدرتهـا علـى‬
‫التغلـب أو التكيـف مـع األزمات االقتصادية التـي قـد تحصـل فـي القـوى العاملـة وهذا يتطلب‬
‫وضـع خطة اسـتراتيجية إلحلل العمالـة الوطنيـة‪ ،‬لحـل لمشـكلة البطالـة ‪ ،‬باإلضافة إلـى ربـط‬
‫مخرجـات التعليـم بسـوق العمـل‪ .‬وهنا ال بد من اسـتعرض أهـم سـمات العمالـة الوطنية واألجنبية‬
‫فـي مملكة البحرين حسـب الخصائـص االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬مثـل العمـر‪ ،‬النـوع‪ ،‬الجنسـية‪،‬‬
‫المسـتوى التعليمـي‪ ،‬المهنـة‪ ،‬والنشـاط االقتصادي‪.662‬‬

‫خصائص أسواق العمل في مملكة البحرين‬

‫خلل العقود القليلة الماضية‪ ،‬اعتمدت اقتصادات مملكة البحرين على العمالة‬
‫األجنبية الو افدة لتحقيق األهداف اإلنمائية والحد من ضغوط فورة النشاط االقتصادي‪،‬‬
‫وظل التوظيف في القطاع العام يدعم مستويات المعيشة المرتفعة‪ ،‬غير أنه في ظل التز ايد‬
‫السريع في عدد السكان من الشباب أصبح خلق فرص عمل في القطاع الخاص للمملكة يمثل‬
‫تحديا وقد ارتفع معدل البطالة وسيرتفع أكثر في السنوات القادمة ما لم تتوفر فرص العمل في‬
‫القطاع الخاص‪ ،‬فزيادة أعداد السكان من الشباب وارتفاع معدالت المشاركة في القوى العاملة‬
‫سوف تؤدي إلى ارتفاع عدد الداخلين الجدد في القوى العاملة خلل السنوات المقبلة‪ ،‬ورغم‬
‫أن مشاركة المواطنين في القوى العاملة في القطاع الخاص تبلغ عددها ‪ ، 161.101‬بنسبة ‪%22‬‬
‫وعدد العمالة األجنبية يبلغ ‪ 609.028‬بنسبة تصل إلى ‪ ،%78‬فالنسبة ال زالت منخفضة جدا‪،‬‬
‫وقد بذلت مملكة البحرين جهودا حثيثة لتحسين التوازن بين العاملين المواطنين واألجانب‪،‬‬
‫فاعتمدت سياسات لتوطين القوى العاملة‪ ،‬بهدف زيادة‬

‫‪ 662‬ال رمز ا حصائل‪ ،‬ميمص م الع ل فل ايل مجلي التعايم لديل الخل ا العرب ‪.1031-1033‬‬

‫‪386‬‬
‫‪2023‬‬

‫نسبة المواطنين إلى األجانب في صفوف العاملين من خلل جعل البحريني الخياراألفضل‬
‫للمؤسسات‪ ،‬والعمل على رفع مستوى كفاءة البحرين من خلل التدريب‪ .‬غير أن نجاح هذه‬
‫ً‬
‫السياسات ال يزال محدودا ‪.‬‬

‫ويعتمد القطاع الخاص إلى حد كبيرعلى توظيف العمالة األجنبية‪ ،‬فالعمالة األجنبية في‬
‫البحرين تستحوذ على من ‪ %78‬من وظائف القطاع الخاص وذلك على الرغم من تنفيذ حصص‬
‫التوظيف التي تهدف إلى زيادة نسبة المواطنين في وظائف القطاع الخاص مع مرورالوقت‪ ،‬ولم‬
‫تزد نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص ‪ 2022‬إال بنسبة ‪ %3.6‬مقارنة بالعام الماض ي‬
‫‪ ، 2021‬ويستمرقطاع المقاوالت في الحصول على أعلى عدد من تصاريح العمل الجديدة بنسبة‬
‫‪% 26‬من مجموع تصاريح العمل الجديدة الصادرة‪ ،‬يتبعه قطاع أنشطة التجارة بنسبة بلغت‬
‫‪ %20‬ومن ثم قطاع خدمات اإلقامة والطعام بنسبة ‪. %14‬‬

‫وجدير بالذكر أن النمو االقتصادي السريع أدى إلى توفير الدعم القوي لخلق فرص‬
‫العم‪ ،‬فقد تباطأ نموالوظائف في القطاع العام‪ ،‬حيث يتم توظيف المواطنين‪ ،‬مقارنة بالقطاع‬
‫الخاص الذي يوظف في الغالب العمالة األجنبية ذات المهارات المنخفضة ‪.‬وتفاوت األجور بين‬
‫القطاعين العام والخاص‪ ،‬ال سيما بالنسبة للعمالة ذات المهارات المنخفضة‪ ،‬يجعل القطاع‬
‫العام أكثر جاذبية للمواطنين‪ ،‬بينما يفضل أرباب العمل في القطاع الخاص توظيف العمالة‬
‫األجنبية األرخص وذات المهارات المنخفضة ‪.‬ويمثل اإلنفاق من المالية العامة أحد العوامل‬
‫الرئيسية الدافعة للنمو والتوظيف في القطاع الخاص غير النفطي ‪ ،‬مع تركيزالخطط اإلنمائية‬
‫الوطنية على تطويرالبنية التحتية في كثيرمن األحيان باستخدام العمالة األجنبية ذات المهارات‬
‫المنخفضة‪.663‬‬

‫املحورالثالث‪ :‬دورالدولة في التصدي لمشكلة البطالة (حزمة سياسات متكاملة لمكافحة‬


‫البطالة)‬

‫‪ 663‬ممصا هيئ تقظ م م الع ل ‪https://lmra.gov.bh‬‬

‫‪387‬‬
‫‪2023‬‬

‫جهود المملكة في حل مشكلة البطالة لم تتوقف منذ سنوات وقد أخذت ً‬


‫بعدا ً‬
‫عمليا‬
‫مع انطلقة المشروع اإلصلحي لجلله الملك إذ تضافرت جهود القيادة والحكومة ومجلس ي‬
‫الشورى والنواب للمساهمة في طرح التصورات والمشروعات والخطط واالستراتيجيات اللزمة‬
‫إليجاد العلج الناجع لهذه القضية والحد من آثارها‪.664‬‬

‫وال يقع عبء مسألة توطين الوظائف ومكافحة البطالة في مملكة البحرين على جهة‬
‫معينة دون أخرى و إنما هي مسؤولية مشتركة بين كافة الجهات الحكومية والتعليمية والتربوية‬
‫والقطاع الخاص ‪.‬والبد من أن يتحمل كل طرف مسؤولياته نحو هذه القضية بموضوعية تامة‬
‫ورغبة صادقة في الوصول إلى قناعات مشتركة حول أفضل السبل الكفيلة بتحقيقها و إنجازها‬
‫على أرض الو اقع‪.‬‬

‫تعد قضية البطالة المتمثلة بعدم وجود فرص عمل تتناسب من حيث الحجم والنوع مع‬
‫الباحثين عن عمل من خريجي الجامعات من أهم الموضوعات التي أخذت تشغل السياسيين‬
‫وأصحاب القرار في الوقت الراهن إذ اهتم هؤالء بالعمل على وضع الخطط والبرامج المدروسة‬
‫لخفض نسب البطالة وتقليصها في مجتمعاتهم‪.665‬‬

‫ومملكة البحرين ليست استثناء في هذه الظاهرة‪ ،‬تتميز البطالة في مملكة البحرين في‬
‫وجود مفارقة اقتصادية تتمثل في تزايد عدد العمال األجانب المستقدمين وتنامي عدد‬
‫المواطنين العاطلين‪ ،‬وقد كان ينظر إلى البطالة كظاهرة مزمنة استحكمت في بلدان عربية‬
‫محدودة مثل مصر وبلدان االتحاد المغاربي بسبب حجم السكان الكبير فيها‪ ،‬والتركة‬
‫االستعمارية‪ ،‬أو ظروفها االقتصادية‪ ،‬لم يكن من المتوقع أن تنتشر البطالة في جميع البلدان‬
‫العربية دون استثناء‪ ،‬لكنها شملت اآلن البلدان‬

‫ئيضا جم ج تمفيو الع؛د يح يد عا‬


‫مق د ام‪ ،‬صقدي القيد الديلل يالتق فل الديل القام ‪ ،‬مجل القب‪ ،:‬العدا ‪ 200011،‬ي اجا ً‬
‫‪664‬‬

‫ئيضا التير ر‬
‫اايي‪ ،‬تقديات الق م يالعمل فل الار األي ط يإفر ق ا‪ ،‬مجل الت م ططل يالتق ‪ ،‬ما س ‪1001‬م‪ 01، ،‬يئنظر ً‬
‫ا صتصااي العربل ال محد لسقمات ‪3991‬م‪1996 ،‬م‪.1997‬‬
‫العرب ال طتمح فل الدان ا ك‪ ،‬مل ا اا ة يا صتصاا‪،‬‬ ‫بقث حمل ال؛ط طاططالط ط ط ميدم الى ا كااي‬ ‫‪ 665‬يليد ناجل الق الل‪ ،‬ا ا‬
‫العرب ال طتمح ‪.1. ، ،‬‬ ‫ا كااي‬

‫‪388‬‬
‫‪2023‬‬

‫املحدودة السكان والمنتجة للنفط بوفرة‪ ،‬وقد تسللت البطالة إلى هذه البلدان من خلل‬
‫تيارات الهجرة‬

‫المؤقتة إليها‪ ،‬والتي ما انفكت تتدفق على الرغم من خطط تقليصها‪ ،‬وبدت هذه البطالة‬
‫بين المواطنين ال تكاد تصدق‪ ،‬ولكنها حقيقية‪ ،‬وتهدد السلم االجتماعي في هذه البلدان‪ ،‬انكشفت‬
‫هذه الظاهرة في هذه البلدان بعد أن تشبع القطاع العام‪ ،‬وعجز عن توظيف المزيد‪ ،‬ولم يكن‬
‫القطاع الخاص مهيأ لتحمل مسئولية تشغيل المواطنين‪ ،‬فذلك يعيق نشاطه ويقلص من‬
‫جدواه االقتصادية‪ ،‬ولم تكن الحكومات تستطيع الضغط أكثر مما يجب‪ ،‬حرصا على نمو هذا‬
‫القطاع الخاص‪ ،‬خاصة وأن الضغوط تتزايد النسحاب الحكومة من بعض األنشطة‪ .‬ويتم‬
‫ذلك‪ ،‬في حين تشهد الموارد من عائدات النفط تقلبا شديدا‪ ،‬كما ظهرت تحديات أمنية سادت‬
‫المنطقة‪ ،‬وهذه استنزفت قدرا كبيرا من الموارد‪ ،‬وقد كان لتنظيم سوق العمل المعتمد على‬
‫نظام الكفيل دورفي ذلك كله‪ ،‬فقد ساهم في تجزئة أسواق العمل‪ ،‬وتقسيم عمل حاد بين الو افد‬
‫والوطني‪ ،‬وعليه يتطلب من حكومة مملكة البحرين للحد من ظاهرة البطالة المتفشية‬
‫ً‬
‫وخصوصا في أوساط الجامعين والتي تشكل ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي‪ ،‬يتوقع‬
‫ارتفاع عدد المواطنين العاطلين عن العمل‪ ،‬فمن الملحظ أن الكثير من المتعطلين من‬
‫الشباب الذين قد امض ي فترات طويلة في حالة البطالة حتى باتت أشبه ما تكون بالبطالة‬
‫المزمنة بل إن ما يثير االنتباه هو أن غالبية من المتعطلين هم من المتعلمين الذين امض ي‬
‫سنوات طويلة في التحصيل العلمي سيما من خريجي المؤهلت الجامعية األمر الذي يثير‬
‫التساؤل عن مدى ملءمة مخرجات النظام التعليمي مع متطلبات أسواق العمل الحديثة‪،‬‬
‫ومحصلة ذلك كله تمثل في انخفاض معدالت اإلنتاجية في مملكة البحرين وتزاحم العمالة‬
‫الوطنية في القطاع العام مع استخدام القطاع الخاص لعمالة أجنبية رخيصة األجر وقليلة‬
‫المهارة‪.666‬‬

‫فقد وضعت مملكة البحرين الخطة الوطنية لس ــوق العمل للفترة ‪ 2026-2023‬بشأن‬
‫تشغيل العمالة الوطنية واألجنبية لألعوام األربعة القادمة‪ ،‬حيث تم االستناد على برنامج عمل‬

‫ايل الخل ا العرب ‪ ،‬ال رجا السابو‪ 30 ، ،‬صندوق القيد الديلل إصيحات م الع ل لتعز ز التمظ ف يالنتاج فل مجلي‬ ‫‪666‬‬

‫التعايم لديل الخل ا العرب ‪ ،‬مرجا سابق‪.4 ، ،‬‬

‫‪389‬‬
‫‪2023‬‬

‫الحكومة لألعوام ‪ 2026-2023‬ومش ــاريع اإلطار الموحد للبرامج الحكومية ذات األولوية‪،‬‬
‫والخطة الوطنية لحقوق اإلنسان لألعوام ‪ 2026–2022‬وخطة التعافي االقتصادي‪ ،‬وبما‬
‫ينسجم مع الرؤية االقتصادية لمملكة البحرين ‪ 2030‬وتهدف الخطة لتطوير س ــوق العمل في‬
‫البحرين وضمان نموه واس ــتقراره‪ ،‬واملحافظة على العمالة الوطنية وتوفير فرص عمل‬
‫مس ــتدامة لها من خلل تس ــخير كافة اإلمكانات والموارد للرتقاء بالتعليم والتدريب لتطوير‬
‫الموارد البش ــرية الوطنية وجعلها مهيئة للندماج في س ــوق العمل‪ ،‬كما تركز على مواءمة‬
‫مخرجات التعليم العالي مع متطلبات س ــوق العمل‪ ،‬وتوفيرالتدريب الداعم للمواطنين وتحس ــين‬
‫إمكانياتهم‪ ،‬وتعزيز مشاركة المرأة البحرينية في سوق العمل‪ ،‬وتطوير المؤسس ــات الصغيرة‬
‫والمتوس ــطة ودعم رواد األعمال‪ ،‬وتعزيز التنافس ــية االقتصادية‪ ،‬وجذب االستثمارات األجنبية‬
‫المباش ــرة‪ ،‬ورفع فعالية س ــوق العمل من خلل زيادة الرقابة والتنظيم في س ــوق العمل‪ .‬ومن‬
‫ً‬
‫المؤمل أن تش ــكل األهداف االستراتيجية ومبادراتها حافزا لزيادة حجم الوظائف في البحرين‬
‫ً‬
‫باالعتماد على قدرة القطاع الخاص وتعزيزقدرات العاملي ــن في ــه‪ ،‬وجع ــل مملكة البحرين موقعا‬
‫ً‬
‫جاذبا للس ــتثمارات اإلقليمي ــة والعالمية من خلل تس ــهيل اإلجراءات وتوفير الموارد البشرية‬
‫الوطنية المؤهلة وبالتالي تحقيق األهداف المنشودة‪.‬‬

‫وم ــن المتوقع في المرحلة المقبلة أن تس ــتمرالتحديات المرتبطة بتوظي ــف البحرينيين في‬
‫القطاع الخاص‪ ،‬وأهمها معالجة ارتفاع فارق التكلفة بين البحريني وغيرالبحريني‪ ،‬ورفع إنتاجية‬
‫القطاع الخاص بما يسهم في خلق الوظائف النوعية لتوظيف ع ــدد أكب ــر من البحرينيين مع‬
‫ازدياد ع ــدد الجامعيين واإلناث من إجمالي الباحثين عن عم ــل‪ ،‬والحاجة لتعزيز مواءمة‬
‫مخرجات التعليم العالي مع احتياجات س ــوق العمل‪ ،‬إضافة إلى الحاجة المس ــتمرة لتعزيز‬
‫أنظمة الرقابة وتطوير التش ــريعات المنظمة لسوق العمل وتطوير الخدمات اإللكترونية‬
‫المقدمة من قبل مختلف الجهات الحكومية المعنية‪.667‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫ٌ‬
‫محور أساس ي لكافة الخطط والبرامج والمشاريع التنموية التي يتم‬ ‫المواطن البحريني‬
‫العمل على تنفيذها‪ ،‬وتحرص مملكة البحرين دائما أن يكون المستفيد األول من التنمية عبر‬

‫‪ 667‬الخا المنق لسم الع ل ‪26‬لمنيم ‪ 1011‬لألعمام ‪.1011-1014‬‬

‫‪391‬‬
‫‪2023‬‬

‫مواصلة خلق الوظائف النوعية للباحثين عن عمل من المواطنين‪ .‬وتعمل المملكة على تحفيز‬
‫الشركات بالقطاع الخاص من خلل المشاريع الذي تستهدف الباحثين عن عمل وكذلك‬
‫الموظفين‪ ،‬وقد أطلقت الحكومة أربع مبادرات تصب في صالح الباحثين عن عمل بهدف تقليص‬
‫حجم البطالة بالمملكة وتشجيع الشركات على جعل البحريني الخياراألفضل بالتوظيف‪ ،‬ومن‬
‫ضمن هذه المبادرات‪ :‬حملة توعوية شاملة لتسجيل المواطنين الباحثين عن فرص العمل وفق‬
‫آليات وإجراءات تسجيل تكون مكملة ومعززة للجهود التي تقوم بها وزارة العمل ‪ ،‬وزيادة الدعم‬
‫الذي يقدمه قانون التأمين ضد التعطل من خلل تعديل مرسوم بقانون رقم ‪ 78‬لسنة ‪2006‬‬
‫بالتعاون مع السلطة التشريعية‪ ،‬وإعادة تصميم برنامج التدريب ودعم األجور صندوق العمل‬
‫"تمكين" لجعله أكثر مواءمة مع متطلبات سوق العمل ‪ ،‬إلى جانب رفع رسم تصاريح النظام‬
‫الموازي االختياري ورسم نظام تصريح العمل المرن بما يعزز الفرص التي تجعل المواطن‬
‫البحريني الخياراألول في التوظيف‪.‬‬

‫إن الوزارة تطمح في أن يحقق البرنامج الوطني للتوظيف أهدافه بتوظيف البحرينيين‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وتأهيلهم ليصبحوا خيارا رئيسيا في سوق العمل‪ ،‬مشيرا إلى أن تحقيق مبادرات البرنامج يتطلب‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تعاونا إيجابيا ومثمرا من شركاء اإلنتاج الثلثة ‪.‬‬

‫إضافة إلى صندوق العمل "تمكين" حيث يقوم بالتنسيق مع الجهات المعنية بإعادة‬
‫تصميم برنامج التدريب ودعم األجور بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل‪ ،‬فالدعم الحالي‬
‫لألجوردعم األجورلحديثي التخرج ى لمدة ثلث سنوات ففي السنة األولى بنسبة ‪ %70‬وفي السنة‬
‫الثانية ‪ %50‬أما في السنة الثالثة بنسبة ‪ ،%30‬أما البرنامج الثاني فيتمثل في دعم األجور‬
‫ً‬
‫للموظفين ذوي الخبرة عن طريق دفع ‪ 250‬دينارا أو ‪ %25‬لمدة ثلث سنوات‪ .‬مؤكدا بأن إعادة‬
‫تصميم برامج دعم األجور سيسهم في مواصلة تعزيز فرص حصول المواطنين على الوظائف‬
‫اللئقة في القطاع الخاص‪.‬‬

‫فمملكة البحرين تسعى جاهدة من أجل حلحلة ملف البطالة من خلل برامجها التي‬
‫تصب في صالح المواطن البحريني وتتو افق مع احتياجات سوق العمل‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫‪391‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -1‬سميرة العابد‪ ،‬زهية عباز‪ :‬ظاهرة البطالة في الجزائر ُبت الو اقع والطموحات‪ ،‬مجلة‬
‫الباحثين عدد‪ 11،‬الجزائر‪.2012 ،‬‬

‫‪ -‬موقع األمم المتحدة‪ 11 ،‬أغسطس ‪ - 2022‬احصائيات منظمة العمل الدولية‪.‬‬

‫‪ -3‬سامح عبد الوهاب ‪ :2002‬البطالة في املجتمع الحضري للقاهرة الكبرى‪ ،‬مجلة كلية‬
‫اآلداب‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬مجلد ‪ ،12‬العدد ‪.2‬‬

‫‪ -‬خالد الزواوي‪ :‬البطالة في الوطن العربي المشكلة والحل‪ ،‬مجموعة النيل العربية‪،‬‬
‫مصر‪.2004‬‬

‫‪ -5‬برينية وا‪ .‬سيمون‪ .‬ترجمة عبد األمير إبراهيم شمس الدين‪ :‬أصول االقتصاد الكلي‪،‬‬
‫المؤسسة الجامعية للدراسات ‪ 3‬والنشروالتوزيع‪ ،‬لبنان‪.1696. ،‬‬

‫‪ -6‬علي عبد الوهاب نجا‪ :‬مشكلة البطالة و أثر برنامج اإلصلح االقتصادي عليها‪ ،‬الدار‬
‫الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية ‪.2005‬‬

‫‪ -7‬محمد أحمد السرييت وعلي عبد الوهاب نجا‪ :‬مبادئ االقتصاد الكلي‪ ،‬دار الجامعة‪،‬‬
‫اإلسكندرية ‪.2009‬‬

‫‪ -6‬جباري عبد الرزاق‪ :‬آثارسياسة التشغيل على التنمية المستدامة في الجزائر‪( ،‬رسالة‬
‫ماجستير)‪ ،‬في االقتصاد الدولي والتنمية المستدامة‪ ،‬كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسیير‪،‬‬
‫جامعة فرحات عباس‪ ،‬سطيف‪.2017/2015،‬‬

‫‪ -10‬بلعربي أسماء‪ :‬و اقع سياسة اإلدماج لدى خرجي الجامعة الجزائرية‪( ،‬رسالة‬
‫ماجستير)‪ ،‬علم اجتماع التنظيم‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد خضير‪،‬‬
‫بسكرة‪.2013/2014، ،‬‬

‫‪ -11‬المساوي ضياء مجيد‪ :‬العولمة و اقتصاد السوق الحرة‪ ،‬ديوان المطبوعات‬


‫الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.2005، ،‬‬

‫‪-12‬نشوان بعقوب حسين‪ :‬التربية في الوطن العربي‪ ،‬دار العرفان للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1،‬‬
‫عمان‪ ،‬األردن‪.2005، ،‬‬

‫‪392‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪14 -Becker, G. S. (1964). Human capital theory. Columbia, New York, 1964.‬‬

‫‪ -15‬جیمس جوارتیني وریجارد استروب‪ ،‬االقتصاد الكلي‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الفتاح عبد‬
‫الرحمان وعبد العظيم محمد‪ ،‬دارالمريخ للنشر‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪.1666،‬‬

‫‪ -16‬مليكة حييات‪ ،‬إشكالية البطالة والتضخم في الجزائر خلل الفترة ‪3171-2115،‬‬


‫أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم االقتصادية‪ ،‬جامعة الجزائر‪.2117، 4،‬‬

‫‪17- Geneviève Grangeas; Jean -MarieLepage, Economie de l’emploi, Presse‬‬


‫‪.niversitaires de France, France, 1993‬‬

‫‪ -18‬مدني بن شهرة‪ :‬اإلصلح االقتصادي وسياسة التشغيل (التجربة الجزائرية) ‪ ،‬دار‬


‫الحامد للنشروالتوزيع‪ ،‬عمان ‪.2009،‬‬

‫‪-19‬ضياء جميد الموسوي‪ :‬النظرية االقتصادية‪ ،‬التحليل االقتصادي الكلي‪ ،‬ديوان‬


‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬بن عكنون الجزائر‪.‬‬

‫‪ -20‬هيئة التشريع والرأي القانوني ‪/https://www.lloc.gov.bh‬‬

‫‪-21‬المركز االحصائي‪ ،‬ملمح سوق العمل في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية‬
‫‪.2014-2011‬‬

‫‪ -22‬موقع هيئة تنظيم سوق العمل ‪https://lmra.gov.bh‬‬

‫‪ -23‬محمد آدم‪ :‬صندوق النقد الدولي والتنمية في الدول النامية‪ ،‬مجلة النبأ‪ ،‬العدد ‪54،‬‬
‫أيضا جورج توفيق العبد وحميد رضا داوي‪ ،‬تحديات النمو والعولمة في الشرق‬ ‫‪2000‬وراجع ً‬
‫األوسط إفريقيا‪ ،‬مجلة التموي ــل والتنمية‪ ،‬ما س ‪2003‬م‪ ،‬ص‪ :07‬أنظر ً‬
‫أيضا التقرير‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫و‬
‫االقتصادي العربي الموحد لسنوات ‪1665‬م‪1996 ،‬م‪1667،‬‬

‫‪ -24‬وليد ناجي الحيالي‪ ،‬دراسة بحثية حول الب ـطــالـ ــة مقدمة الى االكاديمية العربية‬
‫المفتوحة في الدانمارك‪ ،‬كلية االدارة واالقتصاد‪ ،‬االكاديمية العربية المفتوحة‪.‬‬

‫‪ -26‬الخطة الوطنية لسوق العمل ‪26‬يونيو ‪ 2023‬لألعوام ‪.2023-2021‬‬

‫‪393‬‬
‫‪2023‬‬

‫مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة " أية مالءمة مع‬
‫التحوالت القانونية والمؤسساتية التي يعرفها المغرب"‬
‫‪The rule of expropriation for public benefit‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إن مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة تتم عبر مرحلتين‪ ،‬إحداهما إدارية‬
‫وأخرى قضائية‪ ،‬وهي مجال للتداخل بين المصلحة الخاصة المتمثلة في حق الملكية الخاصة‬
‫وحرية المبادرة من جهة‪ ،‬وبين المنفعة العامة وما تفرضه من قيود على ممارسة هذا الحق من‬
‫جهة أخرى‪ .‬كما تعتبرمجاال لتقاطع القانون العام والقانون الخاص‪ ،‬إذ أن المرحلة اإلدارية وما‬
‫يتخللها من صدورقراري نزع الملكية من اجل المنفعة العامة ومقررالتخلي ونشرهما بالجريدة‬
‫الرسمية وغيرها من وسائل النشر واإلعلن والتعليق واإليداع بمقر الجماعة من أجل البحث‬
‫وتمكين الملكين الخواص وأصحاب الحقوق العينية والحقوق الشخصية من الدفاع عن‬
‫حقوقهم ‪ ،‬واإليداع باملحافظة العقارية أو التقييد بالسجل الخاص باألراض ي غير محفظة‬
‫المنصوص عليه في الفصل ‪ 455‬من قانون المسطرة المدنية المودع لدى املحكمة اإلدارية‪،‬‬
‫هذه المرحلة ينظمها القانون اإلداري الذي يعتبر فرعا من فروع القانون العام‪ ،‬أما المرحلة‬
‫القضائية والتي يتم اللجوء إليها في حالة تعذر التراض ي بين اإلدارة نازعة الملكية من جهة وبين‬

‫‪394‬‬
‫‪2023‬‬

‫الملكين الخواص وأصحاب الحقوق العينية من جهة أخرى‪ ،‬فتخضع للتنظيم القضائي الذي‬
‫يعتبرأحد فروع القانون الخاص‪.‬‬

‫هذا ويستفاد من مقتضيات الفصل األول من القانون رقم ‪ 91.7‬المتعلق بنزع الملكية‬
‫ألجل المنفعة العامة وباالحتلل المؤقت المذكور أعله أن موضوع نزع الملكية ينصب على‬
‫العقارات والحقوق العينية العقارية فيكون علينا بالتالي أن نحدد ماذا يقصد بذلك‪.‬‬

‫والقاعدة في التشريع المغربي أن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة يمس العقارات‬
‫وحدها دون المنقوالت‪ .‬يتأكد ذلك بصورة جلية وواضحة من أحكام الفصل األول من قانون‬
‫نزع الملكية الذي ينص بكيفية صريحة على أن إجراءات هذا القانون تخص ملكية العقارات‬
‫كل أو بعضا وكذلك ملكية الحقوق العينية العقارية المتفرعة عنها‪ ،‬حيث لم يذكر المشرع‬
‫المنقوالت ال من قريب وال من بعيد‪ ،‬ومن البديهي أن المقصود بالملكية العقارية الملكية‬
‫الخاصة ال العامة‪ ،‬ألن هذه األخيرة ال يمكن أن تكون محل لنزع الملكية‪ ،‬ما لم تزل عنها تلك‬
‫الصفة بقرارإداري‪.‬‬

‫وكما هو معلوم‪ ،‬فإن القانون رقم ‪ 7.91‬المتعلق بنزع الملكية ألجل المنفعة العامة قد‬
‫صدر بتاريخ ‪ 1‬مايو ‪ 1692‬فعمره يتجاوز األربعين سنة‪ ،‬وهي مدة عرف المغرب خللها مجموعة‬
‫من التحوالت على األصعدة االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬وحيث أن علة وجود اإلدارة‬
‫المغربية هي تلبية احتياجات المرتفق وفقا للختصاصات الموكولة لها بمقتض ى القوانين‬
‫واألنظمة‪ ،‬سواء كانت هذه االحتياجات من الوثائق أو الرخص أو األذونات او حفظ األمن‬
‫والنظام العامين أوإنجازالبنيات األساسية والمشاريع التنموية وغيرها من المنشآت والمشاريع‬
‫ذات الطابع االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪.‬‬

‫ولما كانت احتياجات المرتفق تتسع وتتطور‪ ،‬فإن اإلدارة مطالبة بمواكبة ومسايرة هذا‬
‫التطورالش يء الذي يتطلب توفرها على اآلليات القانونية والمسطرية من أجل تمكينها من إعادة‬
‫التموقع وملءمة تدخلتها وفقا لرهانات المرحلة‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬فقد أسس دستور ‪ 2011‬لمرحلة جديدة تميزت بتعديلت وتغييرات‬
‫شملت اإلطار التشريعي والمؤسساتي كان لها وقع على التنظيم اإلداري المغربي ‪ ،‬وكمثال على‬

‫‪395‬‬
‫‪2023‬‬

‫هذه التحوالت صدور القوانين التنظيمية ‪ 111.14‬و‪112.14‬و‪ 113.14‬المتعلقة بالجماعات‬


‫الترابية ومرسوم ‪ 21‬ديسمبر ‪ 2019‬بمثابة ميثاق وطني للتمركز اإلداري‪ ،‬والقانون ‪31.13‬‬
‫المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات‪ ،‬والقانون رقم ‪ 55.16‬المتعلق بتبسيط المساطر‬
‫واإلجراءات اإلدارية وغيرها من القوانين التي تروم إسهام اإلدارة في التنمية االقتصادية‬
‫واالجتماعية وتجويد العلقة بين اإلدارة والمرتفق‪.‬‬

‫وفي نفس السياق انخرطت اإلدارة العمومية المغربية والجماعات الترابية في ورش‬
‫التحول الرقمي من خلل تنامي المنصات الرقمية والبوابات اإللكترونية واألنظمة‬
‫المعلوماتية‪ ،‬فمثل مقتضيات المادة ‪ 25‬من القانون ‪ 55.16‬المتعلق بتبسيط المساطر‬
‫واإلجراءات اإلدارية والذي أصبح ساري المفعول بتاريخ ‪ 16‬مارس ‪ 2020‬يلزم اإلدارات أن تقوم‬
‫برقمنة المساطر واإلجراءات المتعلقة بمعالجة وتسليم القرارات اإلدارية التي تدخل في مجال‬
‫اختصاصها وتلك المتعلقة بأداء المصاريف اإلدارية ذات الصلة‪ ،‬وذلك في أجل أقصاه خمس‬
‫سنوات ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ ‪.‬‬

‫إن هذا النموذج من اإلصلحات والتعديلت‪ ،‬وفر مجموعة من المبادئ والمقاربات‬


‫واآلليات التي يمكن أن تكون مصدر إلهام إلصلح نظام نزع الملكية من أجل المنفعة العامة‪،‬‬
‫سواء عبر تبسيط المساط ر واإلجراءات وحذف تلك التي لم تعد تنسجم مع متطلبات المرحلة‪،‬‬
‫أو عبر التماهي والتناغم مع نظرية الموازنة في نزع الملكية والتي ابتدعها االجتهاد القضائي‬
‫الفرنس ي‪ ،‬وكذلك رقمنة جميع اإلجراءات اإلدارية والدعاوى القضائية وما يترتب عنها‪.‬‬

‫الكلمات الرئيسية‪.‬‬

‫المنفعة العامة‪ :‬بصفة عامة عرفت المنفعة بأنها الشعور باللذة أو السعادة المتولدة‬
‫من إشباع حاجة معينة لدى الفرد‪ ،‬وأن المذهب النفعي اعتبر سعادة اإلنسان ال تكتمل إال‬
‫بتحقيق سعادة اآلخرين من حوله‪ ،‬فقد ربط المنفعة الخاصة – إذا صح التعبير عنده –‬
‫بالمنفعة العمومية سواء أكان ذلك نوعا من المثالية‪ ،‬فعلى ذلك يكون الفرد مساهما بإرادته‬

‫‪396‬‬
‫‪2023‬‬

‫في تحقيق المنفعة العمومية سواء أكانت متحققة تبعا لتحقيق منفعته الخاصة أم مقصودة‬
‫بذاتها‪.668‬‬

‫لقد ترتب على العلقة بين المنفعة العمومية والمنفعة الخاصة أنه اعتبرت المنفعة‬
‫العمومية هي التي تتحقق عند السعي إلشباع الحاجات العامة على أساس أنه إذا كان للفرد‬
‫حاجاته الخاصة التي يسعى إلشباعها‪ ،‬فإن للجماعة أيضا حاجاتها العامة التي يسعى الجميع‬
‫لتحقيقها‪ ،‬وتختلف أولويات إشباع هذه الحاجات بحسب أهمية كل منها‪ ،‬حيث تتصدرها‬
‫الحاجة إلى األمن لتعلقه بسلمة الدولة وحماية استقللها وضمان استقرارها‪ ،‬بينما يأتي في‬
‫مؤخراتها الحاجات الترفيهية‪ ،‬كما تختلف أهمية الحاجة بحسب الظروف التي يمر بها املجتمع‪،‬‬
‫ففي حاالت معينة تزداد الحاجة إلى مرفق األمن‪ ،‬وفي أوقات أخرى تحظى الحاجات االقتصادية‬
‫باألولوية‪.‬‬

‫السلطة التقديرية‪ :‬إن تحديد مفهوم السلطة التقديرية لإلدارة لم يتطرق إليه المشرع‪،‬‬
‫بل اقتصر مجال تعريفه على الفقه‪ ،‬حيث تعددت تعريفات الفقهاء كل حسب وجهة نظره‪،‬‬
‫ولكنها تتركز في املجمل في حرية اإلدارة التخاذ القرار المناسب في الوقت الملئم لغرض تحقيق‬
‫المصلحة العامة والنظام العام‪ .‬لقد تعددت تعاريف الفقهاء حول مضمون السلطة التقديرية‬
‫لإلدارة‪ ،‬ولكل فقيه وجهة نظره ولكنها تشترك في معنى واحد وهو حرية اإلدارة في التدخل سواء‬
‫من حيث الوقت أو طبيعة اإلجراء الذي تتخذه حسب ظروف الو اقعة‪.669‬‬

‫من استقراء النصوص القانونية المتعلقة بالسلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬نجد أن المشرع‬
‫يترك لإلدارة حرية التصرف وفقا لما تقدره من حيث اتخاذ القرار الملئم والذي يتناسب مع‬
‫الظروف واألوضاع الراهنة وفي الوقت الذي تختاره‪ ،‬كما تقوم بتكييف السبب القانوني والحالة‬
‫المادية التي دفعتها إلصدارالقرار‪.670‬‬

‫‪668‬أحمد أحمد الموافي‪ ،‬فكرة المنفعة العامة في نزع الملكية الخاصة (نظرية الموازنة‪ ،‬دراسة مقارنة)‪ ،‬رسالة دكتوراه‪،‬‬
‫كلية الحقوق‪ ،‬جامعة اإلسكندرية مصر‪2772 ،‬كلية الحقوق‪ ،‬قسم القانون العام‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪669‬خليفي محمد‪ " ،‬الضوابط القضائية للسلطة التقديرية لإلدارة – دراسة مقارنة‪ -‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام جامعة‬
‫أبي بكر بلقايد‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬تلمسان الجزائر‪ ،‬ص ‪.22-22‬‬
‫‪670‬خليفي محمد‪ " ،‬الضوابط القضائية للسلطة التقديرية لإلدارة –دراسة مقارنة –‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة‬
‫أبي بكر بلقايد‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬تلمسان – الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2129/2129‬ص ‪.22‬‬

‫‪397‬‬
‫‪2023‬‬

‫مبدأ المشروعية‪ :‬بمعناه الواسع هو الخضوع التام للقانون سواء من جانب األفراد أو‬
‫الدولة‪ ،671‬أما المشروعية اإلدارية فهي خضوع األعمال والتصرفات الصادرة عن السلطة‬
‫التنفيذية ( اإلدارة العامة) للنظام القانوني السائد بالدولة بمختلف قواعده‪ .672‬وسنرى فيما‬
‫بعد رقابة المشروعية الخارجية ورقابة المشروعية الداخلية‪.‬‬

‫نظرية الموازنة‪ :‬االتجاه الحديث في القضاء اإلداري ال يكتفي بالنظر إلى تحقيق المنفعة‬
‫العامة ‪673‬نظرة مجردة و إنما تجاوزذلك إلى النظرفيما يعود به القرارمن فائدة تحقق أكبرقدر‬
‫من المصلحة العامة وذلك عن طريق الموازنة بين الفوائد التي يحققها المشروع المزمع‬
‫إنشاؤه والمصالح الخاصة التي سيمس بها‪ ،‬وبالتالي تقييم قرار نزع الملكية على ضوء مزاياه‬
‫وسلبياته والمقارنة بين المصالح المتعارضة لإلدارة والخواص المنزوعة ملكيتهم كل ذلك في‬
‫نطاق المشروعية املخولة لقاض ي اإللغاء‪.‬‬

‫اإلشكالية األساسية‬

‫تتم اإلجراءات الشكلية والمسطرية السابقة واللحقة لصدورونشرمقررإعلن المنفعة‬


‫العامة بالجريدة الرسمية وفقا للمقتضيات القانونية والتنظيمية المؤطرة لنزع الملكية ألجل‬
‫المنفعة العامة‪ ،‬لكن هذا القرار قد تعتريه إحدى عيوب تجاوز السلطة المنصوص عليها في‬
‫الفصل ‪ 20‬من القانون ‪ 41.60‬املحدث للمحاكم اإلدارية‪ ،‬مما يجعل هذا القرارمعرضا لإللغاء‬
‫من طرف القضاء اإلداري‪ .‬كما أن موازنة مشروع المنفعة العامة من طرف القضاء اإلداري قد‬
‫تفض ي إلى استخلص أن أضراره مفرطة مقارنة مع منافعه بسبب االستعمال غير السليم‬
‫للسلطة التقديرية لإلدارة نازعة الملكية‪.‬‬

‫فإذا كان القرار اإلداري يتكون من ثلثة عناصر وهي السبب واملحل والغاية‪ ،‬فإن على‬
‫اإلدارة أن تتحرى التناسب بين سبب إصدار مقرر إعلن المنفعة العامة أي الوقائع المادية‬
‫الموجبة إلصداره من جهة والغاية التي هي تحقيق المنفعة العامة من جهة أخرى‪ .‬والقضاء‬

‫‪ 671‬محمد محمد عبده إمام‪ ،‬القضاء اإلداري (مبدأ المشروعية وتنظيم مجلس الدولة)‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪.2119 ،‬‬
‫‪ 672‬بلعيدي دليلة‪ ،‬رقابة القاضي اإلداري بين رقابة المشروعية ورقابة المالءمة‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر في الحقوق تخصص قانون‬
‫إداري‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪-‬بسكرة الجزائر‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬ص ‪.9‬‬

‫‪398‬‬
‫‪2023‬‬

‫اإلداري عندما يتدخل لمر اقبة هذا التناسب فإنما يتبنى الرقابة الحديثة أو رقابة الملءمة في‬
‫مقابل الرقابة القضائية التقليدية التي كانت تتجنب التدخل في السلطة التقديرية لإلدارة‪.‬‬

‫إن المرحلة القضائية كما هو معلوم‪ ،‬تتكون من دعوى الحيازة التي تعرض على قاض ي‬
‫المستعجلت لكي يحكم بحيازة العقارات موضوع دعوى الحيازة من طرف اإلدارة نازعة الملكية‬
‫مقابل أداء تعويض مؤقت للملكين الخواص وأصحاب الحقوق العينية‪ ،‬بعد تأكد القاض ي من‬
‫استيفاء جميع اإلجراءات والشكليات المنصوص عليها في القانون رقم ‪ 7.91‬والمرسوم‬
‫التطبيقي لهذا القانون‪ .‬أما دعوى الموضوع فتهدف إلى نقل ملكية العقارمن الملكين الخواص‬
‫إلى اإلدارة نازعة الملكية بعد تأكد قاض ي الموضوع من صدور حكم بالحيازة والقيام بجميع‬
‫اإلجراءات المنصوص عليها في القانون‪.‬‬

‫إضافة إلى هذين القاضيين هناك كذلك قاض ي اإللغاء والذي يفحص شرعية القرار‬
‫اإلداري بناء على دعوى اإللغاء التي قد تقدم من طرف الملكين الخواص المتضررين من قرار‬
‫إعلن المنفعة لنزع الملكية‪ .‬وكما هو معلوم فعيوب الشرعية المنصوص عليها في الفصل ‪20‬‬
‫من القانون ‪ 40.61‬هي عيب االختصاص‪ ،‬عيب الشكل‪ ،‬عيب عدم التعليل‪ ،‬عيب مخالفة‬
‫القانون ثم عيب االنحراف في استعمال السلطة‪ .‬ومر اقبة هذه العيوب من طرف قاض ي اإللغاء‬
‫تندرج في إطار رقابة الشرعية أو الرقابة التقليدية‪ ،‬وعندما يتبين للقاض ي بأن قرار إعلن‬
‫المنفعة مشوبا بأحد هذه العيوب فإنه يلغي مقررإعلن المنفعة العامة‪.‬‬

‫أما الرقابة القضائية الحديثة فتنصرف كذلك إلى الظروف املحيطة بمشروع المنفعة‬
‫العامة أو ما يسمى برقابة الملءمة‪ ،‬فمشروع المنفعة العامة قد تكون أضراره مفرطة بالنسبة‬
‫لمنافعه وفي هذه الحالة يقوم القاض ي بإلغاء هذا القرار‪.‬‬

‫وتعتبرالمنفعة العامة مناط نزع الملكية ألجل المنفعة العامة تدورمعها وجودا وعدما‪،‬‬
‫وحيث أن المشرع لم يضع تعريفا لمفهوم المنفعة العامة تاركا املجال للفقه والقضاء لتبيان‬
‫معالمه ومحاولة استجلء مختلف مقوماته و أبعاده‪ ،‬فإن تبني ميكانيزمات وآليات ومقاربات‬
‫جديدة إلضفاء صبغة المنفعة العامة على مشروع معين في إطار نزع الملكية ألجل المنفعة‬
‫العامة‪ ،‬من شأنه المساهمة في درء تجاوزالسلطة و ضمان تحقيق المنفعة العامة دون اإلضرار‬
‫بالملكية الخاصة‪ ،‬بل أن تقديرالمنفعة العامة الموجبة لنزع الملكية يمكن أن يتم بشكل أدق‬

‫‪399‬‬
‫‪2023‬‬

‫وأوجه عبر تبني آليات ومقاربات تأخذ بعين االعتبار األبعاد االقتصادية واالجتماعية والبيئية‬
‫لمشروع المنفعة العامة‪.‬‬

‫من هنا تنبثق اإلشكالية الرئيسية كما يلي‪ :‬إن مشروعية مقرر إعلن المنفعة العامة‬
‫تقتض ي التقيد باإلجراءات الشكلية والمسطرية المنصوص عليها في القانون‪ 7.91‬والقوانين‬
‫ذات الصلة‪ ،‬إضافة إلى ملءمة مقرر إعلن المنفعة مع الموارد المتاحة والسياقات‬
‫االقتصادية واالجتماعية والبيئية املحيطة بالمشروع المراد انجازه‪ .‬وفي ظل التحوالت‬
‫المؤسساتية والقانونية التي يعرفها المغرب ‪ -‬خصوصا منها تلك التي تهدف إلى تبسيط‬
‫المساطر واإلجراءات اإلدارية وتيسير ولوج المرتفق إلى المعلومات واعتماد التخطيط كآلية‬
‫لتلبية انتظارات المواطن فالسؤال المطروح‪ " :‬أية آليات ومقاربات ومعاييريمكن استلهامها من‬
‫هذه التحوالت من أجل تيسير وتحصين تقدير اإلدارة لمشاريع المنفعة العامة علة وجود‬
‫مسطرة نزع الملكية‪.‬‬

‫لإلجابة على هذه اإلشكالية تم إعداد تصميم وفق املحاورالتالية‪ :‬المطلب األول‪ :‬ملءمة‬
‫قانون نزع الملكية مع المنظومة القانونية الحالية (قانون تبسيط المساطر واإلجراءات‬
‫اإلدارية‪ ،‬التخطيط الترابي للجماعات الترابية)‪.‬المطلب الثاني‪ :‬رقمنة اإلجراءات والمساطر‬
‫اإلدارية (االنخراط في التحول الرقمي)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ملءمة قانون نزع الملكية مع المنظومة القانونية الحالية (قانون‬
‫تبسيط المساطرواإلجراءات اإلدارية‪ ،‬التخطيط الترابي للجماعات الترابية)‪.‬‬

‫إن الصياغة القانونية للحقــوق والحــريات هي الشكلية التي يظهر بها مضـمون القانون‪.‬‬
‫فهل مقومات األمن القانوني متوفرة في القانون الحالي لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة؟‬
‫وما هي التعديلت والتحسينات التي ينبغي إجراؤها على هذا القانون من أجل جعل المواطن‬
‫يشعرإزاءه باألمن واالستقراروالثبات؟‬

‫إن القانون رقم ‪ 7-91‬المتعلق بنزع الملكية ألجل المنفعة العامة كان والزال ساري‬
‫المفعول منذ ‪ 1‬ماي ‪ ،1692‬ومنذ هذا التاريخ طرأت تحوالت اقتصادية واجتماعية وثقافية‬
‫أثرت على العلقة بين المرتفق واإلدارة‪ ،‬فالمنحى العام يفيد أن القائمين على اإلدارة بدأت‬

‫‪411‬‬
‫‪2023‬‬

‫تستشعر أن علة وجودها هي تلبية حاجيات المرتفق وفقا ألهداف ومؤشرات محددة مسبقا‪،‬‬
‫فكلما كانت طلباته تتحقق بالسرعة المطلوبة والجودة المرغوبة كانت النجاعة اإلدارية هي‬
‫سيدة الموقف ودليل على أن اإلدارة تساير التحوالت المتعددة األبعاد‪ .‬فإرضاء تطلعات‬
‫و انتظارات المرتفق يبقى المؤشراألساس ي على قيام اإلدارة بواجباتها على الوجه الصحيح‪.‬‬

‫وعلى المستوى التشريعي فقد عرفت السنوات األخيرة فقط صدور مجموعة من‬
‫القوانين التي أريد منها التأسيس لعهد جديد ومرحلة ملئمة لتطلعات و انتظارات المواطن‬
‫المتنامية‪ .‬فصدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ‪ 14-112 ،14-113‬و‪14-111‬‬
‫المتعلقة على التوالي بالجماعات واألقاليم والعماالت‪ ،‬والجهات‪ ،‬قد أحدثت تغييرات خصوصا‬
‫على مستوى اختصاصات العامل بالنسبة ملجلس العمالة أو اإلقليم والوالي بالنسبة للمجلس‬
‫الجهوي‪ ،‬فالعامل لم يعد له صفة اآلمر بالصرف بالنسبة لميزانية اإلقليم أو العمالة‬
‫كجماعتين ترابيتين ‪ ،‬ولم يعد الجهاز التنفيذي لمداوالت مجلس العمالة أو اإلقليم‪ ،‬بحيث‬
‫أصبحت هذه الجماعة الترابية بمقتض ى القانون ‪ 14-112‬تستأثربالدورين التداولي والتقريري‪،‬‬
‫كما أن رئيس مجلس العمالة أو اإلقليم هو اآلمربالصرف‪.‬‬

‫ونفس الش يء بالنسبة للمجالس الجهوية‪ ،‬إذ أصبح املجلس الجهوي يضطلع‬
‫باالختصاصات التداولية والتقريرية على السواء‪ ،‬كما أصبح رئيس املجلس هو اآلمر بالصرف‬
‫والجهاز التنفيذي لمداوالت املجلس طبقا للقانون رقم ‪ ،14-111‬علما أنه قبل صدور هذا‬
‫القانون التنظيمي كان والي الجهة هو اآلمر بالصرف وهو كذلك الجهاز التنفيذي الذي ينفذ‬
‫مداوالت مجلس الجهة‪.‬‬

‫إن املجالس اإلقليمية ومجالس العماالت والجهات والجماعات هي جماعات ترابية‬


‫خاضعة للقانون العام تتمتع بالشخصية االعتبارية واالستقلل اإلداري والمالي‪ ،‬وقد جاء مبدأ‬
‫التدبير الحر بمقتض ى القوانين التنظيمية الثلثة السالفة الذكر ليوحي بأن المشرع يسعى من‬
‫خلل سن هذا المبدأ إلى االعتراف للجماعات الترابية بنضجها وبقدرة مواردها البشرية‬
‫وهياكلها وأجهزتها على مواكبة التحوالت االقتصادية واالجتماعية التي يعرفها تراب المملكة‪،‬‬
‫ويؤكد هذا المنحى االنتقال من الوصاية اإلدارية على الجماعات الترابية وما تحمل من‬

‫‪411‬‬
‫‪2023‬‬

‫إيحاءات إلى أسلوب الرقابة اإلدارية ‪ -‬خصوصا البعدية ‪ -‬الرامية إلى ضمان احترام المشروعية‬
‫في تدبيرالشأن العام املحلي‪.‬‬

‫إن توسيع صلحيات رؤساء الجماعات الترابية واستبدال الوصاية اإلدارية بالرقابة‬
‫اإلدارية لمن شانه أن يمنح الجماعات سلطة أكبرللتقديرواختصاصا أرحبا في تحقيق المنفعة‬
‫العامة وفق العناصرالقانونية والو اقعية الموجبة لهذه المنفعة‪ .‬إن مقرراإلعلن عن المنفعة‬
‫العامة الذي يصدرعلى شكل مرسوم لرئيس الحكومة وفقا لمقتضيات المرسوم رقم ‪.92. 392‬‬
‫‪ 2‬بتاريخ ‪ 11‬أبريل ‪ 1693‬صادرفي ‪ 11‬أبريل ‪ 1693‬بتطبيق القانون رقم ‪ 7.91‬المتعلق بنزع الملكية‬
‫ألجل المنفعة العامة وباالحتلل المؤقت الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪1.91.254‬‬
‫المؤرخ في ‪ 1‬مايو ‪ ،1692‬وقبل أن يصبح هذا المقررساري المفعول فإن هناك مرحلة التمهيدية‬
‫تتم خللها دراسة جدوى مشروع نزع الملكية‪ ،‬واختيار الوعاء العقاري الذي سيخصص‬
‫للمنفعة العامة‪ ،‬مع بيان موقعه ومساحته التقريبية واسم مالكه‪.‬‬

‫ومقرر إعلن المنفعة العامة قد يعين القطع األرضية موضوع نزع الملكية مع ذكر‬
‫مساحاتها وأسماء ملكيها‪ ،‬وفي هذه الحالة فإن هذا المقرريعتبربمثابة مقررالتخلي‪ .674‬إذ أن‬
‫المقررين قد يكونا منفصلين أومندمجين‪ .‬ومن الناحية العملية فإن اإلدارة دأبت على ادماجهما‬
‫في مقرر واحد يسمى مرسوم اإلعلن عن المنفعة العامة ونزع الملكية ‪ 675‬وذلك رغبة في ربح‬
‫الوقت وتفادي مجموعة من الشكليات واإلجراءات الناتجة عن صدور مقرر التخلي‪ 676‬بشكل‬
‫منفصل‪.‬‬

‫إن انتقال الصلحيات التنفيذية لكل من رئيس مجلس اإلقليم أو العمالة عوض العامل‬
‫وإلى رئيس املجلس الجهوي عوض الوالي‪ ،‬يجعل من امر تعديل الفصل ‪ 2‬من مرسوم رقم‬
‫‪ 2.92.392‬صادر في ‪ 11‬ابريل ‪ 1693‬بتطبيق القانون رقم ‪ 7.91‬المتعلق بنزع الملكية ألجل‬

‫‪674‬ينص ‪ 9‬من القانون ‪ 9-12‬على‪ ":‬يمكن للمقرر المصرح بالمنفعة العامة أن يعين مباشرة األمالك التي يشملها نزع‬ ‫الفصل‬

‫الملكية وإال فإن هذا التعيين يقع بموجب مقرر إداري يدعى " مقرر التخلي"‪.‬‬
‫‪ 675‬دليل عملي لمسطرة نزع الملكية ألجل المنفعة العامة وفق القانون ‪ 9-12‬خاص باإلدارات العمومية‪ ،‬طبعة ‪ ،2121‬ص‪.7‬‬
‫‪ 676‬ينص الفصل ‪ 2‬مرسوم ‪ 2.12.312‬صادر في ‪ 29‬أبريل ‪ 2713‬بتطبيق القانون رقم ‪ 9.12‬المتعلق بنزع الملكية على ما يلي ‪" :‬‬
‫يتخذ مقرر التخلي المنصوص عليه في الفقرة الثانية من الفصل ‪9‬من القانون رقم ‪ 9.12‬المومأ إليه أعاله‪:‬‬
‫رئيس المجلس الجماعي إذا كان القائم بنزع الملكية جماعة حضرية أو قروية أو أي شخص تفوض إليه هذا الحق؛‬ ‫‪-‬‬
‫عامل اإلقليم أو العمالة إذا كان القائم بنزع الملكية إقليم أو عمالة أو شخص يفوض إليه هذا الحق؛‬ ‫‪-‬‬

‫‪412‬‬
‫‪2023‬‬

‫المنفعة العامة أمرمطلوب ‪ ،‬ذلك أن مقررالتخلي يقترح أن يتخذ من طرف رئيس مجلس اإلقليم‬
‫أو العمالة الذي يمثل هذه الجماعة الترابية واآلمر بصرف لميزانيتها وجهازها التنفيذي عوض‬
‫العامل‪.‬‬

‫ونفس الش يء بالنسبة للجهة فانتقال نفس الصلحيات إلى رئيس الجهة يستدعي نقل‬
‫صلحية اتخاذ مقرر التخلي إلى رئيس الجهة عوض الوالي‪ .‬أما العامل والوالي فيحتفظان بدور‬
‫الرقابة اإلدارية على مطابقة اإلجراءات المسطرية لمقتضيات الفصول ‪ 12-11-10-6-9‬و‪ 19‬من‬
‫القانون رقم ‪ ،7.91‬وهي رقابة حيوية ستسهم في تحصين المرحلة اإلدارية من أي عيب قد ينتج‬
‫عنه رفض قاض ي المستعجلت منح حيازة القطع األرضية موضوع نزع الملكية أو رفض قاض ي‬
‫الموضوع لنقل الملكية لإلدارة طالبة نزع الملكية‪.‬‬

‫إن المنحى العام يوحي بأن المشرع المغربي‪ ،‬يسعى إلى جعل اإلدارة في خدمة التنمية‬
‫االقتصادية عوض أن تشكل عائقا للدينامية االقتصادية‪ ،‬مما يستدعي ترسيخ انفتاح أكبر‬
‫لإلدارة على المرتفق وتمكينه من الحصول على المعلومة ذات الطابع العام بشكل سلس وفق‬
‫ضوابط واضحة ال يشوبها لبس وال غموض وتبسيط المساطر اإلدارية من خلل حذف‬
‫اإلجراءات التي لم تعد مجدية أو تلك التي ال تخدم ال المصلحة العامة وال حقوق المرتفقين‪.‬‬
‫فمسطرة نزع الملكية تحتاج بدورها إلى التحري في اإلجراءات التي لم تعد مجدية واآلجال التي‬
‫تستدعي التقليص وحق المنزوعة ملكيته في الولوج إلى أي معلومة ذات طابع عام يطلبها من‬
‫أجل تتبع مراحل المسطرة اإلدارية والمرحلة القضائية‪ ،‬واللجوء إلى القضاء حالما تبين له أن‬
‫هناك عيب من عيوب المشروعية أو تقدير للتعويض ال يعادل القيمة الحقيقية لألملك التي‬
‫انتزعت منه‪.‬‬

‫كما سبقت اإلشارة إن مرور ما يفوق ‪ 40‬سنة على صدور القانون‪ 7- 91‬يفترض معه‬
‫حدوث مجموعة من التحوالت على جميع األصعدة االقتصادية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬البيئية والثقافية‪.‬‬
‫واإلدارة العمومية لما كانت علة وجودها هي خدمة المواطن وتحقيق انتظاراته وتطلعاته‬
‫وطموحاته‪ ،‬فإنها كانت والزالت مطالبة بتطوير علقتها بالمواطن عبر مختلف آليات التدبير‬
‫المتاحة‪ ،‬ابتداء من تجويد طرق االستقبال‪ ،‬إلى قضاء حاجيات المواطنين بالسرعة المطلوبة‬
‫والجودة المنتظرة‪ .‬علما أن هذه الحاجيات يمكن تلبيتها إما في إطار تحقيق المنفعة العامة‬

‫‪413‬‬
‫‪2023‬‬

‫اعتبارا ألن المنفعة العامة قد تكون هي مجموع المنافع الخاصة للمرتفقين‪ ،‬أو في إطارتحقيق‬
‫منفعة خاصة بناء على طلب مباشريقدمه المرتفق سواء كان شخصا ذاتيا أو اعتبارا‪.‬‬

‫و لما كانت المصلحة العامة هي المبرراألساس ي الذي خول اإلدارة العمومية والجماعات‬
‫الترابية والمؤسسات العمومية التمتع بامتيازات السلطة العمومية والتي تعد نزع الملكية من‬
‫أجل المنفعة العامة إحداها‪ ،‬فإن ممارسة هذا االمتيازينبغي أن يتم ليس فقط وفق اإلجراءات‬
‫المسطرية المنصوص عليها في القانون ‪ ، 7.91‬بل يتعين أيضا تبني اآلليات والمقاربات‬
‫والميكانيزمات التي تستهدف توسيع نطاق حقوق وحريات األفراد وتلبية تطلعاتهم في إطار من‬
‫الموازنة بين المنفعة العامة والمنفعة الخاصة‪ .‬إن مجموعة من التعديلت التي مست الترسانة‬
‫القانونية خلل السنوات األخيرة خصوصا تلك التي تؤطر العلقة بين اإلدارة العمومية‬
‫والمرتفق‪ ،‬توحي بأن هناك إرادة للمشرع لرسم معالم جديدة لمفهوم المنفعة العامة‪ ،‬وإعادة‬
‫صياغة العلقة بين اإلدارة والمرتفق بما يرسخ ويوطد الثقة المتبادلة بينهما ‪ ،‬ويضفي المزيد‬
‫من الوضوح على ولوج المواطن إلى المعلومات والمعطيات التي يحتاجها في قضاء مختلف‬
‫أغراضه من جهة‪ ،‬أو للمساهمة في تكريس الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام ‪ ،‬وتبسيط‬
‫المساطر واإلجراءات اإلدارية ووضع مجموعة من المنصات والبوابات واألنظمة الرقمية رهن‬
‫إشارة المواطن والمرتفق لتمكينه من الحصول على الخدمات التي يطلبها في إطارمن الشفافية‬
‫والنزاهة والجودة ‪.‬‬

‫إللقاء الضوء على بعص من هذه اآلليات والمقاربات ورصد وقعها على ملءمة قانون نزع‬
‫الملكية من أجل المنفعة العامة‪ ،‬سأتطرق إلى ورشين إصلحيين أفقيين‪ ،‬يتعلق األول بورش‬
‫تبسيط المساطر واإلجراءات اإلدارية طبقا للقانون رقم‪( 55.16‬الفقرة األولى)‪ ،‬أما الثاني‬
‫فيخص المنفعة العامة والبرامج التنموية للجماعات الترابية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬ملءمة قانون نزع الملكية للقانون ‪ 55.16‬المتعلق بتبسيط المساطر‬
‫واإلجراءات اإلدارية‬

‫إن المرحلة اإلدارية لمسطرة نزع الملكية ألجل المنفعة تتضمن عدة إجراءات مسطرية‬
‫تفض ي إلى صدورمقررين‪ ،‬المقرراألول يسمى مقررإعلن المنفعة والذي يصدرفي شكل مرسوم‬
‫للسيد رئيس الحكومة ويعين المنطقة المشمولة بنزعة الملكية ألجل المنفعة العامة‪ ،‬ثم مقرر‬

‫‪414‬‬
‫‪2023‬‬

‫التخلي والذي ينبغي أن يصدر داخل أجل ال يتعدى سنتين من تاريخ نشر مقرر إعلن المنفعة‬
‫العامة بالجريدة الرسمية والذي يختص بتحديد ملكي القطع األرضية المشمولة بنزع الملكية‬
‫مع ذكر مساحتها وجميع المعطيات الخاصة بها‪ .‬هذا في حالة صدورهما منفصلين‪ ،‬أما في حالة‬
‫اندماج المقررين‪ ،‬فإن مقرر إعلن المنفعة يعين مباشرة األملك التي يشملها مقرر نزع‬
‫الملكية‪.677‬‬

‫ومن الناحية العملية‪ ،‬فإن اإلدارات العمومية والجماعات الترابية تفضل االستناد إلى‬
‫الفصلين السابع والتاسع من قانون نزع الملكية ألجل المنفعة العامة‪ ،‬حيث يصدر مقرر‬
‫اإلعلن عن المنفعة معينا لألملك المقرر نزع ملكيتها ويسمى حسب الدليل المعد سنة ‪2019‬‬
‫من طرف األمانة العامة للحكومة "مرسوم اإلعلن عن المنفعة العامة ونزع الملكية"‪ ،‬الش يء‬
‫الذي يمكن من تفادي إصدار مقرر التخلي منفصل مع ما يتطلبه ذلك من شكليات وإجراءات‬
‫مسطرية سواء خلل مرحلة التحضير لصدوره أو بعد صدوره والتي تتطلب مجهودات من لدن‬
‫اإلدارة نازعة الملكية وآجال يمكن أن تمتد لسنتين تضاف إلى أجل سنتين مدة صلحية مقرر‬
‫إعلن المنفعة‪.‬‬

‫وتأسيسا على الحيثيات السالفة‪ ،‬وحيث أن تبسيط المساطر واإلجراءات اإلدارية يعد‬
‫ضمن المبادئ العامة للقانون ‪ 55.16‬الذي ينص على حذف المساطر واإلجراءات غير المبررة‬
‫وتحديد اآلجال والعمل على تخفيض المصاريف والتكاليف المترتبة عليها بالنسبة إلى المرتفق‬
‫واإلدارة‪ ،‬بناء على هذا المعطى فالمقترح تعديل مقتضيات الفصول ‪ 6 ، 7، 1‬و‪10‬من القانون‬
‫‪ ، 7-91‬إذ يقترح تعديل عبارة الجواز(يمكن) الواردة في الفقرة األولى من الفصل السابع بصيغة‬
‫الوجوب (يجب) ‪ ،‬وكذلك االستغناء تماما على صدور مقرر التخلي منفصل ‪ ،‬مادام أن مقرر‬
‫المنفعة العامة سيكون وجوبا معينا بصفة مباشرة لألملك التي يشملها نزع الملكية ‪ .‬إذاك‬
‫ستصبح الفقرة األولى من الفصل السابع من القانون رقم ‪ 7-91‬على الشكل التالي‪ " :‬يعين المقرر‬

‫‪ 677‬تنص الفقرة األولى من الفصل ‪ 9‬من القانون ‪ 9-12‬المتعلق بنزع الملكية ألجل المنفعة العامة‪ " :‬يمكن للمقرر المصرح‬
‫بالمنفعة العامة أن يعين مباشرة األمالك التي يشملها نزع الملكية وإال فإن هذا التعيين يقع بموجب مقرر إداري يدعى " مقرر‬
‫التخلي"‪ .‬وتنص الفقرة الثا نية من نفس الفصل على ما يلي‪ ":‬ويجب أن يصدر هذا المقرر في أجل سنتين يبتدئ من تاريخ نشر‬
‫المقرر القاضي بإعالن المنفعة العامة في الجريدة الرسمية‪ .‬وإذا انصرم هذا األجل دون أن يتم ذلك تعين تجديد إعالن المنفعة‬
‫العامة"‪.‬‬
‫وينص الفصل التاسع من القانون رقم ‪ 9-12‬على ما يلي‪ " :‬إذا عين في نفس الوقت المقرر القاضي بإعالن المنفعة العامة‬
‫األمالك المقرر نزع ملكيتها اعتبر المقرر من جراء ذلك بمثابة مقرر للتخلي ووجب أن تتخذ بشأنه بهذه الصفة اإلجراءات‬
‫المقررة في الفصول ‪21‬و‪22‬و‪.22‬‬

‫‪415‬‬
‫‪2023‬‬

‫المصرح بالمنفعة العامة وجوبا ومباشرة األملك التي يشملها نزع الملكية‪ .‬وتمتد صلحية هذا‬
‫المقرر الذي يأخذ اسم مقرر المنفعة العامة ونزع الملكية لمدة سنتين ابتداء من تاريخ نشره‬
‫بالجريدة الرسمية‪ .‬وإذا انصرم هذا األجل دون أن يتم تحديد التعويض من طرف لجنة التقييم‬
‫وغيرها من اإلجراءات التابعة لصدورهذا المقرر‪ ،‬تعين تجديد إعلن المنفعة العامة‪.‬‬

‫وتجدراإلشارة أن االستغناء عن صدورمقررالتخلي منفصل سيترتب عليه تغيير وتعديل‬


‫مقتضيات الفصلين ‪ 6‬و‪ 10‬المنظمة لإلجراءات المتعلقة بنشر وإشهار و إيداع مقرر التخلي‪ .‬إذ‬
‫أن مقتضيات هذين الفصلين ستصبح بدون معنى كونها تؤطر اإلجراءات المتعلقة بمقرر‬
‫التخلي‪ .‬فإذا حذف مقرر التخلي نهائيا من المرحلة اإلدارية حذفت بصفة آلية اإلجراءات‬
‫المرتبطة به‪.‬‬

‫الفقرة الثاني‪ :‬المنفعة العامة والبرامج التنموية للجماعات الترابية‬

‫أصبحت الجماعات الترابية بمقتض ى القوانين التنظيمية ‪14-113 – 4-112 ،14-111‬‬


‫ملزمة بوضع برامج عمل ممتدة طوال ست سنوات أي استغر اقا لمدة انتداب املجالس‬
‫المنتخبة‪ .‬ومعلوم أن هذه البرامج تعتمد منهجية التخطيط المعروفة في جميع املجاالت‪.‬‬
‫وإعداد وثائق التخطيط عملية متشعبة وتتطلب وسائل وإمكانات مالية وموارد بشرية قد ال‬
‫تتوفرعليها بعض الجماعات الصغيرة‪.‬‬

‫ولكي يتسنى إعداد وتنفيذ هذه البرامج‪ ،‬فيشترط أوال اقتناع المستوى السياس ي المتمثل‬
‫في املجلس المنتخب الذي عليه أن يجتمع في بداية السنة األولى من فترة االنتداب بحضورممثلي‬
‫الطاقات الفاعلة محليا (فاعلون مؤسساتيون‪ ،‬مجتمع مدني‪ ،‬الشخصيات موارد‪ ،‬فاعلون‬
‫اقتصاديون‪ ).....‬من أجل اتخاذ قرار بشأن إعداد وثيقة التخطيط الترابي والتي تسمى برنامج‬
‫عمل الجماعة في القانون رقم ‪( 14-113‬الفصل ‪ )79‬وبرنامج تنمية العمالة أواإلقليم في القانون‬
‫رقم ‪( 14-112‬الفصل ‪ )90‬وبرنامج التنمية الجهوية في القانون التنظيمي رقم ‪( 14-111‬الفصل‬
‫‪.)93‬‬

‫وطبقا للمراسيم الثلثة املحددة لعمليات وإعداد البرامج التنموية للجماعات الترابية‬
‫الثلثة‪ ،‬ويتعلق األمرب‪:‬‬

‫‪416‬‬
‫‪2023‬‬

‫مرسوم رقم ‪ 2.11.301‬صادر بتاريخ ‪ 26‬يونيو ‪ 2011‬بتحديد مسطرة اعداد برنامج عمل‬
‫الجماعة وتتبعه وتحيينه وتقييمه وآليات الحواروالتشاورإلعداده‪.‬‬

‫مرسوم رقم ‪ 2.11.300‬صادر بتاريخ ‪ 26‬يونيو ‪ 2011‬بتحديد مسطرة اعداد برنامج تنمية‬
‫العمالة او االقليم وتتبعه وتحيينه وتقييمه وآليات الحواروالتشاورإلعداده‪.‬‬

‫مرسوم رقم ‪ 2.11.266‬صادربتاريخ ‪ 26‬يونيو‪ 2011‬بتحديد مسطرة اعداد برنامج التنمية‬


‫الجهوية وتتبعه وتحيينه وتقييمه وآليات الحواروالتشاورإلعداده‪.‬‬

‫فإن برامج التنمية للجماعات الترابية تعتبرالوثائق المرجعية للجماعات الترابية الثلثة‬
‫لبرمجة المشاريع واألنشطة ذات األولوية المقرر أو المزمع إنجازها بتراب الجماعة الترابية‪.‬‬
‫وتحدد هذه البرامج التنموية لمدة ست (‪ )1‬سنوات البرامج والمشاريع التنموية المقرر برمجتها‬
‫أو إنجازها أو المساهمة فيها بتراب الجماعة مع مراعاة ما يلي‪:‬‬

‫تحديد البرنامج التنموي لألولويات التنموية بالجماعة الترابية؛‬

‫مواكبة برامج التنمية للتوجهات االستراتيجية لسياسة الدولة والعمل على بلورتها على‬
‫المستوى الترابي‬

‫السعي إلى تحقيق االنسجام وااللتقائية مع توجيهات البرامج األعلى تراتبية؛‬

‫اعتماد البعد البيئي لتحقيق التنمية المستدامة؛‬

‫األخذ بعين االعتبار اإلمكانيات المادية المتوفرة للجماعة أو التي يمكن تعبئتها‪ ،‬وكذا‬
‫االلتزامات المتفق بشأنها بين الجماعة والجماعات األخرى وهيئاتها والمقاوالت العمومية‬
‫والقطاعات االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫أما مراحل هذه البرامج التنموية فتتلخص فيما يلي‪:‬‬

‫إنجازتشخيص يبرزحاجيات وإمكانيات الجماعة الترابية ويحدد أولوياتها‪ ،‬ويتضمن هذا‬


‫التشخيص علوة على ذلك جردا بالمشاريع المبرمجة أو المتوقع برمجتها من قبل الدولة‬
‫والهيئات العمومية األخرى داخل النفوذ الترابي للجماعة الترابية؛‬

‫‪417‬‬
‫‪2023‬‬

‫وضع وترتيب األولويات التنموية للجماعة الترابية؛‬

‫تحديد المشاريع واألنشطة ذات األولوية بالنسبة للجماعة الترابية‪ ،‬مع األخذ بعين‬
‫االعتبار اإلمكانات المادية المتوفرة لديها أو التي يمكن لها تعبئتها خلل السنوات الست التي‬
‫سيتم فيها العمل ببرامج التنمية بالجماعات الترابية الثلث؛‬

‫تقييم موارد الجماعة الترابية ونفقاتها التقديرية الخاصة بالسنوات الثلث األولى لهذه‬
‫البرامج؛‬

‫بلورة وثيقة مشروع البرنامج التنموي‪ ،‬مع وضع منظومة لتتبع المشاريع والبرامج تحدد‬
‫فيها األهداف المراد بلوغها ومؤشرات الفعالية المتعلقة بها‪.‬‬

‫فالتطرق إلى مضمون المراسيم المنظمة للتخطيط الترابي بالجماعات الترابية الثلث‬
‫يراد به إعطاء مثال آلليات التدبير التي يمكن اعتمادها لضمان مشروعية القرارات اإلدارية في‬
‫اختيار المشاريع واألنشطة التي يمكن لإلدارة إدراجها في إطار المنفعة العامة‪ ،‬باعتبارها مناط‬
‫مسطرة نزع الملكية تدورمعها وجودا وعدما‪.‬‬

‫إذا فانطلقا من مراحل التخطيط الترابي للجماعات الترابية وآلياته ومقارباته يمكن‬
‫اقتراح أن ال يعترف لمشروع بطابع المنفعة العامة إال إذا كان مدرجا في إحدى البرامج التنموية‬
‫الثلثة‪ 678‬السالفة الذكر‪ .‬ذلك وكما سبقت اإلشارة إليه فبرنامج التنمية يضم مجموعة من‬
‫المشاريع واألنشطة التي تمت برمجتها لسد حاجيات ملحة وذات أولوية خاصة أو لتوطيد‬
‫إمكانيات وتأهيلها أخذا بعين االعتباراإلمكانيات المادية للجماعة الترابية‪.‬‬

‫كما أن برمجة المشاريع يأخذ بعين االعتبار مواكبة التوجهات االستراتيجية للدولة‬
‫واالنسجام وااللتقائية مع برامج األقاليم والعماالت والجهات‪ ،‬علوة على ذلك يتم خلل مرحلة‬
‫التشخيص جمع المعطيات المتعلقة بالمشاريع التي ستنجز بتراب الجماعة الترابية سواء من‬
‫طرف اإلدارة أو المؤسسات العمومية أو من طرف الخواص ‪ ،‬ومن شأن اإلحاطة بهذه‬
‫المعلومات تجنب تكرارنفس المشروع ‪ ،‬كما تمكن من إبرام شراكات مع هذه الهيئات العمومية‬

‫‪ 678‬يتعلق األمر ببرنامج عمل الجماعة بالنسبة للجماعة وبرنامج تنمية اإلقليم أو العمالة بالنسبة لإلقليم أو العمالة وبرنامج التنمية الجهوية‬
‫بالنسبة للجهة‪.‬‬

‫‪418‬‬
‫‪2023‬‬

‫ومع الخواص مما سيسهم في ترشيد النفقات وتلبية تطلعات و انتظارات المرتفق وفق معايير‬
‫الحكامة الجيدة ‪.‬‬

‫إن مرحلة التشخيص لها أهمية قصوى في إعداد البرامج التنموية‪ ،‬إذا تتم في إطارتشاركي‬
‫عبر إشراك هيئات املجتمع المدني وجميع الفاعلين المؤسساتيين واملحليين والشخصيات‬
‫الموارد ضمانا لضبط أقوم للحاجيات وتحديد أو جه لإلمكانيات مع ترتيبها وفق أولويات تراعي‬
‫طابع األهمية والضرورة واالستعجال وتوفر االعتمادات المالية لتنفيذ المشاريع واألنشطة‬
‫الملءمة لتلك الحاجيات واإلمكانيات‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن إدماج البعد البيئي في انتقاء المشاريع يعتبر من المقومات التي‬
‫ينبني عليها التشخيص الترابي للبرامج التنموية‪ ،‬وبالتالي فإن الجماعة الترابية مطالبة ‪ -‬خلل‬
‫ترتيب األولويات‪ -‬بترجيح المشاريع التي تتناغم مع التوجهات الكبرى للدولة والرامية إلى‬
‫تخفيض انبعاث الغازات المسببة للحتباس الحراري وتقديم المشاريع التي تسهم في توطيد‬
‫النجاعة الطاقية واملحافظة على الفرشة المائية التحتية وغيرها من المشاريع واألنشطة ذات‬
‫البعد البيئي‪.‬‬

‫إن المنهجية والمقاربة المعتمدة في إعداد البرامج التنموية للجماعة الترابية لو تم‬
‫التقيد بها لتمكنت اإلدارة ال عمومية والجماعات الترابية من وضع ضوابط جديدة للمنفعة‬
‫العامة إذ إضافة إلى إلزام اإلدارة بتفادي عيوب المشروعية المنصوص عليها في الفصل ‪ 20‬من‬
‫القانون رقم ‪ 679 60.41‬والتقيد باإلجراءات المسطرية المنصوص عليها في الفصول‬
‫‪ 12،11،10،6،9‬من القانون ‪ 7.91‬المتعلق بنزع الملكية ألجل المنفعة العامة ‪،‬فإن اشتراط‬
‫إدراج المشروع ضمن البرنامج التنموي كمعيار الكتساب طابع المنفعة العلمة ‪ ،‬سيمكن من‬
‫االنضباط ملجموعة من المعاييروالمقاربات نذكرمنها ‪:‬‬

‫مواكبة التوجهات االستراتيجية للدولة مما يساهم في االنخراط في تفعيل وتنفيذ هذه‬
‫االستراتيجيات؛‬

‫‪ 679‬تنص المادة ‪ 21‬من القانون ‪ 22.71‬المحدث للمحاكم اإلدارية على ما يلي‪ " :‬كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب‬
‫في شكله أو النحراف في السلطة أو النعدام التعليل أو لمخالفة القانون‪ ،‬يشكل تجاوزا في استعمال السلطة‪ ،‬يحق للمتضرر الطعن فيه أمام‬
‫الجهة القضائية اإلدارية المختصة"‪.‬‬

‫‪419‬‬
‫‪2023‬‬

‫االنسجام وااللتقائية مع مستويات ترابية أوسع وأعلى في انتقاء وتنفيذ المشاريع؛‬

‫االطلع على جميع المشاريع المبرمجة من طرف اإلدارة والمؤسسات العمومية‬


‫والخواص الش يء الذي يمكن من تفادي صرف األموال العامة على مشاريع متشابهة أو الدخول‬
‫في تضارب المصالح مع القطاع الخاص؛‬

‫ترسيخ المقاربة التشاركية من خلل انخراط جميع الفاعلين املحليين والمؤسساتيين‬


‫والخواص في مراحل اإلعداد واالنجازوالتتبع والتقييم؛‬

‫برمجة المشاريع وفقا للعتمادات المالية المتوفرة‪ ،‬لتفادي برمجة المشاريع دون‬
‫تنفيذها؛‬

‫استحضارالبعد البيئي كخيارال محيد عنه في ترجيح المشاريع‪.‬‬

‫إن النظر إلى المنفعة العامة كمفهوم يستوفي هذه المعايير والمقاربات وإن كان سيقيد‬
‫السلطة التقديرية لإلدارة‪ ،‬إال أنه سيمكن اإلدارة نازعة الملكية من مسايرة الرقابة الحديثة‬
‫للقضاء اإلداري الذي وسع مجال المشروعية ليشمل كذلك المنافع والمضارواألثراالقتصادي‬
‫واالجتماعي للمشروع وتأثيره على ميزانية اإلدارة نازعة الملكية‪ .‬من هنا يتجلى التناغم والتقاطع‬
‫بين منهجية التخطيط ونظرية الموازنة التي ابتكرها مجلس الدولة الفرنس ي وتبناها االجتهاد‬
‫القضائي المغربي‪.‬‬

‫فاشتراط إدراج المشروع ببرنامج عمل العمالة أو اإلقليم أو برنامج التنمية الجهوية أو‬
‫برنامج عمل الجماعة كي يكتسب صفة المنفعة العامة من شأنه تفادي عيوب االنحراف عن‬
‫السلطة وتقليص إمكانية اإلضراربمشاريع أخرى للهيئات العمومية والخواص وحتى إن أخضع‬
‫لموازنة منافعه وأضراره فإن كفة المنافع سترجح إزاء المضار‪.‬‬

‫هذا بالنسبة للجماعات الترابية أما بالنسبة للدولة أو المؤسسات العمومية‪ ،‬فتجدر‬
‫اإلشارة أن تنزيل اللتمركز اإلداري من شأنه أن يمنح التمثيليات الترابية للقطاعات الوزارية‬
‫استقللية مالية وتفويض أكبرللتخطيط والبرمجة الش يء الذي سيخدم أكثرالشراكة والتعاون‬
‫واإللتقائية واالنسجام‪ .‬ويجعل اإلدارة نازعة الملكية قادرة على ترتيب أولوياتها وفقا‬
‫للختصاصات املخولة لها‪.‬‬

‫‪411‬‬
‫‪2023‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬رقمنة اإلجراءات والمساطراإلدارية (االنخراط في التحول الرقمي)‪.‬‬

‫يعتبر التحول الرقمي الذي تعرفه اإلدارة العمومية المغربية والمؤسسات العمومية‬
‫والجماعات الترابية من أهم التحوالت التي ستحدث تغييرات كبيرة في هذه الهيئات العمومية‬
‫خصوصا البعد المتعلق بعلقة اإلدارة بالمواطن‪ ،‬فمثل بدأنا نرى بالملموس أن مجموعة من‬
‫الوثائق التي يطلبها المرتفق أصبحت تسلم إلى طالبيها دون حضوره إلى اإلدارة‪ ،‬أصبح كذلك‬
‫باإلمكان الحصول على معلومات ذات طابع عام بمجرد الولوج إلى المو اقع اإللكترونية لإلدارة‬
‫العمومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية‪ ،‬المستثمر والمقاول أصبح بإمكانه‬
‫االطلع على البرامج التوقعية ودفاتر التحملت الخاصة بالصفقات العمومية والولوج إلى‬
‫الطلبيات العمومية عن طريق البوابات الرقمية واألنظمة المعلوماتية المندمجة دون الحضور‬
‫إلى اإلدارة‪.‬‬

‫كما بدأ الحديث عن تفعيل التبادل البيني للمعطيات والوثائق بين اإلدارات وإعفاء‬
‫المرتفق من تحمل أعباء التنقل بين مختلف المر افق العامة للحصول على هاته الوثائق‪.‬‬
‫اإلدارة ا لعمومية أصبحت كذلك ملزمة بالنشر المسبق للمعطيات ذات الطابع العام وفقا‬
‫ألحكام القانون ‪ 31.13‬المتعلق بالحق في الحصول المعلومات‪ ،‬إذ أن الهيئات العمومية مطالبة‬
‫بموجب هذا القانون بنشر جميع المعلومات ذات الطابع العام بمو اقعها اإللكترونية أو‬
‫بالوسائل األخرى المتاحة لتمكين المواطن أو المرتفق من الحصول على تلك المعلومات دون‬
‫تحمل أعباء االتصال باإلدارة والتقيد بالشكليات المعمول بها‪ .‬من جهة أخرى بدأ الخواص‬
‫يحلون محل بعض المؤسسات العمومية في تسليم بعض الوثائق بعد إنجازها من طرف‬
‫المؤسسة صاحبة االختصاص‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المظاهر العامة للتحول الرقمي باإلدارة العمومية والجماعات الترابية‬
‫بالمغرب‬

‫إن تنامي األنظمة المعلوماتية والمنصات الرقمية بالجماعات الترابية على الخصوص‬
‫واإلدارة العامة والمؤسسات العمومية على العموم دليل على أن هناك إرادة للمض ي قدما في‬

‫‪411‬‬
‫‪2023‬‬

‫هذا التحول الرقمي‪ .‬فعل سبيل المثال ال الحصر التدبير المندمج لنفقات الجماعات الترابية‬
‫والتدبير المندمج للمداخيل وتجريد الصفقات العمومية من الصفة المادية ومنصة "رخص"‬
‫الخاصة بالتعمير والرخص االقتصادية والتجارية وكذلك تدبير الموارد البشرية عبر منصة‬
‫اندماج‪ ،‬إضافة إلى البوابة الوطنية لتبسيط المساطرواإلجراءات اإلدارية ( طبقا للقانون ‪-55‬‬
‫‪ 16‬المتعلق بتبسيط المساطر واإلجراءات اإلدارية) وترابطها وتواصلها مع منصات رقمية‬
‫أخرى ( كمنصة "رخص" المتعلقة برخص التعميروالرخص االقتصادية والتجارية) ونظام إدارة‬
‫الحالة المدنية ومنصة وثيقة ( الخاصة بالحصول على وثائق الحالة المدنية ) ‪.‬وشكاية‬
‫وشفافية ( طبقا للقانون ‪ 13-31‬المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات ) ومكتب الضبط‬
‫الرقمي ‪.‬كل هذه األنظمة المعلوماتية والبوابات والمنصات الرقمية التي اكتسحت تدبيرالشأن‬
‫العام‪ ،‬تدل أن مسلسل التحول الرقمي باإلدارة العمومية والجماعات الترابية على الخصوص‬
‫قد أخذ منحى غير مسبوق ويوحي بإحداث تغيير جوهري في العلقة بين اإلدارة والمرتفق‪ .‬والبد‬
‫من اإلشارة أن جائحة كوفيد ‪ 16‬وما فرضت من طوارئ صحية لحفظ الصحة العامة قد‬
‫ساهمت حسب الملحظين في تسريع التحول الرقمي ألن المرفق العمومي خاضع لمبدأ‬
‫االستمرارية واالنتظام‪ ،‬والحفاظ على الصحة العامة فرضت تباعدا اجتماعيا تجنبا لتفش ي‬
‫اإلصابة بفيروس كوفيد ‪ 16‬حتى بين الموظفين العموميين‪ ،‬هذه الظروف فرضت العمل عن‬
‫بعد‪ ،‬وهذا النمط من العمل جعل مكونات وهياكل اإلدارة العمومية ترجح التعامل بالوثائق‬
‫والمراسلت اإللكترونية ورقمنة المساطر‪.‬‬

‫وقد خلق هذا التحول و اقعا جديدا كانت له عدة إيجابيات على اإلجراءات والمساطر‬
‫اإلدارية‪ ،‬إذا ما علمنا أن الرقمنة تسهم في تبسيط المساطروتقليص اآلجال وتفادي التعقيدات‬
‫الناجمة عن التراتبية وتحقيق النجاعة عبر تفادي التنقل و اقتصاد الطاقة وضمان توحيد‬
‫وجودة الخدمات المقدمة بصرف النظرعن المستوى السوسيو اقتصادي للمرتفق‪.‬‬

‫وفي خضم هذا التحول الرقمي الذي يكتسح تدبير شان العام بجميع تجلياته‪ ،‬البد‬
‫لمسطرة نزع الملكية ألجل المنفعة العامة ‪ -‬وهي المسطرة المكونة من عدة إجراءات ‪ -‬أن‬

‫‪412‬‬
‫‪2023‬‬

‫تخضع بدورها للرقمنة لما في ذلك من مصلحة لإلدارة نازعة الملكية و أيضا وللملكين الخواص‬
‫المنزوعة ملكيتهم‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬رقمنة مسطرة نزع الملكية والمزايا المنتظرة منها‪.‬‬

‫من الوجيه أن يتم أوال إحداث بوابة خاصة بمسطرة نزع الملكية ألجل المنفعة تتضمن‬
‫واجهة إخبارية وواجهة تفاعلية‪ ،‬فالواجهة اإلخبارية يفترض أن تتضمن بدورها فضاءات‬
‫متنوعة لإلدارة العمومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية و أشخاص القانون‬
‫الخاص المتمتعين بامتيازالسلطة العامة بموجب اتفاقية للتدبيرالمفوض أو االمتياز‪ ،‬ويمكن‬
‫أن تتضمن هذه الفضاءات جميع النصوص القانونية والتنظيمية المؤطرة لمسطرة نزع‬
‫الملكية إضافة إلى القوانين واألنظمة ذات الصلة ‪ ،‬وجميع الدالئل والدوريات المتعلقة بنزع‬
‫الملكية من أجل المنفعة العامة‪ ،‬والئحة اإلدارات واألجهزة التي تتدخل في مسطرة نزع الملكية‬
‫( رئاسة الحكومة ‪ ،‬اإلدارة صاحبة الطلب‪ ،‬اإلدارة المقترحة ‪،‬األمانة العامة للحكومة الجماعة‬
‫المعنية ‪ ،‬املحافظة العقارية ‪ ،‬أملك الدولة ‪ ،‬وزارة التجهيز‪ ،‬إدارة المياه والغابات ‪ ،‬وزارة‬
‫األوقاف والشؤون اإلسلمية ‪ ،‬صندوق اإليداع والتدبير‪ ،‬قضاء االستعجال‪ ،‬قضاء الموضوع ‪،‬‬
‫قضاء اإللغاء ‪ ،).....‬وجرد لجميع مقررات المنفعة العامة المنشورة بمختلف أعداد الجريدة‬
‫الرسمية مرتبة ترتيبا كرونولوجيا لتسهيل البحث والتفحص والحصول على نسخ من منشورات‬
‫الجريدة الرسمية ‪ ،‬كما يفترض أن تضم مثل رسما تبسيطيا ألهم مراحل نزع الملكية ألجل‬
‫المنفعة العامة لتمكين الملكين الخواص من تتبع مراحل المسطرة‪.‬‬

‫بحيث ستصبح البوابة الرقمية واجهة إلشهار مقرر إعلن المنفعة ونزع الملكية ونشر‬
‫الئحة الملكين الخواص وأصحاب الحقوق العينية المشمولة أراضيهم وحقوقهم بمقررإعلن‬
‫المنفعة العامة‪.‬‬

‫أما الواجهة التفاعلية فيمكن كذلك تقسيمها إلى فضاءات مختلفة‪ ،‬تمكن اإلدارة نازعة‬
‫الملكية والملكين الخواص وأصحاب الحقوق العينية المشمولين بنزع الملكية من التفاعل‬
‫فيما بينهم‪ .‬والجدير بالذكر أن هذا التفاعل قد يشمل مرحلة البحث اإلداري حيث يمكن‬
‫ألصحاب الحقوق العينية والشخصية أن يضمنوا ملحظاتهم وتعرضاتهم عن بعد وبطريقة‬

‫‪413‬‬
‫‪2023‬‬

‫رقمية بسجل يسمى – على سبيل المثال ال الحصر– "السجل الرقمي للملحظات و التعرضات"‬
‫المفترض إيداعه ببوابة نزع الملكية‪.‬‬

‫من جهة أخرى يمكن وضع ترابط بيني بين بوابة نزع الملكية و أنظمة معلوماتية إلدارات‬
‫ومؤسسات أخرى كاملحافظة العقارية بحيث سيمكن هذا الترابط من اإليداع اإللكتروني للمقرر‬
‫إعلن المنفعة ونزع الملكية باملحافظة العقارية‪ ،‬كما يمكن لإلدارة نازعة الملكية أن تتوصل‬
‫بطريقة إلكترونية بالشهادة التي تفيد بإيداع هذا المقرر وكذا الشواهد المبينة للوضعية‬
‫القانونية لجميع القطع األرضية المعنية بهذه المسطرة بما في ذلك التعرضات وغيرها من‬
‫البيانات‪.‬‬

‫ويتصور إثر ذلك توصل جميع الملكين الخواص وباقي أصحاب الحقوق العينية‬
‫والشخصية بعقارات محفظة أو في طور التحفيظ برسائل إلكترونية تخبرهم بأن أراضيهم‬
‫أصبحت مشمولة بمقررإعلن المنفعة العامة ونزع الملكية‪.‬‬

‫وفي سياق آخر‪ ،‬فإن رقمنة إجراءات نزع الملكية سيسهل كذلك تبليغ الثمن املحدد من‬
‫طرف لجنة التقييم‪ ،‬مما يساعد في التواصل مع الملكين الخواص خصوصا أصحاب األراض ي‬
‫املحفظة الذين قبلوا بشكل رضائي الثمن املحدد‪ ،‬مما يمكن من التعاقد بشكل رضائي وتفادي‬
‫المرورإلى المسطرة القضائية وما تتطلبه من أعباء بالنسبة لإلدارة والملكين الخواص والجهاز‬
‫القضائي‪.‬‬

‫وفي إطارالترابط والتواصل البيني بين بوابة نزع الملكية واألنظمة المعلوماتية للقضاء‬
‫اإلداري‪ ،‬فإنه من شأن تحقيق هذا الترابط‪ ،‬تمكين الملكين الخواص وأصحاب الحقوق‬
‫العينية والشخصية من تتبع مراحل المسطرة القضائية بما في ذلك معرفة مبلغ التعويض‬
‫االحتياطي والتعويض النهائي‪ .‬بحيث تبلغ األحكام بطريقة إلكترونية إلى الملكين الخواص‬
‫ويمكنهم بذلك استئناف الشق ‪ -‬من الحكم‪ -‬المتعلق بالتعويض‪ ،‬كما يمكنهم سلك المسطرة‬
‫رقميا من أجل الحصول على التعويض المالي‪ .‬خصوصا إذا أودعت التعويضات بصندوق‬

‫‪414‬‬
‫‪2023‬‬

‫اإليداع والتدبير حيث يتطلب األمر التثبت من توفر الملكين المفترضين على وثائق وبينات‬
‫التملك قبل منحهم رفع اليد عن أموالهم وتمكينهم منها‪.‬‬

‫كانت هذه نماذج من المزايا التي يمكن أن تستفيد منها اإلدارة نازعة الملكية والملكين‬
‫الخواص‪ ،‬في حالة رقمنة اإلجراءات المشكلة لمسطرة نزع الملكية‪ .‬ويمكن توسيع مجال‬
‫الرقمنة ليشمل إجراءات أخرى لتحقيق أكبر قدر من الفعالية والنجاعة خلل تنفيذ مسطرة‬
‫نزع الملكية ألجل المنفعة العامة‪ .‬علما أن وزارة التجهيز والماء تشتغل حاليا على ورش رقمنة‬
‫جميع مراحل المسطرة‪.680‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫إن مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة هي مجموعة من اإلجراءات اإلدارية‬
‫يترتب عنها نقل الملكية من الملكين الخواص إلى اإلدارة نازعة الملكية بعد مر اقبة القضاء‬
‫اإلداري لمطابقة تنفيذ هذه اإلجراءات للمقتضيات المنصوص عليها في القانون ‪7.91‬‬
‫والقوانين ذات الصلة بما في ذلك أداء التعويض المستحق للملكين الخواص المنزوعة‬
‫ملكيتهم من طرف اإلدارة نازعة الملكية‪.‬‬

‫وتتم هذه المسطرة بمقتض ى مرسوم لرئيس الحكومة يسمى مقرر إعلن المنفعة‪ ،‬وهو‬
‫مقرر إداري يستجمع األركان المعروفة‪ .‬إذ أنه صادر عن اإلدارة ويجسد إرادة اإلدارة الصريحة‬
‫والمنفردة بما لها من اختصاصات وفقا للقوانين واألنظمة‪ ،‬كما يرتب صدوره آثارا قانونية‬
‫تتمثل في تقل ملكية األرض من الملكين الخواص إلى ملكية اإلدارة نازعة الملكية ولو أن هذا‬
‫النقل ال يتم إال بمقتض ى حكم قضائي‪ .‬أما شروط صحته فهي تلك المنصوص عليها في القانون‬
‫‪ 41.60‬املحدث للمحاكم اإلدارية والمتمثلة في التقيد بضوابط الشكل واالختصاص وشرط‬
‫التعليل وتفادي االنحراف عن السلطة وتجنب مخالفة القانون‪.‬‬

‫إن علة وجود قرار نزع الملكية هي استجماع مقومات المنفعة العامة‪ ،‬وهذه األخيرة لم‬
‫يعرفها المشرع بل ترك سلطة تقديرها لإلدارة‪ ،‬بحيث أن اإلدارة هي لها سلطة تقديرما إذا كان‬
‫مشروع ما يكتس ي طابع المنفعة العامة من غيره‪ .‬فمقرر إعلن المنفعة العامة إذا هو نابع من‬

‫‪ 680‬مقال وارد بالجريدة اإللكترونية "هسبريس" بتاريخ ‪ 22‬دجنبر ‪ 2122‬تحت عنوان " أوجار‪ :‬نزع الملكية يتسبب في مآس‪...‬‬
‫والقانون وحده لن يحل اإلشكالية"‪.‬‬

‫‪415‬‬
‫‪2023‬‬

‫السلطة التقديرية لإلدارة التي ترى أن هناك وقائع مادية توجب اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية‬
‫بغية الحصول على الوعاء العقاري الذي يمكنها من انجازالمشروع الذي تقدرأنه من المنفعة‬
‫العامة‪ .‬خلل الرقابة التقليدية للقضاء على مقررات إعلن المنفعة العامة كان القضاء‬
‫يتحاش ى النظر في هكذا قرارات إدارية تطبيقا لقرينة سلمة القرارات اإلدارية‪ ،‬كما أن القضاء‬
‫في البدئ كان يحرص على عدم التدخل في السلطة التقديرية لإلدارية‪ .‬بحيث كان يكتفي فقط‬
‫بفحص تطبيق اإلجراءات المسطرية المنصوص عليها في القانون ‪.7.91‬‬

‫غير أنه بعد تبني االجتهاد القضائي لنظرية الموازنة في إضفاء المشروعية على مقررات‬
‫إعلن المنفعة العامة‪ ،‬أصبح بإمكان القضاء اإلداري إلغاء قرارات نزع الملكية‪ .‬علما أن هذه‬
‫الرقابة القضائية والتي تسمى بالرقابة الحديثة أو رقابة الملءمة تنصب على النظر فيما إذا‬
‫كانت األضرار والسلبيات الناجمة عن مشروع ما تعد مفرطة إذا ما قورنت بالمزايا التي‬
‫سيجلبها‪ ،‬فإذا تحققت هذه الحالة حكم القضاء بإلغاء مقرر إعلن المنفعة العامة‪ .‬وبعبارة‬
‫أخرى فإن مشروعية مقرر إعلن المنفعة ال تستوجب فقط احترام اإلجراءات المسطرية‬
‫المنصوص عليها في القانون ‪ 7.91‬والمرسوم التطبيقي لهذا القانون‪ ،‬وال يكفي أيضا الكتساب‬
‫المشروعية تجنب عيوب المشروعية المنصوص عليها في المادة ‪ 20‬من القانون ‪ 41.60‬املحدث‬
‫للمحاكم اإلدارية‪ ،‬بل أن مشروعية مقررإعلن المنفعة وفقا لنظرية الموازنة تنصرف أيضا إلى‬
‫فحص المنافع واألضرار والمزايا والسلبيات‪ ،‬والترجيح فيما بينهما‪ ،‬فمقرر المنفعة العامة‬
‫يكتسب المشروعية عند رجحان كفة المنافع والمزايا ويصبح قابل لإللغاء إذا تبين أن أضرار‬
‫هذا المقررستكون مفرطة إذا ما قورنت بالمزايا‪.‬‬

‫بناء عليه‪ ،‬فإن ما يمكن استقراؤه مما سبق‪ ،‬أوال أن المنفعة العامة ستبقى محافظة‬
‫على سموها إذا ما قورنت بالمصلحة الخاصة‪ ،‬وأن استجماع مقومات المنفعة العامة يقتض ي‬
‫التقيد باإلجراءات المسطرية المنصوص عليها في القانون رقم ‪ 7.91‬المتعلق بنزع الملكية من‬
‫أجل المنفعة العامة والقوانين ذات الصلة‪ ،‬وكذلك تجنب عيوب المشروعية المنصوص عليها‬
‫في المادة ‪ 20‬من القانون رقم ‪ 41.60‬املحدث للمحاكم اإلدارية ثم في األخير إخضاع مشروع‬
‫المنفعة المزمع إنجازه للموازنة تفاديا لتجاوزأضراره منافعه‪.‬‬

‫‪416‬‬
‫‪2023‬‬

‫إن ملءمة مقتضيات القانون رقم ‪ 7.91‬مع اآلليات والمقاربات والمقتضيات الرامية إلى‬
‫تحديث اإلدارة وتجويد العلقة بين اإلدارة والمرتفق أصبح أمرا مطلوبا‪ .‬فهناك قوانين حديثة‬
‫العهد لها طابع أفقي كالقانون رقم ‪ 55.16‬المتعلق بتبسيط المساطر واإلجراءات اإلدارية‬
‫والقانون رقم ‪ 31.13‬المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات والمقتضيات القانونية‬
‫والتنظيمية المتعلقة بالتخطيط الترابي هي أمثلة على المستجدات القانونية التي تتضمن‬
‫آليات ومقاربات يمكن أن تكون مصدر إلهام للتعديلت المنتظرة لقانون نزع الملكية من أجل‬
‫المنفعة العامة‪.‬‬

‫وفي الختام‪ ،‬ينبغي التذكير أن السنوات األخيرة عرفت تنظيم عدة ندوات ونقاشات‬
‫حضرها باحثون أكاديميون وممثلو القطاعات الحكومية المعنية وممثلو األجهزة القضائية‪،‬‬
‫تطرقت إلى اإلشكاليات التي أصبحت تعتري منظومة نزع الملكية من أجل المنفعة ومن بينها‬
‫على سبيل المثال ال الحصر‪ ،‬مسألة التعويضات‪ ،‬كذلك إشكالية تنامي الدعاوي المقدمة ضد‬
‫اإلدارة بسبب االعتداء المادي وما يترتب عنه من أعباء مالية قد ال تقدر اإلدارة على تحملها‪،‬‬
‫كذلك إشكالية انتهاء اآلثار المترتبة عن تصاميم التهيئة باعتبار المرسوم المصادق على هذه‬
‫الوثيقة التعميرية بمثابة إعلن عن المنفعة‪......‬إلى غير ذلك من اإلشكاليات التي أثارت تفاعل‬
‫المشاركين في هذه الندوات والتقاشات‪ .‬هذه الندوات واللقاءات هي بمثابة تحضير لتعديل‬
‫قانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة‪ ،‬مما يبين راهنية الموضوع وأهمية المساهمة في‬
‫االقتراحات المقدمة لملءمته مع التحوالت االقتصادية واالجتماعية والبيئية التي يعرفه‬
‫المغرب‪.‬‬

‫قائمة المراجع المعتمدة‬

‫محمد ابن الحاج السلمي‪ ،‬موثق ومحافظ عام للملكية العقارية (سابقا)‪" ،‬مسطرة نزع‬
‫الملكية من أجل المنفعة العامة واالحتلل المؤقت في القانون المغربي"‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2021‬‬

‫محمد محمد عبده إمام‪ ،‬القضاء اإلداري (مبدأ المشروعية وتنظيم مجلس الدولة)‪ ،‬دار‬
‫الفكرالجامعي‪ ،‬اإلسكندرية‪.2007 ،‬‬

‫‪417‬‬
‫‪2023‬‬

‫أحمد أحمد الموافي‪ ،‬فكرة المنفعة العامة في نزع الملكية الخاصة (نظرية الموازنة‪،‬‬
‫دراسة مقارنة)‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة اإلسكندرية مصر‪1662 ،‬كلية الحقوق‪،‬‬
‫قسم القانون العام‪.‬‬

‫خليفي محمد‪ " ،‬الضوابط القضائية للسلطة التقديرية لإلدارة –دراسة مقارنة –‪،‬‬
‫رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة أبي بكر بلقايد‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية‪ ،‬تلمسان – الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2011/2015‬‬

‫بلعيدي دليلة‪ ،‬رقابة القاض ي اإلداري بين رقابة المشروعية ورقابة الملءمة‪ ،‬رسالة لنيل‬
‫شهادة الماستر في الحقوق تخصص قانون إداري‪ ،‬جامعة محمد خيضر‪-‬بسكرة الجزائر‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية‪.،‬‬

‫دليل عملي لمسطرة نزع الملكية ألجل المنفعة العامة وفق القانون ‪ 7-91‬خاص‬
‫باإلدارات العمومية‪ ،‬طبعة ‪.2019‬‬

‫‪418‬‬
‫‪2023‬‬

‫تجربة القضـاء اإلداري فـي موريتانيـــا‬


‫"التكوين واالختصاصات"‬
‫"‪The experience of administrative justice in Mauritania "composition and competencies‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫تناولت في هذه الدراسة تجربة القضاء اإلداري الموريتاني والتي جاءت على غرار دول‬
‫أخرى استمدت هذا النظام من فرنسا باعتبارها أرض المهد والمنشأ‪ ،‬وبحكم التأثير المستمد‬
‫من التبعية التي فرضتها كدولة استعمار وبالنظر إلى األهمية المتأصلة لدور القضاء في بناء‬
‫الدول وتقدمها فإن االهتمام بمساراته وتطوراته تشكل مجاال خصبا للبحث والدراسة‪ ،‬وتكمن‬
‫أهمية هذا البحث كونه يسلط الضوء على أهم المسارات التي وصل إليها القضاء الموريتاني في‬
‫تطبيق نموذج القضاء اإلداري‪ ،‬الذي يختص بحلحلة النزاع اإلداري‪ ،‬وذلك بفرضه رقابة‬
‫قضائية على تصرفات اإلدارة وحكم القانون على العلقة التي تربطها بأفرادها ‪،‬فعلى الرغم من‬
‫األهمية الكبيرة والحاجة الماسة إليه‪ ،‬إال أن اللجوء إليه كحل للكثير من القضايا ال يزال قليل‬
‫جدا مقارنة بحجم النزاعات فيه‪ ،‬وهو ما يعكس الجهل به في الوسط المعني الذي يدعونا‬
‫كدارسين إلى ضرورة تكثيف اإلسهامات البحثية التي من شأنها زيادة الوعي ومواكبة الجديد‪.‬‬

‫‪419‬‬
‫‪2023‬‬

‫كلمات مفتاحية‪ :‬موريتانيا‪ ،‬غــرف إدارية‪ ،‬قضـاء إداري‪ ،‬وحدة القـضاء‪ ،‬ازدواجية‬
‫القانـون‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫لم تكن موريتانيا على خلف العديد من المستعمرات الفرنسية بإفريقيا الغربية أي‬
‫تنظيم قضائي خاص بها‪ ،‬و إنما كانت تتبع ملحكمة درجة أولى في سينلوي ومحكمة للستئناف في‬
‫داكار‪ .‬وبحصول البلد على استقللها الداخلي أنشئت محكمة للدرجة األولى ومحكمة‬
‫للستئناف إضافة إلى ستة أقسام ملحكمة الدرجة األولى‪ ،‬وكانت األحوال الشخصية والقضايا‬
‫المدنية والتجارية تخضع للتشريع اإلسلمي ومسندة إلى قضاة شرعيين‪.‬‬

‫وبعد حصول االستقلل الكامل ‪1610‬م تم إصدار قانون جديد بتاريخ ‪ 17‬يناير ‪1611‬م‬
‫هو القانون رقم ‪ 11/123‬الذي مكن من إنشاء محكمة عليا محققا بذلك االستقلل القضائي‬
‫للبلد دون أن يغيرشيئا في بقية التنظيم القضائي‪ ،‬وقد أدى ذلك إلى بروزظاهرة خاصة بالنظام‬
‫القضائي الموريتاني تتمثل في تعايش قانونين وقضائيين منفصلين سمي أحدهما القانون‬
‫العصري بينما سمي اآلخرالقانون اإلسلمي حيث ينفصل كل منهما عن اآلخربمحاكمه وقضاته‬
‫دون أن تظهر بوادر تكامل بينهما أو اندماج‪ ،‬وقد شهدت ‪1619‬م أول محاولة توحيد بين هذين‬
‫القضائيين اقتصرت في مرحلتها األولى على توحيد سلكي القضاة في نظام أساس ي واحد‪.‬‬

‫كما شهدت سنة ‪1693‬م إصلحا أكثر طموحا حيث أعيد تنظيم املحاكم على امتداد‬
‫التراب الوطني على أساس الدمج بين املحاكم األصلية واملحاكم الشرعية‪ ،‬وقد هدف هذا‬
‫اإلصلح إضافة إلى تحقيق االندماج إلى تحقيق تغطية شاملة للتراب الوطني منشئا محاكم على‬
‫مستوى كافة المقاطعات ومحاكم إقليمية على مستوى الواليات ومحاكم استئناف تاركا‬
‫للمحكمة العليا مهام النقض وتلك المسندة تقليديا ملجلس الدولة الفرنس ي ومحكمة‬
‫الحسابات واملجلس الدستوري‪.‬‬

‫ثم جاء بعد ذلك إصلح ‪1663‬م الذي وضع في االعتبار التوجهات الديمقراطية الجديدة‬
‫والمؤسسات التي استحدثها دستور ‪ 20‬يوليو ‪1661‬م وإلغاء محكمة العدل الخاصة‪ ،‬ووضع في‬

‫‪421‬‬
‫‪2023‬‬

‫االعتباروجود مجلس دستوري ومحكمة الحسابات ملغيا بذلك الغرفة الدستورية والمالية من‬
‫املحكمة العليا‪.‬‬

‫ومن و اقع التجربة الموريتانية التي لم تأخذ بنظام وحدة القضاء والقانون‪ ،‬وال‬
‫ازدواجيته فإنه يمكن صياغة مشكلة البحث في السؤال التالي‪ :‬ما هي طبيعة القضاء اإلداري‬
‫الموريتاني؟ وهل يستجيب نظام الغرف لمتطلبات القضاء اإلداري المستقل‪ ،‬رغم إدخاله‬
‫لبعض األمور التنظيمية التي تستهدف ملءمته مع متطلبات البنية القانونية الموروثة عن‬
‫فرنسا؟ وللحديث عن هذه التجربة سنقسم هذا الموضوع انطلقا من الخطة بعده‪:‬‬

‫المطلب النظام القانوني للغرف اإلدارية‬

‫لقد شهد القضاء الموريتاني في ظل دولة االستقلل تطورات عدة طالت تنظيمه‬
‫واختصاصاته‪ ،‬مما يدفع إلى ضرورة دراسة تطوراإلطارالقانوني لهذا النظام (الجانب اإلداري)‪،‬‬
‫وصوال إلى ما هوقائم حاليا‪ ،‬لذا سيتم التطرق في هذا المطلب للتطورالقانوني للجهات املختصة‬
‫بالمنازعات اإلدارية كنقطة أولى ثم في نقطة ثانية تشكيل الغرف اإلدارية إلى جانب الغرف‬
‫األخرى بما أن النظام الموريتاني يشهد وحدة قضائية‪.‬‬

‫الفـرع األول‪ :‬تطوراإلطارالقانوني للغرف اإلدارية‬

‫لقد أنشأ القانون رقم‪ 13/217 :‬محكمة التأديب على الجرائم المالية واختلس األموال‬
‫العمومية‪ ،‬وكانت هذه هي أول محكمة تحدد لها اختصاصات ذات طابع إداري وتم التخلي عن‬
‫هذه املحكمة بموجب القانون رقم‪ 15/123:‬وأحيلت اختصاصاتها إلى املحكمة العليا والتي‬
‫أدخل في اختصاصاتها أيضا النظر في الطعون المقدمة ضد القرارات اإلدارية الفردية‬
‫والتنظيمية‪ .‬وكانت هذه أول مرة يذكر فيها الطعن في القرارات اإلدارية وتنظر املحكمة العليا‬
‫كذلك في النزاعات المتعلقة برخص البحث المنجمي والنزاعات المتعلقة باالنتخابات باستثناء‬
‫انتخاب رئيس الدولة والنواب‪ ،‬كما تنظر في حسابات الدولة واملجموعات املحلية والمر افق‬
‫العامة اإلدارية والتجارية والصناعية‪ ،‬وتعاقب على أخطاء التسييرالمالي‪.‬‬

‫‪421‬‬
‫‪2023‬‬

‫وعندما صدر القانون رقم‪ 93/144:‬الذي ألغى النظام القضائي لم يضف الختصاصات‬
‫املحكمة العليا أي جديد‪ ،‬إال أنه أحدث محكمة العدل املختصة بمحاكمة مختلس ي األموال‬
‫العمومية والنزاعات التي تكون المصارف أو شركات التأمين طرفا فيها‪681‬‬

‫أما القانون رقم ‪ 63/10‬الذي أعاد التنظيم القضائي وألغى التنظيم السابق عليه فقد‬
‫أحدث وألول مرة غرفة خاصة بالمنازعات اإلدارية على مستوى املحكمة العليا وفي هذا النص‬
‫تدعم االتجاه التشريعي الذي بدأ في التنظيم القضائي الماض ي والمتمثل في إعطاء المنازعات‬
‫اإلدارية نوعا من الخصوصية‪.‬‬

‫وأعطى هذا التشريع للغرفة اإلدارية باملحكمة العليا االختصاص بالبت كدرجة أولى‬
‫وأخيرة في الطعون المتعلقة‪:‬‬

‫بالشطط في استعمال السلطة‪ ،‬وتقدير شرعية القرارات اإلدارية الفردية والتنظيمية‪،‬‬


‫وكذلك النظر في النزاعات المتعلقة بالعقار العمومي واالقتطاعات العقارية ورخص التنقيب‬
‫المنجمية‪682 .‬‬

‫وأسند للمحكمة العليا بغرفها املجمعة االختصاص بالبت في تنازع االختصاص بين‬
‫القضاة وكذلك تعارض األحكام القضائية إضافة إلى المتابعة الموجهة ضد القضاة وبعض‬
‫المواطنين‪.‬‬

‫ثم بعد ذلك جاء اإلصلح القضائي الجديد من خلل القانون ‪ 66/036‬المتعلق بالتنظيم‬
‫القضائي الذي ظهر بعد أن تبين النقص الملحوظ في التنظيم القضائي لسنة ‪1663‬م كما جاء‬
‫تحت ضغط االنتقادات المتز ايدة الصادرة عن الشركاء الخارجيين وعن املجتمع القضائي‪ ،‬وقد‬
‫هدف التنظيم الجديد إلى تحقيق توزيع أفضل للقضايا بين مختلف املحاكم‪ ،‬كما هدف إلى‬
‫تحقيق قدرأوفرمن التخصص واستغلل أكثرعقلنية للموارد البشرية المتوفرة‪.‬‬

‫‪ 681‬د‪.‬محمدن ولد سيدي محمد بن حمين‪ ،‬التاريخ القضائي وكبريات النزاعات القضائية في موريتانيا‪ .‬اإلفريقية للطباعة والنشر نواكشوط‬
‫(دون \ تاريخ للنشر)‪ ،‬ص ‪.232‬‬
‫‪ 682‬د‪ .‬محمد األمين ولد شيخنا ولد عبيد‪ ،‬الوجيز في النظام اإلداري الموريتاني‪ ،‬مرجع سابق ص‪.399‬‬

‫‪422‬‬
‫‪2023‬‬

‫ولكن الجديد الذي أضافه هذا القانون على نحو واضح هو أخذه للنزاعات اإلدارية‬
‫واالقتصادية بعين االعتبارخصوصا وأن الدولة كانت تعكف يومها على إصدارمنظومة قانونية‬
‫جديدة في مجال إصلح البنى اإلدارية‪.‬‬

‫وقد تر افق كل ذلك مع برنامج وطني لتنمية الموارد البشرية على مستوى قطاع العدالة‬
‫(النظام األساس ي الجديد للقضاة‪/‬إصلح مهن أعوان القضاء مثل الموثقين والمنفذين التي‬
‫تمت خوصصتها)‪.‬‬

‫وأخذ هذا اإلصلح بعدة مبادئ من أهمها‪:‬‬

‫ـ على صعيد تشكلة املحاكم وسعيا لترشيد الموارد البشرية أخذ اإلصلح الجديد بمبدأ‬
‫القاض ي الفرد على مستوى محاكم الدرجة األولى (خارجة عن نطاق الدراسة)‪.‬‬

‫ـ كما أخذ بمبدأ التخصص منشئا بذلك ظرفا متخصصة جديدة على مستوى محاكم‬
‫الواليات ومحاكم االستئناف وخاصة غرفة إدارية وغرفة تجارية وغرفة جزائية كما أنشأ‬
‫محاكم خاصة بالقصرومحاكم للشغل ومحكمة تجارية بنواكشوط‪.‬‬

‫ـ كما أقرمبدأ تقريب القضاء من المتقاضين خصوصا في الميدانين المدني والتجاري عن‬
‫طريق إنشاء محكمة على مستوى كل مقاطعة‪ ،‬وفي املجال الجزائي عن طريق إنشاء محكمة‬
‫جزائية على مستوى كل والية‪ .‬وفي املجال اإلداري عن طريق الغرف اإلدارية بمحاكم الواليات‪.‬‬

‫الف ـ ـ ــرع الثاني‪ :‬التكوين‬

‫تعتبرالغرف اإلدارية في محاكم الواليات ومحاكم االستئناف والغرفة اإلدارية في املحكمة‬


‫العليا الجهات القضائية صاحبة االختصاص في المنازعات اإلدارية طبقا للتنظيم القضائي‬
‫الموريتاني‪ ،‬لذا سيتم التحدث عن تشكلة هذه الغرف معرجين قليل على باقي الغرف األخرى في‬
‫هذه املحاكم‪.‬‬

‫ـ محكمة الوالية‪ :‬نصت المادة ‪ 39‬من قانون التنظيم القضائي الجديد على محكمة‬
‫الوالية قائلة‪:‬‬

‫‪423‬‬
‫‪2023‬‬

‫(تنشأ محكمة تدعى محكمة الوالية في عاصمة كل والية)‪ 683‬وتتألف محكمة الوالية من‬
‫عدة غرف‪ :‬غرفة إدارية‪ ،‬وغرفة تجارية‪ ،‬وغرفة أو عدة غرف مدنية‪ ،‬وعدة غرف جزائية من‬
‫بينها غرفة لألحداث‪.‬‬

‫وتتألف كل غرفة من قاض ي يسمى رئيس غرفة‪ ،‬ويترأس محكمة الوالية رئيس الغرفة‬
‫األقدم في الرتبة األعلى وفي حالة التساوي في واألقدمية يكون الرئيس األسن فاألقدم في املحكمة‪.‬‬

‫وفي حالة غياب رئيس الغرفة أو حدوث مانع له ينوب عنه رئيس غرفة أخرى من نفس‬
‫املحكمة أو محكمة والية مجاورة يعين بأمر من رئيس محكمة االستئناف املختصة‪ ،‬وفي حالة‬
‫غياب أو حدوث مانع لرئيس غرفة محكمة والية تتشكل من رئيس ي غرفتين فقط فإنه يعوض‬
‫برئيس محكمة الوالية‪.684‬‬

‫يمسك قلم كتابة الضبط بمحكمة الوالية كاتب ضبط رئيس ي يساعده كتاب ضبط‬
‫رئيسيون‪ ،‬وكتاب ضبط‪ ،‬وكتاب عدل‪ ،‬ونيابة موزعين على غرف محكمة الوالية‪.685‬‬

‫ويقوم بمهام التحقيق قاض أو أكثرللتحقيق وفقا ألحكام قانون اإلجراءات الجزائية‪.‬‬

‫تمثل النيابة العامة لدى محكمة الوالية من طرف وكيل الجمهورية أو نوابه‪ ،‬ويمسك‬
‫قلم كتابة الضبط لدى النيابة العامة لدى محكمة الوالية كاتب ضبط أول‪ ،‬أو كاتب ضبط‬
‫يساعدهما كاتب عدل أو نيابة‪.686‬‬

‫ويمكن أن يعين لدى محكمة الوالية قاض مكلف بتهيئة الدعاوى وآخر مكلف بتنفيذ‬
‫العقوبات‪ ،‬ويحدد القانون اختصاصاتها‪.‬‬

‫محكمة االستئناف‪ :‬أما فيما يخص محاكم الدرجة الثانية فقد نصت المادة ‪ 26‬من‬
‫قانون التنظيم القضائي على إنشاء محكمة استئناف على امتداد التراب الوطني على األقل‬
‫ومحكمة استئناف على مستوى كل والية على األكثر‪ ،‬وتتكون محكمة االستئناف من تشكيلت‬

‫‪ 683‬األمر القانوني رقم ‪ 122‬ـ ‪ 2119‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬فبراير ‪ 2119‬المتضمن للتنظيم القضائي‪ .‬المادة ‪.31‬‬
‫‪684‬األمر القانوني رقم ‪ 122‬ـ ‪ 2119‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬فبراير ‪ 2119‬المتضمن للتنظيم القضائي‪ .‬المادة ‪.37‬‬
‫‪685‬األمر القانوني رقم ‪ 122‬ـ ‪ 2119‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬فبراير ‪ 2119‬المتضمن للتنظيم القضائي‪ .‬المادة ‪.22‬‬
‫‪686‬األمر القانوني رقم ‪ 122‬ـ ‪ 2119‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬فبراير ‪ 2119‬المتضمن للتنظيم القضائي‪ .‬المادة ‪.22‬‬

‫‪424‬‬
‫‪2023‬‬

‫الحكم التالية‪ :‬غرفة إدارية‪ ،‬غرفة مدنية واجتماعية أو أكثر‪ ،‬غرفة تجارية أو أكثر‪ ،‬عدة غرف‬
‫جزائية من بينها غرفة اتهام وغرفة لألحداث‪687.‬‬

‫وتبت في القضايا المعروضة عليها في تشكيلة من ثلث قضاة من بينهم رئيس الغرفة‬
‫ومستشاران لهما صوتان تداوليان‪ ،‬إال أن االستئنافات الموجه ضد قرارات املحكمة الجنائية‬
‫تبت فيها الغرفة الجزائية بمحكمة االستئناف في تشكلة من خمسة قضاة من بينهم رئيس‬
‫الغرفة وأربعة مستشارين‪.688‬‬

‫ويترأس محكمة االستئناف رئيس الغرفة األقدم في الرتبة األعلى‪ ،‬وفي حالة التساوي في‬
‫الرتبة واألقدمية يكون الرئيس األكبرسنا فاألقدم في املحكمة‪.‬‬

‫وفي حالة غياب رئيس غرفة محكمة االستئناف أو حدوث مانع له ينوب عنه رئيس غرفة‬
‫أخرى من نفس املحكمة يعين بأمرمن رئيسها‪.‬‬

‫وفي حالة غياب رئيس محكمة االستئناف أو حدوث مانع له ينوب عنه رئيس غرفة من‬
‫نفس املحكمة يعين بأمر من رئيس املحكمة العليا‪.‬‬

‫ويمسك قلم كتابة ضبط محكمة االستئناف كاتب ضبط رئيس ي مركزي يساعده كتاب‬
‫ضبط رئيسيون وكتاب ضبط وكتاب عدل ونيابة موزعين بين مختلف غرف محكمة االستئناف‬

‫كما توجد بمحكمة االستئناف نيابة عامة يمثلها المدعي العام أو أحد نوابه‪ ،‬وكتابة‬
‫الضبط في غرف محكمة االستئناف والنيابة العامة يمسك قلمها كاتب ضبط أول يساعده‬
‫كتاب الضبط أو كتاب عدل ونيابة‪689.‬‬

‫وتعتبر الغرفة اإلدارية بمحكمة االستئناف هي الدرجة الثانية من درجات التقاض ي‬


‫وتتشكل من قاض ومستشارين إداريين يساعدهما كاتب ضبط أو أكثروتمثل النيابة العامة من‬
‫طرف المدعي العام أو أحد نوابه ‪ ،‬وتستقبل كتابة ضبط هذه الغرفة القضايا ويقوم الرئيس‬
‫بدراستها وعرضها على النيابة العامة إلبداء الرأي وتبلغ املحكمة األطراف وتستقبل العرائض‬
‫التكمي لية والتفصيلية إن اقتض ى األمر‪ ،‬ثم تنظر في وثائق القضية والمذكرات التكميلية‬

‫‪ 687‬األمر القانوني رقم ‪ 122‬ـ ‪ 2119‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬فبراير ‪ 2119‬المتضمن للتنظيم القضائي‪ .‬المادة ‪.27‬‬
‫‪688‬األمر القانوني رقم ‪ 122‬ـ ‪ 2119‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬فبراير ‪ 2119‬المتضمن للتنظيم القضائي‪ .‬المادة ‪.32‬‬
‫‪ 689‬د‪.‬محمد األمين ولد شيخنا ولد عبيد‪ ،‬الوجيز في النظام اإلداري الموريتاني‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.397‬‬

‫‪425‬‬
‫‪2023‬‬

‫ومر افعات األطراف واالستماع للدفوع الشفهية واإليضاحات المقدمة إليها ثم تبت املحكمة‬
‫وتداول عند االقتضاء وتنطق بحكمها في القضية في جلسة علنية لتبدأ آجال الطعن بالنسبة‬
‫للطرف المعترض على الحكم‪690.‬‬

‫املحكمة العليا‪ :‬توجد على قمة الهرم القضائي محكمة عليا وهي أسمى هيئة للرقابة‬
‫القضائية على مستوى كافة املحاكم‪.‬‬

‫وقد نظمها الفصل األول من الباب الثاني من قانون التنظيم القضائي حيث نصت المادة‬
‫‪ 11‬على أن املحكمة تبت في الطعون بالنقض ضد األحكام والقرارات النهائية الصادرة عن‬
‫املحاكم األخرى‪.‬‬

‫كما تبت في القضايا اإلدارية ابتدائيا ونهائيا طبقا لألحكام المنصوص عليها في القانون‪،‬‬
‫كما تنص هذه المادة على أن املحكمة العليا هي محكمة قانون و ليست محكمة وقائع ما لم‬
‫تنص مقتضيات تشريعية على خلف ذلك‪ ،‬واإلجراءات المتبعة أمام املحكمة هي تلك التي ينص‬
‫عليها قانون اإلجراءات المدنية والتجارية واإلدارية وقانون اإلجراءات الجزائية أو كل الترتيبات‬
‫التشريعية األخرى المعمول بها‪691.‬‬

‫وللمحكمة العليا رئيس يعين لمدة ‪ 5‬سنوات بمرسوم من رئيس الجمهورية ويجب أن يتم‬
‫اختياره من بين الشخصيات المعروفة بالكفاءة في مجال القانون والتجربة كما يجب أن يكون‬
‫دينه اإلسلم وال يشترط فيه أن يكون منتميا لسلك القضاء لكنه يتمتع طيلة فترة ممارسته‬
‫لوظيفته بنفس الضمانات التي ينص عليها النظام األساس ي للقضاء مثل عدم القابلية للعزل‪،‬‬
‫واالستقللية وحرية اتخاذ القرار‪ ،‬قواعد التعارض الوظيفي المطبق على القضاة‪ ،‬ارتداء زي‬
‫القضاء أثناء الجلسات إضافة إلى واجبات التحفظ والمسلكيات المفروضة على القضاة‪.‬‬

‫ويؤدي رئيس املحكمة العليا قبل تقلده لوظائفه اليمين أمام رئيس الجمهورية‪،‬‬
‫المنصوص عليه في قانون التنظيم القضائي المادة ‪.14‬‬

‫‪ 690‬إبراهيم عبد الله الركاد ‪ ،‬الدعوى في القضاء اإلداري الموريتاني(التعويض واإللغاء) رسالة مقدمة لنيل شهادة الماستر في القانون‬
‫العام‪ ،‬تخصص القانون الدستوري والعلوم السياسية ‪،‬جامعة نواكشوط‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية ‪ 2129‬ـ ‪ 2129‬ص ‪.92‬‬
‫‪ 691‬األمر القانوني رقم ‪ 122‬ـ ‪ 2119‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬فبراير ‪ 2119‬المتضمن للتنظيم القضائي‪ .‬المادة ‪.22‬‬

‫‪426‬‬
‫‪2023‬‬

‫ويوجد إلى جانب الرئيس أربعة رؤساء غرف يعمل كل واحد منهم بصفة نائب رئيس‬
‫املحكمة العليا باإلضافة إلى عدد من المستشارين‪ ،692‬وتتألف املحكمة العليا من تشكيلت‬
‫الحكم التالية‪:‬‬

‫ـ الغرف‪ ،‬الغرف املجمعة‪ ،‬غرفة المشورة‪.‬‬

‫وبالنسبة للغرف فإنها تتألف من أربعة غرف هي‪ :‬الغرفة اإلدارية‪ ،‬غرفتان مدنيتان‬
‫واجتماعيتان‪ ،‬غرفة تجارية‪ ،‬وغرفة جزائية‪ ،‬وتتألف كل غرفة من رئيس وأربع قضاة يحملون‬
‫لقب مستشار ويعتبر رئيس الغرفة تلقائيا بمثابة نائب لرئيس املحكمة العليا ويترأس جلسات‬
‫الغرف‪ ،‬وفي حالة غيابه أو حدوث مانع له فإن أحد رؤساء الغرف اآلخرين ينوب عنه بناء على‬
‫أمر من رئيس املحكمة العليا‪ ،‬وعندما يترأس رئيس املحكمة العليا جلسات إحدى الغرف فإن‬
‫رئيس الغرفة والمستشاراألقدم للغرفة يجلسان إلى جانبه كمستشارين‬

‫كما تتوفر كل غرفة في املحكمة العليا على كتابة ضبط تتألف من كاتب ضبط أول‬
‫يساعده عدد غير محدد من الكتاب ويلزم القانون املحكمة العليا بنشر قراراتها في نشرة دورية‪،‬‬
‫والنسبة للغرفة اإلدارية باملحكمة العليا على سبيل الخصوص فإنها مثل الغرف اإلدارية على‬
‫مستوى محاكم االستئناف تتشكل من مستشارين معارين أو معينين من خارج السلك القضائي‬
‫من بين الموظفين السامين الحاصلين على كفاءات عالية في مادة القانون اإلداري والنزاعات‬
‫اإلدارية‪.693‬‬

‫حيث نصت المادة ‪ 56‬من التنظيم القضائي الموريتاني على أنه‪:‬‬

‫(يختار المستشارون الذين يجلسون في الغرفة اإلدارية في محكمة االستئناف والغرفة‬


‫اإلدارية في املحكمة العليا من بين اإلداريين المعارين قضائيا تطبيقا للمادة ‪54‬من النظام‬
‫األساس ي للقضاء وفي حالة وجود نقص في العدد بين اإلداريين أو الموظفين السامين الحاصلين‬
‫على كفاءة عالية في مادة القانون والنزاعات اإلدارية ‪،‬وذلك دون المساس بمقتضيات‬
‫المادتين‪ 20‬و‪ ،32‬يعين المذكورون في الفقرة وكذلك خلفاؤهم لمدة أربع سنوات بمرسوم من‬

‫‪ 692‬القاضي‪ :‬سليمان محمد عمر‪ ،‬سلطات المحكمة العليا كمحكمة موضوع‪ ،‬مداخلة للمؤتمر الثامن لرؤساء المحاكم العليا في الدول‬
‫العربية المنعقد بنواكشوط‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2129‬ص‪.2‬‬
‫‪ 693‬إبراهيم عبد الله الركاد ‪ ،‬الدعوى في القضاء اإلداري الموريتاني(التعويض واإللغاء) رسالة مقدمة لنيل شهادة الماستر في القانون‬
‫العام‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.93‬‬

‫‪427‬‬
‫‪2023‬‬

‫رئيس الجمهورية بناء على اقتراح مشترك من وزير العدل والوزير المكلف بالوظيفة العمومية ‪،‬‬
‫وهم ملزمون بشكلية اليمين بنفس الظروف مع القضاة‪694).‬‬

‫وتنص المادة ‪ 54‬من النظام األساس ي للقضاء فقرة أولى على أنه‪ (:‬يمكن ألعضاء األسلك‬
‫اإلدارية المكتتبين عن طريق السلك الطويل بالمدرسة الوطنية لإلدارة واألساتذة الجامعيين‬
‫الحائزين على دكتوراه حسب الشروط المنصوصة في المواد التالية أن يوضعوا في حالة إعارة‬
‫قضائية ليمارسوا وظائف في الرتبة الثانية) ‪695‬‬

‫بعد عرض تشكيلت مختلف الغرف اإلدارية يبقى السؤال المطروح‪:‬‬

‫هل تستجيب هذه الغرف لمتطلبات ومقومات القضاء اإلداري المستقل؟‬

‫وفي إطاراإلجابة على السؤال فقد الحظنا وجود غرف إدارية في محاكم الواليات ومحاكم‬
‫االستئناف واملحكمة العليا ‪،‬لكن موقع هذه الغرف في النظام القضائي الموريتاني حسب رأينا‬
‫ال يعطيها صفة املحكمة اإلدارية املختصة‪ ،‬فهي مجرد غرفة من محكمة توجد إلى جانب غرف‬
‫عديدة أخرى تطبق القانون العادي وهي غير مستقلة من الناحية اإلدارية وال منفصلة من‬
‫الناحية العضوية ‪ ،‬هذه الغرف إذا في نظرنا ال تستجيب لمتطلبات مقومات القضاء اإلداري‬
‫المستقل ‪،‬لذلك يمكن أن نصف النظام القضائي الموريتاني بكونه أحد تطبيقات نظام وحدة‬
‫القضاء رغم إدخاله لبعض األمور التنظيمية التي تستهدف ملءمته مع متطلبات البنية‬
‫القانونية الموروثة عن النظام الفرنس ي وكذلك مع المعطيات السياسية واالجتماعية الخاصة‬
‫بالبنية ‪،‬غير أن هذه الوضعية ال تقتصر على النظام القضائي الموريتاني حيث تأخذ بها غالبية‬
‫الدول اإلفريقية وقد تم تبريرهذا الوضع في الدول اإلفريقية ب‪:‬‬

‫ـ ضعف حجم القضايا والنزاعات اإلدارية بحيث ال يستدعي إنشاء محاكم مختصة في‬
‫هذا النوع من النزاعات‪.‬‬

‫إال أن هذا المبرر تعرض للتشكيك واالنتقاد من طرف اتجاه واسع من المهنيين الذين‬
‫يعتبرون أن ضعف حجم النزاعات ونمطيتها ليس سببا كافيا‪ ،‬كما يلحظون تضاعف اللجوء‬

‫‪ 694‬األمر القانوني رقم ‪ 122‬ـ ‪ 2119‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬فبراير ‪ 2119‬المتضمن للتنظيم القضائي‪ .‬المادة ‪.97‬‬
‫‪ 695‬قانون نظامي رقم ‪ 122‬ـ ‪ 72‬يتضمن النظام األساسي للقضاء المعدل باألمر القانوني رقم ‪ 2119‬ـ ‪ 129‬الصادر بتاريخ ‪ 22‬يوليو‬
‫‪ 2119‬المادة ‪92‬‬

‫‪428‬‬
‫‪2023‬‬

‫للقضاء اإلداري ووجود عشرات األحكام والقرارات بعد ما أصبح النظام القضائي في متناول‬
‫جميع المواطنين‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االختصاصات واإلجراءات‬

‫في هذا المطلب سنتطرق الختصاصات الغرف اإلدارية‪ ،‬كما سنتطرق ألصول اإلجراءات‬
‫أمامها‬

‫الفــرع األول‪ :‬اختصاصات الغرف اإلدارية‬

‫تعتبرالغرف اإلدارية في محاكم الواليات ومحكاكم االستئناف والغرفة اإلدارية في املحكمة‬


‫العليا الجهات القضائية صاحبة االختصاص في المنازعات اإلدارية طبقا للتنظيم القضائي‬
‫الموريتاني كأصل عام‪ ،‬إال إن هناك بعض االستثناءات التي تشارك فيها الغرف اإلدارية من طرف‬
‫الغرف العادية (المدنية والتجارية‪ )...‬حيث تتقاسم االختصاص في بعض الدعاوى اإلدارية‪.‬‬

‫وسنتعرض أوال الختصاص الغرف اإلدارية قبل أن نتعرض للستثناءات التي ترد على‬
‫الوالية العامة للغرف اإلدارية في مجال النزاعات اإلدارية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬اختصاصات الغرف اإلدارية‬

‫تعتبر الغرفة اإلدارية بمحكمة الوالية ومحاكم االستئناف والغرفة اإلدارية باملحكمة‬
‫العليا الجهات القضائية املختصة صاحبة االختصاص في المنازعات اإلدارية‪:‬‬

‫ـ الغرفة اإلدارية بمحكمة الوالية‪:‬‬

‫نصت المادة ‪ 25‬من قانون اإلجراءات المدنية والتجارية واإلدارية الموريتاني على‬
‫اختصاصات الغرفة اإلدارية بمحكمة الوالية وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫ـ الطعون المتعلقة بالتعويض ضد الدولة وأشخاص القانون العام االعتبارية باستثناء‬


‫تلك التي ترمي إلى تعويض األضرارالتي تسببها سيارات اإلدارة‬

‫ـ النزاعات المتعلقة بالصفقات والعقود اإلدارية واألشغال العامة‬

‫ـ نزاعات الضرائب المباشرة والرسوم المشابهة‬

‫‪429‬‬
‫‪2023‬‬

‫وبصفة عامة كل النزاعات اإلدارية التي ليست من اختصاص الغرفة اإلدارية باملحكمة‬
‫العليا‪696.‬‬

‫الغرفة اإلدارية باملحكمة العليا‪:‬‬

‫نصت المادة ‪ 29‬من قانون اإلجراءات المدنية والتجارية واإلدارية على اختصاصات‬
‫الغرفة اإلدارية باملحكمة العليا قائلة‪:‬‬

‫(تنظراملحكمة العليا في غرفتها اإلدارية ابتدائيا ونهائيا فيما يلي‪:‬‬

‫ـ الطعون التي يقام بها بسبب الشطط في استعمال السلطة أو في تقديرشرعية القرارات‬
‫اإلدارية ذات الطابع الفردي أو التنظيمي أو في طلبات التأويل‪.‬‬

‫ـ النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية لموظفين والوكلء العموميين‪.‬‬

‫ـ النزاعات المتعلقة باألملك العامة بما في ذلك املخالفات المتعلقة بطرق المواصلت‬
‫الكبرى والتنازل عن األملك‪ ،‬ورخص البحث المنجمي واالحتلل المؤقت الممنوح لصالح‬
‫شخصية اعتبارية من أشخاص القانون الخاص‬

‫ـ القضايا المتعلقة بنزع الملكية بسبب النفع العام باستثناء التعويض‬


‫ـ النزاعات المتعلقة باالنتخابات البلدية و انتخابات أعضاء الهيئات المهنية‪697).‬‬

‫ـ الغرفة اإلدارية بمحكمة االستئناف‪ :‬تنظر الغرفة اإلدارية بمحاكم االستئناف و تبت‬
‫نهائيا في األحكام و األوامر الصادرة ابتدائيا عن محاكم الدرجة األولى (الغرفة اإلدارية بمحاكم‬
‫الوالية ) ‪.698‬‬

‫كما يمكن استئناف أحكام هذه الغرفة إلى املحكمة العليا فكل األحكام الصادرة عن‬
‫الغرفة اإلدارية بمحكمة االستئناف يمكن الطعن فيها بالنقض أمام الغرفة اإلدارية باملحكمة‬
‫العليا‪.‬‬

‫‪ 696‬قانون رقم ‪77‬ـ ‪ ،139‬الصادر بتاريخ‪ 22:‬يوليو ‪ ،2777‬يتضمن اإلجراءات المدنية والتجارية واإلدارية‪ /‬المادة ‪.29‬‬
‫‪ 697‬قانون رقم ‪77‬ـ ‪ ،139‬الصادر بتاريخ‪ 22:‬يوليو ‪ ،2777‬يتضمن اإلجراءات المدنية والتجارية واإلدارية‪ /‬المادة ‪.21‬‬
‫‪ 698‬األمر القانوني رقم ‪ 2119\122‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬فبراير ‪ 2119‬المتضمن للتنظيم القضائي‪ ،‬المادة ‪.32‬‬

‫‪431‬‬
‫‪2023‬‬

‫والطعن بالنقض ال يقبل إال ضد األحكام والقرارات واألوامر الصادرة نهائيا في الحاالت‬
‫التالية‪:‬‬

‫ـ إذا كان الحكم يحتوي على خرق للقانون أو كان قد صدر إثر خطأ في تطبيق أو تأويل‬
‫القانون‪.‬‬

‫ـ إذا كانت املحكمة التي أصدرته غيرمختصة‪.‬‬

‫ـ إذا حصل تجاوزفي استعمال السلطة‬

‫ـ إذا كانت األشكال المقررة تحت طائلة البطلن أو السقوط أثناء اإلجراءات أو الحكم لم‬
‫تحترم‬

‫ـ إذا حصل تناقض بين أحكام نهائية بين نفس األطراف حول نفس الموضوع ولنفس‬
‫األسباب‬

‫ـ إذا كان الحكم غيرمسبب أو كان تسبيبه ناقصا‬

‫ـ إذا حصل البت في أشياء لم تكن مطلوبة أو في أكثر منما هو مطلوب أو إذا كان قرار‬
‫االستئناف أهمل البت في دعاوى سبق الحكم فيها من طرف القاض ي األول أو إذا كان في نفس‬
‫الحكم مقتضيات متناقضة‪699.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المنازعات اإلدارية التي تدخل في نطاق اختصاص الغرف المدنية والتجارية‬

‫إذا كانت القاعدة العامة هي والية الغرف اإلدارية في المنازعات اإلدارية املختلفة فإن‬
‫لهذه القاعدة استثناءات مصدرها القانون أحيانا واالجتهاد القضائي أحيانا أخرى ومن أهم‬
‫أنواع هذه المنازعات‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ المنازعات اإلدارية المتعلقة بالتعويض عن األضرارالتي تلحقها السيارات والمركبات‬


‫التابعة للدولة أو ألحد األشخاص المعنوية العامة األخرى وذلك طبقا للمادة ‪ 25‬من قانون‬
‫اإلجراءات المدنية والتجارية واإلدارية الموريتاني‪ ،700‬وقد ظل القضاء اإلداري الفرنس ي يرتب‬

‫‪ 699‬قانون رقم ‪77‬ـ ‪ ،139‬الصادر بتاريخ‪ 22:‬يوليو ‪ ، 2777‬يتضمن اإلجراءات المدنية والتجارية واإلدارية‪ /‬المادة ‪.212‬‬
‫‪ 700‬قانون رقم ‪77‬ـ ‪ ،139‬الصادر بتاريخ‪ 22:‬يوليو ‪ ، 2777‬يتضمن اإلجراءات المدنية والتجارية واإلدارية‪ /‬المادة ‪.29‬‬

‫‪431‬‬
‫‪2023‬‬

‫مسؤولية اإلدارة عن هذه األضرار منذ الحكم المعروف بقضية (بل نكو‪ )1973‬إلى غاية صدور‬
‫القانون المؤرخ ‪ 31‬ديسمبر‪ 1675‬الذي حول هذا النوع من النزاعات إلى القضاء المدني‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ المنازعات المتعلقة بالضمان االجتماعي طبقا للمادة ‪ 21‬من قانون اإلجراءات‬
‫المتعلقة باختصاص الغرف المدنية‪701.‬‬

‫‪ 3‬ـ المنازعات المتعلقة بإيجارات السكن واإليجارات التجارية التي حولت إلى الغرفة‬
‫التجارية‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ منازعات الدولة الناتجة عن وظيفتها القضائية وذلك تطبيقا لمبدأ عدم مسؤولية‬
‫الدولة عن أعمال السلطة القضائية‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ منازعات المؤسسات العمومية االقتصادية والتجارية والشركات ذات الرأسمال‬


‫العمومي وكقاعدة عامة وغيرمطلقة‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ المنازعات المتعلقة باألعمال اإلدارية المنعدمة حيث يكون الطابع عدم الشرعية‬
‫ظاهرا وجسيما ويمثل اعتداء صارخا على الحريات والحقوق الفردية‪.‬‬

‫ومع أن هذه االستثناءات واسعة وكثيرة إال أنها ال تنتقص من نطاق اختصاص الغرف‬
‫اإلدارية الموريتانية الذي ال يكاد يقل أهمية عن االختصاص المسند إلى املحاكم اإلدارية‬
‫المستقلة في ظل نظام االزدواجية القضائية والقانونية‪.‬‬

‫وفيما يثور حول مسألة تنازع االختصاص فإن المشرع الموريتاني قد أسند البت في‬
‫إشكاالت تنازع االختصاص اإليجابي والسلبي باإلضافة إلى تعارض األحكام القضائية إلى املحكمة‬
‫العليا في غرفها املجمعة المشكلة من رئيس املحكمة العليا ورؤساء غرفها األربعة باإلضافة إلى‬
‫مستشارين‪702.‬‬

‫ويتحقق التنازع اإليجابي في حالة ما إذا رفعت دعويين في موضوع واحد أمام جتهي القضاء‬
‫اإلداري والعادي‪ ،‬وبغض النظر عن وحدة الخصوم في الدعويين وتمسكت كل من املحكمتين‬

‫‪ 701‬قانون رقم ‪ 137‬ـ ‪ 77‬يتضمن التنظيم القضائي الموريتاني المادة ‪.29‬‬


‫‪ 702‬د‪.‬محمد األمين ولد شيخنا ولد عبيد‪ ،‬الوجيز في النظام اإلداري الموريتاني‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.393‬‬

‫‪432‬‬
‫‪2023‬‬

‫المرفوع أمامها الدعوى باختصاصها بنظرهذه الدعوى‪ ،703‬أما التنازع السلبي فهوأن تمتنع كل‬
‫منهما عن البت في المنازعة بحجة عدم االختصاص‪704.‬‬

‫الف ــرع الثاني‪ :‬أصول اإلجراءات أمام الغرف اإلدارية‬

‫أصول اإلجراءات منها ما يتعلق بإجراءات الرفع وأخرى بسيرها‬

‫أوال‪ :‬إجراءات رفع الدعوى‬

‫ال يمكن لشخص أن يرفع الدعوى اإلدارية إال إذا توفرت فيه الصفة والمصلحة فإذا‬
‫توفرت فيه هذه الشروط فإنه يقدم دعواه عن طريق عريضة فاتحة لهذه الدعوى‪.‬‬

‫وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫ـ صفة رفع الدعوى‪:‬‬

‫من المعلوم أن الدعوي اإلدارية إما أن تكون دعوى إلغاء ضد قرار إداري أو أن تكون‬
‫دعوي تعويض عن ضررجراء عمل اإلدارة وفي كلتا الحالتين فإن الدعوى اإلدارية ترفع من طرف‬
‫فرد أو مجموعة من األفراد أو شخص أو أكثر من أشخاص القانون الخاص و ال ترفع من طرف‬
‫أحد أشخاص القانون العام إال بصورة استثنائية و في حاالت نادرة و يعود ذلك إلى ما يتميز به‬
‫أداء أشخاص القانون العام من ميزة تمثيل مباشر‪ ،‬و في كل الحاالت يجب أن يتوفر في ر افع‬
‫الدعوي الصفة و األهلية إلثبات حقوقه طبقا للمادة ‪ 2‬من قانون اإلجراءات المدنية والتجارية‬
‫واإلدارية ‪ ،‬كما يجب أن تكون له مصلحة مشروعة في رفع الدعوي‪.‬‬

‫واألهلية شرط الزم ومستقل تماما عن أي شرط آخر‪ 705‬فلو كانت للشخص مصلحة‬
‫تخوله طلب إلغاء قرار ما‪ ،‬فإنه ال يستطيع مزاولة هذه الدعوى بنفسه إذا قام به سبب من‬
‫أسباب عدم األهلية‪ ،‬فإذا انتفت األهلية كانت الدعوى غير مقبولة‪706‬‬

‫‪ 703‬د‪.‬سامي جمال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري والرقابة على أعمال اإلدارة‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر (دون تاريخ‬
‫للنشر) ص ‪.229‬‬
‫‪ 704‬د‪.‬محمد األمين ولد شيخنا ولد عبيد‪ ،‬الوجيز في النظام اإلداري الموريتاني‪ ،‬مرجع سابق ص ‪392‬‬
‫‪ 705‬سيدي محمد فال ‪ ،‬بعض تطبيقات القضاء اإلداري في موريتانيا‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر في الدراسات اإلدارية والقوانين المالية‬
‫جامعة نواكشوط ‪2129‬ـ‪ 2129‬ص ‪.22‬‬
‫‪706‬د‪ .‬فؤاد العطار ‪ ،‬القضاء اإلداري ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ 2791،‬ص ‪.922‬‬

‫‪433‬‬
‫‪2023‬‬

‫ـ الشكلية المتبعة في رفع الدعوي‪:‬‬

‫تنعقد المنازعة اإلدارية بإيداع العريضة لدى سكرتارية املحكمة‪، 707 .‬ويتم رفع الدعوى‬
‫عن طريق مقالة افتتاحية تسمى العريضة الفاتحة للدعوى و ال يمكن للمحكمة أن تتعهد في أي‬
‫نزاع إداري ما لم تتوصل من ر افع الدعوي بتلك العريضة طبقا للمادة ‪ 150‬من قانون‬
‫اإلجراءات ‪ ،‬والن العريضة االفتتاحية هذه مقبولة إال خلل أجل شهرين يسري من تاريخ إبلغ‬
‫أو نشر القرار المطعون فيه ‪ ،‬و يجب أن تقد تلك العريضة على األوراق المفتوحة من كتابة‬
‫ضبط املحكمة و يجب أن توقع من طرف قاض أو وكيل كما يجب أن ترفق بنسخة من القرار‬
‫المطعون فيه أو بنسخة من الوثيقة التي تثبت تاريخ التظلم الموجه لإلدارة في حالة القرار‬
‫الضمني ‪ ،‬و من ناحية المضمون فإن العريضة الفاتحة للدعوى تقدم على أوراق مدموغة ‪،‬‬
‫وتعفى الطعون المقدمة من طرف الوزراء من هذه الشكلية‪ .‬ويجب أن توقع العرائض من طرف‬
‫العارض أو وكيليه ‪ ،‬والدعاوى التي تهم الدولة واملجموعات العمومية يقدمها الوزير أو الممثل‬
‫الشرعي لهذه املجموعة أوموظف معين من طرف هذه السلطات يكون حائزا على تفويض شرعي‬
‫لهذا الغرض‪ ،‬كما يجب أن تتضمن عرضا موجزا عن الوقائع و األسباب الموجبة للطعن و‬
‫طلبات العارض ‪ ،‬كما يلزم الطاعن بتوفير عدد من النسخ المطابق لألصل يساوي عدد‬
‫األطراف‪، 708‬وتبلغ العرائض إلى مصدر القرار المطعون فيه‪ ،‬واألطراف األخرى المدعى عليها‬
‫وكذلك الوزير المعني‪ ،‬و تلزم المادة ‪ 152‬من قانون اإلجراءات الطاعن كذلك تحت طائلة‬
‫سقوط دعواه‬

‫أن يودع مذكرة تكميلية ضمن نفس الشروط المطبقة على العريضة و ذلك في أجل‬
‫شهرين من تاريخ إيداع األخيرة ‪ ،709‬حيث تنص في فقرتها الثانية على ما يلي‪ (:‬يلزم المدعي خلل‬
‫أجل شهرين من إيداع مذكرته تحت طائلة سقوط دعواه أن يودع مذكرة تكميلية موقعة منه‬
‫أو من وكيله)‬

‫‪ 707‬د‪.‬المجدى المتولى ‪ ،‬مبادئ القضاء المصري ‪،‬الهيئة العامة المصرية للكتاب ‪ 2779‬ص ‪.212‬‬
‫‪ 708‬قانون رقم ‪ 137‬ـ ‪ 77‬يتضمن التنظيم القضائي الموريتاني المادة ‪.291‬‬
‫‪ 709‬مق ابلة مع كاتبة الضبط الرئيسية بالغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا‪ :‬آسية محمد عبد الرحمن‪ ،‬بتاريخ‪ ، 2127/9/3:‬بمباني المحكمة‬
‫العليا مكتب كتابة الضبط‪ 22:31:‬صباحا‪.‬‬

‫‪434‬‬
‫‪2023‬‬

‫فإذا قدمت العريضة الفاتحة للدعوى أو المذكرة التكميلية خارج هذا األجل فإن‬
‫الدعوى تكون مرفوضة شكل ولعل أبرز نموذج اطلعنا عليه في هذا الخصوص هو قرار الغرفة‬
‫اإلدارية باملحكمة العليا رقم‪ :2019/26:‬الصادر بتاريخ‪ 2019/07/12:‬حيث قدم األستاذ‪ :‬ع‪.‬‬
‫ا‪.‬ولد م ‪ .‬ش‪ .‬عريضة طعن باإللغاء يوم ‪ 2017/02/27:‬هادفة إلى الطعن في رسالة وزارة‪ .‬ا‪.‬‬
‫رقم‪ 01/213:‬بتاريخ‪ 2011/12/14:‬وسجلتها كتابة ضبط الغرفة اإلدارية في سجلها ثم أتبعها‬
‫بمذكرة أسباب طعنه بتاريخ‪ 2017/02/29:‬وتم إبلغ الطعن إلى الوزارة المعنية‪ ،‬فرد محاميها‬
‫األستاذ‪ :‬ي‪. .‬ط‪ .‬ولد ا ‪ .‬بمذكرة جوابية ثم أحيل الملف إلى المستشار المقرر‪ ،‬ثم أحيل الملف‬
‫إلى النيابة العامة فقدمت طلباتها المكتوبة‪ ،‬وفي يوم ‪ 2019/09 / 19‬استعرض الملف في جلسة‬
‫علنية فتلى المقرر تقريره ونودي على الطرفين فلم يحضر أي منهما وقدم مفوض الحكومة‬
‫طلباته ووضع الملف في المداولة‪ ،‬وفي يوم ‪ /07/12‬صدرفيه القرارالتالي‪:‬‬

‫(حيث تنص المادة ‪ 150‬من قانون اإلجراءات المدنية والتجارية واإلدارية على أن أجل‬
‫الطعن في القرار اإلداري الكتابي شهران‪ .‬وحيث أن الطاعن توصل بالقرار يوم‪2011/12/14 :‬‬
‫وقدم عريضة طعنه يوم‪ 2017/02/27 :‬أي خارج األجل القانوني‪ ،‬وعمل بالمادتين ‪ 150‬ـ ‪ 221‬من‬
‫ق‪.‬إ‪.‬م‪.‬ت‪.‬إ‪ .‬قررت الغرفة اإلدارية باملحكمة العليا رفض الطعن شكل‪710).‬‬

‫أما إذا قدمت العريضة الفاتحة للدعوى أو المذكرة التكميلية حسب ما هو محدد فإن‬
‫الدعوى تقبل شكل رغم أنها قد ترفض أصل‪ ،‬ولعل أبرزنموذج اطلعنا عليه في هذا الخصوص‬
‫هو قرار الغرفة اإلدارية باملحكمة العليا‪ ،‬رقم‪ 2019/24:‬الصادر بتاريخ ‪ 2019/07/12‬حيث‬
‫تلقت كتابة ضبط الغرفة اإلدارية باملحكمة العليا عريضة طعن باإللغاء بتاريخ‪2017/ 01/ 14:‬‬
‫‪ ،‬قدمها األستاذ‪ :‬س ‪ .‬ا ‪ .‬ولد س‪ .‬باسم ع ا ‪ .‬أ ‪ .‬ضد القرار رقم‪ 11/0547:‬الصادر بتاريخ‬
‫‪ 2011/07/22:‬من وزارة ‪.‬د ‪، .‬وبعد ذلك قدم مذكرة أسباب طعنه بتاريخ‪ 2017/9/01 :‬وتم إبلغ‬
‫العريضة والمذكرة لوزارة ‪.‬د ‪.‬عن طريق النيابة العامة و انقض ى األجل دون أن ترد على الطعن‪.‬‬
‫حيث قبلت الغرفة اإلدارية بقبول الطعن شكل الستكمال إجراءاتها المنصوص عليها إال أنها‬
‫رفضته أصل‪711.‬‬

‫‪ 710‬قرار المحكمة العليا رقم‪ 2121/27:‬الصادر بتاريخ‪ 2121/19/22:‬في القضية رقم‪.2129/11/‬‬


‫‪ 711‬الغرفة اإلدارية بالمحكمة العليا ‪ :‬القرار رقم‪ ، 2121/ 22:‬الصادر بتاريخ‪.2121/19/22:‬‬

‫‪435‬‬
‫‪2023‬‬

‫ثانيا‪ :‬إجراءات سيرالدعوى‬

‫هذه اإلجراءات تبدأ بتسجيل الدعوى وسنبينها فيما يلي‪:‬‬

‫ـ تسجيل الدعوى‪ :‬يجب أن تقدم العرائض في سجل خاص مرقم ومؤشرعليه من طرف‬
‫رئيس املحكمة وذلك حسب ترتيب وورود العرائض إلى كتابة الضبط مع بيان بأسماء األفراد‬
‫وتاريخ استلم العرائض ووصف لطبيعة الوقائع‪ ،‬ويجب أن تبلغ العرائض إلى مصدر القرار‬
‫المطعون فيه وكذلك األطراف األخرى والمدعي عليها‪712.‬‬

‫دورالمستشارالمقرر‪ :‬يعين رئيس املحكمة مباشرة بعد تسجيل الدعوي بكتابة الضبط‬
‫مستشارا مقررا لدراسة القضية و يقدم هذا األخير تبعا لظروف القضية األجل الممنوح‬
‫لألطراف لتقديم ملحظاتهم أو دفاعهم أو ردود فعلهم و يجوز له أن يطلب منهم كل الوثائق و‬
‫األوراق المفيدة في حل النزاع و هو يتمتع بسلطات واسعة بتحضير الدعوي و التحقيق بشأنها و‬
‫يستطيع في سبيل ذلك ان يستعين بالخبراء و أن يستمع إلى الشهود و يستدعي الموظفين‬
‫املختصين للستيفاء ‪ ،‬و ال تقتصر مهمة المقرر على إبداء الرأي و إنما يهدف التحقيق الذي‬
‫يجريه إلى استكمال كافة مراحل الدراسة و التحليل القانوني للملف و في نهاية دراسته يقدم‬
‫تقريرا يقرأ في جلسة علنية أمام األطراف يشتمل على ملخص للقضية وعرض للوقائع ومناقشة‬
‫للمسائل القانونية و إحالته إلى القانون الواجب التطبيق و ينهي ذلك التقرير بإبداء مقترحاته‬
‫عليه في شكل مشروع للحكم الذي ستصدره املحكمة و ال يقيد المقررفي القانون الموريتاني بأي‬
‫أجل أثناء دراسته الملف على خلف دول أخرى مثل مصرحيث يتم تقييد المقرر بثلثة أشهرو‬
‫بعد تلوة التقرير يكون من حق األطراف أن يتقدموا بملحظاتهم شفوية تدعم طلباتهم‬
‫السابقة‪713.‬‬

‫ـ دور مفوض الحكومة‪ :‬تقوم بدور مفوض الحكومة النيابة العامة طبقا للمادة ‪ 156‬من‬
‫قانون اإلجراءات المدنية والتجارية واإلدارية التي تنص على أن (تقدم النيابة العامة بوصفها‬
‫مفوضا للحكومة الطلبات في كل القضايا ‪ ،‬وتبدي طلباتها النهائية بكل استقللية‪).‬و هي جزء‬
‫من القضاء الو اقف و تتدخل في الدعوي لمصلحة القانون مبدية ملحظاتها و رأيها في القضية‬

‫‪ 712‬قانون رقم ‪ 137‬ـ ‪ 77‬يتضمن التنظيم القضائي الموريتاني المادة ‪.292، 292‬‬
‫‪ 713‬قانون رقم ‪ 137‬ـ ‪ 77‬يتضمن التنظيم القضائي الموريتاني المادة ‪.292‬‬

‫‪436‬‬
‫‪2023‬‬

‫من خلل مطالعة مكتوبة تحررها بكل استقللية و هي غيرملزمة للمحكمة إال أن النيابة العامة‬
‫أن تضمن رأيها كل اعتراض تراه مناسبا على اإلجراءات و التكييف القانوني و هي تبدي رأيها بعد‬
‫أن يستكمل المستشار المقرر دراسته للقضية و يودع تقريره بالملف و قبل تلوة ذلك التقرير‬
‫في جلسة علنية ‪ ،‬كما أن للنيابة العامة أن تبدي ملحظات شفوية أو أن تقدم ملخصا لرأيها‬
‫أثناء الجلسة العلنية و ال تقيد النيابة العامة كذلك بأي أجل لدراسة القضية و هي تشارك في‬
‫المداوالت الختامية السرية و تحضر جلسة النطق بالحكم ‪ ،‬و بعد أن تنهي النيابة العامة‬
‫دراستها للملف يحال إلى رئيس الغرفة الذي يحدد أجل للجلسة العلنية و يبلغه إلى األطراف و‬
‫يكون من حق جميع األطراف االطلع علي مضمون الملف قبل انعقاد الجلسة‪714.‬‬

‫ـ الحكم في الدعوي ‪ :‬بعد أن تتم كافة مراحل الدراسة التي يجريها المقرر و مفوض‬
‫الحكومة و بعد أن يتحقق رئيس املحكمة من اإلبلغات ومن نهاية التحقيق يحدد تاريخا لجلسة‬
‫علنية يحضرها األطراف ثم يحدد تاريخا لجلسة المداولة التي تتم بالسرية و تعقد بدون حضور‬
‫األطراف و على إث ر هذه المداولة يتم إصدار الحكم و قراءته في جلسة علنية تعقد لهذا الغرض‬
‫‪ ،‬و يجب أن يتضمن الحكم أسماء القضاة و األطراف ومحلت إقامتهم ‪ ،‬كما يجب أن يتضمن‬
‫عرضا للوقائع و تكييفا مع تحديد للنصوص المرجعية للقضية و استعراض للوثائق الرئيسية‬
‫في ملف القضية ‪ ،‬كما يجب أن يتضمن الحكم تاريخه و هو يوم نطقه و اسم املحكمة التي‬
‫أصدرته و اسم مفوض الحكومة و كاتب الضبط ‪ ،‬و يجب في كل الحاالت أن يكون الحكم مسببا‬
‫و أن يتضمن بصفة موجزة نبذة ادعاءات األطراف و األسباب التي أثاروها و يذكر الحكم في‬
‫الجلسة بشكل منطوق موجزيقتصرعلى قراراملحكمة إال أنها ملزمة بتحليله خلل أجل ال يتجاوز‬
‫الشهر من تاريخ النطق و يوقع الحكم إلزاما من رئيس املحكمة و كاتب الضبط ‪715.‬‬

‫يصدر الحكم في جلسة علنية متضمنا الصيغة التنفيذية التالية التي تضمنتها المادة‬
‫‪ 111‬من قانون اإلجراءات وهي‪(:‬بسم الله العلي العظيم‪ ،‬وتنتهي ب‪ :‬وعليه فإن الجمهورية‬
‫اإلسلمية الموريتانية تأمر الوزير أو الوالي أو الحاكم كل فيما يعنيه وكل العدول التنفيذيين‬
‫المطلوبين بذلك فيما يعني األطراف الخصوصيين أن يقوموا بتنفيذ هذا الحكم‪).‬‬

‫‪ 714‬قانون رقم ‪ 137‬ـ ‪ 77‬يتضمن التنظيم القضائي الموريتاني المادة ‪.297‬‬


‫‪ 715‬قانون رقم ‪ 137‬ـ ‪ 77‬يتضمن التنظيم القضائي الموريتاني المادة ‪.291‬‬

‫‪437‬‬
‫‪2023‬‬

‫وهكذا نرى بأن األحكام القضائية تصبح نافذة بمجرد النطق بها وتبليغها لألطراف الذين‬
‫يتوصلون بنسخة طبق األصل من القرارالصادرعن املحكمة وتصدراألحكام باسم الدولة وتنفذ‬
‫بكافة وسائل القوة العمومية اتجاه الخصوصيين‪ ،‬كما تنفذ اتجاه الدولة من طرف وكلئها‬
‫الوزراء‪ ،‬والوالة‪ ،‬والحكام إال أن ذلك ال يعني أن تنفيذ األحكام القضائية في املجال اإلداري ال‬
‫تواجه صعوبات ومشاكل بعضها قانونية وبعضها و اقعية‪.‬‬

‫فالقضاء يساهم من جانبه في اإلشكالية بعدم جرأته على توجيه أوامرلإلدارة في منطوق‬
‫الحكم ماعدا حاالت استثنائية ويرى بعضهم أن المشكل ليس مجرد مسألة تقنية و إنما تفسيره‬
‫العلقة بين السلطة التنفيذية والقضائية‪716.‬‬

‫وقد قدم د‪.‬الحسين ولد الشيخ ولد كبادي في هذا إلطاراقتراحات هامة حيث يقول‪:‬‬

‫" إذا كان تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهة األفراد وأشخاص القانون الخاص‬
‫ال يطرح إشكاال بفضل إعمال القواعد الخاصة بالتنفيذ الجبري ‪ ،‬فإن األحكام التي تصدر ضد‬
‫اإلدارة تثيرالعديد من الصعوبات عند تنفيذها نظرا لطبيعة الشخص الموجه ضده والمتمثل‬
‫في اإلدارة كشخص معنوي خاضع للقانون العام يتسم بتنظيم معقد ويضطلع بمهمات المرفق‬
‫العام‪.....‬إلى أن يقول وكخلصة لما سبق نورد الملحظات والمقترحات التالية وذلك من أجل‬
‫الخروج بنتائج وتوصيات تخدم الموضوع وتكمل الفراغ القانوني في إشكالية التنفيذ الجبري في‬
‫موريتانيا‪ ،‬كما تعين وتساعد مشروعنا الوطني على تخطي هذه الصعوبات ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ تعديل وتكميل المادة ‪ 327‬فقرة ‪ 1‬و‪ 2‬من قانون اإلجراءات المدنية الموريتاني وتحديد‬
‫المسطرة الخاصة بالتنفيذ الجبري على المؤسسات العمومية وأشخاص القانون العام في‬
‫موريتانيا حيث تنص هذه المادة على أنه‪( :‬دون المساس بالسلطة المتعلقة بقوة الش يء‬
‫المقض ي به‪ ،‬فإن طرق التنفيذ المقررة في هذا الكتاب ال تطبق على الدولة وال على أشخاص‬
‫القانون العام االعتبارية األخرى) دون أن تحدد هذه المادة وال مادة أخرى المسطرة الخاصة‬
‫وال اإلجراءات المتبعة في هذا املجال‪.‬‬

‫الجمعية المغربية للعلوم اإلدارية‪ ،‬القضاء اإلداري‪ :‬حصيلة وآفاق طباعة‪ :‬المؤسسة األلمانية هانس سايدل (دون تاريخ للنشر) ص‬ ‫‪716‬‬

‫‪.32‬‬

‫‪438‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ 2‬ـ إلزام اإلدارة في كل ما ال يتنافى مع مبدأ سير المر افق العمومية بانتظام وباضطراد‬
‫بتنفيذ األحكام والقرارات الصادرة من القضاء ضد المؤسسات العمومية جبرا‪ ،‬كما هو الحال‬
‫في فرنسا والمغرب وذلك احتراما لمبدأ المشروعية وإرساء وتدعيم دولة الحق والقانون‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ إعطاء دورهام لمؤسسة وسيط الجمهورية (تم إلغاؤه مؤخرا) في موريتانيا في الوساطة‬
‫بين أصحاب الحقوق الذين تعذر التنفيذ لصالحهم والمؤسسات العمومية من أجل الوصول‬
‫إلى حلول ودية ترض ي الطرفين في هذا املجال كما هوالحال في فرنسا وهوما يعني في نظرنا تفعيل‬
‫مؤسسة وسيط الجمهورية التي تصرف عليها الدولة أموال المواطنين دافعي الضرائب مما‬
‫يساهم في تحقيق الغرض المطلوب من وجود هذه المؤسسة أصل‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ كما نقترح كذلك إشراك مؤسسة أخرى من أهم مؤسسات الدولة وهي املجلس األعلى‬
‫للفتوى والمظالم التي تم استحداثها مؤخرا بموجب المرسوم الصادر من رئاسة الجمهورية‬
‫رقم‪ 134:‬ـ ‪ 2012‬المنش ئ لهذه المؤسسة ‪ ،‬في هذا املجال تنص المادة ‪ 2‬منه على‪( :‬أن المظالم‬
‫هي االعتداء على حق من حقوق الناس أو عدم إنصافهم) فعدم التنفيذ على المؤسسات‬
‫العمومية وعدم است خلص الحق للدائن طالب التنفيذ من مدينه أي المؤسسة العمومية‬
‫المعينين في سند التنفيذ املحلي بالصيغة التنفيذية يندرج على األقل في المظالم ويشكل اعتداء‬
‫على حقوق الناس وعدم إنصاف لهم حسب المادة ‪ 2‬من المرسوم المنش ئ للمجلس األعلى‬
‫للفتوى والمظالم ‪ ،‬وهو ما يدخل في نظرنا في هذه المؤسسة المهمة‪...‬إلخ"‬

‫ويختم بالقول‪...‬وفي نظرنا فإن أخذ هذه الملحظات بعين االعتبارال شك سيساهم في حل‬
‫هذا اإلشكال‪ ،‬والنهوض بقضائنا ومؤسساته‪ ،‬وبالتالي بناء وتدعيم دولة الحق والقانون‪717.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫مما سبق تبين لنا القانون المطبق على النزاعات اإلدارية في موريتانيا ليس هو القانون‬
‫العادي‪ ،‬حيث تظهردراسة النظام القانوني الموريتاني أن لنظام وحدة القضاء والقانون حدوده‬
‫الواضحة بسبب تأثر البنية التشريعية الموريتانية بمآثر التقاليد الفرنسية‪ .‬ففي هذا النظام‬
‫القانوني تبرزاإلدارة كسلطة عمومية مكلفة بصيانة المصلحة العامة وهي تتمتع في سبيل ذلك‬

‫‪ 717‬د‪.‬الحسين ولد الشيخ ولد كبادي‪ ،‬إشكالية التنفيذ الجبري لألحكام القضائي الصادرة ضد المؤسسات العمومية في موريتانيا دراسة‬
‫مقارنة‪ ،‬مجلة المحاكم الموريتانية‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬ديسمبر ‪ ،2123‬ص ‪ 27‬ـ ‪.31‬‬

‫‪439‬‬
‫‪2023‬‬

‫بالكثيرمن االمتيازات التي يؤمنها قانون متميزمستقل عن القانون العادي هو القانون اإلداري‪،‬‬
‫لذلك فإن القضاء اإلداري ال يمكن إال أن يفرزاجتهادا قضائيا متميزا‪ ،‬كما أن التنظيم القضائي‬
‫الموريتاني يوفر رغم كل ش يء فرصة لوجود قاض خاص باإلدارة ليس هو قاض ي الخواص‬
‫(الغرف اإلدارية) ومن الطبيعي أن يطبق هذا القاض ي الخاص إجراءات خاصة بالنزاعات‬
‫اإلدارية ليست هي اإلجراءات المطبقة في باقي النزاعات بل إن مجلة اإلجراءات الموريتانية‬
‫الصادرة من خلل القانون رقم ‪ 66/035‬خصصت الكتاب الثالث لما أسمته إجراءات القضايا‬
‫اإلدارية معترفة بالطابع الخاص بتلك النزاعات‪ ،‬بل إن التجربة أظهرت األثر الواسع لقضاء‬
‫النزاعات اإلدارية الفرنسية على االجتهاد القضائي للمحكمة العليا في مختلف أحكامها وقراراتها‬
‫وخلل مراحل وجودها‪.‬‬

‫وكخلصة في هذا الشأن نلحظ أن موريتانيا أخذت بنظام قانوني مزدوج على نحو واضح‬
‫حيث يتواجد القانون اإلداري بقوة مخلفا أثرا واضحا على االجتهاد القضائي للمحاكم وعلى‬
‫القواعد اإلجرائية المطبقة في التقاض ي التي تقوم أساسا على منح اإلدارة امتيازا للتنفيذ‬
‫المباشر بحيث يقتصر دور القضاء على الرقابة على أعمال اإلدارة من خلل تمكين األفراد من‬
‫ممارسة طعون مضغوطة باآلجال واإلجراءات‪.‬‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الكتب‪:‬‬

‫ـ د‪ .‬محمدن ولد سيدي محمد بن حمين‪ ،‬التاريخ القضائي وكبريات النزاعات القضائية في‬
‫موريتانيا‪ .‬اإلفريقية للطباعة والنشرنواكشوط‪.‬‬

‫ـ د‪ .‬محمد األمين ولد شيخنا ولد عبيد‪ ،‬الوجيزفي النظام اإلداري الموريتاني‪.‬‬

‫ـ د‪ .‬سامي جمال الدين‪ ،‬القضاء اإلداري والرقابة على أعمال اإلدارة‪ ،‬دار الجامعة‬
‫الجديدة للنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫ـ د‪ .‬املجدى المتولى‪ ،‬مبادئ القضاء المصري‪ ،‬الهيئة العامة المصرية للكتاب ‪.1661‬‬

‫‪441‬‬
‫‪2023‬‬

‫ـ د‪ .‬سليمان محمد عمر‪ ،‬سلطات املحكمة العليا كمحكمة موضوع‪ ،‬مداخلة للمؤتمر‬
‫الثامن لرؤساء املحاكم العليا في الدول العربية المنعقد بنواكشوط‪ ،‬أكتوبر ‪.2017‬‬

‫ـ فؤاد العطار‪ ،‬القضاء اإلداري‪ ،‬دار النهضة العربية‪.1619 ،‬‬

‫ثانيا‪ :‬المقاالت‪:‬‬

‫ـ د‪ .‬الحسين ولد الشيخ ولد كبادي ‪،‬إشكالية التنفيذ الجبري لألحكام القضائي الصادرة‬
‫ضد المؤسسات العمومية في موريتانيا دراسة مقارنة‪ ،‬مجلة املحاكم الموريتانية ‪ ،‬العدد الثاني‪،‬‬
‫ديسمبر‪.2013‬‬

‫ـ الجمعية المغربية للعلوم اإلدارية‪ ،‬القضاء اإلداري‪ :‬حصيلة و آفاق طباعة‪ :‬المؤسسة‬
‫األلمانية هانس سايدل (دون تاريخ للنشر)‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬النصوص القانونية‬

‫ـ األمر القانوني رقم ‪ 012‬ـ ‪ 2007‬الصادر بتاريخ ‪ 9‬فبراير ‪ 2007‬المتضمن للتنظيم‬


‫القضائي‪.‬‬

‫ـ قانون نظامي رقم ‪ 012‬ـ ‪ 64‬يتضمن النظام األساس ي للقضاء المعدل باألمرالقانوني رقم‬
‫‪ 2001‬ـ ‪ 011‬الصادربتاريخ ‪ 12‬يوليو ‪.2001‬‬

‫ـ قانون رقم ‪66‬ـ ‪ ،035‬الصادر بتاريخ‪ 14:‬يوليو ‪ ،1666‬يتضمن اإلجراءات المدنية‬


‫والتجارية واإلدارية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬قرارات وأحكام قضائية‬

‫قرار املحكمة العليا رقم‪ 2019/26:‬الصادر بتاريخ‪ 2019/07/12:‬في القضية‬ ‫ـ‬


‫رقم‪.2017/09/‬‬

‫ـ قرار الغرفة اإلدارية باملحكمة العليا رقم‪ ،2019/ 24:‬الصادربتاريخ‪.2019/07/12:‬‬

‫خامسا‪ :‬رسائل وأطروحات جامعية‬

‫‪441‬‬
‫‪2023‬‬

‫ـ سيدي محمد فال‪ ،‬بعض تطبيقات القضاء اإلداري في موريتانيا‪ ،‬رسالة لنيل شهادة‬
‫الماسترفي الدراسات اإلدارية والقوانين المالية جامعة نواكشوط ‪2015‬ـ‪2011‬م‪.‬‬

‫ـ إبراهيم عبد الله الركاد‪ ،‬الدعوى في القضاء اإلداري الموريتاني (التعويض واإللغاء)‬
‫رسالة مقدمة لنيل شهادة الماستر في القانون العام‪ ،‬تخصص القانون الدستوري والعلوم‬
‫السياسية‪ ،‬جامعة نواكشوط‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية ‪ 2011‬ـ ‪.2017‬‬

‫‪442‬‬
‫‪2023‬‬

‫ارتفاقات المنع من البناء والحق في الملكية‬


‫العقارية الخاصة‬
‫‪Easements prohibiting construction and the right of owenership‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر حق الملكية العقارية الخاصة من الحقوق األساسية المضمونة والمكفولة لكل‬
‫فرد‪ ،‬بحيث حرصت الدساتيرالمغربية المتتالية على التأكيد عليه منذ دستور‪ 1612‬إلى دستور‬
‫سنة ‪ ،2011‬إذ نص هذا األخير في المادة ‪ 35‬منه على ما يلي‪( :‬يضمن القانون حق الملكية‪،‬‬
‫ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية‬
‫االقتصادية واالجتماعية للبلد‪ .‬وال يمكن نزع الملكية إال في الحاالت ووفق اإلجراءات التي ينص‬
‫عليها القانون‪.)...‬‬

‫وإذا كان حق الملكية العقارية يعرف بكونه حقا عينيا على ش يء معين‪ ،‬يخول صاحبه‬
‫دون غيره بصورة مطلقة استعمال الش يء والتصرف فيه‪ ،‬وذلك في حدود القانون والنظام ودون‬
‫تعسف‪ .718‬فإن هذا الحق العيني األصلي ترد عليه مجموعة من القيود التي تحد من نطاقه‪ ،‬كما‬

‫‪ 718‬د‪ .‬مأمون الكزبري‪" :‬التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي" مطبعة العربية للطباعة والنشر‪-‬‬
‫الرباط‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬سنة ‪ ،2719‬الجزء الثاني‪ ،‬ص‪.99‬‬

‫‪443‬‬
‫‪2023‬‬

‫هو الشأن بالنسبة للرتفاقات القانونية‪ ،‬والتي تعد بمثابة تحملت يفرضها القانون على عقار‬
‫معين من أجل تحقيق منفعة عامة أو خاصة‪.‬‬

‫ويعتبر ارتفاق المنع من البناء في ميدان التعمير من أكثر االرتفاقات تقييدا لحق الملكية‬
‫العقارية الخاصة على اإلطلق‪ ،‬إذ يمكن القول على أن ملك العقارات المشمولة بهذا االرتفاق‬
‫يصبحون بمثابة ملك صوريين‪ .‬وتنقسم ارتفاقات المنع من البناء بالنظر إلى دواعي فرضها إلى‬
‫قسمين اثنين‪ ،‬األول منها مقرر بمقتض ى نصوص خاصة يعزى فرضه على بعض العقارات‬
‫لطبيعتها الجغر افية أو لقربها من بعض المنشآت والمباني ذات الصبغة الخاصة (المطلب‬
‫األول)‪ .‬أما القسم الثاني‪ ،‬فقد استدعته ضرورة توفير مختلف المر افق والتجهيزات العمومية‬
‫المنصوص عليها في وثائق التعمير‪ ،‬وذلك في انتظار مباشرة إجراءات نزع الملكية من أجل‬
‫المنفعة العامة (المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬ارتفاقات المنع من البناء المقررة بنصوص خاصة‬


‫ّ‬
‫حد المشرع المغربي من نطاق الملكية العقارية بمقتض ى نصوص خاصة من خلل‬
‫فرض ارتفاق المنع من البناء على بعض األراض ي‪ ،‬حماية لبعض المباني والمنشآت ذات‬
‫الصبغة الخاصة‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة للمباني التاريخية والمو اقع األثرية (الفقرة األولى)‬
‫والمنشآت العسكرية (الفقرة الثانية) والمو اقع املخصصة للملحة الجوية (الفقرة الثالثة)‬
‫وخطوط السكك الحديدية (الفقرة الرابعة)‪ ،‬كما ينضاف إليها المنع من البناء في إطارالتدابير‬
‫المتخذة للوقاية من املخاطرالطبيعية (الفقرة الخامسة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االرتفاقات المتعلقة باملحافظة على المآثرالتاريخية‬

‫يزخر المغرب بتراث مادي تاريخي متعدد المشارب ومعترفا بتنوعه وغناه على المستوى‬
‫العالمي‪ ،‬بحيث يشكل هذا التراث رمزا للهوية وعنصرا أساسيا للذاكرة المغربية‪ ،‬وحامل‬
‫للمبادئ والقيم الوطنية التي ينبغي املحافظة عليها ونقلها إلى األجيال القادمة‪.‬‬

‫وسعيا للمحافظة على هذا التراث التاريخي المادي وحمايته‪ ،‬فقد أولى المغرب تاريخيا‬
‫اهتماما قويا بالتراث‪ ،‬بحيث يعود ذلك إلى ‪ 26‬نونبر ‪ 1612‬تاريخ إقرار الظهير الشريف المتعلق‬

‫‪444‬‬
‫‪2023‬‬

‫بحفظ اآلثارات والكتابات القديمة التاريخية‪ ،719‬ومنذ هذا التاريخ عرف التشريع المغربي تطورا‬
‫ُ‬
‫ملحوظا ت ّوج بإصدارمجموعة من النصوص التشريعية وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ -‬الظهير الشريف المؤرخ ب ‪ 13‬فبراير ‪ 1614‬المتعلق باآلثارات القديمة واألشياء‬


‫النفيسة‪720‬؛‬

‫‪ -‬الظهير الشريف المؤرخ ب ‪ 21‬يوليوز ‪ 1645‬المتعلق باملحافظة على األبنية التاريخية‬


‫والمناظر البهيجة والكتابات المنقوشة واألشياء الفنية والعتيقة وبصيانة المدن‬
‫القديمة و أنواع الهندسة اإلقليمية‪721‬؛‬

‫‪ -‬القانون رقم ‪ 22.90‬المتعلق باملحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات‬


‫المنقوشة والتحف الفنية والعاديات‪.722‬‬

‫ومن أهم اآلثارالمترتبة عن التقييد والترتيب في عداد اآلثارفرض مجموعة من االرتفاقات‬


‫التي تقيد حرية ملك العقارات املجاورة في ممارسة الحقوق التي يخولها لهم حق الملكية‬
‫العقارية‪ ،‬على اعتبار أن المناطق املحيطة بالعقار المرتب في عداد المو اقع التاريخية واألثرية‬
‫تشكل مجاال لهذا األخيروإطارا إلبرازقيمته وحمايته‪.723‬‬

‫وتستمد هذه االرتفاقات مصدرها من مفهوم منطقة الحماية الذي أسس له القانون رقم‬
‫‪ 22.90‬المتعلق باملحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف‬
‫الفنية والعاديات‪ ،‬والذي نص على ما يلي‪( :‬إن المو اقع الطبيعية أو المناظر الطبيعية أو‬
‫الحضرية التي لها طابع فني أو تاريخي أو أسطوري أو طريف أو تهم العلوم التي تعنى بالماض ي‬
‫والعلوم اإلنسانية بوجه عام‪ ،‬وكذا المناطق املحيطة بالمباني التاريخية ينتج عند الحاجة عن‬
‫ترتيبها فرض ارتفاقات تحدد في المقرر اإلداري الصادر بالترتيب‪ ،‬وعند االقتضاء منع إقامة‬

‫‪ 719‬الجريدة الرسمية العدد الثاني الصادرة بتاريخ ‪ 7‬جمادى األولى ‪ 29( 2332‬مايو ‪ ،)2723‬ص‪.9‬‬
‫‪ 720‬ج‪.‬ر عدد ‪ 23‬بتاريخ فاتح ربيع الثاني ‪ 29( 2332‬فبراير ‪ ،)2722‬ص‪.99‬‬
‫‪ 721‬ج‪.‬ر عدد ‪ 2929‬الصادرة بتاريخ ‪ 27‬رمضان ‪ 9( 2392‬شتنبر ‪ ،)2729‬ص‪.922‬‬
‫‪ 722‬ظهير شريف رقم ‪ 2.11.322‬صادر بتاريخ ‪ 29‬صفر ‪ 29( 2212‬دجنبر ‪ )2711‬يتضمن األمر بتنفيذ القانون رقم ‪ 22.11‬المتعلق‬
‫بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات‪ ،‬ج‪.‬ر عدد ‪ 3992‬الصادرة بتاريخ ‪ 22‬ربيع‬
‫اآلخر ‪ 21( 2212‬فبراير ‪ ،)2712‬ص‪ .292‬كما تم تعديله بالقانون رقم ‪ 27.19‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 2.19.212‬صادر‬
‫في ‪ 21‬من جمادى األولى ‪ 29( 2229‬يونيو ‪ ،)2119‬ج‪.‬ر عدد ‪ 9239‬بتاريخ ‪ 9‬جمادى اآلخرة ‪ 3( 2229‬يوليوز ‪ ،)2119‬ص ‪.2929‬‬
‫‪ 723‬فؤاد الموح‪" :‬ارتفاقات التعمير بالمغرب بين حماية حق الملكية وتحقيق المنفعة العامة" أطروحة لنيل الدكتوراه‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بسال‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2122/2123‬ص‪ 91‬بتصرف‪.‬‬

‫‪445‬‬
‫‪2023‬‬

‫المنشآت المشار إليها في المقطع األخير من الفصل ‪ 23‬وذلك ألجل حماية نمط البناء الخاص‬
‫بجهة أو محل معين أو طبيعة النباتات أو التربة)‪.724‬‬

‫إن االرتفاقات المنصوص عليها في القانون ‪ 22.90‬تستهدف حماية المباني التاريخية‬


‫المرتبة والمقيدة في عداد اآلث ار‪ ،‬من خلل منع جميع األشغال وعمليات البناء التي يمكن أن‬
‫يباشرها ملكها أو أصحاب العقارات املجاورة لها‪ ،‬والتي من شأنها التأثير سلبيا على جمالية‬
‫المباني التاريخية أو متانتها‪.725‬‬

‫ويعتبر ارتفاق عدم البناء المنصوص عليه في الفصل ‪ 23‬من القانون ‪ 22.90‬من أكثر‬
‫االرتفاقات تقييدا لحق الملكية العقارية الخاصة على اإلطلق‪ ،‬بحيث يمنع مالك العقارالمرتب‬
‫وأصحاب العقارات املجاورة من القيام بأعمال البناء‪ ،‬باستثناء ما يدخل في إطار أعمال‬
‫الصيانة‪ ،‬وذلك بعد الحصول على ترخيص من السلطة الجماعية مقرونة بمو افقة المصالح‬
‫المكلفة بالشؤون الثقافية‪.726‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬فقد جاء في حكم صادر عن املحكمة اإلدارية بمكناس ما يلي‪( :‬حيث إن‬
‫حاصل طلب المدعين يهدف إلى الحكم برفع االعتداء المادي على عقارهم‪ ،‬والمتمثل في‬
‫التعرض والتشويش على حق ملكيتهم للعقار ذي الرسم العقاري‪ ..‬الناتج عن تمسك المدعى‬
‫عليهم بوجود عناصرأثرية وتاريخية‪ ،‬وبوجود سورأثري ملصق للعقارولساحة الهديم‪ ،‬وعن أن‬
‫الحائط المطلوب فيه فتح باب من طرفهم يعتبر سور اسماعيلي أثري مرتب في عداد اآلثار تابع‬
‫لألملك العامة الجماعية الممنوع التصرف فيه‪ ...‬وحيث أسس المدعون طلبهم على كون‬
‫الوقائع الواردة بمراسلة المفتشية الجهوية للمباني التاريخية غير صحيحة ومخالفة للنظام‬
‫العام والقانون‪ ،‬ومشمولة باالعتداء المادي على حق ملكيتهم للعقار‪.‬‬

‫‪ 724‬الفصل ‪ 23‬من القانون رقم ‪ 22.11‬المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية‬
‫والعاديات‪.‬‬
‫‪725‬‬
‫‪Abdel Ilah Mkinsi: “Le Droit Marocain de l’urbanisme” Les presses de l’imprimerie Abbad-Rabat,‬‬
‫‪Décembre 1989, Publication de l’I.N.A.U, p247.‬‬
‫‪ 726‬ينص الفصل ‪ 23‬من القانون رقم ‪ 22.11‬على أنه‪( :‬ال يمكن إدخال أي تغيير كيفما كان والسيما عن طريق التجزئة أو التقسيم على‬
‫مظهر األماكن الواقعة داخل دائرة العقارات المرتبة إال بعد الحصول على رخصة إدارية‪.‬‬
‫ويتوقف تسليم رخصة البناء أو التجزئة أو التقسيم من لدن السلطة الجماعية المختصة على الرخصة المشار إليها في المقطع السابق‪.‬‬
‫وفيما يخص المناظر والمناطق المفروضة عليها ارتفاقات منع البناء فإن البنات الموجودة بها قبل صدور قرار الترتيب ال يمكن القيام فيها‬
‫إال بأعمال الصيانة بعد الحصول على رخصة‪ .‬وال يجوز تشييد بنات جديدة مكان البنات التي تم هدمها‪.)...‬‬

‫‪446‬‬
‫‪2023‬‬

‫وحيث دفع الوكيل القضائي للمملكة بكون طلب المدعين ال يرتكزعلى أساس‪ ،‬ذلك أن‬
‫توفر الرياض على عناصر أثرية وتاريخية ذات قيمة عالية يجب املحافظة عليها‪ ،‬وأن المفتشية‬
‫العامة للمآثر التاريخية بصفتها السلطة املختصة بعد عرض الملف على أنظارها‪ ،‬تقدمت‬
‫بتعرض جزئي ألجل المطالبة بمسافة ارتفاق تقدر ب ‪ 1‬أمتار لوجود آثار تاريخية فريدة من‬
‫نوعها‪ ،‬تعود إلى الحقبة المرينية وحماية لآلثاراملحاذية للسورالتاريخي‪ ،‬وذلك طبقا للنصوص‬
‫القانونية الجاري بها العمل في مجال حماية التراث العقاري‪...‬‬

‫وحيث إنه فضل عن ذلك‪ ،‬فإن أي ترميم أو تغيير لمعالم العقار المرتب ضمن المآثر‬
‫التاريخية‪ ،‬ال يجوز إال بعد الحصول على رخصة إدارية من طرف وزارة الثقافة طبقا للمادة ‪21‬‬
‫من القانون رقم ‪ 22.90‬المتعلق باملحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات‬
‫المنقوشة والتحف الفنية والعاديات‪ ،‬وكذا المادة ‪ 41‬من المرسوم رقم ‪ 2-91-25‬بتاريخ‬
‫‪ 1691/10/02‬بتطبيق القانون ‪ 22.90‬أعله‪ .‬وهو ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد ‪72‬‬
‫الصادرعن جميع الغرف بتاريخ ‪ 2007/01/30‬في الملف اإلداري رقم ‪ 2000/1/04/15‬الذي جاء‬
‫فيه‪« :‬وحيث لئن حصل موروث المطلوبين في إعادة النظر على رخصة إقامة التجزئة‪ ،‬فإن‬
‫ً‬
‫الفصل الثالث من ظهير ‪ 1622‬الموما إليه أعله‪ ،‬ال يجيز أن يغير ش يء في األماكن المصنفة إال‬
‫برخصة تمنحها مديرية إدارة العلوم والمعارف والفنون الجميلة واآلثار القديمة‪ ،‬ويؤكد ذلك‬
‫الفصلن السادس والثالث والعشرون من ظهير ‪ 25‬دجنبر ‪ 1690‬الذي ينص أولهما على أنه "ال‬
‫يجوزتغييرطبيعة العقارأوالمنقول المقيد وال إتلفه وال ترميمه وال إدخال تغييرعليه ما لم يعلم‬
‫المالك أو الملك اإلدارة بذلك قبل التاريخ المقرر للشروع في األعمال بستة أشهر على األقل"‪.‬‬
‫وينص ثانيهما على أنه‪" :‬ال يمكن إدخال أي تغيير كيفما كان والسيما عن طريق التجزئة أو‬
‫التقسيم على مظهر األماكن الو اقعة داخل العقارات المرتبة إال بعد الحصول على الرخصة‬
‫اإلدارية‪ ،‬ويتوقف تسليم رخصة البناء أو التجزئة أو التقسيم من لدن السلطة الجماعية‬
‫املختصة على الرخصة المشارإليها في المقطع السابق"‪ .‬مما يؤكد أن رخصة التجزئة التي حصل‬
‫عليها موروث المطلوبين في إعادة النظر غير قانونية‪ ،‬وال يترتب عنها أي حق في التجزئة أو البناء‬
‫ملخالفتها ظهيري ‪ 1614‬و‪ 1622‬المشار إليهما أعله‪ ،‬ويجعل بالتالي الحكم المستأنف القاض ي‬
‫برفض طلب الطعن في المقرر اإلداري مصادفا للصواب ويتعين تأييده»‪ .‬مما يجعل الوسيلة‬
‫المتمسك بها في هذا الشأن غيرمؤسسة قانونا ويتعين ردها‪.‬‬

‫‪447‬‬
‫‪2023‬‬

‫وحيث إنه تبعا وباستبعاد جميع الوسائل المثارة‪ ،‬يبقى طلب المدعين غيرمؤسس قانونا‬
‫ويتعين الحكم برفضه)‪.727‬‬

‫وفي نفس المنحى سار الحكم الصادر عن املحكمة اإلدارية بفاس بالقول‪( :‬إن توقيف‬
‫الطاعن عن البناء في موقع مرتب بتحمل بارتفاق عدم البناء في حدود مساحة معينة‪ ،‬يعتبر‬
‫تصرف مبنيا على سبب صحيح من الناحية القانونية حتى مع توفره على رخصة تجزئة‪ ،‬طالما‬
‫أن تسليم هاته الرخصة لم يقترن بمو افقة السلطة المكلفة بالشؤون الثقافية)‪.728‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االرتفاقات المتعلقة بالمو اقع الحربية والمنشآت العسكرية‬

‫من أهم النصوص القانونية الخاصة التي تقيد حرية تصرف الملك في عقاراتهم‪ ،‬نظرا‬
‫لكونها مشمولة بارتفاق المنع من البناء بشكل كلي‪ ،‬نجد ظهير‪ 7‬غشت ‪ 1634‬المتعلق بالحرمات‬
‫العسكرية‪ 729‬والذي تم تغييره بمقتض ى ظهير‪ 21‬شتنبر‪ ،7301639‬بحيث أن فرض هذه االرتفاقات‬
‫السلبية أملتها ضرورة حماية المو اقع والمنشآت العسكرية‪ ،‬وعزلها عن محيطها بشكل يعزز‬
‫أمنها وسلمة الساكنة املجاورة‪.‬‬

‫ولذلك نص المشرع المغربي في الفصل الثاني من الظهير المتعلق بالحرمات العسكرية‬


‫على ما يلي‪( :‬إن الحرمات الدفاعية حول األبنية التي وقع ترتيبها بقرار كما ذلك مبين بالفصل‬
‫األول يسري مفعولها على األملك الداخلة ضمن منطقة فريدة تبتدئ عند حدود األبنية‬
‫المذكورة‪ ،‬وتمتد على مسافة مائتين وخمسين مترا إلى الخارج وبداخل تلك المنطقة ال يمكن أن‬
‫يباشر أدنى بناء من أي نوع كان‪.‬‬

‫وتمنع بنوع خاص السياجات التي من األشجار الشائكة وكذلك أغراس األشجار الكبيرة‬
‫أو الصغيرة المتألفة منها سياجات‪.)...‬‬

‫‪ 727‬حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس تحت عدد ‪ 2122/9222/21‬بتاريخ ‪ 11‬فبراير ‪ ،2122‬في الملف رقم ‪،2122/9222/223‬‬
‫غير منشور‪.‬‬
‫‪ 728‬حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بفاس في الملف عدد ‪ 79/291‬بتاريخ ‪ ،2779/11/19‬أورده د‪ .‬محمد القصري‪" :‬االرتفاقات‬
‫القانونية في مجال التعمير" المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية العدد المزدوج ‪ /99-92‬يناير‪-‬أبريل ‪ ،2112‬ص‪.33‬‬
‫‪ 729‬ظهير شريف بتاريخ ‪ 29‬ربيع اآلخر عام ‪ 9( 2393‬غشت ‪ ،)2732‬ج‪.‬ر عدد ‪ 2221‬بتاريخ ‪ 27‬جمادى األولى ‪ 32( 2393‬غشت‬
‫‪ ،)2732‬ص‪.2273‬‬
‫‪ 730‬ظهير شريف بتاريخ فاتح شعبان ‪ 29( 2399‬شتنبر ‪ )2731‬ج‪.‬ر عدد ‪ 2399‬بتاريخ ‪ 9‬ذي القعدة ‪ 31( 2399‬دجنبر ‪)2731‬‬
‫ص‪.2239‬‬

‫‪448‬‬
‫‪2023‬‬

‫هكذا‪ ،‬فإن من أهم االرتفاقات الناتجة عن تحديد نطاق الحرمات العسكرية‪ ،‬تلك‬
‫المتعلقة بمنع البناء والزراعة في المناطق المملوكة للخواص املحيطة بالبنايات أو المنشآت‬
‫العسكرية‪ ،‬بحيث تحدد مساحة المناطق المثقلة باالرتفاق المذكورإما بقانون أو بقرارإداري‪،‬‬
‫وال يعوض المتضررون إال في حالة ما إذا كان الضرر حاال ومؤكدا‪ .731‬وفي الصدد نص المشرع‬
‫المغربي في الفصل الثامن من الظهير المتعلق بالحرمات العسكرية على أنه‪( :‬إن مجرد إحداث‬
‫حرمات ال يخول للغيرأدنى حق في مطالبة بتعويض‪.‬‬

‫وبعكس ما ذكر‪ ،‬فإن نزع البناءات أو قلع األشجار أو قطع أغصان األشجار التي كان قد‬
‫وقع االعتراف بوجودها قبل تاريخ نشر قرار الترتيب حسب اإلجراءات المبينة في الفقرة الثالثة‬
‫أسفله‪ ،‬يمكن األمربه بمنح تعويض مسبق إذا كان من شأنه أن يعيق المو افقة عن األشغال أو‬
‫المؤسسات العسكرية أو أن يحجب األنظار‪.‬‬

‫ويصفى أمرالتعويض المذكورطبق القوانين الجاري العمل بها في شأن نزع الملكية ألجل‬
‫المصلحة العمومية)‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬فقد قضت املحكمة اإلدارية بوجدة في قضية ختيمة بن إبراهيم ضد‬
‫مديرإدارة الدفاع الوطني بما يلي‪( :‬حيث إن املحكمة بعد دراستها للوثائق تبين لها أن األمريتعلق‬
‫بالطعن في قرار صادرعن إدارة الدفاع الوطني بخصوص منع الطاعنة من بناء قطعتها األرضية‬
‫املجاورة للثكنة العسكرية‪.‬‬

‫وحيث إن هذا القرار صدر في إطار الظهير الشريف المؤرخ في ‪ 1634/09/07‬المتعلق‬


‫بالحرمات الدفاعية املحدثة حول األماكن املحصنة والبناءات والمؤسسات العسكرية‪ ،‬مما‬
‫يجعل هذا القرارمستوفيا لمقومات القراراإلداري القابل للطعن باإللغاء‪.‬‬

‫وحيث إنه بناء على ما ذكر‪ ،‬يكون االختصاص منعقدا لهذه املحكمة للبت في هذه‬
‫المنازعة عمل بأحكام الفصل ‪ 20‬من القانون رقم ‪ 41.60‬املحدث للمحاكم اإلدارية‪.‬‬

‫وحيث إن المدعية تهدف إلى إلغاء القرار الصادر بمنعها من القيام بعملية البناء رغم‬
‫توفرها على رخصة البناء‪...‬‬

‫د‪ .‬محمد القصري‪" :‬االرتفاقات القانونية في مجال التعمير" مرجع سابق‪ ،‬ص‪.31‬‬ ‫‪731‬‬

‫‪449‬‬
‫‪2023‬‬

‫وحيث إن اإلدارة وإعماال لسلطتها المنصوص عليها في الفصل ‪ 16‬من نفس الظهير‬
‫خفضت المسافة التي يتعين احترامها من طرف الجوارإلى ‪ 37‬متر‪.‬‬

‫وحيث إنه بوجود عقار المدعية بالقرب من الثكنة العسكرية وبمسافة أقل من ‪ 37‬متر‬
‫يكون القراربمنعها من بناء قطعتها األرضية شرعيا ومطابقا للقانون‪.....‬‬

‫وحيث إنه تبعا لما ذكر‪ ،‬يكون القرارالمطعون فيه قد صدرمن جهة مختصة وفي نطاق‬
‫ً‬
‫الظهائرالشريفة الموما إليها أعله‪ ،‬مما يجعل خرق القانون الذي نعته الطاعنة على القرارغير‬
‫ثابت)‪.732‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬االرتفاقات المتعلقة بالملحة الجوية‬

‫نظم المشرع المغربي االرتفاقات المتعلقة بالملحة الجوية بموجب القانون رقم ‪40.13‬‬
‫المتعلق بالطيران المدني‪ ،733‬وبمقتضاه يمنع على أصحاب األراض ي املجاورة للمطارات‪ ،‬أو‬
‫قواعد الطيران وحتى مساحة معينة وفقا لألنظمة الدولية الجاري بها العمل‪ ،‬إقامة أية منشآت‬
‫أو بنايات على عقاراتهم أو رفع هذه البناءات أكثر من العلو املحدد‪ ،‬وذلك لتوفير الرؤية ودرء‬
‫املخاطرورفع اإلشارات للطائرات قصد ضمان هبوطها بسلم‪.‬‬

‫وقد نصت المادة ‪ 126‬من القانون ‪ 40.13‬على أنه‪( :‬تحدث بجوار المطارات المفتوحة‬
‫للحركة الجوية ومنشآت وتجهيزات المساعدة على الملحة الجوية ومنشآت السلمة‬
‫واالتصاالت الجوية وعلى طول الطرق الجوية ارتفاقات خاصة تسمى "ارتفاقات الملحة‬
‫الجوية" قصد ضمان سلمة الملحة الجوية)‪ .‬وتشمل ارتفاقات الملحة الجوية ارتفاقات‬
‫اإلخلء التي تمنع إحداث أية عوائق قد تشكل خطرا على الملحة الجوية‪ ،‬وارتفاقات‬
‫راديوكهربائية تتضمن منع كل ما من شأنه اإلضرار باشتغال األجهزة المساعدة على الملحة‬
‫الجوية أو أنظمة السلمة‪ ،‬وكذا ارتفاقات تصويرية تتضمن وجوب تزويد أو إتاحة تزويد بعض‬

‫‪ 732‬حكم رقم ‪ 79/39‬صادر عن المحكمة اإلدارية بوجدة بتاريخ ‪ 2779/13/23‬الملف رقم ‪ 21/79‬في قضية ختمية بن إبراهيم ضد‬
‫مدير إدارة الدفاع الوطني ومن معه‪ .‬أورده فؤاد الموح‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 299‬و‪.291‬‬
‫‪ 733‬ظهير شريف رقم ‪ 2.29.92‬صادر في ‪ 29‬من شعبان ‪ 22( 2239‬ماي ‪ )2129‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 21.23‬المتعلق بالطيران المدني‪،‬‬
‫ج‪.‬ر عدد ‪ 9299‬بتاريخ ‪ 21‬رمضان ‪ 29( 2239‬يونيو ‪ ،)2129‬ص‪.2932‬‬

‫‪451‬‬
‫‪2023‬‬

‫العوائق أو المواضع بأنظمة مرئية أو راديوكهربائية معدة إلعلم الملحين الجويين بوجودها أو‬
‫للتمكين من التعرف عليها‪.734‬‬

‫وفيما يخص ارتباط قانون الطيران المدني بسياسة التعمير وقوانينها‪ ،‬نجد أن المشرع‬
‫المغربي نص في الفقرتين األولى والثانية من المادة ‪ 131‬من القانون رقم ‪ 40.13‬على أنه‪( :‬تقوم‬
‫السلطة المكلفة بالطيران المدني فيما يتعلق بكل مطار أو منشأة أو تجهيز مشار إليه في المادة‬
‫‪ 126‬أعله‪ ،‬بإعداد مخطط ارتفاقات جوية تعرضه‪ ،‬إن اقتض ى الحال‪ ،‬على الرأي االستشاري‬
‫للسلطة الحكومية المكلفة بالتعمير‪.‬‬

‫يجب أن ينص املخطط المذكور بوجه خاص على المناطق التي يتم فيها منع أو إزالة أو‬
‫تغيير البنا ءات واألسيجة والمزارع والعوائق التي قد تشكل خطرا على الحركة الجوية عندما‬
‫يتجاوزعلوها الحدود المنصوص عليها في املخطط)‪.‬‬

‫ومن أهم آثار مخطط ارتفاقات الملحة الجوية على ملك العقارات املجاورة للمطارات‬
‫المفتوحة للملحة الجوية أو للمنشآت والتجهيزات التابعة لها‪ ،‬ذلك االرتفاق الذي يمنعهم من‬
‫إقامة أي بناءات أو أسيجة أومزارع أو عوائق من شأنها تهديد سلمة الملحة الجوية‪ .735‬كما أنه‬
‫يتوجب على كل شخص ذاتي أو اعتباري التقيد بمقتضيات املخطط المذكور‪ ،‬في جميع أشغال‬
‫التجزئة والمنشآت في المناطق المشمولة بارتفاقاته‪ ،‬والسيما منها المعدة للسكن أو لغرض‬
‫إداري أو صناعي أو سياحي‪.736‬‬

‫باإلضافة إلى االرتفاقات المبينة في مقتضيات المادتين ‪ 131‬و‪ 132‬المشار إليها‪ ،‬يمكن‬
‫للسلطة المكلفة بالطيران أن تمنع إقامة أي منشأة خارج المناطق المشمولة بارتفاقات جوية‪،‬‬
‫وذلك في الحالة التي تشكل إقامتها خطرا أو عائقا على الحركة الجوية‪ ،‬بحيث اشترط المشرع‬
‫المغربي على الملك هذه العقارات الحصول على إذن مسبق من السلطة المكلفة بالطيران‪،‬‬
‫والتي تقوم في حالة المو افقة بتحديد ضوابط وشروط إقامة المنشأة وارتفاعها وتصويتها‬
‫بشكل يتلءم مع سلمة الملحة الجوية‪.737‬‬

‫‪ 734‬المادة ‪ 231‬من القانون رقم ‪ 21.23‬المتعلق بالطيران المدني‪.‬‬


‫‪ 735‬الفقرة األولى من المادة ‪ 232‬من القانون رقم ‪ 21.23‬المتعلق بقانون الطيران المدني‪.‬‬
‫‪ 736‬الفقرة األخيرة من المادة ‪ 232‬من القانون رقم ‪.21.23‬‬
‫‪ 737‬المادة ‪ 232‬من القانون ‪.21.23‬‬

‫‪451‬‬
‫‪2023‬‬

‫وبخصوص تعويض الملك المشمولة عقاراتهم بارتفاقات الملحة الجوية‪ ،‬نصت‬


‫المادة ‪ 133‬من القانون رقم ‪ 40.13‬على أنه‪( :‬يترتب على إقامة كل االرتفاقات الجوية منح‬
‫تعويض‪ ،‬ويقع أداء التعويض على الدولة أو على األشخاص المشار إليهم في المادة ‪ 101‬أعله‬
‫حسب الحالة)‪.738‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬االرتفاقات المتعلقة بالسكك الحديدية‬

‫من أجل حماية الملك العام السككي أصدر المشرع المغربي ظهيرا بشأن املحافظة على‬
‫السكك الحديدية وأمنها ومر اقبتها واستغللها‪ ،‬وذلك بمقتض ى الظهير الشريف رقم‬
‫‪ ،7391.10.110‬والذي تضمنت مقتضياته ارتفاقات تقيد حرية الملك في التصرف أراضيهم‬
‫املجاورة للخطوط السككية‪ .‬ويعتبر ارتفاق المنع من البناء بجانب السكة الحديدية من أهم‬
‫القيود التي ترد على العقارات املجاورة‪ ،‬بحيث نص الفصل الثالث من الظهير المشار إليه على‬
‫ما يلي‪( :‬ال يجوزتشييد أي بناء غيرجدارالتسييج داخل مسافة مترين اثنين من السكة الحديدية‪.‬‬

‫وتقاس هذه المسافة إما من الزاوية العليا الناتئة للردم المنزوع‪ ،‬وإما من الزاوية السفلى‬
‫الناتئة لمنحدرالردم المنقول‪ ،‬وإما من الجانب الخارجي لحفائرالطريق‪ ،‬وإال فمن خط مرسوم‬
‫على بعد مترونصف من القضيبين الخارجيين للسكة الحديدية‪.‬‬

‫إن البناءات التي شيدت بجانب السكة الحديدية قبل إقامة السكة الحديدية ال يمكن‬
‫أن تكون إال موضوع أعمال بسيطة ألجل صيانتها)‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ارتفاق عدم البناء منع المشرع المغربي ملك العقارات املجاورة للسكك‬
‫الحديدية من القيام بجميع عمليات الحفر بجانبها‪ ،‬تجنبا لكل ما من شأنه اإلضرار بالتجهيزات‬
‫السككية وتهديد سلمة السيرعليها‪ .740‬كما أن عمليات الغرس وتحويل مجاري المياه ينبغي أن‬

‫‪ 738‬تنص المادة ‪ 212‬من القانون رقم ‪ 21.23‬على أنه‪( :‬يتم إحداث المطارات من لدن الدولة أو األشخاص الذاتيين أو االعتباريين‬
‫الخاضعين للقانون العام أو الخاص وفقا ألحكام هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه‪.‬‬
‫تسمى المطارات المنشأة من لدن الدولة أو من لدن أشخاص اعتباريين خاضعين للقانون العام مطارات مدنية تابعة للدولة)‪.‬‬
‫‪ 739‬ظهير شريف رقم ‪ 2.91.221‬بشأن المحافظة على السكك الحديدية وأمنها ومراقبتها واستغاللها‪ ،‬ج‪.‬ر عدد ‪ 2933‬بتاريخ ‪ 29‬ذي‬
‫القعدة ‪ 22( 2311‬ماي ‪ ،)2792‬ص‪.2172‬‬
‫‪ 740‬ينص الفصل ‪ 2‬من الظهير الشريف رقم ‪ 2.91.221‬بشأن المحافظة على السكك الحديدية وأمنها ومراقبتها واستغاللها على ما يلي‪:‬‬
‫(منع الحفر بأنواعه بجوانب السكة الحديدية‪ :‬يمنع على المجاورين أن يباشروا في األماكن التي توجد فيها السكة الحديدية فوق ردم منقول‬
‫يعلو األرض الطبيعية بأكثر من ثالثة أمتار مباشرة حفر أو حفر آبار داخلة في منطقة يساوى عرضها العلو العمودي للردم المنقول الذي‬
‫يقاس من أسفل منحدر الردم المنقول‪ ،‬ما عدا إذا كان صدر إذن سابق من وزير األشغال العمومية وبعد اإلنصات إلى الشركة صاحبة‬
‫االمتياز)‪.‬‬

‫‪452‬‬
‫‪2023‬‬

‫تتم في احترام لمقتضيات الفصل ‪ 5‬الذي ينص على ما يلي‪( :‬تطبق على األملك املجاورة للسكك‬
‫الحديدية ارتفاقات التصفيف ومجرى المياه والمسافة التي ينبغي مراعاتها من أجل األغراس‬
‫وتشذيبها حسبما حددت تلك االرتفاقات في النصوص المعمول بها‪.‬‬

‫ويمكن فرض االرتفاقات ألجل ضمان الرؤية بكيفية أحسن على األملك املجاورة أو‬
‫القريبة من ملتقى طريق عمومية وسكة حديدية في صعيد واحد‪ ،‬وذلك وفقا للظهير الشريف‬
‫الصادرفي ‪ 23‬شعبان ‪ 1351‬المو افق ‪ 26‬أکتوبر ‪ 1637‬بشأن ارتفاقات الرؤية)‪.‬‬

‫وفي نازلة عرضت على أنظار املحكمة اإلدارية بالدارالبيضاء تتعلق بارتفاق المنع من‬
‫البناء بسبب تواجد عقار بجوار الخط السككي‪ ،‬تقدمت مالكة العقار –المدعية‪ -‬بواسطة‬
‫محاميها بمقال تلتمس من خلله الحكم على المكتب الوطني للسكك الحديدية بالتعويض عن‬
‫االعتداء المادي‪ ،‬الذي مارسه المكتب المذكور على جزء من مساحة عقارها على طول واجهة‬
‫السكة الحديدية‪ ،‬مدعية بأن األمريتعلق بفقد إجباري لرقبة العقارفي إطاراالعتداء المادي‪.‬‬
‫وفي إطار القيام بإجراءات التحقيق‪ّ ،‬‬
‫تبين للمحكمة أن جزءا من مساحة عقار المدعية‬
‫ا لمطلوب التعويض عنها بسبب االعتداء المادي المزعوم‪ ،‬مشمولة بتصميم التهيئة للجماعة‬
‫الحضرية لسيدي البرنوص ي المصادق عليه بالمرسوم رقم ‪ 22-6-151‬الصادر بتاريخ‬
‫‪ ،1696/3/7‬والذي ّ‬
‫حدد المساحة المذكورة كارتفاق للتعمير يحرم فيها البناء في منطقة تراجع‬
‫عرضها ‪ 20‬مترا على طول واجهة السكة الحديدية‪.‬‬

‫وبعد استنفاذ اإلجراءات ومناقشة ملف القضية‪ ،‬حكمت املحكمة اإلدارية على المكتب‬
‫الوطني للسكك الحديدية بأدائه للمدعية تعويضا عن الفقد الجبري لجزء من العقارفي حدود‬
‫المساحة المملوكة للمدعية‪ ،‬وذلك بمبلغ إجمالي قدره ‪ 7.611.000‬درهما‪ ،‬وبأدائه تعويضا عن‬
‫الحرمان من االستغلل قدره ‪ 400.000‬درهم‪.741‬‬

‫ومما جاء في حيثيات الحكم الصادرفي هذه النازلة عن املحكمة اإلدارية بالدارالبيضاء ما‬
‫يلي‪( :‬وحيث إن الثابت من وثائق الملف كون العقارالمتنازع بشأنه‪ ،‬وإن كان في جزء منه مشموال‬

‫‪ 741‬محمد باهي‪" :‬حول إشكالية الخطأ في التكييف القانوني وعدم ربط الوقائع بالقوانين المطبقة على النازلة باألحكام القضائية اإلدارية‪-‬‬
‫منازعات ارتفاقات التعمير استجابة لمقتضيات األمن نموذجا" المجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية‪ ،‬العدد الخاص رقم ‪ ،22‬تحت‬
‫عنوان‪ :‬التعمير والحكامة المجالية وفق آخر المستجدات التشريعية والقضائية‪ ،‬المطبعة األمنية‪ -‬الرباط‪ ،‬سنة ‪ ،2127‬ص‪.299‬‬

‫‪453‬‬
‫‪2023‬‬

‫بعقد البيع بالمراضاة الموقع بين المكتب المدعى عليه ومورث المدعية‪ ،‬وذلك في حدود ‪3596‬‬
‫مترا مربعا‪ ،‬فإن الجزء المتبقى منه مشمول بتصميم التهيئة الجماعية الحضرية لسيدي‬
‫البرنوص ي الصادر بموجب المرسوم رقم ‪ 2 -96-151‬بتاريخ ‪ ،1696/3/17‬والذي حدد ما‬
‫مساحته ‪ 7611‬مترا مربعا كمنطقة محرمة البناء على طول السكة الحديدية المقامة على العقار‬
‫في إطارمسافة األمان‪ ،‬مما تكون معه المدعية محقة في طلب التعويض عن قيمتها التجارية في‬
‫إطارالفقد الجبري للعقار‪ ،‬طالما أن المكتب المدعى عليه لم يسلك بشأن المساحة المذكورة‬
‫مسطرة نزع الملكية المنصوص عليها في القانون رقم ‪.7.91‬‬

‫وأما بخصوص المساحة المتبقية البالغة ‪ 3615‬مترا مربعا فمخصصة وفق مقتضيات‬
‫تصميم التهيئة كمنطقة للسكك الحديدية‪ ،‬وأن الثابت أيضا من وثائق الملف أن إدارة المكتب‬
‫المدعى عليه لم تنجز أي مرفق على القطعة المذكورة‪ ،‬ولم تبادر إلى نزع ملكيتها وفق المسطرة‬
‫القانونية‪ .‬كما أنها لم ترفع يدها على العقارالمذكوررغم مرورالمدة املحددة قانونا للتخصيص‬
‫وهي عشرسنوات‪ ،‬فتكون المدعية قد حرمت دون وجه حق من استغلل هذا الجزء من العقار‬
‫أي ‪ 3615‬مترا مربعا فيما أعد له‪ ،‬فيكون من حقها الحصول عن تعويض عن ذلك في إطارمبدأ‬
‫المساواة أمام تحمل األعباء والتكاليف العامة)‪.742‬‬

‫الفقرة الخامسة‪ :‬االرتفاقات المتعلقة بتدبيراملخاطرالطبيعية‬

‫لم ينص المشرع المغربي من خلل القانون رقم ‪ 12.60‬المتعلق بالتعمير صراحة على‬
‫اعتماد خريطة تدبير املخاطر ضمن مقتضيات وثائق التعمير‪ ،‬رغم إشارته إلى ضرورة تحديد‬
‫المناطق املحظورفيها البناء بجميع أنواعه‪ .‬وهوعكس ما ذهب إليه المشرع الفرنس ي الذي نص‬
‫في مدونة التعمير على ضرورة احترام كافة وثائق استعمال األرض (التصميم املحلي للتعمير‪،‬‬
‫مخطط التهيئة‪ )....‬لتصميم الوقاية من األخطارالطبيعية‪ ،‬وألزم بوجوب إلحاق هذا التصميم‬
‫بالملف المتعلق باملخطط املحلي للتعمير(‪.743)PLU‬‬

‫‪ 742‬الحكم عدد ‪ 2212‬الصادر عن المحكمة اإلدارية بالدارالبيضاء بتاريخ ‪ 2123/19/23‬في الملف رقم ‪ ،2117/23/219‬والمؤيد‬
‫استئنافيا بموجب القرار الصادر عن محكمة االستئناف اإلدارية بالرباط تحت عدد ‪ 399‬بتاريخ ‪ 2129/12/27‬في الملف رقم‬
‫‪ .9/23/2277‬أورده محمد باهي‪" :‬حول إشكالية الخطأ في التكييف القانوني وعدم ربط الوقائع بالقوانين المطبقة على النازلة باألحكام‬
‫القضائية اإلدارية‪ -‬منازعات ارتفاقات التعمير استجابة لمقتضيات األمن نموذجا" مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 299‬و‪.299‬‬
‫‪ 743‬د‪ .‬عبد الواحد مهداوي‪" :‬تدبير المخاطر في مجال التعمير والبناء‪ :‬الزالزل وانجرافات التربة نموذجا" مجلة الخزامى للدراسات‬
‫القانونية واالجتماعية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ 9/9‬دجنبر ‪ ،2122‬مكتبة دار السالم‪-‬الرباط‪ ،‬تحت موضوع‪ :‬قضايا التعمير والبناء بين االختيارات‬
‫التشريعية واإلكراهات العملية‪ ،‬ص‪ 39‬و‪.39‬‬

‫‪454‬‬
‫‪2023‬‬

‫وبالرغم من ذلك‪ ،‬أصبح موضوع تدبير املخاطر الطبيعية من القضايا التي باتت تحظى‬
‫باألولوية من طرف مختلف الفاعلين في ميدان التعمير بالمغرب‪ ،‬بالنظر للكوارث الطبيعية‬
‫كالزالزل والفيضانات و انزالقات التربة التي أصبحت تشهدها بلدنا بين الفينة واألخرى‪ ،‬والتي‬
‫تخلف خسائر جسيمة في األرواح والممتلكات‪ ،‬وتخلق حالة من الخوف لدى المواطنين‪ .‬لذلك‬
‫صارالمتدخلون في مجال التعميريأخذون بعين االعتبارالبعد المتعلق بتدبيراألخطاروالكوارث‬
‫الطبيعية خلل الدراسات المتعلقة بالتخطيط الحضري‪ ،‬السيما في مرحلة إعداد وثائق‬
‫التعمير‪ ،‬نظرا لألهمية القصوى التي تكتسيها عملية تحديد وتقييم املخاطرالطبيعية في حماية‬
‫الساكنة والممتلكات‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬عملت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير واإلسكان وسياسة المدينة‬
‫بتعاون مع وزارة الداخلية وبشراكة مع الوكاالت الحضرية‪ ،‬على إطلق مسلسل إعداد خرائط‬
‫القابلية للتعمير على الصعيد الوطني‪ ،‬بحيث تمثل هذه الخرائط أدوات فعالة التخاذ القرار‬
‫ومرجعا أساسيا في إعداد أو تحيين مختلف وثائق التعمير‪ ،‬سواء تعلق األمر باملخططات‬
‫التوجيهية للتهيئة العمرانية أو بتصاميم التهيئة‪ ،‬وذلك بهدف تقوية املجاالت العمر انية على‬
‫مجابهة األخطار الطبيعية والتكيف معها‪ ،‬وتعزيز البعد االستشرافي واالستباقي في تدبير املجال‬
‫الترابي‪.‬‬

‫بالرجوع إلى دفاتر التحملت الخاصة بدراسات القابلية للتعمير التي تم إعدادها طرف‬
‫وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني واعتمدتها الوكاالت الحضرية فيما بعد‪ ،‬نجد أنها تتضمن‬
‫أهداف ومضامين هذه الدراسات‪ ،‬وتوصيف النتائج التي يجب أن تسفر عليها‪ ،‬بحيث يتم‬
‫إسقاطها هذه النتائج على وثائق التعمير بناء على التطابق بين التنطيق التعميري وتنطيق‬
‫املخاطر‪ .‬وبناء على الدراسات الميدانية واملخبرية التي يتم إنجازها من طرف مكاتب الدراسات‬
‫المتخصصة في غالب األحيان‪ ،‬يتم تحديد خريطة القابلية للتعمير والتي تضم خمسة مناطق‬
‫(تنطيقات) تختلف بحسب درجة الخطرالذي تمثله‪ ،‬وهي كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬مناطق ال تمثل أي خطرمتوقع؛‬

‫‪ -‬مناطق تمثل خطرا من درجة ضعيفة‪ ،‬يسمح فيها بالبناء بشرط إنجاز بعض أشغال‬
‫التهيئة العامة؛‬

‫‪455‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬مناطق تمثل خطرا من درجة متوسطة‪ ،‬يسمح فيها بالبناء بشروط خاصة يقع إنجازها‬
‫على صاحب المشروع؛‬

‫‪ -‬مناطق يمنع فيها البناء ألنها تمثل خطرا ال يمكن تداركه؛‬

‫‪ -‬مناطق يتواجد فيها خطر كبير النزالق التربة‪ ،‬ال يمكن استعمال األرض فيها إال بناء على‬
‫دراسات جيولوجية وجيوتقنية مسبقة‪.744‬‬

‫وإذا كانت الفيضانات تعتبر من أهم املخاطر الطبيعية التي تهدد التجمعات العمرانية‬
‫وساكنتها‪ ،‬فإن المشرع المغربي أصدر القانون رقم ‪ 31.15‬المتعلق بالماء‪ 745‬نسخ بموجبه‬
‫مقتضيات القانون رقم ‪ ،74610.65‬وذلك بهدف تدبير أمثل للموارد المائية وحسن استعمالها‬
‫وصيانتها واملحافظة عليها‪ ،‬كما أبرز كيفية تدبير املخاطر المتصلة بالماء‪ ،‬خاصة في المناطق‬
‫المهددة بالفيضانات أو املجاورة للمجاري المائية‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬تقوم وكالة الحوض المائي بوضع مخطط "أطلس المناطق المعرضة‬
‫للفيضانات"‪ ،‬والذي يحدد هذه المناطق حسب ثلث مستويات لخطر الفيضان ضعيف أو‬
‫متوسط أومرتفع‪ ،‬بحيث يتم إعداد مخططات للوقاية من أخطارالفيضانات للمناطق المهددة‬
‫بخطر متوسط أو مرتفع للفيضان بتنسيق مع اإلدارة والمؤسسات العمومية والجماعات‬
‫الترابية ولجان العماالت واألقاليم للماء المعنية التي تسهر على تنفيذها كل فيما يخصها‪ .‬إذ‬
‫تبين هذه املخططات –يسري مفعولها لمدة عشرين سنة‪ -‬القواعد والمعاييرالتي يجب احترامها‬
‫عند إعداد التصاميم المتعلقة بالمشاريع العمرانية والصناعية والسياحية ومشاريع البنية‬
‫التحتية‪ ،‬وعند إعداد وثائق التخطيط القطاعي وإعداد التراب‪.747‬‬

‫‪ 744‬د‪ .‬عبد الواحد مهداوي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 33‬و‪ 32‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ 745‬ظهير شريف رقم ‪ 2.29.223‬صادر في ‪ 9‬ذي القعدة ‪ 21( 2239‬أغسطس ‪ )2129‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 39.29‬المتعلق بالماء‪ ،‬ج‪.‬ر‬
‫عدد ‪ 9272‬بتاريخ ‪ 22‬ذو القعدة ‪ 29( 2239‬أغسطس ‪ ،)2129‬ص‪ .9319‬كما تم تعديله بالقانون رقم ‪ 19.23‬الصادر بتنفيذه الظهير‬
‫الشريف رقم ‪ 2.23.29‬الصادر في ‪ 27‬من رجب ‪ 21( 2222‬فبراير ‪ ،)2123‬ج‪.‬ر عدد ‪ 9293‬بتاريخ ‪ 9‬شعبان ‪ 29( 2222‬فبراير‬
‫‪ ،)2123‬ص‪.2229‬‬
‫‪ 746‬ظهير شريف رقم ‪ 2.79.292‬صادر في ‪ 21‬من ربيع األول ‪ 29( 2229‬أغسطس ‪ )2779‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 21.79‬المتعلق بالماء‪،‬‬
‫ج‪.‬ر عدد ‪ 2329‬بتاريخ ‪ 22‬ربيع اآلخر ‪ 21( 2229‬سبتمبر ‪ ،)2779‬ص‪.2921‬‬
‫‪ 747‬المادة ‪ 221‬من القانون رقم ‪ 39.29‬المتعلق بالماء‪.‬‬

‫‪456‬‬
‫‪2023‬‬

‫وإذا كانت وثائق ا لتعمير سواء التوجيهية منها أو التنظيمية ملزمة بالتقيد بأحكام‬
‫املخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة لموارد المياه عامة‪ 748‬ومقتضيات مخطط أطلس‬
‫المناطق المعرضة للفيضانات خاصة‪ ،‬فإن بعض العقارات تصبح مثقلة بارتفاقات المنع من‬
‫البناء لدواعي تتعلق بتدبيراملخاطرالطبيعية‪ ،‬وهو ما نص عليه المشرع المغربي في المادة ‪117‬‬
‫من قانون الماء بالقول‪( :‬يمنع في األراض ي التي يمكن أن تغمرها المياه إقامة حواجز أو بنايات‬
‫أو تجهيزات أخرى من شأنها أن تعرقل سيلن مياه الفيضان بدون ترخيص‪ ،‬إال إذا كان الغرض‬
‫منها حماية المساكن والممتلكات الخاصة المتاخمة‪.‬‬

‫يمكن لوكالة الحوض المائي‪ ،‬إذا طلب منها ذلك‪ ،‬أن تقدم الدعم التقني إلنجازالحواجز‬
‫أو البنايات أو التجهيزات المرخص بها)‪.‬‬

‫وفي نازلة عرضت على أنظار املحكمة اإلدارية بمكناس‪ ،‬يعرض فيها المدعي أنه تقدم‬
‫لرئيس جماعة موالي علي الشريف (إقليم الراشيدية) بطلب للحصول على رخصة البناء‪ ،‬غير‬
‫أنه فوجئ بجواب مفاده أن البقعة األرضية المملوكة له موضوع طلب رخصة البناء‪ ،‬تتواجد‬
‫بمنطقة محرمة من البناء (‪ )Z.N.A‬واد الشرفاء حسب تصميم التهيئة للجماعة‪ .‬وقد أسس‬
‫المدعي طلبه على كون حرمانه من بناء عقاره بعد رصده ضمن منطقة محرمة من البناء حسب‬
‫تصميم التهيئة‪ ،‬يشكل اعتداء ماديا واستيلء على عقاره من طرف الجماعة موجبا للتعويض‪.‬‬

‫ومما جاء في حيثيات الحكم الصادر في هذه النازلة ما يلي‪( :‬وحيث إن الثابت أيضا من‬
‫محضر المعاينة المؤرخ في‪...‬ومن الصور الفوتوغر افية والرسم البياني لمكان تواجد العقار‬
‫المدعي فيه‪ ،‬أن هذا األخير يتواجد على مشارف واد الشرفاء بالريصاني‪ .‬و أنه لتأمين سلمة‬
‫الساكنة وأصحاب العقارات املجاورة للواد من مخاطره التي قد تترتب في حالة وقوع فيضانات‪،‬‬
‫تم رصد العقار المدعي فيه ضمن منطقة محرمة من البناء وفق مقتضيات تصميم التهيئة‬
‫لجماعة موالي علي الشريف بالريصاني المصادق عليه‪...‬‬

‫وحيث إن الطلب الماثل بذلك‪ ،‬ال يمكن تأسيسه على نظرية االعتداء المادي‪ ،‬بل إن آثار‬
‫الضرر المدعى به ‪-‬الحرمان من البناء‪ -‬ناجمة عن سند قانوني هو تصميم التهيئة‪ ،‬أعطاه‬

‫‪ 748‬تطرق المشرع المغربي لمقتضيات هذه المخططات في المواد من ‪ 72‬إلى ‪ 79‬من القانون رقم ‪ 39.29‬المتعلق بالماء‪.‬‬

‫‪457‬‬
‫‪2023‬‬

‫ّ‬
‫المشرع مفعوال قانونيا ورتب له آثارا ال يجوز التعامل معها من منظور االعتداء المادي‪ .‬أي أن‬
‫االرتفاق الذي رصد له العقار المدعى فيه ضمن مقتضيات تصميم التهيئة‪ ،‬ال يمكن أن يشكل‬
‫اعتداءا ماديا واستيلء على العقار‪ ،‬بل يشكل ارتفاقا أواعتداء قانونيا يهم "ترك مسافة األمان"‬
‫بين العقارالمدعى فيه ومحرم الوادي في أفق حفظ سلمة الساكنة‪ ،‬ترتب عنه حرمان المدعي‬
‫من ملكية عقاره ومن موجبات التصرف فيها‪ ،‬على أن هذا االرتفاق المفروض بقوة القانون‬
‫والذي يظل مستمرا من حيث آثاره باستمرار تواجد الواد‪ ،‬ال يحول دون ترتيب آثاره المرتبطة‬
‫بتعويض المتضرر‪ ،‬طالما أنه سيفض ي حتما إلى إدماج العقار ضمن الملك المائي العام‬
‫بالنفوذ الترابي للجماعة المدعى عليها‪ .‬وهو ما يرتب أحقية المدعي في الحصول على تعويض‬
‫عن قيمة عقاره‪ ،‬سيما وأن مبدأ األحقية في التعويض قد يجد سنده فيما تم التنصيص عليه‬
‫في مقتضيات الفقرة الثانية من المادة ‪ 94‬من قانون التعمير رقم ‪ 12.60‬التي جاء فيها أنه‪:‬‬
‫«يستحق التعويض إذا نتج عن االرتفاقات املحدثة عمل بأحكام هذا القانون والنصوص‬
‫التنظيمية الصادرة لتطبيقه والتي نتج عنها إما مساس بحقوق مكتسبة وإما تغيير أدخل على‬
‫الحالة التي كانت عليها األماكن من قبل ونشأ عنه ضرر مباشر مادي محقق‪ .‬ويحدد التعويض‬
‫بحكم قضائي في حالة عدم اتفاق من يعنيه األمرعلى ذلك»‪.‬‬

‫وحيث ارتأت املحكمة اعتبارا لكل ما ذكر‪ ،‬الحكم لفائدة المدعي بتعويض يوازي قيمة‬
‫عقاره بتاريخ الشراء واملحددة في مبلغ ‪ 3000‬درهم‪ ،‬حسب ما ضمن بعقد التملك المشار إليه‬
‫أعله‪ ،‬سيما وأن تاريخ هذا التملك كان في نفس تاريخ المصادقة على تصميم التهيئة سنة‬
‫‪.749)2013‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬االرتفاقات المتعلقة بالتخصيصات العمومية ومسألة التعويض عنها‬

‫إذا كان النص القاض ي بالمصادقة على تصميم التهيئة يعتبر بمثابة إعلن بأن المنفعة‬
‫العامة تستوجب القيام بالعمليات اللزمة إلنجاز مختلف المر افق والتجهيزات العمومية‪،‬‬
‫بحيث يتم تقييد حرية الملك في التصرف في عقاراتهم المشمولة بتخصيصات عمومية لمدة‬

‫‪ 749‬حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس تحت رقم ‪ 2122/9222/21‬بتاريخ ‪ 21‬فبراير ‪ 2122‬في الملف رقم‬
‫‪ ،2121/9222/293‬غير منشور‪.‬‬

‫‪458‬‬
‫‪2023‬‬

‫عشر سنوات (الفقرة األولى)‪ ،‬فإن السؤال يطرح بخصوص مدى أحقية هؤالء الملك في‬
‫المطالبة بالتعويض بغض النظرعن انصرام األجل القانوني المذكور(الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تقييد الملكية العقارية باالرتفاقات المتعلقة بالتخصيصات العمومية‬

‫إذا كانت ارتفاقات المنع من البناء المنصوص عليها بمقتض ى نصوص خاصة تحدث‬
‫أساسا لخدمة الملك العمومي للدولة‪ ،‬فإن ارتفاقات التعمير تحدث في إطار قوانين التعمير‬
‫بغض النظرعن علقتها بالملك العمومي‪ ،‬بحيث أن ارتفاقات التعميرتهدف إلى تحقيق المنفعة‬
‫العامة من خلل تخطيط وتنظيم نمو املجاالت العمرانية‪ ،‬وتزويدها بمختلف المر افق‬
‫العمومية والتجهيزات األساسية‪.‬‬

‫ولهذا الغرض‪ ،‬يتحمل ملك بعض العقارات تكاليف ارتفاقات التعمير الموضوعة‬
‫لتحقيق المنفعة العامة‪ ،‬بحيث يتم تقييد الملكية العقارية الخاصة بارتفاق المنع من البناء‬
‫لكونها مخصصة الحتضان بعض التجهيزات األساسية كالطرق الرئيسية والمساحات الخضراء‬
‫أو أحد المر افق العمومية االجتماعية كالمستوصفات والمدارس‪...‬‬

‫وتعتبر وثائق التعمير عامة وتصميم التهيئة خاصة المصدر األساس ي الرتفاقات التعمير‪،‬‬
‫بحيث تكفل المشرع المغربي من خلل مقتضيات المادة ‪ 16‬من قانون التعميربتحديدها بشكل‬
‫دقيق ومفصل‪ ،‬والتي نص فيها على ما يلي‪( :‬يهدف تصميم التهيئة إلى تحديد جميع أو بعض‬
‫العناصرالتالية‪:‬‬

‫‪ .1‬تخصيص مختلف المناطق بحسب الغرض األساس ي الذي يجب أن تستعمل له‬
‫أو طبيعة النشاطات الغالبة التي يمكن أن تمارس فيها‪ ،‬وذلك بإحداث منطقة‬
‫سكنية ومنطقة صناعية ومنطقة تجارية ومنطقة سياحية ومنطقة لزراعة‬
‫الخضروات ومنطقة زراعية ومنطقة غابوية على سبيل المثال؛‬

‫‪ .2‬المناطق التي يحظرفيها البناء بجميع أنواعه؛‬

‫‪ .3‬حدود الطرق (المسالك والساحات ومو اقف السيارات) الواجب الحفاظ عليها‬
‫أو تغييرها أو إحداثها؛‬

‫‪459‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ .4‬حدود المساحات الخضراء العامة (األماكن المشجرة والحدائق والبساتين)‬


‫وميادين األلعاب والمساحات المباحة املختلفة كالمساحات املخصصة‬
‫للتظاهرات الثقافية والفلكلورية الواجب الحفاظ عليها أو تغييرها أو إحداثها؛‬

‫‪ .5‬حدود المساحات املخصصة للنشاطات الرياضية الواجب إحداثها وفق أحكام‬


‫المادة ‪ 11‬من القانون رقم ‪ 1.97‬المتعلق بالتربية البدنية والرياضية‪ ،‬الصادر‬
‫بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.99.172‬بتاريخ ‪ 13‬من شوال ‪ 16( 1406‬ماي‬
‫‪ )1696‬وحدود المساحات املخصصة للنشاطات الرياضية الواجب الحفاظ‬
‫عليها أو تغييرها؛‬

‫‪ .1‬المو اقع املخصصة للتجهيزات العامة كتجهيزات السكك الحديدية وتوابعها‬


‫والتجهيزات الصحية والثقافية والتعليمية والمباني اإلدارية والمساجد‬
‫والمقابر؛‬

‫‪ .7‬المو اقع املخصصة للتجهيزات الجماعية والمنشآت ذات المصلحة العامة التي‬
‫يتولى إنجازها القطاع الخاص كالمراكزالتجارية والمراكزالترفيهية؛‬

‫‪ .9‬األحياء واآلثار والمو اقع التاريخية أو األثرية والمو اقع والمناطق الطبيعية‬
‫كالمناطق الخضراء العامة أو الخاصة الواجب حمايتها أو إبراز قيمتها ألغراض‬
‫جمالية أو تاريخية أو ثقافية وكذلك القواعد المطبقة عليها إن اقتض ى األمر‬
‫ذلك؛‬

‫‪ .6‬ضوابط استعمال األراض ي والضوابط المطبقة على البناء‪ ،‬خصوصا تحديد‬


‫العلو األدنى واألقص ى للمبنى ولكل جزء من أجزائه وطريقة تسييجه وشروط‬
‫إقامة العمارات وتوجيهها ومو اقف السيارات المسقفة أو المكشوفة‬
‫والمسافات الفاصلة بين المباني ونسبة المساحة الممكن إقامة البناء عليها‬
‫بالقياس إلى مساحة األرض جميعها واالرتفاقات المعمارية؛‬

‫‪461‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ .10‬االرتفاقات املحدثة لمصلحة النظافة والمرور أو ألغراض جمالية أو أمنية أو‬


‫للحفاظ على الصحة العامة وكذلك االرتفاقات التي تفرضها قوانين خاصة إن‬
‫وجدت؛‬

‫‪ .11‬المناطق المفتوحة إلنجازأعمال عمرانية بها بحسب توقيت معين؛‬

‫‪ .12‬دو ائرالقطاعات الواجب إعادة هيكلتها أو تجديدها؛‬

‫‪ .13‬المناطق التي تخضع تهيئتها لنظام قانوني خاص‪.‬‬

‫وينص تصميم التهيئة إن اقتض ى الحال ذلك‪ ،‬على التغييرات التي يجوز إدخالها على‬
‫األحكام الواردة فيه تطبيقا لمقتضيات البنود ‪ 1‬و‪ 6‬و‪ 11‬من هذه المادة بمناسبة طلب إحداث‬
‫تجزئة أو مجموعة سكنية ويحدد شروط القيام بتلك التغييرات)‪.‬‬

‫وإذا كان النص القاض ي بالمو افقة على تصميم التهيئة يعتبر بمثابة إعلن بأن المنفعة‬
‫العامة تستوجب القيام بالعمليات اللزمة إلنجازالتجهيزات المنصوص عليها في البنود ‪ 3‬و‪ 4‬و‪5‬‬
‫و‪ 1‬و‪ 12‬من المادة ‪ 16‬أعله‪ ،750‬فإن ملك العقارات المشمولة بتخصيص عمومي يتم غل‬
‫أيديهم عن إجراء بعض التصرفات على أراضيهم في انتظار تفعيل مسطرة نزع الملكية ألجل‬
‫المنفعة العامة‪ .‬إال أنه يمكن القول على أن هذه القيود يتم فرضها عمليا قبل مرحلة المصادقة‬
‫على تصميم التهيئة بمقتض ى مرسوم لرئيس الحكومة‪ ،‬بالنظر إلى كون مخطط توجيه التهيئة‬
‫العمرانية وتصميم التنطيق يقومان بتعيين مو اقع المساحات الخضراء وشبكة الطرق‬
‫العمومية الواجب إحداثها‪ ،‬وتحديد مو اقع المر افق الصحية والتعليمية والرياضية‪.751‬‬

‫وفي هذا الصدد‪ ،‬نص المشرع المغربي في المادة ‪ 10‬من قانون التعمير على أنه‪( :‬كل‬
‫مشروع تجزئة أو مجموعة سكنية أو مشروع بناء ال يمكن اإلذن في إنجازه‪ ،‬في حالة عدم وجود‬
‫تصميم تهيئة أو تصميم تنطيق‪ ،‬إال إذا كان ال يتنافى واألحكام المقررة في مخطط توجيه التهيئة‬
‫العمرانية المتعلق بالمناطق العمرانية الجديدة واألغراض العامة املخصصة لها األراض ي‬
‫الو اقعة فيها)‪.‬‬

‫‪ 750‬الفقرة األولى من المادة ‪ 21‬من قانون التعمير رقم ‪.22.71‬‬


‫‪ 751‬المادتان ‪ 2‬و‪ 23‬من القانون رقم ‪.22.71‬‬

‫‪461‬‬
‫‪2023‬‬

‫ومن أجل التخفيف من حدة القيود المفروضة على العقارات المشمولة بتخصيصات‬
‫عمومية‪ ،‬أجاز المشرع المغربي للملك العقاريين المعنيين باألمر بعد الحصول على إذن رئيس‬
‫الجماعة التابع لنفوذها الترابي العقار‪ ،‬استعمال أراضيهم بشكل مؤقت لغرض غير الغرض‬
‫المنصوص عليه في تصميم التهيئة‪ ،‬شريطة أن ال يكون االستعمال المزمع القيام به معيقا‬
‫لعملية إنجاز التجهيزات العمومية المقررة في التصميم‪ ،‬كما يلزم المالك في جميع الحاالت أن‬
‫يقوم حين مباشرة إنجازالتجهيزات بإعادة األرض إلى الحالة التي كانت عليها فيما قبل‪.752‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التعويض عن االرتفاقات المتعلقة بالتخصيصات العمومية‬

‫إذا كان وثائق التعمير تعتبر سندا قانونيا يسمح للمؤسسات العمومية والجماعات‬
‫الترابية بإنجاز مختلف التجهيزات والمر افق العمومية داخل أجل سريان مفعول تصميم‬
‫التهيئة‪ ،‬واملحدد في عشر سنوات من تاريخ نشر النص القاض ي بالمصادقة عليه في الجريدة‬
‫الرسمية‪ ،‬فإن السؤال يطرح بخصوص مدى أحقية ملك العقارات المشمولة بالتخصيصات‬
‫العمومية في المطالبة بالتعويض بغض النظر عن انصرام األجل القانوني‪ ،‬أم أن حقهم في‬
‫التعويض رهين بتفعيل مقتضيات تصميم التهيئة وتنفيذ المشاريع المبرمجة على أراضيهم‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى مقتضيات المادة ‪ 30‬من قانون التعمير‪ ،‬نجد أن المشرع المغربي نص على‬
‫ما يلي‪( :‬تحدد التعويضات المستحقة ألصحاب األراض ي اللزمة إلنجاز التجهيزات المنصوص‬
‫عليها في البنود ‪ 3‬و‪ 4‬و‪ 5‬و‪ 1‬من المادة ‪ 16‬أعله‪.‬‬

‫‪ -‬فيما يخص الطرق باعتبارالعناصراملحددة في المادتين ‪ 37‬و ‪ 39‬من هذا القانون؛‬

‫‪ -‬فيما يتعلق بغير الطرق من التجهيزات وفق األحكام المنصوص عليها في القانون رقم‬
‫‪ 7.91‬اآلنف الذكرالمتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة واالحتلل المؤقت)‪.‬‬

‫رغم أن مقتضيات المادة المذكورة ال تسعف في اإلجابة عن الوقت املحدد للمطالبة‬


‫بالتعويض‪ ،‬إال أن بالرجوع إلى القانون رقم ‪ 7.91‬المتعلق بنزع الملكية ألجل المنفعة العامة‬
‫واالحتلل المؤقت‪ ،‬نجد أن المشرع المغربي في الفصل ‪ 16‬اشترط من أجل الحصول على إذن‬

‫‪ 752‬الفقرة األخيرة من المادة ‪ 21‬من القانون رقم ‪.22.71‬‬

‫‪462‬‬
‫‪2023‬‬

‫قاض ي المستعجلت باملحكمة اإلدارية لحيازة العقار المراد نزع ملكيته‪ ،‬ضرورة دفع أو إيداع‬
‫مبلغ احتياطي يعادل مبلغ التعويض الذي اقترحته الجهة النازعة للملكية‪.‬‬

‫واعتبارا لذلك‪ ،‬فإن مجرد تخصيص عقار الحتضان تجهيز أو مرفق عمومي ال يكفي‬
‫للمطالبة بالتعويض عن الرقبة ما لم يتم االنتقال إلى تفعيل مسطرة نزع الملكية‪ ،‬فالتخصيص‬
‫ال يعدو أن يكون مجرد حلقة من حلقات مسطرة نزع الملكية‪ ،‬ذلك أن المرسوم المو افق‬
‫بموجبه على تصميم التهيئة هوإعلن للمنفعة العامة فقط‪ ،‬أي أن األمريتعلق بوضعية قانونية‬
‫مؤقتة يترتب عنها غل يد المالك عن إجراء بعض التصرفات على عقاره‪ .‬وبذلك تكون المطالبة‬
‫بالتعويض عن الرقبة قبل انصرام أجل ‪ 10‬سنوات مفتقدة ألي سند أومرتكزقانوني‪ ،‬طالما أن‬
‫تصميم التهيئة الزال ساري المفعول ومنتجا آلثاره‪ ،‬ولم تقدم اإلدارة على أي إجراء في اتجاه تملك‬
‫العقارإما برض ى المالك أو جبرا بنزع ملكيته‪.753‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬فإنه يعد سابقا ألو انه وتعجل غيرمبررللمطالبة بالتعويض عن الرقبة مادام أن‬
‫مفعول تصميم التهيئة الزال ساريا‪ ،‬وهو التوجه الذي سار عليه الحكم الصادر عن املحكمة‬
‫اإلدارية بمكناس‪( :‬وحيث أفاد الخبير المذكور‪ ،‬أن العقار موضوع الخبرة غير محفظ مساحته‬
‫‪2000‬م‪.‬م عبارة عن أرض عارية ليس بها تجهيزات أو بنايات أو مر افق وتجاورها بعض المباني‬
‫السكنية‪ ،‬و أنه لم يطله أي اعتداء مادي ولم تقم جماعة مريرت حتى اآلن بإنجاز أي تجهيزات‬
‫فوق العقار‪ .‬ومن خلل إطلعه على تصميم التهيئة الحضرية لمدينة مريرت المصادق عليه‬
‫بتاريخ ‪ 2016/03/21‬وعملية إسقاط حدود العقار على تصميم التهيئة لمدينة مريرت‪ ،‬تبين أن‬
‫هناك مشروع موقف عمومي للسيارات يغطي مساحة ‪1363‬م‪.‬م من المساحة اإلجمالية‬
‫والمساحة المتبقية هي ‪107‬م‪.‬م غير قابلة للستغلل‪ .‬وبالتالي حرم من تجهيز وبناء عقاره‬
‫مخلصا إلى قيمة تجارية قدرها ‪ 900‬درهم للمتر المربع الواحد‪ ،‬وبالتالي فإن مجموع التعويض‬
‫يحدد في‪ 1100000=2000x800‬درهم‪ .‬وحيث إنه بناء على ما أسفرت عنه الخبرة‪ ،‬فإن مجرد‬
‫التخصيص ال يعطي الحق للمالكين في المطالبة بالتعويض ما لم يتم تفعيل تصميم التهيئة على‬
‫أرض الو اقع‪ ،‬وهو ما كرسه االجتهاد القضائي ملحكمة النقض في العديد من القرارات الصادرة‬
‫عنه من بينها قرار عدد ‪ 533‬الصادر بتاريخ ‪ 01/06/2001‬في الملف اإلداري عدد ‪-321/01‬‬

‫‪ 753‬محمد بهاء الدين الزباخ‪" :‬اآلثار القانونية لتصميم التهيئة بين النص القانوني والعمل القضائي" مجلة مؤسسة وسيط المملكة المغربية‪،‬‬
‫العدد ‪( 3‬عدد خاص)‪ ،‬دجنبر ‪ ،2122‬ص‪ 99‬و‪.91‬‬

‫‪463‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ 461/01‬الذي جاء فيه أن‪" :‬التعويض عن االرتفاقات القانونية املحدثة فوق عقارات الخواص‬
‫والمنصوص عليها في تصميم التهيئة الجاري به العمل‪ ،‬ال يحكم بها إال في الحالة التي يتم فيها‬
‫إحداث هذه االرتفاقات بكيفية فعلية على أرض الو اقع‪ ،‬وأن مجرد التنصيص عليها في هذه‬
‫التصاميم ال يعطي أي حق في ذلك"‪.‬‬

‫وحيث إنه تأسيسا على ذلك‪ ،‬يبقى طلب التعويض المقدم على هذا األساس سابق‬
‫ألو انه‪ ،‬مما يتعين معه التصريح بعدم قبوله)‪.754‬‬

‫أما فيما يتعلق بالتعويض عن الحرمان من االستغلل أثناء سريان المفعول القانوني‬
‫لتصميم التهيئة‪ ،‬فإنه يبقى فاقدا لتبرير منطقي وو اقعي‪ ،‬لسبب بسيط وهو أن التخصيص‬
‫الذي يطال العقارات المبرمجة فوقها التجهيزات أو المر افق العمومية‪ ،‬ال يفض ي إلى حرمان‬
‫المالك من االستغلل السابق‪ .‬صحيح أن العقاريصبح مغلوال نتيجة القيود التي انصبت عليه‬
‫مراعاة لتصميم التهيئة‪ ،‬إذ ليس بمقدورصاحبه أن يقوم بإقامة بناء عليه أو استغلله استغلال‬
‫يعوق إنجاز التجهيزات المقررة في التصميم‪ ،‬لكن ال يحرمه من االستمرار في االستغلل السابق‬
‫بدليل أن الفقرة األخيرة من المادة ‪ 29‬من القانون رقم ‪ 12.60‬المتعلق بالتعمير‪ ،‬أجازت استثناء‬
‫من األحكام المقررة أن تكون األراض ي املخصصة لألغراض المشار إليها في البنود ‪ 3‬و‪ 4‬و‪ 5‬و‪1‬‬
‫من المادة ‪ ،16‬أن تأذن الجماعة الو اقعة فيها بأن تستعمل بصورة مؤقتة لغرض غير الغرض‬
‫المنصوص عليه في تصميم التهيئة‪ ،‬شريطة أال يسلم هذا اإلذن إال إذا كان االستعمال المزمع‬
‫القيام به ال يعوق إنجازالتجهيزات المقررة في التصميم‪ ،‬ويلزم المالك في جميع األحوال أن يقوم‬
‫حين مباشرة إنجازهذه التجهيزات بإعادة األرض إلى الحالة التي كانت عليها فيما قبل‪.755‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬يمكن االستدالل بحيثيات حكم صادر عن املحكمة اإلدارية بمكناس‪،‬‬
‫والذي جاء فيه‪( :‬حيث يهدف طلب الجهة المدعية إلى الحكم على المدعى عليها بأدائها لفائدتهم‬
‫تعويضا مسبقا محدد في مبلغ ‪ 5000‬درهم مع الحكم تمهيديا بانتداب خبيرلتحديد قيمة العقار‬
‫والتعويض عن الحرمان من االستغلل طيلة مدة االحتلل مع االحتفاظ بحقوقهم والصائرلما‬
‫بعد الخبرة‪...‬‬

‫‪ 754‬حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس تحت عدد ‪ 2122/9222/92‬بتاريخ ‪ 27‬ماي ‪ ،2122‬في الملف رقم ‪،2122/9222/222‬‬
‫غير منشور‪.‬‬
‫‪ 755‬محمد بهاء الدين الزباخ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 11‬و‪.12‬‬

‫‪464‬‬
‫‪2023‬‬

‫وحيث إنه بناء على ما جاء في التقرير المدلى به‪ ،‬فإن مجرد التخصيص ال يعطي الحق‬
‫للمالكين في المطالبة بالتعويض ما لم يتم تفعيل تصميم التهيئة على أرض الو اقع‪ ،‬وهوالتوجه‬
‫الذي كرسه االجتهاد القضائي ملحكمة النقض في العديد من القرارات الصادرة عنه‪ ،‬من بينها‬
‫قرار عدد ‪ 533‬الصادر بتاريخ ‪ 2001/06/01‬في الملف اإلداري عدد ‪ 01/461.01/312‬الذي جاء‬
‫فيه‪" :‬إن التعويض عن االرتفاقات القانونية املحدثة فوق عقارات الخواص والمنصوص عليها‬
‫في تصميم التهيئة الجاري به العمل‪ ،‬ال يحكم بها إال في الحالة التي يتم فيها إحداث هذه‬
‫االرتفاقات بكيفية فعلية على أرض الو اقع‪ ،‬وأن مجرد التنصيص عليها في هذه التصاميم ال‬
‫يعطي أي حق في ذلك"‪.‬‬

‫وحيث إنه تبعا لذلك يبقى الطلب على حالته هاته سابق ألو انه ومآله عدم القبول)‪.756‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫على الرغم من قدسية حق الملكية العقارية وحرمته‪ ،‬إال أنه ليس حقا مطلقا ال حدود‬
‫له‪ ،‬فقد تضطرالدولة أومن يقوم مقامها إلى تقييد هذا الحق العيني أونزعه من أصحابه‪ ،‬وذلك‬
‫تحت وطأة الوظائف والمسؤوليات الملقاة على عاتقها في شتى املجاالت االجتماعية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬بهدف تحقيق المنفعة العامة بمفهومها الواسع‪.‬‬

‫وإذا كانت ارتفاقات المنع من البناء بالشكل الدائم أو المؤقت قد تقتضيها متطلبات‬
‫إنجاز مختلف المر افق والتجهيزات المنصوص عليها في وثائق التعمير‪ ،‬أو تستلزمها ضرورة‬
‫حماية بعض المو اقع والمنشآت ذات الصبغة الخاصة‪ ،‬وعزلها عن محيطها بشكل يعزز أمنها‬
‫وسلمة الساكنة املجاورة‪ .‬فإن األمريستوجب بالمقابل تعويض ملك العقارات المشمولة بهذه‬
‫االرتفاقات تعويضا عادال عن األضرار التي تلحقهم بسبب القيود المقررة على أراضيهم‪ ،‬بشكل‬
‫يحقق الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة‪.‬‬

‫الئحة المراجع‪:‬‬

‫‪ 756‬حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بمكناس تحت عدد ‪ 2122/9222/299‬بتاريخ ‪ 29‬أكتوبر ‪ 2( 2122‬ربيع الثاني ‪ )2222‬في‬
‫الملف رقم ‪ ،2122/9222/72‬غير منشور‪.‬‬

‫‪465‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ -‬فؤاد الموح‪" :‬ارتفاقات التعمير بالمغرب بين حماية حق الملكية وتحقيق المنفعة‬
‫العامة" أطروحة لنيل الدكتوراه‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية بسل‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2014/2013‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬مأمون الكزبري‪" :‬التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء‬
‫التشريع المغربي" مطبعة العربية للطباعة والنشر‪-‬الرباط‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬سنة ‪ ،1697‬الجزء‬
‫الثاني‪.‬‬

‫‪Abdel Ilah Mkinsi: “Le Droit Marocain de l’urbanisme” Les presses de -‬‬
‫‪.l’imprimerie Abbad-Rabat, Décembre 1989, Publication de l’I.N.A.U‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬محمد القصري‪" :‬االرتفاقات القانونية في مجال التعمير" املجلة المغربية لإلدارة‬
‫املحلية والتنمية العدد المزدوج ‪ /55-54‬يناير‪-‬أبريل ‪.2004‬‬

‫‪ -‬محمد باهي‪" :‬حول إشكالية الخطأ في التكييف القانوني وعدم ربط الوقائع بالقوانين‬
‫المطبقة على النازلة باألحكام القضائية اإلدارية‪ -‬منازعات ارتفاقات التعمير استجابة‬
‫لمقتضيات األمن نموذجا" املجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية‪ ،‬العدد الخاص رقم‬
‫‪ ، 11‬تحت عنوان‪ :‬التعمير والحكامة املجالية وفق آخر المستجدات التشريعية والقضائية‪،‬‬
‫المطبعة األمنية‪ -‬الرباط‪ ،‬سنة ‪.2016‬‬

‫‪ -‬د‪ .‬عبد الواحد مهداوي‪" :‬تدبير املخاطر في مجال التعمير والبناء‪ :‬الزالزل و انجر افات‬
‫التربة نموذجا" مجلة الخزامى للدراسات القانونية واالجتماعية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ 7/1‬دجنبر‪،2021‬‬
‫مكتبة دار السلم‪-‬الرباط‪ ،‬تحت موضوع‪ :‬قضايا التعمير والبناء بين االختيارات التشريعية‬
‫واإلكراهات العملية‪.‬‬

‫‪ -‬محمد بهاء الدين الزباخ‪" :‬اآلثار القانونية لتصميم التهيئة بين النص القانوني والعمل‬
‫القضائي" مجلة مؤسسة وسيط المملكة المغربية‪ ،‬العدد ‪( 3‬عدد خاص)‪ ،‬دجنبر‪.2014‬‬

‫‪ -‬ظهيرشريف رقم ‪ 1.90.341‬صادربتاريخ ‪ 17‬صفر ‪ 25( 1401‬دجنبر‪ )1690‬يتضمن األمر‬


‫بتنفيذ القانون رقم ‪ 22.90‬المتعلق باملحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات‬
‫المنقوشة والتحف الفنية والعاديات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 3514‬الصادرة بتاريخ ‪ 12‬ربيع‬

‫‪466‬‬
‫‪2023‬‬

‫اآلخر ‪ 19( 1401‬فبراير ‪ ،)1691‬ص‪ .112‬كما تم تعديله بالقانون رقم ‪ 16.05‬الصادر بتنفيذه‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.01.102‬صادر في ‪ 19‬من جمادى األولى ‪ 15( 1427‬يونيو ‪ ،)2001‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 5435‬بتاريخ ‪ 7‬جمادى اآلخرة ‪ 3( 1427‬يوليو ‪ ،)2001‬ص‪.1141‬‬

‫‪ -‬ظهير ‪ 7‬غشت ‪ 1634‬صادر بتاريخ ‪ 25‬ربيع اآلخر عام ‪ 7( 1353‬غشت ‪ )1634‬المتعلق‬


‫بالحرمات العسكري‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 1140‬بتاريخ ‪ 16‬جمادى األولى ‪ 31( 1353‬غشت‬
‫‪ ،)1634‬ص‪.1163‬‬

‫‪ -‬ظهيرشريف رقم ‪ 1.11.11‬صادرفي ‪ 17‬من شعبان ‪ 24( 1437‬ماي ‪ )2011‬بتنفيذ القانون‬


‫رقم ‪ 40.13‬المتعلق بالطيران المدني‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 1471‬بتاريخ ‪ 10‬رمضان ‪11( 1437‬‬
‫يونيو ‪ ،)2011‬ص‪.4734‬‬

‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 1.10.110‬بشأن املحافظة على السكك الحديدية وأمنها ومر اقبتها‬
‫واستغللها‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2533‬بتاريخ ‪ 21‬ذي القعدة ‪ 12( 1390‬مايو ‪،)1611‬‬
‫ص‪.2064‬‬

‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 1.11.113‬صادر في ‪ 1‬ذي القعدة ‪ 10( 1437‬أغسطس ‪ )2011‬بتنفيذ‬


‫القانون رقم ‪ 31.15‬المتعلق بالماء‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 1464‬بتاريخ ‪ 21‬ذو القعدة ‪1437‬‬
‫(‪ 25‬أغسطس ‪ ،)2011‬ص‪ .1305‬كما تم تعديله بالقانون رقم ‪ 05.23‬الصادر بتنفيذه الظهير‬
‫الشريف رقم ‪ 1.23.11‬الصادرفي ‪ 16‬من رجب ‪ 10( 1444‬فبراير‪ ،)2023‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 7173‬بتاريخ ‪ 1‬شعبان ‪ 27( 1444‬فبراير ‪ ،)2023‬ص‪.2247‬‬

‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 1.62.31‬صادر في ‪ 15‬من ذي الحجة ‪ 17( 1412‬يونيو ‪ )1662‬بتنفيذ‬


‫القانون رقم ‪ 12.60‬المتعلق بالتعمير‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4156‬بتاريخ ‪ 14‬محرم ‪15( 1413‬‬
‫يوليو ‪ )1662‬ص‪.997‬‬

‫‪467‬‬
‫‪2023‬‬

‫التكييف الفقهي لتصرفات الروبوتات المستقلة‪ :‬أهلية‬


‫الروبوت أنموذجا‬
‫‪Idiosyncratic adaptation of the actions of autonomous robots: the competence‬‬
‫‪of a robot as a model‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫الروبوت المستقل‪ ،‬ويعرف أيضا باسم الروبوت اآللي‪ ،‬وهو روبوت يقوم بسلوك أو‬
‫بمهام بدرجة عالية جدا من االستقللية ( أي بدون تدخل‪/‬تأثير خارجي)‪ .‬وعادة تعتبر الروبوتات‬
‫المستقلة مجاال فرعيا للذكاء االصطناعي‪ ،‬والملحظ أنه بعد أن كان اإلنسان يصنع اآللة وفق‬
‫الخوارزميات التي تسير وفقها‪ ،‬متحكما فيها‪ ،‬بات اآلن يتجه نحو االستغناء عن ذلك‪ ،‬لسائر‬
‫استقلل اآللة في التحكم وفق نظام معلوماتي دقيق‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة للروبوتات‬
‫المستقلة‪ ،‬فهي تعتمد في إبرام العقود والمعاملت والتصرفات‪ ،‬الش يء الذي تطرح معه أحكام‬
‫أهلية هذا الروبوت المستقل ومسؤولية تصرفاته من الناحية الفقهية‪.‬‬

‫تتجلى أهمية البحث في بيان أهم القضايا والمسائل المتعلقة بتكييف طبيعة هذه‬
‫الكيانات المستقلة واآلالت الذكية‪ ،‬والتصرفات التي تصدر عنها وبيان مدى تحقق األهلية لها‪،‬‬

‫‪468‬‬
2023

،‫و إبراز المسؤولية عن األضرار التي قد تنشأ عن هذه الروبوتات على النفس والمال والبيئة‬
.‫ذلك أن الذي يميز هذه الروبوتات ذاتية التشغيل هو صعوبة التنبؤ بقراراتها‬

The autonomous robot is a robot that performs behavior or tasks to a


very high degree of independence (i.e., without external intervention/impact).
Autonomous robots are usually considered an extension of artificial intelligence.
After humans used to create machines according to algorithms that they
controlled, they are now moving towards dispensing with that and allowing for
complete machine independence, controlled by an accurate information system.
This is the case with autonomous robots, as they are used for conducting
contracts, transactions, and actions, which raises questions about the legal status
of these independent robots and the responsibility for their actions from a
jurisprudential perspective.

The importance of researching and addressing the most important issues


and matters related to adapting the nature of these autonomous entities and
smart machines, their actions, and their eligibility, highlighted by the
responsibility for the damages that may arise from these robots on oneself, one's
possessions, and the environment, is evident. This is because what characterizes
these autonomous robots is the difficulty of predicting their .decisions

:‫مقدمة‬

‫ هو روبوت يقوم بسلوك أو بمهام‬،‫ ويعرف أيضا باسم الروبوت اآللي‬،‫الروبوت المستقل‬
‫ وعادة تعتبر الروبوتات‬.)‫تأثير خارجي‬/‫بدرجة عالية جدا من االستقللية ( أي بدون تدخل‬
‫ والملحظ أنه بعد أن كان اإلنسان يصنع اآللة وفق‬،‫المستقلة مجاال فرعيا للذكاء االصطناعي‬
‫ لسائر‬،‫ بات اآلن يتجه نحو االستغناء عن ذلك‬،‫ متحكما فيها‬،‫الخوارزميات التي تسير وفقها‬
‫ كما هو الحال بالنسبة للروبوتات‬،‫استقلل اآللة في التحكم وفق نظام معلوماتي دقيق‬

469
‫‪2023‬‬

‫المستقلة‪ ،‬فهي تعتمد في إبرام العقود والمعاملت والتصرفات‪ ،‬الش يء الذي تطرح معه أحكام‬
‫أهلية هذا الروبوت المستقل ومسؤولية تصرفاته من الناحية الفقهية‪.‬‬

‫أهمية البحث‪ :‬تتجلى أهمية البحث في بيان أهم القضايا والمسائل المتعلقة بتكييف‬
‫طبيعة هذه الكيانات المستقلة واآلالت الذكية‪ ،‬والتصرفات التي تصدر عنها وبيان مدى تحقق‬
‫األهلية لها‪ ،‬و إبراز المسؤولية عن األضرار التي قد تنشأ عن هذه الروبوتات على النفس والمال‬
‫والبيئة‪ ،‬ذلك أن الذي يميزهذه الروبوتات ذاتية التشغيل هو صعوبة التنبؤ بقراراتها‪.‬‬

‫إشكالية البحث‪ :‬يعتبرتكييف طبيعة هذه الروبوتات المستقلة مشكلة البحث الرئيسية‪،‬‬
‫خصوصا مدى إلحاقها بالجمادات حتى تقاس أحكامها على أحكام غيرها من اآلالت الجامدةـ‪ ،‬أو‬
‫إلحاقها باإلنسان حتى تقاس أحكامها على األشخاص الطبيعيين‪ ،‬وذلك ألن لها نظام تشغيل‬
‫متطور بل هي ذاتية التشغيل‪ ،‬ألنه من جهة صنعها فهي تابعة لإلنسان الصانع‪ ،‬لكن من جهة‬
‫أخرى فهي تقوم بسلوكيات ترقى ألن تكون بشرية‪ ،‬كإبرام العقود و إنشاء التصرفات‪.‬‬

‫فهل هذه الروبوتات المستقلة تملك من اإلدراك والتمييزما يجعلها محل لألهلية؟‬

‫تصميم البحث‪ :‬المبحث االول‪ :‬محل األهلية في الفقه اإلسلمي‪ .‬المبحث الثاني‪:‬‬
‫التكييف الفقهي ألهلية الروبوت المستقل‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬محل األهلية في الفقه اإلسلمي‪.‬‬

‫األهلية في اللغة تعني‪ :‬الصلحية لألمر والكفاءة له‪ ،‬فيقال‪ :‬فلن أهل لكذا‪ ،‬أي‪ :‬صالح‬
‫وكفؤ له‪ ،‬وتعني في لسان الشرع‪ :‬صلحية اإلنسان لصدورالش يء وطلبه منه‪ ،‬وقبوله إياه"‪757‬وقد‬
‫عرفها صاحب لمصباح المنير بأنها "مؤنث األهلي‪ ،‬واألهلية لألمر الصلحية له واالستحقاق له‪:‬‬
‫يقال‪ :‬فلن أهل لهذا العمل‪ ،‬أي صالح له وجديربه‪ ،‬ويقال‪ :‬هوجديرباإلكرام أي مستحق له"‪758‬‬

‫هذا وقد أبدع فقهاء اإلسلم عموما والمالكية على وجه الخصوص في ضبط أحكام األهلية‬
‫وتحديدها تعريفا وخصائص وشروطا وأركانا‪ ،‬فقسموها إلى أهلية وجوب وأهلية أداء‪ ،‬وعليه‬

‫‪757‬‬
‫–بيريت الابع الثان ‪3921-3101‬م‪/‬‬ ‫التير ر يالتق؛ير بن ئمير حاج شر التقر ر لك ال الدلن بن الم ام‪ ،‬اا الكتل العل‬
‫‪.314/1‬‬
‫‪ 758‬ال صبا ال قير فل غر ل الار الك؛ير ‪.19-3‬‬

‫‪471‬‬
‫‪2023‬‬

‫سنحاول من خلل هذا المبحث في مطلبين أن نتحدث في المطلب األول عن محل أهلية الوجوب‬
‫في الفقه اإلسلمي‪ ،‬وفي المطلب الثاني عن محل أهلية األداء‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬محل أهلية الوجوب في الفقه اإلسلمي‪.‬‬

‫أهلية الوجوب هي "صلحية اإلنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه" أهلية‬


‫الوجوب‪ :‬هي صلحية الشخص لإللزام وااللتزام‪ ،‬أو هي صلحية الشخص لثبوت الحقوق له‬
‫كاستحقاق قيمة المتلف من ماله‪ ،‬أو وجوبها عليه كالتزامه بثمن المبيع وعوض القرض‪ ،‬أي أن‬
‫لهذه األهلية عنصرين‪:‬‬
‫ً‬
‫عنصر إيجابي‪ :‬وهو صلحية كسب الحقوق بأن يكون دائنا‪ ،‬وهو عنصر اإللزام أو‬
‫الدائنية‪.‬‬
‫ً‬
‫وعنصر سلبي‪ :‬وهو صلحية تحمل الواجبات أو االلتزامات بأن يكون مدينا‪ ،‬وهو عنصر‬
‫ويثبت هذا‬ ‫اإلنسانية‪759.‬‬ ‫االلتزام أو المديونية‪ .‬ومناط هذه األهلية‪ :‬هو الحياة أو الصفة‬
‫الوصف كامل لإلنسان منذ والدته حتى وفاته‪ ،‬ويثبت للجنين في بطن أمه أهلية ناقصة‪.‬‬

‫هذا وقد ميز الفقهاء بين أهلية الوجوب الناقصة والكاملة‪ ،‬فاعتبروا الناقصة صلحية‬
‫اإلنسان لوجوب الحقوق له‪ ،‬وعدم وجوبها عليه وتكون للجنين في بطن أمه‪ ،‬في حين اعتبروا‬
‫أهلية الوجوب الكاملة صلحية اإلنسان لوجوب الحقوق له وعليه‪ ،‬وتثبت لكل شخص منذ‬
‫والدته إلى حين وفاته‪760.‬‬

‫والحديث عن أهلية الوجوب يستدعي منا طرح اإلشكال اآلتي‪ ،‬هل تخص أهلية الوجوب‬
‫اآلدميين فقط أو يمكنها أن تطال غيرهم‪ ،‬وهذا ما سيتم اإلجابة عنه فيما بعد‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬محل أهلية األداء في الفقه اإلسلمي‪.‬‬

‫أهلية األداء‪ :‬هي صلحية الشخص لصدور التصرفات منه (أو لممارستها ومباشرتها)‬
‫ً‬
‫على وجه يعتد به شرعا‪ ،‬وهي ترادف المسؤولية‪ ،‬وتشمل حقوق الله من صلة وصوم وحج‬

‫الز َحْيلِل‪ ،‬ئ تال ي ئ ي صسم الطيه ال يمل يئصمله بجامع اماو ‪ -‬مّلَّ َّ‬
‫الار ع اا‬ ‫يمل ي َّ‬
‫ئالتُ ُه ا‪ .‬ي ْهَب بن مصاطى ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫‪ِ 759‬‬
‫الطْي ُه ال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫الطكر ‪ -‬م َّ – اماو الجزء ‪.1943 ، 1‬‬
‫–بيريت ق ‪3131‬ه الجزء‪.111 ، 1‬‬ ‫‪ 760‬ئصمل المام السرخسل‪ ،‬المام السرخسل نبع اا الكتل العل‬

‫‪471‬‬
‫‪2023‬‬

‫وسواها‪ ،‬والتصرفات القولية أو الفعلية الصادرة عن الشخص‪ .‬فالصلة ونحوها التي يؤديها‬
‫اإلنسان تسقط عنه الواجب‪ ،‬والجناية على مال الغير توجب المسؤولية‪ 761.‬وأساس ثبوتها أو‬
‫مناط هذه األهلية هو التمييز أو العقل واإلدراك‪ ،‬فمن ثبتت له أهلية األداء صحت عباداته‬
‫الدينية كالصلة والصوم‪ ،‬وتصرفاته المدنية كالعقود‪.‬‬

‫هذا وقد أجمع العلماء على أن األهلية والذمة ال تثبت إال اآلدميين‪ ،‬باعتبارهم املخاطبين‬
‫بخطابات الشارع جل وعل والمؤهلين لفهمه والمكلفين به‪ ،‬والمقصودين بالخطاب في قوله‬
‫َ‬ ‫ْ َ ْ َْ‬ ‫ََ َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َ‬
‫األ َم َان َة َع َلى َّ‬
‫الس َم َوات َواأل ْرض َوالج َبال فأ َب ْين أن َي ْحمل َن َها َوأشفق َن م ْن َها َو َح َمل َها‬ ‫تعالى " إنا عرضنا‬
‫ً‬
‫وما َج ُهوال " ‪ -‬سورة األحزاب اآلية ‪.72‬‬ ‫ان َظ ُل ً‬
‫ْ َ ُ َّ ُ َ َ‬
‫اإلنسان إنه ك‬

‫المبحث الثاني‪ :‬التكييف الفقهي ألهلية الروبوت المستقل‪.‬‬

‫تنقسم الروبوتات إلى روبوتات متنقلة ‪ Mobile Robots‬وهي التي تستطيع التنقل من‬
‫مكان آلخر‪ ،‬إما بعجلت أو بواسطة أرجل كاإلنسان اآللي‪ ،‬وقسم ثاني هو الروبوتات الثابتة‬
‫وتسمى عادة باألذرع الروبوتية ‪ Robotic Arms‬وهي عبارة عن قواعد ثابتة تتعلق بها أجسام‬
‫وصنف ثالث هو الذي نحن بصدد‬ ‫المطلوبة‪762.‬‬ ‫أخرى تؤدي الحركات اللزمة إلنجاز المهام‬
‫تكييف أهليته فقهيا‪ ،‬وهو الروبوتات المستقلة‪ ،‬هذه الروبوتات متعلمة تتمتع بقدرات تحاكي‬
‫قدرات اإلنسان‪ ،‬مثل اإلدراك واستعمال اللغة والتفاعل وحل المشكلت والتعلم واإلبداع‪،‬‬
‫وتستند في طريقة عملها إلى التعلم اآللي والخبرات المعرفية‪ ،‬ويصعب التنبؤ بسلوكها‪ ،‬ألنها‬
‫تعمل بطريقة ذاتية من غير تحكم بشري‪ ،‬وتسمى بالروبوتات المعرفية‪763.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬القول بأهلية الروبوت المستقل‪.‬‬

‫ترتبط األهلية باسم الشخصية أو الشخصية القانونية‪ ،‬والتي تعني تلك الخاصية في‬
‫اإلنسان التي بموجبها يصبح متمتعا بالحقوق وملتزما بالواجبات‪ ،‬وإلى هذا القدر يتفق القانون‬

‫‪761‬‬
‫ال صد نطسه الجزء ‪.1941 ، 1‬‬
‫‪ 762‬ال دخل إلى عالم اليماء ا صاقاعل ال؛يمن ‪ ،‬ا ع؛د الله حم ‪ ،‬ميال مقام ب جل الريبمت العرب ‪ ،‬العدا األيل اكتمبر‬
‫‪1031‬م ‪.12 ،‬‬
‫‪ 763‬تا؛ يات اليماء ا صاقاعل يالريبمت من مقظم الطيه ال يمل‪ ،‬ا ئح د عد علل ال؛رعل‪ ،‬ميال مقام ب جل الفتاء ال صر‬
‫العدا الثامن ياأل بعمم ‪.31 ،‬‬

‫‪472‬‬
‫‪2023‬‬

‫مع الفقه اإلسلمي في تمتع اإلنسان الطبيعي باألهلية والذمة‪ ،‬كما هو تعبيراألصوليين والفقهاء‬
‫أو بالشخصية كما هو اصطلح القانونيين‪ ،‬وكان األصل أن يبقى الوضع هكذا‪ ،‬ولم يكن الفقه‬
‫اإلسلمي الحديث عن هذا النقاش بمعزل‪ ،‬فقد كانت الشخصية االعتبارية محل خلف فقهي‬
‫واسع بين الفقهاء املحدثين في القرن الماض ي‪ ،‬ما بين مؤيد لها ومعارض؛ نظرا لحداثة المصطلح‬
‫وعدم وروده نصا عند الفقهاء األقدمين‪ ،‬واعتبارا لما تقرر عند الفقهاء واألصوليين قديما من‬
‫التصاق –الذمة‪ -‬بصفة –اإلنسانية‪ -‬وعدم جواز منحها لغير اآلدميين‪ ،‬حتى قال الغزالي رحمه‬
‫الله – ت ‪ -505‬في المستصفى‪ " :‬أما أهلية ثبوت األحكام في الذمة‪ ،‬فمستفاد من اإلنسانية"‪764‬‬

‫هذا وقد يرى البعض أن فكرة االكتفاء بالشخصية القانونية للروبوت على غرار الشخصية‬
‫االعتبارية‪ ،‬ال تكفي لمواكبة برمجيات "الوكيل الذكي" المستخدمة في التجارة االلكترونية‪،‬‬
‫والتي سبق أن تحدثنا عنها‪ ،‬فهي برمجيات ذكية تتمتع باستقللية كاملة في إبرام العقود‪،‬‬
‫والدخول في المزايدات والمفاوضات و إتمام الصفقات دون تدخل من مستخدميها كما سبق‬
‫بيانه‪ ،‬فمجرد منح أهلية الوجوب الكتساب وتحمل الواجبات فقط دون صلحية عقد‬
‫التصرفات‪ ،‬لذلك دعا بعضهم إلى منح الروبوتات المستقلة مثل أهلية األشخاص الطبيعيين‬
‫ليتمتعوا من خلل ذلك بأهلية األداء الناقصة أو الكاملة‪765.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القول بانعدام أهلية الروبوتات المستقلة‪.‬‬

‫تمتلك الروبوتات المستقلة قدرا من الذكاء يشبه إلى حد كبير الذكاء البشري‪ ،‬غير أنها ال‬
‫ترقى أن تتمتع باألهلية سواء للوجوب أو األداء‪ ،‬وذلك ألن الشريعة اإلسلمية أناطت األهلية‬
‫والذمة باإلنسان‪ ،‬لتمتعه دون غيره بقابلية اإللزام وااللتزام كم بينا سلفا في المطلب األول‪،‬‬
‫فاألهلية لصيقة باإلنسان المكلف للتمتع بالحقوق وتحمل االلتزامات وصدورالتصرفات‪ ،‬وهذا‬
‫يتماش ى مع تعريفات كثيرة في الفقه والتشريع‪ ،‬من ذلك تعريف علي حسب الله بأنها "صلحية‬
‫اإلنسان لوجوب الحقوق له أو عليه ولصدور األفعال منه على وجه يعتد به شرعا"‪ 766‬وعرفها‬

‫األيلى‪3131 ،‬هط‬ ‫الابع‬ ‫‪ 764‬ال ستصطى ئبم حامد مق د بن مق د الغزالل تقييو مق د ع؛د السيم ع؛د الاافل ‪ -‬اا الكتل العل‬
‫‪3991 -‬م ‪41 ،‬‬
‫ير شمبرا‪ ،‬ميال مقام ب جل ا تصا ت الصاا ة عن ابا ماائن القم ب ‪ ACM‬الم يات‬ ‫‪ 765‬حيم المميء األل م اء ال ستيلين‪،‬‬
‫ال تقدة األمر ا مجلد ‪ 11‬عدا ‪ 10 – 12 ، 2‬ئغساي ‪.1030‬‬
‫‪ 766‬ئصمل التار ا ال يمل علل حسل الله‪.191 ، ،‬‬

‫‪473‬‬
‫‪2023‬‬

‫أبو زهرة بأنها "صفة يقدرها الشارع في الشخص تجعله قادرا ألن تثبت له حقوق وتثبت عليه‬
‫واجبات وتصح منه التصرفات"‪ 767‬وهذا التعريف يتناغم مع ما يرد في التشريع عموما من ذلك‬
‫مدونة األسرة المغربية في المادة ‪ 209‬عرفتها بأنها " صلحية الشخص لممارسة حقوقه‬
‫الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته"‪ 768‬وعليه فالروبوتات المستقلة في نظر هذا الموقف ال‬
‫تعتبر أشخاصا بل أشياء‪ ،‬وتخضع لمقتضيات المسؤولية المدنية بشقيها التعاقدية‬
‫والتقصيرية المتعلقة بالمسؤولية عن األشياء وهي القواعد نفسها التي قررها الفقهاء عموما‬
‫والمالكية على وجه الخصوص في باب الضمان‪.‬‬

‫موازنة وترجيح‬

‫بعد عرض الخلف في تكييف أهلية الروبوتات المستقلة بين من يرى بانعدام أهليتها‬
‫قياسا على الجمادات ومن تحت سلطة اإلنسان وم لكيته‪ ،‬وبين من يهتم بمنحها أهلية وذمة‬
‫مالية وشخصية قانونية‪ ،‬وفي ما يلي إشارات إلى بعض ما توصلت إليه يفيد في الترجيح‪:‬‬

‫‪ -‬اعتبار القول بانعدام األهلية للروبوتات قياسا على اآلالت الجامدة‪ ،‬هو األقرب إلى‬
‫المنصوص عليه شرعا‪ ،‬بدليل إفراد النصوص لإلنسان المتمتع باألهلية‪.‬‬

‫‪ -‬ال مانع من منح الروبوتات المستقلة ذمة مالية مستقلة وشخصية قانونية نظير ما‬
‫وصلت إليه من تطويرفائق على مستوى البرمجيات والتصرفات والمعاملت بمنأى عن‬
‫التحكم البشري‪.‬‬

‫‪ -‬يمكن تكييف أحكام أهلية الروبوتات المستقلة على أحكام الرقيق في الفقه‬
‫اإلسلمي‪ 769.‬وذلك على اعتبارأن الشريعة اإلسلمية لما أتت سايرت نظام الرق وأطرت‬
‫تـأطيرا مناسبا‪ ،‬حيث ناهضت بوسائل متعددة هذا النظام‪ ،‬وعدلت من مجموعة من‬
‫أحكامه‪ ،‬وذلك تكريسا لمبدأ تكريم اإلنسان والعناية بكرامته‪ ،‬من ذلك مثل حديث أبي‬

‫‪ 767‬ال دخل الطيمل العام للز صا الجزء ‪.121 ، 1‬‬


‫‪ 768‬مدين األ رة ظمير شر ف صم ‪ 3 .01 .11‬صاا فل ‪ 31‬من لي القج ‪ 1- 3111‬ف؛رالر ‪ - 1001‬بتقطيي اليانمم صم ‪10.01‬‬
‫‪ 31‬لي القج ‪ 1- 3111‬ف؛رالر ‪.132 ، 1001‬‬ ‫عدا ‪ 1321‬بتا‬ ‫ب ثاب مديم األ رة الجر دة الر‬
‫‪769‬‬
‫فيم اصتصااي ‪ ،‬ا مق د علل اليري بقث مقام ب جل ا ا ات اصتصااي‬ ‫لات ال ستيل ال قدياة – ا ا‬ ‫الاخص ا عتبا‬
‫إ يم – ال عمد ال يمل للبقمث يالتد ل‪ ،‬الجزء ‪ 1‬عدا ‪ 1‬ق ‪3992‬م‪.‬‬

‫‪474‬‬
‫‪2023‬‬

‫هريرة رض ي الله عنه أن رجل يركب دابة وخلفه عبده يجري فقال له "احمله خلفك‪،‬‬
‫فإنه أخوك‪ ،‬وروحه مثل روحك"‪ 770‬بل شجعت الشريعة اإلسلمية على تحريرالعبيد‪.‬‬

‫هذا وقد سعى الفقهاء رحمهم الله إلى تنظيم أحكام الرق في الفقه اإلسلمي باعتبارهم‬
‫حالة اجتماعية كانت سائدة فرضت عليهم‪ ،‬ولما انتهى الرق من العالم بموجب المعاهدات‬
‫والمواثيق الدولية‪ ،‬بقيت أحكامهم المنصوصة مدونة في مصنفاتهم رحمهم الله حتى يستضاء‬
‫بها في تخريج أحكام النوازل والمستجدات‪ 771،‬والتي يمكن أن يستفاد منها‪ ،‬في ضبط أحكام‬
‫المسؤولية المدنية والجنائية للروبوتات إن تم االتفاق الدولي على منحها الشخصية القانونية‬
‫في المستقبل‪ .‬وقد يظهر الفرق بين الرقيق والروبوت‪ ،‬باعتبار أن األول إنسان بيولوجي مكرم‬
‫بالعقل و أناط به الله سبحانه وتعاله مسؤوليات والتزامات‪ ،‬وبين الثاني الذي هو آلة من صنع‬
‫البشر وتطوير الكتروني خاضع لتقنيات دقيقة وميكانيكية‪ ،‬وعليه فالطريقة التي تعامل بها‬
‫الفقهاء مع أحكام الرقيق رغم وجوده قبل اإلسلم‪ ،‬يمكن أن تستدعى لتنظيم أحكام الروبوت‬
‫المستقل وتكييف أهليته و آثارذلك‪ ،‬وذلك على اعتبارأن اإلنسان ذو منزلة بحكم إنسانيته‪ ،‬ما‬
‫صار عبدا مبتذال في مرتبة التش يء إال بحكم نظام قانوني‪ ،‬غير أني أشير في الختام أنه ال يمكن‬
‫الحديث عن فكرة مساواة الروبوتات المستقلة للبشر مستقبل‪ ،‬رغم ما وصلت إلى تكنولوجيا‬
‫الذكاء االصطناعي‪ ،‬ألن ذلك مناهض للنصوص الشرعية التي كرمت اإلنسان وسيدته على‬
‫جميع املخلوقات والكائنات‪ ،‬قال تعالى" َو َل َق ْد َك َّر ْم َنا َبني َآد َم َو َح َم ْل َن ُ‬
‫اه ْم في ْال َب ّر َو ْال َب ْحر َو َر َ ْق َن ُ‬
‫اهم‬ ‫ز‬
‫َََْ َْ ً‬ ‫ّ َ َّ ّ َ َ َ َّ ْ َ ُ َ َ‬
‫اه ْم َعل ٰى كث ٍير ّم َّم ْن خلقنا تفضيل"‪ – 772‬سورة اإلسراء اآلية ‪ -70‬من جانب‬ ‫من الطيبات وفضلن‬
‫ومن جهة أخرى قد يشكل خطرا على املجتمع البشري وتقدمه‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫تبين من خلل هذه الدراسة التي ال أدعي أن وفيت حقها وأديت مستحقها‪ ،‬أن موضوع‬
‫أهلية الروبوتات المستقلة مهم من جهتين‪ ،‬اعتبار أهمية التأصيل له من الفقه اإلسلمي‬
‫والبحث عن نظائره عند الفقهاء علميا‪ ،‬ومن جهة كونه موضوعا راهنا ومستجدا وشائكا عمليا‪،‬‬

‫‪770‬‬
‫ئخرجه ابن ئبل شيب فل مصقطه‪ ،‬متاو األاو باو الغيم ياتد خلف الرجل يهم اكل‪.‬‬
‫‪771‬‬
‫تا؛ يات اليماء ا صاقاعل يالريبمت من مقظم الطيه ال يمل‪ ،‬ا ئح د عد علل ال؛رعل‪ ،‬ميال مقام ب جل الفتاء ال صر‬
‫العدا الثامن ياأل بعمم ‪.301 ،‬‬

‫‪475‬‬
‫‪2023‬‬

‫وهذا يستدعي تظافر الجهود لمقاربة أهم الدقائق والتطورات التي يعرفها مجال الذكاء‬
‫االصطناعي‪ ،‬وفي ضوء هذا خرج البحث بالنتائج التالية‪:‬‬

‫التأكيد على أن مشاريع الذكاء االصطناعي تتطوربسرعة فائقة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫التأكد قدر اإلمكان من أثر الروبوتات المستقلة بأنواعها املختلفة‪ ،‬حماية‬ ‫‪‬‬
‫لمستعمليها‪.‬‬

‫ضرورة مواكبة المستجدات الفقهية المتعلقة بالروبوتات المستقلة وفتح‬ ‫‪‬‬


‫امتدادات أخرى في التكييف الفقهي‪.‬‬

‫الروبوتات المستقلة جهاز متطور بشكل سريع اندمج في جميع مناحي الحياة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫من ابرام التصرفات والعقود والمعاملت وغيرها‪ ،‬لما له تقنيات دقيقة تسهم في تطوره بشكل‬
‫مستمر‪.‬‬

‫ال مانع من منح الروبوتات المستقلة األهلية والذمة المالية والشخصية‬ ‫‪‬‬
‫القانونية بعد تحقق مناطاتها‪.‬‬

‫أقرب ما يمكن تكييف أهلية الربوتات المستقلة في الفقه هي أحكام العبيد‬ ‫‪‬‬
‫ونظام الرق في الفقه اإلسلمي‪ ،‬وإن ظهر االختلف بين النظامين بوجه عام‪ ،‬لكن عند التدقيق‬
‫يبرزالتقارب والمناسبة‪.‬‬

‫بناء على هذه النتائج التي خلص إليها البحث يمكن تقديم التوصيات التالية‪:‬‬

‫ضرورة فتح مراكز لتكوين العلماء المفتين والفقهاء المتخصصين في مشاريع‬ ‫‪‬‬
‫الذكاء االصطناعي قصد مواكبة مستجدات العصر‪.‬‬

‫اعتماد مواد تدريس أنظمة الذكاء االصطناعي في الدراسات األكاديمية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬اإلكثارمن تنظيم أمثال هذه الندوات التي تستهدف موضوعات راهنة ومستجدة‪.‬‬

‫المصادروالمراجع‪:‬‬

‫القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪476‬‬
‫‪2023‬‬

‫ُمصنف ابن أبي شيبة أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبس ي الكوفي‬ ‫‪‬‬
‫(‪ 156‬ـ ‪ 235‬هـ) تحقيق ‪ :‬محمد عوامة‪.‬‬

‫التقريروالتحبيرالبن أميرحاج شرح التحريرلكمال الدين بن الهمام‪ ،‬دارالكتب‬ ‫‪‬‬


‫العلمية –بيروت الطبعة الثانية ‪1693-1403‬م‪/‬‬

‫المصباح المنير في غريب الشرح الكبير المصباح المنير في غريب الشرح الكبير‬ ‫‪‬‬
‫أحمد بن محمد بن علي الفيومي نشرالمكتبة العلمية – بيروت‪.‬‬

‫المستصفى أبو حامد محمد بن محمد الغزالي تحقيق‪ :‬محمد عبد السلم عبد‬ ‫‪‬‬
‫الشافي ‪ -‬دارالكتب العلمية الطبعة‪ :‬األولى‪1413 ،‬هـ ‪1663 -‬م‪.‬‬

‫أصول اإلمام السرخس ي‪ ،‬اإلمام السرخس ي طبعة دار الكتب العلمية –بيروت‬ ‫‪‬‬
‫سنة ‪1414‬ه الجزء‪2‬ص ‪.333‬‬
‫ُّ َّ‬
‫وأدل ُت ُه د‪َ .‬و ْه َبة بن مصطفى ُّ‬ ‫ْ‬
‫الز َح ْيل ّي‪ ،‬أستاذ ورئيس قسم الفقه‬ ‫الفق ُه اإلسلمي‬ ‫‪‬‬
‫الشريعة دار الفكر‪َّ -‬‬ ‫ّ َّ َّ‬ ‫ّ‬
‫سورية – دمشق‪.‬‬ ‫اإلسلمي وأصوله بجامعة دمشق ‪ -‬كلية‬

‫المدخل إلى عالم الذكاء االصطناعي البيونية‪ ،‬د عبد الله حورية‪ ،‬مقال منشور‬ ‫‪‬‬
‫بمجلة الروبوت العربية‪ ،‬العدد األول اكتوبر ‪2015‬م‪.‬‬

‫تطبيقات الذكاء االصطناعي والروبوت من منظور الفقه اإلسلمي‪ ،‬د أحمد‬ ‫‪‬‬
‫سعد علي البرعي‪ ،‬مقال منشوربمجلة اإلفتاء المصرية العدد الثامن واألربعون‪.‬‬

‫حقوق الوكلء األذكياء المستقلين‪ ،‬سمير شوبرا‪ ،‬مقال منشور بمجلة‬ ‫‪‬‬
‫االتصاالت الصادرة عن رابطة مكائن الحوسبة ‪ ACM‬الواليات المتحدة األمريكية مجلد ‪53‬‬
‫عدد ‪ 9‬ص ‪ 40 – 39‬أغسطس ‪.2010‬‬

‫أصول التشريع اإلسلمي علي حسب الله‪ ،‬الطبعة الخامسة سنة ‪ 1671‬دار‬ ‫‪‬‬
‫المعارف بمصر‪.‬‬

‫المدخل الفقهي العام مصطفى أحمد الزرقا الطبعة ‪ 2‬سنة النشر‪– 1425 :‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،2004‬المكتبة الوقفية‪.‬‬

‫‪477‬‬
‫‪2023‬‬

‫الشخصية االعتبارية ذات المسؤولية املحدودة – دراسة فقهية اقتصادية‪ ،‬د‬ ‫‪‬‬
‫محمد علي القري بحث منشوربمجلة دراسات اقتصادية إسلمية – المعهد اإلسلمي للبحوث‬
‫والتدريب‪ ،‬الجزء ‪ 5‬عدد ‪ 2‬سنة ‪1669‬م‪.‬‬

‫مدونة األسرة ظهير شريف رقم ‪ 1 .04 .22‬صادر في ‪ 12‬من ذي الحجة ‪3- 1424‬‬ ‫‪‬‬
‫فبراير ‪ -2004‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 70.03‬بمثابة مدون األسرة الجريدة الرسمية عدد ‪5194‬‬
‫بتاريخ ‪ 14‬ذو الحجة ‪ 5- 1424‬فبراير‪. 2004‬‬

‫‪478‬‬
‫‪2023‬‬

‫التدبير بالكفاءات كنهج حديث لتدبير الموارد البشرية‬


‫باإلدارة العمومية‬
‫‪Competency management as a modern approach to managing human‬‬
‫‪resources in public administration‬‬
‫الملخص‪:‬‬
‫يأتي موضوع هذا المقال في سياق خاص يتسم براهنيته بالدرجة األولى ويبرز ذلك من‬
‫خلل مجموع الجهود المبذولة من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية‬
‫وقطاع المالية‪ ،‬إلى جانب صدورالتقاريرالدولية عن البنك الدولي والوطنية عن املجلس األعلى‬
‫للحسابات واللذان يؤكدان على مسألة مهمة غايتها إعلن القطيعة مع أنماط التدبيرالتقليدي‬
‫للموارد البشرية ألنه أسلوب غيرمنتج وغيرفعال‪ ،‬مشيران إلى أن التدبيرالحديث الذي يركزعلى‬
‫الكفاءة كمعيار هو النمط الذي سيدفع باإلدارة نحو تحقيق أهدافها وسيمكنها من تقليص‬
‫الموارد المالية التي يتم إنفاقها عادة على موظفين غير أكفاء وال تستفيد اإلدارة من جهودهم‬
‫مقابل األجور التي تمنحها لهم كحقوق مالية مكتسبة بقوة القانون‪ .‬الكلمات المفتاحية‪:‬‬
‫الموارد البشرية _الكفاءة_ التدبيرالتوقعي_ التكوين المستمر‪.‬‬

‫‪479‬‬
2023

Abstract :

c hyb cte e e h hoe tmc t lch e h hnct hm t eecie t hohteco tce bu eh


t ee eicetu e e c e ohe nmhtc. h h i m i ece bu e c e ehm cee oeh cicoece bu
cte o, e e c i ycoelcee hye o eu e t hoic e nybm t hcoy tc hee e c e ehet hm h
hee e e e e c hhyhetc e eecoehe ehm ocn oeh bu e c e ome shee hee ehe ehm
ocn oeh bu e c iynoclc f yet m e ,tt yeeh, f t t ee ol he ln oehee hhyc
f hc i hm h e ectmhoc h boche f e ... .heecoeh e eohe e ehm lhehiclcee e
yotch bcthyhc e h he yeno eyte yc hee eceecte yc lce e, n ee ei ylhe och
ye e he l ecoe lhehiclcee e he e tyhch e cee t cetu hh h heheehoe h e c
nheecoe e he f mm nyh e c hel e heohe e e fhoeh ht cy ei eh i hmh hee f mm
m och yotch e he hoc yhyhmmu hncee e et lncecee cehbmc e e oceytc e c e ehet h
clnm ucch hee e c hel e heohe e e ch e e bcece e eo l e c o cee oeh e cit heic
e o fhich. e t u y iohee e cl hh e ehet hm o i eh

Acquired by force of law.

Key Word : human resource_ competence _ expectant management


_continuing training.

:‫تقديم‬

‫ال شك أن معظم الدول في الوقت الحاضرأضحت تهتم بدراسة وتقييم المشاكل اإلدارية‬
.‫التي تواجه أجهزتها الحكومية وذلك قصد الدفع بكفاءتها اإلنتاجية إلى مواكبة قاطرة التطور‬
‫لذلك نجد أنها لجأت إلى إصلحات إدارية تهتم بالدرجة األولى بتنظيم إدارة األشخاص العاملين‬
‫في قطاع الوظيفة العمومية بحيث شرعت في تحديث أسلوب ومضمون تكوينهم والرفع من‬
.‫قدرتهم على أداء مهامهم استجابة لمتطلبات العصر‬

481
‫‪2023‬‬

‫إن أولى الدعائم األساسية لتحقيق سياسة عقلنية في مجال تدبير الموارد البشرية‪،‬‬
‫تتجلى في حصر دقيق الحتياجات االدارة من العناصر البشرية‪ ،‬هذا الحصر الذي سيسمح‬
‫بالتركيز على ضرورة استقطاب الكفاءات البشرية وسيكفل حسن سيرها وتطورها وذلك‬
‫لمواكبة المستجدات التي يعرفها عصرنا الحالي ويسمح بتفاعلها مع املحيط السياس ي‬
‫واالقتصادي واالجتماعي وذلك في أفق تدعيم خط التنمية وتحقيق برامجها‪.773‬‬

‫ينبغي التأكيد على أن األداء الفعال لوظائف اإلدارة في الو اقع‪ ،‬ال يعتمد على جودة ما‬
‫يوضع من نظم إدارية فعالة فحسب‪ ،‬و إنما تعتمد بشكل أكبرعلى كفاءة أولئك الذين يعهد إليهم‬
‫بتنفيذها‪ ،‬ألن اإلدارة التي ال تتوفر على موظفين أكفاء لن تتحقق أهدافها الداخلية‬
‫واالستراتيجية‪ ،‬وإن توفرت على نظم متطورة‪.774‬‬

‫فبدون موظف كفء تظل اإلدارة العمومية عاجزة عن تحقيق أهدافها حتى وإن أحسنت‬
‫وضع أنظمتها‪ ،‬ويزكي البعض اآلخر تلك النظرة بالقول‪ :‬إنه يجب أن يحسن إختيار الموظفين‬
‫لضمان إجادة أعمالهم وإال باءت كل خطط الدولة بالفشل وانهار بناؤها تبعا لذلك‪ ،‬فالتدبير‬
‫بالكفاءات حقق العديد من المزايا‪ ،‬فمن ناحية ساعد على تحقيق الجودة في األداء اإلداري عن‬
‫طريق إختيار األجدر كما أبعد املحسوبية في التعيين‪ ،‬وأكد التزام الموظف بتحقيق األهداف‬
‫ّ‬
‫اإلصلحية المسطرة‪ ،‬ثم إنه وسع مبدأ الديمقراطية اإلدارة أمام المواطنين دون تمييز بينهم إال‬
‫بالكفاءة واإلستحقاق‪.‬‬

‫إن جميع الموظفين بالمصالح االدارية يؤدون عملهم بفضل ما يمتلكون من كفاءة وخبرة‬
‫يتفاوت مستواها من موظف آلخر‪ ،‬حسب قدرته على التعلم‪ ،‬وتتكون الكفاءة من المعرفة (أي‬
‫المعلومات وسعة اإلطلع) وحسن التصرف (بفضل المهارات) والسلوك‪.775‬‬

‫‪ 773‬رضوان بوجمعة‪" ،‬الوظيفة العمومية المغربية على درب التحديث" ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2113‬الصفحة ‪.233‬‬
‫‪ 774‬بن زكري إيمان‪ ،‬مبدأ الكفاءة في التوظيف آلية لتحسين الخدمة العمومية‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماستر المتخصص في القانون‬
‫االداري‪ ،‬سنة ‪ ،2129‬الصفحة ‪.9‬‬
‫‪ 775‬الدليل المنهجي للتدبير التوقعي للوظائف والكفاءات‪ ،‬منشورات وزارة الوظيفة العمومية وتحديث االدارة‪ ،‬صفحة ‪.9‬‬

‫‪481‬‬
‫‪2023‬‬

‫ومن المسلم به أن االدارة تتشكل من عناصر عدة‪ :‬منها القانونية‪ ،‬المالية‪ ،‬البشرية‪...‬‬
‫ويعتبر العنصر البشري حجر الزاوية في كيان االدارة لكن ما جدوى هذا العنصر إن لم يكن هو‬
‫مؤهل إلنجازمأموريته بكفاءة وفعالية‪.776‬‬

‫وفي هذا السياق البد من التأكيد على أهمية إيلء عناية خاصة لمتطلبات العمل‬
‫والتطور‪ ،‬وتأهيل كفاءات الموظفين‪ ،‬وذلك بغية االستفادة التي يتيحها تدبير الموارد البشرية‬
‫من جهة‪ ،‬وشغل الوظيفة بمن يتمتع بالمستوى المطلوب‪ ،‬وتمكين الموظفين أيضا من تطوير‬
‫مهاراتهم طوال حياتهم المهنية ليحققوا مسيرة وظيفية غنية ومحفزة‪.777‬‬

‫حري بنا التأكيد على أن بناء الوظيفة العمومية وتطويرها‪ ،‬يعد بمثابة مشروع سياس ي‬
‫بالدرجة األولى إلى جانب المشاريع السياسية األخرى‪ ،‬وهذا ما جعلها في صلب اهتمام جل‬
‫المدبرين والباحثين واألكاديمين المتخصصين في الشأن اإلداري‪ ،‬كما أن العديد من اإلدارات‬
‫تركز في عالمنا المعاصر ضمن استراتيجيتها على االستثمار في المورد البشري‪ ،‬وتعتمد على‬
‫منطق الكفاءة باعتبارها الثورة الحقيقية التي ينبغي استغللها لتحقيق الفعالية اللزمة‪.778‬‬

‫لذلك كله يأتي موضوع هذه المداخلة في سياق خاص يتسم براهنيته بالدرجة األولى ويبرز‬
‫ذلك من خلل مجموع الجهود المبذولة من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة‬
‫العمومية وقطاع المالية‪ ،‬إلى جانب صدور التقارير الدولية عن البنك الدولي والوطنية عن‬
‫املجلس األعلى للحسابات واللذان يؤكدان على مسألة مهمة غايتها إعلن القطيعة مع أنماط‬
‫التدبيرالتقليدي للموارد البشرية ألنه أسلوب غيرمنتج وغيرفعال مشيران إلى أن التدبيرالحديث‬
‫الذي يركز على الكفاءة كمعيار هو النمط الذي سيدفع باإلدارة نحو تحقيق أهدافها وسيمكنها‬
‫من تقليص الموارد المالية التي يتم إنفاقها عادة على موظفين غيرأكفاء وال تستفيد اإلدارة من‬
‫جهودهم مقابل األجور التي تمنحها لهم كحقوق مالية مكتسبة بقوة القانون‪ .‬وسنعمل على‬
‫مناقشة الموضوع من خلل ثلثة محاوررئيسية‪:‬‬

‫املحوراألول‪ :‬دواعي تبني سياسة التدبيربالكفاءات‬

‫‪François gazier , la fonction publique dans le monde ; page 114. 776‬‬


‫‪ 777‬الدليل المنهجي للتدبير التوقعي للوظائف والكفاءات‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬صفحة ‪.9‬‬
‫‪ 778‬السلمي علي ‪ ،‬إدارة األفراد والكفاءة االنتاجية‪ ،‬مكتبة غريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة ‪ ،2719‬ص ‪.32‬‬

‫‪482‬‬
‫‪2023‬‬

‫ال شك أن معظم الدول في العصر الحديث تهتم بدراسة وتقييم المشاكل اإلدارية التي‬
‫تواجهها أجهزتها الحكومية وذلك قصد الدفع بكفاءتها االنتاجية إلى مواكبة قاطرة التطور‪،‬‬
‫ولهذا الغرض لجأت (أي الدول) إلى إصلحات إدارية تهتم بالدرجة األولى إلى تنظيم إدارة‬
‫األشخاص العاملين في قطاع الوظيفة العمومية بحيث شرعت في تحديث أسلوب ومضمون‬
‫تكوينهم والرفع من قدرتهم على أداء مهامهم استجابة لمتطلبات العصر‪.779‬‬

‫وحتى يكون المغرب في الموعد مع تحديث إدارته‪ ،‬فإنه نهج نفس المسارذلك أنه من أهم‬
‫القضايا التي تشغل باله في الوقت الحاضرتلك التي تتعلق بحسن أداء العمل اإلداري‪ ،‬وفي هذا‬
‫املجال البد من اإلشارة إلى ما عبرت عنه حكومة التناوب منذ تأسيسها سنة ‪ 1667‬فيما يخص‬
‫"ميثاق حسن التدبير" للرفع من مردودية األداء الحكومي وبالتالي مردودية قطاع الوظيفة‬
‫العمومية‪.780‬‬

‫تعد الكفاءة العلمية شرطا أساسيا لولوج الوظيفة العمومية بالنسبة للمرشح لها‪ ،‬ومن‬
‫المنطق أن يختلف مستوى الكفاءة العلمية باختلف درجات المناصب‪ ،‬وفي جميع الحاالت‬
‫ينبغي للمرشح التوفرعلى الشهادة المناسبة للمنصب الذي يرغب في ولوجه‪ .‬لكن مع ذلك ينبغي‬
‫التنبيه إلى أن عهد الدبلومات لنيل وظائف الدولة قد ولى وأصبحت اإلدارة تقتبس من األساليب‬
‫الحديثة التي يعمل بها القطاع الخاص في توظيف عناصره‪.781‬‬

‫ويعتبر مبدأ الكفاءة في التوظيف من أهم المبادئ التي تقوم عليها الوظيفة العمومية‪،‬‬
‫ويفيد في معناه العام ضرورة إخضاع شغل الوظيفة العمومية والبقاء فيها إلى معايير القدرة‬
‫والصلحية بعيدا عن املحاباة واملحسوبية‪.‬‬

‫فعلى قدركفاءة الجهازاإلداري تكون إنتاجية الدولة‪ ،‬وال يتأتى ذلك إال إذا تقلد الوظائف‬
‫العمومية أفراد على قدر عالي من الكفاءة‪ ،‬ولتحقيق ذلك البد من تطبيق المساواة في شغل‬
‫الوظائف العامة‪ ،‬وهو المعطى الذي يؤسس بالضرورة إلى اعتبار الكفاءة المعيار األساس ي‬

‫محمد باهي‪ ،‬تدبير الموارد البشرية باالدارة العمومية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬سنة ‪ ،2119‬صفحة‬ ‫‪779‬‬

‫‪.92‬‬
‫رضوان بوجمعة‪" ،‬الوظيفة العمومية المغربية على درب التحديث" ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة‪ ،2113‬الصفحة ‪.3‬‬ ‫‪780‬‬

‫رضوان بوجمعة‪" ،‬الوظيفة العمومية المغربية على درب التحديث" ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة‪ ،2113‬الصفحة ‪.213‬‬ ‫‪781‬‬

‫‪483‬‬
‫‪2023‬‬

‫لشغل الوظائف العمومية؛ بحيث ال تكون ثمة أفضلية لشخص على حساب اآلخر‪ ،‬وهذا ما‬
‫تأخذ به الدول المتقدمة‪.‬‬

‫أصبح التدبير بالكفاءات يتخذ كمعيار أساس ي يجب على السلطة املختصة بالتعيين أن‬
‫تتقيد به عندما تريد شغل وظيفة ما‪ ،‬وتستبعد أي أساس آخر للختيار في الوظائف العمومية‬
‫وليس ذلك فحسب‪ ،‬ولكن جعل بقاء الموظف في منصبه مرهون أيضا بكفاءته وقدرته على‬
‫القيام بأعباء هذا المنصب على أكمل وجه‪.‬‬

‫املحورالثاني‪ :‬التدبيرالتوقعي كآلية قبلية الستقطاب الكفاءات البشرية‬

‫تعتبرمسألة توظيف العناصرالبشرية في قطاع الوظيفة العمومية استثمارا على المدى‬


‫الطويل بحيث يتعين على اإلدارة أن تعيره اهتماما بالغا وذلك من خلل تحديد االحتياجات‬
‫البشرية بشكل دقيق ومنسجم مع وسائلها المادية بطريقة علمية‪.‬‬

‫فالتدبير العددي للعناصر البشرية يعتبر استراتيجية مستقبلية تبنى على أساس تحقيق‬
‫معادلة بين االحتياجات والوسائل‪ ،‬وبمعنى آخر منهجية تقنية يمكن الجزم بأنه من الصعب‬
‫إدراكها بسهولة‪ ،‬غيرأن هذه الصعوبة ال تمنع االدارة من االعتماد على خصوصيات المناصب‬
‫وذلك متقلدوها حتى تستطيع تحديد عناصرها البشرية التي هي في حاجة إليها ومن تم اتخاد‬
‫التدابيراللزمة لمواجهتها‪.782‬‬

‫عمل المغرب على تبني نظام التدبير بالكفاءات والعمل بمقتضاها‪ ،‬وهو المعطى الذي‬
‫يظهر من خلل المصادر التنظيمية التي تعمل على بلورة وإصلح منظومة الوظيفة العمومية‬
‫في المغرب في كل مرحلة من مراحل تطورها‪ ،‬وهنا تجب اإلشارة إلى الدليل التوقعي للوظائف‬
‫والكفاءات‪ ،‬الذي يدعو إلعلن القطيعة مع كل الممارسات التقليدية في الوظيفة العمومية‬
‫بالموازاة مع إعطاء األولوية للموارد البشرية المؤهلة‪ ،‬إلى جانب الدالئل المرجعية لكل‬
‫الوزارات وهو ما عزز دور عملية التوظيف في انتقاء كفاءة وفعالية الموارد البشرية داخل‬
‫اإلدارات العمومية بشكل عام‪.‬‬

‫‪782‬‬
‫‪Chevanan charl ; les fonctionnaires et la fonction public TEP Paris, 1955, page 42.‬‬

‫‪484‬‬
‫‪2023‬‬

‫إن ترشيد وعقلنة عملية استقطاب الموارد البشرية تتجلى في رصد الحاجيات الحقيقية‬
‫والضرورية من الكفاءات والخبرات التي تحتاجها اإلدارة‪ ،‬وهذا الترشيد ال يمكن أن يتأتى إال‬
‫باتباع أساليب التدبير الحديثة للموارد البشرية المتمثلة في التدبير التوقعي للوظائف‬
‫والكفاءات‪ ،‬واعتماد آليات لتحديد الحاجيات المستقبلية من الموظفين على المستويين الكمي‬
‫والكيفي ودون إهمال مقاربة النوع االجتماعي‪.783‬‬

‫ظهر التدبيرالتوقعي للوظائف والكفاءات كأداة لمواجهة التحديات التي قد تواجه إدارة‬
‫وتدبير الموارد البشرية كونه آلية تقوم باألساس على التوقع واالستشراف‪ ،‬الهدف منه معرفة‬
‫وتحديد الحاجيات المستقبلية للدارة من الكفاءات على مستوى هيكلها ومواردها البشرية‬
‫لمواجهة األزمات االقتصادية والتحوالت التكنولوجية الكبرى‪ 784‬التي يمكن أن تحدث اضطرابا‬
‫في العمل االداري‪.‬‬

‫إن أهمية التدبير التوقعي للموارد البشرية تكمن في األنشطة والوظائف التي يعنى بها‪،‬‬
‫فهو ال يتناول تحديد االحتياجات البشرية لإلدارة فقط‪ ،‬ولكنه يؤدي وظيفة شمولية تقتض ي‬
‫التخطيط للجوانب المتعددة للموارد البشرية مثل التوظيف‪...‬تقييم األداء‪ ...‬التكوين‪.785‬‬

‫املحورالثالث‪ :‬التكوين كسياسة مواكبة لتطويرالكفاءات من الموارد البشرية‬

‫إن تكوين األطر المغربية كان هو السبيل إلنقاد الوظيفة العمومية من الخصاص في‬
‫الكفاءات‪ ،‬وذلك التوجه لم يكن اختيارا انفرد به المغرب‪ ،‬حيث واكبت مرحلة الستينيات‬
‫انعقاد العديد من الدول من قبضة االستعمار و انشغالها ببناء مؤسساتها على أسس علمية‬
‫وصلبة‪ ،‬لذلك لجأت تلك الدول تقنية التكوين من أجل إعداد هياكلها البشرية‪ ،‬التي ستضطلع‬
‫بتدبيرالشأن العام وتحقيق تنمية مندمجة لبلدانها‪.786‬‬

‫‪ 783‬مصطفى عبدي‪" ،‬التدبير التوقعي للوظائف والكفاءات كآلية حديثة لتدبير منظومة الموارد البشرية"‪ ،‬مجلة تنمية الموارد البشرية‬
‫للدراسات واألبحاث‪ ،‬المركز الديمقراطي العربي‪ -‬برلين‪ ،‬ألمانيا‪ -‬العدد الثامن‪ ،‬الصفحة ‪.21‬‬
‫‪784‬‬
‫‪Mathieu chartron , Dominique Garnier, les communautés, et les PH mener une véritable politique‬‬
‫‪GPEC dans les collectivité,2017, page 8.‬‬
‫‪ 785‬عبدي مصطفى‪ ،‬تدبير التوظيف العمومي باإلدارات الترابية بين النص القانوني والممارسة العملية‪ ،‬دراسة حالة اقليم طرفاية‪ ،‬رسالة‬
‫لنيل شهادة الماستر في القانون العام جامعة الحسن األول‪ ،‬كلية الحقوق السطات‪ ،2123/2122 ،‬صفحة ‪.79‬‬
‫‪ 786‬محمد بن تهامي‪ :‬الوظيفة العمومية المغربية بين وحدة الدور والهدف وتعدد األنظمة‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام‪،‬‬
‫جامعة محمد الخامس أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،2112/2111 ،‬الصفحة ‪.19‬‬

‫‪485‬‬
‫‪2023‬‬

‫ويعتبر التكوين عملية تطوير مستمر لمعارف ومهارات الموظفين القدامى وتحسين‬
‫سلوكهم من أجل الرفع من مستوى انتاجيتهم‪ ،‬وبالتالي إنتاجية اإلدارة‪.787‬‬

‫إن التأطير القانوني للتكوين ونخص بالذكر التكوين المستمر‪ ،‬نجد صداه بعد النظام‬
‫األساس ي العام للوظيفة العمومية‪ ،‬في المرسوم رقم ‪ 2.05.1311‬الصادر في ‪2‬ديسمبر ‪،2005‬‬
‫يتعلق بالتكوين المستمر لفائدة موظفي وأعوان الدولة‪ ،‬ويحدد هذا المرسوم المقصود‬
‫بالتكوين المستمر‪ ،‬ويجسدها في العمليات الرامية إلى‪:‬‬

‫‪ 1‬تأهيل الموظفين واألعوان بتلقيهم تكوينا نظريا وتطبيقيا قصد إعدادهم لمزاولة‬
‫المهام المطابقة لهذا التكوين‪.‬‬

‫‪ 2‬استكمال خبرة الموظفين واألعوان استجابة للتطورات التقنية والتجوالت التي تعرفها‬
‫اإلدارة العمومية‪.‬‬

‫‪ 3‬تحسين كفاءات وخبرات الموظفبين واألعوان قصد تمكينهم في إطار إعادة االنتشار أو‬
‫الحركية من ولوج مناصب تتطلب مؤهلت جديدة أو لمزاولة أنشطة مهنية مختلفة‪.‬‬

‫‪ 4‬إعداد األطرالعليا لتولي مهام التصوروالتأطيروالتدبيروالتوجيه باإلدارة العمومية‪.‬‬

‫وفي درجة أقل من المرسوم حسب التسلسل الهرمي نجد قرارالوزيرالمنتدب لدى الوزير‬
‫األول المكلف بتحديث القطاعات العامة‪ ،788‬بتحديد استراتيجية التكوين المستمر‪ .‬وقد تم‬
‫تضمين القراربملحق مفصل يحتوي على سبع محاور كبرى وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ o‬اإلطار‪ ،‬الرهانات ومبررات إعداد استراتيجية التكوين المستمر‪.‬‬

‫‪ o‬التكوين المستمروتطورالمسارالمنهي للموظفين‪.‬‬

‫‪ o‬املخطط القطاعي للتكوين المستمر‪.‬‬

‫‪ o‬التكوين المستمرواللتمركزاإلداري‬

‫‪ o‬ضرورة اعتماد هندسة حقيقية للتكوين المستمر‪.‬‬

‫‪787‬‬
‫‪Bernard(j.l) et le moine ( c), traité de psycologie et des organisation, éd dunod, 2000, page 103.‬‬
‫‪ 788‬قرار رقم ‪ 2922.17‬الصادر في ‪ 22‬من رجب ‪ 2231‬الموافق ل ‪ 9‬يوليو ‪ ،2117‬بتحديد استراتيجية التكوين المستمر‪.‬‬

‫‪486‬‬
‫‪2023‬‬

‫‪ o‬جهازتتبع وتدبيرالتكوين المستمرعلى مستوى القطاعات‪.‬‬

‫‪ o‬جهازلتدبيرالتكوين المستمرعلى مستوى جميع الوزارات‪.‬‬

‫ال شك أن تحسين أداء مهام الموظفين المنتمين ألي إدارة يظل متوقفا وبدرجة أكبرعلى‬
‫كفاءة أطرها والعاملين فيها وقدرتهم على التأقلم مع التطور الذي تفرضه اليوم الظروف‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية والتقنية على طبيعة مهامهم‪.‬‬

‫وتطويرالكفاءات العاملة داخل االدارات يتطلب تكوينا مواكبا لضمان ملءمة حاجيات‬
‫االدارة والمرتفق مع مستوى كفاءة الموظف العمومي‪ ،‬ومن هنا تبرز أهمية التكوين كعنصر‬
‫أساس ي وضروري لخلق وظيفة عمومية قادرة على مواجهة التحديات والتغلب على الصعوبات‬
‫واالكراهات التي تعرفها حاليا االدارات العمومية في مجال التنمية‪.‬‬

‫هذا ولقد كانت فكرة التكوين لرجل االدارة في الماض ي مهملة إذ لم يكم يعرها‬
‫المسؤولون اهتماما باعتبار أن مهام الموظفين كانت تتسم بالبساطة والروتينية وال تتطلب‬
‫اكتساب الخبرة لممارستها و إنما قدرا أدنى من التعليم‪.789‬‬

‫أما في العصرالحاضرفلقد أصبح التكوين يشكل ضرورة ملحة نظرا لكون العالم أصبح‬
‫يتطور بشكل متسارع و التكوين األساس ي للموظف هو أمر مطلوب بل كذلك إعادة التأهيل‬
‫بشكل مستمرطوال حياته الوظيفية‪.‬‬

‫منذ السبعينيات أصبحت االدارة المغربية تهتم إلى جانب التكوين العام بالتكوين‬
‫المتخصص‪ ،‬بحيث شرعت جل االوزار ات بإحداث معاهد للتكوين متخصصة للنهوض بهذه‬
‫العملية والدفع بها إلى األمام لفائدة أعوانها وأطرها‪.‬‬

‫ويمكن أن ندرج على سبيل المثال ال الحصر بعض المعاهد التي تم إيلء مهمة تكوين‬
‫عناصرها البشرية إليها في مجاالت متخصصة‪ :‬كالمعهد الوطني لإلحصاء واالقتصاد التطبيقي‪،‬‬
‫المعهد الوطني للبريد والمواصلت‪ ،‬المدرسة الحسنية للمهندسين‪ ،‬معهد الحسن الثاني‬
‫للزراعة والبيطرة‪.‬‬

‫‪ 789‬رضوان بوجمعة‪" ،‬الوظيفة العمومية المغربية على درب التحديث" ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2113‬الصفحة ‪.239‬‬

‫‪487‬‬
‫‪2023‬‬

‫من المؤكد أن تطورالمهام الحديثة ال يمكن أن يؤدي إلى نموذج من التكوين غيرمواكب‬
‫الحتياجات اإلدارة ذلك أن التخصص الجامد قد يساهم في تكوين طبقة مغلقة من الموظفين‬
‫داخل اإلدارة تبالغ في التباهي بكفاءتها‪ ،‬بحيث يصبح التعامل معها أمرا صعبا‪.790‬‬

‫فيمكن تشبيهها بالعضو الذي ينتمي لجسد االدارة إال أنه غير متناغم في نشاطه مع باقي‬
‫األعضاء‪ ،‬األمر الذي يعمق أزمة التنسيق التي تعاني منها االدارة سلفا‪ .‬وهذا المعطى كان سببا‬
‫في الدفع بالمسؤولين للبحث عن حلول وسطى ترمي إلى تحقيق تو افق بين االتجاه الذي يحبذ‬
‫التكوين المتعدد المعارف والتكوين المتخصص‪ ،‬وذلك بغرض تهيء أطر ذات اختصاصات‬
‫عامة أو اختصاصات محددة‪.‬‬

‫فبالرجوع للتكوين المتعدد المعارف فإن المدرسة الوطنية العليا لإلدارة تضطلع به‪،‬‬
‫بحيث تعمل على تكوين األطر الوسطى والعليا في إطار برامج متعددة تندرج ضمن حقل العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية والمالية‪ ،‬دون مراعاة طبيعة المهام التي ستسند للتلميذ‬
‫المتدرب‪ .‬والملحظ أن هذا النمط من التكوين يتضمن نوعين من التكوين المتخصص نظرا‬
‫لكونه منقسما إلى أربعة فروع وهي االدارة العامة واالقتصادية واالجتماعية والمالية‪ ،‬واالختيار‬
‫بين هذه األصناف من االدارة يقع باختيارالتلميذ المتدرب‪.‬‬

‫إن التكوين المستمر بما يتضمنه من برامج لتأمين تأهيل الموظفين للقيام بمهامهم‬
‫وخاصة مهام التأطير والتوجيه وشغل مناصب المسؤولية طوال مدة حياتهم االدارية‪ ،‬فإنه‬
‫يهدف من جهة إلى تنمية مهارات وقدرات الموظفين في وظائف اإلشراف ومن جهة أخرى فإنه‬
‫يمكنهم من متابعة العمل اإلداري بكل دقة ومسؤولية‪.791‬‬

‫ختاما‪ :‬حر ٌّي بنا التأكيد على أن التدبير بالكفاءات داخل االدارة العمومية ليس رفاهية‬
‫بل ضرورة‪ ،‬ينبغي تبنيها من طرف المدبرالعمومي باعتبارها سياسة استراتيجية ال محيد عنها‪،‬‬
‫ذلك أن االعتماد على الكفاءات من الموارد البشرية وتكوينها والسهر على تطويرها هو الخيار‬
‫الذي سيقي اإلدارة من معظم االشكاليات المرتبطة بالتضخم الوظيفي وبالميزانية التي‬
‫تستهلكها كتلة األجوربدون أي انتاجية تذكر‪.‬‬

‫رضوان بوجمعة‪" ،‬الوظيفة العمومية المغربية على درب التحديث" ‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2113‬الصفحة ‪.222‬‬ ‫‪790‬‬
‫‪791‬‬
‫‪Alein planty , traite pratique de la fonction public, page 34.‬‬

‫‪488‬‬
‫‪2023‬‬

‫وبذلك فالظرفية الحالية تتطلب أكثرمن أي وقت مض ى اعتماد المبدأ القائم على "شغل‬
‫الوظيفة المناسبة بالموظف المناسب "‪.‬‬

‫الئحة المراجع‬

‫الدستور المغربي لسنة ‪ ,2011‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف ظهير شريف‬ ‫‪‬‬
‫رقم ‪ 1-11-61‬صادرفي ‪ 27‬من شعبان ‪ 26( 1432‬يوليو ‪2011‬‬

‫قرار رقم ‪ 1741.06‬الصادر في ‪ 14‬من رجب ‪ 1430‬المو افق ل ‪ 7‬يوليو ‪،2006‬‬ ‫‪‬‬
‫بتحديد استراتيجية التكوين المستمر‪.‬‬

‫رضوان بوجمعة‪" ،‬الوظيفة العمومية المغربية على درب التحديث" ‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪‬‬
‫األولى‪ ،‬سنة ‪.2003‬‬

‫الدليل المنهجي للتدبيرالتوقعي للوظائف والكفاءات‪ ،‬منشورات وزارة الوظيفة‬ ‫‪‬‬


‫العمومية وتحديث االدارة‪.‬‬

‫السلمي علي‪ ،‬إدارة األفراد والكفاءة االنتاجية‪ ،‬مكتبة غريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬سنة‬ ‫‪‬‬
‫‪.1695‬‬

‫محمد باهي‪ ،‬تدبيرالموارد البشرية باإلدارة العمومية‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬الدارالبيضاء‪ ،‬سنة ‪.2005‬‬

‫مصطفى عبدي‪" ،‬التدبير التوقعي للوظائف والكفاءات كآلية حديثة لتدبير‬ ‫‪‬‬
‫منظومة الموارد البشرية"‪ ،‬مجلة تنمية الموارد البشرية للدراسات واألبحاث‪ ،‬المركز‬
‫الديمقراطي العربي ‪ -‬برلين‪ ،‬ألمانيا‪ -‬العدد الثامن‪.‬‬

‫محمد بن تهامي‪ :‬الوظيفة العمومية المغربية بين وحدة الدور والهدف وتعدد‬ ‫‪‬‬
‫األنظمة‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس أكدال‪،‬‬
‫الرباط‪ ،2001/2000 ،‬الصفحة ‪.97‬‬

‫‪489‬‬
2023

Bernard(j.l) et le moine ( c),traité de psycologie et des organisation, 


éd Dunod, 2000.

Mathieu chartron , Dominique Garnier, les communautés, et les PH 


mener une véritable politique GPEC dans les collectivité,2017.

Revue Tiers , Monde ohes h iht co , mh e ete e nybm zyc eheh mcF 
Monde ,Année 1973 .

Chevanan charl ; les fonctionnaires et la fonction public TEP Paris, 


,1955

491
2023

491
2023

Oumaima RIDAOUI
FACULTE DES SCIENCES JURIDIQUES ECONOMIQUES ET SOCIALES
MOHAMMEDIA
UNIVERSITE HASSAN II- CASABLANCA

L’INSTRUCTION PREPARATOIRE
Il n’y a pas une minute qui s’écoule sans que des infractions
sanctionnées par la loi pénale viennent de se commettre. Celles qui
sont portées à la connaissance des autorités doivent être punies. Il
faut chercher leurs auteurs et leurs infliger les sanctions
abstraitement prévues par les textes.

D’ailleurs, dans le cadre du procès pénal, l’autorité publique ne


se borne pas à attendre que les particuliers (victimes ou témoins)
viennent lui signaler la commission de l’infraction. Les autorités
chargées de la recherche des infractions ont un rôle d’initiative pour
les rechercher et les découvrir. De plus, l’ouverture du procès pénal
est une affaire d’Etat.

492
2023

Dès lors, les infractions portées à la connaissance des autorités


judiciaires impliquent souvent le déclanchement d’une action
publique afin de rétablir l’ordre social troublé par les actes
antisociaux commis par leurs auteurs.

Cependant, beaucoup d’affaires ne peuvent être portées


directement devant la juridiction de jugement à raison de leur
complexité, une mise en état des dossiers apparaît nécessaire. C’est
le but de l’instruction préparatoire.

En effet, le but de l’instruction préparatoire est la recherche des


preuves par un organisme juridictionnel en vue d’examiner s’il
existe des charges suffisantes contre une personne pour ordonner sa
mise en jugement. L’information ne peut avoir lieu qu’après la mise
en mouvement de l’action publique.

Or, la doctrine a souvent distingué plus d’un type de juridiction


d’instruction. En effet, cette procédure est assurée par des
juridictions d’instruction de droit commun ou d’exception.

Mais de nos jours, le Dahir portant loi n° 1-74-338 du 24


joumada II 1394 (15 juillet 1974) fixant l’organisation judiciaire du
Royaume, dans sa version consolidée en date du 26 octobre 2011,
a institué des juridictions de droit commun et des juridictions
spécialisées. Aussi, la loi 108-13 relative à la justice militaire
promulguée par le Dahir 1-14-187 du 17 safar 1436 (10 décembre
2014) a édicté la compétence du tribunal militaire de ne juger

493
2023

uniquement que des militaires pour des infractions exclusivement


militaires.

Par ailleurs, la doctrine distingue une instruction au sens large


et une instruction au sens étroit:

Au sens large, et en plus de l’instruction finale qui se déroule à


l’audience, chaque affaire est portée devant la juridiction de
jugement accompagnée d’un dossier comprenant les pièces,
documents et procès verbaux réalisés au cours de l’enquête
préliminaire.

Au sens étroit, l’instruction préparatoire est celle menée par le


juge d’instruction à l’aide des pouvoirs particuliers que la loi lui a
confiés et dont l’emploi s’entoure de formalités nombreuses et
rigoureuses.

Une autre distinction est fournie par la doctrine marocaine. Elle


considère que l’instruction gouverne tous les procès pénaux :
l’enquête, l’instruction préparatoire et l’instruction définitive.
L’enquête reste une phase administrative à caractère contraignant
et accusateur. L’instruction définitive s’associe à une dernière
appréciation des preuves. Et l’instruction préparatoire confectionne
un dossier plus plausible, plus sérieux, tout en accordant aux parties
au procès (ministère public et particuliers) les garanties légalement
offertes.

494
2023

C’est cette étroite distinction qui fera l’objet de ce présent


travail, et nous nous focaliserons plus particulièrement sur les
pouvoirs du juge d’instruction près des juridictions de droit
commun, qui constitue à lui seul une juridiction d’instruction pour
les affaires portées devant ces juridictions. Et plus précisément, les
affaires pénales. Car il se peut, en matière civile, que le juge peut,
soit sur la demande des parties ou de l’une d’elles, soit d’office,
ordonner avant dire droit au fond, des mesures d’instruction (art.
55, CPC).

La doctrine définit donc, l’instruction en matière criminelle,


comme « la conduite de toutes les procédures qui se font pour
mettre une affaire criminelle en état d’être jugée. Les principales de
ces procédures, sont l’information, l’interrogatoire, les récolements
et les confrontations. »

De plus, l’instruction en procédure pénale est définie comme


« la phase pénale constituant une sorte d’avant-procès, qui permet
d’établir l’existence d’une infraction et de déterminer si les charges
relevées à l’encontre des personnes poursuivies sont suffisantes
pour qu’une juridiction de jugement soit saisie. Cette phase…est
conduite par le juge d’instruction… »

Dès lors, le juge d’instruction est avant tout un magistrat. Or


les magistrats de carrière dans les juridictions de l’ordre judiciaire,

495
2023

« sont chargés de juger lorsqu’ils sont au siège, et de requérir


l’application de la loi quand ils sont au parquet »

Cependant, le juge d’instruction ne tranche pas dans le fond de


l’affaire. Le dernier mot, quant à l’appréciation des preuves, revient
au juge de fond. Aussi, selon les dispositions du C.P.P. marocain,
le juge d’instruction ne déclenche pas de son propre chef l’action
publique.

Mais lorsqu’il est régulièrement saisi, le juge d’instruction est


doté de pouvoirs et prérogatives confiés à lui par la loi, qu’on
appelle en jargon juridique « les pouvoirs du juge d’instruction ».

Le pouvoir d’instruction est défini comme une « compétence


dévolue à une autorité de préparer et de mettre en état des affaires
sur lesquelles le pouvoir de décision appartient à une autre
autorité ».

En effet, le juge d’instruction détient, d’une part, un pouvoir


d’information. Sa mission est de déterminer l’existence de
l’infraction et de constituer un dossier permettant de mieux
connaître les faits et charges qui pèsent sur telle ou telle personne
et si cela nécessite ou pas son jugement par la juridiction
compétente. D’autre part, le juge d’instruction détient un pouvoir
de juridiction. Il est amené à trancher des contestations au cours de
son instruction. Il le fait par des décisions appelées ordonnances.

496
2023

Le juge d’instruction instruit, donc, « à charge et à décharge ».


Il procède lui-même à différents actes de l’instruction ou il peut les
confier à la police judiciaire par le biais d’une commission rogatoire
ou bien requérir directement la force publique dans l’exercice de
ses fonctions.

En outre, la spécificité de cet organe d’avoir un double rôle en


tant qu’enquêteur et juge fait la richesse de sa mission inconnue des
pays de Common law.

Historiquement, l’ancêtre du juge d’instruction était incarné,


dès l’ordonnance criminelle de 1670, par le Lieutenant criminel
français. Son instruction était purement inquisitoire (secrète et non
contradictoire). Le Code d’instruction criminelle français de 1808
reprit largement la même conception. Ce n’est qu’à compter de la
loi Constans du 8 décembre 1897 qui permit au suspect de recevoir
l’assistance d’un défenseur que l’instruction évoluera vers un
équilibre entre le ministère public et la personne soupçonnée. Le
secret de l’instruction ne lui était alors plus opposable. Cela
deviendra également le cas pour la partie civile avec une loi du 22
mars 1921.

Bâtie, donc, à l’origine sur le modèle inquisitoire, l’instruction


préparatoire est aujourd’hui une procédure mixte (inquisitoire et
accusatoire). En effet, réforme après réforme le législateur introduit
des éléments provenant du système accusatoire. Le droit de la

497
2023

défense, l’accès au dossier ou la demande d’actes en sont des


illustrations récentes.

Au Maroc, en se passant de retracer le cheminement qui a


abouti à la naissance de l’institution du juge d’instruction au milieu
d’une mosaïque de juridictions et de lois qui a caractérisé la période
du protectorat français, et une absence des codes de procédures
avant le protectorat. Nous pouvons dire que l’organe du juge
d’instruction a vu le jour, sous son aspect moderne, avec l’ère de
l’indépendance.

En s’inspirant de l’avant-projet dit « Code pénal Matter » de


1934 et les recommandations proposées par la commission
« Besson » adoptées par la loi du 31 décembre 1957, le législateur
marocain a mis au jour son premier code de procédure pénale en
promulguant le Dahir n° 1-58-261 du 1er chaabane 1378 (10 février
1959) formant code de procédure pénale. S’était, à l’époque, un
code équilibré et intègre qui préserve la liberté individuelle sans
préjudice.

En effet, en vertu de l’art. 53 du Dahir de 1959 le juge


d’instruction est choisi parmi les juges titulaires ou, à défaut, parmi
les juges suppléants. Il est désigné par arrêté du ministre de la
justice pour une période de trois ans. De plus, l’art. 84 du même
Dahir prévoyait que l'instruction préparatoire est obligatoire en
matière de crime ; elle est facultative en matière de délit, sauf

498
2023

dispositions spéciales ; elle peut également avoir lieu en matière de


contravention si le procureur du Roi le requiert.

Cependant, le Dahir portant loi n° 1-74-448 du 11 ramadan


1394 (28 septembre 1974) édictant les mesures transitoires jusqu’à
la mise en vigueur d’un nouveau code de procédure pénale, n’a
désigné les magistrats chargés de l’instruction que dans les Cours
d’appel du Royaume (art. 6 du même Dahir). Aussi, l’instruction
préparatoire est devenue obligatoire en matière de crime lorsque la
peine édictée est la mort ou la réclusion perpétuelle ; elle est
facultative pour tout autre crime ; elle peut être ouverte en matière
de délit en vertu d’une disposition spéciale de la loi (art. 7 du même
Dahir).

La période transitoire a duré 28 ans avant que le législateur ne


se décide enfin à promulguer un nouveau Code de procédure
pénale. En effet, le Dahir n° 1-02-255 du 25 rajab 1423 (3 octobre
2002) portant promulgation de la loi 22-01 formant Code de
procédure pénale mis à jour dernièrement en date du 1 ier juin 2015,
a révisé le code de 1959 et les mesures transitoires de 1974 car il a
estimé dans son préambule que la pratique quotidienne a révélé
l’existence de plusieurs lacunes et problèmes liés aux textes
juridiques ou à la réalité sociale, auxquels il convenait d’apporter
des solutions et des réponses aux problématiques qu’ils posaient.

499
2023

Aziza BENKADA
Doctorante à la FSJES Oujda- Université Mohammed Premier
Laboratoire des Etudes et Recherches Juridiques, Administratives et Politiques (ERJAP)
Professeur de l’enseignement secondaire qualifié (Branche économie)
Mohammed BELOUCHI
Professeur chercheur à la FSJES Oujda- Université Mohammed Premier
Laboratoire des Etudes et Recherches Juridiques, Administratives et Politiques (ERJAP)

Le contrôle de gestion: un enjeu de performance de l’action


publique territoriale à la lumière de la régionalisation avancée
Management control: a challenge for the performance of territorial
public action in the light of advanced regionalization

Résumé :

Dans un nouveau contexte de gouvernance territoriale au


Maroc, le contrôle de gestion occupe désormais une position
privilégiée au sein du système politico-administratif. En effet, il
constitue un outil de pilotage visant l’évolution de la performance
de l’action publique territoriale. A ce titre, la réforme de la
régionalisation avancée doit s’accompagner de nouveaux
mécanismes de contrôle de gestion. L’objectif à n’en pas douter est

511
2023

de corriger les actions, améliorer les résultats et les rapprocher aux


objectifs initialement annoncés. Il s’agit de l’adoption d’un modèle
spécifique, celui d’une nouvelle gestion publique locale inspirée du
New Public Management.

Mots clés : collectivités territoriales, contrôle de gestion, cours


régionales des comptes, performance, régionalisation avancée.

Abstract :

In the new context of territorial governance in Morocco,


management control occupies a privileged position within the
political-administrative system. Indeed, it is a steering tool that
tends to evolve the performance of the territorial public action. As
such, the reform of advanced regionalization must be accompanied
by new management control mechanisms. The overall goal is to
correct the actions, improve the results and bring them closer to the
objectives initially announced. It’s about the adoption of a specific
model, that of a new local public management inspired by New
Public Management.

Key-words : advanced regionalization, local authorities,


management control, performance, regional courts of accounts.

511
2023

Introduction

Depuis son indépendance, le Maroc a opté pour la


décentralisation comme système d’organisation administrative,
animé par des considérations politiques et stratégiques. La
décentralisation comme système d’administration territoriale se
caractérise par une forme de gestion particulière. Sa particularité
réside dans l’instauration d’une vaste performance entre les
politiques publiques nationales et celles territoriales.

Pourtant, une recherche de la performance de l’action politique


territoriale, dans une réalité administrative insuffisamment
transformée, semble contraire à l’histoire institutionnelle du Maroc.

Historiquement, la construction du système politico-


administratif marocain était marquée par un interventionnisme
accrue de l’Etat. Ce modèle centralisé, pratiqué depuis
l’indépendance, a entrainé une gestion inefficace des affaires
locales (Zair, 2006) et a aggravé les crises économiques et sociales
du pays.

L’adoption de la régionalisation avancée, en tant que nouveau


mode de la gouvernance territoriale, a procuré des opportunités
considérables. Elle a confié une place largement plus forte à la
logique de la performance territoriale et ce, par le renforcement des
modalités de contrôle de la gestion. En effet, « Dans un contexte où
les dynamiques économiques et territoriales s’évoluent rapidement

512
2023

à la fois à l’échelle des siècles que dans une société devenue


mondialisée, la gouvernance régionale constitue un nouveau mode
de régulation collective, qui correspond aux défis mondialisés et
procède du débordement des systèmes institutionnels formels
hérités, pour aboutir à un système où les responsabilités sont
partagées entre l’Etat et les régions » (Benkada, Belouchi,
Iallouchen et Essarsar, 2018 : 74).

Dans cette conception, la réussite d’un nouveau mode de


gouvernance territoriale « passe par l’adoption d’un modèle
spécifique, celui d’une nouvelle gestion publique locale inspirée du
New Public Management, qui doit s’accompagner d’un nouveau
mode de contrôle de la gestion publique locale, ce qui suppose
l’adoption de réformes pour lever les obstacles à une véritable
démarche de performance » (Huteau, 2008 : 406).

Dans le cadre de l’action publique, la notion de la performance


est « intrinsèquement liée à la démarche d’évaluation » (Bauby et
Rouquan, 2015 : 2), dans une volonté d’améliorer les résultats des
actions entreprises par les acteurs publiques et les rapprocher aux
objectifs initialement annoncés. Par l’amélioration de la
performance de l’action publique, l’Etat cherche à répondre aux
problèmes et aux besoins de la société (Pupion, 2017).

Pour ce qui est du contrôle de gestion, il peut être défini comme


étant « le pilotage de la performance » ( Demestere, 2005 : 11, 12).

513
2023

C’est ainsi qu’au niveau du système de contrôle, on peut relever


« deux variables (…) croisés : une connaissance (parfaite et
imparfaite) du processus de production et une capacité (forte et
faible) à mesurer la performance » (Sarkhaoui, Ait Moussa et
Chaoui, (2018) : 173). Dans le même ordre d’idées, le «
renforcement des liens entre démarche de performance et
démarches budgétaires, comme entre finances et contrôle de
gestion semble indispensable. Pour réussir, ce rapprochement se
doit d’être progressif, expliqué, clarifié. Il devra certainement faire
l’objet d’une coordination organisée» (Ruptich-Robert, 2014 :
278).

Dans un nouveau contexte de gouvernance territoriale au


Maroc, notamment après l’adoption de la nouvelle constitution de
2011, nous voulons susciter la problématique du renforcement de
contrôle de la gestion au sein des collectivités territoriales
marocaines. A ce titre, nous proposons d’explorer la problématique
suivante : Dans quelles mesures le contrôle de gestion peut-il
introduire de nouvelles méthodes évaluatives de gestion de
l’action publique territoriale, après la mise en œuvre de la
régionalisation avancée?

Pour une analyse approfondie et évolutive de cette


problématique et dans le cadre d’une étude croisée, l’approche
budgétaire et comptable de l’action territoriale, l’approche

514
2023

historique et les sciences juridiques et politique seront d’une grande


importance à ce niveau.

Il nous appert, donc, intéressant de découvrir dans le premier


volet de cet article les principaux enjeux de la performance de
l’action publique territoriale. L’objectif principal est de savoir s’il
est possible de parler de l’existence d’une logique de performance
territoriale, notamment dans un contexte institutionnelle qui a été
marqué au cours de plusieurs décennies par une vaste politique
interventionniste. Il s’agit dans le second, de déterminer si le
processus, encore récent, de la régionalisation avancée a permis
l’instauration des modalités d’un contrôle de gestion capable de
renforcer la performance de l’action publique territoriale.

515
2023

1. Les enjeux de la performance de l’action publique


territoriale dans le contexte marocain : revue de
littérature

Après l’indépendance, la mise en place de la décentralisation


au Maroc peut être conceptualisée sur la base des rapports de l’Etat
avec les collectivités territoriales. Parler de la performance de
l’action publique territoriale nécessite d’appréhender le processus
d’évolution de partage des compétences entre eux. Il s’agit bien de
savoir : dans quelles mesures peut-on parler de l’existence d’une
logique de performance dans l’action des collectivités territoriales
marocaines?

1.1. L’existence historique d’un système centralisé


contradictoire avec la logique de la performance
territoriale

Dans un processus qui a été marqué par la prééminence des


préoccupations administratives et sécuritaires au détriment de
celles économiques (Zair, 2006), l’hypercentralisation et le strict
contrôle appliqué par le pouvoir central sur les collectivités
territoriales, ont reflété le rôle formel confié aux responsables
locaux (Chikhaoui, 2000). Cette politique est le résultat de deux
considérations différentes. La première revient aux raisons
justifiées par la préservation de l’unité nationale du pays. La

516
2023

seconde correspond à l’établissement de la légitimité du pouvoir


central.

En effet, les raisons de l’unité nationale proclamée par le


souverain792, dès les premières années de l’indépendance, a
engendré des rapports fortement centralisés. En tout état de cause,
l’unité des rangs exprimée par le souverain avait comme
conséquence la concentration des pouvoirs entre ses mains et le
monopole du pouvoir de décision par les autorités centrales (Smirs,
2001).

Dans le même ordre d’idées, le processus de la décentralisation


au Maroc a révélé, au fil du temps, que ce choix est une nécessité
pour les pouvoirs centraux pour rechercher une légitimité politique
à travers les entités centralisés. C’est une solution pour l’Etat pour
ne pas confronter seul les crises économiques et sociales (Zair,
2006).

L’incapacité du pouvoir central d’assurer le développement


escompté, l’a obligé à assouplir sa rigoureuse tutelle. Cette situation
a nécessité, notamment après l’échec des programmes d’ajustement
structurel, d’adopter une nouvelle redéfinition du rôle de l’Etat.
L’instauration de nouveaux rapports avec les collectivités

792
Dans son discours du Trône du 3 mars 1963, le feu Hassan II a énoncé : « si la vie en démocratie se
distingue par la diversité des théories et des opinions, nos grands objectifs nationaux requièrent l’unité
des rangs et la mobilisation de toutes les énergies pour en assurer la réalisation ». Discours du Feu Hassan
II à l’occasion de la fête Trône du 3 mars 1963, Ministère de la Culture et de la Communication -
- Département de la Communication --, in le Maroc en Marche, P. 248.

517
2023

territoriales et le recours à la décentralisation pour la gestion du


développement local au Maroc, n’était pas, donc, d’une évolution
du processus de la décentralisation au Maroc. L’Etat a
essentiellement repensé sa logique et a recouru aux pouvoirs
locaux, afin de remédier à ses échecs en matière du développement
local (Zair, 2006).

Pour ce qui est des régions, ces entités détenaient un pouvoir


très limité. Depuis la création des sept régions administratives, par
le Dahir du 16 juin 1971, les régions ne disposaient ni de pouvoirs
ni de moyens suffisants pour mener des politiques autonomes. A
vrai dire, l’intégration de la région au sein de l’armature de
l’administration territoriale était dictée par des considérations de
stabilité du pays. La remise en cause du rôle des régions a été
fortement évoquée dès le début des années quatre-vingt (Zaim and
Zakar, 1982).

Nonobstant, l’érection de la région en collectivité locale, dotée


de la personnalité juridique et de l’autonomie financière par la
constitution de 1992, a apporté un indice favorable. Pourtant, les
régions ont continué de souffrir de la tutelle exercée par le wali,
d’autant que sa position en tant qu’ordonnateur de la région a rendu
la dimension régionale moins importante (Lokrifa, A. et Moisseron,
J-Y., 2014).

518
2023

Après la mise en œuvre de la régionalisation avancée, la


montée en puissance de la région est devenue remarquable. La
nouvelle réforme a redonné un nouvel élan à l’action des
collectivités territoriales et spécialement à celle des régions. Elle a
permis d’instaurer de nouvelles relations entre l’Etat et les régions,
à travers un partage plus équilibré des pouvoirs et des ressources
financières. Pourtant, les composantes opérationnelles et
managériales de notre système politico-administratif accusent
encore certains dysfonctionnements. En effet, le cadre légal qui
régit le pouvoir réglementaire local reste encore peu orienté vers les
objectifs de la performance de l’action publique territoriale.

1.2. Limites de l’exercice du pouvoir réglementaire local

La répartition des compétences entre l’Etat et les collectivités


territoriales, consiste à reconnaître, l’existence d’une sphère de
compétences au-delà de toutes soumissions que pourraient subir de
la part des autorités centrales. Dans cette ambition, la consolidation
de la régionalisation suppose l’élargissement des compétences des
collectivités territoriales, afin de leur permettre d’exprimer
librement les intérêts de la population résidant sur leur territoire.

Dans cette conception, la constitution mentionne la libre


administration comme principe sine qua none de la gestion de la vie
locale. L’article 136 prévoit que : « L’organisation territoriale du
Royaume repose sur les principes de libre administration ». Ce

519
2023

principe permet aux collectivités territoriales d’exercer les


compétences et les responsabilités qui leur sont confiées avec une
marge de liberté très importante. Pourtant, cette liberté ne devrait
plus interférer avec le pouvoir législatif. En effet, l’existence de ce
principe qui dépend largement de la loi pourra au même temps être
menacée par elle-même (Brosset, 2004).

Par là même, le pouvoir règlementaire local constitue le


corolaire naturel du principe de la libre administration. Le pouvoir
d’édicter des règlements (des actes exécutoires), de portée générale
et impersonnelle par les autorités territoriales, découle de leurs
compétences transférées en vertu de la loi. En effet, bien que ces
collectivités n’aient pas le droit de légiférer, elles leur appartiennent
de déterminer les modalités d’application de ladite loi. Schoettl
(2002) confirme que le pouvoir des collectivités territoriales ne
devrait plus se limiter à la mise en œuvre purement matérielle des
opérations locales, du fait que « l’exercice de la compétence
transférée réside souvent dans le pouvoir de fixer des règles
générales » (Schoettl, 2002 : 100).

Le 2ème alinéa de l’article 140 de la constitution marocaine de


2011 prévoit que : « Les régions et les autres collectivités
territoriales disposent, dans leurs domaines de compétence
respectifs et dans leur ressort territorial, d’un pouvoir règlementaire
pour l’exercice de leurs attributions». La constitutionnalisation de
ce principe confirme la nécessité de confier aux autorités

511
2023

décentralisées un pouvoir règlementaire, par-delà un système


d’organisation administrative classique axé sur les autorités
centrales. L’objectif est de renforcer « la juridicité des rapports
entre l’Etat et les collectivités territoriales » (Fauré, 2014 : 43).

D’ailleurs, reconnaitre un pouvoir règlementaire local par la


constitution est conditionné par le principe de la préservation de
l’unité nationale. Le 2ème alinéa du premier article de la constitution
marocaine confirme que « La nation s’appuie dans sa vie collective
sur des constantes fédératrices, en l’occurrence la religion
musulmane modérée, l’unité nationale aux affluents multiples». Ce
principe est renforcé par l’idée qu’un Etat unitaire décentralisé ne
devrait nullement être encadré par deux législations éparses. Ce qui
signifie que le pouvoir réglementaire local est plutôt résiduel
qu’initial. Autrement formulé, les collectivités territoriales ne
disposent pas d’un pouvoir réglementaire autonome, au même rang
que celui attribué au pouvoir central.

Dans ces conditions, un pouvoir réglementaire local


subordonné à l’Etat « pose un problème réel d’évaluation de la
performance de l’action publique menée dans de telles conditions
par des collectivités qui ne disposent pas toujours d’un recul
suffisant pour assurer une mise en œuvre de nouvelles compétences
dans des délais permettant une approche approfondie » (Gaillard,
2016 : 149). En effet, la reconnaissance d’un pouvoir règlementaire
locale nécessite l’attribution des moyens juridiques nécessaires au

511
2023

profit des collectivités territoriales. Cela leur permet d’exercer


librement les compétences qui leur sont transférées. De la sorte,
Douence (1983) a souligné que « si le principe de libre
administration à un sens, c’est évidemment que les autorités locales
doivent disposer de l’ensemble des moyens juridiques nécessaires
à l’exercice de leurs fonctions légales ou, si l’on préfère, à
l’exercice de leurs compétences, dans les conditions prévues par la
loi » (Douence, 1983 : 13).

Il est d’ailleurs important de constater que la répartition des


compétences entre l’Etat et les collectivités territoriales a un
caractère largement politique. Elle s’appuie sur une approche
purement politique qui ne prend en considération que peu la
dimension managériale. Dans ce cas-là, il serait abusif de parler de
la performance de l’action publique territoriale, eu égard de la
logique qui encadre l’édiction des lois relatives à la répartition des
compétences et à l’exercice du pouvoir réglementaire local.

Enfin, la répartition des compétences dépond amplement à la


notion du transfert de compétences. Ce dernier suppose des
compensations et des ressources financières suffisantes. En
l’espèce, ces ressources constituent un fondement indispensable de
la mise en œuvre des stratégies de développement locales.

1.3. Insuffisance des moyens financiers locaux et des


pratiques de gestion financière contestables

512
2023

L’insuffisance des moyens financiers des collectivités


territoriales, ainsi que la pertinence de certaines pratiques de
gestion financière qui sont grandement contestables, constituent un
antipode majeur de la performance de l’action des collectivités
territoriales.

Au cours des décennies écoulées et jusqu’à maintenant, les


finances locales constituaient le point sensible des politiques
territoriales du pays. La faiblesse des ressources financières privait
les autorités territoriales de toute tentative d’établir s’il y a bien des
stratégies de développement puissantes. L’analyse des ressources
financières des collectivités territoriales reflète une insuffisance
amplement évidente. Une insuffisance qui revient, principalement,
à la problématique de la faiblesse des ressources propres.

Ainsi, l’inadéquation entre les ressources propres et les


dépenses affecte largement la qualité de gestion des collectivités
territoriales. A ce titre, « à trop mettre l’accent sur la performance
et la maîtrise des dépenses publiques, ne sacrifie-t-on pas la qualité
(…). Ne mène-t-on pas surtout une « politique du chiffre » qui
masque mal l’écart entre les objectifs annoncés et les résultats
obtenus ? » ( Cornut-Gentille, Eckert, 2011 : 21-22).

Afin de rendre l’insuffisance des ressources financières une


opportunité, Pougier (2013) estime que les collectivités territoriales
devraient mobiliser « des leviers d’action, certains nouveaux,

513
2023

d’autres qui étaient déjà en cours de développement. C’est en ce


sens que les contraintes peuvent devenir « opportunités » »
(Pougier, 2013 ; 95). Cela étant, les collectivités territoriales
doivent être capables de gérer l’insuffisance. Il s’agit là d’une
approche qui vise à moderniser la performance territoriale.
Pourtant, la gestion financière locale est loin de répondre à ces
atouts.

La gestion financière locale est marquée par des


dysfonctionnements flagrants, tant au niveau procédural que
managérial. Cela est d'autant plus vrai qu’elle s’appuie sur « la
conformité aux règles juridiques, que sur des outils de gestion de la
performance qui libèrent l’autonomie d’action de nos territoires.
(…) le système de gestion financière locale croule encore sous un
maquis de règles et de procédures juridiques pesantes, qui entravent
l’efficacité et la performance, au lieu de développer une logique de
liberté dans la responsabilité, qui s’appuie sur des outils de gestion
par les résultats » (Guiri, 2014 : 2).

Toutes ces défaillances sont parmi les raisons qui ont nécessité
la mise en place d’un système de contrôle de gestion, dans une
volonté de renforcer le pilotage et la performance de l’action des
collectivités territoriales. Dans une tentative visant à rapprocher les
résultats obtenus aux objectifs auparavant annoncés, le contrôle de
gestion tend également à diriger les actions des responsables locaux
vers une culture de management public. Il s’agit donc « de passer

514
2023

d’une logique d’activités à une logique de politiques publiques »


(Robert, 2009 : 222)

2. Vers un contrôle de gestion destiné à renforcer la


performance de l’action publique territoriale

Le contrôle de gestion en tant que processus de pilotage de la


performance (Demestre, 2005), est une démarche extrêmement
importante pour réussir la gestion budgétaire et financière des
collectivités territoriales. Ce rôle est joué par un ensemble d’acteurs
dont les fonctions sont considérablement complémentaires.

2.1. Le contrôle exercé par le comptable public

L'exécution du budget d’une collectivité territoriale consiste


sur la mise en œuvre d’un ensemble d’opérations. Ces dernières
sont subdivisées à deux phases : une phase administrative et une
phase comptable, confiées à deux catégories distinctes d’acteurs
chargés de l'exécution du budget. En effet, la phase administrative
est confiée à l'ordonnateur et la phase comptable est à la charge du
comptable public. Les opérations de ces deux acteurs s’articulent
essentiellement autour des opérations de recettes et de dépenses.

Le comptable public est un agent de droit public de l'Etat ayant


comme mission la gestion des fonds (Damarey, 2017). Pour ce qui
est de l’ordonnateur, il représente l'autorité compétente en matière
d'opérations financières et c’est lui qui demande au comptable de
les exécuter.

515
2023

Si l’ordonnateur d’une collectivité territoriale dispose d'un


pouvoir discrétionnaire, la compétence du comptable public est par
contre liée. Autrement dit, le rôle du comptable public s’appuie sur
la vérification des opérations financières et de s’assurer de leur
conformité à la législation et à la réglementation en vigueur. Il se
charge, en fait, de tenir un compte de gestion qui lui permet de
vérifier les actions concernant les recettes et les dépenses, sur la
base des mandats et des titres de recettes émis par l’ordonnateur. A
ce titre, il a comme mission de s'assurer de la légalité des sommes
et de rejeter les paiements et les opérations financières douteux.

Nonobstant, le comptable public bien qu'exécutant des ordres


de l'ordonnateur, mais sa mission fondamentale consiste sur le
contrôle des actes de l'ordonnateur. Pourtant, « le contrôle que le
comptable doit exercer sur les actes de l’ordonnateur porte sur la
régularité financière qui se distingue plus ou moins clairement de
la légalité interne et de la pure opportunité » (Pissaloux, 2017 : 21).
A ce titre, le comptable public ne peut pas se livrer à une
appréciation en opportunité des décisions du président du conseil
délibérant.

Les exigences de la nouvelle réforme de la régionalisation


avancée traduisent la nécessité de mettre en place de nouveaux
rapports, entre l’Etat d’une part et les régions et les autres
collectivités territoriales, d’autre part. Les régions et les
collectivités d’aujourd’hui ne sont pas celles d’hier. Les

516
2023

collectivités territoriales d’une manière générale et les régions


d’une manière particulière constituent « un secteur important de
l’économie nationale» (Laoukili, 2009 : 103). Cela nécessite certes
un renouvèlement des modes de contrôle exercés par le comptable
public, à travers l’allègement du contrôle de légalité et le
privilégiement du contrôle partenarial.

L’allègement du contrôle de légalité exercé par le comptable


public au profit d’un contrôle partenarial passe par la rénovation du
rôle du comptable public et la modernisation des modes d'exercice
de ses fonctions. Dans cette orientation, le comptable public devrait
assurer une mission de conseil, de partenariat, d’information,
d’assistance et d’aide à la prise des décisions par l’ordonnateur de
la collectivité concernée. Bien évidemment, cette participation
active à la gestion financière de la région va permettre de «
rapprocher le comptable public de l'ordonnateur et à faire assurer
certaines tâches comptables par les gestionnaires, ce qui passe par
l'instauration de nouvelles relations entre le comptable et ses
partenaires, basée sur la confiance et le partenariat » (Evelyne,
2006 : 48).

Ainsi, le contrôle partenarial repose sur le développement d’un


esprit de partenariat entre l'ordonnateur et ses services d’une part,
et le comptable public de l’autre. Le contrôle partenarial permet, en
fait, de maîtriser les risques relatifs à la régularité de l’émission des
ordres de paiements et ce, par l’intervention du comptable public

517
2023

sur les causes du risque et non pas sur les seules manifestations du
risque (Ministère de budget, 2012). A cet effet, « si la qualité des
procédures se révèle fiable, les contrôles ne seront plus effectués
qu'à posteriori. Le contrôle partenarial permet au comptable public
d'investir un nouveau champ ou plus exactement un nouveau
métier, celui de contrôleur interne, et d'abandonner, au moins sur
une partie des cycles de dépenses, sa fonction de comptable public
traditionnel» (Evelyne, 2006 : 49). Ils permettent donc d’alléger le
contrôle et « d’adapter le contrôle réalisé par le comptable public
en fonction de l’activité des services de l’ordonnateur » (Stephanie,
2017 : 103). Le contrôle interne réalisé à travers le comptable public
va permettre également « de bénéficier d'un regard extérieur, neutre
et objectif, mais également compétent, puisque assis sur les
ressources (documentation, formation, etc.) de tout un réseau »
(Evelyne, 2006 : 51).

Par là même, la mise en place des conventions de services


comptable et financier permet d’engager le réseau du Trésor public
et les gestionnaires de la collectivité concernée. Cette démarche
constitue un outil de pilotage destinée à surmonter les
dysfonctionnements liés au principe de la séparation entre
l’ordonnateur et le comptable public. L’objectif à n’en pas douter
est d’instaurer de nouveaux rapports s’affranchissant des pratiques
régaliennes, permettant de rapprocher les services gestionnaires et
comptables et de « modifier la relation préexistante pour être

518
2023

désormais considéré comme un prestataire - partenaire apporteur de


valeur ajouté et d'expertise pour améliorer la gestion locale »
(Evelyne, 2006 : 51).

2.2. Le contrôle exercé par l’IGF et l’IGAT

Le contrôle exercé par l’Inspection Générale des Finances


(IGF) et l’Inspection Générale de l’Administration Territoriale
(IGAT) est principalement un contrôle à posteriori. Il intervient
après l’exécution effective des décisions financières par les
collectivités territoriales. L’objectif central d’un tel contrôle est
l’amélioration du contrôle de performance au sein de ces
collectivités.

Les inspecteurs des finances ont le pouvoir de se faire


représenter tous les documents de nature à leur permettre
d'accomplir leur mission. Ils peuvent procéder à toutes les enquêtes
et investigations qu'ils estiment nécessaires. Ils provoquent les
explications des services ou agents intéressés sans que ceux-ci
puissent opposer le secret professionnel (Article 4 du dahir n°1-59-
269).

Le contrôle exercé sur les finances des collectivités territoriales


se fait conformément à la législation relative aux juridictions
financières. Les opérations financières et comptables de la
collectivité concernée font l’objet d’un audit annuel effectué
conjointement par l’Inspection générale des finances et l’Inspection

519
2023

générale de l’administration territoriale. Cet audit est effectué sur


place et sur la base des documents financiers et comptables.

En somme, les actions de l’IGF et l’IGAT sont


complémentaires. Leur rôle est d’une importance capitale en
matière de promotion de la performance et la gouvernance
financière. Il se manifeste surtout dans la consolidation du système
de reddition des comptes et le renforcement des capacités de gestion
financière et comptable des collectivités territoriales. Les missions
de ces deux instances sont également primordiales comme
préparateurs et facilitateurs des missions et des processus de
contrôle exercés par les Cours Régionales des Comptes.

Les deux Inspections générales sont des organes de contrôle de


haut niveau. Pourtant, leurs missions définies depuis deux lois
anciennes (la loi de 1960 pour l’IGF et celle de 1994 pour l’IGAT),
nécessitent une actualisation et modernisation dès que possible.
Les deux instances devraient mieux se placer eu égard des
nouvelles actualités économiques, financiers et juridiques du pays,
conformément aux nouveaux principes du management public. La
quête recherchée est de leur permettre d’assurer une fonction plus
moderne d’audit et de contrôle.

2.3. Le Contrôle exercé par les Cours Régionales des


Comptes

521
2023

L’article 149 de la constitution de 2011 prévoit que les cours


régionales des comptes sont chargées « d’assurer le contrôle des
comptes et de la gestion des régions et des autres collectivités
territoriales et de leurs groupements. Elles sanctionnent, le cas
échéant, les manquements aux règles qui régissent ces opérations ».
Sans peser sur la libre gestion des collectivités territoriales, les
cours régionales des comptes « sont devenues un rouage essentiel
de la décentralisation. C’est par leur intermédiaire que l’Etat
s’assure de la régularité des procédures budgétaires et de la santé
financière des collectivités » (Reno, Merion et Deshayes, 2004 :
29).

Dans le cadre de la nouvelle réforme de la régionalisation


avancée, le contrôle assuré par la cour régionale des comptes sur
les actes des collectivités territoriales, est totalement devenu à
postériori. Bien entendu, « la pertinence de l'intervention à priori
du comptable semble suffire à elle seule à exclure une certification
à posteriori » (Wathelet, 2003 : 79). Pourtant, le rôle des Cours
régionales des comptes reste primordial pour pallier aux
insuffisances des interventions du comptable public à priori, et
celles du préfet à posteriori (El Yaâgoubi, 2007).

La mission de la cour régionale des comptes eu égard des


budgets des entités décentralisées est triple. Il s’agit du « contrôle
budgétaire », du « contrôle juridictionnel » et du « contrôle de

521
2023

gestion ». Nous nous contentons, dans cet article, d’aborder


seulement les aspects les plus marquants du contrôle de gestion.

En effet, le contrôle de gestion confié à la cour régionale des


comptes ne concerne pas uniquement le budget de la collectivité
concernée, mais s’étend également aux groupements, établissement
publics, entreprises et sociétés qui y sont afférents. La loi vise donc
les différents niveaux des collectivités territoriales et les
établissements qui les contrôlent ou les aident financièrement,
même ceux non soumis à la comptabilité publique.

Le but du contrôle de gestion effectué au profit des collectivités


territoriales est d’apprécier la qualité et la pertinence des décisions
de gestion des élus de la collectivité concernée, et de formuler
éventuellement des suggestions sur les moyens susceptibles d'en
améliorer les méthodes et d'en accroître l'efficacité et le rendement.

Le contrôle de la cour régionale porte également sur la


régularité et la sincérité des opérations réalisées ainsi que sur la
réalité des prestations fournies, des fournitures livrées et des
travaux effectués. La cour régionale s'assure que les systèmes et
procédures mis en place garantissent la gestion optimale de leurs
ressources et de leurs emplois, la protection de leur patrimoine et
l'enregistrement de toutes les opérations réalisées. La cour
régionale peut effectuer des missions d'évaluation des projets de la
collectivité concernée, afin de découvrir sur la base des réalisations,

522
2023

dans quelle mesure les objectifs assignés à chaque projet ont été
atteints, au regard des moyens mis en œuvre. La cour régionale est
habilitée également à se faire communiquer tous documents ou
pièces justificatives susceptibles de les renseigner sur la gestion de
ces organismes et à procéder à l'audition des personnes dont ils
estiment le témoignage nécessaire793.

De ce qui précède on peut constater que la cour régionale des


comptes exerce un examen de gestion sur la base des états
financiers qui sont généralement peu synthétiques. Alors qu’un
examen de contrôle de gestion performant devrait partir des
activités, des procédures et des opérations réellement effectuées. La
nécessité de la mise en place d’un rapport de gestion par les
gestionnaires locaux est important, afin d’expliciter l’ensemble des
activités et des états financiers. Ce rapport serait sans doute d’une
grande importance en termes de gouvernance financière. À cet
effet, outre la mise en place d’un « compte administratif » par
l’ordonnateur et un « compte de gestion » par le comptable public,
il est nécessaire de mettre en place un « rapport de gestion » par les
gestionnaires locaux. Ce rapport composé d’un rapport d’activité et
d’un rapport financier, constitue un préalable budgétaire de grande
importance en terme de reddition des comptes et de gouvernance
financière.

793
Voir articles 147 et 151 de la loi 62-99 formant code des juridictions financières.

523
2023

À l’évidence, au niveau des entreprises du secteur privé, la


reddition des comptes légale « ne se limite pas à la production d'un
compte. Elle prend la forme d'un rapport annuel qui comprend les
comptes annuels ou états financiers (bilan, compte de résultat et
annexe), mais aussi un rapport de gestion regroupant en général le
rapport d'activité et le rapport financier qui expliquent et justifient
les états financiers » (Wathelet, 2003 : 75). Or ce dispositif ne
trouve pas sa place dans les pratiques des collectivités territoriales,
en tant qu’impératif de la nouvelle réforme de la régionalisation
avancée.

2.4. Vers un nouveau contrôle de gestion interne pour


une action territoriale performante

Les trois lois organiques relatives aux collectivités territoriales


ont imposé certaines conditions destinées à l’amélioration du
contrôle interne. Sous la supervision du président du conseil de la
collectivité concernée, cette dernière a l’obligation de procéder à
l’évaluation de son action, mettre en place le contrôle interne,
recourir à l’audit et présenter le bilan de sa gestion. La collectivité
concernée programme, dans l’ordre du jour de son conseil,
l’examen des rapports d’évaluation, d’audit et du contrôle et la
présentation du bilan. Ces rapports sont publiés, par tous moyens
convenables, afin que le public puisse les consulter.

524
2023

Pourtant, il apparaît que la réalité des faits semble différente du


contenu des textes. En effet, le contrôle de gestion assuré au niveau
des collectivités territoriales, en tant qu’associé privilégié du
contrôle interne (Schmitt, 1988), ne retrace pas les mêmes objectifs
et impératifs de rentabilité que l’on peut trouver dans le secteur
privé. La soumission de la gestion d’une collectivité territoriale à
des opérations d’audit, pose des difficultés aux dirigeants pour
définir les outils de contrôle de gestion à suivre. Cette ambigüité est
le résultat de l’absence d’une définition précise des mécanismes
devant se diffuser au sein des collectivités pour assurer le dit
contrôle de gestion.

En effet, le contrôle de gestion est un processus utilisé au sein


d’une collectivité territoriale dans une volonté de « comparer des
résultats par rapport aux objectifs donnés, afin de corriger les
actions et de rapprocher les résultats des objectifs » (Courbet, 2001 :
202). La traduction des objectifs d’une collectivité territoriale à des
actions nécessite de mesurer ampleur les réalisations sur pièces et
sur place à l’intérieur et non pas à l’extérieur de cette collectivité.
L’objectif est de procéder aux corrections nécessaires et parvenir à
rapprocher les résultats aux objectifs initiaux. Dans cette
orientation, il s’avère nécessaire de mettre en place un nouveau
profil au sein de chaque collectivité territoriale, qui se chargera de
la mission du contrôle interne de gestion.

525
2023

En France, l’existence d’un contrôleur de gestion au sein d’une


collectivité territoriale traduit la volonté de s’y intégrer en tant
qu’assistant au pilotage et à la définition stratégique de ladite
collectivité (Matthieu , 2018). Le rôle du contrôleur de gestion est
semblable au rôle d’un organisme du contrôle externe, sauf que sa
mission en tant que contrôleur interne apporte des atouts
considérables au profit de la collectivité où il appartient. Le rôle du
contrôleur de gestion interne devrait essentiellement permettre de
« limiter les échecs des pratiques et outils de gestion » (Maurel,
2006 : 125), afin de répondre aux différentes questions-clés
susceptibles d’améliorer la gestion de la collectivité et d’aider à un
pilotage meilleur.

Conclusion

La pertinence d’un contrôle de gestion ne se base pas


uniquement sur l’examen sur pièces mais sur « une démarche
d'analyse et de sondage sur pièces et sur place, à s'assurer que les
systèmes et les processus garantissent la régularité des opérations
comptables et à se faire une opinion la plus objective possible de la
sincérité et de la fidélité des comptes » (Wathelet, 2003 : 80). La
nécessité de mettre en place un contrôle de gestion qui se situe au
cœur du système comptable de la collectivité est d’une importance
majeure.

526
2023

Ainsi, le contrôle de gestion escompté devrait permettre de


répondre aux besoins des citoyens en services publics. En effet,
«l’usager citoyen souhaite savoir si les services publics dont il
dispose sont performants ou non, sans faire de distinction entre les
différents acteurs administratifs » (Poli, Leon, 2007: 116).

Bien évidemment, le contrôle de gestion, exercée soit par le


comptable public, par l’IGF, par l’IGAT ou même par la cour
régionale des comptes, est un contrôle qui porte généralement sur
la vérification des états financiers et la vérification de la régularité
de gestion. Ce contrôle est donc perçu comme une démarche de
contrôle et non pas comme système de pilotage destiné à améliorer
la gestion des actions entreprises par la collectivité concernée.
Même dans le cas où le conseil délibérant ou son président soumet
la gestion de la collectivité et des instances qui en relèvent ou
auxquelles elle participe, à des opérations d’audit, y compris l’audit
financier, cette collectivité n'en recevra pas en temps voulu. Le
problème du décalage temporel, entre le moment où la collectivité
territoriale concernée arrête ses comptes et les conclusions de la
cour régional, présente des écarts importants en termes des résultats
et des objectifs auparavant soulignés par la région.

Dans ces conditions, la réussite du contrôle de gestion est


largement tributaire à la mise en place d’un contrôle de gestion
interne, à travers deux acteurs principaux. Il s’agit en premier lieu
de l’existence d’un « teneur de comptes interne ou un agent

527
2023

comptable interne, placé au cœur du système comptable de la


collectivité et ayant un accès direct à sa comptabilité de gestion peut
le faire dans le cadre du contrôle financier interne » (Wathelet,
2003 : 81). En second lieu, il s’agit de la mise en place de comités
d’audit par les élus des collectivités territoriales. Ces deux acteurs
devraient prendre la charge de la confection concomitante d’un
rapport de gestion annuel. A ce ritre, la promotion du contrôle de
gestion interne est d’une grande importance pour une plus large
performance de l’action publique territoriale.

Références

Articles de revue :

o Benkada, A., Belouchi, M., Iallouchen, A. & Essarsar, M.


(2018). Regional financial governance: a lever for change for
advanced regionalization in Morocco. International Journal of
Scientific, Engineering Research, 9 (8), 74-79.

o Brosset, E. (2004). L'impossibilité pour les collectivités


territoriales françaises d'exercer le pouvoir législatif à
l'épreuve de la révision constitutionnelle sur l'organisation
décentralisée de la République ». Revue française de droit
constitutionnel (n° 60), 695-739.

o Courbet, G. (2002). Le contrôle de gestion dans les


collectivités territoriales. Politiques et management public
(201-207), 20(3). Actes de la journée d'étude. Cour des

528
2023

comptes-chambres régionales des comptes « L'évaluation du


contrôle interne ».

o El Yaâgoubi, M. (2002). Les cours régionales des comptes et


la démocratie locale. REMALD. (n°43), 23-41.

o Fauré, B. (2014). Règlements locaux et règlements nationaux.


Les Nouveaux Cahiers du Conseil constitutionnel (n° 42), 43-
51.

o Laoukili, A. (2009). Les collectivités territoriales à l'épreuve


du management. Connexions (n° 91), 103-121.

o Lokrifa, A. et Moisseron, J-Y. (2014). La politique de


régionalisation avancée au Maroc : enjeux et état des lieux.
Maghreb – Machrek, 221(3), 111-126.

o Matthieu, F. (2018). La prise de rôle du contrôleur de gestion


en collectivité territoriale ». ACCRA, (n° 2), 49-70.

o Maurel, C. (2006). Etude d’un changement organisationnel


dans de grandes collectivités territoriales : l’évolution de la
fonction contrôle de gestion. Finance Contrôle Stratégie 9 (3)
: 105-134.

o Poli, R. et Leon, M. (2007). LOLF et collectivités territoriales,


quelle analyse de la performance au niveau local ? », Revue
française de finances publiques, (n°99), 111-120

529
2023

o Pupion, P. (2017). Le management public des collectivités


territoriales et des ONG face a de nouveaux défis. Gestion et
management public, volume 5 / 4(2), 6-7.

o Robert, F. (2009). LOLF et autonomie locale. Revue française


des finances publiques. (n°107), 215-223

o Rougier, T. (2013). Contraintes financières actuelles :


obstacles incontournables ou opportunités de gestion ? »,
Revue française de finances publiques. (n°121), 91-100.

o RUPRICH-ROBERT, C. (2014). Comment (ré)concilier les


démarches de pilotage des politiques publiques et le processus
budgétaire dans la gestion locale ? ». Revue française de
finances publiques, (n° 127), 273-287.

o Sarkhaoui, B., Ait Moussa, O. et Chaoui, I. (2018). La


Gestion du risque opérationnel entre contrôle et apprentissage
organisationnel : cas de la banque de détail au Maroc. Revue
du Contrôle de la Comptabilité et de l’Audit, (n° 6), 170-185.

o Schmitt, D. (1988). Le contrôle budgétaire interne. In:


Politiques et management public. 6(3), 61-79.

o Wathelet, J-C. (2003). Reddition de comptes et gouvernance


des collectivités territoriales françaises. Politiques et
management public, 21(4), 71-88.

Livre:

531
2023

o Damarey, S. (2017). Droit de la comptabilité publique Ed. 1.


Gualino.

o Demesestere, R. (2005). Le contrôle de gestion dans le secteur


public. 2ème édition : LGDJ.

o Douence, J.-C. (1983). Élaboration du statut : compétence


exclusive de l’État ou compétence partagée ?. Cahiers du
CFPC.

o Huteau, S. (2008). La nouvelle gestion publique locale –


LOLF et collectivités territoriales ». Le Moniteur Edition.

o Pissaloux, J-L. (2017). Des contentieux de l'action publique


locale », L'Harmattan.

o Réno, F., Mérion, J. et Deshayes, F. (2004). Petit dictionnaire


du débat politique : Guadeloupe, Guyane, Martinique ». Ibis
Rouge Editions, Paris.

o Schoettl, J-E. (2002). Le Conseil Constitutionnel et le statut


de la Corse ». AJDA.

Chapitre de livre

o Evelyne, L. (2006). III. Améliorer la gestion locale. L'impact


de la LOLF sur le secteur local. In: La gouvernance
territoriale (41-53). Annuaire des collectivités locales. Tome
26.

531
2023

Travail non publié (thèses, document de travail, actes de


conférences, etc.)

o Chikhaoui, S. (2000). Dimension de la décentralisation au


Maroc entre le poids du passé et les contraintes du présent.
Conférence internationale à BERLIN.

o Cornut-Gentille, F. et Eckert, C. (2011). Une évaluation de la


RGPP : méthode, contenus, impacts financiers. Rapport
d’information de la commission d’évaluation et de contrôle
des politiques publiques n°4019. Assemblée Nationale.

o Gaillard, B. (2016). La performance de l’action publique


territoriale: étude sur l’appropriation des démarches de
performance au niveau local. Science politique. Thèse de
doctorat en sciences politiques. Université de Bordeaux.

o GUIRI, A. (2014). Quels outils de gestion financière locale ?


: pour plus d’instruments de gestion et moins de normes
juridiques. VIII édition du Colloque International des
Finances Publiques. Rabat.

o Ministère du Budget. (2012). Le décret GBCP et la


modernisation de la dépense ministère du Budget. Décret
relatif à la Gestion Budgétaire et Comptable Publique.
Available at cf. www.performance-
publique.budget.gouv.fr/sites/performance_publique/files/fil
es/documents/gestion_publique/GBCP/decret/GBCP_moder

532
2023

nisation_depense-241012.pdf (consulté le 18 septembre


2018).

o Smirs, M. (2001). Centralisation et décentralisation


territoriale au Maroc. Thèse de doctorat en droit public.
Université Mohamed Ben Abdelah- Fès.

o Zaim, F. et Zakar, A. (1982). Politique Régionale et Locale


au Maroc, essai sur les mutations des modalités et des
mécanismes du contrôle de l'espace. Thèse de Troisième
Cycle IREP. Université de Grenoble.

o Zair, T. (2006). La gestion décentralisée du développement


économique au Maroc. Thèse de doctorat en droit public.
Université de Toulouse.

533
2023

534
2023

535
2023

536
‫مـجلـةقـراءاتعلمية‬
‫‪2023‬‬

‫لـلأبحاث والدراسات القانونية والإدارية‬

‫‪5053‬‬ ‫‪52‬‬

‫‪537‬‬
‫الطبعة األولـــى – موسم ‪0203/0202‬‬ ‫موقع الباحث القانوني‬

You might also like