Professional Documents
Culture Documents
قبل نحو قرن من اآلن ،افتتح عالم اآلثار اإلنجليزي هوارد كارتر مقبرة امللك الشاب توت عنخ آمون التي كانت
ُ َ
تستكين في حضن الهدوء وتغلق األبواب على أسرارها ،واكتشف أنها تزدان بمجوهرات ُمزخرفة ،وتحمل بين طياتها أثاثا
جميال ،ومالبس فاخرة ،فضال عن قناع الوجه الذهبي الشهير .كان كل ش يء منسجما مع طقوس الدفن امللكي في أكثر
العصور ازدهارا في تاريخ مصر القديمة ،بدت جميع األشياء متناسقة باستثناء ش يء واحد فقط كان متواريا وراء أربطة
املومياء ،وهو خنجر ظهر وكأنه في غير محله.
وألن طبيعة اإلنسان تنجذب بقوة إلى السعي ملعرفة األشياء التي يحفها الغموض ،حاول كارتر استكشاف هذا
الخنجر ،وتبين أن املشكلة لم تكن في غالفه الذهبي ،بل في شفرته املصنوعة من الحديد الالمع ،وهو معدن لم يتعلم
املصريون صهره إال بعد قرون من وفاة امللك توت عنخ آمون ،لذا افترض كارتر أن الخنجر ربما تم استيراده من اإلمبراطورية
ُ
الحيثية القديمة في األناضول ،وهي إمبراطورية اشتهرت بصناعتها املبكرة للحديد .غير أن نظرية كارتر -التي افترضت أن
صنع في مناطق أبعد بكثير من مصر القديمة -لم تجد برهانا إال في عام ،6102وبالفعل تأكدت النظرية حينها، الحديد ُ
واكتشف الباحثون أيضا أن هذا الخنجر ينطوي على مستويات عالية من النيكل املرتبط بالحديد النيزكي.
"هوارد كارتر" عالم اآلثار اإلنجليزي ومساعد مصري يفحصان تابوت امللك توت عنخ آمون ،عثر عليه أثناء التنقيب في قبره
في وادي امللوك ،مصر ،أكتوبر .0261تصوير :هاري بيرتون( .شترستوك)
يميز هذا االكتشاف ويجعله حدثا يستثير االهتمام والفضول هي الطريقة التي اتبعها العلماء لتحليل هذا ما ّ
ُ
الخنجر دون إتالفه باستخدام األشعة السينية .وت َع ُّد هذه العملية مؤشرا على نهج جديد في علم املصريات ُيشدد على
الحفاظ على اآلثار من التدمير ،حيث أصبح بإمكاننا اآلن دراسة املومياوات دون فك أغلفتها ،بل واألهم من ذلك هو قدرتنا
1
على خلق مناظر طبيعية افتراضية للموجودات قبل آالف السنين مع الحفاظ على القطع األثرية سليمة لألجيال القادمة.
لطاملا تسللت هذه االكتشافات إلى وجدان كارتر كاألحالم البعيدة التي تحفر سراديبها في أعماقه.
قد تعتقد أن املسح الضوئي للمومياء تقنية جديدة لم تعلن عن نفسها سوى مؤخرا ،لكن الحقيقة أن األشعة
السينية اكتشفها العلماء ألول مرة عام ،0921وبعد بضع سنوات في عام ،0211نقل كارتر جثة الفرعون تحتمس الرابع
البالغة من العمر 1111عام من املتحف املصري على ظهر عربة تجرها خيول إلى مشفى قريب يتمتع بالتكنولوجيا الحديثة
لتصوير الجثة باألشعة السينية .لكن في العقود األخيرة ،انبعثت في صدور علماء اآلثار آمال جديدة ملا طرأ من تغيرات كبيرة
في طريقة استخدامهم لألشعة السينية .فبعدما ظلت أعينهم ألزمنة طويلة تنقب في الظلمات عن بارقة أمل ،بات من اليسير
ُ
طلق األشعة السينية من زوايا متعددة إلنتاج عليهم اآلن الوصول إلى أجهزة التصوير املقطعي املحوسب عالية الدقة ،التي ت ِ
صورة ثالثية األبعاد للبنية الداخلية للكائن ،ما يسمح بفحصه وتحليله جيدا قبل أن يغطيه الزمن برداء النسيان.
2
ُ
الجميل في األمر أن عملية خلق ن َسخ طبق األصل ألجزاء الجسم التي يتعذر علينا الوصول إليها يمكن أن تساعد
أيضا في الدراسات العلمية .في عام ،6109خرج الباحثون بنسخة ثالثية األبعاد لقلب إحدى املومياوات ،وكانت غايتهم من
ُ ُ
امل ّ
حنطون .وفي عام ،6160طبع علماء املصريات في مانشستر باململكة املتحدة ن َسخا ذلك كله هو فهم كيف تعامل معها ِ
ُ
لعظام ثالثية األبعاد أجري عليها مسح ضوئي ،للتعرف على أنواع العظام املوجودة داخل بعض مومياوات الحيوانات
املصرية القديمة .استخدم كامبل برايس ،أمين قسم آثار مصر والسودان في متحف مانشستر ،هذه التقنية إلعادة خلق
توارت عن األنظارُ ،ليسفر مسعاه عن مشهد ألربع جماجم لتماسيح قديمة .يقول برايس ْ املزيد من املشاهد التي لطاملا
ّ
معلقا على ذلك" :لم تكن لتتمكن أبدا من بلوغ هذا املطلب العسير برؤية أشياء كهذه أو حتى التعامل معها مع التقنيات ِ
السابقة ،ولكن خالل بضعة أجيال فقط ،تحدث تغييرات ما كان ألحد أن يتخيلها ،وبالفعل تبدل الوضع اآلن وأصبح
بإمكانك أن تشهد على ذلك كله باستخدام الطباعة ثالثية األبعاد".
فحص باألشعة املقطعية ملومياء مصرية من أجل التحقيق في تاريخها في مستشفى بوليكلينيكو في إيطاليا( .رويترز)
يقول إنريكو فيراريس ،عالم املصريات وأمين املتحف املصري في تورين بإيطاليا ،إن التكنولوجيا الجديدة يمكنها
أيضا أن تساعدنا على رؤية الحياة في مصر القديمة رؤية مختلفة ،مشيرا إلى أن الخبراء على مر العصور ظلوا رازحين تحت
وطأة النظرة التقليدية تجاه األشياء ،فلم يستثر انتباههم ش يء أكثر مما فعلت النصوص املكتوبة فقط ،حيث يقول" :في
َّ العادة ،يبذل الخبراء تركيزا أكبر على ما هو مكتوب على ش يء ما ،وليس ماهية الش يء الذي ُ
صنع منه .وبالتالي سلط هذا
النهج الضوء على املعتقدات الدينية املصرية ،على غرار الخلود ،واملومياوات ،واملوت ،وما إلى ذلك ،ولم يكترثوا لألمور
األخرى .غير أن العلم بات يلعب اآلن دورا مرشدا في تقديم نظرة إنسانية أشد واقعية وأحفل باملغزى عن هذه الحضارة
القديمة ،مثل تقنيات التصنيع أو الطرق املختلفة التي َّ
تبناها الحرفيون أثناء العمل".
استعان فيراريس بالعلماء في جميع أنحاء العالم الستخدام تقنيات حديثة تشمل "القياس الطيفي الكتلي "
) ،(Tandem mass spectrometryو"فلورية األشعة السينية )" (X-ray fluorescenceإلجراء فحوصات جديدة على مئات
3
العناصر التي ُعثر عليها في عام 0212من مقبرة عمرها 1311عام لرئيس عمال رفيع الشأن ُيدعى "خا" ،وزوجته ميريت،
ْ
وصلت دقة األدوات التي تبناها الفريق إلى درجة أنهم عندما حللوا صندوقا وتقع املقبرة بالقرب من األقصر في جنوب مصر.
مرسوما في املقبرة ،تبين أن الفنان الذي رسم على هذا الصندوق استخدم نوعين من األحبار السوداء املختلفة ،أحدهما
لتلوين املساحات الكبيرة ،والنوع اآلخر للمسات النهائية ،مثل تلوين النقاط والنقوش بأحجام وأشكال مختلفة .وألن
ُ
اإلنسان ف ِطر على أن يجد لذة فريدة في الفهم وإخضاع كل ش يء لالستيعاب ،يقول فيراريس إن مثل هذه التحريات
ُ
والفحوصات ت َع ُّد نقطة انطالق أساسية لفصل جديد في علم املصريات.
عوالم افرااضية
لم يقتصر الدور الذي لعبه هذا االتجاه الرقمي على مساعدة علماء املصريات في إعادة بناء املقابر والقطع األثرية
فحسب ،بل ساعدهم أيضا على خلق نسخ كاملة من مناظر طبيعية زاخرة بالتفاصيل .الستكمال هذا املشروع ،جمعت
إيلين سوليفان من جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز ،البيانات من مصادر عديدة ،منها الحفريات وصور من األقمار
الصناعية والخرائط الطبوغرافية إلنتاج نموذج ثالثي األبعاد في سقارة ،عبارة عن مقبرة قديمة مترامية األطراف في جنوب
القاهرة ،وترى سوليفان أن هذه هي الطريقة األمثل لرصد الطبيعة املتغيرة للموقع ذاته على مدار تاريخ مصر بأكمله .
تطور مشهد املقبرة من مجرد مجموعة من املقابر املبعثرة املصنوعة من الطوب اللبن على حافة الصحراء في
األسرة األولى ،نحو 1111عام قبل امليالد ،إلى مشهد ضخم مليء باألهرامات واملعابد واملقابر التي استمرت حتى العصر
الروماني ،أي منذ ما يقرب من 6111عام .تقول سوليفان" :ال أعتقد أن أي شخص مهما بلغ عقله من ذكاء وتطور لديه
القدرة على أن يجعلك تتخيل مئات املباني املختلفة مصطفة معا في مشهد واحد يستوعبه عقلك كما تفعل التكنولوجيا
الحديثة ،فضال عن أن إعادة بناء املشهد بتقنية ثالثية األبعاد تجربة تهدف إلى إطالق سراح عقلك بإتاحة السفر افتراضيا
املتغيرة للمكان ذاته في لحظات مختلفة من عبر الزمن ،بحيث يمكن للمشاهدين أن يخوضوا تجربة االستمتاع باملشاهد ّ
التاريخ"
أتاح هذا النموذج أيضا لسوليفان اختبار أفكار جديدة على غرار إعادة تشكيل األصوات والروائح وتأثيرات
اإلضاءة ،لتصبح املشاهد مفعمة ونابضة بالحياة ،وتتوقع سوليفان أن تصبح هذه املشاهد االفتراضية أشد واقعية مع
ُ
تحسن التكنولوجيا ،وبالفعل هذا ما يعمل عليه الباحثون حاليا .قبل قرن من الزمان ،أحيلت العديد من الكنوز التي
ُ
اكتشفها كارتر وأقرانه إلى املتاحف ،واليوم يحلم علماء املصريات ببناء عوالم افتراضية تتيح لنا السير في شوارع مصر
ُ
القديمة ،وتنعش وجداننا تجاه كل ش يء يحيط بنا ،بدءا من مداعبة رائحة البخور ألنوفنا في املعابد الكبرى ،وصوال إلى
إحساس القشعريرة الذي يخامرنا بمجرد دخولنا املقابر الباردة.
ومع ذلك ،يساور بعض املتخصصين قلق من إمكانية أن يتخطى العلم حدوده ويلعب دورا أبعد مما يجب .تتمثل
إحدى املشكالت األساسية على سبيل املثال في تصوير الرفات البشري القديم وأخذ عينة منه للبحث عن أدلة على األمراض
أو معرفة سبب الوفاة .رغم أن تقنيات التصوير باألشعة السينية واألشعة املقطعية واختبارات الحمض النووي كانت دائما
الوقود الذي يغذي األفالم الوثائقية والكتب األكثر مبيعا ،فإن العديد من العلماء مع ذلك أعربوا عن شكوكهم إزاء دقة
النتائج ،ومن ضمن هؤالء العلماء كامبل برايس ،أمين قسم آثار مصر والسودان في متحف مانشستر الذي أعلن قائال:
تلوح بها حتى يتكشف لك عالم املومياوات ّ
"تكمن املشكلة الرئيسية في اعتقاد الناس أن العلم ما هو إال عصا سحرية ،ما إن ِ
بكل خباياه.
لكن من الناحية العملية ،ال تسير األمور بهذه البساطة ،إذ ليس من اليسير أبدا تحليل البقايا البشرية الهشة
التي يعود تاريخها إلى آالف السنين ،التي مرت بعملية عنيفة من التحنيط .يتذكر برايس النقاشات التي دارت بين األطباء
4
وعلماء اآلثار عندما أجروا على املومياوات املحفوظة في متحف مانشستر تصويرا باألشعة املقطعية في أحد املستشفيات
يتمكن املتخصصون من تحديد ماهية ما يرونه .غير أن هناك مسألة أخالقية أخرى حول َّ
املحلية لألطفال ،وحينها لم
تقديم نتائج املسح إلى الجمهور ،فهل تساءلنا يوما عما إذا غالب املصريون القدماء شعورا بعدم االرتياح ملشاركة مثل هذه
املعلومات مع الناس ،وأن ما يفعله الباحثون اآلن ما هو إال ُمنغصات تقض مضاجعهم.
ُ
ُي َع ُّد أقرب دليل على ذلك هو ما تفض ي به الكتابة الهيروغليفية ،والصور التي توضح معتقداتهم ورغبتهم العارمة
بأن يتذكرهم الناس فيما بعد باعتبارهم ملوكا أقوياء مفعمين بالصحة والعافية ،ومن هنا سعوا لخلق عالم من الذكريات
تقل فيه احتمالية أن يكونوا بشرا تعثروا بأذيال املرض وطالتهم أوجه القصور قبل أن يلفظوا أنفاسهم األخيرة .ولهذه
األسباب ،قرر معرض املومياوات الذهبية القادم ،الذي يستكشف املعتقدات املصرية القديمة حول اآلخرة ،عدم عرض
أي أشعة مقطعية للمومياوات .ينضم إلى قائمة العلماء املهتمين بهذا الشأن عالم املصريات البريطاني نيكوالس ريفز ،مؤلف
كتاب بعنوان "توت عنخ آمون الكامل) ،" (The Complete Tutankhamunالذي يصب ُجل تركيزه على إمكانات وحدود
التكنولوجيا الجديدة.
ُ َّ
وجه ريفز دراسته حول عمليات إعادة البناء االفتراضية للجدران املطلية لغرفة دفن توت عنخ آمون ،التي أعيد
بناؤها باستخدام عمليات املسح الضوئي بالليزر والصور الرقمية .نفذت هذه العملية شركة "فاكتوم آرت " (Factum
ّ ُ
معلقا على ذلك" :إنه ألمر رائع أن تشهد على عملية بديعة كهذه، ) ،Arteوهي شركة فنية متخصصة في مدريد .يقول ريفز ِ
َّ
إذ ال يهم إلى أي مدى يصل ارتفاع الرسومات على الحائط ،ألنك في جميع األحوال ستتمكن من رؤية كل التفاصيل التي
أبدعتها الفرشاة .وتصل دقة هذه العملية لدرجة أنك لن تستمتع باملشهد وأنت تراه على أرض الواقع بقدر املتعة التي
ستحصلها من املشهد االفتراض ي املفعم بالتفاصيل الدقيقة وأنت جالس على مكتبك ال تحرك ساكنا".ّ
ِ
توصل ريفز خالل بحثه إلى شقوق غير مرئية في جدران املقبرة ،ما يشير إلى وجود مداخل خفية ،كما خلص إلى
أن العديد من املشاهد املرسومة لجنازة توت عنخ آمون طرأ عليها تغيير ،ويعتقد أن الرسومات األصلية أظهرت توت عنخ
آمون أثناء دفنه مللكة مصرية سابقة ،وهي امللكة نفرتيتي .في عام ،6101خرج ريفز بفرضية مثيرة لالنتباه ،وهي أن وراء
مقبرة توت عنخ آمون الصغيرة نسبيا واملكونة من أربع غرف ،تقع على األقل غرفة واحدة أخرى ،وهي مكان دفن امللكة
نفرتيتي .بعبارة أخرى ،ربما يرسم القدر خطة ما ال ينسج فصولها ولم ُي َ
سدل الستار بعد على فصلها األخير ،فقد ال يكون ز
اكتشاف كارتر املذهل قبل قرن من الزمان هو آخر فصول الرواية ،وال تزال هناك مقبرة ملكية أخرى أشد ثراء.
5
شخصا آخر في املقبرة ذاتها .يرى ريفز أنه يمكن اختبار فرضيته بحفر ثقب صغير في أحد جدران املقبرة وإدخال كاميرا
للتحري عما بداخلها .ورغم أن هذه الخطوة ال يمكن تنفيذها إال بموافقة السلطات ،فإنها ال تزال مسألة غير محسومة
بعد.
مع تحسن التكنولوجيا طوال الوقت ،يرى بعض الباحثين أن البيانات التي حصلت عليها البشرية باستخدام
قيمة في حال تعرضت االكتشافات األثرية إلى أي ضرر .يرى فيراريس أيضا أن األجسام أدوات علمية غير جراحية هي خطوة ّ
املادية مهما بلغت قوتها ال يمكنها أن تتحدى الزمن الذي باتت في حضرته على درجة أصيلة من الضعف والهشاشة ،ما يعني
عرضة دائما لخطر الكوارث الزاحفة مثل الفيضانات أو الحرائق أو عمليات النهب القادرة أن البقايا املادية من املومياوات ُم ّ
على التهام صفحة كاملة من تاريخ ثري.
في السياق ذاته ،يقول فيراريس" :علينا أن نبذل ما بوسعنا للحفاظ على هذه األشياء في صورتها املادية ،ولكن ربما
ليس هذا هو الهدف النهائي" .بمعنى أن الزمن لو أمهلنا قليال للحفاظ على هذه البقايا املادية ،فلن يستمر ذلك أبد الدهر،
وهنا يظهر دور املعلومات الرقمية التي ال يمكن اقتحام حصنها املنيع بسهولة ،وهو ما ُي َع ُّد "نوعا من التأمين" ال بد أن نبذل
جهودا في سبيل دراسته وتقديره في املستقبل بغض النظر عما سيؤول إليه مصير األجسام املادية .لذا فالهدف النهائي من
ذلك كله هو "اغتنام املعرفة" أو اإلملام بكل ما يتعلق ببقايا األجسام املادية ،ليساعدنا فيما بعد على رؤية التاريخ رؤية
شاملة وغنيةَ .ومن يعلم! فقد يتفق كارتر ،الذي أمض ى 01سنوات في تسجيل العناصر التي وجدها في مقبرة توت عنخ آمون
بدقة ،مع هذا الرأي.
6
هل نعرف الحقيقة؟
رغم كل هذه االكتشافات ،فإننا إذا ما أجرينا غوصا عميقا في هذه الشخصيات والكشوف التاريخية،
َ
وقاس بقدر ما حظيت به مومياء امللك توت عنخ آمون .في نوفمبر/تشرين ٍ فسنكتشف أن ًّأيا منها لم يحظ بفحص شامل
ّ
الثاني عام ،0261فك عالم التشريح "دوغالس ديري" أغلفة املومياء ،وبدأ في إزالة الضمادات املتفحمة واملتهالكة ،ثم قطع
الجسد لنزع مجوهراته ،واستخدم سكينا ساخنة لفصل الجمجمة عن القناع الذهبي .خلص ديري إلى أن الفرعون مات في
ريعان شبابه في سن الثامنة عشرة تقريبا ،وامتلك رأسا كبيرا ،وندبة في خده األيسر ،ولم يظهر سبب واضح للوفاة.
في عام ،0229قرر عالم التشريح رونالد هاريسون من جامعة ليفربول باململكة املتحدة تصوير املومياء باألشعة
ترققا في جمجمة توت عنخ آمونَّ ، ُّ
وخمن السينية إلنتاج فيلم وثائقي لـ"بي بي س ي " (BBC).لكن أثناء هذه العملية ،الحظ
َّ
أنه قد يكون ناتجا عن ضربة في مؤخرة الرأس ،وهو تخمين أدى إلى اندالع العديد من فرضيات القتل ،ولكن تبين في النهاية
أنه ناتج عن عملية التصوير باألشعة السينية .أما في عام ،6111تعاونت ناشيونال جيوغرافيك مع فريق من العلماء بقيادة
عالم اآلثار املصري واألمين العام للمجلس األعلى لآلثار زاهي حواس لتصوير املومياوات امللكية بما فيها توت عنخ آمون
وخمنوا أن هذا الكسر قد باألشعة املقطعية .أظهرت الصور ثالثية األبعاد وجود كسر في عظمة الفخذ األيسر للملكَّ ،
يكون ناتجا عن حادث سقوطه من العربة.
في عام ،6101أفاد الفريق باالستعانة بعينة من الحمض النووي أن توت عنخ آمون كان ُمصابا باملالريا ،وأن
تبين أن قدمه كانت ُمشوهة .في النهاية، والديه كانا أقرباء .وحينما أعادوا تحليل فحوصات التصوير باألشعة املقطعيةَّ ،
نجحوا في تقديم نسخة جديدة مريضة وعاجزة من امللك الشاب .وفي الوقت الذي ألهمت فيه هذه الدراسات املزيد من
األفالم الوثائقية ،أثارت حفيظة علماء آخرين ،وانتقدوها مشككين في دقة نتائج الحمض النووي التي ربما تغيرت جراء
التلوث ،أو أن التصوير املقطعي فشل في التمييز بين اإلصابات أو األمراض التي حدثت قبل وفاة امللك وبين األضرار التي
ُ
ألحقها الزمن بالجسد منذ ذلك الحين .ورغم ذلك استمرت التكهنات حول هذا امللك ،آخرها الفرضيات التي تشير إلى أن
توت عنخ آمون كان مصابا بالصرع ،أو أن فرس النهر هاجمه وطالته إثر ذلك يد املوت ،فأسلم الروح في النهاية.
—————————————————————————————-
هذا جزء من املقال مترجم عن New Scientist
ترجمة :سمية زاهر .موقع ميدان ،الجزيرة
7