You are on page 1of 4

‫جامعة ابن طفيل – كلية العلوم اإلنسانية و اإلجتماعية– القنيطرة‬

‫مجزوءة ‪:‬دينامية المجاالت الريفية ‪ -‬الفصل الثالث جغرافية – األستاذ عبد الصادق بلفقيــه‬

‫إشكاليات التنمية البشرية بالمجاالت الريفية ‪:‬‬ ‫‪2-3‬‬


‫‪ 2-3-1‬مفهوم التنمية البشرية‬
‫ظهر مصطلح '' التنمية البشرية'' حديثا في سياق تطور الفكر التنموي و كان لبرنامج األمم المتحدة‬
‫اإلنمائي السيما من خالل تقاريره السنوية عن التنمية البشرية دورا بارزا في نشر و ترسيخ استعمال هذا‬
‫المصطلح خاصة منذ ظهور أول تقرير حول التنمية البشرية سنة ‪.1990‬‬
‫يمكن القول ‪-‬باختصار شديد‪ -‬أن المفهوم الذي كان سائدا طيلة القرن ‪ 20‬والى غاية بداية التسعينات‪،‬‬
‫هو مفهوم التنمية الذي لم يكن مفهوما شامال وموحدا بل كان يتعدد بتعدد المقاربات التي تناولته‪.‬فالمقاربة‬
‫االقتصادية تعتبر أن التنمية هي الزيادة السريعة في اإلنتاج لرفع مؤشرات الناتج الداخلي الخام والمقاربة‬
‫االجتماعية على خالف المقاربة اإلقتصادية تعتبر أن التنمية هي تغيير اجتماعي يستهدف الممارسات‬
‫والمواقف بشكل أساسي ‪.‬‬
‫هذا االختالف في المفاهيم ساد لفترة طويلة ‪،‬جاءت بعدها محاوالت إلدماج هذه المفاهيم بعضها مع‬
‫بعض الستخراج مفهوم شامل ‪،‬و هو نقاش ساد فترة الخمسينات و الستينات من القرن الماضي وتبلور‬
‫بشكل واضح خالل الثمانينات والتسعينات‪.‬‬
‫ظل االعتقاد السائد لدى معظم دول العالم أن الثروة المادية هي مصدر سعادة اإلنسان و تقدمه إال أن‬
‫هذا التصور تراجع بشكل ملحوظ في نهاية القرن الماضي بعد أن تأكد أن الثراء المادي ليس وحده كفيل‬
‫بتحقيق األهداف االجتماعية و السياسية و الثقافية لألفراد و المجتمعات ذلك أن حاجات اإلنسان ليست‬
‫كلها حاجات مادية فحسب‪ ،‬فالدين و العلم و األمن و الثقافة و الفن و غيرها حاجات إنسانية كذلك ‪.‬‬
‫تعتبر التنمية البشرية أن البشر هم الثروة الحقيقية لألمم و أن النمو االقتصادي ليس هدفا في حد‬
‫ذاته بل هو وسيلة لتحقيق الرفاه لإلنسان الذي هو محور التنمية‪ .‬بعبارة أخرى فالرأس المال المادي‬
‫ليس وحده كافيا لتحقيق التنمية بل البد من اإلستثمار في رأس المال البشري أي رأس المال الالمادي‬
‫‪ 2-3-2‬بعض مؤشرات التنمية البشرية‬
‫تشير بعض مؤشرات التنمية البشرية إلى األزمة التي تعاني منها األرياف المغربية‪ .‬وتتلخص فيما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬مؤشر االمية‪ :‬الزال مرتفعا بشكل كبير في صفوف السكان القرويين فبالرغم من انخفاضها النسبي‬
‫في العقود األخيرة من ‪ %82‬سنة ‪ 1982‬إلى ‪ %60,5‬سنة ‪ 2004‬فهي الزالت مرتفعة مقارنة‬
‫بالمعدل الوطني (‪ ) 43%‬و هي نسبة ترتفع بشكل واضح في المجاالت الريفية النائية لتتجاوز ‪% 80‬‬
‫كما هو الحال في كل من أسا الزاك ‪،‬طانطان و المناطق الجبلية‪.‬‬
‫يرتبط هذا المؤشر بمؤشر آ خر هو ضعف نسبة التمدرس خاصة في صفوف الفتيات‪ %48‬سنة‬
‫‪ 2004‬العتبارات كثيرة (بعد المدارس و اإل عداديات و غياب مؤسسات االستقبال و ضعف أو انعدام‬
‫الدعم المادي للتالميذ)‬
‫ب‪ -‬مؤشر الفقر‪ :‬تعرف المجاالت الريفية التقليدية في المناطق الجبلية والسهوب حالة من الركود وهي‬
‫في معظمها مجاالت بورية تسود فيها اإلستغالليات الصغيرة وتعتمد تقنيات بسيطة مما انعكس على‬
‫اإلنتاج الموجه أساسا لإلكتفاء الذاتي (زراعة الحبوب ) ‪،‬تعاني هذه المجاالت من إكراهات طبيعية‬
‫(التضاريس والمناخ ) وغياب مشاريع تنموية مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الفقر‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫جامعة ابن طفيل – كلية العلوم اإلنسانية و اإلجتماعية– القنيطرة‬
‫مجزوءة ‪:‬دينامية المجاالت الريفية ‪ -‬الفصل الثالث جغرافية – األستاذ عبد الصادق بلفقيــه‬

‫ترتفع مؤشرات الفقر في األرياف المغربية حيث تتجاوز ‪ % 22‬من مجموع السكان القرويين و تبعا‬
‫لإلحصاء الذي قامت به "وزارة الفالحة" خالل سنة ‪ 1996‬تشكل الساكنة التي لها مدخول ضعيف ‪5,7‬‬
‫مليون نسمة أي حوالي ‪ % 43‬من الساكنة القروية ‪.‬هذه اإلحصائيات رغم قدمها النسبي ‪،‬فإنها تشكل‬
‫أرضية لتحليل هذا الموضوع باعتبار أنها كانت شاملة أي أنها شملت مجموع السكان القرويين كما أنه‬
‫منذ سنة ‪ 1996‬لم تتغير األوضاع كثيرا في العالم القروي‪.‬‬
‫هناك دراسات أخرى تشير أن ‪ %70‬من الفقراء يعيشون بالعالم القروي و ‪ %30‬من الساكنة‬
‫القروية تنفق ‪ 3000‬درهم سنويا و هو ما يقارب عتبة الفقر التي حددتها المنظمات الدولية‪.‬‬
‫ت‪ -‬مؤشر التجهيزات العمومية ‪ :‬إذا استثينا القطاعات السقوية الكبرى كالغرب ودكالة وسوس وتادلة‬
‫فإن باقي المجاالت القروية تعاني من عزلة واضحة بسبب نقص التجهيزات األساسية (الطرق‪-‬الماء –‬
‫الكهرباء – التعليم –الصحة ) ارتفاع األمية في حين تعرف المؤشرات الديموغرافية ارتفاعا مهما ‪.‬‬
‫ما يالحظ هو أنه حسب إحصائيات سنة ‪ 2004‬فإن نسبة التزويد بالماء الصالح للشرب لم تكن‬
‫تتجاوز ‪ %37,8‬سنة ‪2004‬و ‪ %43,2‬بالنسبة للكهرباء و ‪ % 2,9‬التطهير السائل ‪ ،‬يضاف إلى هذا‬
‫ضعف شبكة المواصالت القروية مما يؤدي إلى عزلة كثير من المجاالت الريفية ‪.‬‬
‫ث‪ -‬مؤشرات أخرى‪ :‬من المؤشرات األخرى نذكر ضعف نسبة التأطير الصحي و التغطية الصحية و‬
‫ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الفئات النشيطة و ضعف الدخل الفردي بسبب سيادة الزراعات البورية‬
‫و المعاشية(مؤشرات اقتصادية )‬
‫هذه المؤشرات التي تميز واقع التنمية البشرية بالمجاالت الريفية هي نتيجة لبطء وتأخر تدخل الدولة‬
‫لتنمية المجال الريفي تنمية شاملة ولسوء تدبير الشأن العام من طرف المنتخبين بالجماعات المحلية‬
‫القروية و أيضا لتعاقب سنوات الجفاف مما يزيد من حدة األزمة و يشجع على الهجرة القروية‪.‬‬

‫‪ 2-3-3‬ما هي أ شكال تدخل الدولة لمعالجة واقع التنمية البشرية داخل المجال الريفي المغربي ؟‬
‫وضعت الدولة مجموعة من البرامج الموجهة لتنمية المجال القروي الهدف منها فك العزلة عن‬
‫العالم القروي و تحسين مستوى عيش الساكنة ‪،‬وبالرغم مما تحقق في السنوات األخيرة في مجاالت‬
‫مختلفة فإن ضخامة الحاجيات تحتاج إلى مجهود كبير وإلى مشاريع مندمجة لتنمية المجال واإلنسان‪.‬‬
‫المالحظ أن البرامج التنموية المنجزة أو التي هي في طور اإلنجاز حديثة انطلقت منذ أواسط التسعينات‬
‫من القرن الماضي ومعظمها برامج قطاعية‪.‬‬
‫‪ ‬برامج التنمية االقتصادية ‪ :‬وتضم برنامج التنمية المندمجة للمجال الريفي سنة ‪ 1994‬و‬
‫المخطط التوجيهي تدبير و حماية موارد األراضي البورية و برنامج اإلستثمار الفالحي‬
‫بالمناطق البورية و البرنامج الوطني لمكافحة التصحر و أثار الجفاف‪.‬‬

‫‪ ‬برامج التنمية االجتماعية‪ :‬وتهدف إ لى تحقيق التنمية االجتماعية عن طريق دعم التمدرس و‬
‫محو األمية و بناء المستوصفات القروية و إنجاز أوراش تضامنية لخلق فرص الشغل‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫جامعة ابن طفيل – كلية العلوم اإلنسانية و اإلجتماعية– القنيطرة‬
‫مجزوءة ‪:‬دينامية المجاالت الريفية ‪ -‬الفصل الثالث جغرافية – األستاذ عبد الصادق بلفقيــه‬

‫‪ ‬المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (سنة ‪2005‬م)‪ :‬و هي مشروع تنموي وطني يسعى إلى‬
‫تحقيق األهداف التالية ‪:‬‬
‫التصدي لل عجز االجتماعي باألحياء الفقيرة سواء بالجماعات القروية أو الحضرية‬ ‫‪‬‬
‫األشد خصاصا‪(.‬محاربة الهشاشة )‬
‫تشجيع األنشطة المدرة للدخل‪ (.‬تنشيط اإلقتصاد اإلجتماعي)‬ ‫‪‬‬
‫العمل على اإلستجابة للحاجات الضرورية لألشخاص في وضعية صعبة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬برامج التجهيزات األساسية ‪ :‬و تتضمن مجموعة من البرامج ‪:‬‬


‫للشرب‬ ‫‪ ‬برنامج التزويد الجماعي للسكان القرويين بالماء الصالح‬
‫( ‪PAGER=(Programme d approvisionnement groupé en eau potable des populations rurales‬‬
‫سنة ‪ 1995‬تم وضع هذا البرنامج بعد سنة من إعداد المخطط المديري الوطني لتزويد‬
‫العالم القروي بالماء الشروب بمساعدة برنامج األمم المتحدة للتنمية ‪ ،‬يهدف هذا‬
‫البرنامج إلى تعميم الماء الشروب بالوسط القروي إلى نسبة ‪ %80‬من الساكنة القروية‬
‫في أفق سنة ‪2010‬م بعدما كانت نسبة التزويد قبل الشروع في البرنامج ال تتعدى‬
‫‪%14‬هذه النسبة وصلت حسب االحصائيات الرسمية إلى ‪ %93‬سنة ‪2012‬م (التزويد‬
‫بالنافورات العمومية)‬
‫اإلجراءات ‪ :‬طلب الجماعة المعنية وتحضير مشروع اتفاقية مع المكتب – عقد دورة‬
‫للمصادقة عليه‪ -‬مساهمة الدولة ‪ -% 80‬الجماعات ‪ -% 15‬السكان ‪%5‬‬
‫(‪)PNRR=Programme national des routes rurales‬‬‫‪ ‬البرنامج الوطني للطرق القروية‬
‫سنة ‪ :1995‬يهدف هذا البرنامج إلى فك العزلة عن العالم القروي و يتضمن ثالث‬
‫مراحل ‪:‬‬
‫‪ -‬البرنامج الوطني األول للطرق ما بين ‪2005-1995‬‬
‫‪ -‬البرنامج الوطني الثاني للطرق ما بين ‪2012-2005‬‬
‫‪ -‬البرنامج الوطني الثالث للطرق الذي انطلق سنة ‪2012‬و هو خاص بالمناطق‬
‫الجبلية‪.‬‬
‫تمويل هذه البرامج يتم بشراكة بين الدولة والجماعات المحلية و صندوق تمويل الطرق‪.‬‬
‫‪ ‬برنامج كهربة العالم القروي‪)PERG =Programme d électrification rurale globale :‬‬
‫سنة ‪ :1996‬في سنة ‪ 1975‬تم تشكيل لجنة وزارية مشتركة للكهربة القروية غير أن‬
‫هذا المشروع لم ينجح بسبب مشاكل التمويل و في سنة ‪ 1996‬تم وضع برنامج واقعي‬
‫للكهربة القروية الذي يهدف إلى توسيع تزويد الساكنة القروية بالكهرباء و قد وضع له‬
‫‪3‬‬
‫جامعة ابن طفيل – كلية العلوم اإلنسانية و اإلجتماعية– القنيطرة‬
‫مجزوءة ‪:‬دينامية المجاالت الريفية ‪ -‬الفصل الثالث جغرافية – األستاذ عبد الصادق بلفقيــه‬

‫كهدف في البداية تزويد ‪ 1,5‬مليون مسكن في أفق ‪ 2010‬أي بمعدل ألف قرية سنويا‬
‫ابتداءا من سنة ‪ 1999‬تم اإلسراع في وتيرة اإلنجاز بمعدل ‪ 1500‬قرية سنويا‪.‬‬
‫(مساهمة الدولة عن طريق م و ك م ص ش ) ‪ -%55‬الجماعات المحلية ‪-%20‬‬
‫السكان ‪)% 20‬‬
‫‪ ‬اإلستراتيجية الخاصة لتنمية العالم القروي في أفق سنة ‪2020‬‬
‫‪Stratégie 2020 du développement rural au Maroc‬‬ ‫‪‬‬
‫في سنة ‪1999‬وضعت استراتيجية ‪2020‬من طرف وزارة الفالحة و التنمية القروية و هي‬
‫نقط ة تحول في السياسة الوطنية اتجاه المجال القروي حيث يالحظ ألول مرة األخذ بعين‬
‫اإلعتبار األبعاد اإلجتماعية و البيئة لمواجهة مشاكل العالم القروي باإلضافة إلى التنسيق األفقي‬
‫للبرامج القطاعية المتعددة تحت إشراف وزارة الفالحة و التنمية القروية الجهاز الحكومي‬
‫المسئول بشكل شبه حصري عن المجال القروي‪ .‬ومن أهداف خذه اإلستراتيجية ‪:‬‬
‫‪ ‬تنمية اإلنتاج الفالحي‬
‫‪ ‬الرفع من فرص الشغل والمداخيل في النشاط الفالحي‬
‫‪ ‬الحد من تدهور الموارد لطبيعية‬
‫‪ ‬الرفع من المستوى التربوي والتكوين المهني‬
‫‪ ‬تحسين التجهيزات والخدمات لتحسين مستوى عيش السكان‬
‫‪ ‬معالجة اإلختالالت الجهوية‬
‫الخالصة أ نه بالرغم من أهمية المنجزات التي تم تحقيقها خالل السنوات األخيرة في ميادين الطرق‬
‫القروية و التجهيزات األساسية من صحة و تعليم و ماء و كهرباء فإن ضخامة الحاجيات و نسبة العجز‬
‫المسجل في إ عداد المجال القروي يتطلب مخططا جديدا مندمجا للتنمية القروية يضم كل هذه المخططات‬
‫القطاعية المنفصلة (المخطط األخضر‪ .‬الطرق‪ .‬الماء‪-.‬الكهرباء)‬
‫يمكن القول أن هذه البرامج نجحت إلى حد ما في تحديث الفالحة السيما في القطاعات السقوية إال أنها لم‬
‫تحدث تغييرا نوعيا في مستوى عيش المواطن القروي رغم توظيف إمكانيات هائلة ما نتج عنه تعميق‬
‫الفوارق االجتماعية والهوة بين المدن والقرى ‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like