You are on page 1of 17

‫المحور األول ‪ :‬ماهية المنهج و أهميته في العلوم القانونية‬

‫األولى ‪:‬‬ ‫المحاضرة‬


‫مفهوم المنهج و علم المناهج‬
‫مفهوم المنهج‬
‫تعريف المنهــــــــــــــــــــــــــــج ‪:‬‬
‫إن مقتضيات الدراسة المنهجية تفترض علينا كباحثين و دارسين ألي موضوع قانوني تعريفه و‬
‫تقديم مدلول له يتالءم و الهدف المنشود و المرجو من الدراسة ككل ‪.‬‬
‫و في مجال دراستنا اختلفت التعريفات حول مدلول كلمة منهج كل بحسب الزاوية التي ينظر منها‬
‫و أيضا الوظيفة التي قد يؤديها ذلك التعريف ‪ ،‬لكنها تتفق فيما بينها بان المنهج هو كل طريق أو‬
‫سبيل يؤدي في النهاية إلى الوصول إلى المعرفة و إدراك العلوم المرتبطة بها بشكل مفهوم و‬
‫منظم و دقيق و موضوعي ‪.‬‬
‫و لبيان أفضل و معرفة اشمل بمدلول المنهج في موضوع دراستنا حاولنا إيراد تعريفات له على‬
‫النحو اآلتي ‪:‬‬
‫المدلول اإلصالحي للمنهج ‪:‬‬
‫لم يتبلور المدلول االصطالحي للمنهج إال في بداية القرن السابع عشر حيث أصبح يفيد معنى‬
‫طائفة القواعد العامة المرسومة بشكل دقيق ‪ ،‬والتي تستهدف الوصول إلى الحقيقة في العلم ‪ ،‬أو‬
‫هو كل طرق التفكير العلمي التي يتبعها الباحث في مختلف دراساته وبحوثه تحقيقا لغايات علمية‬
‫و معرفية‪ ،‬بناءا على إتباع طرق عقالنية مرتبة و منظمة و موضوعية و منضبطة و بعيدة عن‬
‫العشوائية ‪.‬‬
‫أو كما يعرفه الفيلسوف ديكارت في بحثه " مقال في المنهج " على أن المنهج هو ‪ ":‬مجموعة‬
‫القواعد اليقينية و البسيطة التي تضمن لمن يراعيها بدقة أال يفترض ابدأ الصدق في ما هو‬
‫كاذب ‪ ،‬و أن يصل إلى علم صحيح بكل ما يمكن العلم به أو هو توجيه العقل بالكيفية التي تسمح‬
‫بان يصدر أحكاما صارمة و صادقة على الموضوعات التي تمثل له " ‪.‬‬
‫ب –المدلول اللغوي لكلمة منهج ‪:‬‬
‫إن أصل كلمة منهج المستعملة اليوم في جل اللغات األكثر تداوال في العالم ‪ -‬على غرار اللغة‬
‫الفرنسية التي يستعمل فيها كلمة منهج بمصطلح ‪ Méthode‬او تحت مصطلج ‪Methods‬‬
‫باإالنجليزية و ‪ Metodo‬بااليطالية ‪ -‬كلها مصطلحات تفيد نفس المعنى وهي مشتقة من الكلمة‬
‫اليونانية ‪ Methodos‬أو ‪ Methodus‬بالالتينية و التي تعني المتابعة ‪ ،‬والتي تشتق من األصل‬
‫الالتيني ‪ Odos‬و التي استعملها الفيلسوف ارسطو بمعنى البحث أو النظر أو المعرفة للداللة عن‬
‫الطريق المؤدي إلى تحقيق الغرض المطلوب من خالل مواجهة المصاعب و العقبات ‪ ،‬وعلى‬
‫هذا النحو فان معنى المنهج عند اليونانيين معناه متابعة الطريق ‪.‬‬
‫أما مدلول المنهج في الّلغة العربية فقد جاء بمعاني مختلفة كما هو الحال في لسان العرب البن‬
‫منظور حيث عرفه على أنه ‪ ":‬طريق نهج ‪ ،‬بين واضح ‪ ،‬و الجمع نهجات و ُنَه ج و ُنهوج و‬
‫المنهاج ‪ :‬الطريق الواضح و النهج ‪ :‬الطريق المستقيم و عليه فان الجذر نهج يدل في اشتقاقاته‬
‫المختلفة يدل على الطريق و االستقامة و الوضوح و االستبانة ‪.‬‬
‫كما عرفه الفقيه عبد الرحمن بدوي ‪ ":‬المنهج هو الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في‬
‫العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل و تحدد عملياته كي يصل إلى‬
‫نتيجة معلومة " ‪.‬‬
‫ج‪ /‬وظائف المنهج ‪:‬‬
‫بالرغم من عدم استقرار الفقه على تقديم مدلول و معنى موحد للمنهج ‪ ،‬إال أن ذلك لم يمنع هؤالء‬
‫من بذل جهود كبيرة في تقريب هذا المفهوم إلى الباحث و الدارس لمختلف المجاالت التي ترتبط‬
‫بالقانون بشكل أكثر مرونة و بساطة ‪ ،‬ذلك أن تحديد هذا المفهوم " المنهج " ليس من باب التحديد‬
‫الفلسفي النظري فحسب بل له من األهمية العملية ما يمكننا من االتفاق حول الحد األدنى المقبول‬
‫علميا و معرفيا لدى أهل االختصاص القانوني على اختالف مشاربهم " فقهاء قانون ‪ ،‬باحثين و‬
‫أكاديميين ‪ ،‬مشرعين ‪ ،‬قضاة " للقول بجدوى تلك الدراسات أو االجتهادات واالبتكارات أو‬
‫الحلول المقدمة للمجتمعات ‪،‬و ذلك من خالل البحث و االطالع و التأكد من الطريقة أو المسلك‬
‫الذي اعتمده هؤالء للوصول إلى هذه النتائج و تقديم اإلجابات المنتظرة منهم بشكل صحيح ‪.‬‬
‫و في المقابل من ذلك ال يزال الجدل الفقهي و الفلسفي يهيمن على تحديد الوظيفة التي يؤديها‬
‫المنهج بشكل عام و في مجال الدراسات و البحوث القانونية وبوجه خاص ‪.‬‬
‫وهي الوظيفة التي ال تخرج عن حاالت ثالث ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬االتجاه الشكلي‬
‫يرى أنصار هذا االتجاه بان وظيفة المنهج وظيفة تنظيمية وترتيبية تدفع بالباحث إلى تنظيم‬
‫أفكاره ومعارفه ومعلوماته بشكل صحيح و متسلسل و مرتب ‪ ،‬وبالتالي يظل دور المنهج في هذه‬
‫الحالة شكليا منصبا على الظاهر دون الباطن ‪ ,‬وفي هذا المعنى‬
‫يقول األستاذ عبد الرحمن بدوي أن 'المنهجية هي فن التنظيم الصحيح لألفكار" ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬االتجاه الموضوعي‬
‫و هو االتجاه الفقهي و الفلسفي الذي يوسع من دائرة هذه الوظيفة ويرى أن للمنهج وظيفة تعليمية‬
‫تثقيفية تزيد في ملكات الباحث وتساهم في الرفع من زاده و رصيده المعرفي ‪ ،‬وال تقتصر على‬
‫تنظيم البحث القانوني و ترتيبه بشكل متسلسل فقط ‪ ،‬حيث يقول الفيلسوف الفرنسي ديكارت في‬
‫هذا الصدد ' أن المنهج السليم يزيد تدريجيا في معرفة المرء ويرفعها إلى أعلى مستوى' ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬االتجاه المتكامل‬
‫و هو االتجاه الفقهي و الفلسفي الذي وقف موقفا وسطا من االتجاهين ألسابقي الذكر ‪ ،‬حيث يرى‬
‫بأن الغايات المنتظرة من إعمال المنهج ال تتحقق إال بالجمع بين وظيفتيه الشكلية والموضوعية ‪،‬‬
‫أي من خالل الجمع بين ترتيب المعارف و تنظيمها لدى الباحث مع ضرورة العمل على تنميتها و‬
‫االستزادة منها و فيها و السعي بكل ما أوتي من إمكانات وراء تطويرها بالقدر الذي يمكنه من‬
‫تقديم العلم و المعرفة بشكل مقبول و مفهوم و منظم في نهاية المطاف ‪.‬‬

‫المحاضرة الثالثة‬
‫ثالثا ‪ :‬أهمية المنهج القانوني عبر مختلف مراحل نشأة وحياة القاعدة القانونية‬
‫من المستقر عليه لدى أهل االختصاص القانوني‪ ،‬بأن للقاعدة القانونية مسارا و حياة يشبه إلى حد‬
‫ما حياة اإلنسان‪ ،‬فالقاعدة القانونية المخاطب بها األفراد ال تصبح نافذة في مواجهتهم إال بعد‬
‫استكمالها لمراحل خلقها ثم صياغتها و انتهاء بتطبيقها و تفسيرها ‪.‬‬
‫و هي بحسب معيارها الزمني طويلة األمد أو قصيرة بحسب الظروف و األحوال و الحاجة إليها‪،‬‬
‫و هو ما يجعلها عرضة للتعديل أو اإللغاء النهائي ‪.‬‬
‫هذه الظروف و األحوال و المتغيرات حتما ستشكل بالنسبة لصانعي القواعد القانونية أسبابا و‬
‫اعتبارات منطقية و واقعية تقتضي أخذها بعين االعتبار عند وضع أي تشريع ‪ ،‬و هو ما يجرنا‬
‫بالتبعية إلى إثارة فكرة الحاجة إلى المنهج المالئم و المناسب لكل حالة و مرحلة على حدا ‪.‬‬
‫في مرحلة النشأة‪:‬‬ ‫·‬
‫ال بد من االعتماد على منهجية محددة المعالم أثناء إنشاء القاعدة القانونية في بدايتها ‪ ،‬لذلك يلجئ‬
‫أهل االختصاص مثال الى إشراك جميع الفاعلين في المجال القانوني او الموضوع محل التشريع‬
‫و التقنين بوجه عام ‪ ،‬و هذا عن طريق الدراسة المستفيضة لمختلف العوامل المشكلة و المنشئة‬
‫للقاعدة ‪ ،‬و من ثم الوقوف على مدى تقبل المجتمع لها و قبوله بها كوسيلة و غاية تعبر عن أماله‬
‫و تطلعاته ‪ ،‬فال يمكن أن نتصور وجود قانون بدون وجود مجتمع يحتضن النصوص و يحتفي بها‬
‫في مرحلة الصياغة‪:‬‬ ‫·‬
‫على غرار االهتمام الذي توليه المجتمعات للصورة النهائية التي تصدر فيها األشياء أو تظهر بها‬
‫الوقائع و الظواهر و األحداث " كصورة المولود مثال " ‪ ،‬فان للقانون صورة وواجهة وظيفتها‬
‫نقل األفكار و التصورات و المناقشات التي دارت و انتهت بشأن موضوع قانوني محل تنظيم‬
‫بالمفهوم الفني من حالة التجريد و التنظير إلى الحالة العملية الملموسة واقعا ‪ ،‬هذه العملية تحتاج‬
‫أن يتبع المشرع فيها منهجا معينا لصياغة أفضل و اثر أعمق ‪.‬‬
‫لذلك تركت للمشرعين حرية تقييد النصوص او إطالقها أو اعتماد جمودها أو مرونتها ‪،‬‬
‫وإصدارها في صيغة و شكل معين " كاألرقام و الشكليات " ‪ ،‬أو تضمينها مجموعة من القرائن و‬
‫الحيل القانونية ‪.‬‬
‫في مرحلة تفسير القاعدة القانونية‬ ‫·‬
‫كأصل عام ال يثير إعمال القاعدة القانونية أي إشكال أثناء بداية إنفاذها و العمل بها فعليا ‪ ،‬فهي‬
‫متى صدرت ضمن الشروط و القواعد المقررة قانونا فانها تصبح ملزمة في مواجهة الكافة و ال‬
‫حاجة لالعتداد بجهلها أو عدم العلم بها إال ضمن الظروف و األحوال القانونية أيضا ‪.‬‬
‫لكن في بعض األحيان قد يصطدم تطبيق القاعدة بما من شانه ان يثير إشكاالت بالنسبة للعاملين‬
‫بها و المتضررين من سوء فهمها نتيجة غموضها ‪ ،‬لذلك جعلت الدول للقاضي سلطة تفسيرها‬
‫بدون توسع او تضييق حسب الظروف و األحوال و أيضا ضمن إتباع تقنيات محددة تساعد في‬
‫معرفة اإلرادة الحقيقية التي أرادها المشرع من النص ‪.‬‬
‫فواضح النص الذي يمكن فهم معانيه من خالل األلفاظ و العبارات الواضحة الداللة يختلف عن‬
‫النصوص المعيبة او الغامضة او المتناقضة ‪..‬الخ و التي يتضمن مضمون النص فيها و فهمه‬
‫أكثر من معنى ‪.‬‬
‫لذلك نجد بان القاضي يلجأ الى اعتماد أسلوب التفسير العام للنصوص الواضحة الداللة من خالل‬
‫بيان طبيعتها و شكلها بالرجوع إلى ألفاظها و معانيها على خالف النصوص المعيبة التي يعتمد‬
‫القاضي في تفسيرها على أساليب التفسير الخاص و الخارجي للنص ‪ ،‬حيث يفهم المعنى المرجة‬
‫من النص من خالل سياق النص أو الرجوع إلى الحكمة من التشريع أو األعمال التحضيرية و‬
‫المذكرات اإليضاحية أو عرض األسباب أو المصادر التاريخية و غيرها من المصادر و األسباب‬
‫و االعتبارات التي نشأت في كنفها و بسببها القاعدة القانونية ‪.‬‬
‫مرحلة المراجعة بالتعديل أو اإللغاء‬ ‫·‬
‫إن الطبيعة المتغيرة في القانون إنما تستمد هذه الخصوصية " التغير " من الطبيعة " الوضعية "‬
‫لقواعده و التي تعبر أيضا عن التغيرات و التحوالت التي يعيشها اإلنسان من زمن آلخر و من‬
‫مكان آلخر ‪ ،‬بل إن فكرة التحول في حد ذاتها تعتبر في رأي كثير من الفقه معيارا للقول باستحالة‬
‫ثبات القاعدة القانونية ‪ ،‬و لعل ابرز مثال على ذلك تحول كثير من النظم العربية إلى التآلف مع‬
‫القانون الوضعي ‪ ،‬أو التحول في منظومة الدول من مكافحة اإلجرام الوطني إلى االشتراك في‬
‫مكافحة الجريمة العابرة للحدود و األوطان عبر نطاق دولي أو التغير الذي أضحى يهيمن على‬
‫النشاط اإلداري باالنتقال من إتباع أسلوب اإلدارة العامة الكالسيكية إلى اإلدارة االلكترونية ‪....‬و‬
‫هي بعض من المستجدات و النوازل التي أرخت بظاللها و دفعت الدول إلى إعادة النظر في‬
‫نظامها القانوني بالشكل الذي يقدم حلوال أكثر و مالئمة اكبر مع طموحات و تطلعات مجتمعاتها ‪.‬‬
‫و لتحقيق هذه الموائمة بين النص و الواقع يلجأ المشرع الى مراجعة القوانين بتعديلها أو إلغاءها‬
‫بشكل نهائي مع مراعاته في ذلك لمبدأ الموازنة بين ضرورة التشريع و مقتضيات استقرار‬
‫المعامالت و المحافظة على الحقوق و الحريات و المراكز القانونية التي نشأت من قبل ‪.‬‬

‫المحاضرة الرابعــــــــــــــــــــــــــــة‬
‫مقدمـــــــــــــــــــــــــة‪:‬‬
‫إن الغرض من دراسة القانون أو فلسفة القانون هو محاولة استقطاب اهتمام الباحثين و الدارسين‬
‫لهذا الحقل المعرفي و العلمي الهام ‪ ،‬و ذلك من خالل التعريف بالقانون وبيان خصائصه وأهميته‬
‫وضرورته بالنسبة للمجتمعات ‪،‬و التعرف على نطاق تطبيقه و مجال ارتباطه و اتصاله بالعلوم‬
‫األخرى و الوقوف أيضا على حجم الحلول و اإلجابات التي يمكن أن يقدمها لمختلف الفاعلين و‬
‫المشتغلين في الحقل القانوني أيضا ‪.‬‬
‫‪ – 1‬مفهوم أصول القانون و فلسفة القانون ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تحديد مدلول أو معنى أصول القانون ‪:‬‬
‫بداية ال بد من اإلشارة إلى أن العالم العربي لم يكن يعرف فلسفة القانون بهذا المعنى المتاح‬
‫اليوم ‪ ،‬و إنما ارتبطت أولى الدراسات التي اهتمت بمجال العلوم القانونية بما في ذلك التعرف‬
‫على أصل القانون من خالل علم أصول القانون ‪.‬‬
‫بل انه ليس ثمة علم واضح المعالم وبّين الحدود يسمى علم أصول القانون ولكن توجد‬
‫دراسات تبحث في القانون وفي نشأته وتطوره وفي طبيعته ومصادره وأقسامه‪.‬‬
‫وقد ُع نيت األمم المختلفة بهذه الدراسات بقدر يختلف و حاجاتها إلى فهم الظواهر بشكل‬
‫يوفر حلول وإجابات للوقائع واألحداث التي تعيشها المجتمعات البشرية اليوم ‪ ،‬لذلك ال غرابة في‬
‫أن نجد بأن المعرفة بأصل القانون و إن كانت ال تكفي لوحدها في بيان القيمة المضافة التي تقدمها‬
‫الدراسات الفلسفية المتعاقبة لمختلف المواضيع ذات الصلة بتكوين و حياة القاعدة القانونية و‬
‫نهايتها و سبل تحقيق الكفاية التشريعية منها و إنما يبدو األمر ذو أهمية بالنسبة للدول أيضا من‬
‫خالل التعرف على خياراتها و موقفها من المتغيرات و المستجدات التي تعترض سير و تقدم‬
‫مجتمعاتها ‪ ،‬وذلك عن طريق الوقوف على فلسفة الدولة في اختيار الطرائق و المناهج األنسب‬
‫للتفاعل مع تلك التحوالت و مراعاة مدى جدواها و كفايتها القانونية عمليا كما هو الحال بالنسبة‬
‫للعمل التشريعي والقضائي و غيره من المجاالت التي تساهم في تشكل الصورة النهائية للنشاط‬
‫القانوني ‪ ،‬و تمكن من محاولة رسم حدود واضحة لنظرية عامة في القانون‪.‬‬
‫و لما كان القانون يختلف باختالف البيئة و األجيال فقد هيمنت على النظرية العامة للقانون تحاليل‬
‫مختلفو ‪ ،‬لكنها لم تكد تخرج عن نواح ثالث‪:‬‬
‫الناحية التحليلية ‪ :‬وهي تبحث القانون كما هو في الوقت الحاضر وتحلل عناصره متأثرة‬ ‫‪-‬‬
‫بحالة المجتمع وظروفه المحيطة وطبيعة األجيال‪.‬‬
‫الناحية المقارنة‪ :‬وهي ال تقف عند قانون معين وال تتأثر ببيئة خاصة بل تجعل من مقارنة‬ ‫‪-‬‬
‫القوانين أساسا مرجعيا تستخلص منه القواعد التي تسير وفقها كل القوانين‪.‬‬
‫الناحية التاريخية‪ :‬وهي تتعقب القانون عبر مسار ومراحل تطّو ره وتتبعه في تنقله من جيل‬ ‫‪-‬‬
‫إلى جيل فتسجل قواعد نشوءه ونمّو ه وتطّو ره‪.‬‬
‫على أنه ليس من السهل أن يقتصر دور الباحث أو الدارس ألي موضوع قانوني خارج‬
‫التركيز على هته العناصر أو النواحي الثالث لذلك نجده يبذل قصار جهده في أن يّلم بها ابتداء ثم‬
‫يقوم بإعمالها جميعا وهو بصدد القيام بدراساته وأبحاثه‪.‬‬
‫و بذلك أصبحت فلسفة القانون في الظهور بشكل الفت كجزء من النظرية العامة للقانون و تم‬
‫افراد مقياس لها ضمن الدراسات القانونية المعاصرة في مختلف الجامعات عبر العالم ‪.‬‬
‫و عليه يطرح التساؤل ما المقصود بفلسفة القانون ؟‬
‫ب – تعريف فلسفة القانون ‪:‬‬
‫عرف ارسطو الفلسفة بأنها ‪ ":‬علم العموميات و معرفة األصول األولى و العلل التي تؤدي إلى‬
‫فهم األشياء " ‪ ،‬و هي لغة الحكمة أو محبة الحكمة ‪ ،‬كما تعرف اصطالحا بأنها فن العلوم الذي‬
‫يسعى إلى التأمل والتفكير والبحث عن الحقائق ومضامينها وتحليلها وتفسيرها والتعمق في‬
‫كنهها ‪ ،‬وكذا طرح كل األسئلة التي تثار بشأنها سواء ما كان ملموسا منها أو تعداها إلى‬
‫الميتافيزيقية وما وراء الطبيعة ‪.‬‬
‫ويقصد بفلسفة القانون تلك المجموعة من األبحاث و الدراسات التي تبحث في أصل و غاية‬
‫القانون ‪ ،‬بمعنى البحث عن أصل و أساس القانون الوضعي و جوهره و محاولة تبرير وجوده و‬
‫أهميته و التساؤل حول مصدره و اكتسابه للقوة الملزمة ‪.‬‬
‫أو هو تلك المادة العلمية التي تهتم بدراسة الظاهرة القانونية كظاهرة إنسانية واجتماعية في‬
‫مختلف أبعادها‪ ،‬والتوغل في أعماقها ومضامينها المختلفة بدأ من تعريفها إلى أصلها‬
‫وطبيعتها ‪،‬ووظيفتها ونشأتها ‪ ،‬وصياغتها وتفسيرها وتطبيقها وتعديلها وإلغائها ‪،‬أي أنها تحاول‬
‫اإلجابة على أهم اإلشكاالت المطروحة على مر حياتها ‪ ،‬والتي تدور أساسا حول التساؤل عن ‪:‬‬
‫كيف يولد القانون ؟ وكيف يحيى ؟ وكيف يموت؟‬

‫المحاضرة الخامسة‬
‫‪ -2‬الغرض من دراسة فلسفة القانون ‪:‬‬
‫إن الغرض من دراسة أصول القانون أو فلسفة القانون وفقا للمنظور المعاصر يستهدف العمل‬
‫على تمكين الباحث من استيعاب المبادئ الرئيسة التي يقوم عليها القانون قبل التعرض إلى‬
‫المسائل التفصيلية التي ترتبط به‪ ،‬لذلك نجد أن المستقر عليه لدى أهل االختصاص القانوني أن‬
‫يجعلوا لهذا العلم مقدمة ثم العمل بعدها على وضع بين يدي الدارس أهم المبادئ التي تعّد الزمة‬
‫لفهم القانون والتعريج بعدها إلى تحديد طبيعته وبيان مصادره تمهيدا لتفصيل فروعه‪.‬‬
‫هذا وإن البحث في مجال فلسفة القانون قد يكون بسيطا بقدر يتالءم ومستوى المبتدئ في‬
‫دراسة القانون‪ ،‬كما هو الحال في محاضراتنا المخصصة في المقرر الدراسي في كّلية الحقوق أو‬
‫أنها قد تكون دراسة عميقة وفلسفية تسمو بالمعرفة القانونية إلى درجات من التجريد واالستقراء‬
‫المنطقي والتعمق العلمي تتفق مع مستوى من تجاوز مرحلة دراسة القانون إلى مرحلة استخالص‬
‫ما فيه من فلسفة وعلم‪ ،‬وهذا إنما يكون خاتمة للدراسة القانونية ال مقدمة لها‪.‬‬
‫ومهما يكن من الصبغة االبتدائية التي نتوخاها في دراسة فلسفة القانون إّال أن ذلك ال يمنعنا‬
‫من أن نبسط المبادئ الفلسفية والعلمية التي ترتكز عليها دراسة القانون بشكل يمتزج فيه الجانب‬
‫العملي مع الجانب النظري من أجل تمكين الطالب من تكوين تصور دقيق حول القانون قبل أن‬
‫يخوض غمار الحياة العملية أو الوظيفية أو المهنية‪.‬‬
‫‪ -3‬التطور التاريخي لعلم فلسفة القانون ‪:‬‬
‫اهتمت األمم المختلفة بدراسة القوانين وأصولها بشكل مختلف حسب طبيعة النظام القانوني السائد‬
‫في كل دولة والهدف والغاية من الدراسة في حد ذاتها‪.‬‬
‫فقد ُع ني الفقه اإلنجليزي واألمريكي بدراسة أصول القانون تحت تسمية علم القانون وكثرت‬
‫مؤلفاتهم في هذا الشأن وانتشرت بشكل الفت ومؤثر على غرار الفقهاء (أوستن) و(بنتام)‬
‫و(إيموس) و(جراي)‪.‬‬
‫وعلى خالف من ذلك فإن الفقه الفرنسي لم يهتم بدراسة أصول القانون إّال في عهد قريب‬
‫على اعتبار أن الفرنسيين كانوا طوال القرن التاسع عشر ‪ 19‬مقتنعين بجدوى تقنيناتهم يشرحونها‬
‫على طريقة (مدرسة الشرح على المتون)‪.‬‬
‫ولم تكن دراسة القانون في الجامعات الفرنسية مشبعة بروح فلسفية بل إن ذات الجامعات لم‬
‫تكن تعنى بدراسة أصول القانون وإنما اقتصر دورها على دراسة المسائل التفصيلية لفروع‬
‫القانون وذلك نزوال عند رغبة وإرادة (نابوليون) ألنه كان يكره أن ُيدّر س القانون بروح فلسفية‬
‫حيث كان َيِس ُم هذه الدراسة بالخيال احتقارا ويعتقد أن دراسة التقنينات التي تم ابتكرها حينها‬
‫بطريقة علمية ُيعد كافيا لبيان ودراسة و فهم القانون‪.‬‬
‫لكن ذلك لم يمنع من ظهور بعض المحاوالت الفقهية خاصة فيما يتعلق بمجال التأليف‬
‫العلمي و هي المحاوالت التي أراد من خاللها الفقهاء الفرنسيون تجاوز مرحلة النظرة الكالسيكية‬
‫للقانون‪ ،‬فنشط كثير من الفقهاء في مجال تدوير المؤلفات القيمة في فلسفة القانون وفي طرق‬
‫البحث القانوني وأيضا في إطار البحث الفلسفي العلمي الذي يرتكز عليه القانون‪.‬‬
‫فقامت مدرسة علمية جديدة عوضت ما فات فقهاء األمس ومألت عالم الفكر القانوني‬
‫بمؤلفات هامة في فلسفة القانون بشكل دقيق ومعمق يتجاوز أحيانا ما جادت به المؤلفات‬
‫(األنجلوسكسونية) السابقة بل وتتجاوزها من حيث الترتيب المنطقي والوضوح ولعل من أهم‬
‫األعالم و الفقهاء الفرنسيين البارزين في هذا السياق نذكر كل من (سالي)‪( ،‬ديموج)‪( ،‬هوريو)‪،‬‬
‫(دوجي)‪( ،‬ريبار)‪( ،‬جوسران)‪ ،‬وأيضا (جيني)‪,‬‬
‫هذا األخير الذي الذي ألف كتابين يعتبران من أهم الكتب الفرنسية في فلسفة القانون وفي تحليله‬
‫العلمي يحمل األول عنوان (طرق التفسير في القانون الخاص) أما الثاني فقد خصصه لفن‬
‫الصياغة في القانون تحت عنوان (علم صياغة في القانون الوضعي الخاص)‪.‬‬
‫وال يقل الفقهاء األلمان انتاجا في مجال الدراسات التي تعنى بفلسفة القانون بل إنهم كانوا‬
‫سباقين في صناعة المدارس والمذاهب الفقهية التي ساهمت بشكل كبير في إثراء علم القانون‬
‫والشاهد أن لكل مذهب فلسفي لديهم نابغة وَع لٌم أضاف لمسة ال تزال مأثرة في مجال الدراسات‬
‫القانونية إلى يومنا هذا على غرار الفقهاء (سافيني) زعيم المدرسة التاريخية و(إهرنج) زعيم‬
‫الغاية االجتماعية و(كانت) و(ستاملر) و(هيجل) زعماء مذهب القانون الطبيعي‪.‬‬
‫إلى جانب الفقهاء األلمان برع اإليطاليون بنصيب أوفر في الحركة العلمية المرتبطة بمجال‬
‫فلسفة القانون من خالل لجوءهم إلى عملية ترجمة المؤلفات األلمانية ابتداءا ‪ ،‬خاصة تلك التي‬
‫ألفها (كانت) و(هيجل) ليستقلوا بعدها في أبحاثهم العلمية مقدمين نموذجا ال يقّل أهمية عن ما قدمه‬
‫سابقيهم من األمم األخرى‪ ،‬وبرز في هذا اإلطار كوكبة من الفالسفة والفقهاء على غرار (فيكو)‬
‫و(دلفيكيو) و(مانشيني) و(لمبروزو) و(فيري) وهم طائفة من الفقهاء قسمها األستاذ (جون ماك‬
‫دونل) أستاذ القانون المقارن جامعة لندن إلى فريقين‪ ،‬الفقهاء الوضعيون والذين ينظرون إلى‬
‫القانون نظرهم إلى الحقائق الواقعة‪ ،‬أما الفريق الثاني فهم المثاليون والذين ُيدِخلون في القانون‬
‫عامل الـُمثل الُع ليا مفرقين بين الواقع والواجب‪ ،‬متأثرين في ذلك بفلسفة (هيجل) وبتعاليم (كانت)‪.‬‬
‫هذا و قد عرفت الشرائع القديمة بعض محاوالت االعتناء بأصول القانون على غرار‬
‫القانون الرماني الذي ُع رف بأنه أضخم قانون وضعه البشر‪ ،‬يحث اشتهر الرومان إلى جانب دقة‬
‫مصطلحاهم الفنية ووضوح تقسيماتهم المنطقية ولطف ذوقهم القانوني‪ ،‬بخاصية البساطة وتجنب‬
‫التعقيد والغموض الذي يكتنف القوانين بوجه عام كما ُعرف عليهم أيًض ا تفوقهم ونبوغهم في‬
‫مجال الصياغة القانونية‪ ،‬أما الفلسفة القانونية وعلى غرار الفلسفة بوجه عام فلم يكن للرومان‬
‫نصيب منها كبير‪ ،‬ما عدا بعض المحاوالت التي جاء بها بعض الفقهاء ُأسوة بالمدارس اليونانية‬
‫على غرار مدرسة الرواقيين‪.‬‬
‫فقد تعرض هؤالء لمسائل ترتبط ارتباطا وثيقا بفلسفة القانون على غرار القانون الطبيعي‬
‫وقانون الشعوب ومصادر القانون ومع ذلك ظل تفوقهم الحقيقي في ميدان الصيا‬

‫المحاضرة السادسة ‪:‬‬


‫مقومات فلسفة القانون ‪:‬‬
‫أ‌‪ -‬القانون أساس و قيمة ثابتة في الكون ‪:‬‬

‫يمكن تعريف القانون بأنه كلمة مشتقة من لفظ (‪ )kanun‬والتي تعني العصا المستقيمة‪،‬‬
‫ويرد هذا المصطلح بمعاني وألفاظ مختلفة على غرار (‪ )Droit‬بالفرنسية أو (‪ )Dericto‬باللغة‬
‫اإليطالية أو بمصطلح المسطرة مثلما جرى عليه تداول هذا اللفظ في التشريع المغربي ‪.‬‬
‫فهي كلها مفاهيم و تعاريف ال تكاد تخرج عن الداللة على تلك العالقة المضطردة‬
‫والمتواترة بين ظاهرتين ‪ ،‬بحيث تسمى األولى بالحادثة أو الحدث أو الواقعة أما الثانية باألثر أو‬
‫الحكم أو النتيجة ‪ ،‬وبحكم العالقة المضطردة والثابتة والدائمة والرتيبة بينهما تتحقق نفس النتائج‬
‫وعلى نفس المنوال ‪.‬‬
‫وانطالقا من ذلك فإن الفلسفة تنظر إلى القانون كنظام تسير عليه أمور الكون على نمط رتيب‬
‫مضطرد‪ ،‬والذي يحتم وقوع اآلثار والنتائج كلما وقعت األحداث والمسببات وهذا ما نجده مثال‬
‫في قانون السببية والعلية ‪ ،‬وفي قانون اإليقاع بتعاقب الليل والنهار للداللة على الوتيرة الثابتة‬
‫في مرور الزمن ‪ ،‬وقانون الجاذبية للداللة على وجود قوة جدب بين أي جسمين بصورة طردية‬
‫وعكسية إتباعا للكتل والمسافة ‪ ،‬وقانون النسبية المثبت أن كل شيء نسبي زمانا‬
‫ومكانا ‪...‬وغيرها من القوانين الكونية األخرى‬
‫وترتيبا لذلك تذهب الفلسفة في مجال علم القانون إلى القول بأن للمجتمع قانون يحكمه ‪،‬‬
‫وهذا القانون ال يمكن أن يكون إال في صورة قواعد تقويمية تنظم العيش في الجماعة والتي يجب‬
‫على الكافة احترامها احتراما تكفله السلطة العامة بالقوة عند الضرورة ‪ ،‬وبالتالي فإن القانون‬
‫يستخدم كمعيار لقياس مدى امتثال المحكوم ألوامر السلطة الحاكمة وتقرير الجزاء المترتب عن‬
‫ذلك‬
‫ب ‪ -‬أن القانون ظاهرة اجتماعية‬
‫معنى ذلك أنه أينما يوجد قانون يوجد مجتمع بشري وال يمكن من الناحية المنطقية التسليم‬
‫بوجود القانون دون وجود المجتمع ألن اإلنسان المنفرد ليس إّال فرضا فلسفيا ال حقيقة واقعية‪،‬‬
‫فاإلنسان يولد من رحم المجتمع وال يمكن أن نتصّو ر عيشه بشكل منفرد عن المجتمع‪.‬‬
‫لذلك نجد بأنه ليس من الغرابة وجود ارتباط ناشئ و مستمر بين القانون والروابط‬
‫االجتماعية‪ ،‬كما أن الرابطة االجتماعية في حد ذاتها تستلزم وجود مظهر خارجي تسير وفقه‬
‫وتنتظم على أساسه العالقات بين األفراد بشكل قد تتآلف فيه التصّو رات و تشترك حوله المصالح‬
‫أو تتضارب حسب الظروف و األهداف ‪.‬‬
‫في هذه الحالة ال تبدو الحاجة إلى القانون كمجرد أداة ووسيلة تقدم الحماية الالزمة لتلك الروابط‬
‫و المصالح المتشابكة و المعقدة ‪ ،‬بل أنها تجعل من ذات القانون هدفا وغاية و مصلحة تستحق‬
‫الحماية و االهتمام ‪.‬‬
‫عليه ليس من الغريب أيضا أن نتصور وجود قانون ال يغترف بعوالم النيات والضمائر التي‬
‫تجد لها سندا في األصل ضمن قواعد األخالق أو الدين الغير الـُملزمة بوجه عام ‪.‬‬
‫أي أن القانون ال يتعامل مع النوايا مهما كانت شريرة أو طيبة ‪ ،‬بل يوجه إرادته إلى التعامل مع‬
‫ما هو كائن و موجود فمثال يقضي القانون بسقوط الحقوق واقعا نتيجة تقادمها بخالف ما تقضي‬
‫به قواعد األخالق أو الدين ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬القانون قاعدة وميزان القاعدة فيه العموم والتجريد‪.‬‬
‫والمقصود بكون القاعدة عامة أنها تنطبق على جميع المخاطبين بها أي أنها ال تنصرف لمخاطبة‬
‫شخص معّين بذاته وإّال كانت أمرا‪ ،‬كاألمر اإلداري أو الحكم القضائي القاضي بإلزام شخص‬
‫بأمر معين‪ ،‬وإنما هي من الشمول بحيث تنظم كّل األعمال التي تحكمها‪ ،‬واألشخاص الذين‬
‫تحكمهم‪.‬‬
‫على أنه ال يجب أن ُيفهم العموم بمعنى أن القاعدة يجب أن تطّبق حتما على جميع‬
‫الموجودين على أرض الدولة‪ ،‬أو على سائر التصرفات التي تصدر منهم فقد يقتصر األمر على‬
‫تنظيم تصرفات صادرة ضمن أحوال معينة بأشخاص معينين‪ ،‬كالتصرفات الواردة على أموال‬
‫القاصر أو صحة التصرف في مرض الموت مثال ‪.‬‬
‫كما أنها قد تنطبق على طائفة من األشخاص دون غيرهم كطلبة الجامعة أو التجار أو‬
‫المستثمرين دون أن يؤدي ذلك إلى إفقاد القاعدة معنى العموم‪.‬‬
‫فالعموم ال يرتبط بفئة من الناس يحصرها عٌّد بل إنه خطاب ُيوجه إلى فئة من الناس‬
‫بصفاتهم ال بدواتهم حتى ولو كان فردا واحدا‪ .‬كما هو الحال بالنسبة للقاعدة التي تنظم تولي‬
‫منصب رئيس الجمهورية في الدولة إذ أنها تسري على كل من تتوفر فيه الشروط تولي الرئاسة‬
‫في الدولة بصفته ال بذاته‪.‬‬
‫والقاعدة في الوقت عينه مجردة بمعنى أنها تنشئ منذ مجودها مركزا قانونيا ووضعا ال‬
‫ينظر فيها إلى شخص معّين أو إلى واقعة معينة بل يكفي أن تتوافر في الشخص أو الواقعة‬
‫شروطها‪ .‬فالقاعدة الخاصة بإلزامية أداء واجب الخدمة العسكرية على كل مواطن بلغ سن ‪19‬‬
‫سنة مع تمتعه بالشروط الجسمانية والبدنية ال تتعلق فقط بشخص أو أشخاص معينين بدواتهم وإنما‬
‫انطبقت على كل من تتوافر فيه تلك الشروط الملزمة‪ .‬وهكذا‪.‬‬
‫والواقع أن العموم والتجريد فكرتان متالزمتان أو وجهان لخاصة واحدة‪ ،‬غاية األمر‬
‫توصف القاعدة بتجريد عندما ُينظر إليها عند نشوئها وتوصف بالعموم إلى ما ُنظر إليه من حيث‬
‫أثرها عند التطبيق‪.‬‬
‫ثم إّن الغاية النهائية التي يمكن أن نستهدفها من خالل وسم القاعدة بهتان الفكرتان هي حتما‬
‫سعي الدوال إلى إقامة النظام في المجتمع والبحث عن السبل الكفيلة بالمحافظة على استقراره‬
‫بشكل متناسق وال يقبل أي اختالل ‪.‬‬
‫هنا فقط سيفهم األفراد القيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها القانون لتلك األمم و المجتمعات و‬
‫األجيال القادمة ‪.‬‬
‫د – القانون خطاب يستمد قيمته و قوته من الجزاء‪:‬‬
‫إن ما يعطي للقوانين قيمتها ‪ ،‬ليس مجرد وجود خطاب قانوني قادر على تنظيم االرتباط‬
‫االجتماعي فحسب بل إن األمر الجوهري الذي يميز قواعد القانون عن غيرها من القواعد‬
‫األخالقية والدينية ‪ ،‬هو ذلك الجزاء الذي يعتبر الوسيلة التي تملكها الدولة لضمان احترام القانون‪.‬‬
‫والجزاء في وضعه الحاضر يختلف باختالف موضوعه فقد يكون جنائيا قد يستهدف منه المشرع‬
‫تحقيق الغرض من العقوبة ممثلة في الردع بأنواعه المختلفة ‪ ،‬وقد يكون مدنيا يقصد به‬

‫المحاضرة السابعة‬
‫المحور الثاني ‪ :‬اإلطار ألمفاهيمي لفلسفة القانون‬
‫فلسفة القانون و ارتباطها بميادين العلوم االجتماعية‬
‫تنظر الفلسفة إلى القانون كظاهرة اجتماعية متعددة الجوانب التفاعلية ال يمكن فهمها وال دراستها‬
‫إال في ظل عالقتها بالعلوم االجتماعية ‪ ،‬بمعنى أنها ترى أن العلوم القانونية ترتبط بالعلوم‬
‫االجتماعية من خالل دراستها لإلنسان كفرد اجتماعي يتفاعل مع كل المعطيات االجتماعية وال‬
‫ينفصم عنها ‪.‬‬
‫وبالتالي وفي ظل غياب هذا اإلطار ألتناسقي والترابطي الشامل لكل العلوم االجتماعية يظل‬
‫القانون عاجزا بمفرده عن تحقيق مبتغاه‬
‫أ ـ فلسفة القانون وارتباطها بعلم االجتماع‬
‫ال غرابة في أن يستشعر المرء و هو بصدد دراسة موضوع فلسفة القانون ‪ ،‬ذلك الترابط الثابت و‬
‫المستمر بين القاعدة م حيث نشأتها و حياتها و نهايتها و المجتمع كأطياف و أجيال متعاقبة ‪ ،‬وذلك‬
‫العتبارات منطقية حيث أن المجتمع الذي يفترض انه من يشكل اللبنة و األرضية التي ينشأ في‬
‫كنفها القانون و يتطور أو يستصنع من جديد إذا تغيرت الظروف االجتماعية أو طرأت مستجدات‬
‫على حياة األفراد فيه ‪ ،‬هو نفسه اإلنسان و الكيان و البنية الجماعية التي تبحث عن الحلول و‬
‫اإلشباع ألحاجي و ألمصلحي من القانون ‪ ،‬فال جرم إذن إذا قلنا في هذا المعنى بأن القانون يوجد‬
‫أينما وجد المجتمع ‪.‬‬
‫لذلك يظل علم االجتماع يقدم حلوال ال غنى عنها في صناعة القانون ‪ ،‬لكونه األداة المثلى التي‬
‫تستطيع تقديم الحلول المناسبة للوضعيات و التحوالت و التطلعات المجتمعية ‪ ،‬مادام هذا العلم‬
‫يعنى بدراسة أحوال و سلوكيات األفراد و المجتمعات بشكل منهجي و تأصيلي دقيق و عميق و‬
‫يقدم في النهاية المعرفة بأحوال هذه المجتمعات بشكل يساعد في تبني الخيار القانوني القويم الذي‬
‫يتالءم مع كل الحاالت و العينات ‪.‬‬
‫ب ‪ /‬فلسفة القانون و ارتباطها بعلم النفس‬
‫إن العالم المعاصر أضحى اكثر اهتماما بدراسة الحالة النفسية و النوازع السيكولوجية التي تدخل‬
‫في بناء الكيان النفسي لإلنسان و تكتمل معها الصورة النهائية للتناغم بين ما هو عقلي و بدني و‬
‫نفسي لكونها عناصر مؤثرة في جوهر و طباع اإلنسان من جهة و ألنها قد تشكل حلقة و ظرفا و‬
‫حاالت تنتفي معها المسؤوليات او الجزاءات على اختالف أنواعها و األغراض المرجوة منها من‬
‫ناحية أخرى ‪.‬‬
‫الكل يعلم و بما ال يدع مجاال للشك بأن النوازع الشريرة و النوايا الخيرة و إن كانت ال تصلح إن‬
‫تكون محال للحكم و الجزاء إال أنها إذا أخرجت و ظهرت للعلن في شكل معين فإنها تجعل‬
‫الشخص محال للمسائلة الجزائية مثال ‪.‬‬
‫لذلك يشكل وجود النية أو القصد اإلجرامي في الجاني أو المجتمع في ظروف معينة مجاال خصبا‬
‫للدارسين و الباحثين في مجال علم النفس للقول بمسؤولية الجاني عن تصرفاته من عدمها من‬
‫خالل التساؤل أيضا عن األسباب التي دفعته إلى اعتناق هذا المسلك و غيره من االنحرافات التي‬
‫أدت إلى وقوع الجريمة أو إلحاق األذى بالغير ليتدخل القانون و يضع تلك األسباب و الظروف‬
‫في صلب اهتماماته ‪ ،‬حيث يصبح الظرف حينها و السبب النفسي و الحالة السيكولوجية حاالت و‬
‫اعذارا مخففة او معفية من المسؤولية و العقاب مثال و غيرها من الحاالت كثير ‪.‬‬
‫ج‪ -‬فلسفة القانون وعالقتها بعلم السياسة‬
‫يرتبط علم القانون بعلم السياسة ارتباطا وثيقا إلى درجة أنه ال يمكن أحيانا الفصل بينهما ‪ ،‬وفي‬
‫هذا المعنى يقال بحق " ليس القانون سوى اإلرادة السياسية للدولة "‬
‫وبالتالي فإن القوانين الصادرة عن الهيئة التشريعية تعتبر جزءا ال يتجزأ من السياسة العامة‬
‫المتبعة في الدولة و تعبيرا صريحا عن خياراتها و أيضا قدرتها على مواكبة التحوالت و‬
‫المتغيرات التي قد تعترض مسارها ‪ ،‬لذلك يظهر الدور الجلي الذي تلعبه السياسة في تشكيل و‬
‫تطوير القانون و أيضا في العمل على تدارك النقائص و العقبات التي تعترض تفعيله و إنفاذه فعليا‬
‫‪ ،‬ولقد صدق من قال " أن علم السياسة هو فن الممكن وأن علم القانون هو علم الكائن الموجود "‬
‫إشارة إلى مدى الترابط بينهما وتداخل كل من قواعدهما التقريرية والتقويمية في الواقع ‪.‬‬
‫د‪ -‬عالقة فلسفة القانون بعلم االقتصاد ‪:‬‬
‫يشكل االقتصاد احد أهم عناصر بقاء و استمرار الدولة المعاصرة و تمددها بشكل مؤثر وطنيا و‬
‫دوليا ‪ ،‬حيث تقاس قوة الدولة بما توفره ألفرادها من هوامش مريحة من االكتفاء ألحاجي أو على‬
‫األقل جعلهم يستمتعون ببعض الرفاهة حسب الظروف و األحوال ‪ ،‬وهي مهمة موكلة في أصلها‬
‫إلى أهل االختصاص من رجال االقتصاد الذين يملكون من المعارف العلمية ما يمكنهم من معرفة‬
‫الظروف و األحوال و الواقع و المتطلبات و الحاجيات التي تحتاجها المجتمعات بشكل علمي و‬
‫منهجي دقيق ‪ ،‬و أيضا يملكون القدرة على التنبؤ بالطوارئ و التحوالت و تأثيرها على تغيير‬
‫الميول و الخيارات االستهالكية مثال للمواطنين في الدولة بما يؤدي في النهاية إلى حماية ذات‬
‫الدولة من االضطرابات حال األزمات ‪.‬‬
‫أما في مجال التنظيم القانوني لهذه الظواهر يتدخل القانون بقواعده لتنظيم األنشطة و تقدير‬
‫الوضعيات و تقديم الحلول المناسبة تبعا لألوضاع السائدة و اإلمكانات المتوفرة و األهداف‬
‫المنشودة ‪ ،‬وفي سبيل ذلك نجد أن القانون يستفيد من الدراسات االقتصادية في بيان الخيار‬
‫االقتصادي الذي يمكن للدولة انتهاجه من اجل تحقيق التنمية في إطار العدالة االجتماعية و حماية‬
‫المقدرات لألجيال المستقبلية مثال او التركيز على توفير هامش مريح من الحماية للطبقات‬
‫الضعيفة او الفئات الهشة او حماية األنشطة االقتصادية لبعض القطاعات العمومية و العمل على‬
‫إقرار جملة من التدابير الخاصة بتنظيم مجال من المجاالت التجارية او الصناعية و غيرها من‬
‫المواضيع وفقا السياسة التشريعية الوطنية ‪.‬‬
‫ع‪ -‬عالقة فلسفة القانون بعلم التاريخ‬
‫يرتبط القانون بالتاريخ ارتباطا وثيقا و ال يمكن أن نتصور في عالمنا المعاصر وجود قانون خلق‬
‫بمعزل عن الظاهرة التاريخية ‪ ،‬و عليه فان الحديث عن قانون الحاضر يستلزم بالضرورة‬
‫الحديث عن الظروف التي نشأ فيها و السياقات الزمنية و المكانية و المجتمعية التي أدت إلى‬
‫بلورته و صناعته و األهداف المستقبلية التي يستهدف تحقيقها‬

‫المحاضرة الثامنــــــــــــــــــــــــــــــــــة‬
‫‪ -3‬فلسفة القانون و المناهج القانونية المتبعة ‪:‬‬
‫إن دراسة الظاهرة القانونية ال يمكن أن تتم بصورة فعالة إال بإتباع الباحث أو الدارس لها لمناهج‬
‫ترتسم له معها معالم الطريق لتحقق في النهاية الغاية المنشودة منها ‪ ،‬لذلك يشكل الحديث عن‬
‫المناهج المعتمدة في الدراسة القانونية معلما أصيال و مظهرا من مظاهر االعتناء بالقانون وفقا‬
‫للفلسفة السائدة في الدولة ‪ ،‬و هو الشيء الذي يمكن لنا أن نتلمسه من خالل إلقاءنا لنظرة موجزة‬
‫على األثر الذي تركه رواد المذاهب المختلفة و االطالع على دورهم في إثراء حقل الدراسات‬
‫الفلسفية التي تعنى بمختلف المواضيع ذات الصلة بعلم القانون منذ القرن ‪ 19‬تقريبا ‪.‬‬
‫و هي المذاهب التي تنقسم إلى ‪:‬‬
‫المذاهب الشكلية ‪ :‬و هي المذاهب التي تنظر إلى القانون بوجهة نظر شكلية من حيث اعتبار‬
‫القانون قاعدة ملزمة تتضمن خطابا يسري على الكافة ‪ ،‬صادر عن سلطة ذات سيادة تكفل تطبيقه‬
‫و إنفاذه و لو بالقوة ‪.‬‬
‫من أنصار هذه المدرسة االنجليزي اوستن ‪ ،‬و النمساوي كلسن ‪ ،‬باإلضافة إلى رواد مدرسة‬
‫الشرح على المتون و الفقيه األلماني هيجل ‪.‬‬
‫المذاهب الموضوعية ‪ :‬من أهم روادها الفقيه سافيني و اهرنج و الفيلسوف مونتيسكيو ‪ ،‬و هي‬
‫المدرسة التي تبحث في جوهر القاعدة القانونية ال في شكلها من خالل البحث في األسباب و‬
‫الدوافع و الظروف المختلفة التي أدت الى نشوء القاعدة القانونية و المتمثلة أساسا في األسباب‬
‫االجتماعية و التاريخية و المثالية و العقلية فهي الوحيدة التي تشكل جوهر القاعدة القانونية و‬
‫الزاميتها دون غيرها من العناصر الشكلية األخرى ‪.‬‬
‫ج‪ -‬المذاهب المختلطة ‪ :‬و هي المذاهب التي تنظر إلى القاعدة القانونية بنظرة متكاملة تجمع بين‬
‫الشكل و الجوهر أي بين القانون كقاعدة ملزمة صادرة عن سلطة تعمل على إنفاذه و لو بالقوة و‬
‫بين كونه مزيج من األسباب و الظروف التي مهدت و ساهمت في صناعته بناءا على توافر‬
‫عناصر تاريخية و اجتماعية و عقلية و مثالية تعبر عن جوهر اإلنسان المخاطب بها وكيانه‪.‬‬
‫فلسفة القانون و المواضيع التي تعنى بدراستها ‪:‬‬
‫أ‪ /‬شمولية الدراسة الفلسفية لكل المواضيع ذات الصلة بالقانون ‪:‬‬
‫تعنى فلسفة القانون بدراسة جميع المواضيع التي ترتبط بالقاعدة القانونية من حيث نشأتها و‬
‫تطورها و الغايات و األهداف المنشودة من ابتكارها و صناعتها و التساؤل عن كيفية صياغتها و‬
‫الطرق المعتمدة في تفسيرها و و تطبيقها و إنفاذها و إنهاء العمل بها و إلغاءها ‪ ،‬أي التوغل في‬
‫القاعدة القانونية و دراستها بشكل مستفيض ‪ ،‬لذلك تعتبر أساس المعرفة القانونية و محركها‬
‫النابض الذي ال يتبدد و ال يشيخ ‪.‬‬
‫ب‪ /‬البحث في التساؤالت حول القيمة المضافة التي تقدمها فلسفة القانون للباحث القانوني ‪:‬‬
‫تطرح فلسفة القانون الكثير من األسئلة حول الظاهرة القانونية ولعل أهمها معرفة مراحل حياتها‬
‫والتساؤل كيف يخلق القانون وكيف يحيى وكيف يموت ‪ ،‬وبالتالي سنحاول اإلجابة عنها على‬
‫النحو التالي ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬كيف ينشأ القانون ؟ مع بيان المذاهب الفقهية الشكلية والموضوعية والمختلطة التي تصدت‬
‫للموضوع‬
‫ثانيا ‪ :‬كيف يصاغ القانون ؟‬
‫مع بيان أنواع الصياغة المختلفة الجامدة منها والمرنة وكذا طرقها المادية والمعنوية‬
‫ثالثا ‪ :‬كيف يفسر القانون ؟ مع بيان قواعد التفسير المتعددة واتجاهات المدارس المختلفة في هذا‬
‫الشأن ‪.‬‬

‫المحاضرة التاسعـــــة‬
‫أهم طرق الصياغة القانونية و أدوات صناعتها‬
‫من أجل الحديث عن تشريع يواكب سلسلة التطورات التي تعيشها المجتمعات و األجيال‬
‫المتعاقبة ‪ ،‬ال بد من وجود صياغة قانونية تتالءم و المطالب و التحوالت المجتمعية من جهة و‬
‫تتفق و السياسة التشريعية المنتهجة في الدولة أيضا ‪ ،‬لذلك ال غرابة في أن تلجا الدول إلى إسناد‬
‫هذه المهمة إلى أشخاص مؤهلين للقيام بهذه المهمة لكونهم يتمتعون برصيد معرفي و فني و علمي‬
‫و قانوني و لغوي يميزهم عن غيرهم من غير المشتغلين في الحقل القانوني ‪.‬‬
‫بل إن هؤالء الصاغة ال يكفي فيهم توافر هذا الرصيد بل ال بد من أن يكونوا على قدر كبير من‬
‫المسؤولية في مواجهة مجتمعاتهم ‪ ،‬فهم صمام األمان الذي ينقل مختلف تلك األفكار الكامنة في‬
‫عقول الناس و فكرهم و يعملون بوسائلهم المعرفية على إخراجها من دائرة التصور و االعتقاد‬
‫إلى دائرة التبلور و الظهور في الحياة الواقعية دون زيف ‪.‬‬
‫أ‪ /‬مفهوم الصياغة القانونية و أهميتها ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تعريف الصياغة القانونية‬
‫جاء في المعجم الوسيط إن الصياغة تعني لغة الصناعة و هي مصدر صاغ يصوغ صياغة و‬
‫صاغ الشيء أي حسنه و هيأه على نحو مستقيم و يسمى عمل الحلي و صناعتها من ذهب و فضة‬
‫و نحوهما بالصياغة الن الصائغ يعنى بتزيينها و تجويدها على نحو الئق و جميل ‪.‬‬
‫أما تعريف الصياغة القانونية اصطالحا فهي عملية تحويلية بمقتضاها يتم تحويل المادة األولية‬
‫للقاعدة القانونية من صورتها النظرية إلى صورة عملية مستوفاة الشكل والمضمون وهذا بهدف‬
‫تطبيقها على الحاالت المعروضة والنزاعات القائمة ‪.‬‬
‫كما عرفها الفقيه المصري أحمد شرف الدين على أنها ‪ ":‬أداة أو وسيلة للتعبير عن فكرة كامنة‬
‫لتصبح حقيقة اجتماعية يجري التعامل بها على أساسها " ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أهمية الصياغة القانونية‬
‫ان الحديث عن قاعدة قانونية ليس مجرد حديث عن مجموعة من الرموز و الكلمات و األلفاظ و‬
‫العبارات و الشكليات الواجب معرفتها من اجل تقديم نص و اإلجابة عن انشغال عارض او مؤقت‬
‫يعتري و يعترض حياة المجتمعات فقط بل هو عملية فنية و علمية و عملية تمنح المجتمع شعورا‬
‫باألمن و الطمأنينة و تقدم له حلوال راقية تتجاوب مع مستواه العلمي و الحضاري أيضا ‪ ،‬لذلك‬
‫يشترط في القاعدة ان تكون صادرة عن إرادة محترفة و صادقة و مؤتمنة تعرف حجم المسؤولية‬
‫الملقاة على عاتقها و تقدر االئتمان الموضوع فيها ‪.‬‬
‫و عليه ال يغدو دور المشرع مجرد نقل األفكار و المطالب في شكل مكتوب كميا او نوعيا بل‬
‫يتجاوزه الى حماية المجتمع من القواعد التي تتصادم و نماءه و تحول دون تطوره نحو األفضل ‪.‬‬
‫و أيضا العمل على حماية الدولة و مؤسساتها من القواعد التي تشكل انحرافا و خطرا يهدد كيانها‬
‫و استمرار بقاءها كل هذا دفع الفقهاء إلى القول بأن الصياغة القانونية هي ركن أساسي للقاعدة‬
‫القانونية وليست مجرد عنصر فيها ‪ ،‬كما يؤكد هؤالء وبحزم على ' أن جانبا كبيرا من نجاح‬
‫القاعدة القانونية يتوقف على الدقة في الصياغة وعلى حسن اختيار أدواتها '‪.‬‬
‫ولعل من ابرز األمثلة على األهمية العملية التي تقدمها الصياغة الجيدة للمجتمعات هي تلك‬
‫القواعد التي تحد من سلطة القاضي في التوسع في تفسير القواعد القانونية بالقدر الذي يترتب عنه‬
‫المساس بحرية األشخاص مثال باعتبارها شيء مقدس ال يجوز المساس به و عليه نجد اغلب‬
‫التشريعات تلزم القضاة بإعمال طريق التفسير الضيق للنصوص في هذه الحالة درءا لمخاطر‬
‫التوسع الذي قد يكون في غير مصلحة المحكوم عليهم جزائيا ‪.‬‬
‫ب‪ /‬أنواع الصياغة القانونية ‪:‬‬
‫ان اغلب األنظمة القانونية المقارنة ال تعترف اال بنوعين من أنواع الصياغة القانونية ‪ ،‬و تقسمها‬
‫على هذا النحو إلى صياغة جامدة و ثانية مرنة ‪ ،‬حيث لكل منهما خصائص و مزايا ‪ ،‬حتى و لو‬
‫كانتا ال تخلوان كأي موضوع و مجال معرفي من المساوئ و اإلشكاليات التي قد تعترض‬
‫إعمالهما ‪.‬‬
‫بل إن بعض األنظمة القانونية قد ال تلجأ إلى الصياغة المرنة إال استثناءا وفي بعض المجاالت‬
‫القانونية المحدودة نظرا لطابع الخصوصية الذي تتسم بها قواعدها وإجراءات تعديلها و تغييرها ‪،‬‬
‫و على العكس من ذلك فان مجاالت قانونية أخرى تشكل فيها القواعد المرنة السمة المهيمنة على‬
‫قواعدها و أحكامها بسبب طبيعة قواعدها وخصوصية مواضيعها ‪.‬‬
‫وهي األنواع التي سنحاول بيانها على النحو التالي ‪:‬‬
‫أوال ‪ /‬الصياغة الجامدة ‪:‬‬
‫هي الصياغة التي تحصر جوهر او مضمون النص في معنى ثابت ال يتغير بتغير الظروف أو‬
‫المجتمعات و األجيال‪ ،‬على نحو تتحقق معه الثبات و استقرار المعامالت و بالقدر الذي يمتنع معه‬
‫إتاحة الفرصة للعاملين في الحقل القانوني كالقضاة مثال لتقديره ‪.‬‬
‫كما انه بالنسبة للمخاطب به قطعي الداللة و ال يحتمل أكثر من معنى ‪ ،‬أي أن معناه واضح‬
‫ببساطة وبصورة جازمة ال تحتمل أي حمل على معاني أخرى و ابرز مثال على ذلك نص‬
‫المشرع الجزائري في قانون العقوبات على انه ال عذر لمن يقتل أباه أو أمه أو احد أصوله في‬
‫الجرائم الواقعة ضد األصول و بالتالي جعل المشرع من هذا ثابت لكل الحاالت و في كل‬
‫الظروف ‪ ،‬لذلك فان أي تفسير ال يتالءم مع الغاية و الهدف من العقاب وفقا لهذا النص و هو‬
‫تشديد العقوبة على كل من يقتل أباه وا أمه او احد أصوله يعتبر خروجا عن الفهم الصحيح و‬
‫الثابت للنص ‪.‬‬
‫مثال أخر ‪ :‬تحديد المشرع للسن القانونية الكتمال األهلية ب‪ 19‬سنة و هي قاعدة غير قابلة‬
‫للتعديل و إنما تتسم باالستقرار و الثبات ‪.‬‬
‫‪ /1‬مزايا الصياغة الجامدة ‪:‬‬
‫الصياغة الجامدة سهلة التطبيق إذ يقتصر دور القاضي على تطبيقها بشكل شبه آلي دون توسيع‬
‫أو تضييق اعتمادا على التركيب اللغوي و النحوي الصريح ‪.‬‬
‫الصياغة الجامدة تحقق الثبات واالستقرار في المعامالت بحيث أنها تطبق بنفس الشكل دون تأويل‬
‫وبالتالي تكون أحكامها متماثلة لدى الكافة مما يؤدي إلى تحقيق أهداف و غايات التشريع كمبدأ‬
‫المساواة أمام القانون و أمام القضاء أيضا ‪.‬‬

You might also like