You are on page 1of 15

‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬

‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬

‫التيارات الكبى يف علم النفس‬


‫أوال‪ :‬المدرسة السلوكية‬
‫عتب ‪ Barrhus Frediric Skinner‬باحثا أمريكيا يف علم النفس وأستاذ بجامعة ‪ ،Harvard‬وقد عرف شهرة‬ ‫ُ‬
‫ي ر‬
‫ر‬
‫تأثبا‬ ‫ر ي‬
‫السيكولوج األكب ر‬ ‫االجتماع‪ ،‬مما جعله‬
‫ي‬ ‫واسعة بعد تطبيق نظريته يف ميادين التعلم وتعديل السلوكات والتكيف‬
‫العشين‪ .‬كتب كل من ‪ Catania‬و ‪ُ ‘‘ : Harnard‬يعد ‪ B.F.Skinner‬من أكبر‬ ‫ر‬ ‫الثان من القرن‬ ‫خالل النصف‬
‫ي‬
‫األكب شيوعا ولكن ُيقدم بطريقة غب الئقة‪ ،‬األكبر‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫السيكولوجيي المعارصين تشيفا وتعرضا للهجوم يف الوقت نفسه‪،‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫رسدا واألقل فهما‘‘‪.‬‬

‫ائ‬ ‫ر‬ ‫ر‬


‫‪ .1‬من االشاط الكلسي يك إىل االشاط اإلجر ي‬
‫العشين‪ ،‬وهو ما سيعرف فيما‬ ‫تعود األصول األوىل لسلوكية ‪ Skinner‬إىل تجربة قام بها ‪ Pavlov‬ف بداية القرن ر‬
‫ي‬
‫مثب (قطعة اللحم) أمام كلب‪ ،‬أدى ذلك إىل سيالن لعابه ر‬ ‫ُ‬
‫مبارسة (انعكاس ال‬ ‫بعد بالسلوكية الكالسيكية‪ ،‬حيث إذا عرض ر‬
‫ط)‪ .‬ثم بعد ذلك كرر التجربة لكن هذه المرة بأن زاوج معها صوت جرس‪ ،‬إىل درجة أنه الحظ بعد عدة محاوالت أن‬ ‫ر‬
‫رس ي‬
‫الكلب يمكن أن يسيل لعابه لمجرد سماع الجرس دون إعطاءه قطعة اللحم‪ ،‬فأصبح الجرس منبها ررسطيا‪ ،‬واالنعكاس هنا‬
‫مثب جديد آلخر قديم‪ ،‬وذلك بعرضهما يف‬ ‫الكالسيك –إذن‪ -‬يقوم عىل تعويض ر‬ ‫ر‬
‫فاإلرساط‬ ‫ط (سيالن اللعاب)‪.‬‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫انعكاس رس ي‬
‫مثب الجديد يحفز االستجابة األصلية‪ .‬دشنت هذه التجربة حقبة‬ ‫المثب األول وترك ال ر‬
‫ر‬ ‫البداية دفعة واحدة‪ ،‬ثم رصف‬
‫جديدة يف علم النفس أخذت رمز ‪.)Stimulus – Réponse( S-R‬‬

‫التفكب يف اشتغال‬
‫ر‬ ‫اإلنسان‪ ،‬دون‬
‫ي‬ ‫واعتبوه نموذجا لفهم السلوك‬
‫ر‬ ‫تبن السلوكيون األمريكيون هذا المفهوم بشعة‬
‫العصن المركزي‪ ،‬لذلك لم يكن مهما تحديد طبيعة الذهن أو النفس لفهم الترصفات الفردية‪ ،‬فقد اكتفوا بمعرفة‬
‫ري‬ ‫الجهاز‬
‫الن تكون سبب حدوث استجابات معينة فقط‪.‬‬ ‫المثبات الخارجية ي‬
‫ر‬

‫المثبات بشكل دقيق وأكيد حن يتمكنوا من‬ ‫ر‬ ‫السلوك وهو كيفية عزل‬
‫ي‬ ‫اعبضت إشكالية وحيدة أصحاب التصور‬
‫ر‬
‫نوعي من االرساط ‪:‬‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫المالحظ‪ .‬جاء ‪ Skinner‬بالحل المتمثل يف اقباحه وجود‬ ‫المثب الذي كان فعال وراء السلوك ُ‬
‫ر‬ ‫معرفة‬
‫ُ‬
‫الثان (الجديد) وهو األهم والذي لم يتنبه إليه هو ما سماه‬ ‫ر‬
‫الكالسيك ‪ S – R‬الذي قدمه ‪ ،Pavlov‬واالرساط‬ ‫ر‬
‫االرساط‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ان‪ ،‬حيث تكون نتائج السلوك (االستجابة) حاسمة يف استمراره أو انطفائه دون االكباث‬ ‫ر‬
‫‪ Skinner‬باالرساط اإلجر ي‬
‫الن كانت وراءه‪ ،‬لنأخذ مثال حمامة داخل قفص مزود يف أرضيته بزر إذا تم النقر عليه تسقط حبات‬ ‫للمثبات األصلية ي‬
‫ر‬
‫(المش والنقر عىل األرضية)‪ ،‬فجأة دون قصد‬ ‫ر‬ ‫معدودة من القمح‪ ،‬سنالحظ أن الحمامة يف البداية تترصف وفق غرائزها‬
‫ي‬
‫ستنقر الحما مة عىل الزر فتتحرر حبات القمح‪ ،‬تحقق هذه النتيجة إرضاء لمتطلباتها‪ ،‬بعد محاوالت متكررة بالصدفة‬
‫ستتعلم الحمامة النقر عىل الزر كلما احتاجت للطعام وليس عىل أي مكان آخر من أرضية القفص كما كان األمر يف‬
‫البداية‪ ،‬وسنقول أن الحمامة قد اكتسبت مهارة نقر الزر كلما احتاجت للطعام (التعلم)‪.‬‬

‫معي ارتياحا ورضا للكائن فإن‬‫ان‪ :‬إذا حققت نتائج سلوك ر‬ ‫ر‬
‫التاىل لالرساط اإلجر ي‬
‫ي‬ ‫عموما‪ ،‬قدم ‪ Skinner‬القانون‬
‫ذلك السلوك سيتم تكراره باستمرار يف وضعية مماثلة‪ .‬أما إذا كانت نتائج سلوك ما مضجرة أو مؤلمة أو عىل األقل بدون‬
‫السلوك بالتعزيز‬
‫ي‬ ‫فائدة فإن ذلك السلوك سيكون لديه أقل الحظوظ يف التكرار مستقبال‪ .‬تسىم نتائج السلوك يف التقليد‬
‫وهو ثالثة أنواع‪:‬‬

‫اإليجان‪ :‬تكون نتائج سلوك ما تعزيزا إيجابيا إذا عملت عىل زيادة تكرار السلوك (نقر الحمامة للزر يف‬
‫ري‬ ‫التعزيز‬ ‫‪‬‬
‫المرة األوىل داخل القفص سيحرر الطعام وهذا ما سيجعل الفعل يتكرر)‪.‬‬
‫غب مريحة (جلوس التالميذ بعد‬ ‫السلن‪ :‬تكون نتائج سلوك ما تعزيزا سلبيا إذا وضعت حدا لوضعية ر‬ ‫ري‬ ‫التعزيز‬ ‫‪‬‬
‫انزعاج األستاذ سيجعل رصاخه يباجع)‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬

‫‪ ‬العقاب‪ :‬يعمل عىل تقليص ميل الكائن إىل القيام بنفس السلوك يف المستقبل وال يشجع عىل تكرارها‪ ،‬وذلك‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫شء محبوب (اللعب‪،‬‬ ‫غب مرغوب فيه عليه (رصب‪ ،‬واجبات إضافية مرهقة‪ )...‬أو حرمانه من ي‬ ‫شء ر‬ ‫بفرض ي‬
‫فيكف عدم‬
‫ي‬ ‫غب المرغوب فيها‪،‬‬ ‫مشاهدة التلفاز‪ .)...‬إال أنه ليس األسلوب الوحيد الذي يحد من السلوكات ر‬
‫يختف ألنه يصبح بدون جدوى فينطف تلقائيا‪.‬‬
‫ي‬ ‫تعزيز سلوك ما أي عدم االكباث إليه حن‬
‫ط وسلسلة االستجابات‬ ‫ر‬
‫‪ .2‬التعزيز الش ي‬
‫يعن التعلم إمكانية قيام الفرد بسلوكات معينة أمام وضعية ما‪ ،‬وب هذا المعن فالتعلم عند ‪ Skinner‬ليس هو‬‫ي‬
‫تأثب نتائج ذلك السلوك عىل استمراره‪ ،‬لكن إضافة إىل ذلك‬
‫الن نجعل الفرد يكتسب سلوكا ما‪ ،‬ولكن التعلم هو ر‬‫الطريقة ي‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫تصب بواسطته التعلمات المكتسبة أكب تعقيدا شيئا فشيئا‪ ،‬يف هذا الصدد يعاب عىل السلوكية طابعها‬
‫سبورة ر‬ ‫فالتعلم ر‬
‫ُ‬
‫التبسيط‪ ،‬حيث يرى المنتقدون أنها نظرية ال تفش إال تعلم السلوكات البسيطة‪ ،‬إال أن ‪ Skinner‬رد عىل تلك‬ ‫ي‬
‫وه‪:‬‬
‫تفسب اكتساب أي نوع من السلوك‪ ،‬ي‬‫ر‬ ‫االنتقادات باقباحه لعدة آليات قادرة عىل‬

‫والن تصلح كمكافأة‬ ‫ينش الطفل خالل نموه مخزونا من المعززات ر‬


‫الشطية الثانوية‬ ‫الشط الثانوي‪ :‬ر‬ ‫التعزيز ر‬ ‫‪‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫الشء الذي سيساعده عىل اكتساب تعلمات جديدة وأكب تعقيدا ونضجا‪،‬‬ ‫غب طبيعية أو فطرية لسلوكاته‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫غب معززة لسلوك الطفل أو ال يكبث لها يف البداية أن تصبح كذلك إذا تمت مزاوجتها مع نتيجة‬ ‫ُ‬
‫فيمكن لنتيجة ر‬
‫ُمعززة له‪ .‬لنأخذ عىل سبيل المثال الرضيع‪ ،‬إطعام األم له هو النتيجة المعززة لسلوكه فطريا (التعزيز‬
‫ُ‬
‫ط) هو ما‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ط)‪ ،‬بعد محاوالت متكررة سيصبح حضور األم ومداعبتها للطفل دون طعام (التعزيز الش ي‬ ‫الالرس ي‬
‫يكب الطفل يكفيه أن تبتسم األم من بعيد أو أن تقول له ‘‘ جيد‬‫يعزز سلوكاته ويحقق له نتائج إيجابية‪ ،‬بعدما ر‬
‫يعن شيئا عند الطفل يف أشهره األوىل‪ ،‬أي أنه قد طور‬ ‫ُ‬
‫بن‘‘ ليعزز ذلك عنده السلوك المتعلم‪ ،‬وهذا ما لم يكن ي‬ ‫ي‬
‫الن يقوم بها‪ ،‬ليصبح يف النهاية رضا الطفل بذاته أو إحساسه‬ ‫األفعال‬ ‫تعقد‬ ‫مع‬ ‫ر‬
‫تتماش‬ ‫طية‬ ‫تعزيزات جديدة ر‬
‫رس‬
‫ي‬
‫بالفخر هو ما يعزز تعلماته‪.‬‬
‫سبورة بواسطتها نتعلم القيام بسلوكات معقدة‪ ،‬ويقوم عىل رصورة تعزيز أي‬ ‫التشكل أو سلسلة االستجابات‪ :‬ر‬ ‫‪‬‬
‫ٌ‬
‫سلوك يقوم به الطفل حن وإن كان سلوكا مشوها أو ناقصا مقارنة بالسلوك المرغوب فيه‪ ،‬ثم نضيف يف كل‬
‫مرة حلقة جديدة وهكذا دواليك حن نقبب شيئا فشيئا من الصيغة النهائية للسلوك ُ‬
‫المراد بلوغه‪ .‬فمثال حن‬
‫إيجان لسلوك بسيط هو تحركه يف اتجاه الكرة‪ ،‬بعد‬‫ري‬ ‫يكف يف البداية أن نقوم بتعزيز‬
‫يتعلم الطفل قذف الكرة ي‬
‫ذلك نركز عىل إمساكه للكرة بيديه‪ ،‬ثم نعزز الحقا تعامله بالكرة برجله‪ ،‬فيما بعد نعزز عنده قدرته إرجاعه‬
‫للكرة برجله يف االتجاه المعاكس‪ ...‬كل فعل من هذه األفعال البسيطة ستكون يف النهاية سلسلة استجابات‬
‫عندما سيدمج الطفل حلقاتها يكتسب سلوكا معقدا هو قذف الكرة‪ .‬عمم ‪ Skinner‬هذا النموذج ليجعله‬
‫ه عبارة عن سلوك غاية يف التعقيد‪.‬‬ ‫الن ي‬
‫صالحا حن الكتساب اللغة ي‬
‫خاتمة‬

‫الن تفش‬ ‫ر‬


‫يعتب النمو سلسلة مستمرة وتصاعدية ألفعال رسطية‪ ،‬حيث يوضح أن النظريات ي‬ ‫نعلم أن ‪ Skinner‬ر‬
‫كب عىل‬ ‫غب قابلة لإلدراك من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية أن الب ر‬
‫النمو يف شكل مراحل هو أمر بعيد عن الواقع ألن تلك المراحل ر‬
‫ما يحدث يف مرحلة ما وإهمال توضيح سبب حدوث ذلك هو بدون جدوى‪ ،‬فهو يرفض وصف دون الوقوف عىل‬
‫المتحكمة يف النمو‪ .‬هذا الرصاع ربي اعتبار النمو يتم وفق مراحل أو يف شكل تصاعدي دفع كال من ‪Sidney‬‬ ‫العوامل ُ‬
‫الن اقبحها ‪،)2191( J.R.Kantor‬‬ ‫تبن نموذج ‪ Skinner‬واعتماده لتوضيح مراحل النمو ي‬ ‫‪ Bijou‬و ‪ Donald Baer‬إىل ي‬
‫ورسحا ما يحدث خالل تلك المراحل وفق المفاهيم السلوكية‪ ،‬وبذلك يكونان قد دعما النمو التصاعدي المتصل عىل‬ ‫ر‬
‫وه المرحلة الكونية والمرحلة‬ ‫حساب النمو المتقطع وفق مراحل‪ .‬يتحدث ‪ Kantor‬عن ثالث مراحل يمر بها اإلنسان ي‬
‫ان يف‬ ‫ر‬ ‫األساسية والمرحلة االجتماعية‪ ،‬عندما وضح ‪ Bijou‬و ‪ Baer‬كيف يعمل كل من ر‬
‫الكالسيك واالرساط اإلجر ي‬
‫ي‬ ‫االرساط‬
‫وتفسب سبب االختالفات والتشابهات الفردية خاللها ساهما بذلك يف االنتصار للنمو وفق نموذج‬ ‫ر‬ ‫تلك المراحل‬
‫‪.Skinner‬‬

‫‪2‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬

‫غب قادرة عىل فهم السلوك‬‫اعتبها البعض نظرية ر‬ ‫الموجهة للسلوكية حيث ر‬‫باإلضافة إىل ذلك ردا عىل االنتقادات ُ‬
‫سلن‪ .‬فهما يريان أن النظرية السلوكية يف صورتها‬
‫غب فاعل و ر ي‬
‫اعتبها نظرية تخبل اإلنسان يف كائن ر‬
‫اإلنسان‪ ،‬وهناك من ر‬
‫ي‬
‫غب مكتملة إال أنها مقاربة مفهومة تضم كل عنارص النسق‪:‬‬
‫الحالية وإن كانت ر‬

‫المستمر ربي الكائن الفاعل واألحداث‬‫تعتب موضوع علم النفس هو التفاعل ُ‬ ‫ر‬ ‫‪ ‬تتأسس عىل فلسفة واضحة‬
‫الفبيائية واالجتماعية القابلة للمالحظة الموضوعية‪.‬‬
‫ر‬
‫ُ‬
‫التغبات المصاحبة للقدرات‪،‬‬
‫ر‬ ‫‪ ‬نظرية عامة تفش الظواهر التالية‪ :‬تزايد أو تراجع العالقات ب ري الطفل والوسط‪،‬‬
‫النسيان والتذكر‪ ،‬كيفية نقل التعلمات من وضعية إىل أخرى‪...‬‬
‫‪ ‬منهجية واضحة وخاصة يف البحث‪.‬‬
‫‪ ‬إمكانية تحويل النتائج والفرضيات إىل تطبيقات عملية‪.‬‬
‫غب محدودة لكونها صالحة لجميع‬ ‫وه ر‬
‫عموما فالسلوكية تقوم عىل وصف المبادئ العامة وراء ظاهرة التعلم‪ ،‬ي‬
‫غب القابلة للمالحظة من قبيل الروح أو النفس أو الذهن‪...‬‬
‫الثقافات واألعمار‪ ،‬كما أنها تنأى عن دراسة الظواهر الداخلية ر‬
‫مثبات خارجية أو تعزيزات ناتجة عنها‪.‬‬ ‫بل تركز عىل السلوكات وما يرتبط بها من ر‬

‫ثانيا‪ :‬المدرسة التحليلية‬


‫إنسان‪ ،‬كما صدموا‬ ‫اعتب الجنس أصل كل سلوك‬ ‫ُ‬
‫ي‬ ‫صدم العديد يف نهاية القرن ‪21‬م بما جاء به ‪ S.Freud‬عندما ر‬
‫جنش‪ ،‬ثم أضاف كذلك أننا ال نعرف طبيعة ترصفاتنا‬ ‫جنش أي أن له أفكارا ذات طابع‬ ‫أكب عند سماعهم بأن الطفل‬‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫والن تبف داخل ما سماه ‪Freud‬‬ ‫الماض ي‬
‫ي‬ ‫مدفوعي بغرائز بدائية وصدمات‬
‫ر‬ ‫حيث عوض أن نترصف وفق العقل أصبحنا‬
‫بالالشعور‪.‬‬

‫عتب ‪ Sigmund Freud‬عالم أعصاب نمساوي صادف يف حياته المهنية حاالت مرضية غريبة جاءت عنده‬ ‫ُ‬
‫ي ر‬
‫التفسبات‬
‫ر‬ ‫لفحص أو عالج أمراض من قبيل الشلل يف اليد أو اضطرابات برصية‪ ،‬إال أنه يف بعض الحاالت وجد أن‬
‫العصن‪ .‬يف نفس الوقت كان هناك يف باريس ‪Jean‬‬
‫ري‬ ‫تفسبها‪ ،‬حيث وقف عند سالمة الجهاز‬‫ر‬ ‫الفبيولوجية لم تمكنه من‬
‫ر‬
‫المغناطيش يقتنعون بأن‬
‫ي‬ ‫تأثب التنويم‬
‫‪ Charcot‬بمستشف ‪ La Salpetr‬الذي استطاع جعل بعض الحاالت تحت ر‬
‫لديهم أعراض معينة دون أن يكون األمر صحيحا‪ ،‬بنفس الطريقة يمكنه جعل حاالت أخرى تسبي ح من آالم يشكون‬
‫الشء الذي أثار اهتمام ‪Freud‬‬‫يعبون عن اختفاء أعراض األلم ر‬ ‫المغناطيش ر‬ ‫منها‪ ،‬فبعد االستيقاظ من التنويم‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫المغناطيش‪.‬‬
‫ي‬ ‫والذهاب إىل باريس لتعلم مناهج وتقنيات التنويم‬

‫‪ .1‬مفاهيم تحليلية‬

‫‪ -2-2‬مستويات الشعور‬

‫عب ‪ Freud‬رسيعا عن مظهر ال شعوري إىل الجانب الشعوري الذي يعرفه أي شخص‪ ،‬ويقصد به نوعا من الوعاء‬ ‫ر‬
‫الذهن الذي يحتوي أفكارا ال يمكن للفرد أن يتحكم فيها أو حن أن يعرفها‪ ،‬ولكن هذا الوعاء يؤثر يف العديد من أفعالنا‬‫ي‬
‫يعان منها مرضاه‪ ،‬حيث‬ ‫كان‬ ‫والن‬ ‫سابقا‬ ‫المفهومة‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫غ‬ ‫االختالالت‬ ‫ح‬ ‫اليومية‪ .‬مكن هذا المفهوم الجديد ‪ Freud‬من ر‬
‫رس‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫قدم الفرضية التالية‪ :‬إذا واجه شخص مشكال مقلقا ال حل له بشكل مستمر سيجد أن هذا المشكل مؤلم نفسيا‪،‬‬
‫لإلفالت من أ لم الرصاعات ستعمل شخصية الفرد عىل حل هذا المشكل بطريقة آلية‪ ،‬وذلك بإخراجها من طبقة الشعور‬
‫وإنزالها إىل الالشعور‪ .‬مما يؤدي إىل نسيان المريض لذلك المضمون دون أن يغادر الذهن‪ ،‬بل يتم دفنها يف الالشعور‪،‬‬
‫عب عن ذاته‬ ‫ُ‬ ‫سبيحه بجعله يجهل وجودها‪ ،‬إال أن ُ‬ ‫فتسىم هذه العملية بالكبت‪ ،‬ر‬
‫المشكل يظل دائما وي ر‬ ‫الشء الذي ر‬‫ي‬
‫تعببية ُمختلفة (رمزية ) كآالم الرأس أو شلل األطراف أو فقدان البرص‪...‬‬
‫بأشكال ر‬
‫وغب ُ‬
‫المفشة رفبيولوجيا‪ ،‬فقد أرجعها‬ ‫هكذا حل ‪ Freud‬لغز الحاالت السابقة ُ‬
‫المتعلقة بتلك األعراض الغريبة ر‬
‫الهستبي‪ ،‬باعتبارها‬
‫ر‬ ‫إىل رصاعات لم يتم حلها‪ ،‬وتتمظهر بإلحاح يف مستوى الالشعور‪ .‬سيطلق عليها‪ :‬أعراض التحويل‬

‫‪3‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬
‫التفسب عىل األعراض ُ‬
‫العصابية‪ :‬الرهابات‪ ،‬القلق‪ ،‬الوسواس‪ ...‬قرر‬ ‫نتيجة لكبت الرصاعات النفسية‪ .‬سيتم توسيع هذا‬
‫ر‬
‫‪ Freud‬إخراج تلك الرصاعات المكبوتة لتجاوز المشاكل النفسية (العصابات) وعالجها بإتباعه منهجية معينة‪:‬‬

‫‪ ‬تعرف المريض أصل المشاكل النفسية ي‬


‫الن يعانيها‪.‬‬
‫الن عان فيها الرصاع‪ :‬يعيش التجربة مرة ثانية ولكن بطريقة لفظية‪.‬‬‫يعب لفظيا الوضعية عن ي‬‫‪ ‬أن ر‬
‫التعبب عن الرصاع بطريقة جديدة‪.‬‬
‫ر‬ ‫‪‬‬
‫لتحقيق الغاية السابقة‪ ،‬جرب ‪ Freud‬عدة طرق وتقنيات لتعرية هذه الرصاعات الالشعورية‪ ،‬فبدأ بالتنويم‬
‫التداع الحر عىل تشجيع المريض ‪-‬‬
‫ي‬ ‫وتفسب األحالم‪ .‬يقوم‬
‫ر‬ ‫التداع الحر‬
‫ي‬ ‫المغناطيش الذي ما فن أن تخىل عنه لفائدة‬
‫ي‬
‫المستلف عىل أريكة‪ -‬عىل االسبخاء والتحدث بحرية عن أفكاره وذكرياته الماضية بدون استبدالها أو ضبطها بقواعد‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬
‫ُ‬
‫النفش لهذه الروايات لمدة طويلة بغية اكتشاف المواضيع الكامنة خلف‬ ‫المحلل‬‫أخالقية أو لغوية كيفما كانت‪ ،‬فينصت ُ‬
‫ي‬
‫الن تحيل إىل المشاكل الخفية‪ُ ،‬مفشا ذلك بكون الرغبة أو الرصاع المكبوت الشعوريا يجد فرصة‬ ‫الرصاع وتحليل الرموز ي‬
‫تميب عنارص الشد وكشف دورها الذي‬ ‫ُ‬
‫والتعبب عنه‪ ،‬ولكن ببعث بديل مقنع عنه‪ .‬يتجىل دور المحلل هنا يف ر‬ ‫ر‬ ‫لتنشيطه‬
‫لعبته خالل النمو‪.‬‬

‫تفسب األحالم رغم صعوبتها وغموضها لفهم محتوى الالشعور‪ ،‬فخالل النوم تباجع‬
‫ر‬ ‫اعتمد ‪ Freud‬كذلك تقنية‬
‫الن تمنع الرصاعات من الخروج من حقل الالشعور‪ .‬إن األحالم‬‫رصامة الرقابة الشعورية ‪-‬مقارنة مع مرحلة اليقظة‪ -‬ي‬
‫بمثابة مجهودات غايتها إرضاء وإشباع رغبات وحل مشاكل عاشها الفرد خالل اليقظة لذلك يظهر الحلم كلغة رمزية‬
‫تعببا عن الدوافع الالشعورية يف الشعور‪.‬‬
‫(سمعية وبرصية) ر‬

‫تكمن أهمية هذه التقنيات يف كونها أدوات مساعدة أساسية يف العالج من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى تعد روافد‬
‫ر‬
‫مبارس خالل‬ ‫للمعطيات حول الطفولة وانطالقا منها سيؤسس نموذجه يف النمو‪ .‬فعوض مالحظة األطفال بشكل‬
‫صابيي لتدوين ذكرياتهم عن الطفولة‪،‬‬ ‫للبالغي ُ‬
‫الع‬ ‫المراحل ُ‬
‫المختلفة من النمو استغرق ‪ Freud‬ساعات طويلة ينصت‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫النفش‪.‬‬
‫ي‬ ‫وهكذا بن ‪ Freud‬خطاطة النمو‬

‫مستويي آخرين‪ ،‬يضم‬


‫ر‬ ‫مب داخل الالشعور ربي‬‫األوىل (الشعور والالشعور) بل ر‬
‫ي‬ ‫لم يكتف ‪ Freud‬بهذا التقسيم‬
‫وتفسب األحالم‪ ،‬سىم هذا‬
‫ر‬ ‫التداع الحر‬
‫ي‬ ‫والن يمكن تذكرها عن طريق‬ ‫ي‬ ‫األول األفكار الكامنة وراء األفعال الشعورية‬
‫والن تم منعها بواسطة قوى دفاعية ألن‬
‫ي‬ ‫الثان األفكار المكبوتة حقيقة‬
‫ي‬ ‫المستور ب ‪ :‬ما‪-‬قبل‪-‬الشعور‪ .‬ويضم المستوى‬
‫تسللها لحقل الشعور سيلحق أدى وألما يف الشخصية وال يمكن تحمله إطالقا‪ ،‬هذا المستوى هو الالشعور بالمعن‬
‫الكامل للكلمة‪ .‬من هنا فمستوى ما‪-‬قبل‪-‬الشعور هو منطقة وسط ربي الشعور والالشعور‪.‬‬

‫النفش‬
‫ي‬ ‫‪ -0-2‬الجهاز‬

‫رأينا من خالل ما سبق أن الحياة النفسية تتشكل وفق ثالثة مستويات‪ ،‬لكن بالموازاة مع ذلك حدد ‪ Freud‬ثالثة‬
‫وه‪ :‬الهو واألنا واألنا األعىل‪ ،‬تتصارع هذه المكونات فيما بينها من جهة‪ ،‬وتتعاون من‬
‫النفش ي‬
‫ي‬ ‫عنارص تكون بنية الجهاز‬
‫التواىل‪ ،‬فيتمظهر ‘‘الهو‘‘ منذ الوالدة‪ ،‬ويتطور‬
‫ي‬ ‫جهة أخرى‪ .‬فخالل النمو‪ ،‬ال تظهر هذه العنارص دفعة واحدة بل عىل‬
‫الن يقوم بها الوسط إلشباع رغباته‪ ،‬ثم يظهر ‘‘األنا األعىل‘‘ سنوات فيما بعد كتمثالت‬ ‫‘‘األنا‘‘ نتيجة المجهودات ي‬
‫داخلية للقيم والقواعد والضوابط‪.‬‬

‫ال بد أيضا من االعباف بأن كل سلوك صادر عن اإلنسان –كان سلوكا جسديا أو نفسيا‪ -‬فهو يحتاج إىل طاقة ليتم‬
‫يعط الطاقة والوجهة لألنشطة‬ ‫ي‬ ‫ه الغرائز والدوافع‪ ،‬والغريزة عنرص‬‫النفش مصادر الطاقة ي‬
‫ي‬ ‫تنشيطه‪ ،‬يف نظرية التحليل‬
‫النفسية‪ ،‬وقد حرصها ‪ Freud‬يف غريزة الحياة وغريزة الموت‪ .‬تتجىل غريزة الحياة يف األفعال البناءة والحب واإليثار‪ ،‬يف‬
‫حي تتجىل غريزة الموت يف الهدم والحقد والعنف‪ .‬أطلق ‪ Freud‬عىل غريزة الحياة لفظ ‪ ،Libido‬ولكنه لم يعط لفظا‬ ‫ر‬
‫الموجه نحو‬ ‫التميب بينهما نظرا لتداخلهما‪ ،‬فمثال إن العنف ُ‬
‫ر‬ ‫يصعب‬ ‫الواقع‪،‬‬ ‫ف‬ ‫لكن‬ ‫‪.‬‬‫الموت‬ ‫غريزة‬ ‫عن‬ ‫الناتجة‬ ‫للطاقة‬
‫ي‬
‫ه هدف غريزة الحياة‪.‬‬ ‫الن ي‬
‫عدو مهدد راجع لغريزة الموت‪ ،‬لكن الغاية منه حفظ الذات ي‬

‫‪4‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬

‫والن تضم كل ما هو موروث‪ ،‬فتنبعث منه الليبيدو‬ ‫ي‬ ‫عند الوالدة يكون الطفل خاضعا فقط لمتطلبات ‘الهو‘‬
‫التعبب عنها‪ ،‬أي تلبيتها وإشباعها مما يحقق للطفل اللذة‪ ،‬أما عدم إرضاءها سيسبب له ألما‪.‬‬
‫ر‬ ‫كطاقة ضاغطة تبحث عن‬
‫أكب قدر من اللذة الممكنة يف أرسع وقت ممكن دون‬ ‫يعن ‪-‬من جهة‪ -‬أخذ ر‬‫ومنه‪ ،‬يشتغل ‘الهو‘ وفق مبدإ اللذة والذي ي‬
‫شء‪ ،‬ومن جهة أخرى تجنب األلم بأي طريقة ممكنة‪ .‬وتتجىل رغبات الهو يف هذه الفبة يف‪:‬‬ ‫ر‬
‫االكباث ألي أحد أو أي ي‬
‫يي سوى تحقيق هذه الرغبات (اللذة) أو عدم تحقيقها (األلم)‪.‬‬ ‫الطعام والدفء والنوم والنظافة والحنان‪ ،‬لذلك فهو ال ي‬
‫بالسبورات األولية‪،‬‬
‫ر‬ ‫يراقب الطفل هذين المبدأين (اللذة واأللم) وكيفية استجابة الوسط لرغباته فتتشكل لديه ما يسىم‬
‫فمثال‪:‬‬

‫سبورة أولية‬
‫ر‬
‫تحقيق الرغبة‬ ‫تباجع شدة‬ ‫تأن األم‬
‫ي‬ ‫اإلحساس‬
‫(اللذة)‬ ‫الجوع‬ ‫بالطعام‬ ‫البكاء‬ ‫بالجوع (األلم)‬

‫السبورات‬ ‫ر‬ ‫يكتف باالحتفاظ بها‪ ،‬وكلما نمت هذه‬‫ي‬ ‫السبورات األولية دون أن يوظفها بل‬ ‫ر‬ ‫يخزن الطفل هذه‬
‫وتضاعفت تجارب الطفل مع الوسط والمتمثلة يف استجابة المحيط لمتطلباته أدى ذلك إىل ظهور مكون آخر هو ‘األنا‘‬
‫الخارج‪ .‬يتجىل دور ‘األنا‘ يف اتخاذ القرارات بتعرف‬ ‫ر‬
‫ر ي‬ ‫المبارس للعالم‬ ‫التأثب‬
‫ر‬ ‫تغيبه نتيجة‬
‫يعتب جزءا من ‘الهو‘ تم ر‬ ‫والذي ر‬
‫الواقي أمام مطالب ‘الهو‘ ثم البحث عن إمكانية تلبية تلك المطالب‪ ،‬وذلك‬ ‫الن يفرضها العالم‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫الشوط واإلكراهات ي‬
‫يكتف يف هذه المرحلة بمراقبتها فقط بل بتوظيفها‬ ‫ي‬ ‫الن يمتلكها سلفا‪ ،‬ولكن ‘األنا‘ لن‬
‫السبورات األولية ي‬
‫ر‬ ‫بالرجوع إىل‬
‫سبورات ثانوية‪ .‬إذن فهو يقرأ واقعه (اإلدراك) ويعود إىل ر‬
‫السبورات األولية (الذاكرة) ويرى‬ ‫واالشتغال بها مما يحولها إىل ر‬
‫إمكانية تطبيقها (التحليل)‪ ،‬حن يعمل عىل تلبية رغبات ‘الهو‘‪.‬‬

‫يترصف الطفل يف البداية دون أن تكون لفعله ضوابط أو البامات بل يترصف فقط وفق مبدأ الحصول عىل اللذة‬
‫اعتب ‪ Freud‬الطفل ليس كائنا أخالقيا ‪ moral‬وليس كائنا ال أخالقيا‬ ‫ر ي‬
‫الخارج‪ ،‬لذلك ر‬ ‫وتجنب األلم المتمثل يف العقاب‬
‫خب‪ ،‬فقط يعد الطفل مؤهال لهذه‬ ‫ر‬
‫‪ immoral‬بل كائنا ال يمتلك فكرة حول األخالق أي أنه ما هو بكائن رسير أو بكائن ر‬
‫الن‬
‫الوع بالموانع ي‬
‫ي‬ ‫المسألة فيما بعد عندما يتشكل لديه المكون الثالث الذي هو ‘األنا األعىل‘‪ ،‬الذي يأخذ مظهرين هما‬
‫الن‬‫المثاىل المتمثل يف القيم األخالقية اإليجابية ي‬
‫ي‬ ‫يفرضها الوسط والعقوبات المبتبة يف حالة القيام بها(منع)‪ ،‬واألنا‬
‫تحصل عنده الرضا (إلزام)‪ .‬ال يحتاج الطفل فيما بعد للعقاب أو المكافأة كل مرة حن يترصف بشكل الئق‪ ،‬بل إن األنا‬ ‫ِ‬
‫الذان‪.‬‬
‫ي‬ ‫الضمب واإلحساس بالذنب أو يف الشعور بالفخر والرضا‬
‫ر‬ ‫األعىل الناضج هو الذي يتكفل بذلك يف مشاعر تأنيب‬

‫أكب صعوبة يف محاولة الرضوخ‬‫ف هذه المرحلة يكون الجهاز النفش قد اكتمل تشكله‪ ،‬مما يجعل دور ‘األنا‘ ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫حي يضع ‘األنا‬
‫للمطالب المتعارضة لكل من ‘الهو‘ و ‘األنا األعىل‘‪ ،‬فرغبات ‘الهو‘ تريد التحقق دائما وتطالب بإلحاح‪ ،‬يف ر‬
‫األعىل‘ ضوابط وقواعد للسلوك حن ال يحصل عقاب‪ ،‬مما يجعل بنية الالشعور تقوم عىل الرصاع ربي مكوناته هذا‬
‫تدببه‪.‬‬
‫الرصاع الذي عىل ‘األنا‘ ر‬

‫‪ -3-2‬اآلليات الدفاعية‬
‫يطور ‘األنا‘ كلما نما تقنيات ليالئم ربي المطالب ُ‬
‫المتعارضة لكل من ‘الهو‘ و ‘األنا األعىل‘‪ ،‬إىل أن يصبح ناضجا‬
‫يلن كال‬
‫إذاك يستطيع تقبل طبيعة المطالب الغريزية من جهة واألوامر والضوابط من جهة أخرى ويقبح حال مالئما ر ي‬
‫طفوىل – يميل إىل توظيف‬
‫ي‬ ‫منها‪ .‬ولكن قبل أن يصل ‘األنا‘ لهذا المستوى من النضج يكون ضعيفا ر‬
‫وغب ناضج – إنه ‘أنا‘‬
‫يعط ‘األنا‘ الضعيف آماال كاذبة لكل من‬ ‫ومخادعة سماها ‪ Freud‬باآلليات الدفاعية‪ ،‬حيث‬ ‫تقنيات للتعديل ملتوية ُ‬
‫ي‬
‫‘الهو‘ و ‘األنا األعىل‘ لعدم قدرته عىل الرضوخ لهما معا‪.‬‬

‫سبورة آلية ال واعية تعمل عىل رفض التجارب السلبية وإخراجها من حقل‬
‫وه ر‬‫ه الكبت ي‬ ‫أهم تقنية دفاعية ي‬
‫ُ‬
‫الالوع‪ ،‬صحيح أن المحتوى الذي تم كبته قد حقق نوعا من الراحة الشعورية‪ ،‬إال أنه يظل قابعا يف‬ ‫الوع نحو‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫‪5‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬
‫ُ‬
‫الالشعور ليخلق محنة نفسية وقلقا‪ ،‬مما يساهم يف إنتاج إشارات عصابية تكون سببا يف ظهور أمراض جسمية‪ ،‬وهكذا‬
‫الن واجهها‪.‬‬
‫فش ‪ Freud‬حاالت الشلل والعىم ي‬
‫التسام عىل تفري غ الطاقة الجنسية أو العدوانية يف نماذج سلوكية أو فكرية عالية‬
‫ي‬ ‫تعمل اآللية الثانية المتمثلة يف‬
‫ر‬
‫يعتبه‬
‫الشء الذي ر‬ ‫مقبولة ثقافيا واجتماعيا‪ ،‬كسلوك اإليثار (االهتمام باألطفال‪ ،‬رعاية المرض‪ )...‬والقيام بأعمال فنية‪ ،‬ي‬
‫مبارسة للرغبات الجنسية‪.‬‬ ‫‪ Freud‬بدائل ر‬

‫بدان يف حل المشاكل‪ ،‬فعندما يواجه الفرد‬


‫ي‬ ‫والن تقوم عىل الرجوع إىل نمط‬
‫ي‬ ‫ه النكوص‬ ‫اآللية الدفاعية الثالثة ي‬
‫غب فعالة يعود‬‫الن تناسب مرحلته من النمو إال أنه يف حالة عدم اعتبارها ر‬
‫مشكلة مقلقة عليه أن يتكيف معها بتقنياته ي‬
‫الطفل ال شعوريا إىل تقنيات مرحلة سابقة‪ ،‬فمثال عندما يدرك طفل ‪ 3‬سنوات أن أمه حامل أو وضعت مولودا جديدا‬
‫غب مناسبة لعمره كعودته إىل مص أصبعه أو عدم‬ ‫يمكن أن يصبح موضوع اهتمام والديه يقوم الطفل بترصفات تبدو ر‬
‫الليىل)‪.‬‬
‫ي‬ ‫تحكمه يف فضالته (التبول‬

‫والن‬
‫ي‬ ‫الن ال نقبلها أو نخشاها أو نخجل منها‬
‫ه اإلسقاط أي أن الدوافع الالشعورية ي‬ ‫اآللية الدفاعية الرابعة ي‬
‫يخف رغبات جنسية‬
‫ي‬ ‫تسبب لنا قلقا وضغطا داخليا نقوم بإلقائها عىل اآلخرين وتأويل سلوكاتهم بها‪ ،‬فيمكن لشخص‬
‫يدع أن الجميع يحاول التحرش به أو إغواءه‪.‬‬
‫ي‬ ‫قوية لديه أن‬

‫شخص باستبداله بنجاح يف‬


‫ي‬ ‫وه وسيلة يحاول الطفل من خاللها مواجهة فشل‬
‫ه التعويض ي‬
‫اآللية الخامسة ي‬
‫مجال آخر‪.‬‬

‫وه اإلفالت من تجربة مسببة للكآبة وتفادي مواجهة ظروفها نظرا لنتائجها السلبية‪،‬‬
‫ه التهرب ي‬‫اآللية السادسة ي‬
‫ر‬
‫الن يمكن أن تسبب الخجل‪ .‬هذا التهرب ماديا أو نفسيا (الشود يف‬ ‫فإذا كنت شخصا خجوال سأحاول تفادي الوضعيات ي‬
‫القسم)‪.‬‬

‫التعبب عن رغبات‬ ‫واألكب وضوحا‪ ،‬لكن هناك آليات أخرى تساعد ‘األنا عىل‬ ‫ر‬ ‫الميكانبمات الدفاعية‬ ‫هذه أهم‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫‘الهو‘ دون أن يشعر ‘األنا األعىل‘ بذلك فيتبن أحيانا الطفل سلوكات تكون عكس دوافعه تماما‪ ،‬فمثال الشخص الذي‬
‫يبدي هوس النظافة هو ف الواقع لديه رغبة ف التلطيخ ألنه ال زال يشعر ال شعوريا بالنجاسة ُ‬
‫المبتبة عن معاقبته يف‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫‪.‬‬
‫مرحلة سابقة وقمع تلك الرغبة فيه ‪ ،‬سيطرة تلك الرغبة تجعله يتبن سلوك مضاد لها ولفهم اشتغال هذه اآلليات ال بد‬
‫الن يقطعها النمو قبل أن يصبح ‘األنا‘ قويا‪.‬‬
‫أوال معرفة المراحل ي‬
‫‪ .2‬مراحل النمو النفسجنسية‬

‫الن تعلم بها الطفل تحرير طاقة ‪ Libido‬خالل كل‬ ‫ر‬


‫يعتب ‪ Freud‬أن نمو الشخصية يتأثر بشكل مبارس بالطريقة ي‬ ‫ر‬
‫كب‬ ‫ر‬
‫مرحلة من المراحل‪ ،‬فهو يرى أن الطاقة الليبيدية تتسع أكب وترتبط كل مرة بمنطقة محددة من الجسم‪ ،‬فيكون تر ر‬
‫ر‬
‫األكب داللة عنده ألنها تصبح موضوع اللذة‬ ‫ه‬
‫الطفل يف كل مرحلة عىل تلك المنطقة وتكون التجارب المرتبطة بها ي‬
‫التناسىل‪ .‬بمعن آخر تصبح كل‬
‫ي‬ ‫التواىل‪ :‬الفم واألنف‪ ،‬مخارج الفضالت‪ ،‬العضو‬
‫ي‬ ‫ه عىل‬‫واأللم‪ .‬هذه المناطق الجنسية ي‬
‫النفسجنش‪.‬‬
‫ي‬ ‫منطقة من هذه المناطق عىل حدة موضوع الطاقة الليبيدية يف مرحلة معينة من النمو‬

‫والن اصطلح عليها‬


‫وه الوالدة‪ ،‬ي‬‫قبل الخوض يف هذه المراحل‪ ،‬ال بد أوال أن نتحدث عن لحظة أساسية يف النمو ي‬
‫النفش عىل اعتبار أنها أول صدمة يواجهها المولود‪،‬‬
‫ي‬ ‫‪ Freud‬بصدمة الوالدة‪ ،‬العتبارها حدثا ذا داللة مهمة يف التحليل‬
‫جان من اعتداءات ال متناهية بعد الوالدة‬‫فبعد أن كان محميا داخل المشيمة يتوفر عىل كل الحاجات‪ ،‬يتعرض بشكل ف ي‬
‫الحقيف‪ ،‬فأول رد فعل يقوم به المولود هو‬
‫ي‬ ‫المثبات الخارجية الصادرة من المحيط الجديد الذي سيصبح عاله‬ ‫مصدرها ر‬
‫المثبات‬
‫ر‬ ‫غب مؤهل لمواجهة بل وحن إدراك تلك‬ ‫خوف شديد نظرا لكون ‘األنا‘ ال زال ضعيفا جدا ولم ينضج بعد أي أنه ر‬
‫النفش يف التشكل وذلك وفق المراحل التالية‪:‬‬
‫ي‬ ‫ليترصف إزاءها‪ .‬بعد هذه الصدمة يبدأ الجهاز‬

‫‪6‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬

‫‪ ‬المرحلة األوىل‪ :‬المرحلة الفمية (‪ 2‬إىل ‪ 2‬سنة واحدة)‬


‫ليس المولود صفحة بيضاء حسب ‪ Freud‬تنطبع عليه التجارب بل نظام من الطاقة الدينامية يرغب يف تفريغها‪،‬‬
‫أي أن ‘الهو‘ يحاول استثمار الطاقة الليبيدية يف مواضيع تحقق اللذة‪ ،‬وأول موضوع هو ثدي األم (أو ما يعوضه) وعن‬
‫طريق الفم يحصل الطفل منه عىل الطعام الذي يحافظ عىل حياته باإلضافة إىل األنف الذي يساعده عىل التنفس‪.‬‬
‫باإلضافة إىل هذا يكتشف الطفل بفمه أشياء العالم‪ ،‬فكل ما يمسكه الطفل بيده يأخذه نحو الفم‪ ،‬وخالل الشهر‬
‫السادس تظهر الرغبة يف العض خصوصا مع نمو وصالبة القواطع‪ ،‬هنا يطور الطفل أوىل المشاعر المتضاربة (الحب‬
‫فيعب عن ذلك بعض‬‫والكراهية) فهو يحب أمه ويكرهها ألنها تل ر ين رغبته يف الطعام لكنها تتأخر عليه أو تغيب عنه أحيانا ر‬
‫ر‬
‫ثدي األم‪ ،‬يوظف هذه الميوالت السادية حن مع األشخاص اآلخرين عندما يقوم بعض أصابعهم وهذا مؤرس جيد عىل‬
‫نموه السليم واكتمال نضج المرحلة الفمية‪.‬‬

‫‪ ‬المرحلة الثانية‪ :‬المرحلة ر‬


‫الشجية (السنة ‪ 0‬والسنة ‪)3‬‬
‫ينتقل اهتمام الطفل والوالدين خالل السنة الثانية والثالثة من حياة الطفل نحو تأسيس ضبط كامل لعضالت‬
‫الشجية‬‫اإلخراج‪ ،‬وبذلك يصبح هدف هذه المرحلة االحتفاظ وإخراج الفضالت ف أوقات محددة‪ ،‬فتصبح المنطقة ر‬
‫ي‬
‫ه‬‫ي‬ ‫األوىل‬ ‫‪،‬‬ ‫مرحلتي‬
‫ر‬ ‫إىل‬ ‫المرحلة‬ ‫هذه‬ ‫تنقسم‬ ‫منطقة االستثمار الليبيدي مع العلم أن المنطقة الفمية تظل قائمة دائما‪.‬‬
‫ُ‬
‫والن توجه من طرف ‘األنا األعىل‘‪،‬‬‫ه االحتفاظ ي‬ ‫الن توجهها ‘األنا‘‪ ،‬والثانية ي‬
‫مرحلة اإلخراج أي اكتشاف هذه العملية ي‬
‫فإذا كان اإلخراج يحقق التخلص من األلم‪ ،‬فإن االحتفاظ هو محاولة الرضوخ لمطالب النظافة األبوية للحصول عىل‬
‫رضاهم وحبهم‪ .‬إال أنه من الرصوري االنتباه إىل عدم فرض قواعد النظافة يف مراحل متقدمة حن ال يتم كبت الرصاع‬
‫وتتسم الشخصية فيما بعد بالخوف واإلحساس بالذنب‪.‬‬

‫‪ ‬المرحلة الثالثة‪ :‬المرحلة القضيبية (السنة ‪ 3‬والسنة ‪)4‬‬


‫تصبح األعضاء التناسلية موضوع الل ذة‪ ،‬بالموازاة مع ذلك يرتبط الطفل بموضوع حب وهو أحد الوالدين من‬
‫المخالف (االبن مع األم‪ ،‬والبنت مع األب)‪ ،‬وهذا ما اصطلح عليه ‪ Freud‬بعقدة أوديب‪ ،‬فللحصول عىل حب‬ ‫الجنس ُ‬
‫المعن باألمر يقوم الطفل الذكر بكره أبيه الذي ينافسه نفس موضوع الحب (أي األم) لذلك فهو يقوم بتقليد‬ ‫ي‬ ‫الوالد‬
‫الشء تقوم به البنت عندما تتقرب من أبيها تنافس أمها وتحاول أخذ صفاتها‪ .‬يتم حل هذا الرصاع فيما‬ ‫ر‬ ‫صفاته‪ ،‬نفس‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫بعد مع ظهور ‘األنا األعىل‘ الذي سيخلق المحرم (الطابو) لقمع الرغبة الجنسية وإبادتها كليا تحت مسىم ‘‘زنا المحارم‘‘‬
‫الذان‪.‬‬
‫ي‬ ‫الضمب أو العقاب‬
‫ر‬ ‫عن طريق تأنيب‬

‫‪ ‬المرحلة الرابعة‪ :‬مرحلة الكمون (من ‪ 9‬سنوات إىل البلوغ)‬


‫ه األعضاء التناسلية لكنها ال تظهر يف السلوك عند األطفال عن طريق كبت تلك‬ ‫تظل المنطقة الجنسية ي‬
‫الرغبات لتجاوز عقدة أوديب ونسيانها‪ ،‬فينصب اهتمامهم نحو العمل واللعب مع أقرانهم من نفس الجنس دائما يف‬
‫فه مرحلة أساسية‬‫جنش)‪ ،‬لذلك ي‬
‫ي‬ ‫محاولة التحكم يف تلك الرغبات الجنسية (المرحلة المثلية دون القيام بأي فعل‬
‫القواني والقواعد االجتماعية‪.‬‬
‫ر‬ ‫لتطور ‘األنا األعىل‘ وإدماج‬

‫الجنش (من ‪ 24‬سنة إىل ‪ 02‬سنة)‬


‫ي‬ ‫‪ ‬المرحلة الخامسة‪ :‬مرحلة النضج‬
‫ُ‬
‫يحدث نضج الوظائف الجنسية عند الطفل (البلوغ)‪ ،‬فينتقل اهتمام الطفل بالجنس المخالف‪ ،‬ثم تبدأ المظاهر‬
‫البجسية ف االختفاء شيئا فشيئا‪ ،‬مما يؤدي إىل اكتمال نضج ‘األنا األعىل‘‪ ،‬بدوره ‘األنا‘ ينضج كذلك‪ ،‬ويصبح ر‬
‫أكب قدرة‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫عىل التعامل مع مطالب ‘الهو‘ و ‘األنا األعىل‘‪ ،‬فيترصف وفق مبدأ الواقع وذلك بتبنيه لنماذج خاصة ومبارسة لحل‬
‫الرصاعات النفسية دون االعتماد عىل اآلليات الدفاعية‪ .‬لكن نظرا للضوابط الثقافية واالجتماعية وقوة الرغبة الجنسية‬
‫التسام (آلية دفاعية) أهم مظاهر الحياة النفسية حيث أن‬
‫ي‬ ‫الن ال يمكن التعامل معها خارج إطار مؤسسة الزواج يبف‬ ‫ي‬
‫خبي‪ :‬أدب‪ ،‬موسيف‪ ،‬رياضة‪ ،‬عمل جمعوي أو‬ ‫ر‬ ‫أو‬ ‫فن‬‫ي‬ ‫بنشاط‬ ‫تعويضها‬ ‫إىل‬ ‫يؤدي‬ ‫التجربة‬ ‫تلك‬ ‫خوض‬ ‫عن‬ ‫االمتناع‬
‫خبي‪...‬‬ ‫ر‬

‫‪7‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬

‫‪ .3‬مظاهر النمو‬

‫الوع‬
‫ي‬ ‫‪ -2-3‬تطور‬

‫الواع للحياة النفسية ال يظهر يف شكله األقص والكامل عند الوالدة أو خالل الطفولة‪ ،‬بل إن الشعور‬
‫ي‬ ‫أن المظهر‬
‫‪.‬‬
‫الداخىل من جهة ومراكمة التجارب من جهة أخرى كما‬
‫ي‬ ‫وما‪-‬قبل‪-‬الشعور يتطوران مع الزمن بالتدري ج‪ ،‬وذلك تبعا للنضج‬
‫الوع (الشعور وما‪-‬قبل‪-‬الشعور والالشعور) ومكونات‬‫ي‬ ‫الن تربط ربي مستويات‬ ‫أن هذا النمو يتوقف عىل نوع العالقات ي‬
‫وه‪ 2 :‬شهر‬ ‫ر‬
‫النفش (الهو واألنا واألنا األعىل)‪ .‬لشح هذه العالقة قدم ‪ Freud‬ثالث محطات أساسية من العمر ي‬
‫ي‬ ‫الجهاز‬
‫واحد‪ 3 ،‬سنوات‪ 20 ،‬سنة‪ .‬توضح الخطاطة التالية ذلك‪:‬‬

‫‪ 20‬سنة‬ ‫‪ 3‬سنوات‬ ‫‪ 2‬شهر‬

‫يف الشهر األول من حياة الطفل‪ ،‬كل ما يقوم به الطفل عند الوالدة هو تحت إمرة ‘الهو‘ الذي يتأسس عىل مبدأ‬
‫الخارج‪ ،‬فيكون ‘األنا‘ مراقبا فقط يالحظ ردود فعل الوسط تجاه متطلبات‬ ‫ر ي‬ ‫اللذة ودون االكباث لضوابط الوسط‬
‫الغرائز‪ ،‬لذلك فحجم ‘األنا‘ ضئيل جدا أو فعله منعدم‪ ،‬جزء بسيط منه هو الذي يمكن اعتباره شعورا‪ ،‬أما ما تبف منه‬
‫حدين الوالدة فكل ترصفاته تصدر دون أن يكون‬ ‫ر‬ ‫فال زال ما‪-‬قبل شعوري و ال شعوري‪ .‬وهذا ما تؤكده مالحظة األطفال‬
‫ي‬
‫السبورات‬
‫ر‬ ‫فه آلية كليا‪ .‬لكن بالتدري ج ينضج ‘األنا‘ شيئا فشيئا حيث يف البداية يسجل‬
‫وع ي‬
‫له عليها أدن سيطرة أو ي‬
‫الن تحقق له رضا ومتعة وتبعد عنه األلم‪.‬‬
‫ويمب فيها تلك ي‬
‫األولية ر‬

‫الخارج ومنه تصبح منطقة الشعور ومنطقة ما‪-‬قبل‪-‬‬ ‫ر ي‬ ‫عند السنة الثالثة ترتفع نسبة تفاعل الطفل مع العالم‬
‫أكب‪ ،‬فالشعور إذن هو نظام اإلدراك‬ ‫أكب اتساعا‪ ،‬مما ر‬‫الشعور ر‬
‫يؤرس لظهور ترصفات عند الطفل تعود ‘لألنا‘ بشكل ر‬
‫النفش والذي يكون يف‬
‫ي‬ ‫ر ي‬
‫الخارج للجهاز‬ ‫الواع‪ ،‬أي ما تدركه الحواس الخمسة أو ما نفكر فيه‪ ،‬فالشعور هو الجزء‬ ‫ي‬ ‫الحش‬
‫ي‬
‫الشء الجديد الذي يظهر هو إضافة ‘األنا‘ لمسة شخصية‬ ‫ر‬ ‫‘‪.‬‬ ‫األنا‬‫‘‬ ‫نواة‬ ‫إنه‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬
‫الخارج‬ ‫العالم‬ ‫مع‬ ‫وفورية‬ ‫ة‬ ‫ر‬
‫مبارس‬ ‫عالقة‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وه عبارة عن قمع أفكار مؤلمة وكبتها يف الالشعور نظرا لعدم قدرة الشعور أو ما‪-‬قبل‪-‬الشعور عىل تحملها ولم‬ ‫لالشعور‪ ،‬ي‬
‫المرحلتي الفمية‬ ‫ُ‬
‫ه مجموع األحداث المقلقة خالل‬
‫ر‬ ‫يجدا لها حال يك يتم تجاوزها بطريقة مرضية‪ ،‬هذه العنارص ي‬
‫ر ي‬
‫الخارج أو األرسة (ضبط إخراج فضالته قبل انتهاء المرحلة‬ ‫والشجية والمرتبطة بمطالب وضوابط ُمفاجئة من الوسط‬ ‫ر‬
‫الشجية)‪ ،‬هذه األحداث المكبوتة يتم تأجيلها فقط وليس حلها مما يجعلها قائمة باستمرار محاولة النفاذ دائما من‬ ‫ر‬
‫الالشعور‪.‬‬

‫سبورة انطلقت يف الواقع مع عقدة أوديب (‪3‬‬


‫وه ر‬
‫يف ‪ 20‬سنة يتطور ‘األنا األعىل‘ شيئا فشيئا انطالقا من ‘األنا‘ ي‬
‫سنوات)‪ ،‬ويتجىل ‘األنا األعىل‘ يف حقل الشعور و ما‪-‬قبل‪-‬الشعور يف شكل قواعد وقيم واعية تضبط السلوك حن عندما‬
‫غب المرتبطة‬
‫تغيب مراقبة الوسط‪ ،‬أما مظهر ‘األنا األعىل‘ يف الالشعور فيتجىل يف مشاعر اإلحساس بالذنب والخجل ر‬
‫بأي حدث خاص‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬

‫‪ -0-3‬تطور ‘‘األنا‘‘‬

‫ه تحقيق ‘أنا‘ قوي ويمكن تعريفه باعتباره المكون الذي يمتلك تقنيات التعديل الكفيلة‬ ‫إن الغاية من النمو ي‬
‫بتلبية رغبات ‘الهو‘ الغريزية دون إغفال أي منها من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى تلبية المطالب المفروضة عىل الفرد من‬
‫واالجتماع) ومن طرف ‘األنا األعىل‘‪ .‬ومنه يمكن اعتبار ‘األنا‘ الضعيف هو ما يقوم‬
‫ي‬ ‫ر ي‬
‫الخارج (المادي‬ ‫طرف الوسط‬
‫بعكس ذلك أي الذي يحتاج إىل اآلليات الدفاعية‪‘ ،‬األنا‘ عند المولود الجديد ضعيف جدا فهو ال يمتلك إال طرقا بدائية‬
‫وعصن إضافة إىل عدد من‬ ‫ري‬ ‫جسىم‬
‫ي‬ ‫كبب (نضج‬ ‫ر ي‬
‫الخارج‪ ،‬لذلك فهو يحتاج إىل نضج ر‬ ‫للتحكيم ربي ‘الهو‘ و الوسط‬
‫وف انتظار ذلك يتعلق بمساعدة خارجية (الوالدان)‪ ،‬وألنهما‬ ‫التجارب) ليطور من آليات تلبية الرغبات المتعارضة‪ ،‬لهذا ي‬
‫الن يتعرض لها الطفل‬ ‫المثبات الخارجية ي‬
‫ر‬ ‫ال يستطيعان السيطرة عىل غرائزه ودوافعه فهما قادران عىل التقليل من‬
‫(أصوات مزعجة‪ ،‬أضواء مشوشة‪ ،‬خصام الوالدين‪ ،)...‬فيقلصان من عبء القرارات ي‬
‫الن عىل ‘األنا‘ الضعيف القيام بها‪،‬‬
‫باإلضافة إىل تلبية المطالب الغريزية (الطعام‪ ،‬الدفء‪ ،‬النظافة‪ ،)...‬مع رصورة االنتباه للمراحل النفسجنسية ي‬
‫الن يمر بها‬
‫بالتعبب عن رغباته ودوافعه عوض منعها أو قمعها بالرقابة الصارمة أي تفادي كبت المشاعر‬ ‫ر‬ ‫الطفل والسماح له‬
‫ر‬
‫والتجارب اليومية تفاديا لظهور أعراض عصابية مستقبال مما يؤرس عىل ‘األنا‘ الضعيف‪ ،‬ولتحقيق هذا ال بد من االلبام‬
‫بالمبادئ الخمسة التالية‪:‬‬

‫بالتعبب‪.‬‬
‫ر‬ ‫معرفة وفهم طبيعة الدوافع الغريزية وتقبل الحاجة إىل السماح لها‬ ‫‪‬‬
‫معرفة المراحل النفسجنسية العادية للنمو ونوع الرصاع الذي يواجهه الطفل خاللها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫المالئمة لكل مرحلة حن يتمكن الطفل من إشباع دوافعه الغريزية مع رصورة االحباس من عدم‬ ‫توفب الفرص ُ‬
‫ر‬ ‫‪‬‬
‫المبالغة يف اإلشباع ألن ذلك سيؤدي إىل التثبيت‪.‬‬
‫اإلرساف يف االنتباه والحماية خالل السنة األوىل تفاديا إلغراق األنا الضعيف يف االكراهات الالمتناهية للوسط‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الن‬
‫الن يواجهها الطفل بالموازاة مع النمو حن يطور ‘األنا‘ تقنياته الواعية ي‬ ‫اقباح حلول مختلفة للمشاكل ي‬ ‫‪‬‬
‫تمكنه من إشباع كل المطالب كيفما كانت الظروف‪.‬‬
‫خاتمة‬

‫تفسبات لعدة ظواهر‬


‫ر‬ ‫الن طبعت تاري خ علم النفس وقدمت‬ ‫النفش من النظريات المهمة ي‬
‫ي‬ ‫تبف نظرية التحليل‬
‫خصوصا عندما يتعلق األمراض باضطرابات نفسية وذلك بإرجاعها إىل مشاكل يف الطفولة‪ ،‬إال أن ‪ Freud‬لم يالحظ‬
‫الشء الذي حذا بابنته ‪ Anna Freud‬أن تساهم يف تطوير نظرية‬ ‫العصابيي‪ ،‬ر‬
‫ر‬ ‫األطفال بل اكتف باإلنصات للراشدين‬
‫ي‬
‫وتقص المعلومات من األرسة والمحيط‬ ‫ر‬
‫المبارسة لهم‬ ‫النفش وذلك بدراسة سلوك األطفال من خالل المالحظة‬ ‫التحليل‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الثان الذي دفع ‪ Anna‬إىل دراسة الطفولة‬
‫ي‬ ‫تعببية (اللغة)‪ .‬الهدف‬
‫تفسب األحالم ألن األطفال ال يمتلكون أدوات ر‬
‫ر‬ ‫عوض‬
‫للتعبب عن نفسها‪ ،‬ومنه فإعادة‬
‫ر‬ ‫الكبب أمام الغرائز‬
‫ر‬ ‫هو اعتبار هذه المرحلة أساسية لتشكل األنا األعىل الذي يعد العائق‬
‫بتغيب ردود فعل األرسة‬
‫ر‬ ‫محتواه يف الطفولة أمر سهل مما يمكن أن يساعد يف تجاوز المشاكل النفسية مستقبال وذلك‬
‫فه فطرية لكن يمكن‬ ‫تغيب مواهب الطفل ي‬
‫تعتب ‪ Anna Freud‬أنه ال يمكن ر‬ ‫وانتظاراتهم تجاه ترصفات الطفل‪ .‬عموما ر‬
‫التخفيف مما يشوش عىل انبثاقها بشكل كامل‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬المدرسة البنائية‬


‫األكاديىم بالبيولوجيا وخصوصا األسس البيولوجية للمعرفة‪ ،‬حيث حاز‬
‫ي‬ ‫تخصص ‪ Jean Piaget‬يف بدية مشواره‬
‫عىل الدكتوراه يف سن ‪ 02‬سنة‪ ،‬تمحورت أوىل أبحاثه ومقاالته حول ذلك‪ ،‬فيما بعد وسع ‪ Piaget‬حقل دراسته باهتمامه‬
‫بمختب ‪ Alfred Binet‬بباريس‪ .‬إال‬
‫ر‬ ‫الن تقيس القدرات الذهنية‬
‫تعيب االختبارات ي‬
‫بالسيكولوجيا‪ ،‬فقد شارك يف محاولة ر‬
‫الن تجعلهم‬ ‫أنه عوض أن يهتم بالنتائج ُ‬
‫السبورات المعرفية ي‬
‫ر‬ ‫المحصل عليها من طرف األطفال وجه انتباهه نحو‬
‫يختارون جوابا دون آخر‪ ،‬بمعن أنه عوض أن يطرح سؤال‪ :‬كيف هم األطفال؟ طرح سؤاال آخر مفاده‪ :‬كيف تتطور‬
‫المعرفة عند اإلنسان؟ أي كيف تتطور العالقة ربي الذات والموضوع مع الزمن؟ وهذا ما تمخضت عنه األبستيمولوجيا‬
‫التكوينية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬

‫‪ .1‬مفاهيم بنائية عند ‪Piaget‬‬

‫اإلكلينيك وتقوم‬
‫ي‬ ‫كبة مهمة يف منهجه‬‫الن ستصبح ر ر‬ ‫بمختب ‪ ،Binet‬صاغ ‪ Piaget‬التقنية األساسية ي‬‫ر‬ ‫منذ اشتغاله‬
‫ُ‬
‫عىل وضع الطفل أمام اختبار(مهمة) ثم مالحظة كيف يتوصل لحلها‪ .‬فيما يخص األطفال الصغار تنجز االختبارات‬
‫كب سنا فإن االختبارات‬‫عجي‪ ،‬أكواب ‪ ،)...‬أما بالنسبة لألطفال األ ر‬
‫ر‬ ‫بواسطة أشياء يمكنهم رؤيتها ومناولتها يدويا (قطعة‬
‫أكب‪ .‬فبعد أن يتم االتصال ربي الطفل والمهمة يسأل ‪ Piaget‬الطفل محاوال الوقوف عىل معطيات جد‬ ‫تصبح شفوية ر‬
‫الن وظفها الطفل لتقديم حل ما‪ .‬فينطلق ‪ Piaget‬أن األطفال ال يعالجون مهمة معينة‬ ‫السبورات المعرفية ي‬‫دقيقة حول ر‬
‫بنفس الطريقة‪.‬‬

‫أكب‪ ،‬وللوقوف عىل التعريف الخاص به ال بد‬


‫كما شكل تعريف ‪ Piaget‬للمعرفة محاولة لتوضيح نظريته بشكل ر‬
‫أوال التطرق لألفكار ُ‬
‫المتعارف عليها فيما يخص طبيعة المعرفة‪:‬‬

‫الن اكتسبها الفرد خالل حياته (جمع معلومات)‪.‬‬ ‫‪ ‬المعرفة ‪ :‬مجموع المعلومات والمعتقدات ي‬
‫‪ ‬المعرفة ‪ :‬انعكاس لما شهده الفرد من تجارب او تلقاه من معلومات (تشابه المعرفة)‬
‫الن ينضاف بعضها عىل بعض لتشكل كال واحدا (الباكم)‬ ‫‪ ‬المعرفة ‪ :‬سلسلة من ر‬
‫الخبات ي‬
‫‪ ‬المعرفة ‪ :‬كلما تم استدعاء المعلومات المخزنة إال وتم استحضارها (الذاكرة)‬
‫سبورة وليست‬ ‫قدم ‪ Piaget‬نظرة جديدة للمعرفة مختلفة تماما عن هذه األفكار المتعارف عليها‪ ،‬فهو يرى أنها ر‬
‫يعن الترصف إزاءه‪ ،‬والترصف هنا يمكن أن يكون رفبيائيا أو ذهنيا أو هما معا‪ ،‬أي أنها تتابع أفعال‬ ‫ر‬
‫شء ما ي‬ ‫ركاما‪ ،‬فمعرفة ي‬
‫الن‬ ‫كب معلومات‪ .‬ومنه فاإلدراك الحش ر‬
‫شخصي بل يكون تبعا للتجارب الماضية ي‬ ‫ر‬ ‫للشء ليس متشابها عند‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫وليست تر ر‬
‫سبورة تخضع لها إدراكاتنا الحسية‪ .‬نستحرص هنا‬ ‫(الذهن)‪ ،‬إذن فالمعرفة هنا ر‬
‫ي‬ ‫الداخىل‬
‫ي‬ ‫خبها الفرد ومدى نضجه‬ ‫ر‬
‫مفهوما آخر مرتبط بما سلف وهو الذاكرة‪ ،‬حيث يقر ‪ Piaget‬أنها خزان للتجارب الماضية ومنه فمحتواها يتطور‬
‫(ف تزايد)‪ ،‬ولكن فعل الذاكرة (التذكر واالسبجاع) ليس الرجوع إىل ذلك المحتوى وإعادة موضعته يف حقل‬ ‫باستمرار ي‬
‫السبورات الذهنية األصلية للمعرفة وليس تكرار لها‪ ،‬لهذا‬ ‫ر‬ ‫الماض‪ ،‬إنها إعادة انتاج‬
‫ي‬ ‫الوع بل هو إعادة بناء تجارب‬‫ي‬
‫ر‬
‫صبورة من مستوى ضعيف إىل مستوى أكمل وأكب فاعلية‪.‬‬ ‫عنده‬ ‫فالمعرفة‬
‫ر‬

‫تفكب (حسب ‪ )Piaget‬إىل أن يتم اكتمال تكيف الكائن مع الوسط‪،‬‬ ‫ر‬ ‫من خالل ما سبق يهدف كل سلوك أو‬
‫وه إما بيولوجية أو ذهنية أو هما معا‪ .‬تكون هذه الخطاطات‬‫واصطلح ‪ Piaget‬عىل أدوات التعديل هذه بالخطاطات ي‬
‫تن األعضاء‪ ،‬السعال‪ )...‬ثم تتطور بداللة النمو لتصبح‬
‫يف البداية عبارة عن ردود أفعال محدودة العدد (الرضاعة‪ ،‬البكاء‪ ،‬ي‬
‫وأكب تعقيدا‪ .‬ولحصول ذلك هناك ‪ 3‬آليات أساسية‪:‬‬ ‫أكب عددا ر‬ ‫ر‬

‫االستيعاب‪ :‬عندما يواجه الطفل وضعيات صادرة من الوسط يقوم بتقييم الخطاطات الصالحة للتعامل معها‬ ‫‪‬‬
‫الموضوع مثالية بل يتطلب األمر القيام‬
‫ي‬ ‫والمناسبة لها‪ ،‬لكن أحيانا ال تكون هذه المطابقة مع الواقع‬
‫تغيبات عىل معطيات الوسط بالشكل الذي يضمن له جعلها متطابقة‬ ‫بمجهودات من طرف الطفل إلحداث ر‬
‫يعط داللة ذاتية للواقعة الموضوعية حن يترصف إزاءها‪.‬‬‫ي‬ ‫مع الخطاطة القبلية المتاحة له‪ ،‬زمنه فهو‬
‫التالؤم‪ :‬أحيانا ال يمكن االستيعاب من حل وضعية مشكلة ما‪ ،‬حيث أن كل المجهودات يف تعديل معطيات‬ ‫‪‬‬
‫تغيب الخطاطة يف حد ذاتها‬
‫المعرف ر‬
‫ي‬ ‫الوسط لتتطابق مع خطاطة معينة ال تجدي نفعا‪ ،‬هنا يكون أمام الجهاز‬
‫وذلك بإجراء تعديالت عليها أو بإضافة خطاطة أخرى عليها حن تتمكن الخطاطة الجديدة من التعامل مع‬
‫المهمة المطلوبة‪.‬‬
‫وه تتشكل من‬ ‫التوازن‪ :‬يف الواقع تعد اآللية الحقيقية وراء تعديل الخطاطات ومالءمتها مع الوسط ي‬ ‫‪‬‬
‫السابقتي (االستيعاب والتالؤم) وال يمكن الفصل بينهما‪ ،‬فكلما تكيفنا مع األشياء نظم الفكر ذاته‬
‫ر‬ ‫ورتي‬
‫السب ر‬
‫ر‬
‫وكلما أعاد الفكر تنظيم ذاته قام ببناء األشياء وفق بنية جديدة‪ .‬إذن فالتوازن هو حالة عودة الذات إىل‬
‫االستقرار بعد فقدانه نتيجة عدم التطابق ربي الخطاطة والواقع‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬

‫‪ .2‬مستويات ومراحل النمو‬

‫الفبيائية‪ ،‬تقليد‬
‫يف الواقع حدد ‪ Piaget‬عدة سلسالت من النمو تختلف فيما بينها حسب مجال النمو (السببية ر‬
‫والذهن‪ ،‬يمكن تقسيمه إىل ‪ 4‬مستويات‬
‫ي‬ ‫الحرك‬
‫ي‬ ‫اللعب‪ ،‬فهم األعداد‪ )...‬لكن خلف هذا التعدد هناك نموذج عام للنمو‬
‫كبى توجد تحتها مراحل صغرى‪ ،‬هناك ‪ 9‬ررسوط أساسية ال بد أن تتحقق يف هذه المستويات والمراحل‪:‬‬‫ر‬

‫‪ ‬الكونية‪ :‬تطابق هذه المراحل عند جميع األطفال مهما اختلفت الثقافة بل وحن الحقبة التاريخية‪.‬‬
‫البشي اجتياز تلك المراحل وفق البتيب الموضوع من البسيط إىل‬ ‫‪ ‬الثبات‪ :‬أي أنه بالرصورة عىل الكائن ر‬
‫الحش إىل المجرد وليس العكس‪,‬‬‫ي‬ ‫الحش‬
‫ي‬ ‫المركب‪ ،‬من‬
‫‪ ‬القابلية للتحول واالنقالب‪ :‬عندما ينتقل الطفل من مرحلة إىل أخرى فهو سيترصف مع معطيات الواقع وفق‬
‫الن تم حلها وإعادة قراءتها من جديد عىل ضوء‬ ‫المرحلة الراهنة إضافة إىل استدعاء المشاكل السابقة ي‬
‫المعطيات الجديدة‪ ،‬إضافة إىل أن األدوات القديمة يتم االنقالب عليها وتجاوزها وعدم اعتمادها لحل‬
‫الوضعيات الراهنة‪.‬‬
‫نهان فورا‪ ،‬بل يحتاج‬
‫ي‬ ‫يعن أنه سيستوفيه بشكل‬ ‫التدريج‪ :‬عندما يدخل الطفل يف مرحلة ما فذلك ال ي‬ ‫ر ي‬ ‫‪ ‬التطور‬
‫فعىل‪.‬‬
‫تدريج لخصائص تلك المرحلة حن يستوفيها بشكل ي‬ ‫ر ي‬ ‫األمر إىل تطور‬
‫المعرف ألن‬ ‫البشي آخر مستوى من مستويات النمو‬ ‫‪ ‬التوازن‪ :‬هو غاية هذه المرحلة وال يتحقق إال ببلوغ الكائن ر‬
‫ي‬
‫الن تسمح فقط بالتعامل مع الوسط بطريقة منسجمة ومتناغمة‪.‬‬ ‫ه ي‬ ‫خصائص تلك المرحلة ي‬
‫الحرك‪ ،‬ما قبل‬
‫ي‬ ‫الحش‬
‫ي‬ ‫المعرف الذي حدده ‪ Piaget‬يف المستويات التالية‪:‬‬
‫ي‬ ‫يمكن اجمال النموذج العام للنمو‬
‫العمليات‪ ،‬العمليات الملموسة‪ ،‬العمليات المجردة‪.‬‬

‫سنتي)‪.‬‬
‫ر‬ ‫الحرك (من الوالدة إىل‬
‫ي‬ ‫الحش‬
‫ي‬ ‫‪ -2-0‬المستوى‬

‫الذهن انطالقا من‬


‫ي‬ ‫التعبب عن أفكاره‪ ،‬لذلك وجب تقييم النمو‬
‫ر‬ ‫األوليتي‬
‫ر‬ ‫السنتي‬
‫ر‬ ‫ال يستطيع الطفل خالل‬
‫الن يترصف بها مع الوسط (الحركة)‪ ،‬وقد مكنت‬‫الن بواسطتها يدرك وسطه (الحواس)‪ ،‬ومن الطريقة ي‬ ‫الطريقة ي‬
‫المالحظات ‪ Piaget‬من تحديد ‪ 6‬مراحل تندرج ضمن هذا المستوى‪.‬‬

‫يتكيف الطفل خالل المرحلة األوىل (من ‪ 2‬إىل شهر ‪ )2‬بواسطة انعكاسات فطرية‪ ،‬فعن طريق غرائزه يستطيع‬
‫الرضاعة والبكاء والتنفس والسعال واخراج الفضالت ويتحرك‪.‬‬

‫تتمب المرحلة الثانية (من شهر ‪ 2‬إىل ‪ 4‬أشهر) باكتساب الطفل ألفعال تكيفية نتيجة تجاربه السابقة‪ ،‬فمثال‬ ‫ر‬
‫حرك ربي اليد والفم‪ .‬خالل هذه المرحلة يتمتع‬
‫ي‬ ‫هناك مالءمة خطاطة الرضاعة مع مص األصبع الذي هو نتيجة تنسيق‬
‫الطفل بتكرار فعل بال كلل أو تعب‪ ،‬يتمركز هذا الفعل عىل جسمه الخاص (مص األصبع‪ ،‬يخرج اللعاب من الفم‪ ،‬يالمس‬
‫وه الدليل عنده عىل أن المعرفة ال تحصل بشكل فوري يف‬‫رجال بأخرى ‪ )...‬سماها ‪ Piaget‬باألفعال الدورانية األولية‪ ،‬ي‬
‫الذهن انطالقا من الوسط بل يحتاج األمر إىل تكرار‪.‬‬

‫ر ي‬
‫الخارج‪ ،‬فهو‬ ‫متمبة عن العالم‬
‫ر‬ ‫تبدأ المرحلة الثالثة (من ‪ 4‬أشهر إىل ‪ 8‬أشهر) بإدراك الطفل لنفسه كذات‬
‫يترصف بشكل قصدي عندما يعيد انتاج سلوكات وأفعال تكرارية ولكنها بإرادته‪ ،‬سماها ‪ Piaget‬باألفعال الدورانية‬
‫يأن بعد الفعل وليس قبله‪.‬‬ ‫ر ي‬
‫الخارج يحاول الطفل اكتشافها‪ ،‬لكن القصد هنا ي‬ ‫الثانوية‪ ،‬فيكون موضوعها أشياء العالم‬

‫يي حضور األشخاص واألشياء‬ ‫تتمب المرحلة الرابعة (من ‪ 8‬أشهر إىل ‪ 20‬شهرا) بانبثاق ترصفات ذكية‪ ،‬حيث ي‬ ‫ر‬
‫غب‬ ‫ر‬
‫الشء‘‘ لكن بشكل ر‬
‫ويبحث عنهم عندما يخرجون من حقله البرصي‪ ،‬مما يدل عىل أنه بدأ يف بلورة مفهوم ‘‘ديمومة ي‬
‫حدثي مما يؤهله لتوقع نتيجة وضعية ما‬
‫ر‬ ‫مكتمل مما يسقطه يف مغالطة ‪ A‬وليس ‪ ،B‬كما أنه يدرك العالقة السببية ربي‬
‫والترصف بداللة تلك النتيجة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬

‫والن‬
‫خالل المرحلة الخامسة (من ‪ 20‬شهرا إىل ‪ 28‬شهرا) يصبح الطفل قادرا عىل القيام بأفعال الدورانية الثالثية ي‬
‫ه عبارة عن أشكال عامة للفعل‪ ،‬فالطفل ال يعيد انتاج أفعال بشكل تام بل يقوم بتعديلها بغية مراقبة النتائج وتجريب‬ ‫ي‬
‫الفبيائية واستعماالتها الممكنة‬
‫وضعيات مختلفة‪ ،‬مما يؤهله إىل تكوين معرفة خاصة باألشياء وإدراك خصائصها ر‬
‫(يمسك لعبة أو يدقها مع األرض أو الطاولة‪ ،‬يحركها فوق سطح ما ‪)...‬‬

‫غب رصوري‪ ،‬ألن الطفل قادر عىل تمثلها‬


‫يف المرحلة السادسة (من ‪ 28‬شهرا إىل ‪ 04‬شهرا) يصبح حضور األشياء ر‬
‫شء بعيد عنه‪ ،‬أو‬ ‫ر‬
‫والتعامل معها ذهنيا‪ ،‬حيث أن خياله تطور بالشكل الذي يسمح له باعتماد عصا (مثال) لتقريب ي‬
‫ر‬
‫الن ستؤهل الكفاءات الحسية الحركية لالنتقال إىل مستوى‬
‫ه ي‬‫شء عال‪ .‬هذه المرحلة السادسة ي‬ ‫كرش لبلوغ ي‬
‫ي‬ ‫اعتماد‬
‫جديد خاصيته األساسية ستكون اللغة‪.‬‬

‫سنتي إىل ‪ 7‬سنوات)‪.‬‬


‫ر‬ ‫تفكب ما قبل العمليات (من‬
‫‪ -0-0‬مستوى ال ر‬

‫وه من طبيعة مادية أو‬ ‫ر ي‬


‫الخارج‪ ،‬ي‬ ‫العملية أو اإلجراء عند ‪ Piaget‬أداة للتفاعل مع األشياء الموجودة يف المحيط‬
‫وتتمب باالستعمال المتمركز‬
‫ر‬ ‫سنتي ‪ 0‬إىل ‪ 4‬سنوات‬
‫ر‬ ‫أساسيتي‪ ،‬تبدأ األوىل من‬
‫ر‬ ‫مرحلتي‬
‫ر‬ ‫ذهنية‪ .‬ويضم هذا المستوى‬
‫الحش الخاص لحل المشكالت المطروحة أمامه‪ .‬خالل المرحلة الثانية (من ‪9‬‬ ‫ي‬ ‫حول الذات للغة واالرتباط باإلدراك‬
‫سنوات إىل ‪ 7‬سنوات) تأخذ اللغة طابعا مختلفا عندما تتأسس عىل الحدس وتأخذ طابعا اجتماعيا‪ .‬نرى إذن األهمية‬
‫البالغة للغة يف هذا المستوى‪ ،‬وقد حرص ‪ Piaget‬دور اللغة يف النقط التالية‪:‬‬

‫‪ ‬تسمح للطفل بالتواصل مما يساعده عىل جعل أفعاله اجتماعية‬


‫‪ ‬تسمح للطفل بتنظيم العالم يف شكل أفكار ورموز‪.‬‬
‫‪ ‬تسمح للطفل باستدخال أفعاله واالنتقال من الفعل إىل الفكر‪.‬‬
‫كبب‪ ،‬ولهذا الغرض‬
‫ينىم الطفل رصيده اللغوي مما يجعله يتكلم بشكل ر‬ ‫الثان‪ ،‬ي‬
‫خالل المرحلة األوىل من المستوى ي‬
‫االجتماع الذي يستعمله ليطلب أشياء معينة من والديه أو‬
‫ي‬ ‫نوعي من الخطاب‪ ،‬يتمثل األول يف التواصل‬ ‫ر‬ ‫يوظف‬
‫ر‬
‫الثان (وهو األكب أهمية) يف الخطاب المتمركز حول الذات والذي يقوم عىل انتاج الكالم‬ ‫محيطه‪ ،‬ويتمثل الشكل‬
‫ي‬
‫الذان عن أنشطته يف نفس الوقت الذي يقوم بها‪ ،‬وهذا ما يالحظ عند‬ ‫ي‬ ‫واالنتباه واالستماع‪ ،‬بحيث يكون الهدف التعليق‬
‫األطفال وهم يلعبون فهم يتحدثون فيما بينهم لكن عند التحقق من مضمونه تجد أن كل طفل يتحدث إىل نفسه‪ ،‬وهو‬
‫الجماع‪ ،‬فهو يرى العالم انطالقا من منظوره الخاص مما يجعله ال يدرك وجهة نظر اآلخر‪.‬‬‫ي‬ ‫ما سماه ‪ Piaget‬بالمونولوغ‬
‫ان يشحون تعليمات لطفل آخر حيث سيتم‬ ‫ر‬
‫للتحقق من هذه الفرضية الحظ ‪ Piaget‬أطفاال يف المستوى ما قبل اجر ي‬
‫غب قادر عىل التموقع يف مكان الطفل‬‫تقييم مدى استيعابه للتوجيهات فوجد أن الطفل المسؤول عن تبليغ الرسالة ر‬
‫أكب من اعتمادهم عىل ذكرياتهم لحل‬ ‫مبارس ر‬
‫ر‬ ‫اآلخر‪ .‬يعتمد األطفال يف هذه المرحلة عىل ما يسمعون ويرون بشكل‬
‫كب‪.‬‬
‫الن يواجهونها وهذا بسبب أحادية الب ر‬‫المشاكل ي‬
‫وه مرحلة وسط ربي االرتباط التام باإلدراكات‬ ‫الحدش ي‬
‫ي‬ ‫التفكب‬
‫ر‬ ‫الثان يظهر‬
‫ي‬ ‫يف المرحلة الثانية من المستوى‬
‫المنطف‪ .‬لتوضيح معالم هذه المرحلة قدم ‪ Piaget‬المهمات التالية لألطفال‪:‬‬
‫ي‬ ‫والتفكب‬
‫ر‬ ‫الحسية لألشياء‬

‫سنتي وضع أقراص حمراء بنفس قدر أقراص زرقاء فإنه سيضع أقراصا بنفس‬ ‫ر‬ ‫عندما نطلب من طفل عمره‬ ‫‪‬‬
‫طول السلسلة الزرقاء دون االكباث لعددها‪ .‬لكن طفل ر‬
‫أكب شيئا ما يبدأ يف وضع األقراص الزرقاء واحدة‬
‫حي أنه يف سن ‪ 6‬سنوات إذا قدمنا سطرين من‬ ‫بواحدة‪ ،‬أي أنه يعتمد مبدأ (بقدر‪ :‬واحدة بواحدة)‪ .‬يف ر‬
‫أكب عدد من األقراص فإنه‬
‫مختلفي وطلبنا منه أي سطر يضم ر‬
‫ر‬ ‫بطولي‬
‫ر‬ ‫األقراص يضمان نفس العدد ولكنهما‬
‫سيعب عن ذلك بالسطر األطول‪.‬‬
‫ر‬

‫‪12‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬

‫غب شفاف‪ ،‬ثم‬ ‫التواىل وتمر من خالل أنبوب ر‬


‫ي‬ ‫نضع ‪ 3‬أقراص بألوان مختلفة (أحمر‪ ،‬أزرق‪ ،‬أصفر) يف محور عىل‬ ‫‪‬‬
‫نطلب منه ترتيب خروج األقراص من الجهة الثانية لألنبوب‪ ،‬نالحظ إجابات صحيحة‪ ،‬لكن إذا طلبنا منه‬
‫تعرف ترتيب خروجها من نفس الجهة فإنه سيبدد‪ .‬أما إذا قمنا بقلب المحتوى ‪ 282°‬فإن األطفال من ‪ 4‬إىل ‪7‬‬
‫سنوات لن يكونوا قادرين عىل اإلجابة بشكل صحيح‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫تختف بعد اختفاء األقراص داخل األنبوب‪:‬‬


‫ي‬ ‫نزي ح أقراص عىل محور يف ترتيب محدد حن‬
‫‪ ‬ما هو ترتيب خروجها من ‪2‬؟‬ ‫داخل األسطوانة‬
‫‪ ‬ما هو ترتيب عودتها من ‪0‬؟‬
‫‪ ‬إذا قمنا بقلب األسطوانة ما هو ترتيب خروجها؟‬

‫كب واالنتباه إىل أن ظاهرة ما يمكن أن‬


‫يج من أحادية الب ر‬‫يبدأ الطفل عموما خالل هذه المرحلة يف التخلص التدر ر ي‬
‫أكب تعقيد‪.‬‬‫تأثر عليها عدة عوامل‪ ،‬مما يؤهل الطفل إىل االنتقال لمستوى ر‬

‫‪ -3-0‬مستوى العمليات الملموسة (من ‪ 7‬سنوات إىل ‪ 22‬سنة)‬

‫تعن هنا رصورة‬


‫يكون الطفل يف هذه المرحلة قادرا عىل انجاز عمليات مرتبطة بأشياء ولكن عبارة ملموسة ال ي‬
‫يعن أن موضوع العمليات هو أشياء معروفة حسيا أو متخيلة‪ .‬أما التعامل مع‬‫لمس ومناولة هذه األشياء ولكن هذا ي‬
‫المواىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫المواضيع المجردة لن يكون إال يف المستوى‬

‫األوان وكمية السائل)‪ ،‬فعندما نقدم للطفل‬


‫ي‬ ‫الن يتعرف عليها الطفل هم مبدأ ‘‘االحتفاظ‘‘ (تجربة‬ ‫أهم المبادئ ي‬
‫متشابهتي ونقوم بتحويل إحداهما إىل شكل آخر‪ ،‬نالحظ أن الطفل لن يكون قادرا عىل إدراك أن‬ ‫ر‬ ‫عجي‬
‫ر‬ ‫قطعن‬
‫ي‬
‫متساويتي (احتفاظ المادة)‪ ،‬لكن عند بلوغه ‪ 1‬أو ‪ 22‬سنوات يتمكن من ذلك‪ .‬من هنا نستنتج أن‬ ‫ر‬ ‫القطعتي ظلتا‬
‫ر‬
‫الن تطرأ عليها األشياء‪.‬‬
‫األطفال يدركون بالتدري ج خصائص عالمهم والتحوالت ي‬

‫‪13‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬

‫‪ -4-0‬مستوى العمليات المجردة أو اإلجراءات الصورية (من ‪ 22‬سنة إىل ‪ 29‬سنة)‬


‫ر‬
‫المبارس والحارص أمام المراهق‪،‬‬ ‫غب المرتبطة بالواقع‬
‫يمب هذه المرحلة هو االنتقال من حل المشاكل ر‬ ‫أهم ما ر‬
‫الماض أو المستقبل‪ ،‬وذلك بتوظيفه لمبدأ جديد هو االنتقالية (أ = ب ‪،‬‬
‫ي‬ ‫حيث إنه قادر عىل فهم العالقات ربي وقائع يف‬
‫ب = ج ‪ ،‬إذن أ = ج)‪ ،‬أي أن الخصائص يمكن أن تنتقل من موضوع إىل آخر‪.‬‬

‫التفكب الصوري‬
‫ر‬ ‫تابعي إلدراكهم الخاص لألشياء‪ ،‬لكن عندما يدخلون إىل مستوى‬‫ر‬ ‫قبل المراهقة يكون األطفال‬
‫تفكب خالص ومستقل عن الفعل‪ ،‬أي يصوغون فرضيات ويستخلصون نتائج‬ ‫ر‬ ‫يصبحون قادرين عىل االنخراط يف‬
‫ويفهمون نظريات عامة وتركيبها لحل مشكالت ما‪ ،‬إنها مرحلة النضج الفكري‪.‬‬

‫ينته هنا (منتصف المراهقة)‪ ،‬لكن يف الواقع يرى ‪ Piaget‬أن البنية المعرفية‬‫ي‬ ‫المعرف‬
‫ي‬ ‫قد يظن البعض بأن النمو‬
‫ه‬‫والخبات الدراسية والمهنية ي‬
‫ر‬ ‫والنهان‪ ،‬فتجارب الحياة‬
‫ي‬ ‫قد أصبحت مكتملة النمو لكنها ليست ممتلئة بالشكل التام‬
‫أكب تعقيدا‪ ،‬إذن فهناك فرق ربي الفكر يف مرحلة المراهقة والفكر يف مرحلة‬ ‫الن تعمل عىل ملء خطاطات إضافية ر‬
‫ي‬
‫سيسب وفق ما‬
‫ر‬ ‫النضج يتمثل أساسا يف اآلثار المتبقية من التمركز حول الذات عند المراهق‪ ،‬فهو ال يزال يظن أن العالم‬
‫يريد وكيف يظن‪ ،‬لهذا فهو ال يقبل ترصفات اآلخرين (الجيل السابق) لهذا فهو ينتقد الواقع وينتظر مستقبال خياليا‪ ،‬لكن‬
‫الخبات وانخراطه يف األنشطة الدراسية والمهنية‪.‬‬
‫تواىل ر‬ ‫ر‬
‫هذا التصور رسعان ما يتالش مع ي‬
‫خاتمة‬

‫والتعليىم‪،‬‬
‫ي‬ ‫ر ي‬
‫البيداغوج‬ ‫تأثبها سيكون عىل المستوى‬
‫يتضح من خالل هذا العرض الشي ع للنظرية البنائية أن ر‬
‫حن ‪ Piaget‬اقبح تطبيقات عملية لنموذجه‪ .‬عموما يمكن اجمال مساهمات المدرسة البنائية يف الحقل الببوي يف‬
‫النقط التالية‪:‬‬

‫‪ ‬اختيار األهداف التعليمية‪ :‬لم يعد دور المدرسة تعليم أحداث ومفاهيم معينة أو اقباح حلول لمشكالت ما‪ ،‬بل‬
‫المعرف‬
‫ي‬ ‫التفكب يف مرحلة ما‪ .‬لذلك سيتعلم الطفل أمورا ليس نظرا لمحتواها‬ ‫ر‬ ‫هدفها تعزيز النمو األمثل لنمط‬
‫بل لدورها يف بناء مفاهيم أساسية‪.‬‬
‫الن سيقوم بها الطفل وفق مستوى النضج‬ ‫البامج التعليمية‪ :‬حيث يتم تنظيم األهداف والمهام ي‬ ‫‪ ‬تنظيم ر‬
‫وف‬
‫فف مادة الرياضيات مثال سيتعامل يف المستوى األول مع مهام فيها بعد واحد‪ ،‬ي‬ ‫المعرف الذي بلغه‪ ،‬ي‬
‫ي‬
‫ر‬
‫وف المراحل المتقدمة سيواجه وضعيات فيها أكب من‬ ‫بعدان‪،‬‬ ‫فيها‬ ‫يتداخل‬ ‫مقادير‬ ‫بي‬ ‫يقارن‬ ‫الموالية‬ ‫المرحلة‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫بعد وذات طبيعة مجردة‪ .‬كما أنه لن يدرس مفاهيم الكتلة والحجم والسببية والشعة دفعة واحدة بل سيتم‬
‫ر‬
‫الشء الذي سيتحكم يف اختبار المواد الدراسية الصالحة‬ ‫الن يكون الطفل فيها‪ .‬ي‬ ‫ترتيبها حسب المرحلة العمرية ي‬
‫األخالف – السببية – االحتفاظ‪...‬‬
‫ي‬ ‫لكل مستوى‪ :‬فهم األعداد – الحكم‬
‫‪ ‬منهجية التدريس‪ :‬تحول المدرس مع النظرية البنائية من حامل للمعرفة إىل موجه لها‪ ،‬ومنه قد أصبح دوره‬
‫حن يصلوا إىل المستوى الصوري (التوازن)‪.‬‬ ‫اقباح أنشطة للتالميذ تقودهم نحو بناء مستوى أعىل ي‬
‫وف حرصه لمهارات فكرية‬ ‫كثبة خصوصا يف مسألة خطية النمو الصارم‪ ،‬ي‬ ‫إال أن هذه النظرية ستعرف انتقادات ر‬
‫معينة يف مرحلة ما‪ ،‬وهذا ما سيعرف بالكفاءات المبكرة عند الرضيع‪.‬‬

‫نهائ‬
‫تركيب ي‬
‫الحش أو من حدسه البسيط كدوران‬ ‫ي‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فأجاب عن بعضها انطالقا من إدراكه‬
‫ي‬ ‫حبت ظواهر عدة الفكر‬‫ر‬
‫ر‬
‫الشمس حول األرض ألنه يمكن التنبؤ بمكان رسوقها وغروب ها‪ ،‬وكسقوط األشياء الصلبة ألنها أثقل من الهواء ‪ ...‬إال أن‬
‫كالبق والمطر والحقد‪ ...‬لكن اإلنسان‬ ‫اإلنسان فربطها بقوى سحرية وخارقة ر‬
‫ي‬ ‫العديد من الظواهر ظلت عصية عىل الفهم‬
‫الشء الذي سيتأن له‬ ‫ر‬
‫عقالن‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫تفكب‬
‫ر‬ ‫بتبن‬
‫حاول منذ ‪ 3222‬سنة التحرر من سلطة ما هو سحري وخارق للعادة وذلك ي‬

‫‪14‬‬
‫مدخل إلى علم النفس‬ ‫المدرسة العليا للتربية والتكوين‬
‫األستاذ نبيل شكوح‬ ‫تخصص الفلسفة الفصل األول ‪0200 / 0202‬‬

‫كبى وحلت‬
‫أخبا عن طريق العلم الذي سيعرف أوجه يف القرن ‪21‬م‪ ،‬مما سيحدث ثورات فكرية أجابت عىل أسئلة ر‬
‫ر‬
‫ر‬
‫حبت الفكر البشي‪.‬‬‫ألغاز غامضة ر‬

‫الن تدرس الظواهر الطبيعية‬


‫ظهرت العلوم واستقلت عن الفلسفة تباعا‪ ،‬لكن ما كان سهال عىل العلوم ''الحقة'' ي‬
‫لم يكن متاحا بنفس السهولة عىل دراسة اإلنسان‪ ،‬والذي ظل ميدانا فلسفيا بامتياز‪ ،‬فكان أمام هذا المبحث (دراسة‬
‫موضوع‪ ،‬للتأكد من صحة الفرضيات والوقوف‬
‫ي‬ ‫اإلنسان) البحث عن مناهج تسمح له بمقاربة الظاهرة اإلنسانية بشكل‬
‫اإلنسان وإن كانت اخبالية‪.‬‬
‫ي‬ ‫قواني تفش الواقع‬
‫ر‬ ‫عىل‬

‫هذه القفزة النوعية يف دراسة اإلنسان دشنتها أبحاث قام بها علماء كانت غايتهم االنتقال من دراسة الواقعة‬
‫اإلنسانية عن طريق التأمل إىل الدراسة التجريبية للظاهرة اإلنسانية‪ ،‬حيث كانت البداية مع ‪2822( Gustav Fechner‬‬
‫الحش من خالل‬
‫ي‬ ‫المثب عىل مقدار اإلدراك‬
‫ر‬ ‫تأثب شدة‬
‫– ‪ )2887‬الذي حاول ايجاد عالقة ربي المادة والحس بدراسة ر‬
‫الوع‪ .‬كما‬
‫ي‬ ‫مختب لعلم النفس اهتم فيه بدراسة‬ ‫ر‬ ‫معادلة حسابية‪ .‬أسس فيما بعد تلميذه ‪ )2102 – 2830( Wundt‬أول‬
‫أن ‪ )2121 – 2892( Hermann Ebbinghaus‬هو أول من طبق منهجا تجريبيا لدراسة الذاكرة‪.‬‬

‫متناقضتي‪ ،‬فاإلنسان‬
‫ر‬ ‫بواقعتي‬
‫ر‬ ‫الن تدرس الظاهرة اإلنسانية‪ ،‬واصطدمت‬ ‫توالت فيما بعد الدراسات واألبحاث ي‬
‫الشء الذي أدى إىل ظهور‬ ‫ر‬
‫اجتماع متأثر بالوسط‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫من جهة ''أنا'' مستقل ومختلف عن اآلخرين‪ ،‬ومن جهة أخرى كائن‬
‫مختلفتي للظاهرة اإلنسانية‪ ،‬ثم ظهور تخصصات جديدة كاللسانيات والتاري خ‬ ‫ر‬ ‫كمقاربتي‬
‫ر‬ ‫علم النفس وعلم االجتماع‬
‫واألنبوبولوجيا واالقتصاد والسياسة‪ ...‬مما جعلنا نتكلم عن العلوم اإلنسانية بالجمع وليس بالمفرد‪.‬‬

‫هذا التعدد ليس ربي التخصصات فقط بل نجده حن داخل نفس التخصص‪ ،‬فعلم النفس عىل سبيل المثال‬
‫الشء الذي يضعنا أمام‬ ‫يعرف العديد من النظريات الن تحاول كل منها إعطاء مقاربة خاصة للظاهرة النفسية‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫يعن رصورة التعامل مع الظاهرة اإلنسانية‬
‫يعن االختالف بينها تضارب يف المواقف بقدر ما ي‬
‫فسيفساء من المقاربات‪ ،‬ال ي‬
‫الن تحاول اإلحاطة بها من زوايا مختلفة‪.‬‬
‫المناظب ي‬
‫ر‬ ‫بنوع من تعدد‬

‫‪15‬‬

You might also like