Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في منهجية العلوم القانونية استاذ مجاهد
محاضرات في منهجية العلوم القانونية استاذ مجاهد
المحاضرة الثالثة
ثالثا :أهمية المنهج القانوني عبر مختلف مراحل نشأة وحياة القاعدة القانونية
من المستقر عليه لدى أهل االختصاص القانوني ،بأن للقاعدة القانونية مسارا و حياة يشبه إلى حد
ما حياة اإلنسان ،فالقاعدة القانونية المخاطب بها األفراد ال تصبح نافذة في مواجهتهم إال بعد
استكمالها لمراحل خلقها ثم صياغتها و انتهاء بتطبيقها و تفسيرها .
و هي بحسب معيارها الزمني طويلة األمد أو قصيرة بحسب الظروف و األحوال و الحاجة إليها،
و هو ما يجعلها عرضة للتعديل أو اإللغاء النهائي .
هذه الظروف و األحوال و المتغيرات حتما ستشكل بالنسبة لصانعي القواعد القانونية أسبابا و
اعتبارات منطقية و واقعية تقتضي أخذها بعين االعتبار عند وضع أي تشريع ،و هو ما يجرنا
بالتبعية إلى إثارة فكرة الحاجة إلى المنهج المالئم و المناسب لكل حالة و مرحلة على حدا .
في مرحلة النشأة: ·
ال بد من االعتماد على منهجية محددة المعالم أثناء إنشاء القاعدة القانونية في بدايتها ،لذلك يلجئ
أهل االختصاص مثال الى إشراك جميع الفاعلين في المجال القانوني او الموضوع محل التشريع
و التقنين بوجه عام ،و هذا عن طريق الدراسة المستفيضة لمختلف العوامل المشكلة و المنشئة
للقاعدة ،و من ثم الوقوف على مدى تقبل المجتمع لها و قبوله بها كوسيلة و غاية تعبر عن أماله
و تطلعاته ،فال يمكن أن نتصور وجود قانون بدون وجود مجتمع يحتضن النصوص و يحتفي بها
في مرحلة الصياغة: ·
على غرار االهتمام الذي توليه المجتمعات للصورة النهائية التي تصدر فيها األشياء أو تظهر بها
الوقائع و الظواهر و األحداث " كصورة المولود مثال " ،فان للقانون صورة وواجهة وظيفتها
نقل األفكار و التصورات و المناقشات التي دارت و انتهت بشأن موضوع قانوني محل تنظيم
بالمفهوم الفني من حالة التجريد و التنظير إلى الحالة العملية الملموسة واقعا ،هذه العملية تحتاج
أن يتبع المشرع فيها منهجا معينا لصياغة أفضل و اثر أعمق .
لذلك تركت للمشرعين حرية تقييد النصوص او إطالقها أو اعتماد جمودها أو مرونتها ،
وإصدارها في صيغة و شكل معين " كاألرقام و الشكليات " ،أو تضمينها مجموعة من القرائن و
الحيل القانونية .
في مرحلة تفسير القاعدة القانونية ·
كأصل عام ال يثير إعمال القاعدة القانونية أي إشكال أثناء بداية إنفاذها و العمل بها فعليا ،فهي
متى صدرت ضمن الشروط و القواعد المقررة قانونا فانها تصبح ملزمة في مواجهة الكافة و ال
حاجة لالعتداد بجهلها أو عدم العلم بها إال ضمن الظروف و األحوال القانونية أيضا .
لكن في بعض األحيان قد يصطدم تطبيق القاعدة بما من شانه ان يثير إشكاالت بالنسبة للعاملين
بها و المتضررين من سوء فهمها نتيجة غموضها ،لذلك جعلت الدول للقاضي سلطة تفسيرها
بدون توسع او تضييق حسب الظروف و األحوال و أيضا ضمن إتباع تقنيات محددة تساعد في
معرفة اإلرادة الحقيقية التي أرادها المشرع من النص .
فواضح النص الذي يمكن فهم معانيه من خالل األلفاظ و العبارات الواضحة الداللة يختلف عن
النصوص المعيبة او الغامضة او المتناقضة ..الخ و التي يتضمن مضمون النص فيها و فهمه
أكثر من معنى .
لذلك نجد بان القاضي يلجأ الى اعتماد أسلوب التفسير العام للنصوص الواضحة الداللة من خالل
بيان طبيعتها و شكلها بالرجوع إلى ألفاظها و معانيها على خالف النصوص المعيبة التي يعتمد
القاضي في تفسيرها على أساليب التفسير الخاص و الخارجي للنص ،حيث يفهم المعنى المرجة
من النص من خالل سياق النص أو الرجوع إلى الحكمة من التشريع أو األعمال التحضيرية و
المذكرات اإليضاحية أو عرض األسباب أو المصادر التاريخية و غيرها من المصادر و األسباب
و االعتبارات التي نشأت في كنفها و بسببها القاعدة القانونية .
مرحلة المراجعة بالتعديل أو اإللغاء ·
إن الطبيعة المتغيرة في القانون إنما تستمد هذه الخصوصية " التغير " من الطبيعة " الوضعية "
لقواعده و التي تعبر أيضا عن التغيرات و التحوالت التي يعيشها اإلنسان من زمن آلخر و من
مكان آلخر ،بل إن فكرة التحول في حد ذاتها تعتبر في رأي كثير من الفقه معيارا للقول باستحالة
ثبات القاعدة القانونية ،و لعل ابرز مثال على ذلك تحول كثير من النظم العربية إلى التآلف مع
القانون الوضعي ،أو التحول في منظومة الدول من مكافحة اإلجرام الوطني إلى االشتراك في
مكافحة الجريمة العابرة للحدود و األوطان عبر نطاق دولي أو التغير الذي أضحى يهيمن على
النشاط اإلداري باالنتقال من إتباع أسلوب اإلدارة العامة الكالسيكية إلى اإلدارة االلكترونية ....و
هي بعض من المستجدات و النوازل التي أرخت بظاللها و دفعت الدول إلى إعادة النظر في
نظامها القانوني بالشكل الذي يقدم حلوال أكثر و مالئمة اكبر مع طموحات و تطلعات مجتمعاتها .
و لتحقيق هذه الموائمة بين النص و الواقع يلجأ المشرع الى مراجعة القوانين بتعديلها أو إلغاءها
بشكل نهائي مع مراعاته في ذلك لمبدأ الموازنة بين ضرورة التشريع و مقتضيات استقرار
المعامالت و المحافظة على الحقوق و الحريات و المراكز القانونية التي نشأت من قبل .
المحاضرة الرابعــــــــــــــــــــــــــــة
مقدمـــــــــــــــــــــــــة:
إن الغرض من دراسة القانون أو فلسفة القانون هو محاولة استقطاب اهتمام الباحثين و الدارسين
لهذا الحقل المعرفي و العلمي الهام ،و ذلك من خالل التعريف بالقانون وبيان خصائصه وأهميته
وضرورته بالنسبة للمجتمعات ،و التعرف على نطاق تطبيقه و مجال ارتباطه و اتصاله بالعلوم
األخرى و الوقوف أيضا على حجم الحلول و اإلجابات التي يمكن أن يقدمها لمختلف الفاعلين و
المشتغلين في الحقل القانوني أيضا .
– 1مفهوم أصول القانون و فلسفة القانون :
أ -تحديد مدلول أو معنى أصول القانون :
بداية ال بد من اإلشارة إلى أن العالم العربي لم يكن يعرف فلسفة القانون بهذا المعنى المتاح
اليوم ،و إنما ارتبطت أولى الدراسات التي اهتمت بمجال العلوم القانونية بما في ذلك التعرف
على أصل القانون من خالل علم أصول القانون .
بل انه ليس ثمة علم واضح المعالم وبّين الحدود يسمى علم أصول القانون ولكن توجد
دراسات تبحث في القانون وفي نشأته وتطوره وفي طبيعته ومصادره وأقسامه.
وقد ُع نيت األمم المختلفة بهذه الدراسات بقدر يختلف و حاجاتها إلى فهم الظواهر بشكل
يوفر حلول وإجابات للوقائع واألحداث التي تعيشها المجتمعات البشرية اليوم ،لذلك ال غرابة في
أن نجد بأن المعرفة بأصل القانون و إن كانت ال تكفي لوحدها في بيان القيمة المضافة التي تقدمها
الدراسات الفلسفية المتعاقبة لمختلف المواضيع ذات الصلة بتكوين و حياة القاعدة القانونية و
نهايتها و سبل تحقيق الكفاية التشريعية منها و إنما يبدو األمر ذو أهمية بالنسبة للدول أيضا من
خالل التعرف على خياراتها و موقفها من المتغيرات و المستجدات التي تعترض سير و تقدم
مجتمعاتها ،وذلك عن طريق الوقوف على فلسفة الدولة في اختيار الطرائق و المناهج األنسب
للتفاعل مع تلك التحوالت و مراعاة مدى جدواها و كفايتها القانونية عمليا كما هو الحال بالنسبة
للعمل التشريعي والقضائي و غيره من المجاالت التي تساهم في تشكل الصورة النهائية للنشاط
القانوني ،و تمكن من محاولة رسم حدود واضحة لنظرية عامة في القانون.
و لما كان القانون يختلف باختالف البيئة و األجيال فقد هيمنت على النظرية العامة للقانون تحاليل
مختلفو ،لكنها لم تكد تخرج عن نواح ثالث:
الناحية التحليلية :وهي تبحث القانون كما هو في الوقت الحاضر وتحلل عناصره متأثرة -
بحالة المجتمع وظروفه المحيطة وطبيعة األجيال.
الناحية المقارنة :وهي ال تقف عند قانون معين وال تتأثر ببيئة خاصة بل تجعل من مقارنة -
القوانين أساسا مرجعيا تستخلص منه القواعد التي تسير وفقها كل القوانين.
الناحية التاريخية :وهي تتعقب القانون عبر مسار ومراحل تطّو ره وتتبعه في تنقله من جيل -
إلى جيل فتسجل قواعد نشوءه ونمّو ه وتطّو ره.
على أنه ليس من السهل أن يقتصر دور الباحث أو الدارس ألي موضوع قانوني خارج
التركيز على هته العناصر أو النواحي الثالث لذلك نجده يبذل قصار جهده في أن يّلم بها ابتداء ثم
يقوم بإعمالها جميعا وهو بصدد القيام بدراساته وأبحاثه.
و بذلك أصبحت فلسفة القانون في الظهور بشكل الفت كجزء من النظرية العامة للقانون و تم
افراد مقياس لها ضمن الدراسات القانونية المعاصرة في مختلف الجامعات عبر العالم .
و عليه يطرح التساؤل ما المقصود بفلسفة القانون ؟
ب – تعريف فلسفة القانون :
عرف ارسطو الفلسفة بأنها ":علم العموميات و معرفة األصول األولى و العلل التي تؤدي إلى
فهم األشياء " ،و هي لغة الحكمة أو محبة الحكمة ،كما تعرف اصطالحا بأنها فن العلوم الذي
يسعى إلى التأمل والتفكير والبحث عن الحقائق ومضامينها وتحليلها وتفسيرها والتعمق في
كنهها ،وكذا طرح كل األسئلة التي تثار بشأنها سواء ما كان ملموسا منها أو تعداها إلى
الميتافيزيقية وما وراء الطبيعة .
ويقصد بفلسفة القانون تلك المجموعة من األبحاث و الدراسات التي تبحث في أصل و غاية
القانون ،بمعنى البحث عن أصل و أساس القانون الوضعي و جوهره و محاولة تبرير وجوده و
أهميته و التساؤل حول مصدره و اكتسابه للقوة الملزمة .
أو هو تلك المادة العلمية التي تهتم بدراسة الظاهرة القانونية كظاهرة إنسانية واجتماعية في
مختلف أبعادها ،والتوغل في أعماقها ومضامينها المختلفة بدأ من تعريفها إلى أصلها
وطبيعتها ،ووظيفتها ونشأتها ،وصياغتها وتفسيرها وتطبيقها وتعديلها وإلغائها ،أي أنها تحاول
اإلجابة على أهم اإلشكاالت المطروحة على مر حياتها ،والتي تدور أساسا حول التساؤل عن :
كيف يولد القانون ؟ وكيف يحيى ؟ وكيف يموت؟
المحاضرة الخامسة
-2الغرض من دراسة فلسفة القانون :
إن الغرض من دراسة أصول القانون أو فلسفة القانون وفقا للمنظور المعاصر يستهدف العمل
على تمكين الباحث من استيعاب المبادئ الرئيسة التي يقوم عليها القانون قبل التعرض إلى
المسائل التفصيلية التي ترتبط به ،لذلك نجد أن المستقر عليه لدى أهل االختصاص القانوني أن
يجعلوا لهذا العلم مقدمة ثم العمل بعدها على وضع بين يدي الدارس أهم المبادئ التي تعّد الزمة
لفهم القانون والتعريج بعدها إلى تحديد طبيعته وبيان مصادره تمهيدا لتفصيل فروعه.
هذا وإن البحث في مجال فلسفة القانون قد يكون بسيطا بقدر يتالءم ومستوى المبتدئ في
دراسة القانون ،كما هو الحال في محاضراتنا المخصصة في المقرر الدراسي في كّلية الحقوق أو
أنها قد تكون دراسة عميقة وفلسفية تسمو بالمعرفة القانونية إلى درجات من التجريد واالستقراء
المنطقي والتعمق العلمي تتفق مع مستوى من تجاوز مرحلة دراسة القانون إلى مرحلة استخالص
ما فيه من فلسفة وعلم ،وهذا إنما يكون خاتمة للدراسة القانونية ال مقدمة لها.
ومهما يكن من الصبغة االبتدائية التي نتوخاها في دراسة فلسفة القانون إّال أن ذلك ال يمنعنا
من أن نبسط المبادئ الفلسفية والعلمية التي ترتكز عليها دراسة القانون بشكل يمتزج فيه الجانب
العملي مع الجانب النظري من أجل تمكين الطالب من تكوين تصور دقيق حول القانون قبل أن
يخوض غمار الحياة العملية أو الوظيفية أو المهنية.
-3التطور التاريخي لعلم فلسفة القانون :
اهتمت األمم المختلفة بدراسة القوانين وأصولها بشكل مختلف حسب طبيعة النظام القانوني السائد
في كل دولة والهدف والغاية من الدراسة في حد ذاتها.
فقد ُع ني الفقه اإلنجليزي واألمريكي بدراسة أصول القانون تحت تسمية علم القانون وكثرت
مؤلفاتهم في هذا الشأن وانتشرت بشكل الفت ومؤثر على غرار الفقهاء (أوستن) و(بنتام)
و(إيموس) و(جراي).
وعلى خالف من ذلك فإن الفقه الفرنسي لم يهتم بدراسة أصول القانون إّال في عهد قريب
على اعتبار أن الفرنسيين كانوا طوال القرن التاسع عشر 19مقتنعين بجدوى تقنيناتهم يشرحونها
على طريقة (مدرسة الشرح على المتون).
ولم تكن دراسة القانون في الجامعات الفرنسية مشبعة بروح فلسفية بل إن ذات الجامعات لم
تكن تعنى بدراسة أصول القانون وإنما اقتصر دورها على دراسة المسائل التفصيلية لفروع
القانون وذلك نزوال عند رغبة وإرادة (نابوليون) ألنه كان يكره أن ُيدّر س القانون بروح فلسفية
حيث كان َيِس ُم هذه الدراسة بالخيال احتقارا ويعتقد أن دراسة التقنينات التي تم ابتكرها حينها
بطريقة علمية ُيعد كافيا لبيان ودراسة و فهم القانون.
لكن ذلك لم يمنع من ظهور بعض المحاوالت الفقهية خاصة فيما يتعلق بمجال التأليف
العلمي و هي المحاوالت التي أراد من خاللها الفقهاء الفرنسيون تجاوز مرحلة النظرة الكالسيكية
للقانون ،فنشط كثير من الفقهاء في مجال تدوير المؤلفات القيمة في فلسفة القانون وفي طرق
البحث القانوني وأيضا في إطار البحث الفلسفي العلمي الذي يرتكز عليه القانون.
فقامت مدرسة علمية جديدة عوضت ما فات فقهاء األمس ومألت عالم الفكر القانوني
بمؤلفات هامة في فلسفة القانون بشكل دقيق ومعمق يتجاوز أحيانا ما جادت به المؤلفات
(األنجلوسكسونية) السابقة بل وتتجاوزها من حيث الترتيب المنطقي والوضوح ولعل من أهم
األعالم و الفقهاء الفرنسيين البارزين في هذا السياق نذكر كل من (سالي)( ،ديموج)( ،هوريو)،
(دوجي)( ،ريبار)( ،جوسران) ،وأيضا (جيني),
هذا األخير الذي الذي ألف كتابين يعتبران من أهم الكتب الفرنسية في فلسفة القانون وفي تحليله
العلمي يحمل األول عنوان (طرق التفسير في القانون الخاص) أما الثاني فقد خصصه لفن
الصياغة في القانون تحت عنوان (علم صياغة في القانون الوضعي الخاص).
وال يقل الفقهاء األلمان انتاجا في مجال الدراسات التي تعنى بفلسفة القانون بل إنهم كانوا
سباقين في صناعة المدارس والمذاهب الفقهية التي ساهمت بشكل كبير في إثراء علم القانون
والشاهد أن لكل مذهب فلسفي لديهم نابغة وَع لٌم أضاف لمسة ال تزال مأثرة في مجال الدراسات
القانونية إلى يومنا هذا على غرار الفقهاء (سافيني) زعيم المدرسة التاريخية و(إهرنج) زعيم
الغاية االجتماعية و(كانت) و(ستاملر) و(هيجل) زعماء مذهب القانون الطبيعي.
إلى جانب الفقهاء األلمان برع اإليطاليون بنصيب أوفر في الحركة العلمية المرتبطة بمجال
فلسفة القانون من خالل لجوءهم إلى عملية ترجمة المؤلفات األلمانية ابتداءا ،خاصة تلك التي
ألفها (كانت) و(هيجل) ليستقلوا بعدها في أبحاثهم العلمية مقدمين نموذجا ال يقّل أهمية عن ما قدمه
سابقيهم من األمم األخرى ،وبرز في هذا اإلطار كوكبة من الفالسفة والفقهاء على غرار (فيكو)
و(دلفيكيو) و(مانشيني) و(لمبروزو) و(فيري) وهم طائفة من الفقهاء قسمها األستاذ (جون ماك
دونل) أستاذ القانون المقارن جامعة لندن إلى فريقين ،الفقهاء الوضعيون والذين ينظرون إلى
القانون نظرهم إلى الحقائق الواقعة ،أما الفريق الثاني فهم المثاليون والذين ُيدِخلون في القانون
عامل الـُمثل الُع ليا مفرقين بين الواقع والواجب ،متأثرين في ذلك بفلسفة (هيجل) وبتعاليم (كانت).
هذا و قد عرفت الشرائع القديمة بعض محاوالت االعتناء بأصول القانون على غرار
القانون الرماني الذي ُع رف بأنه أضخم قانون وضعه البشر ،يحث اشتهر الرومان إلى جانب دقة
مصطلحاهم الفنية ووضوح تقسيماتهم المنطقية ولطف ذوقهم القانوني ،بخاصية البساطة وتجنب
التعقيد والغموض الذي يكتنف القوانين بوجه عام كما ُعرف عليهم أيًض ا تفوقهم ونبوغهم في
مجال الصياغة القانونية ،أما الفلسفة القانونية وعلى غرار الفلسفة بوجه عام فلم يكن للرومان
نصيب منها كبير ،ما عدا بعض المحاوالت التي جاء بها بعض الفقهاء ُأسوة بالمدارس اليونانية
على غرار مدرسة الرواقيين.
فقد تعرض هؤالء لمسائل ترتبط ارتباطا وثيقا بفلسفة القانون على غرار القانون الطبيعي
وقانون الشعوب ومصادر القانون ومع ذلك ظل تفوقهم الحقيقي في ميدان الصيا
يمكن تعريف القانون بأنه كلمة مشتقة من لفظ ( )kanunوالتي تعني العصا المستقيمة،
ويرد هذا المصطلح بمعاني وألفاظ مختلفة على غرار ( )Droitبالفرنسية أو ( )Derictoباللغة
اإليطالية أو بمصطلح المسطرة مثلما جرى عليه تداول هذا اللفظ في التشريع المغربي .
فهي كلها مفاهيم و تعاريف ال تكاد تخرج عن الداللة على تلك العالقة المضطردة
والمتواترة بين ظاهرتين ،بحيث تسمى األولى بالحادثة أو الحدث أو الواقعة أما الثانية باألثر أو
الحكم أو النتيجة ،وبحكم العالقة المضطردة والثابتة والدائمة والرتيبة بينهما تتحقق نفس النتائج
وعلى نفس المنوال .
وانطالقا من ذلك فإن الفلسفة تنظر إلى القانون كنظام تسير عليه أمور الكون على نمط رتيب
مضطرد ،والذي يحتم وقوع اآلثار والنتائج كلما وقعت األحداث والمسببات وهذا ما نجده مثال
في قانون السببية والعلية ،وفي قانون اإليقاع بتعاقب الليل والنهار للداللة على الوتيرة الثابتة
في مرور الزمن ،وقانون الجاذبية للداللة على وجود قوة جدب بين أي جسمين بصورة طردية
وعكسية إتباعا للكتل والمسافة ،وقانون النسبية المثبت أن كل شيء نسبي زمانا
ومكانا ...وغيرها من القوانين الكونية األخرى
وترتيبا لذلك تذهب الفلسفة في مجال علم القانون إلى القول بأن للمجتمع قانون يحكمه ،
وهذا القانون ال يمكن أن يكون إال في صورة قواعد تقويمية تنظم العيش في الجماعة والتي يجب
على الكافة احترامها احتراما تكفله السلطة العامة بالقوة عند الضرورة ،وبالتالي فإن القانون
يستخدم كمعيار لقياس مدى امتثال المحكوم ألوامر السلطة الحاكمة وتقرير الجزاء المترتب عن
ذلك
ب -أن القانون ظاهرة اجتماعية
معنى ذلك أنه أينما يوجد قانون يوجد مجتمع بشري وال يمكن من الناحية المنطقية التسليم
بوجود القانون دون وجود المجتمع ألن اإلنسان المنفرد ليس إّال فرضا فلسفيا ال حقيقة واقعية،
فاإلنسان يولد من رحم المجتمع وال يمكن أن نتصّو ر عيشه بشكل منفرد عن المجتمع.
لذلك نجد بأنه ليس من الغرابة وجود ارتباط ناشئ و مستمر بين القانون والروابط
االجتماعية ،كما أن الرابطة االجتماعية في حد ذاتها تستلزم وجود مظهر خارجي تسير وفقه
وتنتظم على أساسه العالقات بين األفراد بشكل قد تتآلف فيه التصّو رات و تشترك حوله المصالح
أو تتضارب حسب الظروف و األهداف .
في هذه الحالة ال تبدو الحاجة إلى القانون كمجرد أداة ووسيلة تقدم الحماية الالزمة لتلك الروابط
و المصالح المتشابكة و المعقدة ،بل أنها تجعل من ذات القانون هدفا وغاية و مصلحة تستحق
الحماية و االهتمام .
عليه ليس من الغريب أيضا أن نتصور وجود قانون ال يغترف بعوالم النيات والضمائر التي
تجد لها سندا في األصل ضمن قواعد األخالق أو الدين الغير الـُملزمة بوجه عام .
أي أن القانون ال يتعامل مع النوايا مهما كانت شريرة أو طيبة ،بل يوجه إرادته إلى التعامل مع
ما هو كائن و موجود فمثال يقضي القانون بسقوط الحقوق واقعا نتيجة تقادمها بخالف ما تقضي
به قواعد األخالق أو الدين .
ج -القانون قاعدة وميزان القاعدة فيه العموم والتجريد.
والمقصود بكون القاعدة عامة أنها تنطبق على جميع المخاطبين بها أي أنها ال تنصرف لمخاطبة
شخص معّين بذاته وإّال كانت أمرا ،كاألمر اإلداري أو الحكم القضائي القاضي بإلزام شخص
بأمر معين ،وإنما هي من الشمول بحيث تنظم كّل األعمال التي تحكمها ،واألشخاص الذين
تحكمهم.
على أنه ال يجب أن ُيفهم العموم بمعنى أن القاعدة يجب أن تطّبق حتما على جميع
الموجودين على أرض الدولة ،أو على سائر التصرفات التي تصدر منهم فقد يقتصر األمر على
تنظيم تصرفات صادرة ضمن أحوال معينة بأشخاص معينين ،كالتصرفات الواردة على أموال
القاصر أو صحة التصرف في مرض الموت مثال .
كما أنها قد تنطبق على طائفة من األشخاص دون غيرهم كطلبة الجامعة أو التجار أو
المستثمرين دون أن يؤدي ذلك إلى إفقاد القاعدة معنى العموم.
فالعموم ال يرتبط بفئة من الناس يحصرها عٌّد بل إنه خطاب ُيوجه إلى فئة من الناس
بصفاتهم ال بدواتهم حتى ولو كان فردا واحدا .كما هو الحال بالنسبة للقاعدة التي تنظم تولي
منصب رئيس الجمهورية في الدولة إذ أنها تسري على كل من تتوفر فيه الشروط تولي الرئاسة
في الدولة بصفته ال بذاته.
والقاعدة في الوقت عينه مجردة بمعنى أنها تنشئ منذ مجودها مركزا قانونيا ووضعا ال
ينظر فيها إلى شخص معّين أو إلى واقعة معينة بل يكفي أن تتوافر في الشخص أو الواقعة
شروطها .فالقاعدة الخاصة بإلزامية أداء واجب الخدمة العسكرية على كل مواطن بلغ سن 19
سنة مع تمتعه بالشروط الجسمانية والبدنية ال تتعلق فقط بشخص أو أشخاص معينين بدواتهم وإنما
انطبقت على كل من تتوافر فيه تلك الشروط الملزمة .وهكذا.
والواقع أن العموم والتجريد فكرتان متالزمتان أو وجهان لخاصة واحدة ،غاية األمر
توصف القاعدة بتجريد عندما ُينظر إليها عند نشوئها وتوصف بالعموم إلى ما ُنظر إليه من حيث
أثرها عند التطبيق.
ثم إّن الغاية النهائية التي يمكن أن نستهدفها من خالل وسم القاعدة بهتان الفكرتان هي حتما
سعي الدوال إلى إقامة النظام في المجتمع والبحث عن السبل الكفيلة بالمحافظة على استقراره
بشكل متناسق وال يقبل أي اختالل .
هنا فقط سيفهم األفراد القيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها القانون لتلك األمم و المجتمعات و
األجيال القادمة .
د – القانون خطاب يستمد قيمته و قوته من الجزاء:
إن ما يعطي للقوانين قيمتها ،ليس مجرد وجود خطاب قانوني قادر على تنظيم االرتباط
االجتماعي فحسب بل إن األمر الجوهري الذي يميز قواعد القانون عن غيرها من القواعد
األخالقية والدينية ،هو ذلك الجزاء الذي يعتبر الوسيلة التي تملكها الدولة لضمان احترام القانون.
والجزاء في وضعه الحاضر يختلف باختالف موضوعه فقد يكون جنائيا قد يستهدف منه المشرع
تحقيق الغرض من العقوبة ممثلة في الردع بأنواعه المختلفة ،وقد يكون مدنيا يقصد به
المحاضرة السابعة
المحور الثاني :اإلطار ألمفاهيمي لفلسفة القانون
فلسفة القانون و ارتباطها بميادين العلوم االجتماعية
تنظر الفلسفة إلى القانون كظاهرة اجتماعية متعددة الجوانب التفاعلية ال يمكن فهمها وال دراستها
إال في ظل عالقتها بالعلوم االجتماعية ،بمعنى أنها ترى أن العلوم القانونية ترتبط بالعلوم
االجتماعية من خالل دراستها لإلنسان كفرد اجتماعي يتفاعل مع كل المعطيات االجتماعية وال
ينفصم عنها .
وبالتالي وفي ظل غياب هذا اإلطار ألتناسقي والترابطي الشامل لكل العلوم االجتماعية يظل
القانون عاجزا بمفرده عن تحقيق مبتغاه
أ ـ فلسفة القانون وارتباطها بعلم االجتماع
ال غرابة في أن يستشعر المرء و هو بصدد دراسة موضوع فلسفة القانون ،ذلك الترابط الثابت و
المستمر بين القاعدة م حيث نشأتها و حياتها و نهايتها و المجتمع كأطياف و أجيال متعاقبة ،وذلك
العتبارات منطقية حيث أن المجتمع الذي يفترض انه من يشكل اللبنة و األرضية التي ينشأ في
كنفها القانون و يتطور أو يستصنع من جديد إذا تغيرت الظروف االجتماعية أو طرأت مستجدات
على حياة األفراد فيه ،هو نفسه اإلنسان و الكيان و البنية الجماعية التي تبحث عن الحلول و
اإلشباع ألحاجي و ألمصلحي من القانون ،فال جرم إذن إذا قلنا في هذا المعنى بأن القانون يوجد
أينما وجد المجتمع .
لذلك يظل علم االجتماع يقدم حلوال ال غنى عنها في صناعة القانون ،لكونه األداة المثلى التي
تستطيع تقديم الحلول المناسبة للوضعيات و التحوالت و التطلعات المجتمعية ،مادام هذا العلم
يعنى بدراسة أحوال و سلوكيات األفراد و المجتمعات بشكل منهجي و تأصيلي دقيق و عميق و
يقدم في النهاية المعرفة بأحوال هذه المجتمعات بشكل يساعد في تبني الخيار القانوني القويم الذي
يتالءم مع كل الحاالت و العينات .
ب /فلسفة القانون و ارتباطها بعلم النفس
إن العالم المعاصر أضحى اكثر اهتماما بدراسة الحالة النفسية و النوازع السيكولوجية التي تدخل
في بناء الكيان النفسي لإلنسان و تكتمل معها الصورة النهائية للتناغم بين ما هو عقلي و بدني و
نفسي لكونها عناصر مؤثرة في جوهر و طباع اإلنسان من جهة و ألنها قد تشكل حلقة و ظرفا و
حاالت تنتفي معها المسؤوليات او الجزاءات على اختالف أنواعها و األغراض المرجوة منها من
ناحية أخرى .
الكل يعلم و بما ال يدع مجاال للشك بأن النوازع الشريرة و النوايا الخيرة و إن كانت ال تصلح إن
تكون محال للحكم و الجزاء إال أنها إذا أخرجت و ظهرت للعلن في شكل معين فإنها تجعل
الشخص محال للمسائلة الجزائية مثال .
لذلك يشكل وجود النية أو القصد اإلجرامي في الجاني أو المجتمع في ظروف معينة مجاال خصبا
للدارسين و الباحثين في مجال علم النفس للقول بمسؤولية الجاني عن تصرفاته من عدمها من
خالل التساؤل أيضا عن األسباب التي دفعته إلى اعتناق هذا المسلك و غيره من االنحرافات التي
أدت إلى وقوع الجريمة أو إلحاق األذى بالغير ليتدخل القانون و يضع تلك األسباب و الظروف
في صلب اهتماماته ،حيث يصبح الظرف حينها و السبب النفسي و الحالة السيكولوجية حاالت و
اعذارا مخففة او معفية من المسؤولية و العقاب مثال و غيرها من الحاالت كثير .
ج -فلسفة القانون وعالقتها بعلم السياسة
يرتبط علم القانون بعلم السياسة ارتباطا وثيقا إلى درجة أنه ال يمكن أحيانا الفصل بينهما ،وفي
هذا المعنى يقال بحق " ليس القانون سوى اإلرادة السياسية للدولة "
وبالتالي فإن القوانين الصادرة عن الهيئة التشريعية تعتبر جزءا ال يتجزأ من السياسة العامة
المتبعة في الدولة و تعبيرا صريحا عن خياراتها و أيضا قدرتها على مواكبة التحوالت و
المتغيرات التي قد تعترض مسارها ،لذلك يظهر الدور الجلي الذي تلعبه السياسة في تشكيل و
تطوير القانون و أيضا في العمل على تدارك النقائص و العقبات التي تعترض تفعيله و إنفاذه فعليا
،ولقد صدق من قال " أن علم السياسة هو فن الممكن وأن علم القانون هو علم الكائن الموجود "
إشارة إلى مدى الترابط بينهما وتداخل كل من قواعدهما التقريرية والتقويمية في الواقع .
د -عالقة فلسفة القانون بعلم االقتصاد :
يشكل االقتصاد احد أهم عناصر بقاء و استمرار الدولة المعاصرة و تمددها بشكل مؤثر وطنيا و
دوليا ،حيث تقاس قوة الدولة بما توفره ألفرادها من هوامش مريحة من االكتفاء ألحاجي أو على
األقل جعلهم يستمتعون ببعض الرفاهة حسب الظروف و األحوال ،وهي مهمة موكلة في أصلها
إلى أهل االختصاص من رجال االقتصاد الذين يملكون من المعارف العلمية ما يمكنهم من معرفة
الظروف و األحوال و الواقع و المتطلبات و الحاجيات التي تحتاجها المجتمعات بشكل علمي و
منهجي دقيق ،و أيضا يملكون القدرة على التنبؤ بالطوارئ و التحوالت و تأثيرها على تغيير
الميول و الخيارات االستهالكية مثال للمواطنين في الدولة بما يؤدي في النهاية إلى حماية ذات
الدولة من االضطرابات حال األزمات .
أما في مجال التنظيم القانوني لهذه الظواهر يتدخل القانون بقواعده لتنظيم األنشطة و تقدير
الوضعيات و تقديم الحلول المناسبة تبعا لألوضاع السائدة و اإلمكانات المتوفرة و األهداف
المنشودة ،وفي سبيل ذلك نجد أن القانون يستفيد من الدراسات االقتصادية في بيان الخيار
االقتصادي الذي يمكن للدولة انتهاجه من اجل تحقيق التنمية في إطار العدالة االجتماعية و حماية
المقدرات لألجيال المستقبلية مثال او التركيز على توفير هامش مريح من الحماية للطبقات
الضعيفة او الفئات الهشة او حماية األنشطة االقتصادية لبعض القطاعات العمومية و العمل على
إقرار جملة من التدابير الخاصة بتنظيم مجال من المجاالت التجارية او الصناعية و غيرها من
المواضيع وفقا السياسة التشريعية الوطنية .
ع -عالقة فلسفة القانون بعلم التاريخ
يرتبط القانون بالتاريخ ارتباطا وثيقا و ال يمكن أن نتصور في عالمنا المعاصر وجود قانون خلق
بمعزل عن الظاهرة التاريخية ،و عليه فان الحديث عن قانون الحاضر يستلزم بالضرورة
الحديث عن الظروف التي نشأ فيها و السياقات الزمنية و المكانية و المجتمعية التي أدت إلى
بلورته و صناعته و األهداف المستقبلية التي يستهدف تحقيقها
المحاضرة الثامنــــــــــــــــــــــــــــــــــة
-3فلسفة القانون و المناهج القانونية المتبعة :
إن دراسة الظاهرة القانونية ال يمكن أن تتم بصورة فعالة إال بإتباع الباحث أو الدارس لها لمناهج
ترتسم له معها معالم الطريق لتحقق في النهاية الغاية المنشودة منها ،لذلك يشكل الحديث عن
المناهج المعتمدة في الدراسة القانونية معلما أصيال و مظهرا من مظاهر االعتناء بالقانون وفقا
للفلسفة السائدة في الدولة ،و هو الشيء الذي يمكن لنا أن نتلمسه من خالل إلقاءنا لنظرة موجزة
على األثر الذي تركه رواد المذاهب المختلفة و االطالع على دورهم في إثراء حقل الدراسات
الفلسفية التي تعنى بمختلف المواضيع ذات الصلة بعلم القانون منذ القرن 19تقريبا .
و هي المذاهب التي تنقسم إلى :
المذاهب الشكلية :و هي المذاهب التي تنظر إلى القانون بوجهة نظر شكلية من حيث اعتبار
القانون قاعدة ملزمة تتضمن خطابا يسري على الكافة ،صادر عن سلطة ذات سيادة تكفل تطبيقه
و إنفاذه و لو بالقوة .
من أنصار هذه المدرسة االنجليزي اوستن ،و النمساوي كلسن ،باإلضافة إلى رواد مدرسة
الشرح على المتون و الفقيه األلماني هيجل .
المذاهب الموضوعية :من أهم روادها الفقيه سافيني و اهرنج و الفيلسوف مونتيسكيو ،و هي
المدرسة التي تبحث في جوهر القاعدة القانونية ال في شكلها من خالل البحث في األسباب و
الدوافع و الظروف المختلفة التي أدت الى نشوء القاعدة القانونية و المتمثلة أساسا في األسباب
االجتماعية و التاريخية و المثالية و العقلية فهي الوحيدة التي تشكل جوهر القاعدة القانونية و
الزاميتها دون غيرها من العناصر الشكلية األخرى .
ج -المذاهب المختلطة :و هي المذاهب التي تنظر إلى القاعدة القانونية بنظرة متكاملة تجمع بين
الشكل و الجوهر أي بين القانون كقاعدة ملزمة صادرة عن سلطة تعمل على إنفاذه و لو بالقوة و
بين كونه مزيج من األسباب و الظروف التي مهدت و ساهمت في صناعته بناءا على توافر
عناصر تاريخية و اجتماعية و عقلية و مثالية تعبر عن جوهر اإلنسان المخاطب بها وكيانه.
فلسفة القانون و المواضيع التي تعنى بدراستها :
أ /شمولية الدراسة الفلسفية لكل المواضيع ذات الصلة بالقانون :
تعنى فلسفة القانون بدراسة جميع المواضيع التي ترتبط بالقاعدة القانونية من حيث نشأتها و
تطورها و الغايات و األهداف المنشودة من ابتكارها و صناعتها و التساؤل عن كيفية صياغتها و
الطرق المعتمدة في تفسيرها و و تطبيقها و إنفاذها و إنهاء العمل بها و إلغاءها ،أي التوغل في
القاعدة القانونية و دراستها بشكل مستفيض ،لذلك تعتبر أساس المعرفة القانونية و محركها
النابض الذي ال يتبدد و ال يشيخ .
ب /البحث في التساؤالت حول القيمة المضافة التي تقدمها فلسفة القانون للباحث القانوني :
تطرح فلسفة القانون الكثير من األسئلة حول الظاهرة القانونية ولعل أهمها معرفة مراحل حياتها
والتساؤل كيف يخلق القانون وكيف يحيى وكيف يموت ،وبالتالي سنحاول اإلجابة عنها على
النحو التالي :
أوال :كيف ينشأ القانون ؟ مع بيان المذاهب الفقهية الشكلية والموضوعية والمختلطة التي تصدت
للموضوع
ثانيا :كيف يصاغ القانون ؟
مع بيان أنواع الصياغة المختلفة الجامدة منها والمرنة وكذا طرقها المادية والمعنوية
ثالثا :كيف يفسر القانون ؟ مع بيان قواعد التفسير المتعددة واتجاهات المدارس المختلفة في هذا
الشأن .
المحاضرة التاسعـــــة
أهم طرق الصياغة القانونية و أدوات صناعتها
من أجل الحديث عن تشريع يواكب سلسلة التطورات التي تعيشها المجتمعات و األجيال
المتعاقبة ،ال بد من وجود صياغة قانونية تتالءم و المطالب و التحوالت المجتمعية من جهة و
تتفق و السياسة التشريعية المنتهجة في الدولة أيضا ،لذلك ال غرابة في أن تلجا الدول إلى إسناد
هذه المهمة إلى أشخاص مؤهلين للقيام بهذه المهمة لكونهم يتمتعون برصيد معرفي و فني و علمي
و قانوني و لغوي يميزهم عن غيرهم من غير المشتغلين في الحقل القانوني .
بل إن هؤالء الصاغة ال يكفي فيهم توافر هذا الرصيد بل ال بد من أن يكونوا على قدر كبير من
المسؤولية في مواجهة مجتمعاتهم ،فهم صمام األمان الذي ينقل مختلف تلك األفكار الكامنة في
عقول الناس و فكرهم و يعملون بوسائلهم المعرفية على إخراجها من دائرة التصور و االعتقاد
إلى دائرة التبلور و الظهور في الحياة الواقعية دون زيف .
أ /مفهوم الصياغة القانونية و أهميتها :
أوال :تعريف الصياغة القانونية
جاء في المعجم الوسيط إن الصياغة تعني لغة الصناعة و هي مصدر صاغ يصوغ صياغة و
صاغ الشيء أي حسنه و هيأه على نحو مستقيم و يسمى عمل الحلي و صناعتها من ذهب و فضة
و نحوهما بالصياغة الن الصائغ يعنى بتزيينها و تجويدها على نحو الئق و جميل .
أما تعريف الصياغة القانونية اصطالحا فهي عملية تحويلية بمقتضاها يتم تحويل المادة األولية
للقاعدة القانونية من صورتها النظرية إلى صورة عملية مستوفاة الشكل والمضمون وهذا بهدف
تطبيقها على الحاالت المعروضة والنزاعات القائمة .
كما عرفها الفقيه المصري أحمد شرف الدين على أنها ":أداة أو وسيلة للتعبير عن فكرة كامنة
لتصبح حقيقة اجتماعية يجري التعامل بها على أساسها " .
ثانيا :أهمية الصياغة القانونية
ان الحديث عن قاعدة قانونية ليس مجرد حديث عن مجموعة من الرموز و الكلمات و األلفاظ و
العبارات و الشكليات الواجب معرفتها من اجل تقديم نص و اإلجابة عن انشغال عارض او مؤقت
يعتري و يعترض حياة المجتمعات فقط بل هو عملية فنية و علمية و عملية تمنح المجتمع شعورا
باألمن و الطمأنينة و تقدم له حلوال راقية تتجاوب مع مستواه العلمي و الحضاري أيضا ،لذلك
يشترط في القاعدة ان تكون صادرة عن إرادة محترفة و صادقة و مؤتمنة تعرف حجم المسؤولية
الملقاة على عاتقها و تقدر االئتمان الموضوع فيها .
و عليه ال يغدو دور المشرع مجرد نقل األفكار و المطالب في شكل مكتوب كميا او نوعيا بل
يتجاوزه الى حماية المجتمع من القواعد التي تتصادم و نماءه و تحول دون تطوره نحو األفضل .
و أيضا العمل على حماية الدولة و مؤسساتها من القواعد التي تشكل انحرافا و خطرا يهدد كيانها
و استمرار بقاءها كل هذا دفع الفقهاء إلى القول بأن الصياغة القانونية هي ركن أساسي للقاعدة
القانونية وليست مجرد عنصر فيها ،كما يؤكد هؤالء وبحزم على ' أن جانبا كبيرا من نجاح
القاعدة القانونية يتوقف على الدقة في الصياغة وعلى حسن اختيار أدواتها '.
ولعل من ابرز األمثلة على األهمية العملية التي تقدمها الصياغة الجيدة للمجتمعات هي تلك
القواعد التي تحد من سلطة القاضي في التوسع في تفسير القواعد القانونية بالقدر الذي يترتب عنه
المساس بحرية األشخاص مثال باعتبارها شيء مقدس ال يجوز المساس به و عليه نجد اغلب
التشريعات تلزم القضاة بإعمال طريق التفسير الضيق للنصوص في هذه الحالة درءا لمخاطر
التوسع الذي قد يكون في غير مصلحة المحكوم عليهم جزائيا .
ب /أنواع الصياغة القانونية :
ان اغلب األنظمة القانونية المقارنة ال تعترف اال بنوعين من أنواع الصياغة القانونية ،و تقسمها
على هذا النحو إلى صياغة جامدة و ثانية مرنة ،حيث لكل منهما خصائص و مزايا ،حتى و لو
كانتا ال تخلوان كأي موضوع و مجال معرفي من المساوئ و اإلشكاليات التي قد تعترض
إعمالهما .
بل إن بعض األنظمة القانونية قد ال تلجأ إلى الصياغة المرنة إال استثناءا وفي بعض المجاالت
القانونية المحدودة نظرا لطابع الخصوصية الذي تتسم بها قواعدها وإجراءات تعديلها و تغييرها ،
و على العكس من ذلك فان مجاالت قانونية أخرى تشكل فيها القواعد المرنة السمة المهيمنة على
قواعدها و أحكامها بسبب طبيعة قواعدها وخصوصية مواضيعها .
وهي األنواع التي سنحاول بيانها على النحو التالي :
أوال /الصياغة الجامدة :
هي الصياغة التي تحصر جوهر او مضمون النص في معنى ثابت ال يتغير بتغير الظروف أو
المجتمعات و األجيال ،على نحو تتحقق معه الثبات و استقرار المعامالت و بالقدر الذي يمتنع معه
إتاحة الفرصة للعاملين في الحقل القانوني كالقضاة مثال لتقديره .
كما انه بالنسبة للمخاطب به قطعي الداللة و ال يحتمل أكثر من معنى ،أي أن معناه واضح
ببساطة وبصورة جازمة ال تحتمل أي حمل على معاني أخرى و ابرز مثال على ذلك نص
المشرع الجزائري في قانون العقوبات على انه ال عذر لمن يقتل أباه أو أمه أو احد أصوله في
الجرائم الواقعة ضد األصول و بالتالي جعل المشرع من هذا ثابت لكل الحاالت و في كل
الظروف ،لذلك فان أي تفسير ال يتالءم مع الغاية و الهدف من العقاب وفقا لهذا النص و هو
تشديد العقوبة على كل من يقتل أباه وا أمه او احد أصوله يعتبر خروجا عن الفهم الصحيح و
الثابت للنص .
مثال أخر :تحديد المشرع للسن القانونية الكتمال األهلية ب 19سنة و هي قاعدة غير قابلة
للتعديل و إنما تتسم باالستقرار و الثبات .
/1مزايا الصياغة الجامدة :
الصياغة الجامدة سهلة التطبيق إذ يقتصر دور القاضي على تطبيقها بشكل شبه آلي دون توسيع
أو تضييق اعتمادا على التركيب اللغوي و النحوي الصريح .
الصياغة الجامدة تحقق الثبات واالستقرار في المعامالت بحيث أنها تطبق بنفس الشكل دون تأويل
وبالتالي تكون أحكامها متماثلة لدى الكافة مما يؤدي إلى تحقيق أهداف و غايات التشريع كمبدأ
المساواة أمام القانون و أمام القضاء أيضا .